[10/168]
ومن المجموعة : قال عبد الملك : وإذا وضعه على يدي قببض لربه من عبده/أو أجيره وكاتبه ، فإن كان شيئا يرهن بعضه فليس بحوز ، وإن رهن جميعه فذلك حيازة ، إلا في عبده ، قال : وحوز عبد الراهن ليس بحوز ، كان مأذونا أو غير مأذون .
قال اصبغ في العتبية فيمن ارتهن حائطا فجعل على يد المساقي فيه أو الأجير فيه ، فليس برهن حتى يجعل على يد غير من في الحائط .
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم عن مالك : ومن أرهن حائطا له فيه مساقاة ، فليجعل المرتهن مع المساقي رجلا يستخلفه ، أو يجعلاه على يد من يرضياه به ، فإن على يد المساقي أو أجير له في الحائط ، فليس برهن حتى يجعلاه بيد غير من في الحائط .
ومن المجموعة : قال عبد الملك : والوليان لا تتم الصداقة بحيازة أحدهما ، ولو كان حقا على أحدهما ، فلا يتم فيه الحوز برهن أو غيره حتى يجعله على يد الآخر ، لأن الولاية لهما ، فلا بد من حيازتهما ، ولا يحوز المرء عن نفسه .
في رهن المشاع
من كتاب ابن المواز : قال فيمن له نصف عبد أو نصف دابة : لم يجز أن يرهن حصته إلا بإذن شريكه ، وكذلك كل ما لا ينقسم لأن ذلك يمنع صاحبه بيع نصيبه ، وإن أذن له جاز ذلك ، ثم لا رجوع له ، قيل : فكيف الحوز فيه ؟ قال : أما ابن القاسم فيقول : يحل المرتهن فيه محل الراهن في الحوز ، وقال أشهب وعبد الملك : لا يتم فيه الحوز إلا بأن يجعل جميعه على يد الشريك ، قال
[10/168]
***(1/165)
[10/169]
أشهب : أو يد غيرهما ، أو بيد المرتهن ، فإن لم يرض الشريك بهذا فالرهن منتقض فيما يزال به من عبد أو دابة وسيف .
قال أشهب/في المجموعة : إلا أن يكون ثيابا تحمل القسمة فتقسم ، وتضم حصة الراهن بيد المرتهن أو بيد أمين ، قال في الكتابين : وأما الدار والحمام فإن أبى مما ذكرنا فليحل المرتهن فيه محل الراهن مع شريكه في الكراء والقيام بما يليه ، فتكون حيازة ، وهذا قبض فيما لا يزال به .
وقال في المجموعة وكتاب ابن المواز : قال ابن القاسم وأشهب : ولو أن الراهن لنصف الدار اكترى نصف شريكه لم يفسخ الكراء فإن أقره المرتهن حتى سكن الدار ، فسد الرهن ، وله منعه من السكنى حتى تقسم الدار حتى يحوز المرتهن حصة الراهن .
وقال أشهب : للمرتهن منع الراهن من سكنى ما اكترى ، أو القيام به إن لم يسكنه حتى يجعل ما اكترى على يدي من الرهن على يديه ليتم الحوز شاء أو أبى .
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز : قال عبد الملك : قال ابن المواز وغيره من أصحاب مالك : ولو جعلت مصابة الراهن من الدار على يد الشريك فذلك حوز ، ثم رهن منه الشريك نصيبه جعل ذلك بيد الراهن الأول فحازه بطل الحوز في الحقين .
ولو جعل حق الراهن الثاني بيد أجنبي ، قال ابن المواز : وبيد المرتهن لو يجز الحوز فيه ، لأن بيد راهنه نصف الدار غير مميز وأما حق الأول فهو رهن محوز .
[10/169]
***(1/166)
[10/170]
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية في دار بين زيد وعمرو ، وفأرهن نصيبه في دين عليه وجعله بيد عمرو ، فسكن عمرو جميع الدار يؤدي كراء حصة زيد فذلك جائز ، وهو رهن محوز . ... ... ... الرهون 2
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة : ومن رهن دارا أو عبدا أو ثوبا فاستحق نصفه فإنه يكون كمن رهن نصف ذلك على ما ذكرنا ، قال أشهب : أما في الدار ولما لا يزال به فليكن ذلك على يد المرتهن أو المستحق ، وأما ما يزال به فإن حيازة ذلك حوز المرتهن جميعه ، فإن أبي المستحق قسم ما ينقسم ، وحاز المرتهن ما دفع للراهن ، وبيع ما لا ينقسم يأخذ المرتهن مصابة الراهن من الثمن معجلا من دينه إن بيع بمثل الدين من دنانير أو دراهم ، ولأن إيقاف الثمن ضرر فلا منفعة فيه ، وإذا كان حقك دراهم فبيع بدنانير أو بغيرها ، فلك إيقاف ذلك إلى الأجل ، وكذلك لو كان حقك دنانير فبيع بدراهم أو بغير ذلك ، ولو أنه أرهنك النصف ثم أراد بيع النصف الذي لم يرهنك فليس ذلك له حتى يتم الأجل ، يريد : فيما لا ينقسم ، وإنما ذكرنها في المجموعة في الثوب ، قال : فإذا حل الأجل فبيع ذلك كنت أحق بنصف الثمن في دينك ، ويحاصص بباقيه .
قال أشهب : وإن كان نصف الثوب لشريك الراهن ، وقد كان سلم له ما رهن ، فأراد الشريك بيع جميع الثوب فليس له ذلك ، إلا إلى الأجل ، لأنه سلم لك الرهن ، ولكن له بيع نصيبه على أن يبقي جميعه بيدك إلى الأجل ، وكذلك لو كانت على يد الشريك فأراد الشريك بيع نصيبه على أن يكون جميعه بيده كما كان فهو جائز ، وإن لم يدن حلول الأجل ، وليس كمن باع شيئا يقدر على دفعه على أن لا يدفعه/إلى مدة ، يريد : فلا يجوز ، وأما في الرهن فيجوز عندي ويصير في ضمان المشتري ، قال ابن ميسر : لا فرق بينهما ولا يجوز .
[10/170]
***(1/167)
[10/171]
ومن كتاب ابن المواز : ويجوز للرجل أن يرهن نصف الدار ، وهي كلها له ، وكذلك نصف الأرض ، فيقوم بذلك المرتهن مع الراهن جميعا ، يكريان جميعا أو يحوزان أو يضعانه على يد غريهما ما لم يكن الموضوع على يديه قيما للراهن من عبد أو أجير ، وأما رهن الجميع فيجوز إلا على يد عبده .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم عن مالك فيمن رهن نصف دار ، أو نصف دابة ، أو نصف ثوب فذلك جائز ، وقبضه أن يحوزه دون صاحبه .
قال أشهب : ولا حيازة فيه إلا بقبضه كله على يديك أو بيد من يرضيان به .
في ارتهان الدين وحيازته
من كتاب ابن المواز : قال مالك : وارتهان الدين جائز ، وإذا دفع إليه وذكر الحق وأشهد له فهو حوز في الرهن والصدقة ، وهو أحق به في الموت والفلس ، وإن لم يكن فيه كتاب ذكر حق ، فإذا جمع بينهما وأشهد فهو حوز .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم والمجموعة : قال مالك : ومن أقرض رجلا مالا على أن يرهنه دينه على فلان ، فرهنه إياه ، وأشهد على ذلك فهو حوز تام وكان أمرا قويا .
قال ابن القاسم في المجموعة : وإن لم يكن فيه ذكر حق وأشهد على ذلك فهو حوز تام فلا باس بذلك .
وقال أيضًا ابن القاسم : إذا لم يكن فيه ذكر حق لم يجز إلا أن يجمع بينهما ، وإذا كان فيه ذكر حق جاز ، وإن لم يجمع بينهما بذلك ،/ودفع ذكر الحق وأشهد .
[10/171]
***(1/168)
[10/172]
ومنه ومن العتبية : روى سحنون عن ابن القسام فيمن له عليك دين مؤجل ، فبعت منه سلعة بثمن مؤجل ، وارتهنت منه دينه الذي عليك ، فإن كنت بعت منه إلى أجل دينه أو إلى دونه فذلك جائز ، وإن بعتها منه إلى أبعد من أجل دينه لم يجز ، لأن بقاء دينه بعد محله رهنا عليه كالسلف ، فهو بيع وسلف ، وكذلك لو كان دينه قد حل عليك فاشترطته رهنا في ثمن سلعتك إلى أجل ، دخله : بيع وسلف إلا أن يدفع ذلك بيد عدل إلى محل أجل الدين ، وهذا تفسير قول مالك .
ومنه ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم قال : وإذا كان عليك دين لرجلين فرهنتهما ذكر حق لك على رجل على أ أحدهما مبدأ فيه أول ما تقتضي فذلك جائز ، وله شرطه إذا جمع بينه وبينهما ، وذكرنا في باب ضمان الرهون في الرهن يهلك بيد المرتهن ، أن دينه لا يكون رهنا في قيمة الرهن ، وما أشبه هذا .
ومن المجموعة : قال غيره : ومن واجر نفسه من رجل سنة بدينار يأخذه عند السنة ، فتسلف الأجير دراهم ، وارتهنه الدينار الذي له في الإجارة : أنه مكروه ، ولا أراه رهنا ، وكل عطاء يخرج من الأمان إلى أهله ، فارتهنه رجل في بيع أو سلف فليس برهن ، وما كان من عطاء يخرج إلى العرفاء فذهب معه إلى عريفه فأقر عنده ، وأشهد له ، وأمره بدفع عطائه إليه ، فالمرتهن أولى من الغرماء ، وهذا حيث يخرج العطاء لا شك فيه .
[10/172]
***(1/169)
[10/173]
في الرهن من يلي عقد كرائه ؟ وكيف إن أكراه من الراهن أو ممن هو بسببه ؟ وما يبطل الحيازة من هذا وشبهه ؟
/قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : وللمرتهن أن يكري الرهن ، وأحب إلي أن يستأمر الراهن إن حضر ، فإن لم يؤامره مضى لك إذا اجتهد ولم يحاب ، فإن حابى ضمن المحاباة وتم الكراء ، وإن لم يحاب فعجل الراهن الدين وطلب فسخ الكراء فليس له ذلك إذا كان بلا وجيبة ، وإن كان أكراه بوجيبة فللراهن فسخه ، وإن كان أجلا دون أجل الدين .
قال أصبغ : إن كان الوجيبة إلى أجل الدين فدون ، فليس للراهن فسخه ، وإن كان إلى أبعد من أجل الدين ، فإذا تم أجل الدين فله فسخ ما زاد عليه ، وإذا كان الدين حالا لم أحب أن يكرى بها بوجيبة طويلة جدا ، فإن أطال أجلها لم يلزم الراهن إذا عجل الدين .
قال ابن الماجشون : وإذا ترك المرتهن أن يكري الدار حتى حل الدين ، فأنكر ذلك عليه الراهن الآن فله مقال ، لأن عقد الكراء إلى المرتهن ، فإن كانت دارا لها قدر ولكرائها خطب مثل دور مصر ومكة في الموسم وغيره ، فقد تعدى في ترك كرائها ، ويضمن كراء مثلها كان الراهن حاضرا أو غائبا ، ما لم يكن يراها مغلقة فلا ينكر ، وكذلك العبد المخارج النبيل الذي إنما ارتفع ثمنه لخراجه يدعه لا يكذبه فهو ضامن لأجر مثله ، وإذا لم يكن الأمر على هذا ، وقد يكون ما ليس له كبير كراء ، ومثل ما قد يكري وقد لا يكري فلا يضمن في مثل هذا . قال أصبغ : لا يضمن كان ذلك ما كان ، ولو أمره بإكرائها ولم يفعل لم يضمن ،/ولو
[10/173]
***(1/170)
[10/174]
كان وكيلا على الكراء فترك ذلك لم يضمن ، إلا أن يكون شرط اطراد الغلة في حقه فهذا يضمن على ما قال ابن الماجشون ، وبهذا قال ابن حبيب .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : وإذا أكرى الراهن الدار بأمر المرتهن خرجت من الرهن ، وقال هو وأشهب : وكذلك في العيب أو البئر أو حصة من شرب بئر أو عين ، فللمرتهن منعه إن يسقي به وأن يكريه ، وإذنه له في ذلك خروج من الرهن ، وإن كان المرتهن عقد الكراء بأمر الراهن لم يخرج من الرهن ، وإن لم يأمره رب الماء بالكراء فليس له أن يكريه ، قال أشهب : هذا في ارتهانه أصل البئر ، وأما في ارتهانه الماء بعينه وكان بيعه إياه أغرر لثمنه لحار البئر إذا أميج فللمرتهن بيعه شاء الراهن أو أبى ، وإن كان ذلك كله يجتمع في البئر ، فليس لك بيع حتى يحل حقك ، وكذلك إن ارتهن إجارة العبد مع العبد فله أن يؤاجره بغير إذن ربه .
[وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم أن للمرتهن أن يكري الرهن بغير إذن ربه] علم أو لم يعلم .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك ، وهو في كتاب ابن المواز ، قال : إن المرتهن يلي كراء الرهن ، ويؤاجره إن كان عبدا بإذن الراهن ، أو يكريه من وضع عليه يديه بإذن ربه .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك : قال سحنون فيمن بيده كرم رهن ، فإذا حل إبان حفره فأتى ربه بحفار ، قال : لا يحضر حفره ولا يأتي بحفار ، وإنما يأتي به المرتهن/وهو يأمره بالحفر ومن حيث يبدأ ، وكذلك حرث الأرض .
[10/174]
***(1/171)
[10/175]
قال ابن المواز : واجتمع ابن القاسم وأشهب على أن الراهن إذا أكرى الرهن بأمر المرتهن فقد خرج من الرهن ، وهو كقبضه له ، ولكن يكريه المرتهن .
قال ابن القاسم : وكذلك في العارية له عندي .
قال أشهب : هو في العارية خارج من الرهن ، وإن كان أعاره المرتهن بأمر الراهن .
قال محمد : ورواية ابن عبد الحكم عن مالك أن من وضع على يديه الرهن أولى بكرائه من صاحبه ، وليس لصاحبه فيه أمر ، فإن طلب أجره في قيامه بالرهن ، فإن كان مثله يطلب الأجر فذلك له .
في العبد الرهق يأبق أو يستحق ، وفي الراهن يحدث في الرهن حدثا ، هل يحاز أو يفلس ربه ؟ والراهن يريد كونه بيد أجنبي ، وفي العدل يموت
من كتاب ابن المواز : وإذا أبق العبد الرهن فأخذه راهنه ، فقام غرماؤه وقام المرتهن . وقال : مني أبق ، فقال : المرتهن أحق به إن حازه قبل إباقه ، إلا أن يعلم المرتهن بقبض ربه له فتركه حتى قام غرماؤه فيكون اسوتهم .
قال أشهب : وإذا رد الرهن المرتهن إلى ربه لعارية أو إجارة ، فليرد إلى المرتهن إن طلبه قبل يفوت الرهن بعتق أو تدبير أو حبس ، أو بموت ربه ، أو يقوم غرماؤه ، أو ببيعه ، ولو كان عديما فإنما ينقض لعدمه عتقه وتحبيسه وشبهه ، فأما البيع فلا يرد ، ولا يعجل من ثمنه الدين ، ويبقى إلى أجله ،/ولا يوضع له لأنه يرده وكما لو باعه قبل حيازة المرتهن له وهو فرط ، وقد تقدم نحو هذا في الباب الأول .
[10/175]
***(1/172)
[10/176]
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم قال : وإذا لم يقبض الرهن من الراهن حتى أحدث فقيه حدثا ، فكل ما فعل فيه من بيع ، أو وطء أو عتق ، أو هبة ، أو صدقة ، أو عطية أو غير ذلك ، فذلك نافذ إن كان مليا ويعجل منه الحق ، وإن كان معدما لم ينفذ من ذلك إلا الأمة يطؤها فتحمل ، أو البيع فينفذ ، ويرد العتق ، والحبس والعطايا ، ولو فلس الراهن قبل يحاز كان المرتهن أسوة الغرماء ، ولو قام قبل الحوادث والتفليس فطلب حيازته فهي له بذلك أن يجعله على يدي المرتهن ، أو على يد من يرضيان به إن كره كونه بيد المرتهن ، ولم يكن شرط ذلك المرتهن في أصل الرهن ، وكذلك كل رهن يشترط في بيع أو سلف ، ولم يشترط قبضه ، وللمرتهن القيام بالحيازة على ما ذكرنا ، ومن ارتهن رهنا وكتب أنه قد قبضه ولم يقبضه حتى باعه الراهن ، فبيعه نافذ .
ومن المجموعة عن ابن القاسم وأشهب ذكر نحو ما تقدم ، وأنه إذا اشترط رهنا في بيع أو سلف ثم افترقا قبل قبضه ، فلا يفسخ ذلك الرهن ، وله القيام بقبضه ما لم يفلس الراهن ، أو يبيعه فينفذ بيعه ، وإن كان رهنا بعينه ، لأنه تركه له حتى بيع كالتسليم ، قال أشهب : وكذلك لو شرطت رهنا بغير عينه ، فأعطاك ما فيه ثقة ، فأعرته إياه فباعه ، فذلك نافذ من عدمه وملئه ،/ولو أعتقه أو حبسه لجاز ذلك إن كان مليا ، ثم ليس لك عليه رهن غيره لأنه صار كالمعين .
قال أشهب : ويبقى الدين إلى أجله .
قال ابن القاسم : وإذا مات أمين جعل الرهن بيده ، فأوصى إلى رجل فلا يكن على يده ، ولكن على يد من يرضى المتراهنان .
قال أشهب : وعلى الوصي أن يعلمهما بموته ، ثم إن شئتما أقررتماه عنده أو عند غيره ، فإن اختلفتما فيه وفي غيره جعل بيد أفضل الرجلين .
[10/176]
***(1/173)
[10/177]
في الرجلين يرتهنا الرهن ، أو يرهنه أحدهما ، ويرتهن الآخر فضله ، كيف حيازته ؟ وممن ضمانه ؟ وكيف إن حل حق أحدهما ؟
ومن المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب : وإذا ارتهن رجلان رهنا ، فرضي الراهن أن يكون بيد أحدهما فذلك جائز ، ويضمن حصته منه ، وضمان حصة الآخر على الراهن ، قال أشهب : فإن يتراضوا بكونه بيد أحدهما ، جعل بيد أمين ولا يضمناه ، قالا : وإن قبضا من الراهن الثوب الرهن ، ولم يجعله بيد أحدهما ، ضمناه ، ويجعلانه بيد من أحبا ، ولو جعلاه بيد أمين لضمناه .
قال ابن القاسم : ومن رهن رهنا بدين عليه لرجل ، ثم تسلف منه مالا آخر على أن يكون الرهن به رهنا ، فذلك جائز ، ولو رهن فضله من رجل آخر جاز إذا رضي المرتهن الأول ، فإن لم يرض لم يجز ، وقاله مالك ، وهو قول أشهب ، قال ابن القاسم : ثم إن ضاع عند الأول بعد ذلك وهو مما يغاب عليه ، ضمن منه الأول مبلغ حقه ، وهو في الباقي أمين .
ومن العتبية وكتاب ابن المواز : روى أشهب/عن مالك : أنه إذا رهن الثاني فضلة رهن الأول على أن الأول مبدأ عليه ، فحل أجل ( الآخر قبل أجل ) الأول ، فكان الأول لم يعلم أن حق الثاني يحل قبله قيل لم يعلم ، قال : فليباع الرهن ثم يعجل للأول حقه قبل يحله ، ويعطي الثاني ما فضل في دينه ، ومن كتاب محمد ، وقاله أشهب ، وقال : وهذا إن بيع بدراهم وحق الأول دراهم ، قال محمد : أو بيع بدنانير ، وحق الأول دنانير ، أو بيع بقمح وحق الأول قمح مثله ،
[10/177]
***(1/174)
[10/178]
فأما إن بيع بعرض ، وإن كان مثل الدين الذي له عليه ، أو بيع بدنانير ، وله عليه دراهم ، أو بيع بطعام مخالف لما له عليه ، فإنه يوضع له رهنا بيده إلى حلول حقه ، قال سحنون في المجموعة : سواء علم الأول أن حق الثاني يحل قبله أو لم يعلم ، فإنه إن بيع بمثل حقه فليجعل له ، قال في موضوع آخر : إلا أن يكون حقه طعاما من بيع فيأبى أن يتعجله فذلك له ، وإنا قال في مسألة الراهن يطأ الجارية الرهن تعديا وباقي هذه المسألة في باب الرهن يستحق موعبا .
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية فبمن رهن رهنا إلى سنة ، ثم أرهنه لآخر إلى شهر برضى الأول ، يريد : فضلة ، ثم حل الشهر وطلب الغريم الثاني حقه ، فإن لم يكن في الرهن فضل لم يبع إلى الأجل الآخر ، وإن كان فيه فضل بيع الآن يتعجل للأول حقه ، وأخذ الثاني ما فضل .
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن رهن حائطه في عشرة دنانير ، ثم رهن نصفه عند آخر في عشرة دنانير بإذن الأول ، ثم قضى للأول حقه ، فأراد أن يرهن نصفه الذي/فداه من الأول عند آخر ، فذلك له .
وقال فيمن عليه مائة دينار لرجل ، فرهنه دارا على أن له من ثمنها ، فرهنه ما جاوز مائة دينار ، وبها مبدأ بالمائة ، قال : لا يجوز هذا الرهن ، وذكر هذه المسألة ابن المواز عن مالك فقال : إذا مات الرهن أو فلس فغرماؤه أولى بمائة دينار من ثمنها الذي استثنى لنفسه .
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم عن مالك : ومن رهن رهنا وجعله بيد غير المرتهن ، ثم رهن فضله للآخر فلا يجوز ذلك إلا أن يرضى الأول فيجوز ، ويبدأ الأول ثم للثاني ما فضل .
[10/178]
***(1/175)
[10/179]
قال أصبغ : ومن رهن رهنا وجعله بيد غير المرتهن جاز أن يرهن فضله لآخر شاء الأول أو أبى إذا علم بذلك الموضوع على يديه كائن من كان ليتم الحيازة لهما ، وقيل عن مالك حتى يرضى الأول ، والقياس ما قلت لك ، إذ لا ضرر على الأول إذ هو مبدأ وقال أشهب : وفي باب الرهن يستحق تفسير لسحنون .
في الرهن يرهن فضله ، ويحل حق الآخر ، هل يباع الرهن بخلاف حق الأول ؟
قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم عن مالك فيمن له رهن أنه لا يرهن فضله عن آخر إلا برضى الأول .
قال أصبغ : وما أدري ما حقيقة ذلك ، وقال أشهب : ذلك له رضي الأول أو سخط ، لأنه لا ضرر عليه إذ هو المبدأ به .
قال ابن حبيب : إنما أراد مالك برضى الأول ليتم الحوز للثاني ، وإذا لم يرض له لم يتم الحوز للثاني ، ولا تكون الفضلة له رهنا ، وهو أسوة الغرماء في التفليس ، وباقي ذكر ضمان الرهن برهن فضلة لآخر في باب ضمان الرهن ، والله الموفق برحمته .
في ولد الرهن ، وغلته ، وثمرته ، ومال العبد هل يدخل في الرهن معه ؟ وكيف إن شرط أن يأخذ حقه من الغلة ؟
من كتاب ابن المواز ، ونحو في المجموعة : قال مالك : من رهن عبدا لم يكن ماله رهنا معه إلا أن يشترطه ، فإن اشترطه لم يكن ما أفاد بعد رهنا لأنه غلة . قال في كتاب ابن عبدوس : ولا ما وهب له ، قال في الكتابين : إلا أن يربح في المال الذي شرط فيكون كماله وغلة الرهن من دار وعبد وحائط لا يكون رهنا ، وما ولدت الأمة بعد الرهن فرهن معها ، قال مالك : وإن شرط أنه ليس برهن معها لم يجز ذلك .
[10/179]
***(1/176)
[10/180]
قال ابن القاسم وأشهب : وليس صوف الغنم ولا سمنها ولا غلتها رهنا ، قال ابن القاسم : إلا أن تكون قد تم صوفها يوم رهنها ، وقال أشهب : تم أو لم يتم هو كله له ، كلبن في ضروعها ، وكثمرة مزهية أو مأبورة في النخل يوم رهن النخل ، فوافقه ابن القاسم في اللبن والثمرة المزهية ، ورواه عن مالك .
ومن كتاب ابن المواز : والعبد الرهن له جارية فإن لم يشترط أنها في الرهن معه فله وطؤها وكذلك أم ولده وإن كان شرط أنها رهن معه فذلك انتزاع لها ولا يطؤها .
قال مالك : ولو زوج عبده لأمته ثم رهنهما أو رهنها وحدها ، فللعبد أن يطأها .
قال مالك : وإن شرط المرتهن أن يأخذ الغلة في دينه ، فإن كان في أصل بيع لم يجز ، وإن كان في القرض فجائز .
قال ابن القاسم : أو رهنه بعد تمام البيع بهذا الشرط كان جائزا . قال محمد : هذا ترك من ابن القاسم لأصله إذا كان لم يكن له ما يوفيه/من الغلة ، لأنه خاطره لما رهنه على أن يؤخر الحق عن أجله إلى مجيء الغلة ، أو يتعجله قبل أجله بحلول الغلة ، وأما إن كان لا يزال الحق عن أجله إن تأخرت الغلة بشرط وكان عين فذلك جائز ، وأما إن شرط إلا يوفيه إلا من الغلة على ما ذكر فقد تخاطرا ، ولو رهنه ثم شرط ذلك لكان جائزا إذا لم يشترط تأخير ذلك إلى بعد الأجل .
قال مالك : ولد الأمة الرهن الذي هي به حامل وما تلد بعد الرهن رهن معها بخلاف تمر النخل ، وإن أتمرت بعد الرهن ، لأن النبي عليه السلام جعل الثمرة المأبورة للبائع ، ولا يختلف عندنا أن الأمة إن بيعت حاملا أن الولد للمبتاع ، ولو شرط في الرهن أنها رهن دون ما تلد لم يجز ذلك .
[10/180]
***(1/177)
[10/181]
ومن المجموعة عن مالك قال : ومن أمر الناس أن ترتهن الثمرة دون الأصل ولا يرتهن الجنين دون الأم ، وليس الولد كالثمرة . قال ابن القاسم وأشهب عن مالك في كل رهن له غلة فلا تكون الغلة رهن إلا أن تشترط فتكون رهنا إلى محل الحق وكذلك في ثمرة النخل وكذلك إن كانت يوم الرهن فيها ثمرة مزهية ، أو مأبورة أو غير مأبورة ولم تدخل في الرهن إلا بشرط .
قال أشهب : والغلات من ثمرة وغيرها لا تكون للمستحق ويكون له ما ولدت الأمة .
قال مالك : ومال العبد لا يكون رهنا إلا بشرط فيجوز وإن كان مجهولا ، وهو يجوز في ضمه مع البيع فيكن في الرهن .
رهن مالا يجوز بيعه من تمر لم يبد صلاحه ، وشبهه
ويجوز ارتهان مال العبد دونه ، فيكون له معلومة ومجهولة يوم الرهن إن قبضه ، ولا ينفرد منه البيع لأنه غرر في المعاوضة ولا/غرر في الرهن إنما له غنمه .
قال أشهب : ولا يكون ما وهب للأمة الرهن رهنا معها ، وإن اشترط مالها رهنا ، وأما ما ربحت في المال المشترط رهنا معها فيكون رهنا ، كما أن من أوصى بوصايا فلا تدخل فيما لم يعلم به من ماله ، وتدخل فيما علم في أرباح ما علم مما يربح فيه يريد : ربه فيه قبل موته أو بعده .
قال : قال مالك : ومن رهن الدار بشرط أن يكريها ويأخذ كراءها في حقه فلا يجوز هذا ، قال أشهب : إذا حقه غير حال ، قال ابن القاسم : قال مالك : إن شرط ذلك في أصل بيع لم يجز ، ويجوز في القرض ، وكذلك لو رهنه على هذا بعد عقده البيع .
قال أشهب : وإن ارتهنت مصابة رجل من رقبة بئر فغلة البئر للراهن يأخذه ، ولو ارتهن بعينه كانت غلة البئر كله كل أن تأخذها من حقك إن
[10/181]
***(1/178)
[10/182]
كان من قرض ، وإن كان إلى أجل ، وأما من بيع فليكن ذلك بيد من الرهن على يديه إلى محل دينك ، ولا يتعجله بغير إذن الراهن لما اتقي من الذريعة أن تكون لما بعتها على أن تأخذ من الماء حقك قبل أن يحل وأنك لا تدري متى يصل إليك حقك .
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك : والي على يديه الرهن فليدفع غلته وكراءه وتمر النخل إلى الراهن وليس للمرتهن إبقاؤه بيده .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لرجل : أبيعك سلعتي بمائة دينار ، وترهني غلامك أتقاضى من خراجه درهما كل يوم ، فما نقص فعليك تمامه ، فذلك جائز ، ولو لم/يشترط هذا في البيع ثم تبرع له أن يأخذ من خراجه درهما كل يوم ، فذلك جائز ما لم يرد المرتهن العبد على سيده بذلك .
قال عيسى : وأما في السلف فهذا كله جائز .
قال ابن القاسم : وغلات الرهان للراهن حتى يشترط أن تكون رهنا ، ولا يجوز أن يشترط في البيع أن يتقاضى الثمن من الغلة لأنها تقل وتكثر في السلف ، وليس للراهن أن يفعل ذلك إلا بإذنه وعلمه ، وإن لم يشترط الغلة في رهنه ، لأنه حاز الرهن هو أو من جعل على يديه ، ولو كان للراهن أن يعامل في الحائط من أحب ، ويكري الدار ويؤاجر العبد لأبطل الحوز بإذنه أو بغير إذنه ، والمرتهن يلي ذلك .
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن ارتهن نخلا ، قال : فالعسل للراهن مثل ثمرة النخل ، يريد : ولا يكون في الرهن .
[10/182]
***(1/179)
[10/183]
في رهن الولد دون الأم أو الأم دونه
ومن العتبية : روى أشهب عن مال فيمن ارتهن أمة دون ولدها الصغير ، فذلك جائز ، ويباع معها فيكون أولى بحصتها من الثمن ، وهو في الفاضل أسوة ، وكذل في هبة الجارية دون ولدها فجائز ، ولا يباعها إلا جميعا .
قال في سماع ابن القاسم : ولو أرهن الولد الصغير ويخرج بالأم إلى بلد للخدمة والاستمتاع فلا خير في ذلك ، إلا أن يكون قد أثغر .
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أرهن وصيفا له يرضع ، قال : أمه تكون معه في الرهن .
في النفقة على الرهن والقيام به وبإحيائه/وأجرة بيعه ، وكيف إن أنفق عليه المرتهن بأمر ربه أو بغير أمره ؟
وفي المرتهن يطلب في قيامه بالرهن وتقارض الغلة أجرا
من العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم ، ونحو في كتاب ابن المواز قال : وليس على المرتهن عمل الحائط للرهن ، ولا مرمة الدار ، ولا نفقة العبد وكسوته ، اشترط أن الغلة رهن أو لم يشترط ويلزم ذلك الراهن ، وليس له أن يدع الرهن يخرج ويبطل حق المرتهن .
وقال في كتاب ابن المواز : قال مالك : على ربه نفقته ، كما أن له غلته .
[10/183]
***(1/180)
[10/184]
ومن العتبية وغيرها : قال ابن القاسم : قال مالك : وإذا خاف الراهن على الزرع ولم يسلفه المرتهن لإصلاحه فأخذ من غيره ما أحياه به ، فإنه يبدي الذي أسلفه في الزرع على المرتهن . قال غيره في المجموعة : لأنه بذلك حيي ، وليس للأول منعه أن يأخذ من غيره بيعا يحيي به الزرع والعين تفور من النخل ، إذا أبى هو من مبايعته .
قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية : وإذا تهور بئر النخل الرهن فإصلاحها على الراهن ، يجبر على ذلك إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال نظر ، فإن كان بيع بعض الأصل خيرا له بيع منه ما يصلح به البئر ، فإن تطوع المرتهن بالنفقة في إصلاحها فإن رأى أن ذلك خير لرب النخل قيل للمرتهن : أنفق إن شئت وتكون أولى بالنخل حتى تأخذ ما أنفقت لا ينظر إلى قيمة النفقة ، ولا قيمة ما يضع من حجر وغيره ، ولكن يحسب له ما أنفق كالسلف .
قال أشهب في المجموعة : وإذا أبى/الراهن أن ينفق في إحياء الزرع وبئر النخل فأنفق المرتهن فلا تكون نفقته في ذمة الراهن ، ولكن تكون نفقته في الزرع وفي رقاب النخل وتمرها وفي البئر ، فإذا بيع الزرع والتمر أخذت منه ثمنه نفقتك ، وما فضل ففي دينك ، فإن لم يفي ذلك بنفقتك فأنت أولى بماء البئر تنتفع به حتى يعطيك باقي نفقته ويأخذه ، ثم لا طلب له عليك فيما انتفعت به من مائه لأنك كنت ضامنا لمائه ولو غار .
وذكر ابن القاسم نحوه كله فيغور بئر الزرع وبئر النخل إذا أتى الراهن أن ينفق المرتهن ، وكن يخالف بترك النفقة على الزرع والتمر .
ومن المجموعة ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم وأشهب : إذا أنفق المرتهن على الرهن بأمر به فهو سلف ولا يكون في الرهن إلا بشرط أنه رهن ، قال
[10/184]
***(1/181)
[10/185]
ابن القاسم : إلا أن له حبسه بما أنفق وبدينه ، إلا أن يكون على الراهن دين فلا يكون أولى بما فضل عن دينه إلا أن يشترط أن ذلك رهن في النفقة أنفق بإذنه أو بغير إذنه وليس كالضالة ينفق عليها فيكون أولى بها من الغرماء في نفقته ، قال مالك : لأنه لا بد أن ينفق عليها ، وليس عليه ذلك في الرهن لأنه يطلب ربه أو يرفع ذلك إلى الإمام في غيبته .
وقال أشهب : هو مثل الضالة ، والرهن به رهن ، قال : وليس نفقتك على الرهن في ذمته إن أنفقت بغير أمره ، ولكنها في الرهن ، ولا له منعك فيها ، لأنه يهلك إن كان حيوانا أو يخرب إن كان ربعا .
ومن كتاب ابن المواز : من ارتهن/أرضا فأغرم خراجها فإن كانت من أرض خراج رجع به على ربها ، وإن كانت حرة لم يرجع عليه بشيء ، وهي مظلمة نزلت به .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في الرهن في كرى خزنه فقال : أما ما يحوزه المرتهن في منزله مثل العبد والثوب وما لا مؤنة فيه ، فلا كراء فيه ، على هذا أمر الناس ، وأما ماله بال ومثله يحرز فكره في خزنه على الراهن كالنفقة .
وروى عنه أبو زيد في الرهن يحل بيعه ، وصاحبه بعيد من السلطان فلا يوجد من يعبأ ببيعه إلا بجعل ، قال : الجعل على صاحب البيع . ورواها عيسى وأصبغ مثله ، قال عيسى : وما أرى الجعل إلا على الرهن .
ومن سماع ابن القاسم في العتبية وكتاب ابن المواز : قال مالك في الدار الرهن بيد المرتهن يكريها ويلي قبض غلتها ثم يطلب على ذلك أجرا ، فإن كان مثله
[10/185]
***(1/182)
[10/186]
يؤاجر نفسه في مثل ذلك ، فذلك له إن طلبه ، وأما من مثله يعين فليس ذلك له ، وقال في السؤال في كتاب ابن المواز : ممن اشترط الغلة رهنا أو لم يشترطها .
ومن الكتابين : قال مالك : وإذا قال الراهن للمرتهن : أؤاجرك لقبض الخراج والغلة بأجر معلوم فما فضل عن إجارتك فاحبسه فكلما حل من دينك شيء فاقبضه فيه ، فذلك جائز أن يتعجل القضاء إلا لمحله ، ولم يكن في أصل البيع بشرط .
قال أشهب في المجموعة : وإذا مات العبد الرهن فكفنه ودفنه على راهنه .
جامع القول في ضمان الرهان وكيف تقوم ؟/وكيف إن اختلفا في قيمته ؟ وهل يكون الدين رهنا بقيمة الرهن ؟
من كتاب ابن المواز : قال مالك : المرتهن ضامن لما بيده من الرهان التي يغاب عليها من ثياب وحلي وسلاح وشبهه ، ولا يضمن ما لا يغاب عليه : من رقيق ورباع وشبهه ، وأما ما قامت فيه بينة [مما يغاب عليه] فاختلف فيه قول مالك فأخذ ابن القاسم وعبد الملك وأصبغ بقوله : إنه لا يضمنه وهو أحب إلي .
وقال أشهب بروايته عن مالك : إنه ضامن قال أشهب : وكذلك العارية واحتج بالحديث عن صفوان في عارية السلاح قول النبي عليه السلام : عارية مؤداة ، قال : وقد كان أصل ما أخذه النبي عليه السلام على الضمان ، قال هو وغيره وهو قول مالك فيه وفي المجموعة ولا يضمن مالا يغاب عليه وهو مصدق فيه هلاكه وفي إباق العبد وهروب الدابة ، وأما في الموت فيصدق إلا أن يظهر كذبه بدعواه ذلك بموضع لا يعلم أهله ذلك ، ولو قيل : ماتت دابة لا يعلم لمن هي
[10/186]
***(1/183)
[10/187]
زاد في المجموعة : فيصفونها إن عرفوا الصفة أو لا يصفونها فيقبل قوله : إنها هي ويحلف قال : ولا يصدق في ذلك فيمن يسأل إلا العدول ، ويصدق في هروب الدابة وإباق العبد قال أشهب : إلا أن يزعم أن الدابة انفلتت منه في جماعة من الناس أو كابره العبد فتسأل الجماعة عنه فلا يقولون ذلك ، فلا يصدق إلا أن يكون الذي اؤتمن عليهم غير عدول فلا يصدقون والقول قوله فيما لا يغاب عليه .
قال محمد/ابن المواز : وهذا مذهب مالك وأصحابه فيما لا يغاب عليه وقد كان أصل ما أخذه عليه على غير ضمان فلا يضمنه حتى يتبين فيه كذبه ، قال محمد : وكذلك ما يغاب عليه أصل أخذه على الضمان حتى يتبين فيه صدقة بالبينة على هلاكه وهو قول أشهب .
ومن كتاب ابن المواز : قال : قلت : ففي أي موضع يكون الرهن بما فيه إن ضاع ؟ قال : فيما يغاب عليه ولا يعلم له قيمة ولا صفة ، ولا بقول الراهن ولا يكون المرتهن ، ولا بقول غيرهما فهذا لا طلب لأحدهما على الآخر وإن كان القياس يقتضي أن تجعل قيمته من أدنى الرهون وقد ذكر لي ذلك عن أشهب ولكن الذي قلت لك هو قول جماعة العلماء ، وأشهبه بما روى عن النبي عليه السلام : الرهن بما فيه ، قال أبو الزناد : وفي الحديث : إذا عميت قيمته ، قال : ولو شرط فيما يغاب عليه ألا يضمنه وأن يقبل قوله فيه فقال ابن القاسم : شرطه باطل وهو ضامن لأن ذلك خلاف السنة . وقال الرقي عن أشهب : شرطه جائز وهو مصدق وكذلك في العارية .
قال مالك : والزرع في الأرض والثمرة في رؤوس الشجر مما لا يغاب عليه في تصديق المرتهن في هلاكه .
[10/187]
***(1/184)
[10/188]
قال ابن حبيب : قال أصبغ : إذا هلك الرهن وجهل المرتهن صفته ووصفه الراهن فليحلف فإن نكل بطل حقه وكان الرهن بما فيه .
ومن المجموعة : روى ابن وهب عن مالك : وإذا هلك بيد المرتهن ما يغاب عليه فاختلفا في قيمته وصفه المرتهن وحلف على ذلك وعلى ماله فيه ثم قوم ، فإن كان فيه فضل أخذه إلى الراهن وإن كان نقصا حلف الراهن على ما سمى وبطل عنه ما زاد على قيمة الرهن/فإن نكل ودى ما زاد على قيمة الرهن وإن قال المرتهن : لا علم لي بقيمة الرهن حلف الراهن على صفته وكان له ما قال إن جاء بما لا يستنكر وإن قال [المرتهن] قيمته ثلاثة دنانير وقال الراهن : عشرين دينارا والحق عشرة فليحلف المرتهن : ما كانت قيمته أكثر من ثلاثة دنانير وسقط من الحق بقدرها فإن نكل حلف الراهن على عشرين وأخذ عشرة .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في الرهن يبيعه المرتهن تعديا فيفوت ويجعل الراهن والمرتهن صفته وقيمته واختلفا على ذلك ولا بينة بينهما وقد اتفقا على أن المرتهن يحلف على ما باع به الرهن ويجعل ذلك ثمنه .
ومنه ومن المجموعة : قال : ولو ادعى عليك رجل حقا فرهنته به رهنا ثم تصادقا على أنه لم يكن قبلي شيء وقال : هو ضامن للرهن .
قال أشهب : ولو كان الرهن حيوانا لضمنه عندي إذا أقر أن دعواه باطل لأنه كالغاصب وكذلك روى سحنون عن أشهب في العتبية قال : ومن لك عليه دين وله بيدك رهن فرهنته الدين ثم ضاع الرهن عندك فإنك تضمنه قاله ابن القاسم وأشهب ، قال أشهب : وترجع فيما وضعت من حقك لأنك لم تضع
[10/188]
***(1/185)
[10/189]
لتتبع بقيمة الثوب فتقاصه بقيمته ، فإن بقي عندك فضل وديته ، فإن كان دينك أكثر فلا شيء لك فيه .
ومن العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم : وقال مالك في الساج الرهن يتآكل من السوس وشبهه ، قال : لا يضمن ويحلف : ما ضيعته ولا أردت فساده وإن كان أضاعه ولم ينظر في أمره حتى أصابه فيشبه أن يكون فيه شيء .
وروى عنه/يحيى بن يحيى وعن من سألك سلفا وأتاك برهن فقبضته وودعته إلى غد تسلفه فهلك الرهن عندك قبل غد فأنت ضامن إذ لم تأخذه إلا بمعنى لاستيثاق لا للأمانة عليه . وذكر ابن حبيب عن أصبغ مثله ، وقد قال ابن القاسم عن مالك فيمن طلب رجلا بدينار له عليه فأعطاه دراهم حتى يصارفه بها فضاعت ، أنه ضامن . قال : قلت له : فالذي يأتي إلى الصانع بشيء يستعمله فيه فيقول : دعه عندك حتى أرجع إليك فيتلف عنده قال : هو ضامن له لأنه لم يقبضه على الأمانة .
[وذكر أشهب عن مالك في ضياع المثال عند الصانع يعمل عليه ، أنه يضمنه لأنه لم يقبضه على الأمانة] .
وأخبرنا عبد الله بن مسرور عن عيسى بن مسكين عن سحنون أنه لا يضمن في المثال ولا في الكتاب يكتب منه ، وإنما يضمن ما يعلم فيه صنعته .
قال ابن حبيب : قال أصبغ : ومن دفع إلا خراز خفين ليعمل ساقا في أحدهما قال : لا يضمن إلا الذي استعمله فيه وكل ما قبضه على وجه الارتهان
[10/189]
***(1/186)
[10/190]
وإن لم يكن رهنه ، أو على وجه الاستعمال فيه وإن لم يكن استعمله فيه أو على وجه الابتياع وإن لم يكن باعه منه فهو ضامن .
ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم : وإنما يضن المرتهن قيمة ما ضاع عنده مما يغاب عليه من حلي وثياب وغيره قيمته يوم ضاع لا قيمته يوم ارتهنه وقال في موضع آخر : إذا هلك الرهن الذي يغاب عليه فإنما يضمنه قيمته يوم ارتهنه وإن تداعيا في الحق والرهن قائم روعيت قيمته يوم يتداعيان فيه .
قال ابن الحبيب : قال أصبغ : إذا باع المرتهن الرهن وقال : أذن لي الراهن في ذلك وأنكر الراهن وهو مما يغاب عليه/فليحلف الراهن إن لم تكن بينة ويلزم المرتهن لا أكثر من الثمن الذي باعه به أو فمن قيمته يوم باعه [إن قامت له] ، على صفته يوم البيع بينة وإن لم تقم بينة فعليه الأكثر من الثمن أو قيمته يوم باعه على صفته التي كان عليها يوم ارتهنه إلا أن يقر المرتهن أن صفته يوم باعه كانت أفضل من صفته يوم ارتهنه فيلزمه الأكثر من قيمته يوم باعه أو الثمن .
وعن رجل رهن رهنا وأقامه بأربعة دنانير فضاع فتلك القيمة تلزمه إلا أن يكون قصر في قيمته أو زاد فيه فترد إلى قيمته إذا علم بذلك .
ومن استعار ثوبا ليرهنه بعشرة دنانير فرهنه بها فضاع فليضمنه المرتهن للراهن ويضمنه الراهن لصاحبه .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم عن مالك : وإذا قامت البينة بهلاك ما يغاب عليه من رهن ووديعة في الضياع من غير تضييع لم يضمن ، ومثله أن يرتهن رهنا في البحر في المركب فتغرق أو يحترق منزله أو يأخذه لصوص منه بمعاينة البينة في ذلك كله .
[10/190]
***(1/187)
[10/191]
قال ابن القاسم وأشهب : وإن ارتهن نصف ثوب أو جميعه فاستحق نصفه ثم ضاع ، فإن كان وضع على يد المستحق أو غيره لم يضمنه المرتهن وإن كان بيد المرتهن حتى ضاع ضمن نصف قيمته .
قال أشهب : كان كله لراهنه أو له فيه شريك إنما يضن ما صار له وثيقة من حقه ولو فلس غريمك ورهنك نصفه فأنت في نصفه أسوتهم .
قال : ومن صرف دراهم بدنانير فأعطى بالدينار رهنا وقبض الدراهم ثم ضاع الرهن فالمرتهن يضمنه ويترادا الفضل .
قال أشبه في غير المجموعة : هو رهن بالأقل من قيمة الدينار أو الدراهم وما زاد فيه أسوة الغرماء .
قالا : وإن استعار عارية يغاب عليه ورهن بها رهنا/فالرهن جائز ومضمون .
قال ابن القاسم : وأما في عارية الحيوان فلا يجوز فيه الرهن ، وقال أشهب مرة : هو رهن ومرة ليس برهن إذن أصيبت الدابة بما يضمنها به فهو رهن وإن كان بأمر من الله تعالى بغير تعديك لم يكن رهنك رهنا إذ لا تضمن ذلك .
قال أشهب : وإن أخذ رهنا بجنين اشتراه في بطن أمه أو ببيع فاسد فالرهن مضمون .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا هلك بيد المرتهن ثم فلس فطلب غرماؤه أخذ الدين من الراهن وليحاصهم بقيمة رهنه وطلب الراهن أن يحبس ما عليه فيما وجب له من قيمة الرهن فقال ابن القاسم : القول قول الغرماء لأن الدين لم يكن
[10/191]
***(1/188)
[10/192]
برهن ، وقال كما قال مالك فيمن له عليك مائة دينار فابتعت منه سلعة بمائة دينار فأفلس أحدهما فلم ير أن الذي لم يفلس أحق بما في يديه .
وقال أشهب : إن الراهن أولى بما عليه من الدين حتى يستوفي قيمة رهنه لأنه كان أولى برهنه فهو أولى بعوضه وإنما بيد كل واحد وثيقة من حقه هذا لولا ما عليه من الدين ما دفع الرهن والآخر لولا الرهن ما رضي ببقاء الدين على غريمه ، قال محمد : وهذا أحب إلينا قال : والوكيل لشراء سلعة لك فنقد عنك ثمنها فليس له حبسها رهنا بما ودى عنك .
ومن رهن عند رجل رهنا ثم رهن فضله لآخر فقال ابن القاسم : لا يضمن الأول منه إلا قدر مبلغ حقه من قيمته وهو في باقية أمين ولا ضمان على الثاني ، وقال أشهب : ضمانه كله من الأول كما لو كان بيد الثاني أو بيد غيره لم يضمنه لأنه للأول وإنما لهذا منه فضلة إن كانت ، وأما لو رهن رجلين فكان على يد أحدهما لم يضمن الذي هو عليه يديه إلا نصفه ./
قال ابن حبيب : قال أصبغ عن ابن القاسم : وإذا جاء المرتهن بالرهن وقد احترق وقال : قد وقعت عليه نار فلا يصدق وهو ضامن إلا أن يقيم بينة أو يكون ما ذكرنا من الاحتراق كان معروفا مشهورا من احتراق منزله أو حانوته فإذا أتى ببعض الرهن محترقا في هذا صدق .
في الرهان والحمالة بالعقود الفاسدة ، وضمان الرهن في ذلك ، وهل تكون السلعة رهنا في بيع فاسد ؟
ومن كتاب ابن المواز : ومن ارتهن رهنا ببيع لا يحل فيتلف فليضمن قيمته ولينقض البيع ويرد الرهن وهو قبل ينقض على شبه الرهن وضمانه ويكون رهنا
[10/192]
***(1/189)
[10/193]
بقيمة السلعة إن كانت أقل من الثمن بخلاف الحمالة ، الحمالة تسقط لو أخذ من الغريم مع الحميل رهنا وأخذه من الحميل في البيع الفاسد ليطلب الحمالة وبقي الرهن رهن حتى ينفصلا ، فإن لزم الراهن في ذلك قيمة أكثر من الثمن لم يكن الرهن رهنا إلا بأقل من الثمن أو القيمة .
ومن له عليك دين لم يحل فسألته أن يؤخرك على أن تعطيه رهنا أو حميلا لم يجز وتسقط [الحمالة متى علم بذلك ، وأما الرهن فيرد إلى ربه وإن أدرك قبل يدخل في الأجل] الثاني فيصير كسلف لا يحل وفيه رهن مقبوض والرهن به ثابت حتى يقضى وأما لو كان الدين قد حل كان لك جائز في الحميل والرهن ، وهذا وما يشبهه في الحمالة مستوعب .
ومن لك عليه دين مؤجل فسألك قبل محله أن تسلفه وتؤخره بالمالين [إلى بعد كل محل الأول بشهر على أن يعطيك بالمالين] رهنا لم يجز ، ولو لم يسألك تأخيرا في الأجل لم يجز ،/فإن نزل وقد فلس الراهن أو مات : فقال بعض أصحابنا : إن نصف الرهن رهن بالمائة الآخرة ويبطل الرهن في نصفه وقلت أنا : بل يكون كله رهنا بالمائة الآخرة كرهن بثمن سلعتين تستحق أحداهما أنه رهن كله بحصة الباقية ، وكالمرأة رهنا بالصداق ثم تطلق قبل البناء فجميعه رهن بنصف الصداق ، فإن قلت : هذا أصله جائز قيل لك : فمن دفع دينارا في دارهم إلى أجل وأخذ رهنا ثم فلس الراهن فالمرتهن أحق بالرهن حتى يأخذ ديناره أو قيمة الدراهم التي رضي بها أقل الأمرين ، ولو أن له دينارا وبيده رهن فقال له قبل
[10/193]
***(1/190)
[10/194]
الأجل : زدني في الأجل وأرهنك رهنا آخر فإن كان الرهن الأول فيه وفاء لا شك فيه مأمون فذلك جائز وإن لم يكن فيه وفاء لم يجز .
ومن العتبية : روى أبو زيد عن ابن القاسم وعمن ارتهن رهنا في سلعة عليه لرجل إلى أجل فأتى الراهن إلى رجل فطلب شراء سلعة منه ليقبضها الرجل ويأخذ رهنه فطلبه التابع حميلا فلم يجد إلا صاحب رهنه فلا ينبغي للمرتهن أن يتحمل عنه بذلك كمالا يبيعه شيئا يرجع إليه قضاء من حقه .
ومن كتاب ابن المواز : ومن باع عبدا أو ثوبا أو دارا واشترط البائع أن ذلك بيده رهنا بقبض ثمنه فلا يجوز ويفسخ البيع ، ولو جعله بيد غيره بهذا الشرط فذلك جائز وهو رهن قاله مالك . ولو اشترى على أن لا يبيع ولا يهب حتى يوفيه حقه إلى أجله أن ذلك جائز ، قال محمد لا أحب ذلك يريد : من الوجهين ، ومن اشترى شيئا لا يدري متى يقبضه لم يجز ذلك ، وذكر ابن حبيب المسألة من أولها فقال : روى ابن وهب عن مالك في العبد أنه لا يجوز .
وروى عيسى وأبو زيد عن ابن القاسم فيمن/له عليك عرض مؤجل رهنته به رهنا فابتعت من غيره عرضا بثمن مؤجل على أن ترهنه رهنك الذي عند الأول يعني ليقضيه الآخر على أن يتحمل بك في الثمن الذي رهنك عنده لم تجز كما لا يجوز أم تشتري منه ما لا ترده إليه قضاء من حقه . أخبرني به أصبغ عن ابن القاسم مثله في العروض والحيوان ، وأما في الدور والأراضين الذي يجوز بيعه وتأخير قبضه إلى أجل ، فذلك جائز فيه ، ويبقى رهنا بيد البائع إلى أجله رهنا محوزا ، ولو وضع الحيوان ولعروض بيد غيره كان جائزا .
[10/194]
***(1/191)
[10/195]
قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم : ومن ابتاع عبدا بيعا فاسدا فعتق عليه وقد فلس البائع فإنه يفسخ ويباع للمتباع في ثمنه يكون أولى به من الغرماء بخلاف لو ابتاعه بيعا صحيحا فرده بعيب لأنه فيه مخير ، ولو رضيه كان لو ، فإذا اختاره رده كان أسوة الغرماء والأول يقضي عليه برده وليس فيه مخير وكذلك قال سحنون : إنه أحق بها في البيع الفاسد ، وقال ابن المواز : لا يكون أ؛ق بها وهو أسوة الغرماء .
قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم : ومن ابتاع بيعا فاسدا على أن يرهن بالثمن رهنا صحيحا أو فاسدا فإنه أحق به من الغرماء لأنه عليه وقع البيع وكذلك إن كان البيع صحيحا والرهن فاسدا كمن قال : إن جئتك بالثمن إلى سنة وإلا فالرهن لك بالثمن فهو أحق بالرهن ، وإذا وقع الرهن فاسدا بعد تمام البيع ولم يشترط في البيع رهنا فلا يكون أولى به لأنه لم يخرج من يده بهذا الرهن شيئا ، ومن اشترط الانتفاع برهن أخذه في سلف فلا يكون أولى به وكذلك الرهن بعد السلف يشترط الانتفاع به ومن باع أو أسلف وأخذ رهنا في أصل البيع وعلى أن يكون/رهنا أيضًا بدين له عليه قبل ذلك فلا يجوز ويكون الرهن رهنا بالبيع الآخر والسلف دون الدين الأول وهو الذي رجع إليه ابن القاسم في المسألة كلها وقاله معه أشهب .
قال مالك فيه وفي العتبية : ومن لك عليه دنانير بآجال مختلفة ، فبعته
[10/195]
***(1/192)
[10/196]
بيعا على أن يرهنك بذلك كله رهنا ويجعل آجالها أجلا واحدا فلا يجوز ، محمد : ويدخله سلف بزيادة وبيع وسلف لأنه أخره بالدين الأول بما زاده في ثمن السلعة .
قال أشهب : ولو كان الأول سلفا وباعه بيعا على أن يرهنه بالمالين ولا يؤخر الأول عن أجله كان جائزا عنده ، ولو كان الأول من بيع فأسلفه سلفا على أن يرهنه بالمال الأول لم يجز وقد كرهه في الوجهين مالك وابن القاسم لأنه لو كان لك دين على رجل إلى أجل فأعطيته دينارا أو حططته منه على أن يرهنك به لم يجزه وكذلك البيع لأنه يضع من ثمن السلعة ليرهنه ولم تسقط أيضًا الحمالة بالجعل والحمالة والرهن فيه سواء وقاله أصبغ وكذلك قوله : أبيعك سلعتي على أن تتحمل لي بثمنها وبديني الأول إلى أجله وكذلك أسلفك على هذا وهو أشر ، وهذا الذي ذكر عن مالك وعن ابن القاسم وحجته كله في العتبية عنهما .
باب ضمان الرهن يستعار ليرهن ، وضمان رهن الكفيل بإذن من كفل عنه أو بغير إذنه
ومن المجموعة : ومن استعار رهنا ليرهنه فتلف بيد مرتهنه غرم قيمته المستعير للمعير وكانت قيمته على المرتهن يوم يطلب/منه ، وإن تلف بيد عدل وضع على يديه لم يضمنه إلا المستعير للمعير يوم طلب منه ، ولو بيعت من يد المرتهن بأمر جائز فإنما يتبع المعير المستعير بمبلغ ما بيع به إن ودى عنه كله ، وإن ودى عنه بعضه وتلف بغيبته بعد أمر السلطان ببيعه فما تلف من ثمنه ربه وله على المستعير ما قضى عنه من ثمنه .
قال أشهب : ومن تكفل بدين أو رهن فيه رهنا بأمر المطلوب وضاع الرهن بيد مرتهنه فليس للكفيل أن يتبع المكفول عنه بقيمة الرهن ولكن يتبعه بمبلغ
[10/196]
***(1/193)
[10/197]
الدين فقط ويرجع على المرتهن بالفضلة ويتبعه بها في عدمه ولا يتبع المكفول عنه لأن المتهم فيه غيره ، وأزيدك أن هذا الرهن لو وضع على يد الذي عليه الحق ما ضمنه إن تلف وما أراه رهنا مقبوضا ، وإن كانت قيمة الرهن أقل من الحق كان له قصاصا من حقه واتبع الذي له الحق الكفيل بما بقي إلى الأجل واتبع الكفيل الذي عليه الحق بقيمة رهنه .
في الذين يوضع على يديه الرهن
هل يضمن ما نقص الرهن أو ما نقص الدين ؟
من كتاب ابن المواز : ومن العتبية من سماع ابن القاسم : وقال في الأمين يوضع على يده الأمة الرهن على أن يضمنها للمرتهن فيقول له : أنا لرهنك ضامن قال : فلا يضمن الموت ولا ما يدخلها من عور وعمى وعيب ينقصها وإنما يضمن ما دخلها قبل الرهن من أمر يبطل رهنه من بيع أو رهن قبل ذلك .
وفي العتبية : أو/رهن وشبه ذلك ومثله ذكر عن ابن حبيب وقال : قال مطرف وابن الماجشون عن مالك : ويحلف أنه لم يضمن إلا حيازته وأن لا يضيع ولا يرجع إلى صاحبه وأنه ما أراد الموت ثم رجع إلى الكتابين الأولين ، ولو قال : أضمن لك كل شيء إلا الإباق والموت لم يلزمه ضمان ما يصيبها من عمى أو عور إلا أن يقول : أنا ضامن لرهنك أو قال : لما نقص من رهنك فإنه يضمن كل شيء إلا الموت والإباق والعور وغيره ، قال سحنون في العتبية : وهذا أحب غلي ، قال ابن المواز : وبه أخذ ابن عبد الحكم وأصبغ .
[10/197]
***(1/194)
[10/198]
قال ابن القاسم وكان عند مالك : قوله : أنا ضامن لما نقص من رهنك أقوى من قوله : أنا ضامن لرهنك ثم قال : يضمن في الوجهين .
قال أصبغ في كتاب ابن المواز ، وكتاب ابن حبيب مثل قول البائع بعد البيع للمبتاع حين استغلى : بع ولا نقصان عليك : أنها إن ماتت أو دخلها عيب فهي من البائع ، وهذا الذي ذكر محمد وابن حبيب عن أصبغ قد ذكر ابن المواز خلافه أنه لا يضمن الموت والعور ، وقد بينا ذلك في البيوع وذكر مثله ابن الماجشون ومطرف .
قال ابن حبيب عن ابن القاسم عن مالك : إذا قال : أنا ضامن لما نقص من حقك أنه يضمن الموت وبه أخذ ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ وقد كان مالك يقول : لا يضمن الموت وإن اشترط هذا عليه وأخذ به ابن عبد الحكم وبالأول أقول .
قال ابن المواز : قال أشهب : إذا ضمن له الرهن حتى يستوفي حقه فمات الرهن أو استحق/أو بيع بأقل من الثمن فهو ضامن ولا يضمن النقصان ، وقال مثله أصبغ في العتبية وقال في النقصان اختلاف .
ومن العتبية قال مالك : وإذا قال الأمين : قد حزت لك رهنك وقبضته فدفع بقوله : إنه ضامن قال ابن القاسم : ضامن لقيمة الرهن .
قال ابن المواز : وإنما يضمن قيمة الرهن يوم رهنه ، فإن بيع بدون ذلك أتمه ولا يضمن تمام الحق .
ومن العتبية : قال مالك : وإذا قال : أنا ضامن لما أصاب العبد إنه يضمنه إن مات قيل : فإن قال : أنا ضامن لما نقص من رهنك قال : ما أحرى أن يضمن والأول أبين .
[10/198]
***(1/195)
[10/199]
قال مالك : ولو قال : أنا حميل لما نقص من رهنك فحل الحق وأمر ببيع الدار الرهن فبعيت بنقص من الحق فأمر بوقف البيع شهرين لطلب الزيادة فطلب الطالب تعجيل تغريم الضامن ، وقال الضامن : حتى تنقضي الشهران لما عسى أن يزاد فيها ، فذلك للضامن .
قال ابن المواز : قال ابن الماجشون : إذا تحمل الموضوع على يديه فاستحق الرهن الأقل من قيمته أو الحق يغرمه حالا كأنه أسلمه إلى راهنه ثم لا يجرع على المديان حتى يحل الحق إلا أن يكون الراهن كان عارفا فتعدى عليه فليرجع عليه بما يؤدي مكانه فإن لم يعلم فلا ، ويحلف الراهن إن اتهم .
ومن العتبية : روى يحيى عن ابن القاسم فيمن ارتهن رهنا على أن يضمن له رجل ما نقص الرهن فحال السوق أو هلك الرهن فإنه يضمن ما أصابه من موت أو مرض أو عطب أو نقص سوق فإنه يضمن جميع الحق يريد : أو ما نقص/عنه .
قال أصبغ عن ابن القاسم : إذا ضمن له كل نقص إلا الموت فمات فينظر إلى قيمته يوم رهنه فإن كانت مثل ما تحمل به فلا شيء عليه ، وإن عجز عن ما تحمل به غرم فضل ذلك للذي تحمل له ، واتبع بذلك الغريم ورجع المرتهن على الغريم بقيمة الرهن ، ولا يلزم الحميل شيء إلا ما نقص الحق عن قيمته يوم ارتهنه ، قال أصبغ : يوم مات وهو القصد في الحمالة ، ولو كان ضمان قيمته يوم تحمل لم يراد الحميل فهو على قيمته يوم يموت حتى يتبين أنه قصد قيمته يوم تحمل .
ومن المجموعة : قال عبد الملك : وإنما ضمن الأمين الرهن ولم يضمن الحق وقبض الرهن فلا ضمان عليه فيه مات أو أبق ، وما فرط في قبضه حتى أفاته الراهن ببيع أو غيره أو قبضه فأضاعه فهلك فليضمنه فيؤخذ منه الأقل من قيمته
[10/199]
***(1/196)
[10/200]
أو الحق ، وإن كان ضمن الحق والرهن غرم قيمة الرهن فإن بقي من الحق شيء وداه الغريم فإن لم يكن عنده شيء وداه الحميل .
قال عبد الملك : وإذا تحمل العبد الرهن ثم أسلمه إلى ربه فباعه أو مات عنده ثم أخذه الطالب من المطلوب من غرمائه بعض حقه وبقيت له من حقه خمسون وقيمته العبد خمسون فطلب أخذها من الحميل فذلك له وكان مثل له قضاه الغريم والعبد بيد الحميل ثم رده إلى ربه كان ضامنا للأقل من بقية الحق أو قيمة جميع العبد وقال : ومن بيده رهن بدينه ثم تحمل لرجل آخر بذلك الرهن ممن له على غريمه دين ثم قال : ضاع عبدي فطلبه الثاني بقيمته وقال الأول : إنما تحملت بقيمته يوم/قبض لمالي فيه من الدين فليحلف ولا يلزمه إلا ما فضل عن حقه فيه يدفعه إلى الطالب الثاني لأن الثاني إنما دخل فيه على أنه رهن بكذا .
في العدل يتعدى فيدفع الرهن الموضوع بيده إلى الراهن أو إلى المرتهن ، وكيف إن تركه بيد الراهن وقد ضمن الرهن والدين ؟ وكيف إن كان أمة فوطئها الراهن ؟
من كتاب ابن المواز : وإذا دفع الموضوع على يديه الرهن إلى ربه بأجرة أو بغيرها بغير إذن رب الحق ثم قال ليرتجعه فذلك له ، فإن فات الرهن بموت أو فلس وقام غرماء الرهن بموت أو فلس وقام غرماء الراهن أو لم يوجد الرهن ضمن الأمين ، وإن حاص الطالب الغرماء فنابه عشرة دنانير وهو نصف حقه وقيمة الرهن عشرة فليرجع على العدل بتمام ما كان يصير له مع الغرماء بعد الذي يصير له من رقبة الرهن ولو لم يسلمه فقد كان لو أخذ ثمن الرهن عشرة فحاصهم بعشرة
[10/200]
***(1/197)
[10/201]
فليأخذ نصف العشرة التي في يده كما أخذ كل غريم نصف حقه ثم انقطع الكلام من كتاب ابن محمد : وإنما بقي إذا ضمن الأمين قيمة الرهن عشرة وأخذها منه وهي نصف حقه فكان يجب له الحصاص بعشرة [فيرد خمسة ويحاصهم فيها بخمسة] فنصيبه منه ديناران إلا ثلث .
ومن المجموعة : قال عبد المالك : وإذا رد الأمين العبد الرهن إلى الراهن فمات عنده فإن العدل يضمنه فليس له حجة بالموت كما أنه لو مات/بيد من اشتراه من الراهن لكان الأمين ضامنا بأول تعديه .
ومن العتبية : روى أبو زيد وعيسى عن ابن القاسم في العدل يرد الأمة الرهن إلى الراهن أو أرسلها إليه فوطئها فحملت فإن كان الغريم مليا أخذ منه الحق معجلا وصارت له أم ولد ، وإن لم يكن له مال غرم الأمين قيمتا يوم الوطء ورجع الأمين على الغريم بما ودى عنه ، وإن لم يكن له مال ولا للغريم بيعت الأمة بعد الوضع فقضى حق الغرماء أو بيع منها حق الغريم إن كان فيها فضل وعتق ما بقي والولد يتبع أباه وهو حر ولا يباع ، وإن لم تحمل وكان يطؤها ففلس فإن كان للأمين مال ضمن قيمتها للمرتهن وكان الأمين أسوة الغرماء فيها وفي غيرها ، قال عيسى : وإن لم يكن للأمين مال فالمرتهن أحق بالأمة وهذا كله إن لم يعلم المرتهن بردها فإن كان علم فلا رهن له . قال : ولو أن الأمين على الرهن ضمن للمرتهن قبضه وحوزه وتحمل له أيضًا بالحق إلى أجله فتركه الأمين عند الراهن فقام المرتهن على حيازة الرهن فقال الحميل : إنما تركته عنده وفقا به وأنا له وللحق ضامن ، فالقول قول المرتهن لما يخاف من فلس الحميل والغريم ويجبر الحميل على
[10/201]
***(1/198)
[10/202]
قبض الرهن ، فإن أبى نزع وجعل بيد غيره والحمالة بالحق كما هي ، قال : ومن رهن عبدا لامرأته برضاها وضمنه رجل للمرتهن إلا في الموت على أنه يعطيه حقه عند الأجل فأقر الحميل العبد عند المرأة على الأجل ثم طلب بيعه فمنعته المرأة إذ لم يقبض عنها واحتج/الحميل بإذنها في رهنه ، قال : يغرم الحميل الحق لأنه حل ، ويرجع به على زوجها لا عليها ، ولو تركه عندها أياما ثم طلب أخذه فله ذلك بخلاف حلول الأجل .
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الموضع على يديه الأمة الرهن فيعيرها للراهن فيطأها فتحمل فليغرم السيد الحق في ملئه ويعجله إلا أن يكون ما عليه طعام أو عرض فيأتي برهن ثقة ، وعن الأمين على الرهن يأتيه صاحب الحق في حلول الأجل في غيبة الغريم فيسأله أن يدفع إليه الرهن لبيعة ويأخذ حقه فيدفعه إليه فيضيع فالأمين ضامن للرهن ولا شيء على الذي ضاع عنده الرهن لأنه مؤتمن يعني أئتمنه العدل الضامن . الرهون 13
ومن المجموعة : قال أشهب في الرجلين يرتهنان ثوبا من رجل فرضي ربه أن يكون بيده وأخذ منهما بعينه فدفعه الذي هو بيده إلى صاحبه فتلف فإنه يضمن جميعه للراهن ولا يضمن الآخر إلا نصفه ويتبع الراهن الأمين بنصف قيمته بكل حال ، وهو مخير في النصف الآخر فإن شاء اتبع به الآخر وانقضى ما بينهما ، وإن شاء أخذه من [الأمين ورجع به] الأمين على صاحبه .
قال سحنون في العتبية : وعن العدل بيده الرهن فيريد سفرا قيل أجل الدين فليرفع ذلك إلى الإمام ليجعله بيد عدل برضاه ، فإذا حل الأجل ولم يقبضه الغريم باعه الإمام ولا يبيعه من جعله الأمين على يديه .
[10/202]
***(1/199)
[10/203]
في الراهن يتعدى على الرهن فيبيعه ، أو يهبه ، أو يعتقه ، أو يدبره ، أو يكاتبه ، قبل يجاز أو بعد ،/وفيمن أعارك رهنا ثم أعتقه ، أو تزوجه ، وكيف إن طلب الراهن بدل الرهن أو أذن له المرتهن في بيعه ؟
من كتاب ابن المواز : قال : وإذا تعدى الراهن فباع الرهن قبل يقبضه المرتهن أو بعد فمختلف فأما بيعه قبل يجاز عنه فالبيع نافذ وإن قرب فات أو لم يفت ، وإن لم يحل الحق فالتمر للراهن يأخذه ولا يعجل للمرتهن حقه ويوضع له رهن مكانه ولا ينفض ما بينهما من بيع أو سلف وقد كان للمرتهن لو لم بيع أن يقوم فيحوزه وهذا كله قول مالك وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك .
قال عبد الملك في المجموعة : كان بيعه بتفريط من وضع على يديه أو بغلبة عليه حتى بيع فالبيع نافذ .
ومن كتاب ابن المواز : وتعديه في العتق كتعديه في البيع عن مالك قبل قبض الرهن أو بعده إن كان مليا ، وقاله ابن القاسم وأشهب ، وقال ابن القاسم في الكتابة : هي كالعتق يمضي ذلك ويعجل للمرتهن حقه إن كان بعد أن قبض الرهن وأما التدبير فإنه يبقى رهنا بحاله بيد مرتهنه لأن المدبر يرهن ، محمد : وكذلك الكتابة مثل التدبير ، وقال أشهب : هما مثل العتق إن كان مليا أخذ منه الحق معجلا إن كان ذلك بعد الحيازة ، فإن كان مليا بقي ذلك بيد المرتهن بحاله ،
[10/203]
***(1/200)
[10/204]
فإن ودي الدين نفذ ما صنع الراهن فإن لم يوفيه بطل صنيعه وبيع ذلك فإن كان في بعض ثمنه وفاء بيع في العتق بقدره وعتق ما بقي .
قال أشهب : وأما في الولادة والتدبير والكتابة فيباع كله ،/فيكون فضل ثمنه لسيده إذ لا يكون بعض أم ولد ولا بعض مكاتب ولا مدبر .
قال محمد : وأما في التدبير والكتابة فيبقي رهنا بحاله لأن الكتابة مما يباع فإن حل الأجل وفيها وفاء بيعت وإن كان فيها فضل لم يبع منها إلا بقدر الدين وإن لم يكن فيها وفاء إلا ببيع الرقبة بيعت الرقبة ، وكذلك المدبر إذا حل الأجل بيع كله ولا يحوز بيع شيء منه على أنه مدبر على حاله ولا عرى أن يقاويه فيه ، وأما إذا أولد الراهن الأمة فيجوز أن تباع بقيتها ويبقى ما فيها بحساب أم الولد .
قال فيه وفي المجموعة : قال أشهب : وإن كان هذا كله قبل حوز الرهن فهو كله نافذ ولا رهن له في العتق وحده ولا يعجل له الحق ، وأما في الكتابة والتدبير فللمرتهن قبض رهنه فيبقي بيده رهنا وهو مكاتب أو مدبر وتكون الكتابة رهنا معه ، ولا تكون خدمة المدبر رهنا إلا أن يشترطها في أصل الرهن ، وأما الكتابة فالرقبة لا كالغلة والخدمة إلا أن يشترطها المرتهن ، قال محمد : الكتابة كالغلة لا تكون رهنا إلا أن يشترط في أصل الرهن قال : ولو كان عتق الراهن بعد قبض المرتهن للعبد وليس بملي ، فإن لم يكن في ثمنه فضل لم يبع منه شيء ولم يعتق منه شيء حتى يحل الدين ، وقاله مالك ، وإن كان فيه فضل ووجد من يباع منه بيع منه بقدر الدين وعتق ما بقي ، وإن لم يوجد من يبتاع بعضه بيع كله فما فضل
[10/204]
***(1/201)
[10/205]
عن الدين فلسيده يصنع به ما يشاء ، قال أشهب : ويباع/منه بقدر الدين وإن لم يحل الدين وإن لم يكن فيه فضل لم يبع حتى يحل حقه فيصنع فيه كما ذكر مالك ، وقال أبو الزناد : وإن كان السيد مليا عتق مكانه وقضى الدين وإن لم يكن له مال فقضى العبد من ماله الدين فهو حر أيضًا ، ولا رجوع له بذلك على سيده ، وإن لم يكن ذلك فلا عتق للعبد .
قال : ووطء الراهن الأمة بعد أن حيزت بإذن المرتهن كوطئه قبل أن تحاز بغير إذنه ، إن حملت بطل الرهن ولا يعجل الحق ( مليا كان أو معدما ، وإن وطئها بغير إذن المرتهن بعد أن حازها فحملت فروى ابن القاسم عن مالك قولين فقال : إن كانت تذهب وتجيء في حوائج المرتهن بطل الرهن ولم يعجل الحق] ورجعت إلى الراهن أم ولد فأما إن وطئ غصبا أو تسورا ولا مال له بيعت بعد الوضع والولد حر ، ولو كان له مال عجل الدين وكانت له أم ولد ، والقول الآخر : إن لقيها فوطئها فلتبع دون الولد إلا أن يكون له مال ، وقال أشهب : إن لم يكن له مال فلا تباع حتى يحل الأجل فتباع كلها إذا وضعت وإن كان فيها فضل ، وما فضل من الثمن فلسيدها إذ لا يكون بعض أم ولد .
وفي المجموعة : نحو ما ذكر في العتق والوطء والكتابة عن ابن القاسم وأشهب ، وذكر قول مالك إذا وطئها بغير إذنه تسورا وله مال عجل الحق وكانت له أم ولد ، قال سحنون : هذا إن كان دينه عينا فإن كان طعاما من سلم فالمرتهن بالخيار إن شاء تعجل حقه وسلم الجارية وإن شاء حبسها رهنا وأرجا الطعام إلى أجله ، وقال/سحنون : وتدبيره إياها كالعتق في رواية ابن وهب عن مالك وهو أحسن من قول ابن القاسم الذي قال فيه : تبقي مدبرة كما يرهن المدبر قال سحنون هنا : والتدبير سابق للرهن فدخل فيها على الأتباع بعد موت الراهن
[10/205]
***(1/202)
[10/206]
وهذا أحدث التدبير فأضر به بتأخير بيعها في عدمه وقد يحل حقه إلى قريب وأما الكتابة فتمضى إن كان له مال يؤخذ منه الدين ، وإن لم يكن له مال وفي الكتابة إن بيعت وفاء الدين جازت وبيعت ، وقال أشهب : إن لم يكن له مال بقيت رهنا حتى يحل الدين فتباع إن لم يكن له مال وكذلك في التدبير فإن فضل من ثمنها شيء كان للسيد ، وأما في العتق فلا يباع منها إلا بمقدار الدين ويعتق ما بقي .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا وهب المرتهن الرهن فإن كان للثواب فهو كالبيع وقد ذكرنا البيع .
ومن أعارك عبدا لترهنه فرهنته ربه فاختلف فيه فقال ابن القاسم : إن كان له مال جاز عتقه وغرم الأقل من قيمته ، أو من الدين فيعجله المرتهن فيرجع ببقيته على الراهن إذا حل الأجل ولا يرجع المعير على المستعير بما دوي حتى يحل الأجل ، ولم يره أشهب مثل ربه ، ورآه مثل من أعتق عبده بعد أن جنى يحلف المعير : ما أعتقته لأؤدي الدين ويبقي رهنا حتى يقبض حقه من ثمنه إن بيع أو بيدأ فينفذ فيه العتق ، وإن نكل غرم الأقل من قيمته أو الدين ونفذ عتق العبد .
قال محمد : قول ابن القاسم أحب إلي/لأن الجناية أخرجت العبد من ملك ربه إلا أن يفديه ، وهذا لم يخرجه على ريبة من ملكه ولا من ماله وغيره يعديه إلا أن يكون المستعير قد هلك عن إياس أن يكون له شيء فيكون كما قال أشهب .
قال ابن حبيب : قال اصبغ : سمعت ابن القاسم وأشهب يقولان : إذا أقر الراهن في عبد رهنه أنه لغيره فإن ثبت إقراره قبل أن يقبضه المرتهن فالمقر له أولى به كان الراهن مليا أو معدما ، وإن كان بعد أن حيز فإن كان للمقر مال عجل دين المرتهن وأخذ رب العبد عبده ، وإن لم يكن له مال فالمقر له مخير بين أن يضمنه قيمته ويتبعه بها دينا ، وبين أن يؤخره حتى يمكنه أخذه ، فإن حدث له مال
[10/206]
***(1/203)
[10/207]
وودي دينه أخذ هذا عبده وإلا بيع للدين بعد الأجل واتبعه ربه بقيمته يوم أقر له به .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب : ليس للراهن أن يزوج الأمة الرهن وقال أشهب : ويفسخ إن فعل ما لم يبن فإن بنى بها بعلمك فسد رهنك ، وإن لم تعلم فلك أن تحول بينه وبينها ما كانت رهنا ويثبت النكاح ولها الأكثر من صداق المثل أو ما سمي لها .
قال سحنون : ولو كان فاسدا ما صح بالبناء لأن فساده في عقده وأرى النكاح جائزا بمنزلة أن لو أعتقها وتعجل للمرتهن دينه بمنزلة أن لو قتلها عمدا فأما خطأ فلا شيء عليه ، والدين إلى أجله ، ولا يؤخذ منه القيمة فيوضع رهنا لأنه لا يضمن ملكه .
قال محمد بن عبد الحكم : إذا زوجها الراهن وهي في حوز المرتهن ولم يرض ، فسخ النكاح/لأن ذلك يعيب رهنها وينقص قيمته وليفسخ دخل أو لم يدخل ولو بنى بها بغير علم المرتهن فافتضها فعليه صداق المثل يوقف معها في الرهن كالحمالة عليها وإن نقصها الافتضاض أكثر مما أخذ من الصداق غرم ذلك اليسد فيوقف من الصداق رهنا معها .
وقال أشهب : يفسخ قبل البناء فإن بنى بها فلا يفسخ ولكن يحال بينه وبينها أن يطأها ما كانت رهنا ولها الأكثر من المسمى أو صداق المثل ، ولو افتكها السيد قبل البناء لم يفسخ ، قال محمد بن عبد الله : قول أشهب هذا ليس بقياس وليفسخ دخل بها أو لم يدخل لأنه نقص الرهن ، ولو لم يكن نقصا لكان منعه من الوطء يفسد النكاح كمن تزوج امرأة على أن يطأها سنة فهذا فساد في العقد لا
[10/207]
***(1/204)
[10/208]
في الصداق وقول مالك : إنه لا يجوز نكاحها . وإذا قلت : كل من لا يحوز وطؤها إلى مدة لم يجز نكاحها ، قلت ذلك في التي واجرت نفسها سنين أو تؤاجر نفسها للرضاع فتتزوج أن ذلك يفسخ قبل البناء أو بعدة ، وعلى قول أشهب : يفسخ قبل البناء ويثبت بعده وبمنع من الوطء حتى تنقضي الأجرة وتخرج الأمة من الرهن ، وإذا استؤجرت ذات الزوج لعمل تعلمه أو لرضاع صبي فمات وزجها وهي في ذلك فإنها تقيم في منزلها في الليل ولا تخرج منه للعدة ويفسخ رضاعها للصبي إن طلبوا ذلك ليس عليهم أن يصيروا الصبي إليها في منزلها ، فإن رضوا أن يرسلوه إليها ترضعه في منزلها فإن مضت العدة وبقي من مدة الرضاع بقية فقالت : أنا أرضع/لكم فكرهوا أو كرهوا هم ذلك وأرادت هي فإنها ترجع إلى الرضاع في بيت الصبي بقية مدة الإجارة .
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم وأشهب : لو رده إلى الراهن بإجارة أو إيداع أو غيره فباعه كبيعه قبل أن يحاز ، وهو قول مالك ، وأما لو باعه وهو بيد المرتهن أو بيد أمين بمثل الحق فإنه يعجل للمرتهن حقه إن لم يحل وينفذ البيع ولا حجة للمرتهن في رده ، وقاله مالك إلا أن يباع بأقل من حقه فله أن يرده أو يمضيه فلا يتعجل الثمن ويطلب بما بقي ، قال محمد : وكذلك إن باعه بثمن خلاف حق المرتهن قال : وقد كان من رواية ابن القاسم وأشهب أنه إذا باعه قبل/يحاز فالبيع أولى به ، وإن باعه بعد الحوز فلا بيع له ويرد ، والقول الآخر لمالك أحب إلي وعليه أصحابه : إنه ينفذ ويعجل الحق ولا حجة للمرتهن إن كان حقه عين وبيع بمثله ، قال أشهب : وليس للراهن أن يقول : لا أعجل حقك وإما أن يرد البيع أو يجيزه ويبقى الحق إلى أجله . محمد : لأنه مضار لا نفع له في ذلك .
وروى لنا عن أشهب بعض الخلاف لهذا ، وهذا الثابت عندنا من قوله وعليه أصحابه .
[10/208]
***(1/205)
[10/209]
قال أشهب : وإن استهلك ثمن الرهن قبل يدفعه إلى المرتهن فإن كان عنده وفاء به وداه وتم البيع وإلا فللمرتهن رد البيع . قلت : فإن كان المرتهن وصله إلى الراهن حتى باعه فقلت بيعه جائز ولا يعجل الحق كما لو باعه قبل الحوز أرأيت إن قال المرتهن : إني إنما وصلته إليك لتبيعه لتعجل حقي ، وأنكر الراهن ؟ قال : قال أشهب : يحلف المرتهن والقول قوله ولا يضر قيام الغرماء إن كان/ذلك بقرب دفعه إليه ، وإن كان ذلك ليس بقربه فقام الغرماء قبل أخذك الثمن فهم أحق بالثمن .
ومن المجموعة : قال أشهب : وإذا باعه بغير إذن المرتهن لم يجز إلا أن يجيزه فإن أجازه جاز وعجل له دينه من الثمن وإن لم يحل إلا أن يكون مليا فيجوز بيعك ويعجل الثمن من مالك أو من الثمن إن كان فيه وفاء ، وهو كما لو أعتقه ، وليس لك أن تقول : أعطيك رهنا مكانه ولا أن يقول : أبقي الثمن رهنا ، وإن بعته بإذن المرتهن فلا أرى الثمن به رهنا إلا أن يكون اشترط ذلك عليك فيكون الثمن رهنا ، وإن اشترط عند الإذن أن يقبض حقه فإن ذلك لا يصح وأراه رهنا إلى أجله ، ومنه ومن العتبية من سماع ابن القاسم : وإذا طلب الراهن أن يبدل الرهن وهو جارية رغب في بيعها إذ لا توافقه وأعطاه بدلها دارا أو أصولا فأبى ، فليس للراهن ذلك إلا برضي المرتهن ، ولو باعها عجل للطالب حقه وتم البيع ، وقاله اصبغ وسحنون .
وروى أشهب عن مالك في الحائط النخل يطرح الريح منها نخلا فطرحها فطلب الراهن بيعها فللمرتهن منعه فإن كانت تبقي ولا تفسد إلى محل الحق بقيت في الرهن ولا تباع إلا باجتماعهما ويوضع الثمن بيد عدل ، وإن خيف فسادها بيعت ووضع الثمن بيد عدل .
[10/209]
***(1/206)
[10/210]
قال أبو زيد عن ابن القاسم قال : وإذا طلب الراهن المرتهن أن يرد عليه العبد الرهن ويعطيه غيره فلا بأس به .
وروى عنه عيسى فيه : إن أعتقه الراهن أو دبره فإن كان مليا ودفع إلى المرتهن حقه نفذ/عتقه وتدبيره ، فإن لم يكن مليا فلا عتق له ولا تدبير فيه .
فيمن رهن رهنا فاستحق جميعه أو بعضه ، أو مات ، أو استلحقه الراهن إن كان عبدا ، ومن باع على رهن أو حميل فلم يجده
من كتاب ابن المواز : ومن رهن رهنا فاستحق فإن كان قبل يحوزه المرتهن يريد محمد : والرهن بعينه فالمرتهن مخير فإما أمضي بيعه أو أسلفه بلا رهن وإن شاء رد ذلك ولو فات الشيء المبيع بيده مبتاعه ولم يرض البائع إلا برهن فله قيمتها معجلة ويفيتها العيوب المفسدة إلا أن يأتي الراهن برهن مثله يشبه فيثبت الأمر إن شاء المرتهن أو أبى وإن كان الاستحقاق بعد أن حازه لم ترد المعاملة ويبقى الحق إلى أجله . وليس عليه رهن غيره ولا أن يعجل حقه قال عبد الملك : إلا أن يعلم أن الرهن رهنه عالما أنه ليس له وإنما عيبه عليه ظلما فعليه أن يأتي برهن غيره . محمد : فإن لم يفعل فالمرتهن مخير بين أن يجيز البيع أو يرد السلعة فإن لم يجدها أخذ قيمتها ، قال عبد الملك : فإن لم تقم بذلك بينة واتهم فليحلف : أنه ما علم استحق بملك أو حرية أو صدقة قال : وإن استحق نصفه فحلف الراهن أو كان ثقة فإن الباقي رهن بجميع الحق إلى أجله ، وقاله أشهب فإن
[10/210]
***(1/207)
[10/211]
طلب المستحق البيع : قيل للمرتهن والراهن : بيعا معه أو يأخذه أحدكما بما يعطى به فإن بيع كله كان ما يقع للراهن موقوفا بيد ثقة للمرتهن إلى أجله فيشترى لربه ما كان له ، وإن كان حقه عين عجل له حقه .
ومن المجموعة : قال ابن الماجشون :/وإذا بعته شيئا وشطر لك رهنا بعينه فاستحق ولم يغرك فلا بدل عليه وإن اتهم أن يكون غرك حلف : انه ما رهنك عالما بذلك فبه ، وإن قامت بينة فعليه البدل وإذا قبضت الرهن بعيه فمات فلا شيء لك غيره والبيع تام والدين إلى أجله ، وقاله ابن القاسم وأشهب .
قال ابن القاسم : وإن مات بيد راهنه قبل يجاز فإنه مخير بين إمضاء البيع أو رده لأنه باعه على أن يوصله إليه ألا ترى لو فلس قبل دفعه لم يكن له أخذه وإن كان بعينه فإن رددت فليس له أن يأتيك برهن غيره ليتم البيع كما ليس له بدل الرهن إذا تم البيع إلا برضاك .
قال أشهب : إذا استحق الرهن فإن غرك منه فعليه رهن سواه وإلا رجعت بسلعتك التي بعت إن شئت ، وإن لم يغرك فلا رهن لك ، وكذلك في الحميل يدلس به في أنه عبد مولى عليه وأما في موت الحميل أو الرهن فلا حجة لك .
ومن كتاب ابن المواز : قال : وإذا أسلم عبد النصراني فرهنه قال محمد : أو أسلم في الرهن فإن لم يأت سيده ثقة أو مثله : بيع فتعجل الحق .
محمد : إلا أن بياع بغير نوع ما على سيده فيوقف له ذلك حتى يحل الحق وليس على سيده غير ذلك ، وهذا الذي قال محمد هو في المجموعة لأشهب ، وقال في أول المسألة وقال غيره أولا ثم تلاه بقول أشهب .
[10/211]
***(1/208)
[10/212]
ومن العتبية : قال سحنون فيمن باع سلعة وارتهن عبدا فاستحق ، فإن غره عجل له الحق وإن لم يغره فهو كموته ولا شيء عليه ، هذا إن كان رهنا بعينه ، وإن كان بغير عينه أتاه غيره ثقة حقه .
/ومن سماع عبد الملك بن الحسن : قال ابن القاسم : ومن رهن عبده ثم استلحقه أنه ابنه فإنه يلحق به ، ويتبعه الطالب بحقه ، فإن لم يكن له مال فليبع ما عسى أن يطرأ له .
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الرهن بيد أمين يبيعه ويقضي للطالب حقه كما أمر ثم استحق الرهن ، فاللمشتري أن يرجع بالثمن على الراهن ، فإن لم يكن له مال رحع به على من بيع له ويأخذ الثمن كالمفلس يباع ماله ثم يستحق شيء منه .
وقد جرى في باب رهن المشاع شيء من استحقاق بعض الرهن .
قال أشهب : فإذا كان ذلك ثيابا أو دابة وما يزال به ولم يرض المستحق يكون ذلك في يديك ايها المرتهن فليقسم فإن كان لا ينقسم بيع عجل لك حقك إن بيع مالك من دنانير أو دراهم فإن بيع بدنانير ولك دراهم أو بدراهم ولك دنانير فليوقف ذلك لك إلى أجل فيباع حينئذ في حقك لما يرجى من غلاء ذلك وإن كان حقك غير الدنانير والدراهم فبيع بدنانير أو بدراهم أو بعرض مثل حقك أو مخالفا له وضع ذلك لك رهنا وليس لك تعجيله بغير رضاه وإن بيع شيء من طعام أو شراب أو إدام وهو مثل الذي لك معه جنسا وجودة ، فإني استحسن أن لك تعجيله وإن أبى صاحبك لأنه إنما يعطيك مثله إذا لم يعطكه .
[10/212]
***(1/209)
[10/213]
واحتج أشهب في تعجيل الحق بمسألة مالك في الرهن يبيعه تعديا وقد جعل بيد أمين فتؤخذ قيمته فليعجل لك حقك إن فات الرهن ولم يوجد ، وبمسألة من أرهن فضلة رهن له بيد مرتهن آخر فلم يعلم/الأول فحل الحق الثاني قبل الأول فليباع الرهن فيقضى هذا حقه ويعجل للأول حقه فهذا مثله .
قال سحنون : وإنما تفسير قول مالك في الراهن يستحق نصفه فأما مسألة الرهن برهن فضلة فيحل حق الثاني فبيع له فإذا إذا وقف للأول بمقدار حقه ودفع الفضلة للثاني فقد يتغير ما يوقف للأول حتى إن بيع عند أجله نقص من حقه ، قال ابن عبدوس : فكأنه يرى فيما رأيت أنه إن كان لهذا يباع بخلاف حق الأول أن لا يباع إلى أجله لأنا بعناه بخلافه أوقف الرهن كله ولم يتعجل منه الثاني شيئا فيصير كأنه لا فضل فيه .
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن مات وبيده رهن فأعطاه وصيه لبعض من ولي عليه ليقضى به دين فتعدى فيه فرهنه فقام فيه وصيه فليحلف الوصي ما أمره برهن ويأخذه .
ومن كتاب ابن المواز : ومن باع على رهن يساوي مائة دينار فلم يقدم المشتري على شيء فالبائع مخير أن يمضي ذلك بلا رهن أو يرد ، قال أشهب : وكذلك في الحميل ، قال محمد : ويجبر أن يعطى رهنا أو حميلا إن طلب البائع
[10/213]
***(1/210)
[10/214]
حتى يعلم أنه لا يقدر على ذلك ، وإن لم يسم فيه أعطاه ثقة من حثه وكذلك الحميل ، قال أشهب : فإن تبين بعذر بين أنه لم يجد فالبائع مخير كما ذكرنا ، قال ابن القاسم : فإن باعه إلى أن يرهنه عبدا غائبا فجائز وتوقف السلعة حتى يقدم العبد ، فإن تلف العبد الغائب لم يكن للآخر أن يقول : أنا أدفع لك رهنا مكانه ألا برضي البائع ، قال أشهب : وإن كانت غيبة الرهن بعيدة لم يجز إلا أن يكون الرهن دارا أو أرضا ويقبض السلعة المشترى لأن النقد/في بيع الدور الغائبة يجوز ، وأما إن كان العبد الرهن قريب الغيبة مثل يوم ويومين فالبيع جائز ، فإن مات العبد الرهن قبل يقبض لم ينقض البيع وليس عليه رهن غيره وكذلك لو مات الحميل لم يكن عليه غيره ولو لم يمت وأبى أن يحمل فالبائع مخير وليس للآخر أن يقول له : أعطنا حميلا غيره .
وقال ابن القاسم : إذا مات الراهن قبل نقده فالبائع مخير في رد البيع وإن مات العبد بعد أن قبضه فلا رهن له عنده وإن باعه على أن يأخذ فلانا الغائب حميلا فإن كانت غيبته قريبة فجائز ولا يقبض السلعة حتى يقدم الحميل فيتحمل فإن أبى فالبائع بالخيار .
في تعدي المرتهن أو الموضوع على يده الرهن يتعدى فيه ببيع أو وطء أو إنكاح أو إيداع أو عارية ، وتعدي الأجنبي فيه باستهلاك أو غيره
من كتاب ابن المواز : إذا تعدى المرتهن فباع الرهن فلزمه نقض ذلك وأخذه حيث وجده ويدفع ما عليه ، وأراده يريد : يدفع ما عليه إلى المشترى إن كان
[10/214]
***(1/211)
[10/215]
مثل ثمنه فأقل قال : ويتبع المشترى الذي غره بالثمن ، قال محمد : إن بقي له شيء وقاله ابن القاسم وأشهب .
وقال أشهب : فإن غرم المرتهن قيمته يوم باعه أو يوم رهنه إلا أن يكون ما باعه به أكثر فيأخذ ذلك منه الراهن ولا يعجل له من حقه شيئا إلى أجله لأنه فسخ رهنه ، وأما لو باعه الأمين الموضوع على يده وفات الرهن فلم يوجد فيأخذ المرتهن حقه حالا إن بيع بمثل ماله من العين وبيع بمثل قيمته فأكثر ، فإن كانت قيمته أكثر/غرم العدل تمام قيمته للراهن وعجل للمرتهن دينه ، فإن وجد الرهن لم يفت نقض أخذت منه القيمة فقال ابن القاسم : فإن جاء ربه برهن فأحرقه فإن ثبت ذلك ببينة أخذت منه القيمة فقال ابن القاسم : فإن جاء ربه برهن مثله أو بما فيه ثقة من الحق القيمة ، قال محمد : وبه أقول إلا أبن أقول : إن كانت القيمة دراهم عجلها له وكذلك إن كانت دنانير وحقه دنانير ، وإن كان على غير ذلك كان رهنا إلى أجله قال أشهب : قامت على ذلك بينة أو لم تقم فالمرتهن ضامن وهو يطلب المتعدي وللراهن أن يقاصه لآن بقيمته وليس عليه أن يخرج القيمة فيبقى رهنا إلى الأجل لأن دينه مثلها دنانير أو دراهم ، ولو وطء المرتهن الأمة الرهن كان زانيا وولده رقيق ، قال أشهب : ولا يعذر إن قال : ظننت أنها تحل لي ، وكذلك الأجير ، قال أشهب : وعليها ما نقصها كانت بكرا أو ثيبا إن غصبها على الوطء ، ويدفع ذلك إلى ربها إن لم يحل الدين ، وإن طاوعته فلا شيء عليه كانت بكرا أو ثيبا ، قال ابن القاسم : غصبها أو طاوعته ، فعليه ما نقصها إن كانت بكرا ، ولا غرم عليه في الثيب إذا طاوعته ، قال أشهب : لو جعلت عليه شيئا في طواعية البكر لجعلته في طواعية الثيب ، لأن ذلك نقصها ، وهو في البكر
[10/215]
***(1/212)
[10/216]
أنقص ، وللزمني أن أجعل عليه الصداق في طواعية الحرة البكر ، لأنها مولى عليها ، ولزمني مثله في الثيب المولى عليها .
قال : ولو زوج المرتهن الأمة الرهن بغير إذن سيدها فولدت فماتت في نفاسها ، قال : قال ابن القاسم : قال مالك : [فلا يضمن المرتهن ، قال أصبغ : لأنه لم يتعد في/الحمل ، وليس عن كل وطىء يكون الحمل ، قال مالك :] وليس لربها أن يزوجها ، ورواها عيسى عن ابن القاسم في العتبية قال ابن القاسم : ولدها لسيدها ، وهم وهن مع أمهم ويفسخ النكاح ، وإن ماتت من النفاس فبلغني عن مالك أنه قال : لا يضمن ، وأنا أراه ضامنا إن ماتت من قبل الحمل ، قال ابن القاسم في سماعه : قال مالك : وليس لسيدها أن يطأها ولا يزوجها وقد رهنها .
ومن كتاب الإقرار لابن سحنون : قال محمد في المرتهن يعير المرتهن الرهن بغير إذن ربه . فهلك عند المستعير ، فقال ابن القاسم : إن لم يعطب في عمل المستعير ، فلا ضمان على واحد منهما ، وكذلك إن مات من أمر الله سبحانه ، وقال سحنون : يضمن المعير إذا عطب عند المستعير لأنه متعد ، كان العمل يعطب فيه أو لا يعطب فيه .
ومن المجموعة : قال سحنون : وإذا تعدى المرتهن فأودع العبد الرهن أو أعاره بغير إذن ربه ، فإنه يضمنه هلك بأمر من الله أو من غير ذلك .
ومن كتاب ابن المواز : ومن ارتهن عبدا فأودعه غيره فمات فلا ضمان عليه .
[10/216]
***(1/213)
[10/217]
ومن المجموعة : قال سحنون : وإذا باع المرتهن الدين الذي على الرهن ، فسأله المشترى دفع الرهن إليه ، فليس ذلك له وإن فعل ضمن .
فيمن اشترط في الرهن أن يبيعه المرتهن بلا مؤامرة
من كتاب ابن المواز والمجموعة والعتبية من سماع ابن القاسم قال مالك : إذا أشهد الراهن للمرتهن إن لم يوفه إلى أجل كذا فقد وكله على بيع الرهن ويستوفي ، قال : لا يباع إلى بأمر السلطان ، كان على يد المرتهن أو على يد غيره ، وإن كتبوا أنه يبيع بلا مؤامرة ولا حرج/عليه فلا يفعل وشدد فيه ، وبلغني عن مالك أنه قال : إن أصاب وجه البيع أنفذ فات أو لم يفت ، ثم قال : أما الشيء التافه فيمضي فات أو لم يفت ، وأما ماله بال من الدور والأرضين فيرد إن لم يفت ، وأجب قوله إلى أن يمضى إذا أصاب وجه البيع كان مما له بال أو لم يكن ، لأنه بيع بإذن ربه ، وضمنه صاحبه ، وذكر ابن المواز عن أصبغ عن ابن القاسم أنه قال : يمضى ذلك إلا أن يكون مما له بال مثل الدور والأرضين والرقيق والحيوان ، وماله بال في العدد أيضًا فليرد إن لم يفت ، فإن فات أمضي إلا أن تعلم له صفه هي أكثر مما بيع به فيضمن الفضل ، وبلغني ذلك عن مالك .
وروى أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز والمجموعة : أما القصب والمقناة وما يباع من الثمار شيئا بعد شيء : فليبع بمحضر قوم ، وأما الرقيق فللسلطان ، قال أشهب : ولأن مثل هذا إذا وخره لم يؤمن فيه الفساد والنقص ودخول الآفات فليبعه بغير أمر السلطان كما شرط ، وأما الدور والثمار والعبيد فلابد
[10/217]
***(1/214)
[10/218]
من السلطان لأن له نظر في بعض الأمور أن لا يعجل عليه ببيع عبده وربعه وعرضه ، ولعله تفلسا عليه أن يملك ، ورأي السلطان أولى .
وقد قال مالك في السيف الرهن يبيعه المرتهن فليس له ذلك ويضمنه ، قال أشهب : إن لم يفت رد ، قال أشهب : وهذا بموضع السلطان ، فأما بلد لا سلطان فيه أو فيه سلطان يعسر تناوله فبيعه جائز إذا صح وأبلى المعدل .
وقال في كتاب ابن المواز عن مالك : إذا رهنه حائطا وأشهد له أن بيعه إليك وأنت مصدق مأمون ، ثم طاب ثمره فأرسل إليه ربه : إنني بعت/الثمرة من هذا الرجل باثنين وعشرين دينارا فاقبضها منه وسلم إليه الثمرة ، فقال المرتهن : حتى أنظر ، ثم قال لرجل آخر عنده : أعندك زيادة ؟ قال : نعم ، دينار ، فباعه منه المرتهن بمحضر رسول الراهن ، فأبى الراهن أن يجيز البيع ، فذلك له ، لأن الرهان لا تباع إلا بأمر السلطان .
ومن كتاب ابن عبدوس : قال غيره : إذا أمر الإمام ببيع الرهن ، فأما الرهن اليسير الثمن ، فإنه يباع في مجلس ، فأما ما أكثر منه ففي الأيام ، وأما أكبر منه ففي أكبر من ذلك ، وأما الجارية الفارهة والدار والمنزل والثوب الرفيع فبقدر ذلك حتى يشتهر ويسمع به ويفشو ، وربما نودي على السلعة الشهرين والثلاثة ، وكل شيء بقدره .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا أمر الإمام ببيع الرهن فبيع بغير العين من عرض أو طعام ، قال ابن القاسم : لا يجوز ذلك ، وقال أشبه : إن باعه بمثل ما عليه ، ولم يكن في ثمنه فضل ، فذلك جائز ، وإن كان فيه فضل لم يجز بيع تلك الفضلة ، والمشتري بالخيار فيما بقي ، إن شاء تمسك أو رد لما فيه من الشركة ، وإن باعه بغير ما عليه فلا يجوز .
[10/218]
***(1/215)
[10/219]
في الرهن يرتهنه الرجلان فيقوم أحدهما بحقه ، وقد أنظر الآخر الغريم ، ومن قيم عليه بدين قد حل وله فضل رهن بدين لم يحل
من المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك ، ومن كتاب ابن المواز ، وهو في العتبية من رواية عيسى وأبي زيد عن ابن/القاسم في الرجلين يرهنان رهنا بينهما ، يريد : ودينهما سواء ، فقام أحدهما على الغريم ببيع الرهن في حقه ، وقد كان أنظره الآخر سنة ، فإن قدر على قسم الرهن بما لا ينتقص به حق القائم بحقه ، قسم فبيع لهذا نصفه في حقه ، وأوقف النصف الآخر لصاحبه ، فإن كان قسمه بنقص حق القائم بيع كله وأخذ القائم من نصفه حقه كله ، وإن طابت نفس الذي أنظره أن يدع الرهن يأخذ باقي الثمن إلى الأجل فعل ، وإلا حلف : ما أنظرته إلا ليوقف لي رهني ، ثم عجل له حقه فلا يوقف ، لأن إيقافه ضرر بلا منفعة للراهن .
قال ابن القاسم في العتبية قال مالك : إلا أن يأتي الراهن برهن فيه وفاء حق الذي أنظره فيكون له أخذ الثمن .
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أرهن دارا أو رقيقا في حق عليه إلى أجل ، فقام عليه قبل الأجل غريم آخر ، يريد : ولا شيء عنده ، قال : فإن كان في الرهن فضل عن ما رهن فيه ، بيع فقضى المرتهن حقه معجلا ، وقضي الغريم الآخر ، فإن لم يمكن فيه فضل لم يبع حتى يحل أجل المرتهن .
[10/219]
***(1/216)
[10/220]
وقد تقدم باب رهن فضلة الرهن لرجل فيحل حق الآخر قبل الأول .
في الراهن يقضي بعض الحق أو بعض أحد الحقين ، أو يرهن عند رجلين فيقضي أحدهما ، هل يأخذ من الرهن شيئا ؟ وفي أخذ رهن من رحلين أو رها من رجل
من المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب : وإذا قبضت المرأة رهنا بصداقها ثم طلقت قبل البناء ، فالرهن كله رهن بنصف الصداق . قال :/ومن عليه لرجل دين دراهم ، ولآخر شعيرا ، ولأخر ثمن سلعة ، وهذا قرض ، فأعطاهم بذلك رهنا واحدا ، فذلك جائز ، قال ابن القاسم : إذا كان بينهما وقع بصحة ولم يكن أقرضه هذا على أن باعه هذا فذلك جائز عند مالك ، ولو أقرضاه معا على أن يرهنهما فذلك جائز ، قال أشهب : فإذا حل دينهما ولواحد شعير والآخر دراهم ، قوم الشعير ، فإن كانت قيمته مثل الدراهم بيع الرهن . وكان ثمنه بينهما نصفين ، فأن تفاضل ذلك فبحساب ذلك فيشتري لصاحب الشعير بما وقع له شعيرا وللآخر دراهم ، وذلك جائز أن يكون رهنا من [جماعة] أو رهونا من رجل واحد ، أو يرتهن رجلان جميعا رهنا من [جماعة أو رهونا من] رجل واحد و [يرتهن] من رجال من بيع أو سلف أو منهما ما لم يكن شرط سلف يدفع له أو لغيره ، فإن قضى الواهن أحد الرجلين فله قبض حصة دينه من الرهن إن
[10/220]
***(1/217)
[10/221]
انقسم وإلا أقر ، ولا يكون منه رهنا إلا بمصابه من لم يقبض شيئا ، ولا يضمن ما فيه ما فوق ذلك ، كذلك لو كان الرهن لرجلين عند رجلين فقضاهما أحدهما فله أخذ مصابته منه إن قدر ، وإلا أقر ولم يكن منه رهن غير نصيب الآخر ، وهذا إذا حاز الذي لم يقتضي للذي اقتضى . قال ابن القاسم : فأما لو كان الدين من شيء واحد أصله بينهما كان بكتاب أو بغير كتاب ، فليس لأحدهما اقتضاء دون صاحبه . قال عبد الملك : ومن رهن حائطه رجلا ثم رهنه آخرا من بعد حقه على يدي الأول ، ثم رهنه ثالثا من بعد حق الأولين ، أو كانت الحقوق لرجل فبدأ بعضها قبل بعض ، ثم قضى الغريم/الحق الأول ، فإن صحة ذلك الحق من الرهن فارغا يرهنه الغريم لمن أراد ، ولو فلس أو مات كان لغرمائه ، كانت الحقوق لرجل أو لرجال ، لأنه إنما رهن الثاني فضل ما فضل عن الأول ، وكذلك الثالث بعد وقدر ما يؤدي عليه ، وإن قضى من كل حق بعضه فإنه يكون الباقي من بعض كل حق شاغلا لذلك الموضع كله كرهن واحد اقتضى بعضه والباقي شاغل له أجمع .
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك : فإن رهن رجلان دراهم ثم مات أحدهما فقد حل ما عليه ، ويبقى بقية الرهن على صاحبه ، والرهن أولى من الكفن .
[10/221]
***(1/218)
[10/222]
في الانتفاع في الرهن بشرط أو بغير شرط
من كتاب ابن المواز : قال مالك : ومن باع سلعة إلى أجل أو ارتهن رهنا وشرط الانتفاع به ، فأما في الدور والأرضين فلا بأس به ، [ولا يجوز أن يشترط ذلك في السلف] ، ويجوز في البيع بأجل مضروب أكثر من أجل الدين أو دونه أو إليه ، وذكر مثله عن أصبغ عن ابن القاسم في العتبية .
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك : فإن لم يشترط ذلك فلا يحل له أن ينتفع بشيء منه ، وإن كان سلاحا ونزل به عدو لا يفعل ، ولا ينظر في المصحف ولا كتب العلم إن كانت رهنا .
وكذلك في العتبية عن مالك .
قال محمد : يشترط الانتفاع بالرهن في البيع في الحيوان والعروض [والثياب ما خلا المصحف والكتب وما خلا ذلك فجائز في كل ما تجوز فيه الإجارة إذا كان يعرف وجه النفع به/وضر أجلا ، واختلف قول مالك في غير الربع ، فقال : لا يشترط النفع في] الحيوان والعروض والسلاح ولا ما سوى الدور والأرضين ، فإنه يدخله اختلاف في القيمة ، وقال أيضًا : كل ما للانتفاع به من العروض وجها معروفا فلا بأس أن يشترطه عند البيع إلى أجل معلوم ، وأجازه أشهب وأصبغ في الثياب والحيوان والعروض لأنه إجارة وبيع ، قال : ولا خير في أن
[10/222]
***(1/219)
[10/223]
يشترطه يوم تمام البيع حين يرهنه الرهن ولا بعد ذلك ، لأن فيه اصطناع من رب الرهن لرب الدين لئلا يعجل عليه أخذه يحقه ، قاله ابن القاسم وأشهب ، قال أشهب : وإن لم يحل فهو يحمل أنه يطمع بالإنظار ، وإن أذن له بعد أن حل فهو مخافة ألا يطلبه بحقه ، وإن سلم هذا من ذلك فهو ذريعة لغيرهما .
محمد : وأما المصحف فلا يحوز شرط القراءة فيه ، لا في عقد البيع ولا بعده ، ولا تجوز إجارته ، وقد أجاز ابن القاسم في المدونة إجارته ، وكرهه في كتاب الرهن أن يشترط بعد البيع ، وكل ما تقدم في أول الباب من شرط النفع بالرهن في سلف أو بيع فمثله في المجموعة عن مالك من رواية ابن القاسم وابن وهب ، وذكر اختلاف قوله في شرط الانتفاع برهن الحيوان والعروض ، وذكر أن ابن القاسم روي عنه أنه كره اشتراط الانتفاع بالرهن في البيع ، وفي رواية لابن وهب عن مالك أنه قال : وإن فيه مع ذلك لشيء إذا اشترط سكنى الدار الرهن وخدمة العبد فمات العبد أو احترقت الدار ، بطل ما كان يشترط ، وما وضع من سلعته للانتفاع/الذي شرط بالهن .
قال ابن حبيب : قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن ارتهن ثوبا في سلف ثم سأل ربه أن يلبسه ، فأذن له ، فإن كان يجري ذلك بينهما قبل الرهن ، وكان لو سأله ذلك قبل ذلك فلا بأس له .
في جناية الرهن والجناية عليه
من كتاب ابن المواز : وقال في العبد الرهن يجرح فسيده يخير بين أن يفديه ويبقى رهنا ، أو يسلمه ، فإن أسلمه خير المرتهن فيه في ثلاثة أوجه : إما أسلمه واتبع غريمه بدينه إلى أجله ، وإن شاء افتكه بزيادة درهم فأكثر على دية
[10/223]
***(1/220)
[10/224]
جرحه ، ويكون له بتلا ، ويسقط من دنه الدرهم ، ويتبع غريمه بدينه إلا الدرهم الذي زاد فيه إلى أجله ، وإن شاء افتكه بدية جرحه فقط ، ليكون بيدك رهنا بما اتفككته به وبدينك الأول ، على أن سيده لا يضمن ما افتككته به إن مات أو نقص ، ثم لا يأخذه سيده حتى يدفع إليك ما افتككته به ، ثم دينك الأول إن كان ثمنه قدر الجناية ونقص ذلك ابتعت الغريم بباقي دينك ، ولو كان للعبد مال ، فطلب المرتهن أن يفدي منه الأرش ويبقى رهنا ، قال مالك : فليس ذلك إلا بإذن سيده ، فإن أبى اسمله بماله وإن كان أضعاف الجناية ، ثم خير المرتهن في الوجوه التي ذكرنا فإن افتككته فماله رهن لك بدية جنايته وحدها مع رقبته لا بالدين ، لأنك لم تشترط ما له بدينك رهنا ، ويبقى المال بيده كما كان قبل يجني يتصرف فيه بالمصلحة ويأكل ويكتسي ، وقد كان اختلف/قول مالك في ماله إذا فدى المرتهن العبد ، فقال : لا يكون ماله رهنا بجناية ولا دين ، ويقال لك : إن شئت أخذت العبد بدون ماله بدية الجرح وبدينك الأول وإلا فدعه ، ويرجع مال العبد لسيده ، وبهذا أخذ ابن القاسم وابن عبد الحكم ، والقول الآخر به يأخذ أصحابنا ونحن ، وهو الصواب لأنه إنما فدى منه ما كان بالجناية مرهونا ، قال مالك : ولا يدخل ما فداه به على سيده ، قال محمد : يريد : إذا بيع بماله بأقل مما فداه به المرتهن لم يكن ما نقصه على السيد ، ولا يلزمه إلا الدين الأول ، وإن فضل عن الثمن شيء بعد الجناية كان في الدين القديم ، إلا أن يكون عليه دين لغرماء غيره فليدخلون معه فيما زاد العبد في ثمنه بعد الجناية ينظر فإن زاد المال مثل نصف ثمنه نظر ما فضل بعد ثمن الجرح فيكون نصفه للمال ،
[10/224]
***(1/221)
[10/225]
ونصفه للرقبة ، فما كان للرقبة كان للمرتهن ، وما كان للمال دخل فيه جميع الغرماء ودخل معهم فيه المرتهن بما بقي له إن بقي له شيء ، وكذلك إن زاد المال فيه الثلث أو الربع حسب على هذا ، قال محمد : إلا أن يفديه مرتهن من الجناية بإذن سيده ، فقد روى ابن القاسم عن مالك أنه يتبع سيده بالجناية وبالدين الأول ، ويكون العبد بذلك كله رهنا [بماله فداه] ، وقاله ابن القاسم وأشهب ، إلا أن أشهب قال لا يكون رهنا بما فداه ، ولا يبدأ بما افتداه به إلا يشترط ذلك على سيده [فيكون رهنا بهما ، قال محمد : وهذا أحب إلينا إلا أن يكون رهنا بما فداه به ، لأنه سلف منه لسيد ، إلا أن يشترط ذلك على سيده] .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في العبد الرهن يجرح : أن المرتهن أولى بخراجه حتى يأخذ دينه ، لأن ذلك نقصا من ثمنه/وكذلك روى عنه أبو زيد أن عقله رهن معه يوضع بيد من هو على يديه ، قال : وإذا جنى فأسلمه السيد ولم يحل الدين ، فإن الدين يبقى إلى أجله إن كان السيد مليا .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب : ومن رهن عبدين فقتل أحدهما الآخر ، فالقاتل رهن بجميع الحق ، قال سحنون : فإن قتله عبد الراهن بيد مرتهن أخر بقي القاتل بيد مرتهنه ، وليس للسيد أن يقتله في العمد ، لأن المرتهن فيه حق ، وليس له في قتله منفعة ، إلا أن يدفع إلى المرتهن دينه ويقتله ، وكذلك لو قتله ، عبد له ليس برهن ، فله قتله ، فإن عفي عنه أو كان قتله خطأ لم
[10/225]
***(1/222)
[10/226]
يكن عليه في العبد القاتل شيء ولم يقال له : أسلمه أو افتده ، ولو قتله رجل حر عمدا أو خطأ ودى قيمته فكانت رهنا ، ولو قتله عبد أجنبي ، فإن قتله عمدا واجتمع الراهن والمرتهن على قتله قتلاه ، وقيل لسيد القاتل : أفده أو أسلمه ، فإن أسلمه أو فداه كان ذلك رهنا ، وكذلك إن قتله خطأ .
في ارتهان العين وما يكال ويوزن من الطعام وغيره ، وارتهان الثمرة والزرع وما لا يحوز بيعه من .
من المجموعة : قال أشهب : لا أحب ارتهان الدنانير والدراهم والفلوس إلا مطبوعة للتهمة ف سلقها ، فإن لم تطيع لم يفسد الرهن ولا البيع ، ويستقبل طبعها إن عثر على ذلك ، وأما على يد أمين فلا تطبع . وما أرى ذلك عليه في الطعام والإدام وما لا يعرف بعينه ، وإن كانت تجري مجرى العين ، لأنه لا يخاف من ذلك/في غير العين ما يخاف في العين لأن تفعك في العين أخفي وأمكن ، ولا يكاد يخفي في الطعام وشبهه ، وإنما هو موضع تهمة ، وما قوي منها أبين فيما بيقى ، ولو تعدينا بالتهمة في غير ذلك لأقمناها في الحلي لأنه قد يلبس والعيد يختدم ، ولكن يصرف إلى أمانتهم .
ومن العتبيه من سماع ابن القاسم : وم اشترى ثوبا بدينار فرهته الدينار وهو فيه يا لخيار ، فلا أحب ذلك إلا أن يطبع عليه أو يجعله على يد
[10/226]
***(1/223)
[10/227]
غيرن وكذلك إن تسلف منه دراهم ورهنه دينارا : قال أشهب : وإن وهن عنده دينارا ثم أراد أن يصرفه منه فلا يفلا يفعل إلا بخضرة المرتهن . قال ابن القاسم : ويجوز ارتهان التمر والزرع وارتهان الثمرة سنين ، ولا يعم الحوز إلا بقبض الأرض والأصل ، ولا رهن لك في ولا أرض ، والمرتهن يحوز الرقاب ويسقبها بماء الراهن ونفقته .
قال غيره : ولا بأس أن يرتهن الرجال الرهن من رجل ، وغلته وخراجه من رجل آخر ، إلا أن يشترطها المرتهن . ولا بأس أن يرهن الأصول من رجل والثمرة من آخر ويحوز الأصول مرتهن الأصول ويكون حوزا للراهنين ، وليس لربه أن يسترجع الأصل من يد مرتهنه فتبطل حيازة الثمرة ، ولكن يكون الأصل بيد من يرضيان به .
قال أشهب عن مالك فيمن ارتهن من امرأته حائطا تصدق به عليها حياتها قارتهن ثمرتها في تلك الصدقة من سنة إلى سنة كذا ، فذلك جائز ، وإن مضت السنون فله أخذها يحقه حالا ولا يؤخرها إلى الثمرة ، قال أشهب : ذلك جائز إذا قبض الحائط أو قبض له ، وكذلك رهن/غلة الدار إذا قبض الدار .
ومن كتاب ابن المواز : ويجوز رهن الثمرة قبل الزهو وقبل أن تكون طعاما إذا قبض النخل ، ويجوز رهن المدبر ، ولا يجوز بيعه .
وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن باع بيعا فرهنه المبتاع خدمة مدبره ، قال : ما يعجبني إلا أن يكون أمرا ناجزا أو مخارجا ، ويرهنه خراجه فقد أجازه في كتاب آخر .
[10/227]
***(1/224)
[10/228]
قال ابن حبيب : قال أصبغ : ومن أرهن مدبره فحل الأجل ولا مال له ، قال : يؤاجر له المدبر ويكون أولى به من الغرماء ، فإن قبض دينه من خراجه قبل موت السيد أو يسره رد إليه ، وإن مات السيد قبل ذلك بيع المرتهن فيما بقي له من دينه .
ومن كتاب ابن المواز : ويجوز ارتهان البعير الشارد والعبد الآبق إن قبضة قبل موت صاحبه وقبل مكسبه ذلك ، ويجوز ارتهان ما تلد هذه الجارية أو هذه الغنم أو البقر ، فلم يذكر محمد فيها جوابا ، والمعروق لمالك أنه لا ترتهن الأجنة ، وقال أحمد بن ميسر : ذلك جائز كما يرتهن العبد الآبق والبعير الشارد ، ويصح ذلك بالقبض ، وكذلك إذا ولدت الغنم كان الأولاد رهنا ، وإن كان أوله مكروها .
قال ابن القاسم وأشهب : لا يجوز أن يرتهن المسلم من ذمي خمرا ولا خنزيرا ، قال أشهب وأقبضه ثم فلس الذمي فلا رهن له فيه . لأن رهنه لم يكن يجوز في الأصل ، والغرماء فيه أسوة . قال سحنون : إلا أن يتخلل فيكون أحق بها ، وإذا الذمي ، ولو أراد المسلم إيقافها بيد نصراني إلى أجل دينه لما يخاف من عدمه ، فلا أرى ذلك ، ولو غفل عنها حتى تخللت كان أحق بها ،/ولو ارتهن نصراني من مسلم خمرا أهريقت عليه ، ولا يكون على المسلم أن يأتيه برهن ثان .
قال ابن القاسم وأشهب : وإن ارتهن مسلم عصيرا فصارت خمرا رفعت إلى السلطان فتهراق ، قال أشهب : إن كان مسلما وإن كان غير مسلم ردت عليه ويبقي الحق إلى أجله .
قال مالك : ولا ترتهن جلود الميتة وإن دبغت ، وترتهن جلود السباع إذا ذكيت .
[10/228]
***(1/225)
[10/229]
ومن كتاب ابن المواز : ومن ارتهن زرعا قبل يبدو صلاحه فأصابته جائحة ، فقال له صاحب الزرع : زدني ما أصلح به زرعي ، فأبى فتسلف لذلك من غيره ، قال : الأول من الثاني ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، وقد ذكرنا الاختلاف في هذا في كتاب التفليس .
في الراهن والمرتهن يختلفان في الدين وقد هلك الرهن بيد المرتهن أو لم يهلك
من العتبية من سماع أشهب عن مالك ، ومن كتاب ابن المواز : قال مالك : ومن ارتهن ثوبا بعشرة بمحضر بينة ، ثم اختلفا عند الأجل ، فقال المرتهن : ازددت مني خمسة أخرى سرا والرهن يسوى خمسة عشر ، وأنكر الراهن ، فإن قامت بينة وإلا حلف الراهن وصدق ، وهو بخلاف ما لم تكن فيه بينة في أصل المعاملة [والرهن .
قال ابن المواز : وإنما يصدق المرتهن فيما ادعي فيما بينه وبين قيمة الرهن] إذا كان الرهن قائما ، كان الرهن يغاب عليه أو لا يغاب عليه ، كان مما يضمن أو مما لا يضمن ، كان على يديه أو على يدي أمين غيره .
قال أصبغ في العتبية : إذا كان الرهن بيد أمين ثم اختلفا فيما رهن به ، فالقول قول الراهن مع يمينه ، لأنه لم يبله في يده .
فال ابن المواز : ونحوه رواه يحيى بن يحيى عن ابن القاسم ، ولكن لو تلف الرهن لاختلف القول فيه ، فإن كان مما يضمن فتكون قيمته مكانه ، وإن كان من
[10/229]
***(1/226)
[10/230]
الحيوان أو مما لا يلزم المرتهن قيمته لقيام البينة على ما يغاب عليه منه ، أو لأنه كان على يد غيره ، فلا يكون على الراهن إلا ما أقر به إذا حلف قل ذلك أو كثر [قال محمد : وإن علم أن الرهن كان سواه أكثر] فهو سواء ونحوه روى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية في الحيوان يهلك ، وروى مثله عنه يحيى بن يحيى في الحيوان ، وروي في الثياب تقوم على هلاكها بينة ، مثله .
قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم ، وإذا اختلفا في مقدار الدين والرهن قائم بيد المرتهن ، فقال المرتهن : بعشرين وقال الراهن في عشرة ، فصدقنا المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن ، فقال الراهن : أنا أقضيك خمسة عشر وآخذ رهني ، فليس ذلك له إلا بدفع عشرين ، وإلا للمرتهن إلزام الراهن خمسة عشر إذا برئ الراهن من الرهن إلى المرتهن ، ولا يجبر على أخذه إلا أن يرضى المرتهن بعشرة ، وإلا بقي للمرتهن .
[وقال ابن نافع : إن الراهن إذا دفع إلى المرتهن قيمة الرهن كان أولى به ، وهو تفسير قول مالك في الموطأ] .
وقال ابن نافع في غير هذا الكتاب إنما ينظر إلى قيمته يوم [الحكم إذا كان الرهن قائما ، فإما إن ملك إنما ينظر إلى قيمته] يوم قبضه ، ويصدق في قيمته مع يمينه ، ويصدق من دعواه في الحق إلى مبلغ ذلك .
وقال مالك في الموطأ : إن قال الراهن هو في عشرة ، وقال المرتهن في عشرين ، وقيمة/الرهن عشرون ، حلف المرتهن ثم كان له أخذ الرهن بحقه إلا أن يشاء الراهن أن يعطيه عشرين وأخذه .
[10/230]
***(1/227)
[10/231]
في كتاب ابن عبدوس : قال : وإذا كان الرهن قائما والرهن يسوى أكثر مما قال الراهن وأقل مما قال المرتهن ، فإن شاء أن يعطي ما قال المرتهن وإلا بعت الرهن أو دفعت إليه من ثمنه ما ذكر ، قال ابن المواز : إذا كان الرهن يسوى عشرة ، وهي ادعى المرتهن أو أكثر ، لم تكن اليمين إلا عليه وحده ، وإن كان الرهن يسوى ما قال الراهن فأقل ، لم يحلف إلا الراهن وحده ، لأن يمين المرتهن لا تنفعه ، فإن كانت قيمته أكثر مما أقر به الراهن ، أقل مما ادعى المرتهن ، فها هنا يحلفان ، يبدأ بالمرتهن باليمين ، لأن الرهن كالشاهد له على قيمته ، فإن حلف فليحلف الآخر ، فإن نكل لزمه كل ما ادعاه المرتهن وحلف عليه ، وإن كان أكثر من قيمة الرهن أضعافا ، فإن حلف برئ من الزيادة ، والمرتهن أولى بالرهن ، إلا أن يدفع إليه الراهن قيمته ويأخذ رهنه فذلك له ، ولا حجة للمرتهن أن يقول : لا أدفعه إليك إلا بحقي ، ولكن لو قال المرتهن من أول : لا أحلف إلا على مقدار قيمته ، إذ لا آخذه إلا بقيمته . فذلك إليه ، فإن نكل المرتهن عن اليمين بما ادعى ، أو بمبلغ قيمة الرهن حلف الراهن ولم يغرم إلا ما حلف عليه ، فإن نكل فعليه قيمة الرهن فقط ، إن أحب أخذ رهنه ، وإلا فالمرتهن أولى به ويكونان إذا نكلا بمنزلتهما إذا حلفا ، قال : ولا ألزم الراهن إذا نكل ما ادعاه المرتهن كاملا ، لأني إنما أحلف المرتهن في الابتداء ليستوجب ما بينه وبين قيمة الرهن لا ما زاد على ذلك ، لأن الراهن إنما يشهد له/بمبلغ ذلك ، والراهن إنما استحلفه للزيادة على قيمة الرهن ، فلما نكل لم ألزمه الزيادة حتى يحلف عليها مدعيها ، فلما تقدم نكوله عنها لم يكن له منها شيء ورجعا إلى قيمة الرهن ، بخلاف من أقام شاهدا فنكل عن اليمين معه ، فأحلف المدعى عليه فنكل ، هذا يغرم الجميع ، لأن الشاهد يشهد له بجميع الدين .
ومن العتبية : قال أصبغ في المتراهنين يختلفان في الدين فيقول المرتهن : هو رهن بمائة دينار ، وقيمة الرهن مائة دينار فأكثر ، وقال الراهن : بل بمائة إردب
[10/231]
***(1/228)
[10/232]
من قمح بيعا أو قرضا ، فإن كانت المائة إردب هي أكثر من مائة من مائة دينار ، فالراهن مصدق ، وتؤخذ منه وتباع ، ويوفي هذا مائة ، وإن كانت أقل فالمرتهن مصدق كما أصدقه في كثرة النوع إن سوى الرهن ما قال ، كان اختلافهما في نوعين أو في نوع واحد من جميع الأشياء .
ومن كتاب محمد : وإذا تصادقا أن له عنده ألفا وبيده رهن قيمته خمسمائة ، فقال الراهن : هو بخمسمائة رهنا وخمسمائة بلا رهن فيها ، فخذ مني الخمسمائة وأجل الألف لم يحل فخذها ، وقال المرتهن : بل هو في ألف كله ، قال ابن القاسم : القول قول الراهن ويحلف ، وقال أشهب : لا يأخذ الرهن حتى يدفع الألف كلها بعد يمين المرتهن ، قال محمد : والصواب قول ابن القاسم .
في الراهن يقول : رهنتك هذا الثوب ، ويقول المرتهن : بل هذا ، أو قال : رددت الثوب ، وجحد ذلك الراهن ، أو رد الرهن ، وادعى أن حقه لم يقبضه
من كتاب ابن المواز : قال مالك في الرهن يضيع عند المرتهن فاختلفا/في مصفته ، واتفقا في الدين ، فالمرتهن مصدق يصفه ويحلف ، ويقول ما وصف أهل المعرفة ، فإن نقصت عن الدين ودي الراهن ما بقي . قال محمد : يقبل قوله ، وإن كانت قيمة ذلك يسيرة ، إلا في قول أشهب فقال : إلا أن يتبين كذبه لعلة ما ذكر حدا .
ومن العتبية : قال أصبغ فيمن رهن رهنا بألف دينار فجاء ليقضيه فأخرج رهنا يسوى مائة دينار ، وقال الراهن : قيمة رهني ألف وذكر صفة تشبه
[10/232]
***(1/229)
[10/233]
ألفا وليس هو هذا ، فالراهن مصدق ويحلف لأنه ادعى ما يشبه ، وادعى المرتهن ما لا يشبه ، ويحلف الراهن على صفة ثوبه ويسقط عنه من الدين مقدار قيمته ، وقال أشهب : القول قول المرتهن وإن لم يساو إلا درهما واحدا . وليس هذا بشيء ، قال ابن حبيب : قال ابن عبد الحكم : القول قول المرتهن ، وذكر عن أصبغ ما ذكر العتبى ، وأخذ ابن حبيب بقول ابن عبد الحكم .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في الراهن يقول : رهنتك ثوبا جديدا ، وقال المرتهن : كان خلقا ، وهو هذا ، واتفقا في مبلغ الدين ، فالمرتهن مصدق مع يمينه .
وقال ابن القاسم : من ارتهن وهنا بغير بينة ثم زعم أنه قد رده إلى صاحبه وأخذ الذين فأنكر الراهن رده ، فليحلف الراهن ويضمن المرتهن الرهن .
ومن سماع ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز في الراهن يقبض الرهن ، ثم قام المرتهن يطلب دينه أو بعضه فليحلف الراهن ولا شيء عليه وقال سحنون في العبية : إن ادعي الراهن أنه لم يقبض الرهن إلا/بعد دفع الحق ، وقال المرتهن : بل سرقته مني ، أو اختلسته ، أو أعرتك إياه ، أو دفته إليك على أن تأتيني بحقي ، فالقول قول المرتهن بجميع ما ذكر من العذر إذا كان قيامه يحدثان حلول الأجل مع يمينه ، فإن تكل حلف الراهن وبرئ كالصانع يقوم بالأجر يحدثان دفع المتاع ، قال : ولو كان الحق حالا متي شاء الطالب أخذه فأبقى الحق بيد الراهن فقال : قبضته منذ أشهر ودفعت إليه الحق ، وقال المرتهن : دفته إليه بالأمس ، فإنه يكشف عن ذلك فإن عرف كان الأمر على ما ذكرنا ، وإن جهل فالمرتهن مصدق مع بيمنه ، لأن قيامه عليه كحلول الأجل ، فإن تكل حلف الراهن وبرئ .
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم في امرأة ارتهنت حليا لها فرهنه المرتهن عند غيره ، فكسره وباعه ، وادعت صاحبته فيه مالا ، فإن كانت لها بينة وإلا حلف الذي كسره على ما وجد فيه ، قال محمد : بل يحلف المرتهن الأول للمرأة لأنها نقول : لا أثق إلا بيمين صاحبي ، ويحلف الثاني أيضًا لها ، لو افتات المرتهن فباعه ، وقال : بعته بأقل من حقي ، وادعى الراهن أن فيه أكثر ، فإن لم تكن بينه ، ولا تعرف للرهن صفة ، فالمرتهن مصدق مع يمينه .
في المرتهن يموت وبيده رهن
لا يعلم ورثته في كم هو ، ويدعي الراهن أنه في كذا ، أو قال : لا أدري ، أو قال : وديت بعض الذين
من كتاب ابن المواز ، ومن العتبية من سماع ابن القاسم ، وعمن هلك وعنده سيف رهن قيمته خمسة دنانير ، وقال ربه : وهنته ذلك في دينارا ، ولو قال : رهنته بخمسة وقضيت أربعة ، لم يصدق ، ولا يأخذه حتى يؤدي خمسة إذا كان يسوي خمسة ، قال ابن القسم : لإقراره بأصل الحق ، قال محمد : سوى السيف خمسة أو دينارا أو أقل ، قال محمد : وأرى يمين الراهن ضعيفة ، إذ لا يدفع أحد قوله فيما أدعى أنه رهنه فيه ، يريد محمد : في مسألته إذا قال : رهنته في دينار ، ورواها سحنون عن أشهب في العتبية ، وقال : إن سوى الرهن عشرة وادعى الراهن أنه أرهنه في دينار ، وذكر مثل الجواب .
[10/233]
***(1/230)
[10/235]
قال سحنون : وإن قال : كان الدين عشرة قضيت منها خمسة ، فعليه عشرة ، ويحلف من كان بالغا من الورثة يظن به ذلك : أنه ما علم أن أباه اقتضى منه شيئا ، ولا يمين على صغير أو غائب .
وقال أشهب في كتاب ابن المواز : إن ادعى الورثة أنه مرهون بأكثر مما أقر به صاحب الرهن ، فالورثة بمثابة الميت يحلفون إن أيقنوا ويصدقون إلى مبلغ قيمة الرهن ، وكذلك لو سمى الميت ما ارتهنه به أقام الورثة مقامه ، فإن كان الورثة ها هنا صغارا ، وأنكر الراهن ما سمى الميت ، فإن شاء أن يدفع ما أقر به مع يمينه ، ثم لا يأخذ كبارا حلف الكبير وقضى له بقدر مصابته ، إلا أن يدفع إليه الراهن قيمة مصابة هذا الكبير الحالف من الرهن ، ثم يحاص للراهن من رهنه بقدر مصابة الحالف ويغرم من مصابة الصغير على قدر ما أقر به ، ويوقف مصابة الصغير حتى يكبر ويحلف ويستحق مثل/ما استحق الكبير .
ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز فيمن جاء بسيف إلى ورثة رجل فقال : إن أباكم رهنني هذا بكذا ، فقالوا : ما نعلم ما تدعي من الدين فادفع إلينا سيف أبينا ، قال : إن أقام بينة وإلا دفع إليهم السيف وحلف منهم من يظن به علم ذلك على علمه .
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن بيده سوار رهن ، وغاب عنه وعن الراهن في كم هو رهن ، فليدفع ربه قيمة الرهن ، ثم هو أعلم بعد إن شاء أخذ وإن شاء ترك ، ولكن لا يأخذه إلا بعد دفع قيمته .
ومن كتاب ابن المواز : قال أصبغ : قال ابن القاسم : ومن أوصى أن له قبل فلان مائة دينار بذكر حق ، ومائة أخرى برهن هذا المتاع ، وقال الراهن : ليس له علي إلا لمائة التي يذكر الحق والرهن بها رهن ، ولم أشهد على ذلك ، وليس في
[10/235]
***(1/231)
[10/236]
الذكر الحق رهن مكتوب ، فقال مرة : القول قول الراهن ، لأنه لو قال : هو رديعة لكان القول قوله ، قلت : إن هذا لم يقر برهن ، ومسألتي قد أقر أنه رهن ، إلا أنه ادعى أنه في ذكر الحق ، والذكر الحق لايحتاج فيه إلى إقراره فيها ولا في الرهن ، فهو مدع ، ففكر ثم رجع فقال : تلزمه المائتان جميعا ، لأنه صدقه أن متاعه رهن ، قال : فإن كان لا يسوى فليس عليه فيه إلا مبلغ قيمة الرهن ، يريد : بعد اليمين .
في الرهن يدعى أحدهما أنه رهن ، ويقول الآخر فيه المبايعة
قال ابن حبيب عن أصبغ في الرهن يقول المرتهن : [فيها نظرا رآه ، يريد : القول قول المرتهن في أخذه الدراهم ، لا على أن المرتهن حكم الرهان لأنه يكون أحق به من الغرماء] ، قال : ولو قال صاحبه : بعتكه ولم انتقد ، وقال الآخر : بل بعتنيه بكذا ، وقد دفعت إليك ذلك ، فلا قول لواحد منهما ، وترجع السلعة إلى ربها .
قال أصبغ : وإذا قال رب الثوب : رهنته عندك بخمسة ، وقال الذي هو في يديه : بعته مني بعشرة ، فالقول قول مدعي الرهن مع يمينه .
في اختلاف الراهن والمرتهن مع الرسول في الدين والقبض
من كتاب ابن المواز : ومن العتبية من سماع ابن القاسم ، قال مالك فيمن بعث مع رسول ثوبا ليرهنه ، فطلب المرتهن عشرة ، وقال الباعث : أوصل إلي خمسة وبها أمرته ، وأقر الرسول أو أنكر ، فإن كان الثواب يسوى عشرة لم يأخذه
[10/236]
***(1/232)
[10/237]
إلا حتى يؤدي عشرة ، قال محمد : أو قيمة الثوب ، قال مالك : ويكون للآمر الرجوع على الرسول بخمسة ، إلا أن يزعم أنه دفع إلى الآمر عشرة فيحلف وييرأ فأن قال الرسول : لم آخذ من المرتهن إلا خمسة حلف وبرئ ، ومصيبته تمام العشرة من الآمر . وقاله ابن القاسم .
قال في كتاب محمد : وإن ادعى عشرين وأقر الآمر بخمسة ، فقال الرسول : بخمسة عشر وقيمة الثوب عشرة ، فليحلف المرتهن ، ثم يحلف رب الثوب ، فإن شاء الآمر ثوبه فليؤد عشرة ، ثم يحلف الرسول يمينين ، ويغرم خمسة التي زادت على قيمة الثوب ، وأنه أقر أنه قبض من الآمر خمسة عشر من المرتهن ، ويحلف الأمر بيمين : لقد أوصل إليه عشرة ، وأخرى للمرتهن : أني ما قبضت منك إلا خمسة عشر .
ومن العتبية : قال سحنون وعيسى بن دينار ، ورواه عيسى عن ابن القاسم : وإذا قال الراهن بخمسة أمرته ، وأقام بينة وصدقه الرسول ، غرم خمسة وأخذ رهنه ، وحلف الرسول للمرتهن فبرئ ، ولم يطالبه المرتهن بشيء ، وإن لم تكن بينة وقال المرتهن : بعشرة ، فالمرتهن مصدق فيما بينه وبين قيمة الرهن مع يمينه ، ثم يقال للآمر : افتك رهنك بقيمته ، أو دعه بما فيه ، فإن كانت دعوى المرتهن أكثر من قيمة الرهن أحلف الرسول : ما أرهنه إلا بخمسة ، وبرئ ، ولم يطالبه الأمر ولا المرتهن بشيء [كثرت أو قلت] ، قلت لابن القاسم : فإذا أقام الراهن بينة وأخذ رهنه وودى خمسة لم لا يرجع المرتهن على الرسول بخمسة إذا كان الرهن يسوى عشرة ؟ قال : لأن الرهن الذي كان يصدق به قد انتزع منه بالبينة ، فإنما هو مدع لا حجة له بقيمة الرهن ، وقد حلف له الرسول ، وكل رهن استحق فأخرج من يد المرتهن فلم يبق له ما يصدق قوله به ، فالقول فيه قول الراهن مع يمينه فيما
[10/237]
***(1/233)
[10/238]
يقول : إنه رهنه فيه ، وقد قال مالك : إذا مات العبد الرهن وكان قيمته عشرة ، وقال المرتهن : هو في عشرة ، وقال الراهن في دينارين : إن الراهن مصدق مع يمينه ، وكل رهن رهنه رجل وكان عنده وديعة أو عارية فاستحقه ربه فأخذه ، فإنه يرجع القول قول الراهن في الدين ، يحلف . هذا قولنا ، وقول العراقيين أجمع : إن المرتهن مدع ، وإن كان الرهن قائما بيده وفي قيمته ما يدعى ، وكذلك من مات وبيده رهن فقال/لورثته : هو رهن لفلان ، ولم يذكر في كم هو رهن ، فإن القول قول الراهن في الدين مع يمينه ، ولا ينظر إلى قيمة الرهن في هذا ، ولو قال الرسول : أمرني بخمسة ، فرهنته بعشرة ، وللآمر بينة فليؤدى خمسة ويأخذ رهنه ، واتبع المرتهن الرسول بخمسة إن لم تكن بينة ، وله بينة على أن ارهن له أحلف : ما أمرته إلا بخمسة ، ثم غرم قيمة الرهن إن كانت ما بينه وبين عشرة ، وأخذ رهنه ، واتبع المرتهن الرسول بما نقص من العشرة ، واتبعه الراهن بما غرم من فوق خمسة ، ولو قال الرسول : أمرني بعشرة ، وقال الآمر : بخمسة ، حلف الرسول ، وإن شاء هو أن يفتك رهنه فعل ، فإن فداه لم يتبع الرسول إذا حلف : أنه أمره بعشرة بشيء .
قال عيسى عن ابن القاسم : وإن قال الرسول : رهنته بخمسة ، وصدقه المرتهن ، وقال الراهن : أمرتك بدينارين ، فإن كان للراهن بينة ودي دينارين وأخذ رهنه ، واتبع بدينارين ، وقال الرسول بثلثه ، وإن لم تكن بينة بما أمره به وله بينة أن الرهن له ، وقال : أمرته بدينارين ، وقال الرسول : أمرتني بدينارين ورهنته بخمسة أحلف يعني : الراهن أنه لم يأمره إلا بدينارين وغرم قيمة الرهن إن كانت قيمة أقل من خمسة ، واتبع المرتهن الرسول بما نقص من الخمسة دنانير ، واتبعه الراهن بما غرم فوق دينارين التي زعم أنه رهنه بها ، وإن قال الرسول : أمرني بخمسة ، وقال الآمر : لم آمرك إلا بدينارين ، فالرسول مصدق مع يمينه ، وقيل لهذا : افد رهنك أو فدعه ، فإن فداه لم يتبع الرسول/بشيء إذا حلف : أنه أمره بخمسة .
[10/238]
***(1/234)
[10/239]
ومن كتاب ابن المواز : ومن رهن رهنا بدينار فرهنه المرتهن عبدا آخر في ثلاثة ، ثم مات المرتهن الأول ، ثم قام صاحبه ، فإن وجد بينة أخذ رهنه ودفع دينارا إلى الثاني ، فإن كان للثاني بينة اتبع الميت بدينارين ، قال أصبغ : وإن لم تكن له بينة لم يصدق إن عرف أنه رهن في يديه ، ولم يكن الرهن ها هنا شاهدا يصدق فيه إلى مبلغ قيمته ، لأن الرهن قد بطل عنه ، وهو كموت الرهن ، ثم اختلف فلا يكون الرهن إذا مات شاهدا ، وقاله ابن القاسم في موت الرهن .
جامع أقضية في الرهان وفي التداعي فيها ، وباقي مسائل مختلفة في الرهون
من العتبية من سماع ابن القاسم ، وعن رجل أسلف رجلا مالا وأخذ منه دارا رهنا جعلها على يد رجل ، وضمن له الرجل ما نقص من الرهن ، ثم أسلفه مالا آخر ورهنه رهنا آخر وبضعه بيد الرجل بلا حمالة ، ثم قضاه بعض حقه ، ثم اختلفا ، فقال : قضيتك من حق الحمالة وعرفتك ذلك ، وقال القابض : بل هو من الحق الآخر ، قال : يقسم ما قبض بينهما ، وإن كان الأول ستون والثاني ثلاثون جعل للأول ثلثي ما قبض بالحصص .
وروى عيسى عن ابن القاسم ، وعن من باع بيعا وأخذ بالثمن رهنا ، وشرط أن يجعله بيد عدل ، ثم زعم المرتهن أن الرهن ضاع بيد الأمين ، وصدقه الأمين ، وقال الراهن : لم/تضعه عند أحد ، وإنما هلك بيدك ولا بينة له : أنه وضعه عند أحد ، قال : إن كان الذي وضعه على يده عدلا ، فلا ضمان عليه ، ويرجع بجميع حقه على الراهن ، وذكر ابن حبيب عن اصبغ عن ابن القاسم مثله ، وقال أصبغ : أراه ضامنا ، وإن أقر له الأمين ، ولا يبرأ ببينة على دفع ذلك إليه ، وبه أخذ ابن دينار .
[10/239]
***(1/235)
[10/240]
ومن كتاب ابن المواز : إذا اشترى المقارض بجميع مال القراض عبدا ثم ابتاع عبدا آخر بدين ورهن فيه الأول ، فإن اشترى الثاني لنفسه فلا رهن في الأول وليأته برهن غيره ، إلا أن يعلم المرتهن أنه لغيره فلا رهن ، وإن اشتراه للقراض فلرب المال أن يجيره فيصير رهنا أو يرده فيسقط الرهن .
ومن المجموعة : قال ابن وهب : قال مالك : ومن رهن جارية عبد له أن رهنهما جميعا فليس للعبد أن يطأها ، قال أشهب : لأن الراهن قد كان يملك أن يمنع عبده أن يطأها وأن يمنع نفسه ذلك منها ، ومن وطئها منهما فقد فسد الرهن بذلك ، ووطء السيد أشد إفسادا لرهنك .
قال ابن وهب : قال مالك : وإن قام غرماء العبد على ما فضل من ثمن الجارية عن ما رهنها به السيد فلهم أخذ ذلك الفضل . قال أشبه : ولو كان إنما رهن العبد وحده فله أن يطأ جواريه وهو مرهون بخلاف وطء الجارية الرهن .
ومن ارتهن عبدا على أنه إن لم يوفه حقه إلى أجل كذا فالرهن له بحقه ، لم يجز ، وإن حل الأجل فأخذه فسخ ذلك ، وإن فات في يده فعليه قيمته/قيل : يوم فات ، وقيل : قيمته يوم حل الأجل ، قال ابن عبد الحكم : وهذا أحب إلينا .
ومن كتاب ابن المواز : ومن أسلم في طعام أو عروض وأخذ رهنا يغاب عليه فهلك الرهن ، فأرادا أن يتتاركا ، فإن كان السلم في عروض ورأس المال عينا ، والرهن عروض فذلك جائز ، وإن كان الرهن عينا لم يجز ، إلا أن يكون مثل رأس مالك سواء ، وإن كان المسلم في طعام لم يجز كائن ما كان رأس المال ، وكائن ما كان الرهن ، لأنه وإن كان قيمة الرهن مثل رأس المال ، لأنه إنما ضمنه لغيبة أمره ، فإما أن يكون لم يتلف فلا يجل لك أخذه من الطعام ، أو يكون هلك فلا شيء عليك ، والطعام لك ، ولو كان للذي لك عليه القمح على رجل عشرة دنانير فأحاله بها عليك ، فلا بأس أن يقابله بها .
[10/240]
***(1/236)
[10/241]
وروى ابن القاسم عن مالك فيمن تعلق بمديانه وقد أراد فأعطاه رهنا ، والدين محيط به ، فاختلف فيه قول مالك ، فقال : لا يكون أولى به ، ثم رجع فقال : هو أولى .
قال محمد : ولا يحوز رهن المريض بدين عليه متقدما رهنا ، ويجوز أن يرهن بدين يستأنفه كشرائه ، ولا يقضي بعض غرمائه دون بعض .
قال أحمد وقد اختلف فيها قول مالك ، فقال مرة في إقرار المريض : ليس المليء كالمعدم ، ثم رجع فقال : إقراره جائز إلا لمن يتهم عليه .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن باع أرضا بثمن إلى أجل ، يأخذ في كل شهر دينارا ، وإذا حل الأجل أعطاه باقي الثمن ، وجعلها له رهنا بيد رجل ، فمات/المشتري قبل الأجل ، قال : حل ما عليه وتباع الأرض ، والمرتهن أولى بثمنها من الغرماء ، فيأخذ ما بقي له .
وعمن رهن سوارين لامرأته بغير أمرها فلما علمت قامت فيهما ، فقال : سأفتكهما لك ، فسكتت زمانا ترجو ذلك ، فلم يفتكهما ، فقامت على المرتهن لتأخذهما ، فإن قامت بحدثان ما علمت فذلك لها ، وتحلف : ما أذنت ولا علمت ، وإن تطاول ذلك بعد علمها فلا قيام لها ، قال عنه أصبغ : إذا أنكرت حين علمت ، فوعدها أن يفتكه فسكتت حتى مات الزوج ، قال : تحلف : ما رضيت ولا سكتت تركا لها ، وتأخذه حيث وجدته ويتبع المرتهن مال الميت . قال أصبغ : وذلك إذا عرف أن ذلك لها .
ومن سماع ابن القاسم : ومن باع من عبده سلعة بدين وأخذ منه رهنا فلحق العبد دين ، فإن كان دين السيد معروفا ببينة ، وكان دينه بقدر مال العبد ، فهو
[10/241]
***(1/237)
[10/242]
أحق بالرهن وإن كان على غير ذلك ، وإن قامت له بينة لم يكن أحق به من الغرماء .
قال عيسى : يفسخ البيع رهنه لما لم يكن على وجه البيع وكان على وجه التأليج فيحاص بقيمة ما باع من عبده الغرماء فيما ارتهن وفيها بقي ، ولا يكون أولى بالرهن ، وهو بخلاف الأجنبي .
قال سحنون : إذا ثبتت المحاباة في العبد فالرهن له رهن بقيمة السلعة دون الزيادة ، وتبطل الزيادة .
قال سحنون : سئل مالك عمن ارتهن شقصا من ارض فحل الأجل فأراد شراء بدينه ، فخاف من الشفعة وأكرى/منه الشقص سنين يقاصه في الكراء بدينه فلا خير فيه .
وروى أشهب عن مالك فيمن ترك رهانا لها زمانا ، ولا يدري أهلها ، لا في كم هي ، وقام غرماء ، قال : تباع هذه الرهون وينتظر أصحابها سنة ، وبقدر ما يرى مما يرجي ، فإن لم يأت أحد قصى الغرماء أثمانها ، ثم إن استحق أحد منها شيئا رجع بما وجب له على الغرماء .
ومن سماع ابن القاسم : قال مالك : ومن ترك رهنا في دين عليه وليس له ما يكفن فيه ، فالدين أولى به من الكفن ، قال سحنون : إلا أن يكون فيه فضل ، وإلا فهو من فقراء المسلمين ، قال في كتاب آخر : وإن لم يكن رهنا فالكفن أولى من الدين . قال غيره : ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث .
[10/242]
***(1/238)
[10/243]
ومن سماع ابن القاسم : ومن عليه دين فأعطى به رهنا حائطا له ، وحلف بالطلاق : ليوفينه إلى أجل كذا ، فقرت أجله وخاف الحنث ولم يجد فباع منه الحائط بدينه ، ثم قام عليه بعد ذلك وقال : إنما خفت الحنث وأنا أظن أنك ترده إلي ، وقال الآخر : قد ابتعت بالبينة ، قال مالك : إن طابت نفسه بالحنث نظر فإن كان مال رابح كثير الفضل لا يشبه تغابن الناس فليرد عليه حائطه ، ويقضه هذا دينه ويحنث .
[10/243]
***(1/239)
[10/245]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه
كتاب الإكراه القول في الإكراه على القول وعلى الفعل
/من كتاب ابن سحنون ومن غيره : قال الله تبارك وتعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) وقال : ( إلا أن تتقوا منهم تقه ) ، وقال النبي عليه السلام لعمار بن ياسر لما فتنه المشركون حتى تكلم بالكفر ، فقال له : إن عادوا فعد . وروي أن فيه نزلت الآية ، قاله قتادة وغيره ، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر حتى أمسى يقولون له أكفر بمحمد وأشرك ، فتابعهم على ذلك فأنزل الله الآية ، وروي أن النبي عليه السلام قال : حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه . [ابن حبيب] عن مطرف وابن الماجشون عن مسلم بن خلف عن سعيد بن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي عليه السلام .
[10/245]
***(1/240)
[10/246]
وروي ابن وهب عن النبي عليه السلام قال : من خشي سوطين فليعط ما سئل . وقال ابن مسعود : ما من كلام يدرا عني سوطين إلا كنت متكلما به .
قال ابن سحنون : روي عن ابن عباس أنه قال : إنما الرخصة في القول لا في ترك العمل من شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير ، أو أن تصلي إلى غير القبلة .
وقال مسروق : من اضطر إلى شيء مما حرم الله فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النار .
قال الأوزاعي : إذا فتن الأسير على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، فذلك له في القرآن ، وليس له أن يصدق الكفر بعمل من سجوده لصليب أو وثن أو شرب خمر ، أو أكل خنزير ، فإن أرادوه على هذا فليخير القتل ولا/يفعل ، وقاله قتادة .
وقال سحنون في كتاب السير : إنه يسعه أن يفعل ذلك كله كما يسعه في القول .
وقال الأوزاعي : إن أمر الأسير سيده أن يسقيه الخمر قال : لا يفعل وإن قتل . وقال سحنون : بل يسقيه إن خاف القتل أو قطع جارحة له ، قيل : فأي ذلك أفضل ؟ قال : يسقيه إن خاف القتل أو خاف ضربا يحشى منه الموت ، وإلا فلا ، ثم رجع فقال مثل قول الأوزاعي .
ومن كتاب الإكراه لابن سحنون : قال الحسن ومكحول : يكره على القول والعمل وهو يسر الإيمان .
[10/246]
***(1/241)
[10/247]
قال الوليد : وروي أن المسلمين لما فتحوا تستر ، تقدموا إلى غيرها فتركوا بها ناسا من المسلمين ، فهددتهم فارس وأوقد دهقان لهم نارا ، وعرض عليهم الخمر ولحم الخنزير ، فمن لم يأكل منهم قذفه في التنور ، فأتي برجل يقال له سهيت بن حارث فأبي أن يأكل فألقي في التنور ، فبلغ ذلك عمر فقال : وما كان سهيت أن يأكل .
قال ابن حبيب : حدثني علي بن معبد عن محمد بن الحسن قال في الرجل يقال له : اسجد إلى هذا الصنم وإلا قتلناك ، قال : إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ، وتكون نيته لله سبحانه ، وإن كان إلى غير القبلة فلا ، وإن قتلوه . قال ابن حبيب : وهو قول حسن .
قال ابن حبيب عن مطرف في المستكره لا يلزمه ما استكره عليه من بيع ، أو طلاق ، أو عتاق .
وكذلك إذا أكره على شرب الخمر ، أو الإفطار في رمضان ، أو ترك/الصلاة ، فذلك موضوع عنه الماثم فيه ، وقاله لي عبد الله ابن عبد الحكم وأصبغ ، وروياه عن ابن القاسم عن مالك .
ومن كتاب ابن سحنون في سلطان أو لصوص أكرهوا رجلا بوعيد بقتل ، أو قطع عضو ، أو ضرب ، أو سجن على شرب الخمر ، أو أكل الميتة أو لحم الخنزير ، فإنه يسعه أن يفعل ذلك .
قال سحنون : وترك ذلك أفضل ، وإنما الإكراه في القول . قال ابن سحنون : وقال من خالفنا : إذا هدد بقتل أو قطع بضرب يخاف منه التلف حتى يشرب الخمر أو يأكل الخنزير فذلك له ، فإن لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون آثما ، وهو كالمضطر إلى أكل الميتة أو شرب الخمر غير باغ ولا عاد ، فإذا خاف على نفسه الموت فلم يأكل ولم يشرب حتى مات أثم ، ولا يشبه هذا الكفر وقذف المسلم ، لأن
[10/247]
***(1/242)
[10/248]
هذا فيه رخصة وتركه أفضل ، ولم يجعل في الضرورة حلالا كما جعلت الميتة ولحم الخنزير حلالا ، وبينها حرم الخمر بالنهي ، فإذا جاءت الضرورة صار مثل ما لم ينه عنه ، والكفر لا يحل في حال من الأحوال ، وإنما فيه رخصة في الضرورة قولا بلسانه ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، وكذلك القذف فيه وخصة في الضرورة .
قال سحنون : وإذا لم يفعل ما أكره عليه من شرب الخمر/وأكل الخنزير حتى قتل وسعه ذلك ، وكان مأجورا كالكفر والقذف يكره عليهما ، قال محمد : لأن الله أباح له الكفر بضرورة الإكراه ، وأبا ح له الميتة ولحم الخنزير بالضرورة إليهما ، وأجمعنا أن له ترك الرخصة في قول الكفر ، فكذلك يلزم مخالفنا أن يقول : له ترك قبول الرخصة في الميتة ولحم الخنزير ، ولا يكون معينا على نفسه ، وأما قولهم إن الكفر والقذف لم يجعل حلالا في الضرورة ، وإن الميتة حلال في الضرورة ، فقد أفسدوا هذه العلة بقولهم معنا في المكره بوعيد بقتل أو قطع ، على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إلى المكره له : إنه في سعة في ذلك ، لأنه كالمضطر ، ويضمن الآمر ولا ضمان على المأمون ، وإن أبى أن يأخذه حتى قتله ، كان عندنا في سعة ، قالا جميعا : وكذلك لو أمره بذلك أمرا وهو يخاف إن لم يفعل ناله ما وصفنا ، قال غيرنا : ولم يتهدده : أنه من ذلك في سعة إن فعل ، وقال غيرنا : إذا أكره بتهديه بقتل أو قطع عضو أو ضرب يخاف منه التلف على أن يقذف مسلما ففعل .
رجونا أن يكون في سعة ، وهذا من القول كما لو أكره على القول بالكفر أو شتم النبي عليه السلام ، ولم يقل الكفر ولا يشم النبي عليه السلام حتى قتل كان مأجورا .
قال محمد ، وقال سحنون وغيره من أصحابنا : إذا أكره بوعيد بقتل أو قطع عضو ، أو بضرب يخاف منه تلف بعض أعضائه ولا يخاف تلف نفسه ، أو بقيد أو بسجن على أن يكفر بالله أو يشتم/النبي عليه السلام أو يقذف مسلما لم يسعه ذلك ، وإنما يسعه ذلك عم خوف القتل لا بغير ذلك وله أن يصبر حتى يقتل ولا يفعل ذلك وهو مأجور وهو أفضل له .
[10/248]
***(1/243)
[10/249]
قال سحنون : وكذلك لو أكره بما ذكرنا على أكل الميتة ولحم الخنزير أو شرب الخمر لم يسعه أن يفعل ذلك إلا لخوف القتل فقط .
وذكر ابن سحنون أن أصحابنا وغيرهم أجمعوا أنه لا يسعه قتل غيره من المسلمين ، ولا قطع يده بالإكراه ولا على أن يزني ، وأما على قطع يد نفسه فيسعه ذلك ، ويستوعب القول في هذا في أبوابه بعد هذا إن شاء الله ، وفي باب ما يكون إكراها من هذا المعنى .
فيما يكون إكراها يعذر به ، وما لا يكون إكراها ، وكيف إن هدد أو أمرا ، وفي الدراية باليمين عن نفسه أو ماله أو لده أو غيره
من كتاب ابن سحنون : روى ابن وهب أن النبي عليه السلام قال : من خشي سوطين فليعط ما يسأل .
وقال ابن مسعود : ما من كلام يدر أعنى سوطين إلا كنت متكلما به ، قال ابن سحنون : يعني إن كان للسوطين ألم وشدة وإن لم يكن فيهما تلف لبعض أعضائه .
قال : وفي إجماعهم على أن الألم والوجع والشدة إكراه ما يدل على أن الإكراه يكون من غير تلف نفس أو عضو .
وقال مالك وأصحابه : إكراه السلطان وغيره إكراه ، وإكراه الزوج إكراه/والإكراه عندهم بالضرب إكراه ، والتهديد بالقتل أو الضرب أو بالسحن أو بالقيد إكراه ، وليس في الضرب ولا في السجن توقيت ، وإنما هو ما كان يؤلم من الضرب وما كان من السجن يدخل منه الضيق على المكره قل ذلك أو كثر ، وكثير الحبس
[10/249]
***(1/244)
[10/250]
ليس فيه نفس ولا عضو وإنما ذلك لضيق الحبس فالضيق يدخل في قليله وكثيره .
وقال أهل العراق : ولو أكرهه لصوص غالبون أو أهل ذمة غلبوا على بلد بوعيد بقتل أو قطع يد أو أذن أو ضرب مائة سوط أو أقل منها مما يخاف منه تلفا أو ذهاب عضو على شرب خمر أو أكل الميتة ولحم الخنزير : أن ذلك يسعه ، وأما بوعيد بضرب لا يخاف منه تلفا فلا ، وقال بعضهم : إن هدد بأدنى الحدود أربعين سوطا عذر لا بأقل منها .
وقال محمد : وهذه مجامعة منهم لنا بأن الإكراه من غير السلطان إكراه .
قالوا : ولو هددوه بسجن أو قيد لم يسعه ذلك لأنه لا يخاف من ذلك تلف نفس ولا عضو ، وإن هددوه بجوع فلا يفعل يأتي من الجوع ما يخاف منه التلف فيعذر حينئذ وقالوا : إذا هدد أو قطع عضو أو ضرب أو قيد أو سجن يقر لفلان درهم فأقر له فذلك باطل ، وفرقوا بين هذا وبين التهديد
بالقيد والحبس في أكل الميتة وشرب الخمر قالوا : لأن ذلك لا يحل إلا بالضرورة وهذا أبطلوه بالإكراه وإن لم تكن فيه ضرورة ، والقيد والحبس/لا يحد فيه حدا إلا ما فيه الإجتهاد على مايرد الحاكم أنه إكراه ، وفرقوا بين الضرب في أكل الميتة وبين القيد والسجن وجعلوا ذلك سواء في الإقرار بالدين والبيع وقالوا : لأن الضرب يخاف منه تلف النفس . فيقال لهم : فلم جعلتم القيد والسجن إكراه في الإقرار ولا يخاف فيه التلف ؟ ( وقولهم : إن الإكراه في أكل الميتة وشرب الخمر لا يكون إلا فيما فيه التلف ) حكاية لقولهم والعلة لا تكون إلا متفقا عليها ، وقد ناقضوا إذ جعلوا السجن والقيد إكراها في شيء ، وقول من قال منهم : لا يكون التهديد بالضرب بأقل من أربعين والتوقيت لا يكون إلا بخبر وعلته : أنه أقل
[10/250]
***(1/245)
[10/251]
الحد لا يصح ولو كان ذلك لزمه أن لا يكون التهديد بقطع أصبع علة لأن أدني ما يقطع في الحدود يد أو رجل .
ومن كتاب ابن حبيب : قال : وروى سفيان عن حذيفة أن فتنة السوط أشد من فتنة السيف وروى غيره عنه أنه قال : ما من كلام يدرا عني عشرين ضربة بسوط إلا كنت متكلما به .
وقال مجاهد : التقية أوسع مما بين السماء والأرض .
وقال الحسن : التقية جائزة إلى يوم القيامة .
قال ابن حبيب : قلت لمطرف : ما حد ضغط المضغوط الذي لا يلزمه بيع متاعه ؟ قال : أن يحبس أو يقيد أو يرهق يهدد بذلك وذلك يتوقع من ذلك الظالم وأخذه أموال الناس بالظلم وهتكهم بالضرب والرهق .
وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ وقال/مالك : القيد إكراه والسجن إكراه والوعيد المخوف إكراه كالضرب والرهق فلا يجوز لصاحبه معه بيع ولا يمين وكذلك بلغني عن إبراهيم النخعي مثله وقاله أصحابه مالك أجمع .
ومن ثمانية أبي زيد : قال ابن الماجشون في الإكراه في اليمين : وجه الإكراه : المخافة إذا أخيف مخافة بينة وسع صاحب اليمين ما وسع المكره ولا شيء عليه .
قال أصبغ : مدار المخافة على نفسه وبدنه فإن خاف إن لم يحلف نزل العذاب ببدنه من قتل أو ضرب أو عذاب إن لم يحلف نزل به لا شك في ذلك من أمارته وأسبابه أو قد بطش به ، فهذا مكره في جميع ما حلف فيه إن استحلف .
وأما إن لم يبلغ ذلك إلا وعيد لا يدري لعله تهديد لا عاقبة له فبدر فحلف فاليمين تلزمه ، والسجن إذا أفضى إليه فلم يخلص منه إلا بيمين فلا يمين عليه ، لأن
[10/251]
***(1/246)
[10/252]
الله سبحانه سماه عذابا ، وأما التخويف السجن فهو كالتخويف الذي لم يطله عذابه ولا يدري يعم أو لا يعم ؟ فأما خوفه على مال بتلف أوغيره فليس من هذا مثل أن يخلص ماله اليمين ولا يخاف على نفسه في ذلك شيئا ولا على غيره فليس من هذا . ومن قال : أصبغ لي على كذا وإلا أغرمتك مالا كذا أو عاقبتك في غير بدنك عقوبة توجعك فحلف كاذبا دراية عن ماله فهو حانث وإنما له الدراية عن بدنه ولا يسعه ذلك مخافة السجن يرد فإذا دخله كان كسائر عقوبة البدن ، فأما إن هدد بالسجن فلا يخلف حتى/يسجن .
وقال ابن حبيب عن مطرف : لا يسعه أو يقي عن ماله بيمينه ، وأما إن خاف إن لم يحلف عاقبه في بدنه إما بضرب أو سجن أو بعض المعرة فلا يلزمه اليمين ولا أحب أن يعجل باليمين حتى يرى موضع الشدة فيسعه اليمين ، وإن كان كاذبا ، وإن كان أصل ما استحلف عليه المال لأن ذلك يفضي إلى بدنه إن لم يحلف .
قال ابن الماجشون : تسعه الدارية من ماله بيمينه ولا يحنث وإن لم يخف على بدنه .
وقال ابن عبد الحكم وأصبغ كقول مطرف ، واخبراني أنه قول ابن القاسم ، وأنه ذكره عن مالك وبه يقول ابن حبيب ، قال ابن الماجشون : إلا ما كان من المال فادحا مثل السلطان يجتاح الرجل والقوم يعترضون لماله وشبه ذلك فلا يلزم فيه اليمين وقاله أصبغ .
قال أصبغ في ثمانية أبي زيد : وإن قال له سلطان : أحلف لي على كذا وكذا وإلا عاقبت ولدك أو بعض من يلزمه أمره فحلف له كاذبا قال : فهو حانث ، وإنما يعذر في الدراية عن نفسه ، وكذلك لو سأله عن رجل يريد عقوبته
[10/252]
***(1/247)
[10/253]
وحلفه : أنه ما يعرف موضعه فحلف له وهو يعرف موضعه : أنه حانث إلا أن يخاف إن لم يحلف عاقبه في بدنه فلا شيء عليه من يمينه .
وفي باب الإكراه على اليمين بقية هذا .
قال أبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري : وكل تحريم فيما بين العبد وبين الله سبحانه إذا جبر عليه الإنسان لم يلزمه وله أن يفعله متى خاف على نفسه من قتل أو ضرب أو ظلم يخافه على نفسه وأهله وماله وأشباه ذلك ، وأما على هتك حق آدمي وحرمته فلا يفعل ذلك لأن حرمته/ليست بأوكد من حرمة الآخر .
ومن العتبية : روى ابن القاسم عن ملاك في امرأة سألها زوجها أن تهبه حظها بالميراث منه من داره فأبت فحلف : إن لم تفعلي لأطبقن عليك ولا أتركك تأتي أهلك ولا يأتونك ما دمت حيا ، فلما رأت ذلك أشهدت له أنها وهبته ميراثها فأوصى فيه الهالك . قال : لها أن ترجع فيه . قيل : إنها إنما تدعي أنه قال لها ذلك بغير بينة لها أينفعها ذلك ؟ قال نعم وليس المرأة كغيرها من الورثة مثل الابن البائس المنقطع عن ابيه فهذا يلزمه ما صنع من ذلك .
وفي الباب الأول : أنه إذا أمره سلطان أن يأخذ مال فلان فيدفعه إليه ولم يهدده بعذاب إن لم يفعل وهو يخاف إن لم يفعل ما أمره به ، ناله منه عذاب في بدنه مثل أن يهدده ويسعه أن يأخذه فيدفعه إليه .
في المكره على طلاق أو عتق
من كتاب ابن سحنون : روى ابن وهب : أن ممن لم يجز طلاق المكره : عمر ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب و عبد الله بن عمر وابن عباس و عبد الله بن
[10/253]
***(1/248)
[10/254]
الزبير وقاله عطاء بن أبي رباح و عبد الله بن عبيد بن عمير ومجاهد وطاوس وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط والحسن البصري وشريح وهذا كله عنهم بروايات متصلة .
وروي عن عائشة أن النبي عليه السلام قال : لا طلاق ولا عتاق في غلاق ، قال معناه : في الإكراه .
قال ابن سحنون : وروى من خالفنا أن عمر بن عبد العزيز أجاز طلاق الكره وقد روينا عنه/أنه لم يجز طلاق الكره ولكن روي عنه أنه لم ير القيد إكراها فهو معنى ما روى مخالفنا عنه .
وروي مخالفا أن امرأة جلست على صدر زوجها بسكين فقالت : طلقني وإلا ذبحتك ففعل فقال النبي عليه السلام : لا قيلولة في الطلاق ، قال ابن سحنون : وهو حديث لا يثبت وعن مجهولين والحديث الذي ورينا في الإغلاق أصح .
وروي محمد بن الحسن أن عمر بن الخطاب أجاز نكاح المكره و ولنا عن عمر خلافه بإسناد أقوى من إسناده .
وروي عن ابن المسيب فيمن ضرب غلامه حتى طلق امرأته قال : بئس ما صنع وليس هذا مما يدل أنه ألزمه الطلاق .
وقال إبراهيم النخعي : طلاق المكره يلزمه كان بإكراه من السلطان أو من غيره .
وقاله أبو قلابة .
[10/254]
***(1/249)
[10/255]
وقال الشعبي إن أكرهه السلطان لزمه وإن أكرهه لص فلا شيء عليه .
وروي بعض الناس عن قتادة والزهري أنهما أجازا طلاق المكره وروي مخالفنا أن علي بن أبي طالب قال : كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه قال : فهذا قد دخل فيه المكره والمعني في هذا لو ثبت طلاق بطوع ولو كان على ما تأول لزمه أن يجيز طلاق الصبي والنائم والمعتوه وهو لا يراه .
وقد روي عن ابن السيب أنه أجاز طلاق الصبي إذا أحسن الصلاة وصام رمضان .
وروي ابن الحسن عن النبي عليه السلام مثل ما ذكر عن علي ولكنها روايات ضعيفة واهية ، ولو ثبت كان/معناه في الطوع كما خرج منه عند غيرنا طلاق الصبي والنائم والمعتوه .
قال غير ابن سحنون : وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة إجازته وإنما ثبت لهم عن بعض التابعين ولا يجوز أن يخالف الصحابة بقول تابع في قولنا وقول من خالفنا أن الصاحب لا يخالف إلا إلى قول صاحب مثله .
ومن كتاب ابن سحنون : قال من خالفنا في المكره بوعيد بقتل أو تلف على أن يطلق أو يعتق : أن ذلك يلزمه .
وقال مالك وأصحابه : لا يلزمه وقد أجمع أهل الصلاة على أن المشركين لو أكرهوا رجلا على أن يكفر بالله ففعل بلسانه ثم أتى فقال : إن قلبي حينئذ مطمئن بالإيمان وله زوجة حرة مسلمة أنها لا تحرم عليه .
وذكر ابن المنذر : أن أبا حنيفة يقول : تطلق عليه في ظاهر الحكم وأنه لا يكون مرتدا بذلك والردة فرقة بائنة وهذا يقضي على اختلافهم في طلاق المكره .
[10/255]
***(1/250)
[10/256]
وقال بعض من خالفنا : هذا استحسان ، والقياس أن يفرق بينهما ولكنا نستحسن أن لا يفرق بينهما .
وقال بعض البغدايين من أصحابنا : وجدنا الطلاق لا يلزم إلا بلفظ ونية والمكره لا نية له وإنما طلق بلسانه لا بقلبه فلما رفع الله عنه الكفر الذي تكلم به مكرها ولم يعتقده وجب رفع الطلاق لرفع النية فيه ، قال : والطلاق إن كان من حقوق الله فلا يلزم حتى تقارنه النية كما لم يلزم الكفر الذي لم تقارته نية ، وإن كان من حقوق الناس فقد أجمعنا معهم على إبطال بيع المكره فكذلك الطلاق ولا مخرج من هذا . وقد ذكر ابن سحنون نحوه في مناقضته إياهم بالبيع .
وقال ابن سحنون : وقد أجمعوا في المكره على الكفر أن الزوجة لا تبين بكفره ، ولكن قال أبو حنيفة : القياس يوجب أن يلزمه الفراق ولكنا نستحسن ألا تبين منه ، ثم نقضوا هذا فقالوا في نصراني أسلم مكرها : إنه يكون مسلما ثم إن راجع النصرانية جبر على الإسلام بالسجن ونحوه ولا يقبل وهذا تناقض فإن كان مسلما فاقتلوه بردته وإلا فأبطلوا إسلامه بالإكراه كما أبطلتم كفر المسلم بالإكراه وفي إجماع العلماء في رفع القتل عنه دليل على أن إسلامه ليس بإسلام ، وقيل لهم : ما الفرق بين ما أبطلتم من البيع بالإكراه وما ألزمتم من الطلاق والعتق والنكاح على الإكراه ؟ قالوا : لأن البيع يكون فيه الخيار ولو اختاره المكره بعد أن أمن لزم المبتاع فيقال لهم : فقد أجمع العلماء على إبطال كفر الكره ولا يجوز فيه الخيار ، فلو ارتد مسلم على أن ينظر في الكفر فإن أعجبه وإلا رجع إلى الإسلام لكان مرتدا عن الجميع ، ولو قال الكافر : أسلم على أن أكون بالخيار في الرجوع إلى الكفر لم يكن له ذلك وكان مسلما ، فإن رجع عن ذلك قتل ، وأجمعنا أنه لو أكره على أن يقر لفلان بمال ففعل : أن ذلك باطل ، ولا خلاف أنه لو أقر له طائعا
[10/256]
***(1/251)
[10/257]
بمال على أن ينظر فإن وافقه/التمادي على ذلك وإلا رجع : أن ذلك ليس له ، فقد أبطلتم عنه الإقرار بالإكراه ولا خيار فيه عندكم ، فكذلك فألزموه الطلاق والعتق بالإكراه الذي لا خيار فيه ، وأما قولهم : لأن البيع له أن يقول بعد الإكراه : [قد أجزته وهو آمن فيلزم فيقال لهم : فإذا كان له حل عقد بيع الإكراه] وأمضاؤه فحل الطلاق أولى ، فإن كان البيع لم يقع فلا يلزم أن يبتدئه وإن كان قد وقع وله حله فألزم ذلك نفسك في الطلاق والعتق ونحن نقول : لم يتعقد بيع ولا طلاق ولا عتق وقلتم في العفو عن الدم العمد بإكراه : إنه يلزمه ولا يلزمه البيع قلتم : لأنه في البيع له أن يجيزه بعد الإكراه والأمة لا تختلف في المكره على العفو : أن له يجيزه بعد الإكراه فيلزمكم التساوي بينهما في إلزامهما بالإكراه أو إبطالهما .
وقالوا : وجدنا الطلاق والعتق هزلهما جد وكذلك النكاح والعفو عن الدم قلنا : فقد أجمعنا أن المكره خارج عن معنى الجد والهزل وأنه لا إرادة له ، والهازل مذموم في إجماعهم ولا ذم على المكره بل هو مأجور ، وقد جامعونا أن من أكره على أن يقر لعبده أنه أبنه أو لأمته أنها أم ولده : أن ذلك لا يلزمه وكذلك في التدبير .
في الإكراه على النكاح
قال ابن سحنون : وقال من خالفنا : ولو أكره أن ينكح امرأة بعشرة آلاف درهم وصداق مثلها ألف درهم : إن النكاح جائز ويلزمه ألف درهم ويبطل الفضل .
قال أصحابنا :/النكاح باطل لأنه نكاح إكراه وقد أكره على معنيين : على النكاح وعلى نهر ، فكما أبطلوا الزائد على الألف بالإكراه فكذلك يلزمهم إبطال النكاح بالإكراه .
[10/257]
***(1/252)
[10/258]
قال محمد : أجمع أصحابنا على ابطال نكاح المكره وكذلك نكاح المكرهة ، ولا يجوز المقام عليه لأنه لم ينعقد ، قال سحنون : ولو كان منعقدا لبطل أيضًا لأيه نكاح على خيار ولا يجوز النكاح بالخيار .
قال محمد : وفي قياس بعض مذاهب مالك : أن للمكره إمضاء ذلك النكاح آمنا مطمئنا وكذلك لأولياء المرأة المكرهة .
وفي قياس بعض مذاهبهم : إنما تحوز إجازة المكره بحدثان ذلك وقربه وإلا لم يجز وكذلك في أولياء المرأة ، وإنما للمكره أن يجيزه في هذا القول على ما سمي لها وإن كان أكثر صداق مثلها ، لأن بذلك رضيت ما لم يكن وطئ ، وكذلك يكون لأولياء المكره إجازة نكاحها على ما رضي به الزوج وإن كان أقل من صداق مثلها ، [وكذلك إن رضي به الزوج إلا أن يشاء أن يتم لها صداق مثله] ويرضى الأولياء بذلك فيجوز النكاح .
قال عبد الله : في إجازة أوليائها النكاح : يعني : بإذنها أو يكون الولي أب وهي بكر .
قال محمد : وهذا خلاف قول سحنون .
قال سحنون : فإن وطئها المكره على النكاح غير مكره على الوطئ لزمه إمضاء النكاح على المسمي من الصداق وإن زاد على صداق مثلها ، وإذا قال : وطئتها على الرضي بالنكاح [درئ عنه الحد ولزمه المسمي ، وإن قال : وطئتها على غير رضا مني بالنكاح] فعليه الحد وعليه الصداق المسمي لأنه مدع لإبطال/الصداق المسمى بهذا وتحد المرأة إن تقدمت وهي عالمة أنه مكره على
[10/258]
***(1/253)
[10/259]
النكاح ، وأما المكرهة على النكاح وأكرهت على الوطئ : فعلي واطئها الحد في قول سحنون وغيره من أصحابنا ولها صداق المثل ولا حد عليها .
وفي قياس قول بعضهم : إن وطئت على الطوع منها ومن الأولياء فذلك رضا بالنكاح ، ويثبت النكاح ولها المسمى وإن نقص عن صداق المثل ، ومن قول سحنون : لا نكاح بينهما فإن تقدمت على الرضا بالنكاح هي والأولياء فلا حد عليها ويجد الواطئ ، وليس لها من الصداق إلا ما وطئت عليه ورضيت به وإن نقص عن صداق المثل ، وإن لم توطأ المكرهة وكانت بكرا وقد أكره الأب على إنكاحها فلم توطأ فليس للأب أن يمضي النكاح في قول سحنون ، وقال غيره : له أن يمضيه بالمسمى وإن نقص عن صداق المثل إن كان ذلك نظرا لها ما لم يطل ذلك ، ولا رضا لها مع أبيها ، فإن كان الولي غير الأب فالخيار لها ولوليها فإن اختلفا لم يجز النكاح إلا بهما جميعا . قال ابن سحنون : وإذا لم يلزمها النقصان من صداق المثل بالإكراه لم يلزمهما العقد بالإكراه وكذلك الأب في البكر والعقد على أجماعهم أكثر من حطيطة الصداق في الحرمة [فإذا لم يلزم الأقل لم يلزم الأكثر .
قال ابن حبيب قال مطرف] ومن خطب إلى من هو له قاهر وهو ممن يخاف تعديه أن يجوزها إليه بلا نكاح إذا شاء فزوجه وأشهد سرا أنه إنما يفعله خوفا منه قال : هذا نكاح مفسوخ أبدا ، وقاله ابن عبد الحكم/وأصبغ .
وبعد هذا باب فيمن أكره على شراء من يعتق عليه من معاني العتق بسبب الإكراه : غير شيء .
[10/259]
***(1/254)
[10/260]
في الإكراه في الخلع والعتق ، أو على الوكالة على ذلك ، ومسألة في اللعان
من كتاب ابن سحنون : وإذا أكره بوعيد بقتل أو تلف حتى خلع امرأته على ألف درهم وقد تزوجها على أربعة آلاف والمرأة غير مكرهة على الخلع فلا يلزمه إلا أن يشاء أن يجيزه وهو آمن ، ويأخذ منها الألف فله ذلك بغير ائتناف خلع وهو كبيع الإكراه يجيزه ، ولو أقر الزوج آمنا أنه كان في الإكراه مريدا للخلع راضيا به ، لزمه الخلع ولزم المرأة دفع الألف إليه إذ هي غير مكرهة ولا شيء له على من أكره ولو أن المرأة مكرهة على إعطاء الألف وأقر الزوج : أنه كان راضيا به عند الإكراه لزمه الخلع وبانت منه بطلقة بائنة ولا شيء لها عليه من الألف ولا على الذي أكرهها لإقراره بالرضا ، ولولا ذلك لم يلزم الطلاق .
قال سحنون : ولو أكره على أن طلق امرأته وأعتق عبده ثم قال وهو آمن : قد أجزت ذلك الطلاق والعتق فذلك له لازم وتبين منه الزوجة ويعتق العبد .
قلت : ولم ألزمنه ذلك لاختلاف الناس ، لأن من العلماء من يلزمه طلاق الإكراه وعتقه . قال محمد : وقد قال لي قبل ذلك : إن/ذلك لا يلزمه لأن من ألزم نفسه ما قد سقط فذلك غير لازم له .
قال سحنون : ولو أكره على عتق عبده على مائة درهم يؤديها العبد وقيمته ألف درهم والعبد غير مكره فأعتقه على هذا فالعتق باطل ، وما أخذ منه سائغ ، وللسيد أن يجيز العتق بعد الإكراه ويلزمه نفسه وهو آمن ثم لا شيء له على العبد
[10/260]
***(1/255)
[10/261]
غير المائة التي أخذ ولا له على من أكرهه شيء ، لأن السيد ألزم نفسه العتق إلا بطوعه ولو أكره على عتق عبده بمال دفعه إليه رجل والرجل غير مكره لم يلزمه ، فإن أجازه السيد آمنا جاز ، وكان له المال وليس لغارم المال أن يرجع به على العبد لأنه متطوع في دفعه عنه .
قال محمد : وإن أقر السيد أنه كان في الإكراه مريدا للعتق راغبا في المال لزمه العتق وساغ له المال ولا يرجع به مخرجه وإن كان غارم المال مكرها على دفعه ، وأقر السيد أنه كان راضيا بالعتق في الإكراه لزمه العتق ويرد المال على الأجنبي وليس للسيد على من أكرهه شيئا ولو أكرهه على أن يعتق عبده على ألفي درهم إلى سنة ، يريد : يكون على العبد وقيمته ألف درهم والعبد غير مكره فلا يلزمه العتق ولا شيء له على من أكرهه ، وإن شاء السيد أن يلزم نفسه العتق فذلك له ويلزم العبد غرم ألفي درهم إلى سنة ، ولا يرجع بها العبد على المكره لسيده ، وإن كان العبد مكرها على/غرم الألفين إلى الأجل فللسيد إجازة ذلك العتق ، ويلزم العبد الألفين إلى الأجل وليس للعبد أن يأتي ذلك لأن من قال لعبده : أنت حر الساعة وعليك ألفي درهم إلى سنة أنه حر مكانه ، ويلزمه غرم المال إلى الأجل وإن كره ، ولا يرجع العبد بشيء على المكره له لأنها لم تلزمه بالإكراه ، وإنما تلزمه بما ألزمه السيد .
قال سحنون : ولو قال لزوجته : أنت طالق على أن تعطي ألف درهم ، ولعبده : أنت حر على أن تدفع إلي درهم فذلك سواء لا يعتق العبد ولا تطلق المرأة إلا أن يغرم الألف وإلا لم يلزمه عتق ولا طلاق ، ولو قال : أنت
[10/261]
***(1/256)
[10/262]
طالق الساعة وعليك ألف درهم سقطت الألف عنها ولزمه الطلاق ، والقائل : أنت حر الساعة وعليك ألف درهم ، فإن العبد يكون حرا ويلزمه الألف وإن كره ، لأن له في العبد خدمة وخراج يبقيه عليه إن شاء وليس ذلك في الزوجة ، ولو كانت الألف نجوما على العبد فحل نجم منها وطلب المولى أخذ النجم وأجاز العتق فالعبد حر وعليه باقي النجوم وعليه غرم النجم الذي حل معجلا ولا يرجع العبد على من أكرهه بشيء .
ولو أكرهت امرأة بوعيد بقتل أو تلف أن سجن أو قيد أو غير ذلك على أن تقبل من زوجها تطليقة يطلقها على أن تعطيه ألف درهم ففعل هو ذلك غير مكره ، وقبلت هي ذلك مكرهة ، وقد بني بها ولها عليه مهر أكثر من ألف درهم أو أقل ، فإنه يلزمه طلقة بائنة لأنه غير مكره ، وقد طلق على/مال فهو طلاق بائن ولا شيء له من المال لأنها مكرهة .
قال سحنون : وربما تبين لي أنه يلزمه فيها ثلاث ، لأنه طلاق بائن على غير مال ولو كان مكان التطليقة الخلع على ألف وهي مكرهة والزوج غير مكره : فالخلع واقع والطلاق بائن ، ولا شيء عليها من المال .
قال محمد : وهذا إجماع العلماء .
قال سحنون : وإذا أكرهه لص على عتق عبده عن رجل بألف وهو يسوى ألفين بوعيد بقتل أو بشيء مما يخاف منه التلف ففعل . وقيل منه ذلك المعتق وهو غير مكره ، فالعتق لا يلزمه إلا أن يجيزه رب العبد وهو آمن ، فإن أجازه فذلك له ويأخذ من المعتق عنه الألف درهم فقط ، والولاء للمعتق عنه ، وإن شاء أبطل العتق وأخذ عبده ، وكذلك الإكراه في ذلك في قولنا بقيد أو سجن ، ولو أن المعتق عنه أيضًا مكرها لم يلزمه ، وإن رضي المعتق أن يأخذ منه ألفا فقط إلا أن
[10/262]
***(1/257)
[10/263]
يرضى بذلك وهو آمن ، قال سحنون : وكذلك لو كان أحدهما مكرها بقتل أو تلف والآخر بقيد أو سجن فكله عندنا إكراه ، ولو أكرههما على أن دبر هذا عبده عن هذا بألف درهم فذلك باطل ، كان إكراهه لهما بقيد أو بسجن أو بما يخاف منه التلف ن وإن كان أحدهما بأحد الوجهين والآخر بالوجه الآخر ، ولو كان المدبر عنه غير مكره فرضي بالتدبير عنه على المال المذكور لم يلزم ذلك رب العبد ، لأنه مكره ولو رضي بذلك رب العبد أيضًا ويأخذ المال لم يجز ذلك وإن تراضيا ، لأنه خطر كمن أعطى/مالا لرجل على أن يدبر عبده .
ولو قال رجل لرجل : دبر عبدك عني ولك دينار ففعل لم يجز هذا أيضًا ، فإن فعل فدبر عبده عنه على مال بعد العتق صار العبد معتقا إلى أجل ، لأن التدبير هاهنا إنما معناه : إلى أجل وهو موت المدبر عنه ويوقف المال إلى موت المدبر عنه ، فإن مات العبد قبله رجع المال إلى مخرجه ، وإن بقي العبد إلى موت المدبر عنه عتق العبد وأخذ السيد المال الموقوف والولاء للمعتق عنه .
وقال ابن القاسم عن مالك : ومن أعطى لرجل مالا على أن يدبر عبده أو يكاتبه : فلا يجوز وهو خطأ .
قال ابن القاسم : ولو كان العتق إلى أجل والمال إلى أجل لم يجز ، وقاله أشهب إلا أنه قال : فإن فعل فأخذ المال وأعتق عبده إلى الأجل أو دبره أنفذ ذلك ولم يرده .
قال سحنون : لا أقول بقول أشهب ويفسخ ذلك لأنه خطر ويأخذ المعطى ماله ويمضى العتق والتدبير إلى الأجل ، ثم رجع فقال : يوقف المال ويمضى العتق والتدبير إلى الأجل ، فإن تم عتق العبد بمضي الأجل أو بموت السيد في المدبر ويترك مالا يخرج من ثلثه أعطي السيد المال الموقوف وإن مات العبد قبل الأجل
[10/263]
***(1/258)
[10/264]
أو قبل موت سيده يرجع المال إلى مخرجه وإن مات السيد في المدبر فترك مالا لا يحمله ثلثه أعتق منه محمل الثلث ، وأخذ ورثه السيد من المال الموقوف بقدر ما عتق من المدبر ، ويرد إلى صاحبه بقدر ما رق منه ، ولو كان لم/يكره رب العبد على أن يدبره عن فلان وإنما أكره المدبر عنه حتى قبل التدبير على مال غرمه : فالمال ساقط عنه ، وإن وداه فليرد إليه ، ويلزم رب العبد عتقه إلى موت الآخر ، ولو أكره هذا على بيع عبده وهذا على شرائه وعلى أن ينقايضا ثم أكره المبتاع على التدبير أو العتق فذلك كله باطل ، لا بيع ولا تدبير ولا عتق ، ولو أكرههما على التبايع ثم أكره المشترى على قتل العبد فعلي المبتاع القاتل قيمة العبد لمولاه وعليه الكفارة ويرجع بما غرم من القيمة على من أكرههما ، وكذلك لو اختلف الإكراه فأكره هذا بوعيد بقتل وهذا بوعيد بسجن فذلك كله عندنا سواء ، وكذلك لو كان أكرهه على قتل العبد بقيد أو بسجن فهو إكراه ، ويضمن القاتل ويرجع رب العبد بقيمة العبد على المكره ، فإذا غرمها المكره ثم أفاد القاتل مالا لم يكن له أن يرجع بما ودي على القاتل ، قال سحنون : وإذا : كرهه بوعيد بقتل أو سجن أو قد على أن وكل رجلا بعتق عبده أو بطلاق زوجته فأعتق الوكيل وطلق فذلك كله باطل ، ولو أكره على أن يوكله ببيع عبده من هذا بألف درهم وعلى أن يدفعه إليه فباعه الوكيل وقبضه المبتاع فهلك بيده والوكيل والمبتاع غير مكرهين فالوكالة بالطالة ، فإن باع فالسيد مخير بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن أو ينقضه ويأخذه ، فإن مات العبد فلسيده أن يجيز البيع ويأخذ الثمن إن كان مثل القيمة فأكثر وإن كانت القيمة أكثر من رجع بتمام القيمة على المشتري ، ومسألة التي أقامت بينة على قذف زوجها لها فلاعن ثم ظهر أن أحد البينة عبد ، وكان لعان الزوج خوفا من الحد : أن الحكم ينقض ويرجع زوجه : قد كتبتها في كتاب الرجوع عن الشهادات .
[10/264]
***(1/259)
[10/265]
في الإكراه على الزنا أو علي أن يقتل رجلا ، أو يقطع له عضوا ، أو يجرحه ، وقد أذن له في ذلك المفعول به أو لم يأذن ، أو على أن يفديه
من كتاب ابن سحنون : قال سحنون فيمن أكرهه السلطان أو غيره على أن يزني بامرأة ففعل فعليه الحد ، لأنه لم ينتشر إلا بلذة ، فأما إن أكرهت امرأة على الزنا فلا حد عليها ولها الصداق على الوطء فإن كان عديما فذلك لها على الذي أكرهها ثم لا يرجع به غارمه على الواطء ، فإن كانت ، المرأة طائعة حدت ولا صداق لها .
قال سحنون في كتاب الشرح ينسب إلى سحنون ، في امرأة خافت على نفسها الموت من الجوع أو العطش فقال لها رجل : نعطيك ذلك على أن أطأك فإن خافت الموت وسعها ذلك لأن هذا إكراه ، وليست كالرجل يكره على الزنا لأنه لا يطأ من خاف على نفسه الموت ، وليس إكراهه في ذلك إكراه وأنكر أبو بكر ابن اللباد قوله في المرأة وقال : يشبه نكاح المتعة والله أعلم .
قال سحنون : ولو أكره بقيد أو سجن/أو ضرب لا يخاف منه تلفا على أن يزني بامرأة طائعة أو مكرهة لم يجز له أن يفعل ، فإن اثم وعليه الحد وقد أثم في وقول غيرنا أيضًا طاعت له أن كرهت وهذا دليل على أبطال قولهم في رفع الحد عنه ، وهو لو امتنع حتى قتل لكان مأجورا ولو كان الحد يسقط عنه وسعه الفعل وكان معينا على نفسه إن لم يفعل .
قال ابن حبيب : قال مطرف : وإذا هدد بقتل أو غيره على أن يزني أو يقتل رجلا ظلما أو يقطعه أو يجلده أو يأخذ ماله أو يبيع متاعه فلا يسعه ذلك وإن علم أنه إن عصاه أوقع ذلك به في نفسه أو ماله أو ظهره ، قال : وإن
[10/265]
***(1/260)
[10/266]
أطاعه في ذلك لزمه القود في القتل أو القطع وغرم ما اتلف له ، وذكر في الضرب أن عليه الضرب ، ولا يسعه إن أكره بالتهديد بالقتل على أن يزني ، ويجد إن فعل ويأثم .
ومن كتاب ابن سحنون : قال : ولو أكره بوعيد بقتل أو غيره على أن يقطع يد رجل فأذن له ذلك الرجل في ذلك طائعا لم يسعه أن يفعل ، فإن فعل أثم ولا قصاص عليه ولا دية ، ولا شيء على من أكرهه لإذن صاحب اليد للقاطع ، ولو كان صاحب اليد مكرها أيضًا بوعيد لأثم القاطع ، ولو أن الذي أكرهه غير الذي أكره القاطع فلصاحب اليد القصاص من القاطع ، وعليه الأدب والحبس لأنه أمر لا يسعه فعله بالإكراه ، ولو أكره على أن يقتل فأذن له الرجل في قتل نفسه ففعل فقد أثم ولأوليائه القصاص ، وليس على من أكرهه إلا الأدب وليس كإذبه في/قطع اليد ، لأن العفو في اليد له فهو كالعافي ، والعفو في الدم وهم الأولياء ولم يجب له في حياته .
قال محمد بن عبد الحكم : أمر اليد والنفس سواء ولا قود عليه ، فهما كمن قتل فعفي عن دمه .
قال ابن سحنون : قلت لسحنون : فأنت تقول في المجروح يموت من جرحه وقد عفي عن دمه : أن لا قصاص لأوليائه ، قال : لأن ذلك بعلة ما تقدم من الجرح الذي هو سبب الموت فوجب له الحق قبل موته والأول عفي قبل أن يجب له الحق ، قال : وإذا أذن له أن يفعل ما دون النفس ففعل فمات منه فإنه آثم فإن مات منه قعصا فالقود لأوليائه على المكره وليس على من أكرهه إلا الأدب ، وإن لم يمت قعصا وأقام أياما ثم نزي في جرحه فمات فلأوليائه أن يقسموا على المكره ويقتلوه .
[10/266]
***(1/261)
[10/267]
قال سحنون : ولو أكره على أن يفعل به مالا يخاف منه تلفا مثل ضربه بسوط ونحوه فهو آثم إن فعل ، فإن خاف القتل إن لم يفعل فليضربه ولا يبيح دقه .
قال سحنون : ولو أتى عليه من الضربة بالسوط فمات مكانه ، فإن لأوليائه قتل المكره لأن ذلك عندنا عمد يقتل فيه القاتل .
وقال من خالفنا في عامل الخليفة يأمر رجلا بقتل رجل ظلما ويهدده بالقتل إن لم يقتله فيقتله : إن القتل على العامل دون القاتل المأمور .
قال سحنون : قال بعض أصحابنا : إذا أكره الوالي رجلا من رعيته أو السيد عبده أو المعلم بعض صبيانه على أن يقتل رجلا ففعل ،/إن الآمر والقاتل يقتلان .
وقال بعضهم : إن السلطان والمولي والمعلم في تعليمه إنهم وغيرهم من الأجنبيين بمعنى واحد لا قتل على الآمر لأنه لم يل الفعل بنفسه ، وعليه الأدب والحبس ، وعلى المأمور القود لأنه ولي القتل ، وليس له إتلاف نفس غيره ببقاء نفسه .
وقال سحنون : يقتلان جميعا .
قالوا : ومن أكره فقيل له ك لتقطعن يده أو لتفقأن عينه أو لأقتلنك فإنه لا يسعه أن يفعل ذلك ، فإن فعل فعليه القود ، وعلى الآمر الأدب ، وفي القول الآخر يقتص منهما جميعا .
قال محمد : ثم ناقض من خالفنا فقالوا : لو هدده بسجن أو قيد لم يسعه أن يفعل ، فإن فعل فالقود فيما فيه القود ، والأرش فيما فيه الإرش على الفاعل ، وليس على الآمر إلا العقوبة والحبس ، وهو قول سحنون . قال محمد : ولما جامعونا على أن الحبس والقيد إكراه في الإقرار وفي غيره كان ذلك قاض عليهم فيما خالفونا فيه من الوعيد بالقيد والحبس في القتل ويلزمهم أن ذلك إكراه في القتل
[10/267]
***(1/262)
[10/268]
أيضًا وقد قالوا في الراجعين عن الشهادة في النفس وفي القصاص : إنه لا قصاص عليهم ، وعليهم الدية في أموالهم ، ويلزمهم في هذا إبطال القود عن المكره على القتل إذا لم يلي الفعل بيده كما لم يلي الشهود القتل أو يقتل الشاهدين كما قتلوا المكره ، وقد روينا عن النخعي أنه قال : يقتل الشهود إن تعمدوا ، وروي نحوه عن علي بن أبي طالب وبه قال بعض أصحابنا ، ثم ناقص من خالفنا فقال : إن هدد بقتل أو قطع عضو أو ضرب يخاف منه التلف على أن يضرب رجلا سوطا ويحلق رأسه أو لحيته أو أن يقيده أو يسجنه رجونا أن لا يأثم في ذلك إن فعل ، فإن كان مما لا يعرضه فيه لتلف فلا ينبغي أن يقدم عليه بشيء من ذلك وإن قل فإن فعل أثم .
قال محمد : وهذا كله واحد ، ولا يجوز له أن يقدم على حلق لحية رجل ولا سجنه كما لا يقدم على قطع أصبعه ، والقول في إكراهه على قذف رجل مسلم قد تقدم في الباب الأول .
وقال من خالفنا : لو أن لصين غالبين هددا رجلا بقتل أو ضرب يخاف منه التلف على أن يقطع يد رجل ظلما ففعل فلا شيء على القاطع ، ودية اليد على الآمرين في أموالهم نصفين في عامين ، وفي العام الأول ثلثا نصف الدية وهو ثلث الدية والثلث الباقي في السنة الثانية ، ولا قود على الآمرين لأنه لا يقطع عندهم يد بيدين .
قال سحنون : قال بعض أصحابنا : القود على القاطع ولا قود على الآمرين ويؤديان ، وقال بعضهم : القود على المكره وعلى الآمرين لأنهما كالفعلة .
وقال من خالفنا : ولو أن الآمر واحد فأكره رجلين حتى قطعا اليد فإنه يقطع الآمر ولا يلتفت إلى القاطعين .
[10/268]
***(1/263)
[10/269]
وقال سحنون : وقال بعض أصحابنا : يقتص من القاطعين دون الآمر ، وقال بعضهم : يقتص من الآمر والمأمورين . اكراه 7
قال سحنون : ولو أكره رجلان رجلا على قطع يد ففعل/فمات . قال بعض أصحابنا : إن مات قعصا فالقود على القاطعين ، وليس على الآمر إلا الأدب ، وإن كان الآمران والقاتل بنوعم المقتول فلا ميراث لواحد منهم والميراث لغيرهم ، وقال بعضهم : القود عليهم أجمع ، وإن كان الآمر واحدا والقاطعان اثنين : فالقود على القاطعين في قول بعضهم ، وفي القول الآخر القود عليهم أجمعين ولا ميراث لهم .
وفي باب الإكراه على التخيير في فعلين ذكر من الإكراه على القتل والزنا وغيره .
في الإكراه على أخذ مال رجل أو استهلاكه ، أو دفعه لغيره ، وكيف إن أذن له في ذلك ربه ، ومن أكره على دفع ماله لرجل ، وأكره آخر على قبضه
من كتاب ابن سحنون : قال سحنون : وإذا أكره رجل على أن يأخذ مال رجل فيرمي به في مهلكة بوعيد بقتل أو قيد أو سجن فأذن له في ذلك ربه من غير إكراه ففعل فلا شيء عليه ولا على الذي أكرهه ، وإن كان ربه مكرها على الإذن في ذلك فالمكره الفاعل ضامن ، فإن كان عديما فلا ضمان على الذي أكرهه ثم لا رجوع له على الفاعل بذلك إذا أيسر .
وقال في باب آخر : وأما قولهم : إن الكفر والقذف لم يجعل له حلالا في الضرورة كما جعلت له الميتة حلالا في الضرورة قال : فقد أفسدوا هذه العلة
[10/269]
***(1/264)
[10/270]
بإجماعهم معنا على أن من أكره بتهديد بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إلى المكره له أو أمره بذلك/أمرا وهو يخاف إن لم يفعل ناله بعض ما وصفنا : أنه في سعة من مال الرحل ودفعه إليه ويضمن الآمر ولا ضمان على المأمور ، وقال من خالفنا : وإنما يسعه هذا ما دام حاضرا عند الآمر فأما إن أرسله ليفعل ذلك فخاف إن ظفر به أن يفعل له ما يهدده به فلا يسعه أني يفعل ذلك ، إلا أن يكون معه رسول للآمر يخاف أن يرده إليه إن لم يفعل فيكون كالحاضر سواء .
قال محمد : وإنما ينظر في هذا إن كان المكره يرجو الخلاص إن لم يفعل فلا يسعه أن يفعل كان معه رسول أو لم يكن ، وإن كان لا يأمن نزول الفعل به وسعه أن يفعل كان معه رسول أو لم يكن .
قالوا : وإن تهدده بما ذكرنا أن يأخذ مال مسلم فيدفعه إليه فأبى حتى قتله كان عندنا في سعة ، وإن أخذ لكان في سعة قالوا : وأما في تهديده إياه بسجن أو قيد مما لا يخاف منه تلفا فلا يسعه أخذ ذلك ، قال محمد : فنقضوا علتهم فيقال لهم : فهذا مال مسلم قد أحللتموه في الضرورة بالإكراه بالتهديد بقتل أو بزوال عضو أو بضرب يخاف منه التلف كما أحل الله الميتة في الضرورة فلو لم يسعه ترك أكل الميتة حتى يقتل كما وسعه تركه أخذ مال السلم في الإكراه حتى يقتل ؟
وأجمع أصحابنا ومن خالفهم على أنه إن هدد بالقتل على أن يحلق رأس فلان ولحيته أو ليسجننه أو ليقيدنه أو ليشهدن عليه بالكفر فأبى يفعل حتى قتل : أنه من ذلك في سعة/قال من خالفنا : فإن فعل شيئا مما أمر به كان ذلك واسعا له ، وأبى ذلك من خالفهم .
[10/270]
***(1/265)
[10/271]
قال من خالفنا : والرجل لا يحل له أن يرزا مال أخيه المسلم فإن كان معه في سفر ومع أحدهما طعام أو شراب وليس مع الأخر شيء ، فخاف الموت فأبى صاحبه أن يعطيه كان في سعة أن يأخذ منه فيأكل ويشرب ويقاتله بما دون السلاح إن منعه ما لم يأت على نفسه أو عضو من أعضائه ، ويعطيه قيمة ما أخذ منه ، قال سحنون : له أن يأخذ منه الطعام كرها من غير أن يبلغ بذلك نفسه أو جرحه ، ويضمن ما أخذ منه .
وقال أصحابنا ومن خالفهم في لص غالب توعد رجلا بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف على أن يعطي ماله لرجل ظلما ، وأكره الرجل على قبضه منه فقبضه فهلك عنده : إنه لا يضمنه ولربه تضمين الذي أكرهه ولا ضمان على قابض المال .
قال سحنون ولو أكره الدافع على دفع المال إلى رجل ولم يكره الرجل على قبضه منه فإنه يضمنه إن هلك ، لأنه قبضه طائعا ولا ينفعه إن قال : أخذته لأحرزه على ربه .
قال أصحابنا ومن خالفهم ولو اكره القابض على القبض على أن يدفعه إلى هذا اللص فلما قبضه هلك بيده قبل يدفعه إلى اللص فلا ضمان عليه .
قال من خالفنا : وهذا إذا حلف المكره على القبض : إنه ما أخذه ليدفعه إليه طائعا وما أخذه إلا ليرده إلى ربه إلا أن يكره على دفعه .
قال سحنون : ولا يمين عليه/ولا ضمان لظاهر عذره بالإكراه . وفي باب المضغوط على غرم مال : شيء من هذا المعنى .
وقد تقدم في الباب الأول ذكر من الإكراه على أخذ مال الرجل ، وتكرر ها هنا .
[10/271]
***(1/266)
[10/272]
في إكراه الرجل على قتل من يرثه
من كتاب ابن سحنون : قال سحنون : لو أن لصا غالبا أكره رجلا على قتل أبيه أو أخيه ولا وارث له غيره بوعيد بقتل ففعل : إنه لا يرث من مله ولا من دينه شيئا ، لأنه غير مباح له أن يقتله في الإكراه عند المعلماء ، ولا يخرجه ذلك عند بعضهم من القود ، وقال الآخرون : يقتل الآمر والمكره ، فإذا ثبت القصاص بطل الميراث .
قال سحنون : ولو كان المكره غلاما لم يبلغ فأكرهه سلطان حتى قتل فلا شيء عليه ، وله الميراث ، وكذلك لو قلته من غير إكراه لأن قتل الصبي خطأ وقاتل الخطأ يرث من المال دون الدية .
قال سحنون : والقود على الذي أكرهه ، قاله بعض أصحابنا ، وقال بعضهم : لا قود عليه ، وقال بعض أصحابنا : ولو كان معتوها إلا أنه يعقل ما يؤمر به : فالقود على الآمر ، وقال بعضهم : لا قود على الآمر وعليه الدية .
قال سحنون وأهل العراق : ولو كان الآمر غلاما لم يحتلم إلا أنه يعقل أو رجلا به مرة إلا أنه مختلط العقل وهو مسلط يجوز إكراهه ويطاع في ذلك ، فأكره رجلا على قتل رجل بتهديد بقتل أو تلف حتى قتله ، فإنه يقتل القائل ولا ميراث له إن كان هو وارث/المقتول ، لأنه فعل مالا يجوز له .
قال سحنون : وإن كان المكره وارث المقتول وهو غير بالغ أو مختلط العق لا يجرى عليه قلم فلهما الميراث ، لأنهما لو تعمدا القتل ورثا ، ولو كان المكره الذي يرث المقتول كبير عاقلا لم يرث في قول أكثر أصحابنا ، ولو أن الأب أكره رجلا على قتل ابنه وهو يعقل فقتله فقال أصحابنا : القود على القاتل ولا يرث الابن من الابن شيئا ولا قود على الأب .
[10/272]
***(1/267)
[10/273]
في الإكراه على قتل رجل نفسه أو إزالة بعض أعضائه ، أو هلاك ماله م أو على قتل عبده
قال سحنون قال أصحابنا ومن خالفهم فيمن أكرهه لص غالب على قطع يد نفسه : إنه يسعه أن يقطعها ، وأختلفوا في القصاص من المكره له فقال أصحابنا : لا قصاص له عليه لأنه لم يل الفعل وعليه دية اليد في ماله ، وقال من خالفنا : له أن يقطع يد الذي أكرهه وقاله سحنون : وهو القياس .
وقال عبد الله : روي مثله على أشهب في رجوع الشاهدين في القتل أو القطع وإقرارهما بالزور : أنه يقتص منهما ، وبه قال محمد بن عبد الحكم ، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب ، وقد بينا ذلك في كتاب الشهادات .
قال ابن سحنون : ولو أكرهه على أن يطرح نفسه في نهر أو نار أو يلقي نفسه من فوق بيت وتوعده في ذلك بالقتل فقال سحنون : لا يسعه أن يفعل ذلك لأن ذلك فيه تلف نفسه فتلف نفسه بفعل غيره أولى .
وهذا إن كان تلفه في ذلك الفعل لا محالة ، وإن كان قد يعيش منه أو لا يعيش/وسعه أن يفعل ذلك لرجاء البقاء ، قال سحنون : فإن أخطأه البقاء وأصيب فالدية في مال الذي أكرهه .
قال سحنون : ولو قيل له : لنقتلنك بالسياط أو بالعذاب أو بأمر هو اشد عليه من السيف أو لقتلن نفسك بهذا السيف لم يسعه أن يفعل ذلك بنفسه ، وقال بعض أصحابنا : فإذا فعل ذلك الفعل الذي أكره عليه فتلفت نفسه لم يقتل الذي أكرهه وكانت عليه الدية في ماله وقد قيل : إنه يقتل .
قال سحنون : فإذا أكره بقتل أو بقطع يده على طرح ماله في البحر أو أن يحرق ثيابه أو يكسر متاعه ففعل فإن من أكرهه يضمن له القيمة فيما يقول ، والمثل فيما يوزن ويكال ، وقال مثله أهل العراق وقالوا : وأما لو أكرهه بحبس أو بقيد لم يضمن وقد ناقضوا في هذا .
[10/273]
***(1/268)
[10/274]
قال سحنون : وإن أكرهه أن يأكل طعام نفسه أو يلبس ثوبه حتى خرقه فلا يضمن من أكرهه ، لأن منفعة ذلك وصلت إليه .
ولو أكرهه على أن يقتل عبد نفسه بسيف أو يقطع يده لم يسعه ذلك بخلاف شرب الخمر ، فإن فعل اثم ويضمن له من أكرهه ما نقص العبد القطع ، وقيمته إن قتله .
قال سحنون : وإذا أكره السيد على قتل عبده وفي وقبته جناية خطأ بوعيد بقتل أو ضرب أو سجن فعلى السيد الأقل من قيمته أو من أرش جنايته لأهل الجناية ، ثم رجع هو بذلك على من أكرهه .
قال محمد : وإنما هذا من باب من أكره على إتلاف متاع رجل فيغرم ذلك المستهلك فيرجع بما غرم على من أكرهه .
/في الإكراه على البيع والشراء ، وكيف إن أحدث المشتري أو البائع في ذلك بيعا أو عتقا ، أو أجاز أحدهما البيع بعد ذلك ، أو كلاهما ؟
من كتاب ابن سحنون : قال : أجمع أصحابنا وأهل العراق أن بيع المكره لا يلزمه قال : ولا خلاف في هذا بين العلماء . وكذلك ذكر أبو بكر الأبهري أنه إجماع .
قال محمد : قال سحنون : وقال أصحابنا وأهل العراق : ولو أن لصوصا ممتنعين قال أصحابنا : أو غير ممتنعين أو غير لصوص أكرهوا رجلا بوعيد بقتل أو قطع أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف على أن يبيع عبده من فلان بألف درهم وهو يساوي ألفين ، أو أمره بذلك وهو يخاف إن لم يفعل أن يناله ذلك لما رأى من
[10/274]
***(1/269)
[10/275]
حالهم قال أصحابنا : أو أكرهوه بوعيد بسجن أو قيد على أن يبيع ويدفع ويقبض الثمن والمشترى غير مكره فلما وقع البيع وتقايضا وتغرقا فال : قد أجزت هذا البيع وهو آمن : إن ذلك يلزمه ، وكذلك أو لم يكن قبض الثمن ثم قبضه .
قال سحنون : ولو أن المشترى أعتقه أو ديره قبل أن يجيز البائع البيع فالبائع مخير في إجازة البيع فيهم ذلك أو لا يجيزه وله أجر عبده ، ويبطل العتق والتدبير ، ولو كانت أمة فوطئها المشترى فأحتلها قبل أن يجير البائع فعليه الحد ، وللبائع أخذها وولدها رقيق له ، ولو أجاز البائع البيع بعد ذلك لم يلحق الولد بالمشترى ولم يسقط عنه الحد بذلك ولو لم يحدث في الأمة والعبد حدثا حتى قال المشترى للبائع : قد نقضت البيع/لأنك مكره فقال له البائع : فأنا أجيره ولا أنقضه فأن ذلك للبائع ، ويلزم ذلك المشترى لأنه غير مكره وإنما الخيار لمن أكره ، قال : ولو لم يكن هذا حتى باع المشترى العبد فإن البائع على الإكراه مخير في رد البيعين وأخذ عبده ، أو يجيز البيع الأول ويأخذ الثمن من المشترى منه ويتم حينئذ البيع الثاني أيضًا ، وإن شاء أبطل البيع الأول وأجاز المشتري وأخذ الذي قبضه البائع الثاني من المشترى الثاني على البائع الأول ، وكذلك لو تداولته بيوع فكان له نقضها كلها أو يجيز منها ما شاء بثمنه ، ولو أعتقه آخرهم فإن أبطل جميع البيوع بطل العتق ، وإن أجاز البيوع أو آخر البيوع فعتق الآخر جائز ، ويبطل من البيوع ما كان قبل الذي أجاز يبعه .
قال سحنون : ولو كان إنما أكره المشتري على الشراء وعلى دفع الثمن وقبض العبد ، والبائع غير مكره ففعل ذلك ، ثم إن المشتري بعد أن قبض العبد أحدث فيه عتقا أو تدبيرا أو كتابة ، أو كانت أمة فأحبلها أو قبلها لشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة أو قال : قد أجزت ذلك البيع فذلك كله يلزمه ، وهو كمن
[10/275]
***(1/270)
[10/276]
اشترى بالخيار ثلاثا ثم فعل ذلك أيام الخيار ، ولو كان البائع هو المكره فأعتقه المشتري أو دبره قبل يقضه فذلك باطل ، وكذلك لو كان قبضه قال : ولو أعتقاه جميعا معا جاز عتق البائع ولم يجز عتق المشتري ، لأن البائع هو المكره فلم/يدخل في ملك المشتري بعد .
قال سحنون : ولو أن المتبايعين أكرها على التبايع التقابض ففعلا ، ثم أجاز أحدهما البيع آمنا فالأمر للآخر كأنه بالخيار ، فإن أجازا جميعا جاز وإلا رد فإن أجازه البائع سئل المشتري : فإن أجازه تم وإلا رد .
وما أحدث المشتري فيه من عتق باطل إلا أن يجيز البائع البيع فيكون كأنهما أجازا ، وعلى المشتري الثمن ، ولو أعتقاه جميعا قبل الإجازة كان عتق البائع أولى ، ولو أعتقاه بعد أن أجاز البائع البيع فعتق البائع باطل لأنه أعتق ما تم فيه ملك المشتري ، ويتم عتق المشتري في قول بعض أصحابنا إذا أعتق بعد علمه بإجازة البائع ، قال بعضهم : لا يتم عتق واحد منهما إلا بعد إجازة البائع منهما ولو أن المشتري أجاز البيع أولا ثم أعتقاه جميعا جاز عتق البائع وبطل عتق المشتري لأنه في ملك البائع بعد .
قال سحنون : ولو أجاز البائع البيع بعد عتق المشتري فذلك إجازة منهما ويتم العتق ، وإن كان البائع أعتق أولا فقد نقض البيع ولزمه العتق ويبطل عتق المشتري بعده ، ولو أعتق البائع بعد أن أجاز البيع ثم أعتق المشتري فالعتق في قول بعض أصحابنا للمشتري ، ولو كان الذي أجاز البيع أول مرة المشتري ولم يجز البائع فعتق البائع جائز ولا عتق للمشتري ، ولو أعتقاه جميعا بعد إجازة البائع للبيع فعتق المشتري أولى في قول بعض أصحابنا ، وإن أعتقاد جميعا معا بعد إجازة المشتري فالعتق عتق البائع لأن ملك البائع غير مستقل بإجازة المشتري .
[10/276]
***(1/271)
[10/277]
قال محمد :/قال أهل العراق معنا فيمن أكره على البيع فباع فالبيع باطل وهذا إجماع العلماء أن البيع على الإكراه باطل ، قال محمد : وفي هذا دليل على أن البيع غير ناقل للملك ، ثم نقض هذا أهل العراق فجعلوا المشتري إذا اعتق أو دبر العبد المبيع أو أولد الأمة فليس للبائع رد ذلك ، ويسألون : هل بيع الإكراه ناقل ؟ فإن قالوا : لا . بطل عتق المشتري وتدبيره كما بطلت هبته ، وإن كان ناقلا للملك : فأجيروا كل شيء صنع المشتري من هبة وغيرها . وإذا قصد المشتري الشراء بعد علمه بالإكراه صار كالغاصب ، وقد أجمع العلماء في عتق الغاصب أن للسيد أن يزيله ويأخذ عبده ، وقد قال من خالفنا : إن له أن يضمن إن شاء الذي ولي الإكراه ، وإن شاء المشتري المعتق فقد جعلوه في معنى الغاصب ، وقد أجمعوا أن بيع المشتري وصدقته باطل ، وأن بيع المشتري الشراء الفاسد ماض وموجب للقيمة ففارق المشتري شراء فاسدا : المشتري من المكره على البيع ، وصار كالغاصب ، وقال من خالفنا : وإن أكره على بيع أمته بألف ، وقيمتها أكثر فباعها بأقل من ألف : إن القياس أن يجوز البيع وفي الإستحسان إبطاله ، وقال ابن سحنون : بل القياس إبطاله ، لأن الإكراه واقع على البيع ولا ينظر إلى الثمن ، وقد أجمعوا على أنه لو أكرهوه على بيعها بعشرة آلاف وقيمتها ألف ففعل : أن البيع باطل قالوا : ولو باعها بألفي درهم لم يكن إكراها لأنه بأكثر مما/أكره عليه . [قال عبد الله : قوله : بأكثر كذلك وقع في الأم واراه بأقل] ، قال سحنون : البيع باطل إذا كان لم يخرجها من يد المكره إلا البيع ، ولو اكره على بيعها بألف فباعها بألفين فإن كان قادرا على أن لا يبيعها أصلا فهذا يلزمه البيع ، فأما إن لم يكن له بدا من البيع فبأي معنى باع فلا يلزمه .
قال أصحابنا ومن خالفنهم : ومن أره على بيع عبده وعلى قبض ثمنه ، وأكره الآخر على شرائه ودفع ثمنه إلية ففعلا ذلك ، فإن الذي أكرههما يضمن العبد لربه والثمن لدافعه .
[10/277]
***(1/272)
[10/278]
قال سحنون : وإن قابض الثمن : ضاع مني صدق إن كان مما يغاب عليه ، وليس لأحدهما أن يضمن صاحبه شيئا ، قال غيرنا : فإن طلب واحد منهما تضمين صاحبه : سئل كل واحد منهما : على أي شيء قبض ما قبض ؟ فإن قال : على البيع الذي أكرهنا عليه على أنا راضيان به جميعا لم يضمن مكرههما شيئا ، وإن حلفا جميعا ولم يرجع أحدهما على الآخر بشيء ، ورجعا على من أكرههما .
قال سحنون : لا يسألهما القاضي على الاعتقاد في القبض ظاهره إكراه إلا أن يتقارا بما ذكر فيكون الأمر كما قال . قال من حالفنا : وإن حلف أحدهما ونكل الآخر لم يضمن الحالف وضمن الناكل إن كان هو قابض العبد ، فإن لبائعه أن يضمن الذي أكرههما قيمته إن شاء ويرجع إذا أدي ذلك بما أدى على المشتري الناكل ، لأن متولي اإكراه إنما يضمن بإكراهه إياهما على القبض وقد كان البيع قبل القبض ، وإن شاء البائع ضمن/المشتري قابض العبد ثم لا يرجع المشتري على من ولي الإكراه بشيء لأنه مقر أنه قبضه على غير إكراه له وليكن له سالما ، يريد : بنكوله عن اليمين ، ولا يرجع أيضًا على البائع بشيء ، وإن كان الناكل قابض المال فلا يضمن متولي الإكراه في العبد شيئا لأن دافعه مقر أنه دفعه راضيا بأخذ الثمن ولا شيء له أيضًا على قابضه [لأن قابضه] حلف : إنما قبضه ليرده ، ودافع الثمن مخير أن يضمن قابضه أو يضمن من ولي الإكراه ، فإن ضمن قابضه لم يرجع على متولي الإكراه بشيء ، وإن ضمن متولي الإكراه الثمن رجع متولي الإكراه به على قابضه ، لأن قابضه يزعم أنه أعطاه عيده وأخذ الثمن راضيا ، به ويدفع العبد ، فصار قابض العبد كأنه لم يقبضه حين لم يلزمه ضمانه ، فصار البائع قابض للثمن بغير حق وهو غير مكره فصار ضامنا له ، قال سحنون : ولا يمين على واحد منهما لظهور الإكراه ، ولكن إن أقر البائع مبتدأ أنه
[10/278]
***(1/273)
[10/279]
باع عبده بيع غبطة على إكراه ، وأنه دفعه ليسلم له الثمن رضاء بالبيع فلا ضمان له على قابض العبد إن هلك بيده ، لأنه قبضه مكرها ليرده ولا ضمان للبائع على متولي الإكراه لأنه مقر أنه دفعه راضيا بأخذ الثمن فيه ، فعليه رد الثمن وضمان العبد منه ، وهو ضامن للثمن والمبتاع مخير إن شاء تماسك بالعبد وإن شاء رده وأخذ ثمنه من البائع ثم لا يرجع به البائع على متولي الإكراه/لأنه مقر أنه باع راضيا وأخذ الثمن فصار منه .
قال محمد : فإن كان البائع معدما فللبمتاع تضمين متولي الإكراه فيأخذ منه الثمن ، ثم لمتولي الإكراه أن يرجع بذلك على البائع لأنه مقر أنه قبضه راضيا بالبيع فكأنه لم يكرهه .
قال سحنون : فإن قال المشتري : قبضت العبد في الإكراه راضيا بالبيع فإن كان قائما : فربه مخير بين الرضا بذلك وحبس الثمن أو رده وأخذ عبده ، فإن هلك بيد المبتاع ضمنه ، فإن كان ما قبض فيه البائع مثل قيمته يوم الإكراه فأكثر فلا شيء له غيره لا على المبتاع ولا على من ولي الإكراه ، وإن كان أقل من القيمة فإني أستحسن له طلب تمام القيمة من متولي الإكراه ، قال محمد : والقياس أن يكون مخيرا في إتباع من ولي الإكراه أو المشتري ، ومن ودي منهما فلا رجوع له على الآخر .
قال سحنون : وإذا قال البائع : قد ضاع مني الثمن فإن أقام بذلك بينة لم يضمنه ويأخذ عبده إن لم يفت والثمن من المبتاع وليس له رجوع به على متولي الإكراه لأنه مقر أنه دفعه رضي بالبيع ، وإن كان العبد قد هلك بيد المبتاع ، فضمانه منه ، وللبائع أن يرجع بقيمته على الذي أكرههما إن تلف الثمن من يده ثم لا يرجع متولي الإكراه بذلك على المبتاع ، ولو طلب البائع تضمين المبتاع
[10/279]
***(1/274)
[10/280]
قيمة العبد ويدع الذي أكرههما فذلك له ثم لا يرجع بذلك المبتاع على متولي الإكراه لأنه مقر أنه إنما قبضه البائع على أن المشتري راض بالشراء ، فإن لم تقم/بينة للبائع بهلاك الثمن فهو له ضامن وقد كان يقول : لا يضمنه ويصدق في تلفه ويكون من المشتري .
قال من خالفنا : ولو كان إنما أكرههما على التبايع فلم يذكر التقابض فتبايعا ثم فارقاه فتقابضا فهذا جائز والبيع تام بينهما وتقابضهما رضي بالبيع ، قال سحنون : وذلك إذا تقابضا آمنين لا يتعقبان أمرا ، فأما إن تقابضا على تقية فهو كالإكراه على القبض واعتل أصحابنا فقالوا : لأنهما لو أجازا البيع آمنين بعد أن أكرها على البيع والقبض أو البيع بلا قبض فإن البيع يجوز ويتم ، وقال من خالفنا : وإن أكرههما على التبايع والتقابض بما ليس فيه تلف من وعيد بسجن أو قيد وتقابضا على ذلك فالبيع لا يجوز ، فإن ضاع عندهما فكل واحد منهما ضامن لما قبض ولا يضمنه من أكرههما لأنه لم يكرههما بما فيه تلف فلذلك ضمن كل واحد ما قبض إذا كان لا يجوز لهما أن يأخذ أحد منهما مال صاحبه بتهديد بالقيد والحبس .
وقال أصحابنا : الإكراه بالوعيد بالقيد والحبس في معنى الوعيد بالقتل وقطع العضو والحكم في الأمرين سواء .
قال محمد : وقد جامعونا في الوعيد بالقيد والسجن على أن يقر لفلان بكذا أن ذلك باطل ، فاجتمعت الأمة في هذا بتساوي الإكراهين فيه ، وهذا نقض على من خالفونا فيه من الإكراه على البيع والهبة ، وكذلك قالوا : إن أكره بوعيد بقتل أو بسجن أو بقيد على أنه يقر انه أعتق أو طلق أو تزوج فلانه أو عفا عن/دم في نفس أو جراح أن ذلك كله باطل في إجماعهم .
وفرق مخالفنا بين الإكراه بهذا على العفو الماضي والعفو المستقبل ، كذلك على عتق أو طلاق مستقبل فهذا عندهم يلزمه ولا يلزمه الماضي إذا أكره على الإقرار به بأي إكراه ، قالوا : لأن الإكراه على الإقرار كذلك بخلاف الإكراه على
[10/280]
***(1/275)
[10/281]
الفعل ، ولا فرق بين طلاق ماض وعتق ماض يقر به وبين طلاق أو عتق يبتدئه لأن العلة في أبطال الماضي هي الإكراه وهي قائمة في المستقبل .
في المضغوط بالإكراه على غرم مال ظلما فيبيع عرضه وعقاره في ذلك أو يبيعه أحد من أوليائه
من كتاب ابن سحنون : قال سحنون : ومن أخذ بمال ظلما ليؤديه فأكرهوه على أدائه ولم يذكروا له بيع شبه فباع متاعه أو أمته ليؤدي ذلك المال : إن البيع باطل وكذلك بيع النبط والقبط الذين يعلقون فيبيعون بعض أموالهم ليؤدوا ما علقوا فيه فبيعهم باطل .
قال محمد : وهذا القياس لأن الذي أضطرهم إلى البيع هو الإكراه والتعليق والعذاب ، فلما صح أن البيع لرفع ما نزل بهم ثبت أن البيع لعلة الإضطراب وقد أجمعنا على إبطال بيع المكره ، وقال من خالفنا : إن البيع جائز لأنهم لم يكرهوا على البيع ، ولو أخذوه بمال وأكرهوه على بيع أمته ليأخذوا المال فالبيع باطل ودي المال من ثمنها أو لم يؤده ،/لأنه مكره على البيع فكل ما باع فهو فيه مكره .
ومن كتاب ابن حبيب : قال : وسألت مطرفا عن بيع أهل المضغوط متاعه في غير حق لزمه إلا في ظلم الوالي له ، قال : سمعت مالكا قال في أهل الذمة : يضغطون فيما تعدي عليهم من جزيتهم وأخذ منهم بغير حق فيرهقون عليه حتى يلجؤون إلى بيع متاعهم في ذلك فذلك بيع لا يجوز عليهم وهم أولى بما باعوا أن يأخذوه بلا ثمن ، وليبع المشتري بالثمن ذلك الظالم الذي وصل إليه .
[10/281]
***(1/276)
[10/282]
قال مطرف : فكذلك في بيع المسلم المضغوط بل هو أعظم حرمة ولأنه بيع إكراه والمكره لا يلزمه ما أكره على فعله من بيع أو طلاق أو عتق ونحوه .
قال ابن حبيب : وقاله لي عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ وقالا : إنه قول ابن القاسم وروايته عن مالك .
قال مطرف : وسواء دفع الثمن إلى المضغوط فدفعه المضغوط إلى الظالم الذي ضغطه ، أو قبضه الظالم من المبتاع وللمبتاع أخذ متاعه إذا ظفر به كان بيد مبتاعه منه أو بيد ابتاعه من ذلك المشتري أيضًا فله أخذه بلا ثمن يؤديه وليتراجع الباعة ثمنه حتى يرجع به على الظالم قال : ولو أن الظالم إنما وكل بذلك بعض أعوانه حتى يبيع ويأخذ منه الثمن فقبضه الوكيل ، فللمبتاع أن يرجع بالثمن إن شاء على الوكيل وإن شاء فعلى من وكله إذا ثبت أنه أوصل المال إليه ، أو ثبت أنه أمر الوكيل بقبضه ، وأن الوكيل قبضه فكلاهما ضامن مأخوذ به ،/وكذلك المظلوم ولو وجد متاعه قد فات فله أن يرجع بقيمته أو بثمنه الذي بيع له أيهما أكثر إن شاي على الوكيل أو على الذي وكله على ما بينا .
وقال ابن عبد الحكم وأصبغ : مثل ذلك كله .
وقال مطرف : وإن ادعى أنه لم يرض ما امره به الظالم من رهق المظلوم وإغرامه وأنه خاف إن لم يفعل أن يعاقب فلا عذرا له في ذلك ، وكان من أعوانه أو من غير أعوانه ممن قد أمره بذلك ، وقد قال النبي عليه والسلام : لا طاعة لمخلوق في معصيته الخالق وكذلك كل ما أمره أن يفعله في مسلم ظلما من قتله أو قطعه أو جلده أو أخذ ماله وهو يخاف إن لم يفعل نزل به مثل ذلك فلا يسعه أن يفعل ، فإن فعل لزمه القود بما قتل أو قطع أو ضرب ، والغرم إن أغرم أحدا شيئا أو قيمة ما باع له .
[10/282]
***(1/277)
[10/283]
قال عبد الله : قوله أو ضرب يعني : أنه يؤدب لا بمعنى القصاص في الضرب قال : ولا يسعه لو هدد بالقتل على أن يزني أو أن يجلد رجلا أو يقطع أو يقتله فلا يفعل وإن قتل إن لم يفعله ، وكذلك قال عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ .
قال مطرف : وإذا عرف بيع المظلوم متاعه في مظلمته ثم لا يدري أوصل الثمن إلى الظالم في ذلك المغرم أو صرفه في مصالح نفسه ، فإذا كان ظلمه له وعداؤه عليه وقهره له معروفا حتى باع متاعه فإنه يحمل على أنا لثمن وصل إلى الظالم حتى يستقين أن ذلك دخل في غير مظلمته وفي منافعه فلا يصل حينئذ إلى أخذ متاعه حتى يدفع الثمن إلى متاعه ، وقاله/ابن عبد الحكم وأصبغ .
قلت لمطرف : وسواء عرف المشتري أن ما اشتري لمضغوط أو لم يعلم فإنهم يخرجونهم عندنا من السجن بغير وكيل ولا حديد فيقفون لبيع أمتعاتهم فإذا أمسوا ردوا إلى السجن وقد وكل بهم حراس ، أو أخذ عليهم حملاء ، والمشتري لا يعلم بذلك أو يعلم ، ومنهم من هو ظاهر في كبل وعذاب ، ومنهم هارب وقد أخذ متاعه يباع قد أمر بعض أهله ببيعه ، قال : كل هذا سواء وهو بيع الإكراه لأنه أسير مغلوب فلا تباع ، علم المبتاع أو جهل إلا أن من علم مأثوم بالقصد ، وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ .
قلت لمطرف : فإن منهم من ليس عنده إلا ما يبيع ومنهم الملي ، المستغني عن البيع وعنده العين ولكنه يخاف إن فعل ذلك زيد عليه في الغرم فقال : ذلك سواء وكلاهما مظلوم مضغوط ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ ، قال مطرف : من كان من المشترين يعلم حال المضغوط فإنه ضامن لما ابتاع من رقيقه وعروضه كالغاصب ، وأما من لا يعلم منهم ونشتري منه في السوق ولا يعلم فلا يضمن الرقيق والحيوان ويضمن ما انتفع فأكله ولبسه والغلة له ، وأما العالم فلا علة له وهو
[10/283]
***(1/278)
[10/284]
لها ضامن ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ ، قال مطرف : كل ما أحدث المبتاع فيما ابتاع من ذلك من عتق أو تدبير أو كتابة فلا يلزم المظغوط وله أخذ رقيقه كان المبتاع قد علم حاله أو لم يعلم ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ .
قال مطرف : وإذا أخذه بمال ظلما مثل أن يحمله مغارم الذين خلوا من بلده وغير/ذلك من الظلم فيقول له : دعني أبع متاعي وأود متاعي فيدعه بلا حميل ولا وكيل ولا حرس اقتدارا عليه فيبقى مسرحا يقدر أن يهرب إلا أنه يخشى إن هرب خالفه إلى منزله بالاجتياح والمعرة في أهله فيقيم ويبيع رقيقه ومتاعه لذلك ، فهو عندنا مثل من هو في حبس أو موكل به ، لأنه في قبضته وسواء أمره ببيع متاعه أو أمر بذلك بعض أعوانه ، وقاله ابن عبد الحكم .
في المضغوط يبيع ولده ، أو زوجته ، أو أبوه متاع أنفسهم في فدائه
قال ابن حبيب : قال مطرف في المضغوط يرهق في غير حق فتبيع زوجته أو ابنه أو أبوه قربيه متاع أنفسهم في افتكاكه قال : هؤلاء يلزمهم البيع بخلاف بيع متاع المضغوط ، لأن هؤلاء لو لم يبيعوا متاعهم لم يطلبوا ، فلهم أجر ما احتسوا ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ .
في بيع أهل الذمة فيما يؤخذون به
قال ابن حبيب : قال مطرف : وأما ما باع أهل الذمة فيما يؤخذون به من جزيتهم ويعذبون على أدائه ، فإذا لم يتعد عليهم بالزيادة في جزيتهم فبيعهم لازم وكذلك فيما صولح عليه أهل الصلح ، وما جعل على أهل العنوة من الجزية إن لم
[10/284]
***(1/279)
[10/285]
يتعد عليهم في ذلك بظلم وزيادة ، وكان ينبغي أن يرفق بهم في ذلك ولا يقدحوا ، وأما ما باعوا فيما يظلمون به ويتعدى عليهم فهو كبيع المظغوط من المسلمين بالظلم وإذا واجروا أولادهم/في حال الظلم والعداء لم يجز أن يدخل في ذلك ، ومن فعله فعليه أجر مثله ثانية ولا يحاسب بالأول ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ .
في المضغوط يعطى حميلا ، أو يتسلف هل يلزمه ؟ وهل يلزمه ما باع من عروضع لذلك ؟
قال ابن حبيب : قال مطرف : وإذا أعطى المضغوط حميلا فيما أخذ منه من الظلم لينفسخ في جمع ما أخذ به ، فما باع على هذا فهو كبيع من هو في سجن أو كبل .
ولو تغيب فودي الحميل ما ضمن فإنه لا يرجع بذلك على المضغوط لأنه ظلم لم يرض ب المضغوط ، ولو أن الحميل ضغط فيما ضمن عنه حتى باع متاعه بالرهق والحبس فهو كبيع المضغوط لا يلزم ، وقاله محمد بن عبد الحكم وأصبغ .
وروى بعض الأندلسيين عن ابن مزين عن أصبغ في المكره على غرم مال بغير حق فيتسلف من الرجل في ذلك : إن له أن يرجع عليه بما تسلف بخلاف البيع لأن السلف معروف ، قال الفضل بن سلمة : وكذلك على أصله الكفالة لأنها معروف .
في الوالي يغزل فيكره على غرم مال فيبيع فيه رقيقه ومتاعه
قال ابن حبيب : قلت لمطرف في العامل يعزله الوالي على سخطة فيغرمه مالا على رهق وعذاب حتى يلجأ إلى بيع رقيقه ومتاعه ، أبكون كبيع المضغوط
[10/285]
***(1/280)
[10/286]
المظلوم ويرجع فيأخذ متاعه بلا ثمن ؟ قال : لا وإنما قال ذلك مالك في المضغوط مظلوما فأما الظالم المتعدي فبيعه في ضغطته يلزمه ولا رجوع له فيه سواء كان الذي عزله يرد ما/أغرمه على من كان يظلمه المعزول أو يأخذه لنفسه على غير تحرى للعدل فذلك بيع ماض كالمضغوط في حق عليه أو دين يبيعه فيه ، لأن إغرام العمال فيما أخذوه للناس ظلما وعاثوا فيه فذلك حق فعله الوالي بهم ، وكان عليه أن يرده إلى أهله ، فإذا حبسه فهو ظالم في حبسه كظلمه للرعية في غير ذلك ، وقد كان ينبغي للوالي أن يغرمهم لكل من طلموه وأخذوا منه شيئا ظلما ولا حجة لهم إن قالوا : أخذنا ذلك لمن ولانا ويقاد منهم لكل من جلدوه بغير حق أو قطعوه ، ويقاد منهم في القتل بغير حق وسواء ولي لهذا بطوع أو كره .
قلت له : ومن العمال عندنا من يتقبل الكورة بمال يلزمه نفسه ، ثم يأخذ الناس بما شاء من الظلم ، فربما عزل عجز ذلك عليه فطولب فيه بالرهق والعذاب حتى يبيع متاعه : نعم بيع هذا ماض عليه كان مطلقا أو غير مطلق حين بيعه ، وكذلك متقبلوا المعادن فيما عجز عليهم فيؤخذون بذلك فيبيعون في ضغطة فذلك نافذ عليهم ، وقاله وقاله لي ابن عبد الحكم وأصبغ .
في أشرية الأمراء العقار والرقيق من أهل عملهم
قال ابن حبيب : سألت مطرفا عن أشريه الأمراء دور أهل بلدهم ووصفت له حالهم فقلت له : إن أميرهم ربما سخط عليهم فقتل رجالا منهم ونفى الباقين من بلدهم من دورهم وقراهم إلى أقصى بلدهم ، ثم أخذ في أشريه ذلك منهم وهم منفيون فيأتي الرجل منهم/فيدخل البلد آمنا حتى يشتري منه قريته أو داره وينقده الثمن ثم يؤمر بالخروج عن بلده إلى موضع كان فيه ، ومنهم من يؤذن له بالمقام قال : إذا لم يرد عليهم رباعهم قبل الشراء ردا بينا في أمن حتى يملكوها في أمن إن شاؤا باعوا وإن شاؤا أمسكوا غير منفيين عنها ولا مشردين ، فلا يجوز بيعهم ولا يلزمهم ، وذلك كالغاصب للشيء يشتريه من ربه قبل أن يمكنه فيه ويرده إليه
[10/286]
***(1/281)
[10/287]
فلا يجوز ذلك إلا على ما بينت لك ، قلت : إنهم لم يغصبوهم قراهم : إنما نفوهم منها سخطة عليهم ويقيت خالية إلا أهم ممنوعون عنها ومدفوعون عنها ، قال : هذا هو الغصب نفسه ، ولا يجوز بيعهم إلا على ما ذكرت لك ، أحق بما باعوا أن يسترجعوه ويقاضوا في الأثمان التي أخذوا بما أصيب من غلاتهم أرضهم ودورهم ، وعليهم قيمة بني في القراض من البنان منقوضا ، قال : : ولو كان إنما باعوا من غير الذي نفاهم ثم خلص المشتري من يد الذي نفاهم ، قال : يكون سبيل هذا الشراء سبيل البيع الفاسد إذا كان ممنوعا من صاحبه في وقت بيعه فهو بيع مفسوخ متى ما عثر عليه ، وغلته للمشتري ، ولا كراء عليه فيما سكن وازدرع ، قلت : فما بني في القراض ؟ قال : إن كان البائع كان قادرا على حقه حين زال من يد الذي نفاه عنه إلى يد المشتري بإزاله قيمته يومئذ إذا فات بالبنيان ، وإن كان البائع كان أبدا ممنوعا من حقه . وبعد أن زايل يد الذي نفاه عنه إلى يد المشتري حتى لو قام/فيه يومئذ منه فأراه كالمستحق له ، وقد بنى بشبهة لأنه يوم فات بالبناء كان ممنوعا معه ففارق هاهنا البيع الفاسد ، وليحكم في المستحق من قيمة البناء قائما بعد أن يرد إليه رأس ماله ، وهذا إن كان المشتري ليس من أهل الذي نفاهم ولا من أعوانه ، فإن كان منهم فشراؤه كشراء الظالم نفسه منهم .
وقال ابن الماجشون : مثل ذلك كله ، وكذلك قال ابن عبد الحكم وأصبغ قلت لمطرف : فلو أمنوا بعد تشريدهم فرجعوا إلى بلدهم وأمنوا على دمائهم وأموالهم غير أنهم منعوا من البناء في عراصهم التي تهدمت ومنع الناس جميعا البنيان إلا من كان منهم يحاص فباعوا عراصهم تلك ؟ قال : أرى بيعهم جائزا لأنهم باعوا ما قد رد عليهم ، ولو شاءوا تركوها في ملكهم إلى أن يؤذن لهم في بنائها إلا أن يكون المشتري هو السلطان الذي منعهم البنيان أو أحد من أعوانه ، فيكون كالغاصب ، وقال مثله ابن الماجشون وانب عبد الحكم وأصبغ .
[10/287]
***(1/282)
[10/288]
قلت لمطرف : فشراؤهم رقيق الناس وهم إذا هووا العبد أعطوا ربه بخسا من الثمن ولا يسعه أن يأبى أخذه فيأخذه كارها ، قال : هو كبيع المكره ولا يضره قبضه للثمن وله أخذ عبده إذا قدر ، وأخذ خراجه أو أجرة عمله إن كان له عمل ، ويقاص بذلك في الثمن الذي أخذه ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ .
قلت لمطرف : فيمن خاف أن يبيع منهم عبده فأعتقه أو دبره أو كاتبه وأشهد سرا : أني أقبل ذلك ليقر العبد عندي ولا يستتبع منه ، قال : ذلك جائز إذا أشهدهم حين يريد أن يفعل ،/ويشهدهم أو غيرهم على العتق والتدبير ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ .
فيمن أكره على شراء من يعتق عليه ، أو على أن يملك عبده العتق ، أو يحلف بالحرية ، أو يكره على أن يهب عبده أو يبيعه فأعتقه الموهوب أو المشتري
من كتاب ابن سحنون : وقال من خالفنا : وإذا أكره على أن يشتري من يعتق عليه ، أو على شراء أمة حلف بعتقها إن اشتراها وقد أكره على شرائها بأكثر من القيمة ففعل أنهما يعتقان ، ولا يغرم إلا القيمة ويرجع بما زاد عليها إن دفع الثمن إلى البائع ، فيقاصه ولا يرجع على من أكرهه بشيء ، وكذلك لو كانت يمينه : إن اشتريتها فهي مدبرة فألزموه التدبير قالوا : وأما لو أكرهه على عتق عبده ففعل فهذا يعتق ويرجع بقيمته على من أكرهه .
قال محمد : وقد نقضوا أصلهم في هذا ، ثم نقضوا هذا أيضًا فقالوا : ولو اكرهه على أن يجعل عتق عبده بيد رجل وطلاق امرأته ولم بين بها فطلق الرجل عليه وأعتق : إن ذلك يلزمه ويغرم من أكرهه له قيمة العبد ونصف الصداق .
[10/288]
***(1/283)
[10/289]
قال محمد : والمكره على شراء ابنه أبين في أن يضمن ، لأن ذلك أكره على أن يوكل فأعتق الوكيل وهذا إكراه على شراء كان عنه العتق ، فهذه مناقضة وقالوا : لو أكره على أنه يقول : كل عبد أملكه في المستقبل حر ، ثم ملك عبدا بشراء أو غيره : إنه حر ولا يضمن من أكرهه وهذه مناقضة ، ثم نقضوا هذا فقالوا : ويستحسن أن لو ملكه بميراث أن يضمن من أكرهه/أن يكون إكراهه بقيد أو سجن فلا يضمن قالوا : وإن أكره على أن يقول لعبده : إن شئت الحرية فأنت حر قال : فشاء العبد الحرية ، أو على أن يقول له : إن دخلت الدار [فأنت حر] : ثم دخل العبد الدار إنه حر ويضمن قيمته من أكره السيد ، وهذا رجوع عن قولهم في الإكراه على شراء من يعتق عليه وقالوا : وإن أكره على أن قال لعبده : إن صليت فأنت حر أو إن كانت أو شربت فأنت حر فقال ذلك ، وفعل العبد ذلك : إنه ويضمن من أكره السيد ، وأما إن أكره على أن يقول : إن تقاضيت ديني على فلان أو إن أكلت طعاما غدا أو دخلت دار فلان فأنت حر فقال ذلك ، وفعل العبد ذلك ، فهو حر ولا يضمن من أكرهه شيئا .
قال محمد : وهذا مناقضة .
قال سحنون : والمكره على شراء من يعتق عليه أو على أن يحلف بعتق من يملك إلى أجل فيفعل ، أو على تمليك العبد العتق ، أو على أن يحلف بحريته إن فعل كذا وكذا فيفعل ذلك ، ويكون ما حلف عليه ، فذلك كله باطل لا يلزمه .
وقال من خالفنا : وإذا أكره على أن يهب أمته وعلى أن يدفعها إلى الموهوب ففعل فأعتقها الموهوب أو دبرها أو أولدها فذلك ماض ، ولربها تضمينه قيمتها ، ثم لا يرجع الغارم بشيء على متولي الإكراه ، ولربها طلب الذي أكرهه بذلك ثم يرجع بما ودي على الموهوب .
[10/289]
***(1/284)
[10/290]
قال سحنون : ذلك كله باطل ولربها أخذها ، وإن أولدها الموهوب فهو زان ولربها أخذ الولد معها رقيقا ، وله في التي ولدت خاصة تركها وتغريم/المكره له قيمتها لأن الولادة تنقصها وليس له ذلك في العتق والتدبير لأنه لم ينقصها ، وكذلك المشتري على الإكراه يولدها إذا علم بالإكراه فهو كالغاصب ، وليس له في العتق والتدبير تضمين واحد منها لا متولي الإكراه ولا الموهوب إلى المشتري ، وللمكره في البيع إجازة البيع وأخذ الثمن وله أن يضمن من أكرهه قيمتها إذا ولدت ثم يرجع إذا ودي القيمة على المبتاع بالأقل منها أو من الثمن ، ويرد الثمن أو يقاصه به . قال سحنون : والإكراه علي البيع والهبة غير مزيل للملك ، فما أحدث المشتري في ذلك فهو في غير ملكه ، وقد جامعونا فيما أحدث من بيع أو هبة أو صدقة : أنه مردود وإن قبض بذلك وفرقوا بين ذلك وبين من أحدث من عتق وتدبير وإيلاد ، ولا فرق ببين ذلك ، وما جامعونا فيه حجة لنا فيما خالفونا فيه من ذلك .
وفي باب الإكراه علي البيع تمام القول في هذا والحجة فيه .
فمن أكره على أن يفعل شيئا فيفعل
غيره ، مثل أن يكره على أن يبيع فيهب
أو يبيع على غير الوجه الذي أكره عليه ،
أو على أن يهبه فيتصدق عليه ، أو يحله ،
أو على الصدقة فوهبه ونحو هذا
قال ابن سحنون : قال سحنون : ومن أكره بوعيد بقتل أو قطع وما فيه تلف أو يقيد أو بسجن على أن يبيع أمته من فلان/فوهبها له إن ذلك باطل ، لأنه فعل مكره ، وكذلك لو أكره على أن يقر له بألف درهم فوهب له ألف درهم فذلك باطل حتى يهبه وهو آمن .
[10/290]
***(1/285)
[10/291]
وقال من خالفنا في الوجهين : إن ذلك جائز ، وجامعونا على أنه إن أكره على أن يبيع أمته ولم يسم له أحد فباعها أن البيع باطل ، ويلزمهم أن يجيزوا البيع لأنه لم يكره على البيع من هذا بعينه كما قالوا : إذا أكره على أن يقر له فوهب له أن ذلك لازم قالوا : وإن أكره على أن يبيعها من فلان بألف درهم فباعها منه بألف دينار : إن القياس إجازة البيع ، وفي الإستحسان إبطال البيع لأن الدنانير والدراهم شيء واحد في البيوع ، قال محمد : وإذا كان شيء واحد فهو نقص لما قالوا إذا أكره على أن يقر له بألف درهم فأقر له بمائة دينار إن ذلك حائز ولا فرق بين هذا .
وقال سحنون : لا يجوز البيع في جميع هذا وكذلك لو أخذ بمال ظلما أو كره على أدائه ولم يكره على بيع شيء فباع شيئا ليؤدي ذلك : إن البيع باطل وغيرنا يجيزه ، وذلك باطل لأن الإكراه سببه وقد تقدم هذا في باب آخر . قال سحنون : وإذا أكره على أن يهب الرجل فيتصدق عليه أو على أن يتصدق عليه فوهبه فذلك غير لازم .
وقال أهل العراق : إن ذلك يلزمه لأنه غير ما أكره عليه .
قال سحنون : وهذا فاسد/إلا أن يكون قادرا على إمساك سلعته والامتناع من الأمر الذي يزيلها عن ملكه فهو إن أخرجها من ملكه بأي معنى كان قادرا ألا يفعله فهذا يلزمه ما فعل .
وقد جامعونا على أنه إن أكره على أن يهبها له ويدفعها إليه فنحلها له أو أعمره إياها : إن ذلك باطل قالوا : لأن الهبة والعمرى والنحل بمعني واحد والصدقة غير ذلك وقلنا : وإنما بطل ذلك لأنه فعل عن إكراه .
قال سحنون : ولو شهد شاهدان على رجل لرجل فقال أحدهما : إنه نحله هذه الدار وقبضها ، وقال الآخر : إنه أعمره إياها كانت الشهادة مختلفة وإن
[10/291]
***(1/286)
[10/292]
ادعى المدعي شهادتها بطلت كلها ، وإن ادعى شهادة أحدهما حلف معه وقضي له ، لأن العمري عندنا راجعة بعد موت المعمر إلى صاحبها بخلاف الهبة .
ولو شهد أحدهما بالهبة لغير ثواب ، وشهد الآخر أنه نحله أياها أو تصدق بها عليه فهذا معنى واحد ويقضي بها للمدعي .
ولو قال : إنه تصدق بها عليه وقال الآخر : إنه وهبها له للثواب فالشهادة مختلفة ، وإن ادعى أحدهما حلف مع شاهده بذلك ، فإن ادعى هبة الثواب غرم الثواب ، وإن ادعى شهادتهما جميعا بطلت دعواه .
قال سحنون : وإن أكره على أن يهب ويدفع فوهب على عوض ودفع وقبض العوض فذلك غير لازم له .
قال : ومن خالفنا يلزمه ذلك لأن هذا كالبيع .
قال سحنون ولو/أكره على أن يهب على عوض فوهب على غير عوض فلا يلزمه ، لأنه إنما أكره على إزالة الملك ، وقال أهل العراق : ذلك يلزمه .
قال محمد : وقد جامعونا إنه إن أكره على أن يهب على عوض ويدفع فباع ذلك ودفع وقبض : أن ذلك باطل ، وكذلك إن أكره على البيع فوهب على عوض ، وهذا دليل أن الإكراه إنما على إزالة الملك ، قالوا جميعا : وإن أكرهه على أن يهبه ويدفع ففعل ثم عوضه الآخر بغير إكراه فقبله ، فذلك إجازة منه لهبته .
قال سحنون : وذلك إذا قبض العوض آمنا في موضع لو قام المكره على هبته لأخذها ، فإن قال المكره : لا أسلم العوض وقد سلمت أنت الهبة حين رضيت بالعوض فلا أدفع أليك العوض ، فليس له ذلك لأنه إنما أسلم الهبة على العوض فهو كإشتراط العوض ، قالوا جميعا : ألا ترى لو وهب رجل جاريتي وقلت له : عوضني منها فعوضني عوضا قبضته كان هذا إجازة للهبة ، وإن أبى هو من
[10/292]
***(1/287)
[10/293]
العوض فليست بإجازة ، وكذلك لو أكره على بيع عبده بألف درهم وعلى دفعه وقبض الثمن ففعل ثم قال له : زدني في البيع كذا على أن أجيز البيع فلا تكون إجازة حتى يزيده الآخر ، وإن لم يزده فله رد البيع .
قال سحنون : ولو أكرهه على أن يبيع منه بيعا فاسدا فباعه منه بيعا صحيحا فإن كان قادرا على أن لا يبيعه منه فبيعه يلزم ، وإن كان لا بد أن يخرجه من ملكه بهذا البيع أو بغيره فلا بلزمه البيع .
وكذلك على أن يبيعه منه بيعا فاسدا أو يدفعه إليه فباعه بيعا صحيحا ودفعه إليه .
وقال/من خالفنا : البيع لازم ، لأنه غير ما أكره عليه .
قال محمد : ويدل على ما قلنا أنا وإياهم مجمعون على أنه إن أكرهه على أن يبيعه منه بيعا صراما أو يدفعه إليه فباعه منه بيعا فاسدا ودفعه إليه ففات عند المشتري فإن ضمنه لم يرجع على من ولي الإكراه ، وإن ضمن من ولي الإكراه رجع على المبتاع إذا أكرهه على بيع جائز فباعه بيعا فاسدا ودفع فلم يخالفه لأنه باعه بيعا دنه ما أمره به .
قالوا جميعا : وإن أمره أن يبيعه بألف نقد بيت المال فباعه بألف غلة فلا يلزمه هذا حجة عليهم .
وقالوا في المكره على هبة نصف دار مقسوم ويدفعه ، فوهبه جميع الدار ودفعها فالهبة جائزة ولا ضمان على من أكرهه ، وكذلك لو أمره أن يبيع منه نصفها مقسوما ويدفع إليه فباعه جميعها فذلك جائز في القياس ، ولا يضمن من أكرهه شيئا ، ولو قسم كما أمره في إكراه البيع أو الهبة ثم باع أو وهب نصفا مقسوما فالذي أكرهه ضامن ، وهذا القياس ولكنا نستحسن فلا نجيز هبته ولا بيعه في
[10/293]
***(1/288)
[10/294]
شيء مما أكرهه عليه من مقسوم ولا غيره ، وكذلك إن أكرهه على أن يبيعه أو يهبه شيئا من هذه البيوت فباعه البيوت كلها أو وهبها له كان ذلك باطلا في الإستحسان ، لأنه أكرهه على بعضه .
قال محمد : وهذا رجوع إلى قولنا وليس باستحسان ولكنه قياس .
فيمن أكره على فعل شيء فيفعله أو أكثر منه ، أو يفعله وشيئا غيره أو على البيع فباع ودفع ، أو على إقرار بشيء فأقر بأكثر منه أو بأٌقل أو به وبغيره ؟
قال ابن سحنون : قال سحنون وغيره ممن لقيت من علمائنا فيمن أكره بوعيد بقتل أو قطع أو ما فيه تلف أو بقيد أو سجن على أن يهب نصف دار شائع أو غير شائع ، وأن يدفعه ، فوهب الدار كلها ودفعها ، إن ذلك باطل لا يلزمه منه شيء لأنه عن إكراه .
قال سحنون : ولو أكره على بيع عبده من رجل بألف درهم ولم يأمره بدفع فلا ضمان على الذي أكرهه إن هلك العبد وكان المبتاع عديما .
وقال صحابنا وأهل العراق : لأنه لم يأمره بالدفع إنما أمره بالبيع .
قال سحنون : ولو هلك العبد بيد البائع فلم يقبضه المبتاع فهو من البائع .
قال أهل العراق : وينبغي أن يجوز إذا كان هو الدافع من غير إكراه وقال سحنون : ينظر إلى دفع المكره : فإن دفعه وهو آمن لو شاء أن لا يدفعه أمكنه فهو إجازة للبيع ، وأما إن دفعه وهو لا يقدر فليس بإجازة .
قال أهل العراق : وإذا أكرهه على بيع عبده بوعيد بقيد ونحوه وقال : قد حلفت لتبيعنه منهم فباعه منهم ، فقد خرج الذي أكرهه من يمينه ، فإن دفعه البائع إلى المشتري على ذلك البيع بغير إكراه وقبض منه الثمن جاز البيع وخرج من الإكراه .
[10/294]
***(1/289)
[10/295]
قال سحنون : إن دفعه يقدر أن لا يدفعه على ذلك البيع فذلك إجازة للبيع وخرج/الحالف من يمينه ، وإن دفعه على غير ما وصفت لم يكن بإجازة للبيع ولم يخرج الحالف من يمينه .
قال سحنون : ولو أكوهما على بيعه ولم يذكر دفعا فوهبه ودفعه إلى الموهوب فقبضه فهلك عنده ، فإن دفعه وهو قادر على أن لا يدفعه فلا ضمان على الذي أكرهه ، لأن هذا متطوع بالدفع ، وإن دفعه وهو قادر على أن لا يدفعه فالذي أكرهه ضامن لقيمته ، وقال من خالفنا : إذا ملك عنده كان الذي أكرهه ضامنا لأمن أمره بالهبة ولم يأمره بالدفع فقد أمره بالدفع قالوا : ولا بشبه البيع لأن البيع يتم قبل القبض ، والهبة لا تتم إلا بالقبض ، وإذا قبضه في الهبة فليس للواهب منعه ، وإذا قبضه في البيع بمحضر البائع ولم يأمره بقبضه فله أن لا يأخذه منه حتى يدفع الثمن .
قال سحنون : البيع قد يفارق الهبة ، وأما ما فوق فيه هذا بينهما فلا يفترق وإذا قبضه بمحضر من البائع فليس له أن يسترده وقال من خالفنا : وإذا اكره على أن يهب لرجل جاريته أو ألفا وقال له : وادفع ذلك أو لم يقل ففعل ودفع ذلك وقبض منه ، فالهبة باطل وكذلك إن أكره على البيع والدفع .
قال محمد : وقد ناقضوا في هذه لأنه إذا دفع ولم يكره على الدفع فهو متطوع على أصلهم إذا أقر بأكثر مما أكره عليه ، وكذلك قالوا : لو أكره على هبة جارية لزيد فوهبه الجارية وأخرى دفعها إليه : إنه يلزمه/في غير المسماة ويبطل في الأخرى ، وكذلك لو وهب المسماة لزيد لزيد ولخالد معه جازت حصة خالد منهما وبطلت حصة زيد عندهم ، ولو أكرهوه على أن يهب لزيد ألفا بعينها فوهبه ألفا وخمسمائة ودفع إليه ذلك فقبضه ، جازت الهبة في الخمسمائة وبطلت في الألف ، ولو لم يهبه إلا خمسمائة لبطلت .
قال سحنون : ويبطل الإقرار كله ولا يصح ما زاد على ما أكره عليه ولا غيره ، وكذلك هبته لجارية لزيد ولخالد لزيد وذلك كله باطل ، وقول مخالفنا في المكره
[10/295]
***(1/290)
[10/296]
على أن يقر لزيد بألف فأقر بها لزيد ولآخر غائب : إن ذلك باطل كله : رجوع منهم عن هذا ولا فرق بين ذلك .
قال بعضهم : لو أكره على أن يعتق نصف عبده فأعتقه كله فهو حر في القضاء وفيما بينه وبين الله ، ويغرم له الذي أكرهه جميع قيمته ، وفي هذا رجوع منهم إلى قول سحنون في المكره على أن يقر بألف فأقر بألف وخمسمائة : إن ذلك كله باطل .
قال سحنون : ومن أكره على أن يقر لفلان بألف درهم فأقر له بخمسمائة درهم أو بأكثر من ألف أو بمائة دينار أو بجارية أو بعروض فهذا كله باطل ، وكذلك لو أكره على أن يطلق امرأته واحدة فطلقها اثنتين أو ثلاثا لم يلزمه شيء لأنه عن إكراه خلص به نفسه ، قال : ولو أكره على أن يقر بصنف فأقر بصنف آخر وهو آمن غير خائف ، فهذا يلزمه ، وكذلك ما زاد من عدد الطلاق وهو آمن فإنه يلزمه أو بعتق نصف عبد فأعتق/جميعه ، وأما إن كان لا يخرجه من العقوبة إلا إقراره بما سمي له أو بغيره فلا يلزمه شيء مما أقر به وكذلك الطلاق .
وقال غيرنا : إن أكره على الإقرار بمائة درهم فأقر بمائة دينار فذلك يلزمه ، وكذلك إقراره بغير الصنف الذي أكره عليه لأنه لم يكره على ما أقر به ، ولو أكره على أن يقر بألف فأقر بألف وخمسمائة لزمته الخمسمائة الزائدة فقط ، قالوا : ولو أكره على أن يقر له بألف فأقر بألف له ولآخر غائب فلا يجوز من ذلك شيء أنكر الغائب أن يكون الحاضر شريكه أو أقر .
قال بعضهم : إن قال الغائب : صدق المقر والمال بيننا نصفين ، بطل جميع الإقرار إذا لا يصح للغائب شيء إلا دخل معه الآخر ، وإن قال الغائب : لي عليك نصف المال ولا شركه بيني وبين الحاضر جاز إقراره للغائب وبطل للحاضر .
[10/296]
***(1/291)
[10/297]
في الإكراه على أبراء من الحق ، أو تسليم الشفعة ن أو على الصلح من الدم ، أو على العفو عنه
قال ابن سحنون : أجمعنا ومن خالفنا على أن من له حق على رجل من مال أو كفالة بنفس أو بمال فأكره بوعيد بقتل أو سجن على أن أبرأ المطلوب من ذلك : إن البراءة باطل ، وكذلك على تسليم الشفعة بعدما طلبها : أن التسليم باطل ، ثم نقض ذلك من خالفنا فقالوا : إن أكره على العفو مما وجب له من القصاص من نفس أو جرح : إن العفو يلزمه ولا شيء على الذي أكرهه .
قال محمد : ولا فرق/بين هذا وبين الأول وقالوا معنا : لو قيل للشفيع : إن طلبت شفعتك لنقلنك أو لنعذبنك أو لنسجننك فسكت ولم يطلب فلا تبطل شفعته ، ولا فرق بين هذا وبين العفو عن الدم ، قال سحنون : ولو قال : إنما كففت عن طلب الشفعة للإكراه ، وقال المشتري : لم يكف للإكراه ولكنه لم يرد أخذها فالقول قول الشفيع إذا ظهر الإكراه قال : ومن له على رجل دم عمد فأكره على أن يصالحه منه على ألف درهم ، والآخر غير مكره ، فالصلح باطل إلا أن لولي الدم أن يجيز ذلك فإن أجازه لزم ذلك من قبله الدم ، وودي الألف درهم وليس له أن يأبى ذلك ، لأنه غير مكره على الصلح ، وكذلك لو أقر ولي الدم : أنه كان وقت الإكراه راضيا بالصلح على الألف لزمه ذلك ولزم الذي قبله الدم ، غرم الألف ولا شيء لصاحب الدم على الذي أكرهه ، ولا شيء للذي قبله الدم عليه لأنه لم يكرهه .
[10/297]
***(1/292)
[10/298]
في الإكراه من القاضي أو غيره على الإقرار بالحدود ، وكيف إن سجنه في شيء من ذلك فأقر به في السجن ؟ ومن قتل رجلا في داره ثم ادعى أنه كابره على ماله ، أو أنه أكثر من تعرض زوجته ؟
قال ابن سحنون : قلت لسحنون : قال أهل العراق : من أكرهه قاض بضرب أو تهديد أو بسجن أو قيد حتى أقر بحد أو قصاص أو غير ذلك من الحدود فذلك باطل ، ولا يؤخذ بشيء منه ، ولو أكرهه حتى أقر بذلك ثم خلى سبيله ثم أخذ بعد ذلك فجيء به فأقر بذلك/بغير إكراه محدث ، فإنه يؤخذ بذلك كله ، ولو أنه لم يخل سبيله أولا ولكن قال له : إني لا آخذك بهذا الإقرار ولا أعرض لك ، فإن شئت فأقر وإن شئت فلا تقر وهو في القاضي بحاله ، فذلك باطل وكونه في يدي القاضي كالسجن ، ولو خلى سبيله فلم يتوار عنه حتى رده فأقر بمثل ذلك بغير إكراه فذلك سواء ، ولا يلزمه وهو كما لو خلاه وبعث معه من يحفظه وذلك باطل .
قال سحنون : القاضي الذي يكره الناس حتى يقروا بالحدود ظلما وتعديا وليس المكره من أهل التهم فلا يقع عليه اسم قاض ، وهو بأن يسمى باللصوصية أقرب ، وإقرار المقر باطل ، ولو رفع إلى القاضي رجل يعرف بالسرقة والدعارة مأبون بذلك فادعي ذلك عليه فحبسه لاختبار ذلك فأقر في السجن بما ادعي عليه فهذا يلزمه وهذا الحبس خارج من الإكراه ، لأن القاضي إنما فعل ما هو له لازم وقد تقدم الحبس على الجوار يحبس رجلا حتى يقر وليس من أهل الدعارة والتهم فإقراره باطل .
[10/298]
***(1/293)
[10/299]
وفي كتاب السرقة : باب في الإقرار بالسرقة عن سجن أو محنة وقيد : روى عيسى عن ابن القاسم : أنه أقر بعد عشرة أسواط أو حبس ليلة فلا يلزمه إقراره .
وقال ابن المواز : قال مالك : إذا أقر بشيء من الحدود بعد سحن أو تهديد ثم رجع فإنه يقبل رجوعه .
قال ابن القاسم وأشهب : لا يقطع ولا يغرم رجع أو لم يرجع وإن ثبت على إقراره إلا يجيز بأمر تتبين به حقيقة إقراره أو بعين السرقة ، قال أشهب : ويعرف أنها للمسروق معه ، أو بقي بعد ذلك آمنا . ثم عاد الكلام/إلى كتاب ابن سحنون .
قال سحنون : وليس قول من خالفنا : ما دام لم يتوار عن نظر القاضي وما دام في حبسه بصواب ، والصواب أنه إذا أقر من طريق الخوف الذي أصله ظلم وجور فإقراره باطل ، ثم إن أقر بعد ذلك آمنا مطمئنا قد علم أن الخوف والتهديد قد أمن منه فإقراره لازم .
قال سحنون : فإن أقر عند القاضي من طريق الإكراه والظلم فأقام القاضي ذلك الحد من قطع يد أو ضرب ، فعلي القاضي القصاص فيما فيه القصاص ، والأرش فيما لا يقص فيه من الجراح ، ولا أرش عليه في ضرب الحدود وعليه فيه الأدب .
وقال من خالفنا : إذا أقام عليه القاضي ما أقر به من ذلك ، فإن كان المقر في الإكراه من أهل التهم : فالقياس أن يقتص من القاضي فيما فيه القصاص ، وما كان لا قصاص فيه من ضرب ونحوه جعل عليه أرش ذلك في ماله ، ولكنا نستحسن فنجعل عليه أرش ما يستطاع فيه القصاص أو لا يستطاع في ماله ، وإن كان المكره لا يعرف شيئا من ذلك فإنا نأخذ فيه بالقياس فيقيد فيما يقدر على القصاص فيه ، ويؤخذ منه الأرش فيما لا يستطاع فيه القصاص . وقال مثله إبراهيم النخعي في قتيل يوجد في دار فيقول : كابرني على مالي فقتلته
[10/299]
***(1/294)
[10/300]
بالسيف : إنه ينظر فإن كان المقتول دارعا معروفا بالشر بطل دمه ، وكان على القاتل الدية ، وإن كان لا يتهم بذلك قتل به .
قال سحنون : وقال أصحابنا : المغيرة وغيره : إن كان القاتل قد أشهد قبل ذلك أذى هذا المقتول ، وأشهد على ذلك وشكاه ، والمقتول/متهم في نفسه بما ذكر عنه فدمه هدر ، ولا قود على القاتل ولا دية .
قال ابن القاسم : كتب إلي والي المدينة في رجل تأذى برجل في امرأته وأشهد عليه وحذره نفسه ، ثم أصابه مع امرأته فقتلهما ، وأتى برجال فأراهم الحال قال : وكان القاضي يومئذ يحيى بن سعيد ، وكان ربيعة حاضرا فكتب يعني الوالي : إن كان قد أشهد عليه وحذره فدمه هدر ، وذلك إذا أشهد عليه بحضرته أو يكون قد تأذى به فبلغه ذلك وبلغه الإشهاد عليه خوفا أن يقتل رجلا لم يحذره ولم يشهد عليه .
في إكراه الخوارج المتأولين وغير المتأولين ، ومن دخل عليك من لص هل تقتله ولا يعلم ؟
قال ابن سحنون : قال أصحابنا وأهل العراق : وإذا غلب خوارج متأولين على بلد فأكرهوا رجلا على فعل شيء كغير المتأولين من اللصوص ، فما جاز له فعله بالإكراه من اللصوص جاز له بإكراه الآخرين وكذلك أهل الحرب إكراههم إكراه ويبيح له ما أبيه في اللصوص ، أكره بوعيد بقتل أو تلف ، قال أصحابنا : أو بقيد أو بسجن ، قال غيرنا : ولو رأيت من ينقب عليك بيتا أو دخل عليك من نقب أو غير نقب وخفته إن أنذرته أن يضربك بالسيف وكان على ذلك أكبر منك فلا بأس أن تقتله قبل أن يعلم إذا خفت إن أعلمته قتلك .
[10/300]
***(1/295)
[10/301]
وقال سحنون : لا يجوز أن تقتله لظنك ، ولكن لو/وقف عليك بالسيف فقال : إن تحركت أو تكلمت قتلتك ، فلك أن تحتال حتى تضربه أو تقتله من حيث لا يعلم .
قال محمد : قال أصحابنا ومن يخالفهم : وما أكره أهل الحرب الرجل المسلم بما لو أكرهه اللصوص أو الخوارج عليه لم يسعه فعله من قتل مسلم أو قطع يده فلا يسعه فعله بإكراه أهل الحرب .
قال سحنون : وقال أصحابنا جميعا : إن ما يضمن فيه اللصوص بإكراههم من أكرهوه على مال استهلكه ، أو قتل أمره به ، أو قطع أوجب به القصاص ، أو قتل خطأ أوجب الدية على عواقلهم ، أو عمد لا يستطاع فيه القصاص ، فوجب الأرش في أموالهم بإكراههم ، فكل ما أكره على مثل هذا الخوارج المتأولون أو أهل الحرب المشركون أكرهوا مسلما حتى فعل ذلك ثم تاب المتأولون أو أسلم المشركون فلا ضمان عليهم في ذلك .
قال مالك : الدماء موضوعة عن الخوارج ، ولا يؤخذ من الأموال إلا ما وجد بعينه ، وتوضع عنهم الحدود في وطء النساء .
قال محمد : وقال أصحابنا وأهل العراق : ولا ضمان على من أمروه بذلك ، ولو غنموا لنا إماء فاقتسموهن على التأويل وأولدوهن ثم ظهرنا عليهم ، فإنهم يرددن إلى ساداتهن ولا حد على من وطئهن ، وكذلك ما وطئوا من الحرائر على وجه الملك بالتأويل لا حد عليهم فيها ولا مهر ولا ما نقص الأمة ، وأولادهم من الإماء أحرار لاحقون بهم .
وفي الباب الذي هذا عقبه مسألة من/قتل رجلا في داره ثم ذكر أنه كابره على ماله أو أكثر من أذاه في زوجته .
[10/301]
***(1/296)
[10/302]
في الإكراه فيما يجعل الرجل على نفسه لله ، أو يحلف به ، وفيما يكفر به عن ظهاره أو غيره .
قال سحنون : قال أصحابنا فيمن أكره على أن جعل على نفسه شيئا من أعمال البر من صدقة أو صيام أو حج أو عمرة أو غزو أو غير ذلك من البر أنه لا يلزمه ، وكذلك على أن يحلف بذلك : ليفعلن فعلا من البر أو المعصية فذلك كله لا يلزمه ، وقال غيرنا : يلزمه النذر بالإكراه واليمين به من حج أو غيره ، ويلزمه ما ألزم نفسه ، قالوا : وذلك عندنا كالطلاق والعتاق ، وكذلك لو أكره على اليمين بالله على أن لا يفعل شيئا ثم فعله فعليه الكفارة .
قال محمد : وأصحابنا لا يلزمونه يمينا ولا كفارة ، وكذلك المكره على الظهار عندنا ، وغيرنا يرى أن يلزمه ذلك ويلزمه ذلك ويلزمه الكفارة ، قالوا : ولو أكرهه على الكفارة لم يجرع بها عليه لأنها تلزمه ، قال سحنون : له أن يرجع عليه بالكفارة إذا أكرهه على إخراجها لأنها لا تلزمه ، يريد : في ظهار أو يمين .
قال محمد : ثم نقضوا هذا فقالوا : إن أكرهه بوعيد بقتل أو ما يخاف منه التلف على عتق عبده من ظهاره فالعبد حر ، ويرجع عليه بقيمته . ولا يجزيه عن ظهاره ، ولو قال : أنا أبرئه من القيمة حتى يجزيني عن ظهاري لا لإكراهه ، فذلك يجزيه ولا يرجع عليه بشيء ، فإن قال : لم يخطر هذا ببالي وأوردت به عتقا عن ظهاري : فلا يجزيه ويرجع قيمته ، ولو أكرهه بحبس أو قيد أجزأ عنه ولا يضمن من أكرهه ، قال محمد : وإبطالهم لكفارة الظهار دليل على كفارة الطعام وهذا كله لا يلزمه عندنا ولا يمين الإيلاء لو أكره عليه ، وكذلك لو أكره على أن يقول : إن قربتها فهي طالق ، أو فعبدي حر : أو أم ولد حر ، فذلك كله ساقط ، ولو أكرهه على أن يكفر عن ظهاره بعتق وهو ملي ، فأعتق عن ظهاره لا يريد الكفارة وإنما فعله من أجل الإكراه فلا يلزمه العتق ، ولو كان مريدا بذلك كفارة الظهار أجرأه ولزمه ولا شيء له على من أكرهه ، وإن أكرهه على عتق عبد من عبيده بعينه فأعتقه كان مثل ما وصفت لك ، وإن أعتقه للإكراه وهو غير مريد للكفارة لم
[10/302]
***(1/297)
[10/303]
يلزمه العتق ، وإن كان حيا أعتقه مريدا للكفارة به عن ما لزمه من الظهار أجزأه ولا شيء له على من أكرهه ، وكذلك لو أكرهه على التكفير عن يمين كان حانثا فيها فيكفر بعتق أو صدقة أو كسوة وهو مريد للكفارة أجزأه ، ولا يرجع على من أكرهه بشيء ، ولو أكرهه على أن يعتق عبده بهذا ففعل ولا يريد الكفارة فلا يلزمه العتق ، ولو قال المتظاهر : قد كنت غير مريد للعتق ولا للكفارة ، ولكن الآن أمضي ذلك العتق ويريد به الكفارة وهو الآن آمن ، فإن ذلك جائز ويجزئه لأن العتق الأول لم يكن/يلزمه ولا شيء له على من أكرهه .
قال سحنون : ولو أكرهه على كفارة اليمين بوعيد بقتل أو سجن أو غيره على الصدقة أو على يكفر عن ظهاره بالطعام وهو لا يقدر على عتق ولا صوم فكفر مكرها ، فإن أراد الكفارة أجزأه ، وإن لم ينو ذلك لم يجزه ، وله رد الصدقة ممن أخذها إن قدر ، وإن أكلوها وهم يعلمون أنه مكره يضمنوها إن كان لهم مال ، فإن لم يكن لهم مال رجع بالكفارة على من أكرهه ، فإن وداها لم يرجع بها على المساكين ولو أكره على أداء كفارة اليمين فواداها فليس له على من أكرهه شيء إذا لم يكن يكرهه على صنف بعينه ، وإنما أكرهه على التكفير منهما فكفر بما أراد ، ولو سمى له صنفا فكفر به ثم قال : ما كنت أريد أن أكفر إلا بغيره ، فهاهنا يقع الضمان على ما ذكرنا إن كان المساكين عالمين بذلك أو غير عالمين ، وأما العتق فلا يلزمه ولا ضمان على المكره في العتق ، وكذلك في كفارة الظهار إذا لم يسم له في الإكراه نوعا بعينه ، فلا يضمن ، وأما إن أكرهه على عتق عبده فقال المتظاهر : ما أردت عتقه عن ظهاري وإنما أردت غير ، فلا يلزمه العتق والعبد رقيق .
وإذا أجبره على أن يكفر بالطعام فهو كما وصفنا في كفارة اليمين ، ولو أكرهه في الطعام على أن يعتق ولم يسم له عبدا بعينه وه ملي ، فلا ضمان على من أكرهه ، فإن أعتق هذا يريد : الكفارة فهو يجزئه ، وإن قال : أعتقت غير مريد للظهار لم يجزه ، ولو لزمه نذر صدقة للمساكين فأكره على أن يتصدق به ففعل فذلك يجزئه ولا شيء على المكره ، ولو أكرهه على إخراج زكاة وجبت عليه ففعل فلا شيء على الذي أكرهه وكذلك في صدقة الفطر لأنه أمر واجب .
[10/303]
***(1/298)
[10/304]
/باب في الإكراه على الهبة وعلى قبولها
ومن أكرهه لص على أن يهب ماله لرجل فأبى الرجل من قبول فأكرهه على قبول الهبة وعلى قبضها ففعل وضاعت عنده فلا ضمان عليه ، لأنه إنما قبضها مكرها إلا أن يقر أنه إنما قبض الهبة لتسلم له فيضمن ، ويخير الواهب فإن شاء ضمنه وإن شاء ضمن اللص الذي أكرهه ، فإن ضمن الموهوب لم يرجع الموهوب على اللص بشيء ، وإن ضمن اللص رجع اللص على الموهوب بذلك ، وإن قال الموهوب : أخذته ليكون بيدي وديعة على الإكراه لأرده على ربه فهو مصدق مع يمينه لأنه مكره لا يقدر أن يتكلم [بهذا ، والضمان على اللص ولو كان يقدر أن يتكلم] بذلك عند الهبة فلم بفعل فهو ضمان ، قال سحنون : لا يمين عليه والقول قوله بظاهر الإكراه ، وقالوا جميعا : لأن المكره على الكفر إذا قال بعد أن أمن : إن قلبي كان مطمئنا بالإيمان صدق بل يمين ولم تبن منه زوجته .
قال محمد : ويلزم مخالفنا أن يحلفه كما حلف الموهوب : أنه لم يأخذ الهبة ليسلم له ، وقد تقدم في غير باب شيء من ذكر الهبات .
باب في الإكراه على التخيير
/قال ابن سحنون : قال سحنون : ومن أكرهه لص أو غيره من بين أن يطلق زوجته أو يعتق عبده خيره في أحد الوجهين ففعل أحدها فلا يلزمه ذلك ، ولو أكرهه على هذا بين أن يكفر بالله أو يقتل رجلا مسلما : فله أن يكفر وقلبه
[10/304]
***(1/299)
[10/305]
مطمئن بالإيمان ، فإن أبى الكفر حتى قتل فهو أعظم لأجره ، ولا يسعه أن يقتل المسلم بالإكراه ، فإن قتله قتل القاتل ولا شيء على من أكرهه .
ولو قال : لأقتلكن أو لتأكلن هذه الميتة أو لتقتلن هذا المسلم فإن صبر على القتل فهو أفضل له ، وإن أكل الميتة فلا شيء عليه إن شاء الله ، وإن قتل المسلم ولم يأكل الميتة قتل به ، وكذلك لو ترك الكفر وقتل المسلم فذلك سواء ويقتل به ، ولا قتل على الذي أكرهه ، ولو أكرهه على أن يقتل هذا المسلم أن يزني بهذه المرأة لم يسعه أن يفعل واحدا منهما حتى يقتل ، فإن فعل أحدهما فقد أثم وإن لم يفعل حتى قتل فهو مأجور ويقتل به الذي قتله ، وإن زنى كما أكره فعليه الحد ، ولو قتل المسلم قتل به ، وقتل الذي أكرهه في قياس قول سحنون ، وأما في قول غيره من أصحابنا فلا قتل على المكره وإنما القتل على القاتل ، لأنه ولي القتل ، ولو أكرهه على قتل أحد هذين الرجلين فقتل أحدهما فالقود عليهما عند سحنون ، وقال غيره : لا يقتل إلا الذي ولي القتل .
قال : ويحك المكره على الزنا ولا تحد المكرهة على الزنا ، وعلى الذي زنى بها الحد والصداق ، ولو قيل له : لتقتلن هذا الرجل أو لتأخذن ماله هذا وهو أكثر من الدية ، فلا بأس أن يأخذ ماله ويستهلكه ويضمنه كان أكثر من الدية أو أقل ، فإن قتل الرجل قتل متولي القتل ، ولو صبر حتى قتل ولم يفعل شيئا من ذلك فلا إثم عليه عندنا .
في الإكراه على اليمين أو يتبرع باليمين بعد أن ضغط في شيء
من كتاب ابن حبيب : روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تبارك وتعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
[10/305]
***(1/300)
[10/306]
قال مطرف وابن الماجشون وابن نافع وإسماعيل بن أبي أويس : من أكره على أن يحلف بيمين وهدد بضرب أو بسجن وجاء من ذلك وعيد بين تقع فيه المخافة أو خاف ذلك وإن لم يوقف عليه مثل ما يفعلون في البيعة وأشباها ، فلا يمين عليه وكأنه لم يحلف ، ورواه عن مالك وعن كثير من أصحابه ، وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ وهو قول ابن القاسم وابن وهب وأشهب .
قال ابن وهب : وكان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وعبيد بن عمير وبريد بن قسيط وغيرهم لا يرون يمين المكره ولا طلاقه شيئا ، قال شريح : القيد كره والسجن كره والوعيد المخوف كره لا يلزمه معه يمين ، وقاله النخعي وغيره ، قال مطرف : وكذلك سمعت مالكا يقول : قال ابن حبيب : وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ .
قال ابن الماجشون : وسواء أحلف فيما هو لله طاعة أو فيما هو لله معصية إذا أكره على اليمين ، وقاله أصبغ وفرق بين ذلك مطرف وقال : إن أحلف فيما هو لله عز وجل معصية أو فيما ليس فيه طاعة لله/ولا معصية فاليمين موضوعة ، وإن أحلف فيما هو لله طاعة مثل أن يأخذ الوالي رجلا شاربا فيكرهه أن يحلف بالطلاق ، أو أن لا يشرب الخمر أو لا يفسق أو لا يغش في عمله أو لا يتلقى الركبان ، والوالد يحلف ولده مكره له على اليمين في أشباه هذا من تأديبه إياه فإن اليمين تلزمه ، وإن كن قد تكلف منه المحلف ما ليس علم وما هو منه خطأ . قال ابن حبيب : وقول مطرف استحسان وبه أقول ، وقول ابن الماجشون وأصبغ هو القياس : لأن اليمين إنما يسقط بالإكراه كانت في طاعة أو معصية .
قال مطرف وابن الماجشون : ومن أحلفه الساعي على عدد غنمه ليأخذ منها الصدقة ، وأكرهه على اليمين بوعيد أو ضرب فاليمين تلزمه إن حلف ، وإن كان
[10/306]
***(1/301)
[10/307]
الساعي قد تعدى في إحلافه ، وكذلك إن حلفه في غير الغنم مما يأخذ فيه الزكاة من الحبوب والثمار والماشية والعين إذا كان الوالي لا يتعدى فيما يأخذ ، وإنما يتعدى في الإحلاف والإكراه عليه ، أو كان والي سوء لا يضعها مواضعها لأنه يأخذها على فرائضها باليمين فهي لحالفها لازمة يحنث بحنثها ويبر ببرها ، وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ .
وقال مطرف : وإذا كان يجوز فيما يأخذ على اسم الصدقة والزكاة فأخذ ما لا يؤخذ ويزيد على ما افترض ويأخذ في غير أوان أخذ ، أو يكون قط وظف الصدقات على أهل القرى ويأخذ في تلك الوضعية فأحلف رجلا على بعض ما يزيد ، إما أن يكون قال له/: لم أزرع أو قال : مالي ماشية ونحو ذلك فقال له : احلف لي على ما تقول فإنه إن كن لم يحلف أمن من العقوبة في نفسه بضرب أو سجن أو مغرقة تصيبه منه فحلف فاليمين تلزمه فيما حلف به يحنث بحنثها ويبر ببرها ولتصدقه ولا يحلف ، وإن علم أنه إذا صدق أخذ ماله بغير حق فلا يبقى عن ماله بيمينه ، وإن هو إن لم يحلف عاقبه في نفسه إما بضرب أو سجن ونحوه فقد دخل عليه الإكراه الذي لا يلزمه معه اليمين ، وأحب غلي ألا يعجل باليمين حتى يرى موضع الشدة ، فكلما اشتد عليه الأمر اتسعت عليه اليمين ثم لا يلزمه إن حلف كاذبا ، وقال ابن الماجشون : لا يحنث وإن درأ عن ماله بيمينه ، وبقول مطرف أقول وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ ورواه ابن القاسم عن مالك .
وقال مطرف وابن الماجشون : وإن بدر الحالف بيمينه للوالي الظالم قبل أن يسألها منه ليذب بها عن ما حلف عليه من بدنه أو ماله فحلف سلسلا بها فإنها تلزمه وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ .
[10/307]
***(1/302)
[10/308]
قال ابن الماجشون فيمن أخذه ظالم فحلف له بالطلاق ثلاثا من غير أن يحلف فصدقه وتركه وهو كاذب وإنما حلف له خوفا من قتله أو ضربه أو أخذ ماله ، قال : إن كان تبرع باليمين رجاء أن ينجيه من ظلمه فقد دخل في الإكراه ن ولا شيء عليه ، وإن لم يحلف على رجاء النجاة فاليمين تلزمه .
قال مطرف في ولاة يحلفون الناس أنهم لم يكتموا شيئا من متاعهم وتجارتهم وإنما يحلفون لهم لأنهم إذا ظهر له أخذه منه ما أحب/بالثمن ، وقد يرجو العمل فيه عند غيره ، قال : إن كان إن لم يحلف يناله سجن أو ضرب أو معرة تصيبه منه فلا يلزمه اليمين ، وإن كان آمنا من هذا فاليمين تلزمه .
وقال ابن الماجشون : لا تلزمه اليمين في الوجهين .
قال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل قول مطرف وبه قال ابن حبيب : وقال لي مطرف في الذين يحلفون الناس على ما معهم من ناضهم ليأخذوا منه زكاة فيما يزعمون وذلك في غير إبانها ، ولعل الرجل قد أداها منذ قريب ، فيحلف الرجل على أدنى ما معه ولعه قد دس ماله من غيره ، فيحلف أنه ما غيب شيئا ، قال : إن كان إن لم يحلف لم يزره إلا أن يرده ولا يجيزه فاليمين تلزمه فإن شاء فليحلف صادقا وإن شاء فليرجع .
قلت : وإن كان صرورة يريد الحج ، قال : لا رخصة له بهذا إلا أن يخشى - إن لم يحلف - العقوبة منه فذلك يدرأ عنه حنث اليمين .
قال ابن الماجشون : وإن حلف لم يحنث وذلك أن يرى الدراية باليمين عن البدن والمال :
قال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل قول مطرف .
[10/308]
***(1/303)
[10/309]
قال مطرف وابن الماجشون في عريف العامل على عدد من رفع إليه من أسمائهم أو على بعض ذلك فيحلف صادقا أو كاذبا ، قال : إن كان يخشى عقوبة إن لم يحلف فلا شيء عليه ، وإن كان آمنا من عقوبته فاليمين تلزمه .
قلت لهما : فالرجل يستخفي عند الرجل من السلطان الجائر الذي يريد دمه أو ماله أو عقوبته في بدنه فيسأله السلطان عنه فيجحد أن يكون عنده فيحلفه على ذلك فيحلف ليدفع بذلك/ما خشي عليه ؟ فقالا : إن خالف إن لم يحلف على نفسه فلا شيء عليه ، وإن كان آمنا على نفسه وإنما أراد أن يقيه بيمينه فقد أجر ولزمه الحنث ، وكذلك قال مالك ، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل ذلك في المسألتين ورويا الآخرة عن ابن القاسم .
وفي باب ما يكون إكراها : قول أصبغ فيمن حلف دراية عن ولده : إن اليمين تلزمه وإنما يعذر في الدراية عن نفسه .
قال عبد الملك بن حبيب : وحدثني علي بن معبد عن المسيب بن شريك عن أبي شيبة قال : سألت أنس بن مالك عن الرجل يؤخذ بالرجل هل ترى أن يحلف ليقيه بيمينه ؟ فقال : نعم لأن أحلف سبعين يمينا وأحنث أحب إلي من أن أدل على مسلم . وقاله ميمون بن مهران .
وقال المسيب عن شريك عن سليمان بن ميسرة [عن النزال بن سيده]قال : التقى عثمان وحذيفة عن باب الكعبة فقال له عثمان : أنت القائل الكلمة التي بلغتني ؟ فقال : لا والله ما قلتها فلما خلونا بحذيفة فلنا له : يا أبا عبد الله حلفت له وقد قلت ما قلت ؟ قال إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة لئلا يذهب كله قال : وكان الحسن يقول : أعطهم بلسانك ما شاءوا إذا خفتهم .
[10/309]
***(1/304)
[10/410]
قال ابن الماجشون في السلطان يحلف أصحاب الطعام أن لا يجهزوا إلا إلى المدينة ، فيحلفون له بالطلاق خوفا من عقوبته ، لأنهم إن لم يحلفوا حبسهم وضربهم ، ثم وجد بعضهم قد جهز إلى غير المدينة أو وجد رجلا لم يكن حلف له وقد جهز إلى غيرها فحلف/له بالطلاق خوفا من عقوبته : أنه ما جهز إلى غيرها ، قال : لا ينبغي لهم أن يعصوا السلطان في صلاح العامة ، فإذا وقع ما ذكرت من المعصية واليمين عليها قبل وقوعها أو بعدها فرقا من العقوبة أو الحبس إن لم يحلف فقد دخل في الإكراه الذي يسقط الحنث ، وعليه المأتم فيما أضر بالعامة ، قال عبد الملك : وذلك أنه لم ير النهي عن التجهيز إلى غير المدينة بالأمر اللازم للسلطان أن يلزمه الناس ، وإنما هو يستحسن ، فلذلك رأى الإحلاف على ذلك من الإكراه لخوف العقوبة ، ولو كان مما يجب النهي عنه ويحرم فعله على من فعله للزمت فيه اليمين وإن أخافهم عليه إن لم يحلفوا ، وكذلك سمعته يقول في مثل هذا ، وقاله مالك بن أنس .
فيمن فدى متاع رجل من اللصوص أوفى مكس أو ودي لمن عرض الطريق خوفا منه ، أو خلص له آبقا بمغرم ، أو خلص شيئا من يد سلطان بمغرم ، أو حمل له حملا من مفازة ، أو نفق على رقيق له
من كتاب ابن سحنون : وسأل حبيب سحنونا عن الرجل يغرم الغرم في الطريق من خوف السلب هل يلزم صاحب الظهر الذي أكرى منه من ذلك شيء ؟ قال : يكون الغرم على قيمة المتاع وقيمة الظهر بمنزلة حرم المركب .
قال أبو بكر بن محمد : رأيت في كتاب حماد بن يحيى السجلماسي : قلت لسحنون : أرأيت الرفاق في أرض المغرب يعرض/لهم اللصوص فيريدون
[10/410]
***(1/305)
[10/311]
أكلهم ، فيقوم بعض أهل الرفقة فيصانعهم على مال عليه وعلى جميع من دفعه وعلى من غاب من أصحاب الأمتعة ، فيريد من غاب أن يدفع ذلك عن نفسه ؟ قال : إن كان مما قد عرف من سنة تلك البلاد : أن إعطاءه المال يخلصهم وينجيهم فإن ذلك لازم لمن حضر ولمن غاب ممن له أمتعة في تلك الرفاق وإن كان يخاف أن لا ينجيهم ذلك وإن أعطوا وكان فيهم موضع رباع فما أحب لهم إلا أن يدفعوا عن أنفسهم وأموالهم ، فإن أعطوا في هذه الحال لم يلزم من غاب من أصحاب الأمتعة .
قال محمد بن عبد الحكم في قوم في رفقة معهم أحمال ليسوا عليه بوكلاء فجاء لصوص ليأخذوا متاعهم فصالحوهم عن جميع ما معهم على شيء دفعوه إليهم ؟ قال : أرى على الأحمال التي ليس معها أربابها حصتهم من ذلك .
ومن العتبية من الودائع : قال عيسى بن دينار فيمن عنده وديعة لرجل فعدا عاد فأغرمه على ذلك المتاع غرما فلا يلزم رب المتاع منه شيء .
قال ابن القاسم عن مالك فيمن مات بعيره بفلاة من الأرض فترك حمله فأتى رجل فحمله إلى منزله ، فلربه أخذه بعد أن يغرم لهذا أجر حمله ، وكذلك من وقف بغيره فتركه فأنفق عليه رجل حتى صلح فليدفع إليه ما أنفق عليه ويأخذه ولا أجر له في قيامه عليه .
وروى حماد بن يحيى عن سحنون فيمن معه رقيق في سفره إلى أرض الشرك فنفد ماله وطعامه وهو في مخافة ، فطرد الرقيق وتركهم فأخذهم/رجل ممن سلك الطريق فأخبأهم وخرج بهم إلى بلد الإسلام ، قال : لربهم أن يأخذهم إذا أعطاه قيمة ما أنفق عليهم في الموضع الذي وجدهم فيه ، فإن لم يفعل فهم له دون الأول .
[10/311]
***(1/306)
[10/312]
وقال علي بن جعفر فيمن ودى عن رجل عن أحماله غرما للسلطان عن شطر الطريق ، أو برطيل ونحوه ، فقال ابن القاسم : لا يجب عليه من ذلك شيء ولو تسلف ذلك الغرم سلفا على هذا الوجه ، ولو باعه ثوبا وداه في هذا المغرم لم يلزمه من ذلك شيء إلا أن يدفع المؤدى عنه الظلم إلى الدافع ما دفع عنه متطوعا وهو يعلم أن ذلك لا يلزمه .
والذي قال سحنون في الرفقة يخافون اللصوص فيعطوا المال : إنه يلزم من غاب ممن له في الرفقة متاع فقال : إن كان شيء قد عرف أنه لا يخلصهم إلا ذلك فهو يلزم من غاب ومن حضر ، فكذلك يلزم على هذا أن كل ما يؤدى في المراصد وفي المدن مما أقامه السلاطين مما قد عرف واستفاض مما لا يخلصهم إلا غرمه ، فإنه يلزم أرباب الأموال ممن أبضع بضاعة أو أعطى قراضا ، لأنهم كأنهم على هذا خرجوا وكالإذن لهم لأنه أمر قد عرف ، وأما ما حدث مما لم يخرج على معرفته من لصوص أخذوا المتاع ، أو سلطان جائر ففداه منه العامل أو المبضع معه فقد أختلف فيه فقال ابن المواز في كتاب الجهاد : من فدى مال رجل من اللصوص ، أو فدى دابته ممن التقطها أو متاعا فأنفق عليه في حمولة فليس لربه ولا لغرمائه إليه سبيل حتى يستوفي/من ذلك حقه ، [وقال في كتاب الإقرار : من فدى متاعا من اللصوص فليس على ربه شيء مما فداه به ويأخذه ربه بغير شيء] وقال في أول كتاب الإقرار : في أحد الشريكين في الدار يقر بمنزل منها لرجل : أنا لدار تقسم فإن وقع المنزل في حظ المقر أسلمه إلى المقر له .
قال : قلت : جعلته له مسلما وهو فداه ببعض الدار ؟ قال : غرم ما غرم بسببه كمن خلص مال رجل من أيدي أهل الحرب ، أو فداه من أيدي اللصوص ، قال : لا يلزمه ما فداه من أيدي اللصوص ويلزمه ما فدى من العدو لشبهة ملكهم بخلاف ما فداه من أيدي العدو لأن لهم فيه شبهة ملك .
[10/312]
***(1/307)
[10/313]
وقال محمد بن عبد الحكم : ما تقدم ذكره إذا عرض لصوص في الطريق فصودروا على شيء : إنه يلزمه ذلك أمتعات الناس ممن غاب أو حضر .
ومن كتاب الإكراه لابن سحنون : وقال من خالفنا : وإذا أرق لرجل عبد فأراد رجل أخذه ليرده على ربه فلم يمكنه إلا بشراء أو بهبة فاشتراه ، أو طلب أن يوهب له فوهب له : إنه لذلك ضامن حتى يشهد أنه إنما يشتريه أو يقبله على الهبة ليرده إلى ربه ، فإن لم يشهد على ما ذكرنا لم يصدق ويضمنه ، وكذلك الموهوب في الإكراه إلا أنه يصدق بيمينه بلا بينة .
قال سحنون : أما إذا أخذه بهبة وأشهد فإنه ضامن عليه ، إن هلك العبد فلربه إجازة البيع وأخذ الثمن من البائع والمصيبة من المشتري .
تم كتاب الإكراه من النوادر
بحمد الله وعونه
وبتمامه تم الجزء الثالث عشر
وصلى الله عليه محمد وآله
[10/313]
***(1/308)
[10/315]
بسم الله الرحمن الرحيم ... ... عونك اللهم
كتاب الغصب
فمن اغتصب دارا أو عبدا [أو من فيه بقية رق فمات عنده ، وذكر ما يضمن به من الفوت والتغيير]
وما لا يضمن به في الغصب والتعدي
من المجموعة : روى ابن وهب عن مالك فيمن غصب عبدا فمات عنده من ساعته لغير تباعد ولا تعب من عمل ، فإنه ضامن له ممن أخذه بغير حق تعديا وقاله ابن القاسم فيمن غصب دارا فلم يسكنها حتى انهدمت إنه ضامن لقيمتها وكذلك في كتاب ابن المواز وقاله مالك في العبد والدابة يموت عنده بعد يوم موتا ظاهرا ، قال ابن عبدوس وقاله أشهب في ذلك كله في العروض وغيرها ، وإن هلك بأمر من الله سبحانه .
قال ابن القاسم فيه وفي العتبية من رواية عيسى فيمن اغتصب أم ولد رجل فماتت عنده : أنه يضمن له قيمتها على أنها أمة لا عتق فيها ، وقال سحنون في المجموعة : إنه لا يضمن كالحرة لو غصبها فماتت عنده من غير سببه ، وكان يرى أن ولد أم الولد مخالف لها في هذا ، قال : ولأن أم الولد إذا حرم فرجها عتقت ، وأنها لا تتعب في الخدمة ولا تؤاجر ولا تسلم في الجناية ، وولدها يخارج ويسلم في الجناية يختدم فمغتصبه يضمنه ، لأنه حبس منافعه/عن السيد فهو ضامن له .
[10/315]
***(1/309)
[10/316]
ومن كتاب ابن المواز : ومن غصب عبدا فأدركه ربه بعينه فإن لم يتغير في بدنه فليس له غيره ، ولا أنظر إلى نقص قيمته واختلاف سوقه بنقص أو زيادة طال زمانه أو كان ساعة واحدة أو سنين كثيرة ، وإنما أنظر إلى تغير بدنه فإن تغير خير بين أخذه ناقصا لا شيء له غيره ، وإن شاء قيمته ما بلغت ، وسواء غصبه أو سرقه ، وكذلك في المجموعة عن مالك من رواية ابن القاسم في الرقيق والحيوان وغيره لا يراعى فيه حوالة سوق ، وكذلك إن سرقة دابة أو حلها من دار رجل أو من الربيع وكذلك البعير يحبسه السنة والسنتين ثم وجده بحاله ، فليس له إلا بعيره إلا أن يستعمله فنقص أو مات ، وقاله كله أشهب : إنه لا فوت في حوالة الأسواق ولا يضمن حتى يتغير في بدنه .
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : وإذا لم تلد الأمة ولا حالت إلا أن الغاصب غاب عليها ولا يعلم أوطئها أو لم يطأها ؟ فذلك فوت يوجب له الخيار في أخذها معها بقيمتها أو تضيمنه قيمتها ، ولو وجدها في يد مبتاع وهي بحالها أو أحسن : فهو مخير إما أن يأخذها بعينها وإن شاء أخذ من الغاصب الثمن ، وإن شاء أخذ منه قيمتها إن كان قد عيب عليها كذا وكذا وقاله كله أصبغ . قال : وهو قول مالك وجميع أصحابنا ، قال : ولسنا نقول ذلك في الرقيق الذكور ولا في الدواب إلا أن يسافر على الدابة/سفرا بعيدا فنرى أن ربها مخير في أخذها أو أخذ قيمتها ، وقاله أصبغ وقال ما ذكرنا في الجارية إذا كانت رائعة .
وقال مالك من رواية ابن القاسم وابن وهب في المتعدي في حبس الدابة من مكتر أو مستعير يأتي بها أحسن حالا فربها مخير في أخذ الكراء أو تضمينه القيمة يريد : يوم التعدي لأنه حبسها عن أسواقها إلا في الحبس اليسير الذي لا يتغير في مثله في سوق أو بدن .
[10/316]
***(1/310)
[10/317]
قال ابن القاسم وكل ما أصله أمانة فيتعدى فيه فأكراه أو ركبه من وديعة أو عارية أو كراء فهذا سبيله ، قال سحنون : والفرق بينهم وبين الغاصب والسارق : اختلاف الأصلين : أن الغاصب له ربح المال وليس كذلك المقارض والمبضع معه يتعدى .
قال ابن القاسم : وإذا تغيرت الأمة بيد الغاصب بنقصان يسير أو كثير فربها مخير في أخذها أو تضمينه القيمة . قال هو وأشهب : ولو باعها فلم تحل بيد المبتاع فليس لربها تضمين الغاصب وليس له إلا جاريته أو دابته إن أخذ ثمنها من الغاصب ، قال أشهب بخلاف من تعدى عليها فقطع لها أنملة أو إصبعا أو فقأ عينها فليس له أن يضمنه إلا ما نقصها وخالف الغاصب ، لأن الغاصب ضمنها كلها بالغصب ، قال ابن القاسم : والهرم في الجارية عند الغاصب فوت يوجب القيمة إن لم يرد أخذها ، قال أشهب : كان ما أصابها عنده من الكبر والهرم يسيرا أو كثيرا ، وكذلك لو كان ما صارت إليه من السن أمرا يسيرا مثل انكسار الثديين ونحو ذلك : أن له تضمينه قيمتها إن شاء ، قال محمد : وأما إن كبرت وهرمت عند المشتري فلا خيار له عليه وإنما له إن شاء جاريته فقط ويرجع المبتاع بثمنه ولا يرجع ببقيته على أحد ، وإن شاء ربها تركها وأخذ الغاصب بالثمن أو القيمة يوم الغصب كما وصفنا في الاستحقاق . قال أبو محمد : وبعد هذا باب فيما يجب به ضمان المتعدي فيه تمام هذا المعنى .
قال ابن المواز : وإذا ضمنت الغاصب العبد في تغييره ولا شيء له غيره : بيع عليه في القيمة فما نقص ابتع به دينا وما زاد للغاصب ، ولغرماء الغاصب الدخول في ثمنه مع ربه إلا أن يشاء أو يأخذه ناقصا ولا شيء له من نقصه .
[10/317]
***(1/311)
[10/318]
قال ابن المواز : قال مالك في الشريكين في الأمة فجحد أحدهما الشركة حتى تلد أولادا فباع منهم وأعتق ومات بعضهم ، ثم ثبت عليه الحق فله نصف قيمته ، وإن كان بعدما تمسك بنصيبه منه وما باع فله نصف الثمن إن شاء وإن شاء الرأس ن ولا شيء له فيمن مات ممن أعتق وممن لم يعتق ولم يبع .
قال محمد : هو كالغاصب إن وجد الأمة فتمسك بها فله حقه في الولد ، ولا حق له له فيمن مات منهم إلا من بيع فقله نصف الثمن .
في الطعام أو الحيوان أو العروض ينقله الغاصب أو المتعدي من بلد إلى بلد/
من المجموعة والعتبية : روى سحنون عن ابن القاسم ، قال محمد في العروض والرقيق والطعام يسرق فيجده ربه في غير بلده ، فأما الطعام فليس له أخذه وإنما له أن يأخذ السارق أو الغاصب بمثله في موضع سرقه ، وأما العبيد : قال في المجموعة : والدواب : فليس له إلا أخذهم حيث وجدهم ليس له غير ذلك ، يريد : إن لم يتغيروا وأما البز والعروض : فربها مخير بين أخذه بعينه وإن شاء قيمته بموضع سرق منه ، قال سحنون في المجموعة : البز والرقيق عندي سواء إنما أخذه حيث وجده إذا لم يتغير في بدنه وكأنه رأى اختلاف البلدان كاختلاف الأسواق ، فإنما حال منه بغير السوق وهو لو انحط سوقه ببلده لم يكن له غيره وليس بمنزلة أن لو لقيه ربه وقد عاد إلى بلده ، والمال الذي نقله إليه هذا له أن يضمنه قيمته لأنه حال بينه وبينه .
ومنه ومن كتاب ابن المواز : وقال أشهب في الطعام يجده ببلد آخر هو مخير بين أخذه ، أو يأخذه بمثله في موضع غصبه . قال أشهب في المجموعة : ويحال بين
[10/318]
***(1/312)
[10/319]
الغاصب وبين نقل حتى يوفى المغصوب حقه ، قال سحنون : ولا أعرف قول أشهب هذا من قول الرواة أن يأخذ الطعام وإنما له أخذه بمثله في موضع غصبه ، وكذلك روى أصبغ عن أشهب في العتبية وكتاب ابن المواز : قال : وابن القاسم لا يرى له إلا مثله في بلد الغصب ، قال أصبغ في الكتابين : وأنا أرى إن كان البلد البعيد فالقول ما قال ابن القاسم ويتوثق له بحقه قبل أن يخلى بينه وبينه ، وإن كان بعيدا كبعض الأرياف والقرى فله أخذه ويحمل على الظالم بعض الحمل .
وذكر ابن المواز : اختلاف ابن القاسم وأشهب في الطعام وقول أصبغ هذا ، وذكر في العروض والحيوان أن أشهب يقول : إذا أصابها ببلد آخر فإن له أخذها ، وإن شاء تركها وأخذه بقيمتها يوم الغصب ببلد الغصب يأخذ ذلك منه حيث لقيه ، وقال أصبغ : وقال ابن القاسم : يأخذه بالقيمة حيث وجده قيمة ذلك ببلد الغصب يوم الغصب ، قال محمد : قول أشهب صواب لأن اختلاف البلدان البعيدة كتغيرها عن حالها .
قال ابن القاسم : وأما الطعام والإدام وما يوزن أو يكال من غير الطعام : فليس له أن يأخذه حيث وجده ، وإنما له أخذه بمثله بموضع غصبه ، قال محمد : بعد أن يتوثق منه قبل أن يخلى بينه وبين هذا الطعام ، قال ابن القاسم : ولو اتفقنا على أن يأخذ منه فيه ثمنا نقدا جاز بمنزله بيع الطعام القرض قبل قبضه ، وقاله أصبغ .
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية والمجموعة : ولا يجوز أن يأخذ منه طعاما يخالف في جنس أو صفة لأنه بيع طعام بطعام فيه تأخير .
وقال مالك في المودع قمحا ينقله إلى بلد آخر فيبيعه ثم يأتي ربه فيريد أن يجيز البيع ويأخذ الثمن فليس ذلك له ، إنما له عليه مثله بموضع أودعه إياه ، قال : ولو تراضيا أن يعطيه الثمن أو مثل طعام ببلد بيع أو تغيير طعامه إن لم يبع فذلك جائز . ولو/ابتاع منه طعاما في بيت أو مطمر ببلد آخر فلا خير في أن
[10/319]
***(1/313)
[10/320]
يعطيه مثل ببلد آخر وهذا بيع طعام بطعام مؤخر . ولو نقله البائع إلى بلد فتراضيا أن يأخذه بها فذلك جائز ، وقد ضمنه بنقله له فهذا قضاء ، وقال غيره : لا بأس به في الوجهين لأن الأول معروف .
ومن العتبية : قال أصبغ عن أشهب في العروض : لربها أخذها بغير البلدان إن شاء وإلا فقيمتها ، قال أصبغ : وإن أخذها فلا كراء عليه ولا نفقة ولا على الغاصب ردها وله القيمة كالعين تتغير ، وما هو بالقوى ، وأرى البلدان المتباعدة كالتغير في الأبدان . ... ... غصب1
ومن المجموعة : قال المغيرة فيمن تعدى على خشب رجل فحمله من عدن إلى جدة بمائة دينار فأدركه به ، فإن كان متعديا بلا شبهة فرب السلعة مخير إن شاء كلفه ردها إلى حيث كانت وإن شاء أخذها بعينها ، وإن نقلها بوجه شبهة اشتراها أو بغير ذلك مما يعذر به نظر ، فإن كانت قيمتها هاهنا أفضل من قيمتها ببلد نقلها منه : قيل لربها : أرني الكراء ما بينها وبين أن تحيط بفضل ما بين القيمتين وقال ابن القاسم وأشهب في المكتري على حمل حمل بعينه فيخطئ فيحمل غيره إلى البلد المكترى إليه ، فربه مخير أن يضمنه قيمته بموضع حمله منه يأخذها حيث لقيه أو يأخذه ، قال ابن القاسم : ويعطيه الكراء . وقال أشهب : لا كراء له : قالا : وليس له أن يكلفه رده ولا للحمال أن يفعل ذلك إذا شاء ربه أخذه والكراء الأول قائم عليه أن يرجع فيحمل الحمل الآخر/.
[10/320]
***(1/314)
[10/321]
في المغصوب منه يجد متاعه قد خلط بغيره ، أو غيره عن حاله بصنعة أو بغير صنعة ، وفي المودع يخلط شيئا بغيره أو يخلطه غيره ، ما الحكم ؟ ؟
ومن المجموعة : قال ابن القاسم فيمن غصب قمحا فخلطه بشعير له أنه ضامن لمثله . قال أشهب : ولو غصب من آخر شعيرا ثم خلطه فطلب أحدهما تضمينه مثل طعامه ، وقال الآخر : أخذ طعامي بعينه فأكون معك شريكا في هذا المختلط فليس ذلك له ، قال : ولهما أن يضمناه كل واحد مثل طعامه ، وكذلك لو قالا في حنطة وديعة فخلطها صبي بشعير للمستودع فإنه يضمنه لكل واحد مثل طعامه ، قال أشهب : فإن لم يكن له مال بيع المختلط ويشتري منه لهذا بقدر قيمة قمحه ، ولهذا بقدر قيمة شعيره ، فما فضل فللصبي وما نقص فعليه إلا أن يشاء صاحب الطعامين أن يتركا الصبي والغاصب ويأخذا القمح والشعير المختلط فيكون فيه شريكين بالسواء إن كان مكيلتهما واحدة ولا يجوز أن يقتسماه على أقل فيكونا فيه شريكين بالسواء إن كان مكيلتهما واحدة ولا يجوز أن يقتسماه على أقل أو أكثر من نصفين ، لأنه يصير الشعير بالقمح متفاضلا ، وقال ابن القاسم : إن تركا الصبي ليكونا في المختلط شريكين هذا بقيمة قمحه وهذا بقيمة شعيره فذلك لهما ولم يجز هذا أشهب ، وقال أشبه : ولو قال أحدهما : أنا آخذ الطعام كله وأغرم لصاحبي مثل طعامه لم يجز وكأنه أخذ بما وجب له على الغاصب/من القمح قمحا ومن الشعير شعيرا يعطيه عن الغاصب صاحب الشعير ، وذلك لا يصلح قال سحنون : هذا أصح من الأولى كأنه يقول : ليس لهما أن يتركا الغاصب ويأخذا فيقسماه لا على تساو ولا على تفاضل قيمة الطعام لأن أحدهما لو اتبع الغاصب بمثل طعامه لم يكن للآخر أن يقول : أنا آخذ من هذا الطعام مثل طعامه [مثل مكيلتي لأنه ليس بعين طعامه فصار]
***(1/315)
[10/321]
***(1/316)
[10/322]
لا حكم لهما على الطعام ويتبعا الغاصب وليس لهما أخذ المختلط كمن غصب خشبة واغتصب نجارا عملها بابا لم يكن لهما أخذ الباب ليشتركا فيه هذا بقيمة خشبه وهذا بقيمة عمله لأن ذلك تغير وإنما تلزمه القيمة .
ومن المجموعة : قال أشهب : إذا قال أحدهما للآخر : أنا آخذ المختلط مثل طعامك برضي الآخر فذلك جائز على التراضي منهما ، وأما في القضاء فليس ذلك له ، قال يحيى ين عمر : إذا أعطاه ذلك على التراضي قبل التفرق وإلا لم يجز ، وروى أبو زيد عن ابن القاسم : يبيعان المختلط ثم يقتسمان الثمن على قدر قيمة ما لكل واحد ، وقال أشهب : لا يكونان شريكين ولكن يباع على الصبي ثم يشترى لكل واحد من صنف ماله فما فضل فللصبي وما نقص أتبع به .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن خلط قمحا بشعير لآخر ثم ذهب فلم يعرف ؟ قال : يباع فيقتسمان ثمنه على قدر قيمة القمح وقيمة الشعير ولا أحب أن يقسماه على الكيل .
ومن كتاب ابن المواز : ومن اغتصب من رجل حنطة ومن آخر شعيرا فخلطهما فعليه لكل واحد مثل طعامه ، فإن لم يكن عنده شيء بيع المختط واشتري من ثمنه لكل واحد مثل طعامه ، وإن لم يبلغ قسم الثمن على قدر قيمة القمح وقيمة الشعير ثم يشترى لكل واحد بما وقع مثل طعامه وما بقي أتبعاه به دينا ، فإن رضيا بقسمة الثمن على هذا جاز ، وإن اختلفا : فمن شاء أخذ حصته من الثمن أخذها ويشتري للآخر مما وقع له من جنس طعامه ، قال محمد : ومن رضي بالثمن نليس له أن يتبعه بما بقي له ، ولا يجوز أن يصطلحا على أن يقسما ذلك بينهما على قيمة الطعامين . وأما على قدر كيل طعام كل واحد فجائز إذا رضيا جميعا ، لأنه ربما كان الشعير أكثر ثمنا من القمح ، ولو رضي أحدهما أن يأخذه كله ويعطي للآخر مثل طعامه أو قيمته فلا خير فيه ، ولو قال أحدهما : أنا
[10/322]
***(1/317)
[10/323]
آخد بمثل طعامي وقال الآخر : أنا أكون لك أيها الغاصب في المختلط شريكا لأن فيه عين شيء فليس ذلك له بجائز .
قال سحنون في كتاب آخر : ولو اختلطا من غير عداء من هذين ولا من غيرهما فإنا نرى أن القمح لم يعب الشعير ، والشعير قد أعاب القمح ، فيباعا ويكونان شريكين في ثمنه هذا بقيمة قمحه معيبا وهذا بقيمة شعيره غير معيب .
قال أشهب في كتابه : ولو أودعه هذا جوزا وهذا حنطة فخلطهما ثم تلفا جميعا فلا يضمن شيئا لأنه يقدر على تخليص ذلك بلا مضرة على القمح والجوز إلا أن يكون أحدهما يفسد الآخر فيضمن ذلك الذي يفسده ذلك الخلط ، وإن كان كل واحد مفسدا لصاحبه فهو ضامن لهما ، وكذلك خلط الجوز بالرمان والرمان بالأترنج والتفاح بالخوخ لا يضمن شيئا من ذلك إلا أن يكون بعض ذلك يفسده خلطه بغيره ، أو يفسد بعضهما بعضا فيكون كما ذكرنا في ضمانه وإن لم يكونا فسدا حتى تلفا ، قال عبد الله : كيف يضمنهما قبل أن يفسدا والخلط ليس هو الموجب لضمانه ؟ قال أشهب : ولو خلط زيتا بسمن أو سمنا بعسل أو سمن بقر بسمن غنم لضمن ما ضاع منه وما بقي ، وإن خلط نوعا واحدا كزيت وزيت أو سمن وسمن فضاع بعضه فهو ضامن لما ضاع وما بقي ، ولصاحبي ذلك أن يقسما ما بقي شطرين أو يدعاه ، وما كان نوعين كسمن وعسل فلهما أن يصطلحا فيه على الثلث والثلثين ، كأن أحدهما باع ثلث سمنه بثلثي عسل صاحبه ، فصار له الثلثان من العسل ومن السمن ، وصار لصاحبه الثلث من العسل والسمن .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب : ومن اغتصب من رجل درهما فأخلطه بدراهمه فعليه مثله ولا يشاركه في الدراهم . وذكر مسألة غاصب السويق يلته : أن عليه مثله . قال ابن القاسم : ولا يكونان شريكين ، وكذلك استحب في القمح يطحنه .
[10/323]
***(1/318)
[10/324]
وقال أشهب في غير المجموعة : ولرب القمح أخذ دقيقه ولا شيء عليه في طحينه ، وابن القاسم يرى في الثوب يصبغه الغاصب : أن ربه لا يأخذه حتى يدفع إليه قيمة الصبغ ، وإلا ضمنه قيمة الثوب ، وقال أشهب في غير/المجموعة : له أخذ الثوب ولا شيء عليه في صباغه .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب : ومن سرق حنطة فطحنها سويقا فلته فليس لربها أخذه ، فإن لم يكن للسارق مال بيع السويق عليه فاشترى منه مثل حنطة هذا ، فإن كان فيه فضل فللسارق ، وما نقص أتبع به ، قال أشهب : وليس كالثوب يصبغ والثوب يقطع والعمود يدخل في البنيان ، لأن اسم ذلك قائم بعد ، والقمح ليس القمح بعينه وقد صار سويقا فعليه مثل الحنطة .
قال ابن القاسم وأشهب : ومن غصب أو سرق فضة فصاغها حليا و ضربها دراهم ، أو غصب دراهم فضة فصاغها حليا ، أو حليا فكسره وصاغ منه حليا آخر مخالفا ، أو نحاسا ففسخ منه آنية ، أو حديدا فعلم منه سيوفا أو آنية فليس لرب هذا أخذ ذلك ، وله مثل وزن فضته ونحاسه وحديده ومثل دراهمه وقيمة الحلي الذي كسر له ، قال أشهب : وليس له أن يعطيه قيمة الصنعة فيكون الفضل بين الفضتين ، ولا له أن يذهب بصنعته باطلا وليس كالحنطة يطحنها ثم يلتها ، لأن الحنطة بالسويق وإن لم تلت يجوز فيه التفاضل للصنعة ، والفضة وإن ضربت دراهم لم تحل إلى غير ذلك ولا يجوز بينهما التفاضل .
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون في الفضة يصوغها حليا ، والثوب يقطعه ويخيطه ويصبغه ، والقمح يطحنه سويقا : أن لربه في هذا كله أخذه إن شاء ، وإن شاء أن يضمنه ويأخذ منه المثل فيما يقضي بمثله ، والقيمة فيما فيه/القيمة ولا حجة له بالصنعة . وقد قال النبي عليه السلام : ليس لعرف ظالم حق وفي
[10/324]
***(1/319)
[10/325]
كتاب السرقة باب مثل هذا الباب فيه هذه المعاني مستقصاة وكثير منها مكرر هاهنا .
ومن كتاب ابن المواز : قال أشهب : وإن غصبه كتانا مغزولا أو منفوشا فغزله ثم نسجه ثوبا فعليه مثل الكتان ، فإن لم يجد مثله فقيمته يوم استهلكه .
قال ابن القاسم وأشهب في الخشبة يعملها بابا : فإنما عليه قيمتها قال أشهب : وليس له أخذ الباب بلا غرم صنعة ولا أن يأخذه ويغرم الصنعة لأنه قد حال إلى غير ما كان ، قال سحنون : كل ما غير حتى يصير له اسم غير اسمه فليس له أخذه وهو فوت .
قال ابن القاسم وأشهب : ومن غصب أو سرق ثوبا فظاهر به جبة أو بطنها أو جعله قلانس فلربه أخذه وفتقه وإلا أخذ منه قيمته ولا يتبع السارق بفضل ذلك في عدمه .
قال ابن القاسم : وإن غصبك دراهم فجعلها في قلادة وجعل لها عرى فلك أخذها وتدع عراه .
وقال مالك في غاصب العمود والخشب أو شيئا منهما يدخلهما في بنيانه : أن لرب ذلك تركه وإن أخرب البنيان ، وقاله أشهب وقال : بخلاف الخشب يعمل منها بابا لأنه لا يقدر على أن يعيدها كما كانت .
قال : ولو غصب وديا من النخل أو شجرا صغارا فغرسها في أرضه فكبرت فلربها أخذها ، وكذلك في كبر الحيوان والرقيق بخلاف الحنطة يجعلها خبزا والجلد خفاقا والخشبة بابا ، وقال سحنون : إنما يحكم له بقلع/النخل إذا كانت إذا قلعت نبتت .
[10/325]
***(1/320)
[10/326]
وقال ابن القاسم وأشهب : فإن اغتصب من مسلم خمرا فخللها فلربها أخذها خلا لا غير ذلك ، قال أشهب : ولو كانت لذمي كان مخيرا في أخذها خلا أو قيمتها خمرا يوم الغصب .
فيمن غصب أمة أو حيوانا أو غيره فزاد ذلك في بدنه أو نقص بجناية أو غيرها
وكيف إن هلك ذلك بعد ذلك بأمر من الله تعالى ، أو بجناية جان ؟ أو باعه الغاصب ، أو انتفع به ؟
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز : قال ابن القاسم وأشهب : ومن غصب جارية صغيرة تسوى مائة فلما كبرت ونهدت وفرهت ماتت بعد أن صارت قيمتها ألف دينار ، فإنها يضمن قيمتها يوم الغصب ، قال أشهب : كما لو نقصت لم ينقصن من تلك القيمة ، وكمن جرح عبدا قيمته مائة دينار فيموت وقيمته ألف دينار ، فلا يضمن إلا قيمته يوم الجرح ، والأمة إذا طلقت أو مات زوجها ثم عتقت لم تنتقل إلى عدة الحرائر .
قال غيره : ومن سرق عرفت قيمتها يوم سرقها فلا ينظر إلى ما تؤول إليه قيمتها قبل القطع ، قال : ولو فرهت الجارية عند الغاصب ثم قتلها أو تصدق بها فغابت لم يضمن إلا قيمتها يوم الغصب مثل لو ماتت . وقال سحنون في المجموعة : إن القتل فعل ثاني كأنه يقول : وجب عليه الضمان وكل واحد من الفعلين ، ألا ترى المشتري قد ضمن فيها الثمن الذي نقد ، ثم لو قتلها لضمنها بالقتل وهو ضامن بمعنى آخر/وكان لمن استحقها أخذه بقيمتها يوم القتل ، ثم رجع إلى قول ابن القاسم وأشهب في الغاصب ، قال ابن القاسم وأشهب : ولو
[10/326]
***(1/321)
[10/327]
باعها وهي تسوى ألفين بألف وخمس مائة ثم لم يقدر عليها فلا يضمن إلا قيمتها يوم الغصب .
قال مالك : ولو كان ثوبا فلبسه المشتري فبلي فلربه على غاصبه إن شاء قيمته يوم الغصب أو الثمن أو يضمن المشتري قيمته يوم لبسه ، ولو كانت أمة فقتلها أجنبي عند الغاصب فعلى الأجنبي قيمتها يوم القتل ، فإن كان ذلك أقل من قيمتها يوم الغصب رجع بتمام قيمتها يوم الغصب على الغاصب . وقال سحنون : لا يرجع على الغاصب بشيء ، ومسألة مالك في لبس الثوب أصح ، وأما أخذ قيمتها من الغاصب فقط ، أو قيمتها من القاتل يوم القتل فقط كما لو نقصت لم يأخذها من الغاصب ناقصة وما نقصها فإنه لو باعها فماتت عند المبتاع لم يكن له قيمتها يوم الموت ، وأما أخذ الثمن أو قيمتها يوم الغصب وليس ل÷ أخذ الثمن فيرجع بتمام القيمة يوم الغصب ، ويرجع بتمام الثمن ، وخالفه ابن المواز وقال : له أن يرجع على الغاصب بتمام قيمتها يوم الغصب لأن أخذه ما أخذ من القاتل لأنه غريم لغريمه .
قال أشهب : إذا قتلها أجنبي فبخلاف قتل الغاصب الذي قتل ما قد كان ضمن ، والأجنبي قتل ما في ضمان غيره ، فإن أخذ منه الغاصب قيمتها أخذ ربها بالأكثر من ذلك أو من قيمتها يوم الغصب ، وإن لم يأخذ قيمتها فلربها استيعاب أوفر القيمتين ، فإن أخذ من الغاصب قيمتها يوم الغصب وهي أكثر أخذ/[على القاتل بتمام القيمة يوم القتل وأخذ] الغاصب قيمتها من القاتل يوم القتل ، وإن كان ما أخذ من الغاصب أقل رجع على القاتل بتمام القيمة يوم القتل ، وأخذ الغاصب من القاتل باقيها وإن أخذ ربها من القاتل قيمتها يوم القتل وهي أوفر ، لم يرجع القاتل على الغاصب بشيء ، ولا يرجع عليه ربها بشيء ، وإن كانت أقل رجع ربها على الغاصب بتمام قيمتها يوم الغصب ، وقال ابن المواز : إذا أخذ من القاتل قيمتها يوم القتل وهي أقل من قيمتها يوم الغصب ، رجع على الغاصب بالفضل
[10/327]
***(1/322)
[10/328]
لأنه يقول : إنما أخذت من قاتلها ما وجب لغاصبي عليه فهو غرم غريمي ، وأنا آخذ تمام حقي من غريمي ، ولو كان إنما أخذ قيمتها يوم الغصب من الغاصب فكانت أقل من قيمتها يوم القتل ، فلا رجوع له على القاتل بشيء ، وللغاصب طلبه ، وزعم أشهب إن ربها يرجع على القاتل بفضل القيمة ، ولم يعجبنا هذا إلا أنه لما ضمنه قيمتها يوم الغصب فقد ملكه إياها يومئذ ، فتمامها ونقصها له وعليه ، وأما لو أخذ من القاتل القيمة فلم يختلف ابن القاسم وأشهب أنه يرجع بتمام قيمتها يوم الغصب على الغاصب على ما ذكرنا ، قال : وجعلت على المشتري قيمتها يون القتل كالأجنبي وإن كان الثمن أقل ، لأنه لم يضمنها إلا يوم القتل ، وجعلت الغاصب إذا قتلها لم يضمن إلا قيمتها يوم الغصب وإن كانت أقل من القيمة يوم القتل ، لأنه من يوم الغصب ضامن ، وقد اجتمع ابن القاسم وأشهب في القتل واختلفا في جنايته عليها دون القتل وذلك عندنا سواء .
ومن المجموعة : قال أشهب : وإذا غصب/ثوبا فوهبه أو باعه ممن لبسه حتى أبلاه فلربه أن يأخذ الثمن من الغاصب فيتم البيع ، فإن أبى فله تضمين الغاصب قيمته يوم الغصب ، أو تضمين اللابس يوم اللبس ، فإن ضمنه الغاصب قيمته يوم الغصب مضى البيع أيضًا ثم لا يرجع الغاصب منها على الموهوب أو المشتري بشيء كانت أكثر من الثمن أو من قيمته يوم اللبس أو أكثر ، ولكن يرجع رب الثوب على اللابس إن كانت قيمته يوم اللبس أكثر بفضل القيمة ، وإن أخذ القيمة من اللابس لم يرجع الموهوب على الغاصب منها بشيء كانت أكثر من قيمته يوم الغصب أو أقل ، ولكن يرجع رب الثوب على الغاصب إن كانت قيمته يوم الغصب أكثر بفضل القيمة ، وأما في البيع فإذا غرم المشتري القيمة رجع بثمنه على الغاصب إلا أن يكون أكثر مما في يدي البائع من الثمن أو من القيمة يوم الغصب أيهما أكثر ، وأنكر قول من قال : إنه إن شاء ضمن المشتري قيمته يوم لبسه ولم يرجع على الغاصب بشيء ، وإن شاء ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب ولم يرجع على اللابس بشيء ، وأنكر روايته عن مالك وقال : فلو كان طعاما فهو إن أجاز البيع وأخذ الثمن جاز البيع وإن أخذ الغاصب بالمثل جاز البيع ولم يرجع
[10/328]
***(1/323)
[10/329]
على اللابس بشيء ، وإن أخذ المثل من الآكل وكان مشتريا رجع بالثمن على الغاصب ، وإن كان موهوبا لم يرجع وقد ذكرنا اختيار ابن المواز في القتل .
قال أشهب : والأمة يفقأ/عينها أجنبي فلربها أخذها وما نقصها يوم الفقء من الفاقئ في عدمه وملائه ثم لا شيء له على الغاصب لأنه لو كان هو الفاقئ لم يتبعه بما نقصها ، وإن شاء تسلمها وأخذ قيمتها من الغاصب يوم الغصب إذ كان ذلك أكثر مما نقصها يوم الفقء ، وإن كان الغاصب أخذ ما نقصها من الفاقئ وهو أكثر من قيمتها يوم الغصب ، أخذ منه الأكثر ، قال سحنون : لها تفسير وكأنه لم يعجبه تفسير أشهب .
قال ابن عبدوس : وتفسيرها : ينظر ، فإن كان الغاصب قد أخذ من الفاقئ ما نقصها وذلك أكثر من قيمتها يوم الغصب لأنها زادت فله أخذ جاريته ويتبع الغاصب بما أخذ ، فإن كان عديما طلب بذلك الجارية ورجع الجاني على الغاصب ، وإن كانت قيمتها يوم الغصب أكثر فله طلب الغاصب بالقيمة وتبقى الأمة للغاصب وما أخذ في نقصها ، وإن شاء أخذ الأمة وابتع الغاصب بما أخذ من الجاني ويتبع به الجاني ثم يرجع به الجاني على الغاصب ، قال أشهب : وإن لم يأخذ الغاصب من الجاني شيئا فإن لربها إن أخذ قيمتها من الغاصب وهو أكثر فللغاصب طلب الجاني بما لزمته ، وإن كان ما أخذ من الغاصب أقل رجع على الجاني بما فضل له مما بين القيمتين ، وأخذه الغاصب بما ودى من القيمة يوم الغصب إلى الغاصب ، وهذا مما أنكره ابن المواز وقد تقدم . قال أشهب : ولو كان إنما أخذ من الجاني أولا ما نقصها وهو الأكثر فلا/طلب له على الغاصب ، وإن كان هو الأقل رجع على الغاصب بما بقي له من قيمتها يوم الغصب ، وعلى قول سحنون : ليس له إلا أخذ جاريته وما نقصها من الجانب كان أكثر من قيمتها التي تلزم الغاصب أو أقل ولا شيء له على الغاصب ، أو يأخذ من الجاني قيمتها يوم الغصب ، وتسلم إلى الجارية ، وما يلزم الجاني يأخذه منه الغاصب لأنه لما ضمنه القيمة يوم الغصب صارت الجناية إنما هي على الغاصب .
[10/329]
***(1/324)
[10/330]
قال أشهب : وإذا غصب أشياء مختلفة فنقصت في يديه فلربها أن يضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب ، وإن شاء أخذها ناقصها ولا شيء له ، وإن شاء أخذ قيمة نقصها أو يأخذ منها ما شاء بنقصه ولا يرجع في نقصه بشيء .
ذكر ما يلزم الغاصب أو المتعدي فيه القيمة أو المثل فيما استهلك أو جنى عليه ، وجامع جناية الغاصب ، وجناية المتعدي ، وكيف إن شاء رب السلعة أخذها وأخذ ما نقصها في الوجهين ؟
من المجموعة : فقال مالك : ما استهلك من الحيوان والرقيق والعروض فالقيمة فيه أعدل ، ومستهلك الطعام عليه مثله ، وكذلك ما يوزن أو يكال من غيره من نحاس وحديد وكتان والقصب والتبن وغيره .
قال بعض البغداديين من أصحابنا : وأوجبنا القيمة في غير الكليل والموزون لقول النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في عبد قوم نصيب شريكه فجعل فيه القيمة وهي أعدل لتعذر/إدراك المماثلة فيه ، وما كانت فيه مدركة مما يكال ويوزن فهي فيه أعدل والله أعلم فهي تقارب الذهب والورق في إدراك المماثلة ، وغيرنا يقر بذلك فيه ويخالفنا في العروض ، وقول الله سبحانه : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) قد علم أنه أريد المثل في الصفة والمقاربة لا حقيقة المقدار في الوزن لأن ما ذكر من النعم لا يقابله الصيد في المقدار ، ليست البدنة مثلا للنعامة ، وبذلك يحكم فيها فيعلم أنه أراد مماثلة الصفة والمقاربة في الخلقة والله أعلم .
[10/330]
***(1/325)
[10/331]
قال مالك فيمن تعدى بوطء أمة رجل قيمتها مائة دينار فحملت ، قال في موضع آخر : أو لم تحمل ثم قال صاحبها وقيمتها خمسون دينارا فعليه قيمتها يوم الوطء وهي في ضمانه من يومئذ ، وكذلك في الغصب قيمته ذلك يوم الغصب لا ينظر إلى ما بعد ذلك زاد أو نقص . قال مالك : ومغتصب الطعام والإدام يلقاه ربه ببلده آخر فليس له عليه المثل هنالك ولا القيمة ، ولكن عليه المثل ببلد غصبه فيه ، ولو كانت تلزمه القيمة أخذه ربها حيث لقيه قيمة ذلك بموضع الغصب في يوم الغصب أو التعدي ، وقاله ابن القاسم وأشهب : إلا أن تعرض عليه القيمة بموضع غرر إن أخذها خيف أن تؤخذ منه أو يغصبها . فله أن لا يأخذها منه إلا أن يشاء ويرضى بالتغرير فعلى الغاصب حينئذ دفعها إليه .
ومنه ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم : ومن استهلك لرجل عسلا أو/سمنا في بلد فلم يجد له بذلك البلد عسل ولا سمنا ، قال : لا بد أن يأتيه بمثله وله أن لا يأخذ قيمته إلا أن يصطلحا على أمر يجوز ، وقال أشهب : رب الطعام مخير إن شاء صبر عليك وألزمك أن تأتيه بالمثل من أي بلد كان ، وإن شاء ألزمك القيمة الآن . قال ابن عبدوس : واختلفا في هذا كما اختلفا في الذي يسلم في الفاكهة فيفرغ إبانها وقد بقي منها ، فالصبر حتى يؤتى بالطعام من بلد آخر كالصبر حتى يأتي إمكان الثمرة إلى عام قبل ، فقال ابن القاسم : يلزم الطالب التأخير حتى يؤتى بالطعام وحتى يأتي قابل في الفاكهة . وقال أشهب : يرد إليه رأس ماله في السلم ولا يجوز أن يؤخره ، وقال في الطعام : يأخذ قيمة الطعام إن شاء ، ثم قال : وإن شاء أخره حتى يأتي المثل ، فهذا فسخ دين في دين على أصله فلا يجوز أن يؤخره بالطعام إذا كان له أخذ القيمة ، وإنما ينظر : فإن كان الموضع الذي يوجد فيه مثل الطعام على يوم ويومين والثلاثة ولأمر القريب فليس له إلا مثل طعامه يأتي به ، وإن كان بعيدا على الطالب في تأخيره ضرر ، أو كان استهلكه في لج بحر أو فيافي بعيدة من العمران فهذا يعزم قيمته حيث استهلكه يأخذه بها
[10/331]
***(1/326)
[10/332]
حيث لقيه ، وليس هذا مثل مسألة مالك إذا وجد الطعام المستهلك بعينه بغير البلد فيقضى عليه أن لا يعطيه ذلك بالبلد ، لأن المثل بذلك البلد موجود ، وإذا كان الطعام لا يوجد فالقيمة أولى به إلا أن يجلب من بلد قريب/كما ذكرنا .
من المجموعة وكتاب ابن المواز : قال ابن القاسم في المتعدي يفسد الثوب ففي الفساد اليسير لا يلزمه إلا ما نقص . قال ابن المواز : ولم يختلف في هذا قول مالك وابن القاسم وأشهب كانت جنايته خطأ أو عمدا ، وفي الفساد الكثير ربه مخير في أخذ جميع قيمته ، أو يأخذه ويأخذ ما نقصه ، وإلى هذا رجع مالك في الفساد الكبير .
وقال أشهب في الثوب والعبد إذا كان له تضمينه قيمته لكثرة الفساد فليس له أن يأخذه ويأخذ ما نقصه ، إنما له أخذه بحاله ولا شيء له غير ذلك ، وإما ألزمه قيمته جميعه وكذلك ذابح الشاة ليس له أخذها لحما ويأخذ ما نقصها ، قال سحنون : وقاله ابن القاسم في غير الشاة أولا ثم رجع إلى ما ذكرنا . قال ابن المواز : وهو أحب إلي لأنه لما لزمته فيه القيمة لم يكن له أن يأخذ في القيمة غير العين ولا يأخذ سلعة وبعض القيمة ولا يأخذ غير القيمة إلا باجتماعها على أمر جائز ، والحكم أوجب القيمة إلا أن يرضى رب السلعة بأخذها وحدها ناقصة بلا شيء فذلك له كذا بح الشاة وكاسر الغضا تعديا وليس بغاصب ، فليس لربها أخذها وما نقصها في قول مالك وأصحابه ، وما احتج به محمد فهو حجة أشهب ، قال أشهب : وكذا ليس له أن يضمنه في اليسير فكذلك ليس له الفساد الكثير أن يحبس ويأخذ ما نقص ، قال محمد : ولم يختلف قول ابن القاسم وأصحاب في جناية غير الغاصب : أن لا يلزم الغاصب ما نقصه .
قال/سحنون في المجموعة : وقد قالا في أحد الشريكين في الأمة يطؤها ولا تحمل فإن شاء صاحبه ألزمها قيمتها أو يتمسك بنصيبه قال ابن القاسم : فإن تمسك بنصيبه فلا رجوع به عليه بما نقصها ولا بصداق لتركه القيمة التي وجبت
[10/332]
***(1/327)
[10/333]
له ، ومن كتاب ابن المواز : قال : وكذلك الصانع أو المستعير كالمتعدي يفترق في الفساد اليسير والكثير بخلاف الغاصب والسارق لأنهما يوم الغصب ضمنا ، والآخران لو أقاما بينة بشيء من فعل غيرهما لم يلزمهما شيء فافترق ضمانهما من ضمان الغاصب . وقال في الغاصب للثوب أو المتعدي بشقه أو يقطعه أو يفسده بعد الغصب ، فأما في الغصب فيتفق الفساد اليسير والكبير فلربه أخذ قيمته يوم الغصب ، وإن شاء يأخذ ثوبه ولا شيء له النقصان وسواء كان غاصبه الجاني عليه أو غيره وقد خالف ابن القاسم بين جناية الغاصب وجناية غيره وهما عندنا سواء ، وأما في المتعدي فليس عليه إلا ما نقصه ، وأما في الكثير فعليه قيمته يوم الجناية ، قال في موضع آخر : أو يأخذه ربه ويأخذ ما نقصه ، قال ابن المواز : ولو كانت أمة ففقأ الغاصب عينها عمدا أو خطأ أو قطع يدها فليس لربها إلا قيمتها يوم الغصب ، أو يأخذها ولا شيء له من نقصها . وقال ابن القاسم فيه وفي المجموعة وغيرها : أن لربها أن يأخذها ويأخذ ما نقصها يريد : يوم/الجناية . قال ابن حبيب : وقال مطرف وابن الماجشون : وقاله ابن كنانة في سارق الدابة يصنع بها ما ينقصها من ركوب أو غيره ، قال سحنون : هذا خلاف لما قال ابن القاسم في القتل : أن عليه قيمتها يوم الغاصب لا يوم القتل ، وقد يزيد قيمتها يوم القتل ، وقد يكون فيما نقص القطع منها مثل قيمتها وأكثر فيأخذها ومثل قيمتها ، فيأخذ في اليد مالا يأخذ في النفس وإنما له أخذها ناقصة فقط ، أو يأخذ قيمتها يوم الغصب كقول أشهب ، وأما جناية الأجنبي : فبخلاف ذلك لأن الأجنبي لم يضمنها كلها فله أخذ جاريته ويأخذ من الجاني ما نقصها ، ولا شيء له على الغاصب ، أو يدعها ويضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب ويرجع الغاصب على الجاني بما نقصها .
ومن المجموعة : وقالا جميعا وابن كنانة : لو أصابها ذلك بأمر من الله لم يكن له أخذها ويأخذ ما نقصها من الغاصب ، وإما أخذها فقط أو يأخذ منه قيمتها يوم الغصب ، قال ابن القاسم : ولو قال له الغاصب : خذها وأعطيك ما نقصها ولا تضمني قيمتها فليس ذلك له ، وكذلك لو فعل ذلك بها أجنبي فلم
[10/333]
***(1/328)
[10/334]
يوجد فلا يؤخذ الغاصب بما نقصها وإما أخذه بقيمتها وإلا أخذتها ولا شيء لك ، قال ابن المواز : واحتج ابن القاسم في الفرق بين جناية الأجنبي والغاصب : أن يقول ربها للغاصب : أنا أسقط عنك حكم الغصب وآخذك بالتعدي ، فيلزمه أن يقول ذلك/في القتل إذا قتلها الغاصب : أن لربها أن يضمنه قيمتها يوم القتل وهو لا يقوله ولا مالك ولا أصحابه ، ولو قتلها أجنبي فإنما عليه قيمتها يوم القتل وقيمتها من الغاصب فإذا أخذها وأخذ ما نقصها فكأنه إنما أخذ ببعض القيمة عرضا وليس له أن يأخذ في القيمة عرضا وإنما طلبه لما نقص طلب لتمام القيمة يوم الغصب ، وكذلك لو أصابها أمر من السماء ، أو جني عليها أجنبي فلم يقدر عليه لم يلزم الغاصب ما نقصها ، وإنما لربها أخذها منه ناقصة أو قيمتها يوم الغصب ، ولو أخذها ناقصة فله طلب الجاني بما نقصها .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في غاصب العبد يقطع يده عمدا أو خطأ فربه مخير إن شاء ضمنه قيمته يوم الغصب أو أخذه وما نقصه ، يريد : يوم القطع ، وإن قطعه أجنبي فله أخذ قيمته من الغاصب ، أو يأخذه وعقل جرحه إن كان له الغاصب عقلا ، وإن كان عفا عنه فلربه أتباع الجاني بما نقصه ، ولو وجده ميتا لم يتبع الغاصب بشيء من نقصه ، وله تضمين قيمة العبد ولو أصابه ذلك من أمر من السماء ، فإما أخذ قيمته أو أخذه ولا شيء له ، ولو قطعه مشتري ففي العمد فله أخذه مع ما نقصه من المشتري فيرجع المشتري بالثمن على الغاصب ، أو يضمن الغاصب قيمته أو ثمنه/وإن كان خطأ فإما أخذ قيمته من الغاصب أو أخذه مقطوعا ولا شيء له في القطع على الغاصب ولا المشتري .
قال محمد ابن المواز : ومن اغتصب حليا فكسره ثم أعاده كما كان فلربه أخذه ولا شيء له غيره ، ولا غرم عليه ، ولو صاغه على غير صياغته لم يكون له
[10/334]
***(1/329)
[10/335]
أخذه وله قيمته ، وقاله ابن القاسم وأشهب : قال محمد : هذا إن صاغهما غير صياغتهما فأما إن أعادهما مثل صياغتهما فليس لربهما إلا قيمتهما التي ضمن ولو كان هذا فعل متعدي غير غاصب أو سارق لأخذهما ربهما مصوغين .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب : ومن غصب خلخالين فكسرهما فرضي ربهما أخذهما مكسرين فذلك له وقد كان له أن يلزمك صياغتهما إن قدر على ذلك أو يأخذهما وما نقص الكسر منهما أو يأخذهما ويقنع عنك ذلك ، ولو صغتهما بعد الكسر [خلخالين فله أخذهما ولو صغتهما] سوارين أو دملجين فليس له أخذهما وعليك قيمتهما يوم كسرتهما .
جامع القول فين تعدى على شيء فاستهلكه أو جني عليه جناية فنقصته من عبد أو دابة أو عرض أو حلى أو غيره
من كتاب ابن المواز والمجموعة : قال ابن القاسم عن مالك فيمن استهلك سوارين فعليه قيمتهما مصوغين يوم جنايته يقومان بخلافهما بين ذهب أو فضة مسكوك .
قال أشهب في المجموعة : إلا أن يكون فيه الجوهر المربوط به ما تراه يقع له فلا بأس أن يأخذ قيمته ذهبا وهو من ذهب ، أو نقصه وهو من فضة .
قال في كتاب ابن المواز في مستلك سواري ذهب : إن لم يكن له شيء جاز أن يؤخذ بقيمهما من الفضة وقد قيل : واجب له أن لو أبقي الذهب بحاله سوارين حتى يجد ، وإن كانت القيمة إنما تجب يوم الاستهلاك .
[10/335]
***(1/330)
[10/336]
قال ابن القاسم في الكتابين : ولو كسرهما أو هشمهما فإنما عليه قيمة الصياغة من ذهب أو فضة . وليس كالفساد الفاحش في العروض لأنه إنما أتلف الصيغة ، قال ابن المواز : وهو لم يغصبها فيضمن بالغصب قيمتهما ، وقال أشهب في الكتابين : عليه أن يضوغهما له وهو أحب إلي من قيمتهما وما نقصهما وقد قاله مالك فيهما وفي الجدار يهدمه ، فإن لم يقدر أن يصوغهما فعليه ما نقص ما بين قيمتهما مصوغين ومهشمين أو مكسورين ولا أبالي قوما بذهب أو بفضة قال ابن المواز : عليه قيمة ما نقصتهما الصيغة بخلاف كاسر العصا أو ذابح الشاة لأن ذلك لا يمكن اعادته ، قال أشهب : ولم ألزمه في الاستهلاك مثلهما لأني لا آمن أن يكون في ذلك أكثر من ذهبه أو أقل في الكسر إنما يصوغ ذهبهما بنفسه وقال في هاشم الدينار : عليه مثله لأنه عين فلو أخذه وما نقصه كان فضل بين الذهبين ، قال ابن القاسم : الحلي ليس بعين وإنما أتلف فيه صياغته وقول ابن القاسم وأشهب فيمن كسر قصعة أو سرجا أو قمقما أو شق ثوبا : إن في ذلك النقص الكثير قيمته ، وقي اليسير ما نقصه ، قال أشهب : بعد خياطة الثوب ، ورواه عن مالك ، وقال ابن القاسم : بعد رفوه .
وقال أشهب في الكتابين فيمن قطع يد عبد غيره أو فقأ عينه : إن عليه ما نقصه ، قطع اليد من فقء العين وكل ليس فيه إلا ما نقصه ، وأما قطع اليدين والرجلين ، أو فقء العين : فيضمن قيمته العبد كله ويعتق على الجاني ، وقاله ابن كنانة عن مالك وابن أبي الزناد عن أبيه ، قال أشهب في كتاب ابن المواز : إلا أن يرى فيه بعد العمى أو قطع اليدين ما لم يذهب أكثر منافعه ، قال في الكتابين : أما في الدواب والبهائم : فإن قطع اليد الواحدة يبطل منافعها أو جلها ، وتجب عليه
[10/336]
***(1/331)
[10/337]
قيمة الدابة ، وأما فقء عينها وقطع أذنها أو كسرها كسرا تنجبر فيه فإنما عليه في نقصها وقاله عمر بن عبد العزيز ومالك وأبو الزناد ، وقال ابن القاسم ، وذلك في الدواب مثل الثوب في الفساد اليسير والكثير ، وقد قيل في غير كتاب ابن المواز : إن العبد الصانع إذا قطع يده يوجب قيمة جميعه لأنه أبطله ، وقيل في مفقوء العين أو مقطوع ليد : يفقأ عينه أو يقطع يده جان : إن عليه قيمة جميعه .
من المجموعة : قال أشهب : قال ابن كنانة عن مالك فيمن قطع يد عبد أو فقأ عينه عمدا : إن ربه مخير بين أخذه ما نقصه أو تضمينه قيمة جميعه فإن ضمنه قيمته عتق على الجاني ، قال أشهب : إذا كان قطع يده الواحدة أذهب أكثر منافعه فليس لسيده إلا قيمته ، وإن لم يذهب أكثر منافعه : فربه مخير كما قال مالك ، وهو استحسان وليس بالقياس .
قال ابن عبدوس : وإذا جني عبد على عبد فقطع يديه أو فقأ عينيه خطأ أو كان عمدا وترك السيد القصاص ، فقد صار الثاني مرتهنا بجميع قيمة المجني عليه فيسلمه أو يفديه .
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : ومن تعدى على شاة بأمر قل لبنها به فإن كان عظم ما يراد له اللبن ضمن قيمتها إن شاء بها وإن لم تكن غزيرة اللبن فإنما يضم ما نقصها ، وأما الناقة والبقرة : فإنما فيهما ما نقصهما وإن كانت غزيرة اللبن ، لأن فيهما منافع غير ذلك باقية ، وقال أصبغ قالا : وإن قطع يد رجل فإن كان صانعا وعظم شأنه لصنعته فقد ضمنه ، وإن لم يكن صانعا فإنما فيه ما نقصه ، [وإن كان تاجرا نبيلا ، وأما فقء العين ففيه ما نقصه] كان صانعا أو غيره ، وأما إن قطع يديه أو رجليه أو فقأ عينيه فقد لزمته
[10/337]
***(1/332)
[10/338]
قيمته كلها إلا أنه لا يعتق عليه لأن مثل بعبد غيره ، وليس لسيده أن يختار إمساكه وأخذ ما نقصه ، وكذلك غير العبد من عرض أو غيره ، وأما إن عدا على فرس أو دابة غيره ففقأ عينها أو قطع أذنها : فإنما له ما نقصها ، فإن قطع ذنبها وهو فرس أو حمار فاره أو بغل ضمن جميع قيمته لأنه أبطل الغرض فيه من ركوب من يركب مثله من ذوي الهيئات ، بخلاف العين والأذن ، وقاله كله أصبغ إلا في قطع يدي العبد وفقء عينيه ، فإنه قال : يعتق عليه ، قال عبد الملك : وهو استحسان . وذكر من تعدى على عبد/رجل فأخصاه في كتاب الجنايات .
فيمن اغتصب أرضا أو عدا عليها أو أحدث فيها بناء أو غرسا أو زرعا أو هدم وبنى أو رم أو أصلح في الدار أو في المركب والغلة في ذلك
ومن المجموعة : قال ابن وهب عن مالك فيمن بنى في أرض قوم بغير إذنهم فلهم أن يكفوه هدمه إلا أن يعطوه قيمته نقضا فلا يكون له غير ذلك ، وقال ابن القاسم وأشهب فيمن غصب أرضا بقي منها أو بناها ، فإذا كان ما يقلع ويهدم منها لا قيمة له فليس للغاصب قلعه ، قال ابن المواز : وإذا شاء ربها أن يعطيه قيمة ذلك ملقى أو مقلوعا إنما ذلك بعد أن يطرح من ذلك أجر من يهدمه أو يقلعه ، قال ابن القاسم : وليس له فيما حفر من حفرة أو طمس مطمورا شيئا لأنه شيء لا يقدر الغاصب على أخذه ولا في تراب ردم به في حفرة ، قال سحنون : أما ما ردم به الأرض من تراب فله أخذه ، لأن من غصب ترابا فلربه أخذه ، وكذلك في مسألة أشهب في الذي حبس الأرض : أن له أخذ التراب وهو كالطوب عين قائمة بخلاف الحفر ، والحفر كالبنيان في الطوب إنما له قيمة الطوب
[10/338]
***(1/333)
[10/339]
فقط إلا أن لرب الأرض في الحفر إن شاء أن يكلفه ردمه فعل ويقول : لا أريد في أرضي مطمرا ولا بئرا ، وكذلك قال عيسى بن دينار ، وفي العتبية : إن له أن يأمره بردم الحفر التي حفر وهي تضر به في أرضه .
ومن كتاب ابن المواز : ومن غصب دارا فهدمها ثم استحقها رجل فإن شاء أخذ منه قيمتها يوم الغصب وإن شاء أخذ العوصة والنقض على أن لا يتبع الغاصب بشيء ، ولو هدمها ثم بناها بنقضها نفسه ثم أعادها كما كانت قال : فللغاصب قيمة هذا النقض المبني منقوصا اليوم وتكون عليه قيمة النقض منقوصا يوم هدمه فيتقاصان ، هذا مذهب أشهب ومالك وهو أحب إلي ، وقال ابن القاسم : يحسب على الهادم قيمة ما هدم قائما وتحسب له قيمة ما نبي منقوضا .
وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن ضرب طوبا أو عمل تلالا في أرض رجل بغير إذنه ، قال : الطوب والتلال لمن عملهما ولا شيء عليه لرب الأرض إلا أن يكون عليه فعليه قيمة ما أفسد من الأرض ، قال : وإن حفر فيها بئرا فعليه ردم ما حفر فيها وللحافر نقضها إلا أن يشاء رب الأرض أن يعطيه قيمة نقضه مقلوعا فذلك له وهو قول مالك .
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة : ابن القاسم عن مالك فيمن تعدى على أرض رجل فزرعها ، فإن قام ربها وقد نبت الزرع فإن قام في إبان يدرك فيه الحرث فله قلعه ، يريد : يلي قلعه المتعدي ، وإن فات الإبان فله كراء أرضه ، قال ابن القاسم وأشهب : وكذلك في غاصب الأرض ، قالا في كتاب ابن المواز : وإن كان الزرع صغيرا إذا قلع لا منفعة فيه للعلف قضي به لرب الأرض بلا ثمن ولا زريعة/ولا شيء ، فإن كان ينتفع به للعلف لم يكن بد من قلعه ، [وإن مضى
[10/339]
***(1/334)
[10/340]
الإبان فله الكراء وليس له قلعه] . قال ابن المواز : ولو كان صغيرا جدا في الإبان فأراد رب الأرض تركه ويأخذ الكراء لم يجز ذلك لأنه يحكم به لرب الأرض فكأنه بيع زرع لم يبد صلاحه مع كراء الأرض ، قال ابن القاسم : وقال لي من أثق به : إنه إذا لم تكن فيه منفعة للعلف قضي به لرب الأرض .
ومن المجموعة : قال عبد الملك عن مالك ، والمغيرة وابن دينار : إن الزرع إذا أسبل لا يقلع لأن قلعه من الفساد العام للناس . كما يمنع من ذبح الفتي مما فيه الحمولة من الإبل [وذات الدر من الغنم ، وفي موضع آخر] وما فيه الحرث من البقر لما في ذلك من مصلحة العامة ، قال غيره من أصحابنا في غير المجموعة : كما نهي عن تلقي الركبان واحتكار الطعام لمصلحة العامة فيمنع الخاص من بعض منافعه لما فيه من الضرر بالعامة ، قال عبد الملك : وإن كان الزرع صغيرا حين شرط أو حين سقى فإنه يقلع ويلزم المتعدي ما ألزم نفسه ، وإذا لم يكن فيه علف ولا له ثمن [كان لرب الأرض بلا شيء] وليس للزرع قلعه ، ولا يوجد زرع بقيمته ، لأنه يبيع له قبل بدو صلاحه ، وكذلك قال ابن القاسم إذا كان في الإبان فلرب الأرض أن يأخذ منه الكراء أو يأمره بقلعه إلا أن يتراضيا على أمر يجوز ، فإن رضي الزارع بتركه لرب الأرض جاز إذا رضي رب الأرض ، وإذا لم يكن فيه قلعه نفع ترك لرب الأرض إلا أن يأبى فيؤمر/الزارع بقلعه .
ومن المختصر الكبير : ومن غصب أرضا فزرعها فإن قام ربها وقد بلغ الزرع فله الكراء ، وإن كان لو لم يكن فيها زرع لزرع كان ذلك له ، يريد : الزرع بلا ثمن قال : وقد قيل : إن من اغتصب أرضا فزرعها فلا يعطى شيئا لأنه ليس لعرق ظالم حق ، فهو أهلك ماله ، والأول أحب إلينا ، والذي في كتاب الأبهري عن
[10/340]
***(1/335)
[10/341]
ابن عبد الحكم : وقد قال مالك : إن له أن يقلع الزرع سواء قدر أن يزرع أرضه أم لا ، والأول أحب إلينا . وفي المجموعة والعتبية من سماع يحيى بن يحيى : قال ابن القاسم : وإذا تعدى بزرع أرض رجل ثم ينصف صاحب الأرض فتعديه على حقه في أوان لو شاء أن يزرع أرضه أمكنه ذلك ولم يمنع فترك الزرع حتى إذا أمكنه تنازعا فيه ، فأراد رب الأرض أخذه ويغرم للمتعدي بذره أو قيمته ، قال ، فالزارع أحق به وعليه كراء الأرض ، ولو دعاه رب الأرض لقلع الزرع حين قام فترك الغاصب زرعه مؤيسا من منفعته وبرئ إلى رب الأرض منه ، وقال له : اصنع به ما شئت ، لا حاجة لي به ، فقال رب الأرض : فأنا أقره لنفسي فلما بلغ تنازعا فيه ، فأراه لرب الأرض .
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم : قال مالك : ولو زرع الأرض بشبهة من شراء أو كراء فقام ربها في الإبان فله كراء عامه ، قال ابن القاسم : وإن فات فلا كراء له ، وكذلك إن كان المكتري لا يعلم ما مكريه : غاصب أو مشتري ؟ فهو كالشراء حتى يعلم أنه غصبها ، ولو استحق بعضها واستشفع/فله كراء حصته في الإبان ولا كراء له فيما استشفع فيه .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : ولو غصب قمحا فزرعه فعليه مثله ؛ قال عبد الملك : إذا أراد أن يخرج مما دخل فيه ورده إلى أهله فليس عليه إلا مكيلة ما غصب ويستغفر الله .
ومن كتاب ابن المواز : ذكر النفقة على الحيوان والعبيد والنخل وغلات ذلك وقال : وكذلك لو اغتصب مركبا خربا فأنفق في قلفطته وزفته واطراقه وحوائجه ثم اغتل غلة كثيرة فلربه أخذه مقلفطا مصلوحا بجميع غلته ولا غرم عليه فيما
[10/341]
***(1/336)
[10/342]
أنفقه إلا مثل الأرجل والصاري والحبال وما إذا أخذ وجد له ثمنا ، قال محمد : ولو استحقه ربه بموضع لا يجد فيه صاريا غير صاري هذا الغاصب ولا أرجلا ولا أحبلا ولا بموضع ينال حمله إليه إلا بالمشقة والمؤنة العظيمة ، وهو مما لا بد له منه مما يجري به المركب حتى يرده إلى موضعه ، فربه مخير بين أن يعطيه قيمة ذلك بموضعه كائن ما كان ، وأن شاء أسلم ذلك إليه ، وكذلك منغصب دارا خرابا لا يقدر على سكناها حتى يصلحها فسقف فيها وحفر وردم وأصلح حتى سكن وأغلت غلة كثيرة فلربها أخذها مصلوحة وأخذ ما اغتل منها ، وكراء ما سكن ، فلم يكن عليه مما أصلح شيء إلا قيمة ما لو تركه كان له قيمة فيعطيه ثمنه نقضا على قدر ما يظن أنه يصفو من ثمنه بعد أن يطرح منه أجرة قلعه ، أو يشاء المستحق . أن يكلف نقضه ، قال أبو محمد : كان ابن المواز فيما ذكر/من هذا يفرق بين ما رم وأصلح في الدار وبين أن يغصب أرضا فيبنيها دارا ، هذا ينبغي أن لربها أن يعطيه قيمة البناء مطروحا ثم يغرم له ما يقع للأرض من الكراء فيما سكن ، وإن أكراها مبنية نظر ما وقع للأرض من الغلة فوداه ، وكذلك فيما غرس في الأرض من الشجر فاعتلها مدة الغلة للغاصب وعليه كراء ما أقامت تلك الأصول في الأرض لرب الأرض ، ولربها أن يعطيه قيمة ذلك ملقى أو يأمره بقلعه ، وقد رأيت لأصحابنا ما يدل على هذا الجواب .
[10/342]
***(1/337)
[10/343]
فيما يحدث عند الغاصب من ولد ، وما يغتل من غلة في الحيوان وغيره ، وكيف بما أنفق على ذلك أو أصلح أو عمر ، أو سقى وعالج ؟
قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة : إن ما ولدت الأمة المغصوبة من الغاصب أو غيره ممن ليس بمغرور بنكاح أو شراء فرقيقه لسيدها معها ، قال أشهب : فإن شاء تركها وأخذ من الغاصب قيمتها يوم الغصب ، لأن الولادة تنقصها ، ومن مات من ولدها فإنه يضمنهم عند أشهب بقيمهم يوم ولدوا وإن ماتوا وماتت الأم لزمه عنده قيمتها وقيمة الولد يوم ولدوا ، وإن ماتت الأم وحدها أخذ الولد مع قيمتها وابن القاسم لا يضمنه من مات الولد ، والأشهب قول يشبه قول ابن القاسم في الولد يموت ، وذلك أنه أنكر قول من قال في الأمة تلد من المشتري : إن المستحق يأخذ قيمتها يوم أحبلها وقيمة ولدها ، فأعاب هذا وقال : إذا لزمه قيمتها يوم الوطء صار الولد له/بعد أن لزمته القيمة . قال ابن القاسم : وإذا هلكت وبقي الولد ولدته عند الغاصب : فإما أخذ ربها الولد ولا شيء له ، أو يأخذ قيمتها يوم الغصب ولا شيء له في الولد ، وكذلك إن ماتت وقد انتقع منها بغلة من صوف ولبن وما تولد منه ، فإنما له إما قيمتها يوم الغصب فقط وإلا أخذ ما وجد من غلتها فقط ، فإن فات ذلك بانتفاعه أخذ ما فيه القيمة والمثل فيما يجب فيه المثل فقط ، وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثل قول ابن القاسم في ذلك كله .
ومن المجموعة : قال أشهب : وغاصب الدابة إذا أكراها فإن شاء ربها أخذه بقيمتها يوم الغصب ولا كراء له وإن شاء أخذ كراءها فقط ، قال ابن عبدوس : وهذا يدل من قوله : إنه إذا أخذ القيمة يوم الغصب لم يكن له شيء في ولد ولا غلة ، ولو كان إنما مات الولد لم يضمنهم لدخولهم في حكمها فهم كعضو منها لو ذهب لم يضمنه ، ويأخذها ناقصة أو قيمتها يوم الغصب .
[10/343]
***(1/338)
[10/344]
فإن قيل : إنه لما احتبس الولد يوم ولدوا فهو كما لو غصبه يومئذ . قيل له : وكذلك كان محتبس العضو التالف منها فضمنه قيمته وقد أبى من ذلك أشهب إذ أوجب جميع تضمين الكل ، قال أشهب : إذا وجد الأمهات أخذها وضمنه ما أكل مت غلتها وذهب وتلف على يديه وكذلك تمر النخل .
قال ابن القاسم : وإذا أخذ منه تمرة النخل فلا شيء له فيما سقى وعالج ، وقال أيضًا : ثم يأخذ ما سقي وعالج ما بينه وبين قيمة الثمن/وقال أشهب فيه وفي غلة الغنم : يحسب فيها ما أنفق في رعاية ومؤنة ، وأما فلا الولد فلا نفقة له فيه لأنه ليس بغلة ، وذكر تفريق ابن القاسم بين الدور والأرض وبين العبد والدابة فيما زرع أو سكن أو أكرى أواغتل أو استحق أنه لا شيء له من ذلك في الحيوان وإنما له في الدور والأرض ، ولو جعلت له ذلك فيهم لقوصص فيه بما أنفق عليهم ولكنت أقول في الصغير يكبر : أن يطلب ما أنفق عليه ، ورواه عن مالك ؛ قال سحنون : وقد روي عن مالك أنه يغرم له غلة الحيوان والعبيد ، وقال أشهب : إن الدور والأرض والعبيد والحيوان سواء ويرد كلما اغتل في ذلك كله من كراء وقيمة ما عمل له إن كان عملا لمثله كراء ما أكرى من ذلك ويقاص في ذلك كله بما أنفق وعمل وعلف ، وإنما الذي فيه الحديث كان الخراج بالضمان إنما هو لمن ضمن بغير تعدي فأما المتعدي الظالم فليس من ذلك .
[10/344]
***(1/339)
[10/345]
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : إن للمستحق طلب الغاصب في العبيد والحيوان بأجر ما ركب واستخدم وأكرى ، وكذلك الدور والأرضين ، وإن علم أنه أغلق الدار وبور الأرض وأوقف الدابة والعبد فلم ينتفع بشيء من ذلك في سكن ولا خدمة ولا كراء : قالا : فعليه كراء ذلك لأنه منعه ذلك منها . ويرد كل ما أكل من الثمرة المكيلة إن عرفت وإلا فالقيمة ، والغاصب مصدق/في صفة ذلك مع يمينه ، قال سحنون في العتبية : وإذا غرم لرب الدابة غلتها قاصة بما علفها وإذا كانت عنده واقفة لم يستعملها فلا كراء عليه . وأخذ ابن المواز بقول أشهب في رد الحيوان والعبيد والمقاصة فيها بالنفقة والمؤنة ، وناقض أشهب و محمد ابن القاسم في حجته بالصغير يكبر وينفق عليه : أنه لا يرجع بذلك ويرجع بما أثر في الدار فقالا : إنما يرجع في الدار في عين قائمة وليست النفقة في الصغير نعين قائمة . قال أشهب : ويلزمه أن يقول إذا ركب الدابة غير الغاصب واستخدم : إن كراء غلة ذلك للغاصب بضمانه ، وهذا قول العراقيين ، قال محمد : وهو قول ابن القاسم عن مالك ، وروايته : أن ما اغتل في الحيوان لا يغرمه الغاصب ، قال أصبغ : أما الذي استأجر فلا شيء عليه إذا لم يعلم ، لا اختلاف بيننا فيه ، وأما قبض الغاصب في غلة الحيوان فقول أشهب أحب إلي ، وقاله محمد ، ولم يختلف مالك وأصحابه فيما تولد عن الحيوان من صوف ولبن وشبهه : أن يرده الغاصب مع الأمهات ومع الولد ، ويرد غلة النخل ، ويرد ما تلف من علتها وما تلف منه بسببه وبغير سببه فليرده وكل ما انتفع به من ذلك أو وهبه ، وبحسب ما سعى وعالج وما أنفق في رعاية الغنم ما بينهما وبين استيعاب الغلة فلا يزاد الغاصب على ذلك ، وهذا قول أشهب في غرم القيمة ، وقاله ابن القاسم ثم رجع عنه وقال : لا شيء له من النفقة وإن كانت/بسبب للغلة ولا مما علف الدابة ، وقاله مالك . وبه قال ابن المواز قال : إذ ليس بعين قائمة ولا يقدر على أخذه ولا مما له قيمة بعد قلعه فيودى ، كما لو غصب مركبا مخربا فأنفق في قلفطته
[10/345]
***(1/340)
[10/346]
وزفته وتزجيجه وأطرافه وحوائجه ثم اغتل فيه غلة كثيرة فلربه أخذه مقلفطا مصلوحا بجميع غلته ولا غرم عليه فيما أنفق عليه إلا مثل الصاري والأرجل والحبال وما يوجد له ثمن إذا أخذ فللغاصب أخذه ، وإن كان موضع لا عناية عنه : فقد ذكرنا القول فيه قبل هذا وقال : وكذلك لو غصب دارا لا يقدر أن يسكنها إلا بأصلاح فسقف فيها وأصلح وردم وحفر حتى سكن ، فلربها أخذها وأخذ غلتها بلا غرم شيء إلا ما لو نزع كان له قيمة ، فله أن يعطيه قيمته مطروحا بعد أجر قلعه ، وهذا قد كتبته وزيادرة فيه في باب تقدم فيما عمر فيه الغاصب وبنى .
فيمن تعدي فبني أو سكن أو غرس في أرض بينه وبين رجل بميراث أو غيره ، ومن غرس في أرض غيره وهو يراه مثل الزوج في أرض زوجته أو غيره
من العتبية من سماع ابن القاسم : ومن غرس أو بنى في أرض بينه وبين شريكه فليقسماها ، فإن صار بناؤه فيما وقع له فهو له وعليه كراء حصة صاحبه فيما خلا ، وإن صار الغرس والبناء في نصيب شريكه خير شريكه بين أن يعطيه قيمة ذلك مقلوعا وبين أن يأمره بقلعه ، وله على الباني من/الكراء بقدر نصيبه .
وروى عيسى عن ابن القاسم في إخوة ورثوا منزلا فيعمل أحدهم في الأرض أو المنزل قبل أن يقسم بيننا أو يغرس ، فذكر ما ذكر مالك وزاد : فإن استغل من ذلك شيئا قبل القسم : قال : إن كانوا حضورا فلا شيء لهم لأنهم بمنزلة أن لو أذنوا له ، وإن كانوا غيبا فلهم بقدر كراء الأرض البيضاء ، وعليه لهم ما ينوبهم صارت له أو لغيره .
[10/346]
***(1/341)
[10/347]
قال ابن حبيب : قال مطرف فيمن هلك عن أرض وبقر وغنم ودواب فاستعملت ذلك كله زوجته زمانا وورثة الميت صغار أوغيب ، فإن عليها قدر حصتهم من كراء الأرض وما استعملت من البقر والدواب بعد أن تقاص بالعلف ، وما مات من ذلك في علمها فهي ضامنة لقيمتهم ، وما دخلهم من نقص أو عيب فإنهم مخيرون بين أخذه وما نقص ، أو يضمنوها قيمة ذلك يوم تعديها وما مات أو نقص في غير عملها أو سببها لم يضمنه إذا تركته على حاله وكلما حلبت من لبن وأصابت من رسل مما فيه فضل عن مؤناتها ورعايتها فعليها ذلك الفضل ، وإن لم يكن فيه فضل فلا شيء عليها ، وما رفعت من زرع فلها ، وعليها كراء البقر ومكيلة البذر إن أقرت أنها من بذرة زرعت وكراء بقره وتحلف : ما زرعت إلا لنفسها وإن قالت : البذر من طعامي صدقت مع يمينها ، وقاله أصبغ .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم في من بني في أرض رجل أو غرس وهو حاضر يراه فلمل فرغ قام عليه : أن للعامل قيمة ما أنفق . قال ابن القاسم/: وذلك في فياقي الأرض وحيث لا يظن أن تلك الأرض لأحد ، فإذا بنى في مثل ذلك المكان وصاحبه ينظر ثم طلب إخراجه فلا يخرجه إلا بقيمته مبنيا ، ولو بنى في مثل المكان الذي يجوز استحياء مثله ولم يعلم ربه لم يكن له إخراجه إلا أن يغرم القيمة مبنية ، وأما من دخل بمعرفة متعديا : فله أن يهدم بناءه ويقلع غرسه إلا أن يريد أن يغرم له قيمة ذلك مقلوعا فليس للمتعدي أن يأبى ذلك .
وروى يحيى عن ابن القاسم فيمن بنى أو غرس في أرض امرأته أو في داره ، ثم يموت أحدهما فقيمة ذلك البناء عليها أو على ورثتها للزوج أو للورثة قيمته مقلوعا ، وإنما حاله فيما غرس من مال امرأته حال المرتفق به كالعارية يغرس فيها ويبني إلا أن يكون للمرأة أو لورثتها بينة أنه إنما كان ينفق في عمارة ما عمر من ذلك من مالها ولها كان يصلح ، فتكون أحق بأرضها وما فيها بغير شيء ، وإلا فكما ذكرنا
[10/347]
***(1/342)
[10/348]
وإنما يعطى القيمة ، فأما من عمر بميراث أو بشراء ثم استحق واستشفع فأما إن أسكن أجلا أو عمري أو إلى غير أجل ، ثم خرجوا طوعا أو خرجوا عند الأجل ، فهؤلاء يعطون قيمته منقوضا .
وذكر مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب أن من بنى في أرض بينه وبين شريكه فإن كان شريكه حاضرا لا ينكر فهو كالإذن ويعطيه قيمة البناء قائما ، قال ابن القاسم واصبغ : قيمته ملقى ، وقال مطرف وابن الماجشون عن مالك : إن بنى بعلمه فلم ينكر عليه فليعطه قيمة البناء قائما كالباني بشبهة ، وهذا مذكور في كتبا الصدقة/والهبة بأكثر من هذا المعنى وأتم .
وفي كتاب الدعوى : ذكر الزوج يبني في أرض زوجته ثم تدعي هي أو ورثتها أن ذلك من مالها .
فيمن غصب بيضة فحضنها ، أو غصب دجاجة فحضن تحتها بيضا منها أو من غيرها ، والحكم فيما توالد من ذلك في الدجاج أو في الحمام
ومن المجموعة : قال أشهب فيمن غصب بيضة فحضنها تحت دجاجة فخرج منها دجاجة فعليه بيضة مثلها والدجاجة للغاصب ، كالغاصب القمح فزرعه فله الزرع وعليه مثل القمح ، قال : وأحب إلي لو تصدق بالفضل وليس بواجب عليه للضمان .
وقال سحنون في العتبية : من غصب لرجل بيضة له من دجاجة حية أو من دجاجة ميتة فحضنها تحت دجاجة فخرج مها فرخ : فالفرخ لرب البيضة وللغاصب عليه قدر إكراء ما حضنت دجاجة كانت البيضة من ميتة أو حية .
[10/348]
***(1/343)
[10/349]
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة ونسبة في المجموعة إلى أشهب قال : ومن اغتصب دجاجة فباضت عنده فحضنت من بيضها فما خرج من الفراريج فلربها أخذهم مع الدجاجة كالولادة ، وأما لو حضن الغاصب تحتها بيضا من غير بيضها فخرج من ذلك فراريج ، أو حضن بيضها تحت دجاجة له أخرى فليس للغصوب منه إلا دجاجته وحدها إن شاء ولاشيء له مما خرج عن البيض الذي حضنت لا من بيض غيرها ولا مما حضنه غيرها من بيضها ويغرمه للمستحق بيضا مثل بيضها .
قال في كتبا ابن المواز : ويكون له فيما حضنت من بيض غيرها كراء مثلها ، يعني محمد : على قول أشهب ، قال في كتاب محمد : وما نقصها ذلك وهذه الكلمة التي في كتاب محمد فيها نظر ، قال : إلا أن يكون نقصانا بينا فله ، يريد محمد : إن شاء قيمة الدجاجة يوم غصبها ثم لا شيء له من بيضها لا من فراريجها ولا من كراء حضانتها شيء أذا أخذ قيمتها يوم غصت منه ، قال في الكتابين : وكذلك الحمامة بعينها ولا شيء للغاصب فيما أعانها به الذكر الذي له ، قال في كتاب ابن المواز : ويكون للمغصوب منه قيمة حضانتها ، قال في الكتابين : ولا شيء له من فراخ ما حضن غيره من بيضها وإنما له في الغاصب بيض مثل بيض حمامته إلا أن يكون عليه في أخذ البيض ضرر في تكلف حمام تحضنهم فله أن يأخذ الغاصب بقيمة ذلك البيض .
[10/349]
***(1/344)
[10/350]
في الغاصب يكري ما غصب فيعطب ، أو يعتدي فيه المكتري بأمر ، وشيء من ضمان الغاضب ، وضمان من غصب السكنى دون الدار
من كتاب ابن المواز : ومن غصب دارا فأكراها فأخرب الساكن بعضها قال ابن القاسم : فعليه قيمة ما أخرب وليس عليه أن يبني له ، ولو انهدمت من غير فعله لم يلزمه شيء ، ولو كان غاصبا لزمه ما أنهدم بغير سببه يخير ربها بين أن يسلم إليه ما أخرب فيها بأصله وأخذ قيمته وإلا أخذه بلا غرم نقصان إلا أن يكون هدم/أكثر الدار فله أن يسلم العرصة ويأخذ قيمتها مبنية أو يأخذها ولا يرجع بنقصانها ، ولو أكرى الغاصب دابة فعطبت تحت المكتري : قال ابن القاسم : إن ربها لا يتبعه بشيء ويتبع الغاصب بقيمتها إلا أن يموت من فعل فعله بها المكترى بخلاف ما أكل المشتري ولبس وقد قال مالك في الذي واجر عبدا لم يدر أنه عبد ليبلغ له كتابا إلى بلد فعطب أنه ضامن مثل ما يتلف المشتري من السلع ، وكذلك ما عطب في عمله . وفرق ابن القاسم بين هذا العبد والدابة التي اكتراها فعطبت وما بينهما فرق ، كذلك لو لم يركبها وبعثها مع غيره إلى بعض القرى ، قال محمد : وهما سواء وفيها الضمان قيل : فقد قال مالك في المشتري يهدم الدار : أنه لا يضمن الهدم قال : قد قال في قطعه للثوب : إنه ضامن ، قال محمد : والفرق : أن الدار يقدر على إعادتها ولا يقدر على إعادة الثوب ، وكذلك كسره للحلي كهدم الدار إذ ليس يختلف قاطع الثوب كذابح الشاة وكاسر العصا وكذلك بعثه للغلام إذا هلك فيه فهو تلف له ، وكذلك عندي راكب الدابة والباعث بها يهلك في ذلك .
قال ابن القاسم : ومن سكن دارا غصبا للسكنى لا للدار فانهدمت من غير فعله مثل ما سكن المسودة حين دخلوا فلا يضمن إلا قيمة السكنى إلا أن
[10/350]
***(1/345)
[10/351]
ينهدم من فعله ، وأما لو غصبه البنيان ، يريد برقبة الدار ضمن ما أنهدم وكراء ما سكن وقاله أصبغ إذا لم يعطه الرقبة لم يضمن إلا الكراء حتى تنهدم من فعله ، ولا يضمن إلا ما يضمنه/المكتري من التعدي في الأمور .
قال ابن القاسم : وإذا نزل سلطان على مكتري فأخرجه وسكن : إن المصيبة على أهل الدور ويسقط عن المكتري ما سكن السلطان ، وقاله مالك وأصبغ وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقال : قضى به محمد الحرمي بمصر حين قدم المسودة قال ابن المواز : فإن تاب لم يضمن ما أنهدم بغير فعله وضمن الكراء إلا أن يغصبه الرقبة كما ذكرنا .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم وعبد الملك فيمن اكترى دارا أو أرضا فاغتصبها منه رجل فسكن أو زرع : إن الكراء على المكترى إلا أن يكون سلطان ليس فرقه آخذ يمنع منه إلا الله سبحانه وليس السلطان كغيره .
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : ومن غصب سكنى الدار دون أصلها فانهذمت من غير فعله فليس عليه إلا كراء ما سكن ، وإن انهدمت من فعله فعليه كراء ما سكن وربها مخير بين أن يضمنه قيمة الدار يوم انهدمت من فعله فعليه كراء ما سكن وربها مخير بين أن يضمنه قيمنه الدار يوم انهدمت من فعله وإن شاء قيمه ما هدم وأخذ البقعة ، ولو غصب رقبتها فانهدمت من غير فعله فربها مخير إما أخذ منه قيمتها يوم الغصب ولا كراء له وإن شاء فله كراء ما سكن وله البقعة ولا شيء له من قيمة الهدم ، وإن شاء فله البقعة وقيمة الهدم ولا شيء من الكراء ، وإن هدمها الغاصب فربها مخير إن شاء قيمتها يوم الغصب وإن شاء أخذ البقعة وكراء ما سكن وقيمة الهدم ، قال أبو محمد : وقوله في الغاصب : فتهدم بغير فعله إن لربها أن يأخذ قيمة الهدم والبقعة ولا كراء له ، ليس/بأصلهم لأن الغاصب لا تؤخذ منه وما نقصها إذا نقصت من غير فعله .
[10/351]
***(1/346)
[10/352]
قال عيسى بن دينار في ظالم أسكن معلما دار رجل ليعلم له فيها ولده ثم مات الظالم والمعلم فربها مخير أن يأخذ ذلك من مال الظالم أو من مال المعلم .
وقاله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ .
في جناية العبد المغصوب
قبل الغصب أو عند الغاصب
من كتاب ابن المواز : قال : إذا جنى العبد المغصوب عند الغاصب قد اختلف في ذلك ابن القاسم وأشهب فقال ابن القاسم : إن شاء سيده أخذ من الغاصب فيمته يوم الغصب وسلمه إلى المجروح وإن شاء أخذه بلا شيء على الغاصب فيسلمه إلى المجني عليه أو يفديه ، فإن أخذ قيمته من الغاصب كان للغاصب أن يفديه أو يسلمه وهذا الصواب لأن كل نقص يحدث به فليس لربه أن يأخذ من الغاصب ما نقص إن أخذه ، وقال أشهب : يسلم العبد إلى ربه يسلمه أو يفتكه ، فإن أسلمه أو افتكه رجع على الغاصب بالأقل من جنايته أو قيمته لأنه إذا أسلمه وكانت قيمة رقبته يوم الغصب أقل [قال الغاصب : ليس علي غيرها وإن كانت الجناية أقل] قال له الغاصب : قد كان لك أن يفديه بدية الجناية فقط فأسلمته بما لم يكن يلزمك ولا يلزم غيرك قال : ولو أسلمه الغاصب قبل أن يستحق سيده فلسيده أن يتم إسلامه ويرجع بقيمته يوم الغصب على الغاصب ، وإن فداه رجع على الغاصب بالأقل ، ولو كان الغاصب/قد كان فداه فلربه أخذ عبده ولا خيار له فيه إن كانت جنايته خطأ كان أو عمدا وكان يفعل ذلك عند سيده ، وإن لم تكن فعالا لذلك وهي عمد فربه مخير إن شاء أخذه ولا شيء له أو يتركه ويأخذ قيمته من الغاصب يوم الغصب ، قال ابن المواز : ومحمل جواب أشهب في هذه المسألة على الخطأ .
[10/352]
***(1/347)
[10/353]
وقال في المجموعة : قال أشهب : إن كانت الجناية خطأ فإن فداه الغاصب فله رده على سيده ، وإن كانت جناية عمدا فليس له رده عليه وإن فداه إلا أن يشاء سيده ، لأنه عيب حدث به إلا أن يكون عند سيده يفعل مثل ذلك فله رده عليه إذا فداه ، وإذا لم يكن فعالا لهذا عند ربه فأبى سيده أخذه فله قيمته على الغاصب يوم الغاص أن يفديه خير ربه بين أن يسلمه ويرجع بقيمته على الغاصب ، وإن شاء فداه ورجع على الغاصب بالأقل مما فداه به أو من قيمته . قال سحنون : كنت أقول بقول أشهب هذا ثم تبين لي أن قول ابن القاسم أشبه بالأصل لأن جنايته لا تعدو أن تكون نقص فيه وكل نقص حدث فيه فليس لسيده أن يأخذ العبد ويرجع بما نقص ، وإنما له أخذ قيمته من الغاصب يوم الغصب أو أخذ عبده ناقصا ثم يسلمه إن شاء أو يفديه ، وقال ابن المواز مثل قول سحنون . واحتج بنحو حجته .
ومن كتاب ابن المواز : قال : ولو قتل العبد رجلا قبل الغصب وآخر بعد الغصب قال : روي لنا أن أشهب/قال : يخير سيده فإن شاء أسلمه إليهما ثم رجع على الغاصب بنصف قيمته يوم الغصب إلا أن يكون ذلك أكثر من دية جنايته على الثاني ، وإن شاء فداه بدية الجنايتين ورجع على الغاصب بدية الآخرة منهما إلا أن يكون أكثر من نصف رقبته يوم الغصب ، قال محمد : ولم يعجبنا هذا والصواب عندنا أنه إذا أسلمه سيده إلى المجني عليهم فلا يرجع على الغاصب بشيء لأنه كان مرتهنا بجرح الأول فعليه وقع تعدي الغاصب فتلف عند العاصب نصف العبد الذي صار مرتهنا بجناية الثاني ، وإنما يرجع بذلك المجروح الأول على الغاصب [والعبد بين أولياء القتيلين ويرجع ورثة الأول علي الغاصب] بنصف قيمة العبد إلا أن تكون دية القتيل الآخر أقل من نصف القيمة فعلى الغاصب
[10/353]
***(1/348)
[10/354]
الأقل ، فيصير لأولياء الأول نصف العبد مع نصف قيمته إلا أن يدفع سيده لأولياء الأول جنايتهم فكون له ما كان للأول ، ويصير له نصف العبد ويرجع على الغاصب بنصف قيمة العبد لأن الغاصب لم يتلف عنده إلا نصف العبد ، قال : ولو قتل عند سيده فتيلا ولم يقتل عند الغاصب أحدا حتى باعه فقتل عند المشتري قتيلا ثم قام الولاة والسيد فإن ودي السيد لأولياء الأول دية وليهم كان له نصف العبد ويرجع على الغاصب إن شاء بنصف الثمن ، وإن شاء بنصف قيمة العبد الذي صار مرتهنا بيد أولياء الثاني ، وإن شاء سيده أن يدع العبد فلا يفديه ولا يكون له فيه حق ويكون لأولياء الأول نصفه ويأخذوا من الغاصب نصف قيمة العبد أو نصف ثمنه فيرجع المشتري على الغاصب بنصف الثمن الذي استحق أولياء الأول قال : فإن فداه السيد منهما جميعا فلا شيء على الغاصب ولا على غيره ، وإن أسلمه إلى أولياء القتيلين لم يكن له على الغاصب طلب ويكون لأولياء الأول على الغاصب قيمة ما صار لأولياء الآخر عن العبد وهو النصف ، لأن ذلك الذي أتلفه الغاصب على الأول ، فيصير لهم نصف قيمة العبد ونصف وقبته ، ولورثة الآخر نصف العبد ويرجع المشتري على الغاصب بنصف الثمن .
ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العبد يجنى عند الغاصب فربه مخير أن يسلمه إلى المجروح ويأخذ من الغاصب قيمته يوم الغصب وإن شاء أفتكه بالعقل فأخذه وينظر إلى ما يرى أن الغاصب كان يغرمه لرب العبد من قيمته لو أخذه بذلك وما يلزمه من غرم [عقل إن فداه فيغرم لربه أقل الغرمين إذ لا بد للغاصب من غرم] أحدهما مع إسلام العبد لربه أو للمجروح إن شاء ربه أخذ قيمته ، فإن قال الغاصب : أنا أفتكه حتى يصير غير معيب ولا مأخوذ بعقل جنايته ولا يتبع بها ويأخذه ريه سليما قال : ذلك له ، وهذا سند القول الأول ألا تراه زالت الرقبة من يده وغرم المجروح عقله فما حجة من
[10/354]
***(1/349)
[10/355]
قال : إنما لربه أن يأخذه معيبا ويغرم عقل الجناية أو يدعه ويأخذ قيمته فقط ؟
وهو إن أخذ القيمة لم يسلم الغاصب من غرم/العقل للمجروح وهو قد غرم قيمته لربه أو يسلمه بجنايته ، فقد زالت من يده رقبته ، وغرم القيمة للسيد ، فربه أحق بعبده وبأقل الغرمين اللذين لا بد للغاصب من غرمهما .
قال سحنون في العبد يجني عند الغاصب ثم أخذه ربه ولم يعلم بجنايته ثم جنى عبده على آخر ثم قام الرجلان والجنايتان سواء ، فإن شاء سيده أخذ من الغاصب نصف قيمة العبد ويصير كعبد بين رجلين جنى فيخيران في فدائه أو إسلامه ، فإن شاء فدياه أو أسلماه أو يفتك أحدهما ويسلم الآخر ، فإن أفتكه السيد بالجنايتين لم يضمن الغاصب شيئا ، كذلك قال ابن القاسم ، وقال غيره : يرجع على الغاصب بالأقل من نصف القيمة أو نصف الجنايتين .
فيمن غصب مالا يحل بيعه أو أتلفه
من المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب فين اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ لزمته قيمته كما أن كلب الصيد لا يباع ويلزم قاتله قيمته . قال أشهب : وكزرع لم يبد صلاحه استهلك وكبئر الماشية الذي لا يجوز بيعه يغصبه وكل فيسقى به زرعه فعليه قيمة ما سقى منها . وقال أبو الفرج البغدادي : إن مالكا قال فيمن استهلك لرجل جلد ميتة غير مدبوغ : إنه لا شيء عليه . قال إسماعيل القاضي : إلا أن يكون لمجوسي ، وقاله ابن القاسم فيمن سقى من بئر غصبها .
قال مالك : ولا شيء على من قتل كلاب الدور/، وإنما يضمن من قتل كلب صيد أو ماشية أو زرع ، قال أشهب : وكلب الصيد والماشية ثبت في الحديث ، وقد جاء الإذن في كلب الزرع وعلى قاتله قيمته .
[10/355]
***(1/350)
[10/356]
قال مالك في مسلم غصب خمرا لنصراني فعليه قيمتها يقومها من يعرف القيمة من المسلمين . قال سحنون في كتاب ابنه : حديث عهد بالإسلام . وقال ابن المواز : لا تخفى قيمتها على المسلمين ، وقال ابن الماجشون : لا شيء عليه ، لأنه لا قيمة للخمر ولا للميتة ، وقاله أحمد بن المعدل .
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية في الزرع تأكله الماشية ، فإنه يقوم على ما يرجى من تمامه ، ويخاف من هلاكه اللا جاز بيعه ، واحتج بقضاء النبي عليه السلام بالغرة في الجنين ، فهذا مثله .
فيمن تعدى بإرسال ماء أو نار بقرب أرض غيره فأفسد بذلك شيئا
من المجموعة : ذكر مسألة ابن القاسم فيمن أرسل نارا في أرضه وهي بعيدة فيما يرى الناس أنها لا تصل إلى جاره ، فتحاملت النار ، أو حملتها الريح إليها فأفسدت . لم يضمن ، وإن كانت قريبة يعلم الناس أنها لا تكاد تسلم منها فهو ضامن ، ومن مات منها فديته على عاقلته ، وقاله مالك . وقاله أشهب ، وقال : أما الماء فإن كانت أرضا يسير الماء فيها قالا له : وكنت أنت تلي تسريحها فأغفلت حسن تسييرها فأنت ضامن ، وإن كان قيمك الذي يلي ذلك هو الضامن ، وإن كان ما يظهر على الأرض فموجبه فيها على احتفاظ منك بجسورها لمالك من المرفق/يحبس الماء على أرضك ، فتحامل الماء على الجسور بغير إحراف منك في إرساله ، ولا في عمل الجسور ، فلا ضمان عليك لما أفسد ، وإن كنت إنما أرسلت الماء في أرضك على قرب من أرض جارك ، وذلك مخوف عند الناس على زرعه ، لتركك للمرفق في الحبس فأنت ضامن لزرعه ، وإن كان زرعه بعيدا عنك مما
[10/356]
***(1/351)
[10/357]
لا يخاف عليه بما أرسلت من الماء ، ولم يكن على أرضك جسور ، فتحامل الماء بسوق الريح أو بزيادة زادها الله فيه ، فأتت على الزرع فلا شيء عليك ، قال : وإذا أحرقت هذه النار ناسنا فجأتهم فدياتهم على العاقلة .
قال سحنون : ينظر في هذا على ما يجوز وعلى ما لا يجوز ، وإن كانوا لما خافوا على زرعهم قاموا في دفعها فأحرقتهم ، فهذا هدر لا دية فيه على عاقلة ولا غيرها .
في الدعوى في الغصب ، والدعوى في قيمة الشيء المغصوب منه ، وكيف إن ودى قيمته ثم ظهر عنده
من المجموعة : قال ابن القاسم فيمن أثبت بينة إن رجلا غصبه جارية ، ولا يعلمون قيمتها ، وقد هلكت ، فليصفها الغاصب ثم يقومها المقومون ، قال أشهب : بقيمتها يوم الغصب ، فإن لم يصفوها بصفة ، جعلت من أوضع الجواري . قال ابن القاسم : وإذا ادعى هلاك الأمة واختلفا في الصفة فالقائم يقبل قوله مع يمينه ، وإن لم يأت بما يشبه صدق الآخر مع يمينه ، كما قال مالك : يقبل قول منتهب الصرة مع يمينه فيها .
ومن العتبية : ابن القاسم عن مالك فيمن انتهب صرة من رجل وناس ينظرون إليه قد أخذها . فطولب فطرحها في متلف ، فادعى ربها عددا ، وأكذبه الآخر ولم يفتحها ، ولا يدري المنتهب كم فيها ، أو لم يطرحها ، ثم يختلفان قال : القول قول المنتهب مع يمينه ، وقال مطرف وابن كنانة وأشهب : يقولون في هذا أو شبهه : إن القول قول المنتهب منه إذا ادعى ما يشبه . ومن المجموعة : قال
[10/357]
***(1/352)
[10/358]
أشهب : القول قول الغاصب في الصفة ، وإن وصف أدن صفة تكون مع يمينه ، ولو قال عميا بكما صما ، يحلف على ذلك ، وقيل : قوله وقول من قال : إذا أتى بما لا يشبه صدق المغصوب من مع يمينه ، فقد غلط ، إنما يدخل هذا في اختلاف المتبايعين في قلة الثمن وكثرته ، والسلعة قائمة معروفة الحال ، فيصدق من يشبه أن يكون الحق في قوله مع يمينه مما يتغابن الناس بمثله ، وأما الغاصب فلا يعرف للجارية حالا إلا ما يقر به الغاصب .
قال ابن القاسم : فإن ضمنته القيمة ثم ظهرت عنده ، فإن علم أنه كان أخفاها عند المغصوب فله أخذها ، وإن لم يعلم ذلك فليس له أخذها إلا أن يكون أحلف الغاصب على صفة ، وغرم قيمتها ، فظهرت على غير تلك الصفة خلافا بينا فليزاد ربها تمام القيمة على صفتها ، وإنما جحده بعض القيمة [على صفتها] وقاله كله أشهب ، قال : ويحلف : أنه ما أخفاها . قال أشهب : ومن قال : إن له أخذها إذا ظهرت مخالفة لتلك الصفة ، فذلك خطأ لأنها لو ظهرت مثل الصفة لم يأخذها ، لأنه لم يبعها طائعا/وإنما وجبت للغاصب بالقيمة حين أخذه بها فإنما يطلبه مما جحدك من قيمتها . ألا ترى لو نكل عن اليمين في صفتها وحلفت على صفتك ، ثم ظهر خلاف ذلك ، كنت قد ظلمته في القيمة ، فيرجع عليك بما حبسته عنه من ذلك ، ولم يكن له أن يقول لك : رد الجارية علي .
قالا في الغاصب الثوب يقول : كان خلقا ، وقال ربه : كان جديدا ، فالقول قول الغاصب مع يمينه ؛ قال أشهب : لأنه مدعى عليه . قال ابن القاسم : فإن حلف على الخلق فغرم قيمته ، ثم وجد الآخر بينة أنه جديد ، فليقم بها إن لم يكن علم بها في اليقين . قال أشهب : البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة ، وقاله عمر : فإن شاء تمسك رب الثوب بثوبه ، وإن شاء أخذه بقيمته يوم الغصب ، ورد الثوب
[10/358]
***(1/353)
[10/359]
عليه إن لم يفت ، وإن باعه قاصصه في القيمة بالثمن ، وإن وهب فلا شيء عليه فيه ، لأن الغاصب أباحه ذلك ظلما ، وليتبع الذي صار له الثوب فيأخذه منه أو قيمته إن لبسه يوم لبسه إن كان أبلاه ، وإن تلف عنده فلا شيء عليه .
في المغصوب منه العبد يأخذه ربه وقد حدث به عيب ولم يعلم ، والمكتري يزيد على الدابة ما تعطب فيه ولا يعلم وبها
من المجموعة : قال سحنون في غاصب العبد يحدث له عنده عيب ، ثم أخذه من ربه ولم يعلم ، ثم حدث به عنده عيب آخر ، أو مات في يديه ، أو وهبه ، أو باعه ، فإن باعه بقيمته/يوم غصبه فأكثر ، فلا شيء له ، وإن باعه بأقل من القيمة فله الأقل من تمام القيمة أو من قيمة العيب ، وإن وهبه رجع بقيمة العيب على الغاصب ، وإن حدث به عنده عيب ولم يبعه ولا وهبه ، وده وقيمة العيب الحادث عنده ، ويأخذ من الغاصب قيمته يوم غصبه ، وإن شاء حبسه ورجع على الغاصب بقيمة العيب الذي حدث عنده .
قال ابن القاسم في المجموعة وكتاب ابن المواز والعتبية في المكتري يزيد على الحمل ما يعطب في مثله ، ثم رد البعير على ربه وقد أنقضه ، فلما رآه صاحبه كذلك نحره ، ثم علم أنه بزيادة الرجل وعطب البعير من ذلك ، أنه ينظر إلى قيمته يوم أتى ، وقيمته يوم تعدى عليه ، فإن شاء رجع بفضل ما بين القيمتين وإن أحب أن يكون له كراء الزيادة فذلك له .
[10/359]
***(1/354)
[10/360]
في الجماعة يغصبون الشيء
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون في قوم أغاروا على منزل رجل والناس ينظرون ، فينتهبون ويذهبون بما كان فيه من مال أو حلي أو ثياب أو طعام وماشية ، والشهود لا يشهدون على معاينة ما يذهبون به ، لكن على أنهم أعاروا ونهبوه . قال مطرف : فليحلف المغار عليه على ما ادعى فيما يشبه أن مثله يملكه ولم يأت بمستنكر ، ثم يصدق ، وقال ابن الماجشون : لا يقضى بقول ويمينه وإن ادعى ما يشبه حتى يقيم البينة ، وقال اصبغ عن ابن القاسم مثل قول ابن الماجشون ، واحتج بمسألة مالك في منتهب الصرة يختلفان في عددها : إن القول قول المنتهب مع يمينه/. وقول مطرف أحب إلي ، وقاله ابن كنانة : ويحمل على الظالم . قال مطرف : وإذا أخذ من المغيرين واحد ضمن جميع ما أغاروا عليه مما تثبت معرفته أو ما حلف عليه المغار مما يشبه ملكه ، لأن بعضهم عون لبعض كالسراق يحملون الخشبة لا يقدرون عليها إلا بتعاونهم ، وثمنها ثلاثة دراهم ، فكلهم يقطع ، وكل واحد ضامن لجميعها إن كان له مال . ولو كان لا يضمن إلا ما ينوبه من ثمنها لم يقطع فيه ، وكذلك اللصوص المحاربون . ولو أخذوا كلهم وهم أملياء لم يضمن كل واحد إلا ما ينوبه ، وقاله ابن الماجشون واصبغ في الضمان .
قال مطرف : وهؤلاء المغيرون كاللصوص إذا أشهروا السلاح على وجه المكابرة كان ذلك على أصل نائرة بينهم أو على وجه الغياثة ، قاله ابن الماجشون وأصبغ .
وقالوا في والي البلد يغير على بعض أهل ولايته وينسف أموالهم ظلما : مثل ذلك في المغيرين .
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أقر أنه غصب عبد رجل هو ورجلان معه سماهما ، وصدقه رب العبد . قال : هذا يضمن جميع قيمة العبد ، ولا يلتفت إلى من غصب معه ، إلا أن يقوم عليهم بينة أو يقروا ، ولو أقروا أو قامت عليهم بينة
[10/360]
***(1/355)
[10/361]
في البينة تشهد غصب الأرض ولا تحفظ الحدود ، وفي البينة بالغصب وبينة بالشراء/
ومن العتبية : قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الأرض تستحق بشهادة العدول . ولا يثبتون حوزها يريد : حدودها . فيشهد على حوزها من الجيران غير عدول ، قال : لا يقبلون ولا يتم استحقاقها إلا بالعدول . قلت : فإن الغاصب ربما خلط دورا ويجوز حوزها حتى لا يثبت أحد ممن كان يعرفها لأهلها حوزها لهم ، يريد : حدودها ، قال : يحوز المدعى عليه ما أقر به من ذلك ثم لا شيء عليه غيره ، يريد : يقال له : خذ منها ما شهدت به البينة ، قلت : فإن قال ذلك حدا ، قال : أما إن لم يقر إلا بموضع الباب وما يرى أنه ليس بشيء فلا يقبل منه ، وأما أن يقر بالبيت ونحوه فيقبل ذلك منه مع يمينه إلا ما يجوزه العدول لمدعي الغصب . قال : وإذا أبى أن يقر إلا بموضع الباب مثل الجدار ونحوه ، أكره الغاصب ، يريد : على أن يقر بأمر لا يستنكر ، فإذا شهدوا أن الغاصب يكتم الحدود بما يستنكر من أمر حاز المدعي ، ويستحق ما حاز بيمينه مع ما شهد له من البينة على أصل الغصب .
وروى عيسى عن ابن القاسم في البينة تشهد للرجل أن فلانا غصبه أرضه من قرية كذا ، ولا يعرفون موضع الأرض منها والغاصب ينكر ، فشهادتهم باطل ، لأنهم لم يذكروا أرضا معينه ولا محدودة . قال أصبغ عن ابن القاسم : إذا شهدوا للمغصوب أن هذه أرضه ولا يعرفون الحدود . فإنه يسجن المشهود عليه ويضيق
[10/361]
***(1/356)
[10/362]
عليه حتى يبين له حقه ، ولا يقضى له بشهادة أو بإقرار ، فإن أقر له بشيء/وقال : هذا حقه حلف عليه . قال اصبغ . أو يشهد غيرهم على الحدود فيقضى بذلك ، فإن لم يكن وضيق على الغاصب فاستبرأ بالسجن فلم يقر بشيء ، حلف على الجميع كما يحلف المدعى عليه بغير بينة ، ولا يكون عليه شيء بتلك الشهادات ، وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أقام بينة أن فلانا غصبه أرضا له ، وأقام فلان هذا بينة أنه اشتراها منه ولم تدر البينة : أكان الشراء بعدما ادعى من الغصب أو قبل ، أو ثبت أن الغصب قبل ؟ فبينة الشراء أولى ، علم أن الغصب قبله أو لم يعلم ، لأنه إن كان الغصب قبل فقد صححه الشراء بعده . وإن كان الغصب بعد الشراء فشهادة الغصب باطل والشراء حق .
في المتداعيين في الأرض فيزرع أحدهما فيها ، ثم يزرع الآخر على بذر الآخر ، ثم يثبت لأحدهما
من العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في رجلين تداعيا في أرض ، فبذر فيها أحدهما فولا ، ثم أعقب الآخر فبذرها قمحا على فول الآخر ، وقلب ما نبت منه فاستهلك الفول ، ثم ثبت استحقاقها لباذر الفول ، فإن قضي له بها في إبان الحرث فله كراؤها على باذر القمح ، لأنه غير غاصب وزرع القمح لباذره ، ويؤدي للآخر أيضًا قيمة فوله الذي استهلكه ، يريد : على الرجاء والخوف ، وإن استحقها بعد الإبان فلا كراء له على باذر القمح ، والقمح لباذره ، وعليه قيمة الفول بكل حال ، ولو كان غاصبا كان لمستحقها في/إبان قلع الزرع إلا أن يشاء أن يقره ويأخذ كراء أرضه .
[10/362]
***(1/357)
[10/363]
فيمن باع على ابنته الثيب ربعا مع زوجها وقالا : وكلتنا ، وبائع الشيء يقول : ابتعته لفلان ، أو قال : ابتعته من فلان ، أو وكلني على بيعه هل للمشتري منه الغلة ؟
من العتبية من سماع أشهب : قال مالك فيمن وقع له ولابنته ميراث في دار ، وقد تزوجت وبنى بها الزوج . فولي الأب والزوج بيع نصيبها في الدار وقالا : وكلتنا ، فحاز المشتري ذلك أربعة عشرة سنة يبني ويهدم ، ثم قامت وأنكرت الوكالة وقالت : ما علمت بالبيع ، وكانا يقولان لي : هي مكتراة ، قال : إن لم تكن تلي نفسها فلها مقال وإن كانت ممن لا يولى وممن لا يجوز عليها فعلهم ، فلتحلف هي بالله : ما علمت بذلك ، ورد البيع إلا أن تقول البينة : إنها وكلتهما .
[وفي كتاب آخر : قال سحنون فيمن باع سلعة تعرف برجل ، وزعم أنه وكله على البيع وغاب ولا يعرف ذلك إلا بقوله ، فاشترى منه رجل على هذا وهو يعلم أن الدار للغائب ، ثم قدم فأنكر ، وقد اغتلها المبتاع ، فإن كان الوكيل يقوم في الدار ويعمد وينظر حتى تثبت له شبهة الوكالة : فالغلة للمبتاع ، وإن لم يتقدم على شبهة كما قلنا ، فالمشتري كالغاصب ، وكذلك من هلك عن أطفال معهم أمهم وهي غير وصية ، فتبيع حقا لهم من رجل فيغتله ، ثم يبلغ الأطفال فإن كانت الأم تقوم وتحوط وتنظر/في الدار ، فباعث وهي كذلك ، فالغلة للمشترى] .
[10/363]
***(1/358)
[10/364]
في أحد الورثة يبيع نصيبه ونصيب غيره في غيبة بعضهم وحضرته
من العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في امرأة وإخوتها ورثوا منزلا عن أبيهم ، فباع أحد أخواتهم جميع المنزل دالة على إخوته وتعدى ، فحازه المبتاع زمانا ومات عنه ، وأخت البائع يوم البيع بكر فتزوجت ثم أقامت زمانا طويلا ، أو هي يوم البيع متزوجة ، والمنزل في جوارها أو على أميال يسيرة مثل ثلاثة ونحوها ، فادعت حقها من المنزل بعد عشر سنين أو خمسة عشر . أو أكثر . وقالت : لم أعلم بالبيع ، أو قالت : علمت ولم أجد من يتوكل لي بالطلب ، أو قالت : زوجي ممن لا يمكنني ممن يشهد على وجهي بالوكالة لشرفه وشدة غيرته ، وهو ممن لا يتوكل لي مثله ، ولا يلتفت إلى مالي . قال : فأما التي قالت : لم أعلم بالبيع وهي بكر أو غير بكر فلتحلف : أنها ما علمت بالبيع إن جاءت بما يدل على صدقها ، ثم هي على نصيبها إلا أن يأتي المبتاع بالبينة على علمها بالبيع وطول سكوتها على الطلب زمانا طويلا ، وهي قادرة على أن تطلب أو توكل ، ليست في حجاب يمنعها من اتخاذ وكيل ، ولا ممنوعة من الخروج أو الإرسال إلى من شاءت ، فإن كانت بهذه الحالة ، وطال تركها لطلب حقها ، فلا شيء لها إلا أن يكون سكوتها زمنا يسيرا أو لا عذر لها في العشر سنين ، وأما التي ذكرت/من شرف زوجها وشدة حجابه وتهاونه بالنظر لها ، فإن بلغ من شأنه ما يتبين للناظر في ذلك عذرها ، نظر لها ، وإن طال الزمان لم يضرها وإن علمت ، إذا بلغ من حجاب الزوج ما ذكرت وعرف بذلك .
[10/364]
***(1/359)
[10/365]
في السلطان المعروف بالغصب يدعى عليه بعد عزله شيء مما في يديه : أنه غصبه منه ، أو حبس ثمنه
من العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في رجل من ذوي السلطان والولاية المعروف بالظلم والتعدي في أمولا الناس يدعي عليه رجل : أنه إليه على أرض أو غيرها من الأموال ، ولا يجد بينة عدولا ، ولكن من لا يعرف بعدالة ولا سخطة حال . قال : لا يقبل في شيء إلا العدول كما قال الله سبحانه ، قلت : فقوم عرفوا بالغصب لأموال الناس من ذوي الاستطالة بالسلطان ، ثم جاء الله بوالي أنصف منهم وأعدي عليهم ، فلا يجد الرجل من يشهد على معاينة الغصب ، ويجد من يشهدون على حق أنهم يعرفونه ملكا للمدعي ، ثم رأوه بيد ÷ذا الظالم لا يدرون بماذا صار إليه إلا أن الطالب كان يشكو إليهم ذلك أو لا يشكوه ، قال : إذا كان من أهل القهر والتعدي أو ممن يقدر على ذلك ، والبينة عادلة . فذلك يوجب للمدعي أخذ حقه منه إلا أن يأتي الظالم ببينة عادلة على شراء صحيح أو عطية/ممن كان يأمن ظلمه وتعديه ، أو يأتي بوجه حق فينظر له فيه ، قال : فإن جاء ببينة عادلة على شرائه ، فزعم البائع أن ذلك البيع من خوف سطوته وهو ممن يقدر عليه قال : يفسخ البيع إن ثبت أنه من أهل الظلم والاستطالة ، قال : وإن زعم البائع أنه باع وقبض منه الثمن ظاهرا ثم دس إليه سرا من أخذه منه ، ولو لم يفعل له ذلك لقي منه شرا ، قال : لا يقبل هذا منه ، وعليه رد الثمن إليه بعد أن يحلف الظالم : أنه ما ارتجعه ولا أخذه معه بعد أن دفعه إليه .
وقال سحنون في الأمير الغاصب لأموال الناس يعزل فيقوم من يدعي شيئا مما في يديه ، قال : إذا أثبتوا شيئا من أموالهم كلف الظالم البينة بماذا صار إليه ، فإن لم تقم بينة فلا شيء له فيه ، ولو أقام بينة أنه كان يجوزها منذ عشر سنين أو
[10/365]
***(1/360)
[10/366]
عشرين سنة بمحضر المدعين ، ولم تقم بينة بالشراء ، قال : فلا يقضى له بهذا في الحيازة وهو معروف بالظلم ، قال : وإن لم يشهد المظلوم سرا أنه إنما يترك القيام خوفا منه لم يضره في هذه الحيازة ، ولو أشهد في السر لكان أقوى ، قال : وإن مات في ولايته فقام وارثه على ورثته ، فأثبتوا البينة أن هذه الدور كانت لهم ، قال : لا يكلف ورثته البينة بأي شيء صارت لأبيهم كما كلف أبوهم ، وعلى الطالب البينة أن هذا السلطان كان غصب ذلك منه بعد أن يقيم بينة أن هذا الشيء كان/له ، ولو أثبت المدعي بينة أن ذلك له ولم يأت ببينة قضى بذلك لمدعية ، ثم لا يكون حال الأمير حال الغاصب في الغلة وفيما غرس حتى يقيم المدعي بينة الغصب ، وإلا لم تكن عليه غلة ، ويأخذ قيمة ما غرس قائما حتى يقيم بينة أنه غصبه ذلك فيعطيه قيمته مقلوعا فيرجع عليه بالغلات .
في طول حيازة الغاصب بمجضر المدعي
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون عن الرجل في يديه المنزل أو غيره سنين مثل عشر سنين يبني ويغرس ويفعل ما يفعل المالك ، ثم يقيم جاره البينة أنه كان اغتصبه ذلك ، أو على إقرار الغاصب بالغصب ، هل يضره ترك القيام هذه المدة وهو عالم ببينته ، قالا : لا يضره ذلك ، لأنه قد عرف أصل هذه الحيازة بيد هذا الغاصب ، وإن عاد بعد السلطان إلى حال السومة ومن ينتصف منه وهو كالكتاب بالكراء والإسكان ، وإن أورث ذلك ورثته واقتسموه بحضرته ، فهو على حقه إلا أن يحدثوا فيه بيعا أو أصداق نساء أو عطايا وربه عالم بذلك قادر على حقه . لا عذر له في تركه ، فذلك إن طال زمانه من بعد هذا يقطع حجته وحقه .
قلت : شهادة شهدائه له وهم يرون الغاصب يحوز حقوقه ولا يقومون بشهادتهم ، وإلا فإن كان ربه عالما بهم لم يضرهم ذلك ، وإن لم يكن عالما بهم ولم يعلموه بما عندهم من علمهم له فشهادتهم ساقطة ، إلا أن يكون/الغاصب أو وارثه ممن لا ينتصف منه من ذوي السلطان ، فلا يسقط شهادتهم تركهم إعلام المغصوب بها ، لأن لهم عذرا ومقالا ، وقاله أصبغ .
[10/366]
***(1/361)
[10/367]
فيمن أخذ من بستان رجل غرسا فغرسه في أرضه
قال ابن حبيب : قال أصبغ فيمن دل على رجل فأخذ من بستانه غرسا من أصله فيغرسه في أرضه فينكر ذلك المأخوذ له ولا يرضى قال : إن قام بحدثان ما عرسه المدل في أرضه وقبل طول زمان فله قلعه وإن كان قد نبت وعلق ، وأما إن طال زمانه فليس له أخذه وأرى دالته عليه شبهة إذا كان من أهل الدالة عليه وتكون له عليه قيمته قائما يوم اقتلعه ، وإن لم يكن دالا ولكن غاصبا متعديا فلربه قلعه وإن طال زمانه وكبر كالصغير يكثر سواء كان مما ينبت بعد قلعه أو لا ينبت إلا أن يشاء ربه أن يدعه ويأخذ من الغاصب قيمته ثانيا فذلك له وإن لم يكن غرسا ولكن امتلاخا امتلخه من شجرته غاصبا متعديا غير دال إن قام بحدثان ما أخذه الآخذ وإن كان قد علق فليأخذه ، وإن كان بعد طول زمان ونما زيادة فليس له أخذه ولكن له قيمته يوم امتخله من شجرة قيمته عودا ميتا مكسورا إذا كان ذلك لم يضر بالشجرة ، وإن أثر بالشجرة فعليه مع قيمة العود ما نقص الشجرة وأوهاها ، والأمتلاخ بخلاف الغرس/لأن الغرس عرق حي فأخذ وهو حي فهو كصغير يغتصب فتكبر ، وأما الامتلاخ فغصب ميت كمن اغتصب حيا فزرعه فإنما عليه مثل مكيلته قال : وعليه في ذلك كله العقوبة قال : ولو كان في الامتلاخ مدلا : قال يتحلله فإن حلله وإلا غرم له قيمته عودا مملوخا مكسورا قام بحدثان ذلك أو بغير حدثانه .
قال : ولو اغتصب رجل غرسا لرجل فباعه فغرسه المبتاع وهو لا يعلم بالغصب فاستحق ذلك بعد أن نبت وعلق قال : يخير في ثلاثة أوجه : إما أخذ من الغاصب الثمن وإما أخذ منه قيمته قائما يوم اقتلعه وإن شاء قلعه وأخذه ما لم يطل زمانه وتتبين زيادته ونماؤه فليس له قلعه ، ويأخذ من المشتري إن شاء قيمته
[10/367]
***(1/362)
[10/368]
يوم غرس في أرضه لا قيمته اليوم لأن له فيه سقى وعلاج ، فإن أخذ ذلك من المشترى رجع المشتري بالثمن على الغاصب .
قال : ولو اغتصب من هذا أرضا ومن آخر غرسا فغرسه فنبت وصار شجرا ثم قام عليه قام : يأخذ رب الأرض أرضه ورب الغرس غرسه كان ذلك مما إذا قلع وغرس ينبت أو لا ينبت ويبقى خشبا ، لأنه عين شيئة ولا يكون رب الأرض هاهنا كالمشتري الذي لم يعلم لأنه إنما غرسه غيره فهو كما لو غرسه الغاصب في أرض نفسه إلا أن يشاء أن يدعه في هذه الأرض ويرجع على الغاصب بقيمته يوم اقتلعه فذلك له ، أو يأخذ الذي هو أرض على ما أحب أو كره من قيمته أو غيرها فذلك له [ولله أعلم]/.
فيمن تعدى على شجر أرض فقطعها وأفسدها أو أفسد الثمر
قال ابن حبيب : قال اصبغ فيمن تعدى على بستان رجل أو حديقة أو زيتون أو غيره من أنواع الشجر فقطع شجر ذلك كله أو أفسدها فإن كان الفساد يسيرا في الشجر قومت عليه الشجر التي قطع قيمتها قائمة في أصولها يوم قطعها ، وإن كان ذلك كثيرا شاملا فإنه ينظر إلى قيمتها ثانية يوم قطعها وينظر إلى قيمة البستان أو الحديقة ذلك يوم القطع وغلى قيمتها بعد القطع والفساد فيعرف ، فيكون عليه الأكثر مما بين القيمتين أو من قيمة الشجر قائمة يوم القطع مع العقوبة ، وكذلك ذكر ابن وهب عن ربيعة . قلت لأصبغ : فلم يذكر عن
[10/368]
***(1/363)
[10/369]
تضعيف القيمة على قاطع الشجر ؟ قال : قد سئل عنه مالك فأنكره وقال : لا يزاد عليه على القيمة شيء .
قال مالك : ومن أفسد ثمرة قبل بدو صلاحها فإنه يغرم قيمتها يوم أفسدها على الرجاء أن يتم والخوف أن لا يتم كالزرع الأخضر يفسده .
في الحارس يغر أو يفرط ، ومن أمر بغلق باب دار ، أو تطهير إناء نجس أو غير ذلك فقال : قد فعلت ولم يفعل فذهب ما في الدار وفسد ما صب في الإناء ، ومن قال لرجل : هذا الظرف صحيح فصب فيه وهو مكسور ، أو أمره أن يصب فيه فصب وهو يعلم بكسره ونحو هذا من التعدي/
من كتاب الإقرار لابن المواز ومثله في كتاب الإقرار لابن عبد الحكم : قال فيمن قال لرجل : أغلق باب داري فإن فيها دوابي فقال : قد فعلت ولم يفعل تعمدا لتركه حتى ذهبت الدواب ، أو فعل ذلك في قفص فيه طائر أمره بغلق بابه فتعمد تركه حتى ذهب الطير فلا ضمان عليه في شيء من ذلك ، ولو كان هو الذي أدخل الطائر القفص والدواب الدار وترك الباب مفتوحا وقد قيل له : أغلقه لكان ضامنا ، ولو قلت له : اطرح من هذه الجرة فأرة فيها ميتة لأصب فيها سمنا أو عسلا أو غيره فقال : قد فعلت فصببت فيها زيتا أو دهنا أو غيره فإذا فيها الفأر بحاله أو النجاسة بحالها وأقر المأمور : أنه تعمد ذلك أو غره أو نسي قال : لا غرم عليه في شيء من ذلك لأنه لم يل صبه ، ولو كان هو الذي صبه بأمر صاحبه بعد أن قال له : قد طهرتها لكان ضامنا . ولو قلت له : احرس لي ثيابي هذه أو طعامي أو دوابي حتى أرجع أو حتى أنام فقال : نعم فقام المأمور وترك
[10/369]
***(1/364)
[10/370]
الحراسة فسرق ذلك لكان ضامنا له ، لأن هذا من باب التضييع لأمانته كما لو اودعه ذلك فتركه وذهب ، فأما لو غلب عليه نوم مما قهره لم يضمن ، ولو أقر الحارس أنه نظر إلى إنسان حتى أخذه فإن كان لا يخافه فهو ضامن ، وإن كان غصبا لم يضمن وهو مصدق في ذلك لو قال : غصب مني أو أخذ . قال : وهو ضامن في نوم النهار وأما الليل المعروف الذي لا بد منه فلا شيء عليه . قال : ولو غلبه النوم في النهار حتى لا يقدر على دفعه فلا شيء عليه سواء في هذا كله جعل له فيه أجرا أم لا . ولو قال : غلبني النوم ولم أتهيأ له قبل قوله وحلف ، قال : ولو حمل لك زيتا أو غيره فقال : أين أصبه ؟ فقلت : انظر إلى هذه الجرة فإن كانت صحيحة فصب فيها فإذا هي غير صحيحة وقال : نسيت أن أنظرها فهو ضامن ، لأنه إنما أمره بالصب في صحيحة ، ولو أمرته أن يجعل طيرا في قفص ويغلق عليه فجعله فيه ولم يغلق عليه فذهب الطير فإن تعمد ضمن ، وإن كان ناسيا لم يضمن ، ولو أعطيته قيدا وقلت له : قيد هذه الدابة فقال : قد فعلت ولم يفعل حتى ذهبت الدابة فلا شيء عليه لأنه لم يدفع إليه الدابة وليس مثل الطير لأن هذا لم يعمل شيئا بيده فيضمن بفعله ، والطير هو جعل في القفص فخلاه من يده في غير حرز ولم يكن له أمر يطلقه ، كما لو دفع إليه دابة فقال له : اربطها فخلافا بغير رباط لكان ضامنا ، ولو دفع إليه علفا فقال له : اعلف به حماري هذا أياما سماها حتى أقدم من سفري وسلم إليه الحمار فتركه بلا علف حتى مات لكان ضامنا ، وأما لو قال له : اسق دابتي أو أعلفها فقال : قد فعلت ولم يفعل حتى ماتت الدابة عطشا/وجوعا فلا يضمن ، وكذلك في كل ما يقول فيه : قد فعلت ، وإن اقر بالتعمد لأنه لم يدفعها إليه وكأنه قال له : قد سقاها فلان ، ولو قال له : اذبح كبشي هذا وتصدق بلحمه على المساكين فذبحه وأكل لحمه أو بعضه فعليه غرم ما أكل منه إن عرف وزنه غرم وزنه في مثله ، وإن لم يعرف وزنه فقيمته ولا شيء عليه في الذبح ، قال ابن عبد الحكم : ولو ذبحه وتصدق به وقال : اشهدوا أني تصدقت به عن نفسي أو عن رجل آخر فلا شيء عليه عند
[10/370]
***(1/365)
[10/371]
أشهب والصدقة عن ربه . ولو قال : سد هذا الحوض وصب فيه هذه الرواية فصب الرواية ولم يسد الحوض فهذا يضمن لأنه أمره أن يصب بعد السد فصب قبله ، وكذلك إن قال : إن كان صحيحا فصب لي فيه وليس بصحيح فصب فيه وقال : نسيت أنظره أو تعمدت لأنه إنما أمره بالصب في صحيح ، وكذلك إن قال له : صب في هذه الجرة إن كانت رخاما فصب فيها وهي فخار فانكسرت فإنه يضمن : وكذلك إن قال : إن كانت نحاسا ولا يضمن الجرة .
قال أبو محمد : وقد قال ابن كنانة في الصيرفي يريه الرجل دينارا ليأخده من غريم له فيقول له : إنه جيد فيأخذه رديا : أنه ضامن لأنه غره ، ولم ير ابن القاسم تضمينه وإن غره ويؤدب عنده إن غره ، كذلك ينبغي فيما تقدم ذكره مما يغره فيه بلسانه ويكذب له فيتلف بذلك عليه ماله : أن يدخل في هذا الاختلاف في تضمينه ، وقد اختلف قول مالك في تضمين/الصيرفي إذا غر بجهله فقال : يضمن وقال : لا يضمن ولا اجر له ، وهذا في العتبية .
وقال مالك في سماع ابن القاسم : إذا استؤجر صيرقي ينتقد للورثة دنانير فوجد فيها ذهبا قباح قال : لا يضمن إلا أن يكون غر من نفسه أو يعرف أن ليس من أهل البصر فيضمن قال سحنون : وهذه أصح من التي تحتها حين قال : أن غرم فلا شيء عليه ويؤدب .
قال ابن دينار المدني فيمن استأجر رجلا في انتقاد مال فوجد فيه رديا ، فإن كان بصيرا وأخطأ فيما يختلف في مثله لم يضمن ، فإن كان شيئا لا يختلف في مثله لبيان فساده رأيته ضامنا لأنه قصر فيما كان يدركه لو اجتهد ، قال أبو محمد : وأعرف مسالة نزلت أخبر لصوصا بمطمر فلان أو اخبر به غاصبا قاهرا وقد بحث عن مطمر فلان فدل عليه رجل فأخذه اللصوص أو الغاصب ، ولولا دلالة الدال ما عرفوه فضمنه بعض متأخري أصحابنا ولم يضمنه بعضهم وهذا من هذا المعنى والله أعلم .
[10/371]
***(1/366)
[10/372]
ومن أوجه التغرير الموجب للضمان : من صانع رجلا فارق نفسه له على أن أقر له بالملك [ويبيعه ويقاسمه التمر ففعل وأقر بالملك] فبيع ثم ظفر به وقد هلك متولي البيع . إن هذا ضامن لأنه اتلف مال المشتري . وقال مثله ابن المواز في الحر يغنم من العدو فيباع في المغانم وهو ساكت فيشتريه رجل قال : فإن كان مثل الرجل الأبله الذي يظن أن هذا يرق ونحوه مما يعذر به فلا شيء عليه ، وأما من ليس بمثل هذا الحال فإنه ضامن للثمن بسكوته حتى أتلف مال المشتري/فهذا من هذا المعنى والله أعلم .
وقالوا فيمن اعتدي على رجل فقدمه إلى سلطان معتد يعلم أنه إذا قدمه إليه تجاوز في ظلمه وأغرمه مالا يجب له عليه ، فقدمه إليه فغرمه مالا ظلما فقد اختلف في تضمينه ، وهو لم يبسط يده فيأخذ شيئا ولا أمر بشيء وإنما مر به إلى من اعتدى عليه فلم يعتد عليه إلا في تقدمته به إليه على علم من أن يتجاوز بالظلم إليه ، فقال كثير من أصحابنا : إنما عليه الأدب وقد أثم فيما فعل .
جامع مسائل مختلفة من كتاب الغصب
من العتبية من سماع ابن القاسم : قال مالك فيمن تسوق سلعة فيعطيه غير واحد فيها ثمنا ثم يستهلكها رجل فليضمن ما كان أعطي بها ولا ينظر إلى قيمتها إذا كان عطاء قد تواطأ عليه الناس ، ولو شاء أن يبيع باع . قال سحنون : لا يضمن إلا قيمتها . قال عيسى : يضمن الأكثر من القيمة أو الثمن .
[10/372]
***(1/367)
[10/373]
قال سحنون : قال أشهب فيمن اغتصب صرة قمح فأراد الغاصب أن يصالح منها على كيل من القمح فإن كان قد ألزم الغاصب القيمة بحكم أو بصلح اصطلحا عليه فلا بأس أن يأخذ منه بتلك القيمة كيلا من القمح .
قلت : أو ليس القيمة لازمة له بالغصب لأنها مجهولة الكيل فلم قلت : إن كان ألزم القيمة ؟ قال : لأن ربها لو أقام بينة أن فيها عشرين إردبا أن له أخذ ذلك إلا أن يصالحه من الكيل على ما لا يشك فيه ، وكذلك من غصب خلخالي فضة وشبه/ذلك وهو يلزمه قيمتها من الذهب .
قال سحنون : قال ابن القاسم فيمن غصب عبدا فباعه ثم مات ربه فكان الغاصب وارثه فله بقض البيع ورد العبد ، وكذلك الدار بين رجلين باعها أحدهما كلها ثم مات الآخر وهذا وارثه فيريد أن يرد النصف ويأخذه بالشفعة فذلك له .
ومن سماع أشهب : قال مالك في الماء ينكشف عن أرض مصر وبعضها لزيق بعض ، فإذا بذر الناس الحبوب فربما تجاوز المرء إلى أكثر من حده من حد جاره الفدان أو الفدانين فيبذر فيه ثم يتبين بعد ذلك ، فيريد رب الأرض أن يعطيه مثل بذره وكذا بقره فلا يصلح ذلك وما أظنه ، قال ويكون على الباذر كراء تلك الأرض والزرع له .
وروى عيسى عن ابن القاسم في مسلم أو نصراني عدا على سفينة مسلم فحمل فيها خمرا قال : يؤخذ من النصراني الكراء ويتصدق به وله على المسلم كراء سفينته فيما أبطلها ولا ينظر إلى كراء الخمر .
قال سحنون فيمن قال لرجل : غصبتك ألف دينار إذ كنت صبيا قال : يلزمه ولو قال : كنا أقررت لك بألف دينار وأنا صبي للزمه كالأول .
من سماع أشهب : قال مالك في الأمة الفارهة تتعلق برجل تدعي أن غصبها قال : تصدق عليه بما بلغت من فضيحة نفسها بغير يمين عليها كانت بكرا أو ثيبا ، يريد : في غرم ما نقصها لا في الحد ، وقد اختلف في إلزامه نقص الأمة وصداق الحرة بهذا .
[10/373]
***(1/368)
[10/374]
وقال سحنون عن رجل من العمال أكره رجلا أن يدخل بيت فلان/فيخرج منه متاعه فدفعه إليه فأخرج له ما أقره فدفعه إليه ، ثم عزل العامل وقام رب المتاع ، قال : له أن يأخذ بذلك من شاء منهما إن شاء الآمر وإن شاء المأمور ، فإن أخذه من المكره على الدخول رجع به الغارم على العامل الذي أكرهه قال : وإن عزل الأمير وغاب رب المتاع فقام الكره على الدخول الذي أكرهه ليغرمه إياه ويقول : أنا أو خذ به إذا جاء صاحبي قال : ذلك له ويعدى له عليه .
قال ابن حبيب : قال مطرف فيمن جلس على ثوب رجل في الصلاة فيقوم صاحب الثوب المجلوس عليه وهو تحت الجالس فينقطع قال : لا يضمن وهذا مما لا يجد الناس منه بدا في صلاتهم ومجالسهم ، وقال اصبغ : مثله .
وقال ابن الماجشون فيمن واجر مملوكا أبق من سيده في عمل فمات في ذلك أو انكسر في عمله قال : إن كان لصديقه فآجره على حسن النظر له والتخيف عنه لئلا تجتمع عليه النفقة ، وآجره في عمل مثله مضى ذلك ولا ضمان عليه ، وإلا فهو ضامن .
وقال فيمن غصب عشرة دنانير فتجر فيها حتى صارت مئة ، ثم تحلل من ربها في الربح فأبى حتى يأخذ نصفه قال : الربح للغاصب ، فإذا ردها طاب له الربح ، وما لم يردها لم يطب له ربح ولا غيره ، قال أشهب في موضع آخر : وأحب إلي لو تصدق به ولا أراه واجبا ، وباب من تعدي على عبد رجل فأخصاه ، قد كتبته في كتاب الجنايات ، وهو مما يشبه هذا الكتاب .
تم كتاب الغصب
بحمد الله وعونه
[10/374]
***(1/369)
[10/375]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه
كتاب الاستحقاق
في العبد أو السلعة تهلك بيد المبتاع أو مودع ، ثم يستحق
من المجموعة : قال مالك وابن القاسم وأشهب وابن كنانة : إذا ماتت الأمة بيد مبتاع من غاصب ولا يعلم ، فلا شيء عليه ، وكذلك الدابة أو المبتاع والطعام فيما هلك عنده .
قال ابن القاسم : ويصدق فيما لا يغاب عليه ولا يصدق فيما يغاب عليه ، ويحلف : لقد هلك ، ثم يضمن قيمته يريد : إن لم يرد أتباع الغاصب بالثمن ولا بالقيمة ، ولو أقام بينة بهلاك ذلك من غير سببه برئ ، ولو باع ذلك لم يضمن غير الثمن ويصدق في مبلغه ، ولأن الشيء يعرف في يديه ثم يتغير عنده بكبر وغيره ، والمسألة من أولها عن عيسى عن ابن القاسم في العتبية ، ولو أن الغاصب أودع السلعة لم يضمن المودع هلاكها من غير فعله ، قال أشهب : أو يكون على أن مودعها له غاصب فيكون ضامنا ، قالا : ما أصاب الأمة عن مبتاع بغير معيبه من عمى أو عور أو نقص بدن وسوق فلا يضمن ، وإما أخذها ناقصة أو اتبع للغاصب بالثمن وإن شاء بقيمتها يوم الغصب إلا في حوالة السوق فلا يضمن قيمتها .
[10/375]
***(1/370)
[10/376]
قال أشهب : ولا يضمن المشتري إلا جنايته ، قال مالك : وكذلك الدار تهدم وتحترق بيد مبتاع فلا شيء عليه ، وإما أخذها بحالها ولا شيء له مما/أصابها وإلا أتبع الغاصب بالثمن ، وقال ابن القاسم وأشهب : وكذلك الأمة يدخلها عيب وليس له ما نقصها عليك ، ولا على الغاصب وإذا سلمها رجع على الغاصب بالأكثر من قيمتها يوم الغصب ، أو الثمن الذي أخذ ، وإن أخذها منك رجعت على بائعك بالثمن كله ، قال ابن القاسم ، ولو جعلت له إذا أخذها معيبة أو يرجع على الغاصب بنقصها لكان الغاصب يؤدي أيضًا جميع الثمن للمبتاع ولا يرجع بما ودي في نقصها على أحد ، قال أشهب : والغاصب نفسه لو فقأ عينها لم يكن لربها إذا أخذها أن يغرمه نقصها ، وأما أخذها ناقضة ، أو ضمنه قيمتها كاملة .
ومن كتاب ابن المواز : ومن اشترى أمة من غاصب ولم يعلم فماتت عنده ثم استحقت لم يرجع المشتري على الغاصب بشيء ، ورجع عليه المستحق بالقيمة أو بالثمن . قال أشهب : ولو أستحقت أنها حرة رجع المشتري على الغاصب بالثمن ، ولا يرجع عليه في المدبرة بشيء ، وتكون كالأمة تموت عنده . قال محمد : وكذلك الكاتبة ، عندي قال : وإذا استحقت بحرية وكانت ( كذا ) ، فافتضها قال : لا صداق لها ، وقال المغيرة في كتاب محمد : لها صداق المثل وانفرد بذلك . قال محمد : ولو قذفها ثم استحقت بحرية لحد لها ، ولو قطعت يدها فأخذ ما نقصها لودي إليها وطالبت هي بالدية العاقلة في الخطأ/والقصاص لها في العمد فقط .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في العبد يشترى من الغاصب فمات بيد المبتاع فترك مالا : سيده إن شاء أخذ ماله فقط ورجع المبتاع على البائع بجميع الثمن ، وإن شاء ترك ماله وأخذ من الغاصب القيمة أو الثمن .
[10/376]
***(1/371)
[10/377]
فيمن أقام بينة فيما ادعى من عبد أو غيره بيد مبتاع ، أو متعد فلم يقض له به حتى هلك ذلك ، وعلى من نفقة ذلك في الإيقاف
من العتبية : قال سحنون : قال مالك : ومن أقام بينة في عبده أنه غصب منه وهو بيد مشتر فمات العبد بعد قيام البينة فإن مصيبته ممن استحقه ، قال سحنون : وأنا أقول : هو من المبتاع حتى يقضى به لمستحقه .
قال مالك في سماع ابن القاسم : مصيبة الأمة من الذي أقام فيها البينة ولا شيء له في الثمن ، قال ابن القاسم : ويرجع المبتاع بالثمن على بائعه ، وذلك إن كان الذي هي في يديه ينتفي من وطئها أو من حمل إن كان بها ، وأما إن أقر بؤطئها ولم يدع استبراء أو ماتت قبل أن تستبرأ فهي ممن كانت بيده . قال ابن حبيب عن أصبغ مثل ما قال مالك : إن مصيبة العبد من الذي أقام فيه البينة ، لأنه كان مخيرا بين طلبه العبد بعينه وبين طلبه الغاصب ، إما بالقيمة أو بالثمن ، فاختياره لطلب العبد وإقامة البينة فيه ترك منه للثمن أو القيمة .
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن ادعى في عبد أو دابة بيد رجل ذكر أن أودعه ذلك فجحده من/ذلك في يديه فخاصمه في ذلك فيموت العبد أو الدابة قبل القضاء بها للطالب : أن ضمانها من الجاحد ويغرم القيمة ، لأن جحوده الغصب ، وكذلك ولو كانت دارا فجحدها له فانهدمت أو غرقت أو احترقت بعد الحجود فهو ضامن بقيمتها يوم الجحود في الوديعة ويوم الغصب في الغصب .
ومن سماع ابن القاسم : ومن اعترف دابة وأقام فيها شاهدا فأوقفت ليأتي بشاهد آخر فإن نفقتها في الإيقاف على من تكون له ، وكذلك في الجارية ، وروى ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم مثل رواية عيسى عنه والدابة تموت والدار تعطب بيد الجاحد في الخصوم وقال : قال أصبغ : ومن ادعى في غنم بيد الغاصب فلتوقف له في وغلتها حتى تأتي البينة ، وإن ادعاها بيد من ليس بغاصب وادعاها بوجه خرجت بها من يديه ، فإن جاء بشبهة بينة وأمر ظاهر
[10/377]
***(1/372)
[10/378]
وقفت له وإلا لم يوقف وإذا وقفت أو أوقفت غلتها قال : ورعيتها على من تصير له ، وكذلك نفقة الرقيق والكسوة وعلوفة الدواب إذا وقفت بالدعوى الظاهرة البينة أو دعوى قبل غاصب وتجتهد في إخراج النفقة من سلف أو من بيت المال ، فإن لم يكن ينفق من هي بيده فإذا تم عليه الحكم رجع بما أنفق على المقضي له .
وفي الجزء الثاني من سير القضاة باب في هذا المعنى مستوعب وفيه الاختلاف على الإيقاف .
فيمن ابتاع سلعة فجني عليها هو أو غيره ، أو انتفع بها ، أو أفاتها بعتق أو غيره ثم استحقت/
من المجموعة : قال ابن القاسم : إذا هلكت بيد المبتاع بجنايته فلمستحقها أن يضمنه قيمتها مثل الطعام يأكله والثوب يلبسه ولا يضمنه ما هلك بغير جناية .
قال أشهب : قتلها عمدا أو خطأ لأنها جناية ولا يضمن إلا ما جني ، ولو هبها أو تصدق بها لم يضمنها بذلك وكذلك لو باعها أو ماتت عنده لم يضمنها ولكن يضمن ما ودي فيها ولا يرجع به على أحد . قال ابن كنانة : ولو كان بعيرا فنحره لضمنه كالطعام يأكله والثوب يلبسه ، فإن غرمه قيمة ذلك يوم لبس أو نحر ومثل الطعام يوم أكله رجع بالثمن على بائعه . قال هو وأشهب : وإنما ضمن الطعام يأكله والثوب يلبسه والبعير ينحره لأنه وفي به ماله ولو لم يفعل هذا الأكل ولبس من ماله فطولب من منافعه ولا يضمن المبتاع ما هدم من الدار وكذلك لو وهبها فهدمها الموهوب لم يضمن واحد منهما ، وإما أخذها ربها مهدومة وإلا طلب الثمن من بائعها ولا شيء على المشتري الواهب لأنه غير متعدى بالهبة وكذلك لو هدمها أجنبي تعديا ظلما لم ظلما لم يضمن إلا المتعدي ولو أخذ من المبتاع لذلك
[10/378]
***(1/373)
[10/379]
شيء فللمستحق أخذه من المبتاع ، فإن كان حاباه في القيمة فلهذ أخذ المحاباة من الهادم ولا شيء عليه في وطئه الأمة بكرا كانت أو ثيبا استحقت بملك أو بحرية ، وقاله مالك وأشهب وقال المغيرة في موضع آخر : عليه للحرة صداق مثلها ، قال أشهب : وإنما ضمن في ردها بالعيب في البكر/ما نقصها وطؤه لأنه كان ضامنا لها بشرائه إياها من ربها ولم يكن يضمنها حين اشتراها من غير ربها ولم يره كالثوب يلبسه فللمستحق أخذه وما نقصه اللبس يوم يلبسه ، ويرجع المشتري على البائع بجميع الثمن أو يدع الثوب ربه ، قال أشهب : ويرجع بالأكثر من قيمته يوم غصبه أو ثمنه على الغاصب ، قالا : ولو قطع المشتري يد الأمة فكذلك يأخذها ويأخذ ما نقصها القطع من المشتري ، ورجع المشتري بالثمن ، فإما تركها وأخذ الغاصب ، قال ابن القاسم بالأكثر كما ذكرنا في الثوب ، قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية مثله إن كان القطع عمدا فإن كان خطأ فليس له إلا أخذ العبد مقطوعا ولا شيء له على المشتري ولا على الغاصب ، وفي أول الباب مسألة أشهب في قتل المبتاع للعبد فساوى بين العمد والخطأ في أن لربه تضمينه ، قال اشهب : ولو قتلت عند المبتاع فأخذ قيمتها فإن شاء المستحق أخذ الغاصب بالثمن أو بالقيمة ، وإن شاء أخذ القيمة المأخوذة من القاتل ورجع المبتاع بالثمن على بائعه . قال ابن كنانة : وإذا اختار أخذ قيمتها من الغاصب لم يكن له رجوع إلى أخذها بعينها من المبتاع وقد أولدها .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا لبس المشتري الثوب فإن أبلاه فلا خيار له ولا عليه ، ويلزمه جميع قيمته إذا ذهب أكثر منافعه في لبس الثوب ، أو بجناية على العبد يرضى باتباع الغاصب وليس له على المشتري إلا تضمينه قيمته أو أخذه بحاله ،/وكذلك قال أشهب وهو مذهب مالك ، وإن كان ما نقصه يسيرا والجناية على العبد إذا لم يرض بإتباع الغاصب وليس له على المشتري إلا تضمينه ، فليس له
[10/379]
***(1/374)
[10/380]
تضمين المبتاع القيمة وما أخذ ذلك مع قيمة ما انتقص وإلا أتبع الغاصب ، وهذا كجناية أجنبي لا كجناية الغاصب ، والجناية الكثيرة كذابح الشاة أو كاسر العصا وساق والثوب . قال محمد : وكذلك المشتري يقطع الثوب فللمستحق تضمينه جميع القيمة ، قاله مالك وفرق بينه وبين هدم الدار وكسر الحي لأن هذا تمكن إعادته ولا يمكن ذلك في الثوب . وإذا ابتاع عبد فجنى عليه عبدا فاقتص منه ثم استحق فالمستحق مخير أن يأخذ عبده ولا شيء له على المشتري من بعض الجناية ثم رجع المشتري بجميع الثمن على الغاصب ، قال محمد : وللمستحق أخذ العبد الجاني بجنايته إلا أن يفديه سيده ويرجع من صار له العبد الجاني من سيده إن فداه . أو المستحق إن أسلم على من اقتص من سلطان أو مشتري بما نقص القصاص قال : والمشتري للأمة وإذا قتلها فلربها إن شاء أخذه بقيمتها يوم القتل ، وإلا تركه وأخذ الغاصب بقيمتها للمبتاع أخذ الثمن من الغاصب ، وإن كان أكثر فما غرم في قتلها ، ولو قتلها عند المبتاع أجنبي فلربها طلب الأجنبي بقيمتها يوم القتل ، فإذا أخذ ذلك رجع المبتاع بالثمن على الغاصب كان أقل أو أكثر ، ثم ليس لربها غير ذلك إلا على/الغاصب ولا على المبتاع ، وإن شاء لم يتبع إلا الغاصب بالثمن أو بالقيمة يوم الغصب ، فإن أخذ ذلك من الغاصب فليس للغاصب رجوع على أحد بشيء ، ولم يرجع المبتاع على قاتلها بقيمتها يوم القتل ، ولو جنى عليها المبتاع ولم يقتلها فربها مخير إن شاء أخذ من المبتاع قيمتها يوم جنايته وإلا أخذها وما نقصها الجناية ، وإن شاء تركه وأخذ الغاصب بقيمتها يوم الغصب أو بالثمن ، وإذا جنى عليها جان عند المشتري فأخذ لها أرشا ، أو كان ذلك عند الغاصب فأخذ لها أرشا فلربها أخذها وأخذ ما أخذ بها من أرش ، وإنما تختلف جناية الغاصب عليها وجناية المشتري فله في
[10/380]
***(1/375)
[10/381]
المشتري أخذها وما نقصها . واختلف ابن القاسم وأشهب في جناية الغاصب عليه وقد ذكرناه في كتاب الأقضية .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب في مبتاع العبد من الغاصب إذا أعتقه فلربه أخذه ورد عتقه أو أخذ الثمن من الغاصب . قال أشهب : ولو كان ليس له رد العتق لكان داعية إلى زوال الناس من أيديهم بأن يجعل العبد من يبيعه ممن يعتقه .
قال ابن القاسم : وكذلك من بنى داره مسجدا ثم استحقها رجل فله أن يهدمه كالعتق يرده .
قال سحنون : هذا فيمن بنى في غصب بلا شبهة ، فأما بشبهة فإنما يقال له : أعطه قيمة النقص قائما . قلت لسحنون : كيف يأخذ قيمة النقص وقد جعله حبسا ؟ قال : يجعل ذلك في نقض مثله يجعل في مسجد آخر . . قال : محمد : ووجه جواب ابن/القاسم : أنه لما صار له وأبانه عن نفسه لم ير أن يأخذ فيه ثمنا ، ورأى أن يهدم وإن كان بشبهة ، ورأيته عنه في بعض الكتب .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في الأمة بين الرجلين يبيعها أحدهما تعديا فأولدها المبتاع أو أعتقها فالشريك مخير بين إن شاء أخذ من المبتاع نصف قيمتها يوم حملت ورجع هو بنصف ثمنه على بائعه ، وإن شاء أخذ الشريك بنصف الثمن الذي باع به أو بنصف قيمتها يوم باع [وإن فاتت بيد المبتاع فله أن يأخذ منه نصف ثمنها وإلا تركه وأخذ المتعدى بنصف قيمتها يوم باع] أو نص ثمنها الذي باع هو به ، فإن ماتت بيد المبتاع فلا طلب له عليه ويأخذ المتعدي بأخذ الأمرين ، فإن لم يفت إلا بنماء فليس له إلا أخذ نصف الثمن من
[10/381]
***(1/376)
[10/382]
متعدي إن أخذ نصفها ولا سبيل إلى القيمة ، وإن فاتت بنقصان فله أخذ نصفها فقط ، وإنما أخذ من المتعدي نصف الثمن أو نصف القيمة . وتمام هذه المسألة في آخر الكتاب . وفي باب الأمة تلد من المبتاع من هذا المعنى .
ومن كتاب ابن المواز : ومن ابتاع جارية من غاصب ولا يعلم فأعتقها فوارثت الأحرار وشهدت السهادات ونفذت أمورها لها وعليها على أمور الأحرار ، ثم استحقها ربها فاختار أخذ قيمتها من الغاصب ليقر ما في يدها ، أو لم تتغير بشيء فاختار أخذ الثمن منه ليقدر أمورها المتقدمة على أمور الأحرار ، وكذلك ولو أولدها المبتاع صارت له أم ولد لا قيمة له في ولدها ، وليس على أن البيع والعتق اليوم/جاز ، إنما العتق والبيع جائز حتى يرد كالمولى عليه يتزوج بغير إذن وليه أو عبد بغير إذن سيده فيجيزه فهو جائز بالعقد الأول ، وكذلك الأمة وقد كانت في ضمان المبتاع ، فلو كانت يؤتنف فيها البيع لم تكن في ضمانه قال : وإذا أخذها سيدها ردت أفعالها كلها إلى حكم الرق ولو كان قد اقتص لها بقاطع من حقها لرجع المقتص منه على عاقلة الإمام يديه كفه ، ورجع المستحق بها على قاطع كفه بما نقصها ، وترد ما ورثت فترجع أحكامها فيهما مضى وفيما يستقبل أحكام الإماء ، ويرد ما تقدم ، وفي كتاب الغصب باب يشبه هذا الباب .
[10/382]
***(1/377)
[10/383]
في المستحق السلعة بيد مبتاع فأراد أن يجيز البيع وكيف إن هلكت السلعة ؟
وكيف إن ابتاعها الغاصب أو غيره بعد ذلك من ربها ؟
من المجموعة : قال ابن القاسم : قال مالك في المستحق للأمة بيد مبتاع من غاصب ، فإن شاء أجاز البيع ورجع بالثمن على الغاصب . قال سحنون : ولا تزول عن الغاصب العهدة - قال ابن القاسم وأشهب : ويلزم المبتاع البيع . قال : مالك : وأما في غيبة رب الأمة وقد أثبتت عليه في البيع فللمبتاع إذا علم ذلك الرد ، قال مالك : ولو ماتت بيد المبتاع لم يكن لربها عليه شيء ويأخذ من الغاصب إن شاء الثمن أو قيمتها يوم الغصب ، وإذا أجاز البيع لم ينظر أزادت عند المبتاع أم نقصت أو ولدت ؟/إنما يجيز أمرا كان يوم البيع والأمة من يومئذ للمبتاع ، له نماؤها وعليه بوارها ، قال أشهب : فكما له إذا وجدها ناقصة أخذها إن شاء أو قيمتها يوم الغصب ، فكذلك إن وجد ثمنها إن شاء أخذه كما كان يأخذها وإن أخذ قيمتها بعيب للمبتاع بما فيها من نقص أو نماء أو لود ، قالا : ولم يزل البيع جائزا حتى يرد فإذا لم يرده كان ما تقدم للمبتاع فيها من عتق وإيلاد نافذ تام الحكم . قال أشهب : ولم يجز البيع لأنها أجازه لو كان هذا كان مفسوخا ولكن هو بيع جائز حتى يرد وقد دخلت في ضمانه ، وكذلك العبد يتزوج بغير إذن سيده ، والسفيه بغير إذن وليه ، فإن رداه رد وإلا كان جائزا . قال ابن القاسم : والكراء كالبيع إذا شاء أمضى الكراء فذلك له ، قال أشهب : إذا باعها الغاصب ثم باعها المبتاع بأكثر من ذلك فللمستحق أن يجيز البيع الثاني ويأخذ الثمن ممن يأخذه ويرجع هو على بائعها بثمنه .
من العتبية : وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن سرق عبدا فباعه : أن ربه إذا أجاز البيع وأخذ الثمن فلا حجة للمبتاع في رده ، وعهدته على سيده دون
[10/383]
***(1/378)
[10/384]
السارق ، وقاله أصبغ . وذلك ما لم يدخل العبد فوت حتى يصير المستحق مخيرا في الثمن أو القيمة ليس في العبد لفواته ، فإن اختار القيمة من السارق : فالعهدة على السارق ، وإن اختار الثمن فالعهدة عليه أيضًا ، وقال عنه يحيى بن يحيى فيمن تعدى فباع أمة رجل في غيبته ، فلما علم المبتاع أراد ردها قبل قدومه وطلب البائع التربص إلى قدومه وقال : أستجيز البيع فللمبتاع تعجل ردها وإن لم يعثر/على هذا حتى قدم فأجاز فذلك ماض لا يرد وكذلك الشركاء في الأمة يبيع جميعها بعض من حضر من الشركاء وواحد غائب . ثم يعلم ، والمشتري فليردها قبل قدوم الغائب ، فإن لم يردها حتى قدم فيمسك بحظه فليس لشركائه أن يلزموه بنصيبهم منها للضرر عليه في دخول الشركة ، وأما إن باعوا كلهم جارية من رجل فاستحق حظ أحدهم بعينه فليس له رد حظوظ بقيتهم لأنه إنما اشترى من كل واحد نصيبه خاصة ولو استحق ربعها مطلقا أو خمسها بحرية أو ملك فله رد ما فيها على جماعتهم خلاف استحقاق سهم أحدهم بعينه . وفي كتاب الوكالات زيادة في هذا المعنى .
قال سحنون في المجموعة : قال ابن القاسم فيمن استعار دابة إلى بلد فباعها في الطريق بعشرة وتمادى ، فلما رجع اشتراها بأربعة وهي أحسن حالا مما كانت ، فإن شاء ربها أخذ ثمنها الأول ، وإن شاء أخذها مع الستة الدنانير الفاضلة بيد المتعدى . وقال أشهب : إنه إن أخذ الدابة فلا شيء له في الستة دنانير ، ورأيت في كتاب في البيوع ينسب إلى ابن سحنون : إذا وجد العبد بيد مبتاع من غاصب فأجاز البيع أن له أخذ الثمن من المبتاع ، ويرجع المبتاع به على الغاصب ، وهذا ما أعرفه في غير هذا الكتاب ، وقول مالك وأصحابه فيما علمت : أنه إما يتبع بالثمن الغاصب قال : وسمعت بعض أصحابنا يقول : ترد الستة دنانير التي اشتراها أولا من المتعدي ، لأن ربها لما أخذ دابته انفسخت البياعات كلها ، ولو اشتراها المتعدي منه بدراهم/أو بعرض أو دنانير مخالفة للدنانير الأولى أو مثلها
[10/384]
***(1/379)
[10/385]
عينا ووزنا بأكثر . ثم لم يذكر في الأم تمام الجواب ، وينبغي على أصله أن تستقصى البياعات ويرد هذا ما أخذ من عرض أو دارهم وما خالف النقد ، ويأخذ بنقده من الذي كان باع منه ، وذكرها ابن المواز وفرق بين شرائها لنفسه وبين شرائها لربها . وقد ذكرتها في العارية . وقال ابن القاسم في العتبية من رواية عيسى وسحنون عن ابن القاسم مثل ما ذكر هاهنا .
قال ابن القاسم وأشهب : ومشترى السلعة من غاصبها إذا باعها من آخر فربها أن يأخذ الثمن من الغاصب الذي باعها له ، وإن شاء أخذ من البائع الثاني ما باعها به ، ولو باعها بعروض أو حيوان فإنما يأخذ ذلك بعينه زاد سوقه أو نقص لأن ثمن سلعته بخلاف ما حال سوقه من عوض السلعة ترد بعيب يريد : أو تستحق فيأخذها ربها ، قال أشهب : كما لا يضمن مبتاع المغصوبة موتها ولا يفيتها عتقه لها ، كذلك لا يفوت عوضها إذا شاء ربها أخذه .
قال ابن عبدوس : قلت لسحنون فيمن باع عبدا بأمة فأعتقد العبد مبتاعه واستحق الأمة رجل فقال : أنا أجيز بيعها وأنقض عتق العبد ، قال ذلك ثم فكر فقال : إنما له قيمة العبد على معتقه لأنه ضامن وعليه العهدة .
قال ابن القاسم وأشهب : ولو غصبه أمة بعينها بياض فذهب عند المبتاع ثم أجاز ربها البيع ثم قال : لم أعلم بذهاب البياض ولا أجيز ، فليس له ذلك .
قال أشهب : ولو أبق العبد من غاصبه لم يكن أخذ ربه منه قيمته/كبيع الآبق ، وإنما هو أوجبه الحكم ولو رجع لم يكن له فيه قيام ، ولو كان لك عبد به خنق فانقطع عنه ولم يعلم به سيده فباعه ثم علم ، فليس له رجوع في بيعه .
قال أشهب : وإن غصبت أمة فبعتها ثم ابتعته من ربها فإن كنت وهو لا تدريان أي هي فلا يجوز بيعكما ، ولربها أن يجيز بيعك ويأخذك بالثمن إن
[10/385]
***(1/380)
[10/386]
كانت لم تتغير ، وإن تغيرت أخذت بالأكثر من الثمن أو القيمة أو جاريته إن شاء ، ولا شيء له في مغرمها ، وإن كنت اشتريتها منه وقد علم أنك غصبتها منه فلا شيء لك على الذي يعتمد منه ، لأن ربها جوز لك بيعك إما بزيادة زدته أو نقصان نقصك ، قال أشهب : ومن غصب جارية فذهب بها إلى بلد ثم أتى إلى ربها فقال : جاريتك عندي فبعينها فباعها منه ، فإن باعها بغير ما وجب عليه من قيمته وقد عرف قيمتها يوم الغصب ، فذلك جائز ، وإن جهلاها لم يجز لأنك ابتعت منه قيمة لزمتك لا تعلماها . قال ابن القاسم : إذا اشتراها الغاصب من ربها بعد أن باعها لم يكن له رد بيعه لأنه تحلل صنيعه من ربها ، وإنما ينقض بيعك لها ربها أو مشتريها منك يعلم بنقدتك وربها غائب ، وأما شراء غيرك إياها من ربها وقد رآها المبتاع وعرف شأنها وهي بيدك أو بيد مبتاعها منك ، فيجوز يكن له نقض بيعك أيضًا ، قال سحنون : وإنما يجوز هذا إن كانت بيد الغاصب أو المبتاع منه وهو حاضر مقر ، وإلا فذلك خطر وشراء خصوم .
قال ابن القاسم وأشهب : من/تعدى على متابع عنده وديعة فباعه فلم يقبض الثمن حتى مات ربه فكان البائع وارثه : أن له رد البيع إن شاء كما كان للميت ، وكما لو روثه غيرك فله نقضه وكذلك لو بعته شقصا أخوك شفيعها فلم يقم حتى مات قبل انقطاع الشفعة . فلك القيام بها ، قال أشهب : كما لو بعت سلعة لرجل على أنه فيها بالخيار فمات ، فكنت أنت وارثه فلك منه الخيار ما كان له ، وخلاف العبد يتزوج بغير إذن سيده فيعتقه قل يعلم ، فهذا يتم نكاحه ، وكذلك السفيه ينكح بغير إذن وليه فلا يفسخ حتى ولي نفسه . وبعد هذا باب فيه شيء من ذكر من أفتيت عليه ببيع متاعه بغير أمره .
[10/386]
***(1/381)
[10/387]
في الأمة تلد عند الغاصب أو عند المبتاع ثم استحقت ، وكيف إن مات أحدهما ؟ وكيف إن ماتت وبقي مالها أو خراجها ؟ وذكر مال العبد المستحق
من كتاب ابن عبدوس عن ابن القاسم وأشهب ونحوه في كتاب ابن المواز ومثله في رواية عيسى عن ابن القاسم في العتبية قال : ومن اشترى أمة من غاصبها ولم يعلم فولدت عنده ثم ماتت فلربها إن شاء أخذ الولد ولا شيء له على الغاصب ، فيرجع المبتاع بجميع الثمن على الغاصب ، وإن شاء ترك الولد وأخذ من الغاصب الأكثر من قيمتها يوم الغصب أو الثمن ، قال عنه عيسى : وكذلك لو كان عبد فمات عنده وترك مالا فإما أخذ ماله ولا شيء له/ورجع المبتاع بجميع الثمن ، وإلا ترك المال للمبتاع وأتبع الغاصب بالثمن أو القيمة ، قال أشهب في كتاب ابن المواز وابن عبدوس : ولو ولدت عند الغاصب فباعها بولدها فلربها إن شاء أخذ من الغاصب الثمن كله أو قيمتها وحدها يوم الغصب ، ولا شيء له في الولد من ثمن ولا قيمة لأن أخذ قيمتها قبل كون الولد ، وإن شاء أخذها مع ولدها ، قال عنه ابن المواز : وإن شاء أخذ ثمن بعضهم وأسلم بعضهم ، وإن شاء أخذ الأم وثمن الأولاد ، وإن شاء أخذ بعض الولد وأخذ من الغاصب ثمن الأم وثمن باقي الولد بعد أن يفض الثمن على قيمتهم ما لم ين الذين أجاز بيعهم أقل من نصفهم فيكون للمبتاع حجة في قبوله أو رده ، فإن رده رجع بجميع الثمن على الغاصب ، وإن حبسه رجع بحصة ما أخذ المستحق من الثمن ، ويزيد محمد في إجازة البيع في الولد خاصة : إن كانوا ممن تجوز فيهم التفرقة ، قال : وله أخذ قيمة الأم من الغاصب لدخول النقص فيها بالولادة ثم لا شيء له في الولد ، لأن له أخذهم بأعيانهم إذ هم عند المبتاع ولم يدخلهم نقص أو غيره ، أو ماتوا فإن شاء أخذ حصتهم من الثمن الغاصب وإلا فله أخذ قيمتم من الغاصب يوم ولدوا الأكثر من ذلك . قال
[10/387]
***(1/382)
[10/388]
محمد : وقول ابن القاسم أحب إلي ، لأنه لا يضمن ما لمك من الولد ، كما لو أخذ الأم وقد ذهب منها عضوا أو غيره لم يضمن ذلك الغاصب . قال أشهب في كتابه في الغصب : وإذا لم يدخل الولد نقص لم يكن له فيهم غير أخذهم أو أخذ حصتهم من الثمن . قال ابن عبدوس : وقال أشهب في كتاب/ابن القاسم : وإذا وجد الأم قد ماتت وبقي الولد أو مات الولد وبقيت الأم : فله أخذ من بقي منهم وحصة الميت منهم من الثمن على الغاصب ، ومن مات من الولد فليس له أن يأخذ من الغاصب إلا الأكثر من قيمته أو ثمنه ، قال ابن عبدوس : وهذا خير من قوله في كتاب الغصب وقال أشهب في كتابه في الغاصب : إن ماتت الأم فله أن يأخذ من الغاصب الأكثر من ثمنها أو قيمتها يوم الغصب ، ويأخذ الولد ويرجع مبتاعهم بحصته على بائعه ، وإن كان الولد هو الذي مات فإنه على الغاصب الأكثر من حصته من الثمن ، أو قيمته يوم ولد ، وهذا الذي أنكره ابن المواز وابن عبدوس . قوله في تضمين من مات من الولد وقوله مع ذلك : إذا أخذ قيمة الأم : إن له أخذ الولد وهو إنما يأخذ قيمتها من الغاصب يوم الغصب وتصير كأنها ولدت في ملك الغاصب .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا ولدت الأمة عند الغاصب أو عند من اشترى منه ولم يعلم بغصبه ثم ماتت الأم أو مات الولد . فذلك كله سواء عند ابن القاسم فإن شاء صاحبها أن يأخذ من خدمتها ثم لا له على الغاصب من قيمة ولا غيرها ولا على المشتري ما لم يكن الولد منه فيكون له إن شاء قيمته مكانه إن كان حيا مع أخذ الأم ، ولو كان من الغاصب فهو كالزنا يأخذه معها فإن ماتت الأم فشاء أخذ الولد فلا قيمة له في الأم ، وكذلك إن شاء أخذ قيمة الولد من المشتري وقد ماتت الأم فلا شيء له عليه من قيمة الأم ولا على الغاصب ، ويرجع المبتاع/بجميع الثمن على الغاصب ، ولو مات الولد وحده عند المبتاع وقد ولدت منه أو من غيره فليس له إلا الأم إن شاء ، وإن أخذ الأكثر من ثمنها أو من قيمتها يوم الغصب ، قال محمد : فإن ماتت عند الغاصب أو قتلها الغاصب وبقي الولد فإن شاء أخذ الولد فلا حق له في الأم ، لأن الغاصب ضمن قيمتها يوم الغصب ، فليس
[10/388]
***(1/383)
[10/389]
له أن يأخذ بتلك القيمة ولدا ولا غيره ، وإذا لم يجد إلا الأم لم يكن له غيرها لا خيار له في غير ذلك إن لم يتغير ولا قيمة له في الولد ، قال محمد : وقيل : إن الولادة تغيرها فإن تغيرت فإما أخذها ولا شيء له غيرها ، وإما أخذ قيمتها يوم الغصب ولا شيء له غيرها ، وإما أخذ قيمتها يوم الغصب ولا شيء له فيما ولدت بعد ذلك ، وابن القاسم يقول : إذا لم تدخلها الولادة فلا يجب لربها قيمتها غلا أن تغيرها الولادة وتنقصها . وقال أشهب : الولادة تحطها وتغيرها وتوجب له قيمتها إن شاء .
ومن كتاب ابن المواز أيضًا : وإذا تغيرت الأمة من الولد أو من غيره بيد الغاصب فرضي ربها بأخذها ناقصة فله مع أخذها ما يجد من ولدها وما هو قائم من غلتها فأما ما مات بسببه أو بنفسه من ولد أو غلة فهو يضمنه ، وكذلك من قتل هو من ولدها وما أكل من نسل الحيوان وأكل من الغلة في الرقيق والحيوان إذا كانت الأم قائمة ورضي بأخذها ، ولا يقبل قول الغاصب في تلك الغلة : أنها هلكت بغير سببه إلا ببينة وما هلك/بغير سببه فلا يضمنه ، وإذا هلكت الأمهات فلا شيء له من غلاتهن وأولادهن وإن كان قائما إذا رضي بأخذ قيمة الأمهات وكذلك إذا كانت الأمهات قائمة وتغيرت وشاء أخذ قيمتها ، ولو رضي في هلاك الأم أن يأخذ ما وجد من الأولاد ويدع قيمة الأم فذلك له . قال محمد : وأما قول أشهب : إذا ولدت عند الغاصب ومات الولد إنما لربها أخذها ويغرمه قيمته الولد يوم ولدوا فكيف يقول هذا وهو يقول : لو نقصت أو زال لها عضو : أن لا يضمنه ؟ وإما أخذها ناقصة أو ضمنه قيمتها يوم الغصب بالولد كعضو منها ولو كان بجناية جان اتبع المستحق الجاني ، وإن أخذ فيه الغاصب إن شاء كان للمستحق معها إن أخذها ، ولو باع ولدها كان له أخذ الثمن ولا يضمنه قيمة ، ولو وجده بيده مبتاعه فله إن يجيز أو يأخذه بعينه ويأخذ الأم وليس كالمفلس ، وقد اشترى أمة أورمكة فولدت عنده وباع الولد ثم فلس فالمبتاع أخذها ولا
[10/389]
***(1/384)
[10/390]
شيء له في الولد وإن كان بيد مبتاعه ولا في ثمنه ، قال مالك : وتصير كالغلة . ولو لم تبع كان له أخذها معها إلا أن يعطيه الغرماء الثمن ، قال : وما قتل الغاصب من ولدها فإن أخذ ربها الأم أخذ منه قيمة الولد يوم قتله ولو قتل الأم لم يلزمه إلا قيمتها يوم الغصب وهو لا يضمن الولد إلا بتعديه ، وفي قول أشهب : إذا ماتت الأمهات أن له قيمتهن يوم الغصب مع ما وجد من ولد . وقيمة ما هلك من ولدها يوم ولدتهم ، وما تلف/في إيقاف بغير سببه فعليه قيمته ، والذي قال مالك وابن القاسم هو الصواب . قال محمد : ولو كان الولد هو الغاصب فهو مثل ما ولدت عنده ، ولو طلب من قيمتها لتغيرها بالولد فإنها تباع عليه هي وولدها في قيمتها لأنه غير لاحق به وعليه الحد .
ومن العتبية : قال عيسى بن دينار : وإذا وجدها بحالها عند الغاصب فليس له غيرها وليس له قيمتها إن طلبها ، ولو [دخلها نقص فليس له أخذها مع ما نقصها وإما أخذها] ناقصة وإلا فقيمتها يوم الغصب إلا أن يكون نقصها شيء فعله بها الغاصب . فله أن يغرمها ما نقصها ويأخذها ، ولو فعله أجنبي فله إذا أخذها اتباع الجاني ، وإذا باعها الغاصب وباعها المبتاع من رجل ثان وهي بحالها فلربها إن شاء أخذها ولا يضمن الغاصب شيئا ، وإن شاء أخذ أي ثمن شاء من أثمانها ويرجع المأخوذ ذلك منه على بائعه بما دفع إليه ، وباب الغلة في الاستحقاق ذكر في مال العبد .
ومن المجموعة : قال ابن نافع عن مالك وقاله ابن القاسم وابن كنانة في العبد يأبق فيبيعه متعدي أو يبيعه من غصبه فيفيد مالا : أن لربه أخذه مع ماله وكذلك الأمة ، وأما ما أعطاه المشتري عن طوع يده فللمشتري أخذه منه . قال ابن كنانة : مثل من يهدي لزوجته ثم توجد ذات محرم منه فيفسخ نكاحه فله ارتجاع ما أهدى ، وأما الصداق : فإن كان بني بها فهو لها وإلا فلا شيء لها . وما استخدم المشتري واستغل/فلا شيء عليه فيه بخلاف الولد .
[10/390]
***(1/385)
[10/391]
ومن المجموعة : قال عبد الملك في العبد المستحق وبيده من المال وما بيع معه من ولد فوجدوا بيد مبتاع أو بعضهم ، فإن وجدوا هم فله أن يجيز بيعهم ويأخذ ثمنهم من الغاصب ، فإن شاء أخذهم ورجع المبتاع بثمنهم على بائعه ، وإن مات العبد بيده المبتاع فلربه أن يجيز جميعهم ويأخذ الثمن من الغاصب ، وإن شاء أخذ الولد الباقي ورجع المبتاع بحصته من الثمن على بائعه ، وأخذ في العبد الميت إن شاء حصته وإن شاء قيمته معهم يوم قبضه كان أكثر من ثمنها أو أقل أو موافق لثمنه . وإذا مات العبد بيد المبتاع وبقي بيده رقيق العبد وماله فإن اختار أخذه فكأنه أخذ العبد لأن المال تبع . فيرجع المبتاع بجميع الثمن على بائعه ، ولو وجد ذلك بيد الغاصب فأخذه كان له تضمينه قيمته العبد كما لو قتله لودي قيمته ويأخذ ربه ماله ، والمبتاع إنما صار له المال بالاشتراط بغير حصة له من الثمن ، وليس له أخذ المال من المبتاع وتضمين الغاصب قيمة العبد لأن ذلك يوجب للمبتاع الرجوع بجميع الثمن إذ لا حصة للمال ، فجمع على الغاصب غرم الثمن مع القيمة ، وهذا ليس عليه لأنه إذا ودي القيمة صح له الثمن وإن أخذ منه الثمن زالت القيمة .
باب في الأمة تستحق وقد ولدت من المبتاع أو من غيره وقد ماتت أو مات الولد ، وبقية القول فيها وفي ولدها
من المجموعة وكتاب ابن المواز : قال ابن القاسم/قال ملك في الجارية تستحق من يد مبتاع وقد أولدها المبتاع ، فلربها أخذها وقيمة ولدها ثم رجع فقال في المجموعة : إنه رجع فقال : يأخذ قيمتها وقيمة ولدها يوم الحكم إلا أن يكون عليه - أراه يريد المبتاع - في ذلك ضرر لأن أخذها فيه مضرة عليه وعلى ولده ، وإذا أخذ مستحقها قيمتها أخذ حقه ، وامتناعه في ذلك هو فيه مضار . قال ابن
[10/391]
***(1/386)
[10/392]
القاسم وفي القول الذي قال فيه يأخذ قيمتها وقيمة ولدها إنما هو قيمتها يوم الاستحقاق وكذلك قيمة الولد ، وقال في كتاب ابن المواز : وفي قول مالك : يأخذها وقيمته ولدها يوم الحكم كان الولد يومئذ صغيرا أو كبيرا صحيحا أو سقيما قلت قيمته أو كثرت ، وإن جاوزت الدية ولا قيمة عليه فيمن مات منهم ، واجتمع على هذا ابن القاسم وأشهب . قال أشهب في الكتابين وعليه جماعة الناس وهو قول علي بن أبي طالب ، ورجع مالك فقال : يأخذ قيمة أمته فقط إلا أن يكون عليه في إسلامها ضرر ، قال أشهب : ثم رجع إلى القول الأول ، قال ابن كنانة في المجموعة : وعلى هذا كان حتى مات ، قال في الواضحة وغيرها : وهذا إذا لم يجب أن يأخذ من الغاصب الذي باعها ثمنها ولا قيمتها ، قال ابن حبيب : أول قول مالك : إن شاء أخذها وأخذ قيمة ولدها ، وإن شاء قيمتها يوم الاستحقاق مع قيمة ولدها يومئذ . وبه أخذ المصريون من أصحابه مع مطرف ، ثم رجع فقال : ليس عليه إلا قيمتها يوم وطئها ولا قيمة عليه في ولدها ، وبه أخذ ابن دينار/وابن الماجشون وابن أبي حازم وابن كنانة وبه نقول . وفي غير كتاب ابن حبيب أن المغيرة يقول : يأخذها وقيمة ولدها يوم ولدوا كانوا أحياء أو قد ماتوا ، وقد ذكرنا ما ذكره ابن عبدوس عن ابن كنانة خلاف ما ذكره عنه ابن حبيب .
قال أشهب في المجموعة : وله إذا طلب المستحق قيمتها وقد ولدت من المشتري لم يلزمه ذلك إلا أن يرضى كما ليس له أن يضمنه إياها إن وجدها نقصت أو نمت . وكذلك إذا أولدها أو أعتقها ، ويقال له : إن شئت فخذ الثمن من الغاصب إذا ، وقال ابن القاسم فيه وفي كتاب ابن المواز : إذا رضي بأخذ قيمتها وقيمة ولدها خير المشتري على ذلك في قول مالك جميعا وتكون قيمتها يوم الاستحقاق ، وقال أشهب : هذا خطأ وإنما كنت لو قلت بهذا عليه قيمتها يوم أحبلها ثم لا قيمة له في ولدها لأنه في ملكه ولد . قال ابن المواز : والقياس أن ليس له عليه قيمتها في نقص الولادة وإنما له أن يلزمه ذلك إن جني عليها أو
[10/392]
***(1/387)
[10/393]
قتلها هو ، ولو قتلها غيره لم يلزمه هو قيمتها لأنه غير غاصب ، غير أن ابن القاسم قال ذلك لاختلاف قول مالك في هذا الأصل .
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : فأما إن ماتت وبقي ولدها فليس له في قول ملك الأول إلا قيمة ولدها الباقين ، قال : وكذلك قال في كتاب ابن المواز : ليس له غير قيمة من وجد منهم يأخذها ليس له قيمة الأم لا على الغاصب ولا على المشتري ؛ قال ابن المواز : ثم يرجع المشتري على بائعه بجميع ثمن الأمة ولا شيء للمستحق منه . وإن شاء المستحق ترك المشتري/فلم يأخذ منه شيئا واتبع الغاصب إن شاء بالثمن أو قيمة الأم .
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : وأما في قول مالك الآخر : فلربها إتباع المشتري بقيمة الأمة يوم وطئها لأنه ضمنها يومئذ ولا شيء عليه من قيمة ولدها ، وإن كانوا قياما كواطئ أمة أبيه أو أمة له فيها شرك ؛ وقال ابن المواز : لا شيء عليه من قيمة ولدها فيها إذا ماتت في قول مالك الذي قال فيه : وهي حية ليس له إلا قيمتها فقط لأنه ليس عليه فيها ضمان ، قال : وإذا مات الولد وحده عند المشتري وقد ولدته منه أو من غيره فليس له إلا الأم إن شاء . وإلا اخذ من الغاصب الثمن أو القيمة .
ومن العتبية من مسائل عيسى بن دينار ومثله في كتاب ابن المواز عن ابن ابن القاسم قال : وإذا ولدت من المشتري فقام ربها وهو مخير على الغاصب في وجهين وعلى المشتري في وجهين إن شاء أخذ من الغاصب قيمتها يوم غصبها ، وإن شاء فالثمن الذي باعها به ، فما أخذ فيها فقد مضت لمبتاعها فإن ترك الغاصب فله أن يأخذ من المشتري أمته وقيمة ولدها ميتة وإن شاء قيمتها وقيمة ولدها فما أخذ من ذلك فليرجع المشتري على الغاصب بالثمن ولا يرجع عليه الولد بشيء ، وإن ماتت الأم عند المشتري فليس له عليه إلا قيمة ولدها إن شاء ، وإن كره ذلك فله على الغاصب الثمن أو قيمة الأمة ، وإن وجد الولد قد ماتوا فلا شيء له فيهم ، فإن قتلوا فدياتهم لأبيهم وللمستحق/عليه الأقل من ذلك يوم
[10/393]
***(1/388)
[10/394]
قيمتهم ، يريد : يوم القتل ، ولو كان المشتري زوجها فولدت من الزوج فلربها أخذها مع الولد إن شاء وإن شاء أخذ من الغاصب الثمن أو القيمة ، ولو كان الولد ولدته عند الغاصب منه أو من زوج أو زنا فله أن يأخذ منه قيمتها يوم الغصب ، وإن شاء أخذها وجميع الولد ويحد الغاصب في وطئه ، وإن مات الولد فليس له أخذ قيمتهم منه إن أخذ الأمة ، وقال أشهب : عليه قيمتهم يوم ولد .
وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز : إذا مات الولد عند الغاصب فله قيمتهم يوم ولد فليس له إلا الأم أو قيمة الأم إن تغرت بالولادة أو بغيرها ، وقال أصبغ : يأخذ ما وجد منهما وقيمة من مات كان الأم والولد وكأنه غصبهما وليس كالغلة ، وإنما قيمتهم الولد يوم ولدتهم وهو قول أشهب ، قال محمد : وهذا خلاف قول ملك وأصحابه ، وهو غلط لأنه إن أخذ الولد وقيمة الأم يوم الغصب فقد صار حدوث الولد وهي مقومة على الغاصب يوم الغصب فكيف يلزمه لما تلف بعد ذلك شيء ؟ فإن قال : أنا آخذ قيمتها يوم ماتت وولدها لم يكن له ذلك وأما إن وجدها معيبة فقال : يأخذها بنقصها مع ولدها فله ذلك وليس له في نقصها شيء على الغاصب قال : وإنما اختلف ابن القاسم وأشهب إذا ولدت عند الغاصب وقد اتفق قولهما فيه إذا ولدت عند المشتري ولدا من غير المشتري : إنما وجد عنده من ولد أو أم وقد مات الآخر ورضي أخذها وحدها فليس له غيره عليه ولا علي الغاصب ويرجع المبتاع بالثمن على الغاصب/، وإن ترك ربها المشتري أخذ من الغاصب الثمن أو القيمة ، وقال أصبغ : إذا ماتت الأم عند المبتاع وبقي الولد فلربها أخذ الولد ويأخذ الغاصب بقيمة الأم أو بالثمن الذي أخذ فيها ويرجع فيما زعم المشتري على الغاصب بحصة الولد من الثمن كأنه اشتراه معها في صفقة كما لو ولدت عند مشتر وماتت وقام بعيب فيهما فيجعل
[10/394]
***(1/389)
[10/395]
كأنه اشتراهما معا ، قال محمد : هذا كله غلط وخلاف لقول مالك وابن القاسم وأشهب .
قال أصبغ : ولو وجد الأم عند المشتري وقد مات الولد لم يكن له غير الأم إن شاء أو لا شيء له في الولد . قال محمد : وقوله في التي اطلع على عيب وقد ماتت وبقي ولد ولدته عنده ليس بصواب ، وإنما يرجع بقية العيب إلا أن يرضى البائع اخذ الولد ورد جميع الثمن فذلك له ، وفي كتاب أمهات الأولاد كثير من هذا الباب وزيادة فيه .
جامع القول في ولد المغرور بالشراء أو بالنكاح ، وكيف إن شرط حرية ولده في أمة تزوجه فاستحقت ؟
من المجموعة : قال أشهب في ولد المغرور بالشراء أو بالنكاح إنما لزوج الأب قيمتهم إذ ليسوا بغلة فيكون لهم حكم الغلة ولا يرقوا فيأخذهم سيد الأم وجعلت قيمتهم يوم الحكم لأنهم أحرارا في الرحم ولا قيمة لهم يومئذ ، وإذا لم اجعلها يوم الحكم جعلت الأب ضامنا لهم ولا يضمن إلا المتعدي ويدل أنه لا يكون يوم ولدوا : ما روي عن عمر من القضاء بأمثالهم فقال :/أيادهم ، وفي حديث آخر : قيمتهم فكأنه يقول على مقاديرهم بالأشبار ، ولما لم يضمنهم كان كأنه يفديهم من طالبهم بقيمتهم يوم قيامه كأم الولد حتى إذ لا سبيل إلى إسلامهم رقا ، ولو كانوا يخرجون بالقيمة من رق كان ولاؤهم
[10/395]
***(1/390)
[10/396]
للمستحق ولكان لو أن وجدهم أو جدتهم أن يعتقوا عليه بالرحم فليس كذلك بل هم أحرار بسبب أبيهم ، وللمستحق سبب لا يصل به إلى رقهم ، فكان أمثل ذلك القيمة يوم الحكم ، وهذا قول مالك وابن دينار وابن القاسم وغيره من أصحاب مالك إلا ما ذكرنا من الاختلاف عن المغيرة في قيمتهم يوم ولدوا في الباب الذي قبل هذا .
قال ابن القاسم : وإن كانت حاملا يوم قيامه انتظر أن تلد فيأخذ قيمته يوم تلده . قال ابن القاسم : ولهم أحكام الأحرار في القتل والجراح والحدود ، وعليهم قبل الاستحقاق وبعده ، ومن قتل منم عمدا فقتل قاتله فلا شيء له فيه ، ولو صالح أبوه من قتله عمدا على أقل من الدبة أو على الدية غرم للمستحق قيمته ما لم تكن أكثر مما أخذ فلا يلزمه غيره ، ويرجع المستحق على القاتل إن كان صلحه على أقل من الدية بالأقل من بقية القيمة أو الدبة . غصب 29
قال ابن المواز : وقال أشهب لا شيء على الأب فيما أخذ في الولد إن قتل لأنه اخذ دية حر كما لو مات ولا قيمة يده إن قطع ولا عليه قيمته يوم القطع .
ومن المجموعة : وذكر مسألة ابن القاسم في الولد تقطع يده فيأخذ أبوه لها دية فيؤدي للمستحق قيمته/الآن أقطع ، والأقل من قيمة يده يوم القطع أو مما أخذ فيها وما فضل كان للأب ، فقلت لسحنون : لم كان هذا وهذا ولد حر له دية يده دون هذا الأب وإنما على الأب قيمته في ملائه لا على ولده وقوله : ويكون الفضل للأب ؟ فكأني رأيت سحنون إنما يرى للولد ما فضل ولأن ذلك إنما استحقه السيد لأنه لولا ذلك لم يكن على الأب شيء في يد قد زالت ، ولا وصل إليه من ديتها شيء ، فيكون فيما وصل إليه وللولد المجني عليه فإن ماله من
[10/396]
***(1/391)
[10/397]
بعدما يستحقه السيد من ذلك ، وكذلك في النفس ليس لورثته من ديته إلا ما نفذه فيه . قال ابن كنانة : وإن كان للولد مال كسبه لم يقوم بماله لكن بغير ماله كقيمة عبد فإن كان عند الأب مال ودي قيمتهم وإلا أتبع بها دينا ولا يؤخذ من مال الولد شيء . قال ابن القاسم وأشهب : يؤخذ من مال الابن في غرم الأب ولا يرجع بها على الأب . قال أشهب : أستحسن أن يؤخذ من الابن في غرم الأب كما لو اشترى لابنه جارية بماله فهو إن وداه كانت للابن ولا شيء عليه للأب ، وإن لم يكن للأب مال لم يكن على البائع تسليمها حتى يأخذ المال ، فإن وداه الابن كانت له ، وقال غيره ذلك على الأب في العسر واليسر . قال سحنون : ويحكم عليه في عدمه ، ثم إن مات ابنه بعد الحكم لم يزل عنه ما لزمه من القيمة ، وكذلك في جناية أم الولد والسيد عديم ، وكذلك من يحكم عليه في العاقلة بشيء رآه الحاكم ثم أعدم فلا يزول عنه . قال أشهب فيه/: ولو قام وقد مات الأب قضي بقيمة الولد في تركته لا من مال الولد . قال سحنون : وفي قول غيره : لا شيء على الولد .
ومن كتاب محمد : قال : وإن لم يدع شيئا أتبع به الولد : فمن أيسر منهم اخذ منه حصة نفسه فقط يوم كان الحكم ، وإن طرأ للأب مال ما تتم به قيمته فليتبع به المستحق كل واحد منهم ما يتم به قيمته لا يأخذ من بعضهم عن بعض ولو كان عديمين : الأب والابن اتبع أولهما يسرا ثم لا رجوع للغارم على الآخر بشيء ، وإن أيسر الابن فلم يؤخذ منه شيء حتى أيسر الأب فعلى الأب الأداء ، وإذا قتل الولد خطأ فكانت لورثته ديته منجمة كان للأب منها قيمته يأخذ فيه أول نجم منها ، فإن لم يتم اخذ تمامه من الثاني ثم مما يليه حتى يتم ، ثم يورث عن الابن ما فضل ، وما اقتص فيه الأب مما جني على الولد في نفس أو جرح فلا حجة للسيد فيه ن وإن قطعت يده أخذ قيمته مقطوعا من الأب ، وإن أخذ في قطعها خطأ دية أخذ منه قدر نقصه القطع من قيمة عبد ثم ما فضل من الدية فللابن دون الأب .
[10/397]
***(1/392)
[10/398]
ومن المجموعة : قال أشهب : وإن كان على الأب دين فللمستحق أن يحاص غرماءه بقيمة الولد .
وإذا استحقت أنها أم ولد أو مدبرة أو مكاتبة وقد ولدت فقد ذكرنا ذلك في كتاب أم الولد .
قال سحنون في الأمة تغر من سيدها فتزوجها على أنها حرة فأولدها فإن عليه قيمتها للابن ولا قيمة للولد عليه ولا صداق المثل ولا المسمى ، وليس النكاح فيها نكاح وهو كما لو وطئها يظن/أنها لو أو متعمدا وهي له أم الولد بذلك ، وأما الابن تغره أمة الأب فهو كالأجنبي يأخذها سيدها ويأخذ منه صداق المثل ولا قيمة عليه في الولد .
قال أشهب : وإذا غرت الأمة عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو معتقا إلى أجل :
فإن أولادهم رقيق وتبع لها .
قال أشهب : وإذا غرت أمة الابن الأب فولدت منه فودي قيمتها يوم استحقت فعليه للمستحق قيمة ولده وتسلم الأمة إليه ويرجع على الابن بما أخذ منه من قيمتها ، وإن غصب رجل أمة فباعها ممن يعلم بغصبه إياها فأولدها فلربها إن جاء وأثبت ذلك اخذها وأخذ الولد لأن المبتاع قد علم أنها لغير البائع وعليه الحد ولا يعذر بقوله : ظننتها تحل لي بالشراء ، وإذا قالت له أمة : إني حرة فتزوجها وهو يعلم أنها أمة فإن ولده رقيق ، فإن كان ذلك ليس إلا بإقرار منه يريد : بعد ولادتهم فإن أولاده لا يرقون ، ولو كان إقراره بذلك قبل أن يولدوا فهم رقيق ، وإن أقروا بعد أن ولدتهم ولا يعلم بعد مكانهم عنده فإنه يضمن من مات منهم وقيمة من وجد منهم . وإن لم يكن له مال لم أستحسن أن يرجع على
[10/398]
***(1/393)
[10/399]
ولده بقيمتهم لأن إقراره لا يلزمهم . أشهب : وإذا أبقت أمة فغرت رجلا فتزوجها على أنها حرة فأولدها ثم استحقت فلربها والولد حر يلحق نسبه وإن لم يقم الزوج بينة على أنه تزوجها على أنها حرة ويصدق في هذا ولو كذبته حددته ولم ألحق به الولد وعلى السيد البينة : أنه تزوجها على أنها أمة إن ادعى ذلك ويأخذ الولد/وإلا فهو حر وله قيمة حالة . قال أشهب في كتاب ابن سحنون : حالة على الأب يوم يقضى بذلك للمستحق ، فإن لم يكن للأب مال فأستحسن أن يكون في مال الولد .
ومن المجموعة قال أشهب : وإن أقمت بينة أنه غصبك هذه الجارية وقد ولدت منه قضي لك بها وبولدها ولا حد عليه ولا على شاهديك ، وكذلك يقضى بذلك بشاهد ويمين ، وأنت فلم تقل : وطى ولا قال من شهد لك أنه زنا وهو يقر ويقول : وطئت وطئا يجوز لي فأدرا عنه الحد بالشبهة وأعاقبه بما حق عليه من الغصب ، ولو شهد عليه أربعة أقمت عليه الحد ولا يثبت نسب الولد بكل حال شهد عليه شاهدن أو أربعة . وقال ابن القاسم : إذا ثبت أنه غصبه الجارية بالبينة فعليه الحد إن أقر بالوطء ولا يثبت نسب الولد ، قالا : وأما إن كان ولدها من غيره بنكاح أو بشراء فنسبهم ثابت وعلى الأب قيمتهم إن نكح على أنها حرة أو اشترى ، وإن نكح على أنها أمة فولدها تبع لها .
قال ابن القاسم : ومن تزوج أمة على أن ولده حر فاستحقت فإن ولدها رقيق لمستحقها وليس للأب أن يجبرهم على أخذ قيمتهم منه ولا ذلك للسيد إن طلبه حتى يجتمعا جميعا .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج أمة على أنها إن تلد منه حرة فتلد ثم تستحق ، قال : فولدها رقيق وليس لأبيهم أن يفديهم بالقيمة إلا
[10/399]
***(1/394)
[10/400]
أن يشاء السيد ، ولو شاء ذلك السيد وأباه الأب فليس للسيد ، قال : وإذا غر منها الغاصب فزوجها على أنها حرة رجع عليه بما غرم في الصداق لا في قيمة الولد مع الأب ، وكأنه باعه البضع فيرجع عليه/بما أخذ فيه ، ولو غره منها أجنبي وهو يعلم أنها أمة وعقد لها لرجع عليه إلا أن يعرف أنه غير ولي لها ، وإذا لم يعلم أنها أمة لم يكن عليه شيء ولو كان وليا . ولو علمت هي أيضًا فلا ترجع غلا على الولي الذي غره ، ولو أخبره أنه غير ولي لها أو عرف ذاك الزوج فلا يرجع على الذي زوجه كالمنادين لا عهدة عليهم [وإن لن يبينوا لأنهم معروفون ، وأما غيرهم فعليهم العهدة حتى يتبين أنه ممن لا عهدة عليه] وأنها على ربها من الأوصياء والوكلاء . ويرجع فيؤخذ من الأمة ما زاد على صداق المثل ، وقد قيل : يأخذ منها كل ما يصدقها لا مثل ما تستحل به ، وإن غره منها الولي وولي العقد غيره فلا شيء على الولي ، وقيل عليها . قال محمد : بل ذلك لازم له ها هنا لأن الولي ها هنا هو السيد ولأن وكيله عقد بأمره فكأنه هو العاقد فليرجع عليه بالصداق كله . قال : ولو زوجها الولي بعد علمه بما غرته إلا أنه زوجه على ما قالت ، قال : فيلزمه الصداق كله أيضًا كمن زوج امرأة في عدتها وهو وهي عالمان بذلك فالرجوع عليه دونها إذا كان وليا ، وإن لم يكن هو عالما فلا شيء عليه ويؤخذ منها إلا قدر ما تستحق به .
[10/400]
***(1/395)
[10/401]
في الغلة في الاستحقاق من يد مشتر أو موهوب أو غيره ، وذكر الخدمة والسكني ، وذكر مال العبد ونسل الحيوان والثمار ، وكيف إن قام والثمرة لم تجد ومدة الكراء لم تتم ؟ وفيمن ابتاع ممن قال : أنا وكيل على البيع
من المجموعة/: قال ابن القاسم : ومعنى ما قيل : إن الغلة بالضمان : أن المشتري للشيء إذا غتله هلك في يده كان منه وذهب الثمن الذي نقد فيه ، فالغلة له بضمانه . قال غيره : ولا غلة للموهوب الذي وهب له الغاصب إذا لم يضمن هو ثمنا نقده ، ولا من وهبه ممن تجب له الغلة بضمانه .
في المجموعة : لأن الغلة إنما تجب بضمان الشراء لا بضمان الغصب لها ، قال في الحديث : وليس لعرق ظالم حق ، قال ابن المواز : وقال أشهب : إن من وهبه الغاصب أن له الغلة إذا لم يعلم بغصب الواهب كالمشتري ، قال : ولم يختلف ابن القاسم وأشهب أن ما استغل المشتري من قليل أو كثير أو مسكن أو زرع له ولا شيء عليه من غلة أو كراء ، ولا على الغاصب ، فيرجع المبتاع بجميع الثمن على الغاصب لا يحاسبه بشيء من غلة أو كراء إلا أن يعلم المشتري بغصبه ، يريد : قبل الشراء فيكون كالغاصب في رد الغلة . ومن أكرى الغاصب فليس للمستحق إلا اخذ ذلك الكراء بعينه ، فإن حابى في الكراء كان كمن أسكن غيره باطلا ، وأشهب لا يرى عليه ولا على المكتري شيئا ويراه كالمشتري . قال ابن القاسم : يغرم ذلك المشتري في ملائه فإن لم يجد طولب به الساكن . وقال ابن القاسم : ومن غصب نجلا فوهبها لرجل فاغتلها سنين فلربها أخذها وأخذ غلها من الغاصب ، فإن لم يجد عنده شيئا أخذ ذلك من الموهوب كالمشتري ولا غلة عليه . ومن المجموعة/:
[10/401]
***(1/396)
[10/402]
قال ابن القاسم : وكذلك ما وهبك الغاصب فأكلته أو أكلت ثمنه فلربه طلب الغاصب ، فإن كان عديما رجع عليك إلا أن تعلم أن ذلك هلك في يديك بغير سببك وإيقاعك فلا شيء عليك ، وإن هلكت بيد الغاصب ضمنها ولا تضمنها أنت حتى تأخذها وأنت تعلم بالغصب . قال هو وعبد الملك : وإذا جهل مكري هذه الأشياء هل هو غاصب أو مشتري ؟ فهو على الشراء حتى يعلم أنه غاصب أو صارت إليه من غاصب ، ولو ورث الأرض عن أبيه فأكراها ثم أتى ابن أخيه الوارث في إبان الحرب أو غير غبانه فالكراء له لأن ضمانها كان منه . ولم يكن ذلك الوارث ضامنا لها وإنما ظن أنه وارث والوارث غيره ، وكذلك لو جاء شريك معه في ذلك ، وأما المستحق من يد مشتر أو وارث عن مشتر فلا غلة له إلا من يوم يقضى له .
قال عبد الملك : ولو استحقها رجل غير وارث ورجل وارث كان نصفها له حكم المشتري ونصفها له حكم الوارث .
قال ابن القاسم : ولو استحقها وارث يشارك الذي ورثها رجع عليه بما تقدم من الكراء ، ولو كان فيه محاباة رجع بهؤلاء على أخيه إذا لم يعلم بأن له أخ ولم ير عليه أنه لو سكن كراء إذا لم يعلم ، وروي عن مالك : أن عليه نصف الكراء .
قال عبد الملك : وإذا زرع الأرض الآخر فقام فليس له قلع الزرع وإن كان في إبان الحرث ، وله الكراء لأنه هو الضامن ، ولم أقلع الزرع لأن زراعه زرعه بوجه شبهة فلذلك تركته لا لأنه ضامن . قال أشهب/: وإذا أسكنك الغاصب أو أزرعك أو أكرى منك فحاباك لم يرجع المستحق بكراء ولا محاباة لا عليك ولا على الغاصب ، وليس على الغاصب إلا ما أخذ في كرائها إن أخذ شيئا وجعله كما لو باعه إياها . وقال سحنون : عليه الكراء فيما أسكنه بلا كراء وغرم ما حابى في
[10/402]
***(1/397)
[10/403]
كرائه لأنه ليس بضامن ، وكما لو وهبه طعاما غصبه فأكله أو ثوبا فلبسه . قال سحنون : ولهم حكم آخر في الغسال يخطيء فيدفع الثوب إلى غير ربه ، والمولي عليه يبتاع الشيء فينفقه فيما لا غنى به عنه مما صان به ماله ، ولولا ذلك لم يكن بد من أن ينفقه من ماله مثله .
قال ابن القاسم في المجموعة ومثله في رواية عيسى في العتبية : ومن كاتب عبده وأخذ الكتابة ثم استحق بالحرية فذلك كالغلة والخراج الاستخدام لا يرجع به عليه ، وأما لو كان انتزع منه مالا لرجع به عليه كان اشتراه به أو أفاده عنده من فضل خراجه أو عمله أو وهب له لأن رقبته لم تملك ، وكذلك يرد ما أخذ له من رأس في جرح أو قطع يد لأنه لم يكن نصيبه لو مات عنده ثم ظهر أنه حر رجع على بائعه بالثمن . فإن قيل : فكذلك يرد عليه كما أنه لا يضمن رقبته .
قيل له : الفرق بينهما : أن من يشتري عبدا إنما يشتريه للغلة لا لينتزع ماله
فهذا فرق بين الانتزاع والاغتلال . ورأيت في غير المجموعة : أن المغيرة يقول : يرد عليه ما اغتل منه . قال ابن القاسم في المجموعة : فأما ما وهبه السيد فله أن ينتزعه منه بعد ثبات حريته ، وله/أيضًا أخذ ما ربح فيما استتجره به إلا أن يكون استتجره بمال على أن ربحه للعبد فلا يأخذ منه غير رأس ماله .
وروي عن مالك فيمن أعتق عبده في سفر بمحضر بينة ثم قدم فاغتله ثم مات فكاتبه الورثة ولم يعلموا ، ثم جاءت البينة بالعتق فلا شيء له من غلة ولا من كتابة . قال سحنون : وخالفه الرواة ويرون له أخذ الغلة وأن له حكم الحر .
قال ابن القاسم وأشهب : ومن اشترى نخلا قد أبرتموها أو لم تؤبر ثم استحقت فإن كان حين الشراء فليأخذها بتمرها ويرجع المبتاع على بائعه بالثمن ، فإن قام بعد أن سقى هذا وعالج والثمرة لم تؤبر أو أبرت وأزهت فله أخذ النخل
[10/403]
***(1/398)
[10/404]
بتمرها ، ويغرم ما سقى وعالج ، وإلا فلا سبيل له إلى أخذها ويرجع بالثمن ، قال أشهب : إنما يغرم السقي والعلاج إن كان قد بلغ عمله أو زاد في التمرة أو في نبات وحبالها ، وإن لم تؤبر عمله ، ذلك وتؤبر بعمل لم يضمن ذلك فلا يرجع بشيء وله طلب الثمن من البائع ، والثمرة للمستحق إن أخذ النخل ، كأن المشتري اشترى النخل بتمرها بعد الزهو أو بغير ثمره ولم يشترطها إلا أنه لم يكن على المشتري سقي ولا قيام ، إنما ذلك على البائع ، فإذا سقى كان له أن يدعه وقام قبله على المستحق ما كان يكون لبائع الأصل لو كان هو الساقي والقائم .
من كتاب ابن المواز : ومن استحق نخلا من يد مشتر وفيها تمره فله التمرة ما لم تيبس أو تقارب اليبس فيكون مثل ما جده فليس له أخذها ، وهي وإن لم تيبس فهي لمستحق وإن تقارب وعليه للمبتاع ما سقى وعالج ، ولو كانت بيد غاصب لأخذها/وإن جدت ويطلبه بكل ثمرة تقدمت ، وقال ابن القاسم : ويعطى ما أنفقه بأخذه من غلتها ، وكذلك رعاية الغنم ونفقتهم فمن غلتها لا من نتاجها ، ثم رجع فقال : يأخذ جميع غلتها ولا شيء للغاصب في نفقته وعلاجه كان ذلك نخلا أو دورا أو حيوانا . وقال أشهب : يعطى الغاصب نفقته من الخلة .
قال ابن القاسم : ومن ابتاع نخلا فيها ثمرة لم تؤبر أو شيء فيها فقام المستحق وفيها تمرة قد طابت فإنه يأخذها ما لم تيبس أو تجد ، فإن يبست أو جدت فهي للمبتاع ، ولو كان قد أبرت يوم الشراء فاشترطها المبتاع فهي للمستحق جدت أو لم تجد أو بيعت أو أكلت ، ويرد المثل فيها إن عرف مكيلتها ، وإلا فالقيمة ، وإن بيعت أخذ ثمنها وله فيما ذكرنا قيمة ما سقى وعالج .
[10/404]
***(1/399)
[10/405]
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في المستحق أصولا من يد مبتاع فإنه يأخذ التمرة ما لم تفارق الأصل ، وإذا أخذها ودي للمبتاع قيمة ما سقى وعالج .
ومن العتبية وذكر مسألة ابن القاسم في مستحق الأرض وقد أكريت سنين أو سنة وقد أزرعت ، فإن كان لم تفت الزراعة فله كراء السنة ، وليس له فسخها ، وهو مخير فيها بقي أن يجيزه أو يرده ، وإذا كانت تزرع السنة كلها فله الكراء من يوم تستحق ، ويخير فيما بقي ، وإن فات الإبان فلا شيء له من كراء تلك السنة .
قال عد الملك : إذا قام بعد أن زرع ولم يفت الحرث أكراها سنة ، فإن قبض الكراء وهو غاصب رده كله ، وإن كان مشتريا فله حصة ما مضى/بضمانه إلى يوم الاستحقاق ، وحصة ما بقي منه للمستحق يأخذه إن أجاز الكراء ، وإن لم يجزه أخذ في بقية الشهور إلى تمام حصاده كراء المثل في ذلك يتبع به المكتري ولو أتى بعد مضي الإبان فلا كراء له . وفي باب الأمة تلد عند غاصب أو مبتاع ذكر من حال العبد المستحق .
وفي كتاب آخر : قال سحنون فيمن باع سلعة تعرف برجل وزعم أنه وكيله على البيع وغاب ولا يعرف ذلك إلا بقوله ، فاشترى منه رجل على هذا وهو يعلم أن الدار للغائب ثم قدم فأنكر اغتلها المبتاع ، فإن كان الوكيل يقوم في الدار ويعمل وينظر حتى تثبت له شبهة الوكالة : فالغلة للمبتاع ، وإن لم يقدم على شبهة كما قلنا فالمشتري كالغاصب ، وكذلك من هلك عن أطفال معهم أمهم وهي غير وصية فتبيع حقا لهم من رجل فيقبله ، ثم يبلغ الأطفال ، فإن كانت الأم تقوم وتحوط وتنظر في الدار فباعت وهي كذلك فالغلة للمشتري .
[10/405]
***(1/400)
[10/406]
باب في المشتري أو من دخل بشبهة ، والغاصب يحدث في الأرض عمارة ، أو بني في الدار ، أم هدمها ، أو في السلعة عملا ثم تستحق أو تنمو بيد المبتاع
من المجموعة : قال ابن القاسم في المبتاع للأرض يبنيها ثم يستحقها رجل ، فإن ودي قيمة العمارة أخذها وإلا أعطاه الآخر قيمة أرضه ، فإن أبيا كانا شريكين . قال مالك : تقدر قيمة الأرض بلا عمارة وقيمة العمارة .
ومن العتبية/: قال أشهب عن مالك : إذا بنيتها فليعطك ما عمرت مما يشبه عمل الناس ، فأما شأن ؟ قال : كل بقعته ، قال : ولا شيء عليه فيما هدم ، ورواها ابن نافع عن مالك . في المجموعة ، وقال : قال ابن نافع : إنما يغرم قيمة ما عمر لا ما أنفقه الآخر فيه كان البناء قليلا أو كثيرا جيدا أو رديئا .
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أنه إذا بنى وغرس فقيل للآخر : أعطه قيمة عمله وغرسه فقال : [ما معي اليوم وإنما أدعه يسكن وينتفع حتى أخذ ما أعطيه] وأبى الآخر من الصبر فذلك له ويقال له : أعطه قيمة أرضه ، فإن أبى أو كان معدما كانا شريكين ، فقيمة الأرض لهذا وقيمة العمران لهذا ، وكذلك لو كانت أرض عمرها يظنها مواتا ولم يتراضيا على أن يبقى ينتفع بالعمارة والأرض لم يجز ، لأنه حق له معجلا من أخذ قيمة العمارة فوخره به على أن ينتفع فهو كالسلف بنفع ، قال أشهب في المجموعة : إذا باعها الغاصب من رجل أو وهبها فعمرها فربها مخير في أخذ الثمن من الغاصب أو القيمة لأنها حالت بما أحدت فيها وبنى ، وإن شاء أخذ داره وأعطى للثاني قيمة بنائه اليوم على حاله شاء الثاني
[10/406]
***(1/401)
[10/407]
أو أبى ، ولا ينظر إلى ما أنفقه فيها وإن كثر ، فإن أبى قيل للبائع : أعطه قيمة أرضه يوم بناها شاء المغصوب أو أبى ، فإن أبى كانا شريكين إن شاء المغصوب على قيمة داره وقيمة/بناء الآخر الساعة وقيمة الأرض الساعة بلا بناء ، فإن كانت قيمتها اليوم بلا بناء ألفا ، وقيمة بناء اليوم بلا أرض خمسمائة فهي بينهما على الثلث . قال سحنون : وإذ أبى المغصوب منه أن يعطيه قيمة بنيانه فلا يكون للباني أن يعطيه قيمة داره على مما أحب أو كره ، ولكن يكونان شريكين ، وهذا الذي قال سحنون ذكر مثله ابن حبيب عن ابن الماجشون ومطرف وروياه عن مالك والمغيرة وابن دينار . قالوا : إذا باعها الغاصب فبناها المشتري فلينظر إلى قيمتها قبل العمل وقيمتها بعد العمل ، فإن شاء ربها دفع ذلك إلى الثاني وإن شاء كان الثاني به شريكا ، وليس للذي بنى أن يعطي المستحق قيمة أرضه إذا أبى ذلك ولكن يكونان شريكين ، وهذا مذكور في كتاب السرقة .
وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية في عبد باع أرضا لسيده : إن أعارها لرجل فبني فيها أو غرس ثم علم السيد فأخذ الأرض ، فإن شاء تماسك بالبناء أو الغرس وودي قيمته مقلوعا ويرجع المبتاع في دية العبد لا في رقبته .
ومن المجموعة : قال أشهب في مبتاع القمح من غاصب فطحنه أو سويقا فلته أو ثوبا فصبغه فقام ربه ، فإما أجاز البيع وأخذ الثمن من الغاصب .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا هدم المشتري الدار فإن ترك الغاصب فإنما له اخذ العرصة مع النقض على أن لا شيء له غير ذلك لا على المشتري ولا على الغاصب ، ولو هدم وباع النقض مفرقا إن شاء اخذ العرصة وثمن النقض فقط ، ويرجع المبتاع بالثمن على الغاصب ، إلا ترك المشتري وطلب الغاصب إن شاء بالثمن أو بالقيمة يوم الغصب ، ولو أن المبتاع بعد أن هدمها بناها حتى يدفع إليه قيمة بنائه قائما كان بناها ينقض ، ويطالبه بقيمة نفضه منقوضا وإلا أخذ من المشتري قيمة العرصة براحا ، وقيمة نقضه منقوضا لأنه ليس بمتعد في هدمه ، ثم يرجع المشتري بالثمن على الغاصب ، قال : ومشتري الدار إذا أكراها فهدمها
[10/407]
***(1/402)
[10/408]
المكتري وأخذ بردمها المشتري النقض والتعدي ثم قام ربها فله أتباع الهادم بقيمة الهدم ، وإن كان اتبع ذمته ، وكذلك لو اشتري عبدا فسرقه رجل منه أو قتله فترك له قيمته فلربه طلب السارق والقاتل بقيمته ولا شيء له على المشتري ، يريد : وإن شاء طلب الغاصب بالثمن والقيمة ، ومن اشترى دارا فهدمها أو وهبها لرجل يهدمها ثم استحقت فليس لمن استحقها على الهادم في الهدم شيء ، فإما أخذها مهدومة بنقضها أو ما وجد منه ولا من شيء فيما تلف منه ، وإلا طلب الغاصب ، ولو باعها الهادم فلربها اخذ ثمن النقض مع العرصة ، ولو وجد النقص قائما بيد المبتاع ، فإن شاء نقض فيه البيع وأخذه وإلا أخذ ثمنه ، ولو استحق نصفها فلا شيء له على الهادم إلا أن يكون باعه ، فإن كان فات فليس له فيما استحق إلا نصف الثمن ، وإن لم يفت فله أن يجيز بيعه ويأخذ حصته من ثمنه ، وإن شاء رد الثمن لا يحط عنه الهدم ويأخذ النقض إن وجد أو ما وجد فيه . ولو تلف النقض كله أو بعضه لم يكن لذلك شيء إذا تلف بغير سبب المشتري ، فإن أخذ فيه المشتري ثمنا فللشفيع أخذ ذلك الثمن ، ولا ينقض بيع انتقض وإن كان قائما بيد مبتاعه لأن بيع المشتري جائز . قال محمد وهل له بعد الشفعة في النقض فهي في الأرض وله أخذه كشفعته إن لم يفت فإن فات بيد من اشتراه نظر ما ضمنه النقض من قيمة العرصة يوم الشراء فيقسموا الثمن على ذلك فيأخذ العرصة بالشفعة بما وقع عليها . محمد : وهذا أحسن ما ثبت فيه من قول أصحابنا ، ولو وجد النقض النصف الآخر بالشفعة أخذ نصف العرصة مخير في رده أو إجازة بيعه ، وإن أخذ النصف الآخر بالشفعة آخذ نصف العرصة ونصف النقض . وخير في رده وإجازة بيعه وإن أخذ النصف الآخر . وليس له أن يأخذ ثمن النقض الذي أخذ بالشفعة مع العرصة وإنما يأخذه بعينه ، فإن فات سقط ما قابله من الثمن ، وليس له في الشفعة أخذ ثمن النقض فيما يأخذ بالشفعة ولا يؤخذ الأثمان بالشفعة ، قال : وإن كان المشتري بعد أن هدم الدار بناها على ما كانت أو غيرها بالبناء عن حالها الأول فليس للمستحق أخذ نصفه الذي استحق حتى
[10/408]
***(1/403)
[10/409]
يدفع إلى المشتري نصف قيمة البناء ، وإنما يرد يوم الحكم ويحسب له على المشتري قيمة ما انتفع به من نقضه مطروحا ، أو قيمة ما سلم منه إن لم يسلم كله فقيمة ذلك ، يريد : يوم إقامته وبنائه ، قال : وكذلك في النصف الآخر سواء إن شاء أن يأخذه بالشفعة فله أن يؤدي نصف الثمن وقيمة البناء فإنما يريد : يوم الأخذ الشفعة ، ويحسب له قيمة البناء الذي هدم المشتري فيما سلم منه نقضا ، قال في الكتاب : يوم بنائه وإنما ينبني على الأصل في النقض في الشفعة يحسب عليه قيمة نقصان قيمة العرصة من الثمن يوم الصفقة إن كان سلم النقض كله أو ما سلم منه ، قال محمد : وأبى المشتري أن يدفع فيما استحق قيمة نصف البناء قائما يوم الحكم فلا شفعة له . ويقال للمشتري : ادفع إليه نصف قيمة العرصة يومئذ ، ويرجع المستحق على المشتري بنصف قيمة النقض الذي هدم منقوضا وترجع أنت أيها المشتري على البائع بنصف الثمن ، وإن شاء المستحق ترك ذلك كله ورجع على الغاصب إن شاء بالقيمة أو بالثمن الذي أخذه ، قال محمد : وإذا صار شريكين في النصف المستحق بما ذكرنا فله نصف النصف الآخر بالشفعة إن شاء بنصف الثمن أو بنصف قيمة ما بنى قائما ، يريد : له يوم الحكم ويحسب له على المشتري قيمة ربع نقض جميع الدار منقوضا ، وهو الذي انتفع به وينبغي أن يكون ، يعني محمد : رفع قيمة النقض منقوضا من قيمة العرصة يوم الصفقة من الثمن لما يتقى أن يكون استرخص إذا تولاه .
ومن اشترى سوارين فكسرهما ثم أعادهما فليس لربهما أخذهما حتى يدفع إليه قيمة صياغتهما لأنه غير متعد في كسرهما ، ولو وجدهما مكسورين فإنما له إن شاء أخذهما منه مكسورين ولا يضمنه بكسرهما شيئا ، أو يدعهما ويأخذ من الغاصب
[10/409]
***(1/404)
[10/410]
قيمتهما مصوغين . قال محمد : ما أحب أن يدفع قيمة الصنعة ولا يظلم عمله ، وأرى إن شاء أن يأخذ منه مثل وزنهما مكسورين وإلا أخذ من الغاصب قيمتهما مصوغين يوم الغصب أو الثمن ، وهما مثل الدار يهدمها ثم يبنيها إلا أنه إذا أخذهما وودي الصيغة صار أن أخذ مصوغين غير مسكورين له وودي ثمنا للصياعة .
وفي كتاب الغصب ذكر كسر الغاصب لهما وهدمه للدار .
قال : وإذا اشترى من الغاصب قمحا فطحنه فقد قيل : لزمه أخذه منه غرم طحين وإن شاء تركه وأخذه من غاصبه مثل قمحه أو الثمن . قال محمد : وهذا غلط وليس له إلا أن يأخذ مثل قمحه من المشتري ، أو يأخذ من الغاصب مثل قمحه أو الثمن ، وإن كان الغاصب عديما ورجع على المشتري فالمشتري مخير إن شاء أعطاه مثل قمحه وإلا اسلم إليه الدقيق ورجع على الغاصب بالثمن كله ، ولو طحنه الغاصب فلربه أخذه دقيقا أو يأخذ منه مثل قمحه .
ومن المجموعة : قال أشهب في مبتاع القمح من غاصب فطحنه أو سويقا فلته أو ثوبا فصبغه فقام ربه ، فإما أجاز البيع وأخذ الثمن من الغاصب أو قيمة الثوب أو المثل في المكيل إن كان بائعا ، وإن كان واهبا للغاصب أن يرجع على الموهوب/بما وهب له إن كان قائما وكان له مثل ما للمغصوب على الموهوب له ، وإن شاء ترك الغاصب ودفع إلى المبتاع أو الموهوب قيمة الصبغ حين يقوم وقيمة الطحين حين يقوم ، وكذلك اللتات ، وقال : يدفع أجر ما لته ويأخذ جميع ذلك شاء ذلك الذي في يديه أو أبى ، وإن أبى الغاصب فليعطه هذا مثل قمحه أو سويقه أو قيمة ثوبه ، فإن أبيا كانا شريكين هذا بقيمة ثوبه وهذا بقيمة ما أحدث فيه ، ثم يرجع المبتاع على بائعه بالثمن .
[10/410]
***(1/405)
[10/411]
وروى غيره عن مالك في مبتاع الجمل يعلفه حتى يسمن ثم استحق ، فربه مخير في دفع ما أنفقه عليه أو يأخذ قيمة جمله يوم قبضه الرجل .
وقال أشهب : وإذا اشترى غلاما صغيرا لا صنعة له فرباه وأنفق عليه ، ثم يستحق حرا أو عبدا فإنه لا يتبع فيه بشيء ، قال سحنون : وفي هذا الأصل اختلاف .
قال ابن القاسم : وإذا استحقت الأرض وقد قلبها المشتري وأنهم حرثها فالمستحق مخير إن شاء أعطاه قيمة عمله وأخذها وإلا قيل للآخر : أغرم كراءها وإلا فأسلمها بما فيها من العمل ولا شيء عليه .
قال سحنون : وإذا زبل الأرض وغرم في ذلك نفقة فزاد ذلك في ثمنها ثم استحقت ، فلا شيء للذي زبلها لأنه مستهلك ، وكذلك مشتري الدابة العجفاء والصبي الصغير أو الودي الصغار وينفق على ذلك حتى يكبر أو تسمن فلا شيء فلا ذلك على مستحقه .
قال ابن القاسم : ومن اشترى أرضا محبسة ولم يعلم مثل حبس الكنائس أو للمسلمين/ببناء وغرس ثم استحق ذلك فليقلع عمله ، وقاله سحنون : فقلت له : كيف يقلعه وقد بنى بشبهة ؟ قال : فمن يعطيه قيمة بنائه ؟ قلت : فيكونان شريكين فأنكر ذلك ، وقال بعض من حضر : إذا يكون هذا كبيع الحبس وهو يسمع ولم ينكر ، قيل : أفيعطيه مستحق الحبس قيمة بنائه ؟ فلم ير ذلك . وقال : مالك يقول : من بنى في الحبس فليس له فيه إذا خرج فإذا جعلنا لهذا أن يعطيه قيمته وخرج وخلف غيره ، أيؤدي الثاني أيضًا قيمته ؟
[10/411]
***(1/406)
[10/412]
في الموهوب له الشيء ، أو المعار له ، أو المواجر ينتفع به أو يستهلكه أو يحدث فيه شيئا ثم يستحق ، والهبة تستحق فرجع الواهب بالثمن ، لمن يكون ؟
من المجموعة : قال ابن القاسم في الموهوب له طعاما فأكله أو ثوبا فلبسه فإنما للمستحق تضمين الواهب إن كان مليئا فعليه يرجع ، وإن كان عديما أولا يقدر عليه فله تضمين الموهوب ولا يرجع الموهوب بما ودي على الواهب . قال ابن عبدوس : إنما يضمن الواهب أولا إن كان غاصبا ، فأما إن لم يكن غاصبا أو لا يعلم أنه غصب فلا يضمن ، ولكن يتبع المستحق من استهلك ذلك .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن غصب شاة فأهداها لرجل فأكلها ، فإن كان الطالب مليئا فعليه يرجع بقيمتها دون الموهوب ، وإن كان عديما رد الذي أكلها قيمتها ، يريد : يوم أكلها ولو وهبها الغاصب بعد أن ذبحها فعليه يرجع أولا/بقيمتها ، فإن كان عديما أخذ من الموهوب قيمتها مذبوحة ورجع على الغاصب بما بين قيمتها مذبوحة وقيمتها حية يوم الغصب يتبع .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : والمستحق يرجع في العارية أولا على المعير بما نقص ثوبه ، فإن كان عديما فعلى اللابس وإذا كان المعير غير غاصب [فلا شيء عليه عديما كان أو مليئا . وقال أشهب وسحنون : وإن كان المستعير غاصبا] فليس لربه تضمينه النقص ، وإنما له أن يضمنه الجميع ولا شيء على المستعير إن كان للغاصب مال ، فإن كان عديما بيع الثوب في القيمة وأتبع المستعير بالأقل من تمام القيمة وما نقص لبسه الثوب لأنه كمن استعار من مديان ثوبا فلبسه ولا مال له يفي بدينه إلا أن يكون قد كان للغاصب مال في وقت لباس المستعير ثم زال المال فلا يضمن المستعير شيئا ، فإن شاء المستحق أخذ الثوب ويأخذ النقص من
[10/412]
***(1/407)
[10/413]
المستعير فذلك في عدم الغاصب وملائه لأن النقص لم يجب له على الغاصب ، فيكون ليس له طلب المستعير حتى لا يجد شيئا عند المعير . غصب 35
قال : ومذهب ابن القاسم أن النقص إذا كان من فعل الغاصب ماله اتباعه ويأخذ ثوبه ، فإذا كان هو الذي أباحه ذلك فكأنه هو الفاعل فيتبع بالنقص المعير ، فإن لم يجد عنده شيئا على المستعير ، قال ابن القاسم في الغاصب يؤاجر الثوب فينقصه الثمن فلربه تضمين الغاصب إن يجز الإجارة وإن شاء أخذ ثوبه/وما نقصه اللبس من اللابس ، ويرجع اللابس بالإجارة على الغاصب ، وذلك كما قال مالك في البيع ، وإن أجاز الإجارة أخذ ثوبه وأتبع الغاصب بما أخذ في الإجارة في عدمه وملائه ، وإذا لم يكن المكري غاصبا فلا يضمنه وإنما له أن يجيز الإجارة ويتبعه بها أو يأخذ ثوبه وما نقصه من اللبس ، وليس له في الغاصب أن يأخذ ثوبه ويتبع الغاصب بما نقصه اللبس ، لأنه قد ملك تضمينه الجميع في قول أشهب وسحنون وقال أشهب : وإذا وهب الغاصب الطعام أو الثوب لمن استهلكه فلربه أن يتبع من شاء منهما اللابس في الثوب يوم لبسه والغاصب يوم غصبه ، وبه قال سحنون واحتج بالبيع أن لمستحق الطعام طلب الغاصب به أو طلب المشتري الذي أكل إذا لم يجز البيع ، وكذلك في كتاب ابن المواز واحتج بالبيع ، وقاله مالك ، وقال ابن القاسم : يرجع أولا على الغاصب فإن لم يكن عنده فعلى الموهوب .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا أسكنك الغاصب أو وهبك فسكنت أو اغتللت ، فقال أشهب : لك الغلة كالمشتري إذا لم يعلم بالغصب ولا كراء عليك فيما سكنت ولا على الغاصب وإنما لقائم أخذ داره . وقال ابن القاسم : ليس كالمشتري إذا لم يضمن ثمنا أخرجه ، وللقائم أخذ الكراء من الغاصب ، فإن عاد أو عدم أخذه من الموهوب .
وهذا قد تقدم في باب قبل هذا .
[10/413]
***(1/408)
[10/414]
قال أشهب : وإذا هلك الطعام أو الثياب عند الموهوب أو المشتري بأمر من الله لم يكن على واحد منهما شيء إلا أن يهلك ذلك بأكله ولباسه ، ويتبع أيهما شاء ، فإن أتبع الغاصب أخذه إن شاء بالثمن وإن شاء بقيمة الثوب والمثل في الطعام ، فإن أغرمه القيمة وهي أقل من قيمة الثوب يوم لبسها الموهوب ، لم يرجع عليه الغاصب ولا المستحق ولا على المشتري بشيء ، ولو كان إنما أغرم الموهوب أو المبتاع القيمة فكانت أقل من قيمة الثياب يوم الغصب ، أو الثمن الذي أخذ الغاصب من المشتري ، لم يرجع المستحق على الغاصب بفضل ذلك ، ورجع المشتري على الغاصب بما دفع إليه إلا أن يكون الثمن الذي دفع إليه أكثر مما غرم للمستحق فلا يرجع عليه إلا بمثل ما غرم ويكون فضل ذلك للمستحق ، وأما الموهوب : فلا يرجع على الغاصب بشيء مما غرم ، وكذلك إن كان الغاصب الغارم فلا يرجع بشيء على الموهوب ، قال محمد : وأعرف ذلك أنه إن رجع على المشتري وكان ما لزم الغاصب من القيمة أو الثمن أكثر فليرجع المستحق على الغاصب بالفضل ، فأما إن أخذ من الغاصب القيمة أو الثمن فلا يكون له ولا للغاصب الرجوع على المشتري بشيء ، ومن وهب جارية فاستحقت فرجع الواهب بالثمن فإنه له أو لورثته وليس للموهوب منه شيء .
باب في الرجل يموت فتنفذ وصيته ، ويقسم ماله ، ثم تستحق رقبته ، أو ينعى فتباع تركته ، ثم يقدم حيا .
من المجموعة/ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم : فيمن مات فأنفذت وصيته بحج أو غيره ثم استحقت رقبته ، فإن كان معروفا بالحرية - ابن المواز - : ويظهر ذلك وينتشر ، لم يضمن الوصي ولا متولي الحج شيئا ، ويأخذ ما وجد من تركته ، وما بيع أخذه بالثمن ورجع بذلك الثمن على البائع ، قال ابن المواز : إذا باع الوصي فإنما يرجع المستحق على الوصي بما عنده من الثمن ، يريد محمد : إذا أخذ سلعته ودفع الثمن . ومن الكتابين : قال ابن عبدوس من رواية
[10/414]
***(1/409)
[10/415]
ابن القاسم وابن وهب عن مالك : ومن شهد بموته فبيعت تركته وأعتق رقيقه ونكحت امرأته ثم قدم ، فإن شهدوا بزور فله أخذ ماله حيث وجده بلا ثمن ، وإن شاء أخذ الثمن ممن قبضه ، وله أخذ أمته التي قد أولدها المبتاع ويأخذ منه قيمة الولد ، قال ابن المواز : جعله مالك كبيع الغاصب إذا شهدوا بزور أو كانوا غير عدول ويرد ما أحدث فيه عتق أو تدبير أو كتابة ، وأما العدول وقد شبه عليهم فلا يرد من ذلك إلا ما لم يفت ، وما فات بموت أو بعتق أو ولادة أو تدبير أو كتابة والصغير يكبر وما تغير عن حاله عند مبتاعة ولا يرد ، وله الثمن على ما قبضه ، وزوجته ترد إليه في الوجهين ، وعليها ثلاثة قروء إن وطئت ، وما لم يفت من ماله فلا يأخذه إلا بالثمن ، ويرجع هو بالثمن على من قبضه . وفي الأول من الوصايا هذه المسألة مستوعبة . غصب 36
قال عبد الملك في المجموعة : وإذا نعي الرجل ثم قدم حيا فإن ما بيع من ماله ماض وقد بيع بشبهة/وطئ بها الفرج واستحل ووقع به الضمان . وأما الزوجة فترد إليه وما أنفدته من عتق مدبرته فأجزه وكذلك أم ولده .
ومن كتاب ابن المواز : من أفتيت رقيقه وداوبه وثيابه بغير إذنه ، فأما الثياب إن لبست فله أخذها وأخذ ما نقصها اللباس من المشتري إلا أن يبليها فله قيمتها حالة قال : وأما النخل فلا شيء له فيما مضى من الغلة ، وله من الثمرة ما في رؤس الشجرة ما لم تيبس وتستجد ولا يأخذه ، وإذا أخذ ما لم يستجد ودي قيمة السقي والعلاج ، ويأخذ الحيوان كله ونسله .
[10/415]
***(1/410)
[10/416]
باب فيمن باع سلعة بثمن ، أو أسلفها في شيء ، أو وهبها على عوض ، أو صالح بها ، فاستحقت السلعة ، أو ما أخذ فيها ، أو وجد بها عيبا ، أو استحق ما أخذ ، أو دفع من العين وقد أخذ غير ما باع .
من المجموعة : قال ابن القاسم عن مالك : وإذا استحقت السلعة المشتراة بسلعة ، أو ردها بعيب ، رجع من استحقت من يديه بسلعته ، فإن فاتت وتفيتها حوالة الأسواق فاغلي فله قيمتها يوم قبضت ، وإن كانت مما يكال أو يوزن فله مثلها في الطعام وغيره . قال أشهب : إلا أن يكون ابتاعها بجزاف ففيه القيمة يوم البيع كالعروض . وقال ابن القاسم : وإذا استحق العين رجعت بمثله ، ولو استحق ما ابتعت من مكيل أو موزون انتقض البيع ورجعت بعوضك فأخذته ، وإن فات بتغير سوق فأكثر فقمته أو المثل فيما فيه المثل ،/فإذا استحقت الفلوس في البيع رجع بمثلها ولا ينتقض بيع ولا سلم ، وقاله كله أشهب ، وقال : والحلي المكسور والذي ليس فيه جوهر هو كالعين في الرجوع بمثله ، ولا ينتقض السلم والحلي بمنزلة العروض ، قال سحنون : ومن لا يجيز القراض بالتبر يري أنها إذا استحقت انتقض السلم .
قال ابن القاسم : وإذا قبضت طعاما أو حيوانا أو عرضا واستحق رجعت بمثله ولم ينتقض السلم ، لأن ذلك شيء في ذمته لن تبرأ منه بما استحق من يدك ، وقاله أشهب .
قال ابن القاسم عن مالك : ومن باع سلعة بدنانير فأخذ فيها دراهم فاستحقت السلعة فليرجع بالدراهم ، ولو أخذ عرضا لرجع بالدنانير ، ولو شاء المستحق أن يجيز البيع ويأخذ الدنانير من المشتري لأنها لم تقبض منه فذلك له ،
[10/416]
***(1/411)
[10/417]
فيرجع المشتري على البائع بالدنانير ، لأنه صرف ينتقض وليس للمستحق أن يضمن للبائع الدنانير لو كان وهبها للمشتري ، قال ابن حبيب في أخذه الدنانير عرضا فاستحقت السلعة فليرجع بالدنانير . قال ابن حبيب : إلا أن يتجاوز في العرض فلا يؤدي إلا قيمته يوم قبضه إن فات ، ولو استحق العرض المأخوذ في الدنانير رجع بالدنانير بكل حال تجاوز فيه أو لم يتجاوز ، قاله مالك وأصحابه .
ومن المجموعة : قال ابن القاسم في الذي أخذ بالدنانير عرضا فوجد به عيبا أو استحق فليرجع بالدنانير ، إذ ليس هذا العرض ثمنا للسلعة الأخرى ، وبلغني عن سحنون أنه قال : من باع سلعة بمائة دينار ثم أخذ ألف درهم فاستحقت/الدراهم : أنه يرجع بالمائة دينار التي باع بها السلعة ، فكأنه رآه صرفا لا يرجع فيه بمثل الدراهم ، لأن مالكا قال : إذا استحقت السلعة رجع المشتري بالدراهم على البائع لأنه لو رجع بالدنانير صار صرفا مستأخرا ، وكذلك قال أشهب : لو صرف دينارا دراهم ثم أخذ بالدراهم سلعة فوجد بالسلعة عيبا فردها أنه يرجع بديناره ولو رجع بالدراهم صار صرفا مؤخرا ، وبلغني عن سحنون أنه قال فيمن باع عبدا بثوب ثم أخذ في الثوب دراهم ثم استحق العبد : أنه يرجع بالدراهم التي دفع .
قال ابن القاسم : ولو أن لك ألف درهم على رجل فصالحته على حطيطة خمس مائة درهم على أن أعطاك بهما عبده ميمونا فذلك جائز ، فإن استحق رجعت بالألف كلها ، لأن العبد وقع في الصلح في عقد واحد .
قال ابن القاسم : ومن وهبته هبة فعوضك عوضا فاستحق العوض فلك الرجوع بهبتك إلا أن يعوضك مثل قيمتها فلا حجة لك وإن كان العوض الأول مثل قيمتها ، قال أشهب : إن أثابك ذلك بعد ما لزمتك هبتك بقيمتها ، أو إنما باعك ذلك بيعا بالقيمة فإنما لك عليه إذا استحق ذلك بيدك قيمة هبتك ، وإن كان إنما أثابك ذلك مثل أن يلزمك قيمة الهبة فذلك بيع للعروض بسلعتك ،
[10/417]
***(1/412)
[10/418]
فإنما لك عليه قيمة ما أخذ منك بسلعته المستحقة كمن باع سلعة ، ولو أثابك دنانير قبل أن تلزمه السلعة بقيمتها فاستحقت الدنانير فإنك ترجع بمثل تلك الدنانير ، ولو أثابك بعد أن لزمته هبتك بالقيمة ، فإنما توجه عليه/بقيمة سلعتك وما كان زادك أولا منه ليس لك الرجوع بها ، وكمن تزوج بتفويض فدفع إليها دنانير أو عروضا في صداقها فاستحق من يدها ، فإن كان ابتنى بها قبل ذلك فلترجع عليه بصداق المثل يوم عقد النكاح ، وإن دفع إليها ذلك قبل البناء رجعت عليه بجميع ما اعترف في يديها الذي كان أصدقها ، ولو أتى بك من هبتك دنانير أقل من قيمتها فقبلتها ثم استحقت الدنانير فلترجع بمثل الدنانير لا بهبتك ولا بقيمتها في قولها ، ولو أثابك عرضا فأنت على هبتك ما لم يثبك مثل قيمتها أو تفوت فلك عليه قيمتها يوم الهبة .
قال ابن القاسم وأشهب : ولو بعت منه سلعة بثمن على أن تهبه أنت مع السلعة ، فإن كانت الهبة شيئا معلوما فذلك جائز ، فإن استحقت السلعة وقد فاتت الهبة فليفض على السلعة والهبة وترجع بحصة السلعة من الثمن ، وفي كتاب الصلح مسألة من صالح من دعواه على شيء فاستحق ذلك ، أو استحق ما فيه الدعوى .
باب فيمن نكح أو خالع أو صالح من دم عمد على عرض ، أو قاطع به مكاتبا ثم استحق العرض ، وفي الصلح على إقرار وإنكار يقع فيه الاستحقاق .
من المجموعة : قال ابن القاسم في الرجل يصالح من دم عمد على عبد ، أو يتزوج به أو يخالع به امرأته ثم يستحق العبد فإنما يرجع في هذه الثلاثة أوجه من أخذ العبد بقيمة العبد ، لأنه لا ثمن لذلك يعلم إلا ما أخذه فيه ، وقاله مالك في النكاح ، ولو/تزوجت بشقص فالشفعة فيه بقيمته لا بصداق المثل ، ولو تزوجت بعبد فاستحقه حرا رجعت بقيمته ، وقال أشهب : لا بصداق المثل بخلاف
[10/418]
***(1/413)
[10/419]
البيوع وليس صداق المثل لها في كل زوج سواء ، ولو حدث عندها به عيب ثم استحق بحرية فلا شيء لها للعيب ، وترجع بقيمة العبد صحيحا يوم النكاح ، وقال المغيرة : إذا استحق بملك رجعت بقيمته لأن ربه لو تركه للزوج لم يكن لها غيره ، وإن استحق بحرية رجعت بصداق المثل وكأنه لم يمهرها شيئا ولو مات في يديها ثم استحق ، فإن استحق بملك فلا شيء لها ترجع به على الزوج ، وإن استحق بحرية رجعت بصداق المثل لأنه لم يعطها شيئا ، يريد : ملكه بحياته وموته سواء . قال : ولو باع عبدا بعبد فاستحق أحدهما فإنما ينظر إلى قيمة الذي لم يستحق فيرجع بقيمته ، يريد إذا فات الرقيق .
قال عبد الملك : وإذا تزوجها بشيء يكال أو يوزن بعينه فاستحق فلترجع بمثله ولو كان مما فيه القيمة رجعت بقيمته .
قال ابن القاسم وأشهب عن مالك فيمن قاطع مكاتبه على عرض فاستحق العرض ، قال عنه ابن القاسم : أو وجد به عيبا فإنما يرجع بقيمة العرض لأنه ليس بدين قاطع عليه وهو كالنكاح ، به قال عنه أشهب : إلا أن يكون المكاتب تعمد ذلك فاستعار عبدا فتعدى فيه فليرده إلى ربه العبد إلى كتابته ونجومه .
قال ابن القاسم : وإن كاتبه على عبد موصوف أو طعام موصوف فوداه ثم استحق ذلك فأحب إلي أن لا يرد في الرق ، ويرجع عليه/بمثله ، ولو عتق عبده على شيء من ذلك أو باعه به نفسه ثم استحق أو وجد به عيبا فلا يرجع عليه بشيء ، وهو كالانتزاع ، ولو باعه نفسه بما لم يكن لعبد يومئذ فهذا يرجع بقيمة ذلك كالمكاتب .
قال ابن القاسم : من ادعى شيئا بيد رجل فاصطلحا على الإقرار فاستحق ما في المدعي فليرجع فيما أقر له به الآخر ، فإن فات ذلك بزيادة أو نقصان أو حوالة سوق رجع عليه بقيمته ، ولو اصطلحا على إنكار فاستحق ما بيد المدعي
[10/419]
***(1/414)
[10/420]
عليه فليرجع على صاحبه بما أعطاه ، فإن فات بحوالة سوق أو بدن رجع بقيمته ، وقال أشهب : ومن ادعى عليك شيئا في يديك فصالحته على شيء أعطيته على إقرار منه أو إنكار ، ثم استحق ما في يدك بالبينة والحكم ، فلترجع أنت على الأول بما كنت أعطيته في الذي قضي به الثاني ، لأن الثاني أقام بينة فلا تبالي كان الصلح من الأول بإقرار أو بإنكار أو تقوم بينة أولى من بينة الثاني .
ولو اشتريت من رجل سلعة وأنت تعلم أنها لو فأقام رجل البينة أنها له فحكم له بها وأنت تعلم بكذب البينة ، فلك الرجوع بالثمن على بائعك ، لأن الظلم وقع عليه دونك ، لأن البينة تقول : إنه باع ما ليس له . وقال ابن القاسم : والصلح على الإنكار ، ثم استحقت السلعة فإن كان ذلك بحضرة الصلح رجع من استحقت من يده السلعة على الآخر بما دفع إليه ، وإن كان قد تطاول ذلك في مثل ما تهلك فيه البينات فإن من استحقت السلعة من يديه لا يرجع على صاحبه بشيء ، لأنه يقول : قد كانت/لي بينة عادلة فمنعني بما أعطي القيام بها ، فلما هلكت وأخذ ما في يديك بالجور يريد : أن ترجع علي فليس له ذلك .
وفي كتاب الشرح لابن سحنون عن أبيه : وإن استحق ما بيد المدعي [الصلح على الإنكار رجع بمثل ما أخذ في الصلح أو قيمته إن كان مما لا يقضى بمثله ، وإن استحق ما بيد المدعي] عليه لم يرجع على المدعي شيئا لأنه إنما دفع عن نفسه خصومته بما أعطاه لا بشيء وجب له ، وقد قيل يرجع عليه بما دفع إليه بمثله أو بقيمته إن كان مما يقوم ، قال : والأول أبين .
[10/420]
***(1/415)
[10/421]
فيمن اشترى سلعا كثيرة ، فيستحق بعضها ، أو يوجد به عيب ، أو كانتا سلعتين فكان ذلك في أحدهما ، والسلعة الواحدة يستحق بعضها أو يستحق نصيب أحد الشريكين فيها .
قال ابن القاسم وابن نافع عن مالك فيمن باع سلعتين أو سلعا بثمن ، وسمى لكل سلعة تسمية من ذلك ثم استحقت واحدة منها ، أو وجد به عيب فلا ينظر إلى ما سمى لها من الثمن لأنه لا يبيع هذه بكذا إلى على أن الأخرى بكذا فبعضها يحمل بعضا ولكن يقسم جميع الثمن ، على قيمة السلع يوم الصفقة فيرجع بحصتها كان أقل مما سمى لها من الثمن أو أكثر . وقاله أشهب وعبد الملك ، قال ابن القاسم : وكذلك لو كانت صبرة شعير وصبة قمح بكذا وسمى لكل صبرة تسمية فاستحق أحدهما قال مالك : ولو واجر عبده عامين العام الأول بعشرة/والثاني بخمسة ، فإن كان ذلك شيئا واحدا فلا بأس به ويقع لكل شهر سبعة ونصف فإن أراد أن يجعل للعام الأول عشرة مرتبة على أنه أصيب العبد يريد : بعد سنة لم يرد إلا خمسة فلا خير فيه .
قال ابن القاسم : ومن اشترى سلعا من دواب أو رقيق وثياب في صفقة فأصاب بالعبد عيبا وقيمته خمسون ، وقيمة كل سلعة سواه نحو الثلاثين ، فليس العبد بوجه الصفقة الذي ينتقص برده البيع إن شاء ، ولو كان قيمته سبعون أو ثمانون وجميع الثمن مائة وجه الصفقة فله رد الجميع أو يحبس الجميع .
قال ابن المواز : إذا كان قيمته أكثر من نصف الثمن فهو وجه الصفقة ، ولو اشترى مائة إردب فاستحق فيها خمسون فأنت مخير في رد ما بقي أو حبسه بنصف الثمن ، ولو أصيب بخمسين عيبا أو بالثلث فليس لك إلا أن ترد الجميع أو تحبس الجميع ، وليس له حبس الجيد بحصته . قال سحنون في غير المجموعة :
[10/421]
***(1/416)
[10/422]
إلا أن يرضى به البائع فيجوز لأنه مكيلا يعلم ما يصيبه من الثمن بخلاف السلع .
قال مالك : وإذا اشترى صبرة كيلا أو جزافا فوجد أسلفها مخالفا لأولها فإن كان هو شأن الصبر ولم يكن بالمستنكر فلا كلام له ، وأما إن كان كثيرا فليس له حبس الجيد بحصته وليأخذ الجميع أو يرده ولا يأخذ الجيد بحصته إلى برضي صاحبه وليس ذلك لواحد منهما حتى يجتمعا جميعا ، قال أشهب : هذا صحيح لأنه يقول : أبيع بعضه ببعض ، وأما ما روى بعض أصحابنا أنه في الطعام يستحق نصفه أو له رد باقية وهو لا يقول ذلك في الرقيق وهي أولى بالرد والضرر عليه فيها أكثر ، وقد يتعمد في الرقيق شراء ما استحق بعينه ، ولا يغفل هذا في الطعام حتى يستحق أكثر ذلك وما يرجي فيه الفضل ، وأخذ سحنون بقول ابن القاسم لأنه قد يرغب في الجملة ، وقد عرف في الناس أن الجملة يرغب فيها ويزاد في ثمنها ، وذكر مسألة العبدين والشاتين والفرس ، وذكر ما يوجد به عيب وما يستحق ، أو يوجد غير ذكر ، وماله أن يمسك بباقيه وما ليس له مما يشترى على كيل أو وزن ، وكله في المدونة .
قال ابن القاسم في الدارين تشترى في صفقة يستحق بعض أحدهما وهو يسير منها ، فليرجع بحصة ذلك من الثمن ، وليس له رد شيء من الصفقة كانت تلك الدار وجها أو لم تكن ، وإن كان ما استحق من الدار أكثرها وليس بوجه الصفقة رد تلك الدار كلها بحصتها من الثمن ، وإن كانت وجه الصفقة رد الدارين إن شاء أو حبسها ولا شيء له قال سحنون في كتاب آخر : إذا كان المستحق أكثرها ليس بوجه الصفقة لم يرد إلا ما استحق منها فقط .
[10/422]
***(1/417)
[10/423]
قال أشهب : فإن اشتريت عبدا بثوبين فهلك أحد الثوبين ووجد بالآخر عيبا ، فإن كان المعيب من الثوبين النصف أو الثلث أو أقل أو أكثر رده ورجع بحصته ذلك في قيمة عبده ، وفي غير هذا الكتاب عن أشهب : يرجع في العبد نفسه يكون فيه شريكا بذلك ، وقال ابن القاسم/: إن كان المعيب وجه الصفقة رد قيمة الهالك وأخذ عبده ، وإن كان ثلث الصفقة أو ربعها رده ورجع بحصة ذلك في قيمة العبد ، وإن لم تفت قال في كتاب ابن المواز . فإذا فات والثوب المعيب وجه الصفقة رجع بحصته من الثمن في قيمة العبد [وإنما يرد قيمة التألف إذا كان عبده قائما له أخذه ، وهذا كله مستوعب في كتاب العيوب] وقال أشهب في مثل هذا في القسم : إذا استحق نصف أحدهما فإنما يرجع بنصف ما استحق في نصيب صاحبه يشاركه فيه فإن كان ما استحق أقله أو أكثرة أو ما فيه ضرر أو ما لا ضرر فيه ، ولا ينقض القسم على أي حال كان من ذلك وأعاب قول من قال : ينتقض القسم لأن الذي بقي بيد المستحق قد فات بالبناء فلا يقدر على رده فكيف ينتقض القسم وهو لم يرد عليه شيئا مما أخذ منه ؟ قال ابن القاسم : ولو وجد عيبا بالعبد الذي اشتراه بالثوبين فرده وقد هلك أحدهما ، فإن كان الباقي وجهها أخذه وقيمة التالف ، وإن كان أدناهما أخذ قيمتهما جميعا ، وقال أشهب : بل يأخذ الباقي وقيمة التالف كان أرفعهما أو أدناهما إلا أن يتغير الباقي في سوق أو بدن فيأخذ قيمتهما .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم : ومن ابتاع دابة بثوبين قيمتهما سواء ، فاستحق أحدهما والدابة قائمة لم تفت بشيء فإنه يرجع بنصف قيمة الدابة ولا يرجع فيها فاتت أو لم تفت .
قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن اشترى عبدا بعينه/وعبدا في ذمة وصفه في صفقة بمائة دينار فاستحق المعين فإنه ينظر ما أصابه من المائة على قدر صفة
[10/423]
***(1/418)
[10/424]
الآخر وبعد أجله وقربه ، فما أصاب المستحق رجع بحصته من المائة إلا أن يكون المستحق وجهه الصفقة فينتقض البيع كله قاله اصبغ .
قال ابن القاسم في المدونة فيمن أسلم ثوبين في فرس فاستحق أحدهما فإن كان وجهها انتقض السلم ورد الباقي ، وإن كان أقلهما ثمنا غرم القيمة وتم السلم ، وروى عنه ابن المواز : أن يرجع بحصته من قيمة الفرس في صفقته إلى أجله .
قال ابن القاسم عن مالك في العبد يستحق منه جزء وإن قل فللمشتري رده أو التمسك بما بقي منه ، وكذلك الأمة لضرر الشركة في ذلك ، قال ابن المواز : وأما رقيق يستحق جزء منهم شائع فإن انقسموا على ذلك الجزء لم تنقض الصفقة باستحقاق القليل منهم ، وإن لم ينقسموا على ذلك الجزء فله رد الجميع .
ومن المجموعة : قال مالك : وأما الدار يستحق منها البيت أو نخلات من حائط مخير في التمسك بما بقي بحصته أو رد الجميع ، قال سحنون : ذا فيما استحق على الأجزاء فأما على شيء بعينه فقد بيناه قبل هذا . قال : واستحقاق بيت من دار قد يكون ضررا في بعض الدور وليس بضرر في أخرى مثل الدار العظمي ذات المقاصر والحجر كالفنادق فلا ضرر في هذه ، ورب دار جامعة صاحبها كثير العيال يضربها من/يسكن معه ، فهذا فيه ضرر وإنما يعرف هذا عند نزوله .
ويعتبر الكراء كذلك مثل البيوع فيما يستحق فيه ، قال غيره : لا يشبه الكراء البيوع وإن كان ما استحق منه النصف أو الجل فليس للمستكري أن يتماسك بما بقي لأنه مجهول .
قال ابن القاسم : ومن اشترى عبدا فباع نصفه ثم استحق رجل ربعه فقد وقع الاستحقاق على النصف الذي باع والذي أبقى ، ويرجع المبتاع بحصة ما استحق من يده من الثمن إن تماسك بباقية وإلا فله رد جميعه .
[10/424]
***(1/419)
[10/425]
قال أشهب في العبد فيستحق بعضه فلك رد باقيه وليس لك حبس بعض ما لم يستحق منه ورد بعضه ، وأما الذي باع نصفه ثم استحق ربع جميع العبد فباع نصفه ثم استحق ربع البعد ، فليس لمشتري النصف على بائعه رد وله جزءه الذي باع منه بحاله ، وليس له حبس بعض ذلك النصف ورده نصفه ، ولو شاء أن يرد عليه جميع الثلاثة أرباع الباقية فذلك له ، وإن لم يرد الثلاثة الأرباع فليس ذلك له وليرجع بربع الثمن لما استحق ربع العبد ، وكذلك لو استحق نصفه وثلثه فشاء الرجوع بحصة ذلك من الثمن وليس للمستحق أن يأخذ من النصف المشتري من العبد شيء كعبد بين رجلين باع أحدهما نصفه فليس للآخر أن يدخل معه فيما باع بأن يقول : بعت نصف عبد والعبد بيني وبينك . فيعلم نصف الثمن ، وليس هذا مثل طعام بينهما فباع أحدهما نصف الطعام وكاله لصاحبه ، لأن الطعام كان القسم فيه ممكنا قبل البيع/والعبد لا قسمة فيه فكان كل واحد في بيع نصيبه منه كالمقسوم الثمن ، وكذلك إذا باع ربعه ولا يعلم لأحد فيه شيء ، فإن وقع البيع على ما يملك لا على ما ملك عليه وأعجب هذا القول سحنون ، وقال به .
قال ابن القاسم : ومن اشترى أمة فأولدها ثم استحق نصفها بحرية فليس له أن يرد النصف المملوك وهو عليه بنصف الثمن ، إلا أن يكون نصف الثمن أكثر من نصف قيمتها ، على أن نصفها حر فلا يزاد على نصف القيمة ، ويعتق النصف على المشتري لأنها حرمت عليه .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم : وإذا استحق عبد رقيق أو عبدين بأعيانهما وذلك يشري جملة الرقيق فهو كما ذكرنا . قال أبو محمد : يريد : يلزمه ما بقي ، قال : وسواء إذا كان ذلك يسيرا استحق عبيدا بأعيانهم أو جزءا شائعا في جميع الرقيق إذا كان ينقسم بينهما فالبيع يلزمه ويقال له : قاسم شريكك وإذا كان هذا مما لا ينقسم رد الجميع كان المستحق يسيرا أو كثيرا في الرقيق والحيوان ، قيل : فإن كان ذلك فيما لا ينقسم من غير الحيوان من الشجر
[10/425]
***(1/420)
[10/426]
والثوب ؟ قال : هو مثله وهو تفسير قول مالك ، وإذا استحق من الدار عشرها شائعا : قال مالك : ينظر الإمام فربما كان العشر منها لا يضر ، وربما كان يضر فينظر فيه باجتهاده ، فإن كان ضررا رده فإن لم يضر رجع بمقدار ذلك من الثمن .
جامع في الاستحقاق
من العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في الرجل أو المرأة في/حال الصغر أو حال الكبر يقران بالمملكة فيباعان فتوطأ المرأة فتلد وقد مات بائعها أو فلس ، وسقط من الأم كلام معناه : وقد استحقا بحرية على من يرجع بالثمن ؟ قال ابن القاسم : أرى ذلك يكون دينا على الكبيرين ولا شيء على الصغيرين يريد : لعدم البائع وأن هذين سبب لتلاف المال حين أقرا بالمملكة وهما حران .
ومن المجموعة : قال أشهب عن مالك فيمن له جارية فأتاه قوم فذكروا أنهم يعلمون أنها لفلان وأنها سرقت له . ثم كفوا عنه ، ثم لقيهم وطلب منهم المضي إلى السلطان فأبوا وذهبوا إلى بلدهم فقال : هل أبيعها ؟ فقال له مالك : فرطت حتى ذهب القوم اشتهر هذا ، ولو بعتها ثم سمع أن قيل هذا فيها لردت عليك فلا أدري ما هذا ؟ وأنا لا آمرك أن تبيعها . وعمن سرقت دابته فوجدها في الصحراء أيأخذها بغير إذن الإمام ؟ قال : نعم .
ومن العتبية من سماع سحنون عن ابن القاسم : قال ابن القاسم في ثلاثة إخوة اقتسموا ثلاثة أعبد بميراث فأخذ كل واحد عبدا فمات عبد أحدهم واستحق عبد الآخر ، فأما الذي مات عبده فلا يرجع بشيء ولا يرجع عليه بشيء ، وأما الذي استحق عبده : فليرجع على الذي بقي عبده بيده فيكون له منه ثلثه ، فإن رجع في المستحق بثمن كان ثلثا الثمن للذي استحق العبد من يده ، وثلثه للذي عبده في يديه ورجع فيه أخوه بثلثه ، وقد كتبت هذا المسألة لابن القاسم وهي لمالك وبالله التوفيق/.
[10/426]
***(1/421)
[10/427]
فيمن استحق من يده شيء وهو مقر أن بائعه باعه ما نتج عنده أو خطة جده هل يرجع عليه بشي ؟ ووجه الشهادة في الاستحقاق
من العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم : وعمن استحق من يده عبد فزعم أنه ببلاده عند بائعه ، أو كان ثوبا فشهد المبتاع أنه مما نسج عند بائعه ، أو كانت دارا فقال : هي من خطة جد البائع هل يرجع عليه بالثمن ؟ وهو يقول : كيف يرجع علي الثمن وأنت تعلم أنه محق فإن المستحق ظالم أخذ ذلك منك بظلم ؟ قال : ليس له أن يرجع عليه في هذا كله ، وكذلك عنه في المجموعة قال فيها أشهب : له أن يرجع علي بائعه بالثمن ، لأن الظلم ليس هو علي المشتري وإنما هو علي البائع لأن البينة تزعم أنه باع ما ليس له .
ومن العتبية : قال مالك في سماع القاسم في الشهود يشهدون بالسرقة تسرق من رجل فإنما يشهدون أنها لفلان ما علموه باع ولا وهب على علمهم . قال ابن القاسم : ولا يقطع السارق بهذا حتى يشهدوا أنهم رأوه يسرق .
ومن المجموعة : قال أشهب : وإن اشتريت من رجل سلعة وأنت تعلم أنها له فأقام رجل البينة أنها له فقضي له بها وأنت تعلم بكذب البينة ، فلك الرجوع بالثمن على بائعك ، لأن الظلم وقد وقع عليه دونك ، لأن البينة تقول : إنه باع ما ليس له . .
تم كتاب الاستحقاق والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وأصحابه وأزواجه وسلم
[10/427]
***(1/422)
[10/429]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي سيد المرسلين وعلى آله وصحبه
كتاب الوديعة
باب في الوديعة وما يكون من دفعها وإيداعها وما لا يكون تعديا ؟
وهل له إيداعها لعذر أو غير عذر ؟
وكيف إن هلكت عن تفريط فيها ونسيان ؟
ومن أودع لرجلين كيف يقبضانها ؟
من العتبية : روى أصبغ عن ابن وهب فيمن استودع وديعة في المسجد أو في المجلس فجعلها على نعليه فذهبت ، قال : لا ضمان عليه ، قلت : ألم يضيع إذ لم يربطها ؟ قال : يقول : لا خيط معي . قلت : في طرف ردائه ، قال : لا يضمن كان عليه رداء أو لم يكن .
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك في المودع يودع الوديعة أنه ضامن إلا أن يكون لا أهل له ، أو يريد سفرا أو يخاف على موضعه أو لحرابة أو نحوه .
قال فيه وفي العتبية من سماع ابن القاسم : وإذا دفن الوديعة في أهله واشهد عليها . أو خلفها عند أهله أو استودعها أحد إخوانه يريد : عند السفر ، فلا ضمان عليه . قال ابن المواز : وإن لم يكن شيء من هذا ودفعها عند غير من يكون عنده ماله والقائم له به ، ضمن .
[10/429]
***(1/423)
[10/430]
قال أشهب في كتبه : إذا أودعه الوديعة لغيره من عبد أو خادم أو أجير ممن في عياله أو في غير عياله ، فهو ضامن ، وأما في وضعه إياها في بيته ، أو صندوقه ، أو غير ذلك من بيته أو بيت غيره إذا لم يأمنه عليه ويخلي بينه وبينها ، فإنه لا يضمن .
قال أشهب : ومن استودع وديعة وهو في/خراب ، فخاف عليها فأودعها لغيره في أعمر من مكانه ، فإن كان ربها قد علم بخراب موضعه وخوفه ، ولم يزد خرابه إلى ما هو أخوف منه فالمودع ضامن ، وإن ازداد خراب موضعه وخوفه على ما كان في وقت الوديعة ، فلا شيء عليه في إيداعه لغيره ، قال : لا بأس أن يستودعها من أحب إذا أراد سفرا ولم يكن صاحبها حاضرا . قال ابن القاسم وأشهب : وإن سافر بها ضمنها ، وإن ردها ولم يضع ، فلا يضمن إن ضاعت بعد ذلك ، قال : وإن أودعها في السفر فأودعها لغيره في السفر ضمن ، وإن استرجعها ثم ضاعت عنده فلا يضمن ، وأما المسافر يخرج عليه لصوص فيعطي البضاعة لمن يرجو نجاته فلا شيء عليه . وهذه في الوكالات مذكورة .
قال سحنون في كتاب أبنه : ومن كانت عنده وديعة فحضرته الوفاء فله أن يودعها ولا يضمن .
قال ابن حبيب ، قال ابن الماجشون ومطرف فيمن عنده وديعة فأخذها يوما فأدخلها في كمه وخرج بها يظنها دراهم فسقطت فإنه يضمن ، وإن نسيها في موضع دفعت إليه وقام لضمنها ، وهذه جنايات منه ، وليس ذلك كسقوطها من كمه أو من يده في غير نسيان لأخذها ، هذا لا ضمان عليه ، وقاله أصبغ .
قال سحنون في كتاب آخر : ومن أودع وديعة فصرها في كمه مع نفقته ، ثم دخل للحمام فضاعت ثيابه بما فيها ، فإنه ضامن . وقال ابن القاسم في المدونة ، في المال يودع لرجلين ، أن يكون عند أعدلهما كالوصيين ، وقاله/
[10/430]
***(1/424)
[10/431]
أشهب في كتابه ، وقال أشهب : وكذلك البضاعة أنها تكون عند أعدلهما ، فإن اقتسماها شطرين أو الثلث أو الثلثين أو كانت عند أدناهما في العدالة ما لم يكن بين الحال في الفجور فلا ضمان على من كان المال في يديه ولا من لم يكن .
وقال سحنون في المودعين لا يكون عند أعدلهما . ولا ينزع منهما ، بخلاف الوصيين .
قال سحنون : وإذا اقتسم المودعين المال أو العاملين في القراض ولا يضمنان ، قال يحيى : ولا يضمن الوصيان إذا اقتسماه ، وقاله أشهب وابن عبد الحكم .
وقال علي بن زياد : إذا تشاح الوصيان قسم بينهما . وقد تقدم في البضائع في المبضع معه يودع أو يبعث مع غيره .
باب فيمن أودع وديعة وقيل له : اجعلها في تابوتك ، ولا تقفل عليها ، أو اجعلها في كذا ، وجعلها في غيره ، ونحو هذا
قال محمد بن عبد الحكم فيمن أودع رجلا وديعة وقال له : اجعلها في تابوتك ولا تقفل عليها ، فجعلها فيه وأقفل عليها فتلفت فإنه يضمنها ، لأن السارق إذا رأى التابوت مقفولا كان أطمع فيه . ولو قال : اجعلها في التابوت ولم يقل غير ذلك لم يضمن إن أقفل عليها ، ولو قال له : أقفل عليها قفلا واحدا ، فأقفل عليها قفلين لم يضمن ، لأن السارق يطمع فيما يقفل بقفل وقفلين ، ولو قال له : اجعلها في سطل نحاس ، فجعلها في قدر فخار ، فضاعت لم يضمن ./ولو قال له : في قلة فخار ، فجعلها في قلة نحاس لضمنها ، ولو قال له : في قلة نحاس فجعلها في قلة فخار لم يضمن .
[10/431]
***(1/425)
[10/432]
باب في المودع ينقل الوديعة إلى بلد آخر ، أو يحولها من موضع في بيته إلى موضع آخر فتهلك ، أو يبعثها إلى ربها ، أو تسقط من يديه ، أو يقع عليها شيء في يديه
من العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن عنده طعام وديعة فنقله إلى بلد آخر ، فوجده ربه ، فليس له أخذه هناك ، وعليه أن يأخذه منه بالبلد الذي أودعه إياه ، وكذلك السارق ينقل الطعام ، وقال عيسى : إذا كان الطعام المسروق بعينه ، فله أخذه حيث وجده ، وهذا في كتاب الغصب مستوعب .
وقال اصبغ عن ابن وهب في المودع يبعث بالوديعة إلى ربها ، فياخذها لصوص أو تهلك ، ويدعي أن ربها أمره ، وينكر ربها ذلك ، فالباعث ضامن وربها مصدق ، يريد : مع يمينه ، قال : ولو قال : سقطت مني أو سرقت أو رددتها إليك ، كان مصدقا .
ومن كتاب آخر : قال أشهب وعبد الملك فيمن استودع جرارا فيها إدام ، أو قوارير فيها دهن ، فنقلها من موضع في بيته إلى موضع ، فتكسرت في ذلك فلا يضمن ، ولو سقط عليها من يده شيء فانكسرت ، أو رمي في بيته وهو يريد إصابة غيرها فأصابها فتكسرت ، ضمن ، لأنها جناية لم تتعمد . قال أشهب في كتابه : ولو سقطت من يده فانكسرت لم يضمن .
[10/432]
***(1/426)
[10/433]
باب في الوديعة يتسلف منها شيئا/ثم يرده أو لا يرده ، وهل له ذلك ؟
أو يخلطها بماله ثم تذهب أو بعضها ، أو لا يدري أذهب منها أو من غيرها ؟
وكيف إن قال رب الطعام : كان لي فيه مال ؟
من كتاب ابن المواز : ومن استودع كيسا فتسلف منه عشرة دنانير ثم سرق ، فلا يضمن إلا ما أخذه ، ولو قال : رددت فيه ما أخذت قبل أن يذهب فهو مصدق مع يمينه ، ولم يذكر في المدونة ، وذكر أشهب في كتبه : أنه مصدق مع يمينه .
وقال محمد في كتاب الإقرار فيمن استودع دناني فتسلف منها دنانير ثم ردها فضاع ذلك أنه لا يضمن ، فإن كان تسلفها بغير بينة فالقول قوله ، وإن كان ببينة فلا قول له إلا ببينة .
قال يحيى بن عمر : اختلف قول مالك في الذي ينفق من وديعة عبده شيئا ثم يرده فقال : لا شيء عليه ، وأخذ بهذا ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ ، وقال أيضًا مالك : إن رده بإشهاد وإلا لم يبرأ ، وبهذا أخذ ابن وهب . وقال أيضًا مالك : لا يبرأ وإن أشهد ، لأنه دين ثبت في ذمته ، وهذا قول أهل المدينة من أصحاب مالك وروايتهم عن مالك ، ورواه المصريون ولم يقولوا به .
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : إذا استودعها مصرورة فحل صرارتها ثم تسلف منها شيئا ، فقد ضمنها كلها إن تلفت بعد أن رد فيها ما تسلف أو قبل ، وكذلك لو حلها ولم يتسلف منها لضمنها حين تعدى فحل وثاق ربها وأفضى إليها/، ولو استودعها منثورة ثم تسلف منها ثم تلفت لم يضن غير ما تسلف ، وهو مصدق في رد ما تسلف منها . ولو تلفت بعد أن رده لم يضمن شيئا . وقال ابن القاسم وأشهب وأصبغ : المصرورة والمنثورة سواء ، والأول أحب إلي .
[10/433]
***(1/427)
[10/434]
ومن كتاب ابن شعبان : ومن أودع وديعة وقيل له : تسلف منها إن شئت ، وتسلف منها وقال : رددتها ، فهذا لا يبرئه رده إياها إلا إلى ربها .
ومن العتبية : روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن أودع ثلاثين دينارا فجعلها بقرب دنانير له مثلها فذهب منها عشرة لا يدري من أي المالين ذهبت ؟ فعليه أن يدفع ثلاثين كاملة إلى من أودعه .
وروى عن يحيى بن يحيى فيمن معه عشرة دنانير لنفسه ، فأودعه رجل دينارا ، فذهب من الجميع دينار ، قال : يأخذ صاحب العشرة تسعة ، ويقتسمان الدينار العاشر نصفين ، ويكون الذاهب منهما ، ولم يأخذ بقول مالك : أن العشرة بينهما على أحد عشر جزءا ، وكذلك الذاهب بينهما على هذا .
ومن سماع أشهب : قيل لمالك فيمن بيده مال : أليف له أن يستلف منه ؟ قال : ترك ذلك أحب إلي . وقد أجاز بعض الناس فروجع فقال : إن كان له مال فيه وفاء وأشهد فأرجو أن لا يكون به بأس . وعن من أودع طعاما فاستنفقه فجاء ربه فطلبه به فأخبره ليعطيه مثله ، فقال ربه : قد كان لي فيه دينار في صرة ، فليحلف المودع ويبرأ ويحلف : ما أخذت لك شيئا ، ولا علمت لك فيه شيئا .
قال أصبغ في كتاب آخر في جابية زيت وديعة بيد رجل فتسلف منها قسطا من زيت/ثم ذهبت الجابية فليس عليه إلا ما تسلف منها . قال أشهب في كتبه : وكذلك إن كان عنده حنطة وديعة فأكل بعضها فلا يضمن إلا ما أكل ، وإن رد في الحنطة مثل ما أكل منها سقط عنه الضمان ، وهو مصدق في رد ذلك مع يمينه ، قال أشهب : وكذلك كل ما يقدر على رد مثله إذا تسلف بعضه أو جميعه ، ثم رد مثل ما تسلف سقط عنه الضمان ، وصدق في رد ذلك مع يمينه .
[10/434]
***(1/428)
[10/435]
باب
في المودع يقر بركوب الوديعة أو لباسها
ثم يقول : هلكت بعد ذلك ، ويقول له ربها :
بل في حين تعديك ، أو تهلك في الركوب
ويدعي أن ربها أذن له في ذلك
قال ابن المواز في كتاب الإقرار : ومن استودع دابة أو ثوبا ، فأمر المستودع بركوب الدابة ولباس الثوب فهلك ذلك فقال ربه : إنما هلك ذلك بيدك قبل أن ترده إلى موضعه ، وقال المستودع : رددتها حين نزلت عنها وحين فرغت ، قال : هو مصدق مع يمينه إذا كان مقرا بالفعل ، وأما إن لم يقر وقامت بذلك بينة ، فلا يصدق أنه رد ذلك إلى موضعه إلا ببينة ، وهو قول أصحابنا .
ومن كتاب الإقرار لابن سحنون : وإذا أقر أنه لبس ثوبا وديعة عنده أو كانت دابة فركبها ثم قالت : هلكت بعدما/نزلت عنها ، فإنه ضامن ، لأنه لما ركبها ضمن بالتعدي ، ولو قال : ركبتها بإذن ربها فأنكر ذلك رب الوديعة ، فالراكب مدع في الإذن [ويحلف في الإذن] وهو ضامن ، ويحلف رب الدابة : أنه ما أذن له ، ولو أقام بينة [أنه نزل عنها وهي سالمة ثم نفقت ، برئ من ضمانها ، وقول بعض أصحابنا ومن خالفنا ، وفي قول آخرين من أصحابنا : ضامن حتى يردها بحالها ، وكذلك إن أقام بينة] أنه أذن له في الركوب لم يضمن .
[10/435]
***(1/429)
[10/436]
باب
في الوديعة يتعدى فيها ببيع أو شراء ، وكيف إن باعها ثم اشتراها ؟
أو كانت عارية ، وكيف إن انتفع بها ثم ردها ثم هلكت ؟
من كتاب ابن المواز : قال مالك في المال الودعية يشتري به المودع لنفسه جارية أو غيرها فليس عليه إلا مثل المال والربح له والخسارة عليه ، فإن حملت منه فليتبع ذمته . محمد : ولو كان طعاما أو سلعة فباعه بثمن : أو ابتاع به جارية أو سلعة ، فلرب الوديعة أخذها وقيمة الولد أو قيمتها فقط ، ولو كانت الوديعة أو البضاعة عرضا فباعه بثمن فلربه أخذ الثمن إن شاء وإن شاء أخذ عرضه إن لم يفت ، فإن فات وهو مما لا يوزن ويكال ، فله أخذ الثمن إن شاء ، وإن شاء قيمته يوم تعدى فيه ، وإن كان طعاما أو إداما فله أن يجيز البيع ويأخذ الثمن أو يضمنه مثل طعامه أو إدامه ، ولو أن المشتري للسلعة باعها بأكثر مما اشتراها فلربها إجازة بيع المشتري وأخذ الثمن ، ويرجع المشتري على بائعه/بالثمن ، وإن شاء أسلم ذلك له واتبع المستودع أو المبضع معه بالثمن الذي باعها به ، وإن شاء أخذ منه قيمتها يوم التعدي ، ولو كانت دارهم فصرفها بدنانير أو دنانير فصرفها بدراهم لنفسه ، فليس لربها إلا ما كان له ، وليس له أن يأخذ ما صرفها به إلا برضى المودع ، وإن صرفها لربها فلا يحل لربها أن يأخذ ما صرف ، وإن رضيا بذلك ، ولكن يصرف هذه إن كانت دراهم بمثل دنانيره ، فما كان من فضل فلربها ، وما كان من نقص ضمنه المتعدي ، بخلاف التعدي في العروض الذي يكون ربها مخيرا في التعدي عليه ، ولو تعدى عليه في العروض فباعها بثمن إلى أجل ، فإن لم يفت من يد المبتاع فلربها الرضا بالثمن ، وإن فاتت لم يجز أن يرضى بذلك ، ولكن يباع ذلك الدين بعرض ، ثم يباع العرض بعين ، فإن كان أٌل من قيمة السلعة ضمنه المتعدي ، وإن كان أكثر فلربها . ولو باعه بطعام إلى أجل أغرم المتعدي القيمة ، فإذا قبض الطعام بيع ثم كان الفضل لربها إن كان فضلا . ومن
[10/436]
***(1/430)
[10/437]
أو دع حمارا أو استعماره فتعدى فيه فباعه بعشرة ، ثم ابتاعه بخمسة ، فلرب الحمار أن يأخذه ، ثم ينظر إلى المتعدي فإن كان شراؤه إياه لنفسه فالخمسة الفاضلة له ، وكذلك إن اشتراه لمن أمره بشرائه ، فإن كان ربه رضي ببيع المتعدي فليس له إلا العشرة ، ويصير كمتعد على عين اشترى به سلعة ، فلا خيار لرب العين فيه ، يريد : وإن لم يرض ببيع المتعدي أخذ حماره فقط ، قال : وإن كان إنما اشتراه ليرده على صاحبه ، فها هنا يكون فضل الثمن لرب الحمار ، يريد : مع/الحمار ، وإن شاء أن يأخذ عشرة ويدع الحمار . ومسألة الحمار هذه مذكورة في العارية قد كتبتها هناك من العتبية ، وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون في شراء المودع المال الوديعة تعديا مثل ما تقدم ، وفي السلعة الوديعة يبيعها بعين أو بعرض ، فإن شاء ربها أخذ ما بيعت به ، وإلا قيمتها ، قال مطرف : ثم لو باع العرض الذي أخذ فيها بدنانير كان لربها إن شاء أخذ قيمة سلعته ، أو قيمة السلعة المأخوذة فيها ، يريد : في قولهما ، وإن شاء فالثمن المأخوذ في الآخرة ، يريد : وإن لم يفوتا . ولو ابتاع بالدنانير الآخرة سلعة فليس لرب الوديعة أخذها كالتعدي على مال أودعه وديعة يبتاع به سلعة ، وقاله مالك وابن القاسم .
قال مطرف وابن الماجشون في المال البضاعة لشراء شيء فيشتري به غيره ، بخلاف الوديعة ، وربه مخير في أخذ ما ابتاع به أو مثل ماله ، يريد : في البضاعة ، لأنه مأذون له في حركة المال كالمقارض ، فلربه نماء ما حركه فيه ، وأما العرض فسواء كان وديعة أو بضاعة في تخيير ربه في التضمين ، وأخذ العوض المأخوذ فيه ، لأنه عن شبيه ، وقاله ابن القاسم وأصبغ ، وقال ابن عبد الحكم : إن البضاعة في الوجهين مثل الوديعة ، ولا يعجبنا .
[10/437]
***(1/431)
[10/438]
باب فين تجر في الوديعة أو في مال يتيمه لنفسه
ومن قول مالك وأصحابه : أن من تجر في وديعة عنده أو في مال يتيمه لنفسه : أن الربح له إلا ما روى ابن حبيب عن ابن الماجشون/. فإنه قال : إن تجر في الوديعة ونحوها تعديا وهو ملئ أو مفلس ، فالربح له بضمانه إلا أن يتجر في مال يتيمه لنفسه وهو مفلس ، فإن مالكا قال فيه قولا مستحسنا قال : إن ربح فيه فالربح لليتيم لأنه المدبر لماله ، فلم يكن من النظر له أن يتجر به لنفسه في عدمه ، وإن ملك فهو له ضامن ، قال : وإن تجر به لنفسه وهو ملئ ، فالربح لولي اليتيم ، قال ابن الماجشون : وأنا أقول به ، وأبى المغيرة وغيره من أصحابنا ، وقالوا : المفلس والموسر في ذلك سواء وولي اليتيم في ذلك كغيره ، وبهذا قال المصريون وهو قول العامة . قال أشهب في كتبه فكان مالك يكره لولي اليتيم أن يتجر في مال يتيمه لنفسه أو في مال عنده وديعة ، ويرخص فيه بعض الإرخاص إذا كان له به وفاء ، والغالب عليه في ذلك الكراهة .
باب
فيمن امتنع من دفع الوديعة ، ثم ادعى تلفها قبل ذلك أو بعد أو جحدها ، ثم أقام بينة بردها
من العتبية : روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن له عند رجل مال وديعة فطلبه منه فاعتذر بشغل وأنه يركب إلى موضع كذا فلم يقبل عذره ، وتشاحا فحلف : لا يعطيه ذلك الليلة ، فلما كان في غد قال : قد ذهب ، فإن قال : ذهبت قبل أن تلقاني ضمن ، لأنه أقر بها ، وإن قال : لا أدري متى ذهبت حلف ولا ضمان عليه ، قال أصبغ : ويحلف : ما علم به ها هنا حين منعه ، قال ابن القاسم : وإن قال : ذهبت بعدما حلفت وفارقته ضمنها ، لأنه/منعه إياها إلا أن يكون كان على أمر لا يستطيع فيه أن يرجع أو يكون عليه فيه ضرر فلا
[10/438]
***(1/432)
[10/439]
يضمن . قال ابن القاسم : لا يضمن كان في أمر حفره فيه عليه ضرر أو لم يكن عليه ضرر إذا لم يكن الأمر يمكنه بما لا يطول عليه فيه عند نمائه أو في يده . وما ليس فيه بحث ولا فتح ولا غلق ولا استخراج ولا أمر ينتظر فيه رجوع ، فإن جاء مثل هذا فهو ضامن لمنعه ، وإلا لم يضمن ، وقد تعوق الناس عوائق ، وقد يثقل عليه في وقت ، ويرد الناس مثل هذا من شغل وكسل ، وما يعذرون به فليحلف ويبرأ .
وقال محمد بن عبد الحكم في كتاب آخر : إذا طلبه في وديعة فقال : أنا مشغول إلى غد ترجع ، فرجع إليه فقال : تلفت قبل مجيئك الأول أو بعده ، فلا ضمان عليه ، ولو قال له : لا أدفعها إليك إلا بالسلطان ، فترافعا إلى السلطان فضاعت بين سؤاله إياه وبين إتيانه إلى السلطان ، فلا ضمان عليه ، لأن له في ذلك عذرا أن يقول : خفت شغبه وأذاه .
ومن العتبية : قال أصبغ : قال ابن القاسم : ومن طلبت منه وديعة فقال : ضاعت منذ سنين إلا أني كنت أرجو أن أجدها وأطلبها ، ولم يكن يذكر هذا وصاحبها حاضر قال : هو مصدق ولا ضمان عليه إلا أن يكون قد طلبت منه فأقر أنها عنده ثم قال : قد ضاعت قبل ذلك فيضمن ، وكذلك القراض ، قال أصبغ : بل هو ضامن إذا لم يعرف منه طلب لها ولا ذكر لصاحبها ولا لغيره ولا سماع بطرق ولا غرق . وحضور ربها آكد . وكل سواء إذا طال ذلك ولم يكن له ذكر ، وقال محمد بن عبد الحكم/: أصحابنا يقولون : إن سمع ذلك منه قبل ذلك الوقت الذي سُئِلَها فيه قبل منه ، وإن لم يسمع ذلك منه إلا ذلك الوقت لم يقبل منه ، قال محمد : وأنا أرى أن يحلف ولا شيء عليه .
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في رب الوديعة يطلبها ، أو الرهن يطلب فكاكه ، فيأبى الذي ذلك في يديه أن يدفعه حتى يأتي السلطان فيقضي عليه
[10/439]
***(1/433)
[10/440]
بالدفع فهلك ذلك قبل القضية وبعد طلب أرباب ذلك ، فإن كان دفع إليه الوديعة والرهن بلا بينة فهو ضامن .
قال ابن حبيب : قال ابن القاسم وأشهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ : ومن استودع وديعة ببينة ، ثم جحدها ، ثم أقر أنه ردا ، وأقام البينة بردها ، فإنه ضامن ، لأنه أكذب ببينته إذ قال : لم أجحدها ، يريد : إن قال : ما أوعتني شيئا ، وأما إن قال : مالك عندي من هذه الوديعة شيء ، فالبينة بالبراءة تنفعه ، وكذلك من أخذ قراضا أو بضاعة فجحد ذلك ، ثم ذكر أنه رده ، وهذا مذكور في كتاب البضائع .
في المودع لا يدري : أرد الوديعة أم ذهبت ، أو لا يدري أين دفنها ؟ أو لا يدري لأي الرجلين هي ؟ أو قال : دفع إلي فلان كذا ، لا يصدق به ثم قال : بل لغيره
من العتبية : قال أصبغ في الوديعة يطلبها ربها فيقول المودع : لا أدري أضاعت مني أم رددتها إليه ؟ فلا ضمان عليه لأنه ذكر أمرين هو مصدق فيهما ، إلا أن يأخذها ببينة فلا يبرأ حتى يقيم ببينة : أنه ردها إليه ، وإلا ضمن .
قال عبد الله بن عبد الحكم : ولو قال/المودع لربها : إن كنت دفعت إلي شيئا فقد ضاع ، وقد قبض الوديعة ببينة فليس عليه إلا يمينه .
قال أصبغ في العتبية : ولو قال : دفنتها فضل عني موضعها فهو ضامن ، لأن فرط إلا أن يقول : دفنتها في بيتي أو حيث يجوز له دفنها فزعم أنه دفنها هناك وأحاط بالموضع علما ، وأما إن قال : لا أدري أين دفنتها فهو ضامن .
ومن كتاب ابن المواز : ومن استودع مائة دينار فأتاه رجلان تداعياها فقال : قد رددتها إلى أحدكما ، فإن لم يثبت أيها هو ، يريد : محمد : ويقول : إنه
[10/440]
***(1/434)
[10/441]
ربها ، فإنه يضمن لكل واحد منهما مائة . قال محمد : لأن كل واحد منهما يدعي أنه أودعه فلم يقطع بذكر فيه ، ولقوله للمودع : لا أدري هل أودعتني ؟ وهو كالنكول ، فليحلف المدعي ويضمنه ، وكذلك لو كانوا عشرة ، قال ابن عبد الحكم : أما في الدين فيغرم لكل واحد مائة ، وأما في الوديعة فلم أره مثل الدين . قال محمد : وذلك عندي سواء .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن بيده مائة دينار وديعة فيأتي رجلان كل واحد يدعي ولا يدري لم هي منهما ، قال : تكون بينهما بعد أيمانها ، فمن نكل منهما فلا شيء له وهي كله لمن حلف ، وأما في الدين فيغرم لكل واحد مائة .
وقال ابن المواز في كتاب الإقرار : إذا قال : دفعها إلي أحدكما ولا أدري من هو ، فادعى كل واحد منهما أنه لم يدفعها إليه ، فإنه يلحف كل واحد منهما ويحكم له بمائة ، ومن نكل لم يكن له شيء وكانت لمن حلف/، فإن نكلا جميعا لم يكن على المقر إلى مائة واحدة يقتسمانها بينهما ولا يمين عليه ، لأنه هو الذي أبى اليمين وردها بعد أن ردت عليه . قال محمد : فإن رجع المودع فقال : أنا أحلف أنها لهذا لأحدهما فذلك له لأنه إنما قال أولا : لا أدري ، فإن رجع فقال : أنا أحلف أنه ليس لواحد منهما شيء ، فلابد من غرم مائة واحدة فيقتسمها الرجلان بعد أيمانهما ، لأنه قد أقر أنها عليه ثابتة ولا حجة له في إسقاطها ، ولا حجة لأحدهما في طلب تمام المائة لنفسه . وكذلك لو كانت المائة عليه دينا فيما ذكرنا .
وقال سحنون في كتاب آخر فيمن استودع وديعة ثم مات فادعاها رجلان ، كل واحد منهما لنفسه ، ولا بينة لهما ، وقال ابن الميت : لا أدري إلا أن أبي ذكر أنها وديعة ، فإنه يوقف أبدا حتى يستحقها من يستحقها بالبينة ، وقال أيضًا في رجل أودع رجلا مائة دينار ، وآخر خمسين ، فنسي من صاحب المائة منهما ، وادعى كل واحد منهما المائة ، قال : يتحالفان على المائة ثم يقتسمانها ، والخمسون الباقية
[10/441]
***(1/435)
[10/442]
الأخرى بيد المستودع ليس لها مدع ، فأرى أن يقستماها ، قال بعض أصحابنا : يغرم لكل واحد منهما مائة بعد أيمانهما .
وقال ابن المواز في كتاب الإقرار : ومن قال : دفع إلي فلان مائة دينار لأتصدق بها وفعلت ثم قال : بل هو فلان دفعها إلي لأتصدق بها وفعلت ، فادعى كل واحد منهما أنه الآمر ، فقال بعض أصحابنا : إن الصدقة نافذة لمن هي منهما ، ولا تباعة عليه/، وهو قول أشهب ، وذهب ابن المواز إلى أنه يغرم لكل واحد منهما مائة . وفي كتاب الإقرار شيء من معنى هذا الباب .
باب فيمن ادعى رد الوديعة أو تلفها ، وكيف إن أقر بها ثم مات وطلبها ربها ؟ وغير ذلك من الدعوى فيها ، وكيف إن ادعى أنه ردها إلى وصي المودع
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : وإذا أخذ الوديعة بإشهاد فقال : رددتها إلى ربها بلا إشهاد فهو مصدق مع يمينه .
ومن كتاب آخر : روى عن مالك فيمن دفع عنده ثوب ثم طلبه ربه منه فقال له : قد خيل إلي أنك أخذته مني أو رسولك ، فإن كن على وجه فليحلف بالله : لقد اجتهدت وما ضيعت ، ولقد ذهب إن لم يكن أخذته ويبرأ .
وقال أصحاب مالك في المودع يدعي ضياع الوديعة وقد أخذها ببينة أو بغير بينة ، فأكذبه ربها وقال له : أكلتها فالمودع مصدق إلا أن يتهم فيحلف ، قال محمد بن عبد الحكم : فإن نكل ضمن ولا ترد اليمين ها هنا على ربها . وروى ابن نافع عن مالك : أن يحلف المودع وإن لم يكن من أهل التهم .
[10/442]
***(1/436)
[10/443]
قال ابن المواز في كتاب الإقرار : ومن كان لميت عنده وديعة أو إقراض فقال : قد رددته على الوصي والورثة صغار ، فإن أقر له الوصي بقبضه ، برئ المستودع والعامل ، وكذلك في الدين وما عند الصناع ، وإن أنكر الوصي كان ذلك ثابتا على العامل والمستودع وغيرهما ، سواء أخذوا ذلك ببينة أو بغير ببينة وليس قولهم : رددنا على الوصي مثل قولهم/رددناه على الميت ولم يأخذوه منه ببينة ، والحكم : أن كل من دفع إلى غير اليد التي أودعته فعليه البينة ، ومن رد إلى اليد التي أعطته فالقول قوله في الرد بلا بينة إذا لم يأخذ ذلك ببينة .
ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب في المستودع يأذن له ربها أن يدفعها إلى من جاءه بأمارة ذكرها له ، فجاء رجل بالأمارة فدفع إليه المال ثم مات ربه وقام ورثته على الرسول فقالوا : ما صنعت به ؟ قال : صنعت به ما أمرني ربي ، قالوا : ما أمرك به ؟ قال : ليس علي أن أخبركم ، قال : يحلف : لقد صنع ما أمره ربه ويبرأ ، أو قاله ابن القاسم .
ومن كتاب ابن الماجشون : فيمن في يديه مال وديعة أو كان عليه دين فأشهد بذلك على نفسه قوما ، ورب المال لا يعلم إشهاده ثم ادعى رد الوديعة وقضاء الدين وكذبه الورثة ، فعليه البينة فيها جميعا ، يريد : أنه ردها إلى الورثة وهم غير من أودعه .
ومن العتبية وكتاب ابن المواز : روى ابن ابن القاسم عن مالك فيمن استودع وديعة فيقر بها عند نفر من غير أن يشهد عليه بها ، قال مالك : هذه أمور لها وجوه ، أرأيت لو تقادم هذا منذ عشرين سنة ؟ قال في موضع آخر : عشر سنين ، ثم مات فقام بها ، فهذا لا شيء له ، قال ابن القاسم : وكأني رأيته إن كان قريبا أن يكون ذلك له ، قال ابن القاسم في العتبية : ولو كان إنما ذلك الأشهر والسنة وما أشبه ذلك ثم مات وقام ربها ، إن ذلك في مال الميت .
[10/443]
***(1/437)
[10/444]
وقال أشهب في كتبه فيمن لرجل عليه ألف وديعة وألف قرض فدفع/إليه ألفا ثم قال : هي القرض وتلفت الوديعة وقال بها : هي الوديعة فإن دفع الألف إلى ربها ببينة قبل قوله : إنها القرض ، وإن دفعها بغير بينة صدق ربها ولا يخرجه من الدين إلا البينة ، وابن القاسم يقول : القول قول الدافع كما يصدق في ذهاب الوديعة .
باب في المودع يستهلك الوديعة ويدعي أن ربها وهبها له ، أو ينفقها على أهل المودع ، أو يدفعها إلى رجل ويقول : أمرتي بذلك ربها صلة له وخالفه ربها
قال ابن المواز : ومن أودعك وديعة فادعيت أنه وهبها لك وقد استهلكتها والمودع منكر فربها مصدق ، يريد : مع يمينه .
وقال أشهب في كتبه : ولو قال المستودع : أنفقتها على أهل المودع وولده في غيبته ، فإن قال ربها : تركت لهم النفقة ، أو كنت أبعث بها إليهم ووصلت إليهم فليحلف على ذلك وعلى وصولها إليهم ثم يضمن المودع ولا يرجع على أهل ربها بشيء إن كان قد قال لربها لم يفعل ، أو قال : أمرني بالدفع إليهم ، وإن كان لم يفعل فله الرجوع على من كان منهم يلي نفسه قدر حصته من النفقة ، وإن أقر القادم أنه لم يترك لهم نفقة ولا بعث إليهم يومئذ نفقة هذا إن كان مثل نفقة مثلهم فأقل ، ولا يلزمه ما زاد على نفقة مثلهم ويغرمه المستودع لربها ، وهذا كله إذا
[10/444]
***(1/438)
[10/445]
لم يكن السلطان قضى على هذا الغائب بالنفقة ، فأما إن قضى عليه بهذا فلا يصدق في قوله : بعثتها أو تركتها/لههم ، وإن لم تقم بينة وقد قضى عليه فالجواب كما قلنا في إقراره : أنه لم يبعث ولا ترك لهم شيئا .
قال ابن القاسم وأشهب وابن نافع وابن الماجشون : وإن قال المستودع : أمرني ربها بدفعها إلى فلان وقد فعلت وأنكر ذلك ربها فالدافع ضامن إلا أن يأتي ببينة : أنه بذلك . قال أشهب في كتبه : سواء أودعه ببينة أو بغير بينة .
ومن كتاب الإقرار لابن سحنون : ومن بيده دابة وديعة فدفعها إلى غير صاحبها فضاعت وقال : أمرني بذلك صاحبها وصاحبها منكر ، فهو ضامن لأنه مدع ويحلف رب الدابة ، فإن نكل حلف المستودع وبرئ .
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك : ومن بعث مع رجل بمال إلى ربه فقبضه منه وقال : تصدق علي به ربه وصدقه الرسول ، والباعث منكر للصدقة يقول : بل هو إيداع ، فالرسول شاهد يحلف معه زيد ويكون له ، وقاله عبد الله بن عبد الحكم وابن المواز . قال ابن المواز : هذا أحب ما سمعت فيها إلي ، لأن الرسول لم يتعد في الدفع لإقرار ربها أنه أمره بذلك ، فشهادته جائزة ، وذلك إن كان للرسول بينة على دفعه ، وقال أشهب في كتبه : لا تجوز شهادة الرسول لأنه يدفع عن نفسه الضمان ، يريد أشهب : أن المتصدق عليه عديم وقد أتلف المال ولا بينة للرسول على الدفع ، وأما وهو مليء فشهادة الرسول جائزة على الصدقة مع يمين زيد ، وكذلك إن قامت للرسول بينة : فالدفع في عدم زيد . وفي كتاب الوكالات باب في/شهادة الرسول فيما أمر بدفعه فيه من معنى هذا الباب مستوعب .
باب فيمن بيده مال ذكر أن من دفعه إليه أمره بدفعه إلى ورثة فلان ، ما يصنع الحاكم في ذلك ؟
من كتاب ابن سحنون : كتب شجرة إلى سحنون فيمن أتى الحكم فقال : إن فلانا دفع إلي أو بعث إلي بدنانير . ذكر أنه لورثة فلان وأن أدفعها إليهم بأمر الحاكم ، كيف يجري أمر الحكم في هذا ؟ فكتب إليه : إذا ثبت عند الورثة وأقر هذا أن الغائب أمره بدفعها إليهم ، كتب له الحاكم : إنك ذكرت أن فلانا أمرك بدفع ذلك إلى ورثة فلان بأمري ، وأني أمرتك أن تدفعها إليهم ، يريد : بعد أن ثبت عندي أنهم ورثة فلان .
باب في المودع يخلط الودائع العين ثم يهلك منها شيء
قال ابن الماجشون فيمن أودعه رجل ثلاثة دنانير وآخر دينارين وآخر دينارا فخلطها المستودع ثم ذهب منها دينار ، قال : يأخذ صاحب الثلاثة من الخمسة الباقية ثلاثة إلا ربع ، وصاحبه الدينارين اثنتين إلا ربع ، وصاحب الدينار نصف دينار ، وذلك أنه يقال لصاحب الدينار : أنت لا تدعي من الخمسة إلا دينار فتعزل وتبقى أربعة ، فصاحب الاثنين يدعي منها اثنين فتعزل وتبقى اثنين لا يدعيها إلا صاحب الثلاثة فيأخذها ، ثم يرجع إلى الثلاثة المعزولة فتجد صاحب الدينار لا يدعي منها إلا دينارا فيعزل ويبقى دينار لا مدعي له إلا صاحب الاثنين فيأخذه ثم ترج إلى/الدينارين المعزولين ، فصاحب الدينار لا يدعي منهما إلا دينارا ويبقى دينار فيقسم بين صاحب الثلاثة وصاحب الاثنين نصفين لأن كل واحد منهما يدعي جميعه ويبقى الدينار فيقسم بينهم ، يكون لصاحب
[10/445]
***(1/439)
[10/447]
الدينار الواحد نصفه لأنه يدعيه كله ، ويكون لصاحب الثلاثة والاثنين نصفه بينهما جميعا لأنهما إنما يدعيانه كله ، وهذا الذي ذهب إليه ابن الماجشون وأبوه عبد العزيز وابن القاسم ، قال ابن القاسم : وذهب مالك : أن الدينار الثالث يقسم بينهم على الأجزاء يكون لصاحب الثلاثة ثلاثة أجزاء ، وعلى صاحب الاثنين جزآن ، وعلى صاحب الدينار جزء ، وأخذ بقول مالك : الليث بن سعد وابن كنانة وابن وهب ومطرف وأشهب وأصبغ وابن حبيب ، وهذا كله إذا لم يعرف الدينار الثالث ، فأما لو عرف لمن هو كانت مصيبته منه .
باب فيمن أودع حيوانا فأنزى عليها أو أكراها
قال ابن القاسم في المدونة وغيرها فيمن استودع نوقا أو أتتا أو بقرا فأنزى عليها ، أو كن جواري فزوجهن فمتن من الولادة أو عطبن تحت الفحل فهو ضامن في ذلك كله ، وقال أشهب في كتبه : لا ضمان عليه في شيء من ذلك . قال أشهب : وإن نقص ذلك كله الولادة فلا شيء عليه لأن الولادة في الجواري ليس من فعله إنما زوجهن فكان الحمل من غيره فلا يضمن ، ولو سألني في البهائم : هل ينزيها قبل أن يمزيها ؟/لرأيت أن لا يدعها من الإنزاء لأن ذلك مصلحة ، ولو أضمنه في الجواري ما نقصهن شيئا لأن للسيد أن يجيزه فلا يضمنه وقد أجاز فعله ، وإن فسخه رجع العبد إلى حالته من غير نقص ، ولو أكرى البقر في الحرث أو الدراس أو سقي الأجنة ، أو أكرى البغال والحمير على حمل طعام أو حجارة ، ضمن البهائم لأن ذلك يتلفها وإن تلفت أو نقصت فرب الدابة مخير إن
[10/447]
***(1/440)
[10/448]
شاء في كرائها ، ولا شيء له من قيمتها إن كانت ماتت أو ما نقص ذلكم من قيمتها إن لم تمت ولا كراء له .
باب في العبد يودعه رجل وديعة فيستهلكها
قال ابن القاسم في العبد يودع فيتعدى فيها فتضيع فهي في ذمته ، فإن لم يكن مأذونا فلسيده فسخ ذلك عن ذمته ثم لا يتبعه إن عتقه ، وأما المأذون فلا يفسخها عن ذمته .
وقال أشهب في كتبه في العبد المحجور عليه يتلف الوديعة قد أو دعها فإن كان مثله يستودع فهي في ذمنه رق أو عق . وإن كان مثله وغدا لا يستودع فلا شيء عليه في رقه رد ذلك عنه السيد أو لم يرد حتى يلي نفسه بالعتق ، يريد : فيتبع ، وأنكرها سحنون . قال أشهب : وقد قال مالك في العبد غير المأذون يتاجر الناس بغير إذن سيده ، فإن كان فارها مثله يتاجر الناس فذلك في ذمته ، قال أشهب : وأما المأذون يتلف الوديعة فهي في ذمته لا في رقبته ، قال/: وإذا استتجر عبده الوغد فلسيده أن يبطل عنه ما أتلف من أمانته لأنه لم يأذن له في أخذ الودائع ، ومثله لا يودع .
وقال أشهب في العتبية : ومن أردا أن يودع رجلا وديعة فقال له : ادفعها إلى عبدي ففعل ، فاستهلكها العبد فهي في ذمته ، قلت : وإن غره السيد من العبد ؟ قال لا شيء على السيد بكل حال . قال محمد بن عبد الحكم : ولا يكون في ذمته بإقراره أنه استهلكها حتى تقوم بينة باستهلاكه إياها .
[10/448]
***(1/441)
[10/449]
باب في المودع يأتيه من يذكر أن ربها أمره أن يأخذها فيدفعها إليه ، وكيف إن أقر المستودع أن الذي أودعه قال : الوديعة لهذا ؟
قال ابن القاسم في المودع يأتيه من يزعم أن ربها أمره بأخذها ، وصدقه ودفعها إليه فضاعت منه : أن الدافع ضامن لها ثم له أن يرجع على الذي قبضها فيأخذها منه ، وقال أشهب في كتبه : لربها أخذها من أيهما شاء ثم لا رجوع لمن أخذها منه فهما على الآخر لأن الدافع صدق الرسول : أنه مأمور بأخذها فلا يرجع عليه إن غرمها .
قال ابن المواز في كتاب الإقرار : ولو جاءه بكتابه بأمارة يدفعها إليه وهو يعرف خطه ويعرف أمارته فدفع إليه وصدق كتابه فأنكر ربها فليحلف : أنه ما أمره ولا كتب بذلك إليه وأنه لا حق له عليه ، ثم يغرم له الدافع ، ثم يرجع بذلك على القابض فيه أولا ولا يمنعه من ذلك تصديقه فيما أتى به/، ولا ما عرف من صحة ما جاء به ، وأنه يشهد بذلك ، فلا يمنعه من الرجوع بذلك . قال ابن المواز : والذي جاءه الكتاب وإن عرف خطه وأمارات فيه : أنه لا يدفع إليه ما أودعه الغائب أو حق الغائب عليه . ود 5
قال محمد بن عبدوس في الذي قال للمودع : بعثني ربها لآخذها منك فدفعها إليه ثم اجتمع مع ربها فذكر له ذلك فسكت ثم طلبه بعد ذلك ، قال : يحلف : أنه ما أمر فلانا بقبضها وما كان سكوته رضا بقبضه ثم يغرمه ، ولو أن رب المال علم بقبض القابض فجاء إلى المودع فقال : كلم فلانا القابض يحتال لي في المال فقال : هذا رضا بقبضه فليطلبه به ويبرأ الدافع . قال : ولو طلبه ربها فجحد الدافع فقال ربها : أحلف : ما أودعتك ، قال : يحلف له : ما لك علي شيء . قال أبو محمد : يريد : على قول أبن الماجشون ، ويعني أيضًا أن الدافع
[10/449]
***(1/442)
[10/450]
أيقن بأمر رب الوديعة . وفي كتاب الوكالات في باب المسائل المختلفة : معنى من هذا الباب .
ومن كتاب ابن الموز ومحمد بن عبد الحكم : قالا : ومن أودعته وديعة ثم أقر رب الوديعة أنها لزيد الغائب ثم طلبت أنت قبضها فلك ذلك بالحكم : وليس إقرارك أنها لزيد يمنعك من قبضها في غيبة زيد لأنك أنت الذي أودعتها ، وكذلك ما أو دعت عند سفرك من وديعة أو مال أنت فيه وكيل وأنت مقر : أن ذلك لفلان فلك أخذه ، وكذلك ما أنت وكيل على بيعه فبعته فلك قبض الثمن ، ولو قدم مالك الوديعة فطلب أخذها منك وأنت مقر أن ذلك لفلان فلك أخذه ، وكذلك ما أنت وكيل على بيع أن من أودعها عندك ذكر : أنها لهذا الطالب فلك منعها من ربها إلا بشاهدين على إقرار مودعها بذلك لأنك لا تبرأ منه إن جحد إلا بهذا ، أو يقوم شاهد معك فيقضي له السلطان بهذا ، أو يستأذنك مع يمين طالبها فإن لم يقضي له بشيء ثم قدم م أو دعكها وقد غاب ربها فعليك دفعها إليه وإن علمت أنها لغيره ، وكذلك لو كانت دارا فبعتها إليه فهدمها أو أتلف نقضها فلا ضمان عليك إن جاء ربها ، لأنك غير متعد فيما فعلت ، وكذلك لو أقررت أنه أمرك بدفعها إليه أو بدفع حق له عليك .
ومن هذا في كتاب الوكالات ، وفي كتاب الإقرار الأول ، في باب من أقر أن الدين الذي له على فلان لفلان وفيه قول آخر .
[10/450]
***(1/443)
[10/451]
باب في المدعى عليه الوديعة ينكرها هل يحلف إذا ادعى ربها أنها نقصت ؟
فقال له المودع : احلف وأنا أغرم ، ثم نزع
قال ابن المواز في كتاب الإقرار : ومن ادعى أنه أودع رجلا مالا فأنكره فله أن يحلف على البت : أنه ما أودعه شيئا لا على العلم ، فإن قال : لا أدري لم يقبل منه ذلك وكان ذلك منه نكولا عن اليمين فيحلف الطالب ويحكم له بما حلف عليه ، فإن نكل هو أيضًا لم يكن له شيء .
وقال في العتبية فيمن يقدم بلدا فيدعي أنه أودع رجلا مالا فأنكره فله أن يحلفه وإن لم تقم بينة بخلطة فإن نكل حلف وأغرمه ، وكذلك في/سفره يدعي ذلك على رجل وليس في هذا تراد خلطة ولا بد للناس من هذا وله اليمين وعليه بكل حال وإن لم تثبت خلطة ، وكذلك في دعوى المسافر للشراء والبيع والأيمان لهم وعليهم وما يبايعون إلا من لا يعرفون .
وروى عيسى عن ابن القاسم في الذي عنده الوديعة يأتي بها فيقول ربها : قد نقصت ويأتيان إلى القاضي ، وقال المستودع : لا تنقص وأنا على سفر فلا يشغلني ، فإذا رجعت فما حلفت أنها نقصت أعطيتكه ، فإذا رجع قال : لا يلزمني شيء إنما قلت لك : لا تشغلني ، قال : يلزمه غرم ما يحلف عليه أنها نقصته ، وقاله أصبغ وذكر أن أهل المشرق يخالفوننا فيه .
وقال محمد بن عبد الحكم : يحلف المودع ويبرأ ، فإن نكل حلف رب المال وأخذ تمام وديعته .
[10/451]
***(1/444)
[10/452]
باب في الإنفاق على الوديعة ، وهل يرجع بالثمن أو بمثل الطعام ؟ ومن أغرم على وديعة عنده مالا ، وفي الوديعة توهب هل يتم الحوز فيها بحوز المودع ؟
ومن بيده صك وديعة هل يدفعه إلى وارث المودع ؟
من العتبية من سماع ابن القاسم : ومن بيده جارية وديعة فأنفق عليها ثلاثين صاعا منتمر ، فأراد ربها أن يغرم تمرا ، وقال المنفق : كان يوم أنفقت أغلى من اليوم فآخذ بذلك السعر ، قال مالك : له بسعر يوم أنفقه . قال ابن القاسم : وهذا إذا اشترى التمر فليرجع بالثمن ، وأما إن أنفق تمرا من عنده فلا يرجع إلا بمثله لأنه/سلف منه .
قال عيسى بن دينار فيمن أودع عنده متاع فعدا عليه عاد فأغرمه عليه مالا فلا شيء على رب الوديعة من ذلك .
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن له وديعة بيد رجل فقال : اشهدوا أني قد تصدقت بها على فلان ، ولم يأمره بحوزها له ، ثم مات المعطي فإن علم من بده الوديعة أنه تصدق بها فهي حيازة ثانية لأن ربها لا يقدر أن يأخذها منه بعد علمه ولو دفعها إليه بعد علمه لضمنها .
ومن العتبية : قال أشهب عن مالك في امرأة أودعتك ذكر حق على زوجها ثم ماتت ولا يرثها غيره وهو مولاها قال : يسأل فإن كان عليها دين فلا يعطه إياه ، وإن لم يكن عليها دين فادفعه إليه بإشهاد ، قيل : قد أوصت بوصايا ، قال : فادفعه إليه بإشهاد .
[10/452]
***(1/445)
[10/453]
باب فيمن مات وبيده ودائع وقراض فيقر بذلك ، ويوجد اسم رب الوديعة عليها أو خط الميت
من العتبية : روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن بيده ودائع للناس وهو يعلم أنه ينفق منها فيوصي بودائع ، فيوجد في تابوته كيس فيه دنانير مكتوب فيه : أنها لفلان وأن عددها كذا فيوجد العدد أقل ، فإن ثبت أن ذلك خطه ببينة كان ما نقص في ماله ، وإن لم يشهد على خطه أحد حلف الورثة : أنهم ما يعلمون من ذلك شيئا ولا شيء عليهم ، وروى أو زيد عن ابن القاسم فيه : إذا ترك ودائع ولم يوص فتوجد صرر عليها مكتوب : هذه لفلان وفيها كذا ولا/بينة على إيداعه فلا شيء له إلا ببينة أو بإقرار الميت ولعله صانع أهل البيت .
ومن كتاب التفليس : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن مات فوجد في تابوته كيس فيه مال عليه مكتوب : لفلان بن فلان فإن شهدت بينة أنه خط الميت دفع إلى من ذكر فيه وإلا يدفع إليه ، وكذلك قرطاس مكتوب فيه حساب : لفلان عندي كذا وكذا شهد بأنه خط الميت كان ذلك لفلان في ماله ، وإلا فلا شيء له .
وقال أصبغ : أو خط صاحب المال على الكيس مع وجدانه في حرز المستودع حيث أقره ، فإنه يقضى له به ، قال أصبغ : وهذا في قول من يقضى له بالخط والخط عندنا ثابت صحيح ، وقد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز قضى بالخط في شهادة الشاهد وهو أشهده ، وأما على خط المقر بعينه فهو الإقرار الصراح ، وقد
[10/453]
***(1/446)
[10/454]
قال مالك : إذا شهد على الخط شاهدان لم يكن على صاحب الحق يمين لأن ذلك إقرار ، وإن كان شاهدا حلف معه واستحق ، فإن كان شاهدا على الحق وشاهدا على الخط تمت الشهادة .
وقال أشهب في كتبه : وإن قال عند موته : قراض فلان ووديعة فلان في كذا فلم يوجد حيث قال فلا ضمان عليه .
باب فيمن لك شيء فظفرت له بمال أو أودعك هل تحبسه ؟
والوصي يقر عنده الميت لأحد هل يعطيه ذلك من التركة ؟/
من العتبية : روى ابن القاسم عن مالك فيمن له على رجل دين بلا بينة فهلك المطلوب ولا دين عليه لأحد غيره وقد دار للميت على الطالب حق مثله بلا بينة فأراد حبس ذلك بدينه وعرف أنه إن أقر ودي ولم يجد بينة بالدين له ، وعرف أن لا دين على الميت ، ما أرى إلا أن يخير ورثته وينتهي الأمر إلى ما انتهى ويحتسب ماله . قال عنه سعد بن عبد الله : ومن جحدك فلا تجحده . قال أبو بكر بن محمد فيمن جحد مالا وقدرت له على مثله فقد اختلف فيه ، فروى أشهب عن مالك قال : لا آمرك بذلك ، ولا آمرك إلا بطاعة الله ، فإن أردت أن تفعله فأنت أعلم .
وروى عنه ابن وهب : إن لم يكن على الجاحد دين إن قيم به لم يقع له ذلك في المحاصة فلا يأخذه ، وإن علم أن لا ين عليه فليأخذه ، وروى ابن نافع مثله وزاد : وأمن أن يحلف كاذبا فليأخذ قدر حقه . قال محمد بن عبد الحكم : لا بأس أن يأخذ وإن كان عليه دين ما لم يفلس .
[10/454]
***(1/447)
[10/455]
وقال ابن المواز في كتاب الإقرار : ومن غصبك شيئا ثم حلا لك أخذه بعينه فلا بأس بذلك . قيل : فإن لم أجد الشيء الذي غصبني بعينه وظفرت له بغيره من ماله قال : لو أعلم أنه لا دين عليه يحيط بماله لم أر عليه شيئا .
قال ابن المواز : قال مالك في ميت أوصى لصغير بدنانير ولم يشهد على ذلك إلا الوصي ، فإن خفي له دفع ذلك حتى لا يتبع به فله ذلك دون السلطان ، وكذلك لو دفعه فلم يقبل شهادته السلطان ثم خفي له دفع ذلك/قيل : فإن غصبني رجل شيئا ثم خفي له أخذه قال : ذلك جائز ، قال مالك : وهو بخلاف من جحدك لما جاء فيه .
[10/455]
***(1/448)
[10/457]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه
كتاب العارية
في ضمان العارية وفيمن شرط دفع ضمانها
من العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في العارية تهلك عند المستعير وهي مما يغاب عليه فليضمنها ويصدق في صفتها مع يمينه ، فإن نكل وصفها المعير وحلف إن لم تكن له بينة .
ومن استعار ثوبا أو فأسا أو غيره مما يغاب عليه فيأتي به مكسورا يقول : بأن ذلك فيما استعرته له أنه ضامن ولا يصدق ، وقاله ابن وهب ، وقال عيسى : لا يضمن إذا ذكر ما يشبه ويرى أن مصيبته في ذلك العمل وذلك لا يخفي .
وقال أشهب في كتابه في السيف يستعيره ليقاتل به فيأتي به مكسورا يقوله : نابه ذلك فيما استعرته فهو ضامن .
وقال ابن القاسم في العتبية في السيف العارية ينكسر في القتال : إن ريى معه في القتال لم يضمن ، قال سحنون : ولعله صوب به صوتا أخرق به ، وذكر
[10/457]
***(1/449)
[10/458]
ابن حبيب عن مطرف وأصبغ مثل قول عيسى وتفسيره في الفأس والسيف والصحفة وما يغاب عليه : لا يضمن إذا جاء بما يشبه ، وأن ابن القاسم يضمنه ، وبقول مطرف أقول .
قال ابن المواز : ومن استعار دابة بسرجها أو لجامها فقال : ضاعت وما عليها فلا يضمن الدابة ويضمن السرج واللجام .
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن استعار ثوبا يلبسه/أو أكراه مرتفقا أو ذنبا فأمسك مصباحا فيسقط عليه فيفسده فهو ضامن ، فإن كان يسيرا أصلحه وإن كان كثيرا ضمن قيمة الثوب ، ولو سقط منه على ثوب رجل إلى جنبه لضمنه أيضًا .
وقال ابن حبيب فيمن استعار بازا للصيد فزعم أنه مات أو سرق أو طار فلم يرجع في حين اصطياده أو في غير حينه فهو مصدق ولا يضمن لأنه حيوان ، وقاله أصبغ .
وقال مطرف فيمن استعار دابة أو أكراها على أنه ضامن لها فالشرط ساقط ولا يضمن إلا أن يكون ربها يخاف عليها من أمر يظهر مثل طريق مخوفة من لصوص أو غيرها فيضمن في مثل هذا بالشرط إن هلكت فيما خاف فيها ، وإن هلكت في غير ذلك لم يضمن ، فإن كان لغير سبب لم يلزمه الشرط . وقال أصبغ : لا ضمان عليه بكل حال ، وقال ابن حبيب بقول مطرف .
ومن العتبية : روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن اشترط في عارية الحيوان الضمان : أن الشرط ساقط ، وقاله أصبغ ، وقال : لأنه شرط فيه خلاف سنتها .
وروى عنه عيسى في رجل باع كساءه أو رداءه بدينار وانتقد الدينار فقال البائع للمشتري : أبلغ به البيت آخذ على نفسي ثوبا ثم آتيك بكسائك واختلس منه الكساء : أن مصيبته من المشتري وليس من البائع إذا قامت البينة على ذلك .
[10/458]
***(1/450)
[10/459]
باب التعدي في العارية وكيف إن باعها ثم اشترها أو ردها إليه مع رسول فهلكت ؟
من العتبية/من سماع ابن القاسم : ومن استعار ثوبا ليلبسه يومين أو ثلاثة فلبسه أكثر من ذلك فعليه ما نقص من قيمته يوم التعدي ، يريد : وإن شاء كراء ما لبسه . قال سحنون : أخبرني علي بن زياد عن مالك فيمن استعار دابة يركبها إلى بلد فركبها إلى بلد غيره فعطبت ، فإن كان مثله في السهولة والحزونة لم يضمن .
وقال أشهب في كتبه : ومن استعار دابة ليركبها إلى موضع فركبها وأردف خلفه رديفا فعطبت فالمستعير ضامن ، وإن سلمت الدابة ولم ينقصها ما فعل فكراء الرديف على المستعير وإن كان مفلسا ، ولا يلزم الرديف من كراء ركوبه شيء ، وإن كان المستعير عديما وقد أخطأ من ألزمه الكراء في عدم المستعير ، ولو كان الرديف عبدا للمستعير أو غيره لم يكن شيء من ذلك في رقبته ولا في ذمته هلكت الدابة أو سلمت لأنه ركب بوجه يجوز له ولم يتعد ولا ضمان في شيء من الحيوان إلا على متعد .
ومن كتاب الإقرار لابن سحنون : قال ابن القاسم وأشهب فيمن استعار دابة إلى موضع معلوم فلما بلغه تعدى بها إلى مثل ميل ونحوه ثم ردها إلى الموضع الذي استعارها إليه ثم رجع . يريد : ردها إلى ربها فعطبت في الطريق أنه يضمن الدابة بتعديه .
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن استعار حمارا ليحج عليه فباعه في سيره بعشرة دنانير ثم اشتراه حين رجع بخمسة أن ربه مخير إن شاء أخذ منه/حماره وخمسة دنانير وإلا تركه وأخذ منه العشرة التي باعه بها . وروى عنه سحنون مثله ، قال : ويلغني عن مالك وذكر ابن المواز مثله إلا أنه قال : هذا إذا اشتراه لربه ، فأما إن اشتراه لنفسه أو لمن آجره : فالخمسة له ، وليس لرب الحمار
[10/459]
***(1/451)
[10/460]
إلا الرضا بالبيع الأول ويأخذ عشرته أو يأخذ حماره فقط ، وقد تقدم هذا في الوديعة .
قال ابن حبيب عن مطرف : ومن استعار دابة من رجل ثم ردها إليه مع عبده أو أجيره أو جار فتعطب أو تصاب فلا يضمن ، لأن شأن الناس على هذا أن يردوا ذلك السحب الدنيء من عبد وأجير وشبهه ، وإن لم يعرف ضياعها إلا منزله أو إلى الرجاء فيرسلها مع عبده أو أجيره أو جاره فلا يضمن عطبت أو انفلتت إلا أن يكون ذلك من سبب فعل الرسول فيضمن وهو مصدق أنها انفلتت أو سرقت كان مأمونا أو غير مأمون ، وكذلك من ابتاع عبدا أو دابة بخيار فردها مع رسوله مثل ما ذكرنا وأكثر ما فيه يمين الرسول .
باب في العبد يستعير لسيده العارية فتهلك بيده ، والسيد منكر لإرساله ، وكيف إن أخذها من العبد حين أتى بها ؟
من العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم في الأمة أو الحرة تأتي قوما تستعير منهم حليا لأهلها وتقول : هم بعثوني فيتلف ذلك فإن صدقهم أهلها/فهم ضامنون ويبرأ الرسول ، وإن جحدوا حلفوا ويبرءون وحلف الرسول : لقد بعثوه ويبرأ ، لأن هؤلاء قد صدقوه أنه مرسل ، وإن أقر الرسول بأنه تعدى وهو حر ضمن ، وإن كان عبدا كان في ذمته إن عتق يوما ما ولا يلزم رقبته ، ولو قال الرسول : أوصلت ذلك إلى من أرسلني لم يكن عليهم ولا عليه غير اليمن ، وكذلك من بعث رجلا يستعير له ثم أنكر ، وقال سحنون عن أشهب : إذا قال العبد : سيدي أرسلني وأوصلت إليه العارية أو تلفت والسيد منكر قال : ذلك
[10/460]
***(1/452)
[10/461]
في رقبته كالجناية ولو كان حرا كان في ذمته ، وقال ابن القاسم : إن أقر السيد غرم وإن أنكر فذلك في رقبته لأنه خدم القوم .
ومن سماع ابن القاسم في أمة جاءت إلى جارتها بقلادة استعارتها لها فأنكرت وقبلتها منها لتردها على أهلها فتلفت فهي ضامنة لقبولها لها ، والقول في صفتها ، يريد : ووزنها قول الضامنة .
باب في اختلاف المعير والمستعير ، وشهادة الرسول في ذلك ، والدعوى في رد العارية
من سماع ابن القاسم : وقال فيمن استعار دابة إلى بلد ادعاه ، وقال المعير : إنما أعرتك إلى غيره ، فإن أشبه ما قال المستعير صدق مع يمينه ، قال ابن القاسم : وذلك إذا ركب ورجع ، وإن لم يركب بعد فالمعير مصدق مع يمينه ، وكمن أسكنته دارا أو اخدمته عبدا ، فبعد سنة قال : هو مدة سنة ، وقلت أنت : ستة أشهر فهو مصدق عليك مع يمينه إلا أن يدعي/ما لا يشبه ولو لم يقبض المسكن ولا العبد فأنت مصدق مع يمينك .
وروى عيسى عن ابن القاسم في التي استعارت حجلة من امرأة فغابت عليها سنين ثم ماتت ، فقامت المعيرة على ورثتها فأنكروا وشهد بالعارية امرأتان وقد غابت الحجلة ، قال : تحلف المعيرة معهما أنها أعارتها إياها وأنها ما رجعت إليها ولا خرجت من ملكها ببيع ولا هبة وتستحق ذلك في تركة المستعيرة .
قال ابن حبيب : سمعت من أرضى يقول فين استعار من رجل دابة فمضى لها عنده يومان ونفقت في اليوم الثالث ، فقال المعير : إنما أعرتك يوما وقال المستعير : بل يومين : أن كل واحد منهما مدع على صاحبه ، فالمعير يدعي
[10/461]
***(1/453)
[10/462]
تضمين المستعير ، والمستعير يدعي سقوط الكراء عنه ، فأرى أن يحلفا جميعا ، ويلزم المستعير كراء اليوم الثاني ولا يلزمه الضمان إذا حلف .
وقال أشهب في كتبه فيمن استعار دابة فركبها إلى برقة ، وقال المعير : إنما أعرته إلى فلسطين ، فالقول قول المستعير في إسقاط الضمان مع يمينه ، وينظر إلى مسافة الموضعين فإن كانت مختلفة كان للمعير فضل ما بين كراء برقة على كراء فلسطين مع يمينه ، قال : ومن بعث وسولا إلى رجل يعيره دابة إلى برقة فأعاره فركبها المستعير إلى برقة فعطبت فقال المعير : إنما أعرته إلى فلسطين ، وقال المستعير : بل إلى برقة ، فشهادة الرسول ها هنا لا تجوز للمستعير ولا عليه ، لأنه إنما يشهد على فعل نفسه ، ويحلف المستعير له/: أنه ما استعارها إلا إلى برقة ويسقط عنه الضمان ، ويحلف رب الدابة : ما أعاره إلا إلى فلسطين ويكون له على المستعير فضل ما بين كراء برقة على كراء فلسطين . ولو قال المستعير للرسول : اذهب إلى فلان فاستعر لي دابة أركبها إلى برقة ، فقال له الرسول : يسألك فلان أن تعيره دابتك إلى فلسطين فأعاره فركبها المستعير إلى برقة لا يدري فعطبت ، فإن قامت للمعير بينة أن الرسول قال له : إلى فلسطين فلا ضمان على المستعير لأنه يقول : إلى برقة استعرتها ، وعليه فضل كرائها على ما فسرنا ، ولا يمين على رب الدابة لأن البينة قد قامت له بذلك ، وأما الرسول فإن قال : ما أمرني المستعير إلا إلى فلسطين حلف ولم يضمن هو وال المستعير . وإن قال الرسول : إنما أمرني إلى برقة فقلت لرب الدابة غير ذلك ، ضمن الرسول الدابة إن كانت مسافة برقة أشد من مسافة فلسطين في البعد أو في التعب . ولو كانت مسافة برقة مثل مسافة فلسطين في البعد والخزونة فهلكت تحته لم يضمن .
وقال أشهب : من ركب دابة رجل إلى بلد وادعى أنه أعاره إياها ، وقال ربها : بل أكريتها منه فالقول قول ربها كان ممن يكري أولا يكري ويحلف الراكب : ما تكاراها منه لأنه مدعى عليه في الكراء ويحلف رب الدابة : أنه أكراه إياها ويكون له كراء مثلها إلا/أن تكون الدابة للرجل الشريف العظيم القدر الذي مثله يأنف عن كراء دابته فيصدق الراكب مع يمينه ، وإن نكل عن اليمين
[10/462]
***(1/454)
[10/463]
حلف رب الدابة وأخذ منه الكراء الذي زعم أنه أكراه ، فإن نكر لم يأخذ ما ادعى من الكراء ولكن يأخذ من الراكب كراء مثلها إلى الموضع الذي ركبها إليه ، لأنه مدع في عارية ركوبها فكانت عليه البينة واليمين على صاحبه فنكل صاحبه عن اليمين فكانت مردودة عليه وقد نكلا عنها فلزمه غرم ركوبها في التعدي وهو قيمة ذلك .
قال ابن حبيب عن مطرف في المستعير يقول : رددت العارية إلى ربها ، أو أرسلتها إليك وقبضتها وأنكر المعير ، فأما ما يغاب عليه فعلى المستعير البينة بردها منذ استعارها ببينة أو بغير بينة ، وأما الحيوان وشبه فإن أعاره ببينة لم يبرأ المستعير إلا ببينة على الرد وإلا ضمن ، وإن لم يكن أشهد فهو مصدق مع يمينه ادعى أنه هو ردها أو رسوله ، وقاله أصبغ كله إلا في قوله : رددتها إليك مع رسول فقال : لا يصدق وإن كان حيوانا ، وإن لم يكن المعير أشهد حين أعار فلا يبرأ المستعير إلا ببينة ، وبقول مطرف أقول لأنه يقبل قول الرسول في انفلات الدابة أو سرقتها وإن لم يكن مأمونا . وكذلك في دعواه ردها .
وقال مطرف : قال مالك : وعلى الصناع البينة في رد المتاع أخذوه ببينة أو بغير بينة لأن عليهم الضمان ، وكذلك ما يضمنه من عارية ما يغاب عليه أو رهنه وما كان لا يضمنه فهو مصدق في رده إلا أن/يكون قبضه ببينة مثل الوديعة والقراض وشبهه ، وقاله ابن الماجشون وأصبغ .
باب فيمن أعار حمل جذوع ، أو عرصة لبناء ، أو مرفقا ثم أراد نزعه
من العتبية من سماع أشهب : قال مالك فيمن أذن لجاره في غرز خشب في جداره ثم أراد نزعها فليس له ذلك وهذا من الضرر الذي نهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم
[10/463]
***(1/455)
[10/464]
إلا أن يكون احتاج إلى جداره مما لم يرد به الضرر ، وأما إن أراد البيع فأراد نزعها ليزيده المشتري في الثمن فليس له ذلك ، أرأيت إن كان المبتاع عدوا له قبل فإن ذلك على الصحة ؟ قال : ليس له ذلك ز
وقال : من أرفق رجلا مرفقا ثم أراد نزعه فإن كان لحاجته إليه فذلك له ، أو يريد رفع جداره لأمر أضر ، به فأما على وجه الضرر بجاره فلا .
قال ابن القاسم في المدونة فيمن أذنت له في البناء في عرصته أو أن يغرس ففعل ثم شئت إخراجه فإن لم يمض من الأمد ما يبني ذلك لمثله لم يكن ذلك إلا أن يعطيه ما أنفقه ، وقال في موضع آخر : قيمة ما أنفقه . قال أبو بكر بن محمد : وروى عنه أصبغ : يعطيه قيمة ما أنفق ، وروى عنه الدمياطي : أنه وإن لم يضرب أجلا فليس له إخراجه بحال وإن أعطاه ما أنفقه ، ولكن ينظر إلى ما تعاد إلى مثله من الأمد فيكون عند فراغ الأمد كفراغ الأجل المشترط ، وذكر أشهب في كتبه : أن المستعير إذا فرغ من بنائه وعرصته فلرب الأرض أن يخرجه فيما قرب أو بعد لأنه/أعاره إلى غير أجل وهو فرط إذ لم يضر أجلا ، ويعطيه رب الأرض قيمة ذلك مقلوعا ويأخذه أو يأمره بقلعه ، وروى الدمياطي عن أشهب : أن له إخراجه متى شاء إذا كان لحاجته إلى عرصته إلى بيعها سواء تقدم بينهما شر أم لا ، و إن كان لغير حاجة ولكن لشر وقع بينهما فليس له ذلك . وقال أصبغ : إذا لم يسكن فليس له أن يخرجه أصلا وإن أعطاه قيمته قائما إلا برضاه وبه أخذ يحيى بن عمر . قال سحنون : ومن أصحابنا من يقول : يعطيه قيمته قائما وهو المغيرة وابن كنانة .
قال ابن حبيب في كتبا الصدقة ، وقد روي ابن الماجشون و مطرف عن مالك : إن كل بان أو غارس في أرض قوم بإذنهم أو علمهم فلم يمنعوه فله قيمة ذلك قائما كالباني بشبة .
[10/464]
***(1/456)
[10/465]
قال ابن القاسم وأشهب : وإن ضرب لعاريته أجلا فليس له إخراجه قبل الأجل ، وإن أعطاه قيمة ذلك قائما ، وكذلك لو لم يبن ولم يغرس فأراد إخراجه قبل الأجل فليس له ذلك قبل الأجل ولو لم يضرب أجلا كان ذلك له قبل البناء والغرس . قال أشهب في كتبه : وكذلك من قال لرجل : أعرتك دابتي فإن قال : إلى موضع كذا وكذا يوما أو حياتك فليس له أن يرجع في شيء من ذلك إلى الأجل الذي سمى وإن لم يزد على أن قال : قد أعرتك فله أن يرجع متى شاء .
باب فيمن بنى في أرض رجل بإذنه إلى أجل أو لم يذكر أجلا وهو معار أو مكترى ، أو بنى بغير إذنهم ، والحكم في بنيانه ، وكيف إن شرط/أنه إن تم الأجل فله قلع نقضه ؟
قال ابن حبيب في كتاب الصدقات : قال مطرف وابن الماجشون : قال مالك : وكل من بنى في أرض قوم أو غرس بإذنهم أو علمهم فلم يمنعوه فله قيمة ذلك قائما كالباني بشبهة ، وإن بنى بغير إذنهم ولا علمهم فإنما له قيمة ذلك منقوضا ، وكذلك من تكارى أرضا أو منحا إلى أجل أو إلى غير أجل ثم بنى فيها بإذنهم أو بعلمهم ولم يستأذنهم فلم ينهوه ولا منعوه فإن له قيمة بنيانه قائما إن أراد أو إخراجه ، وكذلك من بنى في أرض بينة وبين شركائه بإذنهم أو بعلمهم فله قيمة علمه قائما ، وكذلك من بنى في أرض امرأته بإذنها أو بعلمها ولم تنكر ، وأما كل من بنى في أرض غيره من زوجة أو شريك أو غيره بغير إذن ربها أو علمه فله قيمة عمله منقوضا ، قال : قلت لهما : روي لنا عن مالك : أن له قيمة عمله منقوضا بنى بإذن رب الأرض أو بغير إذنه ، قال : ما علمنا أن مالكا اختلف قوله في هذا ولا أحد من أصحابه : ابن أبي حازم والمغيرة وابن دينار وغيرهم وبه يقضي قضاة المدينة قديما وحديثا ، وقد وهم ناقل هذا عن مالك ، قال ابن حبيب : وهو قول ابن كنانة وابن نافع وجميع المدنيين ، وقال ابن القاسم بالقول الآخر ورواه عن مالك ولسنا نقول به وبقول لمدنيين نقول ، وروي مثله عن ابن مسعود وشريح ، وروى ابن وهب ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله .
[10/465]
***(1/457)
[10/466]
وقال مطرف وابن الماجشون : وإن غرس العبد أو بنى في أرض سيده/بإذنه أو علمه ثم كاتبه فودي كتابته فأراد إخراجه فله ذلك وعليه قيمة بنائه قائما لأنه لما كاتبه تبعه ماله وقد علم أنه بنى في أرضه فكأنه أذن له وهو مكاتب فهو كإذنه للأجنبي ، وكذلك كل من بنى في أرض رجل بإذنه أو بشبهة من الشبه فله قيمته قائما إلا أن يكون متعديا وقاله مالك ، قال ابن حبيب : وقال أصبغ بقول ابن القاسم .
قال مطرف وابن الماجشون فيمن أذن لرجل أن يبني في عرصته على أن يسكن إلى أجل يوقته على أنه إذا خرج قلع بنيانه وذهب به وترك عرصته ، قالا : فالشرط باطل لأنه من الضرر ، وله قيمته قائما إذا تم الأجل . قالا : ولو شرط في أصل البناء : أن له إذا تم الأجل قيمته قائما فإن الشرط يفسده كأنه أكراه الأرض تلك المدة بما يغادر فيها من البناء بقيمته يوم يتركه ، وهذا من الغرر والسلف يجر منفعة ، فإذا بنى على هذا فله الأقل من قيمة بنيانه قائما يوم فرغ منها أو ما أنفق فيه ، ثم يكون لرب العرصة قيمة كرائها مبنية من يوم سكن ، وقال أصبغ مثل قولهما إذا شرط له قيمة بنائه قائما ، وأجازه إن شرط أن له قيمة بنائه منقوضا .
باب فيمن أعار رجلا على أن يعيره الآخر أو يرفقه مرفقا بعوض
من سماع ابن القاسم : ومن قال : أعني بغلامك أو ثورك في حرثي يوما أو يومين ، وأعينك بغلامي أو ثوري يوما أو يومين فلا بأس بذلك/ورآه من الرفق ، وكان هو الذي يطلب ذلك .
وقال عيسى بن دينار في جدار بين دارين فمال فسأل الذي هو له ربه أن يدعه يهدمه ويبنيه له على أن يدعه يجعل فيه خشب بيته فيفعل أذلك كالعارية يزيلها إذا احتاج إليها ؟ قال : لا بل هو كالشراء ليس له زوال خشب جاره بحال .
[10/466]
***(1/458)
[10/467]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه
كتاب اللقطة والضوال والإباق
باب في اللقطة والعمل فيها وهل يأخذها ؟
ومن أخذها ثم ردها ؟ وكيف يعرف بها ؟
وكيف ما أنفق أو أكل منها ؟
قال ابن حبيب : حدثني ابن الماجشون عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن عمر سأله رجل وجد قلما م ذهب قال : عرفه قال : قد فعلت قال : عرفه قال : قد فعلت قال : عرفه قال : قد عرفته فلم أجد من يعرفه أفأدفعه إلى الأمير ؟ قال : إذا يأخذه قال : أفأتصدق به ؟ قال : تغرم إن جاء صاحبه قال : فما أصنع به ؟ قال : لو شئت لم تأخذه . قال نافع : كان ابن عمر باللقطة فلا يأخذها .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم : قال مالك : لا أحب أن يأخذها من وجدها إلا أن يكون لها قدر ، وقاله في موضع آخر أو لذي رحمه ، قال عنه ابن القاسم : أما الشيء الذي له بال : فأرى له أخذه ، وفي رواية أشهب : إن كانت دنانير لها بال أو شيء له بال فأحب إلي أن يأخذه ويعرفه . وليس كالدرهم وما لا بال له ، وقال في الدرهم يجده : أحب إلي أن لا يأخذه ، ولو أعلم أنه يجد
[10/467]
***(1/459)
[10/468]
صاحبه أمرته بأخذه ، ولو وجد/من يأمره بذلك رأيت ذلك . قال عنه ابن القاسم : قال له رجل : وجدت سيفا في المسجد فتركته قال : لو أخذته فأعطيته بعض نساء المسجد يعرفنه كان أحب إلي ، وكذلك الرجل يجد الشيء فإن كان لا يقوى عليه ، فإنه يجد من يقلبه منه ويعرفه إذا كان الشيء له بال فليأخذه ، وأما اليسير فليتركه ، قال ابن القاسم : إذا دفعه إلى مثله في الأمانة والثقة ثم جاء ربه فلا يضمن من وجده .
ومن وجد ثوبا فظنه لقوم يراهم فليأخذه ويسألهم عنه فلا يدعونه . فله رده حين وجده ، قال ابن القاسم : ولو كانت دنانير أو دراهم كان له أخذها ، والتعريف بها أحب إلي .
قال مالك : وإذا وجد مثل المخلاة والدلو والحبل أو شبهه ، فإن كان في طريف وضع ذلك في أقرب الأماكن إليه يعرفه ، وإن كان في مدينة فلينتفع به ويعرفه ، وأحب إلي لو تصدق به ، فإن جاء ربه وداره .
ومن سماع أشهب : وعمن وجد العصا والسوط أيعرف به ؟ قال : لا يأخذه ، قيل : فقد أخذه . قال : يعرف به ، فإن لم يعرف فأرجو أن يكون خفيفا ، ومن وجد حديدة فليعرف بها ، فإن عرفت وإلا تصدق بها وضمن قيمتها لربها إن جاء قال : وله أن يتصدق بها بعينها أو يبيعها ويتصدق بثمنها قيل : فإن كانت سكينا تصلح للسفهاء قال : والعصا قد يقاتل بها ، أرأيت لو ورثها ألا يبيعها ؟ وإنما يكره ذلك في موضع يباع للعدو . قيل له لما خرج حين أقمت ذلك ثم كسرته أفيجزئ أن أتصدق بثمنه ؟ قال : نعم . قيل : أتعرف/اللقطة في المساجد ؟ قال : ما أحب رفع الصوت في المسجد ، وإنما أمر عمر أن تعرف على باب المسجد ، ولو مشى هذا الذي وجدها إلى الخلق فخبرهم ولا يرفع صوته لم أر بأسا .
[10/468]
***(1/460)
[10/469]
ومن سماع عيسى : قال ابن القاسم وابن وهب في الحاج يجد القطعة مثل عشرين دينارا فيعرفها سنة فلم يجد لها طالبا ، أو كان مثل دينار أو عشرة دراهم أو نصف دينار كم يعرف بها ؟ قال ابن وهب : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في اللقطة : يعرفها سنة فإن جاء لها طالب وإلا أنفقها ثم إن جاء ربها أداها إليه وإن لم يجد أتبعه وكان أسوة غرمائه . وإن مات ولا شيء له فهو في سعة إن شاء الله لأن النبي عليه السلام أذن في أكلها ، قال : وأما الدنانير والديهمات فليعرفها فإن يأت صاحبها أنفقها على نفسه إن كان محتاجا ، وإن كان غنيا تصدق بها عن ربها ، وقال ابن القاسم : لا ينفقها قليلة كانت أو كثيرة .
قال : وما وجد مما يلفظه البحر فإن كان من متاع المسلمين عرف به ، وإن كان لأهل الشرك فليس لمن وجده وأمره إلى الإمام ، وإن شك فليعرف به ثم يتصدق به .
وقال أشهب في كتبه : ما كان من متاع الجاهلية فلا زكاة فيه وإنما فيه الخمس . ولا تعريف فيه على من وجده .
ومن سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن وجد لقطة فعرف بها سنة أيأتي الإمام/ليأمر بصدقتها ؟ قال : لا وما للإمام وما لها ، ولو تعدى الإمام فأخذها فباعها وتصدق بثمنها ثم جاء ربها فله تضمينه الثمن إن شاء كما لو فعل ذلك ملتقطها .
وروى موسى بن معاوية عن ابن القاسم عن مالك في اللقطة توجد في قرية ليس فيها إلا أهل الذمة ، قال : تدفع إلى أحبارهم .
ومن سماع ابن القاسم ؛ وإذا عرف باللقطة سنة فلم يأت ربها فأنفقها ثم يأتيه الموت فيوصي بها وعليه دين يحيط بماله ؟ قال : يحاص بها غرماءه ، وقال
[10/469]
***(1/461)
[10/470]
عبد الملك بن الحسن : قال ابن وهب : وليحاص بها السلطان في تفليسه ، وقاله أشهب ولم يذكر السلطان . وقال أشهب في كتبه : سواء أكلها أوتصدق بها قبل الأجل أو بعده ، كان ذلك في ذمته وفيها في يديه من مال .
قال ابن حبيب : قال مطرف : ومن التقط مالا يبقى من طعام في الحضر وحيث الناس فالصدقة به أحب إلي من أكله ، فإن تصدق به لم يضمن لربه إن جاء لأنه مما يؤول إلى فساد ، ولو كان أكله ضمنه لصاحبه وإن كان تافها لانتفاعه به ، ولو كان في السفر وحيث لا بأس بأكله فلا يضمنه لربه إذا كان مما لا يبقى ولا يحمل حملا يرضى بقاؤه ، ويزوده إلا اليوم وشبهه ويصير كالشاة بالفلاة وأكله حينئذ أفضل من طرحه بالعراء ، فأما إن كان يبقى وتزوده فإنه يضمنه أكله أو تصدق به ، وقاله أصبغ . لقطة
ومن كتاب آخر : قال ابن القاسم/وابن نافع عن مالك : إذا وجد ما لا يبقى في أيدي الناس من الطعام فليتصدق به وإن كان تافها وقاله أشهب في كتبه . قال ابن القاسم : فإن أكله أو تصدق به لم يضمنه لربه إن جاء . قلا أشهب في كتبه : التافه وغير التافه سواء في أكله وإنما ذلك إذا وجده في فيافي الأرض ، كمن يجد الشاة في الفلاة فأما في غير الفيافي فإنه يتبعه ويعرفه به ، فإن جاء ربه دفع إليه الثمن وليس له غير ذلك .
وقال أشهب في كتابه في الدرهم وما أشبهه لا بأس أن يتصدق به قبل السنة . وفي باب ضالة الإبل مسألة من وجد ضالة ما بالفلاة فحمل ذلك إلى العمران .
[10/470]
***(1/462)
[10/471]
باب ما تستحق به اللقطة من صفة لعفاص والوكاء ، ومن سقط له دينار في موضع فوجد فيه دينارا هل يأخذه ؟
ذكر بعض أصحابنا أنه روى أنه نافع عن مالك قال : ينبغي للذي يعرف اللقطة أن لا يريها أحدا ولا يسميها بعينها ، وليفعل من يعرف دنانير أو دراهم أو جزورا أو شاة أو حليا أو عرضا لكي يعمي بذلك لئلا يأتي مستحل فيصفها بصفة المعرف فيأخذها وليست له ، وليعرفها بين اليومين والثلاثة وكلما تفرغ ، ولا يجب عليه أن يدع ضيعته ويعرفها . وقال أشهب في كتبه نحوه .
وقال ابن القاسم وأشهب : ومن وجد لقطة فوصف رجل العفاص والوكاء والعدد : أنها تدفع إليه ، قال أشهب في كتبه : ولو أخطأ في صفته/لم يعطها ، وإن وصفها مرة أخرى فأصاب لم يأخذها إلا باليمين : أنها له ، فإن نكل لم يأخذها وإن عاد إلى أن يحلف . وإن لم يعرف العدد وعرف العفاص والوكاء أو عرف العفاص والعدد ولم يعرف الوكاء أو عرف الوكاء ولم يعرف ما سوى ذلك فذلك يجزيه إذا حلف . قال : ولو وصف العفاص والوكاء وأخطأ في ضرب الدنانير أو الدراهم لم أر أن يعطى منها شيئا .
قال محمد بن عبد الحكم : لو أصاب تسعة أعشار الصفة وأخطأ في العشر لم يعط إلا في معنى واحد : أن يصف عددا فيصاب أقل ، وأشهب يعطيه إياها ، وقال : أخاف أن يكون اغتيل فيها . وما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم : اعرف عفاصها ووكاؤها فالعفاص : الرباط ، والوكاء : ما فيه اللقطة من خرقة أو غيرها .
ومن العتبية : قال أصبغ : وإذا أتى من يعرف اللقطة فعرف العفاص وحده فليستبرأ ذلك فإن لم يأت أحد أعطيها هذا ، وما ذكر في الحديث : أعرف
[10/471]
***(1/463)
[10/472]
العفاص والوكاء ، ليس على أن لا يستحقها إلا بمعرفتها كما جاء في شرط الخليطين أصناف تجري وإن انخرم بعضها ، ورأيت لبعض أصحابنا من رواية عون : لا يأخذها إلا بمعرفة العفاص والوكاء ، قال أصبغ : وإن قال في خرقة حمراء وخيط أبيض ، فوجد الخرقة حمراء والخيط أسود فقال : يستبرأ أيضًا أمرها ثم رجع فقال : هذا أكذب نفسه في أدعائها المعرفة فلا يصدق وإنما/يصدق لو أصاب في بعض وادعى الجهالة في بعض ، استبرأ الآن ، فإن لم يدعها أحد أخذها ، ولو وصف العفاص والوكاء كما هو وقال : وفيها دنانير فأصيبت دراهم قال : فلا يعطى شيئا قال : وكذلك لو قال : دنانير شامية فوجدت عتقا فلا شيء له ، ولو عرف واحد العفاص والوكاء ووصف آخر عدد الدنانير ووزنها كانت لمن عرف العفاص والوكاء ، وكذلك لو لم يعرف إلا العفاص وحده كان أحق بها بعد الاستيناء . وروى ابن حبيب عن أصبغ مثله في الذي عرف العفاص والوكاء وزاد : ولكني أستحسن أن تقسم بينهما كما لو اجتمعا على معرفة العفاص والوكاء ويتحالفان : فإن نكل أحدهما دفعت إلى الآخر .
وقال ابن حبيب في غير باب اللقطة في كتاب آخر : إذا اعترف اللقطة فعرف العفاص والوكاء أنه يحلف مع ذلك ، ولم يذكر غيره اليمين .
وقال سحنون في كتاب ابنه : إذا وصف سكة الدنانير اللقطة طالبه لم يستحقه بذلك حتى يذكر علامة في غير السكة من أثر أو شق أو شيء غير السكة .
وذكر يحيى بن عمر أنه قال : ما تبين لي قول سحنون ، وأرى إذا وصف السكة في الدنانير وذكر نقص الدنانير إن كان فيها نقص فأصاب بذلك أنه يأخذها .
[10/472]
***(1/464)
[10/473]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم : ومن دخل حانوت رجل فوجد رب الحانوت دينارا في حانوته بعد خروج الرجل فعرضه عليه وقال : ما دخل/إلي اليوم غيرك فنظر ضربه فافتقد دينارا ، قال مالك : لا أدري إن أيقن أنه ديناره فليأخذه وإلا فليدعه .
باب في اللقطة يصفها رجل فيأخذها ثم يأتي من يصفها أو يقيم بينة
قال ابن القاسم : إذا وصف اللقطة رجل بما يجب فأخذها ثم جاء آخر فوصفها أو أتى ببينة لم يضمن الدافع شيئا ، وقال أشهب في كتبه : لا يضمن الدافع إلا أنه إن كان الثاني إنما وصفها فلا شيء له ، وإن كان أقام بينة فهي له ويأخذها من الأول كما لو ادعاها ملتقطها ثم جاء من أقام بينة فهو أحق بها ولا يستحقها بالصفة ، قال : ولو أخذها الأول من ملتقطها ببينة بأمر سلطان أو بغير أمره ثم جاء ثان فأقام بينة أنها له فهي لأولهما ملكا بالتاريخ ، فإن لم يكن لذلك تاريخ فهي لأعدلهما بينة ، فإن تكافآ كانت للذي هي في يديه وهو الأول بعد يمينه : أنها له ما يعلم لصاحبه فيها حقا ، فإن نكل حلف صاحبه وأخذها ، فإن نكل فهي للأول بلا يمين .
وقال ابن الماجشون : إذا دفعها الملتقط إلى رجل وصفها ثم أتى من يدعيها ووصفها أو جاء ببينة وطلب من ملتقطها أن يجمع بينة وبين الذي أخذها بالصفة فقال : دفعتها إليه ولم أشهد عليه ولا أعرفه فلينظر فإن جاء الثاني بصفتها أو حلف عليها أو جاء ببينة : أنها له وأنها التي رأوا عند/فلان ضمن الذي دفعها بغير بينة قيمتها للثاني كانت قليلة أو كثيرة ، وإذا ثبت أن ملتقطها دفعها إلى الأول بما ينبغي أن يدفعها به من بينة أو صفة لم يلزم الملتقط شيء إذا كان دفعه ببينة وتبقى الخصومة بين المدفوع إليه الأول والطالب ، ولو دفعها على الصفة ولم
[10/473]
***(1/465)
[10/474]
يحلف واستحقها الآخر فإنها تطلب من الأول حتى يحكم بينهما فيها فإن أغرم أو أفلس ضمها دافعها .
باب في الملتقط يدعي ضياع اللقطة أو قال : رددتها إلى موضعها أو إلى من يعرفها ، أو أعطى منها لمن يعرفها ، وكيف إن قال ربها : التقطتها لتأخذها
من غير كتاب : قال ابن القاسم وأشهب وابن نافع في ملتقط اللقطة يدعي ضياعها فلا شيء عليه . قال أشهب وابن نافع : وعليه اليمين ، وقال أشهب : إذا قال : التقطت اللقطة لأعرفها بها وقال ربها : بل أخذتها لتذهب بها فالملتقط مصدق بلا يمين ولم يذكر ابن القاسم يمينا .
وقال أشهب في مسألة مالك في الكساء الذي أخذه بأثر جواز رفقة وصاح بهم : أهذا لكم ؟ فقالوا : لا ، فرده فلا شيء عليه ، قال ابن القاسم : ولو رده بعد أن ذهب به وأحرزه لضمنه ، قال أشهب : لا يضمن رده بقرب ذلك أو ببعد ولا إشهاد عليه في رده وأكثر ما عليه أن يحلف : لقد ردها في موضعها فإن ردها في غير موضعها ضمنها ، وروى ابن وهب عن مالك/أنه إذا قال : ليس لنا فلا بأس أن يرده إلى موضعه .
قال ابن القاسم : وإذا دفع الملتقط إلى غيره ليعرف بها فضاعت فلا شيء على الملتقط اللقطة . قال ابن كنانة : وكذلك لو دفعها إليه ليعمل بها ما شاء فلا شيء عليه .
قال ابن نافع عن مالك : فإن أعطى منها شيئا لمن يعرف بها فلا غرم عليه فيه إن جاء بها . قال غيره عنه : إذا لم يسرف في العطاء .
[10/474]
***(1/466)
[10/475]
قال سحنون فيمن وقع له ثوب في بئر وجب فنزل رجل فأخرجه فأتى ربه فطلب منه مخرجه أجره فامتنع فرده مخرجه في البئر أو الجب فطلبه فيه ربه فلم يجده قال : يخرجه الذي كان رده فيه وإلا ضمنه ، قال أبو محمد : فإذا أخرجه فينبغي أن تكون له أجرة إذا كان ربه لا يصل إلى ذلك إلا بأجر .
باب في العبد ومن فيه بقية رق يستهلك الوديعة اللقطة قبل السنة أو بعدها
من غير كتاب : قال مالك في العبد يستهلك اللقطة قبل السنة : إنها في رقبته ، قال ابن القاسم وأشهب و مطرف وابن الماجشون وأصبغ : سواء أكلها أو أكل ثمنها أو تصدق بها أو وهبها ، قال أشهب والمغيرة : وكذلك المدبر فإن أسلم سيده خدمته فيما اختدمه فيها ثم عاد إلى ربه ، فإن مات ربه قبل استيفاء ربها قيمتها من خدمته عتق في ثلث سيده وأتبع بما بقي ، قال أشهب : وإن كان مكاتبا فهي في رقبته ، إما أن يؤدي قيمتها وإلا عجز ثم خير سيده في إسلامه بها عبدا أو افتدى به ويبقى له عبد ،/وإن استهلكها بعد السنة فكالجنابة يضمن سيدها الأقل من قيمتها وقيمة اللقطة ، وكذلك لو اجتمعت مع اللقطة تستهلك قبل السنة جناية فإن ذلك كله في رقبة من ذكرنا ممن فيه بقية رق .
باب في الصبي الصغير تدعي أمه أنه التقط دنانير
من كتاب ابن سحنون : وكتب شجرة إلى سحنون في امرأة أتت بابن لها صغير معه أربعة دنانير فزعمت أنه التقطها من الطريق في غير صرة فدفعتها على يدي ناس فأتى من ادعاها ووصف سكة بعضها ولم يصف البعض ، فكتب إليه : الأم مقرة أن الصبي فليس لها أن تقر على غيرها ، فأرى الدنانير للصبي ، وما كان من لقطة معروفة فوصف المدعي لها بعضها ولم يصف بعضا فلا شيء له .
[10/475]
***(1/467)
[10/476]
باب فيمن وجد في دار ابتاعها مالا دفينا أو عمدا
من العتبية : روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن اشترى دارا وشرط على البائع أني اشتري منك فإن كان فيها من مجهول ومعلوم قل أو كثر فوجد فيها المبتاع مدفونا صخرا أو عمدا أو دراهم أو فضة أو آنية فلا شيء في ذلك للمبتاع ، فأما الذهب والفضة والجوهر والآنية : فإن كانت من بلد عنوة فهي للمسلمين وإن كانت بلد صلح فهي لأهل ذمة تلك القرية الذين صالحوا عليها إن كان ذلك من دفن الجاهلية ، فإن/كان من دفن الإسلام فهو لقطة يعرف بها سنة فإن لم يأت أحد لم أحب أن يأخذها وليحبسها إلا أن يشاء أن يتصدق بها على أن يضمنها لربها ، وأما العمد والصخر والخشب وإن لم يعرف من دفن الجاهلية فهي كاركاز ، فإن كانوا أهل صلح فهو لأهل تلك الذمة المصالحين ، وإن بادوا فلم يجد منهم أحدا تصدق به ، وإن كانت عنوة فهو للمسلمين يتصدق به من وجده ، وإن كان للمسلمين فهو كاللقطة إن لم يدعه المبتاع ، وإن ادعاه وأقام بينة فيه كان له .
وقال مالك فيما وجد في قبر من ذهب أو فضة فهو لأهل ذلك الجيش الذي بسببه أصابه . وقد جرى في كتاب الشهادات وفي كتاب المحاربين ذكر ما يوجد بأيدي اللصوص من متاع والدعوي فيه .
[10/476]
***(1/468)
[10/477]
باب في ضالة الإبل وغيرها وذكر نسلها والنفقة عليها ، وكيف إن بيعت أو تصدق بها ثم جاء ربها ؟
وهل لمن وجدها جعل ؟
قال ابن حبيب : ذكرت امرأة لعائشة أنها وجدت شاة فقالت لها : عرفي واعلفي واحلبي واشربي .
ومن العتبية من سماع أشهب : قال مالك فيمن وجد بعيرا ضالا يريد : فأخذه فليرسله حيث وجده وليس عليه أن يشهد على إرساله . قال ابن نافع : وأحب إلي أن يشهد على إرساله ، قال مالك : ولو عرف به فلم يعرف فليحله حيث وجده ، قيل : فيشهد على ذلك ، قال : أما المتهم فهو خير له ، وليس ذلك على المأمون ، قال : وكذلك الآبق إذا عرفه/فلم يعرفه أحد فليخله خير له من أن يبيعه فيهلك ثمنه أو يسجن فلا يجد من يطعمه . وكان عمر ينهي عن أخذ الضالة ، وإنما الضالة في الإبل لا يقال ذلك في العبيد .
ومن كتاب آخر : قال مالك : كان عثمان إذا لم يجد رب الضوال باعها وحبس أثمانها لأربابها . قال مالك في رواية أخرى : وكان علي بن أبي طالب قد بنى للضوال مربدا يعلفها فيه علفا لا يسمنها ولا يميز لها من بيت المال ، فمن أقام بينة على شيء منها أخذه وإلا بقيت على حالها لا يبيعها ، واستحسن ذلك ابن المسيب .
قال مالك : ومن وجد بعيرا ضالا فليأت به إلى الإمام وينبغي للإمام أن يبيعه ويجعل ثمنه في بيت المال حتى يأتي ربه ولا يوكل بذلك من وجده ليكون
[10/477]
***(1/469)
[10/478]
الثمن عنده . ولكن عند الإمام ليكون أمكن لربه إذا أتى . قال أشهب في كتبه : إن كان الإمام غير عدل فليخلها حيث وجدها وإن كان عدلا رفعها إليه .
ومن العتبية من سماع أشهب : قال مالك : ومن جد ضالة فباعها وتصدق بثمنها ثم جاء ربها قال : لم أقل في هذا شيئا ولو جوز هذا للناس لأكل ثمنها الفاجر وقد تصدقت ، وقال أيضًا : وضالة المواشي إذا عرف بها فلم يأته أحد تصدق بثمنها ، وقال : يتصدق بها ولا يحبس لنفسه منها شيئا ، ثم إن جاء ربها فلا شيء له بخلاف المال ، قال : ولو نتجت عنده فلا يأكل من نتاجها ،/وأما اللبن فعسى قال : وعثمان الذي أمر ببيعها قال : ويعرف صفتها وتباع وتحبس أثمانها فإذا جاء ربها أخذه ، وإن لم يأت طالب تصدق به .
وقال سحنون فيمن وجد شاة اختلطت بغنمه فهي كاللقطة يتصدق بها ثم إن جاء ربها ضمنها له قال : وله شرب لبنها ، قال : وهذا خفيف .
قال ابن نافع في موضع آخر . قال مالك في الرجل يكون في غنمه وباديته فيجد شاة بفلاة من الأرض . فأرى أن يحبسها مع غنمه ولا يأكلها سنة أو أكثر منها وله حلابها ، ولا يتبع إن جاء ربها إلا بها وبنسلها ، يريد : إن كان قائما فإن ذبحها قبل السنة ضمنها لربها إلا أن يخاف موتها فيركبها ولا شيء عليه إلا أن يقدر على بيع لحمها ، وقال عبد الملك في غير رواية ابن نافع : فإن ذبحها وأكلها بعد السنة ثم جاء ربها فعليه غرمها له . وأحب إلى أهل العلم أن لا يأكلها بعد السنة بل يتصدق بثمنها . قال غيره : وإن التقط طعاما في فيافي الأرض فحمل ذلك إلى العمران فليبع الطعام ويوقف ثمنه ، فإن جاء طالب ليأخذه فإن أكل الطعام أو الإدام بعد قدومه به إلى العمران فإنه يضمن ذلك لربه .
وقال أصبغ في العتبية : إذا وجد شاة بفلاة فذبحها ثم أتى بلحمها إلى الأحياء فله أكله كان غنيا عنه أو لم يكن ويصير لحمها وجلدها مالا من ماله ، ويطيب له وليس عليه/أن يعرفها ، فإن أكلها ثم اعترفها ربها فلا ضمان عليه إلا
[10/478]
***(1/470)
[10/479]
أن يأتي ربها وذلك في يديه فهو أحق به ، وأما لو قدم بها الأحياء وهي حية كان عليه التعريف أو يضمها إلى أهل قرية يعرفونها ولا يأكلها الآن وتصير كاللقطة .
وقال أشهب في كتبه : قال مالك في ضالة الغنم يجدها الرجل فما كان قرب القرى فلا يأكلها وليعرف بها في أقرب القري إليه ، وما كان في الفلوات والصحاري فإن تلك تؤكل وليس عليه أن يحملها فيعرفها ، فإن جاء صاحبها بعد أكله إياها لم يضمن له شيئا ، قال أشهب : وبلغني عن عبد العزيز أنه قال : إن أخذها ثم أتى ربها أغرمه قيمتها .
قال ابن حبيب عن مطرف في ضالة البقر والغنم عن مالك : إذا وجدها بالفلاة فله أكلها ولا يضمنها لربها ، وإن وجدها قرب العمران ضمها إلى أقرب القرى إليه يعرفها أو يدفعها إلى من يعرفها ، فإن جاء ربها وإلا فأحب إلي أن يتصدق بها ولا يأكلها ، فإن تصدق أو أكل ضمن لربها - إن جاء - قيمتها يوم تصدق ، قال مطرف : والصدقة بثمنها أحب إلي من الصدقة بها ، والاستيناء بثمنها أحب إلي من الاستيناء بها ، وليس بواجب ونسلها مثلها ، وأما اللبن والزبد فإذا كان بموضع لذلك ثمن فليبع ويصنع بثمنه ما يصنع بقيمتها ، فإن كان له بها قيام وعلوفة فله أن يأكل منه بقدر ذلك ، وأما بموضع لا ثمن فليأكل ولا بأس أن يكري البقر في علوفتها كراء مأمونا من العطب ./وأما الصوف والسمن فليتصدق بثمنه أو به .
وقال أشهب في كتبه : فإن كان للبقر من منعة أنفسها والعيش في المرعى والمشرب مثل ما للإبل فهي كالإبل لا يأخذها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الإبل ، وإن لم تكن للبقر منعة فهي كالغنم ولا يغرمها إن أكلها إن جاء ربها .
قال ابن القاسم : وما التقط من الخيل والبغال والحمير فلتعرف فإن لم يجيء لها طالب تصدق بها .
[10/479]
***(1/471)
[10/480]
وقال أشهب في كتبه : لا تؤخذ الخيل والبغال والحمير فإن أخذها أحد عرفها سنة ثم تصدق بها .
قال ابن كنانة : لا ينبغي لأحد أن ينفق على الدابة الضالة ولا يأخذها ولا يعرض لها لأن النفقة عليها سبب إلى إخراجها من يدي ربها وربما جاوزت النفقة ثمنها ، قال ابن حبيب : وضالة الدواب له أن يركبها من موضع وجدها إلى موضعه فأما في حوائجه فلا ، فإن فعل ضمنها وله كراؤها في علفها كراء مأمونا لا يجر إلى عطب ما بينه وبين أن يبيعها ويتصدق بثمنها أو يأتي صاحبها وليس بقدر حبسه إياها هي والمواشي حد إلا على اجتهاده وصبره ، وإذا شاء يصفها فأحب إلي رفع ذلك إلى الإمام إن كان مأمونا إلا فيما خف من الشاة والشاتين فلا بأس أن يليه ويشهره ، وقال أصبغ فيه كله نحوه . لقطة 3
ومن كتب أشهب وغيرها/: قال أشهب : وإذا أنفق الملتقط على الدواب والإبل والبقر والماشية فربها مخير بين غرم النفقة وأخذها أو إسلامها فيها ، فإن أسلمها فيها ثم بدا له أن يطلبها ويؤدي النفقة فليس له ذلك ، وكذلك في الآبق إذا أنفق عليه ثم أسلمه في النفقة ، وإن كان لسيده غرماء ولا وفاء له بدينه فأراد إسلامه بما أنفق عليه ملتقطه أو السلطان أو افتدائه نظر فإن كان قد بان فلسه فلا كلام له في العبد وذلك إلى غرمائه على النظر ، فإما أسملوا العبد بالنفقة ولا قول للسيد إلا أن يكون في افتدائه رد فذلك له إن شاءوا ودوا ذلك من ماله ، وإن كان عليه في فدائه ضرر فله إسلامه بذلك . ولا قول لهم إلا أن يضمنوا له ما وضعوا فيه فله ما ربحوا فيه .
قال ابن القاسم : وإذا باع الدواب بعد السنة ثم جاء ربها ولم تفت فليس له إلا أخذ الثمن ، وإن كان باعها بغير أمر السلطان بعد السنة فإن جاء ربها فله نقض البيع فإن لم يقدر عليه فلا شيء له غير الثمن إن باعها الملتقط خوفا من
[10/480]
***(1/472)
[10/481]
الضيعة عليها ، وأما إن باع الثياب وما لا مؤنه في بقائها فربه أحق به إن وجد بيد المبتاع وإن لم يجده فله إن شاء أخذ الثمن من البائع أو القيمة يوم بيعه إذا لم يبعه من سلطان ولا ضرورة إلى ذلك وكل ما باع من هذا كله بأمر سلطان مضى البيع وليس لربه أخذه إلا الثمن .
قال ابن القاسم : وإن تصدق باللقطة/بعينها على المساكين ثم جاء ربها فله أخذها منهم إن لم تفت فإن أكلوها لم يضمنوا . وقال أشهب : إن تصدق بها عن ربها فليس له إلا أخدها إن تفت فإن نقصت فله إن شاء أخذها وإلا أخذ قيمتها من المتصدق بها يوم تصدق بها ، وإن أخذها ناقصة فلا شيء له على الملتقط من نقصها ، فإن أخذه بقيمتها رجع ملتقطها فأخذها بنقصها من المساكين ولا شيء له عليهم ، وإن تصدق بها عن نفسه فلربها أخذها على ما وجدها ولا شيء له على ملتقطها ، أو يأخذه بقيمتها إن تغيرت ثم لا شيء لملتقطها على المساكين ، قال : فإن لم تفت عندهم بشيء فليس لربها إلا هي ولو أكلها المساكين فلربها تضمينهم مثلا أو قيمة إلا أن يبيعوها فليس له إلا الثمن إن شاء ، وإن شاء أخذ ملتقطها بقيمتها يوم تصدق بها عن نفسه أو عن ربها ، قال ابن القاسم : وإن وجدت بيد من ابتاعها من المساكين فله أخذها منه ثم يرجع المبتاع على من تصدق بها عليهم ، وكذلك لو ماتت ، قال غيره : يرجع عليه بالأقل من الثمن الذي وقع إلى المساكين أو من قيمتها يوم تصدق بها الملتقط ، ثم إن كان ثمنه أكثر رجع بالقيمة على المساكين ، قال أشهب في كتبه : ومن كان شأنه طلب الدواب الضوال والأمتعة والرقيق فيردها على أربابها فله جعل مثله في ذلك على قدر غنائه فيه إن أراد رب ذلك أخذه وإن كره أخذه فلا شيء فيه إلا أن يكون جعل فيه/فعليه ما جعل فيه شاء أو أبى ولولا فساد الناس وأنه يخاف على من أخذ شيئا أن لا يرده إذا لم يجعل له فيه جعلا لم أر لمن أخذ ذلك فيه جعلا إلا أن يكون صاحبه قد جعل فيه جعلا فيلزمه وقاله مالك .
[10/481]
***(1/473)
[10/482]
باب في النفقة على اليتيم واللقيط وولد الغائب وغيره ، وفيمن وقفت دابته فأنفق عليها رجل وحمل متاعه
من غير كتاب : قال ابن القاسم وابن نافع عن مالك : من أنفق على يتيم فله أن يرجع بما أنفقه في ماله ، وإن لم يكن له يوم الإنفاق مال لم يرجع عليه بشيء وهو كالمحتسب قال عنه ابن نافع : وإنما يرجع في ماله بعد يمينه أنه أنفق ليرجع عليه ، وقاله أشهب كله .
قال ابن نافع عن مالك في يتيم تنفق عليه أمه أو قريب له وهو لا يعلم له قال : فلا رجوع له عليه وإن علم أن له مالا وأشهد أنه أنفق ليرجع فيه فله ذلك وإن لم يشهد فلا يرجع بشيء ، وهذا خلاف قول ابن القاسم وروايته . قال أشهب : إذا علم المنفق أن له مالا رجع فيه وإن كان له مال ولم يعلم به المنفق فلا يرجع له عليه بشيء ، قال ابن القاسم : وإذا لم يكن له مال فقال : أنفق عليه واتبع ذمته فلا شيء له . قال أشهب : وإني لأرى لو ابتلي بذلك فلم يجد من ينفق عليهم إلا من يتبعهم وخيف عليهم الهلاك لرأيت أن يؤخذوا بذلك ويتبعوا به بشرطهم ، وقال في موضع آخر ، إلا أن يجعله السلطان لهم لما خيف عليهم من الضيعة فيتبعون له .
قال ابن القاسم : ومن إلتقط لقيطا فأنفق عليه فأتاه من أقام البينة على أنه أبنه فله أن يبيعه إن تعمد طرحه ، وإلا فلا شيء له عليه . وقال أشهب : لا شيء على الأب بحال لأن المنفق محتسب .
قال سحنون : إن أنفق عليه ليتبعه فطرأ له أب تعمد طرحه أتبعه ، وإن أنفق حبسه لم يرجع بشيء ، وقال أشهب فيمن أنفق على ولد غائب صغار بغير أمره والأب يؤمئذ مليء فللمنفق أتباعه إن أنفق وهو يرى أن له مالا ثم وجده كذلك إذا لم ينفق حسبة بعد أن يحلف : ما أنفق احتسابا ، فإن تكل فلا شيء له ، وإن أنفق وهو لا يرى أن له ملا لم يرجع عليه بشيء ، وإن كان يوم الإنفاق مليا لأنه
[10/482]
***(1/474)
[10/483]
كالمحتسب . وابن القاسم لم يراع إلا أن يكون الأب مليا يوم انفاقه ، قال أشهب : واقوي للمنفق أن يشهد بما أنفقه ليرجع على أبيهم ، ومسألة من وقفت دابته في فلاة فتركتها مؤيسا منها فأتي من أنفق عليها وقام بها حتى صلحت وماتت دابته فحمل له متاعه إلى بيته ثم جاء فوجده ، قال ابن القاسم عن مالك : يعطيه قيمة حمل متاعه وما أنفق على دابته ليأخذ ذلك ، وأما في قيامه عليها فلا شيء له إلا ما أنفق ، وقد كتبناها في كتاب الإجارة .
وقال مالك في الذين خافوا غرق مركبهم فطرحوا متاعهم فوجده آخرون بضفة البحر قال : يأخذه أهله .
باب في اللقيط هل ينزع ممن التقطه ؟/
وهل يقبل قول من ادعاه ؟
وما حكم القيط في دينه وحريته ؟
قال ابن القاسم في ملتقط اللقيط ينتزعه منه رجل فخاصمه فيه فلينظر الإمام فإن كان ملتقطه قويا على مؤنته وكفايته رده إليه ، وإن كان الذي انتزعه أقوى على أمر الصبي وهو مأمون نظر فيه بما يرى ، قال أشهب : إن كانا سواء أو متقاربين : فالأول أحق به فإن خيف أن يضيع عند الأول فالثاني أحق به .
قال أشهب : ومن التقط لقيطا فليس له تركه إذا كان أخذه ليمر به ، فأما إن أخذه ليرفعه إلى السلطان فأبى السلطان أن يقبله ، فليس عليه ضيق في رده إلى موضع أخذه .
قال ابن القاسم : ومن التقط لقيطا في قرية ليس فيها إلا الاثنان والثلاثة من المسلمين فهو للنصارى إلا أن يلتقطه مسلم فيجعله على دينه .
قال أشهب : هو مسلم التقطه مسلم أو نصراني أو غيرهما من أهل الأديان حين لم يدر أحر هو أو غير حر ؟ فكذلك أجعله مسلما ، قال مطرف وأصبغ : وإذا التقط النصراني لقيطا فلينزع منه لئلا ينصره أو يدرس أمره فيسترقه . وقال
[10/483]
***(1/475)
[10/484]
أشهب في الرجل والمرأة يدعي لقيط أنه ابن أحدهما فإنه يصدق إلا أن يعلم كذبه ، وإن ادعاه ملتقطه أو غيره أنه عبده لم يصدق واللقيط حر كما قال عمر .
ومن كتاب ابن سحنون : وكتب/شجرة إلى سحنون في نصرانية التقطت صبية فربتها حتى بلغت على دينها قال : إن ثبت أنها لقطة فردها إلى الإسلام وهي حرة .
باب في حبس الآبق والنفقة عليه وهل لسيده بيعه ؟
من العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم قال : السنة في الآبق أن يحبس سنة إلا أن يخاف أن يضيع فيباع ، وإذا بلغ السنة بيع إن لم يخف عليه ضيعة .
قال مالك في سماع أشهب في الآبق إذا عرف به فلم يعرفه أحد أن يخليه خير من أن يبيعه فيهلك ثمنه ويؤكل ، أو يحبس فلا يجد من يطعمه ، وقال مالك في كتاب آخر : إذا حبس الآبق الإمام سنة وأنفق عليه فلم يأت له طالب بيع فأخذ من ثمنه ما أنفق وحبس الباقي ، وقال : وقاله أشهب من كتبه إلا أنه قال : إن لم ينفق عليه الإمام في السنة وخيف عليه الضيعة بيع قبل السنة إلا أن يخاف علي ثمنه فإن خيف على ثمنه خلوا سبيله إن لم يجد من ينفق عليه .
وروي عن سحنون : أنه قال : من ينفق عليه في السنة ؟ وقد يكون هذا ضررا بسيده إذ قد تغترق النفقة كثيرا من ثمنه .
قال سحنون : لا أرى أن يوقف سنة ولكن بقدر ما يتبين أمره ثم يباع ويكتب الحاكم صفته عنده حتى يأتي له طالب .
[10/484]
***(1/476)
[10/485]
قال ابن القاسم : لا يجوز لسيد/الآبق بيعه إلا أن يأتيه رجل فيقول : هو عندي على صفته أو على صفة يذكرها حال عليها فيجوز بيعه حينئذ منه ومن غيره ولا ينقد الثمن إن كان بعيدا ، وقال أشهب في كتبه : لا يجوز فيه النقد وإن كان على مسيرة ليلة .
قال أبو محمد : وليس هذا قول مالك في شراء الغائب . قال سحنون : وإن وقع الآبق عند حاكم عدل فحبس ينتظر به مولاه فباعه مولاه وهو في السجن فلا يجوز بيعه إياه ، لأن فيه خصومة ، لأن مولاه لا يأخذه بدعواه إلا ببينة فباعه مولاه قبل أن يستحق .
باب في الآبق يأخذه أحد ثم يخليه أو يأبق منه أو يرسله في أمره فيأبق ، وهل يأخذه من وجده ؟
قال مالك : ومن أخذ آبقا فأبق منه فلا شيء عليه ، وأما إن خلاه فهو يضمنه ، وقاله ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون وابن عبد الحكم ، قال ابن الماجشون : سواء كان ممن يأخذ الجعل على الإباق أو لم يكن ، قال عبد الله بن عبد الحكم : ولو خلاه بعد أخذه لعذر خاف أن يقتله أو يضربه فلا شيء عليه وإن أرسل لسيده النفقة فهو ضامن .
قال أشهب في كتبه : وإن أرسله في حاجته فأبق في الحاجة والحاجة يؤبق في مثلها فهو ضامن ، فأما حاجة خفيفة في قربها فلا شيء عليه .
قال ابن نافع : ومن أخذ آبقا ثم قال : أبق مني . قال : يكشف أمره إن كان من أهل التهم فإن ظن أنه أطلقه لو داهن/ضمنه وإلا لم يضمن ، وسواء جعل له طلبه جعلا أو لم يجعل .
قال ابن الماجشون : إذا قال : انفلت مني كلف البينة على ذلك وليحلف : لقد انفلت من غيره تفريط ولا إضاعة .
[10/485]
***(1/477)
[10/486]
قال أشهب في كتبه : ومن وجد آبقا أو آبقة فإن كان مكان سيده بعيدا فتركه أحب إلي له ، وإن أخذه فهو في سعة ، وإن كان سيده قريب المطلب فليأخذه أحب إلي من تكره فيتلف ، وإن تركه فهو في سعة .
باب في العبد الآبق يأتي من يدعيه بحكم في يديه بعبد آبق له على صفته ، أو ادعاه ووصه ، ولم يأت ببينة ولا بحكم
قال ابن القاسم وأشهب فيمن أتى إلى القاضي يذكر أن عبده أبق وقد عقل ببلد كذا وأقام بينة أن عبدا أبق له من صفته كذا وكذا وكتب له القاضي إلى قاضي ذلك البلد : إن حامل كتاب هذا أبق له عبد صفته كذا وكذا فخلاه وعن المكتوب إليه عبد آبق محبوس على هذه الصفة : أن يقبل الكتاب والبينة الذين شهدوا فيه ويأخذ القيمة مالا ، وقبل القاضي الأول منه البينة على الصفة ويكتب بها إلى القاضي الآخر ، قال ابن القاسم : وإن ادعاه ولم يقسم بينة عليه فلينتظر الإمام ويتلوه فهي فإن جاء أحد يدعيه وإلا دفعه إليه وضمنه إياه ، قال أشهب في كتبه : لا يدفع إليه إلا أن يقر له العبد بالملك لأنه لو اعترف بالرق لغيره/لكان له ولم ينفع هذا ما عرف من صفته وحليته .
ومن كتاب ابن سحنون : وسأل حبيب سحنونا عن الآبق يطرحه الحاكم في الحبس فأتى من يزعم أنه له وأقر لع العبد قال ك فليرجع إليه ولا يكلف بينة إذ لا حكم له فيه إلا أن يأتي بحدثان ما صار إلى الحاكم فليتلوم له قليلا خوفا أن يأتي
[10/486]
***(1/478)
[10/487]
له طالب غيره ، فأما أن مكث أياما في الحبس فهذا يلزم ، فإن طال مقامه في الحبس فهو أبين أن يدفعه إليه ولا يتلوم له ، لأن طول سجنه تلوم فيدفعه إليه ولا يكلفه بينة ، ثم رجع سحنون فقال : لا يدفع إليه إلا ببينة عدلة طال مكث أو لم يطل .
قال ابن كنانة فيمن أبق له غلام من مصر فوقع بالأندلس فأقام بينة عند قاضي مصر أن غلاما له أبق من مصر يعرفونه بعينه واسمه ونعته وخرج منها في زمن كذا ، لم يخرج من ملكه ، يريد : فيما علموا إلى الآن فأخذ منه كتابا إلى قاضي الأندلس وثبته عند قاضي الأندلس فوجد العبد بتلك الصفة والنعث وأنكر العبد أن يكون هذا سيده قال : لا يأخذه حتى ينظر إليه الشهود ويعرفون أنه هو فإن أتوا من مصر حتى يثبتوه وإلا فلا ، وإنما ينفذ/مثل هذا بالكتاب في عبد لا يدعي أحد ولا يدعي هو في نفسه مقر بالعبودية ، يريد : لمن قام فيه ، أو أرض معروفة لرجل لا يدعيها أحد ، أو دين على رجل ، فأما عبد بيد رجل أو عبد يدعي الحرية ، أو قرية في يد رجل معروفة في يديه فيريد الطالب أن يدرك ذلك بكتاب قاض فيه صفة موافقة لصفة ما يطلب من غير أن يعاين الشهود . فهذا لا يكون ولم أسمع من قضى به .
قال ابن عبدوس : وابن القاسم : يجيز الحكم بالكتاب بصفة العبد المنكر ، وقال ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون فيمن أثبت عند قاض بينة على غائب بحد أو حق أو قصاص فكتب القاضي بذلك إلى قاض آخر فليقبل المكتوب إليه ما في كتابه ويقضي بذلك على المذكور يريد : ويثبت الكتاب ببينة . قال ابن الماجشون : ولولا ذلك ما انتفع أحد بشهادة شهادة إلا شاهدا معه في قريته هذا لا بدمنه وما لا غنى عنه .
قال ابن القاسم وأشهب : ومن أقام شاهدا على آبق له حلف وأخذه وإن لم يقم شاهدا فإن صدقه العبد دفع إليه . قال أشهب في كتبه : بعد أن يحلف مدعيه ثم إن جاء طالب لم يأخذه إلا ببينة عادلة ، وإن أقر له العبد بمثل ما أقر به للأول من الرق .
[10/487]
***(1/479)
[10/488]
قال ابن القاسم وأشهب : ومن أقام شاهدا على آبق له حلف وأخذه وإن لم يقم شاهدا فإن صدق العبد دفع إليه . قال أشهب في كتبه : بعد أن يحلف مدعيه ثم إن جاء طالب له لم يأخذه إلا ببينة عادلة ، وإن أقر له العبد بمثل ما أقر به للأول من الرق .
قال ابن القاسم في الآبق إذا اعترفه ربه من يدك ولم تعرفه فأرفعه إلى الإمام إن لم يخف ظلمه ، قال أشهب : إن أقر له العبد بالملك فأنت في سعة من دفعه إليه ودفعك إليه بأمر الإمام أحب إلي ، وإن جحد أن تكون سيده/فلا تدفعه إليه فإن فعلت ضمنت العبد .
باب فيمن استعمل آبقا بأجر أو بغير أجر
قال ابن القاسم عن مالك : ومن آجر آبقا فعطب في عمله ضمنه لربه وإن لم يعلم أنه آبق ، وكذلك في تبليغ فهلك فيه ، وإن سلم أخذ قيمة عمله يريد : إلا أن تكون الإجارة أكثر ، وقال أشهب في كتبه : لا ضمان عليه إذا علم أنه لم يعلم أنه مملوك ، وإنما يضمن من استعمل عبدا أو مولى عليه وهو يعلم بذلك عملا مخوفا فتلف فيه .
قال المشايخ السبعة : كل من استعان أو استأجر صبيا أو مولى عليه أو عبدا لم يأذن له ربه أن يؤاجر نفسه في مثل ذلك ضامن لما أصابه ، فإن كان العبد أذن له ربه في الإجارة في مثل ذلك فاستعانه أحد فيه بغير أجر فهو ضامن له ، وإن كان بأجر فلا يضمن .
قال ابن حبيب عن ابن الماجشون في رجل وجد مملوكا قد أبق من سيده فأجره في عمل فهلك العبد في ذلك العمل أو انكسر ، فإن كان العبد لصديقه الملاطف واجره على حسن النظر له والتخفيف عنه لكيلا تجتمع النفقة عليه وأجره في عمل مثله وما يحسنه فلا ضمان عليه وإلا فهو ضامن .
[10/488]
***(1/480)
[10/489]
بسم الله الرحمن الرحيم ... ... والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه
كتاب الأراضي والشعاري وأحياء الموات
في صفة أرض الصلح وأرض العنوة ، والتي أسلم عليها أهلها ، وما يصلح فيه القطائع والحمى ، وشيء من ذكر إحياء الموات/
من المجموعة ونحوه في كتاب ابن سحنون : روى عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أحيى أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق ، ومن أسلم على شيء في يديه فهو له وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من اقتطع شبرا من الأرض بغير حق طوقه يوم القيامة .
قال سحنون : فالأرض على ثلاثة أوجه : إما عنوة ، أو صلح ، أو أرض أسلم عليها أهلا ، ولكل واحدة منهن حكم ، فحكم العنوة : أنها لا تقسم ولا تباع ، بل توقف وتكون خراجًا للمسلمين . كما فعل عمر في مصر والعراق وغيرها . ولا تكون فيها القطائع .
[10/489]
***(1/481)
[10/490]
قال في كتاب ابن سحنون : عاب مالك على من قال : القطائع في أرض مصر ، قال : فأما التي صلاح عليها أهلها ولم يغلبوا عليها ، فهم أحق بها ، يصنعون فيها ما شاءوا من بيع أو غيره ، وأما التي أسلم عليها أهلها فلم يغلبوا عليها ولا صولحوا بشيء : فهي على رجلين ، وذلك يرجع إلى أنهم يتركون فيها على حد ما أسلموا عليها . فما كان منها مما أسلموا عليه وهو معمور محوز محدود معروف ، فهو ملك لربه يصنع فيه ما شاء من بيع وعطية وغيرها ، وأما ما أسلموا عليه من جبالهم ودمنهم ومراعيهم التي لا معمل فيها إنما هي مراعي وعفى ، كذلك كانت قبل إسلامهم حتى أسلموا عليها ، فهي الأرض التي لا تقسم في المواريث ، قال في موضع آخر : ولا تملك حقيقة الملك فألفيت هنا ، وهي التي جاء فيها : لا يمنع فضل المالك ليمنع به الكلأ .
وقال ابن الماجشون نحوه ، قال : وكذلك بقيت/مذ كان الإسلام ، ولم تكن مما يقسم ولا يباع ، بخلاف الحقوق المملوكة بأوجه الملك . قال غيره : وليست مما يأخذه الحدود ، إنما هي تجاوز أحياء العرب لمرافقهم ومرعاهم ما دام المرعى قائما والمنافع موجودة ، فإذا لم يكن ذلك انتقلوا منها يطلبون الكلأ ، وتبقى أوديتهم معروفة بأسمائهم عفى ، على هذا كانت في الجاهلية ، وعليه تبقى ، على أن ملكهم فيها ليس بالتام ، وبهذا الأرض كانت الأحمية والقطائع .
ومن كتاب ابن سحنون : فكل أرض لم تملك في الجاهلة بإحياء أو زرع ، أو أرض لم يعرف بحي من أحياء العرب أنها منتجعهم ومرعاهم ، فتلك من الموات ، وهي لمن أحياها ، وما كان من أرضهم مما نزلوا فيه ، وعرف بأسمائهم من بطون أوديتهم ومرعاهم ، إنما حازوها بالمرعى والسكن لا معتمل من غرس ولا زرع ، إنما هي مرعى وعفى ، فهذه التي لا تملك ملك المواريث ، وهي التي
[10/490]
***(1/482)
[10/491]
روي فيها : لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ . وإنما يملكونها ملك المنافع والمراعي ، فلا تجري فيها المواريث والاقتسام ، ولا تملك كملك من أحيي بالعمارة ، أو اشتري ، أو ورث ولا يحيي فيها أحد شيئا إلا بعطية من السلطان ، وفيها كانت الأئمة تحمي وتقطع ، وما كان من أرض الأعراب من فيافيهم لم تملك بعمارة ، ولا عرفت بمرعى ومنتجع ، فمن أحيى هذه فهي له . وأما أرض الصلح فما كان منها من عفى لم يعتمل ولا حيز بعمارة كان لمن أحياه أيضًا ، وأما أرض العنوة فعامرها موقوف للمسلمين ، ولا تكون فيها القطائع ، وما كان فيها من موات وشعاري/لم تعتمل ولا جرى فيها ملك لأحد ، ولا ميراث ، فهو أيضًا لمن أحياه .
ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب : قال مالك : لا أرى لأحد من الأئمة والولاة أن يقطعوا لأحد من أهل أرض العنوة .
قال في كتاب ابن حبيب : أرض العنوة العامرة ، قال في الكتابين : بمعنى واحد ، واللفظ لكتاب ابن حبيب . قال في كتاب ابن حبيب : قال ابن القاسم : وذلك أن العنوة في الأرض المعمورة ، لأنها كانت قرى عامرة افتتحت عنوة ، وإنما الإقطاع في الأرض الموات ، وفيها الخطط ثم أفنية الفسطاط التي بقرب المصلى بالموضع عندنا حيث تشاح الناس ، فلا أرى لأحد أن يبني فيها إلا بعطية من الإمام ، وموضع الفسطاط إنما كان فلاة لم يكن فيه إلا الحصن فاختط المسلمون ما كان صحة فنزلوه ، وبقي الحصن والعمران لم يكن لأحد فيها خطة ، لأن الخطط لا تكون في المعمور ، قال ابن حبيب : وقاله لي ابن الماجشون وسحنون وأصبغ .
[10/491]
***(1/483)
[10/492]
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : لا أرى أن يحييها أحد بقطيعة من سلطان .
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون : قرى العنوة التي لم تقسم ، إذا أذن السلطان باختطاطها نظرا منه لم لانقطاع ذلك البلد عن أهل الإسلام مثل أهل الأندلس ، وهو لو لم يفعل ذلك لم يأتها أحد ، ولم يبن بها أحد ، وغلب عليها العدو ، وقال : لا يفعل ذلك ، وليقرها كما أقرها عمر ، وقاله ابن القاسم وأصبغ .
قال ابن الماجشون : ولو فتحت البلاد فهرب/أهلها وتحصن بعضهم في حصونهم فصولحوا على أن تبقى الأرض الأحياء لهم حتى يقروا فيها ويؤدوا الجزية على أن أرض من مات فيء قال : ذلك جائز ، ولمن امتنع حتى صولح ملك أرضه ببيعها إن شاء ، ولو حقه في شعرائها ، وإن أسلم كانت له ، وكل من هرب أو قتل صارت أرضه عنوة ، وإن ردوا من الهاربين من رجع في منازلهم على الجزية ، فذلك كله عنده لا حق لهم فيها ولا في شعرائها . ... ... شعاري
ومن المجموعة : قال سحنون : وأما أرض أفريقية فكشفت عن أصلها ، فلم أقع منها على حقيقة من عنوة أو أصلح ، وكاشفت عنها علي بن زياد فلم يصح عنده أمرها ، ولكن كان يقال لغلمان العرب لما فتحوا البلاد ، قيل للوالي ، أظنه موسى بن نصير : اختر أن تأخذ الخمس من حيث شئت فأخذ هذه الصوافي مثل طالس ، وقمس وغيرها فهذا ما عندنا منها ، وقد ذكرنا حكم بلاد الأعراب ، وأما منازل البربر التي نزلوا فيها ، وهذه السواحل التي على البحر مثل سيمه وغيرها فإنها كانت محرمة كلها حتى فتحت العرب أفريقية ، فلما كثر الظلم
[10/492]
***(1/484)
[10/493]
خربت البلاد وزالت العمارة منها ، وكانت إذا دخلها العرب عامرة ، فلا أدري صالح عليها أهلها ثم جلوا عنها من غير صلح ، فهذا الذي نظن أنه كان من شأنها ، فإن كانوا جلوا عنها وهي عامرة حين دخلوا العرب من غير صلح فصارت عنوة ، ثم عطلها المسلمون حتى صارت شعري ومواتا ، فهي لمن أحياها/قال : لا ، والسلطان يرى فيها رأيه ، ثم سمعته بعد ذلك يقول : وهذا الشعاري التي على سواحل البحر التي عمرها الناس بعدما كانت غياضا ، فأرجو أنها أسهل من غيه من لتعط إفريقية التي كانت عامرة ، فأما الشعاري العامرة التي لا يتبين أن أحدا ملكها ، فمن عمر فهيا فهي أخف عندي وأحب إلي إذا كانت في بعد من العمران ، وقد قال المغيرة : إذا قطع رجل بقرب العمران فإن لم يكن ذلك حقا لأحد فكأنه تسهل فيه وبالسلطان أحب إلي .
قال سحنون وسئل عن أرض لقوم حلوا فيها وصارت شعري وطال زمانها ، أيجوز لأحد أن يعمرها ؟ قال : لا ، ولكن السلطان ينظر في ذلك ، وكان إذا سئل عن أحمية حصون المرابطات بأفريقية يقول : أخبرني عن البلاد أصلح أم عنوة حتى أخبرك بحكمها ؟ قيل له : إن ابن غانم هو الذي حددها وذب عنها ، قال : أما الذي نعرف أن ابن غانم قال للمرابطين : لم تضيقون على أنفسهم الحدود ، ولو احتجتم ما ها هنا إلى موضع كذا كنتم أ؛ق به ؟ وكأني رأيته لو صح عنده أن ابن غانم حدد ذلك وبينه وأوقفه لقلده وحمله منها ما تحمل ، وكان كثيرا مما يقف عنها ولا يتكلم فيها بشيء .
في القطائع والأحمية وما دخل فيه من إحياء الموات
من المجموعة وكتاب ابن سحنون : روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع وهو قدر ميل في ثمانية أميال حماه لخيل المهاجرين/ثم زاد فيه الولاة بعد
[10/493]
***(1/485)
[10/494]
ذلك ، وحمى أبو بكر الربذة لما يحمل عليه في سبيل الله ، وهي خمسة أميال في مثلها ، وحمى ذلك أيضًا عمر لإبل الصدقة يحمل عليها في سبيل الله ، وحمى أيضًا الشرف وهو نحو حمى الربذة ، واستعمل على الحمى مولاه هبب وقال له : أدخل رب الصريمة والغنيمة وإياك ونعم ابن عوف وابن عفان ، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرع ونخل ، وأن رب الصريمة والغنيمة يأتي ببينة فيقول : يا أمير المؤمنين ، يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبالك . وفي الحديث غير هذا ، وقال : والذي نفسي بيده لو لا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليه من بلادهم شيئا ، وقال لرجل من العرب عاتبه في الحمى ، فقال : بلاد الله حميت لمال الله .
[قال سحنون : وهذه الأحمية] إنما هي بلاد الأطراف العفى التي لا عمارة فيها بغرس ولا بناء حيث لا يضيق على ساكن ، وكذلك الأودية العفى التي لا ساكن بها إلا ما فضل عن منافع أهلها من المسارح والمراعي لسقيها ، وفي ذلك تكون القطائع أيضًا لمن رأى الإمام من أهل القرى وغيرهم ، وقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم الزبير أرضا فيها نخل من أموال بني النضير ، وأقطع له أبو بكر أرضا مواتا يقال لها الجرف . وأقطع الناس العقيق أجمع .
[10/494]
***(1/486)
[10/495]
قال ربيعة : وما أحياه الأعراب من مال في الجاهلية فأحرزوه لماشيتهم ، وأسلموا عليه ، فلا يدخل/عليهم فيه ضرر أو ضيق عطن أو وطن أو مسرح ، قال ابن شعبان وما سبق القطائع من حوز الجاهلية فهو أولى منها ، كان في سهل أو جبل أو ظهر أو بطن في شيء من حريمها ، ولا حجة لمن ادعى شيئا من هذا . فلم تكن له بيع أو ميراث أو قطيعة أو سلم ، وليس لعرق ظالم حق ، والعرق أربعة ، فذكر نحو ما قال ربيعة في باب إحياء الموات ، وكان سحنون يعجبه قول ابن شمعان هذا ، قيل لعبد الملك فكيف حوزهم في أوديتهم ؟ فقال على الجوار بهم وما عرفوا فهم على ما حازوا ، وما سمي لهم لهؤلاء واد .
قال عبد الملك : ولو انجلى قوم عن واديهم ثم له آخرون بقطيعة أو غيرها . ثم رجعوا أو بضعهم فهم أحق به إذا كان من رجع يضر بهم بقي من حل فيه باعتهم في مرافقهم وحريمهم ، فأما إن كان من حل فيه لا يضر بهم في حريم ولا موضع شرب ولا سانية فلا يمنع ، ويصير كأنهم منعوهم في غيبتهم ، وهذا شبه منع فل الماء يمنع به الكلأ . فليس لهم ذلك .
من كتاب ابن سحنون قال : وهذه الأرض التي لا عمارة فيها لا تمنع من أرض الأعراب ، إنما هي لهم مرعى من بطون الأودية وجبال هي التي جاء فيها : لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ ، فهم في الكلأ والناس سواء ، وهم أولى بمائهم حتى يرووا ، ولا يمنعوا ما فضل .
[10/495]
***(1/487)
[10/496]
قال ابن كنانة : ولا يغرس أحد على ماء الماشية غروسا ، ولا يحيى عليها حقا ، وفي الباب الأول من معنى الأول من معنى هذا الباب ./
في إقطاع المعادن وميراثها وبيعها
من المجموعة وغيرها : روى مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المربي معادن القبلية . وفي رواية ابن وهب : أقطعه ما بين الصحر والبحر ومعادن القبلية نحورها وجلسها .
روى ابن نافع وعلي عن مالك فيما وجد أهل الذمة من المعادن ؟ قال : إن كانت في أرض من عفا الأرض فلا يدعهم الإمام يعملون فيها إلا على شيء معلوم يقاطعهم عليه ، يكون عليهم للمسلمين ، وإن كانت لبعض المسلمين فذلك لربها على ما راضاهم عليه ، فإن كانت من جزيرة العرب فلا يقروا فيها كما جاء في الحديث وقد أجلاهم منها عمر ، قال سحنون : لا يقرهم فيها إلا على شيء يقاطعهم عليه فلا أعرف هذه المقاطعة ، وإنما أرض الموات أرض العرب التي أسلم عليها أهلها . ولهم النفع بها ، وليس لهم بيعها . وفيها كانت تقطع المعادن ، فلا يؤخذ منها إلا الزكاة ، وهي التي لا يمنع فيها فضل الماء ليمنع بها الكلأ ، وهي التي حمي عمر فيها وقال : لولا ما أحمل عليها في السبيل ما حميت منها شيئا . وأما فيافي الأرض فهي لمن أحياها ، وروي عن مالك : ما ظهر في أرض البربر من المعادن ، أنها لا تكون لأهلها ، والسلطان يقطعها لمن يرى ومثل ما ظهر في أرض العرب فكان الناس يقطعونها للناس ، وكذلك ذكر ابن القاسم : قال :
[10/496]
***(1/488)
[10/497]
ولغني ذلك عن مالك ، قال سحنون : ورواية ابن نافع وعلي عن مالك أحب إلي إن كانت في أرض مسلم . وكانت مملوكة فذلك إليه/وأما ما شبهها به ابن القاسم من أرض العرب فليست مثلها ، لأن تلك لا يملكها أهلها ملكا تاما . إنما لهم الانتفاع بها ، وقال ابن القاسم وأشهب : ما ظهر منها في أرض الصلح أو يأذنوا لهم في العمل فيها دون السلطان ، وأما ما ظهر منها في أرض العنوة ، فذلك إلى السلطان .
قال ابن القاسم في معادن النحاص والرصاص والقزدير والكحل والزرنيخ والجوهر : إنها مثل معادن الذهب والفضة ، والسلطان يقطع ذلك لمن يعمل فيه .
قال سحنون : إنما كان السلطان يلي معادن الذهب والفضة لينظر في زكاتها ويحوطها ، قال ابن نافع : فأما هذه الأشياء فليس فيها زكاة ، ولو كان يلي هذا لكان له أنه ينظر فيما يخرج من البحر من العنبر واللؤلؤ .
قال مالك في رواية ابن القاسم : ولا يجوز بيع المعادن ، لأنه إذا مات الذي عملها أقطعها الإمام لغيره ، وقال عنه علي : لأنه لا يدري ما تحت ما ظهر به ، قال سحنون : هذه العلة ، وأما هذا الذي ذكر ابن القاسم أنه إن مات أقطع لغيره ، فكيف يكون هذا إن لم تكن فيه بينة ؟ ينفق النفقة العظيمة فإذا أدرك النيل مات فيذهب عمله باطلا ، وقد قالوا في المجعول له على حفر بئر ، يحفر بعضها ثم يدعها : أنه إن أتمها رب البئر وانتفع بما عمل فللأول بقدر عمله ، وقال في موت العامل في القراض أن لورثته أن يتموا العمل فيه إن كانوا أمناء ، أو أتوا بأمين ، وهذا يشبه الجعل ، وقال في المساقاة : وهي سنة الإجارة . يقال لورثته : إن شئتم أن تعملوا لتمام ذلك فذلك لكم ، وإلا رجع/الحائط إلى ربه ، وقال بعضهم : بل يلزمهم ذلك في ماله .
[10/497]
***(1/489)
[10/498]
وقال بعض أصحابنا : إذا مات صاحب المعدن فهو لورثته ، كبئر الماشية يموت صاحبها أن لورثته أن يسقوا منها بقدر سهامهم فيها ، ولا يجوز بيع المعدن ولا بيع بئر الماشية له ولا لورثته ، وإن أحق بالبئر حتى يروا .
ومن أسلم مصابته من الورثة من أو المعدن فإن مصابته لعامة الناس ، ويقطع ذلك الإمام من يراه ، يريد : في المعدن . وقال غيره : إن مات صاحب المعدن فلير الإمام فيه رأيه ، فإن كان ورثته يقومون على العمل . يتركه لهم ، وإلا أعطاه لغيرهم ، قال : وقال لي مالك : إن عمر قال لهم في معادن القبلية : أقطعتم ما لم تقووا على عمله فتركتموه ، فأخذ منهم بعضه . فترك لهم ما يقوون على علمه .
قال ابن نافع : سئل مالك عن معدن بني رجلين تركاه وعطلاه نحوا من أربعة أشهر ثم جاء أحدهما إلى والي المعدن يسأله أن يقطعه إياه ففعل ، ولأهل المعادن في ذلك سنة ، قال : لا أدري ما سنتهم ، أرى إن قام عليه شريكه بحدثان ما أقطع لشريكه أو بعد أن عمل فيه بئرا ، فله الدخول فيه معه ، وأما إن تركه وهو ينظر إليه حتى عمل وكثر عمله ثم أدرك خيلا ، ثم قام عليه فلا شيء له ، كما لو أقطع لغيره . وهذه المسألة من أولها في العتبية من سماع أشهب عن مالك .
في بيع الأعراب مسلماتهم وقسمتها
من المجموعة : قال مالك في واد بين مسلمات الأعراب أرادوا قسمتها بغير محاكمة إلى سلطان فليس لهم ذلك كله ، إنما ذلك لهم فيها يجوز لهم بيعه فيه كمصرف العيون والمسيلات الصغار ، يعنى ببيع المسيل والسيلات : جمع مسيل ، ومصرف العيون : بعض الوادي ، قال : ( إلا ) أنهم يبيعون ما لا يستأصله كله على من لم يأت من المسيل أو على من يعود من الغيبة ، لأن ملكه إياها كالعمري ولا يقتسمونه على المواريث ولم يقسم منه لكان الإسلام واد من أودية العرب ، قلت :
[10/498]
***(1/490)
[10/499]
فإن باع القوم من مسلماتهم وحيث امتنع أن يقطع مما قاربهم وفي أوديتهم ، وهل ينتظر الغائب ؟ وهل يتبع بعضهم دون بعض من رجال أو نساء ؟ قال : البيع في هذا أفسخ منه في حقوق الملك المشترى والموروث ، لأن تلك مسلمات الإعراب إنما هو نفي الضرر عنهم من داخل يدخل عليهم ولا هو مما تجرى فيه المواريث ولا تدخل فيه الزوجات ولا مهور النساء ما لم بيع أو يحييه أهله بعمارة أو بئر غير بئر الماشية أو من زرع ، فإذا أحيي أو بيع أو وهب فقد صار ملكا لغيره من ملك العروض ، فإذا باع ذلك الحاضرون وقد جلا آخرون وقطعوا فلا شيء لهم فيه إلا من خرج على أن يرجع لحاجة أو حج أو غيره إلا أن يبيعه الحاضرون والرجال منهم . فإذا بيع دخل فيه مع الرجال النساء والصغير مع الكبير ، ولا يفضل فيه أحد على أحد ، ولا يسلك به سبيل المواريث ولا شيء فيه للنساء قبل البيع ، فإذا بيع دخلوا في الثمن ، ولا يدخلون في دية العمد ، ولا شيء لهم في الدم ، ولا شفعة فيما بيع من هذا الطارئ ، يريد : ممن قد يحلا ، ولا لمن ولد من الآن ، لأن الملك فيه ليس كسائر الأملاك . وفي باب الكلأ مسألة من هذا الباب مستوعبة .
باب في إحياء الموات من الأرض ، وشيء من ذكر القطائع
من المجموعة وكتاب ابن حبيب : روى ابن وهب وغيره ، عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أحيى أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق قال ابن سحنون عن أبيه : وقد وصله محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن
[10/499]
***(1/491)
[10/500]
عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن وهب . قال هشام بن عروة في هذا الكتاب : العرق الظالم هو أن يغرس في أرض غيره . قال مالك : هو أن يغرس أو يحتفر أو يتخذ بغير حق ، قال عنه مطرف وابن الماجشون في هذه الكتاب : أو ابتنى ، قالا : وقال ربيعة : العروق أربعة : عرقان فوق الأرض : الغرس والبناء ، وعرقان في جوفها : المعادن والمياه ، فكل بناء بني أو غرس غرس أو معدن احتفر أو ما انبسط في حق امرئ مسلم فهو من ذلك ، قال عروة في كتاب ابن سحنون نحوا من قول ربيعة إلا أنه قال في الباطنين : البئر والعين . قال مالك في هذه الكتب : ومعنى الحديث في فيافي الأرض وما بعد من العمران .
قال ابن سحنون عن أبيه : قال مالك وأهل العلم : ما علمت اختلافا بينهم أن من أحيى أرضا ميتة في فياقي الأرض وأطرافها في بعد من العمران والقرى بغير إذن الإمام أن ذلك له ملكا تاما كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه قضى عمر بن الخطاب ، واختلفوا فيمن أحيى فيما قرب من العمران والقرى : فقال كثير من العلماء من أصحابنا وغيرهم : له ذلك بغير إذن الإمام ، وقال آخرون : ليس له ذلك إلا بأمر الإمام ونظره .
قال مطرف وابن الماجشون : إن من أحبى أرضا ميتة لاحق فيها لأحد ولا ضرر فيها على أحد مما بعد من العمران ، وحيث لا يتشاح الناس فيه من الفيافي والصحاري ولا ماله أهل القرى المسكونة بمراعيهم ومحطبهم ، فهي له ، وإن كنا لا نأمر أحدا أن يحيى مواتا إلا بإذن الإمام ، ولكن إن فعل في هذه الفيافي فهي له ، وأما إن أحيى مواتا بقرب المدائن والقرى ونحو العمارة بغي قطيعة الإمام . فليس ذلك له ، ولينظر فيه الإمام . فإن رأى إبقاءه له ، فذلك له ، وإن رأى أن يزيله ويقطعه غيره ، أو يبقيه للمسلمين ، فعل ، ويعطيه قيمة ما عمر منقوضا إن شاء ذلك الإمام أو من يقطعه إياه ، وإلا أمره بقطعه .
[10/500]
***(1/492)
[10/501]
قال أصبغ : له إحياء البعيد من العمران بغير إذن الإمام ، فأما ما قرب فلا ، فإن فعل بغير إذنه أمضيته ولم يتعقبه - قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : أحب إلي أن ينظر فيه الإمام بما رأى ، وقاله ابن القاسم ، ورواه عن مالك ، وقاله ابن نافع .
ومن المجموعة : قال أشهب : من أحيى مواتا فهو له على ما جاء في الحديث ، قرب من العمران أو بعد ، واستحب له فيما قرب من العمران أن يسأذنه فيأذن له ما لم يكن فيه على أحد ضرر ، ولا يستأذنه فيما بعد من المعمران ، لأنه لو منعه من ذلك لكان ذلك ظلما .
قال ابن سحنون : وقرأت على سحنون من الشعري المذكور ، عن ابن القاسم أن ما كان قريبا من القرى مما تلحقه الماشية بالرعي في غدوها ورواحها ، وهي لهم مسرح ومحطب ، فلا يدخل ذلك في هذا الحديث . قال : ولأهل القرى قسمة الشعري بينهم على عدة القرى بالسواء لا تفضل قرية كبيرة على صغيرة ، ويكون لكل واحدة ما يقع لها من تلك الشعري مما يليها ، وقد يغل ما يقع لها يكرم ما يليها من الشعري ، وقد يكثر لدناتها ، فأنكر سحنون قوله : تقسم الشعري وقال : المعروق لمالك وابن القاسم خلاف هذا : إن ما قرب من العمران لا يحييه إلا بقطيعة ، فإذا جعله في هذه الرواية عن ابن القاسم ملكا لأهل القرى يقتسمونه ، فكيف يقطعه الإمام لمن يرى ؟ فالمعروف لابن القاسم غير هذا وعلى ما قلت لك ، وهو قول ابن كنانة وأشهب وغيرهما : إن الشعري والمسارح إن لم يكن لها مالك حتى يغير المرعى والمحتطب فهي كالموات ، فما كان منها بقرب العمران فلا يجوز لأحد أن يحييه إلا بأمر الإمام ينظر فيه ، فما كان على أهل القرى فيه ضرر من مرعى ومسرح ومحتطب ونحوه منع منه . قال سحنون في المجموعة : وسواء كانت أرض صلح أو عنوة ، أو أرض أسلم عليها أهلها .
[10/501]
***(1/493)
[10/502]
قال ابن كنانة في أرض متقاربة أو متباعدة بينهم مسارح تجمع فيها مواشيهم ، هل لبعضهم عمارة تلك المسارح بالغرس والحرث ؟ وهل ملك المسارح بينهم بالسواء ، أو لبعضهم دون بعض ، فمن قرب منها كان أكثر أرضا وعمارة ؟ فقال : لا يقسم ذلك بينهم ، لأن لكل واحد منهم أن يرعى في جمعه ، ولو قسم لكان من بيع الكلأ المنهي عنه ، فلا يجوز أن يحيى من ذلك بالغرس إلا ما لا يضر من ذلك بأهل القرى في مسارحهم وأمورهم تسعه البلاد وبعد ذلك من العمارة ، فأما ما قرب من العمران فلا يحيى إلا بإذن الإمام .
ومن المجموعة : قال سحنون : وقد أقطع عمر العقيقة وهو قرب المدينة ، فلم يؤخذ إلا بإقطاعه لقربه ، قال : ومسافة يوم عن العمارة بعيدة .
ومن الكتاب ابن سحنون : قلت : فهل لما قرب من العمران أو بعد حد معلوم ؟ قال : ما رأيت من وقت فيه من أصحابنا . وأرى ما كان من العامر على اليوم وما قاربها مما لا تدركه المواشي في غدوها ورواحها ، وما نتقطع فيه الحجة بضيق المسرح ، فأراه من البعيد ومن الفيافي ، وأما ما تدركه المواشي في غدوها ورواحها ، أو في غدوها ثم تروح ، أو أبعد من ذلك قليلا مما فيه المرفق لأهل الغامورة فذلك يدخله نظر السلطان . فلا يحيى إلا بإذنه بعد اجتهاده ونظره ومشورته أهل الرأي .
ومن المجموعة : قال سحنون : وإن أتى قوم من قرية بعيدة من العمران فأحيوا فيها وعمروا ، ثم أتى آخرون فأرادوا أن يحيوا معهم وبقربهم فلا يفعلوا إلا بإذن الإمام ، لأنها قد صارت عمارة ، فلا يعمر أحد بقربهم فيما عليهم فيه ضرر ، ولكن يكون بإذن الإمام واجتهاده فيما لا ضرر فيه على الأولين .
قيل لعبد الملك في أرض أسلم عليها أهلها : أيقطع فيها الإمام ؟ قال : أما في أطرافها حيث لا يبلغه المرعى والمسرح فيقطعه لمن يرى فيما لا يضر بأهل
[10/502]
***(1/494)
[10/503]
العمران ، قلت : فهل يكون ذلك لحي من العرب يدخلون به في اسم غيرهم ؟ قال : ما سمعت أنه يكره ذلك لدخول/بعض أحياء العرب على بعض ، وإنما تكون القطائع في ذلك لغير المواشي ، ويدخلون غير المرعى ماء العيون ، والمعادن والازدياد من حي في أطرافه مسلماتهم لمواشيهم ، فلا بأس به ، ولا أعلم ذلك يكون لحي من العرب على حي ، وقال بعض أصحابنا : إنما ذلك في الحيين من العرب يتجاوران فيضيق بأحدهما حيزه ، ويكون حيز الآخر واسعا ، فيريد أن يقطع له من أطراف مسلم الآخر فيزاد في مسلمه للمرعى ، فهذا ليس لهم ، ولا فيما مضى من شأنهم أن يدخل حي على حي إلا يريدوا أن يجروا العين تحت الأرض ما مسلم غيرهم وليس مما يضر به ، فلا بأس به .
قال ابن الماجشون : وقال بعض أصحابنا فيمن حفر بئرا على طريق مسلوكة في مسلمات الأعراب فتصدق بها : أنه نافذ وإن لم يكن بقطيعة ، وإن كان على غير الطريق لم يجز إلا بقطيعة من السلطان ، وليردم إلا أن يكون بأطراف البلاد حيث لا يتكلم فيه أحد .
وروى ابن وهب أن عمر بن عبد العزيز قضى بين بني حارثة وهوبالربذة وقد تشاجروا في المنازل ، فحكم أن ينزل بعضهم على بعض على مائتي ذراع ، بحيث لا تتبين امرأة ولا يسمع كلام لحي .
قال ابن سمعان : سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : كانت أحياء أهل البادية إذا نزل بهم القول يريدون المقام معهم ميلا في ميل لمراتع بهمهم ولقاحهم ومرابط خيولهم ومخرج نسائهم إذا كانت الأرض مهمه ، وإن كانت قفرة فحريم القلب العلوية خمسون ذراعا ، وحريم النواي خمسة/وعشرون ذراعا وتصرف حمامتان لهم لماشيتهم ، وماشيتهم إلى ناحية على حده شرقا أو غربا أو غير ذلك ،
[10/503]
***(1/495)
[10/504]
فإن ضاقت الأرض فهي بينهم بالحصص إلا أن يكون لأحدهم حق ثابت فيمنع له حريمه ، ولا يمنعه فضل الماء ليمنع به الكلأ ، فكان سحنون يعجبه حديث ابن سمعان هذا .
في أهل إذا أحيوا أرضا ميتة
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : ومن أحيى أرضا ميتة من أهل الذمة في أرض موات الإسلام ، فذلك لهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : من أحيى أرضا ميتة فهي له إلا أن يكون ذلك في جزيرة العرب لقوله صلى الله عليه وسلم : لا يبقن دينان في أرض العرب ولذلك أجلاهم عمر .
قال مالك : وجزيرة العرب : الحجاز ومكة والمدينة واليمن . وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثله ، قالا : أن عمر نفى بين مكة والمدينة وجزيرة العرب والحجاز كله والحرد واليمن ، أعطي قيمة عمارته وأخرج ، فإن عمر في غير ذلك في بعد من العمران فذلك لهم ، فأما في قرب العمران فإنه يخرج ويعطى قيمة ما عمر منقوضا ، لأن الذمي ليس ممن يقطعه الإمام ، لأن ما قرب من العمران كالفيء ، ولا حق لهم في الفيء .
فيما يكون من العمارة إحياء ، وما قطع بقرب من العمران هل يحتاج إلى إحياء ؟
من المجموعة وكتاب ابن سحنون : قال مالك : وإحياء الأرض أن يحفر/فيها بئرا أو يجري عينا .
[10/504]
***(1/496)
[10/505]
ومن الإحياء : غرس الشجر والبنيان والحرث ، فما فعل من ذلك فهو إحياء وقاله ابن القاسم . قالا : وكذلك لو سبل عنها .
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون : الإحياء في الموات البعيد عن العمران : حفر الآبار ، وشق العيون ، وغرس الشجر ، وبناء البنيان ، وتسييل الماء عن الردعة من الأرض ، وقطع الغياض ، والفحص عن الأرض مما تعظم مؤونته ، وتبقى منفعته حتى يصير مالا يعتد به ، وتبقى منفعته ، فهذا وشبهه إحياء .
ومن كتاب ابن سحنون : قال ابن القاسم وأشهب وجميع أصحابنا لا يكون الرعي إحياء ، قال ابن القاسم : ولا حفرهم بئرا لماشيتهم إحياء ، وهم أحق بمائهم ، وما فضل فالناس فيه سواء . وقد قال أشهب : إذا نزلوا أرضا فرعوا ما حولها فهم أحق بها من غيرهم ، وذلك إحياء ، لأنهم قد راعوا وينظرون أن يزرعوا فلم يعجب سحنون قول أشهب .
ومن المجموعة : ذكر عن أشهب مثله وقال : ألا ترى المعدن إذا حازه فعمل فيه كان أحق به ما أقام عليه ؟ كذلك هذه ، ذلك إحياء لها ما اقاموا عليها غير معطلين لها ، فإن عطلوها فالناس أحق بها .
قال ابن كنانة : سبب أن له ثمرة بموضع كذا إلى موضع كذا ، فليس هذا بشيء . قال ابن القاسم : وليس التحجير إحياء . قال أشهب : وقد روي عن عمر أنه ينتظر به ثلاث سنين وأنا أراه حسنا ، ثم من أحياها بعد فهي له . قال : ولو أخذ غيره في إحيائها فقام عليه يحجرها فأراهما فيها شريكين .
[10/505]
***(1/497)
[10/506]
ومن العتبية م رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وذكره ابن عبدوس فقال : وقال غيره : ومن أقطعه الإمام/أرضا بقرب العمران كانت له وإن لم يعمرها ، ويبيع ذلك إن شاء ويورث عنه .
ومن المجموعة : قال أشهب : ومن تحجر أرضا بعيدة من العمران ، فلا يكون أولى بها من أحد ، حتى يعلم أنه تحجرها ليعملها إلى أيام يسيرة حتى يمكنه العمل ، ولو لم يتحجره حتى يقطعه من الناس ليعمله يوما ما ، ولو تحجر كثيرا وعمل فيه يسيرا ، فهو كمن تحجر يسيرا وأخر عمله ، فإن كان قويا عليه وإنما أخره لأيام تتبين فيه الأرض ، أو أخره لغلاء الأجر أو نحوه من العذر الذي يؤخر له الناس أعمالهم ، فذلك له ، إن رأى أنه إنما تحجره وهو لا يقوى عليه ، فله منه ما عمر ، ويشرع الناس فيما لم يعمر . وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث ما بين الصخر والبحر ، ومعادن القبلية ، فقال له أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعك ما لا تطيق ، فخل بيني وبينه أقطع فيه ، فقال : اقطع ما بدا لك ، فأقطع فيه ، وبقي لبلال . وفي حديث آخر : أنه أقطعه من العقيق ما يصلح فيه المعتمل ، فلم يعمله ، فقال له عمر : إن قدرت عليه فاعمله ، فما عملته فهو لك ، وإلا أقطعته للناس . فقال : قد أقطعنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليك فيه شرطا ، فأقطعه عمر ولم يكن اعتمل فيه بلال شيئا .
قال ابن كنانة فيمن نزل منزلا فلم يعمر فيه غير منزله ، فأراد رجل أن ينزل إلى جانبه فمنعه ، قال : ليس له أن يمنعه ، وليس للباني أن يضر به فيما عمر ، وليس للحريم حد إلا ما يمنع من الضر .
قال ابن القاسم وأشهب : وليس حفر بئر الماشية إحياء/، ولا يمنع فضل مائها ، وهو الذي جاء فيه : لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ . قال أشهب :
[10/506]
***(1/498)
[10/507]
وهذا في ارض الأعراب حيث المراعي ، فإذا كانت البئر لا تملك وله النفع به فليس بإحياء ، وأما من حفر بئرا بفلاة من العمران ، ثم جاء آخرون فنزلوا قربه ، فإنهم يمنعون مما يضر به .
فيمن أحيى أرضا مواتا ثم استحقت ، أو أحياها ثم عطلها فدثرت ، فأحياها غيره ، ومن أقطع أرضا فتركها حتى عمرها غيره بإقطاع أو غيره
من كتاب ابن حبيب وغيره : ذكر حديث حميد بن قيس فيمن أحيى أرضا مواتا لا يظنها لأحد ، ثم أتى من يستحقها بالبينة ، فقضي عمر أن لرب الأرض إن شاء أعطى الذي عمر قيمة ما أحدث فيها ، وإلا أعطاه الآخر قيمة أرضه . ومن رواية مطرف أن الصديق قطع لرجل أرضا فأحيى فيها وعمر وغرس ، ثم جاء آخر بقطيعة من النبي صلى الله عليه وسلم ثم اختصما إلى عمر فقضى للأول أن يعطيه فيه ما عمر وأحيى ويخرجه ، فقال : لا أجد ، فقال للآخر : أعطه قيمة أرضه بيضاء ، فقال : لا أجد فقضى أن يكون ذلك بينهما ، هذا بقيمة الأرض ، وهذا بقيمة العمارة ، وبهذا الحديث أخذ ابن القاسم .
قال مطرف وابن القاسم : إن قول مالك والمغيرة وابن دينار وغيرهم من علمائنا أن ليس للذي عمر أن يعطي لرب الأرض قيمة أرضه إذا أبى رب الأرض أن يعطيه قيمة عمارته ، ولكن إذا أبى رب الأرض أن يعطيه قيمة العمران كانت الأرض بينهما ، هذا بقيمة/أرضه براحا وهذا بقيمة عمارته قائمة ، وتفسير ذلك أن تقوم الأرض اليوم براحا ، ثم تقوم الأرض بعمارتها ، فما زادت قيمتها بالعمارة كان العامل به شريكا لرب الأرض ، وهذا مستوعب في كتاب الاستحقاق .
[10/507]
***(1/499)
[10/508]
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : بلغني عن مالك فيمن أحيى أرضا بالعمارة فتركها حتى عفت آثارها وهلكت أشجارها ، وطال زمانها ثم أحياها بعد ذلك غيره ، إن الثاني أحق بها إذا أحياها . قال ابن القاسم : وهذا فيمن أحيى في الموات فيما ليس بأصل ملك له بخطة أو شراء ، فأما ما كان له فيه أصل ملك : فهذا ليس لأحد إحياؤه ، وهو الذي جاء فيه حديث حميد بن قيس .
قال سحنون : من عمر أرضا مواتا فقد ملكها لا تخرج من يده بتعطيله إياها . وإن عمرها غيره فالأول أحق بها . قال ابن عبدوس : قلت له : ولا يشبه الصيد الذي صاده رجل ثم نذ واستوحش فصاده آخر ؟ قال : لا .
ومن العتبية : قال أشهب عن مالك : وسأله رجل فقال : إن عاملنا أقطعني أرضا أربع مائة ذراعا من حد كذا إلى كذا ، فغيب عنها فوثب عليها رجل يعمرها وبنى فيها ، فقدمت فقمت في ذلك ، فقال : لا أراك حزت ما أقطعك بعمارة ولا نماء حتى عمرها غيرك ، فأمرك ضعيف . قال : كنت غائبا . قال : كم غبت ؟ قال : ثلاثة أشهر ، قال : فما أعلمه أحد بقطاعك ؟ قال : ما أدري ، قال : فلعمارته مؤنة ؟ قال : نعم بنى فيها حوانيت . قال : من أقطعك ؟ قال : والينا . قال : فمن أذن له أن يقطعك ، أمرك ضعيف ، فارفع ذلك إلى/السلطان .
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : ومن أحيى مواتا بما يحيى به مثله ثم تركه حتى عفت آثاره ، ويبست أشجاره ، وغاضت مياهه ، وعاد مواتا كما كان ، وأحياه غيره ، فإن كان بحدثان ترك الأول إياه وبحوالة عمارته ، فهو للأول ، ثم ينظر للثاني ، فإن عمر عن جهل بالأول فهي شبهة ، وله قيمة عمارته قائمة ، فإن كان عن علم بالأول ، فإنما له قيمة نقضه ، قالا : وإن عمرها عن طول ترك الأول لها ، وكان تركه كالإسلام لها وترك إعادتها فهي للآخر ، غير أنه ينبغي للإمام أن ينهي أن يفعل مثل هذا دونه لأنه ذريعة إلى إدخال الشبهة في عمرانهم وقطائعهم ، قالوا : وسواء أحياها الأول بإذن الإمام أو بغير إذنه . قال : وإن ادعى الأول تركه لها لم يكن إسلاما لها ، وأنه كان على إحيائها ، فلينظر ، فإن كان بعد العهد وطال
[10/508]
***(1/500)
[10/509]
جدا بعد أن عفت ، فلا قول له ، وإن قرب العهد فذلك له ، قالا : وإن أقطعه الإمام أرضا ولم يقدر على عمارتها فليس له أن يحجرها عن الناس ، وللإمام أن يقطعها غيره ممن يقدر على عمارتها ، كذلك لو تحجر أرضا حيث يجوز له الإحياء بغير إذن الإمام ، فلا يجوز له أن يحجر ما يضعف عن عمارته ، وللإمام أن ينظر فيه ، فإن رأى أن له قوة على عمارته فيما قرب من عامين وثلاثة خلاه ، وإلا أقطعه لغيره . قال : والذي يقطعه الإمام أرضا فلم يقو على عمارتهما فله أن يبيعها ويهب ويتصدق ما لم يكن في عجزه عنها فيقطعها لغيره . ومن هذا في باب ما يكون في العمارة إحياء .
في الشعري والبور يكون بين القرى أو قريبا منها/هل لهم قسمة ذلك ؟
وكيف يقسم ؟
ابن حبيب : اختلف أصحابنا في قسمة الشعري والبور بين أهل القرى المحيطة والشارعة إليها ، ولم يجتمعوا على القضاء بقسمته ، فقال ابن وهب وأشهب : لا يقسم بينهم ، اجتمع رأيهم على قسمتها واختلفوا ، لأن البور والمسرح ليس لهم ، وهو من أعفا الأرض ، وفيه لكل المسلمين حق في مناخ لهم لإبلهم ومرعى دوابهم من المارة وغيرهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ فإذا قسموه فقد منعوا الكلأ يجوز كل واحد منهم حظه إلى قريبه ، وكذلك قال اصبغ إنه لا يقسم البور بين تلك القرى لأن فيه منفعة المارة في الرعي ، وهو كالكلأ في الفيافي ، لا يجوز منعه ، إلا أن يكون البور في داخل حوز كل قرية قد أحاطت به حدودها ، فهذا يقسم بين أهل القرية إن شاءوا ، فأما الذي أحاطت به القرى وحد كل قرية ينتهي إلى البور ثم يقف ، والبور بائن من القرى فلا يقسم ، وإن اجتمعوا على ذلك ، فأما الذي في داخل حدود القرية فلهم قسمه كالساقية للدور ، قال :
[10/509]
***(2/1)
[10/510]
فإن أحبوا قسمه فلا يقسم بمراد بعضهم حتى يجتمعوا كلهم وقسم بتراض منهم ، أو يجتمع على قسمه رؤساء القرية ومن إليه أمرهم فيقسم على قدر ما لكل واحد من أهل القرية ، وقال داود بن سعيد بن دينر صاحب مالك : نحو قول أصبغ ، وقال ابن الماجشون في البور الذي أحاطت به القرى فلهم قسمه إن أحبوا ، ومن دعا منهم إلى قسمه قضي له على الباقين بالقسم ، وليس ترك من كان قبلهم يمنعهم قسمه ، وقاله مطرف وابن القاسم ، وقد وصف محمد بن يحيى النسائي لمالك شعري الأندلس ، وسأله عن ذلك فقال : يقسم إذا طلب ذلك بعضهم ثم لمن شاء أن يبور سهمه ، ومن شاء اختزنه .
وقال ابن نافع مثله .
قال ابن حبيب : وقسمه الشعري بين أهل القرية إذا تداعوا إلى ذلك لأنها أفنيتهم . وإنكاح قريتهم ، ومحطهم ، ومسارب ماشيتهم ، ألا ترى أنه ليس للسلطان أن يقطع منه لأحد شيئا ، لأنه حق لهم كالساحة للدار أو الدور فهي لهم إذا أحبوا قسمها أو دعي إلى ذلك بعضهم ، وكانت تحمل القسم لسعتها ، فلتقسم بخلاف العفاء فيما بعد من القرى مما لا تناله الماشية من الغدو والرواح ، ولا ينال منه الاحتطاب إلا بالكلفة . فذلك لا حق فيه للقرى التي تجاوره إلا بقطيعة من الإمام يقطعه أهل القوة على إحيائه منهم أو من غيرهم إن رأى ذلك أرفق بالناس ، وإن رأى أبقاءه عفاء أبقاء ، وكذلك فسره مطرف وابن الماجشون ، وقيل : ومثله عن ابن القاسم .
قول ابن حبيب : ليس للسلطان أن يقطع منه أحدا شيئا .
لا يصلح ، لأن ما قرب من العمران لا يحيى إلا بقطيعة من السلطان ، هذا قول أصحاب مالك ، وقال بعضهم : يجوز أن يحييه بغير إذن الإمام ، وأما قوله : فيما
[10/510]
***(2/2)
[10/511]
بعد مما لا تناله الماشية في الغدو والرواح ، فإنه لا حق فيه للقرى التي تجاوره إلا بقطيعة من الإمام ، فإن كان يريد قرى غير هذه تجاوره في الشعري التي أحاطت بها القرى أن ذلك يقسم ، لأنه ليس للسلطان أن يعطيه لأحد ، فقد نقض قوله : أن ذلك كساحة الدار ، وإن دعا أحد/إلى قسمتها فذلك له ، فهذا لا يصح ولا يقسم إلا باجتماعهم وتراضيهم ، ولو قسمت بالسهام وقع نصيب هذه قبالة باب هذه ، كذلك قال سحنون ، قال سحنون : وفيها قول أنها تقسم إذا اجتمعوا بغير سهم ، ويعطى كل واحد منهم نصيبه قبالة بيته ، وروى ذلك عن مالك .
ومن كتاب ابن سحنون : قرأت على سحنون من كتاب الشعري من القرى مما تلحقه الماشية في الغدو والرواح فهو لهم مرعى ومحتطب ن فلا يكون لمن أحياه ، ولأهل تلك القرى قسم تلك الشعري بينهم على عدد القرى ، لا ينظر إلى صغر قرية ولا كبر أخرى ، فتأخذ كل قرية منابها مما يليها بالسواء ، وقد يقل ما يقع لقرية لكريم ما يليها من الشعراء وقد يكثر لدناءتها ، فأنكر هذا سحنون وقال : المعروف لمالك وابن القاسم وغيره خلاف هذا ، وذلك أن الناس لم يختلفوا فيما بعد من العمران أنه يحيى بقطيعة من الإمام ، واختلفوا فيما قرب فقال كثير منهم من أصحابنا وغيرهم : أن للرجل أن يحييه دون إذن الإمام ، وقال الآخرون : لا يحييه إلا بقطيعة من الإمام ، وهذا خارج من هذين القولين ، فإذا كان لهم أن يقسموه فلا معنى لنظر السلطان وإقطاعه .
ومن العتبية : روى محمد بن خالد عن ابن القاسم في مسرح أراودا قسمته قال : ليس ذلك لهم ولا تقسم المسارح ، إنما تقسم الأرضون .
وروى عنه أصبغ في قرئ أحاطت بفحص عظيم أكثره بور يرعى فيه ويحتطب ، أرادوا قسمه ، قال :/ليس ذلك لهم ، ويبقى مرعى لهم ولمن بعدهم ، وللمارة .
قال ابن سحنون : قرأت عليه من هذا الكتاب : وإذا كانت الشعري بين القرى ، والقرى يسرعون إليها بمواشيهم واحتطابهم ، وبعضهم أقرب إلى الشعري من
[10/511]
***(2/3)
[10/512]
بعض ، فأرادوا قسمتها ، فإنها تقسم على عدد القرى ، وذكر مثل ما تقدم ، قال : كذلك الشعري يكون للقرية القريبة منها مثل ما يكون للبعيدة من هذه القرى ، وإن كانت على ثلاثة أميال ونحوها ، ومبناهما متصل بتلك الشعري ، فلها في القسم حصتها على عدد القرى يأخذه من ناحيتها ، وإنما قسمته على عدد القرى ، وجعلت حد الصغيرة والكبيرة سواء لما جعلت لمن بقي منهم ولعلها لبعضهم دون بعض وكلهم يدعيها ، فيعطى أهل كل قرية ما يقع لهم مما يليها إن كريما فبقيمته ، أو لئيما فبقيمته ، قال : لو كان يقطع بين أرض هذه القرى البعيدة وبين الشعري نهر عظيم ، أو جبل صخر لا نفع لهم فيه ، فلا يدخل أهل القرية في قسم الشعري إلا أن يقيموا بينة أن لهم فيها حقا .
قال سحنون : قد أعلمتك بقول ابن كنانة وأشهب وابن وهب وابن نافع أنها لا تقسم وإن اجتمعوا على قسمها ، ابن نافع إلا أن تكون الشعري لهم بوراثة ، أو شراء ، أو ملك بوجه من الوجوه ، فله قسمتها بقدر ملكهم فيها ، وإن كانت على غير ذلك فهي إلى الإمام وله أن يقطع فيها من يرى .
قال سحنون : وإذا لم يكن لهم فيها إحياء إلا بالمرعى والمسرح والمحتطب/فليس ذلك مما يوجب الملك الذي يوجب القسم ، ولكن يبقى على ذلك ، ومن أراد الإحياء فيها بالعمارة فيأذن الإمام على اجتهاده مما لا يضر بأهل القرية في مرافقهم منها . قال سحنون : وفي بعض ما ذكر ابن القاسم في القرية التي حال بينها وبين الشعري صخرة أو نهر ما يدل على صحة قول ابن كنانة ومن معه ، لأن ابن القاسم لم يجعل لتلك القرية المرعى والمحتطب في الشعري حظا في قسمتها ، وكذلك قوله : وقبسمتها بينهم ، إذ لا أدري لمن هي منهم وكلهم يدعيها ، فهذا يدل على أنها لهم بملك غير الإحياء بالرعي والمحتطب ، ولو كان ذلك بإحياء الرعي والمحتطب ما ساوى بين القرية الصغيرة والكبيرة في القسم .
وقال عبد الملك : يقسم بينهم ، ويدخل معهم أهل القرية التي قطع بينهم وبين الشعري نهر أو جبل أو صخرة . قال عنه ابن حبيب : نهر أو محجة أو
[10/512]
***(2/4)
[10/513]
جبل ، أوصخرة أو حرة لا تحرث ، ويعطي كل قرية ما يقطع لهم مما يليهم كان لئيما أو كريما بالقيمة لأن أخذ ما يليهم أرفق بهم .
قال في كتاب ابن حبيب : ويعطى أهل كل قرية منفردة حظهم مما يلي نهرهم أو حرثهم القاطعة بينهم وبين الشعري ، وذكر ابن حبيب قول ابن القاسم : أنهم لا يدخلون معهم ، واختار قول ابن الماجشون . قال سحنون : فلو قال عبد الملك : إن السلطان يقطعهم ذلك بينهم لئلا يضر بهم من يحييه من غيرهم لكان وجها ، وقد خلط في بعض قوله فقال : فادعى أهل القرية التي خلف النهر أو الصخرة أن لهم في الشعري حقا معهم ،/وقال أهل القرى : إن الذي يصل لهم منا ناحية منزلهم صادف كرما أو دناءه . قال سحنون : فصار هذا كإقرار منهم أن للمنفردة منهم في الشعري حقا .
قال ابن القاسم في كتابة هذا : وإذا كانت قرية تلي أرضها الشعري وقرى خلفها قد انقطعوا من الشعري بأرض هذه القرية ، أو بحور معروف ، أو بجبل صخرة فأهل القرية التي تليها أحق بها ولا يدخلون معهم فيها ، وإن يرعون فيها ، ولا يوجب المرعى حقا فيها إذا لم تتصل أرضهم بها ، ويقسمها أهل هذه القرية على قدر أملاكهم في القرية ، فكذلك تقسم بينهم الشعري بالقيمة والسهم ، ولم يجعل ذلك مثل القرى حول الشعري فيدعونها فتقسم بينهم بالقيمة بلا سهم يأخذ كل واحد مما يليه .
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون : وسئل أشهب عن الشعري يكون مسرحا لماشية ومحتطبأ ولبعض القوم حرفه في بعض ذلك المسرح بيعده من القرى لها بياض يسير هل يعطى من المسرح بقدر بياضها في القسم ؟ قال : لا تقسم الشعري وإن اجتمعوا على ذلك ؛ لأن هذا من العفاء ، ولعامة المسلمين فيه حق في الرعي والمراح والمادة وغيرها ، وقسم ذلك مع الكلأ فأشبه ما نهي عنه
[10/513]
***(2/5)
[10/514]
من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ ، ولو أجزت قسمتها جعلت لصاحب القرية الخربة بقدرها من قراهم ، ولم أر القسمة فيها قسمة مضرة من تضييق الواسع وخراب العامر إلا باجتماع منهم ، ولكن لا يجوز قسمتها لأنها ليست لهم وهي من العفاء . قال :/قال نحوه ابن وهب .
وقال ابن وهب في قرى أهل يريدونهم أو من اشترى منهم أو من غيرهم أن يمنعوا في شعراهم ما أحيوا أو غرموها . قال : لا يمنعوا من ذلك .
قال سحنون : سألت ابن نافع عن قول أشهب وابن وهب قال : إن كانت الشعري لأهل القرى بوراثة أو شراء أو بوجه من الوجوه ، فلهم قسم بورها ، وإن لم يكن ذلك فذلك للإمام يقطعه من شاء ، قال ابن سحنون : فرأيت سحنون ينحو إلى معنى ما روي عن ابن القاسم في قسم الشعري : أنه بمعنى ما ذكر ابن القاسم .
نافع : إنه إذا ذكر أهل تلك القرى أن الشعري بينهم بملك أو وراثة أو أمر قد سمع وتقدم عهده فقدت فيه البينة . قسم ذلك على دعواهم من الملك وهو وجه ما ذكر . عبد الملك أنه قال في الشعري بين القرى : إذا كان أهل القرى يدعونها لا ينازعهم فيها أحد ، وكان قد تحقق أنها لهم دون غيرهم بسماع من الناس يترجح بذلك فأراها لهم دون غيرهم ، فإن قسموها فإنما تقسم على عدد القرى الكبيرة والصغيرة سواء مما يقع عليها اسم قرية ، ويعطى أهل كل قرية نصيبهم مما يليهم ، ولا ينقص هؤلاء لكرم ما يليهم ، ولا يزاد هؤلاء لدناءة ، وكذلك قال ابن حبيب عنه من أول المسألة وزاد من كتاب ابن حبيب بغير تقويم وإن اختلفت في الكرم والدناءة ، والشعري بين القرى كالأفنية بين الدور ، قال في
[10/514]
***(2/6)
[10/515]
الكتابين : لأن ذلك لو عدل بالقيمة والزرع لاستفاض ودخل بعضهم على بعض . قال في كتاب ابن حبيب : إلا أنه لا يضر بهم/ولا يدخل بعضهم على بعض بالتعديل لسعته ، فيعدل بالقيمة . ويزاد في اللئيم ، وينقص في الكريم ما كان فيما يلي كل قرية ما ينتفع به ، ولم تدخل واحدة على الأخرى بالتعديل ضررا ، فإذا خيف ذلك أمسك عن تمام التعديل ولم يكن للأخرى غير ذلك .
قال في كتاب ابن سحنون : ولو باعوا جميع هذه الشعري لكانت حقوقهم منها على ما وصفنا .
قال في الكتابين وأما إن كانت هذه الشعري بناحية من النهر لا يضرهم أن تكون حقوقهم منها حيث كانت ، فهذه تقسم بالتعديل في القيس عن تساوت ، وعلى القيمة إن اختلفت في الكرم والدناءة فيزاد في الزهيد على الكريم في القيس ، قال في كتاب ابن حبيب : ثم يضرب بالسهم بينهم ، يقع ذلك حيث وقع ، وسواء كانت القرى في القرب من الشعري بمنزلة سواء ، أو كانت لاصقا بها ، وأخرى على الميل والميلين إلا أن بعضهم متصلا بها ، فإنما تقسم بالاجتهاد .
قال في كتاب ابن سحنون : إلا أن يكون في ذلك ضرر فيعدل بالدنانير والدراهم .
قال سحنون : قد قارب هنا عبد الملك قول ابن نافع ، قال سحنون : فإذا ثبت الملك فيها قسمت على سبيل الأملاك فيفضل الكريم بالقيمة ، وقولي قول ابن كنانة وأشهب وغيرهما : إن المسالك والشعارى إذا لم يسبق فيها إحياء بغير الرعي ولاحتطاب ، فإنها لا تباع ولا تقسم ، لأنها من الموات ، فما كان منها بين القرى وقرب العمران فلا يحيى إلا بإذن الإمام ، وما بعد من العمران فهو لمن أحياه/بغير إذن الإمام ، فإن تعدى ذلك هذين الصنفين ، أو يكون قوم اختطوا فتركوا ما اختطوا مسرحا بعد أن ملكوه بالخطة ، فلا يجوز أن يقسم لأنه تضييق عما ترك له ، إلا أن يجتمعوا على ذلك ، إلا أن يكونوا اختطوا ما قرب من المسرح ،
[10/515]
***(2/7)
[10/516]
وتركوا المسرح لم يجر فيه معتمل ، تركوه مرعى ، فهذا الذي قال أشهب : هذا موات فمن أحيى فيه شيئا فهو له ، إلا أن يقرب من العمران فلأهل الخطة منعه ، وينظر فيه السلطان ، فيعطيه لمن يرى من أهل تلك القرية وغيرهم . قال ابن حبيب : وقال مطرف في ذلك مثل قول ابن الماجشون ، وقال أصبغ مثله . أرى اصبغ تأول في قول عبد الملك : إنه رأى أن الشعري ملك لهم . قال سحنون : لأن ابن حبيب قال في غير موضع من كتابه : إن أصبغ يرى أن تقسم الشعري إلا أن تكون في داخل القرية وحدودها .
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : وإذا كان البور بين قريتين فأرادا هنا قسمه ، فليقسم شطرين لا تفضل الكبرى وإن كثر أهلها على الصغرى وإن كانت الصغرى قرية وليست تتبع الكبرى ويجعل نصيب كل قرية مما يليها بغير قرعة ، لئلا يقع تصيب هذه قبالة الأخرى ، فإن كان ما يلي هذه كريما وهذه لئيما : فليقسم بينهما طولا لتنال كل قرية حقها من الكرم بالقيمة إذا صار ما يلي كل قرية ما ينتفع به ما لم يدخل بتعديل ذلك بالقيمة ضرر على إحداهما ، فإذا بلغ ذلك إلى ما يدخل به الضرر على إحداهما أمسك عن بقية التعديل إلى منتهي الضرر ، ولم يكن للأخرى غير ذلك ، ثم إن طلب أهل/كل قرية قسم ما وقع لهم ، كرهت لهم ذلك وأحبيت لهم إبقاءه مرعى ومسرحا ومحتطبأ وطريقا للمارة ، فإن أبوا إلا القسم أو بعضهم ليزرعوا ، قسم بينهم على قدر أصل أملاكهم من القرية بشراء أو ميراث أو هبة على قدر أصل سهامهم فيها ، لا على قدر البياض والعمران ، ولا على عدد الجماجم كان بعضهم قويا على العمل أو ضعيفا ؛ لأن العمران بينهم على أصل ملكهم لعامرها ، وليس للرجل معهم بقطيعة أرض اشتراها أو بمسكن منهم إذا لم يكن له في أصل القرية شيء ، وقال مثله مطرف وابن الماجشون .
قال أصبغ : لا تقسم البور وما يكون داخل حوز القرية وملكها .
[10/516]
***(2/8)
[10/517]
ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وذكر ابن حبيب محمد بن بشير : كتب به إلى ابن القاسم في قريتين إحداهما في جهة المشرق ، والأخرى في جهة المغرب ، وبينهما ميل أو أميال ، يريد أهل كل قرية قرب العامل ، ويدعونه من حوز قريتهم خاصة ، ولا بينة لهم ، وجوز كل قرية ينتهي إليه ، وهو بائن عن القريتين ، قال : يقسم بين القريتين نصفين ، ولا ينظر إلى قلة عمارة إحداهما وإن قل ، ولا إلى كثرة عمارة الأخرى وإن كثر ، ثم يقسم أهل كل قرية نصفهم على قدر سهامهم في قريتهم ، فإن ادعاه كل واحد دون أصحابه قسم بينهم أجمعين ، ولو كانت القريتان في شق واحد متحاذيتين ، والعامر مقابلهما ، فلا تقسم بينهما نصفين ، ولكن لكل قرية حد ، وعامرها من الغامر قل ذلك أو كثر ، كالفناء حول الدارين يدعيان فيه ،/فليأخذ كل واحد ما كان حدا فناء داره ، قل ذلك أو كثر ، قال عنه ابن حبيب ، وهذا إذا كان في تعديله بينهما في القسم دخول إحدى القريتين على الأخرى أو من إحدى الدارين على صاحبتها ، وقاله مطرف وابن الماجشون .
ومن العتبية : قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المسرح لقوم من دون منزلهم ، أراد بعضهم حرثه وأبى بعضهم قال : فليقسم ، ثم يصنع كل واحد في نصيبه ما شاء ، قال يحيى : فإن أراد بعضهم أن يقر نصيبه مسرحا ومنع كلأه ، فقد كره ذلك بعض أصحابنا ، وأجازه آخرون ، وكراهته أحب إلي ، لأنه من منع الكلأ الذي نهي عنه ، فلا أري أن يمنعه ولا يبيعه . وقال : أربعة لا أرى أن تمنع : الماء لشق ، والحطب ، والكلأ ، والنار .
قال ابن القاسم في مسارح في بعض القرى أرادوا قسمتها . وقد كان ينتجعها من حولها من أهل القرى للرعي فيرعى كل من كانت ماشيته تسرح فيه ، فأما من كان يحظى إليه فلا حق له فيه ، [وقد يسرح قوم عند قوم فلا يوجب لهم الرعي حقا ، والمسرح لأهل القرية التي هم حيزها ، فإن تداعى فيها أهل قريتين أو
[10/517]
***(2/9)
[10/518]
ثلاثة أو أربعة ، وكلهم حول أهل المسرح ، وهو في وسطهم ، ولا بينة لهم فليقسم بينهم على عدد تلك القرى ، لا على قدر عمارتها ، وقال عنه محمد بن خالد في المسرح بين القوم أرادوا قسمه ، قال : ليس ذلك] لهم ولا تقسم المسارح إنما تقسم الأرضون ، قال عنه اصبغ في منازل أحاطت بفحص عظيم ، ولكل منزل/منها فيما بينهما أرض تحرث ، وأكثر ذلك الفحص بور يرعى فيه أهل تلك المنازل وغيرهم ويحطبون ، ولا يزال بعضهم يزيد إلى أرضه العامرة فيه من المنافع للمارة من رعي ومناخ واحتطاب ، فإن قسموه فلا أرى لمن يرعى معهم يدخل معهم في ذلك ، قال أصبغ : ويترك على حاله كالماء المورود وسطهم ، فهو لهم ولغيرهم ، ليس لهم اقتطاعه ولا رده .
في القرية لبعض أهلها فيها أكثر من بعض ، ولهم بور تشاحوا في قسمته ، وكيف إن اختلف تداعيهم فيه ؟ وكيف تقسم ؟
روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم ، وذكر ابن حبيب أن محمد بن بشير كتب إلى ابن القاسم في قرية لبعض أهلها فيها أكثر من بعض ، ولهم عامر أرادوا قطعه وقسمه وحوزه . كيف يقسم بينهم أعلى أصل سهامهم ، أم على أصل ما في أيديهم اليوم منها ، أو على عددهم ؟ قال : إن ادعوا ذلك لأهل القرية ، وبذلك يجاورون جيرانهم من أهل القرى ، قسم ذلك بينهم على أصل ملكهم من القرية ، ومن ليس له من أصل سهامهم شيء بميراث أو شراء أو عطية ، وإنما أعطي حقولا
[10/518]
***(2/10)
[10/419]
بأعيانها أو حوزا من أرض معينة أو دارا منفصلة وشبه ذلك من المعينات ، وليس بسهم شائع ، فلا حق له في العامر ، وإنما يقسم على كل ذي سهم من أهل الميراث ، ومن اشترى أو أعطي سهما شائعا فله أن يقاسم به ، فإن ادعى/العامر كلهم لأنفسهم ومن مشتري سهم ومعطاه ووارث غير سهم ، وكل يدعي أن العامر له ، فإنه يقسم على جميع أهل القرية كالشيء يدعيه رجلان يقسم بينهما بعد أيمانهما .
قال ابن حبيب : قيل لمطرف : إذا تشاحوا في بور قريتهم ، واختلفوا في دعواهم فيه ، عرف أن أصل القرية كان لثلاثة نفر لا يدري كم كان لكل واحد منها ، وهؤلاء أبناؤهم ، كيف يقسم بينهم ؟ قال : على قدر الدعوى بعد أيمانهم ، فإن ادعاه كل واحد لنفسه دون غيرهم ، قسم بينهم على عددهم بعد يمينه قلوا أو كثروا ، وكذلك يقسم البور بينهم على عددهم إذا جهل أهل الأصول منهم ، وجهلت قيمتهم ، وكان كل من في القرية من ذكر أو أنثى ممن له فيها شرب يدعي حقا في البور فليقسم بينهم على عدد الجماجم ، وكذلك قال ابن الماجشون وابن القاسم .
قال ابن الماجشون : فإذا كانت القرية في وسط شعري لثلاثة نفر لكل واحد منهم ناحية معروفة في أرضها البيضاء ، لا يدخل بعضهم على بعض ، فقال بعضهم : تقسم الشعري بالسهم ، وقال آخرون : بل على النواحي يأخذ كل واحد ما يلي ناحيته . [قال : فليقسم بينهم على أرفق شيء بهم وأقربه إلى منافعهم ، والأرفق بهم عندي أن يأخذ كل واحد مما يلي ناحيته] من الشعري ، وكذلك إن كانت قرى ، فلكل قرية ما يليهم ، فإن كان الملك لثلاثة : أخذ كل واحد ثلث الشعري مما يليه بلا تقويم ولا تفاضل درع الكريم على اللئيم يضر بهم التقويم في/دخول بعضهم على بعض ، ويعذل ذلك بينهم على القيمة ، وكذلك قال
[10/419]
***(2/11)
[10/520]
مطرف ، وذكر ابن سحنون عن ابن القاسم في الكتاب المنسوب إليه : أنها إن كانت قرية واحدة فليقسموا شعراءهم بالقيمة بالسهم لأنه حريم واحد ، وإن كانت قرى قسمت بالقيمة بلا سهم ، يأخذ كل واحد مما يلي قريته من الشعري ، وكذلك قال ابن سحنون ، قرأت عليه من كتب المدنيين ، وقال فيه : لأن للقرى لكل واحد منهن حريما لا يدخل بعضهم على بعض ، قال سحنون : جواب ابن القاسم وعبد الملك قريب بعضه من بعض ، وما أرى أتوا إلا من السائل ، وإنما الأمر على أن الشعري إن كانت ملكها لهم بميراث أو غيره . أو بما يحيى به الموات فلتقسم بالسهم والقيمة ، وإن لم يملكوها إلا بالرعي وشبهه فبالقيمة ، فإن لم يملكوها نظر فيها الإمام ، يجتهد فيه فيما قرب من القرية التي يقرب منها مع ما يضر بأهلها ما قطع فيها من رأى بما لا يضر بأهل العمارة .
ابن حبيب : قيل لابن الماجشون في قرية فيها ثلاث حارات ، كل حارة تسمى باسمها والقرية تجمعهم ، وقد أحاطت الشعري بها ، كيف يقسمونها ؟ فقال : على ما أعلمتك من أرفق ذلك بهم . قيل : فقوم أرادوا قسم شعري قريتهم ، فجحد بعضهم بعضا أصل القرية ، ولا بينة لهم ، أو كان لبعضهم بينة . قال : إن عرف أهل الأصل فالشعري لهم دون غيرهم ، فإن كان أهل الأصل ثلاثة أو أربعة ، ثم تفرقت بعدهم ، وسكنها قوم آخرون ، فأهل الأصل أحق بالشعري أو بما أغنم منها على حال الاختطاط من غيرهم من/أهل القرية ، وإن كانت في أيديهم أرض بيضاء ، فقال لأهل القرية : اثبتوا أنكم اشتريتم عامرا وغامرا ، أو أنه وهب لكم في الشعري شيء ، فمن أثبت شيئا أعطيه من حظ الذي باعه أو وهبه بعد أن يقاسم أصحابه ، ويأخذ حظه ، فيصير في حظ هؤلاء ما اشتروا منه أو
[10/520]
***(2/12)
[10/521]
وهب لهم ، وإن لم تثبت بينة لأصحاب الأصل . وجهل أمر القرية فلم يعرف كيف كان ولمن أصلها ، وادعى هؤلاء كلهم أن لهم حقا في الشعري ، قسمت بينهم على عدد جماجمهم على كل من بلغ أن يكون له كسب من الذكور والإناث شرعا سواء ، لا يلتفت لمن كثر بياضه أو قل ، ومن عرف أنه القرية بسكنى فقط أو بابتياع بياض بعينه فقط ، وشبه ذلك ممن يجهل سببه ، فلا حق له في الشعري ، وقاله ابن القاسم ومطرف .
وقال أصبغ : لا تقسم الشعري إلا أن تكون في داخل القرية .
في الشعري بين القرى يسرعون فيها بعمارة أو بعضهم ، أو يحيى فيها غيرهم ، ثم يتخاصمون في ذلك ، وكيف فيمن عمر باشتراء ؟
والتداعي في ذلك كله
من المجموعة : سئل أشهب عن قوم نزلوا بلادا فاختطوا وسكنوا ، وبقيت شعري بينهم وبين البحر ، وعلى البحر مدائن غير مسكونة يرابط فيها ، إنما هي جزائر ، وكان الولاة يمنعون أن يزيدوا في الخطط خوفا عليهم من الروم ، ثم تراخت الحال فأخذوا يتقدمون في الشعري ويختطون حتى/اختطوا على ساحل البحر ، فهل لهم ذلك ، أو ترى للبحر حريما لما يخاف من الروم ، أو لما ينفع به المرابطون لدوابهم ؟ قال : لا يمنعون مما يريدون من الشعري إلا أن تكون قرب العمران فيضر ذلك بأهل العمارة فيمنعوا من ذلك ، ولا أرى للبحر حريما . وفي آخر باب قسمة الشعري مسألة من هذا .
ومن الكتاب ابن سحنون : وقرأت على سحنون من كتاب ابن القاسم في قريتين لكل قرية أرض محدودة مفردة من الأخرى بهدف منصوب ، لا يتجاوز أحدهما إلى حد الأخرى ، وخلف إحداهما مما يلي أرضها شعري يرعى فيها أهل
[10/521]
***(2/13)
[10/522]
القريتين ويحتطبون . فإن أراد أهل القرية التي يليها الشعري أن يحموها دون القرية الأخرى فمنعهم أهل تلك القرية ؟ قال : ذلك لأهل القرية التي تليها دون الأخرى ، لأن الهدف المنصوب فاصل قاطع بينهم وبين الأخرى وما يليها من الشعري ، وليس رعيتهم واحتطابهم فيها يحق لهم حقا .
قال : ولو عمروها معهم بالعمارة ، وتقادم عمرانهم نحو عشرين سنة ، ثم قام عليهم التي يليها الشعري فقالوا : إنما تركناكم ونحن نظن أن ذلك لكم لرعيكم معنا . فإنهم يحلفون على ذلك وعلى أنهم لم يدعوهم ليكون لهم أصلا لتركهم ، ثم لهم أن يعطوهم قيمة عملهم ، وذكر مثله سواء ابن حبيب عن ابن الماجشون ، وفي سؤاله : قرية عليا وسفلي ، وبين أرضهما حد معروف ، والشعري من وراء العليا .
قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون : ولو هلك الذين عمروها من أهل القرية الأخرى وورثها بنوهم/وطال زمانهم ، واصدق ذلك النساء أو بيع ، فإن كانت تلك الشعري مما يورث أو يباع ويوهب ، فذلك لمن هي بيده بما ذكرت من ميراث أو بيع ، فإن كانت تلك الشعري مما يورث أو يباع ويوهب فذلك لمن هي بيده بما ذكرت من ميراث أو بيع أو إصداق أو هبة . حتى يقيم أهل القرية التي صارت لهم البينة أن آباءهم إنما عملوا على ما ذكروا فيعطوا .
قال سحنون : إن ابن القاسم في جوابه هذا رجع على قول المغيرة وأصحابه ، ويدل على أن الملك المتقدم بغير الجواز ، ألا ترى إلى قوله : إذا كانت مما يباع ويورث ويوهب ، وضعف الحوز بالمرعي ، وجعل الحوز بالجوار والملاصقة لا بالمرعي ، وهذا رجوع عن ما تقدم .
وهذا الكتاب إنما أتي فيه من قبل سائله وناقله عنه ، والأمر في هذا أن ينظر : فإن كان لم يكن للقرية التي تلي الشعري فيها إحياء إلا بالمرعي والجوار ،
[10/522]
***(2/14)
[10/523]
فلا حق لهم ولا لأهل القرية الأخرى ، وينظر للإحياء ، فإن كان في إحيائه ضرر على القرية التي تليها في المرعى والمسرح وغيرهم منع منهم وضم إليهم ، وما جاوز ذلك أقطعه لمن رأى باجتهاده ، وأما ما عمر أهل القريتين في هذه الشعري : فذلك ماض لهم في قول المغيرة وأشهب ، ولكن لم يكن لهم ذلك إلا بإذن الإمام لأنه بقرب العمارة ، قال محمد : وقرأتها على سحنون من كتاب المدنيين : فأجاب فيها عبد الملك بنحو قول سحنون .
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون واللفظ له : قال سحنون : كتبت إلى أشهب أسأله عن قوم اختطوا أرضا عندنا يغرس/هؤلاء في ناحية ، وبنوا ، وحرثوا ، وفعل الآخرون مثل ذلك على أميال منهم ، وكذلك آخرون ، وبقيت سبخة في وسط خططهم يصب فيها ماء أودية تسيل إليها من مسيرة اليومين فأكثر ، ثم نبتت تلك السبخة فصارت مرعى لهم ولغيرهم ، ثم أتى قوم فأحيوا فيها بقطيعة من الإمام أو بغي قطيعة ، وكيف إن كان الذين اختطوا أبقوا تلك السبخة مرعى لهم ومسرحا ، هل ذلك إحياء لهم ؟ قال السبخة لمن اختط فيها ليس لأحد فيها قول إلا أن يكون ذلك بقرب عمارة فيضر ذلك أهل العمارة فيمنعون ، سواء كان أهل الخطط الأول تركوا تلك السبخة لهم مرعى ، كان بقطيعة من الإمام أو لم يكن .
قال سحنون : وقال ابن القاسم في كتابه في الشعري فيها قوى فعمر فيها بعضهم ، واختط بقدر قوته أو ضعفه ، فمستقل أو مستكتر ، وآخر يحجر منها شيئا ، ومنهم من عمر ولا شيء لهم في القرى ، ومن أهل القرى الغائب والصبي والمرأة ، وماشية القرى يرعون فيها ويحتطبون . قال : تقسم الشعري بين القرى بالقيمة على عددهم إذا كان عمارة من عمر فيها مبادرة على غير قسم ولا حق ، ويعطي لمن عمر قيمة عمارته قائما لأنه بنى بشبهة ، ثم يقسم أهل كل قرية ما صار لقريتهم بقدر ملكهم من القرية ، ويأخذ في ذلك المرأة والصغير والضعيف
[10/523]
***(2/15)
[10/524]
حقه ، فمن صار له من العمران شيء أدي قيمة العمارة ، ولا تكون الخطط فيما حازه المسلمون . وقال المغيرة وأشهب وسحنون : هي من الموات ، ومن أحيي منهم فيها شيئا فهو له ، ولكنا نكره لهم أن/يحيوا فيها إلا بإذن الإمام ، فإن فعلوا مضي ذلك ، قال سحنون : قول ابن القاسم هنا : لا يكون الخطط فيما حاز المسلمون ، إن كان يعني : لأن ملكا تقدم فيه فكلام صحيح ، فإن كانت هذه الشعري مما قد حازه المسلمون عنوة ، فكانت تعتمل فيما مضي ، فحكمها الوقف ، يقرها الإمام في يد الذين غلبوا عنوة يعمرونها ، فإن ضعفوا عنها أعطاها غيرهم ، وإن كانت صلحا فهي لأهل الصلح ملك : وإن كانت عنوة بغير قتال ، فقد وصفت لك الحكم فيها ، فكيف يمنع منها الخطط ويقطعها بغير خطط ولا ملك متقدم ؟ فكيف يدخل فيها أهل القرى فيما قد ملك ؟ وإن منع من الخطط ، لأنه قد منع فهذا جواب صحيح ، ويكون أهل الجواز أبعد من أن يملكوه بجوارهم ، وإن لم يتقدم في هذه الشعري ملك ، وكانت مواتا : فلم تمنع فيها الخطط ؟
قال ابن القاسم : ولو قضى قاض أن كل من عمر في هذه الشعري فمضي لعمارته عشر سنين فهو له دون إشراكه في القرية ، فإن قامت بينة تشهد أنه إنما عمر هذه الشعري كل بقدر قوته ، وهم يرون أنهم لهم بعمرانهم ، ومن أهل القرى من له فيها حق من صغير وغائب وامرأة في حجلها ، فليرد ذلك الحاكم ويعطي كل إنسان حقه منها . قال سحنون : وهذا القضاء خطأ يرد ، لأنها إن كانت الشعري قد ثبت عنده ملكها لأهل القرى بخطط مقدمة ، فكيف تبيح الخطط لمن اختط وعمر عشر سنين أو مائة سنة فيما تقدم الملك فيه لغيره ؟ وإن كان لم يثبت ملكها/لأحد بإحياء أكثر من المسرح والمرعى : فحكمها للإمام يقطعها لمن رأي . قيل لابن القاسم : فلو اتخذ قوم في وسط شعري صبرا لمواشيهم
[10/524]
***(2/16)
[10/525]
تأوي إليه عند رواحها وتغدو منها ، وتطاول ذلك نحو عشر سنين أو عشرين أو ثلاثين ، فيموت من ابتني الصبر ، وبنى بنوه فيها واتخذوها مساكن وأجنة ويعمرون ما حولها من الشعري ، وربما زرع آباؤهم تلك الصبر مثل السلت والقطنية ، هل يدخلون مع أهل القرى في تلك الشعري بشيء ؟ وهل يترك باقيها لا يقسم ؟ قال : إن عرف دخولهم أو دخول آبائهم في الشعري على ما ذكرت ، على أن لكل قوم ما اختلطوا فعمره أو سكنه ، فهو يستحقه بذلك ، فليعطوا قيمة عمارتهم ، ثم يقسم ما عمروه منها ، وتلك الصبر بين أهل تلك القرى المحيطة بها ، وإن لم يعرف كيف دخولهم فيها ولا كيف أمرهم . وادعاها من عمرها أنها له ، وأن باقيها مصرف له ، وقد حازوا ما عمروه فيها ، ولهم فيما خطهم نصيبهم كقرية من القرى لمسرحهم ، لأنهم ادعوها وأهل القرى ، فلم يثبت لواحد منهم بينة ، فرأيت أن يثبت لأهل القرى ولهؤلاء حظهم منها معهم لدعواهم أنها لهم .
قال سحنون : وقد رجع في جوابه هذا إلى أصل مالك والمغيرة وابن كنانة وأشهب وغيره ، لأنه قال : فإن لم يعرف دخولهم فيها ولا يعرف كيف أمرها ، وادعاها من عمرها أنها لهم ، فأرى أن ما عمروه لهم ، فدل أن الشعري لا تملك بالجوار ، والمسرح [لأنه قطع حق أهل القرى مما عمر هؤلاء ، والقرى أقدم من عمارتهم ، فدل أن الجوار والمسرح]/لا يوجب الملك ، فهذا صواب .
وقرأت عليه من كتب المدنيين : وعن صبر لقوم في وسط شعري هي بين القرى ، فباع بعض أهل الصبر منها من رجل ، فعمر في تلك الشعري التي تلي الصبر وسرح فيها وأولاده ، فتشاح أهل تلك الشعري في الشعر ، فهل لأهل الصبر فيها شيء ، والصبر مسكونة لا يدري قديمة أو محدثة ، أو قبل القرى أو بعدها ؟ قال : إذا جهل أمرها فأدركت مسكونة فهي من القرى ، ولها حقها من الشعري ، وإن ثبت أنها محدثة فلا حق لها في الشعري ، وإن عمر أصحابها بشبهة ، فهي كما قدمها من المسائل ، ولو هلك المشتري وقسم ولده ما عمر أبوهم ، وقد
[10/525]
***(2/17)
[10/525]
***(2/18)
[10/526]
عمروا البيوت فيها عمارة أخرى ؟ قال : لهم ما ورثوا من آبائهم لما درج من الحجر لآبائهم ، وما لم يورث عن آبائهم بالبينة أو بإقرارهم فيما ورثوا ، أعطوه وعملوا فيه ، فقال : ما وصفته قبل هذا ، وقال : إنما رايته لمن هو بيده من الورثة إذا ورثوا عن آبائهم بالإقرار وبالبينة ، لأنه يمكن أن يبتاعه آباؤهم أو يملكوه بأمر جائز ، وما عمروا مما لم يرثوا عن آبائهم فليسألوا : بن أخذوه ؟ فما جاءوا به في ذلك من بينة أو ثبت أعطوا بها ، وإلا كان من حقوق القرى ، وكان لهم في عمارتها مثل ما ذكرنا من القيمة ، وقاله ابن نافع . في جامع مسائل الشعري نحو هذه المسألة من أولها من قول ابن الماجشون .
وفي قول سحنون : لا يحب بالصبر والمرعى في الشعري حق وإن تطاول ذلك ، فأما بالإحياء بالعمارة فهو لهم ، وإن لم يتطاول ، وإن ادعى أهل الصبر أنهم/اشتروها وقد عمروا وأحيوا ، لم نكلفهم بينة لأهل القرى ، ولا حق لهم بالرعي في الشعري إلا أن يثبت لهم حق قديم واجب ، فإني اكلفهم البينة على دعواهم ، لأنها تصير إليهم بالعمارة ، وأما إذا لم يعمروا فيها شيئا ولا ادعوها بالاشتراء فعليهم البينة ، لأنهم اشتروها من مالكين قد ملكوها بإحياء متقدم ، وعمل غير المسرح . فأحكم لهم خاصة بالشعري ، وأمنع منها من لم يملكها بغير الجوار والرعي .
قال عبد الملك : ولو قضى قاض أن من عمر في هذه الشعري شيئا فبقي في يديه عشر سنين ، فهي له دون إشراكه في القرية ، وكيف بما باعوا بعد الحكم ؟ قال : يرد ذلك كله ، ويأخذ من عمر فيها قيمة عمارته ممن تكون له الشعري . قال سحنون : وقد أعلمتك بفساد هذه القضية ؛لأنه إن تقدم له فيها ملك بالإحياء ، فلا تبطلها الحيازة وإن لم يتقدم فيها ملك فليس وجه الإقطاع من الإمام أن يقول من أقطعته فلا يتم له إلا بحيازة عشر سنين ، فهذا كله خطأ .
[10/526]
***(2/19)
[10/527]
قال ابن القاسم : وإن أتى أهل الصبر ببينة : أنهم اشتروا [ذلك ، وحد البينة ما اشتروه ، قضي لهم به . قال سحنون : إذا قالت البينة : إنهم اشتروا] من مالك ملك بالإحياء بالعمارة لا بالرعي فلا شيء لهم ، فيرجعون بالثمن على بائعهم .
قيل لابن القاسم : فقوم ليس لهم في القرية شيء إلا ما ورثوا من آبائهم ، وبينهم وبين قرى غيرهم شعرى ، لا يعرف لمن هي فشرعوا فيها بالعمارة ، كل واحد بقدر قوته ، وطال زمان ذلك وتوارثه بنوهم ؟ قال : إذا/طالت حيازتهم بالعمارة إلى مثل ما يستحق بالحيازة وهم يدعونه ، فهم أحق به من بقية أهل القرى إذا لم يعرف أصل عمارتهم لها بأي وجه ، فأما إن قامت بينة أو أقر من عمرها : إنما ذلك بالمبادرة بالاختطاط منهم لا بأصل ملك ، فليقسم أصل تلك الشعرى بين أهل القرى بالقيمة ، تأخذ كل قرية مما يليها ، ويغرم من وقعت له العمارة قيمة ذلك لمن عمر ، أو يعطيه الآخر قيمة الأرض ، فإن وقع المعمور لأهل القرية التي عمر أهلها أو بعضهم ، فذلك بينهم مع ما صار لهم منها غير معمور ، ولهم قسم ذلك إن شاءوا على أصل ملكهم من القرية ، وكذلك إذا جهل أصل عمارتهم وملكهم ولم يطل الزمان بالعمارة ، فإنهم يقتسمونها كما ذكرنا ، قال سحنون : الجواب صحيح إلا قوله : إن عمروا مبادرة واختطاطا ، فهذا في قولنا وقول أشهب وابن كنانة لمن عمره ، لأنه من الموات إلا أن تكون الأرض معروفة لهم ملكا ، فهذه تقسم ويأخذ من عمر قيمة عمارته .
قال ابن القاسم في قرية فيها حارات كل حارة تعرف باسم ، وبني كل حارة وأخرى نصف ميل أو أقل أو أكثر ، ولكل حارة أرض معروفة من أرض القرية ، فعمر أحد أهل الحارات ناحية من الشعرى ، ثم تشاحوا في الشعرى وأرادوا قسمتها أو ردها مسرحا ؟ قال : تقسم الشعرى التي أحاطت بها القرى على
[10/527]
***(2/20)
[10/528]
عدد/القرى بالقيمة ، ولكل قرية أخذ ما يليهم مما عمر أو لم يعمر ، ويغرم من وقعت له الغرامة قيمة العمارة ، أو يسلم الأرض بقيمتها فما وقع للقرية ذات الحارات كان بينهم بقدر أملاكهم من القرية ، هذا إن عرف أن عمارتهم كانت على غير أصل ملك ، على ما تقدم ذكره ، وما فات هذه القرية قسم بينهم بالسهم ، وللذي قطع وقلع قيمة عمله فيما قلع من الشعرى أيضًا ، لأنه عمل بشبهة يرى أن ذلك له ، وقال قبل ذلك : لا شيء له بالقطع والزبر حتى يعمر بالبناء والغرس ، ثم رجع إلى هذا .
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون في قطعه الشجر وإفحاصه الأرض : إنها عمارة وله قيمة ما عمر ، قال سحنون : والقول في هذه مثل ما تقدم إن كانت الشعرى مملوكة كما قال ، ويأخذ من عمر قيمة ما عمر للشبهة إذا كان أشراكه حضورا يرونه ولا ينكرونه ، ولا شيء لمن زبر وقطع ولم يبن وإن لم تكن مملوكة فذلك إحياء ، وذلك لمن أحياه .
قال ابن القاسم : ولو سكن معهم أهل الذمة ، ومن المسلمين ، ومن هو على غنيمة ، ومنهم وارث ومبتاع ، ومنهم البعيد العهد والقريب ، ومنهم من لا حق له في القرية ، فعمر الجميع في الشعرى ثم تشاحوا فيها ، قال : إن كانت عنوة أخرج منها المسلمون وما عمروا منها ، وتكلم فيمن عمر في تلك الشعرى مبادرة على ما تقدم ، وهو يرى أن ذلك له ، قال : وإن كانت صلحا والذين عمروها يرونها لأنفسهم ، فطالت حيازتهم فذلك لهم بطول الحيازة ، وإذا لم يعرف أعنوة أم صلح ، ولا كيف دخلوهم ؟ فلتقسم بينهم الشعرى ويدخل معهم أهل الذمة على ما لهم من القرية ، ومن له عمارة يأخذ قيمة عمارته إذا كانت عمارتهم مبادرة ، فإن لم يعرف أصل عمارتهم كيف هي ، وطال زمانهم ، فهم أحق بما عمروا ، ويقتسمون ما بقي من الشعرى لمن يعمر على قدر ما لهم من القوة .
[10/528]
***(2/21)
[10/529]
قال سحنون : إن كنت عنوة نظر إلى تلك الشعرى ، فإن كانت مملوكة معمورة حين غلب عليها فهي موقوفة مثل ما هو معمور . ومن له فيها عمرة بشبهة : أعطي فيها قيمة عمارته بقطيعة الإمام ، وليس لأحد من مسلم ولا نصراني أن يحيى من هذه الشعرى شيئا إلا بإذن الإمام ، ومن كان منهم إنما قطع الشجر وزبر وقطع فلا شيء له في ذلك ، واختلف قول ابن القاسم فيه إذا قلع الشجر من أصولها هل له شيء ؟ قال سحنون : وإن كانت يوم غلب عليهم شعرى لا معمل فيها لهم إلا بالرعي والاحتطاب ، فهي من الموات ، ومن أحيى فيها شيئا فهو له إن بعدت عن العمران ، وإن كانت بالقرب فلا تحيى إلا بقطيعة ، ومن أحيى فيها بغير إذن الإمام مضى ذلك في قول أشهب والمغيرة ، وكذلك القول في شعرى أرض الصلح سواء إلا أن تكون معمورة قديما فلهم أخذها ، ويعطوا من عمر فيها قيمة عمارته للشبهة ، وإنما تقسم هذه بينهم على قدر أملاكهم ، وإن لم تكن كان لهم فيها معتمل فهي من الموات ، والإمام ينظر فيها قرب من العمران خاصة ، وإن لم يعرف أصله أصلح أم عنوة ، فحكم الشعرى إذا عمرت حكم الإحياء في الموات فيما قرب من العمران/أو بعد .
قال ابن كنانة في قرية فيها أهل ذمة ومسلمون ولها بور ، قال : فإن كانت عنوة فالبور للمسلمين . قال سحنون : هذا فيما ملكه أهل العنوة فأحيوه ، قال ابن كنانة : وإن كانوا صالحوا ، فالبور لأهل الذمة إلا أن يحوزه المسلمون عنهم الزمان الطويل : فيكون لهم . قال سحنون : هذا في بور ملكه أهل الذمة بالعمارة قبل الصلح ، وليس هذا في عفاء الأرض .
ومن كتاب ابن حبيب : قال ابن الماجشون في قرية سكنها المسلمون وسكن أهل الذمة في بعضها ، فقال أهل الذمة : نحن أحق بالشعرى لأنا على صلح ، وأهل الإسلام على عنوة ، قال : أرى لأهل الصلح ما يليهم من الشعرى وأما ما يلي المسلمين من ذ1لك فلجماعة المسلمين ، وإن كان ذلك عنوة ، البور والمعمور ، وإن كان أهل العنوة قد قسموا المعمور ولم يوقفوه كما فعل عمر ، فإن لهم من الشعرى ما يليهم منها بقدر ما لهم من القرية ، وإنما يعطون منها ما قرب من
[10/529]
***(2/22)
[10/530]
القرية للمرعى والاحتطاب ، لأنها حقوق القرى ومسارحها ، وأما ما بعد فهو موات ، وإنما الصلح والعنوة في المعمور وما قاربه مما فيه حق . وقاله أشهب وأصبغ ، قال ابن الماجشون : وإن لم يعرف في القرية أصلح أم عنوة وفيها المسلمون ، وأهل الذمة ، ووارث ، ومبتاع . وكل يدعي الشعري لنفسه ، أو يدعي أن له فيها حقا ، فلتقسم بينهم على عددهم من ذمي ومسلم ، وذكر وأنثى ، وصغير وكبير ، ممن بلغ أن يكون له حق شرعا سواء .
قال سحنون : قال ابن القاسم/في قرية بين قوم ولأحدهم فيها أرض على أربعة أميال أو أقل أو أكثر فسكنها أو أعمرها وأتخذ فيها الماشية ، وبينها وبين القرية القديمة شعري ، فكان هو وأقل القديمة يشرعون فيها بالرعي والاحتطاب ، تشاحوا فيها ؟ قال : لا قسم للمحدثة فيها ، ويقسم بين أهل القديمة على قدر ملكهم فيها ، فإن لم يعرف أصل ملكهم فيها على الأجزاء ، فلكل قوم ما حازوا إذا كانت حيازة قديمة ، قال سحنون : ولا حيازة في الشعري إلا بالعمارة لا بالرعي ونحوه ، قال ابن القاسم فإن عمرها بعضهم القوي بقدر قوته ، والضعيف بقدره .
ومنهم من لم يعمر فإن ثبت ذلك بالبينة قسم جميعها ما عمر وما لم يعمر ، وكان لمن عمر قيمة عمارته على ما قدمناه .
قال سحنون : إن كانت شعري ملكا لهم بميراث أو غيرهم مما يوجب الملك ، فهو كما قال ، ولا يكون لمن زير وقطع الشجر شيئا وأما من بنى أو غرس الشجر فذلك له حق عمارته وإن لم يعرف أنها ملك لهم ، فمن أحيى فيها شيئا بالبناء والغرس فذلك له في قول المغيرة وأشهب ، وقال غيرهما : لا يكون له ذلك إلا بإذن الإمام لقرب ذلك من العمارة .
وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في قريتين بينهما شعري عمر أهل قرية ما يليهم حتى أو عبوا الشعري وأقاموا كذلك نحو خمس عشرة سنة وأكثر ، ثم
[10/530]
***(2/23)
[10/531]
أراد بعضهم التعديل في قسمتها قال : فذلك لهم إذا تقاربوا كما ذكرت ذلك ، ومن صار من عمارته شيء في حيز آخر أعطي قيمة عمارته على ما تقدر من قولنا .
وذكر ابن سحنون عن ابن القاسم نحوه ./وقال في سؤاله : فعمر أهل كل قرية في الشعري مما يليها ، أو عمر بعضهم أكثر من بعض ، أو بقيت الشعري قائمة ، ثم تشاحوا فيما قد عمر وفي المعمور والقاسم ، فأحبوا قسمته وإبطاله وتركه مسرحا ، وقد مضى لعمارتهم عشر سنين أو عشرون أو أكثر . فأراد بعضهم اتخاذها مزدرعا وأراد بعضهم إبطالها . قال : تقاس الشعراء أو ما عرف منها قديما بورا مما قد اعتمل ثم يجرى على القيمة ، فيعطى أهل كل قرية حدها من ناحيتها مما بينهم ، ويعطى من عمر قيمة عمارته من صار إليه إذا كان إنما عمر وهو يرى أن من عمر شيئا فهو له ، فإن ثبت ذلك وعرف دخوله فيها أخذ فيما عمله ، ثم يقسم أهل كل قرية ما صار لهم من تلك العشري ، فمن صار له من المعمور شيء أعطى لمن عمر قيمة عمارته ، ومن أراد اتخاذها مسرحا وهي شعري بحال ما كانت . فليس له ذلك ، ولكن يقاسم أصحابه فما صار في حظه رجعه إن شاء ، وقد وصفت لك قسمها أنه إن عرف لكل إنسان جزؤه من القرية أعطي من الشعري على حساب ذلك ، وإن لم يعرف قسمت على كل من سكن القرية شرعا سواء ممن له فيها أصل .
قال سحنون : لم يثبت أنها مسرح بملك متقدم ما كان اقتسام المسرح إلا باجتماع أهله . ابن القاسم : في القرى بين كل قريتين منها مثل الميلين أو الثلاثة أو أربعة ، وبين تلك القرى شعري فشرع ناس من أهل تلك القرى فعمروا تلك الشعري ، ولم يعمر آخرون فيها شيئا ، ولا يعرف لأي القرى هي ، وجميعهم يسرحون فيها بمواشيهم ، قال تقسم بين القرى كما ذكرنا بالقيمة/على عدد ما عمل في تلك الشعري : فإن كانوا يدعونه ويزعمون أنه لهم ، ومضى لهم عشر سنين مذ
[10/531]
***(2/24)
[10/532]
عمروا رأيتها لهم حيازة فيما اعتملوا منها ممن يطلبهم ، فقال لمن يطلبهم : أحقوا حقكم فيما اعتمر هؤلاء منها ، فإن أثبتوا البينة أنهم إنما عمروا على معنى أن من عمر شيئا فهو له ، فإنه يعطى العاملين فيه عملهم ، واقتسموا ما اعتمر هؤلاء من الشعري ، وما بقي منها بحال ما وصفت لك .
وفي قول ابن كنانة وأشهب وسحنون أن هذه الشعري من الموات ، فأحب إليهم ألا يحيى منها شيء إلا بقطعه من السلطان ، فإن عمروا بغير قطيعة فذلك ماض في قول المغيرة ، وفي ذلك جواب عبد الرحمن ها هنا في قوله : إذا ادعوا أنه لهم وطالت حيازتهم فهو لهم . فيدل هذا من قوله على ملك متقدم صحيح ، لا على الجوار المسرح ، ألا تراه قطع الملك المتقدم بحيازة عشر سنين . وفي جامع مسائل الشعري مسألة من هذا .
في الخربة القديمة بين الشعري هل لها حظ في الشعري ؟
أو في البياض يكون في وسط الشعري ، أو الكنائس أو المجاشير ، أو الصبر
من كتاب ابن سحنون : قال ابن القاسم في الخربة بين القرى العامرة لم تعمر منذ دخل العرب ، ولها بياض أرض مبذر ثلاثين إردبا ، ولها بئر قد غار ماءها أو لم يغر ، وكان صاحبها ربما انتجعها بالحرث ، ثم عمر صاحب القرية الخربة أو من ابتاعها منه وسكنها ، وبينها وبين القرى شعري فيشرعون فيها بالرعي والعمارة ، وكان ذلك نحو عشرين سنة أو ثلاثين سنة ، ثم طلبوا قسمة الشعري ، قال ابن القاسم : لا حق لصاحب الخربة في الشعري إن ثبت أنها لم تسكن منذ دخل العرب ، ولو كانت مسكونة منذ دخلت البلاد كان لها حظها ، فإذا لم يكن ذلك فلا حق له
[10/532]
***(2/25)
[10/533]
فيها ، وما عمر في الشعري وفي الخربة ، وهو يرى أن ذلك له ، فله قيمة عمارته من أهل القرى ، وهذا إذا عرف ما ذكرنا ببينة أو بإقرار منه ، ثم يقتسمون الشعري ما عمر منها وما لم يعمر ، وإن لم يعرف ذلك ببينة ولا بإقرار ، وادعى رب الخربة أن له فيها ما عمر من الخربة بحق ، فذلك له إذا حاز ذلك عشر سنين أو أكثر ، ويقال لأهل القرى : أقيموا البينة على أصل ذلك .
قال سحنون : أري عبد الرحمن في هذا في آخر كلامه راجعا إلى قولنا ، لأنه لم يجعل الملك بالجوار بالجوار والمرعى ، وجعل الحيازة حجة ممن له الحيازة على الغائب والصغير ومن لا يحاز عليه .
قال ابن القاسم في كتاب المدنيين : وإن ادعى أصحاب الخربة وهي الآن مسكونة أنها كانت معمورة منذ كانت فهم على قولهم ، ولهم حقهم في الشعري حتى يثبت أنها خربة غير مسكونة قديما .
وقال ابن نافع : للخربة حظها من الشعري كما لغيرها من القرى ، قال سحنون : قول ابن نافع هنا على أصل ما وصفت لك لا يوجب في الشعري ملكا بجوار ولا مسرح ، وهو يرى حق أهل الخربة مثل حق غيرهم ، وذلك هو الصواب إن شاء الله ، والحكم في هذه الشعري إلى السلطان لقربها من العمارة ، لا يحيى فيها إلا بإذنه .
ومن الواضحة : قال ابن الماجشون : ولا أرى لبياض يكون للرجل في وسط الشعري حقا في الشعري مع أهل القرى ، وكذلك الخرائب لا حق لها معهم في الشعري وإن كان لها البياض والشجر ، وأهلها ينتابونها للحرث ، ويجنون الثمر إلا أن تقوم بينة أنها مسكونة في الإسلام ، فتكون كأحدي القرى في العشري لا حق له قد ثبت لها ، قال : وكذلك الكنائس وسط الشعري لا حق لها فيها
[10/533]
***(2/26)
[10/534]
[وإن كانت فيها الرهبان والقومة ، ويزرعون بياضها ، ويتخذون فيها الغنم ، وكذلك المجاشير] والصبر تكون وسط الشعري من أهل القرى ، ولكن تترك المجاشير والصبر والكنائس والخرائب من الشعري طرقها وأفنيتها ومداخلها ومخارجها إلا أن تقوم بينة أن لها من الشعري شيئا فتعطاه ، وليس هذا كله مما بقي للسكنى ، وإنما الشعري للقرى الأمهات التي لها الأهل والجماعات ، قال : ولو عمر أهل الخرائب خرائبهم وصارت قرى مسكونة مأهولة كغيرها قبل قسم الشعري . ثم أراد أهل القرى قسمة الشعري فلأهل الخراب التي عمرت : حقهم فيها ، كما لوا أقطع الإمام في حواشي الشعري مواتا فعمر وصار قرية مأهولة . فيأخذوا حظوظهم في قسم الشعري إذا كانت تجاور الشعري ، إلا أن تكون القرية المحدثة إنما فيها الواحد والنفر اليسير ، فلا قسم لها من ذلك ، ولها طريقها وفناؤها ، وكذلك قال مطرف وابن القاسم في ذلك كله ، وكان ابن نافع يجعل لهذا كله حقا في الشعري ، وتفرد بهذا عن أصحابه .
قال ابن الماجشون في ذمي له قرية/عامرة ، وخربة في القرب منها ، ولها بياض ، وبينهما شعري ، فباع الذمي قريته من رجل ، ثم باع آخر بعد ذلك من رجل آخر ، فسكن المشتري الخربة ، ثم تنازع المشتريات في الشعري ، قال : أرى أن نعطي الخربة حقها منها ، ولا يمنع هذه ولا يخرج ذلك من ملك واحد ، وليست عندي كالخربة المجهولة لا يعرف لها في الإسلام عمارة ، قال : ولو قامت بينة أن ذلك كان ثم جلا عنها أهلها لها حق في الشعري ، قال : ولو قضي قاض في هذه الخربة المجهولة أن لها حقا في الشعري نقضت قضيته لأنه مما قيل بالرأي ، قال سحنون في كتاب ابنه : هذا من قول عبد الملك صواب .
ابن حبيب : قال ابن الماجشون : ومن ابتاع خربة فاشترط عامرها وغامرها وعمر وقطع الشجر من الشعري وفحص عن الأرض ، وأهل القرى العامرة الشارعة إلى الشعري ينظرون إليه ولا ينكرون عليه ، وما سمعوا : أن من أحيى أرضا ميتة
[10/534]
***(2/27)
[10/535]
فهي له ، ثم علموا أن الشعري للقرى العامرة قال : لا أرى أن الشعري إلا للقرى العامرة دون الخربة وللمشتري التماسك بالخربة بما ينوبها من الثمن ، ويرجع بما وقع على العامر إن عرف ذلك وأحيط به ، وإن شاء رد الجميع وأخذ ثمنه أجمع ، وله أخذ عمارته من الشعري فيما قطع من الشجر وفحص عن الأرض ، وإن كان قد بنى وغرس في الخربة ، كان ذلك له بقيمته من الثمن ، وإن بنى وغرس في الشعراء إن كان ذلك عليه بقيمته بلغ ذلك ما بلغ ، وكذلك قال ابن القاسم فيه كله . وفي جامع مسائل الشعري أمثلة من هذا الباب فيمن له بياض أحاطت به الشعري .
جامع مسائل مختلفة من مسائل الشعري
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون فيمن حاز على رجل منزلا كان له ورثه عن آبائه فعمر الحائز الأرض البيضاء ، وسكن بيوت القرية ، قال : ثم قام ربها فأقام البينة ، واحتج هذا بالحيازة عليه . قال : أما ماجاور المنزل المعمور فهو له ، وما لم يجز من العامر بالعمارة فهو الذي أثبت أصل المنزل إلا أن يأتي بشراء باطن من عامر وغامر ، وهذا إذا كان المنزل بيد من لم يرثه عن أحد ، فأما إن كان ورثه فإن الغامر تبع للعامر ، ويصير حوزة للعامر حوزا للغامر ، ولا يكلف إذا كان ميراثا أن يأتي بوثيقة ، إذ لعله كان بيد الميت بوثيقة ، وأمر قد درج وانطوى بانطوائه ، وإن كان بيد بغير الميراث وقد حازه وحاز بعض الشعري بالعمارة ، وباقيها لم يحزه إلا بالاحتطاب والرعي وهي المنزل والمنزل الذي كان أثبت أصله ، قال : أما المنزل المعمور وما هو قائم من الحقوق ، فإن من حازه
[10/535]
***(2/28)
[10/536]
على من له أصله العشر سنين ونحوها أحق به إن ادعاه ملكا له ، ولا يكون ذلك حيازة لما عمر من الشعري حتى يطول زمانها أكثر من هذا ، لأن حيازة عمل العشري لا يشبه عندي حيازة الحقوق القائمة ، وأما الشعري التي لم يحز منها شيئا إلا بالاحتطاب والرعي ، فليس ذلك بحيازة يوجبها لحائزها وإن طال ذلك جدا . إلا أن يؤخذ ذلك عن ميت بوراثة ، فيكون يبقى للمنزل كما ذكرنا .
قال ابن الماجشون فيمن اشترى في قرية من قرى الشعري أجزاء من عامر القرية ، ولا يدري ما ملك القرية من الشعري ولا مبلغ حدها ، إلا أنه يعرف/أنها تقسم بين أربع قرى أو خمس ، ولا يعرف كم تنقسم الشعري بين أهل تلك القرية التي منها اشترى ذلك ، قال : لا أحب بيع العامر حتى يقسم ، وينهي عن ذلك ، فإن وقع ذلك قبل النهي ، فذلك مختلف ، فإن الشعري بين أربع قرى أو خمس ، وكانت تلك الخربة يعرف عدد من بيده منها ، وكم لكل إنسان منهم منها ، فلا بأس بذلك ، لأنه كمن اشترى من رجل سهما مبهما من سهام قد أحاط بعددها ، فذلك جائز ، وإن كانت جملة سهام القرية لم يجز الشراء ويرد ، وإن كان هذا المشتري على ما لا يجوز قد عمر وإبان الأرض وغير الرسوم ، فليرد ذلك إلى القيمة ، وقال مثله ابن القاسم : قال : وإن فات بعض ذلك بعمارة في الشعري والذي عمر منها يسير ، ليس من أجله وقع الاشتراء في الجميع ، فإنه يفسخ ما عمل منه وما لم يعمل ، ويرد إلى البائع ، ويغرم له البائع قيمة العمارة ، يريد : قائمة فإن عمر من الشعري الجل ، فذلك فوت في جميعه ، وعليه قيمة الجميع . قوله : يغرم له البائع قيمة العمارة لعله يريد : إذا اتفقا ، والذي ذكر ابن عبدوس عن ابن القاسم فيمن اشترى قاعة فبناها ثم قام بعيب ، فله ردها ، ويكون بالبناء شريكا للبائع .
[10/536]
***(2/29)
[10/537]
ابن حبيب : قال ابن الماجشون في الشعري إذا تشاحوا فيها بعد أن اعتمر كل قوم منها ما يليهم ، فقام رجل من أهل القرية على إشراكهم أو على أهل القرى هل يأمرهم القاضي بالوقوف عن عمارته حتى يرى رأيه ؟ [قال : يأمر بالتوقف عن من لم يعمر حتى يرى فيه رأيه] فأما ما قد عمروا منها فلا يأمر فيه بشيء حتى/يتبين له أنهم على غير حق فيها ، فيأمر بقسم الشعري على عدد القرى ، ثم يقسم أهل كل قرية ما صار لهم على أصل ملكهم من القرية ، فإن لم يجد القاضي من يكتب إليه في قسمها أو إيقافها والنظر فيها إلا وهو جار لنفسه لما له فيها من الشركة ، فليمسك عن القضاء فيها ، قاله ابن القاسم .
قال مطرف وابن الماجشون عن أهل القرية يجتمعون على تبوير بورهم ويكتبون فيه كتابا يشهدون فيه على أنفسهم ، ثم يرجع عن ذلك بعضهم [ويريدون القسمة ، قال : إن كان لهم صلاح في تبوير بورهم فقد لزمهم ما رضوا به] ولا رجوع لهم فيه ، وقاله أصبغ وقال : سواء كان في داخل حوزهم أو خارجا منه فهو يلزمهم .
وقالا في قوم ادعي عليهم عمروا في الشعري ، وأنكر ذلك العامرون أ ، يكونوا عمروا في شعري : أنهم على قولهم حتى يقيم أهل القرية البينة أن ذلك الموضع كان شعري ، أو يقر بذلك العامرون ، فيصير لأهل القرية إلا أن يتقادم عمرانهم ، قال مطرف : العشر سنين ونحوها ، وقال ابن الماجشون : الزمن الطويل من غير توفيت ، فيكونون أحق بما عمروا ، وإن ثبت أنه كان شعري إذا ادعى ذلك العمار ملكا لهم ، ولا يسألون عن غير ذلك إذا جهل أصل دعواهم فيه وإحيائهم ، إلا أن يثبت ببينة أو بإقرارهم أنهم إنما عمروا على وجه الاختطاط
[10/537]
***(2/30)
[10/538]
والتبادر إليه ، فلا يستحقونه بذلك ، وتكون عمارتهم وحيازتهم له . وذلك لأهل القرية ويصير من عمر كذلك كمن عمر بشبهة ، يرون أن من أحيى ذلك فهو له ، فلهم قيمة العمارة ، وإنما يؤديه أهل/القرية أو القرى ويقتسمونه ، وإن لم يعمروا إلا بقطع الشجر والإفحاص عن الأرض فلهم قيمة ما غادروا فيها بعلمهم من النفقة لمن يقضي بها فيما ينتفع به في مستقبل أمره ، وليس على قدر ما تكلف الأولون في ذلك من النفقة ، ولا كراء عليهم فيما قد كان يرعى منها لأنه على شبهة ، وإنما يؤدي أهل القرية أو القرى قيمة العمارة قبل القسمة ، ولا يجوز أن يقتسموا على أنها كلها شعري ، على أن من وقع في سهمه العمارة ودي قمتها ، هذا لا يجوز إذا قسموا على التعديل والقرعة ، وإن قسموا على أن يأخذ كل منهم ما يليهم ، فإنما قيمة العمارة على من يقع في ناحيته ، ولا يقع السهم في هذه القسمة ، وقال مثله كله ابن القاسم ، ولم يلخص هذا التلخيص إلا أنه وقت في الحيازة كما وقت مطرف .
وسألت مطرفا عن رجل يقال له مغيرة ، ابتاع من رجل ماء ملاصقا والرجل يقال له : حارث والماء في داخل بور ، اتباعه مغيرة فقطع عنه الشجر ، وغرس فيه أشجارا ، وأغلق عليه بحائط ، ثم إن حارثا قام بعد عشرين سنين فادعى أنه كان منتفعا بذلك الماء قبل إغلاق مغيرة عليه ، وقامت له بذلك بينة ، قال مطرف : الحق لمغيرة ، ولو كان أصل الماء لحارث دون غيره فأغلق عليه مغيرة ، وغرس عليه الثمار ، وأحياه وما حوله بالعمران ، وحارث عالم بذلك حتى مضى من السنين ما ذكرت ، لكان مغيرة أحق به إن ادعاه ملكا له ، فيكيف والماء في داخل البور الذي ابتاع مغيرة ، وإنما ثبت أن حارثا انتفع به قبل إغلاق مغيرة عليه ، ولا تستحق مياه الفلوات ولانتفاع للمأذون في ملك أصلها ، وقد ترعى الماشية في مرعى غير أصلها ، ويرد ما يعمر ماءهم ، وقاله كله أصبغ . وهذه المسألة رواها عيسى من أولها في العتبية عن ابن القاسم .
وسألت ابن الماجشون عن صبرة في وسط شعري أحاطت بها القرى فسكن تلك الصبرة وعمر حولها في الشعري زمانا ، وباعها من سكنها ، وعمر في
[10/538]
***(2/31)
[10/539]
تلك الشعري ورعاها فيما لم يعمر منها ، ثم تشاح أهل القرى في قيمتها ؟ قال : إن كانت الصبر مسكونة لحقت القرى في كثرة من سكنها ، فلها نصيب من الشعري كأحد القرى وإن لم يسكنها إلا النفر اليسير والرعاة لم يكن لها شعري كالقرية . ولكن لها الأفنية والمدخل والمخرج والطريق ، وما اعتمر صاحب الصبر من الشعري وقال : هو ملكي . وأحتج بأتي أعمرته بعلم أهل القرى لا يغيرون في ذلك يكسى من البينة ، على أنه إن قال : لا بينة عليه فيما عمر من الشعري ، فإذ ثبت ذلك البينة أو بإقراره نظر ، فإن طال زمان ذلك بمحضر هؤلاء بذلك تسمع يمينه أن له حق وملك ، ولا حق لها ولا ولاء فيه ، وإن لم يطل زمان ذلك لم يجب له ذلك إلا ببينة على شراء أو عطية ، وإلا دخلت في الشعري وكان له قيمة ما عمره إلا أن يموت الغامر ويورث ذلك ولده بذلك لهم طالت العمارة أو قصرت ، فإن ثبت أن أباهم إنما عمرها لما درج الأب من حجته ، وإن كان حيا فقد يأتي ببينة على شراء ، أو بما ينبغي من الملك . إلا أن تقوم بينة على إقرار الأب أو بينة تثبت أن عمارته إنما كانت اختطاطا وبدارا كما ذكرنا ، فإن كان هذا لم ينتفع بطول زمانها ولا من حيا أو مات ، وكان أهلها بقيمة العمارة كما ذكرنا ، ولو لم يثبت العمارة ، ولكن باع منها وتصدق وأصدق النساء ولم يطل زمان العمارة ، وكان من كان بيده ذلك كالوارث لا يخرج من يده طال الزمان أو لم يطل إلا ببينة على أنه إنما عمر على الاختطاط وعلى التبادر أو على إقرار بذلك فيكون أهل القرى أحق بذلك ويؤدون قيمة العمارة ، ثم ترجع الزوجة بقيمة ذلك على الزوج ، والمبتاع على بائعه بما أدى ، ولا يرجع المتصدق عليه بشيء ، ولو كان إقراره عند هذه البينة بعد أن صار ذلك بيد من ذكرت من متاع أو معطى ، فذلك باطل لأنه مقر على غيره ، وعليه لأهل الشعري قيمة ما أتلف عليهم ، قال : وكذلك كل ما عمر في العشري بشبهة ، ولا تنفع العمارة من الشعري إلا أن يطول الزمان ، أو يورث ذلك ، وإن لم يطل الزمان فذلك لعامره . ولو ثبت أنه كان من شعري إذا قال : إنما أعمرته بحق لي وملك حتى تقوم بينة أن عمارته اختطاط أو بدار ، ويقر هولك فتبطل بذلك الحيازة ، وإن طالت وتوسعت بالوراثة ، ويصير ذلك لأهل الشعري ، وعليهم قيمة العمارة ،
[10/539]
***(2/32)
[10/540]
قال : ولو حكم الحاكم وتقدم إلى الناس بالنهي عن عمارة الشعري الملاصقة للمقر إلا باقتسام أهلها ، فعمر أحد بعد هذا قامت عليه بينة إن ذلك بعد علمه بوجه الحكم فيها ولم يتأول الحديث ، فهذا كالمتعدي وتؤخذ منه ويعطى قيمة عمارته مطروحا ولا شيء له في قلع الشجر والإفحاص عن الأرض .
قال ابن الماجشون في أرض الشعري وقد أحاطت أرض بعضهم بشيء من الشعري فصارت في أرضه ، قال : هو أحق بتلك الشعري التي احتاط بها بياضه من نواحيها كلها .
ولو جعلت لغيره معه فيها حقا ، جعلت لهم في أرضه حقا ، وأبحث لحريمها وضيقت طريقها ، وأما إن كانت الشعري تنال وتدخل من غير أرض هذا ، فلا أري لها تماديا منها أرضه فضلا على غيره ، والشعري قد تبعد من بعض القرى وتقرب من الأخرى ، فلا يزداد حظ القريب بذلك ، ولو أنهم عمروا شعري هذا الرجل الذي أحاطت بها أرضه من كل ناحية وهو يراهم ولا ينكر ، ثم يزعم أنه تأول الحديث في إحياء الميت قال : فله ذلك ، ويعطيهم قيمة ما عمروا قائما [ويخرجهم ، وكذلك قال ابن القاسم في ذلك كله قال ابن الماجشون] : ومحمل المروج والأودية والأجما في القرية محمل الشعري إذا أحاطت أرضه [بذلك من كل ناحية فلا حق لغيره في ذلك معه ، وكذلك لو كانت الأرض لرجلين] فذلك الوادي أو المراح أو الشعري لهما وبينهما خاصة ، وإن كانت أرض هذا من جانب ، وأرض الآخر من جانب ، وهي بينهما بالسواء ، ولا يبالي أيهما كان أخذ للمرج أو الروضة أو الشعري من أرضه من الآخر ، وقاله ابن القاسم .
[10/540]
***(2/33)
[10/541]
ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الذي يسكن القرية وليس له فيها إلا مسكنه أو شيء اشتراه بعينه ، وليس ممن ورث ، ولا اشترى سهما من وارث ، فعمر من بورها أرضا فحرثها وزرعها زمانا بمعاينة أهل القرية ، لا يمنعونه ولا يغيرون عليه ثم أرادوا إخراجه ؟ قال : ذلك لهم [إلا أن يقيم بينة بشراء أو ميراث أو هبة/أو حق يستوجب به ما عمر وإلا أخرجوه] إلا أن تطول حيازته جدا ، قلت : أفمثل طول الحيازة بين الأجانب أو بين القرابة أو الرجل مع مواليه ؟ قال : يجتهد فيه الإمام بقدر ما يعذر به أهل أصل الأرض لافتراق سهامهم وقلة حق أحدهم فيقول كل واحد منهم : منعني من الكلام سكوت أصحابي ، وقلة حقي ، فلما خفت طول الزمان قمت ، فهذا أعذر من الذي يستحق عليه من داره أو أرضه شيئا ولا أبلغ به حوز الورثة والموالي في أرض مواليه والصهر في أرض أصهاره إلا أن يكون ذلك البور لرجل أو رجلين أو نفر قليل فلا يغدرون بسكوتهم . ويحملون فيما عمر جارهم من عامر أرضهم ما يحمل على من حاز من أرضه أو داره شيء قال : وهم فيما يعمر بعضهم من عامرهم المشترك أعذر في السكوت وأوجبت حقا وإن طال الزمن جدا .
وسئل سحنون عن قوم يسكنون قرية ويزرعونها وأمام مزرعهم أرض لمواشيهم ، فزرع فيه أكثر تلك القرية زمانا قبل أن ترفع إلى الإمام ولم يزرع فيه الباقون ، قال : الذين عمروه أحق به دون من لم يعمر .
[10/541]
***(2/34)
[10/542]
تم كتاب الأراضي والشعاري وإحياء الموات
يليه كتاب القضاء في الكلأ والآبار
والأودية والبرك والأنهار ، وفي بيع بئر الماشية
وغيرها من الأبار ، وبيع مائها ،
وذكر الكلأ ولبيع الكلأ باب آخر
[10/542](2/35)
النوادر والزيادات
على ما في المدونة من غيرها من الأمهات
لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني
310-386هـ
تحقيق
الأستاذ محمد عبد العزيز الدباغ
محافظ خزانة القرويين بفاس
المجلد الحادي عشر
***(1/1)
[11/5]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
كتاب القضاء في الكلإ والآبار
والأدوية والبرك والأنهار
في بيع بئر الماشية وغيرها من الآبار
ولبيع مائة وذكر الكلإ وبيع الكلإ باب آخر
قال الفقيه أبو محمد/ من المجموعة وكتاب ابن حبيب روى مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يمنع فضا الماء ليمنع به الكلأ"(1)، قال مالك ومعنى ذلك في آبار الماشية لأنه إذا منع فضل الماء لم يرع ذلك الكلأ الذي بذلك الوادي إذا لم يجد ما يسقي به فصار منعاً للكلأ وذلك في آبار الماشية التي في الفلوات لا تُباع ولا تورث وصاحبها الذي احتفرها أو ورثته أحق بمائها يسقون منها قبل غيرهم ثم ليس لهم(2) منع الناس أن يسقوا بفضلها. قال ابن حبيب وهو قول ابن الماجشون وقال ابن عبد الحكم وهو قول جميع أصحابنا وهو قول مالك وقال أصبغ. قال مالك في المجموعة ولا يمنع الأعراب من يرد عليهم من أهل المواشي فضل مائهم وهم يبدؤون ولو أشركوهم فيه ما انتفعوا بمائهم دون غيرهم ***
__________
(1) رواه ابن ماجه في سُننه في كتاب الرهون باب النبي عن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ ورواه أبو داود في سُننه في كتاب البيوع باب في منع الماء.
(2) لهم ساقطة من الأصل.(1/2)
[11/6]
وأضر ذلك بهم، قال ابن الماجشون في بئر الماشية للأعراب لا يُباع ولا يُوهب ولا تقع فيها المواريث بمعنى الملك لا حَظَّ فيها لزوج ولا زوج من بطنٍ على بطن ولا يشرب منه غيرهم إلا ما فضل عنهم وما استغنى عن الشرب منهم فليس له أن يعطي حظه أحداً ومن حضر من أهل البئر أولى منه ومن غاب، قال: وإن تشاحوا(1) فيمن يبدأ بالشرب فإن لم تمض له سنة فيمن يبدأ بالشرب من كثير الماء على قلته أو قوم على قوم أو كبير على صغير فليستهموا(2) وإلا فأمرهم(3) على ما مضى من سنتهم، قال: ولو نزل بلدهم من لا يضرهم نزوله قال: يشرب ما/ فضل منهم وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ(4)، فإنما أباح ما هو فضل لولا ذلك لكان يقول لا يمنع ماء قال ولهم الشرب ببئر لا يسقون فيه أو في يوم لا يردون فيه وقد جاء لا يمنع فضل بئر وهو من رهو(5) بئر لا يمنع.
ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم وأشهب فيما جاء لا يمنع فضل ماء ذلك في الأرض ينزلونها للرعي لا للعمارة فصار الناس في الرعي سواء ولكنهم يبدؤؤن بمائهم فما فضل منهم فالناس فيه سواء. لا يمنعوه. ومن المجموعة قال أشهب سُئل مالك عمن هلك وورثه أخواه وأختاه وله قليب(6) ماشية وأوصى لابن أخيه بثلثه وأخذ ثلث ما ترك من مال وغيره ثم طلب أن يأخذ في القليب، قال القليب لا يورث ولا يباع وهم أجمعون فيه سواء [لا شيء لهم فيه إلا الشرب يسقون فيه سواء] (7).
***
__________
(1) تشاح القوم على الأمر: لا يريدون أن يفوتهم.
(2) في ص، فليقتسموا.
(3) في ص، فأجرهم والصواب ما أثبتناه.
(4) سبق تخريجه.
(5) الرهو: الجوبة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر وفي الحديث أنه قضى أن لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة ولا ركح ولا رهو والمراد بالمنقبة الطريق بين الدارين والركح ناحية البيت من ورائه وربما كان فضاء لا بناء فيه.
(6) القليب: البئر قبل أن تطوى يعني قبل أن تبنى بالحجارة ونحوها تذكر وتؤنث وقال أبو عبيدة هي البئر العادية القديمة.
(7) ما بين معقوفتين ساقط من ص.(1/3)
[11/7]
ابن القاسم وأشهب وابن وهب(1) وابن نافع عن مالك قال أما بئر النخل والزرع فلا يُجبر أحدٌ على أن يبيح فضله لمن يسعى به إلا أن تهور(2) بئر جاره فيخاف على نخله أو زرعه فيُقضى له أن يسقي بفضل ذلك الماء حتى يصلح بئره وأما بئر الماشية فيمنع فضله لا يجوز لأنه من الكلإ المباح، قال مالك ويباع بئر الزرع ولا يجوز بيع بئر الماشية(3)، قال أشهب: لأنه إذا كان فضلها لغيره فإنما اشترى من مائها ما يرويه وذلك قد يقل لقلة غنمه ويكثر لكسميها، قال ابن القاسم: لا تباع بئر الماشية لأن للناس فيها حقاً. ابن وهب.
قال مالك في جباب(4) أهل البادية التي تكون للماشية/ فلا ينبغي أن يمنع فضل مائها ليمنع به الكلأ قيل له فالجباب التي تجعل لماء السماء قال: ذلك أبعد قال عنه ابن القاسم: لا تُباع آبار الماشية كان حفرها قريباً أو كان بعيداً إلخ الجاهلية أو في الإسلام ولا يورث ولا يوهب مثل مياه الأعراب التي كانت لأبائهم فلا تباع، [قيل: إنه لا يملك غرسها وقد احتاج، قال: لا تباع] (5) وإن احتاج وإنما ينتفع به هو والناس. قال ابن القاسم: يعني الماء الذي يكون في البادية وحيث الكلأ، قال سحنون وقوله كانت لآبائهم يعني أنهم احتفروها وليس على أنهم يملكونها.
قال أشهب عن مالك في العتبية(6) في بئر الماشية لا يكون فيها بيع ولا عطية وإنما يشرب بها ويشرب بها أبناء السبيل قال ابن القاسم عن مالك في المجموعة: لا يُباع بئر الماشية وإن حُفرت يريد في قرب المنازل إذا حفرها للصدقة وأما ما حفرها في أرضه لمنفعته فله بيعها يبيع مائها وإنما التي لا تباع ما حفرت في الفيافي، قال سحنون: والذي جاء: لا يمنع فضل الماء ليُمنع به الكلأ(7) إنما ذلك في أرض ***
__________
(1) ابن وهب ساقط من ص.
(2) تهور: تسقط وتنهدم من هار الجرف من باب قال وهوره فتهور وانهار أي تهدم.
(3) جاء التعبير في ص على الشكل التالي: ويباع بئر الزرع ولا يباع بئر الماشية.
(4) الجباب جمع جُب: وهو القليب هو البئر قبل أن تطوى وقد تقدم شرحه.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(6) البيان والتحصيل، 10: 250.
(7) حديث سبق تخريجه.(1/4)
[11/8]
الأعراب. قال المغيرة: ومن حفر بئراً حيث الكلأ وحيث ترعى الناس فهو أحق بما يصلحه ويصلح ماشيته ولا يمنع ما فضل عنه ولا يبيعه، وإن حفر في قريته وفي حقه وفي غير مسارح الأنعام ومواضع الكلأ فله أن يبيع ذلك ويصنع فيه ما شاء، وإذا حفر جُباً فله منعه إلا يشرب منه غيره وليس كالبئر. قال ابن كنانة: ولا تُباع مياهُ البادية ولا يُمنع فضلها وليس لأحد أن يغرس عليها غروساً.
/ قال ابن القاسم في آبار الشفة(1) إن ما حفره في داره أو أرضه لنفسه، وأما ما عمل في الصحاري وفيافي الأرض مثل مواجل(2) طريق المغرب فكان يُكره بيعُها من غير تحريم، وهي مثل آبار الماشية التي تُحتفر فيها فليس لأهلها منعُ(3) فضلها. وأما المارة فلا يُمنعون لشفاههم ودوابهم. ومن أدرك مثلاً في المعدن فله منعه بخلاف الماء.
في البئر المملوكة التي يجوز بيعها أو غيرها
هل يُمنع المسافرون لشفاههم أو دوابهم؟
من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك لا يمنع الماء لشفة ولا لسقي كبد إلا ما لا فضل فيه عن أصحابه ولا ينبغي أن يمنع أهل البركة والغدير من ذلك. قال عنه ابن وهب ولا يُمنع أبناء السبيل من بئر الماشية، قال ابن القاسم في المسافرين يمنعهم أهل بئر الماشية الفضلة لدوابهم وشفاههم ويخافون على أنفسهم إلى بلوغ ماء آخر فليجاهدوهم. قال أشهب في مسافرين وردوا ماءً يمنعهم أهله من الشرب فليس ذلك لهم ولا أعلم أنه يصيبهم من الإضطرار إليه ما يجوز لهم معه سفك الدماء ولست أرى أن يبلغوا ذلك فإن قدروا أن يغلبوهم عليه بغير فساد فذلك لهم جائز ومانعهم ظالم متعد ولقد كره مالك قتالهم على ذلك.
***
__________
(1) آبار الشفة المراد بها الآبار التي تستعمل للشرب لا التي تستعمل لسقي الأرض.
(2) المواجل جمع ماجل بكسر الجيم وهو مستنقع الماء.
(3) في الأصل، بيع فضلها.(1/5)
[11/9]
قال ابن نافع: سُئل مالك عن بيع أهل المياه الذي على الطريق بين مكة والمدينة. حتى إنه يمنع الناس قرب مكة بالأبطح. قال: ما أرى ذلك لهم وليمنعوا من ذلك. قيل أفيقاتلون على ذلك؟/ قال أما القتال فلا أدري. قال أشهب: فإن وردوا مياه المواجل فمُنعوا فهي والآبار سواء وقد فسرت لك ذلك ولا يجوز بيعها ولا بيع مائها من بئر أو ماجل لأنه مُرتفق بين المسلمين وليسقوا دوابهم من فضل مائها والمواجل والآبار إلا أن يكون فيه فضل وقد اضطروا إليه والمسافة بعيدة فيكون ذلك بينهم أسوة إلا أن يكون لأهل تلك المياه غوث أقرب من غوث السفر فيكون السفر أولى(1) به لأنفسهم ودوابهم.
وقد كتب عمر بن عبد العزيز في الآبار التي في الطريق بين مكة والمدينة أولى من شرب منها ابن السبيل، وهذا حسن للضرورة إلى ذلك ولتزودهم منه وأنه ليس بأهله إليه من الضرورة مثل ما بالمسافر يُقرِب غوثهم وصار بئرهم وأنه بين أظهرهم والمسافرون يرحلون عنه، قال ابن نافع عن مالك سُئل عن بيع الماء قال: أما المياه التي تسقي الأرض فلا بأس ببيع فضلها وأما الآبار التي للشفة فلا أحب أن يُمنع ذلك ولا أراه لهم وقد كان يكتب على من احتفر بئراً أن أولى من يشرب بهذه الآبار المحدثة أبناء السبيل.
وروى ابن وهب أن عمر قال من أحل فلاة(2) من الأرض فالحجاج والمعتمرون وأبناء السبيل أحق بالظل والماء فلا تحجروا على الناس من الأرض، وكان علي بن أبي طالب أمر أهل المياه بسقاية المارة من غير بيع ولا يُباع فضل الماء من أحد احتاج إليه من أهل الإسلام، ورُوي أن عمر هدر(3) جراحات أهل الماء وأغرمهم جراحات أبناء السبيل حين اقتتلوا عليه وقال: أبناء السبيل أولى بالماء من الباني عليه حتى يروون وروى ابن وهب أن/ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يُقطع ***
__________
(1) في ص، إن أول ما شرب منها.
(2) الفلاة: المفازة والجمع الفلا والفلوات.
(3) هدر جراحات أهل الماء: أي جعل جراحاتهم هدراً ولم يعاقب أبناء السبيل وسامحهم فيما ارتكبوه من عنف من أجل الحصول على الماء.(1/6)
[11/10]
طريق ولا يُمنع فضل ماءٍ(1) ولابن السبيل عارية الدلو والرشاء والحوض إن لم تكن له أداة تعينه ويخلى بينه وبين الركية(2) فيسقي.
فيمن هارت بئره وخاف على زرعه هل يسقي ببئر جاره؟
أو لبئر جاره فضل فاحتاج إليه
وفي البئر بين الرجلين كيف بما فضل
من ماء أحدهما أو استغنى عنه؟
من كتاب ابن حبيب روى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يُمنع نقع بئر. وفي حديث غيره ولا رهو ماءٍ(3)، قال أبو الزناد الرهو والنقع الماء الواقف الذي لا يُسقى عليه أو يُسقى عليه وفيه فضل ومن ذلك حائطين وهي لأحدهما يسقي بمائها وفيها فضل ورب الحائط الآخر محتاج إلى أن يسقي بها فله أن يسقي بغير إذن صاحبها. قال ابن حبيب فسألت مطرف عن تفسير ذلك فقال: ذلك عندنا. وقاله مالك لي هو في البئر بين الشريكين يسقي هذا يوماً وهذا يوماً فأقل من ذلك أو أكثر فيسقي أحدهما في يومه فيروي إبله أو زرعه في بعض يومه أو يستغني ذلك اليوم عن السقي فيريد صاحبه أن يسقي في ذلك اليوم فيمنعه صاحب اليوم وقال هو حظي من السقي إن سقيتُ به سقيتُ وإن استغنيتُ عنه منعتُه منك فليس له ذلك وليس له منعه مما لا نفع فيه ولا يضره تركه فهو معنى قوله لا يُمنع بئر ولا رهو بئرٍ(4).
قيل لمطرف فإن كانت البئر لأحد الرجلين فيحتاج جاره أن يسقي حائطه بفضل مائها. قال مالك: ليس له ذلك إلا أن تهور(5) بئر جاره/ فله أن ***
__________
(1) لم نقف عليه بهذا اللفظ لكن محتواه موجود في كثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
(2) الركية: البئر القليلة الماء.
(3) صدر هذا الحديث رواه ابن ماجة في سُننه في كتاب الرهون باب النبي عن منع فضل الماء يمنع به الكلأ.
(4) تقدم تخريج هذا الحديث.
(5) في ص، تغور.(1/7)
[11/11]
يسقي بفضل بئر جاره إلى أن يصلح بئره ويُقضى له بذلك، ويدخل في معنى قول الحديث "لا يُمنع نقعُ بئر" وليس له تأخير إصلاحه استمر(1) على ماء جاره وليؤمر بالإصلاح ولا يؤخر، قال مالك: وذلك في النخل والزرع الذي يخاف عليه لهلاك إن مُنع السقي إلى إصلاح بئر، فأما إن أراد أن يحدث عملاً من زرع أو غرس ويسقيه بفضل ماء جاره إلى أن يصلح بئره فليس ذلك له. وقال ابن الماجشون مثله كله، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ إنه قول ابن وهب وابن القاسم وأشهب وروايتهم عن مالك.
ومن العتبية(2) روى ابن وهب أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب فقال إن لي زرعاً قد كاد يُصرم فانهارت بئري، قال: انظر أدنى بئر من حائطك فاهدم جدارك الذي بينك وبينها ثم اسقه منها حتى تصرمه وقضى بذلك في النخل فيها ثم ثمر يُخشى هلاكه إلى أن يصلح بئره، وروى ابن القاسم وأشهب وابن نافع عن مالك فيمن هارت(3) بئر جاره فإنه يكره على أن يسقيه فضل مائه حتى يصلح بئره، قال مالك: وهو يشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يُمنع نقعُ بئرٍ"(4) وأما إن لم يقضُلْ من مائه عن سقي ورعه فلا شيء لجاره عليه وليس له أن يأتنف غرس ودي(5) لسقيه من فضله.
قال أشهب في بئر الزرع أسقي منها أرضي وفيها فضل هل لجاري السقي بفضلها؟ قال لا إلا أن يبيع ذلك الفضل وليس ذلك عليك إلا أن يضطر جارك فيخاف على نخله أن يهلك لانهيار بئره فذلك عليك في فضل مائك [إن كان عنده ثمنٌ أداه في ذلك وإن لم يكن عنده ثمنٌ وقد خيف على نخله سقيت/ له ***
__________
(1) كذا.
(2) البيان والتحصيل، 9: 24.
(3) في ص، غارت.
(4) تقدم تخريجه.
(5) الودي: صغار الفسيل الواحدة ودية.(1/8)
[11/12]
فضل مائك] (1) بغير ثمن، وإن كرهت إلى أن يصلح بئره قريباً، وكذلك قال مالك: وليس له أن يسقيها إن كانت ودياً حتى تبلغ وإنما يُنظر في هذا على قدر ما ينزل منه، قال ابن القاسم في الذي هارت(2) بئره ويخاف على حائطه، أن له أن يسقي بئر جاره بغير ثمن ويُقضى له بذلك، قال: والفرق بين بئر الماشية أن الناس أولى بفضلها وأما بئر الزرع فربه أولى بفضله ولأن من زرع إلى جنب رجل على غير أصل ما يريد إن فضل ماءُ جاره فهو مضار وليس له ذلك إلا بالثمن والذي له بئر فانهارت قد زرع على أصل ما يُقضى له بالفضل.
في البئر أو العين بين الشريكين تهور البئر أو تغور العين
أو ينهدم جدار بينهما فيأبى أحدهما العمل
وفي السفل ينهدم والعلو لآخر
أو يقسم البئر بالمناضح فزال الماء من أحد المناضح
وفي بئر الماشية يريد الكنس
من كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون عن مالك وهو قول جميع أصحابنا في البئر أو العين بين الشريكين ينقص ماؤها فطلب أحدهما العمل وأبى الآخر أنه يقال له إما أن تعمل وإلا فبع ممن يعمل وإلا قلنا لصاحبك اعمل وما زاد عملك في الماء فهو لك خالصاً حتى يعطيك صاحبك نصف ما أنفقت.
ومن العتبية(3) والمجموعة قال سحنون قال ابن القاسم في قول مالك في الماء بين الرجلين فيهور. فيقال لأحدهما اعمل ولك الماء كله أو اعمل مع صاحبك. إن كل أرض مشتركة لم تُقسم من نخل أو أصيل أو أرض فيها زرع زرعاه فهارت البئر/ فليقل لمن أبى العمل اعمل مع صاحبك أو مع حصتك من الماء الأصل ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) في ص، غارت.
(3) البيان والتحصيل، 10: 441.(1/9)
[11/13]
أو قاسمه فتأخذ حصته ويأخذ حصتك، فيؤمر فمن أحب أن يعمل عمل، ومن أحب أن يترك ترك، ومن عمل منهم كان له الماء كله حتى يعطيه شريكه ما يصيبه من النفقة فيرجع على حقه من الماء.
وإن كان بينهما طرع أو شجر بثمره في أرض لهما فإن من أبى العمل يُجبر على ما أحب أو كره أو ببيع ممن يعمل، وأما الأرض المقسومة أو الشجر المقسوم(1) أو زرع لرجلين في أرضي بينهما إلا أن ماءهما واحد فتهور البئر وتنقطع العين فيأبى أحدهما العمل ويرضى بهلاك زرعه أو أصوله يريد زرعه مغروراً وكذلك أصوله فإن ذلك له ولا يكلف النفقة معه ويقال للآخر اعمل ولك الماء كله إلا أن يأتي شريكه بما يصيبه من النفقة في نصيبه فيرجع على حقه في الماء. والشريكان في الأصول والزرع إذا انهارت البئر كالشريكين في الدار تنهدم فإما بنى مع صاحبه وإلا قاسمه العرصة.
قال سحنون وقال ابن كنانة وابن نافع والمغيرة: إنما هذا في البئر ليس عليه حياة من زرع ولا نخيل ولا غيره فأما بئر عليها حياة من نخل أو زرع فيهور فيأبى أحدهما أن يعمل فإنه يُجبر أن يعمل أو يبيع ممن يعمل كالعلو لرجل والسفل لآخر فينهدم فإنه يُجبر أن يعمل أو يبيع ممن يعمل وإلا بيع عليه.
ومن المجموعة قال أشهب عن مالك في رجلين لهما بئر أو عين فخربت فدعا أحدهما صاحبه إلى عملها فأبى الآخر فقال إنما تكلف/ أن تعمل معه إن لم تخرب العين أو البئر وإنما قل ماؤها وكاد ينقطع ويخرب، فهذه من دعا إلى عملها جبر الآخر على ذلك، لأنه إذا أبى ذهب بقية مائها فماتت كلها فلا يُترك وذلك، وهذا من الضرر، فإن أبى ضرب حتى يعمل أو يبيع.
وأما الذي لا يُجبر على العمل مع شريكه فهو أن يخرب البئر أو العين وينقطع ماؤها فلا يُجبر على العمل في هذا فإن شاء شريكه أن يعمل ويكون له ***
__________
(1) في الأصل، أو الشجر المقسومة.(1/10)
[11/14]
الحق بجميع الماء حتى يُعطيه شريكه نصف ما أنفق فذلك له فإذا أعطاه كان الماء بينهما فيما يستقبلان(1) ولا شيء على العامل فيما شرب قبل ذلك، قيل: فإن عمل جميع البئر وطلب أن يكريها كلها وبياض الأرض حتى يعطيه نصف النفقة فقال: إنما له [الماء] (2) الذي أحيا وليس له بياض أرض شريكه، قيل: فما الذي انتفع به؟ قال: إحياء الماء يسقي به أرضه، قيل: فالأرض مشتركة، قال: يقاسمه أو يكري منه أو يسقي بقدر مصابته منها وله الماء كله وليس له أرض شريكه. ع(3) انظر قوله يقاسمه نصيبه أو يكري أو يسقي قدر نصيبه إن الألف وقفت غلطاً لأن له أن يُجبره على القسم ليجعل له أرضه خاصة وهو لم يجعل له النفع بأرض شريكه ولا يصل إلى أرضه إلا باقتسام.
وذكر سحنون أيضاً في المجموعة ما تقدم من قول ابن نافع والمخزومي ثم قال سحنون بإثر كلامهما: وكذلك الحائط بين الرجلين قياس ذلك وقياس السفل والعلو والبئر التي عليها واحد وهو أصل قولنا. ولا يفرق بينهما إلا شهر إذا انهدمت البئر أو الحائط أو السفل يجبر صاحبه أن يعمل فإن أبى عليه السفلي/ والدار والبئر والأرض، وهو قول كبار أصحابنا وذكره سحنون عن غير المغيرة وابن نافع في جدار بينهما انهدم فدعا أحدهما الآخر إلى بنائه فذلك له ويُجبر أن يبني معه أو يبيع نصيبه من الدار ممن يبني، وليس يبيع نصيبه من الحائط فقط إذ لا يشتري ذلك أحد.
وكذلك العين الحية ليس فيها من الماء ما يكفي أحد الشريكين فإن من دعا إلى عمارتها فذلك له ويُجبر على ذلك صاحبه وإن لم يكن عنده مال أُجبر على بيع نصيبه ممن يعمر لأنه يخاف عليها الخراب وأما التي قد خربت فهذه التي قال مالك فيها لا يُجبرُ على العمارة، وأما العين يقل ماؤها ويسقي منها ما يكفي بعض الشركاء لقلة نخله ولا يكفي صاحب الكثير فهذا لا يجبر صاحب القليل على ***
__________
(1) كذا ولعلها محرفة عن قوله فيما يسقيان.
(2) الماء ساقطة من الأصل.
(3) ع رمز يستعمله أحياناً في كتابه وهذا ولعله يقصد به العتبي.(1/11)
[11/15]
العمل ويعمل الآخر ويكون للذي لم يعمر قدر حصته من الماء القليل ويكون باقي الماء للذي عمر حتى يعطيه حصته من النفقة، قال ابن نافع قال مالك: يُعطونه(1) حصصهم بما أنفق عى غلاء ذلك يوم أنفق ورخصه، وأنا أرى أن يعطوه قدر ذلك من قيمة العمارة، من كان له الربع أعطاه ربع القيمة يوم يأخذ لأن المنفق قد أبلى ما أنفق وأخلق فليس له أن يأخذ ثمن ذلك جديداً وإنما يقوم يوم يقوم وقد بلي ذلك وخلق والقيمة في هذا وشبهه أعدل إن شاء الله.
ومن سماع أشهب عن مالك في قوم لهم بئر يسقون عليها فاقتسموها على مناضح خمسةٍ وكل واحد يسقي بمنضحة ثم إن واحداً منهم انقطع من ناحية منضحته الماءُ وارتفع ملقاه التراب/ يُرسل الدلو فيخرج لا ماء فيه ولا يقدر أن يسقي، ومنهم من يسقي على مائه أيسقي معهم من مناضحهم أم حتى يسقوا جميعاً وقد دعاهم إلى ذلك فأبوا عليه وقالوا اضرب لنفسك.
قال مالك: إني لأرى لمثل هذا فيه سنة جارية. قيل له: إنه قد اختُلف في ذلك، قال: إن أصوب ذلك أن يضربوا في البئر حتى يسقوا جميعاً، وروى عيسى عن ابن القاسم في الماء بين الرجلين يعمل أحدهما ويأبى الآخر، فلما عمل نصف العمل قال له الآخر أنا أعمل معك الساعة فإن خرج الماء أعطيتك نصف ما أنفقت وإلا فلا شيء لك. قال: ليس ذلك له ولا يعمل معه حتى يعطيه نصف ما عمل ويستقل العمل معه فيما بقي خرج الماء أو لم يخرج.
ومن المجموعة وهو في المدونة في بئر الماشية يحتاج إلى الكنس فيأبى بعضهم إنه كبئر الزرع في أخذ من كنس بما زاد [حتى يرووا فإذا رووا كان شركاؤهم والأجنبيون سواء.] (2) حتى يُعطوهم ما يصيبهم من النفقة فيكونوا حينئذ شركاء في الماء كله بقدر ما كان لهم فيه ثم الناس كلهم في الفضل سواء.
***
__________
(1) في الأصل، يعطوه بحذف نون الرفع.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص.(1/12)
[11/16]
وقاله كله أشهب وقال: ومن فضل له من مائه من ماء هذه البئر شيء لم يحل له منعه لا ممن يشركه في البئر ولا من غيرهم وإنما يفترق بئر الماشية من بئر الزرع أن بئر الزرع يمنع ربه ما فضل منه وهذا لا يجوز منع فضله لنهيه صلى الله عليه وسلم عن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ وهو بئر الماشية.
قال ابن نافع عن مالك في عين بين رجلين زرع عليها أحدهما فقل ماؤها فأراد أن يرفع في العين/ ليستغزر في الماء في الماء فأبى ذلك صاحبه وقال: أخاف أن يضر ذلك بالعين قال: يسأل عنه الناس فإن كان يضر بالعين فليس له ذلك. قال ابن القاسم عن مالك فيمن اكترى أرضاً يزرعها سنة بزرع فخربت بئرُها فصاحب الزرع مخير فإن شاء أنفق الكراء كله في إصلاح البئر لصلاح الزرع فذلك وله ولا شيء لرب الأرض، فإن شاء ترك زرعه تهلك ويرجع بالعشرة فذلك له، وبعد هذا باب في الساقية تسقي أجنة قوم فارتدمت كيف تُكنَسُ فيه من معاني هذا الباب
في ساقية أجنة قوم فارتدمت
على من كنسها؟
وفي كنس القناة تجري بالأثفال في الأفنية وفي الدور
من العتبية(1) سُئل أصبغ عن قوم لهم مجرى ماء وهم فيه أشراك ولبعض الناس عليه أجنة كثيرة ولبعضهم عليه جنان(2) أو جنانان فارتدمت الساقية كيف تُكنس أعلى الجماجم(3) أم على الأنصبة؟ قال: بل على الأنصبة والحقوق ولا تباع كالشفعة وحق القاسم ولا أقول فيه بقول ابن القاسم أنه على الجماجم ولا ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 327.
(2) الجنان: البستان وهو يستعمل في المغرب والأندلس للدلالة على المفرد وإن جاء على صيغة الجمع شأنه في ذلك شأن الرياض ويجمع جمع مؤنث فيقال جنانات.
(3) على الجماجم أي على قدر كثرة العيال وقلتهم وهو تعبير مجازي من إطلاق البعض وإرادة الكل والجُمْجُمة في الأصل عظم الرأس المشتمل على الدماغ.(1/13)
[11/17]
أعلم شيئاً من هذا يكون على الجماجم إلا كنس المراحيض لأن الانتفاع بها سواء ولا يُحاط فيه بعلم ذلك معرفة.
وابن القاسم يرى في المرحاض الكنس على من له رقبة البئر أو على قدر أملاكهم من رقبته، قال أصبغ: فإن انسدت الساقية وبعضهم ينتفع بأعلاها وبعضهم بأسفلها فقال الأسفلون للأعلين اكنُسُوا معنا لأنها إذا اجتمعت من/ عندنا أضرت بكم وقال الأعلون لا حاجة لنا بالكنس ولا ضرر علينا قال: أرى أن يكنسوا معهم لأن ماءهم ووسخهم فيها كلها، قال فإن انسدت في الأعلى لم يكن على الأسفلين عون الأعلين في الكنس لأنهم لا ماء لهم في أعلاها.
ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب في قوم لهم قناة فاحتاجت إلى الكنس فأبى بعضهم وفي ذلك ضرر بالماء ونقص فإنه إن كان من مائها ما يكفيهم جميعاً قال أشهب ولم يُخف على باقي مائها الذهاب بترك كنسها قالا: فلا نرى أن يُكلف أحدٌ ممن أبى الكنس أن يكنس ويقال للذين أرادوا الكنس اكنسوا إن شئتم ثم يقتسمون الماء الذي كان قبل الكنس على ما كان بينهم وما زاد في الكنس فهو للذين كنسوا أبداً دون الذين لم يكنسوا ما لم يُعطهم الذين لم يكنسوا نصيبهم من النفقة، قال أشهب: فإن كان المنفق واحداً منهم فمن أعطاه منهم نصف الذي أنفق صار الماء بينهما يوم أعطاه ومن أعطاه منهم قدر مصابته من القناة كانت له قدر مصابته من الماء ولا شيء عليه فيما لا يكلف من أبى الكنس فأما إن كان ذلك تافهاً يسيراً فإنهم يكلفون ذلك شاءُوا أم أبوا.
ابن القاسم وقد قال مالك في قوم بينهم ماء فقلَّ ولأحدهم نخل يسيرة فقال في مائي ما يكفيني ولا أعمل معكم قال: يقال للآخرين اعملوا ولكم ما زاد الماء على القدر الأول حتى يُعطيكم حصته من النفقة فيكون له من فضل الماء قدر حصته من الآن.
قال أبو بكر بن محمدٍ/ قال سحنون في كنس القناة التي تجري من قوم إلى ***(1/14)
[11/18]
قوم في الأزقة والطرق بالتفل(1) أو الغُسالات(2) قال فإن الأول يكنس حتى يصل إلى الثاني ثم على الأول والثاني الكنس حتى يبلغا إلى الثالث ثم على الأول والثاني والثالث الكنس حتى يبلغوا إلى الرابع هكذا حتى يبلغوا إلى آخرها لأن الأول ينتفع بها قبل انتفاعهم بها وماؤه يسلكها كلها ولا يسلكها الثاني بشيء إلا من موضعه وكذلك الثالث ومن بعده وهي تجري أيضاً في غير ملك أحد، وأما ما كان يسلك في دار غيرك ويجري في داره الكنس إلا أن يكون موضعها من دار الرجل مِلكاً لمن يجري عليه فيكون ذلك على من له المِلكُ، وعلى قول ابن وهب الكنس على قدر المنافع ولم يراع مالك البقعة.
وروى أبو بكر بن محمد عن سحنون في قناة تجري تحت أربع أدورٍ فانسدت فأرادوا إصلاحها هل يُصلِحُ كل واحد ما في داره أو يشتركون(3) في نفقتها؟ قال سحنون يصلح الأول ما في داره ثم يصلح الأول والثاني مع الثالث ثم يصلحون كلهم مع الرابع لأن ماء الأول قد سلك فيها كلها فهو يصلح مع كل واحد وهذا إن كان ماء الدور يجري في القناة فإن كانت لرجل واحد تجري في دور هؤلاء فإن إصلاحها على الذي هي له دونهم، قال يحيى بن عمر في قوم لهم قناة يجري ماء كل قناة على قناة جاره هكذا حتى يصل ماؤهم إلى أم(4) يخرج منها إلى الخندق فانسدت قناة/ فكنس الأول فلم يجر ماؤه في قناه جاره فقال لجاره اكنس قناتك حتى تجري قناتي فأبى ذلك جاره وكذلك من بعده ممن يليه.
قال يحيى: أرى أن يُجبر كل من استدت قناته على كنس قناته حتى يمر عليه ماء جاره هكذا يلزمهم حتى يخرج ماؤهم إلى الأم(5) التي يخرج منها إلى الحندق، وأما كنس الأم التي يجتمع فيها ماؤهم فالكنس فيها عليهم أجمع ويُنظر ***
__________
(1) كذا في النسختين ولعل المراد بالتفل الوسخ.
(2) الغُسالاتُ جمع غُسالة وهي من الشيء ماؤه الذي غسل به أي الماء الذي توسخ بعد الاستعمال.
(3) في الأصل بحذف نون الرفع ويقع هذا الحذف في الكتاب كثيراً
(4) في الأصل، إلى أمر وهو تحريف واضح.
(5) في الأصل، إلى الأمر وهو تحريف شبيه بالذي وقع من قبل.(1/15)
[11/19]
فإن كان إنما يجري فيها ماء المطر فقط بالغرم على عدد الدور لا على عدد العيال وإن كان يجري في هذه القنوات التفل من الغائط والبول فالغرمُ في كنس تلك على قدر كثرة العيال وقلتهم كسكان في دارٍ وكنيفهم(1) واحدٌ.
في منع الكلأ أو بيعه
والحيتان التي في الغُدرِ والأنهار
من المجموعة قيل لابن القاسم في الحديث الذي جاء لا يُمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ(2) قال: إنما ذلك فيما أحسب في الصحاري والبراري وأما في القرى والأرض التي عرفها أهلها وقسموها فلهم منع كلئها عند مالك إن احتاج إليه وإلا خَلى بين الناس وبينه، قال مالك: وله بيع مراعي أرضه سنة بعد أن تطيب ويبلغ أن يُرْعَى ولا يبيعه عامين.
من العتبية(3) من سماع ابن القاسم في الأرض فيها العُشبُ أن له أن يحييها إن كان له بها حاجة وإلا فليس له ذلك، قال عيسى: سألتُ ابن القاسم عن قول مالك وكذلك قال ابن حبيب: سألتُ مطرف عن قول مالك/ إن كان لرجل أرض فله منع كلئها إن احتاج إليه وإلا فليُخَل بين الناس وبينه، وعن قوله لا بأس أن يبيع الرجل خصب أرضه عامه ذلك إذا بلغ أن يُرْعَى وأي خصب يبيعه للناس؟ وأي خصب يمنع(4)؟ فقالا: الذي يبيعه ويمنع الناس منه وإن لم لم يحتج إليه فما من مروجه وحماه، فأما الذي لا يبيعه ولا يمنعه إلا أن يحتاج إليه فما سقى المرج والحمى من خِصْبِ فدادينه وفحوص أرضه.
***
__________
(1) الكنيف: المرحاض وأصله في اللغة الساتر وسمي به المرحاض لأنه يستر من دخل إليه.
(2) سبق تخريجه.
(3) البيان والتحصيل، 10: 244.
(4) في الأصل، وأي خصب يبيع.(1/16)
[11/20]
قال مطرف: البُور(1) والعفاء(2) فإنه لا يجوز بيعه ولا منعه قالا: وهذا يُجبر على إباحته للناس إن استغنى عنه إلا أن يكون عليه في وصول الناس إليه بدوابهم مضرة مثل فدان فيه خصب وحواليه الزرع فله منعهم منه للضر. قال ابن حبيب: وسألتُ عن ذلك ابن الماجشون فساوى بين الوجهين وقال: هو أحق بخصب أرضه البيضاء(3) كلها التي يزدرعها وإن لم تكن حمىً ولا مروجاً وإن شاء باع أو أو رعى، وإنما الذي لا يحل بيعه ومنعه إن لم يحتج إلى رعايته خصب العفاء من منزله.
وقال أصبغ: رأيتُ أشهب ينكر رواية ابن القاسم عن مالك أن للرجل بيع خصب أرضه عامه ذلك إن بلغ أن يُرْعَى وكان لا يجيز بيع الكلأ على حال وإن كان في أرضه وحماه ومروجه قال: وإنما الكلأ كالماء العذب الذي يخرجه الله على وجه الأرض فلا يملك ولا يباع وهو لمن يأتيه الله في أرضه فينتفع به وله أن يحميه/ ويذب عنه لمنافعه به فإن استغنى عنه لم يجز له منعه ممن احتاج إليه ولا يبيعه إلا أن يجذه ويحتمله كما يفعل الناس في بيعه، فأما نابتاً قائماً فلا يبيعه ولا يمنعه ولو جاز هذا لمن له أرض جاز للإمام ذلك في أرض العنوة أن يمنع كلأها يجعله كالسواد، وبهذا قال أصبغ، ابن حبيب، وقول مالك ومطرف وابن القاسم أحب إلي.
وروى أصبغ للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المسلمون شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار(4). ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك في رجل يكون له الغدير أو البركة أو البحيرة فيها الحيتان فلا يُعجبني بيعه ولا ينبغي أن يمنع من يصيد فيه، وكذلك في بحيرات عندنا يبيع أهلها سمكها ممن يصيد فيها سنة.
***
__________
(1) البُورُ من الأرض: ما لم يزرع.
(2) العفاء: التراب.
(3) الأرض البيضاءُ: الأرض الملساءُ التي لا نبات فيها كأن النبات كان يُسودها وقيل هي التي لم تُوطأ وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الأرض البيضاء سنتين أو ثلاثة. رواه أحمد بن حنبل في مُسنده بسند جابر بن عبد الله.
(4) أثبته ابن ماجة في سننه في كتاب الرهون باب المسلمون شركاء في ثلاثة.(1/17)
[11/21]
قال مالك: لا يعجبني لأنه يقل ويكثر ولا أحب لهم أن يمنعوا الناس من الصيد فيها، قال أشهب: إذا كان لك غدير أو بركة أو عين فيها سمك فإن كنت أنت طرحت فيها سمكاً فتوالد ولم يأتها ذلك من غياث الله سبحانه فأنت أولى به، وإن كان ذلك جاء مع الماء إذ جاء فليس لك أن تمنع من الصيد فيها إلا أن يكون في صيد فيها ما يفسد عليك غير ذلك من ملكك فليس ذلك لهم.
قال سحنون: له أن يمنع مراعي أرضه وحيتان غديره لأن ذلك في ملكه وحوزه وذلك سواء. قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ما كان من ذلك ملكاً لأهله وفي حوزهم وملكهم فلهم أن يمنعوا الناس منه وما كان منها في الخلج والأنهار التي لا تملك فليس لمن دنا إليها بسكناه/ وحقه أن يمنع منها من طرأ وقال مثله ابن حبيب، وكذلك قالا في مصايد الحيتان في الأنهار والبحيرات والغدر والبرك والخليج أن لهم منع الناس من الصيد فيها إن كان ذلك فيما يملكون من أرضهم، وإلا فليس لهم المنع منها.
قلت: فلو عملوا فيها مصايد بقصب وخشب وما عرفه أهل الاصطياد؟ قال: ليس لهم أن يتحجروها عن الناس ولكن يبدؤؤن بالاصطياد فيها فإذا أخذوا حاجتهم خلوا بين الناس وبينها والصيد فيها.
قال أصبغ: وابن القاسم ساوى بين ما كان في ملكهم وغير ملكهم كالكلأ. ومن المجموعة قال عبد الملك للرجل أن يُكري مراعي أرضه فإن شاء باع وإن شاء وهب إذا حضر وقت الرعي فإن كانت الأرض مسلم قوم من القرية فليس لهم أن يكروها ولا يمنعوا فضل مائها ليمنعوا به الكلأ.
قال سحنون: وفيها جاء الحديث فيما لا يُمنع ولا يجوز بيعه وكما لا يباع البئر في أرض الأعراب فكذلك كلؤها وكما يباع البئر في الأرض المملوكة، كذلك يباع كلؤها، هكذا بلغني عن سحنون أن مسلم القوم إن لم يكن في كلئه فضل عن ماشيته لضيق المسلم أو لكثرة الماشية فليس لغيرهم أن يدخل عليهم بالرعي فلهم منعهم لأنه من دفع الضرر ولكن ليس لهم بيعه كما لا يبيعون بئر ماشيتهم ***(1/18)
[11/22]
وهم يبدؤؤن بالشرب وكذلك في الكلأ. والناس في فضل هذا وهذا سواء ولا يباع ذلك، وكذلك لا يعجبني بيع أطراف مسلماتهم لأن بيع/ ذلك منع لمنافعه وكلئه، وهم ليس لهم منع ما فضل عن حاجتهم، فكيف يبيعون ما لا يملكون ولا يورث عنهم؟ إلا أن يبيعوا ذلك ويقتسموه(1) بالسلطان فيكون ذلك كأنه قطعه لهم. وإن كان ذلك مما يحتاجون إليه مما لا يدخل فيه القطائع فليس ذلك لهم لأن بيع ذلك قطع لمنافعه عن نسلهم وعن الغائب عنهم وملكهم فيه ملك منعةٍ ليس ملك حقيقة.
في حريم الآبار والعيون وحريم النخلة
وفيمن حفر في داره ما يضر جاره
من المجموعة ابن وهب عن مالك فيمن له بئر في أرضه يسقي بها حرثه وحائطه فيريد جاره أن يحفر بئراً قريباً منها، قال: ينظر فيه الإمام فرُبَّ أرض رقيقة إن حُفر بقربها ذهب ماؤها وأخرى جبل لا يضر ما حُفر بقربها فما كان فيه ضرر منعه الإمام وإلا تركه. وروى مثله ابن القاسم في بئر الماشية والعيون إن حريمها علي قدر اجتهاد الإمام بقدر حدة الأرض ورقتها، وفي سماع ابن وهب قال وذكر له ما جاء عن ابن المسيب فقال: ما علمتُ ذلك.
وذكر ابن نافع عن مالك في المجموعة وهو في العتبية(2) من سماع أشهب عن مالك أنه سُئل عن حريم الآبار والعيون فقال: إنما الحريم في الفلوات وحيث لا يُملك فأما ما احتفر رجل من بئرٍ أو عين في حقه فله ذلك إلا أن يضر ذلك بجاره ضرراً بيناً، فقد يحفر بئراً يستفرغ بحفره بئر جاره فهذا يثمنع وأما في الفلوات فليس لذلك حريم معلوم ولكن ما صار إلى الضرر/ مُنع منه ولا بأس بما لا يضر أما الأرض الشديدة الصخر فلا يكاد يضر الحفرُ فيها وإن تقاربت الآبار، وأما ***
__________
(1) في الأصل ويقتسمونه بإثبات نون الرفع.
(2) البيان والتحصيل، 10: 250.(1/19)
[11/23]
الأرض البطاح اللينة فإنها إذا تقاربت انتشف بعضها ماء بعض فليُبعَد عنها ما لا يضر بها بغير حد معلوم إلا ما فيه الضرر.
قال ابن نافع: وبلغني في حريم البئر العادية(1) خمسين ذراعاً وفي البئر البادية خمسة وعشرين ذراعاً أخبرنيه ابن أبي ذيب عن ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أشهب: قد جعل لها العلم حريماً(2) وجرى ذلك بينهم قديماً وذكر هذا الحديث عن سفيان عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حريم بئر الزرع خمسمائة ذراع(3).
قال ابن شهاب: لا أدري ذكر حريم بئر الزرع أفي الحديث هو أم من قول سعيد؟ وذكر ابن وهب الحديث عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وذكر عن قول ابن المسيب في البئر العادية وبئر البدو مثل ما تقدم من نواحيها كلها.
قال ابن المسيب: وسمعت الناس يقولون: حريم العيون خمسمائة ذراع، وكان يقال: حريم الأنهار ألف ذراع، وفي حديث آخر لابن وهب عن عمر بن الخطاب في البئر العادية وبئر البادية كما تقدم، وقال: في العيون خمسمائة ذراع وفي بئر الزرع المناضح ثلثمائة ذراع، وقال ابن شهاب عمن أدرك من العلماء كانوا يقضون في غياض العيون في رقاق من الأرض بتسعمائة(4) ذراع وإن كانت في جلد من الأرض فأربعمائة ذراع وخمسون ذراعاً.
***
__________
(1) البئر العادية: البئر القديمة التي لا يعلم لها حافر ولا مالك فيقع فيها الإنسان أو غيره وجاء في لسان العرب لابن منظور أنها هي المرادة من قوله عليه الصلاة والسلام: البئر جُبارٌ أي هدر وذكر لهذا الحديث تفسيراً آخر.
(2) في ص، قد جعل أهل العلم لها حريما.
(3) لم يتيسر لي تحديد حقيقة هذا الحديث إلا أنه يوجد في سنن الدارمي في باب حريم البئر عن عبد الله بن معقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من احتفر بئراً فليس لأحد أن يحفر حوله أربعين ذراعاً عطناً لماشيته.
(4) في ص، سبعمائة بتقديم السين.(1/20)
[11/24]
قال أشهب: وإنما هذا حكومة سواء في كل ما نزل وفيما ذكر عمر في ذلك يقاس عليه/ كما يُروى في جزاء الصيد ويؤتنف فيه الحكم فيجتهد في ذلك كله في بئر العادية وبئر البادية وبئر الزرع وبئر الماشية ويقدر ما لا يضر من ذلك بمن سبق وليحتفر وإن كان أقل مما مضى من حده، وإن كان مما يضر فليمنع وإن كان أبعد مما مضى فيه من الحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا ضرر ولا ضِرار"(1)، وكذلك حريم العيون والأنهار مختلف باختلاف الأرض في لينها وشدتها وهذا في إحياء الموات وما احتفر الرجل في حقه أو [مما اختلط إياه أو ابتاعه] (2) فإنما يراعي ألا يضر ما فعل بجاره إن كان يجد بداً من احتفار ذلك ولم يضطر إليه فإن كان لضرورة ولا مندوحة له منها فليحتفر في حقه وإن ضر ذلك بجاره لأنه قد أضر به تركه كما يضر بجاره حفره وهذا حقه أن يمنع جاره أن يضر به في منعه الحفر لأنه ماله، وهذا أيضاً قول مالك.
قال ابن القاسم في البئر في أرض صلبة فأراد أحد أن يحفر قربها أو يبني بناء فقال أهل البئر: هذا عطنُ إبلنا ومرابض غنمنا(3) وبقرنا [وذلك لا يضر ماء البئر] (4)، قال: يُمنع من ذلك لأنه حق لهم إذا أضر بهم في معاطنهم فهو كالضرر بهم في مائهم. وقال أشهب: هذا في إحياء الموات فيما يُحتضر ويُحرث ويُبنى فليس لمحيي الموات(5) أن يحيى ما كان مُضراً بمن قاربه ولا ينظر فيه إلى قول الحافر ولا قول أرباب الماشية ولكن إلى ما كان فيه الضرر بعطنهم فإن لم يضربهم فله أن يحتفر.
قال ابن القاسم وأشهب فيمن له بئر خلف حائطه أو وسط داره فحفر جاره في داره بئراً أو كنيفاً أضر ببئر جاره فإنه يُمنع. قال أشهب لأنك أحييت ***
__________
(1) رواه الإمام مالك في الموطإ مرسلاً عن عمر بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده فيما أسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(2) العبارة جاءت في الأصل مضطربة فأثبتناه على الصورة التي ذكرنا.
(3) في ص، هذا عطن لإبلنا ومرابض لغنمنا.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(5) في الأصل، فليس غير الموات وهو تحريف والصواب ما أثبتناه من ص.(1/21)
[11/25]
ذلك لما قبله/ فليس له أن يُحيي ما يقطع عليك ما أحييت قبله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضِرار(1).
وقال في نهر يمر في أرض قوم فأرادوا أن يغرسوا في حافتيه فمنعهم صاحب النهر فليس له منعهم، وقال أشهب: لأنهم يغرسون في حقهم ولا يضر ممر نهره وإن شرب منه الغرس إلا أن يغرس في موضع لك أن تلقى طين نهرك فيه فلك منعُهُم لأن لك فيه حقاً.
قال ابن القاسم فإن غرس ولم يقدر أن يُلقى الطين على غيره الشجر لكثرته فليُلقه على الشجر إذا كان شأنهم إلقاء الطين في حافيته هذه سنة بلدهم. ومن كتاب ابن غانم وسؤاله مالكاً قال: وسألته عن حريم النخلة قال: قدر ما يرى أن فيه مصلحتها ويترك ما أضر بها، قال: وسُئل عن ذلك أهل العلم به وقد قالوا: من اثني عشر ذراعاً من نواحيها كلها إلى عشرة أذرع وذلك حسن وسُئل عن الكرم أيضاً وعن كل شجرة أهل العلم بها فيكون لكل شجرة بقدر مصلحتها.
في سيل الأودية والأنهار إذا تشاح فيها أهلها
من المجموعة ذكر من رواية ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور ومذينب(2) أن يمسك الأعلى على الأسفل [ثم يرسل الأعلى على الأسفل، وفي حديث ابن وهب: يُمسك الأعلى على الأسفل، الماء في حائطه إلى الكعبين ثم يرسل على الأسفل] (3) ثم يعمل من كان أسفل منه كعمله ***
__________
(1) سبق تخريجه من مسند الإمام أحمد.
(2) مهزور ومُذينب واديان يسيلان بماء المطر خاصة، وفي مهزور اختُصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أهل مهزور فقضى أن الماء إذا بلغ الكعبين يحبس الأعلى.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص.(1/22)
[11/26]
حتى ينقص الأموال(1) أو ينفد(2) الماء. قال المسور: فمضت بذلك السنة في شرب الحوائط/ بالسيول على هذا وعملوا به ثم تشاح الناس. قيل لمالك في قوله صلى الله عليه وسلم: يُمسك الماء حتى الكعبين ثم يرسله على الأسفل(3) يلزم ذلك الأئمة الناس في كل ما كان مثل العوالي في ماء السماء، قال: أما السيل فإنه يُقضى به في كل مكان. وأما النيل(4) فلا أدري. قال ابن نافع: وأرى ذلك في النيل أيضاً قال: وقد كان في سيل مهزور ومذينب يومئذ أصل نخل قال: نعم.
قال ابن كنانة، وبلغني أن السيل إن كان يُسقى به الزرع مثل سيل مهزور ومذينب أنه يُحبس حتى شراك النعل ثم يرسل الأعلى على الأسفل فأما ما سقى النخل والشجر التي لها أصل فليُحبس إلى الكعبين، قال: وليُمسك الزرع والنخل والأصول إلى الكعبين أحبُّ إلينا لأنه أحرى أن يروى ما يسقى به، وتفسير أن يمسك السيل على نخل الرجل وزرعه قبل يدخله السيل فإذا بلغ إلى الكعبين أرسل حتى يسقي ما تحته من نخل أو زرع لغيره فإذا سقاه أمهل أيضاً عن نخل من هو أسفل منه وزرعه فيفعل هكذا حتى يسقي كل ما تحته فيُحبس لنخل كل رجل وزرعه مرة ولا يحبس مرة واحدة لها كلها.
قال سحنون ومهزور ومذينب واديان بالمدينة يسقيان بالسيل ليس ملكهما لأحد فيتشاح الناس فيها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ الأعلى فيحبس الماء إلى الكعبين وإنما يراد بذلك أن يرسل الأعلى السيل ويحبس الماء الذي بلغ في أرضه إلى الكعبين فلا يرسله. قلت له: فإن كانت أرض الأعلى غير معتدلة بعضها أشرف من بعض؟ قال: يُؤمر أن يعدل أرضه وليس له أن يحبس/ على أرضه كلها ***
__________
(1) كذا في ص وهي ممحوة من الأصل. واللفظ عند ابن ماجة في كتاب الرهون (حتى تنقض الحوائض أو يفنى الماء).
(2) في ص، يبعد وفي الحديث المذكور سابقاً: يفنى.
(3) ورد في الموطإ في باب القضاء في المياه ورواه أبو داود في كتاب الأقضية وابن ماجة في كتاب الرهون باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء.
(4) كذا في ص وجاءت العبارة فيالأصل وأما السيل.(1/23)
[11/27]
فوق الكعبين وهو الحكم في كل عين غير مملوكة وهي تسيل سيحاً، وكذلك حكم السيول من ماء المطر مما يأتي من الجبال والأرض التي ليس بمملوكة إن قدر الأعلى أن يمسك الماء حتى الكعبين فذلك له ثم يرسل على من تحته ما بعد الكعبين وكل عين مملوكة ملكها لقوم فإنهم يقتسمون ماءها على قدر ملكهم فيها لا يكون الأعلى أولى بها حتى يبلغ الكعبين ولكن يُقسم بالقلد(1) وهي القدر ويأخذ كل واحد ماءه فيصنع به ما شاء كان أسفل أو أعلى.
وكذلك السيول التي تأتي من ماء المطر من أرض الناس المعروفة لهم فلكل واحد أن يمنع ماءه ويحبسه في أرضه قل أو كثر ولا يرسل من تحته شيئاً ولا حجة لمن تحته عليه إلا أن يتطوع له بذلك.
وإن أرسل رجل ماء أرضه إلى جاره فللمرسَل إليه أن يحبسه في أرضه ولا يخلي منه شيئاً إلى من تحته. وسُئل بعض أصحابنا عن النهر الصغير عليه الأرحية والأجنة فيسقي به أهل كل قرية شجرهم وبعض الأجنة فوق بعض إلى آخر النهر والقرى على النهر يشربون من مائه ويردون بمواشيهم فيقل ماؤه في الصيف لما يكثر عليه من سداد الأرحية والأجنة فيسقي به أهل كل ملايا في القرى السفلى ما يسقون ويردون بمواشيهم وربما حفت شجرهم قال وأرى أن يهدم الوالي تلك السداد إذا علم أن الماء يسعهم بهدم السداد، وإن كان لا يعمهم إن خرقها فلا يخرقها إلا أن يخرج الماء من أرض قوم وحوزهم فيكون أولئك أحق بمائه حتى يفرغوا من حاجتهم فيكون فيه الأسفلون بالسوية/ القرى كلها يقسمون ثم يقسم أهل كل قرية ماءهم إذا احتاجوا إليه على قدر ما لهم في القرية، وإن كان لأحدهم شرب معلوم من الأسفلين أعطيه إن ثبت ذلك ببينة عادلة وسواء كانت ترده الماشية أم لا.
***
__________
(1) القلد بفتح القاف مصدر لقلد الماء في الحوض إذا جمعه والقلد بالكسر يوم السقي المحدد لشخص ما على التناوب وفي حديث عبد الله بن عمرو أنه قال: لقيمه على الوخط إذا قلدك من الماء فاسق الآخر الأقرب فالأقرب أي إذا سقيت أرضك فأعط من يليك. ذكره ابن منظور في لسان العرب.(1/24)
[11/28]
قيل فقد تكثر عليه الأرحية فيقل ماؤه في الصيف فيسد الأعلى رحاه فيحبس الماء ليلة أو بعض يوم ثم يرسله فيطحن رحاه ويسقي شجرة ثم يتولاه الذي يليه فيفعل مثل ذلك فربما بقي الأسفل لا يطحن رحاه أياماً قال فليوكل الوالي أمناء على كل قوم بناحيتهم فيمنعون من سد ذلك الماء ويرسلونه إذا كان في إرساله منفعة للأسفلين في طحينهم وسقي شجرهم وإن لم تكن لهم فيه منفعة تركوا وذلك، لا يُمنعون من منافعهم إذا لم يضروا فيها بأحد.
ومن العتبية(1) قال عيسى وسُئل ابن وهب وهو في المجموعة إلا أنه قال وسُئل بعض أصحابنا عن قوم لهم مرج يزرعون فيه وللمرج واد فإذا كان السيول في مرجهم وأن ذلك الوادي انصرف عن مرجهم فهل لهم أن يسدوا مصرفه عن مرج الآخرين؟ قال: إن دخل الماء أرضهم قبل انصرافه فهم أحق به حتى يسقوا ما عندهم ثم يرسلوا الفضل إلى إخوانهم وإن انصرف عنهم قبل أن يدخل أرضهم فليس لهم قطعه عن إخوانهم إلا ان تكون فيه سعة لهم جميعاً لأن الماء غيث يسوقه الله تعالى إلى ما يشاء قال الله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَفنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) [ الفرقان: 51] يريد المطر فلا يقطع عن قوم ما صرَّفه الله إليهم ولا ينقلونه من مكان بعيد فيصرفونه إليهم دون ما هو أقرب إليهم منهم/.
قال في العتبية(2) وقال ابن القاسم مثله وفي أبواب الأرحية شيءٌ من معنى هذا الباب.
ومن الواضحة وسألتُ أصبغ عن العين لرجل في أرضه ولجاره أرض إلى جنب عينه فينبع في تلك الأرض عيون من تلك العين فيريد صاحب العين سدَّ ما نبع منها في أرض جاره ليُعزر عينه، قال: إن كان جاره لم يستحدث ذلك ولم يحتفره كي يجر ماء العين لنفسه فليس ذلك له لأنه شيء ساقه الله إليه وإن كان ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 265.
(2) البيان والتحصيل، 10: 265.(1/25)
[11/29]
هو الذي احتفرها واجتر الماء إلى أرضه بحفر أو شيء صنعه فليس ذلك له ولرب العين منعه وإن بسد ينابيع الماء في أرضه. وقال ابن القاسم مثله وهو من كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب سحنون عن جنانيت في زقاق من أزقة واحد أعلى وآخر أسفل فيأتي المطر فيريد صاحب الأعلى حبس الماء كله قال: هو أولى بالماء كله حتى يصير إلى الكعبين إن كانت أرضه مستوية ثم يسرح الماء إلى الأسفل قبل الجنان الأسفل كبئر يحمل الماء قال: وإن كثر فليس له منه إلا ما فضل عن الكعبين، قيل: فإن كان الجنانان متقابلين قال: يُقسم الماء بينهما، قيل: فإن كان الأسفل مقابلاً للأعلى؟ قال: يعطي ما خرج عنه ما يسقي إلى الكعبين، يريد بذلك الخارج ثم يُقسم الماء بينهما، قيل: فإن كان بعض الأجنة ٌأقدم من بعض؟ قال: والقديم أحق بالماء.
في البئر أو العين في جنان الرجل
أو في داره المهدومة شركة للناس
ينتفعون به زماناً ثم أراد منعهم
ومن أقطعته عيناً من واديك ثم قام فيه ورثته
/ من العتبية(1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن انهدم حائط حجرته وفيها بئر يشرب منها جيرانه زماناً حتى مات الآباء وشرب منه الأبناء حتى طال الزمان ثم أراد منعهم وبناها كما كانت، قال: إن كانت معروفة في غلقه وحجرته حتى انهدم الجدار فتركها شرباً لجيرانه ردَّها إن شاء وإن طال الزمان إلا أن يأتوا بأمر يستحقونها به، وإن كان أمر الجدار مجهولاً وتقادم الأمر فيه جداً لا يمنع أحداً أن يشرب منها يبقى كذلك إلا أن تقوم بينة(2) على إرفاقٍ(3) أو عارية أو أمر يستحقها به دونهم.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 310.
(2) في ص، إلا أن تكون له بينة.
(3) الإرفاق إعطاء منافع العقار وفي الصباح المنير للمنوفي ارتفقت بالشيء انتفعت به.(1/26)
[11/30]
قال عبد الملك بن الحسن: سألت ابن وهب عن حائط رجل ليس عليه جدار قال وفيها عين يغسل فيها من يجاوره من النساء ثيابهن ويُقصرن شققهن ويرتفقن ومضى لذلك زمان ثم طلب رب الجنان أو مبتاعه منه أن يحظر عليهن(1) الحائط ويقطع عمن كانوا يرتفقون(2) بالعين مرافقهم بالغسل والوضوء وغير ذلك وادعوا أن لهم هذا المرفق منها وقامت لهم بذلك بينة وقال رب الجنان كنت تركتهم وقد أضر بي اختلافهم إليها قال: فله منعهم من ذلك وإباحته إذا شاء وليس ما أباحهم من ذلك أولاً لجيرانه وللمارة وللناس مما يقطع نفعه من ذلك ولا منعه، وصرَّفه حيث شاء إذا كان ما تقدم منه معروفاً صنعه ولم يكن صدقة بأصل العين أو تحبيساً على الناس فله منع ذلك إن شاء، وسواء كان هو أنبطها أو اشتراها وإنما هي كبئر الزرع والأجنة ولا أحب له أن يمنع الشرب منها من غير أن أقضي عليه.
وقال أشهب: له ذلك/ ليس لهم أن يدخلوا عليه في حظيرة(3) ولم يكن له قبل الحظر معهم من غسل ثيابهم في العين إلا أن يكونوا يغسلون ثيابهم في موضع من الحائط يخاف على بعض ما فيه منهم فله منعهم، وإن لم يكن الحائط محظراً.
ومن سماع أشهب وابن نافع عن مالك فيمن له واد فأقطع رجلاً منه عيناً ثم ماتا فطلب أبناء القاطع منع أبناء المقطع ولا يُدرى كيف أقطعه إلا أن ذلك بيده سنين ببينة قال مالك: أقطعهم عيناً ولم يحدثوا فيها شيئاً بحضرته يحتجون به إنا أحدثنا ذلك وأنتم تنظرون هم يريدون اقتطاع الوادي كله فليس هكذا يكون، وكذلك من أعطى رجلاً بيتاً فأي بيت هو وما درعه؟
***
__________
(1) في الأصل، عليه.
(2) في الأصل، عمن كان يرتفق.
(3) الحظيرة: الشيء المحيط بشيء آخر سواء كان خشباً أو قصباً.(1/27)
[11/31]
فيمن غرس على ماء رجل
أو على فضل مائه فلم يمنعه
ثم أراد منعه
أو غرس على ماء أحياه
ثم أراد أن يغرس عليه
من العتبية(1) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن له ماء يسقي به وفي الماء فضل يجري على قوم فغرسوا عليه غرساً ثم بدا لرب الماء أن يحبسه عنهم ويحفر له بركا يحبسه فيها قال: ليس ذلك له، قال محمد بن خالد عن ابن القاسم إن كان يعطيه منه لهم فهو أولى به إن احتاج إليه وإلا فليس ذلك له. قوله يعطيه يريد كالعارية لا يريد التمليك والعارية في مثل هذا على التأييد إلا أن يحتاج إليها لأن هؤلاء بنوا وغرسوا وهو يعلم ولا ماء لهم غيره فهذا كأنه سلم إلا أن يكون بين لهم وجه العارية. وأعرف لسحنون نحوه.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن له أرض قريبة من ماء قوم فغرس عليه/ فنبت الشجر وأهل الماء يعلمون ثم أرادوا حبسه عنهم فقالوا تركتمونا حتى غرسنا ثم تحبسوه عنا، وقال أهل الماء غرستم عليه وهو مما لا نقدر على حبسه، قال: ليس لأهل الماء حبسُه وليرسلوه إلا أن يحفر هو بئراً أو ينتظروا ماء إلا أن يكون ليس في الماء فضلة عن حاجة أصحابه، وإن أخذ منه شيءٌ منهم دخل عليهم الضرر والهلاك في علمهم فيكونوا أولى بمائهم، وقد قال مالك فيمن انهارت بئره ولجاره فضل ماء أنه يعطي له فضل مائه بغير ثمن حتى يصلح بئره.
ابن القاسم: وإن لم يعلموا بذلك فأرادوا صرف مائهم وفيه فضل فإن كان ليس لهم في الفضل منفعة تأتيهم يريد فأهل الغرس أولى به وإن كانت لهم فيه منفعة فهم أحق بمائهم وليس لأهل الغرس في ذلك قول وإن باعوه يريد أهله إلا أن يرضوا أن يبيعوه منهم، قال عيسى: أرى أهل الغرس أولى بالماء بالثمن الذي ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 319.(1/28)
[11/32]
يبيعونه به، قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن غرس في واد فكان يسقي بمائه فجاء غيره فغرس في ذلك الوادي، قال: ليس له أن يحدث على الأول ما يقطع ماءه إلا أن يكون في الماء ما يكفيهما، قال أصبغ: وذلك إذا استرسل الأول بالإحياء والغرس والانتفاع بالماء، وفي باب من أذن لرجل أن يجري الماء في أرضه إلى رحىً يجريها مسائل من معنى هذا الباب
في العين المشتركة
يريد أحدهما صرف مائه منها إلى أرض أخرى
ومن عليه في حائطه مجرى ماء لرجل
فأجراه في حائط آخر
أو أراد قطعه هل له ذلك؟
من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب في أرض لقوم وقد عرف كل/ رجل منهم حصته من الأرض ولهم عين هم فيها أشراك وهي شِربٌ لأرضهم فأراد أحدهم أن يصرف شِربه إلى أرض له أخرى قال ذلك له، عطَّل مصابته من الأرض التي بينهم أو لم يُعطلها يريد والأرض مقسومة، قال لأن له أن يمنع ذلك الماء وكذلك له أن يسوقه إلى أرض له أخرى إذا كان لا يسوقه في شيء من خطوطهم فإن كان إنما يمر به في شيء من خطوطهم فليس له ذلك إلا برضا من يمر به في خطه.
ابن القاسم قال مالك: ولأحدهم بيع مصابته منه ولا شفعة فيه إذا قُسِّمَتْ الأرض فهذا يدلك على ما ذكرنا، وقال ابن كنانة فيمن في حائطه ربيع(1) لقوم فجروه وأجروه في حائط غيره خمس سنين ثم أراد الأول(2) أن يجره إلى مجراه الأول لمنفعته به في حائطه قال: ليس ذلك له وحجة الذي يجري في حائطه الربيع آخر ***
__________
(1) الرَّبيعُ: الساقية وسيأتي التعريف بها عند المؤلف فيما بعد.
(2) في الأصل، ثم أرادوا أن يجره وذلك غفلة من الناسخ.(1/29)
[11/33]
مرة أقوى ولا أرى أن يُنْقَلَ عنهم إلا أن لا يكونوا أحيوا عليه شيئاً فيكون الأول أولى به.
وقال فيمن له العين تجري إليه من مكان بعيد أو قريب فأراد بعض من وجد تلك القناة في دار أو أرضه فوقه قطعها عنه ويحتج بأني قد وجدت في داري وقناتي فلا أمنع منه، قال: ليس له ولا لغيره أن يقطعها عن الذي ظهرت عنده ولا عمن ينتفع بذلك الماء ظهر ذلك الماء أو لم يظهر ولكن للذي فوقه أن يشرب وينتفع من غير أن ينقص ماؤها نقصاناً يضره وليس له أن يقطعه كان قريباً أو بعيداً.
في النهر ينكشف (في) (1) بعض أرضه
أو في أرض رجل. لمن يكون ما انكشف منه؟
من العتبية(2)/ روى عيسى عن ابن القاسم، وذكره ابن حبيب عن ابن الماجشون، في النهر إلى جانب قرية فيبس منه في ناحية من نواحيه شيء، قال ابن الماجشون: في كل سنة؟ قالا: حتى صار أرضاً بيضاء يعتمل لمن ترى ذلك؟ قال: لصاحب الأرض التي تلي النهر من الناحية التي يبست إن كانت تلك الأرض لرجل وإن كانت بوراً لقوم فهو بسبيل البور قالا: وإن مال النهر إلى ناحية من مجراه فصار مجراه بأرض رجل كان يليه بأرضه قال: فالأرض التي انكشف النهر عنها للرجلين اللذين كانا يليان بأرضهما من جانبيه كما كان النهر بينهما في منافعه ثم قد صار النهر الذي قد صرفه الله تعالى إلى أرضه فشقها.
قال سحنون في العتبية(3) أرى مجرى النهر مواتاً لا يكون لمن يليه من الأرض إلا بقطيعة من الإمام.
***
__________
(1) في) ساقطة من الأصل أثبتناها لينسجم بها الكلام.
(2) البيان والتحصيل، 10: 285.
(3) البيان والتحصيل، 10: 300.(1/30)
[11/34]
قال ابن عبدوس ومن كتاب شجرة إلى سحنون في واد مجراه يميل إلى أحد ناحيتيه فيكسر الأرض كسراً شديداً ويرمي في الناحية الأخرى الرمل والطفل فيذهب بأرض كثيرة إلى الناحية الأخرى وحد كل طائفة إلى الوادي قديماً تبدل مجراه وقد يكون مجراه اليوم غير مجراه فيما خلا قال: مجراه الذي أدركتموه هو مجراه وما أفسد في أرض أحد فهو مصيبة [نزلت] (1) به وما أصلح في الأخرى فهو له وما انكشف من أرض الوادي فسبق إليه أحدهما فأخذه فحرثه فهذا هو الذي قرب من العمران ولا يكون لمن أحياه إلا بإذن الحاكم ينظر فيه بما هو أصلح للعامة.
ابن حبيب قال مطرف: سواء يبست ناحية النهر أو يبس النهر كله او تحول عن مجراه إلى مجرى آخر فصار أرضاً بيضاء فإنها ليست لمن كان يلي النهر بأرضه ولكن للإمام/ أن يقطعها لمن رأى كالعفاء والموات وهي كالطرق وهي لجميع المسلمين مقرة ليرجع إليها الماء أو ينتفع بها المسلمون ينظر فيها الإمام وليس حقوق من يلي النهر بأن ينصبوا عليه الأرحاء وشبهها من ذلك لأن ذلك يقع بالماء وحده.
وأما الأرض تنكشف فهي للمسلمين بخلاف البور والشعراء إلى جانب القوم والناس في النفع في النهر سواء في جري السفن وممرها فهو إذا انكشف للمسلمين، وقال أصبغ مثل قول مطرف، وقال ابن حبيب: هذا هو الأصل لو كان للناس إمام ينظر فيه فإذا لم يكن لهم ذلك فقول ابن الماجشون أحب إلي، قال مطرف وابن الماجشون: وإن كان النهر لاصقاً بالطريق والطريق لاصق بأرض رجل يحفر النهرُ جميع الطريق ودخل في أرض الرجل هل للناس أن يتطرقوا طريقاً في أرضه لاصقاً بالنهر كما كان الأول، قال: ليس لهم ذلك إلا بإذنه وله منعهم إن قدر، قيل: فإن يأخذ الناس ولا منفذ لهم قال: ينظر لهم الإمام ويحتالوا لأنفسهم ومن مر في ذلك فليتحلل صاحب الأرض ةتحلله قبل ذلك أحب إلي.
***
__________
(1) ساقطة من الأصل.(1/31)
[11/35]
قال ابن عبدوس قال سحنون في نهر إلى جانب طريق الناس وإلى جانب الطريق أرض لرجل فمال النهر على الطريق فهدمها، قال: إن كان للناس طريق قريب يسلكونها لا ضرر عليهم في ذلك فلا أرى لهم على هذا الرجل طريقاً وإن كان يدخل عليهم ذلك الضرر رأيت أن يأخذ لهم الإمام طيقاً في أرضه يعطيه قيمتها من بيت المال.
تم الكتاب بحمد الله وعونه وتأييده
وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً
***(1/32)
[11/37]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
كتاب القضاء في نفي الضرر
فيما يحدثه الرجل في ملكه مما يضر بجاره
من بناء أو حفر ماء وكوة
ومن أحدث أندراً أو بنى بجوار أندر لغيره
وشبه هذا القول في الضرر القديم
من المجموعة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا ضرر ولا ضرار"(1) قال ابن القاسم فيما يحدثه الرجل في عرصته مما يضر بجيرانه من بناء حمام أو فرن الخبز أو لتسييل الذهب والفضة أو كِيرٍ لعمل الحديد أو رحىً أو رحبة تضر بالجدار فلهم منعه، قاله مالك في غير شيء من ذلك، وفي الدخان وأرى التنور(2) خفيفاً، قال أشهب: وما احتفره الرجل في مِلكِه مما يضر بجاره فليس له ذلك إن كان يجد من ذلك بداً ولم يضطرَّ إليه، فأما إن كان به إلى ذلك ضرورة ولم يجد عنه مندوحةً فله أن يحتفره في حقه وإن أضرَّ بجاره لأنه لا يضرُّ به منعُه كما أضر بجاره حفره فهو أولى أن يمنع جاره أن يضر به في منعه له من الحفر في حقه لأنه ماله، وكذلك قال لي فيه مالك، وتقدم هذا في باب حريم البئر.
قال ابن القاسم: وإن فتح في غرفته كُوىً أو أبواباً أشرف منها على دار جاره أو عياله أو بنى غرفاً ففتح فيها ذلك فإنه يُمنع من ذلك، وقاله مالك، وقضى عمر أن يوضع وراء تلك الكوى سرير ويقف عليه رجل فإن نظر إلى ما في دار ***
__________
(1) سبق تخريجه من مسند الإمام أحمد فيما أسنده لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(2) التنور: الذي يخبز فيه.(1/33)
[11/38]
جاره مُنع منه وما كان من ذلك لا يضر به لم يُمنع، قال مالك: فإذا كان يتناوله بالنظر مُنع وأما ما رُفع من البناء فمنع جاره من الشمس ومهب الرياح فقال/ فلا يُمنع من هذا، وقاله ابن نافع وأشهب عن مالك، وقال هذا جداره في جهة الغرب وهذا في جهة الشرق ففي طلوع الشمس يمنع هذا جاره منها بنيانه وعند غروبها يمنع الآخر جاره فلا حجة لهما في هذا.
وفي كتاب البنيان وكذلك روى ابن القاسم عن مالك قال ابن كنانة إلا أن يكون إنما يرفع بناءه ليُضِرَّ جاره في شمس يمنعه منفعتها أو لضرورة يدخلها عليه ولا نفع له هو في بنائه فإنه يمنع من هذا.
قال ابن القاسم: وإن كانت له كوة قديمة تضر بجاره لم أمنعه من القديم. قال سحنون وسأل حبيب سحنوناً عمَّن فتح كوة في غرفة يرى منها ما في دار جاره فقضى عليه بسدها فطلب أن يسدَّها من خلف بابها قال: ليس ذلك له وليقلع الباب ويسده فتركُ الباب يوجب له حيازة بعد اليوم يشهدون له أنهم يعرفون هذا الباب منذ سنين كثيرة فيصير حيازة فلابد أن يُقلع.
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن بنى على شرف يطل منه على مورد القرية على قدر غلوةٍ(1) أو غلوتين فإن كان ذلك فعليه فتح بابها إلى المورد أو كوة فتحها وشبه ذلك مُنع، فإن كان لإشراف مكانه فقط لم يُمنع وإن وجد عنده مندوحة، قالا: وإن كان يطل من بنيانه على دور جيرانه فلا يُمنع هذا إذا كان من ذلك الشرف على دورهم قبل هذا البناء، وقاله أصبغ.
وقال مطرف وابن الماجشون في الرجل يكون له أرض لاصقة بأندر رجل فأراد أن يبني فيها بناء وذلك يقطع الريح عن الأندر ويُبطل نفعه فقالا/: لا يُمنع من ذلك لأن الأندر نفعه تنصرف منافعها إلى غيره، ذلك ولو منفعتُه من هذا كنتُ مضراً به، وقال مثله أصبغ.
***
__________
(1) الغلوة مقدار رمية السهم وفي حديث ابن عمر بينه وبين الطريق غلوة وهي مأخوذة من قولهم غلا السهمُ نفسُه ارتفع في ذهابه وجاوز المدى وكذلك الحجر والجمع غلوات وغلاء.(1/34)
[11/39]
قال ابن عبدوس قال بعض أصحابنا وهو في العتبية(1) من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال في الكتابين إنه يُمنع مما يضر في قطع مرافق الأندر(2) الذي قد تقادم نفع صاحبه به فالأنادر عندنا كالأفنية لا يجوز لأحد التضييق فيها ولا قطع منافعها، قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن أحدث أندرا إلى جانب جنان رجل وهو يضر به في تذرية(3) التبن قال: يُمنع عن ذلك وهذا كمن أحدث إلى جانب جاره فرناً أو حماماً فيضر بمن جاوره دخانه إلا أن يأذن في ذلك كل من يصل إليه أذاه فذلك له، قالا: وأما الغسال والضراب يؤذي جاره وقعُ ضربهما! قالا: لا يُمنعان من هذا، وأما الدباغ يؤذي جيرانه ريحُ دباغه ونتنه فهذا يُمنع من ذلك كالفرن والحمام يحدثه، قالا: ولو أحدث جناناً إلى جانب الأندر وتبن الأندر يضر به فذلك سواء ويُمنع صاحب الأندر من الضرر كما كان له أن يمنعه قبل البناء وقوعُ التبن في أرضه فذلك له بعد البناء.
ومن العتبية(4) قال سحنون في الأندر يبني رجلٌ إلى جانبه بناء يكنه من الريح ويضر برب الأندر، فإن كان الأندر قبل البنيان فلا يغيره الأندر عن حاله وللباني أن يبني ولا يمنع لما ذكرت من أنه يستره عن الريح كما لا يُمنع من رفع بنائه فمنع جاره من ضوء الشمس وهبوب الرياح. وإن كان البنيان قبل الأندر ثم أحدث هذا الأندر فأضر بالذي بنى وصار التبن يقع في داره أو كان جناناً أو/ مبقلةً فليس لرب الأندر أن يحدث أندراً إذا كان يضر به كما ذكرت ثم ذكر مثل ما ذكر مطرف وابن الماجشون.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 9: 261.
(2) الأندر : البيدر وهو المكان الذي تداس فيه الحبوب والجمع أنادر.
(3) التذرية هنا من ذرت الريح التراب أو التبن أطارته وفرقته ويقال أيضاً ذرى الفلاحُ الحنطة إذا نقَّاها في الريح.
(4) البيان والتحصيل، 9: 261.(1/35)
[11/40]
قال: ويُمنع من ذلك بالقضاء، ولو أن أندَرَ الرجلِ بجوار أندر الآخر فنصب فيه قشاقرة(1) يريد حال الزرع فاشتكى جاره أن القشاقر تمتعها الريح وطلب أن يزيلها قال: ليس ذلك له، وقال ابن نافع: الأندر ليس لمن في جواره أن يُحدث بنياناً يضر بصاحب الأندر وليُنَحِّ ذلك إلى مكان يرتفع به الضرر عن الأندر وسواء احتاج إلى البنيان أو لم يحتج.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار(2). قال العتبي: وقد قال سحنون مثل هذا الأول إنه يُمنَعُ أن يبني من ناحية الريح، وهو خلاف قول الأول، وهو أحسن.
ومن كتاب ابن سحنون وكتب شجرة إلى سحنون فيمن احتفر في داره بئراً ثم بنى جاره إلى جانب البئر حائطاً فتهورت البئر فقال الذي بنى: تهور البئر يضر بحائطي، قال: فليعدها كما كانت وينفي عنه الضرر، وعمن تهورت بئره فقام رجل فقال أخاف أن يسقط مسكني وهو بقرب البئر، قال: إن عُرف أن ذلك مخوف مُنع أن يُضر به، قيل: فإن كان رب البئر عديماً؟ قال: يُؤمر أن يبيع ممن يصلح.
وسأله حبيب عن قناة في حائط رجل قديمة وهي مضرة لجاره فقام عليه فقال: لا يغير القديم وإن أضر بجاره، وسأله سائل عن أفران توقد للفخار بين الدور منها القديم والمحدث فربما شكا جيرانها أذى دخانها وربما أمسكوا فكتب إليه القديم منها لا يعرض له، وروى يوسف بن يحيى عن ابن مدين أن ما كان من الضرر يبقى على حال واحدة لا يزيد كفتح/ الأبواب والكوى وشبهه فإنه يستحقه من أحدثه بطول الزمن وما كان مما يحدثه فيمسك عن جاره ثم يقوم عليه بعد زمان فإن ما كان ضرورة بينة لا تحاز بطول الزمان، من ذلك الكنيف يحدثه ***
__________
(1) في كتاب الجدار لعيسى بن موسى التطيلي الذي حققه الدكتور إبراهيم بن محمد الفائز عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالرياض وردت هذه الكلمة بالفاء قبل الشين لا بالقاف أي على شكل فشاقرة (انظر: الكتاب في طبعته الأولى عام 1996، ص. 203).
(2) سبق تخريجه من مسند الإمام أحمد.(1/36)
[11/41]
فإذا شكا جاره الضرر به بعد طول الزمان فله أن يغير لأن الكنيف يوهن ما يليه عاماً بعد عام وكذلك ما يفتحه لمستنقع المياه لأن ذلك كلما طال أضر بطوله لما يدخل من الرطوبة والبلة في بناء جاره، وكذلك الدباغ لأن ضرره يتزيد بطول المدة.
ومن المجموعة قال ابن كنانة فيمن له قطعة من أرض في فحص والقرية منها نائية فأراد أن يبني في عرصته تلك وقال الذين حوله لا يبني فيها فإنك تضر بزرعنا قال: لا يُمنع أن يبني ما شاء إذا كان له مخرج إلى الطريق في أرضه.
وقال فيمن أراد أن يبني بيتاً أو مسجداً في قرية أو مدينة فمنعه جيرانه وقالوا يضر ذلك بنا وعسى أن يكون ذلك عند موردهم قال: لا يُمنع أن يبني في أرضه ما أحب. قال ابن سحنون وسأل حبيب صاحب المظالم سحنوناً عن دارين بينهما زقاق مسلوك وفي أحدهما كوة يُرى منها ما في الدار الأخرى فبنى الذي ليس في داره كوة غرفة قبالة الكوة وفتح كوة قبالة الكوة يرى منها ما في غرفة الأول إذا فُتٍحَت فطلب الأول سد الحديثة فقال له الآخر وسُدّ أنت القديمة فإني إنما سكتُّ عنها خمس سنين أو أربعاً(1) على حسن الجوار وقد نظر ذلك من أمرتُه فقال يرى من كل كوة ما في غرفة الآخر قال: يحلف صاحب الكوة الحديثة أنه ما ترك القديمة في هذه المدة إلا على حسن الجوار غير تارك/ لحقه ثم يس بعضُهما على بعض إن شاء.
ومن كتاب البنيان مما حدثنا به أبو بكر بن محمد عن يحيى عون عن عون ابن يوسف عن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن القاسم قال: ومن بنى داراً يفتح فيها كوىً فمنعه جيرانه فإن كانت من كُوى الضوء لا يتشرف منها ولا يتطلع لاصقه بالسقوف أو تقاربها فليس لهم منعك وأما ما يتشرف منها عليهم ويتطلع فإنك تمنع من ذلك.
***
__________
(1) في الأصل أو أربعة.(1/37)
[11/42]
قال ابن وهب عن مالك: وليس له أن يفتح كوة في جداره أو سطحه يتطلع منها على جاره ولا يكلف الأسفل أن يطيل بنيانه حتى لا يراه الآخر إلا أن يكون صاحب الكوة أراد منها الروح ولا يطلع منها على جاره، قال يعني ابن القاسم: وإذا فتحت عليه كوة فلم يكن له منعك فطلب أن يبني في حقه ما يسدها به فذلك له كما لا يمنع أحدهما الآخر أن يرفع بناءه حيث شاء وإن ستر به الريح والشمس وإن سد الضوء.
ومن كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون: ومن له غرفة يطل منها ومن كواها على جاره قال: إن بُنيت الغرفة واتخذت كواها قبل أن تُبنى الدارُ التي تطل عليها لم يُمنع رب الغرفة فيما جاز منفعته وسبق إليه وقيل للآخر استُر على نفسك، وإن كانت الغرفة أو الكوى هي المحدثة مُنع صاحبُها وأُمر أن يستر باب غرفته وكواها أو يجعل أمام ذلك ما يستره حتى يواريها، ولو كان يوم بنى هذه الغرفة واتخذ الكوى دار الآخر قائمة فقام عليه، قال وهذا يضر بي إذا بنيت فلا حاجة له بذلك قبل أن يبني ولا يعود إلى ذلك بعد أن يبني وهو/ منفعة سبق إليها الآخر وحازها فلا يُمنع.
وقال مطرف: له أن يمنعه قبل أن يبني وبعد أن يبني لأنه حق يذب عنه مما يضر به إذا بنى ولو ترك أن يمنعه قبل أن يبني كان له أن يمنعه إذا بنى ولا يكون تركه قبل أن يبني عليه حجة إلا أن يكون صاحب الغرفة اشتراها على ذلك فليس لهذا منعه وإنما له منعه عند الإحداث لها أو برفقة يفتحها على أنه متى شاء منعه فيجوز ذلك بينهما.
وقال أصبغ وابن حبيب مثل قول مطرف وابن الماجشون فيمن باع داره وقد أحدث عليه جاره كوة أو مجرى ماء أو غيره من وجوه الضرر والذي كان له فيه القيام فلم يقم عليه حتى باعها فليس للمشتري أن يقوم في ذلك ولو كان البائع قد قام في ذلك وخاصم فلم يتم له الحكم حتى باع فللمشتري أن يقوم ويحلَّ محله، وقاله أصبغ.
***(1/38)
[11/43]
قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عمَّن بنى مسجداً على ظهر حوانيت له وجعل له سطحها فكل من صار في السطح يرى ما في دار رجل إلى جانبه فقام عليه بذلك قال: يُجبر باني المسجد على أن يستُرَ على سقف المسجد ويُمنع الناس الصلاة في المسجد حتى يستر هذا جاره.
وسأله عمن قام على جاره فقال له: الحائط الذي بين داري ودارك كان لك على سترة تسترني فأزلها فقال الآخر: الحائط لي ولم يكن عليه سترة فأتى المدعي ببينة شهدت أنهم رأوا على هذا الحائط سترة ارتفاعها كذا وكذا ولا يدرون لمن هي ولم نرها عليه الآن، قال: يُقال لرب الحائط إن سماء الحائط لك فأعد السترة إن ادعيتها/ ويحتمل أن يكون سماؤها لصاحبك والبينة قد شهدت بإثبات السترة فأما أن تبنيها وهي لك وإلا قيل للآخر ابنها وهي لك.
وقال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن صعد إلى الشجرة يجنيها فيرى منها ما في دار جاره فلا يُمنع من هذا ولكن لا يُؤذي جاره بصعوده، وإن كانت في وسط داره وهي قديمة أو حديثة فخلاف الغرفة، وقاله أصبغ. وروى عبد الملك بن الحسن في العتبية(1) عن ابن وهب نحوه وهو في باب آخر.
في إحداث العساكر(2) والرواشن(3)
والأبواب في السكك والروائغ(4) والشوارع
أو يفتح بابا في حائط هو بينه وبين آخر
من العتبية(5) قال سحنون فيمن له دار عن يمين الطريق ودار عن يسارها متقابلتين فأراد أن يبني على جداري دارية ساباطاً يتخذ عليه غرفة أو مجلساً ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 9: 408.
(2) العساكر جمع عسكر وهو الإخراج المعمول على الحائط في الطريق ويقال له الجناح أيضاً.
(3) الرواشن جمع روشن وهو الكوة.
(4) الروائغ جمع رائغة وهي الطريق المائلة وفي حديث الأحنف فعدلت إلى رائغة من روائغ المدينة أي طريق يعدل ويميل عن الطريق الأعظم ذكر ذلك ابن منظور في لسان العرب.
(5) البيان والتحصيل، 9: 298.(1/39)
[11/44]
فذلك له ولا يُمنع من هذا أحد وإنما يُمنع من تضييق السكة وأما ما لا ضرر فيه على السكة فلا يُمنعُ.
من المجموعة قال ابن القاسم قال مالك: لا بأس بإخراج العساكر والأجنحة على الحيطان إلى طرق المسلمين.
قال ابن القاسم وهو يعمل بالمدينة فلا ينكرونها فاشترى مالك داراً لها عسكر قال مالك في جناح خارج في الطريق فسقط على رجل فمات فقال مالك: لا شيء على من بناه. قيل له: فأهل العراق يضمنونه وقالوا لأنه جعله حيث لا يجوز له فأنكر قولهم. قال: ومن أخرج حتى جاء أسفل الجدار حيث يضر بأهل الطريق مُنع من ذلك.
وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب/ فيمن داره لاصقة بسكة نافذة أو غير نافذة فطلب أن يحول باب داره من موضعه إلى موضع آخر من داره هو أرفق به فمنعه جاره الذي يلي داره وقال: بين بابي وبابك مجلس لي ومربط لدابتك ومنزل لأحمالي وأنا في سترة إن فتحت بابي فإذا أدنيت بابك مني زال عني هذا، وقال الآخر إنما أفتح في جداري فلا حجة لك علي. قال: إن كانت السكة غير نافذة وقد فتح باباً قبالة باب جاره حتى يكون الداخل والخارج ومن خلف الباب يُعينه أو كان الفتح قريباً من جاره(1) وكان مضراً به ضرراً بيناً يُعرف فليُمنع منه، وإن كانت طريقاً سالكة وسكة واسعة حتى يكون هو وغيره من المارة في الفتح في داره والمرور بها والنظر سواء ولا يضر به في غير ذلك لم يُمنع من الفتح.
وذكر ابن القاسم في المجموعة نحوه وإنه إن كانت السكة نافذة فليفتح ما شاء ويحول بابه حيث شاء، وقال أشهب: إن كان تقديم الباب يضر بجاره على ما وصفتُ فليس ذلك له، فأما إن قدمه تقديماً يكون فيما بقي لا يقطع عنه المرفق الذي يتسع وليس بمضطر إلى أكثر منه فليس له أن يمنعه إذ سد الباب الأول ***
__________
(1) في ص، من داره.(1/40)
[11/45]
وهذا في زُقاقٍ غير نافذ، فأما في سكة مسلوكة نافذة فله أن يفتح ما شاء من الأبواب في جُدرِه ويقدم ما شاء من أبوابه.
قال ابن وهب: ولو فتح حوانيت في جداره إلى سكة من سكك الناس ولرجل دارٌ يقابل بابها تلك الحوانيت فشكا ضرورة ذلك، قال: فذلك على ما ذكرتُ لك في السكة النافذة، وقال أشهب: إن كانت نافذة فله أن يفتح ما شاء ويعمل/ ما أحب.
ومن المجموعة قيل لابن كنانة: فهل يفتح رجل باب داره قبالة باب دار رجل قال: إن لم يضر بالرجل لم يُمنع ما لا يضر بأحد فيه، قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عن الطريق الشارع يفتح فيه رجل باب دار لم يكن له قبالة باب رجل قال: يُمنع من ذلك وينكب عنه، قيل: قدر ذراع أو ذراعين قال: بقدر ما يرى أن يُزال به الضرر عن الذي في قبالته.
ومن كتاب البنيان الذي ذكرنا فيه رواية عون قال ابن القاسم: ليس لك في الزقاق غير نافذ أن تفتح باباً أو تقدمه، قيل له: فهل له أن يفتح في الطريق النافذة بابا قبالة باب آخر متنحياً عنه؟ له أن يفتح فيها ما شاء ما لم يكن ضرراً بيناً فيُمنع.
قال أشهب عن مالك في المجموعة في زقاق غير نافذ فيه رجلان أحدهما بابه على فم الزقاق والآخر بابه في أقصاه فطلب القاضي أن يقوم بابه في بناء نفسه قال: إن أضر ذلك بصاحبه فليس له ذلك، الناس يُقبِلون ويُدبِرون والسرق يكون في مثل هذا.
ومن العتبية(1) قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن بنى داره ففتح بابها قبالة باب جاره فمنعه فإن كان ذلك مُضرِاً لجاره مثال أن يكون ليس له مصرف ولا مدخل ومخرج(2) إلا بالنظر في منزله والتطلع على عياله مُنع من فتحه، ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 9: 399.
(2) في النسخة الأصلية هكذا وفي ص، ليس له مصرفاً إلخ وهو خطأ واضح.(1/41)
[11/46]
وإن كان ليس كذلك إنما يبقى أن يتطلع إليه منه لم يُمنع وقيل للآخر استُر على نفسك أو يعلم ما قلت من تطلعه فيُزجَرُ وإن عاد أدب بعد التقدمة وهذا بمنزلة ظهر السطح أو بناء يرفعه عليه فيقول نخشى أن يتطله منه أو كوة يفتحها للضوء فيقول هذا/ نخشى أن يتطلع فليس له في هذا حجة، قال أشهب: إن كان يناله المار فليُمنَع حتى يرفع بقدر ما لا يناله النظر من المار ثم إن تطلع منه لغير حاجة مُنِعَ.
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ولا يُمنع أحد من إخراج العساكر والوقوف على الطريق ما لم يُضر ذلك بأحد، وقاله أصبغ. ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب في دار فالداخلة لقوم والخارجة لآخرين فلأهل الداخلة الممر في الخارجة فإذا أراد أهل الخارجة تضييق باب الدار وتحويله قالا: ليس لهم تضييقه، قال أشهب: لأنه جزاء لجميعهم، ولو سرق الباب لزم أهل الخارجة أن يجعلوا عليها باباً بالقضاء وإن أرادوا تحويله وكان تحويله إلى موضع هو مثل الأول في الممر والقرب في خواء يحميهم ليس بين ذلك اختلاف في أمر يُعرف له وجه فذلك لهم وإلا فلا يفعلوا ذلك إلا بإذن أهل الداخلة، وقال ابن القاسم نحوه، قال سحنون: ليس هذا أصلهم وليس لهم تغيير باب الدار إلا برضاء أهل الداخلة، ألا ترى أن حديث محمد ابن سلمة لم يأخذ به مالك.
وسأل حبيب سحنوناً عن درب كبير غير نافذ هو مثل زنقة غير نافذة؟ قال: نعم، قيل فإن كان فيه زنقة في ناحية منه غير نافذة وللرجل في أقصاها باب فأراد أن يقدمه إلى طرف الزنقة فمنعه أهل الدرب؟ قال: لهم أن يمنعوه ولا يحركه من موضعه إلا برضاء جميع أهل الدرب، وكتب إليه شجرة في دار عظمى بين رجلين يسكن كل واحد في نصفها وبين مسكنيهما زقاق يخرج فيه أحدهما فأراد الآخر أن يفتح فيه باباً يخرج منه فمنعه/ شريكه ولهما بابٌ يخرجان منه جميعاً فقال: الباب بينها مشاع وإنما سكناً على التهاب(1) ولا يُفتح في الشارع بابٌ ***
__________
(1) في ص، على المُهايأة محققة من التهايؤ وهما معاً منسجمان مع المعنى جاء في المصباح المنير للفيومي ما يأتي: تهايأ القوم تهايؤاً من الهيئة جعلوا لكل واحد هيأة معلومة والمراد النوبة وهايأته مهايأة وقد تبدل للتخفيف فيقال هاييته مهايأة.(1/42)
[11/47]
إلا باجتماعهما، قال يوسف بن يحيى في الدرب التي ليست بنافذة والروائغ التي لا تنفذ، ذلك كله مشترك منافعه بين ساكنيه، قال: ليس لهم أن يحدثوا في ظاهر الزقاق ولا باطنه حدثاً إلا باجتماعهما في فتح باب أو إخراج عساكر أو حفرة يحفرها ويواريها.
جامع القول في الأفنية والطرق
وذكر ما يحدث فيها أو ينقص منها
وهل تُقسم وغير ذلك مما يشبهه
والتداعي في الطريق
من المجموعة والواضحة روى ابن وهب أن النبي عليه السلام قال "من اقتطع من طريق المسلمين أو أفنيتهم شبراً من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين"(1) وقضى عمر بالأفنية لأرباب الدور، قال ابن حبيب: "وتفسير هذا يعني بالانتفاع للمجالس والمرابط والمساطب وجلوس الباعة فيها للبياعات(2) الخفيفة في الأفنية وليس بأن يحاز بالبنيان والتحصين وقاله لي من أرضى من أهل العلم وقد مر عمر بكير حداد في السوق فأمر به فهُدم وقال: يُضيقون على الناس السوق.
ومن المجموعة روى ابن وهب عن ابن سمعان أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها أن أهلها الذين هم أقرب الناس منها يقتطعونها بالحصص على قدر ما شرعوا فيها من رباعهم فيُعطى صاحب الربعة الواسعة بقدر ما شرع فيها من ربعة،/ وصاحب الصغيرة بقدرها فيتركون لطريق ***
__________
(1) جاء في مسند الإمام أحمد ابن حنبل عن أبي هريرة باللفظ الآتي: من اقتطع شبراً من الأرض بغير حقه طوقه الله يوم القيامة إلى سبع أرضين.
(2) البياعات: يراد بها السلع التي تباع في الطرق ولا تضر بها مثل السلع الموجودة عند بعض البائعين المتجولين الذين يجعلونها في بعض الحقائب أو المحامل غير المضرة بالمارين.(1/43)
[11/48]
المسلمين ثمانية أذرع، ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اختلف الناسُ في الطريق فحدها سبعة أذرع(1).
قال ابن حبيب قال أصبغ: وقضى عمر بالأفنية لأرباب الدور فالأفنية دور الدور كلها مقبلها ومدبرها ينتفعون بها ما لم يُضيق طريقاً أو يمنع مارة أو يضر بالمسلمين، فإذا كان لهم الانتفاع بغير ضرورة حموه إن شاؤوا فإذا كان لهم أن يحموه فابتناه منهم مبنى وأدخله في بنيانه لم يُمنع إن كانت الطريق وراءه واسعة لا يضيق بوجه من الوجوه، وأكرهه له ابتداء مخافة الإثم عليه فإن فعل لم أحكم عليهبزواله وقال لي أشهب مثل ذلك وروى عن مالك أنه كرهه، وقال مطرف وابن الماجشون: لا يكون له أن ينتقص الفناء والطرق ولا يدخله في بنائه وإن كانت خلفه صحراء واحتج بالحديث فيمن اقتطع من الطريق شيئاً.
ومن المجموعة قال ابن وهب قال ربيعة فيمن بنى مسجداً من طائفة داره فلا يتزيد فيه من الطريق، وقال مالك: إن كان لا يضر بطريق للناس فلا بأس بذلك.
ومن العتبية(2) قال ابن القاسم عن مالك في الأفنية التي تكون في الطرق أن يكريها أهلها؟ قال: أما البناء الضيق إذا وُضِعَ فيه شيء أضر بالناس في طريقهم فليُمنع من ذلك، وأما كل بناء إن انتفع به أهله لم يُضيق على المسلمين شيئاً لسعته فلا بأس بذلك.
***
__________
(1) رواه البخاري عن أبي هريرة باللفظ التالي: قضى النبي إذا تشاجروا في الطريق الميتاء بسبعة أذرع في المظالم باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء والميتاءُ قيل اعظم الطرق وهي التي يكثر مرور الناس بها وقيل الواسعة وقيل العامرة ورواه مسلم عن ابي هريرة في المساقاة بلفظ: إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبع أذرع.
(2) البيان والتحصيل، 9: 405.(1/44)
[11/49]
ومن العتبية(1) قال ابن القاسم عن مالك في الأفنية قال النبي عليه السلام "لا ضرر ولا ضِرار"(2) وروى ابن القاسم عن مالك في/ الرجل يبني داره فيريد أن يدخل فيها من الفناء الواسع، قال: ما يعجبني ذلك، وقال عن مالك فيمن له داران في رحبة واحدة والمارة بها فيرتفقون بفناء الرحبة إذا ضاق الطريق فأراد، صاحب الفناء أن يجعله بابا ويدخله إليه ولم يكن على الرحبة، قال: ليس ذلك له.
ومن المجموعة وقال ابن كنانة: ليس لأحد أن يزيد من الطرق والفنية في المدائن والقرى في بنائه ولا أن يعمل فيها حانوتاً إلا أن يزيد شيئاً يسيراً لا يُضِرُّ فيه بأحد ويترك الناس من سعة الأزقة والطرق بقدر ما يمر فيه أوسع شيء يمر فيها مما تجري به منافع الناس.
ومن كتاب ابن سحنون وسأل حبيب [سحنوناً] (3) فيمن أدخل في داره من زقاق المسلمين النافذ شيئاً فلا تشهد به البينة(4) إلا بعد عشرين سنة قال: إذا صحت البينة فليرد ذلك إلى الزقاق ولا تحازُ الأزقة. قال أبو محمد: وأعرف في موضع آخر أن شيئاً يبني مما فيه الضرر البين على الطريق ولا عذر للبينة في ترك القيام بذلك فهذه جرحة.
قال أبو بكر بن محمد: اختلف أصحابنا فيمن يزيد في بنيانه من الفناء الواسع لا يضر فيه بأحد فروى ابن وهب عن مالك: أنه ليس له ذلك وقال عنه ابن القاسم ما يعجبني ذلك وقال مطرف وابن الماجشون ليس له ذلك وبه أخذ ابن حبيب، قال أصبغ: أكرهه له أن يفعل فإن فعل لم يعرض له.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 9: 412.
(2) سبق تخريجه من مسند الإمام أحمد بن حنبل فيما أسنده لعبد الله بن عباس ورواه مالك في الموطإ مرسلاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) كتبت العبارة في ص على الشكل التالي فلا يشهد له الجيران.(1/45)
[11/50]
ومن العتبية(1) روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن زاد من طريق المسلمين في داره ذراعاً أو ذراعين فقام عليه جاره الذي يقابله أو غيره وقد بقي الآن في سعة الطريق ثمانية أذرع أو/ تسعة قال: يُهدمُ، وليتقدم الإمام في ذلك ألا يزيد أحد من طريق المسلمين شيئاً، وقد هدم عمر كير حداد بناه في الطريق. وقال أشهب: يهدم، قام عليه جيرانه أو غيرهم، كان في الطريق سعة أو لم يكن، كان ما يزيد مضراً أو لم يكن.
وقال أصبغ عن أشهب في العتبية(2) مثل ما ذكر عنه أصبغ في كتاب ابن حبيب فيمن هدم داره وفناؤه واسع فزاد منه فيها أنه لا يعرض له إن كان البناء واسعاً رحراحاً لا يضر(3) الطريق، وقد كرهه مالك وأنا أكرهه بدءاً ولا أقضي عليه بهدمه إذا كان الطريق واسعاً لا يضر شيء منه، قيل لأصبغ فيمن أدخل من الطريق في داره الجرح بذلك قال إن اقتطع ذلك وهو يضر بالطريق وهو يعرف ذلك لا يجهله أو وقف عليه فلم يبال لم تجز شهادته وليهدم ذلك أن أضر جداً، وإن كانت الطريق واسعة جداً وقد أخذ اليسير لا يضر فيه فلا يهدم، وقاله أشهب فيه، وقد نزلتُ وسألتُه فأفتى فيها بهذا.
ومن المجموعة وسُئل سحنون عن طريق الفدادين قال يُنظر فإن كان أمراً معروفاً فهو على ذلك وإلا فانظر فإن كان الفدادين يشق منهم إلى حرث فدانه لم يقدر أحد أن يشقه ودار أصحابه من وراء ذلك فليس لأحد على أحد طريق وإن كان إذا حرث أحدهم شقوا حرثه وأخذوا فيه طريقاً مسلوكاً قد عرف ذلك فهو على ما عرفوا ليس لأحد أن يغير ذلك.
ومن العتبية(4) قال سحنون فيمن له أرض فحجر عليها وغرسها وكان أهل المنزل وغيرهم يستطرقونها فقاموا عليه في الطريق فأقاموا بينة بأنهم يعرفون فيها/
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 9: 405.
(2) البيان والتحصيل، 9: 412.
(3) الرحراح والرحرح: الواسع يقال عيش رحرح ورحراح أي رغد متسع.
(4) البيان والتحصيل، 9: 297.(1/46)
[11/51]
طريقاً مسلوكة منذ عشرين سنة وأقام هو بينة أنها طريق محدثة بغير حق فقال سحنون: هذا كثير ما يختصم فيه أهل المنزل وربما قطعوا الطريق الحرث حتى ربما تُؤتي القرية من غير طريقٍ وربما تساهل الناس في أرضهم لاستبعادهم عن ذلك فإن ثبت أن هذه الطريق من هذا المعنى فليست بلازمة لرب الأرض إلا أن تكون الطريق الخاملة التي تُركت من غير وجه ويطول أمرها وينقطع عنها الزرع في اتساعها وطول زمانها الخمسين سنة والستين فأما الطريق المختصرة فليست بحجة على صاحبها إذا ثبت له ذلك كما ذكرنا.
قال ابن حبيب عن أصبغ في أرض لرجل في وسط أراضي قوم كان يحرثها ويدخل إليها على أرض لم تُحرث فأراد أن يبني فيها بنياناً فمنعه أصحاب الفدادين المحيطة به وقالوا: تطرق علينا إذا زرعنا قال: لا يُمنع من البناء وليمر إلى أرضه من حيث كان يمر مرة من هذه الأرض إن لم يزرع ومر على الآخر إذا زُرعت تلك ويُمنع أن يضر بهم في زروعهم، قلت: فإن أراد كل واحد منهم أن يُعلق على أرضه بنياناً أو تحظير بستان كيف يعمل صاحب الأرض المتوسط قال: يُمنعون من ذلك حتى يجتمعون على ممر يتركونه له من أرض من شاء منهم وذلك على كل من كان هذا المتوسط يُختلف على أرضه فإن اختلفوا معه في سعة الممر فطلب هو ما يحمل ماشيته وجميع حوائجه وأبوا من ذلك فإنه يُحكم له عليهم بمثل الممر الذي كان له منهم ومنه قبل البناء على ما كان/ يُختلف ببقره على الحرث ونقل الزرع وماشيته إن كان يدخلها أرضه لرعي كلئها وإن لم يكن يختلف إليها بالماشية لم يكن عليهم أن يتركوا له ممر الماشية، وكذلك إن أراد هو وحده البنيان دونهم ولم يريدوا هُم أن يبنوا واحتاج هو من المنافع في الدخول والخروج إلى أكثر مما يحتاج له أولاً إذا كان يختلف للحرث فقط فإنه يُمنع من البنيان لأن هذا استحقاق لأكثر من حقه، وقال ابن القاسم مثله كله.
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن بنى أبرجه في الطريق ملاصقة بداره فليس ذلك له أن ينقص الطريق وإن كان مانعاً منها واسعاً وليهدم ما بناه قالا: وما حفر بلصق جداره من الكنف فإن واراها وغطاها واتقن غطاءها ***(1/47)
[11/52]
فلا بأس بذلك إذا ساواها بالطريق حتى لا يضر ذلك بأحد وما كان من ذلك ضرر مُنع منه، وقاله أصبغ وقال في الأبرجة إذا كان ما بقي من الطريق واسعاً فلا تُهدم لأن للناس الارتفاق بأفنيتهم من غير ضرر.
قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عمن يحدث في طرق المسلمين من الكنُفِ والحمامات وغيرها ويطول فيه الزمان نحو عشرين سنة وأكثر لا يُرفع إلى الحاكم قال: لا حيازة في طرق المسلمين بخلاف حيازة بعض الناس على بعض إلا أن يتطاول أمر هذه القناة بمثل الستين سنة ونحوها فيترك أو لا يعلم بأي معنى وضع ذلك ومن بنى على باب داره في السكة دكاناً وهي لا تضر بالزقاق غير أنها قبالة دار رجل وهي تضر به لأنه يقعد عليها/ ويقعد ناس فقال: يُمنع من بنيانها إذا كانت تضر بالآخر.
قال ابن عبدوس قال سحنون فيما يُحدث الناس من آبار الكنُف في الأفنية في الطريق قال إنما ينبغي أن تكون الحيطان إلى داخل الدور فيُخرج منها إلى الطريق قدر ما يدخله منه القلة فيستقي بها وكان يكره غير ذلك ويراه من الضرر البين.
قال ابن سحنون وكتب شجرة إلى سحنون يسأله عن حوانيت في شرق الجامع وأحسبها صافية وبين يديها سقائف على عمد لاصقة بالطريق والناس يسلكون تحتها وهي نافذة وبين يدي الحوانيت دكاكين والطريق بين الدكاكين وبين العمد فأراد أهل الحوانيت قطع الطريق بالبناء أو أراد كل واحد أن يجعل حائطاً من حائطه إلى العمد من الجانبين ليدخل إليه من العمد فكتب إليه: ليس لهم قطع الطريق ببناء في هذه السقائف ولا في حانوت منها إن كره ذلك أهل الحوانيت، وكذلك لو لم يكن هذا الجنب أصلاً.
وكتب إليه في حوانيت على هذه الصفة مملوكة فأراد أهلها سد الطريق من السقائف واتخذوا دكاكين أمام العمد نصبوا عليها ركائز فكتب إليه تُرد على حالها ويُمنع من تضييق الطريق، وأما هذه الحوانيت فهي لأهلها وهم إذا قطعوا هذه ***(1/48)
[11/53]
الطريق تزيدوا أمام السواري ما يضر بالطريق فليس ذلك لهم وإنما موضع السواري فناؤهم ومدخل الناس إليهم فإذا فعلوا ما ذكرت وزادوا بناءً من الطريق فإنما الذي بين يدي هذه الحوانيت أفنية سُقفت والأفنية لا تُقسم/ وهي كذلك قديمة فتبقى على حالها، وأما ما أرادوا من منع أهل البادية أن يلبثوا بدوابهم تحت تلك السقائف فلهم ذلك لضرر الدواب وأزبالها، وأما حوانيت مال الله فلا تُغيرُ عن حالها.
وكتب إليه فيمن رفع إلى الحاكم أن رجلاً غائباً يومئذ اقتطع طريقاً للمسلمين وأقام بذلك بينة أنهم يعرفونها طريقاً للمسلمين مسلوكة منذ عرفوها فكتب إليه إنما يقطع هذه الشهادة العامة وما كثر من الناس وإن كان المدعي قريب الغيبة أحضره وأسمع منه.
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: لم يكن مالك يجيز قسمة الفناء والمباح فيكون أمام دور القوم عن جانب الطريق وإن اجتمعوا ورضوا بذلك لأنه مما للناس من عامة، فيه المنفعة، ربما ضاق الطريق بأهله وبالدواب فيميل الراكب أو الرجل وصاحب الحمل عن الطريق إلى تلك الأفنية والرحاب التي على الأبواب فيتسع فيها وليس لأهلها تغييرها عن حالها، وقال أصبغ، أكره لهم ذلك ابتداء فإذا فعلوا مضى ذلك لهم لأنهم أحق به من غيرهم وإنما للناس فيه المنفعة في بعض الأحايين فلهم قطع تلك المنفعة، وأنكر ابن حبيب قول أصبغ ولم يأخذ به.
فيمن له ممر أو طريق في أرض رجل
كيف العمل فيه وكيف إن أراد تحويله
في أرض الرجل أو يجري الماء في أرض آخر
وفي طريق لرجل وللمسلمين هل يُحول؟
والقضاء بالمرفق في غرز الخشب وغيرها
من المجموعة روى ابن نافع قال في غيرها وأشهب عن مالك فيما رُوي من المرفق/ بغرز الخشب لا يمنع ذلك جاره. إن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم على الوصية ***(1/49)
[11/54]
بالجار والترغيب في ذلك ولا يقضي به، وقد كان ابن المطلب يقضي به عندنا وما أراه إلا دلالة على المعروف وإني منه لفي شك، وقال عنه ابن القاسم: لا يقضي به وإنما هو على المعروف، وقال عنه فيمن له حائط هل لجاره أن يبني عليه سترة؟ قال: لا إلا بإذنه.
قال ابن القاسم عن مالك في رجل له ماءٌ وراء أرضي وله أرض دون أرضي فأراد أن يجري ماءه إلى أرضه في أرضي قال مالك: فليس ذلك له، قال: ولو كان له مجرىً في أرضك أو دارك فأراد أن يحوله إلى موضع آخر من أرضك هو أقرب إلى أرضه لم يكن له ذلك ولم يأخذ بما رُوي عن عمر في ذلك. قال عنه أشهب: كان يقال يُستحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور قال مالك وأحدثه من يوثق برأيه ولو كان الشأن معتدلاً في أزمنتنا هذه كما عند الذي في زمن عمر رأيت أن يُقضى له بإجراء مائه في أرضك لأنك تشرب به أولاً وآخراً ولا يضرك ولكن فسد الناس واستحقوا التهم ويخاف أن يطول الزمن ويُنسى ما كان عليه جريُ الماء وقد يدعي جارك عليك به دعوى في أرضك. وقال ابن كنانة نحوه لا يقضى بحديث الضحاك بن خليفة لأن الناس قد فسدوا.
ومن كتاب آخر روى زياد شبطون عن مالك في مثل ربيع عبد الرحمن بن عوف الذي كان له في أرض جد عمرو بن يحيى المازني فأراد تحويله في أرضه إلى مكان هو أقرب إلى أرض عبد الرحمن فأبى عليه رب الأرض فقضى عليه عمر/ أن يجريه، وفي حديث الضحاك بن خليفة الذي أراد أن يمر به في أرض محمد بن سلمة فمنعه فقضى عليه عمر أن يمر به فيها.
قال مالك وفي رواية زياد أنه إن لم يضر به فليقض بمروره في أرضه وإن أضر به فليمنع من ذلك، قال: والربيع هو الساقية، قال ابن نافع: وهذا فيما يُراد تحويله فأما ما يُبتدأ عمله فليس ذلك.
قيل لأشهب: فلو أن لي أرضاً إلى جانبها أرضٌ لغيري ولي خلف أرضه عينٌ وليس لي إليها ممر إلا في أرضه فمنعني الممر إليها قال: إن كانت أرض جارك ***(1/50)
[11/55]
أحييت بعد إحيائك العين وأرضك فلك الممر في أرضه وأن تجري ماءك فيها إلى أرضك بالقضاء، وإن كانت أرضه كانت قبل عينك وقبل أرضك فليس لك في أرضه ممر إلى عينك ولا لعينك ممر في أرضه إلى أرضك.
قال أشهب عن مالك فيمن مات عن أرض كانت عفاءً لا غرس فيها ولا ماء فاقتسمها الورثة وباعوا وغرسها المشترون فمنهم من اشترى ماء فساقه ومنهم من اكتراه وأمنحه فأقاموا بذلك نحو أربعين سنة حتى عَمِيَ ذلك عليهم ثم باع بعضهم حقه فقال المشتري لمن يمر منهم بمائه عليه لا أدعك تمر به وقال الذي يمر بمائه هذا الماء لم يزل هكذا منذ أربعين سنة، قال مالك: أرى أن يدعوهم القاضي بأصل القسم فيحملهم عليه وإن لم يكن إلا ما هو عليه أقروا على ذلك ولم يكن له أن يمنعه.
قال ابن القاسم عن مالك في دار بين رجلين اقتسماها ولرجل إلى جنب أحد النصيبين دار بابها إلى الطريق الآخر فاشترى هذا الرجل النصيب الذي يلاحقه/ ففتح فيه باباً وأحدث ممر داره في طريق هذا النصيب فمنعه صاحب النصيب الآخر. قال: ليس له أن يمنعه إذا جعل ذلك ليرفق به هو ومن يسكن معه وإن كان إنما أراد أن يجعلها سكة نافذة للناس يدخلون من باب داره فحرفوا ذلك إلى مخرج النصيب قال: فليس ذلك له، قال ابن القاسم فاحتجبتُ عنده بما اختُلف فيه عندنا فقال: أرى ذلك له.
قال ابن القاسم: ولو لم يقسم الدار ولك دارٌ إلى جانبها لم يكن لك فتح باب في الدار التي بينك وبينه لأن الوضع الذي يفتح فيه معك فيه شريكٌ. وقاله أشهب عن مالك. ومسألة رجلين عن أرضين له متصلتين ولقوم بينهما طريق إلى ماء آخر بيني وبينه وقد غرستُ في أحد الأرضين وادياً فمرورهم به يضر بالوادي فأردتُ رفع الطريق إلى أرض الآخر إذ هو أرفق بي وبهم، قال: ليس ذلك لك إلا بإذنهم، فقال: إني إنما أقدم الطريق عن الوادي في بياض قدر عظم الذراعِ قال: إن كان قريباً هكذا ولا يضرهم فذلك لك وإلا فاستأذنهم.
***(1/51)
[11/56]
قال ابن القاسم وأشهب: وإذا كانت لك نخلة في أرض فأردت أن تجذها فقال رب الأرض لا تتخذ في أرضي طريقاً قال: ليس لهم منعك من الطريق إلى نخلتك في سقيها وجذاذها وإبارها(1) ومصلحتها.
قال أشهب: ولك أن تخرق زرعه بأيسر ما تقدر عليه وأبعده من الضرر، قال: ولك أن تدخل إلى نخلتك في غير حين إفلاحها وتنظر إليها وتتعاهدها وإن كنت إنما تمر مرور الضرر مُنعت من ذلك ولك أن تمر معك بمن يعينك على أمرها/ أو تستشره فيما يحتاج إليه منها.
قال ابن القاسم وليس لك أن تجمع نفراً من الناس يفسدون عليه زرعه لجذاذها، وقد قال مالك فيمن له أرض في وسط أرض رجل إنه ليس له أن يخرق زرعه بماشيته لرعي خصبها، قال ابن القاسم: ولا يمنع من احتشاشه.
قال ابن حبيب قال ابن القاسم فيمن له أرض بيضاء(2) والطرق تشقها فأراد أن يحول الطريق إلى موضع آخر منها أرفق بها وبأهل الطريق فليس ذلك له وليس لأحد أن يحول طريقاً وإن كان إلى أسهل من الأول وإن رضي له بذلك [من جاوره من اهل القرى لأنها طريق لعامة المسلمين فلا يأذنه] (3) فيها بعضهم إلا أن يكون طريقاً لأقوام بأعيانهم فيأذنوا في ذلك، قال ابن الماجشون: ينظر الإمام فيها، فإن رأى في تحولها منفعة للعامة في مثل سيولتها وقربها أو أقرب وأسهل، وإن رأى في ذلك ضرراً بأحد من المارة أو ممن جاورها منع من ذلك وإن حولها بغير إذنه فليتعقب ذلك الإمام فما كان صواباً أمضاه وإلا ردَّه.
من المجموعة قال عبد الملك: ومن له أرض مرتفعة ولآخر تحته أرض منصبة فيأتي المطر فيجيء من المنصبة إلى أخرى تحتها وهما مزروعتان يشربان كثيراً من الماء فاشترى المنصبة ناس فبنوا فيها وقرمدوا بيوتهم بالقراميد فكثر ما ينصبُّ منها ***
__________
(1) إبار النخل وتأبيره: تلقيحه يقال نخلة مؤبرة بالتشديد ومأبورة.
(2) الأرض البيضاء: الأرض الملساء التي لا نبات فيها وقد تقدم شرحها.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ص.(1/52)
[11/57]
فقال من تحته لم يكن يجري عليّ منها هذا الماء كله وقد بقيت التي تحته أو بقيت مزدرعة فلا حُجة له بهذا والماء يجري على ما كان بالواجب قلّ أو كثر.
قال ابن كنانة فيمن في داره بئرٌ ولرجل فيه شراب أية ساعة شاء فقال الذي له البئر للذي له الشرب/ أنا أحفر لك بئراً في دارك وأقطع عني شُربكَ، قال: ليس له ذلك إلا أن يصطلحا على ذلك وذلك أن البئر ربما أفسدت دار الرجل وضيقتها. قاله سحنون.
وسأل حبيب سحنوناً عمن له قناة تجري إلى زقاق نافذ(1) فأراد أن يحولها إلى زقاق أخر مثله فمنعه أهل الزقاق. قال: لهم منعُه، قيل: فإن أجراها فأقامت ثلاث سنين ثم قاموا؟ فقال: هذا قليل ولهم القيام.
فيمن له ممر في حائط لرجل أو له فيه شجر
ولا تحظير عليه فأراد ربه تحظيره
وأن يجعل عليه باباً
ومن العتبية(2) من سماع أشهب وهو عن ابن نافع عن مالك في المجموعة فيمن له ممر في حائط لرجل إلى مال له ورأى ذلك الحائط ولم يكن الحائط مُحظراً(3) فأراد ربه تحظيره وأن يجعل عليه باباً، قال: ليس له ذلك إلا برضاء صاحب الممر فيه لأنه إذا جعل هكذا لم يدخل الذي لم الممر متى شاء وقد يأتي ليلاً فلا يفتح له ويقال لا تُفتح في مثل الساعة لأحد وإذا كان مطراً لم يقعد ينتظر صاحب الطريق فما أرى ذلك إلا برضاء صاحب الممر.
***
__________
(1) الزقاق: الطريق الضيق دون السكة نافذاً كان أو غير نافذ.
(2) البيان والتحصيل، 9: 188.
(3) أي لم يكن محاطاً بشيء يحرسه ويحول بينه وبين المارة والحظيرة الشيء المحيط بشيء آخر سواء كان خشباً أو قصباً.(1/53)
[11/58]
قال: ولو حظر على الحائط حظيرة ولم يجعل عليه باباً يُغْلقُ؟ قال: إذا حظر وجعل له باباً يدخل منه ويخرج ولا يُغلق فيوشك أن يأتي من له الممر فيه فإذا رأى الحائط محظراً لم يمر وقد يطول هذا ويتشاحن هذا ويجعل ذلك الباب باباً ويصير صاحب الممر يكلف البينة على الممر.
قال ابن حبيب: كتبتُ إلى أصبغ أسأله عمَّنْ له شجرة أو شجرات في أرض رجل فيريد ربُّ الأرض/ التحظير على ارضه بجدار، أو بينهما دارٌ أو يغلق على شجر الرجل فيأبى ذلك الرجل ويقول: هذا يحول بيني وبينها وقال صاحبه: أنا أشهد لك بحقك وأفتح إذا جئت إليها.
قال أصبغ: إن كانت الشجرة أو الشجرات التي للرجل مجتمعةٌ بناحية من الأرض غير متفرقة ومتبددة فيها منع صاحب الأرض من دخول ذلك في الحظيرة ويحظره ما شاء ويدع شجر هذا وذلك إذا كان لصاحبها طريقٌ إليها على حال ما كان قبل ذلك في قرب ذلك أو بعده أو سهولته أو منفعته، وإن كانت الشجرة أو الشجرات متوسطة للأرض أو مبتددة فيها لا يقدر رب الأرض أن يفرد حقه فيحظره إلا بدخول الضرر عليه والشجرات قليلة غير شاغلة للأرض كلها والأرض واسعة فليس لرب الشجر أن يمنعه من الانتفاع بأرضه.
وإن قال: يضرني تحظيره على شجري قيل له ويضره هو تركه، فإذا اجتمع الضرران على مشتركين في شيء كان أولاهما باحتماله أيسرهما نصيباً منه ويصير هو مضاراً بصاحبه إن منعه لها كان عظيم الضرر عليه وقيل لرب الأرض حظر على أرضك وافتح لصاحب الشجر باباً يدخل منه إلى شجره على أقرب الطريق وأسهلها إليه ويكون غلقه بيده إن طلب ذلك ولم يرد أن يكون مدخله من مدخل صاحب الأرض وقيل لرب الأرض احتفظ من مدخل هذا عليك إن شئت التحظير.
قال: وإن كانت الشجر كثيرة قد عمت الأرض يتبددها فليس لصاحب الأرض أن يحظر عليها لأن أكثر الضرر في/ هذا لصاحب الشجر إذ أغلق عليها ***(1/54)
[11/59]
ولم يأتها إلا من ناحية واحدة، واحتج بقول مالك في النخل تُباع وقد أبر بعضها أنه يغلب الأكثر على الأقل فكذلك يغلب أكثر الضرر على أقله وإن جاء لا ضرر ولا ضرار كما جاء من باع نخلاً قد أبرت فتمرها للبائع ولا حد في هذا ولا هذا.
فيمن له شجرة إلى جنب جدار رجل
فتضر به أو تخرج فروعها إلى أرض جاره
ومن له في حائط رجل شجرة فانقلعت
هل يرد غيرها؟ وكيف إن نبت مكانها خلوف؟
ومن له بئر أو عين فنبع في أرض جاره عيون من ذلك؟
أو خرج من حائطه شجرة من أصل شجر لك؟
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في الشجرة تكون إلى جانب جدار الرجل فتضر به أتقطع عنه؟ فقال مطرف: إن كانت أقدم من الجدار إلا أن يحدث لها أغصان بعد بناء الجدار يضر بالجدار فليُشمر(1) منها كل ما ضر مما حدث بعد بنائه، وقال ابن الماجشون: إن كانت هي أقدم من الجدار تُركت وما حدث من أغصانها وزاد فيها من الانبساط والانتشار وإن أضر ذلك بالجدار لأنه قد عُلم هذا من شأن الشجرة أنه يكون منها فقد صار، هذا من حريمها وهو أيضاً قبل بناء الجدار، وقال أصبغ كقول مطرف، وقال مثله عيسى بن دينار في كتاب آخر، وقال به ابن حبيب وقالوا أجمع: وإن كانت الشجرة محدثة بعد الجدار فإنه يقطع منها/ كل ما آذى بالجدار وأضر به من قليل أو كثير.
ومن العتبية(2) روى عبد الملك ابن الحسن عن ابن وهب في شجرة في دار رجل فطالت حتى صار يتشرف منها على دار جاره إذا طلع بجنبها أو غرسها ***
__________
(1) أي فليقطع منها يقال شمر الشيء قطعه وشمر النخل: صرم ثمره وشمر الثوب عن ساقه رفعه.
(2) البيان والتحصيل، 9: 408.(1/55)
[11/60]
قريب من جدار جاره فيزعم صاحبه أن موضع الشجرة يضر به لأنه يخاف أن يطرق منها فيدخل عليه في داره وقد يكون قد تقادمت ومضى لها أعوام وهي تتزيد، قال: إن لم تكن له حجة إلا ما ضاق من الطرق من ناحيتها أو من يطلع من تحتها فلا حجة له بذلك ويمنع من يجنيها من التطلع والضرر إن عُلم ذلك منه وليس له قطع الشجرة، وأما إن انتشرت وعظمت حتى تخرج فروعها من أرض صاحبها وتصير في أرض جاره فليقطع ذلك الذي أضر به ووقع في حده وآذاه فقط.
وروى ابن القاسم عن مالك فيمن له شجرة في أرض رجل فسقطت فنبت فيها خلوف لها، قال: ذلك لصاحبها، قبل فله أن يغرس في مكانها شجرة أخرى؟ قال: نعم. ومن المجموعة قال بعض أصحابنا وهو في كتاب ابن حبيب لأصبغ بن الفرج فيمن له شجرة في حائطه قد أنشأها فتعظم وتنبسط وتضر بجنان جاره فلا ينتفع بأرضه.
قال في كتاب ابن حبيب فيضر بأرض جاره أو داره، وقال في الكتابين: إن كان عِظَمُها إنما هو امتداد صاعد في السماء يمد في أرض جاره فلا يغير عن حالها كالبنيان يرفعه الرجل في حقه فيستر به الريح والشمس عن جاره، وإن كان إنما مُدت في أرض جاره وأضرت به فلتشمر ويُقطع منها وتُرد إلى حالٍ لا يُؤذي. قال سحنون كل ما يخرج/ منها إلى أرض جاره فليُقطع حتى يعود فروعها إلى جدار أرض صاحبها، لأن هواء الأرض التي حدث فيها الفرع لرب الأرض.
قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: وأما الشجر التي تكون للرجل في أرض الرجل بميراث أو شراء أو قسم أو غيره فامتدت ارتفاعاً وانبساطاً حتى أضرت بالأرض فلا قول لصاحب الأرض في ذلك، وقاله ابن القاسم.
ومن المجموعة قال مالك فيمن له شجرة في أرض رجل فسقطت فنبت فيها خلفة شجرةٌ أخرى فهي لرب الأولى وإن كانت الأولى نخلة فلربها أن يغرس مكانها نخلة أخرى. قال ابن كنانة وأشهب مثله، قال أشهب: لأن له أرض النخلة، قال ***(1/56)
[11/61]
ابن كنانة: إلا أن تكون النخلة في يديه حُبُساً أو كان إنما له تَمرها دون الأصل وليس ذلك له.
قال ابن القاسم: وليس له أن يغرس ما يعلم أنه يكون أعظم انتشاراً من الأولى، وله أن يغرس ما ضرره من الشجر كضرر نخلته وأقل وما هو مثل نخلته.
قال ابن القاسم: ومن له بئر أو عين ولصيقها أرض لرجل فنبع في أرض الآخر عيون من العين أو البئر فأراد ربُّ العين سدَّها فقال: إن لم يستحدث ذلك ولم يحفره وإنما هو شيء ساقه الله إليه فلا يعرض له، وإن كان هو احتفرها وأجرى الماء مُنِعَ من ذلك وسُدت عليه.
قال وقال بعض أصحابنا وهي لعيسى عن ابن القاسم في العتبية(1) ونحوه في كتاب ابن حبيب عن أصبغ فيمن في حائطه شجرةٌ فيخرج منها قضبان تحت الأرض/ فتظهر في أرض جاره وتصير شجراً مثمراً، فإن ثبت أنها من أصل الرجل خُير من ثبتت في أرضه بين أن يقلعها عن أرضه أو يُعطي الذي تفرعت من شجرة قيمتها مطروحة. قال ابن القاسم في الكتابين: إلا أن يكون لصاحب الشجرة فيها منفعةٌ لو قلعها وغرسها بموضع آخر لتنبت فله ذلك، وإن كان لا منفعة له فيه ولا مضرة عليه فهو لرب الأرض إلا أن يكون قد بلغ فيكون لو قُلع كان لخشبه قيمته فلرب الأرض أن يعطيه قيمتها مطروحة، قال في المجموعة: إذا كان ليس في بقائها مضرة على رب الشجرة الأولى فإن كان عليه فيها مضرة لأن عروق القديمة تُسقى منه الخلوف فتنتشر هذه فله قلعها إلا أن يشاء الذي ظهرت في أرضه أن يقطع عروقها المتصلة بشجرة الأولى حتى لا يضر بها ويعطيه قيمتها مقلوعة فذلك له.
وقال في العتبية(2) قال عيسى: إلا أن يكون بقاؤها مضرّاً بأصل الشجرة فليس له ذلك إلا برضاء ربها.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 263.
(2) البيان والتحصيل، 10: 263.(1/57)
[11/62]
وسُئل عن شجر ينبت في هدف بين حائطين والهدف يُعرف برجل أو لا يُعرف بأحدهما وهما يدعيانه جميعاً والشجر مشتبكة أو متباعدة قال: إن عُرف أن الهدف لأحدهما فما ثبت عليه فهو له ويُنظر إلى أصول تلك الشجر إن قدر أن يختبر من غير فساد فمن أي شجر هي أعطى صاحبها قيمتها مقلوعة أو يأمره بقلعها عن أرضه إن كان لها ثمن، وإن لم يُعرف لمن الهدف منهما وكانت الشجر تحمل القسم وكانت متباعدة قُسم الهدف بينهما بالشجر/ فيبيع كل واحد منهما ما شاء وإن كانت مشبكة جداً حتى لا يُعرف ما أسقطته الريحُ من حَبها من أيهما هو فأرى أن تُباع من رجل واحد ويُقسم ثمنُها بينهما أو يتقاومانها بينهما.
في إحداث الأبرجة
وفي حمام الأبرجة يُؤذي ما حولها من الزرع
وفي دخول بعضها في بعض
ودخول الصيد في منصبة الرجل أو في داره
من المجموعة سُئل ابن كنانة عمن يتخذ برج الحمام فيتأذى به جيرانه في زرعهم وثمارهم قال: فلا يُمنع من ذلك وأكره أن يُؤذي أحداً، وسُئل بعض أصحابنا عن حمام الأبرجة وعصافيرها يُؤذي زرع أهل القرية وغيرها وبخاصة العصافير في شدة إيذائها قريبة من الجراد، قال: لا أرى أن يمنع صاحب البرج من اتخاذ منافعه في جداره وبرجه وعلى أهل الزرع حرس زرعهم بالنهار والذب عنه. قيل فالدجاج والإوز يتخذها فتُفسد الزرع قال: لا يُمنع من ذلك وعلى أهل الزرع حرسُ زرعهم بالنهار.
قال ابن القاسم عن مالك في الأبرجة يدخل حمام بعضها في بعض فإن قدر على رد كل حمام إلى برجة رد ذلك، فإن لم يقدر فلا شيء عليهم في ذلك وهي لمن ***(1/58)
[11/63]
ثبتت في برجه، وكذلك النحل تخرج من جبح(1) هذا إلى جبح هذا إن استُطيع ردها وإلا فهي لمن ثبتت في جبحه، وقاله كله، وقال: وهي في النحل أجوز إذ لا يُعرف أبداً ولا يقدر على ردها.
قال ابن عبدوس وقال بعض أصحابنا وذكره ابن حبيب عن مطرف في البرج يتخذ للحمام فيه الكُوَى خارجاً/ في جداره فيأوي الحمام إلى البرج في داخله وخارجه إلى الحمام الذي وضعه الرجل في برجه ولا يعرف تلك الحمام بعينها هل يأكل فراخ حمام البرج؟ قال: إن عرفها بعينها وعرف ربها ردها إليه وإن لم يستطع ردها ولا أخذها فإن عرف موضعها إذا أفرخت رد فراخها على صاحبها، وإن ازدوجت حمامة مع حمامة لجاره فعرفها وعرف عُشها الذي تفرخ فيه ولا يقدر على ردها ولا أخذها فليرد نصف ما أفرخت. قال: وكذلك إن كانت حمامة جاره ذكراً لأنه إنما يكون ذلك على وجه الحضانة لا على وجه البيض فليرد على صاحبه(2) فرخ حمامته ذكراً كان أو أنثى ويمسك فرخ حمامته ولا يكون هذا إلا في الحمام فقط من جميع الطير والبهائم وإن اشتبهت بحمامة فلا يعرفها أو يعرفها ولا يعرف عشها ولا يقدر على ردها فلا شيء عليه وله كل ما أوى إلى برجه، وقاله من أرضى من العلماء.
وكذلك الحمام التي خارج البرج في كُواه هي لصاحب البرج وله كل ما آوى إليها من العصافير وفراخها وله منع كُواه من غيره، والنحل مثل الحمام إذا آوت إلى خلية الرجل خلية لجاره فيقال لربها إن عرفت نحلك فخذها وإلا فلا شيء لك ولا يكونان شريكين، قال ابن حبيب قال لي أصبغ مثله كله، ورواه عن ابن القاسم.
من المجموعة، وقال ابن كنانة في برج الحمام والجبح إذا وقع فيه ما يُغلبُ صاحبه فلا يعرف/ شيئاً بعينه فله أكل ذلك كله، قال ابن القاسم ***
__________
(1) الجبح: خلية العسل ويجمع على أجبح وأجباح وجباح.
(2) في ص، على جاره.(1/59)
[11/64]
وأشهب: ولا تصاد حمام الأبرجة ولا يُنصب لها ولا تُرمى قال ابن القاسم فإن صاده فليرد أو ليعرف به ولا يأكله، قال أشهب: وإن قتله غرم ما قتل إن عرف البرج وربه وإلا تصدق بالقيمة.
قال ابن كنانة: وأكره أن ينصب الرجل جبحاً في مكان قريب من جباح الناس وحيث ترعى نحلُهم وتسرح وتأوي إليه ولا بأس أن ينصبها بعيداً من العمران وهذا بقدر ما يعلم أهل البلدان مما يضر به في نحلهم ومصايدهم من نحل القرية التي ليست لهم أو من نحل الناس التي يُتخوف أن يكون من جباح غيرهم.
قال ابن القاسم عن مالك: ومن نصب جبحاً في الجبال فدخله النخل فهي لمن وضع الجبح، وقاله أشهب وإن كانت نحل جبلية(1) ليست لأحد وإن كانت من نحل قوم، ولا أرى أحد أن يفعل ذلك، فمن فعل ذلك لم أره له ورأيت أن أهل تلك النحل أسوةً فيما دخل في الجبح وإن كان ذلك الجبل به نحل كثيرة ليست لأحد وبه نخل للناس لم أر بأساً أن ينصب أجباحه وله ما دخل فيها من أجباح الناس إلا أن يعرف شيئاً بعينه فليرده. قال ابن القاسم: كل من نصب لصيد منصباً له ما وقع فيه فإن وجده غيره فليس له أن يأخذه منه، وكذلك من وجد حجراً فسده وذهب ليأتي بما يحفره فأتى من فتحه وأخذ ما فيه فالذي سده أولى بذلك، فإن قالوا ومن يعلم أنك سددته؟ قيل لهم ادفعوا ذلك إليه حتى تأتي من يدعي أنه يسده وأنتم لا تدعون ذلك، وكذلك في الجبح إن قالوا ومن يعلم أنك وضعته.
قال ابن كنانة في الرجل يجد النحل في شجرة أو صخرة فلا بأس أن ينزع عسلها إذا لم يعلم أنها لأحد، ولا يحل لك أن تأكل عسل جبح نصبه غيرك لا في عمران ولا في مفازٍ ولا أكل حمام لغيرك إذا عرفته بعينه، قال: وأكره أن يأخذ الرجل من شجرة غيره غرساً إلا أن يأمره، وذكر قول ابن القاسم في الذي يطلب ***
__________
(1) جبلية ساقطة من ص.(1/60)
[11/65]
الصيد حتى يدخل دار رجل أو منصبته أنه إن اضطرته الكلاب أو الرجل رهقه لأخذه فهو له وإلا فهو لرب الدار أو المنصب بالجبالات.
وقال أشهب أرى الصيد الذي دخل الدار للطالب دون رب الدار لأنه هو الذي أحرزه في الدار ولم يجرزه ربُّها بوجه من الوجوه. قال سحنون: وهذا بخلاف ما طلبته الكلاب والكلاب كلهم إذا كانت في حومة الكلاب لم يتباعد بعضهم من بعض حتى تنقطع معونة بعضها لبعض، وفي كتاب الصيد شيءٌ من معاني هذا الباب وفي الباب الذي يلي هذا من معنى هذا الباب.
في تحظير الحوائط
وما على أهلها من حفظها من المواشي بالنهار
وما على أهل المواشي من حفظها بالليل
وفي أذى النحل والحمام وغيرها
وكيف يضمن الزرع الأخضر إذا فسد؟
قال ابن حبيب روى ابن شهاب عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن على أهل الحوائط حفظَ حوائطهم بالنهار وعلى أهل المواشي حفظَ مواشيهم بالليل(1)، وفي حديث آخر من رواية مالك عن ابن شهاب وأن ما أفسدت المواشي، بالليل ضمانه على أهلها. قال مالك: وعلى/ ذلك الأمر عندنا.
قلتُ لمطرف: فإن الزرع عندنا كثيرٌ منبسط جداً لا يطيق أهله على حراسته، قال: سُئل عن ذلك مالك فقال: الحكم في ذلك واحد على حكم ***
__________
(1) ورد هذا الحديث في سنن ابن ماجة كتاب الأحكام باب الحكم فيما أفسدت المواشي بلفظ آخر عن ابن شهاب أيضاً حيث ذكر أن محيصة الأنصاري أخبره أن ناقة للبراء دخلت في حائط قوم فأفسدت فيه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن حفظ الأموال على أهلها بالنهار وعلى أهل المواشي ما أصابت مواشيهم بالليل ويوجد هذا الحديث أيضاً بالموطإ كتاب الأقضية باب القضاء في الضوراري والحربة.(1/61)
[11/66]
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مالك في البقرة أو الناقة الضارة بالزرع فليأمر الإمام ببيعها وإن كره ربها.
وسُئل مطرف عن النخل يتخذها الرجل في القرية وهي تضر بشجر القوم إذا نورت أو تجد برجاً في القرية وتتخذ فيه الكُوى للعصافير تأوي إليه ويأخذ من فراخها وهي والحمام في إيذائها وفسادها للزرع هل يُمنع من ذلك؟ قال: أرى أن يُمنع من اتخاذ ما يضر بالناس في زروعهم وفي شجرهم، قلت: أفلا يكون ذلك كالماشية؟ قال: لا، لأن هذه طائرة ولا يقدر على الاحتراس منها كما يُستطاع ذلك في الماشية، وقد قال مالك في الدابة الضاربة بفساد الزرع التي لا يحترس منها أنها تُخرج وتُعرف وتُباع فالنحل والحمام أشد وكذلك الدجاج الطائرة والإوز وشبهها مما لا يُستطاع الاحتراس منه فأما ما يُقدرُ على الاحتراس منه كالماشية فلا يؤمر صاحبُه بإخراجه.
وقال أصبغ: النحل والحمام والدجاج والإوز كالماشية لا يمنع صاحبُها من اتخاذها وإن ضرت وعلى أهل القرية حفظ زرعهم وشجرهم، وكذلك قال ابن القاسم. وقال ابن حبيب بقول مطرف.
قال أبو محمد عبد الله: وقد ذكرنا في باب إحداث الأبرجة قول ابن كنانة وغيره في الأبرجة والأجباح وضررها وضرر الدجاج والإوز.
قال ابن حبيب: قلت لمطرف فما أفسد من الزرع الأخضر كيف يقوم؟ قال مالك: على الرجاء والخوف أن يتم أو لا يتم يريد لو جاز ذلك فيه، قال: فيغرم قيمته ولا يُستأنى بالزرع أن ينبُتَ كما يُصنع بسن الصغير، قال مطرف: فإن عاد الزرع بعد الحكم بقيمته إلى حالته الأولى قال: تمضي القيمة لصاحب الزرع لأنه حكم قد نفذ. قُلت: فلو لم يُحكم فيه حتى عاد لهيئته؟ قال: إذا تسقط القيمة التي وصفت لك وليس على المعسر إلا الأدب بقدر سفهه وإفساده إلا أن يكون ما أفسد من ذلك كان يُرعى ويُنتفع به فتكون عليه قيمتُه ناجزة لا على الرجاء والخوف وعليه الأدب، وقال أصبغ عن ابن القاسم عن مالك في صدر المسألة مثل قول مطرف.
***(1/62)
[11/67]
قال أصبغ: وإذا عاد لهيئته قبل الحكم فيه فهو عندي مثله يُقوم على الرجاء والخوف نبت أو لم ينبت كان ذلك ذلك قبل الحكم أو بعده قال ابن حبيب: وقول مطرف أحب إلي، قال ابن حبيب قال الشعبي: دخلت شاة بيت حائك فأفسدت عمله فرفع ذلك إلى شريح فقال (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت(1) فيه غنم القوم) [سورة الأنبياء: 78] لا يكون النفش إلا بالليل، وفي كتاب الأقضية باب من هذا مفرد يصلح أن يضم أحدهما إلى الآخر.
***
__________
(1) نفشت الإبل والغنمُ تنفش من باب جلس: رعت ليلاً بلا راعٍ وكذلك نفشت تنفش بالضم نفشاً بفتحتين.(1/63)
[11/69]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
كتاب الأرحية
في إحداث الأرحية والضرر فيها
وما يحدث في الأنهار من السداد مما يضر بالناس
وغير ذلك من نفي الضرر(1)
/ من العتبية(2) من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم وقال ابن عبدوس سئل بعض أصحابنا. وقال ابن حبيب: سألتُ أصبغ عن الرجل يكون له الرحى المتقادمة فيريد رجل أن يحدث فوقها أو تحتها رحىً، قال: إن كان ذلك يضر بالقديمة في بعض طحين أو يكثر بذلك مؤنة عملها أو شيء مما يضر بصاحبها ضرراً يتبين لأهل المعرفة بالأرحاء مُنع الذي أراد أن يحدث الرحى أن يحدثها.
قال وفي كتاب ابن حبيب عن أصبغ فإن قالوا: لا يضر ذلك بالرحى القديمة تُرك ذلك فإن أشكل ذلك عليهم قيل له اعمل فإن أضررت برحاه منعناك وأبطلنا عملك قال: وإن قالوا لا ضرر على الأول من إحداثها فحُكم له بالعمل فلما تم عمله تبين الإضرار بالأول نُقض الحكم ومُنع، ولو عمل على غير حكم وصاحب الرحى الأول ينظر إليه فلا يغير حتى تم عمله ثم تبين ضرره وقال الأول ما ظننتُ أن ذلك يضر بي قال: ينظر: فإن كان مثله لا يخفى عليه ولا على غيره أن ذلك يضر فلا كلام له وتبقى(3) الرحى المحدثة، وإن كان يشبه أن يخفى ***
__________
(1) تضاف إلى نسخة الصادقية نسخة باريس فيما يتعلق بمقابلة بعض الأبواب من كتاب الأرحية.
(2) البيان والتحصيل، 10: 319.
(3) في ب، وتقر الرحى.(1/64)
[11/70]
عل مثله أحلف ما سكت وهو يرى أن ذلك يضر به ثم أزيل عنه الضرر، قال ابن وهب وابن نافع مثله.
قال في العتبية(1) وكتاب ابن عبدوس قلت: فإن كان لعدوتي نهر موضع رحاءين وكل عدوة لرجل وهما متقاربتان أن أعمل المنصب الذي بهذه العدوة ينفذ سده إلى العدوة الأخرى بطل المنصب الآخر وإن عمل الآخر كذلك بطل هذا قال: إن تشاحَّا(2) فليس لكل رجل إلا نصف النهر/ فإن كان في نصفه ما يعمل عليه رحاه فذلك له وليس له أن ينفذ سده إلى برية غيره إلا أن يأذن له أهل تلك البرية أضر ذلك بهم أو لم يضر لأن نصف الماء لهم إن تشاحوا إن شاؤوا سقوا به أو حولوه إلى منبعهم وإن لم يكن في نصف الماء ما يحمل عمل رحىً مُنعا جميعاً من العمل حتى يتراضيا على ما يحمل.
[ومن العتبية(3) قال محمد بن خالد عن ابن القاسم] (4) فيمن له رحىً فنصب رجل تحتها رحىً فنقصت الأولى من طحينها قال: ليس له ذلك ويُمنع
قال في المجموعة قال بعض أصحابنا فيمن له رحىً فيحدث رجل تحتها رحىً فقال صاحب القديمة أخاف أن يضر برحائي فيبعث القاضي من ينظر ذلك من أهل النظر فيقولون: لا فساد على رحائه من ذلك فيأذن له بالبنيان فإذا فرغ أضر ذلك بالرحاء العليا وخنقت الماء عليها فلم تدُر قال: إذا اجتهد السلطان أولاً ثم أمره بالبناء فهو حكم مضى ولا يُرد ولا تركه صاحب العليا حتى بنى وطحنت رحاه ثم قام وذكر إضرارها به لم أر للسلطان أن يهدمها عنه لأنه قد تركها حتى أنفق فيها النفقة العظيمة، وقال غيره: لا يمضي الضرر فيها على أحد كان بأمر السلطان أو بغير أمره وأرى أن يُقلع الضرر إذا تبين، وقال غيره: إذا رآه بنى ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 312.
(2) تشاح الخصمان في الجدل أراد كل منهما أن يكون هو الغالب وتشاحا على الشيء أراد كل منهما أن يستأثر به.
(3) البيان والتحصيل، 10: 319.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ص.(1/65)
[11/71]
وسكت حتى طحنت فلا قيام له كانت رحاه قائمة أو قد خربت لأن النهر موات.
وقد قال عمر لا تحجروا على الناس فيمن أحيا مواتاً ثم تركه فأحياه غيره فهو لغيره فإن قال إنما تركته وأنا لا أعلم أنه يضر رحائي فإن كان لا يخفى على أحدٍ أنه يضر فلا قول له وإن كان يخفى ذلك حلف وكان له أن يقلع. وسُئل عن سداد الأرحية إذا تقادمت بيد أهلها فأراد قوم أن يمروا بخشبهم في النهر قال: أرى أن يُوكل السلطان من يهدم ما أضر بالمسلمين من تلك السدادات في ممرهم بخشبهم وسفنهم ويترك ما لا يضر بهم.
قال ابن حبيب: سألت أصبغ عما يفعل أهل سداد الأرحية عندنا من منعهم ممر الخشابين فخشبهم والخرق لهم فيها حتى يأخذوا منهم على ذلك غرماً قال: ليس [ذلك لهم لأن الأنهار التي لم يستقها الناس هي ضرر للعباد] (1) ليس لأحد منعها ولا أن يحدث فيها ما يضر بالناس في مسالكهم وليأمر الإمام بخرق ما حُبس من السداد ومؤنة ذلك ومؤنة إعادتها على أصحاب السداد دون الخشابين كانت السداد محدثة أو قديمة، وقاله ابن القاسم.
قال ابن حبيب سألت أصبغ عن الرجلين يبتدران(2) عمل رحاءين في أرضيهما معاً أو بدأ هذا قبل هذا فلما فرعا أضر أحد الرحاءين بالآخر قال: إن بدأ أحدهما قبل صاحبه بالعمل الذي له قال وقدر من النفقة ثم عمل الآخر بعده فسبقه بالفراغ أو لم يسبقه فهو المحدث فإن كان هو المضر مُنع وإن كان هو المضر به تُرك، وهو كمن حفر بئراً في داره ثم حفر جاره بئراً في حقه يستنزف ماء الأخرى مُنع [مِنْ] ذلك.
قال: وإن بدآ جميعاً ولم يسبق أحدهما الآخر بالأمر البين ولا بالإنفاق الكثير فلا يمنع واحد منهما لصاحبه إذا تباينا/ بموضعيهما [فإن تقاربا] (3) ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) يبتدران: يبادر بعضهم بعضاً أيهم يسبق الآخر وفي ب، يبتدئان.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ب.(1/66)
[11/72]
بالموضعين بما يتبين أن فيه الضرر البين فليُمنعا جميعاً لأنهما استبقا الضرار حتى يفترقا ويتباعدا بأمر بين أو متشابه. قال أصبغ: ولو خربت رحى رجلٍ فأراد غيره أن ينشئ فوقها رحىً في أرض نفسه أو تحتها وهي تضر(1) بالأولى إن أُعيدت قال: إن كان خراباً طويلاً قد عفا(2) ودرس وتُركت على التعطيل حتى طال الزمان فليس له منعه فإن كان أمرها قريباً ولم يتقادم الزمان ولا درس الأمر ولا يتبين للناظر فيها أن يتركها على التعطيل فله أن يمنع من إحداث ما يبقي ضرره إذا دعي الآن إلى العمل وإعادة رحاه فأما أن يمنعه وهو لا يريد أن ينشئ رحاه القديمة الآن فليس ذلك له، لأن هذا من التحجير على الناس.
ومن المجموعة قال بعض أصحابنا فيمن له رحىً فمات عنها فضعف ورثته فبطلت ثم أتى من اتخذ تحتها رحىً ثم قام الورثة فأرادوا هدم ما أحدث قال إنما ذلك لهم إذا قالوا نحن نبني فيتلوم لهم في ذلك وإن قالوا لا نبني لأنا لا نقدر قيل لهذا ابن في حقك ما شئت وكذلك إن لم يكن لكل واحد منهم عليه رحىً فأراد أحدهم أن يعمل في موضعه رحىً فقال صاحبه رحالك يضر بي إن أردتُ أن أحدث رحىً فليس له أن يمنعه إلا أن يقول أنا أبني رحىً في حقي أو أبيع ممن يبني. فإن قال ذلك وكان كل واحد منهما يضر بصاحبه مُنع من ذلك حتى يتراضيا. وقد سمعت مالكاً يقول في العين للرجل تهور(3) ثم أراد رجل أن يتخذ بئراً أو عيناً فإن قال صاحب القديمة أنا أبني/ [أو(4) أبيع ممن يبني تُلوم له وإن قال لا أبني لم يُمنه هذا من اتخاذ ما أراد، قال وكذلك الرحى عندي، وما أحدث في منع من أحدث رحىً تحت رجل، وهو على الاستحسان، وقد ضعفه بعض العلماء ولكن أخذنا به.
***
__________
(1) كذا في ب وفي النسختين الآخريين وهو يضر بالأولى.
(2) عفا المنزل: أمحى ودرس وبلي.
(3) في ص، تغور.
(4) ابتداء من هذه المعقوفة سقط من النسخة الأصلية ما يقرب من ثلاث صفحات أثبتناها من ص و ب وسننيه على نهاية ما أثبتناه عند الوصول إلى ذلك.(1/67)
[11/73]
وكتب شجرة إلى سحنون في الواد(1) يتخذ فيه القوم سدوداً بالخشب قطعوا بها عرصة يصيدون منها الحيتان، فشكا قوم أن بعض تلك السدود يضر بهم في أرضهم ويُميل الماء عليها فهدّم أجوافها(2) وتخرق أرضهم، ومن السدود شيء قديم منها عند مورد قوم وسقيهم للماشية والشفة يخدمهم ونساءهم فقد منعوا النساء من الاستقاء للزومهم الصيد أو تعديهم فكتب إليه: امنع الضرر حيث كان ولا أعرف الخطط في الأودية ولا في البحر ولا يمنع الناس بالأمر الذي لا يدخل به على أحد ضرر ومن أراد أن يختط فيه ويمنع من تخطية من يصيد فلا أعرف هذا.
وسئل بعض أصحابنا عن الذي يتخذ سدّاً في النهر ولعل أرضه من حافيته ويجعل في السد مصيداً للحيتان ويتقادم في يده حتى يصير ميراثاً فيأتي قوم من أهل القرية أو غيرهم يريدون عادة مثل ذلك الصيد فيمنعهم الأولون؟ قال ليس لهم أن يمنعوا أحداً من ذلك ولا من الاصطياد بشباكه وقواربه.
وسئل عن رجلين غرساً شجراً في أرض ليس بينهما إلا حد فأضر أحدهما بالآخر؟ قال يقران على حالهما لأن كل واحد عمل في أرضه ما أحب، ولو كانت واحدة قبل صاحبتها مُنع المحدثُ من الضرر على صاحبه.
ومن العتبية(3) قال أصبغ في رجل كان يبني رحى أو بيتاً في جوار مُغتسل(4) أو مُستقىً فأرادوا منعه لغاشية الرحى وما يردها من الناس، وكيف إن كان على المغتسل طريق سابلة عامرة هل لهم بذلك حجة عليهم؟ قال أصبغ إن كان يضر بهم وبغاشيتهم(5) ومستقاهم وممرهم أو ينقص منها شيئاً أو يعور طريقهم إلى ***
__________
(1) كذا في ص بدون ياء بعد الدال وكتب في ب الوادي بالياء وهو في اللغة منفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل والاستعمال المغربي غالباً ما يطلق الواد الذي استغنى فيه عن الياء على النهر. فيقال مثلاً واد سبو وواد أم الربيع وهكذا.
(2) في ص، فهدم أطرافها وما أثبتناه من ب.
(3) البيان والتحصيل، 10: 326.
(4) المُغتسل المكان الذي يغسل فيه ويطلق أيضاً على الماء الذي يغسل به ومنه قوله تعالى: (هذا مُغتسل بارد وشراب) (الآية 42 من سورة ص).
(5) في ص، يضرهم في معاشهم.(1/68)
[11/74]
غيرها، لم يكن له ذلك، إلا أن يكون تحويل الطريق الذي ذكرت، الأمر اليسير ليس فيه عطب عليهم في ممرهم ولا عوج إنما هو يمنة أو يسرة وشيء لا يتباعد ولا يلحقهم به ضرر(1) ولا إذاية في طريقهم إذا أقبلوا أو أدبروا من طريق هم الأولى في غاشيتهم ولا في حشونة(2) مستقاهم فلا أرى به بأساً. وما كان عليه في وكف(3) فعلى السلطان نفي الضرر في ذلك.
وسئل عيسى بن دينار عن ساقية بين قوم أعلين وأسفلين، وللأعلين نصفها يسقون بها يومين [ثم يسرحون إلى الأسفلين فيسقون بها يومين] (4)، فهذا فعلهم ما احتاجوا إلى السقي، [فإذا استغنوا سرحوا الماء إلى الأسفلين حتى يقع في النهر الأعظم فأنشأ الأسفل على الساقية] (5) رحى فطحنت زماناً في غير أيام السقي ثم أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر رحى الأسفلين فمنعوهم وقالوا سبقناكم إلى العمل؟ قال فللأعلين أن ينشئوا الرحى ثم يقتسموا الماء كما كانوا يفعلون يومين يومين فإن كان يوم الأعلين طحنوا بمائهم ثم] (8) أرسلوا على الأسفلين فطحنوا في يومهم، فسقوا وصنعوا ما شاؤوا، وإن أراد الأعلون والأسفلون قسمة الساقية نصفين وكره ذلك الآخرون لم يكن لهم أن يقسموها إلا باجتماعهم لأن ذلك عليهم لأنه يضر عليهم ما كانوا يستقونه في يومين لا يستقون إلا في أربعة فيكثر عناؤهم، ويضر ذلك بهم، وذكره ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون من أول السؤال إلى قوله حتى يقع في النهر الأعظم، ثم قال فهل للأعلين أن يُنشئوا في حقهم رحى يطحنون عليها في يوميهم وفي أيام استغنائهم جميعاً عن السقي فإذا احتاجوا إلى السقي يسرحون الماء كله إلى الأسفلين في يومهم وعلقوا أرحاءهم؟ فقال ليس ذلك لهم لأن الأمر يتقادم والعلمُ يدرس فيصير ذلك حقاً لهم على الأسفلين فليس ذلك لهم إلا برضاء الأسفلين.
***
__________
(1) في ص، ولا تلحقهم به ضرورة.
(2) في ص، حسونة بالسين المهملة ولم يتضح لنا معناها إلا أنه يوجد في اللغة في مادة حشن ما يأتي حشِنَ السقاءُ: حشناً أبتن لكثرة حقنِ اللبن فيه وعدم تعهده بالغسل وأحشن السقاء جعله ينتن.
(3) الوكف هنا الظلم والجور أي من حصل له ضرر يقال وكِف يوكف وكفا إذا أتم إو إذا مال وجار.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ص. مثبت من ب.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من ص.(1/69)
[11/75]
قال: ولو أحب الأسفلون أن ينشئوا رحىً في حقهم يطحنون عليها في يومهم وفيما أتاهم من فضل الماء عن السقي فليس ذلك لهم وليس للأعلين منعهم ولا حجة لهم بمثل ما احتجبه الأسفلون عليهم لأن الأسفلين لا يملكون من الماء إلا ما يأتيهم من الأعلين من شرب يوميهم ثم إن أحب الأعلون أن ينشئوا رحىً عندهم بعد إنشاء الأسفلين فذلك لهم ويقتسمون الماء بينهم على قدر حقهم فيه فيطحن كل قوم بمائهم أو يسقون به إن أحبوا ولو أراد الأعلون أو الأسفلون قسمة الساقية نصفين وأبى ذلك الآخرون فليس ذلك لمن أراده حتى يجتمعوا/ ثم ذكر مثل ما ذكر عيسى إلى آخر المسألة(1)
ومن العتبية(2) قال عيسى بن دينار في الساقية تشق أرض رجل إلى ناس تحته يسقون بها وله منها شرب أو لا شرب له منها ويريد أن يشق الساقية في أعلاها حيث يمر في أرضه فيخرق منها ساقية أخرى تصب عليها رحىً ثم يرد الماء من تحت الرحى إلى الساقية [فيمضي الماء كله إلى القوم الذين إليهم تجري الساقية] (3) وذلك لا يضرهم أذلك له(4)؟ قال: إن كانت هذه الساقية الله أجرى الماء فيها من غير أن يعملها الذين يسقون بها فذلك له، وإن كانوا هم الذين عملوا حتى أجرى الله الماء فيها(5) فليس له أن يغرقها عليهم. وذكرها ابن حبيب عن ابن الماجشون وقال في جوابه: إن كانت هذه الساقية التي أُجري الماءُ فيها من غير أن يعملها الذين يسقون بها والذي يبقى فيها من الماء بعد الذي يسبق هذا فيها كثير لا يخاف نضوبه ولا انقطاعه في وقت من الأوقات فذلك له وإن لم تكن كثرته على هذه الصفة أو كانوا هم الذين أجروا الماء فيها وسقوها فليس ذلك لهم، وقال لي مطرف وأصبغ: ليس ذلك له على كل حالٍ، وقول ابن الماجشون أحب إلي.
ومن العتبية(6) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن له في أرضه مخاضة نهر(7) فيريد أن ينصب في موضعه رحىً وذلك يعور المخاضة أو ينصب الرحى تحتها فيفرق المخاضة ويقطعها قال: ليس ذلك له أن يحدث ما يجر به ضرراً على الناس في المخاضة التي هي طريق العامة. قلت فإن كانت المخاضة منها على قدر رحيل أو ميلين أو الغلوة(8) والغلوتين هل له/ أن يرد الناس إلى بعض تلك المخائض لينتفع هو بما أحب أن يصنع في أرضه؟ قال: لا يجوز له أن يحول الناس عن طريقهم وليس للناس منعه مما لا يضرهم فإن كان يقدر أن يعمل الرحى ولا يضر بالمخاضة لم يُمنع قيل له إن الضرر لا يتبين إلا بعد فراغه من العمل قال: يقال له إن شئت أن تعمل فإن تبين ضرر عملك أبطلناه عليك فاعمل على ذلك إن شئت.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون فيمن أراد أن ينشئ رحىً في أرضه تحت رحاءٍ لغيره أو فوقها وذلك مضر فليس ذلك له ويُمنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على الأول من الآخر ضررٌ(9) وقال أصبغ: لا يُمنع من ذلك. وإن كان فيه بعض الضرر على من الساقية فوقه أو تحته ما لم يكن ضرراً مُفسداً أو مبطلاً، وأما ما فيه الانتفاع والاعتمال فإن كان فيه بعض الضرر فلا يُمنع إلا أن يجاوره في العمل والبناء ويشرف على [سده أو قربه جدارٌ ليس فيما بينهما للماء منفسحٌ فيُمنع من ذلك قال: وليس الانتفاع](10) بالأنهار وحوز منافعها بحق ثابت كحق ذي الخطة إذا أوتي عليه في ركحه(11) ومستراحه ومدخله ومخرجه إنما النهر كالموات ***
__________
(1) هنا تنتهي الزيادة التي أضفناها من ص و ب انظرا لكونها ساقطة من الأصل.
(2) البيان والتحصيل، 10: 261.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل.
(4) في الأصل و ص، أذلك لهم والسياق يقتضي أذلك له؟ وهو ما أثبتناه من ب.
(5) في ص و ب، الذين عملوا حتى جرى الماء فيها.
(6) البيان والتحصيل، 10: 298.
(7) المخاضة موضع الخوض في الماء والجمع مخائض ومخاضات من قولهم خاض الماء يخوضه خوضاً وخياضاً إذا دخله.
(8) الغلوة مقدار رمية السهم.
(9) تقدم تخريج هذا الحديث فيما سبق.
(10) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(11) الركح: جمع أركاح ورُكوح: ساحة الدار وله معان أخرى في اللغة منها أنه الأساس وأنه ركن الجبل أو ناحيته، وأنه بيت الراهب.(1/70)
[11/77]
فحيث ما وضع فيه الإحياء كان ذلك له ولا يُراعى من الضرر [في هذا إلا ما فيه إبطال الجميع مثل أن يُغلق عليه ماء النهر أو جُله أو يشرف فوق رابية] (1) أو على سده على ما أعلمتك ألا ترى سيل مهزور ومذينب في إمساك الأعلى في حائطه كله حتى يروي ثم يرسله على الأسفل فقد كان منشأ تلك الحوائط/ متفاوتاً بعضٌ بعد بعض فوق وأسفل فلم يكن يمنع من إنشائه فوق الأسفل مخافة حبس الماء عنه.
قال أصبغ: وكذلك إذا كان في إنشاء المنشئ الثاني منفعةٌ لهما واعتمال لرحييهما جميعاً. وإن كان عليهما فيه بعض الضرر أو على أحدهما فلا يُمنع المنشئ ما لم يكن في ذلك إبطال العمل الأول وفساد فاحش يبطل عمله أو جله فيُمنع، وكذلك المصائد من شاء أن يصنع مصيدة فوق مصيدة صاحبه أو دونه فليس للسابق منعُ من بعده بأن يقول تُنفر الصيد أو تصرفه عن مصيدتي ما لم يضع مصيدته على رأس مصيدة الأول بحيث يقطع عنه الصيد كله أو أكثره وإنما هذا في المصايد فيما يبدو فيه أهل المصايد لحاجيتهم، فأما ما فضل عن حاجتهم فليس لهم منعُه للناس أو يتحجرونه عليهم(2).
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن له المنصبُ في نهر يصيد فيه الحيتان أعواماً ثم شكا جيرانه أن ذلك يضر بهم قال: لهم أن يمنعوه وليس هذا مما يستحق بالحيازة على أحد ولا يضر به أحد، وقاله أصبغ، وهذه المسألة في العتبية لعيسى ابن دينار في مثل هذا الجواب فيها.
***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) في ب، أو يحجرونه عليهم.(1/71)
[11/78]
في مناصب الأرحية ومياهها هل تُقسمُ؟
وكيف بما لا ينقسم منها وهل فيها شُفعةً؟
وكيف إن اختلفت حاجتهم إلى مائها إذا اتفقت؟
من العتبية(1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم عن مناصب الأرحية في الأنهار أتقسمُ؟ قال: نعم إذا انقسمت فكان فيما يصير للسهم/ مُنتفع ومعتملٌ قلت: فإن لم تنقسم وأراد أحد الشريكين أو أحد الورثة العمل وضعف الآخرون ما الحكم على من ضعف؟ قال: يُخير بين أن يقاويه(2) شريكه فيُجعل لأحدهما أو يبيع معه إن ادعى(3) أحدهما إلى البيع يُخير(4) على أحد الأمرين وإن دُعي الضعيف إلى البيع وأبى المقاواة إذ لا ثمن معه قال: يُجبر شريكه على البيع معه كان طالب البيع قوياً على العمل أو ضعيفاً واجداً للثمن أو معدماً، قال: ولو باع أحدهما نصيبه وهي مما لا ينقسم فلا شفعة في ذلك.
قال ابن حبيب: سألتُ مطرفاً وابن الماجشون عن أنهار الأندلس وتشاح أهل الأرحية عند نضوب مائها في أيام نضوبها وتقلصه هل يُساوى بين الأعلين والأسفلين في ذلك فقالا: إن الأنهار التي لم ينشئها الناس وإنما أخرجها الله سبحانه ليست ملكاً لمن جاورها فتكون لهم المساواة فيها في قسمة مائها عند الحاجة إليه وإنما كغياث المطر أولاهم به أقربهم من عنصره فهو المبدأ بالانتفاع في الطحين والسقي حتى يروي شجره ويعمل أرحيته ثم يرسله إلى من تحته على ما بين النبي صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور ومُذينب على إرسال ما جاوز الكعبين إلى من ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 278.
(2) أن يقاويه شريكه: أن يغاليه في الثمن ليشتري الرحى من دفع منهما الأكثر يقال قاويته إذا غالبته في القوة فقويته أي غالبني فغلبته.
(3) في ب، أي دعا أحدهما.
(4) في الأصل، سقطت بعض النقط من الكلمة فصارت تحتمل يجبر ويخير وآثرنا كتابتها على ما هو موجود في ب.(1/72)
[11/79]
تحته(1) قلت لهما: فإن كان الأعلى إنما حاجته إلى الماء ليسقي الشجر دون الأرحاء أو الأرحاء دون السقي والذي يليه مخالفٌ له أو موافق قالا: إن استوت حاجتهما فالأعلى أحق به قبل أن تكون/ حاجتُهما إلى الطحين جميعاً أو للسقي جميعاً أو حاجة الأعلى للسقي والأسفل للطحين. والأعلى في هذا كله مبدأ (على الأسفل) (2).
وإن كانت حاجة الأعلى للطحين والأسفل للسقي وكانت الشجر يأتيها من الماء بعد تبدئة الأعلى لطحينها ما يحيا به شجر الثاني [ويُؤمن معه موتُها فالأعلى مُبدأ وإن كانت الشجرة لا يأتيها] من الماء شيءٌ إذا بدأ به الأعلى وفي حبس الأعلى إياه للطحين يبس شجرات الأسفلين التي إنما حييت على ذلك النهر في أيام كثيرة فالأسفلون أحق بالماء في هذا من أرحية الأعلين ويُمنع الأعلون من حبس الماء وهذا في أصول حييت بذلك الماء قبل نضوبه وليس فيما يُبتدأ عمله من غراس الشجر ولا فيما يُنشأ كل عام من المباقل والمباطح وشبه ذلك.
قال: ومن كان من الخلج والسواقي التي تجتمع أهل القرى في إنشائها وإجراء الماء فيها لمنافعهم من طحين أو سقي فقل الماء فيها ونضب في وقت نضوبه فالأعلى والأسفل فيها بالسواء ويُقسم ذلك بينهما على قدر حقوقهم فيها بالغ ذلك ما بلغ ليس من قرب من عنصرها أولى ممن في أسفلها الأعلى قدر حقه منها استوت حاجتُهم فيها أو اختلفت، وقاله كله أصبغ، وبلغني أن ابن وهب وابن القاسم وابن نافع سُئلوا عن بعض ذلك فذهبوا هذا المذهب، وفي باب من أذن لرجل أن يُجري الماء في أرضه إلى رحىً يحدثها معنى من هذا الباب وبالله التوفيق.
***
__________
(1) سبق التعريف بذلك عند ذكر هذين الواديين الموجودين بالمدينة وعند تخريج حديث إمساك الماء حتى الكعبين الذي أخرجناه من سنن ابن ماجة كتاب الرهون.
(2) زيادة من ص.(1/73)
[11/80]
/في نهر عليه أرحاءٌ لقوم فأزالها والٍ غاصب
وبنى جنبها مثلها ثم أنصف أهلها والٍ بعده
فابتاعوا النقض من ورثة الغاصب وأبقوها
من العتبية(1) سُئل أصبغ عن سلطان اغتصب أرحاءً قديمة على نهر وبنى تحتها قريباً منها أرحية بنقضها(2) فأقامت نحو خمسين سنة أو أكثر منها يتداولها الأمراءُ ثم قام ورثة المغصوب منه بحقهم فأنصفوا فقُضِيَ لهم به وأمر القاضي من كانت الأرحاءُ في يديه بقلع نقضهم من الموضع الذي أحدث فيه الغاصب الأرحية إذا لم يقم لورثة المغصوبين بينة على نقضهم وإنما قامت لهم بينة على أصل أرحيتهم فأمر القاضي بهدم المحدثة لقربها من الأولى فيشُق على أهل الغاصب قلعُ نقضهم لما يلحقهم فيه من المؤنة فباعوا ذلك النقض من المغصوبة منه فلما صار له رأى أن يُقره بحاله ويبني بذلك الموضع أرحية من قبلِ أنه ليس لأحد أن يبني فيد رحىً لمكان ضرورته لموضع الأولى وأن هذا الموضع ليس لأحدٍ وإنما هو نهر للمسلمين فبنى المغصوب منه أرحية بذلك الموضع وأنفق فيها أموالاً والإمام والقاضي وجميعُ الناس ينظرون إليه يبني ويعمل حتى فرغ وأعملها سنيناً ثم أراد الإمام اليوم أن يُخرب عليه ما عمل فقال: هذا الموضع ليس لك فأقررت فيه أرحيتك بوضعها فوق هذا فقال له: لو شئتُ قبل الغصب إلى ها هنا فعلتُ إذ ليس/ ذلك بمملوك لأحد ولم يكن لأحد أن يبني بهذا الموضع أرحاء لموضع الضرر بأرحيتي وأنا أحق بهذا الموضع ومع هذا إنك تراني أبني فلم تنهني.
قال أشهب: ليس لهذا الإمام نقضُه عليه ولا التعرض له وقد أخطأ أولاً حين فسخه وعرض فيه لأنه لم ينقضه لنقض المغصوب منه بعينه إذ لم تثبت له بينة على النقض بعينه وقد صار هذا الثاني كمن أحيا مواتاً فلا يماتُ حيٌّ بموات قد مات لا يقدر على إحيائه لأنه قد استعذر وصار مواتاً قد امتنع من الإحياء ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 330.
(2) في ص، ببعضها.(1/74)
[11/81]
وإنما كان يجوز له أخذ النقض لو ثبت للأول فيه نقض معروف فيوجد قائماً لم يغير فيقوم ربه فيه، فأما ما بلي فأكله الماءُ فلا يُنزعُ وإن كان غصباً لأن لا يُنتفعُ به وموضعه ليس لصاحبه فينازعه وإنما كان ينبغي للإمام أن يقضي في هذا للمغصوب بقيمة بنيانه ورحائه يوم هدمها الغاب إن كان قد بليت الحجارة والنقض وفي مسألتك لم يثبت لهم نقضٌ قد حول فيقضى لهم بقيمتها على الفساد والقلع والنقض فإن كان قد ذهب مع ذلك بحجارتها بأمر مشهود عليه قضى له بالقيمة قائمة على أصولها وإن لم يذهب بما قُضي له بما بين القيمتين ما نقض الهدم والفساد منها حية إلى وقت قلعها ميتة. فإن جهل هذا وأطأ العمل به وفسخ وأمر بالقلع وقضى به فاشتراه المغصوب وأقره وزاد فيه عملاً وبناءٌ فلا يعرض له ولا ينقض عليه.
ولا ينقض الإمام حكمه الماضي له به أنه وجه شبهة وإنما هذا بمنزلة ما/ ما لو قضى له فاشتراه غيره وأرضى صاحبُه المنقوض له وأقره لنفسه وزاد فيه فلا يُفسخ ذلك على هذا المشتري لأجنبي ويصير كمُحي مستأنفٍ لأنه كان له أن يحييه لو كان معطلاً بغير إذن الإمام لأن ذلك سُنتُهم في أنهارهم من أول الإسلام لأنها لهذا ولمثله من المنافع من قصائدهم وأرحيتهم ليست حمايةً ولا مساقي لغيرها من الأرضين ولا مصرف لها إلا لهذه المنافع فذلك لهم فيها وإن قرُبن من العمران.
قيل له: فإن كان القاضي جهل وجه الصواب فأمر ورثة الغاصب بقلع النقض وإخراب الأرحاء ولم يثبت عنده أن النقض للمغصوب منه وذلك بعد أن استعذر موضع الأول وطال زمان ذلك أو لم يطل فشق على أهل الغاصب قلعُه وباعوا ذلك النقض من المغصوب فأقره ورأى أنه أحق بذلك الموضع إذ ليس لأحد أن يبني فيه لقربها من الأرحية الأولى وأنفق في ذلك المشتري نفقة عظيمةً ثم أراد الإمامُ منعه من ذلك وقال هذا الموضع النظر فيه إلي. وقال ورثة الغاصب خُذ نقضك وانقله عن مكاننا الذي نحن أولى به؟
***(1/75)
[11/82]
قال أصبغ: إن كان ذلك المكان في برية الغاصب وفي أرضه فلورثته أن يدفعوا عنه المشترى ويؤمر بنقل نقضه، وإن كان ذلك الموضع ليس مِلكاً للغاصب ولا لغيره وإنما هو كالموات ولا قول فيه للغاصب ولا لورثته وقد أخطأ هذا القاضي فيما قضى به لأنه لم يقض النقض فيقضي للمغصوب فيه بعينه وإنما نقضه لموضعه المحدث عن الموضع/ الأول لأن الأول قد مات ما كان أحياه وصار الثاني كمن أحيى مواتاً بعده وإنما كان الصواب ما أعلمتك فوق هذا، فإذا جهل القاضي وفعل ما ذكرتُ فليفسخ قضيته ما كان قائماً في سلطانه فإن زال عن سلطانه ثم ولي هو بعد ذلك أو غيره فلا سبيل إلى رده.
قال: وإنما يرجع في الذي حكم فيه ما كان في سلطانه ما لم يفت ذلك النقض ببيعٍ فإذا فات ببيع من المغصوب أو من غيره وحال الاعتمال فلا سبيل إلى فسخه ويمضي على حاله لأن قضاءه الأول بنقضه لم يكن بالجور المحض ولا الخطأ الشاذ وإنما هو مأخوذ بالاجتهاد والرأي فلا يُرد رأيٌ إلى رأيٍ وإن كان الآخر أحسن منه إذا فات الأول وزال من حكم به عن سلطانه.
وذكر ابن حبيب عن أصبغ هذه المسألة وفي سؤاله وأقامت في يدي ورثة الغاصب حتى أنصف ورثة المغصوب من حقه وثبت في ذلك البينة العدول(1) ما الحكم في ذلك؟ قال: إن كان العهد حديثاً لم يطل زمانه ولم يندرس وكان المغصوب يمكنه إعادة أرحائه المهدومة فليحكم له أو لورثته بموضع أرحائهم ويُخرق عنهم سد هذه المحدثة حتى ينسرح الماء عن موضع المهدومة فيمكن إعادتها قال: وإن كان زمان ذلك قد طال ودثر أثر الأولى واستعذر وحال عن الإحياء الذي كان فلا أرى أن يُخرق سدّ المحدثة ولا يُمات إحياء ما تم لموات [ما حال] (2) عن الإحياء وطال زمانه ولا أرى في الوجهين أن تُنقض هذه المحدثة وتُخرب إنما يُخرق في سدها لينسرح الماءُ/ ويستمر عن مواضع الأولى ليمكن أهلها إحياءها. ولو ثبتت المحدثة بنقض الأولى وكان النقض قائماً فأهل الأولى أحق ***
__________
(1) في ب البينة العادلة.
(2) ما حال ساقطة من ب.(1/76)
[11/83]
بنقضهم يأخذونه وإن كان في ذلك هدم المحدثة وخرابُها، فإن كان النقض قد بلي وأكله الماءُ حتى لو نُقض لم يُنتفع به كبير منفعةٍ لا يُنقضُ ولا يُخرب فيه عملُ الغاصب وتكون عليه قيمتُه كشيء قد فات.
قال: وإن لم يكن في خرق السد وحده إذا خُرق ما ينسرح به عن موضوع الأولى [إذا كان لعهد حديث يمكن المغصوب إعادة] (1) الأولى ولا يمكنه ذلك إلا بهدم المحدثة فإنها تُهدم كان نقضها للمغصوب أو للغاصب ويُنظر في الأرحية المهدومة فإن كان الغاصب حين هدمها نقل بعضها وذهب به ثم استعذر موضعها حتى لا يمكن إعادتها في قرب العهد أو بُعده فعلى الغاصب قيمة الأرحاء يوم هدمها قائمة على أصولها لو بيعت يومئذٍ وإن كان حين هدمها وعذرها(2) وأفسدها للأبد ترك نقضها ولم ينقله لنفسه فعليه ما بين قيمتها قائمةً ومهدومةً متروكاً نقضها بمكانه لصاحبها وإن كان يوم هدمها لم يعذر مكانها وقضى لصاحبها بإعادتها فإنما له ما بين قيمتها قائمةً ومهدومةً قيمة البنيان وحده لا يعتبر فيه بالقائمة.
وجه المعاملة بالأرحية
وفي الرحاء بين الرجلين تُخربُ
فيدعو أحدهما الآخر إلى العمل فيأبى
أو يتعاملان فيها على ما يجوز أو لا يجوز
من العتبية(3) قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في رجل كان له موضع/ رحىً فأعطاه لرجل يعمل فيه رحىً على أن للعامل غلة يومٍ وليلةٍ من كل جمعةٍ يعمل على ذلك نحو ثلاثين سنة ثم علم بفساده قال: تكون الغلة كلها للعامل ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) عذّر الدار: طمس آثارها.
(3) البيان والتحصيل، 10: 289.(1/77)
[11/84]
ويغرم صاحب الأصل كل ما أخذ من الغلة يغرم في الطعام مثل مكيلته وفي العين مثل وزنه فإن لم يعرف مكيلة الطعام غرم قيمة خرصه ولا يغرم مكيلة الخرص ويغرم العامل لصاحب الأرض كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها فيها فينظر كراء كل عام بقدر رغبة الناس فيه أو زهادتهم على النقد، ويقال لصاحب الأصل إن شئت أمرته بخلع النقض وإلا فأعطه قيمته مقلوعاً وتكون الرحاء لك، وبعد هذا في آخر الباب خلاف هذا أراه من قول عيسى بن دينار.
قال يحيى: قلت: وإن كان للعامل في الموضع شركٌ فأحب أن يُقر عمله ويأخذ الغلة كلها حتى يستوفي قيمة العمل، قال إن كان الموضعُ ينقسم قيل له قاسم صاحبك فإن عملك في حظك زاقلع ما صار في حظ شريكك وإن لم ينقسم قيل له إن اتفقتما على العمل وإلا أُجبر صاحبُك على البيع ممن يعمل معك إن كره العمل فإن باع ممن يعمل معك أو أراد هو العمل غرم لك قيمة ما يصير عليه في حظه من نقضك مقلوعاً ثم يكونان شريكين في الموضع [والعمل وتقدر حقوقها](1) من الأصل.
قال سحنون: إنما يجوز هذا البيع بحال الضرر إذا كان البائع لا مال له ولو كان له مال جاز بيعُه ممن يليه(2) باشتراط ولكان يُجبر على العمل على ما أحب أو كره، وكذلك الجارية يأذن لها سيدها/ بالإحرام فتحرم ثم يطؤها أن عليه أن يُحجها فإن فلس باعها وجاز ذلك للضرر تُباع ممن يُحجها ويُحط بذلك عن المشتري وكذلك ما يُشبه هذا.
ومن ذلك الأمة لها الولد الصغير يعتق السيد أحدهما فلا يجوز له بيع الرقيق منها إلا في فلس أو ضرورة فيباع في قول ابن القاسم ويُشترط على المبتاع ألا يُفرق بينهما، والبئر بين الشريكين إذا انهارت وعليها حياة فإن أبى أن يعمل يُجبر على أن يبيع أو يعمل.
***
__________
(1) كذا في ب والعبارة في الأصل جاءت على الشكل التالي والعامل وتقدر حقوقها.
(2) في ب، ممن ينيه.(1/78)
[11/85]
قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم في رحىً بين ثلاثة قد خرجت فقال الورثة لرجل منهم اعملها مناصفةً فإذا صلحت فلك النصف ولنا النصف ففعل قال: إن أرادوا نصف الغلة لم يجز وإن أرادوا أن للعامل نصف الأرض ونصف البنيان فذلك جائزٌ إذا كان عمل الرحى محدوداً معروفاً، قال عيسى: إذا انهدمت الرحى فدعا أحد الشركاء إلى عملها وأبى الباقون فإن من أبى يُجبر على أن يعمل أو يبيع ممن يعمل، كذلك قال مالك وكذلك قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك.
قال عيسى: فلو عمل بعضهم فلما تمت وطحنت(1) قال من لم يعمل خُذ نصف ما أنفقت وأكون على حظي معها قال: ذلك له فإن كان العامل قد اغتل منها غلةً قبل أن يأخذ ممن أنفق فقد اختُلف في ذلك فقال محمد بن إبراهيم بن دينار: يكون للعامل فيها بقدر ما أنفق وما كان له فيها قبل أن ينفق ويكون للذي لم يعمل بقدر ما بقي له من قاعتها وبقية سدها وحجارتها وما كان فيها من صلاح.
وقال لي ابن القاسم مرة: الغلة كلها للعامل حتى يعطي قيمة ما عمل كالبئر/ تغور فيقال لمن أبى العمل اعمل أو بع ممن يعمل فإن أبى وخُلي بينه وبين العمل وحده كان الماء كله له حتى يأخذ من الأجرة حصته من النفقة، وبهذا قال ابن بشير ثم قال لي ابن القاسم في الرحى خاصة له اما اغتل فيما أنفق فإن اغتل جميع نفقته رجع هذا في حظه ولا شيء عليه.
قال عيسى: والذي أقول أن تكون الغلة كلها للعامل وعليه للذي لم يُرد كراء نصيبه من القاعة وما كان باقياً فيها من عملٍ أراد أن يدخل معه فيما بنى دفع إليه ما ينوبه من قيمة العمل الذي عمل في الرحى قيمته يوم يدخل معه لا يوم عمل ولا قدر ما ينوبه من النفقة التي أنفق، وبلغني عن ابن وهب أنه قال ***
__________
(1) في ب، وصلحت.(1/79)
[11/86]
في الغلة كقول ابن دينار، وتفسير ذلك أن تُقوم الرحى غير معمولةٍ فيقال عشرة فتقوم بعد العمل فيقال خمسة عشر فيكون ثلث الغلة للعامل وثلثاها بينه وبين شريكه وعلى الذي لم يعمل ما ينوبه من أجر العمل في قيامه بغلتها ثم إن أراد الذي لم يعمل أن يدخل مع الذي عمل في الرحى أعطاه ما ينوبه من قيمة ذلك يوم يدفع ذلك إليه، وقال يحيى ابن محمد مثل ذلك كله. وقد سمعتُ ابن القاسم يقول مثل ذلك.
وسُئل عيسى بن دينار عمن له رحىً قد خربت أو منصبُ رحىً فيُريدُ أن يعامل رجلاً على عملها ما الذي يجوز من ذلك؟ قال: الذي يجوز فيه أن يقول ابنِ لي رحى في هذه على صفة كذا بصخر كذا [أو أحجار كذا وخشب كذا فيصف جميع بنائها فإن تمت فنصفها لي ونصفها لك من أصلها أو جُزءٍ يذكرانه أو يقول له/ ابن لي رحاي هذه على صفة كذا] (1) أو أنفق عليها كذا وهي لك بذلك كذا وكذا سنة، فقال حسين بن عاصم مثله إلا أنه قال: ولا يجوز ذلك إلا في النهر المأمون. قلت انظرا؟ يعني يحيى بن يحيى وعيسى بن دينار.
قلت: فلو قال: اعمل رحاي هذه على صفة كذا فإذا تمت فغلتها بيني وبينك أو لك من غلتها يوم وليلة كل جمعةٍ فعملا واغتلاها على ذلك زماناً ثم علم بفساده قال: يكون للعامل قيمة ما أدخل في الرحى من شجر وأحجار وخشب قيمته يوم جعله فيها وله أجره فيما استغل في ذلك وقيمة عمل الآخر فيها وتكون الغلة كلها لرب الرحى ويرد إليه العامل ما أخذ منها من العين ومكيلة الطعام فإن لم يعرفوا مكيلة غرم قيمة خرصه لا مثل خرصه لأن ربها واجر العامل على عملها واشترى منه أداتها(2) بقدر كما لو قال له اعمل لي رحىً في هذه فإذا تمت فلك نصف غلة رحاي هذه أو يومٌ من غلتها في كل جمعةٍ أو لك ثمرةُ جناني هذه قبل أن يحل بيعُها.
***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ب.
(2) في الأصل و ص، أدناها وفي ب، أداتها وهو ما أثبتناه.(1/80)
[11/87]
قال يحيى بن محمد: سألتُ ابن القاسم عن ذلك فقال لي: تكون الغلة كلها للعامل وعليه كراءُ قاعة الرحى وله(1) قيمة عمله منقوصاً. قال يحيى: والذي آخذ به أن يُعطى قيمة عمله قائماً تاماً.
قال ابن حبيب قلتُ لمطرفٍ وابن الماجشون في الرحى بين الشريكين تخرب أنه يقال لمن أبى العمل اعمل أو بع ممن يعمل قلت لهما: فإن عمل أحدهما بعلم صاحبه أو بغير علمه بعد أن أبى من العمل معه؟ فقال مطرف: تكون الغلة/ كلها للعامل وعليه لصاحبه كراءُ حصته من القاعة وباقي ما كان فيها من مصلحة ومؤنة فإذا دخل معه دفع إليه الأقل من قيمته اليوم ثابتاً(2) أو قيمة ما أنفق، وقال ابن الماجشون: يحاص نفسه بما اغتل فإذا تقاضى مثل نصف ما أنفق كانت بينهما نصفين قال: وهي عندي كالبيت(3) بينهما يخرب فيبنيه أحدُهما فذلك سلفٌ منه لصاحبه إن شاء صاحبُه أعطاه نصفَ النفقة وقاصّه بالغلةِ والكراء وإن شاء أقر ذلك بيده حتى يستوفي من غلته مثل نفقته ثم يكون بينهما.
ولو كانت الرحى أو البيت حُبُساً لم يُؤمر الذي يأبى العمل بالبيع وقيل للآخر اعمل واستغل وحدك فإذا أعطاك شريكك مثل ما أنفقت كان شريكاً معك وإذا أمر بالعمل جُعل معه أمين يعرف قدر(4) النفقة، قال ابن حبيب وقال دينار وابن وهب: يكون للعامل من الغلة بقدر ما أنفق فيها وما كان لها منا وللذي لم يعمل بقدر ما كان له من قاعتها وما كان يعمل ثم ذكر مثل ما تقدم من التفسير، قال: ولابن القاسم فيها قولان أحدهما كقول ابن الماجشون والآخر كقول مطرف، وقال أصبغ كقول مطرفٍ، وقول ابن الماجشون أحبُّ إليَّ ولو حكم فيها حاكمٌ بأحد القولين ما أخطأ وكلاهما يحتمل القياس والله أعلم.
***
__________
(1) كذا في ص و ب والعبارة في الأصل، وله قيمة عمله منقوصاً.
(2) كذا في ب ووردت في الأصل ثانياً ولم تنقط في ص.
(3) في ص، والأصل كالثلث.
(4) في الأصل و ص، يعرف هذا النفقة.(1/81)
[11/88]
فيمن بنى رحىً فأخرج [طرف] (1) سده(2)
في أرض جاره على شرط له من الطحين
وكيف إن وقع ذلك على ما لا يجوز؟
/ من العتبية(3) قال عيسى بن دينار فيمن أنشأ رحى ماءٍ فأخرج طرف سده في أرض جاره على أن يطحن لجاره فيها مُدياً(4) كل شهر قال: ذلك جائزٌ وإن لم يوقت للطعام أجلاً فلا يجوز فإن ترك ذلك فلصاحب الأرض قيمة ما ترك له من نصف الماء وإخراج السد في أرضه وعليه لصاحب الرحى أجر ما طحن له على هذا الشرط إذا كان إنما تركه يبني ويُخرج سدّه في أرضه على أن يطحن له قال: ويسأل أن يقاسمه الماء لأن له نصفه وللعامل نصفه.
ولو باع صاحب الرحى رحاه قبل أن يفسخ هذا الشرط واشترط على المشتري أن يحمل شرط صاحب الأرض أو علم المشتري بذلك فاشترى ولم يشترط عليه ليعلمه بذلك قال: يفسخ شراءه ويكون العمل بين مشتري الرحى وصاحب الأرض على ما فسرتُ لك إلا أن يفوت الرحى فتلزمه القيمة، قال: فإن لم يعلم المشتري بذلك ولم يشترطه، قال: فالبيع جائز ويكون العمل بين المشتري وصاحب الأرض كما فسرنا.
قال عيسى: وإذا تشارحا فأخرج طرفٌ سدّه في أرض قوم على أن لهم أياماً معلومةً من الشهر فإن جعلهم شركاءَ في الرحى بعد أن يتم بقدر تلك الأيام من الشهر وشرطوا للرحى عملاً موصوفاً ويكونون فيها شركاء وعليهم من إصلاحها إذا خربت والقيام بها مثل ما لهم من تلك الأيام فذلك جائز، وإن كان إنما لهم [غلة] (5) تلك الأيام فقط دون شيء من أصل الرحى لم يجز، فإن فات ذلك بإخراج السدّ فيه فلهم قيمة أرضهم وعليهم أن يردوا ما أخذوا من الغلة.
***
__________
(1) طرف) ساقطة من ب.
(2) السدة جمع سُدَد: باب الدار وما حول الدار من الرواق وتطلق على ما يجلس عليه كالمنبر.
(3) البيان والتحصيل، 10: 279.
(4) المُدي بضم الميم وسكون الدال: القفيز الشامي وهو غير المد ويجمع على أمداء.
(5) سقطت من ب سهواً من الناسخ.(1/82)
[11/89]
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذا أخرج سد الرحى في أرض/ جاره على أن يطحن له أياماً معلومةً من كل شهر فإن سمى لذلك عدداً من سنين أو شهور أو سمى ما يطحن كل شهر فذلك جائز، فإن بطلت الرحى فأحب إعادة السد كما كان وإعادة الرحى فذلك له بما أعطى صاحبه من الثمن الذي وصفتُ، وإن كان بقي عليه منه شيءٌ أتمه له وإن لم يرد إعادته أصلاً كان موضعُ السد من أرض الآذن راجعاً إليه ولم يكن للآخر أبداً، لأنه لم يكن على وجه البيع بل على وجه الارتقاق وجاز فيه الثمن استحساناً إذ هو ثمن غير مجهول. وإن كان بطلان السد وترك العامل إعادة عمله قبل استيفاء ذلك الطحين سقط عنه ما بقي عليه ولم يحملا محمل المبايعة.
وأما إن عامله على طحين مجهول مثل أن يقول أطحن لك ما شئت وشبه هذا فيُحمَلان محمل البيع الفاسد فيُفسخُ قبل العمل ويُرد إلى قيمته إذا فات بالعمل، وقال مطرف [موضع السد للمأذون له أبداً وحمله محمل البيع، قال: وعليه إتمامُ ما بقي من الطحين] (1) قال أصبغ مثله، وقول ابن الماجشون أحب إلي.
قال مطرف وابن الماجشون في قوم لهم مخاضة فأراد رجل إنشاء رحىً تحتها فيشترطون عليه إن متى ما أفسدت رحاه مخاضتهم فعمله مقلوع عليهم هل يجوز [له] (2) بيع رحاه هذه على هذا الشرط فقالا: جائز إذا كان يوم بيعها لا يضر بتلك المخاضة [سواء اشترطوا ذلك عليه أو لم يشترطوا لأن المخاضة] (3) طريق المسلمين وهي لو أفسدت المخاضة ثم رضي القوم بإقرار عمله لم يقر ولأنزل عمله عن المخاضة [لأنها لجميع المسلمين فالبيع جائز ومتى ما تغيرت عن المخاضة] (4) ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.
(2) كلمة له انفردت بها ب.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ب.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل ومن ص وانفردت به ب.(1/83)
[11/90]
من أجل رحاه وقامت بتلك بينة فسِخَ عمله ورجع مشتريها بقيمة عيب ذلك إن كان لم يُعلمه، وإن كان أعلمه فلا شيء عليه.
/قلتُ وما الذي يُعلمُه؟ قال: يعلمه أنه أنشأ هذه الرحى على هذه المخاضة وهي بالقرب منها على ما يرى، وقال أصبغ مثله.
فيمن أذن لرجل أن يُجري الماء في أرضه
إلى رحىً يحدثها الطالب لذلك في أرضه
ثم يبدو له أو يدع الرجل ينتفع بعينه ثم يبدو له
وكيف إن غرس عليها بعلمه أو إذنه؟
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون فيمن له أرض فيها منصب رحىً ولا ماء له فيها وبينها وبين النهر أرض لجاره فيسأله أن يشق أرضه بالساقية إلى منصبه الذي يريد نصب الرحى فيه فيأذن له فيبني الرحى على ذلك ويجري إليها الماء في أرض جاره ثم يرجع الآذن عن ذلك فقال: ليس له ذلك وهي عطية سماها عطيةً أو لم يسمها ولا رجوع له استغنى عن أرضه أو احتاج إليها أراد بيعها أو لم يرد مات أو عاش. ما لم يُوقت لإذنه وقتاً أو يُسم(1) ذلك عارية. فإن وقت فذلك إلى وقته وإن سمى عارية فله أن يرتجع عاريته إذا شاء بعد أن يكون المعار قد استمتع قدر ما تكون العارية التي مثله في مثل ذلك الشيء.
قالا: وإن كان الماء الذي أجراه في الساقية ليس من النهر ولكنه مما لصاحب الأرض الآذن لشقها بالساقية فإذن له فذلك سواء في إلزامه، قال: نعم هي كالعطية والهبة ما لم يوقت أو يسمِّ عارية قالا: ولو كانت الأرض التي شق فيها الساقية لمنشئ الرحى وكان الماء فقط للآذن فإذن له في ذلك ثم رجع/ أذلك له؟ قالا: نعم(2) ذلك له متى شاء ما لم يُسمه هبةً أو يُسمِّ له وقتاً من الأجل ***
__________
(1) أو يُسم بحذف حرف العلة لأنه معطوف على قوله لم يوقت والتقدير ما لم يوقت لإذنه وقتاً أو لم يُسم عارية وفي النسخ كلها لم تحذف ياؤه.
(2) هنا انتهت المقابلة من نسخة ب.(1/84)
[11/91]
قلت: ولِمَ وقد قلتما إن من أرفق شيئاً من عينه ليُنشئ عليه عملاً أن ذلك له للأبد ولا رجوع له فيه؟ قالا: إلا ان يشاء الغرس على ما يؤذن فيه من الماء يؤول إذا قطع عنه الماء إلى فساده وإبطال نفقته، وإنشاء بيت الرحى لا يؤول إلى فساد بقطع الماء وإنما تنقطع عنه منفعة كانت مزايلةً للبيت، وقال أصبغ: إذاً له الرجوع في جميع هذا ما لم يكن هبةً تُسمى، وهو قول ابن القاسم، قال ابن حبيب: والأول أحب إلي.
قال أصبغ في عين لرجل في جنانه في سفح جبل لرجل تحته دار قد بناها وأسأل ساقيتها حتى أدخلها داره أو جنانه فكان يشرب منها ويسقي زماناً ثم أراد صاحب العين أن يحولها ويقطعها عنه من غير حاجة إليها. قال ذلك له: وإن غرس عليها هذا منتفعاً بها ما لم يأذن له بذلك صاحب العين إذناً يبينه وليس عمله ونظره إليه بالذي يمنعه من القيام على حقه إذا أراد تحويله وإذا أذن له فأنشأ المأذون عليه غرساً فلا رجوع له فيما أذن فيه، قال ابن حبيب وقاله ابن القاسم وابن نافع، قال أصبغ: بعد أن يحلف صاحب الماء أنه أعلم ما كان تركه على الرضى بالإذن له والتخلية وإن لم يعلم فلا يمين عليه وله صرف مائه إلا أن يكون في ذلك الوقت في الشجر ثمرة يخاف عليها لصرف الماء عنها فيُترك الماء إلى جذاذها/ وإن كان(1) زرعاً فإلى حصاده.
قال مطرف وابن الماجشون في عين في قرية قوم تجري بنهر ومخرجها في أول أرضهم فينشئون عليها أرحية ويسيل الماء إلى من تحتهم من أهل القرى فيغرسون عليه الشجر وينشئون عليه الأرحاء فيكونون على ذلك زماناً طويلاً ثم يقل الماء عن الأسفلين حتى يجف شجرهم ويتساح فيه الأعلون قال: فليسق(2) به الأعلون على ما يملكون من أصل الماء وأما الأسفلون الذين إنما يأتيهم فضل الماء فإنما يسقي الأعلى فالأعلى حتى ينتهي الماء حيث انتهى. قال: وسألتُ عن ذلك أصبغ فقال لي مثله.
***
__________
(1) في الأصل، وأن يكون زرعاً فإلى حصاده.
(2) في الأصل، فيسقون به الأعلون.(1/85)
[11/93]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
كتاب القضاء في البنيان
فيمن أذن لجاره في غرز خشبة أو فتح باب
أو طريق أو غيرها هل له الرجوع.
قال ابن نافع عن مالك في المجموعة وهو في سماع أشهب أن ما أمر به النبي عليه السلام من قوله لا يمنع أحدُكم جاره أن يغرز خشبةً في جداره(1) أن ذلك على وجه المعروف والترغيب في الوصية بالجار ولا يُقضى به، وقد كان ابن المطلب(2) يقضي به عندنا ولا أراه إلا دلالة على المعروف وإني منه لفي شك.
ومن غير المجموعة قال ابن القاسم: لا ينبغي له أن يمنعه من ذلك ولا يقضي عليه، قال ابن وهب عن مالك وهو أمر رغَّب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن القاسم: وإذا أذن له فليس له أن يرجع فينزعه إلا لحاجة بيَّن أن له بها عذراً ولم يرد/ الضرر في نزع ذلك، فإن كان لغير عذر أو لغير حاجة إلا لما هاج بينه وبينه فليس له قلع ذلك. قال مالك: لا ينزعه إلا إذا احتاج إلى جداره لأمر لم يرد به الضرر.
***
__________
(1) رواه البخاري في المظالم ومسلم في المساقاة وفي كتاب الجدار لعلي بن موسى التطيلي ذكر رواية له عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة وكتاب الجدار هذا مفيد جداً في هذا الباب وقد حققه الدكتور إبراهيم بن محمد الفائز عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالرياض.
(2) في ص، المطلب والصواب ما أثبتناه وهو عبد العزيز بن المطلب المخزومي المدني المتوفي قريباً من 170 هجرية.(1/86)
[11/94]
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية(1)، فإذا أراد أن يهدم جداره وينتفع به فذلك له، في كتاب آخر وإن أراد بيع داره فقال له نحِّ خشبك والمشتري يريد ذلك قال: إن أراد بذلك الضرر لم يكن له ذلك.
قال ابن حبيب عن مطرفٍ عن ابن الماجشون إذا أعار جاره جداره لحمل خشبه فليس له نزعها طال الزمان أو قصر احتاج إلى جداره أو استغنى عنه سواء مات أو عاش باع أو ورث إلا أن ينهدم الجدار ثم يعيده صاحبُه فليس للمعار ها هنا أن يعيد خشبه إلا بعارية مبتدأ، وذكراه عن مالك وعن غيره، قالا: وقد جاء ألا يمنعه فقال مالك ذلك على التخصيص روي عن أبي هريرة ما روي فإذا أذن فلا رجوع له. قالا: والإذن أن يبني على خشب جاره تلك إن لم يضرّ بها ولا أفسد عمله قالا: وكل ما طلبه جاره من فتح باب أو إرفاقٍ بها أو مختلف في طريق أو فتح طرقٍ في غير موضعه وشبه ذلك فهو مثل ذلك لا ينبغي في الترغيب والإرفاق منعه من ذلك مما لا يضره ولا ينفعه منعه، وليس مما يُقضى به.
قلت: فإذا أذن له في هذا هل له أن يرجع فيه؟ فقالا: ذلك مختلف أما ما أذن فيه مما يقع فيه العمل والإنفاق والمؤنة من غرز الخشب وبناء أساس جداره في حق الآذن والإرفاق بالماء من العيون والآبار لمن يُنشئ عليه غرساً أو يبتدئ عملاً وشبه ذلك مما فعله ورده كما كان فساداً أو ضرراً فليس له ذلك صغُرَت/ المؤونة أو عظمت ولا رجوع له عاش أو مات باع أو ورث احتاج أو استغنى فهو كالعطية.
ولو أن الآذن اشترط يوم أذن أني متى شئتُ أو أرجع وأقطع ما أذنتُ فيه فعلتُ كان ذلك غير جائز لمشترطه، ولا يُقضى له به لأن هذا من شرط الضرر. والتغرير بالعامل بالشرط ساقط والإذن بعد العمل به نافذ وهو قبل العمل به على هذا الشرط غير نافذٍ قالا: وما كان من ذلك لا يتكلف فيه كبير عمل ولا ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 257.(1/87)
[11/95]
إنفاق، ومن فتح باباً أو فتح طريقاً إلى بناء الآذن أو أرضه أو إرفاق بماء لشفةٍ أو لسقيه شجراً قد أنشئت قبل ذلك ثم نضب ماؤها أو غارت فهذا له الرجوع إليه أو يكون المأذون له في الطريق والمدخل والمخرج قد باع داره وشرط للمشتري ما أذن له فيه بعلم الآذن فيكون ذلك لازماً للآذن أبداً ولم يكن بنياناً تكون له فيه نفقة ومؤونة.
قال ابن حبيب وقال ابن نافع وأشهب في ذلك كله مثل قولهما، وقال أصبغ: ذلك كله عندي واحد ما تكلف فيه عمل وإنفاق وما لم يتكلفه فيه إذا أتى عليه من الزمان ما يكون إلى مثله يُعار مثل هذا فله منعُه إلا في الغرس فإنه لا يمنعه بعد ذلك، قال ابن حبيب: ولا يعجبني قوله.
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: وإذا كان الجدار لأحدهما فسأله جاره أن يأذن له أن يدعه يهدمه ويبنيه فيتقنه ليحمل عليه بنياناً ففعل فليمض ذلك للمرفق الثاني أبداً وليس لرب الجدار أن يرجع في ذلك ولا ينحى عنه بناءً لآخر وإن احتاج إلى جداره، وقاله أصبغ.
/ في الجدار بين دارين لرجلين ينهدم
وهو لهما أو لأحدهما
هل يُجبر أحد على بنائه؟
وهل يُقسمُ إن كان بينهما وأبى أحدهما؟
وهل لأحدهما هدمُه؟
وفي جدار الرجل ينهدم من نهر تحته لرجل
من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك في جدار بين رجلين فسقط فإن كان لأحدهما لم يُجبر على بنائه ويقال للآخر استُر على نفسك إن شئت وإن كان بينهما أملاً يبني أو يبني مع صاحبه إن طلب ذلك.
***(1/88)
[11/96]
قال في العتبية(1) إن كان لأحدهما فهدمه ربه أو انهزم بغير فعله وهو قادر على رده، فترك ذلك ضرراً أُجبر على رده وإن كان لضعف عن إعادته عُذِرَ وقيل للآخر استُر على نفسك فالبناء في حقك إن شئت. قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية(2) إن كان لأحدهما فسقط بأمر من الله لم يجبر أن يبنيه ولمن شاء منهما أن يستر على نفسه في حقه، ولو هدمه للضرر جُبر على أن يعيده، وإن هدم لوجه منفعة أو ليعيده ثم عجز عن ذلك واستغنى عنه فإنه لا يُجبر على إعادته ويقال للآخر ابن في حقك إن شئت. قال ابن سحنون عن أبيه في سؤال حبيب قال: لا يُجبر ربه على بنائه إذا انهدم في قول ابن القاسم ويُجبر في قول ابن كنانة وبه أقول وأجمعا أنه إن هدم للضرر أن يُجبر على بنائه. ذكر ابن عبدوس أن ابن كنانة يقول: إذا انهدم وهو لهما لم يُجبر أحدٌ على بنائه ومن شاء منهما أن يستُرَ على نفسه فعل(3).
قال ابن القاسم في العتبية(4) والمجموعة إذا كان لأحدهما فطلب هدمه فليس له هدمه إلا بوجه يُعلم أنه/ لم يُرد به الضرر. قال في المجموعة: فإن انهدم بغير فعله لو يُجبر على بنائه وإن كان بينهما قيل لمن أبى البناء إما أن تبني معه أو تبيع أو تقاسمه.
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وليس لربه هدمُه فإن فعل أُمر بإعادته لأنه مضارٌ، ولو قال إني محتاجٌ إلى هدمه ولي في ذلك منفعةٌ نُظر في ذلك؛ فإن تبين صدقه تُرك على نفسه وأُمِرَ بإعادته للسترةِ التي قد حيزت عليه ولزمته، وقال أصبغ: له أن يهدمه لمنفعته أو لغير منفعةٍ ويصنع به ما أحب، قال ابن حبيب ولا أقول بقوله قال يحيى بن عمر قال ابن القاسم: وإن خِيف سُقوطه قيل لربه اهدمه ثم لا يُجبرُ على رده، قال ابن القاسم في كتاب آخر: إن هدمه ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 9: 220.
(2) البيان والتحصيل، 9: 329.
(3) في ص، فليفعل.
(4) البيان والتحصيل، 9: 392.(1/89)
[11/97]
ربُّه لغير ضرورة لجاره ولكن كما يهدم الناس للحاجة يُترك لم يُجبر على رده وإن أضرَّ ذلك بجاره قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: إذا كان الجدار بينهما يملكانه وسقط فإنه يُجبر من أبى البنيان يبني مع من طلبه وإن دُعي إلى قسمه موضع الجدار فليس ذلك له وإن كان لأحدهما فقال ابن الماجشون: يُجبر ربه على بنائه، وقال مطرف: لا يُجبر، ويقال للآخر استر على نفسك فإن لم يقدر أو لم يجد وله عورةٌ أُجبر ربُّه على بنائه.
وقال أصبغ عن ابن القاسم: لا يُجبر كان لها أو لأحدهما، وقال ابن حبيب يقول مطرف وقال أصبغ في قسمة الجدار: لا يُقسمُ بينهما إلا عن تراضٍ منهما [مجرداً كان أو حامداً ومن كتاب البنيان لابن عبد الحكم قال ابن القاسم: لا يُجبر أحدٌ] منهما على بنائه ومن طلب قسمةً وكان مما يُقسم جُبر الآخر على القسم معه وإن كان لا ينقسم قيل له/ إما أن تبنيه معه وإلا فبع معه، قال مالك: وإن بناه أحدهما ومنع صاحبه أن ينتفع معه حتى يُعطيه النفقة فإنه يقال لمن لم يبن إما أن تأمره بهدمه ثم يبنيه معه وإلا فأعطه نصف قيمة البنيان منقوضاً ويبقى بينكما وليس لك أن تنتفع به حتى تفعل أحد هذين الأمرين.
من العتبية(1) قال ابن القاسم عن مالك في خليج لرجل يجري تحت جدار للرجل فجرى السيلُ تحته حتى انهدم فطلب ربُّه رب [الخليج ببنائه قال: يُجبرُ] (2) رب الخليج الذي أفسد حائطه على بنائه.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 247.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ص.(1/90)
[11/98]
في البئر أو البيت بين الرجلين ينهدم
وفي العرصة بينهما يدعو أحدهما إلى البناء في ذلك كله
أو كان جناناً فيدعو صاحبه إلى تحظيره
من العتبية(1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في البيت أو البئر بين الرجلين ينهدم قال مالك: أما البيت وشبهه مما ينقسم فليقسما ثم بين من شاء في حظه، وأما البئر وشبهه مما لا ينقسم فيقال لمن أبى العمل إما أن تعمل مع شريكك أو تقاويه أو تبيع ممن يعمل وإلا بعنا عليك حقك بمقدار ما يعمل به باقي حقك ولا يُمنع شريكك من النفع بحظه بهذا الضرر.
وقال مالك في كتاب ابن عبد الحكم في العرصة بينهما يطلب أحدهما البناء فلا يلزم ذلك صاحبه إن أبى ويُقال له: أما إن تبنيه معه وإلا فقاسمه، وقد ذكرنا في الباب الذي هذا عقبيه(2) ذكر الجدار بينهما يأتي أحدهما من العمل إذا انهدم وتقدم في باب قبله ذكر البئر والعين يخرب أو ينقص ماؤها ومن الذي يلزمه العمل في هذا والذي يُقال له اعمل ولك فضل الماء حتى تأخذ/ نصف النفقة من شريكك.
من المجموعة روى أشهب عن مالك في جنان بين رجلين لا جدار عليه فأراد أحدهما أن يغترس فدعا شريكه إلى أن يُحظر الجنان معه قال: ليس ذلك عليه.
ومن العتبية(3) من رواية يحيى بن يحيى وهو في المجموعة إلا أنه قال عن بعض أصحابنا في كرم بين أشراك تساقطت حيطانه فخيف عليه الفساد فدعا بعضهم بعضاً إلى إصلاح ما تساقط من جُدُره وأبى الآخرون فإن كان لكل واحد نصيبٌ مُفرزٌ معروف بالغلق يجمعهم لم يُجبر أحدٌ على العمل ولمن شاء أن يُحظر كرمه ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 10: 241.
(2) في ص، هذا عقِبه وفي اللغة عقب كل شيء آخره.
(3) البيان والتحصيل، 9: 247.(1/91)
[11/99]
فعل وإن كان الجنان مشاعاً بينهم فلم يجتمعوا على العمل فإنه يُجبر على القسم من أباه إن دعا إليه بعضُهم ثم شأن كل واحد بحصته ولو كان في الحائط ثمرةٌ يُمنعُ من القسم وفي ترك إصلاح ذهاب الثمرة وفساد الكرم فإن كانت الثمرةُ قد طابت قيل لمن أبى البناء حظر معهم أو بع حظك من الثمرة ممن يخصنا وإن كانت الثمرة لم تطب قيل لمن طلب التحظير إن شئتُم حظروا وكونوا أملك بحصة الآبي من الثمرة حتى تستوفوا ما أنفقتم فإن كان ما أنفقوا أكثر من ثمن الحائط لم يكن لهم عليه [غيرُ] (1) ما يسوى الثمر.
في الجدار سُترة بين الرجلين يدعيه كل واحد منهما
من كتاب القضاء في البنيان قال عبد الملك بن الحكم وفي أوله سؤاله لابن القاسم قال: وإذا اختلف الرجلان في جدار بين داريهما كل يدعيه؟ فإن كان عقد بنيانه إليهما فهو بينهما يريد بعد أيمانهما وإن كان معقوداً إلى أحدهما ومنقطعاً من الآخر فهو لمن إليه العقد وإن كان منقطعاً منهما جميعاً فهو بينهما فإن كان لأحدهما/ فيه كوىً والآخر لا شيء له فيه وليس بمنعقد إلى واحد منهما فهو لمن إليه مرافقه وإن كان فيه الكُوى لكلاهما(2) فهو بينهما وإن كان لأحدهما عليه خشب ولا عقد فيه لواحد منهما فهو لمن له عليه الحمل فإن كان لهما عليه الحمل جميعاً فهو بينهما فإن كان لهذا عشرُ خشباتٍ وللآخر سبعٌ(3) قال: فهو على حاله ثم ليس لأحدهما أن يزيد خشباً على خشبه إلا برضاء صاحبه وإن انهدم فليبنياه جميعاً ويرداه(4) على حاله فإن أبى أحدهما البناء قيل له بع ممن يبني ***
__________
(1) غير) ساقطة من ص.
(2) كذا ورد في الأصل وسياق اللغة يقتضي لكليهما قال الجوهري كلا في تأكيد الاثنين نظير كل في المجموع وهو اسم مفرد غير مبني فإذا ولي اسماً ظاهراً كان في الرفع والنصب والخفض على حالة واحدة بالألف تقول رأيت كلا الرجلين وجاء كلا الرجلين ومررت بكلا الرجلين فإذا اتصل بمضمر قلبت الألف ياء في موضع الجر والنصب فقلت رأيت كليهما ومررت بكليهما كما تقول عليهما وتبقى في الرفع على حالها.
(3) في الأصل، سبعة والصواب ما أثبتناه.
(4) في الأصل، فليبينانه جميعاً ويردانه وهوخطأ واضح.(1/92)
[11/100]
يعني بع دارك كلها وليس يعني الجدار خاصة وكل ما تقدم فمثله لسحنون في كتاب ابنه إلا أن يكون لأحدهما عليه حملٌ خشب ولا عقد فيه لأحدهما فقد اختلف فيه قوله وسنذكره بعد هذا.
ومن كتاب الإقرار لابن سحنون: وإذا كان حائط بين داري رجلين ووجه البناء لأحدهما وإلى الآخر ظهر البناء وليس لأحد منهما من العقد شيء فهو بينهما نصفان وإذا كان الباب في حائط فادعى رجلان كل واحد منهما يقول الباب لي والحائط وغلقُ الباب إلى أحدهما فإنما يُنظر في مثل هذا إلى الحيازة، فمن حاز الباب بالغلق فهو له والحائط ومن كان له ممر قد حازه فله الممر وإن كان له غلقان كل واحدٍ يلي غلقاً فهو بينهما نصفان.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال أشهب: إذا كان عقده إلى أحدهما وللآخر عليه حذوعٌ قضى به لمن إليه عقدُه، وقضى لصاحب الجذوع بموضع جذوعه فإن انكسرت فله أن يجعل مكانها أخرى، قال ابن سحنون في كتاب الإقرار وقال أهل العراق: الحائط لمن له عليه الجذوع إلا أن/ يكون اتصاله بالبناء اتصالاً يتربع بيته كله فيكون لصاحب البيت وللآخر حملُ جذوعه.
قال أشهب في المجموعة: فإن كان عليه لهذا عشر خشبات ولهذا خمسٌ قضى بالجدار لمن غليه العقد وللآخر بموضع جذوعه وإن لم يكن معقوداً إلى أحدهما قضى به بينهما نصفين لا على عدد الخشب، ومن انكسر له منها شيء رد مثله ولا يكون لكل واحد منهما ما تحت خشبه، وقال نحوه سحنون في كتاب الإقرار لابنه وقال فيه: بعض أصحابنا(1) يقولون إذا كان الحائط لأحدهما عليه خشبةٌ واحدة وللآخر عليه عشر خشبات ولم يكن معقوداً إلى أحدهما أنه يكون بينهما نصفين، وكذلك إن كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر عليه تسع ولكن لكل واحد ما تحت خشبه منه وقال من خالفنا: هو لصاحب العشر ***
__________
(1) في الأصل، وقال فيه أصحابنا بإسقاط كلمة بعض.(1/93)
[11/101]
خشباتٍ إلا موضع الخشبة الواحدة التي للآخر، وقالوا: إن كان لأحدهما عليه خمس خشبات وللآخر أربع فهو بينهما نصفين.
وقال سحنون في كتاب ابنه نحو ما قال أشهب هاهنا مما تقدم وزاد فقال: ولو كان عقده إلى أحدهما ثلاثة مواضع وعقده من ناحية الآخر من موضع واحد فإنه يُقسم بينهما على عدد العقود وإن لم يكن معقوداً إلى أحدهما وكلاهما يدعيه ولأحدهما عليه خُشبٌ معقودة بعقد البناء فذلك يوجب له ملكه، وقد قال قبل هذا إن ذلك لا يوجب له ملك الحائط فقيل له: لم ذلك وقد قُلت في حائط فيه لأحدهما كوىً يعقد البناء وليس معقوداً إلى أحدهما إنه لصاحب الكوى؟ فقال: نعم هو كذلك وعقد الخشب ملك يوجب المِلك وأما الكوى المتقوبة ففيها نظرٌ. قال أبو محمد يريد سحنون بالكوى/ كوى غير منفردة لرفع الأشياء فيها مبنية من أصل بناء الحائط غير متقوبة وأما كوى الضوء المنفردة فلا دليل فيها.
وقال محمد بن عبد الحكم: إذا كان لكل واحد منهما إليه عقدٌ فهو بينهما فإن لم يكن فيه عقد ولأحدهما عليه حملُ خشبٍ ولو خشبة واحدة، قال: فهو له، فإن لم يكن عقد ولا حملُ خشب وفيه كوىً من جهة أحدهما يريد غير نافذة فهو لرب الكوى فإن لم يكن فيه شيءٌ من ذلك فهو بينهما وإن كان عقدة لأحدهما وللآخر عليه حمل خشب فهو لصاحب العقد [وعليه بناؤه إن انهدم ويرد الآخر خشبه فيه وإن لم يكن في أسفله عقدٌ لأحدهما وفي أعلاه عقدٌ لأحدهما فهو لصاحب العقد] (1) وإن لم يكن لكل واحد منهما عقد وعليه حصير قصب لأحدهما فهو لمن له القصب والقصب والطوب سواءٌ، وكذلك بيتٌ من خشب. إذا كان القصب يُربط بعضه إلى بعض.
قال سحنون في كتاب ابنه في حائط بين بيتين أو حانوتين لرجل وعليه خشبهما لكل رجلٍ حانوتٌ أو بيتٌ فادعاه كل واحد لنفسه وعليه فوق خشبهما حائط لغرفةٍ لأحدهما والحائط الأسفل لمن إليه عقده مع يمينه وإن لم يعقد إلى أحد ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ص.(1/94)
[11/102]
حلفا وكان بينهما وحائط الغرفة هو كالعقد فأحلف صاحبه ويكون الحائط له ويبقى للآخر عليه خشبُه قال: وإذا كان حائط فوق حائط وعقد الأسفل إلى أحدهما وعقد الأعلى إلى الآخر قضيتُ بالأسفل لمن إليه عقده وبالأعلى لمن إليه عقده وكذلك في جواب سحنون لحبيب وقال في جوابه أيضاً: / إذا كان عقده إلى أحدهما وللآخر عليه حمل خشب سقوف معقودة بالبناء فالحائط لمن له العقد وللآخر حمل السقوف فإن أراد صاحب العقد أن يبني على حائطه غرفةً أو غيرها فلينظر فإن أضر ذلك بحمل الآخر فليس له ذلك وإن كان لا يضره فله أن يبني ما لا يضره عند أهل المعرفة.
وسأله حبيب عن حائط عليه سُترة يتنازع فيه رجلان وهو بين داريهما وكل واحدٍ يدعيه ويدعي السترة فيبعث أميناً من البنائين لينظره فذكر أن عقد الحائط الأسفل من الجانبين إلى واحد وعقد السترة من ناحيةٍ إلى صاحب الأسفل ومن ناحية إلى صاحبه ثم أقام عندي صاحبُ الأسفل ببينةٍ أنه أعار لجاره هذا حائطه يبني هليه هذه السترة قال: يقضي بقول البينة قال وإنما يُنظر في العقود في عدم البينة ولو كان عقد السترة من الجانبين إلى دار صاحب الحائط الأسفل هكذا وقع في الأم وأراه إلى دار الآخر الذي لا عقد له في الأسفل لأنه أبطل حُكمُ العقود بوجود البينة قال في جوابه فيكون كما شهدت البينة ولا ينفع العقد ولصاحب الحائط الأسفل أن يأمر صاحب السترة بنزعها يريد لأنها عارية.
قال سحنون في جوابه لشجرة في الحائط بين رجلين أراد أحدهما نقضه ليجدده وأبى ذلك صاحبُه فقال: إن ثبت أن الحائط لأحدهما وخِيف سقوطه فله إصلاحه وتبقى الأشياء كما كانت، وإن لم يثبت لأحدهما فإن الحائط إذا كان بين رجلين وخيف سقوطه فطلب أحدهما إصلاحه وابى الآخر فبعض أصحابنا يرى لا يُجبرُ وبعضُهم يجبره أن يُصلح أو يبيع/ ممن يُصلح، وفي مسألتك أن على الحائط حائطاً فهذا إن خيف عليه والأسفل بينهما يُجبر على إصلاحه وإن كان لصاحب الأعلى جُبر على إصلاحه.
***(1/95)
[11/103]
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في الجدار بين داري الرجلين يتداعيانه(1) فإن كان فيه ربط لأحدهما فهو له ولا يُلتفتُ إلى الخشب إن كانت عليه لأحدهما فإن لم يكن فيه ربط لأحدهما فهو بينهما نصفين بعد أيمانهما فإن حلفا أو نكلا فهو بينهما فإن نكل أحدهما فهو لمن حلف، ولو قال هذا هو لي كله وقال الآخر هو بيني وبينك فقال مطرف: يكون لمدعي الكل ثلثاه ولمدعي النصف ثلثه إلا ان يعرف أحدهما أن للآخر فيه شيئاً فيكون له ثم يكون ما بقي بينهما على ما قلنا في جميعه.
وقال ابن الماجشون سواء حدَّ له منه ناحية أو لم يَحُدَّ فإن القائل لي نصفه لا دعوى له في النصف الآخر فهو لمدعي الجميع ويُقسم النصف الباقي بينهما فيكون بينهما أرباعاً لهذا ربعه ولهذا ثلاثة أرباعه وذلك كالدعوى في شيء غيره كان ذلك في أيديهما متشبثين به أو لم يكن في أيديهما فقول مطرف فيه على قول مالك وقول ابن الماجشون على قول ابن عبد العزيز وبه قال ابن القاسم وقولنا على قول مطرف، وهذا قول مالك والليث وابن كنانة وأشهب وابن وهب.
في الجدار بين الرجلين
هل لأحدهما أن ينتفع به بغير إذن الآخر
وكيف إن كان لأحدهما
هل يحمل عليه ما يضر بالآخر؟
قال ابن حبيب: سألتُ مطرفاً وابن الماجشون عن الحائط يملكه الرجلان فيريد أحدهما أن يحمل عليه ما يمنع/ صاحبه من حمل مثله عليه إن احتاج إليه بعده إلا ان يأذن له في ذلك وإن كان ما يمنع صاحبه أن يحمل مثله إذا شاء مثل حمل سقف أو خشب يغزرها لحاجته فإن ذلك له وإن لم يأذن له صاحبه، ولو كان لأحدهما فأراد ربه أن يحمل عليه سقفاً يسيل ميازيبه على صاحبه فليس ذلك له إلا أن يأذن صاحبُه وإن لم يضرّ به. قلت: فلو كانت دار صاحبه ***
__________
(1) في الأصل، كتبت بحذف نون الرفع.(1/96)
[11/104]
واسعةً لا يضرها سقوط الميازيب؟ قالا: ولو كانت أوسع من السكة ولو أراد ربه أن يهدمه ليقدمه إلى داخل داره لينصب ما سقفه في موضع الجدار الأول ثم يسيله خارجاً، قال: ليس ذلك له لأن ذلك يضر بجاره ويعذر داره وإن كان لهما فأراد أحدهما أن يبني عليه قبل صاحبه بنياناً لا يمنع صاحبه من حمل سيله إن احتاج إلى ذلك وكان الجدار يضعف عن حمل ما يريده فأراد أن يهدمه ويبنيه يحمل عليه ما يريد قالا: ذلك له وليس للآخر منعُه ويكون الجدار بينهما كما كان، وقاله أصبغ كله.
ومن كتاب البنيان عن عبد الله بن عبد الحكم وأوله سؤاله ابن القاسم: وإذا كان الجدار بينهما وهو سُفلي فطلب أحدهما من صاحبه إذا بنى معه أن يرفه بناءه حتى يكون سُترةً لغرفة الآخر بينهما فليس ذلك عليه إن أبى وليس لأحدهما أن يحدث على الجدار شيئاً بغير إذن شريكه فيه ولا يكلف ها هنا أن يبني معه أو يبيع كما يكلف في الجدار بينهما يُهدم.
ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب سحنوناً عن الحائط بين الرجلين وهما مُقران بذلك ولكل واحد منهما عليه خشب، وخشب أحدهما أسفل من الآخر فأراد رفعها وأخذ خشب صاحبه/ فمنعه قال: ليس له أن يمنعه فإن أنكر الذي خشبه أعلى أن يكون لصاحب الخشب الأسفل من فوق خشبه شيءٌ قال: القول قوله، يريد مع يمينه، قال: لأنه حائز ما فوق خشب الأسفل، يريد ولا عقد في ذلك الزائد للأسفل.
***(1/97)
[11/105]
في السفلي يكون لرجل والعلو لآخر
ما الذي يكون على رب السفلي من مرافق العلو
وكيف إن اعتل السفلي وعلى من التعليق
وكيف إن انهدم؟
من كتاب البنيان لابن عبد الحكم قال ابن القاسم وهو في العتبية(1) عن ابن القاسم عن مالك في السفلي لرجل والعلو للآخر فأعتل السفلي فإن إصلاحه على صاحب السفلي وعليه تعليق العلو حتى يصلح سفليه لأن عليه أن يجعله إما على بنيان وإما على تعليق وكذلك لو كان على العلو فتعليق العلو الثاني على صاحب الأوسط في إصلاح الأوسط، قال مالك: وعلى رب السفلى الخشب والجريد وذلك ما يُقوم عليه في القسم.
ومن العتبية(2) قال سحنون: إذا خيف على حيطان السفلي الضعفُ فليهدم السفلي ربه ويبنيه وعليه تعليق العلو. ومن المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: وإذا كانت لرجل منازل بعضها فوق بعض فانهدمت فليبن الأسفل منزلهُ ثم يبني كل رجل منهم منزله، يريد إلا أعلاهم فإن شاء بنى وإن شاء ترك. قال مالك في كتاب البنيان المذكور فإذا انهدم السفلي وفوقه علوٌ وفوق العلو علوٌ فعلى رب السفلي بناؤه وعلى الأوسط بناء غرفة حتى يبني عليها الثالث علوه.
قال سحنون في كتاب ابنه وهو لأشهب: وإذا انهدم السفلي/ والعلو جُبر صاحبُ السفلي على بنائه وليس على صاحب العلو أن يبني السفلي من البناء قيل له بع ممن يبني وقد تقدم في باب آخر في الحائط بينهما يُهدم فيأبى أحدهما من العمل فإن كان مضاراً أُجبر على البناء مع صاحبه.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 9: 178.
(2) البيان والتحصيل، 9: 179.(1/98)
[11/106]
ومن العتبية(1) قال ابن القاسم عن مالك في سقف السفلى ينكسر فعلى صاحب السفلي إصلاحه وعليه الخشب والجريد وكذلك في انهدامه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه وهو لأشهب: وإذا أراد رب السفلي أن يهدم السفلي وأراد صاحب العلو ان يبني عُلوه فليس لصاحب السفلي أن يهدم السفلي إلا من ضرورة ويكون هدمه إياه أرفق بصاحب العلو لئلا ينهدم ويكون ذلك ليناً فيفسد عليه طوبه وينهدم بانهدامه العلو وليس لرب العلو أن يبني على علوه شيئاً لم يكن قبل ذلك إلا الشيء الخفيف الذي يتبين أنه لا يضر بصاحب السفلي فإن كان ما يبني مضراً مُنع، وكذلك لو انكسرت حشبةً من سقف العلو لأدخل مكانها خشبة ما لم يكن أثقل منها ثقلاً يخاف ضرره على صاحب السفلي فيمنع وإلا لم يمنع.
ومن العتبية(2) قال أصبغ قال أشهب وباب الدار على صاحب السفل.
ومن كتاب ابن عبد الحكم عن ابن القاسم قلتُ: فعلى من السلم فإن صاحب السفل قال: ليس علي أن أجعل لصاحب العلو طريقاً؟ قال: هو بينهما على صاحب السفل إذا كان له علوان يبلغ به علوه ثم على صاحب العلو الأعلى ما أدرك العلو الأول إلى علوه، وأعرف في غير هذا الكتاب لبعض أصحابنا أن على صاحب السفل بناء السلم إلى حد العلو فإن كان ثم علواً آخر فعلى صاحب العلو الأول من بناء السلم من حد علوه/ إلى أن يبلغ به سقف علوه الذي عليه علوه الآخر.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 9: 178.
(2) البيان والتحصيل، 9: 283.(1/99)
[11/107]
في كنس المرحاض بين دارين أو بين علو وأسفل
وقمامة السفل على من تكون وعلى من بناء المرحاض؟
من كتاب ابن عبد الحكم قال ابن القاسم: وبناء المرحاض على صاحب السفلي إلى السقف وعليه كنسه.
ومن العتبية(1) قال أشهب: قال أشهب: وبناء المرحاض على صاحب السفلي لأنه بئره ولصاحب العلو أن يُلقي فيه سُقاطته وأن يرفق به فهو كسقف السفلي، وقال ابن وهب وأصبغ: كنسه بينهما على قدر الجماجم من كثرة العيال وقلتهم والمستعمل، وقال لنا أبو بكر بن محمد: أما إن كانت فيه البئر لصاحب السفلي فالكنس عليه، وإما أن كان لرب العلو رقبةُ البئر ملكاً(2) فالكنس عليهما على قدر الجماجم، قال عبد الله: خرج عن قول ابن القاسم وعن قول ابن وهب، أما على قول ابن القاسم: فإن كان رب العُلو في رقبته البئرُ ملكاً فعليه من الكنس بقدر ملكه فيه، وابن وهب لا يسأل عن الرقبة ويجعل الكنس على من انتفع، وأخذ بعض متأخري أصحابنا ممن ولي الحكم بقول ابن وهب إذا كان البئر محفوراً في الفناء، وإن كان البئر محفوراً في رقبة الدار فالكنس على من له رقبةُ الملك.
قال أصبغ في العتبية(3) قال أشهب: وكنس تراب القاعة السفلي على صاحب السفلي، قال أصبغ مما لم يطرحه رب العلو وليس لرب العلو أن يطرح فيها شيئاً ولا في ناحية منها حتى يجتمع. وقاله أشهب وقال: إلا أن يكون له شرط في القسم أن له الانتفاع بقاعة السفلي، قال عبد الله: ويجري القول في المرحاض بين دارين نحو/ القول في العلو والسفلي فيمن له رقبة البئر وليست له وعلى الاختلاف في ذلك.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 9: 284.
(2) في النسختين معاً، ملك بالرفع.
(3) البيان والتحصيل، 9: 283.(1/100)
[11/108]
فيمن له رف خارجٌ على جاره هل يسقفه؟
وإذا بنى جاره هل يبني فوقه؟
وفيمن خرج بنيانه في هواء جاره
وهل له أن يطر(1) حائطه من دار جاره؟
ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب لسحنون وعن رف بحطور خارجة لرجل إلى دار جاره ولا قصب عليه فأراد أن يضع عليه القصب فمنعه جاره قال: فليس له منعُه وإنما وُضعت الحطورُ لهذا وعمن له رف خارج لدار جاره فبنى جاره جدار الرف فأراد أن يُعلي بناءه على الرف قال: ليس له أن يبني فوقه لأن صاحب الرف قد ملك سماءه.
ومن العتبية(2) روى عيسى عن ابن القاسم فيمن بنى بناءً مستعلياً فعوجه في العلو لو عوجه إلى بناء غيره ثم بنى الذي له الهواء في أرض نفسه فعارضه العوج الذي خرج به إليه جارُه قال: يهدم كل ما خرج في هواء غيره كان ذلك مما تعظُم فيه النفقة أو تقل. قال ابن سحنون وقال سحنون في جواب حبيب فيمن أراد أن يطر حائطه من دار جاره فمنعه قال: ليس له أن يمنعه أن يدخل داره فيطر حائطه وكذلك لو قلعت الريح ثوباً عن كتفي رجل فألقته في دار رجل لم يكن له أن يمنعه أن يدخل فيأخذه أو فيخرجه إليه.
في الجب في أرض رجل وبابُه في أرض آخر فتداعياه
والعلو بابه إلى غير من له سُفليه
من العتبية(3) مما رُوي عن ابن القاسم وذكره في المجموعة قال وقال غيره فيمن وجد جُباً في أرضه وباب الجُب في أرض غيره/ قال: الجُب لمن الباب في ***
__________
(1) طرّ بنيانه يطره: إذا جدده.
(2) البيان والتحصيل، 9: 222.
(3) البيان والتحصيل، 9: 216.(1/101)
[11/109]
أرضه لأن منفعته له وهو حظه وكذلك العلو لرجل والسفلي لآخر وباب ذلك العلو إلى ناحية أخرى فليس بالعلو يستحق السفلي فالجُب لصاحب الباب ومثله عليه لصاحب الأرض، وقال في غير هذا الكتاب من سماع عيسى وهو في كتاب العتق أن لكل واحد في الجُب أن يأخذه من أرضه وينتفع به ويسد ما بينه وبين صاحبه ولا يستحقه بالباب.
ومن المجموعة قال سحنون: إن كان جُباً واحداً لا يستغني بعضُه عن بعض فهو لصاحب الباب وإن كان له عيابات تستغني عن الذي فيه الباب فذلك لصاحب أعلى الأرض دون صاحب الباب.
في قناة ظاهرة الأمر بالبناء إلى بئرٍ في رانقة
فأراد من أصلها في داره
أن يُجري فيها ثُقْلَ مرحاضه فمنعه أهل الزقاق
قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عن رانقة(1) غير نافذة فيها أبوابٌ لقوم ودبر دار رجل إليها ولا باب له فيها ويلصق داره في الرانقة كنيف محفور مطوي قديم ويخرج إليه من داره قناةٌ مبنية إلا أنها لم يجر فيها شيء منذ دهرٍ فأراد الآن أن يُخرج فيها العَذِرةَ إلى هذه البئر فمنعه أهل الرانقة قال: ليس لهم منعُه إلا أن يدعو في رقبة البئر فيكشف عن جعواهم وإلا فالبئر لصاحب الدار بهذه الرسوم الظاهرة. قال: ولو أن هذا مُشتر من غيره لكان له من ذلك ما كان لبائعه.
***
__________
(1) من مادة رنق يقال رتق الماء كدر ورنق الماء كدره والرنق تراب في الماء من القذى وغيره والرنقة الماء اختلط فيه الطيب والماء القليل الكدر يبقى في الحوض.(1/102)
[11/110]
فيمن أذن لجاره في بناء حائطه على أن يحمل فيه
من كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب في رجل أعطى لجاره أرض حائط/ له وتراباً على أن يبني للآخر ذلك بطوب من عنده ومن عنده النفقة فإذا تم الجدار حمل كل واحد منهما عليه ما شاء، قال سحنون: لا يجوز ذلك لأن الحمل ليس لأجلٍ معلوم ولا سمى كل واحد ما يحمل فعلى صاحب القاعة والتراب أن يعطي لصاحب الطوب والعمل قيمة طوبه وعمله ويكون له الحائط.
في الجدار أو الغرفة يخاف سقوط ذلك
من المجموعة سئل ابن كنانة عن جدار مائل يخاف عليه السقوط قال: يبعث الإمام إليه عدولاً ينظرونه فإن رأوه مخوفاً أمر افمام صاحبه بإصلاحه فإن ضعف عن إصلاحه وكان عديماً خبره على بيعه ممن يصلح، قال عبد الله: يريد بائع الدار وهو مُفسر في غير هذا الموضع. قال ابن سحنون وسأل شجرة سحنوناً فيمن شكا إلى الحاكم أن لجاره غرفةً مائلةً أو حائطاً فقال: إن كان ذلك مخوفاً ببناء فائق الضرر عن الناس غاب صاحب الحائط أو حضر.
في دار خربة بين أظهر قوم كثر فيها الزبل
أضر بمن جاورها على من كنسُه؟
قال ابن سحنون وسأل حبيب سحنوناً عن خربة لرجل بين دور يلقى فيها الزبل لا يُدرى من يلقيه فقام جار الخربة على ربها فيما أضر به الزبل لحائطه فقال ربها ليس ذلك من جنايتي وأنا أشتكي ذلك وثبت عن الحاكم أن ذلك مضر بحائط الجدار فتفكر فيها طويلاً وذكر نظائر لها فقال: قد يقع جدار الرجل فيسد على الرجل مدخله ومخرجه فذكر سقوط الحائط السترة والاختلاف فيه ثم قال: أرى أن على/ صاحب الخربة نزع الزبل الذي أضر بجاره.
***(1/103)
[11/111]
وقال سحنون في موضع آخر من كتاب ابنه الزبل يجتمع في خربةٍ لقوم أو في فلاة فيضر بالناس أن على جيران الموضع كنسه يؤخذ به الأقرب فالأقرب على الاجتهاد قال عبد الله: يريد لأن الغالب من الأمر أنهم يلقونه فيها.
في الدار يُخاف سقوط جدار منها
وقد أوصى بسكناها لرجل حياته
على من إصلاحه؟
قال ابن سحنون سأل حبيب سحنوناً عن دار أوصى فيها رجل لرجل بسكناه حياته ثم مرجعُها إلى ورثته فاعتلَّ فيها حائط وقال أهل النظر إنه يخاف من سقوطه وقام في ذلك جاره الذي يخاف من سقوطه عليه قال: يُؤمر هذا الموصى له بإصلاح الحائط فإذا تم أجل السُّكنى لم يأخذ الورثة الدار حتى يدفعوا إليه قيمة الحائط قائماً إلا في قول ابن القاسم فإنه يقول في مثل هذا: يُؤدي قيمته منقوضاً يأخذ ذلك ورثة الموصى له وإن كان السكنى إلى مدة فانقضت أخذ ذلك الموصى له.
في السفلى لرجل والعُلو لآخر فيرفع الطريق على السفلي
ويضيق مدخله أو تعذر خروج الماء
وهو ماء يجري من دارٍ إلى دارٍ
وعن تراب نقله المطر فردم به
قال ابن عبدوس فيمن له سفلي ولآخر علو فاحتاج صاحب السفلي أن يردم لأن سفليه عليه الطريق وضاق عليه مدخله ومخرجه أن صاحب العلو مخير أن يرفع صاحب العلو في هوائه وبنيانه ممن يدفعه إليه، وقال أيضاً في قناة لرجل تجري على آخر فاحتاج الذي/ تجري عليه القناة إلى ردم داره لأن الطريق بنت عليه ورفعُه ما يضر بالأول قال فإن له أن يرفع ويردم داره ويقال لصاحبه ارفع إن ***(1/104)
[11/112]
شئت وإلا فلا شيء لك، قال أبو بكر بن اللباد: القياس ألا يرفع الثاني ولا يردم إلا تطوعاً من الأول لأن رفعه يضر بالأول. قال عبد الله: إنما يصح قول أبي بكر إن كان للماء منعه في الإقامة بإصلاح يسير وأما إن تفاحش الأمر فقول ابن عبدوس صحيح.
قال يحيى بن عُمر في تراب لقومٍ في موضعٍ فنقله المطرُّ من موضع إلى زقاقٍ لقوم فسدّ عليهم مخرج مائهم قال: يقال لصاحب التراب خذ ترابك وانقله إن أحببت فإن أبى قيل للذي سد عليهم زقاقهم اطرحوه إن شئتم قيل ولا يُجبر صاحب التراب على نقلانه إن قال لا، وقد تقدم في باب المزبلة لسحنون ما يُشبه هذا وسحنون يرى في المزبلة على رب الدار نزعُه وكذلك ينبغي في التراب والله أعلم.
تم كتاب البنيان والمرفق
وبتمامه تم الجزء الرابع عشر
بحمد الله وعونه
ويتلوه في الخامس عشر إن شاء الله تعالى
الجزء الأول من كتاب الشفعة
والحمد لله رب العالمين
وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم
***(1/105)
[11/113]
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر(1)
الجزء الأول
من كتاب الشفعة
ذكر ما فيه الشفعة من الأموال وما لا شفعة فيه
من كتاب ابن المواز، قال مالك: إنما الشفعة في الأرض وما يتصل بالأرض، من ثمر، أو نبات. قال عنه أشهب في المجموعة إذا لم يرثاها، وذلك أنه يُقسم بالحدود، كما تُقسم الأرض، ولما يلحق الشريك من ضرر دخول المبتاع.
قال مالك: كل شريك في ثمرة من ساق أو غيره فله فيها الشفعة. وقاله ابن القاسم.
ومن العتبية(2) قال ابن القاسم: فإن احتج الشفيع (رجع على أخذ ذلك منه بشفعته)(3). قال عيسى: ويرجع المشتري على ما باعه. قال ابن القاسم، عن مالك: وفي ثمرة العنب الشفعة. قال ابن القاسم: والمقاتي عندي كالأصول فيها الشفعة، لأنها ثمرٌ، ولا أرى في البقول شفعة.
***
__________
(1) هنا يبتدئ الجزء الخامس عشر من تجزئة آياصوفيا وفيه من الكتب الكتاب الأول من الشفعة والكتاب الثاني منه وكتاب القسم وكتاب الوصايا الأول وكتاب الوصايا الثاني.
(2) البيان والتحصيل، 12: 64-69-104.
(3) العبارة وردت في ع على الشكل الآتي: رجع على من أخذ منه الشفعة.(1/106)
[11/114]
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: الشفعة في الثمرة، وماعلمت من قاله قبلي. وقال ابن الماجشون: لا شفعة في الثمار، قال محمد: وقول مالك الصواب ما لم تيبس إن كان الأصل بينهما. وقال أشهب: للشريك الشفعة في الثمر، كان الأصل لهما أو لم يكن لهما غير الثمر، وكذلك لو كان الأصل لواحد، فباع الثمرة أو نصفها لرجلين، فالشفعة بينهما دون رب الأصل.
وفي المدونة عن مالك مثل قول أشهب هذا، كانت الثمرة بينهما بحبس أو غيره.
وقال أشهب في موضع آخر، من كتاب ابن المواز :/ [إذا اقتسما] (1) الأصل دون الثمرة ثم باع حظه من الثمرة بعد الطياب فلا شفعة فيها بعد قسمة الأصل والثمرة ها هنا كالبئر.
قال ابن القاسم: في الثمرة الشفعة، قال أشهب: ولو لم يقتسما شيئاً فباع نصيبه من الأصل دون الثمرة أو العين ثم باع نصيبه من الثمرة أو العين فلا شفعة للشفيع في ذلك كان قد أخذ الأصل بالشفعة أو ترك، وقال ابن القاسم: له الشفعة في الثمرة ولا شفعة له في العين والبئر ولا لمشتري حصته في الأرض إن لم تُؤخذ منه الأرضُ بالشفعة، ومن المجموعة قال أشهب عن مالك فيمن جعل لرجلين ثمر نخلتين على أن يأبر له حائطه فباع الآخر ثمرتهما فلا شفعة فيهما، قال ابن نافع: وهي أجرة فاسدة، وله أجر مثله في إباره.
قال ابن القاسم عن مالك من باع نصيبه من نخلة أو شجرة فلا شفعة لشريكه فيها، قال في رواية ابن المواز وإن بيعت بثمرتها، وقال ابن حبيب عن مطرف: لا شفعة في شجرة، وقال ابن الماجشون: فيها الشفعة لأنها من الأصول، وقال به أشهب وأصبغ وابن حبيب، ومن كتاب ابن المواز وقال أشهب: لا شفعة في كل ما لا يصلح فيه القسم، [وقال ربيعة: لا شفعة فيما ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع.(1/107)
[11/115]
لا قسمة فيه بين أهله، قال مالك: ولا شفعة في طريق ولا في عرصة دار وإن صلح في ذلك القسم، ولا في حيوان ولا رقيق، قال عنه ابن وهب في المجموعة وما لا يصلح فيه القسم] (1) فلا شفعة فيه، قال ابن القاسم وأشهب: ولا في سارية ولا حجر.
قال ابن المواز قال مالك: وإذا قُسم الحائط وبقي الفحل والفحلان لا يقدر أن يقسم فليس بذلك شفعة ولا فيه، قال مالك: ولو كان حائطاً فيه أصناف من الثمار فقُسم أكثره وبقي أيسره، ففي ما بقي الشفعة قائمة لأنه أصل ما فيه الشفعة وليس مما هو صلاح لما قُسم، قال ابن المواز: ولم يختلف مالكٌ وأصحابه أن الشفعة في الحمام، قال ابن الماجشون في غير كتاب ابن المواز أما مالك من الشفعة في الحمام من قبل أن لا ينقسم إلا بتحويله عن أن يكون حماماً. قال وأنا أرى فيه الشفعة، وقاله هو وأشهب في لاالمجموعة.
قال في كتاب ابن المواز وقال ابن القاسم: لا شفعة في رحى الماء ولا رحى الدواب، قال في كتاب محمد والعتبية: وإن بيعت مع البيت فالشفعة في البيت دون الرحى، قال في العتبية يُقوم البيت وتقوم الرحى بآلتها فيأخذ البيت بحصته من الثمن.
وقال أشهب وعبد الملك في كتاب محمد والمجموعة: إن نصبوها في أرضهم ففيها الشفعة وإن نصبوها في غير أرضهم فلا شفعة فيها باع أحدُهم حصته من الرحى أو حصته منها ومن البيت، قال أشهب في غير هذه الكتب: وإنما الرحى الذي لا شفعة فيه الرحى الذي تُجعل وسط الماء على غير أرض وأما ما رُدم في الملك وجُعل عليه رحى فإن كان متصلاً بالأرض فله حكمُها وإن لم يتصل بها فلا شفعة فيه.
وقال أشهب في كتاب محمد والمجموعة: إذا باع نصيبه في الرحى/ بموضعها من العرصة أو مع نصيبه من جميع بيت الرحى فالشفعة لشريكه في ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ع.(1/108)
[11/116]
ذلك كله، إلا أنه إذا باع الرحى بموضعها من العرصة خاصة فشريكه مخيرٌ إما أن يجيز بيع حصته أو يأخذ بالشفعة نصيب شريكه، فإن أبى إلا فسخ البيع فليقلسمه فإن وقع للبائع موضع الرحى بعد بيعه وإن وقع لشريكه فسخ بيعه.
قال أشهب في كتاب محمد: فإن باع حظه من الرحى خاصة دون موضعها من الأرض أو نصيبه من خشب في الدار فلشريكه الشفعة في ذلك إن أجاز بيع نصيبشريكه وإلا فله فسخه إلا أن يقاسمه الشريك وإن أخذ ذلك بالشفعة كانت الرحى أو خشب البيت له خاصة فإن اقتسما الدار اقتسماها بغير خشب ولا رحىً فإن صار في حظه أبقاه، وإن صار لشريكه نزع ذلك عنه.
قال محمد: فإن لم يأخذ ذلك الشفيع وسلم فسخ الشراء فيه لأنه اشترى ما يدخل في القسم مع غيره فلا يدري ما يقع له، ومن العتبية(1) قال سحنون: ولاشفعة في الأندر وهو كالأفنية لا شفعة فيها، وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب أنه إذا كانت بقعة الأندر بينهما ففيها الشفعة لا شك فيه كغيره من البقاع وكعرصة الدار المهدومة.
وقال أشهب مثله كان قليلاً أو كثيراً أندراً أو غير أندر إذا ملكاه، ومن كتاب ابن المواز والعتبية(2) والمجموعة قال ابن القاسم قال مالك: لا شفعة في الزرع لأنه لا يحل بيعه حتى ييبس، ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب/ قال مالك فيمن باع ديناً على رجل فباعه فلا يكون من هو في ذمته أحق به بالشفعة وبيعثه نافذ إلا ان يجري على ضرر ببيعه من عدوه ونحوه، قال في كتاب ابن المواز: ولم يقل أحدٌ أن في الدين شفعةً ولكن الذي هو عليه أحق به للضرر كما المكاتب أحق بما بيع من كتابته.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 95.
(2) البيان والتحصيل، 12: 64.(1/109)
[11/117]
قال مالك(1) وإنه لحسن أن يكون أحق به ولا يقضى بذلك، قال أشهب: هو بكامله من رق الدين الذي عليه.
وروى ابن وهب اانبي عليه السلام أنه أحق به(2)، قال مالك: والمثكاتب أحق بما بيع من كتابته مما يعتقُ به وأما إن باع الشريك نصيبه(3) من الكتابة لم يكن شريكه أولى بها ولا المكاتب لأنه لا يعتق به، وقاله أشهب لحجة الشريك إذا أخذ ذلك المكاتب ثم يعجز فيرجع إلي لا مال له، وأما لو أذن الشريك الذي لم يبع للمكاتب في ذلك كان ذلك للمكاتب لما له فيه من المرتفق(4) فإن عجز رق كله لمن بقي له فيه الكتابة.
ومن العتبية(5) من سماع ابن القاسم وعمن باع نصف أرضه بأرض أخرى وبزيادة دنانير فقيه الشفعة وعليه قيمة الأرض التي أخذها، قال ابن القاسم وقال بعض إخواننا: إنه كان من قول مالك أو غيره(6) من المدنيين أنه إذا علم أنه أراد المناقلة والسكنى. ولم يرد به البيع فلا شفعة فيه، وقاله ربيعة وذكرناه لمالك فلم يره وقال فيه الشفعة.
وقال العتبي قال مطرف وابن الماجشون: وإنما الذي قال مالك لا شفعة فيه من المناقلة أن يكون دارين أو حائطين(7) بين أشراك فيناقل أحدُهم بعض أشراكه من حصته من هذه الدار بحصة الآخر من الدار الأخرى أو الحائط فيجمع حظ ***
__________
(1) في ع، قال محمد.
(2) لم نقف على نص الحديث وورد مصداق حكمه في الموطإ في كتاب الشفعة فقد قال مالك في رجل اشترى شقصاً في أرض مشتركة بثمن إلى أجل فأراد الشريك أن يأخذها بالشفعة قال مالك إن كان ملياً فله الشفعة بذلك الثمن إلى ذلك الأجل وإن كان مخوفاً أن لا يؤدي الثمن إلى ذلك الأجل فإذا جاءهم بحميل ملي ثقة مثل الذي اشترى منه الشقص في الأرض المشتركة فذلك له.
(3) في الأصل، إن باع لك نصيبه وما أثبتناه هو الموجود في ع.
(4) في ع، لما فيه من الرفق.
(5) البيان والتحصيل، 12: 55.
(6) في ع، من قول مالك وغيره.
(7) في ع، أن يكون داراً أو حائطاً.(1/110)
[11/118]
كل واحد منهما في شيء واحد؛ فهذا الذي قال [مالك] (1) لا شفعة فيه لأنه إنما أراد به توسعة حظه وجمعه، وأما إن ناقل بنصيبه من دار بدار أخرى لا نصيب له فيها ففيه الشفعة. عامل بذلك بعض شركائه أو أجنببياً. وحكى مثله كله ابن حبيب عن مطرف عن مالك وقال: وقد كان ابن القاسم يروي عن مالك أن في ذلك كله الشفعة، [والأول أحبُّ إلي] (2).
ومن المجموعة قال مالك في رجل أُعطي من خيف(3) في واد خمسين ومائة قفيز، بين كل قفيزين عشرة أذرع ثم باع أهله ذلك الخيف فلا شفعة لهذا الرجل فقال له إنهم لم يحدوه لي قال قد سموا لك أذرعاً مسماة. قال أشهب لأنهم إنما جعلوها لك بين كل قفيزين عشرة أذرع. قيل [لمالك] أيأخذ من أسفل الوادي أو أعلاه؟ قال لا أدري اذهب إلى القاضي وذكره في العتبية في كتاب الوصايا.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز: ومن تصدق بنصيبه من حائط على قوم وعقبهم ما عاشوا ثم باع الشريك نصيبه فأراد أهل الصدقة وفي كتاب آخر فأراد أهل الثمرة أخذه بالشفعة فلا شفعة لهم فيه.
قال عنه محمد: لأنهم لا أصل لهم وإنما الشفعة لمن له الأصل، قال ابن القاسم في العتبية(4): وبلغني عنه أنه قال: إذا أراد الذي تصدق أن يأخذه/ بالشفعة لم يكن له ذلك إلا أن يلحقه بالحبس فيكون ذلك له،
قال ابن حبيب عن مطرف: إن كان حبس له مرجع إلى المحبس فالشفعة للمحبس لأنه مال من ماله وإن كان لا يرجع له إليه فلا شفعة إلا ان يريد المحبس أو المحبس عليه أن يلحق ذلك بالحبس فذلك له، وقاله أصبغ.
***
__________
(1) كلمة مالك ساقطة من الأصل أثبتناها من ع.
(2) ما بين معقوفتين ممحو في صورة الأصل أثبتناه من ع.
(3) الخيف ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ومنه سمي مسجد الخيف من منى.
(4) البيان والتحصيل، 12: 60.(1/111)
[11/119]
قال في كتاب ابن المواز: إذا جعل نصيبه من دار في سبيل الله أو على المساكين ثم باع شريكه حصته فإن كان المتصدق ينفذ ذلك لا فيما جعل فيه مصابته فله الشفعة وإن كان يمسكه فلا شفعة له، ولو كان إنما أعمر سهمه على رجل وعقبه ثم مرجعها إليه فله الشفعة، وسنذكر الشفعة في الكتاب بعد هذا إن شاء الله.
فيما فيه الشفعة بمقارنته لأصل الأرض
من عبيد(1) أو عين أو بئر ونحوه
يُباع مجتمعاً أو منفرداً أو بعضه بعد بعض
من المجموعة وكتاب محمد قال ابن القاسم قال مالك: إذا قسمت البيوت وبقيت العرصة فلأحدهم بيع نصيبه من البيوت والعرصة ولا شفعة لشريكه من العرصة بها ولا فيها. قال أشهب: وليس لأحدهم بيعُ حصته من العرصة خاصة إلا ببيع نصيبه من البيوت، وإن كانت العرصة واسعة إلا أن يجتمع ملؤهم على بيعها فيجوز فإن أبى احدهم فهو مردود لأنها أبقيت مرفقاً بينهم.
قال يحيى بن يحيى في العتبية(2) عن ابن القاسم عن مالك إن للشفعة في الماء الذي يقسمه الورثة بينهم بالأقلاد/ وإن لم يكونوا شركاء في الأرضين التي تُسقى بتلك العيون والحوائط.
قال مالك في العتبية(3) والمجموعة: وأهل كل بلد يتشافعون بينهم دون أشراكهم.
قال أشهب في المجموعة إنما ذلك إذا لم يقتسموا الأرض وأما إن قسموا الأرض وبقي الماء على شركتهم فلا شفعة فيه بينهم والبيع ماضٍ.
***
__________
(1) كلمة عبيد أثبتناها من ع وقد جاءت في الأصل محرفة على شكل عيدواله.
(2) البيان والتحصيل، 12: 88.
(3) البيان والتحصيل، 12: 86.(1/112)
[11/120]
قال أشهب في كتاب ابن المواز: ومن باع نصيبه من الماء قبل قسم الحائط أو سقي يوم أكثر قال: لولا ضرر ذلك حتى يجوز بيعه لكانت فيه الشفعة ولكن ليس فيه حجة في رد بيعه لحاجة الأرض إلى سقي ما باع ولا تُقسم الأرضُ بينهما لذلك في يومين ولا ثلاثة، قال أشهب في الكتابين: وإن كانت لها بئران أو عينان فاقتسما البئرين أو العينين خاصة ثم كان يسقي هذا يوماً وهذا يوماً فباع أحدهما بئره أو عينه أو باع حصته في الأرض شائعةً بمائه المُفرز فلا شفعة لشريكه في البئر وله الشفعة في الأرض فقط بحصتها بقيمة البئر بلا أرض والأرض بلا بئر.
قال في كتاب محمد: وإن باع البئر فقط فلا شفعة فيها ولكن ينظر فإن كان بيعها يُضر بالأرض إلى أن يقتسماها فلشريكه منعُه من بيع ما بها حتى يُقسم، ولو باع نصيبه من البئرين قبل أن يقتسما شيئاً ففيه الشفعة وإن شاء شريكه منع المشتري من قبض ذلك إن كان قبضه ضرراً حتى يقاسم شريكه الأصل وإذا قسما الأرض وأبقيا لها بئرين أو عينين ثم أرادا قسمتها فلا أحب ذلك إلا بالمقاواة، وأكرهه بالسهم/ إلا أن يُخلط بذلك وبمعرفة قدرهما ويوجد من يحكم ذلك، ولو باع أحدهما حصته من البئرين بعد قسم الحائط فلا شفعة في ذلك.
قال ابن القاسم في المجموعة: وإن كانت الأرض والماءُ بينهما فباع أحدهما نصيبه من الأرض فترك الماء أو من الماء فترك الأرض ثم باع شريكه مصابته مما باع الأول فليس للأول في ذلك شفعةً لمكان ما بقي له من الشركة في المال أو في الأرض.
قال في كتاب ابن المواز كان مبتاع ذلك مبتاع الأصل أو غيره، قال محمد: وإن لم يكن الشفيع سلم ولا أخذ حتى اشترى ذلك مشتري الشقص فللشفيع الآن الشفعة من الأصل والعبيد والآلة وليس له أن يأخذ بعض ذلك دون بعض إذا لحقه ببيعه قبل الأخذ بالشفعة.
***(1/113)
[11/121]
قال ابن الماجشون في المجموعة: وإن مات منهم الرأس والرأسان وأخلفه البائع بعد صفقة المال وقبل بيع العبيد والآلة ثم باعهم فله الشفعة في الجميع إن كان ذلك قريباً وكان زاد قليلاً في كثير وإن لم يكن كان فيه رقيق وكان يسقى بالأجزاء فاستحدثهم بعد الصفقة ثم باعهم ممن باع المال منه فلا شفعة فيهم مع المال وما بيع من عرصة دار أو بئر في أرض أو ثمرة أو عبد من عبيد الحائط أو شيءٍ من آلته وحديده أو الأبواب والخشب والحجارة مع أصل ذلك كله ففي الجميع الشفعة، قال أشهب عن مالك في المجموعة: وكذلك الزقوق وغيره من آلة الحائط.
قال ابن القاسم عن مالك: وليس/ له بيع رقيق الحائط وحديده وآلته ويأخذ الأصل بحصته، قال في كتاب محمد: وكذلك لو بيع شيءٌ من ذلك على حدته ما دام الأصل يقسم، ومن العتبية(1) روى أبو زيد عن ابن القاسم في الشريك يبيع حصته من عبيد النخل وحدهم قال: في ذلك الشفعة وهم كبعض الحائط، قال أصبغ: وهم مثل الآلة والسوداني.
ومن كتاب محمد والمجموعة قال أشهب: فإن باع أحدهما مصابته من الأرض أو النخل أو الشجر فيأخذ ذلك الشفيع بالشفعة أو أسلمه ثم باع بعد ذلك مصابته من البئر أو الثمر والعين فلا شفعة فيها للشريك كان أخذ بالشفعة أو ترك ولا للمشتري إن كان لم يأخذه منه بالشفعة لأنه ليس له بياضٌ ولا شجر وكذلك في الحائط برقيقه وآلته أن يبيع جميعه أو بيع الرقيق وحدهم فللشريك فيما بيع من ذلك الشفعة ما دام الحائط غير مقسومٍ وأما إن اقتسم الحائط أو باع أحدهما نصيبه معه بغير رقيقه وآلته فيأخذه الشفيع إذا سلمه ثم باع بعد نصيبه من الرقيق والآلة فلا شفعة لأحد في ذلك.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 77.(1/114)
[11/122]
فيما يُشترى على القلع من الشجر
أو على الهدم من البناء
وكيف إن ابتاع الأرض قبل ذلك أو بعد
والشفعة في ذلك
في كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن القاسم: من ابتاع نخلاً على القلع ثم اشترى الأرض بعد ذلك فأقرها ثم استحق رجل نصف ذلك كله فاستشفع فله الشفعة في جميعه بنصف/ ثمنه ولا يقدر المشتري أن يقلع النخل لشريكه المستحق فيها وإن أبى أن يستشفع فللمبتاع(1) رد باقي صفقته إن شاء أو يتماسك.
قال ابن عبدوس قال سحنون إنما يقال أولاً للمستحق أنت مخير في أن تجيز بيع نصيبك وتأخذ الثمن من شريكك ثم لا حجة للمبتاع لأن صفقته سُلمت له فإن لم يجز بيع نصيبه أخذه ورجع المبتاع على البائع بنصف الثمن ثم ينظر إلى النخل فإن تفاضل جنسها من صيحاني وبرني أو صغير أو كبير وشبهه، فالبيع يُفسخ في نصف البائع لأنه لما بلغ النخل على القلع صار بيعاً مجهولاً لا يعرف ماذا يقع له في القسم لأن الأرض يقسم مع النخل فيقع في النصيب كثيرٌ من النخل مع قليل من الأرض أو قليلٍ من النخل مع كثير من الأرض للكرم والدناءة فأما إن كانت النخل والأرض لا يختلف حتى يقسم قسماً معتدلاً فالبيع جائز في نصيب البائع ثم يبدأ المشتري بالخيار في قول أشهب في رد ما بقي في يديه أو حبسه فإن أمسكه فللشفيع الشفعة بنصف الثمن. وقال ابن القاسم: ويبدأ الشفيع بالتخيير في أن يأخذ أو يسلم.
قال سحنون قال ابن القاسم: ومن اشترى نقض دار على القلع ثم اشترى العرصة أو بدأ بشراء العرصة دون النقض ثم اشترى النقض ثم استحق رجل نصف جميع الدار أنه يأخذ نصف القاعة بالشفعة بنصف الثمر ونصف النقض ***
__________
(1) في الأصل، فللمبتاع باقي صفقته بإسقاط كلمة رد.(1/115)
[11/123]
بقيمته قائماً كان المشتري بناه في القاعة بعد شرائه فأنكر هذا سحنون وطرحه وقال: قد أنكرُ الشفعة في/ النقض ها هنا.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن اشترى نخلاً على القلع أو نقضاً على القلع ثم اشترى الأرض فأخذ ذلك ثم استحق رجل نصف الجميع قال: له الشفعة فيهما بنصف ثمن الجميع، قال أصبغ: وإلى هذا رجع ابن القاسم وقال أشهب: الشفعة في الأرض دون النخل والبناء.
وقال أصبغ: قول ابن القاسم أصوب وعليه أصحابنا، قال ابن القاسم وأشهب: ومن ابتاع مصابة شريكٍ في نخل على القلع لم يجز، قال أشهب: لأنه لا يدري ما يصير له منها إذا قسمت لأنها تقسم في الأرض فتارة يقع له عددٌ قليل وتارةً كثير لكرم الأرض ودناءتها. قال ابن القاسم ولأنه اشترى ما قسمه بيد غيره ولا يقدر أن يقول له اقسم النخل دون الأرض ولا تقسم إلا بها، قال محمد: ولو كانت النخل تُشترى في قسمتها لتشابهها في الصفة وتشابه الأرض حتى يقع القسم على عدد واحد لا جزئه.
وقال أشهب وزاد: كالغنم والثياب والدواب، قال أشهب: ثم لا شفعة في النخل لأنها بيعت على القلع ولو أخذها بالشفعة كان عليه قلعها أيضاً، ولو اشترى مصابته من الأرض فقط لم يجز إذا كانت غير متشابهة، وكذلك لو اشترى بعد ذلك مصابته من تمر النخل لم يجز حتى يجتمع شراءُ نصف الأرض بنخلها في صفقة. قال أصبغ: إلا أن تكون متشابهة في الأرض والنخل فيجوز كانت الأرض أولاً أو أخيراً ثم تكون الشفعة في الأرض دون النخل فإذا أخذ بالشفعة كلفه الشفيع قلع النخيل/
قال محمد: لا يعجبني وأرى إن كان شراؤه للنخل أولاً فالشفعة في النخل والأرض لأن شراءه جائز لتشابهها وكذلك إن كان مشتري الأرض في الصفقة الثانية غير مشتري النخل فالشفعة للشريك في الأرض والنخل وله أخذ أيهما شاء، فإن أخذ النخل وحدها وسلم الأرض فلابد أن يقاسم شريكه النخل والأرض فما صار ***(1/116)
[11/124]
له بنصفه الذي كان يملكه كان له أخذه بنخله وما وقع لشريكه كلف الشفيع قلع نخله منه خاصة وإما له أخذه بنخله وما وقع إن أخذ الأرض وسلم النخل فإنها تُقسم النخل وحدها لأنه صنف واحد فما صار للمشتري كلف قلعه، قال: وإن اشترى الأرض أولاً لم تكن الشفعة إلا في الأرض لأن النخل بيعت ولا حق للبائع في الأرض كما قلنا إذا باع نصيبه من النخل إذا بقي نصيبه في العين والبئر ورقيق الحائط ثم إن باع نصيبه من ذلك لم تكن فيه شفعة، قال: ومن ابتاع نقض دار على القلع أو نخلاً على القلع فلم ينقض ولا قلع حتى استحق رجل نصف الأرض مع البناء أو النخل قال ابن القاسم: يرد البيع فيه ولا شفعة فيه وللمبتاع رد ما بقي في يديه.
وقال أشهب [استحقاقه فسخ](1) للبيع في البناء. واما من اشترى مصابة أحد الشريكين من البناء والنخل على القلع فلا يجوز إن كانت غير متشابهة وأما في المستحق فإن أجاز ذلك المستحق جاز ولزم المشتري، محمد: لأن العقدة وقعت أولاً صحيحةً وإن لم يجز رد وانفسخ ما لم يستحق وإذا كانت النخل متشابهة لزم المشتري ما لم يستحق منها والنخل قلعها مأمون ليس فيه من الجهالة فيما يأتي عليه في القلع مثل ما يأتي في هدم البناء.
وقال أشهب في المجموعة: وإن باع رجل مصابته من أرض بينه وبين شريك له فيها نخل أو مصابته من دار على أن البائع يقلع عنه ما له فيها من بناء أو نخل ويدفع إليه أرضاً براحاً(2) فإن كان بين النخل أو بين بناء الدار أو بين الأرض اختلاف فذلك بيع فاسد لا شفعة فيه لأنه لا يدري ما يصير له من الأرض وإن كان ذلك كله متشابهاً فذلك جائز وفيه شفعة للشفيع ثم على البائع أن يقاسمه ويقلع عنه ما صار له.
***
__________
(1) ما بين معقوفتين أثبتناه من ع وهو في الأصل غير واضح.
(2) الأرض البراح: الأرض المتسعة التي لا شجر فيها ولا بناء.(1/117)
[11/125]
وقال ابن القاسم: ومن باع نقض دار على القلع أو نخلاً على القلع ثم استحق رجل الأرض دون النقض والنخل فللمستحق إن شاء أن يدفع إلى المشتري قيمة النقض أو النخل مُلغىً من باب الضرر لا من باب الشفعة فأنكر هذا سحنون وقال: يقول أشهب: إن البائع إن كان غصب الأرض فغرس فيها ثم باع فالمستحق مخير أن يعطي الغاصب قيمة النخل مقلوعة ويُنتقض بيعُ المبتاع فإن لم يفعل جاز بيعه وقلعها مبتاعها وإن لم يكن غاصباً فالمستحقُّ مخير بين أن يدفع إلى الغارس لشبهة فيها ثابتة ويُنتقض بيعُ المبتاع ثم ليس للمشتري أن يقول أنا أحق بهذه القيمة المأخوذة وهو كمن باع سلعةً بمائة ثم باعها من آخر بتسعين فأخذها الأول بشفعة فليس للثاني أن يقول أنا آخذ الثمن/ المأخوذ من الأول، قال: فإن لم يطلب ذلك صاحب الأرض وأباه فإن قيل للغارس أعطه قيمة أرضه بيضاء ويجوز بيع النخل للمشتري فليس له فسخ البيع وله أن يعطيه قيمة النخل منقوضة فإن أبيا كانت الأرض والغرس بينهما عاى قيمة الأرض من قيمة الغرس قائماً وينقص بيع المشتري للنقض فيما صار من هذه الأرض والشجر لرب الأرض ويجوز بيعه فيما صار لبائعه إن كانت الثلث قاسم رب الأرض وأخذ ثلث الشجر ثم قلعها ولا شفعة للشريك في هذا الثلث، قال سحنون: إنما يجوز بيعه إذا كانت الأرض تختلف.
وفي كتاب ابن المواز وإذا ابتاع رجل من أحد الشريكين نصيبه من النخل وهي صنف واحد فقاسم المبتاع شريكه ثم اشترى نصف الأرض من بائع النخل منه قال إن الشريكين من الأرض والنخل إذا اقتسما النخل كان قسماً للأرض، لأن النخل يصير بموضعها من الأرض وما بين النخلتين حريم لها فلا يجوز غير هذا ولو شرط قسم النخل بلا أرض لم يجز إلا على القلع فإن لم يجتمعا على القلع لم تجز القسمة إلا مع الأرض.
قال أشهب في المجموعة نحوه، قال: إن كان ما بين النخلتين من أرض مصلحة لتمرهما فالأرض مقسومة مع النخل وحدها أو كانت نخلاً كلها أو اقتسمها بعضها. فالشفعة فيما لم يقتسما وقد انقطعت فيما قسما. وقال ***(1/118)
[11/126]
سحنون: ما كان بين النخل من الأرض مصلحة لها فهي مقسومة مع النخل التي بينها الفضاء الواسع يزاد في قيمتها وأما إن بعد ما بين/ النخلتين حتى لا يصل نفع ما بعد إليهما فهي كأرض فيها شجر متفرقة فكأنه يرى أن يقسم مع الأرض ولو قسمت النخل المتباعدة دون الأرض وقع لكل نخلة طريقٌ.
ومن كتاب محمد قال أشهب: ولو اشترى مصابة أحدهما من نخل على أن يقرها ما بقيت فإن انقلعت فبياضها يبقى للبائع مع ما فيها من البياض الآن لم يجز ولا شفعة فيه.
وإن اشترى مصابته من النخل بلا أرض وهي متشابهة ثم اشترى نصيب البائع من الأرض ثم أخذ الشفيع الأرض خاصة ما بالشفعة وسلم النخل ليقلع فقاسمه النخل وحدها ثم أراد أن يصالحه، على بقاء نخله(1) في أرضه على شيءٍ فذلك جائزٌ على أن يسلم هذا له نخله وسلم هذا له بياضه على ما اصطلحا عليه على النصف أو الثلث أو أقل أو أكثر بغير تقويم فهو جائز، كما يجوز صلح بائعه نفسه ولو لم يشتر منه مصابته من الأرض فقاسم هو شريكه الأرض والنخل فأخذه بائعه بقلع النخل فصالحه على أن يقرها في الأرض ويكون ذلك بينهما على ما سميا بلا قيمة فهو جائز.
وكذلك بعد ان عرفا قيمة ذلك، فأما إن أوجبا الشركة على أن يقوما بذلك في المستقبل فيكون بينهما على ما هي عليه القيمة في النخل مقلوعاً أو ثابتاً لم يجز وهو غررٌ
وفي باب الشفعة في النقض مسألة من باع شيئاً على القلع ثم أراد أن يُعطي قيمته للمبتاع.
***
__________
(1) في ع، على أن يبقى نخله.(1/119)
[11/127]
في الشفعة في النقض القائم في عاريةٍ أو حُبُسٍ/
من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذ بنى رجلان في أرض عاريةٍ فباع أحدهما حصته من النقض فرب الأرض مبدأ فإن شاء أخذ ذلك بالأقل من حصته نقضاً أو الثمن فإن أبى فلشريكه أخذها بالثمن.
وقال أشهب: لا شفعة في ذلك لشريكه إذ لا ملك له في العرصة وهو بيع لا يجوز. باعاً جميعاً أو أحدهما لأن رب الأرض له أن يبقيه ويؤدي قيمته نقضاً أو يأمر بقلعه فلم يدر المبتاعُ ما اشترى نقضاً أو ذهباً، ورواه عن مالك فيمن بنى في عرصة رجل بإذنه ثم باع بناءه أن ذلك لا يجوز، وكذلك إن بنيا في عرصة محبسه عليهما لم يجز بيعهما ولا بيع أحدهما ولا شفعة فيه ولا على رب العرصة أخذه بذلك الثمن وإن رضيا زاد على القيمة أو نقص لأنه بيع فاسد ولا يصلح فيه تولية ولا شركة ولكن لرب العرصة في البانين فيها عارية أن يُعطيهما قيمته منقوضاً وإن شاء فعل ذلك بأحدهما وإن شاء أمرهما بقلعه وليس له أن ينقض على أحدهما حتى يقتسما.
قال محمد: كله صواب. ورواه أشهب عن مالك. وقال ابن عبدوس، قال سحنون في مسألة مالك في أهل الحبس يبنون فيه ثم مات أحدهم فأراد بعض ورثته بيع نصيبه من ذلك البناء، فأستحسن أن يكون لإخوته فيه الشفعةُ قال سحنون: وهو يقول ما بنى في الحُبُس فليس لصاحبه أخذه ولا بيعه، ويكون محبساً. قيل له: لعله أراد حبس عُمرى: قال: فيبيع البعض إذ لا يجوز(1)، ثم ذكر مثل قول أشهب وقال: إنه لا يجوز بيعه إلا أن يباع في الضرورة/ في الدين وشبهه فيجوز، وقال: هو كالشريك يبيع حصته من العبد بعد عتق شريكه فذلك غير جائز.
ومن كتاب محمد قال أشهب: ومن باع نخل حائطه كله على القلع ثم قال للمبتاع خذ مني قيمتها مقلوعةً فليس له ذلك، وكذلك الشريك يبيع نصفها على ***
__________
(1) جاءت العبارة في ع على الشكل التالي: قال فبيع البعض إذن لا يجوز.(1/120)
[11/128]
القلع وهي متشابهة فليس له ذلك ولا للشفيع بخلاف من تنقض مدته بكراء أو عارية أو كان غاصباً لأن الأول مشترط للقلع في شرائه بعينه فله شرطه (محمد) ولعله يرد في القيمة أكثر من الثمن، ولو كان الثمن عِوضاً فكان البائع مخيراً بين تسليم ذلك أو يعطيه قيمةً مجهولةً تستأنف لكان أمراً غير جائز.
في الشفعة في الزرع وحده أو مع الأرض
وفي شراء الثمر أو الزرع بعد شراء الأرض
أو قبله وذكر الجائحة في ذلك
من كتاب ابن المواز قال: وإذا قسما ثمر الحائط بينهما بعد طيبة ثم باع أحدهما نصيبه من الأصل مع ما صار له من الثمر بالشفعة في الأصل دون الثمر، ويقضي الثمن ولو قسما الأصل بلا ثمر ثم باع حظه من الثمرة بعد الطياب أو قبله بالأصل فلا شفعة في أصل ولا ثمر، والثمر ها هنا كالبئر بعد قسم الأصل لا شفعة فيها، هذا قول أشهب، وخالفه ابن القاسم ورأى فيه الشفعة قال: ولا شفعة في الزرع الأخضر إلا أن يُباع مع الأرض فإن بيع بعد يبسه مع الأرض فالشفعة في الأرض دونه ويقضي الثمن على قيمته وقيمة الأرض كان الشفيع/ شريكاً في الزرع أو لم يكن، وكذلك بيع الأصول مع الثمرة بعد يبسها، قال في موضع آخر: ولو اشترى الأرض أولاً دون زرعها ثم اشترى الزرع أخضر فذلك جائز وفيه مع الأرض الشفعة وكأنهما معاً، ثم قال: وإن اشترى أرضاً بزرعها الأخضر فاستحق نصف الأرض والزرع وهو بعد أخضر فله الشفعة في الأرض دون الزرع، ويقضي نصف الثمن عليه وعلى نصف الأرض ثم قال بعد ذلك: ومن اشترى أرضاً بزرعها الأخضر فاستحق رجل نصف الأرض ونصف الزرع فله الشفعة في الأرض والزرع بل ليس له أن يأخذها إلا بزرعها فإن كره المشتري التماسك ببقية الصفقة لكثرة ما استحق فابن القاسم يبدأ بتخيير الشفيع فإن لم يستشفع فالخيار للمشتري في الرد أو التماسك.
***(1/121)
[11/129]
وقال أشهب: المشتري يبدأ بالتخيير فإن تماسك ففيه الشفعة، وحجة ابن القاسم أنه ليس بيع خيار بل بيع نقل وجبت فيه الشفعة، وهو كعيبٍ يرضى به الشفيع فهو المبدأ، قال ابن عبدوس: أنكر سحنون قول أشهب في الزرع وقال بقول ابن القاسم أنه لا شُفعة في الزرع قال سحنون بخلاف الرقيق والبئر والآلة تباع مع الحائط، ولأن هذا صلاح للحائط والبناء صلاح للدار والزرع لا يُقوم به الأرض والثمرة إذا بيعت مع الرقاب وقد أبر ثمرها أو أزهى فالشفعة في الجميع، إذ لو بيعت الثمرة وحدها كان فيها الشفعة وليس الشفعة فيها مع النخل لأنها/ منفعةً للنخل وهي أيضاً لها غذاء في النخل ويقع بها فكأنها منها فإذا يبست زال ذلك منها وزالت الشفعة.
قال في كتاب ابن المواز: فإذا اشترى الأرض بزرعها ولم يظهر من الأرض فهو كما لم يُؤبر من الثمر فأخذه الشفيع بالشفعة بالثمرة والنفقة فإن لم تُقسم حتى برز من الأرض حتى صار كمأبور الثمر فقال ابن القاسم هو كمبتاع نخل لم يُؤبر ثمرها ثم قال الشفيع وقد أبرت أو أزهت فيأخذها بثمرها بالثمن وبالنفقة، وقال أشهب: يأخذها دون الثمرة لأن الشفعة بيع ومأبور الثمر للبائع وليأخذ النخل أو الأرض وحدها بجميع الثمن بعد أن يوضع عنه من الثمن قيمة الطلع وقدر قيمة البذر على غرر ذلك بعد قبض الثمن على قيمة الأرض بلا بذر والبذر بلا أرض يوم الصفقة وكذلك النخل.
قال أشهب: ولو كان الشراء بعد بروزه من الأرض كانت فيه الشفعة معها وهو كالماء وآلة الحائط وعبيده أنه كانت في الصفقة ففيه الشفعة وإن بيعت الأصول وحدها فلا شفعة في هذا بعد ذلك، وكذلك الثمر، ولو بيع ذلك مع الحائط أو قبل الحائط كانت فيه الشفعة، ولم يختلفا إذا اشترى بعد بروز الزرع وإبار الثمر أن الشفعة في ذلك مع الأصل وإنما اختلفا إذا كان الشراء قبل ظهور الزرع وإبار الثمر ثم قام بعد الظهور والإبار، وهو مذكور بعد هذا مستوعباً قال: ولو اشترى أرضاً بزرعها الأخضر فاستحق رجل نصف الأرض/ دون الزرع وقد اشتراها معاً والزرع بعد الأرض فإنه يفسخ عن المبتاع نصف ثمن الزرع ***(1/122)
[11/130]
والأرض ويكون البائع شريكاً له في الزرع وحده والمستحق شريكاً له في الأرض وحدها، ثم إن أخذ نصف الأرض بالشفعة انفسخ بقية الزرع ورجع الزرع كله إلى البائع فيرجع المشتري عليه بجميع الثمن إلا ما قابل ما أخذ الشفيع من الأرض خاصة وعلى البائع الكراء في النصف المستحق من الأرض فقط، قال سحنون: تنفسخ جميع الصفقة لأنها صفقة جمعت حلالاً وحراماً لبقاء نصف الزرع الأخضر بلا أرض.
ومن المجموعة قال أشهب: لا شفعة في جريد النخل وسقفها لأنه لا يصلح بيعه قبل أوان قطعه، قال ابن المواز: إذا اشترى أصولاً فيها ثمر يعني أبرت بغير ثمرتها جاز شراؤه الثمرة قبل طيبها وكأنهما في صفقة والصفقة فيهما جميعاً وليس له أخذ أحدهما دون الآخر، وإن اشترى نصف الأصل ثم اشترى نصف الثمرة بعد طيبها فها هنا له أن يأخذ أحدهما بالشفعة كليهما(1)، فأما إن اشتراهما بعد الطياب في صفقة فلا يأخذهما إلا جميعاً قياساً على قول ابن القاسم في الجائحة أنه إذا اشتراها بعد الطياب في صفقة فلا جائحة فيها، وإن اشترى الأصل قبل ثم اشترى الثمرة ففيها الجائحة عنده، وأما إن اشترى الثمرة قبل طيابها بعد شراء الأصل أو معه فلا جائحة فيها، قال محمد في موضع آخر عن أشهب: إذا اشترى الأصل وقد أبرت الثمرة أو طابت ولم يشترك/ ففي الأصل الشفعة ولا شفعة في الثمرة بعد ذلك ولو لم يسلم الشفيع في الأصل ولا أخذ حتى باع البائع نصيبه من الثمرة من أجنبي بعد ان أزهت لم يكن فيها شفعة وله الشفعة في الأصل عند أشهب، ولو باع الثمر قبل وهوهاً أو بعد من مُشتري نصف الحائط فلشريكه الشفعة في الأصل والحائط وكأنهما في صفقة.
قال أشهب: ولو باع حائطهما وفيه ثمرة ثم باع أحدهما نصيبه منها بعد ذلك فلا شفعة لشريكه لأنه لا شركة بينهما في الأصل ولو لم يبيعا الأصل وباعا الثمرة من رجلين فباع أحدهما نصيبه من رجل من الثمرة ففيها الشفعة عند ابن ***
__________
(1) في الأصل، كلاهما.(1/123)
[11/131]
القاسم وأشهب لأنهما مقام صاحب الأصل، قال محمد: ومن اشترى ثمرة قبل زهزها ثم اشترى الرقاب بعد طيب الثمرة فالشفعة في الأصل خاصة ولا شفعة في الثمرة ويُفسخ بيعُها ولا يُرد لأنها إنما فاتته بالطياب في نخل البائع ولو جذها المبتاع يابسة أو رطبة لردها ورد المثل فيما فات منها وما لا يُعرف كيله رد قيمته يوم جذه فلو كان شراؤه الأصول قبل طيب الثمرة كان طيبها في الشجر فوتاً لأنها طابت في نخل المبتاع ويرد قيمتها يوم عقد البيع في الأصول، ويومئذ تجب فيها الشفعة بالقيمة وفي الأصول بالثمر وليس للشفيع أخذ الأصل دون الثمرة ولا الثمرة دون الأصل لأن الثمرة إنما وجبت بملك الأصل فهو كصفقة واحدة/ ولم يكن في المسألة الأولى شفعة لأنها في يد البائع طابت.
فيمن ابتاع داراً فهدمها أو انهدمت
ثم استحق رجل نصفها وقد باع النقض
وفات أو لم يفت وما يحدث في رقيق الحائط
ثم يقول الشفيع في ذلك كله
من كتاب محمد والمجموعة قال ابن القاسم قال مالك فيمن اشترى شِقصاً عن دار فهدمها أو انهدمت بأمر من الله أو غرق أو حرق فأتى الشفيع فليأخُذها مهدومة بجميع الثمن ويأخذ النقض مهدوماً أو يدع ولا شيء له على المشتري.
قال أشهب في المجموعة: وكذلك لو سكن الشقص أو أسكنه حتى أبلى المساكن وانهدمت السكنى فلا شيء عليه للشفيع وليؤد جميع الثمن.
قال في كتاب محمد: وإن تلف البعض بغير سببه لم يضمنه الهادم ولا ما نقص الهدم، وإن تلف بسببه ضمن له قيمته، قال ابن عبدوس وذكر هذه المسألة كلها عن مالكٍ وقال قال عبد الملك وإنما هذه المسألة أنه وقع البيع وغاب الشفيع وقسم السلطان للمبتاع بحقه بعد ضرب الآجال ثم لا يبطل ذلك شفعته حين وقع البيعُ وهو شيءٌ يُكره.
***(1/124)
[11/132]
قال أشهب وابن القاسم في المجموعة: لو كان أرض فغار ماء بئرها أو عينها، وقال سحنون: لا يشبه البئر والعين البنيان (لأن في البئر والعين الشفعة لو(1) بيعت وحدها) فكأنهما شيئان مختلفان لأن في واحد الشفعة منفرداً والنخل والنقض لو بيع على القلع لم تكن فيه شفعةٌ بعد أن يهدمه وإنما فيه الشفعة مع الأرض لدخوله/ في حكم الأرض.
ومن كتاب محمد قال: فإن وهب المشتري نقض الدار التي اشترى ثم استحق رجل نصفها لم يرجع به المستحق إلا على الموهوب ويصير الموهوب كالمشتري يأخذ منه النقض إن وجده بيده أو بيد مبتاعه منه أو يأخذ الثمر في حصته، وقاله ابن القاسم وأشهب في المجموعة وقالا: وكذلك إن وهبه لمن هدمه، قال في كتاب محمد: وإن أخذ باقيها بالشفعة أخذه مع النقض بجميع الثمن لا يُحط للهدم شيءٌ وما هلك بتلفٍ أو بهبة المبتاع فلا يُحط عن الشفيع لذلك من الثمن شيءٌ.
قال ابن القاسم في العتبية(2) من رواية عيسى فيمن اشترى شِقصاً من حائطٍ وفيه رقيق ودوب فليأخذه مع رقيقه ودوابه بالشفعة إذا لم يكن للحائط منهم بُد، ولو تصدق المبتاع بالرقيق ووهبهم فهو كالبيع يأخذ الحائط بحصته من الثمن فأما في الموت فإن شاء أن يأخذ الشقص بجميع الثمن أو يدع.
قال أشهب في المجموعة: ولو اشترى أشقاصاً من دورٍ من رجل فانهدم بعضها فليس للشفيع إلا أخذ المهدوم وغير المهدوم بجميع الثمن أو يترك كان قد انهدم أو هدمه المشتري.
وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وإن هدمها تعدياً فليتبعه مستحق نصفها بنصف قيمة الهدم، وإن أخذ بالشفعة أخذ بنصف جميع الثمن لا يُحط عنه للهدم شيء، وروى عن ابن القاسم أيضاً أنه يسقط عنه من نصف الثمن ما ***
__________
(1) في ع، لأن في البئر والعين الشفعة ولو بيعت وحدها.
(2) البيان والتحصيل، 12: 77.(1/125)
[11/133]
لزم الهادم كما لو باعه فيأخذ العرصة بحصتها من الثمن ينظر ما قيمتُها/ بلا بناء وما قيمة البناء مهدوماً فيُقسم الثمن على ذلك ويأخذ العرصة بحصة ذلك بشفعته ثم يتبع الهادم هو والمستحق بما لزمه لهما، وكذلك لو ترك له المبتاع ما لزمه من الهدم يُحسب للشفيع كان المتعدي ملياً أو معدماً، وذكر ابن المواز هذا القول في كتاب الغصب ثم قال محمد: وإنما ذلك إذا كان المتعدي موسراً فقدر المشتري على أخذ ما وجب له عليه وأما من لا يقدر على أخذ ذلك منه فهو بمنزلة ما هلك بأمر من السماء فلا يأخذ بالشفعة إلا بالثمن كله، فأما إن كان ملياً فللشفيع أن يحسب على المشتري قدر قيمة ذلك نقصاً يوم الشراء من قيمة العرصة ويتبع المشتري الهادم بقيمة ذلك قائماً يوم هدمه بالغاً ذلك ما بلغ(1)، وقد جعله ابن المسيب مثل بيعه للنقض لأنه قد وجب له على المتعدي شيء يرجع به، فهو بخلاف ما هلك بأمر من السماء، قال محمد: وذلك فيمن يقدر على أخذ ذلك منه فيتبعه المستحق والمشتري بما ذكرنا.
قال ابن القاسم: ولو كان قد ترك المشتري له قيمة الهدم فرجع عليه المستحق في حصته بما يجب له فيها ويسقط عنه حق المشتري في ذلك.
قال محمد: ويحسب ذلك الشفيع على المشتري لأنه كالبيع، قال محمد: وهذا إن فات عين البعض فأما إن لم يفت فهو للشفيع بشفعته ولو وجد الهادم عديماً لم يكن غاصباً له على المشتري حجة فيما وهب له من النقض.
قال أشهب في المجموعة: إذا لم يكن بائعها غاصباً ووهبها/ [وهدمها] (2) رجل بيد المبتاع ظلماً فليس للمستحق على البائع إلا الثمن الذي باع به ثم لا شيء له على الهادم ولا عليك في الشفعة ولك أيها المشتري اتباع الهادم بما نقص هدمه من دارك، وإن لم يرض المستحق بالثمن فله أن يأخذ من المبتاع نصف ما ابتاع مهدوماً ولا شيء له عليه في الهدم ويأخذ بقية الدار بالشفعة إن شاء ويتبع ***
__________
(1) في الأصل بالغ ذلك ما بلغ.
(2) ساقطة من ع.(1/126)
[11/134]
هو الهادم بما بين قيمة الدار مهدومة وقيمتها مبنية يريد بجميع الثمن في هذا القول، وإن لم يستشفع فليتبع الهادم بنصف ما بين قيمتها مهدومة وقيمتها صحيحة ويتبعه المبتاع بمثل ذلك، وفي كتاب ابن المواز عن أشهب نحوه وقال: هو أحب إلي من قول ابن القاسم وأنكر سحنون قول ابن القاسم إذ جعله كالبيع وقال بقول أشهب هذا.
قال ابن المواز: وذلك إن كان الهادم معدماً.
ومن كتاب ابن المواز: وإن هدم المبتاع نقض دار ابتاع جميعها ثم باعه أو باعه لمن هدمه ثم استحق نصفها فللمستحق أخذ نصف الدار ونصف النقض باستحقاقه، فإن استشفع أخذ أيضاً نصفها ونصف النقض وينقض بيعه فيه ويرد به الثمن إلى مبتاعه وليس للشفيع أخذ ثمنه مع نصف العرصة بشفعته كان الثمن عيناً أو عرضاً.
قال ابن عبدوس عن ابن القاسم بإثر هذه المسألة إذا كان النقض لم يفت فللشفيع أخذ ثمن النقض الذي باع به من المشتري من القاعة ويعطيه الثمن/ وأنكر سحنون هذا الموضع من المسألة في أخذه لثمن النقض. قال هو ومحمد بن المواز عن أشهب: أنه في الذي أخذ بالشفعة يأخذ ثمن ما بيع من النقض ما بلغ ويقاصص المبتاع في الثمن، قال في كتاب ابن المواز مثل أن يُباع النقض بخمسين ومائة وكان شراؤه لجميع الدار بمائة فليأخذ نصف هذا النقض بخمسين ومائة وكان شراؤه لجميع الدار بمائة فليأخذ نصف هذا النقض بخمسين ومائة وكان شراؤه [لجميع الدار بمائة فليأخذ نصف هذا] الثمن مع نصف القاعة باستحقاقه حين لم يجد النقض ثم يأخذ النصف الباقي بخمسين ويكون له الخمس والسبعون ديناراً من ثمن النقض فيتقاصان في خمسين ويأخذ خمسة وعشرين.
وأنكر هذا سحنون وابن المواز، قال ابن المواز: وهو وهم ولم يقله أحد من الناس، قالا: وقد أجمعوا أن من ابتاع شِقصاً له فيه شفيع ثم باعه قبل أن يأخذه الشفيع ثم قال الشفيع أنا أجيز البيع وآخذ الثمن وأدفع إلى المبتاع ما اشترى به لم يكن له ذلك.
***(1/127)
[11/135]
قال سحنون: وهو خلاف الاستحقاق، لأن المستحق إنما يبيع ملكه والشفيع إنما يبيع ملك غيره فصار يجيز البيع في مِلك المستحق غيره، قال محمد: وصار يربح فيما لم يضمن.
وفي كتاب الاستحقاق زيادة في هذا المعنى من كتاب الغصب لابن المواز.
قال ابن المواز: ومن ابتاع شِقصاً من حائط بحصته من رقيقه ودوابه وآلته ثم باع المبتاع حصته من الرقيق والدواب والآلة/ ثم قام الشفيع وذلك كله قائمٌ فليس له تسليم بيعه للرقيق والآلة وأخذ النصف من الحائط خاصة بشفعته بحصته ذلك، فإن رضي به المبتاع فليأخذ الجميع إن لم يفت ولأنه لا يعرف حصة الشقص إلا بالقيمة فيصير إيجاب بيعٍ بثمن مجهول وكذلك نقض الشقص ليس له أخذ العرصة بحصتها إلا بعد فوات أعيان هذه الأشياء، ولو هدمه المبتاع ولم يبعه هو ورضي الشفيع بأخذ العرصة بحصتها قبل فوت النقض لم يجز إلا بعد المعرفة بما يقع لذلك من الثمن ثم لا شفعة بعد ذلك في النقض، ولو قال الشفيع لما باع مبتاع الشقص النقض بأقل من ثمنه أنا أسلم بيعه للنقض وآخذه من مبتاعه بالشفعة فليس له ذلك لأنه إذا أسلم بيع النقض صار شريكاً لمبتاع النقض في نقض لا في عرصة فلا شفعة في نقض مفرد.
ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإذا باع النقض ففات عند مبتاعه فأما حصة المستحق منه فليس إلا ثمنه الذي بيع به إن تمسك بشقصه وإن استشفع فض الثمن على ما باع وعلى ما بقي يوم وقعت الصفقة ولا يُنظر إلى الثمن الذي باع به فإن كان قيمة الشقص المبيع يوم الصفقة الثلثين فما بقي من الدار بثلث الثمن فيدفع نصف الثلث ويأخذ نصف العرصة بالشفعة ويكون له نصف ثمن النقض باستحقاقه. قال غيره عن مالك: لا يأخذ الشفيع بالشفعة إلا ما أدرك قائماً تُقوم البقعة بغير نقضٍ ويُقوم النقض فتوضع قيمة النقض/ من الثمن.
***(1/128)
[11/136]
قال أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية(1) فيمن باع داراً بعشرة فباع المشتري باب الدار بعشرة ثم جاء الشفيع قال: يُقوم البابُ وتُقوم الدار ويفض الثمن عليهما فيأخذ الدار بالشفعة بما يقع لها ولا شيء له في الباب لأنه قد فات بالبيع يريد وقد فاتت عينُه.
ومن كتاب ابن المواز: وما بيع من النقض ففات عند مبتاعه فليس على بائعه المستحق غير الثمن.
وإن أخذ نصف العرصة بالثمن بالشفعة بحصتها من الثمن لفوت النقض يُنظر إلى قيمة النقض ملغىً يوم الصفقة وكل قيمة العرصة فما قابل النقض من الثمن سقط عن الشفيع إلا أن يكون ما أخذ فيه من الثمن أقل من ذلك فإنما يسقط عنه ما قابل الأقل مثل المبتاع يقول لو حابيت في ثمنه أو وهبته لم يلزمني إلا ما طرأ لي من ثمنه واتبع أنت المبتاع بالمحاباة هذا في النصف المأخوذ بالشفعة، وأما في النصف المستحق فله ثمن النقض على بائعه قل أو كثر فيرجع المبتاع على بائعه بحصة ما استحق من يده ويتبع المستحق بحصته من النقض قائمة ببيعٍ أو هبةٍ إلا ان يتلف أيضاً في يديه بغير سببه فلا يتبع فيه شيءٍ هذا ولا غيره.
قال ابن عبدوس وقال عبد الملك: إذا أخذ الشفيع بالشفعة فله أن يُضمن مشتري الشقص قيمة النقض.
قال سحنون: كيف يُضمن قيمة ما لم يتعد فيه وإنما هو مِلكه؟ ألا ترى أن من وقعت له في المغنم أمةٌ فأولدها ثم أتى ربها أنه لا يُضمنُه/ قيمتها
قال ابن عبدوس وقال غيره: ومن ابتاع نصيب رجل من ثمرة فلم يأت الشفيعُ حتى ماتت فلا شفعة له فيها ولو باع منها شيئاً يسيراً بخمسة دراهم ونحوها ثم جاء الشفيع فهو أحق بما أدرك منها.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 100.(1/129)
[11/137]
فيمن ابتاع داراً أو أرضاً فيُعمرُ فيها
ويُنفقُ أو يغرس ويزرع ثم يأتي الشفيع
ومن المجموعة وكتاب محمد قال مالك في مبتاع الأرض يغرسها أو يبنيها(1) ثم يأتي الشفيع فلا شفعة له إلا أن يعطيه قيمة ما عَمرَ.
قال عنه أشهب: ولا يعطي ما أنفق وهو يخرب ما بنى أو يهدم فإنما له قيمة ما بنى يوم يؤخذ منه بالشفعة.
قال أشهب وقال بعض الناس إن للغارس ما أنفق، وليس بصواب، وقد ينفق في غِراسٍ وحفر عيون وآبار ألف دينار فلا ينبت من الشجر ولا يخرج من العيون إلا ما يساوي أقل من ذلك.
قال محمد وقال نحوه ابن القاسم وعبد الملك، وهو قول الليث.
قال أشهب في المجموعة ومن ابتاع أرضاً فبناها ثم استحق نصفها فأبى أن يدفع نصف قيمة العمارة فيما استحق فأعطاه المبتاع نصف قيمة الأرض فأخذه فلا شفعة له في بقية الدار لأنه لم يأخذ بالشفعة حتى أخذ قيمة شِقصه، ومن أهل العلم من يرى له في ذلك الشفعة وإن خرج من يده الذي وجبت له به الشفعة، ولستُ أراه، وقد اختلف قول مالك فيه قال أشهب: فإن أبى المبتاع أن يدفع إليه نصف قيمة/ الأرض براحاً [كانا شريكين بقيمة البناء قائماً من قيمة الأرض براحاً، فإن كان الأرض براحاً كانا شريكين بقيمة البناء قائماً من قيمة الأرض براحاً] (2) فإن كان ذلك نصفاً ونصفاً فذلك النصف بينهما نصفين ولا شفعة له في النصف الآخر إلا بنصفه.
قال في كتاب الغصب لابن المواز: ويكون له الشفعة في النصف بما أحدث فيه من البناء فيكون له نصفه أيضاً بربع ثمن الدار وربع قيمة البناء بعد أن يحسب على المشتري ربع قيمة النقض الذي هدم منقوضاً.
***
__________
(1) في ع، يعمرها بغرس أو بناء.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع.(1/130)
[11/138]
قال ابن حبيب عن أصبغ: ولو حفر في الدار بئراً فلم يخرج الماءُ فشرب شرباً فلم يجد الماء لم يكن على الشفيع في ذلك شيءٌ فإنما عليه فيما هو في الدار زيادة.
قال ابن عبدوس وابن المواز قال أشهب عن مالك: وإن غرس في الأرض نخلاً فأثمرت فليأخذها بالثمن وبقيمة النخل قائمة بتمرها إن كان فيها تمرٌ أبرت أو لم تُؤبر فأزهت قال في كتاب محمد ما لم تيبس أو تجذ، محمد في نصفه المستحق وفي النصف المستشفع به، وروى مثله ابن القاسم قال: وإن شاء تركها وأخذ نصف قيمة أرضه بفوتها بالغراس أو بأخذ الثمن من البائع.
قال في كتاب ابن المواز وذكره ابن عبدوس عن أشهب وعبد الملك فيمن ابتاع نخلاً فقلعها أو داراً فهدمها ثم استحدث فيها بناءً أو غراساً قال عبد الملك: فعلى الشفيع أن يقضيه ما زاد بالغرس والبناء في الشفعة لا ما زاد فيما غرس وبنى على ما كان قطع وهدم/(1) [إذ يصير له ضامناً قال محمد لا يأخذ ما استحق حتى يدفع قيمة بنيانه فإنما يريد يوم قيامه.
قال أشهب وعبد الملك فإن كان من هذا النقض الذي هدم مطروحاً من قيمة العرصة من الثمن يوم الصفقة قال محمد وإن بناها بنقضها فلا يأخذ ما استحق منها حتى يدفع قيمة بنائه قائماً كما لو بنى بغير نقضه ثم يكون له نصف قيمة بعضها ملغى ما سلم منه لأن المبتاع لم يكن له ضامناً ولا تعدى في هدمه. فإن أخذ باقيها بالشفعة فذلك له بعد أن يرد قيمة البناء قائماً أو الثمن.
قال في كتاب الغصب ويكون له قيمة البناء الأول منقوضاً فإن باعها الهادم مهدومة فللمستحق نصف العرصة ونصف النقض وإن بنى أخذ ما في العرصة والنقض وإن لم يأخذ ما استحق وبنى حظه من الثمن مما بعد فذلك له ولا شفعة له وكذلك إن أخذ قيمة نصف العرصة من المشتري الذي بنى لفوتها بالبناء بعد الهدم ويأخذ نقضها وإن كانت قيمته منقوضاً ثم يرجع المبتاع بنصف الثمن على ***
__________
(1) ما بين المعقوفة هاته وبين التي تليها نقلناه من ع نظراً لكونه لم يتضح في صورة الأصل.(1/131)
[11/139]
بائعه وإن أخذ نصف العرصة وأدى نصف قيمة البناء قائماً وطلب بقيمة نصف النقض منقوضاً كان له الشفعة على ما ذكرنا.
قال أشهب فإن أخذ بالشفعة فقبل يؤدي في النصف الثاني الذي استشفع فيه البناء قائماً يوم استشفع وقبل قيمة ما أنفق ويؤدي نصف الثمن ويسقط عنه منه نصف قيمتها كان فيها من البناء منقوضاً يقاص به في الثمن. قال أبو محمد المعنى فيه والله أهلم إذا هدمها المبتاع ثم بناها] / ثم استحق رجل نصفها فإن دفع المستحق إليه نصف قيمة البناء قائماً يوم قيامه كان له نصفها باستحقاقه وله على الهادم نصف قيمة نقضه الذي هدم أو ما سلم منه قيمته يوم أفاته بالبناء فإن أبى المستحق أن يقضيه قيمة نصف البناء قائماً فله الرجوع على الغاصب بالثمن أو بالقيمة يوم الغصب إلا أن يقيم على طلب عين شبه من المشتري فيقال للمشتري اعطه نصف قيمة الأرض فإن أبى(1) كانا شريكين في نصفها بقيمة الأرض من قيمة البناء يوم القسم ويغرم المشتري للمستحق نصف قيمة النقض الذي هدم مهدوماً يوم أفاته أو ما سلم منه.
فهذا القول في النصف المستحق ثم إن أخذ النصف الآخر بالشفعة قيل له رُد ما في ذلك النصف من قيمة البناء قائماً اليوم وخُذ العرصة بما ينوبها من التي [يوم الصفقة بقيمتها من قيمة النقض من الثمن،](2) وأما إن أبى فيما استحق أن يؤدي قيمة البناء وأبى هذا الذي بنى أن يعطيه نصف قيمة أرضه ونصف قيمة النقض منقوضاً يوم أفاته فإنهما يكونان شريكين في نصف الدار، هذا بقيمة أرضه وهذا بقيمة بنيانه ويغرم الذي بنى للذي استحق نصف قيمة النقض نقضاً يوم أفاته، ثم إن كانت شركتهما في نصف الدار بما ذكرنا نصفين لتساوي قيمة الأرض وقيمة البناء ثم طلب الشفعة في النصف الآخر فله ذلك في نصف ذلك النصف ويصير الدار بينهما فيُنظر إلى قيمة نصف الأرض من قيمة/ ***
__________
(1) في الأصل، فإن أبيا.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع.(1/132)
[11/140]
النقض منقوضاً يوم الصفقة لأنه لا يضمن فيه الحوادث بما وقع للأرض من الثمن وداره(1) مع قيمة ربع بناء الدار قائماً يوم الحكم.
وقال في كتاب محمد يغرم نصفاً من ذلك النصف المستشفع فيه ونصف قيمة بنائه(2) المستحدث قائماً بعين يوم الحكم فيرجع على المشتري بنصف قيمة النقض منقوضاً من قيمة العرصة يعني من الثمن يوم الصفقة إن كان النقض قد انتفع به ولم يهلك بأمر من الله [تعالى] (3) هكذا يريد محمد والذي ذكرتُ أولاً وهذا، في المعنى سواءٌ، وقال عبد الملك في المجموعة: معنى المسألة فيمن اشترى شِقصاً فهدمه ثم بناه إنما ذلك أن يغيب الشفيع ثم قسم السلطان للمشتري حقه فهدم وبنى في شِقصه بعد القسم فأما لو هدم قبل القسم فإنه ضامن لحصة شريكه ولا يضمن ما سواه قال غيره فإن بنى نصف البقعة وهي مشاع ثم قام شفيع فإن العمارة تقوم مطروحة نقضاً فإن شاء الشفيع أخذ ذلك بقيمته منقوضاً وإلا تركه وأمر الثاني بنقضه.
وقال في كتاب ابن المواز: وإذا اشترى أرضاً بزرعها ثم استحق نصفها وقد ظهر الزرع من الأرض فلا شيء له من الزرع فيما استحق واستشفع وله حصة كراء ما استحق في إبان الزراعة وإن لم يخرج من الأرض فهو للآخذ بالشفعة، وقال أشهب في المجموعة قال: وإن أخذه بالنفقة ولم يظهر الزرع فليأخذ بثمن الشقص [وبقيمة الزرع على الرجاء والخوف وكأنه قاربها في السر الآن ولو قال قائل يأخذها] (4)/ بالثمن وبما أنفق لم أعبه بل هو أقيس وأنا أستحسن الأول، قال محمد: بل يأخذها بالثمن وبقيمة ما أنفق في البذر والعلاج إذا لم يظهر من الأرض.
***
__________
(1) في ع، أداه.
(2) في ع، ونصف قيمة بناء الدار.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) ما بين معقوفتين نقلناه من ع لأنه غير واضح في صورة الأصل.(1/133)
[11/141]
قال أشهب: ولو ظهر من الأرض لم تكن فيه شفعة. قال ابن عبدوس قال سحنون: هذا مختلف لطلع النخل لأن من زرع أيضاً ثم استحقت قبل ظهوره فالزرع لزارعه، وابن القاسم يرى الأخذ بالشفعة كالاستحقاق لأنه بعض الثمرة وإن أبرت للشفيع كالاستحقاق فإذا أخذ الأرض بالشفعة فلا شيء له في البذر كالمستحق، وأشهب يرى الأخذ بالشفعة كالبيع فيرى البذر للشفيع لأنه لا يستثنى في البيع.
فيمن اشترى نخلاً ثم استحق نصفها
أو استشفع وفي النخل ثمرٌ
يوم الشرى أو يوم القيام أو لا ثمر فيها
من المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: ومن اشترى ودياً صغاراً ثم قام شفيع وقد صارت بواسق(1) فله الشفعة بالثمن يريد كان غائباً.
قال ابن القاسم: وله الثمرة إن لم تيبس وعليه قيمة السقي والعلاج وإن استغلها سنين فإنما على الشفيع السقي في السنة التي قدم فيها إن لم تيبس وجبت له بشفعته، قال عبد الملك في الكتابين وقاله سحنون: ليس عليه غُرمُ شيءٍ إلا الثمن لأن المنفق أنفق على مال نفسه ولا يرجع بشيء مما أنفق ما ليس بقائم في النخل وقد يُنفق أضعاف الثمرة ولو كان ذلك عليه للزمه وإن تغير الغرسُ/ أو عطب.
قال أشهب في الكتابين: ولمن اشترى نخلاً لا ثمر فيها فسقى ةعالج حتى أثمرت والنخل لم تُؤبر ثم أتى الشفيع فليأخذ بالثمن وبقيمة الثمرة على الرجاء والخوف ولو قال قائل له قيمة ما أنفق لم ار له بأساً.
قال ابن المواز: إنما يأخذها بقيمة ما أنفق.
***
__________
(1) جاءت في الأصل منونة ولا مبرر لذلك.(1/134)
[11/142]
قال ابن عبدوس قال عبد الملك وسحنون: لا شيء على السقي والعلاج.
قال ابن المواز: وإن ابتاعها وفيها طلع لم يُؤبر فجذها المبتاعُ قبل أن تُؤبر فللبائع أن يحسب ذلك على المشتري إذا رجع عليه بثمن ما ستحق من يده، وكذلك إن أخذ منه النصف الآخر بالشفعة، فأما إن أخذها المبتاع بعد أن أبرت عنده وهي بلح أو زهو فهي له عله لا يُحاسب بها في الاستحقاق ولا في الشفعة ولا في الرجوع بالثمن على البائع.
محمد ابن المواز: ومن اشترى نخلاً لا ثمر فيها أو فيها ثمر لم يُؤبر ثم استحق رجل نصف النخل واستشفع منه النصف المستحق بثمرته أبرت أو لم تُؤبر أزهت أو لم تزه ويغرمُ له نصف ما أنفق وسقى من يوم الشراء فإن فاتت الثمرة بجذاذ أو يُبس فلا شيء له فيها وهي للمبتاع وكالذي يحدث عنده من الغلة فلا شيء له من سقي وعلاج ويرجع على البائع بنصف الثمن ولو كانت يوم الشراء مأبورة أو مُزهية كان نصف الثمرة للمستحق كيف كانت يبست أو جذها أو باعها أو أكلها ويغرم المكيلة إن عرفها وإلا فالقيمة وفي البيع يغرم نصف الثمن إن فاتت، وإن كانت بيد مبتاعها فهو مُخير في أخذها.../ أو إبقاء بيعها وأخذ الثمن وإن تلفت عند المبتاع فليس له إلا الثمن وإن أكلها رد المكيلة فإن لم يعرف فالقيمة، وإن باعها المبتاع فله أي الثمنين شاء ما باعها به الأول أو الثاني، وإن أكلها الثاني فله أن يُغرمه قيمتها وإن شاء أخذ الثمن من البائع الثاني، فإن أخذ مشتريها قيمتها وأخذ ثمناً رجع الغارم على بائعها منه بثمن هذا الذي استحق ويرجع مبتاعها على المستحق بالنفقة والعلاج في النصف، وإن جاوزت النفقة الثمن والقيمة فإما ودى ذلك وإلا أخذ الثمن من بائع الرقاب، وقاله ابن القاسم.
قالا وهو مصدق فيما أنفق ما لم يتبين كذبه وله أخذ النصف الآخر بالشفعة بنصف الثمن كاملاً بعد دفع النفقة ما لم تيبس أو تُجَذ [فإن يبست أو جُذتْ فله أخذ الأصول بالشفعة دون الثمرة في قول ابن القاسم بعد أن نقص الثمن على قيمة الأصول وقيمة الثمرة يوم الصفقة إذا كانت يوم الصفقة مأبورة كما ***(1/135)
[11/143]
ذكرنا، قال ابن المواز] (1) وسحنون قال أشهب: يأخذ الثمرة في الشفعة فإن يبست أو جُذت أو القيمة في أكلها أو الثمن في بيعها كما قال في النصف المستحق إذا كانت مأبورة ويغرم النفقة التي بها حُسبت الثمرة وإن جاوزت الثمن أو القيمة.
قال محمد: وأما ابن القاسم فمرة قال إنما له الثمرة ما لم تيبس أو تُجذ، جُذت/ وهي صغيرة أو كبيرة فلا يأخذها ويحط عن الشفيع حصتها من نصف الثمن، ورواه عن مالك، وقال مرة: يأخذها في الشفعة إن يبست أو جُذت ويأخذ مثلها إن فاتت وعرف مكيلها وإن لم يعرف أو كان جذها وهي صغيرة لم تطب فلا يُؤخذ فيها ثمن ولا قيمة، ويُفض الثمن عليها وعلى الأصول. ورواه أيضاً عن مالك إذا كانت يوم الشراء مأبورة أو مُزهية وقد اشترطها ولم تكن يبست يومئذٍ، وقالا قال عبد الملك: يأخذها ما لم تُجذ، قال عنه ابن المواز: أو تيبس قالا عنه: فلا يأخذها، قال عنه محمد ويقضي الثمن، قالا عنه: ولا نفقة عليه للسقي والعلاج إن أخذها ولم تُجذ. وقال سحنون لا نفقة له.
قال ابن عبدوس: ورأيتُ سحنوناً، يذهب إلى أن الثمرة لغو(2) وتبعٌ لا حق لها من الثمن كما إذا اشتراها مأبورة فقلت له فهي هبة إذاً فسكت قال ابن عبدوس بل لها حصة من الثمن ولكنها تبع وقد اختلف فيها قول سحنون.
قال سحنون وقال ابن القاسم في العيوب إذا رُد النخل بعيب والثمرة مأبورة وقت البيع أنه يرد الثمرة وإن جذها ولأنها لا حصة لها من الثمن، وقال في الشفعة: إن جذها أخذ الأصول بحصتها من الثمن وهو اختلاف من قوله قال وقال ابن الماجشون ما اشتريت ما فيه ثمره وهي تبع بغير اسم فلم يقم الشفيع حتى زايله ثمره فلا يحسب ولا ينظر فيه. وكذلك يقول في الثمرة المأبورة أنها تباع ***
__________
(1) ما بين معقوفتين كتب في الأصل مكرراً وبسبب الاستغناء عن المكرر لم نتمكن من تحديد ابتداء اللوحة العشرين من الصورة.
(2) كلمة لغو ساقطة من ع.(1/136)
[11/144]
مع النخل/ بالطعام إلى أجل إذ لا حصة لها من الثمن والذي ذكر عنه سحنون من هذا خلاف ما حكى عنه ابن المواز، قال ابن عبدوس: ويفترق عندي في الرد بالعيب من الأخذ بالشفعة، لأن الرد بالعيب نقض بيع في الأصول فإن حسبت للثمرة حصة صارت مبيعةً بلا أصل، وفي الشفعة البيع الأول ثابت والشفعة بيعٌ مؤتنف فحسُن أن تسقط الثمرة بحصتها.
قال ابن القاسم في الكتابين: وإن ابتاعها غير مأبورة أو لا ثمرة فيها فأبرت عنده فليأخذها الشفيع ويغرم النفقة ما لم تيبس أو تُجذ فتكون غلة.
قال ابن القاسم: ولا حصة لها من الثمن إن كانت طلعاً(1)، قال محمد: وهو أحب إلينا لأنه شريك في الثمرة فهو فيها شفيع ويغرم ما سقى وعالج، وعلى هذا أكثر أصحاب مالك محمد وقال أشهب: يأخذ الأصول دون الثمرة لأن الشفعة بيع ومأبور الثمر للبائع، قال: فإن قال الشفيع فأنا أشترطها للحديث(2) إلا أن يشترطها المبتاع قيل له إنما ذلك بطوع البائع، قال أشهب: وكذلك لو اشترى أرضاً بزرعها المتغيب(3) فهو كما لم يُؤبر فإن برز فهو مثل ما أبر فيأخذ الأرض دون الزرع الباذر بجميع الثمن بعد أن يوضع عنه قيمة البذر وقيمة الطلع يوم الصفقة على غرره من قيمة الأصل أو الأرض، قال أشهب: ولو اشتراها بعد ظهور الزرع فللشفيع الشفعة في الزرع وإن يبس كالثمرة، وذكر ابن عبدوس عن عبد الملك مثل/ قول أشهب إذا أبرت الثمرة عنده بعد الشراء، وقال: اتفق ابن القاسم وأشهب في النصف المستحق له يأخذ ثمرته، فإن أبرت عند مبتاعها، ويدفع قيمة السقي والفلاح ما لم تيبس أو تُجذ.
قال أشهب: ومن ابتاع حائطاً فيه ثمرة مزهية ثم قام شفيع فليأخذ الأصول وتبقى الثمرة للبائع الأول، قال في كتاب ابن المواز: ومن اشترى نخلاً فأبرت ***
__________
(1) الطلع: ما يبدو من تمرة النخل في أول ظهورها.
(2) في ع، للجديد.
(3) في ع، يزرعها البذر المغيب.(1/137)
[11/145]
عنده ثم قام عليه الغرماء والشفيع ورضي الغرماء بدفع الثمن إلى البائع فالشفع أحق بها بالثمن والبائع أحق بالثمن الذي يدفعه المستحق إلى المبتاع يريد إذا لم يدفعه الغرماء.
قال محمد: وأحب إليَّ في الثمرة أن تكون للشفيع بعد دفعه للنفقة مع الثمن فيكون الثمن لبائع الثمرة(1) والنفقة للغرماء.
[وقال أشهب: الثمرة للغرماء] (2) ولا شفعة في هذه الثمرة إذا أبرت عند المبتاع.
ما جاء في الشفعة في الكراء والمساقاة
قال ابن المواز: واختلف قول مالك في الشفعة في الكراء، فروى عنه ابن القاسم وابن وهب فيمن اكترى نصف دار لرجل ونصفها لآخر قال: ما علمتُ في هذا شفعةً، وقاله المغيرة وعبد الملك، وروى عنه ابن القاسم أيضاً في شريكين اكتريا(3) أيضاً ثم أكرى أحدهما حصته أن شريكه أولى بها وقال أشهب: في جميع ذلك الشفعة وبلغني ذلك عن مالك وهو أحب إلي لأنه/ مما يخرج إلى القسمة التي معها تضييق الواسع وتغيير البناء ولمثل هذا وجبت الشفعة في البيع. قال أشهب: قال أحب أن يُسلم الشريكُ شفعته ويقاسمه السكنى فذلك له وإن طلب قسمة الدراهم مع شريك الأصل فذلك له. فإن وقع في نصيب المكري على غير استواء فالمكري مخيرٌ في التمسك والرد وذلك إذا وقع له أقل من النصف في الانتفاع لا في القيمة وإن لم يقع له أقل فلا حجة له. قال ابن حبيب: اختلف قول مالكٍ في الشفعة في الكراء فأخذ ابن الماجشون وابن عبد الحكم بقوله أن لا شفعة فيه، وأخذ مطرف وابن القاسم وأصبغ بقوله أن فيه الشفعة، وبه يأخذ وذلك في كراء الدور والمزارع سواء.
***
__________
(1) في ع، فيكون الثمن لبائع النخل.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(3) في الأصل، أكريا.(1/138)
[11/146]
قال ابن المواز قال أشهب: في مكتريين أكرى أحدهما نصيبه فلصاحبه الشفعة وعهدته على المكتري من صاحبه ثم عهدتهما على رب الدار، ولو أكرى أحد المكتريين نصيبه من رب الدار أو من مكترى منه أقاله من مصابته فلشريكه الشفعة على رب الدار المستقيل، قال محمد: بل يُؤخذ من المكتري الذي أقال كالإقامة في الشراء، وإذا أكرى رجلان دارهما أو ساقيا نخلهما من رجلين وأكرى أحدهما نصيبه أو كلاهما الأرض أو الدار أو ساقى أحدهما(1) النخل من سواهما فليس لصاحبي الأصل شفعةٌ في كراء ولا سقاء ولا لأحدهما كان مقسوماً أو شائعاً، ولو أن أحد المكتريين أو المساقيين/ ساقى أو اكترى فلشريكه الشفعة في ذلك، وليس صاحبا الأصل أحق من الشريك في الكراء، فإن سلم شفعته صاحب الأصل بالمساقاة لشركهما في الثمرة ولا شركة لهما في الكراء، ولو أن نخلاً بين شريكين ساقى أحدُهما حصته فقال أشهب: لا شفعة في ذلك لشريكه محمد: وأظن ابن القاسم يرى في ذلك الشفعة، كذلك رأيتُه في كتابي ولا أدري ممن سمعته.
قال: ولو ساقى أو أكرى أحد صاحبي الأصل فلشريكه الشفعة في الكراء والمساقاة، فإن سلم ذلك للمساقي ثم ساقى المساقي غيره فلصاحب الأصل الشفعة، ولو كان الأصل لواحد فأكرى النصف مشاعاً أو ساقى النصف مشاعاً ثم أكرى المكتري غيره وساقى المساقي غيره فلرب الأصل الشفعة، ولو أكراه شيئاً بعينه منها أو ساقاه كذلك فلا شفعة لرب الأصل فيما أكرى وله الشفعة فيما ساقاه لشريكهما في الثمرة، ولو أكرى من رجلين نصف أرضه أو ساقاهما نصف نخله فساقى أحدهما رجلاً فشريكه أولى بالشفعة من صاحب الأصل، فإن سلم فذلك لصاحب الأصل كما لو باعها ذلك فباع أحدهما فشريكه المبتاع معه أشفع فإن سلم فصاحب الأصل الشريك لهما شفيعٌ في ذلك.
***
__________
(1) في الأصل، ساقى أحد.(1/139)
[11/147]
قال أبو محمد: هذا على قول أشهب الذي يرى المشتري في صفقته أحدهما أشفع من الشريك الأقدم/
في أحد الشريكين في الدار يبيع شيئاً بعينه منها
أو يبيع أحد دارين لهما ثم قام شريكه بالشفعة
ومن العتبية(1) والمجموعة قال ابن القاسم قال مالك: وإذا ورث أخوان دارين فباع أحدهما أحد الدارين فقام أخوه في ذلك فله رد نصفه منها وأخذ النصف الآخر بالشفعة ولا يلزمه البيع في حصته منها إلا أن يشاء وليس لشريكه أن يقول قاسمني فإن دفع لي ما بعتُ نفذ بيعي وإلا بطل.
قال مالك في كتاب ابن المواز في الدار بين رجلين يبيع أحدهما طائفةً منها بعينها قدر نصفها بغير إذن شريكه فإن شاء شريكه جعل ذلك قسماً وأمضى ذلك ثم لا شفعة له في المبيع وليس له أن يقول له قاسمني فإن دفع ما بعتَ في نصيبك مضى، هذا في قول ابن القاسم، قال: فإن شاء أخذ نصف المبيع بالاستحقاق ونصفه بالشفعة بنصف الثمن ثم اقتسما بقية الدار فيرجع المبتاع على البائع بنصف الثمن، وإن شاء فسخ بيع الشريك كله وقاسم شريكه الدار وإن شار أجاز البيع وقاسم شريكه الثمن، وإن شاء لم يجز بيع حصته وسلم الشفعة وقاسم شريكه بقية الدار ويكون المبتاع مخيراً في التماسك بما بقي له أو يرده فترجع الدار بين الشريكين كما كانت، ثم ذكر محمد بعد ذلك في هذا قول أشهب وذكره ابن عبدوس عن سحنون أنه إن لم يُجز البيع في نصيبه وإلا أجاز بيع نصيب شريكه وإلا أخذ بالشفعة فليس له فسخُ/ الشراء حتى يقاسم شريكه البائع الدار نصفين فإن دفع ما باع البائع في سهمه نفذ فيه البيع وإن لم يقع في سهمه انتقض بيعُه وبه قال سحنون في كتاب ابنه وكتب به إلى شجرة بن عيسى وكذلك قال أشهب في بيع أحدهما بيتاً من الدار او حصته من بيت يريد ***
__________
(1) البيان والتحصيب، 12: 57.(1/140)
[11/148]
مفرزاً فإن لم يأخذ بالشفعة ولا أجاز بيع حقه ولا سلم بيع نصف شريكه مما باع فلا يفسخ ذلك حتى يقاسم شريكه الدار.
قال أشهب في الكتابين: ولو كان إنما باع نصيبه من عرصة الدار فله إذا أبى مما ذكرنا الفسخ قبل المقاسمة في العرصة لأن العرصة لا تُقسمُ إلا بتراضي الشركاء، وأما بيعُه لنصيبه من بئر الأرض أو عينها فليس للآخر فسخُه إنما له الأخذَ بالشفعة أو بتسليمه لمشتريه.
قال في كتاب ابن المواز: بيع من باع مصابته من ذلك جائزٌ وليس لشريكه الأخذ بالشفعة أو الترك قال: وأما إن باع أحدهما شرب يوم أو أقل فلصاحبه فيه الشفعة، وإن شاء أجاز البيع، وإن شاء رد بيعه إذا كانت الأرض تحتاج البئر، لأنه ليس في يومين وثلاثة ما يقسمون فيه الأرض فينفي في ذلك شرب من ماء هذا خاصة وأما فحل النخل يبيع أحدهما مصابته منه قبل القسم فهو كالمنزل في الدار إن تم البيع وإلا أخذ بالشفعة لم يكن له فسخ البيع حتى يقاسمه لأن فحل النخل يُقسم معها فقد يقع في قسم أحدهما.
قال أشهب في الكتابين: وإن أكرى أحدهما منزلاً/ بعينه من دار بينهما ثلاثة أيام فلشريكه فيه الشفعة ولا يُرد الكراءُ لقربه ولا ضرر فيه ولو كان سنة كان لشريكه إن شاء أخذ بالشفعة وإن شاء ترك وإن شاء قال أقاسمك، فإن صار الثلث في حظك جاز كراؤك وإلا نقضته.
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: في الأرض بين الشركاء يبيع أحدهم منها شيئاً بعينه وفي شركائه حاضر وغائب وصغير والمبتاع يظن أنه باعه حقه وحده فلم يُحدث فيها شيئاً حتى قام الحاضر وقدم الغائب وكبر الصغير فإن قام الحاضر بحدثان البيع قبل انقطاع حجتهم بطول حيازتها فهم أجمعون سواء يجيزون إن شاؤوا أجازوا وأخذوا أنصابهم من الثمن وإن شاؤوا أخذوا عوضها فيما بقي من الأرض المشتركة وجعلوا حظ الشريك فيما باع واستشفعوا ما بقي، قالا: وإن بنى المبتاع العرصة أو طالت حيازته بمحضر الشركاء الحضور فلا قيام لهم ***(1/141)
[11/149]
على المبتاع ويرجع حكمهم مع البائه، فإن اعترف أن حقوقهم في البيع فإن شاؤوا أخذوا نصيبهم من الثمن أو يأخذون العوض مما بقي من الأرض، وإن قال: ما بعتُ ذلك من الأرض حتى صار ذلك لكم حَلَفَ على ذلك وانقطع حقه عنه في الثمن والعوض فكانوا على حظهم مما بقي من الأرض، وأما الغيبُ والصغار فهم مخيرون في الثلاثة أوجهٍ المذكورة أولاً فإن شاؤوا أخذوا حظهم وقد فات بالبناء فذلك لهم إذا ودوا قيمة ما بحظهم من البنيان قيمته قائماً لبنيانه على شبهة وإن شاؤوا/ أخذوا ما بقي بالشفعة من حظ البائع وحظ الحضور الذين انقطعت حجتهم فذلك لهم ويؤدون ما زاد بهاؤه في عرصتهم تقوّم العرصة مبنية اليوم فيُنظر ما زاد البنيان على ثمنها الذي به ابتيعت فيدفعون ذلك إلى المبتاع ويستشفعون بالثمن. وقاله أصبغ.
ومن العتبية(1) روى يحيى بن يحيى [عن ابن القاسم]: فيمن اشترى فداناً من أرض مشتركة أو بفعةً لرجل فيها شركٌ وذلك بحضرة الشريك وعلمه فيبني أو يعرش فيريد الذي لم يبع أخذ حصته وما فيها بالشفعة فليس في هذا شفعةً. ولو باع أحدهما جزءاً شائعاً من دارٍ أو أرض بينهما قل أو كثر فللشفيع أن يأخذ نصف المبيع بحقه والنصف بالشفعة، فأما إن باع فداناً بعينه أو شيئاً من الدار بعينه بحضرة شريكه فلم ينكر فسكوته تجويز لبيعه ولا شفعة فيه وله على البائع حصتثه من الثمن فقط، وهو كما لو باع ثوباً بينهما فسكت فهو تجويزٌ منه وإن أنكر لم يلزمه البيعُ. قال عنه سحنون في الأرض بينهما يبيع أحدُهما فداناً منها بعينه أو نصف فدان بعينه بحضرة صاحبه لا يغير ولا ينكر فقد لزمه البيعُ ولا نكران له بعد ذلك ولا شفعة وكذلك بيعه لشيء بعينه من دار بينهما، وكذلك كل من بيع عليه شيءٌ من ماله وهو حاضر لا يغير ولا ينكر فالبيع له لازم، ولو باع جزءاً شائعاً من تلك فالبيع ماضٍ والشفعة للشريك.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 89.(1/142)
[11/150]
في مُحاصة الشركاء في الشفعة
ومحاصة/ أهل السهام دون الشركاء
ومن هو أولى بها من جميع الأشراك
ومن كتاب ابن المواز: والمُشتري والوارث في الشفعة سواء، قال مالك فيه وفي المجموعة: والشفعة بين الشركاء على قدر الأنصباء لا على عدد الرجال. قال ابن القاسم: وقالع علي بن أبي طالب.
قال أشهب: وإذا كانت الشفعة إنما وجبت بشركتهم لا بعدتهم وجب تفاضلهم فيما تتفاضل الشركة قال محمد: كعتق رجلين من الشركاء نصيبهما في عبد بينهما فليُقومُ عليهما بقدر نصيبهما.
قال مالك في الكتابين: فإذا كان في الفريضة أهل سهامٍ فيها جدتان في السدس وزوجاتٌ في ربع أو ثمن وإخوة لأم في الثلث، وأخوات شقائق في الثلثين فما باع واحد من أهل سهم واحد فمن شركه في السهم أشفع فإن سلموا فبقية أهل الميراث أشفع من غيرهم من الشركاء، وكذلك إن باع أهل السهم كلهم، ولم يختلف فيه أصحابه، وقاله المغيرة ولم يقل بغيره إلا ابن دينار قال محمد: وإن كان مع أهل السهام عصبة فباع بعض العصبة فالشفعة بين بقيتهم وبقية أهل السهام، قاله مالك وأصحابه إلا أشهب، فرأى بقية العصبة أحق كأهل سهم وكالموصى لهم بسهم يبيع بعضهم أنهم أشفع ممن شركهم، وقول مالكٍ أصح.
ومن الكتابين قال ابن القاسم: فإن ترك أختاً شقيقةً/ وأخوات لأب فباعت إحدى الأخوات للأب فلشقيقة الدخول مع بقية الأخوات للأب، وقال أشهب: لا تدخل معهم الشقيقة، فإن باعت الشقيقة فاللواتي للأب أحق من العصبة، فإن باع العصبة فهن كلهن في الشفعة سواءٌ.
قال في المجموعة: فإن باع جميع الأخوات فالشقيقة أحقُّ من العصبة، قال عنه ابن المواز: كمن(1) أوصى بدارٍ لخمسة عشر رجلاً فقال لعشرة منهم سماهم ***
__________
(1) في الأصل من أوصى بإسقاط كاف التشبيه.(1/143)
[11/151]
ثلثاهم لفلان وفلان منهم السدس ولسبعة منهم النصف وبقية الدار وهو الثلث للخمسة الآخرين، فإن باع أحد الخمسة فباقيهم أشفع، وغن سلموا فذلك لجميع العشرة فإن باع أحد العشرة فبقية السبعة أحق، فإن سلموا [فالثلاثة أشفع وإن باع أحد الثلاثة فالاثنان أشفع فإن سلموا] (1) فالسبعة أحق من الخمسة. قال مالك: فإن باع بعض الورثة فبقية الورثة أشفع ممن شرك الميت، فإن باع أحد شركاء الميت دخل مع الشركاء ورثة الميت.
قال ابن المواز قال ابن القاسم: واختلف قول مالك في العصبة فرآهم مرة كأهل سهم، قال أصبغ: ثم ثبت أن أهل السهم هم الذين يتشافعون خاصة.
ومن العتبية(2) والمجموعة روى ابن القاسم عن مالك في أربعة إخوة ورثوا داراً فباع أحدهم حصته فسلم الشفعة إخوته ثم باع أحدهم إن المشتري الأول شفيعٌ مع من لم يبع في ذلك.
قال مالك: وإذا باع بعض أهل سهم مفروض فسلم ذلك بقيتهم فالشفعة لبقية أهل الميراث/ فإن سلموا كلهم ثم باع أحد المشترين نصيبه مما اشترى فبقية أهل ذلك السهم وشركاءُ البائع الآن الذين كانوا اشتروا معه وبقية الورثة أجمعين فيما يؤخذ بالشفعة من ذلك شفعاء أجمعون. قال مالك: وليس المشتري كالورثة ولا العصبة كأهل السهام المفروضة، أهل السهام يدخلون على العصبة ويدخلون على من اشترى من أهل السهام ثم باع بعض ما اشترى، وإذا باع بعضُ أهل السهام لم يدخل المشترون ولا العصبة عليهم فيما يتشافعون فيه إذا كان في ذلك السهم للبائع شريكٌ فيه دنيا، فإن أخذ جميع الورثة بالشفعة دخل معهم العصبة والمشترون.
وقال مالك: فيمن مات وترك داراً وترك زوجةً وابناً وابنةً ثم مات الابنُ وترك أمه وأخته وعصبته فباع بعض العصبة فللأب والأم التشافع بحصة ما ورثا عن ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع.
(2) البيان والتحصيل، 12: 59.(1/144)
[11/152]
الميتين. محمد! وإذا مات أحد الورثة فصارت مصابته لورثة نفسه وبعضُهم ورثة الميت الأول ثم إن بعض ورثة نفسه باع مورثه من ذلك فإن لم يكن مع هذا البائع شركاء في سهم معلومٍ فكلهم يدخلون بالشفعة من ورثه وورث معه بمصابته جميعاً إذا لم يكن عصبةٌ.
ومن العتبية(1) وكتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: فيمن يوصي في حائط له لقوم بثلثه أو بسهم معلوم فيبيع بعضهم إن شركاءه أحق بالشفعة فيما باع [من] (2) بقية الورثة.
قال محمد وقاله أشهب ومحمد بن عبد الحكم/ وقال ابن القاسم: للورثة الدخول معهم كالعصبة مع أهل السهام، قال مالك: ومن أوصى لرجل بثلث داره فهو شفيع مع الورثة فيما باع بعضهم. محمد: لأنه رجل واحد، قال أبو محمدٍ: كذا في الأم ولكن ما أدري معناه، محمد: وإذا أوصى أحد ولد الميت بنصيبه لرجل ثم باع واحد من بقية الولد فإن من أوصى له الولد يدخل في ذلك مع بقية الإخوة، ولم يُختلف في هذا لأنه لم يُوصِ لنفر وليس كالذي [أوصى] (3) لهم أبوهم الذي ورثوا الدار عنه لكنه كالمبتاع من أحد الميتين فيحل محل بائعه.
ومن كتاب محمد قال أشهب: في دار بين ثلاثة بميراث أو شراء فباع أحدهم من نفر وسلم الشريكان ثم باع أحدُ النفر المشتريين مصابته فبقية النفر أشفع من شريكي البائع، ولو باع أحد شريكي البائع لدخل في الشفعة شريكه الذي لم يبع وسائر النفر الذين اشتروا الثلث الأول فيصير لهم النصف وجعل المشتري من الشريك كوريثه، وحالفه ابن القاسم وقال: لا يكون مشتري الثلث الأول أشفع فيما باع بعضهم دون شركاء بائعه، وجعلهم بخلاف ورثة الوارث أو ورثة المشتري وذكر عن مالك: وجعل المشتري مقام بائعهم وجعل الموصى لهم مع الورثة كالعصبة مع أهل السهام. قال أصبغ: وهذا هو الصواب.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 67.
(2) من) ساقطة من الأصل.
(3) أوصى) ساقطة من الأصل.(1/145)
[11/153]
قال محمد: وكذلك لو باع بعد ذلك بعض ورثة الميت لدخل المشتري في ذلك مع بقية الورثة.
ما جاء فيمن ابتاع شِقصاً له شفعاءُ
/فسلم بعضهم أو كان غائباً
ومن كتاب محمد ونحوه في المجموعة من رواية ابن القاسم وأشهب عن مالك وهو في العتبية(1). قال مالك: إذا وجبت الشفعة لجماعة فسلم بعضهم وأخذ الباقون فليس للباقين إلا أخذ الجميع أو التركُ قال ابن المواز: وليس للمبتاع أن يمنعهم أخذ نصيب من سلم إذا كان في صفقة. قال ابن حبيب عن أصبغ، إن كان تسليم من سلم على الهبة والعطية للمبتاع والصدقة عليه بها فليس للآخذ إلا بقدر سهمه وللمبتاع سهم المسلمين، وإن كان على ترك الشفعة وكراهته الأخذ فللمتمسك أخذُ جميعها.
قال مالك في كتاب ابن المواز والمجموعة: ولو كانوا غيباً إلا واحداً فليس له إلا أن يأخذ الجميع أو يدع فإن أبى فلا شفعة له ولا دخول له مع أصحابه إن قدموا، فإن قدم وأخذ ممن أبى قيل له خُذ الجميع أو دع. محمد: وذلك إذا كان في صفقة.
قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: فإن قدم الغُيَّبُ وقد أخذ الحاضرُ الجميع معه بقدر سهامهم. قال أشهب: وما أخذوا منك في ذلك فهم في كتاب عهدتهم مُخيرون إن شاؤوا كتبوا عهدتهم عليك لأنك أخذت لنفسك وضمانه منك وإن شاؤوا كتبوه على المأخوذ منهم(2) بشفعتهم وليس لهم أن يكتبوا ذلك عليها جميعاً وإن أبى بعضهم الأخذ فللآخذين من الشفعة بقدر حصصهم من حصص من أخذ لا بقدر حصصهم من حصص جميع/ الشركاء، قالا: ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 81.
(2) في ع، المأخوذ عنه.(1/146)
[11/154]
فإن أبوا إلا واحداً ومصابته مثل مصابتك فجميع ما أخذت بينكما شطرين. قال أشهب: وله أن يكتب عهدته عليك وإن شاء على الأول أنت وهو وحرقت أنت كتابك الأول، قالا وعبد الملك: فإن لم يقدم(1) إلا واحدٌ فليس له بقدر حصةٍ من حصص أصحابه ولكن يأخذ نصف ما اظخذت إن كان نصيبه مثل نصيبك.
قال عبد الملك: فإن قال الشفيع أنا أسلم الجميع إليك فليس له ذلك إلا برضاء القادم فإن رضيا بذلك ثم جاء ثالثً قائماً طاع به الأول للثاني فوق ما يلزمه يتبعُ بأخذه الثالثُ من الثاني بالشفعة إلا أن يشركه الثاني فيه بقدر حقه بما يصيبه في ذلك من الشفعة، وإن كان الثاني هو التارك ذلك كله للأول إلا قدر ما يصيبه مع جميع شركائه فليس ببيع ولا شفعة فيه إلا الشفعة الأولى يأخذ منها الثالث بقدر حقه لو حضر معهما.
قال ابن القاسم وأشهب: وإن تساوى نصيبُ الأول والثاني فاقتسما الشفعة نصفين ثم قدم ثالث له مثل مصابة أحدهما فإنما يأخذ بالشفعة إن شاء ثلث ما في يديهما فيصير لكل واحد منهما ثلث ذلك، قال أشهب: وهو مخير أيضاً في كتاب عهدته على المشتري الأول أو على الشفيع الأول أو عليكما، وإن شاء أخذ بالشفعة ثلث ما بقي في يد أحدهما وترك ما في يد الآخر وليس له أن يكتُبَ ها هنا عهدته على المشتري الأول لأنه يقول ليس لك أن تأخذ مني بعضاً وتدع/ بعضاً ولكن يكتب عهدته على من أخذ منه إن كان الأول يريد دون الثاني، وإن أخذ من الثاني خاصة كتب عهدته على أي الشقيقين شاء، ثم إن قدم رابع وله مثل مصابة أحدهم فله أن يأخذ ربع ما بيد كل واحدٍ منهم مما أخذ بالشفعة، وهو مُخير في كتاب عُهدته على المشتري الأول أو على أو الآخذين أو عليه وعلى الثاني أو على جميعهم، وإن شاء أخذ بالشفعة ربع ما في يد أيكم شاء وترك ما في يد من شاء، ثم ليس له أن يكتب عهدته على المشتري الأول ولكن على من أخذ منه خاصةً إن كان الأول وإن كان الثاني كتب ذلك على أي الشقيقين الأولين شاء، وإن أخذه من الثالث كتب عهدته على أي الشفعاء الثلاثة شاء.
***
__________
(1) في ع، فإن لم يقدر.(1/147)
[11/155]
قال سحنون في المجموعة: فإن حضر أحدهم فأخذ الجميع ثم باعه من أجنبي ثم قدم الشفيع فله أن يأخذ نصف هذا الشقص من المشتري الأول بنصف الثمن ويأخذ النصف الآخر من المشتري من الشفيع الذي اشترى منه هذا الثاني.
قال ابن المواز: فإن كان ذلك في صقفاتٍ فللحاضر الأخذ بأي صفقة شاء، ثم غن قدم ثانٍ شركه فيها وكان له أخذ بقية الصفقات أو ما شاء منها مثل أن يكون الشفعاء ثلاثةً والصفقاتُ ثلاثةً فأخذ الحاضر الصفقة الآخرة وهي ثلث الربع وسلم غيرها فذلك له وللمشتري الدخول معه بالصفقتين الأوليين وذلك ثلثا الربع وللشفيع ربعٌ كامل يُقسم بينهم هذه/ الصفقة وهي ثلث الربع على خمسة أجزاء ثم إن قدم ثانٍ فسلَّم للمشتري ما سلم له الأول [كان رُبعُ] الصفقة للمبتاع وثلاثة أرباعها بين الشقيقين فإن لم يُسلم له الثاني شيئاً فللثاني أخذُ الصفقتين الأوليين وحده ويكتب عهدتهما على المشتري ثم له الرجوع مع الأول في الصفقة الآخرة التي هي ثلث الربع يدخل فيها الثاني بخمسة أثمانها وللأول وثلاثة أثمانها، لأن الأول له الربع وهو ثلاثة أجزاء وللثاني الربعُ أيضاً ثلاثةً وله ثلثا الربع بالصفقتين اللتين أخذهما هو خاصة التي سلمها الأول، ثم إن قدم ثالث فله نصف الصفقتين اللتين سلمهما الأول فيصير له أربعة وللثاني أربعة وللأول ثلاثة فيقسموا ثلث الربع وهو الصفقة الثالثة على أحد عشر جزءاً للأول ثلاثةٌ ولكل واحد من هؤلاء أربعة.
ومن العتبية(1) من سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم ومثله لمطرف من رواية ابن حبيب وقال: فلا ثلاثة بينهم أرض فباع أحدُهم فلم يعلم الباقيان أو لم يقوما بالشفعة ولم يفت وقتها حتى باع أحدهما، قال: الشفعة فيما باع البائع الأول للبائع الثاني وللشريك الثالث المتمسك لأن الثاني باع بعد وجوب الشفعة له في بيع الأول فلا يُبطلها بيعه، فإن ترك البائع الثاني الآخذ بالشفعة مع الشريك الذي لم يبع فالشفعة كلها واجبة للثالث الذي تمسك بحظه فيما باع الأول والثاني، وإن ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 81.(1/148)
[11/156]
ترك الآخذ بالشفعة فيما باع الأول وأراد أن/ يستشفع ما باع الثاني صار المشتري من البائع الأول شفيعاً مع الثاني الذي لم يبع حظه فيما باع الثاني لأنه نزل منزلة بائعه إذ لم يُؤخذ منه بالشفعة فصار شريكاً للبائع الثاني ولصاحبه الذي لم يبع فباع الثاني حين باع والمشتري من البائع الأول شريكٌ تجب له الشفعة.
في المشتريين لشِقص فيريد الشفيع أن يأخذ
من احدهما دون الآخر
أو يكون المشتري واحداً لأشقاص من دور
ولكل واحد شفيع
من كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن القاسم: وإذا باع الشريك من رجلين فقال الشفيع أنا آخذ من أحدهما وأدع الآخر فليس له إلا أن يأخذ الجميع أو يدع، وقال أشهب: له أن يأخذ من أحدهما، محمد: وهذا أحب إلينا، وقاله سحنون.
قال أشهب: وليس الذي سلم إليه الشفعة بما سلم إليه لوجوب الشفعة قبل ذلك. قال أشهب: وإن اشترى ثلاثة من ثلاثة اشتروا من أيديهم حصةً من نخلٍ ومن الآخر من دارٍ ومن الآخر من أرضٍ أو ابتاع رجل حظ رجل من دار في صفقة وشفيع ذلك كله واحدٌ أو كنتم شفعاء فلك أيها الشفيع أو أحد الشفعاء أن يأخذ حظ أيهم شاء من الدار أو النخل أو القربة ويُسلم حظ الباقين وليس لكم ولا لواحد منكم أن يأخذ حظ أحدهم من نخل ويدع حظه من الدار حتى يأخذ جميع حظه ولكم أن تفترقوا فيأخذ أحدكم مصابة أحد المشتريين كلها ويأخذ/ الآخر مصابة الآخر كلها (وأيكم) قال: لا آخذ إلا مصابة فلان وقال الآخر وأنا فيها معك شريكٌ وأخذ مصابة فلانٍ معها فذلك له ولا مقال لشريكه ولا للمأخوذ ذلك منه، قالا: ولو اشترى واحدٌ من اثنين في صفقةٍ فليس للشفيع ها هنا أخذ بعض الصفقة، قاله ابن القاسم وأشهب، وإن بعت حظاً من دارين ***(1/149)
[11/157]
من رجل ولكل واحد شفيع فلكل واحد أخذُ ما هو شفيعه بعد قبض الثمن على الشقصين فيعرف حظه ذلك فإن أخذ قبل معرفة ذلك فأخذه باطلٌ ثم له أخذ ذلك بعد العلم.
قال ابن القاسم وأشهب: ومن ابتاع حظاً من دار من رجل وحظاً من حائط من آخر وشفيعهما واحد فليس للشفيع إلا أخذ الجميع أو يترك، قال ابن عبدوس: وقاله عبد الملك.
قال محمد: وأنا أنكر أن يجمع رجلان شفعتيهما في صفقة وليُرد ذلك إن علم بأن المشتري ما لم يفت بحوالة أسواق أو ببيعٍ أو لا يأخذ بالشفعة أو غيره فينفد ويُقسم الثمنُ على القيمة، قال أشهب في الكتابين متصلاً بكلام عبد الملك: وكذلك إن كان الشفعاءُ جماعةً فليس لهم أن يأخذوا النخل دون غيرها فإما أخذوا الجميع أو تركوا قال أشهب: فإن أخذوا الجميع على أن لأحدهم من ذلك النخل وللآخر الدور فليس للمشتري أن يأتي ذلك ولا حجة له وليس بقياس وهو استحسان.
تم الجزء الأول من كتاب الشفعة
بحمد الله وعونه
ويليه الجزء الثاني منه إن شاء الله
والحمد لله وحده
***(1/150)
[11/159]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الجزء الثاني
من كتاب الشفعة
فيمن ابتاع شِقصاً ثم باعه أو أقال منه أو وهبه(1)
ومن المجموعة ابن القاسم عن مالك فيمن اشترى شِقصاً ثم باعه من رجل ثم باعه الرجل الآخر وتداولته(2) أملاك فللشفيع أن يأخذ بأي صفقة شاء ويفسخ ما بعدها، وقاله أشهب فإن أخذها من الأول كتب عُهدته عليه ودفع من ثمن الشقص إلى الثالث ما اشتراه به لأنه يقول لا ادفع الشقص حتى أقبض ما دفعتُ ويدفع فضلاً إن كان للأول إن فضل للثالث مما اشترى به شيءٌ رجع به على الثاني وليس للثالث حبسه حتى يدفع إليه بقية ثمنه ثم رجع الثاني على الأول بما اشترى به الشقص منه وإن أخذها من الثاني بعهدته عليه وثبت بيع الأول(3) ويدفع من ثمن الشقص إلى الثالث ما اشتراه به ويدفع فضلاً إن كان إلى الثاني، وإن فضل إلى الثالث مما اشترى به الشقص شيءٌ رجع به على الثاني، ولا تراجع بين الثاني والأول لتمام بيعها وإن أخذها من الثالث كتب عهدته عليه [وتمَّ ما قبل ذلك من بيع] (3).
***
__________
(1) تضاف إلى ع في المقابلة نسخة القرويين المسجلة في الغشاء الذي يحمل رقم 793.
(2) في الأصل، وتداولوه أملاك وآثرنا كتابة ما في ف.
(3) في ق وثبت ما تقدم من بيع الأول.(1/151)
[11/160]
من المجموعة وقال غيره: وإذا اشترى شِقصاً بمائة ثم باع نصفه بمائة فللشفيع أخذُ الشقص كله ممن اشتراه أولاً بمائة [وإن شاء] (1) من الثاني بمائة ونصفه من الأول بخمسين.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال مالك: وإذا تقايل المتتابعان فللشفيع الشفعة بعهدة البيع لا بعهدة الإقالة، قال أشهب: وهو استحسان كان/ المستقيل البائع أو المبتاع والقياسُ أن يأخذ من أيهما شاء ولو قاله قائل لم أعبه.
قال مالك: فإن سلم الشفعة فالإقالة جائزة.
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: إن ريء أن التقايل منهما كان لقطع الشفعة فالإقالة باطلٌ وللشفيع بعهدة الشراء وإن ريء أنها على وجه الصحة وإرادة الإقالة فهو بيعٌ حادثٌ وللشفيع الشفعة بأي بيعتين شاء.
ومن كتاب ابن المواز وقاله أشهب وابن الماجشون في المجموعة وقاله مطرفٌ في الواضحة: وإذا سلم الشفيع الشفعة ثم تقايل المتبايعان كان للشفيع أخذها بالشفعة بعهدة الإقالة من البائع ويصير بيعاً حادثاً لزوال التهمة.
قال ابن الماجشون في المجموعة ومطرف في كتاب ابن حبيب: وكذلك ولو ولاه أو أشرك فيه فللشفيع الشفعة بذلك.
قال أشهب في كتاب ابن المواز: ولو تقايلا بزيادة أو نقصان قبل تسليم الشفيع فله الشفعة على أيهما شاء وكذلك لو تقايلا بعد تسليمة بالثمن نفسه.
قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: ومن اشترى شِقصاً له شفيع غائب فقاسم شركاءه ثم قدم الشفيع فله رد القسمة والأخذ بالشفعة، قال أشهب: وإنه ليأخذ بالقلب أن ليس له رد القسم لأنهم قاسموا من يجوز قسمه. وقال سحنون: يمضي القسم ويأخذ ما صار له بشفعته. قال أشهب: ولو حبس الشقص لكان ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.(1/152)
[11/161]
للشفيع ردُّه والأخذ بالشفعة، قال هو وعبد الملك وهو في كتاب محمد: ولو باع/ [المبتاع الشقص فقال الشفيع أنا آخذ بالشفعة من الأول وأجيز بيعه وأخذ ذلك بجائز وهو ربح ما لم يضمن قال عبد الملك وهو بخلاف الاستحقاق. قال أشهب وهذا إذا لم يكن الشفيع أوجبها على نفسه قبل بيع الأول وأشهد](1) على ذلك فهو في البيع الثاني بالخيار، إن شاء أجاز بيعه وأخذ ثمنه وإن شاء نقضه وأخذ شِقصه وليس للشفيع أن يدفع إلى الأول ما اشتراه به إلا ما فضل عما اشتراه به الآخر اختار الشفيع الشقص أو الثمن لا له أن يأخذه بالثمن الآخر إن كان قد أخذ أولاً بالشفعة حين بلغه أن الآخر قد دفع.
ومن المجموعة قال سحنون: فيمن اشترى شِقصاً بنقد فباعه بدينٍ وله شفيعان فقال أحدهما: يأخذ بالبيع الثاني وقال الآخر: يأخذ بالأول فليس ذلك لهما أن يفرّقا الصفقة عليه.
في الشقص يباع بعرض أو بدينٍ أو يؤاجره أو يُكرى به
من المجموعة قال ابن وهب عن مالك: فيمن اشترى شِقصاً بعنبرٍ ولم يجد الشفيع عنبراً قال: عليه قيمتُه.
ومن كتاب ابن المواز: (وإن اشتراه بحُلي جُزافاً أخذه بقيمة ذلك الحلي من ذهب أو فضة يقوّم بخلافه) (2) فإن استُحق ذلك أو رُد بعيب رجع بقيمة الشقص إن فات بأخذ الشفيع أو بغير ذلك، وكذلك في السبائك أو في الرصاص والنحاس والطعام المعين وإن لم يُؤخذ الشقصُ بالشفعة ولا فات رجع فيه بعينه.
***
__________
(1) ما بين معقوفتين نقلناه من ف و ع وهو ناقص من صورة الأصل لأنه لم يلتقط أثناء إخراجها.
(2) كذا في الأصل والعبارة في ع، على الشكل التالي: وإن اشتراه بحلي جزافاً من ذهب أو فضة أخذه بقيمة ذلك الحلي ويقوم بخلافه.(1/153)
[11/162]
ومنه ومن كتاب ابن المواز قال مالك: فيمن اشترى شِقصاً بثمن مؤجل/ [فليس للشفيع تعجيل قيمة الدين ولا يحتج بعدم المبتاع ولا بغير ذلك وإن كان الشفيع عديماً لم تأخذه إلا بحميل ثقة(1). محمد ولم يختلف فيه أصحابه قال وإن كان مليئين قال أشهب وإن لم يكن الشفيع مثله في الملإ فليأت بحميل] (2) في مثل ثقة المشتري وملائه قال محمد: والذي عندنا أن ليس عليه حميلً إذا كان ملياً ثقةً، وإن كان المبتاع أملأ منه ولم يشترط، هذا في رواية ابن القاسم وأشهب عن مالك، وقاله عبد الملك كروايتهما، وإن اتفقا في العُدم فأبى المبتاع تسليم الشفعة إلا بحميل واحتج بتفضيل البائع عليه أو حميله لعُدمه فلا حجة له بذلك ولا حميل له وإن كان أعدم منه فليأت بحميلٍ في مثل عُدم المبتاع أو ملائه. قال محمد: إذا كان الشفيع عديماً فلا شفعة له إلا بحميل ثقة كان المبتاع عديماً أو لم يكن.
قال أشهب: وإذا اشتراه بثمن مؤجل بحميل أو رهنٍ فقام الشفيع وهو أملأ منه فإن لم يجد حميلاً أو رهناً مثله فلا شفعة له إلا بمثله، ولو جاء برهن لا يشك أن فيه وفاءً لم يقبل إلا بمثل الأول ولو كان برهن وحميل فجاء برهن ولم يقدر على حميل فلا شفعة له قال: وأصبنا لأشهب أنه إن كان الشفيع أملأ من الحميل ومن الغريم فله أن يأخذ بلا رهن ولا حميل.
قال محمد: والأول أولى عندنا. قال عبد الملك في الكتابين: [وإن لم يقم الشفيع](3) حتى حل أجل الدين ورد الثمن، قال فله من الأجل مستأنفاً مثل أجل المشتري الأول، فإن كان/ ثقةً دفع إليه وإن لم يكن ثقةً قيل له ائت بحميل ثقة.
وكذلك ذكر ابن حبيب عنه وعن مطرف وزاد: فإن عجز عن ثقة ولم يكن هو ثقةً قطع السلطان شفعته، فإن وجد ثقة ما بينه وبين حلول أجل الثمن أو بعده فلا شفعة له وذلك كعجزه عن الثمن إذا أوقفه السلطان.
***
__________
(1) في ع، بحميل معه والصواب ما أثبتناه من ف.
(2) ما بين معقوفتين لم تستخرجه صورة الأصل فسقط منها وقد أثبتناه من ع و ف.(1/154)
[11/163]
قال ابن حبيب وقال أصبغ: إذا قام بعد محل الأجل فلا يأخذه الشفيع إلا بنقد. قال ابن حبيب: وبالأول أقول، وهو قول مالك.
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وإن اشترى بعرض موصوف فللشفيع أخذه بقيمة العرض إلى أجله على مثل [من] (1) هو عليه، ولا يجوز أن يأخذ ذلك قبل معرفتهما بقيمته، محمد: وهذا غلط ولا يأخذه إلا بمثل العرض إلى أجله وإنما تؤخذ القيمة نقداً في شرائه بعرض بعينه ولأنه إذا استحق المعين قبل قيام الشفيع أمضى البيع، وفي الموصوف لا يُنتقض البيعُ والشفعةُ قائمةٌ، ثم ذكر محمد عن أشهب: أنه إذا اشتراه بعرض إلى أجل فعلى الشفيع مثله إلى أجله.
ومن كتاب محمد بن المواز(2) وهو لأشهب في المجموعة: ولو عجل الشفيع الثمن فالمبتاع أولى به وليس للبائع منعُه من قبض الشقص إن لم يكن قبضه المبتاع، ولو قال الشفيع أنا أرضى أنقده البائع فليس له ذلك إلا برضى المبتاع. وكذلك لو حل لم ينبغ أن يدفعه عنه إلا بأمره أو بأمر السلطان.
ومن كتاب محمد والمجموعة وكتاب ابن حبيب قال بن الماجشون: ومن اشترى شِقصاً بدين له على البائع إلى سنة/ فلا يأخذ الشفيع إلا بقيمة الدين عرضاً نقداً يدفعه الآن لأن الدين عرضٌ من العروض وكذلك إن لم يقم الشفيع حتى حل أجل الحق فلا ينظر في وقته بعدما يشفع. قال عنه ابن حبيب: وإنما يُقام الدينُ بعرض مثل الحنطة والزبيب وشبهه ولا يُقامُ بمثل بانٍ أو عرضٍ وما ليس [بقائم] (3) ثمنه ولا متعجل بيعه.
وقال ابن عبدوس عن سحنون: أنه كان يقول في ذلك بقول عبد الملك إلا [أنه] (4) قال: يقوم الدينُ بعرض ثم يقوّم العرض [بعين] ثم يأخذ الشفيع بذلك.
***
__________
(1) من) ساقطة من الأصل.
(2) في ع، ومن كتاب ابن المواز وفي الأصل ومن كتاب محمد والجمع بينهما جاء في ف وهو ما أثبتناه.
(3) بقائم) ساقطة من الأصل.
(4) إنه) ساقطة من الأصل.(1/155)
[11/164]
قال ابن المواز وابن حبيب قال مالك: لا يأخذه الشفيع إلا بمثل ذلك الدين أو يترك، وكذلك إن كان البائع عديماً بذلك الدين لم يأخذه بقيمته ولكن يأخذه به أو يتركه وقاله أشهب قال: ولا قيمة في الذهب والفضة والقيمة في العروض، وقال ابن القاسم نحو قول أشهب.
قال ابن حبيب قال مالك: وكذلك إن كان يهضم فيه أو كان على مفلس(1) لا يسوى ما عليه ثلث الدين فلا يأخذه إلا بجميعه(2) فإن كان الدين يومئذ حالاً أخذه به حالاً وإن كان لم يحل أخذه إلى مثل ما كان بقي فيه إلى الأجل كان الأجل يوم قيام الشفيع حل أو لم يحل. قال أصبغ: إنما يستشفع بمثل الدين نقداً إلا أن يكون يُهضم فيه هضمة(3) بينة فيأخذه بقيمة الشقص لا بقيمة الدين. قال ابن حبيب: وقول مطرف أحب إلي، وإن كثر بهضمه فيه فلا يأخذه إلا بجميعه.
قال ابن الماجشون في كتاب محمد والمجموعة: وإن اشتراه بكتابة مكاتب [أخذه بقيمة الكتابة عرضاً يقوم على أنه يؤدي أو يعجز فإن عجز] (4)/ فهو رقيق لبائع الشقص.
قال في المجموعة قال مالك: وإن اكترى إبلاً إلى مكة بشِقص أو واجرته أجيراً أو داراً سنةً فللشفيع الشفعة بمثل كراء الإبل [وبقيمة الكراء والإجارة] (5). وقال أشهب: بمثل كراء الإبل إلى مكة من مثل صاحبها إن كان مضموناً فمضمون وإن كانت بأعيانها فبأعيانها، وقاله عبد الملك في الإجارة بمثل أجرة من استُؤجر بها.
/165/ وقال ابن المواز عن مالك وابن القاسم وعبد الملك: يأخذ الشقص بقيمة أجرة الأجير وبقيمة كراء الدار كم يسوى ذلك يوم الوجيبة على البعد ويكتب عهدته على الأجير وعلى من أخذ منه. قال محمد: فإن مات الأجير أو هلكت الدابة أو انهدم المسكن في نصف السنة فليرجع البائع بقيمة نصف شِقصه على المبتاع ولا يُنقصُ على الشفيع شيءٌ.
وقال أشهب في المجموعة: إن ماتت الإبل في نصف الطريق فرجع عليه المكاري بنصف قيمة الشقص رجع المكري على الشفيع بما رجع به رب الشقص عليه ويُقاصه من نصف ما كان أخذ منه من قيمة كراء إبله إلا أن يكون قيمة كرائها أكثر من قيمة الشقص فيكون الشفيع هو الراجع عليه بنصف كراء إبله ويدع له من ذلك نصف قيمة الشقص ونحوه عن عبد الملك.
ما جاء في الشقص يباع معه ما لا شفعة فيه
من كتاب ابن المواز: وكل ما بيع مع الشقص مما لا شفعة فيه/ فليقبض الثمن عليه وعلى الشقص فيأخذ الشفيع بما قابل الشقص منه فإن استوجبه قبل المعرفة بما يقع على الشقص لم يجز، وأما آلة الحائط وعبيده ودوابه فذلك كبعضه إلا أن يضاف إليه يوم الصفقة وقد كان أخرج منه قبل ذلك فلا شفعة فيه ويقضي الثمن، وقاله مالك وابن القاسم وأشهب: فيمن اشترى شِقصاً أو بعيراً بعينه، فإن كان البعير من الشقص قدر ثلث الجميع بالقيمة يوم الصفقة أخذ(6) الشفيع الشقص بثلثي قيمة العبد ثم إن استحق العبد(7) رجع بائع العبد بثلث قيمة العبد على بائع الشقص، وإن ابتاع شِقصاً وقمحاً بدنانير فلابد من تقويم القمح والشقص فيأخذ بحصة ما يقع للشقص. محمد: وكذلك لو ابتاع شِقصاً ومع مائة درهم بمائة دينار- يريد محمد على قول أشهب- الذي يجيز البيع والصرف معاً [في صفقة] (8).
***
__________
(1) في ع، على ملك.
(2) في ع، فلا يأخذه الشفيع إلا بجميعه.
(3) في ع و ف، هضيمة.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(6) في الأصل، أخذ من الشفيع الشقص.
(7) في الأصل، ثم إن استحق البعير.
(8) في صفقة) ساقطة من الأصل مثبتة من ع و ف.(1/156)
[11/166]
في الشقص يباع بما لا يسوى
أو يضع البائع من ثمنه أو يُزاد فيه
أو يأخذ في الثمن غير ما وقع به
أو يشتريه بثمن قليل
واختلاف الشفيع والمبتاع في الثمن
من المجموعة قال سحنون: إذا ظهر للحكم في ثمن الشقص تجاوز [إلى] (1) ما لا يشبه التغابن فيه أو الزيادة في مثله بجوار مِلك أو حديد وكان الأغلب أنه حيلة لقطع الشفعة فليرده إلى أشبه ذلك وأقربه إلى قيمة الشقص، وإن ادعى الشفيع علم الثمن قضى له/ به مع يمينه إلا أن يأبى بأقل من القيمة.
قال ابن المواز قال مالك في رواية أشهب وهو في العتبية: في اختلاف الشفيع والمبتاع في الثمن أن المبتاع مصدق فيما يشبه بلا يمين. [وفيما لا يشبه مع اليمين إلا أن يكون يجاوره ملك أو سلطان، فيصدق فيما لا يشبه الثمن بلا يمين] (2). وقال ابن حبيب: إن ذكر المبتاع ما يشبه وعلى ذلك بينة لم يحلف وإن أتى بسرف سُئلت البينة فإن قالوا شهدنا على إقرارها رد إلى القيمة وإن قالوا على معاينة النقد قيل للشفيع خذ بذلك أو دع. وقال مطرف: يُصدق المشتري وإن جاء بسرف من الثمن.
ومن العتبية(3) روى عيسى عن ابن القاسم: فيمن أوصى أن يُباع شِقص له قيمتُه ثلاثون ديناراً من رجل بعشرة دنانير ولا مال له غيره ثم مات فإنه يقال للمبتاع إن لم يجز ذلك الورثة فزد عشرة أخرى وخذ الشقص، فإن فعل فللشفيع أخذ الشقص بعشرين وإن أبى قطعوا له بثلث الشقص ولا شفعة فيه للشفيع، قيل له: لم أعطيتها للشفيع بعشرين وقد حُوبي المشتري بعشرة؟ قال: كما قال ***
__________
(1) إلى) ساقطة من ف.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.
(3) البيان والتحصيل، 12: 92.(1/157)
[11/167]
لو اشترى رجل شقصاً بعشرين وقيمته أربعون وحاباه بعشرين فللشفيع أخذه بعشرين.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ومن باع في مرضه شقصاً فحابى فيه فالبيع جائز والمحاباة في ثلثه ويأخذه الشفيع بذلك الثمن ولو كان في صحته فهو كذلك إلا أن يبقى(1) ما لا يُشبه أن يكون ثمناً لقلته فلا شفعة بذلك في صحة أو مرض، ومنه من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: إذا قال البائع بعد البيع للمبتاع/ اشترِ حصته فزدني فزاده فلا شيء على الشفيع من الزيادة.
قال أشهب في المجموعة: وللمبتاع أن يرجع على البائع بما زاده بعد أن يحلف ما زاده إلا فراراً من الشفعة وإلا فلا رجوع له.
قال ابن المواز وقال عبد الملك: يأخذ الشفيع بما زاد البائع وإلا ترك ولا يتهم [المبتاع] (2) أن يزيد إلا بصلاح البيع. قالوا كلهم: وإذا استوضع المبتاع البائع بعد البيع قبل أخذ الشفيع أو بعده فوضع عنه فذلك موضوعٌ عن الشفيع إن كان مما يوضع مثله في البيوع وإن كان ما لا يتواضع مثله فذلك هبة. قال أشهب: وهذا استحسان والقياس أن يحط ما حط عنه قل أم كثر بمنزلة ما باعه إياه بدءاً بنصف ثمنه أو بثلثه فللشفيع أخذه بذلك وإن كان التخفيف عنه على وجه الصلة، قال محمد: وقد قال ابن القاسم أيضاً: إن بقي من الثمن ما يُشبه أن يكون ثمن الشقص فهي ذريعة وتهمة بينة وليُحط عن الشفيع ما حط وإن كان ما بقي لا يشبه ثمنه لم يلزمه أن يَحُط ما حطه.
قال أشهب في المجموعة: وإن كانت الوضيعة بعدما سلم الشفيع الشفعة فإن كان يشبه ما وضع الآن فحاص له فللشفيع الرجوعُ إلى الأخذ بهذا الثمن، وإن كان لا يشبه مثل أن يضع أكثر الثمن فلا رجوع للشفيع إليها.
***
__________
(1) في الأصل، إلا أن بها ما يشبه.
(2) المبتاع) ساقطة من ع.(1/158)
[11/168]
ومن كتاب ابن المواز قال عبد الملك: إذا ابتاع شِقصاً بدنانير فنقد عرضاً أو بعرض فنقد دنانير فليأخذه الشفيع بما خلص إلى البائع من الثمن من عرض أو عين. قال محمد: وأحب إلينا ألا/ يأخذه إلا بما وقع عليه العقد إن أخذ عرضاً من ذهب أو ورق فليأخذ الشفيع بالعين إن كان مثل ذلك أو أقل وقد قيل لما وقع عليه أصل الشراء أو قيمتُه إن كان عرضاً.
قال ابن عبد الحكم: إلا أن يدفع ذهباً عن ورقٍ أو ورقاً عن ذهب فليأخذه بما دفع كالمرابحة. وقال أشهب: إن دفع ورقاً أو طعاماً عن ذهب أخذه الشفيع بأقل ذلك. محمد: وهذا أحب إلينا.
قال سحنون في المجموعة: إذا أخذ عرضاً عن دنانير فقولنا أن يأخذه بقيمة العرض. قال ابن عبدوس وقال غيره: يأخذه بالأقل [من ذلك] (1).
في الشقص يوخذ في صلح من دم عمد أو خطأ
أو يؤخذ في نكاح أو خُلعٍ أو يكون في ذلك غيره
قال مالك في كتاب ابن المواز والمجموعة وغيرها: من صالح من دم عمد على شِقصٍ أو نكح به فالشفعة له بقيمته.
قال ابن القاسم وأشهب: [ولا يجوز الإشفاع في ذلك إلا بعد المعرفة بقيمته. قال ابن القاسم وأشهب] (2): وإذا أخذ الشقص في ديةٍ خطأ فليؤجر الشفيعُ كما تُؤجر العاقلة فإن كان عن ثلث ديةٍ أخر عاماً وفي الثلثين يؤخر عامين. قال مالك: وفي النصف تجتهد فيه. وقال ابن القاسم: يؤخر عامين. وقال أشهب: يُؤدي الثلث في أول سنةٍ والسدس في الثانية.
قال ابن عبدوس قال سحنون: لا يجوز أن يأخذ في النصف شِقصاً ولا غيره حتى يمضي فيه حِصته من حاكم يقطعها على العاقلة في سنتين أو غير ذلك، ***
__________
(1) من ذلك) ساقطة من الأصل.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع و ف.(1/159)
[11/169]
لأن ذلك إلى اجتهاد الحاكم فهو مجهول ولا يباع بشيء حتى يعرف بالحكم في قول/ ابن القاسم. وقال في المصالح عن جميع الدية على شِقص إن كان أعطى ذلك العاقلة أهل ذهبٍ أو ورقٍ فالصلح جائز. فيرجعه ابن القاسم عليهم بالأقل إن كان صلحه عليهم. وإن كانوا أهل إبل فإن كان القاتل يعطي الشقص ولا يرجع بذلك على العاقلة فهو جائز، وإن كان إنما صالح عنهم ليرجع لم يجز الصلحُ لأنهم عليه مُخيرون ويُرجع في هذا إلى مسألة ابن القاسم في الكفيل يصالح عن الغريم.
وكان سحنون يقول في هذا الأصل بقول عبد الملك: أن الدين له حُكمُ العرض، فإذا اشترى الشقص بالدية وهي ديته فإن كانت دنانير أو دراهم قومت بالعرض على أن تؤخذ في ثلاث سنين ثم يُقوم العرضُ بالعين. وقال عبد الملك: يأخذ ذلك بالعرض الذي قوم به الدين. قال سحنون: وإن كانت الدية إبلاً قومت على أن الإبل تؤخذ إلى ثلاث سنين ثم يأخذ بذلك الشفيع أو يدع- يريد وينقد.
قال ابن المواز: رُوي عن ابن القاسم أنه يُؤخرُ الشفيع في دية العمد كالخطأ. قال أحمد بن ميسر: وهذا غلط لأنه إنما يؤخذ بقيمة الشقص، ولو صالحه على الدية مبهمةً أعطاه بها شِقصاً ففيه الشفعةُ بالدية على ما كان اتفقا عليه من تعجيل أو تأخير.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة عن ابن القاسم! في مسألة الموضحتين الخطأ والعمد يؤخذ بهما شِقصٌ في دار فذكر قول ابن القاسم. قال ابن عبدوس: وهو قول أشهب. وذكر قول المغيرة فحكى نحوه عن ابن الماجشون، وقاله سحنون في مسألة الخلع.
/وقال ابن المواز: قال ابن نافع: لا يكون للموضحة العمد إلا ما فضل عن قيمة الشقص فإن كانت قيمته خمسين فأقل أخذه الشفيع بخمسين وعلمنا أنه لم يأخذ للعمد شيئاً، وإن كانت قيمتُه ستين علمنا أن الزائد للعمد فيأخذه بخمسين وبسدس قيمة الشقص، وبهذا أخذ ابن المواز وأعاب قول ابن القاسم.
***(1/160)
[11/170]
قال ابن المواز: ولو ودى الجارح في الموضحتين عمداً وأخذ من المجروح شِقصاً فإن زادت قيمة العبد على قيمة الشقص ودية موضحة الخطأ شيئاً فالزيادة للعمد وإن لم يزد لم يكن للعمد شيءٌ مثل أن تكون قيمة العبد مائةً وخمسةً وعشرين وقيمة الشقص خمسين فصار خمسُ العبد للعمد فعلى الشفيع خمسُ قيمة العبد، قال ابن المواز: وإن كانت قيمة العبد مائة عُلم أن العمد لم يُؤخذ له شيءٌ وإن كانت قيمتُه أقل من مائة لم يأخذ الشفيع إلا بنصف قيمة العبد إن كانت قيمة الشقص خمسين وإن كانت قيمتُه مائة أخذه بثلثي قيمة العبد.
قال يحيى بن عمر: ولو صالحه منهما بشقصٍ وبعشرة دنانير فالعشرة مأخوذة من موضحة الخطأ خاصة ويأخذ الشقص بأربعين ديناراً وبخمسة أسباع قيمة الشقص، وإن صالح منهما على شِقص وعرض قيمتُه عشرون ديناراً فالعرض مقسومٌ على الموضحتين وليأخذ الشقص بأربعين ديناراً أو بنصف قيمة الشقص. قال أصبغ: إذا صالح منهما على شِقص وعبد وقيمةُ العبد مثل قيمة الشقص فقد أخذ العبد بنصف الموضحتين وبقي للشقص نصفهما فيأخذه بنصف موضحة الخطإ وبنصف قيمة الشقص ما بلغ/، وإن كان العمد من ذلك الثلث أو الربع أو الثلثين فما بقي للشقص فهو للموضحتين.
قال أصبغ: ولو كان المجروح أعطى عبداً وأخذ شِقصاً فقال: تُقوم موضحة العمد بالاجتهاد ويُنظر ما قيمة العبد وإلى عقل موضحة الخطأ فأخذ بذلك كله- يريد أصبغ إن كانت قيمة العبد بالاجتهاد- وقدر الثلث من الجميع أخذ الشقص بخمسين للخطأ وبقيمة العبد وبثلثي قيمة الشقص وجرى كلام أصبغ ها هنا على أن موضحة العمد مقسومة بالاجتهاد وجعلها في الصلح منهما على شقص من غير عطية من المجروح على معنى ابن القاسم أن المأخوذ مقسومٌ على الموضحتين بالسواء ولم يجعل للعمد قيمةً بالاجتهاد.
ومن كتاب ابن المواز: ومن أخذ في موضحة خطأ شقصاً ودفع خمسين ديناراً فليأخذه الشفيعُ بمائة دينار، وإن كانت موضحة عمداً فقط فودى المجروح ***(1/161)
[11/171]
عشرة وأخذ شِقصاً فلينظر إلى قيمته فإن كانت خمسين فعلى الشفيع عشرة وأربعة أخماس قيمة الشقص، وإن كانت ستين فعشرة وخمسة أسداس قيمة الشقص.
قال عبد الملك: ومن نكح بشقص معه عرضٌ أو مالٌ فالشفعة فيه بقيمة الشقص ما بلغ، قال: ولو نكح على أن أخذ منها شقصاً فأعطاه عشرة دنانير فإن كانت قيمة الشقص عشرةً فسخ النكاح وإن نقصت قيمتُه ربعَ دينارٍ فأكثر جاز النكاحُ، قاله عبد الملك، وبه أقول، وكرهه ابن القاسم، ولم نجد له فيه حجةً، قال عبد الملك في المجموعة: فإن شاء الشفيع الأخذ/ ضم قيمة الشقص إلى العشرة فإن كان الشقص نصف الجميع استشفع بنصف العشرة وإن رُبعاً فبربعها(1)، وهذا من قول عبد الملك على أصل المغيرة الذي في المدونة، وهذا الذي رُوي عن عبد الملك في المجموعة من قوله: النصف أراه لا يصح وإن صح فهو خلاف ما ذكر عنه ابن المواز: أن النكاح يفسد حتى يبقى مما اعطى الزوجُ ربع دينار.
وقال عبد الملك في المجموعة: إذا نكح امرأة بشقص وأخذ منها ديناراً وفي ذلك فضل مما لا ينقض النكاح فليضُم الدينار إلى قيمة الشقص فإن كان الدينار من جميعه العشر استشفع بدينار وبتسعة أعشار قيمة الشقص أو رُبع دينار وقيمة ثلاثة أرباعه قال: وإن أصدقها شِقصاً وعبداً وأخدمها عشرة دنانير وفي ذلك فضلٌ مما لا يفسد النكاح ضممت العشرة إلى قيمة الشقص والعبد (فإن كانت العشرة الثلث فقد نقلت من العبد ثلثاً ومن الشقص ثلثاً) (2) فإن كانت قيمة الشقص أربعين وقيمة العبد عشرةً فذلك مع العشرة التي أخذ ستون فيستشفعه بأربعة أخماس العشرة وبخمسة أسداس قيمة الشقص، وقاله سحنون في الخُلع، وقال: فإن استحق العبد رجع بخمس العشرة وبخمسة أسداس قيمة العبد.
***
__________
(1) في النسخ كلها وإن ربع فبربعها والصواب ما أثبتناه باعتبار خبراً لكان المعطوفة على كان الأولى والتقدير وإن كان ربعاً فبربعها.
(2) كذا في الأصل و ف وأما في ع فقد جاءت العبارة على الشكل التالي فإن كانت العشرة السدس فقد نقلت من العبد سدساً ومن الشقص سدساً.(1/162)
[11/172]
ومن كتاب ابن المواز قال: ولو خالعته على دنانير على أن أعطاها شقصاً فإن كانت قيمته أكثر من الدنانير فليأخذه الشفيعُ بمثل تلك الدنانير وإن كانت قينتُه أقل منها أخذ ذلك بالأقل/ وكذلك لو دفعت إليه عرضاً، وإن كان الشقص منها والدنانير منه فعلى الشفيع الأكثر من قيمة الشقص أو من الدنانانير.
وكذلك في جناية العمد يأخذ المجني عليه شِقصاً ويَرد مالا فليأخذ الشفعة بالأكثر، فإن أعطى شِقصاً وأخذ مالاً فليؤخذ بالشفعة بالأقل، ولو جرحت زوجها موضحة(1) خطأ ودفعت إليه عن الموضحة وعن الخُلع شِقصاً فليأخذ الشفعة(2) بالأكثر من دية موضحته الخطأ أو قيمة الشقص. ولو دفع الجارح أو المختلعة شقصاً ومالاً أو شقصاً وعرضاً أو شقصاً وجرحاً خطأ فالشفعة بقيمة الشقص ما بلغت [من ذلك] (3).
ما جاء فيمن صالح من شقص أو على شقص
أو صالح به الكفيل عن غريم
ومن كتاب محمد: ومن ادعى حقاً في دار بيد رجل فصالحه بدنانير أو بشقص في دار أخرى ولم يُسم ما(4) دعواه من الدار فإن كانا يجهلان ذلك ويمكنهما معرفتُه أو كان أحدهما يجهله فلا يجوز الصلح. قال أحمد بن ميسر: وإن عرفاه جميعاً جاز.
قال محمد: وإن لم يعرفاه جميعاً ولا يصلان إلى معرفته فجائز. ومن ادعى حقاً في دار مُقر فيه(5) والمدعى عليه منكر فصالحه [منه بدنانير فلا شفعة له في ***
__________
(1) المُوضحة: الشجة في الرأس التي تبلغُ العظم.
(2) في ع، فلتؤخذ الشفعة بالأكثر.
(3) من ذلك) ساقطة من الأصل.
(4) كذا في ف وأما في الأصل و ع، فقد جاء فيهما ولم يسميا دعواه.
(5) في ع و ف في دار غابت عنه عوض في دار مقر فيه.(1/163)
[11/173]
ذلك. وإن ادعى عليه سُدس ما بيده فأنكر فصالحه] (1) على شقص في دار أخرى ففيها أخذ المدعي الشفعة بقيمة المدعى عليه ولا شفعة في المدعى فيه.
وإذا لم يُسم دعواه وهو بها عالمٌ(2) لم يجز الصلح ولا شفعة في ذلك.
[قال مالك: ومن باع/ شِقصاً بجارية وقال إنما رغبتُ في الجارية لهواي فيها فالشفعة في ذلك] (3).
قال في المجموعة ابن القاسم وأشهب: ومن تحمل بنفس رجل فغاب المكفول به فلم يقدر عليه فصالحه الكفيل بشقصٍ فالصلح جائز إذا علم الدين ويأخذه الشفيع بالدين.
قال أشهب: وإن صالحت وأنت لا تدري ما يثبت للذي تكفلت له إلا أنه قد سماه لك فللشفيع أن يُحلِفه أن دينه(4) كذا وكذا ثم يأخذه الشفيع بذلك إن شاء، وإن أخذ به ثم جاء الغريم فلم يستحق قبله من دعواه شيئاً لم يرجع الكفيل عليه بشيء ورجع على المتحمل له بالثمن الذي أُخذ من الشفيع لأنه الذي رضي أن يبيع به شِقصه إن كان صلحاً بغير إقرار، وإن كان بإقرار منك لم يرجع عليه بشيء.
والشفعة في جميع ذلك بما أخذها [به] (5) ثبت الحق أو لم يثبت أو ثبت بعضُه وإن كان إنما تحمل بالوجه وليس من المال في شيء فصالحه على شِقصٍ فللشفيع الشفعةُ بالأقل من قيمة الشقص أو مما على الغريم.
***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(2) في الأصل، وهو بها غريم.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(4) في الأصل، إن ديته كذا.
(5) به) ساقطة من الأصل مثبتة من ف.(1/164)
[11/174]
وقال ابن حبيب في كتاب الأحكام في باب(1) الصلح قال أصبغ: في الطالب يصالح المدعى عليه من دعواه وهو منكر على شقص في دار أنه لا شفعة فيه لأنه كالهبة(2).
في الشفعة في هبة الشقص للثواب أو لغير
الثواب [أو بعطاء أو به حباء] (3)
قال ابن عبد الحكم في المختصر: اختلف قول مالك في الشفعة في الشقص يوهب لغير الثواب [فقال فيه الشفعة بقيمته وقيل لا شفعة فيه] (4). ومن العتبية(5) روى عيسى/ عن ابن القاسم: فيمن تصدق على أخت له بحصة في قرية وقال: كنتُ أصبتُ من مورثها مالاً فسهمي عليها صدقة في ذلم ولا يعلم ما أهاب من مالها قال: لا شفعة في ذلك لأن الثمن لا يُعرف ولا حوز عليها في ذلك الحظ لأنه لها بمعنى الشراء. قال سحنون مثله قال: لأنه ليس ببيع وهو تمخ(6) فيما لا يعرفه المقرله ولا يطلبه ولو كان عن شيء يطلبه أو يدعيه فصولح عنه(7) كان كالبيع وأخذ الشفيعُ ذلك بالقيمة إن لم يُسم ما أصاب من مورثها.
ومن كتاب ابن المواز قال: فإذا وهبه شقصاً لغير الثواب فلا شفعة فيه وإن أثبت منها فلا شفعة فيها ولا في عوضها.
***
__________
(1) في الأصل، في كتاب الصلح.
(2) غير واضحة في الأصل.
(3) كذا في الأصل ولعل الصواب أو بحِباء وجاءت العبارة في ع و ف على الشكل التالي: أو يعطي لحباء والحِباء: العطاء من غير جزاء وهو من قولهم حباه كذا أو بكذا أعطاه إياه بلا جزاء.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.
(5) البيان والتحصيل، 12: 73.
(6) هذه اللفظة غير متداولة في الاستعمال وقد كتبت في الأصل محرفة وهي من قولهم تمحخى عن الأمر إذا ابتعد وتمخى إليه اعتذر وتمخى منه تبرأ منه.
(7) في ع، فصالح عنه.(1/165)
[11/175]
قال محمد: وإذا فاتت الهبة للثواب في الرباع فوتاً يوجب القيمة فقد اختلف في فوتها. فقال ابن القاسم: حوالة الأسواق في الهبة فوتٌ إلا في الدور، وقال أشهب: هو فوتٌ في الرباع والهبة والبيع الفاسد، وقاله ابن عبد الحكم، فإذا فاتت على ما ذكرنا فقال أشهب: فقد وجبت القيمة والشفعة، وقال ابن القاسم وعبد الملك: (لا يوجب الشفعة حتى يدفعوا الثواب أو يُقضى به ويُعرف) (1).
قال عبد الملك: إذ لعله يقول لم أرِد ثواباً وإن رأى الناسُ أني أردته(2) فلا يكون له ثواباً ولا قول للشفيع أنك أردت إبطال شفعتي، وإن رأى أن الثواب قُبِضَ وكُتِمَ أحلف من بيده الشقص، قال محمد: وإن ترك الثواب بموضع الشفعة فلا شفعة إلا بعد دفع الثواب.
ومن العتبية(3) قال:/ عيسى عن ابن القاسم: فيمن دفع شقصاً على ثواب فيقول الموهوب له: مالي غائب أو غلامي غائب بمالي، أو شيءٌ يعتذر به فخذ عشرة دنانير فإذا قدم مالي أتيتُك بثواب ترضاه وتأخذها فيقوم الشفيع يريد الأخذ بالشفعة فلا شفعة له حتى يُثاب تمام الثواب، وكذلك لو قال الشفيع: أنا أدفع العشرة فإذا دفع تمام الثواب دفعته فليس ذلك له لأنه [إن لم يشبه رضاه رجع في عشرته] (4) ولم يلزمه تمام المثوبة ولا قيمة الهبة وذكر مثله ابن حبيب عن مطرف.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أثابه في الشقص أكثر من قيمته فقال أشهب: إن كان قبل فواتها فلا يأخذها [الشفيع إلا بجميع العوض وإن أثابه بعد فواته(5) أخذها] (6) بالأقل من ذلك أو من قيمتها وقال ابن القاسم وعبد الملك: ***
__________
(1) في ف، لا تجب الشفعة حتى يدفع الثواب أو يقضي به.
(2) في الأصل، أريد به والسياق يقتضي ما نقلناه من ع و ف.
(3) البيان والتحصيل، 12: 74.
(4) في الأصل، إن لم يثبه رضاه رجع في عصرته وهو تصحيف واضح.
(5) في ع، بعد فواتها.
(6) ما بين معقوفتين ساقط من ف.(1/166)
[11/176]
بل بقيمة العِوض ما بلغ. قال مالك: وإذا أظهر الصدقة لم يحلف المتصدق عليه إن كان ممن لا يتهم وإن كان ممن يُتهم أُحلف.
وقال ابن نافع عن مالك في المجموعة: يُنظر، فإن رأى أنه وُهب لثواب لأنه محتاج وهب لأغنياء فاليمين على الموهوب وإن كان ضغيراً فعلى أبيه(1) الذي قبل ذلك له وإن كان مستغنياً عن ثوابهم وإنما وهب لقرابة أو صداقة فلا يمين في ذلك وإن وهب ولا قرابة بينهم ولا إخاء ولا حاجة له إليهم فاليمين في ذلك.
ومن كتاب ابن المواز: ومن أعمر داره على عوض لم يجز ورُدت ورد غلتها لربه(2). قال ابن القاسم: لأن ضمانها منه ويرد العوض، فإن فات/ فقيمته وما كان له مثل فمثله.
قال محمد: بل الغلة للمستغل وعليه كراء المثل فيما سكن كالكراء الفاسد يفسخ ما بقي. قال ابن القاسم وأشهب: فيمن وهب داراً فاستحق رجل نصفها واستشفع فجميع الثمن للواهب، ولو وهب شِقصاً اشتراه فأخذه الشفيع من الموهوب فله الثمن عند ابن القاسم إذا كان يعلم أن له شفيعاً، وقال أشهب: الثمن للواهب في الشفعة والاستحقاق. قال محمد: وهذا أحب إلينا لأنه بالبيع الأول يأخذه فهو يفسخ ما بعده [من بيع].
[ما جاء] (3) في الشفعة في البيع الفاسد
قال ابن المواز: لا شفعة في بيع فاسد عند مالك إلا بعد فوت الشقص، والفوت فيه عند ابن القاسم البناءُ والهدمُ والغرسُ وقلعُ الشجر، وقال أشهب: حوالة الأسواق فوت في الرباع كغيرها. قال: وإن أخذه الشفيع قبل فوته بمثل ما اشتراه به فلينقض أيضاً(4) إلا أن يفوت في يده، فإن فات [في يده] (5) ببعض ما ***
__________
(1) كتبت في الأصل خطأ على ابنه وهو خطأ واضح.
(2) في ع، لربها.
(3) ما جاء) ساقط من الأصل.
(4) في ع، فإنه ينقض أيضاً.
(5) في يده) ساقطة من الأصل مثبتة من ع و ف.(1/167)
[11/177]
ذكرنا فرجع البائع على المشتري بقيمته يوم قبضه لزم الشفيع ما لزم المشتري من تلك القيمة إلا أن يكون أكثر- يريد مما أخذه به الشفيع- فالشفيع مُخير إن شاء رد الشفعة وإن شاء تمسك(1) بها بتلك القيمة ما بلغت.
قال: وإن فات الشقص عند المشتري قبل أن يأخذه الشفيع ثم تراد البائع والمبتاع القيمة انتقضت الشفعة بكل حال وخُير الشفيع إن شاء أخذه بالقيمة التي رجع المشتري إليها ما بلغت وإن شاء أسلم(2). قال محمد: بل ذلك سواء/ فات عند المشتري قبل أن يأخذه الشفيع أو لم يفت حتى أخذه الشفيع فقد لزم الشفيع أخذُه بما ترادا به إلا أن يكون أكثر فيكون مخيراً بين أن يرد أو يأخذها بذلك.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: وإن باعه المبتاع بيعاً فاسداً. قال أشهب: أو ولاه رجلاً لردا جميعاً ما لم يفت، قال أشهب: ولا شفعة للشفيع لأن بيعهما جميعاً مردود، فإن كان قد فات عند الأجل فللشفيع أخذها من أيهما شاء بالقيمة التي لزمته بعد علمه بها، وإن كان إنما فاتت(3) عند الأول ولم تفت عند الآخر فبيعُ الآخر مفسوخٌ وللشفيع الشفعة بالبيع الأول.
محمد: ولو باعه ثانٍ من ثالثٍ بيعاً جائزاً فهو فوتٌ وللشفيع الشفعةُ على أيهما شاء، فإن أخذها من الأول فبالقيمة يوم قبضها ويرجع كل واحد من الباقين بما دفع، وإن أخذ من الثاني فبالقيمة يوم بيعه وقبضه بعد علمه بذلك كله، وإن أخذ من الثالث فبالثمن وعهدتُه على من يأخذ منه. وإن أخذ من الأول زالت عن الباقين ولا يأخذ من الأول ولا من الثاني حتى يتراجعوا القيمة وتُعرف، ولو فعل ***
__________
(1) في الأصل، تماسك بها.
(2) في ع، وإن شاء سلم.
(3) في الأصل، إنما كانت وهو تصحيف واضح.(1/168)
[11/178]
قبل ذلك لنقض بذلك البيع الصحيح وما قبله وزالت الشفعة أخذها من الأول أو الثاني. ولو لم يأخذ بالشفعة حتى تراجعوا القيمة أو دخله فوت يوجب القيمة لم يكن فيه فسخ وليأخذ إن شاء بالقيمة ممن لزمته وعليه عهدته بعد معرفتهما وإلا فأخذه باطل.
قال ابن ميسر: ثم له إذا عرفها أن يأخذ قال: وإن شاء بالثمن من الآخر. قال/ أشهب في المجموعة: وإن كان مبتاع الشقص بيعاً فاسداً باعه من بائعه إياه بيعاً فاسداً أو جائزاً ولم يدخل الشقص فوتٌ إلا البيع فلا شفعة للشفيع على واحد منهما(1) وليس هذا البيع فوتاً وليترادا ما تعاطيا فإن باعه البائع بعدما اشتراه [بيعاً جائزاً فللشفيع أن يأخذ ذلك بالشفعة، محمد وإذا اشتراه] (2) الثاني من الأول شراءً صحيحاً ثم لم يقم الشفيع حتى رده الثاني بعيب فإن كان ذلك بعد أن غرم الأول قيمة الشقص لفساد البيع فليس له رد بفساد البيع وله الرد بالعيب إن شاء.
قال ابن عبدوس قال سحنون: كيف يكون للمشتري الأول ردها بالعيب على البائع الأول والبيع الأول قد انتقض ووجبت فيه القيمة لفوته وإنما يجب عليه الرجوعُ بفضل ما بين القيمتين، قيمتها صحيحة وقيمتها معيبة فيصير المشتري غرم قيمة ما فات في يديه وليس ردها بالعيب كقولهم: فيمن تعدى على دابةٍ فضلت فغرم قيمتها بعد أن وصفها فحلف ثم وُجدت على خلاف ما وصف فليس لربها أخذها وإنما له تمام القيمة؟
قال ابن المواز: وإن كان ذلك قبل تراجع القيمة فسخ البيع الأول ورجعت إلى البائع الأول، قاله ابن القاسم، ولو لم يفت الشقص بيد الأول إلا ببناء أو هدم فليس للشفيع أن يأخذ حتى يتراد البائع والمبتاع القيمة ثم يأخذه ويغرم قيمة ما ***
__________
(1) في الأصل، على واحد منهم.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.(1/169)
[11/179]
بناه قائماً ولا يُحط من قيمة الشقص للهدم شيءٌ ولا لما هلك بغير سببه ولا بنائه من نقضه حُسب على المبتاع قيمة ما سُلم منه نقضاً وكان له(1) على الشفيع قيمة ما بناه قائماً وإلا فلا شفعة له.
/ في الشفعة في بيع الخِيار
أو فيما يَرُده بعيبٍ أو بفلس أو فيما يستحق منه
وكيف إن غصب عبداً فابتاع به شِقصاً
من كتاب ابن المواز والمجموعة: قال مالك: ومن ابتاع شِقصاً بالخيار له أو لبائعه فلا شفعة حتى يَنفذ البيعُ.
قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: وكذلك إن كان الخيارُ لأجنبي قال في كتاب ابن المواز: ولو سلم الشفيعُ شفعته قبل تمام الخيار لم يُبطل ذلك شفعته وله القيام إذا تم البيعُ وإذا باع شِقصاً بالخيار ثم باع الشفيع شقصه بيع بتل قبل تمام الخيار فروى أصبغُ عن ابن القاسم أن من صار إليه شِقصُ الخيار له الشفعة في بيع البتل للبائع إن تم لمبتاعه، وإن رجع إلى بائعه فهي لبائعه، قال محمد: وأحب إلينا أن تكون الشفعة في بيع البتل للبائع أولاً على الخيار رجع إليه شِقصه أو تم فيه البيعُ لأنه لم ينفذ بيعُه حتى وجبت فيه الشفعة في شِقص شريكه وقاله أصبغ.
قال ابن حبيب عن مطرف كقول ابن القاسم وقال عن ابن الماجشون: إنه إن اختار المشتري وله الخيار ينفذ البيعُ كانت الشفعة لبائع الخيار في بيع البتل لأنه كأنه باع بعد ان وجبت له الشفعة فإن ترك البائع بالخيار الأخذ بالشفعة فالشفعة للمشتري البتل فيما بيع بالخيار لأن بيع الخيار إنما بتل(2) يوم الخيار وقال مثله أشهب وفي غير كتاب ابن حبيب قال أشهب: الشفعة لمبتاع البتل/ في المبتاع بالخيار.
***
__________
(1) له) ساقطة من الأصل.
(2) في ف، إنما ثبت يوم الخيار.(1/170)
[11/180]
قال ابن حبيب عن مطرف: من باع نصف دار بالخيار لأحدهما ثم باع باقيها بيع بتل فإنه إن اختار ذو الخيار تنفيذ البيع وكان هو المبتاع فالشفعة لمشتري البتل وإن رد البيع فلا شفعة فيه للبائع الأول لأنه هو الذي باع.
ومن العتبية(1) روى يحيى عن ابن القاسم: فيمن باع داراً بعبد أو عرضٍ فاستحق نصفها فيرد المبتاع النصف الباقي على لابائع ثم قام الشفيعُ فالشفعة له واجبةٌ على المبتاع لا يقطعها رده للنصف قال: وإذا ابتاع داراً ثم ردها بعيبٍ دلس له به ثم استحق نصفها بعد أن ردها فالشفعة له إن شاء من حِساب جميع الثمن، وإن اشتراها بعد فاستحق نصفها وترك المستحق الشفعة ورضي المبتاع بإمساك النصف ويرجع في نصف العبد فإن فات رجع بنصف قيمته، فإن قال البائع: لا أحب نصف عبد فله ذلك وينتقض إلا أن يكون العبد فائتاً فلا حجة له.
قال أشهب في المجموعة: ومن ابتاع شقصاً فوجد به عيباً فأراد رده وطلب الشفيع أخذه وري بعيبه فللمبتاع رده ولا شفعة للشفيع، وقال سحنون في العتبية(2). في استحقاق أكثر ما اشترى أنه المقدم في الخيار. وقال أشهب: ومن اشترى شِقصاً بتسعين وأسلق عشرة فقال لرجل: قامت عليَّ بمائة فأنا أولاهما فولاه ذلك فليس البيعُ الثاني فاسداً ولكنه بيع تدليس فالمشتري الثاني مُخيرٌ إن شاء التمسك ببيعه وللشفيع الشفعة وإن شاء رده ولا شفعة، وإن فات الشقص ببناء أو هدم لزمه الأقل من المائة أو القيمة/ إلا أن تكون القيمة أقل من التسعين فلا تُنقض منها ويأخذ الشفيع بذلك. وقال سحنون: إذا فلس مشتري الشقص فرجع إلى بائعه فللشفيع الشفعة لأنه بيعٌ جديدٌ وليس كبيع الخيار ولا بيع العيب.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع شِقصاً بحنطة فأخذه الشفيع بمثلها ثم استحقت الحنطة الأولى فقال ابن القاسم: يرجع على بائعه بمثلها، قال محمد: ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 82-83.
(2) البيان والتحصيل، 12: 82.(1/171)
[11/181]
وهذا غلطٌ بل يرجع بقيمة شقصه ولو لم يأخذ بالشفعة لأخذه بعينه، وقد قال مالك [فيمن] (1) ابتاع حنطة بعينها فاستُحقت أنه لا يرجع بمثلها.
ومنه ومن المجموعة(2) قال ابن القاسم: ومن ابتاع شِقصاً قيمتُه ألفٌ بعبد قيمتُه ألفان فأخذه الشفيع بقيمة العبد ثم استُحق العبدُ فليرجع البائعُ أيضاً بقيمة شِقصه [ألف ولو كان الشقص قيمته ألفان وقيمة العبد ألف ثم استحق العبد لرجع البائع أيضاً بقيمة شقصه](3) ولا رجوع للشفيع عليه بشيء.
وقال ابن القاسم(4) وقاله أشهب وأصبغ وقال عبد الملك في الكتابين: إن الشفيع مخيرٌ إن كان قيمة الشقص أكثر فإن شاء استشفع بذلك وإن شاء رد، قال في غير الكتابين: إن كان قيمة الشقص أقل رجع الشفيع بما بقي له، وقاله سحنون، وقال ابن القاسم في الكتابين: فيمن غصب عبداً فابتاع به شِقصاً فما دام العبدُ قائماً فلا شفعة في الشقص وإن (فات) حتى يحسب على غاصبه قيمته فالشفعة للشفيع بقيمته يوم بيع الشقص.
قال ابن المواز: لا شفعة له حتى يفوت العبد بالموت ولا بقية العيوب، لأن لربه أخذه معيباً، فإذا مات فللشفيع الشفعة بقيمة العبد يوم اشترى به الشقص وعلى الغاصب قيمتُه/ يوم الغصب، وكذلك لو اشتراه وهو لم يعلم بالغصب حتى ابتاع به شِقصاً فلا شفعة فيه حتى يفوت العبد بالموت لأن لربه أخذه معيباً إن شاء. قال سحنون: ليس هذا جواب ابن القاسم في العبد (المغصوب) (5) وإنما ينظر فإن كان مشتري العبد عالماً بغصبه فاشتراه على ذلك فإنه ينظر ربه فإن جاء فأجاز البيع وجبت الشفعةُ وإن أخذ عبده انفسخ البيعُ وإن لم يعلم مشترية بالغصب وعلم بذلك في قيام الشفيع فإن كان رب العبد قريب الغيبة انتظر حتى ***
__________
(1) فيمن) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل ومنه ومن العتبية ومن المجموعة.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت في ع و ف.
(4) في ف، وقاله ابن المواز.
(5) العبارة في النسخ التي بين أيدينا غير واضحة سجلناها حسب ما بدا لنا والله أعلم.(1/172)
[11/182]
يقدم فيجيز أو يفسخ وإن بعُدت غيبته فللمبتاع فسخُ البيع ويرجع إليه الشقص وإن لم يفت حتى أخذ الشفيع بالشفعة فقد مضت الشفعةُ ونرجعُ إلى مسألة ابن القاسم إذا أخذ بالشفعة ثم استُحق العبدُ.
في عهدة الشفيع وفي قبض الثمن
قال ابن المواز: أجمع مالك وأصحابُه أن عهدة الشفيع على المشتري، قال أشهب في المجموعة: وإليه يدفع الثمن غن كان المبتاع قد دفعه إلى البائع وعلى المشتري قبض الشقص ودفعه إلى الشفيع، فإن كان المشتري حاضراً ولم يدفع الثمن دفع الشفيع الثمن إلى البائع وعلى المشتري قبضُ الشقص للشفيع، وإن شاء الشفيع قبضه من البائع وعهدتُه في ذلك كله على المبتاع.
ومن كتاب ابن المواز قال: فإن غاب المبتاع ولم يكن نقد فأبى البائع من دفع الشقص. قال ابن القاسم: ينظر فيه السلطان(1). وقال أشهب/ في الكتابين: إن قرُبت غيبته كتب إليه حتى يقدم فتكتب عليه العُهدة فإن بعدت غيبتُه قضى للشفيع بشفعته وقضى للبائع بقبض الثمن منه إن لم يكن قبضه وإن كان البائع قد قبضه أخذه الإمام من الشفيع فأوقفه للمبتاع وكتب عليه العهدة، فإذا قدم أشهد بذلك على نفسه. محمد: وإن مات فالعهدة على ورثته- يريد في تركته.
قال ابن حبيب: وإذا حكم على المبتاع بشفعة فأبى من اخذ الثمن فيوقف له مالاً من ماله والشفيع منه بريءٌ
ومن كتاب ابن المواز: وإن قبض المبتاع الشقص وسكنه ثم مات وقام غرماؤه وقام البائع بالثمن وقام الشفيع فالبائع أحق بالثمن من غرماء المشتري. محمد: ولو فلس المبتاع فالشفيع أحق بالشقص ويدفع الثمن إلى البائع.
***
__________
(1) في ع، ينظر فيه الإمام.(1/173)
[11/183]
فيمن وجبت له الشفعة فلم يقم بها حتى باع شقصه
وفيمن باع بعض حظه هل يستشفع فيه بما بقي؟
من العتبية(1) روى عيسى عن ابن القاسم: فيمن وجبت له شفعة ثم باع شِقصه وهو لا يعلم بذلك فله الشفعة وتُكتب عهدتُه على المبتاع، وقال مثله مطرف في كتاب ابن حبيب.
وقال أشهب في المجموعة: اختلف فيه قول مالك، وأحب إلي ألا شفعة له بعد. قال أحمد بن ميسر: لا شفعة له بعد أن باع إلا أن يبقى له بقية أخر/ لأن أصل الشفعة لما يدخل على الرجل من تضييق الواسع وخراب العامر وهذا فليس له شيء. وقال ابن المواز: إذا باع نصيبه بعد أن وجبت له الشفعة من المبتاع من شريكه أو من غيره فشفعته قائمة في الشقص الأول إن قام بها.
ومن المجموعة قال أشهب: من باع بعض حصته من دار فلا شفعة له مع الشريك بما بقي له لأنه باع راغباً في البيع وإنما الشفعة للضرر. قال غيره: ولو باع السطان على غائب بعض شِقصه في دينٍ عليه ثم قدم فلا شفعة له فيه، وكذلك لو باع جميعها عليه وعلى شريكه فلا شفعة لهما فيما بيع عليهما وهو كما لو باعاهما. قال أبو محمد: وتبين لي أن رجلاً لو باع شِقصاً له في دار ثم إن المشتري منه باع ذلك الشقص من رجل آخر أن لبائعه الأول فيه الشفعة لأن هذا بيع ثانٍ لم يله البائع الأول فلا حجة له فيه وليس له أخذه بالشفعة من هذا المشتري منه لأنه ولي بيعه.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 71.(1/174)
[11/184]
في تأجيل الآخذ بالشفعة في الأخذ وفي الثمن
وفيما تنقطع به شفعة الحاضر
من العتبية(1) من رواية أشهب عن مالك وهو في كتاب ابن المواز قال مالك: فيمن باع شِقصاً من حائط غائب فقال الشفيع دعني حتى أنظر فليس له ذلك إلا أن يكون الشقصُ على ساعةٍ من نهار وإلا فليس له ذلك.
قال ابن المواز: لأن الصفة(2) التي اشترى عليها المشتري تجري ويكتفي الشفيع بها عن النظر لأمر المشتري لأن المشتري إنما اشترى/ عن صفة أو عيان.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا رفعه المشتري إلى الإمام خُير الشفيعُ فإما أخذ أو ترك [وإن طلب التأخير اليومين والثلاثة لينظر رأيه فليس ذلك له ويسلمه السلطان إلى المشتري فإما أخذ] (3) الشفيع في مقامه أو ترك وقال أشهب في المجموعة مثله. وقال غيره: إذا طلب الشفيع عند الإمام الشفعة كلف الإمام المبتاع يثبتُ شراءه وإذا أثبت أحلفه لقد نقد ما سمى من الثمن وما أعلن شيئاً وأسر غيره وما ابتاعه بعرض ولا بدينٍ ثم قيل للشفيع أتأخذ أو تُسلم؟ فلا يبرح من المجلس حتى يأخذ أو يُسلم، فإن أخذها ضرب له في الثمن أجل يومين أو ثلاثة وإن لم يضرب أجلاً فلا بأس به، وإن طلب المبتاع بعد ذلك عند الحاكم في الثمن خيره في ذلك المجلس فإما ودى الثمن [أو قطع] الشفعة.
وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: يؤخره السلطان اليومين أو الثلاثة ليستشير وينظر. وذكر ابن حبيب عن أصبغ مثل ما ذكر ابن المواز. ومن كتاب ابن المواز: وإن أوقفه غير السلطان فذلك بيده وإليه حتى يوقفه السلطان.
قال مالك في هذه الكتب: فإن أخذ بالشفعة وطلب التأخير بالثمن اليومين والثلاثة فذلك له.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 65.
(2) في الأصل، لأن الصفقة.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.(1/175)
[11/185]
قال في كتاب ابن المواز: فإن أجابه إلى ذلك وإلا فالمشتري أحق بها. وقال مالك: رأيت القضاة يؤخرونه هكذا.
ومن العتبية(1) من رواية يحيى عن ابن القاسم: في الذي أخذ بالشفعة وطلب التأخير بالثمن فيؤخر ثم يبدو له ويأبى المشتري أن يقبله فالأخذ قد لزم الشفيع فإن لم يكن له مالٌ بيع حظه الذي استشفع وحظه الأول حتى يتم للمشتري جميع حقه ولا يقال إلا برضى المبتاع أن يُقيله/ وروى محمد عن أشهب نحوه. قال: وروى أشهب عن مالكٍ أن الحاضر إن لم يقم بشفعته حتى مضت سنة من يوم علمه ومن يوم بلغ الصغير لا أب له ولا وصي ومن يوم قدم الغائب فلا شفعة له. وقاله أشهب وقال: والسنة أصل في غير شيءٍ.
قال ابن وهب عن مالك في المجموعة: إن لم تقم سنة ولا طلب فلا شفعة له وقال عنه أشهب: ليس في ذلك حد وذلك مختلف، ليس الأرض البراح مثل ما عُمر وأُحيي.
قال في كتاب محمد روى عنه ابن القاسم: السنة والسنة قريب. وقال أشهب: إذا غَرُبت الشمس من آخر أيام السنة ولم يقم فلا شيء له. قال ابن ميسر: ما قارب السنة داخل في حكمها. قال غيره: إلا أن يقول الشفيع أنا على شفعتي ويشهد على ذلك شهوداً يشهدهم على المبتاع فله الشفعة، وإن طال مُكث ذلك لأنه قد أشهد عليه بالأخذ فترك المبتاع القيام عليه إلا أن يكون قد أوقفه السلطان فلم يأخذه بالشفعة وأشهد عليه بذلك.
قال ابن حبيب: وقال مطرف وابن الماجشون عن مالك: لا تقطع شُفعة الحاضر شيءٌ إلا أن يوقفه الإمام على الأخذ أو الترك أو يتركها هو طوعاً أو يأتي من طول الزمان ما يُعلم أنه كان تاركاً لها أو يحدث فيها المبتاع بناءً أو غرساً أو هدماً أو تغييراً وهو حاضرٌ فتنقطع شفعته إلا أن يقوم بحدثان ذلك ومقاربته وأنكر أن يكون مالكٌ ما حدّ سنةٍ، وقالا: سمعناه وقد سُئل عن شفيع حاضر قام على ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 84.(1/176)
[11/186]
شفعته بعد خمس سنين وربما قيل له أكثر من ذلك فيقول في هذا: لا أرى له طولاً ما لم يحدث المشتري بنياناً أو تغييراً بيناً/ وهو حاضر، فإن أجله أقصرُ من أجل الدين لم يحدث عليه شيءٌ. وقال أصبغ: هو على شفعته السنتين والثلاثة ونحو ذلك ما لم يبنِ فيه المشتري أو يبع. قال ابن حبيب: وروى ابن وهب عن مالك مثل رواية مطرفٍ وابن الماجشون. وروى أصبغ عن أشهب في العتبية(1) أنه قال: إذا عالج فيها المبتاع هدماً أو مرمة(2) فلا أرى إلا وستنقطع قبل السنة وإن لم يكن كذلك فإلى سنة.
قال أشهب وللغائب سنة من يوم يقدم وكذلك الصغير له أجل سنة من حين يحتلم وكذلك في كتاب محمد عنه.
وقال مالك في الكتابين: إذا حضر الشفيع الشراء وكتب شهادته ثم قام بعد عشرة أيام أو نحوها قال: ذلك له وأشدُّ ما عليه أن يحلف ما كان ذلك منه تركاً لشفعته ويأخذها.
وروى عنه ابن القاسم في العتبية(3): في شفيع قام بعد شهرين أيحلف [أم لا؟](4) قال: لا. وروى عنه: فيمن قام بعد تسعة أشهر. قال: يحلف.
وفي كتاب محمد عن مالك: أنه يحلف في سبعة أشهر أوخمسة ولا يحلف في شهرين. قال ابن عبد الحكم: وإذا قال الشفيع: لم أعلم بالبيع وهو (حاضر) (5) بالبلد فهو مصدق ولو بعد أربع سنين. محمد: وإن الأربع السنين لكثيرٌ ولا يصدق في أكثر منها وقاله لي ابن عبد الحكم.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 104.
(2) المرمة: الإصلاح يقال رم الشيء يرمه بضم الراء وكسرها رماً ومرمة أصلحه.
(3) البيان والتحصيل، 12: 62.
(4) أم لا) زائدة من ع.
(5) حاضر) زائدة من ع.(1/177)
[11/187]
ما جاء في شفعة الغائب والصغير والمُولى عليه
من كتاب محمد والمجموعة قال مالك: إذا قدم الغائب فله القيام بشفعته وإن طالت غيبته وإن لم يشهد في غيبته أنه على شفعته قال محمد: قاله مالك وأصحابه.
ومن كتاب محمد: / قال مالك: إلا أن يقدم بعد طول العهد مما يُجهل في مثله أصلُ البيع وتموت الشهود، وأما في قرب الأمر مما يرى أن البائع أحق بالثمن لقطع الشفعة فليُقم على ما يرى من ثمنها يوم البيع فيأخذه. قال أشهب في الكتابين: إلا أن تكون غيبةُ الشفيع لا مُؤونة عليه في الشخوص فيُعد كالحاضر.
قال في المجموعة: وهذا إذا طال زمانُه وعلم بوجوب الشفعة. قال غيره: وليس المرأة في ذلك والضعيف ومن لا يستطيع النهوض مثل غيرهم وإنما فيه اجتهاد السلطان ولسلطان بلد المشتري الكتابُ إلى سلطان بلد الشفيع فيوقفه فإما أخذ أو ترك.
ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: في الغائب نحو قول مالك. قالا: وله بعد قدومه مثل ما للحاضر. قالا: وكذلك المريض أو الصغير والبِكر فذلك كغيبة الغائب ولهم بعد زوال العذر مثل ما للحاضر سواء كان الغائب أو المريض عالِماً بشفعته أو جاهلاً. وقال أصبغ: المريض كالصحيح إلا ان يشهد في مرضه قبل مُضي وقت الشفعة أنه على شفعته وأنه ترك التوكيل(1) عجزاً عنه وإلا فلا شيء له بعد ذلك، قال ابن حبيب: والأول أحب إلينا.
وبه ومن كتاب محمد قال مالك: وإن مات الشفيعُ في غيبته فلورثته القيامُ. قال ابن القاسم: وإن سافر المشتري والشفيع من موضع الدار إلى موضعٍ واحدٍ بعد علمه بالشراء؟ فإن شفعته تنقطع وفي طول المدة بما تنقطع به شفعة الحاضر.
***
__________
(1) في الأصل، ترك التوكل وما أثبتناه أخذناه من ف و ع.(1/178)
[11/188]
قال في/ كتاب محمد وهو لأشهب في المجموعة: وإذا كان الشفيع حاضراً بموضع الدار والمبتاع غائبٌ غاب بموضع الشراء أو اشتراها في غيبة أو اشتراها له وكيل فالشفعة له قائمة وإن طالت غيبةُ المشتري، وكذلك إن كان وكيله هدم وبنى ويُكري بحضرة الشفيع ما لم يكن مُوكلاً(1) على دفع الشفعة عنه.
قال في المجموعة: بينة [عادلة] (2) حاضرة قد علم بها الشفيع.
قال في الكتابين: وإن كان لو قام الشفيع لحكم بالشفعة ولكن لا يضره ذلك إن لم يقم لعذره(3) بتجشم الخطوم. وإن كتابه عليه العهدة بحضرته أحسن. قال ابن ميسر: إذا كان الوكيل يهدم ويبني ويكري بحضرة الشفيع فلابد أن يلي ذلك معه وهذا يقطع شفعته، وكذلك إن لم يل ذلك معه وقامت بينة بعلمه ذلك وحضوره فلا شفعة له إذا مضى ما تنقطع إليه الشفعة.
ومن الكتابين قال أشهب: وإذا قام الشفيع في غيبة المبتاع قضى له على وكيله بالشفعة ولا عهدة له على الوكيل ولكن على الغائب ويدفع الثمن إلى الوكيل على الشراء إن كان وكله وهو يعلم أن لها شفيعاً فيكون ذلك توكيلاً على قبض الثمن، وإن لم يعلم بالشفيع فلا يدفع الثمن إليه ولكن إلى من يراه الإمام وإنما لا يكتب العهدة على الوكيل إذا ثبت أنه للغائب اشتراها قبل عقد البيع(4) بالإشهاد أنه لفلان يشتري فأما على إقراره بذلك بعد الشراء فلا يقبل ولا يزيل العهدة عنه، ثم إن قدم الغائب فأقر بمثل ذلك فالشفيع مخير في/ أن يقبل ذلك ويبرئ الوكيل من العهدة ويكتبها على هذا ثم لا رجوع له على الوكيل بعد ذلك إن كان استحقاق وإن اختار عهدته على الوكيل فإن استحق ذلك فهو مخير في اتباع أيهما شاء لأنه إن رجع [على الوكيل رجع الوكيل] (5) على الموكل بإقراره له قال: ***
__________
(1) في الأصل، ما لم يكن منهما وما أثبتناه مأخوذ من ع و ف.
(2) عادلة) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل، وإن لم يقم لعذرته.
(4) في الأصل، قيل يجوز البيع.
(5) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل.(1/179)
[11/189]
ومن ابتاع شقصاً غائباً والشفيع والمبتاع غائبان وكل واحد منهما بموضع غير موضع الآخر ثم قدم الشفيع على المبتاع بموضع هو به فأقام معه ما تنقطع فيه الشفعة (وهو) (1) لا يطلبه فذلك يقطع شفعته، قال مالك: ولا حجة له بغيبة الدار.
قال أشهب: والشفعة للصغير والمولى عليه أبداً حتى يقيما بعد زوال الولاية سنة كالغائب بعد قدومه إلا أن يكون للصبي أو المولى عليه أبٌ أو وصي أو من جعله القاضي يليه فيكون تركُه ذلك سنةً بعد علمه به يقطع الشفعة، وإن ولي نفسه قبل تمامها فله ذلك إلى تمامها إلا أن يكون وليه قد سلمها.
قال مالك في المجموعة: إذا علم بها وليه وعُلم منه في ذلك تفريط وتضييعٌ وإن أمره فيه كان غير حسن، فلا أرى له شفعة إذا بلغ الصبي بعد خمس سنين. وقال ابن القاسم وأشهب: لأن وليه بمنزلته.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإن لم يكن للبكر والصبي ولي ورُفع ذلك إلى الإمام نظر لهما في الأخذ أو الترك فينفذ ما رأى لا يعود ذلك لهما(2) بعد، زوال الولاية، ولو كان الولي أو الإمام إنما ترك الأخذ إذ لا مال لهما ولهما فيها حظ ثم أفادا مالاً فلا شفعة بعد/ ذلك. ومن كتاب محمد والمجموعة قال أشهب: ولا تسليم لأحد من قرابة الصغير إلا لأبٍ أو وصي أب أو من جعله السلطان وصياً عليه، وإذا رفع المشتري خبره إلى الإمام ولا ولي له لم يؤخر ونظر فإما أخذ له أو سلم ولا يؤخره حتى يقيم له خليفته عليه إلا أن يكون على ثقة من إيجاز ذلك إلى مثل يومين أو ثلاثة، وإذا كان له وصيان فاختلفا لم يلزمه رد هذا ولا أخذ هذا ونظر له الإمامُ، فإن طال ذلك ولم يرفع إلى الإمام حتى تمت السنة فإن كان ذلك بيد المبتاع زالت(3) الشفعة، وإن كان ذلك بيد الآخر فالصبي إذا بلغ مخيرٌ إما أخذ أو ترك فإن لم يبلغ نظر السلطان له.
***
__________
(1) وهو) زيادة من ع.
(2) في الأصل و ف، لا يعد ذلك لهما.
(3) في الأصل و ف، رأيت الشفعة ولعل الصواب ما أثبتناه من ع.(1/180)
[11/190]
[ما جاء] (1) في تسليم الشفعة قبل الشراء أو بعده بمال
أو بغير مالٍ، وما يُعد من فعل الشفيع تسليماً
من المجموعة: قال ابن وهب عن مالك: وإذا رضي الشريكان أن يقول كل واحد للآخر بع ولا شفعة لي فليس ذلك لهما وكل واحد على شفعته. قال عنه ابن القاسم: والتسليم قبل الشراء بمالٍ أو بغير مال فلا يلزم ذلك ويرد المال.
قال أشهب وعبد الملك: كمن أذن له ورثتُه أن يوصي بأكثر من ثلثه في صحته فلا يلزمهم(2). قال أشهب: وإذا سلم بعد الشراء بمال أخذه من المبتاع أو من غيره فلا بأس به. وقال أيضاً: وهو في كتاب ابن المواز: وإذا سلم في شقص بيع بالخيار في أيام الخيار بعوض أو بغير عوض لم يلزمه وهو على شفعته، ولو رضيا بإمضاء ذلك العوضِ بعد تمام البيع لم يجز ذلك حتى يفسخا ذلك بقضية أو بغير قضية/ ثم تبايعا ما أحبا، وتسليمه الشفعة قبل علمه بالثمن بخلاف أخذه ولو عرف الثمن فأخذ وقد أحدث المشتري بناءً لم يجز ذلك إلا بعد علمه بقيمة البناء.
ومن العتبية(3) قال عيسى بن دينار: فيمن وقعت له شفعة في أرض فقام بها إلا أنه قال للمبتاع أنا أحب حفظك ولك ولد مؤذ فأنا أدع الشفعة على أن لا يؤذيني ولدُك فمتى ما بلغني أذاه فأنا على شفعتي فتراضيا على ذلك وأشهدا به. قال: ما أحب العمل به، فإن وقع ومضت السنة(4) ثم بلغه الأذى وثبت ذلك فله الأخذ بالشفعة وليوقف الآن أو يترك الشرط، بلغه الأذى أو لم يبلغه، ولا تقطع السنة شفعته لأن عذره فيها بين، ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا ساوم الشفيع المبتاع في الشقص أو اكتراه منه أو ساقاه إياه فهو تسليم للشفعة. ***
__________
(1) ما جاء) ساقطة من ع و ف.
(2) في الأصل، فلا يلزم.
(3) لم يتيسر ربط النص بأصله.
(4) في الأصل، فإن وقع مضت لسنة والصواب ما أثبتناه من ع و ف.(1/181)
[11/191]
وقال أشهب: لا يضره ذلك وهو على شفعته لأنه يقول كما لو فعل ذلك غيري بمحضري فلم أنكر وكذلك لو حضر وهو يباع في المزايدة فزايد فيه ثم بيع بحضرته ثم طلب شفعته كان ذلك له.
قال أشهب: ولو قاسمه كان قطعاً لشفعته.
باب(1)
في الشفيع يخبر بغير ما وقع به الشراء
فيأخذ أو يترك ثم يتبين له خلاف ذلك
من كتاب ابن المواز والمجموعة لأشهب واللفظ لكتاب محمد: وإذا قيل للشفيع إن البيع وقع بدنانير كذا أو شيءِ/ يكال أو يوزن فسلم ثم ظهر أنه ابتاعه بأقل من ذلك فله الأخذ بعد يمينه. وقال: لا يمين عليه لظهور سبب تسليمه.
قال أشهب فيه وفي المجموعة: وإذا قيل له بيع بمائة إردب قمح فسلم ثم ظهر أنه باع بدنانير؟ قال في المجموعة: أو بعرض يُقوم فأخذ فذلك له وإن كانت الدنانير أكثر من قسمة القمح ويحلف ما سلمتُ إلا لذلك، ولو أخذ بالقمح ثم علم بالدنانير لم يكن له رد لأن الدنانير أخذ مؤنة. قال محمد: إلا أن تكون الدنانير أكثر من ثمن القمح بأمر بين، ولو قيل بالدنانير ثم ظهر أنه بقمح فها هنا يلزمه تسليمه إلا أن يكون القمح أقل ثمناً، ولو كنت أخذت أولاً لم يلزمك إلا أن تشاء، فلو قيل لك إنه مائة إردب قمح فسلمت ثم ظهر أنه عدَسٌ(2) أو تمرٌ أو شيءٌ يُكال فلك مقالٌ في قلة الثمن ولا حجة لك في الكيل لأن مؤن الكيل واحدة، ولو ظهر لك أنه بما يوزن من عسل أو زيت فلك الرجوع، لأن الوزن أخذ بعد يمينك أنك ما سلمت إلا لذلك، ولو قيل لك ***
__________
(1) لم تذكر لفظة باب في ع و ف.
(2) في الأصل، ثم ظهر أنه غرس وهو سهو من الناسخ.(1/182)
[11/192]
بجارية صفتها كذا أو عرض فسلمت أو أخذت ثم تبين أن ذلك بدنانير فذلك يلزمك في التسليم والأخذ أنك تؤدي القيمة ما لم تكن قيمة ذلك أكثر وقد سلمت فلك الرجوع أو تكون(1) أقل وقد أخذت فلك الرجوع، وكذلك لو سمى لك بدنانير فأخذت ثم تبين أنه عرضٌ فأخذُك جائز لازم ما لم تكن القيمة أكثر، وإن سلمتَ لزمك ما لم تكن القيمة أقل، ولو قيل لك بجارية أو عرض ولم تُوصف/ فسلمت ثم تبين أنه دنانير(2) فلا حجة لك لأن التسليم مع جهل مبلغ الثمن لازم وإنما يؤدي في العروض مالاً إلا أن ظهر أن ثمن الشقص شيءٌ قليلٌ لا يكون مثله ثمناً لما سمى لك من جارية أو عرض ولا بعارية مثل دينارٍ أو عشرين درهماً فلك الأخذ.
قال محمد: إذا كان الثمن قليلاً لا يشبه أن يكون ثمناً لم يلزمه تسليمه. قال أشهب في المجموعة: وكذلك لو قيل لو بيعت بدنانير أو بدراهم لم يسميا(3) ولم يوصف فسلَّمَ ثم ظهر أنه بيع بغير ذلك فلا شفعة له. قال في الكتابين: وإن سمى له مائة دينارٍ أو مائة درهم فأخذ لزمه بالوزن الذي يتبايع به الناس يومئذ، وإن وقع البيع على أغلى من ذلك فهو مخيرٌ أن يأخذ أو يترك، إن سُمي له قمحٌ بكليه ولم يوصف فأخذ لزمه إن كان بالوسط منه أو بدونه، وإن كان بأغلى من الوسط [فإما أخذ أو ترك، ولو قال المشتري للشفيع ود الوسط] (4) لم يلزمه إلا أن يشاء، إذ لا يلزمه قبول المعروف وكذلك لو سميت له دنانير أقل مما بيع به فأخذ بها ثم ظهر له أكثر(5) فترك فأسقط عنه المبتاع الزيادة ليلزمه فلا يلزمه إلا أن يشاء، ولو قيل له بجارية أو عرض ولم يوصف فأخذ فهذا أخذ فاسد لا يلزمه، وكذلك لو صفت له ولم يعرف القيمة فأخذه فاسد. وقد تقدم في كتاب ابن ***
__________
(1) تكون) ساقطة من الأصل.
(2) في ع و ف، ثم ظهر أنه دنانير.
(3) في الأصل، بيعت بدنانير أو بدراهم ثم سمى.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(5) في الأصل، ثم ظهر له الخبر.(1/183)
[11/193]
المواز في باب آخر أنه بيع بعبد فأخذ فذلك جائز وإن لم يعرفا قيمته إذا عرفاه وإن جهلا قيمته فأما إذا كانت/ الشفعةُ إنما تجب بقيمة الشقص فهذا لا تلزمه الصفقة فيه إلا بعد معرفة قيمته.
قال أشهب في المجموعة في المسألة الأولى: وإن أراد الشفيع والمبتاع المقام على ذلك لم يجز ولكن من قال بعد أن عرف قيمة العرض قد أخذتُ فقد لزمه.
قال ابن المواز: وإن سمى له الثمن ولم يُسم له المشتري فسلم أو أخذ [فلا رجوع له، ولو سمى له غير المشتري فترك ثم علمه فأخذ فذلك له ولو كان أخذ] (1) أولاً أو لم يكن له رد حين عرفه إذ علم الثمن، ولو قيل له اشتراه فلانٌ فسلم ثم ظهر أنه مع آخر اشترياه فله الرجوع [في الشفعة] (2). قال ابن القاسم: ثم له أخذ جميع الشقص منهما ولا يلزمه تسليمه للآخذ. محمد: لأنه يقول ينتقص عليَّ. وقال أشهب: يلزمه التسليم للذي سلم له ويأخذ حصة الآخر ثم تكون الحصة التي سلمها أولاً بين المشتريين إن أحبا ويكتب عهدته عليهما، وإن شاء ألزماه أخذ ما سلم أو سلم لهما جميع الشراء.
قال محمد: إذا كانا متفاوضين فليس له إلا الأخذ منهما جميعاً أو التسليم إليهما، ولو سلمنا له فإن أدى الآخذ من أحدهما فقال أشهب: له الأخذ من أحدهما والتسليم للآخر. محمد: وهذا إن لم يكونا متفاوضين. وقال ابن القاسم: ليس له إلا أخذ الجميع أو يدع. قال أشهب: فإن قيل له بيع الشقص بمائة [فقال أخذت] (3) ثم ظهر أنه إنما اشترى نصفه بخمسين فإنه يلزمه النصف إلا أن يكون ما لا منفعة فيه لقلته وضيقه فله رده، ولو قيل له اشترى الجميع فسلم ثم ظهر أنه النصفُ فلا رجوع له. قاله ابن القاسم وأشهب. قال/ أشهب: ولا حجة له أن يقول شركني رجلان. محمد: إذ لا يتشافعان دونه ولو قيل له اشتري ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(2) في الشفعة) ساقطة من الأصل.
(3) فقال أخذت) ساقطة من الأصل.(1/184)
[11/194]
النصف بخمسين فأخذ ثم ظهر أنه [اشتُري] (1) الجميع بمائة فله أخذ باقيه، فإن أبى فالمبتاع مخيرٌ أن يقول رُد النصف أو خُذ الجميع، ولو سلم على النصف ثم تبين أنه الجميع فشاء الأخذ فقال المبتاع لا أعطيك هذا النصف(2) الذي سلمت لي، قال أشهب: فذلك له وللشفيع أخذ النصف الآخر(3). فقال ابن القاسم: له أخذ الجميع، وإن قيل بيع الجميع فأخذ النصف وسكت عن النصف الآخر فإن شاء المشتري إلزامه الجميع فذلك له أو يدع الجميع، وإن تماسك المبتاع بالنصف الذي سكت عنه الشفيع وأراد الشفيع أخذه فليحلف ما كان ذلك تسليماً له ولكن لما يذكره ثم يأخذ باقيه.
في مجهلة(4) الثمن وفي اختلاف المتبايعين في الثمن
فيما فيه الشفعة واختلاف الشفيع والمبتاع في ذلك
والرجلين يدعي كل واحد منهما
أنه ابتاع الشقص من الآخر
من كتاب ابن المواز وهو في العتبية(5) من سماع ابن القاسم: وإذا قال المبتاع نسيتُ الثمن فإن مضى من طول السنين ما يندرس فيه العلم وتموت البينة وتُرفع فيها التهمة فالشفعة ساقطة، وكذلك إن كان غائباً أو صغيراً، وأما إن كان على غير ذلك فالشفعة قائمة بقيمة الشقص.
قال ابن عبدوس قال ابن الماجشون: إذا جاء الشفيع إلى ولد المبتاع بعد طول الزمان فيحلف الولد/ ما عنده عِلم ذلك ثم يأخذ بالقيمة وكذلك لو كان المبتاع حياً وقال لا أدري بكم اشتريتُ فيحلف، فإن نكل أخذه الشفيع إن شاء ***
__________
(1) اشترى) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل، لا أعطيك النصف.
(3) في الأصل، فذلك للمبتاع أخذ النصف الآخر وهو كلام غير منسق.
(4) في الأصل، في مهلة الثمن.
(5) لم يتيسر ربط النص بأصله.(1/185)
[11/195]
وقيل للمبتاع متى أحببت حقك فخذه وإن حلف فلك قيمته يوم تسليمه إلى الشفيع، وإن قال الشفيع لا أقبضه(1) إذ لعل ثمنه كثير فلابد من أن يحلف المبتاع ما علمه أو يُسجن.
وقال غيره: إذا اختلفوا في الثمن فجاء المشتري بما لا يشبه أو جهلوا الثمن استشفعه بقيمته يوم ابتاعه المبتاع(2).
ومن كتاب محمد: وإذا تشاهد المتبايعان على البيع وكتما الثمن لم تجب الشفعة حتى يظهر الثمن.
قال في كتاب محمد وهو لأشهب في المجموعة: ولو قال البائع: بعتُ بمائتين وقال المبتاع بمائة تحالفا وتفاسخا وفُسخت الشفعة، فإن نكل المبتاع بعد يمين البائع ودى مائتين وأخذ الشفيع بمائة كما أقر المبتاع، ولو رجع فصدَّق البائع ما قبل منه، وكذلك إن قال: أنا آخذها بما قال وكذلك لو كان قول البائع أشبه فقضى بقوله مع يمينه لم يلزم الشفيع غير مائة.
وروى ابن حبيب عن ابن عبد الحكم أنه إذا اختلفا فقال البائع بمائتين وقال المبتاع بمائة أن المبتاع إن نكل لزمه الشراءُ بمائتين وإن نكل ما وجبت له الشفعة. وقاله أصبغ قال ابن القاسم: فإن نكلا جميعاً أو حلفا فُسِخَ البيعُ ثم ليس للشفيع أخذها بقول البائع لانفساخ الصفقة فإذا فاتت ببناء أو هدم صُدق المشتري في الثمن مع يمينه/ قاله ابن القاسم، وقال أشهب: يتحالفان ويتفاسخان وتُرد القيمة في الفوت إلا أن تتجاوز دعوى البائع أو تنقص عن دعوى المبتاع فلا تُنقص ولا يُزاد ثم يأخذ الشفيع بما استقر من ذلك.
ومن كتاب محمد ومن العتبية(3) من سماع أشهب: ولو قال المشتري: اشتريتُ بمائتين وقال الشفيع بل بمائة لم ينظر إلى تصديق البائع أحدهما ولا تُقبل ***
__________
(1) في الأصل، لا أقضيه.
(2) في الأصل، استشفعه بقيمة يوم ابتاع.
(3) البيان والتحصيل، 12: 62-68.(1/186)
[11/196]
شهادتُه ولا يأخذها الشفيع إلا بما قال المبتاع. قال محمد: لم يختلف مالكٌ وأصحابه في هذا، فإن ادعى ما لا يشبه فقد اختلفوا، فروى أشهب عن مالك: أنه يُصدق فيما يشبه بلا يمين وفيما لا يشبه مع اليمين وكذلك في العتبية(1) عنه.
وقال في الكتابين: إلا أن يكون ملك مجاورٌ له أو سلطان فيصدّق [في كثرة الثمن الذي لا يشبه بلا يمين. محمد وروى عنه ابن القاسم أن المشتري يصدق فيما يشبه ولا يصدق فيما لا يشبه إلا مثل الملك المجاور فيصدق] (2) فيما يتغابن فيه مثله. محمد: وهذا كله مما إذا لم يدع الشفيع أنه حضر تبايعهما ولا عَلِمَ الثمن فأما إن ادعى عِلمَ الثمن فلابد من يمين المبتاع، فإن نكل حلف الشفيع وودى ما قال، وقاله مالك في موطأه(3) وكذلك إن أقام شاهداً حلف معه وإلا حلف المبتاع. قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا اختلف الشفيع والمبتاع في ثمن الشقص فإن ادعى المبتاع ما يشبه حلف وصُدق وإن جاء بسرف(4) ردٌ إلى قيمة الشقص، فإن شاء أخذ الشفيع بذلك وإن شاء ترك. وقال مطرف: يُصدق المبتاع مع يمينه وإن جاء بسرف.
قال في كتاب ابن المواز ذكره ابن عبدوس لابن القاسم: وإن أقاما جميعاً البينة صُدق المبتاع كارتفاع البينة قال/ في كتاب محمد: إذا كانت شهادتهما على صفقة [واحدة](5) قضى بأعدلهما فإن تكافؤوا سقطوا. وذكر ابن عبدوس مثله عن أشهب. قال سحنون: لا يبطلان في التكافؤ والبينة بينة المبتاع وليس من التهاتر لأنها أزيد كاختلاف المتبايعين في مقدار الثمن ويقيمان البينة، فالبينة بينة البائع لأنها زادت، وكذلك المبتاع والشفيع.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 62-68.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ف و ع.
(3) يمكن الاستئناس في هذا الموضوع بما جاء في الجزء الثاني من الموطإ في كتاب باب ما تقع فيه الشفعة حسب ذكر الخلاف الذي وقع بين البائع والمشتري في تحديد قيمة الثمن الذي فات.
(4) السرف بفتحتين: ضد القصد.
(5) واحدة) ساقطة من ع.(1/187)
[11/197]
وقال أشهب مثله في كتاب محمد: أنه إن كانت الشهادة في مجلسين(1) فالقول قول بينة الشفيع إن كانوا عدولاً وإن كان الآخرون [أعدل]، لأنه إن كانت بينة الشفيع قبل فقد زاده المبتاع بعد الصفقة وإن كانت بعد فهي وضيعة من الثمن الأول. قال محمد: وإن كان الثمن عرضاً أو حيواناً قد فات فاختلفا في قيمته فقال مالك: فالمبتاع مُصدق في صفته أو في قيمته يوم البيع، فإن جاء بما لا يُشبه صُدق الشفيعُ مع يمينه فيما يشبه، وقاله ابن القاسم وقال نحوه أشهب: إذا كان العرض قائماً إلا أنه طال زمانه. واختلفا في صفته كيف كان يوم البيع قال: وإن هلك العرض فأتيا بما لا يشبه قيل للمبتاع احلف ولك أقصى ما لا يتبين فيه كذبك فإن أبى حلف الشفيع وكان عليه أدنى مالا يظهر فيه كذبُه فإن نكل نُظر فإن ادعى أنه حضر أو علم الثمن ونكل لم يأخذه إلا بأكثر ما لا يتبين فيه كذبه للمبتاع، فإن لم يدع العلم فليس بناكل والمبتاع ناكل فيكون للشفيع بأقل ما ادعى مما لا يعرف فيه كذبه بعد أن يحلف أنه ما يعلم/ ما ادعى المشتري، قال محمد: فإن حلف فأحبُّ إليَّ أن يحبس المشتري حتى يحلف وإن ادعى الشفيع العلم ونكل فلا شفعة له.
وروى أشهب وابن وهب عن مالك: إذا هلك العرض والحيوان وهو الثمن فاختلفا في قيمته حلف المبتاع أن قيمته ما قال ثم إن شاء الشفيع أخذ بذلك أو ترك إلا ان يأتي ببينة.
وقال ابن الماجشون: إذا نكل المبتاع فليقبض الشفيع الشقص إن شاء ويقال للشفيع متى أثبت(2) حقك ببينة أو يمين فلك قيمته يوم سلمته إلى البائع، فإن قال الشفيع لا أقبضه(3) على هذا إذ لعله أكثرُ فلابد أن يحلف المبتاع أو يُسجن.
***
__________
(1) في الأصل، في مجلس والصواب ما أثبتناه من ع و ف.
(2) في الأصل، أحييت وكذلك في النسخ الأخرى وأظن أنها محرفة عن أثبتت فآثرت استعمالها في النص والله أعلم.
(3) في الأصل، لا أقضيه وما أثبتناه مأخوذ من ع و ف.(1/188)
[11/198]
ومن كتاب ابن المواز ومثله في العتبية(1) عن ابن القاسم من رواية أبي زيد: وإذا ابتاعه بدنانير ولؤلؤة فاختلفا في قيمتها فليصفها المبتاع ويُقوم صفته مع يمينه فإن لم يحلف أو لم يصف(2) وصفها الشفيع وحلف فإن لم يصفها أخذه الشفيع بقيمته.
ومن العتبية(3) من سماع عيسى: وعمن ابتاع أرضاً وقبضها فقام الشفيع فقال المبتاع: ابتعتُ مقسوماً، وقال الشفيع بل شائعاً فالمبتاع مُدعٍ والشفيع مُصدقٌ.
ومن كتاب محمد: وإذا قال البائع: بعتُ الشقص من فلان وفلانٌ منكرٌ فلا شفعة فيه، وإن كان غائباً بعيد الغيبة فللشفيع أخذ ذلك [قال] (4) في باب آخر ويدفع الثمن إلى البائع إن لم يُقر بقبضه ولا يكون له على البائع عهدة إلا في الاستحقاق/ ويكتب للغائب العهدة في كل شيء، ثم إن قدم الغائب فأقر كتب عليه العهدة وإن أنكر حلف ورجع الشقص على بائعه. قال محمد: وأجب إلي ألا يرجع إلى البائع إذا رضي أن يأخذه بلا كتاب عهدته ولكن يُشهد على البائع بقبض الثمن وتلزمه عهدة الثمن فقط. قال أحمد بن ميسر: إذا لم يثبت البيع إلا بإقرار أحد المتبايعين فلا شفعة فيه.
قال أشهب: وإذا أقر المبتاع أنه ابتاع الشقص وبائعه غائب فإن كان بيد المبتاع ففيه الشفعة، ثم إن جاء البائع فأنكر ولم تكن بينة أخذ شقصه ورجع الشفيع بالثمن.
وقال ابن القاسم: لا شفعة بإقرار المبتاع والقضاء بذلك برفع الغلة عن الشفيع إن أنكر البائع البيع. قال محمد: وهذا أحب إلينا.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 98.
(2) في الأصل، فإن لم يحلف أو يصف بإسقاط (لم) الداخلة على يصف.
(3) البيان والتحصيل، 12: 78.
(4) قال) ساقطة من الأصل.(1/189)
[11/199]
قال أشهب في الكتابين: واللفظ لكتاب محمد: وإن تداعى رجلان شِقصاً كل واحد يدعي أنه اشتراه من الآخر وأقام كل واحد بينة قضى بالبينة التي ورخت وإن ورختا قضى بآخرها وللشفيع أخذها بأي الثمنين شاء ويكتب عهدته على من شاء أن يأخذ منه، فإن أخذ من الآخر لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء وإن أخذه من الذي لم يُقض له بد دفع إلى المقضي له به ما ذكر أنه اشتراه به ودفع فضلة ذلك إلى الآخر. وإن كانت شهادتهما في مجلس أو مجلسين ولم يؤرخا وتكافآ في العدالة ولا يُدرى أي الشهادتين بعد فإن لم يكن الشقص بيد أحدهما فالشهادة [باطل] (1) والشقص لمن/ أقر له به من هو بيده وللشفيع عليه الشفعة، فإن لم يكن يدري بيد من هو بيده قسم بينهما بعد أيمانهما وللشفيع أخذه منهما بما يقران به من الثمن. قال ابن القاسم: فإن ادعى أحدهما شراءه بمائة والآخر شراءه بمائتين فقسمناه بينهما أخذ الشفيع بنصف المائة ونصف المائتين.
قال أشهب: فإن نكلا لم يُقض لهما بشيء ولا شفعة للشفيع، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر فهو لمن حلف ويُؤخذ منه بالشفعة ولو كان بيد أحدهما فهو لمن هو بيده مع يمينه، فإن نكل حلف الآخر ويأخذ الشفيع ممن قضى له به.
في الشفعة تجب للشريك أو المقارض أو للوكيل
أو فيما باع الوصيُّ على بعض من يليه
هل يأخذ لمن بقي أو لنفسه؟
وفيما باعه السلطان(2) في تفليس أو لوصية
هل فيه شفعة أم لا؟
من كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن القاسم وأشهب: في المقارض يشتري من المال شقصاً ورب المال شفيعه فله أخذه بالثمن [الذي اشترى به] (3).
***
__________
(1) باطل) ساقطة من ع.
(2) كلمة السلطان ساقطة من الأصل مثبتتة من ع و ف.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ف و ع.(1/190)
[11/200]
قال أشهب في المجموعة: وعهدتُك على البائع، لأنه إنما اشترى لك بربح إن كان مالاً ولو كان العامل شفيعهما فله أخذه. قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز وهي مشكلة والأولى بينة.
قال أشهب في المجموعة: ولا أرى عهدته أيضاً إلا على البائع لأنه لم يرض بشرائه وليس له أن يشتري عليك/ ما يلحقك فيه له عهدة فيحكم لنفسه عليك.
قال في كتاب محمد وهو لعبد الملك في المجموعة: وإذا باع الوصي شقصاً لأحد الأيتام فله أن يأخذ بالشفعة لباقيهم ولا يدخل فيه من بيع عليه ولا حجة للوصي أنه باع على غيره.
قال ابن المواز: ولو كان له هو معهم شقص لدخل في تلك الشفعة معهم أحب إلي ولينظر فإن كان خيراً لليتيم أمضاه وإلا رد لأنه يُتهم أن يفتري بالبيع رخصاً لأخذه بالشفعة.
قال ابن الماجشون في المجموعة: إن كان بيع الوصي على اليتيم سداداً فلا يستشفع فيه لنفسه لأنه يُتهم فإن استشفع فليتعقب [ذلك السلطان] (1) فإن كان سداداً لليتيم أمضاه وإلا رده وفسخ بيع المشتري.
ومن العتبية(2) من سماع أشهب: وعن الرجل له أرض مشتركة من قوم فبيعت عليه في تفليس بأمر السلطان ففيها الشفعة.
وقال سحنون: إذا أوصى الميت بالثلث فباع السلطان ثلث داره لذلك فلا شفعة للورثة إذا كان الميت باع.
قال غيره في المجموعة: في ميت لحقه دينٌ فباع الإمام أرضه مزايدة فقال أحد الورثة بعد الدين إنا نؤدي من الدين قدر ما على واحد بقيمة نصيب شركائي ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل.
(2) البيان والتحصيل، 12: 69.(1/191)
[11/201]
بالشفعة فإن كان في بقية ما يباع من الأرض تمام ذلك فله ذلك وإلا فلا شفعة له.
في الشفعة بين الذمي والمسلم
وشفعة المرتد والمديان(1) ومن فيه بقية رق
من العتبية(2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إذا باع المسلم/ شقصه من نصراني والشفيع نصراني فلا شفعة له لأن الخصمين نصرانيان وهذا خلاف قول ابن القاسم في المدونة وقال أشهب في المجموعة إذا كان أحد الثلاثة مسلماً بائعاً أو مبتاعاً أو شفيعاً ففي ذلك الشفعة.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا كان الشريكان نصرانيين فباع أحدهما من نصراني فإن تحاكما إلينا قضينا بينهما بالشفعة.
وقال أشهب: إذا كان الشريكان نصرايين فباه أحدهما والمبتاع نصراني مثلهما فلا شفعة فيه وإن تحاكما إلينا.
وقال الأوزاعي: لا شفعة لنصراني. وروى يحيى بن عُمر عن البرقي عن أشهب: في نصراني اشترى من نصراني شقصاً بخمر أو خنازير والشفيع مسلم فله الشفعة بقيمة الشقص. قال يحيى: بل بقيمة الخمر والخنازير، وبه قال محمد بن عبد الحكم.
وقال سحنون في العتبية(3): في المرتد يُحبس فتجب له الشفعة قال: هو محجوز عليه فإن تاب فله الشفعة وإن قُتل فهي للسلطان(4) يأخذها إن شاء لبيت المال أة يترك.
***
__________
(1) في الأصل، والمرأة.
(2) البيان والتحصيل، 12: 80.
(3) لم يتيسر ربط النص بأصله.
(4) في ع و ف، فهي للإمام.(1/192)
[11/202]
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال أشهب وابن القاسم: إذا سلم العبد شفعته أو أخذ أو فعل ذلك سيده قال: من سبق منهما إلى الأخذ أو التسليم فلا كلام للآخر بعده إلا أن يكون على المأذون دينٌ فلا يلزمه تسليم سيده ولا أخذه إن كان ذلك حظاً للعبد في دينه. محمد: وأما غير المأذون فلا أخذ له ولا ترك. وكل من فيه بقية رقٌ فعلى ما ذكرنا في أمر العبد.
قال أشهب: وإن أخذها المأذون وفيها غبن شديد أو في تسليمها وعلم أن فيه محاباةً بينةً فليس له ذلك.
/ قال ابن القاسم: وأما المكاتب فذلك له دون السيد. قال أشهب: إلا أن يتبين أن في أخذه أو تركه محاباة بينة. قال أشهب: في المعتق بعضه وهو غير مأذون فلا أخذ له إلا باجتماعهما، ويجوز تسليمه على السيد كما لو كان له فيه شرك لم يأخذ أحدهما إلا باجتماعهما، ثم إن ملك بقية العبد أو عتق باقي العبد الذي كان فيه عتق فلا أخذ لهما بعد ذلك ويُعد تسليم أحدهما لازماً للآخر(1) وكذلك إن عجز(2) المُكاتب بعد أن سلم والسيد كارهٌ فلا أخذ له.
قال في المجموعة: ولو لم يأخذ العبدُ ولا المعتقُ بعضه ولا المُكاتب ولا سلموا(3) حتى عتقوا ولم يَطل الزمان فلهم الشفعة بعد عتقهم إلا أن يكون معتِقُ العبد استثنى الشقص الذي كان يستشفع به فلا أرى ذلك، له ولو رأى ذلك أحد لم أعبه عليه لأنها وجبت له قبل العتق، وقد اختلف قول مالك فيمن له شفعة فباع شِقصه قبل قيامه فلا شفعة له عندي. قال في الكتابين: والمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل والعبد إذا لم يكن لواحد منهم(4) مالٌ يأخذه به الشفعة وطلبوا الأخذ فليس للسيد أخذ ذلك لنفسه، لأن الشفعة لغيره وجبت، وأما أن يأخذ ذلك لمن وجبت له بسلف أو هبة فذلك له جائز في ***
__________
(1) في الأصل، ويعد تسليم أحدهما لأرض الآخر ولا معنى لذلك.
(2) في الأصل، وكذلك أن تحجر المكاتب.
(3) في الأصل، ولا سلمها حتى عتقوا.
(4) في الأصل، منها والصواب ما أثبتناه من ع و ف.(1/193)
[11/203]
عبده ومدبره وأم ولده ومعتقه إلى سنين إن شاء وإن أبى فليس له ذلك في مُكاتبه والمعتق بعضه إلا برضائها.
قالا: وليس لغرماء المفلس أخذ شفعته إذا أبى.
قال أشهب/ كما لا يعتصر(1) لهم ما وهب لابنه فإن أراد من أحاط به الدين الأخذ بها لم يمنعوه، قال أشهب: ما لم يفلس فيكون لهم منعُه [إن كان ذلك يضر بهم وبه] (2).
ما جاء(3) في ميراث الشفعة عن الشفيع
وعليه دينٌ أو لا دين عليه
والشفيع يرثه البائع هل له القيام؟
والغاصب يوهب له مال غُصب بعد أن باعه
أو [يرثه بعد أن باعه] (4)
من العتبية(5) من سماع أبي زيد: وعن رجل باع شقصاً له شفيع فلم يقم بها حتى مات فورثه البائع فللبائع أن يقوم بها. وقال نحوه أشهب في المجموعة.
قال العتبي وسئل أصبغ: عن ثلاثة إخوة بينهم دار فغاب أحدهم فباع الحاضران جميعها وأعلما بذلك المبتاع وأنهم يرجون أن لا يخالفهم فقبل ثم قدم الأخ فردّ حصته واستشفع فلم ينظر فيه حتى مات فطلب أخواه أن يردا سهمه ***
__________
(1) أي لا يستخرج مالهم من أيديهم يقال اعتصر ماله استخرجه من يده وفي الحديث يعتصر الوالد على ولده في ماله أي يمنعه إياه ويحبسه عنه وجاء في الموطإ أنه له هذا الحق ما لم يستحدث الولد دينا بداينه الناس به أو يكون ذلك العطاء مغرياً لزوجة قبلت الزواج منه.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مزاد من ع.
(3) ما جاء) ساقطة من ف و ع.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع وآخر العنوان في الأصل جاء على الشكل التالي (والغاصب يوهب له مال غصب بعد أن باعه أو موته) وذلك لا معنى له.
(5) لم يتيسر ربط النص بأصله.(1/194)
[11/204]
ويأخذاها بشفعة عنه فليس ذلك لهما لأنهما ابتديا ذلك كمن باع سلعةً قد اغتصبها ثم وُهبت له فأراد فسخ البيع فليس ذلك له.
ورُوي عن ابن القاسم: في الغاصب يبيع ثم يرث ما باع أن البيع نافذ. وقال أصبغ: يُفسخُ، ورُوي عن سحنون عن ابن القاسم مثل قول أصبغ.
قال ابن المواز عن أشهب وفي المجموعة عنه: ومن مات والدينُ محيط به فليس للغرماء أخذ شفعته إلا أن يشاء ورثته أخذها، فإن أخذوها بمال الميت فللغرماء الثمن والفضل وإن بقي شيء هن دينهم كان ميراثاً، وأن أخذوها بمالهم بيعت فبدؤوا برأس المال/ وقضى بالفضل دينه فإن لم يسو إلا رأس المال فأقل لم يبع عليهم.
قال ابن عبدوس قال سحنون: لمالكٍ فيها تفسير لم يقع عليه أشهب [وكانت تُعجِبُ سحنون ويراها أصلاً حسناً وهي للمغيرة.
قال سحنون](1) قال مالك: يبدأ بالورثة فيقال لهم: إن قضيتُم الدين فلكم الشفعة لأن الميراث بعد الدين، فإن أبوا وبيع ميراثُ الميت للدين فلا شفعة لهم، لأن الشقص الذي يُستشفعُ به قد بيع ولم يملكوه في حال ولا حلوا محل الميت لبرِئهم من تركته.
قال المغيرة: وإذا أبى الوثة أن يُقضى الدين [وقالوا] (2) ولكن يُباع المالُ فإن كان فيه فضل ورثناه قال: لا شفعة لهم ولا للغرماء، لأن الغرماء لا يملكون الشقص الذي به الشفعة.
قال أشهب في كتاب ابن المواز والمجموعة: ولو قال قائل: ليس لمن أحاط به الدين شفعةٌ لتُباع في دينه لأنه يأخذها لغيره ما عتقته وإنما قلت: "ذلك استحسان" والقياس غيره وصوبه سحنون في هذا في المجموعة واستجاده لأن ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(2) وقالوا) ساقطة من الأصل.(1/195)
[11/205]
الشفعة في السنة إنما هي للضرر بالشفيع. قال أشهب: وهو يأخذها في مرضه لورثته، لأن لهم أخذها بعد موته، قال سحنون: المريض يبيع ويبتاع لم يُمنع من ماله والمفلس محجوز عليه ولا يشتبهان.
باب(1)
في الشفيع يهب شفعته أو يبيعها قبل أن يأخذها
قال أشهب: إذا باع الشفيع قبل أن يأخذ بالشفعة فبيعُه مفسوخ. قال ابن المواز: ولا يجوز أن يهب شفعته قبل الأخذ/ وكره مالكٌ أن يأخذ شفعته على أن يدفعها لغيره ولم يره.
قال عنه أشهب في كتاب محمد والعتبية(2): وإن كان الشفيع عديماً فقال له رجل خُذ بالشفعة وأنا أربِحُكَ كذا ففعل ثم ظهر على ذلك فإن علم ذلك بمعرفة أو إقرار الشفيع والمبتاع وإلا فمن أين يثبت هذا وليس إقرار الشفيع فيه شيءٌ إلا بالبينة. قال أشهب: ولا إقرار المبتاع خاصةً حتى يجتمع المبتاع من الشفيع والشفيع على الإقرار بذلك ولا يُقبل إقرارُ أحدهما دون الآخر. قال مالك: فإن علمت بذلك بينة ردَّ ذلك إلى المبتاع. قال عنه ابن القاسم: هذا مكروه ورأى أن يُرد.
ما جاء(3) في الوكالة على الشفعة
من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وللحاضر أن يوكل على طلب شفعته وكذلك قال مالك في وكالته على خصومته، قال أشهب: وكلته قبل أن تجب لك الشفعة أو بعدما عَلِمت بالثمن أو جهلته إذا كان لا يأخذ لك إلا بعد ***
__________
(1) لفظة (باب) ساقطة من ف و ع.
(2) البيان والتحصيل، 12: 66.
(3) ما جاء) ساقطة من ع و ف.(1/196)
[11/206]
عِلمِه بالثمن كما يأمره بالشراء ولا يوقف له ثمناً فيبتاع بما يشبه على الاجتهاد فإن طلب الوكيل شفعته فوجد الدارَ قد هُدِمت أو بُنيت فإن علمت بالثمن ولم تعلم بالبنيان فليس له أن يأخذ وإن أخذ أو سلم لم يلزمك أخذُه ولا تركُه لأنك إنما وكلته على ما علمت، وإن لم تعلم بالثمن ولا ما حالُ الدار فللوكيل أن يأخذ بالشفعة بالثمن وبقيمة البنيان ويلزمك، وإن علمت بالدار ولم تعلم بالثمن أو علمت به فليس له أن يأخذ لك بالشفعة لأنك أمرته أن يأخذ/ لك ما قد عرفت وقد صارت الدار إلى غير ذلك قال: ولو هُدِمت الدارُ فلم يعلم بهدمها وقد كنت عالماً بالدار أو جاهلاً [بها عالماً بالثمن أو جاهلاً] (1) به فليس للوكيل أن يأخذ لك بالشفعة ولا يلزمك أخذه ولا تركه. وإذا وكلته على الأخذ فسلم، فأما المفوض إليه فذلك يلزمك وإن لم يكن مُفوضاً إليه لم يلزمك، وقاله ابن القاسم قال: وإن أقر الوكيل بتسليمك فهو كشاهد يحلف معه المبتاع ويلزمك فإن نكل حلفتَ أنت وبرئت.
قيل لأشهب: فيطلب لي شفعتي وقد شهد علي بالتسليم؟ قال: لا ينبغي للوكيل أن يطلب لك شفعة تزعم أن طلبها لا يجوز، فإن تمادى فليسمع منه الإمام ويقضِ بها، وإن نكل الشفيع عن اليمين فلا شفعة له، قال: فإن أقام بالبينة أن فلاناً وكَّله على طلب الشفعة والمبتاعُ غائبٌ أمكن من الشفعة ومن الوكالة عليها.
فيمن تصدَّق على رجل وباع من آخر في كلمة واحدة
ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف: فيمن له دارٌ فتصدَّق على رجل بنصفها شائعاً وباع النصف الآخر من آخر(2) وذلك مُتسِقٌ(3) في كلام واحد ومجلس واحد فللمصدَّق عليه أن يستشفع وإن كان في كلام واحد إذا بدأ ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع.
(2) في الأصل، من الآخر والصواب ما أثبتناه من ع و ف.
(3) في الأصل، مستوى والصواب ما أثبتناه من ع و ف.(1/197)
[11/207]
بالصدقة قبل البيع وإن بدأ بالبيع قبل الصدقة فلا شفعة له إلا أن يكون إنما قال كنتُ تصدَّقتُ على فلان وبعتُ من فلان فلا يُنظر في هذا بما بدأ به ولا يستشفع المتصدق عليه فيما ذكر أنه باعه بعد الصدقة لأنه لا يدري هل كانت الصدقة قبل أو بعد/ ولا يُقبلُ في ذلك قولُه وإنما يُنظر إلى تقديمه وتأخيره إذا كان الآن يفعله. وقال أصبغ: هو عندي واحد وقوله فيه مقبول لأنه لا يتبين ذلك إلا بقوله وبالأول أقول.
في الوكيل على طلب شِقصٍ وبيعه فاشتراه
لنفسه هل فيه شفعةٌ؟
من العتبية(1) روى عبد الملك بن الحسن عن ابن القاسم: فيمن وكَّل رجلاً على طلب حقٌ له ببلد آخر وفوَّض إليه في بيعه إذا قبضه وأذن له إن شاء أن يشتريه لنفسه بما بلغ، فقدم البلد فألفى حانوتاً للذي وكله فيه شِقصٌ قد بيع فأثبت وكالته عند القاضي وأن سهم الذي وكله في هذا الحانوت فتداعى وكيل الغائب ومبتاعُ الحانوت إلى الصلح على أن يأخذ الوكيل للغائب نصف قاعة الحانوت وعُلو جميع الحانوت، فلما حضر الشهود لوثيقة الصلح أشهدهم الوكيل بعد الصلح في ذلك في المجلس أنه قد أخذ لنفسه ما صالح عليه للذي وكله من نصف القاعة وجميع العلو بكذا وكذا [ديناراً مع الصلح، وقال: إني أصالح على أن يأخذه لصاحبي وأشتريه لنفسي بكذا وكذا] ولم يكن على شرط في أصل الصلح وإنما أشهد بعد الصلح أنه أخذه لنفسه بكذا وكذا] (2) فزعم المصالحُ للوكيل أنه يقوم بالشفعة على الوكيل فيما اشترى لنفسه مما صالح عليه. قال: الشفعة لازمة للشريك على ما ذكرنا، وقال أشهب: لا شفعة/ فيه لأنه بيعٌ مفسوخٌ لا يجوز إلا أن يجيزه الذي له نصف الحانوت، ولو كان البيع جائزاً ***
__________
(1) لم يتيسر ربط النص بأصله.
(2) ما بين معقوفتين بعضه ساقط من ع وبعضه ساقط من ف.(1/198)
[11/208]
كانت الشفعة(1) للشريك في الحانوت ولم تكن له شفعة في علوه، وذلك لأن الشركة بينهما في سفل الحانوت ولا شركة بينهما في علوه وإن كان الصلح بينهما وإنما وقع على أن يأخذه لنفسه فالصلح أيضاً بينهما منتقض لأن الشريك إنما رضي بمصالحته ليأخذ بالشفعة فصار الوكيل قد أخذ لما سَلم من الشفعة ثمناً وذلك لا يجوز(2).
تم الكتاب الثاني من الشفعة
والحمد لله وحده
وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم
***
__________
(1) في الأصل كانت السلعة للشريك.
(2) هنا تنتهي المقابلة من الجزء المتعلق بالشفعة المسجل بخزانة القرويين تحت رقم 793 وتضاف إلى ع أيضاً المقابلة بالجزء المتعلق بالقسم من نفس نسخة القرويين إلا أنه مكتوب بخط مغاير وقد تم نسخه في النصف من شعبان سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.(1/199)
[11/209]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه
كتاب القَسْمِ
ما يُجمع في القَسْمِ من الدور والأرضين والعقار
مما تتقارب أماكنه ويتفق كرمُه
وما لا يُجمع بالقيمة وما يُقسم بالذرع
من العتبية(1) والمجموعة من سماع أشهب قال مالك: في الدارين بين قوم إحداهما في موضع عامر يرغب فيه والأخرى في موضع غير عامر وهما في قرية واحدة أيُجمعان في القَسْمِ؟ قال: إن تباعد ما بينهما مثل منزلي هذا ومنزلٍ آخر بالثنية(2) قُسمت كل دار على حدة بخلاف النخل والحوائط، وإن كانت الدور متقاربة بناحية واحدة جُمعت في القَسْمِ.
قال عنه ابن القاسم في المجموعة: إذا كان بعضها في الأسواق والمواضع المرتفعة وبعضها في موضع/ قاصٍ ليس بالعامر وثمنها متفاوتٌ واحدة ألف دينار والأخرى خمسون فلتُقسم كل واحدة على حدة.
وقال عنه ابن وهب في المجموعة: إن افترقت الأماكن وتفاضلت المواضع فرقت.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 123، باب القسم.
(2) لعل المراد بها ثنية الوداع وهي ثنية مشرفة على المدينة ويطؤها من يريد مكة ورجح ياقوت الحموق أنها تسمى بذلك منذ أيام الجاهلية لأنها كانت مكان توديع المسافرين حين خروجهم من المدينة.(1/200)
[11/110]
وقال أشهب: إذا كانت داران(1) في نمط(2) واحد جُمعت في القسم، وإن كان بعضها أعمر من بعض كالأرضين في نمط واحد وبعضها أكرم من بعض فتُجمع عند أشهب. قال سحنون: ليست الدور كالأرضين وقد تكون الدور في نمط ونفاقها(3) مختلفٌ ومن داري إلى الجامع نمط واحد وهو متباين الاختلاف وأما الأرضون في نمط فلتُجمع وإن تباينت في الكرم. وابن القاسم لا يجمعُها كالدور حتى تتفاوت في الأماكن والنفاق.
وقال ابن حبيب: إن كانت الدور متقاربة(4) متشابهة في مواضعها واستوت فيها الرغبة جُمعت وما تباعد في مواضعه وتفاضل في الرغبة فيه فرق(5) مثل أن يكون بعضها قرب السوق [والمرفق] (6) أو قرب المسجد والأخرى بعيدة من ذلك فلا يُجمع إلا بتراضٍ بغير سهم.
قال ابن القاسم عن مالكٍ في المجموعة: وما كان حول المسجد عندنا من الدور فهو الذي يُتشاح فيه(7) فما كان مديراً بالمسجد يتساحُّ الناس فيه ضُمَّ بعضُه إلى بعض.
وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا كانت الداران(8) في نمط واحد وبناء إحداهما أجد(9) جُمِعَتا في القسم وإن كانت إحداهما قاعةً لم تُجمع مع الأخرى في القسم.
***
__________
(1) في الأصل و ف إذا كانت دارين والصواب ما أثبتناه من ع باعتبار كون كان تامة.
(2) المراد في طريق واحدة ومقر واحد.
(3) نفاقها مُختلف: الرغبة فيها مختلفة ورواجها مختلف من قولهم نفق البيع نفاقاً راج ونفقت السلعة تنفق نفاقاً غلت ورغب فيها وأنفقها هو ونفقها بالتشديد.
(4) في الأصل متفاوتة وسياق الكلام يقتضي ما أثبتناه من ع و ف.
(5) في الأصل وما تباعد في مواضعه وتفاضل في الرغبة مفترق.
(6) في المرفق) ساقطة من الأصل.
(7) يتشاحُّ فيه: يريد كل واحد أن يفوز به وألا يفوته.
(8) كذا في ع وقد كتبت في الأصل خطأ على الشكل التالي: إذا كانت الدارين.
(9) في الأصل سقطت كلمة بناء.(1/201)
[11/211]
ومن المجموعة والعتبية(1) من سماع ابن القاسم: في أعذق(2) بين ورثة/ منها بخيبر ومنها بوادي القرى ومنها بناحية الفرع ونحو ذلك قال: يُضم في القسم ما بخيبر إلى وادي القرى وما كان بالفرع إلى ما كان بناحيتها كل ناحية إلى ما قاربها.
قال عنه أشهب: بخلاف الدور وقال عنه: في الحائطين متقاربين في الموضع وسقيهما بشيءٍ واحد من عينٍ أو نضحٍ وأحدهما عجوة(3) والآخر صيحاني(4) قال: ولا تُقسم حوائط المدينة مع حوائط خيبر ولا تُقسم ذات العين مع النضح ولا البعل(5) مع السقي وإن تقاربت الحوائط، ويُقسم كل واحدٍ من هذا على حدة إلا أن يتراضوا أن يجمعوه في القسم فذلك لهم. وروى عنه مثله ابن وهب في المجموعة. قال سحنون: وذلك بغير قرعة ولا يصلح بالقرعة لأن ذلك مختلف ويصير كمن جمع فرساً وحماراً في القسم بالسهم. وأشهب يجيز هذا كله إذا رضيا. وقال ابن الماجشون: لا يجوز أن يُجمع في القسم بالسهم ما اختلف وإن تراضوا.
قال أشهب: وإن اجتمع الورثة فيما يُجمع في القسم من الدور على أن يقسموا كل دارٍ وكل أرضٍ على حدة جاز ولزم إذا اقتسموا.
قال ابن حبيب: لا يُضم ما يُبقى بعين أو بنضح مع البعل في القسم ولا النصحُ من بئر أو نهر مع ما يُسقى بعين أو بساقية نهر سيما لشدة مؤونة النضح وخفة مؤونة السيح، ويُجمع البعل كله إذا تجاور في مواضعه وإن كان بينه الميل والميلانُ إذا اشتبه في/ كرمه أو لؤمه وتقارب وإن تباعد فرق إلا أن يتراضيا على قسمه بغير سهم.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 105.
(2) الأعذق جمع عذق بفتح العين وهي النخلة بحملها وأما العذق بكسر العين فهو الكباسة وهو من الثمر كالعنقود من العنب.
(3) العجوة ضرب من أجود الثمر بالمدينة ونخلتها تسمى لينة.
(4) الصيحاني بفتح الصاد وتشديد الياء ضرب من ثمر المدينة.
(5) البعل: العذي وهو ما سقته السماء، وقال الأصمعي العِذي ما سقته السماء، والبعل ما شرب بعروقه من غير سقي ولا سماء وفي الحديث ما شرب بعلاً ففيع العشر.(1/202)
[11/212]
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: إذا كانت الأرض مستوية في كرمها أو لؤمها قُسمت بالقيس وإن كانت مختلفة قُسمت بالقيمة وإن تراضوا وهم أكابر على قسمها بالتخير(1) والمراضاة بالسواء أو على التفاضل على غير قيسٍ ولا قيمة فذلك جائز، وقاله أصبغ.
ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك: ويُقسم البعل مع العيون إذا كان يشبهها في الفضل. وروى عنه ابن وهب: إذا كانت أموالهم مفترقة وكانت بعلاً ونضحاً أو عيناً أنه يُعطى حقَّه في كل صنف، وأما إن كانت بواد واحد لا فضل بينهما وهي بعلً كلها أو عين كلها أو نضح جُمعت في القسم.
ومن العتبية(2) أشهب عن مالك: في النخل بعضها أقرب من بعض من الماء فليُقسم بالقيمة فيُفضَّلُ ما قَرُبَ من الماء لأن الماء ربما قل فلا يشرب إلا القريبة.
قال عنه ابن القاسم: في الأرضين إن تقاربت وبعضها بعين وبعضها بنضح فلا تُجمعُ وإن كانت كلها بنضح أو بعين وتباعدت مواضعها لم تُجمع وإن تقاربت وسقيها بنضح كلها أو بعين جُمِعَت وكذلك ذكرها في المجموعة.
ومن المجموعة وقال ابن الماجشون: وإذا تدانت الأرض في كرمها واشتبهت الحوائط واشتبهت الدور في بنيانها جُمعت في القسم إن تقاربت مواضعُها، وليس للقرب حدٌّ به يُعرف/ بحضرة ما يراه من يَرَاه يوم يقع.
قال ابن القاسم: في شجر تفاحٍ ورمان وخوخ وغيره جُمِعَ ذلك كله في القسم بالقيمة والسهم. وقال سحنون: هذا استحسان للمرفق باجتماع الحق وأنا أكره أن يُقسم هذا قَسماً واحداً.
***
__________
(1) في الأصل و ع بالتحري وما آثرناه أخذناه من ف.
(2) البيان والتحصيل، 12: 113.(1/203)
[11/213]
قال عبد الملك: إن كان كل صنف على اختلاطه شبيهاً بالآخر جاز جمعه في القسم، وإن كان أكثره صنفاً واحداً أُفرِدَ ذلك الصنف في القَسم وقُسِمَ ما سواه مختلطاً إذا اشتبه.
قال ابن القاسم وأشهب: في الأرض فيها شجر مفترقة شجرة ها هنا وأخرى ها هنا فلتُقسم الأرضُ والشجرُ جميعاً فيقع لكل واحد شجر وأرض.
قال سحنون: وإذا كان ما بين النخل من الأرض مصلحةً لها قُسمت الأرض مع النخل لأن النخلة التي فضاؤها واسه أزيد في القيمة فأما إذا بعد ما بين النخلتين من الأرض حتى لا تصل منفعةُ ما بَعُد عن النخلة إلى النخلة قُسمت النخل مع الأرض، ولو قُسمت النخل على حدة احتاجت كل نخلة طريقاً قُسمت لنخلُ مع الأرض.
قال ابن عبدوس قال سحنون: والشجر وإن كان بعضها أفضل من بعض أو الأرض بعضها أكرم من بعض فلتُجمع في القسم إلا أن يأتي من ذلك أمر متباين فإذا تقارب ذلك جُمع. وقال ابن حبيب مثله.
في صفة قسمِ الرباع والأرضين
وهل يُجمع حظ رجلين في القسم من ذوي سهمٍٍُ
أو غيرهم إن طلبوا ذلك أو بعضهم؟
وكيف إن كان/ للوارث سهمٌ غير ما ورث
هل يُجمعُ له؟
ومن وهب نصيبه من أحد الدارين قبل القسم،
وقِسمة الدار الغائبة
من المجموعة قال ابن القاسم قال مالك: في الورثة أنه يُقسم بينهم الدار والأرض على أقلهم سهماً ويُجمع حقُّ كل واحدة على حدة ولا يُفرق وقاله: في أم وزوجة وأخت.
***(1/204)
[11/214]
قال محمد بن عبد الحكم: ويُقسمُ على أقل السهام، فإن كان لأحدهم النصف ولآخر الثلث ولآخر السدس فإن اتفقوا على أي الطرفين يُبدأ به فيما أخرج السهم أسهموا بأيهما يُبدأ فيُعرف أيهما خرج وقد جعل ذلك ستة أنصباء معتدلة فيُسهم بينهم فإن خرج [سهم] (1) صاحب السدس كان له سهم من الطرف الذي اتفقوا على أن يبدؤوا به إن أخرجه السهم ثم يُسهم بين من بقي فإن خرج صاحب الثلث أخذ سهمين يليان(2) سهم صاحب السدس وكان ما بقي لصاحب النصف، وإن خرج صاحب النصف بعد السدس كان له ثلاثة [تليه] (3) ثم ما بقي لصاحب الثلث هكذا بعد خروج اثنين يكون للثالث ما بقي. وكذلك إن خرج أولاً صاحب الثلث كان له سهمان أو كان صاحب النصف كان له ثلاثة ثم إن خرج صاحب السدس كان له سهم ثم يكون ما بقي للثالث، وقد قيل إن صاحب السدس لا يكون إلا في أحد الطرفين، قال: والأول أحب إلي. قال محمد: إنما هذا إذا كان نصيبين مثل ابنٍ وزوجة.
ومن العتبية(4) روى عيسى عن ابن القاسم قال: إذا كان أدنى/ الورثة سهماً صاحب السدس قُسمت على ستة أجزاء بالقيمة، وإن كثُرت الأرض في بعض تلك السهام بالقيمة لرداءتها وقلت في بعضها لارتفاعها في القيمة فإذا عُدل ذلك كتب أهل كل سهم اسم سهمهم ثم أسهم في الطرفين جميعاً فمن خرج سهمهُ في طرف ضُم إليه ما بقي من حقه ثم يُضرب لمن بقي كذلك في أحد الطرفين بعد الذي عُدل فإذا وقع سهم أحدهم في شِق ضُم إليه سهمه.
قال عيسى: وإذا كانت الأرض الكريمة القسمة والدنية تحمل القسمة قُسمت الكريمة على حدة والدنية على حدة.
***
__________
(1) سهم) ساقطة من الأصل.
(2) كتبت في الأصل محرفة على شكل (ثلثا).
(3) تليه) انفردت بها النسخة الأصلية.
(4) البيان والتحصيل، 12: 128.(1/205)
[11/215]
قال ابن القاسم في المجموعة: يُضرب على أحد الطرفين فإن تشاحت الورثة(1) في أي الطرفين يُبدأ به، ضُرب بالسهم على أي طرف يُبدأ به فما خرج ضُرب عليه أولاً ثم يُضرب بسهامهم فمن خرج سهمُه أخذه وضم إليه باقي حقه ثم يُضرب بسهام من بقي فإن تشاجروا أيضاً في الطرفين ضُرب أيضاً على أي طرف يبدأ حتى لا يبقى منهم إلا اثنان فإن تشاحا على أي الطرفين يُبدأ به لم ينظر إلى ذلك وضرب القاسم على أي الطرفين شاء لأنه إذا ضرب على أحد الطرفين فقد ضرب لهما جميعاً.
وقال ابن الماجشون: إذا ورثه أخوان وأختُ فليُقسم على خمسة أجزاء ويُضرب بثلاثة أسهم. وقيل: بخمسة، والأول أصوب، قوله يُضرب بثلاثة أسهم- يريد أن الضرب بالسهم يُخرجك إلى ثلاثة أنصباء والضرب/ مرتين لا أكثر- ثم قال: يضرب [فإن خرج سهم للأخت أخذت ثم ضرب بين الأخوين] (2) فإذا خرج سهم أحدهما ضم إليه سهمه الآخر وكان ما بقي للآخر، وإن خرج [أولاً سهمُ أحد الأخوين جمع إليه سهمه الآخر ثم ضرب للأخ والأخت فإن خرج سهم الأخ جمع إليه سهمه الآخر وكان ما بقي للأُخت، وإن خرج] (3) سهم الأخت فما بقي للأخ.
قال ابن حبيب قال مطرف: وتُقسم الدار والأرض بين الورثة على أقلهم سهماً إن كان أدناهم سهماً له السدس فعلى ستة وإن كان الثمن فعلى ثمانية وكذلك جزء من اثني عشر أو سهم يبقى للعصبة فليُقسم على [أقل] (4) سهام الفريضة، فإن كانت الأرض مستوية قسمت بالقيس وإن كانت مختلفة فبالقيمة على قدر تفاضلهم، فإذا استوت كتب أهل كل سهم اسم سهمهم في بطاقة ثم أخرجت بطاقتين بطاقتين من جملتها فتجعل بطاقة في هذا الطرف وبطاقة في ***
__________
(1) في ع، فإن تشاحا الورثة.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(4) كلمة أقل ساقطة من الأصل.(1/206)
[11/216]
الطرف الآخر فمن خرج سهمُه في طرف ضُم إليه ما بقي من حقه ويصير أهل الثمن أهل سهمٍ واحد وأهل السدس أهل سهم واحد وأهل الثلث من الكلالة كذلك وأهل الثلث بالوصية كذلك، ومن صارت له سهام من ميراثه ومن اشترائه من بعض الورثة ومن صدقة أحدهم عليه ضُمت له تلك السهام كلها إلى حقه فيأخذه مجتمعاً ثم بعد هذا القسم يقسم أهل كل سهم ما صار لهم مثل النسوة في الثمن والجدتين في السدس/ والكلالة في الثلث، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، وقالا: هو قول جميع أصحابنا. قال سحنون: يُبدأ في قِسمة الدار برفع الطريق من باب الدار إلى أقصى بيوتها فينظر مع ذلك فلا يحسبه على أحد ثم يُقسم ما بقي بالقيمة على الأنصباء ثم يرمي بالسهام.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذ أكرينا الدار واتسعت ساحتها قُسم ذلك كله معاً، فإن ضاق البنيان عن القسم واتسعت الساحة قُسم البنيان والسحة بالاجتهاد وليس على أن تقع السهام كلها في البيان إن ضاق عنها ولكن على الاجتهاد يضم إلى الساحة حطاطاً منها وإن كَبُر البنيان وحمل القسم وضاقت الساحة [أفرِد البنيانُ بالقسم وتُركت الساحة] (1)، وقد قال قائل: لا تُقسم الساحةُ مع البنيان وإن حملت القسم، ورأى أنه تأويل قول مالكٍ وقد أخطأ وأنكر سحنون وابن حبيب قسم أهل العراق في قولهم: أن يأخذ مساحة أرض الدار ثم يقسمها على الفرائض بالسهم فمن وقع عليه درك في القيمة فيما صار له أخذ الفضل ومن وقع له فضل ودى الفضل وهذا غلط وغرر(2) ولا يجوز لأن بعضهم يأخذ مالاً وربعاً والآخر ربعاً وهذا، التخاطر، والصواب أن يُقسم ذلك بالقيمة يُقوم البنيان بقاعته.
قال ابن حبيب: يُقوم بقاعته وما يليه من ساحة الدار وبمخرج كل سهم فيه فيُقوم كل سهم بقيمته في موضعه من الدار ليس الجوفي كالقبلي ولا القبلي ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(2) في ع، وهذا غلط وضرر.(1/207)
[11/217]
كالشرقي/ وإذا عُرفت السهام بالقيمة كُتب أهل كل سهم في بطاقة ثم أُخرج منها بطاقتان فجعل هذا بطاقةً في هذا الطرف وبطاقةً في الطرف الآخر فمن خرج سهمه في كليهما أخذه وضم إليه تمام ميراثه ثم تُخرجُ بطاقتان فتوضع(1) واحدة في هذا الطرف والأخرى في الطرف الآخر حتى يتم ذلك.
قال ابن عبدوس قال سحنون: ووجه قسم الشجر أن يُقوم القاسم كل شجرة بالعدل إن كان من أهل المعرفة بقيمة ذلك الموضع وإلا جُمع لذلك أهل المعرفة [بالقيمة ويُسأل لذلك أهل الخبرة] (2) والمعرفة عما عرف من حمل كل شجرة فرُبَّ شجرة لها منظر ولا مخبر لها وأخرى يكثر حملُها لا منظر لها، فإذا قُوِّمَ ذلك جمع جميع القيمة فقسمها على قدر السهام فعرف ما ينوب كل سهم ثم ضرب بالسهام بأي الطرفين يبدأ فإذا عرفه كتب أسماء الأشراك كل واحد في رقعة ثم يدخلها في كمه فيخلطها ثم يُخرج أول سهم ثم ثانياً ثم ثالثاً ثم رابعاً إلى آخر ذلك، فإذا تمت بدأ بالأول فأعطاه من الناحية التي وقع عليها السهمُ أولاً فأعطاه شجرةً شجرةً حتى يكمل له ما صار له من جملة القيمة(3)، فإن استوفى بكمال شجرة فقد استوفى وإن لم يأتِ حقه على تمام شجرة وبقي له كسرٌ من القيمة أُعطي ذلك في شجرة فكان شريكاً فيها بقدر ما بقي له ويأخذ من بعده ما بقي من الشجر يضم إليه تمام حقه.
قال مالك في المجموعة: في الزوجة مع العصبة في قسمة الأرض أنه يضرب لها في/ أحد الطرفين، قال ابن القاسم: كان العصبة واحداً أو جماعة. قال عبد الملك: ثم يستهم العصبة فيما بينهم إن شاؤوا وإن خرج أولاً للعصبة على أحد الطرفين فلها بغير سهم السهم الباقي. قال ابن حبيب: لأن العصبة كأهل سهم واحد فيكتب اسم(4) العصبة في بطاقة والزوجة في أخرى ثم توضع بطاقة ها هنا ***
__________
(1) في الأصل و ع ثم تخرج بطاقتين ويضع واحدة إلخ وآثرنا كتابة ما في ف بناء على أن الفعلين مبنيان للمجهول.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ف.
(3) في ف من جملة القسمة وما أثبتناه مأخوذ من الأصل و ع.
(4) في ع و ف فيكتب أسهم العصبة.(1/208)
[11/218]
وأخرى ها هنا قال: وإنما هذا إذا كان معها عصبةٌ بنون أو غيرهم، وأما إن كان معها مثل الأم والابنة وغيرهما فها هنا يُقرعُ بينهم فحيث خرج سهمُ الزوجة أخذت.
قال المغيرة في المجموعة: في الزوجة مع العصبة أنها تُعطى حقَّها حيث خرج في الطرفين وغيرها قال ابن الماجشون: وبهذا أقول.
ومن العتبية(1) [قال] (2) أشهب عن مالكٍ: في الإخوة لأم يرثون الثلث فيريد أحدهم إفراد حقه(3) على حدة فليس له ذلك وليقسم له ولإخوته الثلث ثم يُقاسم إخوته إن شاء، وكذلك الزوجات وكذلك العصبة وإنما يتقاسمون بينهم بعد ذلك، ومثله في الواضحة قال: وكذلك الجداتُ في السدس وأهل كل سهم.
ومن العتبية(4) والمجموعة عن ابن القاسم عن مالك في الرجل والمرأة يرثان الدار فيقع لأحدهما مواريثُ بعضُها بعد بعض أنه يجمع حظه كله في سهم واحد كل ما ورث أو اشترى. وفي الواضحة مثله. ومن المجموعة: وقال غيره: في امرأة هلكت عن زوج وأم ابن فقاطع الأم والابن الزوج على شيءٍ من التركة وسلم/ لهما باقي الميراث فليقتسما بقية المال على تسعة أسهم تُسعان للأم وسبعة أتساع للولد.
قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: في أحد الورثة للدار والأرض يُشترى من بعضهم أو يُوهب له ثم يقتسمون، أنه يجمع له ما ورِث وما صار إليه منهم في القسم ولا يُفرق عليه. قال ابن حبيب: ولا تُقسم الدور والأرض بالذرع ولكن بالقيمة وكذلك عن ابن القاسم في العتبية(5) في رواية يحيى.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 114.
(2) قال) ساقطة من الأصل.
(3) في ف أفراد حظه.
(4) البيان والتحصيل، 12: 111.
(5) البيان والتحصيل، 12: 123-128.(1/209)
[11/219]
وقال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: في الدار بين الرجلين فيأخذ هذا طائفة والآخر طائفة على أن لأحدهم الطريق على الآخر وملك الطريق لمن صارت له قالا: لا بأس به.
قال سحنون: إنما هذا بالتراضي بغير سهم وإنما يُضرب بالسهم بعد رفع الطريق.
قال ابن عبدوس قال أشهب: في أقرحة(1) بين قوم أراد بعضهم أن يُعطى حقه من كل أرض وقال بعضُهم بل اجمع لي نصيبي في موضع فإن كانت في نمط واحد وإن كان بعضها أكرم من بعض فإنه يجمع لمن طلب حصته في مكان واحد، وإن زاد حظه عن أرض واحدة أخذ من الأخرى تمام حقه، وإذا اجتمعت أنصباءُ الذين أرادوا الجمع اقتسم الذين أرادوا التفريق أنصباءهم على ما تراضوا عليه. قال ابن عبدوس: يجعل سهام المريدين للتفريق سهماً واحداً وسهام [مُريدي الجمع سهماً سهماً ثم يُفرغُ فإن خرج سهم](2) مريدي التفرقة جمع إليه باقي حقوقهم وصار كحق رجل واحد وحيث ما خرج سهم مريدي الجمع/ أخذ كل واحد حقه حيث خرج ثم يرجع الذين أرادوا التفرقة فيقسمون كل أرض مما صار لهم على حِدتها فيأخذ كل غنسانٍ حقه من ذلك.
قال أشهب: وإن تباعدت الأرض ليست في نمط قَسَمَ للذين طلبوا أن يُعطوا حقوقُهم من كل أرض في الأرضين ثم قيل للمريدين جمع حقوقهم اقتسموا على ما تتراضون عليه. قال ابن عبدوس: يجعل سهم من يحب الجمع ها هنا سهماً واحداً ثم يُقرع بينهم في كل أرض على حِدتها فإن خرج سهم الذين أرادوا الجمع جمع لهم حقهم في تلك الأرض وأعطى مريدي التفرقة كل واحد نصيبه منها حيث صار له، فهكذا يُعمل في كل أرض ثم يرجع الذين أرادوا الجمع فيقسمون ما صار لهم مجتمعاً على ما أرادوا.
***
__________
(1) الأقرِحَة جمع قراح والمراد بها المزارع التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع.(1/210)
[11/220]
قال ابن عبدوس: وليس هذا أصل مالكٍ وأصحابه لأن أصلهم لا يجمع حظ اثنين في القسم، وهذا أيضاً على ما ذهب إليه أشهب: أن الشركاء إذا رضوا بقسم الصنفين المختلفين بالقرعة جاز وخالف فيه أصحابه.
قال ابن القاسم: في الدار الغائبة بين الرجلين لا بأس أن يقسماها على الصفة. قال سحنون: وكيف تُقسم وهي غائبةٌ ولا يُدرى ما حدث فيها إلا أن يكون بتراضٍ بغير قرعة ولا يجوز بالقرعة ولا يُجبر على القسم من أباه.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون: فيمن ترك ابناً وثلاث بناتٍ فترك دارين متلاصقين في نمط واحد ولهما في الساحة سواء إلا أن واحدة أسنى بناءً من الأخرى فوهبت/ واحدةٌ من البناتِ نصيبها من إحدى الدارين لأختها الأخرى قبل القسم هل يُجمع لها ذلك مع نصيبها في القسم؟ وهل يُجمع قسم الدارين على هذا؟ فكتب إليه: إذا كان الدارين(1) كل واحدة مبنية إلا أن واحدة أسنى بناءً [من الأخرى فوهبت واحدة من البنات نصيبها من إحدى الدارين لأختها الأخرى قبل القسم هل يجمع لها ذلك مع نصيبها في القسم؟ وهل تجمع قسمة الدارين على حدة؟ فكتب إليه إذا كانت الدارين كل واحدة مبنية إلا أن واحدة أسنى] (2) فليُجمعا في القسم كأنهما دارٌ واحدةٌ فيقتسمان على خمسة أجزاء بالقيم ويعدل حتى لا يكون بين ذلك زيادة ثم يرمي السهام على أحد الطرفين، فإن خرج سهمُ الغلام جُمع له سهمان ثم يسهم فإن خرج سهمُ إحدى البنات أخذت السهم الثالث ثم يسهم فتأخذ الثانية الخمس الرابع ثم ما بقي للثالثة، وإن خرج أولاً لإحدى البنات(3) أخذت خمساً ثم إن خرج لأخرى أخذت خُمساً ثم إن خرج للذكر أخذ خُمسين وللثالثة ما بقي، وكذلك إن خرج البنات قبله كان ما بقي له ثم ينظر إلى الواهبة فإن وقع سهمُها في الدار التي وهبت مصابتُها منها أخذت المتصدّق عليها خمس تلك الدار مما في ***
__________
(1) في الأصل إذا كان الدارين وهو خطأ واضح.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.
(3) في الأصل و ف وإن خرج أحد من البنات وما أثبتناه من ص.(1/211)
[11/221]
يديها، وإن وقع حقها في الدار الأخرى بطلت هبتُها، وإن اختلفت الداران(1) فكانت واحدة مبنية والأخرى قاعة قُسمت بكل واحدة مفردة فإن كانت الهبة في المبنية قُسمت وجُمع للموهوبة فيها سهام من خمسة بالقيمة، وإن كانت الهبة في القاعة قُسمت وعمل فيها كذلك. وكتب في سؤاله وإنهم قسموا الدار التي فيها الهبة ووكلت الموهوبة من يَقسم لها فقسمت على خمسة ولم يُجمع لها سهم الميراث(2) مع سهم الهبة فقالت/: لا أرضى هذا ولم آمر وكيلي أن يُفرق عليَّ؟ وكتب إليه: إن كان الداران(3) مما لا يُجمع في القسم فانقض القسم حتى يجمع لها سهمين في موضع وإن كانت التي قسموا ليست فيها الهبة وسهامها لا تُجمع في القسم فامض القسم.
في الدار لها ساحة وطريق هل يُقسم معها
وقد أراد ذلك بعضهم أو أباه؟
وفي بيع الطريق وكيف إن قسموا ولم يذكروا الطريق؟
[وفي الساحة تبقى مشاعاً بعد القسم هل تقسم؟](4)
من المجموعة قال ابن وهب وابن القاسم وأشهب عن مالك: في الدار بين قوم لها ساحةٌ واسعةٌ وليس لبيوتها حجرٌ فأرادوا قسمها مع العرصة؟ قال: ذلك لهم ليتخذوا حجراً على بيوتهم وإنما العرصة التي لا تنقسم التي لبيوتها حجرٌ تسترها وتبقى العرصةُ مُناخ إبلهم(5) ومرتفقهُم. قال أشهب: وكذلك إن كانت البيوت لا حجر لها والعرصة إن قُسمت ضاقت فإنها لا تُقسمُ وتقر بينهم. وقاله ابن حبيب.
***
__________
(1) في الأصل و ف اختلفت الدارين والناسخ يقع في مثل هذا الخطإ كثيراً.
(2) في ع، وهل يجمع لها سهم الميراث والصواب ما أثبتناه من ف و ع.
(3) في الأصل، إن كان الدارين.
(4) ما بين معقوفتين انفردت به ف ولم يرد في الأصل و ع.
(5) في ع و ف وتبقى العرصة مباحة بينهم.(1/212)
[11/222]
وقال ابن الماجشون: وتُقسم البيوت فقط وتبقى الساحة بينهم. وقال: ولقد قال قائل- يعني مطرفاً-: لا تُقسم الساحةُ وإن حملت القسم وتُقسم البيوت، ورآه تأويل قول مالكٍ لا تُقسم الساحةُ وإن احتملت القسم، وأخطأ التأويل وإنما تلك الساحة الفِناء يكون أمام دار القوم محطاًلرحالهم وأثقالهم ومدخلاً للناس عند تضايق الطريق لهم وتكاثر الدواب وازدحام الناس فتلك لا تُقسم وإن احتملت القسم وإن اجتمع الورثة على/ قسمها لأن فيها حقاً لغيرهم.
وقال لي مطرفٌ وابن الماجشون عن مالك: أنه لا يُجيزُ قِسمة الفِناء. قال ابن المواز: ولا يُقسم ما بقي مشاعاً بعد القسم من قاعة دار أو طريق. قال: وإذا كانت العرصة واسعة فأراد أحدهم بيع نصيبه منها فليس له ذلك إلا ببيع مصابته من البيوت أو يأذن في ذلك شركاؤه فإن أبى أحدهم لم يكن له ذلك ورُد إن فعل، وإن اجتمعوا على قسم العرصة فذلك لهم كانت واسعة أو غير واسعة كان بعد قسم البيوت أو معها- يريد محمد بغير سهمٍ.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن وهب عن مالك: في قوم لهم دارٌ مقسومة وباب مدخلهم واحد ولهم عرصة فيريد كل واحد أن يصير له من العرصة بقدر ميراثه ليربط فيه دابته فلا بأس أن يُعطى كل واحدٍ منهم قدر ما يصيبه من ذلك(1). وقاله أشهب: يريد مما يلي نصيبه. قال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: إذا تراضوا بذلك فهو جائز. قال أشهب: كانت العرصة واسعةً أو لم تكن. [قال في كتاب ابن المواز: وإن اختلفوا ولم تكن] (2) واسعةً فلا يُقسم إن أبى أحدهم، وإن كانت واسعةً نظر فإن لم يكن لبيوتهم حجرٌ قُسمت إن طلب القسم أحدهم إذا كان يبقى بعد القسم ما ينتفعون به في الممر وغيره ولا يدخل ضرر على من أبى القسم، ويقسم لكل واحد بحصته مما يليه وإن كان يصير لكل واحد ما لا ينتفع به لم يُقسم.
***
__________
(1) في ع و ف قدر نصيبه من ذلك.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ف.(1/213)
[11/223]
ومن المجموعة قال ابن القاسم: وارتفاعهم بالساحة إذا قُسمت البيوت/ ارتفاعاً واحداً القليل النصيب والكثير في ملك سواء. وروى أشهب عن مالك في المجموعة وكتاب محمد: إنما ارتفاقهم فيها بقدر عدد البيوت لا على الأنصاب ولا على قدر الأبواب وليس البيتُ الصغير كالكبير؛ الكبير أكثر مرفقاً.
قال ابن الماجشون: إذا كانت الساحة من حقوق الدار قُسمت معها وإن كانت الساحة أرضاً واسعةً قُسمت الدارُ على حدة ثم إن شاؤوا قسموا أرضهم ليس اسمُها ساحةً ولا فِناءً.
قال أشهب وعبد الملك: ولا بأس بشراء ممر في دار دون أن يشتري من رقبة الدار شيئاً وذلك إن كان يخرج به إلى انتفاع مثل أن يفتح فيه باباً فيمر منها حيث لم يكن يمر. قال أشهب: وإن لم يكن ينتفع أكثر من أن يدخل إلى اقصى الدار ثم يرجع فهذا لا يجوز. قال ابن الماجشون: وإذا كان عليك ممر لرجل فاشتريته منه فذلك جائز ويجعل البائع ممره حيث شاء وإلا تركه مسدوداً إلى أن يجعل الله له طريقاً أو يفتح له باباً.
قال ابن القاسم: وإن اقتسموا داراً وساحتها ولم يُذكر الطريقُ فالطريق لمن صارت له وللآخر فيها الممر إذا لم يشترط صرف الطريق، وهذا على مذهب سحنون لا يجوز بالسهم إلا برفع الطريق بينهم. قال ابن حبيب: إذا لم يذكرا، الطريق عند القسم أعدت القسم ثانية على ذكر ذلك ومعرفة مخرج كل سهم ما لم يشترطا قطع ذلك وكذلك لو اقتسموا داراً بتراضٍ بلا سهم أو بالسهم ومجرى مائها في/ ناحية فصارت تلك الناحية في سهم واحد منهم فكره مجرى مائهم عليه ولم يذكروه عند القسم فإن القسم ينتقض ثم يُعادُ على ذكر ذلك وبيانه.
وفي آخر الكتاب بابٌ مفرد لهذا [قد يتكرر فيه مما ها هنا] (1).
***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.(1/214)
[11/224]
في قسم الحمّام والبيت الصغير
والعين والبئر والماجل(1)
وفحل النخل وغيره وما في قَسمة ضررٌ،
وذكر قِسمة الماءِ بالقلد(2)
في المجموعة قال أشهب عن مالك: في الأرض بين أشراك ولمن فيها عينٌ فيريدون القسم وإن اقتسموا صار لبعضهم ما لا يكون فيه عين أيُقسمُ أو يباع؟ قال: بل يُقسمُ أما رأيت قَسماً لإنسان في دار لا يستطيع سكناه. قال: وإن اتخذ بعضُهم عيناً فليس لمن صار(3) له ما لا يكون فيه عين الدخول معه.
قال مالك: وقد عمل بذلك بالمدينة حتى صار لبعضهم ما لا ينتفع به في قسمه. قال ابن القاسم عن مالك: ويُقسم الحمّامُ.
قال عبد الملك: لم أعلم من وافق مالكاً على قسمه من أصحابنا ولا سمعتُ من يستحسنه وهذا من الضرر.
قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: أنه يَقسِمُ الأرض وإن قلت ولم يقع لواحد منهم إلا مذود.
قال ابن حبيب: وقال أبو حنيفة: يقول مالكٌ هذا وهو شاذ ولم يقل به من أصحاب مالكٍ إلا ابن كنانة وباقي أصحابه المدنيين والمصرين على خلافه، منهم ابن أبي حازم والمغيرة، وابن دينار، ومطرف، وابن الماجشون/ وابن نافع، وابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ وقالوا: معنى قول الله ***
__________
(1) الماجل كل ماء في أصل جبل أو واد ويجمع على مواجل وقد تقدم شرحه.
(2) القِلدُ المراد به هنا تقسيم أيام السقي وتوزيعها على المنتفعين به حسب ما لهم من حقوق فيه وقد تقدم شرحه.
(3) في النسخ كلها فليس لمن طار له ولعل الصواب ما أثبتناه.(1/215)
[11/225]
سبحانه (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) (1) ثم يُقسمُ على السنة وبقي الضرر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم [لا ضرر ولا ضِرار] (2)، فمن أعظم الضرر أن يقسم بينهم ما يُنتفع به ولكن يُباع ويُقسم الثمنُ. قال مطرف: وبهذا كان يقضي قُضاةُ المدينة كلهم إلا هشام ابن عبد الله المخزومي.
قال مطرف: والذي آخذ به أنه إن كان بعضهم ينتفع بسعة سهمه ويضيق عن بعضهم لقلة سهمه فيُباع ويُقسم الثمن أولى بالصواب. قال ابن الماجشون: سواء ضاق السهم عن جميعهم أو عن بعضهم وإن كان أقلهم حظاً فإنه لا يُقسم وإن كان لأصغرهم حظاً انتفاعٌ في وجهٍ من وجوه المنافع وإن قل مما لا ضرر فيه فالقسم قائم. قال ابن حبيب: [قاله كله أصبغ وذكره عن ابن القاسم. قال ابن حبيب] (3): ولا يُقسم الحمّامُ ولا الفرن ولا الرحى ولا البئرُ ولا العينُ ولا الساقية ولا الذكان ولا الجدار ولا الطريق ولا الشجرة.
ومن المجموعة: يُقسم الجدارُ إن لم يكن فيه ضررٌ.
قال أشهب: لا يُقسمُ إلا باجتماعهم قال: وإن كان لهذا عليه جُذُوعٌ ولهذا عليه جُذوعٌ لم يُقسم. قال ابن القاسم: وليتقاوياه. ولم يذكر أشهب المقاواة.
قال ابن القاسم وأشهب: في زيتونة ونخلةٍ بين رجلين فلا يقتسماهما(4) بينهما إلا أن يتراضيا ويعتدلا في القسم- يريد بالقيمة. قال سحنون: / ترك ابن القاسم قوله وهو: لا يجمع صنفين مختلفين في القسم وإن تراضيا. قسم 3
قال أشهب: وإن قُسمت الدارُ وتُرك ماجلُها فلا يُقسم بعد ذلك وإنما يُقسم الماجل مع الدار قسماً واحداً، وكذلك البئر وكذلك العينُ في النخل إلا أن تكون العينُ إن قُسمت ماتت ويكون في موتها موت النخل وكذلك فحول النخل تُقسم مع النخل.
***
__________
(1) الآية السابعة من سورة النساء.
(2) سبق تخريجه من مسند الإمام أحمد بن حنبل.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ع و ف.
(4) في الأصل فلا يقسمانها والصواب ما أثبتناه من ف و ع.(1/216)
[11/226]
قال ابن حبيب: وجه قسم العيون والآبار بين الورثة والشركاء على ما تراضوا عليه فإن لم يتراضوا وأحبوا السهم فلا يُقسم إلا على أن يصير كل عين أو كل بئر منفردةً لكل واحد بلا دركٍ لبعضهم على بعض ولكن يعتدل ذلك في القيمة، فأما على أن يُجمع اثنان في عين أو بئر فلا يجوز ذلك بالسهم إذا كانت العيون والآبار تحمل القسم على ما ذكرنا بقيت بينهم يسقون بمائها سهامهم بقدر مواريثهم وشركتهم، ومن دعا إلى البيع قُضي له بذلك فإذا وقفت على ثمن فللآخر أخذُها به.
قال عبد الملك: وليس ما يفعله الناسُ من اقتسام البئر بين الدارين فيُقسم بجدار يُحمل على وسطها قسمةٌ يُعمل بها ولا يُحكم وليس بلازم.
قال ابن عبدوس قال أشهب: لا تُقسمُ العيون ولا الآبار إلا على الشرب إلا ما إذا قُسم منها لم ينقطع ماؤه فإن كان منها شيءٌ يكون كذلك بالقسم فيها مع النخل قسماً واحداً.
قال ابن حبي: وإن طلب الورثة أو الشركاء قِسمة الماء بينهم من العين أو البئر أو من عيون أو آبارٍ لم يحمل القسم قُسم بينهم ثم يسقي كل واحدٍ بجميع الماء حتى/ يستوعب قلده ثم يأخذه الذي يتلوه ثم الآخر حتى يتموا، وتفسير(1) ذلك إن تحاكموا فيه اجتمعوا على قسمة فليأمر الإمامُ رجلين مأمونين أو يجتمع الورثة على الرضى بهما فيأخذان قِدراً من فخار أو شبهها فيثقبان في أسفله بمثقب بمسكانه عندهما ثم يعلقانها ويجعلان تحتها قصرية ويُعدان ماءً في جرارٍ ثم إذا تصدع الفجر صبا الماء في القدر فسال الماء من الثقب فكلما هم الماء أن ينضب صبا حتى يكون سيل الماء من الثقب معتدلاً النهار كله والليل كله إلى انصداع الفجر ثم يُنحيانها ويقسمان ما اجتمع من الماء على أقلهم سهماً كيلاً أو وزناً ثم يجعلان لكل وارث قِدراً يحمل سهمه من الماء ويثقبان كل قدرٍ منها بالمِثقب الذي ثقبا به القدر الأولى فإذا أراد أحدهما السقي على قدره بمائه وصرف الماء كله إلى ***
__________
(1) في ف ويقسم ذلك إن تحاكموا فيه.(1/217)
[11/227]
أرضه فيبقى ما سال الماء من قدره ثم كذلك بقيتهم(1) فإن تشاحوا(2) في التبدية استهموا فيه.
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وإذا قسما الأرض وأبقيا بينهما البئرين أو العينين ثم أرادا قسمتهما فلا أحبُّ ذلك بالسهم ولكن بالمراضاة إلا أن يُحاط بذلك وبمعرفة قدرهما ويؤخذ من يعرف ذلك.
في قسم العُلو مع السُّفل والقضاء فيما ينهدم
من ذلك وما يحدثه أحدهم وقسمة الأرحاء
من الواضحة ومن قول مالك: في قسمة الدار ذات العلو أن تُقوم/ حسب البيوت التي عليها على صاحب السفل وكذلك يُجعل الجدارُ من أساسه إلى موضع الفرش للسفل وكذلك إذا كان عليها سطح. قال ابن القاسم في المجموعة: وعلى صاحب العلو [دَعم(3) عُلوه] (4) حتى يبني صاحب السفل إذا احتاج إلى ذلك وليس على الأسفل أن يبني سفله إلا بما كان به مبنياً قبل ذلك وإن أضر ذلك بصاحب العلو.
قال أشهب وعبد الملك: إذا انهدم السفل فعلى ربه أن يبنيه حتى يضع الخشب والجريد حتى يصير أرضاً.
قال أشهب: فإن أبى أن يبني قيل له بع- يريد ممن يبني- وليس لصاحب العلو أن يبني السفل وليس لصاحب السفل أن يهدمه إلا من ضرورة، وليس لرب العلو أن يبني فوق علوه شيئاً يُضر بصاحب السفل إلا ما خَف ولا يُبدل ما انكسر من خشبه إلا بمثلها أو ما يقاربها في الخفة.
***
__________
(1) في ع، ثم كذلك يقسم.
(2) في ف فإن تشاجروا.
(3) في الأصل، إدعام وفي ع، دعام وهي ساقطة من في ف ورأينا أن كلمة دعم أولى من غيرها وأسلم استعمالاً لذلك جئنا بها عوضاً عما هو موجود بالنسختين.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ف.(1/218)
[11/228]
ومن الواضحة قال: ويقسم الورثة الأرحاء على ما تراضوا فإن لم يتراضوا فلا تُقسم إلا أن يكون عددها كعدد سهامهم وتتفق قيمتها حتى لا يبقى على أحد دركٌ فأما على أن يصير رحىً بين اثنين أو يصير على أحدهم دركٌ أو يأخذه فلا يجوز ذلك.
وفي كتاب الأرحية بقية القول في قسم ماء الأرحية وهل فيها تبدئة بالماء للأول على من بعده؟
باب(1)
في قسمة العبيد والمتاع والعروض
وما يُجمع من ذلك في القسم
من الواضحة قال ابن حبيب: ذهب ابن القاسم إلى أن جعل البز كله من الخز/ والحرير والقطن والصوف والكتان والمرعزى(2) والفراء صنفاً واحداً في القسم. وخالفه مطرفٌ وابن الماجشون وقالا: لا يُقسَمُ ثياب الخَز والحرير مع ثياب القطن والكتان ولا مع الفِراء ولا يُقسم الصوف والمرعزى مع ما ذكرنا.
قال ابن حبيب: وثياب القطن والكتان صنفٌ واحدٌ [في القسم] (3) وإن كان فيها قُمُصٌ وأردية وعمائم، وثيابُ الخَز والحرير من الوشي وغيره صنف واحد إلا ما كان من وشي القُطن اليوسفي والصنعاني(4) والمشطب من اليماني كله ولا يُقسم مع وشي الخز ولار الحرير وليُقسم وحده بالسهم وإن كان فيه حَبِرٌ(5) ***
__________
(1) كلمة باب ساقطة من ع و ف.
(2) المِرعِزى كتبت في ع والأصل، المرعز والصواب ما أثبتناه من ف وقد تقدم لنا شرح هذه الكلمة في الجزء التاسع من هذا الكتاب وقلنا آنذاك المِرعزى بالألف المقصورة مع تشديد الزاي ويمدد إذا خفف. والميم والعين مكسورتان على كل حال وقد تفتح الميم في الكل: الزغب الذي تحت شعر العنز قاله الجوهري وجعل سيبويه المِرعزى صفة عنى بها اللين من الصوف (تاج العروس).
(3) في القسم ساقطة من ع.
(4) نسبة إلى صنعاء اليمن على غير قياس.
(5) في الأصل، وخز والصواب ما اثبتناه من ف والمراد بالحير البُرد المُوشى وهو من الثياب: الناعم الجديد.(1/219)
[11/229]
ومشطبٌ ووشي وصنعاني ويوسفي. وثياب الديباج صنف لا يُقسم مع ثياب الخز والحرير، وثياب الصوف والمرعزى صنف وإن كان منها جيب وسنجابٌ(1) وفراء الخز فإن صُنف لا يضم إلى فراء القلنيات(2) لبعد اختلافها ولا تُضم فراءٌ معمولة إلى ما ليس بمعمول كانت شركتهم بميراث أو شراء.
ومن المجموعة قال أشهب: كل ما يصلح من هذا أن يُباع منه اثنان(3) بواحد إلى أجل [فلا يُضم مع الصنف الآخر في القسم لأنهما صنفان وكل ما لا يُباع بالآخر اثنان بواحد إلى أجل] (4) فهو كصنف واحد ويُجمع في القسم وليس الخز كالصوف ولا الكتان ولا الصوف كالكتان ولا الحرير كالخز وكل واحد يُقسم على حدة وكذلك ما بان/ اختلافه من ثياب الكتان فجاز بيعه متفاضلاً إلى أجل فليقسم كل واحد على حدته ولا يُقسم الشطوي مع القيسي ولا مع الزيقة ولا مع الأتربي، والمروزي أراه مثل الشطوي في جودته ولينه وإن كان أصلهما ليس بواحد ولو ترك خَل عنب وخل تمر لقُسم كل واحد على حِدته لدخول التفاضل بالقيم إذا جُمعا في القسم، وكذلك الزبيب الأسود والأحمر إلا أن يقسموا ذلك بالسوية بغير سهم. قال سحنون: لا يكون السهم فيما يُكال ويُوزن.
قال أشهب في المجموعة: ولا يُجمع في القسم اللؤلؤ مع الياقوت والزبرجد ولا الزبرجد مع الياقوت إلا أن يتراضوا. قال أشهب: ولو لزم جميع ما يقع عليه اسم بَز في القسم مع اختلافه لزم مثله فيما يقع عليه اسم دابةٍ فيُقسم الرقيقُ إذاً مع الدواب والخيل مع الحمير والإبل.
قال ابن عبدوس: ومذهب أشهب في هذا أصحُّ عند سحنون. قال ابن حبيب: ولا يجمع إلى سائر الحيوان من دوابٌ أو غيرها وليُقسم على حدة، ***
__________
(1) في ع، وإن كان منها جيب سنجاب.
(2) كتبت في ع و ف القنليات بتقديم النون على اللام ولم يتبين لنا معناها.
(3) في الأصل، أن يباع منه اثنين.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ع.(1/220)
[11/230]
وليُجمع الرقيق كله في القسم، الذكور والإناث والصغار والكبار والأعجمي والفصيح والحسن والقبيح إذا اعتدلتِ القيمة، ولا يُجمع الخيل مع البغال ولا البغال مع الحمير ولا الإبل مع البقر ولا البقر مع الغنم وإن اعتدلت القيم، ولكن يُقسم كل نوع على حدة، أو يقتسمون بالتراضي.
ومن العتبية(1) قال يحيى بن يحيى: بلغني أن/ ابن الماجشون قال: لا يُقسمُ شيءٌ من الحيوان والعروض بالقيمة ولكن يُباع ذلك فيُقسم ثمنُه، والذي روى عنه ابن حبيب خلافُ هذا وهو ما في أول الباب.
ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب قال مالك: كل ما انقسم من رقيق أو حيوان أو عين أو غيره فإنه يُقسم إذا دعا أحدهما إلى ذلك وشركتهما بميراث أو شراء.
قال عنه ابن وهب: في الميت يترُك عبيداً فتريد زوجته أن يقع لها حقها في كل عبد أو وليدة فإنه يُقسم لها حقها في عبد أو وليدة فإن تم حقها في العبد أو الوليدة أخذته وإن نقص منه قاومت في العبد أو الوليدة ولم يُجعل حقها في ذلك كله لفساده وضرره والثيابُ والمتاع تقوَّم فتُعطَى حقها من ذلك.
قال عنه ابن القاسم: في نفر اشتروا السفينة من الرقيق فيطلب بعضهم القسم ويريد الباقون البيع. فإن استُطيع القَسمُ قسموا وإلا بيع، قيل: إنهم جملة قال: رُبَّ جملة لا تنقسم خمسة من عشرة. قال محمد بن عبد الحكم: ولا بأس أن يُقسم الحناء [والكتان] (2) والمسك والعنبر وغيره مما يجوز فيه التفاضل على التحري. وقد قيل: لا يجوز، وإجازته أحب إلي.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 137.
(2) كلمة الكتان ساقطة من ف.(1/221)
[11/231]
فيما لا ينقسم من الرقيق والمتاع وغيره إلا بضرر
ومن المجموعة قال أشهب: لا تُقسمُ الخشبة بين الرجلين، فإن قيل من الخشب ما يصلح/ في القطع(1) فإن ما يكون قطعه صلاحاً ولا يُكلف ذلك من أباه وإنما القسم في غير الرباع والأرض فيما لا يحال عن حال ولا يحدث بالقسم فيه ما لم يكن فيه من قطع ولا زيادة دراهم. قال: ولا يُقسم المحمل لأن الفرد لا ينتفع به إلا بالآخر وليقض ثمنه إذا أفرد، ولا يُقسم فص ولا ياقوتة ولا لؤلؤة أو زبرجدة وإن كان فصاً كبيراً إلا بتراصٍ، وكذلك السيف والمصحفُ فيه الحلية فيريد أحدهما نزعها وقسمته فليس له ذلك إلا أن يجتمعا ولا بأس يقسم الغرارتين(2) بين الرجلين إذ لا ضرر في تفريقهما.
وقال ابن حبيب: لا تُقسم الغرارتان(3) وجعلهما كالخرج ولا تُقسم الخشبة ولا الثوب الواحد.
ومن المجموعة قال ابن وهب عن مالك: في العبد وشبهه بين الرجلين أن من دعا إلى بيعه أجبر عليه من أباه أو يتقاويانه إلا أن يريد من كره البيع أن يأخذ ذلك بما يُعطى به. قال عنه ابن القاسم: فإن أبى أحدهما إلا المقاواة وأراد الآخر البيع قال: فليبع الآخر معه، وإن أحب أن يأخذه بما أعطى أخذ وإلا باع. وقال غيره: إن قال بعضهم نتزايد عليه وقال بعضهم بل يقومه بيننا أهل المعرفة والعدل ومن دعا إلى المزايدة فذلك له. قال ابن حبيب: إن دعا إلى البيع وطلب الباقون بقاءه على الشركة حُكم بالبيع لطالبه ولا تلزم المقاواة واحداً منهم، وإن دعا [إليها بعضهم حتى يجتمعوا/ على الرِّضى] (4) وإن دعا بعضهم إلى البيع وبعضهم إلى المقاواة أُجبر على البيع من أباه.
***
__________
(1) في الأصل، ما لا يصلح في القطع بالسقي وذلك سهو من الناسخ.
(2) الغرارة: الجُوالق وعو العدل من الصوف.
(3) في الأصل، لا تقسم الغرارتين وذلك خطأ واضح.
(4) ما بين معقوفتين ساقط من ع.(1/222)
[11/232]
في قسمة الزرع والثمار والطعام
والمصبر، واللبن في الضروع
وغير الطعام مما يوزن أو يكال
ومن العتبية(1) والمجموعة قال أشهب عن مالك: لا بأس بقسم جميع الثمار بالخرص من نخل وعنبٍ وتين وغير ذلك إن وجد من يحسن ذلك وطاب وحل بيعُه قيل: فما يدعوهم إلى اقتسامه؟ قال: اختلاف حاجتهم من بين آكل رطباً وبائعه أو آكل تمراً وبائع رطباً.
قال ابن عبدوس: ولا تجوز قسمته إذا أثمر.
ومن الواضحة قال: كل ما لا يجوز فيه التفاضل من الطعام فلا يُقسم بالتحري لا زرعاً ولا حصيداً ولا ذرياً ولا مُصبراً ولا زيتوناً يابساً في شجر ولا منثوراً ولا عنباً في كرومه ولا مجموعاً ولا تيناً يابساً ولا رطباً إلا كيلاً أو وزناً فيما يوزن أو عدداً إلا مُدَّخر الثمار إذا بدا صلاحه واختلفت الحاجة فيه فيُقسم بالخرص، قاله مالك وأصحابه ومطرف وابن الماجشون إلا ابن القاسم فلم يجزه إلا في النخل والعنب.
ومن المجموعة قال ابن الماجشون: أجاز أصحابنا قُسم الثمار التي يستعجلها أهلها بالخرص من التمر والعنب والتي تُخرص، وكره مالكٌ قسم الثمار الكثيرة جداً لأنه مما لا تُنال عجلته كله ولا تختلف منه الحاجة إلا في الشيء/ الخفيف. قال ابن القاسم وأشهب: ولهما قسم البلح الكبير على الخرص والتعديل. قال ابن القاسم: إذا أراد أحدهما بيعه والآخر أكله، وأنكره سحنون ولم يره اختلاف حاجةٍ لأن الذي يبيعُ يجذ، فقد اجتمعوا على الجذ لأن تركه يُبطل القسم.
قال أشهب: إذا كان بينهما بُسرٌ ورُطب لم يجز أن يقسماها على أن يأخذ أحدهما البسر والآخر الرطب وإن كان بالخرص، ولكن يقتسمان الرطب ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 119.(1/223)
[11/233]
ويقتسمان البُسر بالخرص، وكره ابن القاسم قسم البقل قائماً بالخرص. قال ابن عبدوس: لأنه لا يقبض كل واحدٍ ما صار له حتى يَجزه فصار طعاماً بطعام غير يد بيد وقد غلط من تأول عليه أنه لا يجيز قسمه بالتحري بعد جزه- يريد أو قبله- وليس هذا مذهبه وهو يُجوز قِسمة اللحم والخبز بالتحري فكيف بما يجوز فيه التفاضل، وقد جوز قسم البلح الصغير في النخل تحرياً. قال ابن حبيب: ويجوز قسمُ الكتان قائماً لم يُجمع وحُزماً قد جُمع قبل إدخاله الماء وبعد إخراجه وقبل نفضه وبعد نفضه على التعديل والتحري أو الرضى بالتفاضل.
وذكر ابن سحنون عن أبيه: في قسم الكتان قبل أن يُعمل وقد حُصد وفي رؤوسه زريعة [أو عُزلت منه قال: لا يُقسم كان في رؤوسه زريعة] (1) أو ليس ذلك فيه حتى يُدق ويُقسم. قال ابن المواز قال مالك: وإذا قُسم الثمن في النخل لاختلاف الحاجة فعلى حرز الكل على القيم، وإن تفاضل الجنس الواحد في الجودة/ قُسم كل شيء على حدة [كما تُقسم العجوة على حدة والصيحاني على حدة،](2) وإرادة أحدهما البيع والآخر ترك البيع اختلاف حاجة يجيزُ القسم وإن أحبا المقاواة جاز لهما. ومن طلب القسم فذلك له.
ومن كتاب محمد والعتبية(3) والمجموعة: وإذا كان صيحانيٌ وعجوةٌ أو عنب أحمر وأسود فلا بأس أن يُجمعا في القسم بالخرص على تساوي الكيل فإن لم يطوعا بذلك قُسم كل صنف على حدة.
قال ابن نافع في المجموعة: ولو قوموا ذلك فأخذه أحدُهم وأعطى للباقين ثمناً كان أحسن وإن أبوا إلا ما قال مالك فأرجو أنه خفيف.
قال ابن القاسم: في الغنم بين الرجلين فلا يقسما(4) لبنها في الضروع إلا أن يتبين تفضيل أحدهما الآخر على المعروف وكان إن هلكت غنمُ أحدهما رجع ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من ف.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(3) البيان والتحصيل، 12: 119.
(4) في ف، فلا يقسمان.(1/224)
[11/234]
على الآخر بما في يده فيجوز لأنه على الفضل ولم يجزه أشهب وقال مثله سحنون. قال سحنون: لأنه طعامٌ بطعام غير يد بيد، ولو حلباه قبل التفرق لجاز إذا فضل أحدهما الآخر بأمر بين. وعلة أشهب أنه لبن بلبن متفاضلاً والتأخير وهو لا يُجوز قسمته محلوباً تحرياً فإذا فضله فهو أحرم، وأنكر عليه هذه سحنون وقال: قد أجاز في الصبر أن يأخذ أحدهما أقل من نصفها بأمر بينٍ ويُسلم للآخر باقيها لأنه من المعروف. قال ابن عبدوس: فهذا يرُدُّ قوله في تفاضل اللبن معروفاً.
قال ابن القاسم: في قوم بينهم نخل أو شجر فيها نوىً على أن يأخذ هؤلاء/ نخلاً يأكلون تمرها ويأخذ الآخرون مثل ذلك بغير قسمة فلا يجوز وكذلك في لبن غنم بينهم لأنه قسمُ لبنٍ بغير كيل وقسمة ثمرٍ قبل بُدو صلاحها وقد قال في الغنم ما ذكرنا.
ومن كتاب ابن المواز: وكل ما يُكال من طعامٍ أو غيره فلا يُقسم تحرياً وما لا يُمكنُ فيه إلا الوزن فيجوز قسمُه تحرياً وبيعُ بعضه ببعض تحرياً مثل اللحم والخبز والحيتان.
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية(1): وذلك في الشيء القليل. وقال مثله ابن حبيب وذكر البيض في ذلك قال: والفرق بين ما لا يمكن فيه إلا الوزن وبين المكيل أن المكيل لا يُفقدُ ولو بالأكف وهذا فيما لا يجوز فيه التفاضل، وأما ما يجوز التفاضل فيه من الطعام والثمار أو من العروض مثل الحناء والقطن والمِسك والزعفران والحديد والرصاص وغيره فلا بأس باقتسامه تحرياً على التعديل والتفضيل، ولا يجوز على الشك في تعديله كالتبادل فيه تبعاً، وقاله مطرف وابن الماجشون ورووه عن مالك وقاله أصبغ: وبه أقول وقاله أشهب في المجموعة: في الحِناء والمسك وغيره مما يجوز فيه التفاضل مما يكال أو يوزن أنه يُقسم بالتحري [لأن المتقى في ذلك في الطعام التفاضل] (2). وروى ابن المواز وابن عبدوس عن ابن ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 7: 449.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.(1/225)
[11/235]
ابن القاسم أنه لا يجوز قسمُ الحناء والكتم والتين والنوى والكتان والمسك إلا/ كيلاً فيما يُكال ووزناً فيما يوزن إلا أن يقتسماه على معرفة التفاضل البين فيجوز، قال ابن عبدوس: وقول ابن القاسم أشبه(1) بالأصل وهو أحب إلي.
ومن المجموعة ذكر قول ابن القاسم: إذا قسما بلحاً صغيراً فجذ واحدٌ حصته وترك الآخر حتى كبر البلح أنه إن كان قسماه على غير تفاضل وكان إذا كَبِرَ لا يتفاضل فذلك جائز. قال أشهب: إذا اقتسماه صغيراً أو كبيراً فلا خير في أن يتركاه حتى يزيد زيادة بينة أو يصير الصغير كبيراً فيُنقضُ القسمُ بذلك، قالا: وإن تركه الآخر حتى أزهى أن من جذ يردُّ قيمة ما جذ. قال أشهب: قيمتُه يوم جذه ليس على الرجاء والخوفِ قالا: ثم يقتسمان ذلك مع ما أزهاه. قال ابن عبدوس قال ابن الماجشون: وإذا اشتريا ثمرةً ثم قسماها معلقةً ثم احتجَّ أحدهما فلا يرجع بشيءٍ على شريكه وليرجع على البائع.
ومن كتاب ابن سحنون: كتب سليمان إلى سحنون: هل يُقسمُ الكتانُ قبل أن يُعمل وقد حُصد في رؤوسه زريعة أو عزلوا منه الزريعة وأرادوا قسمه قبل أن ينقع وقبل أن يُدق فيصير مما يوزن؟
فكتب إليه: لا يعتدل قَسمُه لنا وزريعتُه في رؤوسه أو ليست فيه حتى يُدق فيقسم؟
في اقتسام الطعامين المختلفين أو طعام مع غيره
وقِسمة ما يوزن بالكيل أو يكال بالوزن
/من كتاب محمد ابن المواز: وإذا كان بينهما صُبرة(2) قمحٍ وصبرة شعير والقمح أكثرهما بأمر بين فأخذ أحدهما القمح والآخر الشعير لم يجز، وقاله ابن القاسم وأشهب في المجموعة.
***
__________
(1) كتبت في النسخ كلها أسعد، ولعل الصواب ما اثبتاه.
(2) الصبرة الكمية من الحبوب التي تباع معاينة وتقديراً بلا وزن وزن ولا كيل.(1/226)
[11/236]
ومن الكتابين قال ابن القاسم: وإن ترك أحدهما نصيبه من صبرة القمح واقتسما صبرة الشعير جزافاً لم يجز، ويجوز كيلاً وكأنه في الجُزاف خاطره فيها بما ترك له في القمح.
قال أشهب: وإن قال له: خُذ هذا الشعير ونصف القمح أو وثلثي القمح جاز، وفي الصبرة بينهما إن قال له: خُذ ثلاثة أرباعها فجائزٌ. قال هو وابن القاسم: أو على أن يأخذ أحدهما منها كذا وكذا ويترك باقيها للآخر فإن كان لا يشك أن ما أخذ أقل من حقه قال أشهب: أو أكثر لا شك فجائز، وقاله ابن حبيب.
ومن المجموعة قال أشهب: في الدنانير والدراهم والفلوس لا تقسم ولا يشتري به كيلاً وهو في الفلوس أخف منه في البيع، ولا تُقسم الفلوس موازنة.
قال ابن الماجشون: في قسم الرطب والتين والعنب أنه يُقسم على الأكثر من شأنه في البلد من وزن أو كيلٍ وكذلك بيع بعضه ببعض مما لا يصلح فيه التفاضل.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا بأس أن يقسم القاضي الزيت كيلاً أو وزناً أي ذلك شاء فعل.
في قسم الشجر لثمرها والحُلي بما فيه وفي سقي الأصول
/ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإذا اقتسموا الأصول وفيها ثمرة قد أزهت فلا يقتسموا الثمرة معها ثم إن قسموها كان على كل واحد سَقيُ نخله وإن كان ثمرتها لغيره كبائع ثمر نخله، وأنكر هذا سحنون وقال: القسمُ تمييز حق والسقي على من له التمرة كمن أوصى بالأصل لرجل وهي مُزهية أو مأبورة فالسقي على ورثة الموصي بخلاف البيع، ولو كان حكم القسم ها هنا كالبيع لم يكن عليه أن يسقي من التمر إلا نصف ما في نخله ونصف ما في نخل صاحبه، ولأن التمرة قد تختلف في الخرص فيكون تمر عشر نخلات خرص نخلة واحدة فيختلف السقي والخرص سواء وفرقٌ آخر أنه لا جائحة في القسم وهي في البيع.
***(1/227)
[11/237]
قال ابن القاسم وأشهب: وإن كانت التمرة بلحاً أو طلحاً فأراد قِسمتها مع النخل فلا يفعلا إلا أن يجذاه.
قال أشهب: أو يُقسم ذلك مع النخل على الجذ فيجوز ما لم يبلغ أن يكون طعاماً أو يبلغ أن يكون بلحاً قد احلولى فلا يجوز لامتناع التفاضل فيه. قال ابن القاسم: تُقسم الرقاب ويُترك البلحُ والطلعُ، وأنكر سحنون ذكره للطلع وقال: إذا لم يُؤبر لم يُجز قسمتُها. قال ابن حبيب: لا تجوز قسمة الحُلي إلا وزناً حُلياً مُركباً فيه الجوهر مرصعاً منظوماً فلا بأس بقسمته إذا عُدِلَ بالقيمة وكان ما فيه من الذهب والورق تبعٌ لما فيه من جوهر/ ولؤلؤ فيعتدل بالقيمة ويُقسمُ بالسهم أو يُقسم على المراضاة على التعديل كالتاج والسواجر(1) والخواتم والأخلة(2) وشبهه مما لا ينزع فيه إلا بنقضه، وأما إن كان ذهبه [أكثر من الثلث أو كان جوهره نظماً فلا يجوز قسمه بالقيمة، وإن كان ذهبه] (3) تبعاً حتى يميز فيُقسمُ ذهبُه وزناً وجوهره بالقيمة.
في التهابي(4) في قسم الغلات والسكنى والخدمة وقسمة الدين
من المجموعة قال ابن القاسم عن مالك: في عبد بين رجلين فيقول أحدهما للآخر دعني أكريه هذا الشهر وآخذ كراءه وتكريه أنت في الشهر الآخر فلا يعجبني وسهَّله في الخدمة.
***
__________
(1) في ف والسوارين.
(2) في ف والأكاليل.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من ف.
(4) التهابي مخففة من التهايؤ وهو اصطلاح فقهي يراد به التوافق بين جماعة على كيفية استغلال شيء يملكونه جميعاً كأن تكون الدار بين شخصين فيقع الاتفاق على أن يسكنها هذا مدة وهذا مدة أو تكون بينهما أرض فيقع الاتفاق على أن يزرع هذا ناحية وهذا ناحية ويقال لهذه الموافقة أيضاً المهايأة بتحقيق الهمزة والمهاياة بتخفيفها من هايأته وهابيته وقد سبق التعريف بذلك في مكان آخر من هذا الكتاب.(1/228)
[11/238]
ومن كتاب محمد قال مالك: في الدابة بينهما لم يجز أن يقول ما كسبت اليوم فلي وما كسبت غداً فلك وكذلك العبد. وإن قال اختدمه أنت اليوم وأنا غداً كان جائزاً وكذلك أنا شهراً وأنت شهراً. قال محمد: إنما يجوز في الخدمة مثل خمسة أيام فأقل ولا يجوز في الكسب ولا يوم واحد. وقد سهل مالك في اليوم الواحد وكرهه في أكثر منه وأجازه في الخدمة.
قال ابن عبدوس قال ابن القاسم: وإن تهايوا في دور أو أرض على أن يسكن كل واحد أو يزرع ناحية فذلك جائز في السكنى والزراعة ولا يجوز في الغلة والكراء قال: ولا يجوز ذلك في خدمة العبيد إلا في أجل قريب كالشهر وأكثر منه وما أشبهه، ولا يجوز/ فيما بعد، وأما الدور والأرضون وما هو مأمون فيجوز التهابي فيه السنين المعلومة والأجل البعيد ككرائها، وليس لأحدهما فسخُه بعد ذلك. قال ابن حبيب: وتجوز قسمة الدين إذا كان على رجل واحد كان الغريم حاضراً أو غائباً.
في الشركاء يريد أحدهم القسم هل يبعث القاضي في ذلك؟
وكيف إن كان فيهم غائب أو صغير؟
من كتاب ابن سحنون قال: وإذا سأل الورثة القاضي أن يقسم بينهم ربعاً ورثوه فلا يأمر بذلك حتى يثبت عنده بينة بملكهم لذلك أو ميراثهم إياه، وإن كان منهم غائب وكل له من يأخذ له حقه. وذكر ابن حبيب مثله. وقال سحنون وابن حبيب نحوه: أن القاضي لا يأمر بقسم ذلك حتى يثبت عنده أن ذلك مِلك لوليهم ملك عنه أو كان ساكناً كما يسكن في مِلكه حتى هلك عنده وثبت عنده عدد ورثته، وإن كانت قريةً فحتى يأتوه ببينة تثبت حدودها وتسميتها ومساحتها وأنهم يعرفون ذلك ملكاً للهالك أو في يديه وحوزه حتى هلك، وليوكل للصغير منهم أو للغائب من يقوم مقامه وإذا كانوا كلهم أكابر حضوراً فليس عليه أن يبعث لذلك قاسماً وليأخذوا هؤلاء لا بقسمهم قاسماً إلا أن يدعو إليه بعضهم ***(1/229)
[11/239]
ويأباه بعضهم فيقضي بالقسم ويأمر به أو يكون فيهم صغير أو غائب. قال ابن حبيب: وهو/ كله منهاج مالك.
قال أشهب في المجموعة: وإن كان أحدهم غائباً فاقتسموا بغير أمر السلطان ولم يقسموا للغائب على أن حظه مفترق عندهم لم يجز ذلك إذ له إذا جاء جمعُ حقه.
قال ابن القاسم عن مالك: ولا يقسم الوصي للكبير الغائب وليرفع ذلك إلى السلطان ليلي ذلك للغائب. قال أشهب: يتخذ لمصابته وكيلاً يقوم له فيه وإن لم يجد ذلك إلا بأجرة، وكذلك من مات عن أطفال ولا وصي لهم فإن لم يجد أن يتخذ لهم وصياً إلا بجعل اتخذه لهم، وإن كان للأصاغر وصي ورأى الإمام أن يوليه ما كان للكبير الغائب فذلك جائز. قال ابن القاسم وأشهب: وإن قاسم الوصي للغائب بغير أمر السلطان لم يجز عليه، قال أشهب: وهو بالخيار إذا قدم في إجازة ذلك أو رده، فإن أجازه فقال الوصي لا أرضى فليس ذلك له، وقد أخطأ الوصي فيما فعل من القسم وهذا في الرباع والعروض والحيوان والثياب وكل ما يعرف بعينه(1).
قال ابن القاسم عن مالك: وإن كان الورثة صغاراً كلهم فلا يُقسمُ بينهم مالُهم إلا بالسلطان إن رآه خيراً لهم.
قال أشهب: إذا لم يدخل به الوصي عليهم مرفقاً فلا أحب أن يقسمه فإن فعل رأيتُه ماضياً وإن لم يكن بأمر سلطان، وإن كان لبعضهم فيه مرفق أو لجميعهم مثل أن يكون أعمر لبعضهم أو منهم من بلغ أن يحوط ماشيته فيقسم لهم إذا خاف أن يتواكلوا أو يكون منه صغيرٌ يريد/ أن يتجر بماله له أو يضارب به لضعفه عنه وما هلك لأحدهم فهو منه وليس شيءٌ من ذلك أحب إلى أن يطالع فيه الإمام مثل الرباع ولأنه لا يبيع الوصي الرباع إلا بأمر الإمام.
***
__________
(1) في الأصل وكل ما يتعمد بقيته وفي ف وكل ما يتعمد بيعه وما رجحناه مأخوذ من ع لوضوحه وانسجامه مع الموضوع.(1/230)
[11/240]
وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: أن مالكاً وغيره أجازوا في الأصاغر لا أباً لهم ولا وصيَّ ولهم أم أو أخٌ رشيدٌ أو غيره ممن احتسب فهم من الأجنبيين فقام بولايتهم وكنفهم بغير تولية سلطان أنه يجوز له فيهم وعليهم ما يجوز للوصي على من أوصى بهم إليه من مقاسمة أو بيع أو ابتياع أو صلح أو تزويج أو تزكية مالٍ أو تضمينه أو حيازة صدقة منه أو من غيره بمنزلة الوصي في جميع ذلك، وقال به أصبغ وقاله ابن القاسم: فيمن يلي اللقيط وكذلك من ولي يتيماً فاكتنفه لقرابة أو لحسبة فهو له كالوصي.
قال ابن القاسم عن مالك: إن صاحب الشُّرط إن كان عدلاً فمقاسمتُه على الصغار جائزة. وفيما ذكر ابن حبيب من هذا ما المعروف خلافه.
في التداعي في القسمِ وفي الغلطِ فيه
وكيف إن وجد أحدهم في حظه ماجلاً أو بئراً
أو عمداً عافية أو كنزاً
أو ظهر في القسم غلط
من العتبية(1) ابن القاسم عن مالك: في الشريكين في الدار يدعي أحدهما أن شريكه قاسمه والآخر ينكر؟ قال: على مدعي القسم البينة. قال ابن حبيب: وإن قسما على مراضاة أو تساهمٍ/ ثم اختلفا في بيت فادعاه كلاهما أو في حد من حدودها فإن لم تقم بينة تحالفا فإن نكلا أو حلفا تفاسخا، وإن نكل واحدٌ فالقول قول الحالف. قال ابن عبدوس عن ابن القاسم: فإن قسما عشرة أثواب فأخذ أحدهما أربعة والآخر ستة ثم ادعى آخذ الأربعة أن ثوباً من الستة له وكذبه الآخر فالقول قول الحائز مع يمينه إذا أشبه، وقال أشهب: يتحالفان ويتفاسخان. قال ابن عبدوس: يقتسمان هذا الثوب المختلف فيه بينهما نصفين بعد أيمانهما، [واختار سحنون قول ابن القاسم] (2).
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 111.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع.(1/231)
[11/241]
ومن العتبية(1) من سماع عيسى عن ابن القاسم: وإذا قسم ورثة منزلاً فغاب بعضُهم وعمَّر الباقون ثم قدم الغائب بعد مدة فاشتبهت عليهم حقوقُهم وقال الحاضرون لا نعرف سهامهم [فليحلف الحاضرون أن الذين عمروا سهامهم] (2) ولا شيء لهم ويعيد الذين اشتبهت عليهم سهامهم القسمة بينهم قال: وإذا كان حظ أحدهم في يد أخيه عشرين سنة ونحوها فمات صاحب السهم فقام فيه بنوه أو قام هو ولمنزل يُعرف أنه من تركة أبيهم قال: إن ادعى اشتراءً أو صدقة فذلك له أقام بينةً أو لم يقم لأن في عشرين سنة ما يبيد الشهود، وإن لم يدع شراءً ولا صدقة إلا قوله هو بيدي فلا ينتفع بذلك ولو قال ورثتُه: لا ندري بماذا هو في يديه فلا شيء عليهم إلا أن يأتي المدعون بأمر يتبين به حقوقهم.
ومن كتاب ابن حبيب: وإذا ادعى/ أحدهم الغلط بعد القسم فإن قسموا بالتراضي بلا سهم وهم جائزو الأمور فلا يُنظر إلى دعوى ذلك وإن كان الغلط ببينة أو بغير ذلك من الأمور الظاهرة لأنه كبيع التساوم يلزمه فيه التغابن، وإن قسموا بالسهم على تعديل القيمة فلا يُقبل قولُه إلا ببينة أو يتفاحش فيه الغلط فتُرد القسمةُ كبيع المرابحة وتعاد القسمة ولا تُعدل على أن يبقوا على سهامهم ولكن يُقسم ثانية ولو لم يكن الغلط إلا في نصيبٍ واحد وقع عنده زيادةً لفسخ القسم، فإن فات نصيبه بالبناء فيرجع عليه من بعض سهمه بقيمة ذلك مالاً، ولو فات ببيع فإن لم يكن المبتاع بنى أيضاً نقض بيعه ورُدت القسمة، فإن بنى المبتاع رجع الناقض سهمه على البائع بقيمة ذلك مالاً فإن لم يجد عنده شيئاً رجع به على المشتري مالاً أيضاً ورجع به المشتري على البائع في ذمته، وإن بنى الذي لم تقع الزيادة في سهمه ولم يبن الذي عنده الزيادة انتقض القسم فيما لم يُبن من السهام وفي السهم الذي فيه الزيادة، وما فات بالبناء مما لم يقع فيه الغلط ماضياً لصاحبه، هكذا فسر لي مطرفٌ وابن الماجشون وأصبغ.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 130.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع.(1/232)
[11/242]
ومن العتبية(1) من سماع يحيى عن البن القاسم: وعن المقتسمين يجد أحدهما في نصيبه جُباً أو بئراً(2) قال: للآخر فيه حظه ويعاوده القسم إن لم يفت، فإن فات ببناء فله قيمة نصف ذلك كبيوت وجدها أسفل بيوت/ لم يعلم بها.
وقال سحنون: إذا وجد أحدهم في نصيبه بئراً عاديةً فهي له دون الآخر. وقال مثله ابنُ حبيب وقال: وكذلك إن وجد عُمداً أو صخراً، وكذلك المشتري يجد مثل ذلك أو الشريك، وقاله أصبغ. وفيما كتب سحنون إلى شجرة: إن كل ما وجد أحدُهم من القديم ليس من تركة الميت من ماجل أو بئر مطوية أو عُمُدٍ من آبار الأولين فهو لمن وجده وليس للآخرين عليه شيء وكذلك ما يجده المبتاع، وأما ما وجد من كنز ذهب أو فضة أو متاع أو نحاس من آثار الأولين فله حُكم الكنز إن كانت من أرض العرب فهو لمن وجده وإن كانت عنوةً فهو إن افتتحها وهم لا يعرفون فيكون لمساكين أهل تلك البلدة وإن كانت صُلحاً فهو للذين صالحوا عليها. وقال ابن نافع: الكنز كله لمن وجده.
ومن العتبية(3) من سماع أشهب: وعن قوم ورثوا أرضاً عفاءً لا ماء فيها فاقتسموها وباع كل واحد نصيبه وأقام المشترون نحو أربعين سنة كذلك وقد اغترسوا ومنهم من اشترى ماءً فساقه ومنهم من اكتراه ثم باع أحدهم فقال المشتري لمن يمر عليه بمائه لا أدعك تمر به عليَّ، وقال الذي يمر به هذا الماء لم يزل هكذا الماء منذ أربعين سنة قال مالك: فليدعُهم(4) القاضي بأصل القسم فإن أتوا به عمل عليه وإن لم يكن إلا ما هم عليه أقروا على ذلك، ولم يكن له أن يمنعه، أرأيت البائع لو خالفهم الآن؟ ما أرى أمثل من أن يقروا/ على ما هُم عليه إذا لم يكن قسمٌ يُعرف.
***
__________
(1) لم يتيسر ربط النص بأصله.
(2) هذه الكلمة كتبت في الأصل و ع على شكل (لنا) وآثرنا كتابتها على ما هو عليه في ف.
(3) لم يتيسر ربط النص بأصله.
(4) في الأصل فليدعوهم القاضي وذلك سهو من الناسخ.(1/233)
[11/243]
فيما يُستحق بعد القسم أو يظهر به عيبٌ
من العتبية(1) والمجموعة روى أشهب عن مالك: في ثلاثة إخوة ورثوا ثلاثة أعبُدٍ فاقتسموهم فأخذ كل واحد عبداً فمات عبد أحدهم واعترف عبد الآخر فمن مات ببده العبد فلا يرجع بشيء ولا يُرجع عليه بشيء ويرجع الذي استحق في يديه العبد على أخيه الذي بقي عبده فيكون له ثلثه وللذي هو بيده ثُلثُاه، ولو مات أيضاً هذا العبد لم يرجع على من كان بيده بشيء، قال أشهب في المجموعة: ولو كانت القسمة كالبيع لم يرجع من يستحق من يديه على من مات بيده بثلث قيمته ولكن ليس كالبيع.
قال سحنون عن ابن القاسم في المجموعة والعتبية(2): فإن كان العبد المستحق رجع فيه بثمن على بائعه لما استحق قال: ثلثا ذلك الثمن وثلث العبد الباقي للمستحق منه وثلث الثمن وثلثا العبد الباقي للذي العبد في يديه. وقاله سحنون.
قال ابن عبدوس: تفسير هذا عندي على مذهب ابن القاسم فيما أوجب من الضمان بالقسمة إنما ذلك إذا كان ما رجعوا به من الثمن على بائع العبد مثل قيمة العبد المستحق يوم اقتسموا، فإن كان أكثر مما زاد على ذلك رجع فيه الذي مات عبده في يديه بثلثه وأما مقداره من الثمن فلا حجة له فيه لأن مصيبته منه/ ولو لم يمت منهم أحد حتى استحق أحدهم فالمستحق مخيرٌ في أن يجيز البيع ويرجع بالثمن على البائع وتمضي القسمة، وإن شاء أخذ عبده ورجع الإخوة بالثمن فقسموه بينهم أثلاثاً ورجع المستحق منه العبد على إخوته فكان شريكاً لهم بثلث كل عبد وليس له أن يأخذ الثمن ويسلم لهما العبدين ولا لهما ذلك إن طلباه.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 125.
(2) البيان والتحصيل، 12: 84.(1/234)
[11/244]
وهذا على مذهب ابن القاسم الذي يُضمن بالقسم من مات عبدُه في يديه وأما من لا يُضمنه فقد مات العبد وثلثُه للمستحق منه العبدُ الآخر فمنه ضمانه وثلثاه من الذي مات العبد في يديه ثلثٌ هو له وثلثٌ عاوض به الذي بقي العبد في يديه، لأن القسمة بين هذين قد تمت وبينه وبين المستحق منه قد انتقضت فيكون الثمن بينهم أثلاثاً وللمستحق منه ثلثُ العبد الباقي هذا على هذا الأصل، ابن القاسم: وإذا اقتسم رجلان عبدين فأخذ كل واحد عبداً ثم استُحق عبدُ أحدهما أنه كالبيع فليرجع [بنصف العبد الآخر فإن تغير في سوق أو بدن أو بيع رجع] (1) بنصف قيمته وكذلك ما يفوت بهدم أو بناء.
قال سحنون: فأوجب على كل واحد ضمان ما بيده، وهذا خلاف أصل مالكٍ في الأعبد الثلاثة، والقسمُ بخلاف البيع، ألا ترى أنه لو طرأ دين لم يضمن من مات عبدُه في يديه.
قال ابن عبدوس: أرأيت لما استحق عبد هذا فأوجبت له أن يرجع على الذي مات العبدُ في يديه ثم طرأ دينٌ ما أنت صانعٌ؟ فإن أمرتَ أخذ/ نصف القيمة أن يُعطيه في الدين فقد ضمنت من مات عبدٌ في يديه لرب الدين وأصلك أن لا يُضمن من مات بيده لأهل الدين وإن لم يرجع رب الدين على أخذ نصف القيمة كنت قد ورثت مع قيام الدين [أرأيت لو أدركه من الدين دينارٌ وقيمةُ العبد مائة؟ فإن أرجعت طالب الدين على الذي رجع على أخيه فقد ضمنت من مات بيده لرب الدين وإن لم ترجعه كنت قد ورثت مع قيام الدين] (2) وإن أسقطت بلحوق هذا الدين الرجوع للأخ على أخيه بشيء فهو أشنع في القول، ولو كان القسم بيعاً لكان لمستحق العبد أن يجيز البيع في نصفه ويأخذ نصف الآخر [وإن وجد عبده قد مات كان له أخذ نصف الآخر] (3) لأنه ثمن نصف عبده، وكله قول أشهب وسحنون ثم اختلفا فيما أحدث أحدهما بفعله هل هو ***
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ع.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مثبت من ع و ف.(1/235)
[11/245]
فوتٌ؟ فقال أشهب: إذا استُحق عبدُ أحدهما رجع على شريكه فيما أخذ ولا يفيت ذلك حوالة سوق أو بدن وأما إن باع أو دبر أو كاتب أو بنى أو هدم أو حبس فذلك فوت يوجب عليه القيمة يوم القسم.
قال ابن عبدوس: ويدخل في هذا على أشهب ما ذكرنا في الفوت(1) يقال له: فلو ذهبت يده بعد القسم ثم أعتقه فأوجبتُ عليه قيمته صحيحاً يوم القسم وهو مائة وقيمته يوم العتق خمسون فأغرمتُه مائة فقد ضمنته ما لم يكن له في تلفه فعلٌ فإن قال ضمنته يوم القسم لأن التسليط بالقسم وقع/ قيل: فقد كان التسليط موجوداً والضمان مرتفعاً فإنما وقع الضمان بالعتق، فأما سحنون فإنما يُضمنُه قيمته يوم العتق.
قال سحنون: فإن باع أحدهما عبده واستحق عبد الآخر كان الثمن بينهما ولو كانت أمة فاتخذها أم ولد فإنما يضمنه قيمتها يوم حملت، وعند أشهب: قيمتُها يوم قاسم، وأما إن وهب أو حبس فعلى أصل سحنون تجوز الهبة في نصيبه لا في نصيب شريكه ويأخذ شريكه نصيبه من الموهوب، وإن كان مما يُقسمُ قاسمه، وفي قول أشهب: يضمن لأخيه نصف قيمته يوم قاسم، وإن أُعتق، فقال أشهب أيضاً: نصف قيمته يوم قاسم، وعلى أصل سحنون يعتق نصيبه ويقوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم التقويم إن كان ملياً وأما إن كان ما بينا فينا(2) فقال ابن القاسم وأشهب وابن كنانة: يضمن نصف قيمة ما قبض.
قال سحنون: ليس هذا أصل القسم وينبغي على أصل القسم إن شاركه في قاعة ما بناه ثم يتعاملان في البناء على حديث حميد بن قيس في الاستحقاق. قال سحنون: والهدم في القسم ليس بفوت. وقد قال ابن القاسم: في الموصى له بالثلث يأخذ ثلث دور الميت مُقاسمةً ثم استُحق ما بيده فرجع على الورثة وقد هدموا أن له ثلث ذلك مهدوماً فهذا هو أصلٌ جيد قيل له فلو قسما خشباً ***
__________
(1) في الأصل، في القوت وما أثبتناه مأخوذ من ع و ف.
(2) كذا في النسخ كلها ولم يتبين لنا المقصود من ذلك.(1/236)
[11/246]
فعمل أحدهما باباً بنصيبه قال: قد قال مالكٌ فيمن ابتاع غزلاً فنسجه ثم فلس أن النسج ليس بفوت. وبلغني عن سحنون أن/ الطحين ليس بفوت في القسم فكذلك ينبغي في الخشب وقال: إذا اعتل العبد ثم استحق عبد الآخر أنه يرجع في العبد الآخر وفي غلته؟ فقلت مثل المطلقة قبل البناء تقتل عبداً أصدقها فسكت وقال بعد ذلك: قد اختلفوا فيه.
قال ابن عبدوس: فأما غلةُ العبد المستحق فإن كان بيد أبيهما بغصب أو بهبة غاصب فعليه للمستحق وإن كان بشراء فالمستحق من يده مخيرٌ إن شاء تماسك بما بيده من الغلة ولم يرجع على أخيه بشيء ولا رجع عليه أخوه بشيءٍ، وإن شاء رد الغلة فكانت مع العبد الباقي وعليه الباقي بينهما نصفين.
ومن الواضحة: إذا اقتسم الشريكان داراً وأرضاً أو غيرها فاستُحق بعض ما بيد أحدهما فإن كان أقل ما بيده رجع بقيمة ما قابله مما بيد الآخر كان قائماً أو فائتاً، وإن كان وجه ما بيده في فضله أو كثرته انفسخت القسمة في النصيبين وعادا في الجميع شريكين إلا أن يفوت ما بيد صاحبه ببيع أو بناء أو هدمٍ أو صدقةٍ أو إصداق فيرجع عليه بنصف قيمة ذلك ويكون ما بقي من النصيب المستحق بعضه إن لم يفت بينهما فإن فات اقتسما قيمته بينهما، وإن اقتسما عبدين فاستُحق نصفُ أحدهما فليرجع ما ستُحق من يده على شريكه بربع قيمة العبد الآخر.
من العتبية(1) من سماع عيسى عن ابن القاسم: في شريكين اقتسما عشرة أرؤسٍ فأخذ كل واحد خمسةً وأعطى أحدهما للآخر ديناراً ونصفاً فضله به –يريد/ بلا سهم- فوجد صاحب الذي أخذ الدينار ونصفاً عيباً برأس واحد فإن لم يفت رقيق الآخر نظر ما المعيبُ مما بيد هذا من العبيد فإن كان سُدسهم كان المعيب بينهما نصفين وسُدسُ الدينار ونصف بينهما نصفين ويرجع على شريكه بنصف سدس ما بيده يكون به شريكاً له، فإن فات ما بيد شريكه رجع ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 126.(1/237)
[11/247]
عليه بنصف قيمة سدسهم وقاصه في ذلك بنصف سُدس الدينار ونصف ويبقى المعيب بينهما، وإن كان المعيب وجه الخمسة أرؤُس وفيه يرجأ الفضلُ انتقضتِ القسمة كلها وأعادوا القسم إن لم يفت نصيب الآخر وإن فاتوا في سوق أو بدن كان عليه قيمتهم يوم القسم.
وقال يحيى بن يحيى: أخبرني من أرضى أن ابن الماجشون قال: إن اقتسموا دوراً وأرضاً –يريد بالسهم- ثم استحق بعضُ ما في أيديهم أو وجدوا ببعضه عيباً فإن القسم يُعادُ بينهم، وإن كان قسموا على المراضاة فإنما هو عيب دخل عليه ينظر فيه بما ينظر في الشراء لأن قسمة التراضي كالبيع. قال ابن حبيب: وإذا وجد أحدهم عيباً بعد القسم فإن كان المعيب ليس وجه نصيبه مضى القسم وإن لم يفت ما بأيديهم ويكون المعيب بينهما ويرد الآخر ما قابل ذلك بالقيمة فيكون أيضاً بينهما. وإن كان المعيب وجه نصيبه انفسخت القسمة في النصيبين واستأنفا القسم إلا أن يفوت ما بيد الآخر فيرد قيمته فيكون مع المعيب بينهما. وإن فات بعضه رد قيمة ما فات/ فكان ذلك مع ما لم يفت بينهما وكذلك بعض النصيب الذي وجد فيه العيب رد قيمة نصف ما فات منه لصاحبه، واختلاف الأسواق عند مالكٍ في ذلك فوتٌ في جميع الأشياء إلا في الدور والأرضين.
قول ابن حبيب في فوت المعيب باختلاف الأسواق ليس بقول مالكٍ وإنما هو فوتٌ في عوضه والعوض في القسم أقامه ابن حبيب مقام البيوع وقد اختُلف فيه.
ومن كتاب ابن عبدوس قال ابن القاسم: في رجلين اقتسما داراً فبنى أحدهما حصته ثم اطلع على عيب أن البناء فوتٌ قال سحنون: لم يحمله محمل البيع ولا محمل القسم كأنه يقول ليس البناء فوتاً إذا اطلع على عيب ولكن يكون شريكاً بالبناء وتكون الدار بينهما وهو يقول إن صبغ المبتاعُ الثوب ثم ظهر له عيبٌ فله رده ويكون شريكاً بالصبغ- يريد إن زاده.
***(1/238)
[11/248]
قال ابن القاسم: وإن قسما حنطة ثم اطلع على عيب فليُرد قيمتها. وقال أشهب: يرد مثلها ثم يقتسمان ذلك وحصة الآخر نصفين. وبلغني أن سحنوناً قال: يكون شريكاً بقيمة الطحين في الدقيق ويكون ما بقي وحصة الآخر بينهما.
في الدين يطرأ على الميت بعد القسم
أو موصى له يأتي بعد القسم
من المجموعة قال سحنون: في الورثة يقتسمون ثم يطرأ على الميت دينٌ علموا أنه حين القسم أو جهلوه، فقال ابن القاسم وأشهب: يقال لهم اتفقوا على قضاء الدين وأقروا القسمة، فإن أبوا/ أو أبى أحدٌ منهم رُد القسمُ وبيع من التركة بقدر الدين وقُسم ما بقي. قال سحنون: لا تنتقض القسمة بلحوق الدين. قال ابن عبدوس: ولا أحفظ عنه أكثر من هذا، وسمعتُ عنه تفسيراً في مسألتهما في إقرار أحدهما بدينٍ أنه يحلف معه الطالب إن كان عدلاً ويثبت الدينُ فإن أبى المقر أن يُخرج ما نابه من الدين قيل لغيره أخرجوا ما نابكم منه ثم يباع على المقر نصيبه مما ينوبه من الدين.
قال سحنون: إذا ثبت الدينُ بيمين الطالب معه أو ببينة غيره لم يبطل القسم وهو تمييز حق ليس ببيع فالدين شائع في جميع ما بأيديهم مدخلاً واحداً بقدر حصته من الميراث، فإن كان الدينُ يغترق نصف التركة بيع من نصيب كل واحد نصف حقه للدين ويتم القسمُ فيما بقي كاستحقاق نصف أنصبائهم ولا يُقضى الدينُ على قدر سهام المواريث بل على قدر قيمة ما بيد كل واحد يوم البيع للدين، فما وقع من الدين على كل واحد يتوظف على قيمة ما بأيديهم اليوم بيع مما بيده بقدره ولكل واحد أن يفتك ما يباع عليه بأداء ما ينوبه. وإذا كان في البيع من نصيب كل واحد ضررٌ على طالب الدين لطوله أو لأن بعض ما بيد أحدهم أحضر ثمناً فليبع ما هو أنجر له بيد أحدهم ثم يرجعه على إخوته بمقدار ما كان ينوبه من الدين يوم قضاه.
***(1/239)
[11/249]
وقال أشهب: وإذا كان إخوة الشاهد غيباً بما دفع لهم في القسم والشاهد حاضر بالعبد وكان/ إذا بيع عليد عبده رجع على إخوته فيما صار لهما بثلث ما [بقي] (1) بأيديهما وكان ذلك أحط له لغبن في أصل القسم عليه أو لهما ما بيد إخوته فهو متهم في شهادته ولا يغرم ولا يفتك إلا حصته يباع من عنده بقدره فأنكرها سحنون. قال ابن عبدوس: وعلى أصل سحنون لا تهمة عليه لأنه عنده إنما يرجع عليهما بقدر ما ينوبهما من الدين من قيمة عبديهما يوم أداء الدين، بخلاف استحقاق أحد العبيد، والفرق أنه لو مات عبد أحدهم وغاب الآخر بعبده فبيع العبد الحاضر في الدين فلو كان كالاستحقاق لرجع هذا في ثلث عبد الغائب وفي الدين يرجع عليه بنصفه في اتفاق قيمتها، وقد قال أشهب: إذا كان قد أتلفوا ما بأيديهم ودى كل واحد مصابته من الدين، فإن كان بعضهم عديماً ودى الملي جميع الدين ما بينه وبين أن يحيط بما ورث ثم يرجع على إخوته بمصابتهم، وهذا خلاف ما قال في مسألة الوارث المقر حين جعله فيها شريكاً لهم ولم يجعلهم ها هنا شريكاً.
وقد قال ابن القاسم: إذا جنى جانٍ على ما في يد أحد الورثة ثم طرأ دينٌ أن الورثة يتبعون جميعاً الجاني لأنه كان لجميعهم يوم جنى عليه. قال أشهب: إن أخذ الدين من جميع الورثة وأما إن أخذ من أحدهم فإنما يرجع هو وحده على الذي صار له ذلك العبد بما يصيبه من العبد وله من الجناية بقدر مصابته من العبد.
قال ابن عبدوس: هذا القول كأنه جعل/ الدين كالاستحقاق، ومذهب سحنون: أن رب الدين يأخذه مما بيد الورثة، وإذا أخذه منهم لم يرجعوا على المجني على عبده بشيء ولكن على الجاني بحصة ما يلحق قيمة العبد المجني إذا قضى على جميع ما بأيديهم فيرجع المجني على عبده على الجاني بما بقي مثل أن تكون قيمة المقتول يوم القتل خمسين وقيمة كل عبد بيد إخوته مائة والدين مائتان ***
__________
(1) بقي) ساقطة من الأصل و ف مثبتة من ع.(1/240)
[11/250]
فبيع العبدان للدين أن الأخوين يأخذان من الجاني أربعين وأخوهما العشرة، ولو كان كالاستحقاق لرجعوا فيه أثلاثاً.
وقال أشهب وابن القاسم: إذا طرأ الدين وقد تلف ما بيد أحدهم كان حيواناً فماتت أو دوراً فانهدمت أو غصبها فلا شيء له ولا عليه، وإن باعه أو أتلفه بهبة أو غيرها رجع عليه صاحب الدين بدينه ما بينه وبين ما كان صار إليه، وأنكره سحنون.
وفي كتاب ابن حبيب: مثل ما قال أشهب: أن ما يصدقُ به يلزمه في لحوق الدين قيمته.. قال ابن عبدوس وقال أشهب في مسألة أخرى لا يضمن الوارث إلا ما أتلف كمن اشترى عبداً فاستحق من يديه وقد باعه أنه إنما عليه ثمنه وإن أعتقه رد عتقه وإن وهبه لم يتبع بشيء منه. قال أشهب: فالقسمة مثل هذا اقتسموا بسلطان أو بغير سلطان وقاله سحنون وتفسير قوله: إن كان الدين (يَغترق) التركة فإن رب الدين يأخذ ما وجد قديماً ويأخذ ممن باع الثمن إن لم يُحاب في البيع وليس له أن ينقضه، وقاله مالك: وإن لم يغترق الدين التركة ولم يُحاب وليس/ معروفاً بالدين قُسم الدين على قيمة من بقيت سلعته قائمة وعلى الجزء الذي باع به من باع فمن أدركه ملياً أخذ منه ومن كان عديماً فليأخذ من الملي ثم يرجع الملي على المعدمين بما كان يرجع به عليهم صاحب الدين.
ولو وهب أحدهم أو أعتق ثم طرأ دين يغترق التركة فلترد الهبة والعتق ويباعون في الدين، وكذلك الوارث وحده يرد عتقه وإن كانت أمة اتخذها أم ولد فليتبع بقيمتها ديناً عليه وإن لم يحط الدين بالتركة فض على جميع ما كان للإخوة ثم يباع مما وهب بقدر منابته من الدين، وتجوز الهبة فيما بقي، وأما العتق فيلزمه إن كان ملياً وتقوَّم عليه حصة الدين فيعتق كله وإن كان معدماً بيع من العبد بقدر حصة الدين وعتق ما بقي.
ومن العتبية(1) والمجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: فيمن ترك ألف دينار وعليه مائتا دينار دينٌ فباع وارثه بعض التركة فالبيع مردود. قال ***
__________
(1) لم يتيسر ربط النص بأصله.(1/241)
[11/251]
سحنون في المجموعة: لا يعجبني والبيع تام إن كان فيما بقي ما يؤدي الدين. وقد قال مالك: فيمن حلف بحرية رقيقه ليغصبن حقاً عليه إلى شيء فهو من بيعهم ممنوع، فإن باعهم وقضى الدين قبل الأجل أن بيعه تام لأن ما مر أجله برد بيعهم قد زال بالقضاء.
قال ابن عبدوس: وروى عن مالك في الورثة يبيع بعضهم من بعض بعد القسم أو يبتاعون من غيرهم ثم يلحقه دين أن رب الدين يأخذ ما وجد/ بأيدي الورثة ولا يأخذ ما اشترى بعضهم من بعض لأنهم ضمنوا ثمن ما باعوا به حتى يستوفي الغريم، وإن لم يكن عندهم شيء اتبعوا به ديناً ولا يضمنون ما هلك من الحيوان وإن كانوا قد استشفعوا به.
وروى يحيى عن ابن القاسم في العتبية(1): في الميت تنفذ وصاياه ويُقسم مالُه فينمو أو ينقص أو يُستهلك ثم طرأ دينٌ أن وصاياه ترد من يد من أخذها نامية أو ناقصة ولا يضمنون ما هلك بغير سببهم إلا أن يستهلكوا شيئاً أو يكونوا اشتروا شيئاً حُوسبوا به في وصاياهم فإنهم يردون ما حوسبوا به ولهم نماء ذلك تواه وكذلك الورثة ما أخذوا على الاقتسام فنماؤه وتواه على الغرماء ولهم وما استهلكوا غرموا وما أخذوه بمعنى البيع فنماؤه وتواه عليهم ولهم ويغرمون الثمن الذي كان وجب عليهم به وما قسموا من عروض يغاب عليها فيضمنون إلا ما قامت بينة بهلاكه فلا يضمنونه.
ومن كتاب الوصايا لمحمد بن المواز: وإذا لحق دينٌ بعد القسم انتقض القسم (قَلَّ) الدين أو كثُر إلا أن يتفقوا على أدائه وما هلك مما يُعاب عليه لم يُصدَّقوا إلا ببينة ولا يضمنون ما لا يُعاب عليه ويُصدَّقون فيه. قال ابن القاسم: لا يضمن الورثة ما مات أو نقص أصابوا في القسمة أو أخطؤوا بخلاف البيع لو بيع من ذلك شيءٌ باعه/ وصي أو قاضٍ فاشتراه بعض الورثة لضمنه بخلاف /252/ القسم تأخر الثمن أو تقدم، ولو كانت التركة عبداً فتقاووه فأخذه أحدهم فهو بيعٌ وهو له ضامن] (2).
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون: في الدين يُحكم به على الميت فيأمر الحكم أن يباع لذلك من أرضه بقدره ثم يأتي وارث غائب فيقول يؤدي الدين ويأخذ الأرض؟ فكتب إليه: إذا حضر الورثة وبدؤوا قضاء الدين فلا يباع عليهم وإن غاب بعضهم وغيبتُه قريبةٌ كُتب إليه حتى يُعرف قوله وإن بعدت غيبته بيع للغرماء بقدر الدين وقُسم ما بقي، ولو حضروا فقال بعضهم أقضي ما علي ولا يباع نصيبي فإن كان فيما يبقى تمام الدين فذلك له وإن لم يكن ذلك بيعت كلها وقُضي الدين إلا أن يفتكها الورثة بالدين.
قال ابن حبيب: ولُحُوقُ الوصية للرجل بالثلث أو للمساكين أو بعدة دنانير بمنزلة لحوق الدين في انتقاض القسم فيما يُنقض وفي ضمان الورثة ما يضمنونه وفي جميع ذلك.
في موصى له أو وارثٍ يطرأ على ورثة بعد القسم
وقال أشهب وابن القاسم في كتاب ابن حبيب: إذا طرأ موصى له بالثلث أو وارث طرأ بعد القسم فإن قسموا عيناً قال أشهب: أو قمحاً أو زيتاً أو عسلاً وما لا يُعرف بعينه؟ قالا: فإنما للقادم أن يتبع كل واحدٍ بما صار في يديه من حقه يكون شريكاً/ لهم بذلك. قال أشهب: ولو اقتسموا عروضاً أو رقيقاً شرك كل واحد فيما بيده إلا أن يكون لو قاسمهم إياها على اجتماعهم اجتمع له حقه في شيء واحد أو شيئين. وأما الدور فإن كانت من الدور التي تُقسم كل واحدة على حدة فهو مُخير بين أن يشارك كل واحد أو ينقض له القسم فيُجمع له حقه وكذلك إن كانت مما يُجمع في القسم فهو مُخير على ما ذكرنا.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 133.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من ف.(1/242)
[11/253]
وقال ابن المواز: في موصى له طرأ على موصى لهم فهو كغريم طرأ على غرماء لا يتبع المعدم إلا بما يتبع الملي إن كان أهل الوصايا استوفوا الثلث، وإن بقي منه فضلٌ مثل وصية الطارئ رجع على الورثة يكون فيما بأيديهم وأتبع الملي منهم بجميع ما صار إليه كغريم طرأ على ورثة وإن كان الثلث يضيق عنه وعن الموصى لهم وقد صار إلى الورثة من الثلث شيءٌ مثل أن يكون الثلث مائتين وخمسين ووصاياهم مائة مائة وهم ثلاثة فجاء وقد أخذ صاحباه مائتين فإن الذي له من الثلث خمسة أسداس مائة يأخذ منها من الورثة ثلاثة أسداس ويبقى له سدساً مائة يرجع على كل واحد بسدس مائة ولا يتبع الملي عن المعدم.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم على مذهب مالك: وإذا اقتسم الورثة داراً أو غير ذلك فأقام رجل بالبينة أن الميت أوصى له بالثلث أو أنه وارث معهم فما اقتسموا من العين فإن الموصى له بالثلث يكون شريكاً لكل واحد فيما/ صار في يديه، وأما الدور والأرضون فإن الموصى له أو الوارث يقاسمهمحتى يُجمع له حقه إذا كانت مما يُجمع في القسم من الدور والأرضين ولا يفرق حقه.
في الوارث يطرأ على الورثة بعد القسم
ومن المجموعة قال ابن وهب: إذا لحق بالميت ولد بعد موته فله حقه في تركته وما أكل الورثة تبعهم به وما عُرف هلاكه لم يضمنوه وما عابوا عليه وخفي هلاكه ضمنوا له نصيبه منه قال عنه ابن القاسم: يأخذ من كل واحد بقدر ما بيده من ميراثه ولا يتبع الملي بما عند المعدم. قال أشهب مثله وقال: هو بخلاف الدين إن كان ميراثه العُشر شرك هذا بعشر ما في يديه وإن باع أخذ منه عشر الثمن وما تلف بغير سببه لم يضمنه ويضمن ما أكل أو لبس.
قال ابن المواز: قال ابن عبد الحكم: اختلف في الوارث يطرأ على الورثة فقبل هو كغريم طرأ على غرماء لا يتبع الملي بما صار إلى المعدم وكالموصى له يطرأ ***(1/243)
[11/254]
على الموصى لهم. قاله ابن القاسم عن مالك ورواه وقاله أصبغ. وقال ابن عبد الحكم غير هذا، وهو قول أشهب أن الطارئ يقاسم من وجد من الورثة ملياً ما صار إليه حتى كأنه لم يترك الميتُ غيرهما ثم يتبعان باقي الورثة فمن أيسر دخلوا معه وساووه هكذا حتى يعتدلوا. قسم 12
قال محمد: وإن ترك امرأته وابناً فأخذت المرأة الثمن والابن ما بقي ثم طرأت زوجة أخرى فوجدت صاحبتها عديمة/ والابن ملي فليُرجع على الابن بثلث خمس ما صار إليه وهو جزءٌ من خمسة عشر مما في يديه لأن له أربعة عشر من ستة عشر ولكل واحد من الزوجين سهم ثم يرجعان على الزوجة بنصف ما أخذت فكل ما وجدا عندها من ذلك اقتسماه على خمسة عشر حتى يستوفيا. ولو قالت الطارئة لما قدمت قد صار إلى ميراثي فيكون كقولها قد تركتُ لكما ميراثي لا حاجة لي به ويُنقض القسمُ فيقسمان على خمسة عشر جزءاً للابن أربعة عشر ولهذه جزءٌ، ونعلم أنه قد صار لهذه الطارئة مثل ما أخذت هذه الزوجة من الابن فيصير ذلك على ستة عشر سهماً منقسماً على العدل.
قال ابن القاسم: ولو ترك ولدين وعبدين فأخذ كل واحد عبداً بقسمة أو بتبايع ثم مات أحد العبدين ثم قدم أخ ثالث فالقسمة باطل ويكون العبد الباقي بينهم أثلاثاً إن كانا اقتسما، وهذا الذي حكى محمدٌ عن ابن القاسم خلاف ما قال سحنون وخلاف ما ذكر مما بُني عليه القسم من قول مالك في الثلاثة أعبدٍ استُحق أحدُهم بعد القسم. قال محمد: ولو كان صار لكل واحد عبدُه بشراء من أخيه بثمن معلوم أو من وصي أبيهما لكانت مصيبةُ نصف العبد الميت بين الثلاثة إخوة وكانت مصيبة نصفه المشترى من مشتريه ثم يكون نصف العبد الحي الذي وقع عليه والنصف الذي لم يقع عليه يكون الأخوان في إنفاذ بيع/ مصابتها منه بالخيار.
وقال محمد: بل الطارئ وحده الذي له الخيار في إنفاذ بيع مصابته منه وهو سدس العبد فإن أنفذه رجع بثمنه على من قبضه ويكون نصف الميت المشترى ***(1/244)
[11/255]
منه مصيبته من المشترى له وحده يرجع الأخ الطارئ بثُمن ما يستحقه من هذا النصف المباع على أخيه الذي باع ثم يكون بالخيار في العبد الحي، فإن شاء أخذ ثلثه كله، سدس وقع عليه بيع وسدس لم يقع عليه بيع فيرجع هذا على الذي مات العبد بيده ثلث ما كان دفع إليه في ثمن العبد القائم.
ومن الواضحة قال: وإذا طرأ وارثٌ على ورثة بعد القسم فخلاف الدين يطرأ أو موصى له يطرأ عليهم، فإن كان ما قسموا عيناً أو ماشية قسموها عداً لم يُنقض القسمُ بقدوم الوارث وليرجع على كل وارث بما ينوبه مما أخذ لو كان هذا حاضراً، وما هلك بأيديهم بفعل منه أو بموت أو بجائحة فذلك سواء وهو ممن كان في يده ويضمن للقادم حصته منه، لأن القسم لم يُنقض ولا يتبع الملي بما على المعدم، وإن كان ما قسموا داراً أو دوراً أو شجراً أو أرضاً أو عروضاً ما كانت فإن القسم يُنقض لأنه لا يلزمه أن يأخذ من كل وارث حصته مما في يديه فيتفرق عليه سهمه ويجتمع لهم ولكن يُنتقضُ القسم ويصير كل ما مات أو هلك بغير سبب من كان في يديه من جميعهم ضمانه وما بيع أو تصدق به/ فمردود إلا أن يقع بالقسم الثاني في سهم البائع له أو المتصدق به فيمضي للمشتري وللمتصدق عليه. واحتج بمسألة مالك في الثلاثة أعبد يُستحق أحدهم ويموت الآخر وقد ذكرناها وضمنه القيمة فيما لم ينتقض فيه القسم وهي مما لا يعاب عليه.
في الميت يدع زوجة حاملاً هل يتعجل القسم؟
أو له ربعٌ قد عقد فيه كراءً
من العتبية(1) قال ابن القاسم عن مالك: في الميت يدع زوجته حاملاً هل يُقسمُ ماله؟ قال: لا تُقسم تركتُه حتى تضع، قيل: فإن لم يعلم هل بها حملُ أيتربص بها حتى تحيض؟ قال: ما سمعتُ. ثم سُئل عن امرأةٍ أبطأت حيضتُها ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 115.(1/245)
[11/256]
قال: فلا يُقسم الميراث حتى يُتبين من حملها قيل: حتى تستبرئ؟ قال: ليس حتى تستبرئ ولكن يستأني حتى تطهر.
قال أبو زيد عن ابن القاسم: فيمن عقد في داره كراء سنةٍ ثم مات بعد مُضي شهر أو شهرين فأراد ورثته القسم؟ قال: الكراء ماضٍ ولهم قسمتُها ويعرف كل واحد منهم ما يصير له إذا كان لا يضر ذلك بالمكتري ولا يضيق عليه شيئاً، ولكل واحد أن يبني ما يصير له إن لم يضر بالمكتري وليس لهم إخراجه حتى تتم سنته.
في أجرة القاسم وشهادته
وكيف أمر القاضي بالقسم وإنفاذُه له
من العتبية(1) قال ابن القاسم في سماعه: كره مالك ما/ جُعل للقُسام مع القضاة في قسمهم وحسابهم، ولم يكن خارجة بن زيد ومجاهدٌ يأخذان في ذلك أجراً. قال ابن القاسم: وذلك رأيي ولينظر الإمامُ رجلاً يرضاه بقيمة لذلك ويجري له عطاءه مع الناس كما يُجري للقاضي وغيره ممن يحتاج إليه المسلمون.
قال ابن حبيب: إنما كرهه لأن ذلك يأخذونه من أموال اليتامى وغيرهم، وأما أن أجرى لهم من بيت المال فلا بأس به. وكذلك كل ما يحتاج الناس إليه وفي قسم غنائمهم.
قال: فإذا أجرى له عطاءه من بيت المال أو من الفيء لم يحل له أن يأخذ ممن يقسم بينهم شيئاً لأنه كالقاضي المرتزق، فإن لم يُجر له رزق فلا بأس أن يأخذ منهم، ولو قسم احتساباً كان أفضل له، وقد أجازه مالكٌ له ولكاتب الوثيقة ويكون الأجر في ذلك على عددهم لا على أنصبائهم وأدى المأخوذ منه المال الذي كان على يديه كواحد منهم في غُرم أجر الوثيقة لا يتوثق له ولهم، قال مالك: وكذلك لو طلب القسم أحدُهم وأبى الآخرون فألزمه فعلى الآبي والطالب أجرُ التقاسم سواء قال: وإذا قسم بين ورثة بأمر القاضي ثم أنفذ ذلك القاضي وأشهد ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 109.(1/246)
[11/257]
به ثم اختلفوا أو نزع بعضُهم أو تجاوز الحق صاحبه ولم تحفظ البينة ذلك واحتاجوا إلى شهادة القاسم فإن كان هذا الحاكم هو أمره بذلك فشهادته وحده في ذلك جائزة إذا كان الحاكم يعلم/ ويذكر الآن أنه أمره بذلك يومئذ فليمض شهادته وحده على ما وصف. وقاله ابن الماجشون. وكذلك كل ما لا يباشره القاضي من الفعل والقسم والأحلاف والكتاب والنظر إلى العيب وشبهه فمأمون مقبول القول فيه عنده لأن فعله في ذلك كفعله كانوا مرتزقين أو غير مرتزقين.
قال ابن حبيب: وإن لم يمكن هذا الحاكم هو أمر القاسم بقسم ذلك وإنما أمره من قد درج من الحكام أو قومٌ تراضوا على قسمه فلا يجوز فيه شهادة القاسم أصلاً ولابد من اثنين سواه أن القاضي أمره بذلك وأنه بعد أن قسم نفذه القاضي أو أن الورثة تراضوا به وألزموا أنفسهم قسمه بعد أن قسم وكذلك العاقد والمحلف والكاتب والناظرُ إلى اللبيب لا تجوز شهادتهم عند غير الذي أمرهم في الذي أمرهم فيه لا وحدهم ولا مع غيرهم بحالٍ، كما لا تجوز شهادة القاضي المعزول فيما يذكر أنه حكم فيه لا وحده ولا مع غيره. وقاله ابن الماجشون، وهو تفسير قول مالك.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا شهد قاسمان على ما قسماه بأمر قاض أو بغير أمره فإن كل إنسان ممن قسما بينهم قد استوفى في نصيبه فلا تجوز شهادتهما لأنهما شهدا على فعل أنفسهما. قال ابن حبيب: ولا يأمر القاضي بالقسم إلا القاسم المأمون المرضي عنده البصير بما يكلفه، فإن كان/ اثنان فهو أفضل وإن لم يجد إلا واحداً فهو يكفي وإذا أتاه فأعلمه أنه قسم وأتاه بصفة ما فعل جاز للقاضي قبوله منه والإشهاد عليه إذا رآه صواباً وأقر به أكابر الورثة ولم يدعوا بشيء ينظر لهم فيه فليُنفذه على الصغير والغائب بقول القاسم وحده، وليس بمعنى الشهادة بل هو بمعنى المعونة له على أمره، وبعض القضاة يبعث قاسماً لا يرضى حاله ويأمره من يرضاه أن يحضر معه وهم يجهلون أمر القسم فهذا خطأ ممن فعله، لأن من معه لا يدري صواب القاسم من خطئه أو عدله وجوره شيئاً وإنما يشهدهم على فعله وهم لا يعلمون من ذلك غير قوله بشهادتهم أنهم حضروا ***(1/247)
[11/258]
القسم على ما كتب لا ينبغي ولا يقبلها القاضي ولا ينبغي للقاضي أن يأمر القاسم المرضي أن يشهد على ما قسم حتى يأتيه به مكتوباً وينظر فيه، فإن رآه صواباً سأل الأكابر عن عمله فإن عاضوا فيه نظر فيه وإلا أمضاه.
في القوم يقتسمون الدار ولا يذكرون مجرى مائها
وكيف إن وقع خطأ أو غلط في القسم
من كتاب ابن حبيب: وسألتُ مطرفاً عن قوم اقتسموا داراً ومجرى مائها في ناحية منها فصارت تلك الناحية في سهم أحدهم ولم يذكروا المجرى؟ قال: إن لم يذكروا المجرى عند القسم/ انتقض القسم ثم يُقسم على بيان من ذكر مجرى كل سهم أن يصطلحوا بالتراضي فيمضي القسم الأول وكذلك إن لم يذكروا باب الدار في وقت القسم وقد وقع في نصيب أحدهم فإنه ينقض القسم ويُؤتنف على بيان أو يشترط ذلك في أول الوقت فيمضي على الشرط إن كان لكل واحد مفتحٌ لبابه ولمجرى مائه في نصيبه مضى ذلك وإن لم يُفسر ذلك فليؤتنف القسمُ، وقاله كله أصبغ.
قال مطرف: وإذا ظهر في قسمة القسام للأرض غلط أو خطأ فليُفسخ القسمُ ثم يُعاد ولا يُعدل بينهم ويقرون عليه، وكذلك لو لم يقع الغلط إلا في نصيب أحدهم لأُعيد القسمُ ما لم يفت ذلك ببناء من الذي وقع ذلك في سهمه، فإن فات فليرجع بقيمة ما نقص من سهمه مالاً فإن لم يبن ولكن باع فإن لم يبن المبتاع رُد البيعُ وفُسخ القسم وإن بنى المشتري رجع المنقوص السهم على البائع بقيمة ذلك مالاً فإن لم يجد عنده شيئاً رجع به على المشتري مالاً أيضاً ورجع به المشتري على البائع في ذمته قلت: فلو كان غير الذي وقعت الزيادة في سهمه بناءً؟ قال: ينتقض القسمُ فيما لم يبن وفي السهم الذي فيه الزيادة كما فسرتُ لك، وما فات بالبناء مما لم يقع فيه الغلط ماضياً لصاحبه. وقال أصبغ مثل ذلك كله.
تم كتاب القسم
بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد
***(1/248)
[11/259]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
الجزء الأول
من كتاب الوصايا(1)
في الحض على الوصية وذكر التشهد فيها
ومن كره للمعل أن يوصى بنصفه
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: ومن كتاب ابن حبيب وغيره: رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مُسلمٍ له شيءٌ يُوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتُوبة(2)، قال نافعٌ: فكان ابن عمر يكتبُ وصيته ثم ترك ذلك وقال: ما عندي ما أحدِث فيه وصية، رباعي حبس، وحائطي صدقةٌ، وما كان من شيءٍ فقد أنفقته. فلما احتضر قال: قد كنت أصنعُ في الحياة ما الله أعلم به وأما الآن فلا أرى أحداً أحق به من هؤلاء. وكذلك قال حاطب بن أبي بلتعة لعُمر وذكر من فعله في الصحة في ماله.
***
__________
(1) * ) لم نجد في الوصايا مخطوطاً آخر لكتاب النوادر غير الأصل نرجع إليه عند المقابلة، فاستعنا بالبيان والتحصيل ومصادر أخرى متوفرة. وحتى مصور مخطوط آياصوفيا (الأصل) فيه لوحات مطموسة لا تقرأ، الأمر الذي جعلنا مضطرين إلى ترك بياضات كلما تعذرت علينا القراءة.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوصايا ومسلم في كتاب الوصية ورواه مالك في الموطإ في كتاب الوصية عن نافع عن عبد الله بن عمر.(1/249)
[11/260]
ومن غير كتاب ابن حبيب: أن سعيد بن المُسيب لما قيل له في المحنة اعهد عهدك؟ قال: لستُ من يُوصى بأمره الرجال، ما كان لي من أمر فقد أحكمتُه، ونحو هذا.
قال غيره: وأما من عليه تباعةٌ أو ما فرَّط فيه من كفارةٍ أو غيرها من زكاة أو غير ذلك مما يُوصى فيه فواجب عليه أن يوصى بذلك، وإنما يُرخص في ترك التطوع.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لسعد: الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير... (الحديث) (1).
ومن كتاب ابن حبيب: قال علي بن أبي طالب لمريض ذكر له الوصية: لا توص إنما قال الله سبحانه (إن تَرَكَ خَيْراً) (2) وأنت لا تترك إلا اليسير دع/ ما لك لبنيك.
وقيل لعائشة: أيوصي من ترك أربعمائة دينار وله عدد من الولد؟ فقالت: ما في هذا فصل عن ولده.
وقيل لميمون بم مهران: إن فلاناً مات وأعتق كل عبدٍ له؟ فقال: تعصون مرتين يبخلون به وقد أُمروا بالإنفاق فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه. قال عمر: الثلث وسط لا بخس ولا شطط. قال ميمون بن مهران: لأن أوصي بالخُمس أحبُّ إلي من الربع وبالربع أحب إلي من الثلث، من أوصى بالثلث لم يترك شيئاً.
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية(3) وكتاب ابن المواز والمجموعة قال: كان من (أدركت) يكتبون التشهد قبل ذكر الوصية ومازال ذلك من شأن الناس ***
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز ومسلم في كتاب الوصية جعله مالك في موطئه في باب الوصية في الثلث وفي بعض الروايات عوض أن تدر أن تدع.
(2) الآية 180 من سورة البقرة.
(3) البيان والتحصيل، 12: 440.(1/250)
[11/261]
بالمدينة، وإنه ليعجبني وأراه حسناً، ورواه عنه أشهب. قال أشهب في المجموعة: كل ذلك لا بأس به تشهد أو لم يتشهد، قد تشهد ناس فقهاء صالحون وترك ذلك بعض الناس وذلك قليل.
قال أشهب عن مالك في العتبية(1) والمجموعة وكتاب ابن المواز: قيل له: إن رجلاً كتب في ذلك: أومن بالقدر خيره وشره حلوه ومُره؟ قال: ما أرى هذا إلا كتب الصفرية والإباضية قد كتب من مضى وصاياهم ولم يكتبوا مثل هذا.
قال ابن حبيب: قال ابن سيرين: كانوا يكتبون: هذا ما أوصى به فلان بن فلان أوصى بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأوصى أهله من بعد موته بتقوى الله العظيم وأن يصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم نبيه: إلى قوله وأنتم مسلمون(2).
/ذكر وصية المُولى عليه والصبي والمجنون والمرتد
ووصية المولى عليه مما أدان أو تعدى وذكر تدبيره
من كتاب ابن المواز قال مالك وأصحابه: تجوز وصية الصغير إذا عقل ما يوصى به مثل ابن تسع سنين وشبهه.
قال ابن حبيب: قال ابن شهاب: في الصبي والصبية إذا عقلا الصلاة جازت وصيتهما. قال أصبغ وحده: إذا عقلا ما يفعلان، ومن المجموعة قال: قال مالك: تجوز وصية اليفاع. قال عنه ابن وهب وأشهب في كتاب ابن المواز: وتجوز وصية ابن عشر وتسع.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 440.
(2) يشير إلى الآية 132 من سورة البقرة التي يقول الله تبارك وتعالى فيها (وأوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون).(1/251)
[11/262]
ومن المجموعة: وتجوز وصية الأحمق والسفيه وتجوز وصية المصاب في حال إفاقته. قال عبد الملك: تجوز وصية المجنون في إفاقته، لأنه تجوز شهادته في تلك الحال إن كان عدلاً.
قال ابن كنانة: يجوز من وصية المُولى عليه وتدبيره وما لا يقع عليه إلا بعد موته وإنما يُمنع في حياته من مال إلى رشده ليأخذه فإذا جاء الموت لم يُمنع من خير يفعله في ثلثه ولو مُنع لكان توفيراً على وارثه فهو أحق من الوارث بالثلث.
ومنه ومن كتاب ابن المواز أشهب عن مالك: وإذا أدان المُولى عليه ثم مات لم يلزمه ذلك كالحي إلا أن يُوصى به وقد بلغ الوصية فيجوز في ثلثه. قال ابن نافع عن مالك مثله في المجموعة، قال ابن كنانة: كما يجوز في التطوع يوصى به كذلك يجوز/ على وجه القضاء في ثلثه ويبدأ على وصاياه وإن كان إنما سمى ذلك الدين ليُقضى من رأس ماله ولم يجعله في ثلثه، لم يجز ذلك على ورثته. قال عبد الملك: وإن دبر السفيه خادماً عالية الثمن لم يجز تدبيره ويجوز في قليلة الثمن، وأما تدبير من لم يبلغ الحُلم فلا يجوز بخلاف وصيته.
قال أشهب: لا يجوز تدبير المُولى عليه ويبطل ذلك وإن بقي العبد في يديه حتى ولي نفسه. قال ابن القاسم: له تدبير عبده في المرض فإذا صح بطل ذلك.
قال أشهب: في صبي أوصى إلى غير وصيه أن يُفرق ثلثه فلم يُجز وصيه إيصاءه إلى غيره فذلك للوصي أن لا يلي غيره تفرقة ثلثه. قال ابن نافع عن مالك: في يتيم أمر رجلاً أن يضرب غلاماً له فضربه وهو يقول له اضرب اقتُل فتمادى به حتى قتله؟ قال يضمنه الضارب. قيل: فأوصى اليتيم حين احتضر أن يعتق عنه وصيه رقبةً فيما ركب من الغلام؟ قال: إن سمى أن ذلك عن ضرب الغلام فهو مُبدأ على وصاياه وإن لم يُسمه لذلك لم يبدأ.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: فيمن ارتد وقد أوصى بوصايا ثم قُتل أو مات في ردته فوصاياه باطلٌ وإن راجع الإسلام ثم مات، فإن كانت تلك الوصايا ***(1/252)
[11/263]
مكتوبة جازت كلها وإلا لم تجز، وكذلك لو أوصى بها وهو مرتد، وهو كالمريض إذا صح ثم مات.
فيمن كتب وصيته عند سفره أو في مرضه
أو أشهد بها بغير كتاب ثم قدم أو أفاق
وكيف إن لم يقل إن متُّ من مرضي هذا أو سفري/
أو قاله أو قال في سنتي هذه
من كتاب ابن المواز والعتبية(1) قال ابن القاسم عن مالك: وإذا قال أو أشهد بغير كتاب إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا فعبدي حر ولفلان كذا ثم قدم المسافر وبرئ المريض ثم مات فذلك باطلٌ، وإن كان ذلك في كتاب بيده أو بكتاب عند غيره ثم أخذه فهو باطلٌ إلا أن يترك الكتاب الذي عند غيره فلا يأخذه حتى يموت فهو نافذ.
ومن المجموعة روى ابن القاسم وأشهب وعلي وابن نافع عن مالك: إذا أوصى إن مت من مرضي هذا ثم صح ولم يُغير وصيته حتى مرض مرضاً ثانياً فمات وقد أقر وصيته بحالها أنها نافذة.
قال عنه ابن القاسم في العتبية(2) فيه وفي السفر فإذا قدم من ذلك السفر وأفاق من ذلك المرض ثم مرض بعد حين فمات فتؤخذ وصيتُه تلك ولم ينكرها الآن بإجازة ولا تغيير؟ قال: هي نافذة. وقال عنه في كتاب آخر: لا يجوز إلا أن يكون بيد غيره. قال سحنون: هذا أحسن.
قال عنه ابن القاسم فيه وفي المجموعة: وإن أوصى بأخرى جازتا إلا أن يُنقص في الثانية شيئاً من الأولى، وإن أوصى في الآخرة لرجل بمثل ما أوصى له في الأولى فإنما له ذلك مرة واحدة.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 433.
(2) البيان والتحصيل، 12: 433.(1/253)
[11/264]
قال ابن كنانة في المجموعة: في الموصي في مرضه أو سفره يقول: أو مت من مرضي بغير كتاب ثم صح أو قدم ثم مات بعد ذلك فذلك باطل، وإن كان بكتاب أشهد فيه ثم لم يحرفه ولا محاه ولا أشهد على تغييره حين أفاق أو قدم فهو نافذ.
وقال أشهب: إن مات من مرضٍ آخر/ جازت الوصية لأن فيها إن مت من مرضي هذا فلما أقرها في المرض الثاني فكأنه عناه، وسواء قال إن مت من مرضي هذا أو في مرضي، وكذلك في السفر إذا مات في سفر آخر فإن مات في غير سفر أو مات ذلك المريض في غير مرض فذلك باطل. وكذلك قال اشهب في كتاب ابن المواز وقال: ورواه عن مالك.
قال ابن القاسم وأشهب: وإذا كانت مبهمةً جازت وإن كانت عنده إذا أشهد عليها. قال أشهب في المجموعة: يعني في التي يذكر فيها إن مت في مرضي أو سفري والاستحسان غير القياس أنه إن مات في غير سفر ولا مرض أنها تنفذ إذا لم يغيرها لما عُلم أن ليس قصد الناس في ذكر السفر والمرض تخصيص ذلك، ألا ترى لو كتب في سفري هذا فبغته الموت قبل أن يسافر أنها نافذة.
ومن العتبية(1) وكتاب ابن المواز: ذكر ابن القاسم عن مالك: إذا كتب إن مت من مرضي هذا أو سفري ثم يفيق أو يقدم ثم يمرض فيموت فتوجد وصيتُه أنها نافذة، لأن أكثر وصايا الناس عند سفر أو مرض ثم يزول ذلك [فيثق] (2) بوصيته أنها موضوعة فيقرها فهي نافذة. قال ابن المواز: يعني والله أعلم أنها كانت بيد غيره فأقرها لقوله موضوعة.
قال سحنون في المجموعة: روايته عنه أخرى أحسن وأبين إن كانت عنده فهي باطل وإن كانت عند غيره فهي جازت.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 426-433-469.
(2) كذا والغالب أنها محرفة عن كلمة أخرى ولم يتيسر لنا تحقيقها لعدم عثورنا على أية نسخة من كتب الوصايا لنستعملها في المقابلة والتصويب والتصحيح.(1/254)
[11/265]
قال في الكتابين: قال عنه ابن القاسم أيضاً:/ وكذلك لو قال فيها: إن مت من مرضي هذا أو قال فيما بيني وبين سنة فيموت بعد البرء أو بعد الأجل فهي نافذة إن لم يأخذها ممن هي بيده.
قال ابن المواز: قال ابن عبد الحكم: ومثله الحامل تقول: إن مت من حملي هذا ثم تموت من غير حمل أو من حمل يأتي ويموت الرجل في سفر يأتي أو مرض يأتي أو في غير سفر ولا مرض فإن كانت بيده بطلت وإن كانت بيد غيره نفذت.
ومسألة الحامل في العتبية(1) من سماع ابن القاسم أيضاً.
ومن المجموعة روى علي عن مالك: فيمن كتب في وصيته إن مت سنتي هذه فعاش بعدها شيئاً ثم مات ووصيتُه تلك بيده لم يغيرها ولا أحدث غيرها أنها نافذة جائزة.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: في حامل جاوزت ستة أشهر بمرض مرضاً من غير حملها فتوصي بوصايا ثم أفاقت ثم ماتت من نِفاسها؟ قالا: لا تجوز وصاياها تلك إلا ان تكون كتبتها وأقرت الكتابة حتى ماتت فلتنفذ، ولو كان مرضها الأول من سبب حملها فوصاياها جائزة كتبتها أو لم تكتبها إن ماتت من نفاسها لأنه نرضٌ واحدً.
فيمن أشهد على وصيته وأقرها عنده أو عند غيره
وكيف إن طبع عليها؟ وكيف إن قرأها أو لم يقرأها عليهم؟
من العتبية(2) وكتاب ابن المواز: روى أشهب عن مالك: فيمن طبع في آخر وصيته وقال للقوم اشهدوا علي بما فيها ولم/ يقرأها ولا علموا ما فيها فكتبوا ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 439.
(2) البيان والتحصيل، 13: 300.(1/255)
[11/266]
شهادتهم ثم مات فإن لم يشك الشاهد في الطابع فليشهد وإن شك فلا يشهد إذا لم يكن الكتاب عنده، قيل: أفلا يشك في الخاتم وقد غاب عنه؟ قال: إن شك فلا يشهد. قيل: وإذا دعا بوصيته من عند أهله فأشهد قوماً على ما فيها أتقولون له اقرأها فإنها كانت عند أهلك؟ قال: ليس عليهم ذلك وليشهدوا.
قال ابن المواز قال أشهب: ذلك جائزٌ كانت مختومة أو منشورة قرأها عليهم أو لم يقرأها ولو قرأها ولم يأمرهم بالشهادة فليس بشيء حتى يقول إنها وصيتي وأن ما فيها حق وإن لم يقرأها وكذلك لو قرؤوها وقالوا نشهد أنها وصيتُك فقال نعم، أو قال برأسه نعم ولم يتكلم فذلك جائز.
ومن كتاب ابن المواز: قال –يعني مالكاً- وإن لم يقرأها عليهم فليشهدوا فإذا مات وعرفوا الكتاب فليشهدوا أنها وصيته أشهدنا على ما فيها، وكذلك لو أشهدهم عليها مطبوعة إذا عرفوها. قال: وإن فُتحت فوجد فيها محوٌ (لا) يغير ما قبله ولا ما بعده لم يضر، وإن كان يحمل بعض الوصية المغيرة فذلك الشيءُ لا يجوز إلا أن يعرفوا المحو. ولو وجدوا لحقاً لم يُبينه لهم فلا يشهدوا عليه إلا أن يكونوا طبعوا عليها وعرفوا الخواتم فاحملوهم ما تحملوا.
قال أشهب عن مالك: ومن شك منهم فلا يشهد إذا لم تكن الوصية عنده حتى يتبين أنه خاتمه بعينه لم يُفض وكان الناس قديماً يجيزون الخواتم في كتب/ القضاة وغيرها ثم حدث الإشهاد على الطابع، وأجوزهم عندي شهادة الذي الوصية في يديه والآخرون يشهدون بمبلغ علمهم ويحملون ما تحملوا. وقال أيضاً أما الآخرون فلا أدري كيف يشهدون، وكذلك روى ابن القاسم عن مالك. كما روى أشهب من أول المسألة.
ومن المجموعة ابن القاسم عن مالكٍ: في الميت توجد وصيتُه في بيته بخطه ويشهد عدلان أنه خطه فلا يجوز ذلك حتى يُشهدهم عليها وقد يكتب ولا يعزم. وكذلك في العتبية(1) قال في المجموعة: وإذا أشهد جازت كانت بيده أو عند غيره.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 466.(1/256)
[11/267]
ومن العتبية(1) قال أصبغ عن ابن وهب: في امرأة دعت قوماً إلى وصيتها مكتوبة فقالت: اشهدوا على مافيها لي وعلي وقد أسندتُها إلى عمتي وما بقي من ثلثي فلعمتي ثم مات ففتح الكتاب فإذا فيه أن باقي ثلثي للفقراء والمساكين والأرامل قال: فليُقسم الثلث بين العمة وهذه الأصناف. قال أبو محمد: يريد فللعمة نصفه ولهذه الأصناف نصفه، وقال ابن القاسم مثله.
قال ابن المواز أشهب عن مالك: في مريض حضره قوم فقالت امرأتُه إنه أوصاني في بقية ثلثه أن أنفق منه على بني فلان كل شهر كذا وهو يسع ووصيتُه حاضرة ولم يُوقع ذلك فيها وقد كان قرؤوها عليه وأقر بها ثم مات فلا يجوز الذي قالت، وذلك إلى الورثة إلا ما يصيب الزوجة من بقية الثلث يُعزل ذلك يُنفق على من أقرت له في كل شهر/ كما قالت، وفي الباب الذي يلي هذا تمام القول في الوصية تكون بيد غيره.
فيمن قال وصيتي عند فلان فصدقوه
أو قال قد أوصيتُه فما قال فأنفذوه
أو قال يجعل فلان ثلتي حيث يراه الله
من العتبية(2) وكتاب ابن المواز وابن عبدوس قال ابن القاسم عن مالك: فيمن قال عند موته: وصيتي عند فلان وأشهد على ذلك، وفي كتاب ابن المواز وأشهدوا على ذلك، فلما مات أخرج الرجل وصية فيها عتقٌ وغيره قال: هي جائزة، وأبينُ من ذلك إن كتب وصيتين وجعل بيد كل رجل واحدة فإذا أخرجاها جازتا إن انتفيا وفي رواية ابن وهب في المجموعة: في الوصية الواحدة بيد الذي ذكر قال مالكٌ: على ماذا شهد هؤلاء ما أرى إلا شاهداً واحداً وأراه يجوز في الوصايا دون العتق ثم قال بعد ذلك: أراها نافذة، وقاله أشهب.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 300.
(2) البيان والتحصيل، 13: 466-471.(1/257)
[11/268]
وقال ابن القاسم في هذه الكتب عن مالك قال: فيمن قال: قد كتبتُ وصيتي وجعلتُها عند فلان فأنفذوها فأخرجها الرجل بعد موته ولا بينة فيها غير البينة على قوله هذا قال: إن كان الذي هي بيده عدلاً أنفذت، وقاله ابن القاسم.
قال العتبي قال سحنون: وتنفذ كان الرجل عدلاً أو غير عدلً.
قال يحيى بن يحيى وقال ابن القاسم: هو كما لو قال: قد أوصيتُ بوصايا أعلمتُ بها فلاناً فأنفذوا ما قال أنه/ ينفذ، ولو قال: كنت أعامل فلاناً وفلاناً وفلاناً فما ادَّعوا علي فصدِّقوهم قال: فليُعطوا ما ادَّعوا بلا يمين.
ومن المجموعة وكتاب محمد قال ابن القاسم وأشهب: وإذا قال: قد أوصيتُ بثُلثي وأخبرتُه بوصيتي فصدِّقُوه فهو مُصدَّق. وقال أشهب: فإن قال: إنما أوصي بالثلث في ولايتي فهو مصدَّق، ولأن الميت أُمر بتصديقه وليس مثل الذي شهد لابنه ولا مثل الذي يوصي إلى فلانٍ أن يجعل ثلثه حيث يرى فيجعله لنفسه أو لابنه وأقاربه كما يُعطى الناس حسب الاستحقاق ولجاز وأكره أن يأخذ منه شيئاً لنفسه فإن فعل حسب استحقاقه لم آخذه منه. وقاله ابن القاسم وقال: فإن قال لولدي أوصي به جُعلتُه كشاهد له وكمسألة مالكٍ في إذا قال: فلانً يجعل ثلثي حيث يرى.
قال محمد قال مالكٌ في هذا إنه لا يأخذ هو منه وإن كان مُحتاجاً، وإن أعطى ولده وكان لذلك موضعاً جاز، قال ابن عبدوس: ورُوي عن مالك في الذي أوصاه على أن يجعل ثلثه حيث يراه الله لا يُجبر أن يُعطي ذلك أقارب الميت ولكن يعطيهم كما يعطي الناس. قال مالك: وإذا كان قد علم حين أوصاه بجعل ثلثه حيث أراه أنه أراد أن يرده على بعض الورثة فلا يجوز وليرجع كله ميراثاً.
وقال علي عن مالك: فيمن أوصى امرأته أن تجعل ثلثه حيث أراها الله فلم تفعل حتى هلكت/ وأوصت بثلثها ولم تذكر وصية زوجها قال: فليأمر القاضي من يرضى ويضع ذلك حيث يرى أن الميت كان أراد أن يوضع فيه.
***(1/258)
[11/269]
ومن كتاب ابن المواز والعتبية(1) ابن القاسم عن مالك في الموصى إليه بالثلث يجعله حيث أراه الله قال: ليجعله في سبيل الخير وإن قال اصرفهُ حيث شئت أو حيث أحببت فصرفه إلى أقارب الموصي أو إخوته فلم يجز ذلك الورثة فلُيرد ذلك ميراثاً. وقاله ابن القاسم في العتبية(2) قال: ويقال له اتق الله واجعلها في غيرهم فإن أبى رجعت ميراثاً إن لم يجزها الورثة، ولا يجبره السلطانُ أن يجعلها في سبيل الله. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: يُنظر فيما فعل فإن كان من وجه ما يتقرب الناس به وكان في حاجة فلينفذ وإن كان في غير ذي حاجة لم يجز، لأن الميت إنما قصد وجه الصدقات.
ومن الكتابين وعن ابن القاسم: وعن امرأة أوصت إليها أن تُخرج بعض الثلث في أشياء وباقيه حيث أراها الله ففعلت فاحتاجت الوصية هل تأخذ من تلك البقية؟ قال مالك: لا تأخذ منها شيئاً. قال ابن حبيب عن أصبغ: فيمن أوصى لرجل أن يجعل ثلثه في أفضل ما يراه وأقربه إلى الله سبحانه هل يعتق به رقاباً؟ قال: إن سأل عن ذلك قبل أن يفعل رأيتُ الصدقة خيراً له.
وقال مالك: الصدقة أفضل من العتق.
ورُوي أن النبي عليه السلام قال: الصدقة شيء عجيب(3) وصح أنه يبقى في العتق الولاء لورثته ولو حتى فعل وأنفذه لم يُرد كان عتقاً أو غيره/ قال: والعتقُ أحب إلي من الحج وإن كان صرورة(4)، ولو كان حياً كان الحج أولى به.
قال أصبغ: وهذا الاستحباب فيما يتطوع به أهل الميت عنه، فأما في وصيته لو أوصى بعتق بعينه وبحجة لبُدئ العتقُ عندي وإن كان صرورةً، وقد اختلف فيه قول ابن القاسم ويبدأ الحج في الرجل الصرورة على عتق بغير عينه ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 425.
(2) البيان والتحصيل، 12: 425.
(3) لم نعثر عليه بهذا اللفظ إلا أننا إذا قابلناه بفضائل الصدقة وأنواعها لوجدناه مطابقاً لأهداف الإسلام ويتلخص ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة" (رواه البخاري في الأدب ومسلم في الزكاة).
(4) الصرورة والصارورة: من لم يتزوج أو لم يحج.(1/259)
[11/270]
وعلى الوصايا وإن كان الحج تطوعاً قاله مع العتق بغير عينه والوصايا وقد قال أيضاً أصبغ: كل ذلك على الحصاص يريد إلا في العتق بعينه.
في الوصي هل يكشف عمَّا أنفذ
من عتق وغيره وعما بيده؟
من العتبية(1) ابن القاسم وذكره ابن عبدوس من رواية ابن وهب وابن نافع وهو في كتاب ابن المواز: فيمن أوصى بعتق وبشيء في السبيل وغير ذلك. قال في العتبية(2): يعتق وبأن يحمل عنه في سبيل الله، قال في هذه الكتب: وأسند ذلك إلى وارث فطلب باقي الورثة أن ينظر في ذلك، فإن كان الوصي وارثاً فلباقي الورثة أن ينظر في ذلك ويكشف عنه الوصي وإن لم يكن وارثاً فلا يكشف عن شيء إلا عما يبقى للوارث نفعُه من العتق الذي لهم ولاؤه زاد ابن نافع عن مالك في المجموعة: إلا أن يكون الوصي سفيهاً مارقاً فليُكشف عن ذلك كله فرُب وصي لا يُنفذ من الوصية/ شيئاً، وكذلك في كتاب ابن المواز عن مالك وقال: فإن لم يكن الوصي وارثاً ولا سفيهاً فليس للورثة كشفه إلا عن العتق، وفي العتبية رواية أشهب عن مالك مثل ما روى ابن وهب وابن نافع سواء وقال: فإن كان الوصي محتاجاً فلا يأخذ من ذلك شيئاً.
ومن المجموعة والعتبية(3) روى أشهب عن مالك وقال مالك: إذا أوصاه أن يضع ثلثه حيث أراه الله ففعل فأراد الورثة كشفه حيث وضعه وقالوا لعلك لم تُنفذهُ، فإن كان الوصي وارثاً فذلك لهو وعليه البينة بإنفاذه وإلا ضمن، قال عنه ابن القاسم: لنا في الورثة أن يقوموا ويدخلوا معه حتى يُنفذ ذلك، قال في الرواية الأولى: وإن لم يكن الوصي وارثاً فلا يعطي منه قرابته إلا بوجه الاجتهاد ولا يكتم ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 423-455
(2) البيان والتحصيل، 13: 423.
(3) البيان والتحصيل، 13: 455.(1/260)
[11/271]
عن الورثة ما أنفذ، ويفترق ما قدم من ذلك وما كان قريباً وليُعرفهم بالقريب أن ما قرب يُعرف ويُذكر ولا يُكلف ذلك فيما قدم وهم أغفلوا ذلك.
ومن العتبية(1) رواية ابن القاسم عن مالك نحوه في الوارث وغير الوارث على ما تقدم سواء قال: ولا يأخذ منه لأقاربه وخاصته إلا أن يكون لذلك وجه، وليس له أن يكتم عمله عنهم ولا يمين عليه في ذلك. قال في كتاب ابن المواز وقاله أصبغ قال: إلا أن يكونوا صغاراً فعليه إذا كبروا أن يُعلمهم لأن ذلك من القضاء لنفسه والجر إليها، ولو كان بعضهم كباراً فغفل عن ذلك حتى كبر الصغار فلا كلام لواحد منهم كما لو قام الكبار يوم العقد يوم أنفذ/ فلا قيام للصغار إن كبروا لأنه أمر طاهر. قال مالك: ولا يأخذ هو منه شيئاً لنفسه ولو احتاج.
قال أشهب عن مالك: إن لم يكن الوصي وارثاً فلا يكشف عن الصدقة ولا عن غيرها إلا عن العتق وإن كان وارثاً فلهم كشفه على كل حال.
ومن العتبية(2) من سماع ابن القاسم: وعمن أوصى بولده وبمالهم إلى زوجته فتزوجت وخيف على المال؟ قال: إن كانت لا بأس بحالها فلا يكشف وإن خيف من قبلها كشف ما قبلها وهذا في باب الوصية إلى غير العدل.
وروى أشهب عن مالك: في مُكاتبٍ أوصى إليه سيده بولده ثم أراد الولد أن يكشفه عما في يديه وعما ربح فيه وهو عند الناس لا يأمر به؟ قال: ليس ذلك عليه. وقال له مالك: أليس ما في يديك لهم معروف؟ قال: نعم ولكنهم يرون أن تُعلمهم به وبما ربحت قال: ما ذلك عليك، قال له: إنني غلام مُولدٌ ولدتُ في اليمن قد علم ذلك سيدي فإذا كتبتُ شيئاً كتبتُ: فلانٌ بن فلانٍ مكاتبُ فلانٍ، قال: لا بأس.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 455.
(2) البيان والتحصيل، 12: 444.(1/261)
[11/272]
فيمن أوصى أن فلاناً مُصدقٌ فيما يذكر أن عليه من دينٍ
أو قال ما ادعى علي فلانً فأعطوه
أو من ادعى من كذا إلى كذا فأعطوه
من كتاب ابن حبيبٍ قلتُ لأصبغ: فيمن قال عند موته علي ديون وفلان مولاي (أو أبي) يعلم أهلها فمن سمى أنله علي شيئاً فأعطوه، فإنه عندنا عن ابن القاسم: أنه كالشاهد إن بان/ عدلاً حلف معه المدعي وأخذ. قال: ما هذا بشيءٍ ولا أعرفه من قوله ولكن يُصدق من جعل الميتُ التصديق إليه كان عدلاً أو غير عدلٍ، كقول مالكٍ: فيمن قال: وصيتي عند فلان فما أخرج فيها فأنفذوه أن ذلك نافذٌ وما استثنى مالك عدلاً من غير عدل، وذلك سوى ما لم يُسم من يتهم عليه تهمة بينة من أقاربه ممن هو كنفسه.
وروى عيسى في العتبية(1) عن ابن القاسم: أنه كالشاهد في سؤاله فما شهد به على ابني من دينٍ فهو مُصدقٌ قال: فإن لم يكن عدلاً أو نكل الشهود عن اليمين فلا شيء له إلا قدر نصيبه من ذلك إن لم يكن سفيهاً.
قال أصبغ في كتاب ابن حبيبٍ: وهو أيضاً كقول مالك في الذي قال من ادعى على [أقل] (2) من عشرين ديناراً فاقضوه بلا بينة إنه جائز ولم يقل إن كان عدلاً ولا يزاد من ماله على أكثر من عشرين إلى ما دون. قال ابن القاسم: فليتحاصوا في العشرين فقط إذا ادعى كل واحد منهم أقل من عشرين، ومن ادعى العشرين فلا شيء له إلا ببينة.
وكذلك في العتبية رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك من أول المسألة إلا أنه قال: يحاصص من ادعى العشرين. قال في الكتابين: ولا يدخل في الحصص من ادعى أكثر من عشرين ولا شيء له ولا يعزل هذه العشرين فلا يجعل فيها حتى ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 466.
(2) كلمة أقل غير موجودة بالأصل زدناها لملاءمة الموضوع.(1/262)
[11/273]
يعلم من يدعي شيئاً وليكتم ذلك ولا يُفسر، وذكرها ابن سحنون عن مالك من أول/ أولها كما روى عيسى قال: ويعزل العشرين من رأس ماله، فكل من ادعى من عشرين إلى ما دونها تحاصوا فيها.
قال محمد بن سحنون وبلغني عن ابن القاسم أنه قال ومن ادعى عشرين كاملةً فلا شيء له لأن مخرج إقراره على وجه التفرقة من ادعى من ها هنا وها هنا ثم ذكر ما في المسألة ومثل ما ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم: أن من له بينة مبدأ على هؤلاء.
قال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: ومن له بينة فهو مبدأ على أصحاب العشرين. قال عنه محمد بن خالد في العتبية(1): من ادعى مثل ما قال أعطي ذلك مع يمينه وذلك في كتاب ابن المواز وقال: والعشرون(2) من رأس المال. ومن ادعى أكثر من عشرين فلا شيء له وإن ادعى واحداً وعشرين وآخرُ أحد عشر تحاصا ولا يُزادُ على عشرين.
قال ابن حبيب قال أصبغ: وأما إن قال: من ادعى علي ديناً فحلفوه وأعطوه بلا بينة أو قال بلا يمين ولا بينة ولم يُؤقت للدين زماناً فهذا يكون من ثلثه بخلاف الذي وقت العشرين وكأنه أقرَّ بالعشرين لمن لا يعرف فهي من رأس المال.
وأما إن لم يُؤقت وأمر بتصديق كل من ادعى فهذا من الثلث، وقضى به ابن وهب قاضي سليمان بن عبد الملك قال: وأما إن قال: من ادعى علي من دينار إلى عشرين فاقضوه مع يمينه بلا بينة فهذا من الثلث بخلاف مسألة مالكٍ الذي قال فيها: من ادعى علي من كذا إلى كذا فصدِّقوه وهذا المؤقت هو من رأس المال لأنه لم يقل كل. وهو أحسن ما سمعتُ.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 466.
(2) في الأصل والعشرين بالياء لا بالواو.(1/263)
[11/274]
ومن العتبية(1)/ روى ابن القاسم عن مالك: فيمن قال أدارين فلاناً وفلاناً فما ادعوا علي فهم مصدَّقون قال: يُعطوا ما ادعوا بلا يمين. وقال مالك أيضاً: ولو قال لفلان علي أربعون وهومُصدق فيما قال فادعى خمسين قال: يحلف ويأخذ خمسين وكذلك في كتاب ابن المواز.
قال أصبغ في العتبية(2) عن ابن القاسم: وإذا أوصى فقال: كنتُ أعامل فلاناً فما ادعى علي فأعطوه قال: يُصدق في معاملة مثله وأراه ذكره عن مالك. قال ابن القاسم: ويكون من رظاس ماله وليس الناس في قلة المال وكثرته سواء. وإن ادعى ما لا يشبه بطلت دعواه فلم يكن في ثلث ولا رأس مال. وقال أصبغ: يبطل ما زاد على ما يشبه معاملة مثله.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا أوصى أن يُصدق شريكي فهو يعلم مالي فما دفع إليكم فصدقوه فرفع إلى السلطان عيناً فقسمه معهم ثم أقام عشر سنين يتقاضى كل ما اقتضى قسمُه معهم ثم كبر الورثة فأرادوا يمينه على ما قبض فإنه يكشف أمره فإن كان صحيحاً لم يحلف وإن كان على غير ذلك حلف.
قال أبو زيد عن ابن وهب: فيمن أوصى أن لفلانٍ علي شيئاً(3) فهو فيه مُصدق قال: سمعت أن بعض الخلفاء كتب أن يُعطى ما ادعى من الثلث فقلتُ أن عليه ديناً(4) ولا ثلثَ له، قال: فلا شيء لهذا. وذكر ابن المواز عن ابن وهب مثله. وذكر مثله ابن حبيب عن أصبغ عن ابن وهب: في الذي قال: ما ادعى/ على بنو أبي خالد فأعطوهم وما أقروا لي به فلا تأخذوا منهم غيره قال: قضى ابن موهب(5) أن يجاز قوله إلى مبلغ الثلث فما زاد ففيه البينة والأيمان. قال ابن حبيب وقال لي مطرف وابن الماجشون مثله.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 466.
(2) البيان والتحصيل، 12: 466.
(3) في الأصل، إن لفلان علي شيء والصواب ما أثبتناه.
(4) في الأصل، إن عليه دين والصواب ما أثبتناه.
(5) كذا في الأصل، والغالب أنها محرفة عن ابن وهب.(1/264)
[11/275]
في شهادة الوصي في الوصية واليتامى
وشهادة من أوصى له فيها بشيء
وفي الوصية يقوم عليها شاهد واحد
وهل يُنفذ الوصي ما علم من دينٍ أو وصية؟
من العتبية(1) روى ابن القاسم عن مالك: فيمن أسند وصيته إلى ثلاثة نفر مع امرأته وأحدهم غائب فشهد الحاضران على وصيته وقد أوصى لهما فيها بشيء قال: إن كان تافهاً لا يُتهمان عليه جازت شهادتُهما إن كانا عدلين.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن شهد وصيان أن الميت أوصى إلى فلان معنا فذلك جائز. قال أشهب: فإن لم يقبل لم يكن ذلك عليه إلا أن يكون في شهادتهما أنه قبل وهو يُنكرُ فينظر فإن اتهما أنهما أرادا التخفيف عنهما فيما لا يقدران عليه ويكرهان لم تجز شهادتهما وإن لم يُتهما جازت وكان وصياً معهما وإن كره. قال عنه أشهب: لا تجوز شهادة الوصي لمن يلي عليه. وقال أيضاً: إذا كان في شيء يجره إليهم. وقال أيضاً: فيما يجر إلى نفسه. قال محمد: يريد: مما لو حكم به كان هو القابض له. ورواه ابن القاسم عن مالك. وأما فيما لا يلي/ قبضه من ماله في الوصية فذلك جائزٌ. وروى عنه أشهب في العتبية(2) وكتاب ابن المواز: في الوصية يقوم عليها شاهد واحد فلا يحلف الوصي معه ولينظر السلطان في الوصي فإن رأى أن يقيمه لأمانته فعل، وأما الوصي له فيها فيحلف مع الشاهد.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم: فيمن أوصى رجلين أن يزوجا ابنته فزوجاها بعد موته فأنكرت الابنة أن يكون الأب أوصى بذلك إليهما فلا تُقبل شهادتهما بعد النكاح، ولو شهدا قبل النكاح جازت شهادتهما وإن رضيت ما صنعا ولم تنكره فالنكاح جائز.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 470.
(2) البيان والتحصيل، 13: 17.(1/265)
[11/276]
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: في صغير يوصى له بدنانير فلم يشهد بذلك إلا الوصي فإن خفي للوصي دفعُ ذلك فليفعل وكذلك لو رفع إلى الإمام فلم تُقبل شهادتُه فله دفعُها إن خفي له. قال محمد: ولو كان كثيراً لحلف وأخذ ولو كان يُوقف للصغير حتى يكبر فيحلف لكان يتهم الوصي في بقاء ذلك بيده إلى بلوغه.
قال أشهب عن مالك: فيمن هلك وقد علم ابنه الكبير أن لامرأةٍ ماتت عند والده جهازاً لها ولغيرها وقد أوصى بذلك فاعتلت وصيته فهل يأخذ من مال إخوته الأصاغر ما يقضي به دين أبيه الذي قد علمه؟ قال: فلا يفعل. وصايا4
قال ابن حبيب قال أصبغ: في الميت يشهد أن ثلثه صدقة ولا يُشهد غيره قال: إن خفي له وأمن إذا أخرجه فليفعل ولا إثم عليه بل ذلك عليه واجب وقد قال/ أشهب: إذا علم أن على الميت ديناً(1) وهو لا يخاف عاقبة فعليه أن يؤديه من تركته وكذلك ما سألت عنه من الوصايا والديون والحقوق، ولو علم أن في تركته [عبداً أمر أن يعتق عليه] (2) في رأس ماله أو في ثلثه، إن عليه أن يمهله ولا يعرض له ببيعٍ ولا خدمةٍ ولا بغيرها وكذلك الوارث فيما علم من هذا كله وأشهده عليه الميت. وهذا الباب مثل معناه في كتاب الشهادات.
فيمن قال: فلان وصي ولا يزيد على هذا
أو يوصي إليه بشيء يخصه به أو إلى مدة يذكرها
وذكر وصي الوصي وذكر الوصيين وموت أحدهما.
من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال: فلان وصي فقد بالغ في الإيصاء ويكون وصياً على كل شيء كمن سُميت له الأمور.
***
__________
(1) في الأصل، دين والصواب ما أثبتناه.
(2) كتبت في الأصل على الشكل التالي (عيد آخر يعتق عليه).(1/266)
[11/277]
ومن المجموعة مثله في رواية ابن نافع وقاله ابن القاسم وأشهب قالا: ويقوم مُقامه في كل شيء وفي بُضع بناته وإنكاح صغار بنيه. قال أشهب: وفي كل ما كان يليه في حياته وفيما كان يلي من وصايا الناس، وقاله مالكٌ.
من المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإذا قال: فلان وصي على ولدي كان إليه فيهم جميع الأمور من مال وغيره كمن سميت له الأمور.
وقال ابن كنانة: فيمن أوصى إلى رجل ببُضعِ بناته ثم وُلدت له بنتٌ بعده إنها داخلة في ولايته.
قال ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: وإذا أوصى إليه/ بما له فهو وصي على ماله وولده، وزاد أشهب في المجموعة: إلا أن يقول: أوصيتُ إليه بمالي وليس من ولدي في شيءٍ فيكون إليه من أمور ولده ما كان بسبب المال من بيع وشراءٍ أو إنفاق وغيره، ويكون الإنكاح وغيره إلى غيره من أوصيائه، فإن لم يكن له بذلك وصي فإنهم إن احتاجوا فيه إلى إنفاق وصيً أقامه لهم الإمام وإلا تركه إلى أن يحتاجوا إلى إنكاح وغيره فيُجعل من يلي ذلك.
من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: فيمن أوصى بميراث بنت له صغيرة أن يُدفع إلى فلانٍ؟ قال: فله أن يلي بُضعها ولو رُفع إلى افمام فنظر فيه.
قال مالك: في الذي أوصى إليه بتقاضي دينه وبيع تركته أنه إن زوج بناته جاز ذلك ولو رفع إلى الإمام كان أحب إلي.
وقال أشهب: له أن يزوج ولا يرفع. وقال ابن القاسم إن شاء الله. ومن قال له أوصي فقال: ما لي مالٌ وزوجتي وصيتي على ولدي ثم طرأ له مالٌ بعد موته فهي وصيته وليدفع إليها وقد وصى إليها بما لم يكن ملك من أموره غيره فهي وصيةٌ في كل شيءٍ حتى يُتبين أنه خصها بالبُضعِ خاصة بأمر يعرف.
قال ابن القاسم: هي وصية على ذلك كله، وقد يوصى إلى رجل بولده فيحدث لهم مالٌ فيكون إليه أمره. قلت: فإن قال: فلانٌ خليفتي على رقيق ***(1/267)
[11/278]
ولدي وعلى رقيقي القائمين بأمور ولدي قال: فلا يكون وصياً إلا فيما يقوم به العبيد لولده، فأما في إنكاح/ بناته وصغار بنيه فلا ولا أمر مما يجوز للوصي. ومنه ومن المجموعة قال أشهب: وإن أوصى إليه بماله العين ولآخر بتقاضي دينه فلا وصية للمتقاضي إلا على التقاضي خاصة فكل ما قبض فليدفعه إلى وصي العين.
ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإن قال: فلانٌ وصي على تقاضي ديني وقضاء ما علي وفلانٌ وصي على مالي وفلان على بُضع بناتي فهو كما قال أشهب وليس للذي جعله للقضاء والاقتضاء غير ذلك وللذي جعله وصياً على ماله بيعُ تركته وقبضُ الثمن ووصي البُضع ليس له غير ذلك، وإن أوصى إلى رجل ببعض ولده وبميراثهم وإلى آخر بباقي ولده وأموالهم قال: فلا يدخل أحدهما على الآخر فيما إليه وأستحسن للقاضي إن خاف منهما ضعفاً في الانفراد أن يشركهما في الجمع كما إن حس ضعف وصي فعليه أن يشرك معه غيره فهذان أحق قال: والوصي إذا قال قد أوصيت بتركتي إلى فلان وما أنا عليه وصي إلى فلان فهو كما أوصى.
قال ابن القاسم: وإذا قال في [فُلول غُيب] (1) إن أول قادم منهم وصي فقدموا معاً فليختر منهم القاضي واحداً عدلاً لذلك.
ومن كتاب ابن المواز: إذا قال: فلانٌ وصي حتى يقدم فلانٌ فليُعط(2) الحاضرُ كل شيءٍ البُضع وغيره حتى يقدم الغائب فيكون هو وصياً وحده.
ومنه ومن العتبية(3) لأشهب عن مالكٍ وذكره ابن عبدوس عن أشهب قال: وإذا أوصى إليه بولده وسماهم ولم يُسم أموالهم ولم يُسم/ بنتاً له بكراً كبيرةً معنسة فيمن سمى قال: ثم آخر قوله: وأموال ولدي كُلهم إلى فلانٍ فإن كانت التي لم يُسمها أهلاً أن تلي نفسها الآن دفع إليها مالها وإلا كان بيد الوصي.
***
__________
(1) كذا في الأصل وفلون: جمع فلان.
(2) في الأصل، فليعطى بغير حذف حرف العلة.
(3) البيان والتحصيل، 13: 34.(1/268)
[11/279]
ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب قال مالك: وصي الوصي كالوصي في البُضع وغيره. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ووصي الوصي ووصي وصيه كالوصي في البُضع وغيره، ولو أوصى إلى ميت ولم يعلم لم يكن وصيه له وصياً(1).
وإذا مات أحد الوصيين عن غير وصية فأراد القاضي أن يجعل مع الباقي غيره وإما لحاجته إلى معين لكثرة ما يلي وإما لأنه ليس بالبين في العدالة فعل وإلا لم أر أن يجعل معه أحداً، ولو أن الميت منهما أوصى إليه أو إلى غيره بما إليه من ذلك كان جائزاً.
في الوصي يقبل الوصية ثم يبدو له أو يقبل بعضها
من كتاب ابن المواز وابن عبدوس قال مالك: وإذا قبل الوصي الوصية في مرض الموصي أو صحته ثم بدا له؟ قال ابن القاسم بعد موته فليس له ذلك ولو لم يقبلها حتى مات فإن ذلك إليه. قال أشهب: وكذلك إن قبل ذلك بعد موته فلا رجوع له فيه أو كان منه شيءٌ يدل على قبوله من البيع لهم والشراء لما يصلحهم أو الاقتضاء أو القضاء عنهم أو غير ذلك فتلزمه الوصية. وإذا قبلها في حياته ثم بدا له في حياته فأعلمه أنه لا يقبل فذلك له لأنه لم يُعره وهو/ قادر على أن يستبدل، وإذا أبى من قبولها في حياته وأباه أيضاً منها بعد مماته ثم أراد قبولها فليس ذلك إلا أن يجعله السلطان بحسن نظره.
ومن العتبية(2) روى أصبغ عن ابن وهب: فيمن أوصى إلى رجل بوصيته وبما كان وصياً عليه فقبل وصيته في نفسه ولم يقبل ما كان عليه وصياً؟ قال: فذلك له وليقم الإمام من يلي أمر الأول.
قال أصبغ: وصية الأول هي من وصية الثاني فإما قبل الجميع أو ترك وإن قبل بعضاً فهو قبول للجميع.
***
__________
(1) في الأصل، لم يكن وصيه له وصي.
(2) البيان والتحصيل، 13: 297.(1/269)
[11/280]
وقال ابن حبيب قال أصبغ: في الرجل يوكله السلطان بالنظر لليتيم فإنه إذا قبل ذلك منه فليس له أن يعتزل عن ذلك عُزل ذلك السلطان أو لم يُعزل إلا أن يُزيله السلطانُ على وجه النظر ويولي غيره بحسن النظر وشبه ذلك.
في الوصية إلى غير العدل وإلى من يضعف عن الوصية
أو إلى ذمي أو صبي ووصية الكافل لليتيم
من كتاب ابن المواز قال مالك وأصحابه: لا يجوز للرجل الوصاية إلى غير المأمون العدل فإن فعل فليخلفه الإمام ويجعل مأموناً، ولا يجوز أيضاً إلى ذمي وإلى حربي وهو أشر قاله ابن القاسم وأشهب. وقال ابن القاسم في بعض مجالسه: إلا أن يرى الإمام لذلك وجهاً، فإن رآه فلا يلي عقد نكاح البنات وليُكل بذلك مسلماً، وأما بنت النصراني المسلمة فلا يُوكل بعقدها ولا رأي له فيها.
ومن العتبية(1)/ قال ابن القاسم: كره مالكٌ الوصاية إلى اليهودي والنصراني وكان قد أجازه قبل ذلك. قال ابن القاسم: وإذا كان على الصلة والرحم يكون أبوه أو أخوه نصرانياً أو أخواله فيصل بذلك رحمهم فلا بأس به وهو حسنٌ وأما لغير هذا فلا. قال عنه عيسى: فأما الأباعد فلا يعجبني.
قال ابن المواز وابن عبدوس قال أشهب وابن القاسم: ولا يجوز أن يُوصي إلى صبي أو ضعيفٍ أو معتوه. قال في المجموعة: أو مأبونٍ، ولا يجوز ذلك من النصارى إلى بعضهم إذا كانوا بهذه الأحوال.
ومن المجموعة قال أشهب: وإذا أوصى مسلم أو ذمي إلى امرأة أو أعمى فذلك جائز. ابن المواز عن ابن القاسم وأشهب: ومن أوصى إلى محدود في قذف فذلك جائز إذا كانت منه فلتة وكان ممن يرضى حاله وإن لم يتزيد حسن حال إذا كان يوم حُد غير مسخوط فأما من حُد في زنىً أو سرقةٍ أو خمر فلا يقع في مثل ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 477.(1/270)
[11/281]
هذا من له ورع فلا يجوز الوصية إليه إلا أن يحدث له توبة ونزوع يعرف فضله فيه فتجوز الوصية إليه. وتجوز وصية ذمي إلى ذمي لأنه على ملته.
قال في الكتابين: وإن أوصى ذمي إلى حربي لم يجز وإن كان مستأمناً.
قال ابن حبيب قال أصبغ عن ابن القاسم: في وصية المسلم إلى النصراني أو إلى غير هذا أرى أن يُفسخ إلا أن يكون قريبه أو مولاه أو زوجته ومن يُرجى منه حُسن النظر لولده من أقاربه أو ولاته فأرى أن يجعل معه غيره/ ويكون المال بيد المجعول معه ولا تُفسخُ وصيةُ الآخر، وقاله مطرف، وبه أقول.
قال ابن الماجشون: وإن أوصى ذمي إلى ذمي وفي تركته خمر وخنازير وغيره ما يستحلونه لم أمنعه قسمته بينهم –قاله مالك- وليس لرجل منع عبده النصراني من شراء الخمر والخنزير وأكل ذلك وشربه وإن اقتسم أهل الذمة الخمر قسطاً بقسطين ولا من الربا بينهم إلا أن يرابوا مسلماً فيُفسخُ ذلك.
في عزل الوصي لما يحدث منه من تغيير
أو كانت امرأة فتزوَّجت
وفي الوصيين يُعزل أحدُهما
هل يجعل مع صاحبه غيره؟
من كتاب ابن المواز ومن المجموعة قال أشهب وابن القاسم: وإذا شكا الورثة أو بعضهم الوصي إلى القاضي فلا يعزله حتى تظهر له منه خيانة أو ضعف يدخل عليهم منه ما يدخل بالخيانة فيُعزل ويُجعل غيرُه ويكون من يُجعل كوصي الميت في كل شيء.
ومنه ومن العتبية(1) ابن القاسم وابن وهب عن مالك: فيمن أوصى إلى امرأته فتزوجت فخيف على مال الأيتام هل يكشف؟ قال: إن كانت لا بأس بحالها لم تُكشف وإن خيف كشف عما قِبَلها.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 444.(1/271)
[11/282]
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية(1) وكتاب ابن المواز: وإن عزلت الولد في بيت وأقامت لهم خادماً وما يُصلِحُهُم فهي أولى بهم أيضاً. قال في العتبية(2): وإن لم تفعل نُزعوا منها.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم وأما المال فوجه/ ما سمعتُ منه أن ينظر في حالها فإن رضي حالها وسيرها والمال يسير لم يؤخذ منها، محمد: ولم تكشف وإن كان المال كثيراً وهي مُقلة وخيف من ناحيتها نزع المال منها. وقاله أصبغ، وهي على الوصية على كل حال إلا أن تكون مبرزة الأمر في إبقاء المال عندها بعد النكاح في الحزم والدين والحرز والستر فيقر عندها. قال مالك: وإن قال الميتُ: فإن تزوجت فانزعوهم منها فأرادت النكاح فإن عزلتهم في مكان عندها مع خادم ونفقة فهي أولى بهم وإلا نُزعوا منها. محمد: لأن الميت لم يقل إن تزوجت فلا وصية لها إنما قال يُنزعوا منها، فالوصية لها قائمة بعدُ فإن عزلتهم في حِرزٍ وكفاية لم يؤخذوا منها، وأما المالُ فقد فسر ابن القاسم أمره حسناً.
ومن العتبية(3) من رواية أشهب عن مالك: إذا تزوجت ولها صبية صغيرة قال: إن المرأة إذا تزوجت غُلبت على أمرها فما أخوفني أن يُنزع منها والأولياء يقولون كيف يدخل عليها رجل ولا أرى أن تُدخل عليها رجلاً.
وروى عنه أشهب في يتم له وصيان صار على أحدهما من غلته ثلاثون(4) ديناراً يُفالس بها ولليتيم اثنان وعشرون ديناراً عيناً ودار كراؤها خمسة دنانير فأراد اليتيم سكنى مسكن منها كراؤه دينارٌ فقال وصيه الآخر إني أكتري لك غيره بخمسة دراهم قال: إن كان نحو منزله وقريباً منه ومن مسجده وفي عمران فذلك له وإن كان بعيداً من منزله ومسجده وفي خراب فليس ذلك له/ وليعزل الوصي الذي أخذ المال وتفالس إذا كان يجعل ثقةً مكانه قيل: فإن الثاني ثقةٌ قال: فلا يدخل عليه أحد إلا أن يخاف أن يضعف عن ذلك وحده.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 440.
(2) البيان والتحصيل، 12: 455.
(3) البيان والتحصيل، 13: 51.
(4) في الأصل، ثلاثين ديناراً.(1/272)
[11/283]
ومن كتاب ابن المواز قال مالكٌ: وإذا عزل أحد الوصيين لخيانةٍ فلا يجعل مع الآخر غيره إلا أن يضعُف.
في المسلم يوصي إليه الذمي أو مسلمٌ خبيث المال
وفي الذمي عليه دينٌ لمسلم وفي تركته الخمر وشبهه
أو مالٌ غُصب
من كتاب ابن المواز والمجموعة ذكر قول مالك: في الذمي إذا أوصى إلى مسلم إذا لم يكن في التركة خمر أو خنازير وأمر أن يؤخذ بالجزية مثل ما في المدونة ثم يقول: وقال أشهب: ولا بأس بقبول وصيته وإن كان في التركة خمرٌ وخنازير ولا يكون له في ذلك وصية وهو موصي فيما يجوز أن يليه وإنما أكرهُ له قبوله وليس بالبين في الكراهية في موضع يخاف أن يكون على الذمي جزيةٌ يؤخذ بها فلا أحب له قبولها فإن قبلها جاز وليس له أن يرجع عنه.
قال ابن حبيب قال مطرف عن مالك: وإذا أوصى ذمي إلى مسلم وفي التركة خمر وخنازير فلا يُوكل المسلم ذمياً ببيع ذلم وليقبل من وصيته ما يجوز له ويدع ما سواه، ولو أسلم بعض ولد الميت النصراني فليُقاسم الخمر والخنازير. قال أبو محمد: يريد مع إخوته ثم يهريق الخمر ويقتل الخنازير ويغيب جيفها وليفعل ذلك المسلم بما/ يجده في تركة عبده النصراني من ذلك.
قال مطرف: ولو كان على الذمي دين للمسلمين ووصية ذمي فليبع الخمر والخنازير ويقضي دينه وإن لم يوصِ إلى أحد فليأمر الإمام أحداً من أهل دينه بذلك، وقد أجاز مالكٌ للمسلم أن يقبض دينه من الذمي من ثمن الخمر.
قال: ولا يقبض دينه من النصراني من الغصب مثل أن يكون متسلطاً بالسلطان على غصب أموال الناس فلا يأخذ دينه من هذا إلا أن يريد أن يتصدق به ويكون ممن لا يُقتدى به فليفعل ذلك خيرٌ من تركه، وإن كان ممن يُقتدى به ***(1/273)
[11/284]
فلا يفعل وكذلك من المسلم الغاصب كولاة الظلم. وقال لي أصبغ مثله كله من أول المسائل ورواه عن ابن القاسم.
قال مطرف قال مالك: ولا أحب لمُسلم شراء طعامٍ من ذمي [قبل أن يقبضه] (1) الذمي من بائعه منه ولو كان مشتريه منه ذمياً(2) لم أعرض له إلا أن يتحاكموا إلينا فيختار الحاكم الحكم بينهم.
قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك في العتبية والمجموعة: فيمن له قريب يلي عملاً للسلطان وما اطلع منه على أمر يكرهه ولكن يتهمه بأمور يلابسها فيوصي إليه بولده أترى أن يليهم؟ قال: لا بأس بذلك وأستحسنُه، وذكره أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز.
فيمن أوصى إلى زوجته أو إلى عبد أو مكاتبٍ له أو لغيره
أو أوصى بولده إلى جدته وأوصى لها بنفقة
من كتاب/ ابن المواز والعتبية(3) قال مالك: قد أوصى عمر بن الخطاب إلى حفصة وأراه فعل ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم(4) قال مالك: لا بأس أن يوصي الرجل إلى زوجته وإلى عبده وقد أوصى غير واحد إلى عبده ممن وجد فيه خيراً ولتُوكل المرأة والعبد بالبُضع غيرهما. وتقدم في باب آخر فيمن أوصى إلى زوجته فتزوجت.
قال مالك في الكتابين وفي المجموعة: فيمن أوصى بولده إلى عبده فذلك جائز إن كانوا كلهم يُولي عليهم، وقاله أصحابه.
***
__________
(1) في الأصل، قبل يقبضه بدون أن.
(2) في الأصل، ذمي والصواب ما أثبتناه.
(3) البيان والتحصيل، 13: 39.
(4) انظر الجزء الرابع من الإصابة لابن حجر فقد جاء فيه أن عمر أوصى إلى حفصة وأنها أوصت إلى أخيها عبد الله بما أوصى به إليها عمر وبصدقة تصدقت بها في الغاية.(1/274)
[11/285]
قال سحنون في المجموعة: إذا كان الولد كلهم منوا(1) فيما يتكلف لهم العبد فيكون على قدر مواريثهم منه.
قال مالك فيه وفي كتاب ابن المواز: فإن كان فيهم أكابرُ قوم حظهم على الأصاغر ثم من بلغ قُوم حظه على من بقي.
قال ابن القاسم وأشهب: إذا كان ما لهم محمل(2) لذلك وطلب الأكابر البيع فإن لم يكن لهم باع معهم من يليه الإمام على الصغار إلا أن يشاء الكبار بيع حظهم شائعاً.
قال ابن حبيب قال أصبغ عن ابن القاسم مثله وقال: فإن بيع وجعل القاضي عليهم غيره ثم عتق لم يرجع عليهم إلا أن يرى القاضي لذلك وجهاً فيجعله ابتداءً لا بالوصية الأولى، وكذلك لو عُزل المسخوط ثم حسنت حاله ورأى أن يجعله نظراً بأمرٍ يبتديه فيه لا بالوصية الأولى فعل.
قال أصبغ/: وأنا أستحسن في العبد أنه إن بيع بموضع فيه اليتامى مقيمون أن يقر الوصية له إن كان في ذلك نظر لهم.
ومن المجموعة قال سحنون: إنما قال مالك قولاً مسجلاً في إجازة وصيته إلى عبده وإنما هو على ما قلتُ لك، فإذا كان فيهم كبيرٌ فهي وصيةٌ لوارث فإن أجازها الكبار وإلا بطلت. وقاله عبد الملك وقال: ويباع حينئذ. قال ابن كنانة: إذا أجاز الكبار أن يلي ولا يشغلوه عنها جاز ذلك وإلا اشترى للأصاغر حظ الأكابر.
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: وإذا استخلص للأصاغر لسعةٍ مالهم فكل من بلغ منهم اشترى حظه لمن بقي حتى يكون إذ ذلك لمن بقي مُضراً بهم لقلة مالهم من منفعته وكثرة ثمنه فلا تقويم عليهم ويبقى بينهم، فإذا شاء الكبار ***
__________
(1) كذا في الأصل.
(2) في الأصل، إذا كان ما لهم محمل.(1/275)
[11/286]
البيع بيع كله وأقام لهم الإمام غيره. وقال لي مالك والليث: في الموصي إلى عبده أنه يُقوم على الأصاغر قيمة عدل كوصيته بعتقه، وقد ذكرنا قول سحنون في هذا.
ومن العتبية(1) وكتاب ابن المواز قال أشهب عن مالك: فيمن أوصى إلى أخيه مع عبده فطلبت الزوجة بيعه وقالت: ثمنُه ثلاثة آلاف دينارٍ؟ قال: يخرج إلى السوق فيقوم(2) قيمة عدل فتعطى المرأة ثُمنها ويستخلص لمن بقي كما لو أوصى بعتقه وكأنه اشتراه لهم. قال في العتبية(3) وكتاب ابن المواز وقاله لي الليث. قال في المجموعة وكتاب ابن المواز وقال أشهب: وإن أوصى إلى مُكاتبه فذلك جائز وليس/ فيه تقويمٌ على من بلغ ممن يُولى إلا أن يعجز.
قال في المجموعة: فإن أوصى إلى أم ولده أو مدبره أو عبد له أو معتقٍ إلى أجل فذلك جائز. قال سحنون: أما العتق إلى أجل فلا يجوز إلا برضى الأكابر لأنه يشتغل عن خدمتهم.
قال عبد الملك: وإذا أوصى إلى عبده بولده ثم هو حر وله ورثة غير الولد فطلبوا الخدمة فإن كان مثله يخدم تخادموه وإن كان لا يصلح للخدمة كالعبد التاجر والأمة الفارهة وفي الورثة كبير لا يخدم مثلها مثله فلا حق في الخدمة لمن ذكرنا، لأن هذين لن يراد منهما الخدمة ولكن الأمانة والتدبير والولاية وإن لم يرثه غير الولد مضى ذلك بكل حال.
قال ابن القاسم عن مالك: فيمن أوصى بعتق عبده وأوصى أن يحضن ابنين له صغيرين حتى يبلغا بكذا وكذا كل شهر فلينظر الإمامُ في ذلك، فإن رأى أن يجيزه جاز لأن الورثة يقولون بماذا أخذت ثلث أبينا.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 38.
(2) في الأصل، فيقام.
(3) البيان والتحصيل، 13: 310.(1/276)
[11/287]
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال ابن القاسم وأشهب: وإذا أوصى إلى عبده غيره فذلك جائز إن أجازه السيد ثم ليس له بعد أن يجيز رجوعٌ إلا بعذرٍ من بيع أو سفر أو نقلة منه أو من العبد إلى غير الموضع الذي الورثة فيه فيقيم لهم الإمام غيره.
ومن العتبية(1) ابن القاسم عن مالك: فيمن أوصى بابنه إلى أمه وأوصى أن يُنفق على الأم فإن كانت محتاجةً والولد صغيرٌ وهي تلي مؤنته وحضانته فليُنفق عليها –يريد من مال الولد- قال: وإن كانت مليةً وكان/ ذلك أرفق بها في حضانتها وقيامها ولو نزع منها كلف له من يقوم بذلك فليُنفق أيضاً عليها من مال الولد وكأنه لا يرى لها نفقة إلا في صغره ثم رجع فقال لا يُنفق عليها في ملائها فإن شاءت أقامت أو ذهبت، وهو رأيي.
في وصية الأم بولدها وبماله
ووصية الجد والأخ وذوي القرابات
وولاية الأب الكافر
من المجموعة ونحوه في كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: لا تجوز وصية الأم بمال ولدها إن كان لهم أبٌ أو وصي، فإن لم يكن فأجازها مالك في المال القليل استحساناً وليس بقياس ولم يجزه في الكثير قال: وليُقم(2) له السلطان من يراه.
قال مالك: ووصي الأم كأجنبي لا يجوز من صنيعه شيءٌ ولا يكون وصياً إلا فيما ينفذ من وصاياها. قال ابن المواز: ولو كانت وصيةً جاز إيصاؤها بمالهم ثم لوصيها أن يزوج ويصنع ما يصنع الوصي، ومن الكتابين على تقارب المعنى.
قال ابن القاسم: ولا تجوز وصية الجد والأخ والعم قل المال أو كثر وإنما استحسنه مالك في الأم في المال القليل وهي أقوى حالاً في ولدها من هؤلاء. وقال ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 454.
(2) في الأصل، وليقيم له السلطان من يراه.(1/277)
[11/288]
أشهب: لا تجوز وصاية الأم ولا الجد والأخ بالولد وليُنزع المالُ من وصي الأم إلا أن يتقادم ويتداوله السلاطين فلا يُنزع منها لأنه قد صار وصياً وجرى ذلك على يديه، والأخ والجد والعم أقوى عندي فيه من الأم لأنهم عصبةٌ، والجد كان أولاهم في الأُبوة ولكن ليس ذلك لهم ولكن السلطان ينظر، فإن رضي/ من أوصى إليه أقره وكان أولى وإلا عزله، ومن كان منهم وصي بوصية وصي قام (كذا).
ومن الكتابين قال ابن القاسم وأشهب: والأب الكافر لا يجوز أن يُقاسم على ابنته البكر المسلمة وما له من ولايتها من شيء في بُضعٍ ولا غيره.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن أوصى لبني ابنته وأوصى بهم وبما أوصى لهم به إلى امرأته فذلك جائز وليس لأبيهم أخذه من زوجته وإن كان عدلاً ويبقى بيدها بخلاف إيصاء الأم والجد في مال الولد من ميراثه وغيره. قال أبو محمد: يريد لأنه وهبه له على أن يلي حيازته غير الأب فله شرطه.
في أفعال الوصيين وهل يقسمان المال؟
وهل يبيع أحدهما دون الآخر؟
أو يوصي أحدهما إلى الآخر؟
من كتاب ابن المواز وهو في المجموعة من رواية ابن القاسم وابن وهب عن مالك: في الأوصياء يريدون قسمة المال، قال في كتاب ابن المواز: العين وغيره إنا لنكره ذلك وليكن عند أعدلهم ويلي هو النفقة، قال عنه ابن القاسم: فإن اختلفوا طبعوا على ذلك ولا يقسم. قال في كتاب ابن المواز: وجُعل عند غيرهم، قال عنه ابن وهب: ولا ينفرد أحدهم وليتعاونوا في قيامهم والمال عند أحدهم. قالا عنه: فإن اتهموا نزع منهم إلى يد عدل. وكذلك في كتاب ابن المواز قال ابن عبدوس قال علي عن مالك: إن لم يجتمعوا على كونه عند أحدهم نُزع منهم. قال علي: وأعجب/ إلي أن يقسموه إن تشاحوا ولا يُنزعُ منهم.
***(1/278)
[11/289]
قال أشهب في الكتابين: في الوصيين: أكره لهما قسمة المال وليكن بيد أعدلهما، فإن اقتسماه أو اتكل فيه أعدلهما على صاحبه ولا بأس به عنده لم يضمناه، فإن اختلفا جعله السلطان عند أعدلهما، فإن استويا أو تقاربا فعند أكفئهما وأحرزهما وأنجاهما من الظنون إما بغفلة أو عوار منزل أو بحاجة غالية وقال ابن القاسم نحوه.
قال أشهب: فإن كان هذا أفضل والآخر أيسر فيُستحسن إن كان الأفضل يُرجى عنده من الفضل ما يُحرزه أن يكون عنده وإن تقاربا في الفضل والملاء فأيهما كان عنده فلا بأس به إن تطاوعا بذلك أو بقسمته، فإن أبيا فللقاضي أن يجعله بيد أحدهما أو يقسمه بينهما على تساوٍ أو تفاضل على وجه النظر منه.
قال ابن كنانة في المجموعة: لا يقسم الأوصياء المال وليكن عند أو ثقهم بإيقافهم أو بالسلطان ويختمون عليه ولأن الميت أراد اجتماعهم فيما كلفهم وقد يُرادُ أحدُهم لأمانته وآخرُ لكفايته وآخر لرأيه فلم ير أن يقسموا فينفرد كل واحد وإنما أحب اجتماعهم في كل أمر ليُنتفع بذي الأمانة وذي الكفاية(1) وذي الرأي.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: إذا اقتسما المال ضمناه فإن هلك ما بيد أحدهما ضمنه صاحبه حين أسلمه إليه.
قال أشهب في الكتابين: وإني لأرى قسمة الوصيين عليهما جائزةً صغاراً وكباراً كان ما عندهما شائعاً أو يكون/ عند هذا حظ فلانٍ وعند هذا الآخر حظ فلانٍ إذا رضيا بذلك وأشهدا فهو تام على ما أشهدا، وأبى ذلك ابن القاسم وقال: لا يقتسماه وليُجعل عند أعدلهما وأكفئهما. قال ابن القاسم: ولا يبيع أحدهما أو يشتري إلا بإذن الآخر وكذلك النكاح، فإن اختلفا نظر السلطان. قال غيره وهما كرجل واحد. قال أشهب: وكذلك النكاح والإجازة والقسمة وجميعُ أمر الوصية إلا أن يُفوض أحدُهما إلى صاحبه إلا ما لابد منه من الشيء ***
__________
(1) في الأصل، وذوي الكفاءة بصيغة الجمع وآثرنا استعمال المفرد للتناسق التعبيري مع ذي الأمانة وذي الرأي.(1/279)
[11/290]
التافه وأستحسن أن يشتري به أحدُهما لليتامى مثل طعام وكسوة وما لابد منه مما يضر بهم تأخيره فهو خفيف إذا غاب الآخرُ أو أتى، ولا يجوز أن يقتضي أحدهما من بعض الغرماء بغير إذن صاحبه، ويضمن ذلك الغريم كوكيلين على بيع أو نكاحٍ أو قبض دينٍ فيليه أحدهما فلا يجوز.
قال ابن القاسم: وإن قاسم أحدهم لليتامى فضاعت حصة أحدهم فأما ما في يديه من العين فجائز وأما في غيره فلا يجوز حتى يجيزه صاحبُه، فإن ضاعت حصة أحدهم فهو منهم وما بقي بينهم، وإن وكل أحدهما بالقسمة أجنبياً فجائز لا يدفعه صاحبه كما لو أوصى بما إليه من ذلك، ولو مات أحدهما ولم يوصِ فإن كان الباقي بين العدالة والكفاية لم أر أن يجعل معه القاضي غيره وإن لم يكن بين العدالة أو كان مبرزاً ويحتاج إلى معونة فليجعل معه غيره فيكون كالميت. قال علي عن مالك: إذا مات أحدهما جعل القاضي/ معه غيره. وقال: فيمن أوصى إلى ثلاثة وجعل بأيديهم صدقة يلونها فمات واحد وأوصى بها إلى زوجته وهي بنتُ الميت الأول ولم يسند إليها قال: إن كانت عدلةً جاز ما صنعت وإلا فوض ذلك إلى عدل.
ومن كتابٍ آخر: وإذا كانا وصيين فأوصى أحدهما بما إليه من ذلك إلى أجنبي فذلك جائز عند يحيى بن سعيد وأشهب وأباه سحنون وقال: ينظر السلطان.
في فعل الوصي في مال اليتامى ووجه الإنفقاق عليهم منه
وهل يزكيه أو يُخرج زكاة الفطر عنهم أو يضحي؟
وهل بُيضعُ لهم أو يقارض أو يتجر لهم به
أو يأخذه قراضاً أو يداين لهم؟
من كتاب ابن المواز قال يعني مالكاً: وإنما للوصي أن يفعل في مال اليتيم ما ينميه أو ينفعه به.
***(1/280)
[11/291]
ومن العتبية(1) أشهب عن مالك قال: وينفق الوصي على اليتامى على كل إنسان بقدره من مصابته ليس الصغير كالكبير.
ومن كتاب ابن المواز وابن عبدوس قال مالك: قال ربيعة: وليُوسع عليهم ولا يضيق وربما قال: وله أن يشتري لهم ما يلهون به [وذلك مما يطيب نفوسهم ويشبون به] (2).
قال مالك: وإذا كانت لهم سعة فليُوسع عليهم، ولا ينظرُ إلى صغير فرُب صغيرٍ أكثر نفقة من كبير.
ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: كان سالم ابن عبد الله يلي أيتاماً وكان مالهم في خريطة(3) فما وقع لهم جعله فيها ويُخرج منها نفقتهم ولا يكتب شيئاً من ذلك. قال/ عنه ابن وهب قال: وأحجهم قبل أن يبلغوا قال مالك: ولا بأس بذلك وهو خير في أدبهم وله أن يُحجهم بعد حجة الإسلام – يريد بعد بلوغهم. قال ابن كنانة: وله أن ينفق في غرس اليتيم ما يصلح من صنيع وطيب ومصلحته بقدر حاله وحال من تُزوج إليه وبقدر ذلك من كثرة ماله، وكذلك في ختانه، فإن خشي أن يُتهم دفع ذلك إلى الإمام فيأمره بالقصد من نحو ما ذكرنا.
ومن العتبية(4) من سماع ابن القاسم ومن كتاب ابن المواز نحوه مالك: وإذا زوج يتيمه وأنفق في ابنتائه أو في ختانه النفقة العظيمة فأما الصنيع المعروف من غير سرف فجائز وأما ما أنفق في الباطل وعلى اللعابين فلا يلزم اليتيم، ومن كتاب ابن المواز والمجموعة ابن القاسم عن مالك: ولو أنفق عليهم سرفاً لم يُحتسب له السرف وإن أقام بينة بإنفاقه ولكن السداد ويضمن السرف.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 74.
(2) في الأصل (وذلك مما يطيب نفسه ويشب بعده) وآثرنا استعمال ما كتبناه للتناسق اللفظي والمعنوي مع ما قبله.
(3) الخريطة: وعاء من جلد أو غيره يشد على ما فيه.
(4) البيان والتحصيل، 10: 362.(1/281)
[11/292]
قال في كتاب ابن المواز: وليُزك(1) مال اليتيم ويخرج عنه وعن عبده الفطرة ويضح(2) عنه من ماله وهذا إذا أمن أن يُتعقب بأمر من اختلاف الناس أو كان شيءٌ يخفى له.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال مالك: وإذا أفاد عبد اليتامى مالاً كثيراً فللوصي أن ينزعه منه وأما اليسير لا بال له فلا ينزعه وكذلك الأب.
ومن العتبية(3) أشهب عن مالك: وإذا كسب المُولى عليه مالاً فلينزعه منه وليه. قيل إنه هو كسبه؟ قال: رُب رميةٍ من غير رامٍ.
ومن المجموعة وفي كتاب ابن المواز نحوه، قال ابن القاسم/ عن مالك: وله أن يتجر بأموال اليتامى لهم ولا ضمان عليه. قال عنه ابن وهب: في البر والبحر ويشتري لهم الرقيق للغلة والحيوان من الماشية وشبه ذلك وذلك كله حسنٌ، وقد فعله السلف، وقد أعطت عائشة مال يتيم لمن تجر له به في البحر وأنكر ما يفعله أهل العراق أن يُقرِضوا أموالهم لمن يضمنها وأعظم كراهيته.
قال عنه ابن وهب: ولو باع متاعاً لهم فأفلس المشتري فلا ضمان على الوصي. قال أشهب: وله أن يتجر بمال يتيمه ببدنه أو يؤاجر له من يتجر فيه أو بدفعها قِراضاً أو بضاعة على اجتهاده ولا يضمن، وله أن يودع ماله على النظر ولأمر يراه وأما أن يفعله على المعروف بمن يأخذه فلا يصلح ذلك. وذكره كله ابن المواز لابن القاسم ولم يذكر أشهب.
ومن هذه الدواوين قال مالك: وله أن يدفع ماله قراضاً إذا دفع إلى أمين ولا يضمن.
قال في كتاب ابن المواز: وله أن يُبضع لهم ويبعث في البحر وله أن يُودع ماله ويسلفه. قال ابن المواز يسلفه في التجارة فأما على المعروف فلا.
***
__________
(1) في الأصل، وليزكي بغير حذف حرف العلة.
(2) ويُضح بحذف حرف العلة عطفاً على قوله وليزك وجاءت في الأصل بإثبات حرف العلة.
(3) البيان والتحصيل، 13: 45.(1/282)
[11/293]
قال محمد بن عبد الحكم: وللوصي أن يبيع لليتامى بالدين إن رأى ذلك نظراً.
قال في كتاب ابن المواز وذكره ابن عبدوس لأشهب قال: يعمل الوصي بمالهم قراضاً كما لا يبيع لهم من نفسه ولا يشتري لها، وقد قال بعض أصحابنا في كتاب آخر: إذا أخذه على حرز من الربح يشبه قراض مثله فيه أمضى ذلك كشرائه شيئاً لليتيم فيعقب فيكون/ أحسن لليتيم.
ومن العتبية(1) أشهب عن مالك: في وصي على صبي صغير وأخوات له وفي التركة مصحفٌ ثمنه خمسة وعشرون ديناراً استخلصه ااغلام كم التركة؟ قيل أموال عظام ومنها أصول قال: فما سنُّ الغلام؟ قال: ابن ست سنين. قال: لا بأس بذلك وكان ذلك من شأن الناس أن يُستخلص له السيف والمصحف. قيل: فيستخلص له وربما علمن فقرأن(2) في المصحف قال: بل للغلام أحب إلي.
ومن كتاب ابن المواز وابن عبدوس عن مالك: في يتيمة لها ستمائة دينار ودار بمصر وهي في حِجر أمها فهل يشتري لها خادماً؟ قال: نعم. قيل: فيتيمةٌ خرج لها في القسم عشرةُ دنانير تحلى بها وعندها مائة دينار؟ قال: نعم وذلك ينفعها في نكاحها. قيل: في الكسوة؟ قال: هي أيسر شأناً الثوب وشبهه.
في الوصي هل يبيع على اليتامى الربع أو الغنم ذات الغلة
أو يشتري ذلك لهم أو يخالطهم أو يبيع لهم بالدين
أو يشتري به أو يكاتب عبدهم أو يعتقه على مالٍ؟
من العتبية(3) والمجموعة قال ابن القاسم وابن وهب قال مالك: ومن اليتامى ممن لهم الغنمُ أهل بادية فلا ينبغي للوصي بيعُها عليهم وله أن يخالطهم في الماشية ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 50.
(2) كتبت في الأصل فقرين.
(3) البيان والتحصيل، 12: 473.(1/283)
[11/294]
والزرع وأن يخلط طعامه بطعامهم إذا كان لا يغبنهم (والله يعلمُ المُفسد من المُصلح) [البقرة: الآية 220]، وعن يتيم له إبل مؤبلة(1) فقال أولياؤه نبيعُ حيوانه/ فإنه صغير والحيوان يتلف والدنانير خير وأبت أمه ومن يقرب منه بيعها وقالوا: يباع منها لنفقة، قال مالك: أما من أصل ماله وما يُرى له فيه الحظ في الماشية من أهل العهود والبادية فلا يباع لهم وينظر فإن كان ممن أصلح له بقاءُ إبله وماشيته أمسكت وإلا بيعت. قال في كتاب ابن المواز: إلا في جرب يخاف عليها فيه.
ومن المجموعة قال عنه علي: وللوصي أن يبتاع لهم ماشيةً يعيشون بها إن كانوا بموضع لا يصلحهم إلا ذلك، وله أن يبتاع لهم أيضاً من يحرث عليهم ومن رقيق وحيوان يحتاجونها إما بالبادية أو بالحضرة. قال مالك: وليس له أن يبيع عبدهم الذي أحسن القيام عليهم. وكذلك في كتاب ابن المواز وغيره.
ومن كتاب ابن المواز ونحوه في غيره وهو لمالك قال: ولا يبيع عليهم الربع لغير عذر ليتخذ لهم العين فلا يفعل فأما لحاجةٍ لمصالحهم أو لرغبةٍ في الثمن النفيس أو ربع بموضع سوء أو لتداعي خراب ليتخذ غيره أو ليس في غلته شيءٌ. وعمن أوصى بابنه وابنته إلى زوجته وإلى أجنبي وترك دواب(2) وغنماً ورقيقاً حبسهم على ورثته فمات الابن فأراد الوصي بيع ذلك وأبت المرأة إلا إيقافهم كما أوصى؟ قال مالك: لو كانت سنة خصب لم أر بيع ذلك(3) وفي سنة جدبةٍ [فلتُبع(4) الغنم والدواب وتبقى الرقيقُ] إن كان فيهم منفعةً يختدمون ويؤاجرون وإن كان رعُي تلك الغنم والدواب لا يقع فيهم فليباعوا. قال: وللزوجة بيعُ حصتها من ذلك وإن كانت قد/ رضيت بما أوصى زوجُها قيل: وأوصى لها بنفقة من مالهم ما بقيت معهم؟ قال: إن كانت محتاجةً فذلك لها. قيل: ليست بمحتاجة قال: فما مضى فهو لها وليس لها ذلك فيما يُستقبلُ.
***
__________
(1) إبل مؤبلة: إبل كثيرة من قولهم أبل فلانٌ كثرت إبله وإبل اقتناها.
(2) في الأصل، وترك دواباً بالتنوين والصواب ما أثبتناه.
(3) نسي الناسخ همزة ار فكتبت العبارة على الشكل التالي فلم ر بيع ذلك.
(4) في الأصل، فلتباع بغير حذف الألف مع أن الأجوف إذا سكن آخره حذف وسطه.(1/284)
[11/295]
ومن المجموعة قال علي وابن غانمٍ عن مالك: في الوصي أيبيع ربع اليتامى خوفاً أن تخرب؟ قال: رُب ربعٍ لا يصلح إلا بالتعاهد فإن كان بموضع لا يقدر أن يتعاهده ويقوم عليه وخشي أن يخرب فليبعه. قال عنه علي: لا يباعُ ربعُهم إلا في ثلاثة وجوه: في دينٍ على الميت، أو في حاجة أو خوفاً أن يخرب قالا: وإن أوصى أن يباع ربعُه في دينٍ على الميت وله عينٌ وعروضٌ وورثةٌ صغارٌ فلينظر السلطان لهم فإن كان مُضاراً في وصيته بالبيع فلا يباع وإن رأى بيعه نظراً بيع.
قال عنه ابن القاسم: وللوصي بيعُ متاع اليتيم الميت مساومة أو فيمن يزيد من ربعٍ وغيره على وجه النظر.
ومن المجموعة قال أشهب: وله أن يبيع متاعهم بتأخير وأن يحتال بدينهم فإن أُحيل على معدم فإن كان مفلساً مبرزاً والآخر بينُ الفضل عليه في الملاء فاحتياله باطلٌ والدينُ على الأول، وكذلك إن صالح على حق له وكان الصلحُ خيراً له جاز وإن كان أمرٌ يرى بعض الناس أنه خيرٌ ثم ذكر مثل ما ذكر ابن المواز.
ومن العتبية(1) روى أشهب عن مالك: وسأله ابن كنانة: عمن اشترى حائطاً بثمن منجمٍ إلى أجلٍ وذكر أنه اشتراه لأيتامٍ في حجره ثم اغتله لهم سنين ثم قيم عليه وخيف أن يعدم؟ قال: أن من يشتري بدينٍ ويقول هو لأيتام/ فلا يلزمهم فيما أن الحائط قائمٌ وقد اغتُل منه مالٌ: أليس باسمه كتبه؟ فعليه يرجع البائع وبه يبدأ إلا أن يُرفع ذلك إلى القاضي فيكشف عن ذلك وينظر فيه. وفي الباب الذي يلي هذا ذكر من بيعُه بدينٍ.
ومن كتاب ابن المواز: وله أن يكاتب عبد يتيمه ولا يعتقه عنه قال أشهب: ولا يُعجل عتقه على مالٍ يتبعه به غلا أن يكاتبه وإن أعتقه على أن أخذ منه مالاً أخفاه لولا عتقه لخيف أن يُتلفه فذلك جائز. محمد: إذا لم يكن يظهره قبل ذلك لولاء العتق. قال أشهب: وكذلك لو كاتبه بهذا المال لجاز وكذلك ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 47.(1/285)
[11/296]
الأبُ في ذلك فيمن يُولى عليه، وفي كتاب القراض لابن المواز قال محمد: ولا يجوز أن يكاتب الوصي عبد يتيمه فانظر معناه هل هو على غير وجه النظر.
في صُلح الوصي في مال اليتيم
وتأخيره بديونه وحطاطه منها
من كتاب ابن المواز وهو لأشهب قال: ولا يُخرُ الوصي بدين اليتيم إلا لوجه نظر من خوف جحود أو تفليس إن قيم به فيكون نظراً لليتيم وكذلك لو وضع من دَينه أو صالح عنه على هذا المعنى مما هو خير لليتيم، ولو كان يرى بعض الناس أنه خيرٌ له ولا يرى ذلك بعضهم ففعله فيه جائز، محمد: ما لم يفعله محاباةً لمن يفعله له. قال: وإذا كان بيناً أنه ليس بنظر لم يجز ورُد كما لو أمر الوصي من بيده وديعةً للميت أن يهبها/ أو يبسلفها لم يجز ويضمن المأمور ولو أمره أن يعمل بها قراضاً(1) أو يشتري بها متعاً لم يجز حتى يدفعها هو إليه لذلك. ولو أمره أن يدفعها إلى فلان سلماً أو على غير ذلك فذلك جائز.
ولو ادعى أحد دعوى فيما بيد يتيم فصالحه وصيه فذلك جائزٌ إن أصاب وجه النظر وإن لم يأت السلطان فصلحه أبداً جائز حتى يطالب فيه ويرى السلطان أنه غير نظر لم يجز، مثل أن يدعي فيصالحه من غير أمر خيف منه وأما إن أشرف عليه المدعي وخيف أن يؤخذ ما بيد اليتيم فالصلح جائز. قال ابن عبدوس قال أشهب: لا يجوز تأخير الوصي بدين اليتيم وإني لا أستحسن إذا خاف جحداً أو تفليساً فأخره وأخذ رهناً أنه لا يجوز ويكون الدينُ حالاً والرهن جائزاً وكذلك إن دخله وذكر ما تقدم من روايته ابن المواز في الصلح وما في الباب المتقدم من بيع متاعهم بالدين والحول فيه.
***
__________
(1) في الأصل، ولو أمره أن يعمل به قراضاً والصواب ما أثبتناه لأن الضمير يعود على الوديعة.(1/286)
[11/297]
في الوصي هل ينتفع بمال اليتيم
أو يأكل منه هو والأب من مال ابنه؟
أو يتسلف الوصي أو يعتق أو يتصدق
أو يخالطه في طعامه أو يشتري من متاعه
أو يعمل بماله قراضاً أو يزوجُه لابنته؟
من المجموعة قال ابن وهب قال مالك: أكره للوصي أن يأكل من مال اليتامى إلا أن يصيب من اللبن والتمر والعنب ويأخذ بحديث ابن عباس وقاله لي الليث.
ومن كتاب ابن المواز/ قال مالك: لا يأكل من مال اليتيم وقد قيل إلا أن يكون به وبماله مشغولاً فليأكل منه بقدر عمله إن كان محتاجاً وإن يستعفف فهو خير له.
قال فيه وفي العتبية(1) والمجموعة: ولا أعلم أنه يجوز له أكل شيءٍ من ماله إلا اللبن إن كان في غير سوق يباع فيه ولا ثمن له هنالك. قال في المجموعة: وما علمتُ من أرخص في غير ذلك. قال فيه وفي غيره: ولا أحب له أن يركب له دابةً ولا يتسلف ماله.
قال في العتبية(2): ولا بأس أن يأكل الرجل من الضيعة لابنه الصغير ينزل بها ورثها عن أمه. قال في كتاب ابن المواز: للأب أن يأكل من مال ولده قدر ما يحكم له به وليس كالوصي.
ومن العتبية(3) روى أشهب عن مالك: في ولي اليتيم يسأله السائل فيعطيه الشيء من ماله أو من زرع اليتيم؟ قال: أرجو ألا يكون به بأسٌ يرجو بركة ذلك لليتيم.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 12: 456.
(2) البيان والتحصيل، 12: 480.
(3) البيان والتحصيل، 10: 411-412.(1/287)
[11/298]
قال في هذه الكتب: وإذا أخلط طعامه بطعام اليتيم فإن كان ما ينال اليتيم أفضل وهو خير له فلا بأس به وذلك له أن يخالطه في زرعه وماشيته (والله يعلم المُفسد من المُصلح) [البقرة: الآية 220].
قال عنه ابن وهب في المجموعة: ومن مات في سفر ووصى رجلاً فلا يتسلف الوصي من تركته، ولا أحب أن يشتري من متاعه، وقاله أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز.
قال عنه ابن نافع في المجموعة: ولا أحب أن يتسلف من مالٍ بيده لغيره، وأجازه بعض الناس فرُوجع فقال/ إن كان له مالٌ فيه وفاءٌ فأرجو إذا أشهد أن لا بأس به وإذا ربح في وديعة عنده تجر بها فالربحُ له حل لأنه ضمنها. قال عنه علي: وإذا اشترى الوصي نت تركة الميت فإن كان السلطان بعث لذلك من يليه في جماعة الناس فلا بأس به.
وقال نحوه ابن الماجشون: إذا حضره العدول وتبين أنه استقصى مزايدة وأخذ ذلك بما بلغ. وفي سؤاله أنه جنى(1) كان شريكاً للميت.
قال عنه علي وابن غانم: فيما يباع في المزايدة فإذا وقف أخذه الوصي بذلك فإن كان وارثاً فلا بأس لأن له معهم شركاً(2) ويريد أن يبتاع من متاع أبيه، وأما الوصي الأجنبي فلا وهو قبيحٌ وتقع فيه التهمة وإن سوغ هذا لمن فيه خيرٌ من الأوصياء دخل فيه من لا خير فيه منهم وربما أمسك الناس عما يريد هو شراءه وقد يأمر بالبيع قبل تمام الثمن. قيل: فإن سلم من هذا؟ قال: أكرهه. قال محمد بن عبد الحكم: ولا يُولي القاضي على بيع التركات إلا مأموناً وإذا ولاه فلا يشتري منها ولا بأس أن يدبر من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله، ومن المجموعة قال عنه ابن القاسم: فيما ابتاع من ماله؟ قد شدد مالكٌ كراهيته ***
__________
(1) كذا في الأصل ولم يتضح لنا معناه.
(2) في الأصل، شرك بالرفع. والنصبُ هو الصواب.(1/288)
[11/299]
ولينظر فإن لم يكن فيه فضلٌ ترك. وقال مالك يُعاد إلى السوق فإن زيد فيه وإلا ترك.
قال ابن القاسم: وكذلك الكراءُ إلا أن يفوت الإبان فإن كان فضل وداه(1) وإلا لزمه بما عقد. وقال ابن الماجشون: إذا نكا... (2)/ أرض يتيمه نظر الحاكم فيه يوم يُرفع إليه فإن كان سداداً أمضاه. قال ابن كنانة: وإن اشترى من التركة أمةً ثم زوجها فولدت نظر فإن كانت قيمتها يوم الشراء مثل الثمن فأقل مضى وإن كانت أكثر ودى ما بقي ولا يشتري منها ولا يدس من يشتري له إلا بأمر الإمام يتبع ذلك لدين أو لوصية فله أن يبتاع إلا أن يخاف أن يكسر سلع الميت لولايته قال أشهب: ولا يأخذ مال يتيمه قراضاً كما لا يشتري منه ولا يبيع منه ويُتهم فإن اشترى من متاعه سلعةً نظر فيها.
قال في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم: فيمن يزيد أو غيره قالا: فإن رجا فيها أكثر لم يجز وإن لم يرفع ذلك إلى الإمام فليتق الله هو فإن كانت فرصةً ردها وإن غير ذلك أمسكها. ونحوه كله لابن القاسم في كتاب ابن المواز.
قال أشهب: وإن كان شسء بحسب رأس المال أو أكثر باعه فإن كان نقص وداه لليتيم وإن كان أفضل كان اليتيم. قال ابن المواز: وذلك فيما له قدرٌ من الثمن الكثير.
ومن العتبية(3) أشهب عن مالك: وإذا كان الوصي عم اليتيم فزوجه ابنته وأمهرها من مال اليتيم خمسين ديناراً ثم مات العم وأوصى إلى رجل قال: يزوجه ابنته ويستكثر لها من الصداق لا أرى ذلك، قيل: قد فني مالُها فهل للوصي الثاني أن يُنقصها من المهر عشرين ديناراً ويتم ذلك على وجه النظر؟ قال: نعم فليفعل وليُشهد على ذلك وأنه رآه خيراً لهما، ولا أرى أن ينفق عليها من مال الزوج وإن/ راهق حتى يبلغ.
***
__________
(1) المراد أداه وكثيراً ما يُنيب المؤلف في التعبير الواو عن الهمزة داخل كتابه هذا.
(2) كذا في الأصل ويوجد حرف بعد الألف لم يتضح لنا ولا ندري ما المقصود من ذلك.
(3) البيان والتحصيل، 13: 68.(1/289)
[11/300]
ومن كتاب ابن المواز قال: ولا يزوج يتيمه من نفسه وإن بلغت ورضيت وينظر الإمام إن فات بالدخول فإن كان لهما كُفؤاً في الحال والمال أو دونها بيسير جاز ذلك. وإذا أعتق الأب أو الوصي عبداً ليتيم عن نفسه فإن كان ملياً جاز وغرم القيمة، وكذلك الصدقةُ إن كان عديماً لم يجز وهذا مذكور في العتق وذكرنا في النكاح تزويج الأب بمال ولده ويرد العتق في عدمه إلا أن تطول السنين(1) في العتق خاصة فيمضي. وقد قال أيضاً ابن القاسم: إن الصدقة لا تجوز وإن كان ملياً.
في الوصي هل يبيع تركة الميت لدين أو وصية
وفي الورثة صغارٌ وكبارٌ أو كبار أو صغار؟
وهل يقسم بينهم؟ وكيف إن كان فيهم حملٌ؟
وهل ينقل التركة من بلد إلى بلد؟
وفي قسمة أحد الوصيين
من المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: في الوصي يريد بيع متاع الميت لمساومة ويراه أثمن له من بيع المزايدة وفي الربع وغيره فذلك له يفعل ما رآه أفضل.
قال عنه ابن وهب: وإذا مات في سفر، بلا وصاية بيع عروضه ومتاعه لأنه يثقل حملُه ولا يتسلفوا من المال شيئاً.
قال أشهب: فيه وفي كتاب ابن المواز: في الوصي يريد بيع الرقيق والحيوان وغيره يريد لإنفاذ وصاياه وفي/ الورثة كبيرٌ غائبٌ لا يولى عليه فذلك له وكذلك لو كان عليه دينٌ، ولو أوصى بوصية أو بثلث في صدقة أو غيرها والورثة كلهم كبارٌ فله بيع العقار وغيره، وفيها قول أنه ليس له بيع شيءٍ من العقار إلا ***
__________
(1) جرى المؤلف في إعراب هذه الكلمة هنا مجرى من يعربها إعراب المفرد فتظهر الحركة على النون وهناك من يجيز إعرابها إعراب جمع المذكر السالم فيقال في مثل هذه العبارة إلا أن تطول السنون.(1/290)
[11/301]
الثلث، وهو أحب إليَّ، وكل ما له فيه بيع العقار فله بيع ما سواه من حيوان وغيره، وإذا لم يكن عليه دينٌ ولا أوصى بوصية ولم يترك عقاراً والورثة كلهم كبارٌ غيابٌ أو بعضهم غيابٌ غيبةً بعيدة فله بيع ما كان من العروض والحيوان بخلاف الرباع وإن كانوا حضوراً محمد: أو قريبةٌ غيبتهم فليس له بيعُ شيءٍ ولا للسلطان وله ذلك في الغيبة البعيدة قال ابن القاسم: إذا رفع ذلك إلى السلطان حتى يأمره أو يأمر من بيع معه.
ومن المجموعة ونحوه في كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: إذا كانوا صغاراً أو أكابر فلا يبع حتى يحضر الأكابر إن كانوا حضوراً. قال ابن القاسم: فإن غابوا بأرض نائية وترك حيواناً ورقيقاً وعروضاً فله بيع ذلك ويرفع ذلك إلى الإمام حتى يأمر من يبيع على الغائب. قال أشهب: إن قرُبت غيبتهم ولم يُخف تغيرُ شيءٍ من التركة كاتبهم، وإن بعدت غيبتهم فليبع ما يخاف عليه ويرى أن بيعه أفضل للجميع ويقسم الثمن إذا قدموا وإن شاء قسمه في غيبتهم ثم من تلف حقه كان/ منه صغيراً كان أو كبيراً وكذلك إن كان الورثة عصبةً قال سحنون: كيف يبيع على الورثة الكبار الغياب بغير أمر السلطان وكيف يقسم بينهم.
ومن العتبية(1) عيسى عن ابن القاسم: وإذا كان في الورثة من بان(2) نفسه لم يجز بيعُ الوصي التركة بغير إذنهم فإن فعل وفات وأصاب وجه البيع كأنه يقول يمضي.
قال أصبغ: لهم رده إلا أن يكن أوصى بالثلث فيحتاج الوصي تحصيل المال لإنفاذه فذلك له إلا في العقار والربع فليس له ذلك دونهم، فإن لم يكن ذلك فللبالغين رد ذلك أو أخذه بما بلغ.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 134.
(2) كذا في الأصل، ولم يتضح لي معناه وسياق الكلام يقتضي أن تكون هناك كلمة بمعنى إذا كان في الورثة من يستقل بنفسه ولا يحتاج إلى حجر عليه.(1/291)
[11/302]
ومن المجموعة قال ابن القاسم: إذا كان منهم كبيرٌ غائب لم يقسم له إلا السلطان وإن طانوا صغاراً فلا يقسم الوصي مالهم بينهم إلا بقول الإمام إن رآه نظراً.
قال أشهب: قسمُ الوصي بين الصغار جائز في جميع الأموال العين وغيره وكذلك إن كان فيهم كبير مُولى عليه لأنه ولي لكل واحد ولو كانا وصيين فقسماها لهم فأخذ هذا حظ فلانٍ وهذا حظ فلان فذلك جائز على ما سميا وأشهدا، وإن كان فيهم كبارٌ لا يُولى عليهم فقسمُ الوصي بينهم العين جائزٌ إذ لا عين فيه ليعزل حظ الأكابر عنهم ثم من هلك حظه من الأصاغر فهو منه ولا يجوز أن يقسم بين الأكابر ما وقع لهم من الأصاغر ولو كانوا كلهم كباراً لم يجز قسمه بينهم ولو فعل كان ما هلك من جميعهم وأما/ غير العين فلا يقسمه الوصي إن كان فيهم كبيرٌ غائبٌ إلا بوكالة منهم أو بأمر إمام فإن فعل فهو إذا قدم مُخير ولا ينبغي للوصي أن يفعل لأنه غبنٌ على الصغير فيما ينقص عليه.
قال في كتاب ابن المواز: وكذلك لو كان بينهما عبدان(1) فلا يقسمهما في غيبة الكبير.
قال أشهب في المجموعة: وليس كمن أوصى له بالثلث وهو كبير غائب وترك وارثاً يلي نفسه حاضراً وللميت وصي على ذلك فقاسم الوصي الوارث الكبير لأهل الثلث فذلك نافذٌ على الموصى له الغائب لأن الميت ولي الوصي ذلك وليس له أن يُولي على كبير ولده أحداً وكما لو أوصى ثبلثه إلى رجل يليه وأوصى بولده إلى آخر فقاسم الوصي الوصي فذلك نافذٌ.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا كان في الورثة كبارٌ غيبٌ فله أن يقسم للصغار بحظوظهم من العين ثم يقسم ما وقع للصغار ولا يقسم ما وقع للكبار بينهم ولا يجوز إن فعل وما هلك منه فمن جميعهم الكبار وإن كان بعض الكبار حاضراً فله أن يعطيه حظه من العين قال ابن القاسم: وأما الربع فلا يقسمه إن كان فيهم ***
__________
(1) في الأصل، لو كان بينهما عيدين.(1/292)
[11/303]
كبير غائب إلا بأمر الإمام، ولا يجوز إن فعل والغائب مُخير وإن كانوا صغاراً أجاز أن يقسم بينهم الرباع وغيرها.
ومن المجموعة علي عن مالك: في الأيتام لهم رقيق فللوصي قسمُها بينهم أو تأخيرها إلى بلوغهم حسب ما يراه نظرا. قال ابن كنانة: إذا كان لهم أرضٌ وغلاتٌ/ فأراد قسمها فإن كانت نفقاتهم متقاربة في ملبس وغيره ولم يكن في تعجل ذلك نفعٌ لهم فهو سعةٌ من بقاء ذلك بينهم مجتمعاً، وإن اختلفت نفقاتهم وتفاوتت من كسوةٍ ومؤنة فعليه أن يقسم ذلك بينهم وتكون نفقة كل واحد من نصيبه وقسمه على كل حال جائزٌ على وجه النظر.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوصى بثلثه إلى ثلاثة نفر أحدهم غائب فأعطى الوصي للحاضرين نصيبهما منه ثم ضاع نصيب الغائب فهو منه. قال أشهب: وكذلك لو كان الورثة غيباً(1) فقسم الوصي الثلث فأعطاه الموصى له ثم هلك ثلثا الورثة فذلك منهم، وكذلك لو غاب الموصى لهم وحضر الورثة فقاسمهم وحبس الثلث فضاع فهو من الموصى لهم.
وكذلك لو قسم الثلث بين الموصى لهم لجاز ذلك لهم وعليهم، ولو قسم الثلثين بين الورثة لم يجز إلا أن يكون فيهم صغير فيجوز في العين خاصة وإذا كانا وصيين وبين أحدهما مال اليتامى فأراد قسمه بينهم دون أصحابه فذلك جائز في العين خاصة ومن هلك حظه بعد القسم فهو منه كقسم الوصي العين وفي الورثة كبيرٌ فأما غير العين فلا إلا بمحضر الوصي الآخر وإلا لم يجز القسمُ إلا أن يأتي الآخر فيرضى، وما هلك قبل رضى الوصي الآخر فبينهم وما بقي بينهم فمنه.
ومن العتبية(2) ابن القاسم عن مالك: وإذا ادعت امرأة الميت حملاً لم ينفذ من الوصايا شيءٌ حتى يتبين ذلك وتضع حملها،/ قال في موضع آخر: وكذلك لا يأخذ وارثٌ شيئاً حتى تضع حملها. قال ابن المواز قال ابن القاسم: ولو ***
__________
(1) في الأصل، لو كان الورثة غيب.
(2) البيان والتحصيل، 12: 463.(1/293)
[11/304]
أنفذت الوصايا قبل أن تضع وهلك ما بقي صارت الوصايا من رأس المال ومُنع الورثة – يريد ابن القاسم ولو أخذ الوارث شيئاً قبل أن تضع وهلك ما بقي صار بعض الورثة قد ورث وانتفع وبعضهم لم ينتفع.
ومن المجموعة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك: وإذا قالت زوجة الميت أو جاريته التي كان يطأ إن بي حملاً فلا تنفذ له وصيةٌ ولا يُقسم ماله حتى تضع أو ينكشف ذلك، قيل لابن القاسم: فإذا أوقفت نصيب الولد لما يُجهل من سهامهم فلم يوقف نصيبُ الأبوين والزوجة ونصيبهم سواء صح الحملُ أو بطل؟ فقال: وكيف يأخذ بعض الورثة ويتعرض ما بقي للتلف فإن تلف الباقي بقي الولد بلا ميراث وإن أرجعتهم على الأبوين والزوجة فقد يعدمون والواقف أعدلُ على الجميع في النفع والضرر؟
ومن العتبية وكتاب ابن المواز، ابن القاسم عن مالك: في امرأة ماتت بمصر وورثتها بالمدينة وأوصت إلى رجل فكاتبهم الوصي قال في العتبية: فلم ير لهم جواباً وعمي أمرهم، قال في كتاب ابن المواز: فلم يأتوا فخرج حاجاً وحمل التركة معه قال في كتاب ابن المواز: فذهبت قال في العتبية: فجعلها وهي في صُرةٍ في نفقته وكان ينفق فانحل كُمه فذهب ما فيه؟ قال: يضمن لأنه خرج بالتركة بغير إذنهم. قال في/ كتاب ابن المواز: وإذا أوصى وهو من أهل الأندلس أن عليه اثنى عشر ألف درهم زكاةً وأوصى بعتق وغيره وصدقة ما بقي وله أموالٌ بالأندلس فلا ينبغي للوصي أن يحرك شيئاً حتى يقدم الأندلس إذ لا يدري ما عليه من دينٍ وما الذي ترك فيبدأ في القسم الزكاة ثم العتقُ ثم باقي الوصايا.
***(1/294)
[11/305]
في اليتيم أو اللقيط يبيع عليه أو يقاسم عليه
أو يحوز له أو ينفق عليه غير وصيه
هل يجوز له ذلك؟
ونفقة الابن والبنت على الأم كيف تكون؟
من المجموعة روى ابن غانم عن مالك: فيمن له إخوة صغارٌ أيتامٌ وليس بوصي عليهم أن له أن يبيع عليهم من التركة ما يراه وله بيع ذلك مساومة على وجه النظر، وقال ابن القاسم: فيمن ضم أخاه أو ابن أخيه صغيراً حِسبةً ولا مال له فقاسم له فيما أوصى له به وباع له فلا يجوز ذلك، وكذلك لو مات أخوه فضم ماله وولده ليليهم بغير أمر السلطان لم يجز فعله. قال ابن حبيب قال مطرف: في الأم تبيع على ولدها الأيتام الصغار بعض مالهم وليست بوصية ولا خليفة وباعت في مصالحهم قال: هي كغيرها وينظر السلطان فإن كان إنفاذه خيراً لهم اليوم أمضاه وإلا رده، وقاله أصبغ.
قال مطرف: وإذا كانت فقيرةً فنفقتها في مال ولدها على الذكر مثل حظ الأنثيين، لأن النفقة على أموالهم وجبت لصغرهم وأما لو وُلوا أنفسهم كانت نفقتُها عليهم بالسوية،/ وقال أصبغ: بل هم بالسواء في صغرهم وكبرهم. وقال ابن حبيب بقول مطرف. وقال ابن الماجشون قال مالك وغيره من علمائنا: في أيتام الأصاغر لا وصي لهم ولهم أم أو أخ أو عم رشيد فقام بولايتهم بغير أمر السلطان أن ذلك ماضٍ ويجوز من فعله عليهم ما يجوز للوصي.
ومن العتبية(1) روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: فيمن عنده لقيطٌ فتصدق عليه هو بصدقة أن حيازته له جائزة كالأب، قال سحنون: وكذلك كل من ولي يتيماً أجنبياً أو قريباً، وهو قول المدنيين كلهم إلا ابن القاسم فلم يكن يرى ذلك إلا للوصي، وأخذ سحنون بقول ابن وهب وقال: وإن لم يكن بخلافه، ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 252.(1/295)
[11/306]
ولا وصية، وهو قريبٌ له. فقسمتُه عليه جائزة وحيازته عليه صدقته وصدقة غيره جائزة، وضعف الرواية الأخرى.
ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب: في اللقيط في حجر الرجل يوصي له بوصية فلم أن يقاسم له، قال أشهب: استحساناً وهو قد وليه وقام بأمره بخلاف الأخ والعم والجد إلا أن يكون قد وليه بمثل ما ولي الملتقط لقيطه يأخذ له ويعطي ويقاسم ويبيع له ويبتاع.
ابن نافع عن مالك: فيمن ترك ثلاثة(1) بنين أحدهم صغير فباع الكبيران ماله ثم قام الصغير بعد سبع(2) عشرة سنة فقال إنما بعتها في دينٍ عليكما فقالا: لا بل في دينٍ على أبينا، فإن ثبت أنه في دينٍ على الأب وإلا قيل للمبتاع ادفع إلى الصغير ماله وارجع على الكبيرين به قيل: قد كتب على اليتيم كتاباً برضائه بالبيع فقال: الآن كنت أظنه/ في دين على أبي فلما علمتُ قمت وكُتب هذا الكتاب وأنا صغير قال: لا يضره الكتاب وليس لصغير ولا مولى عليه أمرٌ.
في الأب ينفق على الصغير من مال الصبي أو من غيره
ثم يحاسبه أو يموت فيريد ذلك إخوته
من المجموعة وغيرها ابن القاسم عن مالك: فيمن أنفق على ولده وللولد مالٌ فله أن يحاسب ذلك عليه.
ومن العتبية(3) روى عيسى عن ابن القاسم قال: قال مالك: فيمن قال عند موته حاسبوا ابني بما أنفقت عليه فإن كان مال الابن عيناً بيده فليس له ذلك إذ لو شاء أنفق منه وإن كان عرضاً فليحاسب.
***
__________
(1) في الأصل، ثلاث بنين وذلك خطأ واضح.
(2) في الأصل، سبعة عشر سنة وذلك في الغالب سهو من الناسخ.
(3) البيان والتحصيل، 13: 346.(1/296)
[11/307]
ومن المجموعة ابن القاسم قال مالك: وإذا كان يأخذ لابنه الصغير ثم طلب ذلك بعد موت الأب فطلب إخوته أن يحاسبوه بما أنفق عليه فذلك لهم بقدر سعر كل سنة مضت فإن بقي للابن شيءٌ أخذه. قال ابن حبيب قال أصبغ: إذا أنفق على ابنه الصغير من عنده وله في يديه مالٌ ثم مات فإن كان عيناً فوجد مصروراً فلا يحاسبه إخوتُه بالنفقة إلا أن يوصي بذلك الأبُ، ولو كان عرضاً لحُوسب من يوم كان له وإذا كان عيناً فأشهد به الأب في ماله ولم يشهد وقد عُرف أصله فهو كالعرض ويحاسب الابن بالنفقة ولو كان مصروراً وقد أشهد به على نفسه ثم أراد أن يحاسبه في حياته وأوصى بذلك فذلك له، ولو كان/ عُروضاً قائمةً أو عيناً أنفقه ولم يشهد به ثم أوصى أن لا يحاسب بالنفقة فقال ابن القاسم: لا يُحاسب وكأنه شيءٌ يُرد في الصحة، وقال أصبغ: هي كالوصية ولهم أن يحاسبوه إلا أن يجيزوا وصيته وبقول ابن القاسم قال ابن حبيب.
ومن المجموعة قال غيره: أحب ما سمعتُ إلي فيمن أنفق على ولده الصغير ثم مات الأبُ وبيده له مالٌ أنه إن كان مالُ الابن عروضاً فللورثة أن يحاسبوه بما أنفق عليه وقد يؤخر بيع العرض لزيادة، ولو أوصى ألا يُحاسب لم ينتفع بذلك إلا أن يشهد في الصحة أنه إنما أنفق من ماله –يريد عطية- قال: وإن كان مالُه عيناً موضوعاً فتركه فأنفق من عنده ولم يفسر فلا يُحاسب ويُحمل ذلك على أنه حمل ذلك عنه إلا أن يوصي أن يُحاسب فذلك له.
قال ابن القاسم عن مالك: إذا أنفق على ولده وقد طلق أمه ثم ورث الابن مالاً والأب ينفق عليه – يريد من يوم ورث المال- ولا يمين على الأب أنه أنفقه من عنده ثم قال بعد ذلك: إن كان مقلاً مأموناً لم يحلف وإن كان على غير ذلك حلف.
***(1/297)
[11/308]
في الوصي أو غير الوصي ينفق على المولى عليه
من مال المولى عليه أو من عنده
ثم يريد أن يحاسبه والتداعي في ذلك وفي الكفن
من كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا أنفق الوصي من ماله على يتيم/ فإن كان له بيده مالٌ فليرجع به فيه وإن أنفق عليه بعد نفاد ماله فلا يتبعه بشيء إلا أن يكون له ربعٌ يرجع فيه.
قال عنه ابن القاسم: وإذا قال الوصي لليتامى: أنفقتُ عليكم أموالكم أو بعضها فإن كانوا في حجره يليهم فالقول قوله في السداد، وإن كانوا عند أمهم أو أختهم أو غيرها لم يصدق إلا ببينة- يريد إذا أنكروا في رشدهم. قال أشهب: إن أنكروا وكانوا في عياله أو كانوا عند غيره فكان يرى ينفق عليهم ويكسوهم فإن ادعى في تلك المدة من النفقة سداداً أو الزيادة اليسيرة صُدق مع يمينه وأما السرف وما يتبين فيه كذبُه فلا يُحسب له منه إلا السداد كما لو أقام به بينةً وهو سرف فلا يُحسبُ له إلا السداد.
قال عنه ابن وهب في المجموعة: إذا ذكر الوصي من النفقة على اليتيم ما يشبه صُدق إلا في السرف.
وقال أشهب فيه وفي كتاب ابن المواز: أن الوصي مُصدق فيما يقول أنه كفن به الميت من كفن مثله وإن جاءه بالبينة حتى يبلغ اليتيم مبلغ الدفع عن نفسه ولكن إن أخذ القاضي منه مالاً لليتيم فلتكتب له البراءة ما قبض منه فقط.
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز عن أشهب: ولو أعطى لأحد الوارثين بعد جواز أمره نصيبه ألف درهم ثم قال: لم يكن عندي غيرُها فهو ضامن للآخذ ألفاً أخرى لأنه أقر أن حصة الكبير ألف.
ومن كتاب ابن المواز وعن مصيً كان عنده/ ليتيم مائة دينار فأنفق عليه ثم مات اليتيم فطلب الورثة ما بقي له فأبى الوصي ببراءة بخمسة وسبعين فقُبلت منه ***(1/298)
[11/309]
فقالوا: بقي خمسة وعشرون(1) ديناراً وثمن خادمٍ بعتُها له فقال: ما كانت له خادمٌ ولا بعتها فطولب بباقي المائة فجاء ببراءة من أربعين ديناراً وقيل له: هذه براءة من أربعين وإنما باقي المائة خمسة وعشرون فقال: دخل فيها ثمن الجارية قال: يُقبل منه، هكذا روى لي أبو زيد عن أشهب في طبى قال محمد: وأحب إلي أن يضمن ثمن الخادم لأنه كذب نفسه في قوله ما كانت له خادم.
ومن العتبية(2) من سماع أشهب ومن كتاب ابن المواز: وعن وصي ولي يتامى فكان لا يتحفظ من أموالهم وربما تناول منها فسألهم بعد أن بلغوا الرشد أن يحللوه من بين كذا إلى كذا فحللوه عن مال ثم قالوا بعد زمان لا تُحلك قال: ليحرز ما أصاب من أموالهم ويحتاط حتى لا يشك أو يأتي رجل فيخير بذلك وبالمال وبما كان منه فيه فيحرزه إن لم يحسن هو حرزه وليحتط(3) ثم يتحلل من ذلك فأما من بين كذا إلى كذا فإنهم يقولون ظنناه يسيراً.
ومن العتبية(4) روى يحيى بن يحيى عن ابن وهب: في وصي على أخته باع لها وصيفةً بمائتي دينارٍ ثم اشترى لها رأسين بمائتين وسبعين ديناراً ذكر أنه زاد من عنده السبعين وأشهد على الشراء لها بهذا الثمن وعلى قبولها- يريد وقد حاز أمرها- ولا يدرون هل اشترى ذلك بثمن/ الوصيفة أم لا؟ وادعت هي بعد جواز أمرها أن ذلك مالٌ آخر من ميراثها وأن ثمن الوصيفة عليه وأتى هو ببراءة عليها من جميع مورثها عن أبيها وقال: شرائي للرأسين بعد البراءة وليس لها عنده غير ميراثها من أبيها وثمن الوصيفة فليحلف أن ذلك الثمن ثمن الوصيفة ويبرأ إلا أن تأتي هي ببينة أن لها قِبلة غير ذلك فينظر لها، وأما السبعون(5) الزيادة فإن فات الرأسان فلا يتبعها بشيءٍ لأنه زاد ما لم تأمره، وإن لم يفوتا خُيرت بين أداء ***
__________
(1) في الأصل، بقي خمسة وعشرين ديناراً والصواب ما أثبتناه.
(2) البيان والتحصيل، 13: 48.
(3) في الأصل، وليحتاط من غير حذف ألف الفعل إلا جوف رغم سكون آخره.
(4) البيان والتحصيل، 13: 212.
(5) في الأصل، وأما السبعين والصواب ما أثبتناه.(1/299)
[11/310]
السبعين وتحسبهما أو تذرهما ويغرمه المائتين إلا أن يسلم لها الرأسين بمائتين فلا حجة لها.
قال ابن القاسم: يحلف لقد أدخل ثمن الوصيفة في الرأسين ويبرأ ولا شيء عليها من السبعين لأن البراءة تقدمت قبل بيع الوصيفة فهو أمر طاع به لها أو شيء تورع عنه من بقية مالها، وإن كانت البراءة بعد شراء الرأسين فالبراءة تزيل ما قبلها مما بينهما إذا اختلفا.
في الوصي يشتري منزلاً لليتامى ومنهم الذكر والأنثى
ثم مات ولم يبين كيف هي بينهم؟
قال ابن حبيب قال مطرف: في الوصي يشتري منزلاً لليتامى من مالهم ثم يموت فقال الإناث: هو بيننا بالسواء وقال الذكور بل للذكر منا سهمان وللأنثى سهم، قال: يكون بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين اشتراه من عرض أموالهم أو بجميعها أو جُهل ذلك، ولو اختلفوا بعد جواز أمرهم/ تحالفوا فإن نكلوا فذلك منهم على ما ذكرنا ومن نكل منهم فالقول قول من حلف، وإن حلفوا فلكل واحد بقدر دعواه، فإن كان ذكراً وأنثى فهو بينهما على سبعة للذكر أربعةٌ وللأنثى ثلاثة لأن الذكر قال لي من الستة أربعة وقالت الأنثى لي منها ثلاثة فقُسم ذلك على دعويهما أربعة وثلاثة.
قال وقال أصبغ: إن اشتراه من عرض أموالهم فهو بينهم بالسواء وإن كان بجميع أموالهم فهو بينهم للذكر سهمان وللأنثى سهم.
***(1/300)
[11/311]
في ترشيد السفيه المولى عليه ودفع ماله إليه
وهل يُختبر ببعضه؟
وفي أفعال السفيه الذي لا ولي عليه
وفي تعديه فيما يعامل فيه
هذا باب قد ذكرناه مستوعباً في كتاب التفليس وذكرنا منه ها هنا ما يتعلق بالوصايا.
ومن العتبية(1) قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا تبين للوصي الرشدُ من يتيمه فإن كان شيء يبين للناس فليدفع إليه ماله ولا ضمان عليه وإن كان يشك في أمر فلا، إلا بأمر الإمام، وإلا ضمن.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: إذا احتلم ولا يعلم منه إلا خيراً قال: إن آنس منه وليه الرشد دفع إليه ماله وإلا فلا قال: وإذا كان سفيهاً في دينه وحاله، حسن النظر في ماله، دفع إليه ماله ولا يجوز شراءُ المولى عليه إلا فيما لا بال له كالفاكهة واللحم بالدراهم ونحوه.
وعن المولى عليه في السوق يريد/ وليه أن يدفع إليه مالاً يختبره به فأدان فلا يلزمه الدينُ فيما أعطاه ولا فيما أبقى له عنده، وإذا تكارى اليتيم في الولي دابةً بغير إذن الوصي يتعدى عليها فتلفت لم يضمن، محمد: ولو باعها لم يضمن في ماله شيئاً قال مالك: ولو بعثه في طلب آبق فأخذه وباعه فليأخذه ربه ولا شيء عليه ويحلف ما أمره ببيعه، وليس كالتعدي بغير سبب، قال محمد: ليس كالجناية ولو لم يرسله فيه لكان في ماله كالجناية وكسرقته لما لا قطع فيه.
قال مالك فيه وفي العتبية: من سماع أشهب: قلت: إن لي يتيماً قد أخذ بوجهه وله بيدي ستون ديناراً فطلب أن أعطيه خمسة عشر ديناراً يتجهز بها إلى ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 302.(1/301)
[11/312]
خاله بمصر يرجو صلته قال: لا أرى ذلك، فإن ضمنها لي رجل إن طولبتُ بها قال: لا أرى أن يدفعها إلا بأمر السلطان.
ابن المواز قال مالك: ومن دفع إليه الإمام مال غلام مولى عليه فحسن حاله هل يدفعه إليه ويكون كالوصي يتبين له حُسن حال أبيه؟ قال: أما من يتبين أمره في يسره وفضله فلا شيء عليه إن فعل كالوصي وأما من فيه شكٌ فلا، كأنه يراه يضمن إن فعل.
ومن كتاب ابن المواز: ومن مات عن بنين سفاء فاقتسموا وباعوا واشتروا فابن القاسم يرى ذلك كفعل من في الحجر، وقال ابن وهب: أفعاله جائزة حتى يُحجر عليه وأرى أن يُحجر عليه فيما يُستقبل، أشهب: ومن أوصى/ لبكر بمائة دينار ولا ولي لها فدفع الورثة ذلك إليها بغير أمر الإمام قال: قد برئوا منها، ونحوه في العتبية وقال: وكان يلي أيتاماً أيضاً قال: إيصاؤه لهم جائز.
قال ابن حبيبب قال مالك وجميع أصحابه: إن الرشد الذي ذكر الله سبحانه الذي يستوجب به اليتيم أخذ ماله، الرشدُ في الحال والمال(1) إلا ابن القاسم فلم يُراع إلا إصلاح المال.
في الوصي يبيع التركة أو الورثة ثم يطرأ دينٌ
بعد إنفاق الثمن أو تلفه
أو قُضي به لبض الغرماء
وكيف إن ربح في مال الأصاغر؟
من كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا باع الوصي مال اليتيم وقبض الثمن فهلك عنده ثم طرأ دينٌ على الميت فلا يضمن الوصي وكذلك الوارث غير وصيً إذا جرى أمرُه على الصحة محمد: وإن استحق ما باع الوصي وقد تلف الثمن لم ***
__________
(1) يشير إلى قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبدارا أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف)، الآية 6 من سورة النساء.(1/302)
[11/313]
يضمنه الوصي ولا الوارث، قال مالك: وإذا طرأ دينٌ وقد باع الورثة وأكلوا الثمن، فإن باعوا مبادرة وهو يعرف بالدين فللغرماء أخذ السلع من المشتري ويرجع هو على الورثة، وإن لم يعرف بالدين وباعوا كما يبيع الناس تركة ميتهم أتبعوا الورثة ولو قضوه لغرم وقد علموا بغريم آخر ثم جاء فللآخر الرجوع عليهم في عُدم الأول ثم لهم الرجوع على الأول، محمد: وكذلك الوصي إن فعل هذا ضمن.
ومنه ومن العتبية(1) قال أصبغ عن ابن القاسم: والوصي ينفق على/ الأيتام ما ورثوا عن أبيهم ولهم مال ورثوه عن أمهم ثم طرأ دينٌ على الأب فلا يرجع عليهم فيما ورثوا عن أمهم قال ابن المواز: لا يلحق الأيتام دينٌ بحال إلا من أنفق عليهم سلفاً ولهم ما يرجع به فيه، ولأصبغ قولٌ حسنٌ: أن النفقة نقصٌ على ما ورثوا من الأب ومن الأم فما أصاب ما ورثوا من الأم قضي منه الدين، محمد: يعني إنما أنفق عليهم بتركة الأب بعد أن ورثوا الأم.
قال ابن القاسم في المجموعة: ولو أخلط المالين وأنفق حسب الدين على المالين بالحصص وإن لم يخلط وأنفق عليهم ميراث الأب لم يرجع في مال غيره ولا فيما أفادوا بعد ذلك إلا أن يبقى من تركة الأب شيءٌ وإلا لم يضمن لا هو ولا الوصي، ولو أنفق عليهم مالاً لهم من غير تركة الأب أو لم يُخلط بغيره. قال علي عن مالك: إذا باع الوصي مال الميت ثم هلك الثمن وطرأ دينٌ فلا يضمن [ولو باع الورثة في مثل هذا ضمنوا] (2).
ومن كتاب ابن المواز: وإن قضى الورثة بعض الغرماء ثم جاء غريم فإن لم يبق من التركة شيءٌ بعد القضاء رجع الطارئ على الغريم القابض في ملائه وعدمه، ولا يضمن الوصي إلا أن يعلم بالآخر فليرجع القادم عليه بما ينوبه ثم رجع هو على الأول، ولو بقي من التركة قدرُ حظ الطارئ فحسبه له أو لم يُكره عالماً فهلك بيده فضمانه من الطارئ، وكذلك لو أنفقت على اليتامى فهو محسوب على الطارئ ولا ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 281.
(2) في الأصل، لو باع الورثة إلخ بدون واو قبل لو.(1/303)
[11/314]
يرجع على الأول بشيء/ وهذا الباب مستوعبٌ في كتاب التفليس وفيه مسألة أشهب إن ترك ألفاً وعبداً فأخذ الغريم الألف وقدم غريمٌ وقد تغير سوق العبد أو كان بيع فقضي ثمنُه للغائب وهلكت ثم رد العبدُ بعيب.
قال مالك: إن ورثوا مائتين وهو كبير وصغير فأخذ الكبير مائة وأخذ الوصي مائة فتجر فيها فصارت مائتين ثم طرأ دينٌ مائة فعلى الصغير ثلثاها ولأن الصغير لم يكن يضمن فدخل الدينُ في ربحه ولا يدخل فيها ربح الكبير لأنه كان ضامناً لما أخذ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، قال ابن عبد الحكم: ثم إن طرأ مائة للميت أخذ الوصي ثلثها للصغير وأخذ الكبير ثلثها كما ودى، ولو تلف جميعُ المال ثم طرأ دينٌ يغترقه رد الكبير ما أخذ ولا شيء على الصغير ولا شيء على الوصي، ثم إن طرأ للميت مال أخذ منه الأكابر ما أخذ منهم للدين.
ومن المجموعة ذكر علي عن مالك وقال العُتبي وذكره عنه ابن القاسم بلاغاً أنه إن ترك أطفالاً وثلثمائة دينار فتجر بها الوصي فتلفت ستمائة وطرأت ألف دينار ديناً على الميت فلتؤد منها الستمائة إذ لم يكونوا يضمنون، ولو كانوا كباراً لم يُول عليهم لم يغرموا غير ثلاثمائة وهم يضمنون كل ما غابوا عليه من العين ولا يضمنون الحيوان من رقيق ودواب وماشية إن هلكت بأيديهم، وقال علي بن زياد: الصغارُ ضامنون لما أُنفق عليهم/، وقال سحنون عن المغيرة مثله.
في عهدة ما باعه الوصي من التركة أو باعه الغرماءُ
وفي لحوق الدين على الميت أيضاً
من المجموعة وكتاب محمد بن المواز قال ابن القاسم قال مالك: لا عهدة على الوصي فيما باع على اليتامى، قال في كتاب محمد: إلا أن يشترط ذلك على نفسه، قال في المجموعة: وعُهدة المبتاع في مال اليتامى وكذلك فيما باعه القاضي في تركةٍ أو على مفلس. قال ابن المواز: إنما العبرة في المال إن بقي بيد الوصي أو قضى به ديناً وما دفعه إلى أكابر الورثة فالعهدة في المال ببيع ذلك حيث دفع برئ، وأما ما أُنفق على الصغار أو تلف فلا شيء عليه فيه والقول قوله فيه.
***(1/304)
[11/315]
من المجموعة قال أشهب: وإذا باع الوصي عبداً من التركة ودفع إلى الورثة ثمنه ثم استُحق فلا رجوع على الوصي إذا علم أنه باع لغيره كالوكيل.
قال ابن القاسم: بلغني عن مالك في الوصي يبيع التركة ثم ضاع منه الثمن أو أنفقه على الأيتام ثم استُحقت السلعة فلا شيء عليه ولا عليهم إن بلغوا، وقال عبد الملك: إن كان للولد مالٌ عند الوصي فيرجع المبتاع فيه وإلا كان في ذمتهم بقدر ما أصابهم، لأنه كذلك أنفق عليهم وأخرج بسببهم ولا يضمن الوصي. وأما إن طرأ دينٌ على الميت وقد أنفق الوصي التركة على الأيتام فلا شيء عليهم ولا على الوصي ويبقى/ في ذمة الميت(1) كمن وهب ثم قيم عليه في عدمه وأما ثمن ما استُحق من ما بيع من التركة فكمعاملة جرت بينهم وبين المشتري والوصي فيها كوكيلهم ويضمنون ذلك، قال ابن حبيب قال مطرف: ولا يضمن الوصي ولا الأيتام في هذا إلا أن يكون لهم مالٌ غيره من عقارٍ وغيره فيبيعون وكذلك في إنفاقه عليهم إن كان لهم مالٌ آخرُ رجع عليهم في الاستحقاق ولحوق الدين وإن لم يكن لهم شيءٌ لم يُتبعوا بشيءٍ.
في الوصايا تُنفذُ أو غيره وتُقسم التركةُ
ثم يطرأ دينٌ على الميت أو وصية أخرى
أو عولٌ أو عتقٌ هو أولى من الوصايا
وكيف يُقدم من أخذ شيئاً من ذلك؟
من العتبية(2) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في وصايا الميت تُنفذ وفيها عتقٌ ثم يطرأ دينٌ محيطٌ على الميت فلترد الوصايا من يد من أخذها على ما يؤخذ بها من نقصٍ أو نماءٍ ولا يضمنون(3) شيئاً إلا أن يستهلكوا أو يشتروا شيئاً ***
__________
(1) كلمة كمن في الأصل غير واضحة ويمكن أن تقرأ هناك كأن أو شبه ذلك.
(2) البيان والتحصيل، 12: 133.
(3) في الأصل، ولا يضمنوا بحذف نون الرفع وسياق الكلام يقتضي الرفع لا للجزم نظراً لكون لا دالة هنا على النفي لا على النهي.(1/305)
[11/316]
فيحاسبوا بثمنه في وصاياهم فيكون عليهم نقصه ولهم نماؤه ويردوا الثمن الذي حوسبوا به والورثة كذلك ما أخذوه على الاقتسام لم يضمنوه ونماؤه للغرماء وما اشتروه على حال البيع فمنهم نقصُه ولهم نماؤه ويغرمون الثمن الذي وجب عليهم به وما اقتسموا من عينٍ أو طعامٍ أو إدامٍ فليغرموه وإنما يوضع عنهم ضمان ما يُقسم بالقيمة من العروض فغابوا عليه ولا يُعرف هلاكه إلا بقولهم، وضمانهم/ في جميع ما ذكرنا كضمان المرتهن والمستعير فيما يغابُ عليه. وحالهم فيما لا يغاب عليه كحالهما.
ومن العتبية(1) روى أصبغ عن ابن القاسم وذكره عنه ابن المواز وابن عبدوس: وإذا أنفذ الوصي الوصايا وقد أوصى الميت بعتق عبد لم يعلم به الوصي فإن فعل ذلك الوصي بعد تربص واستثبات واجتهاد فلا شيء عليه. قال أصبغ: ودون هذا التأكيد لا شيء عليه إذا لم يعلم ولم يبادر وإنما عليه أن يجتهد بقدر الوصية في قلتها وكثرتها واجتماع المال واستبراء ذلك ثم ينفذ. قال ابن القاسم: ويعتق العبد إن حمله الثلثُ ويتبع الورثة أهل الوصايا بما فضل عن الثلث في ذممهم إن عدموا بقدر ما عند كل واحد بقدر وصيته كغريم طرأ على ورثة.
قال أصبغ في العتبية: جعله كغريم طرأ على ورثة يرجع على الملي منهم بدينه ويرجع الغارم على باقي الورثة، وليس هو عندي إلا كوارث طرأ على ورثة لم يعلموا به فإنما يتبع كل واحد بقدره في ملائه وعدمه، وكذلك لا يعتق من هذا إلا بقدر ما صار بيد كل واحد من وارث أو موصىً له في الثلث من قيمته التي كان يعتق فيها فيعتق منه ما وُجد فيرق ما بقي حين بيسر الآخرون فيعتق باقيه.
قال في العتبية: والورثة والموصى لهم بمعنىً واحدٍ والورثة والعبد كالوارثين، فإذا كانت التركة بالعبد ستين وقد أوصى لرجلين بعشرة وترك وارثين وقيمة العبد عشرة فأخذ/ الموصى لهما عشرةً وأخذ الورثة خمسين ثم علم بالعتق فللعبد سُدس التركة فيلزم الورثة خمسةُ أسداسها قيمته والموصى لهم سدسها، فمن كان له منهم مالٌ ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 262.(1/306)
[11/317]
نُفذ في حصته منه العتق ومن كان منهم عديماً أو غائباً اتبع بحصته من ذلك يوماً ما.
ومن الكتابين قال ابن القاسم: وإن عجل الموصى إليه ضمن وأتبع هو أهل الوصايا. قال أصبغ: إن كانت عجلة مبادرة بلا استبراء لاجتماع المال وتنفيذه فيضمن فإن لم يعلم ويكون كالخطإ والخطأ مضمونٌ.
ومن المجموعة قال ابن كنانة: ومن أوصى بعتق وصدقة فأنفذ الوصي الصدقة قبل العتق ولم يكن في الثلث سعةٌ فإن العتق يمضي وتُؤخذ الصدقة ممن أعطيها.
وقال ابن حبيب عن أصبغ في الوصايا تنفذ بالعتق ثم يطرأ دينٌ فإن فعله الوصي بجهالة رُد العتقُ وبيع للدين.
قال أبو محمد: أراه يريد في عُدم الورثة أو كان الدين محيطاً، وإذا علم الوصي وكان له مالٌ ضمن فإن لم يعلم أو علم إلا أنه عديمٌ رد العتق حتى يقضي الدين.
قال ابن المواز في الوصي يُنفذ الوصايا ثم يظهر أن الميت أوصى بعتق عبد – يريد بعينه- لم يعلم به الوصي فإذا كان فيما صار إلى الورثة من بقية الثلث بعد الوصايا قدر قيمة هذا العبد فأكثر لم يرجع على أهل الوصايا بشيءٍ، وإن كان ذلك أقل من قيمته رجع على أهل الوصايا بما يعتق به ويتبع الملي منهم بجميع ما بيده/ ولأصبغ فيه تفسيرٌ لم يعجبنا فهذا الصواب قال محمد: وليس كالوارث يطرأ هذا على أن في الوارث اختلافاً وإنما هو كغريم طرأ على ورثة كما قال ابن القاسم لأنه مُبدأ على أهل الوصايا كما الغريم مُبدأ على الورثة فله أخذُ ما بيد الملي.
ومن العتبية(1) من رواية أبي زيد: ومن أوصى بعتق عبيده وهم قدرُ الثلث فعتقوا ثم لحق دينٌ وقد قُسم المالُ فثاث الدين يُخرج من العبيد فيُقرع بينهم أيهم ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 322.(1/307)
[11/318]
يباعُ فيه وثلثا الدين على الورثة في ملائهم وعدمهم، وهذا مستوعبٌ في التفليس، وذكر أصبغ أن الموصى له إذا طرأ على الورثة أتبع الملي بجميع ما أخذ حتى يأخذ حقه كغريم طرأ على ورثة وإن قدم على موصىً لهم لم يتبع الملي بما على المعدم.
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا أوصى برقبة تُشترى للعتق بقدر الثلث وأنفذ ذلك ثم لحق دينٌ محيطٌ رُد العبدُ رقيقاً فإن لم يُحط بماله بُدئ بالدين وعتق من العبد مبلغُ ثلث ما بقي، وإن علم الوصي بالدين فهو ضامن، وإن لم يعلم أو علم وهو عديمٌ رُد العتقُ.
قال ابن المواز عن ابن وهب وأشهب عن مالك: فإذا أعتق عنه الوصي رقبةً أوصى بها بعد إذن السلطان ثم لحقها عول دينار إلا كسرا(1) أن على الوصي غُرمه.
قال أشهب عن مالك في العتبية(2) والمجموعة وكتاب ابن المواز: إن لحق الرقبة المعتقة سبعة عشر ديناراً عولاً قال: يمضي العتقُ وتكون الدنانير على الوصي وقاله له الوصي إنما اشتريت لغيري في السوق مع بيع/ السلطان قاضياً؟ قال: نعم.
في الميت تنفذ وصاياه ثم تُستحق رقبتُه
أو تشهد بينة بموته ثم يقدم حياً
قال: وهذا الباب في كتاب الاستحقاق مذكورٌ بزيادة فيه. من كتاب ابن المواز قال مالكٌ: في الميت تنفذ وصاياه وتباع تركتُه ثم يستحق رجل رقبته فإن كان يُعرف بالحرية قال محمد بن يزيد: قد ظهر ذلك وانتشر فذلك نافذ كله ولا شيء على وصيً ولا على متباع ولا على أخذ المال للحج وإن كان ذلك قائماً بعينه ***
__________
(1) في الأصل، إلا كسر وسياق الكلام يقتضي النصب على الاستثناء.
(2) البيان والتحصيل، 13: 76.(1/308)
[11/319]
إلا أن يريد أن يدفع الثمن ويأخذه إن لم يفت فذلك له وإلا فإنما يرجع على الوصي بما يجد عنده من الثمن كقول مالك فيمن قامت بينةً بموته فبيعت تركتُه ثم يأتي حياً فإن اشتبه عليهم مثل أن يروه في معركة صريعاً فظنوا أنه مات أو شهد عندهم قومٌ بموته فلا رد لما بيع وترد إليه امرأته إن نُكحت قال محمد: ويرد ما أنفذ من وصاياه من عتق وغيره، وأما ما بيع فلا يرد إلا أن يجد شيئاً لم يفت فيأخذه بالثمن ويرجع هو على من ولي البيع بالثمن وما عتق مما بيع أو اتخذ أم ولد أو فات بزيادة بدنٍ أو غيره فلا يأخذه وليرجع بالثمن على بائعه، قاله كله مالك، وإن تعمدوا الزور نُقض ذلك كله من بيع أو غيره ويُرد ما عتق المبتاعُ مما بيع وما اتخذ لولد فله أمتُه وقيمة ولدها ويأخذ متاعه بلا غُرم ثمن وإن نما، ويرجع بالثمن على البائع إلا أن يشاء القادم/ أن يُجيز البيع ويأخذ الثمن من البائع فذلك له.
فيمن أوصى أن يباع عبدُه للعتق فأنفذ ذلك
ثم لحق الميت دين. ومن أعطى لمأذونٍ ذلك
أو مُكاتبٍ مالاً على عتق عبده ثم قام السيدُ
من العتبية(1) روى موسى بن معاوية عن ابن القاسم وذكره ابن عبدوس: فيمن أوصى أن يباع عبدُه رقبةً [فبيع بخطإ ما، بثلثي ثمنه] (2) ثم لحق الميت دينٌ فلا يرجع على المشتري بشيءٍ لأن الوصية للعبد وكأنه بيع ثلثاه ولكن ينظر إلى ثلث العبد فإن كان قدر رُبع التركة مما قُبض في ثلثي العبد وغيره بيع من رقبة العبد بقدر ربع الدين ما لم يجاوز ذلك ثلث رقبته فلا يزاد عليها ويكون ما بقي من ربع الدين إن بقي شيءٌ من ثلاثة أرباع الدين فيما بيد الورثة من التركة، وقد ذُكر عن مالكٍ أن المشتري يغرمُ ثلث ثمن العبد ولا يعجبني.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 245.
(2) العبارة في الأصل، فيبع بخطإ ما ثلث ثمنه وصححناها وفق ما أثبتناه لانسجام الكلام بذلك وهذا التصحيح تقريبي لأننا لم نعثر على نسخة أخرى لمقابلة ما يتعلق بكتب الوصايا والله الموفق.(1/309)
[11/320]
ومن المجموعة قال: وقد قال ابن القاسم أيضاً: أنه ينظر فإن كان العبد قدر ثلث جميع التركة رجع على المشتري بثلث قيمته ورجع هو على الورثة بثلث الثمن.
قال: وقال أشهب: ولو قال رجل لمكاتبٍ أو لعبد مأذونٍ اعتق عبدكَ على ألف درهم وقيمتُه أكثر فللسيد أن يجيز ذلك أو رده رقيقاً وليس له أن يجيز عتقه على أن يبيع معطي الألف بتمام ثمنه إلا أن يكون قال على أن يعتقه عني فيرجع عليه بما خفف عنه إن كان ملياً وإن لم يكن له مالٌ فعتقه باطلٌ إن شاء سيدُ المكاتب أو العبد/ إلا أن يدفع التخفيف الذي خُفف عنه من الثمن فإن لم يدفع ذلك بيع من العبد بقدر ذلك التخفيف فقبضه السيدُ وعتق من العبد ما فضل عن ذلك، وإن كان العبد غير مأذونٍ فلك فسخُ بيع عبدك ويرجع رقيقاً وإن شئت أمضيته بالثمن، وإن كان فيه تخفيفٌ فليس لك أن تقول أمضيه وآخذ التخفيف، بخلاف الأول، لأن الأول ثبت فيه عتقٌ لا يُردُ إلا بعدم المعتق وهذا عتقٌ لا يجوز إلا بتجويزك للبيع.
في الوصي يشتري العبد فيعتقه بالوصية
ثم يستحق بملك أو حريةٍ أو بعضُه أو يُستحق ثمنُه
أو يجنى أو يتلف الثمنُ أو الثلثُ بعد القسم أو قبل
أو أوصى بعتق عبده فاستُحق أو أبق
من المجموعة وكتاب ابن المواز قال أشهب: ومن ترك ثلثمائة درهم وأوصى أن يشتري بثلثه رقبةً تُعتق ففعل ذلك الوصي وأخذ الورثة مائتين ثم استُحق العبدُ فرجع الوصي بالمائة فتلفت في يديه قبل أن يبتاع بها أخرى فلا شيء عليه ولا على الورثة ولا يقاسموا مرتين كما لو تلف بعضُ ما أخذوا لم يرجعوا في الثلث بشيءٍ. قال ابن القاسم: ولو أُخرج ثمن الرقبة قبل القسم فضاع فليرجع يشتري من ثلث ما بقي أبداً ما لم يقع القسمُ لأن المال بحاله والرقبة لم تنفذ، فأما لو أخذ الورثة بالثلثين وعُزل الثلثُ للوصايا لم يرجع عليهم بسبب يحدث في الثلث إلا أن ***(1/310)
[11/321]
يكون ورث الورثة أكثر من/ الثلثين فيرجع عليهم في بقية الثلث فقط، فإن لم يكن فيه ثمن رقبةٍ وهي التي تخرج جعل ذلك في بعض رقبةٍ أو قطاعه(1).
قال ابن المواز قال أصبغ: وكذلك لو جئت فأسلمت قال أشهب: ولو كان بعينها أو يشتري من شيء بعينه فذهب أو ماتت المُعينة بطلت الوصية، ولو اشتريت المعينة فلم تعتق حتى جنت فلا تُسلم لأن الحرية جرت فيها ولتعتق وتتبع.
ومن العتبية(2) عن ابن القاسم أو أشهب وهو في كتاب ابن المواز لأشهب: وإذا أوصى بعتق رقبة بثلاثين دينار فابتاعها الوصي فأعتقها ثم استُحق نصفها فالمستحق مخيرٌ أن يجيز البيع ويأخذ الثمن في نصفه أو يرده ويُقومه على الوصي في ماله لا على الورثة، قال محمد بن المواز: ويرجع الوصي على البائع بنصف الثمن فيجعله في النصف المستحق فيشتريه إن وجده.
قال أصبغ: وقد كان قال لي قبل ذلك إنما يُقوم على الورثة في مال الميت، قال ابن المواز: وإلى هذا جنح أصبغ ولا يعجبنا القولان، ولكن إن كانت الثلثان(3) بعينها فلا يعتق إلا نصفه حتى يؤخذ من البائع بقية ثمنه فيتم به عتقه وإن لم تكونا(4) بعينها فليُتم عتق ما بقي منه من ثلث ما بقي بعد أن يسقط منه نصف الثلثين التي تلفت عند البائع.
قال ابن المواز: قال أشهب: فيمن أوصى أن تُعتق عنه نسمةٌ بهذه المائة دينار بعينها فاشتريت بها وعتقت ثم لحق الميت دينٌ أو استُحقت المائة أو بعضها قال: إن ضاعت تلك المائة/ بعينها أو استُحقت قبل يدفعها فالوصي ضامنٌ لثمن النسمة لأنه ابتاعها وأعتقها وينفذ العتق ولا شيء على الورثة لأن التي فيها الوصية قد ذهبت بعينها.
***
__________
(1) كذا في الأصل وأظن أنها محرفة عن قوله أو عتاقة.
(2) البيان والتحصيل، 13: 288.
(3) في الأصل، إن كانت الثلثين.
(4) في الأصل، وإن لم يكن وسياق الكلام يقتضي ما أثبتناه.(1/311)
[11/322]
قال محمد: وكذلك لو لم يعتقها وضاعت المائة لنفذ البيعُ وودى المائة ولم يؤمن بالعتق. وكذلك لو كان الآمر حياً لم يلزمه شيءٌ ولزم المأمور الثمن، هذا قول مالك وأصحابه ولا يرد عتقه إذا أعتق ولو لم يعتقه حتى ضاع الثمنُ أو استُحق فإنه لا يعتق ويلزم الثمنُ المشتري، وأما في الدين فيُرد العتق ولا يلزم الوصي شيءٌ كما يرد الغرماءُ عتق المديان، ولو استحق بعض المائة قبل الشراء فليشر بما بقي منها ولو ودى المشتري من عنده تمام الثمن وأعتقت على الشركة فيها جاز ذلك وأكره أن يفعل وشريُ رقبةٍ بما بقي أحسنُ ولكن لا يرد ويكون كمن لم يجد فشارك في رقبة. ولو لحق المائة دينٌ لا نُخرج المائة من الثلث معه أو كان لا يخرج ولا دين عليه فالوصي يضمن تمام الثمن في هذا إلا أن يبقى من الثلث بقيةٌ بعد قضاء الدين فيها وفاء فلا يرجع إلا عليهم وإما أعتقها ولم تُخرج من الثلث لدينٍ طرأ أو غيره يضمن لأنه أخطأ فصار كالتعدي.
قال محمد: ليس بتعد(1) إلا أن يعاجل أو يبادر أو يأتي ذلك عالماً وإلا لم يضمن ويرجع فيما أنفذ من عتق أو وصية وكذلك لو دفع ذلك إلى الورثة فأكلوه لم يضمن إلا أن يُعجل والميتُ يعرف بالدين فهذا يضمن إذا لم يوجد ما بيع من مال الميت ويتبعُ هو الورثة/ قال أشهب: وإن أوصى أن يباع عبدُه فلانٌ ويشتري بثمنه نسمةً تعتقُ ففعل ذلك الوصي ثم استُحق المبيعُ فالوصي ضامنٌ للثمن ولا يرُد العتق ولا يرجع على الورثة في الثلث، لأن الميت أوصى في شيء بعينه، قال محمد: جيدة إلا أن الوصي يرجعُ على من باع من الميت بسبب ما غرم.
قال أشهب: ولو رد عبدُ الميت بعيب فليُرد الوصي الثمن ويباعُ المعيبُ فإن لم يف فما بقي على الوصي وإن زاد اشترى بالزيادة رقبةً تعتق على الميت إن حمل وإلا أُعين به في رقبة والولاء للميت مع ولي العبد الأول ولو كان إنما اشترى النسمة بعبد الميت فرُد عبد الميت بعيبٍ أو استُحق وقد عتقت النسمة لضمن الوصي تباعة ذلك، وإن لم يعتق فلا يعتق ويُرد إلا أن تفوت بزيادة أو نقصٍ في سوق أو ***
__________
(1) في الأصل، ليس بتعدي بإثبات ياء المنقوص رغم تنوين الاسم.(1/312)
[11/323]
بدن –يريد فتلزمه القيمة- ولو باع الوصي عبداً من التركة لا وصية فيه ودفع الثمن إلى الورثة ثم استُحق لم يرجع إلا على الورثة إذا بين أنه يبيع لغيره كالوكيل.
ومن العتبية(1) روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: فيمن أوصى بعتق عبده وبباقي الثلث لفلان فاستحق العبد أو ثبت أن الميت أعتقه في صحته فليس لفلان إلا ما بقي من ثلثه بعد قيمته. ولو أوصى بعتق عبده وبوصايا فكان العبد هو الثلث فبُدئ بالعتق ثم استُحق ورجع بثمنه على البائع فليرجع أهل الوصايا في ثلث ما بقي من التركة وفي ثلث ثمن العبد قبض أو لم يقبض، وإن أوصى بعتق عبده وبباقي ثلثه لفلان فأبق العبد فإنه يُقوم،/ فإن كان هو الثلث فلا شيء لصاحب باقي الثلث وإن زاد الثلث على قيمته أعطي الزائد.
في الوصي يعتق بالوصية عبداً نصرانياً
أو مُدبراً أو معتقاً(2) بعضه ولم يعلم
أو اشترى بثمن الرقبة رأسين فأعتقهما
من المجموعة والعتبية(3) من رواية أبي زيد قال ابن القاسم: إذا أعتق الوصي رقبة فإذا هي نصرانية ولم يعلم فإن كانت واجبةً من ظهارٍ أو غيره ضمن الوصي لأنه فرط، ولو قال الميتُ رقبةً ولم يفسر فهي على أنها غير واجبةٍ حتى يتبين أنها واجبةً، وذكر في رواية أصبغ في العتبية(4) وكتاب ابن المواز: أنه يضمن ولم يلزمه شيءٌ لأن غيره أنفذه، وقاله أصبغ قال أصبغ: لأن تنفيذ القاضي كتنفيذه بعد الاستيناء وبلوغ الأمر أجله فتنفيذه عند ذلك كتنفيذ القاضي.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 91.
(2) في الأصل، ومعتق عليه وسياق الكلام يقتضي النصب عطفاً على ما قبله.
(3) البيان والتحصيل، 13: 342.
(4) البيان والتحصيل، 13: 342.(1/313)
[11/324]
قال: ولو اشترى الوصي مُدبراً فأعتقه ولم يعلم فلا يجري وإن كان عن تطوع. قال ابن المواز: بل يجري في التطوع والواجب وقد نفذ العتق وبطل التدبير ولا يرجع على البائع بشيء من قيمة عيب ولا غيره، وقاله عبد الملك.
قال عيسى عن ابن القاسم: وإن أوصى أن يُعتق عنه عبدٌ بالخمسين فاشترى الوصي بالخمسين رأسين فأعتقهما عنه قال: ينفذُ عتقهما وعلى من فعل ذلك من وصي أو غيره ضمان عند يسرته بخمسين ديناراً فيعتقه عن الميت.
ومن المجموعة قال/ علي عن مالك: في الوصي يشتري رقبة فيعتقها من الوصية فوُجدت قد كان أُعتق نصفها فليُرد البائعُ الثمن فيُجعل في رقبة أخرى ويبقى له نصفها رقيقاً.
في الوصي يقضي عن الميت الدين بغير بينةٍ
أو يُقر أنه قبض دين الميت واليتامى في ولايته
أو قد رشدوا أو أن الأب قبضه
من المجموعة قال أشهب: وللوصي أن يقضي الدين عن الميت بغير أمر قاضٍ إن كان فيه بينةٌ عدولٌ والثقةُ له ألا يدفع إلا بأمر قاضٍ، لأنه لو بلغ بعض الورثة فجرح شهود الدين لضمن وأُخِذت ممن قبضها، ولو كان بأمر قاضٍ لم يُرد ولا يُقبل تجريحهم لأنه حُكم نفذ، وإن دفع الوصي إلى الغريم ثم قام آخرون فأثبتوا دينهم وجرحوا بينة الأول فالوصي ضامن ويرجع على الأول بما أخذ أو يُغرمه القائمون إن شاؤوا ويدعون(1) الوصي ثم لا يرجع الأول على الوصي بشيءٍ، ولو دفع إليه بقضية لم يضمن للقائمين بعده وليرجعوا على الأول بحصتهم، وكذلك قال ابن القاسم: إن كان الوصي عالماً(2) بغرماء الميت أو كان موصوفاً ***
__________
(1) في الأصل، ويدعوا بحذف نون الرفع.
(2) في الأصل، إن كان الوصي عالم أي برفع خبر كان والصواب ما أثبتناه. وهذه الظاهرة تكثر عند ناسخ هذا الكتاب وإلا فإن المؤلف بريء من مثل هذه الأخطاء.(1/314)
[11/325]
بالدين فيضمن لمن أبى ويرجع على من أخذ، وأما إن لم يعلم ولم يكن الميتُ موصوفاً بالدين لم يرجعوا إلا على من أخذ، وقال: في قضاء الورثة بعض الغرماء كما قال في الوصي، وقال مثله عبد الملك إذا تابوا ولم يعجلوا وبعد الصياح(1) في الدين وفعلوا ما كان يفعله السلطان فلا يضمنوا، وأما إن عجلوا ضمنوا فإن لم يكن/ عندهم شيءٌ رجع الطارئ على الأول.
قال أشهب في الوصيين يدفعان(2) ديناً بشهادتهما أو الوارثين ثم يطرأ دين أو وارث يقوم فإن دفعا بأمر قاضٍ لم يضمنا ويُرجع على الأول وإنما تُقبل شهادتهما قبل أن يدفعا وأما بعد الدفع، وإن كان بغير أمر قاضٍ فيضمنتن.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة قال أشهب: وإذا أقر الوصي أنه قبض دين اليتامى فإقراره جائز، وإن أقر بذلك وقد أخرجوا من ولايته فهو شاهد، وإن أقر وهو يليهم أن الميت قبضه فهو شاهد ولا يبرأ الدافع إلا بيمين مع شهادته، قال: ولا يكتب الوصي لغريم الميت براءة إلا مما قبض منه ولا ينفعه إن أبرأه من غير ذلك.
قال ابن القاسم: إذا أقر الوصي بقبض دين الميت ثم قام اليتامى بعد الرشد على الغرماء فهو بُراء بقول الوصيادعى أنه ضاع أو لم يدع، وإن ادعوا الدفع إليه فأنكروا ونكل عن اليمين فضمنه مالك في اليسير ووقف في الكثير وضمنه ابن هرمز في القليل والكثير، وبه قال ابن القاسم. وقال أشهب: إذا نكل حلف الغرماءُ وبرئوا وضمن الوصي.
ومن الكتابين قال مالك وابن القاسم وأشهب: وإذا دفع ديناً إلى غريم للميت بغير بينة فأنكر ضمن الوصي إذا لم يشهد، وكذلك لو قال: أشهدتُ ومات شهودي أو نسوا لضمن.
***
__________
(1) كذا في الأصل، ولم يتبين لنا معناه.
(2) في الأصل، يدفعا بحذف نون الرفع بلا مبرر.(1/315)
[11/326]
قال ابن المواز قال أشهب: وكذلك إن أشهد فماتوا أو غابوا فلم يجدهم لضمن، وإذا حلف الغرماء فإن نكلوا/ فلا حق لهم ولا تُرد في هذا يمينٌ على الورثة ولا على الوصي أنه قضاهم، قال محمد: بل تُرد اليمين على الوصي فإن نكل ضمن إلا أن يكون عديماً فيغرمُ ذلك الورثة –يريد من التركة- ويتبعون(1) الوصي، وقاله ابن القاسم –يريد محمد: ولابد من يمين الغرماء أن الدين لهم ما قبضوه من الميت ولا سقط عنه إلا الآن وبهذا يتم الحكمُ لهم وإلا فلا.
قال أشهب في المجموعة: لا تُرد في هذا يمين لا على وارثٍ ولا وصي أنه قضاهم، وكذلك من له دين على ميت فلابد من يمينه أنه ما قبضه وإلا فلا شيء له ولا يحلف الورثة أنه قد قبض إلا أن يدعوا علم ذلك، قال سحنون: أما دعوى الوصي أنه قضاه ببينة ماتوا أو نسوا فإن طال الزمان حتى يرى أنهم نسوا أو ماتوا فعسى أن يُقبل قوله، وأما في القرب فلا. قلت فلم لا يُصدق وهو أمين؟ قال: فلو قال قد ثبت عندي أن لفلان على الميت ديناً وقد دفعتُه إليه أيُصدق؟
ومن كتاب ابن المواز قال مالكٌ: وإن دفع الوصيان ديناً على الميت بشهادتهما فإن كان بقضاء قاضٍ بعد أن أجاز شهادتهما لم يضمنا ولا طلب للورثة على القابض وإن كان بغير قضيةٍ ضمناً ولا تُقبل شهادتهما فيه بعد أن دفعاه إلى قابضه.
في الوصي يجد في التركة خمراً أو خنزيراً
أو شِطرنجاً، وفيما أفسد الورثة من تركة الميت
ومن أوصى بأمر لا يجوز هل ينفذ(2)
ومن العتبية وكتاب محمد/ وغيره قال مالك: أحسنُ ما سمعتُ أن أول الحملِ كالمرض الخفيف لصاحبه يضع في ماله ما شاء قال الله تعالى: (حَمَلَتْ ***
__________
(1) في الأصل، ويتبعوا بحذف نون الرفع.
(2) هكذا في الأصل، والعنوان غير مطابق للنص التالي المتعلق بالحمل والأمراض الطويلة إلخ. ولا شك أن النص هنا مقحم خطأ بدل النص المعنون له.(1/316)
[11/327]
حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أُثْقَلَت) [الأعراف: الآية189] فحين تثقل فأفعالها في الثلث وأول الإتمام ستة أشهر لقول الله سبحانه ( وَحَمْلُهُ وفِصَالُه ثَلاَثُونَ شهْراً) [الأحقاف: الآية 15]، والفصال حولان فما أعتقت أو تصدقت بعد ستة أشهر فما كان بمعنى الوصية فلها الرجوع فيه قبل الوضع وبعده وما كان بمعنى البتل فلا رجوع لها فيه وإن وضعت وصحت وإن ماتت فهو في الثلث.
قال مالك: والزواحف إلى القتال في الصف كالمريض في أفعاله وكذلك من حُبس للقتل وكذلك راكب البحر إذا أخذه الهول وخاف الغرق، وبه قال أشهب. وفرق ابن القاسم بينه وبين الزواحف ومن حُبس للقتل وقال: هو كالصحيح.
وروى عبد الملك بن الحسن في العتبية(1) عن ابن وهب: فيمن أخذه هول العاصف في البحر كالمريض. وكذلك من جمحت به الدابة أو قرُب للقتل.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: في الشيخ الكبير به البُهرُ(2) الشديد والبلغمُ لا يقوم إلا بين اثنين وقد احتبس في منزل فإن فعله كفعل الصحيح إلا أن يأتي من ذلك يُخاف عليه منه فيكون كالمريض، وكذلك روى عنه ابن وهب في الأجذم والمفلوج وأهل البلاء أنهم كالصحيح إلا فيما يُخاف عليهم منه، وقاله عنه ابن القاسم.
قال عثمان بن عيسى بن كنانة في الأمراض الطويلة مثل الفالج والجُذام والبرص والجنون والحُمى الربع وشبهه فهو/ كالصحيح في أفعاله من عتق وصدقة وبيع وطلاق ونكاحٍ وغيره ما كان خفيفاً لا يُضجعه حتى لا يُجرح، ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 256.
(2) البُهرُ: انقطاع النفس من الإعياء يقال بُهر بصيغة المبني للمجهول وانبهر انقطع نفسه من السعي الشديد فهو بهير ومبهور ومن هذه المادة الأبهران وهما العرقان اللذان يخرجان من القلب ومنهما تتشعب كل الشرايين يقال ما زال يراجعه الألم حتى قطع أبهره أي أهلكه.(1/317)
[11/328]
وأما إن كان في ذلك بين القلة لا يجرح الآخر وجاء يرى أنه يريد أن يمضي به فعله فأعال هذا في الثلث وقد شاور قاضي المدينة العلماء فيمن به ريحٌ وهو يدخل ويخرج ويسافر وهو مضرور مصفر مُعتلٌ يمشي أحياناً الأميال فأجازوا أفعاله من نكاح وطلاق وغيره ورأوه كالصحيح.
***(1/318)
[11/329]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
الجزء الثاني
من كتاب الوصايا
في المريض يريد أن يُعجل في مرضه صدقةً أو (نذراً) عليه
أو يحابي في بيعٍ أو يقضي بعض غرمائه
قال عبد الله بن أبي زيد ومن المجموعة قال علي عن مالك: ليس للمريض أن يتصدق في مرضه بما بينه وبين ثلثه إذ لعله لا يموت حتى يذهب ما بقي بنفقة أو مصيبة ولا له أن ينفق إلا على ما لا يُستنكرُ، قال عنه ابن القاسم: ولا له أن يتصدق عن أبيه صداقاً أو ينحله فإن فعل فنكح بها أو ساق ذلك عنه ثم مات فلورثته رده وتتبعُ المرأة الابن، ولا له أن يصل بعض ولده دون بعض.
قال أشهب: وإن بتل عتق عبده في مرضه وله مالٌ مأمون فله حُكم الرق حتى يموت سيده فيعتق ويُبدأ على الوصايا وقد تخرب الرباع قبل موته.
ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا باع المريض عبداً قيمتُه ثلثمائة دينار بمائة ثم مات ولا مال له غيره؟ قال:/ فللمبتاع ثلثاه ثلث بالوصية وثلث بالمائة.
ولو باع ديناراً لا يملك غيره بثلاثة دراهم نُقض بيعُه ويرد الورثة ثلاثة الدراهم ويكون ثلثا الدينار لهم وثلثه للمشتري. قال: وله أن يقضي بعض غرمائه في مرضه دينه إذا كان فيما بقي وفاءٌ لمن بقي، وجرى في كتاب العتق في باب من أقر في مرضه أنه أعتق عبداً في صحته مسائل من معنى هذا الباب وفي عتق عبده في مرضه وله دينٌ على سيده مثل قيمته.
***(1/319)
[11/330]
في الموصي يُغير وصيته أو يرجع عنها
وما لا يرجع فيه من البتل والتدبير
وما يُفرق به بين الوصية بالعتق والتدبير
من المجموعة وغيرها قال مالكٌ: الأمر المجتمع عندنا أن للرجل أن يُغير وصيته ويرجع عنها أوصى في صحة أو مرض أو عند سفر بعتق أو غيره. قال في كتاب ابن المواز: يرجع في مرضه أو بعد صحته إلا فيما أبتل.
ومن المجموعة قال ابن القاسم: إن قال إن مت فعبدي حُر أو قال بعد موتي بشهر أو إن مت فأعتقوه فذلك سواء –يريد وهي وصية- قال مالك: وإن قال: هو حُر يوم أموت فإن أراد التدبير فهو مُدبرٌ وإلا فهي وصية، قال عنه ابن وهب: كل عتق بعد فهو وصية حتى ينص على التدبير فيقول عن دبر مني وذكر/ قول أشهب: أن فلاناً حُر وفلاناً حر قال إذا أجراها مجرى الوصية فله الرجوع فيها. قال علي عن مالك: إذا قال غلامي حر متى مت فإن استيقن أنه أراد أن لا يغير ما عقد له حتى يموت فهو مُدبرٌ.
قال ابن القاسم: وإن كتب في أمته أنها مُدبرةٌ إن لم يحدث فيها حدثاً فهذه وصية. قال ابن القاسم: وإن قال: عبدي مدبر بعد موتي فهو كالوصية، ويفكر فيها سحنون ولم يقل شيئاً قلت له: فيكون قوله هذا أكثر من قوله أنت حر بعد موتي؟ قال: بما أحلفه ودعني حتى أنظر.
قال عنه ابن وهب: في الحامل أو المريض يعتق أو يتصدق فإذا كان بمعنى الوصية يدل بعض ذلك على بعض فيُعلم أنه وصيةٌ فله أن يرجع فيها، فإن لم يُعلم وجهُ ذلك فليس في ذلك رجوع وينفذ. قال عنه علي: في المريض يعتق أو يتصدق ولم يقل إن مت ثم صح فقال: أردتُ إن مت وقالت البينة ظننا أنه أراد البتل قال: يُنظر في ذلك بما يُستدل به على قصده، فإن رأى أنه أراد الوصية فهو وصيةٌ يرجع فيها وإلا فلا رجوع له. قال عنه علي: في مريض قيل له: أوصِ فقال: فلان حر ثم صح فقال: أردتُ بعد موتي فذلك له قيل: فهو ***(1/320)
[11/331]
لا يتكلم فقيل له: اعتق فلاناً فأشار برأسه أن نعم فإن عُرف أن عقله معه وإنما مُنع الكلام فذلك نافذٌ من ثلثه، وإن رأى أنه غُلب على عقله فهو باطلٌ وما يُعرف به ذلك أن يسمي له غيره فيشير بلا فإذا سمى له قال نعم.
ومن كتاب ابن المواز: ومن حبس داراً في مرضه/ ثم هي في السبيل ثم رجع عن ذلك فذلك له، محمد: لأنها وصيةٌ ولم يبتل ذلك. قال ابن وهب عن المخزومي: فيمن قال في وصيته لفلان عشرة دنانير صدقةٌ وعبدي فلانٌ حر وفلان مُدبرٌ ثم رجع بعد أن صح فقال: لم أبتل ذلك فذلك له إلا في التدبير لأن العتق يمكن أن يكون بعد الموت فحُمل أنه بتل تدبير للمدبر فإن بين فقال: مدبر بعد موتي قال: فليس لذلك موضعٌ إلا أن يريد اللعب ويُحملُ على تدبير البتل قلت: إنه عالمٌ غير جاهل فوقف. قال ابن القاسم: إن قال: إن مت من مرضي هذا فعبدي مدبرٌ فلا يرجع فيه. قال أصبغ: ينزل منه على التدبير ولو دبره على غيره فله أن يرجع، وبعد هذا مسألة ابن كنانة فيمن أوصى لرجل بأمته عن دبر منه في باب مفرد.
ما يكون من أفعال الموصي رجوعاً عن وصيته
وما لا يُعد رجوعاً من تغييره الشيء
أو إحداثه صنعةً فيه أو زيادة فيه وشبه (ذلك) (1)
من المجموعة والعتبية(2) من رواية عيسى قال ابن القاسم: فيمن أوصى لرجل بدينٍ له على رجل ثم اقتضاه في مرضه فأنفقه أو استودعه فهو رجوع ولا شيء له. قال في العتبية(3): إلا أن يوصي له بمائة مبهمة أو عُرفت المائة بعينها ولم يحرك.
***
__________
(1) كلمة ذلك ساقطة من الأصل.
(2) البيان والتحصيل، 13: 90.
(3) البيان والتحصيل، 13: 90.(1/321)
[11/332]
قال ابن القاسم في المجموعة: وإن أوصى له بزرعٍ ثم حصده أو بثمر ثم جذه أو بصوفٍ ثم جزه فليس برجوع/ إلا أن يدرس القمح ويكتاله ويدخله بيته فهذا رجوع، وإن أوصى له بعبد فرهنه فليس برجوع وليبدأ من رأس المال ولو أجره فالعبد للموصي، قاله مالك.
ومنه ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم وأشهب: فإن أوصى له بثوب فصبغه فالثوب بصبغه للموصى له.
قال أشهب: وكذلك لو غسله أو كانت داراً فجصصها أو زاد فيها بناءً أو سويقاً(1) فلته لأنه لم يتغير الاسم عن حاله. قال أشهب: ولو أوصى له بعرصة فبناها داراً فذلك رجوع، ولو أوصى له بدار فهدمها حتى صارت عرصةً فليس برجوع فيها كله لأنه موصى له بعرصة وبناءٍ فأزال البنيان وأبقى العرصة.
قال في كتاب ابن المواز: ولا وصية له في النقض الذي نُقض. قال: وأما الموصي بعرصة فيبنيها فإنه لا يقع عليها بعد البناء اسمُ عرصة. وقاله سحنون في العتبية(2).
قال ابن عبدوس: قال ابن القاسم: إذا هدم الدار فالعرصة والنقض للموصى له، قال عنه أصبغ وأبو زيد في العتبية(3): وإذا أوصى له بعرصة ثم بنى بها لكانا شريكين فيها بقدر قيمة البناء في العرصة، وقاله أصبغ. وكذلك لو أوصى له بثوب فصبغه أو بسويق فلته كانا فيه شريكين بقدره من قدر الصبغ واللتات.
ومن المجموعة ونحوه في كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولو أوصى له بغزل فحاكه ثوباً أو دبراً فقطعه/ قميصاً فهو رجوع، وقاله أشهب. قال أشهب: أو أوصى له بقميص ثم قطعه قباءٌ أو جُبة فردها قميصاً أو ببطانة ثم بطن بها ثوباً أو ***
__________
(1) السويق: الناعم من دقيق الحنطة والشعير.
(2) البيان والتحصيل، 13: 349.
(3) البيان والتحصيل، 13: 349.(1/322)
[11/333]
بظهارةٍ ثم ظهر بها ثوباً أو بقطن ثم حشا به أو غزله أو بغزل ثم نسجه أو بفضة ثم صاعها خاتماً أو بشاة ثم ذبحها ثم مات فهذا كله رجوع وتبطل الوصية لأنه لا يقع عليه الاسم الذي أوصى فيه، قال أشهب: وإن أوصى له بثوب أو عبد ثم باعه فإن مات قبل أن يشتريه فقد رجع ولا وصية فيه، وإن اشتراه عادت الوصية فيه بحالها إن مات كان للموصى له وإذا أوصى له بعبد في غير ملكه أن يشتري ثم صار ذلك العبد إلى الموصي بميراث أو صدقة أو هبة ثم مات فالوصية فيه نافذة.
ومن العتبية(1) قال أصبغ عن ابن وهب: فيمن أوصى لرجل بمزودٍ جديد ثم لته بعسل أو سمن فليس برجوع كما لو أوصى له بعبد ثم علمه الكتاب قال أصبغ: ليس برجوع ويكون شريكاً بقدرها من قدر اللتات، وكذلك الثوب بصبغة والقاعة بينهما. قال ابن القاسم: وإن أوصى بريطةٍ(2) فقطعها قميصاً قبل أن يموت أن هذا رجوعٌ بخلاف وطئه للأمة.
وقال أبو زيد عن ابن القاسم: وإذا قال: ثوبي لزيد ثم قطعه قميصاً ولبسه في مرضه فليس برجوع وهو للموصى له، ولو قال شُقتي لفلان ثم قطعها قميصاً أو/ سراويلاتٍ كان رجوعاً لتغير الاسم، وإذا صبغ الثوب صبغاً زاده فليضرب فيه بقيمته أبيض.
قال ابن حبيب قال أصبغ: في امرأة أعتقت أمتها في مرضها فقال لها من يجهل لا يجوز لها منها إلا الثلث، قالت: فإذا كان لا يجوز فأعتقوا ثلثها قال: هذا رجوعٌ وزلا يعتق إلا ثلث الأمةِ لأنها صدقت من قال لها ذلك، ولو قالت: فإن كان لا يجوز ذلك فاعتقوا ثلثها فهذه كلها تعتق في الثلث لقولها فإن كان كأنها قالت وإن لم يجز ذلك.
***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 299.
(2) الريطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ونسجاً واحداً ولم تكن بفلقين والجمع ريط ورياط.(1/323)
[11/334]
فيمن أوصى بشيء لرجل ثم باع ذلك أو انتفع به
أو هلك بعضُه ثم أخلف مثله أو زاد في العد أو نقص
أو غير اسمه وقد عين أو أبهم
من العتبية(1) روى أشهب عن مالك: فيمن أوصى لرجل بثيابه ثم باع بعضها وأخلف ثياباً أو بمتاع بينةٍ فتنكسر الصفحة ويذهب الشيء ثم يخلفه فذلك للموصى له، وكذلك من أوصى لأخيه بسيفه ودرعه فهلك ذلك ثم يخلفه فهو للموصى له كما لو أوصى له بحائطه فيكسر منه النخلات ويغرس فيه ودياً(2) أو يُنبتُ فيه ودياً ويزرع فيه زرعاً فذلك له وهذا الذي أراد الميت وأما لو أوصى له بعبد بعينه قال في كتاب ابن المواز: أو بعتقه فمات العبد فأخلف غيره فبخلاف ذلك، ولو قال: رقيقي أو ثيابي لفلان فمات بعضهم/ وخلف بعض الثياب فأفاد رقيقاً وثياباً فللموصى له جميع رقيقه وثيابه كما لو أوصى لرجل بسُدس ماله فله سدس ماله على ما هو به يوم يموت، وكما لو قال: إذا مت فرقيقي أحرارٌ فيبيعهم ويبتاع غيرهم فالوصية بحالها، وكذلك لو زاد إليهم غيرهم، ولو قال: عبدي النوبي أو الصقلبي حر فباعه واشترى مثله صقلبياً أو نوبياً أو حبشياً آخر فلا عتق له كما لو اشترى معه غيره لم يعتق ذلك الغير.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوصى في عبد له بالعتق أو لفلان فمات العبد أو باعه أو وهبه ثم اشترى عبداً غيره فإن كان الأول بعينه سماه أو قال: هذا من رقيقي أو من إبلي لزيد فمات بعضهم ثم أفاد غيرهم من إبل أو عبيد فالوصية ترجع فيمن أفاد كما كانت.
قال أشهب عن مالك: وكذلك قوله: ثيابي أو سلاحي أو متاعي فيذهب ذلك ويستحدث مثله فإن الوصية فيما أفاد قائمةً، قال مالك: وكذلك لو كانت له دُورٌ محبسةٌ حبسها هو أو أبوه أو أجنبي ومرجعها إليه وكذلك جمله ***
__________
(1) البيان والتحصيل، 13: 24.
(2) الودي: صغار الفسيل والواحدة ودية سمى بذلك لأنه يخرج من النخل ثم يقطع فيغرس.(1/324)
[11/335]
الشارد وعبده الآبق يرجع ذلك كله إليه بعد موته ولو بعد سنين وكذلك قوله: حائطي لزيد فانكسر نخلات منه وغرس مكانهن أو زاد أو زرع، محمد: لأنه حائط بعينه باقٍ فأما لو ذهب الحائطُ فاشترى آخر فلا شيء فيه للموصى له إذا عينه/ أو قصد تعيينه، وإن لم يقل هذا الحائط بعينه ولكن وصفه بصفة ثم هلك الحائط أو باعه أو استحدث مثله في صفته فاختلف فيه، فابن القاسم يقول: تسقط الوصية وروى هو وأشهب عن مالك: في التي قالت: ثوبي الخز لفلانة فذهب ثوبها وأخلفت مثله أنه لا شيء للموصى له فيه وخالف ذلك أشهب فيمن أوصى برقيقه فسماهم ووصف سلاحه وثيابه بصفة ذلك وجنسه ثم استهلك بعض ذلك واستفاد مثله ثم هلك قال: فلا يكون ذلك للموصى له إلا أن يوافقه في الاسم، مثل أن يقول: عبدي نجيح النوبي حر وقميصي المروي [الكدر] (1) لزيدٍ أو سيفي العدني في السبيل أن الوصية تقع في الثاني الذي هو مثل الأول في الاسم والصفة قال أشهب: فإن قيل فإن له إن حلف بحريته إن فعل كذا فباعه واشترى مثله اسماً أو صفة ثم فعل أنه لا يحنث قيل له: ذلك يختلف، لأن الوصية يُرجع فيها ولا يُرجعُ في اليمين، ولو حلف بعتق رقيقه فيحنث فإنما يلزمه فيمن عنده يوم حلف.
وإذا أوصى برقيقه ثم بدلهم أو زاد أو نقص فإنما للموصى له من يكون عنده يوم مات لا يوم أوصى، قاله مالك. وكذلك وصيتُه في جزءٍ من المال، ولم يأخذ محمدٌ بقول أشهب حين جعل المبهم والموصوف بالاسم والصفة سواء، ومسألة مالكٍ في التي أوصت في ثوبها/ الخز يُرد هذا، وقال ابن القاسم: في الذي أوصلى أن غلامي النوبي أو الصقلبي حر فباعه ثم ابتاع مثله فلا يعتق إلا أن يشتريه هو بعينه، ولأنه لو قال: رقيقي أحرارٌ في وصيته ثم زاد إليهم غيرهم لأعتقوا أجمعون، ولو قال: عبدي النوبي ثم اشترى مثله لم يعتق إلا الأول فليس المبهم كالمقصود بالاسم والصفة، وبهذا أخذ أصبغ.
***
__________
(1) بعد التأمل في الأصل قروناً كتابتها على الشكل الذي وضعناه وإلا فهي غير واضحة تمام الوضوح.(1/325)