[7/101]
والأول بحساب . وقاله أصبغ : وإذا أصاب المرأة الطلق في الطريق لم يجبر كريها على المقام عليها في غير الحج وتقيم هي إن أحبت وتكري هي ما تكرات وإنما يحسن في الحج إذا نفست قبل تمام حجها لأنه كأنه أكراها إلى أن يتم حجها . قال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم أصبغ .
ومن العتبية من سماع أشهب وعمن تكارى ظهرا إلى الحج فلما كان من أمر حسين ما كان وأراد الخروج إلى مكة وتراجع الناس من الطريق جاءه الكري فدعاه إلى الخروج فأبى وخاف الفتنة فرفعه إلى السلطان فأمره أن ي خرج مع كريه فخاف أن يقضيي عليه فصالح الكري على أن يقيله ويؤخره بالكراء إلى الجذاذ هل يرجع فيما أخر ؟ قال : قد لزمه التأخير وقد طاع بالصلح فيلزمه وذلك الكراء غير لازم لهما من هذه الفتنة فلذلك جاز تأخيره ولو كان الكراء لازما لم يصلح التأخير . ومن سماع أبي / زيد من ابن القاسم : ومن حمل جرة فانكسرت وهو قوي على حملها فلا أجر له ولا ضمان عليه وهو مصدق أنه عثر وإن لم يكن ربها معه فإن لم يكن كسرها معروفا فله الأجرة إذا ضمن . قال أصبع : قال ابن القاسم : ومن حمل شيئا فرماه أخذه وصدمه فانكسر ما عليه فالرامي أو الصادم ضامن وللأجير بقدر ما بلغ من الطريق .
قال أصبغ : وليس على ربه أن يأتي بمثله ويكمل له الأجر لأنه شيء بعينه مجهول وقد تقدم من رواية أبي زيد عنه في الطعام يأخذه اللصوص ببعض الطريق أنه يحمل مثله إذا رجع ولم يرفع إلى الإمام .
ومن الواضحة قال مالك : وإذا ذهب الطعام أو المتاع ببعض الطريق بأمر من السماء وعرف ذلك وليس معه ربه ولا وكيله فليرفع إلى والي الموضع ليكري الدواب للمكتري إن وجد وإلا فالمكري يطلب ذلك فإن وجد أكرى للمكتري ، وإن لم يجد لم يضره وله كراه كله ، وإن أتى بدوابه فرغ . ومن كتاب محمد : وإذا
[7/101]
***(1/97)
[7/102]
تلف الراكب بما فيه وقد أكراه بعينه فلا كراء له ، وإن بلغ البلد الذي أكرى إليه ما لم يخرجه من مركبه وكذلك الدابة تهرب بما عليها . وفي الباب الذي يلي هذا من معاني هذا الباب وكذلك في باب عطب المركب .
فيمن اكترى دابة إلى بلد
على أنه إن تمادى أو بلغ بلد كذا فبحسابه
أو على أنه إن وجد / حاجته دون البلد فعليه بحساب ذلك
أو أكرى منه إلى بلد وقال : إن رجعت فبمثل الكراء
أو أكرى منه للرجوع بعد العقد الأول أو فيه
من كتاب ابن المواز ، ومن العتبية أشهب عن مالك : ومن تكاري دابة بدينار إلى بلد كذا على أن يقدر ربها بحساب ما تكارى منه فإن سمى موضع التقدم فجائز اون كان يعرف نحوه ، وإن لم يسمه مثل أن يقول : أتلقى بها الأمير إلى الشجرة . فما تقدمت فبحسابه فهذا قد عرف وجهه فيجوز فأما أن يكتري إلى بلد فحيث ما بلغ من الأرض فبحسابه . هذا قد عرف وجهه فيجوز فأما أن يكتري إلى بلد فحيث ما بلغ من الأرض فبحسابه فلا يجوز حتى يكون إلى موضع معلوم يسميه أو أمر له وجه وإن لم يسمه قال عيسى في العتبية : قال ابن القاسم : ولا بأس أن يكتري إلى طرابلس كل حمل أو كل محمل بكذا وينقد كراء طرابلس على أنه أن يقدم إلى أفريقية فبحساب ذلك فيلزم ذلك الكري وللمكتري أن يدع ويحاسبه حيث شاء فأما أن ينقد الكراءين جميعا على هذا الوجه فلا يجوز ويدخله بيع وسلف . ومن كتاب محمد ومن العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك ومن اكترى في طلب ماله أو آبق ، فلا يجوز حتى يسمى
[7/102]
***(1/98)
[7/103]
موضعا وقال : فإن / وجد حاجته دون ذلك رجع وكان عليه بحسابه فذلك جائز إن لم ينقده . قال في كتاب محمد : وإن قال : فإن تقدمت فبحسابه . لم يجز حتى يسمي موضعا ثم لا ينقده إلا كراء الغاية الأولى وكذلك في الواضحة في هذا كله .
ومن كتاب ابن المواز وهو في العتبية من سماع أصبغ قال ابن القاسم : ومن اكترى إلى مكة بخمسة على نه إن شاء الرجوع فبذلك الكراء فجائز [قال لا بأس بذلك إذ كان الوزن]والحمولة وكان الكراء واحدا غير مختلف قال أصبغ : ما لم يقدم شيئا من كراء الرجعة .
قال ابن القاسم ، في كتاب محمد : ولو قال : إلى مكة بعشرة فإن بدا لي اليمن فبخمسة عشر لم يجز إلا أن يقول : فبحساب ذلك . قال محمد : وإن قال : فإذا بلغت مكة ووصفت أحمالها أو بعضها ثم أردت الكراء إلى اليمن فبحساب ذلك . لم يجز إذا كان ينقص من الحمولة ببيع أو غيره أو يزيد فيها . قال مالك : ومن تكارى من مصر إلى مكة بدينارين على أنه إن بلغ الطائف فنازعه لم يحز ولو قال : فبحساب ذلك جاز . قال عبد الملك ، فيمن اكترى دابة إلى مكة بدينار وإلى الطائف بأربعة أنه جائز لأنه إنما وقعت الصفقة إلى الطائف بخمسة وصار ذكر مكة لغوا وإنما يفسد إذا قال : على أنه إن بلغ الطائف فبأربعة . ولم يجعل الطائف واجبا . قال مالك : ولو قال : إلى طرابلس بعشرة ، وإن تماديت إلى أفريقية / فلكل حمل دينار لم يجز . ولو قال : فبحسابه جاز . قال ابن القاسم : إذا لم ينقده إلا كراء طرابلس . وقال عبد الملك : وقال : ما لم تكن الوجبة أقل من الذي فيه الشرط للمكتري أو يكون كثيرا ، وإن استوى خوفا أن يرخص له في الوجبة ؛ لطمعه بكثرة الكراء الباقي فهذا عنده فاسد في المسافة الأولى وفي الثانية . ولو قال له بعد تمام الفقد في المسافة الأولى : إن بلغت بلد كذا فبحساب ذلك
[7/103]
***(1/99)
[7/104]
لكان جائز عنده ، وأن كثرت الوجيبة الثانية لأنه سلم من الحديعة بذكر الزيادة على الوجيبة في العقد وذكر عنه ابن حبيب أنه لا يجوز من ذلك بعد الصفقة إلا ما يجوز فيها من أن يكون الكراء الثاني الأقل ويكون له حد معلوم ويكون بحسابه قال : وإذا استزاد ذلك المتكاري في مدة الطريق ومسافته بذلك له ما لم يدع تلك الطريق إلى غيرها فلا يجوز له ذلك بزيادة ولا بغير زيادة اتفقت المسافة أو اختلفت ويصيير كغيره ممن لا معاملة بينه وبينه . قال محمد : قيل لعبد الملك : فلم قلت : إذا أكرى إلى مكة دابة بدينار ثم قال بعد العقد : إن تماديت إلى الطائف فبدينارين أنه لا خير فيه حتى يقول : فبحسابه أو يعقد معه إلى الطائف عقدا ثانيا لازما لا يقول فيه : إن شئت أو : أردت ؟ قال : لأنه من المكتري كأنه في صفقة ولا يجوز من غيره بحال وأنا لا أكره في العقد أن يقول له في المسافة الثانية : فبحساب / ذلك إلا لما أطمعه من تكثير المسافة الثانية فقد سلما من ذلك حين لم يكن في العقد نفسه . قال مالك وإذا عقد معه الكراء من مصر إلى مكة فلما توجه عقد معه الكراء من مكة إلى مصر ونقده فذلك جائز محمد : للمكتري الأول دون غيره بمثل الكراء الأول أو أقل أو أكثر [وكأنه من هذا كراء واحد].
ما لم يكن في الثاني بانحياز إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل لم يجز بسفرين ولا يجوز إلا على حساب الأول . قال مالك وإذا أكرى منه من المدينة إلى إبله فلما سار بعض الطريق اكترى منه من إبله إلى مصر ونقده فذلك جائز . قال مالك : ومن اكترى إلى بلد وشرط أن بدا له أن يقيم ببعض الطريق أو يرجع إذا وجد حاجته أو إذا شاء ويعطيه بحساب ما بلغ على ما أكرى منه فذلك جائز ولا أحب النقد في ذلك .
ومن العتبية من رواية أبي زيد عن ابن القاسم قال مالك فيمن اكترى دابة وقال : إن تأخرت بمتاعي عن يوم سماه فكل يوم بعد ذلك بدرهم . قال : وهذا
[7/104]
***(1/100)
[7/105]
مكروه ويفسخ الشرط ، فإن فات فتأخر عن ذلك فإنما له كراء ذلك لا ينظر إلى الشرط ، وعمن تكارى دابة إلى الإسكندرية أو غيرها وضرب له في تلك أجلا وشرط إن وجد الرجل في الطريق رجع له بحساب ما بلغ على ما تكارى منه فلا بأس به إذا لم ينقد وكذلك لو أكراها منه على مجيب بزمن الإسكندرية ؛ على أنه إن فاجأه في الطريق رجع وكان له بحساب ما سار من / كراء فجائز إذا لم ينقده . قال سحنون : كيف يجوز هذا وقد أكراه دابته بما لا يدري ؟ قال ابن المواز : وإذا أكرى منه على أحمال مجلدة وأثقال من المدينة إلى مكة وإذا رجع بأحمال وركوب فهو جائز ؛ لقرب بعض ذلك من بعض وكما يكتري في صفقة على أحمال أو محامل وأثقال . وقاله مالك وابن القاسم وعبد الملك : قال ابن ميسر : يعني إذا علم كم الأحمال من المحامل ؟ وإلا لم يجز . وفي الواضحة مثل ما قال وسواء كانت الأحمال والمحامل في البدأة وفي الرجوع أحمالا فقط أو كانت الأحمال وحدها في البدأة إذا كانت الأحمال في الرجعة هي الأولى يريد : أو حملا معمولا . قال : سواء كان كراء نفسه أو مضمونا فجائز . وفي باب بعد هذا فيما يجوز من ضرب الأجل في كراء الدابة معنى من هذا .
فيما يضمنه الأكرياء وما يدعون من هلاك أو نقصان
وفيما يهلك من الحمولة هل ينتقض له الكراء ؟
أو كيف بما تعدى فيه المكاري ؟
قال ابن حبيب : وكل ما حمله الحمالون على دوابهم أو إبلهم أو في سقهم أو على رؤوسهم فإنهم يضمنون الأقوات من طعام وإدام غير ذلك من طعام أو عرض إلا أن يكون صاحبه معه فلا يضمن شيئا منه إلا بتعد مثل أن يغر من عثار الدابة أو نفارها أو ضعف أحيلة فيضمن بالتعدي الطعام وغيره وإنما ذكرنا أنهم يضمنونه من طعام أو إدام فلا يصدقون في هلاكه وإنما ذلك في الأقوات التي لا غنى عنها ولمصلحة / الناس بتضمينهم كالصناع وعلى ذلك يعملون بعدما
[7/105]
***(1/101)
[7/106]
يضمنون القمح والشعير والسلت والدقيق والعلس والدخن والذرة والكرسنة ولم يجعل الأرز من ذلك ورآه مما يتفكه به ويضمنون الفول والحمص والعدس واللوبيا والجلبان ولا يضمنون الترمس ، وإن كان يضم معها في الزكاة فإنما يتكفه به ، ولا يضمنون من الإدام إلا السمن والعسل والزيت والخل فأما المري والرب والأشربة فلا ، ولا من الفواكة من يابسها ورطبها إلا التمر والزبيب والزيتون ، ولا يضمنون ما عدا ذلك من الفاكهة والخضر واللحمان ولا يضمنون شيئا من الأدهان كسائر العروض . وفي كتاب ابن المواز : ولا يضمن المكتري ما يحمله انكسر أو سرق إلا الطعام والإدام سلم إليهم حمله على دابة أو سفينة أو ظهر رجل أو راسية في بر أو إلا أن يشهد عدلان بهلاكه بغير تعد أو يكون مع الطعام ربه أو وكيله فلا يضمن ولربه أن يأتي بمثله يجعل من موضع ملك الأول . قال مالك : إلا أن يأتوا بأمر معروف ؛ من انشقاق زق أو هلاك راحلة بما عليها وشبه ذلك ما يعرف هلاكه ولا يضمنها غيره وهم فيه مصدقون وكل ما هلك بسبب حامله ؛ من سفينة تغرق أو تضل الدابة بما عليها أو ينقطع حبل الجمال فيذهب ما عليه أو ينشق أو يهراق من عثار الدابة أو الرجل الذي حمله من بلد أو من سوق فلا ضمان في ذلك كله ولا كراء ولا على ربه أن يأتي بمثله / ويرجع فيأخذ الكراء إن دفعه . قال ابن القاسم : وأما أن سرق المتاع أو مات الرقيق أو الراكب فالكراء قائم ولهم حمل مثل ذلك .
ومن الواضحة قال : وما ادعاه الأكرياء من هلاك ما استحملوه فإنهم مصدقون إلا في الطعام والإدام فلا يضمنون ما سواه .
قال مالك في كتاب ابن المواز : ولهم الأجر كاملا ولصاحبه حمل مثله عليهم بقية الطريق أو يكري ذلك في مثله . قال ابن حبيب : لهم من الكراء بحسابه إلى الموضع الذي ادعوا مبلغه قال : وكذلك إن كان إتلافه من سببه مثل أن يغر من عثار دابته أو ضعف أحبلة فضمن ذلك فإنما يضمن قيمة تلك العروض بموضع هلكت فيه لا بموضع حمله منها ولا بموضع يحمل إليه . قال : وأما ما يضمنون من طعام أو إدام فيدعي هلاكه بموضع فلا يضمنه في ذلك الموضع
[7/106]
***(1/102)
[7/107]
لكن بالبلد الذي أكرى ليبلغه إليه كان تلغه بالطريق مجهولا أو كان معلوما إلا أنه عن تغرير منه ؛ لضعف أحبل أو عتار دابة أو كان هو مستهلكه وأما إن هلك الطعام ببينة بسبب الدابة من غير أن يغر فيه من عثار أو ضعف حبال أو كان ربه معه فلا كراء على المكتري ولا ضمان على الكرى . وكذلك لو عثر رجل بجرة حملها فيها زيت فانكسرت فلا يضمن ولا أجر له وأما ما هلك من الطعام من لصوص أو غاصب وذلك ببينة فيضمن كغيره مما لا يضمنه ولربه أن يأتي بطعام مثله أو عروضا مثلها فحملها له من موضع هلك فيه أو تكارى الدواب لنفسه إلا أن يتفاسخا عن / تراض بما يحل ولو كان حمل الطعام أو العروض في سفينة فغرقت غرقا معروفا لم يجب لربه السفينة من الكراء شيء وذلك في السفن بخلافه في الدواب . وقال مالك في الدواب يهلك ما عليها في الطريق بأمر من الله عز وجل قد عرف ذلك وليس معها المكتري ولا وكيله قال . يرفع إلى والي البلد إن كان فيها فيكريها إن وجد وإلا فالكري يكريها أمامه إن وجد وإلا فالكراء له كامل .
ومن العتبية ، أشهب عن مالك عن الذي يحمل الطعام بكراء فينتقص عليه قال : يترك لهم من ذلك ما ينتقص بين الكيلين .قيل : وإذا نقص أكثر مما يقع بين الكيلين فِأراد أن يحلفه ويغرمه فضل ذلك ؟ قال : إن أراد أن يغرمه فلا يستحلفه . وكذلك في كتاب محمد ، قيل : أرأيت إن تكارى منه على جمل مائة إردب من الفسطاط إلى القلزم فقال له : اضمنها . فقال : لا أفعل ، المائة تنقص أربعة إردب . فيقول له رب الطعام : فأنا أعطيك الأربعة أرادب النقصان واضمن لي مائة أردب توفيها بالقلزم وأكتبها ثلاثة باطلا ؟ قال عنه ابن القاسم في الذي يحمل مائة إردب بالقلزم سبعة وتسعين ويطرح عنه ثلاثة لما ينقص في المركب على ذلك يعقدون . قال : لا خير في ذلك .
[7/107]
***(1/103)
[7/108]
وروى عيسى عن ابن القاسم قال : قال ملاك فيمن تكارى على حمل طعام إلى المدينة فتعدى الحمال فباعه ببعض الطريق ولم يحضر ربه قال : ربه مخير ؛ فإن اختار الثمن فذلك له وإلا ضمنه مثله بالمدينة . وقاله ابن القاسم قال يحيى بن يحيى / قال ابن القاسم : وإذا باع الحمال الطعام أو صاحب السفينة ببعض الطريق فلربه أخذ الثمن إن شاء وليس له القيمة ، فإن لم يأخذ السفينة ببعض الطريق فلربه أخذ الثمن إن شاء وليس له القيمة ، فإن لم يأخذ الثمن فله مثله بموضع يحمل إليه ، وإن أخذ الثمن فله أن يستحمله مثله من الموضع الذي باعه فيه حتى يبلغه إلى البلد الذي اكترى إليه ويؤدي الكراء كاملا .
من كتاب محمد : قال أصبغ : ومن أكرى على طعام فركب معه أو أرسل معه رسولا فكان يسأمه في بعض الطريق ويصحبه في بعضها فنقص فلا ضمان على حامله . محمد : يريد ؛ لأن أصل حمله على غير التسليم إلى الحمال . قال مالك : وما نقص الزيت في الزقاق فقال له : رشحت . سئل أهل المعرفة ؛ فما كان ينقص مثله لم يضمنه . قال : وإن شرطوا ألا ضمان عليهم في الطعام أو أن عليهم ضمان ما لا يضمن فشرطهم باطل والعقد فاسد ؛ فإن فات ضمنوا الطعام ولا يضمنوا غيره ولهم كراء مثله بغير شرط . وقال مالك : وإذا حمل طعاما في مركب فأصابه بلل ، فإن كان مفسدا ضمن وأما نداوة غير مفسده فليجففه ويحمل على الوسط من ذلك ويحلف المتولي . محمد : وهذا إذا لم يكن مه ربه ؛ لأنه يتهم أن يسرق منه ويعرف ما بقي ليبتل فيزيد فيه ، وإن كان بلل لا يزيد فيه فلا شيء عليه ، وإن شك فيه أحلف ولم يضمن كما يضمن في البلد المفسد . قال مالك : ومن أكرى على حمل طعام فبعث معه ما لا يشتريه له به فادعى ضياع المال فلا ضمان عليه ولا أجر له فيما [عنا]وعليه اليمين لقد ضاع . محمد : : وإن اشترى الطعام وادعى أنه ضاع أو سرق ، فإن حمله في سفيته صمن ، وإن حمله على غيره صدق ، يريد محمد : بأمر رب الطعام ، إن حمله على غيره وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أكرى من نوتي على قمح بذهب فدفعه فنقص
[7/108]
***(1/104)
[7/109]
الطعام فأراد أن يأخذ في نقصانه ذهبا فلا خير فيه إلا أن يكون لهم ينقده ولا بأس أن يأخذ منه إذا نقده قمحا أو شعيرا إن كان شعيرا . قال ابن حبيب : ومن استأجر نواتية في سفينة يحملون فيها الناس ويكرونها فذلك جائز والضمان عليهم فيما حملوا من طعام وكذلك لو واجر أجيرا في ظهر له يحملون عليه فهم الضامنون لما حملوا من الطعام وقاله كله مالك .
في المركب يقف لنقص الماء أو يرده الريح أو يرجعون
لخوف أو يحبس الريح عليهم أو يجاوز به الريح المرضع
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن تكارى من نوتي إلى الإسكندرية فلما بلغ ـ المكندس ـ وقف الماء قال : يحاسبه بقدر ما بلغ . قيل : فإن ظن النوتي إن ذلك يلزمه حملانه فأكرى عليه فبلغه . الإسكندرية . قال : لا شيء للنوتي ؛ لأنه هلو شاء لم يفعل ولخاصم فيه قيل : فلو كان وقوف المركب في موضع ليس فيه أحد ولا يوجد فيه سلطان فخشى هلاك المتاع فأكرى عليه ؟ قال : لعل هذا ، ولا يشبه هذا الأول وروى عيسى عن ابن القاسم هذه المسألة في الخليج لا يكون فيه الماء قال / له بقدر ما سار ويفسخ ما بقي وسئل أصبغ في الذين يكترون السفن إلى بلدهم فتردهم الريح بعد شهر أو أكثر إلى موضع ركبوا منه وكيف إن كانوا لم يزالوا ملججين أو بلغوا قرية ثم قلدوا منها أو جازوا بها ولو شاءوا نزلوها ؟ قال : إن . لم يزالوا ملججين منذ قلدوا حتى ردتهم الريح فلا كراء عليهم ؛ لأنهم لم ينتفعوا بشيء ولا بلغوا مكانا انتفعوا به بوصولوهم إليه فليزمهم كراء إلى ذلك الموضع أما الذين أرسوا بقرية فقلدوا بعد ذلك فعليهم من الكراء بقدر ما بلغوا إلى تلك القرية وبمنزله لو انكسر المركب بها فسلم متاعهم أو بعضه
[7/109]
***(1/105)
[7/110]
فيجب عليهم من الكراء بقدر ما انتفعوا به فأما إن حادوا قرية فلم ينزلوا قادرين على النزول أو غير قادرين ؛ فإن قربوا من البر جدا حتى صاروا إلى موضع بأمن من الريح لا يخافون منه لقربهم من البر وتعلقهم بالمرسى فلو شاءوا لأرسوا ثم قلدوا فردتهم الريح فعلى هؤلاء من الكراء بقدر ذلك الموضع كما ذكرنا ، وإن لم يكونوا من قرب البر وأمنه بهذا السبيل ولكن يرجون ويخافون فلا كراء عليهم . قال : وإن لم يبلغهم ريح يردهم ولكن خوف لصوص أو ردم أو طلب ذلك الركاب ، فإن رجعوا بسؤال من الركاب فالكراء كله عليهم ، وإن كان رب المركب هو ردهم وأكرههم فلا كراء له ، وإن طلب ذلك الركاب / لخوف لصوص أو ردم أو تغير بحر فالكراء يبطل كمن لم ينتفع بشيء وذلك إذا لم يكن دون مرجعهم إلى حيث ركبوا منه مستعتب ينزلون له مما مر ومنتفع فيما خرجوا إليه ، فإن كان ذلك فهذا له أن يقول إلى هذا المستعتب : إذا لم يقدر على التقدم وليس لهم الرجوع إلى موضع خرجوا منه ولصاحب المركب قدر ما انتفع به من انتفع بذلك في حمولته وتجارته ، وإذا كان الركاب هم الذين مضوا بالمركب حين خافوا على أنفسهم إلى موضعهم الأول وأكرهوهم أن لا يطرحوهم دون فعليهم الكراء واجب وأحب إلي أن يكون كراء الذهاب إلى حيث انتهوا بقدره من الكراء الأول ومن كراء الرجعة بالقيمة ، وإن كان الأكرياء هم الذين أكرهوا الركاب ولم ينزلوهم إلى مخرجهم الأول فلا كراء لهم أيضا .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : وإن اكتروا سفينة مسيرة ثلاثة أيام فحبستهم الريح عشرين يوما فأرادوا الفسخ والمحاسبة فليس ذلك لهم ولا ذلك للنوتي إن طلب ذلك منهم ومن مسائل لابن عبدوس في قوم اكتروا مركبا من الإسكندرية إلى أطرابلس فمالت بهم الريح إلى سوسة ومع المتاع ربه أو وعيله وه ومن أهل أطرابلس أو غيرها فذلك سواء ؛ إن شاء أخرج متاعه بسوسة ولا كراء عليه ، لزيادة المسافة ، وإن شاء الرجوع إلى أطرابلس بالمتاع خاصة أو بنفسه خاصة أو بالأمرين فذلك له / ؛ لأنه شرطه ولا ينظ إلى غلاء المتاع ولا إلى رخصه بسوسة .
[7/110]
***(1/106)
[7/111]
في المركب يعطب أو يرده الريح أو يطرح بعض شحنته
وفي المركب يشحن فيه جماعة هل يأخذ بعضهم دون بعض ؟
من العتبية ، قال سحنون : قال ابن القاسم في السفينة تكترى على طعام فتغرق في نصف الطريق أو بعد أن بلغت الساحل قال : لا كراء لصاحب السفينة وكذلك في كتاب ابن المواز وهو في باب قبل هذا . قال سحنون : قال ابن القاسم : وإذا اكتراها من الإسكندرية إلى الفسطاط فغرقت في بعض الطريق فاستخرج نصف القمح فحمله في غيرها فلرب السفينة الأولى من كراء ما خرج من القمح بقدر ما انتفع به منه ربه وبلوغه إلى الموضع الذي غرقت فيه . وقال يحيى بن عمر وغيره من أصحابنا : وهو من قولهم معروف فيمن اكترى على أحمال من نوتي ودفعها إليه فحملها وتخلف ربها فأصابها بلل في المركب نقص من ثمنها قال : تقوم سليمة وتقوم بحالها ؛ فإن نقصت القيمة سقط عنه ثلث الكراء ، وإن ربع فربع . ومن غير العتبية وابن أبي جعفر في مسألة السفينة تعطب ببعض الطريق قال مالك : لا كراء لهم . قال ابن نافع : له بحساب ما سار . وروى ابن أبي جعفر عن ابن القاسم مثل قول ابن نافع . قال يحيى بن عمر : إن كان كراهم على قطع البحر مثل السفر إلى صقلية من / إفريقية أو إلى الأندلس فلا شيء له من الكراء ، وإن كان كراهم مع الريف الريف مثل أن يكونوا من مصر إلى أفريقية وشبهه فله بحساب ما سار وكذلك إذا ردتهم الريح إلى الموضع الذي ركبوا منه وإلى موضع آخر من الحائط الذي ركبوا منه فعطبت المركب أو بدا لصاحبه أن يقيم وليس لهم فيما جازوا من الطريق منفعة فلا كراء عليهم إلا أن يكون مصيرهم على الريف الريف .
[7/111]
***(1/107)
[7/112]
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في المركب يخاف أهله الغرق فيطرح بعض ما فيه ؟ قال هم فيه سواء فقيمته من موضع حملوه ، وإن كان حملوه من موضع واحد مثل أن يشتروا كلهم من مصر فمن طرح له شيء شريك لأصحابه بما اشترى به وذلك فيما طرح وفيما لم يطرح ، وإن كان شراؤهم من مواضع شتى مثل أن يشتري بعضهم من مصر وبعضهم من أسوان أو بعض نواحي الفسطاط فهذا بخلاف الأول وينظر من هذا كم ثمن ما طرح وما بقي لو اشترى من موضع حمل فيكون شركاء فيما طرح وفيما بقي ، واختلاف الأزمنة كالبلدان ؛ فلو اشترى هذا منذ سنة وهذا منذ أشهر [حسب ما [على]اشترى به ٍ]منذ شهر . قال مالك : ولا يحسب على جرم المركب شيء وليس فيما طرح كراء وإنما عليهم كراء ما بقي بحساب ما أكروا . قال يحيى بن عمر : وإذا طرح أهل المركب ما نجوا به حسب ذلك على جميع ما في المركب / مما يراد به من التجارة من جوهر وغيره مما تقل مؤنة حمله أو تكثر وأما رقيق المركب ممن يخدمه وممن ليس للتجارة فلا يحسب عليهم شيء ويقوم ما طرح وما لم يطرح بقيمته بموضع شحنوا منه ويكونون فيه شركاء ، وإن ابتل بعض المتاع أو الطعام قوم صحيحا وقوم مبلولا ؛ فإن نقص نصف قيبمه طرح عن صاحبه من كراء ونصف الكراء وكذلك فيما قل وكثر قال يحيى : وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم في هذا كله . قال يحيى : وإذا عطب المركب فألقى البحر المتاع قريبا من موضع ركبوا فلا شيء لرب المركب من الكراء ، وإن ألقاه وقد جرى بعض الطريق ؛ فإن كان سيرهم على الريف الريف فله فيما سلم بحساب ما ساروا ، وإن لم يطرح شيئا فلا شيء له . وكذلك إن خرج يريد المتاع سالما بقرب البلد الذي يريد إليه فله من الكراء بحساب ما انتفع ويقوم ذلك وقد يكون الكراء من موضع
[7/112]
***(1/108)
[7/113]
عطب إلى الموضع الذي يريد إليه أرخص منه ها هنا بحساب ذلك بالقيمة ، وإن كانوا قطعوا البحر من الموسطة ؛ لأنه قد انتفع ، وإن ابتل المتاع قوم ما نقص منه البلل فتسقط من حصته من الكراء بقدر ما نقصه البلل كما ذكرنا ، وإن لم يكن فيما جرى من طريقه منفعة فلا كراء عليه . قال مالك : وإذا فسد بعض الطعام في المركب ولم يفسد بعض ؛ فإن كان طعام كل واحد على حدة قد جرى [على حدته قد حجز بينهم بحواخز فمن ابتل له شيء أو فسد فهو منه]. ومن سلم له شيء كان له وإن انخرقت الحواجز حتى اختلط القمح / فهم في جميعه شركاء فيما فسد وفيما لم يفسد . قال : ويتراجعون فيما طرح على ثمن الطعام بالقلزم لا بالجار ولا بموضع طرح فيه إلا أن يكون أحد منهم اشترى بدين فليحسب له على النقد لا زيادة فيه وأن حوبى أحدهم بشيء الحق بتمام القيمة بالقلزم . قال سحنون : ويقبل قول كل واحد منهم في مبلغ ثمن طعامه بلا بينة ولا يمين إذا ظهر صدقه إلا أن يتهم فيحلف . واختلف قول مالك في المختصر في تقويم ذلك فيما يطرح ؛ فقال : قيمته في موضع يحمله . وقال : في موضع يحمل إليه . وقال : في موضع طرح . وروى أشهب ، عن مالك في موضع طرح في البحر [وفي سماع أبي زيد على . . وليس على جرم المركب شيء ولا على خدم المركب وقومته كانوا أحرارا أو عبيدا وأما عبيد للتجارة فعليهم . قال ابن القاسم : قال مالك في النفر يكرون السفينة لحمل طعامهم فلما بلغوا أخذ أول من يمر بمنزله مكيلة طعام ثم غرقت السفينة فلا رجوع لأصحابه عليه أذنوا له في أو لم يأذنوا ، وليس عليه أن يبلغ معهم بطعامه ثم يرجع إلا نه أن نقص الكيل طولب بحصته منه ، وكذلك في كتاب ابن المواز . وكذلك في كتاب الشركة باب من هذا وفيه زيادة من هذا المعنى . قال في سماع أبي زيد : ومن أشحن في سفينة خمسمائة أردب ثم مر بأخ له في قرية أخرى فحمل له مائة أردب صبها فوق القمح ثم ابتل من أسفل القمح
[7/113]
***(1/109)
[7/114]
مثل خمسين أردبا ولم يصل البلل إلى قمح الأغلال قال : فذلك عليهما وهما شريكان في الذي ابتل ؛ لأنه قد خلطه / وحمله على وجه الشركة . وفي كتاب الشركة في القوم يحملون الطعام مختلطا فيريد بعضهم بيع حصته ببعض الطريق .
ومن كتاب ابن سحنون وكتب إلى سحنون قاض أطرابلس في مركب عطب ببرقة فأتى منه ستة أحمال إلى أطرابلس زعم من جاء بها أنها من ذلك المرب وأن أحمالا تعرف أهلها وأحمالا لا تعرف أهلها قد اندرس أسماء أهلها فبيع من الأحمال المجهولة بدنانير فأكروا على هذه الأحمال فجمعت حبا فجيء من كان له في المركب متاع لينظروا فيها فأبوا من أخذها وقالوا : نتصدق بخطنا منها فبعتها ؛ لأنه قد دخلها الماء فبعتها بكذا وكذا ، ووديت منه بقية كراء الستة الأحمال وأوقفت ما بقي وجاء صاحب المركب يطلب كراءه فكتب إليه : إن كان أصل الكراء من مصر إلى أطرابلس فعلى قول مالك الكراء على البلاغ وابن نافع يرى له بحساب ما بلغ ولكن في مسألتك أن بعض الأحمال وصلت إلى أطرابلس كمسألة مالك في الجعل في البئر لما حفر بعضه وتركه ثم جعل لآخر فأتمه فليعط الأول بقدر ماه انتفع به رب البئر فكذلك يعطى ربب المركب بقدر ما انتفع به أهل هذه الأحمال من مصر إلى برقة من ثمنها الذي بعتها به وأما ثمن الأحمال فينبغي أن تكتب صفة كل عدل ومبلغ ثمنه خاصة ويوقفه ، فإن طال المكث ولم يأت من يستحقها وأتى من طول الزمان ما يرى أن مثلها لا يستحق فليتصدق بثمنها .
فيمن اكترى دابة فادعى هلاكها أو أنها مرضت
/ بعض المدة أو أنه ردها أو سقط على الدابة حملها فهلكت
وكيف إن ضلت فودي في ردها شيئا ؟
وكيف إن أكراها على أن ضمنها ؟
من العتبية ، روى أبو زيد عن ابن القاسم قال مالك فيمن اكترى دابة إلى موضع فأتى فزعم أنها نفقت ، فإن كان في جماعة كلف البينة ، وإن كان وحده أحلف ولا شيء عليه .
[7/114]
***(1/110)
[7/115]
وروى عنه عيسى ، قال : وإذا ادعى أنه قد رد الدابة أو شيئا اكتراه وأكذبه ربه قال : إن أخذ ذلك ببينة لم يبرئه إلا البينة ، وإن أخذه بغير بينة قبل قبوله في رده ، وإن قال : ذهب . فيصدق فيما يغاب عليه وفيما لا يغاب عليه .
وقال في العارية : ولا يقبل قوله أنه رده قبضه ببينة أو بغير بينة وأما ما لا يغاب عليه فيصدق في رده أنه قبضه بغير بينة ، وإن قبضه ببينة لم يبرأ منه إلا ببينة . قال مالك ، فيمن اكترى حمارا عليه سرج ولجام فزعم أنه سرق سرجه ولجامه فلا شيء عليه . قال ابن القاسم : والعاربة مخالفة للكراء فيا يغاب عليه ، ولو كان عاربة لكان لا يضمن الدابة ويضمن السرج واللجام وإذا قال مكتري الدابة : وقفت بالطريق فتركتها فهو مصدق . قال ابن حبيب : مع يمينه إلا أن يعثر عليه بخلاف ما قال وعلى المكري أن يخرج إلى دابته إن شاء وقاله مالك . ومن العتبية من سماع عيسى قال ابن القاسم وابن وهب : وإذا اكترى دابة يحمل عليها خشبة فحملها عليها فانفلتت من يد المكتري فسقطت على رجل الدابة و / كسرت رجلها ، فإن أبطلها ذلك ضمن قيمتها ، وإن كان شيئا خفيفا فعليه ما نقص من ثمنها .
قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن تكارى دابة مشاهرة فسافر عليها فاعتلت في السفر فلم يقدر فركبها ، فإن كانت له بذلك بينة سقط عنه ذلك وحوسب بما قبله . قال عيسى : قال ابن القاسم : ومن اكترى دابة واستعارها فتضل منه فيجعل المكتري جعلا لمن جاء بها قال : فذلك الجعل يلزم ربها إلا أن يشاء أن يسلمها إليه بجعله .
ومن الواضحة : ومن تكارى دابة على شرط ضمانها فذلك فاسد ، فإن فات فسخ الشرط وردت إلى كراء مثلها بلا ضمان وكذلك ولو أعارها على الضمان سقط شرط الضمان فله كراء مثلها وكذلك مشترط رفع الضمان في الرهن فيما يضمن أو إيجابه فيما لا يضمن بطل الشرط ورد إلى السنة . ومن كتاب محمد :
[7/115]
***(1/111)
[7/116]
وذكر عن ابن القاسم في مكتري الدابة مشاهرة يزعم أنها اعتلت في شهر أنه يكلف البينة ، قال محمد : وهذا عندي وهم عنه بل القول عنده قول المكتري حتى يأتي ببينة بخلافه كقوله نفقت أو أبقت . ورواه عن مالك . وذكر القول في الدار يختلف في مدة هدمها في أكرية الدور وذكر اختلافهم في بطالة الأجير في باب الإجارات .
باب فيمن اكترى دابة بعبد أو ثوب أو طعام فاستحق
من سماع أصبغ من ابن القاسم فيمن تكارى دابة بعبد أو بجارية فاستحق العبد أو الأمة وقد سار بعض الطريق فعليه فيما سار كراء مثله وكذلك لو بلغ الغاية كان له قيمة كرائه لا قيمة ما استحق من يده ولو استحق ذلك قبل الركوب بطل الكراء بينهما . قال أصبغ : ولو تكاراها بثوب ثم استحق نصف الثوب بعد أن ركب نصف الطريق فإن للكري نصف النصف الباقي من الثوب ويرجع بربع قيمة كراء المسافة وهو نصف ما مضى ويكون باقي الركوب بينهما .
وهذه المسألة فيه في الأم إشكال [والذي كتبت]هو الذي وضح لي وكذلك بحسب ألو كان الكراء كله بنصف ثوب فاستحق نصف ذلك الثوب على هذا .
ومن كتاب محمد : ومن تكارى بعبد أن طعام بعينه فاستحق وقد سار نصف الطريق فإنه يفسخ الكراء ويرجع عليه بقيمة كراء ما سار ، وقد كان لابن القاسم قول غير هذا من ذكر القيمة في الطعام أو العبد وهو غلط .
[7/116]
***(1/112)
[7/117]
في المكتري يزيد على الدابة أو يتجاوز المسافة
أو يحبسها فوق الشرط أو يكريها من غيره
أو يمضى بها إلى طريق آخر أو يضر بها فيكريها
والزيادة في الحمل والمسافة
من كتاب ابن حبيب قال عبد الملك : ومن قول مالك فيمن تكارى دابة إلى موضع فجاوزه فعطبت أو تكارى يوما فجاوزه / فعطبت أنه ضاممن ، وإن سلمت فله في مجاوزة الموضع كراء الزيادة إلا أن تتغير فيكون مخيرا وأما مجاوزة اليوم ، فإن جاوزه بيوم أو أيام يسيرة فمثل ذلك ، وإن كثرت الأيام مثل شهر ونحوه فهو مخير ، وإن لم تتغير الدابة من بين قيمتها والكراء الأول أو الكراء الأول وكراء ما حبسها له .
وإذا جاوز المكتري بالدابة أمد ما تكاراها إليه ثم رجع بها سالمة إلى الموضع الذي تكاراها إليه فماتت فيه أو في الطريق إلى الموضع الذي تكاراها ، فإن لم يجاوز الأم إلا اليسير مما لا خيار لصاحبها فيه إذا سلمت فليس لربها إلا كراء ما زاد ولو زاد كثيرا مما فيه مقام الأيام الكثيرة التي تتغير في مثلها سوقها فهو ضامن لها كما لو ماتت في مدة الأمد فهي إذ سلمت خير ربها في أخذها وكراء ما تجاوز بها أو يأخذها ويدع ما يزيد قيمتها يوم تجاوز بها الأمد . قاله ابن حبيب ، وقاله ابن الماجشون وأصبغ قال ابن القاسم : يضمنها وإن ردها إلى الموضع الذي تكاراها إليه ، وإن لم يكن جاوز إلا بالأمد القريب ورواه عن مال وهو عندنا غلط من الرواية ؛ لأنه روي عن مالك فيمن تعدى فتسلف من وديعة عنده ثم رد فيها ما تسلفه ثم سرقت أنه لبا يضمن فهذا مثله .
وذكر حبيب عن سحنون أنه رد مسسالة ابن القاسم قال سحنون : إذا رد الدابة إلى الموضع الذي أمر بالبلوغ إليه فماتت في الطريق / فلا ضمان عليه وجعله كمن رد ما تسلف من الوديعة ثم رده ثم تلفت وقال : كمكتري الدابة ليحمل عليها وزنا معلوما فزاد عليها ما تعطب في مثله ثم نزع الزيادة ثم ماتت أنه لا يضمن الدابة وإنما عليه كراء الزيادة .
[7/117]
***(1/113)
[7/118]
ومن العتبية ، روى أبو زيد عن ابن القاسم : ومن اكترى بعيرا يحمل عليه ثلاثمائة رطل فحمل عليه أربعمائة رطل فقدم وقد أعجفه فنحره ربه ولم يعلم بالزيادة ثم علم فرب البعير مخير أن يأخذ منه كراء ما زاد قط أو يأخذ منهه ما بين قيمته يوم تعدى عليه وبين قيمته يوم قدم به . وكذلك في كتاب ابن المواز إلا أنه قال : زاد عليه ما يعطب في مثله فلما خاف عليه ربه نحره وهو لا يعلم بالزيادة قال : ينظر إلى قيمته يوم نحره فيسقط من قيمته يوم التعدي ويغرم ما بقي إلا أن يشاء ربه أخذ كراء الزيادة مع كرائه الأول فقط ، فذلك له . وكذلك في رواية عيسى عنه مثل رواية ابن المواز إلا أنه قال : وقيمته يوم قدم به كما روى أبو زيد .
ومن كتاب محمد ، وقال في مكتري الدابة يزيد في المسافة فقيل : إنه ضامن ولو زاد خطوة . وروى ابن القاسم عن مالك أنه يضمن في زيادة الميل والميلين وأما ما يدل الناس إليه في الرحلة فلا يضمن فيه . قال مالك : وإن أكراها إلى موضع فحبسها فيه في غير ركوب فهو متعد يضمن الدابة إن هلكت ، وإن سلمت فله كراء ما حبسها . قال ابن القاسم : إن حبسها أياما فأما الساعة واليوم وشبهه فلا يلزمه إلا / كراؤها على قدر ما حبسها . وقاله مالك في البريد والبريدين ثم يردها سليمة .
ومن الواضحة : ومن تكارى دابة فحبسها فوق شرطه الأيام اليسيرة فعليه كراء مثله فيها لا شيء له غيره إلا أن يأتي بها قد أنقصها وغيرها تغيرا شديدا فهو مخير بين أن يضمنه قيمتها بعد تمام الشرط وكرائه الأول ، وإن شاء أخذ دابته وكراء ما حبسها له مع الكراء الأول ، وإذا حبسها أياما كثيرة حالت في أسواقها فيها فالخيار لربها ، وإن لم تتغير والعاربة مثله في حبسها في القليل والكثير . وقاله كله مالك ، وأصحابه . ولو ركبها في الوجهين إلى غير الموضع الذي أكراها إليه أو اخترق غير تلك الطريق ، فإن كان مثله في الغاية والسهولة والوعورة فلا شيء عليه عطبت أو سلمت ، وإن كانت أوعر أو أبعد فسلمت فله كراؤها في مثل ذلك ،
[7/118]
***(1/114)
[7/119]
وإن عطبت فهو مخير بين القيمة أو الكراء . وقاله أصبغ : وكان ابن القاسم يجيزه في الوجهين إذا عطبت ، استوى الموضعان أو اختلفا . وبالأول أقول : قال عبد الملك : وإذا زاد المكتري في الحمل على الدابة لم يضمنها إلا بزيادة تعطب في مثلها وإذا جاوز المسافة بقليل أو كثير ضمنها لأن مجاوزته الأمد تعد في كله وزيادة الحمل اجتمع فيه تعد وإذن ، وإذا زاد عليها ما تعطب في مثله فعطبت ؛ فإن شاء [فإن شاء قيمة الدابة ولا كراء له إلا الكراء الأول ولا غيره إن شاء]كرى ما زاد مع الكرى الأول ، والمكتري والمستعير يضرب الدابة فيفقأ عينها أو كسرها فهو ضامن ، ضربها كما / يضرب الناس أو غير ذلك ، تعمد أو لم يتعمد لأنها جناية فذلك سواء إلا في العقوبة ، فإن كان أبطلها فقيمتها ، وإن لم يبطل فما نقصها . وقاله ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك .
في ربح الكرى وهل يكري المكتري من غيره ؟
ومن كتاب محمد ، قال مالك : لم يختلف من أدركت من العلماء في إجازة ربح الكراء في الدور كذلك في الدوات والسفن والمتاع والصناعات في مثل ما اكتراه وقد استثقله مالك في الركوب إلا أن يقيم أو يموت ولم يختلف قوله في الأحمال الأول جائز . قال مالك : وإن أكراها الراكب من مثله وكان أمينا لم يضمن ، وإن لم يكن مثله ضمن ، وأما الثوب ؛ فإن أكراه من غير ضمن إن تلف ولو أكرى الدار من غير فهدمها الثاني لم يضمن الأول . قال أحمد : إلا أن يكري ممن يعلم ظلمه وتعديه . وفي كتاب الصناع باب في الصانع يستعمل غيره نصيبه في هذا الباب .
قال ابن حبيب : ومن أكرى ليركب أو يحمل فأكرى من غيره في مثل ذلك فمنعه ربها ؛ فإما في الركوب فله منعه وأما في الحمل فليس له منعه ، وكذلك في المحامل قاله مالك . قال ابن حبيب : ومعنى ذلك في الحمل في الدابة التي يكريها معها يتولى سوقها في الحمل والحط عنها والحمل عليها ، فأما لو أن إنما سلمها للمكتري له منعه من الكراء من غيره في الحمل ؛ لاختلاف سوق الناس ورفقهم
[7/119]
***(1/115)
[7/120]
وحياطتهم وتضييعهم لها وحبسها وتفقدها إلا أن يكون من شأن ربها لا يلي صحبتها وإنما يرسلها مع عبده وأجيره فلا حجة حينئذ إذا حمل عليها مثل / ما أكراها له . قال : فإن وقع ما ذكرنا فيمن يتولى سوق دابته فسلمها إلى غيره فحمل عليها شيئا آخر هو مثل ما اكتريت له أو حمل على الدابة التي أكرى لركوبه غيره ، فإن كان الذي صارت إليه في الوجهين مثل الأول في أمانته وخفته ورفقه بالدواب في السوق وإليه فلا يضمن إن عطبت ، وإن كان على خلافه فهة ضامن .
ومن تكارى دابة إلى موضع ثم بدل له عن الخروج فالكراء له لازم وله كراؤها في مثل ما اكتراها له .
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم وفي في كتاب ابن المواز وقال في رجل يريد أن يعقب رجلا في شق محمل . فيأبى الجمال قال : ليس له منعه إذا حمل مثله . قال ابن ميسر : إذا كان عقبه لعقبة فذلك . قال أصبغ : إن أعقب راكبا مريحا فذلك له ، وإن أعقب ماشيا فليس له ذلك لأنه يكون أضر وأثقل .
ومن كتاب محمد : ومن واجر أجيرا شهرا بعينه أو دابة فواجر الأجير نفسه في ذلك الشهر من آخر أو أكريت تلك الدابة ذلك الشهر من غير الأول ، قال ابن القاسم : فالكراء للمكتري الأول إن كان أكثر مما واجره به ، وإن كان أقل أخذ بقية حقه الذي كان أعطاه قال محمد : لأنه كان مخيرا في قبض الأجرة أو يحاسبه بقدر ما كان استأجره . قال ابن القاسم ، فيمن اكترى دابة أو سفينة بعينها : فليس لربها حمل متاع عليها ، ولا رديف على الدابة ، فإن فعل فالكراء الأول إلا أن يكري على وزن معلوم أو كيل فلا شيء له في الزيادة .
[7/120]
***(1/116)
[7/121]
فيمن يكري أو يؤاجر على أمرين مختلفين في عقده
أو يكري من رجل ثم من آخر
ومن كتاب محمد قال مالك : وإذا أكريت دابة بعينها يحمل عليها من الإسكندرية إلى الفسطاط ، فإذا رجعت سقيت عليها جنائك شهرا لم يجز لأن هذين نوعان غير مشتبهين ولأنه لا يدري كيف برجع ؟ ولو كان ذلك مضمونا لجاز . وفي باب هذا إذا أكرى منه على أحمال في مسيرة وركوب في رجوعه فأجازه لتقاربه . وفي الإجارات باب من هذا .
قال ابن حبيب : وإن تكارى منه ظهرا بعينه ، يسقى بها زرعه أو شجره سقيا يقل أو يكثر ونقده لحج أو لعمة أو مبدوءا به وذلك في صفقة واحدة لم يجز لتباعد ذلك ويصير كرجل آخر عقد فيه وبعد وجيبة الأول في دواب بأعيانها فأما في المضمون فذلك عليه جائز . وكذلك لو أكريت منك إلى مكة كراء مضمونا عليك ثم أكرى منك غيري كراء مضمونا يشرع فيه بلغتني مكة فذلك جائز . وفي الإجارات تمام هذا المعنى .
في الجمال يغلط فيحمل غير الحمل الذي أكرى عليه
من العتبية من سماع أبي زيد فيمن اكترى على حمل متاع من أطرابلس إلى مصر فأخطأ الجمال فحمل غيره إلى مصر فربه مخير ، إن شاء دفع الكراء وإلا ضمنه قيمة متاعه في البلد الذي حمله منه ، وإن كان ذلك منه تعديا قربه مخير بين تضمينه قيمته أو يأخذ متاعه بالبلد الذي حمل إليه ولا كراء عليه . وقال أشهب : إذا حمل غير الحمل غلطا فأما الحمل الأول فعليه حملانه ، وأما الذي حمله غلطا فلربه / أخذه بمصر ولا كراء عليه وإلا ضمنه قيمته بأطرابلس إن شاء وليس للحمال أن يقول برده إلى أطرابلس ولا ذلك لربه إن طلبه . واجتمع ابن القاسم وابن وهب على أن له تضمينه قيمته بأطرابلس إن شاء وإن شاء أخذه
[7/121]
***(1/117)
[7/122]
بمصر وعليه غرم كرائه . وكذلك قال مطرف قالوا : ولا للجمال أن يقول برده إلى أطرابلس . وقال ابن حبيب : قال أصبغ : على الجمال رد الحمل إلى أطرابلس ثم هو في ضمانه في ذهابه به ورده إياه إلى أطرابلس وإن شاء ربه أخذه بلا كراء يغرمه ورده ليأتيه بالحمل الذي أبقى . قال : إلا أن يكون كان يعيبه أيضا حمل هذا الحمل الذي غلط به إلى مصر ، فعليه حينئذ كراؤه إن اختار أخذه بمصر وذلك قيمة كرائه ليس على الكرى الأول ولا بد أن يرجع في مجيب الحمل الذي ترك . قال ابن حبيب : وهو قول حسن .
في تفليس الكرى أو المتكاري
وهل للجمال أن يدير الإبل بين المكترين ؟
وهل له حبس المتاع حتى يأخذ حقه ؟
من كتاب محمد ومن العتبية ، قال ابن القاسم : قال مالك : وإذا كانت الإبل بين المكترين وكان يديرها عليهم للحمل قال في العتبية للركوب فيفلس وبيد أحدهم بعير منها فهو أحق به من أصحابه ومن الغرماء . قال العتبي : قال سحنون : وكذلك في الحمل أصحاب الأحمال أولى بما تحت أحمالهم من الإبل .
قيل : له فإن أراد الجمال أن يدير الإبل بينهم ، وأبى ذلك أصحاب الأحمال والمحامل ؟ قال : ليس ذلك للجمال إلا عن رضى منهم ، والمحامل وغيرها في الكراء المضمون سواء وهم أولى بما في أيديهم . قيل له : فإن احتاج المال فتسلف من بعضهم وارتهنه ما في يديه من الإبل . قال : ذلك جائز ، ورهن مقبوض .
ومن كتاب محمد : وإذا مات بيد أحدهم البعير الذي بيده لم يدخل فيها بيد أصحابه حتى ينقضي الكراء ، وإن قام غرماء الحمال وهي إبل مكتراة بأعيانها فالمكترون أولى بها قبضوها أو لم يقبضوها ، وإن كان الكراء مضمونان فهم أحق بها .
[7/122]
***(1/118)
[7/123]
إن قبضوها ، وإن لم يقبضوها بلم الحصاص بقيمة الكراء يوم الحصاص لا يوم الكراء فما صار لهم اكترى لهم به وما بقي أتبعوه به دينا .
قال محمد : سواء نقد أو لم ينقد إلا أنهم إن لم ينقدا غرموا الكراء ثم تحاصوا فيه وفي سائر ماله هم والغرماء ؛ فإن صار لهم نصف الكراء أتبعوه بنصف الحمولة وليس بثمن . قال ابن القاسم : وإذا قبض المكري المتاع وإن لم يحمله فهو أحق به من الغرماء حتى يقبض كراءه ولهم ما فضل عنه ويكري الغرماء الإبل وكذلك الصناع ، قال : وإن لم يقبضوا ما حملوا وهو بعينه أم لا ، بيع للغرماء والكراء بينهما قائم . قال ابن حبيب : ولهم حبس الحمولة ما حلموا ، وإن وصلوا حتى يأخذوا كراءهم وهم أحق به في الموت والفلس .
قال في كتاب محمد : ولهم حبس ما حملوا بعد الوصول حتى يأخذوا الكراء ثم هو كالرهن في ضمانه .
في الإقالة في الكراء في الحمولة وغيرها
وفي تأخيرها أو تعجيله بزيادة
وكيف إن باع منه الحمولة / على فسخ الكراء ؟
من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم وعمن اكترى ظهرا ونقده الكراء ثم أقاله الكري على أن يؤخره بالثمن لم يجز سار ألم يسر . وقال ابن حبيب : قال ابن حبيب في الكراء المضمون وقد نقد الثمن وتفرق ولم يسر : لم تجز الزيادة من الكري بحال ، وإن كانت من الكري وقد نقده فزاده دنانير أو دراهم فلا يجوز إلا مقاصة من الدنانير التي يسترجع ، فإن زاده عرضا فجائز نقد أو إلى أجل ، وإن لم يكن كان نقد وكان عليه الكراء إلى انقضاء المسافة أو إلى أجل لم يصلح بزيادة من المكتري نقدا ولا إلى أجل ، لأنه إن زاده دراهم معجلة والذي عليه دراهم صار بيعا وسلفا وعرضا وفضة بفضة ، وإن زاده عرضا معجلا .
[7/123]
***(1/119)
[7/124]
فجائز ولا يجوز إلى أجل ، وإذا ركب وسار ما لا يتهمان فيه جازت الإقالة بزيادة من المكري ما كانت ما لم تتأخر فيدخله دين بدين ، وإن كانت من المتكاري حرم منها ما يحرم إذا لم يركب وجاز من ذلك ما جاز فيه .
ومن كتاب محمد : وإذا تقابلا بعد أن سارا بعض الطريق أو سكن بعض المدة أو عن الأجير بعض العمل وقد نقده ولم يجز في الدار ويجوز في كراء الدابة : محمد : لأنه قد يكره عشرة الجمال ولا عذر له في الدار ؛ لأنه إن كان لها جيران سوء فهو عيب له به الرد إن لم يعلم .
واختلف قول مالك في الأجير ؛ فقال : لا يعجبني . وقال : إن صح فلا بأس . وقاله ابن القاسم وقد يكرهه لخيانة أو عذر وخففه ابن القاسم في الخياط والطحان يقدم إليه / على عمل شيء معلوم ثم تقابلا في بعضه ولم يجزه في اللحم والرطب وسائر البيوع المضمونة .
ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم : ومن أسلف في حمولة مضمونة إلى شهر ثم سأل الكري أن يعجل له الحمولة قبل الشهر من يده فلا يجوز ذلك ولو كان قد حل فقال للجمال . وخره عليك وأزيدك . لم يجز ولو سأله وقد سار بعض الطريق أن يقيم عليه أياما ويزيده فلا بأس بذلك .
قال أصبغ : ومن اكترى على طعام إلى بلد فما كال الطعام على الكري قال له الكري : بعه منى بنقد أو بتأخير وفاسخني الكراء ، فإن كان الكراء بتأخير لم يجز ؛ لأنه باع عرضا معجلا بدنانير معجلة وبدنانير مؤخرة فللعرض المؤخر وهي الحمولة من الدنانير المؤخرة حصة يداخله الكالئ بالكلي ، وإن كان الكراء بنقد فانتقد فهو الزيادة في السلف ولا يجوز كان البيع بنقد أو بتأخير ؛ لأن ما يزيده من ثمن الطعام فيه الزيادة في السلف وهو الكراء الذي يرد ، وإن كان البيع بتأخير فهو أشد .
[7/124]
***(1/120)
[7/125]
ومن كتاب محمد ، قال ابن القاسم : ومن أكرى دارا سنة بدنانير لم يقل : معجلة ولا مؤخرة . فسكن ثم أراد أن يعطيه ما حل ويقيله مما بقي فلا بأس به ما لم يزده على ما حل ذهبا أو ورقا فيدخله ضع وتعجل ويجوز أن يزيده عرضا لا يتأخر . . قال ابن القاسم : ومن لك عليه حمولة حالة فسألت الكري تأخيرها ويزيده فلا خير فيه للضمان كعرض لك ممن سلم فدخل فزدته على أن أخرته عليه وإنه لضعيف / وما أحب العمل به ، فإن نزل لم أفسخه إلا أن يطول الآمد مثل شهر أو شهرين فيفسخ . محمد : ويكون أقوى في الكراهية لخوف المراباة .
قال محمد : وقال ابن القاسم هو الفقه والصواب . قال ابن القاسم : ولو سار بعض الطريق ثم سأله أن يفيض عليه أياما ويزيده لجاز .
قال أصبغ : والأول مثله وهذا بين ضعفه . قال محمد : ليس كالأول قد فرق مالك بين أن يقيله بعد أن سار وتباعد فأجاز هذا في الرواحل دون الدور .
في اختلاف المتكارين في الدواب
قال محمد : وقد اختلف في اختلاف المتكارين في الدواب والذي أختار أنهما إذا اختلفا في البلد أو بعد المسير القريب كبئر عميرة كان ذلك في قلة الكراء أو كثرته أو في المسافة فإنهما يتحالفان ويتفاسخان في كراء الدابة بعينها وكذلك إن كان مضمونا إذا كان بقرب العقد في المضمون لم يمض الشهر ونحوه ويبدأ صاحب الظهر باليمين ، وإن اخلتفا بعد طول السفر في المعينة أو بعد طول المدة في المضمون ، وإن لم يبرحا فيه فالقول قول الكري في المسافة وقول المكتري في الثمن إن لم ينتقد وجا بما يشبه بعد التحالف فبلغ من المسافة ما يقول الكري لا يزيد ويغرم له الكري حصة ذلك من الثمن على ما يدعي الراكب ، وإن انتقد الكري مائة درهم و / وبلغا إلى المدينة ، فقال : إلى ها هنا أكريتك بمائتين . وقال الراكب : بل إلى مكة بمائة فليتحالفا ويفسخ ما بقي ولا يكون له غير ما قبض
[7/125]
***(1/121)
[7/126]
ولا يرد منه شيئا بحيازته إياه ولا يكون عليه التمادى إلا أن يكون في الحج فعليه أن يبلغ مكة ؛ لأن الحاج إليها يكترون . قال محمد : فيلزمه التمادي إلى مكة بما انتقد ولو لم ينتقد [فبالكراء الذي يقر به]. . المكتري . قال مالك : وسواء على جمل رجل أو جمل أحمال فالكري مصدق في الغاية إلا في أيام الحج كأنه يقول : فالقول قول المكتري . وإن كان ما سار قريبا لا ضرر في رجوعه ولم ينتقد تحالفا وتفاسخا كان اختلافهما في الثمن أو في الموضع أو في الحمولة والوزن وكأنهما في القرب سلعتهما بأيديهما لم تفت ، وإذا فات ذلك ببعد السفر فهو كقبض المشتري وفوت ما في يديه في اليمين ثم يحلف المبتاع .
ومن العتبية من سماع عيسى : وإذا قال المكتري . اكتريت منك إلى المغرب . وقال الكري : بل إلى المدينة . فإنهما يتحالفان ويتفاسخان إن كانا لم يخرجا ، وإن قال المكتري : إلى مكة . وقال الكري : إلى المدينة . ولم يخرجا تحالفا وتفاسخا إلا أن يشاء المكتري الركوب إلى حيث شاء الجمال ، فإن سارا بعض الطريق ، فإن قبض الجمال الكراء فهو مصدق ، وإن لم يقبض تحالفا وتفاسخا وله من الكراء إلى حيث ركب على ما قال المكتري ، وإن اختلفا في مقدار الكراء وقد سارا بعض الطريق / فالكري مصدق ، وإن لم يسيرا تحالفا وتفاسخا ، وإذا قال الكري أكريتك إلى المدينة وقال المكتري : إلى مكة . فإن كان في أيام الحج فالمكتري مصدق مع يمينه إذا كانت حمولته محامل وزوامل ، وإن كانت أعكاما فالقول قول الكري إذا انتقد ويحلف ، وإن اكترى منه كراء مضمونها إلى أجل ثم اختلفا بحضرة التعاقد في عدد الرواحل واتفقا في الثمن تحالفا وتفاسخا ، وإن كان بعد محل الأجل فالكري مصدق ويحلف إذا أشبه ما قال . وكذلك في السلم إذا اختلفا في الكيل بعد الأجل صدق البائع مع يمينه فيما يشبه وإلا فقول المبتاع ، فإن لم يأت بما يشبه حملا على سلم الناس . وقال مطرف : ومن أكرى من مصر إلى مكة فلما بلغا المدينة ماتت الدابة فقال الراكب : إنما أكريت تلك الدابة
[7/126]
***(1/122)
[7/127]
بعينها . فاردد على ما بقي . وقال الكري : كان كرائي كراء مضمونا وإنما لك على ركوب . فالقول قول المكتري ويأخذ حصة ما بقي له . ومن قال : إن الكراء في غير الدابة الميتة فهو مدع ولو قال الراكب : مضمونا اكتريت منك . وقال الكري : بل تلك الدابة بعينها لكان الراكب مدعيا إلا تراه لو قال : أكريت منك هذه الدابة وحدها وقال المكتري : بل هذه الدابة ودابة أخرى أنه مدع ويتحالفان ويتفاسخان فكذلك المسألة الأولى كأن مدعي المضمون قال : هذه ودابة أخرى .
ومسألة مالك في الذي بلغ المدينة وقال : إليها أكريتك . وقال الآخر : إلى مكة / فذلك على هذه . قال ابن سحنون في رجلين اكتريا دابة من رجل يتعاقبان عليها فلما وصلا إلى قابس قال أحدهما كراؤنا إلى أطرابلس ذاهبا وجائيا . وقال صاحبه : بل كراؤنا إلى قابس ذاهبا وجايئا . ورب الدابة غايب أنه يقال لمدعي أطرابلس : أقم البينة
وتركب إلى أطرابلس ، وإن لم نجد البينة حلف مدعي الكراء إلى قابس أنه إليها كان كراؤهما وقيل لصاحبك : إكر نفها الذي لك في الركوب إلى القيروان أو اركب إن شئت فإذا لقيت رب الدابة فأقر بما تدعي رجع عليه بما يصير له من القصاص في الكراء من قابس إلى أطرابلس ذاهبا وجائيا إليها ، وإن قال رب الدابة : الكراء إلى قابس فهو مصدق مع يمينه إذا انتقد ، وإن أراد مدعي قابس أن يأخذ مثل ما أصاب صاحبه قصاص الكراء الذي أقر لهما به فيما بين البلدين فذلك له إن شاء إلا أن يثبت على قوله الأول فلا يأخذ شيئا .
ومن كتاب محمد : وإذا طلب المكتري نقد البلد الذي وصل إليه فليس له إلا نقد بلد حمل منه فقبضه ببلد وصل إليه وأتى لم يخرج عنه بها ولو كان بعرض أو طعام أو صوف إلى أجل فله ذلك بموضع وقعت الصفقة .
[7/127]
***(1/123)
[7/128]
ما يجوز من ضرب الأجل
في كراء الدابة وتبليغ الكتاب وما لا يحوز
وشيء من ذكر المجهول في الكراء
ومن أكرى دابته في الصايفة وغير ذلك من مسائل الأكرية
/ من الواضحة قال مالك : لا بأس أن يكري الرجل الدابة ليركبها في حوائجه أو ليحمل عليها حوائجه ، وإن لم يسم كيلا ولا وزنا يحمله عليه .
ومن العتبية أشهب عن مالك : ومن تكارى دابة إلى مكة كل يوم بدرهم فليس ذلك من عمل الناس ولو ضرب لذلك أجلا لم يكن به بأس .
قيل لمالك : فإذا قال : أتكارى منك شهرا كل يوم بدرهم . قال : ذلك جائز . قال مالك : ومن اكترى منزلا شهرا بكذا فما سكن فبحسابه فذلك جائز ، وإن أكرى أجيرا ، ليحمل له كتابا إلى بلد ويشترط أياما مسماة قال : ما يعجبني وما هذا من أكرية الناس .
وروى أشهب عن مالك في كتاب محمد : ومن أكرى دابته في الصايفة ولا يدرون متى ينصرفون ؟ قال : قد عرفوا وجه ذلك ونرجو أن يكون خفيفا . وروى عيسى عن ابن القاسم في رجلين اكتريا شق محمل واشتريا حمارا على أن يتعاقبا عليه هذا يوم وهذا يوم فأكرى أحدهما الحمار في يومه فأراد صاحبه أن يدخل معه في الكراء وقد مشى صاحبه أيضا ذلك اليوم وأجلا قال : ليس له أن يدخل معه في الكراء . وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الكري يرريه المكتري غرايره ويسأله وزنها فيأبى ويحملها ثم يريد وزنها في الطريق قال : ليس له قد رضى حملها . وروي عن سحنون أنه قال : هذا إن حملها على الجزاف ولو كان على الوزن كان ذلك له . ومن كتاب محمد / ، قال مالك : ومن اكترى إلى مكة بدينارين على أن يكون مسيره ومقامه ورجوعه في شهر ، فإن جاء في أقل فله الدينارين ، وإن أقام
[7/128]
***(1/124)
[7/129]
أكثر فله بحسابه في الشهر لم يجز ؛ لأنه لا يحاسبه بالنقصان مثل ما لو أكرى من مصر إلى المدينة ، فإن رجع من بعض الطريق فله الكراء كله ، ومن له دابة بالفسطاط وهو من أهل الريف فأكراها سنة على أنه إن قدم في جري النيل سكنها شهرين [فإن لم يقدم فالستة]للمكتري كلها . قال : لا يعجبني ذلك وهذه في الإجازات في باب : الأجير يعمل عملين .
في الوكيل على الإبل يتعدى في الكراء أو النفقة
من كتاب ابن المواز ، قال مالك فيمن بعث بإبله مع أجير له إلى وكيله بالكوفة فقبضها منه ثم يكريها إلى المدينة فانصرف الأجير وقال : لم تقبله مني وقد أكريتها وأنفقت وبعت حملين في الطريق ورهنت الإبل من المكترين . فقال ربها : لم آمره برهن ولا كراء . قال مالك : ينظر فيما فعل من كراء ورهن ؛ فإن كان سدادا ويشبه نفقة الناس وكراءهم لزم الكراء والرهن ، وإن لم يكن كذلك [وإلا كل]الأول والآخر ، فربها أحق بها ولا يتبعه المرتهن بشيء ويتعبون الأجير وليكتب الوالي إلى الكوفة حتى يعلم هل امتنع الوكيل من قبول الإبل ؟ قال أحمد : فإن كان الوكيل لم يقبلها مضى السداد من فعل الأجير ، وإن قال : لم أره .
فما كان مما لا بد منه من النفقة / على الإبل حسب له وما أكرى فأصيب منها شيء فهو له ضامن .
تم كتاب كراء الرجل والدواب
بحمد الله
يتلوه أكرية الدور والأرضين إن شاء الله
[7/129]
***(1/125)
[7/130]
***(1/126)
[7/131]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا المرسلين وعلى آله وصحبه
كتاب أكرية الدور والأرضين
في كراء الدار ومشاهرة ومساناة وهل لأحدهما الترك ؟
وفي كرى المعين ، وكيف إن زاده على المدة ؟
من العتبية ، من رواية عيسى عن ابن القاسم عن مالك : ومن اكترى دارا مياومة كل شهر أو كل سنة بكذا أو قال : في السنة أو في الشهر بكذا . قال في كتاب محمد : أو في الشهر أو في كل شهر . فلا يقع على معين وإنما يلزم من هذا ما سكن وللساكن أن يخرج متى شاء وللمكري أن يخرجه متى شاء . قال مالك في العتبية : إلا أن يقول : أكريك سنة بكذا أو شهرا كذا . فليزمها تمام السنة . قال ابن القاسم في رواية عيسى : وأرى إن قال : السنة . إنه مثل ما قال مالك في كل هذا .
ومن كتاب محمد : وإن قال : أكريك سنة أو سنتين بأعيانهما على ، يخرج متى شاء . فذلك جائز ما لم ينقد ، وإن قال : شهرا بكذا . فسكن شهرا ودخل في ثان فخرج قبل تمامه فعليه بحساب ما اكترى ولو كان بعينه كان عليه في الثاني كراء المثل وقيل : إن كان أقل لم يبعض ، وإن كان أكثر حلف رب الدار ويأخذه . وفي الواضحة : وإن قال أكري كل شهر أو في / الشهر . وقال : الشهر
[7/131]
***(1/127)
[7/132]
بكذا . فالشهر الأول لازم لهما في هذا وما زاد عليه فلكل واحد منهما أن يخرج أو يخرج كان ذلك في أول الشهر أو في آخره إلا أن يكون شرط إلا يخرج أولا يخرجه أو ينقد فيكون كالشرط وهذا قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك .
وإن قال : سنة أو شهرا أو لم يسمهما أو قال : سنة كذا أو هذه السنة أو هذا الشهر أو إلى شهر أو إلى سنة كذا . أو قال : كذا وكذا شهرا أو كذا وكذا سنة ، وهذا كله وجيبة لازم لهما أن يشترطا الخروج إن شاءا فلا يجوز فيه النقد ويجوز في الأول النقد والتأخير ولم يختلف في ذلك مالك وأصحابه .
ومن العتبية ، روى عيسى عن ابن القاسم فيمن اكترى دارا سنة فسكنها ثم تمادى ، ساكنا ستة أشهر فقد قيل : عليه بحساب الكراء الأول . وقيل : له في الزايد كراء المثل وهو أحب إلي ، وروى عنه أبو زيد أنه إن تمادى فسكن عشر سنين فعليه فيه كراء التسع سنين قال : وإذا اكترى سنة بدينار فقال : دفعته . فهو مصدق ، وإن مضت السنة ، وقال : وإن تكاراها بدينار ؛ على أنه إن زاد فبحسابه ، وإن نقص فبحسابه ما لم ينقد .
ومن سماع ابن القاسم ، قال مالك : وإن اكترى دارا سنة بدينار ؛ على أنه إن شاء خرج قبل السنة وحاسبه فذلك جايز ما لم ينقد ، وإن تعدى فلا خير فيه وكذلك إن اكترى سنين على هذا . ومن الواضحة : وإذا اكترى سنة ثم تمادى / في سكنى الدار وحراثة الأرض ففي ذلك اختلاف والذي أختار قول ابن الماجشون أن ما كان يرجع إلى ربه فيحوز ويغلق من دار وبيت وحانوت ورب ذلك ساكت عالم لا ينكر فله بحساب الكراء الأول وما كان مثل المزرعة وما إذا فرغت الوجيبة بقي براحا لا جدار عليه ولا غلق ولا آلة تؤدي إلى صاحبها فله فيما زاد الأكثر من القيمة أو الوجيبة ؛ لأنه تعدى عليه بغير أمره ولا علمه .
ومن كتاب محمد : لا بأس أن يكري الدار على أن تقبض بعد سنة ، ابن حبيب : وإلى سنتين وكذلك في البيع . محمد : ويجوز فيها النقد ، وإن تباعد
[7/132]
***(1/128)
[7/133]
قبضها فالكراء جائز ولا أحب فيها النقد ولا ينبغي ذلك في الحيوان . ابن حبيب : ولا بأس أن يكري داره لسكنى دار أخرى اتفقت السكنى أو اختلفت تعجل أحدهما السكنى أو تأخرت .
ومن كتاب ابن سحنون ، عن أبيه وسأله حبيب عن الرجل يكري حانوتا ثم هرب ويدعه وعليه قفله وفيه متاعه فيقيم أشهرا قال : يلزمه كراء الأشهر التي غاب فيها . قيل : فإنه كان من دكاكين الخبازين . قال : لا يلزمه وليست كالحانوت ، فإن ترك فيها متاعا والحانوت عليه قفل وسأله عنه أيرفع إلى الحاكم أنه أكرى من رجل حانوته شهرا بشهر فغاب الساكن وتركه مقفولا واحتاج هذا إلى حانوته وأقام بينة ؟ قال : يتلوم للرجل ويكتب إليه إلى الموضع الذي كان يظن أنه فيه ؛ لئلا تكون له حجة ، فإن استقصى في ذلك وأعذر فليحل له حانوته ويضع متاعه بيد عدل ، وإن لم / يشهدوا أنه أكرى منه شهرا فشهرا فلا أدري لعله سنة بسنة .
فيمن اكترى دارا على أن ينفق فيها شيئا معلوما
أو ما احتاجت إليه أو عرصة على أن يبنيها أنه إن شاء بنى
فإذا خرج لم يكن له والقضاء في الكراء الفاسد وكيف بنى فيه
من كتاب محمد : ومن اكترى دارا على أنها إن احتاجت مرمة أنفق فيها من كرائها من سنة أو مما لزمه فذلك جائز . قال ابن القاسم : وإن اكتراها بعشرة ؛ على أنها إن احتاجت [أنفق من]غير العشرة لم يجز . ولو قال : ارم من العشرة ومما زادنا بينه وبين خمسة لم يجز حتى تكون الخمسة داخلة في الكراء وإلا فهي سلف وكراء ويفسخ وله قيمة ما سكن وللساكن قيمة ما عمل . قال أصبغ : قيمته صحيحا يوم عمله لا يوم عقد الكراء الفاسد ويكون عليه كالقبض في الكراء الفاسد . قال مالك : وإن كان في الدار خراب وشرط أن يعمره من كرائها
[7/133]
***(1/129)
[7/134]
ثم بدا لرب الدار في العمارة ، فإذا أراه ما يعمل فذلك جائز لازم . وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم . قال محمد : إذا عرفا البناء ؛ لأن البناء ليس كالمرمة . محمد : قال مالك : فإن أكرى منها عرصة على أن ينفق وكراؤها كذا وكذا ، فإن سمى ما ينفق ويكون من كراء ما يكريه من السنين فجائز . وكذلك في العتبية عن ابن القاسم عن مالك قال : ويكون على الآخر مثل أن تكون عشرين سنة بعشرين ويجعل نفقته عشرة فلكل سنة ونصف دينار فعلى هذا يحسب . قال ابن المواز : وهذا إن كان البناء لرب العرصة ويسمى ما يبنى ويكون / البناء من الكراء لا يزيد عليه ، وأما إن كان البناء للمكتري فلا يحتاج إلى تسمية ما يبنى ولا ما ينفق ولا أحب شرطه في أصل الكراء إلا أنه إن بنى فمتى خرج فلرب العرصة أن يعطيه قيمته مقلوعا أو يأمره بقلعه . قال مالك : ولا أحب أن يشترط من أكرى داره ؛ إن يشأ بنى الساكن فإذا خرج ذلك . قال مالك : وإن أكرى داره عشر سنين على أن يرم منها موضعا أراه إياه ويكون ذلك كراء الثلاث سنين وأن لكل سنة من السبع خمسة دنانير فذلك جائز . ابن القاسم : ومن أكرى كراء فاسدا بينا فبنى في الدار وارتفق بما بناؤه يفسخ الكراء ، فعليه كراء ما ارتفق به من ذلك . قال أصبغ : لأنه كرى الدار إن شاء بقيمته نقضا . قال محمد : لا يعجبنا هذا وليس عليه إلا قيمة كراء العرصة يوم قضبها على حالتها لا يوم عقد الكراء ولأن رب الدار إذا أعطى قيمة النقض فإنما يعطيه ذلك اليوم وإنما ضمانه من الثاني فكيف يغرم كراء ما ضمنه ولا يملكه رب العرصة إلا من يوم الحكم . ومن الواضحة ، ومن اكتى دارا كراء فاسدا فلم يسكن حتى انقضت ؛ فإن كان قبض الدار لزمه كراء مثلها ، وإن لم يسكن ، وإن لم يكن قبضها لم يلزمه شيء .
[7/134]
***(1/130)
[7/135]
في المكتري يبني في الدار بإذن ربها ، والتداعي فيه عند خروجه
من الواضحة : وما أخذه المكتري من مرمة في الدار أو بنيان ارتفق به ثم تمت الوجبية فما بناه فيها وأصلحه منها بإذن ربها فله قيمته منقوصا / ، إن شاء رب الدار حبسبه وما لم يكن له قيمة إن قلع فلا شيء له فيه . وقال ابن القاسم : له قيمة ما بنى منقوضا في الوجهين بنى بإذنه أو بغير إذنه . فأنكر ذلك مطرف وابن الماجشون ورويا القول الأول عن مالك وعن علمائهم وإذا رم في الدار وأصلح بإذن ربها ثم اختلفا ، وقال : اتفقت كذا . وقال ربها دون ذلك فالمكتري مصدق ويحلف ، وإن قال : قد أذنت لك لكن لم تبن ولا عملت شيئا ، فإن رئي أثر مرمة ظاهرة صدق وإلا لم يقبل قوله ، وإن أشكل ذلك لطول الوجبية وزعم أنه بنى وأصلح في أولها فالمكتري مصدق مع يمينه حتى يتبين كذبه ؛ لأن ربها قد أمره وائتمنه .
ومن العتبية ، روى عيسى عن ابن القاسم فيمن اكترى دارا فسكن شهرين ثم أنها انهدمت وبناها بما عليه من الكراء وصاحبها غائب ثم قدم بعد تمام السنة فله من الكراء حصة ما سكن المكتري قبل الهدم ، وله كراء العرصة بعد الهدم ، وليس للمكتري إلا نقض بنيانه إلا أن يعطيه قيمته منقوضا ، وأما ما لا قيمة له إذا نقض ؛ من جض وتزويق وتراب فلا شيء له فيه . وفي الباب الذي قبل هذا ذكر الكراء بالفاسد يبنى فيه .
ومن الواضحة : وإذا قال المكتري بعد تمام الوجيبة . وإنما بنيت هذا الجدار سترة أو بنيت هذه السقيفة لوقد ناري أو جرشت الدار بهذا الصخر وطلب النقص وقال رب الدار : بل ذلك كله كان في الدار يوم أكراه فالقول قول رب الدار في ذلك وفيما كان منها مبنيا من خشب أو صخر أو غيره وأما ما كان مطروحا فيها من صخر أو خشب أو عمود / أو لبن أو آجر أو باب ملقى فهو للمكتري إن ادعاه مع يمنيه إذا أكذبه رب الدار .
[7/135]
***(1/131)
[7/136]
في الدار تنهدم بعض المدة أو ينقطع ماء العين
ثم يختلفان في مدة العمارة
وفي الدعوى في السكنى والخدمة
وفي انقطاع المدة
من كتاب ابن المواز ، قال أشهب في الدار يقبضها المكتري ثم يدعي أنه لم يسكن إلا ثلث المدة لانهدامها وكذبه ربها : فربها مصدق مع يمينه . وأما في الأجير ؛ فالذي أجره مصدق مع يمينه أنه تبطل ما ذكر ولم يأته . محمد : كان انقطاعه إليه أو كان إنما يعدو إليه وإنما قال ذلك في الدار ؛ لأنها بين الناس لا يخفى فيها الهدم ، فإن لم يعرف ذلك أحد يصدق وكقول مالك في الدابة تكتري فيدعي مكتريها أنها نفقت أو ضلت فإنه مصدق مع يمينه ، وإن ادعى أنها ماتت بموضع كذا وفيه من يقبل من الثقات فلا يعملون ذلك فإنه لا يصدق ، وإن كانوا غير ثقات وكذبوه لم يضره ذلك فهو مصدق مع يمينه . وكما قال في المكتري الجفنة يدعي كسرها فقال مالك : فأين الفلقتان . محمد : وقال ابن القاسم في الدار تبنى بعد الهدم ثم تسكن أو الرحا ينقطع ماؤها بعد السنة ثم يرجع فيطحن بها ويدعي أقل مما يدعي ربها : إن ربها مصدق إذا اتفقا على أول السنة ولا يعجبنا هذا بل المكري مصدق ويحلف ؛ لأن ربها مدع / عليه لأمر مؤتنف بعد الهدم وانقطاع الماء الذي تصادقا عليه . وقد قال مالك في المكتري يقول : لم أسكن إلا ستة أشهر . وقال رب الدار : سنة : إن الساكن مصدق مع يمينه .
ومن الواضحة : وإذا ادعى مكتري الدار والرحا والحمام وانهدام ذلك في بعض السنة وانحراف الرحا وبطالتها وانكسار بعض آلتها فالمكتري مصدق ؛ لأن ذلك في يديه قد أسلم إليه وأو تمن عليه وكذلك في [البعد]الأجير إن كان
[7/136]
***(1/132)
[7/137]
مقيما عنده ليلا ونهارا ، نقده الإجارة أو لم ينقده فهو مصدق في كسوره وبطالته ؛ لمرض أو غيبة ، أو إباق ، فإن كان العبد يأتيه من عند سيده ، فالقول قول السيد في الكسور مع يمينه ، وأما الحر ؛ فالقول قول الأجير الحر مع يمينه ، كأن يختلف إليه لعلة ، أو كان مقامه عنده ، كان قبض الإجارة أو لم يقبضها ، قاله كله ابن الماجشون ، عن مالك ، وكان ابن القاسم ، وأصبغ يقولان : إن كان مأوى الأجير عند من استأجره ، فالقول قول الأجير في ذلك في الحر والعبد ، وإن لم يكن مأواه إليه ، فالقول قول من استأجره ، يريد مع يمينه وأنكر هذا ابن حبيب : قال ابن حبيب : وإن قال المستأجر ومكتري الرحا والدار والحمام بعد انقضاء السنة المشترطة : لم أسكن ، ولم أختدم . وكذبه رباب ذلك ، فهم مصدقون ، ويصدق الأجير الحر ، وسيد العبد مع أيمانهم ، وإن قالوا : انقضت الوجية ، وقال المستأجر : لم تنقض فهو مصدق مع يمينه ، وقاله كله ابن / الماجشون ، عن مالك . في الباب الذي يلي هذا شيء من معاني هذا الباب .
فيما ينهدم من دار أو حمام أو رحاء
مما يوجب الفسخ أو لا يوجبه ،
وكيف إن صلح قبل الفسخ ؟
واختلافهما في مدة ذلك ، أو في أصل الوجيبة
من الواضحة ومن اكترى دارا ، أو حماما ، أو رحا شهرا ، أو سنة ، فانهدم ذلك ، أو انخرق سد الرحا ، فطلب الفسخ ، وقال رب ذلك : أنا الأصلح ، ولا أفسخ فإن كان يضر به في تأخيره إلى إصلاحه ، فله الفسخ ، وإن لم يكن ذلك ، مضرا لزمه الكراء ، أو قيل للمكري : عجل البناء والإصلاح ، فأما الدار ينهدم منها يسير مما لا يمنع سكنى سائرها ، فلا يفسخ له ، وإن انهدم أكثرها حتى يضطر إلى الرحلة منها ، فله الفسخ إذا شاء ، وأما الحمام ؛ فما انهدم منه من قليل أو كثير ، فهو مانع من حميمه ، فإن قال ربه : أنا أبنيه وأرمه . فلا يوجب ذلك فسخ الكراء إن كان يمكنه في مثل الأيام أو الشهر أو الوجببية سنة ، و كذلك الرحا ينهدم بناؤها ،
[7/137]
***(1/133)
[7/138]
أو ينخرق سدها أو ينكسر بعض أداتها ، وهو أوسع في الرحا والحمام من الدار التي يسكنها المرء بعياله ، وهذا شأن الأرحاء فيما يخترق من سد ، وينهدم من بيت ، وفي ذلك من بطالتها ما قد عرف ، فلو كان يفسخ كراؤها كلما اعتلت ببعض ذلك ، ما تم لها كراء ، ولكن إذا دعي أهلها إلى إصلاحها ، لزم المكتري الوجيبة ما لم يطل الأمر جدا ، أو يعظم الشغل به حتى يذهب أكثر الوجيبة / ، فيفسخ في هذا وجيبة الكراء ، قال : ولا يفسخ في الأرحاء في عطلها لقلة الماء وكثرته ، ومتى عاودها الماء ، أو طلعت من استعداده في بقية الوجيبة ، فالكراء لهما لازم في بقيته ، كقول مالك في الأجير يمرض ، ثم يفيق بقية المدة ، ويسقط ما تعطل في هذا وهذا ، والقول في تعطل الرحا ، والحمام قول المكتري مع يمينه ؛ لأنه كالمؤتمن ، وإذا قال المكري : كانت الوجيبة ، وقد انقضت ، وقال المكتري لم تنقض فالمكتري مصدق مع يمينه ، ولو قال : الوجيبة سنتان وقال المكتري : بل سنة فإن انتقد فالمكتري مصدق مع يمينه ، وإن لم ينتقد ، تحالفا ، وفسخ ما بقي ، وغرم من الكرا لما مضى على حساب ما ادعى ، وإن انهدمت الدار ، أو بيت منها ، أو جدار ، فلا يجير ربها على البناء ، وهو مخير ؛ إن شاء بنى ، ولزم المكتري السكنى بقية الوجيبة ، وإن شاء لم يبن ، فإن اختار إلا يبنى ، قيل للساكن : اسكن إن شئت ، فاسكن فيما بقي من الدار ، وإن شئت فاخرج إذا كان ما انهدم مضرا به في سكناه ، أو منتقصا من عدد مساكنها ، فإن قال المكتري : أنا أبني ما انهدم بالكراء الذي على لم يلزم ذلك ربها ، إلا أن يشاء ، وإما سكن أو خرج ، فإن سكن ، وضع عنه ما انتقصه الهدم من منافعه ، فإن لم ينقصه شيء ، لم يوضع عنه شيء ، فإن خرج إذا كان ما انهدم مضرا به ، قاصه بحساب ما سكن ، وإن قال المكتري : أنا أصلح ما انهدم من مالي فأسكن ، فليس لرب الدار منعه ، فإذا تمت الوجيبة ، وكان الإصلاح بأمر ربها ، فعليه له قيمة / ما عمر ( ع ) في قوله لا قول ابن القاسم ، وإن كان بغير أمره ، لكن أذن له السلطان في ذلك حين طلبه ، فلربها أن يعطيه قيمته
[7/138]
***(1/134)
[7/139]
مقلوعا ، أو يأمره بقلعه ، وإن أراد المتكاري حين انهدمت أو ما انهدم منها الفسخ ، وقال ربها : أنا أبني وطلب الكراء ، لزم الكري ذلك ، إلا أن يكون عليه في ذلك ضرر ، فله الناقضة والخروج ، فإذا خرج وأصلح الدار ربها ، ولم يلزم المكتري رجوع في بقية الوجيبة ، وهي بخلاف أرض الزرع تهور أرضها بعد الزراعة ، هذا يؤذن للمكتري أن يصلح بكراء سنة ؛ لئلا يهلك الزرع .
ومن كتاب ابن سحنون ، وكتب سحنون إلى شجرة بن عيسى ، في الذي يكري ذلك من رجل سنة ، ثم يهدمها أو بعضها بأمر المكتري أو بغير أمره لمصلحتها فيما يقول ، ثم يصلحها ، ثم يبنيها قبل تمام السنة ، أنها إن انهدمت أو هدمها ربها ، وكان الهدم مما يضر الساكن فيها ، فهذا يفسخ به الكراء ، وإن بناها في بقية المدة ، إلا أن يرضى الساكن ، أن يثبت بما بقي إذا بقي أكثر الدار ، ويحط عنه كراء ما انهدم ، ويكون الساكن أمره بهدمه وإصلاحه ؛ ليسكن إذا تم إصلاحه ، ومن كتاب ابن المواز : وإذا انهدمت الدار وما يمنع السكنى من الهدم ، فخرج المكتري منها إلى غيرها ، ثم يبنيها ربها ، فلا يصلح الرجوع قال أصبغ : إلا أن يكون ذلك البنيان مثل الأيام ، وفوق ذلك قليلا مما لا ضرر فيه ، فيلزمه ما بقي ، ويفسخ ما بين ذلك قال ابن ميسر : يريد أصبغ في العمارة لا في هدم البناء من أصله .
ومن العتبية ، من سماع عيسى ، عن ابن القاسم : ومن اكترى حماما / برقيق فيه سنة ، فمات الرقيق في نصفها ، فالكراء بحاله ، ويحط عنه من الكراء فيما بقي حصة كراء الرقيق بالقيمة ، فإن انهدم الحمام والرقيق باقية ، انفسخ الكراء في الرقيق ، والحمام ، لزمه من الكراء ما مضى من المدة .
[7/139]
***(1/135)
[7/140]
فيمن اكترى دارا أو أرضا وفيها شجر مثمر فاشترطها
وكيف إن انهدمت الدار أو استحقت ؟
من كتاب ابن المواز : ومن اكترى دارا أو أراضا ، وفيها نخل أو شجر أو دوال ، فاشترط ثمرها ، وليس فيها ثمر أو فيها ثمر لم تطب ، فذلك جائز إن كانت تبعا ، تكون قيمتها فيما عرف من نباتها بعد طرح موقاتها الثلث فأقل . قاله مالك ، وروي عنه أنه لم تبلغ به الثلث ، فكذلك في اشتراط البياض في المساقاة .
قال ابن المواز ، وحب ، وقاله أصبغ ، في العتبية ، وإنما يجوز استثناء الثمر بالبيع في الكراء إذا كانت تطيب قبل انقضاء أجل الكراء ، وإن كان طيبها بعد أجل الكراء ، لم يجز ، ويفسخ قال ابن حبيب : فإن كان الكراء سنة أو سنتين ، فاشترط الثمر وهي تبع ، فلا بأس به ، وإن انقضى أجل الكراء وفيها ثمرة طابت أو لم تطب . فهي للمكتري ، وإن رجع الدار إلى المكري .
ومن كتاب ابن المواز ، قال ابن القاسم : قال مالك : وإن شرطا أن الثمرة بينهما ، لم يجز ، ولا على أن يكون لربها شيء من ثمرتها . محمد : وإن كانت أكثر من الثلث ، فاشترط منها الثلث أو أقل ، لم يجز . ابن القاسم : وكذلك حلبة السيف ، وهي تبع فلا يجوز اشتراط نصفها ، بخلاف بياض النخل / في المساقاة ، وإن طابت الثمرة وهي أكثر من الثلث ، جاز اشتراطها . يريد في عامة من هذه الجائحة ، وإن كانت الثلث ، فأقل ، فلا جائحة فيها ، وإن كانت أكثر من الثلث وهي لم تطب ، فاشترطها ، لم يجز ، ويفسخ ، وعليه قيمة كراء ما سكن ، ويرد أخذ من الثمرة ، وله قيمة مها سقى وعالج .
ابن حبيب : ومن باع أرضا وفيها شجر فاسدا ، ففسخ البيع وفي الشجر ثمرة ، فهي للبائع ، أبرت أم لا ، طابت أم لا ، ما لم تجن ، وأما في الشفعة والتفليس ،
[7/140]
***(1/136)
[7/141]
فما أبر قبل ذلك ، فهي للمبتاع ، وكذلك قال مطرف ، وابن الماجشون قال أصبغ : وكذلك إذا أبرت في البيع الفاسد ، هي للمبتاع ، وفي كتاب الشفعة لابن المواز بقية القول في هذا .
ومن العتبية ، من رواية أبي زيد ، عن ابن القاسم : وإن اكترى دارا سنة ، وفيها نخل ، فاشترط تمرتها وهي مما يجوز اشتراطها ، فسكن ستة أشهر ، ثم انهدمت الدار ، فإن كانت الثمرة قد طابت ، فإن الدار تقوم بالثمرة ، وتقوم بغير ثمرة ، فإن وجدت قيمة الثمرة الثلث ، فإن الساكن يأخذ الثمرة ، ويؤدي ثلثي الكراء ، وإن لم تطب الثمرة ، فهي لرب الدار ، وعلى المكتري ثلث الكراء . ونحوه في رواية عيسى ، عن ابن القاسم ، قال : وينظر إلى قيمة كراء الستة الأشهر التي سكن ، وإلى قيمة كراء الستة الأشهر الباقية ، فيقبض ما بقي من الكراء عليها بعد إخراج قيمة النخل أو الثمرة المشترطة ، قال ابن المواز : إذا كانت قيمة الثمرة الثلث فأقل ، فاشترطها في كراء سنة ، ثم انهدمت الدار في وسط السنة ، فأحب ما في ذلك إلى أن تكون الثمرة راجعة إلى ربها ، طابت أو لم تطب ، ثم بعض الكراء على الدار والثمرة / ، فما وقع للدار لو أكريت بلا ثمرة ، سقط عن المكتري نصفه ، ومن الواضحة ، ومن العتبية عن ابن القاسم ، ورواية أبي زيد ، وبعضها من رواية عيسى عنه : وإذا قاله في نصف السنة ، وقد نقد أو لم ينقد ، ولم تطب الثمرة ، فإن كانت الثمرة تبعا للستة الأشهر الباقية ، جاز ذلك ، وكأنه كراء حادث أيهما استفاد ، فذلك جائز ، ابن حبيب : وإن كانت الثمرة أكثر من الثلث ، لم تجز الإقالة وقال ابن القاسم : قال عيسى عن ابن القاسم ، في العتبية : وإن كانت الثمرة قد طابت ، فليصنعا ما أحبا ، نقد أو لم ينقد ، ولا ينزل في النقد في الدور بيع وسلف .
[7/141]
***(1/137)
[7/142]
ابن حبيب : ولو استحقها رجل إلا موضع الشجر منها ، وقد سكن ستة أشهر ، رجعت الثمرة إلى رب الدار ، طابت أو لم تطب جذت أو لم تجذ ، لأنه كمن باع ثمرة قبل أن تطيب حين ضمها إلى ما لم يكن له بخلاف الانهدام .
قال يحيى بن عمر : ومن اكترى دارا سنة ، وفيها نخلة ، فاشترط ثمرتها ، وهي دون الثلث ، فانهدمت الدار في نصف السنة ، وقد طابت الثمرة ، فإنه ينظر إلى قيمة ما سكن خاصة ، وقيمة الثمرة على المتعارف منها كل عام ، فإنه كانت الثمرة من ذلك الثلث ، فأدنى كانت الثمرة للمكتري ، وإن كانت أكثر من الثلث ، كانت له الدار ، وفسد فيها البيع ، فإن جذها المكتري رطبا ، رد قيمتها ، وإن جذها ثمرا ، رد مثلها وإن انهدمت الدار ، والثمرة لم تطب ، فلا بد من ردها إلى رب الدار ، كانت تبعا لما سكن أو غير تبع .
في الدار تكرى ثم يغصبها سلطان / أو يغصب سكناها
أو تستحق ، ومن اكترى رحا فجلا أهل موضعها ،
وغي ذلك من مسائل الأرحية
من الواضحة : من تكارى دارا سنة أو شهرا ، فقبضها ، ثم غصبه إياها سلطان ، فمصيبة ذلك على ربها ، ولا كراء له فيما بقي وقاله مالك : في المسودة حين أخرجوا المكارين وسكنوا كذلك في العتبية من سماع ابن القاسم : قال ابن حبيب : وسواء غصبوا الدور من أهلها ، أو أخرجوا أهلها منها وسكنوها ، لا يريدون إلا السكنى حتى يرتحلوا ، وكذلك الحوانيت بأمر السلطان بغلقها .
وإذا استحقت الدار ، فكراء ما مضى لمن استحقت من يديه ، إلا أن يكون غاصبا أو وارثا أو مشتريا ممن يعلم هو أنه غاصب ، فيكون الكراء فيما مضى
[7/142]
***(1/138)
[7/143]
للمستحق ، ثم إن أجاز الكراء فيما بقي ، فذلك له ، وإلا فسخه ، ولو قدم وارث معه ، ليرجع عليه فيما اكترى ، ولا يرجع عليه فيما سكن إلا أن يكون عالما .
ولو وهبها الغاصب لرجل غير عالم يغصبها ، فاستحقت من يده أو يد ولده ، وقد أكراها ، فالكراء له ، وللمستحق أن يرجع به على الغاصب ، فيغرمه إياها ، ويرجع عليه أيضا إذا باعها الغاصب ، فاغتلها المشتري ، ولا يعلم بالغصب ، فليرجع المستحق على الغاصب بما اغتل المشتري ، وإن كان الغاصب عديما ، رجع به على الموهوب ، أو على ورثته ، وإن لم يعلم بالغصب ، ولا يرجع به على المشتري ، ولا على ورثته ؛ لأنه ضامن ، وكذلك في غلة الحيوان والعبيد ، وذكر / أنه قول مالك وجميع أصحابه ؛ ابن القاسم وغيره والذي ذكر ابن حبيب من ذلك ، عن ابن القاسم ، إنما المعروف غيره ، أن الغاصب إذا باعها لا يرجع على الغاصب بغلة ما سك ، ومن كتاب ابن المواز : ومن انتفع بأرض شبهة ، ثم قام مستحق ، فإن كان وارثا معه ، رجع عليه فيها اغتل ، ولا يرجع فيها سكن ، وهو في السكنى استحسان ولا يرجع عليه غير الموارث في غلة ولا سكنى ، إلا أن يأتي في أباس الرزع في ومن اكترى رحا سنة ، فأصاب أهل ذلك الموضع فتنة جلوا بها عن منازلهم ، وجلا معهم المكتري ، أو أقام آمنا إلا أنه لا يأتيه طعام ، فجلا الناس ، كبطالة الرحا ؛ لنقصان الماء وكثرته ، وتوضع عنه مقدار المدة التي جلوا فيها ، والرحا بخلاف الدار تكتري ، ثم تجلوا الفتنة ، وأقام آمنا أو رحل لوحشة وهو آمن ، فالكراء له يلزمه ، ولو انجلى للخوف ، سقط عنه كراء مدة الجلاء ، قال : والفنادق التي تكرى الأيام في السنة ؛ كأيام الحج وشبهه ذلك ، مثل ما ذكرنا في الأرض إذا أخطأها ذلك . وقاله كله أصبغ ، وغيره ، قال : ولا يجوز لرجل أن يتكارى الرحا سنة طاحنة ، لا يحاسب فيها ما تبطلت فيه و لا يؤاجر عبدا شهرا معلوما ، أو سنة معلومة ، إلا الدار يشترط سنة مسكونة ، إلا أن يتبرع المكتري في ذلك كله ، ولا يجوز في ذلك إلا سنة بعينها ، فإن تبطل منها شيء رجع بحسابه ، وقاله كاله ابن الماجشون قال مطرف ، وغيرهما / قالا : ولصاحب الرحا أن يقدم في الطحن
[7/143]
***(1/139)
[7/144]
من شاء ، وإن كان شأنهم من سبق طحن وكذلك الصناع ما لم يتعن ظلما ومطلا ، ولا بأس أن يتكارى الرحا بالقمح والشعير ، وإن كان الذي يأخذ مكاريه القمح والشعير وقاله مالك ، وغيره . ولا ينبغي أن يستطحن بمكيال مجهول قدره من القفيز الجاري . ومن اكترى رحا ، فجميع أداتها ومصلحتها إلا نقش المطاحن ، ف سنتها بالأندلس على المكتري ، ولا يشترط ربها على المكتري شيئا من ذلك ، إلا ما خف قدره من الشحم والمغازل وشبه ذلك مما قيمته في السنة درهمين أو ثلاثة ، وقد أجاز مالك أن يشترط على المكتري الدار من مرمتها وتبطينها ما كان يسيرا ، مثل الدرهمين والثلاثة في وجيبة السنة وتحسبها ، وما أحدث أهل الأندلس أن يقول : أكريك البيت ومعه الرحا ، ولا أكريك سافية ولا مطاحن ، ولا أداة ، فذلك اختيال لا يجوز شرطه ، وإنما يغتر في أن يكون عليه من بطلان شيء ويوقع الكراء على بعض ما اكترى احتيالا ، وإذا وقع بهذا الاحتيال ، فسخ ، وعليه فيها قبل الفسخ كراء مثلها ، على أنها يوم وقع ذلك طاحنة بجميع آلتها ، وإنما يجوز هذا لو كانت يوم العقد عطلا من آلة وأداة وبلا سانية فيجوز هذا أن يكري ما ذكرت ، وعلى المكتري أن يقيم ما به يطحن ، ثم يأخذ ذلك إذا تمت الوجيبة ويدعها عطلا كما كانت .
ما يقضي به في الكراء إذا لم يذكره من يسكن ،
وعدد الشهر وكنس الربل والمراحيض ،
وما يستثنى / المكتري ومرافقه بالحمام وغيره
في الواضحة اكترى دارا لم يسم من يسكنها ، فجائز أن يسكنها ، أو يسكنها من شاء ، ما لم يدخل فيها من يضر ببنائها ، أو يتخذ فيها ما لا يشاكلها من متاع ، ودواب ، وسكان ، فيمنع ، وذكر فيمن اكترى شهرا ، أوله أو في بعضه ،
[7/144]
***(1/140)
[7/145]
فنقص ؛ ذكر ابن القاسم ، أنه إن مضى بعضه ، أتم ثلاثين يوما ، وكذلك في سنة بعينها يبدأ في بعض الشهر فيتم ثلاثين يوما في آخرها ، وما كان من ذلك على الأهلة ، فعلى الأهلة ، قال : ابن القاسم : ويقضي بكناسة الدار والمرحاض على المكتري إذا لم يتشرط وقال مطرف ، وابن الماجشون : يحملان فيه على سنة البلد وبه أقول . والعرف فيها ببلدنا على رب الدار ، وروى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في العتبية مثل ما ذكر عنه ابن حبيب ، إلا في دور الفنادق ، فإن كنسها على المكري ابن حبيب : فإن شرط رب الدار على المكتري كنس مرحاض الدار ، وكانت سنة البلد كنسه على رب الدار فابن القاسم يقول : إن ذلك جائز .
ابن حبيب : أما في مرحاض نقي حينئذ ، فجائز ، فإن تقدم فيه رحاضه ، فذلك مجهول ، لا يدري مبلغه ، ومن أكرى حمامه ، وشرط ما يحتاج هو وأصله من [يخدمه]فيه ، والنورة في السنة ، فابن القاسم ، يقول : لا يجوز حتى يشترط شيئا معلوما ، وذلك جائز عندنا إذا عرف عيال الرجل وعدتهم ، وأجازه مالك ، وأجاز أن يواجب الخياط على ما يحتاج إليه هو وأهله من الثياب منه أو الفدان على ما يحتاج إليه من طبخ خبزه / سنة أو شهرا ، إذا عرفوا ناحية الرجل ، وناحية ما يحتاجون إليه ذلك كله .
في الاختلاف في نقد الكراء ،
والتداعي في مدته وغير ذلك
من الواضحة : ويحملان في نقد الكراء على عرف الناس ، وإن اختلفا في المدة ، فإن انتقد المكري ، فهو مصدق مع يمينه ، سكن أو لم يسكن ، وإن لم ينتقد ، وكان بحضرة الكراء ، وقبل السكن ، تحالفا ، وتفاسخا الكراء إذا حلفا أو نكلا ، ومن نكل منهما ، فالقول قول من حلف ، وإن اختلفا بعد أن سكن سنة أو
[7/145]
***(1/141)
[7/146]
نحوها تحالفا ، وفسخ باقي المدة ، وعليه فيما سكن بحساب ما أمر به وكذلك اختلافهما في عدد الكراء ، أو فيه وفي المدة ، فإن قبض المكري الكراء ، فالقول قوله في الوجهين ، وإن لم يقبض ، وكان ذلك في أول أمرهما ، تحالفا وتفاسخا ، وغرم لما سكن ما أقر به الساكن ، فإذا تمت المدة التي أقر بها المكري ، فالقول قوله في مبلغ كرائها مع يمينه ، بلا تحالف ( ع ) : يريد لا يحلفان جميعا ، وكذلك في الحمولة في ذلك كله ، وقاله كله مالك ، ومن كتاب محمد ، قال ابن القاسم : إذا اختلف رب الدار ومكتريها في قلة الكراء وكثرته ، أو قال هذا : بدنانير وهذا : بطعام [ونقد المدة]وسكن سنة أو لم يسكن ، فإنهما يتحالفان ، ويفسخ ما بقي ، وعليه لما سكن بحساب ما أقرب به ، وإن نقده البعض ، فسخ ما بقي على السنة ، فيكون عليه فيما سكن بقدر ما أقر به ورد حصته ما لم يسكن بما انفسخ فيه ، ولو نقد ثلاثة دنانير ، وقال / : هي عن السنة كلها . وقال رب الدار : أكريتك عن السنة بستة دنانير وقد سكن ستة أشهر ، تحالفا ، ويفسخ ما لم يسكن ، ويفسخ الثلاثة على السنة ، فيكون عيه فيما سكن ، فيقع لما سكن دينار ونصف ، ويرد دينارا ونصفا ، والقول فيها قول الساكن مع يمنه ؛ لحيازته لما سكن ، وكذلك لو لم ينقده إن قال : أكريتك تسعة أشهر بستة دنانير . وانتقده منها ثلاثة ، وقال [الساكن]بل ، سنة بستة دنانير ، وقد سكن ستة أشهر ، فلتحالفا ويفسخ ما بقي ، ويرد دينارا واحدا ، والساكن مدع في زيادة المدة ، والقول قول رب الدار في ذلك ، فقسمنا ما قبض على تسعة أشهر ، كما قال لا على السنة التي ادعى الساكن ، وإنما يقبض أولا ما قبض على قول رب الدار في المدة ، فما وقع لما قد سكن ، فهو مدع لبقية ثمنه ، والساكن مصدق فيما يقرأ أنه منه ، فإن وجدته يقع لما سكن حصة ، يدعي الساكن أنه بقي له فيها طلب ، فلا قول له ، إلا أن يقر به رب الدار ، وإذا اكترى دارا سنة باثني عشر دينارا ، فنقده دينارا ، وسكن شهرا ،
[7/146]
***(1/142)
[7/147]
فطلب رب الدار كراء الشهر ، وتأخير الدينار إلى آخر ، وطلب الساكن أن يجعله لأول شهر ، فأنه يقسم الدينار على شهور السنة ، فيوفيه ما بقي من الشهر الأول ، ثم كذلك كلما سكن ، ولو شرط نقد أربعة دنانير بعد أربعة أشهر ، ثم اختلفا ، فهنا تكون الأربعة دنانير لما قد سكن ، ولو شرط نقد أربعة دنانير أول السنة ، ونقد أربعة أخرى بمقدار تسعة أشهر ، فنقدها ثم اختلفا ، فالأربعة الأولى تقسم على السنة / ، ثم يتم على الثانية كراء الأربعة الأشهر الماضية كلها ، وذلك ثلاثة إلا ثلثا ، ويبقى دينار وثلث ، يقسم على الثمانية الأشهر الباقية ، فيقع لكل شهر سدس مع ثلث متقدم ، فذلك نصف مقبوض عن كل شهر منها ، فكلما مضى شهر ، أدى نصف دينار ، وذكر أصبغ ، في العتبية عن ابن القاسم مثل ما ذكر محمد فمن أكرى سنة بأربعة دنانير ، فانتقد دينارين بشرط فبعد شهرين طلب تعجيل كرائهما ، فإنه نقض الدينارين على اثني عشر شهرا ، فيقع كل شهر سدس ، فعليه سدس آخر عن كل شهر مضى ، وكذلك فبما يستقبل ، وكذلك لو نقد أقل من أربعة دنانير ، ولم يذكر لأي شيء ، كما يفعل في التفليس .
فيمن اكترى دارا سنة
ثم سكن أكثر منها بغير عقد من ربها
من كتاب ابن حبيب وإذا تكارى دارا أرضا سنة ، فسكن الدار ، وحدث الأرض سنته تلك ، ثم بقيت بيده يسكن الدار ، ويحرث الأرض ، وربها حاضر ، أو غائب ، فقد سمعت في ذلك اختلافا من ابن القاسم ، وغيره فسألت عنه ابن الماجشون ، فقال : القول في ذلك ، إن كان مثل الحانوت والدار والبيت إلى ربه مرجعه وغلقه وفتحه ، فما زاد في هذا على مدته الأولى ، ورب ذلك حاضر ، فإنما يجب في الزائد بحساب الكراء الأول ، وأما ما كان إذا تمت وجبيته فيه ، بقي فضاء لا جدار عليه ولا غلق له ، وليس لربه فيه أن يرجع إليه / ، فتمادى المكتري
[7/147]
***(1/143)
[7/148]
فيه ، فزاد على الوجيبة ، فإنما له قيمة كراء الزيادة إلا أن يكون ذلك أقل من حساب الكراء الأول ، فلا ينقص منه ؛ لأن المكتري قد رضي به إذا تمادى قاله ابن حبيب : وهذا أحب إلي من كل شهر ما قيل في ذلك .
في المكتري يدعى دفع الكراء
من العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم ، في مكتري الدار سنة ، يقول بعد تمام السنة دفعت الكراء ، قال مالك : لا يقبل منه ، والقول قول رب الدار مع يمينه إن قام بحدثان ذلك ، وإن قام بعد تباعد ذلك ، فالقول قول الساكن مع يمينه ، وسواء خرج من الدار أو أقام ، ولو أكراه سنة بعينها ، فتمادى ، فسكن عشر سنين ، ورث الدار حاضر معه ، لم يواجبه على شيء فقال الساكن ، قد دفعت الكراء فلا شيء للمكري في السنة الأولى ، فإن قام بحدثان انسلاخ التسع سنين ، فله كراؤها ، ويحلف ، إلا أن يأتي الساكن فيراه ، وإن قام بعد تطاول ذلك ، فلا شيء له إذا قام الساكن قد دفعت الكراء . ويحلف ، ولو كان يجدد عليه الكراء كل سنة من العشر بالبينة ، ثم طلب كراء الجميع ، فلا شيء له ، ولو أكراه العشر سنين بمرة ، ثم طلب كراءها بعد انسلاخها بحدثانه ، فله كراء العشر مع يمينه ، وإن قام بعد طول زمان ، فلا شيء له ، ويحلف المكتري ، وإن اكترى منه سنة ، فطلبه بالكراء بعد ستة أشهر ، فقال : دفعت إليك كراء جميع الأرض سنة فلا يصدق ، ولا بحدثان ذهابها ورواه أبو زيد ، عن ابن القاسم ، وقاله مالك ، وابن القاسم ، فيمن اكترى / منزلا بعشرة دنانير ، فسكن فيه ستة أشهر ، ثم قال : إنما اكتريت منه السنة بخمسة دنانير ، وقد نقدتها قال يتحالفان ، ويتفاسخان على عشرة في السنة ، ولا يتم تمام السنة ( ع ) هكذا وقع في الأم ، على ما سكن وما لم يسكن ، فيرد حصة ما بقي ، ولا يلزم الساكن فيما مضى إلا ديناران ونصف .
[7/148]
***(1/144)
[7/149]
وروى ابن أبي جعفر الدمياطي ، قال : سئل ابن القاسم عن من اكترى من رجل منزلا سنة ، ثم يوكل فيه سنين ، ثم طلب المكرى الكراء ، وأنكر الساكن أن يكون عليه شيء ، قال عليه أن ما بقي بالبراء للسنين كلها ، وإن كان اكتراه سنة سنة ، إلا أن يحدد له كتابا في بعض تلك السنين ، فيهدم كل ما مضى قبله ، ويلزمه ما كان بعد هذا الكتاب ولو أكراه سنة ، وقال : ما سكنت فبحساب ذلك ، فهو أقوى .
في الإقالة في كراء الدور
من العتبية ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك : لا تجوز الإقالة في كراء الدور إذا نقد أو سكن بعض المدة ، بخلاف الإقالة في الحمولة بعد المسير بعض الطريق ، قال ابن القاسم : لأنهما لا يتهمان في الحمولة إن يعملا على ذلك وكراء الدور كسلعة باعها ، فأقال من بعضها ، إلا أن يكون لم ينقده . قال : وإذا أكرى أرضا ثلاث سنين ، ثم تقابلا بعد سنة وفيها زرع ، فأراد ربها قلعهن فليس ذلك له / وليقره ويسقي من الماء حتى يدرك ، ويحسب ذلك من حساب الثلاث سنين وكرائها قال ابن حبيب : لا يجوز إذا نقد أن يقيله في الدور ما لم يسكن ، بنقد ولا بدين ، وهو في النقد كراء وسلف ، وفي الدين دين بدين ، وفي الحمولة يجوز وقد صار مالا تهمة فيه بالنقد ، ولا يجوز بدين : هذا قول مالك وأصحابه .
ومن العتبية ، من سماع عيسى ، ومثله في الواضحة ، ومن اكترى دارا سنة باثني عشر دينار ، ولم ينقد ، فسكن شهرين ، ثم قال لرب الدار ، أقلني على أن أعطيك في الشهرين الماضيين سنة دنانير كراء نصف السنة ، فلا خير فيه ، وهو من باب : ضع وتعجل قال أصبغ ، في العتبية ، فإن وقع ، فسخ ، قال ابن حبيب ، في جوابه إن كان الكراء عندهم مؤخرا إلى آخر السنة ، لم يجز ؛ لأن
[7/149]
***(1/145)
[7/150]
المكتري يشتري سكنى قبل أجلها بما قد وجب له إلى أجل ، ويتعجل ما يحل مما وجب له فيما سكن المكتري ، فهو بيع وسلف ، وضع وتعجل ، ولو أقاله مما سكن منها بغير شرط تعجيل شيء من النقد ولا زيادة ، جاز ، وكان له مما وجب له فيما سكن ، إن شاء عجله وإن شاء أخره ، ولو عجله طوعا بغير إقالة ، ثم حدثت لهم الإقالة ، كان جائزا ، ولو لم يسكن شيئا لم يجز أن يقيله بزيادة يعجلها عينا ولو لم يكن الكراء مؤجلا ، ولكن كان على قبض ما حل منه ، أو كان فيهما مما يصير إلى ذلك ، فسكن بعضا ، ثم أقاله بزيادة ، فذلك جائز ؛ لأن ما حل من الكراء ليس من الزيادة في شيء ولو كانت له ما ضر / إن يزيده على حقه ، والزيادة بما لم يسكن يرتضيه بها ليقيله ، كما لو لم يسكن ، لجاز أن يقيله بزيادة ؛ لأنه : بيع لا تهمة فيه ، أن يقيله بزيادة ، ولم ينقده ، فكما لو أقاله من الحمولة بزيادة من الراكب قبل أن يركب ولم ينقده ، فكان كراه على النقد . وكله قول مالك وفي الإقالة في البيوع ذكر من الإقالة في الكراء وأزيد من هذا المعنى .
فيمن أكرى أرضه أو داره مدة طويلة
من كتاب ابن المواز ، قال مالك : ومن أكرى داره عشر سنين ، فهلك ربها ، فالمكتري أحق بها من الورثة ، وإن كان عليه دين يبعث للغرماء على أن لهذا فيها سكنى إلى بقية الأجل ، وقد قيل : إذا كانا في السنين اليسيرة كالسنة والسنتين وشبه ذلك ، فأما إذا كانت كثيرة ، فقد كرهه مالك ، وقال : لا ندري كيف ترجع الدار إلى المشتري ، لأن البناء يتغير وقال مالك ، فيمن أسكن دارا حياته ، فأراد أن يكريها وينتقد الكراء ، فالأحب أن يكريها المدة الكثيرة ، ولا بأس بالشيء الغريب ، قال ابن القاسم : والغريب سنة وشبهها قال ابن ميسر : لو أكراها ثلاث سنين أو أربعا ، لم أر به بأسا ، إلا أنه إن مات ، انفسخ ما بقي ، ولو كرهته في هذا المقدار وأكثر منه ، لكرهت أن يؤاجر عبده سنين ؛ لأن الحال
[7/150]
***(1/146)
[7/151]
فيهما واحد ، ولا بأس بالنقد فيه ومن العتبية ، روى حسين بن عاصم ، فيمن أكرى أرضه عشر سنين ، وانتقد وهي أرض مطر ، فإن تكن مأمونه ، فهو كراء وسلف ، وإن حرثها في القليب أو الزرع ، فذلك فوت ، ويقاصه بكراء سنة بقيمتها من سائر السنين من الثمن الذي قبض ، ويرد ما بقي ، وإن أدركت ولم يحرثها ، فسخ ذلك ، وردت إلى ربها ، وإن كانت مأمونة ، فذلك كله جائز ، قال : وإن أكراها عشر سنين بعشرة دنانير ، فهي غير مأمونة ، على ألا ينقده إلا عن كل سنة ما ينوبها ، فذلك جائز . وفي كتاب الإجارة باب ، فيه ذكر من أكرى داره ثلاثين سنة ، وكثير من معاني هذا الباب .
فيمن اكترى بيتا بثوب ثم استحق ، أو وجد به عيبا
من الواضحة ومن أكرى دارا بثوب ، ثم وجد به عيبا ، انفسخ الكراء ، وله فيما سكن قيمته ، بالغا ما بلغ ، وإن فات الثوب ، ثم علم بالعيب ؛ فإن فات ببيع ، لم يرجع بشيء إلا أن يرجع إليه ، وإن فات بلبس أو بيع أو صدقة ، رجع بقدر العيب في السكنى إن كان لم يسكن ، أو كراء الدار إن سن ؛ وتفسيره إن يقوم الثوب صحيحا ، ثم يقوم العيب ، فما نقص من قيمته صحيحا ، فإن نقصه العيب الخمس ، كان رب الدار شريكا بخمس السكنى ، ولهما قيمتها بتراض أو مقاواة ، فإن كان العيب ينقصه كثيرا يضر بالمكتري إذا رجع المكري إليه عليه في السكنى ، فهو مخير ؛ إن شاء سكن على ذلك ، وإن شاء رده ، ورجع ثوبه معيبا ، وإن قام بذلك وقد نقص نصف السنة ، والعيب ينقصه الخمس ، رج رب الدار بخمس السكنى ما بقي ، وخمس / كراء الستة الأشهر الماضية ، وأن كان العيب كثيرا ـ كما قلنا ـ فإن أحب المكتري سكن فيما بقي ، أو كرى بجصته ، وإلا رد ، وكان على المكري للساكن قيمة ثوبه معيبا يوم قبضه ، وأخذ قيمة كراء الستة الأشهر الماضية ، وإن كان قد سكن جميع السنة ، ثم اطلع على العيب ، رجع بحصته العيب ، قال أو كثر ، وأخذ قيمة كراء ما قابله من سكنى الدار ، ما بلغ ذلك ع . وكلام ابن حبيب هذا حسن ، إلا قوله : إذا سكن بعض السنة ، والعيب
[7/151]
***(1/147)
[7/152]
كثير يضر به في بقية السكنى ، فإن اختار رد بقية السكنى ، فإنه معلوم ، لا قيمة كراء ما سكن ، وأخذ قيمة ثوبه فليس هذا بأصلهم ، بل يرجع بقيمة نصف ثوبه معيبا فيما رد من السكنى ، ويغرم فيه كراء ما وقع لنصفا العيب في الشهور التي يسكن . وفي باب من زرع أرضا بغير إذن ربها شيء من ذكر الإقالة .
في تفليس المكتري
من كتاب ابن المواز : وإذا اكترى دارا سنة باثنى عشر دينارا ، وانتقد منه ستة دنانير ، وسكن ستة أشهر ، فإنه يقسم ما قبض على اثني عشر شهرا ، فأصاب ما سكن ثلاثة ، يحاص بها رب الدار ، ويخير الغرماء فإما أعطوه ثلاثة دنانير ؛ لبقية السكنى ، وكانوا أحق ببقية السكنى ، وإلا أسلموا الدار ، وأخذوا منه ثلاثة دنانير حصة ما لم يسكن .
فيمن اكترى داره ممن يبيع فيها الخمر
ومن فعل ذلك فيما يملك ، أو يكتري
ابن حبيب : ولا بأس أن يكري داره أو حانوته من ذمي كتابي ، أو مجوسي ، لم يشترط أنه يبيع فيها الخمر والخنازير ، كان يعلم أنه يبيع ذلك فيها أولا يعلم ، فإن وقع ذلك بشرط ، فسخ ، وإن لم يشترط ، فله منعه من ذلك ، فن لم يمنعه وتمت المدة ، فعليه أن يتصدق بالكراء إن قبضه ؛ فإن أبى ، فللإمام انتزاعه منه أو من الذمي إن لم يقبضه ، ويتصدق به ، ويعاقبهما . وقد قال مالك فيمن باع كرمة ممن يعصرها خمرا : فليتصدق بالثمن لغير الخمر ، والدار للسكنى ، فالثمن سائغ ، ولا يضره الشرط ، إلا أن يكون زاد ذلك ، فليتصدق بالزيادة ، وإن أخذ دابة رجل بغير أمره ، فحمل عليها الخمر ، أو داره ، فباعه فيها ، فعليه كراؤها لما أبطلها عليه ، لا على ما استعلها فيه ، كان المتعدي مسلما أو نصرانيا ، وفرق بينهما ابن القاسم ، ولا يفترقان إلا أن يكون المسلم ليس كسبه إلا من الخمر أو شبهه فليتصدق مما
[7/152]
***(1/148)
[7/153]
يؤخذ منه ومن اكترى دارا ، فأظهر فيها الدعارة ، والطناير ، والرقص ، وشرب الخمر ويبيعها ، فليمنعه الإمام ويعاقبه ، فإن لم ينته ، أخرجه عن جيرته ، وأكرى عليه الدار ، ولا يفسخ الكراء ، وقاله مالك ، في الفاسق يعلن بمثل ذلك في دار نفسه ، أنه يعاقب على ذلك ، وإن لم ينته ، باع الإمام عليه .
في كراء الأرض بما يخرج منها أو بطعام
ابن حبيب : قال مالك : وما نهى عنه من المحاقلة ، هو اكتراء الأرض بالحنطة . ابن حبيب : أو بكل طعام أو إدام ، فكأنه طعام بطعام مؤجل ، والمخابرة كراءوها بجزء مما يخرج منها ، والخبر حرث الأرض ، ومنه سمي الأكار خبيرا ؛ لأنه يرى خبر الأرض . قال مالك ، وابن القاسم ، وأشهب ، وابن وهب ، وأصبغ ، وابن عبد الحكم ، ومطرف وابن الماجشون : لا تكرى بجزء مما يخرج منها ، ولا بشيء مما يخرج ، ولا بشيء طعام أو شراب ، كان مما يخرج منها أولا يخرج قال كنانة : لا تكري بشيء إذا أعيد فيها نبت ، ولا بأس أن تكرى بغير ذلك من كل شيء من طعام أو غيره مال ابن نافع : لا بأس أن تكرى بكل شيء يؤكل أولا يؤكل ، يخرج منها أو لا يخرج منها ، عدا الحنطة وأخواتها إذا كان ما يكترى به خلاف ما يزرع فيها . وبقول مالك أقول ، وعليه جماعة أصحابه .
قال ابن الماجشون : وكراهة مالك كراءها بما تنبت وإن لم يكن طعاما ؛ لأنه من المحالقة ، إلا أن تكون أرضا لا تنبت مثل ذلك الشيء مثل الكافور ، والزعفران ، في أرض لا يكون ذلك فيها ، وأجاز كراءها بالخشب ؛ لأنه ليس الذي تزرع له وأجاز كراءها بأصل شجرة لا ثمرة فيها .
ومن كتاب محمد : ولا بأس أن تكرى الأرض بالخضر يريد بالكلإ ؛ لأنه ليس مما يزرع ، ولا من الطعام ، ولا بأس أن تكرى بالماء والصندل ، والعود ، والبان والحطب . محمد وإنما كره أن تكرى مما يخرج منها من هذه الأرض ، أو من غيرها ، ومما يزرع ويؤكل ويشرب من الأشربة / ، ويخرج بين الأرض أو لا يخرج منها ، ولا بأس بشرائها بذلك كله ، ما لم يكن فيه يومئذ طعام ، ولا بأس أن تكتري بئرا إلى
[7/153]
***(1/149)
[7/154]
جانب أرضها ، تسقيها بمائها بما شئت من الطعام ، وإذا اكتريت أرضا تعجلتها بماء معجل أو مؤجل من بئر أو أسوقه إليه ، فإن كانت البئر أو العين مأمونة ، فذلك جائز نقدا .
في النقد في كراء الأرض ، وما يجوز من ذلك ،
وشيء من ذكر العقود الفاسدة في كراء الأرض
ابن حبيب : قلت لمطرف ، وابن الماجشون : إن أرض الأندلس لا تكاد يخطئها المط ، فهل ينقد في كرائها ؟ فقالا : لا ينقد في كرائها حتى يأتيها المطر الذي تحرث عليه ، ولا ينتظر بها الري ، وهي بخلاف أرض النيل والأنهار المأمونة قال ابن عبد الحكم ، وأصبغ : إن كانت تمطر مطر الري مأمونة ، فلا بأس بالنقد فيها وبالأول أقول وقد كره عمر بن عبد العزيز النقد في أرض النيل حتى تروى ، فكيف بأرض الأندلس وأجاز مالك وأصحابه النقد في أرض النيل والأنهار والآبار ؛ لأنها مأمونة ، ولا يخاف فيها إلا في الغب ، ولا بأس بكراء أرض المطر عشرين سنة ، ولا ينقد إلا سنة بعد أن تروى ، ولا بأس بكراء الآبار والأنهار عشر سنين ، ويكره فيها ما طال ؛ لما يخاف من غور العيون ، وأما أرض العيون ، فتكره الوجيبة فيها مدة كثيرة ، إلا مثل ثلاث سنين وأربعة ، ولا ينقد إلا سنة بعد سنة ، بخلاف أرض النهر والبئر ، وأما أرض العين مخوفة التغيير ، والوجيبة في كراء الدار أطول وآمن ، والنقد فيها جائز قال : وإذا استغزر / بعض الأرض قبل الزرع ، فلا يلزمه الكراء في بقيتها ، إن لم يكن زرعه إذا استغزر فيها الكثير أكرية .
ومن العتبية روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، فيمن اكترى من رجل مبذر أردب من أرضه ؟ ، قال لا خير فيه ، ومن كتاب محمد : ومن اكترى أرضا على أن لا يزرع ف يها إلا قرطا ، لم يجز ، فإن نزل ، فعليه قيمة الكراء محمد : وذلك جائز عندي وإن لم يسم ما يزرع ، فجائز ، ولا يزرع إلا ما يشبه مثلها .
[7/154]
***(1/150)
[7/155]
ومن كتابه ، قال ابن القاسم : قال مالك : لا يجوز النقد في أرض المطر حتى تروى ، فإن روي بعضها ، لزمه بقدر حصته إلا في القليل لا منفعة فيه ، فلا يلزمه شيء محمد ابن القاسم : مثل خمسة فدادين أو ستة من مائة ، ولو روي قال قال : كالثلث ، لزمه ما يخصه ما روي فقط ، وكذلك البئر غير المأمونة ، فإن ذهب الماء منها ، فسخ الكراء . ابن القاسم : وكراء أرض غير مأمونة ، يقل ماءوها ، ويخاف ألا يكفي خطرا ، إذ لو علم أنه يكفي ، لم يكرها بذلك ، ولو علم الزارع أنها ألا تكفي ، لم يبذر بذرة ، والمأمونة لم يدخلها على خطر ، فإن حدث ما غارت له ، فله إن شاء أن ينفق عليها كراء سنة ، وليس له ذلك في التي يبتدئان فيها على أنها قليلة الماء ، إلا أن يشاء ربها ، فهو خطر ، ويجوز كراء الأرض الغرقة ، ولا ينقد فيها حتى ينكشف ، وليس فيها خطر بنقد ولا يدفعه ، ولو كان انكشافها مأمونا ، جاز فيها النقد ، ولا بأس بكراء أرض المطر سنين ما لم ينقد ، فإذا رويتها ، نقده كراء هه السنة ، قيل وبكم ذلك ؟ قال : ينقده الآن ثلث الكراء ، إذ لا يحاط بكراء ، كل سنة معروفة إلا بعد حلوله ، وقد قال مالك ، في الأرض ذات البئر والعين يزرعها / سنة ، ثم تهور البئر ، وتغور العين فيقبض الكراء على كل سنة بقدرتها منها ، وليس الشتاء والصيف سواء ، وهذا بخلاف الدور ، لا نعرف في العين كراء كل سنة حتى تحل ، والدور ، قد عرف نفاقها ، وتسامح الناس فيما يتقوم على ذلك ، ويجوز أن يكري أرضه سنة ، فقبضها قابلا بألف درهم يدفعها إلى عشر سنين .
[في الأرض المكتراة تغطس ، أو تهور بئرها ، أو تغور
العين [وكيف بذلك في المساقاة]
ابن حبيب : ومن اكترى أرضا للزرع سنين ، ولها بئر أو عين ، فتهور البئر ، أو تغور العين ، فإن لم يكن له حينئذ زرع ، انفسخ الكراء ، وليس له أن ينفق في ذلك إلى مبلغ ذلك العام على قيمة كراء تلك السنة من سائر السنن إن كان
[7/155]
***(1/151)
[7/156]
ذلك لا يختلف ، فينفق ما يصيبها من جملة الكراء ، ولا تقويم في ذلك وإن لم ينقده ، فللمكتري إتفاق ما يقع لتلك السنة ، وإن أن فيه ما يصلح البئر والعين ويعمرها حتى يكفى بقية السنين ، لزمهما تمام الكراء ، وإن لم يف ذلك بما يجبى به زرعه تلك السنة ، قيل للزارع : فأنفق ما زاد على أن رب الأرض مخير عليها بعد الوجيبة ، إن شاء أعطى لما غادرت فيها من خشبة أو حجر ، أو أمرك بقلعه ، ولو أنفق كراء سنة ، فأحيا زرعه ودفعه ، وبقي من تلك السنة بقية ، والماء فيها قائم ، فزرع فيها ثانية ، فأغورة وتهورت البئر ، فليس له أن ينفق فيها كراء سنة أخرى ، تمت هذه السنة أو لم تتم ، كان ما زرع ما يكون ، جزه قاعدة كالحبوب / أو حرز كالمقاتي ، ولو كان له ذلك ، كان له في سنة ثانية وثالثة ، ولم ينقص ذلك بانقضاء جميع السنين ، إلا أن يكون حين أنفق كراء سنة غزر ما البئر ، ورأى أن فيها من الماء ما يكفى زرعه في السنين الباقية ، فزرع فيها على ذلك ، ثم حدث فيها تهور ، فهذا ينفق كراء سنة ثانية ، ليحيى زرعه ، لأن هذا لمن يعمل على غرر كما عمل الأول .
ومن كتاب محمد ، وذكر مثل ما ذكر ابن حبيب ، أنه إن لم يزرع ، فلا ينفق ، ويفسخ الكراء ، وإن زرع ، فله إنفاق كراء سنة ، نقد أم لا .
قال أشهب : وإن أنفق فيها أكثر من كراء سنة ، لم يلزم ربها ما زاد على كراء سنة قال : فإن قبضه ، ثم أتلفه فأعدم به ، قيل للزارع : أخرج ذلك إن شئت ، وأنفقه سلفا عليه وكذلك لو انقطع الماء في السنة الثانية قبل أن يزرع ، فلاحجة له ، وإن زرع لزم رب الأرض أن ينفق من كراء السنة الثانية ، لا من تأول ، وإن لم كن زرع ، فلم يكن يجب على رب الأرض ، فأنفق المكتري ، فلرب الأرض كراه كاملا ، ولا شيء عليه للمكتري فيما أنفق ، إلا في نقص قائم ؛ من حجر ، وآجر ، وطوب ، وخشب ، فله أن يعطيه قيمته بعد قلعه ، أو يأمره بقلعه قال : وإن كان مساقي ، فانقطع الماء قبل عمله ، وقبل أن ينفق شيئا ، فلا شيء على رب الحائط ، ولو كان بعد العمل ، أو بعد إقبال الثمرة ، كلف رب الحائط النفقة وقد فسره عبد الملك تفسيرا حسنا ؛ فقال : يتوخى قدر ما ينوب رب الحائط من الثمرة بعد
[7/156]
***(1/152)
[7/157]
طرح مؤقته فيها إلى وقت بيعها ، فيكلف أن يخرج ذلك معجلا ، وينفقه / إن كان كافيا ، فإن أعدم ، قيل للعامل : أخرج مثله من عندك ، ويكون مصابته من الثمرة رهنا بيدك حتى يدفع إليك ما أنفقت ، وإلا فسلم الحائط إلى ربه ، ولا شيء لك عليه ولا له عليها ، وإن كان ذلك قبل يعمل العامل شيئا ، فتبرع وأنفق ، فلا شيء له فيما أنفق ، إلا ما للمتعدى من النقص ، وله حصته من الثمرة ، قال : ولو كان أكرى الأرض منه ثلاث سنين ، فعطبت البئر بعد أن زرع قائما ، يخرج كراء الثلاث سنين ، وإن كان أكراها بالذهب والورق ، وإن كان ذلك أجرا ولا تقوم العين وإن كان العروض ، فإنما يخرج قيمته كراء تلك السنة من الصفقة على أن يقبض إلى أجله ، كما لو بيع . قال مالك : وإن أحب الزارع أن يدع زرعه ، ولا ينفق ، ويسقط الكراء عنه ، فذلك له ، وإن أحب أن ينفق فيها إلى مبلغ كراء سنة ، على أن تبقى منافع البئر لربها ، فذلك له ، وإن أنفق ذلك ، فلم يأت من الماء ما يكفيه ، فحصد زرعه ، فحصل جائحة ، لم يكن فيه شيء ولا شيء على رب البئر من النفقة ، ولا شيء له من الكراء قال مالك : ومن اكترى أرضا فزرعها ، فلم يخرج زرعه شيئا ؛ لإصابة العطش ، فلا كراء عليه ، وكل ما أصابه بعد أن نبت زرعه من جميع الجوائح من غير سبب الماء ، فلا يوضح عنه شيء من الكراء ، وكذلك لو لم ينبت أصلا ، بخلاف ما يصيبه من العطش أو الغرق قال : ولو أن المكتري لم يزرع ، لأنه لم يجد بذرا ، أو لأن سلطانا حبسه ، فهذا لا عذر له بهذا ، وعليه جميع الكراء .
ومن العتبية ، من سماع ابن القاسم : ومن تكارى أرضا ، فزرعها ، / وبنت الزرع ، ثم جاء سيل فأذهبه ، فلا حجة للمكتري ، وعليه جميع الكراء ، وهو كالجائحة .
ومن العتبية ، وكتاب و : قال أشهب ، عن مالك : ومن اكترى بئرا سنة ، فسقى بها زرعه أو احتواه حتى يحصد زرعه ، فأسقى به بعض السنة ،
[7/157]
***(1/153)
[7/158]
فانهارت البئر ، فعليه حصة ما انتفع به قال في العتبية بقدر ما تسقى من السنة ، أو من الأيام التي حصد فيها زرعه ، ثم العبد يؤاجره شهرا ، فعمل بعضه ، ثم مات .
وإن اكتراها ليعمل صيفه وشتاءه ، فسقى صيفه وحصد زرعه ، ثم هارت البئر ، فله كراء الصيفة بحساب ما أكراه من الصيف والشتاء ، وإن سقاه ، ثم هارت ولم يحصد زرعا ، ولا انتفع به ، فلا كراء عليه ، وإن سقى زرعه وحصد في ستة أشهر من السنة ثم هارت البئر ، وقد كان أكرى السنة بعشرة دنانير ، ورجع بخمسة ، قال سحنون ، في العتبية فيمن اكترى بئرا أو عينا ، فنقص ماؤها ، فإن كان يسيرا مثل ما يعرف من بعض الماء مع قلة المطر ، وزيادته مع زيادتها ، فذلك لازم لهما ، وأما إن جاء من بعضه ما يضر المكتري ؛ لقلته ووعورته انتقضت به الإجارة ، وكذلك نقصان البئر من قلة الخصب ، فذلك سواء ابن المواز : وإذا زرع مكتري الأرض ذات البئر ، ثم هارت البئر ، فإنه يجير ربها على إصلاحها تلك السنة إلى مبلغ كراء تلك السنة ، إن كان إذا أنفق بلغ به إلا صلاح لسنته ، وإن كان لا يبلغ ، فسخ ، ولا كراء على المكتري ، وبرتجعه إن دفعه ، وإن لم يكن زرع ، لم يجبر على إصلاح ، فإن أنفق فيها المكتري ، فهو مصدق ، ثم لا يلزمه ربها ، / إلا إن يشاء ، فإن شاء ذلك وداه نقدا ، وإن حبسه في الكراء ، جاز ذلك ، ولم يكن دينا بدين .
في الزرع يحصد وقد بقى من الوجيبة شيء أو تتم الوجيبة
وفيها زرع أو غيره ، وهل يكرى عاما ثانيا ؟
من الواضحة ومن اكترى أرضا سنة أو سنتين ، فنقدت ، فلم يبق فيها إلا شهر أو شهرين وما لا ينتفع فيه بالزرع ، فإن [كانت من]أرض الزرع ، فليس
[7/158]
***(1/154)
[7/159]
للمكتري أن يحدث فيها زرعا إلا بكراء مؤتنف ولا يحط عنه لما تقدم شيء ، وليس لربها حرثها لنفسه ، وليس للمكتري منعه ؛ لأنه مضار ، فإن زرعها المكتري وهو يعلم أن الوجيبة تنتقض قبل تمام الزرع بالأمر البعيد ، فربها يخير ؛ إن شاء حرث أرضه ، وأفسد زرعه ، أو أجرة واحدة بالأكثر من قيمة الكراء ، أو كراء الوجيبة ، وإن كان ظن أن زرعه ينقضي عند تمام الوجيبة ، فزاد عليها الأيام مثل الشهر ونحوه ، فليس لربها قلعه ، وله فيما زادت المدة مثل كراء الوجيبة ، وإن كانت من أرض المباقل ، فله أن يعمر وينتفع إلى انقضاء الوجيبة ، وإن انقضت ولم يبلغ إناه فإن كان حين وضع البقل في الأرض على رجاء من بلوغ إبانه وتمامه عند انقضاء والوجيبة ، فجاوز ذلك بأيام أو شهر ، فله كراء ذلك ، كما ذكرنا ، فإن علم أنه لا يبلغ تمامه إلا بعد الوجيبة ، فربها مخير في قلع ذلك أو تركه ، وأخذ الأكثر من كراء الوجيبة ، أو كراء المثل ، ومن كتاب ابن المواز : وإن اكتريت أرضا سنة ، فأكريتها من غيرك ، فتمت السنة وفيها زرع فليس لك ولا لغيرك كراها العام ؛ لأن على ربها ترك الزرع إلى تمامه / بكراها ، ولا بأس بكرائها عاما ثانيا وإن كانت فيها أصول ، جاز كراؤها الآن ؛ لأن على الغارس قلع أصوله ، ولو كان فيها زرع لربه لم يتم ، لم يجز لربها شراؤه ، ولو تم جاز ذلك ، ولا يجوز له شراؤه بكرائها .
ومن اشترى زرعا أخضر على قصله ، ثم اكتراها ، لم يجز له أن يغيره ، ولو اشتراها ، جاز له تركه ومن اكترى أرضا فزرعها ، فله أن يكريها من غيره سنة أخرى وينتقد إن كانت مأمونة ، إلا أن يخاف أن يبقى فيه ذلك الزرع إلى دخل السنة الثانية ، فلا يجوز فيها النقد .
وفي باب الذي يلي هذا من معنى هذا .
ومن كتاب ابن المواز : ومن اكترى أرضا ثلاث سنين ، ثم أقال منها وفيها زرع الأول سنة أو شيئا ، فأراد ربها أن يأمره بقلعه ، فليس له ذلك ، وعليه بقاؤه ، ويقبل مما بقي ، وله بحساب ما أكرى في الثلاث سنين ، وكذلك لو انقضت المدة
[7/159]
***(1/155)
[7/160]
وفيها زرع لم يتم ، يسقيه أو يسقى بمائه ، فعليه بحساب ما أكرى ، ولأنه غير متعد ، وبخلاف من زاد على مدة في كراء الأرض ؛ لأنه قادر أن يخرج ، قال أصبغ : فليس عليه حساب ما يكري .
وفي خلفة الأرض لمن تكون ؟
وما ينبت في أرض الكراء مما انتشر فيها
والسيل يجري حبا أو زرعا إلى أرض
ومن اكترى أرضا فنبت فيها مقتاة للمكتري
مع كمون كان قد هلك فيها
من كتاب ابن المواز ، قال ابن عبد الحكم ، عن مالك ، في مقتاة في أرض مكتراة ، تطعم ثم تنقطع ، ثم تخلف ، فخلفتها لمن زرعها دون رب الأرض ؛ لأنها لم تنقطع انقطاع / هلاك ، وذلك ما دام لها أصل ، قائم لم ييأس منه صاحبه ، ولا أتى الوقت الذي اكترى إليه ، ولو تم الوقت ، وبقي المقتاة ، وفيها طمع ، قيل لصاحب الأرض : إن شئت أن تأخذها وتحسب عليك كراء الأرض ما دام مقتاتك فيها ، فذلك لك ، وإن كان قبل وقت انقطاعها المعروف ، فإن كان أسلمها عن يأس منها لموتها وانقطاعها انقطاعا بينا ، ثم حييت بعد السقي والعلاج ، فهي لرب الأرض قال : وخلفة القرط والقصب لرب الزرع ، ما دام وقت ما أكري إليه الأرض ، فإن تم وقته ، فكما ذكرنا في المقتاة ، يحسب عليه ما أقام قرطه أو قصبه فيما على الكراء الأول ، ولو باع القرط ، فأكله المشتري ، فخلفته لبايعه ما لم يشترطه المشتري ، ولا يجوز أن يشترطه إلا في الموضع المعروف ، كيف تأتي خلفة المأمونة ، ما لم يشترط حبه .
ومن العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن اكترى أرضا ، فزرعها ، فأصاب البرد زرعه وقد استحصد ، فانتشر ، فنبت من قابل ، فالزع لرب الأرض ،
[7/160]
***(1/156)
[7/161]
ولو بذرها فيها بذرا ، فجره السيل إلى أرض رجل ، فنبت ، قال مالك : فهو لمن جره السيل إليه ، قاله سحنون ، في كتاب المزارعة وإن جره السيل إليه بعد أن نبت وظهر ، فهذا يكون لربه ، وعليه كراء الأرض ما لم يجاوز كراءها الزرع ، فلا يكون عليه أكثر منه .
قال في كتاب ابنه : وليس كالمخطئ والمخطئ كالعامد ، ولا يكون أسوأ حالا من المكتري للأرض سنة ، فتنقضي المدة وله فيها زرع أخضر ، وقد علم حين زرعه أنه لا يطيب في المدة قال مالك : له الزرع ، وعليه كراء زيادة المدة / يريد سحنون فإن كان رب الزرع مكتريا ، كان عليه كراء الأرضين جميعا . وروي أيضا عن سحنون ، أن الزرع لرب الأرض ، وعليه للآخر قيمته مقلوعا ، كما جره السيل ، قال أبو بكر : والقول الأول أحسن وقد قيل في البذر ، وعليه الكراء . قال سحنون : ، في كتاب ابنه : ولو قلع السيل من أرض شجرا يصيرها إلى أرض آخر ، فنبتت ، نظر ؛ فإن كانت إن قلعت وردت إلى أرضه نبتت ، فله قلعها ، وإن كانت إنما يقلعها للحطب لا ليغرسها ، فهذا مضار ، ولها القيمة ، وإن الشجر لو قلعت ، لم تنبت في أرض بها ، وإنما تصير حطبا ، هذا الذي مرت في أرضه نبتت ، فله قلعها ، وإن كانت إنما يقلعها للحطب لا ليغرسها ، فهذا مضار ، ولها القيمة ، وإن الشجر لو قلعت ، لم تنبت في أرض ربها ، وإنما تصير حطبا ، هذا الذي مرت في أرضه مخير ، بين أن يأذن لربها في قلعها ، أو يعطيه قيمتها مقلوعة ، فإن نقل السيل تراب أرض إلى أرض أخرى ، فإن وجد ربه نقله إلى أرضه ، وكان معروفا ، فله ، ذلك ، وإن أبى أن يفعله وطلبه من صار في أرضه أن ينحيه عنه ، ولم يلزمه ؛ لأنه لم يجن ، وكذلك لو وقع شجر حاره ، فأضر بها .
قال أصبغ ، في العتبية فيمن زرع في أرضه كمونا ، فلم ينبت وأبطأ ، فلم يشك أنه هلك ، فأكراها ممن غرس فيها مقتاة ، فنبت المقتاة ، ونبت معها الكمون معا ، فالكمون لربها ، ويقوم كراها الذي أكراها به على قدر ما انتفعا بها ، هذا بكمونه وهذا بمقتاته ، ويسقط من الكراء ما ناب الكمون ، وإن أضر الكمون بالمقتاة حتى نقصها في حملها وتمامها ، فليس له قلعه ، ولكن توضع عنه حصته
[7/161]
***(1/157)
[7/162]
من الكراء بقدر ما نقصت المقتاة ؛ لأن هذا من سبب الأرض وكذلك لو أبطلها ، لرجع بجميع الكراء ، ومصيبة / المقتاة منها لو غرسها ، فلم تنبت أصلا .
ومن كتاب المزارعة من العتبية ، قال عيسى عن ابن القاسم ، فيمن أعطى رجلا أرضا له عارية ، فزرع فيها قطنا ، فأثمر في عامه ، وجناه في عامه ، وبقيت أصوله ، فرمى وأثمر في عام قابل ، وتنازعاه ؛ قال رب الأرض : لم تزرعه إلا للعام الأول . وقال زراع القطن . وهو لي من زريعتي ، قال : إن كان القطن بالبلد يزرع كل عام كالزرع ، فحكمه حكم الزرع ، وهو لرب الأرض وقال بعد ذلك : أرى القطن لمن غرسه ، وعليه كراء ما شغل القطن من الأرض ، إلا أن يكون الكراء أكثر من القطن ، فلا يلزمه أكثر منه ، وثبت على هذا ، وقال : لأنه أصول وقال بعد ذلك في الزروع ، إذا لم ينبت أول سنة ، ونبت في السنة الثانية ، أنه كالغاصب في حاله كله ، إلا أن يكون الكراء أكثر من الزرع قال : وإن كان القطن أصولا تنبت في الأرض السنين الكثيرة ، كما تنبت في السواحل ، فأراه لرب القطن ، فإن أردا رب الأرض إخراجه ، ولم تقم له بينة أنه أعاد سنة واحدة ، وحلف رب القطن على دعوى رب الأرض ، فليعط رب الأرض لرب القطن قيمة الأصول . وذكر هذه المسألة من أولها ابن سحنون عن أبيه ع : أراه جعل اختلافهما في مدة العارية سنة ، أوجب لربها قيمته أصولا لا مقلوعا بعد يمين المستعير ، وكان الغرس كالحيازة ، بخلاف اختلافهما في مدة سكنى الدار .
فيمن زرع أرضا بغير إذن ربها
والأرض تستحق وفيها زرع للمكتري
أو لربها ، / أو لا زرع فيها وقد كراها
وكيف إن قيم فيها بشفعة أو فساد كراء ؟
من العتبية ، قال أصبغ : ومن تعدى فزرع أرض رجل ، فقام عليه ، بعد إبان الحرث ، وقد كبر الزرع واشتد ، فأراد قلع الزرع ، وقال : أريد غرسها مقتاة ،
[7/162]
***(1/158)
[7/163]
أو زرعها بقلا ، وهي أرض سقى يمكنه الانتفاع بها ، فليس ذلك له ، وليس له بعد إبان الزرع إلا كراها إن كانت أرض سقى يتبع بها ؛ لما ذكرت ، وإنما له ذلك إذا لم يفت إبان الزرع الذي فيها ، ولا حجة له أنه قلبها والكراء له عوض عن ذلك .
ومن الواضحة : ومن اكترى أرضا كراء فاسدا فكرمها وطيبها بالحرث ، والرجل ، وقطع الشعراة عنها ، فذلك فوت يصحح كراها تلك السنة يريد بالقيمة ـ ومن فعل ذلك بأرضه ثم استحقت أو استشفعت أو فسخ بيعها بفساد قبل أن يزرعها ، فله على الذي يرجع عليه قيمة ما غادر فيها من المنفعة ، ولا يبطل عمله فيها ، إلا أن يشاء من رجعت إليه الدار بأحد الثلاثة الأوجه ؛ أن يقرها بيد من كرمها وزبلها وقطع شعراها بكراها تلك السنة ، ليجوز عمله فيها ، فإن أبى ذلك الذي فعل هذا فيها ، فلا شيء له من قيمة ذلك ؛ لأنه قد مكن من إحراز عمله ونفقته ، فأبى وقاله كله ابن الماجشون ، وغيره ، وهو منهاج مالك ، في كتاب المزارعة ، ذكر من زرع أرض جاره غلطا .
في الأرض بين الشركاء يحرثها أحدهم بمحضر
من أشراكه أو بغير محضرهم / أو يحرثها هذا سنة
وهذا سنة ، وفي الماء بينهم يتعدى فيه أحدهم
من كتاب محمد ، قال ابن القاسم ، في أرض بين أشراك أو ورثة ، زرعها أحدهم بمحضر من الباقين حين لم تكن لهم قوة على الحراثة ، ولم ينكروا ، ثم طلبوا الكراء ، فإن كانت لو لم يزرعها ولا أكراها وهي بلد كراء ، وحلفوا ما سكتوا إلا ليقوموا بحقوقهم ، ثم لهم قيمة كراء حصتهم ، وإن كانت بلادا لا كراء لها إن تركوها ، مثل أرض المغرب ، لسعة البلاد ، فلا كراء لمن بقي .
قال أصبغ في أرض بين رجلين : فلا بأس أن يزرعها هذا سنة وهذا سنة ، فإن لم يمكن فيها العمل في العام الثاني ، رجع على صاحبه بنصف قيمة الكراء للسنة الأولى ، وإنما هذا في المأمونة ، ولا خير في أن يكريها هذا سنة وهذا سنة ، أن
[7/163]
***(1/159)
[7/164]
يزرع هذا سنة وهذا سنة ، لأنه أكرى من صاحبه بنصف ما يكري قابلا ، وهو مجهول وقال تسقى بينهما : فلهذا سقى الليل ، ولهذا اسقى النهار فأحل ماء صاحب الليل ، فعليه قيمته ، ولا يعوض ربه ماء النهار ، ولأنه مختلف وسقي الليل أفضل ، ولو كان له سقي الليل ، لأخذ منه سقي النهار . وكذلك في العتبية ، عن أبي زيد ، عن ابن القاسم . محمد : وإن أحب أن يأخذ سقي النهار بدلا من سقي الليل لحاجته ، ويتوخى قدر مائه ، فإن بقي له شيء وأخذ قيمته ، فلا بأس بذلك .
ومسائل الوكيل على أن يزرع فيغلط أو يتعدى ، في كتاب المزارعة والشركة .
جامع مسائل مختلفة من الأكرية
من سماع ابن القاسم ، قال مالك ، فيمن سكن منزل رجل ، فأنفق فيه مائتي درهم ، ثم أخرجه ، فلم تكن معه دراهم ، فقال له رجل : أنا أقضي عنك ، فأعطاه بها ثلاثة عشر دينارا ، فقال : أنا آخذ هذا المنزل بدرهمين حتى ينفد مالي عليك فلا يجوز ، ويفسخ الكراء ، وعليه قيمة الكراء ما سكن ، وله على رب البيت ثلاثة عشر دينارا . قال مالك : ومن سكن سنة بدينار ، فلما سمك شهرين ، أراد أن يأخذ ثلاثة دراهم ، فلا يجوز إلا أن يأخذ منه دراهم بقدر ما حل وسكن المكتري ، وما لم يسكن ، فلا يأخذ به ورقا حتى يحل . ابن القاسم ، في رجلين اكتريا أرضا ؛ فأكرى أحدهما حصته ، فلشريكه في كرائة الشفعة .
قال سحنون : وقد قال مالك ، في رجل : لا شفعة وقاله ابن القاسم ، ومن بينهما ثمرة تحبس ، فباع أحدهم نصيبه منها ، فللآخر فيها الشفعة .
وقال مالك ، في رجلين سكنا في منزل من منازل الإمارة فبذل أحدهما للآخر شيئا على أن يخرج عنه ، فكرهه مالك ، وقال : هو لا يدري متى يخرج عنه ، وليس إلى أجل ، أو كان مؤجلا ، لجاز ، فأما منازل الإمارة ، فلا ومن كتاب محمد ، والعتبية ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك : ومن اكترى من أرض الجزية ، فزاد
[7/164]
***(1/160)
[7/165]
فيها ، ويكتم ذلك ، فكره أن يشتري من طعام من يفعل ذلك ، وكره هذه القطائع من أرض مصر لمن أقطعه ، وكره إقطاعها ، وكره شراء قمحها ، قيل : فمن أكرى أرضا بالحنطة فزرعها ، أيشتري من ذلك القمح ؟ قال : تركه أحب إلي .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : وأكره للرجل / أن يحرث في أرض الخراج أو يقاربه ، وهي أرض مصر قاله مالك . محمد : كرهه ؛ لأنها أرض جزية ، ولدخوله في الذل والصغار وروي في ذلك وجه آخر لم يثبته قيل لمالك : فإن اكترى رجل هذه الأرض من رجل له مال من السلطان ، يضع عنه تلك الوجوه المكروهة ؟ قال : هي من أرض الجزية ، فأنا أكرهها ، قيل ولما فيها من الذل قال : رب أشياء لا يستطاع تفسيرها .
مسألة في الفدادين المنعزلة تختلط
وفي الشريك في الأرض يزرع جميعها لنفسه
من كتاب الشركة ، من العتبية ، قال عيسى عن ابن القاسم ، في قوم زرعوا فدادين متقاربة فاختلطت ، فلا يدرى فدان هذا من فدان هذا ، قال : يحلف كل واحد منهما على ما يذكر ، ثم يقسم الطعام على عدد ذلك .
ومن أشرك رجلا في أرض ، ثم زرعها الشريك كلها تعديا ، قال : عليه نصف كراء الأرض ، قال عيسى : حاضرا كان شريكه أو غائبا ، ويحلف أن كان حاضرا ما كان يتركه رضى بذلك الفعل .
تم الكتاب بحمد الله وحسن عونه
وتأييده وتسديده
[7/165]
***(1/161)
[7/166]
***(1/162)
[7/167]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الصلح والوكالات والبضائع
باب في الصلح يقع بما لا يجوز به عقد البيع ، هل يرد ؟
ومن صالح من استهلك شيئا على ما لا يباع به
قال ابن حبيب : قال مطرف ، وابن الماجشون ، في الصلح يقع بما لا يجوز عليه البيع ؛ مثل أن يدعي على رجل حقا ، فينكره ، فيصالحه / منه على سكنى دار سنة ، أو خدمة عبد سنة ، أو غلة دار سنة ، ولا يعرف الغلة ، أو من قمح على شعير مؤجل : إن ذلك [حرام]مفسوخ ، ويرد ، وما فت صحح بالقيمة على قابضه ، كالبع ، ويرجعان على الخصوم ، إلا أن يأتنفا صلحا يجوز ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « الصلح جائز بين المسلمين ، إلا صلحا أحل حراما ، أو حرم حلالا » .
قال مطرف : وأما أن وقع الصلح بالأمر الذي يكره ، ليس بصريح الحرام ، فالصلح ماض ، جائز ، وإن كان بحدثانه وقال ابن الماجشون : إن عثر عليه بحدثان ، فسخ ،
[7/167]
***(1/163)
[7/168]
وإن طال أمره ، مضى ، وأما أصبغ ، فيجيزه كله ؛ حرامه ومكروهه ، فإن كان يحدثانه ، ويقول : إنما هو شيء ، كالهبة . قال : لأنه لو صالحه بشقص ، لم تكن فيه شفعة ؛ لأنه كالهبة . قال : وهذا في مجارى الحكم ، وأما فيما بينه وبين الله [تعالى]فلا يحل له أن يأخذ إلا ما يجوز في التبايع ، وقد حدثين سفيان بن عيينة ، أن علي بن أبي طالب أتى بصلح ، فقال هذا حرام ، ولولا أنه صلح لفسخته ، وبقول مطر ف ، وابن الماجشون أقول . .
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، فيمن ذبح لرجل شاة ، فأعطاه بالقيمة شاة ، أو بقرة ، أو فصيلا ، فإن كان لحم شاة لم يفت ، لم يجز ؛ إذ له أخذها ، فصار اللحم بالحيوان ، وإن فات اللحم ، فجائز نقدا ـ يريد بعد المعرفة قيمة الشاة ولو استهلك له صبرة قمح لا يعرفان كيلها ، جاز أن يأخذ القيمة ما شاء من طعام من غير جنسه ، أو عرض نقدا ، وأما على مكيلة من قمح أو شعير أو سلت ، فلا يصلح إلا على التحري / ، وأما على كيل لا يشك أنه أدنى من كيل الصبرة ، فلا بأس به ، وكأنه أخذ بعض حقه ، ولا تبال أخذ قمحا أو شعيرا أو سلتا ـ يريد ها هنا ـ وإن لم يعرف القيمة .
ومن [العتبية]روى عيسى ، عن ابن القاسم ، ومثله روى ابن حبيب ، عن مطرف ، وابن الماجشون ، في قوم تنازعوا في منزل أو أرض ، ثم اصطلحوا على أن من أراد البيع ، لم يبع إلا من أصحابه ، فإن كان يعني بما أعطوه مما قل أو كثر ، لم يجز ورجعوا على وأي من أمرهم ، وإن كان على أنه عرضه وبلغ ثمنا ، أخذوه
[7/168]
***(1/164)
[7/169]
بالعطاء إن شاءوا ، أو تركوا ، ويبيع الآخر من غيرهم ، فذلك جائز في الصلح ، ولو وقع هذا في أصل البيع ، لم يجز ورد ، فإن فات ففيه القيمة . قال مطرف ، وابن الماجشون : إلا أن تكون القيمة أدنى من الثمن ، فلا ينقص من الثمن ، قالاهما وابن القاسم : ولو شرطوا أنه إن أراد البيع ، فلا يبيع من قلان ـ لرجل كرهوه ـ فذلك جائز في الصلح والبيع ، ولو كان شرطهم ألا يبيع إلا من فلان ، كان كقولهم إلا يبيع إلا منا ، ولو قالوا : على ألا يبيع ممن يضر بهم ، فأما في البيع ، فلا يجوز ، ويفسخ بذلك ، [فإن فات ذلك ففيه القيمة]، وأما في الصلح ، فقال ابن القاسم ، في رواية عيسى : أكرهه ، ولا أفسخه إن وقع . وقال مطرف ، وابن الماجشون : إن عثر عليه بحدثانه ، فسخ ، وإن طال أمره ، أو باع أحدهم مضى . قال عيسى : قال ابن القاسم : فإن باع من أحد ، فقالوا : هذا يضر بنا لم ينظر إلى قولهم ، ونظر فيه ؛ فإن كان ممن يخاف منه / ، لم يجز بيعه منه ، وإن كان مأمون الجانب ، جاز البيع ، قال ابن حبيب : فسألت أصبغ عن المسألة من أولها ، فكرهه في البيع والصلح ، وقال : لا يجوز . وقول مطرف وابن الماجشون ، أحب إلي .
في الصلح على ميراث يجهله الوارث
أو يحمل بعضه والتداعى في ذلك
والزوجة تصالح الورثة وللميت حمل
أو تصالحهم ، ثم يطرأ وارث
من العتبية ، روى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، فيمن مات بالأندلس وله بها تركة ، وترك مصر أو بالقيروان حظا في دار ، فصولح بعض الورثة عن جمع
[7/169]
***(1/165)
[7/170]
ميراثه من كل ما ترك وبينوا ما ترك بالأندلس ، ولم يذكروا ما بغيرها ولم يعرف الوارث كم حظه من ذلك الذي بمصر ؟ قال إن صولح على جمع تركته ، وكان الحظ الذي بمصر مجهولا ، أو كان معلوما ولم يره المصالح ، ولا وصف له ، ولا رآه رسوله ، فالصلح منتقض . قال : وإن قال الوارث المصالح : لم أصالح إلا عن ما ورثت بالأندلس ، ولا أعلم ما بمصر ، ولا صالحت عنه ، وأنا لا أريده . قال الآخر : قد دخل ذلك في الصلح ونحن نجهله ، فأنا أرد الصلح ، قيل له : أقم البينة أنه صالحك عالما بأن له بمصر مورثا ، وأنه مجهول ، فيرد ، وإلا حلف ما علم بمصر ولا أراد ، بالصلح إلا ما بالأندلس الذي نصصناه وبمضي الصلح ، فإن نكل ورد الصلح .
ومن سماع ق : ومن ترك مالا وعروضا ، وعليه دين ، فأراد ورثته صلح زوجته على ميراثها ، فإن كانت عروضه معروفة ، فذلك جائز ، وإن لم تكن / معروفة فلا أحبه . . .
وقال يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم : فإن صالح الولد زوجة الميت على مال ثم قدم ولد آخر ، فالصلح ماض ، والوارث القادم يأخذ حقه منهم أجمعين ؛ إن كان له السدس ، أخذ سدس مما بيد كل واحد ، وكذلك الربع أو الخمس . . .
ومن سماع ابن القاسم : ومن ترك جارية حاملا وورثة وزوجته ، فصالح الورثة الزوجة عن حقها ، فلا يجوز ، لأنها لا تدري ألها الربع أو الثمن إذا وضعت الجارية ولدا ؟ .
في الصلح يقع على ترك الأيمان
أو على ترك رد اليمين وإسقاط البينات
من العتبية روى أصبغ ، عن ابن القاسم ، في المتداعيين يصطلحان على الرضا ؛ بأن يحلف كل واحد الآخر فيما يدعي عليه على طرح بيناتهما ، أو على
[7/170]
***(1/166)
[7/171]
( أن ) من نكل ، غرم بلا رد يمين أو برد يمين ، فإن أتى بعد ذلك ببينة ، فلا شهادة لها ؟ قال : جايز ، ولو كان على أن ما ثبت على كل واحد ، منهما ، فهو مؤخر به إلى أ جل مسمى ، ولا خير في هذا إذا كان بشرط ، فأما إن تطوع به بغير شرط ، فهو جائز .
قال أصبغ : ولا أفسخ الذي أقر على أن يؤخره وأمضيه إذا وقع ، و ألزمه الإقرار وأجعل له التأخير ، ولا أجد في حرامه من القوة والتهمة بما أبطله ، وهو إما أن يكون حقا عليه فوخره به ، أو يكون باطلا فيتطوع به ، كالبينة ، ولا أعلم إلا أن ابن القاسم اختلف قوله فيه . .
ومن سماع ابن القاسم ، فيمن له على رجل دراهم ، فصالحه على أن يعطيه / كل شهر خمسة دارهم ، على أنه إن ادعى المطلوب أنه دفع إليه من ذلك شيئا بلا بينة ، أنه لايمن له على الطالب ن ؟ قال : لا يلزم هذا الشرط ، وله عليه اليمين إذا جحده .
وروى أشهب ، عن مالك ، فيمن أقام شاهدا بعشرة دنانير على رجل ، وكره أن يحلف على شاهده ، فقال لصاحبه : اطرح عني اليمين وأنا نؤخرك بها سنة ، قال : ما هذا بحسن ، أرأيت إن قال أعطيك عرضا ؟ قال أصبغ : قال ابن القاسم نه فيمن قام بحق ، وطلب يمين المطلوب ، فقال : لا تحلفني ، وأخرني سنة وأنا أقر لك ، قال : لا يجوز ، وهو سلف جر منفعة ، قلت فإن وقع ، أيبطل التأخير ، ويثبت الحق ، وهو يقول لم أقر إلا على التأخير افتداء من اليمين ؟ قال : بل يسقط عنه الحق والتأخير ، ويرجع على الخصوم .
[7/171]
***(1/167)
[7/172]
فيمن قال لغريمه : إن عجلت إلي حقي ، فذلك وضيعة كراء
أو قال الخصم : إن لم ألقك عند القاضي فدعواك حق
أو قال : باطل . أو ترك له شفعة على أنه متى ما أتاه قام فيها
قال ابن حبيب : قال مطرف ، عن مالك فيمن قال لغريمة : إن عجلت حقي اليوم أو إلى شهر ، فلك ضيعة كذا ، فعجله للوقت إلا درهم أو الشيء التافه ، أو بعد الوقت بيوم أو أمد قريب ، إن الوضيعة لازمة . قال مطرف كقول مالك في المستلم إليه في ضحايا يأتي بها بعد أيام الأضحى بيوم ، أنها له لازمة ، وإن شاء عد ذلك بالأيام ، وما بعد فهو مخير في قبولها ، أو بردها ويأخذها من ماله .
وقال أصبغ ، في / الوضيعة : لا تلزمه إذا جاء بالحق بعد الوقت باليوم أو ناقصا درهما . وقول مطرف أحب ( إلي ) ومن العتبية روى أشهب ، عن مالك ، فيمن له قبل رجل دين حال ، فقال له عجل إلي سبعين ، وأؤخرك سنة .
ففعل ، وكتب عليه بذلك ، ثم قال له : عجل إلي منها كذا وأعطيك ما بقي .
قال : أما بعدما وجب التأخير وكتب ، فلا ، وأما لو كان في المراوضة قبل الوجوب ، لجاز ذلك ، وله أن يأخذ منه عرضا أو حيوانا [معجلا ، فأما طعاما أو إداما فلا]يريده ، لأنه باع منه طعاما .
قيل : أفيأخذ من جنس طعامه أقل منه ؟ قال : لا . . .
قال عيسى ، فيمن صالح غريمه منم حق حال ، على أن يعجل له بعضه الساعة ، أو إلى أجل كذا ، ويسقط باقيه ، فيعجل له ما سمى وقتا ذكر إلا أن الدرهم أو النصف عجز عنه ، قال : ولا تلزمه الوضيعة ، وله شرطه ، قال سحنون ،
[7/172]
***(1/168)
[7/173]
فيمن له دين إلى أجل ، فصالح منه على تعجيل نصفه ، وترك نصفه ، فإن عثر على هذا قبل الأجل ، رد ما أخذ ، وكان له دينه إلى أجله وإن لم يعثر عليه إلى محله فله أخذه بما بقي من حقه . . .
قال ابن حبيب : وقال مطرف ، وابن الماجشون في الخصمين ، يقول المدعى الآخر : إن لم أوافك عند القاضي لأجل يذكره فدعواك باطل ، أو يقول المدى عليه : إن لم أوافك ، فدعواك لك حق مع يمينك . فإنه شرط لا يلزم ، ولا يوجب حقا ولا يسقطه ، ولو أراد المدعى عليه سفرا يتعلق به الآخر ، فقال له : دعني ، فإذا قدمت ، فأنت مصدق مع يمينك ، قالا : فذلك له لازم .
/ وإذا قال أحد الخصمين للآخر : إن لم أوافك عند السلطان ، فكراء دابتك علي . وكان السلطان في بعد قالا ، فذلك يلزمه وقاله أصبغ : وقال مطرف ، فيمن له شفعة ، فصالح في تركها على أنه متى ما بلغه أذى المشتري أو أذى ولده ، فهو على شفعته ، قال : لا يلزم ذلك ، وله القيام فيها متى شاء ومتى طلبه المشتري بالأخذ أو الترك ، فله ذلك ما لم يطل الزمان ، وطول الزمان عندنا في ذلك الشهور الكثيرة . وقال أصبغ : الصلح جائز ، والشرط فيه لازم لا يرجع الشفيع فيه حتى يكون ما استثنى ، وإن طلب المشتري أن يدع الصلح ويوفق له الشفيع على الأخذ أو الترك ، فله ذلك ، وهو كمقذوف عفا عن حده ، على أنه إن أذاه ، أو شتمه ثانية ، رجع فيه ، فذلك له لازم ، وكما لو شرط الشفيع في صلحهما أنه ترك الشفعة ، إلا أن يدخل عليه ضرر بالبيع متى ما باع من غيره ، فهو على شفعته ، فذلك له ، ويقول أصبغ أقول .
[7/173]
***(1/169)
[7/174]
في إقرار المدعى عليه بالحق عن الصلح
أو بعده ، أو يجد الطالب بينة ،
وكيف إن أشهد أني أصالحه لجحده
أو لغيبة بينتي ، ومن صالح عن سرقة
ثم وجدت ، أو أقر بها غيره
أو قال المطلوب إنما صالحت خوفا من السلطان
/ قال ابن حبيب : قال مطرف في المدعى عليه ينكر ، ثم يقول للطالب : هذا الذي يدعي علي حقا كان أو غيره ، هو كما يقول ، فصالحني ، فيقول المدعى : هذا إقرار منك ، ولا أصالحك . وقال الآخر : ما أعلم لك قبلي حقا ، وإنما قلت ذلك بوجه الصلح . قال : هو مصدق ، ولا يلزمه إقراره إلا ترى أنه إن أقر به إقرارا بينا ، ثم طلب الصلح ؟ وقال مثله أصبغ ، وقال مطرف ، في المدعى قبله سرقة ، فصولح فيها وهو منكر ، ثم أقر عنده أنه الذي سرقها ، فإن تمادى على إقراره ، قطع ، فإن كان مليا أخذ منه المدعى عليه الأول ما صالح به ، وأخذ المسروق منه تمام قيمة سرقته ، وإن كان عديما ، لم يلزمه شيء ، ولزم الصلح الأول ، ولو رجع عن إقراره قبل القطع ، درى عنه القطع ، وأتبعه المصالح بما صالح به ، والمسروق بتمام قيمة سرقته إن كان عديما ، وإن كان مليا فليعجله . وقال أصبغ . .
ومن العتبية ، روى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، فيمن ادعى على رجل أنه سرق له عبدا ، فأنكر ، فصالحه على مال ، ثم وجد العبد ، أنه يكون للمدعى عليه أنه سرقه ، وليس لسيده أخذه ، لأنه قد صار في ضمان الذي ودى المال بالصلح ، ولو طلب مؤدي المال أن يدعه لسيده ، وقد وجد صحيحا أو معطوبا ، ويأخذ ماله ، لم يكن له ذلك ، إذا أبى الآخر ؛ لأن الصلح وقع بأمر جائز .
ومن كتاب ابن سحنون ، من سؤال حبيب ، وعن الرجل يدعي على رجل أنه غصبه شيئا ، / أو سرق له دقيقا ، فيدعوه إلى السلطان ، ثم اصطلحا على أن
[7/174]
***(1/170)
[7/175]
أعطاه مالا ، وهو يقول للبينة : إني إنما أعطيه هذا خوفا من السلطان من ضرب السياط ، وما أخذت له شيئا ، فهل له أن يرجع عليه بهذا المال ؟ قال : ليس له ذلك ، وإلى من يتداعى الناس ؟ إلا إلى السلطان ، إلا أن يكون للمدعي من السلطان ناحية ويعلم أن السلطان يطاوعه ، فينظر في ذلك الحاكم باجتهاده ، ومن كتاب ابن حبيب ، قال مطرف : إذا جحد المطلوب الحق ، فصولح ببعضه على الإنكار ، ثم أقر بعد الصلح أن ما كان ادعى عليه حقا ، قال : يلزمه غرم باقي الحق . قال : ولا يشبه قول مالك ، فيمن صالح في غيبة بينته أو جهله بها ، أنه لا شيء له إذا وجد البينة ؛ لأن الأول مقر بالظلم ، وهذا مقيم على الإنكار . وقد قال مالك في الذي له ذكر حق فيه بينة ، فضاع ، فصالح غريمه على الإنكار ، وذكر ضياع صكه ، ثم وجده بعد الصلح ، أن له القيام ببقية حقه ، وفرق بينه وبين الذي يجد البينة على حقه بعد الصلح . قال مطرف : ولو أن ضاع صكه قال له غريمه : حقك حق ، فأت بالصك فامحه . وخذ حقك ، قال : قد ضاع ، وأنا أصالحك . فيفعل ، ثم وجد ذكر الحق ، قال : لا رجوع لهذا ، بخلاف الأول . وقال أصبغ مثله كله . وقال مطرف ، في الذي يدعى عليه الحق ، فينكره فيصالحه الطالب ، ويشهد أني إنما أصالحه لإنكاره ، وإني على حقي . قال : لا ينفعه ذلك ، ولا يجوز إشهاده عل شيء بخلاف ما وقع به الصلح . وقد أبطل / مالك البين إذا وجدها بعد الصلح . قال مطرف : إلا أن يقر المطلوب بعد الصلح على الإنكار ، فيؤخذ بباقي الحق . وقال أصبغ ـ ومسألة مالك الذي ذكر مطرف في الذي تلف صكه ، وقال لغريمه : إنما أصالحك لتلف صكي ، في العتبية من سماع ابن القاسم ، قال وقد أقر له ببعضه ، أن له القيام إذا وجده . وهناك مسألة في الذي صالح لغيبة بينته ، وقد حجده ، وأشهد سرا أنه يصالحه لذلك ، أن له القيام وجد البينة . وقال ابن القاسم . .
[7/175]
***(1/171)
[7/176]
ومن مختصر ابن عبد الحكم ، ومن جحد مالا ، فأقر له في السر ، ودعاه إلى الصلح ، ثم انطلق فأشهد سرا أنه إنما يصالحه ليقر له في العلانية ثم يقوم بحقه ، وصالحه في العلانية ، وأشهد عليه ، فلما فرغا خاصمه ، قال : الصلح لازم ، إلا أن يأتي بأمره من شهادة أو علم من أصل الحق .
وقال في موضع آخر من الكتاب : ومن كان هل بينة غائبة على حقه ، وجحده غريمه ، فصالحه ، وأشهد سرا أنه إنما يصالحه لغيبة بينته وجحوده ، وأنه يقوم إذا حضروا ، فالصلح يلزمه ، ولا قيام له .
ومن غير العتبية قال سحنون ، فيمن له قبل رجل دين يجحده ، ويقر له سرا ، فقال له : أخرني به سنة ، وأنا أقر لك به ، فيفعل ، وصالحه على هذا ، ثم قام عليه ، فإن كان أشهد سرا في : إنما أؤخره لأنه جحدني ، ولا أجد بينة ، وإن وجدت بينة ، قمت عليه . فذلك له إن أشهد بذلك قبل الصلح ، وقد علمت البينة أنه كان يطلبه / بذلك وهو يجحده . وفي باب المتداعيين يرضيان بشهادة فلان من معنى هذا الباب . وذكر ابن القاسم ، في المدونة أن الطالب إذا صالح خصمه ، ولم يعلم ببينته ، فله القيام إذا علم بها ، وأما إن علم بها في الصلح ، إلا أنها غائبة ، لم ينفعه ذلك . وروى أصبغ عن ابن القاسم : إذا كانت غائبة غيبة بعيدة جدا ، وأشهد أنه إنما يصالحه لذلك ، فله القيام . قال يحيى بن عمر ، عن سحنون : إذا ادعى عليه في دار ، فأنكر ، فصالحه ، ثم أقر له المطلوب ، فالطالب مخير ؛ إن شاء تماسك بصلحه ، وإن شاء أخذ الدار ورد ما أخذ .
في الصلح عن الغائب ، وعن الصغير ، وعن البكر
وصلح الوكيل والحميل ، وكيف إن ضمن المصالح ؟
قال ابن حبيب : قال مطرف : وابن الماجشون ، في القوم يصطلحون في مواريث بينهم ، وبعضهم غائب ، فيضمن الحاضر رضا الغائب إن كره الصلح أو ادعى شيئا ، كان هذا له ضامنا ، فلا يجوز هذا الصلح ، ويرد . وقاله أصبغ .
[7/176]
***(1/172)
[7/177]
قال أصبغ ، فيمن قال لرجل غائب ، عليه مائة دينار : هلم إلي خمسين ، وأحط عنك خمسين ، على أن أضمن لك تمام ذلك ، فإن كان الغائب بعيد الغيبة ، لم رجز ذلك ، وإن كان قريبا بحيث لا يصول بيت المال في يديه ، وذلك جائز .
قال مطرف ، وابن الماجشون : وإذا صالح الوكيل حيث لا يجوز له الصلح ، عن الذي وكله ، وشرطه المطلوب : إن لم يجزه الطالب ، فما أعطيت رد إليك ، فالشرط ماض ، ولا يكون الطالب أحق بما قبض وكيله من غرماء المطلوب إن قاموا ، ولولا الشرط ، لم يرد / هذا المال ، ولم يدخل فيه الغرماء ، ويتبع ما بقي ، ولو أن الوكيل قد قطع ذكر الحق ، وأماته كان ضامنا . وفي كتاب الوكالات صلح الوكيل أجنبيا عن المطلوب . .
قال مطرف : ومن ادعى أن أباه الغائب وكله على مصالحة غريمه ، فصالحه ، ثم ألفيا الأب قد مات ، فرجع أحدهما عن الصلح ؛ فإن كان على الوكالة بينة ، لزم ذلك جميع الورثة ، وإن لم يكن بينة ، لم يلزم الورثة ، لغا أن يشاءوا فيتم تم لا خيار للخصم إن رجع ، وإن شاءوا ردوه ، فلهم ذلك ، ويلزم المصالح في حصته إن شاء الخصم ذلك ، وإن أبى ، لم يلزمه ذلك ، ويرجع على رأس أمره ، ولو كان المصالح هو وحده وارث أباه ، لم يكن لأحدهما أن يرجع ، ولو رضيا بترك الصلح ، والرجوع إلى التداعي لم يجز ذلك ؛ لما فيه من الخطر ، لأن رد ما أخذ كبيع له بثمن لا يدري أيثبت له أم لا ؟ وكذلك كل مصطلحين ثم صلحهما ، فأرادا نقض ذلك على أن يرجعا إلى الخصام ، فلا يجوز ذلك . وقاله أصبغ . . .
وقال ابن الماجشون ، في والي اليتيم يصالح عنه ، فأما مطالبه ، فله صلحه بأن يضع بعضا ، ويأخذ بعضا إذا كان على النظر ، وأما ما يكون فيه مطلوبا هو أو أبوه فيما ورثه عنه ، فلا يجوز الصلح فيه عنه حتى تثبت الدعوى ، فيجوز صلحه على الهضيمة من ذلك .
[7/177]
***(1/173)
[7/178]
وقال أصبغ ، في التي ماتت عن زوج وأبوين وابن صغير ، فصالح الأبوان الزوج على أن أخذا منه ما ساقت ابنتهما من عندهما ، ويأخذ الزوج كل ما ساق إليها ، ولم يذكر الابن بشيء ، فأدى ميراث الصبي فيما أخذ الأب من ذلك / إن كان ذلك يشبه ويقارب ، فإن تفاحش ذلك انتقض الصلح ، ويأخذ الابن ميراثه من الجميع ، ثم يرجع الصلح في باقي ذلك على ما اعتدل وربا . قال : وإن كان الأمر غير متفاحش ، فلا يدخل على الابن في ميراثه نقصان ، ويأخذ ميراثه كله ، ويدخل نقض الصلح على الأب .
ومن كتاب ابن سحنون : وكتب شجرة إلى سحنون ، فيمن صالح على نفسه ، وعلى أطفال في حق يدعيه ، أو يدعى عن قبله ، وليس بخليفة ولا وصي ، فكتب إليه : يلزم الصلح في نفسه ، وينظر الحاكم للأطفال ؛ فإن كان ذلك نظرا لهم أمضاه ، وإن لم يره نظرا ، أبطله عنهم ، ولزمه هو في حصته .
ومن كتاب ابن سحنون ، قال مطرف وابن الماجشون ، في الأب يصالح عن البكر ببعض حقها : إما من ميراث زوجها أو من غيره ، أو من مصدق ، فإن كان حقها في عروض وأصول ، فلا بأس أن يصالح عنها بعين ، وإن قصر عنه حقها ، وإن كان حقها لا شبهة فيه ، ولا دعوى ، فذلك ماض إذا كان في ذلك نظر ناو إن أراد أن يضع من حقها على غير هذا ، وحقها ظاهر لا دعوى فيه ولا لبسة ، وذلك لا يجوز عليها ، وليرجع بحقها على ، هو عليه ، لا على الأب ، ثم ليس لمن هو عليه أن يرجع على الأب بشيء إلا أن يكون يحمل ذلك لابنته في ماله ، فترجع به الابنة على أبيها إن كان مليا ، وإن كان عديما ، رجعت على من كان عليه ، ورجع به ذلك على الأب ، فاتبعه به . قالا ، وإن لم يتحمل ذلك [الأب]لها في ماله ، والذي كان ذلك عليه عديما ، رجع به على الأب ، لأنه أتلف حقها / قال كله أصبغ . وقد ذكرنا في كتاب الخلع صلح الأب عن الابنة ، وخلع الوصي والأجنبي .
[7/178]
***(1/174)
[7/179]
قال مطرف ، في الحميل ينكر الحمالة ، فيصالحه الطالب في غيبة الغريم ببعض الحق ، إلى يريد أن يرجع ببقية حقه على الغريم ، قال : إن حلف ما صالح الحميل رضا عن جميع حقه ، فله أن يرجع ببقية حقه ، ولو أنه أشهد أنه إنما يصالح [الحميل ، لإنكاره وأنه على حقه]فلا يمين عليه .
ومن كتاب ابن سحنون : كتب شجرة إلى سحنون : فيمن صالح عن نفسه ، وكلته على الصالح ، وأشهدن له وأشهد هو على الصلح ، ثم جحد الصلح ، فقامت عليه به البينة ، [وبوكالة النساء إياه]على الصلح ، أيلزم النساء الشهادة على الصلح ، أم حتى يقوم لهن وكيل ، على الخصومة في الصلح ، والمدافعة فيه ؟ فكتب إليه : إن كان النساء حضورا أحضرن ، وإن غبن في قرب وثبت الصلح بالوكالة جلبن ، وإن بعدت غيبتهن ، أوقعت البينة على الجاحد ، فإن قدمن وكان لهن حجة ، قبلت منهن .
فيمن صالح على دار ، فاستحقت
أو صالح عن حق قضى له به ثم رجع القاضي عن قضيته
أو صالح من دعواه على شيء
فاستحق ذلك ، أو استحق ما فيه
من العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم ، فيمن ادعى عليه في دار بيده ، فصالح منها على مائة دينار ، ثم استحقت الدار ، قال : يرجع في المائة فيأخذها ، وإن استحق نصفها ، رجع بخمسين ، وكذا فيما قل أو كثر . قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون / ، فيمن قضى له بحق على رجل ، ثم يصالحه من ذلك على شيء ، ثم يرجع القاضي عن قضيته ، أن للمقضي عليه أن يرجع عليه
[7/179]
***(1/175)
[7/180]
فيما أعطاه صلحا ، كما يرجع لو أعطاه جميع الحق ، وقال مطرف : يمضي الصلح ، ولا يرجع بشيء مما دفع في الصلح ، بخلاف أن لو دفع إليه الحق من غير صلح ، هذا يرجع بما أعطى إذا رجع القاضي . وقال أصبغ مثل قول ابن الماجشون وبه أقول .
قال ابن القاسم ، في المدونة ومن ادعى شيئا بيد رجل ، ثم اصطلحا على الإقرار على عرض ، فاستحق ما أخذ المدعى ، فإنه يرجع بما أقر له به صاحبه فيأخذه بعينه إن وجده ، فإن فات بتغيير أسواق ، أو بدن أخذ قيمته ، وإن استحق ما بيد المدعى عليه ، والصلح على الإنكار . قال غير ابن القاسم ، في غير المدونة : أو على الإقرار ، فالأول يرجع بما أعطى ورأيت في كتاب يحيى بن عمر بخط يده مما قرأه علي البرقي ، عن أبي زيد ، عن أبي القاسم ، وهو عنه في المجموعة ، أنه قال : إن كان الصلح على الإنكار ، ثم استحقت السلعة بحضرة الصلح ، رجع الذي استحقت من يديه على الذي كان صالحه ، فأخذ منه مما دفع إليه ، وإن كان قد تطاول في مثل ما تهلك فيه البينات ، وينقطع فيه العلم ، فإن الذي استحقت من يديه ، لا يرجع على الذي صالح بشيء ؛ لأن الذي صالح يقول كانت إلي بينة عادلة ، فمنعتني أن أثبت حقي ، دفعتني بما أعطيتني ، فلما ذهبت بينتي ، وأخذت من يديك بالجور ، تريد أن ترجع علي . فلا أرى له عليه شيئا .
ورأيت / في كتاب الشرح عن ابن سحنون ، عن أبيه ، إذا استحق ما بيد المدعي ، وكان الصلح على الإنكار ، رجع بمثل ما أخذ في الصلح أو قيمته إن لم يكن مما له مثل ، وإن استحق ما بيد المدعي عليه ، لم يرجع على المدعى بشيء ؛ لأنه إنما دفع عن نفسه خصومته بما أعطاه ، لا بشيء ثبت له عليه . قال : وقد قيل : يرجع علي بما أعطاه أو بمثله إن فات ، أو قيمته إن كان مما يقوم . قال محمد : والأول أبين .
[7/180]
***(1/176)
[7/181]
قال محمد : وبلغني أن أبا بكر محمد بن اللباد قال : بعقب هذا الجواب : المعروف من قول أصحابنا ، أنه إن صالحه على الإنكار ، فاستحق ما بيد المدعي ، فإنهما يرجعان على الخصومة .
في المتداعيين يصطلحان على الرضا بشهادة فلان
وكيف إن أن أحدهما معه وارث صغير ، فكبر ، فقام ؟
وكيف إن وجدوا بينة كلهم ؟
قال ابن حبيب : قال مطرف ، فيمن هلك ، فقام كبار بنيه على رجل كان شريكا له ، فقالوا : بقيت له عليك مائة من الشركة ، فأنكر ، وقال فارقته ، ولم يبق له عندي شيء ، وفلان يعلم ذلك . فاصطلحا على الرضا بشهادة فلان ، فشهد أنهما تحاسبا ، وأبرأ كل واحد منهما صاحبه ، ثم قام الأصاغر عليه ، فقالوا : لا نرضى بصلحك على شهادة فلان . وطلبوا يمينه على المائة ، فنكل ، ورد اليمين عليهم ، فحلفوا أيأخذونها كلها ويدخل فيها الأكابر ؟ فقال : يسقط عنه حظ الأكابر ، / ويغرم حصة الأصاغر منها ، ليس نكوله كالإقرار ، ولو كان إقرارا دخلوا كلهم فيها . قال : ولو وجدا الأكابر والأصاغر بينة أن المائة عليه باقية ، فلا يغرم إلا حق الأصاغر ، ولا شيء للأكابر ؛ لأنهم قد صدقوا الشاهد الأول . وقال أصبغ مثله [قال]ولو كان الأكابر أوصياء الأصاغر ، لزمهم صلح الأكابر ، ولا طلب لجميعهم .
في العبد يوجد به عيب ، فيصالح منه
قال يحيى بن عمر : قال أصبغ ، في رجل اشترى عبدا بمائة دينار ، فوجد به عيبا ، فأراد رده ، فصالحه البائع على مال دفعه إليه دنانير أو دراهم أو عرضا أو
[7/181]
***(1/177)
[7/182]
طعاما نقدا أو إلى أجل ، وقد قبض المشتري العبد أو لم يقبضه ، فات عنده أو لم يفت ، عرفت قيمة العبد أو لم تعرف ، نقد الثمن أو ينقده . قال : إن كان العبد لم يفت ، جاز أن يصالحه على دنانير نقدا ؛ مثل قيمة العيب أو أقل ، عرفا قيمة العيب أو لم يعرفا ؛ لأنه إنما فيه الرد ، فليس فيه من المخاطرة بقيمة العيب شيء ، وكأنه اشتراه ببعض المائة ورد ما بقي ، قبض الدنانير في ذلك أو لم يقبضها ، إلا أنه إن كان قبضها ، لم يصلح إلا ردها نقدا أو بغير شرط في غير أجل ، فإن دخله الأجل [كان]بيعا وسلفا ، وإن رد دراهم في قيمة العيب قبل أن يتفرقا ، فجائز إن قبض الدنانير ، وإن لم يقبضها مكانه قبل أن يتفرقا ، وتكون الدراهم أقل من صرف دينار ، فإن كثرت صارت صرفا / وبيعا عند من يكره الصرف والبيع ، وأما عند من لا يكرهه ، فلا بأس به ، وإن كثرت ، ولا تكون الدراهم ، ولا شيء منها مؤجلة ، وكذلك الطعام وإن كان نقدا ، كائنا ما كان ، فلا بأس به ، والعروض كلها كانت الدنانير قد قبضت أو لم تقبض ، فإن كان إلى أجل ، فإن كانت الدنانير قد قبضت ، فلا خير فيه ، لأنه دين بدين وإن لم تقبض ، فلا بأس بالعروض والطعام إلى أجل ، إذا كان يصفه ؛ لأنه بيع مؤتنف ، بيع عرض معجل وعرض ، أو طعام مؤجل بدنانير نقدا ، فهو جائز . وهذا كله إذا كان العيب الرد فيه ثابت ولا شك فيه ولا موضع خصومة بمتري في رده ، أيلزم أو لا يلزم ؟ فإذا كان ذلك ، فلا خير فيه ، ويجري مجرى العيب غير اللازم فيما يحل ويحرم .
قال أصبغ : وإن فات العبد ونقد الثمن ، جاز أن يرد إليه دنانير نقدا ، أو دراهم نقدا ، أو عرضا نقدا بغير معرفتهما بقيمة العيب . وقد أجازه بعض أهل العلم ، وإن لم يعرفا قيمة العيب ، وكذلك الطعام كالعرض ، وإن كانت الدنانير أو العروض أو الطعام إلى أجل ، لم يجز شيء من ذلك ، إلا أن تكون الدنانير مثل قيمة العيب ، فأقل ، فذلك جائز ؛ لأنه معروف في التأخير ، وإن كانت أكثر لم يجز . قال : وإن كان الثمن لم يقبض حتى فات العبد ، ووجد العيب عيبا لمثله .
[7/182]
***(1/178)
[7/183]
أرش ، فجائز أن يطرح عنه من الدنانير ما شاء بعد معرفته بقيمة العيب ، أو قبل معرفته إذا اصطلحا عليه ، / وإن تشاجرا فبعد المعرفة ، وإن اصطلحا ، فلا بأس به ما كان ، ويأخذ البائع ما بقي ، وإن رد إليه البائع ودقا على أن يعطيه الثمن وافيا فذلك ، جائز بعد المعرفة بقيمة العيب ، قلت الدراهم أو كثرت ، ولا يدخله ها هنا صرف وبيع ، لأنه دين ثابت ، ومصارفة مبتدأة ، ويقبضها مكانه مع ماله قبله ، وإن لم يعرفا قيمة العيب ، لم يجز ؛ لأنه خطر ، وذهب وغير شيء ، ولا خير فيه إلى أجل على حال ، وأما على طعام أو عرض ، فإن عرفا قيمة العيب ، جاز ، كان الطعام والعرض نقدا أو إلى أجل ؛ لأنها مبايعة مؤتنفة إذا كان على صفة معلومة ، وإن لم يعرفا قيمة العيب ، لم يجز .
في الابن يصالح غرماء الأب على النصف ، على أن يحللوا أباه
أو يقول : وخروني بدينكم ، وأنا له ضامن
من العتبية من سماع ابن القاسم ، قال مالك ، فيمن هلك وعليه دين ، فقال ابنه لغرمائه : من يشاء منكم أن يصالحه على النصف ، ويكون أبي في حل ، فعلت ، ففعلوا ، قال : أراه قد برئ ، وأنه في حل من ذلك . قال : ومن ترك عليه ثلاثة آلاف دينار دينا ، ولم يدع غير ألف ، وترك وارثا واحدا ، فقال للغرماء : هرمز ، وأما إن كان معه وارث غيره ، فإن كان ما رحب في هذه الألف بعد وفاء الدين بين الورثة على فرائضهم ، فذلك جائز ، وإن كان ينفرد به الضامن ، لم يجز ، وكذلك أن ترك عرضا ، فيقول بعض ورثته : لا تكسروا عرضه ، ونحن نضمن لكم / فإن كان ما أصيب في العرض من فضل الدين ، كان بين الورثة ، فذلك جائز [وإن كان ينفرد به الضامن ، لم يجز].
[7/183]
***(1/179)
[7/184]
وروى ابن وهب ، عن مالك فيمن ترك مائتي دينار ، وعليه مائتان وستون ، فدفعت المائتان في دينه ، فقال ابنه لغرمائه : أنا أتحمل لكم بنصف ما بقي ، وتحللون أبي فيما بقي . ما أحب هذا ، وأنما يجوز أن يقروا بيده مال أبيه ، ويتحمل بدينه كله ، ويكبر الصغير وينمو بيده ، ولا يكون ما فضل له ولكن للورثة معه ، فهذا جائز ، وإن سلم إليه مال أبيه وتحمل ، ثم طرأ عليه دين آخر ، فطلب طالبه أن يغرمه أيضا ، وقال الابن : إنما تحملت بما علمت ، وقال : أرى ذلك له لازما أن يغرم لهم . وهذا الباب أكثره في كتاب الحمالة .
في رجل قتل رجلين عمدا فصالح أولياء أحدهما على الدية
وقام أولياء الآخر بالقود
من العتبية روى يحيى بن يحى ، عن ابن القاسم ، فيمن قتل رجلين عمدا ، وثبت ذلك عليه ، فصالح أولياء أحدهما على الدية وعفوا عن دمه ، وقال أولياء الآخر بالقود ، فلهم القود ، فإن استفادوا بطل الصلح ، ويرجع المال إلى ورثته .
في الصلح في الدماء ، ومن صالح من موضحة خطأ
ومن موضحة عمدا على شقص
وكيف إن زاد أحدهما الآخر عرضا ؟
قال ابن القاسم : / ومن جرح رجلا موضحة خطأ ، وموضحة عمدا ، فصالحه منهما على شقص في دار ، فإن الشقص يقسم على الموضحتين ، فيأخذه الشفيع بخمسين دينارا وهي موضحة الخطإ وبنصف قيمة الشقص عن موحضة
[7/184]
***(1/180)
[7/185]
العمد ، وقال ابن نافع في غير المدونة يأخذه بقيمة الشقص ، إلا أن تكون القيمة أقل من خمسين قدر موضحة الخطأ ، فلا ينقص منها . وقال المغيرة : يقوم الشقص ، فإن كانت قيمته مائة ، حمل عليها خمسون لموضحة الخطأ ، فأصبنا قيمة الشقص الثلثين من ذلك ، فيستشفع بخمسين دينارا ، بثلثي قيمة الشقص ، ثم على هذا الحساب إن كانت القيمة أقل أو أكثر يعمل . وقال سحنون بقول ابن نافع ، وقال : ليس غير هذا بشيء ؛ لأنه قد يضمن الشقص بشيء معلوم وهو دية موضحة الخطإ ، وشيء مجهول . وهو موضحة العمد ، فالمعقول خمسون دينارا ، فإن كانت قيمة الشقص أزيد من ذلك ، علمنا أن الزائد المجهول من العمد ، وإن كانت القيمة أقل لم ينقص من المعقول وبه قال ابن المواز ، وابن حبيب ، ويحيى بن عمر قال يحيى : ولو صالحه منهما بهذا الشقص ، وبعشرة دنانير ـ يريد على أصل ابن القاسم ـ فالعشرة مأخوذة من موضحة الخطإ ، فبقي منها أربعين ، وبقيت موضحة العمد ، فيقسم الشقص على ذلك ، فيأخذه بأربعين ، وبخمسة أتساع قيمة الشقص ، وإن صالح منهما على شقص وعرض ، قيل : ما قيمة العرض ؟ فإن قيل : عشرون . كان منه لكل موضحة نصف عشرة ، فيأخذ الشقص بأربعين ، وبنصف قيمة الشقص [ما بلغ].
/ قال أصبغ : وإن كان على شقص وعبد ، وقيمة العبد كقيمة الشقص ، فقد أخذ العبد بنصف الموضحتين ، وبقي للشقص نصفها ، فيأخذه بنصف موضحة الخطإ ، وبنصف قيمة الشقص ما بلغ ، وإن كان العبد هو الثلث من ذلك ، أو الربع ، أو الثلثين ، فيما بقي للشقص فهو للموضحتين ، وإن كان العبد الثلث ، فهو بثلث الموضحتين ، وكذلك إن كان ربعا فهو ربعهما ، وفي الثلث يأخذ بثلثي دية موضحة الخطإ ، وبنصف قيمة الشقص ، وفي الربع بثلاثة أرباع دية [الموضحة الخطإ وبنصف قيمة الشقص]قال أصبغ : ولو كان
[7/185]
***(1/181)
[7/186]
المجروح هو معطى العبد مع الجرحين حتى أخذ الشقص ، فإن كانتا جميعا خطأ ، أخذ الشقص بديتهما وبقيمة العبد ، وإن كانتا عمدا جميعا ، نظر إلى الاجتهاد في عقلها كم ذلك ؟ وكم قيمة العبد من قيمتها بالاجتهاد ؛ فإن كان العبد ثلث ذلك ، أخذ الشقص بقيمة العبد . وبثلثي قيمة الشقص ، وعلى هذا إن كان أقل أو أكثر ، وإن كانت واحدة خطأ ، والأخرى عمدا ، نظر إلى عقل الخطإ ، وإلى مبلغ عقل العمد بالاجتهاد ، موضحة كانت أو غيرها ، وإلى قيمة العبد ، فعرف ذلك كله ، وأخذ الشفيع به . قال أبو محمد : أدى أصبغ يريد إن كانت قيمة العبد بالاجتهاد ، وقدر الثلث من الجميع ، أخذ الشقص بخمسين للخطإ ، وبقيمة العبد ، وبثلث قيمة الشقص ، ثم على هذا ، الحساب وجرى كلام أصبغ على أن موضحة العمد مقومة بالاجتهاد ها هنا ، وجعلها في الصلح / منهما على شقص من غير عطية من المجروح على معنى [قول]ابن القاسم ، أن المأخوذ مقسوم على الموضحتين بالسواء ، ولم يجعل ، للعمد قيمة مبتدأة بالاجتهاد . وكلام يحيى في الذي صالح منهما على شقص وعرض جعله مثل ما لو أخذ شقصا ودنانير ، وليس يستوي ذلك ، وكلام أصبغ أصح في العرض المأخوذ مع الشقص ؛ لأن العرض [ليس]هو الواجب في الموضحتين ، ولا في أحدهما ولا بعضهما ، وهو مأخوذ مع الشقص في ثمن معلوم ودم لا قيمة له معلومة ، فالمأخوذ كله مقسوم على الموضحتين ، وأما إذا أخذ دنانير ، فقد أصبنا الخطأ من الموضحتين الواجب فيها . قال : فأصرفنا ما أخذ من المال فجعلناه عنها ، ونظرنا ما بقي من المال ، فصار الشقص به مأخوذا وبموضحة العمد ، فقسم ذلك على ما بقي من الخطإ ، وعلى جميع العمد ، وأصل ابن القاسم أنه ساوى بين موضحة العمد والخطإ في القيمة ، وأصل أصبغ يجتهد في قيمة العمد ، ولو قيل : إن مجرى كلام ابن القاسم أن يقسم ما أخذ من عين أو عرض مع الشقص على الموضحتين ، ثم بتمثيل ذلك لكان
[7/186]
***(1/182)
[7/187]
صوابا إن شاء الله ، وذلك أن يأخذ بهما شقصا وعشرة دنانير ، فكأنه أخذ للموضحتين شقصا عشرة ، وذلك مقسوم بين الموضحتين ، سواء ، على أصل ابن القاسم ، فأصبناه ، أخذ في الموضحة الخطإ خمسة دنانير ونصف شقص ، فكان ثمن ذلك النصف شقص خمسة وأربعين دينارا بقية موضحة الخطأ ، وأخذ من موضحة العمد خمسة دنانير ونصف شقص ، وقيمتها مجهولة ، فقلنا : فأخذ النصف الآخر بنصف قيمة / الشقص ، ولو أن رجلا [في]موضحة عمدا ، وأخذ فيها عشرة دنانير وشقصا ، ما وجب أن يأخذ الشفيع الشقص إلا بقيمته ما بلغت ، إذ لا قيمة لموضحة العمد معلومة حتى يحط منها العشرة المأخوذة ، وهذا يقوى كلام ابن نافع الذي اختاره سحنون ، وهو أقوى الأقاويل ، إن شاء الله .
باب جامع مسائل الصلح وغير ذلك
قال ابن حبيب : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « نعم الصلح الشطر » .
وقال مطرف ، فيمن حكم له بحق ، ثم صالح منه على شيء ، فطلب المقضي [عليه]قطع القضية ، فمنعه المقضي له ، فللمقضي له منعه من ذلك ؛ لأن القضية وثيقة له فيما أخذ بالصلح ، وليتوثق المقضي عليه بكتاب بالصلح بتاريخ بعد تاريخ القضاء ، ويذكر القضاء في صلحه . وقاله أصبغ .
ومن العتبية من سماع عيسى ، قال ابن القاسم ، فيمن مات مولى لجده ، فطلب ميراثه أو مالا طرأ للجد ، فأقام شاهدين أنه أقعد الناس بفلان اليوم ، وقد مات المولى منذ سنين ، فلا ينتفع بذلك حتى يشهدوا أنه أقعد الناس به يوم مات
[7/187]
***(1/183)
[7/188]
المولى ، فإن لم يقم أحد غيره ، استوفى بذلك ، ولا يعجل ، ويكتب في ذلك إلى ذلك الموضع ، فإذا أيس من ذلك ولم يأت غيره ، قضى له بذلك ، وأخذ منه حميل ثم ضعف أمر الحميل إن أبى إن يعطى حميلا .
ومن كتاب ابن سحنون ، وكتب شجرة إلى سحنون ، فيمن أدعى على رجل حصة في منزل في يديه ، فصالحه على الإنكار / بشيء دفعه إليه ، ثم أنكر الصلح ، فشهدت عليه البينة أنه صالحه على قطع دعواه من جميع ما ادعى قبله في هذا المنزل ، وقد وجدوا المنزل ولم يجدوا الحصة التي فيها الدعوى والصلح ، فكتب إليه : إذا كان في الصلح أن المدعى والمدعى عليه عرفا ما تصالحا فيه ، فذلك جائز ، مع أنه رجل في يديه منزل ادعى فيه أحد بحق ، فصالحه ، فيه على قطع دعواه من جميعه ، فلا أرى له في جميع المنزل شيئا .
تم كتاب الصلح
والحمد لله
[7/188]
***(1/184)
[7/189]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الوكالات والبضائع
باب فيمن وكل على طلب عبد أو ربع
ولم يصفه ، أو على طلب آبق ، هل يخاصم فيه ؟
أو على الخصومة ، هل يتعداها أو يتركها وقتا
ثم يقوم بها ؟ أو فوض إليه ، هل يصالح ؟
ومن فوض إليه الإقرار والصلح
ومن صدق الوكيل إلى الوكالة
من العتبية قال عيسى ، وذكر مثله ابن حبيب ، عن مطرف ، وابن الماجشون ، فيمن وكل على طلب عبد أبق ، أو [غيره]فوجده بيد مبتاع ، هل يخاصم فيه ويقم البينة ؟ قال : لا يمكن من ذلك حتى يقم بينة أن ربه وكله على الخصومة فيه ، فإن أثبت ذلك ، فلا بد أن تعين البينة أنه هذا العبد .
قال مطرف ، وابن الماجشون ، أو يشهدون على صفة السيد للعبد ، فوافق ذلك صفة العبد . قالا : أو يقولون وكله على الخصومة في كل عبد هو له ، قالا : فحينئذ يقيم البينة على ذلك الأمر / أنهم لا يعلمونه باع ولا وهب
[7/189]
***(1/185)
[7/190]
ولا خرج من يديه ، ولا يحلف الوكيل مع البينة بذلك ، ولكن يكتب إلى ربه إن قريت غيبته ، فيأتي فيحلف ، وإن بعد ، كتب إلى إمام بلده أن يحلفه على ما ذكرنا ، فإذا جاء كتابه بيمينه أنفذ القضاء .
قال عيسى : وإن كان مات ربه ، انفسخت الوكالة ، فإن وكله الورثة ، فليحلف البالغون أو من بلغ منهم ، ما علموا الميت باع ولا وهب .
ومن العتبية روى سحنون ، عن ابن القاسم ، فيمن وكل رجلا على طلب عبده فلان ، أو على صفته ، فإن لم تشهد البينة على صفته ، لم تجز الوكالة ، وعلى طلب دار مثل ذلك .
قال اصبغ : وأن وكله على خصومة في شيء ، فإنه لا يعدوها . قال في ذلك : إنه بمثابته ومحل نفسه أو لم يقل ، وليس له إلا الخصومة ، ولا صلح له ولا إقرار ، إلا أن يجعل له الصلح والإقرار ويقيمه فيها مقام نفسه ، فيكون كذلك .
قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في التي وكلت في خصومة في قرية ، وفوضت إليه ، وجعلت أمره جائزا فيما يصنع ، فباع الوكيل القرية بعد أن صالح فيها ، ولم يشاور المرأة وهي قريبة منه أو بعيدة ، فلا يجوز بيعه إذا باع بعد حوزه للقرية ، ولم يأخذ فيها مالا عن صلح ولا مقاطعة [وكذلك من وكل على طلب مال بالمشرق ، ورأى أنه مفوض إليه]وأمره جائز فيما صنع وباع ما ظفر به ، وبينه وبين الآمر مسيرة أشهر ، فلا يجوز بيعه إذا لم / يقر الآمر أنه أمره بالبيع .
قال عيسى : وإن وكله على تقاضى ديونه والنظر فيها ، فليس له أن يصالح عنه ، وإن كان من النظر له ، وكذلك إن كان الغريم عديما أو مليا ، فليس له أن يضع [بعض]ما عليه ولا يلزم الآمر إلا أن يشاء .
[7/190]
***(1/186)
[7/191]
ولو فوض إليه في الصلح ، جاز صلحه ووضيعته ، إذا كان ذلك بوجه النظر للآمر ، ولو لم يأذن له في الصلح وقد صالح الوكيل [أجنبيا]وأدى من ماله عن الغريم شيئا ، على أن يبرئ الغريم مما بقي ، فرد ذلك الآمر ، فللأجنبي أن يأخذ ما ودى من ماله ، إلا أن يمضي الآمر الصلح .
وروى مثله ابن حبيب ، عن مطرف ، وابن الماجشون ، وأصبغ . قال عيسى : ولو شرط الأجنبي على الوكيل أن الآمر أن لم يرض ، رددت إلي مالي ، لم يجز هذا على أن ينقده ما صالحه عليه ، وكأنه سلف بنفع ، ويفسخ الصلح ، ويرد المال ، ويأتنفون صلحا إن شاءوا .
وروى ابن سحنون ، عن أبيه ، في الوكيل على خصومة رجل ، فلم يقم الوكيل بالخصومة إلا بعد عامين ، ثم قام بغير تجديد وكالة ، فإنه يسأله الذي وكله إن حضر هل خلعه أم لا ؟ وإن كان غائبا ، فالوكيل على وكالته حتى يعلم أنه خعله . وفي كتاب الصلح شيء من صلح الوكيل وضمانه .
قال ابن حبيب : قال مطرف ، وابن الماجشون ، في الوكيل المفوض إليه [النظر في كل الأمور]، فلا بأس أن يصالح غرماءه على النظر ، ويلزم ذلك الموكل كصلح الأب والوصي ، فأما وكيل على تقاضي دين / مفوض إليه [فيه]فلا صلح حتى يفوض إليه الصلح .
ومن كتاب ابن سحنون ، من سؤال ابن حبيب : عمن أتى برجل إلى الحاكم ، فقال : إن فلانا وكلني على قبض دينه منك ، وهو كذا . أو مهر زوجتك قد وكلتني على قبضه ، فصدقه في الوكالة ، هل يقضي له عليه ؟ قال : إن أقر المدعى قبله بالدين وبالوكالة ، أمره بالدفع إليه ، ثم إن جاء الطالب أو الزوجة ، فأنكرا أن
[7/191]
***(1/187)
[7/192]
يكونا وكلاه ، كلف المطلوب أن يدفع إلى هذين دينهما ، لأن الحاكم ، إنما أمره أولا بالدفع لإقراره بالوكالة ، والمصيبة منه . قال : وإن كان المطلوب منكرا للدين ، لم يجب لهذا وكالة ، وإن أقر له بهذا المطلوب ، ولا تجعله له خصما ، فيضر ذلك بالغائب .
في موت الوكيل أو الموكل ، وهل يوكل الوكيل غيره ؟
وفي الوكيل يعزل ولا يعلم
وموت أحد الوكيلين أو الوصيين ، هل تورث الوكالة ؟
وهل لولد الميت القيام بما كان بيد أبيه من ذلك ؟
قال محمد بن إبراهيم المواز ، في الوكيل إذا مات من وكله ، أو أشهد الآمر بعزله ، فوقع فعله بعد ذلك من بيع باعه أو قبض دين ، أو قضاء ، أو إنقاذ صدقة أمر بإنفاذها ، قال كل ما فعله بعد علمه بموت الأمراء أو عزله إياه . فليس بين أصحاب مالك اختلاف أنه ضامن ، ولا يبرأ من دفع إليه إذا لم يثبت عند الحاكم بينة بوكيله على القبض ، وإذا علم الدافع بعزله ، أو بموت الآمر ، ثم دفع ، فلا يبرأ ، ثبتت / وكالة الوكيل بينة أم لا ، وأما إن دفع قبل علمه ؛ فذهب ابن القاسم ، أنه لا يبرأ من دفع إليه ، وإن لم يعلم ، رأينا ذلك لا يصح ؛ إذ لا يشاء أحد أن يوكل على تقاضي حقه ببلد آخر ، ثم يشهد بعزله بعد خروجه ، أو يرفع إليه مالا يدفعه إلى رجل صدقة أو غير صدقة ، ثم يفسخ وكالته ولا علم له ، فهذا غير معتدل . وقال ابن القاسم ، من رأيه إذا ولي الوكيل بالبيع ، ثم فسخ الآمر وكالته ، فقبض الثمن قبل علمه ، وعلم المشتري ، قال : لا يبرأ المشتري . وأبى ذلك أصحاب ابن القاسم ، ولم يرضوه ، وخالفه عبد بن عبد الحكم ، وقال نحو ما قلت لك .
قال محمد ابن المواز : وكذلك إن أعطاه نفقة أمره أن ينفقها على عياله ورقيقه ، فأنفقها عليهم ، ثم قامت بينة أنه طلق زوجته وأعتق رقبة قبل الإنفاق ، وهو لا يعلم ، فلا ضمان عليه . وهو قول مالك في المرأة تنفق بعد الطلاق ثلاثا
[7/192]
***(1/188)
[7/193]
من مال زوجها ، وهي لا تعلم ، فلا رجوع على الزوجة به ولا على المأمور ، وما أنفقته بعد علمها ردته ، وتصدق أنها لم تعلم ، مع يمينها . قال مالك : وأما في موته ، فهي تغرم ، علمت بموته أو لم تعلم . قال محمد إنها أنفقت من غير ماله ، فيستوي في هذا علمها وغير علمها . وهو قول ابن القاسم ، وأشهب . وروي عن مالك ، في الوكيل يبيع ويشتري بعد موت الآمر ، ولا يعلم ، فلا ضمان عليه ، إلا أن يكون عالما بموته . وكذلك ينبغي أن تكون في الحجر عليه إذا لم يعلم الوكيل ولا الغرماء أن قبضه نافذ ، وجميع أفعاله [نافذة]قال : ولو علم الوكيل ، ولم يعلم من دفع إليه ، قال : فالدافع إليه برئ إذا كانت / البينة على الوكالة ، ولا يبرأ الوكيل إذا تلف ما قبض ؛ لعلمه بعزله .
قال محمد بن عبد الحكم مثل اختيار ابن المواز ، وقال : لا فرق بين الموت [وعزل الحي إياه]، والقياس على قول مالك في إنفاق الزوجة بعد الطلاق ، أنه يبرأ من دفع إليها ، وفي الموت كان أحرى ، لأن الميت لم يفرط ، وإذا باع الوكيل ما أمر ببيعه بعد أن خلع الآمر ولم يعلم ، فالبيع ماض ، وكذلك بعد الموت ، وكذلك لو باعها الآمر ثم باعها المأمور ، فلا شيء على المأمور ، ومن " العتبية " ، قال أصبغ ، وابن القاسم ، وفي الرجل له وكيل [ببلد]يبيع له متاعه ، فمات الآمر قبل قبض الوكيل الثمن ، فإنه فلا يقبضه إلا بتوكيل الورثة ، وإن ولي البيع . وقد قال مالك في الوكيل على اقتضاء دين ، فيموت الآمر قبل قبض الوكيل : إن الوكالة تنفسخ ، ولا قبض له [قال أصبغ : هذه صواب . والأول بخلافها ، لأن الأول هو المعامل للمبتاع ، فلا يبرأ بدفعه إلى غيره ، فعليه أن يدفعه إليه ما لم يوكل والوراث
[7/193]
***(1/189)
[7/194]
غيره بالقبض بعد موت الميت ، ثم الإمام الناظر فيه بعد قبض الوكيل ، إياه بحسن النظر والوثيقة].
وقال ابن حبيب ، عن مطرف : كل وكيل ، فإنه إذا مات الآمر ، فهو على وكالته ، ويجوز قبضه وخصومته ودفعه حتى يعزل له الوارث ، أو يوكل بذلك غيره .
قال أصبغ : تنفسخ وكالته بموت الآمر ، ولا يجوز خصومته ، ولا اقتضاؤوه ، ولا القيام بمدفعه حتى يوكله الوارث ، إلا أن يموت عندما أشرف الوكيل على تمام الخصومة له أو عليه ، وبحيث لو أراد الميت فسخ وكالته ، ويخاصم هو أو يوكل بذلك ، لم يكن له / ذلك ، وما كان من يمين كان يحلفها الآمر حلفها الورثة إن كان فيهم من بلغ علم ذلك ويقول أصبغ قال ابن حبيب .
ومن " العتبية " قال سحنون : قال أشهب ، في الوكيل على تقاضي الدين يفسخ الآمر وكالته ، فإن علم الوكيل بالفسخ ، أو علمه المطلوب لم يبرأ بالدفع إليه ، وإن لم يعلما ، برئ بالدفع إليه ، وكذلك إن وكله ببيع عنده ، ففسخ وكالته ، ثم يبيعه ، فالبيع جائز ، إلا أن يبيع بعد العلم منه ، أو من المبتاع بالفسخ ، فلا يجوز .
قال : والمتفاوضان . إذا افترقا وقد باع أحدهما بيعا ، فإن اقتضى الثمن الذي باع [به]بعد الافتراق ، برئ الغريم وإن علم بافتراقهما ، إلا أن يأمر الشريك إلا يقبض إلا نصيبه ، فلا يبرأ الغريم بالدفع إليه بعدما نهى ، وإن لم يعلم النهي ، قال : وإن دفع للذي لم يبايعه ، لم يبرأ من نصيب الآخر ، علم بافتراقهما أو لم يعلم ؛ لأن
[7/194]
***(1/190)
[7/195]
الذي لم يبع إنما كان وكيلا على القبض ما داما شريكين . وروى يحيى بن يحيى ، عن ابن وهب في الوكيل على قبض حقوق ، والنظر في رباع ، ثم مات الوكيل ، فليس ولد الوكيل بمثابته ، ولا للوكيل أن يوكل في ذلك غيره في حياته أو مماته ، إلا أن يفوض إليه في التوكيل والإيصاء بذلك ، وإلا فلا ، ولا يورث عنه .
وأمر ما كان بيده إلى الإمام يوكل عليه من رآه الغائب حتى يرى فيه رأيه .
قال ابن وهب : وأما الوصي ؛ فله أن يوصي بما إليه من ذلك ولا يورث عنه إن لم يوص به .
قال يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم : وإذا وكل رجلين على تقاضي دين ، ومات أحدهما ، فليس للحي تقاض إلا برأي / القاضي ، وأحب إلي أن يوكل القاضي رجلا يرضاه يقتضي معه إن وجده من أهل بلدة المستخلف ، إن خاف القاضي أن يتلف ماله ، ورأى للتوكيل وجها ، وإن كان المستخلف قريبا وديونه مأمونة ، أمر الحي من الوكيلين أن يتوثق من الغرماء حتى يأمن على الدين التلف ، ثم يستأنى به حتى يجدد الآمر وكالته ، قال سحنون : وكذلك إن مات أحد الوصيين ، فليس له أن يوصي بما إليه من ذلك إلى غيره ، والإمام ولي النظر في الباقي ، إن رأى أن يقره وحده ، أو يجعل معه غيره فعل .
قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في الوكيل على خصوم ، أو تقاض أو غير ذلك ، فليس له أن يوكل بذلك غيره ، ولا يوصي به إلى غيره ، وإنما ذلك للوصي في حياته وعند وفاته . قال ابن حبيب عن مطرف ، وابن الماجشون : ليس للوكيل أن يوكل بذلك غيره ، إلا أن يشترط له ذلك الآمر أن له أو يوكل من رأى ، فذلك له . وقال أصبغ .
[7/195]
***(1/191)
[7/196]
وروى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، في الوكيل على شراء متاع بمال قبضه ، فيدفع الوكيل ذلك إلى بعض غلمانه أو إلى من يلي له شراء جهازه ، ويأمره بذلك ، فيتلف [المال]، قال : إن علم الآمر أن مثل الوكيل لا يلي مثل ذلك بنفسه ، وإنما يوكل به غيره ، فلا شيء عليه إذا دفع ذلك إلى من قد عرف بالاشتراء له والقيام في مثل ذلك من أمره ، وإن كان الآمر لا يعلم بشيء من هذا ، فإذا خرج المال من يد الوكيل ، ضمنه ، كان من يلي مثل ذلك أو ممن لا يليه .
وفي كتاب الإقرار شيء من هذا المعنى وبالله التوفيق .
في موت المبعوث إليه البضاعة والصلة أو الدين
أو موت الرسول أو الباعث
وفي شهادة الرسول [في ذلك]
وكيف إن توانى في دفعها حتى هلك ؟
قال ابن حبيب ، عن مطرف ، وابن الماجشون ، في المبعوث معه ببضاعة أو دين إلى رجل ببلد آخر ، فيموت الباعث قبل وصول ذلك ، هل للرسول دفع ذلك ، ولا يصدقه الوارث بالوكالة ؟ قالا : إن كان له بينة بالإرسال ، فعليه أن يدفعها ببينة ، ولا شيء عليه ، وإن لم تكن [له]بينة ، فليس عليه دفعها حتى يصدقه ورثة الباعث ، وإن لم يصدقوه ، كان شاهدا للمبعوث إليه إن كانت البضاعة دينا أو حقا ، وإن كانت صلة أو هدية ، فلترد إلى ورثة الباعث ، إلا أن يكو قد أشهد عليها عند الإرسال ، وقاله أصبغ .
[7/196]
***(1/192)
[7/197]
قال مالك ، في العتبية من سماع ابن القاسم ، وهو في كتاب ابن المواز ، فيمن بعث مع رجل ببضاعة إلى رجل لا يدري الرسول ، لم بعث بهذا ؟ فوجد الرجل قد هلك ، فوجد وصية ، فطلب وصيه قبضها ، قال : أرى أن يردها الرسول إلى الباعث ، قال محمد : ولو علم أنها صلة ، فذلك سواء ، إلا أن يكون أشهد في الصلة على إيتال ماله ، فينفذ ذلك إذا مات بعد إشهاد الباعث ، ولا تبالي مات الباعث أو المبعوث إليه ، ولو بعث بنفقة إلى أهله ، فمات أهله ، وقد كان أشهد بها الباعث وابتلها ، فعلى الرسول رده ، وإلا ضمن ، إذ ليست بصلة ولا دين .
وكذلك الباعث بالصلة مع رجلين / وعرفهما أنها صلة منه لفلان ثم مات الباعث ، والمبعوث إليه ، فلا تجوز شهادتهما ، إلا أن يقول لهما : أشهد علي بذلك إشهادا بينا . ولو مات المبعوث إليه قبل خروج الصلة على يد الباعث ، فهي باطل ، أشهد على دفعها أو لم يشهد ، وإن خرجت من يده قبل أن يموت المبعوث إليه فإن أشهد الباعث عند دفعها إلى الرسول ، نفذت وتدفع إلى ورثة المعطي .
قال محمد المبعوث معه بالصلة يموت في الطريق ، أو بعد أن بلغ ، فإن أقر المبعوث إليه أن يكون قبض شيئا ، فليحلف ورثة الرسول إن كان يظن بهم علم ذلك بالله ، ما نعلم لها مخرجا ، ولا عندنا منها علم ، ويبروا ، فإن كانت عليه بينة بإقراره . قاله مالك .
وروي عن مالك أيضا : إن مات في الطريق ، فهي في ماله وإن مات بعد إن بلغ ، حلف ورثته على العلم ، وبرئوا ، ولمالك قول آخر ، أن يكون ذلك في مال الميت ، إذا لم توجد بعينها ، ويحاص بها صاحبها غرماء المبيت .
قال محمد : سواء عندما بلغ أو لم يبلغ ، هي في مال الرسول ، إلا أن يكون ذلك قبل موته أنها ضاعت أو سببا ، يبرئه منها . وكذلك قال مالك في المقارض
[7/197]
***(1/193)
[7/198]
والمستودع ببينة أو بغير بينة ، إذا علم ذلك بإقراره قبل موته ، ثم لم يوجد ، فذلك في ماله ، ويحاص بها غرماؤه .
وقال أشهب ، في كتبه مثل قول ابن المواز سواء . وقال : لما كانت البينة على هذا المأمول بالدفع في حياته ، لم يكن موته بالذي يضع عنه ، سواء مات في الطريق أو بعد بلوغه . وروى عيسى عن ابن القاسم ، قال مالك ، فيمن / بعث معه مال يدفعه إلى رجل ، فقدم ، فلم يدفعه إليه ، ثم زعم أنه هلك ، فإن هلك عند قدومه ، بما ليس فيه تفريط ، فلا ضمان عليه ، وإن حبسه حتى طال ذلك بما عرضه التلف ، فهو ضامن .
وبعد هذا باب في شهادة الرسول فيما أمر بدفعه ، فيه من هذا .
في المبضع معه يريد أن ينفق منها
وكيف إن قيل له : أنفق إن احتجت ؟
وفي المبضع يطلب أجرا على البضاعة
ومن وكل على تفريق صدقة فأخذ منها إن احتاج
من العتبية قال ابن القاسم ، عن مالك ، في المبضع معه ببضاعة ، أيحسب عليها النفقة ؟ قال : إن كانت شيئا كثيرا ، فذلك له ، وأما التافه ، فلا . وقال ابن القاسم ، إنه لا تلزمه نفقة في اليسير ، وعليه ذلك في الكثير .
قال مالك ، في كتاب ابن المواز : وإذا طلب المبضع معه أجرا في البضاعة ، فإن كانت تافهة يسيرة ، فلا شيء له ، وإن كان لها مال ، فذلك له .
وروى عنه أشهب ، في العتبية ، فيمن سافر برفيق له وبضاعة لقوم ، فأنفق على نفسه ، وأراد أن يحسب على البضاعة ، قال : ليس له ذلك .
[7/198]
***(1/194)
[7/199]
وروى عنه ابن القاسم ، في العتبية في المبضع معه بمال يبلغه إلى موضع ، وقال له الباعث : إن احتجت ، فأنفق منها . فكرهه ، وقال : لا يعجبني . وقال ابن القاسم ، في كتاب ابن المواز [ومن العتبية في سماع ابن القاسم]ومن سئل في حمل بضاعة ، فقال : حلفت ألا / أحمل [بضاعة]إلا بضاعة إن شئت تسلفتها ، وإن شئت تركتها . قال : لا خير في ذلك . ومن سماع ابن القاسم ، قال مالك في المبعوث معه بمال في مخرجه الحج ، أو الغزو ، ليفرقه على كل من قطع به ، فاحتاج المبعوث معه ، ولم يكن معه ما يقوى به ، وعليه دين ، قال : له أن يأخذ منه بالمعروف ، وأحب إلي لو وجد من يسلفه أن يتسلف ولا يأخذ منه ، قال : وقد يكون مليا ببلده في سفره ، فله أن يعطي من الصدقة ، وهو من أبناء السبيل ، وينبغي لهذا إذا كان بهذه الصفة ، وأخذ منه ، ثم رجع إلى بلده أن يعرف بذلك الذي دفع إليه المال ، وليس حكم للرجل بين الناس مثل حكمه بين نفسه وبين الناس . وشيء من معنى هذا الباب في باب وكالة البكر .
باب في الوكيل يقضى عليه
ثم يأتي في وكله بحجة
من العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في الوكيل على الخصومة يخاصم ، فإذا توجه القضاء زعم الذي وكله أنه لم يخاصم بحجته ، وإن له حجة أخرى ، وأنه لم يعلم بما خاصم به ، أو كان غائبا ، فلا يقبل ذلك منه ، إلا أن يأتي بحجة لكون لها وجه ، كما لو خاصم فهو فيذكر عند توجيه الحكم إن له حجة ، فإن جاء بشيء يشبه ، قبل ، وإلا لم يقبل ذلك منه ، ولا حجة له بقوله إنه لم يعلم بما خاصم به ، ورضاه بالتوكيل رضى بما خاصم به .
[7/199]
***(1/195)
[7/200]
في الوكيل على شراء سلعة /
أو على بيعها ، يأخذها لنفسه
أو يشترها لنفسه بالمال غيرها في البلد
أو في غيره ، أو يشتريها
بغير البلد أو يجدها بالبلد ، فيشتري غيرها
و على البيع ببلد ، فباع غيره
من العتبة ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في الوكيل على بيع السلعة بشيء تسميه له ، فيأخذها لنفسه ، فإن لم تفت ، فلربها أخذها ، وإن فاتت وقد أمره أن يبيعها بعين سماه ، أو بطعام سماه ، فهو مجبر أن يلزمه ما أمره به أو قيمتها ، وإن كان أمره أن يبيعها بعرض يريد لا يكال ولا يوزن ، لم يلزمه غير القيمة ، لا ما أمره به ويفيتها النماء والنقصان وتغير الأسواق . وكذلك في كتاب ابن المواز ، عن مالك ، في فوتها بهذا .
ومن الكتابين ونسبها أصبغ ، في العتبية ، إلى أشهب : وإذا أمر بشراء جارية فلان بخسمة عشر دينارا ، فلم يبعها بخمسة عشر ، فأخذها المأمور لنفسه بستة عشر ، واحتج أنه لم يرض بخمسة عشر ، قال : فهي له ، والقول قوله .
قال أصبغ : ويحلف ، واستحسن أن يكون الآمر فيها مخيرا أن يرد الدينار ويأخذها ، أو يدعها ويأخذ ماله ، قال محمد : بل الآمر مخير . ولو اشترى ببضاعته غير الجارية ، كان بالخيار ، وقال ابن حبيب ، عن مطرف ، في الوكيل على شراء سلعة ، أراد فسخ الوكالة وشراءها لنفسه ، فإن كان معه الآمر في بلد ، فذلك له ، وإن كان على شرائها ببلد آخر فلا ينفعه ذلك .
[7/200]
***(1/196)
[7/201]
وقال ابن الماجشون : ذلك له في البلد أو في غير البلد ، وقد يحدث بينهما طعن ، فيأبى أن يشتري له وقال / أصبغ كقول مطرف ، وهو أحب إلي .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا أبضع معه في شراء سلعة ببلد ، فوجدها دون البلد على الصفة ، فابتاعها لصاحب البضاعة ، فهو مخير أن يقبلها أو يتركها ، وكذلك لو باعها قبل أن يعلم الباعث فإن كان ربح فله ، وإن رضع ، فعلى المأمور وإن ابتاعها دون البلد لنفسه ، فهي لهل دون الآمر ، ربح فيها أو خسر ، ويغرم الثمن ، ولو اشترى بالبلد غيرها لنفسه أو لربها فذلك [سواء فإن كان فضل ، فللآمر ، وإن وضع ضمن المأمور].
قال سحنون ، في العتبية ، عن ابن القاسم : وذلك إن كانت موجودة في البلد ، فربها مخير بين أخذ ما اشترى . أو تضمينه الثمن ، وإن لم تكن موجودة ، فاشترى بالبضاعة لنفسه سلعة ، فهي كالوديعة يشتري بها شيئا لنفسه . وقال ابن المواز ، قال ابن حبيب ، عن مطرف : وإذا اشتراها المأمور بأيلة على الصفة للآمر ، وقد أمره بشرائها بمصر ، ثم رجع إلى المدينة ، أو تمادى إلى مصر ، ثم رجع إلى المدينة ، فالآمر مخير ، وضمانها من المأمور إن هلكت ، كانت الجواري بمصر أرخص أو أغلى . وقال ابن الماجشون : إن أمره بشرائها بمصر لرخصها بها ، فقد تعدى ، والآمر بالخيار ، وضمانها من المأمور ، وإن كان أمره بشرائها بمصر لخروجه إليها ، والأمر في الموضعين واحد ، فليس بضامن . وبه قال ابن حبيب .
قال مطرف ، وابن الماجشون : وإن اشتراها بأيلة لنفسه على الصفة ، فمضى بها إلى مصر ، وتلك الصفة بها / موجودة أو غير موجودة ، ثم جاء بها ،
[7/201]
***(1/197)
[7/202]
فالآمر مخير بين أخذها ، أو يضمنه الثمن ، وكذلك لو اشتراها بمصر لنفسه ، ولو باع المشتراه بأيلة أو بمصر ، بربح ، ثم اشترى له أخرى على الصفة ، فقال مطرف : ربح الأولى للآمر ، وهو مخير في أخذ الثانية أو تركها . وقال ابن الماجشون : الثانية لازمة للآمر ، و فضل الأولى للمأمور ؛ لأن الخيار عليه في عيبها لا في ثمنها ، قالا : ولو لم يبع الأولى ، واشترى أخرى بمصر ، فجعله مطرف مخيرا فيهما ، إن شاء أخذهما أو تركهما ، أو أخذ أيهما شاء . وقال ابن الماجشون : تلزمه الثانية ، وهو في الأولى مخير .
وروى عيسى ، في العتبية عن ابن القاسم ، إنه إذا لم يجدها بالبلد فاشتراها بغير البلد للآمر ، إنه مخير ؛ إن شاء أخذها أو تركها . وقال عيسى : تلزم الآمر إن كانت على الصفة وبالثمن فأدنى .
ومن كتاب ابن المواز : وإن أبضع معه بسلعة أو بحيوان ليبعه ببلد سماه ، فباعها بدونه ، فربها مخير أن يجيز البيع أو يضمنه القيمة ما لم يكن الذي أبضع معه طعاما فباعه بطعام ، فيكون كما قلنا في الدنانير : البضاعة يصرفها بدراهم قبل بلوغه البلد الذي أمر بتركها فيه ، فإن صرفها لنفسه ، جاز وله وضيعتها وفضلها ، فإن كانت لرب البضاعة ، لم يجز الأن له فيه خيارا ولكن فضل ذلك لرب البضاعة ها هنا عبد أن يشتري له مثل دنانيره .
ولو بلغ الموضع فصرفها ، أو اشترى غير ما أمر به ، فإن فضل ذلك كله لرب البضاعة فعل ذلك لنفسه أو لربها .
قال : / قال عيسى : عن ابن القاسم : إذا أبضع معه في سلعة يشتريها له ببلد ، فاشترى لنفسه غيرها دون البلد ، فالربخ والنقصان عليه . ونحوه في كتاب ابن المواز . قال ابن حبيب ، عن مطرف : وإن رجع بما اشتراها لنفسه ، ولرجوعه وجه بين ، فالفضل له ، والوضيعة عليه ، وإن اتهم أن يتصرف اغتناما للتجارة وتركا لما أبضع معه فيه ، فربها مخير بين تضمينه ، أو أخذ ما اشترى .
[7/202]
***(1/198)
[7/203]
ومن العتبية ، قال عيسى ، عن ابن القاسم : فإن بلغ البلد فاشترى غير ما أمر به لنفسه ، وهو يجد ما أمر به ، فالآمر مخير بين أخذ ما اشترى أو يضمنه ماله ، وإن باع بربح ، فالربح لرب المال . قال ابن حبيب : قال مطرف ، وابن الماجشون مثله ، إلا أن مطرفا قال : إن باع بربح ، فالربح للمتعدي ، قال مطرف : والأرباح كلها للآمر ، كالمقارض يتعدى في الشراء . قال مطرف : ولو اشترى ما أمره به بعد بيعه المشتراة لنفسه ، فالآمر مخير ؛ إن شاء قبلها ، وإن شاء ضمنه قيمتها . وقال ابن الماجشون : بل تلزمه الثانية إن كانت على الصفة .
وقاله ابن القاسم ، عن مالك وقاله أصبغ . قال عيسى ، عن ابن القاسم : وإن لم يجد التي أمره بها ، فاشترى غيرها ، فالربح له ، والنقص عليه ، وروها أصبغ ، وزاد : وذلك إن اشتراها لنفسه ، فإن اشتراها للآمر ، فهو مخير ، والربح له ، والمتعدي يضمن النقصان . وروى عنه سحنون مثله . وقال أصبغ ، عن ابن القاسم ، في المبضع معه بدنانير ، ليشتري له بها قمحا ، فاشترى بها شعيرا ، وقال : اشتريته فالآمر / مخير في أخذ الشعير ، أو أخذ دنانيره .
قال أصبغ : إنما هذا إن اشتراه للآمر ، والقمح موجود هناك أو غير موجود ، وأما إن اشتراه لنفسه ، والقمح غير موجود ، فهو له ، لأنه تعدى على دنانير ـ يريد كالوديعة ـ إذا لم يجد ما أمر به .
[7/203]
***(1/199)
[7/204]
في الوكيل على شراء سلعة يزيد في ثمنها أو ينقص
أو يبدل سكة الثمن
أو يبتاع ذلك الشيء مع غيره بالثمن
أو يبتاع ثم يبيعه
أو يشتري ما لم يؤمر به ثم يبيعه
ثم يشتري ما لم يؤمر به
قال ابن حبيب ، عن مطرف ، في المبضع معه في شراء سلعة يزيد في ثمنها ؛ فأما الزيادة الكثيرة ، فإن الآمر مخير أن يأخذ ذلك ويغرم الزيادة ، أو يضمنه الثمن ، وليس للمأمور أن يلزمه إياها بما أمره به وكذلك إن أبدل المال ، فإن أن بين ذلك يسيرا لزمته ولزمه ما أبدلها به ، وإن كان بينهما دنانير كثيرة ، فالآمر مخير في قبولها أو ردها . وقاله مالك ، وابن القاسم ، وابن الماجشون ، وأصبغ .
وقال في العتبية ، عيسى ، عن ابن القاسم ، في المأمور يشتري جارية بمائة ، فاشتراها بخمسين ومائة ، وبعث بها إليه ، ولم يعلمه ، فأفاتها بعتق أو حمل ، لم يلزمه غيرها ، وإن باعها بأكثر ، فالزيادة للمأمور حتى يبلغ خمسين ومائة ، فيكون ما زاد للآمر ، وإن زاد مؤتمن ، ويحلف ، فإن لم يذكر الزيادة حتى / طال الزمن ، لم يقبل قوله بعد ذلك ، إلا أن يشتغل بمن ذكر ذلك ، بمثل ما يشتغل به الرجل في حوائجه ، أو يكون في سفر ، فيقدم فيقبل قوله ، وإنما لا يقبل منه إذا أقام معه زمانا طويلا يلقاه ، ولا يذكر ذلك .
ومن كتاب ابن المواز ، في المبضع معه بمال في شراء جارية على صفة ، فابتاع له المال جاريتين على الصفة ، فإن اشتراها واحدة بعد أخرى ، فالآمر مخير
[7/204]
***(1/200)
[7/205]
في الثانية ؛ أن يأخذها أو يدعها ، فإن كانتا في صفقة ، ولم يقدر على ثمنها ، فهما لازمتان للآمر .
قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في العتبية ، إن اشتراها في صفقة ، فالآمر مخير ؛ إن شاء أخذ واحدة بحصتها من الثمن ، ورجع ببقية الثمن على المأمور ، وإن شاء أخذهما جميعا . ولو أمره بشراء جارية بثلاثين ، واشتراها وابنها بثلاثين ، فالآمر مخير في أخذ الأم بما يصيبها من الثمن ، أو يأخذها وولدها ، إلا أن يكون الولد صغيرا ، فيلزمه أخذهما أو يدعهما إن زعم أنه لم يعرف لها ولدا .
قال ابن حبيب ، عن ابن الماجشون : إذا أمره بشراء جارية معينة أو موصوفة بثمن ، فاشتراها به ومتاعا معها في صفقة ، فالآمر مخير أن يقبل الجميع ، أو يأخذ الجارية بحصتها من الثمن ، وإن هلك الجميع قبل علمه فمصيبة الجارية وحدها بحصتها من الثمن ، وإن اشترى ذلك في صفقتين ، لزمته الجارية بثمنها .
وقال أصبغ : إن كان كله في صفقة ، فالجميع لازم للآمر ، وإن كان في صفقتين ، لزمته الجارية بحصتها . ويقول ابن الماجشون اخذ ابن حبيب : وروى / يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، في المبضع معه في شراء رأس ، فابتاعه بالثمن ثم باعه لصاحبه ؛ فإن باعه بنقد فربه مخير في أخذ الثمن أو تضمينه القيمة ، وإن باعه إلى أجل ، لم يصلح له أخذ الدين إذا كان أكثر من القيمة عينا أو عددا ؛ لأنه دين بدين وزيادة ولكن يباع الدين ، ويأخذ الآمر الأكثر مما به ، أو القيمة ما لم يكن طعاما ، ولو باعه بثمن مثل القيمة ، فأقل ، جاز أن يتحول عليه .
ومن كتاب ابن المواز ، قال : وإذا اشترى غير الرأس الذي أمر به بمائة دفعت إليه ، ثم باعه ، فربح عشرة ثم اشترى بالجميع الرأس الذي أمر به ، فالآمر مخير ؛ فإن شاء قبلها وإن شاء ردها ، وإن فاتت بحمل ، لزمته بمائة ، وغرم المأمور العشرة ؛ لأنها بيده كوديعة لم يؤمر أن يشتري بها ولو ابتاع بالمائة والعشرة سلعة
[7/205]
***(1/201)
[7/206]
لنفسه ، فباعها بعشرين ومائة ، لقسمت العشرة الثانية على أحد عشر جزءا ، جزء منها للمأمور ، وحصة العشرة التي هي كالوديعة تعدى فيها ، ولو باع بأقل من مائة وعشرة ، ضمن الخسارة . وكذلك روى ابن القاسم ، عن مالك ، في العتبية ، أنه يضمن الخسارة .
قال ابن المواز في موضع آخر : وإن كان شراؤه السلعة الثانية للآمر ، فجميع الربح له ، والخسارة على المأمور ، ومن العتبية روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في رجل بمصر أمر أن يشتري له طعاما بالإسكندرية ، فاشتراه ، ثم باعه بزيت ، فجاء بالزيت إلى الفسطاط ، فالآمر / مخي أن يأخذه بمثل طعامه بالإسكندرية ، أو بمثل الزيت بالإسكندرية ، وإن اتفقا على أخذ هذا الزيت بالفسطاط ، جاز ذلك ، وفي كتاب الوديعة ، من باع وديعة ، ثم اشتراها .
في المأمور بالبيع مبيع بغير العين أو بعين
وقد أمر بعرض ، أو بعرض ،
وقد أمر بغيره ، أو يبيع إلى أجل ما أمر ببيعه نقدا
أو بنقد ما أمر به تأخيرا
من كتاب ابن المواز : وقال في المأمور ببيع السلعة : إن باعها بغير العين ، فالآمر مخير أن يجيز ذلك ، وإن شاء بيعت له السلعة المأخوذة ، فإن كان فيها زيادة أخذها ، وإن نقصت عن القيمة ، ضمن تمامها المأمور ، وذلك إذا كانت سلعة الآمر لم تتغير بسعر ولا بدن . وفي المدونة لغير ابن القاسم : إن باعها بطعام ولم يفت ، فليس له أن يضمنه ، وليأخذها ، أو يجيز البيع ، وإن فاتت ، فله إن شاء القيمة أو ما بيعت به وروى أصبغ ، عن أشهب ، في العتبية في المأمور
[7/206]
***(1/202)
[7/207]
أن يبيع سلعة ، فباعها بدراهم ، ومثلها تباع بالدنانير ، فلا بأس به قال أصبغ : يعني فلا ضمان عليه ، وذلك إذا باع من الدراهم بصرف ما يباع مثله من الدنانير استحسانا ، لأن الدراهم عين .
وروى عيسى عن ابن القاسم : وإذا أمره أن يبيعها بعشرة دراهم نقدا فباعها بخمسة أن عليه تمام العشرة ؛ لاتمام القيمة ، وإن باعها بخمسة عشر درهما ، بيع الدين بعرض ، ثم بيع العرض بدراهم ، فإن نقص عن عشرة / ، غرم تمامها ، وإن كان أكثر ، فهو للآمر . ولو قال المأمور للآمر : أنا أعطيك عشرة نقدا ، وأنتظر الخمسة لحلولها ، فرضي الآمر ، قال : وإن كانت الخمسة عشر لو بيعت بيعت بعشرة ، فأقل ، جاز ذلك إذا عجل العشرة ، وإن كانت تباع باثني عشر ، لم يجز ؛ لأنه كأنه فسخ ديناريه في خمسة إلى أجل . قال عيسى : لا يجوز ذلك عند أشهب في كل وجه .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا لم يسم له شيئا ، فباعها بثمن مؤجل ، فرضي به الآمر ، فإن كانت السلعة قائمة بيد المشتري ، لم تفت ، فرضاؤه جائز ، وإن فاتت لم يجز . قال يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، في العتبية ، أما إذا باعها إلى أجل بأكثر من القيمة ، فلا يجوز أن يرضى به ، وإن كان بمثل القيمة فأقل ، فيجوز أن يتحول الآمر على المشتري ؛ لأنه مرفق منه للمتعدي ، وإن باعها بأكثر ، فرضي المتعدي أن تعجل له القيمة ويقبض ذلك لنفسه عند الأجل ، ويدفع [ما زاد على القيمة إلى الآمر]أجبر الآمر على ذلك ، ولم يمكن من بيع الدين .
وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، إذا أمره ببيعها بعشرة إلى شهر ، فيبيعها بسلعة إلى شهر ، فإن السلعة المؤخرة تباع بعين ، ثم للآمر الأكثر من ذلك ، أو من قيمة سلعته ، ما لم يكن ذلك أكثر من العشرة التي أمره أن يبيع بها ، وإنما تباع
[7/207]
***(1/203)
[7/208]
المؤخرة إن كان فيها الفضل ، وإلا فله القيمة ، إلا أن تكون أكثر من العشرة التي سمى له إلى أجل ، وقد قال : لا ينظر إلى ما سمى له من الثمن ، ولكن إلى قيمة السلعة .
ولو أمره ببيعها بفرس نقدا أو إلى أجل ، أو بطعام إلى أجل ، فباع في هذا كله بحمار إلى أجل فهو كما لو لم يسم له ثمنا ، ويباع المؤجل ، فإن كان فيه كفاف قيمة السلعة وإلا ضمن تمامها ، ولو أمره ببيعها بحمار نقدا ، فباعها بطعام إلى أجل ، غرم القيمة نقدا ، فإذا قبض الطعام بيع ، فما كان فيه من فضل ، فللآمر [وما كان من نقص ، فعلى المأمور ، ولو أمره]ببيعها بمائة أردب قمحا نقدا ، فباعها بدنانير نقدان أو بعرض نقدا ، فإنه يشتري له بذلك طعام ، فإن بلغ ما سمى له ، وإلا فعليه تمام ما سمى له الآمر . وإن أمره أن يبيع دنانير نقدا ، فباع بعرض نقدا ، فهو مخير ، في قيمة سلعته ، أو العرض الذي باع به إن كان نقدا ، وإن باع بدنانير أو عرض إلى أجل ، لم يجز أن يتحول فيه ؛ لأنه تحول من العين في أكثر منه ، أو في خلافه ، كذلك من تعدى في سلعة رجل ، فباعها بثمن إلى أجل ، فليس لربها الرضاء بالمؤجل .
قال عنه يحيى : إلا أن يكون المؤجل مثل قيمتها .
قال عنه عيسى : ليبع ذلك بعرض ثم يباع العرض بعين ، ثم يكون لربها الأكثر من ذلك أو من القيمة وإن باع بطعام إلى أجل ، أخذت منه القيمة الآن ، فإذا قبض الطعام بيع ، فما كان فيه من فضل عن القيمة ، أخذه الآمر ، وإن نقض فمن المأمور ، وإن أمره ببيعها بطعام سماه نقدا ، فباعها بأكثر منه إلى أجل ، فلتؤخذ من المأمور التسمية ، ويرجى المؤجل ، فإذا قبض كان الفضل للآمر . ولو أمر ببيعها بعشرة أردب قمح إلى شهر ، فباعها بسلعة / نقدا ، فالآمر مخير بين أخذ ما باع به ، أو يضمنه القيمة . وكل مأمور بالبيع إلى أجل فهو كمن لم يسم
[7/208]
***(1/204)
[7/209]
له ثمن ، وكذلك كل مأمور أن يبيع ما لا يقضى بمثله ، فكمن لم يسم له ثمن . قال : وإن أمره يبيع له كبشا ، ولم يسم له ثمنا ، فذبحه ، ثم باعه لحما بعشرة دراهم إلى شهر ، فتباع العشرة بعرض ، ثم يباع العرض بدراهم ، ثم له الأكثر من ذلك ، أو من الكبش ، ولا أعرف أن له قيمة اللحم إن طلبها . ولو أمره ببيعه بدينار ، فذبحه ، ولم يبعه ، فعليه الأكثر من قيمته ، أو الدينار ، كما لو أعطاه ثوبا يبيعه بدينار ، فوهبه أو تصدق به وفات ، أو اشتراه لنفسه أو قطعه لنفسه ، فله الأكثر من قيمته أو الدينار . ولو أمره ببيع قمح بعشرة دنانير ، فباعه بسلعة ، فله أن شاء السلعة أو مكايل القمح ، كما لو دفع إليه عشرة دنانير ؛ ليشتري له بها عشرة أرادب قمح ، فاشترى له عدسا ، أو سلعة ، فهو مخير أن شاء مثل دنانيره أو هذا العدس أو السلعة ، وليس له ها هنا أخذه بما سمى له من القح ؛ لأن من تعدى على عين أو طعام ، لزمه مثله .
ولو أمره ببيع دابته بدينارين ، فباعها بدينار ، ثم باعها المبتاع بأربعة ، فإن وجدها ربها ، فليس له إلا أخذها ، وإن فاتت أخذ دينارا آخر من المتعدي ، فإن أعدم أخذه من مشتري الدابة ، ويرجع به المشتري على المتعدي .
قال مالك ، في كتاب ابن المواز : ومن أمر رجلا ببيع سلعه ، وقال له : بعها بما تراه . فباعها بما لا يعرف من البيع فهو ضامن . قال محمد : يريد إذا باعها غير العين ، وبما لا تباع به / وتلك السلعة . ومن سماع سحنون ، من ابن القاسم : وإذا قال : اشتر إلي دابة بعينها ، أو موصوفة بعبدي هذا ، فباع العبد بثمن ، ثم اشترى بالثمن حمارا ، ثم اشترى به الدابة ، فالآمر مخير إن شاء أخذ منه قيمة عبده أو الثمن الذي باعه به ، وإن شاء أخذ قيمة الحمار أو الدابة التي اشترى له . ومن المجموعة ومن أمر ببيع سلعة بعشرين ، فباع نصفها بعشرة ، فإن
[7/209]
***(1/205)
[7/210]
كان إذا أراد بيع النصف الباقي لإتمام عشرين وجد ذلك ، فليس بمتعد ، وإن كان ينقص فهو متعد .
وقال أشهب ، في المجموعة فيمن أمر رجلا ببيع سلعته ، فباعها بدين ، وأخذ بها رهننا ، فلربها أخذها إن لم تفت ، وإن فاتت قيمتها أكثر من الثمن المؤجل أخذه بالثمن المؤجل نقدا ، وليس له غيره ؛ لأنه قد أباحه أن يبيع بمثل ذلك نقدا ، والرهن رهن للمتعدي ، وله طلب الثمن ، قال : وإن كان قيمتها أقل ، غرم قيمتها نقدا ، ثم ابتعتها أنت وهو المشتري بالثمن له مما دفع إليك ، وأعطى منه الفضل والرهن ، لكما إن شئت رهننا بذلك ويضمناه عليك فيه بقدر الذي لك ، وإن تلف في يديه ، فغرم قيمته ، رجع عليك بمقدار ما كان لك فيه ، وإن غرمت أنت الذي كان لك فيه ، لم يغرم الذي كان في يديه ما فضل عن قيمته ، كما لو وكلت من يبيع سلعة بينك وبينه ، على أن يرتهن رهنا يغاب عليه ثم تلف الرهن في يديه ، لضمنتماه ، ثم هو يضمن جميعه ، وأنت تضمن نصفه .
في المبضع معه ببضائع فيخلطها
أو يخلط / ما اشترى بها
أو يصرف بعضها ببعض أو يتسلف [منها ، أو يبذلها
أو يسلفه]من عنده حتى يبيع سلعته
من العتبية ، وكتاب ابن المواز من سماع ابن القاسم : ومن أبضع معه ببضائع شتى ؛ ليشتري رقيقا ، فيخلطها ثم يشتري لهم رقيا ، قال في العتبية
[7/210]
***(1/206)
[7/211]
مختلفة وفي كتاب محمد جملة ، أو مفترقة ، ثم أعطى كل إنسان بقدر بضاعته رأسا بنحو ما أبضع معه ، فأعطى لواحد جارية مريضة اشتراها . كذلك ، فهلكت ، ثم أقر بما صنع ، فهو ضامن إذا لم يكن في أصل شرائه لكل واحد رأس بعينه ، وإن قال : اشتريتهما لصاحبهما مفردة ، صدق مع يمينه .
قال سحنون : لا يحلف ولا يضمن إذا كانت مفردة في مرض يجترأ على مثله ، لم يضمن في المخوف . قال : ولا يضمن الآخرون في هذه المريضة شيئا .
قال مالك ، في الكتابين : وإذا أمروه بشراء طعام ، فجمع مالهم في شراء الطعام ، فلا يضمن هذا ما هلك ، وليس بمتعد .
قال ابن القاسم ، في كتاب محمد ، وكذلك ما كان يقسم بكيل أو وزن ، فله أن يشتريه لهم مشاعا ، ثم يقسمه ، وأما ما لا ينقسم إلا بالقيمة فهذا يضمن . قال محمد : بخلاف العامل في القراض يخلط أموال المقارضين له ، وأما فيما يقسم بالقيمة ؛ لأنه إليه البيع ، وليس ذلك للأول . ومن كتاب ابن سحنون ، وقال فيمن دفع إليه رجل أربعين دينارا ، فقال : اشتر إلي بها رأسين وبعهما ، واحرز على الربح فيهما ، ودفع إليه آخر ثمانين دينارا ، وقال : اشتر إلي بهما رأسا وبعه / ، واحرز علي الفضل . فاشتري لكل واحد ما أمره ، ثم باع رأسا بمائة دنيار ، وآخر بستين ، وآخر بأربعين ، ثم لم يدر لمن كان الرفيع منهما ؟ وتداعيا الأرفع أو لم يتداعياه ، وادعى الآمر ، قال سحنون : من أصحابنا من يضمنه مائة لهذا ، ومائة لهذا بعد أيمانهما ، ويقال لصاحب الرأسين : ما الذي لك صاحب الستين أو صاحب الأربعين ؟ فأيهما ادعى ، حلف [وكان له ، ومن أصحابنا]من لا يضمنه ، ويتحالفان على [المائة ويقتسمانها ، ويقال]لصاحب الرأسين :
[7/211]
***(1/207)
[7/212]
ما الذي ، أصاحب الستين ، أم صاحب الأربعين ؟ فاحلف عليه ، وخذه ثم يكون الباقي بينهما ؛ لأن كل واحد يزعم أنه بقي له من ماله خمسون ، وإذا لم يدعيا ذلك ، فلصاحب الرأسين ثلاثون ومائة ، ولصاحب الرأس سبعون . وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن أبضع معه رجل بدنانير ، وآخر بدراهم ؛ لشراء شيء ، فصرف هذه بهذه بصرف الناس ، فلا بأس به وذكر في كتاب محمد ، في الصرف ، أن لو حضر أحدهما ، كان أحب إليه . وروى عبد الملك بن الحسن ، ، ابن وهب : في المبضع مع يريد يتسلف منها فإن كان مليا ، فلا بأس به ، وإن كان غير ملي فلا . وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، وهو في كتاب ابن المواز ، في المبعوث معه بمائة درهم أندلسية ؛ ليقضي عنه لرجل بمصر ، فاحتاج فأنفقها ، ثم لم يجد بمصر دراهم أندلسية إلا خمسين ، فدفعها إلى الرجل ، ثم رجع فاشتراها منه بدنانير ، وقضاه إياهما تمام المائة درهم الأندلسية ، وكتب عليه براء ، قال : فليعلم الآمر / بذلك فإن سلمه ، وإلا دفع إليه مثل دنانيره ، وأغرمه مثل الدراهم . وكذلك لو دفع عنه عرضا فدفع إليه قيمة العرض ، وأخذ منه خمسين درهما .
قال محمد : وخالف أصبغ بغير حجة ، وقول ابن القاسم صواب إن كان صرف الدراهم وردها مكانه ، فلم يتم صرفه ، وصار كأنه قضاه عنه دنانير . ولو اشتريت الدراهم من غيره ، كان جائزا ، وإن لم يقضه هذه الدراهم حتى تفرقا وبعد يوم ويومين ، لجاز . وقال عيسى في العتبية ، في الجواب الأول : إنه إن أعلمه أنه أرسل معه دراهم ، ثم عامله هذه المعاملة فذلك جائز ، وليس لأحد في خيار ، وإن لم يعلمه ، وإنما قال له : أمرني فلان أن أقضيك دينك فالجواب
[7/212]
***(1/208)
[7/213]
على ما قال ابن القاسم . وقال ابن وهب في المبضع معه بدنانير ؛ ليشتري شيئا ، فيسلفها ، ثم استوجب ما أمرب به بدنيار ، ثم قضاه فيه دراهم من عنده ، فلا بأس بذلك .
ومن كتاب ابن المواز : ومن أبضع معه بدينار ينقص حبتين ، واشترى من عنده بدينار قائم ، فلا يضمن ، وإن لم يعلم صاحبه . وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم ، وقال : ولا أرى عليه شيئا ، إلا أن يخبر لصاحبه .
قال مالك ، في سماع أشهب ، فيمن بعث معه رجل عشرين دينارا وثوبا ؛ ليبيعه ويبتاع له بالجميع ثوبا ، فاشترى له الثوب بأحد وعشرين ، زاده من عنده دينارا قبل بيع الثوب ، ثم باع ثوبه بعشرين درهما / ، هل له أخذها بديناره ؟ قال : لا بأس بذلك ، ولكن يخيره إذا قدم ، قال : وإن أبى من ذلك ، أعطاه دينارا وأخذ منه عشرين درهما . قال أشهب : وقاله إلي ابن أبي حازم ، فقلت : أو ليس هذا صرف مؤخر ؟ قال : لا تشدوا على الناس ، فليس الأمر كما تشددون .
في الوكيل يضع عن المشتري ، أو يصالحه
وفي الوكيل بالبيع يزاد في السلعة
وقد باعها بخيار ، فلا يقبل الزيادة .
من العتبية روى أصبغ ، عن أشهب ، في البائع للسلعة بوكالة يضع للمبتاع بعد البيع من الثمن ، فذلك باطل ، والآمر مخير في أن يجيز ذلك ويرجع على المشتري ، ولا رجوع له على الوكيل ، قال : ولو تحاكما إلى بعض قضاة أهل المشرق ، فحكم بالوضيعة على الوكيل ، لأنفذت ذلك ، ولم أر على المتباع شيئا ، ونزلت بأشهب وهو المبتاع ، فحكم له بالوضيعة على الوكيل ، فصالح البائع على نصف الوضيعة وحاله .
[7/213]
***(1/209)
[7/214]
ومن سماع ابن القاسم ، وعن الوكيل يبيع السلعة بثمن على أن يشاور ربها ثم زيد فيها ، فعليه أن يخبر صاحبها بالزيادة وبمن زاده ، وبالأول ، فقد يكره معاملة أحدهما ، وإن كان أقلها عطاء ، فإن أمره بالبيع من الزائد ، فرجع الزائد فذلك ، يلزمه وروى أشهب المسألة من أولها .
وروى يحيى بن يحيى ، في الوكيل على اقتضاء دنانير فصالح منها على دراهم أو عرض ، فالآمر بالخيار ؛ أن يجيز ذلك ، أو يفسخه ، ولا يضمن الوكيل الدنانير / ، وإن صارفه لنفسه ، لم يجز ؛ لأنه صرف إلى أجل . وقال في كتاب محمد ، في الموكل يقبض دينارا يأخذ دراهم لربه ، فرضي ، فلا يجوز ، ولو قبض الدراهم لنفسه ؛ على أن يعطى دينارا لربه ، لم يجز ؛ لأنه صرف مؤخر ، ويرد الدراهم على من قبضها منه قال محمد : ولو كان الوكيل إنما سلف الدينار من الآمر ، أو وهبه له ، جاز له أخذ الدراهم . وقال في الوكيل يأخذ بالدينار طعاما لنفسه ، على أن يدفع الدينار من عنده ، فهو جائز ، ولا خيار للآمر في ذلك ، ولا حجة ، وإن أخذ ذلك الآمر ، فالآمر مخير .
في المبضع معه بالبضاعة لا يجد البيع ، فيودعها
أو يتمادى بها إلى موضع آخر
أو يودعها في طريقه لخوف ، أو جعلها في شجرة
أو أقام ببلد فبعض بها
أو قيل له تكون على حقويك فلم يفعل
أو انتحر البعير ، وقال : خفت عليه الموت
من كتاب ابن المواز : ومن أبضع معه ببضاعة ، فليس له أن يودعها ، ولا أن يبعث بها مع غيره ، إلا أن تحدث له إقامة في بلدة ولا يجد صاحبها أو يجد من يخرج إلى حيث أمر صاحبها فله توجيهها .
[7/214]
***(1/210)
[7/215]
قال ابن حبيب : قال مطرف ، فيمن أبضع معه ببضاعة يدفعها إلى عياله ، فيرسلها المأمور مع غيره ، فضاعت ، فلا يضمن ، كان ذلك لعذر أو لغير عذر ، إذا كان الذي بعثها معه مأمونا ، وقال إلي مالك في الذي يحبسه أمر في طريقه ببلد ، فيبعث بها ، أنه لا يضمن إن بعث مع أمين . قال / مطرف : ولو اجتهد في أنه أمين ، فإذا هو غير أمين ، فلا ضمان عليه . قال مطرف : ولو قال الآمر : قد أمرتك ألا تخرج من يديك ، ولا تدفعها إلى غيرك . وأنكر ذلك المأمور ، فالمأمور مصدق ، وإن لم تقم بينة . قال ابن الماجشون ، وأصبغ .
قال مالك ، في كتاب ابن المواز ، وفي العتبية ، من سماع ابن القاسم ، فيمن أبضع معه من مكة إلى مصر ، فحدثت له إقامة بالمدينة ، فله بعثها مع ثقة .
وقاله ابن القاسم ، وابن وهب . قال عيسى ، عن ابن القاسم ، وفي العتبية ولا يضمنها المبضع معه إن ذهبت من الرسول .
قال ، في الكتابين وإن لم تكن معه . قال في العتبية محمل لها . وقال في كتاب محمد : حرز لها ، فأعطاها لغيره في سفره ممن يثق به ، فلا يضمن ، ولو فعل هذا وعنده لها محمل ، ضمن ، كالمودع في الحضر يودع لغيره ، فإن كان لغير سفر ولا خراب منزل ، ضمن ، وكذلك إن كان لسفر وربها حاضر .
قال أشهب ، في كتاب محمد : إلا أن يودعه ومنزله خراب عالما ، ولم يزد خرابه إلى ما هو أخوف ولا سفر ، فيضمن إن أدع .
ومن العتبية قال سحنون ، عن ابن القاسم : إن كانت إقامته بالمدينة يسيرة ، ضمن إن بعث بها ، وإن كانت إقامته بها كثيرة ، فحبسها ، ضمنها إن تلفت .
[7/215]
***(1/211)
[7/216]
قال أصبغ في المبضع معه ليبلغها إلى موضع ، فأودعها في بعض الطريق مع متاع له ، ويذكر أنه خاف عليها ، فهو مصدق ، ولا يضمن ، ولو أمر ببيعها في بعض الطريق ، ويبلغ الثمن إلى البلد آخر ، فلم يعطه بها في الطريق ما يرضاه ، فأودعها في الطريق ومضى إلى بلده ، فإن سمى له ثمنا فلم يجده ، فلا شيء عليه إن خلفها عن عجز ، أو من أمر صاحبها ألا يجاوز الموضع ، وإن لم يسم له ثمنا وقد أمره بالبيع بذلك الموضع لا يجاوزه ، فترك ذلك ، وجاوز بها إلى موضع آخر ، ضمن ، وإن كان ذلك نظرا عنده ، لم يصدق ، وأما إن تركها بمكانها نظرا ليعاود البيع ، لم يضمن ، وإن أمر بالبيع ولم يأمر أن يخلفها ، وأهمل المضي بها إن لم يستطع هناك البيع ، فخلفها عن غير عجز ولا عذر ولا خوف بين ، ضمن .
وروى عيسى ، عن أبي محمد المخزومي ، عن مالك ، في المبضع معه ببضاعة ، وقيل له لا تفارق حقوبك . فجعلها في عيبته ، ضمن .
وقال سحنون ، في المبضع معه بمال ، فخرج عليه لصوص ، فألقاه في شجرة ، أو أعطاها لمن ينجو بها ، فذهبت ، فلا ضمان عليه .
وروى أشهب ، عن مالك ، فيمن بعث ببعيرين مع عبد ، فادعى أن أحدهما تهشم ، فخاف عليه فنحره ، فأكل منه ، لا بينة له قال : أين أصابه ذلك ؟ ألا يعلم ذلك أحد قبل إصابة ذلك في صحراء ؟ قال : وهو ضامن . وكذلك من نحر بعيرا لرجل ، وقال : خفت عليه الموت . لم يصدق قال : وهي جناية تلزم السيد .
[7/216]
***(1/212)
[7/217]
باب في الوكيل يشتري الجارية للآمر ، ثم يطؤها
ويبعث إليه ، أو يبعث بجارية ثم يقدم بأخرى
فيقول : هذه جاريتك
أو يبعث بجاريتين لرجلين
فيغلط الرسول بينهما .
من العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن بعث مع رجل مالا في شراء جارية ، فاشتراها له ، وأشهد بشرائها له ، ثم وطئها وأعطاه / غيرها ، فوطئها الآمر ، فحلمتا جميعا ، ثم أقر بذلك ، أو قامت به بينة ، فإن عذر المأمور بالجهالة ، وتؤول أن يأخذها ويعطى الآمر غيرها ، لا على وجه الزنى لم يحد ، وخير الآمر في أخذ جاريته وقيمة ولدها ، أو بأخذ قيمتها ولدها وقد قال : قيمتها فقط .
ويخير في الجارية التي في يديه ، إن شاء ردها على المأمور ، ولا شيء عليه من قيمة ولدها ، وقد قال : مع قيمة ولدها . وإن شاء دفع إليه قيمتها يريد إلا أن يكون ثمنها أقل ، فذلك له ، وإن لم يعذر المأمور بالجهالة حد ، وأخذها الآمر ، وولدها رفيقا له .
قال : وهذا إذا ثبت ما ذكرنا بينة ، فإن لم تكن بينة ، لم يقبل قوله على شيء من ذلك ، وكانتا أمي ولد للأول والآخر ، إلا أن الأول يغرم فصلا إن كان فيها على قيمة ما دفع ، قال ولو لم تحمل المبعوث بها كان مخيرا فيها أيضا ، وكذلك إن كانت أكثر ثمنا . وذكر ابن حبيب عن أصبغ نحو ما ذكر عيسى ، عن ابن القاسم ، إلا أنه قال : قامت بينة ، فللآمر أخذ قيمة جاريته ، وقيمة ولدها ، أو يأخذ قيمتها وقيمة ولدها ، وإن لم تكن بينة إلا إقراره ، فالجواب في الحد أو درايته سواء ، ويغرم للآمر قيمة الأمة وولدها ، وهي له أم ولد لا نسترق بإقراره ، وأما التي أولدها الآمر ، فهي له أم ولد ، كانت بينة على أصل الشراء أو على الإقرار فقط ؛ لأنه أباحه إياها ، وعليه له قيمتها فقط ، وإن لم تلد ، فهو فيها مخير ، قال سحنون ، عن
[7/217]
***(1/213)
[7/218]
ابن القاسم ، في العتبية : وإذا اشترى له جارين فوطئها ثم حملت ، فإن كان / يتأول أنه أخذها ليشتري له غيرها ، لا على وجه الفسق ، لم يحد ، للآمر أخذها مع قيمة ولدها ، أو يأخذ قيمتها يوم الوطء ، ولا شيء عليه في الولد ، وإن لم تحمل ، فإن شاء ضمنه قيمتها ، وإن شاء أخذها ولا شيء عليه فيما نقصها .
ومن كتاب ابن المواز ، قال فيمن بعث معه ليشتري جارية على صفة ، فاشتراها على الصفة ، ثم وجد غيرها على الصفة وأفضل ، فاشتراها له ، وحبس الأولى لنفسه ، وأشهد بذلك ، وبعث الثانية إلى الآمر ، فالآمر مخير في الجاريتين جميعا ؛ إن شاء حبسهما ودفع ثمن الثانية ، وإن شاء حبس أيهما شاء ، وإن حلمت الأولى من المأمور ، فللآمر أخذها مع قيمة ولدها بعد أن تضع ، وهو في الأخرى مخير .
قال : ولو كان إنما أمره بجارية بعينها ، جارية فلان ، فبعد أن اشتراها له أشهد على نفسه أنه أوجبها على نفسه مثل الثمن أو أكثر ، ثم وطئها ، فهو زان ، ويحد ، ولا يلحق به الولد ، ويصير مع الأم رقيقا للآمر . وقال عبد الملك . وقال ابن القاسم ما يدل على مثله فيمن اشترى جارية من رجل لغيره يعلم أنه افتات عليه فيها ، ثم وطئها ، فهو زان ، ولا يلحق به الولد ، ولو زوجها له تعديا فتزوجها عالما بذلك ، لم يحد للشبهة ، والولد لاحق ، وهو رقيق لسيد الأمة .
قال في كتاب ابن المواز : واذا بعث معه بمائة دينار يشتري له جارية على صفة ، وبعث بها ، فوطئها بعد الاستبراء ، فحملت ، ثم قدم المأمور بأخرى ، فقال : هذه [التي]اشتريت لك ، وإنما / بعثت بالأولى وديعة تكون إلي عندك فإن أقام بينة أنه ابتاع الأولى لنفسه ، فله أخذها مع قيمة ولدها ، فإن لم تقم بينة ، لم يصدق ، ولو كان ثمنها أكثر من المائة ، لم تكن له الزيادة ، ولو كان أقل من المائة .
[7/218]
***(1/214)
[7/219]
أخذ ما بقي ، وهو مخير في التي قدم بها ؛ إن شاء أخذها بما اشتراها له به ، وإن شاء تركها ، ولا تلزمه ؛ لأنه يقول : الأولى جاريتي ، وإنما أمرت بواحدة ، ولا بينة لك على دعواك .
ومن العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن أبضع معه رجلان في شراء جارية لكل واحد ، وبعث هذا بمائة دينار ، وهذا بخمسين دينارا ، فاشترى لهما ، وأشهد أن هذه اشتراها لفلان ، وهذه لفلان ، وبعث بهما إليهما ، فغلط الرسول ، فدفع جارية هذا إلى هذا ، وجارية هذا إلى هذا ، فوطئ كل واحد منهما وحملتا فإن كانت له بينة فليأخذ كل واحد منهما جاريته ، ويأخذ قيمة ولدها من الوطئ ، وإن لم تكن بينة إلا قول المأمور ، لم يصدق ، وينظر إلى قيمة التي زعم أنه اشتراها لصاحب المائة فإن زادت قيمتها على خمسين ، غرمها له .
في المأمور بشراء جارية بثمن قبضه ، فاشتراها وتلف الثمن
أو يشتري له ما أمره به فيتلف أو يهلك
من العتبية ، من سماع ابن القاسم ، وعن المأمور بشراء ثوب فاشتراه ، ثم قال للبائع : أنا أذهب به ، فأريه للآمر . وضاع [قال : قيمته ضامنة على الذي أرسله]وقد جرت في كتاب الخيار لابن المواز ، أنه اشتراه له بالخيار . وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، في المبضع معه في شراء جارية من أطرابلس ، فابتاعها ، وقال لربها سأنقدك الثمن . وبعث بها ، ثم تلف الثمن . فإن رجع في طلب الثمن عندما ابتاع ، فان لم تفت الجارية بحمل ، خير الآمر في غرم الثمن . وأخذها ، أو ردها للمأمور ، وإن حملت كانت للآمر بلا ثمن ، وعلى المأمور غرم الثمن . ولو فرط في دفع الثمن طويلا بما في مثله يعرض للتلف ، فعليه غرمه ، والسلعة للآمر ، كقول
[7/219]
***(1/215)
[7/220]
مالك في الرسول بمال يدفعه إلى رجل ، فقدم فلم يدفعه ، وزعم أنه هلك ، فإن هلك عند قدومه بما لا يعد به مفرطا ، لم يضمنه ، وإن أطال حبسه حتى عرضه للتلف ، ضمنه ومن موضع آخر .
قال المغيرة ، في الوكيل على شراء سلعة بثمن دفع إليه ، فابتاعها ، ثم ضاع الثمن ، أنه يلزم الآمر غرم الثمن ثانية ، سواء قال له : اشتر بهذا المال ، أو اشتر ، ثم أنقدك .
ومن كتاب ابن المواز ، في المبضع معه بمائة دينار لشراء جارية ويعتقها ، فاشتراها وأعتقها ، ثم وجد الثمن قد تلف ، فالعتق نافذ ، والولاء للآمر ، والرسول ضامن للثمن ، ولا يرجع به .
ومن العتبية ، روى عيسى [بن دينار ُ]عن ابن القاسم ، عمن عليه لرجل دين ، فأمره أن يشتري له سلعة ، فقال : قد ابتعتها لك ثم ذهبت ، أو أبق .
إن كان عبدا ، فالمصيبة من الآمر . ومن كتاب ابن المواز : والمأمور بشراء سلعة أو جارية ، يقدم فيقول / : اشتريتها وضاعت ، أو سرقت ، أو قطع على الطريق .
فهو مصدق مع يمينه ، ويأخذ الثمن من الآمر فيما يغاب عليه ، ولكن إن ادعى فيما لا يغاب عليه من الحيوان ، إن قال : مات وسئل أهل رفقته ، فلم يعلم ذلك ، وهم ثقاب ، تبين كذبه ، وأما غير الموت ، وغير الحيوان ، فهو مصدق ، ويلزم الثمن المأمور ، وإن قدم بذلك ، وأراد حبسه حتى يأخذ الثمن ، فليس له ذلك ، ولا له أخذ الثمن حتى تدفع إليه السلعة ، فإن منعه منها حتى مات أو تلفت ، ضمن القيمة في الحيوان وغيره للتعدي بالمنع له ، إلا أن يكون قال : اشتره
[7/220]
***(1/216)
[7/221]
واحبسه حتى أعطيك الثمن . أو قال له بعد أن قدم مثل ذلك ، فلا شيء عليه في الحيوان ، وله الثمن ، وأما ما يغلب عليه ، فهو ضامن له ، كالرهن .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا صدق المأمور في تلف ما اشترى ، ووجب له الرجوع بالثمن على الآمر إن لم يكن كان قبضه ، قال : وإن أخذه منه ثانية ، ثم قال : تلف لي أيضا . فعليه أبدا أن يغرمه الآمر حتى يصل إلى البائع ، وإذا كان دفع إليه الثمن أول مرة ، فتلف ، لم يكن على الآمر غرمه ثانية ، وتصير مصيبة العبد من المأمور وعليه أن إلا أن يسلم العبد ، فيجب للآمر أن يأخذه بدفع الثمن ثانية فذلك له ؛ لأنه له اشتراه ، وإذا نقد المأمور من عنده ، ثم قال : هلك العبد .
فله أخذ الثمن من البائع ، وإن أخذه ، فتلف منه ، فلا شيء له على الآمر [ها هنا]لأن المأمور ، إنما أسلفه فقد استوفى سلفه ، وإذا لم يكن دفع إليه الثمن ، وإنما أمره أن يسلفه عليه ، فالآمر أبدا ضامن للثمن حتى يستوفيه البائع ـ يعني في تلف ما تسلف له قبل [أن]يقبضه البائع ـ ولو قبضه البائع ، ثم طلب به المأمور الآمر ، فأخذه منه ، فتلف قبل أن يصل إلى من أسلفه إياه ، فعلى الآمر غرمه أيضا حتى يصل إلى من كان أسلفه إياه .
في اختلاف الآمر معه المأمور فيما ولي
وشهادة المأمور فيما أمر بدفعه ، أو أمر باقتضائه
من كتاب ابن حبيب ، قال مطرف ، في المأمور يقول : بعثت معي بكذا لأدفعه إلى فلان ، وقد فعلت . وقال الآمر : بل أمرتك أن تدفعه إلى فلان آخر .
قال مالك : فالآمر مصدق ، وإن لم تقم بينة ، ويضمن المأمور ، ولا يرجع به على قابضه ، لأنه مقر أن ما قبض هو له . قال مطرف : وكذلك لو لم يقر أنه أمره بدفعه إلى أحد ، ولو اجتمعا على الدفع إلى رجل ، فقال المأمور : أمرتني بالدفع إليه عطية له ، وقد فعلت : وقال الآمر : لم آمرك إلا بدفعه إليه على غير عطية .
[7/221]
***(1/217)
[7/222]
فالقول قول الآمر مع يمينه ، ويضمن المأمور ، ولا يرجع بالمال على من دفعه إليه ، ولا يكون مقام شاهد ، لأنه غارم ، إلا أن يكون لم يدفع المال بعد ، فتجوز شهادته مع يمين المشهود له ، ويأخذ المال ، وإن كان المشهود له غائبا ، لم تجز شهادته ؛ لأنه يتهم على بقائه في يديه . وكذلك في كتاب ابن ميسر ن وذكر / أنه قول مالك .
قال ابن حبيب ، عن مطرف : وإذا جعلت المأمور ضامنا وقد أغرم فللآمر أن يأخذ المال ممن قبضه ، ثم لا يرجع به غارمه الآن على المأمور . قال ابن الماجشون : إلا أنه رأى للمأمور أن يرجع بالمال إذا غرمه على من دفعه إليه ؛ لأنه يقول : لم أهبك من عندي ، ولكن بلغتك قول غيري . وقال مثله أصبغ . قال ابن حبيب : وقول مطرف أحب إلي ، وقد قال به أصبغ أيضا . وذكر أن ابن القاسم يقول : أن قال الدافع : أمرتك الدفع إلى زيد . وقال المأمور : إلى عمرو .
فالمأمور مصدق ، إلا أن يقول الآمر : لم آمرك بالدفع إلى أحد . فالآمر مصدق وكذلك إن قال : لم آمرك أن تدفعه إليه . وقال المأمور : بل أمرتني بدفعه إليه صدقك منك . فالآمر ها هنا مصدق ، وكذلك إن قال : أمرتك أن تدفعه إليه . وقال المأمور : بل أمرتني بدفعه إليه صدقة منك . فالآمر مصدق ها هنا . وقال أصبغ : الآمر مصدق في الوجهين . وقد جرى من هذا الباب في كتاب الودائع .
ومن العتبية روى عيسى ؛ عن ابن القاسم ، في رجل لرجل عليه عشرة دنانير ، ولرجل آخر مثلها ، فوكلا من يقبض ذلك لهما ، فقبض منه عشرة ، فقال الغريم : إنما قبضتها لفلان . وقال الوكيل : ما دفعتها إلا قضاء للآخر . أو قال : بينهما . وقد فلس الغريم ، قال : أرى أن ما اقتضى بينهما . وفي باب موت المبعوث إليه بالصلة ، ذكر شهادة الرسول ، وفي باب المسائل المختلفة ، من معنى هذا الباب / أيضا .
[7/222]
***(1/218)
[7/223]
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، وسئل عن الرجل يبعث بالمال مع رجل إلى فلان ، فقدم عليه ، وقام غرماء الباعث ، فأرادوا أخذه ، فقال الرسول : قد أمرتني بدفعه إلى فلان . وقال : إنما تقاضيته له من دين له . قال : سمعت مالكا يقول ، فيمن بعث مع رجل بمال وهو خارج إلى بلد ، ثم لحقه ، فطلب أخذ المال ، فقال له : قد أمرتني بدفعه إلى زيد صدقة منك عليه .
فقال : إن كان زيد حاضرا ، حلف مع شهادة الرسول ، وأخذ منه المال ، وإن غاب ، لم تجز شهادة الرسول ، وليرده إلى الذي بعثه ، فكذلك مسألتك إن كان الذي شهد له الرسول حاضرا ، حلف معه ، وأخذه ، وإن كان غائبا ، فليأخذه الغرماء ، لأنه يتهم الطالب على إقرار المال بيده .
ومن كتاب أحمد بن ميسر : ومن دفع إلى رجل ألفا ، فقال القابض :
أمرتني بدفعها إلى فلان . وقال ربها : لم آمرك بشيء فربها مصدق مع يمينه . وإلى هذا رجع مالك ، وهو قول ابن القاسم .
ومن قال : وضع فلان علي يدي ألف درهم صدقة على فلان ؛ لأدفعها إليه . وقال ربها : لم آمره بدفعها إلى فلان : فرب المال مصدق مع يمينه ، والرسول ضامن ـ يريد وقد دفع المال ـ وإن قال : دع إلي فلان الميت مائة دينار لأتصدق بها على المساكين ، ولا بينة له ، فإن أقر بذلك الورثة وهم جائزوا الأمر ، جاز ذلك ، وإن أنكروا لم يقبل منه إلا بينة يريد شاهدا آخر معه ، وهو لم ينقدها بعد . قال : وإن قال : أمرتني بدفعها إلى قوم ذكرهم بأعيانهم ، فليحلفوا مع شهادته / إن كان عدلا ، وهذا إذا كانوا حضورا ، وأما أن كانوا غيبا ، فهو متهم ، ولا يجوز قوله ، وهذا ما لم يكن دفعها ، ولو كان قد دفعها ، لضمن ، ولم يكن شاهدا . ولو قال : دفعها إلى رجل لأتصدق بها ، وقد فعلت : والرجل الدافع إليه مجهولا لا يعرف ، فهذا لا شيء عليه ، ولا يؤخذ بشيء فرقها أو كانت في يديه ،
[7/223]
***(1/219)
[7/224]
وإن كان الآمر معروفا ، وقد فات ، حلف ورثته على علمهم إن كانوا بالغين ، والمقر غير عدل ، وإن كان إقراره لقوم معروفين ، فلهم أيمان الورثة على العلم ، وإن كانوا مجهولين فلا يمين عليهم مثل المساكين .
في اختلاف الآمر والمأمور ، في مبلغ الثمن
في بيع السلعة أو اشترى له بأمر ،
أو يقضي عنه دينا ، ثم ينكر أن يكون أمره
أو يقول : أمرتك بشراء كذا
ويقول المأمور : بل بغيره
من العتبية ، قال أصبغ في الذي يسلم في السلع أو يشتريها بأعيانها ، ويزعم أنه يشتريها لفلان رجل غائب بماله ، أو قال : أمرني بشراء ذلك بهذه المائة فاشترى بها ، ونقدها ، ثم أتى الغائب فأنكر أن يكون أمره بشيء ، وطلب أخذ الثمن من البائع ، قال : فذلك سواء ، لا شيء له على البائع على حال ، إلا أن تقوم بينة على أصل هذا المال بعينه أنه لفلان ، وإلا فلا ، في كتاب جامع البيوع : أو يبيعه على ذلك بتصريح ، أو تصديق بين وإقرار .
ومن كتاب ابن حبيب / ، قال ابن الماجشون : ومن ابتاع ماشية لغيره ، أو عبدا ، وذكر أنه ودى الثمن من مال الغائب الذي اشترى له ، أو قضى عنه دينا ، وذكر في كتاب البراءة أنها براءة لفلان من كذا وكذا دينارا دفعها فلان عنه من مال المدفوع ذلك عنه الغائب ، ثم جاء فأنكر ذلك كله ، وقام بما دفع كراء له ، ودفع من ماله ، إن لم يكن في كتاب الشراء أو كتاب البراء وكالته ببينة أو وكالة تثبت له في غيرهما ، فلرب المال إذا حلف أنه ما أمره بالشراء ، ولا أمر هذا
[7/224]
***(1/220)
[7/225]
بالقضاء ، وما للقابض عليه حق ، فإنه يخبر ، فإن شاء طلب القابض للمال الذي أقر أنه من مال فلان ، وإن شاء من الدافع ، فإن أخذه من الدافع للدين عنه أو للثمن ، فللدافع أن يرجع به على الذي كان دفع إليه أولا ، ثم لبس للقابض حجة عليه بأن يقول : أنت مقر أني قبضت مالي قبضه بقولك . فإذا سترده من قابض الدين ، كان له أن يطلب غريمه بدينه ، حق له أو لم يحق .
ولو اختار المنكر في الشراء أن يأخذ المشتري الثمن ، لم يكن للمشتري أن يرد العبد على البائع ، ويأخذ منه الثمن ، ولو اختار في الشراء أن يأخذ المشتري الثمن من البائع فأخذه ، كان للبائع أن يرجع فيأخذ الثمن ثانية من الدافع ، لأنه هو الذي بايعه ومن كتاب ابن المواز قال مالك في العبد يأمره سيده ببيع سلعة بخمسة ؛ تنقص حبتين ، فيقول السيد : لم آمرك إلا بوازنة فيحلف السيد ، ويأخذ سلعته . محمد : ما لم تفت السلعة . قال : وإن قال المبتاع : أنا أعطي خمسة وازنة . فأبى ربها البيع . فاختلف فيها ابن القاسم ، وأشهب ، وأحب إلينا أن ذلك لصاحبه ؛ لأنه بيع كان لرب السلعة فيه الخيار ، كما لو قال : بعها بخمسة فباعها بأربعة ، أو بقمح أو شعير ، فأبى ربها ، فليس عليه أن طاع المشتري ، فأدى خمسة . وهذا مذهب ابن القاسم .
ومن العتبية ، روى ابن القاسم ، في المأمور يشتري شعيرا ويقول الآمر : أمرتك بقمح . فإن الآمر مصدق ، ثم رجع ، فقال : القول قول المأمور . وهذا قول أشهب . والأول قول أصبغ . وروعى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن اشترى جارية لرجل ، فأنكر الرجل أن يكون أمره ، فلا يطؤها هذا المأمور ليبيعها ، فإن كان فيها فضل ، رده إليها ، إلا أن يخرجها إلى السوق ، فينظر ما يعطى فيها ، ويستقصي ذلك ثم يأخذها لنفسه ، ويعطيه الفضل ويطؤها ، وإن لم يكن فيها فضل ، وأيقن ذلك ، فله حبسها إن شاء . قلت ولا يرى جحوده إسلاما لها إليه . قال ض
[7/225]
***(1/221)
[7/226]
أرأيت لو أعتقها الآمر ، ثم جحد أن يكون أمره أنها تكون حرة ، فهذا مثله وعمن اشترى لرجل جارية ، وقال الآمر : أمرتك بغلام أن المأمور مصدق ، ويحلف .
قال ابن حبيب : قال مطرف ، في المبضع معه بشراء رأس ، فيشتري جارية ، ويقول : بذلك أمرتني . وبقا الآمر : بل بغلام . قال مالك : المأمور مصدق ، ويحلف . ولو قال الآمر لم آمرك بشراء شيء مصدقا مع يمينه ، ويضمن المأمور / قال مالك : وكذلك لو اشترى قمحا ، وقال : به أمرتني . وقال الآمر : بل بشعير . فالمأمور مصدق . وقاله ابن الماجشون . وقال أصبغ : القول قول الآمر .
وقال ابن حبيب بقول مطرف . وهو قول ابن القاسم ، وابن الماجشون .
قال أبو الفرج : وروى أشهب ، عن مالك : إن بعث معه مالا ؛ ليشتري ثيابا ، وقال المبضع بغنم ، أن الباعث يحلف ويضمن المبضع معه . قال ابن نافع : إنما قول مالك : إن المبعوث معه يحلف ، ولا يضمن . وهو رأيي . وقال مطرف : وإذا قال : اشتريت لك السلعة بمائة ، وبذلك أمرتني . وقال الآمر : بل أمرتك بثمانين . قال مالك : الآمر مصدق ، ويحلف . وكذلك إذا أمره ببيعها ، ثم اختلفا في مبلغ الثمن وهي قائمة ، فالآمر مصدق ، ويحلف . وكذلك إذا أمره ببيعها ، ثم اختلفا في مبلغ الثمن وهي قائمة ، فالآمر مصدق ، وإن فاتت فالمأمور مصدق فيما يشبه . وكذلك في بيعه بغير العين ثم يختلفان فيقول : بالعرض أمرتني ، أو بطعام . ويقول الآمر : بل بالعين أمرتك فهو مصدق ، ما لم تفت ، فإن فاتت ، فهو مخير في أخذ قيمة السلعة ، أو أخذ ما باعها به ، وكذلك لو باعها بالعين ، وقال الآمر : بل يعرض خلافه لكان مثله في حضورها أو فوتها ، ولو باعها بدين ، وقال : به أمرتني وقال الآمر : بل بالنقد أمرتك بثمن مسمى . أو قال : بما رأيت : فالآمر مصدق ها هنا ، قائمة كانت أو فائتة ، وله في فوتها القيمة على المأمور . / قاله ابن الماجشون ، وابن القاسم ، وأصغ .
[7/226]
***(1/222)
[7/227]
في المأمور ينقد عن الآمر الثمن فيطلبه به
فيقول : أعطيتكه أو ادعى ذلك قبل النقد
والمأمور يقول : أعطيتني المال لأشتري به سلعة ،
أو لأرسله إلى فلان
وقال الآمر : بل لتبلغه بنفسك إلى فلان
من العتبية من سماع ابن القاسم : ومن اشترى سلعة ، أو تكارى دابة لزوجته ، وحازت ذلك ، وطلب منها الثمن ، فقالت : دفعته إليك ، فإن كان نقد الثمن ، فلتحلف ، وطلب منها الثمن ، فقالت : دفعته إليك ، فإن كان نقد الثمن ، فلتحلف المرأة : لقد دفعته إليه . وإن لم ينقد الزوج ، حلف الزوج ، وأخذ منها الثمن . قال عيسى ، وسحنون : إلا أن يشهد الزوج عند النقد أنه إنما ينقد من ماله عن المرأة ، فالقول حينئذ قول مع يمينه .
وقال عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن اشترى سلعة لرجل ، ونقد الثمن ، ثم اختلفا ، فالمأمور مصدق مع يمينه ، ويرجع به على الآمر . وروى عيسى ، عن ابن القاسم في المبعوث معه بضاعة . يقول : أمرتني أن أبعتها إلى أهلك ، وقد أرسلتها . وقال الآمر : بل أمرتك أن بتلغها بنفسك . فليحلف المأمور ، لقد أخذها على أن يرسلها ، وأنه أرسلها .
وقال أصبغ ، في المبضع معه بمال ، فضاع ، فقال المأمور : بعثتها معي لأشترى بها ثوبا ، وضاعت قبل الشراء ، أو اشتريت بها ثوبا ، فهلك أو غرق . وقال الآمر : بل أمرتك تدفعها إلى فلان ، فلم تفعل ، قال : القول قول رب الدنانير مع يمينه . [ويضمن الرسول ، كما قال ابن القاسم / ، فيمن اشترى له شعيرا وقال به أمرتني وقال الآمر : بقمح ، أن الآمر مصدق]ويضمن المأمور ، وقد رجع عنه ابن القاسم ، وقال بقول أشهب : إن القول قول المأمور : وقوله الأول أحب إلي .
[7/227]
***(1/223)
[7/228]
في الوكيل يدعي أنه دفع إلى الآمر ما قبض له من دين
أو غيره ، أو من ثمن ما باع له ، أو ما أبضع معه
أو قال : سقط ذلك مني
أو يدعي دفع ما أرسل به إلى الذي أمره بدفعه إليه
وكيف إن أذن له أن لا يشهد ؟
من العتبية من سماع ابن القاسم ، وعن امرأة وكلت زوجها بحق لها ، فقبضه ، وقال : دفعته إليك . فأنكرت ، فليحلف الزوج ويبرأ . وكذلك الوكلاء يأتون من العراق لقبض أموال من وكلهم [فبعد سنين يقول من وكلهم]ما دفع إلينا [بشيء]فليحلف الوكيل ، ويبرأ ، قال عيسى ، في الزوج يبيع لزوجته متاعا بإذنها ، فادعت بعد موته أنها لم تقبض منه الثمن ؛ فليس لها شيء ، وليحلف من بلغ من الورثة أنها لم يبق لها على أبيه شيء من ذلك ـ يريد عيسى ، في علمه .
من سماع ابن القاسم ، وعمن يقر لزوجته بدين تسلفه منها بينه وبينها ، ثم يدعي أنه قضاها ، فإن لم يأت ببينة ، غرمه بخلاف ما ولي لها بيعه أو شراءه ، وتقاضي دين لها ، فليس عليه في هذا إلا يمينه ، بخلاف السلف .
ومن كتاب ابن حبيب ، قال مطرف ، في الوكيل المفوض إليه ، أو على شيء بعينه يبيعه ، أو دين يقبضه إذا قال : / دفعت ما وليت من ذلك إلى
[7/228]
***(1/224)
[7/229]
وكيل . وأنكر الذي وكله ، فإن كان بحضرة قبض الوكيل المال وفوره ، فليحلف الذي وكله ، ويغرم الوكيل إن كان في فور ذلك بالأيام اليسيرة ، فأما مثل الشهر ونحوه ، فالوكيل مصدق مع يمينه ، وكذلك الزوج فيما ولي لزوجته ، وأما إن طال . . جدا ، فلا يمين على وكيل ولا زوج ، ولو مات الوكيل أو الزوج أو الزوج بحدثان ما جرى على أيديهما فذلك أو أموالهما إذا أنكرت الزوجة الآمر ، وعلم القبض ، وجهل الدفع ، وإن لم يكن بحداثة الآمر ، فلا شيء في أموالهما وإن لم يذكر الدفع .
وقال ابن الماجشون : الوكيل المفوض إليه أو غيره والزوج مصدق ، وإن كان يفور ذلك مع أيمانهم ، فإن طال ذلك ، فلا يمين . وقال مثله ابن عبد الحكم ، وأصبغ ، إلا أن أصبغ قال في المفوض إليه ، وجعل الوكيل المخصوص عليه البينة بالدفع ، وانفرد بهذا ، وقولي على قول مطرف ، عن مالك .
وقال ابن الماجشون : ولو أقر الوكيل أو الزوج عند سفر ، أو مرض ، أو قصد الذكر لذلك ، أنه قبض لفلان كراء ، وأنه له في يديه ، ثم تناكرا بعد ذلك ، وبعد البروء ، أو القدوم ، فلا يبرأ الوكبل إلا ببينة . قال ابن حبيب : وكأنه صار بما ذكر كدين عليه حين أقر أنه في يديه ، وفي غير وقت ، وهذا الذي ذكر ابن حبيب كله عند ابن القاسم ، وفي روايته أن الوكيل مصدق ، كالمودع يرد على من ائتمنه قال ابن حبيب ، عن ابن الماجشون : وكل مؤتمن في وديعة أو بضاعة / ببينة ، فلا يبرأ منها إلا ببينة ، ما لم يكن من ذلك ببينة ، فإنه يبرأ منها باليمين . قال ابن حبيب : قال مطرف ، عن مالك : ومن وكل وكيلا على تقاضى ديونه ، وأشهد على الوكالة ، وعلى أن من دفع إليه ما عليه ، فقد برأ ، فقال الوكيل : قد قبضت من فلان ما عليه . فقد برأ ، فقال الوكيل : قد قبضت من فلان ما عليه ، وضاع مني .
فالوكيل ضامن لما كان عليه ، إلا أن يكون قد أشهد على دفعه إلى الوكيل على معاينة ذلك ، لا على إقرار الوكيل ، فإن لم يشهد ، ضمن . قال مطرف : وهذا في وكيل مخصوص ، فأما الوكيل المفوض إليه ، فهو مصدق ، ويبرأ من دفع إليه إذا صدقه الوكيل ، والوصي بمنزلة الوكيل المفوض إليه .
[7/229]
***(1/225)
[7/230]
وقاله ابن القاسم ، وابن الماجشون . قال مطرف : وإذا ودى الغريم ما كان عليه ، فله أن يرجع على الوكيل بما أقر الوكيل أنه قبضه منه مما ادعى تلفه عنده ؛ لأن الوكيل فرط في دفع ذلك إلى الذي وكله حتى ضاع عندي .
وقال ابن الماجشون : لا يرجع عليه بشيء حتى يعلم من الوكيل تفريط وتعريض لتلف ما قبض . وأخذ ابن حبيب بقول ابن الماجشون . ومن كتاب ابن المواز ، وقال في الوكيل على بيع السلعة ، يقول : دفعت ثمنها إلى من وكلني ، أو : إلى ورثته فهو مصدق في دفعه إليه مع يمينه ، ولا يصدق في دفعه إلى ورثته .
ومن أمر رجلا يقبض له دينا ، أو يأتيه ببضاعة من عند رجل ، فقال : قد جئت بذلك ، ودفعت إليك فأنكر الآمر ، فليحلف الرسول ، ويبرأ ، ويحلف / الذي أرسله أنه ما دفع إلى رسول من قبلك شيئا ، ولا علمت أنه قبض منك شيئا ، ويرجع على من كان ذلك عليه ، ولا يبرأ ببينة على دفعه إلى الرسول ، ولا تباعة على الرسول بتركه الإشهاد على من أرسله ، ويبرأ الدافع إليه مما دفع . قال محمد : ولو كان وكيلا لرجل ممن يجوز بيعه عليه وشراؤه ، جاز قوله إنه قبض ما و إلي بيعه ، فيبرأ المشتري ، ولا شيء على الرسول . ولو قال : قبضت الثمن ، وتلف مني لم يلزم المشتري شيء . وإن قال المرسل : ما أرسلت هذا بقبض منك شيئا . ضمن الرسول بعد يمين الرسول أنه ما أرسله .
قال مالك في المبضع معه في شراء سلعة ، فإذا قدم طولب بها ، فقال : قد وردت إليك بضاعتك قبل أن أخرج ، فهو مصدق إذا لم يأخذها بإشهاد . وكذلك المبضع معه ببضاعة يدفعها إلى رجل ، فقال : لم أجده ، فرجت ، فرددتها إليك . أو : رددتها إليك قبل أن أخرج . فهو مصدق ، إلا أن يكون ببينة ، فلا يبرأ إلا ببينة ، ولا يصدق بدعواه الدفع إلى من أرسله ، إلا ببينة ، ويصدق في الرد إلى الباعث ، لأن الله سبحانه أمر الأوصياء بالإشهاد في الدفع إلى غير اليد التي أعطتهم وهم الإتمام ، ولم يأمر بالإشهاد في الرد إلى اليد التي أعطتك بقوله : { فليود الذي أوتمن أمانته } . قال ابن عبد الحكم : فإن أشهد رب البضاعة
[7/230]
***(1/226)
[7/231]
على الرسول حين دفعها إليه شاهدا واحدا ، فليحلف معه ، ويكون كالشاهدين ، فإن أقام شاهدا على ردها إلى الآمر ، أو على دفعها إلى من أمر / بالدفع إليه ، حلف الرسول مع شاهده ، وسقط عنه الضمان ، ولو قال الرسول : سقطت مني فلا ضمان عليه ، وإن أخذها بالبينة ، ولا يمين عليه إن كان همن أهل الأمانة . قال ابن القاسم . وإن كان غيره مأمون ، أحلف وبرئ .
قال ابن القاسم : قال مالك في الرسول بدنانير يشتري بها سلعة ، أو يبلغها إلى فلان ، فيزعم أنها تلفت منه ، أو تلفت السلعة بعد الشراء أنه مصدق ، فإن اتهم أحلف أنه ما خان . وقال أيضا : إن كان مأمونا ، صدق . قيل : فعليه يمين ؟ فضعف ذلك . وقال أشهب ، عن مالك ، فيمن استقرض من رجل دراهم ، فأمر صرافا فدفعها إليه عنه ، ثم ابن القاسم المتسلف : رددتها إلى الصراف ، فقال : وماله يدفع إلى الصراف ! قيل : فإن كان أنكره الصراف ، أيحلفه ؟ قال : نعم ، إن كان متهما ، وإلا لم يحلف . قال ابن القاسم ، في العتبية ، في المأمور يدفع ثوبا إلى صباغ ، فقال : قد دفعته إليه . وأنكر الصباغ ، فإن لم يقم المأمور ببينة ، ضمن ، ولو قال الصباغ : قبضته منه ، وضاع مني وهو عديم ، ولا بينة بالدفع إليه ، فالصناع ضامن ، ويبرأ المأمور .
قال ابن حبيب ، قال مطرف عن مالك : ومن أبضع من رجل بضاعة ، وأمره أن يدفعها إلى أخيه ، وأشهد الآمر عليه أو لم يشهد ، والبضاعة دين على الآمر ، أو على وجه الصلة ، فعلى المأمور أن يشهد على الدفع ، وإلا ضمن إذا أنكر القابض أنه قبض منه شيئا ، أو كان ميتا ، أو ما أشبه ذلك / من غائبات الأمور . قال مطرف : ولو شرط المأمور أنه لا إشهاد عليه عند دفع البضاعة ، فأعطاه على ذلك ، ثم جحد القابض ، فالشرط جائز ، وذلك ينفع المأمور ، إلا أنه يحلف إذا أنكر القابض ، أو كان ميتا ، ولو شرط المأمور أيضا أنه لا يمين عليه ،
[7/231]
***(1/227)
[7/232]
كان شرطه بإسقاط اليمين باطلا ، واليمين عليه ؛ لأن الأحداث تحدث ، والتهم تقع بخلاف شرطه ترك الإشهاد . وقال ابن الماجشون في ذلك كله : القول قول المأمور وبتبليغ البضاعة ؛ دينا كانت أو صلة ، والإشهاد عليه عند دفعها ، وإن أنكر القابض أن يكون قبض شيئا ، إلا أن يكون الآمر قال له : اقض هذا عني فلانا ، فهو ضامن إن لم يشهد ؛ لأنه وكل إليه القضاء ، والقضاء لا يكون إلا بالإشهاد ، وليس كمن لم يؤمر بأن يقرض وإنما جعل رسولا ، وإن كان قد أجير وقيل له : أبلغ هذا فلانا ، فإنه له علي لأن أصل هذه رسالة ، وأصل الأول أمر بقضاء وذلك مختلف .
قال ابن حبيب : قلت لابن الماجشون : إنه ذكر عن مالك أن المأمور ضامن في جميع هذا ، إذا لم يشهد على الدفع ، أمر بالقضاء أو بالدفع أو بالتبليغ فقط ، فقال : ما علمت أن مالكا ، ولا غيره من علمائنا قال فيه غير ما وصفت لك ، فاحذر ما يخالفه .
ومن كتاب ابن المواز ، قال : ومن دفعت معه بضاعة ليدفعها إلى فلان ، وقد قال الرسول للآمر : إني أدفعها إليه ، ولا أشهد عليه ثم يدعي / أنه دفعها إليه ، وأنكر المبعوث إليه ، فليحلف الرسول ، ويبرأ إن صدقه لآمر بشرطه ، أو ثبت ذلك ببينة . قاله مالك .
قال محمد : وإن أنكر الآمر ، ولا بينة عليه ، ضمن المأمور إن لم تقم بينة بالدفع ، ويحلف المبعوث إليه ، فإن نكل ، لم يبرأ الرسول ، إلا أن يحضره المبعوث إليه ، أو يضمنها ، كما لو قال : قبضتها ، وضاعت . كانت من الباعث لتعدي الرسول لترك الشهادة . وقاله كله مالك .
قال أبو محمد : وقع في كتابي : كانت من الباعث ، وإنما هو عندي : كانت من الرسول محمد . وسواء أشهد الباعث على الرسول أو لم يشهد ، ولو قال
[7/232]
***(1/228)
[7/233]
المبعوث إليه : قبضتها ، وضاعت مني . فلا شيء عليه ، ويضمن الرسول إن لم تقم له بينة . قال محمد : إلا أن تكون كانت دينا للمبعوثة إليه على المرسل ، فيبرأ الباعث والرسول ، قال : ولا ينفع الرسول شهادة المبعوث إليه ؛ لأن عليه له الثمن على ضياعها ، فلو جازت شهادته ، لم يحلف . وقال في المبعوث معه بضاعة إلى رجل ، أو نفقة إلى أهله ، فيقول : دفعتها إليه ، فصده المبعوثة إليه ، فإن كانت لرجل صلة ، فهو مصدق ، ولا شيء على الرسول ، وكذلك في أهله ، وإن لم تكن صلة ولا نفقة ، لم يصدق أهله ولا المرسولة إليه يريد محمد : إن قالت أتلفت .
قال محمد : ومن بعث بمال مع رجل ، وقال له : ادفعه إلى فلان ، ليفرقه على المساكين / وقال : دفعته إليه فلا يصدق إلا ببينة أو يقر فلان أن ذلك وصل إليه ، وفرقه ، فهو مصدق في قوله فرقته . ولو قال : ضاع مني قبل أن أفرقها . لم يبرأ الرسول بذلك ، ويضمن إلا أن يقيم بينة الدفع إليه ، ولو أقام شاهدا بالدفع إليه ، حلف معه ، وبرئ ، ولو قال : قد دفع ذلك إلي ، وفرقته . سلم الرسول من الضمان إلا أن يكون على قوم بأعيانهم ، فينكروا .
ومن كتاب ابن سحنون ، وكتب حبيب إلى سحنون ، فيمن أعطى رجلا ثوبا رهنا في ثمن سلعة ، وأمره أن يدفعه له إلى القصار ، فقال : قد فعلت ، وجحدني القصار . قال : إن أقام بينة بدفعه إلى القصار ، وإلا ضمنه .
ومن كتاب ابن المواز ، وقال فيمن اشترى ثوبا بدينار ، فبعث معه البائع رسولا ليدفع إليه المبتاع الدينار ، فأنكر البائع أن يكون الرسول أوصل إليه شيئا ، فليحلف البائع أن ما دفع إليه الرسول شيئا ، ولا علم أن المشتري وصله إلى رسوله ، ويأخذه من المشتري . قال محمد : يريد إذا لم يكن المشتري أشهد على الرسول . ولو قال الرسول : قبضته منه ووصلته إلى البائع حلف الرسول ، وبرئ ولا ينفع ذلك المشتري ، ولا يبرأ إلا ببينة . وكذلك لو قال : ضاع مني . برئ
[7/233]
***(1/229)
[7/234]
الرسول إذا حلف ، إلا أن يكون صغيرا لا يحلف مثله ، وعلى الدافع أن يشهد على الرسول .
قال أشهب ، في كتابه : ولا ينفع المشتري قول الرسول : قبضت ، وضاع مني . وعلى الرسول غرم الثمن ، إلا أن يكون أشهد على الدفع إلى الرسول ، وسواء كان الرسول / عبدا للبائع أو أجيرا . وقاله مالك . .
باب في الوكيل على قبض دين ، فطلبه
فادعى المطلوب أنه دفع إليه إلى الطالب
من العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، وقال في الوكيل على تقاضي مائة دينار دينا ، فيقوم بذكر الحق ، فيدعي المطلوب أنه قضى الطالب خمسين ، ولا بينة له ، أن ذلك لا ينفعه ، إلا بالبينة ، وإلا غرم ، ولم يؤجر ، وإن لم يجد بينة وودى للوكيل مائة ، ثم قدم الطالب فأقر بقبض خمسين ، وقد أغرم الوكيل ، فقال : يرجع المطلوب على رب الحق الخمسين ، لأنه فرط حين لم يخبر وكيله بذلك ، وسواء كان الوكيل عديما أو مليا ، فلا يرجع عليه ، ولكن على صاحب الحق .
قال أصبغ : وإذا طلب الوكيل الدين ، وخاصم فيه وأثبته بالبينة ، فقال المطلوب : قد قضيته ، فاكتب إليه ، فإن صدقني برئت ، وإن كذبني وديت ، فليس ذلك له ، وعليه تعجيل الحق ، ويرجا اليمين حتى يلقاه ، فإن لقيه أحلفه ، فإن نكل حلف المطلوب ، وبرئ ، ويعدى عليه بما قبض وكيله ، فإن حلف تم حقه ، وكان قضاء قد مضى ، وإن مات الذي عليه الحق قبل أن يحلفه المطلوب ، فليحلف ورثته على علمهم ما علموه قضاه .
[7/234]
***(1/230)
[7/235]
في يمين الوكيل أو الوصي في عيب أو استحقاق
أو في اختلاف مع المشتري منه في قبض الثمن ، أو في عيب
من العتبية / من سماع ابن القاسم ، في الوكيل على بيع عبد ، ولم يؤقت له ثمنا ، فقال المبتاع ، ابتعته بأربعين . وقال الوكيل : بخمسين فليحلف الوكيل ، فإن نكل ، لم يحلف رب العبد ، وليحلف المشتري ، ويصدق .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا اختلف الوكيل والمشتري في مبلغ الثمن ، فإن لم يفت السلعة ، تحالفا ، ولا يحلف رب السلعة ، لأنه لم يحضر ، فإن نكل المبتاع ، لزمته الثمن الذي حلف عليه الوكيل ، وإن حلف المبتاع ونكل الوكيل ، ثبتت السلعة للمباع بيمينه ، وضمن الوكيل ما بقي لتعديه بترك الإشهاد ، إلا إذا كان الوكيل بائعا أو مبتاعا فجحد البائع المشتري ، وأقام الوكيل شاهدا واحدا ، فليحلف معه الوكيل ، فإن نكل ، حلف المشهود عليه فبرئ ولزم الوكيل غرم البضاعة ولو لم يشهد عليه أحدا ، وأتى ببينة غير عدول ، فإنه يضمن ذلك الوكيل بعد يمين المنكر . وكذلك الوصي يبيع متاع الميت فينكر المبتاع الشراء ، فيقوم عليه شاهدا ، فينكل الوصي ، وحلف المبتاع ، وبرئ فليضمن الوصي ، قاله مالك وأصحابه ، وإن ألقى الوصي أو الوكيل عديما وقد نكل أو قبل أن ينكل ، فلرب المال اليمين مع هذا الشاهد ، وكذلك الوصي يدعي أنه قضى دينا على الميت ، فحلف طالب الدين ، لزم الوصي عزمه لصاحب الدين فكذلك في دين الميت يدعي من هو عليه / أنه دفعه إلى الوصي ، فأنكر ونكل عن اليمين ، فإن الوصي يضمن ذلك . وكذلك الوكلاء . قال مالك : ومن أمر رجلا أن يدفع عنه دينا ، وبعث بذلك معه ليقضيه عنه ، فزعم أنه قضاه وأقام شاهدا ، فإنما يحلف معه الوكيل ويبرأ بذلك المطلوب .
[7/235]
***(1/231)
[7/236]
ومن العتبية ، من سماع ابن القاسم ، وعن الوكيل يبيع السلعة على أن لا يمين عليه ، فيقام فيها بعيب ، فلولا قطع السنة ، رأيت له ذلك ، فإما الوصي والوكيل المأمور يكره موقف ذلك ، فأرى ذلك لهما ، وأما غيرهما ، فلا ، وليرد البيع إذا أبى أن يحلف .
قال عيسى ، عن ابن القاسم : إذا قام المبتاع بعيب يحدث مثله ، فطلب يمين الوكيل ، فله ذلك ، فإن حلف ، وإلا رد ، وإن قال : لم أحط بذلك علما .
حلف المبتاع ورده ، ولا يحلف السيد ، وإن شاء المشتري أن يحلف السيد ، فله ذلك ، ووجه القضاء أن يحلف الوكيل ، إلا أن يريد المشتري فذلك له ، قال أصبغ : له أن يحلفهما جميعا ما علما بالعيب ، فإن نكلا أو نكل أحدهما ، فله الرد .
باب فيمن جحد بضاعة ، ثم ادعى ضياعها
وكيف إن أنكر ، ثم قامت بينة ؟
من كتاب ابن المواز ، والعتبية ، قال مالك فمن أبضع مع رجل بعشرة دنانير من المدينة ليبلغها إلى الجار ، فلما رجع إلى المدينة سأله ربها عنها ، فأنكر أن يكون أبضع معه شيئا ، فقال : إني أشهدت عليك . فقال : إن كنت دفعت إلي شيئا ، فقد ضاع مني . قال : لا شيء عليه ، إلا اليمين .
قال محمد : إذا ... لم يقر شيء / فيما أظن ، وقد قال ابن القاسم ، في سماع عيسى بن دينار ، من العتبية : إن من قول مالك ، إنه ضامن . وقال ابن المواز : الذي يتبين لي لو صرح بالإنكار ، فقال : دفعت إلي شيئا . لغرم إذا قامت البينة أو أقر وهو أصل قول مالك وأصحابه ، فيمن عليه دين فدفعه ، أو وديعة
[7/236]
***(1/232)
[7/237]
ببينة أو بغير بينة ، فردها وأشهد بينة بذلك ، فطولب ، فأنكر أن يكون كان عليه دين ، أو قال : ما أودعتني شيئا . ثم أقر ، أو قامت عليه بينة بأصل الحق ، [أو بالوديعة]، فأخرج البراءة وفيها بينة عدلة ، فلا تنفعه شهادة البراءة ؛ لأنه ( أكذبهم ) لجحده للأصل . وفي كتاب الوديعة . ذكر من جحد وديعة ، ثم قال : رددتها . أو قامت بينة بردها . وفي كتاب ابن سحنون ، من سؤال حبيب ، فين ادعى على رجل أنه أبضع معه رأسين ، وقال الآخر : إنما أبضعت معي رأسا واحدا ، أو : الرأس الآخر أبضعته مع غيري ، ووكلتني عليه إذا وصل إلي ، فلم يصل إلي . وأقام المدعي بينة أنه أرسل معه رأسين ، قال : تلزمه الرأس الآخر لجحوده .
باب في وكالة البكر
من العتبية ، روى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، في البكر توكل رجلا على خصومة لها في منزل بينها وبين شركائها بميراث ، فيقضي له ، فتصدقت عليه بناحية من حظها من ذلك ، ثم رجعت ، فقالت : صنعت ما لا يجوز إلي ، وعرفت ما تصدقت به . قال : صدقتها عليه وتوكيلها إياه لا يجوز ، وإنما يلي منها / وصي ، أو من يجعله السلطان ، ولا يقضي له بأجر مثله عليها فيما كان لشركائها ، ولكن بقدر ما يصير على نصيبها من أجر مثله ، ولا شيء له على بقية الورثة ، قال : وإنما ألزمتها من الإجارة بقدر حصتها ، وهي لا يجوز توكيلها بذلك استحسانا لما يدخل عليها من المرفق ، ولم لم يقضها عليها بشيء ما رأيت له شيئا ، ولا بطلب عناه .
[7/237]
***(1/233)
[7/238]
مسائل مختلفة المعاني ، من كتاب الوكالات
من العتبية وغيرها
من العتبية ، من سماع ابن القاسم : ومن أسلف رجلا دينارا ، فرده إليه لشيء كرهه فيه ، فأمر ربه بدفعه إلى فلان ، فتلف قبل أن يدفعه ، فإن قبضه ، ثم رده إليه ، لم يضمن ، وإن كان لم يرده لصاحبه ، فهو من المتلف حتى يرده .
وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن عليه لرجل ثلثا دينار مما حاسبه عليه ، فأعطاه دينارا ليقبض ثلثيه ، وليقض فلانا ثلثه ، ثم نظر القابض في حسابه ، فوجد له عليه أكثر من دينار ، فأراد حبس جميع الدينار ، فليس له ذلك ، وليدفع الثلث إلى من أمره . وروى أشهب ، عن مالك ، فيمن بعث بدنانير إلى بلد إلى رجل ، يبتاع له بها بزا ، وله في كل عشرة دنانير ، فكل جائز إذا كان كل ما ابتاع له قبله ، وإن كان يبتاع له ، فيختار عليه ، فلا خير فيه قيل : أفيضمن المال ؟ قال : لا .
وروى أصبغ ، عن ابن القاسم ، في وكيل / لرجل في ضياعه في المساكين والمزارع ، فقدم عليه وكيل آخر بعزله ، فطلب القادم محاسبته ، وأخذ كل ما فيه يديه ، فإن ذلك له ، قيل : فزعم الأول أن ناسا كانوا تقبلوا منه ادعوا فسخ ذلك وفساد عقده ، وأرادوا الخصوم ، فأما أحس بيدي الناض حتى ينظروا في ذلك ، قال : ينظر فإن كانوا يخاصمونه ، كان لهم تباعة فيما بيده بذلك له ، وإن كان ينظر أن التباعة قبلهم ، أو كان الأمر كفافا ، فليدفع إلى القادم ما في يديه من المال ، ويحيله على ما عند الناس ويجمع بينه وبينهم ، فإن أقروا ، أتبعهم ، وإن أنكروا أقام الأول البينة ، وإلا ضمن بترك الإشهاد .
قال ابن حبيب : قال مطرف ، وابن الماجشون ، في المأمور بشراء سلعة ، يقول : اشتريتها بشرط يفسخ به البيع ، ويدفعه الآمر . فإن كان عند دفعه إياها
[7/238]
***(1/234)
[7/239]
إلى الآمر ، فالمأمور مصدق مع يمينه ثم يصير كان الآمر شرط ذلك ، قال : فإن : نكل المأمور ، كانت السلعة للآمر ، ورد المأمور إلى البائع القيمة ، كفوتهما ، ويزيد تمام القيمة إن فاقت على الثمن ، وإن كان إقراره بعد دفعها إلى الآمر ، لم يقبل يمينه ، وبقيت للآمر ، على المأمور تمام القيمة إن كان فضل وقاله أصبغ .
ومن العتبية ، قال عيسى ، في الوكيل على شراء سلعة ، فابتاعها ، فقال الوكيل : اشتريتها بشرط كذا ، مما يفسخ به البيع . وكذبه الآمر ، وصدقه البائع ، ولا بينة على الشرط ، فليحلف الوكيل أنه اشتراها على ذلك ، ويكون القول / قوله ، ويفسخ البيع إن كان حراما وإن كان مكروها ، فالبائع مخير بين أن يجيز البيع ، ويفسخ الشرط ، أو يرد سلعته أن لم تفت . فإن فاتت ، فالعمل فيه على وصفت لك ، ولو قال الوكيل : إنما اشتريتها بهذا الشرط لنفسي بعد أن خلعت وكالتك إياي ، فالجواب سواء ، ولم لم يقر بالشرط ، وقال : ابتعتها لنفسي . فلما مضى بها للآمر ، قال : اشتريتها بهذا الشرط ، فلا يصدق ، وهي للآمر ، ولا يقبل يمين الوكيل في الشرط في هذا ، كما حلف في الأولى ؛ لأنه قد اشتريت ها هنا بالكذب في دعواها لنفسه .
ومن كتاب ابن سحنون ، وسأل حبيب سحنونا عمن بعث رجلا إلى رجل يسلفه عشرة دنانير ، فقال : ما عندي إلا خمسة ، فاذهب بها إليه . فأخذها الرسول ، فضاعت في الطريق ، قال : نصفها ؛ ربها الباعث بها ؛ لأن الباعث لم يأمره إلا بعشرة .
وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن ابتاع من رجل طعام غائبا ، ثم قدم به وكيل بائعه ، فأراه قد حمله بعد الصفقة ، ولم يعلم ، فالبيع لازم فإن شاء البائع دفعه إلى المبتاع ها هنا ، فرضي المبتاع بذلك . فذلك جائز ، وإن لم يرض ذلك ، فعليه أن يرده أو يدفع إليه هناك مثله . وقال فيمن وكل رجلا ببيع طعام له ، وأمر
[7/239]
***(1/235)
[7/240]
ختنه أن يحفظ عليه ما يبيع ، فلما ثم البيع ، أتى ختنه بكتابه وما باع ، وطلب الوكيل ما كتب ، فقال : ذهب مني ، ولكن ما كتب ختنك فهو حق ، وأشهد عليه بذلك ، ثم نزع ، فقال : لا يلزمه ذلك : لأنه يقول / : ظننت أنه يصدق ولا تقبل شهادة الختن ؛ لأنه خصم .
وروى أشهب ، عن مالك ، في الرجل يبضع مع الرجل يبتاع له طعاما ، فأخبره أنه قد فعل ، وأنه قبضه وأخذه يبيعه ، فقال : ما يعجبني ذلك . قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في الوكيل يقبض لك ثمن طعام ، فأردت أن يأخذ من الوكيل فيه طعاما ، فلا بأس بذلك .
قال ابن المواز : من اكترى جمالا ، وبعث معه بدنانير يبتاع له طعاما ، فيأتي فيقول : ضاع المال : فإنه لا يضمن ، ويحلف : لقد ضاع . ولا أجر له فيما عناه .
ومن كتاب آخر ، قال محمد بن عبد الحكم ، ومن له حق على رجل ، فكتب له إلى رجل له عنده مال من دين أو وديعة ، أن يدفع إليه ماله ، فدفع الكتاب إلى الذي عنده المال ، فقال هذا : خطه أعرفه ، ولكن أدفع إليك شيئا فذلك إليه ، ولا يقضي عليه بدفعه ؛ إذ لا يبرئه ذلك أن جاء بالمال ، وأنكر الكتاب ، وكذلك لو قال : أمرني أن أدفع ذلك إليك ، ولكن لا ( أفعل ) فذلك له ، لأنه لا يبرئه ذلك إن أنكر الآمر أو مات قبل أن يسأل ولو قارب رب المال ادفعه إلي . فقال : لا أدفعه إليك إلا ببراءة ، أو أشهد عليك . فإن كان وديعة ، دفعها إليه بلا بينة ، فعليه أن يردها إليه بلا بينة ، وإن كان من دين له عليه ، فليس عليه أن يدفعه إلا ببينة ، ولكن لو أن رجلا دفع إلى رجل مالا على أن يدفعه إلى فلان أو بضاعة بعثه بها إلى فلان ، أو دفع إليه دنانير ليشتري له بها بضاعة بمكة أو
[7/240]
***(1/236)
[7/241]
غيرها ، فبض ذلك الشيء / على ذلك ، فعليه أن ينقد في ذلك ما أمره صاحبه إذا كان قبضه على ذلك ، وأخذه منه أن يدفعه ، أو يشتري إلي به .
ومن كتاب ابن سحنون ، وكتب إليه شجرة ، فيمن أمرته ببيع عبد ليتيم ، وأن يقبض ثمنا طيبا ، فيقبض الثمن طيبا فيما يقول : فيوجد فيه دنانير تنقص عن صرف الناس ، ويقول المبتاع ، ما أعطيته إلا طيبا . فكتب إليه : إن كانت مشكوكا فيها ، ولم يضمر ، وإن كان ردها بينا ، ضمن .
ومن كتاب ابن المواز ، قال مالك : ومن شرط في حق ذكر حقه ، ومن قام به ، فله أن يقبض ، فلا يجوز هذا ، ولا يقضى له إلا بوكالة . قال ابن عبد الحكم : وإذا أقرب رب العبد أن وكيلا له في بيعه باعه من فلان بمائة ، والعهدة علت مالكه ، ولا عهدة على الوكيل ؛ إذ لا يقر بالبيع ، ولا يلزم الوكيل قول سيد العبد ، ويلزمه في العبد ؛ لأنه يملكه . ولو أمره بشراء عبد بعينه بمائة ، أو وصفه ، فقال الوكيل : قد اشتريته بذلك . وصدقه البائع ، وأنكر ذك الآمر ، فهذا يلزم الآمر ، كان قد دفع إلى المأمور الثمن أو لم يدفعه إليه وقال أبو حنيفة إن دفع إليه فالقول قول الوكيل ، وإن لم يدفع إليه الثمن فالوكيل مصدق إن كان عبدا بعينه ، وإن كان بغير عينه فالقول قول الآمر ، ووافقنا أصحاب أبي حنيفة ، وخالفوه [في ذلك].
تم الكتاب بحمد الله وعونه
وصلواته على محمد نبيه
[7/241]
***(1/237)
[7/242]
***(1/238)
[7/243]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب القراض
ما يجوز به القراض ، وذكر القراض بالنقار
أو بدين ، أو وديعة أو عرض
أو حلي ، وفي رب المال يصارف العامل ؛ أو يبيع منه
من كتاب محمد ، قال مالك : لا يصلح القراض بغير العين ، وإن كان مكبلا أو موزونا ؛ لما يخاف من تغير سعره عند المفاصلة . وروى ابن وهب أن مالكا اختلف قوله في إجازة القراض بنقار الذهب والفضة . وأجازه ابن وهب ، وكرهه الليث وشدد فيه ، وأجازه مالك ، من رواية أشهب ، وقال : يرد مثلها وأياه ، م رواية ابن القاسم ، وكذلك في العتبية من روايتها ، قال ابن القاسم : فإن نزل ، مضى على ما عقدا . وقاله أصبغ في كتاب محمد . قال ابن حبيب مثله ، وذلك إذا عرف وزنها ، فإن لم يعرف فرأس ماله فيها ، البين الذي بيعت به أو العدد الذي خرد له في ضربها ، إلا أن ي كون قال له : بعها واستضربها فرأس ماله ما باعها به ، أو ما خرج في الضرب . عرفا وزنها أو لم يعرفا ، وللعامل أجرته في الصرف أو الضرب ، إن كان لذلك مؤتة ، ثم هو فيها حصل على قراض مثله . قال ابن القاسم ، في العتبية من رواية يحيى بن يحيى : أكره القراض بالنقار : في
[7/243]
***(1/239)
[7/244]
البلد الذي لا يدار فيه إلا العين المسكوك ، فإن وقع أجزته ، ولا بأس في البلد الذي تدار فيه الفضة والذهب تبرا ، وإذا أخذها في بلد لا يدار فيه إلا العين ، فاستضربها دراهم ، فنقصت فرأس المال وزنها الأول ، يرد مثله / : قال أشهب ، عن مالك ، في العتبية وكتاب محمد : لا يصلح القراض بحلي مصوغ من ذهب وفضة . قال في كتاب محمد : فإن وقع ، فهو أجير في بيعه ، وعلى قراض مثله في الثمن . قال ابن القاسم ، في كتاب محمد : وأكره القراض بالفلوس . قيل : فإن وقع ؟ فسكت .
قال أصبغ : هو كالنقر ، ويجري مجرى العين .
وقال ابن حبيب ، وقال : ويرد فلوسا مثلها ، إلا أن يكون شرط عليه أن يصرفها دراهم ، ويعمل بالدراهم فيأخذ أجر صرفه ، ثم هو على قراض مثله في الدراهم .
وفي أمهات أشهب ، أنه أجاز القراض بالفلوس ، لأنها إذا ضربت صارت مثل العين . محمد : وأخبرني الحارث ، عن أشهب ، أنه لم يجز القراض بالفلوس . قال محمد : النقار أخف ، ولا يجوز بالفلوس ، وهي كالعروض . ومن كتاب ابن حبيب ، ومحمد : وإذا قال في العرض : خذه قراضا ، أو بعه واعمل قراضا فهو سواء ، وله أجره في الببيع والتقاضي وعلى قراض مثله في الثمن .
قال ابن حبيب : فإن باع المقارض ذلك العرض بعرض ، ثم باع الثاني بعين ، ثم عمل ، فإن كان إنما قال له : بعه واعمل به قراضا فرأس ماله الأكثر من قيمة العرض الأول ، أو من ثمن الثاني ، وله أجره في بيع الأول لا في الثاني .
قال أبو محمد : وإنما له أجره في الأول عندي إذا أجار بيعه إياه بالعرض ، واختار ثمن الثاني ، إذ هو أوفر من القيمة ، وأما إن اختار قيمة الأول ؛ إذ هي أوفر ، فلا أجرة له ؛ لأنه تعدى .
[7/244]
***(1/240)
[7/245]
قال ابن حبيب : ولو كان قال / له خذه واعمل به قراضا ، والمسألة بحالها ، فرأس المال قيمة العرض الأول ، يريد يوم باعه بالعرض . قال : ولو أجره في بيعه الأول ، ولا ينظر في الثاني إلى ثمن ولا قيمة ، لأنه من تجارتها بعد . ومن كتاب محمد ، قال : كره ابن القاسم القراض بالوديعة حتى يحضراها ، ولا بأس به عندي .
قال ابن القاسم ، في العتبية ، كان مالك يكره القراض بالوديعة ، فإن وقع مضى ، والربح بينهما ، ويصدق في التلف . قال ابن حبيب : أكرهه ، إلا أن يكون عند ثقة مأمون ، فإن نزل بالوديعة مضى حتى يعرف أنه حركها قبل ذلك ، فيكون كالدين .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : ولا يجوز أن يعطيه دينا له في ذمته قراضا ، وكذلك لو أحضره ، فقال : خذه قراضا . لم يجز حتى يقبضه ، فإن نزل ، فليس له إلا رسا ماله . وقاله ابن القاسم ، في العتبية من رواية سحنون قال في غيرها : وروي عن أشهب ، في الدين : إن نزل ، مضى .
قال مالك : وكما لو أحضر العامل المال ، وقال : ابقه دينا علي . لم يجز حتى يقبضه منه ، ثم يسلفه إن شاء . قال محمد : ومن أغرته دنانير ، فلا تدفعها إليه قراضا حتى يقبضها ، ولو كان عرضا ، ولم يجز ، ومن لك عنده دنانير رهنا ، فقارضته بهذا ، لم يجز حتى يردها ، وإن كانت بيد أمين ، فلا ينبغي أن يعطيها للأمين قراضا حتى يؤدي الحق إلى ربه .
[7/245]
***(1/241)
[7/246]
فيمن دفع مالا بعد مال قراضا
أو مالين على جزء مختلف ، أو رجلين
على تفاضل في الربح
ومن كتاب محمد ، قال : ولا خير في أن يدفع إليه مائتين ، على أن يعمل بكل مائة على حدة ، إلا أن يكون على جزء واحد من الربح ، فإن كان الربح مختلفا ، لم يجز إلا على الخلط ، إن لم يكن عمل بالأولى ، ولو قال : على أن ربح مائة للعامل . لم يجز إلا على الخلط ومما عين بعد ، فإن نزل على الخلط ، فهو أجير فيها .
وروى أبو زيد ، في كتاب آخر : لا يجوز على أن لا يخلط ، وإن كان على جزء متفق وهما عين بعد ، وقاله ابن حبيب ، قال : فإن نزل ، فهو أجير فيهما . ومن كتاب محمد : ولا يجوز بعد إشغال الأول أن يعطيه على الخلط على جزء متفق أو مختلف ، كان في السلع كفاف المال أو أقل أو أكثر ، ويجوز على غير الخلط عل جزء متفق أو مختلف .
وروى أشهب : إذا أشغل الأول ، وهو على النصف ، ثم أعطاه آخر على الثلث ، أنه كرهه ، والذي أخبرتك قول ابن القاسم ، وإن شرط : إن ربح عشرة للعامل ، وما بقي بينهما ، فجائز على الخلط لا على غيره . قال : وإذا باع سلع الأول ، ثم أخذ منه مالا ثانيا ، فإن لم يكن في الأول فضل ولا نقص ، فجائز على قراض متفق أو مختلف ، إن كان على الخلط ، وإلا لم يجز ، وإن نقصت الأولى أو زادت ، ولم يجز أخذ الثاني في خلط ، أو على غير خلط على جزء متفق أو مختلف .
قال سحنون ، في العتبية ، فإن ربح في الأول ونض ، فقاسمه الربح ثم زاده مالا آخر ، فربح في المالين ـ يريد وقد خلطهما ـ قسم هذا الربح على المالين ؛ فما صار الأول كان على قراضهما ، / وما صار للثاني فلرب الثاني ، وللعامل فيه أجر
[7/246]
***(1/242)
[7/247]
مثله ، ولو خسر الآن ، ومضت الخسارة على المالين ، فما ناب الأول منها ، جبر بالربح الأول ، وخسارة الثاني ، على رب المال ، والعامل فيه أجير .
وقال ابن حبيب نحو ذلك ، إلا أنه قال : سواء نص الأول على ربح أو خسارة ، فالربح الثاني يقسم على عدد المالين حين خلطهما ، وقالهما : ويكون في الثاني على قراض مثله على تأخير شرط في الخلط .
جامع الشروط في القراض والعقود فيه ، وعون ربه
أو عبده ، وما يرد فيه العامل
إلى قراض مثله ، أو إلى أجر مثله
من كتاب محمد ، قال مالك وأصحابه : لا يجوز مع القراض شرط سلف ، ولا بيع ، ولا كراء ، ولا شرط قضاء حاجة ، ولا كتاب صحيفة ، ولا يشترط أحدهما شيئا لنفسه خالصا ، ولا بيعا ، ولا سلفا ، ولا إجارة ، ولا أن يولى العامل شيئا ، ولا يكافى في ذلك ، فإن نزل هذا كله ، فالعامل أجير ، إلا أن يسقط الشرط قبل العمل . واختلف قول مالك في اشتراط عون غلام رب المال . وأجازه الليث . ولم يجزه عبد العزيز بن أبي سلمة . قال محمد : لا بأس به ، بخلاف عون رب المال بنفسه ، وبخلاف غلام العامل وكره مالك عمل رب المال معه بغير شرط ، إلا العمل الخفيف ، محمد : ولا يفسخ به القراض وإن كثر حتى يكون بشرط ، قال ابن حبيب : قال ملاك : لا بأس أن يعينه رب المال بالعبد إن كان / عونا يسيرا في مال كبير ، وعلى غير شرط . قال : وعون عبد العامل أكره من عون رب المال ، فلا ينبغي منه قليل ولا كثير ؛ لأنه لا يفسد القراض ، ولا يحوله عن شرطه من الربح ، وكذلك إن أسلف أحدهما صاحبه ، أو قعد العامل بالمال في حانوت ، أو وهب أحدهما لصاحبه ، أو عمل المقارض بعبده أو بدايته ، أو كان صانعا يعمل بيديه ، أو صنع أحدهما بصاحبه شيئا من الرفق لا يجوز ابتداء الشرط به ، فإن ذلك لا يفسد القراض ، ولا يغير الربح ، غير أن الصانع إن عمل بيديه بغير شرط ، فله أجر عمله .
[7/247]
***(1/243)
[7/248]
ومن كتاب محمد : ولا بأس أن يجعل رب المال غلامه يعمل معه ، على أن للغلام جزءا من الربح يكون له ، لا للسيد . وقاله ابن وهب ، والليث . وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، وإذا دفع الرجل إلى رجل وإلى عبده مالا قراضا ، فإن كان ليكون عليه عينا ويحفظ عليه ، أو ليعمله ، فلا خير فيه ، وإن كانا أمينين تاجرين ، وإن كان العبد أدنى عملا من الآخر ، فلا بأس به ، إذا لم يكن ما ذكرت .
قال مالك : في كتاب محمد : وإذا جعل غلامه أو وكيله مع العامل ، ليحفظ عليه ، فإنه يفسخ ، فإن عمل ، فهو أجير ، ولو بعث معه غلامه لخدمته وحوائجه ، فذلك جائز ، وأشهب ، عن مالك : فإن قال : هذه مائة دينار قراضا فإذا اشتريت فخذها يريد كلما اشتريت أخذت ، فلا يصلح حتى يسلمها إليه ، ولو سلمها إليه وقال : إن احتجت زدتك . فيشتري بمائة وعشرة ، فيأتي فيأخذ منه العشرة ، فذلك / جائز ؛ وكذلك في العتبية ومن كتاب محمد : وإن شرط أن لا يشتري إلا من فلان ، أو سلعة غير مأمونة ، لم يجز ، فإن نزل ، فهو أجير ، ولا يشترط عليه ألا يسافر به ، فإن كان ببلد له سعة يجد به التلف في التجارات ، فلا خير فيه ، ولا يجوز أن يشترط أن يجلس به في حانوت ، أو على أن لا يتجر إلا ببلد كذا ، فإن نزل ، فهو أجير ، ولا يجوز على إلا يسافر به إلى الشام ، أو إلى العراق .
ومن الواضحة ، قال ابن حبيب : ومما يجوز أن يشترطه ، ألا يحمل إلا في بحر ، أو ألا يشتري حيوانا ، أو ألا يخرج من بلده ، ولا ينزل ببطن واد ونحوه . قاله مالك ، وكثير من التابعين . قال ابن حبيب : وإذا اشترط أن يخرج بالمال إلى بلد يسميه له ، يشتري به متاعا يقدم به ، أو على أن يشتري ببلده سلعة سماها يخرج بها إلى بلد يبيعها ، فإذا وقع هذا شرطا ، فهو أجير . قال : ومعنى الكراهية في ذلك في الخروج ، أن يشترط عليه شراء سلع يحملها من ذلك البلد ، أو يحملها إليه ،
[7/248]
***(1/244)
[7/249]
فأما إن قال : إن شئت فاخرج ، أو أقم . فجائز ، أو يشترط عليه الجروح بالمال والضرب به في البلدان ، ولا يسمى بلدا بعينه ، ويجوز أيضا أن يسمى له بلدا بعينه يخرج إليه ، وهو بلد واسع المتجر ، ليس يضيق ، ما لم يشترط عليه جلب ما يشتري هناك من السلع ، أو يسمى له سلعا يشتريها منه ويأتي بها ، أو يحمل من هنا هنا إلى هناك سعلا يبيعها ، ثم فهذا كله مكروه ، وهو فيه كله / جائز . وروى أصبغ ، عن ابن القاسم ، في العتبية ، فيمن قارض رجلا على أن يخرج إلى البحيرة ، أو الفيوم ، يشتري طعام ، قال : لا بأس به . قيل : فالمكان البعيد ؛ برقة أو إفريقية ، على أن يخرج إليها يشتري بها ؟ قال : لا بأس بذلك . ومن كتاب محمد : وكره مالك أخذ القراض على أن يخرج به إلى بلد الروم يبتاع الرقيق .
قال ابن القاسم : لأنه خطر عليه ألا يبيع إلا بموضع بعينه ، ولما كره من خروجه إليها في التجارة ، لا للغزو . قال مالك : وهو بخلاف من خرج بماله غازيا . وقال في بصري طلب من رجل بالمدينة مالا قراضا يبتاع به بزا ، ويدفع ثمنه بمصر إلى وكيله ، فذلك جائز ، وهو كفعل عمر في ولديه .
قال مالك : وإن قال له : إلي مال بمصر ، فخذه واعمل به قراضا ، لم يجزه ابن القاسم ؛ لموضع الرسالة .
ومن كتاب محمد ، والواضحة ، قال مالك : ولا يجوز أن يشترط عليه أن يزرع أو لا يشتري إلا حيوانا للنسل ، أو نخلا للغلة ، أو يشترط زيادة لأحدهما ، وهو في ذلك كله أجير .
ومن كتاب محمد : ومن أخذ قراضا على أن يسلم في السلع ، أو على ألا يبيع إلا بالدين ، لم يجز ، فإن وقع ، فله إجازة مثله ، ويترك رب المال يقتضي الديون بنفسه . قال ابن حبيب : وكذلك لا يشترط بضاعة ، ولا أن يعطيه مالا على النصف ، على أن يبلغ له مالا إلى بلد آخر يسميه ، أو على ألا يبيع إلا بالدين
[7/249]
***(1/245)
[7/250]
وحده ، أو بالدين والنقد شرطا ، أو على أن يحبس رب المال رأس المال ، ويقول له : اشتر ، وأنا أنقد . أو على أن يكون ما اشترى عند رب المال ، أو على أن يجعل معه أمينا ، فإن نزل في هذا كله ، فهو أجير ، والتوى والنماء لرب المال / وعليه [غير أنه إذا توى المال ولم يكن فيه ربح ، سقطت أجرته]من رب المال في ماله ؛ لأنه إنما عامله على أن تكون أجرته من الربح إن كان . قال ، وهذا أحسن ما سمعت فيما يرد فيه إلى أجرة مثله . واختلف فيه ؛ كان عبد العزيز بن أبي سلمة يرد العامل في القراض الفاسد كله إلى أجرة مثله . وقال أشهب ، وابن الماجشون : يرد في كل قراض فاسد إلى قراض مثله . وروي عن مالك ، أنه يرد في بعض ذلك إلى أجر مثله ، ي بعضه إلى قراض مثله . وبهذا أخذ ابن القاسم ، وابن عبد الحكم ، وابن نافع ، ومطرف ، وأصبغ . وبه أقول ، وأصل ذلك أن كل زيادة يشترطها أحدهما هي للمال وداخلة فيه ، وليست خارجة منه ، ولا خالصة لمشترطها ، فهذا يرد إلى قراض مثله ، وكل زيادة اشترطها خارجة من المال ، أو خالصة لأحدهمها ، فهو يرد إلى أجرة مثله ، وكل خطر وغرر يتعاملان عليه خرجا من سنة القراض به ، فهو أجير ، وهذا في اشتراط الزيادة الخارجة من المال والداخلة فيه اللتين ذكرنا ، وإنما ذلك ذلك جل خطبهما ، فأما ما خلف مما لا بال له ، فيكره بدءا ، فإذا وقع بالقراض ، فحاله على شرطهما . ومن كتاب ابن المواز : وإذا أخذ مائة قراضا ، عى أن يوصل مائة أخرى إلى بلد ، لم يجز ، فإن نزل ، كان أجيرا في المائتين . قال ابن القاسم : فإن سوفه الربح ، فإن علما مبلغ الربح من الإجارة ، فذلك جائز ، وأما على تخاطر ، فلا يجوز . وكذلك روى عيسى ، في العتبية ، عن ابن القاسم ، ومن كتاب محمد ، قال : اختلف قول مالك في اشتراط الزيادة لأحدهما ـ يريد / في الإجارة أو قراض المثل .
[7/250]
***(1/246)
[7/251]
قال الليث : هو أجير في ذلك كله . قال : وقال غير ابن القاسم كل ما فسد له القراض ، ففيه المثل . وقول مالك ، وابن القاسم أحب إلي .
قال : وإذا أعطاه قراضا ، وقال : على ألا تتجر ألا في النخل ، أو في الحيوان .
فذلك جائز إن كان موجودا . قال ابن القاسم : ولا خير أن يأخذ قراضا بشرط على أن يخلطه بماله ، ولا على أنه إن شاء أخلطه بغير شرط . قال أصبغ : الأول أشد ، فإن فعل ، لم أفسخ به القراض في الوجهين ، وليس بحرام . وخفف أشهب اشتراط ذلك وروى أشهب ، عن مالك فيمن أخذ مائة قراضا ، وأخرج هو مائة فخلطها ، فذلك جائز ، وليؤذن بذلك رب المال . وروى أشهب ، عن مالك ، فيمن عليه مائة دينار دينا لرجل ، فقضاه إياه ، ودفع إليه مائة أخرى قراضا ؛ على أن يخلطها ، قال : لا بأس بذلك . وكرهه أصبغ بشرط ، إلا أن قل مال العامل مما لا يغتر لمثله تكثير الريح ، مثل خمسة دنانير ونحوها ، وإن كثر كرهته ، ولم أفسخه .
ومن الواضحة ، واستخف مطرف ، وابن الماجشون ، وأصبغ ، شرط رب المال على العامل ، خلط ماله بالمال ، ولم يروا بأسا . أن يعمل عليه . وقاله أشهب ما لم يقصد فيه استقرار الربح لعله مال القراض في كثرة الآخر ، فيكون كزيادة مشترطة داخلة في المال ، فيكون فيه على قراض مثله على غير شرط ، بعد أن يقسم الربح على المالين .
ومن كتاب ابن المواز ، قال ابن وهب : من أخذ مالا قراضا على ضمان ، أو يمين ، أو حميل ، لم ينبغ ويكون على قراض مثله وذلك إن أخذ بذلك رهنا . قال محمد : ما لم يكن أكثر مما شرط / فلا يزاد على شرطه ، وهل الأقل . قاله مالك ، ويبطل شرط الضمان قال ابن حبيب : وكل قراض وقع فاسدا مما يرد فيه العامل إلى قراض مثله ، أو أجرة مثله ، فليفسخ متى ما عثر عليه قبل العمل أو بعده ، بخلاف المساقاة . ومن العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن أخذ مالا قراضا ، على أن يدفعه إلى آخر قراضا ، ويكون الضمان على الآخر ، قال ابن
[7/251]
***(1/247)
[7/252]
القاسم ، يردان إلى قراض مثلهما ، وهو كما لو دفعه إليه نفسه على الضمان ، وليس عليه ضمان .
قال أصبغ ، فيمن أخذ قراضا على ثلث الربح له ، ثم أراد كراء دابة ، فقال له رب المال : أكري منك دابتي ، على أن يصير لي من الربح الثلثان ، ففعل ، فإن كان أمر الدابة يسيرا ، يجوز اشتراطها لخفته ، فذلك جائز ، وله شرطه ، فهو قراض مبتدئ ، لأن المال عين ، وإن كان ذلك له بال وزيادة بينة ، فسد القراض وينقض ، فإن فات ، فهو أجير .
قال أصبغ : فيمن بعث إلى رجل بمائة دينار ، يبتاع له بها طعاما ، على أن لرب المال نصف الربح ، والنصف الآخر بينه وبين العامل ، وعلى أن للعامل ربع الوضيعة إن وضع ، قال : أراه سلفا على العامل ، وذلك الربع له ربحه ووضيعته ، وله أجر مثله في الثلاثة أرباع .
ومن كتاب محمد ، وذكر عن أشهب ، في الذي شرط عليه ألا نفقة له ، فهو أجير . وفي الذي شرط عليه زكاة المال في ربحه ، أن له قراض مثله ، محمد : وأحب إلي أن يكون له أجر مثله ، وإن أخذ مائة قراضا ، ومائة سلفا ، فربح مائة السلف للعامل ، وهو أجير في مائة القراض . قاله مالك ، وابن القاسم . / وقال ابن وهب : له قراض مثله . والأول أحب إلينا . وإذا وجب للعامل إجارة مثله ؛ لفساد القراض ، ثم فلس رب المال ، لم يكن العامل أحق الربح في إجارته ، وليحاصص بإجارة مثله في الربح وغيره . قاله ابن القاسم .
ومن قارض صانعا ، على أن يعمل بيده ، لم يصلح ، فإن نزل ، فابن القاسم يرى له إجارة مثله في المال . وقال ابن وهب : هما على قراضهما ، وخالف أصحابه ، قال مالك : وإن شرط على العامل ألا ينفق في سفره ، لم يجز . قال ابن القاسم ، وهو أجير ، فإن أنفق من عند نفسه بغير شرط ، فذلك جائز .
[7/252]
***(1/248)
[7/253]
قال مالك : ولو أخذه بغير شرط ، ثم قال عند شخوصه : إن معي ما لا يحمل نفقتي ، ولا أنفق من مالك . كان كالشرط . وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم ، قال محمد : قال ابن القاسم : لأن المال غير نقد ، ففيه تهمة ، ولو كان بعد الشخوص له ، أو الشراء ، لجاز . وكذلك قال عيسى ، في العتبية ، قال ابن حبيب : وكره مالك أن يقارض الرجل رجلا ، على أن يشتري بالدين ، فإن وقع فربح ما اشترى بالدين له ، ويقتضي به عليه ، ويرد في ربح مال القراض إلى قراض مثله على غير شرط . وبعد هذا باب في العامل يبيع بالدين ، أو يشتري .
قال ابن حبيب : ومن دفع إلى رجل قراضا على النصف ، ثم لقيه بعد ذلك ، فقال له : اجعله على الثلثين أو الثلث لك . فرضي ، فإن كان المال عينا لا زيادة فيه ولا نقصان ، حركه أو لم يحركه ، فذلك جائز ، وإن كان فيه زيادة أو نقصان ، أو كان / في سلع ، فلا يجوز وفي المدونة عن ابن القاسم ، أنه جائز ، وإن كان بعد أن عمل فيه .
قال سحنون ، في كتابه ابنه ، في قول ابن القاسم ، في المتقارضين يشترط أن ثلث الربح للمساكين ، أنه جائز . وإنما يعني أن العامل قد حقه وهو الثلث ، والثلثان لرب المال ، وكأنه صير نصف حقه للمساكين ، ولو كان قال : على أن ثلث الربح لرب المال بثلث رأس المال ، والثلث للمساكين بثلث رأس المال ، والثلث للعامل بثلث رأس المال . لم يجز ، كأنه شرط خلط ماله بمال آخر هو للمساكين . وأنكر ابن عبدوس هذا ، وقال : هذا جائز ؛ لأنه مال مخلوط لربه ، فليس كما قال لغيره يشترط خلطه .
[7/253]
***(1/249)
[7/254]
فيمن أخذ مالا قراضا بعد شراء به لسلعة
أو عندما يريد يشتريها
من العتبية ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك ، فيمن يشتري السلع ، فلا يحمل ماله ، فيسأله رجلا قراضا ، ولا يخبره ، فيعطيه ، فينقد ذلك فيما يشتري ، ويدخله في القراض ، قال : لو صح ، وأخاف أن يكون قد استغلا . قال ابن القاسم : لا يعجبني ، وإن صح . وقال سحنون . والمسألة كلها في كتاب محمد كما ها هنا . وقال أصبغ : يجوز إن صح . محمد : إن لم يعلمه ، ولم يكن بغلام ، فهو جائز . وفي الواضحة مثل ما تقدم ، إلا أنه قال : آخذ قراضا على أن ينقد منه تماما ثمنها . قال مالك : إن لم يغل ، فجائز إذا وفع ، وأكره العمل به ابتداء .
قال ابن حبيب : وإن انكشف أنه كان استغلاها ، ولم يكن يساوي ذلك يومئذ ، فلينظر قيمتها يومئذ ، ويرجع عليه بالزيادة ، ولا ينظر إلى ما يبعث / به من ربح ، وإن علم أنه لم يكن للاستغلاء ، ثم نقص ثمنها ، لم يرجع عليه بشيء ، وإن خسر فيها مبتاعها ، نقد الثمن من عنده . أو لم ينقد منه شيئا .
ومن كتاب محمد : ولو ابتاعها ، ثم أخذ منها قراضا ليدفعه في ثمنها ، لم يجز ، وهو كالسلف ، وجميع الربح للعامل . محمد ولو كان ذلك قبل يستوجبها ، ولم يسم السلعة ولا بائعها ، فذلك جائز .
وروي عن عثمان ، أن رجلا قال له : وجدت سلعة مرجوة ، فأعطني قراضا أبتاعها . ففعل محمد : وذلك أنه لم يسم السلعة ولا بائعها .
قال ابن حبيب : يكره أن يؤخذ المال قراضا ، على أن يشتري من رفقة نزلت بهم معها تجارة ابتداء ، فإذا وقع مضى على شرط الربح .
قال ابن المواز : قال ابن وهبك وإن قال له : ادفع إلي قراضا أشتري به سلعة فلان . فإن لم يطلب ذلك رب المال ، وإنما أتاه هذا في المال ، فهو جائز ،
[7/254]
***(1/250)
[7/255]
وإن كان رب المال طلب ذلك إليه ، لم يجز . محمد : وإن سمى السلعة أو البائع ، لم يجز ، وإن نزل ، فللعامل أجر مثله .
في العامل يشارك رب المال ، أو يبايعه
أو يشتري العامل منه سلع القراض
أو يعمل مع رب المال
أو يضع معه ، وفي عمل يد العامل من غير شرط
ومن كتاب محمد ، والعتبية ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك : ومن تجهز لسفر وقد أخذ قراضا ، ثم قال له رب المال ، أيخرج مالا آخر ؟ قال : في كتاب محمد : مثل الأول يشترك معك به ، قال مالك : ما أرى من أمر بين كأنه خففه . قال ابن القاسم : إن صح من غير موعد أو وأي فجائز . ومن العتبية ، قال أصبغ : لا خير فيه ، قال سحنون : هو الربا بعينه .
ومن كتاب محمد : وإن شارك رب المال في / سلع ، فذلك جائز إن صح . قال مالك : لا ينبغي أن يصارف رب المال عاملة قبل العمل ، ولا بأس أن يشتري منه العامل الثوب والثوبين أو يوليه إن صح ذلك .
قال مالك ، في العامل يبتاع القمح من الريف ، ثم يبعث به إلى رب المال يحرثه ، ويقوم فيه من غير شرط في أصل القراض ، قال : لا يعجبني ، ولو كان شيئا خفيفا ، لم أر به بأسا ، قيل له : المائة والخمسين : قال : الشيء الخفيف ، وإلا فلا خير فيه ، هذا يكثر فلا يعجبني . قال مالك ، فيمن قارض رجلا ، ثم أشركه بعد ذلك في سلعة ، فإن صح ، فلا بأس به . قال عيسى : لا بأس من اشترى منهما سلعة من صاحبه . أو شرك صاحبه فيهما ، كان العامل أو رب المال
[7/255]
***(1/251)
[7/256]
ومن كتاب محمد : واختلف في قول مالك ، في شراء العامل من رب المال ؛ فورب عبد الرحيم ، أنه خففه إن صح وكرهه في رواية ابن القاسم .
وكذلك الصرف . .
قال : وإن اشترى منه سلعة لنفسه ، لا للتجارة ، فذلك جائز ، ويتولاها عنه أحسن ، وخفف في رواية ابن وهب أن يشتري منه على الصحة . وقاله الليث . .
ومن العتبية ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك في العامل يشتري بالمال متاعا ، ولا يجد به ما يعجبه ، فيقول لرب المال : بعنيه وانظرني ببعض ثمنه ، وأنقدك البعض . قال : لا خير فيه ، ونحا به ناحية الربا .
قال ابن القاسم ، في رواية عيسى : إن ابتاعه بنقد ، فجائز ، وإن كان بتأخير بمثل رأس المال فأقل ، فجائز وإن كان بأكثر ، فلا يجوز ، وإن أراد رب المال أن يشتريها بنقد ، أو إلى أجل ، فلا بأس به .
ومن الواضحة وإذا تفاصلا وقد بقيت بينهما سلع ، فقال العامل لرب المال : أنا آخذها إلى أجل فلا بأس به ؛ / لأن القراض قد انقطع ، وصار الثمن دينا . وكذلك سمعت أصحاب مالك يقولون وعنده ابن القاسم .
ومن كتاب محمد : ولا بأس أن يشتري العامل من سلع القراض لنفسه من رب المال بنقد ومؤجل . قاله الليث ، ويحيى بن سعيد . قال محمد : يجوز بنقد ولا يجوز عند مالك بتأخير . قال ابن القاسم : وأرى أن ينقض ، وما فات ففيه القيمة قال محمد : إن كانت سلعة حاضرة ، ولم أبلغ به الفسخ ، وإن كان شيئا غائبا ، فليفسخ ، وإن فات ففيه القيمة ، ولا يشتري العامل منه سلعة القراض بمال القراض بنقد ولا بتأخير . قال ابن القاسم : إن صح فهو جائز . وإن اشترى رب المال سلعة من العامل من القراض بنقد أخرجه من ماله ، جاز له بيعه مرابحة ، وإن لم ينقده ، وأخذها من القراض ، فلا خير فيه أصبغ : قال ابن وهب : وإذا ابتاع
[7/256]
***(1/252)
[7/257]
قمحا بمال القراض فحرثه ، فراضى رب المال أن يسلم إليه القمح وينقطع ما بينهما ، ثم أراد شراءه منه ، فذلك جائز ، ويجوز أن يبتاعه جزافا إذا رآه ، وإن لم يره ، فجائز ... إذا وجده على ما يعرف .
قال أصبغ : يلزمه ؛ إن وجده على غير ما يعرف ؛ لأن البيع وقع صحيحا بالمعرفة الأولى ، إلا أن يكون أصيب قبل الصفقة قال ابن ميسر : قبل الصفقة الثانية ، وذلك انقطع الأمر بينهما انقطاعا لا يتهمان فيه . قال يحيى بن سعيد : وإذا سلما من اشتراط أن يبضع معه في العقد ، جاز أن يبضغ معه بعد ذلك .
قال مالك : يجوز ما قل ، وأما الكثير ، فلا . قال ابن القاسم : ولا أحبه فيما قل بشرط . ونحوه في الواضحة ، قال : ولو كانت البضاعة ذات المال وهي مما يتحمله له لو لم يقارضه ، أو يتحمله لغيره ، فلا بأس بذلك / ، وإن كان مما لا يتحمله لولا القراض ، فانظر ؛ فإن كان القراض ناضا ، فلا تجزه ، وإن كان في تجارة ، فذلك جائز . وفي كتاب ابن المواز : وقال مالك ، في العامل تبور له الثياب فيخيطها بإجارة ، ويخيط هو فيها ، ويأخذ أجره ، أو كان خفاقا أو حدادا ، فليس بحسن ، وإن لم يأخذ القراض عليه بلا عمل في ذلك أجريت له إجارة أم لا . قال محمد : ولا إجارة له في عمل يده . قال ابن ميسر : له إجارة عمله ، وهو على قراضه [كما هو]. وقاله ابن حبيب ، في باب قبل هذا .
في العامل يزيد من عنده مالا في القراض من غير شرط
أو يزيد في كراء ، أو قصارة أو صبغ
أو يشتري سلعة بنقد ودين ، فينقد مال القراض
من كتاب محمد بن المواز ، ابن القاسم : وإذا زاد من ماله في ثمن سلعة على أن ذلك لنفسه ، فهو بذلك فيها شريك ولا خيار فيه لرب المال ، وكذلك إن زاد في
[7/257]
***(1/253)
[7/258]
القصارة والصبغ ، وإن زاد ذلك سلفا ، فرب المال مخير في [أداء]ذلك ، يكون في القراض ، أو لا يرضى ، فيكون به العامل شريكا ، وأما زيادته للكراء ، فذ ... لك مبدأ ، ولا حصة له فيه من الربح ، ولو لم يبق إلا قدر الكراء ، فهو أحق به ، ولو لم يف بالكراء ، لم يتبع رب المال بشيء ، وكذلك لو تلف كله ، ولو ذهب المال إلا قدر الصبغ والقصارة ، لم يكن له منه إلا بقدر حصة ما أخرج يكون به شريكا ، بخلاف الكراء ، وروى أشهب ، عن مالك ، أخذ مائة قراضا ، ثم أخرج مائة / ، فأخلطها بها ، ذلك جائز ، وليؤذن بذلك رب المال . ومن العتبية من سماع ابن القاسم ، قال مالك ، فيمن بيده مائة دينار قراضا ، فاشترى سلعة بألف ، على أن ينقده مائة ، فنقده مائة القراض ، قال : فهما شريكان في السلعة ، والزكاة بالحصص ، وتقوم السلعة بالنقد ، فإن سويت تسع مائة ، فللقرض تسعها . قال ابن القاسم . فعلى ذلك الربح والوضيعة . وكذلك في المجموعة وذكرها ابن المواز . ورواية ابن القاسم فيها عن مالك ، أن تقوم السلعة . قال ابن المواز . وليس هذا بشيء ؛ لأنه إن استرخص ، لم ينتفع القراض بذلك ، وإن استغلي ، لم يحلقه الغلاء ؛ إذ لو كانت قيمتها بالنقد ألفا أو ألفا وخمسمائة ، لم يقع للقراض من ذلك إلا مائة ، والصواب من ذلك أن يقوم الدين ، وقد روي ذلك عن مالك ، وعن ابن القاسم ، وأشهب ، أن ينظر إلى قيمة التسعمائة الدين نقدا بعرض ، وينظر إلى قيمة العرض نقدا ، فإن سوي ستمائة ، كان القراض سبع السلعة فيما يقع لذلك من ربح أو وضيعة . وكذلك قال سحنون ، إنه إنما يقوم الدين ، وتقويم السلعة خطأ . وذكرها ابن المواز ، إذا اشتراها بمائة نقد ومائة إلى أجل ، فنقد مائة القراض ، فتقوم المائة المؤجلة بعرض ، ويقوم العرض بنقد ، ثم كان العامل شريكا . قال ابن القاسم ورواه أشهب ، عن مالك ، وقال به . وروى عبد الرحيم السلعة ، فيكون بما زاد في المائة شريكا . ولا يعجبنا .
قال سحنون : تقويم السلعة خطأ .
[7/258]
***(1/254)
[7/259]
في العامل يشتري أو يبيع بدين بإذن أو بغير إذن
أو يشتري على أن ينقد ، فيتلف المال
أو يبيع بربح قبل أن ينقد ، وهل له السفر من بلد المال ؟
من كتاب محمد : ولا يجوز القراض على ألا يبيع إلا بالدين ، فإن نزل ، فهو أجير ، ويترك رب القراض يقبض الديون بنفسه ، فإن لم يكن للعامل بينة على الدين ، ضمن ، وإذا لم يشترط ذلك ، فباع أو اشترى بالدين ، فأما بيعه بالدين ، فإن قبضه ، فالربح بينهما ، وما ملك ضمنه إن لم يوقن له ، فأما تسلفه على القراض ، فلا يجوز ، ولا يدخل في ربحه رب المال ، تسلفه بإذنه أو بغير إذنه ، وإنما يجوز أن يأذن له أن يبيع بدين أو يسلم الغلات ، ما لم يكن بشرط في أصل القراض ، فأما شراؤه بالدين على القراض ، أو يتسلف عليه ، فلا يجوز ، أذن فيه رب المال أو لم يأذن ، وكيف يأخذ ربح ما يضمنه العامل في ذمته ، وقال ابن القاسم : ولو فعل ذلك العامل ، لقومت السلعة التي اشتريت بدين بنقد ، فيكون العامل بذلك شريكا في العامل ، لقومت السلعة التي اشريت بدين بنقد ، فيكون العامل بذلك شريكا في المال . لعله يريد في سلعة واحدة يشتريها بدين وبنقد ، فينقد مال القراض ، وهي في الباب الذي قبل هذا .
وإذا اشترى بنقد فلم ينقد حتى باع بربح ، فذلك بينهما ، لأنه القراض الذي اشترى ، وقيل : فلو تلف المال ، أليس العامل يضمن الثمن ؟ قال : إنما هذا بعد أن يأبى رب المال غرمه ، ولو تلف السلعة ، وجب نقد مال القراض ألا لم يتلف ، ولو تلف المال بعد ذلك ، لم يلزمه ربه ، ولزم العامل ، ولو تلف / المال بدءا ، وقال ربه ، بع السلعة ، وادفع ، فإن نقصت وديت ، وإن ربحت ، فلي ذلك . قال مالك : بل يلزم العامل الغرم تم يخير رب المال ، فإما ودى إليه للقراض الثمن ، وإلا سلم السلعة له ومسألة شرائه السلعة بمال القراض ، وبدين عليه ، في الباب الذي قبل هذا . وإن ابتاع سلعة بمثل مال القراض ، فلم ينقده حتى اشترى أخرى للقراض ، فربح الثانية للعامل وحده ؛ لأنه ضمن ثمنها ، وكما لو نقد في الأولى وابتاع الثانية ، ثم طلب ثمنها من رب المال على القراض ، ولم يجز ذلك ؛ لأن ... ذمة العامل عامرة بثمنها حين شرائها . وكذلك لو اشتراها حتى يبيع ويوفيه .
[7/259]
***(1/255)
[7/260]
ومن كتاب محمد ، ومن العتبية ، من رواية عيسى ، ابن القاسم ، ولو اشترى سلعة بمال القراض وهو في بيته ، فتسلف ما نقد من رب المال فيها ، أو من غيره ، فنقده ثم باعها ، ثم اشترى بمال القراض أخرى وباعها ، فهذا كله في القراض ما ربح في السلعتين أو في إحداهما ، أو وضع ؛ لأنه كما يمكنه نقده أولا .
قال في العتبية ، ويخير بما ربح في هذه ما خسر في الأخرى . ومن العتبية ، من سماع أي زيد ، قال ابن القاسم ، في المقارض يشتري المبتاع ينظره أياما ، قال : لا خير فيه ؛ لأنه يضمن إن تلف ، وإن ربح أعطى نصف الربح .
قيل : فإن حضروا المحاسبة ، فحاسبه بالمال كله إلا عشرة دنانير بقيت في دين ، فقال لرب المال : أنا آخذ هذه السلعة بعشرة / تكون دينا لك على . قال لا خير فيه ، فإن جهلا وعملا به ، وفات المتاع ، فعليه قيمته ، قال ابن حبيب : ولا يخرج العامل من بلد رب المال إلا بإذن .
وقول ابن حبيب هذا خلاف قول ابن القاسم . قال سحنون : أما المال اليسير ، فليس به أن يسافر به سفرا بعيدا . إلا بإذن ربه .
في النفقة من القراض ومن البضاعة
من كتاب محمد : ولا يأكل العامل من المال ، وإن وقف على الخروج فقرب إليه دابته حتى يخرج . قال مالك : وله إذا شخص أن يأكل منه قرب السفر أو بعد إن كان في المال ، لذلك محمل ، ولا يكتسي إلا في بعيد السفر أو سفر يطيل فيه المقام ، وبعد أن يكون المال يحمل ذلك . قال ابن القاسم ، وسالم : وله أن يركب من المال ، قال ابن القاسم : قال مالك : ومن اشتغل في الحضر في
[7/260]
***(1/256)
[7/261]
تجارة القراض ، فلا يأكل منه . وكذلك في العتبية ، قال محمد : وأرخص الليث لهذا أن يتغدى بالأفلس ، وأباه مالك .
ومن العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، قال : وإذا كان المال قليلا وخرج إلى مثل دلاص ، ودمياط ، ونحوها ، في السمن ، والصوف ، والجز وما يخرج له ، فليأكل منه ، ولا يكتسى ، وإن كان المال قليلا وأراد مكانا بعيدا ، فلا كسوة فيه ولا طعام ، وإن كان المال كثيرا ، والسفر قريبا مثل دمياط ، ونحوه ، فليأكل منه ، ولا يكتسي ، إلا أن يقيم الشهرين والثلاثة / يشتري الحبوب وغيرها .
ومن الواضحة : ومن قول مالك ، إنه إن كان السفر قريبا ، أنفق في طعامه وركوبه ، ولا يكتسي إلا في بعيد السفر وكثرة المال ، وإذا كان المال قليلا ، فلا نفقة فيه ، ولا كسوة ، ولا ركوب . وروى البرقي ، عن أشهب فيمن أخذ قراضا بالفسطاط وله بها أهل ، وأهل بالإسكندرية ، يخرج إلى الإسكندرية من له النفقة في ذهابه ورجوعه ، ولا نفقة له في مقامه في أهله ، وقاله البرقي . ومن الواضحة : ومن أخذ قراضا في حج أو جهاد ، فلا نفقة له في ذهاب ولا رجوع ، ومن أخذ قراضا في غير بلده ، فلا ينفق منه في ذهابه إلى بلده ، وكذلك من خرج بقراض إلى بلد له بها أهل .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا تجهز ، واشترى زاده ، ثم أخذ قراضا آخر ، فليحسب ما ابتاع من الزاد وما يستقبل من ركوب وغيره على المالين ، وكذلك إن خرج فسأل نفسه ، وكل من شخص للمال ، فله النفقة إلا من خرج إلى حج أو غزو أو رباط . قال مالك : فلا ينفق ، وإن كان أصل خروجه للمال ، ولا في رجوعه .
[7/261]
***(1/257)
[7/262]
قال أصبغ : ولا في مقامه في الحج ، إلا أن يقيم بعد الحج للمال خاصة ، فينفق منه يومئذ .
قال مالك : وإن أخذ قراضا بغير بلده ، فخرج به إلى بلده ، فلا نفقة له في مسيره ، ولا في مقامه في أهله ، وله النفقة في رجوعه ، ولم يجعله كالحاج والغازي ، ولو خرج إلى غير بلده ، لأنفق منه .
قال محمد : ذاهبا وراجعا .
وكذلك الخارج / من بلده بالقراض ، فلينفق منه ذاهبا وراجعا إلى بلده ، أو إلى بلد رب المال .
محمد : لأن المال أخرجه ، فذلك ينفق في رجوعه إلى أهله ، والغريب بالبلد يأخذ قراضا على أن يتجر به ببلد رب المال ، فله النفقة في ماله ، وإن لم يكن له بها أهل ، ولا هي له بوطن ، ومن له أهل ببلدين ، فأخذ من أحد البلدين ، مالا يجهز به إلى بلده الآخر ، قال مالك : فلا نفقة له في ذهاب ولا إياب . وروى ابن القاسم ، عن مالك ، في كتاب محمد ، والعتبية فيمن تجهز إلى اليمن لحاجة ، فأعطاه رجل ليلة خروجه قراضا ، أنه ينظر إلى قدر نفقته قدر مائة ، والقراض سبعمائة ، فعلى المال سبعة أثمان النفقة ، قال محمد : هذا استحسان ، ونحن نقف عليه ، وأخبرنا عنه ابن عبد الحكم بخلافه ، أنه لا نفقة له . محمد : وكذلك إن كان معه مال .
أشهب ، عن مالك ، في العامل يشرب الدواء ، أو يحتجم ويدخل الحمام ، قال : ما كانت هذه الأشياء قديما ، وخففه على تمريض منه ، وذلك في الحمام والحجامة . وكذلك في العتبية .
ومن العتبية ، وكتاب محمد ابن القاسم ، عن مالك ، وما فضل عند العامل إذا قدم من سفر ، ورد المال ، فأما خلق الجبة والثوب والقربة ، فلا يرده
[7/262]
***(1/258)
[7/263]
محمد : وكذلك الغرارة والإداوة . قال في العتبية ، قال سحنون : وإذا رد المال وعليه ثياب للسفرة من المال ، فإن كانت خلقة تافهة ، تركت له ، وإن كان لها بال وقدر ، فلتبع ، ويرد في المال . قال : وإذا سلب العامل ، فليكنس من مال القراض .
ومن كتاب محمد ، قال مالك في / البضاعة ينفق منها إن كانت كثيرة ، محمد : مثل خمسين أو أربعين ، إلا أن يشخص إلى مكان قريب . قال محمد : ينفق منها ، يريد محمد : إلا الكسوة ، فلا يكتسي إلا في بعيد السفر والكثير من المال ، قال محمد : فيمن دفعت إليه بضاعة ليشتري سلعة ، فله أن ينفق منها قبل الشراع إذا شخص فيها خاصة وإن دفع إليه سلعة يبيعها له ، فله أن ينفق منها قبل الشراء إذا شخص فيها خاصة وإن دفع إليه سلعة يبيعها له ، فله أن ينفق منها قبل الشراء إذا شخص فيها خاصة ، وإن دفع إليه سلعة يبيعها له ، فله أن ينفق منها إذا باع ، وإن كان ذلك على وجه المعروف .
قال مالك : وما أخذ من المقارض من رشوة ، أو غصب ، فإن ذلك مع النفقة من الربح بعد تمام رأس المال .
زكاة القراض
قد جرى في كتاب الزكاة من هذا ما نكتفي به ، وهذا مكرر من كتاب ابن المواز . وقال مالك : وإذا أخذ عشرين دينارا قراضا ، فأقام حولا فربح عشرين ، فعلى رب المال ثلاثة أرباع دينار ، وإنما يزكي ذلك بعض حضرة المال ، وقسمته .
[7/263]
***(1/259)
[7/264]
قال ابن القاسم : إلا أن يكون رب المال مديرا ، أو غير مدير ، فعلى رب المال كل عام تقويم ما مع العامل إن كان حاضرا ، فيزكي رأس ماله وحصته من الربح فيما يظهر له بالقيمة ، ثم لا شيء على العامل ، وإن تبين الفضل الكثير حتى ينض المال ويأخذ حصته ، فيزكي حينئذ بقدر ما كان المال كل عام ، وبقدر ربحه . قال أحمد : هذا إذا كان ربح كل عام ، وليتوخ ذلك . وروى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في العتبية ، قال إذا أن رب المال يدير ، وعند العامل سلع بارت عليه ، فلا يقومها رب المال ، / لكن إذا قبض ماله زكاة لماضي السنين ، قاله مالك .
ومن كتاب محمد ، قال : وإذا كان رب المال غير مدير ، فابتاع سلعة ، ثم قبض ثمنها بعد حول ، فليزكه ، ثم لا يقوم هذا قراضه ، لكن إذا قبض ماله زكاه ، وإذا تفاضلا ؛ لتمام حول رب المال ، ولم يقم بيد العامل حولا ، فابن القاسم لا يوجب على العامل زكاة . أشهب يوجبها . وهو قول مالك وأصحابه . وإذا كان المال ربحه عشرون دينارا ، فعلى العامل زكاة ربحه ، ولو قارضه بخمسة فربح فيها خمسة ، ولرب المال عشرة ، لزم العامل ـ أن حل حول رب المال ـ زكاة منابتة .
وابن القاسم لا يرى عليه شيئا في الوجهين حتى يصير للعامل عشرين دينارا .
هكذا في كتاب ابن المواز ، وليس هكذا في المدونة ، عن ابن القاسم . قال محمد : وهذا خلاف مالك وأصحابه في المسألتين ، وإن أخذ خمسة قراضا ، فحال الحول وعنده أربعون شاة ، فأخذ الساعي فيها شاة ، فهي على رب المال ، فإن كانت قيمة الشاة دينارا ، فليقسما على الربح على أن رأس المال أربعة دنانير .
وكذلك في رواية عيسى ، وكذلك في زكاة الفطر ، عن عبد القراض ، وكأنه ارتجع بعض رأس المال . وقاله ابن القاسم ، وأصبغ . وقال أشهب : بل ذلك مثل النفقة ، والأول أصوب . وقاله مالك ، ولأنه وقت لم يجب للعامل حق في هذا ، إنما يزكي
[7/264]
***(1/260)
[7/265]
ماله لا عن الربح ، ويخرج زكاة الفطر من ماله ، لا بما بقي بيد العمل من القراض ، إلا أن يشاء العامل ؛ لأنه إذا أشغل / بعضه ، فليس لرب المال أن يأخذ منه شيئا . ومن العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، وقال مالك : وإذا تفاصلا بعد سنين ، فليزك رأس ماله وربحه مرة واحدة ، إلا أن يكون كان يدان ، فيزكي لما مضى . قال ابن القاسم : وكذلك العامل في نصيبه . قال : وإذا كان رب المال مديرا ، والعامل غير مدير ، زكى لكل سنة مضت .
من كتاب ابن المواز ، أشهب ، عن مالك ، فيمن أخذ تسعة عشر دينارا قراضا ، فصارت عشرين ، قال : عليهما الزكاة . روى أصبغ ، عن ابن القاسم ، قال : إذا عمل بها حولا ، ففيها الزكاة . قال أصبغ : فيلزم العامل عن ربحه ـ وهو نصف دينار ـ ربع عشر ذلك النصف زكاة . قال سحنون : قال ابن القاسم ، إذا أخذ مائة دينار قراضا . فعمل بها عشرة ، ثم باع من رب المال سلفا بمائة دينار ، فأحبسها وبقيت سلع فتركها بيده ؛ لأنها ربح ، فبيعت عند الحول بعشرين دينارا ، وله نصف الربح ، فلا يزكى العامل حتى يبتاع بأربعين فأكثر ، لأن المعاملة إنما بقيت إلى الحول في هذه السلع . وكذلك لو أخذ بعض رأس المال ، وترك البعض ، على هذا لا يزكي العامل حتى يكون في حظ رب المال ما تجب فيه الزكاة من رأس المال وربح فكذلك لو كان على الثلث والثلثين في الربح . وروى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، فيمن أخذ مائة دينار قراضا ، فعمل بها عشرة أشهر ، فضاع رأس المال ، فأخذه ربه ، وبقي الربح / في سلعة ، فبيعت عند الحول ، فصارت للعامل عشرون دينارا ، قال : لا زكاة عليه ، ويأتنف بها حولا ، ولو باع بخمسة وتسعين ، فبقيت خمسة من المائة في سلعة ، فبيعت عند الحول بخمسة وعشرين ، قال : إن كان رب المال أنفق الخمسة والتسعين ، لم يكن عليه في الخمسة عشر شيء ، ولا على العامل ، وإن أبقي منها ما فيه مع الخمسة عشر ، ما يزكى زكاه ، واستقبل
[7/265]
***(1/261)
[7/266]
العامل بعشرته حولا ، ولو أخذ دينارا قراضا ، على أن له ثلثي الربح ، فصار اثنين وثلاثين ، فلا يزكي العامل ، وإن كان له ما فيه الزكاة ، إذ لا يزكي رب المال ، ولو أن لرب المال مالا فيه الزكاة ، ولم يكن فيه أنفع له من رأس المال وربح الزكاة ، وقد عمل به حولا ، فلا زكاة على العامل . هذا أصل ابن القاسم . وكذلك لو عمل بالمال أقل من حول ، ثم فاصله عند تمام حول رب المال ، لم يزك العامل شيئا ، وإن كثر المال ، في قول ابن القاسم .
ورواه عن مالك . قال سحنون : وإن أخذ تسعة وثلاثين دينارا قراضا فربح فيها دينارا ، وعمل به حولا فإنه يخرج منها دينارا زكاة ، فيقع على العامل في نصف ديناره الربح ربح عشره . وروى سعيد ابن حسان ، عن أصبغ ، في العامل يعمل بالمال حولا فيأخذ حصته من الربح ، وعنده مالا لا تجب فيه الزكاة له عنده حول ، قال : لا يضمه إلى ربح القراض . وكذلك المساقاة يصير له من السقاء ثلاثة أوسق ، وله / حائط فيه وسقان ، أنه لا يضمه إلى هذه الثلاثة . وروى أشهب ، عن مالك ، في رب المال يشترط على العامل زكاة الربح في حصته ، قال : لا خير فيه . وقال أشهب : لا أرى به بأسا . ورواية ابن القاسم ، وغيره ، أن هذا جائز ، في كتاب محمد وغيره .
في القراض يريد ربه أخذه ، أو يريد المفاصلة
وكيف إن شخص فرضي أن يرجع على نفقته
وفي تفليس العامل أو رب المال ، أو موت أحدهما
من كتاب محمد : ولرب المال رد المال ، ما لم يشغله ، أو بعضه ، أو يتجهز به إلى سفر ، فأما إن ابتاع للسفر مثلب الزاد والكسوة ونحوها ، فلرب المال أخذه إن
[7/266]
***(1/262)
[7/267]
رضي أن يحسب ذلك على نفسه ، وكذلك لو مات رب المال ، فذلك لوصيته أن يفعله ، وإن طعن بالمال ، فليس له ذلك ، وإن ضمن نفقة رجوعة . ومن الواضحة : وليس لرب المال بيع سلع القراض إلا بإذن العامل ، وإن كان بيع غبطة ، إلا أن تكون من السلع التي لو قام في بيعها ، كان ذلك له ، وإن لم يكن ذلك ، فله رد البيع ، إلا أن يفوت ، فيمضي بالثمن إن كان بيعه غبطة ، وإلا ضمن الأكثر من القيمة ، أو ما بيعت به . وقاله أصبغ ، وغيره .
قال مالك ، في كتاب ابن المواز : بيع رب المال شيئا من القراض باطل ، إلا أن يجيزه العامل .
ومن العتبية ، روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في العامل يشخص بالمال ، ثم أخذه منه رب المال ، على من ترى نفقته راجعة ؟ قال : على رب المال .
قال محمد : وكذلك لو ابتاع به تجارة ، أو سلعة ؛ ليسافر بها ، فمات رب المال ، فليس لورثته / ، ولا للوصي منعه ، إلا أن يرى الإمام لذلك وجها . قال أحمد : ما لم يكن سفر يطول أمره جدا ، وإذا أراد الوصي أخذ المال ، وبعضه عين ، لم يكن له ذلك حتى ينض جمعيه ، ولا ينبغي للعامل أن يحدث فيه حدثا .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم ، في العامل يتجهز بطعامه وكسوته ، ثم مات رب المال ، فللوصي أخذ المال ، ويؤخذ منه ما اشترى من طعام وكسوة قال سحنون : إن كان ذلك طعام نفسه وكسوته نفسه ، فذلك له ، وإلا فليس له أخذ المال منه .
ومن كتاب ابن المواز قال مالك ، في العامل يريد بيع الطعام على يديه ، ويقول رب المال : جملة . قال : ينظر إلى وجه الشأن في ذلك ، فيحملان عليه ، وإذا مات العامل ، فأتى الورثة بثقة أمين منهم ، أو من غيرهم ، فذلك لهم .
[7/267]
***(1/263)
[7/268]
قال أحمد : وهو يصير بالبيع والشراء ، فإن لم يأتوا بثقة ، أسلموا جميع ذلك لرب المال . محمد : وكذلك في موت أحد العاملين إن لم يأت ورثته بأمين تقي ، حظه لرب المال لا للعامل الثاني .
قال مالك : وإذا أراد ورثة العامل بيع الديون بعرض ، ليتعجلوا ذلك ، وأبى رب المال ، أو زاده هو وأبوا ، فذلك لمن أبى ، وكذلك لو لم تمت العامل ، فاختلفا هكذا ، وذلك إذا داين بإذنه .
قال في العتبية من سماع عيسى ، وكتاب محمد ، قال مالك : ولو قام على العمال غرماؤه بغير بلد رب المال ـ يريد في غير القراض ـ وربح القراض بين ، فأرادوا بيعه ، فليس لهم ذلك في غيبة رب المال . قال في العتبية ، وإن قام غرماء رب المال ، بيع ، فأعطي العامل حصته ، وما بقي لغرماء رب المال . قال عنه ابن المواز : وإن كان المال عينا ، فلهم أخذ / حقوقهم منه ، وإن كان في تجارة ، لم يحكم لهم بالبيع حتى يرى للبيع وجه ، ولا يبلغ لهم منه دين حتى يقبض ، وكذلك لو شاء رب المال تعجيل ذلك ، فليس له ذلك .
ومن كتاب محمد ، قال ابن القاسم : وإن مات رب المال ، فقام غرماؤه والمال في سلع ، فأحيلوا على العامل ، وضمن لهم ، فذلك جائز . محمد : إن ضمن أن يعطيهم ذلك من مال القراض ، فذلك باطل ، لا خير فيه ، وأن ضمن أن يأخذه لهم في غير القراض ، لزمه ورجع بما يؤدي في التركة .
قال أشهب ، عن مالك ، في العامل يضغطه غريم في دين عليه ، في المال ربح ، فليس له قضاؤه من ربحه . حتى يحضر رب المال .
قال مالك : وإن قام غرماء العامل ، وقام رب المال ، فإن أقام بينة أن ذلك من ماله ، خاصة ، وإلا تحاصص هو وغرماؤه في ذلك . وفي باب من دفع قراضا
[7/268]
***(1/264)
[7/369]
إلى رجلين ، ذكر موت أحداهما . ومن الواضحة : ومن قول مالك ، في الرجل إذا أقر عند الموت بقراض أو وديعة ، فهو مصدق ، وإن لم يعرف أصلها في حياته ، كان عليه دين أو لم يكن ، فإن عينها ، فربها أحق بها ، وإن لم يعينها ، فإنه يحاص بها الغرماء ، وأما إن عينها في التفليس ، فربها أولى بها أيضا ، ولم يعرف قبل ذلك بينة في قراض أو وديعة ، وإن لم يعنيها في التفليس ، لا يحاص بها ربه الغرماء بذلك في قراض ولا وديعة .
وكذلك في الصانع يفلس ، فإن قال : هذه سلعة فلان صدق وإن قال : استعملني سلعة ، وضاعت . لم يحاص صاحبها غرماءه .
وكذلك فسر أصبغ . وفي ذلك اختلاف ، وهذا أحسن .
في العامل يراضي رب المال
على أن يسلم إليه السلع / والدين
أو ينص رأس ماله ، أو يأخذ به سلعة
ويبقى سلعة ، أو يقاسمه السلع
من العتبية ، وكتاب محمد بن القاسم ، عن مالك ، وفي المقارض له دين من دنانير وطعام ، وكان ذلك رب المال ، قال في كتاب محمد : وله سلع فأسلم ذلك العامل إلى رب المال برضاه ، فذلك جائز إذا رضي رب المال . قال : وهو كالموت إذا أسلم ذلك إليه الورثة . قال محمد : أو ضعف ووقع التراضي بذلك . قال في العتبية ، وأنكرها سحنون . وسئل مالك عن العامل يشتري متاعا ، ويداين ، فيقول له رب المال : أنا أعطيك ربحك من النقد ، وأبرئك من الدين ، فهو رأس مالي ، وما خسرت في العرض فعلى . إلا أن العامل يعمل فيه كما هو ، قال : لا خير فيه حتى يحصل المال .
[7/269]
***(1/265)
[7/270]
ومن سماع عيسى ، قال مالك في العامل يبتاع قمحا بمال القراض ، فيقول له رب المال : احتجت إلى قمح ، فأعطني نصفه ، واحبس نصفه ، ولك ربحه خالصا . قال : لا خير فيه . قال ابن القاسم : للمخاطرة في الربح قد يقل ويكثر وينقص . قال ابن حبيب مثله .
وقال : إلا أن يكون باعه ذلك بيعا بنصف رأس ماله الباقي ، فيكون ضمانه بعد من العامل ، فلا بأس به . وقاله أصبغ ، وغيره .
ومن العتبية من سماع عيسى ، قال ابن القاسم : وسئل مالك عن العامل يريد أخذ ربحه بإذن رب المال قبل المفاصلة ، قال : لا حتى يقتسما . وروى أبو زيد ، قبل لابن القاسم ، في العامل يشتري سلعة بمائة وهي جميع المال ، فباع نصفها بمائة ، فدفعها إلى رب المال ، وقال رب المال : أقر نصف السلعة الباقي قراضا بين وبينك . قال : لا خير فيه / ، وهي الآن شركة لا تصلح إلا أن يعملا فيها جميعا . وروى أصبغ ، عن ابن القاسم ، في العامل يبتاع بالمال سلعة ، ثم يقول لرب المال : هل لك أن أدفع إليك رأس مالك ، على أن يكون فلان بمثابتك في الربح متى بعنا ، فله حصتك ؟ قال هذا حرام . وقاله أصبغ ، لأنه غرر ، وسلف بنفع غيره .
قال ابن حبيب : قال مالك : وإذا تفاصل مع العامل ، وقسما الربح ، فلا بأس أن يأخذ رب المال رأس ماله عينا ، ثم يقاسمه ما بقي من سلع أو غيرها ، أو يأخذ رب المال في رأس ماله سلعة ، ثم يقاسمه ما بقي من عين أو عرض . وفي باب زكاة القراض شيء من معنى هذا الباب ، وكذلك في باب العامل يشارك رب المال .
[7/270]
***(1/266)
[7/271]
في رب المال يحاسب العامل . وقد نض المال
ثم يتمادى في العمل
وفيما يأخذ أحدهما قبل المفاصلة من المال
ومن كتاب محمد : ولا يصلح أن يأخذ أحدهما من الربح شيئا حتى ينض رأس المال ، ولو ربحا في سلعة ، لم يصلح قسم لربحها ، وليرداه حتى يحضر رأس المال ، ثم يتفاصلا .
قال ابن القاسم : ولو نض المال فعزلا رأس المال وقسما الربح ، ثم قال له : خذ رأس المال قراضا . لم يصلح حتى يقبضه ربه ، وهذا على القراض الأول أبدا ، إن خسر أجراه بكل ما أخذا ، وكذلك لو خسر بدءا فأحضر المال ، فقال ربه : رضيت بما خيرت ، وأن يكون هذا رأس المال ، لم ينفع هذا ، وهما في الأول يخبران بما يربحان حتى يقبض المفاصلة . قال أصبغ : على الصحة وترك القراض ، إلا أن يحدث لهما رأى في ذلك المجلس أو بعده ، فذلك جائز . قاله مالك : وأما على التحليل ، أو قد بقيت منه أو من ربحه بقية ، فلا ولو حضر / المال كله ، فعزلا الأصل ، وقسما الربح ، ثم رد رب المال منابته في المال بينة أحضروهم ذلك . لم يصلح حتى يقبض رأس المال ربه ، وليرد ما أخذ من ربح : قاله مالك ، والليت .
قال ابن القاسم : ولا يصلح للعامل أخذ حصته من الربح ، وإن أذن له رب المال حتى يتفاصلا ، ولو أخذ مائة قراضا ، فأخذ له اللصوص خمسين ، فأراه ما بقي : فأتم له المائة لتكون هي رأس المال ، فإن رأس المال في هذا خمسون ومائة حتى يقبض ما بقي على المفاصلة ، وكذلك لو رضي أن يبقى ما بقي رأس المال ، ولم ينفع ذلك .
ومن العتبية ، روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في رجل دفع إلى رجل ألف دينار ، وأخرج هو مائة إلى رب المال يعمل في المال ، والربح بينهما ، وكانا يتحاسبان
[7/271]
***(1/267)
[7/272]
كل سنة فيقسمان ذلك ، ثم خسرا ، قال : يرد ما ربحا من أول ، ثم يقسمان الربح على عدة المال ، ولصاحب المال أجر مثله في الألف .
ومن الواضحة ، قال عبد الملك : وإذا ذهب بعض رأس المال قبل أن يذهب بعمل ، أو بعد ، فإنه يجبر من الربح ما لم يتفاصلا ، ثم يأتنفان عملا جديدا ، قال : وإذا لقيه فأعملاه بما نقص رأس المال ، فقال له : اعمل بالذي بقي عندك ، فقد أسقطت عنك ما ذهب ، فهو قراض مؤتنف إذا بينه هكذا ، أحضر المال أو لم يحضره ، قبضه ربه أو لم يقبضه ، وكذلك لو ربح : فاقتسما الربح ، ثم قال له : اعمل بما بقي في يديك . كان قراضا مؤتنفا ، وإن لم يقبض منه المال ، قاله ربيعة ، ومالك ، والليث ، ومطرف ، وابن الماجشون ، ومن لقيته من أصحاب مالك ، إلا ابن القاسم ، فإنه قال : مما على القراض الأول . قال ابن حبيب [وإذا لم يكن الأمر على ما فسرت ، وإنما أخبره]، والذي ذكر ابن حبيب ، عن ابن القاسم ، هو قول ربيعة ومالك ، والليث . ابن المواز : وقال : أخبرني أصحاب مالك ، عن مالك ، أنه قال : لا يجوز أن يتفاصلا حتى يحضر جميع المال ، ثم يقبض رب المال ماله ، ويقتسما الربح / بما نقص على معنى الإخبار ، وليس على حد المحاسبة وقصد المفاصلة ، فإن المال يجبر بما اقسما من ربح أو نقص .
فيمن دفع قراضا إلى رجلين هل يقتسمانه ؟
وهل يجوز على أجزاء مختلفة ؟
وكيف إن مات أحدهما ، وعمل الآخر ؟
قال في كتاب محمد ، وفي العتبية ، أصبغ ، عن ابن القاسم ، وإذا دفعت مالا إلى رجلين ، على أن لك النصف ، ولأحدهما سدس ، وللآخر ثلث ، والعمل
[7/272]
***(1/268)
[7/273]
بينهما على نحو ذلك ، لم يصلح ، وقاله أصبغ ، قال : ويفسخ ما لم يعملا ، وتفوت بربح أو وضيعة . وقال هو : وابن حبيب : فإن فات وربحا ، فنصف الربح لرب المال ، وهو لم يدخل بينهما وبينه فساد ، ونصف العاملين بينهما على ما شرطا إن اشترطا في العمل على حقهما في الربح ، فإن لم يشترطا ذلك في العمل ، قسما الربح على ما سميا ، ورجع صاحب السدس على صاحب الثلث بإجارته في فضل جزئه ، وإن خسرا ، فلا إجارة لهما على رب المال . وكذلك قال ابن حبيب سواء .
ومن العتبية ، من سماع عيسى ، قال ابن القاسم : ومن دفع إلى رجلين مالا قراضا ، فيقتسمان المال ، فيؤدي أحدهما ، ويتلف ما بيد الآخر ، قال : قد تعديا ، ويضمن الذي ودى ما تلف بيد صاحبه ، قال سحنون : وليس لهما أن يقتسما المال ولا للمودعين قسمة ما أودعا ما المال ، فإن فعلا هذان أو هذان ، لم يضمنا ، وروى أصبغ ، عن ابن القاسم ، قال : إذا اختلف العاملان عند من يكون المال ؟ نظر إلى قول رب المال ، فاتبع قوله ، فإذا أحضر الأجير أحضر الآخر ، فإن اختلفا في البيع والشراء ، فرآه هذا وخالفه هذا ، وهذا مال ما يقبض المال ، فإذا دفعه إليهما جميعا فجميعا ، فإن دفعه إلى أحدهما فإليه ، وليس للآخر بعد كلام إذا كان يعلمه . وفي كتاب محمد نحو هذا ، إلا أنه قال : إذا اختلفا ، فإنه يكون عند من دفعه إليه ، فإن دفعه إليهما ، كان عندهما ، وإن حضر فذلك إليه ، وذكرنا في ذلك مثل ما ذكر أصبغ ، وقال : ولا يحدثا فيه بيعا ولا شراء حتى يجتمعا .
ومن سماع ، من ابن القاسم : ومن دفع إليه رجلين قراضا ، فخرجا به إلى بلد ، فمات أحدهما ، فاشترى الآخر بجميع المال ، قال رب المال مخير ، إن شاء كان على قراضه ، وإن شاء ضمنه ؛ لأنه تعدى ، إذ لم يؤذن له أن ينفرد بالشراء . قال : ولو اشترى بالمال كله موته ، فهما على قراضهما ، ويقوم ورثة
[7/273]
***(1/269)
[7/274]
الميت مع الحي في البيع ، أو يقيموا أمينا ، وإن كانا اشتريا ببعضه ، فورثه الميت شركاء ، فيما اشتراه قبل موته ، وما اشترى الحي بعد موت صاحبه ، فرب المال فيه مخير ، كما ذكرنا . قال : وإذا مات أحدهما ، فأقر رب المال أن الحي دفع إليه نصف المال ، ولم يدع الميت شيئا ، فكل ما أسلمه أحدهما إلى الآخر ، فقد ضمنه ، إلا أن يدعيا هلاكا ، أو يدعيه أحدهما ، فيحلف ويصدق ، إلا فيما فرطا فيه ، فيضمن المفرط .
فيمن أخذ قراضا من رجلين
وكيف إن اختلطا عليه في أيهما
وهل يخلطهما بشرط أو بغير شرط
من العتبية ، من سماع أشهب ، وكتاب محمد ، قال مالك ، فيمن أخذ / قراضا من رجلين ، فأراد أن يخلطهما ، قال يستأذنهما أحسن ، وإن خلط بغير إذنهما ، فلا شيء عليه ، ولو أذن له أحدهما ، ولم يأذن الآخر ، ثم خلط فيستغفر الله ولا يعد . .
وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، قال : إذا دفعا إليه ماليهما ، وقالا : اخلط ، ولك ثلث الفضل ، ولكل واحد منا الثلث . فلا خير في هذا الشرط ، إلا أن يشتري هو سلعة فيخلطه من قبل نفسه ، قال : ولو ربح خمسين ، ثم لم يدر في أي المالين ربحها ؟ نسى ذلك ؟ قال : لا شيء له في الخمسين ، ويكون بين صاحبي المالين .
وقال سحنون : فيمن أخذ مالا قراضا من رجل على النصف ، ومالا من آخر على الثلث ، فاشترى سعلتين صفقتين بثمنين مختلفين بكل مال على حدة ، ثم أشكل عليه السلعة الرفيعة من أي المالين هي ؟ وادعى كل واحد من صاحبي المال أن الرفيعة من ماله ، فلا ضمان على العامل ، وهو كمن أودعه رجل
[7/274]
***(1/270)
[7/275]
مائة ، وآخر خمسين ، فنسي الذي له المائة ، وادعاها الرجلان ، فليحلفا ويقتسما المائة ، وتبقى الخمسون بيد المستودع ليس لها مدع ، ومن رأى أن يضمنه مائة لكل واحد بغير يمين ، فكذلك تجري مسألة القراض المالين .
ومن كتاب ابن المواز : ومن أخذ قراضا من رجل ، فله أن يأخذ من غيره قراضا إن كان لا يسلفه ، وله خلط المالين إذن كان عينا بإذن الأول ، أو بغير إذن إذا نصا وليس فيهما زيادة ولا نقصان . وأكرهه بإذن الثاني ، والمال الأول أعين أو عرض .
قال ابن القاسم : وله ذلك من غير شرط الثاني ، ولا يأخذ من رجلين مائة مائة بشرط الخلط ، ولو كانا هما خلطا المال قبل ذلك على الشركة ، جاز دفعهما ذلك قراضا .
ومن كتاب محمد ، ومن العتبية ، من رواية أبي زيد ، عن ابن القاسم ، قال مالك : من أخذ من رجلين قراضا ، فله الخلط بغير إذنهما ، وبإذنهما أحسن من غير شرط ، وإذا اشترى بكل قراض جارية ، ثم لم يدر التي بمال هذا من الأخرى ، فهو ضامن لقيمتها ، إلا أن يرضى صاحبا المالين أن تكون الجاريتان بينهما والربح بقدر المالين ، وكذلك الوضيعة ، ولا شيء على العامل حين تركا تضمنيه . وقاله ابن كنانة ، وكذلك في العتبية . وروي عن ابن القاسم فيها أيضا . وذكره في العتبية ، عنه أبو زيد ، أنه إن كان أ؛إذ المالين عشرة ، والآخر عشرين ، فكانت أدناهما تسوي عشرين فِأكثر ، فإنه لا ضمان على العامل . قال في العتبية : وهما على قراضهما . وفي كتاب محمد : وليباعا ، فيأخذ كل واحد رأس ماله ، والربح بقدر كل مال ، وللعامل من الربحين شرطه . قال في العتبية : وإن كانت
[7/275]
***(1/271)
[7/276]
أدناهما لا تسوي عشرين ، فليباعا في رأس ماليهما ، والربح بقدر المالين ، وللعامل من كل ربح شرطه . قال محمد : وإن اتفقت قيمتها فلا حجة لصاحب الأكثر على صاحب الأقل ولا على العامل ، وإن اختلفت ، غرم العامل فضل قيمة الرفيعة على الدنية ؛ لأن الكل واحد يدعي الرفيعة ويرجو ذلك ، والعامل لا يدفعهما ، وإنما تعتبر قيمتها اليوم .
في العامل يقارض غيره ، أو يشاركه أو يبضع /
معه بشرط أو بغير شرط ، أو يحتال بمال
وفي العامل يتسلف من المال لتجارة أو غيرها
أو يجور فيه ويتجر فيما جار
ومن كتاب محمد ، ولا يشارك العامل أن يقارض عاملا آخر لرب المال ، أو يزيده سلفا ، ويضمن إن فعل ، ولو كان بإذن رب المال ، وما بأيديهما ماض ، جايز ، وإلا لم يجز في شركة ولا قراض ، كمن زاده مالا بعد الشراء ، وشرط الخلط .
قال ابن القاسم : ولو شارك رجلا فيما لا يغيب إليه ويقسمانه ، فذلك جائز وكذلك الشريط يشارك ، وكذلك لو لم يغب عليه ، إلا إنه جعله المتولي لما كتب عليه المال يضمن . وروي أشهب ، عن مالك ، قيل له : أيشارك المقارض من يعاونه ؟ قال : لا . قيل : أفيضمن ؟ قال : ما أجراه : قال أحمد : إن لم يغب على شيء منه ، لم يضمن ، قال : ولا يبضع من غلام له أو لرب المال ، أو عامل له ، وإن فعل ضمن . وكذلك لو كان الغلام ممن شرط معونته في المال . قال : وإذا اختال الثمن ضمن . محمد : يضمن الثمن إن باع بالنقد والقيمة إن باع بالدين .
قال مالك : وإذا أخذ قراضا على أن الثلث لرب المال ، ثم دفعه لآخر على النصف ، فربح ، إن السدس الفاضل يرجع إلى المال دون العامل الأول ، ومن أخذ قراضا على أن يدفعه إلى غيره ، فقد كرهه مالك ، إن قال : ابعثه مع
[7/276]
***(1/272)
[7/277]
مولاي إلى بلد آخر إلى من يكفيه أمره . لم يصلح ، ولو قال : إلى قوم يشترون له ويبيعون . فأرجو أن يكون خفيفا . محمد : ما لم يشترط . والمسألة كلها في العتبية / من سماع ابن القاسم .
ومن كتاب محمد ، قال ابن القاسم : قال : وإذا استأذن العامل رب المال بعد أخذه أن يبضع به ، فإذن له ، فجائز ما لم يأخذه على ذلك ، وقيل هذا باب في شركة العامل لرب المال . وإذا سلف العامل من المال . فاشترى لنفسه سلعة نهي عنها ، أو لم ينه ، لتجارة أو لغيرها ، فرب المال مخير . قال مالك : وإن باع بربح ، فله الدخول فيه ، ويضمن الوضيعة ، وإذا رد رأس المال وفاصله وجحده شيئا من الربح فتجر به فيما في يديه ، وأقر أو قامت عليه بينة ، فقال عبد الملك : ليس عليه ألا مصابته من أصل المجحود ، كالربح في السرقة يكون للسارق . قال محمد : ليس ذلك مثله ، وما ربح في بقية الربح المجحود فبينهما على أصل القراض لا يزيله ، أو يتسلفه ، أو يجحده ، أو يكتمه . قال أحمد : قول عبد الملك أعدل ؛ لأن القراض قد انقطع بينهما ، ويصح جواب محمد ، لو عزل من الربح شيئا قبل أن ينقطع القراض ، فربح فيه .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم ، قال مالك ، في العامل يشارك رجلا بمال الرجل ، فعملا جميعا ، قال : هو ضامن إن تلف أو نقص ، وإن كان ربحا فهو على قراضه ، قال مالك : ليس أن يقارض غيره وإن كان نفد ، إلا برضا صاحب المال ، بخلاف المساقاة ، قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في العامل إذا اشترى ظهرا فأكراه فنما المال ، أو نقص ؟ قال : أراه متعديا ، وهو ضامن . قال ابن حبيب / ولا يصلح أن يقارض رجلا ويشترط عليه أن يبضع المال ويقارض ، أو يشارك به أحدا ، أو يجلس به في حانوت نه وشبه ذلك ، فإما إن قال : إن شئت فافعل ، وإن شئت فدع . فهو إذن ، فلا بأس بالإذن في العقد ، ما لم يكن شرط يفسده . قال : وما فعله من ذلك بغير إذن ، ضمن النقص ، وإن كان ربح ، فهو بينهما .
[7/277]
***(1/273)
[7/278]
في العامل يشتري أمة من المال فيطؤها
أو يطأ أمة من رقيق القراض
أو يشتري ذا رحم منه أو من رب المال
من كتاب محمد ، وإذا اشترى العامل أمة من الربح ، أو من المال ، فوطئها فحملت ، ثم وضع في المال ، فعليه قيمتها يوم الوطء ، فإن فضل شيء ، فبينهما .
وفي باب آخر : يلزمه قيمتها إلا قدر جزئه من الربح . وهذا الأول سواء . قال محمد : يلزمه الأكثر من قيمتها من يوم الوطء ، أو يوم حملت ، أو من الثمن .
قال ابن القاسم : ولا يقبل قوله في عدمه ، أنه إنما ابتاعها للقراض ، لأنه يتهم أن يقر بذلك ؛ ليبيع أم ولده ، إلا أن يأتي على ذلك بدليل ، فتباع في عدمه .
وروى ابن القاسم ، عن مالك ، إنها إذا ... حملت وهو عديم ، أنه يتبع بالقيمة دينا . قال : وإن لم تحمل وهو عديم ، بيعت فيما لزمه من قيمتها . وقال مالك أيضا : ... إذا حملت وهو عديم ، وليس ثم ربح ، أنها تباع إذا وضعت فيما لزمه . وهذا أحب إلينا ويتبع بقيمة / الولد يوم وضعته ، إلا أن يكون الولد فضل ، فيبتع بنصف قيمته ، وإن لم تحمل ، وهو ملي ، فرب المال مخير أن يضمنه أو يتركه ، فإن كان عديما بقيت بحالها ولا تباع . وذكر ، في العتبية ، من سماع ابن القاسم نحو ما ذكر ؛ من الرواية الأول .
وقال سحنون : قول ابن القاسم : يتبع في عدمه غير معتدل ، ولتبع ، إلا أن يكون فيها فضل ، فيباع منها بقدر رأس المال [وحصة ربه]من الربح ، وما بقي فبحساب أم الولد .
[7/278]
***(1/274)
[7/279]
ومن سماع عيسى ، من ابن القاسم ، قال : وإذا تسلف من مال القراض ما اتباع به أمة ، فوطئها فحملت ، فقد عرفتك بقول مالك ، وهو رأي أن يؤخذ منه ما اشتراها به في ملائه ، ويتبع به في غرمه ، وأما لو اشتراها للقراض ؟ ثم تعدى فوطئها ، فهذه تباع في عدمه . قال عيسى : ويتبع بقيمة الولد دينا ، إلا أن يكون في القراض فضل ، فيكون كمن وطئ أمة بينه وبين شريكه ، فتقوم عليه في ملائه ، ويخير رب المال في غرمه ، فإن شاء تمسك بنصيبه منها ، وأتبعه بما يصيبه من قيمة الولد ، وليس له فيما نقصها الحمل والوطء شيء ، وإن أبى بيع له نصيبه منها ، فإن نقص مابيع منها من ذلك النصيب عن قيمة ذلك النصيب يوم الوطء ، أتبعه بذلك النقصان وبنصيبه من قيمة الولد ، وإذا كره جميع هذا وضمنه قيمة نصيبه ، فليس له من قيمة ولدها ، ولا مما أنقصها الوطء شيء .
وروى أبو زيد ، عن ابن القاسم فيه ، إذا اشترى جارية من مال القراض ، فوطئها ، فحملت ، فقال : اشتريتها للقراض ، فلا يقبل قوله ، ويتهم على بيع أم ولده / ، إلا أن يقيم شاهدين بذلك فتباع . وقال حبيب : إذا وطئ أمة من القراض ، أو اشتراها لنفسه من مال القراض ، ثم وطئها فأحبلها ، فذلك سواء ، فإن كان له مال ، أخذ منه الأكثر من ثمنها أو من قيمتها يوم الوطء ، وإن لم يكن له مال ، وفيها فضل ، بيع منها بقدر رأس المال وحصة رب المال من الربح ، ووقف نصيب العامل فلعله يسير ، فيباع باقيها فتصير أم ولد ، وإن لم يكن فيها فضل بيعت كلها من الثمن الذي اشتريت به ، فإن لم يف به ، أتبع بتمامه يحمل محمل الشريك ، ولا شيء عليه للولد ، كان له مال أو لم يكن ، كان فيها فضل أو لم يكن ، لأنه ضمنها بالوطء ، فجاء الولد بعد أن ضمنها . قال مالك : وكذلك المبضع معه بمال إذا تعدى فاشترى أمة لنفسه ، فأحيلها ؛ إن لم يكن له مال ، بيعت ، ولا شيء عليه للولد ، ولو اشتراها بمال وديعة عنده ، فأحيلها ، ولا مال له ، فهذا لا يباع ، ويتبع بالثمن دينا ؛ لأنه لا خيار لرب الوديعة في الأمة ، ومال البضاعة هو فيما
[7/279]
***(1/275)
[7/280]
تعدى فيه مخير ، وليس له أن يستأثر بفضل إن كان فيه وهذا أحسن ما سمعت . وقال ابن القاسم ، في الذي يتسلف من مال القراض ، فاشترى لنفسه جارية فأحبلها ، والذي اشترى بالبضاعة لنفسه جارية ، فأحبلها ، أنه لا خيار لرب المال ، وأن الحمل فوت ، ويتبع في ذمته بالثمن . وهذا خلاف ما روي عن مالك . قال ابن حبيب : ولا بد للذي تعدى فوطئ أمة اشتراها لنفسه بمال القراض ، أو مال البضاعة ، أو مال الوديعة ، أو الشريك في الأمة يطؤها أو يعقبوا ، حملت / أو لم تحمل ، كان له مال أو لم يكن عقوبة موجعة ، مثل المائة سوط . قال أبو محمد : وقول ابن حبيب في هذا في المشتري بمال الوديعة أمة ، فوطئها ، أنه يضرب ، قول لا يصح سيما إن كان له مال .
ومن كتاب محمد : وإذا اشترى من يعتق على رب المال ، فهو حر بعقد البيع ، فإن كان به عالما ، ضمن الثمن ، ولا شيء عليه إن لم يعلم ، والولاء لرب المال في كل حال . قال ابن القاسم : ويتبع بالثمن في عدمه ، إذا كان عالما . وقال أشهب : بل يباع منه برأس المال وقدر حصة ربه من الربح ، وتعتق حصة العامل . وإذا ادعى رب المال أن العامل عمد لشرائه بمعرفة ، وأنكر العامل ، فالقول قول العامل . قال : فإن التمس بيع قدر ذلك منه ، فانكسر بذلك ثمنه حتى لا يفي ، بيع كله ، على قول أشهب . ولم يختلفا فيه إذا لم يتعمد ، وهو عديم أو ملي ، أنه حر مكانه ، ولا تباعة على هذا ، وله أن يرجع بحصة ربحه من قيمته على رب المال ، إن كان فيه ربح . قال وإن ابتاع أبا نفسه ، عالما أو غير عالم ، عتق ، وعليه إن كان موسرا قيمته إلا قدر حصة ربحه ، إن كان فيه ربح ، وإن كان عديما ، بيع أبوه ، إلا أن يكون فيه فضل ، فتعتق حصته منه ، وكذلك إن كان له شيء غير ذلك وداه ، عتق بقدره ، وكذلك إن اشترى عبدا ، فأعقته . وكذلك الوصي أو الأب يعتق عبد يتيمه على نفسه . قاله مالك في ذلك كله .
ومن كتاب محمد ، ومن العتبية ، رواية يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم : وإذا كاتب العامل عبدا من المال ، فودي وعتق وفي العتبية : وإذا اشترى عبدا
[7/280]
***(1/276)
[7/281]
من الما ذلك / فكاتبه ، قال فلرب المال رده حتى يعتق بإذن ، وما قبض منه كالقلة .
قال أحمد بن ميسر : ما لم يكن إنما ودى عنه أجبي ليعتق ، فهذا نافذ إن لم يحاب فيه العامل أو الشريك ، قال : وإن أجاز رب المال عتقه ، فلا شيء للعامل من ولاية ، إلا أن يكون فيه فضل ، فله بقدر حصته منه ، قال : في العتبية ينظر إلى حصة العامل من الربح ، ما هي ؟ من جميع الربح ورأس المال ، فيكون له من ولايته بقدر ذلك .
قال في كتاب محمد : وليس الكتابة كالعتق ، ولا تجوز كتابة الوصي بعد يتيمه ، ويجوز فيه عتقه ، وعليه قيمته .
جامع القول في تعدي العامل ومخالفته
من الواضحة قال مالك : إذا تعدى العامل ، فخالف ما أمر به ، أو فعل ما نهى عنه ، ضمن ، ويباع عليه ما نهى ع ، شرائه ، فإن كان فيه فضل ، فهو على القراض ، وإن كان نقصان ، ضمنه ، فإن شاء رب المال ، ضمنه جميع الثمن ، وترك ذلك له ، وإن شاء أمضى ذلك على القراض ، وإن لم يشعر لذلك حتى باعها بربح فذلك على القراض ، فإن بيعت بنقص ، ضمنه . قال : وإذا نهى رب المال العامل عن العمل بالمال ، وأمره أن يرده ، وهو عين بعد ، فتعدى واشترى به سلعة ، فربح ، فالربح ها هنا له ، كمال الوديعة ، والضمان عليه . وكذلك في كتاب ابن المواز ، قال ابن حبيب : ما لم يقر أنه اشترى السلعة على اسم القراض ، فإن أقر بها ، فالربح على القراض ، ولم يخرجه ذلك من الضمان . قال : قارضه على ألا يخرج بالمال من بلده ، فخرج به إلى غير بلده ، فحرك المال أو لم يحركه حتى رجع / إلى بلده ، فيتجر ، فخسر أو ربح أو ضاع ، فإنه إن ضاع منه بعد خروجه من بلده ، فهو ضامن ، حركه أو لم يحركه ، وإن لم يضع ، ولكن حركه فخسر
[7/281]
***(1/277)
[7/282]
فيه ، فهو ضامن لما نقص ، وإن ربح ، فهو على القراض ، وإن اشترى به سلعة ، فقدم بها ، بيعت ، فيضمن ما نقص ، والربح بينهما ، وإن ضاع بعد منصرفه وهو في سلع ، فهو ضامن ، وإن ضاع بعد أن جاء ، وهو عين ولم يكن حركه ، لم يضمن ، وإن كان قد حركه وتجر به ، فهو ضامن لأنه بخروجه من بلده ضمنه بالتعدي ، وخرج عن حد الأمانة ، وهو على الضمان حتى يرده إلى حال القراض بنيته وعزيمته ثم إن ضاع بعد أن رده إلى حال القراض ، أو تجر به للقراض فخسر ، لم يضمن . وكذلك الوديعة ينفقها ، ثم يردها ، فلا يضمنها بعد ذلك ، وهو مصدق أنه ردها ، فإن شاء رب المال ، ضمنه رأس المال ، وترك له السلع ، وإن شاء أمضاها على القراض ، وإن شاء بيعت ، فكان الربح بينهما ، ويضمن الوضيعة ، وإن باعها قبل التخيير ، أو هلكت ، فهو ضامن لها ، أو لخسارة فيها ، وما كان من ربح فيهما . قال مالك : إذا باع العامل بالدين بغير إذنه ، ضمن . قال عبد الملك : وتفسيره : إن نظر فيه وقد هلك الدين قبل صاحبه ، ضمن قيمة السلعة يوم باعها ، وإن نظر فيه والدين على صاحبه ، بيع بعرض ، وبيع العرض بعين ، فما نقص ضمنه ، ومن كتاب محمد ، قال ربيعة إن باع بالدين وقد نهى عنه ، ضمن النقص ، والربح بينهما . قال مالك : ليس له / أن يبيع بالدين ، ويسلف على الغلات إلا بإذن رب المال ، ولا يشتري بالدين وإن إذن له ربه . . .
قال محمد وإن أسلم في طعام بغير إذن ، ضمن الآن رأس المال ، فإذا قبض الطعام ، بيع ، فقسما الفضل ، وما وضع ، فعلى العامل . قال : ولو أسلم في غير الطعام ، فلا يجوز الرضا به أيضا قبل يقبض ، ولكن يباع قبل يقبض ، ويضمن ما نقص ، والفضل بينهما . وكذلك إن باع سلعة بثمن مؤجل ، بيع ذلك الدين بعرض ، ثم بيع العرض ، فضمن الوضيعة ، وكان الفضل بينهما ، وإذا اشرط ألا يشتري إلا كذا لشيء موجود ، فاشتراه فلا يبعه بما نهى عنه ، فإن فعل ، فعلم رب المال قبل بيع المنهي عنه ؛ فإن شاء أجازه وكان على القراض ، أو ضمنه ويصير للعامل ربح ذلك ، وعليه وضيعته ، وإن بيع قبل ينظر فيه ، ضمن النقص ، فإن ربح
[7/282]
***(1/278)
[7/283]
فبينهما . قال محمد : إن كان طعاما تعجل ضمان رأس المال ، فإذا قبض المال ، فذكر مثل ما تقدم ذكره فيه . وفي غير الطعام إذا أسلم في شيء بغير إذنه ، قال أحمد : أجاب محمد على أنه اشترى ما أذن له فيه ، فباعه بما نهي عنه ، ولو كان التعدي على دنانير ، لم يكن غير ضمانها ، وليس له أن يرضى بذلك فيصير دينا بدين .
في التداعي في القراض بين العامل ورب المال
من كتاب محمد ، قال ابن القاسم : وإذا أخذ قراضا على الثلث والثلثين ، ولم يسميا لمن الثلثان ، واختلفا ، فالعامل مصدق ، ويحلف . قال محمد : بل اجعل الثلثين لمن يشبه أن تكون منهما ، فإن أشبههما ، كان ذلك للعامل ، ويحلف إن ادعاه . قال محمد : وإن ادعى العامل / أن له ما يربح في عشرة دنانير ، وثلث ما بقي ، وقال رب المال ، بل على أن ثلثي جميع الفضل لي . فالعامل مصدق . لأنه ادعى أمرا جائزا ، بخلاف دعواه أن لي في الربح دينارا ونصف ما بقي ، فقد ادعى ما لا يجوز في هذا .
ومن العتبية ، قال سحنون : وإذا قال العامل : بمائتين . وقال : مائة رأس المال . وقال رب المال : رأس المال مائتان . فإن لم يقم رب المال بينة ،[فالعامل مصدق ويحلف ، فإن نكل ، حلف رب المال ، فإن نكل ، فليس له إلا ما قال العامل ، وكذلك إن أقام كل واحدة بينة ، وتكافأتا في العدالة ، فالعامل]
مصدق ويرفع البينة وإن كانت إحداهما ، كالصناع ، فإن لم تقم بينة ، أو قامت فتكافأت ، فالضمان على ما ذكرنا .
[7/283]
***(1/279)
[7/284]
ومن كتاب محمد ، قال ابن القاسم ، وأشهب ، وروياه عن مالك ، إذا أخذت المال قراضا . وقال ربه : سلفا . فربه المصدق . وقال أشهب : وذلك إذا حرك المال ، وأما تلف منه قبل يعمل به ، فالقول قول المقر .
وقال ابن عبد الحكم ، عن ربيعة ومالك : إن القول قول العامل الذي بيده المال . وأراها ابن وهب وذ ... كر مثله ابن حبيب ، وقال : الذي رجع إليه مالك ، أن رب المال مصدق ، وبهذا أخذ ابن القاسم ، وأصبغ . وأخذ مطرف ، وابن الماجشون ، وابن وهب ، وأشهب ، يقول مالك الأول . وبه أقول . قال أحمد بن ميسر / ، في كتاب في الإقرار ، فيمن قال : أودعتني ألفا ، فضاعت . وقال الآخر : بل هي سلف : فقال ربيعة ، وأشهب ، وهو قول مالك الأول : إن كل من أقر في أمانته بشيء ، فالمخرج منه يمينه ، ثم رجع مالك ، فقال : القول قول رب المال مع يمينه وبه قال ابن القاسم .
ومن كتاب محمد : وإن قال العامل : سلف . وقال رب المال : قراض .
فالعامل مصدق وإن عمل وربح في المال ، ولو قال ربه : وديعة . وقال العامل : قراض . فرب المال مصدق ، لأن العامل لزمه الضمان بحركة المال ، وهذا إذا تلف المال ، وإن قال ربه : بضاعة . وقال العامل : فراض . فإن كان فيه فضل حلفا ، وللعامل إجارته : محمد : ما لم يكن أكثر مما يصير إليه من الربح ، ولو تلف المال ها هنا ، لم يضمنه ؛ لأن ربه مقر أنه أذن له يحركه . قال محمد : وإذا كان أكثر ، حلف رب المال ، ولم يكن له شيء وكذلك إن كان نصف الربح والأجرة سواء ، وإن كان نصف الربح أكثر ، حلفا ، فإن نكل رب المال ، فللعامل نصف الربح ، وإن نكل العامل ، فليس له إلا ما أقر به رب المال .
وإذا قال رب المال : هو قراض ، وقال العامل : وديعة . وهو في سلعة ، قال ابن القاسم : فالقول قول من هو بيده مع بيده في قوله : وديعة . وربه يدعي الربح ، ويقال لرب المال : اتق الله إن جاء في السلعة نقصان ، فلا تضمنه إن
[7/284]
***(1/280)
[7/285]
علمت أنه قراض . فإن أبى ، فالحق حقه ؛ لأنه حكم نفذ بما أقر له به العامل ، فإن رجع العامل إلى / قول رب المال بعد البيع ، لم يقبل منه .
قال ابن القاسم : وإن قال ربه : وديعة . وقال العامل : قراض . وهو في سلعة ، فالقول قول رب المال مع يمينه ، ويضمن العامل ، فإن بيعت بفضل ، قيل للعامل ، اتق الله ، إن علمت أنه قراض ، فادفع إليه ربحه ، ولا أحكم بذلك عليه ، ولو دفع ذلك إليه ، لم أقض على رب المال ما أخذه .
ومن الواضحة : وإن اختلفا عند المفاصلة ، وقال العامل : عاملتك على الثلثين لي . وقال رب المال : بل على أن لك الثلث . فقال مالك : القول قول العامل مع يمينه إن ادعى ما يشبه ، فإن ادعى ما يستنكر ، صدق رب المال ويحلف ، فإن ادعى مستنكرا ، فللعامل قراض مثله . وقال الليث : إن لم تكن بينة ، حملا على قراض المسلمين ، وهو النصف .
قال ابن حبيب : وإذا اشترى العامل سلعة ، فقال رب المال : نهيتك عنها . وكذبه العامل ، فالعامل مصدق ويحلف . وكذلك روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في العتبية ، وإن باع بدين ، وادعى إذن رب المال ، فأنكره ، فرب المال مصدق ويحلف . قال ابن حبيب : وقد ذكرنا اختلافف قول مالك ، في إذا قال العامل : أخذت المال قراضا . وقال ربه : سلفا . وقول ربيعة فيه ، فكل ما اختلف فيه المتقارضان من هذا المعنى ، فهو على مثل ذلك ، أو قال رب المال : هو وديعة . وقال العامل : قراض . أو قال ربه : قراض . وقال العامل : وديعة . أو قال ربه : قرض . وقال الآخر : قراض . أو قال ربه : قراض . وقال الآخر : قرض . أو قال ربه : بضاعة . وقال الآخر : قراض / أو قال ربه : قراض . وقال الآخر بضاعة أو قال رب المال : غصبتنيه . واقل الآخر : استودعتنيه ، وقد ضاع . أو قال ربه : أوفيتكه من قرض ، أو : رددته إليك من قراض ، كان لك عندي . وقال الآخر : أودعتنيه ، فضاع . فالقول في هذا كله ، في قول مالك الأول ، قول
[7/285]
***(1/281)
[7/286]
المقر : وإنما تعارف هذا ابن القاسم في ثلاثة أوجه ؛ إذا قال ربه : قرض . وقال الآخر : قراض أو وديعة . وإذا قال رب المال : وديعة أو بضاعة . وقال الآخر : قراض . وإذا قال ربه : أوفيتكه من قرض ، أو رددته عليه من مالك القراض ، وقال الآخر : أودعتنيه ، وقد ضاع . فرب المال مصدق عند ابن القاسم ، في هذه الثلاثة وجوه فقط .
ومن العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن قال لرجل : أعطني المائة دينار التي أودعتك : فقال الرجل : ما أودعتنيها . ولكن دفعتها إلي قراضا ، فربحت فيها مائة ، لك منها خمسون ، فإما أن يأخذ الخمسين . قال يستأني بالخمسين سنين لعله يأخذها ، فإن تمادى على الامتناع ، فليتصدق بها العامل .
قيل : فلو مات رب المال ، فطلب ورثته أخذها ، قال : يأخذون إن شاءوا ، إذا أحب المقر أن يدفعها إليهم ، ولا يقضي عليه بدفعها إليهم .
في اختلاف العاملين ورب المال
من كتاب محمد ، قال أصبغ : قال أشهب ، في مال القراض مع عاملين يأتيان بمائتي دينار ، فقال أحدهما : رأس المال مائة ، / وربحنا مائة . وقال الآخر : رأس المال مائة وخمسون ، وربحنا خمسين . وصدقه رب المال ، فإنه يأخذ كل واحد من الربح عل ما ادعى من رأس المال .
قال أصبغ : يأخذ مدعي الأكثر من الربح خسمة وعشرين ، ومدعي الربح القليل اثني عشر ونصفا . قال محمد : هذه من المجالس ، وهي غلط ، وقد أجابني أصبغ بخلافه ، وهو الصواب ، أن لمدعي الكثير من الربح خمسة وعشرين ، وللآخر ثمانية وثلث ؛ لأنا صدقنا القائل ـ رأس المال مائة . على ما في يده ،
[7/286]
***(1/282)
[7/287]
فيؤخذ منه خمسة وعشرون ، ويقال للآخر : أنت مقر أن رأس المال خمسون ومائة ، فكل ما حصل من الربح ينبغي أن يكون بينك وبين رب المال أثلاثا ، بعد أن تتم له ما أقررت أنه رأس المال ، وتصير جائحة ما يزيده الخارج عنكما عليكما في الربح ، ولا يحسب في رأس المال جائحة ، فالذي حصل بعد زوال المنكر مائة وخمسة وسبعون ، فمائة وخمسون رأس مال القراض ، الفاصل خمسة وعشرون ، بينك وبين رب المال على ثلاثة ؛ فثلثهما لك ، وله الثلثان ، لأن في قولك خمسة وعشرين ، وذلك اثنا عشر ونصف . قال محمد : ولا تقبل ها هنا شهادة الآخر ؛ لأنها إن قبلت ، جرت إليه نفعا .
وقال أشهب : وإن قال واحد ، رأس المال مائة ، وربحنا مائة وقال الآخر : رأس المال مائة ، ومائة هي إلي . فإنه يصدق مدعي المائة لنفسه ، ولا شيء لصاحبه ولا لرب المال فيها ، وكل / واحد من العاملين حائز لما بيده ، وعلى هذا اليمين فيما حاز لنفسه . وقال ابن القاسم : للذي ادعى المائة ربح أربعة دنانير ، وسدس ، ولرب المال مائة وثمانية وثلث ؛ لأنهما مقران في مائة لرب المال ، فيأخذها ، وتبقى مائة يدعيها أحدهما ، والآخر يقول : ليس لي فيها إلا ربعها ، ونصفها لرب المال ، فيقال له : دعواك لغيرك لا يعبأ به ، فسلم لصاحبك ثلاثة أرباعها التي لا تدعي فيها شيئا لنفسك ، والخمسة وعشرون الباقية أنت وصاحبك تدعيانها ، فتقسم بينهما ، فإذا أخذ منها اثنى عشر ونصفا ، قال رب المال : كل ما حصل من الربح ، فحظي مثل حظك ، فاقسمها بيني وبينهم على ثلاثة ؛ لك ثلثها أربعة وسدس ، ولي ثلثاها ثمانية وثلث .
قال محمد : إن كانت المائتان بيد أحدهما ، كان القول قوله مع يمينه ، وإن كانت بيد كل واحد مائة ، قال : فمن أقر منهما أن بيده رأس المال ، إلا أنا أخلطنا الجميع تحريا ، وأخذ كل واحد منا من الجملة مائة . فقد أقر أن نصف ما
[7/287]
***(1/283)
[7/288]
بيده رأس مال ، وأن خمسين ربح ، له منهما اثنا عشر ونصف ، ويسلم ما بقي لرب المال ، فإن أقر الآخر بمثل ذلك ، تمسك بخمسة وعشرين ، وقسمت خمسة وعشرون بين رب المال والمقر الأول ، وقد قيل : الخمسة وعشرون بينه وبين رب المال أثلاثا ، وكذلك إن أقر الآخر أخذها منه . كذلك قال محمد : وإن كانوا ثلاثة معهم ثلاثمائة ، فقال أحدهم : رأس المال خمسون ، والبقية ربح . وقال الآخر : رأس المال مائة . وقال الآخر : بل هو مائتان ، فلمدعي كثرة / الربح ثلث نصف الربح على دعواه ، وذلك اثنان وأربعون دينارا إلا ثلثه ، وهو سدس جميع الربح ، وللثاني من الربح خمس ما بقي من الربح على ما يدعي أنه الربح ؛ لأنه زال مع الأول منهم سهم من ستة ، فيأخذ اثنين وثلاثين إلا ثلثا ؛ لأنه يقول : الربح مائتان ؛ لرب المال مائة ، ولكل واحد منا ثلاثة وثلاثون وثلث . فقد تزيد الأول على حقه [ثمانية وثلث فهي علينا أخماسا ، ثلاثة أخماسها على رب المال ، وعلى كل واحد منا خمسها فصار ما يقر أنه بقي ربحا بيننا]أخماسا أيضا ، فلي خمسه ، وذلك اثنان وثلاثون إلا ثلثا ، ثم ينظر إلى ما تبقى من الربح ، فيكون أرباعا ، ثلاثة أرباعه لرب المال وربعه للثالث ؛ لأنه يقول : الريح مائة على ستة أسهم ، ذهب اثنان أرباعه ، والباقي سبعة وعشرون إلا ثلثا ربعها للعامل سبعة إلا ثلثا ، فحصل لرب المال مائتان وعشرون ، وللأول أحد وأربعون وثلثان ، وللثاني أحد وثلاثون وثلثان ، وللثالث سبعة إلا ثلثا ، فذلك ثمانون دينارا .
[7/288]
***(1/284)
[7/289]
ومن العتبية ، قال سحنون : وإذا كانا عاملين فأتيا بمائتين ، فقال أحدهما : رأس المال مائتان . وصدقه رب المال ، وقال الآخر : رأس المال مائة ، والربح مائة . فإن كان الذي قال : رأس المال مائتان عدلا ، حلف معه رب المال واستحق المائتين ، وإن لم يكن عدلا ، فليأخذ من كل واحد خمسين التي اجتمعا عليها من رأس المال ، ثم يقال للعامل : رأس المال مائتان ، ادفع إليه ما في يدك أيضا ؛ إذ لا ربح لك حتى يتم / رأس المال ، ويقال للآخر : الخمسون التي في يديك أنت مقر أن نصفها لك ، ونصفها لرب المال ، فادفعه إليه ، وأنت على ما في يديك مصدق ، ولو أتيا بثلاثمائة ، وقال أحدهما : رأس المال مائة . وقال الآخر : بل هو مائتان : وصدقه رب المال ، وكذب الآخر ، فليدفعا إليه مائة اجتمعا عليها ، خمسين من يد كل واحد ، ولا يحلف ها هنا رب المال مع شهادة الذي صدقه ؛ لأنه جار إلى نفسه ؛ لأنه يقول له : ادفع إلى المائة الباقية بيديك ؛ إذ لا ربح لك حتى يتم رأس مالي ، فإذا قبلت شهادته لأخذ رب المال المائة منهما جميعا ، فينتفع بشهادته فأسقطناها لذلك ، ثم يقال له : ادفع ما في يديك وهو مائة ـ إلى رب المال ؛ لأنه لا ربح لك حتى يتم رأس ماله . ويقال للآخر : ادفع نصف المائة التي في يديك إلى رب المال ؛ لأنك زعمت أنها ربح ، وقلت نصفها له ونصفها إلي .
فأنت مصدق فيما في يديك ، وليس للعامل الآخر دخول على رب المال في هذه الخمسين ؛ لأنه مقر أن لرب المال نصف الربح ، فهو ذلك ، وإنما دخولك على صاحبك وقد جحدك .
قال سحنون : وقد قيل : يدخل مع رب المال فيما قبض ، فيقاسمه ذلك أثلاثا ، له ثلثهما ، ولرب المال الثلثان .
[7/289]
***(1/285)
[7/290]
ومن كتاب سحنون : وإذا أتى العاملان بثلاثة آلاف ، فقالا : رأس المال ألف . قال أحدهما : والربح ألفان ، وصدقه رب المال ، وقال الآخر : ألف وخمسمائة هو الربح ، وخمسمائة لفلان شريك بها في المال وأكذبه رب المال .
قال سحنون : إن كان العامل المقر لفلان عدلا ، وفلان حاضر / يطلب ذلك ، حلف معه ، وأخذ خمسمائة ، ويبقى ألف خمسمائة ربحا بين العاملين ورب المال . وقاله المغيرة ، وابن دينار . وإن لم يكن عدلا ، فإن بيد كل واحد ألفا وخمسمائة رأس مال ، وألفا ربحا والذي لم يقر يقسم هذا الألف بينه وبين رب المال نصفين ، وأما المقر ، فإن في يديه من الخمسمائة التي أقر بها ، مائتين وخمسين فيأخذها المقر له ، وتبقى سبعمائة وخمسون بينه وبين رب المال ، وفي آخر الكتاب باب مسائل مختلفة ، وفيه مسألة من معنى هذا الباب .
في العامل يدعي رد القراض ، ودعوى رد الوديعة والعارية
والعامل يدعي بعد المفاصلة أنه بقي شيء ، أو قبل المفاصلة
ومن كتاب محمد ، قال ابن القاسم ، عن مالك ، قال كل من يقبل قوله في التلف ، يقبل قوله في الرد ، فالوديعة والقراض يقبل قوله في ردهما إن لم يكن أخذهما ببينة .
قال ابن القاسم : ولو قال رب المال ببينة : دفعت ذلك إليك ، وقد ماتوا ، فليحلف العامل ، ما دفعته إلى بينة . ويبرأ محمد : ويكون في يمينه ، ولرددته إليه ، أو أنه ضاع بجمع ذلك في يمين واحدة ، فإن نكل ، حلف رب المال وأغرمه .
قال ابن القاسم : ولو أقام رب المال بينة ولم تقبل ، فليس له أن يحلفه أنه ما أشهدهم عليه . محمد : إذا أقر أنه أشهدهم ، لم يضره ؛ لأنه يقول : عرفت أنهم لا يقبلون ، فهم كالعدم ، أرأيت لو أشهد نصرانيين أتحلفه ؟ .
[7/290]
***(1/286)
[7/291]
قال : فإن أقام شاهدا عدلا أشهده عليه بالقبض ، قال / يحلف معه رب المال ، ثم يقال للعامل : أقم البينة بالرد ، وإلا حلف رب المال يمينا ثانية ، فأرد إليه شيئا . قاله ابن عبد الحكم . قال ابن القاسم : ولا يقبل قول المستعمر . قال مالك : ولا الصناع في الرد إلا ببينة ، قبضوا ببينة أو بغير بينة . وقاله أصبغ . قال ابن القاسم : المكتري مصدق في الرد ، كان يغاب عليه أو لا يغاب عليه ، أخذه ببينة أو بغير بينة .
قال محمد : وينبغي أن يكون كالقراض والوديعة ، ويقبل قولهم في التلف أيمانهم ، فإن أخذوه ببينة ، لم يقبل قولهم في الرد ، وكذلك المكتري فيما يغاب عليه . وقال أصبغ ، قال محمد : وكذلك إن اكترى ما لا يغاب عليه ، فادعى رده ، فهو مثل ما يغاب عليه . قال : ويصدق العامل في دعواه هلاك المال . قال عطاء ، ومالك ، والليث : ولو كان غير ثقة ، وليس عليه إلا اليمين إن اتهمه .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم ، وعن العاما يحاسب صاحبه ، ويقول : قد حملت لك على نفسي . ثم يقول : نسيت الزكاة ، وغير ذلك . قال : لا يصدق إلا ببينة أو أمر لا يستنكر فيه قوله ، وما يعرف به ثبات دعواه .
قال ابن القاسم : وسمعته قال في مقارض عمل دفع إلى صاحبه رأس ماله وربحه ، ثم جاء بعد ذلك يطلب نفقته ، ويقول : أنفقت من مالي ، ونسيت . قال يحلف ، ويكون له ذلك .
قال في كتاب محمد : وكان مالك خفف النفقة يدعيها بعد المفاصلة ورأى أن يقبل قوله . وروى عنه ابن القاسم ، أنه لم يقبل قوله في نسيان الزكاة إلا ببينة أو أمر يعرف به وجه قوله . قال محمد : فيؤمر / العامل بزكاة ما صار له ومن كتاب محمد ، وقال في العامل يشتري جارية ، ويقول : زدت فيها من عندي . فهو مصدق ، ولا يحلف . قال مالك : وإن قال حين قدم من سفره : أنفقت من
[7/291]
***(1/287)
[7/292]
عندي لارجع به . فذلك له ويحلف . وكذلك إن قال : وديت كراء أو قصارة . فله أخذ ذلك . وإن اعترف ما بقي في يده منه ، فإن جاوزه لم يتبع رب المال بما جاوزه قال : وهذا لم يخرج المال من يده بعد .
في العامل يسأل عن المال ، فيقول : هو عندي ،
وأقر ثم يقول : قد هلك أو يجحد القراض ، أو الشراء ،
فلما ثبت عليه ، قال : تلف أو رددته
من كتاب محمد ، قال مالك : وإذا سأله عن المال ، قال : هو عندي وأقر ، فلما أخذه به قال : قد هلك منذ مدة ، وإنما أردت بقولي بقاءه عندي .
فإنه يضمن ، ويؤخذ بأقل قوله ، إلا أن يأتي بأمر يعرف به قوله .
وكذلك إن أقر بربح كذا ، ثم لا يطالبه ، قال ذلك ، فلا يصدق إلا بأمر يعرف به ما قاله . وقاله ربيعة ، والليث . ومن العتبية ، روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في العامل بيده مائة قراضا ، فخسر فيها خمسين ، فأخب بذلك أخا له ، وتسلف منه خمسين ، فأراها لرب المال لأنه يظن إلا خسارة في المال ، فلما دفعها حبس رب المال ماله قال : إن أشهد على ذلك ، وأخبر بما خسر ، فلصاحب الخمسين أخذها . وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، عمن دفع إلى رجل مائة دينار قراضا ، وجعل لآخر خمسين ، على أن يشخص صاحب الخمسين والفضل فيهما ، فضرب بالمال ، ثم قدم فطلبه رب المال / بماله ، فقال : لم يعطني شيئا . فجحده حينا ، ثم قال بعد ذلك : تلف مني . قال ابن القاسم : أيضع ناس مالا إلى رجل خرج من المدينة ؛ ليبلغه إلى قوم ، فلما رجع ذكر الذي أمر بالدفع إليهم أنه لم يدفع إليهم شيئا ، فطولب ، فجحد ، وقال : لم يبعثوا معي بمال . فقامت عليه البينة ، فدفع ذلك إليه ، فلما ثبتت ، قال : ضاع مني ؟ قال مالك : يحلف بالله لضاع ، ويبرأ . وكذلك ما سألت عنه يحلف أنه ضاع منه ، ولا شيء عليه .
[7/292]
***(1/288)
[7/293]
وقال عيسى : إذا جحد حتى قامت البينة ، لم يصدق ، وغرم . وبلغني ذلك عن مالك . وعن العامل يجحد المال حينا . ثم يدعي بعد ذلك أنه قد رده . قال : إن لم يأت على ذلك بالبينة ، وإلا غرمه ، وليس من ادعى القضاء مثل من زعم أنه ضاع . وفي سماع ابن القاسم : ما عليه إلا يمينه بالله ، ويبرأ .
في العامل يسامحه رجل إفاقا لرب المال
هل يدخل فيه العامل ؟
من العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في العامل بالقراض يبتاع ثمرا ، ويكتري عليه مركبا إلى القلزم بعشرين دينارا ، فلما وصل سأل رب المركب : لمن الثمر ؟ فقيل له : لفلان صاحب الفلان . فلم يأخذ منه كراء ، وقال : قد أولاني خيرا . هل يكون ذلك لرب المال خاصة ؟ قال : إن لم يكن علم رب المركب أن المال قراض بالعشرين لرب المال ، وإن علم أنه كان قراضا ، وقال : ما تركتها إلا له وحده . فهو مصدق أيضا في ذلك ، وإن قال : علمت أنها قراض ، وتركتها مكافأة له ، ولم أذكر له وحد . كانت بينهما على قراضهما . /
في الجناية على العبد من مال القراض
من كتاب محمد : وإذا قتل عبد من القراض ، قتله عبد ، فاختلفا في القصاص ، فلا يقتص إلا باجتماعهما ، ومن طلب قيمته فهو أحق وما أخذ من قيمة أو سلم إليهما القاتل ، فذلك على القراض ، ولو قتله رب المال ، لودى قيمته .
قال ابن القاسم : إلا ألا أكون في عبدهما الذي قتله العبد فضل عن رأس المال ، فلرب المال أن يقتص أو يعفو ، ولا قول للعامل إلا أن يكون في فضل ، فله أن يعفو وإن كره رب المال .
[7/293]
***(1/289)
[7/294]
في القراض والإجارة بين المسلم والكافر ،
وأحد المتقارضين يسلم ، وفي القراض خمر
من كتاب محمد : ولا يؤاجر نفسه من نصراني ، ولا يأخذ ... منه مالا قراضا ، ويفسخ ما لم يعمل ، فإذا عمل ترك حتى ينض فيفسخ ، وأفسخ الإجارة متى ما علمت ، وله بحساب ما عمل على ما سميا . قال محمد : وإن دفعت إلى نصراني قراضا بشرط ألا يشتري إلا سلعة كذا ، وهي موجودة كل زمان ، فلا خير فيه ؛ لأنه من استحل الربا استحل أن يخالف شرطك . وكره مالك أن يعطيه درهما يشتري له به شيئا . قال محمد : فإن فعل ، فلا يأخذ ما اشترى له ، ولا يفسخ شراء النصراني إياه . قال ابن ميسر : بل يأخذه ، وقد ساقى النبي أهل خبير وهم ينفقون من أموالهم وتجاراتهم ، قال محمد : وكذلك إن قارضه فأفسخه وأرد إلى المسلم رأس ماله ، وله دفع كرمه / إليه مساقاة إن كان لا يعصره خمرا ، فإن قاسمه فأراد أن يعمل خمرا ، لم يمنع ، ولكن لا يعود المسلم على معاملته .
ومن العتبة ، قال سحنون ، في نصراني ، قارض نصرانيا فأسلم رب المال والمال في خمر فيه ربح أو لا ربح فيه ، قال : هي مصيبة على رب المال ، وينتظر إلى قدر فضل العامل النصراني فيهما ، فيعطاه خمرا ، ويهراق ما أصاب المسلم . وقال عبد الملك بن الحسن : سمعت ابن وهب يقول : لا بأس أن يقارض النصراني .
مسائل مختلفة من كتاب القراض
من العتبية ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك : لا بأس أن يأخذ المقارض من شريكه ذهبا من غير الذهب الذي بينهما ، يدفع إليه من ماله ، ثم يأخذ هو من مال القراض ، ولم يجزه سحنون إلا [في]شيء حاضر ويد بيد
[7/294]
***(1/290)
[7/295]
عن العامل يعطي السائل كسرة يسلمها ، أو الثمرات ، أو يسقيه الماء ، فلا بأس بذلك .
ومن سماع عيسى ، عن ابن القاسم ، ومن أخذ عشرة دنانير تنقص خروبة ، فاشترى بها سلعة ، فباعها بعشرة قائمة ، فأراد أن يأخذها ويعطي للعامل قدر ربحه ورقا أو تبرا ، أو يأخذهما ويعطيه ما ينوبه دنانير ، فلا يصلح ذلك ؛ لأنه ذهب بذهب متفاضلا .
قال سحنون ، في رب المال يأذن للعامل أن يبضع ، ثم يسافر رب المال ، فأبضع معه العامل ، فلما جاء رب المال للبلد ، عرف ضربه وماله بعينه ، فاشترى به ، لمن ترى الفضل ؟ قال لرب المال ؛ لأن العامل لم يشتر له شيئا ، وليس / من سنة القراض أن يبضع العامل مع رب المال .
ومن كتاب ابن حبيب ، قال مطرف ، عمن قال عند موته : إني قومت جارية ابنتي فلانة على فلان بألف درهم وجعلت فضلها بينهما ، وقد بعث إلي بالألف فمات هذا ، وقدم الرجل ، وقال : إنما باعنيها بيع بت قال : الرج مصدق . وقلت : فلم لا كان القول الميت ؛ لأنه يقول : بعته نصفها ؟ قال : لو قال هذا ، كان القول قوله ، لكنه إنما قال : قومتها كلها عليه ، وجعلت فضلها بينهما . وهذا لا يجوز في البيوع ، فمن ادعى ما لا يجوز ، وآخر ادعى الجايز ، فالقول قول مدعي الجايز . وقال أصبغ : لا يقبل قول واحد منهما . ويرى ثمن الجارية الذي بيعت به لابنة الرجل ، وللبايع أجر مثله . وقال ابن حبيب بقول مطرف .
تم بحمد الله وعونه
[7/295]
***(1/291)
[7/296]
***(1/292)
[7/297]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب المساقاة
ما يجوز من المساقاة
من كتاب ابن المواز ، قال مالك : ما جاز بيعه ، أو جاز كراؤه ، لم تجز مساقاته ، لأنه يترك في الأرض كراء معلوما ، ويرجع إلى غرز الجزء مما تنبث ويدع في الثمرة ثمنا معلوما ، ويرجع إلى المساقاة فيصير أجره على جذها ومؤنتها .
وفي الموطأ ، أن المساقاة ما حل بيعه ؛ كالإجارة ، قال سحنون ، في مساقاة ما جاز بيعه ، هي إجارة جائزة وينبغي في قوله ألا تجوز في الزرع لأنه قال : احصده وهذه بنصفه هذا لا يجوز عنده .
ومن كتاب محمد قال مالك : وإن ساقاه حائطا بثمرة حائط آخر ، لم يجز ، إلا أن تكون ثمرة الآخر قد أزهت ، فهي إجارة جائزة ، وإن لم تزه ، لم يجز ، فإن نزل وقبض تلك الثمرة ، فليرد قيمتها إن قبضها رطبا ، أو مكيلتها إن قبضا ثمرا ، وله أجره في الحائط الذي أسقى ، وله ما أنفق فيه ، وتجوز المساقاة في النخل بعد جذاذها ، وكذلك إن كان فيها بعد ثمرة لم يبد صلاحها ، فالمساقاة فيها جائزة ، وكذلك الشجر . وقاله سحنون ، في العتبية .
[7/297]
***(1/293)
[7/298]
ومن كتاب محمد ، قال : وإن ساقاه شجرا صغارا لا يطلع فيها طعم من عامها ، أو زرعا لم يطلع من الأرض ، لم يجز ، وكذلك إن ساقاه نخلا فيها تمرة وقد طابت ، ساقاه إياها سنين ، فإن نزل في ذلك كله ، فهو أجير في السنة الأولى ، وما بعد ذلك إذا أتت الثمرة على مساقاة مثله ، كمن أخذ قراضا عرضا ، فإن أدرك قبل مجيء ثمرة قابل ، فسخ ، وأخذ إجارة مثله ونفقته ، وإن لم يفسخ حتى أتت ثمرة قابل ، لم يفسخ إلى بقية السنين . قال مالك : وتجوز مساقاة الزرع وقصب السكر .
قال ابن القاسم : والبقل مثل الفجل ، والجزر ، واللفت ، والبصل ، وشبهه ، وذلك كله إذا ظهر من الأرض ، عجز عنه صاحبه أو لم يعجز . قال ابن عبدوس : القياس عندي في ألا تجوز مساقاة الزرع . قال في رواية ابن وهب ، عن مالك في الزرع يعجز عنه ربه ، فيساقيه ، أرجو أن يكون خفيفا ، وليس بالموطأ كالنخل ، وقال أيضا : جائز : وقال ابن أبي سلمة : وكذلك المقتاة ، وقصب السكر . وقال في المقتاة / ، في رواية أشهب : إنما سمعت ذلك في الزرع يعجز عنه ربه .
قال مالك : فإن ساقاه قصب السكر ، فجائز إذا ظهر وعجز عنه صاحبه ، ولا يجوز إن يشترط خلفته ، وكل ما يجذ أصله ، مثل الموز ، والقصب ، والقرط وشبهه من البقول ، فلا يجوز سقاه وإن عجز عنه ربه . محمد : كذلك اللفت والبصل ، والأصول المغيبة مما لا يدخر وهو كالبقل . وقاله ابن عبد الحكم ، وهو أحب إلينا ، وقد اختلف فيه ، قال : وإذا كان في الحائط أنواع مختلفة ، فحل بيع بعضها ، وباقيه لم يحل بيعه ، ولم يتم فجمع ذلك كله في المساقاة ، فإن كان ما أزهى الأقل في الحائط ، جازت المساقاة ، وإن كثر ، لم تجز ، ولا فيه ولا في غيره ، وإن ساقاه نخلا وفيها شجر من رمان أو عنب قد طاب ، فإن كانت لزيقة النخل ، وتشرب معها ، فجائز ، ولا بأس أن يسقيها إلى أن تجذ ؛ لأنها غير مباينة للنخل ، ولا يشترط العامل منها شيئا ، وإن شرط أن تكون مع النخل على سقاء واحد فيها يستقبل من بعد جذ هذه التمرة ، قال مالك : ذلك جائز . وقال أحمد ، في الرمان
[7/298]
***(1/294)
[7/299]
الذي طاب وسقيه : إن كان يسيرا ، جاز ، وإن كان كثيرا لم يجز . وأجاز ابن وهب مساقاة المرسين ، وهو الريحان . قال ابن القاسم في رواية أصبغ عنه : لا يجوز ، ثم رجع فأجازه ، وثبت على هذا محمد : وأحب إلي ألا يجوز ، كأنه الموز والقصب ، إلا أن تكون أشجارها ثابتة ، وإنما يقطع منها أحطابها النابتة في كل عام ، كالسدر ، ولا تجوز المساقاة الموز والبقول والرياحين ، وإن عجز عنه ربه / ، وليس كالورد والياسمين هذه شجر تساقى ، وإن لم ينجز عنها وأنا نكره المساقاة ما يقطع ويختلف ، كالقصب الحلو ، أما التمر يقطع والأصل ثابت ، فتجوز مساقاته ، كالتين ، والجميز ، والقطن ، والمقاتي ، وإن كان بطنا بعد بطن .
ومن العتبية ، من سماع ابن القاسم : ومن ساقى نخلا وفيها يسير من الموز . مثل الثلث ، فأدى ، فأرجو أن تجوز مساقاته . قال سحنون : إذا كان الموز داخلا في المساقاة ، فإما إن اشترطه العامل ، فلا يجوز .
ومن سماع أشهب ، قال مالك ، في الحائط يكون فيه البقل وغير البقل : فلا بأس أن يساقي ذلك في سقاء واحد . قال في الواضحة وغيرها : على جزء واحد . وكذلك كان في خيبر وفيها النضج ، والتين ، والبقل ، كلها على النصف .
العتبية ، قال أصبغ ، عن ابن القاسم ، في الريحان ، وقيل إن أصوله تعظم وتقيم السنين ، ويجني في الشتاء والصيف ، وليس له إبان يجنى إليه ثم ينقطع ، قال : إذا كان يجنى هكذا كل وقت ، لم تجز مساقاته ؛ لأنه يحل بيعه إذا بدا
[7/299]
***(1/295)
[7/300]
أوله : قال ابن القاسم : وزيتون البعل إنما فيه الحرث ، ولا يسقى ، فمساقاته جائزة ، وكذلك النخل والكرم .
ومن الواضحة ، وتجوز مساقاة قصب الحلو ، والمقاتي ، والبصل ، ما لم يطب حتى يحل بيعه ، كالزرع يعجز عنه ربه عن سقيه إن كان يسقى ، أو عن عمله إن كان بعلا وله عمل ومؤنة مما إن ترك ، خيف عليه التلف ، وحينئذ تجوز مساقاته ، فأما شجر البعل ، فتجوز مساقاته . وإن لم يكن فيها عمل ولا مؤنة ، ولا لها / جراية وحداذ وثمر . وقد أجاز العلماء مساقاة نخلة أو نخلتين ، ولا تجوز مساقاة البقول كلها ، لأنه يجوز بيعها إذا بدا أولها ، كالموز ، وليس كالمقاتي ؛ لأن ذلك نبات واحد ، كالتين يتفاوت طيبه ، وليس كشيء يأتي بعد شيء كالقصب .
ومن العتبية ، قال سحنون ، في الفجل ، والإسفنارية ، والعصفر ، وقصب السكر ، والورد ، والياسمين : [تجوز فيه]المساقاة ، وإنما توضع منه الجائحة إذا بلغت الثلث ، وكذلك الجائحة في الموز ، إلا أنه لا تجوز مساقاته ، وأما الرعفران ، والريحان ، والقصب ، والقرط ، فتوضع في قليله وكثيره ، ولا توضع فيه المساقاة ، وجعل قصب السكر كذلك . وإن أراد اختلافا من قوله فيه .
قال : وكره المساقاة في الكمون ، كالزرع ، وإنما يراد حبه لا شجرة . قال ابن حبيب : وتجوز المساقاة سنتين ، وثلاثا ، وأربعا ، إلا أن المساقاة بالأجر من الغلة ، وفي الكراء في أرض السقي بالأهلة ليس بالأجرة .
في مساقاة الأصول مع البياض ، ومع ما لا يساقى
من كتاب ابن المواز ، قال مالك في البياض التبع للأصول ، مثل الثلث فأدنى : فلا بأس أن يشترط في المساقاة إذا كان على مثل ما أخذ الأصول ، وأحب إلي أن يلقى للعامل ، فإن شرطاه بينهما ، فجائز إن كان البذر والمونة من عند العامل .
[7/300]
***(1/296)
[7/301]
ولا يجوز أن يشترطه لنفسه إن كان العامل يتقيه . ابن حبيب : وإن كان بعلا ، أو كان لا يسقى بها الحائط فجائز . /
قال ابن المواز : وإن سكتا عن ذكر البياض في العقد ، فما زرع فيه العامل فهو له خاصة ، وإن سكتا عنه ، ثم تشاحا فيه عند الزراعة ، فهو للعامل . وقال ابن حبيب . ومن كتاب سحنون ، روى ابن نافع ، عن مالك ، في العامل يزرع البياض بغير شرط فيه ، ثم ينكر عليه رب الحائط ، قال : عليه كراء الأرض لرب الحائط . قال ابن عبدوس : إنما يراعى البياض عندي أن يكون تبعا لثمرة جميع النخل ، وإنما يجوز هذا إذا اشترط أن يكون ما أنبتت منها ، فأما إن ألفي العامل فإنما يراعى هل هو تبع لحصة العامل خاصة .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : وإن شرط البياض للداخل عليه ، وعلى ربه البذر ، لم يجز . قال محمد : وكذلك لو شرط حرثه على ربه ، فسخت المساقاة ، وكان للعامل أجر مثله . وقال أصبغ : مساقاة مثله بغير حجة . وقول مالك الصواب ؛ لأنها زيادة ، وكذلك لو شرط فيه أن البذر بينهما ، والعمل على الداخل ، وما نبت فيه بينهما ، لم يجز ، وكان العامل أجيرا ، وقال أصبغ : له مساقاة مثله ، وليس ذلك بشيء وليس كون البذر كله من عند العامل بزيادة ، بل ذلك سنة المساقاة . قال : : وهذا البياض الذي يجوز اشتراطه لا تبالي ، كان من أضعاف السواد أو مفردا عن الشجر ، فذلك جائز إن كان تبعا . قال : ولا يجوز في مساقاة الزرع إذا كان له بياض مثل ما يجوز في بياض / الأصول ، على ما ذكرنا ، وأحب إلينا أن يلقى للداخل وحده ، وبذره ومؤنته على الداخل ، كان له أو شرطاه بينهما ، وإن كان على رب الحائط بشيء من مؤنته ، لم يجز ، ويكون للعامل إجارة مثله .
وقال أصبغ : مساقاة مثله ، وليس بشيء وإذا ساقى زرعه وفيه شجر تبع الزرع ، فروي عن ابن القاسم ، أنه بخلاف البياض وكراء الأرض . قال : ولا يجوز على سقاء واحد ، ولا يلقى للعامل ، وكذلك إن كان الزرع تبعا للشجر ، وجعله كحائط فيه
[7/301]
***(1/297)
[7/302]
أصناف وروى ابن وهب ، عن مالك ، أن ذلك يجوز أن يلقى العامل إذا كان تبعا ، لمكتري الدار فيها نخل يشترط هي تبع بشرط ثمرها ، ولا يجوز أن تكون بينهما . قال محمد : ولا يشترط رب النخل والزرع إذا كان الداخل يسقيه .
محمد : ولم أجد من اختار هذا القول ، وقول ابن القاسم هو المعروف ، وهو بخلاف البياض ، وليس كالدار . والأرض تكتري وفيها نخل أو زرع واشترط ذلك ، والزرع إذا كان تبعا للنخل ، جاز فيه معها المساقاة ، وإن لم يعجز عن الزرع ربه ، وإن كان النخل تبعا للزرع ، لم يجز حتى يعجز عن الزرع ربه ، وإن كان قال مالك : ولا بأس أن يساقى الحائط وفيه من الموز ما هو تبع قدر الثلث فأقل . قال محمد : ولا يكون لأحدهما ، ويكون بينهما على سقاء واحد مثل الزرع الذي مع النخل كما قال ابن القاسم فيه ، وقاسه على الحائط فيه أصناف . قال محمد : وقول مالك في الموز يرد رواية ابن وهب عنه . في الزرع والنخل وإن ساقى نخلا فيها بياض قدر الثلث / ، واشترط الداخل أن له ثلاثة أرباع البياض ، فأباه ابن القاسم ، وقال : إما على سقاء واحد ، أو يلقى للعامل . وأجازه أصبغ ، وقال : كما جاز أن يكون له كله ، جاز أن يشترطا كثيره لرب الحائط .
وقال أيضا أصبغ مثل قول ابن القاسم : لا يجوز إلا على أحد الوجهين ، فإن وقع بذلك زيادة في المساقاة ، وله مساقاة مثله يريد على مذهب أصبغ . قال ابن القاسم : فإن ساقى حائطه خمس سنين ، وفيه بياض هو تبع ، وشرط أن البياض للعامل خاصة أو سنة ، ثم يخرج من المساقاة ، لم يجز ، كمن أخذ حائطين مساقاة سنين على أن يرد أحدهما بعد سنة ، وهو خطأ ، قال مالك : وقد كان في خبير حين ساقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زرع يسير وهي على حالها اليوم .
ومن العتبية ، قال سحنون أخبرني ابن أشرس ، عن مالك ، فيمن ساقى حائطا فيه بياض . هو تبع ، فاستثناه العامل ، فاجتيحت ثمرة النخل وقد زرع العامل البياض ، أن عليه كراء البياض . قال سحنون : جيدة ؛ لأنه لم يعطه إياه إلا على عمل السواد ، فلما ذهب السواد ، كان له أن يرجع بالكراء .
[7/302]
***(1/298)
[7/303]
ومن كتاب ابنه ، قال علي عن مالك : وكذلك لو عجز الداخل عن الأصل ، كان عليه البياض بكراء مثله . قال محمد بن إبراهيم بن دينار ، وعبد الله بن نافع : إذا كان الأصل من نخل أو كرم أو غيره ، وفيه بياض هو تبع ، أو كان بياض فيه نخل تبع للبياض ، فقال الذي ساقاه أو يكري منه : أساقيك النخل وحدها ، أو أكريك الأرض وحدها ، وأحبس نخلي / وبياضي ، ولك من الماء قدر ما يروى به زرعك في السقاء أو زرعك في الكراء ، أو : إلي فضل مائي أروي به نخلي ، وما زرعت في أرضي ، وليس عليك فيه سقي ، فذلك كله جائز ، وإنما يكره أن يجمع البياض إلى النخل أو النخل إلى البياض ، فشترط ذلك المساقي لنفسه على العامل خاصة دونه ، ويكون على العامل سقيه ، فيكون زيادة زادها عليه ، فإذا لم يكن ذلك ، فلا بأس به ، وكذلك إن شرط الداخل إن البذر عليك ، فهي زيادة على رب الأرض ، وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، فمن اكترى أرضا بخمسين دينارا ، وفيها شجر قد طاب ، فإن كن يسوى كل سنة بعد إخراج النفقة مثل كراء الأرض ، فذلك جائز ، والكراء تبع ، فذلك جائز .
ما يجوز من شروط المساقاة وما لا يجوز
وما يلزم المساقي في عمله
وأمد المساقاة وذكر ما يتأخر من العدائم
والحكم في رقيق الحائط ودوابه
والشرط في ذلك وغير الشرط
من الواضحة : والسنة في المساقاة أن على العامل جميع المؤنة والنفقة والأجر والدواب والدلاء والأداة ؛ من حديد وغيره ، إلا أن يكون شيء من ذلك في الحائط يوم السقاء ، فذلك مما يستعين به العامل ، وإن لم يشترطه ولا له أن يعمل في حائط آخر ، وشرط ذلك عليه لم يجز ويفسد المساقاة .
ونفقة الدواب والأجر أو الرقيق الذين في الحائط ، وكسوتهم على العامل ، وإن لم يشترط ذلك عليه ، إلا أن أجاره الذين كانوا فيه على رب الحائط ، ولا يجوز
[7/303]
***(1/299)
[7/304]
اشتراط أجرتهم على العامل ، بخلاف نفقتهم وكسوتهم ، وللعامل خلف ما مات أو مرض من عبد أو أجير على رب الحائط إذا كانوا فيه يوم العقد يخلفهم على رب الحائط وإن لم يشترطهم ، ولو شرط الداخل أن خلفهم عليه ، لم يجز ، ولا على أن نفقتهم على رب الحائط . وقال في كتاب محمد مثله .
ابن حبيب : ولا يشترط على رب الحائط زيادة ، إلا ما قال : مثل دابة أو عبد في الحائط الكبير ، أو الحديدة أو الحديدتين ، ثم على العامل نفقة هذه الدابة أو العبد ، وعلى رب الدابة خلفهما ، ولو شرط ألا خلف على لهما ، أو شرط الداخل ألا نفقة على لهما ، لم يجز ذلك . قال محمد : وعلى الداخل رم قصبة البئر واستنباطه وقواديسه وحباله ومؤنة الماء والحديد ، فإذا انقضى سقاؤه ، كان ذلك له ، وأخذ غلمانه إن كان له فيه عبيد أو دواب اشتراهم . قال مالك : ولا يستعمل رقيق الحائط ودوابه في غيره ، ولا يجوز شرط ذلك في المساقاة ، وإن شرط إخراج من فيه من الرقيق والدواب ، أو شرط على رب الحائط أن يأتي بعمال ليسوا فيه يومئذ ، لم يجز ، فإن عملا ، فالعامل أِجير له أجر مثله ونفقته . وكان ابن القاسم قد قال : له مساقاة مثله . ثم رجع إلى هذا في المسألتين ، وكذلك في اشتراط أحدهما مكيلة سماها وما بقي بينهما . وقال ابن القاسم : إذا شرط أن يعمل معه رب المال ، رد إلى مساقاة مثله .
محمد : وفي موضع آخر ، من رأيه أنه أجير ، ولا بأس أن يستأجر العامل غلمان رب الحائط إذا صح ذلك ، ولم يكن / بحدثان المساقاة ، وإن كان بحدثان المساقاة وعلى شرط صحة ، فلا يجوز .
ومن العتبية ، من سماع ابن القاسم ، ولا بأس أن يشترط الداخل في الحائط الكبير الغلام أو الدابة ، إذا كان شيئا يسيرا [ثابتا]لا يزول ، وإن هلك ذلك ، أو مرض العبد ، أخلف مكان ذلك بمثله ، وإلا فهو غرر ، وقاله سحنون ،
[7/304]
***(1/300)
[7/305]
وقال : لا يجوز هذا في القراض بشرط عبد رب المال أو دوابه ، وإن شرط ، خلف ما مات من ذلك ، ويجوز في المساقاة ، فإن لم يشترط ضمانها في المساقاة ، لم يجز . قال عيسى ، عن ابن القاسم : لا بأس أن يستثنى العامل ما في الحائط من دواب وغلمان في المساقاة ، وليس له أن يستثني على رب الحائط إلا ما فيه من ذلك ، وعلى رب الحائط خلف ذلك ، إذا جعل العامل استثناء ما في الحائط من رقيق ودواب ، وظن أن ذلك له ، وإن لم يستثنهم ، فلما تعاقدوا ، قال رب الحائط ، إنما ساقيتك وحده بغير دواب . ولا رقيق . قال : يتحالفان ، ويتفاسخان .
( ع ) . ما معنى هذا ، وهو عنده لا يجوز إخراج دوابه ولا رقيقه ، فقد صار مدعيا لما لا يجوز له .
قال عيسى ، عن ابن القاسم : ويجوز أن يشترط أن على العامل عصر الزيتون . قال سحنون : وعلى العامل عصره إن كان ذلك الغالب من عمل الناس بذلك البلد . قال سحنون : ومنتهى المساقاة في الزيتون جناه . قال في كتاب محمد ، أن ينهى الزيتون على شرطهما ، فإن لم يكن شرط فهو بينهما .
ومن العتبية ، قال سحنون : ومنتهى المساقاة في الثمر جذاده بعد أن يتمر ، والتين والكرم قطافه ، ويبسه هو أصل مساقاته وعلى العامل تهذيب الزرعش
قال أشهب ، عن مالك ، فيمن سقى حائطا سنين : أليس ذلك من جذاذ إلى جذاذ ؟ قال : نعم .
ومن كتاب محمد : ألا يسقى عشرين نخلة ، فعليه سقي جميع الحائط حتى يجذها . قال : وكذلك إن كانت عدائم ، وهو المؤخرة بالطياب . قال عنه ابن وهب : إذا ساق حائطا فيه أصول مختلفة ؛ من نخل ، ورمان ، وغيره ، على سقاء واحد ، فعليه أن يسقيه كله حتى يفرغ منه ، ويرده إلى ربه .
[7/305]
***(1/301)
[7/306]
قال عنه أشهب ، في الحائط تتأخر منه أعذاق ، أن عليه سقي الحائط كله ، عدائمه ، وما جذ منه ، وليوف المساقي حظه من ثمرة العدائم وإن كانت العزائم أكثر ، فعلى العامل سقي الحائط مثل إذا جذ بعضه وبقي بعضه ، وإن كان ذلك متناصفا أو متشابها ، فعلى المساقي سقي العدائم وحدها ، وعلى رب الحائط سقي باقيه ، وإن كان في الحائط أنواع من الثمر ؛ من تبن ، وعنب ، ومرسك ، فجد بعضه ، وبقي بعضه لم يطب ، فقال مطرف : فكل ما جنى من ثمرة فقد انقضى السقاء فيها ، قلت إن كثرت . وقال ابن الماجشون : وهو كالعدائم ، كانت قليلة أو كثيرة أو متناقضة ، على ما ذكرنا فيها . وقال أصبغ . وقول مطرف أحب إلي . ومن كتاب محمد ، والعتبية قال مالك : وإذا دخل الحائط سيل ، فأقام به حتى استغنى عن الماء ، فلا يحاسه رب الحائط بذلك ، ولا بأس أن يشترط على العامل ما اشترط من رباطه ، أو قصبه ، وساقيه بئره ، وكنسه ، وقطع جريده وليفه ، ولا يجوز / اشتراط تحطيم الحائط عليه ، ويجوز اشتراطه على رب المال ، بل هو عليه .
قال أشهب ، عن مالك : ولا يشترط على العامل إصلاح كسر الزرنوق واستخف إصلاح القف يكون في ذلك غرم الدريهمات والدينار ، فهو على رب الحائط ، ولا بأس أن يشترط على الداخل الخرص . يريد الزكاة ؛ لأنه جزء معلوم ، ولا يشترط ذلك على رب الحائط ، محمد : ذلك جائز ، قال في كتاب ابن المواز : فإن أصابا ما لا زكاة فيه ، وقد شرطا الزكاة على العامل ، فلرب المال من حصة
[7/306]
***(1/302)
[7/307]
العامل الزكاة من عشر الجميع أو نصف عشرة . قال ابن عبدوس : يقتسمان الجميع على تسعة أجزاء ؛ للعامل منها أربعة .
ومن كتاب ابن المواز ، قال مالك : ولا يشترط على العامل غراس نخل يأتي بها من عنده ، وإن كانت عند رب المال ، وأما في أصل يسير لا تعظم فيه المؤنة ، فجائز ، ولا يجوز في كبير ، فإن نزل كان أجيرا . قال محمد : وكذلك إن شرط أن يأتي العامل بالأصل ، فهو أجي إن كان لذلك قدر وإن كان يسيرا أجزت المساقاة ، وأبطلت الشرط ، قال مالك : ولا يجوز أن يشترط على الداخل نقل تراب السيل وأن رآه وعرفه ، وذلك على رب الحائط ، فإن نزلا على ذلك ، كان له مساقاة مثله ، ويرجع بقيمة ما نقل على رب الحائط .
قال مالك ، في العتبية ، ولا ينبغي للمساقي أن يشترط ما على ربيع الماء من النخل ، ولا بأس أن يشترط الجداول إذا كانت يسيرة أن يسقيها ، والربيع الساقية ، والجداول الشجر الصغار من البحار كلها . قال ابن القاسم ، في رواية عيسى / : من اشترط على عامل الزيتون حمل نصيبه إلى منزله ، فلا خير فيه ، قيل : أرأيت إن كان قريبا ؟ قال : لا يعجبني إن كان ميلا ، إلا أن يكون شيئا ليس عليه فيه مؤنة . وقاله أصبغ ، قال : فإن وقع على المكان البعيد ، رد إلى المساقاة مثله بلا حمل .
ابن حبيب : والذي يجوز اشتراطه على العامل ، سد الخطار وهو تحظير الجذور وتزريبها ، وخم العين وهو كنسها ، وسرو الشرب وهو تنقية الحياض التي تكون حول الشجر وتحصين حروفها وجري الماء إليها ، ورم القف وهو الحوض الذي يفرغ فيه الدلو ويجري منه إلى الطفيرة وهي محبس الماء كالصهريج وإبار النخل وهو تذكيرها ، وهذا الأشياء يجوز اشتراطها عليه ، وإن لم يشترطها ، لم
[7/307]
***(1/303)
[7/308]
تلزم العامل ، وكانت على رب الحائط ، إلا الجذاذ والتذكير وسرو الشرب ، فذلك على العامل وإن لم يشترط .
فيمن ساقي حائطا سقاء مختلفا
أو حائطين رجلا أو رجلين
ومن ساقى رجلا أو قارضه
على أن يعمل له في مال آخر
من العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن ساقي حائطه سنة على النصف ، وسنة على الثلث ، في عقد ، لم يجز ، فإن عمل سنة ، فله فيها مساقاة مثله ، وله أن يعمل السنة الباقية ، وإن ساقى حائطا على أن يكفيه مؤنة حائطا آخر ، فلا يجوز ، فإن فات وعمل ، فله في هذا المساقاة مثله ، وفيما شرط كفايته أجر مثله .
قال في كتاب محمد : وهو أجير في الحائطين ، وإن قارضه / بمائة ، على أن يعمل له مائة أخرى ببلد كذا ، فهو في المالين أجير ـ يريد إذا مات ـ بخلاف المساقاة ، فإن جاء ربح ، فأراد رب المال تركه له ، فإن كان بعد علمه ، أنه أكثر من الإجارة ، التي تجب له ، فهو جائز ، وأما أن يخاطر ، فلا .
ابن القاسم : ولا بأس أن يساقيه حائطين على النصف جميعا ، وإن لم يستويا فلا خير فيه ، إذا كان لا يأخذ أحدهما إلا لمكان الآخر .
ومن كتاب محمد : ومن له حائطان في موضعين ، مرغوب في أحدهما ، فساقاهما من رجل أو من رجال ، على سقاء مختلف ، قال مالك : فلا يجوز أن يكون إلا على سقاء واحد ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين ساقى خيبر وفيها أصناف كثيرة ، قال : ويجوز إن كان أحدهما نخلا وفي الآخر أصناف الشجر ، ما لم يكن
[7/308]
***(1/304)
[7/309]
شيء من ذلك طاب ، إلا أن يكون ما طاب يسيرا . قال : ومن ساقي في ثلاث حوائط له مختلفة ، على أجزاء مختلفة ، في عقد واحد ، لم يجز ذلك ، فإن عمل رد إلى مساقاة مثله ، وإن كان في عقود مفترقة ، فهو جائز ، ويجوز أن كان بعضها بعلا ، وبعضها غير بعل في سقاء واحد ، وإن ساقى حائطه أربع سنين في عقد واحد ؛ سنتين على النصف ، وسنتين على الربع ، لم يجز ، فإن فات ومضى بعضها أو كلها ، فله مساقاة مثله فيما مضى وفيما بقي ، ولا يفسخ ما بقي منها .
في الرجوع في المساقاة ، والمساقي يساقي غيره
أو يساقى رب الحائط أو يقبله
أو يعجز عن العمل ، وأحد العاملين يساقي الآخر .
وفي الحائط يباع وقد سوقي
من كتاب محمد : وإذا انعقدت المساقاة فليس لأحدهما رجوع ، وإن لم يعمل ، كالإجارة ، بخلاف القراض ، وإذا عجز ، فليؤاجر غيره أو يساقي غيره ، إلا أن يسترجع رب الحائط حائطه بغير شيءء يعطي أحدهما الآخر ويتفقان على ذلك ، ولا يعطيه شيئا من غير الثمرة ، ولا خبر في أن يقويه رب الحائط بعد أن عمل وعجز ليثبت فيه ، ولا يقول : خذ ما أنفقت وأخرج ، وإن رضيا . قال ابن القاسم : وإن لم يجد قوة ، ولا من يساقيه ، رد النخل إلى ربها ، ولا شيء له مما أنفق . ورواه ابن وهب ، وابن عبد الحكم ، عن مالك . وإن أخذ على النصف ، ودفعه إلى غيره على الثلثين ، وربه عالم بذلك ، فربه أولى بنصف الثمرة ، ويرجع الثاني على الأول بفضل ما بقي ، وكذلك في العتبية ، عن مالك ، ولا بأس أن يدفعه مساقاة إلى رب الحائط بأقل مما أخذ ما لم تطب الثمرة . محمد : وما لم يضمن ذلك الجزء من الثمرة ، ولا يجوز بمكيلة مسماة ، ولا بثمر نخلة معروفة ، ولا بشيء غير الثمرة ، ولا بأكثر مما أخذ فيصير العامل يحتاج ـ يريد من ثمر حائط
[7/309]
[7/310]
آخر ـ قال عنه أصبغ : وإذا قال رب الحائط للعامل : اخرج من المساقاة على أن لك ربع الثمرة إذا طابت . فذلك جائز ، وإذا قال رب الحائط بعد أن عمل وأنفق : أنا أعطيك عينا أو عرضا ، على أن نخرج . لم يجز ، وإن أعطاه من الثمرة بعينها شيئا قبل أن تطيب ؛ فإن كان جزءا شائعا ، جاز ، ولا يجوز كيلا منهما . قال ابن ميسر ، وابن ابن القاسم ، عن مالك ، إن لم يعملا ، جاز أن يعطيه شيئا منها ، وإن عمل ، لم يجز ، ولا يجوز أن يعطي العامل لرب الحائط على أن يخرج ، قال مالك / : إذا عجز ، فليؤاخذ عليه ، ولا بأس أن يساقي غيره إن لم تطب الثمرة ، وإن طابت ، فليبع مصابته منهما ، وإن أخذ رجلان حائطا مساقاة ، فسلم أحدهما حصته منها لصاحبه بحرية من الثمرة ، فجائز ، وكذلك لو كان ملكا لهما . وقال ابن القاسم ، في العتبية ، من رواية أصبغ : قال محمد : ما لم يضمن له الجزاء الذي شرط له ، ولا يجوز بجزء من حائط . قال ابن القاسم : وإذا أخذ حائطين مساقاة ، أو كان الأصل لهما ، فأراد أحدهما أن يخرج الآخر على [جزء مسمى]من ثمر أحد الحائطين ، لم يجز ، وكذلك في العتبية قال : وكذلك من ساقي حائطين ، فلا يخرج العامل بجزء من أحدهما ، مثل ما روى . قال محمد : ولو كان بجزء مسمى من الحائطين ، لجاز ، ولو بدا صلاح الثمرة ، لم يجز بشيء من الثمر ولا بطعام ، ولا يصلح إلا بالعين ، قال أشهب ، وابن وهب ، عن مالك : وإن أخذ ثلاثة حوائط مساقاة ، ثم أخرج أحدهما من حائطين بالسقاء بعينه ، ومن الثالث بربح عشر ثمرته ، ولم يجز ذلك ، محمد ولو شرط ذلك على الثلاثة حوائط بسواء جاز ذلك . ومن ساقى رجلا سنة ، فساقى العامل غيره سنين ، فلربه إخراجه أمره بقلعه ، وجاز أعطاه قيمته منقوضا ، فله أن يرجع على الأول بتمام قيمته قائما ، وإن كلفه قلعه ، رجع هذا على الأول بتمام قيمته صحيحا ، إذ لم يعلمه أنه
[7/310]
***(1/305)
[7/311]
في يده سنة واحدة ، وإن علمه لم يتبعه بشيء . ومن العتبية ، من سماع ابن القاسم ، وعن المساقي يساقي غيره ، قال : تختلف أمانة الناس ، فإن ساقى أمينا فجائز . وليس له ذلك في القراض / بحال ، إلا بإذن رب المال .
وإذا عجز العامل بعد أن عمل في الحائط شهرا ، فلا يجوز أن يعطيه رب الحائط دنانير على أن يقيم ، ولا أن يعطيه مثل ما أنفق على أن يخرج منه ، ولكن له أن يساقى غيره على النصف . كما أخذ ، أو على الثلث فذلك له . قال أشهب ، عن مالك : وإذا باع الحائط ربه ، لم يصلح أن يخرج العامل بشيء يعطيه المبتاع ، كما لا يصلح من بايعه ، فإما أقام أو خرج بغير شيء قبل : سوقي على النصف ، فهل يخرج منه على أن يعطي سدس الثمرة عند الجذاذ ؟ قال : فهو مثل بائع الثمرة قبل البيع . قال أشهب : وتفسير مكروهه إذا عمل شهرا ثم أخرج بالسدس ، فكأنه أجره بالسدس على ما عمل في الشهر وذكر المساقاة دلسة ، فأما إن لم يعمل في الحائط حتى أخرج منه السدس ، فهو جائز في قول من يقول : إن السقاء يلزم بالعقد ، ولا رجوع فيه لأحدهما ، وإن لم يعمل الصلح .
قال أصبغ : قال ابن القاسم : إذا ساقاه على النصف ، فلا بأس أن يخرجه بربع الثمرة ، عمل أو لم يعمل ، وهي مساقاة منه مؤتنفة . وإذا أخذ رجلان حائطا على النصف ، أو كان ملكا لهما ، فجائز أن يخرج أحدهما ، ويسلم الثمرة على أن يعطيه جزءا من الثمرة ، فأما بمال أو عرض أو غيره ، فلا يجوز . ومن كتاب محمد ، قال مالك ، في الحائط يباع بعد أن سوقي ، أن البيع جائز . قاله ابن القاسم ، وهو مثل الكراء ، قال محمد : إن أبرت الثمرة أو طابت ، فالبيع جائز عمل المبتاع أو لم يعمل ، وإن لم تؤبر ، لم يجز البيع ، علم المبتاع بالسقي أو لم يعلم ، شاء أو أبى .
وقال في المشتري يخرج العامل بشيء يعطيه / من غير الثمرة ، فلا يجوز ، وأما بجزء منهما ، أو بغير شيء ، فجائز . وفي باب بعد هذا الحكم يه إذا فعل .
[7/311]
***(1/306)
[7/312]
القول في عقود المساقاة
وما يكون منه من مكروههه مساقاة
أو إجارة المثل ومن أجر
على سقي نخل بثمر معلوم
من العتبية من سماع أشهب ، عن مالك : ومن قال لرجل : تعال أسقي أنا وأنت حائطي ، ولك نصف الثمرة ، فلا يصلح ذلك ، وإنما المساقاة أن يسلم الحائط إلى العامل ، ولو دفعه إليه ، فقال : اسقه ولك الثمرة كلها . فلا بأس بذلك ، إلا أن يكون سقى رب الحائط قبل ذلك بأشهر .
ومن سقى حائطه شهرين ، ثم ساقاه على النصف ، فإن كان بيعه بما سقى ، فلا يصلح ، وإن ألغاه ، فلا بأس بذلك . وكذلك في كتاب محمد . ومن سماع ابن القاسم : ومن أخذ نخلا من رجل ، على أن يأبرها ويسقيها ويصلحها ، على أن له من كل نخلة عرجونا قبولا ، فلا خير فيه ، وليس يشترط عليه جزءا في كل نخلة أو إجارة . ملزمة أو أمرا باقية .
ومن كتاب محمد : وإن ساقاه حائطا ، على أن يعمل خمسة أشهر على النصف ، ثم يرده ويعمل فيه ربه بقية السنة على الثلث ، لم يجز ؛ لأنه إنما عمل له الخمسة الأشهر بسدس الثمرة ، فهذه إجارة بثمرة لم تطب ، وإنما المساقاة إلى الجذاذ .
ومن الواضحة قال : ومن المساقاة المكروهة ما يرد إلى مساقاة مثله ، ومنها ما يرد إلى إجارة مثله ، فمما إلى يرد إلى مساقاة مثله في العامل يشترط المعونة في حائط كبي بعبد أو دابة ، ويشترط عليه رب الحائط / خلف ذلك عليه في العبد أو الدابة ، فهو يفسخ ، ويرد إلى مساقاة مثله ، وإن ساقى حائطين ؛ أحدهما على النصف ، والآخر على الثلث في عقد ، فليرد منها إلى مساقاة مثله ، ولو ساقاه
[7/312]
***(1/307)
[7/313]
حائطا على النصف ، على أن يكفيه مؤنة حائط له آخر في سقيه وعلاجه ، فهذا له على الحائط الذي على النصف مساقاة مثله ، وفي الآخر إجارة مثله ، وما أنفق . ولو ساقى حائطا على النصف ، وزرعا على الثلث في صفقة ، رد فيه إلى مساقاة مثله ، وذلك إذا عجز عن الزرع ربه يوم ساقاه ، وإلا رد في الزرع إلى إجارة مثله وإذا ساقاه حائطا فيه ، تبع له ، أو زرعا فيه شجر تبع لبه ؛ الزرع على الثلث ، والشجر على النصف ، أو الحائط على الثلث ، والزرع على النصف ، فليرد في كل واحد منها إلى مساقاة مثله ولو ساقاه حائطا فيه بياض ، على أن البذر من عند رب الحائط ، والزرع كله له ، وعمله على الساقي ، فإنه يرد الحائط إلى مساقاة مثله ، ولو في بياض الحائط أجره . وكذلك إن ساقاه الحائط على أن بذر البياض منهما ، كان له في الحائط مساقاة مثله ، والزرع بينهما نصفان ، ولو كان على أن يزرع العامل البياض من عنده ، والثمر والزرع بينهما ، وشرط على رب البياض أن يحرثه ، فليرد إلى مساقاة مثله ، ولو شرط أن يعمله العامل ، والبذر من عنده ، والزرع لرب الحائط ، فهذا له مساقاة مثله ، والزرع له ، وعليه كراء البياض لربه ، أو يساقيه الحائط على أن جذ البياض من عند ربه ، وعمله / على العامل أن الزرع بينهما ، أو للعامل خاصة ، أو لرب الحائط ، فهذه الوجوه يكون مساقاة مثله في النلخه ، وله أجر مثله في الزرع ، والزرع كله لرب الحائط ، وإن ساقاه حائطا فيه بياض أكثر من الثلث على أن ألقاه للعامل ، فليرد في النخل إلى مساقاة مثله ، وعليه كراء الأرض ، وكذلك لو شرط أن يزرعه الداخل من عنده ، ثم هو بينهما . فله مساقاة مثله في النخل ، والزرع كله للعامل كراء الأرض إن ساقاه حائطا على أن ثمره البرني بينهما ، وباقية لرب النخل ، فهذا له في البرني مساقاة مثله ، وهو في الباقي أجير . ولو قال : على أن البرني بيننا ، وباقي الثمرة للعامل . كان له في ذلك كله إجارة مثله ، والثمرة كلها لرب الحائط . وإن ساقاه زرعا عجز عنه وفي شجرات على أن ثمرها للعامل وحده ، فهذا أجير في الجميع ، والثمرة والزرع لربه ،
[7/313]
***(1/308)
[7/314]
وأن ساقاه حائطا وبياضا هو تبع له خمسين سنين ؛ على أن البياض أول سنة يزرعه لنفسه ، ثم يرده فيزرعه ربه لنفسه ، فلا يجوز ذلك ، فإن وقع قيل : كم تسوى مساقاته في العام الأول على أن البياض للعامل وحده ؟ فما قيل كان له ، ثم يقال : كم تسوى مساقاته بغير بياض خمس سنين ؟ .
فإن قيل : النصف . كان للعامل في الأربع سنين الباقية النصف ، وهذا إن تراخى النظر في ذلك حتى انقضت ، فإن غره في ذلك في بعضها ، فسخ ما بقي منها . وكذلك إن ساقاه حائطين على النصف سنين ، على أن يرد أحدهما في السنة الثانية / ، ويعمل في الآخر وحده ، لم يجز ، ويكون في الحائطين في أول سنة على مساقاة مثله فيهما ، على أنه سنة واحدة ، فإن قيل : النصف . كان له فيهما النصف في أول عام فيهما ، وفي الحائط الذي لم يرده في السنة الثانية على مساقاة مثله ، على أن بيده سنين ، فإن قيل : الثلث كان له الثلث في السنة الثانية ، فأما ما يرد فيه إلى إجارة مثله ، فمثل أن يشترط أحدهما مكيلة من الثمر ، أو يشترط العامل نفقة الرقيف أو الدواب ، أو نفقة نفسه على رب الحائط ، أو من غرسه ، أو يشترط عليه دواب ليسوا فيه ، أو يشترط على العامل خلف الدواب أو الرفيق ، أو يشترط العامل على رب الحائط خلف الدواب والرقيق يدخلهم العامل فيه ، أو يساقيه زيتونا على أن على رب الحائط عصره ، أو ثمرا على أن عليه جذاذه ، أو زرعا على أن عليه حصاد ، ولذلك كله مؤنة ، أو يشترط في النخل السواقط والجريد والليف لأحدهما ، ولذلك قدر وقيمة أو التبن في الزعر لأحدهما ولذلك قدر أو على أن على العامل أن يبني في الحائط ، أو يزرب ماله بال ، أو يجري مجرى ما فيه مؤنة ، أو يحفر بئرا ، أو يساقي نخلا ، أوهن بعضه أو شجرا ، أو نخلا ، لم يبلغ ساقاه إياه خمسين سنين ، وهو يبلغ إلى سنتين ، وعليه قبل أن يبلغ علاج ومؤنة فهذا كله يرد إلى إجارة مثله ، وقال : ولا يساقي الزع . قبل أن يطلع من الأرض ، عجز عنه ربه أو لم يعجز عنه ، فإن وقع ، فللعامل أجر مثله ، والزرع لربه ، وكذلك إن طلع ولم يعجز عنه ربه ، وساقاه ولأن إجارته إن عجز عنه ربه ليس بالقوي ،
[7/314]
***(1/309)
[7/315]
فكيف إن لم يعجز عنه ، وكل ما ذكرت من أول الباب ، فقول / من لقيت من أصحاب مالك . قال مالك : ولا بأس أن يشارك العامل رب الحائط بغير جعل .
قال ابن حبيب : وإن تشاركا بجعل دفعه العامل إلى رب الحائط ، فعثر عليه قبل الجزء ، رد الجعل ، ورجع العامل إلى مساقاته ، وغرم لرب الحائط أجر ما عمل بعد رده إليه ، وكذلك إن عثر عليه بعد الجزاء ، فللعامل نصف التمرة ، ويودي قيمة العمل ، وأخذ ما كان أدى .
في الجائحة في المساقاة
وفي البئر تهور
من كتاب محمد ، قال أشهب ، عن مالك : ولا جائحة في المساقاة ، ولا للعامل أن يخرج ، ولا يفسخ السقاء ، وهما شريكان في النماء والنقص . وروي عنه ، إن أجيح الثلث ، فهما مخيران ، يسقي الحائط كله أو يخرج . محمد : ثم لا شيء له من علاجه ونفقته ، وهذا إن كانت الجائحة شائعة في الحائط لا يقدر على سقي ما سلم منه ، وأما إن أجيح ناحية منه ، فعليه سقي ما سلم منه ، إلا أن يكون ما سلم منه يسيرا جدا ؛ الثلث فأقل .
قال مالك : وإذا غار ماء العين في المساقاة ، فللعامل أن ينفق فيها إلى مبلغ حصة ربها من الثمرة في تمامه ذلك ، وتكون الثمرة تترك له ، فإن أبى ، قيل لرب الحائط : أنفق ، فإن أبى ، فللعامل تسليمه لربه ، ولا شيء له من نفقته ولا كراء . وهذا مذكور في كتاب كراء الأرض .
ومن العتبية ، من سماع ابن القاسم نحوهن وفي باب : البئر تهور ، في الكراء والمساقاة تمام هذا المعنى مستوعبا في كتاب الأكرية ، وقال فيه : إن كان ذلك قبل أن يعمل ، فلا شيء على رب الحائط ، وإن كان / بعد أن عمل ، كلف رب
[7/315]
***(1/310)
[7/316]
الحائط النفقة مقدار ما يقع له من الثمرة ، وإن لم يكن له شيء قيل للعامل : أنفق مثله إن شئت ، ويكون نصيبه من الثمرة بيدك رهنا .
التداعي في المساقاة
من العتبية ، ابن القاسم ، عن مالك ، سوقي سنة أو سنتين ، قبله ، فلما قرغ ، قال رب الحائط : لم ترفع ثمره . قال : إن كان جذ ، فلا شيء له . وكذلك في كتاب محمد ، قال : ويحلف العامل ، كان بقرب الجذاذ أو بعده ، وذلك أن جذ بعضها رطبا والباقي ثمرا ، فقال : قبل جذ الثمر لم تدفع إلي من طلب شيئا ، ولا من ثمنه ، فالمساقي مصدق في الرطب .
في المساقي ثلاث جرثات ، فيحرث أقل
من العتبية ، قال سحنون ، فيمن أعطى كرمه أو زيتونه مساقاة على أن يساقي ويقطع ويجني ، على أن يحرثه ثلاث حرثات ، فعمل ما شرط عليه ، إلا أنه ما حرث إلا حرثتين ، قال : ينظر جميع العمل المشترط عليه ؛ من سقاء ، وحرث ، وجني ، فينظر ما عمل وما ترك هو منه ، فإن كان ما ترك يكون الثلث ، حطه من النصف الذي له ثلثه إن ساقاه على النصف ، وإن كان على الثلث ، ساقاه ، أو على الربع ، حط من حصته الثلث أو الربع ، على ما ذكرناه من تفسير ذلك .
في تفليس المساقي
من كتاب ابن سحنون ، عن أبيه : ومن ساقى حائطه ، ثم فلس ، فإن كانت المساقاة سنة وشبهها ، جاز بيع الحائط ، ويكون المساقي على سقائه ، وإن كان سقاه خمس سنين ، أو أقل أو أكثر ، إذا كان / أجلا بعيدا ، فلا يجوز بيعه لبعد الأجل فيه ، كما لا يبيع حائطه على أن يقبض إلى سنتين أو ثلاث .
[7/316]
***(1/311)
[7/317]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الشركة
في الشركة بنوعين مختلفين من عين أو طعام
من كتاب ابن حبيب ، قال : والسنة في الشركة التساوي في المال . ومن كتاب ابن المواز ، قال مالك : وإذا أخرج هذا مائة هاشمية ، وهذا مائة دمشقية هي دونها في عيونها ، فإن كان بينهما فضل كثير ، لم يعجبني ، وإن قال ذلك فالشركة جائزة ، وإن غلت الهاشمية عند التفرق ، لم يضر ذلك ، وليقتسما ما بأيديهما بالتسوية من عر أو غيره ، وإن كانت إحداهما [وازنة و]وفي الأخرى حبتين ، لم تصلح الشركة .
محمد ، ومن العتبية ، ابن القاسم ، عن مالك : وإذا اشتركا بذهبين مختلفين في الوزن ، وفي نفاق الصرف ، فليقسما الصرف بقدر وزنيهما على النفاق بعد أن يأخذ كل واحد منهما مثل رأس ماله وزنا وعينا .
وفي كتاب محمد : وإن أخرج هذا دنانير ، وهذا دراهم في وزنهما وقيمتها ، فروى ابن القاسم ، عن مالك ، إجازتهما . وروى هو أيضا ، وابن وهب عنه ، كراهيته ، وبذلك أخذ محمد ، وإجازته غلط . وما علمت من يجيزه . ومن كتاب آخر ، روى عن سحنون أنه أجازه وأجاز الشركة بالطعامين المختلفين .
[7/317]
***(1/312)
[7/318]
ومن العتبية ، قال عيسى ، عن ابن القاسم ، وإذا أخرج هذا دنانير ، وهذا دراهم ، وعملا فربحا ، فليأخذ كل واحد مثل رأس ماله ، ويقتسما الربح ، فإن ربحا مثل نصف المال / ، أخذ هذا مثل نصف دنانيره ، وهذا مثل نصف دراهمه ، وكذلك إن ربحا ثلثا فثلث ، وإن ربعا فربع . وكذلك في الواضحة .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : وأما الشركة بالعرضين من عمل الناس ، فأرجو ألا بأس به ، يبيع هذا نصف متاعه بنصف متاع الآخر ، وإن لم يلفظ بالبيع ، فهو بيع ، ولا تجوز الشركة بقمح وشعير وإن تبايعاه ، فإن خلطاه ثم باعاه ، فرأس مال كل واحد قيمة طعامه . قال ابن حبيب : يوم خلطاه . قال محمد : وإذا خلطاه ، فليقسما الثمن والربح نصفين ، ولا يجوز الفضل بينهما إذا تساويا في الكيل ، وأجاز ابن القاسم الشركة بما ليس بصفة واحدة ، وكذلك سائر الطعام إذا اتفقت الصفة . وكره ذلك مالك ، وإنما كرهه عندنا لخلط الجيد الدنيء ، وإذا لم يخلطا ، لم تجز الشركة ؛ لأنه ليس بيع تقايض .
وفي الواضحة : وتجوز الشركة بالعرضين من صنف واحد أو مختلفين ، إذا تساوت القيمة ، ولا تجوز بالطعامين المختلفين في الصنف حتى يكونا متفقين في الصنف ، ولا تجوز الشركة بالذهبين المختلفين ، ولا بالذهبب والورق . قاله كله مالك : وإذا وقعت الشركة بالطعامين المختلفين ، فلكل واحد ثمن طعامه ، والفضل بينهما بقدر ذلك ، وكذلك إذا وقعت فاسدة بالعرضين .
في الشركة بالمالين المتفاضلين
وفي غيبة أحد المالين
وكيف إن كان أحدهما
لا مال له والمال لا يبين معه ؟
ومن كتاب محمد / : ولا تجوز الشركة على تفاضل المال بتساوي العمل ، فإن كان العمل بقد كل مال ، جاز ، وإن أخرج هذا مائة ، وهذا مائتين ، على أن
[7/318]
***(1/313)
[7/319]
الربح بينهما على الثلث والثلثين ، وكذلك يبيعها البائع ، فالمال إن عرف شركتها كيف هي ؟ وإلا أتبعهما بالنصف ، فإذا فسدت الشركة باشتراط الربح نصفين ، قسم الربح على الثلث والثلثين ، ورجع القليل المال على الآخر بفضل عمله . قال مالك في الشريكين بمائة ومائتين ، والربح بينهما نصفين : إن جعل صاحب المائتين عبدين يعملان مع صاحب المائة ، فلا أجر لصاحب المائة والربح بقدر المالين .
قال ابن القاسم : لا يعجبني . وقد قال مالك قبل ذلك : له أجر مثله ، وهو أحب إلي . محمد : قول مالك أحب إلي ؛ لأن عمل العبدين في المائتين ، وعمل الآخر في المائة . محمد فاعتدل ذلك قال مالك : وإن أخرج هذا مائتين ، والآخر مائة ، وما من غائبة ، ثم خرج هذا بالمال في طلب المائة ، فلم يجدها ، وعمل بالربح على الثلث والثلثين . ابن القاسم : ولا أجر له ؛ لأنه متطوع ، والشركة صحيحة ، قال محمد : إن تبين أنه خدعه ، فله ربح مائة ، وإن لم يخدعه ، فله النصف ، ولا أجر له في كل حال .
قال سحنون : الشركة فاسدة ؛ لغيبة المال ، وله أجر مثله في الزيادة ، وليس بمتطوع . محمد : قال مالك : إذا فسد الشركة بتفاضل العمل ، فخسر المال ، فليس له فضل على صاحبه أجر فضل عمله .
ومن كتاب محمد : وإذا اشترط ثلاثة ؛ لأحدهم عشرة ، وللآخر خمسة ، والثالث لا مال ، على أن الربح بينهم أثلاثا ، فربحوا أو خسروا ، فهذا فاسد / ، والربح والوضيعة لصاحبي المال ، وعليهما على الثلث والثلثين ، والذي لا مال له يأخذ أجر عمله على المالين ، وللقليل العمل أجرة عمله في الخمسة الفاضلة ؛ ويقسم ذلك عليهم كلهم في الخمسة عشر تسعة دراهم سواء ، فتفرد من الوسط ، وتقسم على صاحب المال على الثلث والثلثين كسائر الفضل ، فيقوم عليهما الذي لا مال له بعمله ، فيأخذ ثلاثة دراهم ؛ درهمين من صاحب العشرة ودرهما من
[7/319]
***(1/314)
[7/320]
صاحب الخمسة ، ويبقى من أجر العمل درهم بيد صاحب العشرة ، واثنان بيد صاحب الخمسة ، فيقول صاحب الخمسة لصاحب العشرة : علمنا في الخمسة الفاضلة أنا وأنت ، والثالث على ثلث ما يصير لنا ، وذلك درهم ، فادفعه إلي .
فيأخذه منه فيصير بيده ثلاثة ، وبيد صاحب العشرة ثلاثة ، وبيد صاحبهم الذي لا مال له ثلاثة .
ما يكره من عقود الشركة
وما يقارن الشركة من شرط
والشركة فيما لم يقبض من طعام
أو عرض أو بعدما نقص أو تلف
بسلف أو غير سلف ، أو بيع ، أو إجارة ،
وفي الشركة بالذمم وبالدين
من كتاب ابن المواز : وإذا اشتركا بالتساوي على أن يكون المال بيد أحدهما ، ويلي البيع والشراء لم يجز ، وإن وليا ذلك جميعا إلا أن أحدهما يكون ذلك بيده ، فذلك جائز ، ولا يجوز أن يخرج كل واحد منهما عشرة ، ولأحدهما دابة ، والآخر يعمل له في جميع المال ، وكذلك لو عملا جميعا ، وإن أخرج أحدهما / المال ، وشترط على أن الربح بينهما ، لم يجز ، فإن عملا فالربح لرب المال ، وللآخر أجرته . قال مالك : فإن أسلفه نصف المال ، فإن كان طلب رفقه وصلته لا لحاجته إليه ولا لقوة نظره ، فجايز ، ثم روى ابن القاسم ، أنه رجع فكرهه . وبالأول أخذ ابن القاسم ، وفي العتبية من سماع ابن القاسم ، أحد القولين ، وأن ابن القاسم أخذ الأول ، وأجازه إن كان لغير حاجة إليه لبصره ، وكان رفقا به .
قال في الواضحة : ولم يكن فيه شرط ولا مرفق ولا خدمة ولا كفاية ، إلا رفقا بصاحبه لقرابة أو حرمة ، أو طلبا لثواب الله ، فأما على غير ذلك ، فلا يجوز .
[7/320]
***(1/315)
[7/321]
وقال مطرف ، عن مالك . وفي العتبية من رواية ابن القاسم ، عن مالك مثله .
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك : وإن اشتركا بمالين مفترقين ثم أخرج أحدهما مائة أسلف الآخر نصفها ، ويعملان فيها ، فذلك جائز إن صح ذلك ، وإن أخرج هذا مائة ، وهذا خمسين ، وأسلفه الآخر خمسين ، فإن كان لغير شرط في الشركة ، ولا لحاجة إليه في بصره وعمله ونفاذه ، وإنما كان رفقا به ، فجائز .
وكذلك في العتبية ، من رواية ابن القاسم ، عن مالك ومن استدخل عبدا في يده ، على ألا نقصان عليه بوضع ، فلا شيء على العبد ، وله أجر مثله فيما عمل له ، وكره مالك إن شرك جزارا في غنم ؛ ليكفيه جزرها ومؤنتها . ومن العتبية روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن ابتاع سلعة ، فقال له رجل : أشركني في هذا ، وأنا أنقد عنك . لم يجز ، وهو يبع وسلف ، ولو قال المشتري لرجل : تعال أشركك فيها ، وأنقد عنك ، وأؤخرك ، فإن كانت سلعة بعينها حاضرة ، فجائز ، وأما المضمونة ، فلا يجوز ؛ لأنه الدين بالدين
وروى أشهب ، عن مالك ، فيمن له جاز محتاج أراد إرفاقه ، ولا حاجة إليه به ، فقال له : اخرج معي أشتري طعاما بمائة دينار ، ولك ثلث الربح . فقال : ما أعرف هذا ، ولكن لو اشترى وعرف الربح ، ثم قال له ذلك ، فلا بأس به .
قال سحنون : في غير رواية يحيى بن عبد العزيز ، فيمن معه مال فأسلف ، لرجل نصفه وشاركه بالنصف ، فعمل المتسلف المال وسافر به ، ورب المال مقيم ، فإن أراد يدفعه وطلبه ، فذلك جائز إن لم يشترط عليه أن يسافر هو بالمال ، وإن كان على غير ذلك ، لم يجزه ، ويكون العامل أجيرا ، والربح والوضيعة لرب المال ، وعليه قيل : فرب المال يدعي أنه أسلفه لينتفع به لا لصلة : قال : ينظر
[7/321]
***(1/316)
[7/322]
السلطان في ذلك ، فإن كان مثله لقلة بصره بالتجارة ، لم يكن ليسلفه لينتفع به ، وإلا فالعامل أجير والفضل لرب المال .
وروى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، قال لرجل : اذهب واشتر من فلان بقرة عنده ، وأشركني فيها ، وانقد عني . فلا بأس بذلك . وعمن قدم من بلد بمتاع ، فأعطى فيه ثمنا ، فقال الرجل : أنا آخذه بما أعطيت / وأنت فيه شريكي قال : هذا حرام .
ومن أسلم في عرض أو طعام ، فسأله رجل أن يسلفه ويشركه فيه ، وينقد عنه ، وذلك قبل عقد البيع ، فذلك جائز ؛ لأن السلف منه قبل البيع ، ولم يجز بذلك نفعا ، ولو سأله بعد عقد البيع أن يشركه ويؤخره بالثمن ، لم يجز ، ولو أجابه إلى الشركة من غير أن يشترط شيء ، ثم عسره الثمن ، فسأل المشترك أن ينقد عنه ، فذلك جائز .
ومن كتاب ابن المواز ، قال مالك : ولا تجوز شركة وبيع وبيع سلعة خارجة من الشركة ، ويجوز أن يكون في الشركة . قال ابن القاسم ، ولا يجوز أن يشرك في طعام في ذمته حتى يجمع بين البائع وبين من أشركه أو ولاه ، وإلا لم يجز . قال : وإن جمع بينهما ، جاز ، وإن نقدك مكانه مثل الثمن لا أرفع ولا أدنى ، في وزن أو صنعة ، ولا اشتراط نفع من أحدهما ، وإن ابتعت طعاما بعينه بثمن مؤجل ، لم يجز فيه تولية ولا شريكة قبل قبضه ، وإن أشركته في غير الطعام مما في ذمة رجل نه ثم سأله بعد تمام الشركة أن ينقد عنك ، فذلك جائز . قال مالك إن كان على المعروف ، لا يجر به نفعا ولا معروفا ، وعهدته في صحته على البايع قال مالك ، في الشركةفي العرض أو غيره ، على أن ينقد عنه ، لم يجز ، ومن اشترى ورقا بذهب ، فقبض الورق ، فأشرك فيها رجلا قبل نقد الذهب ، ثم سأله أن ينقد عنه ، لم يجز ، ولا ينتقد إلا حصته ، بخلاف طعام أو عرض أشرك فيه بعد أن قبضه ، وعرض
[7/322]
***(1/317)
[7/323]
مضمون لم يصلح أن ينقد عنه وعن نفسه ، وإن أشركه بغير شرط ، وأما في عرض بعينه ، أو في طعام بعد قبضه ، فجائز ، وأما إن سأل رجلا أن يشتري ويشركه / فيما يشتري ، ثم سأله بعد الشراء أن ينتقد عنه ، فذلك جائز في الطعام والذهب والورق والعرض وكل شيء إذا لم يجر به نفعا وكانت شريكتهما قبل وجوب الشراء .
ومن قال لرجل : ابتع سلعة أشركني فيها ، وأخبرني بالثمن وأكفيك بيعها ، فجائز إن ضرب للبيع أجلا ، وليضرب لبيع السلعة ما يصلح لبيع مثلها ، فإن بلغه ولم يبع ، فقد قضى ما عليه ، وشراؤه تام ، وأما إن لم يكن الثمن حالا ، ولا ضرب له أجلا ، فالبيع جائز ، وكذلك في طعام اكتاله ، ولا يجوز إن لم يكتله إلا في غير الطعام ، فيجوز بعد الشراء ، فأما قبل إيجاب البيع ، فلا يجوز ؛ لأنه سلف نفع اشترطه ، فأما بعد البيع ، فبيع حادث . مالك وعن قوم اشتركوا رجلا عند الشراء ، على أن يبيع تلك السلعة ولا يقاسمهم ، فباع بعضها ، ثم طلب القسم ، فذلك له ، وعليه بيع حصتهم إلى الوقت الذي يرجى بيعه ، فإذا بلغه ، فليس عليه شيء باع أو لم يبع ، وهذه المسألة في العتبية ، رواية أشهب ، عن مالك ، قال في السؤال : اشتروا أولا ، ثم ذكر مثل ما ذكر محمد ، وأنكر هذا أبو بكر بن محمد ، وقال : ليست على الأصل ، وإنما أنكرها أبو بكر فيما أعلم لقوله : على أن لا يقاسمهم .
قال أصبغ : قال ابن القاسم : وإذا اشتركا على أخذ متاع بدين عليهما ، ولهما مال ، أو لا مال لهما ، فأما في سلعة بعينها ، فجائز في الوجهين ، وأما إن اشتركا على أن كل ما اشترى أحدهما بدين ، فذلك لازم للآخر ، ولا قال لهما ، فلا يعجبني .
قال أصبغ : فإن وقع نفد على سنة الشركة ، وضمناه جميعا ، وفسخت الشركة / من ذي قبل .
وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن قال لرجل : اجلس في هذا الحانوت تبيع فيه ، وأنا آخذ المبلغ بوجهي ، والضمان علي ، وعليك . فيفعلان ، فإن الربح
[7/323]
***(1/318)
[7/324]
بينهما على ما فعلا ، ويرجع من له فضل عمل بأجره . ولو قال : اجلس فيه فأنا آخذ لك متاعا تبيعه ، ولك نصف ما ربحت ، لم يصلح ، فإن ترك فللذي في الحانوت أجره مثله ، وللذي اجلسه الربح كله .
ومن مسائل سحنون ، وليست من رواية يحيى بن عبد العزيز : فإن اشتركا على أن يسير أحدهما بالمتاع إلى بلد كذا لا يتخلف في غيره ، قال : الشركة فاسدة ، فإن خرج أحدهما إلى تلك البلدة ، فربح في المال ، فالربح بينهما . ومن كتاب ابن المواز : ولا بأس أن يشتركا ، ويكون أحدهما في بلد يجهز على الآخر في بلد آخر ، قال أشهب : ولا بأس أن يخرجا مالا متساويا ، على أن يقعد هذا حداد ، وهذا عطار ، ولا يجوز أن يشتركا بالذمم بغير مال يشتريان بالدين ، فإن فعلا ، قال أصبغ : فما اشترى كل واحد منهما لزمهما كما عقدا لأنهما قد ضمناه ، وتفسخ الشركة من ذي قبل .
في الشركاء يخرج منهم اثنان بالمال فيقسمانه ،
وفي الغائب منهم يفلس ، هل يبيع المقيم ؟
أو يفقد أحدهما أو يترد ببلد الحرب
أو تطول غيبته فيقسم الحاضر
الشركة ، ثم يقدم
من كتاب ابن المواز ، وفي العتبية ، قال أصبغ : سألت عن ثلاثة اشتركوا بمائة مائة ، ثم سافر اثنان بجميع المال ، فتشاجرا / ، فاقتسما المال ، فلا ينتفع بذلك الحاضر إلا أن يكون نهاهما عن القسم ، قال : ويضم جميع المال فيكون ثلثه للغائب بربحه وخسارته إن لم ينههما . قال محمد : وكأنه رضي بالقسمة .
قال ابن القاسم : وتلزم القسمة الخارجين بينهما ، فيكون لهذا بقية خسارته ، ولهذا بقية ربحه .
[7/324]
***(1/319)
[7/325]
قال أصبغ : فإذا نهاهما عن القسمة ، لم تلزمه خسارة ، والوضيعة على المشتري لتعديه بالقسمة ، وأما الربح فيدخل فيه الغايب ، وقد اختلف كيف يقتسمانه ، فقيل : على الثلث والثلثين وقيل : نصفين ؛ لأن الشريك إن وجده معدما ، رجع على الآخر . قال يحيى بن عمر : الصواب ألا يقسم نصفين ؛ لأنه وإن ضمن ، فليس للضمان ربح ، وإن الضمان لضعيف .
ومن سماع أشهب ، وعن شريكين في ماله بعينه ، سافر أحدهما ففلس ، أيتبع الغرماء المقيم ؟ قال : ليس ذلك لهما ، إنما شاركه في مال بعينه .
ومن مسائل سحنون ، ليست من رواية يحيى بن عبد العزيز ، وعن الشريكين يضرب أحدهما إلى بلد ببعض المال ، والآخر إلى بلد آخر ببعضه ، فنعي أحدهما ، أنه إن عرف وتواتر ذلك ، فقال الحاضر : أشهدكم أني قد فسخت الشركة ؛ لأنه قد مات ، وضمنت نفسيب الحاضر . ثم جاء الشريك حيا ، قال : لا يتم فسخه إلا بفسخ السلطان ، ويضمن إن توى المال وشريكه مقدم عليه ، إن شاء ضمنه رأس المال ، وإن شاء دخل معه في كل ما تجر فيه ، كالمبضع يخالف ما أمر به ، ولو فسخها سلطان ، لم يضمن .
ولو انتظره الشريك سنتين أو ثلاثا ، فلما طال ذلك ، فسخ الشركة ، لم يكن فسخا .
من غير رواية يحيى بن عبد العزيز ، قال سحنون : وإذا / أجر أحدهما مسافرا ببعض المال ، فلحق بأرض الحرب وارتد ، هل يقبض المقيم مما بيده ما استهلك المرتد ؟ قال : لا ، إلا إنه يعلم أنه استهلك قبل ردته أو بعد ، فنقص كل ما استهلك له ، وأن لم يعلم استهلاكه ، وعلمت ردته ، فإن مال المرتد موقوف ، فإذا مات أخذ الشريك حقه .
[7/325]
***(1/320)
[7/326]
في أحد الشريكين يؤاجر نفسه
أو يأخذ قراضا ، وكيف أن مرض أحدهما
وعمل الآخر ؟
من كتاب ابن المواز ، ومن العتبية من سماع أصبغ ، عن ابن القاسم : ولو أن أحد الشريكين ـ قال في العتبية ـ المتفاوضين أجر نفسه ، أو عمل بمال قراض ، فلا يدخل في ذلك شريكه ، وقد تعدى بترك العمل ، قال ابن القاسم : وهو على ربحه في عمل الآخر ، ولا يرجع عليه الذي عمل بشيء من أجر عمله . قال أصبغ إذا حلف أنه لم يتطوع بالعمل ، له عليه نصف الأجرة بقدر ما باشر في حقه ، لا على عدة الشهور ، إذا كان عمله متقطعا في خلال ذلك .
قال أصبغ ، في العتبية ، يحلف على أحد الأمرين ، إما أنه ما عمل عنه إلا ليرجع عليه ، أو أني إنما عملت لنفسي على معنى القسمة إذا أشغلت عني قاله أشهب .
قال أصبغ ، عن أشهب : إن ما أخذ به نفسه ؛ قال في العتبية أو ما ربح في قراض أخذه ، فذلك له ، يدخل في الشركة بينهما ، كما لو سلف ما لا فعمل وربح فيه ، فربحه بينهما .
ابن القاسم ، في كتاب محمد في شريكين خرجا إلى الريف فابتاعا طعاما ، فقدم أحدهما الفسطاط ، فأخذ قراضا فربح فيه ، قال له ، وعليه / للذي بالريف أجر مثله ، فما ولي بالريف ، فله أجر مثله في حصته . ومن الواضحة قال : وإذا أخذ أحد الشريكين لنفسه مالا قراضا ، أو أجر نفسه في عمل أو حراسة ، أو وكالة ، أو تسلف مالا فاشترى به سلعة ، فربح فيها ، أو اشترى لنفسه
[7/326]
***(1/321)
[7/327]
شيئا ، فربح فيه ، فإن لم يكونا متفاوضين ، فابن القاسم يرى ذلك له أيضا ، ويجعل له نصف الفضل في شركته ، ولا يجعل عليه إجارة لشريكه لما يوجد من عمل الشركة . وكان أشهب يجعل ذلك كله بينهما ، ويجعل ضمان ما تلف بينهما ، والتفاوض هو تفويض أحدهما للآخر في كل ما يجدان به نفعا فيما اجتمعا فيه أو انفرد به أحدهما . وقاله أصبغ . وبه أقول .
ومن قول مالك : وإذا مرض أحد الشريكين ، أو غاب مثل اليوم واليومين ونحو ذلك ، وعمل الآخر ، فما علم بينهما إلا أن يطول المرض ، وتكثر الغيبة ، فله ألا يسوغه عمله إلا أن يشاء من غير شرط في أصل الشركة ، فذلك جائز وإن شح فذلك له خاصة في شركة عمل الأبدان ، وله في شركة الأموال نصف أجره على صاحبيه ؛ لأن الفضل إنما جره المال .
في نفقة الشريكين
من العتبية من سماع ابن القاسم ، وعن الشريكين أحدهما بمصر ، والآخر بالمدينة يجهز هذا على هذا ، وسعر البلدين مختلف بأضعاف ، قال : النفقة بينهما سواء مثل الربح والخسارة ، إلا أن يأتي من النفقة أمر يتفاحش يكون لهذا عيال كثير ، وهذا يطرف / نفسه مما لا يحمل ، فكأنه يقول : إن لم يتفاوت ذلك ، فهو بينهما . ابن حبيب من قول مالك : إن كل ما أنفق كل واحد على نفسه وعلى عياله يلغى ، كانا في بلد أو بلدين ، اتفق السعر أو اختلف ، إذا كان بينهما قريبا ، إلا أن يكون أحدهما عزبا ، وللآخر عيال كثير ، فليحسب كل واحد نفقته .
[7/327]
***(1/322)
[7/328]
في شركة المتفاوضين وذكر التداعي
في ذلك ودعواه أن بيده ودائع
من كتاب محمد : وما اشترى أحد المتفاوضين بالدين ، لزم شريكه ، وأما غير المتفاوضين ، فلا يلزم صاحبه إلا بأمره ، وما استدان أحداهما أو أسلف أو باع بدين ، لزم شريكه ، إذا أذن له بذلك ، وما اشترى أحدهما من طعام أو كسوة ، فذلك عليهما ، إلا كسوة لا تتبدل ، فلا يلزم ألا من اشتراها .
وكذلك ما يعلم أنه لنفسه أو لعياله مما لا يجب له في مال الشركة ، قال في كتاب محمد ، وفي العتبية ، من سماع ابن القاسم ، وفي رجلين اشتركا بمالين ؛ على أن قد باع منهما بدين ، ضمنه ؛ قال في العتبية أو ضمنه معه الآخر ، قال : أكره ذلك ؛ إذ لا يدري ما يعيب به صاحبه من الخلاف . قال سحنون لا بأس به ؛ لأن الشركة لا تكون إلا بالتفاوض من أحدهما للآخر . ومن كتاب محمد : وإذا اشتركا بماليهما ، تفاوضا على أن يشتريا به وبالدين ، ويبيعا به ، فلا خير فيه ، فإن فعلا فاشترى هذا بالدين بأكثر من رأس ماليهما ، وفعل الآخر مثله ، فذلك لازم / لهما ؛ لأنه على إذن منهما ، وإن لم يذكر البيع بالدين في أصل الشركة ، لم يجز لأحدهما البيع إلا بإذنه ، فإن باع بإذنه ، فلما حل آخره الآخر ، فإن كان نظرا واستئلافا جاز ، وكذلك لو حطه منه ، وأما ما كان على المعروف ، فإنما يلزمه في حصته ، وإذا اشترى أحدهما خادما يخدمه لنفسه ، وأشهد على ذلك ، لم ينفعه ، ويكون على ذلك بخلاف طعام نفسه ؛ لأن على ذلك تعاقدا . قال مالك : وإذا كان أحدهما يشتري الجارية للوطء ، فإذا باعها رد ثمنها في الشركة ، فلا يصلح ذلك ، وليتقاوما ما بأيدهما . قال محمد : إنما يتقاومان إذا أراد الوطء قبل أن يطأها ، فأما إذا وطئ ، فقد لزمته القيمة إن شاء شريكه ، ولم تحمل ، وإن
[7/328]
***(1/323)
[7/329]
حلمت ، فلا بد من التقويم ، وإذا مات أحدهما ، فأقام الحي بينة أن مائة كانت في يد الميت ولم توجد ، فإن قرب موته من أحدهما ، فهي في حصته ، وإن تباعد ، فلا شيء عليه . محمد : إن أشهد على نفسه بأخذ المائة شاهدين ، لم يبرأ منهما ، ألا بالبينة بردها وإن طال ، وما أقر به بغير تعمد وإشهاد ولا كتاب ، فكما قال في صدر المسألة .
وإن استعار أحدهما دابة لحمل طعام بينهما ، فأتى أجنبي فحمل عليها ذلك الطعام ، فالأجنبي ضامن ، بخلاف شريكه .
قال أشهب : لا يضمن الأجنبي ؛ لأنه فعل ما استعيرت له ، فإن ادعى أحد المتفاوضين أنه جعل في المال زيادة لنفسه ، لم يقبل منه ، وحلف صاحبه أنه لا شيء للمدعي ، وما ادعى إلا باطلا / ، ولا يحلف على العلم .
ومن العتبية ، روى أشهب ، عن مالك ، في الشريك المفوض غير المفوض ، يقول : جعلت في مال الشركة مالا عند المحاسبة أو قبل ذلك .
قال : يحلف شريكه ماله فيه شيء ولا جعل فيه شيئا .
ومن كتبا محمد وإن جحد أحدهما الشركة ، فأقام الآخر بينة على المفاوضة ، فض ما بيد المقر والمنكر بينهما إلا ما عرف أنه لأحدهما ، وما تلف بيد الجاحد ، ضمته صار كالغاصب . وروى عيسى عن ابن القاسم ، فيمن جاءه شريكه بدمياط بثياب ، فوجد في بعضها [أنه أخذها]أكثر من الثمن ، فاستخانه ، هل يحلفه أنه ليس بهذا الرشم الأدنى ؟ قال : نعم ، فإن نكل ، حلف الآخر أنها بهذا الرشم الأدنى .
[7/329]
***(1/324)
[7/330]
وروى يحيى ، في الشريك يقدم على شريكه ، فيجد بيده أموالا ، فيريد أن يديرها ، فقال شريكه : هي ودائع للناس ، أو كانت عروضا فقال : دفعت إلي لأبيعها . فقال له الآخر : سم أهلها . فأبى ، قال : إن سمى أهلها ، فادعوا ذلك ، فليحلفوا ، كمن استحق بشاهد ويمين ، فإن نكلوا ، أخذوا نصف المقر ، وأخذ الشريك نصيبه من ذلك المال ، سواء أقر بوديعة أو بمتاع يبيعه ، وإن لم يسم لمن ذلك ، أو وهب ، فذلك بين الشريكين على شركتهما ، وإن قال : هو إلي ورثته دونك ، أو وهب إلي . فإن أثبت معرفة الميراث أو العطية أو الهبة ، وإلا فهو بينهما . قال ابن حبيب : ومن قول مالك : إذا تفاوضا ، فما اشتركا فيه من المال ، فما ذكر أحدهما أنه ضاع من مال أو عرض ، أو أقر بدين ، فذلك لازم لصاحبه .
وجرى في باب ما يلزم من عقود / ما يكره من عقود الشركة ، من معاني هذا الباب .
ومن كتاب محمد : وإذا أفلس المتفاوضان ولأحدهما زوجة لها عليه مائتا دينار ، وعليهما للناس ألف دينار ، وجميع ما بأيديهما ألف دينار ومائتا دينار ، فإنما الحصاص في حصة المتزوج ، فله من المال ستمائة ، وعليه سبعمائة ؛ للمرأة سبعا ستمائة ، وذلك مائة واحدة وسبعون دينارا وثلاثة أسباع دينار ، وللغرماء أربعمائة وثمانية وعشرون دينارا ، وأربعة أسباع دينار ، ثم يرجع الغرماء على الشريك الآخر بما أخذت زوجة هذا من خمسمائة التي لهم ، وذلك خمسة أسباع المائة ، ويبقى للمرأة سبعا المائة .
ومن كتاب ابن سحنون ، مما كتب به إلى شجرة في رجل دفع عن أخيه وهو شريكه مفاوضة ضمان امرأته ، ولم يذكر أنه من مال أخيه حتى مات الدافع ، فقام في ذلك روثته ، وقالوا : هو من مال ولينا . فكتب إليه إن دفع ، وهما متفاوضان ، ثم أقام سنين كثيرة في مفاوضتهما لا يطلب أخاه في شيء من ذلك ، فهذا ضعيف ، فإن كان بحضرة ذلك ، فهذا بينهما شطرين ويحاسب به ، إلا أن يكون للباقي حجة .
[7/330]
***(1/325)
[7/331]
الشركة في عمل الأبدان والدواب
من كتاب محمد : ولا خير أن يشتركا على أن يعملا بأبدانهما ودوابهما من غير رأس مال ، إلا أن يشتركا في رقاب الدواب ، أو يبيع كل واحد منهما لصاحبه ذلك بعد علمهما بالدواب ، ويعتدلا ، أو يكري كل واحد منهما من الآخر نصف دابة ، لا يجوز / أن يأتي هذا بدابة ، والآخر برحا ، وهذا بيت ، ويكروا ذلك من رجل صفقة واحدة ، ولا أن يعملوا بأيديهم ولا تأخير لهم ، ولا يجمع رجلا سلعتيهما في البيع ، ولا مع أحدهما عبده مع كراء دار الآخر في صفقة ، وإن كانا لواحد ، جاز ، وإن أخرج هذا دابة ، وهذا رحا ، قوما كراء الدابة والرحا ، واشتركا على أن يعمل رب الدابة ، قال مالك : لا خير فيه ، ولا أن يعملا جميعا حتى يقوما كراء الدابة والرحا فيضمنان ذلك ، ويكون العمل فيهما ، وما أصاباه فيهما على ما قوما . قال محمد : لأنه لم يضمن لصاحبه ثمنا ولا كراء . وكذلك إن جاء ثالث بالبيت ، لم يجز ، فإن فات بالعمل ، فلهم ما أصابوه على قيمة كراء كل واحد منهما ، فإن بقي شيء أعطى كل واحد حر عمل غيره ، فإن بقي شيء قسموه بقدر ما حمل بيد كل واحد من تلك الإجارة ، وإن لم يجدوا شيئا غير النفقة ، ترادوا في فضل أكرية الدواب ، وإن ولي رجل الدابة العمل ، فله الكسب ، وعليه كراء البيت الرحا . وكذلك كل من تفرد منهم بالعمل ، ولو استأجر رب الدابة من صاحب البيت والرحا نصفها ، وأجر صاحب نصف الدابة ، وعملا على ذلك ، فجائز إن لم يتغابنا بشيء ، وإن كانت البيت براحا بينهما ، وأتى كل واحد بدابة ، وهذا يعمل بيديه ، فإن اعتدلا ، فجائز ، وأما إن لم يشتركا في الأصل الواحد ، فلا خير فيه ، ولا خير في شركه قصارين لأحدهما حانوت وللآخر مدقة وقصاري .
قال ابن القاسم : وإن استأجر هذا نصف الأداة ، والآخر نصف الحانوت ، فجائز ، ولا خير في أن يشترك نفر على حمل مائة أردب قمح / ، ولكل واحد دابة ،
[7/331]
***(1/326)
[7/332]
أو على نقل تراب ، ولو اشتركوا في الدواب وعملوا في موضع واحد ، فجائز ، وأما بأديهما من غير دواب فيجوز إذا كانا في موضع واحد يحتطبان ، وكذلك فيما يطلبان بصيد البحر . محمد : إذ ليس ثم غير أبدانهما ، ولا خير في شركتهما في الصيد في البزاة والكلاب وهما يصيدان في موضع واحد حتى يكون البازيان والكلبان بينهما ، والشركة في عمل الأيدي لا تجوز إن اختلفت الصنعة ، ولو أنفقت ، لم تجز إن كانا في حانوتين حتى يجتمعا في الأداة والصنعة ، وأن يكونا في موضع واحد . قال مالك : وتجوز شركة المعلمين في مكتب واحد ، وإن كان أحدهما أجود تعليما .
قال ابن القاسم : أو أعرب قراءة . وروي عن مالك أنه لا ينبغي حتى يستويا في علمهما ، فإن كان أحدهما أعلم ، لم يجز ، إلا أن يكون لا فضل له من المكسب لفضل علمه
ابن القاسم : وإذا غاب أحد شريكي الصنعة اليوم واليومين ، وعمل الآخر ، فذلك جائز ، والكسب بينهما . قال أصبغ : في العمل الخفيف ، وأما ماله مؤنة وطال ذلك فله من الوسط ، أجر عمله .
قال ابن القاسم : إذا طلبه ولو أحب أن يتبرع شريكه بذلك ، جاز ما لم يشترط في العقد أنه إن مرض أحدهما وتطاول مرضه ، أو غيبته ، أن عمل الباقي بينهما مفسد للشركة ، ويكون ما عمل المنفرد له ، إلا فيما خف . قال ابن القاسم ، وشريكا القصارة إن كانت أداتهما لها بال ، فلا ينبغي أن يخرج هذا بعضها وهذا بعضها حتى يشتركا في رقابها أو يكري من لا أداة له من الآخر نصف أداته ، وكذلك من أكرى من رجل نصف دابته ، وعملا جميعا ، فجائز . قال : وشركاء الصنعة ، كل واحد ضامن لما لزم صاحبه ضمانه .
[7/332]
***(1/327)
[7/333]
ومن العتبية ، قال أصبغ ، عن ابن القاسم ، في خراز ، وحداد في حانوت واحد ، اشتركا ، يعمل هذا مع هذا في خرازته ، وهذا مع هذا في حديده ، فإن أحسنا الصنعتين ، فجائز ، ولو استأجر كل واحد أجيرا ، واشتركا في الكسب ، فجائز إن عمل الأجيران عملا واحدا وإن كانا في حانوت ، وصنعتهما مختلفة ، لم يجز ، وإن اتفقت الصنعة ، والحانوتان مختلفان ، فلا بأس به . وهذا خلاف ما ذكر ابن المواز ، وذكر ابن حبيب مثل ما ذكر ابن المواز ، لا يجوز حتى تتفق الصنعتان ، ويكونا في حانوت واحد .
وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، في صيادين اجتمعوا على غدير بشباكهم ، وقالوا : نشترك ويضرب كل واحد منا بشبكته ضربة ، فما أصبنا فبيننا ، فأصاب واحد منهم صيدا ، فلم يعطهم ، فذلك له دونهم ، ولا تجوز هذه الشركة . وروى عنه حسن بن عاصم ، في نهر فيه أحجار الحيتان ، وقد أظلته الطرفاء وأصولها تحت الماء ، وقد يكون حسب موضع الصيد ويضيق عن جر الشباك ، وإن اجتمعت الشباك ، لم تسع ، وتنفر الحيتان ، فيقول أحدهم : دعني أرمي والذي أصبه بيننا .
أو يقول ذلك صاحب شبكة صغيرة يكون في فرش من عود يسعها عن الحجر ، وربما انقطعت شباكهم ، فيمنعون ويقولون : لا شركة . قال الشركة بينهم فيما أصابوا في المواضع الضيقة كما شرطوا ، ولولا ذلك لأفسد بعضهم على بعض ، وليس عليهم عمل / ما انقطع من الشباك . قال غير حسين ، في الصيادين يشتركون ويجعلون للشبكة حظا من الصيد ، فلا ينبغي ذلك ؛ لأنه أجرها بغرر لا يدري أيصيب أم لا يصيب ؛ ولو أجرها بحيتان موصوفة مضمونة ، صادوا أم لا ، وبغير ذلك ، لجاز .
[7/333]
***(1/328)
[7/334]
ومن الواضحة ، وتجوز شركة الحمالين إذا تعانوا على ما يحملون ، ويكونون مجتمعين غير مفترقين ، فأما أكرياء الدواب والجمال ، فإن كانت رقابها بينهم ، جاز ، وإن افترقوا في البلدان والمواضع . وإن كان لكل واحد دابة ، لم يجز أن يفترقا ، لكن على الاجتماع والتعاون . والمعلمان يشتركان ، لا يجوز أن يفترقا في موضعين . قال مطرف ، وابن الماجشون ، ولا بأس إن كان أحدهما سيلقيا والآخر نحويا أن يشتركا على الاعتدال في الجلوس ، وفي قسمة ما أصابا ، كالبصير في التجارة مع غير البصير ، ولا أن يتفاضلا في الكسب وإن تراضى المعلمان أن يجلس هذا على الصبيان شهرا ، وهذا شهرا ، لم يجز هذا في العقد ، وإن تراضيا به بعد صحة العقد ، فجائز ، بخلاف الصانعين ، ولا يجوز هذا في الصانعين بحال ، إذ قد يكسب هذا مع شهره أكثر من كسب الآخر ، وإنما يعملان في كسب مستقبل ، والمعلمان قد دخلا على صبيالن قد عرفا ما يؤخذ منهم ، فهما كراعيين لغنم على أن يرعاها كل واحد شهرا ، فلا بأس بذلك .
في الاشتراك وعهدته عند البيع
أو بعده وهل لمن حضر دخول في البيع
من كتاب ابن المواز ، والواضحة قال مالك ، في الرجل يقف بالرجل يريد شراء / سلعة للتجارة ، فيقف به لا يتكلم ، فلما تم البيع ، طلب الدخول معه ، قال : يجبر على أن يشركه إن كان شراه للبيع ، وقال ابن القاسم ، وأشهب : إلا من اشترى لمنزله ، أو ليخرج بها إلى بلد ، فلا يشرك فيها الآخر . وكذلك في العتبية ، من رواية أبي زيد ، عن ابن القاسم ، ومن سماع أشهب ، قال فيمن يبتاع سلعة في بعض الأسواق ، وقوم وقوف ، فإذا تم البيع ، سألوه الشركة ، قال : أما الطعام ، فيكون هذا فيه يشتري ويشترك فيه ، وأما الحيوان ، فما علمت ذلك فيه ، وإذا لم يشتركوا تزايدوا ، فيدخل على الناس ضرر فيما يشترون ، قال : نعم .
[7/334]
***(1/329)
[7/335]
قال في الواضحة ، وإنما رأيت ذلك خوفا إن يفسد الناس بعضهم على بعض إذا لم يقض لهم بهذا ، فيأتي منه باب فساد ، وذلك من الرفق بالناس . ونحوه في كتاب ابن المواز لمالك .
ابن حبيب : وإنما يرى ذلك مالك لتجار تلك السلعة أهل سوقها ، كان مشتريها من أهل تلك السلعة أو من غيرهم ، إذا اشتراها للتجارة ، وإنما يختلف ذلك في المشتري ، فإن كان من أهل تلك التجارة ، وجب هل الشركة ، وإن لم يكن من أهلها ، لم تجب له الشركة إلا برضى المشتري ، استشرك قبل تمام البيع أو بعده . وروي أن ابن عمر قضى بذلك . قال أصبغ : وإذا سئل الشركة عند البيع ، فسكت ، فلما تم البيع ، أبى واحتج بسكوته فلا حجة له بذلك ، ولم سأله الدخول معه إذا كانوا من أهل تلك التجارة . ابن حبيب : فلو قال لهم إذ سألوه : لا أفعل فسكتوا ، فلما تم البيع ، أرادوا الدخول معه ، فليس لهم ذلك إذا قال : إنما أشتريت لنفسي . ولا حجة لهم / إذا قالوا : إنما سكتنا عند السوم خيفة ارتفاع ثمن السلعة ، وقالوا : لما كان له أن يشترك بعد الصفقة ولا يضرنا إباؤه قبل ذلك . فكذلك قوله لا قبل الصفقة ؛ لأنه قد أنذرهم بالمنع قبل الصفقة ، فلو شاءوا اشتروا . قال : ولو حضروا وسكتوا ، فلما تم البع ، تبين له فيها نقصان ، وأرادوا أن يدخلهم معه ، فليس ذلك له ، ولو سألوه الشركة وهو يسوم ، فسكت ، أو قال : نعم ، لزمتهم إن امتنعوا ، وكانت الصفقة بينه وبينهم . قال : وهذا في كل شيء يشتريه ؛ من طعام ، أو إدام ، أو حيوان ، أو رقيق ، أو غيره ، إذا اشتراه للتجارة ، وأما إن ابتاع طعاما يأكله ، أو ثوبا يلبسه هو أو عياله ، أو خادما تخدمه ، فليس لأحد أن يشركه فيه ، والقول قول إنه أراده لذلك مع يمينه ، كان من أهل تلك التجارة أو غيرهم ، إلا أن يستدل على خلاف قوله .
قال في كتاب محمد : قال أشهب : إن قال : إنما اشتريت هذه الرأس لتخدمني ، أو هذا الطعام لآكله ، فلا يشكره فيه أحد ممن حضره . وقال مالك .
قال أصبغ ، في العتبية ، مثله ، ومثل ما ذكر ابن حبيب من هذا ، وزاد ، إلا أن
[7/335]
***(1/330)
[7/336]
يستدل على كذبه بكثرة تلك السلع ، وأن مثلها لا يشتري إلا للتجارة ، فلا يصدق ، ويدخلون معه ، وإن لم يتبين كذبه صدق ، ولم يذكر اليمين .
ولا يدخل بزاز مع الزياتين ولا غير أهل سلعة على سلعة فيما اشترى بمحضرهم ، وكل أهل تجارة يدخل بعضهم على بعض ، هم الرئاب لهذه التجارات كلها ؛ فيدخل في هذه السلع حيث وجدت تشتري في أسواقها ، وتجب له الشركة / بحضرة الصفقة ، ولو لقي سلعة في بعض الأزقة والدور ، فابتاعها بحضرة رجل من أهلها ، فلا شركة له معه ، ولا شركة في السلع إلا في مواضعها المعروفة . قال : وما اشتراه في حانوته أو بيته من تجارة ، فوقف به قوم من أهل تلك التجارة فاستشركوه ، فليس ذلك لهم ، بخلاف ما يشتريه في غير حانوته وبيته .
ومن وقف يسوم شيئا للتجارة ، فوقف به من هو من أهلها ، فقال : أشركني فيها ، فسكت عنه المساوم ، ثم مضى عن طالب الشركة ، ثم طلبها بعد الببيع ، فلا يقضى له عله إن أبى ، ويحلف ما اشترى عليه ولا رضى بما سأل ، ولو أراد المشتري أن يلزمه الشركة ، فأبى ، قال : يلزمه إذا شاء المشتري ، لأنه طالبها .
ومن كتاب محمد ، قال مالك في الذين يبايعون الرقيق ، والذين يحضرون الساحل لشراء نوى أو طعام ، قال : أدركت الناس وهم يستحبون أن يشركوا من حضر ذلك إذا اشترى للبيع .
ومن أسلم في قصب ، فأشرك فيه رجلا فيه ما ينقد ، محمد : أو بعد أن نقد ، فلم ينقده الآخر حتى حل الأجل ، لم يخرجه ذلك من الشركة . ابن القاسم ، فيمن سام سلعة ، فقال له رجل : اشتر وأشركني . فذهب فغولي فيها ، فاستشرك من غالاه فيها : إن للذي سأل أولا الشركة والدخول مع هذا في نصفه ، إلا أن يكون ذلك رأسا أو دارا أو أرضا ، فهو مخير ، وما كان غير ذلك ، فهو فيه شريك ـ ولابن القاسم قول آخر ، أنه مخير في الطعام أيضا . ولو قال له في دار : إذا اشتريت فأشركني . فإذا اشتراها وأشرك فيها غيره ، فللأول النصف من الثاني والمشتري ، إن شاء ذلك / الثاني . ومن أشرك رجلا ، ولم يسم الثمن ، فهو مخير ،
[7/336]
***(1/331)
[7/337]
إذا عرفه ، ولو كانت شاة فأشركه فيها بالربع ، فذبحها وأرسل إليه بربعها لحما ، فأكله ، ثم علم الثمن بعد ، قال : إن كان هكذا يشتري ، فذلك يلزمه وغير شيء تجيزه في القليل ، ولا تجيزه في الكثير .
في عهدة الاشتراك والبيع والضمان
من كتاب ابن المواز ، وهذا الباب مثله في كتاب العيوب ، قال مالك ، في العهدة فيما يشترك فيه ، أما فيما يقضي فيه بالشركة ، فعهدتها فيه على البايع ، وأما إن أشركه بعد تمام البيع ، فإن كان بحضرة ولم يتفرقا ، فأشركه أو ولاه بعهدته على البائع الأول ، ولا شيء على المشتري من بيع ولا استحقاق ، اشترط ذلك أو لم يشترطه ، وأما إن كان باعه ذلك بيعا يحضرة البيع ، فالعهدة على البائع الثاني ، إلا أن يشترطها على الأول ، فليلزمه إلا أن يتفاوت وقت البيع الأول ، فلا يلزم هذا الشرط ، والعهدة على الثاني .
قال أصبغ : وجه ذلك أن يفترق من الأول افتراقا بينا ، وانقطاع ما كانا فيه من مذاكرة البيع ، ثم يبايع الثاني ، فلا ينفع هنا شرط العهدة على الأول . وكذلك في العتبية ، عن عيسى ، عن ابن القاسم ، وكذلك في الواضحة ، من أول المسألة ، قال : وإذا بعد ذلك أو افترقا ، لم يجز أن يشترط على الأول إلا على وجه الحمالة ، ويرضى بها قال : ولو باعه ذلك بيعا بالعهدة على الثاني ، كان بحضرة البيع أو لم يكن ، إذا دخله الربح أو النقصان ، فلا عهدة على الأول إلا أن يدخل بمعنى الحمالة وهو راض .
قال ابن المواز : وما ذكرنا من / عهدة الاشتراك فإنما هو فيما اشترى بعينه ، فأما ما أسلم فيه يبيعه إن جاز بيعه أو يشرك أو يولي ما لا يجوز بيعه ، فعهدة ذلك أبدا على من هو في ذمته ، وقد كان مالك يقول : إن باعه بعد تفاوت البيع الأول وانقطاعها ، إن شرط العهدة على الأول لازم إن أقر الأول ، وكان معروفا ،
[7/337]
***(1/332)
[7/338]
وإلا رجعت كالأجرة ، وإن لم يكن معروفا ، فسخ البيع ، ثم رجع ، فقال : لا يلزم الشرط إلا بحضرة البيع الأول . وبه أخذ ابن القاسم ، وهو أحب إلينا .
وروى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، في العتبية ، في السلم على من هو في ذمته ، قال يحيى ، في كتاب آخر : وإن اشترط على البايع أنها منك حتى أقبضها من الأول ، لم يجز .
ومن كتاب محمد : وإن اشتريت من رجل سلعة ، ثم [فارقته قبل النقد فسألك رجل]فيها الشركة ففعلت ونقدتما جيمعا ، فعهدته عليك ، وإن شرطا على بائعك ، قال ابن القاسم : فلا يعجبني إلا ما كان بحدثان ذلك ومن أشرك رجلا في طعام في سفينة بعد أن اكتاله فيها ، ثم هلك قبل أن يكتاله الشري ، فذلك منها . محمد : بخلاف البيع يكيل منه أو يجمعه كيلا ، هذا ضمانه من البائع حتى يكتال محمد : إلا أن يكون رضي بكيله . قال ابن القاسم : ومن مر بقوم وحضر واشترى سلعة ، فلما اشتروا طلب الدخول معهم ، فذلك له وإن كرهوا . قال ابن حبيب : وما أسلم فيه ، فباعه وإن جاز بيعه ، أو أشرط فيه ، أو ولاه مما لا يجوز بيعه ، فلا يجوز ذلك ، إلا بحضرة الذي عيه الدين والجمع بينهما ، وتكون تباعته على من ذلك في ذمته ، وإن لم يحضر / ، لم يجز في العروض إن كان البائع قريبا تعرف حياته ، وملاؤه من عدمه ، وإن حل الأجل ، وقبضت السلعة ، فإن أشرك فيها أو ولاها ، ولم يطل ، ولا تفرقا ، فالتباعة على البائع الأول ، فأما في البيع ، فهي على المشتري الأول ، ولا يجوز أن يشترط على البائع الأول إلا بمعنى الحمالة ، وإن كان طعاما بعينه فإن ولاه ، أو أشرك فيه بحضرة بيعه ، فعهدته على الأول ، شرطها أو لم يشرطها إن كان جزافا ، وإن كان مكيلا ، فمصيبته من البائع وتوليته كالشرط ، ولابد أن يجمع بينهما ، وإلا لم يجز ، وإن كان هذا المشتري مما يكال أو يوزن من غير طعام ، فأشركه أو ولاه ، فهو كالعرض يجوز أن
[7/338]
***(1/333)
[7/339]
تشترط عهدته على البائع الأول ، وإن لم تشترط ، فهي على هذا ، وما أشركت فقيه من طعام بعينه ، ابتعته على الكيل ، فقبضته ثم أشركت فيه فضمانه منك ، ومن أشركته ووليته ، كان منك حتى يكتاله المتولي ، غيب عليه أو لم يغب ، إلا أن توليه على التصديق ، ولو أقالك منه البائع بعد أن اكتله ولم تغب أنت عله ، فضمانه منه ، وإن كان قد غبت عليه ، فهو منك حتى يكتاله هو منك ، وإن وقف قوم بمبتاع لسلعة ممن يقضي لهم بالشركة ، فطلبوها ، فأشركهم ، ثم وجدوا عيبا لم يره البائع الأول ، أو رآه ولم يعلمهم ، فقد لزمهم ، وإنما لهم الرد على الأول على الشرك ، ولو استوجبها المبتاع ، ثم أشرك فيها أو حضروا الشراء وهم ممن لا يقضي لهم بالشركة عليه ، فلهم الرد على المشتري ، علمه أو جهله ، كالشركاء يتقلدون السلعة ، ثم تصير لأحدهم ، ثم يجد / عيبا ، فليرد عليهم أنصباءهم . قال : ومن ابتاع عرضا بعينه لا يكال ولا يوزن بنقد ، جاز أن يشرك فيه قبل قبضه .
فيمن أشرك غيره في سلعة
ولم يسم الجزء ثم اختلفا
وذكر التداعي في الاشتراك ،
وفي الشريك يشرك غيره
من كتاب محمد والعتبية ، من سماع ابن القاسم : ومن قال لرجل سأله الشركة في سلعة : قد أشركته ، ولم يسم بكم ؟ ثم اختلفا بعد الخسارة . فقال المشرك : أشركني بالسدس ، وقال المتولي الشرك بالنصف . فالذي ولي الشراء مدع ، ويحلف الآخر ويصدق . قال في العتبية ، إلا أن يأتي بما لا يعرف ، كالدينار ونحوه ، وإن ربحا في سلعة ، فادعى المشرك النصف ، وقال في العتبية قال ابن السدس ، فالمشرك مدع ، ويصدق الآخر مع يمينه . قال في العتبية قال ابن
[7/339]
***(1/334)
[7/340]
القاسم وهو في كتاب محمد ، عن أصبغ : إن قال كل واحد : لم أسم شيئا ، ولم أنوه . فهو بينهما نصفين . ابن القاسم : وإن كانت السلعة قائمة ، فقال المشرك . إنما شركتك بالربع ، أو السدس ، وذلك الذي أردت ، فالقول قوله ، ويحلف إذا لم يكونا بينا شيئا ، كالتداعي في بعض السلعة بأن قال البائع : بعتك ربعها . وقال المبتاع : بل النصف . فالبائع مصدق ، ويحلف . وإن قال البائع : بعث لك النصف . وقال المتباع : بل الربع ، فالمبتاع مصدق مع يمينه .
وفي كتاب ابن المواز مثله . قال محمد : قال مالك : القول قول من ادعى الأقل ، وإن كانت السلعة قائمة إن ادعى التسمية ، فإن أقر بدفع التسمية وإن ذلك بينهما ، فهو على النصف ، والنصف ، فمن ادعى الأقل ، صدق مع يمينه إذا لم يكونا بين ذلك ، وإن قال : لم أرد ربعا ولا سدسا ، ولا أقل ولا أكثر . فهو على النصف . وذكر أصبغ ، في العتبية ، نحو ذلك إذا تقارا أن الشركة مبهمة ، ثم اختلفا بعد الصفقة ، فالقول قول المشتري ، وإن كان المشتري قد ادعى أقل من ذلك ، وادعى المشرك أكثر ، حلف المشتري وصدق ، وإن نكل حلف المشترك وصدق ، فإن نكل ، فليس إلا ما أقر به المشتري إن لم تفت السلعة ، وإن فاتت بتلف ، فقال المشتري : بالنصف . وقال المشترك : بالربع فالمشترك مصدق ، ويحلف ، فإن نكل حلف المشتري ، فإن نكل ، فليس إلا ما أقر به المشرك .
ومن الواضحة : وإذا أشرك من سمى له ممن يلزمه أن يشركه ، ثم اختلفا ، فقال أشركتك بالربع . وقال الآخر : بالنصف . وقالا : نطقتا به ، أو قالا : أضمرناه بغير نطق بذكر الجزء . فالقول قول من ادعى منهما بالنصف ، وإن لم يدعه واحد منهما ، رد إليه ، لأنه أصل شركته في القضاء ، فإن كانوا ثلاثة ، فعلى عددهم ما كانا ، وكأنهم ولوا الشراء ، ولأن ما وضع عن المشري يدخل فيه المشرك في هذا ، كانت قائمة أو فائتة ، بيعت بزيادة أو نقصان ، وأما من استشرك رجلا في سلعة ممن لا يلزمه أن يشركه ، فأشركه ثم اختلفا كذا ، فإن كان فيما نويا ، ولم
[7/340]
***(1/335)
[7/341]
ينطق به ، كانت بينهما نصفين ، وإن قالوا : نطقنا به ، ثم اختلفا ، فالقول قول المشرك ، كالبيع ويحلف ، ثم أن سأله الآخر أخذ ما قال : أو يحلف ويترك ما كانت قائمة أو بيعت بفضل ، وإن بيعت بوضيعة ، وادعى المستشرك جزءا أقل / من دعوى الآخر ، فالمشرك مصدق مع يمينه ، لأنه الغارم هنا .
والفرق بين هذه وبين الأولى فيمن يقضى له بالاستشراك أن عهدتهما على البائع الأول ، وهذا عهدته على من أشركه . قاله كله أصبغ .
ومن العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، عمن قال لرجل : اشتر سلعة كذا فأنا شريكك فيها : فاشتراها ، ثم أشرك فيها رجلا آخر ، قال : يكون للأول نصفها ، ويخبر المشرك الآخر ، فإن شاء أخذ نصف حظ الذي أشركه ، وهو ربع السلعة ، وإن شاء تركه ، ولا يلزمه شيء ولا حجة له أن يأخذ حظ الذي أشركه ؛ لأنه أشركه في حظه لا في حظ غيره ، وسواء قال : أشركتك في نصفها . أو لم يقل : بنصفها . ولو قال : اشتر سلعة كذا ، وأنا فيها شريكك . فاشتراها رجل غيره ، فأشركه فيها ، قال : فالذي أمره بالشراء على الشركة مخير ؛ إن شاء دخل معه في النصف الذي أشرك به ، و يدعه له ، ولا يلزمه منه شيء . قال ابن القاسم : ومن أمر رجلا في سلعة بينهما أن يبيعها ويشتري حانوتا ، ففعل ، وقال : أمرتني بالشراء ، وقد اشتريت لنفسي من مالي . فلما أقام عليه بينة ، قال : قد أشركتك فلانا وفلانا عند الشراء ، ولا بينة على ذلك ، قال : فنصف الحانوت للآمر ، ويدخل المقر لهما بالشركة في مصابة المقر إن أقر بالنصف ، فلهما نصف مصابته ذلك ، وإن قال : بالثلث ، فلهما ثلث ما في يديه ، فعلى هذا يحسب . قال مالك : في شريكين في سلعة فيها دين عليهما ، فقال أحدهما للآخر : اكتب الدين باسمي ، لأنك تسافر في تجارتنا . ففعل ، فباعا السلعة ، وطلب الآخر أخذ / نصف الثمن ، فمنعه هذا ، فقال : أنا أطلب بالثمن . فلما حل الأجل ، قال متولي البيع ، سرق مني الثمن ، اون هلك . قال : يضمنه ؛ لأنه يتبعه
[7/341]
***(1/336)
[7/342]
به شريكه . وفيه قال أبو زيد : قال ابن القاسم ، فيمن وقف لشراء سلعة ، فقال له رجل : أشركني . فقال : نعم . ثم قال : إنما أشركتك بالربع . فالقول قوله مع يمينه ، إلا أن تقوم بينة بما أشركه .
وإن قال : أشركتك ، ولم أرد ثلثا ولا ربعا ، ولا أقل ولا أكثر ، فالسلعة بينهما نصفين ، وإن اشترى سلعة بعشرة ، فأربحه رجل دينارا ، فقال : لا أفعل إلا أن يكون معك فلان فيها شريك . فرضي ، فعلى كل واحد منهما من الثمن خمسة ونصف .
ابن القاسم : ومن قدم بلدا بمتاع ، فأعطي فيه ثمن ، فقال له رجل : أنا آخذه منك بما أعطيت ، وأنت فيه شريك . قال : لا يجوز ذلك .
التداعي بين الشريكين
وجامع القضاء في الشركة
والإقرار من كتاب القراض
قال ابن القاسم ، في شريكين أرادا المفاصلة ، فقال أحدهما : لك الثلث ولي الثلثان . وقال الآخر : المال بيننا نصفين . وليس المال بيد أحدهما دون صاحبه ، قال : فلمدعي الثلثين النصف ، ولمدعي النصف الثلث ، ويقسم السدس بينهما نصفين بعد أيمانهما ، وعلى هذا ثبت ابن القاسم ، وهو القول . وقال أشهب : المال بينهما نصفين بعد أيمانهما ؛ لأن كل واحد حائز للنصف ، فلا حجة له ، وإن كانوا ثلاثة ، فقال أحدهم إلي الثلثان ، ولكما الثلث . وقال الآخر : لي النصف ، ولكما النصف . وقال / الآخر : لكل واحد منا الثلث . قال محمد : يقال المدعي النصف والمدعى الثلث : أنتما تدعيان فيه بخمسة أسداسه ، فأسلما سدسه لمدعي الثلثين .
[7/342]
***(1/337)
[7/343]
قال ابن ميسر : ويقال لمدعي الثلث . ثم سكت . ثم سئل عنها بعد ذلك ، فقال : يضربون فيه كل واحد بحصة دعواه على حساب الفرائض ، يقسم المال على تسعة ، يضرب فيه مدعي الثلثين بأربعة ، ومدعي النصف بثلاثة ، ومدعي الثلث باثنين . قال : ولو ادعى أحدهم كله ، والآخر نصفه ، والآخر ثلثه ، قال : يقال لمدعي النصف ، ومدعي الثلث : أسلما السدس لصاحب الكل ، فيتبقى خمسة أسداسه ، فصاحب الكل يدعي ذلك ، وأنتما تدعيانه ، فيقسم نصفين ، لصاحب الكل عشرة قراريط ، ولكما عشرة قراريط ، ثم يقال لصاحب الثلث : أنت لا تدعي في هذه العشرة إلا ثمانية ، فسلم قيراطين لصاحب النصفين ، ثم تقسم الثمانية بينك وبينه نصفين ؛ لتساوي دعواكما فيها .
ومن مسائل سحنون ، ليست من رواية يحيى بن عبد العزيز ، قال أبو بكر ، وهي صحيحة من قوله : ومن أقر أن فلانا شريكه ، ولم يقل في جميع ماله ولا مفاوض ، قال : إن قال شريكه : لي في بعض هذا المال ، لبعض ما في يديه ، فهو كما أقر وإن لم يسم مالا وكان قبله كلام يستدل به عى ما بعده ، فإن يكون شريكا على ما يستدل به مما كان الكلام قبله ، وإن لم يكن شيء مما ذكرنا فهو في جميع المال . وقال أقر في سفره أن فلانا شريكه ، وفلان غائب / ثم يزعم بعد ذلك أنه شريكه على الربع وأنه شريكه في مائة دينا . قال : هو شريكه على النصف .
وقال فيمن قال عند سفره : فلان شريكي . ولم يسم على كم الشريكة ؟ ولم يقل عقيدتي فإن لم يكن بعد ذلك أمر يدل على مراده وادعى الآخر بعد ذلك الشركة في كل شيء من تجارتهما فهو كما ادعى وله النصف مما في يديه من التجارة .
وروى عيسى عن ابن القاسم في شريكين تخاصما إلى قاضي فسأل أحدهما صاحبه عن المال ، فقال : ضاع مني . وكتب إقراره ثم قال : دفعته . فقال : اكتبوا إقراره أيضا . فقال حينئذ : إنما دفعته إليه من مالي بعد الضياع . قال : لا يصدق وأراه ضامنا .
[7/343]
***(1/338)
[7/344]
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في شركاء سلعة ولي أحدهم بيعها وقبض ثمنها فقال له شركاؤه أعطنا حقنا منه . فقال : نعم هو في كمي أتسوق ثم أعطيكم . فذهب ثم أتى فقال : قطعت من كمي ؛ إذ سألوه فلم يعطهم قيل له : إنا لما أردنا خصومته قال : أسلفوني دنانير أتجر فيها وأقضيكم من ربحها وأضروني حولا وأقر لكم واكتبوا علي بذلك كتاب . ففعلنا فأردنا الآن خصومته بهذا الإقرار . قال : لا ؛ لأنه يقول أقررت على أن يسلوفني . وهذا لا يحل ، فإن أصبتم بينة وأنكم حين سألتموه حقكم حبسه عنكم ثم جاء يدعي أنه سرق فهو ضامن .
ومن العتبية قال أشهب عن مالك : وإذا أكرى شريكان إبلا لهما فتخلف أحدهما يقبض الكراء فقبضه ودفعه إلى عبد له فلحق العبد / شريك فأعلمه أنه دفع إليه الدنانير وهي هذه فسكت ثم قال العبد : ذهب منها ديناران .
قال : هما من الشريكين ؛ لأنه أخبره العبد أنه دفعها إليه فسكت ورضي فهي عليهما بالحصص .
في الوصية لأحد الشريكين
من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك في القوم يشترون السلعة بينهم ثم يضع البائع لأحدهم ؛ فإن كان وضع للذي ولي الشراء فهو بينهم . وكذلك ذكر في كتاب محمد عن [مالك وإن وضع]لغيره فالوضيعة له . قال : فإن ولو كلهم الشراء ؟ فسكت . قال محمد : إن أراد بذلك الرجل خاصة فهو له دون أصحابه لأن مالكا قال : إن وضع لمتولي الصفة لنفسه خاصة قال : فذلك بين أصحابه ؛ لأنه ي تهم أن يزيده في الثمن له فهذا يدلك على ما قلت لك .
[7/344]
***(1/339)
[7/345]
قال عيسى عن ابن القاسم فيمن اشترى سلعة فأشرك فيها ناسا ثم استوضع بائعه فوضع له فلأشراكه الدخول فيما وضع له ، وإن استوضعه أحد الذين دخلوا فيها بالشركة فالوضيعة له دون شركائه ودون صاحب الصفقة ، وإن اشتراها فما وضع لأحدهم فهو له دون شركائه إلا أن يكونوا شركاء عقد فهو لما وضع لأحدهم دخل فيه الباقون .
قال أصبغ عن أشهب في ثلاثة شركاء في سلعة تفادوها فخرج منها واحد ووقعت على الاثنين ربح دينار ثم ذهب الخارج فاستوضع البائع فوضع دينارا فقام الاثنان عليه ليردا فذلك لهما / إلا أن يخرج الدينار الذي وضع له فيكون بينهم أجمعين أثلاثا . قال : ويسغ له الربح كله . قال ابن حبيب : إذا أشرك في سلعة فما وضع البائع لمن ولي الصفقة دخل فيه الآخر وما وضع للمشرك دخل فيه الآخر إلا وضيعة تشبه الصلة فهي له خاصة : من كان منهم .
في الشركة بالذكر والأنثى من الحيوان
من العتبية ، وكتاب ابن المواز قال مالك : وإذا جاء رجل بحمام ذكر والآخر بأنثى على أن ما أفرخا فبينهما فلا بأس به وأرجو أن يكون خفيفا والفراخ بينهما ؛ لأنهما يتعاونان في الحصانة . قال في العتبية : فإن جاء ببيض إلى رجل ... فقال : اجعله تحت دجاجتك فما كان من فراخ بيني وبينك . فالفراخ في هذا لصاحب الدجاجة وعليه لصاحب البيض بيض مثله وهو كمن جاء بقمح إلى رجل وقال : ازرعه في أرضك بيننا . فإنما له مثله والزرع لرب الأرض . قال يحيى : يعني في قول ابن القاسم في الدابة والسفينة يعطيان على بعض ما تغل فالكسب لمن عمل .
[7/345]
***(1/340)
[7/346]
في الشريكين في العبد أو بعضه حر كيف
العمل في إذنه والسفر به وبيعه ؟ والشركاء
في السفينة يجد أحدهما الحمل وليس للآخر ما يحمل
من العتبية من سماع ابن القاسم في العبد بين الرجلين أنه ليس لأحدهما أن يضربه إلا بإذن شريكه ، فإن فعل ضمن ما أصابه في ذلك إلا في ضرب لا يغيب أحد في مثله وفي ذلك / إذنه فلا يضمن في هذا . قال سحنون : يضمن إذا ضربه ضربا بغيب في مثله أو لا يغيب في مثله إذا مات منه . وقال أشهب عن مالك في عبد نصفه حر اراد سيده أن يخرج به إلى بلد آخر فذلك له إن كان مأمونا ، وإن لم يكن مأمونا فليس ذلك له . وما هو بالبين ونفقته إذا قضى عليه بالخروج على سيده وكذلك كراؤه حتى يقر قراره بالموضع الذي يكون فيه له عمل ، فإذا كان في سفر ليس فيه مكسب النفقة على السيد حتى يقدم به ؛ لأنه أخرجه من موضع عمله وكسبه . وروى البرقي عن أشهب قال : الذي يأخذ بقلبي أنه ليس له أن يخرج به ، وإن كان مأمونان ولا يزوجه إلا بإذنه . قال مالك في العبد بين الرجلين : فلأحدهما بيع مصابته منه إن شاء ولا يبيع معه شريكه ولكن هذا العبد لا يقدر البائع أن يأخذ ماله ؛ إذ لا يقسم إلا بإذن شريكه ولا يجوز له بعد البيع إلا أن يبيعه بما له من المشتري وإلا لم يجز .
قال سحنون من غير رواية يحيى بن عبد العزيز قال أبو بكر وهي معروفة من قوله في رجلين لهما سفينة فيريد أحدهما أن يحمل عليها متاعه وليس لصاحبه شيء يحمله فيريد الذي ليس له ما يحمل منعه إلا بكراء ويقول الآخر : أنا أ حمل في نصيبي . قال : فله أن يحمل في نصيبه ولا يقضي لشريكه عليه بكراء فأما لمن يحمل مثل ما يحمل صاحبه من السمن والمتاع وإلا بيع المركب .
[7/346]
***(1/341)
[7/347]
في الجماعة يحملون الطعام في السفينة
فيفسد شيء من أسلفها وهل لأحدهم
أن يأخذ / حصته دون الآخرين
من كتاب محمد قال مالك : ومن حمل طعاما في سفينة ثم مر بقرية أخرى فحمل الآخر مائة أردب حبة فوق الأول فابتل أسفل الركب . قال مالك : هما شريكان في الأسفل والأعلى ؛ لأنهما على وجه الشركة خلطا .
ومن العتبية روى أشهب عن مالك في القوم يحملون الطعام في السفينة فيخلط طعامهم فيريد بعضهم البيع في الطريق فليس ذلك له إلا برضاء أصحابه ؛ لأنه ربما فسد أسفل الطعام أو مطروا بعد ذلك فيفسد فلا يأخذ أحد منهم حتى يبلغوا فيقسموا الجيد والفاسد إلا أن يسلموا له حقه فذلك له ثم لا تباعه لهم عليه إن نزلوا فوجد القمح فاسدا .
ومن كتاب محمد ، وعن نفر خلطوا طعامهم في سفينة فأحب أول من يمر بمنزله أخذ طعامه قال : ذلك له ثم إن عرفت بعد ذلك فلا تباعة على الأول ؛ أذنوا له في أخذ ذلك لم يأذنوا إلا أنه إن ينقص الكيل فلهم الرجوع بحصته من النقص .
في الاشتراك في عصر الزيتون
يأتي كل رجل بزيتونة
من كتاب محمد قال مالك في الزيتون يأتي هذا بأردب وهذا بأكثر حتى تمتلئ الإسقالة فيعصر قال : إنما يكره ؛ لأن بعضه أكثر خرجا من بعض فأما لحاجة الناس إلى ذلك فأرجو أن يكون خفيفا ولا بد للناس من قضائهم .
[7/347]
***(1/342)
[7/348]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم ذكر مثله وذكر مثل ذلك في عصر الجلجلان والفجل . وقال سحنون : لا خير فيه .
في دين لرجلين
يقبض أحدهما بعضه بإذن شريكه
من كتاب محمد ؛ ومن عليه دين لشريكين فأذن أحدهما للآخر في أخذ شيء منه يأخذه ثم فلس الغريم أو مات عديما قال مالك : فللذي لم يأخذ أن يرجع على الذي أخذ بنصف ما أخذ ؛ لأنه بمعنى السلف له .
ومن لهما أرض أكرياها من رجل بدنانير [فكتب كل واحد منهما عليه كتابا فقبض]أحدهما حقه ثم فلس فلا يرجع الآخر على صاحبه بشيء .
في شريكي المعدن
من كتاب محمد وعن معدن بين رجلين عطلاه أربعة أشهر ثم سأل أحدهما فيه الإمام فاقطعه إياه فعمل فيه وحده ، فإن كان صاحبه حاضرا فقام يحدثان ذلك قبل أن يعمل أو بعد غائبا حين أقطع صاحبه فهو له دون الغائب وكذلك إن أقطعه لغيره مما كان له دونهما .
فيمن أوصى بتصديق شريكه
من العتبية من سماع ابن القاسم : ومن أوصى في مرضه أن شريكه عالم بالي فما دفع إليكم فهو مصدق بغير يمين ف فرفع أمره إلى السلطان وأتى بما قبله من القاضي فقسمه بينه وبين الورثة ثم أقام يقبض ويقسم عشر سنين وكتب له
[7/348]
***(1/343)
[7/349]
السلطان بذلك برأه وهي بينهما فبلغ الورثة فأرادوا يمينه فيما مضى قال : ينظر السلطان ويكشف ؛ فإن رأى أمرا صحيحا لم يحلفه ، فإن استنكر أمرا أحلفه .
مسائل مختلفة من الشركة
ابن حبيب : ولا ينبغي للحافظ لدينه أن يشارك إلا ذا أمانة وتوق للربا والخيانة والتخليط في التجارة ولا يشارك يهوديا ولا نصرانيا ولا مسلما فاجرا إلا أن يكون المسلم الحافظ لدينه هو الذي يلي البيع والشراء والمال بيد لا يلي الآخر منه إلا العمل والبطش . وقاله طاووس والحسن ومالك بن أنس قال مالك : ولا بأس أن يبيع الرجل نصف سلعة لا تنقسم إذا لم ينقد إلا ثمن نصفها ، وإن شرط كونه فيها شريكا ، وإن كانت تنقسم فلا خير فيه إلا أن يكون شريكا فيها يتابعانها جميعا ، فإن لم يشترط هذا أيضا فذلك جائز ، ولو باعه نصفها وأشركه بنصفها ؛ على أن يبيع جميعها ، فإن كانت مما لا ينقسم فجائز إن ضرب للبيع أجلا ، وإن كانت مما ينقسم فلا خير فيه ، وإن ضرب للبيع أجلا . وكأنه اشترى منه نصف ثمنها .
ومن كتاب المزارعة لابن المواز : وإذا ابتاع نفر حائطا ، فلا بأس أن يربح بعضهم بعضا دراهم على أن يخرج منه ولا خير في أن يخرجوه يكيل من الثمرة مضمونة له .
[7/349]
***(1/344)
[7/350]
***(1/345)
[7/351]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب المزراعة
القول في كراءء الأرض بالجزء مما تنبت
أو بالطعام وما يقضي به في كراء الأرض
بإفريقية في فساد الشركة
من كتاب ابن سحنون ، قال سحنون : لا يجوز كراء الأرض ببعض / ما يخرج منها عند مالك وأصحابنا أجمع وذلك لحديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها . وقيل لرافع : فبالذهب والورق ؟ فقال : لا بأس بذلك . وهو ناقل الحديث ، وذهب بعض العلماء إلى كراهية كرائها بشيء من الأشياء ومنهم ؛ مكحول ومجاهد وعطاء واحتجوا بحديث رافع أن النبي عليه السلام نهى عن كرائها مجملا ، وقد بين رافع وجه ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا .
قيل لسحنون : إن ما أجاز كراءها بالجزء مما يخرج منها احتج به مثل القراض ومن لم يجز المساقاة احتج بأنها إجارة مجهولة . قال : أما من مثل ذلك
[7/351]
***(1/346)
[7/352]
بالقراض فهذا غلط ؛ لأن القراض فيما لا يجوز أن يكري وهو العين ، والأرض مما تكرى ، فلم يجز الكراء في العين جاز في الأرض ، فذلك مفترق . وأما المساقاة ؛ فسنة مشهورة لعمل الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر مع اجتماع أهل المدينة عليه ولا يجوز عندنا كراؤها بالطعام ولا بشيء تنبته من غيره .
قال : وذهب ابن نافع إلى أن الأرض يجوز أن تكرى بسائر الطعام إلا بالحنطة . قال في كتاب ابن مزين ، عن ابن نافع : لا تكرى بحنطة أو شعير أو سلت وتكرى بغير ذلك من سائر الطعام على أن يزرع فيها خلاف ما يستكريها به .
قال ابن مزين : قال بأن كنانة : لا تكرى بشيء من الأشياء / إذا زرع فيها نبت . وبه قال يحيى بن يحيى وقال : إنه من قول مالك . وبه قال ابن مزين ، قال مالك : لا تكرى بشيء من الطعام والإدام ولا بشيء ينبت فيها من طعام أو غيره .
قال عيسى بن دينار : فمن أكراها على أحد هذه الثلاثة أقاويل أجزت كراءها ولم أفسخه وأما مذهب الليث فيكره أن يكريها بشيء مما ينبت يكون مضمونا على المكتري ، فأما بالثلث والربع مما تبنت فجائز عنده . قال عيسى : فهذا إن وقع فسخته ، وإن فات أوجبت عليه كراء مثلها الدراهم . وروي عنه ضد هذا . والأول أثبت عنه . وهو قول ابن سيرين والنخغي ، وشدد سحنون في كرائها بالجزء مما يخرج منها ، فقال : قد قال قائل أيضا : وأنا أقوله إن من فعل ذلك فهي جرحة ، يريد أن كان عالما أنه لا يجوز ، إما لأنه مذهبه ، أو اتبع فيه غيره ممن قلده من العلماء . قال سحنون : ولا يؤكل طعامه ولا يشترى منه من ذلك الطعام الذي أخذ في كرائها وإذا نزل ذلك فإنما لربها كراؤها بالدراهم .
وذكر غير واحد من مشايخنا أن عيسى بن مسكين وغيره من قضاء أصحابنا
[7/352]
***(1/347)
[7/353]
بأفريقية حكموا أن ينظر إلى ما وقع له من ذلك الجزء من ثلث أو ربع فيغرم قيمته دراهم ، قالوا : لأنها لا تعرف لها بالمغرب قيمة بالعين ولذلك يعطى قيمة ذلك الجزء الذي تجري به أكريتهم ثمنا ، أصحاب قليلا أو كثيرا ولم يعتبروا قيمة كرائها يوم العقد ؛ لأنه لا كراء على المكتري في الأرض إذا لم يصب فيها شيئا .
ذكر ما يحل ويحرم من شركة المتزارعين
وكيف إن قارنها ببيع ؟
وما يقضي به في المزارعة الفاسدة
من كتاب ابن المواز قال : وإذا سلم المتزارعان في قول مالك من أن تكونن الأرض لواحد والبذر من عند الآخر جازت الشركة إن تساويا ولم يفضل أحدهما الآخر بشرط في عمل ولا نفقة ولا منفعة .
قال سحنون من كتاب ابنه [وإذا اعتدلا في البذر]والأرض وتفاضلا في العمل ، فإن كان تفاضلا كثيرا له بال فالشركة تفسد والزرع بينهما ويترادان في أجر العمل ، وإن كان تفاضلا بينا يسيرا لم تفسد الشركة كما أجاز مالك أن تلغى الأرض التي لا كرا لها بينهما . وقد قال سحنون أيضا : إن ما روي عن مالك وابن كنانة وابن القاسم وغيره من أصحابنا أن لا تجوز الشركة إلا بالاعتدال في ذلك كله أصوب ؛ لأن سنة الشركة التساوي ، فإذا خرجت عن ذلك خرجت عن حد ما أرخص فيه منها ، وصارت إجارة فاسدة . قال : وإنما التفاضل الذي يرجع بعضهم فيه على بعض كرائه ، أن يفضله بشيء منفرد لا عوض للآخر فيه ، فأما لو اعتدلا في البذر وأخرج هذا الأرض وهذا العمل وكراء ذلك مختلف بما يكثر أو يقل فلا تراجع فيه ؛ لأن العمل إن كان أكثر من كراء الأرض فإن رب الأرض لم يكر نصفه أرضه إلا بنصف عمل الآخر وبقره .
[7/353]
***(1/348)
[7/354]
ومن كتاب ابن حبيب ، قال ابن حبيب : وجه العمل في المزرعة بين الرجلين أن يعتدلا فيما أخرجا من الزريعة وجميع ما / يحتاجان إليه ، فإن تفاضلا في ذلك فانظر ؛ وإن عقدا ذلك على أن يعتدلا ويتكافآ جاز ما فضل به الآخر صاحبه طوعا مما قال أو كثر . وقاله سحنون إذا صح العقد ولم يفرق بين زريعغة وغيرها وكذلك لو أسلف أحدهما الآخر بعد صحة العقد عن غير وأي أو عادة ـ يريد سحنون : لأن الشركة تلزم بالتعاقد كالبيع لا يرجع فيها أحدهما بخلاف القراض والجعل . وقال ابن حبيب : ويجوز ما فضل أحدهما الآخر به بعد صحة العقد وذلك إذا اعتدلا في الزريعة ثم تفاضلا في غيرها وسلما من أن يكون للأرض كذا من الزريعة ، فإما أن يشترط في عقد المزارعة التفاضل ، فلا يصلح ويفسخ ما لم يفت العمل ، فإن فات حملا على التعادل وكان الزرع بينهما نصفين ما تعاملا . هكذا قال ابن الماجشون وبه أقول ، قال : وإذا اعتدلا في الزريعة فلا بأس أن يخرج أحدهما الأرض ، والآخر العمل كله كان كراء الأرض مكافئا لذلك أو غير مكافئ ما لم يتفاحش ذلك جدا ؛ لأنه وإن كثر عمل يدي هذا وبقره فلم يرض رب الأرض أن يكري نصف أرضه إلا بنصف العمل وكذلك إن أن العمل الأقل فلم يرض هذا أن يكري نصف ذلك إلا بنصف الأرض فذلك يجوز إلا بما يشبه الاسترخاص والاستغلال ، فإن تفاحش ذلك فالزرع بينهما ثم يتساويان فيما سواه . قال : ولا يجوز أن يكون البذر من عند واحد والأرض من الآخر ، وإن تساوى ذلك وتساويا في / غيره ، فإن نزل فالزرع في هذا لصاحب البذر وعليه كراء الأرض والعمل .
ومن كتاب ابن المواز ، قال ابن القاسم فيمن ولي العمل وانفرد به فله الزرع ، فإن كان رب الأرض فعليه للآخر مثل بذره ، وإن كان صاحب البذر فعليه للآخر كراء أرضه ، فإنه وليا العمل جميعا ، فالزرع بينهما وقد قيل : يأخذ صاحب البذر بذره لصاحب الأرض على الآخر نصف كراء الأرض ثم يقتسمان ما بقي . وقال أصبغ : الزرع لصاحب البذر وعليه قيمة كراء الأرض وقيمة عمل صاحبه . وهذا أصح .
[7/354]
***(1/349)
[7/355]
قال محمد بن المواز : القول الأول أحب إلي . ورواه ابن عبد الحكم عن مالك . وقاله ابن القاسم وقال أبو زيد عن ابن القاسم : وإن كان العمل من عند مكتري الأرض لنفسه ومن عند الآخر البذر والنفقة فالزرع للقائم به ويغرم الآخر مثل بذره ونفقته .
قال مالك : وإذا كانت الأرض لا كراء لها جاز أن تلغى ويتساويا فيما سواها .
قال ابن عبدوس : إلا أن يعرى ربها من إخراج الزريعة فلا يجوز .
قال في كتاب ابن المواز : وإذا كانت الأرض لها قدر من الكراء فيهبها لشريكه ، فإن الشركة تفسد بذلك إلا أن يستأجر شريكه نصف هذه الأرض .
قال سحنون : في كتاب ابنه : ولا يعجبني أن تلقى الأرض بين المتزارعين ، وإن لم يكن لهما كراء ولولا أن مالكا قاله لكان غيره أحب إلي منه . وقال في باب آخر : وإذا أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر / ، لا : فلا يجوز إلا أن تكون أرضا لا كراء لها وقد تساويا فيما سواها فأخرج هذا البذر وهذا العمل وقيمة ذلك سواء فهو جايز ؛ لأن الأرض إذا تساويا في إخراج الزريعة والعمل ، فأما إن أن مخرج البذر غير مخرج الأرض لم يجز ، وإن كان لا كراء لها ويدخله كراؤها بما يخرج منها إلا ترى لو أكريت هذه الأرض ببعض ما يخرج منها لم يجز وقد استثقل سحنون إلقاء الأرض بكل حال ، وإن كان لا كراء لها . قال مالك ، في المختصر : وإن كانت الأرض بينهما والبذر من عند أحدهما والعمل من عند الآخر فجائز .
وكذلك قال سحنون في كتاب ابنه ، قال سحنن : وإن أخرج أحدهما الأرض والبذر ومن عند الآخر جميع العمل جاز إن كان ذلك مثل قيمة البذر وكراء الأرض .
وقال ابن حبيب في هذا : قد أخطأ وجه المزارعة ، [فإن فات بالعمل فالزرع بينهما ، ويتعادلان فيما بينها ، وإن أخرج أحدهما البذر والعمل الآخر الأرض والبقر
[7/355]
***(1/350)
[7/356]
لم يجز وإن تكافأ ذلك]، فإن فات ذلك بالعمل فالزرع لصاحب البذر وعليه كراء الأرض والبقر وكذلك إن أخرج رب البذر البقر والآخر الأرض والعمل فله على رب الأرض كراء أرضه وعمله . وكذلك لو لم يرج أحدهما غير البذر كان الزرع له ويرد كراء الأرض والبقر والعمل والزرع عندنا لمن له البذر ولي العمل أو لم يله . وقاله أصحاب مالك إلا ابن القاسم / وقاله أصبغ . وبهذا قال سحنون وذكر أنها رواية ابن غانم من مالك [قال أبو محمد]وقد ذكرنا ابن المواز من رواية ابن عبد الحكم ، وقول ابن القاسم .
قال ابن حبيب : ولا يجوز أن تكون الأرض من عند واحد والبذر من عند الآخر ويعملا أو يؤاجرا من يعمل ، وإن نزل فالزرع لرب البذر ؛ وأصل هذا أن كل متزارعين على معادلة وقع في مزارعتهما كراء الأرض بالبذر فأفسخه وأجعل الزرع لرب البذر وكل متزارعين على غير معادلة سلما من كراء الأرض بشيء من البذر فأجعل الزرع بينها نصفين ويتراجعان في الفضل فيما سوى ذلك .
قال ابن حبيب : وليس للرجل أن يعطي أرضه وبذره وبقره ؛ على أن يتولى الداخل العمل ليكون الزرع بينهما ، وإن ساوى عمله ذلك كله ، فإن نزل فالزرع لرب البذر والبقر وعليه للآخر قيمة عمل يده وكأنه واجره بنصف ما تبنت أرضه ولو قال أولا : تعال نتزارع على أن تجعل نصف أرضي ونصف بذري ونصف بقري كراء لنصف عملك . فقد أخطأ وجه العمل ويكون الزرع ها هنا بينهما نصفين ويتراجعان في الفضل في ذلك ؛ لأن هذا قد قبض نصف البذر في أجرته وضمنه والأول لم يأخذ شيئا وكذلك في سحنون ، وقال : ثم يترادان فضل الكراء وقد ذكر ذلك في باب بعد هذا .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا اخرج رجل البذر فقال الآخر ازرعه في أرضي هذه وهو بيننا ففعل فإن الزرع لرب البذر والأرض في هذا له وعليه قيمة العمل
[7/356]
***(1/351)
[7/357]
صاحبه / ولو كانت الأرض بيد العامل قد كان أخذها لنفسه فإن الزرع له وعليه مثل البذر لصاحبه يريد كراء الأرض لربها . قال : وكذلك لو كانت الأرض لأحدهما ومن عند الآخر البذر فالزرع لمن قام به .
قال ابن المواز : وذكر بعض الناس أنه جعل الزرع لصاحب البذر وإن لم يل العمل وما أعرف أحدا هذا ولا قال به .
وقد ذكرنا قبل هذا قول سحنون وغيره في هذا الأصل . قال سحنون في كتاب ابنه وابن حبيب في كتابه : وإن تعادلا في البذر والعمل والأداة والأرض لأحدهما فأعطاه الآخر نصف كرائها عينا قال سحنون : أو عرضا ، قالا : فذلك جائز .
فإن قيل : هذه شركة وبيع قيل : إنما ينهى عن ذلك إذا كان البيع خارجا من الشركة . قال سحنون : وذلك إذا كانت هذه الأرض لمثلها كراء ، وإن لم يكن لمثلها كراء جاز أن تلقى بينهما .
وكذلك لو تعادلا في الأرض والعمل وباع أحدهما من الآخر نصف البذر بثمن لجاز ذلك .
قال ابن حبيب : إذا صح واشتراه بما يشريه من غيره . قالا : ولو كانت الأرض في هذا من عند أحدهما لم يجز إلا أن يكون البذر من عند صاحب الأرض وأما إن كان من عند الآخر فأخذ فيه الثمن فقد وقع لكراء الأرض حصة من البذر في صفقة .
قال سحنون : والتهمة فيه أن يتجاوز عنه في ثمنه فيدخله كراء الأرض ببعض ما يخرج منها ، ولو أكريا الأرض جاز أن يتساويا فيما بعد ذلك ولو اكتريا الأرض من رجل / وأخرج هذا البذر وهذا العمل وذلك متساو فهو جائز . قالا :
[7/357]
***(1/352)
[7/358]
وكذلك إن اعتدلا في الأرض والعمل واشتريا البذر من رجل فجائز . قال ابن حبيب : ويجوز أن يكون ثور أحدهما أفره [من الآخر].
ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم عن مالك فيمن دفع أرضه إلى رجل يزرعها على أن الزرع بينهما قال : الزرع لرارعه ويغرم لرب الأرض كراءها .
قال ابن القاسم : وإذا دفع إليه هذا البذر ليرزعه في أرضه على أن يكون الزرع بينهما فالزرع لرب الأرض ويغرم للآخر مكيلة حبه . وقال سحنون : الزرع لرب الحب وعليه للزارع كراء أرضه وعمله .
ومن كتاب ابن سحنون : ومن دفع أرضه وبقره إلى من يزرعها بيده وعمله على أن الزرع بينهما قال : فالزرع لرب البذر وعليه للآخر كراء أرضه وبقره ، وكذلك إن لم تخرج الأرض شيئا لغرم ذلك إلا أن يكون ذلك قبل انقطاع مائها فلا كراء له في الأرض وله كراء البقر .
ومن كتاب ابن سحنون ، عن أبيه : وإذا اعتدلا في الأرض وأخرج هذا الزريعة والدابة ومن الآخر المحراث والسكة . وعمل يده ، فإن لم يقوما ذلك حتى يكون متكافئا وإنما أعطى هذا الزريعة والدابة للآخر على النصف فالشركة فاسدة والزرع لصاحب الزريعة وعليه أجر الممسك وأداته . قال سحنون وقال بعض أصحابنا وأنا أقوله : وإذا أخرج هذا البذر والآخر كراء الأرض وذلك متكافئ وتكافأ في العمل لم / يصلح ؛ لأنه يدخله أن أحدهما تكارى نصف الأرض بنصف البذر وهو كراء الأرض بالطعام ، وإذا كانت الأرض بينهما أو أكترياها ومن عند أحدهما البذر ومن الآخر العمل وهو متساو جاز . ولم يجزه ابن دينار وخالف فيه مالكا وجعله مثل ذهب وعرض بذهب قال سحنون : هذا جائز بخلاف المراطلة .
[7/258]
***(1/353)
[7/259]
في شركة المتزارعين على إخراج مختلف أو على
أجزاء من الزرع أو على أن جزءا للمساكين
من كتاب ابن سحنون عن أبيه وكتاب ابن حبيب : وإذا اشترك رجلان ؛ فأخرج أحدهما الأرض وثلثي الزريعة ومن الآخر ثلث الزريعة والعمل على أن يكون الزرع بينهما نصفين ، قال ابن حبيب : أو على الثلث والثلثين ، قالا : فذلك جائز .
قال سحنون : إذا كافأ عمله كراء الأرض وما فضله به من الزريعة قال ابن حبيب : لأن زيادة الزريعة بإجارة عمل العامل . قالا : فإن جعل العامل ثلثي الزريعة وصاحب الأرض ثلثها على أن الزرع بينهما نصفين لم يجز .
[قال ابن حبيب : إلا على الثلث والثلثين : قالا : لأن زيادة الزريعة ها هنا كراء الأرض ، فإذا وقع على ما لا يجوز فالزرع بينهما على الثلث والثلثين ويترادان الفضل في الأكرية . قالا : وإن أخرج أحدهما ثلثي الأرض وثلث البذر ومن الآخر ثلث الأرض وثلثا البذر والعمل والزرع بينهما نصفين لم يجز]. قال سحنون : وكأنه أكرى سدس أرضه بسدس بذر صاحبه / ، فإن نزل فالزرع بينهما بقدر ما لكل واحد من البذر ويتراجعان في فضل كراء الأرض والعمل . قالا : فإن عرف كل واحد زريعته على حدة كان له ما أنبتت . قال سحنون : ويتراجعان في الأكرية .
قال ابن حبيب : وإن بذر من بذر صاحبه شيئا رده ورد كراء ما حرث من الأرض إن حرث من أرض صاحبه شيئا ، وإن اختلط الزرع فهو بينهما على الثلث والثلثين ويرجع من له فضل كراء وعمل على صاحبه .
[7/359]
***(1/354)
[7/360]
قال سحنون : وإن أخرج أحدهما ثلثي [البذر والآخر العمل واعتدلا]فيما بعد ذلك ؛ على أن الزرع بينهما [نصفين لم يجز يكون الزرع بينهما]على قدر ما أخرجا من الزريعة ويرجع صاحب الثلثين على الآخر بسدس كراء أرضه وسدس عمله .
ومن كتاب ابن سحنون : وإذا كان البدر من أحدهما والعمل ومن الآخر الأرض على الثلث لرب الأرض والثلث للمساكين والثلث لصاحب العمل فهو فاسد والزرع لصاحب البذر وعليه كراء الأرض ، فإن تطوع للمساكين بشيء وإلا لم يجبر .
وإذا كان البذر من عند صاحب الأرض ومن الآخر العمل على أن لصاحب العمل الثلث ولم يسم الآخر شيئا قال : فإن له الثلثين إذا كان قيمة ما أخرج الثلثان ، وإن كان قيمة ما أخرج الثلث ، فالزرع كله لصاحب الزريعة وعليه أجر عمل العامل وكذلك لو سميا لرب الأرض ولم يسميا للعامل شيئا ولو تخارجا ـ كما ذكرنا ـ شركة على أن ما أخرج فلصاحب الأرض والبذر / وحده فذلك له إذا حلف ، أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج ، وإذا أخرج هذا أرضه وبذره والآخر عمله وبقره على أن التبن خاصة بينهما والحب لرب الأرض أو للعامل فذلك فاسد ويكون ما أنبتت لرب البذر وللآخر أجر . عمله . ولو كان البذر من عند العامل ... فهو أحرم والزرع له وعليه كراء الأرض . وكذلك لو كان السؤال على أنه إن عجل وزرع في شهر كذا فذلك بينهما ، وإن زرع في شهر بعده فالثلث للعامل وللآخر الثلثان لم يجز والزرع لرب البذر وعليه للآخر ما يجب من كراء أو إجارة سواء زرع في الشهر الأول أو الثاني أو زرع بعضا في كل شهر .
[7/360]
***(1/355)
[7/361]
قال سحنون : وما جرى في المزارعة الجائزة من ذكر العمل على أحدهما فإنما يراد به عمل الحرث دون الحصاد ولا يجوز شرط الحصاد في العمل المشترط بحال .
في مزارعة الثلاثة أو الأربعة وما
يجوز من شركتهم في ذلك وما لا يجوز
من كتاب ابن سحنون : وإذا اشترط ثلاثة ؛ أخرج أحدهم الأرض ونصف البذر والآخر نصف البذر فقط والثالث البقر والعمل على أن الزرع بينهم أثلاثا لم يجز ، فإن نزل فالزرع في مذهب ابن القاسم بين العامل ورب الأرض ويغرمان لمخرج نصف البذر مكيلة بذره . ومذهب سحنون / أن الزرع لصاحبي الزريعة وعليها كراء الأرض والعمل . قال ابن حبيب : قد أخطئوا ويصير الزرع بينهم أثلاثا . والذي ذكر ابن المواز على أصل ابن القاسم أن الزرع لمن ولي العمل إذا أسلمت الأرض إليه ويؤدي مثل البذر لمخرجه وكذا الأرض .
ومن كتاب ابن حبيب : وإن اشترك أربعة ؛ فأخرج أحدهم الأرض والآخر البذر والآخر البقر والرابع العمل فلا يجوز ، فإن نزل فالزرع لمخرج البذر وعليه الكراء لأصحابه ، ولو أن ثلاثة أخرجوا الزريعة أثلاثا ومن أحدهم الأرض ومن الآخر البقر والثالث العمل على أن الزرع بينهم أثلاثا فذلك جائز ، فإن تفاضلوا رجع من له فضل على صاحبه إلا أن يكون تافها فيجوز أن يتعهدوه ، ولو عقدوا على التساوي جاز ما يتفضل به أحدهم بعد ذلك ، وإن كثر ، وإن كان البذر من عند اثنين ومن عند الثالث الأرض والعمل لم يجز والزرع لصاحبي البذر ويؤديان كراء الأرض والعمل ، فإن كان الأرض والبذر في هذا من عند رجلين بالسواء ومن عند الثالث العمل كان جائزا إلا أنه لا يقع في هذا الأرض كراء بالبذر . ولو كان البقر والبذر من عند اثنين ومن عند الثالث الأرض لم يجز ويكون الزرع لصاحبي البذر ويغرمان كراء الأرض ، وإن كان لأحدهم الأرض ونصف البذر ومن الآخر .
[7/361]
***(1/356)
[7/362]
نصف البذر فقط ومن الثالث العمل على أن الزرع بينهم أثلاثا فقد أخطئوا والزرع بينهم أثلاثا ويتراجعون / فيما بينهم . وهي في أول الباب وما قال فيها سحنون وابن قاسم .
في الأرض بين الرجلين يدفعها أحدهما
إلى الآخر مزارعة
من كتاب ابن سحنون ، عن أبيه وعن أرض بين رجلين دفعها أحدهما إلى الآخر يزرعها ببذره وبقره وعمله فما خرج فبينهما نصفين فلا يجوز وكأنه أعطاه نصيبه من الأرض معاملة بجزء مما تنبت . وقال ابن عبدوس : ذلك جائز ؛ لأنه معين له بالعمل متطوع بالبذر .
قال ابن سحنون عن أبيه : وإذا كان على أن يزرعها المدفوعة إليه ببذر الدافع ومن عند الآخر العمل فما خرج فثلثه للعامل والثلثان للدافع ، فإن كان قيمة البذر الثلثين وقيمة العمل الثلث فذلك جائز . قال ابن عبدوس : هذا خطأ ، لأنه كراء الأرض بالطعام لأن العامل له ثلث الزرع بثلث الأرض وأكرى سدس الأرض وثلثي العمل بثلثي البذر الذي من عند شريكه . قال ابن سحنون عند أبيه : ولو أخرجا البذر من عندهما نصفين على أن يزرعها أحدهما ببقره وعمله على أن للعامل الثلثين أو النصف وللآخر ما بقى فهذا فاسد ؛ لأن الذي ولي العمل [وله الثلثان]أكرى بقره وعمله بثلث ما أخرجت أرض شريكه ، وإن كان ما خرج بينهما نصفين فسد ذلك ؛ إذ لم يعتدلا . وقال ابن عبدوس : إن اشترط العامل الثلثين فذلك جائز وكان الذي لم يعمل أعطى سدس البذر وسدس الأرض بثلث عمل العامل / فهو جائز إذا اعتدلا . قال : ولو كان ما قال يدخل لكان إن أخرج أحدهما أرضا وبذرا والآخر العمل لم يجز على قوله ؛ لأنه ـ على ما قال ـ مكري بقره وعمله بنصف ما تخرج الأرض وهذا قد أجازه .
[7/362]
***(1/357)
[7/363]
فيمن أعطى رجلا أرضه وبذره
ليزرعها على أن الزرع له أو لرب الأرض
أو بينهما ، أو كان البذر للرجل
ويزرعه هو ، أو رب الأرض على أن الزرع له أو لرب الأرض ،
وكيف بالدعوى في ذلك أيضا ؟
من كتاب ابن سحنون ، عن أبيه : وإذا قال رب الأرض لرجل : ازرع أرضيي ببذري فما خرج فهو لك . فذلك جائز وله ما خرج ولا كراء عليه ، وإن قال : إنما أردت أن تعطي كراء أرضي ومثل بذري فذلك له إذا حلف وأخرجت شيئا ، وإن لم تخرج شيئا فله مثل بذره ولا كراء له إن هلك الزرع بسبب العطش وإلا فالكراء له . وإن قال له : ازرع في أرض كذا من طعامك فما أخرج فهو لي . فرضي فذلك جائز ولا شيء للعامل إلا أن يقول : لم أعمل إلا بإجارة وأقرضتك الطعام . فله ذلك إن حلف ، أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج .
ولو قال : فما أنبتت فبيننا لم يجز والزرع لصاحب الزريعة عليه لصاحب البذر وعليه كراء الأرض . ومن أخرج بذرا فقال لرجل : ازرعه في أرضك ولك ما أخرج فهو جائز وما أخرج فلرب الأرض ، وإن قال مخرج البذر : أردت السلف . / فليحلف ويأخذه به ، أنبتت الأرض شيئا أو لم تنبت . ولو قال له : ازرعه لي في أرضك فما خرج فهو لك . فهذا فاسد وما أخرج فلرب البذر وعليه كراء الأرض . قال ابن عبدوس : هذا جائز وهو معروف صنعه به . ومالك : إنما يراعى ما يصح في العاقبة وإن أخطأ في اللفظ .
قال ابن سحنون عن أبيه : ولو قال : ابذره في أرضك لنفسك فما خرج فهو إلي فهو فاسد والزرع لرب الأرض كأنه وهبه البذر ثم استثنى الواهب ما أخرج ولو قال رب البذر : لم أرد أن أهبه له . حلف ورجع عليه بمثله كما لو وهبه
[7/363]
***(1/358)
[7/364]
رمكته على أن ما نتجت للواهب يقبضها على ( ذلك ) فما نتجت للموهوب له واستثناء الواهب باطل . وإن أعطيته أرضك وبذرك وبقرك على أن يزرع والزرع بينكما نصفان لم يجز وهو أجير والزرع لرب البذر . ولو قال : قد جعلت النصف من أرضي وبذري وبقري كراء بنصف عمله . لم يجز ، وإن تولى هذا كان الزرع بينهما نصفين ويتراجعان الفضل في الأكرية ؛ لأن هذا قبض نصف البذر في إجارته ، ولو قال له : خذ بذري فازرعه في أرضك على النصف . فعلى قول سحنون الزرع لرب البذر ولهذا أجر عمله وكراء أرضه . وفي قول ابن القاسم الزرع للعامل وعليه مكيلة البذر لربه . ولو قال له : خذ أرضي فازرعها ببذرك وببقرك والزرع بيننا فالزرع لرب البذر . يريد في قوليهما وعليه كراء الأرض لربها .
وهذا قد تقدم في باب آخر .
في شركة المتزارعين على سلف الزريعة
من أحدهما أو ثمنها للآخر بشرط
أو بغير شرط أو لغيبة أحدهما
أو أعطى لشريكه دراهم ليشتري بها ما يقع عليه
من الزريعة وكيف بالتداعي في ذلك
من الواضحة قال ابن حبيب : وإذا اشتركا فأخرج هذا الأرض ـ يريد : والعمل على الآخر ـ وقال للآخر : أخرج أنت جميع البذر على أن علي نصفه شيء
لم يجز لشرطه السلف ، فإن وقع فالزرع بينهما نصفان ؛ لأنهما ضمنا الزريعة و تكافأ في العمل وكراء الأرض ويرجع مخرج الزريعة بنصفها معجلا على الآخر .
وقال ابن سحنون عن أبيه : الزرع لمسلف الزريعة وعليه كراء الأرض . قبض رب الأرض حصته من الزريعة أو لم يقبض إذا وقعت الشركة على شرط السلف إلا أن يكون أسلفه على غير شرط بعد صحة العقد . ولو كانت الأرض والزريعة من عند
[7/364]
***(1/359)
[7/365]
واحد على أن يسلفه العامل ثمنها مائة درهم فقبض الدراهم واشترى بها بذرا فزرعه العامل فالشركة فاسدة والزرع للذي تسلف الدراهم ويعطي العامل مثل الدراهم وإجارة عمله .
قال ابن حبيب في أول المسألة : ولو اختلفا في البذر ؛ فقال للعامل : بذرت مديا . وقال رب الأرض : ما بذرت إلا نصف مدي . فالعامل فيا بذر مصدق مع يمينه إلا أن يأتي بما لا يشبه فيصدق الآخر فيما يشبه ، فإن لم يأت بما يشبه / نظر قدر محل الأرض من البذر فيؤدي نصفه ، ولو وقعت الشركة على غير شرط السلف ثم عجز أحدهما فأسلفه الآخر فذلك جائز إن لم تكن عادة جريا عليها . وكذلك قال سحنون .
ومن العتيبة روى عيسى عن ابن القاسم في المتزارعين يخرج هذا الزوج والآخر العمل برجاء رب الزوج بجميع الزريعة على أن نصفها سلفا على صاحبه أو ثلثها فذلك فاسد والزرع نصفين إن أسلفه نصف الزريعة ويغرم له ما أسلفه ويتراجعان فضل الكراء في الأرض والعمل .
وكذلك إن اشتركا على الثلث والثلثين وكان السلف كذلك فالزرع بينهما ويتراجعان في فضل الأكرية ، ومصيبة الزرع إن هلك بينهما كذلك حسب ما اشتركا على النصف والنصف ، أو الثلثين والثلث ويرجع مخرج البذر على صاحبه بما أسلفه ، ويتراجعان في فضل الأكرية بثمن ذلك عينا لا في الزرع وإذا عقدا الشركة على غير سلف ثم تبرع المسئول السلف بالسلف فذلك جائز إن تساويا في الأكرية ، وإن تفاضلا فيها رجع من له فضل بفضله ثمنا . ورواها أصبغ أيضا .
وروى عنه أبو زيد في الشريكين في الزرع فحرثا الأرض ثم غاب أحدهما عند الزراعة وخاف شريكه الفوات فأخرج جميع الزريعة من عنده فزرعها فقال ابن
[7/365]
***(1/360)
[7/366]
القاسم : لا يكون لصاحبه شرك في الزرع وإنما له كراء مثل الأرض محروثة والزرع لزراعه / . قيل له : فإن أحضر رجلا فقسم الأرض بمحضرهم وحرث في نصيبه .
قال : لا ينفعه وعليه نصف كراء ما زرع إلا أن يقسم ذلك بأمر السلطان .
وكذلك في كتاب ابن المواز من أول المسألة وزاد : لو زرعها الحاضر من غيرقسم ليكون بينهما فقدم الغائب فرضي فذلك جائز ؛ لأن لهما زرعهما الحاضر ، ولو زرعها لنفسه لم يجز أن يعطيه نصيبه من الزرع ليكون الزرع بينها ولا يجوز أن يشتريه إلا بعد بدو صلاحه بغير الطعام . ومن العتبية قال سحنون : قال ابن القاسم في الشريكين يغيب أحدهما عند البذور وقد حرثا الأرض الأرض فزرعها الحاضر من عنده ، فإن جاء صاحبه وحل إبان الزرع فله أن يبذر نصيبه من الأرض ولا يجوز له أن يأخذ فيها طعاما ولا ذهبا ولا أرضا يحرثها ولا مثوبة وله على الذي بذرها كراءها ما كان عمل هذا فيها . قال أبو محمد : ولم يبين في العتبية في سؤاله هل زرعها الحاضر لنفسه أو بينهما ؟
ومن كتاب ابن المواز قال : ولو اكتراها ليزرعها بينهما فغاب أحدهما فزرع أحدهما فزرع أحدهما نصفها وطاب الزرع فهو له خاصة وعليها كراء ما تعطل منها .
قال أصبغ : وعلى الزارع نصف قيمة كراء المرزوع منها إن كان ذلك أكثر ـ يريد من الثمن ـ وما تعطل فهو عليه وكراؤها كلها عليهما . قال ابن المواز : وهذا قول ابن القاسم .
ومن العتبية روى حسين بن عاصم عن ابن القاسم فيمن له أرض قد رويت فقال لرجل : ازرعها من عندك وعلى نصف الزريعة / . ففعل فذلك فاسد والزرع بينهما نصفين ويتكأفان في الكراء والعمل ، والعامل مصدق فيما بذر إذا اختلفا إلا أن يأتي بما لا يشبه . ومن كتاب ابن سحنون : ولو اشتركا على أن يخرج أحدهما البقر والزريعة ويخرج الآخر العمل على أن يرد على صاحبه نصف
[7/366]
***(1/361)
[7/367]
الزريعة لم يجز وهي شركة وسلف الزرع بينهما . وقال ابن القاسم : ويرد نصف الزريعة على صاحبه ويتراجعان في إجارة ما بقي ثمنا لا في الزرع ولو وقعت الشركة على غير شرط سلف ثم أسلفه فهو جائز وإن تكافأ في غير ذلك . وفي قول ابن سحنون : إذا شرطا السلف فالزرع لصاحب الزريعة وعليه أجر ما أعانه به الآخر . ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم في رجلين بينهما أرض فاشتركا وأعطى أحدهما للآخر دنانير وقال : اشتر بها ما وقع على من البذر . فيزرع ثم يدعي أنه لم يشتر شيئا وأنه زرع من عنده قال : الزرع بينهما ولا يصدق . قال : وإن صدقه الآمر أنه لم يشتر فهو مخير إن شاء أعطاه المكيلة وكان شريكه ، وإن شاء أخذ دنانيره ولا شيء له في الزرع . قال يحيى بن عمر : إن صدقه أنه لم يشتر أو قامت بذلك بينة زرع من عنده فالزرع لباذره ولا يجوز للآخر الرضاء بأخذ نصفه ويؤدي الزريعة وهذا حرام وليأخذ دنانيره وما يجب له من كراء الأرض وبقر وعبيد . وهذه المسألة في كتاب ابن سحنون عن ابن القاسم ، كما في العتبية وقال : وقد قال غيره : إن صدقه وقد تم الزرع فهو لمن زرعه وللآخر كراء أرضه .
في المتزارعين على أن يبدأ مخرج البذر بمكيله
أو بشيء سماه أو بخراج أرض والباقي بينهما أو على أن لهذا
ما تبنت ناحية من الأرض وما بقي للآخر
ومن كتاب ابن سحنون : وإذا تزارعا فأخرج البدر مخرج الأرض أو مخرج البقر على أن ما أخرج يأخذ منه مخرج البذر بذره وما بقي بينهما فلا يجوز ، وكذلك إن خرج مخرج البذر جزءا سماه من الزرع وما بقي بينهما وقد اعتدلا فيما أخرجا لم يجز . ولو أخرج هذا الأرض والبذر والآخر العمل وعلى أن يبدأ فيما
[7/367]
***(1/362)
[7/368]
أصابا بخراج الأرض لم يجز ، ولو قالا : على أن يبدأ بالعشر للسلطان والباقي بينهما فذلك جائز .
وقال سحنون : وإن أخرج هذا الأرض والبذر والآخر البقر والعمل على أن للعامل ما أخرجت ناحية من الأرض محدودة وللآخر ما بقي لم يجز وكذلك على أن ما نبت على السواقي للعامل فقط ، فإن نزل فالزرع ـ في قول سحنون ـ لرب البذر وعليه كراء عمل الآخر وبقره . وكذلك على أن التبن فقط للعامل على هذا ، ولو كان على أن البذر من عند العامل كان أحرم له والزرع له وعليه كراء الأرض وكذلك إن كان البذر لرب الأرض على أن لأحدهما أقفزة معلومة والباقي بينهما ، وإذا وجب الزرع لرب الأرض إذا كان هو مخرج البذر فعليه كراء البقر والعمل للآخر لا تبالي استعان في العمل بأحد أو تاجر فيه أو عمله عبيده فذلك له .
في المتزارعين بطعام مختلف
أو بأرضين متباعدين
من كتاب / ابن سحنون عن أبيه : ولا يجوز في المزارعة أن يخرج هذا قمحا وهذا شعيرا أو سلتا أو صنفين من القطنية ويخرج كل واحد صنفا ويعتدلان فيما بعد ذلك ، فإن نزل ذلك فلكل واحد ما أنبت بذره ويتراجعان في الأكرية وقد قال بعد ذلك : تجوز الشركة بأن يخرج هذا قمحا وهذا شعيرا في المزارعة وفي شركة التجارة إذا اعتدلت القيمة وبالدنانير والدراهم وإنما لا تجوز شركة وصرف إذا كان الصرف خارجا من الشركة وأما فيها فجائز .
قال سحنون وابن حبيب وإذا خرج هذه الأرض ومديا من قمح ونصف مدي ومن شعير ومن عند الآخر مدي والعمل ، على أن جميع الزرع بينهما فجائز .
قال سحنون : إذا صار العمل مكافئا لكراء الأرض ولما أخرج ربها من الشعير . قال ابن حبيب : لأن الشعير ثمن لبعض العمل . قال ابن حبيب : وذكر ابن سحنون مثله . ولو أخرج صاحب العمل من القمح أكثر مما أخرج رب
[7/368]
***(1/363)
[7/369]
الأرض منه لم يجز ويدخله قمح بشعير غير يد بيد وكراء الأرض ببعض ما يخرج منها ، فإن وقع وأخرج الشعير فربه وما أخرج القمح بينهما بقدر البذر ويتراجعان في تفاضل الأكرية . ولو كان رب العمل مخرج الشعير واعتدلا في القمح لم يجز ، فإن عرف كل واحد ما أنبتت زريعته فهو له ويتراجعان فضل الأكرية . ومن كتاب ابن حبيب أيضا قال ابن حبيب : ولا بأس أن يشتركا بصنفين من الطعام إن اشتركا في كل صنف وتساويا في غير ذلك وأما أن يخرج هذا مدي شعير وهذا مدي قمح فلا يجوز ، وإن اعتدلا فيما سواه ، فإن نزل فلكل واحد ما أنبت حبه ومن له فضل في غير ذلك أتبع به صاحبه .
قال ابن سحنون : وإذا اشتركا على حرث / أرضين متباعدتين ؛ واحدة بالريف وأخرى بالشام واعتدلا فيما سوى ذلك على أن يزرعا التي بالريف ثم يذهبا إلى التي بالشام فيزرعاها فذلك جائز في قياس قول سحنون ، ولو كان على أن يخرج هذا البذر الذي يبذر بالفيوم يخرج الآخر البذر الذي يبذر بالشام لم يجز ؛ لأن الشركة بالتساوي والخلط .
في المتزارعين على الصحة لا يخلطان
الزريعة أو يخرج أحدهما زريعة دنية
فيجاوزها الآخر وكيف إن لم تنبت زريعة أحدهما ؟
من كتاب ابن سحنون ، عن أبيه : إذا صحت الشركة في المزارعة وأخرجا البذر جميعا إلا أنهما لم يخلطاه فزرعا بذر هذا في فدان أو في بعضه وزريعة الآخر في الناحية الأخرى ، ولم يعملا على ذلك فإن الشركة لا تنعقد ولكل واحد ما أنبت حبة ويتراجعان فضل الأكرية ويتقاصان . قال : وإنما تتم الشركة إذا خلطا ما أخرجا من الزريعة أو جمعاها في بيت أو حملاها جميعا إلى الفدان ويدر كل واحد في طرفه فزرعا واحدة ثم زرعا الأخرى فهو كما جمعاهما في بيت وتصح الشركة ، وإذا صحت الشركة في هذا فنبت بذر أحدهما ولم ينبت الآخر ، فإن غر منه صاحبه وقد علم أنه لا ينبت فعليه مثل نصف بذر صاحبه لصاحبه والزرع
[7/369]
***(1/364)
[7/370]
بينهما ولا عوض له في بذره ، فإن لم يعلم أنه لا ينبت ولم يغره فإن على الذي نبت بذره أم يغرم الآخر مثل نصف زريعة على أنها لا تنبت ويأخذ منه مثل نصف بذره الذي نبت والزرع بينهما على الشركة غره أو لم يغره ولو علم ذلك / في إبان الزراعة وقد غر هذا صاحبه فأخرج زريعة يعلم أنها لا تنبت فلم تنبت فضمانها منه وعليه أن يخرج مكيلها من زريعة تنبت فيزرعها في ذلك القليب وهما على شركتهما ولا غرم على الآخر للغار ، وإن كان لم يغر ولا علم فليخرجا جميعا قفيزا آخر فيزرعاه في القليب إن أحبا وهما على شركتهما .
وقد قال : إذا نبت قفيز أحدهما ولم ينبت قفيز الآخر وهو غار أو غير غار أنه لم ينعقد بينهما شركة ولكل واحد ما أخلف بذره .
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في المتزارعين على الصحة ؛ يشتري أحدهما قمحا طيبا نقيا رضيه صاحبه ثم اشترى صاحبه قمحا رديا فتجاوزه صاحبه فزرع صاحب الجيد بقمحه ثلاثة فدادين ، وزرع صاحب الردئ بقمحه فدادين ثم تشاحا قال : يؤدي كل واحد إلى صاحبه ثمن نصف زريعته فيستويان . قال يحيى بن عمر : إذا تشاركا في المزارعة على أمر جائز ؛ فأخرج هذا من طعامه كيلا بقدر ما عليه فزرعا في موضع من الأرض ثم أخرج الآخر قمحه فزرعاه ثم لم ينسب طعام أحدهما وتقاززا بذلك قال : فما نبت فبينهما وما لم ينبت فمنهما ، وإن لم يخلطا الحب إذا تزارعا على الصحة واعتدلا فيما أخرجا ولم يدلس أحدهما بزريعة لا ينبت مثلها ؛ من طمر أصابه في رطوبته أو حرق في أسفل الطمر أو سوس أو نحوه . قال : ولم يحضرني في المزارعة شيء وقد سمعت في البيع فيمن باعه وقد دلس به وهو يعلم أن مشتريه يريد بذره بمائة يرد الثمن ، وإن لم يعلم أنه يريد بذره / أو يعلم بعيبه فليرد ما بين الصحة والعيب .
وقال سحنون في البيع يرد عليه مثل الطعام ويأخذ منه الثمن إذا لم يدلس ، وإن دلس فليرد الثمن . وقال سحنون في المتزارعين إذا عرف موضع زرع بذر كل
[7/370]
***(1/365)
[7/371]
واحد منهما ؛ فمن نبت بذره فهو له خاصة وعليه كراء حصة الآخر من بذر وعمل . قلت لسحنون : فإن زرع كل واحد بذره في ناحية معلومة أتم الشركة ولم يكن ذلك بشرط . قال : لا يجوز ذلك ولكل واحد منهما ما أنبت بذره ويتراجعان في الأكرية والعمل وإنما تجوز الشركة إذا خلطا الزريعة كالشريكة بالمال . وقاله أصبغ .
فيمن اشترى زريعة فلم تنبت
وهذا الباب قد جرى منه كتاب العيوب وجرى منه في هذا الباب الذي هذا يليه
ومن كتاب ابن سحنون ، قال سحنون فيمن اشترى شعيرا ليزرعه وشرط له البائع أنه ينبت ، فإن قامت بينة أنه زرعه بعينه في أرض تربة تنبت فلم تنبت ، فإن ثبت أنه غره منه عالما بأنه لا ينبت رجع عليه بجميع الثمن ، وإن لم يغره وإنما شرط ذلك لأنها كانت عنده في نقائها وجودتها أنها تنبت حلف على ذلك وليرد المشتري مثلها ويأخذ ثمنه كله . وعمن اشترى زريعة البصل والكرات أو البطيخ فزرعها فلم تنبت أو كان قمحا أو شعيرا أو زرع منه غيره فنبت بعضه وبطل بعضه ولا يعرف ذلك ولا يميز أهل المعرفة ما نبت من ذلك وما لا ينبت إذا وزع فإنه إن كانت أرض سوء لا تنبت / وربما يأكل الزريعة الدود والطير ، قال : إن غره وهو يعلم أنها لا تنبت فقامت بينة أنه زرعها في أرض تربة فلم تنبت رجع بجميع الثمن وقد استوعبنا القول في هذا في كتاب العيوب .
في المتزارعين يريد أحدهما أو كلاهما
المشاركة أو يعجز أو يغيب أو يتقابلان
قبل أن يزرعا أو بعد أن يذهب السيل ببذرهما
وهل يشتركان بعد الزراعة ؟
من كتاب ابن سحنون عن أبيه قال : وإذا تزارعا مزارعة صحيحة ثم طلب أحدهما الترك وأبى الآخر فليجبر الآبي على التمادي وكذلك لو قال متولي العمل : لا أزرع في هذه الأرض ولكن في هذه الأخرى . فليس ذلك له .
[7/371]
***(1/366)
[7/372]
ومن العتبية قال أصبغ : قال ابن القاسم في رجلين اشتركا في عمل الزرع فيريد أحدهما الخروج ويبرأ إليه ، فإن لم يبذرا فذلك له ، وإن بذرا فليس ذلك له ويلزمه أن يعمل معه ، فإن عجز قيل لشريكه : اعمل فاذا طاب الزرع بع واستوف حقك ، فإن قصر عنه ابتعته به لأنه كان يلزمه أن يعمل .
وذكر ابن القاسم في كتاب ابن المواز مثله من أول المسألة .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا زرعا فليس لهما أن يتفاضلا ولا أن يولي أحدهما الآخر حصته أو لأجنبي وهو بيع زرع قبل بدو صلاحه . قال أبو محمد : ولا تجوز الشركة في أرض قد زرع بعضها إلا أن يشتركا فيما لم يزرع منها .
ومن كتاب ابن حبيب وعن المتزارعين يذهب السيل بزرعهما في إبان الزراعة فأراد أحدهما أن يعودا ببذر آخر وأبى ذلك ابن القاسم : لا يجبر ؛ لأن عملهم / قد تم فلا يجبر على العودة وأما لو ذهب ثور أحدهما أو عبده أو دابته جبر أن يعمل مع صاحبه وكذلك لو ذهب بذره قبل أن يزرعه أو ذهب بذرهما فها هنا يجبر من أبى أن يعمل مع صاحبه ولو دفع إلى رجل أرضه ونصف البذر على أن يخرج نصف الزريعة ويعمل ببقره فقلب الأرض فلما كان حين الزرع عجز عنها فقال لرجل آخر خذ أرضي ونصف بذري وأخرج نصف البذر وبقرك وازرعها [ببيننا]. ففعل ، قال : ما يزرع بين الأول والآخر ولا شيء للأوسط علم بمعاملة الأول للأوسط أو لم يعلم . ومن كتاب ابن سحنون قال : إذا اشتركا على شرط التساوي فتأتت الأرض للحرث وغاب أحدهما وزرعها الآخر من زريعته ولم يحضر الآخر زريعة قال : الزرع لمن له البذر ، ولرب الأرض كراء أرضه ، ولو جاء الآخر بزريعته بعد أن زرعها الأول فلا يصلح أن يأخذها ويكون الزرع بينهما ولا تتم الشركة حتى يخلطا الزريعة ويجمعاها في بيت ولو رضي الزارع بأخذ الزريعة من الآخر ؛ ليكون الزرع بينهما لم يجز وهو بيع زرع لم يبد صلاحه . ولو قال
[7/372]
***(1/367)
[7/373]
لشريكه : أسلفني الزريعة وازرعها وأنا أقضيكها عاجلا : فلا يجوز إلا أن يقبضها منه ثم يدفعه لتزرع .
في المتزارعين وعلى أحدهما الحرث فاختلفا
كم يحرث في الأرض ؟ أو شرط عليه عددا فقصر عنه
وما يجوز من شرط العمل في الحرث والحصاد
وعلى من حراسة الزرع منهما إذا تشاحا
من كتاب ابن سحنون قال : وإن تزارعا على أن الأرض والبذر من عند أحدهما ومن الآخر البقر والحرث فطلب أن يحرثها حرثة وقال الآخر : بل حرثتين فليحملا على سنة البلد ، فإن لم يكن لهم سنة وكانوا يفعلون هذا وهذا إلا أن الزرع في حرثتين أغزر ففي قياس قول سحنون ، أن ليس عليه إلا حرثة واحدة إلا أن يشترط عليه حرثتين فيجوز ويلزمه ولو عقد على أنه إن حرث حرثة فله الربع ، وإن حرث حرثتين ، فله النصف لم يجز ويكون الزرع لرب البذر وعليه للآخر أجر عمله وبقره . قال سحنون في كتاب ابنه وعيسى في العتبية ولو شرطا أن البذر بينهما نصفان ومن عند أحدهما الأرض ومن الآخر العمل على أن الحرث ثلاث حرثات قال عيسى : وذلك متكافئ مالا فلم يحرثا إلا حرثتين فلنيظر إلى قيمة ما حرث وقيمة ما ترك ، فإن كان الذي ترك الثلث رجع عليه رب الأرض بثلث كراء نصف أرضه .
قال سحنون في كتاب ابنه : وإن أخرج أحدهما الأرض والبذر ومن عند الآخر البقر والعمل واعتدلا على أن ما خرج فبينهما فاختلفا في حفظ الزرع بعد أن أفضل فذلك عليهما وكذلك إن أرادا أن يفصلاه ويبيعاه فحصاد الفصيل وبيعه عليهما بحساب ما لكل واحد من الزرع ، وكذلك إن تأخر حصاده بمنع السلطان وكذلك حفظه في الأندر وفي الفدادين ، فأما لو كان البذر من عند العامل ،
[7/373]
***(1/368)
[7/374]
فسدت الشركة وصار جميع الحفظ على من له الزريعة / وكذلك في فصل الفصيل ولأن الزرع له وللآخر كراء أرضه . وقال سحنون في باب آخر : وإنما يجوز في الشركة الصحيحة اشتراط العمل على أحدهما إنما ذلك في عمل الحرث فقط لا في الحصاد والدراس ؛ لأنه لا يدري هل يتم ولا كيف يكون ؟ .
في عقد المزارعة حين القليب وقبل أوان
الزرع على أن يقلب الأرض أحدهما الآن
ثم يتساويا في إمكان الزرع في البذر وغيره
وفي المزارعة في أرض غير مأمونة
من العتبية روى حسين ابن عاصم عن ابن القاسم فيمن أعطى لرجل أرضه حين القلب ليقلبها بينها فإذا كان أوان الزرع كان البذر عليهما والزرع بينهما والعمل على الداخل والحصاد والدراس ونقل نصيب رب الأرض إليه وبين القليب وبين الزراعة شهر قال : لا يجوز هذا إذا كانت غير مأمونة ، فإن قلبها ولم يزرع فله نصف قيمة الحرث عن حصة رب الأرض ويستأني بنصيب الحرا ، فإن رويت أرضه لزمه كراء ذلك عن نفسه بعد أوان عطشه فلا كراء عليه وله نصف قيمة الحرث على رب الأرض عطشت أو لم تعطش ، وإن لم يعثر على ذلك حتى زرع فالزرع بينهما وباقي العمل بينهما وعلى العامل كراء الأرض بالنقد وله قيمة نصف الحرث والقليب والزراعة ، وإن كان هذا التعاقد بعدما رويت الأرض فذلك كله جائز إن كانت قيمة الحرث والزراعة والحصاد والدراس متساوية لكراء الأرض ، وإن لم تكن متساوية فالزرع بينهما ويرجع من له فضل على الآخر بالفضل .
[7/374]
***(1/369)
[7/375]
وقال سحنون في كتاب ابنه : لا يجوز في شرط العمل بين المتزارعين شرط الحصاد والدراس ؛ إذ لا يدري هل يتم ؟ ولا كيف يكون ؟
ومن العتبية قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم : وإن كانت أرض مأمونة جاز ذلك بينهما وترادا الفضل . قال سحنون في كتاب ابنه وذكر المسألة ولم يذكر الداخل إلا العمل ولم يذكر الحصاد والدراس وغيره فقال : إن كانت أرض مأمونة فجائز . وقال حسين بن عاصم عن ابن القاسم : وإن أكراها حين القليب بدراهم نقدا وهي غير مأمونة وبين القليب وبين الزرع شهر لم يجز فإن فات بالحرث فلربها كراء مثلها يأخذه إذا رويت ، وإن لم ترو فلا كراء له ، ولو فاتت بالزرع كان الزرع لزارعه وعليه الكراء لعامه .
قال مالك : ومن باع أرضه وقد قلبت ولم يذكر القليب فذلك للمشتري ، وإذا أعطاه أرضه حين القليب وهي مأمونة على أن يسلفه الداخل حين الزرع نصف البذر ، فإن أدرك قبل ذلك فسخ فإن فات بالزرع . . . منه ويترادان الفضل في غيره ، وإن أدركت وقد قلبها الداخل فموقوف وعليه قيمة كراء نصفه إن رويت ويأخذ من ربها قيمة حرثها للنصف الآخر . قال ابن حبيب : ولا بأس أن يزارع الرجل بأرضه قبل أن تروى ، وإن لم تكن مأمونة كما يجوز عقد كرائها بغير نقد ، فإذا تزارعها في إبان القليب على أن أعطى أحدهمها الآخر أرضه يقلبها فإذا جاز إبان ولم يرو فهي / مصيبة دخلت عليهما لأنهما شريكان وليسا متكاريين فهي كما لو زارعها ثم عطشت فلا يرجع العامل على صاحب الأرض بشيء بخلاف المتكاري .
في الأرض تستحق بعد أن اشترك
المتزارعان وزرعا
من كتاب ابن سحنون قال سحنون : وإذا أخرج أحدهما أرضا وبذرا والآخر العمل والبقر فاستحقت الأرض بعد الزراعة ، فإن استحقت في إبان الزراعة
[7/375]
***(1/370)
[7/376]
رجع المستحق على من كانت بيده الأرض بنصف قيمة كرائها وكأنه حرث له شريكه نصفها وواجره على ذلك بالنفع بنصفها أو بنصف البذر ، فإن كانت قيمة نصف البذر وكراء نصفها معتدلا رجع عليه أيضا المستحق بربع قيمة عمل العامل وهو الذي أخذ في كراء نصف الأرض ، وإن اختلفت قيمة البذر وكراء نصف الأرض كان ذلك على هذا الحساب ، وإن كان الذي استحقت الأرض من يديه عديما اتبعه بنصف قيمة كراء الب وأتبع شريكه بربع قيمة العمل في قياس قول سحنون . ولو استحقها بعد فوات الزراعة فلا كراء له على واحد منهما ، ولو كان بعد أن حرث ولم يزرع فله أخذها ولا شيء للشريك في حرثها .
في المتزارعين وعلى أحدهما العمل فيحرث
بعض الأرض ، أو عامله على حرث أرض
ببذري على أن يحرث لنفسه موضعا
منها فحرث بعض الأرض
من كتاب ابن سحنون ، قال سحنون : وإذا أخرج أحدهما الأرض والبذر والآخر البقر والعمل واعتدلا فحرث العامل بعض الأرض كريمها وترك الباقي ، فإن علم في الإبان جبر على أن يزرع ما فيها ، وإن فات الإبان نظر ؛ فإن حرث نصف الأرض كان على العامل لرب الأرض ربع كراء الجميع ، وإن حرث الثلثين فعليه السدس ويكونان شريكين في الزرع ولو واجبته يحرث نصف أرضي إلي بزريعتي على أن يحرث لنفسه في النصف الآخر فأقلب العامل كريم الأرض وترك الباقي وفات أيام القليب فليقسم هذا القليب بينهما ويغرم العامل كراء القليب وله على رب الأرض أجر مثله في النصف الواحد .
في المزارع يزارع غيره
من كتاب ابن سحنون عن أبيه : وإذا تزارعا ، من عند هذا الأرض ونصف البذر ومن الآخر نصف البذر والعمل فحرثها العامل ثم عجز عند الزراعة ـ يريد
[7/376]
***(1/371)
[7/377]
عن البذر والبقر ـ فقال لرجل آخر أعطني نصف البذر وبقرك وهذا نصف البذر والأرض فأزرعها بيني وبينك . قال : يكون الزرع بين الأول ـ يعني رب الأرض ـ وبين الآخر ، ويرجع العامل بكراء قليبه على الآخر ثمنا ، وسواء علم الآخر بما عقد الأولان أو لم يعلم ، وإذا عجز عن العمل وقد قلب الأرض ولم يجد ثقة يعامله فيها فليرد الأرض إلى ربها ولا شيء عليه للقليب كالمساقاة ولو كان للعامل مال بيع عليه حتى يتم العمل .
وإذا دفع رجل بذره ودابته إلى رجل والأرض / مباحة على أن يعمل الرجل وله ربع الزرع وثلاثة أرباعه لرب البذر والدابة لم يجز ، والزرع لرب البذر وللعامل أجر مثله .
ولو أخذه على هذا فعجز عن العمل فشارك غيره ذلك البذر والدابة فحرث ذلك الشريك بالدابة وزاد بذرا من عنده والزرع ، فإن لم يخلط البذرين فله ما أخرج بذره وعليه كراء الدابة فيه لربها وله أجر مثله على رب البذر والدابة إن كان مثل أجر الأول ، وإن كان أكثر رجع بالفضل على الذي عامله أجرا ، ولرب الدابة ما أخرج بذره .
في الدعوى بين المتزارعين
من العتبية قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم وابن كنانة فيمن أعطى أرضه وبذره وبقره رجلا يزرعها على أن يأخذ من الزرع زريعته ثم يقتسمان ما بقي ثم ادعى العامل أن نصف الزريعة له وكذبه رب الأرض فالقول قول الزارع والزرع بينهما نصفان ـ يريد ويتراجعان الفضل في غيره ويحلف الزارع . قال عبد الملك بن الحسن : سألت ابن وهب عنهما ؛ وإذا أخرج هذا الأرض وهذا العمل والبذر بينهما ثم ادعى العامل أنه إنما أسلف صاحبه نصف البذر من عنده قال : هو مصدق ويحلف والزرع بينهما ويتراجعان الفضل
[7/377]
***(1/372)
[7/378]
لا تبالي من كان العامل منهما فهو مصدق في الزريعة مع يمينه وقد فسدت الشركة وهذا الحكم فيها . قال أشهب : إذا قامت بينة لأحدهما / أنه الزارع وأن البذر في يده فليحلف ويرجع بنصف البذر على الآخر . قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم : ومن أعطى أرضه رجلا حين القليب مناصفة فحرثه الداخل فلما كان حين الزرع رويت قال ربها : عليك حرثها فخذ نصف الزريعة مني . وقال الداخل : إنما حرثت نصف الأرض على أن لي نصفها أحرثه لنفسي ويبقى لك نصفها تعمله أنت وأقاسمك إياها . وقال : تكاريتها كلها منك هذه السنة . قال : القول قول الداخل ويقتسمان القليب إن زعم أنه أخذها مناصفة ويحلف . وقاله ابن حبيب . وقال ابن سحنون عن أبيه : وإذا اشتركا في الزراعة فأقلب أحدهما أرض صاحبه وقت القليب ثم اختلفا وقت الزراع ؛ فقال رب الأرض : شاركتك بالأرض من عندي والعمل والقليب عليك والزريعة بيننا نصفان . وقال الآخر : إنما أقلبتها على أن أقاسمك إياها فتزرع أنت في النصف منها ما شئت وأزرع أنا فيما وقع إلي ما شئت . أو قال : أكريتها كلها منك بكذا . فالقول قول العامل ؛ لأنه عمل وحاز بعمله فيقاسمه إن قال : مقاسمة أو يكون له إن قال : كراء . ولو كانت هذه دعوى رب الأرض وادعى العامل المعاملة فرب الأرض مصدق ويحلف .
وقال ابن حبيب : وإن قال : أكريتها كلها . فهو مصدق مع يمينه ويدفع الكراء إلى ربها . وإن قال : دفعت الكراء . لم يقبل منه ولو ادعى الحارث المزارعة / وادعى صاحب الأرض المناصفة بالقليب أو الكراء فالقول قول رب الأرض مع يمينه . وقال حسين بن عاصم عن ابن القاسم مثله . ومثله في الواضحة ومن كتاب ابن سحنون : وإذا اختلفا بعد طيب الزرع ؛ فقال العامل : الزرع بيننا وقد تساوينا في الزريعة . وقال رب الأرض : الزرع لي وإنما آجرتك . فإن عرفت الزريعة أنها من عند أحدهما فالقول قوله مع يمينه ، وإن لم يعلم مخرجها فالقول قول العامل لأن الغالب في شركة الناس أن العامل يخرج البذر أو نصفه إن تحرى قولنا أخرج النصف ، وإن أخذ بقول غيرنا أخرج جميعها فهو الغالب من فعلهم .
قال : ولو كان العامل لا يعرف بملك بقر ولا زرع وإنما يعرف بالإجارة فادعى
[7/378]
***(1/373)
[7/379]
نصف البذر وقال رب ألا : أنت أجيري عملت في أرضي بزوجي وبقري ، فإن عرف لمن البذر منهما فالقو قوله مع يمينه ، وإن لم يعرف فالقول قول الذي بذر الحب العامل الذي يعرف ما البذر والعمل وهو مثل صاحب الزوج المعروف بالعمل إلا أن يكون أجيرا له معروفا بالإجارة فالقول قول رب الأرض إلا أن يأتي الآخر بما يدل على كذب الأرض .
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه كتاب ابن حبيب قال : وإذا اختلفا بعد القليب وعند الزراعة ؛ فقال العامل : تعاملنا على أن علي أنا القليب وحدي إذا كان حين الزراعة أخرجنا البذر جميعا وكان العمل علينا والأرض من عندك . / قال في كتاب ابن سحنون : أو نصفها قالا : وقال رب الأرض : بل تعاملنا على أن عليك أنت العمل كله وعلى الأرض ، والبذر بيننا ، فالقول قول من يدعي الاعتدال والصحة في معاملتهما . قال ابن حبيب : فإن لم يدع أحد منهما الاعتدال ردا إلى ذلك ثم يترادان الفضل . قال سحنون : إن لم يكونا زرعا فلتحص الشركة بينهما بالاعتدال ، وإن فات الزرع فهو بينهما بقدر البذر ويتراجعان في الأكرية . قال ابن حبيب : وإذا اختلفا ولم يتحاكما وأبى رب الأرض من العمل معه كما قال العامل فعمد العامل بعد أن قلب الأرض كلها فزرع نصفها لنفسه ببذره وأبقى نصفها لرب الأرض ثم تحاكما فقال ابن حبيب : إن ما زرع هذا بينهما كما لو زرع الجميع ويترادان الفضل وينظر فيما بطل من الأرض ، فإن كان رب الأرض مدعي الاعتدال في المعاملة فله على العامل نصف ما يفضل من الأرض لو كان رب الأرض مدعي الاعتدال في المعاملة فله على العامل نصف ما يفضل من الأرض كما لو كان ذلك بمزارعة جاره لم يختلفا فيها ، وإن كان العامل هو مدعي الاعتدال فلا كراء عليه وذلك على صاحبه الذي أبى العمل كما لو كان ذلك في مزارعة لم يختلفا فيها . وقال سحنون : إذا اختلفا وأبى رب الأرض أن يعمل معه كما قال العامل الذي أقلب الأرض وعمد العامل فزرع لنفسه في نصف الأرض وترك نصفها لرب ، قال : فالزرع كله للذي زرعه ولا شيء عليه من الكراء بعد أن يحلف ما عامله إلا على ما ادعى ؛ لأنه
[7/379]
***(1/374)
[7/380]
قال : عاملتك / على أن أقلب الأرض وحدي على أن يكون العمل عند البذر بيننا . وقال رب الأرض : بل على أن العمل هلكه عليك . فكأن العامل قال : أكريت نصفها منك بنصف القليب . وقال الآخر : بل على أن تقلب لي نصفها وتزرعه لي . فصار العامل مدعى عليه .
وقال سحنون : إذا اشتركا في الزرع واعتدلا فيما يخرجان بعده فدفع رب الأرض إلى العامل نصف البذر ثم ادعى أن العامل ما بذر إلا نصف مدي وقال العامل : بل بذرت مديا . قال : فالعامل مصدق مع يمينه فيما يشبه وإلا فرب الأرض مصدق فيما يشبه ، فإن أتيا بما لا يشبه نظر إلى مجمل تلك الأرض ، فيكون عليه نصفه .
في الأجير أو الوكيل يخطئ فيزرع
بذر غيره غاو في أرض غيره أو جبا غير
ما أمر به ومن أخطأ فزرع أو بنى في أرض غيره
من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم قال مالك فيمن سافر ووكل من يزرع أرضه ببذره فزرع الوكيل الأرض ببذر لزوجة الآمر وهو يظن أنه بذر الآمر قال : فالزرع لصاحبه ويعطي للمرأة مكيلة بذرها .
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه وذكر هذه المسألة فقال : إذا غلط الوكيل فزرع بذر الزوجة فهو ضامن وعليه للمرأة مكيلة البذر وينظر ما يخرج بذرها ، فإن كان مثل المكيلة التي غرم فأقل فليس له غير ذلك ، وإن كان أكثر / كان الفضل للآمر .
[7/380]
***(1/375)
[7/381]
قال ابن القاسم في العتبية لأنه له بذره . قال سحنون : وإن لم يرفع منه شيء لم يكن للمأمور شيء . ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم هذه المسألة فقال : إن زرع الوكيل بذر المرأة أو بذر ولد الآمر غرم للمرأة أو للابن مثل البذر بما تعدى عليه والزرع للوكيل ، وفيه قول آخر فذكر ما ذكره سحنون وابن المواز وروياه عنه . قال ابن المواز : وإذا أمرت وكيلك أن أن يزرع لك في أرضك قمحا فزرع شعيرا وأمرته بسمراء فزرع بيضاء فالزرع للوكيل وعليه كراء الأرض ، فإن بذر قمحا من عنده فإن كان مثل قمحك وشبهه فالزرع لك وذلك جائز ، وإن بذر زريعة لابنك أو لزوجتك أو لغيرهما أو غير النوع الذي أمرته فعلى الوكيل مثل الزريعة لربها والزرع له وعليه لك كراء الأرض . قال محمد بن المواز : وهذا إذا زرعها بغير النوع الذي أمره ولأنه لا ينبغي أن يكون رب الأرض مخيرا أن يعطى بذرا أو يأخذ زرعا . قال ابن القاسم : وفيه قول آخر ؛ لو قال قائل : يستأنى بالزرع ؛ فإذا درس استوفى منه البذر وكان ما بقي لرب الأرض ؛ لأنه له زرعه ويسميه . ثم قال : فعلى منم حصاده وتهذيبه ؟ بل القول ما قلت لك . قال : إذا زرعه غير النوع الذي أمره به فأما إن أخطأ بقمح مثل القمح الذي أمره به فالزرع لرب الأرض ويغرم البذر لصاحبه وليس على الوكيل بشيء .
قال ابن المواز : والقول الذي قال ابن القاسم : يستأنى بالزرع فيأخذ منه مثل البذر / . هو الصواب ويخرج منه دراسه وحصاده وكراء الأرض وهذا جوابه في المجالس وإنما للزارع مثل بذره ؛ لأنه إنما بذره للآمر فما بقي أخرج منه كراء الأرض يريد وأجر الحصاد والتهذيب . قال : وما بقي فلرب الأرض وما عجز فعلى الذي بذر . وقال ابن القاسم كمن تعدى على رجل فزرع أرضه أو دفع إليه مالا بضاعة فسلفه له على طعام . وروى سحنون في العتبية وكتاب ابن سحنون عن ابن القاسم : ومن واجر من رجل بقرة بمدي شعير على أن يحرث له مديا آخر من
[7/381]
***(1/376)
[7/382]
شعير في أرض رب الشعير وأراه موضعا يحرثه فيه ودفع إليه المديين فتعدى فحرث جميع الشعير في أرض نفسه قال : يغرم المديين ، فإن بطل فحرث جميع الشعير في أرض نفسه ما زرع فقد أخذ منه حقه وهو لم يف له بالإجارة ، وإن تم زرعه نظر إلى ما يخرج منه ، فإن خرج أكثر من مديين وكان إجارة مثله مديا أو أقل دفع ذلك إليه مع المدي الذي أخذه منه ودفع ما بقي إلى رب الزريعة ، وإن كانت إجارة مثله أكثر من مدي لم يزد على مدي ورد عليه أحد المديين ودفع ما بقي إلى رب الزريعة ، وإن لم يصب إلا مديا قوصيص به فيما أخذ منه ولم يكن له غير ذلك .
ومن العتبية قال أصبغ فيمن زرع أرضا لزيقة أرضه وقال : غلطت بها . أو كان مكتريا فأصابه ذلك ولا يعرف ذلك إلا بقوله أو بنى في عرصة جاره وقال : غلطت . فأما الباقي في العرصة فلا يعذر ولربها أن يعطيه / قيمة البناء منقوضا أو يأمره بقلعه وأما في الحرث فيشبه أن يكون غلطا فأرى أن يحلف ويقر زرعه ويؤدي كراء المثل كان في إبان الزرع أو لم ين وهو على الخطأ أبدا حتى يتبن له تعمد .
وقال سحنون : الزرع لرب الأرض ولا شيء للزرع إلا أن يقدر على جميع حبه وإلا فلا شيء له ـ يريد وذلك في إبان الزراعة ـ وفي الإجارات باب فيه من هذا المعنى . وقال سحنون : ومن خرج ليلا فغلط فحرث أرض غيره فلا شيء له على رب الأرض من إجارة دوابه وبذره وغلطه على نفسه ولو غلط فزرع أرض جاره فلا شيء له من الإجارة ولا زرع وهي مصيبة نزلت به إلا أن يكونا لم يتحاكما ولم يعلم ذلك حتى تحبب الزرع وفات إبان الزراعة فيكون الزرع لزارعه وعليه كراء الأرض .
[7/382]
***(1/377)
[7/383]
فيمن زرع أرض رجل على الدالة والتعدي
من كتاب ابن سحنون عن أبيه : ومن زرع أرض غائب على الدالة ، فإن قام عليه في إبان الزراعة فله قلع زرعه ، وإن قام بعد الإبان فله الكراء إن شاء وكذلك إن دل على حاضر وهو كالتعدي والغصب . ومن تعدى فحرث في أرض رجل فلم يقم عليه حتى قصب الزرع وفات إبان الزرع إلا أن ربها لو قلعه انتفع بها في أن يزرعها كتانا أو غيره قال : إذا قصب وتقارب طيبه فلا يقلع وليس له إلا الكراء ، وإن لم يتقارب طيبه فله أن يقلع .
فيمن واجرئه على أن يزرع حبا
فخلطه بزريعته
من كتاب ابن سحنون : ومن واجرته على أن يزرع لك قفيزا في أرضك / بدرهمين فخلطه بقفيز له وزرعه فهو كالغاصب ؛ فإن عثر على ذلك قبل أن يفوت حصاده فلا شيء له كالغاصب ، وإن كان بعد أن قرب حصاده فعليه الكراء وله الزرع . قال سحنون : يريد نصف حصة بذره ولو زرع القفيز في أرض نفسه فعليه مثله الساعة وينتظر بالزرع ؛ فإذا درس أخذ رب القفيز كل ما خرج من قفيزه إلا قفيزا يرده على المتعدي ويعطيه عمله ومؤنته وكراء أرضه إلا أن كراء السقي والعلاج على المتعدي حتى يحصد الزرع ويدرس . ثم يحسب له ذلك كله ، كراء أرضه وسقيه وقيامه ثم يكون الفضل إن كان في الزرع فضل لرب القفيز ، وإن كان نقصان فعلى المتعدي كالوكيل على بيع ثوب فيبيعه بقمح إلى أجل .
[7/383]
***(1/378)
[7/384]
في قرية بين قوم ومنهم من يضعف عن
الحرث والعمارة أو يغيب في بلد فيزرع أحدهما ويغرس
من كتاب ابن سحنون عن أبيه وعن قرية بين قوم مشاع أحدهم له البقر والعبيد يقوى على الحرث وباقيهم لا يقوى فدعوه إلى القسم فأبى وحرث لنفسه قال فلشركائه كراء نصيبهم وكذلك لو حرث قدر نصيبه منها فقط وله النصف فعليه لشركائه كراء نصف ما حرث فيه ، ولو كانت أرض بعل لا يجوز فيها النقد يجاد زرع الحارث في هذه السنة ؛ لتوالي المطر فيها أكثر من غيرها فللشريك كراء نصيبه على ما جاد فيها الآن أو على ما تدنى فيها قال : ولو طولت في القسم وروفع فلد وتغيب / حتى حرث فإنما عليه الكراء وكذلك لو أشهد عليه بطلب القسم ورافعه إلى الإمام وقد حرث يريد : وقد فات إبان الزرع ـ فعليه الكراء ويحلف الشريك أنه ما أذن له أن يزرع ولا رضي . ولو بنى بعض الورثة أو زرع أو عرس وواحد منهم غائب أو حاضر لم ياذن قال : تقسم الأرض ، فإن وقع مقسمه فيما غرس وبنى فهو له ، وإن وقع فيما لم يعمر فله قيمة ما بنى أو غرس مقلوعا وعليه مكيلة أو اغتل من الشرج . اقل أبو محمد : هذا على قول أشهب أنه يقسم قبل تم ينفاصلا . وقال غيره : بل يبدأ بالتفاصل فيما عمر قبل القسم وأما قوله : وعليه مكيلة التمر الذي اغتل . فأعرف لأصحابنا فيما غرس الغاصب واغتل أن التمرة فيما مضى له وعليه كراء ما شغل الأرض قبل هذا .
في زرع المتزارعين أو المكتري يهلك ثم يخلف
في عام ثان في الزرع يجره السيل إلى
أرض آخر وفي الفدان يختلط من بذره
بفدان جارك وفي خلفة الأرض
ومن العتبية من سماع أبي زيد قال بعض أهل العلم في المتزارعين يهلك زرعهما بجائحة من يرد أو غيره ثم نبت في عام قابل فقام فيه رب الأرض وقد كان
[7/384]
***(1/379)
[7/385]
أخرج نصف البذر / وقام الداخل وقد أخرج نصف البذر والعمل ، قال : جميعه لرب الأرض وكذلك في المكتري يهلك زرعه ثم ينبت في عام قابل فهو لرب الأرض . وقد كتبت في كتاب : كراء الأرضين بمسألة من زرع زرعا فجره السيل إلى أرض غيره وقد نبت أو لم ينبت وفيه مسألة الأرض تمنح فتزرع قطنا فيجنيه الزارع ثم ينبت في العام الثاني . وهناك مسألة المكتري لا ينبت زرعه وينبت إلى عام قابل .
وقال ابن حبيب في القوم يزرعون فدادين بعضها قريب من بعض فاختلطت عليهم عند حصادهم فليحلف كل واحد منهم على ما بذرتهم يقسمون الطعام على عدد ذلك .
قال ابن حبيب : فكل ما ذكرت في باب المزارعة فهو قول ابن الماجشون وأصبغ وهو منهاج مالك .
قال سحنون في كتاب ابنه : وإذا زرع هذا أرضه قمحا وحرث جاره أرضه شعيرا فطار من بذر كل واحد شيء فنبت فإن ذلك لمن حصل في أرضه ولا شيء لجاره فيه ولو كان بين أرضيهما جسر أو خط فينبت فيه ابن حبيب مما يتطاير فذلك بينهما اختلفت زريعتهما في الجسر أو اتفقت ؛ لأن ذلك الموضع من أرضيهما .
[7/385]
***(1/380)
[7/386]
صفحة بيضاء
[7/386]
***(1/381)
[7/387]
بسم الله الرحمن وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب المغارسة
في المغارسة ووجوه العمل فيها
من كتاب ابن حبيب وهو في العتبية لعيسى بن دينار قال : والجائز من المغارسة عند العلماء ؛ أن يعطيه أرضه يغرسها صنفا من الشجر أو أصنافا يسميها ، فإذا بلغت شبابا سمياه أو قدرا يشبه [الشجر]في انبساطها وارتفاعها كانت الأرض والشجر بينهما على النصف أو الثلث أو الثلثين أو جزءا مسمى ولا يسميا شبابا وقدرا تثمر الشرج قبله ولا بأس أن يجعلا ذلك إلى إثمار الشجر وهو وقت معروف وهو أحب إلي .
ومن كتاب ابن المواز قال مالك : ولا بأس بالمغارسة ؛ أن يعطي الرجل أرضه لرجل يغرسها نخلا أو رمانا ، فإذا بلغت فالأرض والشجر بينهما ولم يزل من عمل الناس ولا شيء له حتى ينبت ويبلغ القدر الذي شرطا وهو من ناحية الجعل ، قاله أصبغ وإنما يجوز على أن الأرض والشجر بينهما .
قال ابن القاسم : وإن شرطا في المغارسة إلى الإثمار فذلك جائز . قيل : إن بعض الثمار يبطئ وبعضها يعجل . قال : وكذلك النباب فهو جائز .
[7/387]
***(1/382)
[7/388]
قال ابن المواز : وذلك إذا كان يكون ذلك بينهما حين تثمر ولا يجوز أن تكون أولى التمرة لرب الأرض والثانية بينهما ، وإن شرطا إذا طلعت الشجر ، فهي والأرض بينهما فهو جائز إن وصفا قدرا معروفا . وقال في موضع آخر من كتاب ابن المواز : فإن قال : إذا بلغت الشجر قدرا معلوما فالأرض والشجر بيننا . فذلك جائز ، وإن قال : إذا أثمرت فهي بيننا . أو قال : إذا أثمرت فالتمرة بيننا . / فلا يجوز ؛ لأن قوله : إذا أثمرت لا يدري متى تثمر ؟ وقوله : فالثمرة بيننا أشد [قال أبو محمد قوله فهي بيننا لعله يعني الشجر دون الأرض وأما إن كان يريد الشجر مع الأرض فقد تقدم أنه جائز وهو المعروف من قولهم].
قال ابن القاسم في العتبية وكتاب محو : وإن غارسه على أن له في كل نخلة تنبت حقا سماه ولا شيء له فيما لم ينبت وعلى أنه إن شاء عمل أو ترك فذلك جائز إذا شرط شبابا معروفا أربع سعفات أو خمسا ونحو ذلك قال أصبغ : ما لم تثمر قبل ذلك قيل فإن أثمر قبل يبلغ هذا القدر ؟ قال : هذا لا يكون . قال ابن القاسم : وإن شرط إلى الإثمار فهو جائز .
ومن العتبية قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم : إذا سمى إلى شباب معلوم فهو جائز مثل أن يرتفع الشجر قدرا معلوما كالقامة ونصف القامة والبسطة وشبه ذلك من سعفات معلومة يبلغها الشجر ، فإن كانت تثمر قبل ذلك لم يجز .
[7/388]
***(1/383)
[7/389]
وقال ابن حبيب : إذا تغارسا ولم يسميا حدا ولا شبابا معلوما فذلك جائز ويكون إلى الإثمار والشباب التام . وروى حسين بن عاصم عن ابن القاسم في العتبة إن هذا فاسد حتى يسميا شبابا معروفا أو إلى الإثمار ولو سمى عدد سنين يعملها إليها ويغرسها ثم يكون بينها فذلك جائز إن كانت أرضا مأمونا نباتها ولا يثمر الشجر قبلها .
قال عيسى بن دينار : إن شرط إلى شباب معلوم أو إلى إثمار فذلك جائز ثم لهما إذا بلغ الغرس شرطها أن يقتسما الأرض والشجر إن أحبا ، وإن أحبا أقرا ذلك ثم العمل بينهما على قدر ما لكل واحد منهما ثم إن ذهب الغرس وهلك / فللداخل نصيبه في الأرض وقاله كله ابن القاسم قال سحنون في كتاب ابنه قال علي بن مالك فيمن أعطى أرضه لرجل يغرسها نخلا ؛ على أن له في كل نخلة تنبت جعلا مسمى وما لم تنبت فلا شيء له فيه فذلك جائز إذا اشترط للنخل قدرا يعرف ؛ خمس سنين أو صفة معلومة إلى أجل معلوم إذا كانت الأرض مأمونة من أرض الفرس ليس بجبل ولا سباخ ولا ما ينبت فيها الغرس . قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية : وإذا غارسه صحيحة على النصف فتم الغرس واغتله العامل سنين ثم طلب رب الأرض أن يرجع فيما صار من الأرض للغارس فليس ذلك له كان قد باع النصف الذي صار له من الأرض من الغارس أو غيره أو لم يبع .
قال عيسى عن ابن القاسم : ولو قال : أستأجرك على أن تغرس لي في هذه الأرض كذا وكذا نخلة ، فإن نبتت فهي بيني وبينك . فهو جعل وليس بإجارة ولو شاء أن يترك ترك ولو ذهب لم يكن له شيء حتى تنبت ، ولو لم يكن جعلا ما جاز ؛ لأنه لا يدري أيتم أو لا يتم ؟ وأما إن واجره على أن يغرس له في حائطه
[7/389]
***(1/384)
[7/390]
كذا وكذا نخلة بنصف أرضه فهذه إجارة جائزة وليس له أن يخرج حتى يفرغ منها ، فإذا غيبها في الأرض وجب له أجره نبتت أو عطبت ، ولو كان لا يتم له أجر حتى ينبت كان خطرا لا يصلح ، قد تنبت في مرتين أو ثلاثة وقد لا تبنت أصلا .
قال ابن القاسم : ولو قال : اغرس لي في أرضي هذه نخلا ولم يسم عدتها أو غيرها / من الأصول على الجعل أو على الإجارة فذلك جائز ؛ لأنه وإن لم يسم كم عدد ما يغرس ؟ فذلك عند الناس معروف كيف تقدير غرس الأصول إن يرد الغارس غرسه منع وإن قارب منع ؛ لأن ذلك يضر بها فمعرفة ذلك عند الناس معلوم .
ومن كتاب ابن سحنون : ومن دفع أرضه إلى رجل يزرع فيها قطنا ؛ على أن للفارس نصف الأرض ونصف القطن ، فإن كان القطن يزرع في كل سنة ولم يكن أصل ثابت فذلك فاسد ، وإن كان القطن أصلا يبقى السنين العدد ، وليس يزع كل عام فهذا إن أجلا أجلا دون الإطعام ، فإذا بلغاه كان القطن يعني الشجر والأرض بينهما فذلك جائز . وبعد هذا باب فيه المغارسة والإجارة على غرس بصل الزعفران .
ومن كتاب ابن حبيب ؛ قال مالك : ولا تجوز المغارسة إلى أجل وهي من معنى الجعل . قال لي مطرف : وإنما يجوز الأجل في هذا على ما يصح أن يقول : اغرسها شجرا كذا وكذا ، فإذا بلغت الإثمار أو قال : شبابا كذا فلك النصف ولي النصف على أن تغرم لي بنصفي كذا وكذا سنة . فذلك جائز وكأنه واجره يغرس له نصفه أو يأتي بالغرس من عنده ويقوم له بكذا وكذا سنة وأعطاه في إجارته نصف الأرض ، فإن بطل الغرس بعد أن غرسه قيل لرب الأرض : أعطه غرسا مثله يغرسه لك ويقوم لك به إلى أجلك .
[7/390]
***(1/385)
[7/391]
قلت : فهذه المغارسة بعينها وإنما تغير اللفظ ، ومالك لا يضر عنده قبح اللفظ في صحة المعنى . قال : هذا لا يعتدل في كل شيء فرب شيئين [لا / يفرق بينهما إلا اللفظ]ألا تراه لو قال : أواجرك سنة تقوم بجناني هذا بنصف تمرها لم يجز . ولو قال : أساقيك إياه سنة بنصف تمرها جاز ذلك ، فهل يفرق بينهما غير اللفظ ؟ قال ابن حبيب : ولو غارسه إلى حد الإثمار فأثمر بعض الشجر ، فإن كان أكثرها وبقي اليسير التافه لم يثمر فالغارس على شرطه كله ويسقط عنه العمل في ذلك كله . وذكر في العتبية حسين بن عاصم عن ابن القاسم نحوه إلا أنه قال : إذا أثمر جلها أو أكثرها ولم يقل وبقي التافه وقال : وإذا مات جلها أو أكثرها فلا شيء له فيما ينبت من اليسير منها . وقاله سحنون : وقال أصبغ عن أشهب : إذا غارسه وسمى سعفا وقدرا معلوما فغرسها فماتت إلا ثلاث نخلات قال : فما نبت بينهما وبقيت الأرض لربها . قال أصبغ : وقاله ابن القاسم فيما أعلم .
قال ابن حبيب : وإن كان الذي لم يثمر مما له بال وقدر أو متناصفا أو متماثلا فإنه إن كان متنابذا سقط عنه السقي والعمل فيما أثمر منه ولزمه السقي والعمل فيما لم يثمر ، وإن كان مختلطا في الشجر لزمه سقي الجميع حتى يثمر كله أو جله وأما ثمره ما أثمر منه فبينهما قلت أو كثرت كذا متنابذا أو مختلطا ، وإذا حيي بعض غراسه ومات البعض فما مات بعد بلوغه القدر الذي شرط فيه بينهما وقد وجبت الشركة للعامل في الجميع وما مات قبل بلوغ الشباب الذي شرط سقط شرط العامل فيما مات قل أو كثر وصار حقه فيما بنت وبلغ قل أو كثر ويسقط فيما لم [يثمر]وينبت ، وإن قال : / وله أن يعيد العمل إن شاء وقوي
[7/391]
***(1/386)
[7/392]
ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ : وإن عامله على أن الأرض والشجر بينهما فتعدى رجل فقطع الشجر قبل تمامها ، فإن طمع فيما قطع إن رجع وهو قائم على عمله لم يتركه فهو أحق بعمله والأمر بينهما قائم وإلا فلا شيء للعامل . ومن العتبية من سماع ابن القاسم ومن كتاب ابن المواز : وإذا شرطا أن الشجر إذا طلعت فالشجر والأرض بينهما فذلك جائز إذا وصفا قدرا معلوما ، فإن شرطا أن التمرة فقط بينهما لم يجز .
جامع القول في المغارسة الفاسدة
من العتبية قال حسين بن عاصم عن ابن القاسم في المتغارسين إذا لم يسميا حدا [ولا شبابا معلوما]إن ذلك لا يجوز حتى يسميا شبابا معلوما أو قدرا معروفا أو إلى الإثمار تكون الأرض والشجر بينهما . وقال ابن حبيب : ذلك جائز ويكون ذلك إذا لم يذكرا إلى الإثمار والشباب التام .
قال ابن حبيب : وإذا عقدا على أمر لا يجوز مثل أن يشترطا شبابا معلوما على أن يقوم الداخل بنصيب رب الأرض ما عاش ولم يؤقت أجلا وتغارسا على شباب يكون الإثمار قبله أو إلى أجل مؤقت من عدد السنين فهذا كله فاسد ويفسخ قبل العمل ، فإن فات وقد عامله على النصف بذلك بينهما نصفين وعلى العامل نصف قيمة الأرض يوم قبضها خالية وله على رب الأرض قيمة عمله وغراسه [في نصف رب الأرض قيمة يوم تم وبلغ]وأجرته من يومئذ إلى يوم الحكم فإن / اغتلا الغلة قبل ذلك نصفين مضى ذلك لهما ، وإن كان الغارس اغتلها وحده ونصف ذلك إلى رب الأرض ، فإن بطل الغرس قبل بلوغ الشباب
[7/392]
***(1/387)
[7/393]
المشترط في هذا الفساد فلا شيء للغارس من الأرض كما لا يكون له شيء في صحة العقد وله حكم الجعل في صحته وفساده وإن بطل بعد بلوغه الإثمار أو ما شرطا من الشباب فقد وجب للغارس نصف الأرض بقيمتها يوم قبضها وله على رب الأرض قيمة غراسه يوم تم وبلغ ويكون ذهاب الغرس منهما . وقاله لي كله مطرف . وقاله أصبغ ورواه عن ابن القاسم على أنه قد اختلف فيه قوله وهذا أحسنه .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا اشترط أن الشجر إذا بلغت قدرا معلوما فالثمرة خاصة بينهما لم يجز . قال أصبغ : فإن نزل وتم ذلك فالأرض والشجر لرب الأرض وللعامل قدر سقيه وعلاجه ، وإن نظر في ذلك قبل أن يثمر وقيل ينتفع بها رب الأرض فالشجر للعامل ؛ فإن شاء رب الأرض أعطاه قيمتها مقلوعة أو أمره بقلعها . ولم يعجبنا هذا ووجدنا لابن القاسم أن الشجر والتمر للعامل ويرد عليه رب الأرض ما أخذ من الثمرة ويكون له كراء أرضه لما مضى ثم لرب الأرض أن يعطيه قيمة الشجر مقلوعة أو يأمره بقلعها . وقال ابن حبيب : وإذا تعاملا على أن الثمرة بينهما ما أقامت الشجرة ، فإذا هلكت فلا شيء للعامل في الأرض أو على أن الشجر [دون الأرض]بينهما لم يجز ، وفسخ ذلك متى عثر عليه وردت الأرض بالشجر والغلة إلى رب الأرض وعليه للغارس الأقل / من قيمة عمله نباتا يوم فرغ منه ، وتم أو نفقته التي أنفق وثمن الغرس الذي غرس وله مع ذلك أجرة يده في قيامه بالشجر إذا رجعت الثمرة إلى رب الأرض ، وإن بطلب الشجر بعد تمامها وبلوغها قبل ينظر بينهما فقال مطرف ، وابن الماجشون : فليس للعامل فيها قيمة ما عمل ولا رد ما أنفق ، لأنه لم يخرج من يده شيئا فيعوض منه وإنما غرس على أن له ثمرة غرسه بعينه ، وإن كان غررا فلا شيء له إذا ذهب ولو عومل على
[7/393]
***(1/388)
[7/394]
غرر من غيره لأعطي قيمة عمله ذهب أو بقي ويرد ما أخذ من الغرر إن أخذ منه شيئا ويمضي الغلة لمن اغتلها قبل ذهاب الشجر اغتلاها جميعا أو الغارس وحده ولا ينظر بينهما في شيء إذا ذهب الغرس من الذي تعاملا عليه وفات موضع تصحيحه بالقيمة كما ينظر فيما ذكرنا قبل هذا . وقال أصبغ : إذا ذهب قبل الحكم وقد كان تم وفرغ فلا بد أن يعطي العامل قيمة عمله يوم تم قائما غير ذاهب كشراء بثمن فاسد ثم فات ، وفواته الفراغ منه فلزمته القيمة يومئذ والغلة كلها لرب الأرض . وقول مطرف وابن الماجشون أحب إلي وإنما تكون حجة أصبغ في المسألة الأولى الذي أعطاه في ذلك نصف الأرض ثمنا لغراسه النصف الآخر فإذا غرسه وجب له ما أعطى وصار ما فرغ لرب الأرض صحيحة كانت معاملتهما أو فاسدة وأما إذا لم يعطه على غراسته ، الأرض شيئا فلا شيء للغارس في غراسه إلا إذا أخرج من يده فيعطي قيمته ، فأما إذا ذهب قبل ذلك فلا شيء له . / ومن كتاب ابن المواز قال مالك : ومن أعطى أرضه لرلج يغرسها ووجل خمس عشرة سنة ؛ السنة الأولى للداخل والثانية بعدها كراؤها أربعون دينارا كل سنة وعليه خم العين وبناء جدرانها ومرمتها فهذا لا يجوز وهو غرر ولا خير في أن يعطيه الأرض ويقول : فما أحييت فيها من نخل أو بقل أو زرع بيننا وإنما يجوز هذا في الأصول .
ومن العتبية روى حسين بن عاصم [عن ابن القاسم] : فإما إذا فسدت المغارسة مثل أن يغارسه على النصف ولم يذكر شيئا ما ينتهي إليه ولا قدرا معلوما فهذا فاسد وكذلك إلى أجل يثمر دونه ، فإذا فات مثل هذا بالغرس فليقسم الغرس بينهما نصفين ويلزم العامل نصف الأرض بقيمته يوم قبضها براحا لأنه اشتراها شراء فاسد فأفاتها بالغرس وهذا نخو ما ذكر ابن حبيب في فساد
[7/394]
***(1/389)
[7/395]
المعاملة عنده . قال حسين بن عاصم : وكما لو أعطاه أرضه أيام القليب يحرثها ويبنيها ثم يزرعها أيام الزرع والزريعة بينهما والأرض غير مأمونة فذلك فاسد ، فإن فاتت بالحرث فهو فوت وتقسم الأرض بينهما فكون العامل نصفها يلزمه إن رويت تلك السنة كراء مثلها ، ويرجع على ربها في النصف الآخر بقيمة حرثه وقليبه عطشت أو رويت . قال ابن القاسم في المغارسة الفاسدة : وإذا أثمرت الشجر واغتلاها زمانا فما اغتل العامل في نصفه الذي ألزمناه قيمته ولا كراء عليه فيه والنصف الآخر كأنه ربه أكراه بثمره لم يبد صلاحها فيرد تلك الثمرة التي قبض إلى العامل ويأخذ منه كراء نصف الأرض / خالية من الغرس يوم اغتلها .
قال أبو محمد : وهذا خلاف ما ذكر ابن حبيب قال سحنون : بل تكون غلة جميع الأرض لربها ويرده عليه العامل وله على رب الأرض قيمة غرسه إن كان له قيمة وأجر عمل مثله ولو جعلت له التمر كان بيع التمر قبل بدو صلاحه .
قال حسين : قال ابن القاسم : وإن أخذها على شباب معلوم وحد يبلغه على أن يعمل لرب الأرض في نصفه سنين معلومة بعد القسم ، فإن كان عمل النصف معروفا محدودا مضمونا على العامل [عاش أو مات فذلك]جائز ، وإن كان عمل يده بعينه لم يجز وهو خطر . قال سحنون : هذا خطأ ؛ لأنه جعل وبيع ويصنع في هذا ما وصفت لك في أول المسألة والذي أنكر سحنون هو الذي أجاز ابن حبيب قبل هذا عن مطرف . قال ابن القاسم : وإن جرى هذا على ما قلنا من الفساد واغتل الشجر زمانا ثم بطل الغرس فلا يبطل عن العامل ما لزمه من نصف قيمة الأرض يوم قبضها وله غلة جميع الشجر وعليه قيمة كراء نصف الأرض يوم اغتلها وله على رب الأرض قيمة عمله في نصفه إلى أن يبلغ الشباب الذي شرطا ولو هلك الغرس قبل يبلغ الشباب المشترط فلا أجر له فيه كالجعل في حافر القبر لا يجب إلا بتمامه . قال سحنون : الغلة كلها لرب الأرض ويرد
[7/395]
***(1/390)
[7/396]
العامل ما أخذ منها وله أجر مثله وكما ليس له شيء إذا لم ينبت الغرس فكذلك نبت لا يكون له في الأرض شيء ولا في التمر . وروى مثله عيسى عن ابن القاسم وكذلك روى عنه غير ذلك مما سنذكره / . قال عيسى : إذا عقدا مغارسة فاسدة مثل أن يذكرا شبابا فيكون التمر قبله أو على أن يكون على كل واحد من العمل أكثر من ما له من الغرس والأرض أو غير ذلك من الفساد إلا أن فيه للعامل من الأرض والغرس سهما مسمى ، فإن أدرك هذا قبل الغرس فسخ ، فإن فات بالغرس فسخت المعاملة وقسمت الأرض والشجر بينهما على ما شرطها وعلى العامل لرب الأرض قيمة ما صار له منها براحا كأنه ابتاعه بفساد ففات بالغرس وما صار من الأرض لرب الأرض فاختلف فيه ؛ فقال ابن القاسم : يكون لرب الأرض على الداخل كراء جميع الأرض وله جميع الثمن ثم إن شاء رب الأرض أعطاه قيمة الغرس [مقلوعا]أو أمره بقلعه لفساد المزارعة على البذر والعمل من عند العامل ثم بلغني عنه أنه قال : يقسم الأرض والشجر بينهما وعلى العامل نصف قيمة الأرض براحا يوم أخذه وعليه كراء ما صار لرب الأرض من الأرض ويرد رب الأرض إلى العامل كل ما اغتل ويعطيه قيمة ما صار له من الغرس مثبتا . ثم كتبت فيه إلى ابن القاسم فكتب إلي : يقسم الأرض بينهما على ما شرطا وعلى العامل نصف قيمة نصف الأرض براحا لرب الأرض وللعامل عليه قيمة الغرس الذي في نصيبه مثبتا يوم الشرط أو قيمته يوم عثر عليه قبل أن يطعم أو بعد وما اغتله فبينهما وعلى رب الأرض للعامل قيمة الغرس يوم يحكم فيه . قال عيسى : وهذا الذي كتب به إلي أحب إلي . قال أبو محمد : وهو نحو ما قاله ابن حبيب . قال عيسى : وما صار للعامل في نصيبه من الأرض فهو له ذهب / الغرس أو بقي ولو ذهب العرس قبل النظر بينهما فإنه ينظر بينهما على ما وصفنا ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بفضل ما كان له . روى عيسى أيضا عن ابن القاسم أن جميع الثمر لرب الأرض وللعامل أجر مثله في كل ما عمل ولا شيء له في الأرض . وهذا
[7/396]
***(1/391)
[7/397]
قول سحنون . قال عيسى عن ابن القاسم : وأما إن لم يشترطا أن الأرض بينهما ولكن شرطا أن الثمرة فقط بينهما ما بقي الأصل فهذا فاسد وتكون جميع الغلة للعامل ويرد رب الأرض إليه ما أخذ منها إن كان ثمرا بالمكيلة ، أو رطبا بالقيمة ويأخذ من العامل كراء الأرض من حين أخذها منه وليس من حين أثمرت والشجر لرب الأرض إلا أن يعطيه قيمة الغرس مقلوعا أو يأمره بقلعه . وكذلك روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم إلا أنه قال : وعلى العامل كراؤها من يوم وضع فيها الغرس إلى يوم ينظر في أمرها كراء ما نقدا بعده في التشاحح فيها . وكذلك روى عنه حسين بن عاصم في شرطها أن الثمرة بينهما ما بقيت الأصول أو على أن الأصول وحدها بينهما . وقال سحنون في هذا : الغلة كلها لرب الأرض وللعامل عليه أجر مثله قال ابن القاسم : فإن ذهبت الشجر وبقيت الأرض براحا فالثمرة كما قلنا للعامل وعليه كراء الأرض من يوم اغتلها ولا شيء له على رب الأرض فيما هلك من الغرس قيمة ولا عملا ؛ لأنه كان في ضمان العامل لا في ضمان رب الأرض . وفي المسألة التي قبل هذا إنما كان نصف الغرس الذي بطل بعد أن بلغ / الشباب والقدر كان لرب الأرض لا للغارس فبذلك رجع عليه بقيمة عمله فيه .
قال سحنون : الغلة لرب الأرض ويعطي العامل أجر مثله .
في الكراء على المغارسة ومغارسة
بصل الزعفران
من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم : ومن أكرى أرضه أو أعارها عشر سنين على أن يغرسها شجرا على أن ثمرها في هذه المدة للغارس ثم يسلم ذلك إلى رب الأرض لم يجز ؛ لأنه لا يدري كيف يكون الشجر ؟ وهل يسلم إلى المدة ؟ وقال أشهب : ذلك جائز إذا سمى مقدار المسجد وهو كالبينان ولا يدري كيف
[7/397]
***(1/392)
[7/398]
يصير البنيان ؟ قال ابن القاسم : ليس بسواء وهو لا يدري ما يسلم من الشجر ؟ قال ابن المواز : هذا لا يجوز وليس كمن اشترط أشجارا يضمنها يدفعها إلى عشر سنين ويسمى قدرها ومبلغ صفتها ما يعرف به حتى لو اشتراها بالعين لجاز وليس كالمغارسة التي من باب الجعل . وكره ابن القاسم الأول ؛ لأنه كراء ثابت ـ يريد ولا يكون بشيء مضمون معروف إلى أجل مسمى ، فأما على وجه الجعل الذي لا يلزم العامل فلا يصلح إلا في الأمر القريب . قيل لمالك : فبصل الزعفران أيعطي على مثل ذلك وهو يقيم سبع سنين ونحوها ؟ فلم يجزه .
وقال : هذا بمنزلة الثمر وليس كالأصل ولا يجوز إلا بما يجوز به اكتراء الأرض .
وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم .
في المغارسة على
أن يضرب على الحائط بجدار أو زرب
ومن العتبية / قال أصبغ : وإذا غارسه أرضه على أن يضرب هو لها جدارا أو يزربه زربا أو يحفر سياجا على أن يغرسها شجرا ، فإذا بلغت حدا ذكراه ، كانت الأرض والشجر بينهما والزرب والجدار وكان ذلك [لأنه يخاف ألا يتم الغرس]إلا بهذا التحظير لكثرة المواشي ومرور الناس أن يخاف ذلك ، فإن كان مؤنة ذلك يسيرة فهو جائز ، وإن كانت كثيرة لم يجز وهذا مثل ما يستحق شرطه في المساقاة وما لا يستحق شرطه .
[7/398]
***(1/393)
[7/399]
في المغارس يعجز
من العتبية قال أصبغ فيمن أعطى أرضه مغارسة على النصف فغرس بعضها أو جلها فلم يتم العمل الذي شرطا حتى عجز العامل أو غاب فأدخل رب الأرض في الغرس من قام به وعمل ما بقي منه أو عمله رب الأرض بنفسه ثم قدم العامل فقام في ذلك قال : يكون على حقه إذا قدم ، وكذلك إن كان حاضرا لم يسلم ولم ير أنه ترك ذلك ورضي بالخروج منه وهو على حقه ويعطى الذي عمل وأتمه قدر ما كفاه بغير شرط مما لو وليه هو لزمه مثله .
في الدعوى في المغارسة
من العتبية روى حسين بن عاصم عن ابن القاسم فيمن غارس أرضه على النصف ولم يذكر الأرض والشجر فقال العامل : عاملتك على أن لي نصف الأرض بغرسها . وقال رب الأرض : على أن الثمرة وحدها بيننا أو : على أن الشجر وحدها بيننا . قال : إن كان للبلد سنة / حملوا على قول من ادعاها ـ يريد مما يجوز أو لا يجوز ـ ويقضى فيما لا يجوز بما ينبغي مما تقدم . قال : وإن كان البلد يعملون على الوجهين فليصدق مدعي الحلال وهو العامل . قال أبو زيد عنه : إن كان الغالب عمل أهل ذلك البلد ما ادعى مدعي الحلال فهو على ما قال ، فإن لم تثمر كلف العامل القلعغ إلا أن يعطه رب الأرض قيمة الشجر مقلوعة ولا شيء له في عمله ، وإن أثمرت فالثمرة للعامل وعليه كراء الأرض من يوم أثمرت النخل ، وإن كان عمل أهل البلد على الحلال سلك بما مسلكه ، وإن كانوا يعملون له الأمرين تحالف هذان وفسخ الأمر بينهما .
[7/399]
***(1/394)
[7/400]
في المعاملة في الأرحية وشيء من
ذكر المغارسة
من كتاب ابن سحنون عن أبيه قال : والذي يجوز من المعاملة في الأرحية أن تدفع أرضك إلى رجل يبني فيها رحى بصفة معلومة وأداتها وكل ما تحتاج إليه ـ يريد وذلك معلوم ـ فإذا تمت وطحنت فله نصفها أو ثلثها أو ما رضيا به بجزئه ذلك من الأرض يكون بينهما ذلك ساعة يتم ـ يريد وذلك من ناحية الجعل جائز . قال : ثم يكون العمل في المستقبل وجميع ما تقوم به الرحى عليكم بقد ما لكما فيها وإنما ذلك على أنها إذا تمت صارت بينهما ساعة تتم ثم إن شاءا اقتسما إن كانت مما ينقسم ، وإن شاءا باعا أو وهبا أو من شاء منهما لا منع للآخر عليه في ذلك فهذا الجائز ويصير كأنه باع منه نصف الأرض بنصف ما عمل ويصير بينهما ولو تعاملا / على ما ذكرنا وعلى أن على العامل إصلاح سد الرحى ومرمتها أو بعضه ما بقيت ولم يجز ، فإن فات بالبناء فعلى العامل نصف قيمة الأرض بغير شرط وله على رب الأرض نصف قيمة ما بنى وأصلح ويزول شرط الإصلاح وتصير الرحى بينهما وعليهما إصلاحها ، وإن لم يعثر على ذلك حتى طحنت زمانا فإنها من يوم طحنت بينهما ، وإن كان العامل هو يلي الطحين فيها للناس فله الغلة وعليه لشريكه كراء نصفها بينهما ورحاها وجميع أمرها ويأتنفان في أمرها ما أحبا ، ولو كانت المرمة من عند رب الأرض فالجواب سواء ، فإن كان هو العامل في الرحى فالغلة له وعليه [إجارة نصف الرحى للآخر ، فإن متولي العمل فيها الذي بناها فالغلة له وعليه]كراء نصفها للآخر . قال غيره وإذا تعاملا على أن الداخل يبني فيها ولم يصفا البناء لم يجز ، فإن فات ذلك بالبناء أو بأكثره مما في فسخه ضرر فقد فات الرد ويصير بينهما ويتراجعان بالقيم فلهذا قيمة نصف أرضه وعليه للآخر نصف قيمة ما بنى وعمل وتبقى بينهما على ما هي يومئذ فرغت أو لم تفرغ وهي مجاعلة فاسدة كالمغارسة الفاسدة يغارس .
[7/400]
***(1/395)
[7/401]
أرضه على أن تكون بينهما ولم يسميا للغرس قدرا ولا أجلا أو شرطا ما تسفد به من أن يكون بينهما بعد الإطعام أو إلى مدة بعيدة أو شرط زيادة نفع أو سلف مما تفسد به ، فإن لم تفسخ حتى فاتت بالغرس للجميع أو لما له البال منه فهو فوت ويصير الجميع / بينهما وعلى الغارس نصف قيمة الأرض لربها ويأخذ منه نصف قيمة الغرس ثم يبقى الجميع بينهما يفعلان فيه ما أحبا وما أغلا بعد ذلك فبينهما ، وإن ولي العمل في الرحى أحدهما كمن عمل شيئا على أن له فيه جزءا ولرب الشيء جزءا فيكون العمل للعامل وعليه كراء المستقبل كما أن العبرة في الغراس بعد اليم بينهما غير أن على مستهلكها مثلها وله حصة ما سقى وعالج . قال سحنون : وقد قيل : إن الغرس لرب الأرض وليس عليه للآخر إلا قيمة عمله ويرد مكيلة ما جنى من الثمرة ولا شيء له في الأرض ولا في الغرس . وقال سحنون : فإن أعطاه أرضه يغرسها شجرا فإذا بلغت وأطعمت فالثمرة خاصة بينهما أبدا فعملا على هذا وفات فإن للعامل أجر مثله فيما عمل وعالج حتى بلغت الشجر الإطعام ثم هو فيما اغتل بعد ذلك من الثمرة على مساقاة مثله فيها في تلك السنين ، فإن كانت مساقاة مثله على النصف لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء ، وإن كانت على الثلث رجع عليه رب الأرض بسدس الثمرة ، وإن كانت على الثلثين للعامل رجع هو على رب الأرض بالسدس ثم يفسخ العمل بينهما فيما بقي ولو كان على أن الثمرة بيننا سنين معلومة كان الأمر على ما ذكرنا من الإجارة إلى الإطعام ثم على مساقاة المثل في السنين الباقية غير أن هذا إن بقي من السنين شيء أتم إلى مدته إلى مساقاة المثل كالعرض على أن يبيعه ويعمل / بالثمن قراضا . . قال : ولو أعطاه الأرض يبني فيها رحى على صفة معلومة ، فإذا تم كان ما أغلت بينه وبين العامل ولا يكون له في الرحى شيء فعملا على ذلك وفات فلا يكون لهذا في الأرض ولا في الرحى والبناء شيء إذا لم تقع المبايعة في شيء من الأصل وإنما اشترى منه بناءه وما يدخل فيه بما يكتسب فيها إذا فرغت ، فإذا فات هذا بالعمل فالرحى بما فيها لرب الأرض وعليه للآخر قيمة البناء وما وضع فيها بقيمته حين تم .
[7/401]
***(1/396)
تم الجزء السابع بتمام كتاب المغارسة
ويليه الجزء الثامن
وأوله كتاب الأقضية الأول(1/397)
[8/1] النوادر والزيادات
على ما في المدونة من غيرها من الأمهات
لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني
310 – 386 هـ
تحقيق
الأستاذ محمد الأمين بوخبذة
محافظ الخزانة العامة بتطوان سابقا
المجلد الثامن
دار الغرب الإسلامي [8/1]
***(1/1)
[8/2] ©1999 دار الغرب الإسلامي
الطبعة الأولى
دار الغرب الإسلامي
ص. ب 5787 – 113 بيروت
جميع الحقوق محفوظة. لا يسمح بإعادة إصدار الكتاب أو تخزينه في نطاق إستعادة المعلومات أو نقله بأي شكل كان أو بواسطة وسائل إلكترونية أو كهروستاتية، أو أشرطة ممغنطة، أو وسائل ميكانيكية، أو الاستنساخ الفوتوغرافي، أو التسجيل وغيره دون إذن خطي من الناشر. [8/2]
***(1/2)
[8/3] النوادر والزيادات [8/3]
***(1/3)
[8/5] بسم الله الرحمن الرحيم ... عونك اللهم
الجزء الأول من كتاب آداب القضاء
في الإجابة إلى القضاء وطلبه والتخلف عنه وما يحذر فيه وما يتقي ومن أول من استقضي
قال الله تبارك وتعالى: ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تبع الهوى فيضلك عن سبيل الله). قال أبو محمد: حدثني أ؛مد بن محمد بن زياد الأعرابي قال: حدثني أبو داود سليمان بن الأشعث قال: حدثنا بسر بن عمرالزهراني، عن عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمد الأعشى، عن المقبري، والأعرج عن أبي هريرة قال: من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين. ومن كتاب ابن سحنون:روى سحنون هذا الحديث عن ابن نافع، عن عثمان بن محمد، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. [8/5]
***(1/4)
[8/6] ومن كتاب ابن دواود حدثنا ابن الأعرابي: روى بريدة الأسلمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: القضاة ثلاثة، واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق قدارى في الحكم فهو في النار، ورجل قضي في الناس على جهل فهو في النار.
ومنه: روى عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد، فأصاب، فله أجران، فإذا حكم، فاجتهد فأخطأ، فله أجر.
ومنه: قال أبو مسعود: كان يكره التسرع إلى القضاء.
ومنه: روى أنس، أن/ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من طلب القضاء، واستعان عليه، وكل إليه، ومن لم يطلبه، ولم يستعن عليه، أنزل الله ملكا يسدده.
روى عنه أبو موسى الأشعري، فقال: لا نستعمل أو لن نستعمل على عملنا من أراده.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم قال مالك: بلغني أن عمر قال: لا يقوى على هذا الأمر أحد أخذه طائعا.
قال سحنون: أخبرنا ابن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة وحسرة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة. [8/6]
***(1/5)
[8/7] وحدثني ابن غانم، عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين ولعامتهم.
قال مالك: كان مما يتحدث به الناس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة تعن عليها، وإن أعطيتها عن مسئلة، توكل إليها.
ومن الواضحة: قال سليمان بن يسار: قال عمر رضي الله عنه: ليتني أنجو منها كفافا لا علي ولا لي.
وروى طاوس، عن حذيفة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أععتى الناس على الله، وأبعض الناس إلى الله، وأبعد الناس من الله يوم القيامة، رجل ولاه الله من أمة محمد شيئا، فلم يعدل فيهم.
قال طاوس: شر الناس عند الله يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه/ثم أدخل عليه الجور في عدله، وخير الناس عند الله يوم القيامة إمام مقسط.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من ولى ولاية أحسن فيها أو أساء، أتى به يوم القيامةوقد غلت يمينه إلى عنقه. [8/7]
***(1/6)
[8/8] وروى ابن القاسم، وابن وهب، أن مكحولا، قال: لو خيرت بين القضاء وبين العمى، لاخترت العمي، ولو خيرت بين القضاء وبين ضرب عنفي، لاخترت ضرب عنقي.
روى مالك، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: لو علمت بمكان رجل هو أقوى على هذا الأمر مني، لكان أن أقدم فتضرب رقبتي أحب إلي من أن أليه، فمن وليه بعدي فليعلم أنه سيزيده عليه القريب والبعيد، وأيم الله إن كنت لأقاتل الناس عن نفسي.
وروى ابن شهاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما من أحد أقرب إلى الله مجلسا يوم القيامة بعد ملك مصطفى، أو نبي مرسل، من إمام عدل، ولا أبعد من الله من من إمام جائر يأخذ بحبه. قال ابن حبيب: يعني يحكم بهواه.
قال قتادة: إن موسى عليه السلام، قال: يا رب ما أقل ما وضعت في الأرض؟ قال: العدل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إن أقارب الوالي لينحتون أمانته كما تنحت الأصطوانة، حتى يبدو قلبه.
وروى مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الولاية ملامة/، وأوسطها ندامة، وآخرها عذاب يوم القيامة، إلا من اتقى الله وعدل، وكيف يعدل الرجل مع قريبه. [8/8]
***(1/7)
[8/9] قال مطرف: قال مالك: قال يحي بن سعيد: وليت قضاء الكوفة وأنا أرى أنه ليس على الأرض شيء من العلم إلا وقد سمعته؛ فأول مجلس جلسته للقضاء، اختصم إلى رجلان في شيء، ما سمعت فيه شيئا.
قال مطرف: قال مالك وكتب سلمان إلى أبي الدرداء: بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي؛ فإن كنت تبرئ فنعما لك، وإن كنت متطيبا، فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار. فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين، ثم أدبرا عنه، نظر إليهما، فقال: ارجعا إلى أعيدا علي قصتكما. متطيبا والله.
قال أبو قلابة: مثل القاضي العالم كالسابح في البحر، فكم عسى أن يسبح حتى يعرق! قال مطرف، عن مالك، قال: دعا عمر رجلا ليوليه فأبى، فجعل يريضه على الرضا ويأبى حتى قال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، أي ذلك تعلم خيرا لي؟ قال: أن لا تلي، قال فأعفني قال: قد فعلت.
قال مالك: قال لي عمر بن حسين: ما أدركت قاضيا استقضي بالمدينةإلا كاره القضاء، وكراهيته في وجهه.
وزاد في المجموعة: إلا قاضيين سماهما.
ومن الواضحة، والمجموعة، والعتبية، وكتاب ابن المواز: قال مالك: أول من استقضى معاوية، ولم يكن/ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لأبي بكر، ولا لعمر، ولا لعثمان، رضي الله عنهم، قاض بل كان الولاة هم الذين يقضون، وأنكر قول أهل العراق، إن عمر رضي الله عنه استقضى شريحا، وقال: كيف يستقضي بالعراق، ولا يستقضي بالشام واليمن وغيرها كما قالوا؟ في العتبية: ومعاوية أول من جلس على المنبر، واستأذن الناس في ذلك، فقال: إني قد ثقلت. [8/9]
***(1/8)
[8/10] وروى العلاء بن كثير، أن عمر بن الخطاب نظر إلى شاب في وفد قدم عليه، فاستحلاه عمر، فأعجبه، فإذا هو يسأله القضاء، فقال له عمر: كدت أن تغرنا بنفسك، إن الأمر لا يقوى عليه من يحبه.
قال مالك، في المجموعة: ومن عيب القاضي أنه إذا عزل لم يرجع إلى مجلسه الذي كان يتعلم فيه.
في صفة القاضي، ومن يستوصب القضاء والفتيا وذكر شرائطه وإذا امتنع أن يلي
من الواضحة قال الليث: قال عمر: لا يصلح أن يلي هذا الأمر إلا حصيف العقل، قليل الغزة، بعيد الهمة، لا يطلع الناس منه على عورة، ولا يخشى في الله لومة لائم. قال ابن شهاب: قال عمر: لا يصلح أن يلي هذا الأمر إلا الشديد في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، البخيل في غير وكف، وربما قال: الممسك في غير بخل.
ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، وابن سحنون، بمعنى واحد، قال مالك: قال عمر بن عبد العزيز، لا ينبغي للرجل أن يكون قاضيا حتى يكون فيه خمس خلال: حتى يكون ورعا، ويكون فقيها، ويكون حليما، عالما بما كان قبله من الأقضية. وقال ابن زياد وابن حبيب، ورواه مطرف، وابن الماجشون، عن مالك.
وروى مثله أشهب، في المجموعة، وقاله عن عمر، ويكون عالما بالفقه والسنة، ذا نزاهة عن الطمع، مستخفا باللائمة، حليما عن الخصم، مستشيرا لذوي الأمر.
قال ابن حبيب، في رواية أخرى عن عمر، زاد فيهما: عاقلا صارما.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بدمشق: أما بعد: فإني نظرت فلم أجد يصلح في الحكم إلا الرجل الجامع [8/10]
***(1/9)
[8/11] للفهم، العالم بأمر الله، القوي على أمر الناس، المستخف بسخطهم وملامتهم، ومن راقب الله، وكانت عقوبة الله أخوف في نفسه من أمر الناس، وهبه الله السلامة، فإن أهل الحق والبصيرة فيه، الملامة عنهم بطيئة.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا كان الرجل العالم فقيرا، وهو أعلم من بالبلد وأرضاهم، اسحق القضاء، ولكن لا ينبغي أن يجلس حتى يغنى، ويقضى عنه دينه.
قال سحنون: ولا يستقضي ولد الزنى، ولا يحكم في الزنى،/ كما أن القاضي لا يحكم لابنه. وكذلك في المجموعة عنه، قال أشهب في المجموعة: وذكر مثله ابن حبيب، عن مطرف وابن الماجشون، وأصبغ، قالوا: لا يستقضي إلا من يؤمن به في عفافه، وصلاحه، وفهمه، وعلمه بالسنة والآثار، ووجه الفقه الذي يؤخذ منه الكلام، ولا يصلح أن يكون صاحب حديث لا فقه له، أو فقيه لا حديث عنده، ولا يفتي إلا من كان هذا وصفه، إلا أن يخبر بشيء سمعه، ولا ينبغي وإن كان صالحا عفيفا بعد أن لا يكون له علم بالقضاء أو يولي. قالوا في كتاب ابن حبيب: فإن ما يخاف من الجهل مثل ما يخاف من الجور، قال مالك: ولا أرى خصال العلماء تجتمع اليوم في أحد، فإذا اجتمع منها خصلتان في رجل، رأيت أن يولي: العلم والورع. قال في المجموعة ابن القاسم، عن مالك: لا يستقضي من ليس بفقيه.
قال ابن حبيب: فإن لم يكن للرجل علم وورع، فعل وورع، فإنه بالعقل يسأل، وبالورع يعف، فإذا طلب العلم وجده، وإن طلب العقل لم يجده.
وقال أصبغ: إذا لم يجد الامام إلا رجلين؛ أحدهما عدل مأمون، لا علم له بالقضاء والسنة، والآخر عالم، وليس مثل الآخر في العدالة، وإن كان العالم لا بأس بحاله وعفافه، وإن كان دون الآخر في ذلك، فليول هو، وإن كان غير مرضي ولا موثوق في عفافه وصلاحه، ولقلة تقارقه ما لا ينبغي، فلا يولي هذا ولا هذا، فإن لم يجد/ غير هذين، ولى العدل القصير العلم وليجتهد ويستشير، وقد [8/11]
***(1/10)
[8/12] قال عمر رضي الله عنه: استشر في أمرك الذين يخشون الله. وإن وجد من يجمع العدل والعلم، فلا يولي غيره وإن لم يكن من أهل ذلك البلد.
ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم كره مالك أن يفتي الرجل حتى يستبحر في العلم، وقال: لا يفتي حتى يراه الناس أهلا للفتيا. قال سحنون: يريد: أهل النظر والمشورة والمعرفة، قال مالك: قال ابن هرمز، حتى يراه الناس أهلا للفتيا، ويرى هو نفسه أهلا لذلك.
قال مالك: قد كان الرجل يرحل إلى بلد في علم القضاء، وقال: علم القضاء ليس كغيره من العلم، ولم يكن ببلدنا أعلم من أبي بكر بن عبد الرحمن، أخذه من أبان، وأبان أخذه من أبيه عثمان، رضي الله عنه، قال ابن المواز: ولا ينبغي أن يستقضي إلا زكي، فهم، فطن، فقيه، متأن غير عجول.
ومن كتاب آخر، قال مالك: وكان عمر بن حسين، ممن يشاوره القضاة بالمدينة، قال في المجموعة: قال لي عمر بن حسين: ما أدركت قاضيا استقضى بالمدينة؛ إلا وكان القضاء وكراهيته في وجهه، إلا قاضيين سماها.
ومن كتاب آخر، قال: ولي بالكوفة قاض، فتخلف عنه بعض أصحابه، فلم يأته فعدله بعد ذلك، فقال لي: إن الأمر الذي صرت فيه لم أره عندك مصيبة فنعزيك، ولا هو عندي مكرمة فنهنيك.
ومن كتاب أصبغ: ولا بأس أن يولي القضاء محدود في زنى، أو في/ قرية، أو مقطوع في سرقة إذا كان في حال توبته اليوم مرضيا عدلا، وكان ذا علم، وليس هذا من ناحية الشهادات، وإن كانت شهادته لا تجوز في الزنى، فإن حكمه يجوز فيه، ألا ترى أن الحكام المسخوطين قد تجوز أحكامهم ما لم يحكموا بجور أو خطأ، ولا تجوز شهادتهم. قال أبو محمد: أعرف لسحنون: لا يولي المعتق القضاء خوفا أن تستحق رقبته، فتذهب أحكامهم. [8/12]
***(1/11)
[8/13] في الحكم بالعدل والاجتهاد وبماذا يقضي القاضي من الأصول والاجتهاد وفي مشورته للعلماء وفي شدته ولينه ورفقه وسياسته
قال الله تعالى (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) وقال تبارك وتعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وقال عز وجل: (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى). قال اسماعيل القاضي: قال الحسن: أخذ عز وجل على الحكام ثلاثا: ألا يشتروا به غنا، ولا يتبعوا الهوى، ولا يخشوا فيه أحدا، وقال: (فلا تخشوا الناس واخشون) وقال: (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب). قال الحسن: هو الفهم في القضاء، قال مالك: الخصوم والقضاء، قال مجاهد: الحكمة العقل، وفصل الخطاب: ما قال من شيء أنفذ، وقد ذكرنا في الباب الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ، فله أجر.
قال ابن حبيب/ وغيره: وهذا للحاكم العالم بالحكومة، المتحري للعدل. والحديث الآخر: القضاة ثلاثة؛ فواحد في الجنة، واثنان في النار فذكر اللذين في النار؛ الذي عرف الحق، فجار في الحكم، وآخر قضى بين الناس على جهل. [8/13]
***(1/12)
[8/14] وقال ابن حبيب: روى أبو موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الحكام ثلاثة؛ إثنان في النار، وواحد في الجنة، حكم جهل فخسر، فأهلك أموال الناس، وأهلك نفسه، ففي النار، وحكم علم فعدل فهلك، وأهلك أموال الناس، وأهلك نفسه، ففي النار، وحكم علم؛ فعدل، فأحرز أموال الناس، وأحرز نفسه، ففي الجنة. قوله: فهل هذا بلغه أن القضاة ثلاثة؛ رجل خاف، فهو في النار ورجل تكلف فقضى بما لا يعلم، فهو في النار، ورجل علم فاجتهد فأصاب، فذلك ينجوا كفافا، لا له ولا عليه.
قال اسماعيل القاضي: قال إياس بن معاوية للحسن: بلغني أن القضاة ثلاثة. فذكر فيهم: ورجل اجتهد فأخطأ، فهو في النار، فقال الحسن: إن فيما قص الله تبارك وتعالى من ثناء داود وسليمان عليهما السلام: ما يرد قول هؤلاء الناس؛ يقول الله سبحانه: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) الآية كلها قال عز وجل: (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) فأثنى على سليمان، ولم يذم داود عليهم السلام.
وقد روي في حديث معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أذن له أن يجتهد رأيا فيما لم يكن في الكتاب والسنة وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله مع القاضي مالم يخفر أحد عهدا يسدده للحق ما لم ير غيره. وفي/ حديث عمر من رواية مالك: ما من قاض يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك، وعن شماله ملك. [8/14]
***(1/13)
[8/15] وفي رسالة عمر إلى أبي موسى، في كتاب ابن سحنون، وفي غيره: وإذا أدلى إليك الخصم بحجته، فاقض إذا فهمت، ونفذ إذا قضيت، وقال: واس بين الناس في وجهك وفي مجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، وقال: وإذا عرفت أهل الشغب، فأنكر وغير، فإنه من لم يزع الناس عن الباطل، لم يحملهم على الحق، ولا يمنعنك قضاء قضيت به اليوم، راجعت فيه نفسك، وهديت لرشدك أن ترجع فيه، وقاتل هواك كما تقاتل عدوك، واركب الحق غير مضار عليه، وإذا رأيت من الخصم العي والفهامة فسدده وفهمه وبصره في غير ميل معه، ولا جور على صاحبه، وقال: ثم شاور أهل الرأي من جلسائك وإخوانك، ثم عليك بشدة العقل فيما يتلجلج في نفسك مما ليس في القرآن، ولا في السنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال والنظائر، وقس الأمور بعضها ببعض، ثم اعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق منه، واجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة، وإلا استحللت عليه القضية، وليس لوال ولا قاض أن يأخذ بظنه وعلمه، ولا بما شبه في حق أو حد دون أن يستحل ذلك ببينة عدل، وإياك والغضب القلق والزجر والتأذي بالناس، في/ الخصمومة.
ومن كتاب ابن سحنون: وقال مالك: وإذا كان ما يقضي فيه القاضي مما قد ظهر وعرف، وأحكمه الماضون، قضى به، وإن لم يبين له، وليس على ما وصفنا من ظهوره، فلا يعجل ويتثبت ويستأني، قال مالك: وما قضى مما في كتاب الله عز وجل، أو مما أحكمته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الحق لا شك فيه، وما كان من اجتهاد الرأي، فالله أعلم به، قال مالك: وليحكم بما في كتاب الله، فإن لم يكن فيه، فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صحبته الأعمال، فإذا كان خبرا صحبت غيره الأعمال، قضى بما صحبته الأعمال، فإن لم يجد ذلك عن رسول [8/15]
***(1/14)
[8/16] الله صلى الله عليه وسلم، فيما أتاه عن أصحابه إن اجتمعوا، فإن اختلفوا، حكم بمن صحبت الأعمال قوله عنده، ولا يخالفهم جميعا ويبتدئ شيئا من رأيه، فإن لم يكن ذلك فيما ذكرنا، اجتهد رأيه وقاسه بما أتاه عنهم، ثم يقضي بما يجتمع عليه رأيه، ورأى أن الحق، فإن أشكل عليه، شاور رهطا من أهل الفقه ممن يستأهل أن يشاور في دينه ونظره وفهمه ومعرفته بأحكام من مضى وآثارهم، وقد شاور عمر وعثمان عليا رضي الله عنهم. قال سحنون: فإن اختلفوا فيما شاورهم، نظر إلى أشبه ذلك بالحق، فأنفذه، وإن رأى خلاف/ رأيهم، لم يعجل، ووقف وازداد نظرا، ثم يعمل من ذلك بالذي هو أشبه عنده بالحق، وقد بلغني عن بعض العلماء، قال: بقي القرآن موضعا للسنة، وبقيت السنة موضعا للرأي.
وفي المجموعة من أول كلام مالك، فيما يحكم به الحاكم، إلى آخره، إلا أنه نسبه إلى سحنون، وزاد: وليدع الخبر الذي صحبت غيره الأعمال، غير مكذب به، ولا معمول به. قال سحنون: وينبغي له إذا لم يستبن له الحكم ألا يعجل حتى يفكر وينظر، ويشاور فيه أهل الفقه الذين يستحقون أن يشاوروا.
قال أصبغ في كتابه: وإذا لم يجد الحكم في الكتاب، ولا في السنة، ولا فيما اجتمع عليه الصحابة، رضي الله عنهم، ولا فيما اختلفوا فيه، اجتهد رأيه، وشاور من يثق به، وقاس بالأصول، فإذا وداه اجتهاده بالتشبيه إلى شيء، وقدجاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن بعض الصحابة، رضي الله عنهم، فليترك ذلك الحديث، ويرد ذلك إلى الأصول.
وقال محمد بن عبد الحكم نحو قول أصبغ، أنه إذا لم يكن ذلك في كتاب الله، ولا في السنة، ولا في قول الصحابة، رضي الله عنهم، ولا في إجماع، اجتهد رأيا، ومثل الأشياء بعضها ببعض، والنظائر والأشباه، وشاور، ثم حكم وإن أشكل عليه الأمر، ولم يتبين له فيه شيء، تركه/ ولا يحكم وفي قلبه منه شك. [8/16]
***(1/15)
[8/17] ومن المجموعة والعتبية، من سماع أشهب، قيل لمالك: أيقضي إذا حضره الخصمان بما حضره ساعتئذ؟ قال: أما الأمر الذي قد عرفه، ومر عليه، وقضى به، فليقض به فيما رأى، وأما الأمر الذي لا يدري ما هو؟ ولم يفعله، فليتثبت، وينظر، وقال أشهب في المجموعة: ومطرف وعبد الملك في الواضحة: وينبغي للقاضي أن يقضي بما أمر الله في كتابه ولا أحكمت السنة خلافه، فيكون ذلك ناسخا له، ويكون نسخه في كتاب الله مجهولا، فإن لم يجد في كتاب الله فيما أتاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مجتمعا عليه، فإن لم يجد، ففيما أتاه عن الصحابة رضي الله عنهم.
قال أشهب: فإن اختلفوا فيه، أخذ بقول أكثرهم. وقال في موضع آخر، وقاله معه مطرف، وابن الماجشون: وإن اختلفوا فيه نظر فيما أتاهم عن تابعهم، فقضى به، فإن لم يكن فيما جاءه عنهم أو اختلفوا فيه كاختلافهم: تخير من أقاويلهم أحسنها في نفسه.
قال أشهب في المجموعة: ولا يخالفهم أجمع، فإن لم يجد ذلك فيما ذكرناه، اجتهد رأيه إن كان للرأي أهلا، وقاسه بما جاءه عنهم، مع مشورة أهل المشورة، وأحب إلي ألا يقضي إلا عن مشورة، إلا أن يكون قد جرى على يديه، وشاور عليه، فليس عليه أن يشاور فيه آخر، إلا أن يشك/ فيه، فيشاور رهطا من أهل الفقه، قال ابن وهب: قال مالك: الحكم على وجهين، والذي بالقرآن والسنة، فذلك الصواب، فالذي يجهد العالم نفسه فيه فيما لم يأت فيه شيء، فلعله يوفق، وبات متكلف لم لا يفهم، فما أشبه ذلك أن لا يوفق. [8/17]
***(1/16)
[8/18] قال أشهب: وكان عثمان رضي الله عنه، إذا جلس للقضاء، احضر أربعة من الصحابة، ثم استشارهم، فإذا رأوا ما رأى، أمضاه، وقال: هؤلاء قضوا، لست أنا.
قال ابن نافع: قال مالك: كان عثمان فذكر نحوه.
قال أشهب: وينبغي للقاضي إن قدر على ذلك ألا يقضي إلا وعنده علماء من أهل الفقه، يأمرهم ألا يشتغلوا عن الفهم لما يدلي به عنده من الحجج، ولما يقضي به فيما فهم من ذلك وفهموا، ولا ينبغي لمن حضره منهم إذا بضى بشيء وزل فيه أن يدعه وإمضاءه ليكمله فيه بعد ذلك، لكن يرده مكانه في رفق ولين؛ لئلا يفوت القضاء به، فلا يقدر على رده، إلا أن يخاف الحصر من جلوسهم عنده، أو يشتغل قلبه بهم وبالحذر منهم حتى يكون ذلك نقصانا من فهمه، فأحب إلي أن لا يجلسوا إليه.
قال ابن المواز: ولا أحب له أن يقضي إلا بحضرة أهل العلم، ومشاورتهم، وإن قدر ألا ينظر بين اثنين في شيء إلا بمحضر عدول يحفظون إقرار الخصوم.
قال ابن سحنون: قال سحنون: ولا ينبغي للقاضي أن يكون معه في مجلسه من يشغله عن النظر/، كانوا أهل فقه أو غيرهم، فإن ذلك يدخل عليه الحصر والاهتمام بمن معه.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا ينبغي للقاضي أن يجلس معه الفقهاء في مجلس قضائه، ولم يكن هذا فيما مضى، ولكن ليتخذهم مشيرين إذا ارتفع عن مجلس قضائه، شاورهم، وكذلك كان يفعل عمر رضي الله عنه.
قال ابن المواز: ولا يدع مشاورة أهل الفقه الذين يستحقون المشورة، وذلك بعد أن يتوجه الحكم لأحد الخصمين، قاله أشهب، في المجموعة: وقاله سحنون في كتاب ابنه. [8/18]
***(1/17)
[8/19] وينبغي للقاضي أن يشتد حتى يستنصف الحق، ولا يدع من حق الله شيئا، ويلين في غير ضعف.
قال أشهب: حيث ينبغي ذلك لغير ترك شيء من الحق، وينبغي له أن يعتذر إلى كل من يخاف أن يقع في نفسه منه شيء، ويبين ويقيس حتى يقوم الخصم وقد علم أنه فهم عنه حجته.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا بأس أن يخبر القاضي الخصم إذا حكم عليه من أي وجه حكم عليه؛ إذا خاف ألا يكون فهم ذلك، وقد فعله عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه.
قال سحنون في كتاب ابنه: وينبغي للقاضي أن يتقدم إلى أعوانه والقوام عليه في الحرف على الناس، والشدة عليهم، ويأمرهم بالرفق واللين والقرب في غير ضعف.
ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه، قال: وإذا شهد العالم عند القاضي في شيء، فأعياه الحكم فيه، فأراد مشورة هذا العالم عند القاضي في ذلك، فلا يجوز أن يستشيره فيما شهد فيه /.
وفي كتاب ابن سحنون، وغيره: ومما كتب عمر رضي الله عنه، إلى أبي موسى، ورسالته إلى يزيد بن أبي سفيان، يشتملان من الأدب في القضاء، والموعظة، والوصية، على أمر كثير جامع، وفيه رسائل كتب بها سحنون إلى قضاته من نحو ذلك، تركت حكايتها على وجهها لطولها، فمن أرادها نظرها في موضعها موعبة إن شاء الله.
قال محمد بن عبد الحكم: وأحب إلي أن يجعل القاضي رجالا من إخوانه، ممن يثق بهم وبصدقهم ومعرفتهم، يخبرونه بما يقول الناس فيه من خلقه، وما ينكرون [8/19]
***(1/18)
[8/20] عليه من أمره، ومن حكم حكم به من قبول شاهد أورده وأنكروه، فما عرفوه به من ذلك سأل عنه، وفحص فيه، واستقصى، فإن ذلك قوة له على أمره، إن شاء الله تعالى.
في القاضي أين يقضي وعلى أي حال يقضي، ومما يقضي؟
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: واحتج بعض أصحابنا على قضاء القاضي في المسجد؛ بقول الله سبحانه: (إذ تسوروا المحراب) إلى قوله: (فاحكم بيننا بالحق).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في المسجد.
ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون، وابن المواز: قال مالك: القضاء في المسجد من الحق والأمر القديم، وكان خلدة وقاضي عمر بن عمرالعزيز يقضيان في المسجد، وأراه حسنا؛ لأنه يرضى بالدون من المجلس، ويصل إليه الضعيف والمرأة، وهو أقرب على الناس في خصومتهم وشهودهم، فلا يحجبون عنه./ وإذا احتجب، لم يصل إليه الناس، ولكن لا يضرب في المسجد إلا الخمسة الأسواط، والعشرة، ونحوها، لا الحدود، ولا الضرب الكثير.
ومن الواضحة: قال مطرف، وابن الماجشون: وأحسن مجالسه للقضاء: رحاب المسجد الخارجة من غير تضييق للجلوس في غيرها.
وقد قال مالك: كان أمر من مضي من القضاة، لا يجلسون إلا في الرحاب الخارجة في المسجد، إما موضع الجنائز، وإما في رحبة دار مروان، وما كانت تسمى الأرحبة القضاء. [8/20]
***(1/19)
[8/21] قال مالك: وإني لأستحب ذلك في الأمصار من غير تضييق؛ ليصل إليه اليهودي والنصراني، والحائض، والضعيف، وأقرب إلى التواضع لله عز وجل، إن شاء الله، وحيث ما جلس القاضي المأمون فهو له جائز إن شاء الله.
وروى ابن حبيب، أن عمر بن عبد العزيز، كتب إلى القاسم بن عبد الرحمن، ألا يقضي في المسجد، فإنه يأتيك الحائض والمشرك.
ومن المجموعة: قال أشهب: ولا بأس أن يقضي في منزله وحيث أحب، وأ؛سن ذلك وأحبه من غير تضييق لما سواه، أن يقضي حيث الجماعة جماعة الناس، وفي المسجد الجامع، إلا أن يعلم ضرر ذلك بالنصارى وأهل الملل، أو بالنساء في الحين الذي لا يجوز لهن دخول المسجد.
قال سحنون: قال غيره: إلا أن يدخل عليه في ذلك ضرر من قعوده في المسجد لكثرة الناس، حتى يشغله ذلك عن النظر والفهم، فليكن له موضع من المسجد/ يحول بينه وبين من يشغله، وكذلك فعل سحنون؛ اتخذ بيتا في المسجد الجامع، فكان يقعد فيه الناس، يحول بينه وبين كلامهم.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولا بأس أن يتخذ القاضي أوقاتا يجلس فيها للناس، وينظر في ذلك بالذي هو أرفق به وبالناس، وليس القاضي بالمضيق عليه في هذا حتى يصير كالمملوك والأجير، ولا ينبغي للقاضي أن يجلس بين المغرب والعشاء، ولا في الاسحار، وما علمنا من فعله من القضاة، إلا أن يكون للأمر يحدث في تلك الأوقات، ويرجع إليه عن ذلك مما لابد له منه، ولما يحسن النظر في تلك الساعات، فلا بأس أن يأمر فيها وينهى ويأمر بالسجن، فيرسل الأمين أو الشرط، فأما على وجه الحكم لما نشبت فيه الخصومة، فلا.
ومن المجموعة: قال أشهب: لا بأس أن يقضي بين المغرب والعشاء، إذا كان لا يتكل عليه؛ من شاء جاء، ومن شاء ترك، وأما أن يحلف فيه الكارة، وتكلفه فيه الخصوم، فلا أرى ذلك. [8/21]
***(1/20)
[8/22] ولا بأس أن يقضي بعد الأذان بالظهر والعصر أو المغرب أو العشاء أو الصبح، أو يرسل إلى الخصم فيحضر في بعض هذه الساعات ثم يقضي عليه، إن شاء وإن أبي، ما لم يجعل ذلك مجلسا للعامة، فأما الفذ هكذا فلا بأس بذلك.
قال أشهب: ولا بأس أن يقضي في ساعات يلزمها نفسه طرفي النهار، ويزيد على ذلك ما بين الظهر والعصر، ويخفف بذلك عن نفسه بعض جلوسه في طرفي النهار، وإنما في ذلك/ كله الاجتهاد، فيما يدع ويعمل للعامة، فأما النظر في ذلك لنفسه: فليس ذلك له، وليس عليه أن يتعب نفسه فيقضي من بكرة إلى الليل وشبه ذلك، وإن كان ذلك لا يدخل عليه الضجر ولا قلة الفهم.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا بأس إذا مل قبل وقت قيامه أن يحدث جلساءه في غير الحكم، يروح قلبه، ثم يعود إلى الحكم بين الناس، وقد روى ابن وهب، أن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: روحوا القلوب ساعة فساعة.
قال ابن المواز: قال أشهب عن مالك: ينبغي أن يكون جلوسه في ساعات من النهار؛ لأني أخاف أن يكثر فيخطئ، وليس عليه أن يتعب نفسه للناس النهار كله.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا ينبغي أن يقضي في الطريق من ممره إلى المسجد وإلى بيته، أو إلى غير ذلك قضاء يفصل الحكم فيه خصومة قد نشبت، ولا علمنا أحدا من القضاة فعل ذلك، إلا أن يكون أمر حدث له أو استغيث به أو رفع إليه وهو بتلك الحال، فلا بأس أن يأمر فيه وينهى، ويأمر بالسجن إذا رآه صوابا، فأما الحكم الفاصل فلا.
قال في كتاب محمد: ولا ينبغي أن يقضي وهو ماشي، ولا بأس أن يقضي [8/22]
***(1/21)
[8/23] وهو متكئ، وقال أشهب في المجموعة: وقال سحنون في كتاب ابنه: وقال أشهب في كتاب ابن المواز: لا بأس أن يقضي وهو ماش، إذا أم بشغله ذلك عن النظر.
قال أشهب، في المجموعة/: إذا لم يشغله المسير ووجه الناس والنظر إليهم. قال سحنون، في المجموعة وكتاب ابنه: لا ينبغي للقاضي أن يقضي وهو ماش، ولا وهو سائر، ولا يكلم أحد من الخصوم، ولا يقف معه؛ فإن ذلك يوهن خصمه، ويدخل عليه به سوء الظن.
ومن كتاب ابن سحنون، والواضحة: روى أبو بكر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يقضي القاضي وهو غضبان.
وقال ابن حبيب: وروى أنه عليه السلام، قال: لا يقضي إلا وهو شبعان ريان.
قال في كتاب ابن المواز: ولا أحب أن يخرج إلى الناس وهو جائع من غير أن يشبع جدا. محمد: يريد: لا يكون بطينا؛ لأن الجائع يسرع إليه الغضب، والبطين بطيئا.
وقال مالك في المجموعة: يكره للقاضي إن دخله هم، أو نعاس، أو ضجر، أن يقضي حينئذ، ولا ينبغي للقاضي أن يكثر ويتعب نفسه من طول الجلوس، إذا يخلط. قاله ابن سحنون، عن أبيه. [8/23]
***(1/22)
[8/24] وقال أشهب في المجموعة: ومطرف، وابن الماجشون، في كتاب ابن حبيب: لا ينبغي أن يقضي وبه من الضجر أو الغضب أو النعس.
في كتاب ابن حبيب وفي المجموعة: أو النعاس قال في كتاب ابن حبيب: أو الغرث يريد: الجوع، وفي المجموعة: أو الجوع، قالوا: أو الهم: ما يخاف على فهمه منه الإبطاء والتقصير عن الفهم لما يدلي إليه، وما كان ذلك خفيفا لا يضر به في فهمه، فلا بأس أن يقضي وذلك به.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولا يقضي بين اثنين وبه من الغضب أو الضجر أو اللعس يريد: ضيق النفس/ أو الغرث يريد: الجوع أو الهم، ما يخاف على فهمه منه الإبطاء والتقصير عن الفهم، إلا أمر خفيف من ذلك لا يضر به في فهمه.
قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا دخله النعاس، فليكف عن النظر حتى يذهب عنه، ثم يقبل على النظر وهو متفرغ مستمع غير معجل للخصوم عن حجتهم، ولا مخيف، فإن الخوف يقطع حجة الرجل.
قال أشهب في المجموعة: قال سحنون في كتاب ابنه: ولا ينبغي إذا قعد الخصمان بين يديه أن يشغل نفسه عنهما بشيء، وليجعل فهمه وسمعه وبصره احتجاجهما، ولا ينبغي أن يقضي بينهما والخوف بين عنده بينهما.
قال أشهب: ولا يقضي حتى لا يشك أن قد فهم، فأما أن يظن أن قد فهم وهو يخاف أن لا يكون فهم لما يجد من النكول أو الحيرة، ولا ينبغي أن يقضي بينهما وهو يجد شيئا من ذلك، قال أشهب، في المجموعة: وقاله سحنون في كتاب ابنه. [8/24]
***(1/23)
[8/25] جامع في أدب القاضي وفي بيعه وشرائه وحضوره الجنائز وإجابته الدعوة وقبوله الهدية وحديثه في مجلس قضائه وقيامه عنه وكلامه في العلم وغير ذلك
قال أشهب في المجموعة: ولا ينبغي للقاضي أن يتشاغل بالاحاديث في مجلس قضائه، إلا أن يريد بذلك إجمام نفسه، ورجوع فهمه إليه، أو الزيادة، ولا ينبغي له أن يسرع القيام من مجلس قضائه تشاغلا بما يجب أن يؤثر من حوائجه/ قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: وإنما يجلس الرجل عند القاضي، فيسأله عما يريد، فقال حيث لا يعلم أقضيتك واقتدى بك قال: فيقيمه ولا يقعده، والجلوس عند القاضي من حيل المتشاكلين للناس، إلا أن يكون عنده معروفا مأمونا، فيدعه. وقاله أصبغ. وقال أصبغ في كتابه لا أحب أن يترك من يقعد إليه إن لم يكن فيه منافع، ولا يقعد عنده إلا التقى البار، فإن خاف أن يحقره في قضائه أو يضر به، فلا يقعده، قال مطرف، وابن الماجشون: ولا يتشاغل بالأحاديث في مجلس قضائه، وإن أراد بذلك إجمام نفسه، وإذا وجد الفترة، فليقم ويدخل بيته، أو يرفع الناس عنه ويدع مجلس قضائه، ويجلس مع من يحب للحديث ولما أراد من إجمام نفسه، فأما وهو يقضي فلا ينبغي ذلك، قالا: وإذا عرضت له حاجة، فلا بأس أن يقوم عن مجلس قضائه، وينظر في حاجته، ولا ينبغي أن يقوم للذة تعرض له.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا ينبغي أن يجلس أيام النحر، ولا يوم الفطر وما قاربه مما لا يضر فيه بالناس في حوائجهم، وما لا بد لهم منه، وكذلك يوم عرفه، ويوم التروية مما جرى عليه أمر الناس، ولا يعتكف القاضي؛ لأنه لا ينظر بين الناس في اعتكافه، وإذا كان الطين والوحل فأضره ذلك، ترك الجلوس فيه، [8/25]
***(1/24)
[8/26] وأحب إلي ألا يجلس يوم خروج الناس إلى الحج بمصر، لكثرة من يشتغل يومئذ في تشييع الحاج، وإذا كان بلدا فيه يوما يجتمع فيه مثل هذا، فليترك الجلوس يومئذ.
ومن المجموعة، ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ: ولا ينبغي أن يشتغل في مجلس قضائه بالبيع والابتياع لنفسه أو لغيره على وجه العناية منه.
قال ابن عبدوس، ابن سحنون: قال سحنون: وقال ابن حبيب في كتابه: قال مطرف، وابن الماجشون: إلا ما خف شأنه وقل شغله والكلام فيه. قال سحنون: وتركه أفضل، وقال مطرف، وأشهب، وابن الماجشون: وما باع، جاز بيعه، ولا يرد منه شيء، قال سحنون: ولا بأس بذلك في غير مجلس القضاء، قال ابن الماجشون، ومطرف: لنفسه ولغيره. قال مطرف، وابن الماجشون: في بيعه وابتياعه في مجلس قضائه: إنه لا ينفذ إلا أن يكون قهره على ذلك، أو أكرهه أو يهضمه، وليس هذا بعدل، وبيعه وابتياعه على هذا مردود، كان في مجلس قضائه، أو حيث كان. قال أشهب: إن عزل والبائع والمبتاع مقيم بالبلد لا يخاصمه، ولا ينكر مخاصمته لأحد، فلا حجة له عليه، والبي ماض، وكتب عمر إلى بعض عماله: لا تسار ولا تضار، ولا تبيع ولا تبتع، ولا تقض بين اثنين وأنت غضبان، ومن كتاب ابن حبيب: وكتب عمر بن عبد العزيز، أن تجارة الولاة لهم مفسدة، وللرعية مهلكة. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: يقال: من أشراط الساعة تجارة الساعة.
قال أشهب في المجوعة: فأما أن يبيع مال/ ميت في مجلس قضائه على ما يبيع عليه السلاطين أموال من أوصى إليهم في سلطانهم، أو من مات من غير [8/26]
***(1/25)
[8/27] وصية، فكان القائم بأمر من غاب من ورثته، أو كان صغيرا، فذلك جائز لا بأس به.
قال في كتاب ابن المواز: وقال أشهب في المجموعة ومطرف وابن الماجشون، في كتاب ابن حبيب، وقال سحنون، في كتاب ابنه: إنه لا بأس للقاضي بحضور الجنائز، قال: إلا في كتاب ابن المواز: وبعيادته المرضى.
قال أشهب، ومطرف، وابن الماجشون: وتسليمه على أهل المجالس، ورده على من سلم عليه، لا ينبغي له إلا ذلك، قال مطرف، وابن الماجشون: لا ينبغي للقاضي أن يجيب الدعوة، إلا في الوليمة وحدها؛ للحديث؛ ثم إن شاء أكل أول ترك، ذلك أحب إلينا من غير تحريم، ولا يضيق عليه أن أكل، لكن ذلك عندنا أنزه له.
قال أشهب في المجموعة: لا بأس أن يجيب الدعوة العامة إن كانت وليمة، أو صنيع عام، لفرح كان، فأما أن يدعي مع عامة لغير فرح كان، فلا يجيب، وكأنه دعي خاصة؛ لأن الداعي له لعله جعل دعوته في غير حق وجب عليه ولا شرر دافع به لما أحب من دعائه القاضي.
قال سحنون في كتاب ابنه: يجيب الدعوة العامة، ولا يجيب الخاصة، وإن تنزه عن مثل هذا، فهو أحسن.
قال في كتاب ابن المواز:/ كره له أن يجيب أحدا، فهو في الدعوة الخاصة أشد من دعوة العرس.
وكره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم. [8/27]
***(1/26)
[8/28] قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: وكل ما لزم القاضي من النزاهات في جميع الأشياء وهو أجمل به وأولى، وأنا لنحب هذا لذي المروءة والهدي أن لا يجيب إلا في الوليمة، إلا أن يكون الأخ في الله، أو خاصة أهله، أو ذي قرابته، فلا بأس بذلك، قال: لا ينبغي له أن يكثر الرحال عليه، ولا الركاب معه، ولا المستمعون له في غير ما خاصة كانت منهم له قبل ذلك، إلا أن يكونوا أهل عز وجل، وأهل فضل في أنفسهم، فلا بأس بذلك. قال: وأما الهدية، فلا ينبغي له أن يقبلها من أحد، وممن كانت تجري بينه وبينه قبل ذلك، ولا من قريب، ولا من صديق، ولا من أحد وإن كافأ بأضعافها، إلا الوالد والولد وأشباههم من خاصة القرابة التي يجمع من حرمه، إلا أصدقاء هو أخص من الهدية.
قال أشهب في المجموعة: لا ينبغي أن يقبل الهدية من خصم، وإن كان خاصا به، أو من قريب له، وإن كافأه بها، ولا ينبغي أن يقبلها من غير خصم، إلا أن يكافئه بمثلها. قال: وإن كان يهاديه قبل ذلك، فإن التهمة جارية فيه، وكذلك في ذي الرحم وغيره، فلا يقبلها إلا أن يكافئه بمثلها. قال سحنون: إلا من ذي رحم محرم: أبويه، وابنته، وخالته، وعمته، وبنت أخيه/، ومن لا تدخل عليه به الظنة؛ لشدة الدخلة والتافئة بينهما. وكذلك ذكر عنه ابنه، وفي كتاب ابن المواز: مثله. قال ابن عبدوس: قال سحنون: حديث إن في بعض الكتب: الهدية تطفئ نور الحكماء.
قال ربيعة: إياك والهدية، فإنها ذريعة الرشوة، وعلة الطلب.
قال محمد بن عبد الحكم: لا تقبل الهدية ممن يخاصم عنك، ولا بأس أن يقبلها من إخوانه الذين يعرف له القبول منهم قبل أن يستقضي وقد كان عمر [8/28]
***(1/27)
[8/29] يقبل الهدية من إخوانه، وقد أهدي إليه أبي بن كعب، وكان له عليه سلف، فلم يقبلها لذلك، ولا بأس أن يتسلف من بعض إخوانه ممن يعرف أنه السلف منه، وأن يستعين بإخوانه في حوائجه.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولا ينبغي للقاضي أن يتضاحك مع الناس، وينبغي له أن تكون فيه عبوسة بغير غضب، وأن يلزم التواضع والتقرب في غير وهن ولا ضعف، ولا ترك لشيء من الحق، وليتقدم إلى أعوانه والقوام عليه في الحرف على الناس والشدة عليهم، ويأمرهم بالرفق واللين، والقرب منهم في غير ضعف ولا تقصير مما ينبغي لهم، ولو كان يستغني عن الأعوان، لكان أحب إلينا، ولم يكن لأبي بكر، وعمر أعوان ولا قوام، وكان عمر يطوف وحده، إلا أن يضطر إلى الأعوان، فليخفف منهم ما استطاع، وينبغي له أن يمنع من رفع/ الصوت عنده، فإن ذلك مما يحيره، قالا: وليتنزه عن طب الحوائج والعواري من ماعون، ودابة يركبها، ونحوه، أو السلف، أو أن يقارض أحدا، وأن يبضع مع أحد أو يبايعه، والتنزه عن ذلك أحب إلينا، إلا مما لا يجد منه بدا، وإن فعل شيئا من ذلك فخفيف، ما لم يكن بينه وبين من يخاصمه عنده أو عن أحد يجر إلى من يخاصم عنده، وقاله أصبغ.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا بأس أن يطلع ضيعته، فيقيم اليومين والثلاثة إن احتاج إلى ذلك.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم، عن مالك: وإن سمع قاذفا برجل ومعه غيره، أقام عليه حد الفرية/، ولم يجز عفو عن القاذف إلا أن يريد سترا. وقد روي عن مالك، في غير المجموعة: أنه يقبل عفوه، وإن لم يرد سترا، وأما في الأب، فيقبل عفوه فيه على كل حال. [8/29]
***(1/28)
[8/30] قال ابن القاسم: وإن رأى من يغتصب مالا، فلا يحكم عليه وهو شاهد، فإن كان معه آخر، فلا يحكم إلا بشاهده مع يمينه، وإن لم يكن غيره، شهد له عند غيره، وحلف معه.
في اتخاذ القاضي كاتبا أو قاسما وأرزاق القضاة والعمال والقسام
من المجموعة وغيرها: قال ابن القاسم: قال مالك: لا يستكتب القاضي أحدا من أهل الذمة في شيء من أمور المسلمين، قال ابن القاسم: ولا يتخذه قاسما، ولا يتخذ في ذلك عبدا ولا مكاتبا، ولا يتخذ في شيء من أمور المسلمين إلا العدول المرضيين.
قال مالك: وكان خارجة بن زيد، ومجاهد يقسمان، ولا يأخذان أجرا.
قال أشهب: وينبغي للقاضي أن يتخذ كاتبا من أهل العفاف، ثم يعقده معه، وهو في سعة أن يجلس حيث جلس بقرب منه أو بعد، فإن استحب هو نفسه إيقاع الشهادات، فذلك حسن، وإن أوقعها كاتبه، وهو ينظر، أجزأه.
ومن كتاب ابن المواز: وينبغي أن يكون كاتبه فقيها عدلا، ويكتب بين يديه/، فينظر فيما يكتب.
قال سحنون، في كتاب ابنه نحول قول مالك الذي ذكرنا، في أن لا يتخذ كاتبا إلا من المسلمين، ومن أهل الصلاح والعفاف.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ: لا يستكتب إلا المرضي العدل، وإن لم يغب له على كتاب.
قال أصبغ في كتابه، ويكون مرضيا مثله أو فوقه، ولا يغيب له على كتابه. [8/30]
***(1/29)
[8/31] قال أصبغ في كتابه، وفي كتاب ابن حبيب: وحق على الإمام أن يوسع على القاضي في رزقه، ويجعل له قومة يقومون بأمره، ويدفعون عنه الناس، وينبغي له أن يجري ثمنا لرقوق يدون فيها أقضيته وشهاداته إذا كان عند نفسه، ويجري له ثمنا لمصابيح ينظر بها بالليل في أمور الناس ويدبرها، ولا ينبغي له أن يأخذ رزقه إلا من الخمس، أو الجزية، أو عشور أهل الذمة.
قال أصبغ: إن طاب مجيء ذلك بغير ظلم ولا تعدي، ولا يرتزق من صدقة ولا عشور، ولا يحل ذلك له، وبلغني أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، كان قاضيا بالمدينة، فارتزق من العشور أو الصدقة، فلما ولي عمر بن عبد العزيز، كتب بعزله، فاعتذر بعض العذر، وفرض له من فدك.
قال أصبغ: وأراها كان فيها ذمة، قال ابن حبيب: وكان مسروق لا يأخذ على القضاء رزقا.
قال أبو محمد: وقد ذكرت في باب صفة القاضي قول سحنون: والقاضي إن كان فقيرا: لا يجلسه الإمام حتى يغنيه/،ويقضي دينه، ويكفيه جميع ما يحتاج إليه.
قال سحنون في كتاب ابنه: ولا بأس أن يكلف الطالب صحيفة يكتب فيها حجته وشهادة شهوده.
قال مالك: ولا بأس بإرزاق القضاة من بيت المال، وأما العمال؛ فإن عملوا على حق، فلا بأس بارتزاقهم.
قال أشهب في المجموعة: وأرى أن يرتزق من كان في عمل المسلمين من الفيء على قدره في أمانته وجزائه إذا جبى من موضعه، ووضع في موضعه، فأما إن كان لا يخرج في مكروه. [8/31]
***(1/30)
[8/32] قال مالك: ولا أرى أن يأخذ قسام القاضي على القسم أجرا. قال ابن القاسم: وقسام المغانم عندي مثله، فإنما كره مالك ارتزاق القسام؛ لأنها إنما تؤخذ من أموال اليتامى، وفي موضع آخر: لأنه إنما يفرض لهم من أموال الناس، ولا بأس أن يرتزقوا من بيت المال. قال مالك: وكذلك أشياء من أمور الناس بيوتهم بيعت فيهم، فإنما رزقهم من بيت المال.
ومن العتبية، قال ابن القاسم، عن مالك: كان زياد بن عبد الله يبعث شرطا في الأمر يكون بين الناس من المناهل، ويجعل لهم أموالهم جعلا، فنهيته عن ذلك، وقلت: إنما يرزقهم السلطان فقيل له: فإن صاحب السوق جعل لمن ولى عليهم شركا معهم فيما اشتروا. قال: ما أمرته بذلك، وهذه يخاف عليها ما يخاف. وذكر فيها تفسيرا.
قال ابن القاسم: ولو واجر قوم قاسما لأنفسهم، لم أربه بأسا/ كما قال مالك في كتاب الوثيقة: أرى أجرها عليهم.
قال سحنون: ولا بأس أن يرزق القسام من بيت المال، فإن لم يكن لهم رزق، فلا بأس أن يؤاجروا أنفسهم في ذلك.
قال ابن الماجشون، في قاسم الغنيمة: إن فعل ذلك احتسابا ينوي الأجر،ولا يأخذ فيما عمل شيئا، إلا من الله سبحانه، وإن استؤجر، فله أجرته، ولا أعلمها تحرم عليه، وكذلك القاسم؛ جعله فيما قسم من أموال اليتامى، وليس ذلك على السلطان، ولم يزل ذلك بالمدينة، وإن احتسب فله أجره على الله سبحانه.
قال أشهب عن مالك: كان الناس هاهنا عندنا يقتسمون بغير جعل، قيل: فتكرهه؟ قال: من احتسب فهو خير له، ولا أحرمه. وهذا لابد منه، وكان القضاة عندنا يخبرون الورثة من يقسم بينهم، فمن دعوه إليه، بعثه إذا كان رضيا. [8/32]
***(1/31)
[8/33] قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا بعث القاضي قاسما يقسم بين ورثة فيهم صغير، أو غائب، فليأمره أن لا يشهد فيه حتى يرفعه إليه لينظر فيه، فإن رآه صوابا، أمضاه، إن كان مأمونا عنده، واثنان أحب إلي، والواحد يجزئ، وينبغي أن يجعل للصغير أو الغائب وكيلا يقوم مقامه في القسم.
قال سحنون في كتاب ابنه: ويرتزق القاضي من بيت المال لا من الصدقات والعشور، لا هو ولا كاتب ولا قاسم، ولا ينبغي له إذا اتخذ قساما أن يكره الناس على قسمهم خاصة.
قال سحنون: وأيما قوم اصطلحوا على قسمة غير هؤلاء القسام، فذلك جائز، إلا أن يكون فيهم/ غائبا وصغيرا، فالسلطان ينظر في ذلك لهم، وأجر القاسم إذا استؤجر على عددهم سواء، لا على الأنصباء.
قال ابن سحنون: وقد قسم سحنون للناس احتسابا، ولم يرزقهم شيئا من بيت مالهم، فلم يقبل رزقا ولا كسوة ولا حملانا ولا خاتما وضعه في يده، وسمعته يقول للأمير الذي ولاه: والله لو أعطيتني جميع ما في بيت المال ما قبلته، وكان تركه لأخذه من غير تحريم، ويقول: لو أخذته، لجاز. وكان يأخذ الأرزاق لأعوانه وكتابه، وكلم الأمير لهم حتى أجرى ذلك لهم، وسأله أن يعطيهم ذلك من جزية اليهود، وكلمه حتى أجرى لقضاته أرزاقهم، ثم كلمه في الزيادة لهم، فزادهم، وإذا أبطأت عليهم، كلمه لهم في تعجيلها. وقد قال عمر: أغنوهم بالعمالة عن الخيانة.
ومن كتاب آخر، روي أن عمر بن عبد العزيز، أجرى للقاضي رزقا؛ أربع مائة دينار في السنة، وكان يوسع في الرزق على عماله، وقد ولاه شيئا من أمور المسلمين، وكان يقول: ودلهم قليل إذا أقاموا كتاب الله وعدلوا. [8/33]
***(1/32)
[8/34] قال ابن سحنون عن أبيه: أنه كلم الأمير في استعجال أرزاقهم: كتابه وأعوانه لما مطلوا بذلك، وقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه. فنحن نرى لهذا الحديث أن سافي التفليس بحق الأجراء قبل دين الغرماء فيما عمل الأجراء من عمل المفلس.
ما ينبغي للقاضي أن يعمل عند ما يلي من استعداد من يعينه على أمره، و ... ذكر سيرته في دخول/ الخصوم إليه، وقسم أيامه، وخصومة النساء والرجال، والمسافر والحاضر، وذكر الطابع وجلب الخصم، وكتب الرفع وغير ذلك من سيرته
قال ابن سحنون: لما ولي سحنون القضاء، وبعد أن أدير عليه حولا وغلظ عليه، وخاف الأمير عليه، وأبى من غرمه عليه ما أخافه وأنصفه في قوله، وخاف أن يكون أمر لزمه لا يقوم غيره في مقامه، فولي يوم الاثنين، لثلاثة أيام مضت من شهر رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين، فأقام أياما بعد أن ولي لا ينظر بين الناس في شيء؛ يلتمس أعوانا، فقعد للناس يوم الأحد لتسعة أيام مضت من شهر رمضان.
وقيل: إنه لما دخل المسجد الجامع، بدأ فركع ركعتين، ثم دعا بدعاء كثير، فروي أنه إنما يدعو بالتوفيق والتسديد والعون على ما قلده، فقعد بعد ما ركع متربعا، وأمر الناس فكتبوا أسماءهم في بطائق، ثم أخبطت تلك البطائق، ثم دعا الأول فالأول ممن يخرج اسمه، فإذا دعا برجل فاستعدى على رجل بحاضرة مدينة القيروان، أو بقصر محمد بن الأغلب، وهو على ثلاثة أميال من المدينة، أعداه على [8/34]
***(1/33)
[8/35] خصمه بطابع يعطيه إياه، وإن كان صاحبه حاضرا، أدخلهما وأجلسهما بين يديه على الاعتدال في مجلسهما وكان لا يدفع كتاب عدوا ولا طابع إلى أحد من المسملين، إلا بين يديه، ولا يغيب على ذلك أحد من أعوان، فإذا أتى بصاحبه، أمر بأخذ الطابع منه، وإذا أتى إليه بلا طابع/، لم يأخذه، أدب الذي جاء بخصمه بغير طابع دفعه إليه، وكان يوم الثلاثاء والأربعاء بعد صلاة العصر قرب المساء يأمر برفع الدعوى، ويدخل أصحاب الطوابع، ثم يأمر من يعطيه طابعا ألا يوقعها، أو لغير ذلك بين الناس، وجعل يوم السبت والأحد والاثنين لمن يبتدئ بينة يوقعها، أو لغير ذلك بين الناس، ويعطي الطوابع بالعشي في هذه الأيام من بعد العصر، وأصحاب الالطاخ الذين يطلبون كتاب العدوى. كتاب عدوى لجلب خصم إلا بلطخ من شاهد عدل، مزكى، فيأمر كاتبه فيكتب له كتاب عدوى إلى أمينه، وكان قد اتخذ في بعض المواضع أمينين،؟ في بعضها أمين، وكان أكثر عدالته، وكان في من ولى رجل سمع بعض كلام أهل العراق، فأمره ألا يحكم إلا بمذهب أهل المدينة.
قال سحنون: وينبغي للقاضي أن يقدم النساء على حدة، والرجال على حدة، وأرى أن يجعل لكل قوم يوما بقدر ما يرى من كثرة الخصوم، فلا بأس به.
قال أشهب في المجموعة: إن رأى أن يبدأ بالنساء في كل يوم، أو بالرجال، فذلك على الاجتهاد؛ إما لكثرة النساء على الرجال، فيبدأ بالرجال، وإما لكثرة الرجال، فيبدا بالنساء ويبدأ لهؤلاء يوم ولهؤلاء يوم أحب إلي إذا جمعتهم الأيام من أن يؤثر أحدهما بالتبدية، ولا ينبغي للقاضي أن يقدم الرجال والنساء مختلطين، ألا ترى النساء في الطواف وفي الصلاة خلف الرجال، وفي الجنائز/ أمامهم، وإن رأى أن يجعل للنساء يوما معلوما أو يومين فعل. [8/35]
***(1/34)
[8/36] قال مطرف، وابن الماجشون، في كتاب ابن حبيب: يفعل ذلك باجتهاده. قال محمد بن عبد الحكم: وأحب إلي أن يفرد للنساء يوما، وإن كان لا بد أن يخاصمهن الرجال، فذلك أقل لمخالطتهن الرجال، فإن احتاج إلى كشف وجه امرأة ليعرف بها، أو ليشهد شهودا عليها، كشف وجهها بيد أيدي العدول من أصحابه، وإن كان بحضرته من الخصوم من لا يشهد عليها، أمر بتنحيتهم، وكذلك إن كان على رأسه من لا يأمنه على ذلك، لا ينبغي أن يستعين بأحد لا يؤمن في كل شيء، ولا يجلس النساء مع الرجال، وليفرق بينهم في المجلس لا يلصق بعضهم ببعض، ويجعل للنصارى يوما أو عشية أو وقتا من بعض الأيام بقدر قلتهم وكثرتهم، يجلس لهم في غير المسجد، وإذا كانت الخصومة في الفروج مثل طلاق امرأة، أو عتق جارية، فلا بأس أن يسمع البينة في ذلك، ويؤثرها على أهل الدعوى، ويسمعها في غير مجلس الحكم، فإذا كان في ذلك ما توقف به المرأة والجارية، فعل حياطة للفروج، ثم ينظر بعد في ذلك كما ينظر في غيره.
قال سحنون: والغرباء وأهل المصر سواء، إلا أن يرى غير ذلك في الغرباء باجتهاده مما لا يدخل على أهل المصر منه ضرر. وقال أشهب مثله، وزاد: وإن رأى أن يجعل للغرباء يوما، ولغيرهم يوما ويومين، فذلك له، وإن رأى أن يبدأ بالغرباء كل يوم فعل، وإن كثروا، فلا يبدأ بهم كل يوم، وليجعل لهؤلاء دعوة، ولهؤلاء دعوة. ثم يبدأ منهم بطائفة في/ أول يوم، ثم يميل إلى أهل المصر حتى يقوم، ثم يبدأ اليوم الثاني بباقيهم، ثم يميل إلى أهل المصر يفعل ذلك حتى تنقضي لك الدعوة، فإن خاصم فيما بين ذلك من لم يكن كتب اسمه في الدعوة، فهو مخير في إثباته في أول من يدعو، أو في وسط، أو في آخر، أو في تركه حتى ينقضي جميع من كتب في الدعوة باجتهاده، وليس من جاء ويخاف أن يفوت أمره، كالذي في أمره أناة ولا يخاف فوته. [8/36]
***(1/35)
[8/37] قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: من شأن القضاة تقديم الغرباء، وتعجيل سراحهم، وترك الأسوة بينهم وبين المقيمين.
قال أشهب وسحنون في المجموعة: ويقدم الناس على منازلهم؛ الأول فالأول. قال أشهب: إن رأى ذلك. قال سحنون: وقدر عليه، وكانوا قليلا، ولا يقدم رجل لفضل منزلته وسلطانه.
وقال أشهب: إن رأى إدخالهم جميعا، ثم يدعو من رأى باجتهاده، ليس الضعيف كالقوي، ولا الغريب كالمقيم، ولا من نظر في أمره كمن لم ينظر فيه، وآخر إن دعاه قطع أمره، وآخر يخاف في تأخير أمره الضرر به، يأخذ في ذلك لنفسه ولرعيته بجهد رأيه.
قال سحنون فيه، وفي كتاب ابنه: وإن كثروا كتب أسماءهم في بطائق أو غيرها، ثم ألقوها، ثم يدعو بهم على ذلك، فمن جاء بعد ذلك، كان النظر لهم بعدهم، والغرباء وأهل المصر سواء، إلا أن يرى رأيه في الغرباء، كما ذكرنا.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: يفعل في دعوى الخصوم بالذي هو أعدل وأحسن، والكتاب أعدل، ومن أوسط ومن آخر ليس علي جهة ما كتبوا/، وإن قلوا فلا بأس أن يتصفحهم، فيدعو من رأى باجتهاده حتى يأتي عليهم.
قال محمد بن عبد الحكم: وأحب إلي أن يجعل للبينات يوما؛ لأنه يضر بهم الانتظار حتى يصاح بالخصم، فإن لم يفعل، فلا حرج.
ومن كتاب أصبغ: وإن كان في أعوانه ثقة يرضاه، ولا تقديم الخصوم إليه على منازلهم، فإن لم يكن، فهو نفسه، وإن عجز أو كثر عليه، جعل لذلك من يرضاه.
قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: قلت لهما: إن بعض القضاة يجعل لنفسه يوما في الجمعة لا يقضي فيه. فقالا: لا ينبغي ذلك، وما هو [8/37]
***(1/36)
[8/38] من فعل القضاة عندنا، ولا كن لا بأس أن ينظر لنفسه في كل الأيام في أموره من أمر دنياه وحوائجه التي تصلحه ولابد منها، ينظر فيها في غير حين يقضي فيه.
وقال مالك لبعض من كان يحكم بالمدينة ممن يلي السوق: واجعل لجوسك للقضاء ساعات يعرفها الناس منك، فيأتوك فيها، وخفف عن نفسك بالنظر في غير ذلك.
قال مالك: كان يقال: إذا قل الكلام أصيب الجواب، وإذا كثر الكلام كان من صاحبه فيه الخطأ.
قالا: ولا بأس أن يقضي في رمضان، وفي الشهور كلها، إلا أيام العيد، وبلغنا أن عمر بن عبد العزيز كتب ألا يقضي في العيد، إلا أن تكون أمورا يخاف فيها الفوت مما لا يسعه تأخير النظر فيه، فلينظر فيه وإن كان يوم الفطر أو يوم الأضحى.
قال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: ولا ينبغي أن يكتب عن رجل حجتين أو أكثر في مجلس واحد، إلا أن يقل الناس عنده، فلا يشغله ذلك عنهم. قال في كتاب ابنه: وقد قيل: إنه ينظر في ذلك، قال سحنون فيهما: ولا ينبغي أن يكثر كتب الرفع لكل من جاءه إلا بلطخ من شهادة أو سماع، وإلا فلا يفعل، ولعله يشخص الرجل البعيد ولا شيء له. قال أصبغ عليه: أو يدعي بشيء يسير، فيعطيه إياه ويرتفع وإن لم يكن له.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: ولا يكتب في دفع خصم إلا إلى أهل العدل والأمانة، ويكتب إلى العدول أن يأمروهما بالتناصف، فإذا أبيا فانظروا في المدعى فإن سبب لحقه سببا، وظهر لطلبه وجه ولم يتبين أنه يريد تغييب خصمه واللدد به، فارفعه إلي معه، وإلا فلا يرفعوه، وهذا في المكان القريب الذي لا مؤنة فيه على الخصمين، ولا على البينة، فأما المكان البعيد، فلا يرفع منه، وليكتب إلى من [8/38]
***(1/37)
[8/39] يرضاه من أهل العدل والعلم: انظر في أمرهما، واسمع البينة، وانظر في جميع منافعهما، ثم اكتب إلي ما يصح عندك لينظر فيه، فإذا جاءه معه الكتاب ونظر فيه: فإن رأى أن يكلفه إنفاذ الحكم بينهم فعل، وإن رأى أن يرجع إليه المتداعيين لينفذ بينهما الحكم فعل، ولا يرجع البينة، فإن لم يرفع القاضي من مكاتب هناك، وذكر له الطالب رجلا أو رجالا يكتب إليهم، فليأمره يأتيه بمن يعرف بهم، فإن ثبت عنه عدالتهم، كتب إليهم، وإلا كتب إلى عامل البلد إن وثق به، فإن لم يكن مأمونا ولا وجد من يكتب إليه/، كتب إلى المطلوب أن فلانا ذكر كذا فتناصفا، وإلا فاقدم معه، فإن قدم وإلا بعث من يأتيه به إن كان المكان قريبا. وقال محمد بن عبد الحكم: وإذا استعدى رجل على رجل بدعوى عند الحاكم، فإن كان في المصر أو قريبا منه، أعطاه طابعا في جلبه أو رسولا، وإن كان بعيدا عن المصر، لم يجلبه إلا أن يشهد عليه شاهدان أو شاهد، فإذا ثبت عنده، كتب إلى من يثق به من أمنائه: إما أنصفه، وإلا فليرتفع معه، وأما الغريب من المدينة مثل أن يأتي ثم يرجع ويبين في منزله، والطريق مأمونة، فهذا يرفع بالدعوى، كالذي في المصر، والذي يجلب من مكان بعيد أن يأتي في البر والبحر ما لم يرد التطويل والمدافعة، فلا يمكن من ذلك.
قال أصبغ في كتابه: وإذا قضى بين الخصمين في أمر اختصما فيه، ثم أخذا في حجة أخرى وخصومة أخرى، فإن كان بين يديه غيرها، لم يسمع منهما حتى يفرغ ممن بين يديه ويقيمهما، إلا أن يكون شيء لا ضرر فيه بمن حضر من الناس، فلا بأس أن يسمع منهما. [8/39]
***(1/38)
[8/40] في إنصاف الخصمين والعدل بينهما في اللحظ واللفظ، والمسألة، والاستماع، والمجلس، وغير ذلك، وهل يخص أحدهما بشيء؟ وهل يبدؤهما بالسؤال؟ وهل يأمرهما بالصلح؟ وغير ذلك من سيرته
من كتاب ابن حبيب: وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن ابتلى أحدكم بالقضاء، فلا يرفع صوته على أحد/ الخصمين دون الآخر.
أخبرنا ابن الأعرابي، عن أبي داود، قال: حدثنا أحمد بن متيع، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الخصمين يقعدان بين يدي الحكم.
ومن المجموعة: قال أشهب: ويلزم القاضي انصاف الخصمين في مجلسهما منه، وليجلسهما بين يديه، وإن كان شأنه ابن المجالس، جلس الخصم منه فذلك واسع إن كان كذلك فعله في غيرها. ما لم بحف في أحدهما بصداقة أو قرابة، فإن كان ذلك، أجلسهما منه مجلسا واحدا.
ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ، في الخصمين، أحدهما ذمي: فليكن مجلسهما واحدا من القاضي، فإن أبى ذلك المسلم وهو الطالب، فلا ينظر له حتى يساويه في المجلس فيرضى بالحق. [8/40]
***(1/39)
[8/41] فإن كان الذمي الطالب: قال للمسلم: إما أن تساويه في المجلس، وإلا نظرت له، وسمعت منه، ولم ألتفت عليك، ولم أسمع منك.فإن فعل، وإلا نظر له.
قال مطرف، وابن الماجشون: وينبغي أن يكون مجلس الخصمين منه واحدا، معتدلين فيه، قال: وقاله أشهب، في المجموعة، وسحنون، في كتاب ابنه.
وينبغي أن ينصف الخصمين في مجلسهما منه، وفي النظر إليهما، واستماعه منهما، ولا ينبغي له أن يرفع صوته على أحدهما ما لم يرفعه على الآخر، إلا من نظر إليه منهما إغلاظا عليه للدد فذلك جائز، قال أشهب: إذا علم الله/ منه أنه لو كان ذلك من صاحبه، فعل به مثله.
قال أشهب، وسحنون: ولا ينظر إلى أحدهما بوجه أطلق مما يلقى به الآخر. ومن كتاب ابن حبيب، وهو لأشهب: وله الشد على عضد أحدهما إذا رأى ضعفه عن صاحبه، وخوفه منه؛ ليبسط أمله في الانصاف، وحسن رجائه للعدل، ولا بأس أن يلقنه حجة له عمي عنها، وإنما يكره تلقين أحدهما حجة الفجور، وكان الله عز وجل يعلم أن لو كان لصاحبه، لم يلقنه إياها. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من ثبت عيا في خصم منه حتى يفهمها، ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام".
قال محمد بن عبد الحكم: لا بأس أن يلقنه حجة لا يعرفها. وقال سحنون في المجموعة، وكتاب ابن سحنون: لا ينبغي أن يشد عضد أحدهما، ولا يلقنه حجة. [8/41]
***(1/40)
[8/42] قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا ينبغي للقاضي إذا جلس بين يديه خصمان، أو شهيدان أن يسأل أحدهما عن حاله، ولا عن غيره، ولا عن شيء من أموره في مجلسهما ذلك؛ لأن ذلك يكسر في ورع الخصم، ولا بأس إذا أقر أحد الخصمين في الخصومة بشيء للآخر فيه منفعة أن ينبهه ويقول: هذا لك فيه منفعة، هات قرطاسك أكتب لك فيه،ولا ينبغي له ترك ذلك، وليفعل ذلك لجيمع الخصوم. وقاله كله أصبغ في كتابه.
ومن المجموعة: قال ابن وهب: قال مالك: لا أرى للوالي أن يلح على أحد أن يعرض عن خصومته، أو أن يصالح.
قال ابن سحنون: وتخاصم/ إلى سحنون رجلان من أصحابه صالحان، فأقامها، ولم يسمع منهما، وقال: استرا على أنفسكما، ولا تطلعاني من أمركما على ما ستر عليكما. وروى ابن حبيب، عن الحكم بن عييينة أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: رددوا القضاء بين ذوي الأرحام حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن.
قال ابن سحنون عن أبيه، من سؤال حبيب: وإن كام الخصمان في أمرهما شبه فلا بأس بالصح.
قال أشهب في المجموعة، وسحنون في كتاب ابنه: ولا ينبغي له أن يسارر أحد الخصمين، ولا يضار بأحدهما ولا بهما في قضائه.
ومن المجموعة: قال أشهب: وأشر ذلك مساررته أحدهما، ولا أحب أن يساررها جميعا إذا كان كل واحد منهما لا يسمع ما يسارر به الآخر، وإن أسمع أحدهما ما يسار به الآخر، ولم يسمع الآخر، فهو أشر، وإن سارهما جميعا بكلام واحد، فلا بأس بذلك ما ل يسارهما بالقضاء بينهما، فإنه لا ينبغي أن يقضي بين المسلمين سرا، بل ينبغي الاشهار به، ولا يكتب إلى أحدهما بطاقة دون [8/42]
***(1/41)
[8/43] صاحبه، وإن كتبها إليهما، فلا بأس، ولا ينبغي أن يكتب إلى كل واحد منهما بطاقة، إلا أن يقرأها علانية.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: لا يسارهما ولا أحدهما، ولا يكتب إليهما، أو إلى أحدهما لجمعهما في كتاب أو فوق الكتاب، وهذا ليس من الصلابة ورفع المهابة، ومن السخافة، ولينتزعه، وإن احتاج إليه، ولا يمكن أحدهما/ من أذنه يساره، ولا يقرأ له بطاقة إلا أن يقرأها علانية.
قال أشهب: ولا بأس أن يشاور في مجلس قضائه من لا خصومة له، وكذلك إن كتب إليه القاضي بطاقة، أو كتب هو إلى القاضي، وأما من له خصومة، فلا ينبغي ذلك له وإن لم يحضر خصومة.
قال سحنون في كتاب ابنه وفي المجموعة: ولا ينبغي أن يضيف أحد الخصمين، ولا يخلو معه، ولا يكلم أحدا من الخصوم، ولا يقف معه، فإن ذلك مما يدهن خصومه، ويدخل عليه سوء الظن، ولا يخلو معه في منزله، قال محمد بن عبد الحكم: إلا أن يكون من أهل المشورة في غير ذلك قبل الخصومة، فلا بأس أن يخلو معه للمشورة.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: لا بأس أن يخلو الناس، وأكره أن يضيف الخصم عند نفسه، فإن أراد الاحسان إليه، وصله حيث هو إلا أن يضيف الخصمين جميعا.
قال مطرف وابن الماجشون: ولا يسمع من أحد الخصمين إلا بمحضر صاحبه، إلا أن يعرف من المتخلف لددا في تخلفه، ويشكو إليه، فيسمع منه. [8/43]
***(1/42)
[8/44] قال في كتاب ابن المواز: ولا يضيف أحد الخصمين وإن صح، ثم ذكر نحو قول ابن سحنون، ومثله لأشهب في المجموعة، وقال: لا يتعمد الخلوة في غير منزله، فإما أن يلتقيا في غير منزله، أو موضع على غير تعمد، فلا بأس به.
ومن العدل بين الخصمين أن لا يجيب أحدهما في غيبة الآخر، إلا أن يعرف لددا من المتخلف، أو لم يكن يعرف وجه خصومة المدعي، فلا بأس أن يستمع منه حتى يعلم أمره، وإذا جاء أحدهما/ ولم يحضر الآخر، فلا يسمع منه حجته، وليأمره بإحضار خصمه، أو يعطيه طينه، أو يكتب بجلبه؛ إلا أن يكون لم يعلم ما خصومتهما، فلا بأس أن يسمع منه.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإن كان أحد الخصمين ذميا فليكن مجلسهما من القاضي سواء، فإن أبى ذلك المسلم، وهو الطالب، لم ينظر له في ذلك حتى يساويه في المجلس، وإن كان الذمي الطالب، قال للمسلم: إما ساويته في المجلس، وإلا سمعت منه، ولم أسمع منك، ولم أنظر إليك، فإن فعل، وإلا نظر له، فإن رأى له حقا، أنفذه له.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان أحد الخصمين لولاية أو غيرها، فجبن عنه خصمه، فلا بأس أن يعلمه القاضي أنه لا ينتفع بذلك عنده، ولا يضره في خصومته حتى يذهب عن الجبن، ويتكلم حجته.
ومن كتاب أصبغ: ويكره أن يدخل عليه أحد من الخصوم في بيته، وإن كان رجل من إخوانه قد كان يغشاه قبل ذلك، إذا كان على الاختصاص ليس بأمر عام، ولا يكره له عيادة أحد الخصمين، ولا شهود جنازة بعض أوليائه. قال مطرف، وابن الماجشون: ولا ينبغي أن يدخل عليه أحد الخصمين، لا في مجلس قضائه، ولا في خلوته، ولا وحده، ولا في جماعة وإن كان خاصته، ولا بأس إذا [8/44]
***(1/43)
[8/45] جلس خارجا في غير مجلس قضائه، وحيث يأتيه الناس ويجلسون معه، أن يجلس إليه أحد الخصمين.
ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا جلس الخصمان بين يديه، فلا بأس بمسألته إياهما، فيقول: ما لكما؟ أو: ما خصومتكما؟/ أو:ما تطلبان؟ أو: يتركهما حتى يبتدئانه بالمنطق، ذلك اوسع، غير أنه إذا تكلم المدعي، أسكت المدعي عليه، واستمع من المدعي حتى يسمع حجته، ثم يأمره بالسكوت، ويستنطق الآخر؛ وذلك ليفهم حجة كل واحد منهما، وإن تكلما جميعا، إلتبس عليه، ولا ينبغي أن يبتدئ أحدهما فيفرده، فيقول له: مالك؟ أو: تكلم. أو: ما تريد؟ إلا أن يكون علم أنه المدعي، فلا بأس بذلك، وإذا علم المدعي منهما، فلا يبتدئ المدعى عليه، ولا بأس إذا جلسا إليه ولم يدر المدعي أن يقول: أيكما المدعي؟ فإن قالا: هذا. سأله عن دعواه، وأسكت صاحبه، وإن قال أحدهما: أنا المدعي، وسكت صاحبه، فلم ينكر، فلا بأس أن يسأله عن دعواه، وأحب إلي أن لا يسأله حتى يقر له الخصم الآخر بذلك، وإن قال أحدهما: المدعي هذا، فلم ينكره خصمه، فلا بأس أن يسأله عن دعواه، ولا أحب أن يعنى بمسألته عن ذلك؛ لأنه مبدأ في إقرار صاحبه بالكلام، فإن كان لا يرد ذلك، فليس على ما قال صاحبه، فإذا قيل له: تكلم، قال: لست بالمدعي. وإن قاما على هذا يقول كل واحد منهما للآخر: هذا المدعي: فللقاضي أن يقيمهما عنه حتى يأتي أحدهما إلا الخصوم، فيكون هو الطالب، وقاله أصبغ، في كتاب ابن حبيب.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال كل منهما: أنا المدعي. فإن كان أحدهما الذي استعدى وجلب الآخر إلى القاضي، سمع منه أولا، وإن لم يدر من [8/45]
***(1/44)
[8/46] جلب صاحبه إليه، لم أبال استعدى وجلب بأيهما بدأ، وإن كان أحدهما ضعيفا/، فأحب إلي أن يبدأ بالآخر.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا تكلم وأدلي بحجته، قال للآخر: تكلم، فإن تكلم، نظر في ذلك، وإن سكت أو تكلم، فقال: لا أخاصمه إليك. قال له القاضي: إما خاصمت، وإلا أحلفت هذا المدعي على دعواه، وحكمت له، فإن تكلم، نظر في حجته، وإن لم يتكلم، أحلب الآخر، وقضى له بحقه إن كان ما يستحق مع نكول المطلوب إن ثبتت الخلطة؛ لأن نكوله عن التكلم نكول عن، وإن كان مما لا يثبت إلا بالبنية، دعاه بالبينة عنه حتى يتكلم، ولكن يسمع من صاحبه ويحمل الحكم عليه إذا تبين له الفصل، ومن كتاب محمد بن عبد الحكم، ذكر نحو ما تقدم من معرفته للمدعي منهما، وقال: وإذا أقر له له المطلوب بشيء أمره أن يشهد عليه ليلا ينكر.
قال أصبغ في كتابه: وإذا تقدما إليه؛ فقال أحدهما: أنا اتخذت المكان، وهو لي. وقال الآخر: مثل ذلك، سمع من أيهما شاء، بلا ميل ولا هوى.
قال ابن سحنون: وكان سحنون إذا تشاغب الخصمان بين يديه، أغلظ عليهما، وربما أمر القومة فزجروهما بالدرة، وربما تشاغبا حتى لا يفهم عنهما، فيقول: قوما فإني لا أفهم عنكما، وعودا إلي. وذلك عند قيامه من مجلسه، وكان إذا تكلم المدعي، منع الآخر من الكلام حتى يفرغ من مسألة خصمه عن ما ذكر المدعي، منع الآخر من الكلام حتى يفرغ من مسألة خصمه عن ماه ذكر المدعي، فإذا تكلم منع المدعي من الكلام حتى يفرغ من حجته، ومن نهاه عن الكلام: فلم يفعل، وألح فخلط على صاحبه، ويمنعه من/من الكلام، ويكثر معارضته في كلامه، أمر بأدبه. [8/46]
***(1/45)
[8/47] ومن كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون إذا حضر المدعي وخصمه وبينة، أمرهم بالقعود، ثم يسمع دعوى المدعي وإنكار المنكر، ويكون مقعد الكاتب بالقرب منه، فإذا كتب دعوى المدعي، وإنكار المنكر، عرض ذلك عليه، فإن كان ما كتب الكاتب موافقا لما كان منهما، أقر ذلك، وإن أنكر شيئا غيره، ثم يسأل البينة عن شهادتهم، فإن كانت مخالفة لدعوى المدعي، لم يأمر الكاتب أن يكتبها، وأخرجهم، وإن وافقت دعواه، كتبها.
ومن المجموعة: قال ابن أبي حاز في الرجل يأتي القاضي فيخبره بالخصومة فيما بينه وبين خصم: ولا ينبغي للقاضي أن يخبره بما يقضي به له ولا عليه، حتى يحضر خصمه، فيختصمان عنده، ثم يقضي بينهما.
وكان سحنون، رحمة الله عليه، إذا أتاه الرجل يسأله عن مسألة من مسائل الأحكام، لم يحببه، وقال: هذه مسألة خصومة، إلا أن يكون رجلا يعلم أنه متفقة، فيسأل على جهة التعليم، فيجيبه، أو مسائل الوضوء، والصلاة، والزكاة. قال مطرف، وابن الماجشون، في كتاب ابن حبيب: والصلاة، والطلاق، والنكاح، والعتق. وأما في الدعوات، والمواريث، والأقضية، وما يعلم أنه من خصومات الناس، فلا يجيب في ذلك إلا المتفقة.
قالا: ولا بأس أن يجلس في مجالس العلماء، فيعلم إن كان يتعلم منه أو يتعلم إن كان متعلما، فكل ذلك حسن، وكان يقال: من عيب القاضي أنه إذا عزل/، لم يرجع إلى الموضع الذي يتعلم فيه العلم.
وقال مالك في المختصر: لا يفتي القاضي في مسائل القضاء، وأما في غير ذلك، فلا بأس به. [8/47]
***(1/46)
[8/48] باب سيرة القاضي في البينة وكتاب الشهادة وسماعها وفي الشاهديشك أو يزيد في الشهادة، وهل يعرفهم أو يكلفهم إخراج إمرأة شهدوا عليها من بين نساء؟ أو دابة من دواب؟ وتحديد ما شهدوا به من ربع، والوقوف على ما لم يجدوا، أو غير ذلك في سيرته، وهل يركب القاضي إلى شيء ينظر إليه إذا أشكل الأمر فيه؟
من كتاب ابن سحنون قال: كان سحنون إذا أخذ الشاهد في نص الشهادة، أمر الخصمين ألا يعرضا بشي، لا المدعي بتلقين، ولا المدعي عليه بتوبيخ، فإن فعل أحدهما ذلك بعد النهي، أمر بأدبه، وكان إذا خلط الشاهد في شهادته، أعرض عنه، ولم يلقنه، وأمر الكاتب أن لا يكتب، وربما قال له: تثبت ثم يردده، فإذا ثبت شهادته، أمر كاتبه فكتب لفظ الشاهد، ولا يزيد على ذلك، ولا يحسن الشهادة، وكان إذا دخل عليه الشاهد وقد رعب منه، أعرض عنه حتى يذهب روعه، فإذا طال ذلك به، قال له: هون، فإنه ليسمعي سوط، ولا عصي، فليس عليك بأس، قل ما علمت، ودع ما لم تعلم.
ومن المجموعة لأشهب، ومثله لمطرف، وابن الماجشون، من رواية ابن حبيب، قالوا: فإن استخف القاضي إيقاع الشهادات بنفسه، فذلك حسن/، وإن أوقعها كاتبه، وكان مأمونا وهو ينظر، أجزأه ذلك، وإن أوقع الناس شهادتهم أنفسهم، فذلك جائز، وذلك أحب إلينا، قال مطرف، وابن الماجشون: يمكنون من إيقاع شهادتهم، ثم يرفعونها موقعة، وهل فعل الناس عندنا بالمدينة قديما وحديثا: قالوا أجمعون: لأنه ربما أخجله مجلس القاضي، فلا يقوم بشهادته قال أشهب: إلا أن يتهم القاضي أحدا من الشهود إن كان للتهمة أهلا، فيكون له [8/48]
***(1/47)
[8/49] إيقاع شهادته عنده، ولا يقبلها منه مرفوعة في رقعة، ويكشفه عن تلك الشهادة، ويختبره بكل ما استطاع حتى يقع منه على حقيقة أمر أو يردها.
قال مطرف وابن الماجشون: وإذا أمر كاتبه فوقع الشهادة وهو عنده كاتب ثقة، فلا بأس. وأحب إلينا أن ينظر إذا أوقعها كاتبه.
قال سحنون في كتاب ابنه: وينبغي للقاضي أن يعرض كتاب الشهادة بعد ما يكتبه الكاتب، ويقرأها على الشاهد، ثم يطبع عليها فيرفعها في موضع رفع الكتب. قال: ولا ينبغي أن يلقن شاهدا، ولكن يدعه يشهد بما عنده، فإن كانت شهادته جائزة، قبلها، وإن كانت غير جائزة، ردها. قال في موضع آخر: وإن أشكل عليه، كتبها حتى ينظر. وكذلك قال أشهب في المجموعة، وقال أيضا؛ لا يلقن الشاهد ولا يحجبه، ويدعه يشهد بما عنده، ويرفق به في مسألته استفهامه، ولا ينبغي له أن يفرق الشهود إلا عن تهمة،/ فيفعله في رفق، ويكشفها كشفا رفيقا عن كل ما يريد حتى يتضح له برأيهما من تهمته؛ أو يحق الريبة عليهما، فيطرح شهادتهما. وقاله محمد بن عبد الحكم.
قال سحنون: ولا يقول القاضي للشاهد: أتشهد بكذا؟ فهذا تلقين.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان الشهود عدولا، فنسي أحدهما، فلا بأس أن يذكره الآخر، ويصف له الموضع، ومن أشهد فيه، فإن ذكر قبل منه؛ لقول الله سبحانه: (فتذكر إحداهما الأخرى) وقوله: (أن تضل) يريد: أن تنسى.
ومن كتاب أصبغ: وإذا اتهم القاضي الشهود على الغلط، فلا يفرق بينهم، سأله الخصم أو لم يسأله، ولا يدخل عليهم في ذلك رعبا؛ لأنه إذا قصد الشاهد بهذا رعب واختلط عقله، ولكن يسمع منهم، ويسأل عنهم، وإذا شهدوا على [8/49]
***(1/48)
[8/50] امرأة، فيسأل القاضي أن يدخلها في جماعة نساء، فليس ذلك على الشهود، وكذلك إن شهدوا على دابة، فلا يمتحنهم بإدخالها في دواب، وإن سأله فيه الخصم، فلا يفعل.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولا يحلف القاضي الشاهد، عدلا كان أو غير عدل. وقاله أصبغ. أما العدل: فقوله كاف، وغير العدل لا ينفع فيه اليمين.
قال أشهب في المجموعة، وذكر مثله ابن سحنون عن أبيه، وقال في كتاب ابن المواز، وكتاب ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، بمعنى واحد، واللفظ لأشهب، قالوا: ينبغي للقاضي إذا شهد/ الشاهد عنده، أن يكتب اسمه، ونسبه ومكسبه، والمسجد الذي يصلي فيه، ويكتب حليته وصفته قال ابن المواز: إن لم يكن معروفا. وفي موضع آخر، عن سحنون: وإن عرف بالكنية، كتب كنيته، وكان ما يعرف به من صنعه وغيرها، وهل يسكن في ملكه أو في ملك غيره. قالوا: لئلا يتسمى غير العدل بغير اسمه، وينتسب إلى غير نسبه، فيزكي عليه.
قالوا: ويكتب الشهر الذي يشهد فيه، والسنة، ويجعل صحيفة الشهادة في دويانه؛ لئلا يسقط المشهود له شهادته، فيزيد فيها الشاهد أو ينقص.
قال سحنون في كتاب ابنه: ويوصل ذلك إلى من يكشف له.
ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون: وإذا سمع دعوى وإنكار المنكر، ثم سمع شهادة البينة؛ فإن كانت مخالفة لدعوى المدعي لم يكتبها، وإن وافقت دعواه، أمر الكاتب فكتبها، فيكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال القاضي فلان ابن فلان: حضرني فلان بن فلان الفلاني بخصمه فلان، فينسبه أيضا، فادعى عليه كذا، فسألت فلانا عن دعواه، فأنكرها، فسألت فلانا البينة على دعواه، فأ؛ضرني فلان بن فلان، فيذكر مسكنه حيث هو، وبقرب من يسكن، وأين يسكن، في حانوته، وصنعته، ويذكر حليته، فشهد أنه يعرف الدار التي تنازعا [8/50]
***(1/49)
[8/51] فيها، وهي بيد فلان، فينص شهادته، ويستقصي الحدود والمواريث، ويذكر في/ الوراثة: لا يعلم له وارثا غير من ذكرنا، ولا يعلمه أحدث فيها ما يزيل ملكه عنها، وإن شهد معه آخر بمثله، قال: وشهد بمثل ذلك فلانا، فينسبه، ويذكر من صنعته وحليته ومسكنه وغير ذلك ما ذكر من الأول، وإن خالفه في بعض الشهادة في حد، أو ذكر وارث، أو نقص، فليكتب ذلك بقول: إلا أنه قال في الحد: كذا وكذا وكذا. وإن قال أحدهما: وإذا وقفت عليها حددتها. كتب كذلك، ويكتب فيما يخالفه في ذكر المواريث: ما يخالفه فيه، وإذا فرغ من كتاب الشهادة، أمر بها فقرئت شهادتهم عليهم، وهو يستمع، فإن مر به شيء مما كتب الكاتب خلاف ما فهم عن الشاهد أولا في نص شهادته، مما يهم فيه الكاتب، رده عليه بمحضر الشاهد، فإذا قرئت شهادتهم عليهم، طوى الكتاب، وجعله في إضبارة، ولا يطبع على الكتاب الذي فيه الشهادة، ويكتب على ظهر الكتاب: خصومة فلان بن فلان، ويؤرخ الشهر والسنة، ويدخل الأضبورات في جراب، ويطبع عليه قال: وإذا كثرت الكتاب، جعلها نوب دعوات، فجعل يوم الثلاثاء والأربعاء للدعوات لمن يوقع بينة، وأسباب خصومة، فيدعوهم على ما يخرج من أسمائهم في الدعوات، وجعل في كل دعوة خمسين شاهدا، وكاتب ثلاث دعوات: أولى وثانية وثالثة/، فكل من جاء بعد، فكتب الأول فالأول، فإذا خرج اسم الرجل، نادى العون باسمه واسم أبيه، فإن حضر، دخل مع خصمه، فإذا دخل أخذ كتابه، فنظر فيه، وفيما فيه من بينة، وفيدبره فيأمر المدعي بزيادة بينة، أو مزكين، أو يبين له العقل، فيأمر به، فإن كان ما يعقله بمدينة القيروان، أمر أحد أعوانه بذلك، فإن سأله المعقول عليه تأخيره أياما لإخراج ماله في الدار، أخره اليومين والثلاثة، وإن سأله أن يترك فيها ما سهل عليه إخراجه، فعل ذلك له، ثم[8/51]
***(1/50)
[8/52] يعقلها، أو يطبع عليها، ويكون المفتاح عنده، وكذلك الحانوت، وربما تنازعا في متاع الحانوت، فيأتياه ومفاتحه بأيديهما، فيأمر من يغلقه، ويكون عنده المفاتيح حتى ينظر بينهما إن خاف على ما في الحانوت، أو يخلو به أحدهما قبل النظر فيه، وإن كان ما يفعل في غير الحاضرة، كتب إلى أمنائه في عقل ذلك.
وسأله حبيب، عمن قامت له بينة، فجرحهم المطلوب، فأراد الطالب تجريح من يجرح شهوده، فذلك له، وليعرفه القاضي بأسمائهم إن طلب ذلك.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، عن القاضي يحكم لرجل على رجل بأرض: أيسأل البينة عن حدها وصفتها، ويكتب حكمه على ذلك، أو ما يكلفهم أن يقفوا عليها، فيحوزوا ما عرفوا منها، ويكتب إلى عدول يرضاهم، أن يرفعوا/ ما ذكرت البينة إلى المحكوم عليه، قال: إن عرفوا صفتها وحدودها المحيطة بها، كتب ذلك، وحكم به، ولا يكلفهم الوقوف عليها، وإذا حكم له بذلك، وشاء أن يكتب له كتابا إلى من يرضاه في الموضع؛ ليدفع إليه ما في الحكم، فإن عرض في ذلك عارض غير المقضي عليه، فليدفعه إليه، وإن لم يعرف صفة الأرض ولا حدودها بالصفة، وهم يعرفوا حوزها، فإن طاعوا بالخروج إلى الأرض، فليحوزوه ما شهدوا بماله منها، وكتبوا ذلك بمحضر عدول الوضع، ولا يكتب الحكم للمحكوم حتى يؤتي بهذا الحوز، فيذكره للمقضي عليه، فإن لم يدفع شيئا من ذلك بحجة، أنفذ قضاءه على ذلك، فإن أبوا الشهود الخروج، لم يكرههم، وإن قربت، إلا أن يكون معه في مدينة، ولكنه يكلف المشهود له أن يأتيه بمن يعرف حدود هذه الدار أو الأرض التي شهد له بها الشهود، فإن جاء بمن يحدها، وإن لم يشهدوا بالملك، أنفذ له القضاء، وإن لم يجد بينة بالحدود، فليكتب له القاضي أن يكتب بما شهدت له بينته إلى سلطان تلك [8/52]
***(1/51)
[8/53] القرية، أو عدول من أهلها إن لم يرض سلطانها، ويأمره أن يسأل أهل العدل عن حدود تلك الأرض، فيكتب بما صح من ذلك، ثم يمضيه على ذلك. وقاله أصبغ.
قال مطرف، وابن الماجشون: ولو كتب إلا أمنائه بدفع ما حد الشهود من الأرض، ودفعوه إليه، ثم قام/ المقضي عليه ثم بعد عزل القاضي، فقال: أخرج ذلك من يدي بغير، حق قالا: فإن لم تقم للمحكوم له بينة على إشهار القاضي على أصل الحكم، وعلى أمره أمناء بدفع ذلك، وعلى أن الأمناء فعلوا ذلك، وثبت ذلك بشهادة غير الأمناء، فإن لم يثبة له هذا، لم ينفذ له الحكم، ورد، ولو شهد له على أصل الحكم فقط، نفعه ذلك، وأنفذ له اليوم بدءا، وإن لم يشهد له على أصل الحكم، وشهد له على أصل على أمر أمناءه، أو كتب إليهم بدفع ذلك، وقد عرفت الخصومة بينهما في ذلك، فذلك ينفعه أيضا، وأنفذ له اليوم، وإن لم يشهد له على أصل الحكم، ولا على الأمر بدفع ذلك إليه، وشهد له أن الأمناء دفعوا ذلك إليه، وزعموا أن القاضي أمرهم بذلك، لم ينفع ذلك المحكوم له، وعادا على ابتداء الخصوم، فيرد الحق في يد المحكوم عليه، وكذلك لو لم يعرف ذلك إلا بشهادة الأمناء؛ لأنهم شهدوا على فعل أنفسهم، قلت لمطرف: فإن قال المحكوم له للمحكوم عليه: قد استسلمت في دفع ذلك إلى قول الأمناء بعد إشهاد من القاضي على حكمه، أو على كتابه إلى الأمناء، فإن أشهد المحكوم عليه يومئذ سرا، إنما استسلم بشيء ذكره من القاضي من ممالأة، وشبه ذلك، فقام بعد عزله أو موته، لم يضره حكم الأمناء عليه، واستسلامه لهم فيما فعل، وإن لم يشهد سرا بذلك، فليحلف: ما كان استسلامه لذلك إقرارا منه بحق، ثم يكون/ الأمر على ما وصفت لك. وهذا فيما كان بحدثانه، فأما ما طال زمانه طولا في مثله الحيازة، فلا قول له بعد ذلك، إلا الصغير والغائب، فهما على حجتهما، إلا أن يترك الغائب الكلام في ذلك بعد قدومه، والصغير بعد بلوغه حتى يطول مثل [8/53]
***(1/52)
[8/54] ما طال في الكبير الحاضر، فلا كلام لهما بعد ذلك. وقال أصبغ نحو قول مطرف. وقاله ابن القاسم.
قال أصبغ في الكبير الحاضر: هو معذور في تركه القيام والدفع؛ لأنه حكم حكم به عليه، ولعله رآه لازما له، فهو عذر وإن طال زمانه ما لم يتفاحش طوله حتى يرى أنه منه رضى تسليما، فيلزمه ذلك.
قال أصبغ: وأما الصغير والغائب: فهما على حقهما أبدا، قال ابن حبيب: وهذا أحب إلي؛ لأن كل الناس لا يعرف أن هذا فعل من كتب إليه القاضي، لا يلزم إلا بإشهاد من القاضي، وإن كان ابن القاسم قد كان يقطع حجة الكبير إذا لم يتكلم مكانه، وقول أصبغ أحج، وبه أقول.
قال أبو محمد: وهذه المسألة من أولها لابن القاسم، قد كتبت مستوعبة في باب شهادة كتاب القاضي وأمنائه والقسام.
قال مطرف: وإذا كتب القاضي إلى قوم يأمرهم بتنفيذ كتابه في هذا، فأنفذه بعضهم، وأبي الباقون النظر فيه، وقد أشهد القاضي على كتابه بذلك، وأشهد المنفذون على تنفيذه، قال: لا يجوز ذلك بحال حتى يجتمعوا على إنفاذ ذلك، ولو مات القاضي، أو عزل/ قبل إنفاذهم: قال: فليكفوا عن إنفاذ ذلك حتى يأمرهم به من ولي بعده، وحق عليه أن ينفذ ذلك إذا شهد عنده عليه وقاله أصبغ.
وقال أصبغ في المجموعة: وإذا كتب الشهادة، فليختمها ويضعها بموضع يثق به حتى ينفذ قضاءه، وكذلك في كتاب ابن المواز.
ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب: قال أشهب، عن مالك، في القاضي، قال في كتاب ابن حبيب: يكتب شهادة القوم في الكتاب أو الأمر – يريد من أمر الخصمين- قال، في المجموعة يؤتي بالكتاب فيفضه، ويعلم على الشهادة.
قال، في الكتابين: ثم يختم الكتاب ويدفعه إلى صاحبه، ثم يؤتي به فيعرفه بخاتمة، [8/54]
***(1/53)
[8/55] هل يجيزه بغير بينة والخواتم، ربما علم عليها؟ قال: هو أعلم، وأحب إلي أن يكون الكتاب عنده، وكان الكبيري لا يلي كتبه إلا هو نفسه.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: فأرى أن يجيز ما فيه إذا عرفه وعرف خاتمه.
قال محمد بن عبد الحكم: وكان من شأن الأئمة أن يجروا مع أرزاق القضاة شيئا للقراطيس والصحف، حتى لا يكلف الطالب أن يأتي بذلك، فإن لم يجر لذلك شيء، قيل للطالب: إن جئت بما تكتب به الشهادة، وإلا لم أسمعها ظاهرا، لأنه ليس كل شهادة تضبط، وكذلك يأمره بصحيفة يكتب فيها حكمه. قال سحنون، وابن المواز: ولا بأس أن يكلف القاضي الطالب صحيفة وقرطاسا يكتب فيها خصومته وحجته/ وشهادة شهوده، ثم يطويها ويختمها بخاتمه، قال ابن المواز: إلا أن يخشى أن يكون تكليفه ذريعة لغيره ممن لا يتوثق به.
قال أبو محمد: أراه يريد لغير هذا القاضي أن ينسب بذلك إلى أمر.
قال ابن المواز، وسحنون: ويكون المحضر الذي فيه شهادة الشهود عند القاضي في موضع يثق به. قال سحنون: حتى ينفذ القضاء، فإذا أنفذه، دفع إليه القضية.
قال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: يختم عليه، ويكتب عليه: خصومة فلان وفلان، في شهر كذا في سنة كذا. ويجعل خصومة كل شهر على حدة، ولا يخلط ذلك. قال: ويتولى سؤال الشهود، ثم يكتب شهادتهم، ويكتب بين يديه ويعرضها بعد أن يكتبها ويقرأها على الشاهد. ثم ذكر نحو ما ذكر عنه ابنه متقدما.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا هلكت شهادة الشهود من ديوان القاضي، يشهد عدلان أن شهوده فلان وفلان شهدوا له بكذا، فليقبل ذلك القاضي؛ لأنها [8/55]
***(1/54)
[8/56] كشهادة على شهادة، إذا أثبتا الشهادة ولو لم يكتبها القاضي، فلا ينبغي أن يقبل شهادة كاتبه على أحد، أنه شهد عنده. قال أبو محمد: أرى سحنون يريد في شهادة بينة شهدت بكذا. يريد: والبينة الأولى قد ماتت، أو غابوا أو مرضوا. وذكر ابن المواز مثل ما ذكر سحنون من الشهادة على أن الشهود/ شهدوا بكذا، قال: ولا تجوز في هذا شهادة الكتاب على أحد أنه شهد عند القاضي.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا كتب القاضي شهادتهم، ثم قرأ ذلك على المشهود له بعد أيام، فقال: لم يكتب كل ما شهدوا لي به. أو قال: نسوا، ونقصوا، وأنا أعيدهم. لم يكن للقاضي أن يعيدهم له.
وإن شهد عنده رجلان أن فلانا أخو فلان الميت، فسألهما القاضي، أكان أخوه لأبيه وأمه؟ فقالا: أمهلنا. فتذكروا آخر اليوم، فلم يحضرنا علم ذلك الساعة.
قال سحنون: إذا قالا: إن عندنا سبب ذلك، فأخرنا نتذكر. فله أن يؤخرهما اليوم ونحوه، إذا كان شهيدين عدلين، ولو لم يقل الشاهد: عندي سبب من ذلك، ولكنه قال: ما أذكر الساعة، وما أعلم، وأخرني. فتذكر، فذلك له.
وقد سأل القاضي القسم، وقد شهد عنده عن شيء في الشهادة، فقال: لا أذكر، ثم رجع من بعض الطريق إلى القاضي، فذكر، فقبل القاضي شهادته، وقد اختلف قول مالك في هذا، قال سحنون في كتاب ابنه: وأخبرني ابن نافع، أن شهادته جائزة، جاء بها في قرب ذلك، ولكن الشاهد مبرزا في العدالة؛ لأن القاضي قد أجاز شهادة القاسم لعدله وفضله، فأرى إذا كان عدلا مبرزا أن يمهله القاضي اليوم ونحوه، ويجيز شهادته إن ذكر شيئا. [8/56]
***(1/55)
[8/57] قال محمد بن عبد الحكم: وأرى أن يجعل نسخة في ديوانه، ونسخة/ بيد الطالب، يطبع عليها ليخاصم بها، فإذا أراد الحكم: أخرج التي في ديوانه فقابل بها، وحكم عليه.
قال أبو محمد: وبلغني عن بعض القضاة، وهو ابن طالب، أنه ربما كتب المحضر الذي فيه الشهادة نسختين، فيجعل واحدة في ديوانه، ويعطي للمشهود عليه؛ ليقف على ما شهد عليه به لهما، ويبحث عن منافعه فيه وحجته، وأظن ذلك في الأمر المشكل، وما يحتاج إلى الفحص عنه، والنظر فيه.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: ولا بأس إذا كان شيء يتشاجر فيه، ويختلط أمره، ويطول فيه الخصوم، ولا يجد سبيلا إلى معرفته إلا بمعاينة: أن يركب القاضي إليه حتى ينظر إليه مع الناس، وقد يكون هذا الشيء من الغرر وشبهه. وقد فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أشكل الأمر ولم تتحقق صيغته. وشهادة البينة بغير محضر الخصم، فالكلام مستوعب في كتاب الأقضية.
في كشف القاضي عن البينة، وفيمن يكشف له
في المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال أشهب: وينبغي للقاضي أن يتخذ رجلا صالحا مأمونا متنبها، أو رجلين بهذه الصفة، فيسألان عن الشهود في السر في مساكنهم، وأعمالهم. قال سحنون: ولا يكلف ذلك إلا من يثق به بدينه، وعقله، وأمانته، واحتياطه، ومن هو منه على يقين في حسن نظره لنفسه في دينه، وما حمل من ذلك، فطن غير مخدوع، فربما زكى/ الفاضل من ليس بعدل لقلة نظره، وإن كانا رجلين، فهو أحسن، وإن قدر أن لا يعرف من يسأل له، فذلك حسن. [8/57]
***(1/56)
[8/58] قال في كتاب ابنه: وإن جاءه تزكية رجل من رجل عنده ثقة، وأتاه عن ثقة آخر: أنه غير عدل، أعاد المسألة، فإذا اجتمع رجلان على التزكية فطنان متنبهان غير مخدوعين، أمضى ذلك، ولا يأخذ بقول رجل واحد على الفساد، وإن اجتمع نفر على التزكية، واجتمع رجلان على الفساد، أخذ بقولهما إن كان عدلين مبرزين.
وهذا كله يحكيه ابن سحنون، عن أبيه.
ومن المجموعة: قال أشهب: ولا ينبغي للمكشف أن يسأل رجلا واحدا أو اثنين، وليسأل الثلاثة والأربعة أو أكثر إن قدر، ومثله من أول الكلام عن ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، إلا أنهما قالا: ولكن يسأل الاثنين والثلاثة، ولا يقتصر على سؤال واحد. قال أشهب في المجموعة: حيف أن يزكيه من أهل وده، بخلاف ما يعلمه عليه اثنان وثلاثة من غيرهم، ويسأل عنه عدولا، فيجرحه ، قال: لا ينبغي للقاضي أن يضع أذنه للناس في الناس حتى يقبل كل ما أتوا به، فإن عداوة بعضهم لبعض تحملهم على ذلك، وقد لا يعلم بعدواته أداه، ومنهم من يدمن من يقول، ثم يصدق هو قوله، ومنهم من يتخذ ذلك صناعة ليستأكل الناس به، ومنهم من يأتيه على النصرة، فلا يقبل شيئا من هذا قبولا يعتقد عليه، ولكن يعي ذلك، ثم يكشف عن المقول/ ذلك فيه، وعن عداوة إن كانت. قال الله سبحانه "فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة" . قال: وإن بعث القاضي إلى من لا يشك في عدله من العلماء ببلدة، فجمع منهم أئمة وسألهم عن معرفتهم بالناس، فما اجتمعوا عليه منهم من أهل العدالة، استجاز شهادته، ومن لم يعرفوه عدله له من قد عرفوه، رأيت ذلك حسنا.
قال محمد بن عبد الحكم: ومن الناس من لا يحتاج أن يسأل عنه لاشتهار عدالته، ومنهم من لا يسأل عنه لشهرته بغير العدالة، وإنما يسأل عن ما أشكل[8/58]
***(1/57)
[8/59] عليه، وقد شهد ابن أبي حازم عند قاضي المدينة أو عاملها، فقال: أما الاسم فاسم عدل، ولكن من يعرف أنك ابن أبي حازم؟ فأعجب ذلك مشايخنا.
قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: ولا يكتب في الكشف عن ما لا يعرف إلى إلا قاض يعرف حاله، ويثق باحتياطه، ويكون على يقين من حسن نظره في دينه، وما حمل من ذلك، فإن لم يكن عنده، فلا يكلفه ذلك،ولكن إن كان في الكورة رجال يرضى حالهم، ويأمن غفلتهم، كاتبهم، فإن لم يكن إلا واحد على هذه الصفة، كتب إليه، وقبل ما أتاه منه أو منهم، ويكتفي برسوله إليهم أو إليه إذا كان مأمونا، وإن سار الخصم بالكتاب، فلا يقبله منه إلا بشاهدين: أنه كتاب القاضي أو الأمين أو الأمناء المكتوب إليهم. وقاله ابن القاسم، وأصبغ، قالا: وينبغي إذا وثق بعدل الرجل وصلاحه ومعرفته بأهل مكانه، وبوجوه العدالة، أن يسأله عن الناس، فيعرف به من/ جهل عدالته وجرحته، وهذا كله من تعديل السر الذي ينبغي أن يفعله، وينبغي أن يكون مع ذلك تعديل العلانية، يدعو إلى ذلك المشهود له فذاك أقوى له، وقد يجزئ تعديل السر عن تعديل العلانية، ولا أحب أن يجتزئ بتعديل العلانية عن السر. وذكر في كتاب الشهادات بقية القول في التعديل والتجريح مستوعبا.
قال ابن الماجشون، في القاضي يكتب إلى قاض بعدالة شاهد يشهد عند المكتوب إليه: فذلك جائز إن كان الشاهد من عمل الكاتب بعدالته، وكما لو كتب إليه أنه حكم، ويجتزئ في ذلك بقوله وحده، وسواء ابتدأه بالكتاب إليه بتعديله، أو سأله عنه المكتوب إليه، أو سأله في ذلك المشهود له أحدهما أو لم يسأله، وأما إن كان من غير عمله، فهو كغيره من الناس في تعديله، فإن كان هو ابتدأه بالسؤال عنه بمشافهة أو مكاتبة قبل وحده، وإن كان الكاتب هو المبتدئ بخبره بعدالته بمشافهة أو مكاتبة، فهو كمزكي واحد، ويلتمس مزكي [8/59]
***(1/58)
[8/60] آخر معه، وكل ما يبتدئ القاضي السؤال عنه، والكشف عن الأمور، فله أن يقبل فيه قول الواحد، وما لم يبتدئ هو، وإنما يبتدأ به إليه في ظاهر أو باطن، فلابد من شاهدين فيه، وإذا سأله المشهود له أن يرد عدالة شهوده إلى قاضي البلد الذين هم به، فلا يمكنه من ذلك، ولا تعدل البينة إلا حيث شهدت. وقاله كله مطرف، وأصبغ. وقاله ابن وهب، وذكر عدالة الغائب وتجريحه، / في باب كتب القضاة إلى القضاة.
ومن كتاب ابن سحنون: وكان سحنون إذا شهد عنده الشاهد وهو معروف مشهور، قبل التزكية فيه، وإن لم يحضر، وإذا لم يكن مشهورا، لم يقبل التزكية إلا بمحضره في المشهور، ويكتب التزكية أسفل من الشهادة، ويكتب: زكي فلان فلانا بمحضره إن حضر، أو بغير محضره إن لم يحضر، في المشهور، ويحلي المزكين، ويصف مواضعهم وصناعتهم، كما يفعل في الشهود، ولا يقبل شهادة الشهود حتى يسأل عنهم في السر.
وإذا زكي الرجل في العلانية عنده عدلا مشهورا بالعدالة، لم يسأل عنه في السر، وإذا كان في البينة من يعرفه بالعدالة، قال للمدعي: زك شهودك، إلا فلان. وكان يسأل عن المزكين في السر، وكان يقبل قول من يثق به، ومن يتولى له الكشف، ولا يولي ذلك إلا من يعرفه بالدين والعدالة.
فيمن يكلفه القاضي نظر العيب، وقياس الجراح، أو يترجم عن الأعجمي، أو يحسب له تركته، أو يقوم له قيمة، هل يقبل قوله وحده؟ وقول القائف الواحد
ومن العتبية: قال أشهب، ابن نافع، عن مالك، في القاضي يأتيه القوم بينهم خصومة في قسم، فيولي رجلا حساب ذلك، ثقة عنده، فيخبره بما صار[8/60]
***(1/59)
[8/61] لكل واحد، هل عليه أن يقف من ذلك على ما وقف أو ينفذ قوله؟ قال: ليس عليه تفتيش هذا، ونرجو أن يكون من ذلك في سعة إن كان الرجل عدلا، وليدع / الورثة إلى الرضا برجل، ثم يوليه حسابهم، وقالا عن مالك: قال ابن حبيب مثله.
عن مطرف، وابن الماجشون: إذا اختصم إليه من لا يتكلم بالعربية، ولا يفقه كلامه، فليترجم له عنهم رجل ثقة مسلم مأمون، واثنان أحب إلينا، والواحد يجزئ، ولا تقبل ترجمة كافر أو عبد أو مسخوط، ولا بأس أن تقبل ترجمة امرأة إذا كانت عدلة. قال مطرف، وابن الماجشون: إذا لم يجد من الرجال من يترجم له: قالوا: إذا كان ذلك مما تقبل فيه شهادة النساء، وامرأتان ورجل أحب إلينا.
قال أشهب في المجموعة: أو رجلان، ولأنه موضع شهادة.
قال سحنون في كتاب ابنه، والمجموعة: لا تقبل ترجمة النساء، ولا ترجمةرجل واحد، ولا ترجمة من لا تجوز شهادته؛ لأن ما لم يفهم، كالغائب عنه.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا يترجم له عن الخصم الآخر إلا عدل. وإذا أقر عنده بشيء، فأحب إلي أن يجعل شاهدين على إقراره، يحكيان ذلك عنه، وأما في غير ذلك، فواحد يجزئ، والاثنين أحب إلينا.
قال في العتبية سأل ابن كنانة مالكا عن القاضي يتخذ لقياس جراحات الناس، أيجزئ فيه رجل واحد؟ قال: إن وجد عدلين فليجعلهما، وإن لم يجد إلا رجل، أجزأه إن كان عدلا.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: أما ما اختصم فيه في عيوب العبيد، أو عيوب الإماء التي لا تطلع عليها إلا النساء، ولم يفت العبد ولا الأمة، فليبعثه[8/61]
***(1/60)
[8/62] إلى يرضاه أو يثق بنظره بالعيب وغيره من السعاف، والطحال، والبرص المشكوك فيه/، وله أن يأخذ في ذلك بمخبر واحد، وبقول الطبيب وإن كان على غير الإسلام؛ إذ ليس على وجه الشهادة، ولكنه علم يأخذه عمن يبصره من مرضي أو مسخوط واحد أو اثنين، وإن غاب العبد، أو مات، لم يقبل في ذلك إلا ما يقبل في الشهادات، وكذلك عيوبه؛ لأنه يكتفي بقول من يرضى من النساء، وإن كانت امرأة واحدة لا اثنتين على جهة الشهادة، وإن فاتت الأمة، لم يقبل إلا امرأتين بمعنى الشهادة، وذلك فيما هو من عيوبهن تحت الثياب من البرص والقرنه.. والعذرة والنفاس، والعيوب الباطنة، والمرأتين في هذا كرجلين، والقائس في الجراح يجزئ منه الواحد إذا أمره الإمام بنظر الشجة أو الجراح وعورها، وما اسمها، وأحب إلي أن ينصب لمثل هذا عدلا، وإن لم ينصب أحدا، اكتفى بأن يرسل المجروح إلى من يرضاه ويثق بنظره، وإن لم يجد إلا طبيبا فهو كما ذكرن في العيوب، وأما ما قلت، فلا يقبل فيه إلا ما يقبل في الشهادة، وقد أفردنا لشهادة القاسم والكاتب بابا.
من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: ولا يقطع السارق بتقويم رجل واحد للمسروق حتى يقوماه عدلان، قال أشهب عن مالك: وكذلك لا يؤخذ بقول قائف واحد، قال أشهب: ولا يقبل إلا من عدل من القافة.
قال أشهب: وتجوز شهادة القائف الواحد إن لم يجد غيره، فإن وجد غيره، لم يجز إلا شهادة اثنين. وروى مالك بن خالد عن/ ابن القاسم، في العتبية أنه يقبل شهادة الغائب الواحد، قال ابن القاسم: وقد اختلف فيه. [8/62]
***(1/61)
[8/63] وقال مالك: لا يقبل إلا اثنان. وقد ذكرنا قول القاسم بين الورثة والكاتب للقاضي، وشهادتهما إلا فيما وليا في باب مفرد.
في الخصم يلد أو يشتم القاضي أو الشاهد هل يؤدب على ذلك؟
من المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك في الذي يتناول القاضي بالكلام. يقول: ظلمني: قال ذلك يختلف. ولم يفسره. ووجه قوله: أنه إذا أراد بذلك أذاه، وكان القاضي من أهل الفضل، فله أن يعاقبه، ولقد تخاصم أهل الشرق في الأذى. وفي كتاب ابن المواز نحوه. محمد: وكذلك إن أبى مما قضى عليه.
قال سحنون في المجموعة: ويؤدبه القاضي لنفسه، ولا يرفعه إلى الإمام. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: ينبغي للقاضي إن لمزه أحد الخصوم بما يكره، أن يؤدبه، ويعزر نفسه، فإن تعزيز سلطان الله من تعزيز الله تعالى، والأدب في مثل هذا أمثل من العفو، وليخف الناس بلزوم الحق واتباعه، فلا شيء أخوف لهم من إبداء الحق على أهوائهم.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: إذا لم أحد الخصمين لصاحبه، فعرف بذلك القاضي، قال: إذا تبين منه ونهاه فأرى أن يعاقبه.
قال ابن سحنون: وكان سحنون إذا تبين له لداد أحد الخصمين، وسمع الكذبعلى خصمه ولم يأخذ مخرجه، ضربه، وربما سجنه. قال ابن المواز/: يعاقبه بالسوط، والسجن. [8/63]
***(1/62)
[8/64] قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: إذ شتم الخصم صاحبه، يقول: يا فاجر، يا ظالم، ونحو ذلك، فيلزجر ويضرب على مثل هذا، ما لم يكن فلتة من ذي مروءة، فليتجاف عن ضربه حتى يكون جلوسهم عنده بدعة حسنة وصمت ووقار وحلم، فإنه من لم ينصف الناس في أعراضهم، لم ينصفهم في أقوالهم.
قال سحنون، في كتاب ابنه، والمجموعة: إذا تناول الخصم أحد الشاهدين بما لايصلح؛ يقول: شهدتم علي بزور، أو بما يسألكم الله عنه. أو يقول: ما أنت من أهل العدل، ولا من أهل الدين. فلا يمكن الخصم من هذا لأهل الفضل، والقدر، والعدالة، ويكون أيضا على قدر القائل والمقول له؛ فمنهم معروف بالأذى، معاود له، فأدبه بقدر جرمه، وشدة ما انتهك من حرمة الرجل على قدر الرجل المنتهك حرمته في فضله وعدالته، وعلى قدر الشاتم في أذى الناس، وما عرف منه، وإن كان ممن ذلك منه فلتة، أو زلة، وهو من أهل الفضل، وكانت ضارها، فليتجاف عنه، ويشدد عليه، وليتقدم إليهم في ذلك، وذلك بعد التقدمة أبين وأشد.
قال ابن كنانة، في المجموعة: إذا قال الخصم لشاهد: شهدت علي بالزور. فإن عنى أن ما شهدت به علي باطل، فلا يعاقب، وإن كان إنما قصد أذاه، والشهرة له، نكله الإمام بقدر حال الشاهد والمشهود عليه.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال الخصم للقاضي: اتق الله. فلا ينبغي، ولا يضيق بذلك، ولا يكثر/ عليه، وليتثبت، وينظر، ويجيبه صوابا لينا، مثل أن يقول: رزقني الله تقواه. أو يقول: ما أمرت إلا بخير، وعلينا وعليك أن نتقي الله.
وليبين له من أين يحكم؟ وكذلك لو قال له: اذكر الله. فإن بان له أمر، فقال له: إن من تقواي الله أن آخذ منك الحق إذا بان لي. أو يقول: ولولا تقوى الله ما حكمت عليك. من غير أن يظهر عليه لذلك غضب. [8/64]
***(1/63)
[8/65] في القاضي وما يحكم فيه بعلمه أو بما أقر به الخصم عنده أو ما يرى، وشهادة البينة تشهد أن فلانا القاضي حكم بشهادتهما
ومن المجموعة قال أشهب: عن مالك، في القاضي تكون عنده شهادة الرجل، فإن لا يقضي بشهادته. وقال عنه ابن القاسم: وإذا رأى حدا من حدود الله تعالى، فلا يقمه بعلمه، وكذلك إن كان معه غيره، ولا يتم الحكم إلا به، فلا يقمه، وليرفع ذلك إلى غيره، ويكون شاهدا.
قال ابن كنانة: إذا سمع قاض بالرجل، أو رأى رجلا سكرانا، فليرفع ذلك إلى غيره، ثم شهد، وكذلك إن كان معه رابع أربعة في الزنى. وقاله أشهب. وإن كان أربعة سواه، أقام الحد هو.
ومن كتاب ابن سحنون، وابن وهب: أن الصديق، رضي الله عنه، قال: لو رأيت رجلا على حد من حدود الله، ما أحدته، ولا دعوت إليه حتى يكون معي غيري.
قال أصبغ في كتابه: لا يقضي بعلم علمه قبل أن يلي، أو بعد، وإن كان في مجلس قضائه. وقاله/ مالك: فأما إذا جلس الخصمان إليه، فأقر أحدهما بشيء، وسمعه، فجائز له أن يقضي به بينهما، ولو كان غير هذا لاحتاج إلى أن يحضر معه شاهدين أبدا يشهدان على الناس. وكذلك قال ابن الماجشون في المجموعة، وبه يأخذ سحنون.
ومن كتاب ابن المواز، وغيره: قال ابن القاسم، وأشهب: لا يقضي القاضي بذلك، لا بما أقر عنده في مجلس القضاء، أو غيره، لا في حد ولا في غيره.
محمد بن المواز: وليس بين أصحاب مالك في هذا اختلاف علمناه. وقاله مالك. قلت: أفيشهد بذلك عليه عند غيره؟ قال: أما شهادة عنده عليه غير[8/65]
***(1/64)
[8/66] الإقرار في المخاصمة، فليرفع ذلك، ولم أر أنه يقضي بها، وأما إقراره عنده في المخاصمة، فاختلف فيه قول ابن القاسم؛ فقال: لا يجوز وإن عزل. وقال: يجوز. والأول أحب إلينا؛ لأنه كأنه يثبت حكم نفسه، فإن جهل فأنفذ عليه هو حكمه بما أقر به عنده في مجلس الحكم، ولو شهد عليه بذلك غيره، فلينقض هو ذلك ما لم يعزل، فأما غيره من القضاة، فلا أحب له نقضه في الإقرار خاصة في مجلس، وأما ما كان من ذلك قبل أن يستقضي، أو رآه، وهو رآه. وهو قاض نفسه، أو سمعه من طلاق، أو زنى، أو غصب، أو أخذ مال وهو قاض، أو قبل القضاء، فلا ينفذ منه شيء، فإن نفذ منه شيء، فلا ينفذه أحد غيره من الحكام، ولينقضه، وإن كان عنده في إقراره قوم عدول، فإنه يؤخذ بما كان للناس، وقد اختلف فيما كان لله تبارك وتعالي، فقيل: لا يقبل/ منه رجوعه إلا يعذر بين. وقيل: يقبل منه.
قال ابن القاسم في المجموعة: وإن رآه الخليفة على حد، رفعه إلى قاضيه، وكل ما ذكر من أول المسألة، عن ابن القاسم، روي مثله عيسى بن دينار عنه.
قال أشهب في كتاب محمد: لا يقام هذا الحد أبدا، وأراه عذرا. قال عبد الملك في المجموعة، وكتاب ابن المواز: وينبغي أن يشهد بما فيه شاهد عند أمثاله من أمير له، أو قاض، أو من تحته، وقد تحاكم عمر رضي الله عنه، إلى أبي، حكم عليه باليمين، فأخذ يحلف في سواك في يديه: إن هذا من أراك. ليري إباحة اليمين للمحق.
قال في كتاب ابن المواز: وإذا أخذ صاحب الشرط سكرانا، فسجنه، وشهد عليه هو وآخر معه، فلا تجوز شهادته؛ لأنه صار خصما، ولو رفعه قبل سجنه، جازت شهادته عليه إن كان عدلا مع آخر، وإن شهد السلطان وآخر[8/66]
***(1/65)
[8/67] معه: إن هذا سرق متاعا لهذا السلطان، ولابنه أو لغيره، فلا يقطعه، وليرفعه إلى من فوقه، أو إلى من ليس ولايته من قبله، وإن شهد رجلان سواه أنه سرق متاع السلطان، قطعه، ولم يعرف حتى يرفعه إلى غيره.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا رأى القاضي في غير مصره شيئا من حقوق الناس، أو رآه في مصره، فلا يقضي فيه إلا أن تشهد عليه بينة غيره عنده في مصره الذي ينفذ فيه حكمه، أو شهد هو به مع غيره عنده من هو فوقه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم، عن مالك: وإن سمع قاذفا برجل ومعه غيره، أقام عليه حد الفرية/، ولم يجز عفو عن القاذف إلا أن يريد سترا. وقد روي عن مالك، في غير المجموعة: أنه يقبل عفوه، وإن لم يرد سترا، وأما في الأب، فيقبل عفوه فيه على كل حال.
قال ابن القاسم: وإن رأى من يغتصب مالا، فلا يحكم عليه وهو شاهد، فإن كان معه آخر، فلا يحكم إلا بشاهده مع يمينه، وإن لم يكن غيره، شهد له عند غيره، وحلف معه.
ومن كتاب ابن سحنون: عن أبيه: وإذا وجد القاضي في ديوانه صحيفة فيها شهادة بينة لا يحفظ أنهم شهدوا عنده، فليقض بذلك بعد أن يكون فيها من الصفة ما وصفت لك في قمطره وتحت خاتمه وخط يده، وإلا أضر ذلك بالناس، وهذا مذكور في باب بعد هذا.
ومن المجموعة: قال مالك، وابن القاسم، وأشهب: الإقرار عند القاضي في سلطانه، أو قبل سلطانه سواء وكذلك في إقرار الخصوم عنده، لا يحكم بشيء من ذلك. قال أشهب: وإن ما وجد في ديوانه مكتوبا من إقرار الخصوم عنده، فإن قامت على ذلك بينة، أنفذها، وإن لم يكن إلا هو وكاتب عدل، شهدا عند من هو فوقه، فأجازه، وإن وجده قضى بشهادته مع يمين الطالب. [8/67]
***(1/66)
[8/68] وقال ابن الماجشون نحو ما ذكرنا عن أصبغ في كتابه قبل هذا: أنه لا يحكم بعلمه قبل أن يلي أو بعد مما يرى أو يسمع من العلم؛ لأنه كالشاهد لنفسه؛ إذ يمضي بشهادته نفسه، فأما ما أقر به الخصوم عنده في خصومتهم، ليقض به، قال سحنون: هذا أحب إلي/ من قول ابن القاسم، وأشهب.
قال سحنون في كتاب ابنه: وإذا رأى القاضي وهو في مجلس القضاء أو غيره، أو قبل أن يلي من يغصب رجل مالا، أو يقذفه، أو يعقد معه بيعا، أو يجرحه، أو يقتله، أو يعتق، أو ينكح، فهو شاهد في هذا كله ولا ينفذه، وليشهد به عنده غيره، فيقضي له إن كان معه غيره.
قال ابن حبيب، عن ابن الماجشون نحو ما ذكر عنه ابن عبدوس، وقال فيما علمه في غير مجلس قضائه: إن لم يكن أمير فوقه، ولا وال تحته، ولا صاحب شرطة، ولا أمير يحكم بين الناس، فلا بأس أن يرفع ذلك إلى رجل من رعيته.
وقال: وإن أبي المطلوب أن يواضعه عند من رأى القاضي أو يواضعه عنده، وليس بالبلد ناظرا غيره، فواجب أن يجبر الخصمين على التراضي برجل يتحاكمان إليه، ثم يضع شهادته عنده، فيحكم بما ظهر، وأما ما أقر به الخصوم في مجلسه، فله هو أن يحكم به. قال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب، والمجموعة: وقاله ابن المواز، وأما معرفته للشاهد بجرحة أو عدالة، فلينفذه بعلمه. وقاله ابن كنانة، ولا يكلف من علم عدالته تعديلا.
قال ابن الماجشون: وإذا علم من الشاهد جرحة، وعدله عنده المعدلون، فلا يقبله بحال، لأنه مما إليه خاصة، كما يمضي علمه بعدالته. وقاله أشهب. وقال: وأحب إلي أن يرفع شهادته إلى من هو فوقه، فيخبره فيه بعلمه، فيكون شاهدا عليه عند غيره، فتجوز شهادته عند المرفوع إليه، أو تسقط؛ لأن إسقاطه الرجل/ بعلمه يستشفع عليه، ولا ينبغي له أن يكون حكما بشهادته.
قال ابن الماجشون في الكتابين: ولو كان لا ينفذ في التجريح والتزكية عليه [8/68]
***(1/67)
[8/69] ما أجاز عدلا ولا مسخوطا إلا بشاهدين، ولا أجاز الشاهدان إلا بشاهدين، فاستحال الأمر وبطل.
قال ابن القاسم، وابن كنانة، في المجموعة: إذا علم منه الجرحة يأتي بمعدل، ولا يقبله منه. وقاله ابن القاسم في المجموعة، وقاله أصبغ في كتاب ابن المواز وكتاب ابن حبيب، ومعنى ذلك: إذا شهد عنده بحدثان ما علم منه، فأما إن طال زمان ذلك وتقادم، فلا يطرح شهادته بما علم منه، فلعله قد تاب اجتهد في الخير، وكذلك في العتبية، في رواية عيسى، قال عيسى: معناه مثل ما قال أصبغ سواء.
قال سحنون في كتاب السير: لو شهد عندي عدلان مشهوران بالعدالة، وأنا أعلم بخلاف ما شهدا به، لم يجز لي أن أحكم بشهادتهما، ولم يجز لي ردها لظاهر عدالتهم، ولكن أرفع ذلك إلى الأمير الذي هو فوقي، وأشهب بما علمت، وغيري بما علم، فيرى رأيه.
ولو شهد شاهدان ليسا بعدلين على أمر علم أنه حق، فلا يقضي بشهادتهما؛ لأني أقول في كتاب حكم: بعد أن صحت عندي عدالتهما، وإنما صحت عندي جرحتهما.
وقال عبد الملك في المجموعة: ولو شهد عند الحكام شاهدان؛/ إما مجرحان، وإما من لا يقبلهما إلا بتعديل فيما يعلم القاضي أنه الحق، فلا ينفع ذلك علمه بأن ذلك حق، وليكلفه التعديل، وأما إن شهد عدلان فيما يعلم أنه باطل، إما وهما أو غلطا، فلا ينبغي له أن يمضي باطلا بعلمه، ولا يبطل الشهادة، ولكن يرفع علمه إلى غيره من الحكام، فيؤدي له شهادته. وقاله ابن كنانة، وكذلك في كتاب ابن حبيب، عن ابن الماجشون. [8/69]
***(1/68)
[8/70] ومن كتاب ابن المواز: قلت: إذا شهد عنده عدول في أمر يعلم خلاف ما شهدوا به أيتوقف؟ قال: وقوفه رد لشهادة العدول، ولكن تنفذ شهادتهم بعد الانتظار اليسير، واستحسن لو خلا بهم، فأعلمهم بعلمه وشهادته، فلعله ينكشف لهم أو له ما وراء ذلك، فإن لم يكن ذلك، فليحكم بشهادتهم، وليعلم المشهود عليه أن له عنده شهادة، فيرفع ذلك المحكوم عليه إلى من فوقه، فإن لم يكن له أحد إلا تحته، فقول أشهب: إنه لا يجيز رفع ذلك إلى من تحته. وأجاز ذلك عبد الملك، واحتج بفعل عمر، رضي الله عنه.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد عنده عدل معروف بالعدالة، والقاضي يعلم أنه شهد بباطل، وأن الحق غير ما شهد به، فلا يحكم بذلك، ولا يبطل الشهادة، وليرفع القاضي شهادته إلى غيره، ويشهد بتلك الشهادة للقائم بها.
قال أبو محمد: قوله: إنه شهد بباطل. ليس يعني أن القاضي علم جرحة فيه، ولا تعمد كذبا، ولكن القاضي قال ذلك الحق بوجه ما، ولو علم منه جرحة، لجاز له أن يسقط شهادته بعلمه/، إلا ما استحسن أشهب فيما تقدم ذكره.
قال في المجموعة المغيرة وأشهب في البينة تشهد بحق لرجل، والقاضي يعلم بينهما غيره. وقال أشهب: فيشهد عنده بما يعلم.
قيل لهما: فلو جاز للقاضي أن لا يأخذ له بينة إذا علم أنه مبطل، ولم يجز له أن يعطي بعلمه إذا لم يعلم ذلك غيره؛ فقالا: لأن القاضي يجوز له أن يترك القضاء بعلمه، ولا يجوز له أن يحكم في شيء لأحد على أحد بعلمه، الذي قامت له البينة بحقه لا يقول: نزع مني حقي، وإنما يقول: لم يقض لي بحقي.
وأما ما يجده القاضي في ديوانه من إقرار وشهادة، فمكتوب في باب بعد هذا. وفي القاضي يقول: قد حكمت لفلان، ولا يعرف ذلك إلا من قوله.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم، في شهيدين شهدا عند القاضي أن فلانا الذي كان قاضيا، وقد مات أو عزل، قد قضى لهذا الرجل بكذا وكذا بشهادتنا، [8/70]
***(1/69)
[8/71] وأشهدنا على قضائه: أن شهادتهما جائزة في هذا كله إن كانا عدلين، ويصير كشهادة مبتدأة.
في شهادة كاتب القاضي على ما كتب، وأمينه على ما ائتمن عليه، ومن أمره بالقسم على قسمه، وشهادة الطالب على شهادة من شهد عند القاضي في ديوانه، أو على حكم حكم به
من المجموعة: قال أشهب: وإذا ملك ما في ديوان القاضي/ بشهادة رجلين لرجل، ومن يد الرجل، فشهد كاتبان للقاضي، أو غيرهما على شهادة الشاهدين بذلك، فلينفذها، إلا أن يكون الشاهدان حاضرين، فليعدهما حتى يشهدا.
قال ابن القاسم: وإن شهد القسام فيما قسموا، لم تجز شهادتهما، كالقاضي يشهد على حكمه.
قال سحنون: تجوز شهادة كاتب القاضي في قضاء كتبه بيده، عزل عن الكتابة أو لم يعزل، يقول: كتبته بيدي إذا كنت كاتبا، أو: أنا شاهد على ما فيه، بخلاف قسام القاضي، أولئك يشهدون على فعل أنفسهم، وكذلك في كتاب ابن المواز، يشهد الكاتب وهو كاتب، أو بعدما عزل في الإقرار في مجلس الحكم، وفي شهادة عنده، بخلاف القسام. [8/71]
***(1/70)
[8/72] قال عبد الملك في المجموعة في من أقام شاهدا من كتاب الحكام، أنه كتب شهادة رجل، قال: ذلك يجوز، كأنه شاهد على شاهد إن كان عليه آخر، وإن لم يكن، قال له: اشهد. فقد قال مثل ذلك حين جاء يشهد، فكأنه أشهده، فإذا كان معه شاهد على معرفة خط الشاهد، أو بإشهاد من الشاهد له حيي الشاهد، ولا ينقل ذلك واحد.
قال ابن المواز: اختلف قول مالك، في الشهادة على خط الشاهد؛ فقال: لا يقضي بذلك كما لو سمعه يذكر شهادته، ولم يقل: اشهد على شهادتي. وعلى هذا أكثر أصحابه.
وقال أيضا، إنه يحكم بذلك. والأول أحب إلينا. وهذا مستوعب في كتاب الشهادات.
ومن المجموعة: قال عبد الملك، في المحلف الذي يرتزق، والقاسم الذي/ يؤاجر، شهادتهما جائزة فيما توليا.
قال ابن القاسم، في قوم كتب إليهم القاضي، أنه قضى لرجل بأرض، وسمى لهم البينة الذين حكم بهم، وأمرهم أن يحضروا البينة ليحدوا الأرض، ويدفعوها إلى المقضي له بها، فيفعلوا، ثم يعزل القاضي، أو يموت، فليشهد أولئك أنهم أنفذوا للمقضي له كتاب القاضي بالقضاء في تلك الأرض، ودفعوها إليه كما أمرهم، فلا تجوز شهادتهم ، وهم كقاض كتب إليه قاض أنه قضى لفلان، فلا تجوز شهادته حتى يكون قد أشهد على إنفاذ ذلك شهودا غيره، وكذلك وكلاؤهم بمنزلة قضاة معه، قال: ولو أنفذوا كتابه، فلما عزل، وولي غيره، قام من أخرجت الأرض من يده، قال: ومن يعلم أن القاضي كتب ذلك الكتاب، قال: فإما الحاضر لذلك، ولم يدفع ولا تكلف، فهو يقضي به عليهم، لجاز علمه، فذلك [8/72]
***(1/71)
[8/73] جائز عليه، وأما الغائب، والصغير، والضعيف؛ فإنه ينظر فيه، فإن كان قد طالت به الحيازة حتى يرى أن قد مات شهوده، وغابوا، فذلك جائز عليه، وإن كان بحدثان ذلك، فلا يجوز ذلك حتى يشهد أنك كاتب القاضي قد ثبت عندهم، أو يكون قد أشهدوا على ما أتاهم من القاضي بما ثبت عندهم بشهادة من شهد عندهم من إنفاذ القاضي لمن أنفذه، فيجوز، وذلك كما لو أشهد القاضي على ما يأتيه من كتب القضاة بما ثبت عنده فيها.
قال ابن حبيب: قال ابن القاسم: وتجوز شهادة القاسم الواحد على ما قسم؛ إذا كان القاضي قد بعثه/ لذلك، ونصبه للقسم، فما نقل من ذلك إلى القاضي فلينفذه بقوله إذا شهد بذلك عند هذا القاضي الذي أمره، وأما عند غيره، فلا يجوز وحده، ولا مع غيره، وكذلك يقبل قول الطبيب والعاقل فيما كلفه القاضي، وقول المرأة فيما ينظره النساء، وينفذه.
وسحنون لا يجيز شهادة القاسم ولا قاسمين على قسمهما، قال: ولا يشهد أحد على فعل نفسه.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وكذلك من أمره القاضي أن يحلف رجلا، فقال: قد حلفته. والطالب ينكر ذلك، فقوله نافذ، وكذلك شهادة كاتب القاضي فيما أمره أن يكتبه من أموره، ومثل العقل، والقسم، والإحلاف، والكتاب، والنظر إلى العيب، وشبهه فمأموره مقبول القول؛ لأنه كيده وكعقله. قال أبو محمد: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها فاستكفاه أمرا، وأمر بإنفاذه على ما علم.
قال ابن الماجشون: ولا يضرهم ما يأخذون من الرزق؛ لأن الإمام أجرى لهم ذلك، كما يرتزق القاضي، وينفذ الأمور بقوله.
وهذا
المعنى مستوعب في باب من يكلفه القاضي نظر العيوب. [8/73]
***(1/72)
[8/74] في القاضي يحكم لنفسه أو لولده أو لمن يتهم عليه، وكيف إن حكم بشهادتهم وهو تعلم عدالته؟
من المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال أشهب: لا يجوز قضاء القاضي إلا فيما تجوز فيه شهادته، ولا يجوز أن يقضي لنفسه، ولا لزوجته، ولا لولده، ولا لولد ولده،/ قال سحنون: من قبل الرجال والنساء، ولا لأمه، ولا لأبيه، قالا: ولا لأجداده. قال سحنون: من قبل الرجال النساء. قالا: ولا لمكائبه، ولا لمدبره، وأم ولده.
قال أشهب: وتجوز لمن سواهم من قرابته.
قال سحنون: وأصل هذا أن من لا تجوز شهادته عليه، فلا يجوز أن يقضي عليه، ولا أن يحكم برد شهادته، ولينفذ شهادته غيره إذا ولي في ذلك الشيء وفي غيره. وقاله ابن المواز، إذا ثبت أن بينه وبين القاضي الذي رد شهادته عداوة.
قال ابن سحنون عن أبيه: يجوز قضاؤه لأخيه، وعمه، وابن أخيه، وابن أخته، ابن عمه، وخاله، وابن خاله، وكل رحم من رضاع أو نسب مما تجوز شاهدتهم، وما لا تجوز فيه شهادته لهم، فقضاؤه لا يجوز لهم فيه.
وقال ابن المواز مثله، إلا أنه قال في أخيه وعمه: إن كان القاضي بين العدالة مبرزا جاز قضاؤه.
وقال ابن المواز: إذا حكم القاضي، فأقام المحكوم عليه بينة أن القاضي عدو له، فلا يجوز قضاؤه عليه.
قيل: هل يصلح أن يقضي بين ولده وخصم ولده؟ قال: لا يصلح أن يقضي له، ولا لمن لا يجوز أن يشهد له، وأما من يشهد له، فيجوز أن يحكم له في الحقوق ما لم يعظم ذلك جدا، ولا يجوز في قصاص. [8/74]
***(1/73)
[8/75] وقال ابن حبيب: قال مطرف: وكل من لا يجوز للحاكم أن يشهد له، فلا يجوز حكمه له، وهم الآباء، وإن بعدوا، والأبناء وإن سفلوا، وزوجته، ويتيمه الذي يلي هو ماله.
قال ابن الماجشون: يجوز حكمه لمن لا يجوز له شهادته؛ من أب وابن، إلا ولده الصغير،/ أو يتيما، أو زوجته، فأما غير هؤلاء الثلاثة، فحكمه له وعليه جائز؛ وقال أصبغ مثل قول مطرف إذا قال: ثبت عندي. ولا يدري أثبت أو لم يثبت، ولم يحضر الشهود، وكانت الشهادة ظاهرة لحق بين، فحكمه له جائز، ما عدا الثلاثة الذين ذكر ابن الماجشون، ورأيت في كتاب أصبغ، أنه يجوز قضاؤه لكل أحد وعليه، من ولاه مثله أو عليه، أو قرابة، أو ولد، أو زوجة، أو أخ، أو مكائب، أو مدبر، إذ صح الحكم، وكان من أهل القيام بالحق، لا من أهل التهم، وهو قد يحكم للخليفة وهو فوقه، فهو أتهم فيه لتوليته إياه، وحكمه له جائز. ثم قال في كتابه هذا:ولا ينبغي للقاضي أن يطلب حقا، أو يطلب هو له، أو أحد من عترته وخصمه وإن رضي الخصم، بخلاف رجلين رضيا بحكم أجنبي، فينفذ ذلك. وقال في موضع آخر: ينبغي أن يرفع ذلك إلى غيره، وإن رضي الخصم أن يقضي بينه وبين نفسه، فلا أحب ذلك للقاضي أن يفعله، فإن فعل، فليشهد على رضائه، ويحكم بالعدل ويجتهد، وإن قضى لنفسه أو لمن لا يجوز له قضاؤه، فليذكر في حكمه القصة كلها، ويذكر رضاه بالخصومة عنده، ويقوع شهادة من شهد برضائه، وإذا قضى في ذلك لنفسه، أو لمن لا يجوز له قضاؤه باختلاف من العلماء غير شاذ، فأحب له إن رأى أفضل منه أن يفسخ حكمه، فإن لم يفعل حتى مات، أو عزل، فلا يفسخه غيره إلا في خطأ بين، وإن حكم على نفسه، أو على من لا يجوز حكمه عليه، باختلاف غير شاذ/، فلا أحب له أن يفسخه؛ لأنه يتهم فيه. قال: وإذا رضى خصم القاضي أن يخاصم عنده، هل يوكل القاضي وكيلا يقوم بحجته؟ قال: يفعل من ذلك ما رآه أقرب إلى الحق، وأقطع للظنة. قال أيضا: ولا يجوز حكمه لنفسه بحال، ولا ينبغي أن يفعل ذلك برضاء الخصم أو بغير رضائه، كان خصمه مليا أو عديما. [8/75]
***(1/74)
[8/76] ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا أخذ القاضي رجلا بسرقة، فله قطع يد سارقه، ولا يحكم عليه بالمال. وكذلك في كتاب ابن المواز، قال في المجموعة: وكذلك في محارب قطع عليه الطريق، فليحكم عليه بحكم المحارب، ولا يرفعه إلى غيره، ولو جاء تائبا سقط عنه حكم الله سبحانه، ولا يستفيد السلطان منه إن خرجه إلا بإقراره، ولا بينة حتى يرفعه إلى فوقه، وكذلك لو كان السلطان أحد الشاهدين عليه بالحرابة وقطع الطريق عليه، وأخذ قبل أن يتوب، فلا بأس أن يقيم عليه حد الله سبحانه، وأحب إلي رفع ذلك إلى من فوقه.
قال محمد ابن عبد الحكم: قال ابن القاسم، وأشهب: وإذا سرق من بيت القاضي سارق، وقامت عليه بذلك عنده بينة، فله قطعه؛ لأنه حد الله سبحانه، قال محمد بن عبد الحكم: لا يقطعه، وليرفعه إلى من يجوز حكمه عليه، ألا ترى لو شهد هو وآخر على سرقته تلك، لم يجز أن يشهد لنفسه، وإن كان ذلك حدا من حدود الله سبحانه، وكرجل شهد هو وآخر على سرقة سرقت من أحدهما، وكما لا تجوز شهادته في غرم/ القيمة في ملإ السارق، فكذلك في هذا، ولو شهد اثنان على أنه سرق، فقالا للحكم: اقطعه ولا تقضي لنا بمال.
قال سحنون في المجموعة، وكتاب ابنه: إذا سمع الإمام قوما سكارى في دار في طريقه، معهم المزامير والغناء، فينبغي له أن يأمر شرطة فيدخلون عليهم، ويخرجونهم، ويقيم عليهم ما يجب عليهم.
قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ: إذا خاصم عنده خصمان له قبل أحدهما دين، فلا بأس أن يقضي بينهما، وإن كان غريمه مليا، وإن كان عديما، لم يجز له أن ينظر بينهما، والحكم بينهما، كالشهادة.
قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا شهد عند القاضي أبوه، وابنه، ومن لا تجوز له شهادته، فله أن يسمع شهادته ويقبلها على علمه بعدالته إن علمه، بخلاف تعدليه إياه عند غيره. [8/76]
***(1/75)
[8/77] قال سحنون في العتبية: إذا شهد عنده ابنه أو ولد ولده، لم أر أن يجوز شهادتهما، إلا أن يكون مبرزين في العدالة، وبيان الفضل، فليجوزهما.
قال أبو محمد: وقد جرى في باب ما يحكم فيه القاضي بعلمه من معاني هذا الباب، وتكرر فيه بعضه.
قال ابن الماجشون، ومطرف، في القاضي يكون له قبل أحد شيء، أو يكون عليه لأحد، فليرفع ذلك إلى غيره، ويوكل من يخاصم عنه، أو يخاصم لنفسه، فإن رضى خصمه بحكمه في ذلك، فلا يقبل منه، ولا يقضي لنفسه، ولا يجوز ذلك، وإن أراد أن يقضي عليها، كان كالإقرار منه بدعوى خصمه عليه.
تم الجزء الأول بحمد الله وعونه [8/77]
***(1/76)
[8/79] بسم الله الرحمن الرحيم ... ... رب يسر
الجزء الثاني من كتاب آداب القضاء
في استخلاف القاضي ناظرا لعذر أو مرض أو سفر ورفعه الخصمين إلى العالم، وهل يقضي في سفره؟ وهل يسمع البينات؟ وهل يحكم بعد موت الأمير؟ وكيف إن نهاه أن يحكم في شيء معلوم؟
من المجموعة، وكتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون، ومطرف، وأصبغ، في قاضي الخليفة: ليس له استخلافه قاضيا مكانه إذا كان حاضرا يحكم، وكذلك إن عاقه ما يعوق من الشغل.
قال في كتاب ابن حبيب: وإن عاقه ما يعوق من الشغل؛ لأنه هو القاضي المنفذ لأحكام الناس كلها، وأما إن سافر: قال في كتاب ابن حبيب: أو مرض، فله أن يجعل في مكانه من يقوم مقامه، وينفذ أموره، ثم لا يكون متعديا على من استقضاه، وإذا كان ذلك بأمر الخليفة وإذنه، فلا تبالي كان القاضي غائبا أو حاضرا أو مريضا أو صحيحا، ذلك جائز؛ وكأنه ولى قاضيين أحدهما فوق صاحبه. [8/79]
***(1/77)
[8/80] قال في كتاب ابن حبيب: فإن استخلف القاضي غيره لغير سفر، ولا مرض لم يجز ذلك.
قال سحنون في كتاب ابنه، والمجموعة: لا يستخلف وإن مرض، أو سافر إلا بأمر الخليفة. قال: ولا يولي بعض أمور الخصوم حكما يحكم بينهم، فإن فعل، لم يجز قضاء الحاكم، إلا أن ينفذه القاضي، فيكون قضاء/ منه مؤتنف. ومن المجموعة: قيل لابن الماجشون، في قاض يستقضي على كور ثلاثة بينها في عهده، وهي مما لا يصلح لكل واحدة قاض، هل يستقضي غيره في أحدها، أم يدور عليها؟ فإذا ولاه خليفة واحدة من الكور قد استقضى الخليفة في مثلها قاضي، فكأنه أذن له أن يستقضي؛ إذ لا يمكنه أن يكون بجميعها، ولا يقسم زمانه بينها.
قال عنه ابن حبيب، وابن عبدوس: فلو مات القاضي وقد استخلف مكانه رجلا، فقال له: سد مكاني، ونفذ ما كنت أصدرت فيه القضاء، واقض إلى أن تصرف أو تثبت. قال: لا قضاء له، ولا سلطان، وليس للقاضي أن يستخلف من يقضي بعد موته، قال: وإذا بعث القاضي خصمين إلى فقيه، وقال: انظر بينهما. فذلك جائز نافذ. وكأنه مشير أنفذ القاضي حكمه، وكأنما حكمه الخصمان أيضا، قبل مهما ما حكم به.
ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ: إذا مات الامام الاعظم، فلا بأس أن ينظر قضائه وحكامه حتى يعلموا رأي من بعده، وكذلك القاضي يوليه والي المصر، ثم يعزل الوالي، فهو قاض حتى يعزله الذي ولى بعده.
قال أصبغ في القاضي يبعثه الإمام إلى بعض الأمصار، في بعض ما نابه من أمر العامة، فيأتيه رجل في ذلك المصر، فيذكر حقا له قبل رجل بعمله، وهو [8/80]
***(1/78)
[8/81] بجانب من عمله، فيريد منه سماع البينة عليه بهذا المصر، قال: ليسمع بينته ويكتبها، ويسأله تعديلهم، أو يسأل عنهم قاضي ذلك المصر، فإن ذكر له عدالتهم، اجتزأ بذلك، ولو اجتمع الخصمان/ عنده بهذا المصر، فليسمع بنيتهما، ويكتبها، فطلبا الخصوم عنده، والشيء الذي يخاصمان فيه في بلد هذا القاضي الغائب عن عمله، فلا ينظر بينهما، وخصومتهما إلى قاضي ذلك المصر الذي اجتمعا فيه، إلا أن يتراضيا على الأمر، كما يتراضيا على أجنبي مسلم عدل.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا حج قاضي مصر أو غيرها، فيأتيه في سفره قوم من عمله، وطلبوا أن يسمع بينة على رجل من عمله، أو كانوا أوقعوا البينة عنده في عمله، فطلبوا الآن أن يكتب لهم بذلك إلى قاضي العراق، أو قاضي مكة، ويشهد عليه، أو يحكم بذلك الحق، ويشهد على حكمه، فليس له شيء من ذلك؛ لأنه ليس بوال على ذلك البلد، فليس له أن يسمع فيه بينة، ولا ينظر في بينة آخر،ولا يشهد على كتابه إلى قاضي بلد آخر إلا ببلده، وأما كشفه في غير بلده عن عدالة شاهد كان قد شهد عنده في عمله، فذلك له، ولا يشهد في كتاب يكتبه إلى قاضي البلد الذي هو به، ولو كتب قاضي مكة إلى قاضي مصر، وأشهد عليه، فرفع إلى قاضي مصر بمكة وقد قدم حاجا، فلا يسمع عليه البينة حتى يقدم مصر، وكذلك لو ولاه الخليفة مصر، فخرج إليهم، فلا يسمع البينة في طريقه على أحد من أهل مصر حتى يصر إليها.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان عمل القاضي واسعا، فينبغي أن يستأذن الأمير أن يولي على ما يرى من عمله من يحكم فيما لا يعظم من الأمور، إذا كان الموضع يشق على أهله الشخوص إلى موضع القاضي/ ممن ولاه، جاز حكمه، ويكون القاضي مستشرف عليهم، فيعزل من رأى عزله، وإن لم يأذن له الإمام في ذلك، لم يكن له أن يولي من يحكم، ولكن يجعل من يكاشفه في الكشف ونحوه. [8/81]
***(1/79)
[8/82] قال سحنون، في العتبية: في القاضي يثبت عنده لرجل حق، فيريد التسجيل له بذلك، ويحضر الإمام خروج في عزو، فيأمره ألا ينظر لأحد حتى ينصرف، فيسجل له بعد نهي الإمام له. قال: أدى ذلك ماضيا. قال ابن حبيب: قال أصبغ في الخصمين يريد توجيه الحكم على أحدهما مما يتبين له، فيستغيث بالأمير، وهو جائر، فيأمره بترك النظر في ذلك، ويحجره فيه، هل يطيعه؟ قال: إن كان قد تواضعا عنده الحجج، ونظر حتى تبين له الحق، فلينفذ له الحكم، ولا ينظر إلى نهي الأمير، إلا أن يعزله رأسا، وإن كان في مبتدأ أمرهما قبل أن يتبين له حق أحدهما، فنهاه عن النظر بينهما، فلينتبه، ويدعهما.
في حكم الوالي أو صاحب الشرطة أو صاحب السوق وولاة المياه في الدماء والحدود أو غيره هل يجوز؟
ومن المجموعة: قال ابن القاسم في والي الاسكندرية، إذا استقضى قاضيا، فقضى، أو قضى هو بشيء، فذلك كله ماض، إلا في جور بين.
وكذلك والي الفسطاط أمير الصلاة: وقال: ولا يقيم العمل في/ الحدود ولاة المياه، وليجلب إلى الأمصار، ولا يقام القتل بمصر كلها إلا بالفسطاط، أو يكتب إليه والي الفسطاط بإقامة ذلك. وقال أشهب: أما من ولي هذا الوالي على بعض المياه، وقد جعل ذلك إليه، فليقم الحد في القطع، والقتل، وغيره، وإن لم يجعله إليه، فلا يقيمه.
وقال سحنون: لا أعرف أن يجعل هذه لولاة المياه، وهذه الأمور تعظم.
قيل لسحنون: في كتاب ابنه، والمجموعة: أيجوز قضاء صاحب السوق في الأموال والأرضين، وللناس قاض، أو مات قاضيهم؟ قال: إن جعل ذلك إليه [8/82]
***(1/80)
[8/83] الأمير الذي يولي القضاة، وهو الأمير الكبير أمير الأمصار، مثل مصر، وإفريقية، والأندلس، جاز قضاؤه إن كان عدلا فقيها عالما، وإن لم يجعل ذلك إليه، فلا يجوز قضاؤه إلا فيما أذن له فيه، وإذا حكم الأمير الذي فوق القاضي بحكم، فكتب به إلى القاضي، فهو جائز أقضيتهم إلا أن يكونوا عدولا، ويقضون بصواب.
ومن كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإذا كان الأمير مؤمرا، لم تفوض إليه الحكومة، فلا يجوز حكمه، وإن فعل لم ينفذ حتى يفوض إليه نصا، وإذا لم يكن مؤمرا، فهو كالخليفة إن حكمه مضى حكمه، إلا في جور أو خطإ بين، وإذا كان الأمير مؤمرا، قد فوض إليه/ الحكم مع الإمرة، فله أن يستقضي قاضيا، ويجوز حكمه وحكم قاضيه، وإذا لم يفوض إليه الحكم، لم يجز حكمه ولا استقضاؤه. وقاله مطرف، وأصبغ.
في الخصمين يرضيان بحكم رجل أو شهادته أو يحكمان بينهما امرأة أو من لا يجوز حكمه
في المجموعة: قال مالك في الرجلين حكما بينهما رجلا، فقضى بينهما، فقضاؤه جائز. قال ابن القاسم: وإن قضى بما يختلف فيه، ويرى القاضي خلافه، فلا ينقض، وحكمه ماض، إلا في جور بين. وكذلك ابن سحنون، عن سحنون.
قال ابن القاسم: وإذا حكماه، وأقاما البينة عنده، ثم بدا لأحدهما قبل أن يحكم، قال: أرى أن يقضي بينهما، ويجوز حكمه.
وقال ابن الماجشون: ليس لأحدهما أن يبدو له، كان ذلك قبل أن يقاعد صاحبه أو بعدما ناشبه الخصوم، وحكمه لازم لهما، كحكم السلطان، ومن غاب منهما أو كره، نظر لصاحبه كما ينظر السلطان في حق الغائب. ومنه، ومن كتاب[8/83]
***(1/81)
[8/84] ابن سحنون: وقال سحنون: إذا حكما بينهما أن يرجع في ذلك ما لم يمض الحكم فيه، فإذا أمضاه بينهما، فليس لأحدهما أن يرجع فيه. قال مطرف في كتاب ابن حبيب: له النزوع في ذلك في ابتداء أمرهما، وقبل نظر الحاكم بينهما في شيء، فأما بعد نشوئهما في الخصوم عنده، ونظره في شيء من أمرهما، فلا نزوع لواحد/ منهما، ويلزمها التمادي فيها، وقال أصبغ: كما ليس له إذا تواضعا الخصومة عند القاضي أن يوكل وكيلا، أو يعزل وكيلا له، وذكر عن ابن الماجشون مثل ما تقدم في المجموعة.
قال سحنون، في كتاب ابنه: وإذا حكما بينهما رجلا، فحكم بينهما، ثم رفع ذلك إلى القاضي، فلينظر، فإن كان ما حكم به يوافق الحق عنده، أمضاه، وإن كان لا يوافق رأيه، وكان قضاؤه مما يختلف فيه الفقهاء، وليس من رأي القاضي أن يقضي به، فلا يعرض فيه، إلا أن يكون خطأ بينا، فيرده.
قال سحنون في المجموعة، وفي كتاب ابنه: وإذا حكما بينهما حكما، فحكم ولم يشهد على ذلك الحكم، فإنه لا يصدق على ذلك الحكم، وإذا حكم، كتب للمقضي له كتاب قضاء:أني قضيت لفلان بن فلان. كما يكتب القاضي.
قال أصبغ في كتابه، في رضى الخصم أن ينظر القاضي بينه وبين نفسه في حق: فلا أحب أن يفعل، فإن فعل مضى ذلك، وليذكر في حكمه رضاه بالتحاكم إليه.
قال سحنون: ولا ينبغي للذي حكمه رجلان أن يقيم حدا، أو يلاعن، ولا يقيم الحدود إلا الأئمة والقضاة قضاة الأمصار العظام.
قال أصبغ في كتابه: ولا يحكم بينهما في قصاص، أو قذف، أو طلاق، أو عناق، أو نسب، أو ولاء؛ لأن هذه الأشياء لا يقطعها إلا الإمام، ولو أمكنه من[8/84]
***(1/82)
[8/85] نفسه، فقال: اضربني حدا،/ وخذ قودك. لم يصلح إلا بالإمام، وكذلك النفس.
وأما الجراح، فإذا أقاده من نفسه، فلا بأس أن يستقيد إذا كان نائبا عن السلطان، وإذا حكماه، فحكم فيما ذكرنا أنه لا يحكم فيه، فإنه ينفذ حكمه، ويأخذ له السلطان بقوده، أو يقيم حده، وينهاه عن العودة لمثل هذا، وإن أقام ذلك نفسه، فقتل، أو اقتص أو ضرب الحدود، ثم رفع إلى الإمام، أدبه السلطان، وزجره، وأمضى ما كان صوابا من حكمه، وكان المحدود عنده بالقذف محدودا، والتلاعن عنده ماضيا.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ولو أن خصمين تنازعا شيئا فحكم أحدهما، فحكم لنفسه أو عليها، جاز ذلك، ومضى، ما لم يكن جورا، أو خطأ بينا، وليس تحكيم الخصم كتحكيم خصم القاضي للقاضي. وقد تقدم هذا.
ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال سحنون: وإذا حكم الخصمان رجلين، فحكم أحدهما، ولم يحكم الآخر، فإن ذلك لا يجوز، ولو حكما مسخوطا، أو امرأة، أو مكائبا، أو عبدا، أو كافرا، فحكم بينهما، فحكمه باطل، وكذلك قال ابن الماجشون في المجموعة. وقال: أو مولي عليه. قال: ولمن شاء منهما رجع؛ لأنهما تخاطرا حين حكما من لا يرضى نظره لنفسه.
قال أشهب في كتاب ابن سحنون، في الرجلين يحكمان بينهما امرأة، فتحكم، قال: حكمها ماض إذا كان مما يختلف فيه الناس.
قال أشهب: وكذلك العبد والحر والمسخوط مثل ذلك أيضا، فأما الصبي، والنصراني، والمعتوه/، والموسوس، فلا يجوز حكمه وإن أصابوا الحكم. قال أصبغ: وذلك كله رأيي. [8/85]
***(1/83)
[8/86] قل سحنون: لا أعرف هذا، ولا يجوز تحكيم من ذكر من عبد، أو أمرأة ونحوها. قال سحنون: ولو حكما بينهما امرأة، أو رجلا غير عدل، أو عبدا، أو مكاتبا، أو ذميا، فحكم بينهما، فذلك باطل لا يجوز. ولو حكما بينهما رجلين، فحكم أحدهما دون الآخر، لم يجز ذلك حتى يحكما جميعا.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا رضيا بحكم صبي، أو مسخوط، أو نصراني، فحكم بينهما بصواب، فلا يلزم ذلك واحدا منهما.
وقال مطرف في العبد والمرأة مثله.
قال ابن الماجشون: إن كانا بصيرين عارفين مأمونين، فأرى تحكيمها، وحكمها جائز لازم، إلا في خطإ بين. وقاله أصبغ، وأشهب. وبه آخذ، وقد ولى عمر امرأة سوق المدينة، وهي الشفاء أم سليمان من أبي حثمة، ولابد لصاحب السوق من الحكم بين الناس ولو في صغار الأمور.
قال أصبغ، في كتابه: إذا حكم مسخوطا، فحكم فأصاب، جاز ذلك، وكذلك محدودا لم يتب، أو يبلغ الحلم، إذا كان قد عقل وعرف وعلم، فرب غلام لم يبلغ، له علم بالسنة والقضاء.
ومن المجموعة: قال ابن الكنانة: وإذا تنازعا في جدار، فرضيا بحكم رجل أو أناس من البنائين، فحكموا أن الحق لأحدهما، وقضوا له بحقه، ثم ذهب المقضي عليه إليهم، فسألهم معاودة النظر، فنظروا، والآخر غائب، فنقضوا قضاءهم الأول، وقضوا للمقضي عليه، قال: ينفذ الإمام قضاءهم/ الأول، وينقض الآخر؛ لأن الخصمين قد حضراه، وتراضيا عليه، ويخيف البنائين، ويغلظ عليهم، ويسجنهم حتى يعودوا لمثله، ثم ينظر؛ فإن رأى أن ينقض الأول والآخر، نقضه، وإن رأى [8/86]
***(1/84)
[8/87] أن يبعث من البناءة أهل عدل ورضى، فينظر، فعل، ولا يبعث ممن قضى فيه أولا أحدا.
في عزل القضاة والنظر في أحكامهم وأحكام العمال في ولايتهم أو بعد عزلهم وفي رجوع القاضي في حكم حكم به وكيف إن عزل قاض ثم ولي ما يصنع فيما عنده في ولايته الأولى؟
ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا اشتكى القاضي في أحكامه وميله بغير الحق، فينبغي للامام أن ينظر في أمره، فإن شاكوه أو كثروا، فيبعث إلى رجال من أهل بلده ممن يوثق بهم، فيسألهم عنه سرا، فإن صدقوا قول الشكاة، عزله، ونظر في أقضيته، فيمضي ما وافق الحق، وما كان منها غير موافق للحق باستجارته فيها غير أهل الفضل، وبالميل عن العدل، فسخها، وإن قال من سألهم عنه: لم نعلم إلا خيرا، وهو عدل عندنا. ثبته، وتفقد أقضيته؛ فما خالف السنة رده، وأمضى ما وافقها، ويحمل على أنه لم يتعتمد جورا، ولكن على أنه أخطأ، ولا يمكن الناس من خصومات قضاتهم إذا اشتكوهم؛ هذا لوجهين: أحدهما: أن يكون القاضي من أهل العفاف والرضا فيستهان بهذا، ويؤدبانه، والآخر: أن يكون القاضي فاسقا فاجرا/، وهو ألحن بحجته ممن شكاه، فيبطل حقه، وقد عزل عمر سعد بن أبي وقاص عن الكوفة بالشكية، وقال: والله لا يسألني قوم عزل أميرهم ويشكونه، إلا عزلته عنهم. قال سحنون: وعزل عمر شرحبيل بن حسنة، فقال له: أعن سخطة عزلتني؟ قال: لا. ولكن وجدت من هو مثلك [8/87]
***(1/85)
[8/88] في الصلاح، وأقوى منك على عملنا، فلم أره يحل إلا ذلك. قال: يا أمير المؤمنين، إن عزلك عيب، فأخبر الناس بعذري. ففعل عمر.
قال أشهب: وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: وينبغي للإمام أن لا يغفل عن التفقد لقضاته، فإنهم سنام أمره، ورأس سلطانه، فلينظر في أقضيتهم. قال في المجموعة: ولا ينفذها. قالا: وينظر لرعيته في أمورها وأحكامها ومظلمة بعضها لبعض، فإن الناس قد دخلوا وسار بعضهم يشبه بعضا، ليس لبعض من الفضل على بعض ما يسمع الإمام أن يتخلى عنهم، وأن يكلهم إلى قضاتهم، وكان عمر يقدم أمراءه كل عام، ويقدم معهم من قبل عملهم رجالا، فإذا أرادوا بدل عاملهم عزله وأمر غيره.
قال مطرف: وإذا كان قاضي الإمام مشهورا بالعدالة والرضا، فلا يعزله بالشكية فقط، وإن وجد منه بدلا؛ لأن في ذلك فساد الناس على قضاتهم، وإن لم يكن مشهورا بالعدالة والرضا، فليعزله إذا وجد منه بدلا، وتظاهرات الشكية عليه، وإن لم يجد منه بدلا، كشف عنه؛ فإن كان على ما يجب، أمضاه، وإن كان على غير ذلك، عزله وولى غيره. وقال أصبغ: أحب إلي أن يعزله بالشكية وإن كان مشهورا/ بالعدالة والرضا، إذا وجد منه بدلا في حاله؛ لأن في ذلك صلاحا للناس وكسرا للولاة وللقضاة عن الناس، تفريجا لهم فيما بين ذلك، وقد عزل عمر سعدا على الشكية فقط، وسعد أبعد صحة، وأظهر براءة من جميع من يكون بعده إلى يوم القيامة.
قال: وإذا عمت الشكية، وتظاهرت، فليوقفه بعد العزل للناس، فيرفع من رفع، ويحقق من حقق؛ فقد أوقف عمر سعدا، فلم يصح عليه شيء من المكروه، وبرأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيها. [8/88]
***(1/86)
[8/89] قال أصبغ: وينبغي للإمام أن يعزل من قضاته من يخشى عليه الضعف والوهن، أو بطانة السوء، وإن أمن عليه الجور في نفسه، ولا بأس عليه إذا خبره بغير ريبة أن يخبر الناس ببراءته، كما فعل عمر لشرحبيل بن حسنة، وإن عزله عن سخطة، فحق عليه شهرته وإذاعة سخطه.
قال أشهب في المجموعة: وإذا اشتكى من القاضي أنه أراد الحكم على رجل بغير الحق، فينبغي أن يكشف عن ذلك، فإن كان رأيه خطأ، وتبين ذلك لأهل العلم، نهاه عن إنفاذه، وإن خف على الإمام أن يجمعهم في ذلك فعل، وإلا فيقعد معه رجالا من أهل العلم والفقه والصلاح، يأمرهم بالنظر في ذلك، ثم لا ينفرد هو برأيه فيه دونهم، ولا ينفعه أن يقول: قد كنت حكمت قبل إقعادكم معي للنظر في هذا لأنه مدع، وصار الحجر بينه وبين مشكيه، إلا أن يقيم بينة أنه/ قد كان حكم في ذلك قبل إجلاسهم معه، فينظر فيه الإمام، فإن كان ما فعل حقا لا اختلاف فيه، أو فيه اختلاف من العلماء، أمضاه، وإن كان خطأ لا اختلاف فيه، فسخه، ولا يجوز أن يحكم فيه النظار بشيء معه، ولهم أن يرفعوا إلى الإمام ما رأوا من ذلك، فيكون هو القاضي له والمنفذ له، ولمطرف في كتاب ابن حبيب نحوه.
قال ابن حبيب: قال مطرف في القاضي يشتكي في قضية حكم بها، فإن كان عدلا مأمونا بصيرا بالقضاء، فلا يعرض له فيه الأمير، ولا يقبل فيه شكية، ولا يتعقبه بنظرالفقهاء، وإن كان متهما في أحكامه، أو غير عدل، وجاهلا، فليعزله، قال: فإن جهل الأمير في العدل، فأجلس الفقهاء فتعقبوا حكمه، وجهلوا هم أو أكرهوا، فنظروا فيه، أو فسخه ففسخه الأمير، قال: فلينظر الحكم الأول؛ فإن كان صوابا لا اختلاف فيه، أو فيه اختلاف من العلماء: فحكمه ماض، والفسخ باطل، وإن كان الأول خطأ بينا أمضى، فسخه، ولو كان الحكم الأول خطأ بينا، عرف عن القاضي مالا ينبغي، فللفقهاء حينئذ النظر؛ فإن تبين خطؤه ردوه، وإن اختلفوا عمل على الأصوب من اختلافهم، وأشبه بالحق، وأنقذوه، وإن قل قائلوه [8/89]
***(1/87)
[8/90] منهم، كذلك يفعل القاضي عند اختلاف من يشاور من الفقهاء، وكذلك قال محمد بن سعيد للقاضي بالمدينة محمد بن عمران الطلحي عند اختلافهم عليه.
قال: وكذلك لو كان/ ذلك بغير بلد الأمير، فاشتكى إليه نفر بقاضي بلدهم، وسألوه أن يكتب إلى فقهاء بلدهم أن يجلسوا مع قاضيهم في تلك الخصومة، فأما المشهور بالعدل، فلا يقبل منهم ذلك إلا أن يشتكي منه استبداد بالرأي دون أهل الرأي، فليأمره بالمشورة لأهل الرأي من غير أن يسمي له أحدا، ويجلسه معه، وإن كان غير مشهور بالعدل، فإن تظاهرت عليه الشكية، كتب إلى صالحي بلده، فأقدهم، فكشفهم عنه، فإن كان على ما يجب، وإلا عزله، فإن جهل هذا الأمير، وكتب إلى ناس يأمرهم بالجلوس معه في بلد الحكومة، فاختلف رأيهم؛ فإن كان كتب أيضا إليهم، أن يرفعوا إليه ما اجتمعوا فيه، واختلفوا، فعلوا ذلك، ثم كان هو المنفذ لذلك، وإن كتب إليهم يأمرهم أن ينظروا معه، ثم يجتهدوا ويحكموا بأفضل ما يراه معهم، جاز له أن يحكم بما يراه هو وبعض من أجلس معه منهم، ويمضي ذلك، وإن أطبقوا على خلافه في الرأي، فلا ينبغي أن يحكم بذلك؛ لأن ذلك الذي شكي منه، فإن لم يتبين له أن الحق إلا في رأيه، فليكاتب في ذلك الأمير، فيأمر بما يراه وقاله أصبغ، وابن القاسم.
ومن العتبية: يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، عن القاضي يعزل لسوء حاله، أو يموت، وهو معروف بالجور في أحكامه،/ قال: يستأنف النظر فيما حكم به، ولا يحل لأحد من القضاة أن ينفذ له حكما إذا كان من أهل العدل.
قلت: أفتصلح سجلاته التي قضي بها، أو يقال للخصمين: ائتنفا الخصومة؟ فقال: إن كان غير عدل وخيف أن يكون يقبل من غير العدول، أو يجور في حكمه، وما يشبه هذا، فلتنقض أحكامه، ويأتنفوا الخصومة؛ لأنه وإن جاز، فلا يكتب كتبه إلا وظاهرها صحيح، وإذا كان ممن لا يتهم بجور، ولا بتجوز شهادة[8/90]
***(1/88)
[8/91] غير العدل، وهو مجتهد غير أنه جاهل بالسنن لا يستشير العلماء، يقضي باستحسانه، فهذا يتصفح أحكامه ويقرؤها، فينفذ منها ما كان صوابا في ظاهرها، وإن خرجت على خلاف الكتاب والسنة، فسخ ذلك؛ لما عرف من جهالته، وإن كان ما حكم به مختلفا فيه، لم يغيره، ولا ينقضه، قالا: وإذا ولى الأمير قضايا في بعض الكور، وهو غير عدل ولا رضا، ولا يؤمن جهله وجوره، فلا ينبغي لقاضي الجماعة أن يرفع إليه خصما، ولا يكتب إليه في تعديل شاهد، ولا يمضي له حكما.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة في القاضي يعرف بالجهالة والهوى لبعض ما يشبه الباطل، والدفع لما يأمره به الأمير والوزير؛ فمن الحق أن يفتش أقضية مثل هذا، عزل أو لم يعزل، فيمضي صوابها، ويرد باطلها، فأما قاض على غير هذا، فإن المشتهر من قضائه إذا اشتكي، نظر فيه، فأما أن تفتش أقضيته كلها مثل ما يفعل بالمعروف بالظلم، فلا.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب ابن غانم إلى مالك في رجلين أتيا إلى القاضي وبيد أحدهما حكم قاض قبله على خصمه هذا، وفيه بينة، فطلب المقضي عليه أن يقيم عند هذا حجته وبينته فيما كان حكم عليه، فكتب: أما القاضي الذي لا يعلم منه إلا خيرا، فلا ينظر في قضائه، إلا أن يأتي أمر مشتهر نكب عن الحق، أخطأ أو جهل، فينظر في ذلك، ويتواصى، وإلا فلا يعرض في غير هذا من قضائه، وأما المعروف بالجور، فإنك ذكرت أن قاضيا كان يرد شهادة العدل، ويقضي بشهادة من لا يرضى، فإن أتاك قضية مثل هذا، أنه قضى ببينة سماهم، فأتى أولئك، فإن أنكروا أن يكونوا شهدوا، فليتعقب أحكام مثل هذا ولا يوثق بإنفاذه، وليجعل لنفسه وقتا ينظر فيه في أحكامه، ولا يشغل بها نفسه عن ما سواها، فيضر بغير هؤلاء من الناس. [8/91]
***(1/89)
[8/92] قال سحنون: وإذا رفع إليك حكم من هذا، ولم تعرف البينة التي حكم بها، فلا تنفذ للمحكوم له حكمه حتى يظهر له أنه حكم له بالعدل، وبأمر صحيح، وإلا فليأتنف النظر فيه، قال: وإذا حكم المستخرج بقوم عدول، فلينظر فيه من بعده ويتعقبه، فإن ظهرت صحته، وأن العدل لم يكن يحكم إلا بمثله، فليمضه. وهو نحو جواب مالك إلى ابن غانم، في أحكام مانع بن عبد الرحمن.
وكتب إليه شرحبيل بن يحيى/ قاضيه، أن رجلا يقال له: هارون بن فلان، أتاه يدعي أن عبد الله حثمال أنه كان قاضيا، وكان عزل على الجور، أمره بدفع ثلاثة دنانير إلى يزيد بن فلان، وجاء ببينة أقر عندهم بعد عزله بذلك، وأنه قبضها منه يزيد، قال هارون: وكان ابن حثمال قد دفع إليه قبل ذلك ثلاثة دنانير، ذكر أنها لعصبة رجل آخر، فلما قامت هذه البينة، قال ابن حثمال: هي تلك الدنانير التي كنت أعطيتك، فكتب إليه: أن أأمر يزيد بقبض الدنانير، فأمره بردها إلى هارون، إلا أن يأتي بحجة يستوجبها بها، وإن لم يقر فليؤدها ابن حثمال؛ لأنه أقر أنها لعصبة رجل آخر.
وكتب إليه: كل ما رفع إليك من حكم ابن حثمال، قد أشهد به ليس عند الشهود إلا الشهادة على لفظه أنه حكم به، فلا تجزه؛ لأنه كان معروفا بالجور والظلم، وأنه ليس من أهل العدل.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا لم يكن القاضي مأمونا على الحكم، فحكم بحكم فأتى القاضي الذي بعده عدلان، فشهدا أن الشهود الذين قضي الأول بشهادتهم قد شهدوا عنده بهذه الشهادة، وأنهم عدول، وكان حكم فيها ليس بجور، أجازه، وإن كان فيه اختلاف من الناس، ولم يكن هذا الثاني يراه، فلينفذه؛ لأنه قد حكم بغير جور.
قال أشهب في المجموعة: فإذا قضى القاضي، وليس فيه من الخصال الخمس التي ذكرنا قبل هذا، فقضاؤه نافذ ما لم يتعمد جورا، ويقضي بما لا سلف له فيه مما لا يشك في خطئه، وقد أساء فيما تعرض/ من هلاك نفسه. [8/92]
***(1/90)
[8/93] قال ابن القاسم في القاضي إذا عزل، فادعى بعض من حكم عليه جوره في ذلك، فلا ينظر في ذلك، ولا خصومة بينه وبينهم، إلا أن يرى جورا بينا، فيرده.
قال مالك: ولا يعرض الذي ولي القضاء لقضاء من قبله، وقد كتب عبد الملك إلى أبان ينهاه عن التعرض لما قضى فيه ابن الزبير، وقال: إن نقض القضاء عنا معن.
قال ابن الماجشون: وإذا تبين للقاضي أن قاضيا قبله قضى في شيء أخطأ، فلا أرى أن يبين له خطأه، ولا ينظر في شيء من أحكامه، إلا أن يكون معروفا بالجور، فليتعقب أقضيته؛ فما تبين أنه حق، أمضاه، وما لم يستبن أنه جار فيه، أمضاه، ما كان جورا بينا، ردا إلى الحق، إلا أن يكون قضى بقول قائل، ونحوه في العتبية، من سماع ابن القاسم.
قال ابن حبيب: قال مطرف: أما العالم العدل، فلا يتعقب أحكامه من بعده، وليجوزها إن خوصم فيها، ولا يكشف عن شيء منها، إلا أن يظهر له خطأ بين لم يختلف فيه، وإذا كان عدلا، وكان جاهلا، كشفت أقضيته، فأنفذ صوابها، ورد خطؤها الذي لا يختلف فيه، وأما إن كان جائرا معروفا، بذلك أو غير عدل في حاله وسيرته، وهو عالم أو جاهل ظهر جوره أو خفى، لم يجز من أقضيته شيء، وعلى من بعده ردها كلها، صوابها وخطؤها؛ إذ لا يؤمن أن يظهر الصواب فيما باطنه خطأ، إلا ما عرف من أحكامه بالعدول أن باطنه صحيح، فلينفذ. وقاله ابن القاسم، وابن الماجشون.
قال أصبغ: تجوز أقضية/ القاضي غير عدل في حاله وسيرته، أو كان فيه من هذا وهذا، فليجز من أقضيته ما عدل فيه ولم يسترب، وينقص ما تبين جرمه، أو استريب، ويعمل فيها بالكشف كما يصنع بأقضية الجاهل؛ لأن السلاطين اليوم أكثرهم بهذه الصفة، فلابد أن تنفذ أحكامهم، مثل الخلفاء، والأمراء، والعمال، وقضاة السوء، ما لم يعرف منها قضاء جور بعينه، أو خطأ بين، أو يتسبب من [8/93]
***(1/91)
[8/94] يطلب رد ذلك سبب جور عليه، وإن لم يتحقق لما يعرف من أصل فساده، قال: وهذا ما لم يعرف جوره في أحكامه بعينها، فإذا عرف الجور في أحكامه، أو في بعضها، ردت كلها ما عرف منها بالجور أو جهل.
قال ابن حبيب: وقول مطرف، وابن الماجشون، وابن القاسم، أحب إلي، وقد انفرد بهذا أصبغ.
قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا عزل القاضي على جور، لم ينبغ لمن ولي بعده نقض أقضيته كلها، ولكن يتعقبها بالنظر؛ فما رآه مستقيما أمضاه، وما رآه خطأ أو جورا، فسخه وأبطله، ولا ينبغي للذي ولي بعده أن يمكن الناس من الابتداء بخصوماتهم، ولكن يجعل لنفسه ساعة من النهار يتصفح فيها أحكامه.
وكتب إلى شجرة، في حكم حكم به عبد الله بن أبي الجواد، وكان قد عزل عن الجور وسوء الحال، أنه إن لم يكن في يد المحكوم له إلا البينة على إشهاده بالحكم، فلا تمضه حتى يثبت عندك أنه قد حكم بحق، وأنك لو وليته حكمت به لعدالة البينة، وما يحكم بمثله القضاة.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في أحكام الخوارج /: لا تجاز، ولا تنفذ حتى يثبت أصل الحق ببينة، فيحكم به، وأما أحكام مجهولة، ويذكروا شهادة أهل العدل عندهم، سموا الشهود أو لم يسموهم، فهي مردودة. وقال أصبغ، عن ابن القاسم مثله؛ قال أصبغ: وأرى أن أقضيتهم بسبيل أقضية قضاة السوء فيما ذكرنا.
قال ابن حبيب: وقول ابن القاسم، ومطرف أحب إلي. قال مطرف، وابن الماجشون، في الرجل يخالف على الإمام، ويغلب على بعض الكور، ويولي قاضيا فيقضي، ثم يظهر عليه، فأقضية قاضيه إن كان عدلا، فهي نافذة إلا خطأ، لا خلاف فيه، قالا: وكل من قضى بالحق، فلا يحل فسخ قضائه. وقاله أصبغ. [8/94]
***(1/92)
[8/95] قال ابن الماجشون في معنى قول مالك: لا ينقض قضاء القاضي بما اختلف فيه، فأما ما فيه سنة قائمة عن النبي عليه السلام، فليفسخ الحكم فيه بخلافها، من ذلك أن يستسعى العبد بعتق بعضه، فيقضي باستسعائه في عدم المعتق، فهذا ينقض، ويرد إليه ما أدى، ويبقى العبد معتقا بعضه، إلا أن يرضى من له فيه الرق بإنقاذ عتقه والتمسك بما أخذ؛ لما ثبت من السنة أن يعتق ما عتق.
ومن ذلك القضاء بالشفعة بالجوار أو بعد القسمة، فهذا يفسخ، ومنه الحكم بشهادة النصراني؛ فإنه يفسخ؛ لقول الله سبحانه: "وأشهدوا ذوي عدل منكم".
ومن ذلك ميراث العمة والخالة، وتوريث المولى الأسفل، وشبه هذا من الشاذ مما تواطأ على خلافه أهل بلد الرسول، وما كان غير هذا مما هو يتفق العلماء وارتيا رأي واجتهاد، فليمض، وإن كان خلاف رأي أهل المدينة، وهذا فيما يأخذه الحاكم من هذا، ويعطيه لهذا، فأما ما هو ترك لما فعل الفاعل، و إمساك أن يحكم عليه بغيره، مثل ما جاء من الاختلاف في الطلاق قبل النكاح، والعتق قبل الملك، ونكاح المحرم، والحكم بالقسامة، وطلاق الغيرة فيما قيل إنها واحدة بائنة، فلو خيرها فاختارت نفسها، ثم تزوجها قبل زوج، فرفع إلى حاكم يراه ذلك، فأقره، ولم يفرق بينهما، ثم رفع إلى من بعده، فهذا يفسخ نكاحها، ويجعلها البتة، وليس إقراره الأول حكما منه وإن شهد على ذلك وكتب.
ومثل من حلف بطلاق امرأة: إن تزوجها، ثم نكحها، أو بعتق عبد إن ملكه، ثم ملكه، أو نكح وهو محرم، فرفع إلى حاكم، فأقر الملك والنكاح، وأقام شاهدا على قتل رجل، فرفع إلى من لا يرى القسامة، فلم يحكم بها، ثم رفع ذلك [8/95]
***(1/93)
[8/96] كله إلى من يرى الحكم به، فليحكم، ولا يمنعه ترك الأول لذلك؛ لأن تركه ليس بحكم، قال هو وابن المواز: وكذلك إن أقام شاهدا عند من لا يرى الشاهد واليمين، فلم يحكم به، ثم يرفع إلى من يراه، فليحكم به.
قال ابن الماجشون: ومن حكم في العمري بظاهر الحديث فيها، لم يرد حكمه، وأما بربا فإنما يرى الحكم فيها بحديث القاسم. وقال لي مطرف مثل قول ابن الماجشون من أول هذا القول، وقال: إنه قول مالك، قاله أصبغ.
قال ابن عبد الحكم: قال ابن القاسم في من طلق امرأته ألبتة، فرفع إلى من يراها واحدة، فجعلها واحدة – يريد ولم يمنعه من نكاحها- فنكحها الذي أبتها قبل زوج، أنه يفرق بينهما، وليس من الاختلاف الذي يقر إذا حكم به.
وقال ابن عبد الحكم: لا ينقض ذلك كائن ما كان، ما لم يكن خطأ محضا، وكذلك من حكم بالشفعة للجار، ويثبت نكاح المحرم، وتوريث العمة، والمولى من أسفل، والذي يحلف بطلاق امرأة إن نكحها، فما حكم به من هذا حكام، أمضيته.
قال ابن حبيب: ولا يعجبني انفراد ابن عبد الحكم بذلك عن أصحابه.
من المجموعة: قال ابن القاسم: من قتل غيلة، فرفع إلى قاض يرى فيه عفو ولاة الدم، فأسلمه إليهم فعفوا عنه، ثم ولي غيره، أترى أن يقتله؟ قال: لا، للاختلاف الذي فيه، وقال أشهب: أرى أن يقتله؛ لأنه لا اختلاف في قتل المحارب؛ لأنه حد من حدود الله. وقال ابن الماجشون: يقتله؛ لأنه ليس قضاؤه بأن لا يأخذ منه حقا عليه بإبطال له،ولأن الغيلة لا اختلاف فيها أنها لا يعفى، وإن أخذت فيه دية، ردت إلى من أخرجها.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شرحبيل إلى سحنون، في من أوصى لبني ابنه بمثل نصيب أبيهم لو كان حيا حبسا عليهم. من رفع ذكره، فكتب إليه: إن [8/96]
***(1/94)
[8/97] ذلك بين الذكر والأنثى نصفين إن حمله الثلث، أو أجازه الورثة في ضيق الثلث، وإلا نحمل الثلث بينهما نصفين- يريد حبسا، قال: ولو رفع ذلك إلى قاض لا يرى الحبس، فحكم لهما بالثلث بتلا، وأبطل الحبس، ثم رفع ذلك إلى من بعده، فلينظر؛ فإن كان ما حكم به الأول من أقاويل أهل العلم، لم يعرض له، فأحب لمن أوصى له أن لا يملك ما في يديه/ إلا بمعنى الحبس.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب: إذا قضى القاضي بقضية، ثم تبين له أنه أخطأ فيها، فلينقض فيها قضاءه. ورواه ابن القاسم عن مالك، وذكره يحيى ابن يحيى، عن ابن القاسم، قال أشهب: ويبتدئ النظر فيها، وإن كان قضاؤه فيها على شبهة باجتهاد من رأيه.
قال مالك وأصحابه: فإن ولي غيره، لم ينقضها، إلا ما لا اختلاف فيه، أو خطأ أو جور.
قال سحنون: إذا كان من اختلف فيه، فكان رأيه ذلك يومئذ، ثم رأى غير ذلك، فليقض بما رآه في المستقبل ويمضي الأول، وإن كان إنما قضى بأمر ليس من رأيه، وإنما وهل أو نسي، ورأيه على خلافه، فهذا يرجع فيه، وإن وافق اختلاف الناس، وهذا بخلاف ما قضى به غيره على أنه رأيه، وهو مما يقضي به القضاة، وليس هو رأيه هو، فإنه لا يعرض فيه، وقد قال عمر بن عبد العزيز: ما من طينة أيسر علي فتا من طينة طبعها على باطل، وكلام سحنون من أوله، وفي كتاب ابنه، وزاد: وإن عزل ثم رد، فإنه يغيره أيضا. يريد: إذا أخطأ مذهبه.
ومن كتاب ابن حبيب: وقال مطرف، وابن الماجشون مثل ما ذكرنا من قول ابن القاسم وأشهب؛ قال ابن حبيب: قالا: فإن عزل ذلك القاضي، ثم ولي، فأراد نقض قضاء قضى به في ولايته الأولى، لم يجز ذلك له إلا على ما يجوز له من نقض قضاء غيره، كالجور البين، وخطأ لم يختلف فيه، أو إختلاف شاذ. وقاله أصبغ. [8/97]
وقال ابن عبد الحكم/: قضاؤه وقضاء غيره سواء، لا يرجع عن ما اختلف فيه، ولا إلى ما هو أحسن منه حتى يكون الأول خطأ بينا.
قال ابن حبيب: ولا يأخذ بما انفرد به ابن عبد الحكم، وكذلك في العتبية من رواية يحيى بن يحيى وأصبغ عن ابن القاسم، من أول المسألة، وقال: توليته بعد عزله كقاضي غيره ولي.
ومن كتاب ابن المواز قال: ولا يتعرض قضاء قضى به من كان قبله، إلا قضاء فيه شرط، مثل تبقية على حجته لغيته، أو لبعد بيته، وإلا فلا ينظر فيه، إلا ما قضى هو فيه، فإن مالكا يرى أن لغيره إذا تبين له. وأخبرني أبو زيد، عن ابن وهب، قال: يرجع القاضي في قضاء نفسه في الأموال، ولا يرجع في قضائه في اثبات النكاح، ولا في فسخه.
قال ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون، وكان قد ولي قضاء بلده قبل ولاية سحنون ثم عزل، ثم ولاه سحنون، فكتب إليه: ما ترى فيما أوقع الناس عندي من البينات في الإمرة الأولى؟ وما كنت قد علقته يومئذ؟ فكتب عليه: طال الزمان جدا، وأخاف حوالة البينات مما لم تخف من هذا، وصح عندك ما كنت علقت ولم تسترب فيه أمرا، فأمضه.
قال ابن المواز: ولو أن قاضيا نقض حكم قاض قبله، ثم ولي ثالث، وعزل الثاني، فإن كان الأول مما اختلف فيه، فللثالث نقض حكم الثاني وينفذ الأول؛ لأن نقضه خطأ صراح، وإن كان مما لا يراه الثالث، فإن الثالث ينفذه، وإن كان الأول خطأ لا يختلف فيه، فليمض الثالث حكم الثاني إن حكم الثاني بما فيه اختلاف. / قال: ولو حجر القاضي على سفيه، فباع واشترى وأقر وأعتق ونكح، فذلك كله مردود لا يلزمه، فلو جاء قاض آخر فأنفذ عليه كل ما صنع؛ فإن مثل هذا ينقض حكمه إن ولي قاض آخر، وينفذ حجر الأول، ويرد ما صنع المحجور عليه. [8/98]
***(1/95)
[8/99] قال محمد: وخالفنا في هذا أبو حنيفة، واتبعنا عليه أصحابه، قال: ولو حكم قاض بشاهد ويمين في مال، ثم ولي بعده قاض، فسخ حكم الأول، ثم ولي ثالث، فلينقض حكم الثاني، ويرده إلى حكم الأول، وهذا عظيم أن يرد ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب.
قال ابن حبيب: قال مطرف، في القاضي يحكم لأحد الخصمين، ثم يشهد الآخر على فسخ الحكم الأول، ويكتب بذلك كتابا، ولا يذكر أنه رجع عن الحكم الأول إلى ما رآه أحسن، ولا فسر أمر فسخه له، قال: لا أرى هذا فسخا ينقض به الأول إذا كان صوابا غير مختلف فيه حتى يلخص في الفسخ ما يستوجب به فسخ الأول، ويرجع إلى ما هو أحسن منه، إلا أن يقول: تبين لي أن الشهود شهدوا بزور. فهذا يكفي من التلخيص. وقاله ابن نافع.
وقال ابن الماجشون: إشهاده على الفسخ فيه يكفيه إذا كان مأمورا، ولو لم يقل: إلا أني قد رجعت عن الحكم الأول، لكان رجوعا، ثم هما بعد ذلك جميعا على رأس أمرهما، ولكن لو كان مع الرجوع والفسخ الحكم وقد قضيت للآخر، لم يجز قضاؤه له هكذا، وكان باطلا، ومضى الفسخ، وكانا جميعا على رأس أمرهما، وإنما اختلف القضاء والفسخ؛ لأنه لا يقضي/ حتى يضرب للمقضي عليه الآجال والحجج، ويكشفه عن حجة يدفع بها، ولا يجوز أن يحكم وهو غائب عن هذا. وقال أصبغ مثله وبه أقول، وإنما الذي لا يكون الفسخ فيه شيئا حتى يلخص ما رد به القضية إذا كان فاسخه غير الذي حكم به، فهذا لا يكون إشهاده على فسخ حكم غيره فسخا، حتى يلخص ويبين ما رد به، ولم يختلفوا في هذا.
قال مطرف في قاض قضي في شيء واحد لرجلين؛ لكل رجل بقضية فيه، فقاما بذلك عند قاض غيره، قال: جائز، ذلك أولى به، إلا أن يكون جائزه هو الأول، وفي قضية الآخر ما يفسخها، فيرد قضية الأول، وإن لم يجزه واحد منهما، ولم يعلم أولهما، فأعد لهما بينة، فإن تكافأتا، وأرختا، فأولهما تأريخا، ألا أن يكون في الثانية ما ينسخ به الأولى، فإن أرخت واحدة دون الأخرى، فذات التاريخ أولى، [8/99]
***(1/96)
[8/100] فإن لم يؤرخا، وتكافأتا، وأشكل الأمر، فإن رأى قطع القضيتين، واستئناف الخصوم أفضل فعل، وذلك إن كانتا مما فيه اختلاف، وإن كانت واحدة خطأ، والأخرى ماضية. وقال ابن وهب مثله.
وروي عن مالك، وهو أيضا في العتبية من سماع ابن القاسم في قاض بالمدينة، أتي بأقضية مختلفة تقادم شأنها، واختلف أمرها، فقطعها، وأمر الخصمين بالاستئناف، فاعجب ذلك مالكا. وكذلك ينبغي إذا رفعت إليه أمور مشكلة مختلطة، ولم يجدوا لها/ مخرجا، أن يفسخ، ويأمرهم بالابتداء. وقاله ابن نافع، وقال أصبغ في مسألة مطرف: فإن كانت القضيتان من قاض واحد، وعرفت الأولى، فالآخرة أولى، ويعد فسخا إذا كانت الآخرة صوابا أو مما اختلف فيه، لا يبالي ما كانت الأولى، ولا من الجائز منهما، فإن كانت الآخرة خطأ، والأولى صوابا، نفذت الأولى، وفسخت الآخرة، وإن كانتا جميعا صوابا، ولم يكونا مؤرخين، فالحائز أولى، فإن لم يكن حائزا، فأعدلهما بينة، فإن تكافأتا تحالفا، فإن حالفا أو نكلا، كانا مبتدئين للخصومة، وإن نكل أحدهما كانت للحالف، وإن كانت واحدة مؤرخة، ولم تؤرخ الأخرى، وكلتاهما صواب، فذات التاريخ، أو كان حائزا أولا، تكافأت البيتان أو لم تتكافئا، إلا أن تكون ذات التاريخ خطأ بينا، والأخرى صوابا، فتكون أولى، وإن كانتا جميعا خطأ فسختا وابتدأ الخصوم، وإن كانت القضيتان لقاضيين، مضت الأولى إن كانت صوابا، أو مما اختلف فيه، مضت الآخرة، وفسخت الأولى، وإن كانتا جميعا صوابا، فالجواب فيها كالجواب إذا كانت من قاض واحد. وبه قال ابن حبيب. [8/100]
***(1/97)
[8/101] في القاضي يقضي بالشيء فلا يحوزه المقضي له حتى يموت القاضي أو أحد الخصمين وإقرار الخصم أنه قضى عليه
من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، وهو في المجموعة،/ في القاضي يقضي للرجل بالشيء، فلا يحوزه المقضي له حتى يموت القاضي أو يعزل، هل تأتنف الخصومة فيه؟ قال: يمضي قضاءه الأول ولا يغير، إلا أن يكون جورا بينا، وهذا ما لا اختلاف فيه. وقال عنه يحيى بن يحيى مثله، وقال: وسواء تأخرت حيازته لعذر له أو لغير عذر، ولو مات المقضي له قبل أن يحوز، فورثته بمنزلته، وكذلك لو مات المقضي عليه، فليس في موت أحدهما، ولا موت القاضي ولا عزله، قطع لحق المقضي له، إلا الترك الطويل الذي مثله يستحق بالتقادم. قلت: وكم طول ذلك؟ قال: قدر ما يخشى أن يكون من يعرف ذلك الحق قد هلك، أو نسي لطول زمانه.
قال: ولو قضى له بنصف قرية أو بجزء من أجزائها، إلا أنه مفرز، ثم يموت أو يعزل قبل الحيازة، وإنما قضى له بجزء مفرز كان ينسب إلى رجل فاشتراه منه، فلما طلب الحوز، لم يجد بينة تحوز له ذلك الجزء بعينه، وأهل تلك القرية ينكرون أن يكون له في تلك القرية حق، فتقوم له بينة أن ذلك الجزء كان لفلان حتى باعه من هذا، فيريد أن يقسام أهل القرية كلهم إذا لم يجد من يحد جزءه ذلك، وقد ثبت له بالقضاء أو بالشراء، فقال: نعم، له أن يقاسمهم، فيكون شريكا في جميع القرية بجزئه.
قلت: فأهل القرية بيد كل واحد حق له معروف، فإذا أمرهم بمقاسمته، وحقه السدس، يأخذ من كل واحد سدس/ ما في يديه، أم يخلط الأرض، فيقسم لهذا[8/101]
***(1/98)
[8/102] سدسه، فليأخذه، فيكون ما وقع له حظوظ رجال لهما، وبقي ما للآخرين؟ فلم يجب في هذا بشيء، ولم يفسر وجه ما يقسم له وقال: إنها في رواية يحيى بن يحيى، إذا تجاهل أهل القرية ذلك، وأخفوا حوزه، وانظر؛ فإن كان بعضهم ورثة الميت، والمقضي عليه، وذلك النصف من المنزل، وفي أيديهم بالميراث عنه نصف المنزل فأكثر، أعطي المقضي له نصف جميع المنزل مما في يدي ورثة المقضي عليه، وإن كانوا أجنبيين، قضي له بنصف ما بيد كل واحد منهم، ولا يجمع له النصف في إحدى ناحيتي المنزل؛ لو جمعنا له بالنصف لاستوعب ما في يدي بعضهم، ويعسر رجوع بعضهم على بعض، فأعدل ذلك أن يأخذ نصف ما بيد كل واحد حتى يرفعوه على نصفه بإقرار منهم، وإظهار لحوزه.
قال: وإن لم تقم له بينة أن نضف ذلك المنزل كان في يدي المقضي عليه، ولا معروفا له يوم حكم له عليه، فلا شيء له في المنزل؛ لأنه إنما قضي له حينئذ على رجل بحق لا يملكه، وليس بشريك لأهل المنزل فيه، ولو جاز مثل هذا عند القضاة، لم يشأ رجل أن يصنع لنفسه خصما، فيقضي له عليه إلا بما ليس في يديه من أموال الناس ورباعهم، إلا فعل، فلا أرى أن يلزم أهل القرية المقاسمة حتى يثبت أن ذلك الحق المقضي به في يدي الخصم يوم قضي عليه.
ومن العتبية، من سماع أشهب، عن مالك، في فريقين اختصموا/ فقضي على أحدهما، فخرجوا يقولون: قد قضي علينا بكذا، ثم احتيج إلى اثبات قضاء ذلك القاضي بذلك، فلم يجدوا من يشهد على علم ذلك إلا على إقرار المقضي عليهم بالقضاء، فيأبى الشهود أن يشهدوا، قال: هي أمانة، قال: بل يشهدون بالأمر على وجهه؛ يقولون: سمعناهم يذكرون ذلك، فلا ندري أكان ذلك أم لا؟ وإني لأراها ضعيفة، وربما قال الرجل: قضي علي ولم يقض عليه.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: إذا قضي للرجل على الرجل بربع، أو دار، أو غير ذلك، فلم يخرجه المقضي له من يد المقضي عليه [8/102]
***(1/99)
[8/103] حتى طال زمانه، وحازه عليه بعد أن قضي له به، قال: فلا نرى القضية هاهنا إلا بمنزلة الذكر حق المكتوب للرجل على الرجل يتقاضاه منه إذا أحب. قلت: فلا ينتفع بحوزه عليهم كما ينتفع الحائز على الرجل منزله الذي اشتراه أو ورثه؟ قال: لا يكون بمنزلته؛ لأن القضاء قد نطق بأن لا حجة له فيه ولا حق، فكان كمن أعار رجلا حقا، وكتب عليه بعاريته كتابا، فتقادم ذلك، فلا ينتفع هذا بحيازته؛ لأنه عرف أصل حيازته له، وإنما ينتفع بالحيازة من لا يعرف أصل مدخله فيه، فيدعيه ملكا، فيكون له، وأما ما عرف أصل دخوله فيه أنه على غير حق، فهو على مثله أبدا حتى يأتي بأمر يتحققه؛ من شراء، أو صدقة، أو هبة، و شبه ذلك، إلا أن يطول زمان ذلك جدا بالخمسين سنة ونحوها، والزمان/ الذي لا تبقى الحدود معه، أو يكون المقضي عليه قد أحدث فيه أو في بعضه بنيانا، أو غراسا، أو بيعا، أو صدقة، أو إصداقا، والمقضي له قائم لا يغير ولا يدعي شيئا، ثم قام بعد ذلك، فلا حق له فيما أحدث فيه مثل هذا، ويرى حقه ثابتا فيما سوى ذلك. قال: فإن مات المقضي عليه، فأورث ذلك لورثته، ثم قام المقضي له: قال مطرف: فلا يسأل ورثته عن شيء؛ لأنهم ليسوا الذي عليه، ألا أن يكون المقضي له غائبا حتى مات المقضي عليه. وقال ابن الماجشون: هم والميت في ذلك سواء، والمقضي له أولا حاضرا كان أو غائبا، إلا أن يطول زمانه بأيدي الورثة، والمقضي له حاضر، فلما قام عليهم، ادعوه ملكا لهم بوجه حق غير الوراثة، ويحتجون بحيازتهم إياه بمحضره، ولا يقرون أنه صار إليهم بميراث من المقضي عليه، فيكونوا أحق به بالحيازة؛ لأنهم غير الذي قضي عليه، إلا أن يقروا أنه إنما صار إليهم عن المقضي عليه، أو تقوم عليهم بذلك بينة، فيكون على أصل القضية أبدا، ما لم يحدثوا في ذلك أو اقتساما بمحضر المقضي له، أو بيعا، أو صدقة، أو إصداقا، ثم قام بعد ذلك، فلا حق له فيما أحدث فيه هذا الأشياء، ويرى حقه ثابتا فيما سوى ذلك من الشيء المقضي به. وقال أصبغ مثل قولهما فيه كله. ومثل [8/103]
***(1/100)
[8/104] قول ابن الماجشون في آخره. وبه أقول، وقد يكرر بعض هذا الباب في كتاب الأقضية.
في القاضي يقر أنه حكم بجور أو أخطأ في حكمه/ أو حكم بمن لا تجوز شهادته
من المجموعة قال ابن القاسم: قال مالك: ما تعمده الإمام من جور في قطع جارحة ونحوه، أقيد منه فيه.
قال ابن القاسم: وإن أمر بقتل رجل ظلما قبل الآمر والمأمور. قال أشهب: وما لم يتعمد وكان على الخطأ، فعلى عاقلته.
قال ابن الماجشون: إن أقر وهو عامل بعد: أنه حكم بجور، فله أن يرجع فيما لم يفت، وأما ما فات، فلا شيء عليه، ألا أن يقر بما فيه دية، فيكون ملتزما نفسه حق امرء، فيعطيه إياه، وإن رجع بعد عزله، فهو مقر بما إن كان عمد شيئا، لزمه. وقال سحنون: ما أقر من تعمد الجور فيه، أو قامت بينة به وفيه القصاص، فليقتص منه. وكذلك حكى عنه ابنه، قالا عنه: وما أقر به من الخطأ ففي ماله، ولا تحمل العاقلة إقرارا، وقد قيل: لا شيء عليه. قال عنه ابن عبدوس: وأما الجلد، فليس فيه شيء، إلا أن يقر بالعمد، فيؤدب.
قال ابو محمد: ولو أخطأ في جلد رجل في قذف أو زنى، فلا شيء عليه. قال عنه: وإن قضى بجور في مال، فاستهلكه من قضي له وقد أعدم، فذلك على القاضي في ماله، وإن كان غلط، لم يلزمه شيء.
قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا أقر عند الإمام بجور في حكم، فالحكم ماض، ويغرم للمحكوم عليه ما استهلك، كاقرار الشاهد بعد الحكم بالزور، [8/104]
***(1/101)
[8/105] ويعاقب القاضي فيما أقر به من جور، وأثبت ببينة، ويعزل ويشهر، ولا يولى القضاء أبدا، ولا تقبل شهادته، وإن أحدث توبة كشاهد الزور، /وهو أقبح منه، وأما شاهد الزور يقر بذلك على التوبة؛ فإن كان قبل الحكم، لم يعاقب، وإن كان بعده، عوقب، وإن ثبتت بالبينة قبل الحكم أو بعده، عوقب وافضح، وليكتب الإمام هذا في كتاب فيه وفيه القاضي الجائر، وليشهد عليه لئلا يندرس، فيقبل شهادته.
قال أصبغ: فإن تابا من ذلك، ليسترا أو ليغرما ما استهلك للمحكوم عليه بينهما وبينه، ويتقربا بخير ما قدرا، فإن لم يقبل منهما ذلك حتى يستهلا به، فلا توبة لهما، إلا أن يبرئا منه إليه وإن استهلا به.
وإذا أخطأ في أدب رجل، فجار فيه، أو ضرب من لا ضرب عليه، ولم يتعمد بذلك ظلما، فحسن أن يقيد من نفسه ائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء؛ فقد أقادوا من أنفسهم، وليس هذا له بلازم ما لم يتعمد ظلما أو تعديا بينا وإحنة وضغنا، واستشفاء بغضب استفرطه، فليقد منه؛ كان قتلا أو ضربا، أو قطعا منه ومن المأمور، إذا لم يخف على المأمور ظلمه في ذلك.
قال ابن سحنون، عن أبيه: إذا أخطأ وقتل في قصاص، أو رجم في زنى، فهو على عاقلته. قاله ابن القاسم، وكذلك في قطع اليد فيما لا يقطع فيه، فدية ذلك على العاقلة، وكذلك خطؤه في قصاص الجراح، أو في حكم بمال بإجازة شاهد، عبد، أو ذمي، فليأمره برد ذلك على المقضي عليه، إلا أن يبقى لأحد منهم شاهد عدل، فيحلف معه ويتم له ما أخذ من قصاص أو مال، فإن نكل، حلف المقضي عليه، وأخذ ماله ودية جراحه. [8/105]
***(1/102)
[8/106] ومن المجموعة: قال ابن كنانة/: وإن قضى لرجل بزوجة، ثم تبين له أنها ليست بزوجة له، بأمر بين وشهادة قاطعة، فليفرق بينهما، ولهما مهرها بما أصاب منها.
قال ابن القاسم: ما أخطأ به من حدود الله، حملت عاقلته الثلث فصاعدا، وما كان دون ذلك ففي ماله. وقاله ابن الماجشون. وقال أشهب: وما لزم عاقلته من ذلك ودى معهم كرجل منهم، وأما ما أخطأ به من إجازة شاهد من لا تجوز شهادته، فهو هدر.
قال ابن القاسم: إن بقي له شاهد عدل، حلف معه المحكوم له، وترك، وإن نكل، حلف الآخر ورد إليه المال. وكذلك قال أشهب، وعبد الملك: إن وجد أحدهم عبدا، وعلى غير الإسلام، قال ابن القاسم: وإن كان قد قطع يدا، ثم ظهر أن أحد الشاهدين عبد، أو من لا تجوز شهادته، فلا شيء على المقتص له، وهذا من خطأ الإمام. وقال ابن الماجشون: إن كان أحدهما عبدا، أو كافرا، أو مولى عليه، فالعقل على الإمام دون من تجوز شهادته، وقال سحنون: عقل اليد على المحكوم له، إلا أن يحلف مع الآخر.
قال ابن القاسم: وإذا رجم الإمام، ثم ظهر أن أحد الشهود عبد، فإن علم الباقون: فالدية عليهم، وإن لم يعلموا، فهوعلى عاقلة الإمام، ولا شيء على العبد في الوجهين، وقال ابن الماجشون: وإن علم الشهود، فهو من خطإ الإمام، لا شيء عليهم حتى يقروا أنهم شهدوا بزور. قال: ويحدون أجمعون، ولو وجد المرجوم مجبوبا، فلا أدب على الشهود إلا أن يقروا بتعمد الزور، فعليهم ما على من رجع عن/ شهادته، بالشك؛ الحد دون الغرم، وقال ابن القاسم: لا يحدوا، وعليهم العقل في أموالهم مع وجيع الأدب والسجن الطويل. وقال أشهب: وإن قالوا: إنما رأيناه يزني قبل جبابه. فذلك ماض، ولا شيء عليهم من حد أو غيره، وإن قالوا: بعد جبابه. فلا حد عليهم، إذ ليس معه آلة الزنى. [8/106]
***(1/103)
[8/107] في القاضي يقول حكمت لفلان أو شهد عندي شهود بكذا هل يقبل؟ وكيف إن قامت بينة بذلك وهو لا يعرف؟ وتسجيله للقضية وإنفاذه لها وفيما يجده في ديوانه أو ديوان من عزل قبله من إقرار أو شهادة وإيداع مال وفي نظره مال ميت ورثته في بلد آخر
من المجموعة: قال ابن وهب، عن مالك، في الرجل يأتي بكتابه إلى القاضي، وعليه طابعه، وفيه شهود قد ماتوا، وعلامة القاضي على أسمائهم، فلا ينفع طابعه، ولا علامته، وإن عرف خاتمة أو خاتم من كان قبله حتى تشهد بذلك بينة.
قال ابن القاسم، وابن وهب: ولا تجوز شهادته على قضاء كان قضى به، ولا يقبل قول القاضي قبله أن قال: كنت قضيت على فلان بكذا. فلا يجوز في ذلك شهادة رجل واحد مع ذلك القاضي، حتى يشهد رجلان سواه، وإن شهد رجلان أنه قضى بكذا، وأنكر ذلك القاضي، فذلك نافذ.
وفي باب سيرة القاضي في الشهود، ذكر الكتاب في شهادة بينة أو غير ذلك. يكون عند الخصم، وعلامة/ القاضي وطابعه.
قال ابن القاسم: ولا يجوز القاضي ما في ديوان المعزول من شهادة البينات حتى تقوم لذلك بينة، ولا يقبل قوله، وإن طلب المشهود له يمين المشهود عليه أن هذه الشهادة التي في ديوانه لم يشهد بها عليه الشهود، فذلك له، فإن نكل، حلف الطالب، وثبت له أن شهوده شهدوا بذلك، ثم ينظر القاضي في ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وما وجد في ديوان المعزول أو الميت من شهادة، أو فصل، أو إقرار، أو قضاء، فهو باطل، إلا أن تقوم بينة أن ذلك القاضي قضى به في قضاء، فإن طلب الذي وجد له هذا يمين صاحبه: أن هذا لم يثبت عندك كما هو في ديوان المعزول، أو الميت، فذلك له، وإن حلف سقط عنه [8/107]
***(1/104)
[8/108] ذلك وإن نكل، حلف المدعي، ويثبت ذلك له، كما هو في دويان القاضي، وإذا قال المعزول: كنت قضيت لفلان على فلان بقصاص، أو مال، أو طلاق، أو عتاق، أو غيره. ولم يكن بعد ذلك، ولا أشهد عليه في قضائه، فإنه لا يصدق في ذلك، وإن شهد معه رجل، حتى يشهد إثنان سواه؛ لأنه يشهد على فعل نفسه، وكذلك قسام القاضي على قسمهم.
قال ابن القاسم في المجوعة، في القاضي يقول لرجل: قضيت عليك بكذا بشهادة عدول: فأنكره الرجل، وقال: ما شهدوا علي. وسئل الشهود، فأنكروا فقال القاضي: قد نزعوا. قال: يرفع ذلك إلى سلطان غيره، فإن كان القاضي ممن يعرف بالعدل، لم ينكر قضاؤه أنكر الشهود/ أو ماتوا، وإن لم يعرف بالعدل، لم ينفذ ذلك، وابتدأ السلطان النظر في ذلك. وقاله سحنون. وقال سحنون: لا يرجع على الشهود بشيء.
ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: ولو أن قاضيا أشهد على كتب في يديه، أنه قد قامت بها عنده بينة زكية، ثم مات القاضي، والكتب في يديه، فإن هذا لا ينفذه من بعده، لأن البينة لم تشهد أن الأول أنفذ القضاء بها، وهو ما لم ينفذه القضاة وقد يحدث له أمر.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: إذا قضى بقضية ذكر فيها بعد الاستنفاذ لحجج الخصم وضرب الآجال له، فينكر المقضي عليه أن يكون خاصم إليه، أو سمع له حجة، قال: القضاء نافذ، وقول القاضي فيما وضع في القضية، وما أشهد به مقبول فيما قل أو كثر، وإنما لا يلزمه بقول القاضي أن يشهد على إشهاده أنه أودع فلانا مال يتيم، وشبه ذلك، فلا يلزم المودع إلا بإقراره عند إشهاده القاضي به، فأما ما كان على وجه الحكومة والخصومة، فقول القاضي مقبول إن كان مال صونا. [8/108]
***(1/105)
[8/109] ومن المجموعة: قال أشهب: إذا أبرأ القاضي رجلا من شيء، وأشهد به على آخر، لزمه ذلك، وبرئ به الآخر.
قال سحنون فيه وفي كتاب ابنه: إذا أمر بقتل، أو قطع، أو فقئ عين قصاصا لآخر حاضر يدعي ذلك، فالقاضي مصدق، ولو أخذ مالا من رجل، فدفعه إلى آخر، أو فرق بين زوجين، أو أعتق عبد رجل، أو أمر بحد يقام على رجل، وقضى بذلك، فذلك كله نافذ؛ إذا كان أهلا للقضاء، وإن كان في جميع ما حكم به/ من ذلك أنه أقر عندي، أو رأيته، فقضيت بذلك عليه، والمقضي عليه يجحد، لم يلزم المقضي عليه، وكان شاهدا.
قال ابن المواز: يجب على القاضي أن يشهد للمقضي له أنه قد قضى له، فيلزم ذلك المقضي عليه، وذلك بعد استنفاذ حجته.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون ينبغي إذا يجل بحكمه سجلا، أن يسمى فيه الشهود، ولا يضره إن ترك تسميتهم إن كان مأمونا، وتسميتهم أحب إلينا، ولابد من تسمية من قضى له، ومن قضى عليه فإن كان معروفين اجتزأ بالتسمية، وإن كان مجهولين، زاد التحلية والصفة، وذكر أسماءهما ومتجرهما ومسكنهما.
ومن المجموعة: ويكتب في حكمه: وسألت فلانا البينة على ما يدعي، فأتاني بها، فقبلت عليهم، وأجزت شهادتهم، وهم فلان وفلان. وإن لم يسمهم، لم يضر المقضي له.
وقال ابن حبيب: قال أصبغ: يسمى الشهود، وينسبهم، فإن سجله ولم يسمهم، فأحب إلي أن يبيده حتى يسميهم فيه، وإن لم يفعل حتى مات أو عزل، فذلك نافذ، إلا أن يكون حكما على غائبا، فقال حين قدم، وأخبر [8/109]
***(1/106)
[8/110] بالقضية عليه: لو علمت البينة جرحتهم. فإذا قال هذا، فليرد عنه القضية، ويؤمر بابتداء الخصوم، وإعادة البينة. وأما الحاضر للحكم عليه، فإذا عرف من يشهد عليه، فلا حجة له بترك تسميتهم في الحكم.
ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون: وإذا كتب: إني قضيت لفلان على فلان بكذا فقط. قبل منه /، ويدل على أنه لم يترك من الاستقصاء شيئا إلا أتى عليه. وقاله أشهب، إذا كان ممن لا يتهم، قال سحنون: ولأنه إذا سجل قضيته، لم ينظر فيها من بعده، ويحمل على أنه قد استقضي، ولو أنه قضى وفسر كيف، فربما كان في تفسيره ما يبين خطأه، أو ما يرى من بعده رده، ولو عزل، فأتبعه المقضي عليه بما قال قضيت له عليه، وسجله، فالقول قوله، ولا يتكلف البينة إذا كتب في قضائه: إني قضيت على فلان، ولم أقطع له إلا وهو حاضر قد دفع عن نفسه بما قدر عليه، فقد أخطأ، وليسأله عن حجته ومنافعه، ويضرب له أجلا بعد اجل حتى يستقضي له، ثم يقضي عليه بتلك البينة، ولم ينفذها ثانية.
قال سحنون: ولا ينبغي له أن يجعل رجلا يختصم الناس عنده، ويقع عنده البينة، ثم إذا صحت رفعها إلى القاضي فيحكم بذلك، ولا يفعل هذا، ولا يحكم إلا بمن يشهد عنده، أو يشهد عنده على شهادتهم. قال أشهب: ولا ينبغي أن يجيز بين الناس شهادة وجدها في ديوانه لا يعرفها إلا بطوابعها، ولكن إن كانت بخطه، أو بخط كاتبه، وكاتبه عنده مأمون، ولم يستنكر منها شيئا، فلينفذها. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون بنفاذها إذا وجدها في ديوان وخاتمه عليها، أو خطه ، وإلا أضر ذلك بالناس، ونحو ذلك في كتاب ابنه. [8/110]
***(1/107)
[8/111] قال في كتاب ابن المواز: وما وجد في قمطره من شهادة، أو قضية، ولا يذكره؛ فإن كا بخطه، أو خط كاتبه، وعرف خاتمه/، وعرف الرجل نفسه وصنعته، لا يشك في ذلك، وهي من قبله، ليس من قاض غيره، فلينفذها. قال محمد: وكتاب، لا يعرفه متى كان، ولا كاتبه، ولا متى كتبه، فليحتط فيه ما لم يطل أمره بما يتشابه بمثله، إلا أن يثق بسلته وطابعه حتى يأمن أن يدس بدله فيها، فيجزه، وما كان شأن قاض يخبره، فلا يجوزه إلا ببينة عدل.
قال سحنون في المجموعة، وفي كتاب ابنه: وإذا قال: أودعت فلانا مال يتيم، فجحد فلان. فهو ضامن، كالوصي يدفع مال اليتيم إلى من تيجر به بغير بعد العزل أنه أودعه، ولا يقبل قوله على فعل نفسه، ولا يقبل قوله فيما باع، ولا يلزم البيع من زعم أنه باعه.
قال: وإن وصلت السلعة إلى المشتري، وجحد ذلك المشتري، ولا بينة عليه، فقد ضيع، ولا آمر أن يضمن ذلك القاضي.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإذا وجد في ديوانه بعد موته أو عزله، أن عند فلان بن فلان من الأموال التي عندنا، أو قال: من مال فلان اليتيم كذا، وأنكر الأمين، فإنه يحلف، ويبرأ، ويضمنه القاضي، حيا كان أو ميتا، وإذا بعث قاض إلى قاض بمال، فعلى الرسول أن يشهد بإيصاله، وإلا ضمن إن جحد القاضي المبعوث إليه قبضها، أو مات أو عزل، فلم يعرف للمال موقع، إلا أن يوجد في ديوانه الميت ذكرها: أنا قد قبضنا من/ فلان مما يغيب به فلان القاضي كذا وكذا من تركة فلان. فيبرأ الرسول، وإن لم يوجد المال، ولا عرف موقعه، فلان يضمنه القاضي، ميتا كان أو حيا، إذا قال: إن كان حيا قد ضاع: أو تجاهل موضعه. [8/111]
***(1/108)
[8/112] قال أصبغ: قال: وإذا رفع إليه أن رجلا غريبا مات ببلده، وترك مالا، وله ورثة ببلد ذكره، فلينظر؛ فإن كان بلدا بعيدا جدا، بعث بذلك المال مع ثقة إلى قاضي ذلك البلد، وكتب إليه بقبضه، وإن لم يكن نائيا جدا، حبسه عنده، وكتب إليه: أن فلانا – بنسبه ونعته ومات وترك كذا، وذكر أن ورثته ببلدك، فيعلمهم حينئذ المكتوب إليه ، وإن جهلهم، سأل عنهم، ثم يكلفهم البينة على أنهم ورثته، فإذا ثبت ذلك، كتب بذلك القاضي إلى القاضي الذي المال عنده، وبعثوا من يقبضه، قال: وإن جهل، فبعث بالمال إليه، فضاع، لم يضمنه الباعث، بخلاف الوصي يبعث بالمال إلى أهله، فيضيع.
قال ابن حبيب: أخبرني أصبغ، عن ابن وهب، عن مالك، في القاضي يقضي بقضاء، ثم ينكره، فيشهد به عليه شاهدان، فلينفذ ذلك، وإن أنكره الذي قضى به، معزولا كان أو لم يعزل.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا باع القاضي، أو اشترى، فلا يصدق على خصمه، وليس هذا على وجه الحكم، وهو على وجه التجار، فهو خصم، ويكلف البينة، ويحلف فيما يدعي عليه.
في كتب القضاة إلى القضاة فيما يستحق/ قبل كتاب القاضي وحكم به، وهذا قياس قول أصحابنا
قال ابن المواز: وإذا كتب قاض إلى قاض في رجل اعترف عبد له أنه ابن منه، أو سرق وهو بيد رجل ببلدك، أو في حبسك، وأنه أقام طالبه عند شاهدين بصفته واسمه، فذلك محكوم به، وبعد أن يحلف المستحق: ما باعه، ولا وهبه، ولا تصدق به، ولا خرج من ملكه إلى اليوم. وكذلك قال ابن القاسم، وأشهب، في المجموعة. [8/112]
***(1/109)
[8/113] قال أشهب: وإذا جاء رجل بكتاب قاض إلى قاض ببينة زكية شهدت عنده: أن فلانا صاحب كتابي هذا إليك، أبق منه عبد، فحلاه ووصفه في الكتاب، وعند المكتوب إليه عبد محبوس بهذه الصفة، فليقبل القاضي شهادة الشهود الذين فيه على هذه الصفة، ويدفع إليه العبد، وأرى للقاضي الأول أن يقبل منه البينة على الصفة، ويكتب بذلك إلى قاض آخر؛ لأن هذا لا يوجد فيه من العلم إلا هذا، كما يأخذ الرجل كتابا من قاض إلى القاضي في غريمه باسمه وحليته، فيوجد ذلك الرجل على ذلك الاسم والنسب وعشيرته، وما حلي به، فيقضي عليه.
قال ابن حبيب: قال أصبغ، في القاضي يثبت عند الرجل حقا على رجل غائب، أو على صفة عبد له أبق، ولا يدري أفي الإباق هو، فيسأله الكتاب إلى أي قاض احتاج رفع ذلك إليه، فإن عليه أن يكتب له بذلك: هذا كتاب من القاضي فلان بن فلان إلى من ورد إليه كتابي هذا من/ الحكام. فيذكر فيه ما ثبت عنده للرجل، ويجب على من دفع إليه الكتاب من الحكام، فأثبت عنده بشاهدين، أن ينظر فيه، وينفذ ما فيه إذا ثبت عنده أنه كتاب ذلك القاضي.
ومن العتبية قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، في الرجل يابق له عبد، فيقع ببلد على ثلاثة أيام، فيقيم سيده بينةعند قاضي بلده، أنهم يعرفون له عبدا؛ اسمه فلان، من صفته كذا، وجنسه كذا، وحليته كذا، يعرفونه في حيازته حتى ذكر إباقه، قال: يحلف مع ذلك: أنه ما خرج من يديه بوجه من وجوه الملك، ثم يكتب له إلى قاضي ذلك البلد الذي قال: إنه بها وشهد له على الكتاب، وأنه أنفذ له الحكم فيه، فإذا أتى الكتاب إلى قاضي البلد الآخر، نظر؛ فإن لم يكن بذلك البلد من هو بتلك الصفة والجنس والحلية غيره، أمكنه منه، ودفعه إليه، وإن كان العبد عند رجل يدعيه، وآخر يدعي الحرية، فلينظر له القاضي المكتوب إليه الذي هو في بلده في حجته، ويسمع من بينته، ولا يلجئه إلى [8/113]
***(1/110)
[8/114] غيره، ولا يشخصه معه إن كانت له بينة حاضرة، وإن صحت له بينة بحريته، أعتقه، وأبطل كتاب المستحق، وإن لم يثبت له ذلك، دفعه إليه إن لم يكن في البلد بتلك الحال والصفة التي كتب بها أحد غيره، فإن كان بها غيره، بتلك الصفة، لم يستحق شيئا حتى يقيم بينة على عينه، وكذلك فيما يكتب به من حكم يحق على / رجل يحلي، ويوصف، ويسمى وينسب ، فلا يكون بذلك البلد من يوافق ذلك. قال أشهب: وأرى في العبد أن يكون للمستحق، إلا أن يكون في ذلك البلد عبد يسمى باسمه، وصفته بمثل صفته، فلا يكون ذلك له، ويدعي العبد أن من استحقه قد أعتقه، ويقيم على ذلك بينة، فعتق.
قال ابن سحنون، عن أبيه: وإن ادعى رجل وامرأة ابنا وهو معروف النسب، وهو ببلد آخر عند فلان سرقه فأما ما فيه بينة فذلك لهما، ويأخذا بذلك كتابا إلى قاضي ذلك البلد، مثل القول في العبد إذا شهد الشهود على الحلية والاسم والصفة، فيقبل الكتاب في ذلك، قال: ويكتب القاضي في الأحرار الصغار للأب والأم، والجد والجدة، والأخ والأخت، وكل ذي رحم أو أجنبي احتسب في ذلك، وهذا يقبل ممن احتسب في ذلك الحر، حاضرا أو غائبا، وقال بعض الناس: لا يكتب في الأحرار إلا للأب أو الأم، أو الزوج يدعي المرأة، وكذلك يكتب للولد في الوالدين. قال سحنون: وهذا خطأ.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: إذا كتب قاض إلى قاضي بشهادة بينة عدلوا عنده على فلان بحد، أو حق، أو قصاص، أو غيره، فليقبل المكتوب إليه تلك البينة، وينفذ عليه تلك الأشياء؛ من حد أو غيره. قال ابن القاسم: وقاله مالك، ولم يفسر لنا حدا، ولا قصاصا وكله عندنا سواء. [8/114]
***(1/111)
[8/115] قال ابن القاسم: قال مالك في الأمتعة/ التي تسرق بمكة، فاعترفها رجل ووصفها، فإن الإمام يستأني بها، فإن جاء طالبها، وإلا دفعها إليه.
قال ابن القاسم في المدونة: إنه يزكي الشاهد عند القاضي وهو غائب.
قال سحنون، في الرجل يعدل أو يجرح، وهو غائب: لا يكون هذا إلا في الرجل المشهور، وأما غير المشهور، فلا أدري كيف ذلك. قال أبو محمد: يعني سحنون –والله أعلم- في الغائب عن مجلس القاضي، وهو بالبلد، أو بموضع، قريب من البلد، فأما إذا كان بعيد الغيبة، فلا بأس أن يزكي وهو غائب، كما يقضي عليه وهو غائب، كما قال سحنون في أول الباب: أنه لا يعلم خلافا أنه يسمع البينة على الغائب، ويقضي عليه إذا شهد ووصف. وقال ابن سحنون: غيبته، وإن لم يكن مشهورا لم يقبل التزكية إلا بمحضره، ويكتب في أسفل شهادته، فهذا يدل على أن معنى قول سحنون، إذا كان غائبا عن مجلسه في البلد، وأما البعيد الغيبة، فهو كما يحكم عليه، وذلك ضرورة تؤدي إلى قبول ذلك في غيبته البعيدة في الحكم عليه، والتزكية له كما قال أصحابنا، لا يسمع البينة إلا بمحضر المشهود عليه الرجل المشهور، وإنما يعنون: لا تسمع البينة على الغائب، يعنون: الغائب عن مجلس القاضي، وهو في البيت، وأما الغائب الذي في إحضاره ضرر، فلم يختلفوا أنه يسمع عليه البينة/، ويقضي عليه فكما يسمع عليه في هذه الغيبة، كذلك تزكي في هذه الغيبة.
قال سحنون في المجموعة: وكذلك الرجل يكتب فيه الحكم إلى حاكم آخر: أنه قد استحق قبله حق، أو استحق العبد وهو غائب، فيكتب بصفته ونعته، فأجازه ابن القاسم، وأباه غيره –يعني ابن كنانة- وإذا جاء كتاب قاض إلى قاض، بأن لفلان على فلان كذا، لم يجز ذلك، وإن نسبه إلى أبيه وقبيله، إلا المشهور المعروف أشهر من القبيلة، فيقبل ذلك إذا نسبه إلى تلك الشهرة.[8/115]
***(1/112)
[8/116] وقال أشهب: وذلك مثله، ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، إذا نكر اسمه، ونسبه مع ذلك إلى عمل يعرف به مع ذكر سكنه: قال ابن حبيب: ومتجره ثم لم يكن في ذلك الموضع من يسمى بذلك، وينسب إلى ذلك النسب وذلك النعت، قال في كتاب ابن حبيب: ويسكن بذلك المسكن، ويتجر بذلك المتجر، إلا هو، فإنه يحكم عليه لصاحب الحق بما في كتابه.
قال مطرف، وابن الماجشون: وإذا كان في ذلك الموضع رجل يوافقه في ذلك كله؛ من اسم، ونسب، ومتجر، وغيره، فلا يحكم له حتى تأتي بينة تعرف المحكوم عليه بعينه، وإن كان بالبلد رجلان بهذا النعت، وقد مات أحدهما، لم يحكم على الحي حتى يعينه البينة، إلا أن يطول زمن الميت، ويعلم أنه ليس الذي أريد بالشهادة عليه، فحينئذ يلزم ذلك الحي، وإن كانا حيين، وقد قصرت الصفة على أحدهما، بأقلهما أو أكثرهما، فيقضي على ما اجتمعت فيه، / ولو لم يختلفا إلا في المسكن فقط، إلا أن يعلم أنه يوم كتب هذا الكتاب، كان مسكنهما واحدا، فلا يلزم واحدا منهما، فإن سأل الطالب القاضي أن يأخذ حميلا على الذي يدعي أنه صاحبه منهما حتى يأتي بأمر بين من ذلك، فإن كان ممن تخاف غيبته، وليس من أهل الوفاء والملأ، فحسن أن يأخذ عليه حميلا، وإن كان ممن تؤمن غيبته، أو ممن إن غاب، فهو ظاهر الملأ، والدعوى في مال، فلا حميل عليه. وقاله أصبغ.
قال ابن سحنون، عن أبيه، وهو في المجموعة: إذا جاء بكتاب قاض إلى قاض، أن لفلان على فلان كذا، لم يجز ذلك حتى ينسب إلى أبيه وفخده، أو إلى تجارة يعرف بها مشهورة، مع تحليته ومسكنه، فإن كان في البلد اثنان من تلك الصفة، فهو باطل حتى يعرف من هو؟ أو يميز بشيء معروف، وإن كان فيها رجل قد مات بهذه الصفة وجه القضاء عليه، مات قبل تاريخ كتاب القاضي أو بعده، إلا أنه يحضر الورثة، ويقرأ عليهم الكتاب، ويمكنهم من حجته إن كانت [8/116]
***(1/113)
[8/117] لهم، فإن كانوا صغارا نفذ الحكم وأمكنهم من حجتهم إذا كبروا، إلا أن يتقادم موته بما لا يمكن أن يكون الطالب أدركه، ولا بينة إلا أن يكونفي كتاب القاضي ما يبين انه عليه، فينفذ. وقال: فإن كان في الفخذ اثنان من تلك الصفة والنعت، فهو باطل حتى يعرف من هو منهما؟ أو ينسب أحدهما إلى شيء يعرف به. وقاله ابن كنانة. وقال أشهب نحو ما تقدم عن مطرف، وابن الماجشون، ولم يذكر ما ذكر من الحميل.
قال سحنون: وإن جاء بكتاب قاضي إلى قاض بشهادة على دار في بني فلان، أو سوق فلان معروف هناك، أو بموضع معروف، وليس فيها حدود، لم أجز ذلك، إلا أن يكون في موضعها ذلك عدول يحدونها، فاجيز ذلك، وكذلك لو حدت بحدين أو ثلاثة، ولم ينسبوها إلى اسم معروف مشهور، أجزت ذلك، ولو جاء بكتاب أن لفلان على فلان عبدي، كذا وكذا، أجزت ذلك، وكذلك إن نسب العبد إلى صنعة أو تجارة، أجزته أيضا.
قال ابن سحنون: قال أشهب: إذا شهد على غائب بالاسم والنسب والعشيرة، فأصيب على كل ما ذكر إلا خصلة واحدة، لم تكن فيه، لم أقض عليه. وعاب أشهب قول ابن كنانة المتقدم، قال: وإذا كان عبد مكتوت فيه في سجن القاضي على هذه الصفة، فليقض له به على ما ذكرنا.
قال ابن سحنون: قرأت عليه قال ابن القاسم، في من اثبت حقا له على رجل بأفريقية، وأخذ من القاضي كتابا إلى قاضيها، فلقي غريمه بأطرابلس، أينظر القاضي في ذلك؟ ولهدية به قال: لا، إلا بأمر يؤتنف.
قال سحنون: تأويله: إذا لم يعرف المكتوب إليه، فإذا جهله لم ينفذ ذلك إلا قاضي بلده، ولعل بلده غير باسمه، فلعله غيره، فإن قامت للمكتوب له البينة أنه هو المكتوب فيه بعينه واسمه ونسبه، والمثبت عليه ما ثبت عند الذي كتب [8/117]
***(1/114)
[8/118] حين كتب، فليقض له هذا بذلك/ الكتاب، كذا يقضي له غير المكتوب إليه إن عزل أو مات.
قال ابن عبد الحكم: إذا كان في بلد القاضي المكتوب إليه اسماء متفقة على ذلك الاسم والصفة، لم يقض على أحد فيهم، إلا أن يقرأ، ويأتي المحكوم له بما يفرق به بينهم من الصفات. وقد استحسن بعض الناس، - وأنا أستحسنه- في من قال: لفلان عندي دينار، أو لفلان ثلاثة، ولفلان ثوب، أنه ينظر إلى هذه الاسماء في معامليه وأصحابه وجلسائه، فيعطوا ذلك، وكما لو قال: أعطوا زيدا دينارا، وقصيا دينارا، ونافعا كذا. وله مال وعدد بهذه الاسماء، أنهم يعطوا ذلك؛ لأن الثابت أنه أرادهم كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل للناس. قد عرف أنه أراد: الصديق، رضي الله عنه.
باب جامع في كتب القضاة إلى القضاة بالأمور والشهادات والأحكام وغير ذلك وفي الشيء فيه الخصومة يكون ببلد آخر
من المجموعة: قال ابن القاسم: يجوز كتب القضاة إلى القضاة، في كل حد هو لله، وفي القصاص، والعتاق، والطلاق، كما تجوز فيه الشهادة على الشهادة.
قال أشهب: يجوز في ذلك كله، وإن لم يشهد على الكتاب إلا شاهدين، وإن كان في الكتاب زني قد شهد عليه أربعة عند القاضي، كما أنه لو حضر لجلد الزاني أربعة لكانوا يخرجوا قا/ ذفيه بما علموا من الحد، وإن لم يشهدوا على شهادة الأربعة المعاينين للزنى، وإنما نقلوا عن القاضي حده، فكذلك يحي حكمه في ذلك بما يحيى به كتب القضاة. [8/118]
***(1/115)
[8/119] قال في كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وأنا لا أرى أن يثبت ذلك إلا بأربعة.
قال: ويجوز كتب القضاة إلى القضاة في كل خصومة من حقوق الناس؛ من بيع، أو شراء، أو وكالة، أو إجارة، أو نكاح، أو كتابة، أو دعوة، أو في الوكالة بكل ما جازت فيه الوكالة؛ من حق، ومال، وعتق، ونكاح، وطلاق، مثل الزوج يجحد النكاح، فتوكل المرأة من يخاصمه، ويأخذ كتابا من القاضي بالبينة على النكاح وتوكا له وكيلها ويخاصمه الوكيل، وكذلك لو جحدت، ووكل الزوج عليها، وكذلك المرأة تقوم بنفقتها في وديعة لزوجها غائبة عند رجل، وتأخذ بذلك كتابا إلى قاض، وإذا دفعت النفقة إلى وكيلها، لم يؤخذ منه بها كفيل، وكذلك إن تطلب مهرا ونفقته، أو تدعي طلاقا، ويوكل بذلك، أو في خلع، أو العبد يدعي العتق، أو الكتابة، فيوكل بذلك من يخاصم له، ويأخذ كتابا من قاض إلى قاض، وكذلك في دعوى دم الخطإ أو العمد، فيوكل بذلك، ويأخذ بذلك كتاب من قاض إلى قاض، وكذلك في القيام بعيب، وإذا وكل رجل رجلا بخصومة في دار، أو ربع، أو غيره، عند قاضي بلد، وأراد أن يأخذ كتابا من قاضي بلده/ إلى قاضي البلد الذي أراد أن يخاصم عنده، فإن كان القاضي يعرف الموكل، وكان مشهورا، اجتزأ بذلك، وإلا كلفه البينة أنه هو، وإذا ثبت عنده، كتب له، وإن عرفه وهو مشهور، كتب له: أما بعد، فإنه أتاني فلان بن فلان الفلاني، وقد عرفته، وعرف عندي، ذكر لي كذا. وإن لم يعرف كتب: أتاني رجل ذكر أنه فلان بن فلان الفلاني، فسألته البينة عن ذلك، فأتى بشاهدين يذكر أن يشهدا بذلك، فكشفت عنهما سرا وعلانية، فلم يبلغني عنهما إلا خير، وذكر أن له دارا بالبصرة في بني فلان، فيحدها، وأنه وكل بالخصومة فيها وبقبضها فلان بن فلان، فرأ في ذلك رأيك. ثم يقرأ الكتاب على الشاهدين، ويختمه، ويشهدهما [8/119]
***(1/116)
[8/120]
عليه أنه كتابه وخاتمه، ويحلي الشاهدين، فذلك أحسن، ولا يضره إن لم يفعل، وإن أشهد على كتابه وخاتمه رجلا وامرأتين، جاز فيما تجوز فيه شهادة النساء، وإذا شهدت لرجل امرأة عند قاض فيما تجوز فيه شهادة النساء، فله أن يكتب له بذلك كتابا إلى قاض آخر، ثم لا يحكم له الآخر حتى يأتي برجل وامرأة أخرى، وكذلك يكتب له بشهادة رجل على شهادة رجل، ثم لا يقضي له الآخر حتى يأتي بآخر على شهادة الرجل، ويأتي بشاهد على أصل الحق، أو يقضي له بشاهد ويمين في الأموال، وأما إذا طلب أن يقيم عنده بينه على دار بمصر بيد رجل،/ أو بدين عليه. وأوزكيهم لأني لا أجد بمصر، ويزكيهم، ويكتب له بذلك إلى قاضي مصر، قال: ذلك له، ويكتب له قاضي القيروان إلى من يجوز أمره، قال محمد بن سحنون: والحاكم يومئذ بالقيروان ابن أبي الجواد، وكان مستجرحا في أحكامه، وقال سحنون: وإنما ذلك كشهادة وديتها عند من ينظر في أمر الناس، كتب إلى قاض غيره بمثل ذلك، لم ير أن يجيزه؛ إذ لا يدري صدق ذلك من كذبه.
قال ابن وهب، عن مالك: لا يجاز كتاب قاض إلى قاض إلا بشاهدين أشهدهما بما فيه. ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإن لم يكن فيه خاتمه، أو كان بطابع فانكسر، قال عبد الملك: فإذا شهد عدلان أن هذا كتاب القاضي، أمضاه. قال أشهب: ليس شهادتهم أنه كتاب قاض بشيء حتى يشهدوا أنه أشهدهم، ولا يضره، إن لم يختمه، وإذ لو شهدوا أن هذا خاتمه ولم يشهدوا أن الكتاب كتبه إلى هذا القاضي، لم ينتفع بذلك؛ لأن الخاتم يستنقش، فلا يعرف، والكتاب يعرف بعينه. [8/120]
***(1/117)
[8/121] وقال ابن نافع، عن مالك: كان من أمر الناس تقديم إجازة الخواتم حتى إن القاضي ليكتب للرجل الكتاب فما يزيد على ختمه، يستجاز له، حتى اتهم الناس، فصار لا يقبل إلا/ إلا بشاهدين. وقاله ابن كنانة. وقال: والناس اليوم على أنه إن جاء من أعراص المدينة اجتزأوا بمعرفة طابعه وخطه وجوابه، إن كان في الحقوق اليسيرة.
وقال عبد الملك: يقبل العامل في أمر أتاه من عامله الكتاب بغير شاهدين، يقبل بالشاهد الواحد مع النفر بحمله ومعرفة الخاتم بقرب المسافة، واستدراك ما يخشى من التعدي، وبعض الأمور في هذا أقوى من بعض.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهد الشهود على كتاب قاض قد انكسر خاتمه، وخواتم الشهود عليه تثبت شهادتهم إذا شهدوا على ما في الكتاب، فإن لم يكن للمشهود عليه خواتم، وشهدوا أنهم قرأوه عليه، فأشهدهم بما فيه وحفظوه، أو كانت معهم نسخ، قبلت شهادتهم على ذلك، وكذلك لو لم يختمه القاضي، أو كان منشورا وقد قرئ عليهم وعرفوه، وكتبوا شهادتهم فيه، أو حفظوها، وكاتبه معهم نسخ وهذا بمنزلة الصك بالحق.
ومن كتاب ابن حبيب، قال مطرف، وابن الماجشون: ولا ينفذ قاض كتاب قاض في الأحكام إلا بعدلين، ولا ينفذه لشهادتهما أنه خط القاضي، كما لا تجوز الشهادة على خط القضاة في الأحكام، ولا على خط الشهود، ولا تجوزه الشهادة على الخط في الحدود، ولا بأس إذا كاتبه في شيء يسأله عنه عن عدالة شاهد، أو أمر يستخبره من أمر الخصوم أن يقبل كتابه بغير شهودإذا عرف خطه، ما لم تكن فيه قضية قاطعة/ أو كتاب وابتدأه به، فلا ينفذه إلا بعدلين، وأما كتابه إلى قاضي الجماعة، أو إلى فقيه يسأله، ويسترشده، فيخبره، فهذا يقبله إذا عرف خطه وأتاه به رسوله، أو من يثق به، إلا أن يأتيه به الخصم الذي له المسألة، فلا يقبله إلا بعدلين، وإذا كان له من يكاتب في نواحي عمله في أمور الناس، وتنفيذ الأقضية وغير ذلك، فليقبل الكتاب يأتيه منهم بالثقة يحمله، وبالشاهد الواحد لقرب المسافة، واستدراك ما يخشى فوته. [8/121]
***(1/118)
[8/122] ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: ولا تجوز شهادة أهل الذمة على كتاب قاض إلى قاض، وتجوز فيه الشهادة على الشهادة، كالحقوق، وكذلك ذكر عنه ابن عبدوس، قالا عنه: وإذا جاءه كتاب قاض، عليه خاتمه، ولا عنوان عليه، فشهد عدلان أنه كتاب فلان إليه، والخصم حاضر، فليفتحه، وإذا شهدوا على الكتاب والخاتم، فليقبله، وإن لم يكن فيه اسم الذي كتب به، ولا اسم المكتوب إليه، وكذلك إن كان فيه اسماهما بغير أسماء الآباء، أو بأسماء الآباء، وكذلك إن كان فيه: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان. وكذلك لو نسب القاضي فيه إلى جده، وإذا لم يكن فيه اسم، وكان فيه: عافانا الله وإياك. جاز بالبينة عليه، قال عنه ابنه: ولو كتب إلى قاضي البصرة، وسماه، فأخطأ باسمه أو باسم أبيه أو نسبه، أنفذ ذلك إذا نسبه إلى المصر الذي جد عليه، وشهدت البينة بذلك، وليس كل من كتب/ كتابا يعنونه، فإذا شهدت بينة؛ أنه كتبه إليه قبله، ولم ينظر في اسمه، وتجوز فيه شهادة النساء فيما يجوز أن يشهدن فيه.
من المجموعة: قال ابن القاسم: ولا يجوز فيه شاهد ويمين؛ لأنه شهادة على شهادة.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كتب القاضي بشهادة رجلين سماهما إلى حاكم آخر، وشهد على كتاب القاضي الشاهدان اللذان شهدا عنده، فلا تجوز شهادتهما على كتاب قاض، وفيه أنه قد عدلهما، ولكن يشهدان بها ابتداء عند القاضي، فتجوز.
قال ابن سحنون: عن أبيه: وإذا أشهد القاضي الشهود على صحيفة منشورة، وختم أسفلها، وقرأها عليهم حتى عرفوه، قبل ذلك القاضي الآخر، وأنفذه.
قال أشهب، عن مالك: وإذا دخل رجل إلى القاضي، وبيد القاضي كتاب مطبوع، فيقول له: أشهد أن هذا كتابي إلى قاضي بلد كذا. ولم يقرأه، وقد كان بأيدي الكتاب، أيشهد بذلك؟ قال: نعم، يشهد، ويقول: أعطانيه مطبوعا، [8/122]
***(1/119)
[8/123] وقال: هذا كتابي. قيل: أفيجيز ذلك الآخر؟ قال: نعم، وذكر مثله ابن حبيب، عن أشهب، عن مالك. قيل: فإن دفعه إلى جماعة، فكان في يد أحدهم؟ قال: يشهد الذي هو بيده، وأما الآخرون؛ فإن عرفوا وأثبتوا أنه طابعه وكتابه، فليشهدوا. وقال في كتاب ابن سحنون: وإن ختموا عليه، ودفعوه إليه، وعرفوا خواتمهم، فليشهدوا. قال ابن حبيب: قال أصبغ: وإن لم يعرفوا الكتاب، فلا يشهدوا، وإن كان الذي بيده/ الكتاب منهم مأمونا عدلا حتى يعرفوا الكتاب، ولو كانوا حين أشهدهم كتبوا فيه شهادتهم وعلامتهم، كان أحسن.
ومن المجموعة: وإذا كتب قاض إلى قاض، فإن ثبت عنده أن الذي كتب إليه مستحق للقضاء في فهمه ومعرفته بأحكام من مضى وآثارهم، مع فضله في دينه وورعه وانتباهه وفطنته، غير مخدوع في عقله ، فليقبله.
وقال ابن سحنون: قال سحنون: قال أشهب: وإذا كتب إليه غير العدل أن بينة فلان تثبت عندي، فلا يقبل كتابه؛ لأنه ممن لا تجوز شهادته، ولو كتب إليه العدل أن ابني ثبتت له عندي بينة بكذا، فلا أرى أن يجيز ذلك؛ لأنه كالشاهد له. قال: فإن أجازه، فلا يفسخه من ولي بعده، وليمضه. وقد تقدم قول سحنون أنه يكاتب غير العدل بإنقاذ أمر، ولا يقبل إلا كتاب العدل. وقال أشهب: وإنما يقبل كتاب العدل ممن لو شهد عنده لقضي به، فأما غير المأمون في حاله، ولا متناهي في شأنه، وهو مغموص عليه في جميع أموره، فهذا لا يجوز شيء من أموره، إلا ما كان من أمر لا شك في صحته، فيجوز.
قال ابن حبيب، عن أصبغ: وإن جاءه كتاب قاض لا يعرفه بعدالة ولا سخطة، فإن كان من قضاة الأمصار الجامعة، مثل المدينة، ومكة، والعراق، والشام، ومصر، والقيروان، والأندلس، فلينفذه، وإن لم يعرف، ويحمل مثل هؤلاء على الصحة، وأما قضاة الكور الصغار، فلا ينفذه حتى يسأل عنه العدول وعن حاله. [8/123]
***(1/120)
[8/124] قال ابن عبدوس، وابن سحنون/: قال سحنون: ويقبل كتاب قضائه فيما صير إليهم النظر فيه، ويقبل كتاب الأمير إذا كان من العدول على ما ذكرناه قال: وإن كتب القاضي إلى الأمير الذي ولاه وهو معه في المصر، وذكر له القصة والشهادات، فإن أنفذه الأمير، نفذ، قال: وينبغي له أن ينفذه، قاله بعض كبار المدنيين. وقال غيره: لا يجوز.
وقال سحنون، في قاضي تونس أراد رجل من سكان كورتها أن يثبت عنده أن له بيد رجل بمصر دارا وحق؛ ليكتب له إلى قاضي مصر بما ثبت عنده، فقال: لا، ليس يكتب قضاة الكور إلى قضاة البلدان بما يثبت عندهم، ولكن يكتب قاضي تونس إلى قاضي القيروان قاضي الجماعة بما ثبت عنده، فيكون هو الذي يكتب إلى قاضي مصر، ولا يجوز كتاب قضاة الكور، ولا ولاة المياه إلى قاضي بلد آخر، وأنكر ما ذكر عن مالك، أن ولاة المياه تضرب أجل المفقود، وهو لا يضرب له، إلا بعد الكتب إلى البلدان، وولاة المياه لا يجوز كتابهم إلى البلدان.
ولهذا المعنى باب مفرد في كتاب الأقضية في الدين فيه الخصومة يكون بغير بلد الطالب.
قال سحنون، في كتاب ابنه: وإذا كتب قاضي مصر إلى قاضي القيروان: أن فلان بن فلان اشترى من فلان بن فلان دارا بتونس حددها، ويكتب عنده كتابه، فليكتب له إلى قاضي تونس، فينفذه إذا كان الذي كتب الكتاب عدلا، ويوصل الدار إلى المبتاع، إلا أن يعرض فيها أحد هي في يديه غير البائع، وأما إن كانت/ بيد البائع، أو بيد وكيله، فليوصلها إلى المشتري، وإن عرض عارض فأثبت المشتري ملك البائع لها، قضى له بها.
قال ابن سحنون، وابن عبدوس: قال سحنون: وإذا جاء رجل بكتاب قاض عدل كما ذكرنا، فليسأل الجائي به إحضار خصمه إن كان حاضرا أو غائبا قريب العيبة ثم يسأله البينة على كتاب القاضي، أشهدهم على ما فيه قرأه عليهم أو [8/124]
***(1/121)
[8/125] لم يقرأه، فإذا قبل البينة، وفتح الكتاب بمحضر من الخصم، ويقرأه عليه، فإذا قرأه فعلم ما فيه: فينبغي أن يختمه ويكتب عليه اسم صاحبه، فإن كان المطلوب بعيد الغيبة، فليقره وينفذ ما فيه إن كان مما يجوز إنفاذه عنده، فإذا الغائب أعلمه وأمكنه من حجة إن كانت له قال: فإن قبل القاضي شهادة البينة، وكتب الكتاب للطالب، فحضر الخصم المكتوب فيه قبل أن يخرج الكتاب، وأحضره الطالب، فليعلمه بمن شهد عليه، وإن كان عنده ما يدفع به، وإلا كتب: ثبت عنده بمحضر الخصم إلى القاضي غيره، فإن أعاد البينة عليه لتشهد عليه بمحضره، فحسن، وإن لم يعدها، لم يضره. قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا جاء بالكتاب غير من هو باسمه، وقامت بالكتاب بينة، فإن ادعى الذي جاء به أنه وكيل لصاحب الكتاب بالقيام بما فيه، وشهد بذلك له المشهود، قبل القاضي الكتاب بحضرة الشهود وصير هذا وكيلا، فإن كان الخصم حاضرا، فتح الكتاب، وسمع البينة، وإن كان غائبا في البلد، أوقف الكتاب، وأعذر في طلبه، فإذا حضر، قبل الكتاب/، وأثبت شهادة الشهود عنده على الوكالة، وعلى كل ما يشهدون به، فإن أقر بأنه فلان بن فلان الذي في الكتاب، حكم عليه، وإن أنكر الوكيل، ثبت عليه أن فلان بن فلان، وينسب إلى قبيلته وصناعته، أو يكون مشهورا قد عرف بالاسم والكنية، فإذا كان كذلك والد ولم يظهر، وأعذر القاضي في طلبه، حكم عليه، وأنفذ له وكيل ما وكل به، ولو كان الكتاب لرجلين، فحضر أحدهما مع الخصم، فإني أقبل البينة والكتاب، وأنفذ الحكم للحاضر، فإذا حضر الغائب، أنفذت له الحكم ولا يعيد البينة.
قال سحنون: وإذا كتب القاضي إلى قاض في حق بشهادة من شهد عنده، فينبغي له أن يسمي الشهود في الكتاب، وينسبهم إلى آبائهم وقبائلهم وتحليتهم ومساكنهم التي يعرفون بها، وبمن زكاهم إن ثبتوا عندهم، ويفعل في المزكين كما قلنا في الشهود حتى يعرفهم المشهود عليه، فيدفع من ذلك ما يقدر عليه، [8/125]
***(1/122)
[8/126] حتى يصير الغائب كالحاضر. قال: فإن كان قد عرفهم بالصلاح، كتب بذلك قال: وإن لم ينسبهم ويصفهم، فذلك جائز، وصفتهم أفضل.
قال سحنون: وإذا أراد من جاءه الكتاب أن يكتب بما جاءه من ذلك إلى قاض آخر.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أثبت الرجل عند القاضي شهودا على غائب ببلد آخر، وسأله أن يكتب له بذلك كتابا إلى قاضي ذلك البلد، ويشهد له فيه، لزمه ذلك، وإن قال: أخاف طول غيبة المطلوب، فاكتب لي عليه كتاب اثبات كتب له، وسمى الشهود وكناهم/، وموضع مساكنهم وقبائلهم وصفة أبدانهم، وأنهم قد عدلوا عنده بعد أن كشف عنهم، فأحب إلي أن يكتب، فمتى ما حضر الخصم، أمكن من الجرحة، وأعيد الكشف عنهم إن وجد من يعرفه، فإذا وصل الكتاب إلى القاضي، فإن عرف أولئك الشهود بجرحة، فلا يقبلهم، وإن لم يعرفهم، سأل عنهم إن وجد من يعرفهم، فإن لم يجد، أجاز ما ثبت عند الذي كتب إليه من تعديلهم، وأمكن المطلوب من جرحتهم إن وجد، وإلا لزمه الحق. ومن العتبية، قال عيسى، عن ابن القاسم، في القاضي يكتب إلى القاضي في الحقوق والنسب، والمواريث، وشبه ذلك، فيكب: أتاني فلان بشهود عدلوا عندي، وقبلت شهادتهم، ولا يسميهم، أيجوز ذلك؟ قال: نعم، يجوز، أرأيت إن سماهم، أتعرفهم أم يبتغي عدالتهم، أم يأتنف فيهم حكما غير ما حكم به وفرغ منه؟ فقيل: فلم وصفوا تسمية من يجرح من الشهود في كتابه؟ قال: لا أعرف عن أحد أن قاضيا كتب إلى قاض بتسمية من يجرح عنده، ولا سمعت به. ومن المجموعة، ابن كنانة، في المصري له الحق على رجل من أهل أفريقية، فوكل عليه وكيلا يقبض منه حقه، فلما أتى بكتاب القاضي، وثبت خلافه، ادعى المطلوب أنه قد قضى، وسأل التأخير إلى أن يحلف له الطالب، قال: ليس ذلك له، وليحلف الوكيل: أني ما علمت أنه قبض منه شيئا، ثم يقبض منه الحق، إلا أن يكون [8/126]
***(1/123)
[8/127] الطالب قريبا على مثل اليومين، فيكتب إليه فيحلفه،/ وقال ابن القاسم: لا يحلف الخليفة، وينظر حتى بجامع صاحبه. وقال غيره: لا يحلف الخليفة، وينظر حتى يجامع صاحبه. وقال غيره: لا ينبغي للقاضي أن يكتب للطالب بالكتاب حتى يحلفه: ما اقتضى من الحق شيئا. وفي كتاب الأقضية شيء من كتاب قاض إلى قاض، من باب من ادعى عبدا أو طعاما، فيريد إيقافه ليأتي بالبينة، أو يدعي الحرية، وبينته غائبة.
في القاضي يكتب إلى القاضي فيموت أو يموت أحدهما أو يعزل
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في المجموعة، وكتاب ابن سحنون، وعن من جاء بكتاب من والي مكة إلى والي المدينة من أمير أو قاض، فلا يصل حتى يموت الذي كتب به. قال مالك: فلصاحب المدينة أن ينفذ ذلك الكتاب، ويقضي بما فيه، كإنفاذه لقضية من قبله.
قال أشهب في المجموعة: ومثله عن ابن القاسم، في كتاب ابن سحنون، وسواء ماتا أو أحدهما، أو عزلا أو أحدهما إذا كان الذي كتب به وهو والي بعد.
قال سحنون: وبه أقول، ولا أعلم فيه اختلافا بين أهل العلم، ومثله كله في كتاب ابن حبيب، عن ابن الماجشون، ومطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ، قال: وجميع أصحابنا، ومثله في كتاب ابن المواز، أنه إذا لم يصل الكتاب حتى مات المكتوب إليه، أو عزل ، أو مات الذي كتب إليه، أو عزل، أو ماتا جميعا أو عزلا، فإن على من ولي بموضع/ المكتوب إليه، أن ينفذ الكتاب، ولا يأتنف فيه النظر إن [8/127]
***(1/124)
[8/128] كان فيه: أني قضيت لفلان على فلان، قال: وإن لم يكن في الكتاب الفراغ من الحكم، فعلى المكتوب إليه أن يتم عنده الحكم، ولا يستأنفه يكون ما كتب به الأول، كأنه كان عند الثاني، وإن تكلم المحكوم عليه من كتاب الأول، وسأل الثاني أن يأتنف النظر فيه، أو في بعضه، فليس له ذلك إلا بأمر بين، وكذلك لو ولي قاضيا آخر مكان القاضي، لكان مثل ما قلت لك في المكتوب إليه.
ومن كتاب ابن حبيب: قال عن ابن الماجشون: ومن مات منهما قبل وصول الكتاب، أو وصول المكتوب له، فذلك سواء، ولا يضره موت من مات، وليبقه. وقال ابن الماجشون، في المجموعة، نحوه، وقال: لأنه لم يقصد به غير المكتوب إليه، وإنما قصد به السلطان المنفذ هو أو غيره. وقال ذلك كله إذا مات المكتوب إليه بعد وصول المكتوب له، وأما إن مات قبل بشخص الرجل ويحضره الأمر، فإن كان قد تفرق شهوده، أو كان في ذلك أمر يشق عليه، فليقض به، وينفذ إن كان الشهود حضورا، أو لم يبتاعه أمر ولا تفاوت، فليشهدهم السلطان على الذي كتب إلى من ينفذه إليه، ولو كان الميت أو المعزول هو الكاتب من بعد ما كتب، وأشهد، خرج أو لم يخرج، فحق على من جاءه من السلاطين قبوله وإنفاذ الذي كتب إليه، أو من بعده للحق/ والضرر به ومشقة ما يأتنف من ذلك، قال: وإذا عزل الرأس الذي لا يبتدأ الكتاب إليه حتى يستدعيه، وقد كتب كتابا إلى من كتبه، فمات الرئيس قبل أن يمضي الكتاب في قريبه، أو قد وصل إلى العامل ولم يحكم به، قال: لا يمضي من هذا إلا ما تم القضاء إليه ممن جاءه الكتاب قبل عزل الرأس؛ لأن قضاءه الآن كقضاء الرأس بعد عزله، ولو عزل الرأس من بعد كتابه إليه، وولي آخر، فعلى الآخر إنفاذ كتابه، قال: وأما إذا وجد كتاب الخليفة عند حكم مفتوحا، وشهد أنه مثله، ثم انكشف أن الخليفة مات قبل القبول، فلا يمضي منه شيء، كما قلنا في العامل تحت الرئيس، فكتب إلى [8/128]
***(1/125)
[8/129] من تحت يديه من ولاته، وإذا قبل عاما كتابا، فلم يحكم به حتى عزل، فليمض من بعده بشهيدين عليه. قال: وإذا وجد كتاب الخليفة مفتوحا عند عامل، والخليفة قائم، فإن وجد الكتاب حيث يكون ما قبل من الكتب، وفي مواضع النظر والخصومات، وما يعتد به، فلينفذه الطارئ وإن كان على غير ذلك، فلا يكون كالأول؛ إذا لعله لم يقبله.
ومن كتاب ابن سحنون، وغيره: قال ابن القاسم، في من اثبت حقا على غائب لرجل، فهل يعطيه بذلك كتابا إلى أي قضاة الأفاق، بأن لا يسمى قضايا بعينه؟ قال: نعم، ثم إن ذلك ينفذه من وصل إليه إذا ثبتت البينة به عنده، مثل رجل له غريم لا يدري بأي أفق هو، أو عبد وشبه ذلك. وقاله أصبغ، وعيسى، عن ابن القاسم في العتبية.
/ في القاضي يكتب إلى القاضي بما فيه اختلاف بين العلماء أو السلطان يأمر رجلا بإقامة حد وليس بعدل
ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا كتب قاض إلى قاض بكتاب في اأمره فيه اختلاف بين الفقهاء، والمكتوب إليه لا يرى ذلك الرأي، فإن كتب إليه إنه قد حكم بما في كتابه وأنفذه، جاز ذلك وأنفذه هذا، وإن لم يكن قطع فيه بحكم، وإنما كتب بما ثبت عنده للخصم، فلا ينبغي لهذا أن يعمل فيه برأي الذي كتبه، وليعمل فيه برأيه. وقال سحنون: إذا كتب إليه بأمر، فرأى هو خلافه، فلا ينفذه؛ لأن ذلك لم ينفذ شيئا، فلا ينفذ هذا ما ليس بصواب عنده.
وفي كتاب ابن حبيب، عن مطرف، وعبد الملك مثله كله
ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب في الإمام البين العدالة، بأمر رجلا بإقامة حد في رجم، أو حرابة، أو قتل، أو قطع في سرقة، ولا يعلم ذلك إلا بقول [8/129]
***(1/126)
[8/130] الامام، فعليه طاعته. قال أشهب: وإذا لم يعرف بالعدالة، فلا يطيعه في ذلك، إلا أن يرى أنه قضى في ذلك بحق، فعليه طاعته فيه. وقاله ابن القاسم، إذا اتضح لك أنه حكم بحق، وعلم أنه كشف عن البينة وعدلوا، وعلم أنه لم يجر. قال أشهب: وإذا لم يدر بما قضى به أبحق أم يهوى، فلا يجيبه. قال ابن الماجشون: ولا تطع الجائر، ولا تخدمه، ولا تصدقه.
باب جامع في سيرة القاضي في غير شيء من أموره/ وشيء من ذكر العقل فيما يدعي فيه ومن أقام حجة بعد الحكم
من كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون لا يقبل كتاب قاض من قضاته إلا بشاهدين عدلين، ولا يفكه إلا بمحضرهما، وكان يعرف خط بعض قضاته، ثم لا يقبله إلا بشاهدين، وكان القضاة إذا كتبوا إليه في مسائل الخصوم والأحكام، فيجيبهم ويطبع كتابه إليهم، ولا يشهد عليه، فكان من يرد ذلك عليه منهم ينفذ ما فيه، وكان يقبل كتب أمنائه، وينفذ ما فيها بلا بينة عليها، فإن كتبوا أن أحد الخصمين تعدي في عقل، أو لد، أو كسر موفاه، أدب الملد، وأنفذ عليه ما في كتاب أمينه، وكان إذا أتاه كتب الأمناء، أمر بإحرازه، ويرفعها عنه بعض أعوانه، وكان قد ولى قضاة في مواضع بعيدة منه، فكان يرى لذلك أنها لا تستغني عن القضاة، وأن من استعدى عليه منهم بالشيء يسهل عليه أن يؤدبه، ولا يرتفع لبعد مكانه، فلم يزل بالأمير حتى ولى قضاة على جميع الثغور، وكان في من ولى من قضاته رجل سمع منه، وسمع بعض كلام أهل العراق، فقال له مرة: فلا تحكم إلا بمذاهب أهل المدينة وكان لا يقبل من المطلوب وكيلا، إلا من مريض أو امرأة لا تخرج مثلها، أو رجل على سفر،/ أو معذور بين العذر، ويقبل الوكيل من الطالب، وقال: تحدث للناس أقضية على نحو ما يحدثوا، وكان أصل ما منع [8/130]
***(1/127)
[8/131] المطلوب من الوكالة لمعنى السلاطين والجبابرة، وما أراد من استخراج أموال الناس، وكان يقبل الوكالة من كل مطلوب شغله الأمير في خدمته إذا كانت خدمة لا يقدر أن يفارقها، مثل الحاجب، وصاحب الحرس، والذين لا يستطيعون مفارقة ما وكلوا به من الخدمة، ويرى أن هذا باب اضطرار.
وقال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان أحد الخصمين عييا عن حجته، أو أعجمي، أو ألكن، أو فأفاء، فسأل القاضي أن يدخل معه رجل من قرابته أو غيرهم، يتكلم عنه بحجته، فلا بأس أن يأذن له في ذلك إذا كان المتكلم عنه لا بأس به، ولا بأس أن يقبل الوكالة من الرجال والنساء، ممن حضر أو غاب، إن احتاج أن يسأل المطلوب عن شيء، أو يحلفه، أم بإحضاره، وإذا كان عنده من يتوكل للناس في الخصومة، أمكنهم من ذلك، إلا من كان قد عرف بتوليد العيب، أو مغالطة البينات، أو العمل بما لا يجوز، فليخرجه، ولا يزداد الوكلاء على ما يعطي الناس، فإذا نادى باسم الرجل، دخل وكيله إذا ثبتت وكالته عنده، وينبغي أن يكتب عنده من قد وكل، لئلا يخاصم من ليس بوكيل للرجل، فإذا شك فيه نظر فيما في كتابه.
ومن كتاب ابن سحنون: وكان يقول: لا يجوز للقاضي أن يأتي إلى أحد من الناس إلا إلى الأمير الذي استقضاه/، لا وزير، ولا ابن عم، ولا صاحب، ولا غيرهم، لأن هؤلاء من رعية القاضي؛ لأن قضاءه عليهم ولهم جائز، فإذا جاء القاضي إلى رجل من رعيته، لم يقدر أحد أن يستعدي عليه مع م في هذا من فساد السلطان في أمانته، وكان يقول: القاضي ينظر فيما ينظر فيه الخليفة من جميع الأشياء، ينظر في كل ما تحت يدي الخليفة، وإنما كان الخلفاء يلون النظر لأنفسهم، فلم يكن لأحد منهم قاض علمناه، فلما انشغلت الخلفاء فيما انشغلت فيه؛ منهم من اشتغل بالحرب، ومنهم من اشتغل بالدنيا. ولوا القضاة، [8/131]
***(1/128)
[8/132] فصار إلى القضاة ما كان إلى الخلفاء، ممن هاهنا عظم عظم موقف القاضي، ولم يول حتى تجتمع فيه الخصال الصالحة.
قال سحنون: وعلم القضاء غير غيره من العلم، قال مالك: كان الرجل يقدم من البلد إلى البلد، يسأل عن علم القضاء، وكان ابن عمر يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن أقضية عمر بن الخطاب، وأتاه قوم؛ فذكروا له أن لهم في يد رجل حوانيت، وأنه غلبهم عليها، فأعطاهم طابعا، فلم يأت معهم، وقال: أنا مريض، فأمر أن يعودوا إليه ببينة تشهد على عصيانه. إن عصى، فذهبوا إليه فاختفى في داره، وقيل لهم: إنه مريض، فصاحوا على من في داره من حيث يسمع: هذا طابع القاضي، أخرج إلينا، فلم يجبهم بشيء، ولم يخرج، فتأنى فيه أياما؛ ليختبر مرضه، ثم بعث إليه رسولا، فدخل عليه، فقال له: القاضي يقول لك: إن كنت مريضا، فابعث بشاهدين يشهدان أنك مريض/، وإلا فاخرج تخاصم، فقال: نبعث من يشهد بمرضي، ومطل بذلك أياما، ثم بعث إليه القاضي في ذلك يعذر إليه، أنه لا يؤخره أكثر من هذا، فأما بعثت بالبينة في يومك هذا، وإلا بعثت من يخرجك، فلما رأى ذلك هرب ليلا، فذكر ذلك للقاضي، فتبين له لدده، فأمر بعقل جميع ضياعه من دور وحوانيت، وأمر من يسكن الحوانيت بإخراج ما لهم فيها، ووخرهم ثلاثة أيام، فلما تفرغت، عقلها، وسد عقلها، فبقيت مغلولة حتى صح عنده هروبه، وأنه خرج من عمل الأمير محمد بن الأغلب، فلما صح ذلك عنده، أمر فحل العقل، وأمر خصماءه باحضار بينتهم على ما ادعوا، فسمعها، وكان في النظر في ذلك إلى أن مات رحمه الله، وكان إذا أتاه رجل يدعي عنده أرضا، ودارا، قال له: سم الموضع الذي ذلك فيه، فإن سماه، قال له: حد ما تدعي. فإن حده، سمع بينته، وإن لم يحده، لم يسمع منه، ولا من بينته وأقامه، ثم إن رجع إليه فقال له: اسمع دعواي سمع منه، ثم سأله عن الحدود، فإن حد ذلك، قبل منه، وأقاله رجوعه، وسمع بينته. [8/132]
***(1/129)
[8/133] قال: وكان أكثر أيامه وعمله أن يسأل المدعي عن الموضع في أي قبيل، والدار والأرض في أي منزل، ثم يسأل البينة بعد ذلك على ما ادعى، وعن حدود ذلك، فتكون البينة هي التي تحد ما تشهد به.
قال: وكان إذا تنازع إليه/ الزوجان؛ فقالت المرأة: حنث في وكذبها الزوج، كلف المرأة البينة، وأمر بالنفقة عليها، فإذا قال: هي تنكر أني لها زوج، قال له: فأنت مقر لها بالزوجية، وأنها كذبت، وربما ترك هذا، ولم يفرض رزقا، ويقول: هو كمن اقر لرجل بدين، والآخر يقول: لا شيء لي عليه.
وأتاه رجل فادعى أرضا في يد رجل، أنه ورثها عن أبيه، وجاء ببينة على ذلك، وزادت البينة في شهادتها أرضا لم يدعها، فسأله هل يدعي هذه الزيادة؟ فقال: نعم. فسأل المدعى عليه فأنكر، فكتب جميع شهادتهم، وكان إذا تشاغب الخصمان ولدا أغلظ عليهما، وربما أمر بزجرهما بالدرة، وربما تشاغبا حتى لا يفهم عنهما، فيأمرهما بالقيام حتى يعودا، وذلك عند قيامه من مجلسه، وإذا تبين له إلداد من أحدهما، وتشنيع الكذب على خصمه، ولم يأت بمخرج، ضربه، وربما سجنه، وكان ربما يعقل في مجلسه، ويقول للرجل الذي يعقل عليه؛ قد عقلت عليك موضع كذا وكذا، فاحذر الحدث فيه. فإن أحدث فيه، أدبه، وكان ربما رد الخصمين إلى رجل يعرفه بالصحة، فيقول: اذهبا إليه يصلح بينكما، فإن أنفقتما، وإلا فارجعا إلي.
وكان لا يسمع البينة إلا بمحضر المطلوب. وقال ابن كنانة، وابن الماجشون: أنه يسمع القاضي البينة بغير محضر المطلوب. وكذلك العمل عندنا، فإذا خافوا عليه الشهادة. وهذا/ مذكور مستوعب في باب في كتاب الأقضية والأحكام، وفيه ذكر الاعذار إلى المحكوم عليه، وهل تقبل منه حجة بعد الحكم؟ في باب مفرد. [8/133]
***(1/130)
[8/134] في كتاب العرفاء كيف يكتب وغير شيء من ذكر المحاضر والأحكام والتوكيل على مال الغائب
من كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون يكتب كتب العرفاء إلى أمنائه: بسم الله الرحمن الرحيم، من سحنون بن سعيد إلى فلان بن فلان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، ألبسنا الله وإياك عافيته، وأبقاها لنا ولك في الدنيا والآخرة برحمته، فإنه أتاني فلان بن فلان، وذكر أن له قبل فلان بن فلان الفلاني الساكن بقرية كذا، دعوى، وأتى بلطخ بينة استوجب بذلك جلبه، فاجمع بينهما، وارفعهما إلي لأجل قريب تضربه يتوافيان فيه عندي، واكتب إلي بذلك، فإن امتنع فلان من الارتفاع، ولد، فارفع كتابي إلى عاملكم، ليقوي أمرك، وينفذ كتابي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال ابو محمد: قد احتقرت بعض لفظ هذا الكتاب، وإذا كتب إليه أمينه: أن المرفوع له عصى، كتب إليه أن يعقل عليه ضياعه ومنافعه، وأن يشهد عليه بأنه لد حتى يضطر بذلك إلى الارتفاع، فإن دافعك عن العقل عليه، فادفع كتابي إلى العامل ليقويك، وإذا كتب في/ رفع رجل ادعى عليه دم، ذكر في كتابه: اجمع بين فلان وفلان صاحب كتابي، وارفعه إلي في وثاق يحمله ثقات تأخذهم عليه، فإنها الدماء ليست كغيرها حتى يوافي مع صاحبه، ولا يكتب أن يضرب له رجلا، ولكن يبعث به ساعة يظفر به.
وفلس رجل، فكتب له حكما بتفليسه، هذا ما شهد عليه من يسمى في أسفل هذا الكتاب، يشهدون أن القاضي سحنون بن سعيد، أشهدهم، وهو حينئذ قاضي أهل افريقية، وذلك في مجلس قضائه، أنه أنقذ القضاء لفلان بن فلان الفلاني على غرمائة بمحضرهم، وهم فلان بن فلان الفلاني، وفلان، يشهدهم [8/134]
***(1/131)
[8/135] كلهم بتفلسه وعدمه بشهادة فلان، وفلان، شهدا عنده أنهما يخبران ويبطنان أمر فلان هذا، وأنه عديم لا مال له، ولا جدة عنده، فقبل شهادتهما؛ لما صح عنده من عدالتهما، وأنفذ لفلان بن فلان القضاء على غرمائه هؤلاء المسمين بمحضرهم شهادة هذين الشاهدين بعد أن استقصى جميع غرمائه هؤلاء، واستنفذ منافعهم، فلما لم تكن عنده حجة ولا مدفع، أنفذ القضاء له على غرمائه بمحضرهم بتفليسه وعدمه، ومنعهم من مطالبته حتى يحدث الله له، من شهد على إشهاد القاضي فلان بن فلان بجميع ما نص في هذا الكتاب بعد أن قرئ عليه جميعه في مجلس قضائه، فأنفذه لفلان بمحضره، ومحضر غرمائه المسلمين في صدر هذا الكتاب ما نص فيه، وختم عليه بمحضرهم/ جميعا، وذلك في شهر كذا من سنة كذا، ووكل لقوم غيب وكيلا، فكتب له: هذا كتاب من القاضي سحنون بن سعيد، لفلان بن فلان الفلاني، كتبه وثيقة وحجة، وأشهد له جميع ما فيه، وهو حينئذ قاضي أهل أفريقية، وذلك في مجلس قضائه: أني جعلتك يا فلان وكيلا لبني فلان؛ وهم فلان وفلان بتو فلان بن فلان الفلاني؛ لما ثبتت عندي غيبتهم، ولم يكن لهم ناظر من أموالهم، ولا حائط لهم عليها. فرضيتك في دينك وأمانتك، وجعلتك وكيلا فيها مفوضا إليك النظر فيها، وأمرتك بإجارة أموالهم وإحرازها، والقيام بمصلحتها، وحسن تدبيرها بما يحق عليك، وتقتني غلاتهم، وأن تنفق على رقيقهم وضياعهم بالمعروف، ويرم ما احتاج إلى مرمة من دورهم وضياعهم، ويصلح ذلك، وتبيع لهم وتشتري باجتهادك ونظرك مفوضا اليك القيام لهم في جميع ذلك على ما يقوم له الوالي المفوض إليه، ولله عليك أداء الأمانة والنصيحة فيما كلفتك. شهد على إشهاد القاضي، وذكر أنه ختمه بمحضر الشهود فيه عليه وقال: ويشهد على قبول فلان لما فوض إليه من ذلك كله في صحة عقله، وجواز أمره، وذلك في شهر كذا في سنة كذا، وهذا الذي ذكر ابن سحنون، عن أبيه ، من النظر في مال الغائب، مختلف فيه، فمن أصحابنا من يراه، ومنهم من لا يرى عليه أن ينظر فيه، لا بسبب وكالة/ أو أمر يطلب به من دين أو غيره، وذكر أنه [8/135]
***(1/132)
[8/136] فوض إليه في أموالهم في البيع والشراء وغيره، وهذا لا أدري ما هو في إطلاقه له البيع والشراء، والمعروف من القول أنه لا يطلق ذلك إلا على مولى عليهم، قال: وكيف وكالة لأيتام لا وصي لهم. وذكر نحو ما تقدم من الصدر، وذكر أنه ثبت عنده أن أباهم مات، ولم يوص إلى أحد، وترك تركة وأطفالا؛ وهو فلان وفلان، وأنه وصى فلانا في دينه وأمانته، فجعله وصيا لهم. وناظرا في أموالهم، وحائطا عليهم، والانفاق عليه منها بالمعروف، وإن يشهد على ذلك، وأن يقوم لهم، وينظر كما ينظر لليتامى، شهد على إشهاد القاضي، ثم ذكر ما في الكتاب، وأنه أشهد على خاتمه، وعلى قبول فلان بذلك.
وحكم بدار لرجل، فذكر في كتاب حكمه، أنه حلفه أن هذه الدار لباقية في ملكك إلى وقت هذه الشهادة، لم تخرج من ملكك، وأنه حلف على ذلك. وكتب في حكمه على غائب: إني حكمت لكم على فلان بن فلان بكذا، بعد أن صحت عندي غيبته ببلد كذا، وأنك لا تصل إلى جلبه، ولا تقدر على رفعه، فحكمت لك عليه بذلك بغير محضره، وأبقيته على حجته ومنافعه، وبعت له في ذلك داره المعرفة له، فذكر أنه قضاه الدين من شهد بعد أن أحلفه أنه ما قبض منه شيئا، ولا من أحد يسميه، ولا أحالك به على غريم له، ولا أحلت به عليه، ولا وكلت بطلبها، فحلف على ذلك كله، ويذكر أنه ختم الحكم، ويشهد على خاتمه.
وكتب في حمالة بنفس رجل، فذكر بعد صدر الكتاب: أنه يحمل للقاضي بنفس فلان بن فلان وفلان ينسب كل واحد منهم، ويذكر قبيلته، بأمر فلان ورضاه، على أن يأتوا به متى ما دعاهم به القاضي فلان بن فلان، وإن جعلهم حملاء ووكلاء على الخصومة، ذكر ذلك أنهم وكلاء فلان على رفع فلان، وعلى طلب حقه قبل فلان، والقائم له بحجته وإحضار منافعه، ورفع من طالبه بشيء، وعلى طلب حقه عند فلان، أو يقول: عند من كان. وعلى إحضار منافعه، قال محمد بن عبد الحكم: وإذا أشهد القاضي على تنفيذ حكمه، فليأمر بقراءة كتاب الحكم عليه؛ لئلا يتعقبه من لا يجيز ذلك، فإذا قرئ قال: اشهدوا أني حكمت بما في [8/136]
***(1/133)
[8/137] هذا الكتاب، ولا يقول: اشهدوا على ما سمعتم؛ إذ قد يخطئ القارئ، ويزول عنه الحرف، ولو قال ذلك، كانت الشهادة ضعيفة، ولا أبلغ بها الرد، قال غيره: ليقل: اشهدوا على إشهادي بما نسب إلى في هذا الكتاب. ثم ذكر سحنون ما في الكتاب على ما فيه من عقد الشهادة، وذكر الإشهاد على قبول الوكلاء للوكالة، كان من وكلهم ظالما أو مظلوما، وإن كانت حمالة لغير القاضي، كتب نحو ما تقدم، ويذكر في الصدر أنهم تحملوا لفلان، وإن كانت مؤجلة، ذكرت ذلك، وإن كانت مبهمة، كتبت نحو ما ذكرنا، وتقول: وكان ذلك بمحضر فلان بن فلان القاضي، قاضي ببلد كذا.
وكتب إليه شجرة في بكر زوجها أخوها بأمرها فيما ادعى الزوج/ فنشرت وأنكرت تزويجه، وهي بناحية، فسأل رفعها، وجاء بأمر دل على منازعتها إياه وإلطاخ الدعوى، فكتب إليه: إن ألطخ الدعوى في امرأة بيعنها ونسبها، فارفعها إلا أن توكل، أو تكون البينة تحتاج إلى معرفة عينها، فلترفع بعد ثبوت اللطخ.
الوكالة تكتب في ديوان القاضي وفي البينة على الوكالة
من كتاب ابن سحنون:قال القاضي فلان بن فلان: حضرني فلان بن فلان الفلاني بخصمه فلان بن فلان الفلاني، فادعى أن له قبله كذا، فسألت فلانا عن دعواه، فأنكرها، فأمرت فلانا بإحضار منافعه، فذكر أنه لا يقوى على الخصوم والمدافعة؛ لسفر حضره، أو لعلة، أو من مرض أو غيره، وسألني أن أقبل منه وكيلا بالخصومة، فأجيبه إلى ذلك؛ لما تبين لي من عذره، هذا إذا كان القاضي لا يقبل من المطلوب وكيلا، فإن كان ممن يقبل توكيله، فلا يذكر أنه أجابه إلى ذلك لعذر ظهر، ولكن ليكتب للذي له من الحق في ذلك، فوكل عندي فلان ابن فلان، على طلب حقه قبل فلان، أو قبل من كان، أو عنده، أو عليه، وفوض إليه في القيام بحجته، واحضار خصمه منافعه، وأقامه في ذلك مقام نفسه، وأن [8/137]
***(1/134)
[8/138] يوكل في ذلك كله وكيلا بعد وكيل ممن يرضاه، وأقام وكيل وكيله مقام نفسه فيما يحكم له به وعليه، وقبل فلان منه ما وكله عليه من ذلك، ثم إذا أحضر وكيله بينة، كتبها على ما تقدم من كتاب البينات، وإن وكلت امرأة عنده/ رجل على الخصومة، وهي طالبة، والقاضي لا يعرفها، فأمر من يطالبه، وهو أخوها أنها أخته أو أمه، أو كان زوجا، فأقر أنها زوجته، أو أجنبي، فأقر بها فلانة بنت فلان الميت، وهي تدعي عليه دينا لأبيها، وهو منكر للدين، فليمكنها من التوكيل بعد أن يعرفها بعينها، أو يعرفه بها شهودها؛ لئلا ينكرها خصمها بعد أن يعرفها، وإن كانت مطلوبة، وأقرت وأقر من يطالبها أنها فلانة بنت فلان، لم يمكنها من الوكالة، ولا يسمع البينة على الإسم الذي تسمت به، والنسب الذي انتسبت إليه، خوفا أن تواطئه على اسم امرأة غائبة فيوقع البينة، وربما ماتت، فلا يقدر أن يحكم على امرأة لا يعرفها، ولكن إذا كانت طالبة أو مطلوبة، ولا يخرج مثلها، أو مطلوبة يخرج مثلها، والقاضي لا يعرفها، فشهدت البينة على معرفة عينها ونسبها، فليكتب شهادتها، وأنها أشهدتهما في تاريخ كذا، أنها وكلت فلانا على طلب حقها ومورثها من أبيها فلان. قبل من كان، ويكتب مثل ما تقدم من وكالة الرجل، وعلى قبول الوكيل ذلك منها، فإنه الذي أحضر البينة على ذلك، وإن كان المطلوب معروفا، كتب على ما كان لها قبل فلان، على ما تقدم.
ومن كتاب ابن المواز: ولا يقبل القاضي من أحد أنه وكيل حتى يصح عنده بذوي عدل، قال: ولا يكون في ذلك إلا عدلي، الوكالة كغيرها. وروي عن مالك،/ أنه يجوز في الوكالة شاهد ويمين، ولم يجزه عبد الملك. [8/138]
***(1/135)
[8/139] في حياطة أموال اليتامى، وهل تودع أو تسلف؟ ونحو هذا، وفي بيع ربعهم، وفي الحجر عليهم
من كتاب ابن سحنون: وكتب إليه شجرة فيما دفع من كان ولي القضاء قبله إلى الناس من أموال الأطفال، بضمان أو بإيداع، أيكشفهم عن ذلك ويجيبه، أو يخرجه من يدي من رأى؟ فكتب إليه: أن أودع غير صليون فانتزع ذلك وأودعه من تثق به، وإن كان مأمونا فدعه. قال: وأودع ما كان من مال طفل أو غائب، ولا يدفع ذلك بضمان، فإنه سلف يجر منفعة. وعن من أتى الحكم، فزعم أن فلان توفي، واستخلفه على ماله وولده، وأنفقت عليهم كذا، وبقي لهم كذا، فأمر بقبضه، وأبرأ منه ومما أنفقت، فكتب إليه: لا تعرضه إلا أن يكون غير عدل، فيأمره بإثبات ما قال، وتنزع منه ما بقي، ويجعل لليتامى وال غيره، وكانت أموال اليتامى بإفريقية، أنها تكون عند القاضي مرفوعة، فسحنون أول من أودعها للناس، وفرقها، وكان لا يرى أن تسلف كما يفعل أهل العراق، وذلك أنه سلف جر منفعة، وهذا وشبهه عن إيداع القاضي، بغير بينة، وغير ذلك مستوعب في باب القاضي يقول: حكمت لفلان. أو: شهد عندي بذلك بينة.
في القاضي يقضي بقضية ولا يسمى المقضي عليه
من كتاب ابن حبيب، عن مطرف: وإذا قضى القاضي لعبد بحرية، أو لرجل بحق، ولم يسم في/ الحكم اسم المقضي عليه، ولا شهادة البينة على رجل بعينه، ثم عزل أو مات، فادعى رجل أن العبد عبده، وأحق ذلك، وقام المقضي له بالحق، وهو من يدي غيره، فأراد أجره، قال: إن كان سيد العبد حاضرا المقضي بحريته، عالما بذلك، فذلك يقطع دعواه فيها، وإن لم في الحكم، وإن [8/139]
***(1/136)
[8/140] كان على غير من غيبته، وغير ذلك مما يعذر به، فإن على العبد البينة أن القاضي قضى بحريته على هذا الرجل؛ إما بأنه أعتقه، أو حنث فيه، إلا أن يكون القاضي إنما أشهد أنه ثبت عنده أن هذا حر في أصله، فهذا يجزئه وإن لم يسم سيده المقضي عليه.
قال: وأما الحقوق، فلا يجوز القضاء بها حتى يسمي المقضي عليه، أو يكون قد قبضه المقضي له بحضرة هذا القائم لا يدعيها، أو أخرجت من يده بالقضاء، وقد علم أنه خاصمه فيها، فلم يدفع ولم ينكر، فيجوز ذلك.
وقال مثله أصبغ.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: وينبغي للقاضي إذا ولي أن يأمر من ينادي: أن كل يتيم لم يبلغ لا وصي له ولا وكيل، وكل سفيه يولى على مثله، فقد حجرت عليه، ومنعت من معاملته، ومن علم أحدا من هؤلاء، فليرفعه إلينا لنولي عليه ويحجر، ومنع من معاملته، فمن باعه أو ابتاع منه، أو داينه بعد هذا النداء، فمردود، وكل من هو متصل الولاية منه من يوم بلوغه فأمر مردود قبل نداء الإمام.
ومن كتاب ابن حبيب، ورواه عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، قال: وقال ابن القاسم: وما يفعل بعض القضاة/ من تضمينه الرجال أموال اليتامى خطأ وحرام لا يحل، ولكن يودعه عند من يثق به، إن لم يكن لهم أوصياء، ومن له وصي فذلك في يديه إلا من لا يوثق به، فلينزع منه، وليودع لأمين، وإن رأي القاضي أو الوصي دفعها إلى من يتجر فيها، أو يقارض لهم على أهل الثقة على النظر، فذلك حسن.
قال في كتاب ابن حبيب: ولو تجر فيها الوصي لنفسه، أو من استودعها، فلا بأس به إن كان مليا، وليس بحرام، والتنزه عنه أفضل.
قال أصبغ: ولا أرى على القاضي أن يجري لوصي الأيتام رزقا من أموالهم، إن كانت في أموالهم ضياع يستغل بها أو غلات للقاضي، ويجري عليه بقدر [8/140]
***(1/137)
[8/141] اشتغاله بذلك، على قدر المال، وكذلك الرجل يوكله القاضي على أيتام لا وصي لهم، ولهم وصي غير مرضي، فعزله ووكل غيره، وكذلك وكيل القاضي على أموال الغياب؛ للنظر لهم فيها.
وقال مالك: لا بأس لوصي اليتيم أن يناول المسكين من مال اليتامى الكسرة، وخلق الثوب، والأفلس، أو يمر به سائل وهو في حائطه أو جرينه، فيناوله التمرات، وقبضة الطعام، أو الشربة من اللبن، لا بأس بهذا وشبهه للوصي يرجي بركته لليتيم وماله.
وقال أصبغ، في اليتيم تثبت عند القاضي حاجته وفاقته، فإن (كان) له ببلد آخر أموار، فليكتب إلى قاضي ذلك البلد: أن قبلنا يتيما يقال له: فلان بن فلان، وله أموال بعملك، وثبت عندنا أنه بحال مضيعة وفاقة لا مسد لها إلا ببيع بعض أمواله التي عندك، فإذا ورد عليك كتابي هذا، فأمر ببيع بعض أمواله قبلك/، وابعث إلينا بالثمن مع ثقة، فإذا قرأ الكتاب ذلك القاضي، فلينظر إلى أقل أمواله ردا عليه، وأحقها بالبيع، فليبعه بعد المزايدة والاستقصاء، فإذا بلغ في رأيه ورأي أهل النظر مبلغ الاستقصاء باعه وبعث بثمنه. قال: ويكتب المشتري وثيقة على لسان القاضي؛ فيكتب: أشهد القاضي فلان بن فلان، أن فلان بن فلان، قاضي بلد كذا، كتب إليه أن فلان بن فلان الفلاني، وهو يتيم قبله، ثبت عنده أنه احتاج ووصلت إليه فاقة لا مسد لها إلا ببيع بعض أمواله عندنا، وثبت كتابه عندنا، وأمرنا ببيع ما رأينا بيعه من ذلك، فأمرت بعرضه والمزايدة فيه، فلما بلغ ثمن رضيته، وهو كذا، أمضيته لفلان بن فلان، وقبضت الثمن منه. [8/141]
***(1/138)
[8/142] ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، في استئمار القضاة فيما يأمرون ببيعه من الحيوان في المواريث، فقال: الصواب أن يقول: اجمعوا الناس، ثم يبيعوا؛ لأني أخشى أن تمرض الحيوان، أو يحدث فيه حدثا إلى أن يستأمروه.
تم الجزء الثاني من آداب القضاة
بحمد الله وحسن عونه [8/142]
***(1/139)
[8/143] بسم الله الرحمن الرحيم ... ... ... عونك اللهم
كتاب الأقضية
فيمن يدعي عليه دعوى في مال أو غيره هل يحلف بغير خلطة بينهما؟
وذكر الخلطة والظنة الموجبة لليمين
من كتاب ابن سحنون، عن أبيه: قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز لا يحلف المدعي عليه، حتى يكون بينه وبين المدعي خلطة/ وملابسة.
قال سحنون: حدثني ابن نافع، عن حسين بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي، أن النبي عليه السلام قال: البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر. إذا كان بينهما خلطة، وهو قول المشيخة السبعة.
قال ابن المواز: فإذا ادعى قبل رجل حقا، فأنكر أن يكون حدث بينهما مخالطة، ولا بينة للمدعي، فلا يمين له حتى يقر له الآخر بخلطة، أو يقيم عليه بينة بخلطة. [8/143]
***(1/140)
[8/144] ومن المجموعة: ابن القاسم، وابن نافع، وعلي عن مالك، وهو الأمر عندنا أن ينظر، فإن كانت بينهما خلطة وملابسة، حلف المدعي عليه، وبري، فإن نكل، ورد اليمين على المدعي، حلف، وأخذ حقه.
قال سحنون في كتاب ابنه: ولا تجب اليمين عندنا إلا بخلطة، أو يكون الرجل منهما مأمونا فيما ادعى عليه، فإن اليمين تعلق المتهم، وتكون مثل الخلطة، وقد قال مالك في التي تدعي أن رجلا استكرهها، أنه إن كان ممن لا يشار إليه بذلك، حدت، وإن كان ممن يشار إليه بذلك، نظر فيه الإمام، فالتهمة توجب ما توجب الخلطة من اليمين.
ومن العتبية قال أصبغ: قيل لابن القاسم: ما الخلطة الموجبة لليمين؟ قال: يسالفه، يبايعه، ويشتري منه، ولو أقام بينة أنه بائع منه، وقبض الثمن، وقبض هذا السلعة، لم يوجب هذا اليمين، إلا أن يبايعه مرارا، فهي مخالطة، وإن تقابضا في ذلك الثمن والسلعة، ويتفاصلا قبل التفرق، فهي خلطة. وقاله أصبغ، وقال: كل مخالطة ثبتت بتاريخ قديم يمكن المعاملة/ بينهما ليبين بعدها، وإن لم تتصل، فانقطعت، فهي مخالطة، وقاله سحنون؛ وقال سحنون: ولا تكون المخالطة إلا بالبيع والشراء من الرجلين، ولو ادعى أهل السوق بعضهم على بعض، لم تكن خلطة حتى يقع البيع بينهما، وكذلك القوم يجتمعون في المسجد للصلاة والأنس والحديث، وادعى أحدهما على الآخر، فليس هذه الخلطة الموجبة لليمين في الدعوى.
ومن المجموعة، والعتبية: قال أشهب، وابن نافع، عن مالك في من أوصى أن له عند فلان كذا، قال: يحلف المدعى عليه، وإن أبى أن يحلف، غرم. قيل: ويحلف من غير خلطة؟ قال: ليس في مثل هذا خلطة. وقال ابن كنانة، قال: لأن قول الميت عند موته يوجب من ذلك ما توجبه المخالطة؛ لأنه أقرب ما يكون إلى الصدق. [8/144]
***(1/141)
[8/145] قال ابن حبيب: وتفسير المخالطة: أن تقوم البينة، أنه كانت بينهما مخالطة وملابسة في حق لا يعرفون له القضاء، فأما إن قبض حقه بالبينة، ثم ادعى حقا آخر غيره، لا يعرف له سبب، فلا نلحقه بالخلطة الأولى.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة: فإن أقام شاهدا على الخلطة، قال: شهادة رجل واحد، أو شهادة امرأة واحدة توجب اليمين انه خليطه. قال ابن المواز: إذا أقام بالخلطة شاهدا، حلف المدعي معه، ثم ثبتت الخلطة، ثم يحلف حينئذ المدعي عليه.
قال مالك في الذين اشتريا سلعة من رجل، ثم تقاضى أحدهما، فقال: دفعت إلى شريكي ذلك. فطلبه البائع، فأنكر، قال: لا يمين عليه، وليس هذه خلطة.
قال في كتاب/ ابن المواز: ومن ادعى على رجل بحق، فأنكر أن يكون جربت بينهما مخالطة، ولا بينة على الخلطة، قال: لا يمين له حتى يقر بمخالطة، أو يقيم المدعي بينة بالخلطة، وكذلك إن ادعى عليه كفالة، فلا يحلفه إذا لم تكن بينهما خلطة.
ومن كتاب آخر: قال المغيرة، وسحنون: أهل السوق وغيرهم سواء، لا تجب بينهم يمين إلا بخلطة.
قال يحيى بن عمر: وأما الصناع، فعليهم اليمين لمن ادعى عليهم في صناعتهم، وإن لم يأت بخلطة؛ لأنهم منصوبون للناس.
ومن العتبية، والمجموعة: ابن القاسم عن مالك، فيمن أقام شهودا عدولا على رجل بحق، فأقام الرجل بينة أنهم معادون له فسقطت شهادتهم، قال: فهم كمن لم يشهد. وكأنه رأى ألا يحلف. [8/145]
***(1/142)
[8/146] وقال سحنون في العتبية: لا يحلف ومن سماع عيسى، قال مالك: كل من شهد فردت شهادته؛ لأنه متهم، أو غير عدل، فلا يمين على المشهود عليه.
قال أبو بكر بن محمد: وقد قيل: يحلف.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن المواز: وكذلك كل دعوى تكون، ثم تسقط بسقوط البينة، فلا يمين له عليه. أشهب: وكذلك في تهاتر البينات إذا أكذب بعضهم بعضا، فاستووا في العدالة. قال: إذا قال المدعي عليه: قد كانت بيننا خلطة وانقطعت. فإن ثبت انقطاعها، لم يحلف إلا بخلطة ثانية، يقيم بينة أنه أحدثها بعد المنقطعة، وإذا قضى له اليوم عليه بمائة دينار، أقام فيها بينة بقبضها، ثم جاء في الغد يدعي عليه حقا آخر، فلا يمين له عليه، بسبب تلك/ الخلطة، لانقطاعها حتى يقيم بينة على خلطة لم ينقطع أمرها.
ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز: قال مالك، في من ابتاع أبصا فانتقلها، ثم أقاله فردها عليه المبتاع، فحلف البائع، ليحلفنه عن المنبر أنه ما خلطها بشيء إن وجب له. قال مالك: أرى عليه اليمين.
قال محمد: إذا أقاله، ثم أخرجها إليه، فقال: ليست هذه جلودي، أو هذه أقل من عددها. قال: إن قال: ليست من جلودي. فالقول قوله مع يمينه، إلا أن يكون أحدهما على الخيار، أو على أن يزنها، أو على أن يعدها لنفسه.
قال ابن عبدوس، وابن سحنون: قال مالك، في المأذون يبيع متاعا من قوم، فادعوا أنهم دفعوا إلى سيده بعض الثمن، قال: أكان سيده يقتضي؟ قال: نعم. قال: فليحلف السيد والعبد فيما ادعى عليهما.
وقال مالك في من أوصى في ديونه أن تقتضي، وأن يقضي ما عليه، فوجد له صك بأربعة عشر دينارا، وفي أسفله بخط الميت: قبضت منه ثمانية دنانير بما في[8/146]
***(1/143)
[8/147] هذا الكتاب، هل يحلف المطلوب ويبرأ من الثمانية؟ قال: يبرأ منها بلا يمين، ويؤخذ منه ما بقي.
ومن كتاب ابن عبدوس، قال ابن كنانة في من أوصى أن لفلان عليه دين، فطلب ورثته يمين المقر أن حقه لحق، قال: لا يأخذ هذا حتى يحلف، وقد قضي عندنا في مثل هذا مرة باليمين، ومرة بغير يمين.
قال ابن كنانة: وإن قال عند الموت: لي عند فلان سبعة دنانير، ثم مات، فقال المطلوب: بل له عندي أكثر. قال: يؤخذ منه ذلك بغير يمين. وكذلك/ لو لم يقر إلا بالسبعة فقط، فأما إن أقر بأقل منها، فعليه اليمين فيما زاد على إقراره.
قال مالك في الذي يوصي فيقول: ما دفع إليكم شريكي فصدقوه بغير يمين، فأحضر إلى السلطان فأتى بما بيده من عين، فقسمه بينه وبين ورثة شريكه، ثم أقام يقتضي الديون ويقسم نحو عشرين سنة، وكتب له السلطان براءة من ذلك، وبقي بينهما دين، فبلغ الورثة، فإن ادى يمينه فيما اقتضى فلينظر السلطان، ويكشف أمره، فإن رأى أمرا صحيحا، لم يستحلفه، وإن استنكر شيئا، فليحلفه، قيل: أبعد عشرين سنة؟ قال: نعم، وهذه المسألة في العتبية من سماع ابن القاسم. وذكرها ابن سحنون.
قال مالك في من بينه وبين رجل خلطه في مال، فتخاصما نحوا من شهرين، وكانت له عنده ثمانية دنانير غير ذلك، فاقتضاها منه، فقال له؟ دفعتها إليك. فأنكر، فاستحلفه، فقال: إنما تريد يمين لمكان ما بيني وبينك. قال: أرى أن يحلفه، ولا يمنعه ما بينهما من إحلافه.
قال مالك في مريض حاسب مخالطه في بيه فأدرك عليه فضلا، فأشهد عليه به، ثم تقاضاه ولد الميت فمطله نحو عامين، ثم قال للابن: احلف. قال: لا يمين عليه. [8/147]
***(1/144)
[8/148] قال ابن نافع عن مالك، في من أمره أبوه أن يقضي دينا عليه، فقضاه عن أبيه لرجل، وزعم أنه قضاه من ماله، وأن أباه لم يدع مالا، فطلب من له دين غيره يمينه: أن أباه لم يأمره أن يقضينا كما أمره في الذي قضاه. قال: ليس إنما عليه أن يحلف أن أباه/ ما ترك مالا، لا على أنه لم يأمره بالقضاء. ولو قال: قد أمرني، ولا أفعل. كان ذلك له.
قال ابن نافع عن مالك، فيمن أسلف رجلا دراهم أمر له بها عند صراف، فتقاضاه، فقال: دفعتها إلى الصراف حسبته وكيلك، قال: عليه أن يؤديها، قال: أفيحلف الصراف، قال: إن كان متهما، وإلا فلا، وقال ابن نافع: يحلف على كل حال.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن نافع عن مالك، في من توجد بيده السرقة، فيقول: اشترتيها من السوق، ولا أعرف بائعها قال: يأخذ المتاع ربه بعد يمينه: أنه ما خرج من ملكه، وينظر في الذي وجد بيده، فإن كان من أهل الصحة، لم يعرض له بيمين ولا بغيرها، وإن كان من أهل التهم، حبس وعوقب بقدر ما يكون ثمنه، وإن بقى للطالب شيء من المتاع، حلف في المتهم بعد أن بلا في اليمين.
من كتاب ابن المواز: وإنما اليمين مع تحقيق الدعوى، أو تحقيق الإنكار، فول قال رجل لرجل: أنا أظن أن لي عليك يا فلان دينا، فاحلف لي. وبينهما المخالطة، لم تلزمه يمين إذ لم يحقق الدعوى، وكذلك فلا يمين على المدعى عليه الدعوى الصحيحية إذا لم يحقق البراءة منها فيغرم، حتى ينكره إنكارا بينا فيحلف. ولو أقام شاهدا على حق له، وقال المدعي: ولا أدري أقضاني أم لا؟ لكن يحلف أنه قضاني، لم تلزمه يمين أيضا، وقد استغنى عن الشاهد، ولو قال الآخر: قد قضيته. برئ بلا يمين، ولو ادعى عليه دعوى أثبتها ولم يحلف مع شاهده، لحلف المطلوب، فإن قال: أحلف ما أعلم لك علي حقا لزمه/ الغرم بلا يمين. [8/148]
***(1/145)
[8/149] في الدعوى في النكاح والطلاق والعتق والحدود والجراح والدم والغصب ونحوه، وما يوجب اليمين في ذلك
وهذا الباب قد جرى منه في الثاني من الشهادات ذكر دعوى الزوجة الطلاق، والعبد العتق، وفي كتاب العتق من هذا.
من كتاب الدعوى والبينات لأشهب، وهو في كتاب ابن سحنون: وإن ادعت امرأة أن زوجها طلقها، ولا بينة لها، فلا يمين عليه، إلا أن يكون لدعواها وجه تلحقه به تهمة، فيحلف.
قال: وإن ادعى على رجل جرحا عمدا أو خطأ أو دما، فإن لم يأت ببينة، حلف المدعي عليه – يريد إن كان لطخ يوجب اليمين- فإن حلف برئ، وإن نكل، فعليه القصاص فيما دون النفس.
وقد قال بعض العلماء: لا يقتص منه، وأما في النقس، فيبدأ المدعون للدم بالقسامة بأيمان القسامة – يريد إن قام لطخ يوجبها- فإن أبوا، حلف القاتل، فإن نكل، سجن حتى يحلف، فإن طال سجنه، وأيس أن يقر ويحلف، كان عليه الدية – يريد في ماله- ولو أقر الجارح بجراحة عمدا، فادعى المجروح أنه صالحه فيها بمال، فأنكره، فالمجروح مدع، فإن جاء ببينة، وإلا حلف الجارح، فإن حلف، برئ من المال والقصاص؛ لأن المجروح أبرأه منه، واعى مالا. وكذا لو قال رجل: قد وجب دمي لك. وقال الآخر: لم يجب. لم أمكنه منه، قال: فإن نكل الجارح عن اليمين، حلف المجروح، وأخذ ما ادعى من الصلح.
قال ابن حبيب: قال أصبغ: من ادعى أن رجلا قذفه، فإن ذكر أن له بينة حاضرة/، أجلس القاضي القاذف عنده، وأمر المقذوف بإحضارها، وإن ادعى بينة غائبة أو بعيدة، لم يسجن له القاذف، ولا أخذ عليه حميلا.ولو أقام عليه شاهدا أو شهودا لا تعرف عدالتهم، فليحبسه حتى تعدل، أو يأتي بآخر، فإن ثبت عليه فقال القاذف: لي بينة على أنه كما قلت: فإن كانت حاضرة في [8/149]
***(1/146)
[8/150] السوق ونحوه، حبسه عنده، وقال له: أرسل رسولا وراء بينتك، وإن كان أمرا يطول، ضربه الحد، ولم يؤخره، وإن ادعى عليه أنه جرحه، أو ضربه ضربا زعم أنه يخاف عليه الموت، والمرمي منكر، فلينظر، فإن كان بالمدعي أثر ضرب مخوف أو جراح، أمر بسجن المرمى، وسأل المدعي عن بينته، وأجل له بقدر قربها وبعدها، فإن جاء ببينة، اقتص له من الخارج، وإن لم يأت ببينة، ومن يلطخ، أو أسباب، أو بشاهد واحد، أو ببينة غير قاطعة، تمادي في سجنه، وإن لم يأت بشيء من ذلك، أطلقه، وكذلك إن أدى أنه قتل له وليا، فإن كان ممن يتهم بذلك، سجنه له مكانه، وسأله عن بينته، فإن جاء بها، نظر له، وإن لم يأت بها، وجاء بلطخ أو سبب، تمادى في سجنه، وإن لم يأت إلا بمن يشهد أنه قتل لهذا ولي لا يدرون من قتله، تمادى في سجنه إن كان ممن يتهم، وهو دون سجن الآخر الذي جنى عليه بلطخ، وإن لم يكن ممن يتهم، لم يسجنه بدءا حتى يشهد له أنه قد قتل له ولي، فليسجنه، وسئل الآخر البينة، ويؤجل له بقدر ما يذكر من بعدها، فإن جاء إلى الأجل مما يستوجب به السجن، وإلا أطلقه، ولا يسجنه أبدا إذا لم يكن من أهل التهم، إلا أن يأتي بسبب،/ مثل أنه قتل له ولي، وشبهه، وأما بدعواه معراة من سبب، ولا يعلم أحد أنه قتل له ولي، فلا يحبس إلا أن يكون من أهل التهم.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومدعي الضرب على رجل، فلا يمين عليه إلا أن يكون لذلك سبب من مشاتمة أو منازعة تشهد عليها العدول، وإن لم يشهدوا على الضرب.
ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك، في من أقام شاهدا أن فلانا شتمه قال: لا يقضي في هذا بشاهد ويمين، ولكن إن كان الشاتم معروفا بالسفه والفحش، عزر. [8/150]
***(1/147)
[8/151] قيل: أفعلى الشاتم يمين؟ قال: نعم ولعسابه ازاره وليس كل ما رأى المرء وأراد أن يجعلوه سنة.
قال ابن القاسم: وإذا ادعي القاتل أن ولي الدم عفا عنه، فله أن يحلفه، فإن نكل، ردت اليمين على القاتل.
وقال أشهب: لا يحلف ولي الدم؛ لأنه إن استحق بقسامة فاتت يريد تكرارها عليه، وإن استحق ببينة وأنت تريد أن توجب عليه القسامة بدعواك، فإن قلت: أحلفوه يمينا واحدة. فليس من الدماء أيمان إلا القسامة، وليس في هذا الخلطة، أرأيت إن حلفه، فلما قرب للقتل قال: قد عفا عني ثانية. أيحلف له إن ادعى أن أخاه مملوك أو مرتد، أيحلف له؟
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك، في عبد من الحوائط، أتى به رجل ودم الرجل يسيل، يقول: ضربني فضرب وسجن، ثم أتى به آخر، فضرب به وسجن، ثم أتى به آخر ودماه تسيل، فأنكر العبد، قال: يحلف العبد ويرحل.
أشهب، عن مالك، في من مات ولم يترك فضلا عن دمه، إلا عشرة دنانير، فكفنه الورثة منها بخمسة، وأبت زوجته/ أن تجيز، فلينظر في ذلك ويقومه قيل: إنهم ادعوا أنها رضيت بذلك، وأذنت فيه، هل يحلفونها؟ قال: ما علمت ذلك لهم.
ومن كتاب ابن سحنون: كتب إليه شرحبيل في رجال ادعوا على قوم أنهم غضبوهم مالا، وهم لا يعرفون بالغصب، ويعرفون بالصلاح، فلا يمين عليهم، وكتب إليه أن قوما من الحضرميين، وجماعة من الغافقيين اقتتلوا، فجرح من كل فريق سبعة، وأقر كل فريق منهم أنهم جرحوا الفريق الآخر، ولم يقرا أحد منهم لأحد بعينه، قال: فكتب إليه: من ادعى من المجروحين على رجل أنه جرحه، فأحلفه، [8/151]
***(1/148)
[8/152] واقتص له منه إن كان مما فيه قصاص، وإن لم يعرفوا بعينه، فاحمل جراح كل فريق على الفريق الآخر في أموالهم.
قال محمد بن عبد الحكم: والمطلقة واحدة إذا ادعت أن زوجها ارتجعها، فلا يمين عليه في هذا، ولا في النسب، ولا في النكاح، ولا في الإيلاء: أن لم يراجعها، ولو قال: قد جئت إليها. وأنكرت، أحلف.
وإن شهد شاهد على رجل أنه شرب خمرا، أو أنه سرق، فلا يمين عليه، وإن شهد أنه قذف رجلا، أحلف له، هذا حق الآدميين.
ذكر اليمين، وكيف يحلف؟ وأين يحلف؟
ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: يحلف المدعي عليه، أو من يقيم شاهدا بالله الذي لا إله إلا هو، لا أعرف غير هذا، ولا زيادة عليه قال ابن المواز: قال ابن القاسم: وكذلك في اللعان، والقسامة، وقد كان قال مالك، وابن القاسم: أنه يحلف في القسامة: اقسم بالله/ الذي أمات وأحيي، وأما الذي يقول ابن القاسم، وأشهب، وهو قول مالك: والله الذي لا إله إلا هو- فقط إن فلانا قتله، وإن فلانا ضربه. قال مالك، في موضع آخر: لهو ضربه ولمن ضربه مات، قال أشهب: ولو لم يذكر الضرب، وقال لفلان: قتله. لأجزأه ذلك، لأن القتل يأتي على ذلك. ورأينا المدنيين يزيدون في اليمين عند المنبر: الرحمن الرحيم. وأبى ذلك مالك، قال ابن المواز: وهو قول عبد الملك في اللعان.
قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يؤخذوا بأن يقولوا مع ذلك: عالم الغيب والشهادة، ولا الطالب المدرك.
قال مالك: هذه أيامن الأعراب. [8/152]
***(1/149)
[8/153] قال محمد: وقال عبد الملك: يحلف في القسامة كما يحلف في الحقوق: لقد مات من الضرب الذي شهد فلان وفلان أن فلانا ضربه إياه تردد هكذا أيمانهم، إلا أنه قال: ويزيدون في أيمانهم: عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. قال أشهب، عن مالك: لم يحلف بهذا في القسامة إلا حديثا، ولا أدري ذلك.
قال أشهب: وإن حلف، فقال: والذي لا إله إلا هو، لم يقبل منه، وكذلك لو قال: والله. فقط لا يجزئه حتى يقول: والله الذي لا إله إلا هو.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة، عن مالك: ويحلفون في القسامة واللعان، وفيما بلغ من الحدود ربع دينار فأكثر، عند المنبر، بالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم. فيما يحلف فيه يمين واحد، حلف هكذا، وما تردد، رددت هكذا.
وذكر ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون، أن الأيمان في الحقوق والدماء اللعان: بالله الذي لا إله إلا هو، وفي كل ما فيه اليمين على المسلمين، أو النصارى، أو اليهود، أو المجوس.
قال في كتاب ابن المواز: ويمين العبد والنصراني في الحقوق سواء، ويحلف النصراني حيث يعظم، ولا يحلف إلا بالله، ويحلف مع شاهده، قضي له على مسلم أو غيره، وكذلك المجوسي.
ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: وكل ما له بال، فليستحلف فيه في المسجد الجامع. قيل: عند المنبر؟ قال: لا أعرف المنبر إلا منبر النبي عليه السلام، ولكن حيث يعظم منه.
وقال عنه ابن وهب: لا يستحلف عند منابر المدائن، إلا عند منبر النبي عليه السلام. [8/153]
***(1/150)
[8/154] قال مالك: فان قضي عليه باليمين عند المنبر، ما أرى أن يحلف، وحلف في مقامه، قال: يقضي عليه.
قال سحنون: يعني بعد رد اليمين على الطالب.
قال ابن وهب: قال مالك: لا يستحلف عندنا عند المنبر، إلا في ربع دينار فأكثر.
قيل لسحنون: فإن بعض المكيين قال: إن كان الحق عشرين دينارا أو قيمتها، أو دما أو جراحة فيها قود، أو حد، أو طلاق، حلف بين البيت والمقام، وإن كان بالمدينة، فعلى منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بيت المقدس، ففي مسجده.
وأحب لو حلف بعد العصر، وقد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف؛ قال: فذلك عندي حسن، قال: فان كان الحق أقل من عشرين، أو ما أرشه من الجراح اقل من عشرين، أحلف في المسجد، أو في مجلس الحكم؛ فقال سحنون: لسنا نعرف هذا، والذي قضي به بدار الهجرة ما قال مالك.
قال ابن القاسم عن مالك، في كتاب ابن سحنون، وابن المواز، والعتبية، في من باع ثوبا فرد عليه بعيب، فادعى أنه بينه/ له، فأنكر، فأراد يمينه عند المنبر، فقال: إنا لنقول: لا يستحلف عند المنبر إلا في ربع دينار.
قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن كان نقصان الحرف أكثر من ربع دينار، لم يحلف إلا في الجوامع.
قال في كتاب ابن المواز: وإذا كان لرجل ربع دينار على رجال، ولرجلين ذلك على رجل، لم يحلفها في المسجد الجامع، ولا عند المنبر.
قال: ويحلف المسلم، حرا أو عبدا مع شاهده في المسجد الجامع، في ربع دينار فأكثر، وفي المدينة على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في موضع آخر: في ثلاثة [8/154]
***(1/151)
[8/155] دراهم، وهو ربع دينار، وهو الذي جاء فيه القطع، فأما أقل: فليحلف في مقامه، ولا يحلف في مساجد القبائل في ربع دينار، ولا أقل ولا أكثر.
ومن كتاب ابن سحنون، والعتبية: ابن القاسم، قال مالك، إذا كان على جماعة ذكر حق بربع دينار، لم أر أن يحلفوا عند المنبر، قيل لمالك: أيستحلف عند المصحف؟ قال: بل يستحلف في المسجد.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: يستحلفون في كل ماله بال، أو في ربع دينار، في المدينة: عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وبغيرها: في مسجدهم الأعظم، حيث يعظمون منه، أو تلقاء قبلتهم، ومالا يبلغ ربع دينار، فيحلف الرجل في مكانه، وكذلك المرأة في بيتها، يحلفان جالسين إن أحبا، ولا تخرج فيه المرأة، ويجزئ القاضي في ذلك إرسال واحد يحلفها.
ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: يحلف على منبر النبي عليه السلام، في ثلاثة دراهم، وهو كان ربع دينار. قيل له: أفيحلف في مساجد الجماعات بالأمصار في مثله/؟ قال: ما علمت.
قال ابن القاسم: وسئل مالك: هل يستحلف في المسجد المرأة والرجل؟ قال: نعم إذا كان المال كثيرا.
قال عنه ابن القاسم، في كتاب ابن المواز: يحلف في مساجد الجماعات فيما له بال.
قال ابن القاسم: ولا أشك أنه أرى أن يحلف فيها في ربع، وإنا نراه حسنا.
وقال محمد بن عبد الحكم: وللطالب أن يحلف المطلوب في المسجد، إلا أن يرضي بيمينه في منزله، فإن أحلفه في منزله، فلا يمين عليه بعد ذلك.
ويستحب للإمام تخويف المطلوب من اليمين قبل اليمين، وقد كتب به ابن [8/155]
***(1/152)
[8/156] عباس، إلى ابن أبي مليكة، يقرأ عليه (إن الذين يشترون بعهد الله أيمانهم ثمنا قليلا) الآية: فاعتبر.
ومن كتاب ابن سحنون: قيل لمالك: أفيحلف قائما أو قاعدا؟ قال: قائما أبين عندي.
قال مالك: يحلف في القسامة قائما. قال عنه ابن القاسم: يحلف في القسامة في المساجد، وعلى رؤوس الناس، وفي دبر الصلوات.
قال مالك: وكذلك اللعان في المساجد، وعند الإمام. وذكر يمين القسامة في الأمصار. ومن كم يحلف إليها، في المدونة، مستوعب. قال ابن القاسم، عن مالك: ويحلف الرجل قائما، إلا من به علة.
قال ابن كنانة: إنما يحلفون في مدائنهم، وأمصارهم جلوسا، لا يحلفون قياما، ويحلفون في أعظم الأماكن عندهم؛ في مساجد جماعتهم، ويتحرى، بأيمانهم في المال العظيم، وفي الدماء، واللعان: الساعات التي يحضر الناس فيها المساجد، ويجتمعون للصلاة، وأما سوى ذلك من حق ومال، ففي كل حين./
قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: ولا يحلف دبر الصوات، إلا في الدماء، واللعان، فأما في الحقوق؛ فوقت ما حضر الإمام، حلفه.
وقاله ابن القاسم، وأصبغ.
قيل لسحنون: واليمين بين الركن والمقام بمكة، هل هو مثل اليمين بالمدينة على المنبر؟ قال: لا.
قيل لابن القاسم: أفيستقبل بالحالف القبلة؟ قال: ما سمعت.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: يستحلف الرجال والنساء قائمين، مستقبلي القبلة، ما ادعى عليهم أو اقتطعوه بأيمانهم سواء إذا كان ربع [8/156]
***(1/153)
[8/157] دينار، فإن لم يبلغه، فإنما يحلفون جلوسا إن أحبوا، ويحلف الرجل في مكانه الذي قضي عليه فيه والمرأة في بيتها.
ومن كلف فيما له بال أن يحلف في المسجد عند المنبر أو ما أشبهه من المواضع؛ فقال: أنا أحلف في مكاني، فهو نكوله عند اليمين إن لم يحلفه في مقاطع الحقوق، غرم إن ادعى عليه أو بطل حقه إن كان مدعيا، وكذلك قضى مروان على زيد بن ثابت.
ومن كتاب ابن سحنون، وهو في العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، قال مالك في عبد حنث في يمين بطلاق، وقال: حلفت بواحدة، وسيد زوجته يشهد عليه، ونسي السيد يمينه، فاستحلف العبد، فحلف أنه ما حلف إلا بطلقة، أيجزئه؟ قال: لا يجزئه حتى يحلف عند المنبر.
وقال ابن وهب، عن مالك: إن المرأة تحلف في المسجد – يريد الجامع- تخرج بالليل إليه.
قال ابن القاسم: تخرج فيما له بال؛ فمن كانت تخرج منهن بالنهار، خرجت/، وإلا خرجت بالليل، وقال في كتاب المواز مثله.
قلت لمحمد: أفي ربع تخرج؟ قال: لا، إلا في الشيء الكثير الذي له البال. ومنهن من هي كالرجل؛ تخرج، فهذه تحلف – بالنهار في المسجد الجامع، في ربع دينار. وفي المدونة زيادة في هذا المعنى.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ومن لا تخرج من النساء نهار، فلتخرج بالليل، في ربع دينار فأكثر.
قال سحنون في كتاب ابنه، في امرأتين؛ ادعي عليهما في أرض ودور، وهما ممن لا يخرج، فأمر أن يخرجا إلى الليل في الجامع، فسألناه أن يحلفها في أقرب المساجد منهما، وشق عليهما الخروج إلى الجامع، فأجابها إلى ذلك. [8/157]
***(1/154)
[8/158] قال مالك في كتاب ابن سحنون وغيره: يستحلف النصارى حيث يعظمون من كنائسهم وغيرها.
قال ابن القاسم: ولا أرى أن يستقبل به القبلة.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: يحلف النصارى، واليهود، والمجوس، حيث يعظمون من كنائسهم، فيرسل القاضي في ذلك رسولا، ولا يحلفهم إلا بالله. وكذلك روي عن مالك.
في اليمين على أصل المعاملة، أو يحلف ما لك علي حق وفي اليمين على البت أوعلى العلم وهل يحلف فيما وليه غيره؟ وهل يحلف من أقام البينة؟
من كتاب ابن المواز، ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وعن من حجد ما ادعي عليه، فأراد طالب الحق أن يحلفه: ما أسلفتك شيئا. وقال الآخر: أحلف: ما لك على شيء. قال أرى أن يحلف: ما لك عندي/ حق، وما الذي ادعيت علي إلا باطل. فإن نكل، حلف الطالب استحق. وقال: هذا يدرك. قال أصبغ: وقد حضرت ابن القاسم، وقد حكم بأن يحلف: ما أسلفته شيئا. وكذلك في المدونة، وفي كتاب ابن القاسم، من أول المسألة مثله أيضا.
قال ابن حبيب: قال مطرف فيمن ادعى أنه باع من رجل بيعا، وبقي عليه الثمن، فأنكر المدعى عليه، فيحلف، فيقول: تحلف أنه لا حق لك قبلي. ويريد الطالب بيمينه: أني ما بعته. قال: يحلف على ما ادعى الطالب وذكر، وقاله مالك، وقال: يريد أن يدرك هو الإلغاز إلى أنه قضاه. [8/158]
***(1/155)
[8/159] وقال ابن الماجشون: إذا حلف: ما لك علي من كل ما تدعيه قليل ولا كثير. فقد برئ. وبه أخذ ابن حبيب، إن كان المدعي عليه ممن لا يتهم، والمدعي من أهل الظنة، والطلب بالسنة. قال مطرف: ويحلف الورثة في مثل هذا: أني ما أعلم الميت ابتاع منك ما تقول، ولا أعلم لك عليه حقا. ولا يمين على من كان منهم غائبا أو صغيرا في حياة الهالك، وكذلك فيما أقاموا فيه بينة بحق للمالك، ويثبت، فليحلف الكبير بالله ما علم وليه اقتضى هذا الحق حتى مات، وليس عليهم أن يحلفوا: إن هذا الحق لحق.
وليس على من أقام بينة بحق أن يحلف أن حقه حق، إلا أن يدعي المطلوب أنه قد قضاه، فيحلف: ما اقتضاه. ورواه ابن القاسم عن مالك، وقال مثله كله ابن الماجشون.
ومن كتاب ابن المواز: عن مالك في البائع يجحد الثمن، فينكره المبتاع البيع، ويريد أن يحلف: ما له عندي شيء. قال:/ يحلف: ما اشترى منه سلعة كذا.
ومن كتاب ابن سحنون وغيره: قال: ويحلف الرجل في حق نفسه على البت، وفيما عليه نفسه على البت، مثل أن يكون له حق، فيدعي المطلوب منه البراءة، فيحلف الطالب: إن هذا الحق – يسميه – لثابت عليه. وإن كان الحق لأبيه الميت: حلف على البيت في نفسه، وعلى علمه في أبيه: ما يعلم أنه اقتضاه، فإن قام عليه شاهد، قال في اليمين، إن ما شهد به فلان بن فلان على فلان بن فلان لحق ثابت عليه.
قال ابن المواز: يحلف مع الشاهد في حق أبيه الميت على البت، كما شهد شاهده.
ومن كتاب ابن سحنون: وكان سحنون إذا قال الخصم: لا أقر ولا أنكر. وقال: ماله عندي حق. والآخر يدعي دعوى، يقول: أسلفته. أو: بعته. أو: أودعته. فكان لا يقبل قول المدعى عليه: ما له عندي شيء حتى يقر بالدعوى [8/159]
***(1/156)
[8/160] نفسها، أو ينكرها، فيقول: ما باعني، ولا أسلفني، ولا أودعني. فإن تمادى على اللدد، سجنه، فإن تمادى، أدبه، وكذلك إذا تمادى في أن لا يقر ولا ينكر. وأما قوله: ما له عندي حق. فكان ربما قبل ذلك منه، وأمر يكتب دعوى المدعي، وإنكار الآخر، وربما لم يقبل منه حتى يقر بالشيء بعينه أو ينكره، ورجع إلى هذا في آخر أيامه.
قال: ويحلف من قضي له على ميت بدين: أنه ما قبض شيئا منه، ويحلف فيما قضي له به من الاستحقاق: أنه ما باع ولا وهب. وفي كتاب الوكالة مسألة لابن الماجشون، في العبد يموت وله دين، فتقوم فيها البينة، ويزعم الغرماء أنهم دفعوا بعضها إلى السيد، يحلف أنه ما علم أن العبد قبض شيئا من ذلك.
ولو وكل/ السيد من طلب ذلك فأثبته، فقالوا: لا ندفع حتى يحلف السيد. وهو ببلد آخر، قال: يعجلوا الدين، فإذا اجتمعوا مع السيد، حلف لهم، ولا يحلف الوكيل.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: ويحلف الرجل في الحق الذي له والذي عليه على البت، وما ورثه عن أبيه، حلف فيه على العلم، مثل أن يحلف أنه ما يعلم أن أباه قبض هذا الحق ولا قيم له قابض، وإن طلب منه اليمين أنه هو لم يقبضه، حلف على البت، وكذلك في كل ما وليه هو بنفسه، وأما اليمين مع الشاهد، فلا يحلف إلا على البت على ما قال الشاهد، كان الحق ورثه عن أبيه، أو كان له مما وليه بنفسه؛ لأن يمينه بدل من شاهد آخر.
قال مالك: ويمينه فيما يقضي له به من أبيه، أو عبده، أو غيره، أو شيء يستحقه: أنه ما باع ولا وهب، ولا خرج من يديه بوجه ما يخرج به من الملك.
قال: والبينة إنما يقولون: لا نعلمه باع ولا وهب. وشهادتهم على البت، أنه ما باع ولا وهب، شاهدة مردودة. قال ابن كنانة: ويقولون: إنها له على [8/160]
***(1/157)
[8/161] البت، وإنهم لا يعلمونها خرجت من ملكه بوجه ما يخرج من السلعة من الملكئ، فيقولون هذا على العلم، والملك على البت.
قال مالك: ومن أقام شاهدين في حق، فلا يحلف معهما إلا أن يدعي أنه قضاه، فليحلف له، فإن نكل، حلف الآخر وبرئ، وإنما يحلف من أقام البينة فيما يستحق من الأشياء؛ لإمكان أن يدعي من يرجع علهي عهدته من البائعين أن هذا باعه منه، أو وهبه له، ويحلف فيما يقيمه من البينة في حق على ميت؛ لإمكان/ أن يدعي الميت أنه قضاه. وقال مالك، في عبد مأذون باع متاعا من قوم، وعلى ذلك بينة، فادعوا أنهم دفعوا إلى سيده، فإن كان السيد كان يقتضي، فيحلف هو والعبد فيما ادعي عليهما. وقد قالك ذلك ابن كنانة فيما ذكرنا في هذا الباب.
من كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون، في عبد هلك بالحجاز، وسيده بالقلزم، فوجد له أذكار حقوق على الناس، فقام وكيل مولاه بها، فأثبتها، فادعوا أنه قبض أكثرها، وقالوا: يحلف السيد على ما قبضه غلامه، ونحن نوقف الحقوق حتى يحلف السيد، قال: للوكيل قبض الحقوق إذا لم يكتبوا بما يراه، فإذا اجتمعوا مع السيد، أحلفوه: أنه ما علم عبده قبض شيئا من ذلك.
في المقضي له بالسلعة، هل يحلف ما باع ولا وهب؟ أو يقيم بينة على حاضر أو غائب هل يحلف معهما؟ وهل يحلف أنه ما قبضه؟ أو يحلف ورثته أو وكيله؟
من المجموعة: ابن القاسم، عن مالك، في من أقام بينة في عبد أو دابة، أو ثوب بيد رجل، أنه له، لا يعلمونه باع ولا وهب، ولا خرج من ملكه، قال: فهذا يستوجب ما ادعى، ويحلفه الإمام مع ذلك: أنه ما باع ولا وهب، ولا خرجت من ملكه بشيء، يحلف على البت، وكذلك لو قال: أعرته ذلك. أو: [8/161]
***(1/158)
[8/162] استودعته. فهو مثل السارق إن قامت له البينة أنه ثوبه، فليحلف: أنه ما باعه ولا وهبه، ولا خرج من ملكه، ثم يأخذه. وقاله كله أشهب.
قال ابن القاسم/: بعيد الغيبة، أنه ينفذ القضاء لوكيله، ويؤخر يمينه حتى يقدم، على ما قال محمد.
في النكول عن اليمين، وفي رد اليمين
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: قال مالك وأصحابه: لا يجب الحق لنكول المدعي عليه عن اليمين، حتى يرد اليمين على المدعي، فيحلف. ولم يختلف في ذلك أهل المدينة، وبه حكم أئمتهم.
قال مالك: وإذا جهل ذلك الطالب، فليذكر ذلك له القاضي حتى يحلف الطالب؛ إذ لا يتم الحكم إلا بذلك.
قال أشهب: ولم يختلف أهل العلم أنه لا يقضي بالنكول حتى يرد اليمين على الطالب، وقد رد شريح اليمين على المدعي بعد نكول المدعي عليه، وقضى به الشعبي على ابن شبرمة، وقضى به الضحاك. وقاله محمد بن سيرين. وقاله الليث ابن سعد، وليس حجة من احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه. لأن ذلك ليس بمانع أن يحلف المدعي، وليس قول من قال: لم يسمع بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على من سمعه. وقد حدثنا ابن لهيعة، عن سالم، بن غيلان، أن النبي عليه السلام قال ذلك، ولو لم يأت ذلك، لم يكن الحديث الأول مانعا من ذلك، إنما هو تعريف من يبدأ باليمين، ومن هي عليه، ومن [8/162]
***(1/159)
[8/163] عليه البينة، وذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أعتق شركا له في عبد، قوم عليه. ولو كان الذي لم يعتق شيئا أن يعتق، لكان له ذلك عند العلماء، وليس هذا في الحديث، لكن فارقهم معنى الحديث أنه أريد تخليص العبد من الرق، وأن لا يضر بالتمسك بالرق أيضا/ بما نقصه العتق الذي أحدث هذا، وقد روي فيه أيضا جبران المتمسك وصب في تضمينه، فأعتقه، ولو لم يأت هذا لكان فيما ذكرنا دليل أنه نهى النبي عليه السلام، أن تباع الثمار حتى يبدو صلاحها.
ولو لم يقل: فإذا بدا صلاحها ببعت. ففهم هذا بالمعنى، لا يختلفون فيه. وقوله عز وجل (فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن). وقد ينفق على المطلقة واحدة وهي غير حامل، وليس ذلك في النص، ولكنه مستدل عليه. قال سحنون: ومن زعم أن النكول عن اليمين كالإقرار، لزمه أن من ادعى علىر رجل أنه قتل وليه أو عبده عمدا، ولا بينة له، فاستحلف المدعي عليه فنكل، أن يكون ذلك إقرارا، وهذا خلاف جميع العلماء، وإن قالا: يسجن أو يغرم الدية. وقد اختلفوا فيه، فقد خصموا وفرقوا بينه وبين الإقرار، إذ لا يقبل بالنكول أحد، ومن قولهم: أن نكول الملتعنة عن اللعان، أن يحبس ولا يجلس، فلو كان إقرار، لزمها الحد.
قال سحنون: وإذا لم يحلف مع شاهده، حلف المدعى عليه، فإن نكل ها هنا غرم، ولا ترد اليمين على الطالب، بخلاف الذي لم يأت بشاهد؛ لأن هذه يمين قد ردت إذا كانت على الذي أتى بالشاهد فنكل، فردت على المطلوب، [8/163]
***(1/160)
[8/164] وهي إذا لم يأت بشاهد على المدعى عليه، فإن نكل، ردت على المدعي، وإن حلف، فلا شيء له. وهذا قول مالك. وقضى به عمر بن عبد العزيز.
قال ابن المواز: قال مالك: ومن ابتاع عبدا بيع براءة ثم ظهر على عيب قديم، فيحلف البائع: أنه ما علم به، فإن نكل/ رد عليه العبد، ولا يمين على المبتاع في هذا.
ومن كتاب آخر: قال أصحاب مالك في المودع يدعي ضياع الوديعة، فأكذبه ربها، وقال: أكلتها. فالمودع مصدق، إلا أن يتهم، فيحلف، قال محمد ابن عبد الحكم: فإن نكل، ضمن، ولا ترد اليمين ها هنا على ربها.
ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا وجبت القسامة لأولياء المقتول على العبد، وقد ثبتت بينة أنه جرحه، ثم برئ منه، فمات، فنكل الأولياء عن اليمين، فلا ترد ها هنا اليمين على العبد ولا على سيده، ولكن يضرب مائة، ويخلي وقد ثبت جرحه، فإما قبله سيده بديته أو أسلمه، وأما إن كانت القسامة بقول الميت: دمي عند فلان، أو بشاهد على القتل الموحر فليحلف الأولياء، فإن نكلوا، حلف السيد يمينا واحدة على علمه، فإن نكل، لزمه أن يسلمه أو يفديه بدية المقتول، ويضرب العبد مائة، ولا يحبس. وقيل: يحلف العبد خمسين يمينا ويضرب مائة.
ومن العتبية: روى عيسى، وأصبغ، عن ابن القاسم، في المدعي يقول للمدعى عليه: احلف وابرأ. أو يقول له الآخر: احلف أنت وخذ ما ادعيت. فإذا هم باليمين، بدا للمدعي عليه، وقال: لم أظنك تجترئ على اليمين. قال: يحق له أن يرجع، وليحلف المدعي، ويأخذ حقه كان ذلك عند السلطان أو عند غير السلطان، فقد لزمه. وقاله أصبغ. وقد ذكرنا في باب من حلف خصمه، ثم أقام عليه بينة: ذكرا من النكول ورد اليمين، ونكول من شهد له شاهد على اليمين./ [8/164]
***(1/161)
[8/165] قال محمد بن عبد الحكم: قال عبد الله: ومن قول مالك وأصحابه: من أقام بينة على حاضر بدين، فلا يحلف مع بينته على إثبات الحق، ولا على أنه ما قبضه منه حق يدعي المطلوب/ أنه دفعه إليه، أو دفعه عنه دافع، فيحلفه حتى إذا كان الحكم بعبد أو حيوان استحق، فلابد أن يحلف المحكوم له أنه ما باع ولا وهب؛ لإمكان أن يدعي من باع من هذا المحكوم عليه أن هذا الطالب باع منه أو وهبه، أو يدعي ذلك غيره من جرى له عليه ملك، أو استحقه ورثة ميت، أنه كان للميت، وأقاموا بينة أن ذلك الشيء له لا يعلمونه باع ولا وهب، ولا خرج من ملكه بوجه من الوجوه، ولو كان الحكم بالدين على غائب أو ميت، لم يقض للطالب حتى يحلف أنه ما قبضه منه، ولا من أحد يشبهه؛ لإمكان أن يدعي الغائب أو الميت ذلك، ولو كان الدين لميت قام به ورثته، فلابد أن يحلف أكابرهم: أنهم ما يعلمون أن وليهم قبضه من المقضي عليه، ولا من أحد بسببه، ولو كان المطلوب حيا، لم يحلفوا حتى يدعي ذلك المطلوب على الميت أو عليهم.
قال محمد بن عبد الحكم، في وكيل الغائب يطلب بدين فثبت له، فقال المطلوب: من حقي أن يحلف لي المحكوم له: أنه ما قبضه، فإنه ينظر. فإن كانت غيبته قريبة، انتظر حتى يقدم، وكتب إليه، وإن كان بعيد الغيبة، فإن المطلوب يدفع الحق الساعة إلى الوكيل، ويقال للمقضي عليه: إذا اجتمعت مع الطالب فحلفه على ذلك. ويكتب له القاضي بذلك كتابا يكون بيده، فإن مات المقضي له، حلف أكابر ورثته على مثل ذلك، ولا يحلف الأصاغر وإن كبروا بعد موته.
قال عبد الله: وكذلك ينبغي لو حكم لوكيل غائب بحيوان، وهو بعيد الغيبة.
وعن مالك: ولو أقام عليه البينة بحق له، فطلب المشهود عليه يمينه مع الشاهد به، فليس له ذلك، إلا أن يدعي أنه قضاه بينه وبينه، فليحلف، فإن نكل، حلف المطلوب وبرئ. وقاله ابن نافع.
قيل لابن كنانة: ولو أقام عليه شاهدين بالحق، فكلف الطالب تعديلهما، فقال له المطلوب: احلف: أن حقك حق، ولا أكلفك تعديلهما، وأعطيك [8/165]
***(1/162)
[8/166] حقك. قال: ليس ذلك على الطالب، إن شاء قبل ذلك فحلف، وإن شاء عدل الشهود، وقضى بلا يمين.
قال ابن كنانة: وليس على من أقام بينة في أرض، أو حيوان، أو سلعة، يمين إلا أن يدعي الذي ذلك في يده عليه أمرأ ظن بصاحبه أن يكون قد فعله، فيحلف: ما فعله، ويأخذ حقه.
وقال ابن كنانة، في المصري له حق على رجل من أهل أفريقية، فوكل عليه وكيلا يقبض منه حقه، فلما أتى بكتاب القاضي وثبتت خلافته، ادعى المطلوب أنه قد قضى، وسأل التأخير إلى أن يحلف له الطالب، قال: ليس له ذلك، وليحلف له الوكيل: إني ما علمت أنه ما قبض منه شيئا. ثم يقبض منه الحق، إلا أن يكون الطالب قريبا مثل اليومين، فيكتب إليه، فيحلف، وقال ابن القاسم: لا يحلف الخليفة ولا ينتظر حتى يجامع صاحبه، وقال غيره: لا ينبغي للقاضي أن يكتب للطالب كتابا حتى يحلفه: ما اقتضى من الحق شيئا. وقد تكرر هذا في كتاب آداب القاضي.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قال من وجبت عليه يمين: اضرب لي أجلا حتى أنظر في يميني وفي حسابي، وأثبت فعل ذلك به. قال: يضرب له بقدر ما يراه.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب، عن مالك، في رجلين ابتاعا طعاما، فحمله إليهما الحمالون، فوجد أحدهما طعامه ينقص أربعة أراداب، فذهب إلى الذي حمل إليه معه، فقال: انظر هل ذهب من قمحي إليك شيء؟ فكال قمحه، وقد كان خلطه بقمح له آخر، فكاله فوجده يزيد غرارة، فردها عليه، فأراد الذي ذهب قمحه أن يستحلفه، قال مالك: ذلك له، يحلفه بالله ما دخل بيته إلا هذا، فإن أبي أن يحلف، حلف الآخر وأخذ، وهو رجل سوء إن حلف على ما لا يعلم ولا يدري أن وصلت إلى هذا أم لا، ولعل الحمالين اختانوا ذلك، ثم قال: ولعل أن لا يكون له في ذلك يمين، لكن أشد ذلك أن الذي فرغ في بيته القمح [8/166]
***(1/163)
[8/167] إن نكل غرم، هذا أحب إلي. وسئل عنها ثانية، فقال: اليمين على المدعي عليه. قال ابن المواز: يريد وحده. قال مالك: فإن أبى أن يحلف، لزمه الحق، وأما المدعي، فلا يمين عليه؛ لأنه لا يدري ما يحلف عليه.
جامع الأيمان
من كتاب ابن سحنون: سئل مالك عن من وكل على بيع سلعة فباعها على أن لا يمين عليه، ثم يوجد بها عيب، أيستخلف؟ قال: لولا قطع السنة لرأيت أن يحلف. وقال أيضا: أما الوصي يقول: لا أحب أن أحلف. والرجل/ المأمون، بالحال فذلك له، فأما غيرهم، فلا، فليرد البيع إذا أبى أن يحلف.
قال عنه ابن وهب، في من باع على أن لا يمين عليه فيما يوجد بها من عيب، فذلك شرط جائز قد يضع له من الثمن لذلك. وسئل عن رجل أتى ودماؤه تسيل، وجاء معه بعبد من الحوائط يدعي أنه هو ضربه، فضرب العبد، وسجن، وسرح، ثم جاء به آخر بعد ذلك، فضرب، وسجن، ثم جاء به آخر ودماؤه تسيل، فأنكر ذلك العبد، قال: يحلف العبد، ويخلي سبيله. وعن من انتهب صرة والناس ينظرون إليه، فطرحها مطرحا لم توجد، فادعى صاحبها عددا وأنكره الآخر، والآخر يكذبه، ولا يعلم المنتهب كم هي؟ فاليمين على المنتهب.
قال مالك: ولا بأس أن يفتدي الرجل اليمين بشيء يعطيه لمن طلبها. وقاله ابن شهاب، وذكر أن عبيد القسام الأنصاري في إمارة مروان، افتدى من اليمين بعشرة آلاف درهم.
ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك للرجل أن يحلف أباه، قيل: أيحلف الرجل في حق لابنه الصغير؟ قال: إن كان هو الذي رفعه، أو لنعه وله بذلك شاهد، فإنه يحلف، قال: ولو أشهد رجل على نفسه، فقال: إن حلف فلان بالله [8/167]
***(1/164)
[8/168] أن له عندي مائة دينار، فذلك لازم لي، وقال: إن حلف بالعتق أو بالطلاق، قال: إن حلف باليمين الذي رضيها بقرب قوله ووقته، إلا أن يقول متى حلف فيكون ذلك للمدعي. قال: ومن لم تكن بينهما مخالطة، وادعى عليه دعوى، وقال له: احلف: أني سلح ملي، وأنا أعطيك كذا/. فحلف له، قال: يلزمه ما وعده به. وقد قال مالك، في من قال لرجل: بلغني أنك شتمتني، فاحلف لي وخذ مني دينارا. فحلف له، وأبى أن يعطيه، قال: يلزمه أن يعطيه دينارا.
قال مالك فيمن صالح على دراهم كانت له عند رجل على أن يدفع إليه خمسة دراهم كل شهر، على أن ليس للدفاع أن يستحلف صاحب الحق، إن أنكر قبض ما يدعيه إذا لم تكن له بينة على دفعه، قال: لا يجوز هذا الشرط، وعليه اليمين فيما ادعى من دفعه إليه.
وقال فيمن ادعى على أحد ورث أباه لا وارث له غيره، أنه أودع أباه عبدا بعينه، فقال الابن: لا أدري أصدقت أم لا؟ فله أن يحلف الابن على علمه، ويبرأ، وهذا صواب.
ومن كتاب ابن المواز: روى أشهب، عن مالك، في شريكين في زرع، شغل أحدهما، أو مرض، فحصده الآخر، وأنفق، ثم صح شريكه، وإنما له أيسره، فقال له المتولي: هذا الذي خرج من الزرع: وقد أنفقت كذا وكذا. فقال له: احلف لي أنه ما أخرج الزرع إلا هذا، وأن النفقة على ما قلت. فقال: إنما أحلف أنه الذي دفع إلى وكلائي. قال: يحلف على ما دفع القوم، ليس عليه غير ذلك، ويحلف على علمه إذا كان عنه غائبا، ولو كان حاصل ما حلف إلا على علمه، لعله ذهب منه ما لا يعلمه. قال محمد: ويدخل في يمينه: وما خنتك. [8/168]
***(1/165)
[8/169] فيمن أبرأ رجلا من كل طلب ثم أراد أن يحلفه
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدت بينة لرجل أن فلانا أبرأه من جميع الدعوى، وأنها آخر كل حق له، وطلب من جميع المعاملات/، ثم أراد أن يستحلفه بعد ذلك، وادعى أنه قد غلط أو نسي، فليس ذلك له، وكذلك إن شهد عليه بذكر حق مسمى، وفي الكتاب: أنه لم يبق له عليه ولا قبله حق ولا عنده، أو شهدوا أنه لم يبق بينه وبينه معاملة غير ما في هذا الكتاب، فليس له بعد ذلك أن يستحلفه على غير ذلك- يريد مما قبل تاريخ الكتاب- وكذلك لو قال الذي أقر بالحق على ذلك، وكذلك إن أشهد له أنه قبض منه ثمن سلعة باعها منه، ثم ادعى عليه أنه بقي له بقية من الثمن، وأنه وثق به، وأشهد له بالقبض، ثم أراد أن يحلفه، فليس له ذلك، ولو كان له ذلك ما نفعت المرأة ولا انقطعت المعاملة.
فيمن حلف خصمه ثم أقام عليه بينة أو لم يحلف مع شاهده وحلف خصمه ثم وجد عليه شاهدين أو شاهدا آخر
من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب أن عمر بن الخطاب، اختصم إليه يهودي يدعي على مسلم، فدعاه بالبينة، فقال: ما يحضرني اليوم بينة، فأحلف له المطلوب، ثم جاءه المدعي بعد ذلك بالبينة، فقضى له بها. وقال: البينة العادلة أحب إلي من اليمين الفاجرة.
وقاله شريح، ومكحول، والليث.
وقال مالك: إذا أحلفه، ثم وجد بعد ذلك بينة، قضي له بها إن لم يكن علم بها، فإن كان به عالما، فحلفه تاركا لها، فلا حق له وإن كانت حاضرة أو غائبة/ [8/169]
***(1/166)
[8/170] إذا حلفه عالما بها، وتاركا لها، ولو قال: قد علمت بينتي، وهي غائبة، وأنا أحلفه، فإذا جاءت، قمت بها، قال ابن القاسم: إن كانت بعيدة، فذلك له، وإن كانت قريبة على مثل يومين وثلاثة، فلا يحلفه إلا على اسقاطها.
قال سحنون: قال سفيان: قال ابن أبي ليلى: إذا أحلفه، فلا شيء له.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: لا يحلف الرجل حتى يثبت عليه لطخ، فإن أثبته وقال: أحلفه لي. ثم آتي ببينتي. قال له القاضي: إما حلفته على إسقاط بينتك، وإلا فأت بالبينة.
ومن العتبية: روى أشهب، عن مالك، وهو في كتاب ابن سحنون، من رواية ابن نافع، في من قضى دينا عليه ببينته، وأشهد الله على القضاء، ثم طولب به، فقال: قد دفعته إليك بشهادة فلان وفلان؛ بما حلف، احلف وخذه فحلف له، وأراد أن يقيم عليه البينة أنه قضاه، قال: ذلك له ويرجع منه.
وقال في كتاب ابن سحنون: قال ابن نافع، عن مالك: إذا أحلفه، وبينته حاضرة، وهو عالم بها، فله القيام بها بعد ذلك، وقال أشهب، في غير كتاب ابن سحنون، وروى عنه ابن عبد الحكم مثله، في كتاب ابن المواز.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: إذا حلف خصمه، ثم أقام بينة، فإن لم يكن علم بها، قضي له بها، كانت يوم أحلفه حاضرة أو غائبة، بعد أن يحلف: أنه ما علم بها، فإن كان عالما بها، وهي في البلد، أو قريبة منه قربا لا يخاف فيه فوت/ حقه، أو أخره إلى قدومها، فلا حق له في البينة، ولا رجوع له على صاحبه، وإن حلف، أن ذلك لم يكن منه، رضى بيمينه، وتركا للآخر لبينته، وإن بعدت بينته، لم يضره علمه بها دون السلطان، وليقم بها، ولا يمين عليه: أن ذلك لم يكن رضى باليمين على ترك البينة؛ لأن السلطان لو علم بها لأحلفه له، وكان له القيام ببينته إذا قدمت، وكذلك روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك. [8/170]
***(1/167)
[8/171] قال ابن الماجشون، عن مالك: إذا أقام شاهدا، وأبى أن يحلف معه، وحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا آخر، أنه يقضي له به مع الأول، وقال ابن كنانة: هذا وهم، وقد كان يقول: لا يضم هذا إلى الشاهد الأول، لأنه نكوله أولا أبطل شهادة ذلك الشاهد، وإنما يكون هذا في المرأة تقيم شاهدا على طلاقها، والعبد على عتقه، وكذلك كل ما لا يقضي فيه بشاهد، ويمين، فيحلف الزوج أو السيد أو الذي شهد عليه الشاهد في غير الأموال، ثم يجد الطالب شاهدا آخر، فهذا يضم إليه إلى شاهده الأول؛ لأنه لم ينكل أولا عن اليمين، فيتركها كما فعل الأول. وقال ابن الماجشون: قال أصبغ بقول مالك الأول، أنه يضم له الشاهد الثاني إلى الأول الذي نكل معه، إذا كان غائبا عنه غيبة بعيدة، ولم يكن يعرفها ولا حجة عليه بإبائه اليمين، وليس كل الناس يحلف على حقه، ويبين ذلك، أو لو كان لا شاهد له، فأحلف له المدعى عليه، فنكل، فحلف المدعي، وأخذ، ثم وجد المطلوب بينة بالبراءة/ أنه يبرأ بها، ويسترجع ما أخذ منه، ولو نكل المدعي عن اليمين، فلم يأخذ شيئا، ثم وجد بينة على دعواه، فإنه يؤخذ بها، قال أصبغ: وهذا الذي لا أعرف غيره، وهو أبعد في العبرة من الذي لم يحلف مع الشاهد.
وقد ذكرنا هذا كله في الثاني من الشهادات.
قال ابن حبيب: وقال مطرف، في المدعي عليه يحلف المدعي حين لم يجد بينة، وقد ثبتت الخلطة، ثم أتى المدعي بشاهد، فأراد أن يحلف معه، ويأخذ حقه، فليس له ذلك؛ لأنه لا يسقط يمينا قد دري بها حق بشاهد ويمين، ولكن إن جاء بشاهدين، كان ذلك أولى من اليمين وأعدى بحقه.
وقاله ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب، وابن وهب، في من حلف غريمه أن له متى ما وجد بينة أن يحكم له بها، ولم يذكر أنه رضي بيمينه، وهو يعلم أن له بينة حاضرة أو قريبة الغيبة غير البعيدة جدا. [8/171]
***(1/168)
[8/172] ومن المجموعة: قال مالك: وإن أقام شاهدا، فلم يحلف معه، ورد اليمين على المطلوب، فحلف ثم أقام شاهدين بعد ذلك، قضى له بهما إن كان لذلك وجه.
قال هو وابن كنانة: ولو وجد شاهدا مع شاهده الأول، فلا يقضى له به مع الأول؛ وذلك قاطع لحقه، قال ابن القاسم: وليس كمن لم يجد بينة فيحلف خصمه، ثم يجد البينة. وكذلك القسامة.
وفي الجزء الثاني من الشهادات زيادة في هذا في باب من نكل عن اليمين مع الشاهد.
فيمن صالح ثم وجد بينة
أو اشترى من رجل/ شيئا ثم وجد بينة أن له ذلك قبل شرائه
من كتاب ابن سحنون: قال سحنون، في من ادعى دابة أو دارا بيد رجل، وهو منكر، فصالحه على شيء أخذه منه، ثم وجد بينة، أو كانت بينة غائبة لم يعلم بها، قال: الصلح جائز، لا يرجع فيه.
قال ابن القاسم، عن مالك، في من طلب من رجل دينا، فأنكر، فصالحه، ثم وجد بينة؛ فإن كان لم يعلم بها، فله الرجوع عليه بها يحلفه، وإن كان يعلم بها وهي غائبة، يخاف أن يموتو أو يفلس غريمه قبل يقدموا، فهذا يلزمه الصلح، ولا قيام له بالبينة. قال سحنون: إنما له الرجوع إذا أشهد أني إنما أصالحه لجود وأنا قائم بحقي بعد هذا، فهذا له الرجوع إذا وجد بينة يريد: لم يكن علم بها.
قال ابن القاسم في المدونة: ومن ادعى قبل رجل مالا أو دارا، فأنكره، فصالحه من ذلك، ثم وجد بينة، أو أقر له المطلوب، فإن كان الطالب بالبينة عالما، فلا قيام له، ولو كانت بينة غائبة، فخاف موتهم أو إعدام الغريم إلى [8/172]
***(1/169)
[8/173] قدومهم، فلا حجة له بذلك، ولو شاء تربص، فإن لم يعلم بالبينة، فله القيام ببقية حقه.
قال يحيى بن عمر: وبلغني عن سحنون، في الذي أقر له بالدار بعد الصلح: أن الطالب مخير، إن شاء تماسك بصلحه، وإن شاء رد ما أخذ، وأخذ الدار.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، إن كانت بينته غائبة بعيدة جدا، وأشهد: أني إنما أصالحه لذلك، فله القيام.
ومن العتبية: قال أصبغ، في من ادعى سلعة بيد رجل، فخاف عليها أن تتلف، فاشتراها منه، ثم وجد بينة أنها له؛ فإن كان لم يكن علم ببينته قبل الشراء، فله أن يثبت/ البينة، ويرجع بماله فيأخذه به، وهو كمن صالح عالما ببينته، إلا أن تكون بينته بعيدة جدا، وشهد حين اشتراها: أنه إنما فعل ذلك لبعد بينته، وخوف أن يفيت السلعة، فله القيام، ولو قال: اشترتيها، ولم أعلم ببينتي. وقال له البائع: إن علمت حينئذ ببينتك، فربها مصدق أنه لم يعلم بها مع يمينه، إلا أن يثبت عليه أنه قد علم بها.
فيمن ادعى حقا في دار أو عبد هل يكشف المدعي عليه من أين ملكها؟ أو قال المطلوب لك في ذلك حق لا أدري ما هو
من المجموعة: قال عبد الملك: وإذا لم يبين المدعي دعواه ما هو؟ وكم هو؟ لم يسأل المدعى عليه عن دعواه حتى يبينه الطالب في طلبه، فيسأل حينئذ المطلوب عن دعواه، فأما ما لم يبينه عليه بشبهة، ولم يحق عليه طلبه، فإنه لا يسأل عما بيده، كما لو قال: أن أطلب منك هذا العبد، فاذكر من أين هو [8/173]
***(1/170)
[8/174] لك؟ وبماذا ملكته؟ فليس عليه أن يكشف عن هذا. ولو قال له: إن لي فيما بيدك من هذا العبد، وهذه الدار حقا، فقال له المطلوب: نعم، ولا أعرفه. فقال الطالب: هو كذا وكذا، ولا بينة لي. فإنه يحلف المطلوب: أنه ما يعرف ما قال المدعي كما قال، ولا يحق له حقا يعرفه، ثم ينزع منه العبد أو الدار إلى أن يتبين ما عليه، أو يصطلحان على أمر جائز، وهذا إذا أقام بذلك الطالب عند السلطان، وإلا لم يوقف عليه شيئا، قال: ولو رجع، فقال/: قد عملت الذي له. فإن سمى جزءًا معلوما، حلف على ذلك، ويمينه هذه تبرئه من ما رامت دعوى المدعي. ومن هذا في غير هذا الباب، وفي كتاب الدعوى في من لم يكذب المدعي، ولا صدقه، إن قال: لك علي حق لا أعلم كم هو؟
قال ابن حبيب: قال مطرف، في رجل قال لرجل : لك علي حق، ولا أدري كم هو؟ فقال المقر له: هو كذا. قال: إن حلف المقر له، وإلا لم يعط شيئا.
في المدعي عليه لا يقر ولا ينكر أو يقول يسأل المدعي من أي وجه وجب له ذلك علي؟
من المجموعة، والعتبية من سماع أشهب: سأل ابن كنانة مالكا، عن من بيده دور، فيدعي رجل أنها لجده، فقال المطلوب: لا أقر ولا أنكر، ولكن أقم البينة على دعواك. وقال مالك: يجبر المدعي عليه حتى يقر أو ينكر. وذكر ابن المواز هذه الرواية، وذكر عن ابن الماجشون مثله، وقال: إن هذا صواب، ولكني استحسن غير هذا إذا ثبت على شكه، وذكر مسألة الذي يدعي عليه بستين دينارا، فيقر بخمسين، ويأبى في العشرة أن يقر أو ينكر، فإنه يجبر بالحبس حتى يقر بها أو ينكر، إذا طلب ذلك المدعي، كما قال مالك، وعبد الملك، وأنا [8/174]
***(1/171)
[8/175] أستحسن أنه إذا تمادى على شكه، وقال: لا أحلف على ما لا يقين لي فيه. فإني أحلفه: أنه ما وقف عن الإنكار أو الإقرار إلا لأنه على غير يقين فيه، فإذا حلف على هذا أدى العشرة، أو يحبس بها بالحكم، فلا يمين على المدعي؛ لأن كل مدعي عليه، لا يدفع الدعوى، فإنه/ يحكم عليه بلا يمين. وكذلك ابن المواز في المدعى عليه في دور في يديه، فلا يقر ولا ينكر، فإذا أجبر على أن يقر أو ينكر، حكمت عليه للمدعي بلا يمين.
ومن المجموعة: قال أشهب: وإذا ادعى عليه بألف درهم، فسأله القاضي، فلم يقر ولم ينكر، فليجبره على أن يقر أو ينكر، ويحبسه إن أبي ذلك، فإن قال: يسأل الطالب: من أي وجه يدعي علي هذا المال، فقد تقدمت بيني وبينه مخالطة، فينبغي أن يسأل الطالب عن ذلك؟ فإن أخبره، أوقف المطلوب على ذلك حتى يقر أو ينكره، فإن جحده وأراد أن يحلف له: أنه ليس له عليه شيء من هذا السبب، لم يجز ذلك حتى يقول: ولا أعلم له علي شيئا بوجه من الوجوه، فإن أبى أن يخبره، فإنه إن قال المطلوب: لا أذكر وجه ذلك. قبل منه، وإن لم يقل ذلك، فإنه لا يقضي للطالب بشيء على المدعى عليه حتى يسمي المدعي السبب الذي كان له به الحق، أو يقول: لا أعلم وجهه، ولا أذكره، فلا يكون عليه في ذلك يمينا أنه لا يذكره، ويسأله البينة على ماله.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ادعى رجل على رجل ألف درهم عند الحاكم، فيسأله الحاكم عن دعواه، فإن أنكرها، كلفه البينة، وإن أبي أن يقر أو ينكر، أجبره على ذلك، فإن أبى سجنه حتى يقر أو ينكر، وإن قال: سل الطالب من أي وجه يدعي ذلك علي؟ فإنه كانت بيني وبينه خلطة في غير شيء حتى أعرفه، فليسأله؛ فإن ذكر وجها، سأل المطلوب عنه، فإن أنكر، وقال: أحلف: ما له علي شيء من هذا/ السبب. فلا يجزيه ذلك حتى يزيد في يمينه: ولا أعلم [8/175]
***(1/172)
[8/176] له علي شيئا من وجه من الوجوه. فإن أبى الطالب أن يخبره السبب، فإن قال: لأني لا أذكر وجه ذلك. قبل منه، وإن لم يقل ذلك، فلا يقضي له بشيء حتى يذكر سبب دعواه، أو يقول: لا أذكر سببه. ولا يمين عليه في ذلك: أنه لا يذكر سببه، ويسأله البينة على دعواه.
فيمن ادعى على رجل دعوى من مال أو حيوان أو حد أو غيره
هل يأخذ منه حميلا؟ أو يسجن له حتى يأتي بالبينة؟ أو يوقف ما فيه الدعوى؟ وفيمن ادعى عليه في شيء هل يقوم على من باع منه قبل الحكم؟ ومن ادعى على غائب هل يجلب له؟
من المجموعة: قال أشهب: ومن ادعى على رجل مالا، فأنكره، فطلب منه كفيلا، فإن القاضي يسأله: هل له بينة على ظنة، أو خلطة، أو معاملة؟ فإن قال: نعم. أو: هم حضور وكل بالمطلوب حتى يأتي هذا ببينته على اللطخ فيما قرب من يومه ونحوه.
قال سحنون: لا أرى هذا، أين يجد من يوكل بهذا وهذا؟ ولكنه يأخذ منه كفيلا حتى يأتي بالبينة على الخلطة فيما قرب.
قال أشهب: فإن جاء ببينة الخلطة، وادعى على الحق بينة حاضرة، فليأمره أن يأخذ منه كفيلا بنفسه، ما بينه وبين خمسة أيام إلى الجمعة.
قال سحنون: قد يكثر هذا عليه، وهو إذا تم الأجل نظر في أمرهما، فبصير قد قدمهم على غيرهم ممن ينظر بينهم على المراتب، وإن ترك أولئك إلى أن يدعو بهم، صارت حمالة إلى غير أجل. [8/176]
***(1/173)
[8/177] قال أشهب: وكذلك إن أقام شاهدا، وأبى أن يحلف/، وقال: إنني تاجر، وقد أقام بينة على الخلطة، فله أخذ كفيل إلى مقدار غيبة شاهده الآخر، أو غيبة بينته على الحق، فإن كانت غيبتهم في البعد تضر بالمطلوب، فليستحلفه، ولا يؤخذ منه كفيل، وإن كانت بينة الخلطة بعيدة، فليس له أن يحلف، ولا يأخذ منه كفيلا. قال سحنون، وقال غيره: وإن ثبتت بينة الخلطة، فطلب أخذ كفيل، فليس له ذلك، وإنما يؤخذ كفيل، ويوقف الحيوان والعروض؛ لتشهد البينة عليها، وأما ما لا يحتاج إلى حضوره ليشهد على عينه، فلا يؤخذ منه كفيل به. قال ابن القاسم: إذا ثبتت الخلطة، فليس له أخذ كفيل الوجه، ليأتي بالبينة، إلا أن تكون بينة في السوق، أو بعض القبائل، فيوقف القاضي المطلوب حتى يأتي هذا بالبينة، فإن جاء بها، وإلا أطلقه، وإن طلب منه وكيلا بالخصومة حتى يأتي بالبينة، فليس ذلك له؛ لأنا نسمع البينة على الغائب، إلا أن يشاء أن يوكل من يدفع عنه.
قال سحنون: قال غيره، إن ثبتت المعاملة، فله عليه كفيل بنفسه، لتقع البينة على عينه. قال سحنون: فإن لم يجد كفيلا، حبس حتى يستقصى فيه ما كان يؤخذ منه كفيل. قال سحنون: يؤخذ منه كفيل؛ لأن الطالب يحتاج إلى إيقاع على خصم حاضر. ومالك يقول/: لا يحكم في الرباع على الغائب، وآخرون يقولون: إنما يحكم عليه بعد أن يكشف عنه، ويستبرأ أمره، ثم يكون على حجته، فكيف لا يؤخذ في هذا حميل؟
قال سحنون: وإن ادعى عليه دعوى، فيريد أن يكتب له برفعه، فلا يمكن من ذلك حتى يأتي بلطخ على ما ذكرنا من طلبه له بشاهد، أو سماع ونحوه، فإن لم يأت به، لم ينبغ ذلك، وقد يكون بعيد الغيبة، فيجلب ويضر به، ولعل بينه وبينه عداوة، أو تكون الدعوى يسيرة، فيرضى أن يؤديها ولا يشخص.
وكتب إلي سحنون فيمن يأتي فيقول: فلان يدعي علي دعوى، ويحمل إلى العمال، فاكتب لي برفع من له علي دعوى إن أراد طلبني. فكتب إليه: كتب [8/177]
***(1/174)
[8/178] الرفع عندنا غير صواب، ولكن اكتب إن قدرت إلى العامل ألا يعترض للخصوم لما في ذلك من ظلمهم.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: وكان سحنون يحبس من لم يعط لخصمه حميلا إذا وجب عليه حميل.
وكتب إليه شجرة، في رجل بعث معه بمال ليوصله إلى رجل، فيتعدى به، فينفقه، ثم يعترف عند الحاكم، فيقول: هذا ربعي أبيعه. فيعرضه، فلا يجد من يشتريه، فطلب منه الطالب حميلا بوجهه، هل ذلك عليه؟ فإن لم يجد حميلا، هل يحبس؟ فكتب إليه: لا حميل على هذا ولا حبس إذا بذل من نفسه هذا، ولم يتهم ، وإنما يحبس المفلس يتهم أن يخفي مالا. قيل له: فإن عرضها، فلم يجد من يشتري، وزعم/ الطالب أنه يقول للمشترين: لا تشتروا. أرأيت إن قال للحاكم: بع أنت ربعي، وادفع إليه. فقال: كيف أبيع، ولا طالب؟ أو كيف أبيع ما ثمنه خمسون دينارا بخمسة دنانير؟ فقال: فاحسبه لي. فقال سحنون: يدعو الحاكم إلى ضعيته وينشدها ويتسقصي، ثم يبيع بالخيار عسى أن يزيد زائد، فإن لم يجد إلا ما أعطى، باع وأعطى الطالب حقه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن ادعى على رجل حدا من الحدود عند قاض، وادعى بينة يأتي بها في غد، فليوقفه القاضي، ولا يحبسه إذا رأى لذلك وجها، وإن أقام عليه شاهدا عدلا، سجن له، فإن ادعى عليه دينا أو استهلاكا أو غصبا، فإن السلطان ينظر؛ فإن كان بينهما مخالطة في الدين، أو تهمة في الوجه الآخر، أحلفه له، أو أخذ منه كافلا، وإن ادعى عليه قذفا، لم يؤخذ بحميل، وإن ادعى بينة قريبة، أمره بملازمته، أو جعل السلطان من عنده من يلازمه، وإن كان أمرا بعيدا لم يعرض له، وإن كان المدعي عليه أيضا على وجه [8/178]
***(1/175)
[8/179] سفر يضر به أن يمسك ساعة واحدة عن سفره، أو لم يكن للمدعي وجه دعوى، فلا يمكن من لزومه. وهذا كله استحسان بقدر ما ينزل، وإن أقام عليه شاهدين، فكان في النظر في عدالتهما، فليحسبه حتى ينظر في ذلك.
قال ابن القاسم، وأشهب: وكذلك يحبس السارق حتى يكشف عن البينة، ولا يؤخذ منه كفيل. قال أشهب: فإن عدلا قطع،/ وإن سقطا خلي. وكذلك كل ما كان في الجسد من عقوبة، أو قصاص، أو قتل، ولا يكفل في هذا. قالا: وإن قام شاهد بقتل عمد، سجن القاتل، فإن ثبت الشاهد، أقسم معه العصبة. قال ابن القاسم: وإن لم يزك، لم يكن معه قسامة، قالا: ولا يحبس في الخطإ؛ لأن الدية على غيره من عاقلته؛ إذ ليس عليه من الدية ما بحبس به، أو يؤخذ فيه كفيل إلى تزكية الشاهد.
قال سحنون: وكيف لا يؤخذ منه حميل، وهو يحتاج أن تقع البينة على عينه أنه فعل ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون: وإن ادعى عبد على حر قذفا، وأراد يعزر له، وطلب منه كفيلا ليأتي بالبينة، فليس للعبد في مثل هذا تعزيز، إلا الرجل الذي قد نهى عن أذى هذا العبد، أو رجل فاحش معروف بالأذى، فيعزز ويؤدب على أذى العبد وغيره، وكذلك في حرية النصراني، فلا كفالة في هذا.
قال أشهب، وإذا ادعى رجل على قصاصا في نفس أو جرح خطأ أو عمدا، فبلغ الخطأ أكثر من ثلث الدية، فلا يؤخذ في هذا كفيل؛ ليأتي بالبينة، وإن جاء بلطخ، وأما ما كان من جراح أقل من ثلث الدية، فليأخذ به كفيلا، وما بلغ ثلث الدية، فليس عليه، وهي على غيره. وسأله شجرة في من ادعى علىرجل بدم، فأقام شاهدا ليس بعدل، أيحبس المطلوب؟ قال: يتوثق منه حتى يكشف اللطخ الذي ثبتوا عليه. [8/179]
***(1/176)
[8/180] ومن كتاب ابن سحنون: سأل حبيب سحنونا، في من اعترف/ من يده شيء، فثبت عليه شاهد واحد، فيريد المشهود عليه أن يأخذ حميلا على من باع ذلك منه كيلا يحكم عليه في وقت يغيب هذا فيه، قال: لا حميل له عليه، ولا يعرض له حتى يحكم عليه.
فيمن ادعى عبدا أو حيوانا أو طعاما لا يبقى هل يوقف ذلك ليأتي عليه بالبينة؟ أو كان ربعا هل يمنع من ذلك في يديه من الإحداث فيه؟ ومتى يجب العقل فيما يدعي فيه؟
من المجموعة، وكتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم: ومن ادعى عبدا، فطلب إيقافه ليأتي بالبينة، فليس له ذلك، إلا في حضور بينة، أو سماع يثبت له به الدعوى، فيوكل القاضي بالعبد، ويوقفه ليأتي بالبينة إن كان حضورا، إلا أن تبعد البينة مما في إيقافه ضرر، فليحلف المدعى عليه ويتركه بغير كفيل. قال غيره، وهو سحنون: وإن كانت بينة قريبة نحو الخمسة أيام إلى الجمعة، أوقف له. قال مالك: وإذا جاء بسماع، أو شاهد، وسأل أخذ العبد يذهب به إلى بيته، دفع إليه إذا وضع قيمته. قال غيره، وهو سحنون: إنما يوقف مثل هذا مما يشهد على عينه من الرقيق، والحيوان، والعروض، ونحو ذلك مما يخاف زوال عينه، وإنما يشهد على عينه من الرقيق والحيوان والعروض. وأما إن كانت في ربع من أرض، أو دور ونخل، فإنه إذا اتجه/ أمر الطالب، أوقفت وقفا يمنع من هي في يديه من الإحداث فيها، والغلة له حتى يقضى عليه، قال: وإذا كانت الدعوى فيما يفسد من اللحم والفاكهة الرطبة، وأقام لطخا، أو قام له شاهد، فإنه يوقفه إلى مجيئه بشاهده الآخر، أو بينة إلى مثل ما لا يخشى فيه فساد الذي فيه الدعوى. فإن خاف فساده، أحلف المدعي عليه، وترك له ما أوقف. وإن كان أقام شاهدين،[8/180]
***(1/177)
[8/181] فكان ينظر في تعديلهما، فخيف على الشيء الفساد، فليبعه ويوقف ثمنه، فإن ركبت أخذ المـ ما بيع به، وأدى الثمن كان أقل أو أكثر، ويقال للبائع، إن أراد ثمن المبيع إذا بيع: أنت أعلم بنفسك في الزيادة على الثمن، وإن لم تزكوا البينة، أخذ القاضي الثمن فدفعه إلى البائع، وإن ضاع، فهو ممن يقضي له به، تلف قبل الحكم أو بعده.
من المجموعة: قال ابن القاسم: ومن ادعى أرضا بيد رجل، أقام فيها البينة ولم تقطع، قال: فللمدعى عليه أن يبيعه. قال غيره: ليس له أن يبيع؛ لأن ذلك خطر، قال سحنون: إذ لا يدري المبتاع متى يقبضه ومتى تنقضي الخصومة فيه.
قال ابن القاسم: قيل ذلك في أرض حفر فيها صاحبها عينا، فادعاها رجل، فتخاصما إلى صاحب المياه، فأوقفهم حتى يرتفعوا إلى المدينة. قال مالك: أصاب في إيقافها، وليس للذي هي في يديه أن يتمادى في الحفر، ويقول: إن صحت لك أخذتها. قال ابن القاسم: وذلك إذا تبين لدعواه وجه/، فحينئذ يوق. قال مالك: وإن أقام في أرض بينة، فعدلت، فقال الآخر: عندي منافع. فضرب له الإمام لذلك أجلا، وحضر كراء الأرض للحرث، وإن تركت لم ينفصلا لطول الخصوم فيها حتى يفوت الكراء، أتعقل أم تكري ممن هي بيده؟ فإن ثبتت للطالب ودي الكراء، قال: بل توقف حتى يستحقها أحد، إلا أن يرضيا بكرائها من غيرهما، أو من أحدهما، أو يتقاومانها فيأخذها أكثرها كراء، فما تراضيا عليه من ذلك فعلاه، وإلا أوقفهما القاضي، وإن أضر بهما ذلك، وذلك إذا جاء كل واحد بما يستجاز به إيقافها. [8/181]
***(1/178)
[8/182] قال سحنون: ولو ادعى من دار سدسها، فليستوجب العقل بلطخ، كيف يفعل؟ قال: يقال للمدعى عليه: إما أن تكريها، ويوقف سدس الكراء، فإن استحقه هذا، كان له كراؤه، والعبد والدار كذلك، إلا أن يقول: أريد أن أسكن في نصيبي مما لم يدع فيه ما يكفيني، ولا أكتري. فيكري ذلك السدس من الدار، ثم يقسم صاحب الدار والمكتري المنافع، وكذلك الأرض، والعبد يخدمه خمسة أيام، ويؤجر اليوم السادس.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: كان سحنون إذا ثبت عنده شاهد عدل من شهود المدعي ممن يعرفه بالعدالة، عقل على المدعي عليه ما شهد به شهود المدعي الذي ثبت بعضهم حتى يكشف عن من بقي ويستقصي منافع المدعي عليه، وربما يتثاقل عن العقل بعد ثبوت الشاهد الواحد، فإذا اتجه له العقل أمر كاتبه، فكتب إلى أمينه كتابا، فذكر بعد/ الرسالة: من سحنون بن سعيد، إلى فلان بن فلان. يذكر فيه دعوى المدعي واسمه، واسم المدعى عليه، ويذكر الأرض أو غيرها، فيحد ذلك، ويذكر موضع ذلك وإقليمه، وأنه بيد فلان بن فلان، وأن البينة شهدت للمدعي بمحضر الخصم أنه يملك ذلك، أو يملكه أبو حتى ورثه عنه، ولا يعلمون له وارثا غيره، ولا يعلمون ذلك خرج من ملك من شهدوا له، وأجر أنت عقل ذلك حتى أكشف عن ذلك فيه، فإذا جاءك كتابي هذا، فاجمع الخصمين إلى هذه الأرض مع صالح من قبلك، فاعقل ذلك عليه، وأشهر عقله، وأشهد على ذلك، وتقدم إلى الذي كانت في يديه ألا يحدث فيها حدثا ولا غيره، لا هو ولا غيره ممن يحدث بسببه، وأشهر ذلك وأرخه، فإن تغيب فلان المشهود عليه، ولد عن الحضور، فاعقل ما كتبت إليك بعقله، وإن غاب، وإن كانت في يد المدعى عليه، أو بعضها، يعلم ذلك من أحضرته أو أكثرهم، فأوقف العقل عن ما ليس في يديه، واعقل ما في يديه من ذلك، واكتب بذلك إلي، وإن نازعك أو دافعك من أمرتك أن تعقل ذلك عليه، فادفع كتابي بذلك إلي، وإن نازعك أو دافعك من أمرتك أن تعقل ذلك عليه، فادفع كتابي إلى عاملكم؛ ليقوي لك أمرك، وينفذه لك، واكتب إلي بما يكون من ذلك إن شاء الله، والسلام عليك. [8/182]
***(1/179)
[8/183] في الأمة أو العبد يدعي الحرية وله بينة غائبة أو يدعي رجل في حر أنه عبده ويدعي بينة غائبة أو يدعي في امرأة رجل أنها زوجته
/من العتبية: ابن القاسم، عن المالك، في العبد أو الأمة يذكر أنه حر، ويذكر بينة غائبة، فلا يقبل ذلك منه، إلا أن يأتي ببينة أو أمر يشبه وجه الحق. ويستحب له أن يتوقف عن الأمة، يريد: وعن خدمة العبد. قال: وإن لم يكن مأمونا، جعلت بيد امرأة، ويضرب لها وللعبد أجل شهرين أو ثلاثة، ليأتيا بما معهما. ومنه: وقال مالك: وإذا ادعت الأمة الحرية، ونسبت نفسها، وذكرت بلدا بعيدا، فلينظر القاضي؛ فإن ادعت ماله وجه، كتب في أمرها حتى يستبرئ ذلك، والنفقة على المشتري، ولا يرد على البائع بقولها، ولا يلزمه شيء من النفقة في طلب ما ذكرت، فإن صح ما قالت، رجع بالثمن على البائع، ولا تلزمه النفقة، فإن ذكرت بلدا بعيدا، ولم تثبت شيئا يعرف، ولا سببا بينا، لم يكن ذلك على المتباع، وإن هي نزعت عن قولها، بطل ذلك، إلا أن تنزع عن خوف.
قال أشهب: وسأل ابن كنانة مالكا لابن غانم، عن العبد يدعي الحرية، يدعي بينة على موضع كذا وكذا، فيطلب السيد منه حميلا، والعبد لا يجد حميلا، قال: إن جاء بلطخ وشبهه، فأمكنه من ذلك، يخرج يأتي ببينته.
قال سحنون: ولو ادعي في حر أنه عبد، وأقام شاهدا عدلا، فليتوثق له منه بحميل، أو لا يشهد إلا على عينه، فإن لم يجد، سجن له، ولا نفقة على المدعي حتى يقضي له. وذكر ابن حبيب مسألة ابن كنانة مالكا لابن غانم القاضي، في العبد يدعي الحرية، وقال فيها: إن جاء بشبهة أو لطخ، فأمكن العبد من الخروج/ يأتي ببينته بعد أن يأخذ منه حميلا لسيده، فإن لم يأت بحميل، فاطرحه في السجن ووكل من يقوم بأمره، واكتب إلى الموضع الذي ذكر العبد أن فيه بينته، وهذا إذا أثبت السيد ملكه إياه وحوزه له، وإن لم يثبت ذلك، حيل بينه وبينه؛ لإنكار العبد الرق. [8/183]
***(1/180)
[8/184] قال أصبغ: فإذا جاء الكتاب من عند من كتبت إليه من القضاة في أمره ما يستوجب به الرفع، رفعه مع سيده، وإن بعد سيده، وإن بعد المكان، وكذلك الجارية فيه مثل العبد.
قال ابن الماجشون، في عبد بالجار، قال لسيده: إن سيدي الذي مات وباعني ورثته منك، قد كان حنث في اليمين بعتقي، وبذلك كتاب في المدينة، فدعني أخرج في إثباته؛ لترجع أن بثمني على الورثة. فأبى السيد، قال: ليس ذلك له حتى يأتي بشاهد، أو لطخ، أو ما يعرف به ما قال.
ومن العتبية: روى عبد الملك بين الحسين، عن ابن القاسم، في الجارية أو العبد يدعي الحرية، ويذكر أن بينته ببلد آخر، فطلب أن يرفع مع شاهده إلى ذلك البلد، وذكر أنه يضعف عن جلبها، قال: لا يرفع مع العبد، ولو كان هذا خرج العبيد من أيدي أربابهم بمثل هذا المطل عن أعمالهم، ولكن إن ذكر أمرا قريبا مثل اليوم ونحوه، فعسى به إن جاء بما يعرف، فلعله أن يكشف له، أو يأتي بشاهد عدل، وحميل يقيمه، فيكتب له يرفع إلى بينته. وقال مالك؛ وإن لم يأت بحميل لم يمكن من هذا.
قال أشهب: وإن أقام العبد شاهدا بالعتق وقال: لي شاهد غائب. فإن كان قريبا، فليؤخذ من السيد حميل به، ولا يمكن منه/، ورأيت أن يحبس، وإن ادعى الشاهد الآخر ببلد بعيد، ترك بيد سيده، وأمكن منه، ثم إن جاء بآخر عدلا مع الأول، عتق، وقد قال مالك: أرى أن يحبس ولا يخلى يذهب، وليوكل من يطلب له بينته أو شاهده. قال أشهب: ويحال بينه وبين الأمة إن أقامت شاهدا، وإن لم يعدل، ما لم تكن غيبة الآخر بعيدة.
ومن كتاب ابن سحنون: من سؤال ابن حبيب، وعن العبد يدعي على سيده أنه حر، فيقيم بينة، فيصح منهم واحد يوقف عليه؟ قال: يوقف العبد عليه. [8/184]
***(1/181)
[8/185] ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في العبد يدعي الحرية، ويقول: أنا من بلد كذا. لبلد عرف واليه بظلم أهل ذمته وبيعهم، فيقول العبد: إنه منهم، وهو ببلد آخر، قال: إن عرف أن بلده كما قال، نظر؛ فإن سبب دعواه بسبب، مثل الشاهد يقيمه، أو شهود غير عدول، أو لطخ من الأمر، فليرفع إلى بلده الذي يرجو فيه اثبات دعواه، وإن لم يثبت لدعواه سببا، فليؤخذ على سيده حميل، كي لا يبرح به، ثم يسئل العبد عن موضعه، ومن يعرف حريته ببلده، ثم يكتب القاضي بذلك إلى قاضي ذلك البلد أن يكشف عن ذلك، ثم يعمل على ما يأتيه من ذلك، وإن لم يجد ربه، فليحبس الحاكم العبد حتى يأتيه جواب كتابه وقاله أصبغ.
قال ابن القاسم: وإن ادعى نكاح امرأة تحت زوج، وأقام شاهدا أنه تزوجها قبله، فليعزل عنها إن ادعى أمرا قريبا من البينة، وكذلك الأمة والعبد يدعيان الحرية، وأقاما شاهدا، وادعيا أمرا قريبا.
/فيمن ادعى عبدا بيد رجل وله بينة غائبة والرجل يحكم عليه الحاكم بشيء في يديه فيريد وضع القيمة ويذهبان إلى موضع البينة وهل يرفع الخصمين إلى موضع البينة؟
من المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك في من اعترف عبدا أو دابة، فيريد وضع القيمة ليذهب به إلى موضع بينته بالريف ونحوه، فإن أتى بشاهد، أو سماع قوم يشهدون أنهم سمعوا أنه سرق له مثل ما ادعى، أو يشهد له رجل أنه سرقت له دابة، وشبه ذلك مما ليس بقاطع، فليرفع إليه إذا وضع القيمة حتى تشهد عليها بينة عند سلطان البلد الذي فيه البينة، فإن لم يقم شاهدا، وادعى بينة قريبة على مثل يومين أو ثلاثة، فليس له وضع القيمة وأخذه بالدعوى فقط، وهذا ذريعة إلى أن تعترض دواب الناس وأشغالهم. [8/185]
***(1/182)
[8/186] قال مالك، في من سرقت دابته، فوجدها بموضع، وأقام بينة أنها سرقت منه، فقال، من هي بيده: بل بعتها. وقال: إنما أذهب بها إلى الموضع الذي اشتريتها فيه، فأقيم عليك البينة بذلك. فليس ذلك عليه، وليحلف: أنه ما باع ولا وهب، ويأخذ دابته. قال ابن القاسم: وإذا أقام بينة في دابة، فحكم له بها، فقال من كانت بيده: قد اشترتيها من بلد آخر. قال: فإن شاء وضع قيمتها بيد عدل، ويخرج بها، ويطبع في عنقها، أو يكتب إلى قاضي تلك البلد: أنه حكم بها لفلان، فاستخرج له ما له من بائعه، إلا أن تكون له حجة. وكذلك قال أشهب./ قال ابن القاسم: وإذا جاء بالدابة مطبوعا في عنقها، وجاء بكتاب القاضي، أيقيم بذلك بينة أنها الداية التي حكم عليه فيها، فطبع في عنقها؟ قال: إن كانت الدابة موافقة لما في كتاب القاضي من صفتها، وأقام شاهدين على كتاب القاضي، جاز ذلك، وإن لم تقل البينة: إنها الدابةالتي حكم عليه بها القاضي، وقال أشهب: لا يقبل ذلك إلا ببينة: أن هذه الدابة التي حكم عليه وطبع في عنقها، لا مكان أن تشهد عليه بعينه؛ لأن الطابع يطبع عليه، والكتاب يختلف؛ فكما يشهدون على الكتاب، فليشهدوا على الدابة، وإلا لم يعط شيئا. قال ابن القاسم، عن مالك: وإن تلفت الدابة في ذهابه أو مجيئه، أو اعورت، أو انكسرت، فهي من الذاهب بها، والقيمة الموضوعة لمعترفها، وقاله أشهب، قال ابن القاسم: وإن انقصها في ذهابه ومجئيه، فكذلك القيمة للمعترف إلا أن يردها بحالها. وقاله أشهب.
قال ابن القاسم: ولا شيء عليه من حوالة الأسواق، وكذلك في الإماء والعبيد، ولكن يأخذ الأمة إن كان أمينا، وإلا أجر لها أمينا يذهب بها، وإلا لم يدفع إليه. وقاله أشهب.
ومن العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم فيه: إذا وضع القيمة، وخرج بالدابة، فضاعت القيمة، وهلكت الدابة، فالدابة من الخارج بها، والقيمة[8/186]
***(1/183)
[8/187] قد ضاعت، قال: يأخذ الدابة ربها، وتكون مصيبة قيمة الدابة من الذي خرج بها.
قال مالك: ويطبع في أعناقهم، لم يزل أمر الناس على ذلك.
قال ابن القاسم: وإن كان ذلك ثيابا أو عروضا أمكن/ منها إذا وضع قيمتها، ولو اعترف الدابة بالفسطاط، وهو من أهل افريقية على جناح سفر، وقال من هي في يديه: البائع مني بالشام، فله قبض الدابة، ووضع القيمة، ويقال للآخر: وكل من يقوم بأمرك. وقاله أشهب.
قال ابن القاسم: ولا يكلف المستحق من يديه أنه ابتاعها من رجل بالشام إن قال له المستحق: إنما قلت: إنه بالشام لمعرفتي لتعوضني عن سفري. وله وضع القيمة. وقاله أشهب.
قال ابن كنانة: وإذا استحق ترك دابة أو عبدا أو عرضا، فأردت شراءه من المستحق لتدرك به رأس مالك، فإن استحققت أنت ذلك بحق هو أولى مما جاء به المستحق، كان لك، وزال عنك الثمن الذي ابتعتها به، وإن لم تستحقها، كانت لك بذلك الثمن. قال: أكره هذا، وكأنه من بيع وسلف، وبيعتين في بيعة، ولكن يضع القيمة بيد عدل، ويذهب بذلك ليطلب به حقه، فإن ردها وقد أعجف الدابة أو نقصها، فالمستحق مخير في أخذ قيمتها الموضوعة، وإن شاء أخذ سلعته، فإن ماتت، أخذ الثمن الموضوع، وإن هلكت القيمة: فضمانها ممن أخرجها حتى يرد السلعة، فيختار الذي وضعت له قيمة؛ إما السلعة، وإما القيمة، وإن كانت أمة رائعة، فاتهمه الإمام عليها، فليبعثها الإمام مع عدل، ونفقتها وحملها على من عليه ضياعها، وهو الذي طلب الخروج بها، وتقوم السلعة بأقصى قيمتها. [8/187]
***(1/184)
[8/187]
***(1/185)
[8/188] قال ابن القاسم: فإن ضاع الثمن، وهلكت الجارية، فالجارية من الخارج بها، والثمن من المستحق، وإن جاء بالجارية، فمصيبة الثمن ممن وضعه. وقاله سحنون، كالتي توضع للاستبراء/، وتوقيف ثمنها.
قال ابن القاسم: وان استحقت جارية فليس للذي استحقت منه أن يضع قيمتها، ويخرج بها، و إنما يكتب له القاضي بصفتها فقط.
قال سحنون: وإن استحق من يده عبد، وليس له مال يضع قيمته، أيكتب له الحاكم إلى حاكم آخر قد حكم عليه في العبد؟ فقال: كيف هذا، والعبد غائب عن المكتوب إليه!؟ قيل: فإن قال: فمعي بينة تشهد أن العبد الذي حكمت علي فيه باعه مني فلان. فأشهدهم لي، واكتب لي بذلك كتابا إلى حاكم البلد، فيشهدون إلى أن العبد الذي حكمت علي فيه باعه مني فلان، فحكم فيه فلان الحاكم. قال: فليكتب له، ثم قال بعد ذلك: يقال من حجة البائع: أنا أريد أطلب حقي قبل من باعني، فهلم العبد، وأضع قيمته، وهو من حقه، وقد يقول: أقيم البينة أنه من تلادي. ثم قال: ودعني حتى أنظر. وكأني رأيت هذا أعجب إليه.
ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ: ومن تعلق بجاريته بيد رجل بالفسطاط، وإنما ابتاعها بالاسكندرية، فيقيم بينة بالفسطاط: أنهم سمعوه ينشد جارية سرقت منه، ولا يعلمون أهي هذه، أم غيرها؟ فطلب أن يذهب بها إلى الاسكندرية؛ ليقيم البينة أنها له، قال: ليس له ذلك. قيل له: ذكر عن ابن القاسم، عن مالك، قال: يضع قيمتها، ويذهب بها، قال: هذا غلط من روايته، وإنما يكون بعد قيام شاهد عدل أنها جاريته، وإذا سار بها فحملانها ونقصها عليه.
قال أصبغ: وإن كانت رائعة جدا، لم يذهب بها، وكذلك بعد الاستحقاق، وإن أتى بأمين إن كانت/ رائعة جدا، قلت: فكيف يصنع؟ قال: يطلب ما يزيد على صفتها ونعتها كما يصنع لو كانت غير رائعة، أو كان عبدا، أو كان البلد الذي يريد أن يخرج إليه بعيدا جدا. مسيرة الشهر ونحوه، فلا يمكن من ذلك للضرر الذي فيه على العبد وعلى سيده، فكذلك يمنع المسير بالرائعة.[8/188]
***(1/186)
[8/189] ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن استحقت من يده سلعة، وقضي بها لمستحقها، فطلب من كانت في يده الذهاب بها إلى موضع بيته؛ ليرجع بالثمن على بائعه، فله ذلك إذا وضع قيمتها للمستحق، ويذهب بها، فإن دخلها تلف من موت، أو نقص بعجف أو غيره، ضمنها، وكانت تلك القيمة لمستحقها، ولو تلفت القيمة، فهي ممن تصير إليه، ولو كانت جارية، فلم يأمن بها إليه، فليلتمس قوما ثقاة يصحبونها إلى البلد حتى يستخرج بها حقه، فإن لم يجد، فليستأجر عليها ثقة يخرج بها.
قال ابن القاسم: وتلك الإجارة على الذي يطلب بها حقه.
ومن كتاب ابن سحنون: كتب إليه شرحبيل، في رجل من أهل تونس، في من اعترف برذونا بيد رجل من أهل الأندلس، وأقام بينة عادلة، فذكر الأندلسي أن منافعه بالقيروان، وطلب أن أرفعه إليك، وكره ذلك المستحق، فكتب إليه: ليس على المستحق أن يرفع، ولكن الأندلسي يضع قيمة البرذون، ويذهب به إلى بينته، فإن شاء المحكوم له أن يرفع عن نفسه فيرتفع معه، فعل وسأله حبيب عن الحاكم يحكم للرجل بالحمار، ثم يحكم للمحكوم عليه على صاحبه، ثم يحكم للثالث على صاحبه، وذلك كله في مجلس واحد/ لتقاررهم، فأراد الآخر منهم وضع القيمة لصاحب الحمار المحكوم له به أولا، ويطلب بالحمار حقه: قال: ذلك له واجب قيل: فإن تراضى المحكوم له، والمحكوم عليه الذي يجب له، وضع القيمة على أن يشتري منه الحمار، ولا يضع القيمة. قال: لا بأس بذلك- يريد: أن يتراضيا. قيل له: ولا تضعف بالشراء حجة المحكوم عليه؟ قال: لا تضعف بالشراء حجته، ووضع القيمة أحب إلي. ثم رجع فقال: شراؤه ضعف لحجته، فلا أرى أن يشتريه. [8/189]
***(1/187)
[8/190] فيمن ادعى حيوانا أو ربعا فيوقف على من نفقته؟ ولمن غلته؟
من المجموعة، والعتبية: من سماع ابن القاسم، قال ابن القاسم، عن مالك: ومن اعترف دابة في بلد، وأقام عليها شاهدا، وسأل أن توقف ليأتي بآخر، فتوقف أياما، ثم تستحق، فإن النفقة في الريف على من يقضي له بها، وكذلك الأمة. قيل لابن القاسم، في المجموعة، وهو في العتبية، من رواية عيسى، فنفقته بين ذلك على من تكون؟ قال: بينهما. قال يحيى بن عمر: يعني أنهما يؤمران الآن بالإنفاق بينهما، نصفين، فإذا حكم لأحدهما، رجع الآخر بما أنفق.
قال ابن القاسم، في العتبية: وإن كانت غنما، فأوقفت، فرعيتها على من تصير له؟ قال: وغلتها في الإيقاف للذي هي في يديه؛ لأن ضمانها منه. قال عيسى: الرعي على من له الغلة. وروى عنه عيسى فيمن ادعى زيتونا بيد رجل، أن له أصله وثمرته، وأقام بذلك شاهدا، فطلب أن يجعل وكيلا على الثمرة في الحمى والقصر حتى يستحق، وطلب الذي هي في يديه ليقوم عليها ليبيعها، وجل الناس/ عندهم يعصرون، لا يبيعون، قال: إن كان الشاهد عدلا، حلفه ودفع إليه الثمن، وإن كان ممن لا يقضي باليمين مع الشاهد، فإنه ينبغي للإمام أن ينظر ما فيه النماء، فيوكل به ثقة من عنده، ويوقفه، فإن جاء بشاهد آخر، دفعه إليه، وإلا حلف المطلوب بالله: أنه ما يعلم أن ما ادعى صاحبه حق، فإن نكل، حلف الطالب ودفع إليه.
قال ابن حبيب، عن مطرف، في من ادعى شجرا، وهي يومئذ مثمرة، فإن ادعى ذلك في يد غاصب يزيد فيما يدعي، أوقفت الثمرة حتى يقيم البينة، وإن كانت دعواه قبل من هي بيده بشبهة، فإن كان ما يستحقها به أمرا قريبا لا ضرر في إيقافها على من هي بيده، فأرى أن توقف له، وإن كان في ذلك ضرر، ولم [8/190]
***(1/188)
[8/191] توقف، فإن تم استحقاقه لها والثمرة في الشجرة، أخذها، وعليه للذي كانت فيه يديه قيمه ما سفر وعالج، وإن استحقهما بعد الجذاذ، فلا شيء له فيها.
وقال أصبغ في الغاصب مثله، وقال في الذي ملك بشبهة، إن جاء المدعي بشبهة بينة، وأمر ظاهر، فليعمل له.
ومن المجموعة: قال ابن نافع، عن مالك، في من قاطع مكاتبه على جارية حامل، فزعمت أن الحمل منه، فاختصما، فعلى من نفقتها إلى أن يقضي بينهم؟ قال: النفقة على الذي الجارية في يديه، حتى ترجع إلى المكاتب.
قال سحنون: أكثر أقاويله، أن النفقة على من يحكم له بها، فكيف وقد حكم؛ فإنها أم ولد. ومنه ومن العتبية، / قال ابن القاسم، عن مالك، في من ادعى جارية بيد رجل أنها سرقت منه، وأقام عدلين أنها جاريته، ثم هلكت بيد من كانت بيده قبل القضاء للآخر، فضمانها من الذي أقام فيها البينة، ولا شيء له من ثمنها.
قال في المجموعة: ابن وهب، قال ابن شهاب، قال في طالب الدابة: فخاصم فيها حتى نفقت عند من هي بيده، فيريد المستحق أن يطلب بثمنها الذي ماتت في يديه قبل الحكم، قال: لا يطلب بالثمن إلا الذي باعها من هذا وقبض الثمن. وأخذ بهذا سحنون، ولم ير رواية ابن القاسم، عن مالك، أن مصيبتها ممن قامت له بينة، ولا شيء له، قال: فالضمان أبدا فيها من المبتاع حتى يحكم بها للمستحق، فيختار أخذها، وطلب الثمن من بائعها، فإن اختار أخذها، فمضى معه المشتري ليدفعها إليه، فهلكت، فمصيبتها من المستحق، ويرجع على المشتري بالثمن على البائع؛ لأن المستحق قد اختار أخذ سلعته، وانفسخ البيع بينهما، وما لم يختر أحدهما، فالبيع قائم بعد، والمصيبة من المبتاع، والثمن للمستحق؛ لأن البيع لم يفسخ، فله أخذ ثمن سلعته، ولو كانت السلعة بيد [8/191]
***(1/189)
[8/192] الغاصب فاستحقها المستحق، وأمر الغاصب بدفعها إليه، فتلفت بعد ذلك قبل يدفعها إليه، فالغاصب ضامن، لها حتى يوصلها إلى صاحبها، وهو خلاف المشتري، وإن كانت دورا، أو/ أرضين ونخلا، فغلة ذلك للذي كانت في يديه، حتى يقضي بها للطالب؛ لأنها لو هلكت، كان ضمانها من المطلوب.
قال سحنون: هذا إن كان المطلوب مشتريا أو صارت إليه من المشتري. وكذلك ذكر حبيب، عن سحنون، إذا أقام شاهدين؛ فعدل أحدهما، ثم مات العبد قبل عدالة الشاهد الآخر، قال: ضمانه ممن هو في يديه، وليعدل الطالب الشاهد الآخر، فيرجع بالثمن على البائع من الذي مات العبد في يديه؛ لأنه كان له أن يجيز البيع، ويأخذ الثمن لو لم يمت العبد، ولا رجوع لمن مات العبد بيده على بائعه بشيء.
ومن العتبية: روى حسين بن عاصم، عن ابن القاسم، في من أقام بينة في دابة بيد مبتاع، فأوقفت الدابة، فعلفها على من يقضي له بها، قيل: فإن ماتت قبل أن يقضي له بها، قال: قال مالك: إذا أقام فيها شاهدين، وعدلا، فلا يقضي له بها حتى ماتت، قال: هي ممن أقام فيها البينة، ويرجع المبتاع على بائعها بالثمن.
قال ابن القاسم: وكذلك لو أقام شاهدا، فلم يحلف معه حتى ماتت، فإنه يحلف، وتكون المصيبة منه، وإن حلف بعد موتها، قال: وأما إن أقام البينة بعد موتها، فاستحقها، فهي ممن ماتت في يديه، ويرجع مستحقها على بائعها بالأكثر من الثمن أو القيمة إن كان غاصبا.
قال ابن القاسم: وإنما الوقف فيما يزول، فأما الرباع، والدور، والحوائط التي لاتزول، فلا توقف، قال غيره: إنما يوقف الرباع وقفا يمنع/ من الإحداث فيها، وذلك إذا اتجه أمر الطالب، وكذلك في كتاب ابن سحنون؛ قال سحنون؛ [8/192]
***(1/190)
[8/193] والغلة فيها للذي هي في يديه، حتى يقضي عليه فيها؛ لأن ضمانها منه، وهذا إذا كان مشتريا، أو دارت اليه من مشتر – أو من غاصب- وهو لا يعلم.
قال سحنون: وإذا خاصم في العبد، وأقام فيه البينة، فعدلت أو لم تعدل، ثم مات العبد بيد من كان بيده قبل القضاء، فليتمادى على الطلب، فإذا قضي له به، رجع الغاصب – إن شاء- بالثمن الذي باع به من هذا، وإن شاء بالقيمة يوم الغصب، وسواء كان الغاصب منكرا لذلك أو مقر قبل موت العبد، وليس طلبه للعبد ابراء للغاصب حتى يقبضه.
وكتب سليمان بن عمران إلى سحنون، في من أقام بينة في نوبته من أصل ماء عين مشترك، وذلك كذا وكذا سهما من كذا وكذا من أصل العين بغير أرض، قال: فسأل عقل الشقص قبل أن تصح البينة، وقد زكيت في العلانية، فكتب إليه سحنون: إن أرى أن يكري ذلك النصيب، فإن استحقه المدعي، كان له الكراء، وإن كان إنما يدعي ميراثا، والمدعي عليهم غر مشترين، فلا توقف الغلة، والغلة لمن هي يديه بضمانه حتى يقضي عليه.
فيمن ادعى عبدا أو غيره فيريد إيقاع البينة بغير محضر العبد أو بغير محضر الخصم،/ وكيف إن كانت دابة، فأتى المطلوب بغيرها أو يشهد الشهود سرا على ما يتقون ظلمه من أهل السلطان؟
من المجموعة: قال ابن كنانة، في القاضي يختصم إليه الرجلان، وأحد الخصمين غائب، ويسمع عليه البينة وهو غائب، ولا تسمع بحضوره، وتقرأ عليه الشهادة إذا جاء، قال: إلا أن تكون الشهود لا يعرفونه إلا بشخصه، قال: من [8/193]
***(1/191)
[8/194] حضوره ليشهدوا عليه بعينه، وإلا لم تجز، فأما إن شهدوا في حدود الأرض، ونحوه، أو يشهد على رجل يعرفه مما لا ينتفع المشهود عليه بنظر منهم إليه، فليس على القاضي أن يجمع بينهم، وكذلك قال ابن القاسم: يقبل القاضي بينة الطالب على المطلوب الغائب. وقاله أشهب. قال: فإذا حضر الخصم، أخبره من شهد عليه، فيرجع بما عنده من الدفع.
وقال سحنون فيه، وفي كتاب ابنه: لا يكتب شهادة البينة بغير محضر من الخصم أو وكيله، وإن كان حاضرا أو قريب الغيبة حتى يحضر، ولا يمكن المشهود له من فرصته، لعل المشهود عليه يذكر الشهود عليه يذكرهم أمرا يسره ينتفع به، وإن سمعها في غيبته ثم قدم، فطلب إعادتها، فليعدها عليه إن قدر، فإن لم يمكن لموتهم، أو لغيبتهم، فقد لزمه كما لزم الغائب، وليدفع شهادتهم بما يمكنه.
قال في كتاب ابنه: وإن بعدت غيبته، وثبت ذلك عند القاضي، سمع البينة في غيبته، ثم إن قدم قبل/ الحكم، أعلمه بمن شهد عليه، وإن كان قد حكم أمكنه من حجته.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: يسمع البينة بغير محضر الخصم، وهو العمل عندنا، فإذا جاء، قرأ عليه الشهادة، وذكر له الشهود، فإن طلب إعادتهم، فلا يمكنه من ذلك، إلا أن يخشى عليه دلسة، أو يستريب أمرا فليجبه إلى ذلك، فإن أجابه إلى ذلك من غير أمر خافه، ثم أراد أن يسمع منهم في غيبته، فلا يفعل، وليحضره، وأهل العراق يرون ألا يسمع البينة إلا بمحضر الخصم، والعمل عندنا على ما قلت لك، وقاله مطرف، وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال: إن كان الخصم قريبا، فليحضر حتى يشهدوا عليه، فإن بعدت غيبته، سمع شهادتهم فكتبها، فإذا حضر عرفوه بمن شهد؛ وبماذا شهدوا، وإن كان الشهود عدولا عارفين بما شهدوا عليه، وأحب أن يشهد بحضرة المشهود عليه أو وكيله، وقد يذكرهم أمرا ينفعه، فإن لم يفعل، جاز، ثم إذا حضر أخبره بشهادتهم، وليس له أن يقول: يحضروا حتى يشهدوا بمحضري، وإن [8/194]
***(1/192)
[8/195] شاء أن ينسخ له شهادتهم بذلك، فهو قادر على أن يسلمهم أو يذكرهم، فإن ذكروا ما ذكرهم، فعليهم أن يرجعوا، ولا يضر ذلك شهادتهم الأولى، إلا أن يرجعوا عن شيء فيها، فيقبل منهم رجوعهم ما لم يحكم بها، ولا ينبغي أن يؤدي البينة ولا يتعرضهم، فإن فعل أدبه الإمام بما يراه من السجن أو غيره، وقد يكون هذا على قدر حاله، وليس من لا يعرف منه أذى إلا مثل الزلة مثل غيره/ ممن يعرف بالأذى، ويكتفي في هذا الذي لا يعرف بذلك التواعد فيه.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا يسمع بينة على غير غائب إلا بمحضره، فإن سمعها ولم يحضره، ثم قرأها عليه إذا حضر، فلا بأس بذلك إن شاء الله، وإذا أمره القاضي أن يحضر يوم كذا وكذا لتقع البينة عليه، وأشهد عليه خصمه بذلك، فلم يحضر، فليسمعها في غيبته، ويقرأها عليه إذا حضر ولا يعيد له الشهود.
ومن المجموعة، ومن العتبية رواية أصبغ: قال ابن قاسم: وإذا سمع البينة على غائب، ثم قدم، فلا يعيدها، وليعرف الخصم بما شهدوا عليه، إن لم يحضر خصمه.
من المجموعة: قال أشهب: وإن اختصما في دابة، أو عبد، أو عرض، وهو قائم، بعينه، أيقضي له قبل إحضاره؟ قال: يسمع خصومتهما وحجتهما، فإن كان فيه شيء مما يجيء لأحد منهما شيء مما ادعى، نظر في الإمام، وإلا لم ينظر فيه حتى اختصما فيه بعينه، فإن كانت شهادة، فليشهدوا فيه بعد رؤيته، إلا أن يستهلكه أحدهما، والآخر يدعيه، أو استهلكه غيرهما، وكل واحد يدعي فيه، فإنه يسمع منهما البينة فيه؛ لأن الشهود فيه مستهلك، لا تقدر البينة أن تعينه، وهو [8/195]
***(1/193)
[8/196] لو كان قائما، لم يفت بقضائه الحاكم ولم يعاينه، ولا عاينه الشهود، أنه قد قضى بمالا يعرفه هو ولا الشهود.
قال ابن القاسم: لو ادعى عبدا بيد رجل، والعبد غائب، فيقيم في ذلك البينة على ذلك، قال: فإنه يقبلها إذا وصفوا ... ذلك وعرفوه وحلوه، ويقضي له به.
قال ابن القاسم: ولو شهدت بينة على غائب أنه سرق، فقدم، وغاب الشهود، أو كانوا حضورا، فليس عليه إعادتها، إنما استأصل تمام الشهادة.
قال سحنون، في بينة تشهد على رجل بشهادة، وهو يخافوا إن رفعوها إلى القاضي علانية أن يقتلهم المشهود عليه لجرأته على الله سبحانه، فهل يقبلها القاضي منهم سرا، ولا يخبر المشهود عليه بأسمائهم؟ قال: لا؛ لأن له حجته في تجريح من شه عليه بمثل العدواة، والقرابة، وأنا أخاف أن لا يسمع الشاهد كتمان شهادته، ثم وقف، وقال: دعني حتى أنظر.
قال سحنون: ومن ادعى دابة واحد في المسجد، والدابة على باب المسجد، أيشهدون عليها وهي في خارج المسجد؟ قال: يشهدون عليها حيث يراها الحاكم، كما يشهدون على النصراني وهو لا يدخل المسجد.
وسأل حبيب سحنون، عن من اعترف دابة بيد رجل، فأحضره إلى الحاكم، فأمره الحاكم، بإحضارها، فأتى بدابة، فقال المدعي: ليست هذه التي اعترفت. فكلفته البنية، فأتاني بشاهد عدل، ذكر أن الدابة التي اعترفت في يديه غير هذه، قال: فليغلظ عليه الحاكم بالحبس وغيره، حتى يظهر الدابة، قيل: فإن كان الشاهد لم يرك، فليغلط عليه دون ذلك، وإغلاظا دون إغلاظ. [8/196]
***(1/194)
[8/197] في الأمة بين الرجلين يجحد أحدهما نصيب الآخر/ ويدفعه الآخر حتى هلكت الأمة أو ولدت وفي الأمة تذكر بينة أنها مسروقة فلم يقم فيها حتى هلكت
ومن العتبية: روى ابن القاسم، عن مالك، في أمة بين رجلين؛ جحد أحدهما نصيب الآخر فيها، فلم يجد بينة حتى ولدت أولادا، فأعتق منهم، ووهب، وباع، ومات بعضهم، ثم أصاب صاحبه البينة، وحكم له. قال: أما عن باع، فله – إن شاء- نصف الثمن، أو ونصف الرأس إن وجده، وما أعتق: فلشريكه أخذه ودفع القيمة يوم الحكم عليه بالقيمة في ملئه، وإلا بقي نصفه له، ونصفه للآخر، ولأنه لو مات هذا المعتق، لم يضمن معتقه، فلذلك عليه قيمته يوم الحكم، وما وهب: فله نصف الرأس إن وجده، ومن مات منهم. لم يضمنه- يريد: ولو ماتت لضمنها؛ لأنه غاصب لنصيب صاحبه لجحده، ولا يضمن الولد إلا أن يقتلهم. وروى أشهب، وابن نافع، عن مالك، في من عرض جاريته بالمدينة – يريد: وهو مصري- فأتى قوم فشهدوا أنها مسروقة، ثم ذهبوا إلى بلادهم، أيدعها بالمدينة، أم يرجع بها إلى مصر؟ قال: يرجع بها إلى مصر أحب إلي، ولو تركها بالمدينة ثم ماتت، لم يضمنها إن استحقت، وأحب إلي أن يشهد قوما أن هذه الجارية اعترفت في يدي، ثم ذهب من اعترفها، فلم يأتوا، ويذهب بها. قيل: أيبيعها؟ قال: ما آمره بذلك.
في القضاء على الغائب
/ من المجموعة: قال عبد الملك: لابد لي ولمن خالفني في القضاء على الغائب، وقد قضى جميع الأئمة على الغائب في الوكالة، أنه وكل بهذا الطالب، فيصير كالحاضر بحضور وكيله، ويمضي به الوكيل في البيع وغيره، فيصير ذلك كقضاء [8/197]
***(1/195)
[8/198] على الغائب في إنفاذ ذلك، وتصير حجته تجريح من شهد عليه، وكذلك المقضي عليه بحق غير الوكالة. ومن ذلك أن ينعي الرجل بشاهدين، فيحلا زوجته للأزواج، ويعتق مدبره، أو أم ولده، ويقسم ماله، وليس ذلك عليه، فقضي عليه بالموت وبما يتفرع من الموت، وقد قضى عمر على المفقود في غيبته. قال سحنون: وقد يحكم على الغائب بالبينة بأنه قتل فلانا خطأ فيقضى على العاقلة بالدية لأوليائه، والعاقلة غائبة لم يدعوا لمنفعته، وإنما المشهود عليه كأحدهم وكشريك لهم، فقد أقر من خالفنا أنه لا حجة للعاقلة. وقد وجب الحكم.
قال سحنون، في العتبية: ومن قولهم: أنه يقضي للزوجة بالنفقة في مال الغائب، وفي الوكالة على البيع.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومالك يرى الحكم على الغائب بالدين، وأما كل ماله فيه حجج، فلا يقضي عليه، مثل الرباع والعقار عند مالك، وكذلك إن أقام بينة أنه وارث هذه الدار مع الغائب. وأخذ به ابن القاسم. قال ابن القاسم: إلا في غيبة تطول، فينظر فيه السلطان، مثل أن يغيب إلى الاندلس أو طنجة، فيقيم الزمان الطويل، فهذا يقضي عليه.
قال سحنون: في قول مالك: وأما كل ما له فيه حجج، فلا يقضي عليه.
يعني: /الرباع.
قال سحنون، في العتبية: والذي يكون فيه الحجج. قال عبد الملك: إذا أثبت المدعي أنه وارث لهذه الدار مع الغائب، وما يرى الحاكم أنه يستلحق ذلك بمثله، ضرب له أجل الغائب، ثم قضى عليه، فإذا كان بمصر من الأمصار، ضرب له أجلا بقدر ذلك المصر، قرب أو بعد، وإن كان في الموضع غير الواصل في أخباره، ولا السلوك سبيله، إلا في إبان الطول جدا، ضرب له أجل متراخ، وإن لم [8/198]
***(1/196)
[8/199] يحقق ذلك، ثم قضى، ثم الغائب على حجته إذا جاء كان قد قضي عليه بأرض أو مال.
قال ابن القاسم: وإن أقام ورثته بينة أن هذه الدار لأبيهم، وأن الغائب الذي هي في يديه لا حق له فيها، إلا على جهة الخطأ ممن قبلها، ولا ينال منها الشمهود له شيأ؛ لأن السبب الذي رفع أن لا حق له فيها من إقراره أنه لا حق له فيها، أو أنه باعها من فلان.
قال ابن القاسم: ويسمع البينة على القاتل في غيبته، ويقضي عليه، فإذا قدم كان على حجته، ولا تعاد البينة. قال أشهب: لولاة الدم قيام البينة بذلك، ويقبل منهم في غيبته، ويقضي على الغائب كما يقضي على الميت، والشهود يشهدون على اسمائهم وأنسابهم، وكذلك غائب ببلد، فيريد طالبه طلبه، فيأخذ عليه كتابا من قاض إلى قاضي البلد الذي هو به بما ثبت عليه، وبينته ببلد القاضي الذي يكتب له. قال عبد الملك: إن كان الغائب صغيرا، لم يضرب له أجلا؛ لأنه لو حضر، لم يكن يدافع عن نفسه ولا آخذ لها، ولكن إن كان في ولاته أحد غائب، ضرب لوليه أجلا، وإن حضر خاصم بحجج/ الصبي، فإن لم يكن عليه وليا، فليول عليه الحكم وليا، يكون وليا له في هذه الخصومة وغيرها، ثم حكم عليه وله، ولا يخصمه بالولاية في هذه الخصومة فقط، فيصير قد نصب له وكيلا فخاصم عنه في هذه خاصة، فهذا لا يكون حتى تكون ولاية مختصة، فيكون ذلك مثل نفسه.
قال ابن القاسم: ومن بيده سلعة وديعة، أو عارية، أو بإجارة، فأقام فيها رجل البينة، وربها غائب، فإنه يقضي عليه فيها، إلا أن يقرب موضعه، فيأمر القاضي من يكتب إليه. [8/199]
***(1/197)
[8/200] قال ابن الماجشون: ويقضى على الغائب في كل شيء بعد أن يستأذن في ذلك القاضي، ويضرب له الأجل بقدر بعد موضعه، وحال طريقه، بعد أن يعرف الغيبة وحيث هو، ويكلف ذلك طالب الحق، وقد يأتي كتابه من موضع، أو يأتي الواحد والاثنين بخبره، فإذا استعلى ذلك، ضرب له الأجل بقدر ذلك. يريد: بقدر ما يرجى إيابه فيه، قال: وإذا أعياه ذلك بعد طول واستياء، ضرب له الأجل أيضا على ما يرجو من أطراف البلاد وإقامتها، وحيث يرجى ذلك، وينبغي للقاضي أن يحضر وكيله، فإن لم يكن له وكيل، فيكشف عن أمره من هو يعني بأمره من قرابة له، أو صديق، فإذا استقصى ذلك، حكم عليه.
قال أشهب: وكتب مالك إلى ابن غانم: وسألت عن من أوقع عندك البينة على رجل حاضر في أرض يدعيه ادعاها، ثم هرب من وقعت البينة عليه، فأرى إن كان خاصم/ خصمه عندك، ووقعت عليه البينة عندك بما يحق به الأرض، ثم هرب، أن يقضي لمدعيها بذلك.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أقام على غائب بينة بألف، وأن فلانا الحاضر كفيل بها، والكفيل يجحد، فليقض على هذا بالكفالة، وعلى الغائب بالمال، فإن قدم، لزمه القضاء، ومكنه من حجة إن كانت له، فإن ادعى الكفيل المال، رجع به عليه إن أقر، وإن جحد وأتى بحجة: سمعت منه، وإن لم يكن الكفيل أدى شيئا، فلا طلب عليه للطالب، وليطلب الغريم إلا أن يغيب أو يقدم الكفيل، واختلف قول مالك في أيهما يطلب: الكفيل أو الغريم. ومن أقام بينة أنه ابتاع هذه الجارية من فلان بكذا، ونقده الثمن، وفلان يملكها يوم البيع، فقضى له بها، فهو قضاء على البائع الغائب بالعهدة، إلا أن يأتي بحجة إذا قدم، فيمكن من ذلك، ويقضى على من هي بيده، فإن قدم الذي باع، فأنكر [8/200]
***(1/198)
[8/201] البيع، قضي عليه بالبينة الأولى، ثم هو على حجته، وكذلك لو أقام بينة أنه ابنه الميت كان مملوكا لفلان حتى أعتقه قبل موت الابن، وأنه لا وارث له غير أبيه هذا، وأقام آخر البينة أنه مولي الإبن، وأنه اعتقه وهو بملكه، وأنها لا وارث له غيره، فليقض القاضي؛ يقضي للأب بالميراث، ويكون ذلك قضاء بالعتق على مولاه الغائب، فإذا قدم كان على حجته إن ذكر ذلك، وكذلك كل حق وجب لهذا الأب؛ من حد، أو قصاص، وغيره، فأقر أنه عبد، وأقام بينة بالعتق، يقضى له بالعتق، وأقام له أحكام الحر،/ وينفذ ذلك على مولاه وإن كان غائبا يوم الحكم، ثم إن جاء، لم يعد عليه البينة، ولم يمكن من حجته، ويخبر بمن شهد عليه.
وسأله حبيب، عن من ادعى دينا على رجل، وذكر أنه خرج إلى صقلية، فمات بها، وطلب أن يعديه على خاله بالقيروان، ولم يشهد على موته إلا شاهد، وقد لقي الرجل، قال: لا يعديه بدينه حتى يثبت موته، ولا يقضى على غائب بصقلية حتى يكتب إليه، ويعذر إليه، وإنما يقضى على الغائب البعيد المنقطع.
ومن كتاب ابن حبيب: قال: روى ابن القاسم، عن مالك: قال: لا يقضى على الغائب في ربع، ولا عقار، ولا أرض، ويحكم عليه في غير ذلك من الديون، والحيوان، والطلاق، والعتاق.
قال أصبغ: يقضى عليه في ذلك في كل غيبة، بعدت أو قربت، إلا أن يقرب جدا؛ بحيث يبلغه الكتاب بغير مضرة على الغرماء، فيكتب إليه يعلمه بما ثبت عليه، ويأمره أن يقدم، فيقضي عن نفسه، فإن لم يقدم، باع عليه، وقضى غرماءه، فإن قدم بعد ذلك فجاء ببراءة، أو بما يزل عنه الحق، مضى البيع لمبتاعه، واتبع بالثمن من أخذه، وأما الأصول والرباع، فلا يحكم على غائب إلا في غيبة بعيدة، مثل العدوة من الأندلس، ومكة من أفريقية، وشبه ذلك، فليقض عليه في مثل هذا إن كانت غيبة انقطاع، فإن كان إنما خرج حاجا، أو تاجرا، وهو ينتظر أوبته، فلا يحكم عليه في الربع، ويحكم عليه في الدين والحيوان. قال: [8/201]
***(1/199)
[8/202] ولو عجز خصم الغائب عن مطلبه، واستقصى الغائب حجته،/ فلم يأت بوجه حق، فلا يقضى للغائب عليه؛ إذ لعله لو حضر، أقر له، ولكن إذا قدم الغائب، خاصمه، فإن عجز، حكم عليه حينئذ، وإن خاصم عند قاض غيره، أو جاء بحجة غير الأولى، ابتدأ الخصومة في ذلك. وإن قال الطالب: غيبة خصمي بعيدة، يستحق أن يقضى عليه فيها: كلف البينة على ذلك.
وقال ابن الماجشون: إن علماءنا بالمدينة وحكامنا أنه يقضي على الغائب في الرباع وغيرها، وأنكر رواية ابن القاسم في الرباع، ولكن يحكم عليه بقدر ضرب الأجل بقدر مسافة البلد الذي هو به، والآجال في الدين أطول منها في الربع، ولو حضر فضربت الآجال في الدين لما يطلب من البراءة والمخرج، وأرى أن يحضر ذلك وكيله، فإن لم يكن وكيل، فالرجل المعني به من أهله، أو الصديق، أو الصاحب ممن يستنيم إليه، وهذا من الإعذار في أمره، فإذا استقصى ذلك، قضى له عليه، ويضرب الأجل بقدر بعد موضعه، ويكلف الطالب البينة على ذلك، ولو جاء في ذلك بالأمر غير القاطع، أو أن كتابه جاء من موضع كذا، واستغلا ذلك وكثر، ضرب له الأجل بقدر ذلك، وإن أعياه علم أمره بعد الاستياء وضرب الآجال على أطراف البلد وأقاصيه حيث يتوجه السفر، لا يضرب فيه إلى جهة الصين، وما لا وجه له.
قال محمد بن عبد الحكم: يقضى على الغائب في جميع الأرض، والنخل، والدور، وغيرها، والذي يقضى له بغيبته، فإن أبى ما ينقصه، كان منع أمرا قد غيب وتلف، والربع قائم لا يزول، وقد قال/ مالك: يقضى على الغائب. ولم يستثن. وقال: لا يقضى عليه في الربع. وقد قال أشهب في دار بيد غائب، فادعى رجل أنه وارثها مع الغائب، فإن كان حوزه إياها قريبا بموت أبيه منذ سنة [8/202]
***(1/200)
[8/203] أو سنتين، أو يعلم أنها صارت إليه بميراث، ثم أقام البينة أنه ابن المتوفى، فإنه يلحق به ويقضي عليه بنصيبه من الدار.
وقد قال ابن القاسم، في رجلين لهما نقض في دار ربها غائب، ومضى ذلك إلى الإمام، فأرى أن يأخذ النقض لغائب بقيمته فعل. وقال: يقضى للشفيع في غيبة المشترى للدار. وهذا كله قضاء على الغائب في الرباع.
وقال مالك: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، وقد كثر من يكتري من الرجل منزله، ثم يغيب ويدع فيه عياله، أو مكتر منه، أو يكري المكتري الدار، ويغيب الأول، والبينة على ذلك كله، فلا ينفعه ذلك، وفي هذا كله ضرر بأرباب الدور. قال في موضع آخر من كتابه: ويحكم على الغائب في الربع إذا بعدت غيبته. وقال ذلك عبد الرحمن بن القاسم.
قال ابن الماجشون: وإذا قدم الغائب المقضي عليه، فطلب الحجة في من شهد عليه يجرحه أنه عدو له، أو عبد، أو محدود، أو غير مسلم، فأما ما سوى الرق، وخلاف الإسلام، والمولى عليه، فلا نظر له فيه، ولا ائتناف حكم من ذكر أنه من شرب خمر أو نحو ذلك من أمر قديم أو حديث، فأما ما انكشف أنه عبد، أو مولى عليه، أو على غير الإسلام، فهذا ينقض يه قضيته. قلت له: قد قلت/: إذا قضي على الغائب بالوكالة، ثم قدم، أن له أن يجرح من شهد عليه، ولم تقل ذلك في هذا. فقال: لأن هذا قد ضرب له الآجال، واستقصي في ذلك، بمثل ما لو كان حاضرا، وأما الوكالة؛ فلم يضرب في الآجال، ولكن هي قضاء عليه، لكنها تجر إلى الفصل عليه وله. وقال: وإذا أثبت أن الشاهد عليه عبد أو نحوه، فإنه يأخذ ما له، وما بيع منه مضى، وإنما له ثمنه ممن باعه؛ لأنه بيع شبهة. قال: والزوجة المنع فإنه يفرق بينها وبين من تزوجت، وترد إليه، ويرجع من عتق له من مدبر وأم ولد، فيرجعون إليه كما كانوا. [8/203]
***(1/201)
[8/204] ومن كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه: يقضى على الغائب وذلك في الدين وغيره، ويباع فيه ربعه ورقيقه، فإن قدم فأقام بينة بالبراءة من ذلك الحق، فإنما يرجع على المقضي له بما أخذ من الثمن، ولا ينقض البيع. وقد قال: يقضى على الغائب إلا في الربع وحده. ومن ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدته، فوجد المتباع عيبا كان عند البائع، والبائع غائب، فلا يعجل فيه بالقضاء حتى تثبت فيه البينة، فإن ثبتت يقضى له برد ذلك، ثم ينتظر صاحبه، لا أحب أن يعجل فيه بالبيع حتى ينتظر صاحبه شيئا يسيرا، إلا أن يخاف على العبد هلاكا وضيعة، فيباع ويقضى المبتاع من ثمنه.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في الغائب يكون له وكيل، وبيده عبد أو أب، فيستحق ذلك، فإن يقضى به للمستحق، وأما الرباع يستأنى بها، ويكتب إلى الغالي، إلا أن يطول زمانه، وتكون/ غيبته انقطاعا.
وكتب شجرة إلى سحنون، في عبد بين رجلين؛ غاب أحدهما، فقام شريكه يطلب بيع نصيبه، فقال: إن كانت غيبته (قريبة) استأنى به حتى يحضر، فيقاومه، أو يجتمعا على البيع، وإن بعدت غيبته، فليبع للحاضر العبد، وتوقف حصة الغائب من الثمن. ويسأله حبيب عمن اعترف دابة بيد عبد مولاه بباجة، وليس بمأذون في التجارة، فيقدمه إلى الحاكم، قال: يكتب الحاكم إلى قاضي باجة فإن لم يكن به قاض، كتب إلى صالحي ذلك البلد، فيوقفوا سيد العبد، فإما أن يوكل على الخصوم، وإما أن يقدم، فإن أبى من ذلك، أشهدوا عليه، وكتبوا بذلك إلى الحاكم، فيسمع حينئذ البينة على عين الدابة، ويحكم بها للمعترف في غيبة سيد العبد، لأنه مالك، أراه يريد: ولا يوقف على حجته؛ لقرب مكانه.
قال عيسى، وأصبغ: عن ابن القاسم: وعن من أثبت حقا له على رجل غائب، فأراد أن يخرج في ذلك أو يوكل، قال: فليحلفه القاضي، خرج أو وكل [8/204]
***(1/202)
[8/205] أنه ما قبض الحق، ولا أحال به، ولا قبضه بوجه من الوجوه، ثم يكتب له بوكالة إن وكل وثبت عنده.
قال ابن القاسم: ومن باع خادما ففقد، فاستحقت، وللمفقود عرض فليعد على عروضه في رد الثمن، قال: ولا أعرف أنه يقيم للمفقود وكيلا في قول مالك في ذلك.
قال محمد بن عبد الحكيم: ولا يجوز للحاكم أن يحكم على رجل غائب عن البلد الذي ولي الحكم بين أهله، وليس له به مال، وإنما يحكم إما على رجل حاضر البلد، أو على مال له بذلك/ البلد، أو حميل، أو وكيل له، فأما غير ذلك، فليس له أن يحكم عليه؛ لأنه لم يول الحكم بين جميع الناس، إنما ولي على أهل بلد خاص، ولكن ينقل الشهادات إلى غيره من القضاة، وإن كان حميلا بالحق على الغائب حاضر البلد، حكم عليه، وأخذ منه الحق، ورده على الغائب بالمال، وكذلك الرهن.
في الحكم على الصغير وهل يوكل له أو للغائب وكيل؟
قال ابن حبيب: قلت لأصبغ في صبي لا وصي له يدعى قبله أو في يديه شيء، أيوكل له وكيل يدافع عنه؟ قال: قال ابن القاسم: لا يوكل له وكيل. وأنا أرى أن يوكل له القاضي وكيلا يتولى منه ما يتولى الوصي من النظر له في ماله ونفسه، وفي الدب عنه في من يخاصمه، وإنما يكره أن يوكل عليه وكيلا لمدة الخصومة وحدها، ثم يعزله، ولكن يكون وكيلا مفوضا إليه جميع أمره.
قال أصبغ: وأما الغائب البعيد الغيبة: فقال ابن القاسم: لا يوكل له وكيل، ولكن يباع عليه، ويبقيه على حجته. [8/205]
***(1/203)
[8/206] قال أصبغ في العتبية في الغيبة البعيدة والمنقطعة: فإنه يسمع بينة الطالب، ويقضي له على الغائب في الرباع، ويجعل للغائب وكيلا إذا لم يكن له وكيل يدفع عنه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ولا يقيم القاضي للغائب وكيلا، ولكن يقضي عليه ويبقيه على حجته. قال: ولو كان المشهود عليه صبيا صغيرا، ولم يقم له وكيلا، فيما علمت فيه/ من أقاويل مالك، وليقض عليه. قال عبد الملك: إن كان الغائب صغيرا لم يضرب له أجلا؛ إذ لو حضر، لم يدافع عن نفسه، ولا أجر لها، ولكن إن كان في ولاية أحد غائب، ضرب لوليه أجلا، وإن حضر خاصم عليه بحجته، فإن لم يكن عليه ولي، فليول عليه الحاكم من يكون عليه وليا في هذه الخصوم وغيرها، ولا ينبغي له أن يقيم له وكيلا في هذه الخصوم خاصة، ولكن ولاية جامعة، فيقوم مقام نفسه، ثم يحكم له أو عليه. وهذه المسألة قد تقدمت في الباب الذي قبل هذا.
في الحكم على المسجون
وفي من خاصم في قناة أو قنى أو شيء مشترك وفيمن خصامه الحاضر والغائب والصغير أو قوم مجهولون
قال ابن كنانة في سجنه الإمام وللناس عليه حقوق، هل يسمع الإمام بينة خصمه؟ ومن تزكيتهم، ويقضي عليه؟ قال: يأمره الإمام أن يوكل من يخاصم إليه ويعذر إليه، وإن أبى أن يوكل، قضى عليه إذا شهدت البينة عليه [8/206]
***(1/204)
[8/207] وزكوا بعد أن يعذر إليه، فإن حضر خروج خصمه إلى سفر، أو كانوا مرضى، أو خشي فواتهم، أشهد على شهادتهم.
وسأله حبيب عن رجل تخرج له قناة من داره إلى قاعة زعم أنها كانت حنار ثم يخرج منها إلى دار رجل، ثم يخرج إلى الزقاق. فأنكر رب الدار هذا المجرى، وزعم خصمه أنه قطع المجرى، وبقي الماء في القاعة، والقاعة لورثة جماعة غيب لا يعرف أكثرهم، هل يخاصم في ذلك رب/؟ قال: لا تجب له خصومة حتى يحضر أهل هذه القاعة أو أحد منهم، ولا يحكم عليه بمجرى الماء، إلا أن يكونوا في غيبة بعيدة منقطعة، أو يكونوا لا يعرفون، فيمكن هذا من الخصوم، ويحكم إن صحت بينته.
وسأله حبيب عن من ادعى في قاعة بين دور أنها له، وجاء على ذلك ببينة فعرض أهل دور حولها، فزعموا أنها له ولغيره من ورثة؛ منهم من يعرف، ومنهم مجهولون، وإن قالوا: إن موضع كذا إلى كذا لفلان ولفلان ولفلان. فدخلت هذه القاعة في هذه الحدود، ولقوم مجهولين لا نعرفهم، بينهم ذلك مشاع. قال: لا يوجب هذا للقائم له ولا للجماعة فيها حقا، ولم يقطعوا له فيها بشيء معلوم، فالحق حق الأول، ويحكم له، ولا يكون هذا خصما للأول، ولا يمكن من تجريح بينته؛ لأنه لم يجب له في ذلك حق.
من كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة في قوم ادعوا أرضا في مرسى بتونس، وأقاموا عندي بينة بملكهم إياها، هل يدعو من كان بذلك المرسى بمنافعهم، ثم ينفذ الحكم؟ فكتب إليه: أن للحاكم أن يسأل أهل المرسى المرابطين الذابين عنه عن منافعهم؟ فإن جاءوا بشيء، وإلا وصل الأرض إلى مستحقها. [8/207]
***(1/205)
[8/208] في الطالب يكون من بلد والمطلوب من بلد آخر والشيء الذي فيه الخصومة في غير البلدين أو في أحدهما أين تكون الخصومة؟
ومن له سورى ببلد ولا يعرفها أحد فثبت حقه عند قاض آخر ويأتي إلى هذا بكتابه
قال سحنون: ومن ادعى دارا بالقيروان، والذي هي بيده غائب بتونس/، قال: يكتب قاضي القيروان إلى قاضي تونس: إما أن يقدم فلان فيخاصم، أو يوكل من يخاصم له، فإن أبى سمع من حجة المدعي وبينته، فإذا أثبت الدعوى، وأوقع البينة، أوقف الغلة إن كان لذلك غلة، ثم يكشفه عن البينة، فإذا زكيت حكم له. قال ابن كنانة في مثل هذا: إن دعى كل واحد منهما إلى قاضي بلده، فإنه يخاصمه حيث الدار إن كان القاضيان عدلين، وإن كان أحدهما جائرا، خاصمه إلى أعدلهما.
قال سحنون: وإذا طلب الرجل أن يقيم عند القاضي بينة على دار بمصر بيد رجل، أو بدين عليه، وقال: لأني لا أجد بمصر من يزكيهم، وطلب أن يكتب له بذلك إلى قاضي مصر، فذلك له، ويكتب له قاضي القيروان إلى من يجوز أمره بمصر، وكذلك قاضي تونس يكتب له إلى قاضي القيروان.
ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف في رجل من أهل المدينة، له دار بمكة، فادعاها رجل مكي، أين تكو خصومتهما؟ قال: حيث المدعى عليه، وليس حيث المدعي، والدار المدعاة، ولو كانت الدار بغير مكة، ومدعيها بمكة، وصاحبها بالمدينة، فلتكن الخصومة أيضا حيث المدعى عليه. قلت: فكيف يطلب هذا حقه؟ قال: إن شاء بدأ بقاضي مكة، فأثبت عنده دعواه، ثم يكتب [8/208]
***(1/206)
[8/209] بذلك إلى قاضي المدينة، وإن شاء أثبت وكالة وكيل عند قاضي مكة، وكتب له بذلك كتابا ليلي وكيله الخصومة بالمدينة عند قاضيها، وإذا كتب إليه بما ثبت عنده من ملك الدار للمدعي، قرأ كتابه على المدعى عليه/، وقال له: إن جئت بمنفعة وإلا حكمت عليك. قال: ولو قدم المدينة بغير كتاب القاضي، فطلب عند قاضي المدينة، كتب له إلى قاضي مكة حيث يثبته، أن يسمع بينته ثم يكتب إليه بما صح عنده في ذلك، ويؤجل له أجلا بقدر المسافة، ووجه مطالب الأمر.
قال ابن الماجشون: إنما تكون الخصومة عند قاضي مكة حيث المدعى عليه، والشيء الذي ادعى فيه، ويضرب لصاحب الدار أجلا، بحال ما يصنع بالغائب، فإن كانت الدار بغير مكة فحيث تكون الدار تكون الخصومة، فإذا جاء صاحب الدار والأجل، خرج أو وكل. وقال أصبع بقول مطرف، وبه أقول.
قال أصبغ: ولو أن المدعي دخل مكة فتعلق به المكي- يريد مخاصمته في الدار- فذلك له، ولم يكن للمدني أن يأبى ذلك. وانظر كل من تعلق برجل في حق، فإنما يخاصمه حيث تعلق به إن كان ثم قاض أو أمير، كان الحق بذلك البلد أو غائبا عنه، كان إقرارهما به في ذلك البلد، أو لم يكن، فالخصومة حيث ترافعا. وقال ابن حبيب: إن ترافعا في دين، أو مال، وكل ما في الذمم، فأما في الرباع؛ فإن كان الربع حيث تعلق به، ففيه تكون الخصومة، وإن كان الربع في بلد المدعي عليه، أو في غيره، فليس للمدعي أن يحسبه لمخاصمته إياه.
ومن العتبية: قال ابن وهب، في من له حق من مورث أو غيره ببلد آخر، وليس يجد هنا من يعرفه، وله من يعرفه على يومين أو ثلاثة، فذهب إليهم، فشهدوا عند قاضي/ ذلك البلد: أنهم يعرفون فلانا بعينه واسمه ونسبه، وعلى أنه وارث [8/209]
***(1/207)
[8/210] فلان، فعدلوا عنده، وكتب له بذلك كتابا إلى قاضي ذلك البلد الذي يطلب فيه حقه، قال: فليقبل ذلك المكتوب إليه، ويحكم به، ولا حجة لخصمه إن قال: لم أحضر شهادة هذه البينة. وإن احتاج أن يكتب أيضا هذا القاضي إلى قاض آخر بما حكم له وثبت عنده، فليفعل، وهذا شأن القضاة، لا يختلف في ذلك أهل العلم، ولا يجوز للقاضي المكتوب إليه أن يدفع ذلك بأن يقول: لا أعرف البينة، ولينفذ ما ثبت عند الذي كتب إليه، إلا أن يكون عند الخصم حجة أو تجريح إلى بلد الشهود، فيدفع ذلك عن نفسه، وإلا فلا حجة له. وقاله أشهب، وقال: لا تبالي كان اثبات معرفته عند قاضي الاسكندرية، أو عند قاضي افريقية، فإذا كاتب بذلك قاضي مصر، وثبت كتابه عنده، فعليه إنفاذ ما فيه. وهذه مذكورة في كتاب سيرة القضاة.
في الورثة يغيب بعضهم أو أحد الشركاء، فيخاصم من حضر هل الحكم لمن حضر؟ أو عليه حكم لمن غاب أو عليه
من المجموعة: ونحوه في كتاب ابن سحنون، قال أشهب: سأل ابن كنانة مالكا لابن غانم، عن من هلك عن بنين، فحضر أحدهم، فخاصمه رجل في دار من التركة، فقضى له بها، ثم جاء أخ له، فطلب أن يقوم بحجته، قال: يسمع منه ما كان عنده من بينة أو حجة في نصيبه غير ما رفع أخوه، وإن ادعى بينة غائبة، فإن كان/ أمرا قريبا، أمكن من ذلك، وأما إن كان يأتي بالعلل، أو بما جاء به أخوه، لم ينظر في ذلك.
ولو أن أحد الولد خاصم في دار للميت بيد رجل حتى استحقها، وإخوته[8/210]
***(1/208)
[8/211] غيب عنه، قال: لا يدفع جميع الدار إلى الحاضر منهم إلا بوكالة الباقين، ولكن تنزع من يد الذي قضي عليه، فتوضع على يد عدل يريد نصيب من غاب.
قال أشهب: ويمكن الحاضر من الطلب في ذلك، فإن كان شركاؤه غيبا، لم يوكلوه، فإن قضي له بذلك، فنصيب شركائه يوقف بيد عدل حتى يحضروا فيأخذوا نصيبهم، وإن قضي عليه، كان من غاب غير إذا حضروا. وقاله مالك. وقال عبد الملك: يخاصم في حقه، ويكون القضاء له وعليه، ولا يكون للآخرين قضاء ولا عليهم، وقال ابن القاسم: لا يقضى له إلا بحقه. وقال في كتاب ابن سحنون: ويبقى ما فيها بيد المطلوب.
قال سحنون: وقد كان يقول غير هذا، قال في الكتابين: ولا يقضى للغيب بشيء؛ إذ لعلهم يقرون للمحكوم عليه بأمر جهله أخوهم، وقد يهلكوا قبل علمهم بالحكم. ونحوه لعبد الملك، ذكره عنه ابن حبيب: أنه يقضى للقائم بحصته فقط، وتبقى حصة من غاب بيد المطلوب، يحكم فيه بما شاء ولا تعقل عليه، ثم إذا قدم الغائب فطلب الأخذ بالحكم، كان له بلا ائتناف خصومة، ولا بينة، وإن قالوا: لا حق لنا في ذلك. ترك بيد المطلوب، إلا أن يكون أحدهم مفلسا، قام عليه غرماؤه،/ فلا ينظر إلى قوله، بخلاف ما يوجب للمفلس؛ أو شفعة تكون له فلا يرى أخذها.
قال ابن الماجشون: ولو كان قبل قدومه مفلسا، ثم قام الغرماء في هذا الحق، قال: لا يعدى الغرماء قبل قدوم الغائب، وقد يقدم مليا أو عديما. وقاله كله مطرف. وقاله أصبغ. وقال في نصيب الغائب من الورثة. لا يورث عنهم إن ماتوا، ولا تقضى منه ديونهم، وإن كانوا عدماء حتى يعلم دعواهم له، وطلبهم إياه، وقال ابن الماجشون: لورثتهم ذلك إذا طلبوه، وإن لم يعلم لآبائهم فيه دعوى. [8/211]
***(1/209)
[8/212] قال ابن حبيب: وقوله أحب إلي.
قال عبد الملك، وغيره: إن قضي على من حضر، فالغائبون على حجتهم، وليس يلزمهم ذلك القضاء إن كانت لهم حجة.
ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم، في من ادعى وكالة، ولم يثبتها بعد وشهود الحق الذي وكل فيه حضور، أيقبل القاضي شهادتهم؟ قال: إن خاف أن يخرجوا إلى موضع، وكان له وجه، قبل القاضي شهادتهم، ثم يثبت الوكالة بعد، وإلا فلا حتى تثبت الوكالة.
ومن المجموعة: قال عبد الملك: ثم إن جاء الغيب، فإن طلبوا، كان قضاء القاضي قضاء لهم، وإن قضى عليهم، أمكنهم من حجة لهم غير ما أتى به شريكهم، وإلا قضى عليهم. وقد قال أيضا ابن القاسم: إنه يترك ما سوى حق الحاضر بيد المدعى عليه حتى يأتي من يستحقه.
وقال ابن القاسم في الوصيين وبين الميت وبين رجل خصومة،/ فلا يجوز أن يخاصمه أحدهما دون الآخر. ومن ادعى على الميت وأحد الوصيين غائب، قضي له، ثم إن جاء الوصي الغائب، كان على حجة الميت مما كان قد جهله الحاضر، فإن جاء بشيء، وإلا مضى الحكم.
وقال أشهب: للوصي الحاضر القيام بحق الميت، وكذلك وارث وأحد ذلك، لأنه لا يدفع إليه إلا حصته. قال ابن نافع، وعبد الملك، مثل قول ابن القاسم: ليس ذلك لمن قام منهم إلا بمحضر أصحابه، إذ بوكالتهم أتاه، بخلاف الوارث؛ لأن الوارث له بقدر حقه، والوصي لا يقدر أن ينقص ذلك إلا له إلا بأمر شركائه في الوصية.
قال ابن القاسم: وإذا حضر الورث وادعوا منزلا من التركة بيد رجل، فينبغي أن يرضوا جميعا بأحدهم، فيخاصم له ولهم، ويأتي بحجتهم، ويحضرون معه، [8/212]
***(1/210)
[8/213] ويأتون بما عندهم، فأما أن يتعاوروا هذا يوم وهذا يوم، فليس ذلك لهم. وكذلك في كتاب ابن سحنون.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: وإن أقام رجل بينة أن له ولفلان الغائب على فلان الذي حضر: كذا وكذا، لأن الدين بكتاب واحد، ولا قول لمن قال: يعيد البينة. لأن الشريك غير وكيل، لأنه يرجع الشريك الغائب على الحاضر فيما قبض؛ لأن الأصل واحد، ولم يختلف العلماء في أحد الورثة بينة في كار من التركة، ثم يقدم باقي الورثة: أنه يقضي لهم بأنصبائهم، ولا تعاد البينة.
وقال عن ابن القاسم، في الشريكين يدعيان قبل رجل بشيء، فيأمرهما القاضي أن/ يستحلفا، أو يخاصمه أحدهما؛ فيقول: من حضر منا فهو خليفة الغائب في الحضر. قال: لا يمكنا من ذلك. فأجاز ذلك سحنون.
وسأل شجرة سحنونا، في من أقام بينة في منزل أن أباه تركه ميراثا، وذكروا الورثة، وبعضهم غيب، ولم يطلب من الحضور غيره، فلما ثبت ذلك. طلب الحضور حقهم، فكتب إليه: تنازع أصحابنا في هذا، فقال ابن القاسم يحكم لمن قام ولمن لم يقم؛ إذا ادعى ذلك، ولا تعاد البينة؛ لأن الحكم للأب ويقر حظ الغائب بيد المدعى عليه. وقال غيره عن مالك: هو حكم للأب فصار لورثته، فينزع من يد المدعى عليه، ويأخذ من قام حقه، ويوقف نصيب الغائب، ويكتب الحاكم: إن فلانا ادعى كذا وكذا لأبيه، وثبت ذلك، ولأبيه من الورثة كذا- ويسميهم وحقوقهم – فحكمت لفلان بما ثبت عندي لأبيه. ويكتب لورثة أبيه بأنصبائهم، وهو كذا. [8/213]
***(1/211)
[8/214] في الحكم على عبد الغائب بعينه أو أن فلانا سرقه
من كتاب ابن سحنون: وإن شهدت بينة أن فلانا قال: إن دخلت هذه الدار، فكل مملوك لي حر وأنه قد دخل، ولم يحضر مملوك يخاصمه، فإن القاضي يسمع البينة؛ لأن فيه حقا لله سبحانه بالحرية، حتى لو أبطلها العبيد لم ينظر إلى قولهم، فإن كانت البينة يعرفون العبد، فليحضرهم الإمام إن كانوا في البلد، وإن غابوا، كتب بما يتهم حتى تقع البينة على إعتاق العبيد، فيحكم بحريتهم، وإن كرهوا، وإن حضر الحالف ومعه عبد قالت البينة: إنه كان له قبل اليمين إلي أن حنث فقضى/ بعتقه، وإن جاء عبد آخر فأقر المولى أنه كان يملكه يوم دخل الدار قبل الحالف، وجحد الحالف، فإنه يعتقه، ولا يعيد البينة. وإذا شهدوا على غائب أنه سرق، ثم قدم، فللإمام قطعه، ولا يعيد البينة، إذا كان قد استأصل الإمام الشهادة.
في الرجل يغيب فيريد ولده أو غيره من أقاربه أن يطلب به حقا بغير وكالة وقد خيف فوت ذلك أو لم يخف
من المجموعة وهي في العتبية، من سماع أشهب، من مالك: قال أشهب: كتب مالك إلى ابن غانم، على عشيرة الرجل يذكرون للقاضي أن رجلا منهم بالأندلس، وأن في يد رجل منهم منزلا للغائب، وساكنه يدعيه لنفسه؛ لطول غيبة صاحبهم، وينكر أن يكون لهم، وللغائب في حق، ولم يوكلهم الغائب، فيمكن لهم طلب ذلك الغائب بلا وكالة. [8/214]
وقال ابن القاسم: ولا يقيم للغائب وكيلا في إقامة حجة الغائب في الطلب له، أو الدفع عنه؛ لأنه لو حكم على من أقامه، لم يلزم الغائب. وللغائب أن يأتي بحجة فلا يعارض من ذلك في يديه؛ إذ لعل الغائب يقر له، وهو لو قضى للحاضر ثم جاء الغائب، لأثبتوا الخصومة في ذلك. قال: وإذا كان من رفع ذلك إلى الإمام خاف هلاك الحق بموت الشهداء، فلا يأمن أن يأذن له الإمام في القيام، ويأتيه بالبينة فيسمعها ويقبلها إن كانوا عدولا، ويكتب ذلك، وأنه قبلهم، ويطبع على الكتاب ويشهد بينة على ذلك وعلى قبوله منهم لعدالتهم عنده. فإن جاء الغائب أو وكيله بعد موت البينة، قام بذلك إن شاء، واكتفى/ بما تقدم من شهادتهم، وحكم بذلك، وإن كان القاضي قد عزل أو مات، فعلى القاضي بعده أن يقبل في ذلك الكتاب البينة أنه كتاب القاضي الأول، وأنه قبل البينة فيه، وينفذ ذلك الثاني، ولم يسأل الطالب أو وكيله تعديلهم، واكتفى بما تقدم.
قال ابن حبيب عن مطرف، فيمن قام على غريم لأبيه، وأبوه غائب، قال: قال مالك: يمكن الابن من إيقاع البينة عليه. قال مطرف: فإذا سمع البينة وقبلها، أمر الغريم بإحضار المال، فإن كان الإبن وكيلا قد ثبتت وكالته، أو كان مفوضا في أمور أبيه والقائم له، دفع إليه المال، فإن لم يكن كذلك، أوقفه الإمام للغائب، وضرب له أجلا، فإن جاء وطلبه، أخذه، وإن لم يطلبه، وقال: قد كنت تقاضيته، رد على الغريم، وإن لم يأت للأجل، رد المال للغريم أيضا، وهذا إن كان موضع الأب قريبا، فأما إن كان بعيدا، لم يوقف له شيء، ولم يعرض للغريم إلا بتوكيل يثبت للولد، أو بتفويض إليه من امور أبيه. ولو أن الغريم مقرا بذلك، ترك ولم يفوض له، قربت غيبة الأب أو بعدت، إلا بوكالة.
قال: وإن جحد فأقام الابن عليها شاهدا، وعجز عن آخر، قال: يحلف الغريم أنه برئ من هذا الدين، فإن حلف ترك التعرض له، فإن قدم الغائب فحلف مع شاهده، اتبعه بهذا الحق، وإن نكل، فعن حقه نكل، وإن نكل الغريم [8/215]
***(1/212)
[8/216] أولا عن اليمين، أخذ منه الحق، وأوقف كما وصفنا، فإن جاء الغائب، أخذه بغير يمين، كالصبي يقوم له شاهد بحق لأبيه الميت، فينكل الغريم عن/ اليمين، فيؤخذ منه، فإذا كبر الصبي، فلا يحلف. كذلك قال مالك. وكذلك قال مالك في وكيل الغائب يقيم شاهدا، أو السفيه لنفسه، قال: والوالد فيما يدعيه لولده مثلما ذكرنا من دعوى الولد لأبيه، بل الولدين. قال: وأما دعوى الأخ والجار فلا؛ إلا أن يكون ذلك في العبد، أو الدابة، أو الثوب يدعيه الرجل لأبيه، أو لابنه، أو لأخيه أو لجاره على وجه الحسبة، فليمكنوا في مثل هذا من إيقاع البينة للغائب؛ لأن هذه الأشياء تفوت وتحول وتغيب، فإن أقام بينة قاطعة، أو شاهدا، دعاه الإمام بحميل، فيتحمل بذلك الشيء موصوفا مفوضا، ويضر فيه للغائب أجلا، فإن جاء إليه ببينة قاطعة، حلف: ما باع ولا وهب، ولا وجب بحق، وحلف أيضا: أنه ما باع ولا وهب، ولا يخرج من يديه بحق. وخالفه ابن الماجشون، وقال: لا أمكن أحدا من إيقاع البينة على أحد بدعواه عليه لغير نفسه؛ لا لأب، ولا لولده، ولا لغيره، لا في دين، ولا في حيوان، ولا في عرض، كانت الغيبة بعيدة أو قريبة، ولا يعرض للمدعى عليه إلا بتوكيل يثبت للقائم عليه. قال أصبغ يقول مطرف، إلا أنه قال: دعوى الوالد بالدين إن بعدت غيبة الأب، وقد ثبتت بالبينة، فطول غيبته كموته، يقبضه السلطان ويوقفه مع ماله. وبقول مطرف أخذ ابن حبيب.
في الرجل يهلك وبعض ورثته غيب أو كلهم معه، فيرجع ذلك إلى الإمام هل ينظر فيه؟
من المجموعة، وهو رواية أشهب في العتبية: وكتب مالك إلى/ ابن غانم، عن رجل هلك بالقيروان، ولا وارث له إلا أخ بالأندلس، وزوجته الحاضرة، فتدعي الزوجة أن لها كل ما ترك من ربع وغيره، وتريد بيعه، فقام ابن أخيه الغائب يريد [8/216]
***(1/213)
[8/217] القيام في حق أبيه بالبينة، ويقول: فأجعل ما ثبت من ذلك لأبي في يد عدل حتى يأتي أبي. قال: فليمكنه من البينة على أن أباه حتى يوم مات أخوه، وأنه وارثه، وبما يذكر من تركته، فإذا ثبت عنده ذلك، جعل ما ثبت للغائب بيد عدل
وقال ابن الماجشون: وإذا بلغ السلطان أن رجلا مات، وترك ضياعا، ومن ورثته أطفال وعيال. قال: ينظر في ذلك؛ فإن وجد فيها كافيا كلفه حتى يضمه لأهله.
في مال الغائب أو المفقود يدفع إلى الإمام هل يحوطه أو ينظر فيه؟ أو يوكل من يطلب له حقوقه؟ ومن قام عليه أحد بوصية أو غيرها
من المجموعة: قال ابن كنانة، في من بيده قرية لناس غيب، من غير وكالة، أيخرجه الإمام من يده بقيام أجنبي للغائب بغير توكيل؟ قال: ذلك له على ما يرى من الاجتهاد، وليجعلها بيد أمين يحفها عليه حتى يأتي من ذلك له، أو وكيله.
قال سحنون: ومن غاب في بلد الإسلام، وترك ربعا وعليه، فرفع ذلك إلى الحاكم، قال: إن كان أقر صنعته بيد أهله وولده، وخرج فلا يعرض فيها، إلا أن يكون لم يخلف ذلك في يد أحد، فتعدى أحد على ماله، فلا يمكنه القاضي من ذلك.
وسئل سحنون عن قوم أتوا إلى الحاكم، فقالوا: إن أرضا لقوم منا غيب،/ ونخاف أن يموت ذكرها والبينة عليها، ونحن نريد نحييها، ونجعل بيد من ينظر فيها للغيب. قال: قد فعل مثل هذا عبد الرحمن بن زياد قاضي إفريقية، فسئل مالك [8/217]
***(1/214)
[8/218] عن ذلك، فقال: لا أرى لمن قام في ذلك خصومة، وهذه أمور قد تطاولت وطال أمرها، فلم ير ذلك.
قيل لابن القاسم: أيحاط مال المفقود من يدي ورثته؟ قال: قال مالك: يحاط مال المفقود، والسلطان ينظر فيه، ولا يدع أحدا يفسده ولا يبذره.
ومن العتبية، قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في من رفع إلى الإمام أن حقا لقوم غيب من قرابته أو غيرهم في دار، أو أرض، أو غيرها، بأيدي قوم يخاف هلاك ذلك الحق؛ لتقادمه، وخوف فوت البينة، أو نسيانهم، هل يقيم الإمام لغيب يخاصم عنهم واحد عنهم؟ قال: أما الخصومة عنهم ووضع الحجج: فلا أرى أن يوكل على ذلك وكيلا يقوم له على غائب، وذلك أنه قضى للذي ادعى الحق قبله على هذا الوكيل على هذا الغائب، لم يلزم الغائب فيما له وعليه، فلا ينبغي للقاضي أن يشخص الذي له الحق في يديه، فيطول عناؤه، فإن قضى عليه، فلعل الغيب أن يقروا بخلاف ما طلب هذا لهم، وإن قضى له، ثم جاء الغائب لم ينتفع هذا بالقضاء له، وابتدأ الخصومة، قال: ولكن إن كان الذي رفع مثل هذا إلى السلطان، خلاف هلاك الحق بموت البينة، وطول الزمان، فلا بأس أن يأذن له السلطان، أو يأمره أن يأتيه/ بأولئك الشهود، فيوقع شهادتهم، فإن عدلوا، أشهد رجالا بأنه أجاز شهادتهم، ويطبع على الكتاب، فإن جاء الغائب يوما أو وكيله يخاصم عنده، وقد مات الشهود، اكتفى بما كانوا شهدوا به، فقطع به الحق، ولو مات القاضي أو عزل، ومات الشهداء، فعلى من ولي بعده إن ثبت عنده ذلك الكتاب أن ينفذ ما فيه، واكتفى بما ثبت من عدالتهم عند الأول.
قال أصبغ: وإن رأى القاضي الأول – إن صحت عنده هذه الأشياء- شهادة قاطعة، ولم يكن للحاضر فيها حجة ولا مدفع، أن يوقفها عنه، أوقفها. [8/218]
***(1/215)
[8/219] ومن كتاب ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون: فيمن غاب في بلد الإسلام، وترك رباعا وعسه، فرفع ذلك إلى الحاكم، أيحوط ذلك؟ فكتب إليه: إن كان أمرها بيد أهله وولده، وخرج كما يخرج الناس، فلا يعرض فيها، وإن لم يكن خلفها بيد أحد، فتعدى أحد على ماله، فليمنع الحكم من ذلك في مال الغائب.
وفي كتاب سيرة القاضي، في باب، كتب العدمان، أن سحنونا وكل رجلا على مال قوم غيب، وفوض إليه النظر في ضياعهم وكرائها وحياطة أموالهم. وكتب إليه شجرة، في من سافرن ووكل عند سفره على ضيعته وولده نصرانيا، أو من لا يرضى حاله، فيطول مغيبه، ويرفع قرابته إلى القاضي سوء نظره، فكتب إليه: ما أرى أن يعرض له، وقد استخلفه الغائب.
وكتب إليه شجرة، في من رفع إلى الحاكم أن قريبا له طالت غيبته في البحر، ولا وارث له غير إن مات، وله/ دار وربع بيد رجل يدعيه لنفسه، وقد طالت غيبته، فأمكني من إحياء حقه، فإن مات ورثته، وإلا حطته له، فكتب إليه: لا تعرض لمن في يديه شيء يدعيه لنفسه لغير مدعي نفسه أو بوكالة عليه.
وكتب إليه شجرة، في من طالت غيبته في هذا البحر، فترك أهله وولده في داره، وتطول غيبته حتى يموت له ولد، ويترك ولدا، ويتزوج أبوه، ويموت عن ولد، ويخلف وولده ولد في ربعه، فيريد كل قوم أن يكون في أيديهم ما كان في يد الأب، فكتب إليه : ليس يترك في دار الغائب الذي يجهل موته إلا امرأته وصغار ولده الذين تلزمه نفقتهم، ولينفق عليهم من ماله إن كان بنوه لا مال لهم، فإن كان للأطفال مال، أنفق عليهم منها، وأما الزوجة: فينفق عليه على كل حال، ومن بلغ من ذكور ولده، سقطت النفقة عنه، وأما ولد ولده، فلا ينفق عليهم من ماله، ولا يتركوا في السكنى في داره، وينظر في ذلك القاضي. [8/219]
***(1/216)
[8/220] قال ابن حبيب: قال مطرف، في أرض لغائب بيد رجل بخلافة أو غير خلافة، فيرفع ذلك إلى الإمام، قال: لا ينظر فيها السلطان بشيء، ولا يمكن منها أحدا من الخصومة فيها إلا بوكالة تثبت من صاحبها، ولا يقبلها ممن هي في يديه، وإن تبرأ منها إليه، ولا يتكلف الإشهاد على من هي بيده: أنها ليست له؛ إذ لعلها ليست لمن يقر بها، فإشهاد الحاكم في هذا فيه ومن يحل رها، ولا يعرض لورثة من كانت بيده، إلا أن تكون أرضا ليست بيد أحد، ولا يدعيها/ أحد، فيرفع إليه، أن ربها فلانا خرج عنها، وتركنا، وقد طالت أمره، وخيف أن يذهب حقه، فينغبي له حينئذ أن يوكل عليه وكيلا للغائب، وشهد له بها، ولو كان إنما رفع ذلك إليه من لا تجوز شهادته، لم ينبغ أن يعرض فيها بتوكيل ولا بإشهاد؛ إذ لعلها لغير من سميت له، وأما إن كانت لصغير، فليول عليها من ينظر له. وقال مثل ذلك أصبغ. قال أصبغ: ولو كان الرافع أمر الأرض إلى السلطان المقر على نفسه أنها لغيره عاجزا عن ولايتها، ضعيفا عن النظر فيها، رأيت أن يأمره الإمام بالإشهاد على نفسه بما أقر به، ثم يوليها القاضي لغيره من غير علم للغائب بها.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون: ومن أقام بينة أن المفقود أوصى له بوصية، وأوصى إليه، فلا ينبغي للقاضي أن يسمع بينة، ولا يشهد على ما ثبت عنده من ذلك؛ لأن ذلك لا يوجب له ما طلب إلا بعد موت المفقود، فلا ينبغي أن يسمع القاضي بينة رجل على أمر، فيحكم له به اليوم، ولم يقع بعد.
وقال ابن القاسم: يسمع منه البينة، ويحكم له بذلك اليوم. وبالأول أقول. وفي كتاب أدب القاضي، في باب القاضي يقول: حكمت لفلان. أو: شهدت عندي بينة في مسألة الميت يموت عن مال، وورثته في بلد آخر، وحياطة ماله، وهل يبعث به القاضي، أو يوقف له؟ [8/220]
***(1/217)
[8/221] في المدعي عليه يتجه عليه الحكم فيسأله القاضي عن منافعه، فيدعي بينة بعيدة، أو يضرب له الآجال في منافعه حتى طال ذلك/ حتى يذكر حجة كان يدعي خلافها أو يقيم بينة أن الدار المدعى فيها لغيره أو يأتي بعد الحكم بحجة
من المجموعة: قال ابن القاسم، عن مالك من وجه الحكم في القضاء: إذا أدلى الخصمان بحججهما، وفهم القاضي عنهما، ثم أراد الحكم، أن يقول: أبقيت لكما حجة؟ فإن قالا: لا. أنفذ الحكم. وقال في المدونة: ثم لا يقبل منه حجة بعد إنفاذ حكمه، إلا أن يأتي بما له وجه. وقال في كتاب آخر مثل هذا لم يعلم بها. وقال في الأقضية في المدونة: مثل أن يأتي بشاهد عند من لا يقضي بشاهد ويمين، فيحكم عليه، ثم يجد شاهدا آخر بعد الحكم،وقال: لم أعلم به.
قال سحنون: لا يقبل منه، وإن أتى بما له وجه.
قال محمد بن عبد الحكم: يعني عن مالك، مثل أن يأتي بحجة لم تكن عنده، من براءة، أو بينة تقدم، لم يكن علم بها، فينظر فيه بقدر ما ينزل.
قال في كتاب ابن المواز، عن مالك: إذا قال: وجدت بينة لم أكن أعلم بها. ونحو هذا، أنه يسمع منه.
قال ابن المواز: وإنما ذلك عندنا مادام القاضي نفسه، فأما لو ولي غيره، لم يكن له أن ينظر فيه ولا ينقضه. قال: ولو قال قبل الحكم: أبقيت لك حجة؟ قال: نعم. وقد تبين للقاضي أن حججه نفذت، وأنه ملد، قال: فليضرب له أجلا غير بعيد، فإذا تبين لدده، أنفذ عليه الحكم، ولو ادعى بينة بعيدة، فلا يقبل منه، ولا من غيره في كل من ادعى بينة بعيدة، مثل أن يقول:[8/221]
***(1/218)
[8/222] بينتي بالعراق وهو بمصر، أو بالأندلس لموضع بعد؛ ليطول به/ القضاء، ولكن يقضي عليه، ومتى حضرت بينته، كان على حجته. قال: ويقوم بذلك عند هذا القاضي وعند غيره. وينبغي أن يذكر في كتاب حكمه ذكر ذلك، أن يقول فيه: وذلك لما ذكر فلان أن له بينة غيب على بعد من البلاد، فمتى حضر شهوده، كان على حجته في ذلك مع ما يبين ما صح للمقضي له مع بينة أو حجة. ومنه، ومن العتبية: وكتب مالك إلى ابن غانم، في المدعى للدار يقيم فيها البينة عند القاضي، يسئل خصمه عن حجته، فيذكر أن له بينة غائبة له فيها شهادة وحجة، فيؤجل له الأجل الواسع: الشهرين والثلاثة، ويذهب الأجل، ولا يأتي بشيء، ويقول: تفرقت بينتي. قال: أما الرجل الصادق المأمون لا يتهم أن يدعي باطلا، فأرى أن يزيده في ذلك الأجل، ويستأني به، وأما الرجل الملد الذي يريد الإضرار بخصمه، فلا يمكنه من ذلك، إلا أن يذكر أمرا قد تقارب ثباته، فيستبري ذلك بالامر القريب، ثم يمضي عليه ما أرى. وهذه الرواية في كتاب ابن المواز.
ومن الكتابين: قال أشهب: وسأله ابن كنانة عن نحو ذلك في العبد يدعي الحرية، أو الحر يخاصم، فيدعي البينة الرساس، فيؤجلا لذلك أجلا بعد أجل، فلا يأتيا بشيء، قال: اكتب إليه: إذا ضربت لهما أجلا ثم أجلا، وأعذرت في الأجل، فلم يأتيا بشيء، فاقض عليهما، ولا يضرب أجل آخر، ورد العبد على سيده، وذلك يختلف بين الناس. أما الرجل الصالح لا يعرف باللدد والباطل، فيضرب له أجل بعد أجل، فأما الظلوم الملد، فذلك يقضى عليه، ولا يضرب له أجل. يريد: بعدما يقوم./
قال سحنون، في المدعى عليه الدم يحبس للطخ من البينة، ثم يغيب المدعي ويدعه في الحبس، أنه لا يمكن المدعي من الإلداد والتطويل في إثبات حقه، ولا حد في ذلك إلا اجتهاد الحاكم في بعد متاع المدعي وقربها ، وما كان المدعي على دعواه في غير إلداد بالمحبوس، ولا إضرار به. [8/222]
***(1/219)
[8/223] قال ابن القاسم: وإذا ادعى القاتل بينة غائبة على العفو، تلوم له الإمام.
قال أشهب: إن كانت بينة قريبة، حبس في العبد، ويضرب له أجلا في بينته، فإن كانت بينته بعيدة، لم ينتظر، ويقتل إن شاء الولي، أرأيت إن قتله بالصين، وادعى بينة بالأندلس، أيؤخر؟ لا أرى أن يؤخر وتطل هذه الدماء والحدود والحقوق، فلا يؤخر إلا في القريب.
قال ابن القاسم: وإذا تواضع الخصمان حججهما، فيقول لهما القاضي: اجتهدا، فلا أقبلكما. ويكتب حججهما، ثم يريد أحدهما أن يتحول عن حجته إلى آخر، فإنه يقبل منهما ما لم يستوعب كشفهما عن منافعهما، فإذا قالا: ليس عندنا إلا ما وضعنا عندك من بينة وحجة فإذا بلغت إلى هذا، لم لأحدهما عن حجته ملدا وأراد غيرها، وجاء ببينة وقد كان عجز نفسه، فإذا رأى أنها كانت غائبة، لم يعرف موضعها، فليقبل منه، وأما على غير ذلك، فلا يقبل منه، وحكم عليه.
قال ابن القاسم وهو لمالك: وسأل حبيب سحنونا عن رجلين في دار تجمعهما سقيفة واحدة، عليها باب، ولكل واحد باب فيه إلى مسكنه، فادعى أحدهما أن صاحبه قدم بابه إلى موضع لم يكن فيه، فأنكر ذلك الآخر، / وأثبت ذلك عله بالبينة بعد خصومة طويلة، فلما لاح الحكم عليه، برد الباب إلى موضع كان، كما شهدت له البينة أن الدار التي هو بها ليست له، وأنه باعها من فلان الغائب من قبل الخصومة، قال: لا يقبل قوله، وليحكم عليه حتى يأتي من يدعي ذلك، ويقيم البينة، فيخاصم حينئذ المدعي، وإن كان باعها بعد أن شرع في هذه الخصومة، فهو بيع فاسد؛ لأنه خطأ. [8/223]
***(1/220)
[8/224] في المحكوم عليه يجد بعد الحكم بينة أو منفعة من تجريح أو غيره، أو يظهر أن البينة أعداء للمشهود عليه
من المجموعة: قال مالك في من خاصم رجلا في عقار، فيأخذ كل واحد حميلا على صاحبه في ذلك، راضيا بما يحكم عليه وله إن غاب، فيغيب، فيثبت الحق على الحميل، فلا يجوز ما يدفع به، فيحكم عليه بعد التلوم والآجال، ثم يأتي المتحمل عنه بتجريح أو حجة يذكرها، أيسمع ذلك منه، أو ينفذ القضاء عليه؟ قال: ينفذ عليه القضاء، إلا أن يتبين للقاضي أن شهادة ظهرت، أو أمرا حدث له في ذلك الأمر غير الأول، فيقبل منه ما جاء به من ذلك من أمر ظاهر بين، وكذلك لو جاء بمثل ذلك الحميل لمثله منه، فإما أن يمكنه أو يحمل عنه من رد الحجج – يريد المتقدمة- واستئناف الخصومة، فلا يفعل.
قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا حكم القاضي بحكم، ثم جاء المحكوم عليه يطلب بعض ذلك، لم يقبل منه، إلا أن يأتي بأمر له وجه يستدل به على قوله، مثل أن يكون لم يعلم ببينته، أو يأتي بشاهد عند من لا يرى الشاهد واليمين وعجز عن/ الآخر، فحكم عليه، ثم قدر على شاهد آخر، أنه يسمع منه ويقضي له، وكذلك ما يشبه هذا مما يظهر فيه بحجته، وإلا لم يقبل منه، وقال سحنون، في موضع آخر: لا يقبل منه، وإن أتى بما له وجه.
ومن المجموعة: وقال أشهب في من خاصم رجلا في عشرين دينارا له قبله، فيقول: دفعتها إليك. فيكلفه بينة، ويضرب له الآجال، فلم يجد بينة، فيحكم عليه، ثم يأتي بعد ذلك بالبينة أنه قد قضاه الدين، فإنها تسمع منه، ويرجع في الدنانير، وكذلك لو خاصمه في عبد، فقال له من هو في يديه: اشتريت منك. فكلفه البينة، فعجز عنها، فحكم عليه، ثم وجد خصمه البينة، فله [8/224]
***(1/221)
[8/225] استرجاع العبد، ولا رجوع له على الآخر بغلة العبد، وكذلك الدار يكون فيها مثل هذا. وقال: وكذلك لو خاصم قوم في دار أنها حبس، فعجزوا عن البينة بالحيازة، فيقضي بها أنها موروثة، يم يجدوا بينة على الحيازة، أنها ترد، قيل: فالقاضي يقضي للرجل بشيء، ثم يجد خصمه البينة أنه له، وقد عزل ذلك القاضي، أينبغي للقاضي أن يقضي به؟ قال: نعم؛ لأنه قد وجد بينة.
قال ابن القاسم: ولو شهد رجلان على رجل بمال لرجل إلى أجل، فحكم القاضي، ثم ظهر له أنهما عبدان، أو ممن لا تجوز شهادتهما، قال: يرد قضاؤه ويفسخه.
قال سحنون، في موضع آخر: لا يرد الحكم في المسخوطين.
وقال أشهب: إذا حكم برجلين، ثم ظهر أن أحدهما مسخوط، فالحكم ماض، ولا يمين عليه. قال ابن القاسم: يحلف مع الآخر، وينفذ الحكم، فإن نكل، حلفالمطلوب، ورد المال.
/ومن المجموعة: قال ابن القاسم: وإذا قضى القاضي على رجل، ثم جاء المحكوم عليه يذكر أنه وجد عدولا يجرحون البينة التي حكم بها عليه؛ فإن رأى القاضي لذلك وجها مثل أن يقول: لم أعلم بجرحهم حتى أتاني هؤلاء بعد الحكم. وتبين للقاضي أنه ليس منه ذلك إلدادا، نظر في ذلك، وكذلك لو عزل ذلك القاضي، وولي غيره، ينظر له أيضا فيما قال؛ إذا كان قد ادعى ذلك عند الأول، ولو لم يدعوه الأول بالتجريح، لم يجز لمن ولي بعده أن يمكنه من ذلك، ولا ينفعه النظر في قضاء قاض قبله.
قال أشهب: أما إذا اشهد حكم بشاهدين، ثم وجدهما عبدين أو نصرانيين، فلينقض قضاءه. وأما المسخوطان، فلا ينقضه؛ لأنه جوزهما باجتهاد في عدالتهما، والعبد والنصراني لا يقبلان بحال، وأما المسلم فممن تقبل شهادته، وترد بسخطة حاله. وقد قال مالك في بعض قوله: إن المسخوط يوجب القسامة، وإن العبد والذمي ليسا بلطخ. [8/225]
***(1/222)
[8/226] قال ابن القاسم: ولو شهد أربعة بالزنى؛ أحدهم عبد أو مسخوط، ولم يعلم به الإمام، فحد أو رجم، ثم علم بذلك، أن على الشهود كلهم حد القذف إن وجد أحدهم عبدا، وقال أشهب: أو نصرانيا؛ قالا: وإن وجد أحدهم مسخوطا: قال أشهب: أو مسخوطين كلهم، فلا حد عليهم، وقد نفذت وجازت.
قال ابن القاسم: ولا يحد الباقون إن وجد أحدهم مسخوطا، كما لو رجع أحدهم منهم.
قال عبد الملك: ومن قذف رجلا، فحده الإمام بعد الإعذار إليه والتأني به في طلب المجرح،/ ثم جاء أربعة عدول يشهدون على المقذوف: أنهم رأوه يزني قبل القذف، فإنه يحد، ويكون ذلك مسقطا لحد القذف عن القاذف، يعني جرحته. قال: ولو كان حقا غير الزنى، وقام به المقضي عليه، لم يقبل منه ذلك بعد الحكم، وأما مشهود الزنى، فهو حق لله، لابد أن يقبل منهم، ويحد الزاني، فإذا أحد، سالط عن الذي حد في قذفه ما كان لزمه، ولو قام القاذف بعد أن حد لهؤلاء الشهود، فشهدوا له إن كان حاكما جلده في الزنى، فلا تسمع شهادتهم؛ لأنها لا توجب إلا رد ما حكم فيه من القذف فقط، كما لو أعذر إلى مشهود عليه في تجريح من شهد عليه، فلم يأت بشيء، فحكم عليه، ثم وجد من يجرحهم، فلا يسمع منه ذلك، ولو كان هذا لم ينقض الإعذار، ولا تم حكم، ولا يقبل الجرح بعد الحكم، وإن تبين أن أحد الشاهدين عبد أو كافر أو مولى عليه، فهذا ينقض به الحكم.
قوله: المولى عليه في حاله. فقد اختلف في قبول شهادة السفيه في ماله، الحسن الحال في غير ذلك.
قال عبد الملك في الغائب يقضى عليه، ثم يأتي يطلب المجرح يجرحه شاهد بأنه عبد أو كافر أو مولى عليه، فمثل هذا يقضي به الحكم، وأما إن ظهر أنه [8/226]
***(1/223)
[8/227] حد في سرقة أو شرب خمر قديما أو حديثا، فلا ينقض فيه الحكم؛ لأنه حكم مضى بالاجتهاد والآجال، وما نقض مما ظهر على الشاهد أنه عبد أو ما يشبهه مما ذكرنا، أو قضى بموت ميت، فجاء حيا، فيوجد قد بيع ماله، فإنه لا يرد البيع، وإنما له الثمن؛ لأنه بيع بشبهة الحكم.
ومن قول أصحابنا فيما/ يستحق من عبد، أو دابة، أو حيوان، فتراجع فيه كل من باعه، فلو أن حدهم أتى بمنفعة، إما بأنه يحتج عنده، أو تاريخ ملكه أقدم من تاريخ مستحقه، لنقض فيه كل حكم تقدم؛ لأنه من معنى القضاء على الغائب الموقوف على حجته، لأن كل من بايعته لعل عنده حجة. وقد جرت مسألة من هذا في عهدة الاستحقاق، هي مكتوبة في كتاب الدعوى والبينات، في باب من أقام بينة بشيء أنه له، وأقام آخر بينة فورختا، أو قالت واحدة: ولد في ملكه.
وكتب شرحبيل إلى سحنون في من خاصم خادما وصبيانا، زعم أنهم بنوها، وأنه يملكهم أجمع، فادعت الخادمة الحرية، وقال البالغ من الصبيان: أنا حر. ولم يقروا أن هذه أمهم، فأتى الرجل ببينة على ملكه للخادم؛ قال شاهد منهم: والصبيان ولدها، وهم ملك له. ولم يأت بشاهد آخر على هذا، فطلبت منه منفعة، ومن الرجل في رق الصبيان، وتربصت لهما، فلم يأتيا بشيء، وتأنيت في ذلك، فحكمت حينئذ بالخادم للرجل، وأطلقت الصبيان، ثم إن الخادم وجدت بينة بحريتها، وجاء الرجل ببينة أن الأولاد له، وأنهم أولادها، هل أسمع ذلك؟ فكتب إليه: أن أمكن الرجل بإثبات دعواه، وأمكن الخادم بثبات ما ادعت إن كان ذلك عندها، ولم ترد به الإلداد والضرر.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا حكم القاضي بمائة دينار لرجل على رجل، ثم ثبت أنهما عدوان للمشهود عليه عداوة لا تجوز شهادتهما عليه معها، فرد [8/227]
***(1/224)
[8/228] القاضي حكمه، وقد أخذ المحكوم له المائة./ فأتلفها ولا مال له، فلا يرجع على الشاهدين بشيء؛ لأنهما لم يرجعا، ولو رجعا لغرما، ولم تنفعهما العداوة إذا قالوا: شهدنا بباطل.
قال: وإذا عدل الشهود عنده، ثم أتى من يجرحهم فإنه يسمع الجرحة فيهم أبدا ما لم يحكم، فإذا حكم، لم ينظر في حالهم بجرحة ولا بعدالة في ذلك الحكم.
في من ادعى دارا بيد رجل وأقام بينة فلم تثبت هل يحكم به لمن هو بيده إذا عجز الطالب عن حجته؟ وهل يسمع منه بعد ذلك حجته؟ وما وقف القاضي عن الحكم لعلة هو حكم منه
من المجموعة: قال عبد الملك: ومن ادعى عبدا، أو أرضا، بيد رجل، فيخاصمه عند حاكم، ويقيم بينة، فأمره الحاكم بتزكيتهم، ويضرب له الآجال، فلم يأت بشيء ينتفع به، فطلب المدعى عليه من الإمام أن يحكم له بتعجيز خصمه، كي لا يقوم عليه ثانية، قال: ليس ذلك على القاضي، إنم هو رجل طلب حقه، لعجز في وقته عن منافعه، وبقي الشيء بيد المدعى عليه، كما كان، فليس في هذا قضاء. قال: وليمتنع من ذلك في يديه من البيع في ذلك الفور وحين الخصومة، فإذا ضعف المدعى حجته، ولم يأت بشيء، مكن من ذلك في يديه أن يبيع ويفعل ما شاء، ثم إن جاء المدعى ببينة تطوله فيها. وكذلك ذكر أن حبيب، عن ابن الماجشون؛ وقال: قال مطرف: كل من ادعى قبل رجل دعوى، من مال، أو عرض، أو/جار، أو عبد، وأقام بينة، ثم عجز عن تعديلها وقد خاصم صاحبه، ولم ير الإمام له حقا في دعواه، فإن على القاضي أن يكتب للمدعى عليه كتابا بقطع حجة المدعي وتعجيزه عن اثبات دعواه، ويشهد [8/228]
***(1/225)
[8/229] له بذلك؛ ليكون ذلك براءة للمدعى عليه من المدعى ومن تردده بالخصومة عند هذا الحاكم أو غيره، ومتى ما جاء بعد ذلك بعدلين، أو بإثبات ما عجز عنه، لم ينظر له فيه بعد، لا هذا الحاكم ولا من كان بعده إلا ثلاثا أشياء: العتق، والطلاق، والنسب، فإن عجزه عن تحقيق ذلك ليس بعجز يمنعه من القيام به متى أحقه عند هذا الحاكم أو غيره. وخالفه ابن الماجشون، وقال مثله في العتق، والطلاق، والنسب. وقاله: وأما غير ذلك من الدعوى، فيخلف. أما الدعوى في مال، أو ربع، أو عبد، وشبهه، فلا يكلف في ذلك مدة تحقيقها لن ولا بينة، ولا عملا من الأعمال بشبهة تدخل على الحكم في أمرهما، إنما يكلف ذلك المدعي، فإن عجز عن إثبات دعواه، وتعديل بينته، دفعه عن المدعي قبله، ولا يكتب بذلك للمدعى عليه كتابا ولا إشهادا، ومتى ما جاء الطالب بأحق مما كان جاءه به، سمعهما منه، وقبله هذا الحاكم، وكل من بعده، وأما كل ما فيه شبهة، وتكلف المدعى عليه فيه عملا، ثم إن اثبت المدعي أن هذه الدار لأبيه أو لجده، فكلف من هي بيده البينة، فاحتج بطول الحيازرة مما يقوي به الحيازة بمحضر المدعي، وأقام بينة، فهذا أحق بما في يديه، ويسأل المدعي بماذا تركته يحوزها؟/ فإن قال: بإسكان، أو بإكراء. كلف البينة، فإن لم يأت بشيء، وضربت له الآجال، فلم يأت بشيء، فهذا من حق المدعى عليه، أن يكتب له كتابا بحكمه له بهذه الحيازة، وتقطع عنه حجة المدعي، ولا يسمع بعد ذلك حجج المدعى وبيناته بعد الحكم.
قال ابن حبيب: وقول مطرق أحب إلي. وقال ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب في ذلك مثل قول مطرف. وقول ابن الماجشون حسن، ومن أخذ به لم يخطئ إن شاء الله، فاستحسنه أصبغ.
ومن العتبية: ابن القاسم عن مالك، وعن رجلين اختصما في دار، وبحضرتهما رجال: فيقول القاضي لأحدهما: قد نظرت في أمرك، فلا أرى لك [8/229]
***(1/226)
[8/230] حقا. فانصرفا، فأقاما حتى ماتا، ثم تخاصم ورثتاهما، وأقام ولد المطلوب البينة، يقول القاضي للآخر: هل ذلك قضاء؟ قال مالك: يبين ذلك عندي أن يكون ذلك في يد الميت حتى مات. قلت: فإنه بيده حتى مات. قال: فذلك قضاء على الآخر، لا شيء له.
قال عبد الملك في المجموعة: ولو كتب قاض إلى قاض في أمر فقبله، ثم عزل المكتوب إليه، وولي غيره، فنظر في ذلك الكتاب، فرأى أن لا يحكم به ثم ولي الذي كان قد قبله، فاحتج الخصم بأن قاضيا قد ردها، وأن ذلك حكم، قال: له أن ينظر فيه وينفذه، وليس يوقف الآخر عن إنفاذه حكم.
مانع لهذا أن ينفذه.
قيل لابن كنانة في من أقام شاهدا على حقه، وطلب منه الإمام شاهدا آخر؛ لأنه لا يقضي باليمين مع الشاهد، فعجز عن ذلك، فأقام زمانا، ثم وجد شاهدا آخر، قال: يقضي له بحقه، / وقد أخطأ قاضيكم؛ إذ لا يقضي باليمين مع الشاهد.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا قامت بينة في طلاق، أو عتق، أو شراء دار، فأوقف ذلك القاضي حتى ينظر في البينة، فكشف عنهم، فلم يعرفوا إما لأنهم غرباء، أو لغير ذلك، فلما طال ذلك، رد المرأة إلى زوجها، والأمة إلى سيدها، والدار إلى ربها، ثم قدم من زكى تلك البينة، وعدلوا، فليقض بينهم؛ لأن تركه لذلك أولا لم يكن عن جرحة تثبت عنده في البينة، ولا قضى فيهم بإسقاط ولا قبول. قال: وإن سأله المشهود له أن يكتب له كتابا، أنه لم يحل العقل بجرحة تثبت عنده في البينة، وقال: فقدم من يزكيهم، فأمكنت له كتابا بذلك، ولو عزل وولي غيره، فزكوا، فليحكم بهم، وإن جرحوا أسقطها وكتب بذلك كتابا إن طلب ذلك منه من له فيه حق، ولا ينبغي أن يكتب في مثل هذا: إني حكمت بإرقاق الأمة.ولكن يكتب، أنه ردها إلى سيدها، إذ لم يجد من يعرف البينة التي [8/230]
***(1/227)
[8/231] شهدت لها، ولم يقض فيهم بإسقاط ولا قبول – يريد-: وكذلك يكتب إن كتب في الزوجة، والدار، وغيره، لا يرى أن يكتب في هذا شيئا، وليس تركه القضاء بما لم يصح عنده قصه للمشهود عليه.
فيمن بيده حكم قاض أو وثيقة شراء قد مات أكثر شهوده وأراد أن يحييه عند قاض، هل يحكم فيه؟
من كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون في من بيده حكم قاض، أو شراء، لمنزل أو عبد، فيقوم بذلك إلى سلطان موضعه ليسمع/ من بينته عليه ليحييه له بالحكم له به، فلا ينبغي ذلك للإمام حتى يعارضه منه أحد بخصومة، أو دعوى، وليحييه صاحبه بأن يشهد على شهادة بينة كتابه إن شاء، إلا أن يكون طرأت له بينة على ذلك الحق من بلد آخر، وقل من يعرفهم ها هنا ومن يعدلهم، فيسأل القاضي أن يسمع من أولئك قبل يعرفهم عنه، ويحيي له بهم حقه قبل موته بفوات من يشهد له عليه وموته، وأنه يجد من يعدل به شهادة الطارئين ممن يعرهم الخصمان، ولا يمكنه أن يحييه بالإشهاد على شهادتهم، أو لا يعرفونهم، ولا يجو أن يعدلهم عند الغافلين عنهم بمثل هذا، فينبغي للإمام أن ينظر له فيه، ويحيي له حقه، ويشهد له على ذلك، ويضعه في كتاب الإشهاد أنه لم يخاصمه فيه أحد، ولا قطع به حجة أحد يقوم عليه، ونحو هذا من بيان الأمر، أو يكون حقا أو حكما قد خربت وثيقته واستقامتها على ذهاب، ولا يجد أن يحييه إلا بالسلطان، فلينظر له الإمام في إحيائه بما يراه، ويبين في كتابه أنه لم يقطع بذلك حجة أحد. وقال مطرف وأصبغ.
ومن المجموعة: قال: سئل ابن القاسم في من خاصم رجلا في نصف منزل حتى قضي له به، فلم يحزه حتى هلك القاضي أو المقضي عليه، فلما طلب المقضي له قبضه، منعه من ذلك في يديه، وقال: لم يكن للمقضي عليه في هذا [8/231]
***(1/228)
[8/232] المنزل حق معنا، قال مطرف: فإن كان قضي لهذا به، وهو بيد المقضي عليه بعد القضاء لهذا فيما كان بيد خصمه، كان الآن بيد وارثه/ أو بيد من ابتاعه منه، وإن لم تقم بينة أنه كان في يد المقضي عليه، ولا معروف له يوم الحكم، فلا شيء لهذا؛ لأنه إنما قضي له على رجل لا يملكه، ولو جاز هذا لم يشأ رجل يجعل لنفسه خصما، فيقضى له عليه بما ليس في يديه مثل أموال الناس ورباعهم إلا فعل.
وسئل ابن القاسم، وهو في العتبية، من رواية عيسى، فقيل: إذا أتى إلى الحاكم خصمان في أرض بالصحراء، يدعيها كل واحد منهما، ثم يقر بها أحدهما للآخر من غير بينة، كيف يوجه الحكم عليه؟ ولا يدري هل الأرض في يديه أم لا؟ قال: بل يشهد له أن فلانا أقر عندي لفلان بهذه الأرض، ولا يشهد له أنه قضى له بها، ولكن على إقراره، ولا يحكم فيها حتى تقوم عنده فيها بينة.
وكتب إلى سحنون فيمن ادعى عند الرجل دابة، أو عبدا، فأنكر الآخر أن يكون ذلك عنده، فأتى الطالب بالبينة أن المطلوب أقر أن بيده دابة أو عبدا بصفة كذا، للصفة التي ادعى المدعي. قال: إن شهدوا أن دابة فلان أو عبده عند فلان، فقد تمت الشهادة، وإن قال: إن في يديه الصفة التي يدعي هذا.
فليس هذا بشيء. ومن أقام بينة في عبد قد مات في يدي رجل أنه عبده، فليس له على الذي مات في يديه ضمان شيء، إلا أن تقول البينة: غصبه إياه. ولو قال من هو بيده: قد هلك عندي، فهو مصدق إن كان ذلك حيوانا، وإن كان مما يغاب عليه لم يصدق، ويحلف أنه هلك، ويغرم قيمته، إلا أن تقوم بينة بهلاكه بغير سببه؛ من لصوص، أو غرق، أو نار، ونحوه، فلا شيء عليه،/ وإن باعه، فلا يضمنه إلا الثمن، وهو مصدق في ثمنه. وقد تغير الشيء في يديه، أو يحدث به عيب. [8/232]
***(1/229)
[8/233] وروى عيسى عن ابن القاسم في من أقام بينة في دار بيد رجل، أن القاضي فلان بن فلان، قد حكم لي بها على فلان، غير هذا الذي هي في يديه الآن، فقالوا: لا علم لنا بهذا، وهي بأيدينا قبل هذا الحكم. قال: فليخرجها من أيديهم، ويدفعها إلى المحكوم له إن كانت البينة عادلة. يريد: إلا أن يقيم من هي في يديه الآن بينة أنها لهم، فليسمع لهم؛ لأن الحكم كان على غيرهم، وينظر عدل البينتين.
فيما لا يحل بحكم الحاكم وما يحل بحكمه
من كتاب ابن سحنون عن أبيه، ذكر قول النبي عليه السلام: إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار. قال سحنون: فأخبر عليه السلام أن الحاكم لا يحل للمحكوم له ما يعلم خلاف ظاهره، كما لو علم الحاكم من ذلك ما علم هذا ما حكم بها.
وأجمع العلماء أن رجلا لو أقام شاهدي زور بدين على رجل، فحكم له به الحاكم، أنه لا يحل له أخذه، ولو كان حكم الحاكم يحل حراما لأحله حكم النبي – عليه السلام- وقد جعله عليه السلام قطعة من النار، وقد أمر النبي – عليه السلام- الذين حكم بينهما في ميراث تقادمت، فلما ذكر لهما أنه من قضى له بحق أخيه أنه قطعة من النار، ترك كل واحد منهما ذلك/ للآخر، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبا فاقتسما وتوخيا الحق، ثم يحلل كل واحد صاحبه، وفي حديث آخر: اذهبا فاجتهدا في قسمة الأرض بينكما، ثم استهما، فإذا أخذ كل واحد نصيبه، فليحلل أخاه. [8/233]
***(1/230)
[8/234] وقال أهل العراق ما لا يشبه قول العلماء أن امرأة شهد لها شاهدا زور، وأخبرتهما أن زوجها طلقها ثلاثا، فحكم بالعراق أنها تحرم على الزوج، ويحل لها نكاح غيره، ويحل للشاهدين أن يتزوجها أحدهما، ويلزم قائل هذا لو ادعى أن ابنته أمته، وأقام بينة زور، فحكم له بهما، أن له ملكها ووطئها، فكما لا يحل الحكم حراما، فكذلك لا يحرم حلالا.
قال سحنون: وأجمعوا لو ادعت أنه طلقها ثلاثا وهي تسمع، فجحدها، فأمر الحاكم معه بعد يمينه إن أقامت عليه شاهدا أن فرضا عليها الامتناع منه، إلا أن يغلبها.
قال ابن سحنون: وقال بعضهم: لها أن تمنعه نفسها وإن أتى المنع على نفسه.
قال عبد الله: والغالب من أقاويلنا، أن لا يبلغ بمنعه القتل؛ لأنها تغرر بنفسها فتعمل به، وهي لو رأت هلال شوال وحدها، لم نأمرها بالفطر للتغرير.
قال سحنون: ولو أقام بين زور أن هذا باع منه أمته، لم يحل له وطؤها بالحكم، أو حكم لأمة بعتق سيدها بشاهدي زور، لم يحل للأمة أن تبيح نفسها لغير سيدها بنكاح أو غيره، إذا علمت هي بكذب الشهود، وكذلك في القيام بشاهدي زور على رجل آخر بمال، أو دم، لم يحله له الحكم الظاهر، فيلزم مخالفينا أن يبيحه ذلك، ولا قائل بهذا من/ المسلمين.
ومن قول أصحابنا في من باع أمة من رجل، ثم جحده المبتاع الشراء، وحلف أن الأمة لا يحل للبائع وطؤها، ليقينه أنها للمبتاع دونه، وإنما له عليه مال جحده، فإن ماتت عن مال، أو قتلت ، فأخذ فيمتها، فللبائع أن يقبض من ذلك الثمن، ويوقف ما بقي، فإن ادعاه الآخر أخذه. ولو ابتاع أمة، فطعن فيها بعيب وهو في ذلك ظالم، فأقام بذلك بينة زور، فردت بالحكم على البائع، فلا تدخل بذلك في ملك البائع، ولا ينفسخ البيع، إلا أن يرضى البائع بردها، فتكون منه إقالة أو فسخ؛ لأن المبتاع راض بردها إلى البائع، ولو طلق رجل امرأته ألبتة، فخاصمته إلى [8/234]
***(1/231)
[8/235] من يراها واحدة، والزوجة مذهبها أنها ثلاث، والزوج أيضا ممن يرى ألبتة ثلاثا، فلا يحل للزوج أن يقربها حتى تنكح زوجا غيره، ولا يبيح له الحكم بأن تمكنه من نفسها حتى تنكح زوجا غيره من قبل؛ لأن الحكم لا يحل لهما ما هو عليهما حرام. وكذلك لو قال لعبده: اسقني الماء – يريد بذلك عتقه- والسيد يرى أن لا يلزمه في مثل هذا عتق وإن نواه، والعبد يراه عتقا، فللعبد في مثل هذا أن يذهب حيث شاء بما حكم له. ولو قال لزوجته: اختاري. فقالت: قد اخترت نفسي. وهي تذهب إلى أن الخيار ثلاثا، والزوج يراه واحدة، فإن الحكم لا يبيح للمرأة أن تمكن الزوج منها، ولتمنعه جهدها، ولو رفعها إلى قاض يرى الخيار واحدة، فارتجعها الزوج، فلا يبيح له الحكم ما هو عندها حرام، ولا يحل لها أن يأتيها الزوج إلا وهي كارهة. قال: وأما من جحدك مالا، ثم تظفر له بمال، فلا يشبه هذا؛ لأني إن ظفرت/ له بمثل ذلك المال بعينه، جاز لي أخذه بلا حكم، فإذا صرت إنما آخذ القيمة والبدل. صرت آخذ ماله الذي هو ملكه بغير قضاء السلطان، فلو جوز هذا الناس، لم يكن للحاكم معنى، ويلزم قائل هذا أن يقول: من قتل له ولي فظفر بقاتله، أن له أن يقتله بغير قضية. وهذا من الفساد.
قال عبد الله: وأجاز ابن كنانة مثل ماله إذا أمن من اليمين، أو من أن يكون عليه لغيره دين.
قال ابن القاسم: ينهى عنه على كل حال. وابن عبد الحكم يبيح له أن يأخذ إذا كان مثل ماله، ويحلف إن حلفه: ما أودعتك ينوي شيئا يلزمني رده. وقال غيره: لا يحلف إلا أن يحلفه الحاكم أن ما له عليك شيء. وفي كتاب الرجوع عن الشهادات باب في مثل معنى هذا الباب.
في الوكالة على الخصوم
قال ابن القاسم: قال مالك: يجوز للرجل أن يخاصم عنه وهو حاضر. وكان سحنون إذ كان قاضيا، لا يقبل من المطلوب وكيلا، ويقبله من [8/235]
***(1/232)
[8/236] الطالب، فقيل له في ذلك، فقال: قد جاء الحديث تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
وقال مالك: وإذا خاصمه، ثم تحاجا، ثم طلب أحدهما أن يوكل، فليس له ذلك، إلا لعذر بأنه أذاه أو غير ذلك.
قال ابن القاسم: وكذلك إن أراد سفرا، فله ذلك إذا لم يكن ذلك منه إلدادا، ويسمع من حجج وكيله، ويقع الحكم له أو عليه، وله عند مالك أن يوكل بمحضر خصمه وإن كره، إلا أن يوكل عدوا له.
وروى عيسى في العتبية، عن ابن القاسم، في الشريكين يدعيان قبل رجل شيئا، فيأمرهما/ القاضي أن يستخلفا، وأن يلي أحدهما خصومته، فيقولان: من حضر منا، فهو خليفة الغائب. قال: لا يمكنهما من ذلك، كقول مالك في الذي خاصم رجلا، وواعده أنه ليس له أن يوكل، وكذلك في ورثة ادعوا منزلا، أيخاصمه كل رجل لنفسه؟ قال: بل يرضون جميعا برجل يلي خصومته، ويدلوا إليه بحججهم. فأما أن يتعاوروه هذا يوم وهذا يوم. فليس ذلك لهم.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب: ولا يلزمك إقرار وكيلك عليك. قال غيره: ولا إبراء غريمك مما لم يقبض منه، ولا أن يعدل شاهدا شهد عليك.
وقال أشهب: ثم إن أراد الوكيل التمادي على خصومته، لم أحب له أن يطلب شيئا يقر أنه باطل، وأن خصمه فيه بحق، وإن أقام على طلبه، فللسلطان أن يقبل منه؛ لأنه أعلم بنفسه.
قال ابن القاسم في الرجل والمرأة يوكلان رجلا يخاصم لهما، فإذا توجه القضاء عليه، زعما أنه لم يخاصم بحجتهما، وأن حجتهما غير ما كان يخاصم به، ولا يعلم أنهما بما كان يخاصم عالمان أو جاهلان. قال: لا يقبل ذلك منهما إلا [8/236]
***(1/233)
[8/237] أن يذكرا حجة مما يرى له وجه، كما لو خاصما بأنفسهما، فلما أراد أن يوجه الحكم عليهما، أتيا بحجة بقيت لهما، فإن أتيا بما له وجه، قبل منهما فنظر فيه.
وسئل سحنون عن من طلب رجلا بدين، فأعطاه حميلا، وقال: أرضى بما يحكم به له وعليه، فيستحق الطالب الدين، والمطلوب غائب، فقال: إن كان الحميل حميلا بما يطلب به الطالب، فإن كان للغائب مال بيع عليه، وإن لم يكن له مال، أو عجز ماله عما عليه، أتبع الحميل بذلك، إلا أن تكون غيبته مثل البريد/ ونحوه، وإن كان إنما هو وكيل على الخصومة فيم فلا يؤخذ منه شيء.
قال أشهب: وإذا وكل الرجل على الخصومة، ثم مات الوكيل، فقد انقضت وكالته، وليس ورثته فيها بمنزلته، وإن مات الذي وكله، انقضت وكالة الوكيل، وصارت الخصومة بين الطالب وبين ورثة المطلوب.
ومن كتاب ابن سحنون وفيما كتب شجرة إلى سحنون: أنك رأيت ألا نقبل من المطلوب وكيلا، أرأيت إن حضره سفر، أن كان امرأة، أو كان عاملا للوالي، خرج إلى عمله، أو كان له عذر؟ فكتب إليه: إنما أحدثت ذلك لهؤلاء الجبابرة ليلا يمكنوا من التغيب على الناس، وتحدث للناس (أقضية) بقدر ما أحدثوا من الفجور، وأن للمرأة والمريض وذي القدر أن يوكل.
وقد ذكرنا من هذا في الجزء الأول كثيرا، وما لسحنون في ذلك من اختلاف القول.
وسأله حبيب عمن وكل رجلا على الخصومة فيما له قبل فلان، فترك القيام حتى مضت سنون، فقام يثبت الخصومة، ويقيم البينة، هل يمكن من الطلب بالوكالة القديمة؟ فقال: يبعث الحكم إلى من وكله، هل هو على وكالته أو خلعه عنها؟ قال: فإن كان الرجل غائبا فالوكيل على وكالته القديمة، وله الطلب. [8/237]
***(1/234)
[8/238] ومن سؤال شجرة، في من وكل وكيلا في خصومة، وأقامه مقام نفسه في حجة، قال: فليس للوكيل أن يوكل غيره بذلك، وإن ترك الوكالة وذهب، لم يبطل حق الطالب.
في الحكم بين أهل الذمة
وهل يعرض لهم في قضائهم ومواريثهم؟
من العتبية/ وروى عيسى عن ابن القاسم: قال: لا يمنع حاكم المسلمين من شاء من النصارى من الوصايا في أموالهم، وإن أحاطت بأموالهم، ويتركوا على شرائعهم، وإن تحاكموا إلينا، ورضي الخصمان وأساقفتهم، حكم بينهم بحكم الإسلام، فلا يكون ذلك إلا برضى من أساقفتهم، فإن كره ذلك الأساقفة، فلا يحكم بينهم، وإن رضي الأساقفة بحكمنا، وأبى ذلك الخصمان أو أحدهما، لم يحكم بينهم المسلمون.
وقيل لسحنون: أيوصي النصراني بجميع ماله؟ قال: أما إن كان من أهل العنوة، فليس له ذلك؛ لأن ورثته المسلمون. وأما الصلح: يؤدي عن خاصة نفسه الجزية، ولا يؤخذ غنيهم عن، فليس لهذا أن يوصي بجميع ماله، ولا يوصي إلا بثلثه إذا كان لا وارث له من أهل دينه؛ لأن ورثته المسلمون، وأما إن كان صلح ممن صالح على أن عليهم وظيفة معلومة من الخراج، ولا ينقصون منها لموت من مات منهم، أو لعدم من أعدم، وبعضهم مأخوذ ببعض، فلا يعرض لهم في وصايا لهم إذا مات منهم أحد لا وارث له، فليس لنا أموالهم، وماله لأهل خراجه يتقوون به، وبعضهم قوة لبعض.
ومن كتاب محمد بن عبد الحكم وهو في غير كتاب من قول مالك: أنه إذا وقعت خصومة بين مسلم وذمي، فليحكم القاضي بينهما بحكم الإسلام وإن كره [8/238]
***(1/235)
[8/239] الذمي. وإن كانت بين نصرانيين، فرضيا أن يحكم بينهما، فهو مخير؛ إن شاء حكم بينهما بحكم الإسلام، أو تركهما، وإن رضي أحدهما ولم يرض الآخر طالبا أو مطلوبا، فلا يحكم بينهما، إلا ما كان من حدود الرب/ سبحانه، مثل أن يقطعوا الطريق، وما أشبه ذلك، فإنه يحكم بينهم بحكم الإسلام، شاءوا أو أبوا.
قال يحيى بن عمر: فإن كانت بين يهودي ونصراني، فليحكم بينهما وإن كره ذلك أحدهما؛ لاختلاف ملتهما.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا طلب الذمي حقا من مسلم، أو طولب به، فلا بأس أن يترك يدخل مكة أو المدينة لخصومته؛ فإذا فرغت، لم يترك يقيم بها.
فيما أفسدت المواشي وجناية العجماء وفيمن أفسد زرعا أخضر ومن حفر خندقا فهلكت فيه دابة وقتل الكلاب
من العتبية: روى أشهب وابن نافع، عن مالك: سئل عما أفسدت المواشي بالليل والنهار من الحوائط التي يحرسها أهلها بالليل، أو قد غلطوا ألا يحرس، فذلك سواء؟ قال: نعم، كلما أفسدت من زرع أو حائط، والزرع محظور عليه أو غير محظور ولا يحرس، فعلى أهل المواشي ما أفسدت بالليل، وما أفسدت بالنهار، فليس عليهم فيه شيء. وما أفسدت المواشي والدواب بالليل، فهو ضامن على أهلها وإن كان أكثر من قيمة المواشي، وإن لم يبد صلاحه، فعليه قيمتها يوم أفسدت – يريد: على غررها.
قال في الدابة تنفلت فوطئت على رجل نائم بليل: قال: لا ضمان على ربها، إنما هذا في الحوائط والزرع. [8/239]
***(1/236)
[8/240] وروى عيسى بن دينار: قيل لابن القاسم: كيف يغرم قيمة الزرع الأخضر؟ قال: قيمته لو حل بيعه على الرجاء والخوف. قال أصبغ عنه في الزرع يعث فيه الدواب فتفسده، فيحفر رب الزرع حول الزرع حفيرا لمكان الدواب، وقد أنذر أصحابهم، فيقع/ بعضهم في حفيره ذلك فيموت. قال: لا شيء عليه، ولو لم ينذرهم. وقاله أصبغ، وهو قول مالك إن شاء الله.
وفي كتاب نفي الضرر: باب فيما أفسدت المواشي فيه زيادة على ما في هذا الباب من كتاب ابن حبيب، فمن شاء رده إلى هذا الباب.
ومن العتبية قال ابن القاسم: قال مالك: يؤمر بقتل الكلاب ما يؤذي منها في المواضع التي لا ينبغي أن تكون فيها. قلت: في قيروان، أو الفسطاط؟ قال: نعم، وأما كلاب الماشية، فلا.
في من وجد في زرعه دابة فأدخلها في داره فانفلتت فأكلها السبع
من العتبية، من سماع عبد الملك بن الحسن: قال ابن وهب في من وجد في زرعه مهرين، فساقهما إلى داره، فأدخلهما داره، فلما كان في جوف الليل خرقا زرب الدار فخرجا منها، فعقرهما السبع، أو عقرهما في داره. قال: فهو ضامن إذا غفل وأصيبا في الأمر الذي يسببه وأصله منه، ولم يكن له سوقهما، ولا حبسهما في داره، إنما له إن يأتي السلطان، وإلا سيبهما، فأراه متعديا حتى يردهما إلى ربها. وقال أشهب: هو ضامن لهما حتى يرجعا إلى صاحبهما، ماتا في داره أو عقرا خارجا من داره. [8/240]
***(1/237)
[8/241] فيمن استحق من يده عبد فأراد أن يرده بعيب على بائعه قبل أن يقضى به لمستحقه
من كتاب ابن سحنون في من أقام بينة في دابة أو عبد بيد رجل: أن ذلك له، ما علموه خرج في ملكه، فلما أقام بذلك البينة، قال الذي هو في يديه: أنا اشتريت من فلان، وبالعبد عيب/، أو بالدابة، أفأرده به على بائعي؟ قال: ذلك له، ويكلف البينة على العيب، فتكون منازعته مع بائعه، ويكون هو منازعا لمدعي الدابة، فإذا حكمت برد العبد على البائع، لم أ البينة بالاستحقاق عليه، ويقال للمردود عليه: هلم منافعك، وريب الدار بالعيب.
باب مسائل مختلفة من الأقضية
قال ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون في امرأة ادعت عند الحاكم أنها اشترت من زوجها منزلا عرفته وقبضته، وبيده صرة تقول: هو هذا الثمن قبضه منها، وقد فقد الزوج الآن، هل لها طلب ما أقرت بقبضه؟ فكتب إليه: هذا على ما يرى الحاكم؛ إن كان لم تطل إقامة المنزل بيدها حتى فقد، فذلك لها، إلا أن يستريب الحاكم أمرا، وإن طال إقامة مقامه بيد الزوج يحوزه، وهي حاضرة حتى فقد، فأمرها ضعيف، وإن كان أمرها قويا، فلا يعجل الحاكم، ولينتظر الغائب، والشأن في الحكم في الرباع على الغائب أن لا يعجل فيه.
وكتب شجرة إلى سحنون في من أقام بينة على رجل أنه غضبه أرضا كذا، وحدها، وهي في يديه، ثم أقر المطلوب عند قوم أن هذه الأرض ورثتها عن أبي، وكانت بيدي حتى وثب هذا المدعي للغصب فأخذها مني في دخول أبي فهر [8/241]
***(1/238)
[8/242] تونس فغلبه عليها، فكانت في يديه حتى دخل أبو خفاجة تونس، فقمت فأخذتها منهم كما أخذوها مني، والشهود على إقرار لا يعرفون الأرض. فكتب إليه: قد أقر أن الأرض/ التي حدها أن فلانا أخذها، وأنه قد أخذها منهم كما أخذت منه، فليردها على من أقر أنه أخذها منه، ثم يقال له: اطلب ما غصبت.
وكتب إليه شجرة في قوم يهود تنازعوا في كنيستهم، وهم فريقان: فريق، زعموا أنهم هم أهل القانون، وأول من اتخذ الكنيسة، وفريق طرأوا عليهم من الآفاق، والآن أمر الفريقين واحد في دخولها وعمارتها، لم يختلفوا حتى تنازعوا، فقال أهل القانون: نحن ننفق معكم، فكتب إليه: إن كان لهم وال يجمعهم، رد ذلك إليه إن كان في موضعهم، وإن كان لكل فريق وال على حدة، فأتياك جميعا، فلمن أراد العمارة أن يعمر، كمن شاء عمارة مسجد، وإن كان مرادهم البغي والحسد، فليعمر الفريقان، ولا يخص بذلك أحدهما.
وكتب إليه شجرة في من توفي عن زوجة ابنتين، لا وارث له غيرهم، رفع إلى أمرهم، وليس له عصبة تعرف، هل أترك النظر في ذلك؟ فكتب إليه: إذا رفع إليك، فاجعل الباقي في فقراء المسلمين. وكتب إليه في من تحامل على مقبرة فحرثها، ومنع من الدفن فيها، وقامت بذلك بينة أنهم يعرفونها مقبرة للمسلمين مباحة، حتى فعل فيها هذا الرجل هذا، وكان الرجل حين البينة غائبا، فهل أعيد عليه البينة؟ فقال: أعد البينة عليه، وأقرها كما كانت.
وكتب إليه شجرة: وعن المفقود يكون له عند رجل جارية، فسأله عنها الحاكم، فأنكرها، ثم أتاه فأقر بها، وقال: بعتها، وقد فاتت، وقضيت / ثمنها في دين عليه، وفيما افتككتها به؛ لأنها رهنه فيما قال في ربعه المريع، فكتب إليه: إن اتهمته أن يكون غيبها، فأطل حبسه، واكشف عن صفتها وقيمتها، فإن لم يظهر، فألزمه[8/242]
***(1/239)
[8/243] الأكثر من الثمن أو القيمة، وإن لم يعلم صفتها، صدق مع يمينه، وقومت تلك الصفة، وغرم الأكثر، فإن ثبت أنه قضى عنه دينا، ثبت ذلك أيضا على المفقود، وقبضه الطالب من هذا بالبينة العادلة، قوصص بمثله، وإن لم يثبت ذلك، لم يحط شيئا، ولا يحسب له ما فداها به.
وكتب إليه شرحبيل قاضي أطرابلس: أن رجلا زوج ابنته من رجل، وقبض نقدها، فلما حضر البناء بها، قال: هربت مني. وهو عندنا رجل صالح، فكتب إليه: ليس بصالح، وأرى أن يسجنه حتى يظهر ابنته، ثم بلغه موانسة الناس له في السجن، فكتب إليه: امنعه من ذلك. ثم كتب إليه أن يخرجه إلى وسط المدينة، فيجلده مائة سوط، ثم يعيده إلى السجن، ويردد عليه كما ترى حتى يخرجها أو يموت، ثم مات أبوها، فبلغ القاضي أنها عند قوم، فسأل الأمير أن يتولى طلبها، فكتب الأمير إلى عامل أطرابلس برفع الرجلين اللذين قيل: إنها عندهما، فأظهرا الجارية، وأخذها زوجها.
فيما ينظر فيه من ينظر في الأسواق من تغيير المنكر والأمر بالمعروف
قد جرى في الأول من أقضية البيوع من معنى هذا الباب من النظر في أهل السوق، في موازينهم، ومكايلهم، وما يجري من الفتن/ في صناعهم وصناعتهم.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم، ولا تجلس الشابة إلى الصناع، وأما المتجالة الخادم الدون التي لا تتهم، ولا يتهم من تقعد عنده، فلا بأس بذلك. قال عنه أشهب: قيل له: أمور عندنا ظاهرة، من حمل المسلم الخمر، ومشيه مع المرأة الشابة يحادثها، فإذا كلم فيها، قال: هي مولاتي. قال: وددت أن يقام في ذلك ويمنع منه. قيل: فإن من يقوم في ذلك لا يقوى عليه إلا بالسلطان. فأتى [8/243]
***(1/240)
[8/244] السلطان فأعلمه، فكلفه ذلك، فقبل ذلك على ألا يجلس في موضع معروف، ولا ينظر في حد ولا يقيمه، ولكن يأمر وينهى، هل يدخل في هذا؟ قال: إن قوي على ذلك وأصاب العمل، فما أحسن ذلك.
ومن العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم، في فاسد يأوي إليه أهل الخمر والفسق، قال: يخرج من منزله، ويكرى عليه. قلت: أيباع عليه؟ قال: لا، لعله يتوب فيرجع إليه.
قال ابن القاسم: يتقدم إليه المرة بعد المرة، أو ينهى، فإن لم ينته، أخرج، أكري عليه.
وروى عيسى عن ابن القاسم، في أجر المعازف واللهو، أيقضى به؟ قال: أما الذي يرخص فيه- وهو الدف- فليقض به، وأما المزمار والعود، فلا يقضى بالإجارة فيه.
فيمن يفعل ما فيه تغرير بنفسه وبغيره من ركوب بحر أو غيره، ومنعه من ذلك
من كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى بعض أمنائه: من/ سحنون بن سعيد، إلى فلان بن فلان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: أعانن الله وإياك على بلوغ رضاه، واستحقاق ثواب أهل طاعته، فإنه بلغني، وتحقق عندي، أن قوما قبلك اتخذوا قوارب على شاطئ البحر، يصيدون فيها، ويكرونها للصيد، يغررون بأنفسهم وبالمسلمين إلى جزائر في البحر، يطلبون بذلك عرضا من الدنيا قليلا، فتذهب في ذلك أنفسهم، ويدخلون الوهن على المسلمين، فانظر – وفقنا الله وإياك- إذ جاء كتابي، فاجمع من بقربك [8/244]
***(1/241)
[8/245] من أهل القوارب وغيرهم ممن يصيد بالجزائر، فامنعهم أشد المنع، وتقدم فيه أشد التقدمة، وأظهر العزم الغلظة، واقرأ عليهم كتابي؛ لتكون عليهم حجة، وقد جعلت إليك أمر البحر من موضع كذا إلى موضع كذا، لتنظر في مثل هذا، غير أن أهل الجوابي إن لم يغروا وإنما يركبوا منها إلى زراريهم وقفافهم، فلا تمنعهم، ومن عاد بعد كتابي هذا إلي ما نيته عنه، فارفعه إلي بحملاء ثقات، واكتب إلي بذلك إن شاء الله لأرى من أدبه ما يكون زاجرا لغيره، وإن امتنع من الارتفاع، فارفع كتابي إلى العامل حتى يقوي أمرك، والسلام. وذكر في الكتاب غير هذا من موعظة، وتأكيد تزكية.
في الرفق بالمملوك والقضاء في سوء الملك
من العتبية: روى أشهب عن مالك قال: قال النبي عليه السلام، للملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق. قال مالك: ويقضى علي سيده ألا يكلفه إلا ما يطبق من العمل؛ قال/ عن ابن القاسم في العبد يشكو الغربة ويسأل سيده البيع ويقول: وجدت موضعا، قال: ليس ذلك على سيده، ولو جاز هذا لقال ذلك الخديم.
وسئل مالك عن عجوز أكلت لحم خادمها نيل كليته، قال: لا ولكن مضغته وأثرت بجلدها أثرا شديدا، فأمر مالك أن تباع عليها ولم ير أن تعتق.
وسئل (عن) الأمة تطلب البيع، قال: ينظر، فإن كان على من ملكها، وإن لم تكن في ضرر لم تبع، وقال أصبغ عن أشهب: إن كان ضرر قد عرف [8/245]
***(1/242)
[8/246] وكثر بيع عليه، وإن كان إنما هو الزلة والفلتة، فإنما ينهي عنه المرة بعد المرة، قال: فإن عاد بيع عليه، وقال في مدبر أضر به سيده ويؤذيه، قال: يخرج من يديه، ويؤاجر عليه، قال أصبغ: لأنه لا يباع.
في النصراني هل يستكتب أو يستعمل؟ وهل يتركون في الأسواق؟ وهل يعلمون كتاب العرب؟ أو يتعلم المسلم كتاب العجم؟
من العتبية من سماع ابن القاسم: قيل لمالك: يكتتب النصراني؟ قال: لا أرى ذلك، والكاتب يستشار في أمور المسلمين، فلا يعجبني ذلك. ونهى عمر أن يستعلموا، قال سحنون: ويمنعوا من السوق، وكذلك من لا يبصر البيع من المسلمين، يريد: لا يعلم ولا يتوقف عن الأمور البينة من فساد البيوع. قال ابن القاسم عن مالك: إنه كره للرجل المسلم أن يحضر ولده في كتاب العجم يتعلم كتاب العجم، وأكره للمسلم أن يعلم النصراني الخط أو غيره.
تم الكتاب بحمد الله
يليه:
كتاب الشهادات الأول [8/246]
***(1/243)
[8/247] بسم الله الرحمن الرحيم ... ... عونك اللهم
كتاب الشهادات الأول
ما يلزم الرجل الإجابة إذا دعي إلى الشهادة في ابتدائها أو أدائها، وهل يشهد على من يعرف أو على وثيقة لا تقرأ أو غائب عنهم أو كان المقر له غائبا؟ أو في المرأة تشهد على نفسها بغير إذن
من المجموعة: قال مالك: قال الله تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) إنما هو من يدعي إلى أدائها بعد أن يشهد عليه، وكذلك ذكر ابن حبيب [عن مطرف عن مالك، ورواه ابن حبيب] عن ربيعة وزيد بن أسلم.
قال مالك في المجموعة: وأما قبل أن يشهد فأرجو أن يكون في سعة إذا كان لم يشهد، ولعله يكون مشغولا، وليس كل أمر يحب الرجل أن يشهد عليه، ومثله في العتبية عن سحنون، وقاله ابن كنانة، وقال: فإن لم يجد غيره، وخاف أن يبطل حقه إن لم يشهد، فعليه أن يجيب، وإن وجد عنه مستغنى فهو بالخيار، وكذلك الكاتب يدعى إلى أن يكتب، ودعي مالك وقد دخل السوق إلى شهادة فلم يجب، واعتذر لمن دعاه، وقال: أخاف أن يكون في أمرك مالا أرى أن أشهد عليه، فيقتدي بي من حضر، فقبل منه. [8/247]
***(1/244)
[8/248] ابن حبيب: وبلغني عن عطاء أنه قال: أتت الآية في الوجهين: ليشهدوا وليؤدوا.
ابن حبيب وهو في الابتداء أخف، قال سفيان في قوله تعالى: (ولا يضار كاتب ولا شهيد) قال: يجيئه في حال شغله.
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز، والعتبية: قال مالك فيمن جاء يذكر حقا عليه في رجل غائب، فأشهدهم فيه، فلا أرى أن يكتبوا [شهادتهم إلا أن يكتبوا] أن فلانا ذكر لنا: أن لفلان عليه كذا وكذا، ولا كن يكتبوا في ذكر حق بغير هذا التفسير، قال ابن القاسم: وذلك خوف أن يقر له بيسير خوف أن يستوجب به الخلط فيستحق عليه اليمين فيما عسى أن يدعيه، ولكن يكتبوا: إن هذا أقر لفلان والآخر غائب. قال ابن عبدوس: قال أشهب عن مالك: قال ابن حبيب: وقاله مطرف عن مالك، وهو في المختصر عن ابن عبد الحكم: لا ينبغي أن يشهد الرجل على من لا يعرف، قال في المجموعة: والعتبية وأن الناس ليشهدوا بكون بعضهم يعرفه، وفي ذلك بعض السعة، وكذلك في العتبية من سماع أشهب، ابن حبيب: قال مالك: إلا أن يكون معك من يعرفه، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، قال ابن القاسم وقد أشهد على رجل وقال: لا أشهد إلا على من أعرف، قال ابن عبدوس: ويخشى من ذلك أن يجد الرجل شهادته في كتاب على من لا يعرف، ويكون الشاهد قليل المعرفة فيقول: أشهد بما في هذا الكتاب. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: يخشى أن يأتي من لا يعرف فيتسمى باسم رجل فيقر أنه باع داره من هذا، ويكتب عليه شهادته، فيموت الشاهد فيقيم على خطه شاهدين، فتجوز الشهادة، يريد: عند من يجيز ذلك من أصحابنا، وقاله أصبغ. [8/248]
***(1/245)
[8/249] قال ابن القاسم في المجموعة: فإذا دعي ليشهد على مرأة لا يعرفها، وشهد عنده رجلان أنها فلانة، [فلا يشهد أنها فلانة، وإنما يشهد على شهادتهما].
ومن العتبية من سماع ابن القاسم في المرأة يريد عمها أن يزوجها ولا يعرفها أحد، كيف يشهد؟ قال: يدخل عليها من لا يحتشم منه، ثم شهد على رؤيتها، وأفتى به في جارية تزوجت من آل أبي طالب وليها الحسن بن زيد، وقال ابن كنانة فيمن شهد في صبي صغير بيع ثم استحق بملك أو بحرية، ثم قام مبتاعه بشهادته وكتاب شرائه، فيشهدون أن الكتاب حق، ولا يعرفون العبد الآن حين كبر، فلا يقضي له بالثمن حتى يقطعوا بأن هذا العبد المبيع في الكتاب.
ومن كتاب ابن سحنون والعتبية: قال سحنون: وللمرأة ذات الزوج أن يدخل عليها في مغيب زوجها رجالا تشهدهم على نفسها بغير إذنه، ولا يدخلون عليها في مغيبه إلا مع ذي محرم منها، ولا يمنعها إن حضر، وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا كانت مضطرة لمرض أو غيره، ومعها أهلها، جاز أن تدخل على نفسها العدول، وأما بحضرة زوجها فلا يدخل عليها إلا بإذنه، فإن منعها فاستأذنت عليه فليأمره الامام بذلك أن كان لا تطلب وجهه.
ومن العتبية وكتاب ابن المواز من سماع أشهب: قال مالك: ومن أقر لرجل بمائة أردب قمع بغير كتاب، ثم جاء الطالب من الغد بكتاب فيه ذلك، فلا أحب أن يكتبوا فيه، وليكتبوا في إقراره عليه، قال عن أشهب في العتبية: قيل: فإن شهدت في كتاب ثم ذهب بالكتاب لتزداد فيه بينة، ثم أوتيت به بعد يومين، هل أشهد فيه؟ قال: إن عرفت الكتاب فاشهد فيه. [8/249]
***(1/246)
[8/250] قال ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن أشهد على رجل في كتاب ذكر حق ثم ذكر أنه ضاع، وسأل الشهود أن يشهدوا له بما حفظوا، فلا يشهدوا وان كانوا بكل ما فيه حافظين، خوفا أن يكون قد اقتضاه ومحي الكتاب، فإن جهلوا وشهدوا فليقض بها الإمام، وقال مطرف: بل يشهدون [بما حفظوا] وقاله مالك، وهو قول أصبغ، وبه أقول إن كان الطالب مأمونا، وإن لم يكن مأمونا فقول [ابن القاسم] وابن الماجشون أحب إلي، وروى أشهب عن مالك في القاضي يشهد رجلين في كتاب مطبوع بيده: أن هذا كتابي إلى قاضي بلد كذا، ولا يقرؤه، فقد كان بأيديهم الكتاب، قال: أرى أن يشهدوا به، ويجوز ذلك من كتب إليه، ولو كان الكتاب أحد الشاهدين، فإن كانا قد اجتمعا عليه وعرفا الآن خواتمها فليشهدوا عليه.
وقال فيمن كتب وصيته منذ أيام، ثم أدخل عليه قوما فأشهدهم أن هذه وصيتي، هل يقولون: تقرؤها فإنها كانت عند أهلك؟ قال: ليس ذلك عليهم، ولهم أن يشهدوا بذلك، فإن كانت بيد بعضهم فليشهد من هي عندهم، وأما الآخرون فلا أدري، قال: ومن أتاه بكتاب طبعه فقال: اكتب شهادتك في أسفله على أنها وصيتي، ولا يعلم الشاهد بما فيها، فكتب الشاهد على إقراره، قال: إن لم يشك في خاتمه فليشهد، وإن شك فلا يشهد، قال أشهب: إذا قال: اشهدوا علي بما فيها جاز ذلك، كانت مختومة أو منشورة، قرأها أو لم يقرأها، ولو قرأها ولم يشهدهم عليها لم تجز لهم الشهادة بذلك، وإن كان بين يديه كتاب مكتوب فقيل له: هذه وصيتك؟ [وشهد بها عليك إنها وصيتك، فحرك رأسه بنعم] فأشار برأسه: أن نعم، فهي نافذة وشهادة جايزة إن كان يعرف أن تحريك رأسه بذلك كالقائل: نعم. [8/250]
***(1/247)
[8/251] قال ابن حبيب: قال مطرف في الصحيفة تكتب على رجل بأمره، يشهد بما فيها على نفسه، وهو ممن لم يقرأها ولا قرئت عليه، فإن كان ممن لم يشك أنه علم ما فيها، فلك أن تكتب شهادتك إذا قال لك: ما فيها حق وإن لم تقرأها عليه، وإن كان أميا، وإن كان ممن يظن أنه لم يحط بها علما، أو يخشى أن يكون مختدعا، فلا تكتب شهادتك حتى تقرأها عليه، وإن قال لك: ما فيها حق، أميا كان أو قارئا.
ما يلزم الرجل أن يشهد به مما علمه
أو حضره أو سمعه، وفي المنكر يراه
من المجموعة: قال مالك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: خير الشهداء الذي يخبر – أو قال: يأتي – بشهادته قبل أن يسألها يعني: تكون عنده شهادة لرجل لا يعلمها، فيخبره بها ويؤديها إلى الحاكم.
ومن المجموعة والعتبية وغيرها: قال أشهب عن مالك فيمن شهد وسألني التزكية، هل علي أن أزكيه؟ قال: لا أرى ذلك عليك، ولا كن حسن أن تعدله. قال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: إن وجد غيرك يزكيه فأنت في سعة، وإن لم يجد غيرك فلا أراك في سعة، وكذلك هي في كتاب ابن المواز.
قال ابن القاسم في المجموعة فيمن أخذ في شرب خمر، أخذه رجل ومعه جماعة، فلم يزالوا به حتى خلى سبيله، وكان أراد رفعه إلى الحاكم فتركه، ثم وقع بينه وبينه شر، فأراد رفعه الآن، واستشهد بالقوم، هل يشهدون؟ قال: لا يشهدون في ذلك إلا أن يكون شهد على أحد فليجرحوه بذلك، قيل: فإن علم الإمام بذلك، ألهم كتمان الشهادة؟ قال: نعم إلا في التجريح كما ذكرنا. [8/251]
***(1/248)
[8/252] قال في كتاب ابن المواز: ومن تاب وقد علم قوم ما تاب منه، فإن تاب مما يلزمه للناس من قذف أو قصاص أو مال: فليؤدها عليه، وأما في حدود الله تعالى فلا يكشفوه، وقد قال صلى الله عليه وسلم، لهزال: هلا سترته بردائك ولو قام بها قائم عند الإمام لم يقبل منه إلى ببينة سوى القائم عليه. قال ابن وهب: قال ابن المسيب: الستر واجب إلا على الوالي، وأحد الشهداء الأربعة في الزنا، والموكل.
وقال ابن وهب عن مالك في الجار يظهر شرب الخمر وغيره، فليتقدم إليه وينهاه، فإن انتهى وإلا رفع أمره إلى الامام، وعن الشرطي يأتيه رجل يدعوه إلى ناس في بيت على شراب، فأما البيت الذي لم يكن ذلك يعلم منه فلا يتبعه، وإن كان بيتا معلوما بالسوء قد تقدم ذلك له فيه فليتبعه، وروى عنه ابن نافع فيمن مر على قوم فافترى عليه رجل منهم، فأخبر بذل المقذوف، فأتى إليهم فسألهم الشهادة، قال: إن كانت فرية فليشهدوا لعظم أمرها، وقد تكون الكلام والمشاتمة، وأما الفريه فليشهدوا، قال عنه ابن وهب: وكذلك لو استكتمهم ذلك [وكذلك لو أقر بحق رجل واستكتمهم ذلك فليشهدوا] قال عنه ابن القاسم فيمن بينهما خصومة، فسأل أحدهما رجلين أن يمشيا إلى صاحبه ويصلحا بينهما، فأتياه وكلماه، فقال: أنا أخبركما على أن تشهدا، فقبلا ذلك منه، فاعترف، ثم تجاحدا. قال: اكتب: أحب إلي أن لا يقبلا، فإن قبلا فلا يعجلا بالشهادة حتى يتجاحدا ويكاد أن لا يعترفا، أو يكون عند آخر ذلك، فإن اصطلحا وإلا فليشهدا عليه، قال عنه ابن نافع فيمن دخل بين اثنين فاصلح بينهما، ثم سأله أحدهما أن يشهد له ببعض ما أقر له به فأبى أن يشهد له، قال: ما أرى بما صنع بأسا، قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وإذا ادخلا بينهما رجلين على ألا يشهد بينهما، فذكر نحو قول مالك. [8/252]
***(1/249)
[8/253] ومن كتاب ابن عبدوس: قال مالك فيمن سمع رجلا حنث في طلاق، ولم يشهد عليه بذلك غيره، قال: فليرفعه إلى السلطان، وكذلك لو حنيث بذلك في حق للشاهد عليه، فليرفع ذلك حتى يكون السلطان ينظر في أمره. يريد: لا تجوز شهاداته [في حنثه] في دينه عليه، وقد ذكرها بعد هذا، وكذلك لو كان في شهادة بحق فأنت تعلم صحة الحق، قال ابن الماجشون: كل ما فيه حق لمن يشهد به، فيلزمك أن تشهد، وأما ما لاحق فيه لأحد فليس عليك أن تشهد فيه، لأنه لاحق فيه له يذكر، وأما م فيه شبهة، أو لطخ، أو بحق تهمة، أو توجب يمنيا، فأده، وكذلك ذكر عنه ابن سحنون في كتاب الأقضية.
في الرجل يعلم بدين رجل ثم يخبره غيره بزواله عنه أو يعلم بملك العبد ولم يسر غيره يحوزه عليه وهل يشهد بالأصل؟
من المجموعة: قال سحنون فيمن أشهده رجل بدين لرجل، ثم أخبره عدلان أو رجل وامرأتان أنه قد قضاه إياه، قال: فإذا أخبره من تجوز شهادته، فلا يشهد، قيل: فأخبره شاهد واحد فوقف، وقال: ما تبين لي.
قال سحنون في الرجل بشتري العبد بمحضر بينة، ثم يرون العبد بيد زوجة المبتاع بمحضره سنين والعبد في ضيعتها قد بانت عنه، ثم يدعو إلى شهادة على أصل الشراء؟ قال: لا يسعهم أن يشهدوا، لأن الرجل يلي الشراء لامرأته. [8/253]
***(1/250)
[8/254] فيمن يعلم علما لا يجوز عنده والحاكم يجيزه وهل يزيد في الشهدة ما تقوم به أو ينقص منها؟ والرجل هل له أن يشهد على عدوه أو لمن يتهم فيه، ويخبر الحاكم بذلك أو وهو بين الجرحة هل يشهد عنده؟
من المجموعة: قيل لسحنون فيمن عنده شهادة، وهي لا تجوز عنده. وتجوز عند القاضي كشاهد على صداق نصفه إلى غير أجل، قال: لا يشهد فيه، وعن شاهدين شهد أحدهما بأربعين، والآخر بخمسة وأربعين، فهما أن أدياها لم يجزها الحاكم، وذلك رأيه، هل يسع الشاهد أن يسقط خمسة ويشهد بأربعين لتجوز الشهادة؟ قال: لا بأس به، قيل: فإن وجد الطالب من يشهد له على خمسة، هل يسع الشاهد الذي أسقط خمسة أن يشهد بها مع هذا؟ قال: ذلك له .
قال ابن الماجشون: لا يسع الرجل رفع شهادته لنفسه، ولا لابنه، أو جده، أو أمه، أو جدته، أو والده، أو أحد الزوجين مع الآخر، فأما غير هؤلاء فعليه رفعها، ويصف حاله للحاكم من قرابته.
قال سحنون في الرجل البين الجرحة قبله شهادة، فليس عليه رفعها إلى الحاكم، ألا ترى أن من العراقيين من يقبل الشهادة ولا يسأل عن شهاد حتى يطعن في الخاصم.
قال أشهب في كتاب آخر فيمن رأى هلال رمضان وهو يعلم أنه لا يقبل لجرحه، فلا ينبغي أن يشهد بذلك.
قال ابن سحنون عن أبيه: ولا يرفع الرجل شهادته إن كانت عنده حقا إذا كان الحاكم لا يقبلها، مثل شريك الرجل فيما يشهد فيه، أو عدوه فيما يشهد به [8/254]
***(1/251)
[8/255] عليه، أو خصمه أو جار لنفسه، أو دافع، أو أب، أو ابن، أو زوج، أو من لا يجيز الحاكم شهادته في ذلك المعنى، وهو عدل، وإن شهد فليخبر بذلك.
قال مالك في العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في بقية هذه الدواوين، فيمن عنده شهادة على عدوه، أيشهد بها؟ قال: يشهد ويخبر مع شهادته بعدواته ولا يكتم ذلك.
وروى عيسى عن ابن القاسم في رجلين سمعا رجلا طلق امرأته، فكفا عن الشهادة زمانا، ثم قاما بها فقالا: إن ذكرنا تاريخ الشهادة، بطلت شهادتنا، أيسعهما أن يسكتا عن التاريخ؟ [قال: لا وليأتيانها على وجهها].
في الشاهد بحق وأنت تعلم جرحته هل يسعك تجريحه؟
من المجموعة، والعتبية، وكتاب ابن سحنون: قال سحنون فيمن شهد عند قاض بحق عنده وهو مستجرح عندك، قال: لا يسعك تجريحه إن دعيت إلى ذلك، لأنك تملك ذلك الحق، وكذلك في كتاب ابنه عنه، قال: وقد قيل لي: يخبر بتجريحه القاضي.، كما لو علمه عبدا أو نصرانيا، لزمه أن يخبر بذلك، قال: وكذلك لو كان شاهد معه في تلك الشهادة، فقال مرة: لا يخبر بجرحته، وقال أيضا: بل يخبر بجرحته.
قال ابن القاسم في الكتب الثلاثة في قوم شهدوا على رجل أنهم وجدوا منه ريح شراب، فذكر المشهود عليه أنهم أعداؤه، ورجل يعلم ذلك، فهل يسعه أن يخبر بعداوتهم وقد أقر عنده أنه شرب؟ قال: لا يسعه ذلك، وكذلك لو شهدوا عليه بحق وأنت تعلم أنه حق، وقال ابن سحنون عن أبيه: إنه يخبر بعداوتهم له، [8/255]
***(1/252)
[8/256] كقول مالك في الشاهد يكون عدوا للمشهود عليه أنه يخبر بذلك الحاكم، فذلك على المسؤول أوجب، وإن علم أن الشاهد شهد بحق.
في شهادة المفتي على المستفتي فيما ينوي فيه، هل يلزمه أداؤها عليه أم لا؟
من العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم –وذكره ابن عبدوس وابن المواز- في الرجل يأتي مستفتيا يسأل عن أمر ينوي فيه، ولو أقر عند الحاكم، أو قامت عليه بينة، فرق بينه وبين امرأته، فيفتى: أن لا شيء عليه، فطلبت المرأة شهادة المفتي، قال: فلا يشهد عليه، قال ابن المواز: ولو شهد لم ينفعها، لأن إقراره على غير الاشهاد. (ع) يعني: لا شيء في الفتيا، قال: وما أقر به عند الفقيه من طلاق أو حق أو حد ثم أنكر، فليشهد عليه إن كان مما ليس له رجوع عنه. قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية مثله، وكذلك من حضر الفقيه إذا سمعوا القصة كلها حتى لا يخفى عليه منها شيء لما يخاف أن يفسد الشهادة [إن لم يذكر].
فيمن سمع قذفا أو إقرارا أو نص شهادة شاهد هل عليه أن يشهد بذلك؟ وهل يقضي به؟
من كتاب ابن المواز وغيره: قال مالك: ومن سمع رجلين يتنازعان فأقر أحدهما للآخر ولم يشهده، قال: لا يشهد إلا أن يكون قذفا فليشهد إن سمعه [8/256]
***(1/253)
[8/257] معه غيره، قال أشهب: هذه رواية فيها وهم، وليشهد بما سمع من إقرار أو غصب أو حد ولا يكتمها، فإن لم يعلم من هي له: فعليه أن يعلمه.
قال ابن القاسم في المجموعة وكتاب محمد فيمن مر برجلين يتحاسبان، فإن سمع كلامهما من أوله فاستقصاه فليشهد، وإن سمع جاره طلق امرأته فليشهد عليه.
قال أشهب في العتبية عن مالك في فريقين قضي لأحدهما فحدث بذلك المقضي عليه للناس، ثم احتيج إلى تلك القضية، فلم يؤخذ عليها إلا من أقر عنده المقضي عليه، قال: أراها ضعيفة؛ (وليأتوا بالشهادة على وجهها) ولا أراها نافعة له. وكذلك في المجموعة، وقال أشهب: نحوه.
قال في الكتابين وكتاب ابن المواز: وإن سمع قوما يقولون لقوم: اشهدوا على شهادتنا. أن لفلان على فلان كذا، فلا يشهدوا على شهادتهم وان احتيج إليه، بخلاف من سمع الإقرار.
قال ابن القاسم وأشهب في الكتابين في رجلين سمعا رجلا يذكر أن عنده شهادة في كذا، فلا ينقلا ذلك عنه، فإن فعلا لم يقبل ذلك. قال أشهب: وليس بضيق أن رفع ذلك إلى الإمام وقد قيل: لا يرفعها خوفا أن يغلط فيقضي بها، وإن أشهده لزمه أن يشهد وإن كان وحده. ومن سمع رجلا عند القاضي يشهد بشهادة، ثم مات القاضي أو عزل، فلا ينقل ذلك عن الشاهد.
قال أشهب عن مالك فيه وفي العتبية: ومن قال: اكتب على هذا عشرة دنانير فلم اكتبها، هل اشهد عليه؟ قال: نعم. [8/257]
***(1/254)
[8/258] في الشهادة على الرجل يقرر فيقر وقد أوقفت له بينة حيث لا يراهم ومن أشهدك على أن لا تؤديها حتى يموت
من كتاب ابن المواز: قال مالك في رجلين أقعد الرجل من وراء حجاب ليشهدا عليهم قال: إن كان ضعيفا أو مختدعا أو خائفا لم يلزمه وحلف ما أقر إلا لما يذكر، وإن كان على غير ذلك لزمه، ولعله أن يقر خاليا ويأبى من البينة، فهذا يلزمه ما سمع منه. قيل له: فرجل لا يقر إلا خاليا، هل أقعد له بموضع لا يعلم في الشهادة؟ قال: لو أعلم أنك تستوعب أمرها. ولكن أخاف أن يسمع جوابه لسؤال، ولعله يقول له في الشيء: ما الذي لي عليك إن جئتك بكذا وكذا؟ فيقول: لك عندي كذا، فإن قدرت أن تحيط بسرهم فجائز.
قال في المجموعة من [رواية ابن وهب عن مالك وهو في العتبية] من رواية عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن قرر رجلا وقد خبأ له بينة في بيت ليشهدا على ما سعما منه، فأقر هل يشهدان عليه بما أقر؟ قال: أما الضعيف والمختدع أو الخائف الذي يخاف أن يكون اختدع أو استعجل أو استضعف، فلا أرى ذلك يثبت عليه وبحلف: ما أقر إلا بما يذكر، ولا يدري ما يقول: أقر لك خاليا، ولا أقر لك عند البينة بأمر بعرف به وجه إقراره، فعسى أن يثبت ذلك عليه، قال عيسى: أراه ثابتا. [8/258]
***(1/255)
[8/259] ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن له قبل رجل حق وأراد أن يأخذ عليه يمينا، وقد حجده، فخبأ له قوما فشهدوا عليه بالحق أو باليمين، قال: شهادتهم مقبولة، وبئس ما صنعوا حين دخلوا ذلك المدخل.
وروى أشهب عن مالك في العتبية وهو في كتاب ابن المواز في امرأة أشهدتنا على صدقة على أن لا نؤدي الشهادة إلا بعد موتها: قال: لا تنفع الابنة هذه الشهادة.
في الشهادة على معرفة الصوت وشهادة الأعمى على ذلك
من العتبية من سماع ابن القاسم وهو في المجموعة من روايته ورواية أشهب، وابن وهب [عن مالك] وشهادة الأعمى جائزة إذا عرف ما شهد به وأثبته يقينا. وقد كان ابن أم مكتوم أعمى يؤذن لرسول) صلى الله عليه وسلم، وقد نقل الصحابة عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من وراء حجاب. قال مالك: وكذلك الرجل يشهد على المرأة من وراء ستر قد عرفها [وعرف صوتها] وأثبتها قبل ذلك. فذلك جائز.
ومن كتاب ابن سحنون [قال ربيعة] كما يعرف البصير شخص من يشهد عليه. فكذلك هذا يعرف كلام من يشهد عليه، ولو لم يجز هذا لم يجز له وطء أمته ولا امرأته.
قال المغيرة في كتاب ابن سحنون في الرجل يولد أعمى أو يعمى بعد ذلك: أن شهادته مقبولة إن كان عدلا. وقال ابن نافع وسحنون في كتاب ابنه: كما يعلم امرأته فيطؤها أو يلاعبها، فكذلك يشهد على ما يدرك. وقال ابن أبي ليلى [8/259]
***(1/256)
[8/260] وأبو يوسف: ما شهد عليه قبل أن يعمى قبلناه. قال سحنون: ولا فرق في ذلك لأنه حين قبولها أعمى.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون: لا تجوز شهادة الأعمى على الزنا، قال أشهب: لأنه شيء إنما يشهد فيه على الرؤية، ولو شهد هو وثلاثة معه على ذلك حدوا حد الفرية، وأما إن شهدوا أنه أقيم عليه حد الزنا جازت شهادتهم، لأن الأعمى في هذا لم يشهد على رؤية، لكن على سماع أن الوالي حده.
قال ابن سحنون: قال أشهب: وللأعمى أن يقسم في الدماء وليس بشهادة، فكيف وشهادته جائزة عندنا [وكذلك في اللعان يحلف على ما يعرف من لمس أو غيره، وكذلك العمياء تلاعن].
في الشهادة على معرفة الخط من خط مقر أو خط شاهد
من كتاب ابن سحنون وغيره: قال مالك وأصحابه: الشهادة على خط المقر جائزة، وقد اجمعوا على أن الخط رسم يدرك بحاسة النظر، وأصبنا البصير يميز بين الشخصين والخطين مع جواز الاشتباه، فلما جوزها في الشخصين مع جواز الاشتباه فيه جازت في الخطين.
وفي العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك – وهو في بقية هذه الدواوين- فيمن كتب على نفسه ذكر حق، وكتب في أسفله بخطه، فهلك الشهود ثم جحد، فشهد رجلان أن ذلك خطه: إن ذلك يجوز عليه لإقراره، بخلاف من شهد على شهادته فأنكرها، فلا يمين عليه مع شهادة شاهدين على خط المقر. [8/260]
***(1/257)
[8/261] ومن العتبية: قال عيسى عن ابن القاسم، وذكره ابن المواز: ولو شهد على خطه حلف الطالب واستحق.
وقال أشهب عن مالك في امرأة كتب إليها زوجها بطلاقها، فشهد عليه خطه رجلان: أن ذلك ينفعها. قال ابن المواز: أما الشهدة على خط المقر فلم يختلف فيه قوله، وأما على خط الشاهد: فما علمت من حكم به، وهما لو سمعا الشاهد ينص شهادته لم يجز لهما أن ينقلاها حتى يقول لهما: انقلا واشهدا بذلك. قال: والذي آخذ به: أن لا تجوز الشهادة على الخط إلا خط من كتب شهادته على الخط [إلا خط من كتب شهادته على نفسه] فهو كالإقرار. وقال ابن القاسم ورواه عن مالك: [وأما على معرفة خط الشاهد علما أقول به، وقد روي عن مالك، قال عبد الملك] وقال عبد الله: تجوز شهادتهما على خط عرفا أنه خط شاهدين في كتاب ويقضي بذلك، ويجوز أن يشهدا بها على الوكالة في ذلك الخط لمن يخاصم به [ وعلى وارثه ذلك شهدا فيه] وقال مثله سحنون في العتبية.
ومن العتبية وكتاب محمد: قال ابن القاسم عن مالك فيمن أوصى أن ينظر فيما في كتبه فيقضي ما عليه فيها، ويقتضي ماله، فوجد فيها ذكر حق له بأربعة عشر دينارا على رجل، وفي آخره بخطه: قبضت منها ثمانية دنانير، فلا يمين فيها على المطلوب، ولا يؤدي إلا ما بقي، ولو لم يعرف خطه إلا شاهد، حلف معه المطلوب وثبت له ما قضاه.
قال أشهب في المجموعة في صك بخط رجل على نفسه بيد رجل على نفسه، ولم يكتب شهادته في أسفله، فشهد على خط ذلك شاهد، فليحلف الطالب معه ويقضى له به، وإن كان الصك بغير خطه، وفي آخره شهادة بخطه، فإن كان في الشهادة ذكر الدين الذي في صدر الصحيفة فذلك يجوز عليه إن قام بخطه [8/261]
***(1/258)
[8/262] شاهد، وحلف مع الطالب، وإن لم يكن في الشهادة ذكر الدين لم يلزم ذلك المطلوب من قبل أن القرطاس يقطع ويوصل، فيخاف أن يكون قطع ووصل بشيء آخر، ولأنه قد يكتب الرجل بشهدته ولا ينظر في الكتاب. فلهذا كله لم يجزه.
وروي ابن وهب وابن القاسم عن مالك في العتبية وكتاب محمد في ذكر حق فيه شهادة رجل بخطه يشهد رجلان على أن ذلك خطه، فشهادته جائزة. قال عنه ابن وهب: ويحلف الطالب ويقضى له به، قال ابن القاسم: ولا يقبل في ذلك إلا شهيدين.
قال ابن سحنون: وقال يحيى بن سعيد وربيعة في الشهادة على [كتاب ذكر حق، فهو شاهد فيه. محمد: ولسنا نأخذ بهذا في الشهادة على] خط الشاهد إلا أن يكون على خط المقر بنفسه.
قال ابن وهب عن مالك في العتبية: ولو مات الطالب وقام ورثته بذلك الكتاب مع شهادة رجلين على كتاب الكاتب، قال: يحلفون: ما علموا أن وليهم اقتضى من ذلك شيئا، ويقضى لهم، وقال في كتاب ابن سحنون من رواية ابن وهب: يحلفون: أنهم ما علموا أنه قبض منه شيئا، فإن نكلوا حلف المطلوب: إنه لباطل، فإن مات حلف ورثته: إنا ما علمنا أن هذا كان على فلان ولا كتمنا علما كان عندنا، فإن نكلوا أخذ من مال الميت.
ومن العتبية: قال سحنون: وإن شهد جلان على معرفة خط رجلين في كتاب: جازت الشهادة، ويجوز أن يشهدا على الوكالة في ذلك الحق. [8/262]
***(1/259)
[8/263] ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: قال ابن كنانة عن مالك في العدل يشهد على خط رجل، قال: ما أحب أن أشهد على خط أحد، ولكن إن شهد به عدلان قبلته وحسب بذلك شهادة الشاهد.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم في الميت يوجد ذكر حق له على رجل فيه بينة، وفي آخره بخط الميت: أني قبضت ما في هذا الكتاب: ثمانية دنانير، قال مالك: يؤخذ من المطلوب ما بقي، ولا يمين عليه، يريد: وقد قامت بينة أنه خط الميت، أو اعترف بذلك ورثته.
وقال ابن الماجشون في الميت، أو المريض، أو الغائب يشهد على خطه، فأما المريض: فإنه يسأل عنها وينقل قوله، وأما الغائب والميت: فليشهد على معرفة كتابتهما وإن لم يشهدا بها، ويقضى به، وكذلك في المجموعة. وإذا قيل: ما حد تلك الغيبة؟ قال: البينة في البعد، وليس لمن يغيب من يومه ثم يشهد على خطه حينئذ، قيل: فإن كان أشهده على شهادته في كم ينقل عنه في غيبته؟ قال: أما ما قرب كالروحاء وشبهها فلا، إلا في السفر البعيد، وما في تربصه الضرورة، ونحو ذلك عنه في كتاب ابن حبيب.
قال في كتاب ابن حبيب: وأصل ما خف من ذلك أن يكون رجلا لا يقنع فيه الحاكم بتعديل رجلين لما يترتب عنه عند رؤيته أن يقبح في غيبته، فلا يقنع فيه بظاهر التزكية، فيدفع ما خف من هذا بغيبته، ويودعهما الشهادة، أو يعلم أنهما يشهدان على ما في كتابه، فيصل بهذا إلى دفع ما كان يبقى من ذلك. [8/263]
***(1/260)
[8/264] ابن حبيب: قال أصبغ: الشهادة على خط الشاهد الغائب والميت قوية في الحكم بها، ولكن لا يعجل الشاهد بذلك وليثبت.
وقال مطرف في الميت يقام عليه بذكر حق فيه شهادة ولدي الميت فأنكر ذلك وشهد على خطهما شاهدان وقال: كنا شهدنا بذلك في باطل، قال: يؤخذان بذلك، ويحمل محمل الإقرار لا محمل الشهادة، وكذلك لو كان واحدا وهو وارث المال وحده إن شهد على خطه، وقال ابن الماجشون: لا يؤخذ إلا بالإقرار منه سوى خط شهادته، وقال ابن الماجشون: ومحمله محمل الشهادة لا محمل الإقرار، وقال أصبغ بقول مطرف.
قال ابن الماجشون: ولو شهد بذلك على أبيه فلم يقض بذلك حتى مات أبوه فرجع عن شهادته، قال: لا ينفعه ذلك ويؤخذ بشهادته. قال ابن حبيب: وهذا يقوي الأول، قال مطرف وابن الماجشون: وأما كتاب قاض بخطه في حكم أو كتاب إلى قاض، فلا يثبتها بالشهادة على أنه خط فلان في الشهادات إلا في عتق أو طلاق أو حد أو غير ذلك، وأما على معرفة خط الشاهد: فلا يجو ذلك إلا في الأموال خاصة، حيث يجوز اليمين مع الشاهد. وقال أصبغ: قال محمد بن عبد الحكم: ولا أدري أن يقضي في عهدنا بالشهادة على الخط لما أحدث الناس من الفجور والضرب على الخطوط، وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم القاضي، ثم رأى مالك: ألا يجوز. [8/264]
***(1/261)
[8/265] في الرجل يعرف خطه في الوثيقة ولا يثبت شهادته، والرجل يقول للحاكم: أشهد علي بما في هذا كتاب ولا ينصه
من العتبية: قال أشهب عن مالك فيمن رأى خطه في كتاب على شهادة لا يذكرها، قال: يرفعها للسلطان على وجهها ويقول: إنه كتاب يشبه كتابي وأطنه إياه، ولست أذكر شهادتي، ولا أني كتبتها، يحكي ذلك على وجهها ولا يقضى بها، قيل: فإن لم يكن في الكتاب محو ولا شيء، وعرف خطه. قال: قد يضرب على على خطه [ولكن ليرفعها كما ذكرنا. من المجموعة: قال عنه ابن نافع: إذا عرف خطه]. ولم يذكر الشهادة، فلا أرى أن يشهد، وقد أتيت غير مرة بخط يدي أعرفه، ولم أثبت الشهادة عليه فلم أشهد، قال: أرأيت إن لم يشك في كتابه، وفي خطه بعض الضعف، أيشهد؟ قال: لا، قال الله تعالى: (وما شهدنا إلا بما علمنا) وقال عنه ابن نافع في موضع آخر: أما ما عرف أنه حضره، وشهد فيه، وعرف خطه فيه وأنه خطه، فعسى به أن يشهد.
قال ابن نافع: أرى أن يشهد من عرف خطه إذا لم يستنكر من الصحيفة شيئا ولا محوا، قال ابن المواز في كتابه: قال مالك: لا يجوز أن يقول: هذا خطي، والجائز أن يقول: إن خطه حق، واختلف فيه عن مالك إذا عرف خطه بشهادته: فروى ابن نافع: أنه يؤديها. قيل: فإن عرف أنه شهد ولم يذرك عدة المال؟ قال: يرفع ذلك إلى الإمام، ويخبره أنه لا يعرف عدة المال. وما أرى ذلك [8/265]
***(1/262)
[8/266] نافعا، قال ابن القاسم: ولو عرف خطه وذكر أنه حضر، فلا ينفع حتى يعرف بقلبه ما شهد عليه.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن وهب: قال يحيى بن سعيد: إذا عرف خطه، فإن أيقن به فليشهد، وإن شك فلا يشهد، وروى ابن وهب عن مالك نحوه، قال: وإن عرف خطه ولم يذكر الشهادة ولا شيئا منها، فقال له من معه في الكتاب: نحن نعلم انك كنت معنا. فإن أيقن هو أنه خطه فليشهد، أما بخبر غيره فلا يشهد، وليخبر بعلمه بالغا ما بلغ، ولا يجيزه الحاكم إلا أن يشهد أنه كتابه وشهادته، وروى عنه ابن وهب أيضا أنه إن أثبت أنه خطه، ولم يثبت عدة المال، وإن كان يخاف أن يشبه كتابه فلا يشهد، ولا يخبره الإمام، وفي المجموعة: نحوه كله من رواية ابن وهب، وفي العتبية: نحوه. قال عنه ابن القاسم: إذا عرف خطه ولم يعرف عدة المال، فليؤد شهادته على نحو ما يستيقن من معرفة كتابه، وأنه لا يثبت التسمية، ولا يقضي بها السلطان، وكذلك لو ذكر أنه كان أشهد مع معرفته بخطه. وقال عنه ابن القاسم أيضا: إذا عرف خطه ولم يذكر الشهادة. فلا يشهد حتى يستيقن ويعرفها. ومن العتبية: قال سحنون: إذا عرف خطه في الكتاب لا يشك فيه، ولا يذكر كل ما فيه، فقج اختلف فيه أصحابنا. وقولي: إنه إن لم ير في الكتاب محوا ولا إلحاقا ولا ما يستنكر، ورأى الكتاب خطا واحدا فليشهد بما فيه، وأن يقول: أشهد بما فيه، وهذا الأمر لا يجد الناس منه بدا وإن لم يذكر من الكتاب شيئا. قيل: ولو كان الكتاب كله بخطه، وعرف خطه، وفيه شهادته، ولم يذكر منه شيئا: قال: أرى أن يشهد [8/266]
***(1/263)
[8/267] بها، ولو أنه أعلم بذلك القاضي، رأيت للقاضي أن يجيز شهادته إذا عرف أن الكتاب كله خطه بيده، وجميع أصحابنا يجيزون شهادته إذا ذكر أنه خط الكتاب ولا محو فيه.
قال أبو زيد عن ابن القاسم في الرجل يؤتى بالكتاب فيه شهادته وعرف خطه وأثبت أن الذي جاءه بالكتاب أشهده في أمر دار،ولا يذكر أنها التي في هذا الكتاب، قال: فإن لم يثبت شهادته كما في الكتاب حرفا بحرف، فلا يشهد، وقال ابن نافع في المجموعة: إذا كتب جميع الكتاب بيده، وأثبت خطه، فشهادته جائزة وإن لم يعرف الشهادة. وقال ابن كنانة: إن ذكرت بعض ما في الكتاب ولم تذكر بعضا، وفي الكتاب شهادتك، ولا محو فيها ولا شيئا يستريبه، والكتاب مفسر، وذكرت حين كتبت، فاشهد بكل ما فيه، ومن الواضحة: قال مطرف عن مالك: إن عرف خطه ولم يذكر الشهادة ولا شيئا منها، فإن لم يكن في الكتاب محو ولا ريبة، فليشهد بها. وإن كان الرق طللسا أو مغسولا أو فيه محو، فلا يشهد، ثم رجع فقال: لا يشهد وإن عرف خطه حتى يذكر الشهادة أو بعضها، أو ما يدل منها على أكثرها، وبالأول أقول، ولابد للناس من ذلك، وبه قال ابن الماجشون، والمغيرة [وابن حازم، وابن دينار] وإن كان لم يحفظ مما في الكتاب عددا ولا مقصدا فليشهد ولا يقول للسلطان: إنه لا يعرف منه إلا خطه، وليشهد: أن ما فيه حق، وذلك لازم له أن يفعله، وإن ذكر للحاكم أنه لا يعرف من الشهادة شيئا. وقد عرف خطه ولم يثبت في شيء، فلا يغسلها الحاكم، وقال ابن وهب وابن عبد الحكم بقول مالك الأول، وقال ابن القاسم وأصبغ بقول مالك الثاني أنه لا يشهد. قال ابن حبيب: هذا أحوط، والأول جائز، قال مطرف: ولم يختلف قول مالك في الشهادة على خط الشاهد الميت والغائب [8/267]
***(1/264)
[8/268] كاختلاف قوله في الشهادة على خط نفسه. ع قال: أبو بكر: كان القاسم ابن محمد إذا شهد بشهادة كتبها، وكان مالك يفعله.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك – وهو في المجموعة- قيل لمالك: أيجزئه أن يقول: هذه شهادتي أعرفها بخط يدي؟ قال: لا يجزئه في ذلك حتى يقول: إن حقه لحق، وأما إن شهد أن هذا كتابه فلا، قال مالك. وكان مالك يقول للشاهدين: بشهادتكما أقضي أتشهدان أن الحق لهذا؟ فإذا قالا: نعم، أجاز شهادتهما.
وروى عيسى عن ابن القاسم في الأمي يقرأ عليه كتاب [فقال: اشهد علي بما فيه ، ولا يصف مما فيه شيئا حتى يقرأ عليه]، قال: شهادته جائزة، وليس كل الناس يستوفون كل ما أشهدوا عليه، وإن كان ممن يكتب فحتى يقرأ الكتاب، فإذا قرأ عرف شهادته وهو لا يستظهرها، فإن كان عدلا وثبت ما قرئ عليه جازت شهادته.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك فيمن قام بصك على ميت فيه كراء، وكذا صاع عجوة، وعلى موضع العجوة محو، ولم يشهد على الصك إلا كاتبه، فعرف ما فيه إلا العجوة فإنه ليس بكتابه وقد محي، فلا يدري أعجوة هو أم لا؟ قال مالك: أنتم لا تختلفون في غير العجوة، فأرى أن يحلف مع شاهده: أنه عجوة وأن هذا الحق له. ويعطاه.
ومن كتاب ابن حبيب: قال ربيعة: إذا كان رجال صالح وهو ضعيف أبله، فإن جاء يشهد فيما يعلم أنه يطيقه عقله، ويحيط به فهمه ولا يجهله، جازت [8/268]
***(1/265)
[8/269] شهادته، وإذا جاء شهيدا على الكتاب الطويل الكثير القصص، ومالا يحاط به إلا عن حفظ وحسن روية، فقال: أشهد أن ما في ذلك حق، فلا يقبل منه ذلك، لأنه يخاف أن يختدع، وأن يشهد بما لا يحيط به علما.
قال مطرف: قال مالك: العدل عدل في كل شيء ولا يميزه هذا التمييز، وبقول ربيعة أقول. قال مطرف: ولكن أحب للحاكم أن يتزيد المشهود شهودا في لطف ولا يرده . وروى عن سعيد بن عبد الرحمن بن عوف: نحو قول ربيعة.
ومن كتاب ابن سحنون: وقال في الشاهد يقرأ عليه القاضي الكتاب فيقول: ما في هذا الكتاب حق؟ فيقول: نعم، فتلك شهادة تامة، وإن لم ينص ما في الكتاب من التوثيق، فيجزيه أن يقول: جميع ما فيه حق، وأنا أشهد به.
في القوم عندهم شهادة في مال أو فرج أو غيره فلا يرفعون شهادتهم إلى الحاكم وهم يرون ذلك الشيء يستحل
من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم –وهو في المجموعة- في شاهد شهد على شيء من الأموال غير الفروج والحرية من حيوان أو عقار يعلمه لرجل، ويراه بيد غيره يبيعه ويهبه ويحوله عن حاله، فلا يقوم بعلمه، ثم شهد عند القاضي أن هذه الدار لفلان، فيقول له: لم لم تقم حين رأيت هذه الدار تباع أو توهب؟ فيقول: لم اسأل عن علمي، ولم أر فرجا يوطأ ولا حرا يستخدم، وليس علي أن أخاصم الناس، قال: لا أرى أن تجوز شهادته إذا لم يعلم بعلمه حين رأى الدار والعقار يباع، وكذلك في الفروج والحيوان، إذا كانت الأشياء تحول عن حاله بعلمه، قال غيره في المجموعة: وهذا إذا كان المشهود له غائبا، أو كان [8/269]
***(1/266)
[8/270] حاضرا لا يعلم، فأما إن كان حاضرا يرى ما لم يباع، فهو كالإقرار. قال ابن سحنون عن أبيه: لا أرى ذلك إلا فيما كان حقا لله تعالى، وما لم يلزم الشاهد أن يقوم به وإن كذبه المدعي، كالحرية والطلاق، وأما العروض والرباع والحيوان: فلا تبطل شهادته في ذلك، لأن رب ذلك إن كان حاضرا فهو أضاع حقه، وإن كان غائبا فليس للشاهد شهادة، فلذلك لا يضر الشاهد إن لم يقم بها.
قال ابن كنانة فيه وفي المجموعة في قوم شهدوا على حبس أو أرض لرجل، أو أن رجلا طلق امرأته أو أعتق عبده، فإذا رأوا الحبس يكتب في المهور، أو يباع، ويتداول ويطول زمنه، ولم يرفعوا ذلك، فلا تقبل شهادتهم بعد ذلك، وإن كانوا قد تكلموا وأشهدوا، أو كان لهم عذر أو كانوا غيبا تثبت شهادتهم، ثم ذكر في الأرض والعتق والطلاق كقول سحنون.
ومن المجموعة: قال أشهب [وإن شهدوا] بحنث في عتق رقيق، فأمسكوا عن الشهادة حتى حال حول، أو مضى شهر أو شهران، قال: لا تجوز شهادتهم إن كانوا معه في موضع ويرونه يسترقه.
ومن العتبية: روى ابن وهب عن ربيعة فيمن شهد في عتق أو طلاق فأخفى شهادته حتى بيع العبد واستحل في ذلك الحرام، ثم جاء يشهد، قال: لا شهادة له وإن كان عالما به، وإن كانت شهادته قد قطعت الطلاق والعتق، لم أجز ذلك، وإن ادعى أنه لا يعلم كالذي يقول: لا شهادة عندي، ثم يشهد.
قال أصبغ عن ابن القاسم في رجلين شهدا على رجل أنهما رأياه سكرانا، أو يسرق، فجرحاه بذلك في شهادة شهدا بها، فليقم عليه الحد، ولا يضرهما تأخير ذلك، وهو ستر عليه. [8/270]
***(1/267)
[8/271] قال ابن حبيب : قال أصبغ في الشهود بالطلاق يكتمون ذلك عن الزوجة حتى طال ذلك، ووقعت الخلوة بها، فذلك جرحة إلا أن يقوموا بحدثان الطلاق وإذا اعتزل مسيسها وهو يدخل عليها كدخول الزوج على زوجته، وهي في بيته، وستره، وكتموها ذلك، فشهادتهم ساقطة إلا أن يقولوا: ظنناها قد علمت، وحسبنا هذا الاعتزال فراقا، ولم نرد الكتمان، فتجوز شهادتهم.
قال ابن الماجشون : ومن سمع رجلا يطلق امرأته فعليه أن يأتي الإمام حتى يشهد عليه ويحلفه إن لم يكن معه غيره، فإن نكل سجنه حتى يحلف [قال مطرف في امرأته أعتقت جاريتها عند موتها وابنها غائب، ثم قدم فأقام شاهدين أنها له، وقد حضرا عتقها لها وسكنا عن علمها. وشهد آخران أنهما يعرفانها في خدمة الأم، قال: شهيدا الابن حق ولا يغرهما عتق الأم، وقاله أصبغ].
ومن كتاب ابن سحنون : وكتب شجرة إلى سحنون في عبيد ادعوا أن سيدهم حنث بعتقهم، وجاؤا ببينة وشهدوا أن فلانا مولاهم أشهدنا قبل خروجه مع العبد ابق أن قد حنث فيهم، وسماهم، فقيل : يتهمون في شهادتهم إذا كانت ممن يتصل من الحنث، إنما وجه شهادتهم: أنهم أحرار فيمن حنث فيها، وكيف إن لم يرفع ذلك إلى الحاكم؟ فكتب إليه: هذه شهادة تقبل إلا أن يكونوا من حين أشهدهم يرونه يستخدم ويستغل، وطال ذلك به قبل خروجه إلى العسكر، فتبطل شهادتهم بذلك، فإن كان خروجهم بعد الشهادة بأمد قريب، فلا يضرهم إلا أن يروهم بعد التوابع يستخدمون ويستغلون إلى يوم شهادتهم عندك، فذلك يضرهم أيضا، فإن لم يعلموا بذلك وكانوا غيبا قبل الخروج وبعده في طول المدة، فأخر شهادتهم.[8/271]
***(1/268)
[8/272] وسأله عن رجل شهد أنه طلق امرأته ثلاثا منذ سنين، فقلت له: لم لم ترفع ذلك؟ فقال لي : لم أدر. ونحو ذلك في صالح رضي، وشهد آخر أنه قال لها بالأمس : أنت علي حرام، فقال: شهادة الأول ساقطة، ويحلف الزوج مع شاهد الحرام.
وسأله حبيب عن رجل يدخل من زقاق المسلمين شيئا في داره، والزقاق نافذ، فلا يرفع الجيران ذلك إلى الحاكم إلا بعد عشرين سنة، قال : يهدم بناؤه ويرد إلى الزقاق إذا صحت البينة، ولا تملك الأزقة ولا تحاز، وليس فيها حيازة. قال أبو محمد: وأعرف في موضع آخر إذا كان أمراً بيناً من القطع من طريق المسلمين، يرونه عشرين سنة لا يشهدون به فهو جرحة، إلا أن يعني أن ذلك ثبت لغير الذي عاينوه ورفعوه.
وقد ذكرنا الاختلاف فيما يدخل الرجل في داره من الفضاء والفناء في كتاب الأقضية، وهو الثاني من آداب القضاء.
ومن كتاب ابن حبيب عن مطرف في امرأة أعتقت جاريتها عند موتها وابنها غائب، فقدم فأقام بينة، أن الجارية له إلا أنهم حضروا عتق الأم إياها، ولم ينكروا عليها، وشهدت بينة أنهم يعرفونها في خدمة الأم، لا يعرفون لغيرها فيها حقا. قال : شهادة الذين يعلمون أن الإبن يملكها أولى ولا يضرهم علمهم بعتق الأم، ولم ينكروا، لأنه ليس بموضع حكم، وقد يظنون أنها صارت إليها من ولدها بما لم يعلموه، وقاله أصبغ [في صفة العدل وكيف صفة التزكية، ومن يجوز له أن يزكيه].
من كتاب ابن سحنون فيه عن عمر : قال : لا يقبل من الشهود إلا العدل ها هنا والعدل ها هنا.
ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب : قال ابن الماجشون : الشهود ثلاثة: عدل تتبين لك عدالته تعرفه بذلك فأمضه، أو تتبين لك جرحته فاردده، أو[8/272]
***(1/269)
[8/273] مشكل عليك فسل عنه وأكثر حتى يتواطأ لك منه سرا وعلانية ما يدلك عليه، وإن أشكل على من تسأل دعوته: فالتعديل والعدالة تختلف، فيكون بالواحد والاثنين والجماعة بقدر ما يسمعك الحكم وتتأكد.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم : قال مالك : ولا يجوز في التزكية أقل من عدلين، [ويقبل القاضي ما ينقل إليه من وصيه للكشف، ولا يقبل ذلك الرجل إلا بتزكية رجلين]، قال عنه ابن نافع: ويكشف عن الشهود سراً، ولا يسأل إلا العدول، قال عنه ابن القاسم: وإن لم يعرف القاضي الشاهد وعرفه بعض من يعرفه بالعدالة: رأيت أن يجيز شهادته بمعرفة ذلك العدل إياه، ولا يجوز في التعديل إلا عدلان، ولو سأل عنه بعض من جعله يكشف له في القبائل فعرفه بعدالته، فليقبل ذلك، فأما التعديل فلا يقبل فيه إلا عدلان.
ومن العتبية : قال سحنون عن ابن القاسم عن مالك : ولا أحب أن يسأل في السر أقل من اثنين [ولا يقبل في التعديل أقل من اثنين].
ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : وليس تعديل الشاهد للمشهود عليه، ذلك للحاكم، فإن كان يعرفه بالعدالة أجازه، وينبغي للحاكم أن يستكثر من المعدلين على الشاهد. ولا يكتفي باثنين إلا في مثل التأبين في العدالة والعلم بالتعديل، ولا يكتفي بتعديل العلانية دون تعديل السر.
وقال ابن سحنون عن أبيه : ومن عدل رجلا ولم يعرف اسمه قبل تعديله. وقال ابن كنانة : ولا تقبل تزكية الأبله من الناس، ولا تقبل تزكية من يرى تعديل كل مسلم يلزمه. وقال سحنون: وليس كل من تجوز شهادته يجوز تعديله، ولا يجوز في التزكية إلا المبرز الناقد الفطن الذي لا يخدع في عقله، ولا[8/273]
***(1/270)
[8/274]يستزل في رأيه. ولا تطلب التزكية من الشاهد. وذلك على الحاكم لا على الشاهد، وإنما عليه أن يخبر الحاكم بمن يعرفه ومن يعدله.
ابن حبيب : قال مطرف عن مالك : وقد تجوز شهادة رجل واحد ولا يجوز تعديله، وقد يكون عدلا ولا يعرف وجه التعديل، ولا يقبل التعديل إلا من عارف بوجهه، وقاله أصبغ وابن الماجشون وابن عبد الحكم.
قال محمد بن عبد الحكم: ولا يقبل إلا شهادة العدل المأمون على ما يقول، وقد يكون عدلا ولا يؤمن من أن يغفل ويضرب على خطه، ويشهد على الرجل بشهادته ولا يعرفه، وتسمى له بغير اسمه، فمن كانت هذه حاله لم تقبل شهادته.[ومن العتبية : قال سحنون : ومن صفة العدل الذي على الحاكم أن يقبله، مثل الرجل المشهور بالعدالة في بلده، المتواتر عليه بها، وعند الحاكم من معرفته مثل ما عند من يعدله، قال: وأما من لك أن تعدله: فمن تعرف باطنه كما تعرف ظاهره، لأنك قد تعرفه بظاهر جميل من أهل المساجد والجهاد، فلا ينبغي أن تزكيه بذلك إلا بالصحبة الطويلة والمعاملة والأخذ والإعطاء، فحينئذ تزكيه، قال مالك : كان يقال لمن مدح الرجل: أصبحته في سفر؟ أخالطته في مال؟ وأما من يقارف بعض الذنوب : فلن يسلم من ذلك أحد، ولكن لو كان الأمر الخفيف من الزلة والغفلة فلا يضره ذلك، ولا يقدح في عدالته، قال مالك : من الرجال رجال لا تذكر عيوبهم، يقول : يكون عيبا خفيفا، والأمر كله حسن، فلا يذكر اليسير الذي ليس بمعصوم منه أحد في أهل الصلاح الكثير. وقد قال مالك في لاعب الشطرنج : تقبل شهادته، ولو كان لا يقبل إلا من لا يقارف شيئا من العيوب ما قبلت لأحد من شهادة. ومن قبل هذا يقال : اتقوا زلة العالم. وهذا يعني به البدعة، فهذا يسقط شهادته، وأما من قبل جوائز العمال المضروب على أيديهم فهو ساقط الشهادة، وأما الأكل عندهم : فمن كان ذلك منه المرة والفلتة، فغير][8/274]
***(1/271)
[8/275] مردود الشهادة، وهذا قد قدمنا ذكره، وأما المدمن على ذلك : فساقط الشهادة، وأما جوائز: الخلفاء فمجتمع على قبول جوائزهم من يرضي به منهم ومن لا يرضى، وجل ما يدخل بيوت الأموال على الأمر المستقيم، والذين يظلمون فيه فقليل في كثير، ولا نعلم من العلماء من أنكر أخذ العطاء ومن زمن معاوية إلى اليوم، وقد قبلها ابن شهاب ومالك، وأنكر أن يكون ابن عمر قبلها.
وقال مالك في الرجل ينازل الرجل شهراً ولا يعلم منه إلا خيراً، قال : لا يزكيه بهذا، أنت ليس لك به علم، وهو كبعض من يجالسك، هكذا قال . ومن علمه القاضي يجرحه فلا يقبل منه من يزكيه ولا يقبلها. وذكر مثله في كتاب ابن المواز عن مالك في تزكيته، وأما التجريح : فبالصحبة اليسيرة واللقاء، وبأيسر ما يكون من أمر يطلع به عليه أنه من غير أهل الورع، أو يسمع منه، أو يطلع منه على مالا تجوز به شهادته، أو يقع له ذلك في قلبه فلا يزكيه.
ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم – وهو في كتاب ابن سحنون عن أبيه – في الشاهد لا يعرفه القاضي بعدالة منقطعة، ولا بفساد ظاهر، ولكنه ممن يشهد الصلوات في المساجد . لا يعرف بأمر قبيح، قال : فلا ينبغي له أن يقبل شهادته إلا بتزكية ثانية وعند الربية، وينبغي للقاضي أن ينظر فيمن يعرفه من الناس ومن لا يعرفه، ومن يجوز له الوقوف في أمره حتى يعدل عنده. فإذا كان الرجل يعرف بالعدالة، ممن لو لم يكن قاضيا لزمه أن يعدله عند غيره، فهذا الذي يسعه قبول شهادته، ومن عرفه يجرحه رد شهادته، وأما من لم يخبر أمره حسنا ولا يداخله وهو يرى ظاهره حسنا ولا يطلع منه على قبيح : فليسأل من يعدله، فإن لم يأته بذلك فلا يقبله. وفي المجموعة عن سحنون مثله.
ومن المجموعة : قال أشهب عن مالك في الذي شهد فيعدل، ثم يشهد ثانية: أنه تقبل شهادته بالتعديل الأول، وليس كل الناس سواء، منهم المشهور [8/275]
***(1/272)
[8/276] بالعدالة، ومنهم من يغمض فيه بعض الناس، قال ابن كنانة: أما الذي ليس بمعروف فيعدل ثم يشهد : فليؤتنف فيه تعديل ثان، فأما المعروف بالعدالة في بلده يشهد فيعدل ثم يشهد في شيء آخر فالتعديل الأول يجزئ فيه حتى يجرح بأمر بين. وقال أشهب : إذا شهد فعدل ثم شهد، فإن كان بعد زمن نحو الخمس سنين سئل عنه المعدل الأول، فإن مات سأله معدلا ثانيا وإلا لم يقبل. قال سحنون في العتبية : إذا عدل فقبل، ثم شهد بعد شهر أو شهرين، أو عام أو عامين، قال : فيسأله التعديل حتى يكثر تعديله وتشتهر تزكيته، فإذا كثر ذلك وتأكد فلا يسأله تزكيته في [المستقبل، وقال عنه ابنه: أما الرجل المشهور عدالته] في البلد، فإن كان القاضي لا يعرفه إلا أنه صح عنده شهرته بذلك، فلا يكلفه التعديل ثانية.
ومن العتبية : قال عيسى عن ابن القاسم في الشاهد يعدل ويقبل، ثم يشهد ثانية، فإن كان قريبا من الشهادة الأولى مثل الشهر وشبه ذلك ولم يطل جدا، فلا يكلف تزكيته، وإن كان طال فليكشف عنه ثانية، وليطلب ذلك المشهود عليه أو لم يطلبه والسنة فيه كثيرة، قال أشهب: إلا المشهور المعروف بالخير الذي لا يؤتنف في مثله السؤال.
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : إذا عدل ثم شهد بعد شهر أو سنة أو أكثر من ذلك فليس عليه إئتناف تعديل إلا أن يعرفه بشيء أو يستريب في أمره أو يجرح، وإلا فلا يزيده طول ذلك إلا خيرا، وقاله ملك، وذكر عن ابن القاسم نحو ما ذكر عنه عيسى، وعن أصبغ نحو ما ذكر عنه العتبي، وبه أخذ ابن حبيب، قال مطرف: وإذا عدله رجل وعجز عن آخر، ثم عدله آخر [8/276]
***(1/273)
[8/277] بعد سنة، ولم ينفذ الحكم في الأمر الأول، فلا يقبل ذلك، ولا يعتد بالأول، وليؤتنف الآن معدلين له، وإن كان منهما الأول فليقبله، وإن مات فسواه، وقاله ابن الماجشون وأصبغ وأشهب.
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون في الشاهد يعدله غير أهل مكانه ومسجده أو سوقه، وفيهم من يقبل تعديله، فإن كان الشاهد غير مشهور بالعدالة : فلا يعدل بذلك، فترك أولئك تعديلة ريبة، وينبغي للحاكم أن يكون مترقبا في أموره، فهو أشد لتبينه، وإن كان مشهوراً بالعدالة يعرف به الحاكم ناس. فلم يعرفوا فقد جاز أيضا أن يعدلهم [غيرهم] إذا كانوا معروفين، وليس يجوز في ذلك من لا يعرف إلا بتعديل مشهور بالعدالة، فذلك جائز، [إن عرفه به غير أهل مكانه، ويكون بعداوة أهل برازه في العدالة، وأهل خلطة به، فهو جائز]، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
ومن المجموعة ومن كتاب ابن سحنون : قال ملك في الرجل ينازله الرجل [شهراً] لا يرى منه إلا خيرا، قال : لا يزكيه بذلك، وليس هذا باختيار. وقال ابن كنانة نحوه.
قال ابن سحنون عن أبيه : لا يزكي إلا من خالط في الأخذ والإعطاء وطالت صحبته إياه في الحضر والسفر.
ومن المجموعة : قال ملك في الذي يزكي الرجل عند القاضي فيقول: لا أعلم إلا خيرا، فليس هذا بتزكية حتى يقول: أعلمه رضى، وأراه عدلا، قال عنه ابن نافع : يقول : أراه عدلا رضى، أو أراه عدلا، قال ابن حبيب : قال مطرف : قال ابن الماجشون : يقول: هذا عندي عدل رضى فيجزيه، وليس عليه أن يقول : عدل رضى في علم الله، ولا أن يقول : أقبله علي ولي، وقاله أشهب [8/277]
***(1/274)
[8/278] عن مالك، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، قال عنه ابن نافع في المجموعة : وليس عليه أن يقول له : ترضاه لك وعليك، أو جائز لشهادة لك وعليك، وذكر أشهب عن مالك : نحو ما ذكر ابن حبيب من روايته عن مالك، ونحوه عن سحنون، قال ابن كنانة : التعديل أن يقول : أعرفه أو أعلمه عدلا رضى جائز الشهاد، ولا يقبل منه أن يقول : لا أعلمه [إلا عدلا رضى، وذكر نحوه ابن كنانة عن مالك في كتاب ابن سحنون : ولا يقبل منه في التجريح : إما قال : لا أراه عدلا ولا أعلمه عدلا. قال سحنون: ولا يقبل منه في التزكية حتى يقول: إما عدل ولا يقبل منه أن يقول] صالح، ويقبل في ذلك رجلان في السر سوي تزكية العلانية، قاله ابن حبيب، ولو زكوا في العلانية، وكشف عنهم في السر، فقيل : إنهم قوم صالحون، فلا يقبل ذلك حتى يقول في السر في كل واحد منهم: رجلان عدلان : إنه عدل: قال العتبي عن سحنون: التعديل أن يقول : فهو عندنا عدل رضى جائز الشهادة، قال : فإن قالوا : هل عندنا عدل ولم يزيدوا على هذا. قال : هذه تزكية، وقال أصبغ : لا أحب أن يقول الرجل : هو عدل، ويقول : أراه عدلا.
ومن كتاب ابن سحنون : قال مالك : ومن شهد شهادة فسألك أن تعدله وأنت تعلم أنه عدل، فواجب عليك أن تعدله، قال: ما أدري ما واجب ولكن حسن أن تعدله. [8/278]
***(1/275)
[8/279] في الشاهد الغريب من يعدله؟
وهل تقبل الشهادة في الرفقة بالتوسم؟
وهل يقبل في الوكالة غير عدل؟
والشهادة في العدالة، وتعديل الشاهد وهو غائب
والشهادة على الشهادة
من المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب في الغرباء يشهدون لغريب أو لغير غريب، ولا يعرفون بتلك البلدة، فلا تقبل شهادتهم إلا بمعرفة عدالتهم، أو يعدلهم من يعرف عدالتهم.
قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في الرفاق يمرون بأمهات المدائن، فتقع بينهم خصومة بها، فيشهد بعضهم على بعض، ولا يعرفهم حاكم البلاد، قالا : أجاز مالك وغيره من أصحابنا شهادة مثل هؤلاء على التوسم لهم بالحرية والعدل، ويجيزون شهادة بعضهم على بعض لمن جمعهم ذلك السفر فيما وقع بينهم من المعاملات في ذلك السفر خاصة من سلف وكراء وبيع وشراء وهم من بلد واحد أو بلدان شتى، والمشهود عليه من القرية التي اختصموا فيها أو من غيرها إذا كان ممن جمعه معهم ذلك السفر، وكذلك شهادة بعضهم لبعض على كريهم فيما عاملوه به في سفرهم ذلك، وهذا أجيز للضرورة كشهادة النساء والصبيان في الضرورات، قلت لابن الماجشون : فإن حكم على كريي بذلك في كراء أو سلف ونحوه فلم يف ما معه في سفره بما عليه، وله عقار بالقربة التي بها تحاكموا، أيباع عقاره في بقية ذلك؟ قال: لا يجوز، ولا يجوز في مثل العقار وشبهه شهادة المجهولين، ويبقى ذلك في ذمته، فإذا بان له مال أخذه منه، ولو قام عليه غرماؤه فبيع لهم عقاره أدخل معهم هذا ببقية حقه، لأنه لغير سبب[8/279]
***(1/276)
[8/280] بيع. قال ابن الماجشون: ولا يمكن المشهود عليه من تجريح هؤلاء الشهود، لأنهم إنما أجيزوا على التوسم، فليس منهم شيء إلا أن يرتاب السلطان منهم قبل حكمه بهم ريبة من قطع يد أو جلد في ظهورهم وشبهه، فليقف وليتثبت في توسمه، فإن ظهر ما ينفي تلك الريبة وإلا أسقطهم.
قال: ولو شهد شاهدان وامرأة، أو عدد لا يتوسم فيهم أن الذين قبلوا بالتوسم عبيدا أو مسخوطين، فإن كان قبل الحكم وقفا وتثبت، فإن لم يتبين له ما يرتاب فيه ويقف به أمضى شهادتهم، وأما بعد الحكم فلا يرد شيئا من ذلك كله إلا أن يشهد عدلان إنهما كانا عبدين، أو مسخوطين، أو والد الولد، أو ولد الوالد، فيردهما الحاكم، وإن أقرا بعد [الحكم يتعمد الزور مضى الحكم وغرما ذلك، وإن أقرا بأنهما تعمدا الشهادة عليه] أعلمهما أنهما لا يجوزان في مثل ذلك لرق أو لغيره مما ذكرناه، فليضمنا إلا أن يدعيا الجهالة، ولا يقبل بعضهم على بعض في سرقة ولا تلصص ولا ربا ولا غصب ولا مشاتمة، وإنما أجزناها في الأموال في مصالحهم لضرورة ذلك في السفر.
قال ابن حبيب : قال ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ في الشهادة على الوكالة لا يكونون إلا عدولا، ولا يحتاط فيهم كما يحتاط في شهداء غير الوكالة، وما سمعنا أحدا أرخص في مثل ذلك.
ومن كتاب ابن عبدوس : قال ابن القاسم عن مالك : وإذا كان المزكون للشهود لا يعرفهم الإمام، فإن أتوا بمن يعرفهم، فإن كانوا شهود الحق غرباء، جاز ذلك، وإن كانوا غير غرباء لم يجز ذلك، فلا تقبل عدالة على عدالة إذا كان[8/280]
***(1/277)
[8/281] الشهود من أهل البلد حتى تكون العدالة على الشهود أنفسهم عند القاضي. ورواه حبيب عن مطرف عن مالك. قال : وسواء كان معدلو الغرباء غرباء، أو من أهل البلد، فالتعديل [على التعديل] في هذا جائز، غير أنه إن كان المعدلون من أهل البلد والتعديل يعدلون أناسا من أهل البلد فلم يعرفوا، ثم عدل أولئك أيضا ناس فلم يعرفوا، جاز أيضا أن يعدلهم غيرهم إن كانوا معروفين، وليس يجوز في ذلك من لا يعرف إلا بتعديل. ومن العتبية : قال لسحنون : فإذا كان عند شاهد علم، ولا يعلم عدالته إلا رجلان. وأنا أعرف موتهما أو سفرهما، فأشهدا على شهادتهما أنه عدل عندهما، ثم احتاج إلى ذلك؟ قال: فليطلب القاضي منك من يعدله غيرهما، فإن لم يجد جازت الشهادة فيه على الشهادة في ذلك إذا كان الغيب الذين زكياه حضر بين ليسا من أهل البادية، لأن البدوي لا يعدل الحضري. قال : وكذلك يقبل في التجريح الشهادة على الشهادة، وذكر عنه ابنه في كتابه مثل ذلك، قال : ثم رجع فقال : لا يجوز هذا إلا في تعديل البادي. وأما حضري لا يوجد من يعدله إلا رجلان غائبان أو ميتان، فلا تجوز شهاداته.
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون : لا تكون العدالة في الشاهد إلا عند السلطان، ولا يجوز أن ينقل العدالة كما ينقل الشهادة في الحقوق، إلا أن يشهد رجل على شهادة على غائب أو ميت، ويعدله مع ذلك، وأما أن تجوز الشهادة على الشهادة في العدالة فلا، ولا عمل به في المدينة قط فيما علمناه، ولا علمنا مالكا قاله، لأن تعديل الشاهد لا يكون إلا بعد أن يشهد، وحين يشهد عند الحكم، وقالا: والشاهد إذا كان علم عدالته عند رجل مريض، فلا بأس أن ينقل ذلك عنه بشهيدين، لأن تعديله هنا بعد الشهادة.[8/281]
***(1/278)
[8/282]قال سحنون في العتبية والمجموعة : لا يقبل من المعدلين أو المجرحين أن يقولوا : سمعنا فلانا وفلانا يقولان: إن فلانا عدل أو غير عدل، لأن هذه شهادة على سماع. قال في المجموعة : إلا أن يكون المشهود على شهادته قد أشهدهم على التزكية والتجريح.
قال سحنون: إذا عدل الشاهد ثم جاء شاهدان يشهدان أن القاضي رد شهادته لأمر تبين له منه، والقاضي لا يحفظ ذلك، فليقبل شهادتهما بذلك. قال ابن سحنون : وكان سحنون إذا شهد عنده شاهد وهو معروف ومشهور، قبل تزكيته في غيبته، وإن لم يكن مشهورا لم يقبل فيه التزكية إلا بمحضره، وتكتب التزكية أسفل الشهادة، ويذكر من زكاه في ذلك كله، وقال في باب آخر : ويقبل من الخصم تجريح الشاهد وتزكيته، والخصم غائب، وقاله ابن كنانة في المجموعة. ومن المجموعة: قال أشهب : ويسأل القاضي عن الشاهد بمحضر الخصم أو مغيبه، ثم يخبره بمن عول عليه، فإن كان عنده مدفع أتاه به.
وقال أشهب عن مالك في جميع هذه الدواوين في أرض اختصم فيها، فيقيم هذا بينة من أهل قريته معروفين على أنها له، فيعدلون، ويقيم هذا بينة من أهل قرايا ورجال مشيخة ولا يأتي لهم بتعديل فيقول : هم بموضعهم يعرفون بالعدالة، قال: إن كانت مواضعهم من عمله كتب إليهم فيهم، وإن كان على غير ذلك تركهم ولا يقضي بينهم بشيء. قال ابن كنانة : وقد عدل هؤلاء ولم يعدل هؤلاء، أحب إلي ألا يقضى بينهم بشيء. وذكر ابن حبيب هذه الرواية وجواب مالك لابن كنانة، وزاد: ولعل بينة الآخر أن يكونوا عدولا حيث يعرفون، أكتب إليه: لا يقضي بينهم بشيء، فإنك إنما تسأل عما فعلت، ولا تسأل عما تركت. قال أصبغ : وذلك حسن، لأن خصومتهم في ربع، ولكن لا يدعهم هكذا هملا أبدا، وليكشف ويستأني، فإذا طال ذلك ولم يأت صاحب البينة] المجهولين[8/282]
***(1/279)
[8/283] بشيء، قضي للأخر، ولو كانت الخصومة في غير الربع لم أبلغ به هذا الاستثناء، وليقض به لصاحب البينة] المعروفة بعد تلوم ليس بالطويل.
ومن العتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، ومثله عن سحنون في المجموعة وكتاب ابنه، في القاضي يشهد عنده رجل من أهل الكور التي بها قاض، ولا يقدر الخصم أن يعدله عند قاضي الحاضرة، ولعله يعرف ببلده بالعدالة، فليكتب القاضي إلى قاضي بلده أن يعدله عندهم، ثم يكتب بذلك إليه، قال سحنون : فإن كان القاضي الذي يشهد عنده هذا الرجل يخاف أن يكون قضاة الكور غير محتاطين في التعديل قال : لا يكتب إلا إلى قاض يرضى حاله واحتياطه، ويكون على يقين من حسن نظره لنفسه، فإن لم يكن كذلك فلينظر، فإن كان بالكورة رجال يرضى حالهم، كتب إليهم في ذلك سراً فيسألهم عن الشاهد سؤالا حسنا، فإن كان عندهم مشهوراً بالعدالة والصلاح، كتبوا إليه بذلك، فإن كان القاضي بذلك بهم واثقا فليجز شهادتهم وإلا تركهم حتى يعدل بمن يرضى. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون مثله، وقالا: إن لم يكن رجال فرجل يوثق به يكتب إليه يسأله عن الشاهد، وعما أحب من أمور، ثم يعمل على ما يأتيه من عندهم أو من عنده إن كانوا جماعة أو واحدا، وليكتف برسوله الذي يأتي بالكتاب إن كان مأمونا، وإن كان الخصم هاربا، فلا يقبل منه إلا بشاهدين يشهدان بأنه كتاب القاضي أو الأمناء أو الأمين.
قال ابن سحنون عن أبيه من سؤال حبيب فيمن يريد أن يقدم شاهدا يشهد له عند قاضي بلد ليس ببلده، فيريد أن يقدم بينه تزكيه عند قاضي بلده، لأنه هناك يعرف، أيكتب بتعديله هذا القاضي إلي القاضي الذي يريد أن يشهد عنده؟ فأنكر هذا وقال: لا يكلف القاضي بهذا، ولا يزكى الشاهد قبل أن يشهد.[8/283]
***(1/280)
[8/284] في تزكية رجلين لرجلين
وتزكيتك لمن يشهد معك في حق
من العتبية من رواية أشهب، ومن المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك في الرجلين يزكيان رجلين: إن ذلك يجزئ، وقاله ابن كنانة، جائز أن يزكي رجلان الإثنين والجماعة في أمر واحد أو أمور مختلفة، وكذلك التجريح.
قال بن كنانة : وإذا شهد رجلان في حق، فلا يجوز تزكية من عرفت عدالته منهما للآخر، وقاله بن القاسم في العتبية والمجموعة، لأن العدالة شهادة، فصار شاهداً في الوجهين، قاله عبد الملك في المجموعة، قال: ويصير الحق قد جيء به وحده، وكذلك في كتاب ابن المواز، وكذلك قاله سحنون في كتاب ابنه، وفيه أيضا: قال في شهيدين شهدا لرجل بحق على رجل، ثم جاء الطالب بشاهدين فشهدا بمثل ذلك، وزكت كل طائفة الآخرين، قال : تتم الشهادة والتزكية. ويثبت الحق، لأن شهيدين ثبتا لا محالة، ثم قال: أرأيت لو شهد كل فريق منهما بغير الحق على الآخر؟ قال ابن سحنون لرجلين مختلفين، وزكى كل فريق الآخر، قال: لا تجوز تزكية بعضهم بعضا، لأن بعضهم شهد لبعض، ويقال للطالب: زك بينتك بغيرهم، وقد كان يقول : شهادتهم وتزكيتهم جائزة، ويثبت الحق، وذكر العتبي هذه المسألة الأولى والثانية عن ابن سحنون، وقال في المسألة الثانية: وزكى هؤلاء هؤلاء، إلا أنه قال في الأولى : وزكي الآخران الأولين، ولم يذكر تزكية كل طائفة للأخرى، ولم يذكر : وزكت كل بينة الأخرى، وقال في جواب المسألتين: إن التزكية جائزة.
ومن كتاب ابن سحنون : وقال في شهيدين بحق زكى أحدهما الآخر قال: لا تجوز تزكيته إياه إلا أن يكون مع المزكي غيره من عدول الناس، فليحلف صاحب الحق مع المزكي؛ لأنه لم يثبت له إلا واحد، وهو الذي زكاه صاحبه والأجنبي [ع: كذا وقع في الأم، ولا يصح على هذا؛ لأن الشاهد المحكوم به مع اليمين، إنما أثبت عدالته تزكية الذي شهد مع الأجنبي، فإذا كان المزكي من] [8/284]
***(1/281)
[8/285] الشاهدين عدلا تقبل تزكيته، فلم لا يقضى بالحق به ويصاحبه دون يمين الطالب؟] وإن شهد الشاهدان على حقين مختلفين وزكى أحدهما الآخر، قال : لا تجوز تزكية بعضهم بعضا. قال : ولو زكى هذا واحد ورجل آخر معه، وزكى الشاهد الآخر ورجل آخر معه: الشاهد الذي زكاه أولا، قال : فشهادتهم جائزة، قال : ويخلف مع شاهده ويستحق، كمن أقام شاهدا في حق فليحلف معه.
قال ابن الماجشون في المجموعة وكتاب بن المواز: فإذا شهد رجلان في حق، وعدلا رجلا يشهد في ذلك الحق، فتزكيتهما إياه جائزة قال: وإن شهدا على شهادة رجل في حق وعدلاه بتعديل له، وقد قال أشهب : إن عدل أحدهما فذاك جائز، وقاله سحنون في المجموعة، قال ابن المواز: قال أصبغ بعد أن يعرف أنه هو بعينه ليلا يتسمى باسم من يعدل.
ومن العتبية : قال سحنون : ويجوز لمن شهدا للرجل في حق بأن يجرحا من شهد عليه في ذلك الحق.
ومن كتاب ابن سحنون عن ابنه – وهو لعبد الملك- : وإذا نقلا عن شاهد، وعدلا شاهدا معه في ذلك الحق، فذلك جائز، وإذا شهد على شهادة رجل هو ورجل ، فلا يعدل من ينقل معه عن الرجل.
في التجريح ووجوهه
وهل يكشف المجرحون للشاهد بماذا جرحوه؟
وهل يمكن تجريح المبرز أو يجرح من هو دونه؟
من العتبية والمجموعة : قال أشهب عن مالك في البينة تعدل عند الحاكم، أيقول للمطلوب : دونك فجرح؟ قال: لا يفعل، وفي ذلك توهين للشهادة، [8/285]
***(1/282)
[8/286] وقال ابن نافع: أرى أن يقول له ذلك، ويمكنه منه، وقد يكون العدل عدواً للمشهود عليه.
ومن المجموعة : قال ابن كنانة : لا بنبغي للحاكم أن يشهد عن الشاهد في التجريح قبل التعديل، ولا يقبل من لا يعرفه بعدالة أو غيرها حتى يعدل، فإذا عدل قال للخصم: جرح وإلا حكمت عليك.
مطرف وابن الماجشون فى كتاب ابن الحبيب : لا يحكم على الخصم جاهلا كان أو عالماً حتى يطلبه بجرحة من شهد عليه، ويؤجله في ذلك ، فإذا عجز عن ذلك حكم عليه، وذكر ذلك في كتاب حكمه، ثم إن سأله بعد ذلك الجرحة، أو عزل ذلك القاضي أو مات، ثم ولي غيره فطلب أن يجرح عنده من شهد عليه، وادعي الخصم أن الأول لم يطلبه بجرحة شاهده، لم يقبل منه، وإن لم يكن ذلك ذكر في حكمه إلا أن يكون قد عزل قبل تمام الحكم، فليمكن الثاني من ذلك، وأما لمن تبين له، أو لمن ولي بعده: أنهما عبدان أو مسخوطان، فليرد الحكم، قال غيره : وابن القاسم لا يرى ذلك في المسخوطين.
ومن كتاب ابن سحنون : قيل لسحنون : أيمكن الخصم من تجريح الرجل البين الفضل المبرز إذا طعن فيه؟ قال : نعم يمكنه من ذلك، قال ابن حبيب: قال أصبغ : لا يمكن الخصم من جرحه العدلين الفائقين في العدالة بجرحه الإسفاه إن ادعى ذلك إلا بجرحة عدواة أو هجرة، فقد يكون ذلك في الصالح والبارز، قال مطرف: يجرح الشاهد ممن هو مثله أو فوقه أو دونه بالإسفاه والعداوة إذا كان عدلا عارفا بوجه التجريح، وقال ابن الماجشون : يجرح ممن هو فوقه ومثله، ولا يجرح بمن هو دونه إلا بالعداوة والهجرة، وأما بالإسفاه فلا، وقال أصبغ كقول مطرف، وقاله ابن حبيب.
ومن المجموعة : قال أشهب : إذا كان الشهود ممن يجرح مثلهم، وإنما يقبلون بالتعديل لا بالبروز في العدالة، فحسن أن يقول للخصم: قد زكوا فهل[8/286]
***(1/283)
[8/287] عندك ما تدفع به شهادتهم؟ وإن كانوا مبرزين لم يدعه لتجريحهم وقاله لي مالك، وقال ابن القاسم : إذا كان المطلوب يعرف وجه التجريح لم يسأله الإمام ذلك، وإن أرى أنه يجهل ذلك كالمرأة والضعيف، قال له : دونك فجرح.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا كان الرجل يبين بالعدالة، فجرحه قوم فقالوا: هو عندنا عدل، فلا يقبل منهم حتى يكونوا معروفين بالعدالة وأعدل منه، ويذكرون بما جرحوه به للقاضي، فإن رأى جرحة اسقطه، وأما من ثبتت عدالته بالكشف عنه فلا يقبل تجريحه لأهل العدالة البينة، وإذا قال عدلان ممن يعرف العدالة والجرحة: فلان عندنا غير عدل. اجتزأ بذلك الكشف القاضي.
ومن العتبية : قال ابن نافع عن مالك في الشاهد يعدله عدلان، ويأتي المطلوب برجلين يجرحانه؟ قال: ينظر إلى الأعدل من الشهود فيؤخذ به، قال : ولا نرى أن المجرحين أولى لأنهما زادا؟ قال : لا ولكن يقال لهما: بماذا تجرحانه؟ فينظر في ذلك أمعروف أو مشهور؟ ولعله أمر قديم، وقال ابن نافع : إذا كان المجرحان عدلين فهما أولى، ويسقط التعديل.
قال سحنون في العتبية [مثله، قال ابن أبي حازم في المجموعة. من العتبية: قيل سحنون] فإن عدله أربعة، وجرحه رجلان وهم متكافئون في العدالة، والأربعة أعدل، قال: آخذ بشهادة المجرجين لأنهما علما ما لم يعلم الآخرون، قال ابن كنانة في المجموعة : إذا شهد العدل المبرز لم يسأل عن تزكيته، ولا يمكن الخصم من تجريحه، وقال في الشاهدين يجرحان رجلا أيسألان عن ما جرحاه به ؟ قال: أما المشهور بالعدالة فلا يسألا، أما غير مبرزين فليسألا، فإن ذكروا ما يتبين به للإمام، رد شهادته، وإلا لم يفعل ذلك.
قال سحنون في العتبية وكتاب ابنه : إذا قالا : هو عندنا غير عدل ولا رضي، لم يصفاه بغير ذلك، فإن كانا من أهل الانتباه والمعروف بما يجرح به الشاهد، فذلك تجريح، وقال في جوابه لحبيب: إذا جرحوا الشاهد بمعنى لم[8/287]
***(1/284)
[8/288] يسموه وقالوا : وهو رجل سوء غير مقبول الشهادة، ولا يسمى غير هذا، قال : هي جرحة، ولا يكشفون عن الخبر أكثر من هذا.
وقال سحنون في كتاب الرجوع عن الشهادة : إذا شهد أربعة على رجل بالزنا، وأتى المشهود عليه قبل الحكم بأربعة فقالوا : نشهد أن هؤلاء الأربعة شهدوا على هذا [بزور] فلا يكون هذا تجريحا لهم حكم بشهادتهم أو لم يحكم، وإنما التجريح أن ينسبوا إليهم فعلا يجرحهم بسببه من كذب وشرب خمر أو غير ذلك مما يجرح به، أو يقولوا : إن حدا مولى عليه، فهذا الجرح قبل الحكم، وإن جرحوه بعد الحكم لم ينقض إلا في المولى عليه، فإنه إذا ثبت بعد الحكم أنه مولى عليه نقض الحكم. ع وقد اختلف في جواز شهادة المولى عليه، قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : لا يقبل التجريح إلا ممن يعرف وجوهه، وكذلك التعديل، فإذا قالا: إنه مستجرح وهما عارفان بوجوه التجريح، لم يكشفا عن غير ذلك، وسواء قاموا بها على من هو ظاهره العدالة، أو على من إنما جاز بالتعديل. قال أشهب في المجموعة والعتبية: إذا جرحوا المشهور بالعدالة فقالوا : نشهد أنه غير عدل، لم يقبل منهم حتى يبينوا جرحته ما هي، فإن كان إنما قبل فيمن عدل وليس بمشهور العدالة، فليجتزأ بقولهم في تجريحه كما لو قالوا : عدل رضى لم يكشفوا ، ولا يقبل رجل واحد في الإسفاه، ورواه ابن وهب عن مالك قال : ولا يقبل تجريح واحد.
قال ابن سحنون عن أبيه : وإذا جرحه رجلان كل واحد معنى غير الآخر. قال: هي جرحه لاجتماعهما على أنه رجل سوء، وقد قال أيضا : إنه لا يجرح حتى يجتمع عدلان على معنى واحد من التجريح. إما كذب، أو شرب خمر، أو[8/288]
***(1/285)
[8/289] أكل حرام ونحوه، وقال في موضع آخر : إذا قال أحدهما : إنه كذاب، وقال الآخر : وهو آكل الربا، قال : لا حتى يجتمعا على معنى واحد. [قيل : فإن قال أحدهما: هو خائن، وقال الآخر : آكل أموال اليتامى، قال : هذا معنى واحد] وهو تجريح، وقال أيضا: إذا جرحه ثلاثة بأمر لم يسموه، وقالوا : لا نسميه غير أنه رجل سوء غير مقبول الشهادة، قال : هي جرحه ولا يكشفوا عن أكثر من هذا، قال محمد ابن عبد الحكم : فإن جرحه شاهد بأكل الربا، وشاهد بشرب الخمر، وشاهد بنوع آخر من التجريح، فإنه يسقط بذلك لاجتماعهم أنه غير عدل ولا رضى.
ومن المجموعة قيل لابن القاسم : أيجرح الشاهد سراً ؟ وقد يقول من جرحه: أكره عداوة الناس، أيقبل ذلك منهم سراً ؟ قال نعم إذا كانوا أهل عدالة، وقال سحنون : إنما يكون التجريح في السر، والتزكية في العلانية، ولا آمرهم أن يشتموا الناس في العلانية.
وقال أشهب عن مالك في العتبية : ولا يجرح بشهادة واحد. ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون : يجرح بالواحد كما يعدل به إذا كان عدلا.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا لم يجد المشهود عليه إلا من شهد أنه سمع فلانا وفلانا يقولان : إن فلانا عندنا غير عدل، فلا يجرح بهذا ولا تجوز الجرحة على السماع، قال ابن المواز: ويجب على الرجل [أن يزكي الرجل] إذا كان عنده عدلا، لأن في ذلك إحياء الحق، فلا يسعه ترك تزكيته، وكذلك في جرح من هو عنده غير عدل إذا شهد فخاف أن لم يرد علمه فيه أن يجيء بشهادة باطلة ويموت بها حق، وقد قال ملك فيمن سأله رجل أن يعدل له شاهده وهو ممن يعرف بالعدالة فحسن أن يعدله.[8/289]
***(1/286)
[8/290] في شهادة تارك الجمعة أو غيرها من الفرائض
من صلاة وزكاة وحج شبه ذلك مما يجرح به
من المجموعة ومن كتاب ابن سحنون : روى ابن وهب عن مالك في تارك الجمعة وهو في قرية يجمع فيها من غير مرض ولا علة، فلا أرى أن تقبل شهادته، وقاله سحنون في كتاب ابنه: وذلك إذا تركها ثلاث مرات متواليات للحديث أن من تركها كذلك طبع إلى على قلبه. وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك مثله، قال : إذا تركها مراراً ولم يعرف له عذر في ذلك، فشهادته مطروحة حتى يثبت له عذر ويظهر، ولا يعذر في ذلك بالجهالة، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، وهو من العتبية، قال سحنون : إذا تركها ثلاثا متواليات للحديث الذي جاء. ردت شهادته [وقال أصبغ عن ابن القاسم في تارك الجمعة وشهادته] إلا أن يعرف له عذر ويسأل عن ذلك ويكشف، فإن عرف له عذر من مرض أو وجع أو اختفاء في دين فلا ترد، وأما على غير ذلك فلترد، وكذلك روى عنه ابن المواز، قال في العتبية : إلا أن يكون ممكن يتهم على الدين ولا على الجمعة لبروزه في الصلاح وعلمه، فهو أعلم بنفسه. قال أصبغ، والمرة الواحدة في ذلك متعمدا من غير عذر وعرف ذلك، ترد به شهادته، ولا ينتظر به ثلاثا، لأن تركه الفريضة مرة وثلاثا سواء، وهي فريضة كالصلاة يتركها لوقتها مرة واحدة، وما روي في الجمعة ثلاثا طبع الله على قلبه، إنما هو في الإثم والنفاق، وينتظر به ثلاثا للتوبة، فإن فعل وإلا طبع على قلبه، وكان عمر رضي الله عنه يعاقب من تخلف عنها.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون : قال ابن كنانة: هذا لا يظهر فيه العذر للناس، والمرء أعلم بنفسه وقد يكون بحال لا يعلمها غيرك، فلا ترد شهادته، بذلك قال في المجموعة : إلا أن يتركها من غير عذر ولا علة، وليس [8/290]
***(1/287)
[8/291] يخفى مثل هذا على الناس. قال ابن كنانة : من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فلا تقبل شهادته إذا فعله من غير سهو ولا عذر في فرض أو نافلة، وقال أيضا: لا تقبل شهادة من لا يحكم الوضوء والصلاة، وكذلك قال ابن حبيب عن مطرف مثله كله، وزاد : ومن عرف بتضييع الوضوء والزكاة والصوم لم تقبل شهادته، ولا يعذر في ذلك بجهل، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون عن ابن الماجشون وسحنون: ومن لا يعرف التيمم فإن كان ممن يلزمه فرض التيمم في حضر أو سفر فلا شهادة له، وكذلك من لا يعرف فرض الزكاة في كم تجب من المال: مائتي درهم وعشرين دينار، وإذا كان ممن تلزمه الزكاة فلم يعرف ذلك فلا شهادة له.
من العتبية : قال سحنون في كثير المال القوي على الحج فلم يحج فهي جرحة إذا طال زمانه، واتصل ...
متصل الوفر منذ عشرين سنة إلى أن بلغ ستين سنة، قال : لا شهادة له. قيل: وإن كان بالأندلس؟ قال : وإن كان، فلا عذر له.
وقال ابن القاسم في هذه الدواوين إلا الواضحة في الرجل يشهد على الرجل فيقول للقاضي : سله عن الوضوء والصلاة والتشهد، قال: لا يسأله عن ذلك، وهذا قول أهل الأهواء. قال سحنون في المجموعة: ولا يضره جهله بالتشهد خاصة.
ومن العتبية : روى عيسى وأصبغ عن ابن القاسم في الفار من الزحف وما على الناس إذا فر أمامهم، قال ابن القاسم: إذا تاب وعرفت توبته، قبلت شهادته إذا فر من الضعف. كما قال تعالى : اختار بعد ذلك لزحف ثان أو[8/291]
***(1/288)
[8/292] تجيز. وإن فر من أقل من ذلك لن تقبل شهادته ولا يحل الفرار من المثلين، فإن زادوا على ذلك وكثروا فلا بأس أن يفروا إذا خافوا الضعف، ولا يحل الناس إذا فر إمامهم أن يفروا.
في شهادة أهل الأهواء وما يجرح به الشاهد
من كبائر الأمور أو يجرح به من صغائرها
من المجموعة: قال ابن نافع : قال مالك : لا تقبل شهادة القدرية. قال ابن سحنون : وأجاز ابن أبي ليلى شهادتهم، فأنكره سحنون وقال: لا يقول بهذا أحد من أهل المدينة علمناه.
قال : ولا تجوز شهادة أهل البدع بحال، قال : لا نجيز شهادة المعتزلة، والإباضية والجهمية والمرجئة وغيرهم من أهل الأهواء.
قال ابن كنانة : ولا تقبل شهادة الكاهن.
قال أشهب فيمن عرف بالبدعة فلا شهادة له، وأما من لم يعرف بذلك فإن لطخ بما لم يكن فيه أمر بين صريح فليقبل.
ابن حبيب : قال مطرف في القاضي يبلغه عن رجل أنه من أهل الأهواء في دينه، أو أنه من أهل الفساد في أكله وشربه من غير شهادة عليه، قال : إن تواطأ الكلام عليه بذلك، فلا تقبل شهادته إلا بتوبة وتورع ظاهر، وقاله ابن القاسم وأصبغ. [8/292]
***(1/289)
[8/293] ومن كتاب ابن المواز: واللاعبون بالحمام والترد والشطرنج، فإن كان يقامر عليها، أو مدمنا وإن لم يقامر، فلا تجوز شهادته، ورواه ابن القاسم وأشهب عن مالك في المجموعة، وقاله سحنون في كتاب ابنه، وزاد : ومن كان يبيح الترد والمزامير والعيدان والطنابير فلا تجوز شهادته.
وروى أشهب عن مالك في العتبية فيمن شرب نبيذ التين، فإن كان يسكر لم تقبل شهادته. قال أشهب في المجموعة : وكذلك عاصر الخمر وبائعها وإن لم يشربها. وكذلك في كتاب ابن المواز، قال في الكتابين : وإن باعها عصيراً لم ترد شهادته [إلا أن يكون تقدم إليه ووعظ فلم ينته، فترد شهادته].
قال ابن كنانة في المجموعة : لا تقبل شهادة النائحة.
قال العتبي عن ابن القاسم فيمن له حوانيت يؤاجزها من الخمارين وهي له أو لغيره من زوجته أو غيرها، فلا تقبل شهادته.
قال سحنون في شهادة المنجم الذي يدعي القضاء لا يجوز.
وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن قطع الدنانير والدراهم : لا تقبل شهادته إلا أن يعذر بجهل، وكذلك ذكر عنه ابن المواز، قال عنه العتبي: وكذلك إن كان جاهلا، وكذلك الذي يستحلف أباه في حق وهو جاهل، فلا تجوز شهادته، قال أصبغ : وكذلك من حد أباه لم تجز شهادته، وإن كان حده حقا لا عقوقا، ولا يعذر بالجهالة في هذا.
قال سحنون في الذي يقطع الدنانير والدراهم: ليس هذا بجرحة، قال في كتاب ابنه : إن كان مشهورا بذلك فهي جرحة، ومن كتاب ابن سحنون عن [8/293]
***(1/290)
[8/294] أبيه في الذي يأخذ من لبن وحجارة اشتريت للمسجد، فاعترف بذلك وقال: تسلفتها ورددت مثلها، قال : قد يجهل مثل هذه ويظن أن ذلك يجوز له، فلا أرى إلا ترد لذلك شهادته مع جهله.
ومن العتبية : قال سحنون في الفقيه الفاضل الصالح يخرج إلى الصيد متنزهاً، فلا ترد بهذا شهادته. قيل : فالرجل يمطل بحق عليه؟ قال: إن كان مليا لم تجز شهادته. لقوله (صلى الله عليه وسلم) مطل الغني ظلم.
قال سحنون : ومن ابتاع أمة فوطئها قبل أن يستبرئها فذلك جرحة، وترد به شهادته، وعليه الأدب إن كان لا يجهل مكروه ذلك. وكذلك إن وطئ صغيرة لم تحض قبل أن يستبرئها إذا كان مثلها يوطأ.
قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الرجل يتمني أنه ابن فلان، وإنما مات فلان هذا وله أمة حامل. فولدت هذا الشاهد فلم يورثه بنوه ولا ادعوا رقبته، ولا رقبة أمه فكبر فانتسب إلى الميت وسكت عنهم عن الميراث وسكتوا عنه، ثم شهد بشهادة وهو معروف بالعدالة، قال : يسأل عنه بنو الميت فإن أقروا به لم يضره ترك الميراث، وإن لم يقروا به ولا قامت بينة بإقرار الميت بوطء أمه لم تجز شهادته ، ولا يثبت العتق إلا بعد ثبات النسب. قيل: فإن اعتقه الورثة مع أمه وهو مقيم على الانتماء إلى هذا الميت، أترد شهادته بذلك؟ قال: إنه لذلك أهل، وما أحب أن تقبل شهادة مثل هذا.
ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون في الاغلف : وإن ترك ذلك من غير عذر ولا علة فلا شهادة له، وليس بعدل إذ ترك فطرة من سنة الإسلام، ولا عذر له بإسلامه وهو كبير، وقد اختتن ابراهيم عليه السلام ابن مائة وعشرين سنة.[8/294]
***(1/291)
[8/295] ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في السكان في حائط دار الامارة، والسكان في الصوافي، قال : أما في الصوافي فهي جرحة إن علم أن أصلها غير جائز، وإذا جهل ولم يفصل بين صائفة وغيرها، ولم تسقط شهادته، وأما مع حائط دار الإمارة فإن كان فضاء واسعا، فلا تسقط شهادته بذلك.
وروى ابن وهب أن عطاء بن أبي رباح سيل عمن لا تجوز شهادته، فقال: العبد، والصبي، والكافر، والمسخوط.
قال محمد بن عبد الحكم في اللاعب بالشطرنج : وإن كان يكثر ذلك حتى يشغله عن الصلوات في جماعة ويكثر ذلك ، طرحت شهادته وإلا جازت، وأما النرد فلا نعلم من يلعب بها في وقتنا هذا إلا أهل السفه، ومن يترك المروءة، والمروءة من الدين فلا تقبل شهادته، ومن سمع ضرب العيدان وحضرها وإن لم يكن معه نبيذ [لم تجز شهادته إلا أن يحضرها في عرس أو صنيع فلا أبلغ بمطرح شهادته إذا لم يكن معه نبيذ يسكر] وليس الصنيع كغيره، وغيره ترد شهادته في الصنيع وغيره وإن كان مكروها على كل حال، ومن سمع رجلا يغني لم أرد بذلك شهادته إلا أن يكون مدمنا فيكون تاركا للمروءة وفعل أهل الدين، تترك بذلك شهادته، وإن كان معه شيء من الملاهي مثل الطبل والزمر ونحوه، وكان في غير صنيع، ردت بذلك شهادة من حضر، يريد: مختارا للحضور، ولا تجوز شهادة النوائح ولا من يغني بالجعل، ولا بالملاهي كلها بأجرة، وإن كان ذلك له صنعة يعرف بها ويدعى إليها فلا يجوز شهادته، وإن كان لا يأخذ على ذلك جعلا، وأكره قراءة القرآن بالألحان حتى يشبه الغناء. وأرد شهادة من فعل ذلك. قال ابن القرظى : وقد أختلف في رد شهادته، وإن كان الشاعر يقول السفه لم تجر شهادته، وأما إن وصف في شعره الخمر، أو وصف النساء بما يجوز له، لم ترد شهادته إن كان عدلا، وقد وصف حسان بن ثابت وغيره من الصحاب بمثل هذا في أشعارهم، وإن كان هذا مع لجاحه جهلا فلا تجوز شهادته.[8/295]
***(1/292)
[8/296] في شهادة المولى عليه والبكر والمجنون والاخرس
ومن يحتلم وهو ابن خمس عشرة
من العتبية : روى أبو زيد عن ابن القاسم قال: لا تقبل شهادة الصبي [ابن خمس عشرة سنة] إلا أن يحتلم أو يبلغ ثمان عشرة سنة فتجوز شهاداته، وقال ابن وهب: تجوز شهادة ابن خمس عشرة سنة، [وإن لم يحتلم وكان عدلا، واحتج يقول ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) [أجازه] وهو ابن خمس عشرة سنة]، وقال ابن عبد الحكم وغيره في العتبية : إنما أجاز النبي (صلى الله عليه وسلم) من رأى فيه طاقة القتال عند رؤيته إياهم، ولم يسألهم عن أسنانهم، وليس في هذا دليل على أنه حد البلوغ.
قال أشهب عن مالك في العتبية والمجموعة: إنه سئل عن شهادة المولى عليه وهو عدل أتقبل شهادته ؟ قال : إن كان عدلا جازت شهادته. قال ابن المواز: وهذه رواية ابن عبد الحكم، قال : أشهب : لا تجوز شهادته وإن كان مثله لو طلب ماله أخذه. قال محمد: وهو أحب إلي.
ولا تجوز شهادة البكر في الأموال ما كانت تولي، فإن كانت عدلة حتى تعنس.
ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك في الذي يجن ثم يفيق ، فإن كان يفيق إفاقة يعقلها ويعلمها جازت شهادته، وبيعه وطلاقه في إفاقته، فأما الذي لا يكاد يفيق فلا يجوز له شيء من ذلك، وشهادة الأخرس جائزة إذا كان يعرف إشارته، وطلاقه إن كتبه بيده جائز.[8/296]
***(1/293)
[8/297] في شهادة السائل والفقير
وشهادة غير المبرز في المال
من المجموعة : قال ابن أبي حازم في الذي يكثر مسألة الناس معروفا بذلك، فلا تجوز شهادته؛ لأنه يتهم على شهادته لمسألة الناس، وأما من تصيبه الحاجة فيسأل بعض إخوانه، وليس معروفا بالمسألة، فلا ترد شهادته.
قال ابن سحنون : قال ابن كنانة : إذا سأل في مصيبة أصابته أو في دية وقعت عليه ونحوه من العذر لم يجرح ذلك شهادته.
من العتبية : قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الرجل الحسن الحال، الظاهر الصلاح، ويسأل الصدقة مما يتصدق بها على أهل الحاجة، ويسأل الرجل الشريف أن يتصدق عليه، ولا يتكفف الناس وهو معروف بالمسألة، قال؛ لا تجوز شهادته إذا كان معروفا بالمسألة وإن لم يتكفف، وقال أيضا في الرجل لا بأس بحاله، إلا أنه يطلب الصدقة إذا خرجت من عند الإمام، أو فرقت وصية رجل، يطلب مثل هذا جهده ولا يتكفف الناس، قال: هذا متعفف حين لا يسأل في عامة الناس، وتجوز شهادته، وإنما لا تجوز شهادة المتكفف، وأما السائل فيما ذكرت، والمتعرض لإخوانه: فلا ترد شهادته. قال ابن وهب في الرجل المتعرض للولاة، الطالب لجوائزهم على ما يلتمس منهم من الصلات، قال: ليس هذا بعدل إذا عرف بذلك لما يعرف من حال الولاة.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة: شهادة الفقير جائزة، وربما جازت شهادة الرجل في اليسير لقلته، ولا يقبل مثله في الكثير، مثل ما قيمته خمس مائة من العقار أو الدقيق وغيرها، فيشهد عليه من ليس بظاهر العدالة، فلا يقبل في الشيء العظيم الخطير، ويقبل في اليسير، وكذلك على قضاء القاضي بالأمر الكثير،[8/297]
***(1/294)
[8/298] لا يقبل عليه مثل ماذكرت ويجوز في اليسير، وهذا يعتبر بنزوله، ومن ذلك شهادة البدوي للقروي فيما عومل فيه أو شهد فيه في الحاضرة فلا يجوز، وما كان من ذلك بالبادية فيجوز.
قال محمد بن عبد الحكم : إذا شهد على المال أهل الحاجة والإقلال، فليكشف القاضي عن ذلك وعن ما شهدوا به عند من يظن به عنده علم ذلك، ولا يعجل الحاكم، وليتأن ويحتط.
في شهادة القريب لقريبه أو عليه
ومن تجوز شهادته من القرابة ومن لا تجوز
من المجموعة : قال ابن نافع عن مالك: ويدخل في قول عمر رضي الله عنه : لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا شهادة الأبوين والولد، وأحد الزوجين للآخر. قال ابن الماجشون: ولا اختلاف في هؤلاء عند من لقينا من أصحابنا، وذكر معهم الجلد.
ابن سحنون: ومن أصل قولهم أنه لا تجوز شهادة الرجل لجده وجدته من قبل الرجال والنساء، ولا أحد الزوجين لصاحبه، كان المشهود له حرا أو عبدا أو مكاتبا.
قال ابن سحنون عن أبيه في ولدين يشهدان أن فلانا شج أياهما، فلا تجوز شهادتهما كان الأب حرا أو عبدا أو مكاتبا، مسلما أو نصرانيا، ولو شهدا وهما مسلمان : أن لأبيهما النصراني الميت على فلان مالا، وقد ترك ولدا نصرانيا، ولم تجز شهادتهما، وكذلك لو شهدا أن أباهما العبد جنى على رجل جناية، ولم تجز شهادتهما لأنه قد يسلم فيها فيتهمان على أن يخرجاه من ملك سيده، وكذلك لو[8/298]
***(1/295)
[8/299] شهدا أن سيده باعه، أو أعتقه، أو تصدق به، أو وهبه، لم يجز ذلك ادعى مولاه البيع أو ادعي عليه.
قال ابن عبدوس: قال سحنون : لا تجوز شهادة ابن الملاعنة للذي نفاه.
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : والذين لا تجوز شهادتهم من ذوي القربي: الأبوان، والجد، والجدة، والولد، وولدا الولد، من ذكروهم وإناثهم، وأحد الزوجين للآخر، وتجوز شهادة من وراء هؤلاء من القرابات، وقاله مالك.
ومن العتبية : روى أشهب عن مالك – وهو في كتاب ابن المواز والمجموعة – في الابن يشهد لأحد أبويه على الآخر؟ قال : لا تجوز إلا أن يكون مبرزا، أو يكون ما شهد فيه يسيرا، وقال والابن يهاب أباه وربما ضربه، قال ابن نافع في المجموعة: شهادتهما على أحدهما للآخر جائزة إذا كان عدلا، إلا أن يكون الابن في ولاية الأب، أو تزوج على أمه فأغارها، فيتهم الأبن أن يكون غضب لأمه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في رجلين شهدا لأبيهما أنه باع ثوبا من فلان، والمبتاع يجحد، لم تجز شهادتهما، [ولو شهد على ذلك ابنا المشتري وهو يجحد جازت شهادتهما] ولو كان المشتري يدعي ذلك لجازت شهادة الولدين له، ولا يجوز أن يشهد لأبيهما أن فلانا شجه، لم يجز ذلك كان الأب حرا أو عبدا أو مسلما أو نصرانيا أو مكاتبا، وكذلك إن شهدا له على بيع أو شراء، أو على أن فلانا غصبه مالا، وكذلك إن مات الأب الكافر، وله ابن كافر. وولدان مسلمان، فشهد المسلمان أن لفلان على أبيهما مالا، فلا تجوز شهادتهما، لأنهما شهادة للأب، وإن كان الأب لا يرثانه. ولو أن دينا طرأ عليه لقضي منه[8/299]
***(1/296)
[8/300] وكذلك لا تجوز شهادته لزوجته الأمة، وكذلك لو شهدا أن فلانا الذمي قتل أباهما عمداً، لم تجز شهادتهما.
قال ابن سحنون : ولو شهد أن أباها العبد جني على فلان جناية، لم يجز ذلك، إذا يتهمان أن يخرجا أباهما من ملكه، إذا قد يسلم في الجناية وكذلك لو شهدا أن أباهما باعه سيده، أو وهبه لرجل، لم يجز ذلك، ودعوى المولى وجحوده ذلك سواء لهذه التهمة، كما لو شهدا أن أمهما اختلعت من أبيهما، لم يجز ذلك، ثم جحدت المرأة ذلك أو أقرت به إلا أن يقر الزوج فيلزمه الطلاق، ولا شيء له من المال.
قال ابن القاسم : ولو شهد أربعة إخوة على أبيهم بالزنا، لم تجز شهادتهم ولا يرجم، لأنهم يتهمون على الميراث، وليحدوا.
قال أشهب : إن كان الأب عديما جازت شهادتهم إن كانوا عدولا، ورجم الأب، ولا تجوز في ملك الأب، وكذلك على أنه قتل قتيلا عمدا.
قال ابن سحنون : ولو كان الأب يكره بنيه من السراري، فشهادتهم عليه جائزة، لأن حده الجلد، ولا يتهمون في ذلك.
قال ابن القاسم في العتبية من رواية عيسى : إن شهادة الرجل على ولده أو ولد ولده جائزة إلا أن تكون عداوة تعلم، قال: وشهادة الأب على ابنه في الطلاق والحقوق والعتق جائزة، وشهادة الابن على أبيه جائزة في الحقوق والعتق، وأما الطلاق: فإن شهد على طلاق أمه فجائز، وكذلك على طلاق غير أمه إن لم تكن الأم حبة، إلا أن تكون عداوة تعلم، وإن كانت الأم حية، أو طلقها لم تجز في طلاق غيرها، قال ابن حبيب نحوه عن مطرف وابن الماجشون، قال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية : يجوز في طلاق أمه إلا أن يكون بين أبيه وأمه عداوة تعلم فلا تجوز حينئذ، لأنه صار شاهدا عليها، قال أصبغ : إلا أن تكون الأم منكرة لذلك فتجوز شهادته لأنه شاهد عليها وأما إن كانت طالبة فلا يجوز.[8/300]
***(1/297)
[8/301]قال ابن حبيب عن أصبغ: إذا شهد على أبيه بطلاق غير أمه، فإن كانت الأم تحت أبيه لم يجز، وإن لم تكن تحته جازت شهادته، حية كانت أو ميتة.
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : وإن شهدا أن أباهما طلق امرأته قبل البناء لم يجز، وقال أيضا : إن كانت أمهما، جازت، وإن كانت غير أمهما، لم تجز.
وقال أشهب في المجموعة وكتاب ابن المواز فيما إذا شهدا على أبيهما بطلاق أمهما، فإن كان بين الأب والأم حسن حال، جازت شهادتهما، وقال أيضا أشهب : إن كانت الأم تدعي الفراق، لم تجز شهادتهما، وإن كانت منكرة جازت، كانت لها ضرة أو لم تكن، قاله سحنون في العتبية والمجموعة.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه : وإذا شهد رجلان أن أباهما طلق أمهما، فإن كانت هي تدعي لم تجز شهادتهما، وإن كانت هي منكرة جازت شهادتهما، لأنهما شهدا على الأبوين جميعا.
قال سحنون في العتبية: وإن شهدا أنه طلق غير أمهما [وهي ضرة أمهما] لم يجز إلا أن تكون المرأة (طالبة) للفراق فيجوز، قال عبد الله : ثم رجع فقال: لا يجوز وإن طلبت الفراق لأنه شاهد لأمه بما جرى لها، قال ابن سحنون: وإن شهدا أن أمهما اختلعت من زوجها لم تجز شهادتهما جحدت الأمر أو ادعت، وقال أصبغ في كتاب ابن المواز مثل قول سحنون الأول.
قال أصبغ : شهادته في طلاق أمه جائزة إلا أن تكون عداوة، أو تطلب الأم ذلك فلا يجوز.
قال سحنون في المجموعة : وشهادة الأب لأحد ولديه على الآخر جائزة، ثم رجع فقال : لا تجوز، وحكي عنه العتبي أنها لا تجوز. [8/301]
***(1/298)
[8/302] ومن كتاب ابن سحنون : قلت لسحنون : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن شهد لابنه الصغير على الكبير، أو الكبير سفيه على رشيد، فلايجوز ويتهم في ذلك، وأما إن شهد لكبير رشيد على صغير أو كبير، فذلك جائز إلا أن يتهم في المشهود له بانقطاعه إليه، أو بإحسانه إليه، وإيثاره على غيره من ولده، والآخر منه في جفوة وشنآن منه، فلا تجوز، وأخبرت عن سحنون بمثل هذا القول، فسألته عنه فانكره، وقال: لا تجوز شهادته لابنه على كل حال، وإن كان لكبير على كبير، لما جاء في السنة من منع إجازة شهادة الأب للإبن مجملا. وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز والعتبية والمجموعة: تجوز شهادته لابنه الكبير على ابنه الكبير إلا أن يعرف بالأثرة للمشهود له والميل إليه، فلا تجوز، ولا تجوز شهادته لكبير على صغير، ولا [تجوز] لصغير أو سفيه على كبير رشيد، وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون نحوه.
ومن هذه الكتب كلها إلا كتاب ابن حبيب : قال ابن القاسم : ولا تجوز شهادته لزوجة ابنه، ولا لزوجته، ولا لابن زوجته، ولا لأمها أو لأبيها، وكذلك المرأة لابن زوجها.
وقال محمد : قال أصبغ : وهذا استحسان وليس بالبين.
ومن العتبية : قال ابن القاسم : ولا تجوز لامرأة أبيه، وكأنه شهد لوالده بخلاف الأخ، والتهمة لاحقة في هذا، وإن كانوا منقطعين عمن شهدوا له، وتجوز شهادة الأخ لأخيه إن كان منقطعا عنه.
قال ابن سحنون في العتبية وكتاب ابنه: تجوز شهادته لأم امرأته ولأبيها ولابنها إلا أن تكون المرأة ممن ألزم السلطان ولدها أن ينفق عليه لضعف زوجها [8/302]
***(1/299)
[8/303] عن ذلك، وتجوز شهادته لزوج ابنته، ولابن زوجها وغيرهم من أمه وأبيه. قال عنه ابنه: تجوز شهادته لامرأة أخيه من نسب أو رضاع. قيل له: روى عيسى عن ابن القاسم أنه لم يجز شهادته لزوج ابنته، ولا لامرأة أبيه، قال :لا أرى ذلك، وأصل ذلك كله : أن من كان وفره له وفرا ، وغناه له غنى لم تجز شهادته له. قال : وتجوز شهادته لامرأته التي فارقها وإن كان له منها الولد، ولا تجوز تزكيته لها. وقال ابن عبدوس: إن كان مليا وليس بولده حاجة إلى أمهم فذلك جائز إن كان عدلا. وإن كان عديما وولده في نفقة الأم لم تجز.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ولا تجوز شهادة الأخ لأخيه في الحدود ولا في القربى وشبهها، وكذلك في كتاب ابن المواز وزاد : ولا يجرح من جرح أخاه، ولا يزكي من زكاه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون: تجوز شهادة الأخ لأخيه، والمولى لمولاه، والعم لابن أخيه، وابن الأخ لعمه، أو لابن أخته، أو لخاله وخالته، إلا أن يكون الشاهد في عيال المشهود له فلا تجوز، وإن كان المشهود له في عيال الشاهد جازت شهادته إذا لا تهمة فيها، وإنما تجوز شهادة مثل هؤلاء بعضهم لبعض في الحقوق والأموال، وأما في الحدود والقصاص وما تقع به الحمية والتهمة فلا يجوز. قال : ومن جازت لك شهادته، جازت لك عدالته، ومن لم تجز لك شهادته، لم تجز عدالته لك، وقاله أصبغ وابن عبد الحكم.
قال سحنون في العتبية : لا تجوز شهادة الأخ لأخيه في النكاح إذا كان لأشراف قوم، لأن ذلك تشريف لنفسه بشرف أخيه. قال ابن وهب وابن نافع عن مالك : تجوز شهادة الأخ المنقطع في الحقوق ولا تجوز في النسب، قال عنه ابن نافع : إن كان عدلا. قال ابن كنانة: لا يقبل الأخ لأخيه ولا لعمه ولا لابن أخيه في الشتم والحدود والنكال وإن كان عدلا. والخال أقرب أن تقبل شهادته لابن أخته لأنه أبعد . وشهادة الأخ والعم وابن العم وابن الأخ وهو عدل منقطع[8/303]
***(1/300)
[8/304] عنه لا يعدله في حال بشهادة له، جائزة في الثوب والدراهم اليسيرة. وكذلك لامرأة أبيه ولامرأة ابنه أو زوج ابنته، فينظر إلى حال الشاهد وقلة ما يشهد فيه مما لا يتهم فيه.
وفي كتاب ابن سحنون عن ابن كنانة : لا تجوز شهادته لابن أخيه في حد أو شتم أو عقوبة إلا أن يكون منقطعا في العدالة. وتجوز شهادة الأخ لأخيه أو لابن أخيه أو عمه في شيء يسير من دراهم أو ثوب إذا كان منقطعا عنه لا يناله معروفه، وكذلك الرجل المنقطع إلي الرجل، وكذلك إن شهد لزوجة ولده أو زوجة والده أو زوج ابنته أو ابن امرأته، فإنه ينظر في مثل هؤلاء إلى قلة ما يشهد به وكثرته، كمن أقام بينة في مال عظيم من شراء أربع إلى رقيق بخمس مائة دينار وجاء على ذلك ببينة، وليسوا في العدالة والصلاح والإشتهار بالخير كمن هذه صفته، فلا يقبل في مثل هؤلاء. ومثل هذا يختار له الشهود، فكأنها ظنة لحقتهم في اليسير.
ومن كتاب ابن المواز : قالوا : لا تجوز شهادة الأخ لأخيه إلا أن يكون مبرزا، وقيل : تجوز إن لم تنله صلته، والصديق الملاطف مثله، قال أشهب : إن شهد أن رجلا سرق لأخيه سرقة، فإن كانت يسيرة أو كان السارق عديما وهي كثيرة، فهي جائزة من العدل وإن لم يكن مبرزا، وإن كانت كثيرة وكان مليا لم تجر في هذا الحال ولا في السرقة إلا أن يكون مبرزا فتجوز فيهما.
ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العدل المشهور بالعدالة يشهد على قتل أخيه وله بنون يرثونه، قال: لا تجوز شهادته له في [ذلك ولا في الحدود، وكذلك إن شهد له على قذف أمه وإن لم تكن أم هذا الشاهد، قال: وتجوز شهادته له] في الحقوق والنكاح إن كان عدلا. قال ابن سحنون: وقال أشهب : شهادته له جائزة في الخطأ إن كان عدلا وله وارث غيره. وروى عبد الملك ابن الحسن عن أشهب في العتبية : أن شهادته له جائزة في الخطا[8/304]
***(1/301)
[8/305] والعمد الجراحات. قال في كتاب ابن المواز: وتجوز شهادته أن فلانا أخوه، وإن كان الوالي والوارث غيره، قال أصبغ: وفيه اختلاف وهذا أحب إلي، قال أشهب في المجموعة: لا تجوز على حرية أخيه، قال ابن القاسم في جميع هذه الكتب : تجوز شهادته لعمه في المال، وإن لم يكن له وارث غيره إذا لم يكن مريضا، ولا يجوز أن يشهد له في ولاء ولا حد ولا فرية.
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك: ولا تجوز شهادة ابن العم على ولاء الموالي وتجوز شهادته بذلك لمن أعتقه، قال ابن المواز، وابن عبدوس عن ابن القاسم : وتجوز شهادة القرابة والموالي في الرباع إلا أن يتهموا فيها بالجر إليهم أو إلى بينهم اليوم.
ومن العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم- وهو في كتاب ابن المواز- : وإن أوصى رجل لفقراء أقاربه بغلة حائط فشهد فيه أغنياء بني عمه، فلا يجوز: ولعلهم تحتاجون إلا أن يكون تافها، ولعلهم في كثرة مالهم تبعد عنهم التهمة فيه في الجر إلى أنفسهم، أو من يقرب منهم من ولد أو غيره، فتجوز شهادتهم.
وفي سماع ابن القاسم: وإن شهد لمولى له هو أعتقه، وعنده أخوات له، فإن كان غير متهم وهو عدل جازت شهادته، وكذلك في المجموعة.
وقال ابن كنانة : شهادة الموالي لمواليهم جائزة إن كانوا عدولا منقطعين عنهم في النفقة والمنافع.
قال ابن سحنون : سئل أشهب عن أربعة شهدوا على أبيهم بالزنا وهو عديم، قال : يرجم إن كان عديما، وإن كان مليا لم تجز شهادتهم . قال أشهب: [8/305]
***(1/302)
[8/306] إلا أن يكون بكرا فتجوز شهادتهم مليا كان أو معدماً ويحد، وقال أشهب : وكذلك لو شهدوا أن أباهم قتل فلانا عمدا.
قال سحنون : قال ابن القاسم : إذا شهدوا على أبيهم بالزنا فلن تجوز شهادتهم، ولا يرجم لتهمه الميراث، ويحدون. محمد: وإن كان بكراً جازت مثل أن يكون ولده من سراري فيكون بكرا، وقاله ابن القاسم في المجموعة. قال: وكذلك لو شهدا عليه بحرابة وشبهها مما يجب فيه قتله، لم تجز إن كان موسرا.
قال سحنون : إن شهدوا عليه وهو محصن فإن اتهموا في ميراثه ليساره، أو في قطع نفقته عنهم لعدمه، أو لوجه يتهمون فيه، لم تجز شهادتهم عليه.
قال محمد بن عبد الحكم : وقال أصحابنا : شهادة الأب لابنه أنه وكل فلانا جائزة، وكذلك الابن لأبيه والجد والجدة وأحد الزوجين لصاحبه، فأما على أن أجنبيا وكل أحد هؤلاء فلا يجوز، لأن الشهادة في هذا له، ويستوجب بها قبض المال، والشهادة له أنه وكل غيره، شهادة عليه.
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون: إذا شهد أخو رجل قد مات، وهما وارثاه : أن هذا ولده، لم تجز شهادتهما له إن كان قد نال سلطانا وشبه ذلك ما يتهمان في عزة ومكانته، وهما مقران له فيما يرثان إن شاء أخذه.
ومن كتاب ابن المواز : لا تجوز شهادة السيد على نكاح عبده، ولا طلاقه، ولا رجعته، وإن كان مع آخر عدل، قال ابن القاسم: وإن شهد هو وآخر عليه في قرية رفع إلي الإمام يحده، وإن شهد هو وثلاثة عدول أنه زنى لم يحده السيد بذلك، وكذلك روى عنه أبو زيد، وروى عنه أصبغ في الأمة أنه يرفع ذلك إلى الإمام ويقبل شهادته. محمد ابن المواز، وكذلك في العتبية في شهادة القرابة من تعديل، أو تجريح، أو نقل شهادة عن قريبه، أو يشهد على قضائه.[8/306]
***(1/303)
[8/307] من العتبية : قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك: لا يعدل الرجل امرأته ولا المرأة زوجها، ولا يجوز أن يعدل الأخ أخاه، وأخته، كما تجوز شهادته لهما، وقال عبد الملك بن الحسن عن أشهب : لا يعدل الأخ أخاه.
ومن المجموعة وكتاب ابن حبيب : سئل ابن الماجشون عن تعديل الأب لابنه، أو من لا تجوز شهادته له؟ قال : إن كان إنما نقل الشهادة على شهادته [هي التي ترغبه، ولها قصد، أو لم يقصد رغبته بتعديله، فسأله القاضي عنه بعد أن ينقل عنه فعدله، فعتديله على هذا جائز، لأنه خرج عن موضع التهمة، قال عنه سحنون] وإن شهد بعض هؤلاء شهادة، فعجز عن من يعدله إلا ابنه لم يجز تعديله له، قال سحنون: لا يجوز تعديله بحال، [قال أصبغ في العتبية : لا يجوز لا نقل الأب عن الابن، ولا الابن عن الأب، وإن كان مشهورا بالعدالة، وكذلك كل من لا يجوز لك أن تعدله، فلا يجوز أن تنقل عنه، قال ابن حبيب: قال مطرف : ويجوز نقله عنه ولا يجوز تعديله، وليعدله غيره، وبه أخذ ابن حبيب، وقال ابن سحنون عن أبيه كقول مطرف، قال : وذلك في النقبل عن الأب والإبن والزوجة.
قال مطرف وابن الماجشون: شهادة الإبن مع أبيه جائزة، ولا يتهم أحدها أن يريد اتهام شهادة الآخر.
قال ابن الماجشون في المجموعة : ومن جازت شهادته من القرابة لقريبه، جازت في تعديله.
ومن العتبية : قال سحنون في الولد يشهد أن أباه لما كان قاضيا قضى لفلان بكذا، أن شهادته جائزة. قال ابن سحنون : اختلف قول سحنون في ذلك، فقال : لا تجوز شهادته أن أباه أو ابنه إذا كان قاضيا قضى لهذا بكذا، ثم رجع فقال: هي جائزة، وليس في ذلك من التهمة ما أبطلها به، وقال ابن حبيب[8/307]
***(1/304)
[8/308] عن مطرف مثله، وقال ابن الماجشون: لا تجوز، وقاله أصبغ، ولم يأخذ به ابن حبيب.
ومن كتاب ابن المواز ونحوه في المجموعة لابن الماجشون وفي العتبية لسحنون : قال: لا يجرح الرجل من جرح أخاه أو عمه الأدنى. قال في العتبية : إذا كان ذا رأي وشرف، ولأنه من إقامة جاهه، وما بعد منه مثل ابن الأخ وابن العم فيجوز أن يجرح من جرحه. قال : ولو كان إنما جرح أخاه بعداوة فجائز أن يجرح من جرحه إذ لا يدفع بذاك عن نفسه معرة بينة وعن أخيه، ألا ترى أنه يشهد له بالمال العظيم، ويجرح من شهد عليه بالمال، ولم يختلف في هذا.
في شهادة العدو والخصم على عدوه وتعديله
من المجموعة : قال ابن كنانة في تفسير قول عمر: لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين، قال : أما الخصم فالرجل يخاصم الرجل في الأمر الجسيم، مثلما يورث العداوة والحقد ، فمثل هذا لا تقبل شهادته على خصمه في ذلك الأمر ولا غيره، وإن خاصمه فيما لا خطب له، كثوب قليل الثمن ونحوه، وما لا يوجب عداوة، فإن شهادته على خصمه في غير ما خاصمه فيه جائزة، وأما الظنين : فهو الذي يظن به في شهادته تلك الزور وظن السهو، فلا يقبل في ذلك الأمر [ويقبل في غيره إلا الطنين في كل شيء، فلا تقبل شهادته في شيء].
ومنه ومن العتبية والمجموعة : قال أشهب عن مالك في رجلين وقعت بينهما خصومة، ثم يقيمان سنين، ثم يشهد أحدهما على الآخر، فإن كان أمرهما قد صار إلى سلامة وصلح: فذلك جائز.[8/308]
***(1/305)
[8/309] ومن كتاب ابن المواز: وكل من كان بينهما عداوة أو هجرة أو مصارمة، ثم اصطلحا، فشهادة أحدهما على الآخر جائزة، وإن شهد عليه قبل أن يصطلحا، فلا يجوز ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون : قال ابن كنانة فيمن شهد على رجل وهو لا يكلمه، ولا عداوة بينهما ولا نائرة، ولا يعلم بينهما إلا خيراً ، فإن كانت هجرة معروفة فلا تجوز شهادته عليه.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة في المتهاجرين: إن كانت هجرة خفيفة، وقعت في أمر خفيف، فشهادة أحدهما تقبل على الآخر، وأما المهاجرة الطويلة، والعداوة البينة، فلا تقبل عليه، وإن كان من أهل العدالة.
ومن كتاب ابن حبيب : قال ابن الماجشون: والهجران تجرح به شهادة المهاجر على المهجور، قيل : فإن سلم عليه فقط ولم يكلمه في غير ذلك: قال : إن كان به خاصا فلا يخرجه من الهجرة ، ولا في الإثم ولا في جواز الشهادة، وإن لم يكن خاصا به فذلك يخرجه من الهجرة.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون: قال ابن كنانة : كتب ابن غانم إلى مالك في الشاهد يقيم المشهود عليه بينة أنه عدو له، وفي كتاب ابن سحنون : أنه مضارر له، وهو عدل في جميع الأمور. فيقول الشاهد: وما يدريكم وأنا مقيم معه، وأنتم تغيبون وتأتون؟ قال: أكتب إليه: طرحها أحب إلي.
قال سحنون في المجموعة والعتبية وكتاب ابنه: ينظر إلى عداوتهما، فإن كانت بسبب الدنيا من مال وتجارة وميراث، فلا تقبل شهادتهما، وإن كان غضبا لله تعالى لجزمه وفسقه أو بدعته، فشهادته عليه ثابتة.[8/309]
***(1/306)
[8/310] قال عبد الله : وذلك أنا نشهد على أهل البدع وأهل الملل.
قال سحنون في العتبية وكتاب ابنه: قال ابن القاسم فيمن شهد على رجل، فلم يحكم بشهادته [حتى وقع بينه وبين المحكوم عليه خصومة، فلا يرد بذلك] إلا بخصومة كانت قبل الشهادة، قال : وبلغني عن يحيى بن سعيد في الرجلين بينهما خصومة لم تبلغ أن تكون بينهما مشاتمة، قال: شهادة أحدهما على الآخر جائزة، وإن كانت بينهما عداوة معلومة لم تجز شهادته عليه، [وإن كانت بينهما عداوة ثم اصطلحا، جازت شهادته عليه].
ومن كتاب ابن سحنون : قال ابن كنانة : وإذا خاصم رجلا، فلم تجر الخصومة بينهما عداوة ظاهرة، فإن شهادته عليه تقبل في غير تلك الخصومة.
ومن العتبية : قال يحيى عن ابن القاسم في الرجل المعتزل لكلام الرجل وهو غير مؤذ له، أتجوز شهادته عليه؟ : قال : لا، قال: فهل يبرأ من الشخناء بسلامه عليه؟ قال: قال مالك: إن كان مؤذياً له فقد برئ منها، وإن لم يكن مؤذياً له يبرأ منها بذلك.
وقال ابن حبيب : قال ابن الماجشون في رجلين شهدا على رجلين بذكر حق، وهما لأحدهما عدوان، أو على براءة لرجل من رجلين، فشهادتهما ساقطة عنهما جميعا، أو كانا شهدا في ذكر حق واحد، وإن كانا شهدا عليهما بلفظهما فترد شهادتهما على العدو، وتجوز على الآخر.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن شهد على رجل، ثم شهد المشهود عليه على الشاهد بعد ذلك بشهرين وهو في خصومته تلك، قال : ترد شهادته، قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : وإن كانت بينهما عداوة، ثم اصطلحا، ثم شهد أحدهما على الآخر، فإن كان بحدثان الصلح لم يجز لما يتهم أن يكون[8/310]
***(1/307)
[8/311] صالحه ليشهد عليه، وإما بعد طول، فتجوز شهادته، وكذلك الخصم يشهد على خصمه بحدثان خصومتها أو بعد منها، وإن كانت عنده عليه شهادة وهو سلم، وقد كان يذكرها، ثم عاداه، فلا يحتاج إلى القيام بها، فلا تجوز شهادته عليه.
ومن العتبية في سماع ابن القاسم في قوم شهدوا على رجل فردت شهادتهم لأنهم أعداء له، فلا يمين على المشهود عليه، وقاله سحنون.
قال عيسى عن ابن القاسم عن مالك : وكل ما سقطت شهادته لجرحة أو تهمة فلا يمين على المشهود عليه.
قال أصبغ فيمن شهد على رجل بشهادة عند قاض، والمشهود عليه يسمع، فلما أتم الشهادة، قال المشهود عليه والقاضي يسمع: أنك تشتمني وتشبهني بالمجانين وتتهددني وشبه ذلك، وقال : لا يطرح هذا شهادته إلا أن تثبت العداوة قبل ذلك.
ابن حبيب : سئل مطرف عن أرض لقوم غيب، وهي بيد غيرهم ، فقام من شهد بذلك، فقال لقوم : إني أخاف أن تذهب هذه الأرض لأهلها، ولكني أخاصم فيها، [فإن أثبتها لأهلها وإلا فأنا على شهادتي لهم، فخاصم فيها] فلم يدرك، ثم قدم أصحابها، وأتجوز شهادته لهم؟ قال : لا تجوز لأنه خصم، وقاله أصبغ.
ومن العتبية : روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن شهد لرجل عدو له وعليه، أتجوز شهادته عليه وله؟ قال : إن كانت شهادة واحدة، لم تجز له ولا عليه، وإن كانت شهادات مفترقة، جازت له، ولم تجز عليه، وكذلك ذكر عنه ابن المواز. قاله محمد: وأحب إلي إن كان العدو هو الذي حابي الشاهد، فإن كان على صلح وذهاب العداوة، جازت شهادته، إلا لم تجز عليه.[8/311]
***(1/308)
[8/312] قال مالك فيمن قال: أرضى بشهادة فلان فشهد عليه فنزع : إن ذلك له، ولا يلزمه.
ومن كتاب ابن المواز: وتجوز شهادة من بينه وبين آل المشهود عليه عداوة بخلاف ما بينه وبين المشهود عليه، وإن كان المشهود عليه في ولاية أبيه، ما لم يكن عليه فيها حد أو عيب أو قتل، لأن فيه معرة للأب، وكذلك الأم والجد، وأما الأخ وسائر القرابات فبخلاف ذلك.
قال ابن القاسم في أربعة شهدوا على رجل بالزنا، إلا أنهم تعلقوا به حتى وصلوا به إلى القاضي؟ قال : تبطل شهادتهم لأنهم خصماؤه، وكذلك عنه في العتبية. وروى ابن حبيب عن مطرف أن شهادتهم جائزة.
ومن العتبية وكتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون عن أبيه : قال ولا ترد إذا لم يكن في ولاية أبيه، ولم يشهد بما عليه فيه عيب، ثم ذكر نجو ما ذكر محمد.
وقال ابن القاسم في العدو يشهد على ابن عدوه الصغير والكبير أنه جرح رجلا : إن شهادته لا تجوز.
ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم: وإذا كان الشاهدان أعداء لوصي الصبي : فشهادتهما جائزة، وكذلك بدين على الميت. وإن كانا أعداء لأبي الصبي لم يجز، وإن كانا مثل أبي شريح وسليمان بن القاسم.
وقال سحنون: شهادة عدوك على ابنك وأبيك وأخيك جائزة بالمال، ولا تجوز بقصاص أو قتل، أو جلد ولا تجريح.[8/312]
***(1/309)
[8/313] قال ابن سحنون عن أبيه في عدول شهدوا على أبيك بجرح فيه قصاص: قال سحنون : لا تجوز، بخلاف المال، قال محمد بن رشيد: هي جائزة في الجراح والأموال، [كما يحكم في الجراح بشاهد ويمين]، واجتمعا على أنها لا تجوز في القصاص والحدود.
ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : لا تجوز شهادة عدوك على ابنك الصغير أو الكبير في مال ولا غيره ما كنت حيا، فإذا مت أنت ثم شهدوا جازت شهادتهم لهما عليه، وإن شهدوا على الأب في ماله بعد موته بحق في ماله. لم تجز شهادتهم، وإن كان ماله قد صار لولده، وإن شهدوا على صبي بجروح وهما عدوان لأبيهما لم تجز شهادتهما من أجل أن ذلك يصير من ماله، وكأنها على الوصي، وكذلك لو شهدا على الميت بمال وهما عدوان لوصيه لم يجز؛ لأنهما يخرجان ما في يديه بذلك، وإن كان ذلك فيما ليس بيد الوصي منه شيء، ولا تقع فيه تهمة بمضرة الوصي للعداوة التي بينهما، فشهادتهما جائزة.
قال محمد بن عبد الحكم : ومن كان عدوا لرجل عداوة معروفة تجرحه، فلا يجوز تجريحه إياه، ويجوز تعديله له إن عدله.
تم كتاب الشهادات الأول بحمد الله وعونه،
وبتمامه تم الجزء العاشر
ويتلوه في الذي بعده
الجزء الثاني من كتاب الشهادات
والحمد لله وحده[8/313]
[8/314] [8/314]
[8/315] بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
كتاب الشهادات الثاني
في شهادات الأجير والشريك والمقارض
المستعير والغريم والحميل
من المجموعة : قال ابن القاسم : ولا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره إذا كان في عياله، [وإن لم يكن في عياله جاز إن كان مبرزاً، قال سحنون في كتاب ابنه: معنى الذي ليس في عياله هو الأجير المشترك من الصناع وغيرهم، فأما الأجير الذي يصير جميع عمله لمن استأجره وهو في عياله أو ليس في عياله، فلا يجوز أن يشهد له وإن كان معزولا عنه.
ومن المجموعة]: قال ابن كنانة : إذا شهد لشريكه فيما لا يريد به نفسه ولا شريكه ولا يدفع عنه ولا عن نفسه، فهي جائزة وإلا لم يجز.
من العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم – وهو في المجموعة – في أحد المتعارضين يبيع سلعة ويشهد على ذلك شريكه، ثم يبيعها من رجل آخر ولا يشهد للأول إلا الشريك. قال : لا تجوز شهادته، لكن إن باعه شريكه ثانية بزيادة فلا يأخذ من الزيادة شيئا، قال ابن سحنون عن أبيه في شهادة الشريك لشريكه: إن لم يجر بها إلى نفسه شيئا فهي جائزة.[8/315]
***(1/310)
[8/316] وقال أشهب في المجموعة فيمن اشترى سلعة فأشرك فيها نقرا ثم جحد واحداً فشهد عليه الباقون: أن شهادته جائزة.
قال ابن / القاسم في الشريكين في العبد شهد أحدهما أن شريكه أعتق نصيبه، فإن كان مليا لم تجز شهادته عليه، وإن كان عديما جازت، قال : وبلغني عن مالك أنه كان يقول: لا تجوز عليه شهادته في الوجهين، والأول أحب إلي.
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية : إذا شهد كل واحد أن شريكه أعتق نصيبه فلا يجوز، ولا يمين على كل واحد منهما في ذلك، وقد قال مالك: إذا كان الشاهد غير عدل أو متهما فلا يمين على المطلق، قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم : إن كان لا مال لهما غير العبد فلا يمين عليهما، وإن كانا مليين فلا ينبغي أن يسترقاه لإقرار كل واحد أنه حر بالتقويم على صاحبه، ويدعي عليه القيمة، وإن كان أحدهما مليا والآخر معدم فلا ينبغي للمعسر أن يسترق نصيبه لما ذكرناه، قال: وإن ملكه أحدهما يوما كله عتق عليه وولاه لشريكه الذي كان شهد عليه، إلا أن يملكه الموسر الذي شهد على المعسر فلا يعتق منه إلا الجزء الذي كان يملكه المعسر لأنه لو اقر لم يعتق غير ذلك. قال : لو شهد عليه أنه وطئ أمة بينهما فأحبلها فإن كان الواطئ مليا فلا سبيل للشاهد عليها، لأنه إنما جحده قيمة وجبت، وإن كان معسرا فله نصف رقبتها ولا سبيل له إلى ولدها، واتبعه بنصف قيمة الولد إن أقر يوما ما، وذكره في كتاب ابن سحنون، وقال سحنون : هذا مذهب ابن القاسم في هذا وفي العتق.
وقال غيره: تبطل شهادة الشريك بالعتق والولادة لما يتهم/ فيه من أخذ القيمة. [8/316]
***(1/311)
[8/317] وروى أصبغ عن ابن القاسم في رجل شهد عليه شريكاه أنه أعتق نصيبه من عبد بينهم، قال : إن كان مليا لم تجز شهادتهما، وإن كان عديما جازت، وقاله سحنون.
ومن العتبية : قال أصبغ في رجلين اشتريا عبدا ثم ادعى أحدهما أن البائع قد كان أعتقه، قال : لا تجوز شهادته على البائع، ولكن تعتق حصته منه، ويقوم عليه بما فيه، لأنه يتهم أن يكون أراد عتق حصته بلا تقويم.
ومن كتاب ابن سحنون وكتب شجرة إليه فيمن شهد لرجل في عين مشتركة أو شرب نهر أو فدان أرض وأصله من قسمة بينه وبين الشاهد، فشهد له أن فلانا غصبه إياه رجل فشهد لشريكه بذلك نحو أهل قصطيلية، وقال: ذلك جائز.
ومن المجموعة والعتبية رواية أصبغ، قال ابن القاسم : وإذا شهد رجل لمقارضه، أو شهد هو له، فذلك جائز فيما لا معاملة بينهما.
قال سحنون في كتاب ابنه: شهادة العامل لرب المال جائزة إن كان عدلا، قال فيه وفي العتبية : إن شهد لرب المال والمال قائم بيده لم يشتر به شيئا، أو في وقت يجوز لرب المال قبض المال منه لم تجز شهادته، لأنه متهم على أن يقر المال بيده. وإن أشغله في سلع جازت شهادته.
ومن العتبية : قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب : إذا شهد العامل لرب المال أو لمن يطلبه بدين، فإن كان الشاهد مليا جازت شهادته [في الوجهين [8/317]
***(1/312)
[8/318] إن كان عدلا ولم يتهم، وإن كان معدما لم تجز شهادته لأن العدم تهمة بينة، وقال أشهب: إذا كان عدلا جازت شهادته].
/ومن العتبية من سماع ابن القاسم وهو في كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون والمجموعة : قال ابن القاسم: ومن له على رجل دين فشهادته له جائزة إن كان مليا بما يسأله من الدين، وقاله أشهب، وإن لم يكن معه وفاء بحق الشاهد لم يجز، قال ابن القاسم في العتبية والمجموعة: وكذلك لو كان للمشهود له على الشاهدين دين فإن كان مليا جازت شهادته وإلا لم تجز.
ومن الواضحة : قال مطرف وابن الماجشون: إن شهد المطلوب للطالب بدين فإن كان معدما لم تجز، لأنه كأسير، فيتهم في الأموال وغيرها، وإن شهد الطالب للمطلوب والمطلوب معدم، فأما بالمال أو ما يصير مالا فلا يجوز، وأما في غير ذلك فيجوز إن كان عدلا، وإن كان المطلوب مليا فشهادة كل واحد منهما للاخر جائزة في كل شيء.
ومن العتبية : قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن قامت له بينة على ميت بألف درهم، فشهد للورثة رجلان بالبراءة منها وللميت عندهما مال قراض أو وديعة أو دين ، فإن كانا عديمين لم تجز شهادتهما لما يدفعان عن أنفسهما.
وأما المودعان فتجوز شهادتهما، ولأنهما يقبل قولهما في ذهابهما ومن القراض ولا يحلفان إن لم يكونا متهمين، وسكت عن الجواب في القراض، قال : وهما سواء في الذهاب إلا أن يكون ذهابا قديما. وروى عنه أبو زيد في رجل لك عنده عشرة ، فشهد عليك مع أحد أنك أقررت بها لفلان، فلا يقبل ويحلف [8/318]
***(1/313)
[8/319] الطالب/ مع الأجنبي ويستحق، قال عنه عيسى في رجل شهد لرجل بدين هو عليه وعلى المطلوب، وقد قضى هو ما عليه، وليس له عليه أن يأخذ من شاء بحقه فشهادته جائزة.
قال في كتاب ابن المواز : ومن شهد بحق وقال بأنه حميل، فروى أشهب عن مالك أن شهادته جائزة لأنه شهد على نفسه وعلى غيره. وروى عنه ابن القاسم فيه وفي العتبية أن شهادته لا تجوز، لكن يغرم ما أخبر أنه تحمل به.
وقال ابن القاسم في العتبية والمجموعة: إن كان المشهود عليه مليا جازت شهادة الحميل، وإن لم يكن مليا لم تجز وضمن المال، ولم يرجع على المطلوب بشيء، وقاله ابن المواز، وفي كتاب ابن سحنون أن ابن القاسم استحب روايته عن مالك.
ومن المجموعة : قال ابن القاسم: وإذا غرم الحميل ما تحمل به، ثم قدم المطلوب فأنكر الحمالة، فشهد الغريم على الحمالة، لم يجز، وكذلك من حلف لغريمه بالعتق: ليقضينه إلي أجل فحنث فقام رفيقه فشهد لهم الطالب بالحنث، فلا تجوز شهادته، ورواها أشهب عن مالك في العتبية. قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : وإن شهادته تجوز، قبض من حقه شيئا أو لم يقبض، إذ لا يجر بها إلي نفسه شيئا، وقاله أصبغ معهما، وقالا في مسألة ابن القاسم في الحميل، إن لم يكن أصل الحق يثبت بغير الغريم لم تجز شهادته، قالا: ولا يرجع الحميل على الطالب بما أعطاه، وإن أقر وثبت عليه بغير الغريم فإنه يؤخذ الحق؛ لأن الحميل أوقفه القابض/ منه موقف نفسه، وقاله ابن القاسم وأصبغ.
وقال أشهب عن مالك من العتبية في ثلاثة بينهم غنهم تقاوموها فقوم على أحدهما شاتين بثمانية وأربعين درهما ونصف، فأنكر النصف درهم، وحلف فيه [8/319]
***(1/314)
[8/320] بالطلاق، فشهد عليه شريكاه، قال : لا ترد شهادتهما في هذا ليساره، نصف درهم بينهم، قيل له: فعلي من يكون؟ قال: لا أدري، قال مالك: فقلت المطلوب : فإن لم يكن عليه فعلى من؟ قال : عليهما جميعا، وما أراه إلا وقد أصاب.
ومن المجموعة : قال ابن كنانة فيمن استعار أرضاً من رجل ثم شهد فيها للمعير، قال : لا تقبل شهادته.
قال سحنون عن أبيه في رجلين اكتريا داراً ثم شهدا فيها لربها، وقد نقدا الكراء أو لم ينقدا، وهي سنة بعينها أو بغير عينها، وقال: لا تجوز شهادتهما، وكذلك في الوديعة، والعارية، والرهن، والبضاعة إذا جحدا وقامت بينة عليهما، ثم شهدا : أن ذلك لغيره، فلا يجوز وتنفذ عليهما الشهادة، ولو نزع من أيديهما بذلك، ثم شهدا بعد ذلك به لغيره، فلا تجوز وتنفذ عليهما الشهادة، ولو نزع من أيديهما بذلك، ثم شهدا بعد ذلك به لغيره لم تجز شهادتهما فيه أبدا. والعاربة والبضاعة في ذلك سواء، وإن كانا مقرين به فدفعاه بالإقرار، ثم شهدا أنه لغيره، جازت شهادتهما إذا أقر من شهدا له أنه وصل إليهما من قبل الذي دفعاه إليه. فإن لم يدفعه هو إليهما فشهادتهما باطل ويضمنان إما دفعا، ولو قامت لهما بينة/ فبرئا من الضمان، لم تجز لهما شهادة، ولو أقر أنه وصل إليهما من قبل فلان وديعة أو عارية أو بضاعة، وقال: أنا أمرته بذلك، فشهادتهما جائزة قبل أن يرداه عليه أو بعد.
في المشهود له ينفق على الشهود أو يكري لهم
من كتاب ابن سحنون عن أبيه في الشهود يدعون إلى أداء الشهادة في غير البلد فيقولون : يشق علينا الهبوط إلى الحاضرة، فيعطيهم المشهود له دواب وينفق عليهم، فإن كان مثل البريد والبريدين وهم يجدون الدواب والنفقة، فلا يأخذوا ذلك منه، فإن فعلوا سقطت شهادتهم، وإن كانوا لا يجدون ذلك جاز وقبلت[8/320]
***(1/315)
[8/321] شهادتهم، ولو أخبر بذلك القاضي كان أحسن، وإن كان على مثل ما تقصر فيه الصلاة مثل جبالنا وسواحلنا كستين ميلا ونحوها، لم يشخص الشهود لمثل ذلك، وليشهدوا عند من يأمره القاضي في ذلك البلد، ثم يكتب بما شهدوا عنده إلي القاضي، وكذلك في المجموعة.
قال ابن كنانة في المجموعة في الشاهد لا يجد دابة ولا ثوبا يلبسه ولا طعاما. فيحمل ذلك المشهود عليه عنه، فإن كان الشاهد من أهل العدل والرضي فأرجو ألا يكون بذلك بأس، وأخذ ذلك من غيره أحب إلي، وإن كان ممن يتهم فلا أرى أن يفعل إلا أن يشهد على اليسير الذي لا يتهم في مثله. ابن حبيب عن مطرف في مسألة سحنون الأولى : إن كان قريبا وخفيفا جاز ذلك، وإن كثر لم يجز، قيل : فإن كان يكتب الشهود/ عند السلطان، وتعذر الوصول إليه، وشق عليهم مؤونة المقام، فأرادا لمشهود له أن يكفيهم مؤونة النفقة، قال : لا ينبغي، ولكن يشهدون على شهادتهم وينصرفون إذا كان هذا.
قيل لمطرف في قوم شهدوا لرجل على قرية بعيدة وهم لا يعرفون حدودها بالصفة، ويعرفونها بالمعاينة، فقال لهم: اخرجوا إليها لتقفوا على حدودها، قال: فلا بأس أن يركبوا دواب المشهود له ويأكلوا طعامه، قال ابن سحنون عن أبيه في سؤال حبيب في الشاهد يأتي من البادية ليشهد لرجل، فينزل عنده في ضيافة حتى لا يخرج، قال: لا يضر ذلك شهادته إذا كان عدلا، وهذا خفيف.
في شهادتك لم شهد لك
أو على من يشهد عليك
وشهادة ركاب السفينة
والمسلوبين بعضهم لبعض
من العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم- وهو في المجموعة – فيمن شهد لرجل بعشرة دنانير، وشهد لشاهده بدين له على رجل آخر. في مجلس واحد،[8/321]
***(1/316)
[8/322] فذلك جائز إن كانا عدلين، قال مطرف وابن الماجشون : إن كان الشهادتان على رجل واحد في مجلس واحد لم يجز، وإن كان شيئا بعد شيء جاز ذلك وإن تقارب ما بين الشهادتين، قالا: وإن كان ذلك على رجلين مفترقين جاز ذلك في مجلسين أو في شيء بعد شيء، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب إلى سحنون فيمن شهد عليك بشهادة، ثم شهدت أنت بعد شهرين أو نحوها عليه، والأول في خصومة/ بعد، قال: أرى ظنته قائمة ولا تجوز شهادته.
وفي العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المسلوبين يشهدون أن هؤلاء سلبونا هذا المتاع وهذه الدواب، وذلك بيد اللصوص، قال: يقام عليهم حد الحرابة ولا تستحق بذلك الأموال بشهادة هؤلاء إلا بغيرهم من شهيدين أو شاهد ويحلفون معه.
ابن حبيب: قال ابن الماجشون في القوم يقطع عليهم اللصوص فيشهد عليهم بينهم عدلان، قال: قال المغيرة وابن دينار: لا يجوز في ذلك أقل من شهادة أربعة، وإنما يجوز في القطع في الرفقة وفي أموالهم غير الشهداء، ولا تجوز في ذلك شهادتهم لأنفسهم، قال ابن الماجشون وأنا أقول به، وقال مطرف: شهادة عدلين جائزة في القطع وفي أموالهم وأموال غيرهم، ولو لم يجز في ذلك لم يجز في القطع.
وقال : لا، لا تقبل بعض الشهادة فيرد بعضها، وقال أصبغ: قال ابن القاسم: يجور عدلان منهم في القطع وفي أموال الرفقة عدا أموالهما، إلا أن تكون أموالهما يسيرة فيجوز لهم ولغيرهم كقول مالك في الوصية لهما فيها اليسير.
وقال أصبغ : لا يجوز في القطع ولا في مالهما ولا مال غيرها إن كان مالهما كثيرا، وإذا اتهموا في بعض الشهادة سقطت كلها، ويقول مطرف عن مالك.[8/322]
***(1/317)
[8/323] قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون في المجموعة : يقام عليهم الحد بشهادتهم إن كانوا كثيرا، وأقل الكثير أربعة، والأربعة قول مالك، وقال / ابن القاسم وأشهب وعبد الله : لا يعطون الأموال بشهادة بعضهم لبعض، قال أشهب: ولا يكونون أطناء بما لأنفسهم. وإن قال اللصوص : ما قطعنا عليكم، فقد أقروا بشهادتهم، ولا شهادة لهم عليهم في غير ذلك.
ومن العتبية: سئل أصبغ عن رجلين شهدا على وصية رجل فشهد كل منهم لصاحبه: أن الميت أوصى له بكذا، فإن كان على كتاب واحد فيه ذلك لهما، فالشهادة باطلة، لأن كل واحد منهما شهد لنفسه ولغيره، والوصية لهما، قال: وأما لو شهدا على وصية واحدة بكتاب، لكن أحدهما شهد أن الميت أوصي لفلان بكذا، ثم قام المشهود له في الوصية فشهد عند القاضي أن الميت أوصي لفلان بكذا، الذي له شهد في الوصية، فهي جائزة إلا أن يشهد كل واحد منهما مع شهادة الآخر.
قال سحنون في كتاب ابنه وفي المجموعة في المتكاربين للسفينة وقد نقدوا الكراء فعطبت قبل البلاغ، وأنكر قبض الكراء، قال: شهادة بعضهم لبعض جائزة. ويرجعون عليه، قال محمد : ثم رجع فقال: لا تجوز إذا ليس بموضع ضرورة، وقد كانوا يجدون من يشهدون سواهم إذا أرادوا أن ينقدوه الكراء.[8/323]
***(1/318)
[8/324] في شهادة الرسول بما على قابضه
وشهادة من أودعته مالا أنك وهبته لرجل
وشهادة الراهن في الدين ومن قضاك دينا تسلفه من رجل
هل تجوز شهادتك للرجل؟
وشهادة/ الرجل على ما ولي وشبه ذلك؟
وشهادة من بيده أرض
أنه أعمرها لقوم غياب
وشهادة القسام
من المجموعة وكتاب محمد: قال ابن القاسم عن مالك فيمن بعث بمال مع رجل ليدفعه إلي أخر فدفعه إليه، فقال الرسول: بعثه معي صدقة عليه، وادعى ذلك القابض، وقال الباعث : بل وديعة، قال : إن لم يتهم الرسول في شيء حلف القابض مع شهادته وكانت له، قيل : أيحلف على ما لم يحضر ؟ قال : كما يحلف الصبي مع شاهد أبيه الميت بدين.
قال سحنون في المجموعة : ومعنى المسألة : أن المال حاضر والمأمور والمتصدق عليه حاضران، قال ابن المواز: وخالفهما أشهب. وقول مالك أحب إلي، لأن الرسول لم يبعد في الدفع؛ لإقرار الآمر أنه أمره بالدفع إليه، لكن ليتصدق بها، أو ليكون عندك . يحلف أو يغرم ذلك الرسول ويرجع بها على من دفعها إليه.
ابن القاسم في كتاب ابن المواز والعتبية فيمن سأل رجلا أن يسلفه مالا يقضيه، فيأتيه بمال ويدفعه إلى المطلوب، ويدفعه المطلوب إلي الطالب، ثم أنكر المتسلف السلف، قال : شهادة القابض جائزة على غريمه المتسلف، وقاله أصبغ: قال أصبغ : ولو كان المتسلف هو دافعها إلى القابض لم يجز، وقال محمد بقول ابن القاسم، ووقف عن جواب أصبغ. [8/324]
***(1/319)
[8/325] ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن ادعى قرية فاستحقها بالعدول فلما أمرت البينة بتحديد ما شهدوا به/ أدخلوا في الحدود قرية إلى جانب القرية المدعي فيها، فقال أهلها: نحن نشهد أن هذه القرية التي بأيدينا والقرية المستحقة ليستا لنا، ولا للمستحق، ولا للمقضي عليه، وإن ذلك لرجل غائب كان ترك ذلك كله بيد ابائنا إرفاقا بهم وهم عدول، قال: لا تقبل شهادتهم، لأن فيها جرا إلى أنفسهم، يريدون : إبقاء ذلك في أيديهم للذي أرفقوا به.
ومن كتاب ابن سحنون : ومن أودع عبداً لرجلين فشهدا أن العبد لرجل غيره، فإن كان المشهود له حاضرا جازت شهادتهما، قال: وإن لم يشهدا حتى رد العبد إلى المودع جازت شهادتهما ولا ضمان عليهما.
ومن المجموعة : قال ابن كنانة فيمن أرسل رجلا إلى رجل فشهد له على حق له عليه، فأشهده المطلوب ثم جحده، قال : شهادته جائزة.
وفي كتاب ابن المواز في رسولين لرجل يزوجانه أو يشتريان له جارية، فلا تجوز شهادتهما على ذلك وإن حضر المرسل، وضعفها أصبغ، قال محمد: وأحب إلينا إن كانا هما عقدا له النكاح لم يجز، وإن ولى عقد النكاح غيرهما جازت شهادتهما، وقال ابن القاسم فيه وفي العتبية فيمن بعث مع رجلين مالا يدفعاها إلى رجل، وقال: فلا تشهدا عليه غيركما، / ففعلا، فأنكر القابض، [8/325]
***(1/320)
[8/326] فلا تجوز شهادتهما عليه لدفعهما عن أنفسهما معرة التهمة، ولا يضمنان لأنهما بذلك مأموران، وقاله أصبغ.
قال سحنون في العتبية فيمن جعل بيده، رهن على أنه إن لم يقبض الأمين الدين باع الغريم الرهن وقضى الطالب محل الأجل، وليس على الدين والرهن شاهد إلا الأمين، فشهادته في ذلك جائزة مع يمين الطالب إن شهد بها قبل بيع الرهن، وإن شهد بها بعد ما باع لم تجز شهادته؛ لأنه يدعي طرح الضمان.
ومن كتاب ابن المواز: ومن وكل رجلا على طلب رجل في حق ثم عزله وتولى الطلب بنفسه، فشهادة الوكيل له جائزة.
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم فيمن له قبل رجلين حق وأيهما شاء أخذ بحقه، فأقر أنه قبضه من أحدهما والآخر يقول: أنا دفعته إليه، فشهادة القابض للدافع جائزة هنا، إذ ليس عليهما شيء يجر به إلى نفسه شيئا.
ومن كتاب ابن سحنون في قاسمين قسما [بين قوم] بأمر قاض أو بغير أمره، لم تجز شهادتهما لأنهما شهدا على فعل أنفسهما.
وفي كتاب ابن حبيب : أن شهادة القاسم جائزة عند القاضي الذي أمره بالقسم، وأما عند غيره فلا تجوز، لكن عند القاضي الذين أمره إن حفظ أنه أمره، وهذا كله قد ذكرناه في آخر كتاب القسم [ وفي الرجل يشهد لغيره أو لمن يتهم عليه في الوصايا وغيرها، ويشهد في كل شيء كان أصل ملكه له]. [8/326]
***(1/321)
[8/327] ومن المجموعة : قال ابن وهب عن مالك في رجلين كان لهما على رجل مال، فشهد أحدهما لصاحبه بنصف المال: أن شهادته مردودة لا تجوز، إذ لا تجوز شهادة أحدهما للآخر، قال أشهب : ولو شهد شاهد أن المال على رجلين لرجلين، وأحد المشهود لهما ابن أحدهما أو أبوه أو عبده أو من لا تجوز شهادته له لظنة أو قرابة، فلا أرى شهادتهما له جائزة، لأن المشهود لهما شريكان في المال، لا يأخذ احدهما شيئا إلا دخل فيه الآخر، ولو كانا قسما المال قبل الشهادة جازت شهادتهما لمن لا يتهمان عليه، وسقطت في الآخر، إذ لا يدخل فيما اقتضى الآخر، قيل : فإن شهدا فلم يقض بشهادتهما حتى اقتسما، قال : إن كان القاضى قد قضى بشهادتهما نفذ حكمه، وإن لم يقض فشهادتهما لمن لا يتهمان فيه جائزة، إذ لا يدخل الآخر فيما يقبض.
ومن كتاب ابن المواز: ومن شهد بشهادة له فيما ولغيره لم تجز إلا أن يكون الذي له فيها [يسير جدا، وكذلك إن كان الذي فيها]إنما هو لقريب له أو لمن يتهم عليه ولأجنبي إن قل الذي له فيها، وإن شهد على وصيتين مختلفتين وله في أحدهما شيء فإن كان يسيرا، وإلا لم تجز فيها جميعاً، قال ابن القاسم: وكذلك إن شهد على وصيته في الصحة وأخري في المرض وله فيها شيء.
ومن العتبية والمجموعة : روى أشهب وابن نافع عن مالك في رجلين شهدا في وصية أوصي لأحدهما فيها بستين ديناراً / ، وللآخر بثوبين ، فأما الموصى له بستين دينارا فلا تجوز شهادته، وأما الموصى له بثوبين: فإن كانا يسيري الثمن [8/327]
***(1/322)
[8/328] جازت شهادته، وإن كثر لم تجز، وإن كان الموصى له بالستين شهد في وصية بعدها لم يوص له فيه بشيء لم تجز شهادته، وإذا لم تجز في الأولى لم تجز في الثانية. ونحوه في كتاب ابن المواز. محمد : إلا أن يشهد أنه أبطل الأولى فيجوز في الثانية [قال مالك]، وإن كان مع شاهد الثوبين – وهما يسيرا الثمن – غير عدل جازت شهادتهما.
قال ابن نافع في المجموعة : وإن كان الذي شهد بالثوبين لنفسه لا تجوز شهادته فيها لأنه يتهم على مثلهما. فإن أهل الوصايا يحلفون مع شهادة الآخر ويستحقون وصيتهم، ويحلف الموصي له بالثوبين مع شهادة الشاهد له ويأخذهما.
قال ابن نافع عن مالك: وإذا شهد في وصية له فيها شيء ولغيره، ومعه من ليس له فيها شيء فشهد، فإن كان ما للشاهد فيها يسيرا لا يتهم [فيه. جازت له ولغيره ولا يمين عليه مع الشاهد الآخر، وإن كان شيئا له بال] لغيره، وقد كنت أرى ألا تجوز في قليل ولا كثير، ثم رأيت هذا.
قال ابن القاسم عنه فيمن أوصى في مرضه إلى امرأته أو إلى ثلاثة نفر أحدهم غائب، وقد أوصى لهم فيها بشيء ولم يشهد عليها الحاضرين، ولا شهد عليها غيرهم، قال : إن كان ما أوصى لهما به يسيرا لا يتهمان فيه جازت شهادتهما، قيل لابن القاسم: فهلا اتهمتهما فيما يليان لليتامى، وما بأيديهما، ومن قوله فيمن شهد بمال في يديه وديعة: أن ربه تصدق به على غائب/ لا تجوز شهادته لبقائه في يديه، وقال : إنما جاز هنا لما في الوصية من العتق والدين[8/328]
***(1/323)
[8/329] والوصايا، ولقلة ما شهدا به، فإنهما في عدالتهما يصلحان لبقاء المال في أيديهما فعند الحاكم نظر منه. ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: لا تجوز شهادتهما بحال، وما أعرف هذا.
ومن كتاب ابن المواز: روى عن مالك في شهيدين أوصى لهما، وأشهدهما في ثلثه أنه للمساكن، وثلثه أنه لجيرانه، وثلثه لهما ، قال : هذا يسير : وتجوز لهما ولغيرهما، ولو كان شيء له بال لم تجز لهما ولا لغيرهما. وقد قيل ك لا تجوز أصلا قل أو كثر، وبهذا قال ابن عبد الحكم، قال محمد يعني قول مالك إن كان المال كثيراً مما تسعه له بال فلا يجوز له ولا لغيره.
ومن كتاب ابن سحنون : قال يحيى بن سعيد فيمن شهد في وصية قد أوصي له فيها، فإن كان وحده لم تجز له وجازت لغيره، وإن كان معه شاهد جازت له ولغيره، قال سحنون : قوله : تجوز لغيره . يريد : مع أيمانهم إن كان ما شهد به لنفسه تافها، وأما إن كان كثيراً فلا تجوز له ولا لهم، وإن كان معه شاهد جازت شهادتهما إن كان ما شهد به لنفسه تافها، ويأخذه بغير يمين، كما لو شهد رجلان في وصية أوصي لهما فيها بتافه لأخذ التافه بغير يمين.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون فيمن شهد فيما أوصي له فيه، فإن كان الموصى به تافها جاز لغيره ولم تجز له، قال ابن حبيب: لا تعجبني، وروى مطرف عن مالك : تجوز في الجميع/ وبه أقول، قال مطرف وابن الماجشون في الوصية لا يشهد عليها إلا رجلان [قد وصي] لهما فيها، وفيها عتق وديون. فإن [8/329]
***(1/324)
[8/330] كان أشهدهم في كتاب كتاب فيه شهادتهما [ردت شهادتهما فيه أجمع، فإن كان ما أوصى لهما به له بال إذ لا تجوز بعض شهادة ويرد بعضها، وإن كان إنما أشهدهم في كتاب كتبوا في شهادتهم] فهذا بعد موته أنهما شهداء عليه أجمع مكتوبا مفروغا منه، فلا تجوز شهادتهما فيه أجمع، وإن كان إنما أشهدا عليه لقضاء دين وعتق ووصية لغيرهما ووصية لهما نسقا أو متفرقة، فشهدا بذلك لفظا عند الإمام، أو واضعوهم به كتابا بعد موت الموصي أو قبل موته ولم يعلم به، طرح من ذلك ما شهدا به لأنفسهما بالغا ما بلغ في كثرته، وأمضي ما شهدوا به لغيرهم، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم : وإن شهد لورثة أحدهم زوجته لم يجز لها ولا لغيرها، قال أصبغ: لأن أصلها ظنة، فأما على عتق ومال فإنها لا تجوز في العتق وتجوز في المال، لأنها ردت لا لتهمة.
ومن المجموعة والعتبية : قال ابن القاسم : ومن أوصي له في وصية ببقية الثلث فشهد عليها، والوصايا تحيط بالثلث ولم يبق منه شيء، قال : إن كان الميت يداين الناس حتى يشك أن تكون له على الناس ديون تلبث لم تجز شهادته، وإن كان لا يداين الناس جازت شهادته.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه : وإن شهد رجل لرجل في سهم في شرب عين أو نهر/ أو حق في أرض، وكان أصل ذلك كله بينه وبينه مقاسمة، ثم شهد له الآن بملكه لذلك الذي صار له في القسم من أصل عن أو أرض، فشهادته له جائزة. [8/330]
***(1/325)
[8/331] ومن المجموعة: قال المغيرة فيمن افترى على جماعة من الناس هل تجوز شهادة أحدهم لمن قام به منهم، وكيف إن قال الشهود: نحن لا نطلبه؟ فقال: إن كان افتري على على جماعة عظيمة فقال مصر أو أهل مصر أو الشام أو ملكة، جازت شهادة من شهد منهم لبعد الحمية والغضب من هذا، وإن قاله ليظن أن يجد مثل زهرة أو مخزوم أو قرية غير كبيرة، فلا تجوز شهادة بعضهم فيه ممن عني بالقول للتهمة.
وأجاز سحنون شهادة من شهد على رجل أنه قطع من مسجد شيئا إلى داره، أو من طريق العامة، وإن كان من طريقه أو من مسجده الذي يصلي فيه إذا لم يلي هو الخصومة في ذلك.
قال ابن القاسم فيمن ترك امرأته وأمه وابنه، فادعى الابن ما ترك أبوه، وادعت المرأة بعضه، ثم اصطلحوا فأخذت المرأة بعض ذلك، وأخذ الابن بعضا، وتركت الأم ميراثها، ثم ماتا فادعى ورثة الزوجة بعض ما بيد الإبن، وشهد للإبن بعض ورثة الأم بصلحه للمرأة، فقال ورثتها : أنتم ورثته، فقالوا : قد تركت أمنا جميع ميراثها. قال: شهادتهم جائزة إذ لا يجرون هنا شيئا لأنفسهم.
وقال فيه وفي العتبية من رواية عيسى فيمن احتضر، ووثته أخواه وابنته، وأخوه شاهدان في حق، فقال لهما : اتركا منه مورثكما ، أو يتركه أحدكما/ لتجوز شهادته فيه، ففعلا أو فعل، قال : لا تجوز شهادته.
ومن العتبية : قال أصبغ فيمن ترثه ابنته وأخواه فطلبتهما الإبنة فتركا لها ميراثهما منه قبل موته، فلما مات وجدت الإبنة ذكر حق بشهادتهما، قال: [8/331]
***(1/326)
[8/332] تجوز شهادتهما فيه، إذ لا يجران إلى أنفسهما شيئا، إذ قد سلماه قبل أن يملكاه الملك التام، ولو وهباه بعد تملكهما له ملكا تاما لم تجز شهادتهما فيه.
قال أصبغ فيمن شهد أن هذه الدار لأبي مات وأوصى بها لفلان، وهي تخرج من الثلث، وهي بيد من ينكر ذلك، قال: لا تجوز شهادته، إذ قد يلحق أباه دين فيجر بذلك إليه نفعا.
ومن كتاب ابن سحنون: وسمعت بعض أصحابنا بنقل عن من حبس عند موته على أهل الحاجة من قرايته حبسا، وشهد في ذلك أهل الغنى من قرايته، قال: إن كان الذي تصدق به يريد في حبسه الشيء اليسير لا يكون فيه لهؤلاء عظمة إن احتاجوا، جازت شهادتهم، وإن كان الشيء الكثير لم تجز شهادتهم.
في شهادة الوصي لليتامى
أو يوصي معه وارث أو رصي
أو يشهد في الوصية وقد أسندت إليه
من المجموعة : قال ابن نافع عن مالك في ولي اليتيم يشهد له وهو يخاصم له قبل الخصومة أو بعدها، قال : إن شهد له في مال يلي قبضه، لم تجز شهادتهما قبل ولا بعد، وأما غير ذلك مما في الوصية ما لا يلي قبضه فذلك جائز. [8/332]
***(1/327)
[8/333] قال ابن نافع : إن قام هو بالخصومة والشهادة لم تجز شهادته له، وروى علي عن مالك / في الوصي يشهد لورثة الميت وعصبته، قال: شهادته لهم جائزة.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك : ولا تجوز شهادة الوصي لمن يلي عليه، قال أصبغ: إلا بعد زوال الولاية عنهم، قال ابن القاسم: ولو شهد لهم بالولاية فردت لم تقبل بعد ذلك، قال مالك: وتجوز شهادتهم عليه في الولاية. وفي كتاب الوصايا باب من هذا.
ومن العتبية : قال سحنون في القاضي يأتيه رجلان بكتاب مختوم فيه شهادتهما على وصية وهما الوصيان، قال : يسألهما فإن قبلا الوصية؟ فإن قالا : نعم رد شهادتهما، وإن قالا: لا نقبلها، أمضى شهادتهما، ووكل عليها من يراه أهلا لها.
جامع ما ترد به الشهادات من التهم
من كتاب ابن المواز : ومن أوصى لرجل بعبده، ولرجلين بثلث ماله، فشهدا أن الموصى له بالعبد قتل الموصي، لم تجز شهادتهما، إذا لهما فيه منفعة، ولو لم يوص إلا بمقدار ثلثه. جازت شهادتهما لارتفاع الحصاص، محمد : شهادتهما جائزة بكل حال إذ لابد من الحصاص إما لهما وإما للورثة، ولو شهدا أنه قتله بعصى ولم يفق، سقطت وصيته، وحاصه الورثة، فلابد للورثة أن يحاصوا الموصى لهم بوصية القاتل، وكذلك من أوصى بعبد مبدا وبوصايا لقوم، فشهدوا الموصى [8/333]
***(1/328)
[8/334] لهم أن الموصى له بالعبد قتل الموصي، جازت شهادتهم إذ لا نفع لهم بها، لأن الورثة يقومون مقام الموصى له بالعبد.
ومن كتاب ابن حبيب : ومن شهد/ على رجل ينكح امرأة : أنه حلف بطلاقها البتة إن تزوجها، ثم ثبت على الشاهد بينة أنه كان خطبها قبل يتزوجها هذا، قال : تقبل شهادته ولا يحلف المشهود عليه، وقاله ابن القاسم، وقال أصبغ : تجوز شهادته، ولم يأخذ به ابن حبيب.
ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في شاهدين شهدا لرجل أن قاضيا مات أو عزل قضى له بكذا، وأنه بشهادتهما حكم، فشهادتهما جائزة ولا يتهمان، وقال عنه أصبغ: ولا تجوز، وقال عنه سحنون : إذا شهدا على حكم قاض، وقال أحدهما: بشهادتي حكم مع غيره، قال : لا تجوز شهادتهما على الحكم، لأنه يريد إمضاء شهادته، قال : ولو كان اللذين شهدا على الحكم قالا: بشهادتنا حكم وأشهدنا على حكمه، فهي جائزة، لأنه يحكم بشهادتهما، وإن لم يشهدا على أنه حكم بها : قال ابن حبيب : قال مطرف : تجوز شهادتهما إن كانا عدلين.
وقال ابن الماجشون وابن نافع وأصبغ : لا تجوز على أصل الشهادة ولا على الحكم بها للتهمة، وهي شهادة واحدة تسقط بسقوط بعضها، وقال ابن القاسم مثل قول مطرف، بقول ابن الماجشون.
قال ابن حبيب : إذا كان الأمران جميعا في شهادة واحدة ولو لم يجمعاهما، وشهدا على أحد الأمرين وسكتا عن الآخر، إما على الأصل في الحق ، وإما على [8/334]
***(1/329)
[8/335] الحكم، فجائزة، وكذلك لو شهادا بحق عند قاض فكتب بذلك إلى غيره لم تجز شهادتهما على كتابه، ولا/ على أصل الحق إذا جمعا الشهادتين، إلا أن يفردا إحداهما فتجوز، وقاله أصبغ.
وذكر ابن سحنون عن أبيه في سؤال حبيب عن رجل استخلف رجل وامرأتين على تركته وولده وديونه، فأشهدتا المرأتان لرجل يقوم مقامهما مع الخليفة أنهما وكلتاه، هل تجوز في ذلك شهادة الوصي معهما مع الرجل على توكيل المرأتين ؟ قال: لا تجوز؛ لأن الوصي يحاكم الغرماء فلا تجوز شهادته عليهم بوكالة في ذلك.
في شهادة الوارث في الوصية والعتق
والصدقة وفي دين على الميت
من العتبية : قال ابن القاسم : قال عبد العزيز بن أبي سلمة في شهادة الوارث في العتق والصدقة: إنها جائزة حصته فيهما، قال : وإن كان عدلا جازت شهادته على من تصدق به عليه، وأما العتق فلا يحلف عليه ولا يقوم عليه، وقال مالك : لا يعتق منه شيء إلا أن يشتريه فيعتق عليه.
ومن سماع عيسى: وعمن احتضر فقال : ما شهد به ابني من دين أو غيره فهو مصدق إلى مائة دينار، أو لم يوقت وقتاً، ثم مات فشهد ابنه لقوم بديون، وشهد لبعض الورثة، فلا يثبت ذلك إلا بيمين إن كان عدلا كالقضاء، وإن لم يكن عدلا، أو نكل المشهود له عن اليمين لزم الشاهد قدر ميراثه من هذا الدين، وإن كان سفيها لم يجز إقراره في ميراثه، قال مالك: ولم يحلف الطالب. [8/335]
***(1/330)
[8/336] قال المغيرة في التي ماتت وليس لها وارث إلا بنات، فشهد أخوها وزوجها أنها حنثت في رقيق لها./ فلا تجوز شهادتهما، ويعتق عليها حظهما من الرقيق، ولا يقوم عليهما ما بقي.
ومن كتاب ابن سحنون : قال أشهب : إذا شهد رجلان أن الميت أعتق هذا العبد، وهو يخرج من الثلث، وشهد آخر بعتقه لعبد آخر: فالعتق للأول منهما، إذ ليس له أن يدخل عليه ما ينقص من عتقه، وإن كان أعتقهما في وصية أسهم بينهما فعتق نصف قيمتهما. قال سحنون : لا يسهم في هذا، إنما السهم في قوله : عبيدي أحرار، وأما إذا سماهم بأسمائهم فإنما يعتق بالحصص. وبقيت مسائل من شهادة الورثة بالعتق على الميت قد جوت في كتاب الوصايا.
ومن كتاب ابن سحنون : ومن هلك عن ولدين وترك عبدا، فقال أحدهما: أعتق أبي جميعه، وقال الآخر : إنما أعتق نصفه لاجتماعهما عليه، ويعتق على الذي قال جميعه : ما يصير له من حصته، لأنه لا يكون ذلك ضررا على صاحبه؛ لأنه أعتق حرا فيه العتق ولم يزد هذا فسادا، ولو كان عبدين فقال أحدهما: أعتقهما أبي، وقال الآخر : أعتق أبي أحدهما بعينه، فليعتق من اجتمعا عليه، ولا يعتق عليه الآخر، ويبقى بين الورثة، فإن ملكه المقر عتق عليه، وإن بيع جعل حصته منه في عتق، ولا يعتق عليه حصته فيضر بشركائه.[8/336]
***(1/331)
[8/337] في شهادة المحدود والقاذف وولد الزنا وولد الملاعنة
من العتبية : روى سحنون عن معاوية بن أبي صالح، عن العلاء بن صالح/ عن مكحول يرفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لا تجوز شهادة سنة: مضروب حدا، ومجرب عليه شهادة زور، والخائن والخائنة، والقانع، وذو الغمر. والغمر : الغل.
قال سحنون : قال ابن وهب : قال ابن شهاب : وقد أجاز عمر شهادة من تاب من الذين جلدهم في المغيرة، قال سحنون: وإجازته لشهادة من تاب منهم بين المهاجرين والأنصار فما أنكره أحد منهم، دليل على أنهم رضوا ذلك، ولا نعلم أحدا من الصحابة رد شهادة القاذف بعد توبته، ولا يحتج من خالفنا بأكثر من شريح، ولا يحتج بتابعي على الصحابة، ولا على صاحب واحد إذا لم يعلم من الصحابة من يخالفه، وقد روينا عن شريح خلاف قولهم.
وقال مالك في المجموعة : ومن جلد حدا من حدود الله ثم تاب توبة ظاهرة معروفة فشهادته جائزة، وقال أشهب في المحدودين في القذف أو غيره من الحدود كلها إذا حسنت حاله وتاب، جازت شهادته، قال الله تعالى : ( إلا الذين تابوا). قال ابن القاسم : قال مالك في العدل يقذف رجلا فيجلد: أن الإمام لا يقول له : تب، ولو قال له : تب لم ينفعه ذلك، ولو قال: لا أتوب ويصر على ذلك، فإذا ظهرت توبته جازت شهادته. قال ابن كنانة : فإذا كان معروفا [8/337]
***(1/332)
[8/338] بالصلاح فمعرفة ظهور التوبة منه يطول، وليس كمن كان معروفا بالسوء، لأن من عرف بالخير لا يتبين تزيده فيه إلا بالترداد والتزيد فيه.
قال ابن القاسم وأشهب في القاذف: لا ترد شهادته حتى يجلد، وقاله سحنون في كتاب / ابنه، وقال ابن الماجشون في الكتابين: إذا قذف سقطت شهادته إذا رفع ذلك عليه ولم يأت بالمخرج مما قال، حتى إذا تاب وأصلح ما قذف، حتى بلغ حالا لا تجوز معه شهادته معه لو حد، لقبلت شهادته وحد، وكانت شهادته حين حد إذ قيم عليه وقبل أن يحد جائزة، لأن التوبة إنما هي من القذف لا من الحد.
ومن العتبية : قال سحنون فيمن حد في قذف أو زنا أو شرب خمر أو سرقة فلا تجوز شهادة أحد منهم فيما حد فيه وإن تاب كائنا ما كان، وهي كشهادة ولد الزنا في الزنا فإنها إنما ترد للتهمة أن يكون الناس به أسوة. وقاله أصبغ.
ومن المجموعة : روى ابن وهب عن مالك أن شهادة ولد الزنا في كل شيء جائزة وما يشبهه من الحدود، وقاله الليث.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية وقاله ابن القاسم أيضا في المجموعة : تجوز شهادة ابن الملاعنة في الزنا بخلاف ولد الزنا.[8/338]
***(1/333)
[8/339] وقال سحنون في العتبية فيمن جنى على رجل جناية فاقتص له منها: أن شهادته لا تجوز من مثل ذلك الجرح، وقال في كتاب ابنه: أن شهادة ولد الزنا جائزة في كل شيء إلا في الزنا والقذف.
قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون في القاذف إذا تاب فإن شهادته تجوز في كل شيء إلا في الزنا والقذف واللعان، وكذلك المنبوذ لا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنا، لا في قذف ولا غيره وإن كان عدلا، وكذلك قال مالك، قالا: وإن قطع في سرقة لم تجز شهادته في / السرقة وإن ظهرت توبته، وكذلك إن قتل عمدا فعفي عنه ثم حسنت حالته فتوبته مقبولة، وشهادته جائزة إلا في القتل، وكذلك الرجل يحد في السكر: [إن شهادته تجوز في كل شيء إلا في السكر]، وقاله أصبغ.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون : قال ابن كنانة فيمن ضربه الإمام نكالا، هل تنتظر به التوبة في قبول الشهادة؟ قال: ليس الناس في هذا سواء، ولا ما ينكلون فيه من الذنوب سواء، وقد نكل ناس بالمدينة لهم حال حسن بشيء أسرعوا فيه إلى ناس، وشهادتهم في ذلك تقبل، ليس لأحد فيها مغمز، فأما من ليس بحسن الحال إلا أن شهادته تقبل، وليس بمشهور العدالة، يأتي بالأمر العظيم مما فيه النكال الشديد، فلينظر في هذا، وإنما يعرف هذا عند نزوله، وأما الشتم ونحوه وهو في غير ذلك يعرف بالصلاح، فلا ترد شهادته في ذلك، وقال في الذي يجلد في الفرية والزنا إذا ظهرت توبته: أنه تقبل شهادته في القذف والزنا وغيره.
قال مالك في كتاب ابن سحنون في من جلد من أهل الخير [في قذف فكيف تعرف إجازة شهادته بعد ذلك، وقد كان من أهل الخير؟]، قال: [8/339]
***(1/334)
[8/340] ازداد درجة إلى درجته التي كان فيها، قال سحنون : ولم ير أصحابنا إكذاب القاذف نفسه مما تجوز به شهادته.
في شهادة البدوي على القروي
من الواضحة : روى ابن حبيب، عن عطاء ابن يسار، عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا تجوز شهادة البدوي على القروي، ورواه ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، ونافع بن يزيد، عن ابن الوهاد، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عطاء ابن يسار، عن أبي هريرة / عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية.
قال محمد بن عبد الحكم ومالك : يتأول ذلك في الحقوق إذا شهدوا في الحاضرة، لأنها تهمة أن يشهد أهل البادية ويدع من معه من أهل الحضر، وأجازها في الدماء والجراح وحيث تطلب الخلوات والبعد من العدول.
قال مالك في العتبية والمجموعة من سماع ابن القاسم، ورواه عنه ابن وهب : لا أرى شهادة البدوي تقبل في أهل القرى، لأنه يجد الثقات من الحاضرة، والذي يشهد البدوي ويترك جيرته من أهل الحاضرة مريب، وأما الجراح فتجوز فيها شهادة البدوي إن كان عدلا على القروي؛ لأنه يلتمس فيها حين الغفلة، ولا يقدر على احضار الشهداء.
قال في المجموعة : فأما إن كانت الشهادة في البادية : فشهادة أهل البدو على القروي في ذلك جائزة، مثل أن يحضره بها الوفاة فيوصي أو بيبع بها أو يبتاع [8/340]
***(1/335)
[8/341] قال ابن القاسم في الكتابين: وتجوز شهادتهم على رؤية الهلال إن كانوا عدولاً مثل ما تقدم من ذلك.
في كتاب ابن المواز عن مالك قال عنه ابن القاسم في هذه الكتب: ومن خرج إلى بادية فسكن فيهم وانقطع إليهم، فشهادتهم له جائزة، قيل: إنه كان في معدن وقد انتقل أهله وسكنه الأعراب، قال : فشهادتهم له جائزة.
ومن العتبية وكتاب ابن المواز : قال مالك : إذا هلك الرجل بالبادية وقد كان يتجر بها فادعى غلام معه أنه عتق: قال في العتبية : إنه دبره، وكذلك في كتاب ابن سحنون، فشهد له با دون عدول / فشهادتهم له جائزة.
ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : لا تجوز شهادة البدوي على القروي في الحقوق والأشرية وشبهها، وتجوز في مثل القتل، والجراح، والضرب، والزنا، والسرقة وأشباه ذلك، وذلك إذا عرف أن البدوي كان حاضرا يوم كان ذلك، وقاله مالك وابن عبد الحكم وأصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون : قال مالك : ولا تجوز شهادة البدوي للقروي على بيع ابتاعه أو قضاء قاض، أو صدقة تصدق بها في الحاضرة، وأما الحضري يموت بالبدو، أو سلعة بيعت فيهم، أو صدقة كانت بين أظهرهم، ولم يجد الذي احتاج إلى الإشهاد بدا من إشهاد من حضر منهم من أهل العدل، ولو لم يفعل ذلك بطل حقه، وبطلت وصية الميت، فهذا تجوز شهادتهم في مثله. [8/341]
***(1/336)
[8/342] في الشاهد يشهد عند الحاكم فلا يحكم به
حتى يموت أو يعمى أو يصيب ذنبا يجرح به
أو يقاتل من شهد عليه
من المجموعة: قال أشهب: إذا شهد الشهود عند الحاكم، ثم جنوا جنونا لا إفاقة معه أو معه إفاقة، أو جنوا جناية خطأ، فلا ترد شهادتهم بذلك إلا أن تكون جناية عمدا [قبل التعديل أو بعده قبل القضاء بها، فلترد شهادتهم، وكذلك ما أحدثوا من الزنا]، أو قذف، أو شرب خمر، أو غير ذلك مما يجرحهم، إلا أن ينفذ القضاء بهم قبل أن يصيروا إلى ذلك [فقد بعد] ويقام عليهم ما لزمهم من حد.
ومن كتاب ابن سحنون ومثله في المجموعة : قال : وإذا كتب القاضي شهادته ولم يحكم بها حتى قتل قتيلا/ على نايرة، أو قذف رجلا، أو قاتل المشهود عليه، فلا يسقط هذا شهادته التي توقف عند الحاكم إلا أن يحدث ما يستره الناس من الزنا والسرقة، وشرب الخمر مما يخفيه الناس، فتسقط شهادته تلك بذلك، وقال محمد: لأنه يظن أن ذلك مما فعله قديما وليس مما يعلنه . قال : ولو حكم بهذه البينة في حد وأقر به فلم يقم حتى ظهر منهم على ما ذكرت من شرب خمر أو فسق أو ردة فالحكم نافذ لا يرد، وإذا لم يحكم بها بطلت شهادتهم، وقاله أشهب، وهو كالرجوع قبل الحكم أو بعده، كانوا شهدوا في سرقة أو زنا أو قذف أو قصاص أو حقوق الناس.[8/342]
***(1/337)
[8/343] قال أشهب في الكتابين: ولو قاتل المشهود عليه البينة قبل الحكم وبعد الشهادة، لم يبطل ذلك شهادتهم.
ومن العتبية والمجموعة: قال سحنون عن ابن القاسم: وإذا شهد فلم يحكم بشهادته حتى وقع بينه وبين المشهود عليه خصومة فإن شهادته لا ترد.
قال أشهب في العتبية فيمن شهد لامرأة بشهادة فلم يحكم بشهادته حتى تزوجها : أن شهادته ماضية، بخلاف من أوصى لرجل وليس بوارثه، ثم يكون وارثه بعد ذلك، فلا تجوز تلك الوصية، وفرق بينهما: أن الشهادة للزوجة إنما ترد بالظنه، والظنة إنما حدثت بعد الشهادة، كما لو شهد عليه فلم يحكم بها حتى صار بينه وبينه خصومة فشهادته ماضية.
قال ابن حبيب عن أصبغ: سألته عن قول ابن القاسم وأشهب في البينة تشهد على حق/ لله أو حق لعباده، فيحكم بشهادتهم فلا يقام الحد ولا يؤخذ الحق حتى أحدثوا فسادا في حالتهم: إن ذلك ماض نافذ، وقال أصبغ : أما في حق العباد فكذلك نقول، وأما الحد الذي لله تعالي لا لغيره فلا ينفذ، وفارق عندي الحقوق، وقاله مطرف، وهو قول ابن حبيب. وقال في الشاهد يشهد فلا يقضى به حتى يزني، أو يسرق ، أو يقتل، أو يجرح، أو يسوء حاله بوجه وهو يوم شهد عدل، قال مطرف : لا يقطع بها، وإنما ينظر إلى حاله يوم يقطع بشهادته، وذكر عن ابن الماجشون نحو ما قدمنا ذكره مما يسر أو يعلن.
وقال مطرف فيمن شهد على رجل سلم له فلم يحكم عليه حتى عاداه: أن شهادته ماضية، لأن المطلوب قد يتعرض لعداوته ليسقط بها شهادئه، وهو بخلاف ما يحدثه الشاهد مما يصيره إلى الجرحة، وقال ابن الماجشون: ولو كان أشهد قوماً [8/343]
***(1/338)
[8/344] على شهادته أو سمعوها منه قبل ذلك ثم عاداه فشهد عليه بعد العداوة، فشهادته جائزة كما لو قام بها عند سلطان فرفع بها في ديوانه قبل العدواة، وكذلك كل ما أحدث مما لا يستتر به مما يجرحه مثل القتل والقذف وشبهه، فإن شهادته جائزة إذا كانت قد فسدت قبل ذلك، وقول مطرف أحب إلي، وإن حكم حاكم بقول ابن الماجشون : ما أخطأ.
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : ومن شهد على رجل بطلاق البتة عند الإمام وقبله، فأحلف المشهود عليه، ثم نكث الشاهد وأخذ في نعته/ ثم شهد آخر بمثل شهادته، قال: لا يقبل الأول عليه، لأنه يوم تضم شهادته إلى الآخر غير عدل.
في الشاهدين يشهدان على ما يؤدي
إلى ما لا تجوز معه شهادتهما
من رقهما أو حد يلزمهما أو نحو ذلك
ومن المجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن الماجشون : وإذا شهد رجلان أن فلانا طلق امرأته وأعتق جاريته، ثم رأيناه يزني بهما، فلا تقبل شهادتهما في الطلاق والعتق، لأن ذلك يوجب عليهما حد القذف، ولا حد عليهما إذا لم يثبت الطلاق والعتق، وقال أصبغ في العتبية: يحدان، ولا تجوز شهادتهما، لأنهما يقولان: هذا زان. وذكر ابن حبيب عن أصبغ مثل قول ابن الماجشون، قال ابن الماجشون وأصبغ في العتبية والواضحة: ولو شهدا عليه بطلاقها، وشهدا أنهما رأياه على بطنها أو في لحاف عريانين جميعاً: فالطلاق لازم، ويؤدبان فيما فعلا من ذلك،[8/344]
***(1/339)
[8/345] وقال سحنون في العتبية مثله. محمد، وفيهما اختلاف يعني في المسألة الأولى، لأن ابن القاسم يقول: شهادة القاذف أبدا لا ترد حتى يقام عليه الحد، فإقامه الحد تبطل شهادته، وأرى على جواب عبد الملك أن لو صدقها الزوج في طلاقها البتة، والسيد في العتق، وكذبهما في الوطء كان عليهما حد القذف، وقاله أشهب.
ومن كتاب ابن سحنون وأراه لعبد الملك: وإذا شهد رجلان على رجل أنه طلق امرأته بائنا والزوج يجحد، فأقر بأنه وطئها من بعد وقت الطلاق الذي/ أرخاه، فلا حد على الزوج، ويلزمه الطلاق.
قال ابن سحنون : ولو شهدا بالطلاق، وأنهما رأياه يطؤها بعد الطلاق، بطلت شهادتهما في الطلاق والحد.
قال سحنون : وإن شهد أربعة أنه طلقها، وأقر الزوج بالوطء بعد وقت الطلاق وجحد الطلاق، حددته، وإن قالوا : نشهد أنه طلقها ووطئها، حددته أيضاً، وروى على عن مالك فيمن شهد عليه أربعة عدول أنه طلق امرأته البتة وأنهم راوه يطؤها بعد ذلك وهو مقر بالمسيس أنه يفرق بينهما ولا حد عليه.
قال سحنون : وأصحابنا يأبون هذه الرواية ويرون عليه الحد.
ومن العتبية : قال أصبغ وسحنون، وهو في كتاب ابن المواز، وذكره ابن عبدوس عن ابن الماجشون فيمن هلك ولم يدع وارثا إلا ابن عم له، وقال بعضهم : إلا أخ له فيما يظهر فأعتق غلامين ممن يورث عن الهالك، ثم شهدا بعد عتقهما أن سيدهما في حياته أن جاريته فلانة حامل منه، ثم ولدت، فلا تجوز شهادتهما لأن إجازتها يرقها.[8/345]
***(1/340)
[8/346] قال أصبغ في العتبية : ولو أعتق رجل عبدين ثم شهدا أنه غصبهما مع مائة دينار، فشهادتهما تجوز في المائة ولا تجوز في غصبه إياهما، وقيل : فكيف يجوز بعضهما ويرد بعض؟ قال: كما لو شهد امرأتان في عتق ومال لقبلت في المال دون العتق. وقال سحنون في كتاب ابنه: لا تجوز في المال ولا في أنفسهما، قال: ولو بتل عتقهما في مرضه وله مال مأمون، أو عتقها بعد موته بذلك أو من وصية ثم شهدا بحمل أمة أنه منه/ بعد تنفيذ الوصية لهما أو قبل، قال : تجوز شهادتهما إن حملهما الثلث إذ لا يرقان بشهادتهما، وأما إن كان الثلث لا يحملهما، فاستتمه الوارث على نفسه لهما، لم تجز شهادتهما، ويصبرا كأول المسألة لأن ذلك يرق منهما ما فضل عن الثلث. قال ابن القاسم في المجموعة: وإن لم يكن للموصى إلا الغلامان والجارية، وكان الغلامان ثلث ذلك، فعتقا ثم شهدا أن الجارية ولدت من سيدهما لم تجز شهادتهما لأن ذلك يرقهما.
وذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن مات وورثه أخواه فأعتقا عبدا من التركة، ثم شهدا أنه ابن أخيهما، جازت شهادتهما إن كانا عدلين، ونزع ما بأيديهما، والحقت النسب، ورددت عتق من أعتقاه، وإن لم يكونا عدلين لم يلحق نسب، ولم يرد عتق ولينزع للولد بما ورثاه، ولا يغرما قيمة ما أعتقاه، وقال أصبغ : لا يرد عتق من أعتقاه وإن كانا عدلين، ويغرمان القيمة، كانا عدلين أم لا. [8/346]
***(1/341)
[8/347] فيمن شهد بشهادة عند حاكم فردها لوجه
ثم شهد بها بعد ذلك، هل تقبل؟
من كتاب ابن سحنون عن أبيه : أجمع أصحابنا أن من شهد بشهادة عند قاض فردها لجرحة، أو لجر إلى نفسه، أو لظنة أو تهمة لا لجرحة، كشهادته لابنه أو أبيه أو زوجته، ثم شهد بها بعد ذلك عند ذلك القاضي أو غيره بعد أن زالت جرحة المستجرح، وحسن حاله، وبعد زوال ما كان به ظنيناً من طلاق زوجته التى كان شهدا لها وشبه ذلك، فإن تلك الشهادة لا تقبل منه، لأن قاضيا حكم بردها/ قال محمد: فقلت له: قال أهل العراق بمثل هذا معك، ولكن قالوا : إن شهد صبي أو عبد أو نصراني فردت شهادتهم. ثم شهد بها الصبي بعد الحلم، أو النصراني بعد الإسلم، أو العبد بعد العتق، أنها تقبل، لأن العلة التى ردت لها قد زالت، وإلا فلا فرق بين ذلك وبين ما جامعونا فيه من شهادته لزوجته أو لعبده، ثم ردت، ثم طلق الزوجة، أو أعتق العبد، أنها لا تقبل، لأن قاضيا ردها، وإن كانت العلة التي لو ردت قد زالت، قلت: فقد روي عن الشعبي والحسن والنخعي في الصبي إذا شهد قبل أن يبلغ. والعبد قبل أن يعتق، والكافر قبل أن يسلم، أن شهادتهم بعد البلوغ والعتق والإسلام جائزة، قال: هذا غير مختلف فيه، وإنما منعناه إذا شهدوا في الحالة الأولى فردت شهادتهم، وإنما اختلف الناس إذا شهدوا في الحال الأولى فردت ثم قاموا بها بعد زوال تلك الحال.
قلت: فقد روي عن الحكم مفسرا قال: لا حجة بالحكم مع عثمان بن عفان، وقال مثله : وإبراهيم النخعي والشعبي والحسن ومكحول، قال : إنها تجوز ما لم ترد قبل ذلك، وقاله شريح وأبو الزناد وابن شهاب، واحتج أشهب بمثل ما[8/347]
***(1/342)
[8/348] تقدم من رد القاضي شهادة غير العدل والمتهم، ثم تزول الجرحة وما به اتهم، ثم يشهد بها فإنما لا تقبل. قال محمد : قلت لسحنون : وهؤلاء أهل العراق وقد قامت حجتك عليهم بالمناقضة، وأهل البصرة ساووا بين الجميع وقالوا: تقبل من العبد بعد عتقه، والصبي بعد / احتلامه، والكافر بعد إسلامه، وإن ردت في الحال الأولى، قال : لا يناظر هؤلاء، إذ لا سلف لقولهم من صدر الأمة من صاحب ولا تابع ولا تابع تابع، قال سحنون: ولولا الحكم بين عيينة ما كان للكوفيين سلف فيما خالفونا فيه، وما علمت لهم سلفا غير الحكم، وأما قول البصريين: لا يجوز قول القائل : ردت شهادتهم، إذ لا يجوز أن تسمع منهم، فهذا غلط منهم، لأن من رد عليه خبره قبل أن يسمع منه، إذ ليس بأهل أن يقبل منه كان هذا أقبح في الرد من رده بعد أن يسمع منه. ومسائل هذا الباب ومعناه فيه باب مفرد في كتاب القضاء باليمين مع الشاهد، وفيه : إذا أودعوا شهادتهم في الحال الأولى، ثم نقلت عنهم في الحال الثانية.
قال سحنون : ولو شهد عن الحاكم نصراني أو عبد أو مستجرح والحاكم لا يعرفهم، فكتب شهادتهم ثم لم يعلم بهم حتى عتق العبد وأسلم النصراني وحسن حال المستجرح فهي نافذة ويقضى بها، لأن الحاكم لم يردها.
في الرجل يشك في شهادته
وقوم يشهدون على شهادته
أو يجحد شهادته ثم يشهد بها
أي بما بقى منها، أو بنكوله بعد الشهادة
من المجموعة : روى ابن وهب عن ابن شهاب في الرجل يشك في شهادته، قال : لا تجوز شهادته وإن شهد عليه، وقاله مالك والليث، قال مالك : لا يجوز نقلها عنه ونسيها.[8/348]
***(1/343)
[8/349] ومن العتبية والمجموعة وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم عن / مالك : في مريض سئل عن شهادة فأنكرها وقال: كل شهادة أشهد بها بينكما فهي باطل، ثم شهد بعد ذلك، فإنه يسأل عن عذره، فإن قال : كنت مريضا فخفت ألا أثبت بما أشهد به، أو جاء بعذر يعرف وجهه فهي جائزة، قال في كتاب ابن المواز: ومن سئل عن شهادة فأنكرها ثم يشهد، فإن جاء بعذر قبل منه إن كان عدلا. ومن المجموعة : قال ابن وهب: إن أبا بكر بن حزم سأل القاسم بن محمد عن شهادة عنده فلم يذكرها ثم ذكرها بعد ذلك، قال في رواية أخرى : فلما كان بالطريق ذكرها فقبلها أو بكر، وقال : لو كان غيرك ما أجزنا شهادته.
قال سحنون: وكان القاسم اسمه فيها ولو لم يعلم أن شهادته فيها جائزة ما شهد، قال : والشاهد في شهادته كالحاكم إن رأى أنها تجوز يرفعها وإلا لم يرفعها، وقد رفع بعضهم شهادته وأخبر أن بينهم عداوة، فقال فيه وفي كتاب محمد ومن دعي إلى شهادة فلم يذكرها ثم ذكرها فإنها تقبل منه إن كان مبرزا لا يتهم ولو مر من طول الزمن ما يستنكر، قال ابن وهب عن الليث في المجموعة: إنما يقبل هذا من البين الفضل ممن لا يتهم، وقاله ابن القاسم إذا قال عند القاضي: ما أذكر، وماله عندي علم ، ثم عاد بعد أيام فشهد ، فإنه يقبل إذا كان لا يشك في عدله ولا يتهم، وقال سحنون : إذا كان مبرزا جازت شهادته إذا قال: أخروني لأنظهر وأفكر، وإن قال: ما عندي علم، ثم رجع فأخبر بعلمه، فقد اختلف فيها/ عن مالك، وأجازها ابن نافع إن جاء بها في قرب وهو مبرز، قال ابن المواز: قال أشهب : إن قال : كل شهادة أشهد بها فهي زور، قال : لا يضره ذلك وليشهد، وقاله أصبغ في الواضحة.[8/349]
***(1/344)
[8/350] ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في الشاهدين شهدا في صداق بكر بسبب، فأقام الزوج بينة أن لم يبق عليه منه إلا خمسون ، فجاء الأب بشاهدين أن تلك البينة قالا: لا نشهد بينهما بشيء، فإن قالا: قلنا ذلك لعلهما بصطلحان، فليقبلا، قال ابن القاسم : ومن شهد بثلاثين ديناراً ثم ذكر أنها كانت خمسين ؛ فإنه تقبل شهادته في ذلك كله، وقاله في المجموعة والعتبية. ومن الواضحة : قال ابن حبيب عن مطرف، وإذا قال: هي خمسون وكنت نسيت، وقت ادعى ذلك رب الحق أو لم يدعه، فإن كان بين العدالة قبلت شهادته، وإن كان على غير ذلك لم تجز شهادته، وقاله أصبغ، وقال ابن القاسم: إذا عاد فزاد أو نقص في شهادته، فإن ذلك يقبل من المنقطع في العدالة ممن لا يتهم في عقله، فإذا كان فيما زاد أو نقص ما ينقض الشهادة الأولى، وذلك بعد الحكم، فلا يقبل ولا يفسخ الحكم، وإذا زاد مالا ينقض الأولى قبل من المبرز، وكذلك روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية من أولها.
قال سحنون: وأنا أقول إن استقال الشاهد قبل القضاء أو بعده وادعى الغلط فإنه يقبل قوله، ويقبل فيما يستقبل إذا كان عدلا رضى.
قال ابن حبيب عن مالك فيمن سأل رجلا عن شهادته فأنكرها، أو سئل/ عنها المريض فلم يذكرها، ثم شهد بعد ذلك وذكر عذرا، قال ابن حبيب: وهذا إن سئل عنها عند الحاكم، أو سئل المريض عنها فيما ينقل عنه، و أما في غير هذين الموضعين فلا يضره إنكار شهادته كقوله للخصم : ما أشهد عليك بشيء، ثم يأتي ويشهد، فلتقبل منه ولا يضره القول الأول، وإن كان عليه بينة.
قال ابن المواز: قال أشهب وقاله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ فيمن شهد عند الحاكم فيوافيه المشهود عليه فقال : بلغني أنك شهدت علي بكذا، فقال: ما شهدت عليك به فأنا مبطل فيه، فليس هذا برجوع، وإن [8/350]
***(1/345)
[8/351] شهد به عليه، إلا أن يرجع عند شهادته، قال سحنون في العتبية : هذا رجوع على الشهادة إن كان على قوله بينه، وتبطل شهادته إن كان ذلك قبل القضاء، وإن كان بعد القضاء ضمن ما أتلف من المال.
قال أشهب في كتاب ابن المواز: ولو قال : زكيت فلانا وقد شهد على؟ فقال : لو علمت أنه شهد عليك ما زكيته، فلا يضره ذلك وإن ثبت أنه قاله.
فيمن قال رضيت بشهادة فلان ثم بداله
أو قال إن أقام على فلان بينة بدعواه فذلك في مالي
فأقام شاهدا فقال هذا أردت شاهدين
أو قال رجل لآخر افتضضت ابنتي
فقال إن قال النساء إن ابنتك مفتضة فأنا أفتضضتها
ثم نكل أو قال ما شهد لي به فلان فهو باطل
ثم شهد له، أو شهد ثم قال الشاهد:
إن كنت شهدت بهذا فأنا مبطل
من العتبية والمجموعة / وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك في الرجلين يتداعيان الشيء، فيقول أحدهما : رضيت بما شهد به على فلان، ثم بدا له قبل أن يشهد أو بعد أن يشهد وقال : ظننت أنه يقول الحق، فذلك له، ولا يلزمه قوله ذلك، قال ابن المواز: قال ابن القاسم : ولكن إن كان الشاهد عدلان قيل عليه. ونحوه في المجموعة عن ابن القاسم، ولكن إن كان ذلك في الأموال، وقال مالك : لا يلزمه ولا يقبل، عليه وإن كان عدلا، قال ابن القاسم: محمله عندي في غير الحقوق، يريد: الأموال، قال ابن دينار في العتبية : إذا تنازعا في شيء يظنه كل واحد منهما لنفسه ولا يستيقنانه ، فسألا الرجل فشهد لأحدهما، فذلك جائز، وليس كمسألة مالك. [8/351]
***(1/346)
[8/352] وقال ابن كنانة في المجموعة : إذا تنازعا أرضا أو دينا فادعي أحدهما شهادة فلان، فرضي الآخر به ثم نزع، فإن كان نازع خصمه فيما لا علم عنده منه مثل حدود أرض، أو دين على أبيه، أو أرض، أو دابة، أو رأس، أو ثوب، أو نحوه مما لا يعلمه الراضي، فذلك يلزمه شهادة من رضي به، كان عند إمام أو غيره، وليس له نزوع عنه، وإن قال : رضيت بشهادته في فعل فعله أو قول قاله يذكر أنه علم ذلك، أو سلف أسلفه أو نحوه، يقول : انه ممن يقول الحق ثقة بعدله فأنا فلان بخلاف ما يقول هذا أنه كان منه، فلا يلزمه ذلك، وقال سحنون نحوه في العتبية والمجموعة.
ومن العتبية / روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن ادعى على رجل أنه فتض ابنته، والرجل ينكر، ثم قال : ينظرها النساء، فإن لم تكن بكرا فأنا بها، فنظرها النساء فإذا هي مفتضة، فأنكر أن يكون هو بها، قال : لا يلزمه قوله الأول، لأنه يقول : رجوت أن أبرئها بنظر النساء، وأن تكون سالمة مما ظن بها أبوها، فلا صداق عليه ولا حد حتى يقيم على الإقرار، والأب فاذف إن كان هذا ممن لا يشار إليه بالفواحش، مشهورا بالعدالة، فيحد، وإن كان من أهل التهم فلا حد عليه.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال عند موته، أو في صحته: ما شهد به على فلان فهو مصدق فيما قبلي من دين، وفلان عبد له أو لغيره، أو محدود أو نصراني، أو امرأة فقال مالك في رجلين تنازعا في أمر فادعى أحدهما شهادة فلان، فقال الآخر : اشهدوا أن ما قال فلان حق، ورضي به، [فشهد عليه] فلم يرض بقوله، قال: فلا يلزمه ما قال، قال ابن القاسم: فيرد إلى حد ما يحكم به.[8/352]
***(1/347)
[8/353] ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال الطالب عند القاضي : يشهد لي فلان وفلان، فقال المطلوب : إن جئت بفلان يشهد لك فقد لزمني دعواك والرضي به وحده، فأتي به، [فشهد عليه] فرجع المطلوب وقال : لا أرضى به لأنه شهد بالباطل، ولم أظن ذلك، فإنه ينظر، فإن كان هذا الحق مما يعرفه المدعي عليه، [فله أن يرجع عند ذلك، وإن كان هذا الحق مما لا يعرف المدعى عليه] وقال لا علم لي به، ولا أرجع إلى علم هذا / الشاهد الذي رضي به، وإنما كان هذا الحق يطلبه به يسبب جده أو أبيه، والمشهود عليه لم يدرك ذلك، فليس له أن يرجع عند ذلك، وليقض عليه القاضي بما الزم نفسه، كذلك قال ابن دينار وفسره.
قال سحنون : وكذلك لو قال: رضيت بشهادته عند غير قاض، وألزم ذلك نفسه، فالجواب سواء، قال: ولو أن هذا الخصم بداله أن يرجع عن ما جعل على نفسه قبل أن يأتي ذلك الشاهد، كان ذلك له، ولم يلزمه.
ومن العتبية : قال أصبغ في امرأة قامت بصداقها والزوج مريض، فأشهد أنها إن أقامت بينة فذلك في مالي، فأقامت شاهدا عدلا، فقالت : إنما أردت شاهدين، قال : تحلف، ولا يلزمه حتى تقيم شاهدين، يريد : إن لم نشأ هي أن تحلف مع شاهدها.
ابن القاسم في المجموعة والعتبية من رواية عيسي في نصرانيين أو مسلمين يختصمان إلى الحاكم في مال، فيرضيان بشهادة نصرانيين، أو مسخوطين، فلا يقضى بينهما بمن ذكرت ، وليرضيا بمن أحبا، قال : فإن رضيا بشهادتهما ثم أتى[8/353]
***(1/348)
[8/354] أحدهما بعد أن شهدا؟ قال ابن القاسم: إذا علما بشهادتهما ورضيا فليس لهما أن ينكصا ويلزمهما تراضيهما بغير شهادتهما.
ومن كتاب ابن حبيب عن مطرف فيمن ادعى قبل رجل حقا فقال الطالب: احلف لي، فقال المطلوب : إني أخاف أن يكون لك بينة، أو أن أهل قرية يشهدون لك، فقال الطالب: كل من يشهد لي منهم فشهادته ساقطة عنك، أو قال: كل / شاهد يشهد لي فهو مبطل، قال : أما قوله : كل شهاهد، فلا يضره حتى يسموا له، أو ينصوا، أو يكون عالما ببينة فرضي بيمينه فلا قيام له بها بعد ذلك، وأما قوله : كل شاهد يشهد لي عليك من قوم كذا فهو باطل، فهذا يلزمه، وقاله ابن القاسم ومطرف.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن شهد له على رجل يعدله رجل، ثم إن الشاهد شهد على المعدل، قال: فشهادته مقبولة، ولا يكلف التعديل، لأنه قد رضي بشهادته إذا عدله.
وقال ابن الماجشون في الخصمين عند الحاكم أو عند من حكماه، فسألاه أن يقضي بينهما بشهادة من لا يقبله الحاكم، فلا ينبغي له ذلك، وقد يقضي به، وقد يعدل الشاهد به، وليقل لهما، ما عليهما من شهادتهما، [فقبلا منكما، وإن قالا: ما شهد به علينا فلان وفلان فهو علينا جائز] فشهدا بينهما فأبى أحد الخصمين قبل ظهور الشهادة أو بعد انكشافها، فذلك له، فإن كانوا غير عدول لم يلزمه شيء، وإن كانوا عدولا حكم بهم عليه، إلا أن يقول : رضيت بشهادتهم بعد أن فسراها وكشفاها فيكون كالإقرار.
ومن كتاب ابن سحنون : قال فيمن شهد بشهادة فقال له المشهود عليه: [8/354]
***(1/349)
[8/355] شهدت علي بكذا، فقال: إن شهدت به فأنا مبطل فيه، وقد شهد به، قال: فشهادته ساقطة، وهذا رجوع إن كان على قوله بينة.
وكتب إليه شجرة في رجل أقام بينة لابنته البكر، أن صداقها مائتان وخمسون دينارا، [وثبت، فأقام الزوج بينة: أنه لم يبق عليه منه إلا خمسون دينارا]، فلما ثبت ذلك أتى الأب بشاهدين أن هذين الشاهدين أقرا عندهما / قبل شهادتهما بشاهدين : أنا لا نشهد بين الأب والزوج بشيء، أو قالا: إنما نشهد أن الأب حط عن الزوج مائة، وقبض مائة، فكتب إليه، أما قولهما: لا نشهد بينهما، فإن قالا: قلنا ذلك رجاء أن يصطلحا لم يضرهما ذلك، وأما قولهما : أنه قبض مائة وحط مائة فهو غير صريح بشهادتهما، يريد : وليس للأب حطاط في غير طلاق قبل البناء، وقولهما أولا: لم يبق على الزوج إلا خمسون لم يكشفاه : كيف ذلك، وقولهما الآخر، لا يوجب براءة الزوج من الحطيطة، ويظهر لي أن المائة وخمسين تلزمه [ولم يتكلم فيه سحنون، وإنما قال: لا يجرحهما ذلك وهو كذلك] كما قال، لأنه أمر فيه تأويل.
في الشهود في الزنا وغيره هل يكشفهم الحاكم عن
الوقت والموضع ويفرق بينهم، أو يدخل ذلك الشيء
فيما يشبهه؟ وفي الشهادة على أعيان الدنانير، أو
شهدوا على امرأة هل يخرجونها بين النساء؟
أو شهدوا على الرجل : أن عليه لفلان كذا
ولم يبينوا مم ذلك
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : كل الشهود لا يسألون ولا يفرقون إذا كانوا عدولا، إلا الشهود على الزنا فإنهم يفرقون ويسألون، قال مالك: وينبغي أن يسألهم كيف كانت شهاتهم.[8/355]
***(1/350)
[8/356] ومن كتاب ابن سحنون : وعن الخصم يسأل تفريق البينة ليسألوا واحدا واحدا رجاء أن يختلفوا، قال سحنون: لا نعرف تفريق البينة في مثل هذا، وإن من البينة من لا يعرف معنى ما شهد عليه.
ومن المجموعة : قال أشهب : ولا يقطع السارق حق تسأل البينة عن تفسير السرقة، فإن غابوا قبل كشفهم عن صفة الزنا والسرقة، فإن بعدت/ غيبتهم أقيمت الحدود ولم ينتظروا إلا في غيبة قريبة ليسألوا، وذلك إذا لم يكن الشهود على الزنا إلا أربعة، ولا على السرقة إلا اثنان، فأما إن كانوا أكثر وقد ماتو إلا واحد حاضرا أو غائبا غيبة قريبة لم ينتظر بالشهود عليه، قال في كتاب ابن المواز: وإذا غاب أربعة لم يسأل الباقون إذ لو رجع الباقون لأقيم الحد بشهادة الغائبين.
ومن المجموعة : قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك : وإذا سألهم عن صفة الزنا فأبوا ولم يزيدوا على أن شهدوا عليه بالزنا، ردت شهادتهم وحدوا.
قال ابن القاسم: لا يحدون إلا بعد كشف الشهادة ، قال ابن الماجشون: حتى يدل تفسيرهم أنه الزنا [نفس الزنا].
قال أشهب : ويقولون: كالمرود في المكحلة، وقال أشهب : لا يفرق بين الشهود في حد ولا غيره غلا أن يسرتاب في شهادتهم فله أن يستدل على صحة ذلك في التفرقة بينهم، فإن اتفق إثنان على صفة السرقة أقيم الحد، وإن اختلفت شهادة من بقي، ولا حد على من اختلفت شهادته، ولا عقوبة في زنا ولا غيره، قيل لابن القاسم : أيسألون: هل زنى بالمرأة؟ قال: إنما قال مالك: إنما يكشفهم عن الشهادة، ولم يذكر امرأة ، قال أشهب : لا يسألون عن هذا، إذ لا يجهل أحد أن الزنا بامرأة ، ولكن عن حد زناه كيف هو، وقال عبد الملك: نحوه، قال : وإنما يسألهم: هل رأيتموه يدخل الفرج في الفرج كالمرود في المكحلة؟[8/356]
***(1/351)
[8/357] قال ابن الماجشون في الواضحة : ولا يضرهم اختلافهم فيما سوى ذلك من اختلاف الأوقات/ ولا في المواطن، ولا في الحال، فهذا خلاف قول ابن القاسم، قال ابن القاسم وغيره في المجموعة : لا يسألون في صدقة ولا غيرها عن اليوم الذي شهدوا فيه، ولا شهر ولا غيره، ولا في ليل أو نهار، ولا ما أكلوا في ذلك المجلس، ولا هل أكلوا ، ولا عن لباسه، لايسأل عن هذا عدل ولا غيره، فإن استراب من غير العدل سأله عن غير هذا مما يرجو فيه بيانا من اختلاف شهادتهم، فأما إن لن تختلف شهادتهم فلا يسألهم عما تقدم، قال: وإن كثروا فاتفق اثنان منهم على عتق أو صدقة لم ينظر إلى من خالفهم في اسم الرأس ولا معرفته ولا في المجلس، إلا أن يتبين للإمام حين ينزل هذا أمر هو أبين مما ذكرت فيعمل به.
قال محمد بن عبد الحكم : وإذا شهد شاهدان أن لفلان على فلان مائة دينار، ولم يقولا: أقر بذلك ولا غيره، وإنما أطلقها الشهادة هكذا، لم أرد أن يحق ذلك شيئا لأنهما كالخصمين في هذا الموضع حتى يبينا ذلك ويقولا: أسلفه أو أقر عندنا، أو مايبينان ما شهدا به، وقد تجد من الناس من يحل بيع النبيذ المسكر ويوجب له ثمنا وغير ذلك.
وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون : إن شهدوا أن فلانا افترى على فلان أو شتمه أو أذاه أو سفه عليه، فلا يجوز ذلك حتى يكشفوا عن حقيقته، إذ قد يظنون ما قالوا وهو على خلاف ما ظنوا، وقاله مطرف وأصبغ، قال أصبغ : إلا أن تقوت البينة فلا يقدم على إعادتهم، فليعاقب المشهود عليه على / أخف من ذلك.
ومن كتاب ابن المواز: قيل : أيدفع كتاب الشهادة إلى الشاهد حتى يقرأه أو يقال له : اذكر ما فيه ويمسك عليه؟ قال : يمكن من قراءة شهادته، فإذا عرفها [8/357]
***(1/352)
[8/358] شهد، وليس كل الناس يسوق شهادته على ما كتب حتى يقرأها، ولو كلف ذلك بعد أن يقرأ ما يقدر، ولكن إذا ثبت العدل ما قرأ جازت شهادته، وقاله أصبغ، وفعله العمري القاضي بمحضر ابن وهب وغيره، ومثله في العتبية لابن القاسم، قال ابن القاسم في العتبية] وكتاب محمد والمجموعة فيمن اعترف دابة أوررأسا هل تجمع له داوب أو رفيق ويدخلوا فيها، ويكلف إخراجها؟ قال : ليس ذلك على أحد في شيء من ذلك، وذلك خطأ ممن فعله، ولكن إذا كانوا عدولا قبل شهادتهم، قال محمد: قال أصبغ: وكذلك النساء إذا شهد عليهن.
قال سحنون في كتاب ابنه: ولو شهدوا على امرأة بإقرار أو نكاح أو براءة، ويسأل الخصم إدخالها في نساء ليخروجوها، وقالوا شهدنا عليها علىمعرفتنا بعينها ونسبها، ولا ندري هل نعرفها اليوم، وقد تغيرت حالها، [وقالوا: لا نتكلف ذلك، قال سحنون : لابد من أن يخرجوا عينها، وإن قالوا : نخاف أن تكون تغيرت عن حالها] قيل لهم من : إن تشككتم وقد أيقنتم أنها بنت فلان وليس لفلان إلا بنت واحدة من حين شهد عليها إلى اليوم، جازت الشهادة إذا قالت البينة: أشهدتنا وهي متنقبة، وكذلك نعرفها، ولا نعرفها بغير النقاب، فهم أعلم بما تقلدوا، وإن كانوا عدولا وعينوها كما ذكرت، قطع بشهادتهم.
ومن المجموعة : / قال ابن القاسم : وإذا شهدوا أن فلانا مولى فلان، ولم يقولوا : أعتقه ، فلا يجوز ذلك حتى يقولوا: أعتقه أو اعتق أباه أو جده، ولا يعلمون له وارثا غيره، أو على إقرار الميت، أو على شهادة أحد.
قال سحنون : إن شهدا على شهادة أحد أنه مولاه، فقد نقلا شهادة غائبين، ولو حضرا لم يقبلا شهادة غائبين، ولو حضرا لم يقبلا حتى يشهدا أنه أعتقه، فكيف يجوز عنهم في النقل مالا يقبل منهم في حضورهم، وقد غلب [8/358]
***(1/353)
[8/359] ببلدنا وغيرها: أن يتولى قوم قوما ليسوا بمواليهم، لأنهم أسلموا على أيديهم، أو لغير ذلك، وأجاز مالك شهادة السماع في الولاء، وإنما يقولون : سمعنا أنه مولى فلان لا غير ذلك، وابن القاسم لا يقبل منهم غير علمهم حتى يقولوا : اعتقه، فما أدري ما هذا؟ وكذلك قال عبد الملك : لا تقبل شهادتهم حتى يقولوا : اعتقه، قال أشهب : إن لم يموتوا أو يغيبوا ببلد بعيد، فليعادوا ليوقفوا على ذلك، فإن فاتوا بذلك نقلت شهادتهم، وكذلك إقرار الميت أنه مولاه ولم يقل عتاقه إنه يرثه بالولاء.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة : وإذا شهدوا على أعيان الدنانير في تركة ميت، قبلت شهادتهم.
ومن كتاب ابن سحنون : سأله حبيب عن امرأة ادعى قبلها دعوى، فأنكرت فقامت عليها بينة فقالوا : أشهدتنا على نفسها وهي متنقبة بكذا، ولا نعرفها إلا متنقبة، فإن كشفت وجهها لم نعرفها، قال : هم على ما تقلدوا، فإن كانوا عدولا وقالوا: عرفناها وشهدوا عليها / فهم أعلم ويقطع بشهادتهم.
في القوم يشهدون أن لفلان أرضا
وآخرون يشهدون على حدودها
أو يشهدون على بيع امرأة
وآخرون على عينها
من العتبية من رواية ابن القاسم، وزاد في المجموعة: ابن وهب عن مالك فيمن يقيم بينة أن هذه أرضهم ولم يحدوها، وآخرون يشهدون بالحدود ولم يشهدوا بالملك، فذلك جائز، ويقضى لهم بها، وتتم الشهادة. [8/359]
***(1/354)
[8/360] ابن حبيب : قال ابن الماجشون فيمن غصب أرضا فشهد له بذلك شهود لم يعرفوا الحدود، فإن حدها غيرهم تمت الشهادة، وإلا قيل للغاصب: ادفع إليه ما غصبت وحده واحلف عليه.
ومن المجموعة: قال ابن كنانة فيمن شهدوا على امرأة بإقرار أو بيع، فقاموا بما شهدوا إلا أنهم لم يعرفوها بعينها، وعرفوا الاسم والنسب الآن، وقالوا : إن كانت فلانة بنت فلان فقد أشهدتنا، قال: إن شهد غيرهم أنها فلانة بنت فلان مع شهادة هؤلاء الذين يشهدون على الحق في الاسم والنسب، فليحلف رب الحق ويثبت حقه. قال سحنون في كتاب ابنه: ويعرف أنه ليس لفلان بنت غيرها.
ومن المجموعة : قال أشهب : وإن شهدوا أن هذه الدار كانت لجد فلان هذا، مات وتركها ميراثا، فلا يقضى بذلك حتى يشهدوا هم أو غيرهم أنه وارث جده، لا يعلمون له وارثا غيره، أو على بقية الورثة.
وفي كتاب الغصب ذكر من شهد له قوم على أرض غصبت ولم يضبطوا الحدود/ ، وشهد بالحدود غيرهم ممن ليس بعدل.
ومن كتاب ابن سحنون : كتب شجرة إلى سحنون فيمن أقام شاهدين أن لابنته، ولم يسمياها – قبل زوجها فلان: كذا وكذا دينارا بقية صداقها، وقد ثبتت وكالتها إياه، والزوج منكر للنكاح، فكتب إليه إذا : لم يسميا ابنته فلا يصح هذا إلا على إقرار الزوج بأن بنت هذا زوجتي، وأن لها من صداقها كذا قبلي، فينظر فإن ثبت أنه ليس له ابنة غيرها: حكم لها إذا ادعت هي الأب النكاح. يريد: وقد ثبت النكاح بغيرهما، أو لم يكن بنى بها إذا كانا طارئين. وقال ابن كنانة: يكشف الشهود واكتب إلي، أراه يريد : هل شهدوا على علمهم أو على إقرار الزوج بالحق؟ [8/360]
***(1/355)
[8/361] في القوم يشهدون على رجل أنه طلق امرأة من نسائه
نسوا اسمها، أو أعتق عبدا له نسوا اسمه
أو قالوا أحدهما أو شكوا فيه
أو شهدوا على شك الحالف
أو شهدوا بحق نسوا عدده،
أو بحق من منزل لا يعرفون موضعه،
أو بمال ولم يذكروا صفته
أو على رجل أنه شج فلانا موضحة
ولا سموها، وشبه ذلك
ومن كتاب ابن سحنون من الأقضية: قال عبد الله : وإذا شهد شاهدان على رجل أنه قال: أنا شاك في أن أكون قد طلقت إحدى نسائي، أو أعتقت أحد عبيدي، فليكشفه السلطان عن ذلك، ويحكم عليه فيما شك فيه منه، وعلى البينة أن يشهدوا به، ولو قالت: قد طلق إحدى نسائه نسيناها، أو أعتق أحد عبديه نسيناه، فشهادتهم/ باطلة، وليس عليهما أن يؤدياها.
ومن المجموعة : قال ابن القاسم: إذا شهد رجلان أنه طلق إحدى نسائه هذه بعينها وقد نسيناها: فالشهادة باطلة، ويحلف: ما طلق واحدة منهن، قال محمد بن المواز : لا يمين عليه، قال: وإذا نسيها هو طلقن عليه كلهن، وعتق جميع عبيده.
ومن كتاب ابن المواز: روي عن ابن القاسم في شك الشهود ونسيانهم لمن سمي في العتق : إنما يجوز بعد الموت، قال أصبغ؛ هذا غلط، ولا يجوز في الحياة ولا بعد الموت، وقد رجع عنه، ولو شهدا أنه قال: طلقت إحدى امرأتي، أو أعتقت أحد عبدي وأنا شاك لا أدري أيهما هو، فهذا تطلق عليه المرأتان، ويعتق العبدان، وإن قال : لم تكن لي نية فليعتق أيهما شاء، وكذلك يختار ورثته، وكذلك[8/361]
***(1/356)
[8/362] تطلق عليه المرأتان في قول المصريين من أصحاب مالك، وإن مات قبل ذلك ورثتاه، وإذا قال القائل : أحد عبدي حر، عتق أحدهما، فإن أنكر ذلك وأبى أن يعتق قضي عليه بذلك، وإن أبى عتق عليه أدناهما إن لم تكن له نية، وكذلك ورثته.
ومن المجموعة : قال على عن مالك فيمن أعتق أحد عبيده في وصيته فنسيته البينة، فلا شهادة لهم حتى يعرفوه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أشهب فيمن أعتق عبدا سماه بعينه في وصيته، فنسي الشهود اسمه، فالشهادة باطل، وإن قالوا، إنما قال : احدهم ولم يسمه، فإن كانوا اثنين عتق من كل واحد نصفه، والثلاثه من كل واحد ثلثه اختلفت أثمانهم أو اتفقت، وفيها قول آخر هو أحب إلي : إن كانا اثنين عتق نصف قيمتها بالسهم، خرج لذلك بعض عبد أو عبد وبعض الآخر إذا كان ذلك يخرج من الثلث، فإذا لم يخرج نصف قيمتها من الثلث / فما خرج منه، قال: ولو كانوا ثلاثة، عتق ثلث قيمتهم بالسهم، خرج لذلك عبد وبعض الآخر، أو بعض عبد، فإن خرج أولا من لا تفي بثلث القيمة أعيد السهم هاهنا حتى يتم ثلث قيمتهم.
ولو شهدا أنه قال: هذا حر وهذا حر وهما عبدان، اعتق نصف قيمتها بالسهم إن خرج ذلك من الثلث، [ومن قال: يعتق من كل واحد منهما نصف إن خرج من الثلث لم أعبه] والقول الأول أحب إلي، وإن لم يملك غيرهم عتق ثلث قيمتهم بالسهم. ولفق سحنون بين القولين وقال، لاسهم في هذا أن يعتق هذا ثم هذا، إنما السهم في أن يعتق عبيده أو قال : أحدهما.
ومن المجموعة : قال ابن كنانة : وإذا شهدا أن لفلان على فلان مالا ولم يعلما كم هو، فيقال لهما : أكان مائة ؟ فإن قالا: لا، قيل : فخمسون، حتى يقفا على[8/362]
***(1/357)
[8/363] مالا يشكان فيه فيقضى به، وإن لم يسميا شيئا ولا وقفا على أمر يقضى به فلا شيء للمشهود له.
ومن كتاب ابن المواز : وإذا شهدا : أن له على فلان حقا لا يدريان كم هو وما هو، حلف المطلوب وبرئ، وإن سميا دنانير لا يدريان كم هي، قضي عليه بثلاثة، ويحلف المدعي: ما هي أقل، ويحلف المطلوب: ما هي أكثر، ومن المجموعة : قال أشهب عن مالك : إذا لم يدروا كم هو ، قال : ليست هذه شهادة ويحلف المدعي عليه، وقال : فما يقول المطلوب ؟ قال : ينكر أن له عليه شيئا قال: هذا كاذب، وقد ألزموه شيئا، فإن أقر بشيء حلف عليه وبرئ، قال: فإن قالوا: نشهد عليه بحق لا ندري ما هو، حلف المطلوب وبرئ.
ومن المجموعة : قال ابن نافع عن مالك فيمن أتى/ على امرأته ماتت بذكر حق فيه كذا وكذا صاع تمر عجوة، محى الموضع الذي فيه العجوة ومطلت العجوة في السطر وليس فيه شاهد إلا كاتب الصحيفة، فشهد أنه عرف ذلك كله إلا تسمية العجوة فإنه ليس كتابة، وقد امحى، ولا يدري أعجوة هو أم لا، قال مالك: لا يحلف الورثة أنه غير عجوة، وليحلف الطالب مع شاهده: أنه عجوة، وأن هذا الحق لم يعطه، وذكر ابن المواز عن مالك وقال: فليحلف ورثة الميت أنه ليس بعجوة، ويؤدوا ما أقروا به، فإن نكلوا حلف الطالب أنها عجوة وتصح له.
ومن المجموعة : روى ابن نافع عن مالك فيمن أقام شاهدا أن فلانا أخذ منه ثوبا وهو جاحد، قال مالك: لا أرى [بأسا] أن يجعل من وسط الثياب، ثم يحلف المدعى عليه، وقال سحنون فيمن غصب صبرة قمح أو زرعا لم يبد صلاحه ثم حصده بعد يبسه، أو زرعا قد طاب ولا يدري كيل ذلك، وقد فات[8/363]
***(1/358)
[8/364] الطعام، فأما الصبرة : فتقدر وتوصف ثم تقول في ذلك الوقت فتكون له قيمتها، وكذلك الزرع المستحصد تكون له قيمته في ذلك الموضع، توصف صفته قائما ونحوه وخفته وصفاته ونحو ستبله، وأما الأخضر فعلى الغاصب أكثر القيمتين: قيمته يوم غصبه على الرجاء والخوف، أو قيمته يوم حصده وهو بالغ تام.
ومن كتاب ابن حبيب : قال مطرف في شهيدين شهدا بدين، وقال أحدهما: أشهدني الطالب أنه قبض من هذا الدين شيئا ولم يسمه وهو منكر/ أو ميت، قال : تلزمه شهادتهما لجميع المال لا يوضع منه شيء، ويحلف الطالب الحي: إنه ما قبض من الدين شيئا [قال: وإن قال : أشهدني أنه قبض منه شيئاً] سماه لى ونسيته قال : يترك حتى يقف على ما لا يشك فيه، ثم يحلف المشهود عليه الذي وقف عليه الشاهد الواحد ويبرأ، قال: وإن أفر المطلوب بالحق وجاء بشاهدين على إقرار الطالب: أنه اقتضى منه شيئا لم يسمياه، قال: يسأل: ما تقاضيت؟ ويحلف على ما يقول، وإن بقي ذلك كله : قيل للمطلوب : إن عرفت ما هو وحلفت برئت، فإن نكل أو جهله لزمه غرم جميع الحق، وبه أخذ ابن حبيب، وقال ابن الماجشون: الشهادة ساقطة في المسألتين حتى يسمي ذلك الشيء، وقال أصبغ مثله.
ومن المجموعة : قال ابن القاسم فيمن أقام بينة أن فلانا غصبه أرضا في قرية كذا، ولا يعرفون موضع الأرض، وفلان منكر، فالشهادة ساقطة، قال: وإذا استحقت الأرض بالشهود العدول ولا يثبتون حوزها، فيشهد على حوزها من الجيران غير عدول، فلا غير عدل ، قيل : فقد يخلط الغاصب دورا حتى لا تثبتها البينة، قال : يحد المدعي عليه ما أقربه ويحلف عليه، ثم لا شيء عليه غير ذلك، قيل : فإن قال : ذلك حدي، قال: أما إن لم يقر إلا بموضع الباب وما يرى أنه ليس بشيء ، فلا يقبل منه، وإن أقر بالبيت ونحوه فليس عليه إلا ذلك، إلا أن يشهد العدول بخلاف قوله، قيل : فإن لم يقر إلا بما قل كما ذكرت، قال: إن [8/364]
***(1/359)
[8/365] استدل أنه غير الحدود وكتمها، حاز المدعي واستحق ما حاز/ بيمينه مع ما يثبت له عن أصل الغصب، قال ابن كنانة : وإن شهدوا أنه غصبه داراً أو أرضا لا يعرفون حدودها لأنها عورت واختلطت حدودها، قال: ينزلون قليلا قليلا، فإن وقفوا من ذلك على أمر لا يشكون فيه، أحلف الغاصب: ما يعلم أكثر مما شهدوا به ثم سلم ذلك إلى المشهود عليه، وقال ابن حبيب عن مطرف نحوه، وزاد : فإن لم يقفوا على معلوم : قيل للغاصب : احلف على ما تحد وادفعه، فإن أنكر أصلا قيل للمستحق: حد ما تعرف واحلف عليه وخذه، فإن قال: لا أعرفها حيل بين الغاصب وبين جميع الأرض حتى يقر له بشيء منها ويحلف، قال : إلا أن يكون الغاصب ليس من أهل هذه القرية التي فيها الأرض، وإنما أصل دخوله فيها لسبب هذا الغصب الذي ثبت عليه، فإذا ثبت هذا عليه استغنى الطالب بشهادة الشهود، وإن لم يحددها وأخرج الغاصب من جميعها، وإنما الجواب الأول إذا كان الغاصب له حول تلك الأرض حق فيضمها إليه.
ومن الواضحة : قال مطرف : قال مالك في بينة شهدت لرجل أن له في هذه الدار حقا لا نعرف كم هو لتقادمها وتناسخ المواريث فيها، والمطلوب منكر: وقال : يقال له: قد ثبت له في دارك حق بقربه، فإن أقر بشيء قل أو كثر حلف عليه ولا شيء عليه غيره، وإن نفى ذلك كله قيل للمشهود له: إن عرفت حقك ما هو فاحلف عليه وخذه، وإن تجاهل وقال ما سمع أبي يقول : إن لي فيها حقا ولا أعرفه حيل بين المشهود عليه وبين الدار حتى/ يقر منها بقول الطالب، ويقبل قوله فيما سمى، ويحلف عليه، قال مالك : ويقبل قوله فيما سمى، قال: وتوقف كلها ولا حجة للمشهود عليه أن يقول: لم يشهد له بجميعها. وإن قال : حق الطالب منها الربع، فأبى أن يحلف عليه [أخذ منه الربع الذي أقر له، ووقف ما بقي من الدار حتى يحلف : أنه لا شيء له غيره، قال : وإن أقر بعد[8/365]
***(1/360)
[8/366] ذلك بشيء ولم يحلف فهو كما ذكرنا حتى يحلف، وإن قال المشهود له : أنا أعرف حقي منها وأبى أن يحلف عليه]فلا يبطل بذلك حقه، لأن البينة أثبت له حقا، قال مطرف وقد كنا نقول نحن وغيرنا: إن الشهادة تبطل إذا لم يسموا الحق حتى قال مالك هذا وقضى به.
وقال أيضا مالك في بينة تشهد بحق لرجل وتقول : لا نعرف عدده إلا أنه بقي له عليه حق، فيقال للمطلوب : [قر بحقه، فما أقر له به حلف عليه ولا شيء له غيره، وإن جحد قيل للطالب] إن عرفته فاحلف عليه وخذه، فإن قال : لا أعرفه وضاعت كتب محاسبتي، أو أعرفه ولا أحلف، سجن المطلوب أبدا حتى يقر بشيء ما ويحلف عليه، فإن أقر بشيء ولم يحلف أخذ منه وحبس حتى يحلف كما ذكرنا، وإنما لم أحبسه في الدار لأن الحق في شيء بعينه وهو الدار، فحلت بينه وبينها.
قال مطرف: وإن أقر في وصية أن لفلان عليه حقا ولم يسمه، فإنه يقال للورثة: كم هو؟ فإن تجاهلوه قيل للطالب: سمه واحلف عليه وخذه، فإن تجاهله منع الورثة من التركة كلها حتى يدفعوا إلى هذا شيئا يقرون أنه حقه ويحلفون عليه.
قال/ محمد بن عبد الحكم : وإن شهدت بينة أن لفلان على فلان مائة درهم، ولم يقولوا قطعا ولا صحاحا، ونقد البلد مختلف، لا يقولان من بيع ولا غيره، فإن المشهود عليه يقول ما شاء من أصناف الدراهم، ويحلف على الصنف الذي يدعيه المدعي أرفع من ذلك، فإن قال : ماله علي شيء أصلا، قيل له: أغرم ما شئت من أصناف الدراهم ويحلف على الصنف الذي يدعيه، واحلف أن ماله عليك شيء، فإن شاء قال في يمينه: ماله على شيء من أصناف الدراهم. [8/366]
***(1/361)
[8/367] ومن كتاب ابن سحنون: وإذا شهدت لرجل بينة بنصف منزل، وهم يحدون المنزل كله، ولا يعرفون النصف المشهود به، فإن شهدوا على أمر مقسوم فشهادتهم ضعيفة.
قال سحنون في المجموعة في نفر ادعوا في يد أخيهم حظا من منزل، وأتوا ببينة يعرفون أن ثلاثة أرباع منزل لأبيهم تركه ميراثا، وحدوا المنزل ولم يحدوا الثلاثة أرباع مقدرة مقسومة من الربع، وبيد الآخر ما يشبه أن يكون الربع فشهادتهم ساقطة، وإن كانت القرية مشاعة فهي شهادة، وإن لم يأت من طول حيازة الأخ لها ما يقطع دعوى إخوته، فالشهادة تامة إن كانت مشاعة، وإن كانت مقسومة ففيها تنازع، وهي شهادة، إلا أن تطول الحيازة، والبينة عادلة، ولا يحدون الثلاثة أرباع، قيل للمقر بحق عليه وبما يشبه أن يكون ثلاثة أرباع واحلف عليه، وإن لم يحلف حلف المدعون/ وأخذوا فيما يشبه، فإن أقر المدعي عليه بما لا يشبه أن يكون ثلاثة أرباع، وحلف وقال: لي فيه شيء اشتريته لم يصدق وإن ادعى المدعي ما يشبه ثلاثة أرباع حلف، وإن ادعى مالا يشبه على الربع أو في الربع المقرر نصفا على الثلاثة أرباع فلينحط الضرر ممن كان قيل؛ وإن زعم الشهود أنه مقسوم، وقالوا : الثلاثة أرباع بيد الأخ المدعى عليه قبله ولا يحدها، قال: فالأيمان بينهم بمنزلة ذلك.
ومن المجموعة والعتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم : ومن قضي له بنصف قرية فلم يحزه حتى مات المحكوم له ومات المقضي عليه، فلما أرادوا ورثة ذلك منعهم رجل من أهل المنزل وقال: لم يكن للمقضي عليه عندنا[8/367]
***(1/362)
[8/368] في هذا المنزل شيء، وقال المقضي له: ثبت لنا القضاء عندنا في هذا المنزل بنصفه. فأنتم غيرتم حوزنا ولا نجد من يثبته، فنحن شركاؤكم في الجميع بالنصف، قال : إن قضي له بنصف المنزل وهو معروف في يد المقضي عليه فقد ثبت له، ويؤخذ ممن هو بيده، وإن تجاهل أهل المنزل فأخفوا حوزهم، فإن كان بعضهم ورثة المقضي عليه، وبيدهم نصف جميع المنزل فأكثر، أعطي الطالب نصف جميع المنزل مما بيد الورثة، وإن كانوا كلهم أجنبيين وقد ثبت نصف المنزل كان معروفا بيد المقضي عليه حتى استحقه هذا، فإنه شريك في جميع نواحي المنزل، ويؤخذ من كل رجل من أهل المنزل نصف ما بيده، ولا يجمع له/ حقه مما بيد أحدهم، قال في المجموعة : إلا أن يوقفوا على إقرارهم وإظهاره حوزه، ومذهب سحنون ما ذكرنا عنه أنه لا شيء للمقضي له فيما بيد الأجنبيين إلا من كان بيده منهم زيادة على نصف المنزل فيأخذ المقضي له تلك الزيادة، فأما إن كان لرجلين بيد كل واحد نصفها لم يقض لهذا بشيء، ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم : وإن لم تقم بينة أن نصف المنزل كان بيد المقضي عليه ولا معروفا به فلا شيء له في المنزل؛ لأنه قضي له بحق لا يملكه المقضي عليه.
قال ابن القاسم في الرجل يقضى له بحق معروف مفروز من منزل ينسب إلى رجل باعه منه، وقالت البينة : إن ذلك الجزء يعرف للمقضي عليه باعه من المقضي له، فأراد المقضي له مقاسمة أهل المنزل، فدفعوه وبقوا أن يكون المقضي عليه معهم، قال : يكون شريكا لجميع أهل المنزل بحساب ذلك الجزء.
قال سحنون فيمن أودع صبية ثم غاب دهرا ثم قدم بعد موت المودع، وقامت بينة للقادم أن الميت أشهدهم أن واحدة من هؤلاء الثلاث جاريتك، والاثنتان إماء ، ولا يعلم أيتهن جاريتك منهن، لم تجز شهادتهم ولا شيء للمدعي، ولا تكون الشهادة إلا على شيء بعينه.[8/368]
***(1/363)
[8/369] ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن أقر أنه غصب فلانا ثلثا ولم يبينه، فالقول قول الغاصب في مقدار الشيء وصفته مع يمينه، فإن نكل فقول المدعي مع يمينه، فإن لم يسم الغاصب شيئا حبس حتى يسمي شيئا ويحلف/ عليه، وكذلك من تصدق على رجل بنصيب من داره ولم يسمه جبر حتى يسميه، وقاله ابن القاسم.
وكتب شجرة إلى سحنون فيمن أقام بينة أنه ابتاع من فلان هذا الرجل أرضا له عرفاها، ولم يذكر الثمن، وباع منه باستثناء ثم غاب المبتاع إلى صقلية وأمر عبيده بغرس الأرض، فكتب إليه: إن عدلت البينة فأوقف الأرض لا تحدث فيها حدثا حتى يقدم فلينظره من أمر الثمن، أو يطول أمره فيرى الحاكم في ذلك رأيه، وعن بينة شهدت لرجل بنصف منزل، ويحدون جميع المنزل، ولا يعرفون النصف الذي شهدوا به من الآخر، فقال: إن شهدوا على نصف بعينه مقسوم معروف، ولا يعرفونه، فالشهادة ضعيفة، وفي كتاب أمهات الأولاد: مسألة الذين شهدوا أن فلانا أودع عند ميت صبية من ثلاث صبايا لا يعرفونها، أشهدهم الميت أنهما ابنتاه.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهد لرجل اثنان على إقرار فلان أنه شجه موضحة، وجاء المجروح وبه موضحتان صغيرة وكبيرة، فإن أقر الشاج بإحداهما اقتص منه، وإن ادعى المشجوج أنه إنما شجه الأخرى، قيل للمدعي: إن صدقته فلك القصاص فيها، لأنه مقيم على إقراره، وإن لم يصدقه حلف الشاج بالله أنه ما شجك إلا التي أقر بها، فإن حلف لم يكن للمدعي إلا ما أقر به الشاج إن رجع إلى تصديقه، وإن قال: إنما شجني الأخرى وأنا اقتص منه بالتي أقر فليس ذلك له، وهو يزعم أنه لا قصاص إلا من هذه، فإن نكل الشاج عن اليمين/ حلف المجروح أنها التي ادعى واقتص أن أحب، فإن نكل لم يكن له[8/369]
***(1/364)
[8/370] شيء، وإن حلف المدعى عليه : أنه ما شجه أصلا، فلا سبيل إلى العود، وأرى عليه حينئذ دية موضحة، لأن المشجوج لم يمكنه القصاص بيمين ولا غيرها [فإن أقر المشجوج أنه قد شجه واحدة من هاتين، وكان ليلا ولم يدريا ايما هي، رأيت أن تؤخذ منه دية الموضحة؛ لأنه لم يمكنه القصاص بيمين ولا غيره فتركه]، ولو شهد رجلان أن فلانا ضرب فلانا ضربة فقطع أصبعا من يده اليمين، وشهد آخران على آخر أنه ضربه أخرى فقطع أصبعا أخرى منها، وقال الأربعة، لا ندري أي أصبع انقطع كل واحد منهما، وله إصبعان مقطوعان، ففيها قولان احدهما: أنه لا تقبل شهادتهما كمن شهد عليه عدلان أنه أعتق عبده، وقالا: لا ندري أي عبد هو وقد نسياه، فشهادتهما باطلة، وذلك عندي مخالف لهذا؛ لأن هذين نسيا ما قال لهما، فلم تنفع شهادتهما، وشاهدا الموضحة لم ينسيا شيئا، وبالقول الثاني أقول: أنه يقال للجارحين: أقرا بما شئتما، فإن قالا: هذه لهذا، وصدقهما، قيل له: اقتص إن احببت، فإن ادعى المقطوعة أصبعه على كل واحد أصبعا بعينه، وأنكر ذلك القاطعان، ونسب كل واحد إلى غير ما نسبها إليه القاطعان، حلف القاطعان على ما قالا، ولم يكن له أن يقتص من كل واحد منهما إلا أن يرجع إلى تصديقهما، فيجب له القصاص أو العفو أو الصلح إن أحب، وإن لم يصدقهما فأرى عليهما دية الأصبعين.
قال ابن المواز: وإن شهد رجلان على رجل أنه سرق أو قذف وهو ممن يذهب عقله الأحيان، ويجيئه عقله الأحيان، وقالا: لا ندري أذلك في ذهاب عقله أو في صحته ؟ قال : لا يؤخذ بذلك، وقد روى / أشهب أنه يحلف: ما فعله وهو يعقل، قال: ولو أقر بذلك من غير بينة قبل قوله. [8/370]
***(1/365)
[8/371] في وجه الشهادة بالورثة
وما تتم به الشهادة في ذلك
وكيف إن قالوا لا وارث له إلا فلان
أو نعلم له ولدا ببلد كذا إلا فلانا
أو شهدوا أن فلانا أخ لفلان
ولم يقولوا الأب ولا لأم
من المجموعة والعتبية وكتاب ابن المواز فيما سأل عنه ابن غانم، وروى أشهب عن مالك في كتاب القضاء في شهادة بينة : أنهم لا يعلمون لفلان بأرض مصر وارثا له إلا فلانا وقد مات بافريقية. قال : لا يجوز ذلك حتى يقولوا: لا نعلم له وارثا في شيء من الأرض إلا فلانا، فيدفع ذلك له ويستحلف، وقال في العتبية والمجموعة : وتدفع التركة إلى وكيله بالمعروف، قال أشهب عنه في هذه الكتب: لا يقبل أن تقول البينة : ليس للميت وارث غيره حتى يقولوا: لا نعلم له وأرثا غيره، وكذلك في العروض تستحق، ولا يقولوا : ما باع ولا وهب، وليقولوا : ما علمنا، وإن شهدوا على البت فما أراهم شهدوا إلا بباطل، [ولا شيء على المطلوب، قال ابن كنانة في المجموعة : وليشهدوا على البت أنها له، ويقولون : ما علمناه باع ولا وهب، قال مالك: وإن شهدوا على البت فما أراهم شهدوا إلا بباطل] قال أشهب : إلا أن يفسروا من شهادتهم ما يعلم أنهم لم يشهدوا بالغموس بأن يقولوا : كان معنا حتى لقي اللصوص فغصبوه إياها، ثم لم نفترق حتى اعترفها ربها، وما يشبه / ذلك من الشهادة التي لم يخرجوا بها عن أن يكونوا شهدوا بما لم يحيطوا به علما. [8/371]
***(1/366)
[8/372] قال أشهب : وإن شهدوا أن هذا عبده ولم يقولوا : لا نعلمه باع ولا وهب، فإن قدر على مساءلتهم سئلوا، وإن أبوا ذلك فلا شهادة لهم، وإن لم يقدر على سؤالهم حلف المدعي وقضي له.
قال : وإن شهدوا لرجل أن هذه الدار التي بيد فلان دار جده لم يقض له حتى يقولوا: إن أباه ورثها من جده، لانعلم له وارثا غيره، أو معه من الورثة كذا، ثم يقضى له بذلك إلا أن تحاز عليه حوزا يقطع دعواه.
وإن شهدوا أن هذا مولى جده ولم يحددوا المواريث، فلا يحتاج هنا أن الجد مات وورثه أبوه، وأن الأب مات وورثه هذا ، ولكن لابد أن يشهدوا أنهم لا يعلمون للجد ولدا ذكرا غيره.
ومن كتاب ابن المواز: قال أصبغ عن ابن القاسم : وإن أقام بينة أنه أقعد الناس بجده اليوم، وقد طرأ له مال، أو مات له مولى وترك مالا، فلا ينفعه حتى يقولوا : إنه أقعد الناس به يوم مات المولى. قال ابن القاسم : فإن لم يجد إلا من يقول ما ذكرناه أولا استؤني به وكشف، فإن لم يجد وبئس من طالب غيره، دفع إليه بحميل ثم ضعف الحميل كأنه لم يره.
قال أصبغ : كالشهادة على السماع في الولاء، يدفع إليه بلا حميل، قال: وأما فيما ظهر للجد فبخلاف ذلك، ولا يعطى إلا على قطع المواريث، وذكر ورثة الأول وورثة من بعده، ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون : أدركنا الحكام ببلدنا وما علمنا/ فيه اختلافا: أن وجه الشهادة على عدة الورثة أن يقولوا: لانعلم له وارثا إلا فلانا، ولا يقولون على البت حتى كان منذ قريب أدخل أهل العراق على القضاء أن لا يستحق الميراث حتى يشهدوا: لا وارث لفلان إلا فلان، ولا يجيزونها على العلم، فأدخلوا الناس في شهادة الزور.
قال سحنون عن أبيه فيمن قضي بتركته لولده، ثم ظهرت امرأة أتت ببينة[8/372]
***(1/367)
[8/373] أنها امرأته هل يقبل ذلك ؟ أو حتى يقولوا : لا نعلم له امرأة غيرها، وأنها كانت مسلمة من حين موته، قال: لا يحتاجون إلى هذا.
وإذا شهدوا أنها امرأته : اكتفى بذلك وقضي لها بميراثها، قيل له : فإن أتت وحدها ولم يأت الميت وارثا غيرها ؟ قال : لا تعطي شيئا حتى يثبت ورثة الميت كم هم، من زوجات وغيرهم، وقد قيل : إنها تعطى ربع الثمن بعد أقصى ما يكون من القول في المواريث التي فيها زوجة، وإنما لم نكلفها هذا في المسألة الأولى؛ لأنها فيها مدعى عليها، وهي هنا مدعية للأخذ.
ومن العتبية وكتاب ابن المواز : روى أشهب عن مالك فيمن أقام بينة أنه وارث ابنه لا يعلمون له وارثا غيره، قال أحدهما: وزوجة له، قال : هذا يجوز، ويوقف المال حتى يتبين هل له زوجة مع الابن أم لا، قيل له: إنما كان بمصر، وقال : يكتب إلى مصر حتى يثبت ذلك، ويوقف المال كله، ولا يوقف حظ الزوجة فقط، قال ابن القاسم : فإن طال ذلك دفع جميع التركة إلى الورثة الذين اجتمعا عليهم.
قال ابن سحنون عن أبيه عن ابن القاسم: / إذا شهدا أن فلانا وارث فلانا لا نعلم له وارثا غيره، وقال أحدهما أو كلاهما: وزوجة ببلد كذا، قال : إن شهدا على الزوجة تمت الشهادة، ولا يقسم المال حتى تحضر الزوجة، أو لا توكل، أو يقسم لها القاضي، وإن كان أحدهما قال ذلك فقط، لم يعجل في قسم شيء من المال حتى يتبين ما قال الشاهد، وإن طال ذلك أعطي الورثة جميع المال.
قال سحنون: إن لم يشهد بالزوجة إلا واحد فلم يشهدا جميعا للوارث أنه لا وارث له غيره، فلا تجوز شهادتهما حتى يشهدا أنه لا نعلم له وارثا غير من حضر، وإلا يوقف المال ابدا.[8/373]
***(1/368)
[8/374] وقال أشهب في العتبية : الوارث المجتمع عليه بالخيار إن شاء حلف مع شاهده وأخذ المال كله، وإن أبى عزل من المال منابة الزوجة إذا ثبت : ويعطى له ما بقي بلا يمين.
وقال أشهب في كتاب ابن المواز: وإن شهد له رجلان أنه واث فلان لا يعلمان له وارثا غيره، ويشهد رجل أن لهذا الميت وارثا بافريقية، قال: يحلف الذي شهد له الشاهدان، ويدفع المال إليه.
ومن كتاب ابن سحنون : وكتب شجرة إلى سحنون فيمن أقام بينة أن فلانا أقر لي أن تركة أبي عنده، وأني وارثه لا وارث له غيري، ولم تقم له بينة أن مات ولا وارث له غيره، فكتب إليه سحنون : إذا شهدت له بينة على إقراره بما قال، فادفع إليه المال.
قال محمد بن عبد الحكم : وإذا شهدت بينة أن هذا أخو فلن الميت لم يدع وارثا غيره في علمهم، ثم ماتا قبل أن يسألا: هل هو شقيق أو لأب / أو لأم ؟ فإنه يعطى السدس إذ هو اليقين، ويوقف ما بقي [ثم إن جاء آخران فشهدا لآخر انه أخوه شقيقه لا يعلمان له وارثا غيره، فإنه يعطى نصف المال ويوقف النصف] للآخر لاحتمال أن يكون الأول لأب، ولا يكون له شيء، ويحتمل أن يكون شقيقا فيكون المال بينهما، ولو شهدت بينة أن الثاني أخ لأب، فإن الأول يأخذ السدس، ويوقف باقي المال لاحتمال أن يكون الأول شقيقا فلا يكون للثاني شيء، وإن شهد للثاني أنه أخ لأم، أعطي السدس وقد أخذ الأول السدس، ويوقف ما بقي، وإن شهدت بينة أنهم لا يعلمون له وارثا غير إخوته هؤلاء ، ولم يسألوا حتى ماتوا، وقالوا : نعلم أنهم لأب ولا نعلم الأمهات ونحن من أهل الخبرة، فلا يعطون شيئا لهذه الشهادة، أو قد يجب لواحد منهم أو لاثنين، فلا يعطوا بالشك، وإن اصطلحوا فيما بنيهم، سلم إليهم الحاكم جميع المال، ولو شهدوا أنهم يعلمون[8/374]
***(1/369)
[8/375][أنهم إخوة لأم ولا يعلمون أنهم إخوة لأب أم لا، فلهم الثلث، فإن قالوا : إنهم اخوته] ولا نعلم أنهم أشقاء أو لأب أو لأم، فإن اصطلحوا على الثلث دفع ذلك إليهم، لأنه لاشك أن لهم الثلث إن كانوا لأم أو افترقوا في الأمهات، أو كانوا شقائق، وإن قالوا : هذا شقيق ولا نعلم هل الباقي أشقاء أو لأب أو لأم، فإن اصطلحوا على جميع المال سلمناه إليهم، لأن فيهم من يستحق جميعه، إما بعضهم أو كلهم، فإن لم يصطلحوا أعطينا الشقيق الثلث، وأوقفنا ما بقي.
وإن شهدت بينة أن هذا جد الميت ثم ماتوا قبل أن يسألوا : الأم أم الأب؟ فلا يقضى له بشيء، إذ لعله لأم، وكذلك إن قالوا : ولا نعلم له وارثا غيره، لم يأخذ شيئا ولا يورث عند مالك أحد بالشك.
وإن شهدت بينة أن هذا مولى فلان وارثه لا يعلمون له وارثا غيره، / لم يأخذ شيئا، ولا يورث عند مالك أحد بالشك، وأن شهدت بينة أن هذا مولى فلان وارثه لا يعلمون له وارثا غيره، لم يتم ذلك حتى يقولوا : اعتقه، وفي ذلك اختلاف، وهذا أحب إلينا.
تم كتاب الشهادات الثاني
بحمد الله وعونه [8/375]
[8/376] [8/376]
[8/377] بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
كتاب الشهادات الثالث
في الشهادات على السماع
في الأحباس والولاء وغيره
من المجموعة : قال ابن القاسم : قال مالك : وشهادة السماع يقطع بها في الأنساب والولاء والصدقات التي طال زمانها، ولم يشهد في صدقة عمر وزيد إلا رجلان في صدقة كل واحد منهما.
قال ابن الماجشون : ولا يجيء ذلك بشاهد، ولا يكون السماع قاطعا حتى يكثر.
ومن كتاب ابن المواز: ومن سمع شهادة قوم ولم يشهدوه على نقلها: فلا ينقلها إلا فيها أجيز من شهادة السماع فيما طال به العهد ومات الشهود، وذلك من الدور والأرضيين، وقيل في الولاء والنسب، ولا يجوز في ذكر الحقوق والودائع، وشهادة السماع أن يقولوا : لم نزل نسمع ممن يقول أو ممن يشهد: أن هذه الدار لجد فلان، فإن قالوا : ولا نعرف من سمعنا، قال: قد قيل : لا ينفع ذلك حتى يقولوا : إن الذين سمعوا منهم عدول، قال أصبغ: شهادة السماع في الرباع والأرض أن يقولوا في الدار والأرض : لم نزل نسمع أنها ملك لأبي هذا أو جده، ويذكرون[8/377]
***(1/370)
[8/378] ورثته، فهذه تجوز. محمد : يريد : إن لم تكن بيد من يعرف/ أنها له ملك، قال أصبغ: شهادة السماع توسعة لأهل الحيازات فيما قدم من الزمان، وماتت فيه البينات لا فيما قرب، [فإذا كانت بيد رجل دار فقدم رجل لم يحضر] قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون : يجوز شهادة السماع فيما قدم عهده من الأشربة والحيازات والصدقات والأحباس والولاء والنسب وشبه ذلك، فيجوز في ذلك مع يمين الآخذ بها، كلما كثر فيها الشهود كان أحب إلينا، وإن لم يكن إلا شاهدين جاز، ويقولان: إنا سمعنا سماعا فاشيا، وقاله مالك، قيل لهما: ففي كم من السنين تجوز؟ قالا : من الخمس عشرة سنة ونحوها لتقاصر أعمار الناس، وقاله أصبغ، قال : وهي جائزة في كل أمر طال زمانه إذا حملها أهل العدل عن أهل العدل، ولا تجوز عن غير أهل العدل من سامعين أو مسموع منهم، ووجه ذلك أن يقولوا: سمعنا سماعا فاشيا من أهل العدل: أن دار فلان لفلان الغائب، أو فلانا اشتراها من فلان، أو هي حبس، وليس عليهم أن يقولوا : اشهدونا إذا قالوا : سمعناهم يقولون أو يخبرون، ولا عليهم أن يسموا من سمعوا منه، وإن سموا خرجت عن ذلك إلى الشهادة على الشهادة، وقاله ابن القاسم واصبغ.
ومن المجموعة: قال ابن الماجشون : وإن ذكروا من سمعوه فقال هذا : سمعت فلانا، وهذا : سمعت فلانا فلا يكون السماع هكذا، إنما هو عن غير معروف بعينه، فالذي يقضى من شهادة السماع أن لا ينص من سمع منه، ثم ذكر نحو ما / حكي عن ابن حبيب.
قال ابن القاسم : وإذا شهد رجلان على السماع وفي القبيل مائة رجل من أسنانهم لا يعرفون شيئا من ذلك، فلا تقبل شهادتهم إلا بأمر يفشوا لم يكن عليه أكثر من اثنين، وأما إن شهد شيخان قديمان في جيلهما أنهما سمعا أنها حبس، فذلك جائز، وتكون على المساكين إن لم يسم أحدا. [8/378]
***(1/371)
[8/379] ومن العتبية قيل لسحنون : أيشهد في النكاح على السماع ؟ قال : جل أصحابنا يقولون في النكاح إذا انتشر خبره في الجيران: أن فلانا تزوج فلانة، وسمع الزفاف، فله أن يشهد أن فلانة إمرأة فلان، وكذلك في الموت يسمع المناحة ويشهد الجنازة، أولا يشهد، إلا أن القول كثر بذلك من الناس : أننا شهدنا جنازة فلان، فله أن يشهد أن فلانا مات، وإن لم يحضر الموت، وكذلك النسب يسمع الناس يقولون: إن فلانا ابن فلان، ويكثر به القول فليشهد على نسبه، وكذلك القاضي يولى القضاء ولا يحضر ولايته إلا بما يسمع من الناس، وبما رآه يقضي بين الناس، فليشهد بأنه كان قاضيا.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا تزوج رجل امرأة نكاحا ظاهرا وأعرس بها، ودخل بها علانية، وأقام معها أياما فإنه يسمع الجيران، ومن استفاض ذلك عنده منهم : أن يشهدوا أنها امرأته، وإن لم يشهدوا النكاح، وقد يجوز أن يشهد قول على امرأة أنها زوجة فلان إذا كان يحوزها بالنكاح، ولو كان تزويجه إياها قبل أن يولدوا ظاهرا، كما يشهدون : أن هذا ولدها وإن لم يحضروا / الولادة.
قال ابن القاسم في المجموعة والعتبية من رواية أبي زيد: ويجوز في شهادة السماع أن يقولوا : لم نزل نسمع أن فلانا مولي فلان فيرثه ولا يجر ولاءه، ولا يثبت به نسب إلا أن يكون منتشرا، مثل أن يقول أشهد أن نافعا مولى ابن عمر، وهو ابن عمر بن الخطاب، فمثل هذا يجر به الولاء والنسب، قيل : أفنشهد أنك ابن القاسم ولا نعرف أباك، ولا أنك ابنه إلا بالسماع؟ قال : نعم، ويقطع بها النسب.
قال سحنون في كتاب ابنه : لا يجوز على النسب إلا شهادة على شهادة، أو من جهة تواتر الخبر : أن هذا فلان بن فلان. مثل سالم بن عبد الله، وابن المسيبن والقاسم بن محمد، وما تواتر عندنا نحن : أن هذا إبراهيم بن الأغلب مثل [8/379]
***(1/372)
[8/380] اشتهار ولد خلاد وولد أبي حسان، فإذا تواتر الخبر في النسب [جازت الشهادة] وإلا فلا إلا على أحد هذين المعنيين، وقال بعض أهل العراق : لا يشهد على النسب حتى يسمع جماعة، وقال بعضهم، حتى يسمع عدلين.
قال سحنون في المجموعة : لا يجوز أن يشهد: أنا سمعنا فلانا يقول : هذا ابني حتى يكون ثم فراش قائم إما بنكاح وإما بملك.
قال ابن المواز: اختلف قول مالك في شهادة السماع في الولاء والنسب، وذهب أصبغ إلى أنه يؤخذ بذلك المال، ولا يثبت له نسب به [ولا ولاء]، ولا يعجبنا هذا، وأكثر قول [مالك]وابن القاسم إلى أنه يقضى له بالسماع بالولاء والنسب، وكذلك في الأحباس والصدقات فيما تقادم، وروي لمالك فيمن أصله بالمدينة، وهلك بالمغرب، فشهد أهل المغرب بالسماع في ولائه، فإنه يقضى بالمال بعد يمينه، ولا يقضى له بالولاء، وبهذا / أخذ أصبغ، وقاله ابن القاسم، قال محمد: وليس هذا مثل الذي يموت ببلده في ثبات ذلك له بالسماع.
قال أشهب في المجموعة في شاهدين على السماع في الولاء أنه مولى فلان، لا يعلمون له وارثا غيره، فلا يعجل فيه ، فإن لم يأت أحد بعد التأني رأيت له الولاء والمال وولاء ولده ومواليه، وإن كان إنما شهد على ذلك شاهد واحد على علم نفسه، فلا يقضى له في ذلك بمال ولا ولاء بيمينه مع شاهده، وقاله سحنون.
وقال ابن الماجشون : إذا شهد قوم أن هذه الدار صدقة، لم تدخلها المواريث مضت حبسا إن كان في شهادتهم أن فلانا حبسها: رجلا يعرف، ويكون لأولى الناس به، ويقضى فيها بالسماع، ولو لم ينصوه باسمه، فانظر لمن كانت فاجعلها لأولى الناس به إذا درس تحبيسها وخربت، ولم يعلم لها شرط، وهذا الذي لو لم يشهد بالتحبيس كان لورثته، مثل أن يقال: إنها دار فلان، ثم شهد قوم أنها[8/380]
***(1/373)
[8/381] حبس تعرف بذلك ممتنعة من المواريث، فيكون لولا الذي لم يشهد بالحبس كانت لورثته.
ومن العتبية : قال أصبغ عن ابن القاسم في التي تفتدي من زوجها، ثم يشهد لها قوم بالسماع أن زوجها كان يضربها: أن ذلك كان جائزا بالسماع من أهله ومن الجيران وشبه ذلك الأمر الفاشي، قيل : أفيجزئ في ذلك شاهد على السماع باليين والأمر المعروف؟ قال : عسى به أن يجوز، وأرى أن يجوز، قيل: أيحلف مع ذلك؟ قال : لا، قيل : فيشهد لها شاهد الثبات على الضرر، ايحلف معه؟ قال : كيف / يعرف ذلك؟ قال: يقول : سمعته واستبان لي، قال : إن كان [هذا يكون فعسي به وأنظر فيه، قال أصبغ: وهو جائز إن لم يكن معه غيره وكان سماعا قاطعا، ولا أحلف معه إن كان] معه سماع منتشر وإن كان غير قاطع، ويرد ما أخذ فيها، لأنه مال [فيحلف مع شاهده ويمضي الفراق، وقاله ابن القاسم بعد ذلك كالحقوق، وقاله أصبغ].
ومن كتاب ابن المواز: وإذا قدم الغائب فأقام بينة على ملك أبيه أو جده لدار، وأثبت المواريث. قال أصبغ : فإذا تمت الشهادة فأقام من هي بيده بينة على السماع: أنهم لم يزالوا يسمعون هم أو من نقلوا عنه من العدول أنها لأبي هذا الحائز أو لجده، فاشترى من أبي القادم أو جده، أو بصدقة لا يعلمونها خرجت من ملكه حتى مات، ويذكرون عدد ورثة كل ميت، فهذه شهادة السماع التي يقضى بها، ويكون من هي بيده أحق بها، فأما إن قالوا : لم نزل نعلم أنها بيد هذا[8/381]
***(1/374)
[8/382] أو جده يحوزها، لا يدرون بماذا حازها، فلا تتم بذلك، وقاله مالك وابن القاسم وأشهب، قال ابن القاسم: وهذا فيما تقادم، لا يقبل في مثل الخمسة عشر على السماع إلا على القطع، ورواه عن مالك.
قال ابن القاسم عن مالك في المجموعة فيمن غاب عن دار أو أرض فدخلها رجل في غيبته فسكنها زمانا ثم مات فورثت عنه، ثم أتى الغائب فاستحقها فهو أولى بها، ولا يلتفت إلى ما كان يسمع من الميت فيها مما يذكر أنه اشترى، يريد: لأنه قد عرف أصل حيازته لها، فأما إذا لم يعلم أصل حيازته لها فالحيازة تنفعه، وكذلك لو قال: اشتريت من أب هذا المدعي إذا طالت حيازته بمحضر الشهود له، [وهي في موضع آخر بينة].
/ في الشهادة على السماع من قاض
أنه ثبت عنده كذا
قال ابن حبيب : سألت مطرفا عمن سمع القاضي يقول : ثبت عندي أن لفلان كذا بكتاب قد عرفه السامع، وحفظنا ما تكلم به، قال: لا يجوز له أن يشهد بذلك، ولا تكون شهادة حتى يكون ذلك إشهادا من القاضي وايقافا منه للشهود على ذلك، لأنه قد يكون ذلك من القاضي على وجه من الاستفهام أو التثبت لقول أحد الخصمين، أو التزيد على الخصم، وقاله أصبغ، وروي بعضه عن ابن القاسم.[8/382]
***(1/375)
[8/383] [جامع القول]
في الشهادة على الشهادة، وكيف النقل فيها؟
ومن يجوز أن ينقل عنه؟
من المجموعة : قال ابن النافع عن مالك فيمن دعي إلى أن يشهد على شهادة رجل حاضر ليس بمريض، قال: ما أرى أن يشهد على ذلك ولا أحبه.
ومن كتاب ابن المواز: وتجوز الشهادة على الشهادة في كل شيء، وإنما ينقل عن مريض أو غائب، وأما في الحدود فلا ينقل عن البينة إلا في غيبة بعيدة، وأما في اليومين والثلاثة فلا، وأما في غير الحدود فجائز إن لم يكونوا حضروا، ولا يجوز إلا أن يكونوا مرضى لا يقدرون على الحضور، وينبغي في النقل عن الغائب علم الناقلين بغيبة بعيدة وبغير حداثة غيبتهم، قال: ولا ينقل[عن غير العدول إلى قاض ليلا يغلط فيقضي بها، ولا ينقل عنه ابتداء]إلا أن تكون آلت إلى أن صارت إقرارا على نفسه مثل الزوج والولد والوارث، وإلا فلا يشهد بها.
ومن العتبية : قال أصبغ عن أشهب : وإن شهد قوم على / شهادة رجل لا يعرفونه بالعدالة، والقاضي يعرف عدالته، أو عدله غيرهم، فجائز.
قال أصبغ: وذلك إذا عرف أنه الذي نقل عنه آخرون بعينه، لئلا يجعل اسمه لغيره، فيكون غير الذي عرفه القاضي أو المعدلون بالعدالة.
قال في كتاب ابن المواز: وليس النقل عن الشاهد بتعديل حتى يعدله الناقلون أو غيرهم، أو يعرفه القاضي بالعدالة، قال أشهب : وإلا طلب منه تزكية.
قال ابن حبيب : قال مطرف في نقل الناقلين لشهادة قوم في حق أو نكاح، وقالوا : أشهدنا قوم على كذا كانوا عندنا يومئذ عدولا، ولا ندري اليوم من[8/383]
***(1/376)
[8/384] هم، فلا تجوز شهادتهم حتى يسموهم فيعرفون غيبا أو أمواتا ، فتجوز شهادتهم تلك عليهم وإلا لم تجز، إذ لعلهم حضور قد نزعوا عن الشهادة أو نسوها أو حالت حالتهم إلى جرحة، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: ومن سمع رجلا يشهد على شهادته قوما ولم يشهده هو ولا خاطبه، فلا يشهد على شهادته وإن احتاج إليه، بخلاف الإقرار.
قال ابن القاسم وأشهب في رجلين سمعا رحلا يذكر أن عنده شهادة في كذا، فلا ينقلا ذلك ولا يقبل إن نقلاه، قال أشهب : وليس بضيق إن رفع ذلك إلى الإمام، وقد قيل : لا يرفعها خوفا أن يغلط فيقضي بها ، ولو أشهده لزمه أن يشهد وإن كان وحده، قال : ومن سمع رجلا يشهد عند القاضي بشهادة، ثم مات/ القاضي أو عزل فلا ينقل ذلك، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب : ينقل ذلك، فيجوز إذا سمعه يسوقها عند القاضي وتكون شهادة على شهادة.
وقال أصبغ : لا يجوز حتى يشهده على ذلك، أو يشهد على قبول القاضي ذلك.
وقال ابن حبيب بقول مطرف.
ومن المجموعة : قال ابن القاسم في المشهور أنه ابن فلان ، [لا باس بان يشهد بأنه ابن فلان] وإن كان إنما أخبره بذلك رجلان وليس بمشهور، فليقل : أخبرني فلان وفلان على أنه ابن فلان، ولا يقل هؤلاء إنه ابن فلان، لأنها- وإن كانا عدلين – فليس له هو أن يخبر بشهادتهما، ولعلهما لا يجوزان عند الحاكم، قال عنه عيسى في العتبية : إذا قال رجلان : سمعنا فلانا يذكر أنه شاهد لفلان في كذا وقد مات : فلا أحب أن يشهدا بهذا، ولو شهدا لم يقبلا، قال أشهب : فإذا شهد رجلان على شهادة امرأة أو امرأتين جازت الشهادة، وكأنهما قد حضرتا، ولم ينقل عنهما. [8/384]
***(1/377)
[8/385] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم في امرأتين شهدتا على شهادة امرأتين ومعهما رجل يشهد أو امرأتان بأصل الحق، قال : لا يجوز إلا أن يكون مع المرأتين رجل، قال : وإن شهد امرأتان على أصل الحق، قال مالك: تسقط شهادة الناقلين، ويحلف مع المرأتين اللتين على أصل الحق ويستحق، ولا يجوز نقل النساء وإن كثرن عن رجل أو عن رجل معهن.
في ناقلي الشهادة ينقل بعضهم عن / بعض البينة
وبعضهم عن بعضها، وهل ينقل فيما شهد فيه؟
وفي المنقول عنه ينكر الشهادة أو يشك فيها
من كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون والمجموعة : قال ابن الماجشون: وإذا شهد رجلان على شهادة رجل، أو شهد أحدهما وثالث على شهادة آخر في ذلك الكتاب، فلا يجوز أن يرجع إلى أن واحد أحيى شهادتهما، قال ابن المواز: بل ذلك جائز، لأن الواحد جمع رجلين، ولو كان معه آخر ينقل عنهما لجاز عنده، فكيف هو مع رجلين كل واحد ينقل عن رجل، وهذا أقوى. قال ابن القاسم في المجموعة : ولا يجوز أن يشهد على حق يعلمه ويشهد مع آخر ينقلا ذلك عن آخر، لأن واحدا أحيى الشهادة.
قال في العتبية : وتجوز شهادته على علم نفسه ، ولا يجوز نقله عن الآخر.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا شهد رجلان على شهادة رجل، ثم أنكر شهادته أو شك فيها عن قرب ذلك أو بعده، فلا يجوز أن ينقل عنه إلا أن يكون صار ذلك إقرارا على نفسه، أو آل أمره إلى أن صار جحوده منفعة له فينفذ ذلك عليه. ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في شاهدين نقلا شهادة رجل، ثم قدم فأنكر أن يكون أشهدهما، أو أن يكون عنده في ذلك علم، [8/385]
***(1/378)
[8/386] وقد حكم بها، قال مالك : يفسخ ذلك، قال في سماع عيسى : وإذا نقلا عن شاهد فحكم بها [مع اليمين، أو عن اثنين فحكم بها] ثم قدم من نقلوا عنه فأنكر، فالحكم ماض ولا غرم عليهما، ولا يقبل / تكذيبه لهما، وروى نحوه أبو زيد. قال عنه عيسى : ولو قدم قبل الحكم فقال هذا القول : سقطت الشهادة، ويستحلف صاحب الحق مع شهادة إن بقي له شاهده، ونحو هذا عن مطرف في كتاب ابن حبيب.
في نقل الشهادة في الزنا والحدود والدماء
وكم يجوز في ذلك؟
من كتاب ابن حبيب عن مطرف عن مالك : ولا يجوز في الشهادة على الشهادة في الزنا إلا أربعة على كل واحد من الذين شهدوا على الرؤية، [وخالف بينه وبين الحقوق وقال : لا يجوز نقل الشهادة في الزنا إلا ستة عشر شاهدا، ولو شهد ثلاثة على الرؤية] وغاب شاهد فلا تتم شهادة إلا أن ينقل أربعة، ولا يعدل كل واحد إلا بأربعة.
قال ابن الماجشون : إذا شهد أربعة على كل واحد من الأربعة جازت، فإن تفرقوا جاز اثنان على كل واحد حتى يصيروا ثمانية، ويجوز في تعديلهم مثل غيرهم إثنان على كل واحد، وأربعة على جميعهم.
وقال ابن المواز: وإن شهد رجلان على شهادة أربعة في الزنا : حد الرجلان، وإن حدا ثم جاء الأربعة فشهدوا على الرؤية : حد الزاني، وزال الحد عن الرجلين.[8/386]
***(1/379)
[8/387] قال محمد : وإنما يضرب الناقلان إذا قذفا، وأما إذا قالا: أشهدنا فلان على شهادتهما : فإنما يضرب الغياب، وإن شهد اثنان على شهادة واحد، واثنان على شهادة ثلاثة، تمت الشهادة /، وإن شهد اثنان على رؤيتهما، ونقل اثنان عن اثنين على رؤيتهما، ونقل اثنان عن اثنين جازت الشهادة، ومن العتبية : روى أبو زيد عن ابن القاسم: وكذلك شهادة ثلاثة على شهادة ثلاثة في الزنا واثنان على واحد فيجوز.
قال ابن المواز: وإن نقل اثنان عن أربعة في الزنا فلم يحدا حتى قدم الأربعة فأنكروا، حد الأربعة وسلم الشاهدان، محمد : وكذلك ما لم يكن لزم الشهادين الحد مثل أن يقولا ابتداء : هو زان أشهدنا بذلك فلان فسموا أربعة [فأما إن قالا ابتداء : أشهدنا فلان وفلان] لم يحد هذان، وإن شهد واحد على علم نفسه، واثنان نقلا عن ثلاثة فإن يحد الشاهد، وأما الناقلان فإن لم يقولا: إنه زان، وإنما قالا: أشهدونا على شهادتهم أنهم رأوه هم وفلان يزني، فلا يحدا، وإن قدم الثلاثة فأنكروا، حدوا ، وإن شهدوا : حد الرجل إن كان مجيئهم قبل حد هذا الذي شهد على رؤية نفسه، وكذلك لو لم يقدم منهم فشهد إلا واحدا واثنان لتمت الشهادة وحد الزاني.
ومن المجموعة : قال مالك : الشهادة على الشهادة جائزة في كل شيء في الحدود والزنا وغيرها، قال أشهب : وما علمت من خالف ذلك إلا بعض العراقيين فلم يجز النقل في الزنا والحدود، ولا حجة لهم في ذلك [8/387]
***(1/380)
[8/388] في نقل الشهادة على قضاء قاض
[في الحدود والدماء والحقوق]
من كتاب ابن سحنون: قال : وإذا شهد/ رجلان عند قاض آخر أنه أشهدهما أنه قامت عنده بينة، وعدلوا على قطع رجل ليد رجل عمداً، فحكم بالقصاص عليه فلم يقطع حتى هلك القاضي، فعلى الذي ولي بعده إنفاذ القصاص، وكذلك في القتل والجراح، وكذلك لو شهد شهود على شهادة هؤلاء بهذه القضية فذلك جائز، ولينفذه، ألا ترى لو اقتص منه لنفسه من غير قضية، ثم أقام بينة بما يوجب له ذلك القصاص، فلا شيء عليه إلا الأدب بما افتات على الإمام في أخذه حقه بيده، وكذلك لو أتى بشهادة على شهادة فيما ذكرنا لقبلت ذلك منه، وكذلك في حد السرقة، وكذلك في حد الزنا إن شهد أربعة فأكثر على قضية القاضي بذلك، فعلى من بعده أن ينفذ ذلك، وكذلك في كتاب القاضي إلى قاض في القصاص والحدود والحقوق.
ولو شهد رجل وامرأتان على قضاء قاض في الحدود والدماء، وما لا تجوز فيه شهادتهن، لم يجز ذلك، ولا يجوز في ذلك إلا الرجال.
وفي كتاب الحدود بقية هذا المعنى من نقل شهادة شاهدين بحكم القاضي في حد الزنا وغير ذلك.
كم يجوز من شهادة القافة؟
وما يجوز في ترشيد السفيه من الشهادة
من العتبية : قال سحنون : لا يقضى بقايف واحد، ولا يلحق به النسب، وليكتب إلى البلدان وينظر أبداً حتى ينضم إليه آخر/، وقال ابن القاسم[8/388]
***(1/381)
[8/389] وابن نافع عن مالك: لا يجوز من القافة إلا إثنان، قال عنه ابن نافع: ولا يكونا إلا عدلين، وقال محمد بن خالد عن ابن القاسم: إن شهادة الواحد العدل مقبولة.
ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادة رجلين فقط على ترشيد السفيه حتى يكون ذلك فاشيا، وقاله أصبغ. ويجوز في إفشاء ذلك شهادة النساء، وقد اختلف في شهادتهن في ذلك.
في شاهد الزور وعقوبته
وهل تقبل شهادته بعد توبته؟
من المجموعة : روى ابن وهب عن مالك في شاهد الزور: قال : يجلد ويطاف به ويشهر، قال عنه ابن نافع: ويوقف ولا أريد النداء، قيل : هل يطاف به؟ قال : ما أريد أن أتكلم به، قال عنه: يضرب ويحبس، ثم يضرب ويفضح ويشار به، قال عنه ابن كنانة: يجلد نكالا، ويكشف عن ظهره ويشهر به إذا شهد بصريح الزور، فأما إن نسي أو شبه ذلك ولم يتعمد، فلا شيء عليه.
قال ابن المواز عن مالك: يفضح ويوجع أدبا ويشار به، ويسجن.
ابن حبيب : روى عن عمر أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا، وسخم وجهه، وطاف به في الأسواق.
وروي عن شريح أنه نزع عمامته وخفقه خفقات وعرفه أهل المسجد وأهل سوقه، قال ابن الماجشون: يضرب بالسيوط، ويطاف به بالأسواق والجماعات والإشهار، ولا أرى الحلق والتسخيم، كره ذلك مالك وأصحابه، رواه مطرف عن مالك/ [8/389]
***(1/382)
[8/390] قال محمد بن عبد الحكم، إذا ثبت عليه أنه يشهد بالزور، ويأخذ على الشهادات الجعل، رأيت أن يطاف به ويشهر في المسجد في الحلق وحيثما يعرف به جماعة الناس، ويضرب ضربا موجعا، ولا يحلق لحيته ورأسه، وليكتب القاضي بشأنه وما ثبت عنده كتابا وينسخه نسخا يرفعها عند الثقات، ولا يقبل شهادته أبدا، وإذا كان ظاهر العدالة، إذ لا تعرف توبة مثل هذا أبدا. قال ابن نافع في المجموعة عن مالك: ولا تقبل شهادته أبدا إذا ظهر عليه، قال ابن نافع: وإن تاب، وفي كتاب ابن المواز عن القاسم بأنه تقبل شهادته، وأظنه لمالك، وتعرف توبته بالصلاح والتزيد في الخير، وروي عن ابن القاسم قول آخر أنه إذا اطلع عليه بذلك فلا تقبل له شهادة أبداً، قاله سحنون في المجموعة: وهو كالزنديق، قال في موضع آخر: ولا تقبل توبته إلا أن يأتي تائباً قبل الظهور عليه، ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن كان عند الناس ظاهر الفضل والعدل حتى اطلع عليه بذلك سقطت شهادته أبدا، وإن تاب. وأما من لم يكن ممن يعرف بالفضل، فهذا إذا ظهرت توبته جازت شهادته، لأنه عاد إلى أفضل مما كان عليه.
قال أصبغ : وينبغي في شاهد الزور أن يكتب عليه الإمام بذلك كتاباً لئلا ينسى ذلك فتجوز شهادته.
ومن العتبية : روى أبو زيد عن ابن القاسم : قيل له: هل تقبل شهادة شاهد الزور؟ قال : إن عرف منه تزيد في الخير والإقبال جازت شهادته.
/ في القضاء باليمين مع الشاهد
وما يجوز من ذلك فيه
وما تجوز فيه شهادة النساء من المال وغيره
قال أبو محمد : هذا الباب قد تكرر كثير من مسائله في باب بعد هذا أفرد فيه شهادة النساء. [8/390]
***(1/383)
[8/391] من كتاب ابن المواز ونحوه لأشهب في المجموعة وهو قول مالك وأصحابه في قوله تعالى في آيه الدين (فرجل وامرأتان) ليس فيه نهي عن قبول شاهد مع اليمين، أو امرأتين مع اليمين. كما لم يمنع ذلك من قبول امرأتين فيما لا يطلع عليه الرجال، وهو أمر مجتمع عليه بالمدينة. قال مالك : وكما لا يختلف أن المطلوب إذا نكل وحلف الطالب، أن الحق قد وجب، وأنه ليس بمخالف لظاهر القران مع ما مضي من السن في ذلك في الأموال.
قال أشهب في المجموعة : وقد حكم مخالفنا بالنكول، وهو في كتاب محمد، قال سحنون في كتاب ابنه : وقد ثبتت السنة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بالقضاء باليمين مع الشاهد في الأموال.
قال مالك : مضت السنة بذلك، قيل له : أيحمل الناس عليه بكل بلد؟ قال : نعم.
قال مالك في هذه الكتب : وذلك في الأموال دون الطلاق والعتق والحدود، قال في كتاب ابن سحنون: والنكاح والقتل.
قال أشهب : ومن السنة التي لا اختلاف فيها: ألا تجوز شهادة النساء في نكاح أو عتق أو طلاق أو قتل أو قصاص أو حد. ولا يجوز في ذلك إلا عدلان، إلا الزنا ففيه أربعة.
قال سحنون: / : ولا اختلاف في هذا بين علماء الحجاز. قال ابن شهاب: مضت السنة في هذا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألا تجوز في النكاح والطلاق والحدود، ومن الخليفتين بعده، قال في رواية أخرى: والعتق والقتل، وقاله ابن المسيب وغيره من علماء أهل المدينة، ومن كتاب ابن عبدوس : قال ابن[8/391]
***(1/384)
[8/392] وهب : قال مالك: إنما تجوز شهادتهن في الدين حيث ذكرها الله سبحانه، والهبة والنحل والصدقة.
قال مالك فيه وفي غيره: لا يجوز الشاهد الواحد في العتق والطلاق، ولكنه يوجب يمين المدعى عليه.
ابن حبيب : قال مطرف عن مالك : ويجوز الشاهد الواحد مع اليمين في الحقوق والجراح عمدها وخطاها، وفي المشاتمة ما عدا الحدود من الفرية والسرقة والشرب والزنا والعتق والطلاق.
قال ابن حبيب : وقاله عمر بن عبد العزيز.
ومن العتبية : قال أشهب عن مالك فيمن قام له شاهد أن فلانا شتمه، قال : لا يحلف في هذا مع الشاهد، قيل : أيحلف المدعى عليه؟ قال : نعم عسى به ما أن أراه، وليس كل ما يراه المرء يجعل أرى إن كان الشاهد قام على معروف بالسب أن يعزر.
ومن المجموعة : ولا يجوز شاهد ويمين إلا حيث تجوز شهادة النساء في الأموال، قال ابن الماجشون : وما جاز فيه شاهد ويمين جاز فيه شهادة امرأتين أو امرأتين مع اليمين.
قال مالك في هذه الكتب : وقد يجوز ذلك فيما يؤدي/ إلى طلاق أو عتق أو حد كدين متقدم يثبت بشاهد ويمين على معتق فيرد به عتقه، وكذلك في النكول مع يمين الطالب، هكذا وقع في الموطأ، وروى عيسى عن ابن القاسم في كتاب ابن مزين أن العتق لا يرد بنكوله ولا بإقراره لو أقر أن دينا عليه قبل العتق، ثم رجع إلى كلام مالك قال: وكذا على شراء الزوج لامرأته، ويجب الفراق، أو يقيم القاذف شاهدا وامرأتين على أن المقذوف عيد فيزول عنه الحق، قال عبد الملك في المجموعة: أو امرأتين على أداء كتابة مكاتب، فيحلف ويتم عتقه، أو يعتق رجل[8/392]
***(1/385)
[8/393] عبده فيشهد رجلان أن امرأتين أشهدتاهما أنه باعه قبل عتقه، فيحلف ويرد عتقه ويأخذه المبتاع.
قال ابن الماجشون في كتاب ابن سحنون نحو ما تقدم، قال: وهن في هذا لم يشهدن في طلاق أو عتاق، وإنما شهدن في مال جر إلى ما ذكرت، قال سحنون: وكذلك شهادتين لمن حاز نفسه بالحرية : أنه مملوك لفلان، جائزة فيحلف معهن ويرق له ويبطل الحد عن من قذفه، ويصير حده فيما تقدم من زنا أو قذف أو خمر حد العبد.
قال : وإذا شهدن أن فلانة ولدت حيا فاستهل ثم مات، جاز ذلك فيما يوجب موته من ميراث أو دية أو قصاص أو غيره، لأن شهادتهن أثبتت حياته وها هو ذا ميتا، وإن شهدن أن فلانة وضعت أو أسقطت جاز ذلك، وحلت بذلك من العدة للأزواج.
/ ومن المجموعة : قال أشهب: ومن وطئ أمة رجل ثم ادعى شراءها فأقر له سيدها، أو أنكر ونكل عن اليمين، لقضي بها للواطئ ولم يسقط عنه الحد بذلك، ولو أقام شاهدا أو شاهدا وامرأتين لسقط عنه الحد بذلك استحسانا، وليس بقياس، ويريد أشهب: أنها ليست في حوزه، وابن القاسم يخالف أشهب في هذا، وهذا في كتاب الرجم مستوعب.
ومن كتاب ابن المواز: ومن قذف أو قذف فشهدت امرأتان أنه مملوك لغائب أو صغير: فالحد قائم له وعليه، فإن كان الغائب قريبا كتب إليه، فإن قدم حلف واستحق رقبته، قال محمد: وإلا فالحد له وعليه، ومتى ما قدم الغائب أو كبر الصغير حلف وملك.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه : ويجوز الشاهد واليمين في دار رجل أنه غصبها لطالب، أو باعه إياها، أو وهبها له، أو تصدق بها عليه، أو أوصى له بها، أو أن له عليه مالاً، أو أنه حرق له متاعاً ، أو جرحه خطأ، أو على براءة من دين. [8/393]
***(1/386)
[8/394] قال ابن وهب عن مالك : وتجوز شهادة رجل وامرأتين في تسمية الطلاق.
قال عنه أشهب : ولا تجوز شهادتهن في الرجعة.
ومن المجموعة: قال ابن وهب عن مالك: ويجوز الشاهد واليمين في البراءة من الدين، ويجوز في الأموال العظام من الذهب والورق والحوائط والرقيق.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ومن ثبت عليه حق من دين أو ثمن مبيع أو أرش جناية مما تحمله العاقلة أو لا تحمله، فأقام / عليه شاهدا أنه قبض ذلك أو أبرأه، أو أبرأ عاقلته، أو أبرأه من أن يكون جنى، أو أنه صالحه على شيء وقبضه، جاز في ذلك يمينه مع شاهده، وكذلك إن أقام شاهدا أنه تبرأ إليه من عيب بعيد باعه، أو أنه أبرأه منه لحلف وبرئ ولو ثبت عليه بينة بحق فأقام المشهود عليه شاهداً أن المشهود له أقر أن ما شهد له به شهوده على فلان أنه باطل، فإنه يحلف في ذلك.
قال : قال ابن القاسم: ولا يجوز [شاهد واحد] في الهلال في صوم أو فطر أو حج، [وكذلك جماعة نساء] قال في كتاب ابن المواز: وإن كن مع رجل.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك : تجوز شهادة النساء في قتل الخطأ وجراحاته.
قال أشهب : وتجوز شهادتهن مع رجل في كل خطأ. أو عمد لا قود فيه، وإن لم يكن معهن رجل: حلف المجروح واستحق دية جرحه.
قال سحنون عن ابن القاسم في العتبية: ولا تجوز شهادتهن في جراح[8/394]
***(1/387)
[8/395] العمد، وتجوز في الخطأ وقتل الخطأ، وقال سحنون : هي جائزة، وأصلنا : أن كل ما جاز فيه شاهد ويمين جازت فيه شهادة النساء.
قال سحنون في المجموعة وكتاب ابنه: مثله، واختلف قول ابن القاسم في شهادتين في القصاص فيما دون النفس، ثم ذكر فيه نحو قوله هذا، قال في كتاب ابنه: والذي رجع إليه ابن القاسم أنها لا تجوز، ولا يعجبني، قيل لسحنون في المجموعة: فأنت تجيز الشاهد في / قتل العمد في القسامة ولا تجيز فيه المرأتين مع القسامة، قال : لا يشبه ذلك، وهذه يمين واحدة، والقسامة خمسون يمينا.
ومن كتاب ابن المواز: وتجوز شهادة امرأتين وحدهما على الجراح مع يمين المجروح، وعلى القتل في العمد والخطأ، وتكون فيه القسامة فيمن ظهر موته، ولا تجب بشهادة المرأة على القتل قسامة. وقال أشهب : تجب فيها القسامة بشهادتها وشهادة الرجل المسخوط، وهو عنده لوث في العمد والخطأ.
ومن كتاب ابن عبدوس: قال ابن الماجشون ونحوه في كتاب ابن حبيب، أما ما صغر من جراح العمد كالموضحة والأصبع ونحوه من المأمون على النفس فيه: فيجوز فيه اليمين مع الشاهد أو مع المرأتين، ولايكون ذلك فيما فوق هذا مما يخاف منه تلف النفس، قال: ولكن على من شهد عليه بذلك اليمين، فإن نكل سجن حتى يحلف ولا ترد فيه اليمين، قال : واليمين مع الشاهد في الحر يجرح العبد يحلف سيدة ويأخذ مالا، وكذلك مع المرأتين، قال ابن الماجشون : وإنما تجوز شهادة النساء في قتل الخطأ إذا ثبت موت المقتول بغيرهن، وأما إن لم يثبت موته إلا بهن فلا يجوز. وكذلك في كتاب ابن المواز، قال : ولا يموت أحد إلا برجلين عدلين، وذلك يشبه العتق والطلاق.
قال أشهب في العتبية، ورواه عبد الملك بن الحسن : وإذا شهدت امرأتان على امرأة أنها ضربت بطن أخرى فألقت/ مضغة، فلتحتلف معها وتستحق الغرة ولا كفارة على الضاربة. [8/395]
***(1/388)
[8/396] ومن كتاب ابن المواز: وتجوز شهادتهن مع رجل على موت رجل إن لم تكن له زوجة ولا مديرة ولا وصية بعتق.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم عن مالك: وتجوز شهادة النساء في المواريث لا في الأنساب، قال عنه أشهب في العتبية فيمن أقام رجلا وامرأة أنه وارث فلان. قال : يستأنى بهما حتى يأتي بغيرهما، فإن لم يأت بغيرهما حلف واستحق، قال أشهب في ذلك : إذا كان نسبه من الميت قد ثبت بغيرهن قبل ذلك، فيكون الشاهد إنما شهد له بأنه وارثه لا يعلم له وارثا غيره، فيحلف معه ويرث، لأنه يشهد على مال لا على نسب، ولا يجوز شاهد وامرأتين على نسب.
قال ابن الماجشون : تجوز في الميراث إذا ثبت النسب بغيرهن كما تجوز في قتل الخطأ إذا ثبت الموت بغيرهن، وإذا اختصم في تعدد الولاء وقد ثبت الولاء لمن ورثوه عنه، جاز ذلك بشهادتهن أو بشاهد ويمين، وإذا لم يثبت الولاء بغيرهن لم يجزن في ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ويجوز في الوراثة شاهد ويمين الطالب وشهادة النساء، لأنها شهادة على مال، لأن النسب قد ثبت بغيرهن، ويجوز في قتل الخطأ إذا ثبت الموت بغيرهن، أو وجد الرجل مقتولا فشهد عليه غيرهن، وهو أمر ثبت بغيرهن قبل وجوب المال، وكذلك النسب، ولا يجوز في هذين الوجهين شاهد ويمين، ولا شهادة النساء وحدهن ولا مع رجل.
قال سحنون : وتجوز في قتل الخطأ / لأنه مال ، قاله ابن القاسم، قال سحنون : وذلك إذا بقي البدن قائماً فشهد عليه رجل وامرأتان أنهما رأياه قتيلا، فأما إن دفن ولم يعلم ذلك غيرهن فلا تجوز، لأن شهادتهن إنما تجوز على الضرورة، ولا ضرورة ها هنا في زوال الجسد، لأن القتل يفوت، والبدن يبقي ولا يفوت،[8/396]
***(1/389)
[8/397] فليس فيه ضرورة، وقول سحنون هذا قول ابن الماجشون ، قال سحنون : تجوز شهادتهن في العفو عن دم العمد.
ومن كتاب ابن المواز : ومن أقام بينة أنه وارث فلان أو مولاه لا يعلم له وارثاً غيره، قال مالك: يستأنى بالمال حتى يوئس أن يأتي أحد بأثبت من ذلك فيحلف معه ويقضى له بالمال، ولا يثبت له نسب ولا ولاء، قال أصبغ: ولا ينفعه في غير هذا المال.
ومن كتاب ابن سحنون : قال ابن كنانة فيمن أقام شاهدا وامرأتين أنه مولى فلان، وأنه لا وارث له غيره، فإنه يستحق بذلك ماله إن كان المالك معروفا بالحرية ظاهر ذلك بعير شهادة المرأتين، وكأنهما إنما شهدتا أن هذا أحق الناس بميراث فلان، فيكون ذلك له ما لم يأت أحد بأقوى من ذلك.
قال سحنون : واختلف أصحابنا في شهادة النساء على الوكالة على المال، والشهادة على الشهادة في المال والوصية إلى الموصى إليه في المال، والذي أخذ به أن ذلك يجرى مجرى اليمين مع الشاهد، لأن الله تعالى ذكرهن في الأموال. وفيها حكم النبي (صلى الله عليه وسلم) باليمين مع الشاهد، وهن لا يجزن في التعديل في المال ولا شاهد/ ويمين، وكذلك في الوكالة والوصية ونقل الشهادة فيه [والولاء وموت الميت المشكوك في موته، ولا يجزن في ذلك، كما لا يجوز فيه] الشاهد واليمين، وأنكر رواية ابن القاسم في شهادتهن على وكالة المال، وقال : لو جوزتها جوزت تزكيتهن لمن شهد في مال، ولو جازت شهادتهن في الوكالة في المال لجاز الشاهد واليمين في الوكالة عليه.
ومن كتاب ابن سحنون : قال: ابن وهب عن مالك في امرأة أشهدت على وكالة لها رجلا وامرأتين، قال إن كان في مال فنعم، ورواه ابن القاسم وقال: ولا تجوز شهادتهن في الوكالة على ما لا تجوز شهادتهن على أصله وإن كان معهن[8/397]
***(1/390)
[8/398] رجل، وتجوز شهادتهن على الشهادة في الأموال في الوكالات عليها إذا كان معهن رجل، وإن لم يكن معهن رجل لم يجز نقلهن عن رجل ولا عن امرأة إلا مع رجل، وقاله أشهب في النقل، ورواه ابن وهب عن مالك.
ومن العتبية : قال سحنون : لا يقضى بشاهد ويمين في وكالة في مال. قال ابن نافع عن مالك في المجموعة فيمن أقام شاهدا أنه أوصي إليه: أنه لا يحلف معه ولا يثبت له ذلك إلا إن يراه الإمام لذلك أهلا فيوليه بغير يمين. وقال ابن الماجشون نحو قول سحنون في شهادتهن كما ذكرنا في كتاب أبيه.
قال أشهب : سئل مالك عن شهادة النساء بعضهن على بعض فيما لا يحضره الرجال، قال : لا تعجبني شهادتهن في مثل هذا، وإنما يجزن فيما لا يشهده غيرهن من المحيض والولادة، فأما هذا فلا يعجبني شهادتهن فيه.
قال مالك في كتاب ابن سحنون / : شهادة امرأتين تجوز فيما لا يطلع عليه غيرهن فيما ينظر النساء إليه مما تحت الثياب من أمر النساء من العيوب والحيض والولادة والإستهلال وشبه ذلك مما لا يطلع عليه إلا هن.
قال سحنون : ولا يجوز في ذلك أقل من امرأتين، ولم نجد أن امرأة تجوز في شيء ولا في الصلح، ولم يكن في المرأتين يمين لأنهما إنما أجيزتا في هذا للضرورة، وإنما يكون اليمين موضعا يكون فيه بدلا من الشاهد.
قال مكحول : وتجوز شهدتهن وحدهن في الحيضة، والعذرة والاستهلال والسقط، [قال سحنون : وإنما تجوز شهادتهن على الاستهلال إذا بقي جسد الصبي حتى رآه العدول ميتا، ولأن الجسد يبقى، والاستهلال لا يبقى].[8/398]
***(1/391)
[8/399] قال سحنون: وأنا أرى أن ينظر النساء إلى عيوب المرأة يعني الحرة التي في الفرج، وكذلك إن جرحت فيه نظر إليه، وقبل قول امرأتين في ذلك، وإن جرحت في غير الفرج جرد عنه ذلك حتى ينظر إليه الرجل، ولو أصابتها علة في موضع يحتاج فيه إلى الطبيب بقر عن ذلك الموضع لينظر إليه الأطباء.
قال سحنون : وإذا ادعى الزوج أنه وجد امرأته رتقاء، وأن بها داء في الفرج، فأصحابنا يرون أنها مصدقة، وأنا أرى أن ينظر إليها النساء.
قال مالك : وتجوز شهادة امرأتين على الاستهلال بغير يمين، وقد روي عن بعض السلف أنه أجاز شهادة القابلة وحدها، وقال الليث: وإن كانت مسلمة، ولم يره مالك إلا مع امرأة أخرى، لأن الله تعالى قال: (وامرأتين) فلم يذكر في شهادة النساء أقل من امرأتين، قال سحنون : وذهب عطاء إلى أنه لا يجوز فيما لا ينظر إليه النساء إلا أربع نسوة، وقاله الشعبي، قال / : والصحيح: ما قال مالك، لأنهن وإن كثرن كرجل، ولا يجوز في ذلك إلا امرأتين مسلمتين.
قيل لمالك: أيجوز في الاستهلال شهادة رجل واحد؟ قال : ما يشهد الواحد في مثل هذا، قيل : ولا يجيزه، قال : ما سمعته. ومن كتاب ابن المواز: ويجوز في المال وإن كثر، وأما في الوكالة على المال فتجوز في رواية ابن القاسم وقوله وقول ابن وهب. وقال أشهب وعبد الملك: لا تجوز، قال: ولا يجزن في تعديل، ولا تجريح، ولا على إيصاء إلى أحد، ولا ينقلن شهادة وإن كانت في مال إلا أن يزكى غيرهن، وينقل معهن رجل عن رجل أو عن امرأتين، ولا يجزن وحدهن في النقل، قال أصبغ: ولو نقلن مع رجل عن امرأة لتثبت شهادتها فكانت ربع شهادة، وإنما معنى قول ابن القاسم في نقلهن عن الرجال أو عن النساء إن كان معهن رجل : إنما ذلك فيما تجوز فيه شهادتهن مع اليمين، قال أصبغ: وأما ما تجوز فيه شهادتهن وحدهن من الاستهلال ونحوه فيجوز فيه نقل امرأتين وحدهن كما[8/399]
***(1/392)
[8/400] يجزن في أصله، قال محمد : وقول ابن القاسم: لا ينقلن عن من شهد على الاستهلال إلا مع رجل، لأنه ممكن فيها، وذلك إذا زكى المنقول عنهن الرجال، واختلف في نقلهن قول ابن القاسم وابن وهب، فأجازه مرة ولم يجزه أخرى.
ابن حبيب : قال ابن الماجشون : لم يقل مالك ولا أحد من علمائنا : أن شهادتهن مع رجل تجوز على شهادة رجل، ولا أعلمه أجاز شهادتهن على الوكالة ولا على إسناد الوصية ولا أجيزها.
ومن المجموعة : قال / ابن القاسم : وإذا أقام شاهدا أنه خالع امرأته على ألف ، حلف واستحق الألف، وروي عن مالك في الموصي يعتق رقبة معينة أو غير معينة بعتق: أن شهادة رجل وامرأتين في ذلك جائزة، كما لو شهدوا أنه قال: بيعوا عبدي فلانا رقبته.
[قال في كتاب] ابن المواز [عن مالك]: [إذا شهدن مع رجل] أنه أوصى بشراء رقبة بخمسين فتعتق، لم تجز، لأنه إذا اشترى لم يعتق بشهادتهن، فإن كان على عبد فلان فيجزن على شرائه وزيادة ثلث ثمنه لربه إن لم يسم ثمنا، ولا يجوز أن يعتق بقولهن.
ابن حبيب : قال ابن الماجشون : ولا تجوز شهادتهن مع رجل أن الميت أوصى بثلثه للمساكين، كما لا يجوز في ذلك يمين مع الشاهد، وأجاز مطرف وأصبغ شهادتهن مع ذلك الرجل، واستحبه ابن حبيب.
قال ابن القاسم في المرأة تدعي على زوجها صداقا إلى موت أو فراق، وتأتي فيه بشاهد، فإن كان بعد البناء حلفت معه، وكان لها صداق مثلها إلا أن يكون ما وصل إليها من العاجل أكثر من صداق المثل. فلا ينقص منه، وإن قامت قبل البناء لم يحلف مع الشاهد، ولم يقبل قولها، لأنها تدعي فسخ النكاح، ولا يكون ذلك بشاهد ويمين، ولو قبلناه أيضا لفسخ ولم تتبعه بشيء.[8/400]
***(1/393)
[8/401] قال ابن المواز : ولا تجوز شهادة امرأة في شيء، ولا يحكم بها في قتل ولا رضاع ولا غيره.
محمد : قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم: يقضى عليه بشاهد ويمين في قتل العبد، ويستحق قيمته من الحر القاتل، أو رقبة العبد القاتل إلا أن/ يفديه سيده بقيما المقتول، ولا يقتص من العبد بذلك.
قال محمد : وكذلك لا يقتص من جراح العبيد بشاهد ويمين. قال أصبغ في العتبية : إذا أقام سيد العبد شاهدا بجرح العبد عمداً، فإن شاء سيده حلف معه وأخذ أرش جرحه، وإن أراد القصاص حلف العبد واقتص له.
من كتاب ابن سحنون : قال ابن القاسم : ويجزن فيما يوجب اليمين : أن يشهدن على الطلاق أو العتق، فتجب بشهادتهن اليمين على الزوج أو السيد، وإن ادعت أمة أنها ولدت من سيدها فلا يحلف، فإن جاءت بشاهد على إقرار بالوطء، وامرأتين على الولادة، [فتصير أم ولد إن لم يدع استبراء، ولو أقامت شاهدا على إقراره بالوطء، وامرأتين على الولادة، وأحلف السيد، وكذلك شاهدين على الوطء وامرأة على الولادة]، أحلف السيد، قال سحنون : لا أرى هذا، وقد قال لي ابن القاسم في المقر بوطء أمته تأتي بولد فيقول هو : لم تلديه، وتقول هي : بل ولدته منك : إن الولد يلزمه، وقال مالك: إن لم يدع استبراء. وقاله أشهب، وبهذا أقول.
ومن كتاب ابن المواز : ولا يجوز شاهد ويمين على كتاب قاض إلى قاض، وبه قال ابن الماجشون في الواضحة أن لا يحكم بذلك، وإن كان في مال، وقال مطرف : يحلف مع شاهده ويثبت له القضاء.
قال مالك: ومن حلف لغريمه بالطلاق : لأقضينك حقك إلى أجل كذا، فأقام شاهدا قبل الأجل أنه قضاء، حلف معه وسقط الحق ويزول الحنث،[8/401]
***(1/394)
[8/402] وكذلك. لو لم يقم شاهدا فنكل الطالب وحلف المطلوب برئ من الحق ولا يحنث، وكذلك لو أقر الطالب يقيضه قبل الأجل يحل ولا حق له، ولو كان هذا كله / بعد الأجل لم يبرأ إلا بشهيدين أنه قضاه قبل الأجل، لا بشاهد ويمين، ولا برجل وامرأتين، ولا بإقرار، ولكن يسقط بذلك الحق.
وقال سحنون في العتبية وكتاب ابنه : مثله.
وقال ابن الماجشون في المجموعة : إذا أقام رجلا وامرأتين وذكر نحوه قال : ولو شهد له رجل بعد الأجل على إقرار الطالب بالقبض قبل الأجل لبرئ من الحنث، وكذلك لو شهدا أن شهيدين أشهدهما قبل الوقت أنه يشهد أن قد قضاه، لحلف الآن مع ذلك وخرج من الحنث، وكذلك ولو كان مكان الرجل امرأتان.
وقال مطرف في الواضحة : وكذلك لو شهد له شاهد بالقضاء قبل الأجل، وشهد له شاهدان على شهادة امرأتين بمثل ذلك، فذلك مخرج له من الحنث، قال : ولو أنه لما لم ينتفع بشهادتهما أتى بشهيدين فشهدا على إشهادهما قبل الأجل لم ينج بذلك من الحنث؛ لأنهما إذا أشهدتا كانتا لك بشهادتهما، وحملت شهادتهما محملها، ولم يلتفت إلى غير ذلك، وإذا قامت بشهادتهما شاهدان حملت محمد ذينك الشاهدين فيما يجوز لهما في الشهادة، ويجوز أن تحمل شهادة النساء وهن حضور، وذلك الشأن في شهادة النساء، ولم أر بالمدينة قط امرأة قامت بشهادتها إلى الحاكم، ولكنه تحمل عنها.[8/402]
***(1/395)
[8/403] قال مطرف عن مالك : وإن شهد الغريم ورجل بعد الأجل على القضاء زال الحنث بذلك، ولا تهمة فيه، قال فيه وفي كتاب محمد: ولا يسقط عنه الحنث بإقرار الغريم بعد الأجل، ولكن يسقط الحق، محمد وقد روي عن مالك أن إقرار الطالب بالقبض بعد / الأجل وقبله يزيد الحنث. ولا يعجبنا، ولم يؤخذ به، قال أحمد بن ميسر : إن أتى مستفتيا بعد الأجل ولا بينة على يمينه فلا شيء عليه في الفتيا في يمينه، إذا قال قد قبضه، سواء أقر الغريم أو أنكر.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولا تجوز شهادة النساء في الإحصان، كما لا تجوز في النكاح، ولا يجوز في الرضاع أقل من امرأتين عدلتين، قال: والسماع في الرضاع لا يقطع منه النكاح بعد عقده إلا السماع القوي المشتمل الذي يأتي من غير وجه، ولا اثنين، وأما ما كان من ذلك قبل التزويج وإن ضعف فحقيق على المرء التوفي فيه والاحتياط، وأمر سحنون في صبية أراد أولياؤها تزويجها فأمر امرأتين عدلتين أن ينظرا هل أنبتت، فأخبرتاه أنها قد أنبتت فإذن لأوليائها في إنكاحها، وذكر مسألة أشهب عن مالك في الذي اشترى امة على أنها عذراء [فغاب عنها، ثم جاء بالعشي فقال: لم أجدها عذراء]. فنظرها النساء فرأين أثرا قريبا طرياً . فليحلف البائع : ما كان ذلك منه، ولزمت المبتاع، وإن قلن: هذا أثر قديم، لزمت البائع بعد يمين المبتاع. [فإن نكل حلف البائع ولزمت المبتاع].
قال محمد: قلت: فقد روى ابن القاسم في المرأة يشهد عليها أربعة بالزنا وهم عدول، فقالت : أنا عذراء أو رتقاء [هل يراها النساء؟ وكيف إن رأيتها وقلن : هي عذراء] وقال : لا ينظر إلى قولهن وتحد، وكذلك الزوجة البكر[8/403]
***(1/396)
[8/404] يقول الزوج : لم أجدها بكراً، وأكذبته، أنها لا يكشفها النساء وهي مصدقة، قال سحنون: ولا تشبه هذه التي شهد عليها بالزنا، لأن الرجال قد عاينوا الفرج في/ الفرج، فشهادتهم أحق من شهادة النساء حين يشهدن بخلافه، وأما التي دخل بها، فقد جعل العلماء الستر فيها كالشاهد، فلم يكن فيها ضرورة تضطر إلى شهادة النساء، وأما عيب الفرج فلابد من شهادة النساء في ذلك، وكذلك قد أشهب، وكذلك أمر سحنون في التي ادعى زوجها أن بها رتقاً أو قرناً أن ينظر النساء إليها للضرورة والله أعلم.
في الشاهد الواحد يقوم في الحبس لا يعرف أهله
أو في وصية المساكين، أو في وصية لرجلين
فيأبى أحدهما اليمين أو يكون أحد الوصيين عتيقاً
من كتاب ابن المواز: قال : وإذا لم يقم على الحبس إلا شاهد، فالذي يقول به أصحابنا إن كان حبسا مسبلا أو معقبا فلا تصلح فيه اليمين، وروى ابن الماجشون عن مالك أنه قال: إذا حلف الحي منهم نفذوا به الصدقة عليهم ولغيرهم وغائبهم ومولودهم إذا ولدوا للسبيل بعدهم، وقال ابن الماجشون في المجموعة مثله في الشاهد على الصدقة الحبس يشهد بها القوم في يمين جلهم معه، ورواه عن مالك، وروى ابن وهب ومطرف وابن الماجشون عن مالك أنه قال: يحلف من أهل الصدقة رجل واحد مع الشاهد، ويثبت حبساً ولجميع أهلها، وإن لم يخلف عليها غيره، ولكل من يأتي ممن شرطت له ممن أتى من غائب أو صغير.
ومن المجموعة : قال المغيرة : ومن أقام شاهدا أن فلانا أخذ منه عبده سنة صدقة يحلف معه، وكذلك/ أن فلانا تصدق عليه بصدقة حبساً له ولعقبه فحلف معه، وأخذها لمن أتى بعده بغير يمين.[8/404]
***(1/397)
[8/405] وقال أشهب : إن شهد رجل أنه حبسها على فلان حياته، وأوصى له بوصية حلف معه واستحق، وإن شهد أنه حبسها في سبيل الله أوالمساكين و في الأرامل أو من لا يعرف بعينه، فإن ذلك يبطل، وليس لأحد ممن ذكرنا أن يحلف معه فيه.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في شاهد قام على أن من أوصى بثلثه في سبيل الله أو المساكين أو لقبيلة من القبائل مما لا يحاط بعدتهم، أنه لا يحلف أحد من أولئك مع ذلك الشاهد.
قال ابن الماجشون في شاهد على وصية رجل فيها عدل، ووصية بعشرة دنانير لرجل مات قبل موت الموصي ولم يعلم به ، ومنها عشرة في السبيل، أو على مجهولين. فذكر ابن الماجشون كلاماً معناه فيما فهمت: أنه يحلف على الوصية مع الشاهد ولا يأخذ إلا ما أعطاه العول، وكأنه يقول : إنما يدخل عليه العول بعد يمين الورثة : أن يحلف الورثة بسبب شهادة الشاهد للمجهولين الذين لا يحلفون، أو لمن مات منهم قبل موت الموصي، فكان ذلك يوجب العول وانتقاص من يحلف من أهل الوصايا بإدخال ذلك عليهم، فصارت حقا للورثة أوجب لهم أن يخلفوا مع الشاهد ليحقوا العول، وذلك نافع لهم، هذا ما فهمت من كلامه.
قال سحنون : قال ابن القاسم في الوصية بعتق وبمال لرجل شهد بها رجل: أنه يحلف الموصى له بالمال، ولا يقضى له إلا بما فضل عن العتق، لأن / الشاهد شهد بوصية فيها عتق مبدءاً، فمذهب ابن القاسم في مسألة عبد الملك: لا يمين على الورثة فيما أوصى به للمساكين، أو في وصية من نكل أو مات قبل موت الموصي، لأنه يقال للحالف من أهل الوصايا: إن كانت شهادتك جائزة ففيها حصاص بنقصك، فليس لك إلا ما ينوبك فيه وإن لم يأخذه أهله كما بقي بعد العتق وإن لم ينفذ، ولو كان يحلف الورثة مع شهادته لهؤلاء، كان إقرارا منهم [8/405]
***(1/398)
[8/406] لهم، وأهل الوصايا لو نكلوا كان على الورثة اليمين أنهم ما علموا أنه أوصى لهم بشيء، فإن نكلوا ثبتت الوصية، فيمينهم آكد من النكول ومن الإقرار، ولو كان ذلك عليهم لزمهم أن يدفعوا إلى الناكلين ما حلف عليه الورثة ويحاصوا به من حلف، فكيف يأخذ أحد شيئا من آخرين بيمين غيره، ولكن يحاص الحالف بنصيب من نكل، ويرد ذلك إلى الورثة بغير يمين، ألا ترى لو شهد لرجل شاهدان أنه أوصى له بمائة، قال أحدهما : [ورجع عن خمسين منها، أو أسلفه مائة، قال أحدهما:] رد إليه منها خمسين لم يكن للمشهود له أن يقول: إنما شهد على الإبطال شاهد، فلا يجوز، وقد أثبتا لي الحق جميعاً، فيقال له : الذي أثبتها لك هو الذي أبطلها، ولو شهد بذلك غيرهما لم يجز الإبطال إلا بيمين مع من شهد له بالإبطال أو بالرجوع، وكذلك يقال للموصى له: إن الذي شهد لك هو الذي أوجب الحصاص لمن لم يحلف، ولو كان شاهداً غير شاهدك هو شهد للناكلين أو لمن ذكرنا، لأخذت حقك من الثلث بغير حصاص، ولا يحلف الورثة لما ذكرنا، فتصير يمينهم إقراراً للناكلين/ وموجب الحصاص لهم فينتفعون بيمين غيرهم في صد الحالف من أهل الوصايا.
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم : وإذا قام شاهد على صدقة أو هبة أو وصية لهم بالثلث، وأوقف ذلك حتى يأتي بشاهد آخر فلم يوجد، فقسم القاضي ذلك بين الورثة، وكان في ذلك رقيق وعقار، فعتق من الرقيق، وغرست الأرض، ثم جاء شاهد آخر، فإنه ينقض الحكم ويقضى بشهادة الشاهدين، وما فات بولائه أو عتق لم يرد، ويؤخذ ثمنهم من الورثة، يريد : إذا بيعوا، وما لم تعتق وتتخذ أم ولد فله أن يأخذ ذلك بعد أن يدفع الثمن لمشتريها، ويرجع الموصى لهم بما أدوه إلى المشتري على الورثة الذين باعوه، وكذلك إن أحب أن يأخذ الأرض[8/406]
***(1/399)
[8/407] دفع ثمنها لمشتريها وغرم قيمة ما انفق فيها أو غرس، ويتبع الورثة بما أدى في الثمن، كمن شهد بموته ثم قدم وقد شبه عليهم.
في الشاهد يقوم ليتيم أو سفيه أو ذمي أو عبد
وكيف إن قام على صدقة أو قسم ميراث
من المجموعة والعتبية من رواية أصبغ : قال ابن القاسم في الشاهد يقوم بحق لسفيه بالغ : أنه يحلف مع شاهده، بخلاف الصبي، فإن نكل حلف المطلوب وبرئ، فإن نكل غرم، وقاله أصبغ كالعبد والذمي، وذكر سحنون عن ابن القاسم أن السفيه إن نكل وحلف المطلوب، فإنه لا يمين على السفيه إذا بلغ الرشد، وكذلك البكر المولى عليها تنكل عن اليمين مع شاهدها [فلا يمين عليها بعد أن يرضى حالها، وقال ابن كنانة : لهما الرجوع إلى اليمين بعد رضا حالهما، وإن كان الغريم قد حلف أولا. وروي أصبغ عن ابن القاسم في العتبية مثله في السفيه إن نكل وحلف المطلوب فلا يمين له إذا بلغ، ولو كان له ذلك لانتظر رشده كما ينتظر الصبي، وكذلك النصراني ينكل عن اليمين مع شاهده] / ويحلف المطلوب ، فإن أسلم النصراني لم يكن له أن يحلفه وقدتم القضاء.
وكان ابن القاسم وأصبغ يريان السفيه كالرشيد، إن حلف أخذ، وإن نكل بطل حقه بخلاف الصغير عندهما.
قال ابن حبيب عن مطرف في السفيه يقوم له شاهد، فإنه إذا حلف المطلوب أخر السفيه، فإن رشد وشاء أن يحلف مع شاهده قضي له، وإن أبى لم يكن له يمين على المطلوب، ولو كان المطلوب قد نكل أولا أخذ منه الحق، فإذا رشد السفيه أحلف، فإن حلف قضي له، وإن نكل رد إلى المطلوب، وكذلك إن كان صبياً فقام له شاهد وحلف المطلوب فقد برئ إلى بلوغ الصبي، وإن نكل[8/407]
***(1/400)
[8/408] أخذ منه الحق إلى بلوغ الصبي كما قلنا في السفيه، وقاله كله ابن كنانة. قال ابن عبدوس : قال مالك في الطفل يقوم له شاهد أنه لا يحلف حتى يحتلم.
وقال في كتاب ابن المواز: إن كان الوارث صغيراً وقف له حقه حتى يكبر فيحلف، قال محمد : يحلف المطلوب فإن نكل غرم، وتقدم تقدم ذكر نكوله، قال بن المواز في العتبية في رواية أصبغ وعيسى : قال مالك في آخر الباب من كتاب ابن المواز : إن كان وارثه صغيراًً وقف له حقه حتى يحتلم فيحلف، محمد : يبدأ يمين المطلوب فإن نكل غرم وقد تقدم ذكر نكوله.
قال سحنون في كتاب ابنه : وإن ترك زوجة وولدين أحدهما كبير حلف الكبير واستحق النصف بعد اليمين، وإن حلفت الزوجة أخذت الثمن ووقف حق الصغير من المال حتى يكبر ويبلغ ويحلف، أو يأبى فيسقط حقه.
قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون في قول مالك في الصغير يشهد له الشاهد بحق لأبيه على رجل، أن المشهود عليه يحلف ويترك، فإذا بلغ الصغير حلف [مع شاهده] واستحق [حقه، قالا: وذلك فيما كان مالا أو شيئا بعينه من دار أو عبد ونحوه، فذلك سواء، يسلم كله للحالف ولا يوقف عليه، فإذا بلغ الصغير حلف واستحق] إن كان بعينه، وإن فات أخذ قيمته، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
قال محمد بن المواز: وإذا قام للميت شاهد بدين ووارثه صغير، وأحلف المطلوب فنكل، فليكتب القاضي بذلك قضية ويشهد على ما ثبت عنده من شهادة الشاهد لينفذه من بعده إن مات الشاهد أو فسد، وإن شركه وارث كبير حلف الكبير واستحق ما يخصه، وأحلف المطلوب، فإن نكل عجل حق الطفل[8/408]
***(1/401)
[8/409] إن كان حالا؛ ثم لا يمين على الصغير له بعد كبره كحكم نفذ، وإن حلف أخر بحقه حتى يكبر الصبي فيحلف، وإن كبر والغريم عديم، فإن كان يوم أخذ الكبير حقه لا شيء له إلا ما أخذ، رجع الصغير على أخيه بنصف ما أخذ بعد يمينه إذا كبر، قيل: وكيف يحلف الصبي على ما لا يعلم؟ قال : لا يحلف حتى يعلم بالخبر الذي يتيقن بنقله فيحلف، بذلك، قال مالك : يحلف على البت : أن هذا الحق لحق ، ومن كتاب ابن سحنون وهو متسق بقول مالك فإن قيل : كيف يحلف الوارث على ما لم يحضر ولم يعلم وهو لا يدري هل شهد له بحق أم لا؟ قال : يحلف معه على خبره وتصديقه، كما جاز له أن يأخذ ما شهد له الشاهدان من مال وغيره ولم يعلم ذلك، لا يختلف في هذا، وقد يشهدان له بموت أبيه وبتركته/ فيأخذ ولا يعلم ذلك إلا بقولهما.
قال مالك: ويحلف مع الشاهد في دين لأبيه على الميت، ولو قام له شاهدان لحلف على علمه أنه ما علم أن أباه قبض ذلك الدين ، قال ابن كنانة : ويحلف الكبار مع شاهد أبيهم على الميت في الدين، وأنهم لا يعلمون أنه قبض من ذلك شيئاً، ولا قبضه له قابض، فيصير أول اليمين على البت والثانية على العلم.
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك : وإذا قام شاهد للطفل بدين لأبيه لم يحلف معه أبوه، قيل : فإن كان ممن تلزمه نفقته: قال : ما أظن ذلك له.
قال مالك : ومن زوج ابنته صغيرة من صبي فمات الزوج فطلب أبوها المهر والميراث، فأنكر أبو الزوج التسمية وقال: كان على الصلة، فليس لها غير الميراث ، وإن كان لها شاهد حلفت إذا كبرت معه.
قال محمد : والأب فلم يتعد إذ له إنكاحها بالتفويض، قال ابن المواز في كتاب النكاح: وذلك ما لم يدع الأب التسمية مع الشاهد، فإن ادعاها حلف، فإن لم يحلف ضمن أن لم يتوثق لها بشهيدين، ولها أن تدع أباها وتحلف مع شاهدها، ولها ذلك في موت الأب وعدمه. وفي كتاب النكاح من هذا.[8/409]
***(1/402)
[8/410] ومن كتاب ابن سحنون في الصغير يقوم لأبيه شاهد نحو ما ذكر محمد، وزاد عن أشهب : أنه يحلف المطلوب، وإن حلف أخر الحق إلى أن يكبر الصبي، قال ابن القاسم : ولا يحلف الأب مع شاهد يقوم لابنه بجرح.
ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون : وإذا قام / للصغير شاهدان في نصيبه من دار أو عبد أو ما له غلة، فليسلم ذلك إلى من هو بيده بعد يمينه ولا يوقف عليه، فإذا بلغ الصغير فحلف استحقه إن كان قائما، وإلا فقيمته يومئذ إن كان فائتا، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد شاهد لوارث صغير بصدقة وبحيازتها في الصحة، فلم يوجد شاهد آخر، فقسمت الصدقة بين الورثة بأمر قاض، ثم كبر الصغير الطالب أو كان غائبا فجاء بشاهد ثان فإنه يقضى به مع الأول ويرد القسم، وما فات من الرقيق بعتق أو ولادة لم يرد ويتبع الورثة بالثمن، وإن لم يفوتوا إلا ببيع فليردوا ويؤدى الثمن ويرجع به على الورثة، وكذلك الأرض، ويدفع قيمة العمارة، محمد : أما الكبير فلا يجزئه شاهد ثان حتى يأتي بشاهد غيره لأن تركة اليمين مع الأول ترك لشهادته، وقوله : قسمت بأمر قاض. غير صواب، ولكن ينتظر الغائب، وأما الصغير فليوقف له حتى يكبر إلا ما لا يصلح إيقافه مثل الحيوان ونحوه، فليبع ويوقف ثمنه حتى يكبر فيحلف أو ينكل فيحلف الأكابر على العلم.
ومن كتاب ابن سحنون : وإذا قام شاهد بدين لميت ووارثه أخرس لا يفهم ولا يفهم عنه، ردت اليمين على المطلوب، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم،[وكذلك المعتوه أو ذاهب العقل على رجل فليحلف، فإن نكل غرم] وإن حلف ترك إلى يبرأ المعتوه فيحلف ويستحق. [8/410]
***(1/403)
[8/411] ومن العتبية قال أصبغ عن أشهب، وهو في كتاب ابن سحنون عن أشهب في الميت يثبت عليه الدين فيجد وصيه شاهدا بالبراءة منه/ والورثة صغار، حلف الطالب، أنه ما قبض، فإن حلف دفع إليه المال الآن، فإذا كبر الصغار حلفوا واسترجعوا المال، قال أصبغ: جيدة كما قال مالك في الدين يكون له.
ومن المجموعة : قال المغيرة في رجل أعتق عبده، ثم قام شاهد لصبي مات أبوه، أن أباه اشترى ذلك العبد من المعتق قبل عتقه، قال : يوقف العبد بخراجه، فإن حلف بعد أن بلغ، استحقه وما له من خراج، وإن لم يحلف كان حرا وخراجه له، قال: وإن جنى جناية في هذا الوقوف فهو موقوف، فإن ثبت رقه خير فيه من استرقه.
في الورثة يقوم لهم شاهد بدين
لميتهم أو للموصى لهم بالثلث
ومن العتبية سئل مالك عن الوارث يقيم شاهدا في حق لأبيه، أيحلف على العلم؟ قال : على البت، فأما لو جاء بشاهدين حلف أنه ما علم أن أباه اقتضى منه شيئاً، وقال ابن كنانة : يحلف الأكابر من الورثة مع شاهدهم : بالله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم أن هذا الدين عليك للميت، ثم يقولون : ولا نعلم أنه اقتضاه له متقاض، قال في كتاب ابن المواز: يحلف الوارث إن كان كبيرا مع شاهده: أنه حق عليه على البت، ويدخل مع ذلك أيضا: أنه ما علم أنه اقتضى من ذلك شيئاً، قال في موضع آخر : ولا أسقط منه عنه شيئاً في علمه.[8/411]
***(1/404)
[8/412] قال ابن سحنون عن أبيه : وكذلك لو أقامه أبوهم ثم لم يحلف حتى مات لحلفوا معه/ قال : ويجوز لهم أن يحلفوا بالخبر الصادق، كما يجوز لهم أخذ المال بالشاهدين وفي الباب الأول مسألة من هذا.
وروى ابن القاسم عن مالك في الموصى له بالثلث يأتي بشاهد بذكر حق الميت : أنه يحلف الموصي بالثلث مع الشاهد كالوارث، وقال في كتاب ابن المواز : فإن نكل حلف الغريم وبرئ، قال : وليس للورثة فيه حق، يريد محمد : في الثلث.
في الشاهد يقوم فيما وليه عبد الرجل
أو شريكه أو وكيله، أو وليه الأب لابنه الصغير
من كتاب ابن المواز والمجموعة: قال مالك فيمن أمر عبده أو وكيله بقضاء دين عليه ففعل وحجد القابض، فأقام شاهدا : حلف العبد وبرئ السيد الأمر، وإنما يحلف الوكيل كان عبدا أو حرا أو مسلما أو كافرا ، قال ابن القاسم : لأنه للوكيل شهد، وليبدأ به. قال ابن المواز : فإن نكل الوكيل غرم بعد رد اليمين على الطالب: أنه ما قبض، لأنه ضيع إذ لم يشهد شهدين ، ونكل عن اليمين، وأما إن نكل العبد فليحلف العبد كما يحلف مع شاهد لحق العبد بعد موت العبد، وكذلك إن كان العبد ميتا، أو الوكيل عديما أو ميتا، فليحلف الآمر مع الشاهد على الدفع ويبرأ، وكذلك إن وكل عبدا لغيره فلم يشهد شاهدين، لضمن العبد إن كان مأذونا له في ذلك، قال : وإن كان الوكيل معدما وقد أبى أن يحلف، فلمن وكله أن يحلف مع الشاهد: لقد وصل هذا الحق إلى غريمه، كيمينه مع شاهد ببراءة لأبيه من دين عليه/ دفعه أبوه ، وكذلك على حق لأبيه، قلت : ويسمع هذا الوارث أو الموكل أن يحلف على ما لم يحط به علما؟ قال : له ذلك في الحكم إلا أن فيما بينه وبين الله ، لا أحب له ذلك إلا أن يكشف له تحقيق ذلك بإقرار، أو بما يتظاهر عند ويتواطأ حتى لا يشك فيه فيكون ذلك عنده كالمعاينة. [8/412]
***(1/405)
[8/413] قال ابن حبيب : قال مطرف وابن الماجشون في العبد المأذون يقيم شاهدا بحق وينكل عن اليمين، قالا: فليس لسيده أن يحلف: ما كان العبد قائما، ونكوله عن اليمين كإقراره، وإقراره جائز، ولو مات العبد حلف السيد مع شاهد عنده وأخذ المال.
ومن كتاب ابن المواز والمجموعة من رواية نافع : قال مالك : ومن اعترف بيده بكر ولي شراءه شريكه الغائب المفاوض له، فأقام الحاضر على بائعه شاهدا أنه البكر الذي بعته من شريكي، فله أن يحلف معه إن ثبت أنه شريك للغائب. ومن المجموعة : قال ابن كنانة فيمن أمر رجلا يشتري له جارية أو سلعه ففعل، وقام له بذلك شاهد، والبائع ينكر، فإن قامت للآمر بينة على الأمر، حلف مع شاهد وكيله، وإن لم تقم بينة فاليمين على الوكيل.
قال ابن نافع عن مالك في الرسول يقبض ثمن سلعة باعها المرسل، فقال المبتاع: دفعت إلى الرسول وأنكر، فليحلف الرسول: ما أخذه، إلا أن يكون الرسول ممن لا يحلف لصغر وشبهه، فليحلف المرسل: ما علم أنه وصل إلى رسوله/ شيئا، ويستحق.
ومن كتاب ابن المواز: قلت: أيحلف الأب في حق لابنه الصغير؟ قال: إن كان هو الذي دفعه أو باعه وله بذلك شاهد فإنه يحلف، فإن لم يحلف ورد اليمين على المدعي عليه حلف وبرئ، ولزم الأب غرم ذلك من ماله، وقاله مالك وعبد الله ابن زيد بن هرمز في الوصي يدعي عليه بعض غرماء الميت : أنه دفع إليه ما كان عليه للميت، فأنكر الوصي أن يكون قبض منه شيئا، فطلب منه اليمين فشك ورد اليمين على الغريم، فحلف وبرئ، فإن الوصي يغرم ذلك من ماله لليتامى.
في الشاهد للميت أو للحي هل يحلف غرماؤه؟
من المجموعة قال مالك في الميت يقوم له شاهد بدين وعليه دين للناس، فأبى ورثته اليمين مع الشاهد، فللغرماء أن يحلفوا ويأخذوا حقوقهم، فإن فضل فضل لم [8/413]
***(1/406)
[8/414] يكن للورثة معاودة اليمين لنكولهم عنها أولا إلا أن يقولوا : لم نعلم أن لنا فيه فضلا، ويعلم ذلك، فليحلفوا ويأخذوا.
قال سحنون: وإنما كان للورثة أن يحلفوا أولا لأنهم لو نكل الغرماء عن اليمين أنهم لم يقبضوا دينهم كان للورثة اليمين مع الشاهد، فلذلك لهم الحلف أولا إذا لم يقم الغرماء، فأما إن قاموا وثبتت حقوقهم وطلبوا أن يحلفوا فهم المبدؤن بها، لأنهم أولى بتركته، وروى ابن المواز عن مالك مثل ما تقدم، وقال محمد: والمعروف لمالك أنه يبدأ بدين الورثة إن كان في الحق فضل عن دين الغرماء، فإن لم يكن فيه فضل فلا يحلف إلا الغرماء، فإن نكلوا / حلف الغريم وبرئ.
وقد روى ابن وهب في قيام شاهد بدين للميت يقوم به غرماؤه : أن الورثة يحلفون معه، فإن نكل حلف غرماؤه واستحقوا قدر دينهم، فإن فضل شيء لم يأخذه الورثة إلا بيمين.
قال أصبغ: وإن حلف الغرماء ثم طرأ مال آخر للميت فلهم الأخذ منه، ثم لا يكون للورثة أخذ الدين الذي فيه الشاهد إلا بيمينهم، قال محمد : بل ليس للغرماء ولا للورثة أخذ الدين إلا بيمين الورثة، ولا تغني يمين الغرماء التي حلفوا أولا، لأنه لما طرأ مال بقي بدينهم صار الورثة أقعد بدين الميت وباليمين عليه مع الشاهد، ولو لم يطرأ مال، لكن لما حلف الغرماء واستحقوا دينهم تركوا للميت، فصار كمن لا دين عليه، وصار الدين ميراثا، قال : وإذا نكل غرماء الميت عن اليمين حلف المطلوب وبرئ، ولا حق في ذلك للورثة إلا أن يفضل منه عن الدين فضل فيحلفون إن شاؤوا. قال مالك: فإن كان فيه فضل قيل للورثة: احلفوا واستحقوا الفضل فقط إلا أن يتبين من الغرماء أنهم ما تركوا دينهم إلا للورثة خاصة أو للذي هو عليه، وإلا فهو للميت.[8/414]
***(1/407)
[8/415] ومن كتاب ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون فيمن عليه دين أقام شاهدا بدين له ونكل عن اليمين، قال: فليس لغرمائه أن يحلفوا ما كان قائم الوجه جائز الإقرار، فأما إن ضرب على يده، حتى لا يجوز إقراره، فلغرمائه أن يحلفوا إذا نكل ويستحقوا ذلك قضاء لهم من دينهم عليه، ويحلف كل واحد على أن الذي شهد به الشاهد من جميع الحق حق، وليس على ما ينوبه/، ومن نكل منهم فلا محاصة له مع من حلف، قال مطرف : فإن رجع أحد منهم بعد نكوله، فإنه لا يقال، وقال ابن الماجشون : للناكل معاودة اليمين وليس كنكوله عن حق نفسه، لأنه يقول: ظننت أن الغريم سيحلف ويغنينا عن اليمين، أو يقول: أردت أن أكشف عن علمه وعن غير وجه، فإنه يقال ما لم يمض الأمر به والحكم فيه.
ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم في ميت قامت امرأته بمهرها وغرماؤه بدينهم، ولم يدع وفاء، وقام شاهدان أن المرأة تركت مهرها للزوج، فللغرماء أن يحلفوا ويكونوا أحق بما ترك، ثم إن طرأ له مال وكان ما قبض الغرماء وفاء دينهم، حلف الآن ورثته مع الشاهد وورثوا الطارئ، ولا يجزئهم يمين الغرماء أولا، قال في رواية عيسى: فإن نكل بعض الغرماء كان لمن يحلف بقية حقه.
قال ابن حبيب : قال أصبغ: إذا قام للغرماء شاهد بالبراءة من دين وهو ميت أو مفلس : فلس لغرمائه أن يحلفوا ويبرأوا كما كان له هو، وإنما يحلفون في دين له لا في براءة ذمته، ويمينه على أنه دفع رجم بالغيب [والذي ذكر ابن المواز : أن هذه يمين بمخبر لا رجم بالغيب].
قال محمد بن عبد الحكم : وإذا مات وعليه دين وله دين مؤجل بشاهد واحد ولا مال للميت، فقيل للطالب: احلف مع شاهد الميت وخذ من الدين [8/415]
***(1/408)
[8/416] إذا حل، فحلف، ثم طرأ للميت مال قبل محل الدين، فإن يأخذ حقه منه، ثم لا يأخذ الورثة ذلك الدين حتى يحلفوا مع الشاهد، فإن نكلوا لم / يأخذوا من الذي شهد عليه بالدين شيئا وحلف وبرئ، ولو حل الدين فأخذه الحالف، ثم طرأ للميت مال [فللورثة أخذه، ولا يرد ما مضى به الحكم، ولو حلف الطالب على مال حال فأخذه، أو حل أجله فقبضه ثم طرأ للميت مال] لم يعلم به، فليأخذه الورثة وينفذ ما أخذ الغريم، ولو كان للميت مال حاضر فقال الورثة : نحن نأخذ المال الحاضر، فرضي بذلك أهل الدين وقالوا : نحن نحلف مع شاهد الميت ونأخذ ذلك الدين، فليس للغرماء ذلك ولا للورثة، ولا يحلف إلا الورثة هنا، وإنما يحلف الغرماء إن لم يكن للميت مال يوفى منه الدين، فإن كان له مال حاضر فمنه يقضى الدين، ويحلف الورثة في الدين إن شاؤا، وإذا قام للميت شاهد بدين ولا مال له غيره وعليه دين ، فحلف بعض غرمائه مع الشاهد، وأبى الآخرون اليمين، فإن من يحلف يأخذ جميع حقه من هذا الدين لا ما يقع له منه، ولو قام شاهدان بخلاف الورثة يقوم لهم شاهد، فقتل خطأ، فحلف بعضهم فلا يجوز لمن حلف إلا حصته لأن طلبهم في الدية بعينها، وليس طلب الغرماء في هذا المال بعينه.
فيمن نكل عن اليمين مع الشاهد
ثم وجد شاهدا آخر أو قام له شاهد
فيما لا يحلف
فيه معه ثم أصاب آخر
وحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا
من كتاب ابن المواز: ومن أقام شاهدا ثم نكل عن اليمين معه، فحلف المطلوب وبرئ ، ثم أصاب شاهدا آخر، فليؤتنف له الحكم به ولا يضم إلى الأول، [8/416]
***(1/409)
[8/417] وإلا رد اليمين ثانية، لأن اليمين الأول إنما أسقط بها المطلوب الشاهد الأول، قال أحمد ابن ميسر/ : لا ترد اليمين على المطلوب ثانية، لأنه قد حلف عليه مرة.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في العتبية أنه سئل: إذا وجد شاهدا آخر قال : لا يضم إلى الأول، ونكوله عن اليمين أولا قطع لحقه، بخلاف الذي لا يجد بينة، أو تغيب بينته فيحلف المطلوب فيجد بينة، أو يحضرون، وذكرها ابن سحنون عن ابن القاسم قال : وسئل عنها ابن كنانة فقال مثله : أنه لا يحلف مع الشاهد الثاني، لأنه ترك موضع حقه بالنكول، ومن كتاب ابن المواز: قال : فإن كان إنما أقام شاهدا فيما لا يحلف معه فيه من عتق أو حد فحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا آخر، فإنه يضم إلى الأول ويقضى بهما، لأنه منع أولا من اليمين فلم يكن له نكول يسقط به شاهده، وهو كصغير قام له شاهد [فحلف مطلوبه وأخر، ثم وجد شاهدا] آخر فإنه يحكم بهما.
وقال ابن كنانة في كتاب ابن سحنون عن مالك فيمن أقام شاهدا بحق فلم يجد غيره، وقاضيهم لا يقضي باليمين مع الشاهد، فلم يقض له بشيء، ثم وجد شاهدا آخر، قال: يقضى له بحقه، وقد أخطأ قاضيكم، إذ لا يقضى باليمين مع الشاهد.
وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم عن مالك فيمن أقام شاهدا بحق ونكل عن اليمين معه، ثم وجد شاهدا آخر، قال: يضم له إلى الأول ويقضى له، وقال ابن كنانة : هذا وهم ، وقد كان يقول : إنه ليس له أن يضم له، وإنما هذا في المرأة والعبد يقيم شاهدا على طلاق أو عتق، فيحلف السيد والزوج، ثم يقوم شاهد آخر، فإنه / يضم إلى الأول إذ لم يتقدم له نكول، وقاله ابن الماجشون، وقال أصبغ بقول مالك الأول في الحقوق، كما لو لم يقم شاهدا وحلف المطلوب فنكل، ورد اليمين على المدعي، فحلف واحد، ثم وجد المدعي عليه بينة [8/417]
***(1/410)
[8/418] تبرئه من ذلك الحق ، فليقم بها ويبرأ ، ويرجع إلى ما أخذ منه فيأخذه، ولو أن المدعي حين رد عليه اليمين نكل فلم يقض له بشيء ثم وجد بينة على دعواه ، فإنه يأخذ ببينته، وقال أصبغ : هذا الذي لا أعرف غيره من قول أصحابنا، قال ابن حبيب: وهو أشبه بقول عمر بن الخطاب: البينة العادلة، أحق من اليمين الفاجرة. وهذا مكرر في كتاب الأقضية أيضا.
وقال مطرف وابن الماجشون فيمن ادعى حقا ولا بينة ، له فحلف المطلوب وبرئ، ثم وجد المدعي شاهدا فإنه لا يحلف معه، ولا يقضى له هنا إلا بشاهدين، لأنه لا تسقط يمين قد درئ بها حق بيمين مع شاهده، وقاله أن عبد الحكم وأصبغ، وقال مالك في كتاب ابن سحنون والمجموعة [وإذا أقام شاهدا] فلم يحلف معه ورد اليمين على المطلوب فحلف، ثم أقام الطالب شاهدين بعد ذلك، قضي بهما إن كان لذلك وجه.
فيمن قام له شاهد واحد بإقرار غريم
هل يحلف أنه أقر له؟
قال ابن عبد الحاكم : وإذا شهد شاهد أن فلانا أقر لفلان بمائة دينار حالة، حلف المشهود له بالله : لقد أقر له فلان بمائة دينار حالة، / ولقد شهد له شاهده بحق، فإن قال: لا أحلف أنه أقر لي بمائة، ولكن احلف أن لي عنده مائة، أو لقد غصبني مائة دينار، فلا تلزمه اليمين إلا على ما شهد به شاهده، فإن شهد شاهدة إنه غصبه مائة [دينار فيحلف أنه غصبه مائة دينار] فإن كان المشهود عليه غائبا أو ميتا استحلفه يمينا على ما ذكرت لك، ثم يستحلفه ثانية : أنه ما قبضها ولا شيئا منها ولا أحال عليها ولا احتال بها على أحد، ولا عنده بها رهن ولا تبعه إلا ما رفع بها إلى القاضي من الشهادة وإنها عليه لثابتة، ثم يقضى له بها. [8/418]
***(1/411)
[8/419] في الشاهد يقوم بطلاق أو عتق أو حد
أو لم يجد شاهدا
من كتاب ابن المواز: وإذا ادعت امرأة الطلاق ولم تجد شاهدا، فلا يأتيها إلا مكرهة ، وقاله مالك.
قال ابن القاسم : ولا الأمة تدعي العتق كذلك، وإن قدرت الحرة أن تفتدي بكل مالها فلتفعل.
ومن أقام شاهدا في عتق أو طلاق أو حد، فنكل المطلوب عن اليمين، فقال مالك: يحكم عليه، وبه قال أشهب، ثم قال مالك : يحبس حتى يحلف، وبه أخذ ابن القاسم وأكثر أصحابنا، لأني إن حكمن بنكوله حكمت بشاهد بغير يمين، فيكون أخف حالا من الأموال، فإذا طال حبسه ترك، قال ابن القاسم : وطول حبسه سنة، وكذلك في الحدود إلا الجراح، فإنه يقتص المجروح بعد يمينه في العمد ويأخذ أرش الخطأ، قال ابن سحنون: / وأخذ سحنون بقول مالك أنه يسجن أبدا حتى يحلف.
ومن كتاب ابن المواز : قال أشهب عن مالك: وإذا قام شاهد بالطلاق فأبى الزوج أن يحلف ثم قال : أنا أحلف فليس ذلك له، وكذلك في العتق يريد. على رواية أشهب [قال مالك]وكذلك من أقام شاهدا بحق وأبى أن يحلف ورد اليمين، ثم بدا له أن يحلف، فليس ذلك له.
ومن المجموعة : قال ابن القاسم فيمن أقام شاهدا على رجل أنه مولاه أعتقه، وهو منكر فلا يمين عليه، قال أشهب : لأنه يجحد شيئا هو له، ونكوله إقرار على العاقلة، ولا يجوز إقراره عليهم على هذا الوجه. وقال ابن الماجشون : احلفه فإن أبي سجنه على هذا الوجه حتى يحلف.[8/419]
***(1/412)
[8/420] قال ابن القاسم وابن وهب في المجموعة والعتبية : قال مالك فيمن أقام شاهدا على رجل أنه قذفه فليحلف له: ما قذفه، فإن نكل سجن حتى يحلف.
قال ابن القاسم في العتبية من رواية أصبغ : فإن طال سجنه خلي ولا ضرب عليه. وتقدم باب فيمن أقام شاهدا يقذف ونحوه.
ومن كتاب ابن المواز: وإن أقام شاهدا أن سيده أعتقه في مرضه: فاليمين على الورثة على العلم.
ومن كتاب ابن سحنون : وعن شاهد شهد بطلاق البتة، فأحلف الزوج فحلف، ثم نكث الشاهد، وأصابت المرأة شاهدا غيره : أنه لا يضم إلى الأول، لأنه الآن ساقط الشهادة، وقد تقدمت اليمين باسقاط شهادته الأولى.
وكتب شجرة إلى سحنون فيمن شهد عليه شاهد في غيبته أنه حنث في امرأته / ورقبته، والزوجة غائبة، فكيف يحال بينه وبينهما؟ فكتب إليه : يرفع الرجل، وتقر لمرأة بموضعها[حتى تشهد عليه البينة عندك ويرفع الرقيق] حتى تشهد على أعيانهم البينة. وحل بينه وبينها في رفعها إليك، فإن ثبت الأمر عليه بشاهدين حكمت عليه، وإن لم يثبت عليه إلا شاهد فحلقه : أنه ما طلق ولا أعتق، فإن حلف فرد عليه كل شيء، وإن نكل فاحبسه، وقد اختلف قول مالك وأصحابه في نكوله وطول سجنه . وقد ذكرنا قبل هذا.
في شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال
من الاستهلال وغيره
وهذا الباب قد تقدم ذكر كثير من معناه في الباب الأول في الشاهد واليمين، وشهادة النساء.[8/420]
***(1/413)
[8/421] من المجموعة: قال ابن القاسم : ومن حلف بعتق أو طلاق: وإن لم يكن بفلانة عيب بموضع كذا، بمكان لا يراه إلا النساء، [وهي حرة أو أمة] وقالت الحرة: لا أمكن من ينظر إلي، وقالت الزوجة الرقيق : لنا ذلك إذا أذنت الحرة في أن تنظر إليها امرأة فنظرت القوابل [فقالت: ليس بها ما قال، قال: لا يحنث وهو مدين، وليس نظر النساء إليها بشيء، وقال ابن الماجشون : والقوابل] فيما غبن عليه، فهي مثل الرجال تجوز فيه شهادة اثنتين للضرورة، وقد اختلف في جواز اثنتين وإنما قلنا للضرورة، فيجوز في هذا أقلما يجوز من النساء وهو اثنتان، وليس لشهادة الواحدة أصل في مال ولا غيره، قيل : فلم جعلت معها يمين؟ قال : يسلك بها مسلك الشهادة على المال، لكن للضرورة.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك : ولا يجوز شهادة امرأة في شيء، وتجوز شهادة/ امرأتين فيما لا يطلع عليه الرجال بغير يمين : من الولادة والحمل وعيوب الفرج والاستهلال والرضاع، ويحتاج في الرضاع معها أن يكون فاشيا عند المعارف، وتجوز شهادة القابلة مع أخرى على الاستهلال.
قال : وإذا شهدت امرأتان على إرخاء الستر لم يقض للزوجة إلا بيمينها.
ومن ابتاع أمة على أنها بكر فقال : لم أجدها بكرا، فإن قالت امرأتان : اقتضاضها قريب، حلف البائع وبريء، وإن قالتا : بعيد، حلف المبتاع وردها.
قال ابن حبيب : قال مطرف عن مالك: وإذا شهدت امرأتان ورجل على استهلال الصبي، لم تجز شهادتهم، وقاله ربيعة وابن هرمز، وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، قال ابن حبيب : وذلك لارتفاع الضرورة بحضور الرجل، فسقطت شهادة المرأة وبقي الرجل وحده فلا تجوز شهادته، على أني سمعت من أرضى من أهل العلم من يجيز ذلك ويراه أقوى من شهادة أمرأتين، وهو أحب إلي، وذلك أن ابن وهب روى أن أبا بكر، وعمر، وعليا، ومروان أجازوا شهادة المرأة [8/421]
***(1/414)
[8/422] المسلمة وحدها، وروي عن عمر أنه ورث صبيا على أنه استهل ثم مات هو وأمه بشهادة القابلة.
ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية من رواية يحيى بن يحيى وعيسى عن ابن القاسم : وإن شهدت امرأتان على الاستهلال وعلى أنه صبي، فما أراه إلا وسيكون مع شهادتهما اليمين.
قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: لأنها شهادة على مال، قال أصبغ في / العتبية : والقياس : ألا يجوز لأنه يصير نسبا قبل أن يصير مالا، قيل : فماذا يرث ويورث ؟ قال : بأدنى المنزلتين، إلا أن يكون لا يبقى ويخاف عليه إن أخر دفنه إلى أن يأتي الرجال، فتجوز شهادتهن فيه.
وروى أشهب عن مالك في كتاب ابن سحنون: أن شهادتهن لا تجوز على أنه ذكر، وأخذ به أشهب، وقال سحنون: القول ما قال أشهب، لأن الجسد لا يفوت والإستهلال يفوت، وعاب قول ابن القاسم، وإنما يرث ويورث عند سحنون بأدنى المنزلتين، قال ابن سحنون: إلا أن تكون الولادة بموضع لا رجال فيه ينظرون إلى الجسد، والجسد لا يبقى ويخاف عليه أن أخر دفنه إلى وجود الرجال، فأستحسن إجازة شهادة النساء حينئذ، ويكون كما قال ابن القاسم.
ومن كتاب ابن المواز: لا تجوز شهادتها على أنه ذكر، ولا يفوت ذلك كفوت الاستهلال.
قال أصبغ في قول أشهب : لا ترد إلا على أنها أنثى، وقال أصبغ: إن فات بالدفن وطال مكثه فلا يمكن إخراجه لتغيره، فإن كان فضل المال يرجع إلى بيت المال والعشير البعيد: أجزت شهادتها، وإن كان بعض الورثة: أخذت بقول[8/422]
***(1/415)
[8/423] أشهب، قال محمد: ذلك سواء، ولا يعجبني قول أصبغ ووجدت له أنه رجع إلى قول أشهب، وروى ابن حبيب أن مالكا قال: لا تجوز شهادتها على أنه ذكر أو أنثى، وإن أصبغ قال مثله، قال : ويرث بأدنى المنزلتين.
ومن العتبية : روى عيسى عن ابن القاسم قال : وإذا ولدت ثم ماتتهي والولد في ساعة، فشهد النساء أن الأم ماتت أولا، حلف أبوه على ذلك واستحق ما يرث عن أمه، لأنه مال.
ومن المجموعة: قال ابن الماجشون : إن شهدتا أن فلانة ولدت ولدا حيا ثم مات فيجوز، فأما في استهلاله فيجوز، / وأما في موته فإن وجد ميتا جازت شهادتها.
قال سحنون فيه وفي العتبية : إنما تجوز شهادتهما إذا بقي بدن الصبي قائما، أو شهد الرجال أنهم قد رأوه ميتا، لأن الإستهلال لا يبقى، والبدن يبقى، ومن المجموعة والعتبية رواية عيسى عن ابن القاسم: وإذا قال لأمته: أول ولد تلدينه حر، فشهادة النساء في ذلك جائزة.
ابن حبيب عن أصبغ : وإن ولدت توأما فشهادة المرأتين على أولهما خروجا جائزة، فيعتق ويرق الآخر، وقاله ابن وهب، قال عيسى في العتبية قال ابن القاسم: فإن جهل ولم يشهد عليه نساء عتقا جميعا، لأنه يعتق من كل واحد نصفه ثم يتم عليها بالقضاء.
ومن المجموعة : قال ابن الماجشون : وإذا أقر بوطء أمته فشهد امرأتان بأنها أسقطت، صارت بذلك أم ولد، وإن شهد بذلك اختاها بعد موت السيد، لم تجز شهادتهما إذا كان هو الولد الذي تعتق به ، فأما إن شهدتا أنها ولدت ولدا بعد أن ثبتت ولادتها من سيدها في حياته، جازت شهادتهما، ولحق النسب بالميت. [8/423]
***(1/416)
[8/424] وقال ابن وهب عن مالك : [تجوز شهادة المرأتين في العيوب والحيض والولادة والإستهلال. وروي عن مالك] إذا شهدتا في أمة أنها أسقطت بعد موت سيدها، وقد كان مقرا بوطئها، فشهادتهما جائزة قال عنه أشهب : ولا تجوز شهادة رجل واحد على الإستهلال.
قال سحنون في امرأة ادعت أن زوجها جرحها في موضع لا يراه الرجال فأرادت أن تأخذ قياس الجرح، قال: هي لو كان بها جراح في الفرج تحتاج/ إلى علاجه، جاز أن ينقب الطبيب في ذلك الموضع دون ما سواه حتى يعالجه، فأما في قياس الجرح : فإني أجيز شهادتهن في الجراح حيث يجوز الشاهد واليمين. ومن كتاب ابن المواز : قال مالك في امرأة في الرضاع: لا تقبل إلا أن يفشو في الصغر عند المعارف.
وقال أيضا : إن لم يعرف ذلك إلا امرأة فليس بشيء: وأما امرأتان : فإن كان معه انتشار في المعارف حكم بقولهما إلا أن يطول مقامه معها بعلم المرأتين، فلا تجوز الشهادة، ومن المجموعة: قال ابن الماجشون : لا يجوز فيه أقل امرأتين عدلتين، ولا يفسخ النكاح منه إلا بالقوي المشهور، ويأتي من غير وجه ولا اثنين، وما كان قبل التزويج وإن ضعف فحقيق فيه التوقي.
في شهادة العبيد وأهل الذمة
وكيف إن شهد العبد بعد عتقه، والذمي بعد إسلامه
والصبي بعد كبره بشهادة ردت قبل ذلك عليهم أو لم ترد؟
من المجموعة : قال ابن وهب عن مالك : لا يجيز القاضي شهادة أهل الذمة بينهم، ولا على مسلم، ولا له لكافر أو مسلم، ورواه عنه ابن نافع، قال أشهب: وقد شرط الله ذوي عدل وقال: (ممن ترضون) وليس الكافر من ذلك. [8/424]
***(1/417)
[8/425] ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادة الكافر في شيء لا خلسة ولا قتل ولا وصية في سفر لضرورة أو غيرها، ابن القاسم : وآية الوصية في السفر: (أو آخران من غيركم) منسوخة / بقول (ذوي عدل منكم) قال : ولو رضى الخصمان بشهادة مسخوطا أو كافر فلا يحكم بذلك حاكم.
ومن كتاب ابن حبيب عن ابن الماجشون في يهوديين تداعيا في شيء فاستشهدوا بينة مسلمين، وقد رضيا بشهادة رجال يهود سموهم، فحكم بينهم بشهادة أولئك حاكم اليهود، ثم رجع أحدهما عن الرضى بذلك، قال : ذلك له، ولا تجوز شهادة يهودي على يهودى ولا على مسلم، ولا على أحد، وذلك كله – رضيا به أو لم يرضيا – باطل مفسوخ قال أبو محمد : لعله يريد: وقد رضيا بالتحاكم إلينا.
ومن المجموعة : قال مالك : وإذا اشهد كافر وصبي وعبد فردت شهادتهم فلا تقبل منهم بعد إسلام الكافر وعتق العبد وبلوغ الصبي، قال أشهب في المجموعة : واختارها بعض العراقيين وهو يقول: إذا شهد وهو مسخوط فردت شهادته، ثم حسنت حاله، ثم شهد لم تجز، فهذا مثله، قال عبد الملك : وكذلك إذا شهد بها في سفهه فردت، ثم شهد بها بعد حلمه فلا تقبل، ومن كتاب ابن المواز: ولو جهل الحاكم فحكم بها أولا لنقض الحكم، فإن لم ينقض الحكم حتى شهدوا بها في الحالة الثانية قبلت ويؤتنف الحكم بها، وكذلك لو لم ترد أولا، وقال ابن القاسم في المجموعة في عبد حكم بشهادته وظن أنه حر، ولم يعلم بذلك حتى عتق، أن الحكم الأول يرد، ثم يقوم الآن بها فيشهد.
ومن كتاب ابن المواز: / قال أشهب : ولو قال الخصم للحاكم : شاهداي فلان العبد وفلان النصراني فقال: لا أجيز شهادتهما، ثم أسلم النصراني وعتق العبد فشهدا، قال : يجوز ويقبل، وإنما هذا من القاضي فتيا. [8/425]
***(1/418)
[8/426] ومن كتاب ابن سحنون : بلغني عن بعض العلماء – وهو قولي، وهو قياس قول مالك وأصحابه – أن الصبي والعبد والنصراني إذا أشهدوا على شهادتهم [قوما عدولا، ثم انتقلوا إلى الحال التي تجوز فيها شهادتهم]قبل أن ينقل عنهم، فغابوا أو ماتوا، فشهد على شهادتهم، أن ذلك غير مقبول؛ لأنهم أشهدوا غيرهم في وقت لا يقبل فيه علمهم، وهو بخلاف أن يشهدوا في الحال الثاني بما علموه في الحال الأول. ولهذا باب في كتاب الشهادات الأول، وفيه الحجة في ذلك كله.
في شهادة الصبيان في الجراح والقتل
من المجموعة وغيرها: قال مالك : الأمر عندنا، أن شهادة الصبيان تجوز بينهم في الجراح لا على غيرهم ما لم يفترقوا أو يعلموا أو يخيبوا فلا تجوز، إلا أن يكون قد أشهدوا على شهادتهم قبل أن يفترقوا، قال عنه ابن وهب: فلا يبالى برجوعهم.
ومن كتاب ابن سحنون : قال مالك : وإنما تجوز شهادتهم في المعارك.
قال ابن سحنون عن أبيه ونحوه في العتبية : ثم تنازع أصحابنا في بعض ذلك فقال ابن القاسم عن مالك: تجوز شهادتهم في القتل بينهم، وقال غيرهم: على رؤية البدن مقتولا، ولا تجوز شهادة الإناث.
وقال ابن نافع وسحنون : إذا شهد صبيان على صبي أنه جرح صبيا ثم نزا فيه / فمات، أن في ذلك القسامة، ويأخذون الدية.
قال أشهب : إنما تجوز شهادتهم فيما دون القتل، ولا تجوز شهادة الإناث منهم والعبيد، ولا من فيه بقية رق ، ولا تجوز شهادة الصبيان في القتل. [8/426]
***(1/419)
[8/427] وروي عن مالك أن شهادة الإناث منهم والعبيد لا تجوز، وقال المغيرة : تجوز شهادة إناثهم وذكورهم في القتل، ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون : قال ابن الماجشون : لا تجوز من على غير الإسلام منهم، ولا العبيد بعضهم على بعض، وتجوز شهادة الإناث من الصبيان.
قال سحنون في المجموعة : واختلف قول ابن القاسم في شهادة اناثهم في الجراح، فأجازها في كتاب الديات. ولم يجزها في كتاب الشهادات، ومن كتاب ابن المواز : ولا تجوز شهادة إناثهم عند ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم، وأجازها عبد الملك.
وأما العبيد كلهم : فلا تجوز شهادتهم عند مالك وأصحابه.
ومن المجموعة : قال ابن القاسم : ولا تجوز شهادة صبي واحد، ولا تكون معه قسامة. وقال المغيرة : ولا يحلف معه في الجراح ، وذلك أنه لو شهد معه كبير عدل سقطت شهادته، فيمين الولي معه كشاهد، قال عبد الملك : لا موضع في شهادة الصبيان لليمين، وإنما يجوز من شهادتهم ما يقطع بها، وأقل ما يجوز منهم : غلامان أو غلام وجاريتان لا غلام وجارية، ولا تجوز شهادة / الصبايا وحدهن وإن كثرن؛ لأنهن وإن كثرن مقام اثنتين، واثنتان مقام صبي واحد، ولا يحكم بشهادة واحد، ومن العتبية : قال سحنون : والذي اخذ به فيهم : أن تجوز شهادتهم صغارا [حيث تجوز كباراً، قيل له : فلم لا يحلف مع أحدهم صغيرا] كما يحلف مع الكبير، قال: لأنها لم تجز إلا على الإضطرار لا على العدالة، ألا ترى أن مخالطة الكبار تبطل شهادتهم، وليس مثل هذا يبطل شهادة العدل، قيل : والصبايات ؟ قال : تجوز شهادتهن في الجراح والقتل مع ذكر كما يكون في الكبار، قلت: فلم لا قبلتها في الحقوق ؟ قال : إنما قبلت منهم للضرورة، ولا ضرورة في هذا. [8/427]
***(1/420)
[8/428] وقال أصبغ : لا تجوز شهادة إناثهم بينهم في الجراح، وقاله ابن القاسم، وإن شهد صبيان على جرح خطا، فلا يحلف مع شهادتهما، وهي كشهادة غلام، وقد جاء عن علي أنه قبل شهادة الصبيان، وهذا يجمع الذكور والإناث. ومن كتاب ابن سحنون : قال مالك: وإذا قتل صبي صبيا لم يقسم على قول الصبي، ولا ينفع فيه إقرار الصبي الآخر، قال سحنون : وعلى هذا جماعة أصحابنا، ومن كتاب ابن حبيب : قال مالك : لا يقسم على قول الصبي إلا أن يكون قد راهق وعرف وأبصر، وإن لم يحتلم فليقسم على قوله، وروى مطرف عن مالك : أن شهادة الإناث تجوز حيث تجوز شهادة الصبيان، وإذا شهد معهن ذكر، وأقل ذلك اثنتان مع صبي.
/ ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم : وإذا شهدوا على قتل صبي صبيا لزم العاقلة الدية بلا قسامة، وقاله أصبغ.
ومن المجموعة : قال أشهب : لا يجوز منهم واحد، ولو جاز كان معه اليمين، ولا يمين لصبي وإن وخر حتى يكبر صار صبيا يشهد لكبير، وليس يشبه ذلك.
وتجوز ذكورهم لإناثهم، كان المشهود لهم أحرارا أو أرقاء.
قال ابن وهب وابن نافع عن مالك: إذا شهدوا لصغير على كبير لم يجز، ومن كتاب ابن المواز: ولا تجوز شهادتهم لكبير ولا عليه لصغير ولا له، وإن شهدوا أن صبيا جرح كبيراً أو قتله: فأما في جرحه فلا يجوز، لأن هذا المجروح كبير دخل بينهم، وأما على قتله فيجوز إذا لم يبق حتى يعلمهم، وتجب الدية على عاقلة الجاني.
وقال في المدونة: ولا يقبل صغير على كبير أنه جرحه أو قتله. قال ابن المواز : قال أشهب : بلغني عن مالك في كبير وصبيين شهدوا لصبي على صبي أنه قتله : أنه يسقط الصغار. محمد : وتكون القسامة بشهادة الكبير إن كان [8/428]
***(1/421)
[8/429] عدلا، قال [مالك] في كتاب ابن سحنون : ولا يجوز صبي أو صبيان مع رجل على صبي آخر، ويكلف شهادة رجل آخر.
قال سحنون : [وهو في المجموعة، لعبد الملك: ولا شهادة للصبيان حيث يحضر الكبار، وقال سحنون] رجال أو نساء لأن النساء يجزون في الخطأ، وعمد الصبي كالخطأ. وقال ابن المواز: وإذا دخل معهم رجل كبير أو امرأة شاهدا أو مشهودا له أو عليه، لم تجز شهادة الصغار، لأن الكبير يعلمهم إلا كبير مقتول لم يبق حتى يعلمهم.
قال ابن سحنون عن أبيه : وإن حضر رجال غير عدول فإن كانوا ظاهري السفه والجرحة، جازت شهادة الصبيان، ثم وقف عن إجازتها.
ابن حبيب عن مالك : وإن شهد صبيان مع كبير لم يجز ذلك، قال مطرف : وذلك إن كان الكبير عدلا، فأما مسخوطا أو نصرانيا أو عبدا لم تجز شهادة الصبيان ثم حضوره كلا حضور، وقاله ابن الماجشون وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم : إذا دخل منهم رجل أو امرأة بطلت شهادتهم. قال : وإن يشهد كبير على صغير أنه قتل كبيراً أو صغيراً كانت بذلك القسامة.
قال ابن المواز: لا ينظر في شهادة الصبيان إلى عدالة ولا جرحة ولا عدواة ولا قرابة، قال ابن القاسم: ولا تجوز لقريب ولا على عدو منهم إذا ثبتت العداوة، قال عبد الملك : تثبت في العداوة وتسقط في القرابة، قال في المجموعة يجرى الكبير بين الأب والأم والزوجة والجدود، فترد في هذا لأنه جر إلى نفسه، وذكر ابن[8/429]
***(1/422)
[8/430] حبيب عنه مثله، قال ابن المواز: ولم يختلف إنه لا ينظر إلى عدالة ولا إلى جرحة فيهم.
ومن كتاب ابن سحنون : قال / سحنون : لا تجوز شهادة الصبيان الارقاء، ومن على غير الإسلام، ومن لا تجوز شهادته من الكبار لقريبه من الأبوين والزوجة ونحوه فإنه يجرى في شهادة الصغار مجرى شهادة الكبار، لأنه من جر الشاهد إلى نفسه، وأما عداوة بعضهم بعضا: فلا تبطل شهادتهم، وليست بشهادة لها غور ولا تقع في مواضع العداوة.
وروى معن عن مالك أنه أجاز شهادة الإناث من الصبيان : جاريتان وغلام. قال أبو محمد : انظر في قول عبد الملك وسحنون في شهادة الصبيان لقرابتهم كالأبوين، فكيف يجري هذا، وقد قال أصحابنا : لا تجوز شهادتهم لكبير، وأما الزوجة فيمكن أن يكون للصبي الزوجة الصغيرة، وللصغيرة زوج صبي، قلت لسحنون: لم أجزت الصبيان بينهم في الجراح، ولم تجزها في الحقوق ؟ قال: للضرورة ، لأن الحقوق يحضرها الكبار، ولا يحضرون في جراح الصبيان، ألا ترى لو حضر فيهم كبير لم تجز شهادتهم، قلت : فيلزمك أن تجيزها في غصب بعضهم بعضا الأموال كما أجزتها في جراحاتهم، إذ لا يحضر الكبار غصب بعضهم بعضا ؟ قال : هذا موضع اتباع الماضيين، ولا وجه للقياس فيما هو كسنة أو سنة. قال غير سحنون : لا تستوي الأموال والدماء، وقد فرقت الأئمة بينهما فقبلوا في الدماء ما لم يقبلوا مثله في المال، وبنا ضرورة إلى تحصين دماء الصبيان لا كالضرورة / إلى تحصين أموالهم، فكل شيء في هذا له موقع. قال سحنون : وقد أجاز شهادتهم في الجراح على بن أبي طالب، وعبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام، وكثير من التابعين، قال أبو الزناد : وهي السنة، وقاله عمر بن عبد العزيز، قال مالك: وهو الأمر المجتمع عليه عندنا، قال: وما ذكر عن ابن عباس إنه لا يجوز شهادة الصبيان، فمعناه عندنا على الكبار، ولا يريد شهادة [8/430]
***(1/423)
[8/431] بعضهم على بعض، ومن هذه الدواوين : قال مالك في ستة صبيان لعبوا في بحر فغرق واحد منهم، فشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه، وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه، وقال : العقل على الخمسة، لأن شهادتهم مختلفة، محمد ابن المواز: وهذا غلط لاختلافهم ولا يجوز، قال ابن حبيب مثله عن مطرف في الصغار: لا تجوز، قال : ولو كانوا كباراً واختلفوا هكذا، كانت الدية عليهم في أموالهم، وكأنهم قالوا لم تخرج الجناية عنا، [إلا من باب الشهادة عدولا كانوا أو غير عدول، عمدا فعلوا ذلك في شهادتهم أو خطأ، فأما الصبيان : فإن الدية عليهم، لأن الصغار لا إقرار لهم، وذكر عن ابن الماجشون مثل ذلك كله، وذكر عن ابن الماجشون في كتاب القسامة أنه فرق في الكبار بين العمد والخطأ، وهي في كتاب أحكام الدماء]، قال مالك في هذه الكتب إلا كتاب ابن حبيب : فإن شهد اثنان منهم أن فلانا شج فلانا، وشهد آخران منهم أنه إنما شجه فلان فطلب شهادتهم، قاله ابن الماجشون وابن عبدوس وابن المواز وابن حبيب: قال ابن الماجشون : ولا تبطل شهادة الصغار إلا أن يشهد الكبار أن ما شهدوا به لم يكن عن معرفة أو معاينة، أو شهدوا فاختلفوا في قولهم، أو أنهم افترقوا قبل الشهادة، ولا تبطل بهذه شهادة الكبار.
ومن العتبية والمجموعة : / قال ابن الماجشون : وإن شهد صبيان أن صبيا قتل صبيا، وشهد آخران ليس منهما القاتل: أن دابة أصابته جبار، قال: تمضى شهادة الصبيان على القتل، ولو أن شاهدي الجبار شهدا بذلك بعد بلوغهما لم تجز، لأنها قد ردت عليهما أولا.
ومن العتبية : قال أصبغ : إذا شهد صبيان أن صبيا قتل صبيا الساعة، وشهد رجلان أنه لم يقتله، وأنهما كانا حاضرين حتى سقط الصبي فمات، وأن [8/431]
***(1/424)
[8/432] هذا لم يضربه ولم يقتله، قال: فشهادة الصبيان تامة، ولا ينظر إلى قول الكبيرين كما لو شهد رجلان بقتله وشهد غيرهما أنه لم يقتله، ولا ينظر فيه إلا عدل.
قال ابن سحنون : أنكر سحنون قول أصبغ هذا وقال : قول أصحابنا أن شهادة الكبير أقوى، وأن ذلك كالجرحة للصغار، وغير هذا خطأ غير مشكل، إذ لا يشبه ذلك الكبيرين. ومن كتاب ابن المواز قال: فإذا قيدت قبل تفرقهم بالعدول لم يبطلها رجوعهم إلا بتراخي الحكم حتى يكبروا ويعدلوا ويرجعوا، فيؤخذ برجوعهم، فإن شكوا فيها بعد بلوغهم، لم يضر ذلك حتى يوقنوا أن قد شهدوا بباطل، وقاله سحنون في كتاب ابنه أن رجوعهم قبل الحكم وبعد أن صاروا رجالا كشهادة رجلين : أن ما شهد به الصبيان لم يكن، فهو أولى، ولم تؤخذ شهادتهم مأخذ العدالة فهو أولى، فلا يجرحهم إلا الشهادة أن ما قالوه لم يكن، وقال مثله ابن الماجشون في المجموعة/ وزاد : ولو قيدت شهادة الصبيان على أمر. ثم شهد اثنان منهم قبل الحكم وبعد البلوغ والعدالة: أن ما شهدنا به نحن والباقون من ذلك باطل، سقطت الشهادة كلها، لأنها شهادة صبيان شهد عدول أنها لم تكن، وفي العتبية عنه مثله، وقال عنه أيضا: إذا قيدت قبل أن يفترقوا أو يخيبوا وشهد عليها العدول، ثم بلغ من هو عدل رضا، فرجعوا قبل الحكم بها عما كانوا شهدوا به، فلتسقط كلها، لأنها شهادة الصبيان شهد عليها عدول أنها لم تكن.
قال ابن سحنون عن أبيه : وإذا رجع الصبي عن شهادته فلا رجعة له ولا ضمان عليهن ولو رجع بعد أن بلغ وقد حكم بها لم يضمن، لأنها كانت في حال لا ضمان عليه ولا أدب، ولو رجع ولو لم يحكم بها حتى بلغ لم يضمن إذا رجع، وبطلت ولم يحكم بها. وهذا الباب قد ذكر غير شيء منه في باب مفرد في[8/432]
***(1/425)