[5/177] بيمينه الثاني ساعة حلف بها، وكانت يمينه الثانية بواحدة، وقع عليه أقل الطلاقين، وهو واحدة؛ وقد حلف بها؛ فإن حل الأجل وقد انقضت عدتها، فلا شيء عليه، وإن كانت في العدة، فإن قضاه قبل حله، لم يلزم غير الواحدة، وإن لم يقض حتى جاء الأجل ولم تنقض العدة طلقت بقية الطلاق، ولو كانت اليمين الأولى بواحدة والثانية بالثلاث، طلقت الساعة بأدنى الطلاقين، وهي واحدة عجلت عليه، فإن جاء الأجل ولم يقض، لم يلزمه شيء؛ لأنه حنث بذلك اليمين، قال سحنون: وإن حلف: إن لم أحج بك فأنت طالق. ثم قال: إن حججت بك فأنت طالق، فإن رفعته، ضرب له أجل الإيلاء، فإن مضى الأجل طلقت عليه، وإن لم ترافعه لم يطلق عليه. قيل: فله أن يكرهها على أن يحج بها. فوقف عن إكراهها. وبلغني عنه أنه قال: له أن يجبرها على أن يحجها ليبر.
ولو قال: أنت طالق إن لم أحج بك هذه السنة. ثم قال: أنت طالق، ثلاثا إن حججت بل هذه السنة. إن خالعها، ثم تركها حتى تجوز السنة؛ ثم تزوجها، لم يحنث في يمينه. قيل لسحنون: فمن قال لغريمه: إن لم تدفع حقي فامرأته طالق، لاستعدي عليك السلطان. وقال نويت أبا جعفر البغدادي. قال له: عليك بذلك بينة؟ قال : نعم. قال: أخاف أن يشهدوا عليك لقولك: السلطان. ولكن فاستعد عليه السلطان لمكان/ البينة، استعد من عند أبي جعفر، لأنك نويته، وكتب له في جوابه إلى البغدادي أن يكتب له عدوا على الرجل، فأما أن يقضيه أو يرفع إليك ثم قد خرج من يمينه إن رفع إليك أو لم يرفع.
قال سحنون، فيمن حلف ألا يسأل فلانا حاجة أبدا، ثم ساله بعد أيام أن يجيبه إلى طغام، قال: إن كان سبب يمينه أنه سأله سلفا أو عارية، فأبى، فلا يحنث بهذا. قيل لسحنون: إن حلف بالطلاق أن لا يستعير من فلان شيئا ثم سأله في أن يعيره شيئا، فقال له: قد أعرتك ذلك. فأخذه منه أو لم يأخذه، وكيف إن لم ينعم له بشيئ وقد سأله؟ قال: هذا يستدل عليه بما كان عليه بساط كلامهما؛ فإن كان سأله مرة فمنعه فحلف لحنث سؤاله إياه، أعطاه أو منعه، وإن كان أعطاه مرة، ثم من عليه، أو اغنم بكثرة عارية منه، فهذا لا يحنث [5/177]
***(1/169)
[5/178] حتى تصل إليه العارية، وإن كانت يمينه مسجلة، فيأخذ العارية، يحنث. والله أعلم.
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى فيمن حلف فقال: أنت طالق، لئن سألتني الطلاق لأطلقنك. فسألته، وقال: أمرك بيدك فقضت بالطلاق أو تركته أنه ذلك لا يجزئه من يمينه. وقال سحنون: إن طلقت نفسها، بر، وإن لم تطلق نفسها، حنث. وعمن تعلق برجل ليبيت عنده، فحلف بالطلاق إن بات إلا في بيته، فحال بينه وبين ذلك شيء، أو وال جائر، قال: إن لم يكن استثنى ذلك ولا نوى، فهو حانث. وروى ابن القاسم، عن مالك، قال: ينهي الناس السلطان عن الحلف بالطلاق، فإن لم ينتهوا، فليضربهم.
تم كتاب طلاق السنة من كتاب النوارد بحمد الله وعونه
يتلوه في الجزء السابع إن شاء الله
كتاب الشروط والتمليك في النكاح [5/178]
[5/179] بسم الله الرحمن الرحيم ... ... اللهم يسر وأعن
كتاب الشروط والتمليك والتخيير في النكاح
ما يكره أن يعقد عليه النكاح من شروط التمليك وما يلزم منها وما لا يلزم وما يفسد به من النكاح..
من كتاب ابن المواز: قال: وكره مالك عقد النكاح على شيء من الشروط ، وقال: لقد أشرت على القاضي أن ينهي الناس عن ذلك، وأن لا يزوج الرجل إلا على دينه وأمانته. وكره ما يؤخذ من الأيمان فيها. قال: وكل شرط وإن كان في العقد فلا يلزم إلا ما كان فيه تمليك أو يمين.
وكره كل شرط فيه: ألا يمنعها من كذا أو لا يخرجها، وكل ما يمنع من الوطء في الأمة في البيع ويفسخ به البيع ولا يفسخ به النكاح، وينهي عنه. وإن شرط في العقد ألا يخرجها وشبهه، فينبغي له أن يفي لها بذلك، ولا أراه بالواجب. وكره مثل هذا في العقد ألا يخرجها ولا يمنعها ممن يدخل عليه ولا من حج ولا عمرة، فلم يملكها ملكا تاما، وأكرهه كما أكره شراء الأمة بشرط، وهذا كله في العتبية نحوه من سماع أشهب. وقال عيسى عن ابن القاسم عن مالك: لاينبغي لأحد أن يشهد كتابا فيه شرط طلاق أو حرية أو مشي إلى مكة.
ومن كتاب محمد: قال ابن عبد الحكم: قال مالك: وكل ما شرط لها بغر يمين، فلا ينبغي له أن يفي به ولا يقضي عليه. [5/179]
***(1/170)
[5/180] قال عنه أشهب: وكذلك على ألا يمنعها من المسجد.
قال مالك: وإن/ أعطى عهد الله وميثاقه ومشيا إلى بيت الله إن خرج بها، فهذه أيمان يؤخذ بها ولا أرى أن يترك يخرج بها، وما أدري ما السلطان صانع في ذلك، ولو شاورني لرأيت ألا يدعه يخرج بها لأيمانه هذه، فليتق الله وخير له أن يفي لها.
قال محمد: وكان ابن شهاب يوجب الشرط وإن لم يكن فيه عهد ويقول: إن [من أدرك كانوا يقضون به)] قال محمد: فلهذا شدد مالك فيما فيه العهد. فإذا خلا من يمين وعهد وتمليك فلا يلزم،وقد أبطله عمر. قال مالك: وليس العهد وشبهه كالطلاق والعتق، لأنه لابد أن يقضي فيهما السلطان، والعهد ونحوه إن لم يقض فيه وتركه فهو أخف.
قال مالك: وإن تزوجها على أن لها عليه عهد الله وميثاقه ألا يخرجها من بلدها، وأنها لا تحل له إلا بالوفاء بذلك فليس بطلاق، فليتق الله ولا يخرجها.
وقال في المجموعة ابن نافع: حرام عليه أن يخرجها.
ومن كتاب محمد: ومن شرط أن كل امرأة يتزوجها عليك طالق، وأمرها بيدك إلا ألا تلدي، فذلك لازم.
قال أصبغ: هذا ما لم تقعد عن الولد بما لا يشك فيه في الناس أجمعين.
قال أشهب: فإن قال: كل امرأة يتزوجها عليها إلى عشر سنين طالق، إلا ألا تلد، فذلك يلزمه طلاق من يتزوج في العشر سنين عليها، قال محمد إلا أن يعيش قبل العشر سنين فله أن يتزوج. قال مالك: فإن زوج/ أمته من أجير له على أنه رأى منه ما يكره فأمرها بيدها، فهذا لا يحل شرطه ولا أفسخ به [5/180]
***(1/171)
[5/181] النكاح، قال ابن القاسم: كمن شرط: إن أضر بها أو شرب خمرا أو غاب عنها فأمرها بيدها، فذا يكره العقد عليه فإن دخل كان جائزا.
ومن العتبية قال سحنون: ويفسخ دخل أولم يدخل. قال عيسى: إذا وقع النكاح مضى ولزمه الشرط. قال أصبغ: إنما يكره أن يشرط: إن رأت منه ما تكره أو ما لا يعجبها، أو ما لاترضى فهي طالق، فإذا وقع مضى وكان لها ذلك ، أو رأت منه ما تكره فهي طالق لأنها يمين، فلا يفسخ النكاح قبل البناء ولا بعده.
ومن زوج جاريته من عبده على أنه إن أبق فأمرها بيدها فذلك لازم.
قال عبدالملك: كل ما وقع به التمليك من شيء فعله به الزوج وإن شاء لم يفعله. فذلك ثابت، وما كان من تمليك يقع بفعل غيرالزوج مثل أن يقول: إن بعتك أو بعتها، فالشرط باطل، والتمليك ساقط، والنكاح جائز. دخل أو لم يدخل، وكذلك في المجموعة عن عبدالملك، وقال: ومنه: وإن يزوج أمته عبده على أنه إن أب أو خرج فأمرها إلي، فذلك لازم، وكذلك من شرط إن لم أنفق عليك فأمرك إليك، قال: ولو خرج بالعبد مأسورا وقامت بذلك بينة فلا شيء عليه.
قال محمد ابن المواز: والذي أقول به: أن كلما فعله بيد غير الزوج فهو يفسخ. بني أو لم يبن/، لأنه وقع على أن الطلاق بيد غير الزوج، فهو كالمتعة.
ومن جعل شرط التمليك بيد غير الزوجين إلا أن الفعل بيد الزوج فذلك لازم.
قال مالك: ومن تزوج أمة وشرط: إن جاءت وبها أثر تدعي أنه منه، فهي مصدقة، وأمرها بيدها. فجاءت وبها أثر خنق زعمت أنه فعله بها، فالطلاق يلزمه [5/181]
***(1/172)
[5/182] بقولها إن شاءت كما شرط لها، وذكرها ابن عبدوس من سماع ابن القاسم، وقال: فأمرها بيد (السيد) في البتة، فجاءت وبها أثر خنق فزعمت أنه فعله بها والزوج ينكر، يطلقها السيد البتة. قال: ذلك لازم نافذ كما شرط قال: وإلى هذا رجع سحنون فيمن شرط أن زوجته مصدقة فيما تدعي من الضرر فأمرها بيدها: أن ذلك يلزمه وأكره النكاح بهذا الشرط، وكان يقول: يفسخ قبل البناء، كمن شرط طلاقها بيدها متى شاءت، فإذا بنى بها فهو كتمليك يزيله وطؤه إياها طائعة.
ومن العتبية: أصبغ عن ابن القاسم: ومن تزوج وشرط أنه إن أساء إليها فأمرها بيدها فتزوج عليها أو تسرر فليس هذا من الإساءة. إلا أن يكون هو وجه الإساءة عندهم فيما يشرطونه من هذا وإلا فلا. ولو ضربها على الأدب فيما يستوجبه بالأمر بالمعروف فليس من الإساءة، ولو كان على غير ذلك، ضربها مرارا أو جاء من ذلك أمر مفرط وإن لم يكن مرارا فهذا من الإساءة.
ومن الواضحة وإن شرط: إن شكت منه أذى فأمرها بيدها. فذلك يلزمه إن شكت وإن/ لم يعر إلا بقولها وهي مصدقة، ولو شرط: إن أذاها فأمرها بيدها لم يكن لها ذلك بقولها حتى يعرف أذاه لها ببينة، فيكون الأمر بيدها، وإن افترقا من المجلس إلا أن توقف أو تلذذ منها طائعة فيزول، ما بيدها، ثم إذا اشتكت منه أذى مستقبلا، استقبت التمليك كالأول، وإن شرط لها أنه إن منعها من القضاء في مالها فأمرها بيدها، فذلك لازم، والنكاح جائز، كشرطه ألا يضربها وشبهه، وكذلك إن قال في شيء من ذلك: فهي مصدقة بيمينها أو بغير يمين، فذلك لازم وإن لم تشترط ذلك لم يقبل منها إلا ببينة على الأذى أو الضرر. [5/182]
***(1/173)
[5/183] وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن شرط في العفد أن ينفق عليها نفقة مثلها، وإن لم يفعل فأمرها بيدها، فإنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ويكون على شرطها إن لم يقدر على شيء، فإن لم يقدر على نفقة مثلها فأمرها بيدها، فإن رضيت بذلك فلا قول لها بعد ذلك، وقد زال ما بيدها، لأنه فعل واحد ليس بفعل بعد فعل، كمن قال إن لم أقضك مهرك إلى أجل كذا، فأمرك بيدك فإن لم يجد عند الأجل فلم يقض شيئا. وأقامت معه يطؤها فلا شيء لها بعد ذلك، وأما من قال: إن تزوجت عليك إلا بإذنك فأمرك بيدك، فأذنت له فتزوج ثم بدا لها فليس لها ذلك في تلك المرأة. ولها ذلك في غيرها، وتحلف ما كان ذلك منها تركا.
وفي أبواب التمليك: باب من شرط بعد العقد أنها مصدقة، وقال سحنون: وإنما الشرط الذي لا يفسخ به/ النكاح وإن كنت أكره كل شرط إنما يجب لها عن فعل من الزوج من نكاح أو تسرر.
ومن كتاب الأقضية لابن سحنون: قال سحنون في الذي شرط لأمرأته: إن فعل بها كذا فهي مصدقة فأمرها بيدها، قال: قد كنت أخاف أن يكون هذا شرط يفسد به النكاح ثم خفت ألا يفسد به وإنه له لازم، وهذا الغالب علي.
ومن كتاب ابن المواز: ومن تزوج أمة على أنه لا شيء عليه فيما أصابها به لم يجز النكاح، قال محمد: ويفسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده.
ومن تزوج امرأة على أنه إن بنى (بها) فالتي عنده طالق، فذلك جائز ولا يطلق حتى بيني بالثانية، كقوله إذا دخلت فلانة البيت، قال محمد: بل هو مول، من الجديدة. وكأنه قال لها: القديمة طالق إن دخلت بك.
وقال ابن حبيب: ومن تزوج امرأة فسألته طلاق الداخلة وعتق السرية فقال: ذلك إذا بنيت بك، فذلك جائز وله أن ينكح ويتسرر، فإذا بنى بالأولى فلا شيء عليه في الزوجات بنى بهن أو لم يبن، ويكف عن السراري حملن أو لم [5/183]
***(1/174)
[5/184] يحلمن، لأن معاودتهن تسرر، قال مالك: ومن شرط في العقد أن كل امرأة أتزوجها عليك طالق، فإن أطلق فأمرك بيدك، فذلك جائز، ولها شرطها، قال أصبغ: فإن لم يطلق الجديدة ولا طلقت القديمة نفسها فهما امرأتاه وقاله ابن القاسم وذكرها في العتبية من سماع ابن القاسم وقال: ولا يضرر في التمليك قوله: إن الجديدة طالق البتة لأنه في أصل النكاح،/ وأمر عقد أوله بآخره. فإذا تزوج فلها التمليك.
قال عنه عيسى قال مالك: ويقال له طلق الثانية وإلا اختارت الأولى نفسها، فإن لم يفعل- يريد الثانية- فلا شيء عليه.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن شرط في نكاح زوجته: إن تسرر عليها أمته. فالأمة صدقة عليها، قال: يفسخ قبل البناء، وإن بنى بها فالشرط باطل ولا صدقة لها، وفي المجموعة، روى ابن نافع عن مالك فيمن شرط طلاق من يتزوج عليها، وعتق كل أم ولد يتخدها عليها، وكل امرأة يتسررها عليها فهي لها.
قال: يلزمه في الطلاق والعتق، فأما تمليكها للسرية فلا يلزمه، وفي كتاب النكاح باب في النكاح يفسد لشرط فيه، وفيه من معنى هذا الباب.
في التي تضع من صداقها لشرط تشترطه
من كتاب ابن المواز: وما وضعته المرأة في عقد النكاح من الصداق لشرط تشترطه، فروى ابن القاسم عن مالك أنه إن ترك الشرط فليس لها عليه رجوع، وروى أشهب أن ذلك لها إلا أن يكون ما بقي من صداقها يفي بصداق مثلها، وقاله ابن عبدالحكم ورواه.
قال محمد: لا ترجع بشيء لأن ما تركت لم يثبت لها، ولا اختلاف أن لها الرجوع فيما وضعت بعد العقد ووجوب الصداق لشرط إذا خالفه. وروى أيضا أشهب عن مالك فيمن واطأ امرأة على ستين دينارا فلما أراد العقد قال له أبوها [5/184]
***(1/175)
[5/185] هل لك أن أضع عنك عشرين دينارا على أن لا تخرجها من المدينة، فرضى/ فعقدا على ذلك ثم أخرجها فعليه العشرون الوضيعة. وإنما الذي لا يرجع من يقول: أزوجك بمائة أضع عنك منهاخمسين على ألا يفعل كذا، فهذا لم يكن صداقا ثابتا، قال مالك: ولو طلق في المسألة الأولى قبل البناء فعليه نصف الأربعين، لأنه قد وفى شرطها، قال محمد: إنما أجاب مالك في الستين على معرفة أنه كان يرضي بها صداقا أو يحط منها للشرط شيء. فعلم أن للشرط وضعته وأما إذا لم يكن من الزوج رضى إلا ما عقد بعضه ببعض ولم يعلم أنه كان يرضى بالستين ولم يذكرها وحدها فيرضى بها، ثم حطوه بعد الرضى فما عقد من أوله بالوضيعة للشرط فلا يرجع به، وما تراضيا به وركنا إليه وإن لم يعقداه، وقد علم أنه إنما منعهم العقد به لإدخال الشرط، فلها أن ترجع، وإنما جعل لها مالك أن ترجع فيما تواطؤوا به ورضي به الزوج، وهو قول ابن القاسم واشهب وابن وهب وعبدالملك واصبغ، وهو الصواب.
وروى ابن وهب عن مالك، وقاله ابن القاسم واشهب فيمن تزوج على خميسن على أنه إن أخرجها فصداقها مائة، فالشرط باطل، ولها خمسون، وله أن يخرجها، ولو قال مع ذلك: وإن تزوج عليها امرأة فهي طالق، وإن تسرر فهي حرة، فهذا يلزمه، قال ابن القاسم: ولو نكحها بألف، فإن كانت له زوجة فصداقها ألفان فهذا غرر ويفسخ.
في شطر التمليك في العقد أو بعده يجعل/ بيد الأب والأم أو السيد ومن زوج عبده على أن الطلاق بيد سيده
من كتاب ابن المواز: قال مالك: من شرط في عقد النكاح ألا يخرجها إلا برضاها ورضا أبيها فلا تخرج حتى يرضيا. [5/185]
***(1/176)
[5/186] قال في العتبية من سماع ابن القاسم: وإن كان شرط رضاها وحدها فله أن يخرج بها إذا رضيت. كانت بكرا أو ثيبا. قال محمد: إذا كان التمليك بيدها وحدها. وجعل الخروج برضاها مع أبيها أو برضا أبيها وحده، فإن فعل فأمرها بيدها ولم يقل بأيديهما، فالأمر والرضا إليها، والأب في هذا لغو، لأنها إذا رضيت بالخروج ولم يرض الأب فلا حكم للأب إذا كان إنما قال: أو فمن رضي منهما بالخروج فلا تمليك لها، وكذلك لو شركهما فقال: برضائها ورضا أبيها، ولكن إن رضى الأب ولم ترض هي وقد شركها في الرضى فالأمر أيضا إليها، إن تطلق حتى يفرد الأب بالرضا فيرضى هو ولا ترضى هي، فلا تمليك لها، فإما في سخطه فلا يمنعها التمليك كان شرط رضاها أو رضاه وحده.
ولو قال: برضاها أو رضا أبيها لكان رضاه يمنعها التمليك، وليس سخطه بشيء لأن التمليك بيدها، ولو شرط في العقد: إن أخرجها أو تزوج أو تسرر فأمرها بيد أبيها، أو قال بيد أمها، فرضيت الابنة بالخروج، وأبى ذلك الأب أو الأم، فذلك للابنة ويمنع السلطان الأم القضاء إلا أن تبادر قبل منعه فتطلق فيلزم (قلت): فإنطلقت بعد منع السلطان، قال: ذلك أخف، وهذا جواب ابن عبدالحكم، ورواه لمالك، قال محمد/: إذا نزع ذلك من يدها بحكم لم يلزم طلاقها. قال مالك فيمن قال لامرأته: إن غبت عنك سنة فأمرك بيد أبيك فأراد الأب عند السنة أن يفرق فأبت الابنة. فذلك لها، ويجبره الإمام ألا يفعل، قال أشهب: فإن طلق بعد منع الإمام لزم طلاقه، إلا أن ينزع ذلك من يده، محمد: يريد: ينزعه بحاكم.
قال في كتاب التمليك: ولو وخر الأب الفراق بعد السنة وأرادت الابنة تعجيله فذلك للأب دونها. [5/186]
***(1/177)
[5/187] قال مالك: وللأب أن يوصي بذلك بعينه وإن لم يفعل لم يكن [لوصيه منه شيء قال ابن القاسم] ومعناه أن يرجع ذلك إلى المرأة إن لم يسنده إلى أحد.
وقال أشهب: لا يرجع إلى المرأة ولو أسنده إليها أو إلى غيرها فليس ذلك له. وقال ابن عبدالحكم و أصبغ، قال ذلك ساقط بموت الأب وإن أوصى به إلى غيره.
قال محمد : ولو قال: إن خرجت بك أو تزوجت بغير إذن أبيك فأنت طالق. فمتى فعل ذلك طلقت عليه، فأما التمليك فيسقط.
ومن الواضحة قال: وإن شرط إن غاب سنة فأمرها بيد أبيها فليس للأب أن يوصي بذلك إلى غيره، ويستحب أن يرجع ذلك إلى المرأة، والقياس، ألا يرجع إلى أحد.
وإذا شرط ألا يخرجها إلا برضاها أو رضا أبيها فإن فعل فأمرها بيدها وبيد أبيها فرضيت بالرحلة وأبي الأب، أو رضي فأبت هي وطلب من أبى أن يطلق فإنما ينظر إلى قولها في الخروج لأن الشرط لها أخذ، ولينة الأمام الأب أن يفرق، فإن فعل قبل النهي أو بعده لم يلزم ذلك، وإذا أرادت هي الفرقة وأبى الأب/ لم يلزمه الفراق حتى يجتمعا كالوليين.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج أمة على أنه إن تزوج عليها فأمرها بيد مولاها، فهلك السيد، قال: فذلك بيد ورثته أو وصية إن كان بنوه صغارا.
ومن تزوج امرأة وشرط إن تزوج عليها فأمرها بيدها وذلك من صداقها، فوضعت الزوجة عنه الصداق بوضع الشرط. قال قوله: وذلك من صداقه، باطل، ولا يوضع الشرط بوضع الصداق. [5/187]
***(1/178)
[5/188] وإذا تزوج وأراد الأب أن يطلق فأبت هي نظر، فإن كان ما أرادت أحظى لها فلا قول للأب، وإن كان قول الأب خيرا لها فله القضاء دونها، وللأب أن يوصي بذلك فيقوم به وصيه، فإن لم يوص فلا شيء لها هي من ذلك، قال عنه يحيى: فإن طلق الأب قبل أن يمنعه السلطان جاز طلاقه. فإن طلق بعد المنع لم يلزم.
ما يجب للمملكة بالشرط القضاء فيه وكيف إن لم تعلم ما نكح أو اتخذ؟ وكيف إن كانت صغيرة...
ومن شرط تمليكا إن غاب سنة هل لها أن تقضي بعدها ما أقام؟
والتداعي في ذلك وكيف إن قدم الغائب مناكرا فأتى بحجة؟
من كتاب محمد قال مالك: وما شرط للزوجة من التمليك فذلك بيدها من يوم عقد النكاح في البكر وغيرها، بنى أو لم يبن، ولها أن تأذن فيه دون أبيها في الخروج أو التزويج عليها أو التسرر. وإن تزوج عليها أو تسرر فأرادت أن تقضي بعد مدة، فإن علمت فأقامات يوما أو أقل قدر ما يمكنها إلى/ أن تشده على فراقها أو عتقها فتركت ذلك. فلا شيء بيدها، والقول قولها إنها لم تعلم، وإن بعد كثير السنين، إلا أن تقوم بينة أنها علمت ثم لم تقض مكانها، [وقاله الليث، وإن لم تعلم حتى ماتت المنكوحة أو فارقها فلها أن تطلق نفسها الآن] وقاله أصبغ.
ومن العتبية وروى أصبغ عن أشهب قال: ولو تزوج عليها في سفره ولم تعلم، ثم علمت فلها أن تقضي ماتت الثانية أو فارقها أو بقيت قاله ابن القاسم. [5/188]
***(1/179)
[5/189] وقال ابن سحنون: وروى بعض كبار اصحابنا عن ابن القاسم فيمن شرط لها إن تزوج عليها فأمر الجديدة بيدها، فتزوج عليها سرا ولم تعلم حتى طلق القديمة قال: لها أن تقضي.
وقال سحنون: إن كان طلاقه إياها طلاقا بائنا فلا شيء لها، وإن كان غير بائن فذلك لها.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم: وإن كانت الأولى صغيرة يعني: وشرط لها إن تزوج عليها فأمرها بيدها، فتزوج عليها، فإن كانت قد عقلت وعرفت الطلاق، فلها الخيار. وإن لم تبلغ ذلك استؤني بها حتى تعقل ثم تختار، ولو شرط أن أمر الثانية بيدها، والأولى الآن صغيرة لا تعقل، فسخ نكاح الثانية. وقال ابن حبيب في ذات الشرط: إذا نكح عليها فعلمت فلها القضاء ما لم يطل ذلك بأيام كثيرة يعد فيها [أنها رضيت. كان الشرط فيها أو في المنكوحة [ولو مسها والشرط فيها، زال ما بيدها]، وكذلك إن أمكنته من المنكوحة فخلا بها.
ومن العتبية وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج/ وشرط إن تزوجت عليك فأمرها بيدك، أو قال: بيد أبيك، فتزوج فلم تقض هي أو الأب شهرا، ثم أراد من له ذلك أن يقضي قال: إن أشهد أن ذلك بيده ينظر فيه. فذلك له ما لم يدخل بالجديدة فلا شيء لهما، وإن لم يشهد حين نكح الثانية فقد زال ما بيديهما.
ومن كتاب ابن الموز: وإن شرط إن غاب عنها سنة فأمرها بيدها أو قال: بلا نفقة، فغاب أكثر من سنة فلم تخير، قال مالك: أما بعد السنة بالشهر والشهرين. فذلك لها بغير يمين، وإن طال بعد الشهرين فلا قول لها، وكذلك لو شرط ذلك عند سفره أو عقد نكاحه، وقال في كتاب التمليك إذا أقامت بعد [5/189]
***(1/180)
[5/190] السنة شهرا أو شهرين فلابد أن تحلف ما كان سكوتها رضي بالزوج. قال محمد: فإن لم تحلف فلا خيار لها.
ومن العتبية روى يحيى عن ابن القاسم: إذا جاوزت الأجل ولم تقض بشيء بجهل أو نسيان ثم تريد أن تقضي فلتحلف، ولها أن تقضي، وقال ابن حبيب في روايته عن أصبغ عن ابن القاسم بجهل أو نسيان أو تترك ذلك عمدا، فلها أن تقضي إذا حلفت.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولو أشهدت عند الأجل: أني أنتظر سنة أخرى أو أكثر، فذلك بيدها ما أخرته قرب أو بعد.
قال مالك: وكذلك إن قالت أنا منتظرته، وأنا على رأيي، كان ذلك بيدها أبدا، وإن أقامت عشرين سنة، ولا يحتاج إلى إشهاد ثان في هذا على تأخير ثان، ثم لها القضاء متى شاءت وإذا جهلت لتأخيرها/ وقتا، ثم أخرت القضاء بعد ذلك الوقت بأكثر من الشهر لم يكن لها بعد قضاء، وإن طلقت قبل وفاء الأجل لم ينفعها إلا أن تشهد: إذا حل الأجل فقد اخترت نفسي.
قال ابن عبدالحكم وغيره: وإن شرط لها التمليك إن غاب عنها سنة وتركها بلا نفقة ففعل، ثم طلقت بالبتات، ثم قدم يزعم أنه كان خلف لها النفقة في مدته، قالوا: فقد لزمه لها الفراق إلا أن يقيم بينة ولا تلزمه نفقة إلا أن تكون رفعت إلى السلطان، ولكن عليه فيها اليمين.
ومن العتبية روى أبو زيد عن القاسم فيمن قال [إن غبت عنك] سنة فأمرك بيدك، فاختارت نفسها بعد أن مضى لها سنة ثم قدم فقال: لم أرد إلا واحدة: إنه يحلف ويكون أحق بها إن أدركها في عدتها، وإن لم يدركها حلف وكان خاطبا. [5/190]
***(1/181)
[5/191] وروى عنه عيسى فيمن جعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت بحقها إلى سنة فأراد أبوها سفرا وأشهد أنه قد زاده بعد السنة خمس عشرة ليلة. ثم بدا للأب: قال: ليس ذلك له ولا قضاء له إلا بعد الخمس عشرة ليلة بعد السنة.
ومن المجموعة قال: ومن أنكح رجلا على أنك إن غبت سنة فأمرها إلي، فغابها فطلق عليه واعتدت وتزوجت، ثم قدم فأقام بينة أنه قدم إليها قبل السنة، قال: ترد إليه، وكذلك لو شرط إن لم أبعث النفقة إلى وقت كذا وكذا فأمرك بيدك، فجاء الوقت، فطلبت ذلك بالبينة عندك فطلقت نفسها فلها أن تنكح ولا تنتظر/ لما عسى أن له حجة فإن قدم فأقام بينة أنه كان ينفق سقط التمليك، ونزعت من زوجها الآخر.
وقال المغيرة في كتابه وهو في المجموعة في الرجل يريد أن يغيب فتقول له امرأته: أخشى أن تطول غيبتك، فيقول لها: إن جاء شهر كذا ولم أقدم فأمرك بيدك، فيأتي الشهر ولم تقض بشيء ثم تريد أن تقضي بعد ذلك قال: ذلك لها ما لم توقف أو توطأ.
في المناكرة في تمليك الشرط وبكم تقضي قبل البناء وبعده فيها أو في غيرها؟
وهل تقضي مرة بعد مرة؟
ومن عليه شرط هل تكتم زوجته ما أحدث من نكاح أو سرية؟
من كتاب ابن المواز: إذا ملكها فقضت فناكرها، وقال: أردت واحدة فإن كان شرط في عقد النكاح لم يقبل منه لأنها لم تكن ترضى بواحدة، لأنه له فيها [5/191]
***(1/182)
[5/192] الرجعة، ولو تطوع بهذا الشرط يعد النكاح فله أن يناكرها، ويحلف على ما نوى إذا ناكرها مكانه، ولو كان في العقد فقضت بالبتات أو بدون البتات فذلك لها.
قال ابن القاسم: وإن شرط أمر المنكوحة بيد القديمة فأرادت أن تطلقها بالبتات، فللزوج إن فعلت أن يناكرها، إلا أن يدخل بالآخرة قبل علم الأولى.
فليس ذلك بدخول، قال أصبغ: يريد أنه دخول لا يحل، فلا يبطل ما بيدها إذا لم تعلم، فإذا علمت بعد البناء فلها أن تطلق بالبتات، قال أصبغ: ولو طلقتها بالبتات قبل البناء فذلك لازم له. ولا مناكرة للزوج/ إذا كان شرطا في أصل النكاح.
قال أصبغ في كتاب التمليك: ولو كان تبرعا في غير أصل النكاح فله أن يناكرها في نفسها وفي غيرها قبل البناء وبعده ويحلف على ما نوى.
قال: ومن شرط لامرأته في العقد إن نكح عليها أو تسرر فهي طالق، ولم يقل واحدة، فبعد أن بنى بها نكح أو تسرر، قال: تطلق القديمة واحدة وله الرجعة، قيل: إنها تقول لم أكن لأشترط ما لا ينفعني. قال: هي فرطت، لأنها شرطت الطلاق، وهو واحدة ولا يكون بعد البناء بائنة ولو قال إن فعلت فأمرك بيدك فإذا فعل فلها أن تختار نفسها ولا مناكرة له، قال ابن وهب: وهي البتة. ... شروط 3
وروى ابن القاسم عن مالك: أن قوله فأمرك بيدك أو فأنت طالق، هما سواء، وهي البتة إن اختارت نفسها، وهي البتة في قوله: أنت طالق.
ولو قال: فالتي أتزوج عليك طالق، [كان القول قوله. قال محمد في قوله: فأنت طالق: هي] واحدة وله الرجعة إلا أن يتزوج عليها قبل البناء فتبين بواحدة. وأما قوله: فالتي أتزوج عليك طالق فهذه طلقة تبين بها، لأنها تطلق بالعقد قبل البناء، وما روى عن ابن القاسم غير هذا فغلط.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج امرأة على أن يطلق [5/192]
***(1/183)
[5/193] امرأة عند أخرى فقال: أطلقها واحدة، وقالت الثانية: بل البتة. وعليه تزوجتك قال: يلزمه فيها البتة.
وكذلك لو شرط طلاق كل من يتزوج/ عليها لزمته فيها البتة، ومن سماع ابن القاسم: وإن شرط لها في العقد: إن تسرر عليها فهي طالق ثلاثا. فقال عند موته في ابن أمة له هو ابني، قال مالك: يلحق به وترثه المرأة، قال ابن المواز: قال ابن دينار: ومن قال لغريمه: إن لم أقضك حقك إلى شهر فأمر امرأتي بيدك.
فله أن يطلق بالبتات لأنه وثيقة.
وفي كتاب الأيمان زيادة في هذا المعنى.
ومسألة من قال للخاطب إن فارقت امرأتك فقد زوجتك، في الجزء الأول من النكاح، في باب ما يلزم به النكاح من القول، من المجموعة قال ابن القاسم في التي شرط لها في العقد: إن تزوج عليها فأمرها بيدها فيتزوج فتقول: قد اخترت نفسي واحدة، فذلك لها ، وله الرجعة، وإن قضت بالثلاث فذلك لها ، ولأن من ملك امرأته ولم ينو شيئا فقضت بواحدة كانت واحدة. وإن قضت بالثلاث فذلك لها، وإذا شرط: إن غاب عنها سنة فأمرها بيدها فغاب أو تزوج بعد البناء فطلقت نفسها واحدة، ثم قدم في العدة فارتجعها، ثم غاب ثانية أو نكح فليس لها أن تطلق نفسها، كما لو شرط: إن غاب عنها سنة أو تزوج فهي طالق، ففعل، ثم طلقت نفسها، ثم غاب عنها ثانية [أو نكح] ، فلا شيء عليه، إلا أن يشترط: كلما غاب أو تزوج.
فإذا شرط: إن تزوج عليها أو تسرر، فأمرها بيدها، فتزوج أو تسرر، ثم طلق الحرة أو أعتق الأمة، [فشرطه الأول] قائم فيهما أو في غيرهما. [5/193]
***(1/184)
[5/194] قال مالك/: لا ينبغي له أن يقرب واحدة منهما حتى يعلم امرأته ولا يكتمها، فإن دخل بها ووطئ، ثم علمت فطلقت عليه طلقة فله الرجعة عند ابن القاسم، ثم لا يكون له فيها طلاق ثان إلا أن تبين منه، فتصير كغيرها، وابن القاسم يرى له أن يناكرها قبل يبني بالثانية لأن الواحدة تبينها ولا يناكرها فيها بعد البناء إن طلقت نفسها بالبتات، وشرطها قائم حين لم تعلم.
قلت: فإن جعلت له الرجعة في طلقة التمليك حين [بنى وهي] لم تعلم ببنائه وقد كان لها أن يطلقها قبل بنائه فتكون (بائنة) فكيف نفعه الوطء وهو لا ينفع المولي بالطلاق ليفعلن شيئا إذا وطئ في الأجل قبل يفعل. قال: هو في الإيلاء على حنثه لأنه لم يضرب أجلا لفعله، ومسألتك كالحالف بطلقة فيمن لم يبن بها إن كلم فلانا: فبنى ثم كلمه فله الرجعة، وقد تبين بحنثه قبل البناء، ولو حلف بأنهاعليه حرام، ثم حنث بعد البناء وقال: نويت واحدة فذلك له.
وفي كتاب ابن سحنون: قال أشهب: ومن قال لغير مدخول بها: أنت طالق بائن، أو قال: طلقة بائنة إن كلمت فلانا، فبنى بها ثم كلمه: إنه يحنث بالبتات. ولا ينفعه إن قال: نويت واحدة، وإنما ينظر إليه يوم حنث فيؤخذ بلفظه.
قال ابن حبيب: ومن شرط لزوجته: إن نكح عليها أو تسرر فأمر الداخلة بيدها من زوجة أو سرية: فأما النكاح فله عقده، وإن لم يعلمها ولكن لا يطأ/ حتى يعلمها فتقضي بعتقها أو تدع. [وأما السرية فله أن يطأها وطأة واحدة ثم يكف حتى يعلمها فيقضي بعتقها أو يدع]. وإن شرط: إن تسرر عليها فالسرية حرة، فاشترى جارية أو كانت عنده فله أن يقبلها ويتلذذ منها دون الجماع. [5/194]
***(1/185)
[5/195] ومن كتاب ابن المواز: قال: وكره مالك العقد على هذه الشروط. فإن نكح عليها فتزوج أو تسرر فلا أحب له أن يطأ حتى يعلم القديمة. محمد: يريد مالك: إذا شرط أمر المنكوحة بيدها، أو أمر القديمة بيد نفسها، فلا يطأ حتى يعلمها.
في ذات الشرط يطلقها ثم يتزوجها هل يعود الشرط؟ وكيف إن تزوجها ثانية على رفع الشرط؟
من كتاب ابن المواز: ومن طلق امرأته التي لها عليها شرط ثم تزوجها بغير شرط فإن كان الطلاق ثلاثا سقط كل شرط لها. وكل يمين فيها بطلاق أو ظهار، وكل تمليك فيها، وإن كان الطلاق طلاقا بائنا بخلع أو صلح فالشروط راجعة عليه، وكذلك لو شرط في نكاحه الثاني: أن لا شرط لها عليه لم ينفعه ذلك، والشروط لها قائمة والأيمان، ما بقي من الطلاق الأول شيء ولا يسقط إلا البتات، لم يختلف في هذا قول مالك وأصحابه، ولكن لو حلف عليها بطلاق غيرها فابن القاسم يجعله مثل طلاقها، ويسقط أيضا وقد روي عن مالك.
قال مالك: إن شرط: إن تسرر عليها أمة فهي حرة فطلق امرأته واحدة، فلما تمت العدة أو كانت بخلع. تسرر أمة وأولادها، ثم تزوج/ تلك المرأة. فلا يقرب أم ولده ما كانت امرأته حية، إلا أن يكون الطلاق الأول البتة.
قال محمد: والذي هو أثبت عندنا، إذا طلقها البتة ثم تزوجها بعد زوج، فإنما يزول عنه كل يمين بطلاقها نفسها [وكل شرط كان لها في نكاح أو بعده أو بغير شرط، أو يملكها نفسها]، وأما ما كان بطلاق غيرها، كقوله: كل امرأة أتزوجها عليك طالق، أو إن تزوجت عليك فلانة فهي طالق، فطلقها ثلاثا ثم نكحها بعد زوج، أن ذلك له لازم، ورواه ابن وهب عن مالك فيما أظن، وقاله أشهب، وبه أخذ أصبغ. قال ابن حبيب: رواه مطرف عن مالك. [5/195]
***(1/186)
[5/196] قال ابن المواز: وقال أشهب: وكذلك قوله: إن تسررت عليك فهي حرة، أو تزوجت عليك فعبدي حر، قال أبدا أو لم يقل، فهو على الأبد حتى ينوي غير ذلك، وهو كالحالف بالله أو بالمشيء أن لا أطأك، فلا يزيل يمينه هذا طلاقه إياها (البتة) إن تزوجها بعد زوج إلا أن يكون نوى في هذا الملك، قال: وإنما تسقط أيمانه بطلاقها وظهارها. ولو قال لأجنبية: إن تزوجت عليك فتلك المرأة طالق البتة فتزوجها ثم تزوج عليها إن ذلك يلزمه.
ولو قال لها: إن تزوجت عليك فأنت طالق البتة لم يلزمه شيء إن تزوج عليها حتى ينوي: إن تزوجتك ثم تزوجت عليك.
وروى عن مالك فيمن شرط لزوجته في العقد أن كل امرأة أتزوجها أو أمة أتسررها ما دامات حية فالمرأة طالق والسرية حرة، فطلق زوجته ثلاثا، ثم تزوجها بعد زوج، فذلك له لازم، وكذلك/ لو أنه تزوج قبل ترجع إليه، أو تسرر فذلك يلزمه. وإن لم تكن تحته، إلا أن يكون نوى: ما كانت تحته، فليحلف ولا يلزمه إلا ما كانت تحته، ولو نيته في هذا الشرط، ولو قال بعد أن بانت عنه: كل امرأة أتزوجها ما دمت حية فهي طالق البتة لزمه ذلك في غيرها، كانت هي تحته أو لم تكن، وله أن يتزوجها بعد زوج، وإنما ينوي في (يمينه) وهي تحته، ففي هذا ينوي ما كانت تحتي.
قال مالك: وإذا شرط في نكاحه: إن لم يبن بها إلى أجل كذا فأمرها بيدها، وإن خرج بها من بلدها فهي طالق البتة. فغاب حتى حل الأجل وطلقت نفسها قبل البناء، ثم تزوجها بغير شرط فالشرط الأول عائد عليه لبقية طلاق الملك الأول.
وإذا شرط لها في النكاح التمليك إن تزوج عليها، فخالعها ثم تزوج غيرها، ثم تزوج الأولى فقال الزوج: إنما شرطت لك أو حلفت فيمن تزوجت عليك، وهذه لم أتزوجها عليك، بل تزوجت عليها، [فأما أشهب فقال: لا شيءعليه، والحجة له أن لو كان شرط: إن تزوجت عليك] فأنت طالق البتة، أو كانت القديمة [5/196]
***(1/187)
[5/197] إذا تزوجها تطلق عليه، فلا تطلق عليه كانت الجديدة عنده أو قد فارقها قبلها. قال ابن حبيب: وقال ابن أبي حازم مثل قول أشهب هذا، والمدنيون من أصحاب مالك على خلافه، وهم على قول مالك، قال مالك: وأما لو شرط لها ذلك بعد عقد النكاح، فصالحها ثم نكح غيرها. ثم تزوج الأولى: بلا يمين عليه في التي يتزوج بعد عقد النكاح، فصالحها ثم نكح غيرها. ثم تزوج الأولى: بلا يمين عليه في التي يتزوج بعد/ صلح هذه، إذا قال: لم أرد أن لا أجمعها مع غيرها قال مالك: فله نيته في الطوع، ولا نية له في الشرط.
ومن شرط لامرأته طلاق من يتزوج عليها فصالحها ثم نكحها على أن لا شرط لها فشرطه الآن باطل، لأنها لو أذنت له في الملك الأول أن يتزوج لم ينتفع بذلك، ولو كان الشرط بتمليك أنه إن نكح عليها فأمر المرأة بيدها، أو لا ينكح عليها إلا بإذنها فهذا ينتفع بوضعها للشرط عنه.
ومن كتاب ابن المواز: وروى ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بطلاق [امرأته البتة] إن تزوج عليها فطلقها واحدة وبانت منه، قال في كتاب الخلع: أو خلعها ثم نكح سواها، ثم إذا تزوج القديمة رجع عليه الشرط واليمين فيمن تزوج. وفي غيرها ما لم يطلقها ثلاثا، لأن القصد ألا يجمع معها غيرها، قال في كتاب الخلع: ولكن لو طلق امرأته البتة لم يلزمه طلاق الأجنبية متى نكح الأولى بعد زوج، قال أصبغ: وإنما يسقط ذلك عنه إذا أراد بها البتة إن كانت يمينه بطلاقها هي، فأما إن كانت يمينه بطلاق غيرها فذلك ثابت عليه، وإن طلق امرأته البتة ثم تزوجها بعد زوج.
وروى ابن وهب عن مالك فيمن قال لزوجته: كل امرأة أتزوجها عليك طالق البتة، فصالح هذه، ثم تزوج أخرى، ثم تزوج القديمة فإنه يحنث في الحديثة حتى يفرغ طلاق الأولى كله.
ومن حلف لامرأته أو شرط: إن تزوج عليها فعليه المشي إلى بيت الله، فتزوج/عليها فحنث فله أن يتزوج ثانية ولا يحنث مرتين.[5/197]
***(1/188)
[5/198] وقال ابن حبيب من تزوج على امرأته فغارت، فقال لها: إن دخلت بها فأمرها بيدك، فخالع الأولى أو طلقها ثلاثا. ثم دخل بالثانية، فأرادت الأولى أن تطلق عليه، وليست في عصمته، فذلك لها، وقاله أصبغ وغيره.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج امرأة وشرط لها: إذا بنى بها فأمر التي تحته بيد الجديدة، فخالع القديمة ثم دخل بالجديدة ثم راجع القديمة بنكاح فلا قضاء للجديدة، لأنه دخل بها والقديمة في غير ملكه.
في المرأة تسقط شرطها أو تأذن فيه وكيف إن أذنت ثم رجعت؟
وما ينفع فيه إذنها، وكيف إن حنث؟ وكيف إن فعل فسكتت؟
ومن كتاب محمد: وإذا كان لها شرط تمليك في النكاح أو التسرر أو الخروج، فأذنت له، قال مالك وابن القاسم: ذلك له جائز، وقاله أصبغ، وقال أشهب: لا يجوز إلا أن يكون في الشرط: لا يتزوج إلا بإذنها. فإن فعل فأمرها بيدها.
قال محمد: ومن حجته: أنها أذنت فيما لم تملك، ولو كان قال: إن تزوجت عليك إلا بإذنك فذلك جائز، وقول أشهب حسن. وقال سحنون مثله في المجموعة وشبهه بتسلم الشفعة قبل الشراء، وذكر محمد عن أشهب فيمن قال لزوجته: إن غبت عنك أو قال: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فأذنت له في/ الغيبة والنكاح فذلك الإذن باطل، لأنها أذنت فيما لم تملك ولها الخيار بعد الفعل.
قال محمد: هو [قياس] قوله إلا أن يقول في يمينه إلا بإذنك فينفعه إذنها ولا رجعة لها فيه إن فعل وقول أشهب هذا خلاف مالك والليث، قال ابن المواز: [5/198]
***(1/189)
[5/199] والجائز من إذنها فيما تأذن فيه عند مالك عندما يريد أن يتزوج أو يتسرر أو يخرج، وأما قبل ذلك فلا يعجبني إلا عند كل ما يريد أن يفعل فحينئذ يلزمها إذنها، وقاله مالك وكذلك في العتبية رواه ابن القاسم عن مالك.
قال ابن القاسم: وثبت على هذا بعد أن قال يجزئه إذنها فيه حتى يبيع الأمة ويطلق الزوجة ويرجع بها إلى موضعها، أذنت في شيء بعينه في حرة أو أمة، أو أذنت في التزويج والتسرر منهما والأمر لها في المستأنف قائم، إلا أن يعلم أنها قد طرحت شرطها أو بينت ذلك، فأما أن يستأذنها عند نكاح أو تسرر أو إخراج فتأذن فذلك يحمل على أنه لتلك المرأة بعد أن تحلف ما كان ذلك تركا لشرطي، فإن كان اسقاطا لشرطها. فلا رجوع لها فيما اسقطته ثم رجع مالك في الخروج بها فقال: متى ما أرادت أن يردها إلى موضعها فذلك عليه ولم يقل يحلف، وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم، قال محمد: وذلك إذا كان إذنها بغير إسقاط الشرط، وقال به أصبغ في الخروج، وقاله/ في التسرر أنها متى شاءت أن تمنعه من وطء من أذنت له في تسررها فذلك لها، وأما النكاح: فليس ذلك لها لفوات العقد كما فات ما مضى من وطء الأمة، وتمنعه من مستقبل وطئها وكذلك عنه في الواضحة.
قال محمد: والحجة له قول مالك في الذي شرط تمليكا إن تزوج وتسرر، فظهرت له امرأة قديمة وأم ولد. فلا شيء عليه في المرأة، ولا يقرب أم الولد، لأن وطأها تسرر مؤتنف، قال ابن القاسم: وسواء كانت المرأة عالمة بهما أو لم تعلم، ولها عتق أم الولد بالشرط إن وطئها، قال أصبغ فكذلك ترد التي أخرجها بإذنها إذا شاءت. فإن أبي فلها أن تختار نفسها، وروى على بن زياد عن مالك في المجموعة مثل قوله الأول، أنه إن شرط في العقد: إن خرج بها بغير إذنها فهي طالق، فخرج بها بإذنها إلى منزله، ثم أرادت الرجوع وأراد هو نقلها إلى منزل آخر، أنه [5/199]
***(1/190)
[5/200] ليس لها هي رجوع، ولا له هو نقلها إلى منزل آخر بغير إذنها، فأعجب ذلك سحنون.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإن أذنت له فتزوج فطلق الجديدة واحدة فليس للقديمة أن تمنعه رجعتها في العدة.
قال مالك فيمن حلف لامرأته في غير شرط: إن أخرجتك من موضعك بغير رضاك فأنت طالق البتة، فرضيت بالخروج منه ثم طالبته أن يردها فذلك عليه، فإن لم يجد مايردها به فلا أرى له أن يخرجها إلا إلى موضع إن سألته ردها إن قدر على ذلك فإنما عليه ردها لازما إن شاءت.
قال مالك: وإذا خرج وحده فأطال الغيبة فخرجت/ إليه فهو حانث، لأنه هو أخرجها حين تركها جائعة بلا نفقة، لو شاء بعث إليها، قيل: أفلا يعذر بالمرض أو بالسجن؟ قال إن لم يجد ما ينفق فليفارق، وهذه المسألة في العتبية من رواية أشهب عن مالك. وقال في السؤال: تزوجها على أنه إن أخرجها من بلدها فهي طالق، قال أشهب في المجموعة، إن كان الزوج إنما حبس النفقة عنها والقدوم ليخرجها إليه فهو حانث وأما إن أقام في حاجته، أو لم يقدر على النفقة، أو تعذر عليه الإرسال بها فخرجت إليه فلا شيء عليه.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن حلف بغير شرط بالطلاق أن لا يخرجها إلا برضاها. فأخرجها برضاها، ثم سألته أن يردها، قال: يلزمه ذلك، قيل: وإن لم يجد ما يردها به. قال: ذلك عليها.
قال سحنون: ليس عليه ردها إلا أن يكون شرط لها أن يردها، محمد: قال مالك: وإذا شرط في العقد إن غاب سنة أو أخرجها وأمرها بيدها، فتريد رضاه فتقول: قد رددت عليك أمرك، ووضعت عنك الشرط، فأحب إلي أن لا يكون أذنها إلا عندما يريد أن يفعل، وقال ابن عبدالحكم: إذا أسقطت شرطها وأبانت [5/200]
***(1/191)
[5/201] ذلك فليس لها رجوع في ذلك، قال ابن القاسم : ورواه أشهب عن مالك، إذا شرط لها إن نكح عليها أو تسرر فأمرها بيدها فأذنت له في النكاح أو التسرر، فتقيم بعد ذلك تطلب ثم تنزع عن ذلك، فقال مالك : إذا أشهدت أني وضعت شرطي فأبطلته فذلك. وإن أشهدت على أمر واحد فذلك لها.
وفي العتبية من رواية أشهب مثله، قال : وإن أشهدت على امرأة / واحدة فذلك لها، وفي الواضحة قال مالك : ولو شرط أن لا ينكح عليها إلا بإذنها،فلا أحب أن يكون الإذن إلا عند النكاح، فإذا كان الإذن عند النكاح فلها أن ترجع ما لم ينكح، فإذا نكح فلا رجوع لها، وقد قال قائل : إنَّ إذنَها قبل أن ينكح ليس بإذن، وليس بشيء. قال ابن القاسم : ولو تزوج عليها أو تسرر بغير إذنها فعلمت فلم تطلق ولم تعتق حتى تزوج أخرى أو بانت هذه منه، ثم تزوجها فقامت الأولى بشرطها، قال مالك : فذلك لها، ويحلف ما كان ذلك تركا لحقها ولا إسقاطا له، وكذلك لو أذنت في الخروج ثم أراد الخروج بها ثانية فأنكرت. فلتحلف وهي على شرطها.
قال ابن القاسم فيمن قال : إن تزوجت عليك فأمرك بيدك فأذنت له في التزويج قبل أن يريد النكاح بكثير، فتراضى في تزويجه، فأرادت أن ترجع فليس ذلك لها، كما لو قالت : أذنت لك أن تفعل متى ما أرادت، قال أشهب: لها أن ترجع ، لأنها أذنت قبل أن يصير الأمر بيدها، فإن لم يفرق بينهما ساعة علمت فلا شيء لها، ولو شرط : إن تزوجت عليك إلا بإذنك نفعه إذنها.
قال محمد : وقد ذكرنا رواية أشهب عن مالك خلافه في الذي شرط إن نكح عليها فأمرها بيدها فأذنت له فتراضى نكاحه ثم نزعت. قال أبو محمد : وفي باب ذات الشرط تقضي قبل فعله مسألة من معنى هذا الباب في الإذن.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال : إن تزوجت عليك [5/201]
***(1/192)
[5/ 202] إلا بإذنك فأمرك بيدك، فأذنت له فنكح ثم بدا لها، فليس لها ذلك في تلك المرأة، فإن نكح غيرها فذلك لها، وتحلف ما كان إذنها/ في الأولى تركا للشرط.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن شرط أن كل امرأة أتزوجها عليك فأمرها بيدك فذهب عقلها. قال : ليس له أن يتزوج عليها أبداً.
وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: إن استؤني في أمرها فلم تفق فإذا أفاقت فذلك بيدها.
قال اصبغ : لا يتزوج عليها ، فإن فعل منع من وطئها حتى تفيق امرأته فتقضي أو تأذن كالغائب. ومن ملك مجنوناً أو مجنونة أمر امرأته فلا يسقط ذلك التمليك عنه.
وروى عيسى عن ابن القاسم : وإن شرط لزوجته في العقد : إن قرب أم ولده إلا بإذنها فإن لها أن تعتق أو تحبس فوطئها بإذنها أو وهي تعلم وسكتت ثم قامت بذلك فليس ذلك لها.
قال أصبغ : ومن قال لزوجته : إن وطئت جاريتي فلانة إلا برضاك فهي حرة، أو فأنت طالق فوطئها وهي تنظر فزعمت أنها لم ترض قال : حنث وليس سكوتها رضى، وإن ادعى أنها أذنت له قبل وطئه، فإن أقام بينه بذلك وإلا لزمه قال أصبغ : وإن جاء مستفتيا دين.
قال أصبغ عن ابن القاسم : ومن شرط أن كل امرأة أتزوجها عليك فأمرها بيدك فأذنت له فنكح، ثم أرادت أن تطلق عليه فذلك لها، وكذلك في التسري قال ابن دينار في المجموعة في الذي شرط في العقد أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها، ثم راضته على أن يترك وطأها وتضع شرطها. فإن أكرهها على الوطء رجعت في شرطها فلا ينبغي هذا، وهي على شرطها الأول، والشرط الثاني باطل.
وذكر عن ابن نافع عن مالك بعد ذلك ولا رجوع، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في النكاح والتسرر، قال محمد : وقال أشهب : ذلك باطل إلا ما [5/202]
***(1/193)
[5/203] يقضي به يوم يتزوج عليها أو يتسرر، وقاسه أشهب على أصل مذهبه، وخالفه أصبغ.
قال ابن القاسم عن مالك : ولو أقدمت معه عشرين سنة يطؤها ثم قالت له قبل تفعل شيئا : إن تسررت علي أو تزوجت فقد اخترت نفسي ثلاثاً، ثم بدا لها فأذنت له ، قال مالك ألا يفعل فإن فعل فليفارقها بالثلاث.
قال ابن القاسم : وكذلك في العتبية إن قالت : أختار زوجي إن غاب فلما غاب رجعت فليس ذلك لها، قال محمد : وهي كالتي أسقطت شرطها.وفرق مالك وابن/ القاسم بين هذا وبين الأمة تحت العبد يحلف سيدها بحريتها إن لم يبعها إلي سنة فتقول الأمة: اشهدوا أنه إن جاءني العتق بالحنث فقد اخترت نفسي فلا ينفعها ذلك، وكذلك من يقول : متى طلقت امرأتي فقد ارتجعتها ؟ فلا يكون ذلك رجعة إن طلق، فيمن قال : كل امرأة أتزوجها إلا بإذنك فهي طالق ثم قال : أنا أتزوج، فقالت له : وأين يمينك ؟ اذهب تزوج فأبعدك الله، قال : لو أذنت بغير غضب وأشهد عليها كان جائزاً . وأما هذا فلينظر لنفسه، فإن أمر الفرج عظيم.
في المرأة لها شرط تمليك إن فعل كذا
فتقول متى ما فعل فقد اخترت نفسي
أو طلقت من ينكح
وفي الأمة تقول إن عتقت فقد اخترت نفسي
ومن قال إن طلقتك فقد ارتجعت
من كتاب ابن المواز : قال مالك في التي شرط لها في العقد أو تطوع بذلك أنه إن غاب عنها فأمرها بيدها، فقالت قبل يغيب : اشهدوا أنه متى غاب عني [5/203]
***(1/194)
[5/204] فقد اخترت نفسي أو قالت اخترت زوجي ، قال مالك : ذلك لازم قضاء لها وقال أصبغ، في ظني هو من الأمة قضاء كالحرة.
قال محمد : وقول ابن القاسم أحب إلي، وليست الرجعة قبل الطلاق كإسقاط التمليك، وإسقاطه كالإذن، والإذن يكون قبل الفعل وهذا كله [عند أشهب ليس بشيء ومثله] الأمة رواها ابن وهب عن مالك. كتب بها مالك إلى ابن فروخ، قال محمد : وهي بخلاف الحرة، وليس بيد الأمة تمليك تقضي فيه، والحرة قد ملكها أمرها الآن أن تقضي إذا غاب عنها فلها أن تسقط ذلك أو تتمسك به، وإنما تشبه الأمة أن تقول الحرة : متى ما ملكني فقد اخترت نفسي ؟ أو تقول : زوجي، فليس هذا بشيء ، وقال : لا يلزم في الحرة وفي الأمة حتى تختار الأمة بعد العتق. والحرة بعد الغيبة أو التزويج، وهو قول حسن.
وقال ابن نافع في المجموعة في الأمة تحت العبد قالت : متى ما عتقت تحته فقد اخترت نفسي ؟ إن ذلك يلزم.
ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم فيمن شرط: إن تزوجت عليك أو تسررت فأمر الداخلة بيدك من عتق أو طلاق، فقالت : اشهدوا إن فعل فقد طلقت عليه واعتقت، قال : فذلك باطل، إلا ما يستأنف بعد التزويج والتسرر، قال أصبغ: ونحن نخالفه. قال أبو محمد : وفي أبواب التمليك باب من معاني هذا الباب.
فيمن شرط لامرأته طلاق من يتزوج عليها
ثم تزوج امرأة شرط لها مثل ذلك
أو قال للأولى أنت طالق لأتزوجن عليك
من كتاب ابن المواز : ومن شرط لامرأة أن كل امرأة يتزوجها عليها طالق فتزوج أخرى فشرط لها مثل ذلك. وفي رواية التلباني : فشرط لها أن كل امرأة له [5/204]
***(1/195)
[5/205] طالق، وهو الصواب، قال محمد : فقولي أن يطلقا عليه جميعا، وروي عن ابن القاسم أن لا تطلق عليه الثانية، وقال : وليس باستقصاء النظر، وخالفه أصبغ. وقال : يطلقان جميعا وقال : ولو يتزوج عليها ولكن قال لها : أنت طالق البتة أو قال : واحدة لأتزوجن عليك فإن قال : واحدة ولم يضرب أجلا فله أن يحنث نفسه مكانه بتلك الطلقة، ولا شيء عليه غيرها، وإلا فاليمين عليه أبدا. ولا يقرب امرأته حتى يتزوج عليها امرأة ويطأها لا يبره إلا ذلك، وهو لا يقدر على ذلك الشرط، ويكف عن وطء امرأته ويكون مولياً، فإن رفعت ضرب له الأجل من يوم ترفع، هذا قول مالك وأصحابه، وله تحنيث نفسه إذ ليس ليمينه أجل، ولو كان ضرب لتزويجه أجلا، لم يقدر أن يحنث نفسه، ولا يقدر أن يتزوج لشرطها فلابد أن يحنث عند الأجل بطلقة.
قال ابن القاسم : وإن ضرب أجلا فهو أخف لأنه يطأ امرأته حتى يقرب الأجل فيصالحها، فإذا زال الأجل تزوجها وزالت اليمين فإنه يضرب أجلا فلا يقدر على البر للشرط ويلزمه اليمينان، قال ابن القاسم وأشهب، [فلا يطأ ولا يتلذذ ولا يخلو بها، فإن صبرت عليه توارثا /. وإن رافعته ضرب له أجل الإيلاء فطلقت به ثم لا رجعة له فيها، ولو ارتجع ما انتفع بذلك لأن اليمين قائمة وكذلك لو زالت العدة ثم لم يقدر أن يطأ، وتعود اليمين ويصير مولياً، كأول مرة يقدر أن يبر، لأنه كلما عقد نكاح امرأة طلقت بالشرط، وأما أشهب فيقول : إذا عقد النكاح فقد بر في يمينه وطلقت بالشرط، وقاله ابن عبد الحكم وخالفهما أصبغ وغيره، وهو قول مالك وابن القاسم وابن وهب وعبد الملك وهو الصواب أن لا يبرأ بالمسيس، ولو مس لمس حراما، لأنها طلقت بالعقد، ومذهب مالك وأصحابه فيمن حلف ليتزوجن لا يبر إلا بالوطء، إلا ما شذ به أشهب وابن عبد الحكم.[5/205]
***(1/196)
[5/206] وإن حلف لأتزوج حنث بالعقد لأنهم يحنثون بالأقل، ولا يبر إلا بالأكثر، وقد حرم الله ما نكح الآباء فحرمنا بالعقد وأرباح المبتوتة بعد زوج فلم يحلها النبي عليه السلام إلا بالوطء من ذلك الزوج، ولو أن الحالف أراد العقد وحده نفعه ذلك كما ينفعه لو نوى مالا يشبهه من النساء من أمة وكتابية وسوداء ودينة، فذلك له مخرج، وإلا فلا مخرج له إلا بغاية الأمر ومناكح مثله.
ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم : ومن شرط في العقد إن خرج بها بغير إذنها فهي طالق، فخرج بها بإذنها فسألته أن يردها فحلف الطلاق ثلاثاً إن ردها، قال : يحنث، وكذلك لو لم يحلف إذا كان عليه شرط طلاق أن لا يخرجها إلا بإذنها فسألته أن يردها فلم يفعل، فإنه يحنث ولو كان إنما حلف/ بعد العقد أن لا يخرجها إلا بإذنها فلا يحنث بامتناعه من ذلك. وليس ذلك عليه، وروى سحنون عن ابن القاسم في التي شرط لها ذلك في العقد : أنه ليس عليه ردها إلا لمن يردها طائعا فيحنث، واختار هذا من قولي مالك، وقال: هي كقول مالك في التي شرط لها أن لا يتزوج إلا بإذنها فنكح بإذنها فليس لها فسخه بعد الإذن
فيمن رضي أن ينكح بشرط وتراخي العقد
فعقد ولم يذكر الشرط
وفي الولي يعقد من الشرط علي غير ما رضيت به الزوجة
أو على تأخير ذلك
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك : ومن خطب امرأة وشرطها : إن تزوج عليها أو تسرر فهي طالق بمحضر بينة، وكتبوا كتابا برضاه بذلك ثم خطبها ثانية[5/206]
***(1/197)
[5/207]وعقد يبينة غير الأولين وعقد ولم يذكروا شرطا فطلبت المرأة شروطها، وقال الزوج : لم أعقد عليها وقد كنت تركت الأمر الأول، قال مالك : يلزمه ذلك حتى يقيم بينة أنه تزوج بغير شرط، وكذلك في المجموعة ورواها ابن وهب عن مالك في العتبية ورواها عنه ابن القاسم.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن زوج وليته بإذنها ثم ذكر عند العقد شروطها من طلاق من يتزوج وعتق من يتسرر ولأنها كانت رضيت نكاحه، وشهد الزوج على نفسه بما في الكتاب من صادق وشرط حدا به قال : ما ألزم نفسي الشروط إلا بعد البناء، فيمن ينكر عليه بعد ذلك بثلاث سنين فقامت الزوجة بالشرط فقيل لها : قد استثنى زوجك فيها / ، فقالت : لم أعلم، وأما الآن فلا أرضى بنكاحه، وقال الزوج : بالشرط فأبت هي، قال : ذلك لها إذا تباعد الأمر وطال. ولم يكن تم يومئذ النكاح حين لم ترض بما استثنى، ولو رضيت هي الآن بترك الشروط فأجاز ولأنها لو ماتا لم يتوارثا.
قال أصبغ : وذلك إذا أقر لها بأصل الشرط أو قامت به بينة أن به رضيت، ومن سماع سحنون منه، وعن امرأة أمرت وليها أن يزوجها ويشترط لزوجها ولم يشترط، وبنى بها، ثم علمت بترك الشرط قال : يبطل الشرط ويتم النكاح، ولو علمت قبل البناء قيل لها: أترضى بترك الشرط ؟ فإن أبت قيل للزوج : اشترط لها، فإن أبى فرق بينهما، وروى مثله محمد بن خالد، وقال في سؤاله:أمرته أن يزوجها فلاناً.[5/207]
***(1/198)
[5/208]فيمن شرط ألا يتسرر وهما يظنانه الحمل
أو شرط ألا يتخذ أم ولد
أو شرط أن من تسرر عليها حرة وله أم ولد
أو شرطت عليه طلاق امرأته وله امرأة غير التي عرفت
من كتاب ابن المواز : ومن العتبية من سماع ابن القاسم : ومن شرط لامرأته أن لا يتسرر عليها وهو وهي لا يريان ذلك إلا الحمل، فيريد أن يطأ، قال، لا يفعل، وجهله بذلك لا ينفعه، قال في كتاب ابن المواز : كمن ظن ان البتة واحدة فلا ينفعه.
قال سحنون: لا يعجبني وله أن يطأ أمته، ولا يضره إذا عندها هكذا وقد قاله مالك، وكذلك في المجموعة عن مالك ورواه عنه علي بن زياد/ قال أبو بكر بن محمد، وقد روى علي بن زياد وابن أشرس عن مالك: إذا وطئها وأراد منها الولد فهو تسرر.
ومن كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب : قلت ما قولك في التسري وهل نأخذ برواية علي بن زياد ؟ قال : التسري الوطء، ورأيت المدنيين ينكرون رواية علي وأرى إذا وطىء فقد تسرى، ووجب لذات الشرط الخيار.
وروى يحيى عن ابن القاسم فيمن شرط لزوجته أن كل جارية يتسررها عليها حرة، وله يومئذ أمهات أولاد فيطأهن يعد ذلك : أنهن يعتقن لأن وطأه تسرر، قاله أصبغ وأبو زيد بن أبي الغمر.
قال سحنون : لا شيء عليه في أمهات أولاده وإنما يلزمه الشرط فيمن يستقبل من الملك، وأنكر هذه الرواية، وقال ابن حبيب عن أصبغ وابن القاسم مثل ما روى يحيى بن يحيى، وقال : وأما لو قال : فكل جارية أتخذها عليك حرة فلا شيء عليه فيمن عنده قبل الشرط، وذلك عليه فيمن يستقبل اتخاذهن، قال: وسواء علمت بمن عنده أو لم تعلم، لأن الاتخاذ فعل واحد إذا اتخذ جارية فقد[5/208]
***(1/199)
[5/209] اتخذها، وليس عودته إلى وطئها اتخاذا أو العودة إلى المسيس تسرر لأن التسرر الوطء فهو يتكرر والاتخاذ كالنكاح يشترط ألا ينكح عليها فلا شيء عليه فيمن عنده وعليه فيمن ينكح من ذي قبل وقاله ابن القاسم وأصبغ ومن الواضحة ومن شرط أنه تسرر فأمر السرية بيدها، أن تعتق أو تدع، فله أن يطأ ما شاء من الجواري وطأة وطأة / ثم يمسك حتى تقضي امرأته، أو لا تقضي ولا يجوز له بعد تلك الوطأة وطء ولا بيع، وقال ابن القاسم وأصبغ، فإن شرط إلا يتسرر عليها أم ولد فإن فعل فهي حرة.
قال ابن القاسم : له وطء أمته في كل طهر مرة، وقال أشهب وابن الماجشون وأصبغ، له ان يطأ أبدا حتى يظهر بها حمل فيكف، وقال أصبغ : ما لم يفض إليها ويلتمس ذلك منها فإذا فعل هذا عتقت عليه ساعة ذلك فإن حاضت بعد ذلك فقد مضى عتقها.
قال ابن حبيب : إذا قصد ذلك منها تربصت حتى تحيض أو يظهر بها حمل، ولا آخذ بقول أصبغ، وإذا شرط ألا يتخذ عليها جارية ، فله وطء إمائه ما لم يلزم الواحدة منهن فأما المرة بعد المرة ما لم يظهر بها حمل أو يفض إليها قاصدا لذلك فيها، فهذا تمسك عن معاودتها ويصير قاصدا إلى تخاذها، وقاله أصبغ.
وإن شرط : إن اتخذها عليها أم ولد فهي طالق ، فله وطء إمائه ، فإذا ظهر بواحدة حمل طلقت امرأته ، قاله ابن الماجشون وأشهب وأصبغ.
وقال ابن القاسم : تطلق عليه بأول وطأة للأمة لأنه يصير على شك من حملها وهذا استسحان والأول القياس ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن خطب امرأة فسألوه أن يطلق زوجته فأبي وتركهم مدة ثم نكح أخرى وعاود خطبة تلك المرأة ورضي أن يطلق امرأته وأشهد لها أن امرأته طالق إذا عقد نكاح هذه وهو ينوي الآخرة وهي تنوي الأولى التي عرفت له قال فله نيته ونكاحه ثابت وتحلف ما نوى إلا الآخرة وهو كمن له امرأتان ولم تعلم المرأة إلا بواحدة فسألوه طلاق امرأته ففعل فله نيته][5/209]
***(1/200)
[5/210] في الدعوى في الشروط
من كتاب ابن حبيب : ومن شرط لزوجته أن لا يرحلها إلا بإذنها فرحلها وقال بإذنها رحلتها، وقال هي : يغير اذني، فعليه البيئة، وهي مصدقة كقول مالك فيمن ملك امرأته ثم افترقا فقالت : قد فارقته قبل افتراقه المجلس، وقال هو لم تقض شيئا، فهي مصدقة.
من كتاب ابن المواز : قال اصبغ عن ابن القاسم فيمن شرط لأمرأته طلاق من تزوج عليها أو أمرها بيدها فظهرت له امرأة فقال للأخرى: قد كانت تحتي قبل نكاحك، وقالت هي: بل بعد نكاحي، فالزوج مصدق كمن حلف بحرية من يشتري إلى ثلاثين سنة، فقام عليه عبد له ، فقال السيد ابتعتك قبل اليمين، فالسيد مصدق إلا أن تقوم بينة أو للزوجة.
قال أبو محمد : وفي أبواب التمليك باب في التداعي فيه.
مسائل مع معنى الشروط مختلفة
قال ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف أن لا تخرج امرأته من منزلها حتى تأذن له، فأذنت له، فلما أراد أن يرحلها بدالها في الخروج، فليس لها ذلك، وإن قال في يمينه : إلا بإذنك أو قال : بغير إذنك، فليس له أن يرحلها إن أذنت له ثم بدا لها وقوله إلا بإذنك أو بغير إذنك مخالف لقوله : حتى تأذن لي.
وسأله حبيب عمن شرط لامرأته في كتابه: إن أضربها فأمرها بيدها فتأتي فتذكر أنه ضربها، مثل ذلك من الضرر ؟ قال : إن كان مثله يؤدب امرأته يريد وهو مأذون على ذلك، فليس هذا من الضرر، وهو مصدق أنه ضربها لذنب كان منها، وعليها هي البينة أنه ضربها ظالما، ثم يكون لها الخيار، قال وإن كان مثله لا يؤدب أهله ولا يعنى بهذا لرداءة حاله وقلة عنايته بأمرها، فعليه هاهنا البينة أن ضربه ذلك كان لذنب منها تستوجب به ذلك و إلا فهي مصدقه أنه ضربها ظلما، ويكون مضارا إن أقر بالضرب، وإن جحد الضرب [في الوجهين فأقامت عليه[5/210]
***(1/201)
[5/211] البينة] بالضرب فهذا حنت لجحده، ويصير ضربه ضررا في الوجهين، ولها الخيار، ولا يقبل منه الآن إنه لذنب وإن كان ممن يؤدب مثله أهله، لأن جحوده أخرجه من التصديق. [5/211]
***(1/202)
[5/212] [5/212]
***(1/203)
[5/213]بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الخيار
والتمليك في الخيار والتمليك
وما للمرأة في ذلك من القضاء
وللزوج من المناكرة
من كتاب ابن المواز : قال مالك وأصحابه في المخيرة إذا طلقت نفسها واحدة فليس بشيء إلا عبد الملك فقال : تكون البتة، ولا أدري من أين أخذه، قالوا: وإذا قالت : اخترت نفسي فهو البتات ولا تصدق أنها أرادت واحدة حتى تبين فتقول : اخترت واحدة أو اثنتين ، فلا يلزمه شيء في المدخول بها.
قال مالك : وإذا قالت : اخترت طلقة واحدة فليس بشيء، قال محمد/ ما لم يتبين منه الرضا بها فيلزمه، وله الرجعة ليس من قبل الخيار، لأن الخيار طلاق لا رجعة فيه. قال مالك وله مناكرة التي لم يبن بها إذا حلف على ما نوى. وقال: وأما في التمليك فله المناكرة وإن بني.
محمد : ويحلف مكانه، لأن له الرجعة مكانها، فإن لم يكن بنى فلا تلزمه الآن يمين لأنها قد بانت، فإذا أراد نكاحها حلف على ما نوى ولا يحلف قبل ذلك، إذ لعله لا يتزوجها، وإذا لم يكن له في التمليك نية فلا نكرة له فيما قضت.
قال أصبغ إنما تنفعه النية التي خرج لفظ التمليك عليها، لا ما يحدث له بعد القول. قال محمد: إلا رواية لأشهب عن مالك فيمن ملك امرأته وهو يلاعبها فتقول : قد تركتك، فيقول الرجل: كنا لاعبين ولم أرد طلاقا، قال مالك : يحلف [5/213]
***(1/204)
[5/214] ما أراد إلا واحدة وفي مسألتهم شبهة، قيل : أعليه حرج أن يحلف أنه لم يرد شيئا ؟ فقال لا قد أمر بذلك، فيحلف ما أراد الطلاق وتكون واحدة . قال محمد: وليس بِأصل ملك، لأنه ملكها ولم يرد واحدة ولا أكثر فقد صار بيدها ملك ما كان يملك منها.
وروى ابن القاسم عن مالك قال : وإذا قال في التمليك ، قال في العتبية بعد أن قضت بالثلاث لم أرد طلاقا، ثم قال إنما أردت واحدة ، إنه يحلف وتكون واحدة.
وقال أصبغ : لا تصدق إلا أن يكون نسقا في كلام واحد، وهذا نادر ، وقال أصبغ في العتبية ينوى بعد أن قال لم انو شيئا ، وهذا وهم من ناقله، والقضاء ما قضت.
قال محمد : وذهب زيد بن ثابت في التمليك إذا فارقته أنها واحدة / وله الرجعة ، وأخذ مالك بقول ابن عمر أن القضاء ما قضت إلا أن يناكرها. ومذهب ربيعه في التمليك هي واحدة قبلت أو ردته، قال مالك : وما أدري من أين أخذه، وقد اختار أزواج النبي عليه السلام المقام فلم يكن ذلك فراقا.
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن قال لامرأته قد خيرتك، وقالت قد طلقت نفسي بواحدة بائنة، قال : ليس بشئ ولو كان تمليكا كان له أن يناكرها وتكون واحده غير بائنة وله الرجعة، وإن لم يناكرها فهي البتة.
قال ابن حبيب قال أصبغ : إذا خيرها قبل البناء فاختارت واحدة ، فقال هو لم أخيرك إلا في الثلاث فله ذلك ولا شيء لها، وكذلك لو لم تكن له نية.[5/214]
***(1/205)
[5/215]قال ابن سحنون عن أبيه : وإن قال لغير مدخول بها اختاري فقالت قد خليت سبيلك، فسئلت عن مرادها فقالت : أردت واحدة أو اثنتين، فإنه يسأل الزوج ما نوى، وإن نوى مثل ذلك فالقضاء فيه مثل ما قضت، وإن قال نويت ثلاثا فلا شيء لها إذا قالت هي نويت أقل من الثلاث، فإن لم ينو الزوج شيئا فلا يمين عليه في هذا لأن مخرج اختاري علي الثلاث، [وإن نوت هي أقل من الثلاث فلا شيء لها إذا لم ينو الزوج شيئا، وإن أرادت ثلاثا أو لمن تنو شيئا ولا نية للزواج فهي ثلاث].
في قضاء المملكة والمخيرة في المجلس أو بعده
والمناكرة في ذلك
وكيف إن قالت قبلت أو حتى أنظر وشبه ذلك
ثم افترقا قبل أن تسأل؟
/ من كتاب محمد : قال : وإنما للملكة والمخيرة القضاء في المجلس في قول مالك القديم، إلا أن تقيد ما جعل بيدها قبل الافتراق بأن تقول: قبلت أو رضيت أو اخترت ونحو هذا مما يعلم أنها لم تدع ما جعل لها، ولا يدري أهو فراق لها فلا يزول ما بيدها إلا بإيقاف السلطان أو تمكن من نفسها . ولو قال لها الزوج لا أفارقك حتى يتبين فراقك أو ردك فليس ذلك له إلا بتوقيف السلطان أو ترضى هي بتركه أو يطأها غير مكرهة، قاله مالك في العتبية من سماع ابن القاسم.
وقال المغيرة في المجموعة إذا قالت قبلت استشير أبي أو ذوي الرأي من أهلي وانتهت إلى الحاكم فيلزمها أن تقضي في مجلسها أو تدع، إلا أن تقول : لم [5/215]
***(1/206)
[5/216]أذكر ذلك لمن استنبت أو يرى السلطان لذلك وجها فيؤخرها إليه إلا أن تبعد غيبته.
قال في كتاب محمد : قال : وإذا طال المجلس بهما عامة النهار أو خرجا من ذلك إلى غيره فقد زال ما بيدهما.
وقال أشهب : ذلك بيدها ما أقاما في المجلس، واحتج بحديث عمر مادام في المجلس. قال أشهب في المجموعة وإنما قال مالك إن ذلك لها بعد المجلس مرة ثم رجع عنه إلي أن مات.
قال ابن سحنون : وذهب سحنون إلى قوله الأول أن ذلك بيدها في المجلس ثم لا شيء لها إن افترقا طال المجلس أو قصر، إلا أن يقوم الزوج مرارا بالأمر لها، وإن طال المجلس حتى يخرجا إلى أمر آخر فلا شيء لها.
قال ابن سحنون عن أبيه : وإذا خيرها وهما في سفينة أو في محمل أو على دابة وهي على أخرى يسيران فهو كالمجلس، ذلك بيدها ما لم يخرجا إلى أمر آخر / مما يرى أنها تاركة لما جعل لها أو يفترقان، وهذا على قول مالك الأول، ولو خيرها وهي في صلاة مكتوبة فأتمتها فذلك بيدها، وكذلك لو كانت في نافلة صلت أربع ركعات فلا يقطع ذلك ما بيدها، وإن زادت على أربع حتى تبلغ من الصلاة ما يرى به أنها تاركة لما جعل لها، وقد تستشير نفسها وتنظر في أكثر من مقدار عشر ركعات، وقال : ولو خيرها فدعت بطعام فأكلت أو امتشطت أو اختضبت في مجلسها فليس بقطع لخيارها إلا أن يكون في ذلك كلام [غير الخيار تستدل به على ترك ما] جعل لها مع طول المجلس والخروج مما كانا فيه، وإنما للزوج المناكرة في التمليك مادام في المجلس، وما قلنا إن ذلك بيدها ما لم توقف أو توطأ، ولا يزيله ان توطأ غصبا، فإن ادعت الغصب قال أصبغ : إذا رضيت بالخلوة وإرخاء ستر أو إغلاق باب ثم زعم أنه وطئها فقد زال ما بيدها . قال: وإذا قيدت المملكة ذلك بأن قالت: قبلت أمري فلم تسأل عما أرادت حتى [5/216]
***(1/207)
[5/217] حاصنت ثلاث حيض أو وضعت حملها، فإن قالت بعد ذلك أردت طلقة صدقت بغير يمين ولا رجعة، لأن العدة من يوم قولها قبلت أو قبلت أمري، وإن قالت أردت أن أنظر، صدقت وكان لها أن تطلق الآن نفسها بواحدة، وله الرجعة، وإن قالت أكثر من واحدة فله المناكرة ويحلف، وإن غاب فقال : إن قضت بأكثر من واحدة فإني لم أرد إلا واحدة، وأني قد ارتجعت فذلك له ويحلف ولو لم يقل الزوج شيئا وقدم وقد / خرجت من العدة وتزوجت وقالت: أردت البتة، وقال الزوج أردت واحدة وقد ارتجعت : إن أرادت الطلاق بقولها قد قبلت فانقضت العدة وقالت : نويت البتة وتزوجت . ثم قام الزوج بحجته فذلك له ان لم يبن بها الثاني، وإن بني بها فلا سبيل للأول إليها، ولو فارقها الثاني بعد البناء ثم خطبها الأول فلا يمين عليه أنه أراد واحدة لأن تزويجها الثاني يحلها للأول، ولو كان نوى البتة أو لم تكن له نية، ولكن إن تزوجها وبنى بها ثم طلقها واحدة لم أمكنه من الرجعة حتى يحلف ما كان لي في التمليك نية اثنتين، وإن شاء قال : ولا غيرهما وان طلق اثنتين حلف ما كان نوى واحدة وإن شاء قال ولا غيرها، قال : ولو كان يعيدها للتمليك بأن قالت حتى أنظر، أو قبلت حتى أستشير، لم تكن العدة هاهنا إلا من يوم يتبين الفراق.
ومن المجموعة قال مالك : وإذا قالت المملكة قبلت ثم افترقا ، فلتسأل، فإن قالت أنظر واستخير، فليس بطلاق، وإن قالت أردت ثلاثا أو اثنتين فله أن يناكرها. وقال المغيرة : إذا لم تشترط أستخبر وأنظر لم يكن إلا الثلاث، وقال عبد الملك : إذا قالت لم أنو شيئا بقولي قد قبلت وقال الزوج : لم انو شيئا حين ملكتها لزمته الثلاث ، قال ابن القاسم : إذا قالت : قبلت ثم وطئها أو قبلها طائعة، ثم تقول نويت بقولي : قبلت امري الطلاق فلا تصدق وقد زال ما بيدها، ومن تعلقت به زوجته وقالت لا أدعك حتى تفارقني فقال لها : أمرك بيدك، فقالت : إنها الآن فلتسأل، وإن افترقا، فإن لم ترد طلاقا فليس بشيء، وإن أرادت طلاقا فهو / ما أرادت منه إلا أن يناكرها فيحلف. قال ابن الماجشون : ومن [5/217]
***(1/208)
[5/218]قال لأجنبية إذا تزوجتك فاختاري فتزوجها فلها الخيار، وإن لم يقل في مجلسها قبل النكاح : قد قبلت ولها الخيار بعد النكاح ، وفي مجلس النكاح، وفيما قرب منه، ويبطل ما بعد.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في المملكة تقول : قبلت ثم تصالحه قبل تسأل ما قبلت، قال تسأل الآن، فإن قالت : أردت تطليقتين أو ثلاثا صدقت وله ان يناكرها ويحلف، وإن قالت : لم أرد شيئا فهو ما قضت وتضاف طلقة الصلح إلى ما ثبت عليه من طلاق التمليك، فإن تمت ثلاثا لم تحل له إلا بعد زوج، وإن كانت أقل ثم نكحها كانت عنده على طلقة، فإن قالت لم أنو طلاقا لم يلزمه غير طلقة الصلح، ولو قالت طلقت ثلاثا فلم يناكرها فليس عليه رد ما أخذ منها، ولو كانت ما قالت ما أعطته شيئا، وإن قالت جهلت لم تعذر / ومسألة قوله: ان شئت، أو إذا شئت ثم تفرقا من المجلس في باب مفرد بعد هذا .
في اختلاف ألفاط التمليك والتخيير من الزوج
واختلاف الجواب من المرأة في القضاء فيهما
من كتاب ابن المواز، قال : وقول الزوج للزوجة، اختاري أو اختاري نفسك أو قال : أمرك بيدك سواء، ويختلف في جواب المرأة، فإن قالت : قبلت امري أو قبلت أو اخترت فقط فليس بفراق، إلا أن تريد به الفراق، وتسأل ما أرادت، وذلك بيدها ما لم توقف أو توطأ طائعة [ولا يمين عليها فيما تقول].
وإن قالت المخيرة : اخترت نفسي، أو قبلت نفسي لم تسأل، وكان البتات، ولا قول لها في دون ذلك إن بنى بها ويقبل ذلك من التي لم يبن بها، لأن الواحدة تبتها ولا نكرة للزوج بعد المجلس فيما له فيه المناكرة قال : وقولها قبلت نفسي، وهو البتات في الخيار والتمليك، لا يقبل منها أنها أرادت أقل من ذلك، ولا أنها لم ترد [5/218]
***(1/209)
[5/219]طلاقا، وله المناكرة في التمليك، ولو قالت قبلت أمري فهذه تسأل، فإن قالت: ما جعل لي، فذلك بيدها حتى توقف أو توطأ، وإذا قالت : طلقت نفسي فلتسأل في التمليك كم أردت ؟ وللزوج أن يناكرها فيما زادت على الواحدة، وروي عن ابن القاسم أنها لا تسأل، وهي في التمليك طلقة. وأما في الخيار فتسأل في المجلس، فإن قالت واحدة سقط خيارها، وإن افترقا سقط الخيار أيضا.
محمد : وأحب إلي أن تكون طلقة في التمليك ولا تسأل في الخيار بعد جوابها، لأنه هو الجواب، وإذا أجابت بما يشبه أن تريد به الطلاق، أو تريد قبول التمليك مثل : قد اخترت أو رضيت أو تركتك أو شئت أو اخرج عني، أو لا تدخل عليَّ إلا بإذني فلتسأل بعد المجلس، كقولها قد قبلت أمري. وأشد من ذلك قولها : اخترت أمري ولا يكاد يفترق هذا عندنا من الطلاق ولقد قال عبد الملك : لا يقبل منها ان قالت لم أرد به الطلاق ولو علم أنها من يعلم الفرق بين ذلك وبين الطلاق وقصدت ذلك لقبلت منها، ولا يكاد يفرق بين ذلك الرجال إلا من تفقه، فرأيت مذهب عبد الملك أنها البتة، وقال أشهب تسال فيه فإن قالت : أردت زوجي لم تصدق وكان طلاقا، إلا أن تأتي بما يعرف به صدقها، وإن قالت : أردت حتى أنظر في أمري فذلك لها مخرج، وإن قالت : كنت لاعبة لم أرد طلاقا دينت، ولم يلزمه شيء، وكذلك إن قالت خرج ذلك منى استهتارا لم أرد به شيئا، وقال ابن القاسم تسأل عن قولها اخترت أمري، فإن قالت أردت الصلح فهو صلح ولا رجعة له، أو سواء خيرها أو ملكها إذا رضي الزوج أو افترقا عن رضا.
قال محمد : وإذا أنكر الزوج في التمليك حلف وارتجع. وقال أصبغ في جوابها اخترت أمري، هو الفراق في الخيار والتمليك ولا تسأل عما أرادت، ولا تحل له إلا بعد زوج. وقال محمد : وقول عبد الملك أحب إلي أنها إن قالت : أردت دون الثلاث قبل منها في التمليك ويسقط الطلاق في الخيار. ولو نوزع الزوج في التي [5/219]
***(1/210)
[5/220] يشبه فيها القول أن تكون غير عارفة فافتراق القول في ذلك كان أحب إلينا، وإن قال : أمرك بيدك فاذهبي، فقالت قد ذهبت، فهو جواب فراق، ولو لم يقل هو : فاذهبي لسئلت عما أرادت، ولكن هذا جواب الفراق، وقال ابن القاسم : تسأل عما أرادت قال أصبغ إلا أن يخاف الزوج فيتورع.
ومن العتيبة روى أو زيد عن ابن القاسم في المملكة تقول : قد فرغت فهو كقولها قبلت، وتسأل، وكذلك لو ملك أمرها / رجلا فقال هذا فإنه يسأل.
وروى عيسى عن ابن القاسم في الذي يقول: خيرة الله في يديك، فاختارت، فقال هو لم يرد طلاقا، قال: يحلف ما أراد طلاقا ولا تمليكا، وما كان سكوته عنها في اختيارها رضى ولا شيء عليه.
ومن كتاب ابن المواز قال وإذا قال : ملكتك فهو تمليك، وكذلك قد خيرتك فهو تخيير، وإن لم يقل : أمرك ولا نفسك، وكذلك طلاقك إليك أو بيدك أو قال : أمرك فذلك تمليك.
قال محمد وقولها : قبلت نفسي مثل قولها : اخترت نفسي في قولهم اجمع إلا أشهب بغير حجة كأن يقول : قبلت أمري وقبلت نفسي سواء، لا يراه طلاقا حتى يوقف ولم يره مثل : اخترت نفسي.
قال مالك: وإذا أجابت المملكة بالظهار لم يلزمه شيء ولا ظهار للنساء، وليس لها أن توجب عليه كفارة.
قال [مالك وإذا] ملكها فبكت وقالت طلقني زوجي فأخبرت أن ليس بطلاق، فقالت : ظننته طلاقا، قال : لا شيء عليه، وإذا قال لها : أتحبين فراقك؟ قالت: ما شئت، قال : قد شئت ثم قال : إنما شئت أن أمسك فهو فراق، ويحلف أنه ما أراد إلا واحدة، وإذا قالت المخيرة : اخترت نفسي وزوجي، قال مالك : فهي البتة. [5/220]
***(1/211)
[5/221]ومن كتاب ابن حبيب قال ابن القاسم في المملكة إذا قالت : طلقتك فهي واحدة وهو كقوله لها ذلك إلا أن تريد المرأة أكثر فيكون ما نوت إلا أن يناكرها عند افصاحها بذلك فلها ذلك، وكذلك قولها له : قد خليت سبيلك أو فارقتك، كقوله ذلك لها، وقال أصبغ : / ليس قولها له : قد طلقتك كقوله لها، لأن مبتدأ ذلك منه على طلاق السنة وهو واحدة حتى يزيد أكثر فأما هي فمملكة، فكأنها أجابت عن الفراق فهو على البتات حتى تريد واحدة .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم : ومن قال لامرأته انتقلي عني، فقالت : لا انتقل حتى تبين لي أمري فقال انتقلي فإن شئت طلقتك عشرين، فانتقلت ولم تقض شيئا، ثم ردها، قال : لا شيء عليه.
ومن المجموعة قال ابن القاسم : وإذا قال : ملكتك أو قال : أمرك بيدك فاختاري فتقضي بالبنات فله أن يناكرها، ولو قال : أمرك بيدك اختاري فليس له أن يناكرها إن اختارت نفسها، قال عبد الملك : وقوله : أختاره وأستخيره، ولك الخيار سواء.
قال المغيرة : فإن قال لها قد اعطيتك بعض عصمتي فتقول أنا طالق ثلاثا فليس له مناكرة وهو كمن أعطاها بعض البتة، وقال ابن القاسم في المخيرة تقول: اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي، فليس يقطع خيارها، ولكن توقف الآن فتقضي حينئذ أو ترد، وقال سحنون : ليس لها قضاء لأنها أجابت بغير ما جعل لها.
في المملكة تفعل فعلا يشبه الجواب.
من كتاب ابن المواز قال : والمملكة إذا فارقت المجلس ولم تقض فقالت : نويت الفراق في المجلس فلا ينفعها ذلك إلا أن تفعل ما يشبه جواب الفراق، وتقول : إياه أردت : مثل أن تقوم من مكانها فتنقل متاعها، أو تخمر رأسها [5/221]
***(1/212)
[5/222] وتنتقل فتصدق / فيما نوت، وقاله مالك في التي قالت : أعطوني شقتي فأخذتها وخرجت ولم تتكلم وسافر هو، وفي التي نقلت متاعها وخمرت رأسها قال مالك : هذا فراق، ومجرى الجواب، قال محمد : إذا قالت أردت به الفراق ووصلته بكلامه فهو كالجواب، وهي واحدة وله الرجعة، إلا أن يكون مع ذلك فراق.
وإذا قالت : الآن نويت بفعلي الثلاث فذلك لها إلا أن يناكرها بنية كانت له وقت القول ويحلف، وقاله عبد الملك، وقال أصبغ : يحلف يمينيين : يمينا أنه ما علم أن ما فعلته به البتة ولا رضيه، ويمينا أنه نوى واحدة قال محمد : يمين واحدة تجزئه يجمع ذلك فيها.
ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسين عن ابن وهب في التي نقلت متاعها عندما ملكها ثم قالت، لم أرد شيئا قال: إن لم تكن اختارت، فلا شيء لها.
ومن المجموعة قال مالك في المملكة تنقل متاعها وهما يريدان الطلاق، فذلك فراق.
قال ابن القاسم : وتدين المرأة فيما أرادت فإن نوت ثلاثا فذلك لها ولا ينوى الزوج في ذلك.
قال عبد الملك : إذا فعلت الأمر البين الواصل بالكلام، خمرت رأسها وأمرت بما تفعله المطلقة المزايلة، وخرجت قال : فإن قال بعد ذلك : ما ظننت أن ذلك منها مثل النطق بالبتة حلف وقبل قوله، ويحلف على واحدة أو اثنتين. وقاله سحنون في كتاب ابنه بعد يمينه كقول عبد الملك من أوله، وقال فإن قالت هي أردت بذلك ثلاثا حلف يمينا بالله إن قال أردت أنا أقل من ذلك [5/222]
***(1/213)
[5/223]
فيمن قال اختاري في واحدة
أو طلقي نفسك واحدة أو قال ثلاثا فخالعت
أو قال في الثلاث أو من الثلاث
أو أمرك بيدك إن شئت أو ما شئت
وشبه هذا وما فيه من المناكرة
من كتاب ابن المواز، قال مالك وإذا قال : اختاري واحدة حلف ما أراد إلا طلقة وذلك له، وكذلك في قوله : اختاري في أن تطلقي نفسك واحدة أو تقيمي قال محمد : ولو بين فقال : اختاري في إن تطلقي نفسك من الطلاق واحدة [أو من الثلاث واحدة] لم يكن عليه يمين، وإنما حلفه مالك فيما احتمل أن يريد به مرة واحدة وإن قال، طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فقالت : قد شئت واحدة فلا شيء عليه.. كالمخيرة، فإن قالت [فإذ لم يخيروا ذلك، فأنا طالق الآن بالبتة فلا شيء لها في قول أصحابنا الا أشهب] قال : ذلك لها ما لم يقترقا، واحتج أن مالكا قال في المخيرة تقضي بالواحدة، ليس ذلك لها، إما أن تقضي بالبتات أو ترد، قال ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون عن مالك، فيمن قال لزوجته طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا، إنها واحدة وإن قال ثلاثا فطلقت واحدة فلا شيء لها ، وقال أصبغ لا شيء لها في ذلك كله، قال مطرف عن مالك فيمن ملك امرأته في واحدة فقضت بالبتة فلا شيء لها لأن البتة لا تبعض وساوى بينهما المغيرة فقال في البتة كما قال في الثلاث مالك.
وقال أصبغ : إن ملكها ثلاثا، أو قال البتة فقضت بواحدة، أو ملكها / واحدة فقضت بالبتة أو بالثلاث فذلك كله باطل، لأنه غير ما أعطاها، وفي باب من ملك رجلين مسألة تشبه هذا.
قال ابن حبيب قال أصبغ : وإن قال اختاري في ثلاث فاختارت واحدة فذلك لها، ولو قال من ثلاث فهو ألبته وإن قال اختاري ثلاثا أو قد ملكتك ثلاثا [5/223]
***(1/214)
[5/224]ولم يقل في ولا من، فإن اختارت أقل من الثلاث لم يلزمه شيء، وكذلك لو قال: اختاري وسكت.
وروى ابن سحنون عن أبيه إذا قال لها اختاري في ثلاث أو في الثلاث إنه واحد، أن لها الخيار في واحدة واثنتين وثلاث، ولو قال من الثلاث أو من ثلاث لم يكن لها الخيار إلا في واحدة واثنتين لا في ثلاث، قال فإن قال أمرك بيدك ثلاثا فليس لها إلا الثلاث أو الترك، فإن قبلت واحدة فلا شيء لها، ثم إن قالت في مكانها فأنا اقضي بالثلاث إن لم تعمل الواحدة فليس لها ذلك وإنما لها جواب واحد.
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم في قوله في أمرك بيدك إن شئت أو أنت طالق إن شئت أو إذا شئت، فذلك بيدها وإن افترقا، وكذلك إن شئت الطلاق فأنت طالق، وإن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي وله المناكرة في التمليك وأما قوله طلقي نفسك إن شئت أو متى شئت فليس لها أن تطلق إلا واحدة، فإن زادت فلم ينكر فإنه يحلف ما سكت رضى بما طلقت، وإن قال : أنت طالق كلما شئت فلها أن تطلق مرة بعد مرة ولا مناكرة له إلا أن تمكنه من وطئها، / أو تشهد له بالترك، أو يوقفها الإمام، ولو قال : كم شئت ومتى شئت، فلها أن تطلق ما شاءت في المجلس ولا مناكرة له، وليس لها ذلك بعد المجلس إلا أن تقيد قولها بشيء، وإن قال : متى شئت فلها أن تطلق في مرة واحدة، إما في المجلس أو بعده، وله أن يناكرها فيما فوق الواحدة.
وإن قال ما شئت وكم شئت فلها ذلك في المجلس خاصة، إلا أن يعيده ولا مناكره له.
وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم في : إذا شئت ومتى ما شئت أن ذلك لها بعد المجلس ما لم توقف أو توطأ بخلاف إن شئت، قال أبو محمد في قول مالك الذي فرق فيه بين إن وإذا، يجعل إذا مثل متى ما ان لها القضاء بعد المجلس ولم يجعل لها في إن القضاء إلا في المجلس، قال ابن القاسم، وإن قال: كلما شئت، فذلك لها مرة بعد مرة ما لم توقف أو توطأ أصبغ : ذلك في متى ما وكلما وإن وطئها [5/224]
***(1/215)
[5/225] في تكرير التمليك وتكرير الجواب
ومن قال ان لم أقضك دينك
في كل نجم فأمرك بيدك
من كتاب ابن المواز وذكره ابن سحنون عن ابن الماجشون وإذا كرر التمليك فقالت قبلت لكل واحدة طلقة فقال الزوج أردت واحدة ونويت الترداد، قال محمد: أحسن ما فيها أن يقبل قوله، وقاله عبد الملك، وإن قال : أمرك بيدك، فقالت قد قبلت ثم سألها فقالت قد قبلت، ثم ثلاث، فقالت : كذلك وقالت أردت الثلاث، وقال هو : أردت واحدة فروي / عن مالك أنها ثلاث، وقال عبد الملك تكون واحدة ويحلف وبه أقول،
قال محمد : ولو بينت في كل مرت فقالت قد طلقت كان طلاقا ماضيا، وكذلك قال ابن سحنون عن عبد الملك وسحنون.
وفي العتبية من سماع ابن القاسم في تكرير التمليك وهي تقول في كل مرة قد قبلت وقالت : أردت الطلاق أنها ثلاث، وقال ابن المواز قال مالك : وإذا ملكها فقالت كم ملكتني ؟ فقال : مرة ومرة ففارقت، فإن قال : أردت واحدة حلف وصدق، وفي المجموعة عن ابن القاسم قال هي ثلاث إذا اختارت نفسها ولا مناكرة له.
ومن المجموعة قال عبد الملك : وإذا قال أمرك إليك، فقالت قد طلقتك، ثم قال أمرك إليك، فقالت : قد طلقتك، ثم قال : أمرك إليك، فقالت : قد طلقتك، لكان ذلك لازما كله، ولو قال: أمرك إليك، ثم أمرك إليك، ثم أمرك إليك، ثم قالت : قد قبلت أو كررت القبول، فهو كقوله واحدة، ولو قال : أمرك إليك ثلاثا، وقالت : أردت واحدة لم ينفعه لأنه أظهر ما ملك، وليس لها أن تقضي بدون الثلاث، واصل ذلك إذا كان له أن يقول : ملكتك واحدة، فلها أن تقضي بواحدة، وإذا لم يكن له أن يقول ملكتك واحدة فليس لها أن تقضي بواحدة. [5/225]
***(1/216)
[5/226] وقال ابن القاسم : إذا قال : قد ملكتك وقد ملكتك وقد ملكتها فقضت بالثلاث فهي ثلاث ولا ينوى، وإن قضت بدون ذلك فهو ما قضت، وإذا قال : قد ملكتك مرة ومرة فأختارت نفسها فهي ثلاث ولا مناكرة له كالقائل قد طلقتك مرة ومرة ومرة.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإن ملكها قبل البناء فقالت فارقتك فارقتك نسقا، فلما افترقا، قال: أردت واحدة فلا قول له، ولو كانت قالت مرتين وقال هو أردت واحدة وقالت هي البتة حلف وكانت اثنتين.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن عليه دين لامرأته نجمته عليه على أنه إن لم يوفها كل نجم عند محله فأمرها بيدها، فحل نجم فلم يعطها فاختارت نفسها، قال :إن مسها بعد الأجل أو تلذذ منها فلا خيار لها في ذلك النجم إلا أن تدفعه عن نفسها بأمر يعرف عند الناس، فإن فعلت فلها الخيار متى ما اختارت ما لم يمسها، وإن كانت في بيته فقال مسستها فأكذبته فهو مصدق ولها النجم الذي يليه وفي جميع النجوم مثل مالها في الأول.
في تمليك الصغيرة المجنونة وتخييرهما
من كتاب ابن المواز قال مالك : إذا خير زوجته قبل أن تبلغ وقبل البناء فاختارت نفسها فهو طلاق إذا بلغت في حالها، قال ابن القاسم يريد بلغت حد الوطء فيما ظننت، وقال أشهب وعبد الملك في الصغيرة : ذلك لها، وفي رواية عيسى عن ابن القاسم إذا بلغت مبلغا تعرف ما ملكت أو يوطأ مثلها فذلك لازم.
قال سحنون لها الخيار وإن لم تبلغ. ومن المجموعة قال عبد الملك في المغمورة / يخيرها زوجها فتختار نفسها قال: إن خيرها وهي مفيقة ثم غمرت [5/226]
***(1/217)
[5/227]فقضاؤها غير جائز، ولو خيرها وهي مغمورة فقضت جاز قضاؤها لأنها في حد رضي لنفسه قضاءها وكذلك لو ملك صبيا أمر امرأته لجاز قضاؤه إن كان يعقل ما جعل له وما يجيب فيه، وإن كان يخلط في كلامه ولا يعقل ما جعل له لم يجزه. ابن سحنون عن أبيه وإن جعل أمرها بيد صبي أو امرأة أو ذمي يطلق عليه، قال : يلزمه.
في التمليك إلي أجل وتمليك الزوج الغائب
أو يجعل أمرها بيد غيره من حاضر أو غائب
أو بيد زوجة أخرى والمناكرة في ذلك
وكيف إن طلقت هي إلى اجل ؟ أو قالت إن شاء فلان ؟
من كتاب ابن المواز: وإذا ملكها إلى سنة ثم وطئها وجهلا، فقد زال ما يبدها، ولو قال إذا قدم أبي لم يزل ذلك وطؤه قبل قدوم أبيه، ولو قال إذا وضعت، كان الوطء قبل الوضع يزيل ما بيدها، وإذا طلقت المملكة إلى أجل عجل عليها.
قال أصبغ : وله المناكرة حين تكلمت. ومن أرسل إلى زوجته بالتمليك أو بالخيار فلم تختر ولم تجب حتى فارقها الرسول فقال مالك : ذلك بيدها بحلاف حضور الزوج إلا أن يطول الزمان أو يتبين من أفعالها فعل الراضية بالزوج، لأن المشافهة من الزوج كلام بعضه جواب لبعض أو المرسل أعطي من ذلك مالا ينتظر له جوابا، وليس للزوج أن يبدو له بعد أن أرسل إذا أرسل مجمعا كالكتاب، ولو/ سبق الخير إليها قبل مجيء الرسول فطلقت فذلك لازم، وكذلك روى أصبغ في العتبية عن ابن القاسم.
ومن كتاب ابن المواز : وان ملكها إلى أجل أو ملك أمرها رجلا إلي أجل، أوقف الآن من له القضاء، فإن غفل عنه فهو بيده إلي الأجل، وإن خلا بها بعلم [5/227]
***(1/218)
[5/228]من له التمليك وأدعى الزوج الوطء سقط التمليك، قال أصبغ : وإن جاء الأجل فلم يطلق من ذلك بيده سقط التمليك.
وروى العتبي عن يحيى بن يحيى عن ابن وهب كقول أصبغ، قال محمد: ليس كالمجلس لأن للمجلس افتراقا يقطع الجواب وهو قول مالك في الرسول بالتمليك إنه بخلاف الزوج في افتراق [المجلس] قال عبد الملك أو سحنون في كتاب ابن سحنون إذا أملكها إلى أجل فذلك لها قبل الأجل وبعده ما لم توقف أو توطأ طائعة قبل الأجل أو بعده فيزول ما بيدها.
ابن المواز: قال ابن القاسم : ومن ملك غائبا فلا يقربها الزوج، ويدخل عليه إلايلاء، ويضرب له الأجل من يوم ترفعه قال ويكتب إليه في الغيبة القريبة، فإما طلق أو ترك ما بيده، ولا يطؤها الزوج في ذلك، وقد كان مالك قال فيها غير هذا في بعيد الغيبة إن يرجع الأمر إليها. محمد والأول احب إلينا، فإن طلق عليه بالايلاء ثم قدم الغائب في العدة فإن طلق لزم الزوج طلاقه وإن لم يطلق فللزوج الرجعة، وإن قدم بعد العدة فلا طلاق له.
ومن ملك أجنبيا فذلك له بيده حتى يفترقا أو يقيد ذلك بلفظ بأن يقول قبلت أو نحوه فيبقى بيده حتى يوقفه السطلان أو يشهد أنه ترك/ ما بيده ويخلو بها بعلم الذي بيده التمليك فيدعي الزوج أنه مسها، وإذا قضى بالثلاث فذلك لازم إن لم ينكر عليه الزوج بنية يدعيها في وقت تمليكه، وإن لم تكن له يومئذ نية فذلك نافذ ولا مناكرة له بنية يحدثها، فإن أراد الرجل أن تقضي فقالت الزوجة لا أريد الفراق، فذلك لها ولا ينبغي له أن يفارق، فإن أبي منعه الامام ثم لا قضاء له بعد منعه، وإن سبق فراقه ففراق ماض، قال محمد : وهذا إذا كانت المرأة هي سألته ذلك وأراد سرورها، وإلا فليس له أن ينهاه، وقاله مالك في الذي جعل أمرها بيد أبيها إن غاب، وروى يحيى عن ابن القاسم في تمليك الأجنبي مثله، وروى عنه أبو زيد فيمن قال: إن أخذت من مالك ابنتك فأمرها بيدك، وذلك في [5/228]
***(1/219)
[5/229]عقدة النكاح أو بعد واحدة منه فأراد أن يفرق بينهما فأبته فإن كانت مرضية فذلك لها، وإلا فذلك إلى الأب.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون : ومن قال لختنه إذا تكاريت لابنتك وخرجت بها من القرية فأمرها بيدك فتكارت له ليخرجا فأبى وبدا له، قال ذلك له ولا شيء عليه.
ومن كتاب محمد : قال ابن القاسم : وإذا ملك أجنبيا غده فافترقا ولم يقض ثم اجتمعا بالعشي عند السلطان فأقر له الزوج بالتمليك وطلق عليه بالبتات، فقال الزوج لا يفعل، قال لا يلزم الزوج شيء، ويحلف ما كان إقراره بالعشي تمليكا مستأنفا وما كان منه إلا وهو يرى أن الأمر الأول يلزمه ولم يرض بما كان منه من الفراق /، وأنكر أصبغ قوله: يحلف أن اقراره لما كان يرى ويظن أنه يلزمه. محمد يريد أصبغ لو رضي بما قضى وألزمه نفسه لم ينفعه ظنه، ولكن إذا لم يكن منه رضى ولا تسليم بما قضى عليه فلا شيء عليه.
ومن ملك رجلا، فملك الرجل غيره فطلق فذلك غير لازم، وكذلك لا يوصي به إلي غيره، وقد قال ابن القاسم في الذي جعل أمرها بيد أمها إن غاب فإن أوصت الأم بذلك بعينه إلى أحد فذلك، وإن لم توص به إلى أحد فذلك راجع إلى الابنة فيما رأيت من قول مالك، وقال ابن القاسم : ولا يكون ذلك لوليها حتى يشهد له على هذا بعينه، وقال أشهب وابن عبد الحكم وأصبغ : ليس لها أن توصي به، والشرط ساقط يوم ماتت الأم، قال ابن وهب، وقاله ربيعة ويحيى بن سعيد ومالك والليث.
وقال عبد الملك فيمن جعل أمر زوجته يبد أبيها وهو غائب، بوطئها في غيبته طائعة فلا يقطع ذلك ما بيده، وللأب أن يقضى وإن كرهت الابنة وكذلك لو [5/229]
***(1/220)
[5/230]كان حاضرا فقبل ذلك ثم افترقا فقالت هي قد رددت ما كان بيد أبي فليس ذلك لها، وذلك بيده حتى يوقفه السلطان أو يرد ذلك من قبل نفسه.
قال ابن القاسم فيمن جعل أمر احدى زوجتيه بيد الأخرى وافترقا ثم أقام يطؤها سنين ثم وقع بينهما شر فطلقها فقال لها الزوج : إن كانت طالقا فأنت طالق، فلا شئ عليه في واحدة منهما، لأن وطأه بعلم الأخرى اسقط ما بيدها، وكذلك روى عنه عيسى في العتبية.
قال أصبغ في كتاب ابن المواز، وذلك إذا علمت بما جعل إليها، قال: وذلك إذا كان شرط في عقد النكاح مما يمكن أن تقول: لم أعلم بما في كتابي فلا يضرها دخوله بالتي تزوج عليها إذا قالت لم أعلم ولا علمت ما في كتابي، وأما ان جعل ذلك لها بحضرتها ولم تقض حتى بنى بالأخرى فقد سقط ما بيدها منها إذا علمت بدخوله أو خلوته أو بطول ذلك بعد علمها بالعقد فلا قضاء لها وإن لم يدخل.
قال محمد إذا جعل بيدها أمرها الطارئة فلها القضاء ما لم بين بالطارئة وإن طال ذلك أو تبين منها الرضا بها، ولو كان إنما جعل أمرها بيد نفسها إن تزوج فتزوج وهي عالمة، فإن لم تقض سقط ما بيدها أن أمكنة من نفسها، وكثير من هذا الباب مكرر في أبواب الشروط.
من المجموعة قال ابن القاسم فيمن قال لامرأته أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شاء فلان، فإن كان فلان قريبا كاليوم وشبهه كتب إليه ليعلم مشيئته، وإن بعد رجع الخيار إليها، قال أصبغ : وهذا غلط ولا يكون ذلك لها إلا في حضرة فلان إلا أن يقول هولها : أنت طالق إن شاء فلان، فهذا تنتظر مشيئته في القريب وإن بعد صار موليا إن رافعته، وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال أنت طالق إن شئت ولعبده أنت حر إن شئت، فقالت المرأة أو العبد قد شئت إن شاء فلان فيوجد فلان قد مات فلا شيء لهذين ولا ترجع إليهما المشيئة، ولو[5/230]
***(1/221)
[5/231]كان فلان بعيد الغيبة مثل افريقية، قيل للمرأة اما ان تقضي الآن أو تدعي ولا تؤخر، وأما العبد فذلك له حتى تنظر مشيئة فلان ويكاتبه وليس فيه من الضرر ما في المرأة، ولو كان فلان بمثل الإسكندرية وعلى اليومين والثلاثة لا تنظر بالمرأة مشيئة.
قال: ولو رضي الزوج في البعيد الغيبة بالصبر وخاف أن يرجع إليها فتفارق قال: ليس ذلك له، وقد يقع في ذلك الموت والمواريث. قال ابن القاسم: وليس القياس التأخير وإن قرب القياس أن يوقف الساعة.
قال ابن حبيب: قال أصبغ من قال أمرك بيدك إلى شهر أو إذا دخلت فلانة أو كلما شئت أو إذا شئت فلتوقف مكانه لتقضي أو تترك، وإن وطئها قبل توقف فذلك بيدها إلا أن يقطعه الوطء، لقوله : كلما شئت، أو إلى شهر، أو إذا دخلت بفلانة فهو بيدها أبدا، بخلاف المملكة إلى غير أجل، وابن القاسم يساوي بينهما.
ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك فيمن ملك امرأة أمر زوجته فقضت بالبتات قال : يلزمه. قال ابن القاسم : يريد إلا أن يناكرها فيحلف على ما نوى، وإن لم ينو شيئا لزمه ما قضت.
وروى عنه يحيى بن يحيى في البكر تسأل زوجها في الفراق فيأبى، ثم يسأله أبواها بعد مدة فقال له : الأمر بيدك. إصنع ما شئت، ففرق بينهما، فقال : لم أر هذا قال يلزمه ذلك، وله المناكرة فيما زاد على طلقة ويحلف إن شاء، وقاله مالك.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال لرجل كلما جاء شهر أو كلما حاصنت / امرأتي فأمرها بيدك، فإنه يوقف الآن، فإن طلق ثلاثا جاز عليه، وإن أبى أن يطلق سقط ما بيده، وليس للزوج أن يرجع فيما جعل له.
قال ابن حبيب قال أصبغ: إذا جعل أمرها بيدها إلى أجل أو بيد غيرها، فلا يقطع ذلك وطؤه إياها وإن جعله إلى غير أجل فوطؤه يقطعه وافتراق المجلس. [5/231]
***(1/222)
[5/232]وقال ابن الماجشون : ان جعله بيد غيرها فلا يقطعه الوطء وإن علم به، وبه أقول.
ومن المجموعة وكتاب ابن سحنون قال ابن الماجشون : إذا قال لها أمرك بيدك [إذا قدم أبوك، فإن كان أبوها قد خرج إلى البلد الذي هما فيه وكأنما أراد، لأجل فكأنما قال : أمرك بيدك] إلى ليال فوطؤه إياها يقطع التمليك، ولا يطأ حتى يوقف الامام، وإن لم يخرج أبوها أو كان على وجه النقل لقدومه ونحوه مما لم يرد الأجل فهو كمن قال : إن كلمت فلانا فأمرك بيدك فلا يمنع الوطء، وإذا قدم فلها التمليك لا يقطعه ما تقدم من الوطء وقال المغيرة فيمن جعل أمر امرأته بيد رجل فقال له رجل: طلقها ولك ألف درهم فيفعل ويطلق ولم يبق للزوج فيها إلا طلقة، قال : طلاقه جائز، والألف للزوج.
فيمن ملك رجلين
أو جعل مع الزوجة رجلا في التمليك
أو حلف لغريمية ليقضينهما إلا أن يؤخراه فوخره أحدهما
أو ملك رجلا فطلق عليه بصلح
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن جعل أمر امرأته بيد رجلين فقال: إن شئتما، أو لم يقل فطلقها كل واحد منهما واحدة فلا يجوز حتى يجتمعا عليهما أو على واحدة وإن قال: طلقا امرأتي، فمن طلقها منهما جاز طلاقه وإن قال في ذلك إن شئتما، لم يجز حتى يجتمعا عليهما أو على واحدة، فإن طلقها بالبتة وقال الزوج لم أرد إلا واحدة فالقول قوله، قال ابن حبيب قال أصبغ في قوله : طلقا امرأتي علي فهو على وجهة التمليك حتى يريد الرسالة، فإذا أرادها وقع الطلاق بقوله وإن لم يخبراها به، وقال ابن القاسم : هو على الرسالة حتى يريد التمليك ويقول لا يقع الطلاق في الرسالة حتى يبلغها.[5/232]
***(1/223)
[5/233]ومن كتاب محمد : ومن حلف لغريميه ليقضينهما حقهما إلا أن يؤخراه ويمينه بالطلاق فوخره أحدهما وطلق الآخر فالطلاق لازم له إلا أن يؤخراه، ولو قال فطلاقها بايديكما لم يلزمه طلاق أحدهما حتى يجتمعا. قال أشهب ليس جعل أمر امرأته بيد رجلين فطلق عليه واحد بالبتة وآخر بواحدة، وقال : لا شيء عليه، وقال عبد الملك تلزمه واحدة، وهو أحب إلينا، وقاله أصبغ، وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن ملك أمر زوجته ثلاثة نفر، فطلقها واحد واحدة وآخر اثنتين وآخر ثلاثا، فإنما تلزمه واحدة لاجتماعهم عليها.
ومن المجموعة قال عبد الملك : وان ملكها وشرط معها أباها أو أمها فليس لأحدهما قضاء إلا باجتماعها، وقال أشهب في العتق والطلاق، وقال: فإن وطئها فقد انتقض/ ما بأيديهما ولو جعله إلى رجلين وأذن احدهما في وطئها، فقد زال ما بأيديهما، وطئ أو لم يطأ.
قال عبد الملك : وإن مات أحدهما فلا تمليك للثاني ، وكذلك في كتاب ابن سحنون عن عبد الملك، وقال : وإن قال : أمرك إلى أبيك فغاب الأب فأمكنته من وطئها فوطئها فلا يزبل ذلك ما بيد الأب، كما لوردته هي لم يزل من يد الأب إلا أن يرده أو يوقفه السلطان، وإن قال إن غبت سنة فأمرك بيدك فقالت قد اخترتك ثم مضت سنة فليس لها شيء وقد زال ما بيدها.
قال ابن القاسم : ومن ملك رجلا في ان يطلق عليه بواحدة أو اثنتين أو ثلاث فطلق عليه بطلقة صلح برضاء المرأة بعطية ودتها، فأنكر ذلك الزوج فذلك له لأنه إنما ملكه واحدة، غير بائنة أو اثنتين وهو كمن قيل له : طلقها بالبتة إن شئت، فطلقها بواحدة صلحا فلا يتم ذلك إلا برضاء الزوج. [5/233]
***(1/224)
[5/234]في التمليك بعطية
وفي التمليك في عقد النكاح
أو يمين قبل عقد النكاح أو بعده
أو في توثق الغريم ونحوه
وهل فيه مناكرة ؟
من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا أعطت امرأة زوجها على أن يخيرها فاختارت فهي البتة لا تحل له إلا بعد زوج إلا أن يكون لم بين بها قال محمد: المفتدية في ذلك كالتي لم بين بها لأن الواحدة تبينها، قال وإذا أعطته شيئا على أن بخيرها فخيرها فاختارت طلقة فذلك لها، وان قضت بالبتة فله أن يناكرها، وإن اختارت منهما فهي البتة وله أن يناكرها قبل أن يفترقا.
قال مالك : وكذلك لو أعطته على أن يملكها فقضت بخلية أو برية فلا مناكرة بعد المجلس وهي البتة، إلا أن يقول هو قبل أن يفترقا أردت واحدة فذلك له، يحلف متى ما أراد نكاحها. قال ابن سحنون قال أشهب عن مالك: وإذا جعل أمرها بيدها على أن أعطته مهرها أو مالا غيره فتختار نفسها فقال : أردت واحدة، فلا قول له، وهي البتة، وإذا سألته الصلح فأبي إلا بكذا أو تساوما ثم اتفقا على شيء فقالت : فاجعل أمري بيدي ففعل فقضت بالثلاث فناكرها فذلك له، فإن نوى واحدة فهي واحدة وقال سحنون : له المناكرة في المسألتين، وقال أشهب : الفرق بينهما أن الأولى لو اختارته بقيت زوجته، وكان له ما أعطته، والأخرى لو أبت أن تختار بقيت زوجه ولا يكون للزوج شيء قال سحنون : الفرق صحيح.
قال مالك : وإن اعطته وفي كتاب آخر خالعته على أن يملكها، فقالت : قد قبلت أمري مرتين ثم قال بعد أن أدبرت هي طالق البتة، فلا أحب له نكاحها، قال ابن القاسم، كأنه رآه كلاما واصلا، والذي أقول : إنه إن كان بين ذلك صمات لم يلزمه ما طلق [5/234]
***(1/225)
[5/235]قال في المجموعة ابن القاسم : إنما كره مالك نكاحها لاحتمال أن يكون لم يرد طلاقا، قال ابن المواز : إذا لم يقل غير قبلت أمرى وافترقا ثم اتبعها بالبتات أو كان بين ذلك صمات فلا يلزمه ما اتبعها وتسأل هي ما قبلت، فإن قالت واحدة لم يلزمه ما طلق لأنه طلقتها بائنة للخلع وكذلك لو قالت اثنتين إلا أنه قال : نويت واحدة حلف، وكذلك إن لم يبن بها.
ومن المجموعة قال ابن القاسم : وإذا أعطت زوجها شيئا علي أنه أنه نكح عليها فأمرها بيدها فتزوج ففارقته بالبتة فناكرها قال : تلزمه البتة، وقال أيضا له المناكرة وتلزمه طلقة.
قال ابن القاسم : قال مالك : وإن صالحها فظن أن لا يتم ذلك إلا بالتمليك فملكها فاختارت نفسها فلا يلزمه إلا واحدة، قال في العتبية إلا أن يسمى أكثر.
قال محمد : وإن أعطته على أن يطلقها البتة فطلقها واحدة فقد بانت ولا حجة لها ولو زادها بعد الواحدة مالزمه، وقاله يحيى بن سعيد قال: وإنما للزوج المناكرة في التمليك إذا لم يكن في أصل النكاح، فإذا كان يشترط في أصله فلا مناكرة له إن طلقت بالبتات، وقال في المدونة بني بها أو لم بين.
قال في كتاب ابن المواز: ولو جعل بيدها أمر الطارئة فطلقها البتة فله المناكرة إن لم بين بها، فإن بني بها قبل علم القديمة فلا مناكرة له، وقد تقدم هذا في الشروط.
ومن كتاب ابن المواز : ومن قال لامرأة إن تزوجتك فلك الخيار فذلك لها إن تزوجها، ولو قال لها لا أتزوجك حتى تسقطي عني الخيار الذي جعلت لك فلا ينفعه ذلك لأنها أسقطته قبل تملكه ولا تملكه إلا بالنكاح، وذلك لها بعد العقد ما لم يطل ذلك بعد العقد وبيني بها، ومن قال/ كل امرأة اتزوجها فلها الخيار أو أمرها بيدها أو هي علي كظهر أمي، فذلك يلزمه بخلاف الطلاق.[5/235]
***(1/226)
[5/236] ومن قال لغريمه إن لم اقضك يوم كذا فأمر امرأتي بيدك فمضى اليوم ولم يقضه فطلق عليه بالبتات فالقضاء ما قضي ولا مناكرة للزوج، وكذلك لو كان حلف له بالحلال علي حرام، وادعى الآن أنه حاشى امرأته فلا يقبل منه، وكذلك ما كان علي التوثق من هذا ونحوه.
وروى أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم في العامل يشترط عليه رب المال إن أحدثت في مالي حدثا فأمر امرأتك بيدي فيحدث فيه حدثا، قال ان كان حدثا بينا فذلك بيده، وذلك بمنزلة اليمين.
في الذي يحلف بالطلاق ليفعلن ثم يحلف ألا يفعله
أو يقول إن فعلت أو إن لم أفعل فأمره بيدك
فتعجل هي الخيار الآن.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك : ومن حلف بطلاق امرأته، قال عيسى في روايته عن ابن القاسم : بالطلاق ثلاثا ليتزوجن عليها ثم قال لها : إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فقالت : فإذا تزوجت علي فقد اخترت نفسي، قال مالك تطلق الساعة، لأن طلاق لابد منه إلى أجل يأتي.
قال ابن القاسم في رواية عيسى : فإن ناكرها وقال لم أرد إلا واحدة فذلك له، وله عليها الرجعة، وقال عيسى في روايته لأتزوجن عليك إلى الثلاث سنين، وكذلك روى ابن نافع عن مالك في المجموعة / قال في كتاب محمد وكذلك إن حلف بالطلاق ليقضينه حقه إلى أجل مسمى ثم حلف بالطلاق لا قضاه أبدا، أنها تطلق الآن.
قال ابن القاسم : وكذلك لو حلف ليتزوجن عليها إلى ثلاث سنين ثم قال: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك فقالت قد اخترت نفسي الساعة فذلك لازم إذا تزوج.[5/236]
***(1/227)
[5/237]قال محمد : لا يعجل في هذه بفراقها إذا ضرب أجلا ولا يمنع من الوطء لأنه قد يصالحها قبل الأجل ثم يتزوجها بعده فلا يقع عليه إلا طلقة الصلح، إلا أن يقول فيمن لم يبق له فيها غير طلقة فتحرم عليه ساعة اختارت نفسها لا ينتظر بها الأجل ولا التزويج، ولو حلف بالثلاث لا يتزوج عليها، ثم حلف بالبتة ليتزوجن فإن لم يضرب أجلا طلقت يوم يمينه ليتزوجن، ولا ينفعه صلح لعوده اليمين، ولو ضرب أجلا لم يعجل عليه لأنه إذا شاء صالحها بقرب الأجل ثم يتزوجها بعد الأجل.
قال محمد : وقيل فيه : إذا لم يضرب أجلا لم يعجل بالطلاق، إذ قد تصبر بلا وطء، وإن لم يصبر ضرب له الأجل من يوم ترفع.
فيمن نكح على امرأته فغارت
فقال إن لم أطلقك إلى شهر فأمرك بيدك أو فأمرها بيدك
وكيف إن عجلت هي القضاء؟
ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن نكح على امرأته فغارت فقال لها: إن حبستها أكثر من سنة فأمرها بيدك، قال : أرى أن تطلق التي فيها الشرط وهي الجديدة، وما أدري ما حقيقته ؟ قال ابن القاسم : لا يعجبني وليوقف هو الآن، فإما طلق الجديدة وإلا كان / أمرها بيد القديمة الآن فإما طلقتها أو رضيت بها.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في التي تزوج عليها فعذلته فقال: إن لم أطلقها إلى الهلال فأمرك بيدك. فقالت : اشهدوا أنه إن لم يطلقها في الهلال فقد اخترت نفسي بثلاث، فقال : إن لم يطلقها عند الهلال طلقت القديمة.
في القائل لزوجته : اختاريني أو اختاري الحمام
من كتاب ابن المواز : قال مالك في التي أكثرت دخول الحمام ، فقال لها زوجها : اختاريني أو اختاري الحمام، فقالت قد اخترت الحمام. فإن لم يرد طلاقا [5/237]
***(1/228)
[5/238] فلا طلاق عليه، قال في رواية ابن وهب ويحلف، قال ابن القاسم : فإن أراد الطلاق فهي البتة ولا ينوى في اقل منها لأنه خيار، قال محمد : لا أرى أنه ملكها نفسها ولا خيرها إنما خيرها بين زوجها وبين غيره، فإن اختارت زوجها فهو زوجها وإن اختارت الحمام فلها الحمام وليس نفسها فلا يكون خيارا ولا تمليكا حتى يريد به الفراق فيكون البتة كما قال مالك، وكذلك إن أرادت نفسها مع الحمام.
قال ابن سحنون عن أبيه فيمن عزل عن زوجته لصغرها فلم تحلله في ذلك، فقال لها : اختاريني أو اختاري الولد. فقالت : قد اخترت الولد، قال: إن أراد الطلاق فقد طلقت كما قال مالك في صاحبة الحمام والغرفة، فأنكر ما ذكر فيه عن بعض أصحابنا.
في التداعي في التمليك واختلاف البينة فيه
وفي اليمين في المناكرة والتمليك
وهل ترد فيه اليمين؟
ومن قال جهلت أن لي المناكرة
من كتاب محمد : وإذا افترقا من المجلس في التمليك فقالت : قد طلقت نفسي وقال لم تعمل شيئا، فقال أشهب : يقال لها : فاختاري الساعة وقال ابن القاسم : القول قولها، وقال في مثلها في الذي قال إذا كان غد فأمرك بيدك إلى الليل وأقامت أياما ثم قالت قد كنت قد اخترت نفسي يوم جعلت ذلك لي، قال : ما أرى ذلك لها، قال أصبغ : هذا خلاف لقوله في مسألة المجلس، وهذه أبين أن القول قولها لأنها قد كان لها أن تختار بغير محضر الزوج.
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن شهد عليه شاهد أنه خير امرأته فاختارت نفسها وشهد أخر أنه أقر بذلك فهي شهادة واحدة، وهي البتة. [5/238]
***(1/229)
[5/239]ومن سماع ابن القاسم : وإذا قضت المملكة بالثلاث فناكرها في المجلس فيلحلف، فإن نكل فليس له رد اليمين وتلزمه الثلاث. قال عيسى عن ابن القاسم : وإذا قضت بالثلاث فلم يناكرها وقال لم أرد أن لي ذلك، قال لا يعذر بالجهل ولا مناكرة له. قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن سافر وله أربع نسوة ، ثم قدم بخامسة وزعم أنه كان خير واحدة من نسائه ذكرها ففارقته فأنكرت هي ذلك فلا يصدق ويفرق بينه وبين الخامسة ويدرأ عنه الحد فيها، وعليها الاستبراء بثلاث حيض ويفرق بينه وبين التي زعم أنها فارقته وتعتد من يوم إقراره.
قال أصبغ : ولو صدقته المرأة في الخيار والاختيار لم يصدق، والجواب سواء في التكذيب / والتصديق.
وفي أبواب الشروط : باب في التداعي في شروط التمليك من معنى هذا الباب.
فيمن شرط بعد عقده النكاح
أنها مصدقة إن ادعت ضررا أو أمرها بيدها
ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن شكت امرأته أذاه وضرره وأشهد لها بكتاب إن عاد فهي مصدقة فيما تدعي من ذلك وأمرها بيدها تطلق نفسها البتة، فبعد أيام وزوجها غائب، أشهدت رجالا أن زوجها عاد إلى أذاها وأنها طلقت نفسها، وأنكر الزوج أن يكون أن يكون أذاها، ثم ندمت المرأة وزعمت أنها كذبت فيما شكت من الأذى أولا ولا يعرف ذلك إلا بقولها، قال: قد بانت منه ولزمه ما قضت لأنه جعلها مصدقة، وقال مثله أشهب، وقال : ولكن ينظر متى ادعت أنه أتى إليها ما أوجب لها به التمليك وفارقت، وكان بين ذلك أيام أو أقرت أنها لم تختر إلا بعد افتراقهما من المجلس الذي أذاها فيه، ولا خيار لها لتركها ذلك حين وجب لها، وإن كان ذلك قريبا، وكانت قد قالت أو[5/239]
***(1/230)
[5/240] تقول الآن : إنما قلت لكم اخترت في المجلس، فقد وجب الفراق، وإن أكذبت نفسها.
في الأمة تعتق تحت العبد
وكيف إن اختارت نفسها
قبل البناء وبعد اللعان ، هل لها صداق؟
وذكر شيء من إسلام أحد الزوجين
من كتاب ابن المواز : قال مالك : وللمعتقة تحت العبد الخيار بعد علمها بالعتق ما لم توطأ يعني طائعة أو تترك ذلك من قبل نفسها أو يوقفها السلطان، فإما قضت و إلا أخرج ذلك من يدها.
قال محمد : إذا علمت بالعتق فادعى الزوج بعد أيام أنه وطئها فأنكرت فالقول قولها إلا أن يكون كان يخلو بها فليقبل قوله مع يمينه، هذا إن أقرت بالخلوة، وإن لم تقر بها صدقت بغير يمين ولا ينفعها قولها جهلت أن لي الخيار، وإن قالت لم أعلم بالعتق صدقت ما لم تقم بينة على علمها.
قال مالك من رواية أشهب في العتبية وفي كتاب ابن المواز وإذا كان الزوجان نصرانيين لمسلم فاعتقها فلها الخيار لأنها لمسلم وقال ابن عبد الحكم : أحب إلي أن يحكم لها بحكم الإسلام وقاله أصبغ، وذكرها سحنون عنه في كتاب ابنه، وزاد : وكذلك لو كان السيد نصرانيا. فقال سحنون : أما إن كان السيد نصرانيا فأعتق الأمة لم أعرض لهم ولم أحكم بينهم.
قال مالك في العتبية من سماع ابن القاسم وإذا كان نصف الأمة حراً فأعتق باقيها فلها الخيار على زوجها العبد[5/240]
***(1/231)
[5/241]ومن كتاب محمد : وللأمة تحت العبد تعتق أن تختار نفسها بواحدة بائنة أو بالثلاث وإن احتارت نفسها ولا نية لها فهي واحدة بائنة وإن بني بها، وإن قالت عد اختيارها نفسها أردت البتة لم تصدق ما لم تبين ذلك عند اختيارها في الحكم، ويقال لها إن صدقت فلا تنكحه إلا بعد زوج، ليتورع هو عنها ، قال محمد : ولم يعجبنا هذا بل يمنع منها إلا بعد زوج لإقرارها على نفسها / ، وكذلك من خرجت بطلقة خلع أو غير خلع أو بانت ثم أقرت بأنه طلقها البتة فأنكر ثم صالحته ثم أرادت نكاحه قبل زوج وقالت كنت كاذبة أردت منه الراحة فإن لم تذكر ذلك بعد أن بانت منه لم تمنع نكاحه، وإن أقرت بعد أن بانت بأنه كان طلقها البتة، منعت من ذلك قبل زوج.
قال مالك في أمة مسلمة تحت عبد بيع زوجها بأرض غربة، فظنت أن ذلك فراق ثم عتقت فلم تختر نفسها حتى عتق زوجها : أنه لا خيار لها.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في الأمة تعتق تحت العبد وهي حائض فلا ينبغي أن تختار في الحيض، فإن فعلت مضى، فإن لم تختر حتى عتق الزوج قبل أن تطهر فلا يقطع ذلك خيارها ولها الخيار إذا طهرت.
ومن كتاب محمد: قال مالك في آبق نكح حرة ولا تعلم أنه عبد ثم أعلمها بعد مدة واستكتمها فأقامت معه ثم علم سيده فأجاز نكاحه فقيل لها : لك الخيار، فطلقت نفسها فقال الزوج قد كنت أعلمتك فرضيت فصدقته، قال مالك : هي طلقت نفسها، وتصديقها إياه بعد ذلك لا يعلم ما هو، يريد : لا بينة عليه وهذا أمر كان أوله على غير صواب، قال : وإذا أعتقت أمة تحت عبد وهو غائب فاختارت نفسها، قال ابن القاسم فإن كان قريب الغيبة كتب إليه خوفا أن يكون عتق قبلها كالنصراني الغائب تسلم زوجته، فأما إن بعد حتى يكون انتظاره ضررا بها فلها أن تنكح بعد تمام العدة فإن قدم وكان عتقه أو إسلامه في العدة أو بعدها أو بعد قومه إلا أنه قبل دخول الثاني فالأول أحق بها، وإذا كان إسلامه قبل إسلامها فلم يقدم حتى دخل الثاني فالثاني أحق بها عند [5/241]
***(1/232)
[5/242]ابن القاسم، وقال عبد الملك وأصبغ الأول أحق بها، وإن بني بها الثاني وولدت الأولاد. قال محمد : وقولهما أحب إلي، وهو مما لم يكن يجب عليه فيه عدة، وكذلك إذا ثبت أن عتق العبد قبل عتق الأمة، قال أصبغ : ويصير (كالمنعي) وكالعبد يجب له وعليه حكم العبيد ثم يثبت أنه حر قبل ذلك بعتق سيده أو بغير ذلك، إنه يرجع إلى حكم الأحرار ولا يغير ذلك لجهله، وكذلك في الطلاق والعدة ترد الأمة أو العبد إلى بقية الطلاق للحر وبقية عدة الحرة، قال : وإذا أنذرت المعتقة في القريب الغيبة فاختارت نفسها لزم ذلك، واكتفي به، ثم إن نكحت وثبت أنه أعتق في عدتها فلا سبيل للقادم إليها، وكذلك لو لم تتزوج أحداً فلا سبيل له إليها، ولا حجة له لقرب غيبت، وتلك العدة لها عدة، وكذلك التي أسلمت والزوج قريب الغيبة فيستحب أن يتربص باستبراء أمره، فإن قدرت فنكحت ثم قدم وثبت أنه أسلم في عدتها فلا حجة له ويكتفي بتلك العدة لها عدة.
وروى ابن حبيب عن أصبغ : إن ظهر عتقها ولم يظهر عتقه- وهو حاضر – فاختارت نفسها وقد كان عتق زوجها قبلها ثم تزوجت الآن فزوجها الأول أحق بها وإن دخلت، وإن كان غائبا لم/ يكن أحق بها إلا أن يذكرها.
ومن العتبية روى أشهب عن مالك في أمة تحت عبد أشهدت أنها متى أعتقت تحته فقد اختارت نفسها أو زوجها فليس ذلك بشيء.
قال مالك في كتاب ابن سحنون وغيره : وأما الحرة ذات الشرط في النكاح والتسري تقول : اشهدوا أنه متى فعل ذلك زوجي فقد اخترت نفسي فذلك لها، وقال المغيرة : هما سواء ولا شيء لها، وهاتان المسألتان اللتان سأل عبد الملك مالكاً عن الفرق بينهما فقال له : أتعرف دار قدامة ؟
ابن حبيب : قال أصبغ عن ابن القاسم في الأمة تعتق تحت العبد وقد أراد أن يلاعنها قبل البناء بها إنها إن اختارت نفسها قبل اللعان فلا شيء لها من الصداق وإن اختارت بعد اللعان فلها نصف الصداق.[5/242]
***(1/233)
[5/243]مسائل مختلفة من التخيير والتمليك
من كتاب ابن سحنون وقال سحنون في رجل خرج إلي سفر فقال الرجل: قد جعلت أمر امرأتي بيدك إن شئت فخيرها، وإن شئت فملكها، فخيرها الرجل أو ملكها والزوج غائب فاختارت نفسها أو طلقت نفسها واحدة والزوج غائب وهي غير مدخول بها ولم يعلم بما صنعت ثم قدم الزوج فأمكنته فوطئها الزوج وادعت الجهالة وذكرت أنها ظنت أن له الرجعة هل لها جميع الصداق؟ قال : نعم.
قال سحنون : قلت لابن القاسم/ في الذي يقول إن كلمت فلاناً فأمر امرأتي بيدها، هل هو مثل ما يشترط لها أنه إن تزوج عليها فأمرها بيدها فأذنت له؟ فقال: نعم، إن أذنت له بكلمة، أو تزوج فلا شيء عليه، قلت : فإن لم يفعل حين أذنت له إلا بعد طول من الزمان قال : إن تباعد كرهته أن يفعل، فإن وقع لم أفسخه. وكتب إليه في رجل شرط لامرأته أن يسكنها ببلد كذا، فإن لم يفعل أو أرحلها منها فأمرها بيدها فسكن بها في ذلك الموضع ثم حلف بالطلاق أن لا يسكن ذلك الموضع فخرج منه لنفسه ولزم البادية خوف الحنث وطلب من امرأته أن تخرج فأبت، فهل يكون مقامها بذلك الموضع يحنثه ؟ قال : لا يبرئه من الحنث إلا أن يقطع كل ما كان له مما كان به ساكنا والله أعلم.
ومن كتاب ابن سحنون وهو لعبد الملك: وإن قال : كل امرأة أتزوجها أبدا فأمرها بيدها، فذلك يلزمه بخلاف الطلاق إذ قد تختار المرأة المقام معه فتحل له.
قال سحنون في امرأة أعطت زوجها مائة دينار على أن لا يطأها، وقال: لا يجوز هذا عندي وإنما تعطيه على أن تملك نفسها فأما هذا فلا أعرفه، ولا أراه يجوز.
قال سحنون : ومن ملك أمر امرأته مسلماً فلم يقض حتى ارتد قال التمليك باق بيده. [5/243]
***(1/234)
[5/244] سحنون : ومن خرج إلى سفر فقال لرجل: قد جعلت لك أن تملك امرأتي وتخيرها إن شئت، فملكها أو خيرها فطلقت نفسها واحدة أو اختارت نفسها ثم قدم / الزوج ولم تعلم فوطئها طائعة، فقالت : جهلت أن هذا أبين به فلها الصداق إن عذرت بالجهالة.
سحنون : ومن حلف أن لا تدخل امرأته إلى منزله شهرا فأخرجها إلى بيت أبيها فقيل له : إنه قد ضاق منها وأنا أعيرك منزلا تكون فيه ففعل، قال : يحنث دخل بها أو لم يدخل لأنه لما استعار لها منزلا فهو كمنزله.
ابن سحنون : قال بعض أصحابنا : وإن حلف بطلاقها البتة إن وطئها قال: يضرب له أجل الإيلاء، فإن حل طلقت بواحدة وإن وطئها قبل ذلك طلقت بالثلاث، ثم إن وطئها [بعد ذلك] فعليه الحد من إن لم يعذر بالجهل، قال : هذا خطأ، وتطلق عليه عند قيامها به، ولا يضرب له أجل، ولا رجعة له إذ لا يقدر على الوطء، فكيف يرتجع من ليس له أن (يطلق؟).[5/244]
***(1/235)
[5/245]بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب المفقود
في المفقود وصفته
وضرب الأجل لزوجته
والحكم في ماله وتعميره
ومن فقد في ثائرة بين المسلمين أو غير ذلك
من العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك وقال فيمن يخرج إلى بلد في تجارة فلا يدرى أين توجه ؟ قال : هو مفقود، وليكتب إلى ذلك الموضع في الكشف عنه، فإن عمي أثره ضرب له أجل المفقود.
قال أبو زيد عن ابن القاسم : المفقود هو الذي يعمي خبره ولو عرف البلد الذي نزع إليه وغاب خبره كان مفقوداً قال عيسى قال ابن القاسم قال مالك: المفقود على ثلاثة أوجه : مفقود لا يدرى موضعه فهذا يكشف عنه الإمام ثم يضرب له بعد الكشف أربع سنين ثم تعتد زوجته بعد الأجل أربعة أشهر وعشراً، وتأخذ جميع الصداق وتتزوج إن شاءت، ومفقود في صف المسلمين في قتال العدو، فهذه لا تنكح أبداً و توقف هي وماله حتى يأتي عليه ما لا يجيء إلى مثله، ومفقود في فتن المسلمين بينهم لا يضرب له أجل، وإنما يتلوم له الإمام لزوجته (باجتهاده) بقدر ما يرى انصراف من انصرف، وانهزام، ثم تعتد[5/245]
***(1/236)
[5/246]وتتزوج، وإن كانت الفتنة التي فقد فيها بعيدة من بلده كإفريقية ونحوها، وانتظرت سنة ونحوها، قال في كتاب ابن المواز : ثم تعتد، قال في العتبية ويقسم ماله.
وقال سحنون : إذا فقد في معترك بين المسلمين وشهد أنه قتل عمن حضره ممن لا يعدل، قال : أو ثبت حضوره القتال بالعدول؟ فله حكم الميت وإن لم يشهد بموته، ويقسم ماله وتعتد زوجته من يوم المعترك، فإن كان إنما رأوه خارجاً من العسكر ليس في المعترك، قدم حكم المفقود، يضرب له أجل المفقود.
ابن حبيب : إن فقد في معترك المسلمين في بعد في غير بلده، فلتتربص امرأته سنة ثم تعتد ويؤخر ميراثه إلى التعمير، قال أصبغ : إلا أن تكون المعركة بموضعه فلا تتربص أكثر من العدة ويقسم ميراثه. ومن كتاب ابن المواز : ومن فقد في معركة ببلد الإسلام فليس فيه أجل الفقد ويستبرأ أمرهن ثم تنكح امرأته بعد العدة.
ابن القاسم / إذا فقد بين الصفين في ثائرة بين المسلمين فليطلب فيه ويجتهد ثم تعتد امرأته من يوم لقاء الصفين، ويقسم ماله، قال أصبغ : ليس في استبرائه حد، وقد تكلم فيه الناس واستحسنوا السنة، وهو حسن ، ثم تعتد امرأته بعد السنة ثم العمل في ماله كالمفقود.
قال ابن القاسم : العدة داخلة في السنة ثم رجع فقال هي بعد السنة كعدة الوفاة.
ابن المسيب : إن المفقود بين الصفين تؤجل امرأته سنة، وأما فقيد أرض الحرب ففيه اختلاف، والذي أقول: إنه كالأسير يفقد في الصف أو في الزحف فلا أجل فيه ولا يعمل إلي أقصى عمره، بل يحكم فيه بحكم من مات ومن الناس من رآه كفقيد أرض الإسلام. [5/246]
***(1/237)
[5/247]ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن فقد فقد بين الصفين في أرض العدو أو أرض الإسلام فلتتربص امرأته سنة ثم تعتد، والسنة من يوم ينظر في أمره السلطان وتضرب له السنة.
ومن كتاب ابن سحنون : وكتب شجرة إلى سحنون في وقائع بين المسلمين مثل ما كان عندنا بتونس فشهد البينة أنهم رأوا الرجل في المعركة ثم لا يدرون [ما فعل الله به قلت له إن ثبت عندك بالعدول أنهم رأوه في المعركة ثم لا يدرون] حيث هو، فهو ميت، فاحكم فيه بما تحكم به في الميت، وإن لم يثبت ذلك بالعدول فأنزله كالمفقود واجعل ماله في أيدي الثقات ينفق منه على الزوجة والولد الصغير لا مال له معروف، وكتب إليه في المفقودين يكون قد شهد له رقيق معروفون بأنهم أحرار قبل موتهم بسنة. ولم تستبين أموالهم /، فيدعي الرقيق أن لهم أموالا ولا بينة لهم بها غير أن جواريهم في بيوتهم فكتب إليهم : إن ثبت الموت فهم أحرار وأموالهم تبع لهم، كان يعرفها السيد أو يجهلها، إن كان الثلث حملهم، يريد بأموالهم، وأما أولادهم : فرقيق، وما ادعى الورثة أن للسيد في أيديهم مالا يتجرون به فإن لم يصح ذلك ويثبت فعليهم اليمين، وفي سؤاله أنه أوصى لهم في تلك السنة التي يكونون فيها أحراراً قبل موته لهم أجرهم في خدمي كذا أو كذا، قال سحنون : على قول من رأى أنهم يعتقون من رأس المال، فإنه يكون لهم أجرة مثلهم ويكون من يشبه أن يكون ولد منه في هذه السنة حراً، وأما مالا يشبه ذلك فهو رقيق، وإما في قول من يراهم من الثلث فلا يري لهم أجر الخدمة، يريد : وأولادهم رقيق.
ومن كتاب ابن المواز : قبل لأصبغ في [فقيد] معترك الإسلام : فرق مالك بين بعد كالمغرب وخراسان، فهذه تتربص سنة، وأما القرب كقديد من المدينة، فتعتد من يومئذ، قال: ما علمت ولا أراه إلا في القريب جداً، أو بموضعه[5/247]
***(1/238)
[5/248] نفسه، فإذا جاء مثل هذا الأمر من الواضح مما لا يظن أنه باق أو مريض أو جريح فهو كما ذكرت وتعتد إذا علم أن به جراحات مثخنة وأما في الفقد وحده فلا، إلا القول الأول. ولعله ضرب على وجهه، وجدنا لمالك في قتال أهل المغرب يكون بينهم في قراهم فمن فقد فيه فلتقم زوجته الأشهر ثم تعتد، وأما ببلد بعيد كافريقية وبلد العدو فهو كالمفقود، قال مالك: وإذا خرج إلى بلد لتجارة / أو غيرها ففقد، فلا يدرى أين هو، فلا يضرب الإمام لامرأته الأجل إن طلبته إلا بعد الكشف عنه والاستقصاء، وإذا لم يعرف أين توجه سئل أهله أين سمعوه يذكر، يكتب إلى الموضع الذي يقال أنه قصد إليه، أو إلى الموضع الذي يرجى فيه خبره، وإن كان بعيدا فإن لم يجد له خبرا ضرب له أجلا إن كان حراً أربع سنين، كانت زوجته حرة، أو أمة، أو نصرانية، بنى بها أو لم بين، ولا يضرب السيد لعبده اجل الفقد، وهي مرقوفة مع ماله. والصغيرة تبلغ الوطء وزوجها صغير أو كبير ولها فق فقده ما لغيرها من ضرب الأجل والعدة يقوم بذلك أبوها أو وليها إن لم يكن الأب إلا أن تبلغ مبلغ النكاح والرأي فذلك لها، وإذا جهل الإمام فضرب الأجل من يوم رفعته لم يتم ذلك ولا تأتنف الأجل ولكن تحسبه من يوم ثبت عنده فقده بعد الفحص عنه، قال مالك : وإنما يضرب للمفقود ببلد الإسلام لا ببلد الكفر، ولو علم للأسير موضع ببلد الكفر ثم انقطع خبره فلا يقضي فيه بفراق ولا أجل، ومن ركب البحر إلي بلد الحرب غازيا أو ركب حاجاً يريد الإجازة من الأندلس وإليها.
محمد : قد فرق بين من قلد إلى بلد الحرب غازيا وبين غيرهم وبلغني أن أصبغ قال : ذلك كله سواء. ويضرب لهم أجل الفقد، ويضرب للذين خرجوا للتجارة بعد الكشف عن مقصدهم، والموضع الذي يرجى أن يردهم الريح إليه وينتظر بالغزاة ما يأتي في مثله خبرهم من حياة أو موت أو أسر أو بلوغ أو رجوع، فإذا استقصي ذلك ضرب لهم/ أربع سنين. فأما المدرب في البر إلي بلد الحرب فبخلاف ذلك، وهذا لا غاية له إلا القتل أو الأسر أو الرجوع. قال [5/248]
***(1/239)
[5/249]أصبغ: فأما المقلد فلعله لم يصل أو رده الريح إلى موضع، وقد قال أشهب وغيره : إن المدرب في البر كالفقود. قال محمد : وقاله الحرث بن مسكين ولم يأخذ بذلك أصبغ.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في العبد يفقد وهو وزوجته نصرانيان وسيدهما مسلم، قال : يضرب له الإمام نصف أجل الحر المسلم، فإن ضرب له أجل المفقود ثم عتقت الأمة فإن اختارت نفسها رجعت إلى أجل المطلقة ثم حلت، ولو أسلمت في الأجل – وهما نصرانيان – اعتدت عدة المطلقة، فإن جاء في العدة وأسلم كان أحق بها، وإن خرجت من العدة تزوجت فلا سبيل له إليها وإن أسلم بعد ذلك، ولو كان أسلم قبلها ثم جاء فهو أحق بها ما لم تدخل.
ومن كتاب ابن حبيب : قال أصبغ : وإذا تم أجل الفقد دفع إلى زوجة المفقود صداقها كله، قال في كتاب ابن المواز: وإن لم بين بها، وما كان مؤجلا منه بقي إلى أجله.
قال أصبغ في المواضحة ويقضى دينه من ماله حل الدين أو لم يحل [ويوقف ميراثه] إلى أقصى عمره، وينفق منه على من تلزمه النفقة عليه إلا زوجته هذه، فإن صحت وفاته بعد ذلك رد كل من اتفق عليه بعد وفاته النفقة وكذلك زوجته.
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك : وإذا قضى لزوجته جميع الصداق قبل البناء ثم قدم وقد تزوجت ردت/ نصفه، ثم رجع فقال : لا ترد شيئا كالميت والمعترض بعد التلوم له وحبسها عليه، وكذلك روى عيسى في العتبية عن ابن القاسم عن مالك.
قال ابن المواز : عن ابن القاسم : وهذا استحسان والقياس الأول، وهو أحب إلي، وقاله أصبغ، قال عيسى عنه مثله: إنه إن قدم وقد بنى بها الثاني فترد [5/249]
***(1/240)
[5/250] نصفه. محمد وقال ابن الماجشون : يعجل لها نصفه ويؤخر نصفه حتى يموت بالتعمير فتأخذ النصف الآخر، وقال ابن دينار : النصف لها من الصداق.
وقال غيره : إن كان دفعه إليها لم ينزع منها، وإن كانت لم تقبضه لم تأخذ إلا نصفه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه : اختلف قول مالك في المفقود قبل البناء فقال : إذا ضرب الأجل واعتدت عجل لها جميع الصداق من ماله، ثم إن قدم بعد أن نكحت ردت إليه نصفه.
وقال أيضا إذا تمت العدة فإنما يعجل لها نصفه، وبهذا نقول إلا في تعجيله فإن بعض أصحابنا يقول: يوقف لها هذا النصف إلى الوقت الذي تبين أنها لزمته فيها طلقة. وذلك إذا تزوجت ودخلت في قول من يرى أن البناء يفيتها. [وإذا تزوجت في قول من يرى أن العقد يفيتها].
قال سحنون فإن دفع إليها النصف ثم جاء الخبر أن المفقود مات قبل أن يتزوج غيره، فإنها تأخذ بقية الصداق، فإن جاء الخبر أنه مات بعد بناء الثاني فلا شيء لها إلا النصف الذي أخذت.
قال في جواب شجرة : وإذا كانت زوجة المفقود مدخولا بها ومهرها حال دفع إليها من ماله، وإن كانت غير مدخول بها فالأشياء موقوفه، قال عبد الملك : وأحب إلي في تعمير المفقود مائة سنة من يوم مولده، وقال مالك : سبعين، وقاله أبن القاسم وأصبغ، وقال ابن حبيب: قال ابن الماجشون : والتعمير في الزوجة والميراث والموصى له بالنفقة إلى تسعين سنة، وإليها رجع مالك وبه أخذ ابن حبيب، قال : وقال أصبغ ورواه عن ابن القاسم أن تعمير المفقود في معارك العدو لامرأته ولماله سبعون، أو ثمانون، قال أصبغ : سمعت أشهب يقول لا يقسم ماله إلا بعد مائة سنة من مولده.[5/250]
***(1/241)
[5/251]قال في كتاب ابن المواز : وترثه زوجته تلك وإن أنقضت عدتها بعد الأجل، وأما إن تزوجت ودخلت قبل وقت آخر عمره، فلا ترثه إلا أن يعلم أن موته قبل دخولها فترثه كانت الآن حية أو ميتة. وإن علم موته وشك فيه أكان موته قبل نكاح الثاني لها أو بعد نكاح الثاني وبعد دخوله فلا ميراث له، وقاله عبد الملك وأصبغ، والذي هو أحب إلي قول ابن وهب أنها ترثه ما لم تتزوج ثبت موته أو موت بالتعمير، وإذا وقف له ميراث من مات له من ولد ثم موت بالتعمير، فلا يقسم ما وقف له من ذلك مع ماله وليرد إلى ورثة الابن يوم مات الابن ولا ينفق من هذا الموقف على عياله، وإن لم يكن له غيره.
قال ابن القاسم : وإن فقد عبد فأعتقه سيده فمات له ولد فالقياس أن يوقف له ميراثه كالحر، والاستحسان أن يدفع إلى ورثة الابن بحميل، قال أصبغ : هو في القياس كالحر.
وإذا أنفق على زوجة المفقود في الأجل ثم ظهر أنه مات في الأجل ردت ما أنفقت بعد موته، وإن ظهر / أنه كان حيا قبل يتزوج ويدخل فلها أن ترجع في ماله بما أنفقت بعد الأربع سنين إلي الآن من مالها، وإذا تزوجت ودخلت عن قدم فوجد نكاح الثاني فاسداً مما يفسخ بغير طلاق فالأول أحق بها، وإن كان يفسخ بطلاق كالناكح بغير إذن ولي أو عبد بغير إذن سيده فلا سبيل [للقادم إليها واختلف قوله إذا قدم قبل بناء الثاني فلا سبيل] له إليها.
قال محمد : والأول أحق بها وإن دخل الثاني ما لم يخل بها الثاني خلوة توجب عليها العدة فلا شيء للأول حينئذ ويلزمه بذلك طلقة.
ولو قال الآخر بعد الخلوة : لم أمسها، حرمت على الآخر، ولم تحل للأول إلا بنكاح بعد ثلاث حيض.
قال ابن سحنون عن أبيه في الرجل يركب البحر فيأتي الخبر أن المركب غرق ولا يعلم حقيقة ذلك والمركب غاب في البحر خبره، قال : إن توجه من الأندلس[5/251]
***(1/242)
[5/252]يريد أرض الإسلام تونس وإفريقية وسواحل المسلمين، فليكتب السلطان إلى إمام تلك الناحية، فإن لم يوجد خبره فحال امرأته حال امرأة المفقود تؤجل أربع سنين ثم تعتد ويوقف ماله للتعمير، ومن كتاب ابن سحنون: وكتب إلى شرحبيل في قوم ركبوا البحر إلى جزيرة من الجزائر فطال مقامهم بها ثم يأتي كتاب بعضهم أن فلانا استشهد أو مات فيبقي، ثم تتزوج امرأته فيرفع أولياؤه ذلك إلى أي رجل محتسب، فكتب إليه مكي في ذلك : من قام فيه وامنع من النكاح حتى يتبين الموت بالشهادة القاطعة.
القول في المنعي لها تتزوج
وفيمن أطال الغيبة عن امرأته
أو ترك الوطء وهو حاضر
من العتبية من سماع عيسى عن ابن القاسم، قال مالك : وإذا نعي للمرأة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت، فلترد إلى الأول، ويستبرئها بثلاث حيض وثلاثة أشهر، ويتوارثان وإن ماتت قبل قدومه ورثها، ولا يوارث الثاني، قال عيسى : وإن ورثته ردت ما قبضت، ولم ترد الصداق إلا أن يموت قبل البناء فترد الصداق.
ابن القاسم : وإن قدم وهي حامل من الثاني ثم مات القادم فلتعتد منه أربعة أشهر وعشراً وترثه ثم لا تتزوج إن انقضت حتى تضع وإن وضعت قبل تمامها فلتتمها.
ومن كتاب ابن المواز وإذا نعي إليها ببينة فاعتدت وتزوجت فالقادم أحق بها، ويستبرئها [بثلاث حيض] كانت البينة عدولا أو غير عدول. كان شبه عليهم بعدول. أو شهدوا زوراً، وإنما يختلف ذلك فيما بيع من ماله ففي بينة الزور يأخذ عروضه أينما وجدها وإن شاء الثمن، ويأخذ أمته وقيمة ولدها من المبتاع، [5/252]
***(1/243)
[5/253]وقيل : قيمتها فقط إلا أن يكون عليه في ذلك ضرر على اختلاف قول مالك والقول الأول أولى، وأما في العدول فلا يأخذ منه حتى يدفع الثمن إلى مبتاعه إلا أمة فاتت بحمل من المبتاع.
قال مالك فيمن طالت غيبته سنين على امرأته فليكتب إليه: إما أن يقدم أو يحملها إليه، فإن أبى طلق عليه. قال عيسى في رواية في العتبية وإما أن يفارق، وفعله عمر بن عبد العزيز، وقد سأل عمر بن الخطاب، كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقيل : له أربعة أشهر أو ستة / أشهر، قال مالك : وليس هذا كالمفقود، وقيل له أربعة أشهر أو ستة / أشهر، قال مالك : وليس هذا كالمفقود، وقيل له : فإن بعث بالنفقة ولم يقدم، قال : أما الحين فذلك له، وأما إن طال ذلك فليس ذلك له ولم يحد الطول، قال: وكتب إليها يخبرها حتى تصبر على ذلك أو تفارق، خرج من المأثم، وروى عيسى عن ابن القاسم عن مالك مثله، وقال : ظننته أن الحين السنتان أو الثلاث، وأما إن طال ذلك فليطلق عليه، قال ويؤخذ بما أنفقت عليها في طول غيبتها من مالها.
وقد ذكرنا في باب نفقة الزوجات في كتاب النكاح قول ابن حبيب في الغائب تطلب زوجته النفقة وتجهل ملأه من عدمه وليس لها شيء حاضر : أنها إن صبرت، و إلا فرق الإمام بينهما إن طلبت ذلك، قال أحمد بن ميسر مثله، وقال بعد أن يتأتى به الإمام الشهر ونحوه، قال أحمد بن جعفر وأكثر منه قليلاً، وإن قدم وأنفق و إلا طلق عليه، وكذلك إن كان لا يعلم له موضع ولا خبر ولم تصبر، وإن صبرت هذه وطلبت ضرب أجل المفقود ضرب لها، ولا فرق بين الطلاق على الحاضر لعدم النفقة وبين الغائب.
ومن كتاب ابن المواز : وإن ادعت أن زوجها الغائب فارقها كاتبه الإمام فإن أنكر أمره بالقدوم وإن طالت غيبته.
وإذا ترك الحاضر وطء امرأته لغير علة مضاراً تلوم له وتردد مرة أو مرتين، فإن فعل وإلا طلق عليه ولا يؤجل أجل الإيلاء وليس على الرجل في أم ولده شيء إذا [5/253]
***(1/244)
[5/254]كبر وذهب ذلك منه، وقد كان رجال صالحون يخيرون الأمة الشابة/ أن يبيعها أو يحسبها، ومنهم من يخير زوجته، وإنه يحسن، ولكن ما أحب أن أضيق على الناس، قال : ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولا عن زوجته الأمة إلا بإذن أهلها وفي باب العنين شيء من هذا.
كتاب الخلع والحكمين والرجعة في الخلع
والحال الذي يبيح له أخذ ما افتدت به
وكيف إن افتدت على الضرر؟
وحكم التسرر والصلح على الاثرة
من كتاب ابن المواز : قال ابن شهاب : من الحدود التي ذكر الله تعالى: إذا استخفت بحقه [ونشزت عنه] وأساءت عشرته وأحنثت قسمه وخرجت بغير إذنه وأذنت في بيته لمن يكره وأظهرت له البغضة فذلك مما يحل له أخذ ما اختلعت به، وإذا كانت هي تؤتى من قبله لم يحل له أخذ ما أخذ منها.
محمد : لو أحبت فراقه من غير إساءة منها له منه لها في شيء مما وصفنا لجاز له بما افتدت به، قال الله تعالى : (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً) فأفرد هذا أو هذا.
قال عطاء : إذا أحبت فراقه فهي ناشز، وإن لم تنو في ذلك رجلا والرجل كذلك. قال عطاء : وقوله تعالي : (فاضربوهن) قال : ضرباً غير مبرح.
قال ربيعة : إذا لم يظلمها حل له ما أخذ كانت محسنة أو مسيئة. قال مالك: ويجوز له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها إذا أحبت فراقه، وليس من مكارم الأخلاق أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، قال مالك : فإذا خالعته ثم ثبت أنه[5/254]
***(1/245)
[5/255]مضار لها، رد ما أخذ في الخلع ولا يلزمها شرطه في رضاع ولا نفقه ولا غيرها، وكذلك روى / عيسى في العتبية عن ابن القاسم : إذا صالحته على شيء أعطته، وعلى رضاع ولده ثم جاءت بعد سنة وبامرأتين شهدتا أنها خالعته عن ضرر قال يحلف معها ويرد عليها ما أعطته وتأخذ منه أجر رضاع ولده.
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم : إذا أقامت بعد الخلع بينة يشهدون على السماع، ويسمع الرجل من أهله ومن الجيران، ويكون فاشياً، ويجوز في ذلك شاهدان على السماع البين والأمر المعروف ولا يمين مع ذلك قيل فإن شهد واحد على البت أن زوجها كان يضربها ويضيق عليها. أتحلف معه ؟ قال : كيف يعرف ذلك ؟ قال : يقول : سمعت واستبان لي قال عيسى له : فانظر فيه.
قال أصبغ : وهو جائز إن لم يكن معه غيره، فإن كان معه سماع منتشر و إلا حلفت ورد عليها ما أخذ منها، ومضى الفراق، وقد سألت عنه ابن القاسم بعد ذلك فقال : هذا لأن يمينها على ما قال.
وإذا أقامت بينة أنه كان يظهر بغضها لم ينفعها إلا البينة بالضرر، وقد يبعضها ولا يظلمها، قال : ومن الضرر الموجب لرد ما أخذ أن يؤثر عليها أخرى، ولا يفي لها بحقها في نفسه ولا في ماله، ويجب عليه إن لم ترض بالأثرة أن يفارقها بغير فداء أو يعدل، فإن رضيت بغير فداء أو بشيء يعطيها يصالحها به فلا بأس.
قال الله تعالى : (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً) الآية. وإن رضيت بالمقام على الأثرة فذلك جائز، ولها أن ترجع متى شاءت، قال ربيعة / : وإن رضيت بلا نفقة ولا كسوة ولا قسم جاز عليها وقد وهبت سودة يومها لعائشة حين أسنت فقبل منها رسول الله (صلي الله عليه وسلم).[5/255]
***(1/246)
[5/256] ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك : ومن علم من امرأته الزنى فليس له أن يضارها حتى تفتدي.
وروى عيسي عن ابن القاسم في المرأة الناشز تقول : لا أصلي ولا أصوم ولا أتطهر من جنابة فلا يجبر الزوج على فراقها ، وإن شاء سافر وحل له ما أخذ منها مما قل أو كثر.
في الصلح والخلع وما يوجب من الطلاق
وفي المرأة تشتري عصمتها
وهل في الخلع رجعة بشرط أو بغير شرط؟
وهل تتزوج بعد الخلع؟
وكيف إن فعل ثم طلقها هل تاتنف العدة؟
ابن المواز : قال مالك وأصحابه : الخلع طلقة بائنة وكذلك قال (صلي الله عليه وسلم) لثابت بن قيس : إنها واحدة.
وقال عثمان : هي طلقة بائنة إلا أن يسمي شيئا فهو ما سمى، وقاله عدد كثير من الصحابة والتابعين، قال مالك : [وإن لم يسم فهي واحدة قال محمد قال عنه العزيز وإذا اتبع الخلغ طلاقا من غير صمات ولا حديث لزمه. وقد أخطأ السنة].
رورى ابن وهب عن مالك : إذا أعطته عشرة دنانير على أن يطلقها طلقة بملك الرجعة فلا رجعة له ، وروى عن مالك في غير كتاب ابن المواز أن له الرجعة وقاله سحنون. [5/256]
***(1/247)
[5/257]محمد قال عبد الملك : إذا صالحته أو خالعته بشيء أعطته على أن له الرجعة فلا رجعة له، قال مالك : وله هو دون غيره نكاحها في عدتها منه.
ومن العتبية قال / عيسى ابن القاسم : وإن خالعها وهي حامل فله هو دون غيره أن يتزوجها في هذا الحمل ما لم تثقل فتصير كالمريضة تتزوج ، فلا يجوز ذلك له ولا لغيره حتى تضع.
قال أشهب عن مالك : ومن خالع امرأته ثم تزوجها ثم طلقها قبل أن يمسها وقبل تمام عدتها فإنها تبين ولو مسها ائتنفت العدة، وكذلك إن بنى بها وخلا بها الخلوة [ويتهم] على المسيس، وفي الباب الذي يلي هذا شيء من هذا المعنى.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم في المرأة تشتري من زوجها عصمته عليها، وقال : هي ثلاث ، لا تحل له إلا بعد زوج وإن لم يسم طلاقا، وكذلك إن قال : قد اشتريت ملكك علي أو طلاقك علي هو مثل عصمتك، وليست هذه فدية وهذه اشتريت كل ما يملك منها، وقال عيسى: ما أراه إلا فدية وهي واحدة بائنة كالخلع.
ومن المجموعة قال المغيرة، ومن قال لزوجته قد أعطيتك بعض عصمتي فقضت بالثلاث فلا مناكرة له كمن أعطاها بعض البتة.
في الخلع بغير عطية أو بعطية من الزوج
أو على عتق عبدها، وما يقصد به الخلع من الفراق
وقوله إن خرجت إلى متاعي فأنت طالق
أو على أن يخرج بها إلى بلد
ومن كتاب ابن المواز : وإذا تداعيا إلى الصلح وافترقا عليه إن لم يأخذ منها شيئاً فهو فراق كما لو أخذ، وإذا قصدا إلى الصلح بغير عطية أو على أن أخذ منها[5/257]
***(1/248)
[5/258] متاعه وسلم إليها متاعها فذلك خلع لازم، وقاله مالك في العتبية من سماع ابن القاسم / قال : ويكون بائناً، قال وأنت طالق أو لم يقل.
قال في كتاب ابن المواز : وإن لم يقصد قصد الصلح وقال : أنت طالق ولي متاعي ولك متاعك، وقال : ولك زيادة كذا، فله الرجعة [قال ابن وهب عن مالك وإذا صالحها على أن أعطاها شيئاً من ماله جهلا وطنا لانه وجه الصلح قال هي طلقة وله الرجعة] ثم رجع وقال : لا رجعة له إذا كان منهما على وجه الصلح . وقاله الليث، قال محمد وعلى قوله الآخر العمل.
قال مالك : وإن خالعته على عتقها عبدها لزمها ذلك، وقاله ربيعة وغيره قال مالك : فإن جعل خلعها خروج إلى أمها فذلك لازم. قال ابن سحنون عن أبيه : ومن قال لزوجته أنت طالق بما صار إليك مني، فإن أراد إن أعطته، فهو خلع تام، وإن أراد بذلك فأنت طالق فهو رجل أعطي وطلق فليس بخلع.
ومن العتبية عن مالك ونحوه في كتاب ابن المواز قال مالك : ومن قال لامرأته ألك عندي شيء ؟ قالت لا، ولا لك عندي شيء، قال : فاشهدوا أني برئت منها وبرئت مني فافترقا على ذلك ثم قامت بما كان لها قبله، وقالت لم أرد المبارأة، وقالت أنت أرادا المبارأة فذلك نافذ ولا شيء لها عليه، وكذلك إن دعته إلى افتراق وله عندها متاع فقال إن أخرجت إلي متاعي فأنت طالق فأخرجت بعضه ثم ندمت وتركت، قال : قد لزم الفراق وتخرج باقي المتاع.
ابن حبيب ك قال ابن الماجشون فيمن وهبته زوجته عشرة دنانير بقيت لها عنده من صداقها ثم وقع بينهما شيء فقال / لها : أخاف العشرة التى وهبت لي[5/258]
***(1/249)
[5/259] لا تجوز لي، ولكن أبارئك منها وتبرئينني ففعلت، فإن كان عالماً أن العشرة واجبة له بالهبة الأولى لزمه طلقة يملك فيها الرجعة إذ لم يأخذ عليها شيئا ، وإن كان ممن يجهل ذلك كان طلاقه البتة كمطلق امرأته طلاق الخلع.
فيمن خالع على أنها إن طلبت ما أعطته
أو خاصمته عادت زوجته
أو إن تزوج هو رد ما أخذ
أو على إن تخرج هي من البلد
أو على إن راجعها ودى نفقة ما مضي
أو غير ذلك من الشروط
من كتاب ابن المواز : قال مالك : وإن شرط إن طلبت ما أعطته عادت زوجه لم ينفعه ولا رجعة له، وإن ظنا أن ذلك يلزم فعادت زوجة تحته لذلك، ووطئها فليفارقها، وله ما رد إليها صداقا ، وإن صالحته بعد ذلك بشيء أعطته وقد حملت، وعلى أن أبرأته من نفقة الحمل ورضاعه، فالصلح باطل، ويرد إليها ما أخذ وعليه نفقة الحمل وأجر الرضاع، وله أن يتزوجها بعد أن تضع وإن لم تحمل فبعد الإستبراء، وليس بناكح في عدة وروى عن مالك أنه كالناكح في العدة، والمعروف عندنا من قوله ما قلت لك.
قال : ومن نكح من خالع في العدة ثم طلقها قبل البناء فهي تبني على عدتها ولها نصف الصداق بخلاف من ارتجع من طلاق رجعي ثم طلق قبل أن يمس فهذه تأتنف العدة، وقال ابن شهاب : ومن طلق ثلاثا ثم أرتجعها جهلا إنها تبين عنه وتعتد وتحل له بعد زوج، ويعاقب من أفتاه بالجهل.[5/259]
***(1/250)
[5/260] ومن العتبية من سماع ابن القاسم ك وإذا دعت زوجها إلي الفراق على أنها تدفع إليه ماله، فقال اشهدوا أني آخذ مالي منها ولا أطلقها ولا أفارقها، أو إن كانت حاملا أو طلبت مالها مني فهي امرأتي.
قال مالك : لا أرى الطلاق إلا وقد لزمه، ولا ينفعه هذا الشرط ، قال ابن القاسم في سماعه في العتبية إنما لزمه الطلاق بقوله: إن كانت حاملا أو طلبت مالها فهي امرأتي . قال مالك : لا أرى الطلاق إلا وقد لزمه فدل ذلك أنه فارق واستثنى [هذا، قال ابن القاسم ولو لم يكن غير قول المرأة خذ مالي وفارقني فقال أنا آخذ ذلك ولا أفارقك ولم يكن إلا هذا ما كان هذا يدل على رضاه بالفراق فلا يلزمه الفراق ولا يكون له المال ويحلف أنه ما أراد بأخذ المال فراقا ولا صلحا قال عبد الله وفي أول السؤال أنا آخذ مالي وآخذه مالها وله منها عند ابن القاسم سواء، إذا أجرياه فجرى الصلح] قال: ولو صالحها بما أو بغير مال على أن تخرج من بلده ثم أبت أن تخرج فالفراق لازم ولها ألا تخرج.
ومن كتاب ابن المواز: وإن صالحها على أنه إن راجعها في العدة فعليه نفقة ما مضى فلا رجعة له إلا بنكاح، ومن كتاب محمد: والعتبية عن أشهب عن مالك وإن شرط إن خاصمته فهي رد إليه فالشرط باطل، قال : وإن خالعها على أنها إن كانت حاملا فلا خلع لها وإن لم يكن بها حمل فذلك خلع، فقد بانت منه حاملا كانت أو غير حامل.
قال مالك في العتبية من سماع ابن القاسم، وفي كتاب محمد : إن خالعها في سفر على أنه إن مات قبل يبلغ بلده فما أخذ رده فمات في سفره فالشرط باطل والصلح ماض ولا يتوارثان، قال مالك : وإن صالحها بشيء من مالها من مالها (على [5/260]
***(1/251)
[5/261]أنه) لا ينكح أبدا فإن فعل رد ما أخذ منها لم يلزمه الشرط ولزمه الفراق بما أخذ منها. ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك : وإن خالعته على أنه لا يتزوج أبداً ،/ فله أن يتزوج ولا شيء عليه وله ما أخذ منها بفراقها.
في الخلع بالغرر من الآبق والشارد والجنين
وكيف إن زاد لها من عنده مالا على أن له هذا الغرر ؟
وخلع الذمية بالخمر
من كتاب ابن المواز : قال مالك : وإذا خالعها على جنين في بطن أمه فهو له إذا خرج ويجبران على الجمع بينهما ويباع مع أمه، أصبغ؛ لا أحب الخلع والجنين والآبق وبثمرة غير مزهية، فإن وقع مضى، وهو آخر قول ابن القاسم، قال أصبغ : وإن خالعها على جنين في بطن أمه على أن زادها عشرة دنانير أنفذا الصلح ونقص قيمة الجنين والعشرة . محمد : ينقص من قيمة الجنين قدر العشرة، فإن كانت قيمته أكثر من عشرة فالزياده للزوج فخلعه فترجع إليه عشرة ويكون معها في الجنين شريكا إذا خرج، وكذلك ولو كان موضع الجنين [شارد أو آبق] أو تمرة غير مزهية فالجواب سواء، فإن اغرقت العشرة قيمة ماذكرنا أو نقصت عنها فالعشرة رد إلى الزوج، وما كان مما ذكرنا رد إلى المرأة بأسره ، والقيمة في الجنين يوم يخرج، وفي الآبق والشارد والتمرة يوم يؤخذ.
وذكرها العتبي عن أصبغ ، فقال : ينظر إلى قيمة العبد الآبق يوم الصلح وإن كانت التمرة مأبورة فقيمتها يوم الصلح، وإن كانت لم تؤبر فقيمتها يوم تؤبر، [5/261]
***(1/252)
[5/262] وأما الجنين فيوم يولد ، وذكر ابن سحنون عن أبيه أنه ينظر إلى قيمة الآبقة والشارد والجنين يوم يقبض ذلك الزوج، ثم يضم إلي قيمة ذلك / العشرة فانظر العشرة مما اجتمع، فإن كانت النصف علمت أن نصف [البعير] والجنين والتمرة والآبق وقع للخلع، فيكون للزوج، ويفسخ ما بقي للبيع فيبقي للمرأة، ويأخذ الزوج عشرته على ما قال المغيرة في الموضحتين، والقيمة في ذلك يوم قبض البعير والآبق والجنين وما أصيب من ذلك قبل القبض فمن المرأة ويأخذ الزوج العشرة، وإذا ترافعوا إلى حكم قبل قبض ذلك ثم قبض بعد فالقيمة يوم يحكم بينهم في ذلك، وذكر زيادة وأراها غلطاً في الرواية إليه ينظر إلى قيمة الآبق يوم وقع الصلح، فإن كانت قيمته أكثر من عشرة يوم وقع الصلح رددت منه ما قابل العشرة ورجعت العشرة إلى الزوج، وإن كانت قيمته عشرة فأقل مضى العبد للزوج والعشرة للمرأة، وكأنه صلح على الآبق فقط أو على العشرة فقط، ومن خالع زوجته النصرانية لزم من ذلك ما يلزم في المسلمة فإن كان على خمر لزم الخلع وليس له أخذ الخمر.
في الخلع على شيء مجهول خاطرها فيه
أو على شيء غرته فيه فتبين خلافه
أو على شيء فاستحق
من كتاب محمد : فإن خالعها على ما في يدها فرضي ففتحت يدها فلم يجد شيئا، فقال أشهب لا يلزمه طلاق، وكذلك إن وجد حجرا، وإن وجد ما ينتفع به كالدرهم ونحوه لزمه الخلع، وقال ابن الماجشون : يلزمه الخلع لأنه رضي بما غرته، وقال محمد وسحنون.
قال عبد الملك ولو قالت له : أخالعك بعبدي هذا وأشارت إلى رجل، أو بداري هذه وأشارت إليها فإذا / العبد والدار ليسا لها، ولا لها فيهما شبهة ملك، فهذا لا يلزمه الفراق، لأنه طلق على أن يتم له ذلك، فأما لو كان بيدها شبهة ملك ثم استحق فالفراق لازم ويطلبها بقيمته.[5/262]
***(1/253)
[5/263] قال ولو قالت له أوصى لي فلان بوصية، أو لي عطاء ففارقني بذلك ففعل فلم يكن لها ما قالت فلا يلزمه طلاق إلا أن تكون كانت في عطاء فاسقط اسمها أو كانت في وصيته فضاق الثلث عنها فيلزمه الفراق ولا يتبعها بشيء.
قال ابن حبيب : قال مطرف : ولو أخذت لؤلؤة دنية لا تبلغ قيمتها درهما أو حصاة [فقالت خالعني بهذا] فرضي فإن كان شيء ينتفع به وإن قل فرضي به وعرف ما هو خلع، وأما حصاة لا ينتفع بها فليس بخلع ويكون طلقة رجعية.
فيمن خالع على دراهم فألفاها عديمة أو بدا لها
أو قال إن أعطيتني كذا أو ديني
فارقتك أو أفارقك ثم بداله
أو على أن ترد عليه خادمه وهي قد ماتت
من كتاب ابن المواز : وإن خالعها على ألف درهم تعطيه إياها فألفاها عديمة فالخلع ماض ويتبعها بالألف وهذا إذا لم يقل على أن تعطي [الساعة، أو أخالعك]على أن تعطيني فلم تعطه، فهذا لا يلزمه الصلح؛ قال عبد الملك : ولو قال أخالعك بدينار تدفعينه إلي، أو على دينار تدفعينه إلي، أو يكون عليك، فذلك سواء، فإن قبلت لزمه، وإن لم تقبل لم يلزمه شيء، وإن قال : أعطيني ثوبيك لثوبين لها وقد ملكتك، فقالت قبلت وفارقتك فقد لزمها وتم الفراق.
ابن القاسم : وإن قال لها إن أعطيتني / مالي عليك فارقتك أو أفارقك فهو سواء إن أعطته.
واختلف فيها قول مالك : وأحب إلي أن يحلف ما أردت أني قد فعلت، ولكن لأنظر : أفعل أو لا أفعل، وكذلك رواها عيسى عن ابن القاسم في العتبية.[5/263]
***(1/254)
[5/264]قال محمد : قال أصبغ : وليس هذا بشيء، وكان يقول مالك إن الفراق قد لزمه، واحتج بحجة مالك حين قال تركها حتى إذا كسرت وشيها نزع.
ومسألة مالك فأنا أطلقك، قال أصبغ : فهو طلاق بائن كالفداء، وجواب الفراق إذا أعطت قال مالك : [وإذا قال لها انقصي ديني وأنا أفارقك فكسرت وشيها فهو طلاق فدية، وكمن قال] لغريمه أعطني كذا وكذا من حقي ولك كذا أنه يلزمه.
وذكر ابن القاسم في العتبية هذه الرواية عن مالك، وروى أيضا عن مالك فيها : إذا قضته دينه ثم بدا له فقد لزمه الفراق، وإن كان على وجه الفدية، وإن لم يكن على وجه الفدية حلف ما كان ذلك منه على وجه الفدية، ولا أردت إلا أني إذا أخذت مالي طلقتها بعد ذلك فلا شيء عليه.
محمد : قال مالك : ولو أصدقها جارية فماتت وتركت ولدا فسألته الصلح، فقال : إن رددت إلى جاريتي فأمرك بيدك، قالت : قد رددتها عليك وفارقتك، قالته مرار، قال : يلزمها رد الجارية وقد بانت منه، وكان من قولها: الحمد لله الذي أمكن منك، قد ماتت الجارية فلم ير مالك ذلك ينفعها وقد بانت، وقاله ابن القاسم، وزاد في سماعه : وعليها قيمة الجارية.
ومن العتبية قال عيسى عن أبي القاسم [عن مالك قال : وإذا قالت له خذ مني كذا وأصالحك فتراضيا وأجاب بعضهما بعضا إلا أنه لم يقع الصلح ولا الاشهاد ثم بدا للمرأة فذلك لها ولا شيء عليها ولا طلاق عليه، قال عيسى عن ابن القاسم] فيمن قال لزوجته إن أعطتني عشرة دنانير فأنا أطلقك، أو عجلت إلى ديني، أو قال لعبده : إن جئتني بكذا فأنا أعتقك فلما / جاء به أو جاءت المرأة، بدا له، فلا يلزمه، ويحلف أنه ما أبت طلاقها وعتقه، وروى عنه أو زيد [5/264]
***(1/255)
[5/265]فيمن قال : إن أعطيتني عشرة فأنا أطلقت ، بها فأبي فإن كسرت وشيها وحليها في ذلك فهذا يلزمه، ورأيت معنى قوله إن جاءته بها ولم تتكلف بيع شيء فذلك بيد الزوج.
في الخلع على تعجيل دين أو تأخيره وهضم بعضه
أو على حمالة أو حوالة أو إجازة
من كتاب ابن المواز ومثله في كتاب ابن سحنون : وإذا صالحها على أن وضعها من دين له عليها على أن عجلته بطل التعجيل والوضيعة وتم الفراق.
وإن صالحها على أن عجل لها دينها عليه فذلك جائز، وكذلك على أن أخرها بدين له عليها، يريد محمد في قوله : إذا عجل لها ديناً لها عليه، أنه جائز إذا كان مما له تعجيله، قال غير ابن القاسم في المدونة وإن كان على أن يعجل لها بعض دينها، ووضعت عنه بقيمته، قال مالك : فالوضيعة نافذة، ويرد إليه ما عجل لها لتأخذه منه أذا حل أجله.
قال عبد الملك : وكذلك إن أخرته ببعضه وأخذت بعضه جاز ما أسقطت وبطل التأخير، قال مالك : إن كان الدين لها عليه فصالحته على أن اسقطت بعضه وعجلت بقيته بطل التعجيل وكان الفراق لازما وإن أسقطته بعضه وأخرته بطل التأخير والوضيعة وبقي الدين بكماله عليها إلى أجله ونفذ الطلاق.
ومن كتاب ابن المواز : ومن تزوج بعشرة نقداً وعشرين إلى أجل، فصالحته قبل الأجل والبناء والنقد على أن عجل لها العشرة النقد وأسقطت العشرين لم يجز ذلك، وجاز / الطلاق وترد له خمسة تأخذها منه إذا حل الأجل، وكذلك على ستة نقدا إلى خمسة عشر فلترد إليه ما زاد على الخمسة لتأخذه منه عند الأجل، لأن الفراق يوجب لها خمسة وعشرة إلى أجل، فالوضيعة تلزمها والتعجيل يسقط عنها، قال عبد الملك : وإلا صالحته على أن تحملت عنه بمال سقطت [5/265]
***(1/256)
[5/266] الحمالة وجاز الطلاق لأن الحمالة من السلف قال محمد وحيدة ، ولو قال على أن يسلفني بطل السلف، وإن صالحها على أن أحال عليها غريمه لزمها ذلك، فإن لم يجد الغريم عندها في الأجل شيئا رجع على الزوج إذ ليس بحوالة في أصل دين، وكمن أحال على مكاتب ثم عجز.
قال في كتاب ابن سحنون : وان خالعها على سكني دار سنة أو كراء حمولة مضمونة أو كراء دابة بعينها أو على أن تعمل له بيدها عملا من غزل أو الخياطة أو غيرها فهو من معنى الخلع بالغرر ، فذلك ماض نافذ.
في الصلح على إسقاط نفقة الحمل
وعلى رضاع الولد وكفالته
أو على النفقة عليه أو على الأب اغراما
أو على تسليم الولد
من كتاب ابن المواز، قال مالك: وللمختلعة طلبه بنفقة الحمل والولد ما لم تبرئه من ذلك.
قال : وإن صالحها على أن ترضع ولده حولين وتكفله أربع سنين، أو على أنها إن ماتت فأبوها ضامن وإن لم يكن ذلك جائزا فله الرجعة، قال : قد تم الخلع بالرضاع فقط وبطل ما زاد ولا رجعة له ولا تلزمها نفقة الولد بعد الحولين، وإن كانت ملية وهو عديم، وكذلك في العتبية في سماع / ابن القاسم، وقال : لا يلزمها من نفقة الأربع سنين شيء قال سحنون : يلزمها، ولو شرط عليها نفقة خمس عشرة سنة وقول سحنون هذا قول للمغير، وكذلك شرط النفقة على الزوج مدة. [5/266]
***(1/257)
[5/267]ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم : وإن صالحته أن تنفق هي على الزوج سنة فالخلع نافذ ولا نفقة له عليها، قال مالك : فإن شرط في الرضاع الا تنكح حتى تفطم ولدها لزمها ذلك قال مالك: وإن ماتت فنفقة الرضاع في مالها، ولو مات الصبي لم يتبع في هذه المدة بشيء ولو اتبعها كان له في ذلك قول، وقال أيضا : لا يتبعها. محمد بمنزلة من صالحها على أن عليها نفقة الحمل ورضاعه فاسقطته فلا تتبع . قال عبد الملك، لأنها على ذلك ضمنت ، ورواه أشهب عن مالك ، وروى أبو الفرج أن قول مالك أنه [يتبعها]، في موت الصبي.
قال مالك: فإن عجزت هى عن نفقة الصبي رجعت النفقة على الأب واتبعها به، وقال أصبغ : قال ابن القاسم لا يتبعها وقال أيضا : يتبعها، وقال أشهب وقاله عبد الملك وابن عبد الحكم عن مالك أنه يتبعها .
قال في سماع ابن القاسم : وإن شرط ألا نفقة لها حتى تضع فيدفع الولد إليه، فإن طلبته فنفقة الولد ورضاعه عليها في الحولين، فذلك جائز، وذكرها في العتبية من سماع ابن القاسم وزاد في الشرط فإن لم تف له بذلك فهي امرأته قال : فكل ما شرط لازم إلا هذا الشرط . محمد : قال مالك : وإن شرط أن نفقة ابنها سنه عليها، فإن نكحت فهي إلى أمها ونفقتها عليه، فذلك جائز محمد يريد في الحولين.
ومن العتبية قال أشهب عن مالك : وإن خالعها على أنه إن كان بها حمل فنفقته عليها قال: فإن كان بها حمل فالنفقة عليها، فإن لم يكن لها مال انفق هو واتبعها بذلك إذا أيسرت؛ قال عنه أشهب : وإن خالعها على أنها تكفل ولده ثلاث سنين بعد فطامه ولا تتزوج فيها، قال : لها أن تنكح، وقد شرط بتحريم ما[5/267]
***(1/258)
[5/268] أحل الله لها فإن شرط إلا تنكح حتى يفطم ولدها قال : شرط عليها مالا يصلح، قبل : فتكح ؟ قال : لا.
قال ابن نافع : لا تنكح في الحولين إذا شرط ذلك عليها، قال أشهب عن مالك في الحامل إذا طلقها زوجها، فبعد شهر بارأها على أن عليها رضاع ولدها ثم طلبته بنفقة حملها قبل المبارأة، قال : ذلك لها [وإن طلبته بنفقة الحمل بعد المبارأة] [فليس ذلك لها].
وفي كتاب ابن سحنون : قال : لها نفقة الحمل حتى تضع لا تزول إلا بشرط كما تشترط نفقة الرضاع.
ومن كتاب ابن المواز : وروى أشهب عن مالك في الحامل تخالع زوجها على أن عليها نفقة ولده ورضاعه قال : الذي أرى وهو الذي عليه أمر الناس يجري ألا شيء لها نفقة الحمل ولا نفقة الرضاع حتى تفطم ولدها، وأما ما سوى ذلك فلا أراه لازما ولا أرى أن يشترط، قال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون، وإذا صالحته على كفالة ما في بطنها ولم تذكر غير هذا فلها طلبه بنفقة الحمل وقد سمعت من يقول : الخلع قطع كل نفقة ولا أقوله لأنها لم تشترط، وتكون / عليه إذا عجزت عن نفقة ولده قبل حاجته إلى الطعام نفقته ورضاعه، وإذا عجزت عن نفقة ولده انفق عليه وطلبها بنفقة الولد إلى المدة التي اشترط فيها.
وروى عيسى عن ابن القاسم قال : وإن بارأته على مال أعطته وعلى أن ترضع ولده عامين فأرادت أن تتزوج قبل ذلك فإن كان ذلك ضررا بالصبي منعت كمن استأجر ظئراً فأرادت الترويج وروى عنه عيسى في التي خالعته على أنه أحق بولده وهم صغار، قال : هو أحق بهم ولا رجوع لها.
ابن حبيب ِ: قال ابن الماجشون : الخلع ماض ويرجع فيأخذ ولدها لأنه حق للولد، فليس لها قطعة ، ولا يختلف في هذا عندنا.[5/268]
***(1/259)
[5/269] ومن العتبية قال أصبغ عن ابن القاسم وان خالعته على أن ترضع ولده، فإن ابت فعليها عشرة دنانير، قال يمضي ذلك على ما وقع، وليس هذا من عمل الناس.
ابن حبيب : قال أصبغ عن ابن القاسم : ومن طلق امرأته واحدة على أن لا نفقة لها في العدة حتى اراجع أو أدع فقبلت على ذلك فهي طلقة لا رجعة فيها كالخلع.
ومن كتاب ابن سحنون : وإن خالعته على رضاع ولدها سنتين على أن أخذت منه دنانير ثم تزوجها بعد سنة فليرجع عليها من الدنانير بحساب ما بقي يريد لأنها صارت تجبر على رضاعه حين رجعت في عصمته، ولو خالعها على كفالة الولد عامين ولم يعطها هو شيئا ثم مات والولد فلا يرجع عليها بشيء وان خالعته على أن يسكن دارها سنه أو أن تحمله إلى بلد كذا وكذا / مضموما أو على دابة بعينها أو على أن تعمل له بيدها عملا فذلك كله جائز كما قلنا.
في الخلع قبل البناء أو بعده
على رد أخذت أو على مال أعطته
أو تقايلا في النكاح
من كتاب ابن المواز : وإذا صالحته قبل البناء [على دنانير] أعطته، ولم تقل من مهري فلا تتبعه بشيء من المهر، ولترد إليه ما قبضت منه قال مالك وجميع أصحابه إلا أشهب فقال : يرجع بنصف الصداق في الصلح، قال : وكذلك لو أعطته مائه على أن طلقها لرجعة ، قال محمد : أما هذه فترجع ، وأما الصلح والخلع المبهم ولم يشترط أن يطلقها بما يعطيه فليس بقول مالك ولا أصحابه.
قال ابن الماجشون : وقول المغيرة وغيره كقول مالك. قال ابن القاسم: قاله الليث.[5/269]
***(1/260)
[5/270] قال مالك : وإن صالحته أو خالعته قبل البناء على عشرة دنانير من صداقها فلها نصف ما بقي، وإن خالعته بعد البناء على عشرة من مهرها فلها أن تتبعه بما بقي بحلاف التي لم يبن بها، ولو قالت التي لم يبن بها علي أن يطلقني طلقة فلها أن تتبعه بنصف المهر لأنها أشترب بها هذه الطلقة، وأما في الخلع المبهم فلا تتبعه بشيء خالعته بعطية أو بغير عطية، وذكر ابن حبيب في خلع التي لم يبن بها على عطية منها إنها لا ترجع بالمهر، وقول ابن القاسم، وان قبضته ردته وقال أصبغ : أما إن قبضته فلا ترد منه شيئا كان ما أعطت الزوج أقل من نصف أو أكثر لأنه بمعنى الصلح إلا أن يشترط الزوج / رد شيء منه، وان قبضت بعضه فلها ما قبضته كان مثل ما أعطت أو أكثر ولا شيء لها مما لم تقبض.
قال محمد بن عبد الحكم في البكر يزوجها أبوها بصداق ثم قال الزوج للأب أقلني في النكاح وهذا قبل البناء فأقاله، قال : الإقالة في هذا تطليقة ولا شيء لها من الصداق على الزوج إن لم يكن دفعه، وان كان الأب قبض من الصداق لزمه أن يرده إلى الزوج.
في مخالعة غير البالغ
وخلع الأب أو الوصي عن الصبية
وخلع الأجنبي عن الزوجة
وضمانه والوكالة على الخلع
من التعبية وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في التي لم تبلغ المحيض وقد بني بها الزوج فصالحته على مال أعطته فذلك نافذ، وله ما اخذ لو كان يصالح به مثلها.
وقال أبو بكر بن محمد: المعروف من قول أصحابنا أن المال مردود والخلع ماض. [5/270]
***(1/261)
[5/271] وقال سحنون في اليتيمة البالغ تفتدي من زوجها قبل البناء؛ قال : ذلك جائر، وله ما أخ ولا رجوع لها فيه، قال في كتاب ابنه ومن لم يحزه لم أعنفه فيما اختار.
قال أصبغ : لا يجوز ما بارأت به الصغيرة غير البالغ أو السفيهة، وكذلك بعد موت الأب قبل البناء، ويرد ما أخذ منها ويمضي الفراق ولو أخذ الزوج حميلا بما يدركه في نصف الصداق الذي بارأته به فغرمه رجع به على الحميل، وكالتي يبارئ عنها أخ أو أب بغير علمها، إلا أن هذه يرجع فيها الزوج بما رده فيأخذه ممن بارأ عنها، ولا يرجع في مبارأته عن الصبية على أحد يريد ولم يأخذ بذلك ضامنا.
وقال ابن حبيب عن أصبغ: إنه إن خالع/ عنها وصي أو ولي أو سلطان رجعت على زوجها بنصف الصداق ورجع هو على الذي بارأة عنها وإن لم يشترط عليه ضمانا، وقال : اخبرني بذلك ابن القاسم عن مالك وقال عن أصبغ في الوصي أو الولي أو خليفة السلطان يبارئ عن اليتيمة قبل البناء على وضع نصف الصداق فلا يجوز ذلك عليها إلا الأب وحده وترجع هي بنصف الصداق على الزوج ويرجع هو به على من بارأه عنها [سواء] اشترط ضمان ذلك عنها أو لم يشترط، وان بارأ عنها الوصي بأقل من نصف الصداق قبل البناء على النظر لفساد وقع أو لضرر بين فذلك جائز ماض عليها.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك : وان قال الأب للزوج بعد البناء فارق ابنتي ولك ما على ظهرك فقبل على ذلك فقد بانت منه، فإن رضيت هي والا طلبت الزوج، ثم رجع الزوج به على الأب، وكذلك الأجنبي يصالحه عن امرأته على مثل ذلك ذلك أو يقول له : طلقها ولك كذا ، فذلك يلزمه، وان لم يقل وأنا له ضامن بذلك عرف المرأة أو لم يعرفها في ذلك كله، وكذلك لو قالت هي لزوجها فارق امرأتك الأخرى ولك كذا فإن فارق في جوار ذلك وفوره لزمها ما جعلت له. [5/271]
***(1/262)
[5/272] وقال ابن دينار : أما خلع الابن والأب والأخ ومن له قرابة من المرأة فهم ضامنون، وأما غيرهم فلا، قال مالك وإن أرسلت إليه أن يبارئها فقال : نعم أنا ابارئها فأقام أياما لا يأتيها، فزعمت هي أنها رضيت فذلك فراق قد لزمه وإن وكلت رجلا يصلحها ولها على زوجها مائة دينار فصالح زوجها على اسقاطها فرضي فقد تم الصلح ولزمها [ع] لعله يريد إذا كان ذلك صلح مثله.
ومن المجموعة قال ابن القاسم/ فيمن وكل رجلا يصالح عن امرأته فصالحها بدينار فأنكر الزوج فذلك له وإنما يجوز عليه صلح مثلها، ابن حبيب: قال أصبغ فيمن دخل بين رجل وزوجته فدافع عنها فقال له الزوج أظنك تحبها هات ما سقت لها وهي لك بذلك وأتاه له وقال : هاتها، فالفراق لازم له على سنة الخلع، وللمرأة بعد انقضاء العدة أن تنكح الرجل أو غيره.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك فيمن تزوج أمه فرغب به عنها قريب له، فقال له طلقها وأنا أكتب لك على مائه دينار إذا شئت النكاح بها ففعل فأقام سنين وعتقت الأمة وتزوجها بعد زوج بعد موت الضامن قال : لاحق له في ماله، وهذه في كتاب النكاح.
ومن زوج ابنته البكر [ثم كره ذلك] فقال لها، ارضي بفراقه وصداقك علي، يريد قبل البناء.
قال ابن القاسم: ليف لها بذلك ولا يقضى عليه به لأنه كان له أن يباريء عنها ويضع نصف الصداق ويحلف ما أراد به صدقه بتلا قال أصبغ ولكن لو أشهد به وكتب على نفسه لزمه نصفه عوضا من نصف الصداق ونصف عطية فإن مات الأب قبل قبض العطية منه سقطت ولا يسقط نصف الصداق وإن مات كشيء وداه عن الزوج وللأب في البكر العفو عن نصف الصداق بعد الفراق فإما قبله فلا إلا على المبارأة. [5/272]
***(1/263)
[5/273] صلح الأب والوصي عن الصغير والسفيه
والسيد عن عبده
من كتاب ابن المواز : ولا يجوز طلاق الأب أو الوصي على الصغير إلا على المبارأة وأما الوصي في اليتيمة فلا، وإنما يصالح على من له أن يعقد عليه النكاح قال/ عبد الملك : وليس للسيد أن يباريء عن عبده وقد ينكح بإذنه حتى يرضى للعبد بخلاف اليتيم الصغير [لأنه لاطلاق للصغير، فالأب والوصي يصالحان عنه ولو بلغ سفيها حتى يجوز طلاقه لم يجز أن يصالح عنه أب ولا وصي لأنه طلاق، فالطلاق بيده دونها.
وروى عيسى عن ابن القاسم أنه يبارىء عن السفيه، ويزوجه بغير امره، وقال عبد الملك : وتزويج عبده الصغير ولا يطلق عليه إلا بشيء يأخذه له كاليتيم الصغير]، قال مالك : يجوز مبارأته عن يتيمه الصغير ما لم يبلغ الحلم.
في المرأة تفقد فبذل الأب
في طلاقها مالا ثم قام فيه
من كتاب ابن المواز وكتاب ابن سحنون في امرأة فقدت فبذل الأب للزوج مالا على طلاقها، ثم قال الأب : لعلها ماتت قبل هذا فرد علي ما أخذت، قال يوقف المال فإن عمي أمرها إلى وقت لا تجيء إلى مثله فذلك للزوج، وإن تبين أنها ماتت قبل الفراق أخذه الأب وورثها الزوج وإن مات الزوج قبل كشف ذلك لم يوقف لها من ميراثه شيء لأنه مات بعد أن طلق إن كانت حية أو مات بعد موتها. ابن المواز: لا أرى أن ينزع ذلك من يد الزوج حتى يتبين باطل ما قبض بأن تقوم بينه بموتها قبل الطلاق، ألا ترى أنها لو كانت رابعة لم امنعه نكاح غيرها، لأن فراقه بائن. [5/273]
***(1/264)
[5/274] فيمن خالع ثم ظهر به أو بها عيوب
أو كان حلف بالطلاق لا خالعها ثم فعل
أو قال لعبده إن قاطعتك فأنت حر ثم فعل
من كتاب ابن المواز / وإذا تبين بعد الخلع قبل البناء أو بعده أن به أو بها عيوبا ترد هي بها أو يكون لها الخيار في عيوبه، فالخلع ماض، وله ما أخذ في كل شيء يجوز المقام عليه وإنما يرد ما أخذ في نكاح لا يقر عليه.
وقال ابن الماجشون : إن كانت العيوب به مضى الخلع ورد ما أخذ منها، وكذلك في كتاب ابن سحنون.
قال ابن المواز : والحجة على عبد الملك : أن الرجل يفارق امرأته [ثم يقول : قد كان بها من العيوب ما ترد به]، فلا يرجع بشيء ولا حجة له، ومن خالع زوجته ثم وجدها أمة قد أذن لها سيدها في النكاح، فإن كان يجد الطول لحرة رجعت عليه بما أعطته قال عبد الملك، وبه أقول، وإن كان لا يجد الطول ويخشى العنت فله ما أخذ لأنه كان له أن يقيم إذا كان الخلع بإذن السيد، وواجد الطول لم يكن له المقام عليها فيرد ما أخذ، فيرجع على من غره بها إلا أن يشاء التماسك بما أخذ، ولا يرجع بشيء، يريد والخلع بإذن السيد وإن كان لا يجد الطول ويخشى العنت ولم يأذن السيد في الخلع، رد ما أخذ ولا رجعة له، ولا رجوع له بالصداق إلا أن يغره منها أخد مه أنه كعيب ذهب، أو علمه بعد أن طلق، وكذلك يرد ما اخذ من السفيهة، في الخلع. ومن قال لامرأته أن صالحتك فأنت طالق البتة، فإن افتدت منه كانت طالقا البتة ورد ما أخذ كمن قال لعبده : أن بعتك فأنت حر، فباعه فهو حر، وترد اليمين.[5/274]
***(1/265)
[5/275] ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم وان قال أنت طالق واحدة إن صالحتك ثم صالحها فلا يرجع عليه بشيء[وكمن قال لعبده : إن قاطعتك قبل السنة فأنت حر، قم قاطعه فلا يرجع عليه بشيء] قال عيسى : لأنه ما حنث بطلقة كانت له الرجعة، وصارت/ عطية المرأة فيما قطعت عنه ماله من الرجعة، وكذلك عطيته العبد فيما تعجل من العتق قبل السنة.
ولو قال : إن صالحتك فأنت طالق البته ثم فعل فهذا يرد ما أخذت وكذلك في العبد إن لم يقل إلى سنة فهو يرد ما أخذ منه إذا قاطعه.
ومن كتاب ابن سحنون : وإن خالع ثم تبين أنها ذات محرم أو تزوجها محرمة أو شغارا أو متعة أو بغير صداق فليرد ما أخذه.
في الخلع في المرض
من كتاب ابن المواز : قال مالك في المريض ويخالع امرأته قال ذلك جائز وترثه، وله ما أخذ. محمد : ترثه مما قبض منها ومن غيره.
قال مالك : وإن كانت هي المريضة لم يجز الخلع، وروى عنه ابن عبد الحكم : يكون له من خلع مثلها ويرد ما بقي.
قال ابن القاسم : إن ماتت من ذلك المرض فله قدر ميراثه منها، وقاله أصبغ.
قال : ويوقف ذلك ولا يمكن منه [إلا أن يكون ما خالع أقل فله الأقل]، فإن صحت أخذه، وإن ماتت أخذ منه قدر ميراثه من التركة يوم ماتت لا يوم[5/275]
***(1/266)
[5/276]الصلح، وإن كان أقل من ميراثه فله الأقل، ولا يحسب عليها ما أنفقت على نفسها من مصالحها ولا ما تلف.
محمد : ويحسب ما صالحته به من التركة وليس لها تعمد تلف مالها في غير مصلحة، وإن أوصت بشيء فذلك في ثلث بقية تركتها بعد عزل ما صالحته به ثم يضاف ذلك إلى ما بقي بعد الوصايا فيأخذ قدر ميراثه منه إلا أن يكون ما صالح به أقل فله الأقل.
قال في كتاب طلاق السنة قال أصبغ : لا يمكن مما صالحها به في مرضها، ولا يوقف ويترك على مثله/ في مالها ولا يمنع من التصرف في مالها من بيع أو شراء أو نفقه بالمعروف ووصية.
ومن العتبية وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أنه إنما ينظر، فإن كان قدر ميراثه منها يوم الصلح نفذ ذلك للزوج ولا يبالي هلك مالها بعد ذلك أو بقي، كان ما يأخذ عند موتها أكثر من ميراثه أو أقل، كان ما أخذ ربعا أو غيره.
ابن حبيب عن أصبغ أنه يترك بيدها إن كان عينا، ثم ذكر نحو ما ذكر محمد قال : وإن كان عرضا بعينه وقف بغير يدها، ولا ينفق منه إلا أن يحتاج فينفق منه، وإن ماتت وهو قدر ميراثه أو ما بقي منه لم يكن له غيره أو ما بقي منه ولا يكون له قدر ميراثه إلا فيه، ولو صح أو قد تلف فمصيبته منه.
ومن كتاب ابن سحنون وإذا صالحته وهي حامل في أربعة أشهر ثم تزوجها قبل ستة أشهر فذلك كله جائز. وإن صالحها بعد ستة أشهر ثم تزوجها وهو صحيح، فذلك جائز إذا صالحها على قدر ميراثه منها فأقل، وأخرت نكاحها إذ لم يدخل على أهل المرأة ضررا في ميراث أو صداق. قال : ولو صالح مريض زوجته ثم أراد نكاحها وقال هي وارثه قبل النكاح فلا يجوز نكاحه لأنه يتهم بما صير لها من الصداق، فإن تزوجها وبنى بها لم أفسخه ولها المسمى في ثلثه لأني إنما فسخت نكاحه في الأجنبية وإن بنى بها لأنها لا ترثه، وأما الصداق فهو لها في ثلثه،[5/276]
***(1/267)
[5/277] فسألتك الميراث لها قائم، وإنما كنت أفسخه قبل البناء للتهمة في الصداق، فقد حصل لها بالبناء في الثلث، فليس فسخه بحسن له.
في المطلقة واحدة تعطيه مالا على أن لا يرتجعها
أو التي أسلمت تعطي زوجها شيئا على تأخير إسلامه
ومن أتبع الخلع بالطلاق
من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك فيمن طلق امرأته واحدة فأعطته مالا في العدة على أنه لا رجعة له عليها، قال: أراه خلعا تلزمه طلقة بائنة. وقال عيسى عن ابن القاسم مثله. وقال على ألا يراجعها، قال : وتبني على عدمها، قال : ولو راجعها ثم طلقها فلتأتنف العدة مس أو لم يمس إلا المولي يرتجع فإنه إن قال : أنا أمس فلم يمس فلتبن على عدتها الأولى ولا رجعة له .
وروى عبد الملك بن الحسن عن أشهب فيمن طلق امرأته طلقة ثم قالت أعطيك عشرة دنانير على أن تراجعني ففعل، قال : إن شاء راجعها ورد إليها العشرة.
ومن كتاب ابن المواز عن ابن القاسم في المطلقة واحدة تختلع منه في العدة وتعطيه شيئا على أن يراجعها فهي مطلقة بائنة بالخلع في الوجهين.
وروى عبد الرحمن بن أبي جعفر الدمياطي عن ابن وهب فيمن طلق امرأته واحدة ثم أعطته دينارا على أن لا يرتجعها فرضي، قال : لا يلزمه غير الطلقة الأولى ولا رجعة له عليها.
ومن كتاب ابن المواز قال : وإذا أسلمت النصرانية فأعطت زوجها شيئا على أن لا يسلم حتى تنقضي عدتها أو على أن لا تكون له رجعة فأخذ منها على ذلك ثم أسلم، قال مالك: يرد ما أخذ منها وهو أحق بها، وطلاقه قبل إسلامه [5/277]
***(1/268)
[5/278] باطل، ولو لم يسلم حتى بانت منه ثم تزوجها فهي عدة على جميع الطلاق، وكذلك رواها عيسى / عن ابن القاسم، وقال : يرد ما أخذ منها وإن لم يسلم إلا بعد العدة. قال عيسى عن ابن القاسم. ومن خالع امرأته ثم قال لها أنت طالق، وقال : لم أرد إلا طلقة الخلع لم يقبل قوله وتكون طلقتين، ولو قال : أنت طالق طلقة الخلع لم يلزمها إلا طلقة.
في التداعي في الخلع ودعوى البتة
فيما يحلف أنه خالع به أو لم يحلف
وقال على أن لا يتم ذلك حتى أفاصل
من العتبية قال أصبغ : وإن أقام بينه أنه صالح امرأته على عبدها وأنكرت فأقامت بينة أنها صالحته على عشرة دنانير وكل بينة تقول : إنها كانت لفظة واحدة وفي مجلس واحد، فالبينتان ساقطتان والصلح ماض وليس له إلا العشرة إن شاء، وكذلك لو ادعى أنه صالحها بالأمرين.
قال ابن نافع فيمن قال : أشهدكم أني صالحت امرأتي بكذا وكذا، وفالخلع لازم له، فإن أقرت ودت وإلا حلفت وهي أملك بنفسها، وقال سحنون عن ابن القاسم: وإن صالحته على عبد غائب فمات أو وجد به عيبا، فقال : كان ذلك قبل الصلح وقالت بل بعد الصلح فالمرأة مدعية وعليها البينة، وإن ثبت أنه مات بعد الصلح فلا عهدة فيه بخلاف البيع.
قال ابن القاسم عن مالك – وهي في كتاب ابن المواز – فيمن قال إن دعوت إلى الصلح فلم أجبك فأنت طالق، فدعته إلى دينار فقال إنما نويت مثل صداقك أو بنصف مالك فهو ويحلف ويترك معها. قال ابن القاسم : وإن لم تكن له نية فلم يجبها إلى ما قالت حنث./ [5/278]
***(1/269)
[5/279] ومن كتاب ابن المواز: قال مالك : وإذا قال : خالعتني بمال فأديه فأنكرت لزمه الخلع وحلفت، فإن قال إنما نويت على ما سميت فإن أتمته لي وقع الخلع وإن لم تتمه فلا شيء لها، حلفت وأقرت عنده، وكذلك في العتبية عن ابن القاسم عن مالك.
وقال في جوابه: إذا قال الخلع قد ثبت ووقع، الفراق، حلفت وبرئت، وقال أصبغ في آخر المسألة : إنما يقبل قول الزوج: إنما أردت أن لا يتم الخلع حتى تعطيني إذا نسق ذلك بإقراره بالخلع، فأما إذا قاله بعد ذلك فلا قول له.
ومن كتاب ابن المواز : وإذا قال الزوج لأبي زوجته على الغضب : اقبل مني ابنتك وقد بنى بها، فقال قد قبلتها منك، فقال على أن ترد إلي مالي، فقال لا أرد شيئا، قال : قد بانت بطلقة بائنة، لأنه أراد المبارأة ولا شيء له من المال، إن لم يكن ذلك نسقا.
قال أصبغ: وإن لم يستدل أنه أراد المبارأة لتداع كان بينهما متقدما وشبهه، ولم يكن استثناؤه بالمال نسقا، لكن انقطع كلامه وأجاب الأب ثم استثنى هو المال فلا يكون صلحا ويكون بيانا كالموهوبة والمردودة، قال عيسى عن ابن القاسم فيمن أقر عنده قوم أنه بارأ امرأته ثم قال : كنت مازحا وأنكرت هي المباراة، قال: إذا شهد عليه بإقراره بانت منه بواحدة ولا رجعة له، فإن مات في عدتها ورثته ولا يرثها. [5/279]
***(1/270)
[5/280] فيمن أعطته امرأته مالا
على يمين بطلاقها أو على تمليك
أو قال إن أعطيتني كذا طلقت ضرتك
فقالت إنك تراجعها، فقال إن راجعتها فهي طالق
ثم فارقته ولم تعطه
من كتاب ابن المواز: وإن أعطته امرأته شيئا على أن يحلف بطلاقها / فذلك جائز إن رضي، فإن حلف بطلاقها وبر حنث بطلقة، وله الرجعة، وإن حنث فهي طلقتان وله الرجعة.
قال عبد الملك : وإن أعطته ديناراً على أنها طالق واحدة إن تزوج عليها، أو على التي يتزوج عليها طالق، أو على أنها طالق إن دخل بيت فلان، فإن حنث في شيء من ذلك لم يكن طلاق خلع لأنه استوجب ما أعطته قبل الحنث فصار إذا حلف حنث موتنفا، وإن شاء بر فيه، وقد وجب له ما أخذه قبل ذلك.
وفي أبواب التملك : ذكر التمليك على عطية، وذكر المناكرة فيه.
ومن المجموعة قال ابن القاسم : ومن قال لامرأته : إن أعطيتني كذا طلقت ضرتك، فقالت : إنك ستراجعها فقال : فإن طلقتها ثم ارتجعتها فهي طالق البتة، ثم افترقا ولم تعطه شيئا، ثم طلق تلك المرأة، ثم أراد رجعتها. فإن كان يمينه إذا طلقتها في ذلك المجلس ثم راجعها فهي طالق البتة فلا شيء عليه، وإن لم تكن له نية فهو عندي يقبل، ورأيت معنى قوله : أن لا يرتجعها، فإن فعل ذلك طلقت عليه. [5/280]
***(1/271)
[5/281] فيمن قال لزوجته إن لم تعطني كذا
فأنت طالق وفعلت، هل لها رجوع؟
أو على إن أعطيتني، أو على أن تعطيني
وخلع السكران
من كتاب ابن سحنون : قال عيسى عن ابن القاسم فيمن قال: إن لم تعطيني مائة دينار، أو قال إن لم تدعي لي مهرك فأنت طالق، ففعلت ذلك. فذلك وليس ولها أن ترجع، ولو أقام الزوج بعد ذلك / شهرين أو ثلاثة ثم طلقتها فطلبته وقالت: إنما تركت له لئلا يطلقني، فليس ذلك لها.
قال ابن سحنون : قال بعض أصحابنا : إذا قال إن لم تضعي عني مهرك فأنت طالق، إن لم أتزوج عليك، فتضعه عنه إن ذلك جائز، وليس فيما أحل الله ضرر، وضرب فيه أمثالا فقال : يقول إن لم تعطيني كذا فأنت طالق إن لم أتزوج عليك فتضعه عنه : إن ذلك جائز، اخرج بك إلى البصرة، أو إن لم أشأ هذه الجارية بين يديك فأي ضرر أبين من هذا؟ وإن قال: أنت طالق على أن تعطيني مائة دينار فهي طالق وليس عليها أن تعطيه شيئا، ولو قال : إن لم تعطيني مائة دينار فأنت طالق، قال : إن أعطته المائة فلا شيء عليه وإن لم تعطه المائة فهي طالق.
قال سحنون : أما قوله : أنت طالق على أن تعطيني كذا فلا يلزمه طلاق حتى تعطيه. ولو قال : انت طالق وعليك لم يلزمها شيء وهي طالق.
قال ابن سحنون عن أبيه في السكران يخالع زوجته بعطية أعطاها، قال : لزمه الطلاق ويرتجع ما أعطى، لأنه طلاقه يلزمه ولا تلزمه عطاياه.[5/281]
***(1/272)
[5/282]في الحكمين في خوف الشقاق
من كتاب ابن المواز : وإذا رأى الحكمان الإساءة من قبله فرقا بينهما، وإن كان من قبلها تركاها وائتمناه عليها، وإن كانت منها جميعا فرقا بينهما على بعض ما أصدقها، ولا تستوعب له وعنده بعض الظلم، وقاله أشهب، وهو أحسن ما سمعناه وهو معني قوله تعالى : (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليها فيها افتدت به) إذا اجتمعا في والظلم، وحكم في ذلك السلطان، قال : وإن فرقا بالبتة : فقال أشهب تلزمه واحدة بائنة، وقال ابن القاسم : تلزمه بالبتة وقاله أصبغ لحديث زبرا.
وروى عبد الملك بن الحسن في العتبية عن أشهب أنهما إن فرقا واحدة فهي واحدة، وإن فرقا بثلاث فهي ثلاث، محمد : وإن حكم أحدهما بواحدة والآخر بثلاث فهي واحدة أحب إلي؛ وقد روي أنها لا تكون شيئا. ابن حبيب عن أصبغ: إنها ليست بشيء.
وقال ابن الماجشون ومطرف : إذا أخطأ السلطان ففرق بالبتة في كل ما يفرق فيه فقد أخطأ وتكون واحدة، وكذلك الحكمان، وقاله أصبغ إلا في الحكمين فقال : مضى ذلك في الحكمين.
ومن كتاب ابن المواز : قال : ويبعث الحكمان فيمن بني بها وفيمن لم بين بها، وإذا نزع الزوجان أو أحدهما قبل حكم الحكمين فذلك لمن نزع إلا أن يكون السلطان هو الباعث أو يكون نزوع من نزع بعد أن استوعب الكشف عن أمرهما وعزما على الحكم بينهما فلا تزوع لمن نزع ويلزمه، قال : وإن اجتمعا[5/282]
***(1/273)
[5/283] على تحكيم واحد أو تحكيم غير عدلين فإنه ينفذ ولا ينقض، كما لو أنفذ القضاء بشهادتها، ثم تبين أمرها، إلا أن يظهر أنهما عبدان أو كافران أو صبيان أو امرأتان، وينتقض بخلاف التمليك والخيار.
جامع القول في الرجعة
من كتاب ابن المواز : ورجل أن يرتجع المطلقة بغير أمرها وعلمها، ولا علم وليها ولا علم السيد في الأمة، وإنما عليه أن يشهد على رجعته وفعله وكذلك/ السيد في العبد فله أن يرتجع بغير إذن سيده ولا سيد زوجته، وللمحرم والمريض أن يرتجع، وترجع المريضة والمحرمة، والطلاق البائن بالخلع والصلح لا رجعة فيه ولكن لها نكاحه في العدة لأن الماء ماؤه ولا ينكحها غيره إلا بعد العدة.
ومن العتبية قال ابن القاسم : قال مالك : لا يدخل الرجل على امرأته إذا طلقها واحدة بغير إذن ولا بإذن.
ومن كتاب ابن المواز قال : والرجعة أن يشهد بها أو يقبل أو يطأ ينوي بذلك بالرجعة ولو نوى الرجعة بقلبه لم تنفع إلا بفعل مع النية مثل جسه بلثمة أو ضمة أو ينظر إلي فرجها أو ما قارب ذلك من محاسنها، وإن لم يفعل ذلك لم ينفعه النية وقد نوى قبل ذلك الرجعة ثم فعل بعض ما سمينا في العدة، فإن كان فعل ذلك لما كان نوى من الرجعة ولم يحدد لفعله هذا نية يرجعة لأن فعلته برجعته التي كانت بقلبه فهو مثل تجديد النية معه وذلك يجزئه، وهذا إذا لم يشهد بالرجعة حتى انقضت، فما فعل منها من قبلة ونظرة وجسة لشهوة فيصدق الآن أن فعله ذلك كان أراد به الرجعة، وذلك إذا ظهر أنه قد كان فعله في العدة أو أنه قد كان نكره في العدة ببينة تشهد بذلك الآن، فِإن لم تكون له به بينة فهو فيما بينه وبين الله تعالى لا شيء عليه إن ترك وكان صادقا، وإن رفع لم يصدق هو ولا هي إلا ببينة على قوله، وعلى أنه قد كان ذلك منه في العدة فعل يدعي فيه نية الرجعة قبل [5/283]
***(1/274)
[5/284]انقضاء العدة، فهذا قول ابن القاسم وأشهب أن الرجعة لا تكون إلا ببينة بلا قول / ولا فعل، ولو كانت عنده أو في بيت يخلو بها عنده في العدة فيدعي بعدها أنه ارتجع فيها فهو مصدق وإن أكذبته، فإن لم تكن معه في خلوة بعلم ولا علم منه إليها قبلة أو جسة وشبهها، ولا علم منه أنه ذكر ذلك في العدة ثم ادعى الآن هذه الأشياء من ذلك أنه ارتجع وصدقته، فلا يقبل ذلك منها ولا منه.
قال أشهب : وإن شهد شاهدان أنه قال في العدة : قد ارتجعتها فهي رجعة وإن أكذبته هي.
وإن كان أحد الشهيدين غير عدل لم يقبل ذلك وإن صدقتها، ولا يمين عليها إن أنكرت، ولو شهد بعد العدة عدلان أنه أقر في العدة أنه خلا بها منها لم تكن تلك رجعة، ولو شهدا أنه أقر في العدة أنه جامعها كانت رجعة إن ادعى أنه أراد بذلك الوطء ورجعة وكذلك على أنه أقر في العدة أنه قبل أو باشر وشبه ذلك. وليس ذلك كالشهادة على الخلوة حتى يكون المقام والدخول والخروج، ويعلم ذلك منه بعد إقراره.
ومن العتبية وروى عيسى عن ابن القاسم قال : وإذا شهد شاهد على الرجعة، فإن دخل بها جاز، وإن خلا أجزأه وإن لم يشهد، وإن لم يخل بها لم ينفعه وإن أقام شاهدأ إذا انقضت العدة، وهذه المسألة تحتاج شرحا والذي تقدم لابن المواز هو شرحها. وللزوج الرجعة في المستحاضة ما لم تنقض السنة.
ومن كتاب ابن المواز : والامة لا تقبل شهادة سيدها بعد العدة بالرجعة لزوجها وإن صدقته الأمة، وقال أشهب : إلا أن يشاء الزوج أن يدفع/ ثلاثة دراهم، فتكون امرأته، شاء السيد أو أبي أنه قد أنها امرأته.
قال مالك : ومن وطئ في العدة لا ينوى الرجعة فليست برجعة، ثم إن شاء الرجعة فليرتجع بالقول والإشهاد ما لم تنقض العدة. قال مالك : ولا يطؤها حتى يستبرئها من ذلك الوطء بثلاث حيض. قال ابن القاسم : وإذا انقضت عدتها لم [5/284]
***(1/275)
[5/285]ينكحها هو ولا غيره في ذلك الاستبراء، فإن فعل هو فسخ نكاحه ولا تحرم بذلك عليه كما تحرم على غيره لأن الماء ماؤه [وقال غير مالك] ولا يجوز لآخر أن يعقد نكاحا في موضع لا يجوز له فيه التلذذ بها، قال : وإذا راجع المطلقة فأجابته : قد أسقطت مضغة فهي مصدقة، ولو قال لها : اليوم قد راجعتك فقالت في الغد : قد انقضت عدتي فلا قول لها خلاف جوابها في الوقت والمدة يمكن فيها قولها.
قال أشهب : إن أجابت : حضت ثلاث حيض صدقت في الأولي وفي متى حاضتها، ثم يحسب ما بقي للحيضتين. فما أشبه صدقت فيه بغير يمين، وإن لم يشبه فرجعته رجعة.
وقال مالك : وإن مات بعد سنة : فقالت : لم تنقض عدتي، فالمرضع مصدقة وترثه فيما فيه الرجعة، وأما غيرها فإن كانت تذكر ذلك من ارتفاع حيضتها وتظهره فهي مصدقة، وقال عبد الملك : وهي مصدقة في الحيض والسقط والولد أيضا إن كان معها ولد، وإن قالت : ولدته ميتا قبل قولها إن كانت في عدته، ولا جيران لها. ولو قالت : ولدته ثم مات لم يقبل قولها، ولو قبلت قولها لورثته وورث ورثته منه.
ابن حبيب : قال أصبغ في التي تقضي بالحيض أو بالسنة عدتها في ريبة، / ثم تدعي بعد ذلك أنها قد ارتابت، فلا يقبل ذلك ولا رجعة بينهما ولا ميراث، إلا أن يظهر حمل أو تحريك بين ترجع الرجعة والتوارث.
ومن كتاب ابن سحنون : وإذا ارتجع واشهد فلما علمت قالت : كنت حضت ثلاث حيض فصدقت وتزوجت، فاستمرت حاملا ووضعت لأقل من ستة أشهر فلترد إلى الأول، وتكون رجعته رجعة والود ولده، وقد تبين كذبها، ولا تحرم على الثاني لأنه إنما وطئ ذات زوج.[5/285]
***(1/276)
[5/286]ومن كتاب ابن المواز : قال أشهب : والتي لا يعلم له بها دخول ولا خلوة، إذا طلقها فلا رجعة له، وإن أقام بينة أنه كان يذكر قبل الفراق أنه أصابها، وكذلك لو كانت هي أقرت بذلك قبل الطلاق وعليها العدة ولها النفقة والكسوة، ولا يتوارثان.
وإذا تصادقا بعد الخلوة أنه لم يصبها فعليها العدة ولا يتوارثان، ولو ظهر بها حمل كانت له الرجعة وعليه النفقة وتمام الصداق ويتوارثان إلا أن ينفيه بلعان، ولو تصادقا على المسيس بعد الطلاق من غير بناء يعرف لم يصدقا على الرجعة.
قال ابن سحنون عن أبيه في المطلقة قبل البناء يظهر بها حمل بعد موت الزوج، فقال : هو منه : إنه يلحق به ويرث أباه ولا ترث هي الزوج، وليس لها إلا نصف الصداق التي قبضت، قال ابن القاسم وأشهب : ولو بني بها وتقاررا أنه يمسها ثم مات فظهر بها حمل فإن ظهر بها قبل موته فأقر به لحق به، وأكمل لها الصداق، وله الرجعة إلا أن ينكره فيلاعن. وقاله سحنون قال : ولو قالت ليس هو منه، وقد زنيت به / وهو قد استلحقه فإنها تحد والولد ولده، محمد : قال : إن أنكره بعدما استلحقه لم يحد، لأنه قذف من أقرت بالزنى والمطلقة واحدة بعد البناء يتوارثان، ولا يغسل أحدهما الآخر كما لا ينظر إلى شعرها وهي حية حتى يرتجع، فكيف يرى بدنها ؟ وكذلك المظاهر.
ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم فيمن بنى بزوجته في الحيض فلما طهرت طلقها فلا رجعة له، وهي بائن، وليس ذلك بدخول.
قال ابن القاسم عن مالك في العبد يطلق امرأته فليس لسيده أن يمنعه من الرجعة. وفي باب طلاق السنة شيء من ذكر الرجعة.
وروى أشهب عن مالك في عبد طلق زوجته واحدة ثم فقد. فقال السيد: قد أخبرني أنه ارتجعها، قال يفرق السلطان بينهما لأن الرجعة لم تثبت.[5/286]
***(1/277)
[5/287]قال سحنون في كتاب أبيه فيمن قال لغير مدخول بها : إن وطئتك فأنت طالق فوطئها، فقال : هي طالق بالمس، وله الرجعة إن نوى بمسه مظان الرجعة، وإلا لم يجز له أن يطأ إلا على هذا.
قال مالك : والنصراني يعقد فتسلم زوجته : إنها إذا حلت فلها أن تنكح، وذلك كالمطلق إذا سافر فلها أن تنكح ولا ترقب خوفا أن يكون ارتجعها ولم تعلم.
ابن سحنون عن أبيه : ومن قال : لو دخلت الدار فأنت طالق فأراد سفرا فخاف أن تحنثه في غيبته، وأشهد أنها إن دخلت فقد ارتجعها، قال : لا تكون هذه رجعة إن أحنثته وكذلك من قال لامرأته : ما طلقتك فقد ارتجعتك. فلا تكون هذه رجعة.
في العدة تنقضي والزوج غائب
وفي التي تعلم / بالطلاق ولا تعلم بالرجعة
أو التي تسلم في غيبة والزوج وقد أسلم ولم تعلم
وكيف إن نكحت؟
أو كيف إن اختلفا في وقت الإسلام
من كتاب ابن المواز قال : والمطلق إذا غاب فانقضت عدتها فليس لزوجها منعها النكاح خوفا من أن يكون ارتجع، وكذلك لو أسلم في غيبته فانقضت عدتها فلا تمنع من النكاح، ويكشف عنه في قرب الغيبة، وكذلك إن لم بين بها، والغيبة قريبة، فإنه يكتب إليه، ويستأنى فلعله أسلم قبلها. وأما في البعيد الغيبة فلتنكح مكانها. ولو تزوجت المدخول بها ثم قدم فأثبت أنه أسلم في العدة فهو أحق بها ما لم يبن بها الثاني، وإسلامه كرجعة المرتجع ولو ثبت أنه أسلم في العدة ثم طلق فيها في مثل ما يكون تزويج الآخر وقد بني بها حرمت عليه للأبد، وكذلك لو مات بعد إسلامه في العدة لا تأتنف العدة، وإن نكحت فيها فهي ناكحة في عدة، وليس كطلاقه بعد إسلامه، يريد : إنها تبنى، قال : كل من له الرجعة في العدة يرتجع ثم يموت، أو يطلق ويموت قبل يرتجع، فذلك سواء كله، فتأتنف العدة في[5/287]
***(1/278)
[5/288]الموت، إن لم يرتجع فلا تأتنف في الطلاق الأول والتي أسلمت فاعتدت ونكحت ثم قدم الزوج فاثبت أنه أسلم قبلها فابن القاسم يرى أن دخول الثاني يفيتها، وابن الماجشون يردها إلى الأول، وإن تكن علمت بإسلامه لأنها كنصرانية تزوجها مسلم فلم تكن عليها عدة / ولا ملكت نفسها، محمد : وهذا أحب إلينا كان الأول قد بنى أو لم يبن.
قال أصبغ عن ابن القاسم : وإن أسلم فقالت حضت ثلاث حيض قبل إسلامه، وكان إسلامي لأكثر من أربعين ليلة ما تحاض فيه ثلاث حيض، وقال هو: بل عشرين ليلة أسلمت، وقال ابن القاسم : فهو مصدق، وكذلك في الطلاق لدعواها قطع حقه من الرجعة. محمد : والتي أسلمت قد عرفت بالنصرانية فلا تعرف بالإسلام إلا بما يظهر منها، والشك فيما قبل ذلك. قال ابن القاسم: وإذا قالت : حضت منذ أسلمت ثلاث حيض، وفي مدة ذلك ما تحيضهن فيه، صدقت، قال أصبغ، ولا تعنف فتزل.
قال : ومجوسيان، أسلم الزوج في غيبته، ثم أسلمت ولم تعلم بإسلامه وتزوجت، فإن كان إسلامها بعده مما يكون فيه القول في الرجعة أن لو أحضر لم يفسخ، وإن كان بالقرب مما تبقى في عصمته به فسخ نكاحها الثاني، قال أشهب عن مالك: وإذا علمت الأمة بالطلاق ولم تعلم بالرجعة حتى حلت ثم وطئها السيد فهو كمسيس النكاح، ولا ترجع إلى زوجها، وقاله ابن القاسم وأشهب.
وإذا خلا الزوج الثاني بالحرة والسيد بالأمة بعد العدة، ثم قالا: لم نطأ، فلا يجوز أن يقيم سيد ولا زوج، ويفسخ نكاح الثاني وكذلك في إقراره أنه وطئ بعد علمه برجعة الأول، ولا ترجع إلي الأول، وإن أقام بينة أنه أرتجع في العدة لا بنكاح جديد بعد عدتها من الآخر. ثم تنكح من شاءت، وكذلك الأمة لا يطؤها السيد وإن أقر أنه لم يصبها / وقد ارتجعها زوجها في العدة، أو يقر أنه وطئها بعد علمه برجعته ثم لا يحل للزوج بعد خلوة السيد بها إلا أن يشاء الزوج أن يعطيها ثلاثة دراهم فتكون امرأته بلا عدة من خلوة السيد، وإذ لم يقر بمسيس وذلك بخلاف[5/288]
***(1/279)
[5/289] خلوة الزوج، كما لا تحرم السيد على آبائه وأبنائه، ولا يمنع من أن يزوجها مكانه بخلاف الزوج، أو بيع السيد أياها، ولا يقبل دعواها أن السيد وطئها في خلوته، وتتم على كراهية التزويج.
القول في المتعة
من كتاب ابن المواز قال : وإذا بنى بالتي لم يسم لها صداقا فلها المتعة إذا طلقت مع الصداق.
ابن القاسم : ولا متعة في كل نكاح مفسوخ. محمد: إذا فسخ، ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد، مثل ملك أحد الزوجين صاحبه.
قال مالك ومن نكح أمة على أن ما تلد حر فطلقها البتة وهي حامل، فلها المتعة والنفقة والولد حر، وكل فرقة من قبل المرأة قبل البناء أو بعده فلا متعة فيه، وعلى المولي إذا طلق عليه المتعة، مالك : إن المتعة لحق الزوج، ولا يقضى بها، وليحرضه السلطان عليها، ولا تحاص الغرماء بها، ولا حد فيها، وهي على قدر حال الرجل والمرأة. قال الله تعالى: (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) وروى ابن حبيب وغيره عن ابن عباس : أعلاها خادم، ودون ذلك الورق، ودود ذلك الكسوة، ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم : وإن جعل المتعة حتى مضت أعوام فليدفع / ذلك إليها، وإن تزوجت، أو لورثتها إن ماتت، قال أصبغ : الأمر عليه إن ماتت لأنه عوض لها [وتسلية من الطلاق فقد انقطع ذلك].
قال ابن وهب فإن طلقها واحدة فلم يمتعها حتى ارتجعها فلا متعة لها، لأن المتعة عوض عن الفرقة، وقاله أشهب، وقاله أصبغ ولو بانت منه كان لها المتعة.[5/289]
***(1/280)
[5/290]في ملك أحد الزوجين صاحبه
من كتاب ابن المواز : وإذا اشترت أمه زوجها بغير إذن السيد فإن لم يجز البيع فالنكاح فاسد، وإن أجازه أو كانت مأذونة فسخ، والمهر في ذمته إن دخل، ولو ابتاع زوجته [بشرط العهدة أو الاستبراء فالنكاح بالعقد ينفسخ والاستبراء فيها. وإن ظهر له في العهدة ما يرد به رد، وقد زالت العمصة، وإن ابتاعها بالخيار ولم ينفسخ إلا باختيار من له الخيار. وإذا باعها منه أو وهبها إياه فلا يفسخ النكاح حتى يقبل الزوج ويرضى، ولو وهبها له وهو ممن اعتصرها منه فسخ النكاح، وإن اعتصرها إذا قبلها ولا يفسخ إن لم يقبل ولا قال أنت حرة عن فلان وإذا اخدم السيد العبد لزوجته واخدمها إياه فإن كان المرجع إلى حرية فسخ النكاح إن قبله المخدم وإن كان يرجع إلى السيد أو إلى ملك أجنبي فالنكاح بحاله. وقد أخدم عبدا إذا العبد ثم هو حر سقطت الخدمة وعجل عتقه إن قبل ذاك أخوه ومن أخدم عبدا أخاه سنة ثم هو يخدم فلانا سنة سقط عن الأخ ما كان لأخيه من زوج عبده أمة لغيره فخرجها] / فأسلمه سيده لم يفسخ النكاح لأن الملك للسيد وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية.
وروى عنه أبو زيد فيمن نكح أمة ودفع الصداق لسيدها فلم بين بها حتى باعها السلطان عليه في تفليس فابتاعها الزوج فليس له رجوع على سيدها بالطلاق، لأن السلطان باعها بالقضاء.
(وبقي أحكام [الفقد والمنعي من زوجه]نقلت ذلك إلى آخر كتاب العدة والله الموفق) برحمته وفضله.[5/290]
***(1/281)
[5/291]بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الظهار
ما يلزم به الظهار من القول
وظهار الخصي والشيخ الفاني
من كتاب ابن المواز : ومن قال : أنت على كظهر أمي ينوي الطلاق فليس بطلاق.
قال ابن عبد الحكم : إنما أنزل الله تبارك وتعالي آية الظهار فيمن قصد الطلاق بهذا اللفظ، فأنزل الله عز وجل فيه الكفارة وكان في الجاهلية ويجعلونه طلاقا.
قال ابن سحنون : وروى عيسي عن ابن القاسم في القائل : أنت على كظهر أمي وهو ينوي الطلاق، وقال : فهو ثلاث، ولا ينفعه إن نوى أقل من ذلك . قال سحنون : له ما نوي من الطلاق . وروى عن مالك أن ذلك ظهار، ولا يكون طلاقا وإن نواه.
قال ابن المواز : وكذلك لو نوى أنك بما أقول إليك من ذلك طالق لم يلزمه فيه إلا الظهار، لأن الله تعالي أنزل فيه الكفارة وقد كان قصد به الطلاق، قال محمد/ وقد سألني عبد الله بن عبد الحكم: ما تقول لو أراد بذلك الطلاق؟ [5/291]
***(1/282)
[5/292] فقلت له : هو ظهار إلا أن يريد : أنت بلفظي هذا طالق فلم يعجبه قولي ورآه ظهارا.
قال مالك : وإذا قال : أنت أمي أو أنت علي كآبنتي فهو ظهار أبدا حتى يريد به الطلاق. فتكون البتة، وإن نوى واحدة فهي البتة، وكذلك في العتبية من رواية أشهب عن مالك . قال ويسأل عما نوى فإن نوى الطلاق فطلقت ثم تزوجها بعد زوج فلا كفارة عليه للظهار.
قال عيسى عن ابن القاسم : وإن لم يرد به طلاقا ولا ظهارا. فهو ظهار، وقال سحنون.
ومن كتاب ابن المواز : ولو قال : أنت مثل أمي يريد الطلاق فهو البتات.
وإن قال : انت على كظهر فلانة أيم أو متزوجة أو كظهر فلانة من محارمه أو غيرهم فهو ظهار، وإن نوى به الطلاق وإن لم يسم الظهر، وقال : كفلانة. واختلف في الأجنبية فقال عبد الملك : هو طلاق، ولا ينفعه إن نوى الظهار، وقال : وهو في ذوات محارمه ظهار حتى يريد الطلاق، وقال أشهب : هو ظهار وهو أحب إلينا.
وذكر ابن حبيب عن مطرف في قوله : كفلانة الأجنبية أنها البتات إلا أن يريد كفلانة في هوانها ونحوها فلا شيء عليه، وقال ابن القاسم . وذكر عن ابن القاسم ومطرف مثل ما ذكر محمد عن عبد الملك.
قال بان المواز : وما كان في الزوجة ظهار فهو في الأمة ظهار، وإن نوى به العتق لم يكن عتقا، وما خرج إلي الطلاق في الزوجة فهو يخرج إلي الحرية في الأمة إذا كان على وجه اليمين والتحريم.
قال / مالك : وكذلك : أنت على حرام كأمي أو مثل أمي ولا نية له فهو ظهار . قال مالك: وكذلك أنت على حرام من أمي ما لم يرد به الطلاق، وكذلك [5/292]
***(1/283)
[5/293] في العتبية من سماع ابن القاسم، وقاله ابن القاسم، وروى عنه عيسى في : أنت أحرم من أمي ينوي الطلاق أنه ظهار، وقد قصد القائلون للظهار التحريم ولم يعرفوا غيره فأنزل الله سبحانة الكفارة.
قال محمد : إنما هذا فيمن سمى الظهر عند مالك، فأما إن لم يسمه فيلزمه ما نوى، فإن لم ينو شيئا فهو ظهار.
قال عبد الملك : وإن قال كفلانة أو أحرم من فلانة – وهي اجنبية – فهو طلاق وإن نوى الظهار. وقال أشهب هو ظهار حتى يريد الطلاق.
قال ابن القاسم : إن قال أنت على كظهر ابني أو غلامي فهو مظاهر، وقاله أصبغ.
قال ابن حبيب فيمن قال : أنت على كظهر ابني أو غلامي لم يلزمه ظهار ولا طلاق، وإنه لمنكر من القول، وقال ابن القاسم : هو مظاهر، قال وإن قال كأبي أو كغلامي فهو تحريم، وبه أقول.
ومن كتاب ابن سحنون : قال علي بن زياد : لا يلزم الخصي – يريد مجبوب الذكر – ولا المعترض، ولا الشيخ الفاني ظهار إذ لا يصلون إلى الوطء . قال أصبغ: وقيل في التظاهر بالأجنبية لا يلزمه ظهار لأنه يحل له نكاحها، وقال مالك وأصحابه هو مظاهر لأنها في وقته عليه حرام.
قال مالك : وإذا عرض عليه نكاح امرأة فقال هي أمي فهو ظهار إن تزوجها.
قال مالك : وإذا قال في امرأة طلقها/ والله لا أرجعها حتى أراجع أمي فلا شيء عليه إن فعل إلا كفارة يمين.
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن قال لأمته لا أعود أمسك حتى أمس أمي فلا شيء عليه.[5/293]
***(1/284)
[5/294] قال محمد : قال مالك : وإن قال : أنت أمي إن فعلت كذا فهو مظاهر إن حنث وإن لم ينو الظهار.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن ملك امرأته فقالت أنت علي كظهر أمي فليس لها.
وقال سحنون فيمن قال أنت على كظهر فلانة للأجنبية إن دخلت الدار، ثم تزوج فلانة ثم دخل الدار قال : لا شيء عليه.
فيمن كرر الظهار أو تظاهر بعد الحنث
وقد أخذ في الكفارة أو لم يأخذ وغير ذلك
من كتاب ابن المواز : ومن حلف بالظهار في لبس ثوب ثم حلف به في كلام زيد فحنث في الوجهين فعليه كفارتان، وكذلك لو حلف في الوجه الثاني بعد الحنث في الأول.
وإن قال : أنت على كظهر أمي ثم قال بعد ذلك مثل ذلك فكفارة واحدة عليه حتى ينوي كفارتين فتلزمه كاليمين بالنية يكررها، ولو أخذ في الكفارة فلم تتم حتى ظاهر منها فليبتدئ الكفارة من الثاني وتجزئه، وقيل ك بل يتم الأولي ويبتدئ.
قال محمد : وهذا أحب إلي إذا بقي يسير منها، وأما إذا مضى يومان وثلاثة فليتمه ويجزئه لهما لأنه فلما تفاوت منه.
ومن العتبية قال أصبغ في المتظاهر يصوم لظهاره أياما ثم تظاهر منها فليلغ ما صام ويبتدئ صوم كفارة واحدة وتجزئه / عن الظهارين سواء صام من الأول يسيرا أو كثيرا وذلك إن كان الأول والثاني ظهارا من نوع واحد يقول : أنت علي كظهر أمي، ثم يقول – وقد أخذ في الكفارة – مثل ذلك ، قال : ولو ظاهر منها بيمين بفعل فحنث فأخذ في صوم الكفارة ثم قال لها : أنت علي كظهر أمي[5/294]
***(1/285)
[5/295] ظهارا بغير فعل حلف عليه فهو مثل الأول يبتدئ الطعام من يوم ظهاره الثاني فيجزئه عنهما، والثاني كالتوكيد للأول.
قال : ولو ظاهر منها ظهارا بغير فعل حلف عليه فأخذ في الكفارة ثم قال: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا فحنث فهذا يتم الكفارة الأولى ثم يبتدئ كفارة ثانية للظهار الثاني زاد ابن حبيب عن اصبغ وإذا كان الظهار الأول بحنث والظهار الثاني بحنث فلابد من كفارتين كان ذلك بفعل في شيء واحد أو في شيئين مفترقين.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال : أنت على كظهر أمي لم أتزوج عليك فأخذ في الكفارة ثم قال لها أنت على كظهر أمي إن لم أتزوج عليك فهذا يبتدئ شهرين من يوم ظاهر الظهار الثاني ولو أنه لما صام أيام أراد أن يبر بالتزويج فتزوج فهذا يسقط عنه الكفارة ويبطل عنه الصيام.
وفي مختصر ابن عبد الحكم قال : وإذا ظاهر منها ووطئ ثم ظاهر ثانية فعليه أيضا الكفارة.
في الظهار من الجماعة
أومن كل امرأة يتزوجها
من كتاب ابن المواز : ومن قال لنسوة من تزوجت منكن أو إذا تزوجت منكن فعليه لكل واحدة كفارة إن تزوجهن، بخلاف قوله: إن تزوجتكن، وكذلك من تزوجت من بنات فلان، أو من تزوجت / من النساء فهن على كظهر أمي فعليه في كل واحدة كفارة، وكذلك إن دخلتن، بخلاف قوله من دخلت منكن، وكذلك قوله: أيتكن كلمتها فهذا عليه في كل واحدة كفارة بخلاف إن كلمتكن.
وإن قال كل امرأة أتزوجها [فهي] على كظهر أمي فتزوج امرأة ثم طلقها[5/295]
***(1/286)
[5/296] أو ماتت قبل أن يكفر فتزوج أخرى فلا يقربها حتى يكفر كفارة واحدة عن كل من يتزوج أبدا، ولو كفر بعد زوال الإيلاء وقبل نكاح الثانية لم يجزئه إلا أن يكون قد مس الأولى قبل يزول عنه فقد لزمته الكفارة بكل حال وزال ظهاره.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم : ومن قال كل امرأة أتزوجها علي كظهر أمي. وكيف إن كانت له امرأة ؟ فقال عليك أو لم يقل، فكفارة واحدة تجزئه.
قال عيسى عن ابن القاسم تظاهر من جماعة فظن أن لا يجزئه إلا عن كل واحدة كفارة فكفر بالصوم عن واحدة منهن قال : قال مالك يجزئه ذلك عن جميعهن.
في المتظاهر متى تلزمه الكفارة؟
ومن طلق امرأته أو ماتت بعد أن تظاهر منها
وقد أخذ في الكفارة أو لم يأخذ أو نوي العودة أو لم ينو
والحالف هل يكفر قبل الحنث؟
من كتاب ابن المواز: ومن حلف بالظهار إن فعل كذا فلم يحنث حتى طلقها البتة ثم تزوجها بعد زوج فقد سقطت يمينه وهو كيمين الطلاق يسقطه.
ولو حنث في يمين الظهار أو ظاهر بغير يمين، ثم ابتها، ثم تزوجها بعد زوج فلا يطؤها حتى يكفر، ولو كفر قبل النكاح لم تجزئه ولا كفارة عليه إن ماتت، ولو لزمه فيها ظهار بحنث أو قول ثم وطئها فهذا يجزئه إن كفر بعد زوال العصمة أو أتم كفارته، وقال : ومن وطئ لزمته الكفارة بالوطء الأول مات هو أو ماتت هي أو طلقت، وأما من لم يطأ فلا.[5/296]
***(1/287)
[5/297] قال مالك : ومن أخذ في الكفارة ثم طلق طلاق رجعة فإن أنفذها قبل تمام العدة أجزته، كان صياما أو طعاما، وإن انقضت العدة قبل تمامها لم يجزئه الصوم، وإن نكحها ابتدأ الكفارة إن كانت صياما، وإن كانت إطعاما بنى، ولو كان الطلاق أولا بائنا بخلع أو صلح ونحوه لم يجزئه تمامها في العدة منه لأنها بانت. محمد : وهذا أحب إلينا.
وقد قال عبد الله بن عبد الحكم : يجزئه التمادي فيها بعد أن بانت منه إذا بدأ فيها، وهو مجمع على إمساكها، قال ابن عبد الحكم : قال مالك وعبد العزيز : إن معنى قول الله : (ثم يعودون لما قالوا)، إنه إرادة الوطء والإمساك، فإذا أجمع على ذلك لزمته الكفارة، وإلا ماتت أو طلقها، وقاله أصبغ.
قال ابن عبد الحكم : أخبرني بهذا أشهب عن مالك.
وروى ابن القاسم وأشهب أنه إذا أجمع على أمساكها ثم صام بعض الكفارة ثم بانت منه إنه لا شيء عليه، فإن نكحها يوما ابتدأ، وقال ابن القاسم : إذا نوى العودة ثم فارق فلا يكفر لأنه إنما يكفر ليطأ، وهذه قد بانت منه.
وقد روى أشهب في / المظاهر : إن طلقها طلقة ثم أراد يكفر ثم يرتجع. قال : بل يرتجع ثم يكفر.
قال أشهب : وإن كفر قبل يرتجع، وقبل أن تبين منه أجزأه، فإن بانت قبل فراغه منها [سقطت كلها كان صياما أو إطعاما]ويبتدئها إن نكحها.
وقال أصبغ : يتم على الإطعام ويأتنف الصيام، وقال : ولو أخذ في الكفارة ثم طلق طلقة ثم أتم كفارته في العدة أجزأه. وكذلك لو ابتدأها بعد الطلقة أجزأته إذا تمت قبل تمام العدة. وإن لم يرتجع قاله مالك وابن القاسم وابن وهب.[5/297]
***(1/288)
[5/298]ومن التعبية : روى عيسى عن ابن القاسم في المتظاهر إن صام شهرا ثم طلقها فتمادى في صومه حتى أتمه فإن أراد به الكفارة وإن راجعها أجزأه إن راجعها في العدة، ولو كان طلاق خلع لم يجزئه إن نكحها.
قال ابن سحنون عن أبيه : والمتظاهر إذا كفر بغير نية العودة لكن يريد أن يطلقها ويقول متى راجعتها حلت لي بغير ظهار علي، قال : لا تجزئه حتى ينوي العودة، وأكثر قول أصحابنا أن من كفر يغير نية العودة لا تجزئه.
وإذا تظاهر منها وهي في عدة من طلاق فيه الرجعة أجزأه إذا نوى العودة بالرجعة.
قال : ومن قال أنت علي كظهر أمي إن وطئتك فوطئها مرة ثم ماتت أو طلقها البتة فليس عليه كفارة إلا أن يطأها ثانية، فهذا قد لزمته الكفارة. بانت منه أو ماتت، وإن تظاهر منها بغير يمين أو بيمين حنث فيها ثم مسها قبل أن يكفر/ لزمته أيضا الكفارة وإن ماتت أو بانت منه.
وروى ابن القاسم عن مالك في المتظاهر يجمع على إمساك امرأته فأخذ في صوم الكفارة ثم ماتت فليس عليه تمام الكفارة.
وروى عيسى عن ابن القاسم في الحالف بالظهار إن فعل كذا، فلا يجزئه أن يكفر قبل الحنث كما حلف إن فعل كذا بطلقة فلا يقدم الحنث.
ولو حلف بالظهار أو الطلاق ليفعلن أجزأه تقديم الكفارة في الظهار وتعجيل الحنث في الطلاق.
قال سحنون قال أشهب فيمن قال إن لم أطلقك فأنت علي كظهر أمي فإن رقعته ضرب له أجل الإيلاء، فإن حل ولم يطلقها طلق عليه.
وإن حلف ليطلقنها بعتق أو مشي، ولم يمنع من الوطء ولا يحنث إلا بعد الموت.[5/298]
***(1/289)
[5/299]في تظاهر المولى عليه وكفارته
وظهار السكران وشكه فيه
وظهار العنين والزمن وشبهه
وظهار العبد وكفارته
والظهار من الأمة والإيلاء منها
من كتاب ابن المواز : قال : والسفيه إذا لزمه ظهار نظرا له وليه فيما هو خير له أن يكفر عنه أو يطلق عليه، وقيل : يصالح عنه، قال أصبغ : ولا يجزئه إلا العتق إن كان له. قال لم يكن له صام ولا يمنع من الصوم فإن أبى فهو مضار.
من العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب في المولى عليه يتظاهر فله أن يعتق بغير إذن وليه إن كان مليا، وإن لم يكن له إلا رأس / لم أحب له إلا الصيام.
وقال سحنون : قال بعض أصحابنا وأنا أقوله : ينظر له وليه فإن كانت الكفارة أيسر عليه والتزويج أضر عليه كفر عنه – يريد بالعتق – وإن كان تكفيره عنه أضر عليه في ماله من ابتداء نكاح فليطلق عليه.
وقال ابن المواز : وإن لم يرد له وليه أن يكفر بالعتق فله هو أن يكفر بالصيام.
قال ابن سحنون عن أبيه في الخصي والمجنون والعنين والشيخ الفاني يتظاهرون أو يولون من نسائهم، قال : لا يلزمهم ظهار ولا إيلاء كل من لايقدر على الجماع.
ومن كتاب ابن المواز : قال والعبد فإنما عليه أن يكفر بالصوم، فإن منعه السيد وكان يضر به ذلك بقي على ظهاره حتى يجد سبيلا إلى الصيام فيتركه[5/299]
***(1/290)
[5/300]فيكون حينئذ مضارا يدخل عليه الإيلاء، وإذا لم يضر الصوم سيده وأراد منعه منه ليفرق بينه وبين أهله أجبر على أن لا يمنعه من الصيام.
ومن كتاب ابن سحنون : قال مالك : فإن كان عبد مخارج يؤدي خراجه فلا يمنعه، وإذا قوي فلا يمنعه.
قال عبد الملك في العبد المتظاهر : لا يجزئه أن يأذن له سيده في الكفارة بالعتق لأن الولاء لسيده، ولا بالصدقة لأن إذنه لا يخرجها من ملك سيده إلا إلى المساكين، يريد لأن ملك العبد غير مستقر. قال سحنون : إذا أذن له سيده أن يكفر بالطعام عن اليمين أجزأه. وقال مالك : الصوم له أحب إلي، وإذا تظاهر السفيه أعتق عنه وليه إن رأى ذلك رشدا فإن تظاهر ثانية فليتركه ولا يعتق عنه وإن لم ير له في ذلك رشدا طلق / عليه كايلاء من غير أن يضرب له أجل الايلاء، قال محمد : وأحب إلي أن لم ير أن يكفر عنه وأن لا يطلق عليه إلا بتوقيف الإيلاء إن طلبت ذلك المرأة فيوقف لها بعد أربعة أشهر، فإن قال أنا أصوم شهرين ترك وأجزأه لأنه في ملائه ممنوع من ماله، وله أن يبدأ في الصيام من الآن لأنه يقول كنت أرجو أن يعتق عني وليي، وإن لم يرد طلقت عليه، وقال في الذي يأتي سكران فقالت له امرأته حين أصبح قد قلت لي أنت علي كظهر أمي، قال لا أعلم ذلك، قال : لا يقر بها حتى يكفر، قال، ابن حبيب : قال ابن القاسم عن مالك لا يدخل على العبد في تظاهره الإيلاء إلا أن يكون مضارا لا يريد أن يفيء، أو يمنعه أهله الصيام بأمر لهم فيه عذر، فهذا يضرب له أجل الإيلاء إن رافعته، قال أصبغ : إذا منعه أهله الصيام فليس بمضار، ولا كلام لامرأته ولتصبر.
قال ابن القاسم : إن منعه سيده الصيام وأذن له في الإطعام أجزأه.
وقال ابن الماجشون : ليس لسيده منعه الصيام وإن أضر به ذلك في عمله.
ومن كتاب ابن المواز : وقال في الأمة له فيها شقص : يلا يلزمه فيها ظهار، ويلزمه الإيلاء.[5/300]
***(1/291)
[5/301]ما يحل في التي تظاهر منها
في الكفارة أو قبلها
ومن العتبية من سماع أشهب من مالك: ومن تظاهر من امرأته فلا يضاجعها حتى يكفر، ولا بأس أن يرى شعرها.
قال عيسى عن ابن القاسم: لا بأس أن تخدمه وتناوله الشيء وتستتر، وقال أصبغ : إن قبلها في شهري صيام الكفارة فلا شيء عليه وقاله/ سحنون بعد أن كان قال بقول عبد الملك أن ذلك يقطع التتابع ولم يره أشد من رمضان، وفرق بينه وبين المعتكف لأن المتظاهر يحل له غيرها، قال عبد الملك وسحنون : وإنما يكره للمتظاهر أن يقبل ويباشر ويجرد ويلتذ بالنظر إلى المحاسن لأنه ذلك داعية إلي الوطء ويعزر خيفة أن يفعل الوطء الذي نهاه الله عنه قبل يكفر.
في الحالف بالظهار إن فعل وإن لم أفعل
وما يدخل عليه فيه الإيلاء في ذلك
أو في متظاهر فأبي أن يكفر
من كتاب ابن المواز : ومن قال : إن لم أفعل كذا فأنت علي كظهر أمي فإن ضرب أجلا فله الوطء فيه، فإن لم يضر به فلا يطأ، فإن رافعته ضرب له الأجل من يوم ترافعه ثم وقف لتمامه، فإن فعل ما حلف عليه ترد، وإن أبى وقال ألزم نفسي الظهار وأخذ في الكفارة لزمه الظهار من يوم ألزمه نفسه ولا يقر بها حتى يكفر، ولم تطلق عليه عاجلا بالإيلاء حين دعي إلى الفيئة وصار كمن عذر بسجن أو مرض، فإن فرط بعد ذلك في الكفارة قادرا عليها صار كالمولي يقول أنا أفي بالكفارة أو بالوطء فليختبر المرة والمرتين ثم تطلق عليه بالإيلاء الذي كان لزمه، وقال أصبغ بل يصير كالمظاهر المضار يطلق عليه بعد أربعة أشهر من يوم لزمه الظهار وهو من يوم وقف في الإيلاء لم يقدر أن يمس فيه لأنه من يومئذ وجب عليه / وقد كان يقدر أن يسقطه بفعل ما حلف له فعله.[5/301]
***(1/292)
[5/302]ومن قال لأهل امرأته : إن لم تدخلوها علي هذا الشهر فهي على كظهر أمي إن دخلت بها حتى أتزوج عليها، فمضى الشهر ولم يدخل بها فليكفر أحب إلي من أن يتزوج إذ لعله يتزوج من ليس ممن ينكح مثله.
[من الموطا قال مالك : ولا يدخل على العبد إيلاء في تظاهره لأنه لو دخل عليه الإيلاء في تظاهره لطلق عليه قبل أن يفرغ من صومه].
وإذا تبين ضرر المظاهر بأن يجد الكفارة فلا يكفر فرافعته فالأجل فيه عند مالك وابن القاسم وأصبغ من يوم اظهر ، وقال مالك : الأجل في العبد يتبين ضرره من يوم ترفع، وقال عبد الملك من يوم ترفع في العبد والحر، قال مالك : وإن لم يتبين ضرره لم يوقف إلا أن يتطاول ذلك.
وروى أشهب عن مالك في المظاهر لا يجد ما يعتق ولا يقدر على الصيام ولا يجد ما يطعم فلا مخرج له، وليكف عن أهله حتى يجد ما يكفر به، يريد: ولا حجة لها.
ومن المجموعة قال عبد الملك : ومن حلف ليكلمن فلانا وقد ضرب أجلا أو لم يضرب فهو إذا ألزم نفسه الظهار فإنه إن مضى الأجل، وإن ضرب أجلا أو مات المحلوف عليه إن لم يضرب أجلا فلا أفضى إلى الظهار حقا. فلا يطأ حتى يكفر، ولا يكون ما ألزم نفسه لازما إذا هو قادر علي كلامه يقدر أن يكون وذلك بره فلا كفارة ولا حنث، وهو يقدر على البر، وإذ لو كلم فلانا قبل موت فلان أو قبل الأجل إن ضربه بطلت الكفارة لارتفاع الحنث.
ومن كتاب ابن سحنون : قال سحنون فيمن قال كل مملوك أملكه إلى عشر سنين حر ثم لزمه ظهار وهو موسر، فإن صبرت امرأته هذه العشر سنين فلا يصوم وإن لم تصبر وقامت به ففرضه الصيام.[5/302]
***(1/293)
[5/303]في الكفارة بالعتق وتبعيضه من غيره
والرقبة تشترى بشرط العتق وتستحق
أو يوجد بها عيب
أو بعتق من فيه يمين أو أمة تظاهر منها
أو من أخذ في الصوم ثم أيسر
من كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم : والمظاهر الملي إذا أمكنه العتق فلم يعتق حتى أعدم فصام ثم أيسر فليعتق، ولم أسمعه، وقال : والمتمتع والحالف بالله إذا بدأ في الصوم ثم أيسر فلا يرجع إلا أن يشاء، وخالف مالك بينه وبين صيام الظهار وقتل النفس، وقاله عبد الملك، وساوى عبد الملك بين ذلك وقال: إذا مضى له اليوم واليومان أحببت له الرجوع في التمتع والكفارة إذا أيسر.
وإذا أعتق عنه غيره بغير أمره ثم علم بعد العتق أجزأه عند ابن القاسم، وقال عبد الملك لا يجزئه وإن رضي بالعتق ، ويجزئ عن الميت فيما أرجو. قال أشهب : لا يجزئ عن الحي وإن كان بأمره وسؤاله، وقال ابن القاسم : يجزئه ما لم يدفع إليه في ثمنه شيئا على ذلك. يريد كأنه اشتراه بشرط العتق.
وقال ابن القاسم : ولو قال : إن اشتريت فلانا فهو حر عن ظهاري فاشتراه فهو مجزئ عنه. ومن أعتق جميع/ عبد عن ظهاره له نصفه، فقال ابن القاسم: يجزئه، ويضمن القيمة. قال اصبغ : لا يعجبني، وليس أحد من أصحابه عليه، ولسحنون نحو قول أصبغ.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أعتق نصف عبده عن طهاره ثم أعتق باقيه عن ذلك الظهار أنه يجزئه، فإن لم يعتق باقيه ورفع إلى السلطان قال : يأمره بذلك، فإنه أعتقه عن ظهاره أجزأه، وإلا أعتقه عليه، قال أبن حبيب : قال ابن الماجشون وأصبغ : إذا أعتق نصف عبده عن ظهاره فلا يجزئه إن يعتق باقيه عن ذلك الظهار، وليعتق عليه بالسنة، وأعاب أصبغ قول ابن القاسم وكذلك روى سحنون في كتاب ابنه.[5/303]
***(1/294)
[5/304]ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في المرأة تعطي زوجها الرقبة يعتقها عن ظهاره أو ثمن رقبه ليعتقها عن ذلك، فإن كان بشرط أن يعتق عنها لم يجز، وإن كان بغير شرط فذلك جائز، وقد ذكرنا قول ابن القاسم فيمن أعتق عن غيره بأمره أنه يجزئه ما لم يعطه فيه شيئا على شرط العتق.
قال سحنون عن ابن القاسم فيمن أعتق رقبة عن ظهاره ثم استحقت فرجع بالثمن فأخذه وهو واسع فليشتر بجميعه رقبة ولا ينقصه وقد قال مالك: لو ظهر منها على عيب يجزئ في الرقاب أنه يجعل ما يرجع به للعيب في عتق، فإن لم يجعل أعان به في رقبة، ولو كان عيب لا يجزى بمثله استعان بذلك في البذل، ولو كان في هدي واجب فلم يجد به هديا تصدق به، ولو كان العتق تطوعا أو هدي تطوع صنع / بقيمة العيب ما شاء.
قال محمد بن خالد : سألت داود بن سعيد بن أبي زبير فيمن عليه رقبة واجبة وابتاع عبدا على أن يعتقه فيها فأعتقه ثم ظهر أن يعضه حر، قال : يرده على بائعه ويأخذ منه الثمن ويعاقب بما دلس ولا يعتق على البائع.
قال أصبغ : ومن أعتق منفوسا عن ظهاره ثم كبر أخرس أو مقعدا أو أصم أو مطبقا جنونا فلا شيء عليه وقد أجزأه، وهذا شيء يحدث وكذلك في البيع لا يرد بذلك.
من سماع ابن القاسم : ومن تظاهر من زوجته ثم اشتراها فأعتقها عن ظهاره منها أجزأه، ثم إن تزوجها حلت له، وذلك إذا اشتراها ولا حمل بها.
قال سحنون في كتاب ابنه: ومن تظاهر من أمته ولا يملك غيرها فلا يجزئه إلا عتقها إن شاء أن يكفر. [5/304]
***(1/295)
[5/305] في الكفارة عن الجماعة
ومن بعض إخراج الكفارة
من كتاب ابن المواز : قال أشهب فيمن تظاهر من أربع نسوة له ظهاراً مختلفا فأعتق أربعة أرؤس عنهن أجزأه، وإن لم يعتق عن كل واحدة رأسها، ولو أعتق اليوم رأسا، وفي غد رأسين، ولم يسم في ذلك واحدة بعينها لم يجزئه، وإن أعتق ثلاثة أرؤس وأطعم ستين مسكينا في مجلس واحد لم يجزئه قال محمد: ولم يعجبنا قوله.
ومن ظاهر من امرأتين فأعتق عن واحدة بعينها ثم نسيها فليكفر عن الباقية منهما ويجزئه، وإن أعتق عن واحدة منهما ثم أعتق عن واحدة معينة فله وطء المعينة ولا يطأ الأخرى حتى يكفر ثانية. ومن له أربع /زوجات، عليه في كل واحدة ظهار فأطعم عن واحدة ستين مسكينا، وكسا عن الأخري ستين مسكينا، ثم وجد العتق فأعتق عن واحدة معينة ثم لم يقدر علي رقبة الرابعة فليطعم أو يكسر ويجزئه إلا أن يقوى على الصيام. قال أبو محمد : انظر قول محمد في الكسوة ما اعرفه لغيره.
ومن كتاب العتق : ومن تظاهر من أربع نسوة له يريد ظهارا مختلفا فأعتق أربع رقاب ولم يشركهن في كل رقبة معينة فذلك يجزئه، وكذلك الصيام إذا لم يشركهن في كل شهرين. وذكر عن أشهب [في بعض مجالسه أنه لا]يجزئه، والأول أحب إلينا.
وكره مالك وابن القاسم لمن عليه كفارتان أن يكفر عن ظهاره بإطعام إن يطعم في الثانية أولئك المساكين، كانت كفارة بخلاف الأولى أو مثلها.
قال ابن سحنون عن أبيه : ومن أعطى ستين مسكينا نصف مد لكل مسكين وستين مسكينا آخر مثل ذلك لم يجزئه فإن وجد أحد الفريقين فزادهم نصف مد نصف مد أجزأه.[5/305]
***(1/296)
[5/306]فيمن سافر في صوم الظهار فأفطر
ومن وصل صوم كفارتين
ثم ذكر أنه أفطر يومين نسيهما
من كتاب ابن المواز : ومن أفطر في سفره في صيام التظاهر ابتدأ، وإن أفطر لمرض بنى إذا صح.
ومن العتبية قال سحنون، عن ابن القاسم فيمن عليه ظهاران، فصام لهما أربعة أشهر متصلة ثم ذكر في آخرهما يومين لا يدري من أي كفاره فليصم/ يومين يصلهما بآخر صيامه ويأتي بشهرين وقال ابن سحنون عن أبيه في ذكره ليومين متتابعين أنه يصوم يوما وشهرين يصل ذلك بصيامه لاحتمال أن يكون يوم من آخر هذه ويوم من أول هذه.
أبو محمد : يعني سحنون إنه لو أيقن أنهما من أحدى الكفارتين لم يكن عليه غير شهرين فقط.
قال أبو محمد: يظهر أن قول ابن القاسم أشبه، لأنه قال : أيقن أنهما من إحدى الكفارتين فلا ينبغي له أن يخرج من كفارة هو فيها حتى يتمها بيقين. قال : بأن يضيف إليها يومين ثم يقضي الكفارة الأخري، وكذلك إن لم يدر هل هما من إحدى الكفارتين أم من آخر تلك وأول هذه ؟ فإن واحدة قد بطلت غير أنه لا ينتقل من هذه التي هو فيها إلا بيقين من إصلاحها بيومين، وذلك أكثر ما يمكن أن يكون عليه منها، كمن ذكر سجدة من إحدى ركعتين يريد أن يصلح هذه التي هو فيها بسجدة وإن كان لابد أن يعيد الأولى إلا بشيء رواه البرقي. عن أشهب أنه قال : يأتي بركعة ولا يصلح هذه بشيء والله أعلم. [5/306]
***(1/297)
[5/307] مقدار كفارة الطعام
ومن أطعم شعيرا أو كسا وأطعم
قال ابن حبيب قال مطرف : كان مالك يفتي في كفارة الظهار بمدين لكل مسكين، ويكره أن يقال مد هشام، وروى ابن حبيب أن مد هشام الذي جعله لفرض الزوجات فيه مد وثلث . وروى ابن القاسم أنه مدان إلا ثلثا، وروى البغداديون عن معن بن عيسى أنه مدان بمد النبي (صلي الله عليه وسلم).
ومن العتبية من سماع ابن القاسم : وإذا كان الغالب من قوت بلد المتظاهر الشعير، أو غلا الشعير فكان ذلك قوتها فله أن يخرج/ منه.
ومن كتاب العتق لابن المواز : وإن أطعم عن ظهاره شعيرا وهوبكيل القمح، أو [ذرة وهو يأكل الشعير لم يجزه قال وإن أطعم شعيرا وهو يأكل] الذرة أجزأة إذا زاد فبلغ مبلغ القمح، وقاله أشهب. ومن غذى وعشى خبز البر والإدام في الظهار لم ينبغ ذلك، ولا إعادة عليه، وإن كسا وأطعم عن كفاره واحدة فقال في كتاب أسد : لا يجزئه ويكسى صغار الصبيان ثوب رجل كبير، وكذلك الأنثى إلا أن تحيض بثوب وخمار.[5/307]
***(1/298)
[5/308]فيمن وصى أو يعتق أحد عبيده
عن ظهاره أو عن ظهار وقتل نفس
أو يشتري لذلك وقد ضاق الثلث
أو أن يشترى أبوه ويعتق عن ظهاره
من العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن قال اعتقوا رأسا من رقيقي عن ظهارى وهم عشرة، قال : الورثة مخيرون في عتق أيهم شاؤوا [قال أبو زيد محمد : وإن عتق] ممن يجوز في الظهار فإن كانوا كلهم ممن لا يجوز في الظهار، فإن علم الموصى أنهم ممن لا يجزئ مثلهم في الظهار عتق واحد منهم بالسهم، وإن كان من يجعل ذلك ويظنه مجزئا فليخرج عشر قيمتهم فيشتري به رقبة صحيحة فتعتق، فإن لم يوجد بذلك اشتروا به صغيرة.
ومن كتاب ابن حبيب قال أصبغ : ومن أوصى أن يعتق عبد من عبيده عن ظهاره وإمائه وفيهم صنف معيب لا يجزئ في الظهار، وصنف قيمة كل واحد أكثر من الثلث / قيمتهم بيع في ذلك قليل أو كثير فيشتري رقبة تعتق عنه، وإن لم يوجد به إلا رضيع اشتري به، وكذلك لو قال : اعتقوا هذا عن ظهاري وهو لا يجزئ لعيب به لبيع واشتري بثمنه، أو كان العبد يجاوز الثلث لبيع لذلك أيضا، يريد ابن حبيب : ويشترى بمقدار الثلث.
من سماع عيسى من ابن القاسم : ومن أوصى بشراء عبد فلان وعبد فلان فيعتقان في ظهار عليه، وقتل نفس فضاق الثلث فليسهم بينهما، فمن خرج سهمه اشتري وأعتق عن قتل النفس لأنه لا بدل منه، ومن الظهار بدل الإطعام فيطعم عنه فيه ببقية الثلث، فإن لم يبلغ ستين مسكينا أعين به في رقاب، ولو لم يسمع الثلث إلا ذلك العبد جعل لقتل النفس لأن الظهار قد اختلف فيه.[5/308]
***(1/299)
[5/309] قال أهل المشرق وبعض المدنين : إذا وطئها ولم يكفر حتى فارقها فلا شيء عليه، قال ولو قال اعتقوا لذلك من عبيدى فلم يكن فيهم من يجزئ في ذلك يبعوا واشتري ما يجزئ، وكذلك إن كان كل عبد منهم يجاوز الثلث فليبع منهم لشراء رقبة، وإن كان منهم من يجوز في الرقاب بما ثمنه الثلث ومنهم من يجاوزه ومنهم من لا يجوز، فليقرع بين من يجوز ممن ثمنه الثلث، وإذا لم يكن في ثلثه ثمن رقبة أوصى بها لقتل نفس أعين به في رقبة أو في رقاب، ولا يعتقوا نصف رقبة يبقى باقيها رقيقا، وقال أصبغ مثله إلا في القرعة بينهم فلم يره . وقال بل يعتق الورثة واحدا منهم ممن يجوز مما ثمنه الثلث أو أقل، فإن كان فيهم مثله أو دونه / أو فوقه فذلك إليهم لأنها وصية بكفارة ليست وصية بعتق منهم ولا تطوعا جعله جاريا بينهم.
وروى عنه أصبغ في الموصي بكفارة ظهار وقتل نفس، ولا تحمل ثلثه إلا رقبة وزيادة يسيرة أن يعتق عن القتل ويطعم عن الظهار، قال أصبغ وهذا في قتل الخطأ فأما في العمد فالظهار أولا لأنها في العمد غير واجبة كالتطوع. قال ابن القاسم وإن لم يسمع الثلث إلا واحدة جعلها الورثة فيما شاؤوا من الكفارتين ويجزئ.
قال أصبغ : وأحب إلي أن يجعل للقتل فعسى ألا ينوب له مال يخرج منه الظهار فإن كان ممن يئس له من ذلك جعلوه في أيهما شاؤوا ، وإن كان في الثلث ثمن رقبة وفضلة لا تفي بإطعام الظهار فليعتق عنه الظهار إذ لا يشارك فيه في رقبة. قال عيسى : قال أصبغ ، نعم يعان به في رقبة.
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن أوصى أن يشترى أبوه فيعتق عنه، قال لظهار أو لم يقل، فإنه يزاد بائعه إلى ثلث قيمته إن أبى بيعه بقيمته، ولو لم يذكر من يشتري أبوه أو غيره لم يجز للوصي أن يشتري أباه ولا من يعتق عليه، ولو قال علي ظهار فاعتقوا فيه أبي، فهو كالوصية بعتقه، وينفذ ما قال، وفي كتاب العتق شيء من معاني هذا الباب وما يتعلق بالظهار.[5/309]
***(1/300)
[5/310] [5/310]
***(1/301)
[5/311]بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الايلاء
في المولي وأجله وإيقافه والطلاق عليه
وكيف إن تركته ثم قامت ؟
وكيف إن راجعها أو نكحها وقد أجل / في الوطء أجلا؟
وكيف إن أتى ثم آلى
من كتاب ابن المواز : قال مالك في المولي نفس الإيلاء وهو الحالف أن لا يطأ فالأجل فيه من يوم حلف، ضربه له الإمام أو لم يضربه، فإن ضربه ولم ترفعه ثانية بعد الأجل ليوقف فلا تطلق عليه حتى توقفه ثانية، وليس هو من ذلك في حل إلا أن تطرح هي ذلك عنه، فإن طرحته وقالت لا حاجة لي بإقافه فهو حق تركته إلا إن لها أن ترجع منى شاءت فيوقف لها مكانه، قال أشهب عن مالك، وإن طال الزمان.
قال أصبغ : يخلف ما كان تركها على التأييد ولا رضي بإسقاط ذلك والمقام معه إلا أن ينظر ويعاود رأيها ثم يوقف مكانه بغير أجل فيفيء أو يطلق، وقال أشهب عن مالك في العتبية إذا جاوز الأجل ثم رفعته وقف مكانه بغير أجل فإما فاء أو طلق عليه قيل ألذلك حد ؟ قال : لا، وإنما هو في مجلسه ذلك. [5/311]
***(1/302)
[5/312]قلت فإن قالت المرأة قبل يطلق عليه أنا أصبر بلا مسيس ذلك لها، وكذلك الحالف يريد بالطلاق ليفعلن، يضرب له الأجل من يوم ترفعه فيحل فترضى أن تصبر بلا وطء.
قال مالك : وإذا أرادت الأمة ترك زوجها حين آتى منها فلسيدها إيقافه، وكذلك في العتبية لابن القاسم عن مالك.
وإن حلف أن لا يطأ سنة فوقف لأربعة أشهر فطلق عليه ثم ارتجع ولم يطأ حتى حلت أربعة أشهر أخرى فلا إيقاف عليه إلا في نكاح آخر إن تزوجها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر، قيل فإن انقضت العدة واليمين قائمة هل تنكح ؟ قال : إن كانت / في منزله ويخلو بها فلا ينكح وتأتنف العدة، وأما هو فله نكاحها معزولة كانت أو غير معزولة إلا أن يكون وطؤها وطئا فاسدا.
ومن حلف أن لا يطأ خمسة أشهر ، هذا إيلاء واحد بوقف واحد، الأول يوقف مرتين إن طلق عليه في الإيلاء الأول ثم ارتجع فلم يتم العدة حتى مضت أربعة أشهر من الخمسة الثانية فعليه إيقاف ثان، وإن انقضت العدة قبل ذلك فلا إيقاف عليه.
ومن حلف بالله إن وطئ، ثم بعد شهرين قال على نذر إن وطئتك فأوقف ليمينه الأولى ثم طلق عليه ثم أرتجع ولم يطأ حتى حلمت أربعة أشهر من اليمين الثانية فلا إيقاف عليه ليمينه الثانية وقد دخل في وقفه الأول لأنه لو أصاب في الأول سقط عنه اليمينان.
قال محمد : ولو كفر عن اليمين الأولى حين كان بالثانية موليا، هذا خلاف ما روى عنه بعد هذا أشهب.[5/312]
***(1/303)
[5/313]فيمن حلف في امرأته لئن وطئها كذا وكذا مرة
أو لا يطؤها في هذه السنة إلا مرة أو مرتين،
أو لا وطئ نهارا أو أن لا يطأ إحدى امرأتيه
أو طلق وحلف أن لا يرتجع
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال لامرأته إن وطئتك كذا وكذا وطأة فأنت طالق فهو مول والأجل فيه من يوم حلف.
ومن كتاب ابن المواز : ومن حلف أن لا يطأ امرأته في هذه السنة إلا مرة فقال ابن القاسم / : إن وطئها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر صار مواليا.
وقال أيضا : إن مضى من السنة أربعة أشهر ولم يطأ وقف فإن فاء وإلا طلق عليه، وهو أحب إلى ابن القاسم وأصبغ وإلينا، فإن فاء فيما يستقبل مول ولا شك فيه ، ويوقف [ثانية لأربعة أشهر أخرى. وقاله أشهب قال ولو لم ترفعه حتى يفيء من السنة]أربعة أشهر، يزيد هذا ، ولم يطأ بعد فلا حجة لها إلا أن يكون وطئ قبل ذلك فيكون موليا.
وإن حلف لا وطئها في السنة إلا مرتين فليس بمول وقال أصبغ : إنه مول لأنه يمنع من أجل اليمين، وقال محمد : وهذا غلط من أصبغ رحمه الله.
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن حلف بالطلاق: لا وطئ امرأته نهارا فلا شيء عليه.
ومن حلف لا بات عند امرأته أبدا وقال أنا آتى نهارا، قال : ذلك له ، ولا أبلغ به أن أطلق عليه. وقال قبل ذلك : يتلوم له فإن أبى طلق عليه.[5/313]
***(1/304)
[5/314]قال : ومن له امرأتان فكان يبيت عند واحدة ولا يبيت عند الأخرى فلا يطلق عليه، ومن كتاب ابن المواز: ومن قال لزوجتيه: والله لا وطئت إحداكما ولم ينو واحدة فلا إيلاء عليه حتى يطأ إحداهما فيكون موليا من الثانية.
ومن طلق امرأته طلقة فيسأل الرجعة فقال: والله لا راجعتها فهو مول، إن تأخرت عدتها إلى أربعة أشهر وقف ، فإما ارتجع أو طلق عليه طلقة أخرى، وتبني على عدتها الأولى وتحل بتمامها وإن قل ما بقي منها ولو يوم أو ساعة.
فيمن آلى بذمة الله أو بشأن الله ونحو ذلك
أو نذر/ ترك الوطء أو آلى بصوم أو صدقة أو عتق
وذلك كله معين أو غير معين
وكيف لو باع عبده ثم اشتراه؟
من كتاب ابن المواز : ومن حلف أن لا يطأ بذمة الله أو برحمة الله أو بنور الله أو بحمد الله أو بسبحان فهو مول.
ومن حلف بسلطان الله أو بقدرته أوبشيء من صفاته فهو مول. وإن حلف بالملائكة أو بالكعبة أو قال رسول الله أو برئت من ذمة الله فلا شيء عليه.
وإن قال : عزمت أو أقسمت أن لا أقربك فإن أراد بالله وإلا فلا شيء عليه.
ومن العتبية وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال إن شفاني الله من مرضي صمت ستة أشهر لا أقرب فيها امرأة فليس عليه إيلاء وليصم وليس لله طاعة في ترك الوطء. [5/314]
***(1/305)
[5/315] وكذلك لو قال : فلله علي ألا أقرب امرأتي حتى أحج أو أغزو ويلزمه أن يحج أو يغزو ولا يكف عن وطء، وكذلك لو قال لله على أن لا أمسك حتى أحج أو أغزو فليطأها ويحج ويغزو ولا شيء عليه، وإن قال إن قربتك فعلي صوم هذا الشهر أو شهر بينه وبين آخره أربعة أشهر فليس بمول حتى يكون بينه وبينه أكثر من أربعة أشهر.
ومن آلى بعتق عبده ثم باعه زال إيلاؤه حتى يعود إلى ملكه بأي وجه، وإن بيع في تفليس ثم اشتراه فقد قيل لا يعود عليه اليمين ، وقال ابن القاسم يعود عليه اليمين، فأما من رد الغرماء عتقه فبيع لهم ثم اشتراه فلم يختلف مالك وأصحابه أنه لا شيء عليه /، ومن آلى برقبة بغير عينها فأعتق لذلك رقبة فقيل يجزئه وبعد الحنث أحسن وروى عن مالك، وقيل: لا يجزئه إلا بعد الحنث، وكذلك يمينه بالله لو اعتق عنها قبل الحنث فقيل يجزئه وقيل لا يجزئه، يريد محمد : في الأحكام وزوال الإيلاء عنه، وأما بينه وبين الله فيجزئه أن يكفر قبل الحنث.
فيمن حلف أن لا يطأ امرأته
بطلاقها أو بظهارها
من كتاب ابن المواز : ومن قال إن وطئتك فأنت على كظهر أمي فهو مول بما لا يقدر أن يحنث بالإصابة لأن باقي مصابه بعد الحنث ولا ينفعه تعجيل الكفارة إذ لا يصير مظاهرا حتى يطأ، ولا يباح له الوطء إلا بالملاقاة يصير مظاهرا ويصير باقي مصابه لا يجوز له، فقد قيل تعجل عليه طلقة الإيلاء،وقيل حتى يتم أربعة أشهر كالحالف أن لا يطأ بالبتة وهو من لا رجعة له إذا طلق عليه وهما يتوارثان في العدة.
وقد تقدم في كتاب الظهار من رواية عيسى عن ابن القاسم في الذي حلف بالظهار إن وطئها، وما يدل على خلاف رواية محمد هذه. والقائل قبل البناء إن وطئتك فأنت طالق يضرب له أجل الإيلاء وله الفيئة بالوطء غير أن ينوي ببقية مصابه الرجعة، فإن وطئ على هذا وإلا طلق عليه، وكذلك في المدخول بها ما لم.[5/315]
***(1/306)
[5/316]تكن آخر طلقة له فيها فيصير كالبتة، فقيل يعجل عليه طلقة الإيلاء، وقيل يطلق عليه عند تمام الأجل. قاله مالك، قال وقد ترضى أن تصبر بلا وطء.
وروى عن مالك في الحالف/ بالبتة وبآخر طلقة له فيها أن لا يطأ : أن له أن يحنث فيها بالوطء فيطلق بالبتة، وقال ابن القاسم وله أن يتمادى حتى ينزل، وأحب إلي أن لا يفعل فإن فعل لم يكن عندي جرحا، قال أصبغ وذلك ما لم يخرج ذكره ثم يعاود فلا يحل له ذلك، وقال غير ابن القاسم إذا التقى الختانان قطع، وأراه ابن وهب وقاله عبد الملك وقال أصبغ وذلك حسن غير واجب، لأن له لذته ولكن لا ينزل وليحتط عند دنوه أن لا يفلت منه، وأخاف إن أنزل فيها أن يكون ولد زنى.
قال ابن القاسم : وإن طلق عليه بالإيلاء لزمته طلقة ولا رجعة له إذ لا يرتجع إلى بر.
وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية نحوه، وفي السؤال : وإن وطئتك إلى سنة، وقال : وتوارثان في العدة وإن لم تكون له رجعة بخلاف المصالح.
فيمن آلى واستثني
أو حلف ليطأنها أو لا يطأها حتى تأتيه
وإيلاء الصبي والشيخ الفاني والخصي وشبهه
ومن آلى من صغيرة
وذكر إيلاء العبد والإيلاء من الأمة
ومن كتاب ابن المواز : ومن حلف بالله ألا يطأ امرأته واستثنى فهو مول، وقال أشهب وعبد الملك : ليس بمول وإن حلف بطلاقها ليطؤها فروى عن مالك أنه مول، وقاله في الذي هجر مضجعها فعاتبته أمها فحلف لها بذلك، وقاله الليث، وقاله ابن القاسم ثم رجع فقال : ليس بمول، وقال مالك فيمن قال / إن [5/316]
***(1/307)
[5/317]وطئتك، فأنت طالق إلا أن تأتيني فهو مول إذ ليس عليها أن تاتيه، وقال سحنون في العتبية في الذي حلف لا وطئتك إلا أن تطلبي إلي ذلك فليس بمول. قال ابن سحنون : قلت له قد قيل إنه مول ولا يكون قيامها به سؤالا حتى تسأله فأعابه وقال : منع الوطء بسببها.
وإذا آلى اليتيم ولم يبلغ فليس بمول ولا يلزمه إن بلغ.
ومن آلى من صغيرة فلا شيء عليه حتى تبلغ حد الوطء. فمن يومئذ يكون أجل الإيلاء عليه.
وإذا آلى الشيخ الكبير أو الخصي ومن لا يقدر على الفيئة فليس بمول، وكذلك المولي يقطع ذكره، يريد: لا إيقاف عليهم ولا ضرب أجل قال ابن حبيب : قال أصبغ لم ير ابن القاسم إيلاء الخصي إيلاء يلزم به توقيف، وأنا أرى أن يكون موليا ويوقف لأجل الإيلاء لأن لها منه متعة تلذ بها من مباشرة وغيرها.
ومن كتاب ابن المواز : وإذا آلى عبد بعتق عبده وصدقة ماله فهو مول، وليس كالصبي لم يحتلم، ذلك لا يلزمه إن بلغ والعبد قد يلزمه إذا لم يرد ذلك سيده حتى عتق.
وإذا آلى العبد فمضى له شهر ثم عتق فلا يزاد غير شهر آخر ولو كان إيلاؤه مما يؤتنف فيه ضرب الأجل بالرفع فرفعته بعد عتقه ضرب له أجل الحر، والأمة له فيها شقص لا يلزمه فيها ظهار ويلزمه فيها الإيلاء.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية فيمن آلى من أمتين تحته ثم اشترى إحدهما فقد زال الإيلاء فيها ويبقى الإيلاء في الأخرى فإن أعتق المشتراة وتزوجها عاد عليه فيها الإيلاء.[5/317]
***(1/308)
[5/318]في الحالف إن وطئتك حتى أخرج/
أو حتى أفعل كذا أو قال في داري
أو قال إن وطئتك فوالله لا أطؤك،
أو قال لا وطئتك إلا أن أعتق أو لأعتقن
أو فكل ما أتزوج من مصر طالق
ومن كتاب ابن المواز : وإذا قال والله إن وطئتك حتى أخرج إلى الحج أو إلى بلد ذكره فهو مول من يوم حلف إذا كان يتكلف بذلك سفرا قربت المسافة أو بعدت إلا أن يقرب مثل حجرته، ومثل العقيق من المدينة، ومثل العالية أو حلف لا يطؤها في داره فلا إيلاء عليه، إذ لا كلفة فيه، ولكن يأمره الإمام بالوطء ويردده، فإن بان ضرره طلق عليه.
وقال سحنون : إذا حلف ألا يطأها حتى يخرج من داره فهو مول.
قال في كتاب ابن المواز : وإذا كان سفرا يوقف فيه عنها فحل أجل الإيلاء فقال أنا أخرج فإن قرب البلد ترك وذلك، وإن بعد طلق عليه بمحل الأجل، وكذلك يمينه لا يطأ حتى يكلم فلانا أو يقضيه حقه وفلان غائب، أو قال حتى يقدم فلان فإن رافعته لتمام الأجل فقال أنا أفي، فإن قربت الغيبة أختبر، وإن بعدت طلق عليه وقيل له ارتجع وف إن شئت، وإن كانت مسافته على أكثر من أربعة أشهر طلق عليه عند الأربعة الأشهر إن رفعت أمرها ولم يختبر ولم تنتظر، وكذلك لو خرج ساعة حلف أو حلف في سفره إليها لطلق عليه بمحل أجل الإيلاء إذا لم يبلغ وإذا لم يذكر الوطء ولكن قال لآتين بلد كذا ومسافته أكثر من أربعة أشهر، فإن خرج مكانه أو عند إمكان الخروج / لم يضرب له أجل ولم يكن موليا، لأن الوطء له جائز حين لم يفرط وخرج مكانه، وكذلك يمينه بطلاقها ليكلمن فلانا أو ليقضينه حقه، وبينه وبينه أكثر من أربعة أشهر، فليس بمول ولا يضرب له فيه أجل إن لم يفرط في خروجه ولا يمنع من الوطء.
وقال في موضع آخر في الذي حلف ليكلمن فلانا أو ليضربنه وفلان غائب، فلا يمنع من الوطء حتى يقدم، وإن طالت غيبته وإن قال والله لا أصيبنك إلا أن [5/318]
***(1/309)
[5/319] أعتق رقبة أو أتصدق بصدقة فهذا مول، لأن وطأه يوجب عليه كفارة اليمين بالله، وإن قال والله لئن أصبتك لأعتقن أو لأفعلن لم يكن موليا بخلاف قوله لا أصبتك حتى أفعل، وقال عبد الملك في قوله لا أصبتك إلا أن أعتق رقبة أو أتصدق بصدقة إنه لا يكون موليا لأن يمينه في غير امرأته.
قال ابن القاسم : وإن قال : إن وطئتك فوالله لا أطؤك فليس بمول حتى يطأ، وكذلك روى عنه عيسى في العتبية.
قال ابن القاسم وإن قال إن وطئتك فكل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق.
قال عنه أبو زيد في العتبية كل عبد أبتاعه منها حر.
قال ابن القاسم: لا يكون موليا حتى يتزوج. وقال أصبغ : هو مول، لأنه يلزمه بالوطء يمين.
ومن كتاب ابن المواز : ومن قال لأجنبية : أنت طالق إن تزوجتك إن وطئتك حتى أفعل كذا أو تفعلي أنت كذا، فهو مول حين يعقد نكاحها.
في إيقاف المولي عند الأجل وفيئه
وكيف إن قال أنا أفيء
أو كان مريضا أو غائبا أو مظاهرا
أو قد جن أو سحر أو فقد أو أراد سفراً؟
من كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم وأظنه عن مالك وإذا أوقف المولي للأجل فقال أنا أفيء، أختبر مرة أو مرتين، فإن بان كذبه طلق عليه، ولا أنظر إلى العدة. [5/319]
***(1/310)
[5/320] قال عنه ابن وهب: وإن أقام في الاختبار ثلاث حيض فإنه يوقف أيضا فإن قال أنا أفيء حيل بينه وبينها ما لم يكثر ذلك فيطلق عليه، هذا خلاف ما روى عنه أشهب في أول الكتاب. قال عنه أشهب : وإذا وقف عند الأجل فقال أنا أفيء فإن لم يف حتى تنقضي عدتها من يوم قال أنا أفيء طلقت عليه طلقة بائنة.
قال ابن عبد الحكم : والأول أحب إلينا.
وفي العتبة من سماع أشهب عن مالك مثل ما ذكر محمد.
وقال : إن قوله في الأجل أنا أفيء ثم لم يف أرى أن يكون ذلك طلاقا.
قيل : فإن وقف عند الأجل ليفيء أو يطلق فطلق ثم راجع فمكن منها للمصاب فانقضت العدة وتقاررا أنه لم يصب، أعليها عدة للأزواج لهذه الخلوة؟
قال عيسى به، وهذا أمر لم يكن، وما في السؤال عن مثل هذا خير.
قال ابن القاسم في المولي منها إذا ارتجعها زوجها من عذر، يريد بالقول فانقضت عدتها وهي عنده ولم يفئ بعد أن ذهب العذر ففرق بينهما إن العدة الأولى تجزئها، قال ابن القاسم إذا لم يخل بها.
ومن كتاب ابن المواز عن مالك من رواية أشهب ونحوه كله/ في التعبية من سماع أشهب، وإذا حل الأجل وكان له عذر بمرض أو سجن أو غيبة أو كانت هي مريضة أو حائضا، فإن كانت يمينه مما يقدر على إسقاطها فلا عذر، ويختبر إن قال أنا أفيء فإن من فيئه أن يعجل ما يزيل يمينه، وإن قال لا أفعل، طالق عليه، وإن قال أنا أفعل أختبر، كما يختبر من لا عذر له فإن فعل وإلا طلق عليه، وذلك مثل أن تكون يمينه يعتق عبد بعينه أو صدقة شيء بعينه، أو طلاق امرأة أخرى طلاقا بائنا فهذا إن عجله زال إيلاؤه ولا يعذر فيه بما ذكره.[5/320]
***(1/311)
[5/321]وأما اليمين بالله فإذا كفر قبل الحنث فذلك له، وإن قال حتى أحنث فذلك له ويعذر بالمرض ونحوه إن قال أنا أفيء بلسانه إذا زال عذري، وكل يمين لا ينفعه فيها تعجيل الحنث كعتث بغير عينه أو صدقة بغير عينها أو بالمشي أو بطلاق غيرها طلاقا يملك فيه الرجعة فليس فيه إلا الوطء. وله عذر بما ذكرنا إذا قال بلسانه أنا أفيء ثم إذا انكشف العذر فأوقف ومكن منها فلم يطأ طلق عليه مكانه، وإن قال أنا أطأ جرب المرة بعد المرة فإن بان كذبه طلق عليه مكانه، وقال أشهب بالطلاق الأول ويكون بائنا، يريد لأن عدة ذلك لو طلق عليه هذا الطلاق من أول قد بانت منه.
قال في كتاب ابن المواز : ولو قال وهو معذور بما ذكرنا ولا يقدر على البر قبل زوال العذر لا أفيء فهذا يعجل عليه الطلاق، إلا أنه إن ارتجع / بعد الطلاق فرجعته رجعة وإن حاضت يريد بعد الرجعة ما لا يحصى حتى يزول عذره ويصل إلى الوطء، ولو كان ممكن يقدر على إسقاط يمينه في عذره، فلم يسقطها حتى أنقضت العدة فرجعته بعد ذلك باطل وقد بانت منه وهو كغيره ممن لا عذر له يرتجع ولا يطأ حتى تنقضي العدة قال وينتظر الغائب في الإيلاء إذا حل الأجل وإن طالت غيبته ويكتب إليه ليوقف، فإن قال لا أفيء طلق عليه، وإن قال أنا أفيء كان كمن ذكرنا في ذي العذر بالمرض وينظر إلي يمينه على ما تقدم ذكره، وإن لم يعرف مكانه لم يطلق عليه أبدا إلا بالإيقاف، ومن تظاهر من امرأته ثم آلى منها فوقف للأجل فله عذر بالظهار كالعذر بالمرض ونحوه، ولكن لا يقبل منه إن قال أنا أفيء بالوطء، وينظر فإن كانت يمينه يقدر أن يسقطها أو يكفرها أمر بذلك، فإن فعل بقي مظاهرا ثم لا يدخل عليه الإيلاء حتى يتبين ضرره، وذلك أن يقدر أن يكفر ولا يفعل، قال ولا يفيء بالمصاب ولايمكن منه ولا ينفعه إن فعل.
وكذلك الحالف ليفعلن فعلا إلي غير أجل، ولو ضرب المظاهر أجل المكفر فلم يفعل وقال في الأجل اتركوني فأنا أكفر، فليس له ذلك ويطلق عليه مكانه عند تمام الأربعة الأشهر التي ضرب له، لأنه إنما ضرب له ليفيء بالكفارة لا بالوطء، فإذا طلق عليه وأخذ في الكفارة في العدة فتم صومه قبل / العدة وله[5/321]
***(1/312)
[5/322]الرجعة، وإن كان ارتجع صحت رجعته وأخذ في الصوم في الأجل فلم يتم قبل الأجل لمرض عاقه حتى يفيء من صيامه بعد الأجل، فإن صح فوصل صومه حتى يفرغ عذر وأجزأه وإن أفطر بغير عذر، وإن كان بعد الأجل طلق عليه مكانه.
قال مالك : والعبد المظاهر إذا بان ضرره إن منعه سيده الصوم لأمر له فيه عذر فرافعته امرأته ضرب له الأجل، فإن كفر فيه وإلا طلق عليه.
ومن العتبية قال أصبغ : إذا حل أجل المولي وقد فقد، وكشف عنه الإمام، وصار ممن يضرب له أجل الفقد، فلتأتنف له أجل المفقود، ولا يطلق عليه بالإيلاء إذ لعله ميت، وأما إن جن وأطبق فليوكل الإمام به من ينظر له، فإن رأى أن لا يفيء طلق عليه، وإن رأى له أن يفيء كفر عنه إن كانت يمينه تمنعه الوطء، أو يعتق عنه إن كانت يمينه يعتق رقبة، ولو وطئها في جنون كان ذلك له فيه، ويكفر عنه وليه إن كانت يمينه في صحته، ويخلي بينه وبين وطئها إلا أن يخاف أذاه لها، ولو كانت يمينه بالطلاق لا وطئها إلا ببلد كذا، أو حتى يغزو، فلوليه أن يلزمه هذه الطلقة، وله أن يخرج به إلي البلد الذي حلف على الوطء به، أو يغزو به ثم يرده فيطأ.
وإذا أراد المولي سفرا بعيدا قيل له وكل ما يفيء لك عند الأجل أو يطلق عليك ومن فيه وكيله أن يكفر. قال ابن القاسم: إن طلب السفر قبل مجيء الأجل بيومين أو ثلاثة وطلبته امرأته / وفي ذلك منعه الإمام من السفر حتى يحل الأجل، فإن أبى عرفه أنه يطلق عليه، فإن خرج ورفعت ذلك عند الأجل طلق عليه وإن لم ترفع خبره حتى سافر فلا يطلق عليه حتى يكتب إليه ليفيء أو يطلق، وقال ابن كنانة: إن كان مقرا بالإيلاء فلا يحبس عن سفره ثم إذا حل الأجل طلق عليه، وإن كان منكرا للإيلاء والمرأة تدعيه فأرى أن يحبس حتى يشاورها.[5/322]
***(1/313)
[5/323]في الحالف بالطلاق ليفعلن فلا
ودخول الإيلاء عليه
وشيء من ذكر تعجيل الحنث
ومن كتاب ابن المواز : قال مالك، ومن حلف بالطلاق ليفعلن كذا إلي غير أجل يمنع من الوطء، فإن لم ينته أدب، فإن تمادى حيل بينه وبينها، وإن رافعته صار كالمولي.
قال مالك : وإن حلف بالطلاق ليتزوجن عليها فطلق عليه بالإيلاء، فإن تزوج في العدة فله الرجعة وإلا فلا.
قال محمد : وله إذا حلف بطلقة أن يجعل حنثة ويرتجع، لأنه لم يضرب أجلا ولا سمي امرأة بعينها يتبين حنثه بموتها.
قال ابن القاسم: سمعت الليث يقول إذا حلف بالظهار ليتزوجن فله ترك ذلك ويكفر، وكذلك لو حلف بظهارها ليعتقن ولم يسم رقبة بعينها، وأما إذا كانت بعينها فليس له أن يحنث نفسه، وقال محمد : وإن حلف بالظهار ليكلمن فلانا ولم يضرب أجلا فليس له تعجيل الكفارة ولا الحنث، ولا يطأ، وموت فلان يوجب عليه الكفارة كالأجل، فإن كفر قبله لم يجزئه/.
وقال ابن عبد الحكم : وإن حلف بالطلاق ليضربن فلانا أو ليقضينه حقه، أو ليفعلن فعلا ولم يضرب أجلا فرفعته فوجل له أجل الإيلاء يطلق عليه بعد محله فلا رجعة له إلا أن يفعل ما حلف عليه، ولو وطئ مرتجعا لم ينفعه، ومنع منها وافتدت، ثم إن فعل ما حلف عليه فله الرجعة إن بقي من عدة طلاق الإيلاء شيء، فإن انقضت وبقيت عدة الوطء لم تكن له فيها رجعه وإن فعل ما حلف عليه.
قال : والحالف ليحجن أو ليخرجن إلى بلد سماه لا يمنع الوطء حتى يأتي الإبان في خروج الحج أو إمكان خروج البلد، فيمنع، وإذا كان خوف طريق أو عشر كذا فذلك عذر، ولا يمنع من الوطء حتى يجد السبيل، وكذلك ليفعلن[5/323]
***(1/314)
[5/324]كذا، فمن يوم يمكنه الفعل يمنع ويدخل عليه الإيلاء، وإذا كان السبيل ممكنا له من يوم حلف فقد لزمه من يومئذ الوطء، ثم إن حدث عذر من طريق وفقد كذا، لم يرجع غلي الوطء بعد، إن وطئ جهلا لم ينفعه ذلك، ويضرب له أجل الإيلاء، فيطلق عليه بحلوله، إذا لم يفعل، وكذلك من حلف ليكلمن فلانا أو ليضربنه وهو غائب، فلا يمنع من الوطء مادام فلانا غائبا وإن طال ذلك، وإن مات في غيبته ما كان عليه شيء.
قال في موضع آخر من هذا الكتاب : ولو كان بينه وبين أكثر من أربعة أشهر فليس بمول ولا يضرب له أجل إذا أمكنه الخروج فخرج ولم يفرط، ولا يمنع من الوطء، وقال : ولو كان حاضرا أو طال مقامه بما يمكنه الفعل لم يفعل حتى مات فلا فقد حنث، ولو فقد/ وترجى رجعته لم يعجل حنثه، ويمنع من الوطء قال : وإذا جاء وقت خروج الحاج إلى الحاج منع من حينئذ من الوطء، وقد قيل لا يمنع حتى يفوته الزمان حتى لا يدرك أن يخرج فيمنع حنيئذ، ويصير موليا، قاله عبد الملك، والأول أحب إلينا.
وقال أشهب : يمنع وقت إمكان الخروج، فإن فات الخروج رجع إلى الوطء حتى يجيء الوقت أيضا، وقال ابن القاسم : حتى يمكنه الخروج، ثم إن لم يفعل حتى فاته طلق عليه، والأول أحب إلينا، ورواه عبد الملك عن مالك أنه يمنع عند إمكان الخروج ثم إذا فات وقت الخروج فوفعت أمرها ضرب له أجل الإيلاء ثم طلق عليه بحلوله، لأنه لا يقدر على الفيئة ولا يحج وسط السنة.
وقال : ولو تأخر ضرب له الأجل حتى صار آخره يدرك وقت الخروج فقال لا تطلقوا علي وأنا أخرج، فليس ذلك له، ولو تأخر رفعها حتى جاء وقت الحج فطلب الأجل فإنه يضرب له لأنه ممن منع الوطء فلا يرجع إليه، وإن خرج حتى يحج فإن حج قبل أربعة أشهر سقط عنه وإلا طلق عليه.
قال ابن المواز: وإذا حلف بالطلاق ليخرجن بها إلى بلد سماه فخرج مكانه، فله التمادي على الوطء وكذلك إن حلف ليهجرن فلانا شهرا فمضي في هجرته أو ليقيمن في هذا البيت شهرا وهو فيه، ولو هجره يوما ثم كلمه وقال نويت هجرته.[5/324]
***(1/315)
[5/325] شهرا من الدهر غير معين، فهذا يكف عن الوطء من حين حلف، فإن رافعته فالأجل من يوم ترفعه، فإن مضى الأجل ولم يهجره طلق عليه، ولا يؤخر ليفيء، فإن هجره شهرا قبل تمام العدة فله الرجعة وإن / تمت قبل هجرته شهرا فقد بانت وقد حنث.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال إن لم أحج فامرأتي طالق البتة، ولم يسم عاما فإنه لا يطأ حتى يحج، فإن قال بيني وبين ذلك زمان وأنا أحرم وأخرج، فإنه إن رفعته امرأته ضرب له أجل الإيلاء، قال ابن القاسم: وإن رضيت أن تقيم بلا مسيس فليحج متى شاء، وإن رفعت أمرها وطلبت المسيس قيل له أحرح وإن كان ذلك في المحرم فإن أبى أن يحرم طلق عليه عند محله، وذكر هذه الرواية ابن سحنون لأبيه فقال : والذي أقول به ما أخبرني به ابن نافع عن مالك أنه يطأ حتى يمكنه الخروج بمجيء إبان يدرك فيه الحج من بلده فيكف عن الوطء فذكر نحو ما ذكر ابن المواز.
ومن سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإن حلف بطلاقها ليتزوجن عليها فلانة فخطبها فكرهته فليمسك عن الوطء، وإن رافعته ضرب له أجل المولي فإن حل ولم يتزوجها طلق عليه، وإن ماتت هذه الأجنبية طلقت عليه امرأته.
وإذا حلف ليتزوجن عليها فامتنع من ذلك زمانا يرى أنه مضر فرفعت زوجته ذلك وهو مريض فليضرب له أجل المولي فإن انقضى وهو مريض فله عذر بالمرض، وإن حل وقد صح قيل له تزوج وتمس امرأتك، وإلا طلقنا عليك.
ولو كانت يمينه على قضاء الحق لفلان لم يعذر بالمرض إما قضاه وإلا طلقت عليه.
ومن حلف بالطلاق ليبيعن غلامه إلا أن لا يجد عشرين دينارا فقرضه فلم يجد به ذلك قال : يكف / عن امرأته حتى يعرضه مجتهدا أياما ويتأنى حتى يعلم الله اجتهاده ومبالغته فإن لم يجد بيعا فله حبس العبد ووطء امرأته حتى يحول[5/325]
***(1/316)
[5/326]السوق بزيادة يرجو معها بيعه بذلك، فيعاود الاجتهاد في العرض والبيع من غير كف عن الوطء إلا أن يجد به عشرين دينارا فيأبى، فليكف عن الوطء حتى يبيع، فإن رافعته وهو يقدر على بيعه بعشرين دينارا ضرب له أجل المولي، فإن باع وإلا طلق عليه، ثم لا فيئة له إن قال أنا أفيء إلا ببيع العبد.
قال ابن حبيب : قال أصبغ فيمن حلف بالطلاق ليتزوجن فلانا أو ليبيعن عبد فلان وليس هو كمن حلف على فعل غيره أن يتلوم له ، ولكن كمن حلف على فعل نفسه يضرب له أجل الإيلاء إن رافعته.
ومن المجموعة قال ابن القاسم : ومن خلف ليقيدن عبده شهرا لم يعينه، فإن إذا جعل القيد في رجليه جاز له وطء زوجته، قيل فإن نزعه قبل شهر فقيل له : تحنث فقال أنا أرده شهرا مؤتنفا، فإنه إن نزعه وهو لا يريده إليه فقد حنث. قال ابن وهب، قال مالك : فيمن قال أنت طالق البته إن لم أتزوج عليك فلا يطؤها، وإن أمن على نفسه أن يبيت معها في بيت، فذلك له.
فيمن حلف بالطلاق إن فعلت كذا
أو كان في معنى لأفعلن
أو حلف إن فعل فلان أو ليفعلن
من كتاب ابن المواز : قال مالك : ومن قال لرجل بينه وبينه شيء امرأته طالق إن عفوت عنك، منع من الوطء، وليس هذا من / باب : إن فعلت، وإنما هو من باب إن لم أفعل وهي في العتبية من سماع أشهب وقال إنما معناه لا طالبتك.
ومن قال أنت طالق إن قمت في هذا البيت أو البلد فهو كمن قال إن لم أفعل، فلا يطأ إلا أنه إن قدر على النقلة فلم ينتقل حنث مكانه في قوله إن أقمت وليس مثل قوله إن لم أنتقل، وأختلف في قوله إن سكنت، أو قال أقمت فقال[5/326]
***(1/317)
[5/327]مالك : يخرج مكانه وإن كان ليلا، وإن أقام حتى يصبح حنث إلا أن يكون نواه.
وقال أشهب : لا يحنث حتى يذهب وقت إمكانه للنقلة وهو ليلته التي حلف فيها ويومه من الغد إلى الليل ولا يمنع من الوطء، وأما إن قال إن لم أنتقل، فإن لم ينو العجلة فإن أخذ في النقلة مكانه لم يمنع من الوطء، وإن ترك ذلك ورافعته ضرب له أجل الإيلاء من يوم رفعت.
وقوله : إن سكنت يعني مكانه ، ليس كقوله إن سكنت موضعا سماه وليس هو ساكن به، ولا من باب إن كلمت فلانا، ولكنه من باب إن لم أفعل، وكذلك قوله إن تركت فلانا حتى أستاًذي عليه، إنما هو إن لم أستاًذ عليه.
ومن قال أنت طالق إن لم يقدم فلان أو أبوه وهو باليمن، فهو مول وأجله من يوم ترافعه. قال في موضع آخر إن عرفت غيبته في بعدها وقربها فحلف على ذلك، وعلى قدر ما عرف من شغله بالموضع ضرب له أجل بقدر ذلك ولم يطأ إليه، فإن كان أكثر من أربعة أشهر كان موليا إن رفعت أمرها، وإن كان أقل فلا حجة لها، قاله مالك/ وأصحابه.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال أنت طالق إن لم يقدم أبي إلى الهلال، فليكلف عن الوطء ولو ضرب أجلا أكثر من أربعة أشهر ورافعته ضرب لها الأجل من يوم ترفعه، ولو قال : إذا قدم أبي فأنت طالق، ولم يضرب أجلا فهذا لا يمنع من الوطء.
وقال ابن القاسم : يطأ امرأته إن ضرب أجلا فإن لم يضرب ضرب له أجل المولي.
ومن قال في بلح نخلة أن لم آكل من هذا البلح رطبا فأنت طالق، فإنه يضرب له أجل الإيلاء ثم يطلق عليه.[5/327]
***(1/318)
[5/328]ومن كتاب ابن المواز : ومن حلف ليفعلن غيره ولم يؤجل فيمنع من الوطء، ويؤجل له الإمام بقدر ما يرى أنه أراد من التأخير، ليس الأجل فيه سواء، قد يحلف على غيره، أن يهبه أو يعيره أو يسلفه أو يفعل بفلان. فمن ذلك ما القصد فيه من ساعته، ومنه ما يتأخر شهرا أو أقل أو أكثر بقدر ما يرى أنه قصده.
وقال أشهب إن كان ليمينه سبب وقت أراده مما إذا جاء ذلك الوقت حنثته إليه، ولا أمنعه الوطء، ويصير كمن حلف ليفعلن فلان إلي أجل مجمد : وهذا أقيس، والأول قول مالك.
قال ابن القاسم ومن حلف بالطلاق إن حج فلان أو فعل كذا فلا شيء عليه حتى يفعل فيحنث، وإن قال ليحجن فلان لم يمنع منها، حتى يأتي إبان الحج. فإما حج أو طلق عليه.
قال محمد: إذا زال وقت الخروج طلق عليه بخلاف الحالف على نفسه ليحجن فيذهب إبانه فهذا مول.
قال عيسى بن دينار في العتبية قوله: / إن حج فلان، فلا كقوله إن حججت أنا، فلا إيلاء عليه ، والقائل إن لم يحج فلا كالقائل إن لم أحج أنا، قال ابن القاسم : ويضرب له أجل الإيلاء في قوله: إن لم يحج فلان.
فيمن ملك أمر امرأته لغائب
هل يدخل عليه الإيلاء ؟
وفي الإمام يطلق على المولي بالثلاث
ومن كتاب ابن المواز: ومن جعل أمر امرأته بيد رجل بالأندلس فهو مول، والأجل فيه من يوم رفع ، لأنه يكف عن الوطء ، وإن كان قريبا كتب إليه فإما طلق أو ترك.[5/328]
***(1/319)
[5/329]قال ابن القاسم في البعيد الغيبة يكف عن الوطء : فإن رافعته ضرب له الأجل ، فإن حل ولم يعرف ما عند الغائب طلق عليه كانت رجعته رجعة، وإن طلق عليه كانت طلقة أخرى، وله أيضا الرجعة، ولا يجتزئ برجعته الأولى ، وإن تمت العدة من طلقة الإيلاء قبل يعلم ما عند الرجل فقد بانت منه.
وقال محمد بن خالد عن ابن القاسم في الإمام يجهل فيطلق على المولي بالثلاث، قال : لا يلزمه ، يريد إلا واحدة.
فيمن حلف في امرأته التى ترضع
أن لا يطأها حولين
أو ليتزوجن عليها بعد فطام ولدها
من كتاب ابن المواز : ومن حلف لا يطأ امرأته التي ترضع سنتين ، وقال : أردت تمام الرضاع، فليس بمول إلا أن يموت الصبي وقد بقي من السنتين أكثر من أربعة أشهر فيلزمه / الإيلاء من يوم موته، ولو حلف بطلاقها لأتزوجن عليك إذا استغني ولدك عنك، وذلك في الحولين فليكف عن وطئها ولا وقت في ذلك إلا أن ينويه.
قال محمد : لا يكف عن الوطء إلا بعد الحولين وبعد الحولين يكون مولياً إن رافعته.
ومسألة من قال : آخر امرأة أتزوجها طالق ، نقلتها إلى كتاب الطلاق.
ومن العتبية قال سحنون : وإن قال لامرأته : أنت طالق قبل قدوم أبي بشهر كان موليا منها إن رافعته ويمنع من وطئها.
[تم كتاب الإيلاء][5/329]
***(1/320)
[5/330] [5/330]
***(1/321)
[5/331]بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب اللعان
ذكر ما يوجب اللعان وكيفية اللعان
وأين يكون ولعان المريض والحائض
من كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه، وإنما يجب اللعان بوجهين، أن يقول رأيتها تزني كالمرود في المكحلة، أو ينتفي من حمل يظهر بها، وليس له أيضا نفي الحمل حتى يقول استبرأتها بحيضة فأكثر، أو يقول لم أطأها، وإنما له إنكار الحمل حين علم به أو علم بالولادة، فأما لو علم به ثم أقام يوما أو يومين لا ينكر فلا إنكار له.
وفي العتبية من رواية أشهب عن مالك مثل ما تقدم. وقال عنه: ويكشف في قوله رأيتها تزني مثل ما يكشف الشهود. وفي المدونة ذكر الاختلاف في اللعان في القذف.
ومن كتاب محمد ومن العتبية رواية أصبغ عن ابن القاسم قال: ويبدأ الرجل باللعان فإذا تم الخامسة حق عليها العذاب إلا أن تدرأه باللعان، وتقع / الفرقة بلعان ولكن لا تتم إلا بتمام لعانها، ويدرأ بذلك عنها العذاب، وهو الرجم في المدخول بها.[5/331]
***(1/322)
[5/332]قال مالك : يقول الرجل أشهد بالله، وقال أيضا أشهد بعلم الله، واستحب ابن القاسم أشهد بالله.
قال ابن القاسم : ويقول في الرؤية أشهد بالله إني لمن الصادقين لرأيتها تزني، يقول في كل مرة.
قال أصبغ : ويقول كالمرواد في المكحلة، ثم يقول لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقول : هي : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين ما رآنى أزني أربع مرات ثم تخمس بالغضب.
قال ابن القاسم : ويقول في نفي الحمل أشهد بالله إني لمن الصادقين ما هذا الحمل مني، قال أصبغ وأحب إلي أن يزيد في كل مرة لزنت. قال أين القاسم: وتقول هي : اشهد بالله إنه لمن الكاذبين، وما زنيت، قال أصبغ : وأحب إلي [أن تزيد] في كل مرة، وإنه لمنه ثم تخمس بالغضب، قال أصبغ: وإن قال هو في الخامسة في مكان إن كنت من الكاذبين، وإن كنت كذبتها أجزأه.
ولو قالت المرأة في الخامسة في مكان إن كان من الصادقين، إنه لمن الكاذبين أجزأها، وكذلك لو استحلفها الإمام بذلك، وأحب إلينا مثل لفظ القرآن.
ومن كتاب محمد قال ابن وهب: يقول هو في الأربع أشهد بالله إني لمن الصادقين، وفي الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول هي : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
قال : ويكون اللعان دبر الصلوات، قال مالك / وفي أي ساعة شاء من النهار، وبإثر صلاة مكتوبة أحب إلي، وقد كانت ذلك عندنا بعد العصر ولم يكن سنة.
قال عبد الملك : لا يكون إلا في مقطع الحقوق بإثر صلاة، وقيل إن كان مريضا بعث إليه الإمام عدولا، وكذلك المرأة المريضة إن لم تقدر أن تخرج، وكذلك في العتبية عن أصبغ عن ابن القاسم.[5/332]
***(1/323)
[5/333]وذكر مثله ابن حبيب عن أصبغ وزاد : وإن كان الزوج هو المريض ورثته إن مات من مرضه، واللعان في المرض كالطلاق يتهم فيه قاله مالك وأصحابه وإن كانت حائضاً لاعن هو إن شاء تعجيل ذلك مخافة أن ينزل به ما يدفعه عن اللعان فيلزمه الولد، وتؤخر هي حتى تطهر لأنه من الطلاق.
في اللعان بالرؤية، وفي نفي الحمل بذلك
وحكم اللعان في نفي الحمل وذكر الاستبراء
ومن قال كنت أعزل أو لا أنزل
من العتبية قال أشهب : سئل مالك عن الذي يقول زنت امرأتي، فيقال له : أرأيت ذلك؟ فيأبى أن يقول نعم، ويمضي على اللعان. قال : لا يجب اللعان حتى يقول رأيت، ويوقف كما يوقف الشهود، أو يقول في نفي الحمل استبرأت، قال عنه ابن القاسم إذا قال رأيت مع امرأتي رجلا يزني بها لاعن ولم يسأل هل وطئها الزوج؟ ولا يضره إن أقر بذلك، إلا أن يقر أنه وطئها بعد أن رآها تزني فقد أكذب نفسه ، ويلحق به الولد.
ومن كتاب ابن المواز: ابن القاسم عن مالك : وإذا وطئها ولم يستبرئ حتى رآها فليلتعن وينفي ذلك / الولد إلا أن يطأها بعد الرؤية فلا يلاعن ويحد، قال مالك : وإذا لاعن كما ذكرنا نفي بذلك الولد، وإن قال لا أدري هل هو مني أم لا لأني كنت أطأ ولم أستبرئ، فالولد إذا لاعن منفي، واختلف في هذا قول مالك، واختلف فيه أصحابه، فقال ابن القاسم وابن وهب : إنه ينفى باللعان بكل حال.
وروى ابن القاسم عن مالك إنه منفي باللعان، وإن كانت بينة الحمل وهذا إغراق والذي أخذ به ابن القاسم من الرواية : إنه إن كان ظاهرا بينا فلا ينفى بلعانه، وكذلك إن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم أنزل فهو به لاحق ، وقال [5/333]
***(1/324)
[5/334]عبد الملك وابن عبد الحكم وأشهب : إذا لا عن برؤية ثم ظهر حمل فهو به لاحق، ولا ينفيه إلا بلعان يدعي فيه استبراء.
قال محمد : ولو ادعى مع الرؤية استبراء كان منفيا لاشك فيه، ولو لاعن لرؤية ثم ظهر حمل كان قبل لعانه، أو وضعته لأقل من ستة أشهر، فقال الآن : لم أطأها منذ ستة ونفي الولد.
قال أشهب : ينفي بذلك اللعان إذا ادعى الآن الاستبراء، وقال عبد الملك وأصبغ : بل ينفيه بلعان ثان.
قال محمد : ولو رآها تزني وهي ظاهرة الحمل، وقال : قد استبرأت، فإذا لاعن سقط الولد، وإن وضعته لأقل من ستة أشهر من الرؤية، فإن أكذب نفسه بعد ذلك في الاستبراء وأقر بالولد لم يحد لأنه قد نفى لعان الرؤية.
قال : ويلاعن الحامل إذا ظهر الحمل ولا يتراجعان إن انفش، ولا يحد الزوج وترد به الأمة في البيع، وإن انفش لم ترد إلى المشتري قال : وما وقف عن / لعانها في الحمل إلا عبد الملك ، وإنه قال: حتى تضع في النفي خاصة، ولا يقع القذف عنده فيها حتى تضع، إذ لعله لا حمل بها.
قال محمد : وهذا الاستبراء الذي يقبل فيه قول الزوج في نفي الحمل حيضة في قول مالك المعروف إلا عبد الملك فقال ثلاث حيض ويرويه عن مالك.
ومن أنكر حمل امرأة بالعزل لم ينفعه، والولد به لاحق، وكذلك كل من وطئ في موضع يمكن وصول المني منه إلى الفرج. وكذلك في الدبر لأنه قد يخرج منه الماء إلى الفرج، وإذا قال : وطئت أمتي وأنزلت ولم أبل حتى وطئت امرأتي فكسلت لحق به، ولد الحرة، ولا لعان فيه لما يتقي أن يكون قد بقي فضل ماء في إحليله.[5/334]
***(1/325)
[5/335]في تصادق الزوجين على نفي الولد
بعد البناء أو قبل،
أو أقرت بالزنا ولم ينفه
واللعان في المغتصبة
وذكر اللعان قبل البناء
من كتاب ابن المواز : ومن أنكر حمل امرأته وادعى أنه رآها تزني فصدقته، فقول مالك قديما أنه لا ينفي إلا بلعان وبه أخذ المغيرة وابن دينار وعبد الملك وابن عبد الحكم .
وروى عند ابن القاسم، وكذلك أن قالت : زنيت، ولكن الولد منك : إنه ينفي الولد بلا لعان، وكذلك وروى عنه أصبغ في العتبية قال في كتاب محمد: إن ثبتت على قولها حتى تحد، ثم لا يقبل منها إن رجعت، ولو رجعت قبل أن تحد عاد اللعان بينهما، فإن نكل الزوج لحق به ولا يحد/ ، لأنها مقرة، قال وليس للزوج نفي ولد المغتصبة إلا أن يدعى استبراء فيلتعن وحده وينفي الولد ويبرأ منه، ولا تلتعن هي لأن الولد قد يكون من الغصب، ولو قال : رايتها تزني زني غير الغصب كان له أن يلاعن وينفي الولد إن ادعى استبراء ، ثم تلتعن الزوجة، فإن لم تلتعن هي رجمت، وإن نكل هو حد.
ولا يسقط الحد عن المغتصبة بتقاررها مع الزوج بالغصب وان بان الحمل، إلا أن يعرف الغصب بأن تراها بينة حتى احتملها فغاب عليها فيدعي أنه غصبها، أو تأتي مستغيثة تدمى، ونحو هذا.
وروى ابن عبد الحكم فيمن أنكر حمل امرأته وقال غصبت ، وصدقته في الغصب، فإنه يلاعن وتلاعن هي، وتقول : ما زنيت ، ولقد غلبت على نفسي، وقال ابن القاسم في لعان المغتصبة ، تقول : أشهد بالله إني لمن الصادقي، ما زنيت ولا أطعت وتقول : في الخامسة : غضب الله علي إن كنت من الكاذبين.[5/335]
***(1/326)
[5/336]قال ابن القاسم في الحامل تقول : استكرهت فلا ينفى الولد إلا بلعان الزوج، قال مالك: وإذا تصادق الزوجان قبل البناء على نفي المسيس، وظهر بها حمل فإنها تحد وينفى الولد، وإذا تقاررا بعد الخلوة على نفي المسيس ثم ظهر حمل فقالت : هو منه فإنه يلاعن، فإن نكل لحق به، وله الرجعة إن طلق، ويتم لها الصداق، وإن أقر به وتمادت هي على أنه من زني فهي تحد، والولد لاحق، ثم إن رجع هو فأنكره لم ينفعه ولم تحد.
وإذا أنكر حملها قبل البناء ثم مات فهو به لاحق، وقاله/ أشهب، قال: ولها جميع الصداق ، ولا لعان عليها ولها الميراث، قال ابن القاسم : وإذا لم بين بها فأتت بولد لستة أشهر فادعاه ونفي المسيس فالولد به لاحق، ويحد، وكأنه قال: حملت من غيري ثم أكذب نفسه باستلحاقه.
وقال ابن القاسم : ولو طلق قبل البناء وتقاررا أنه لم يمس ثم مات وظهر حمل فقالت هو منه، فإنه لاحق به، ووارث له ولا ترثه هي ولا يتم لها صداقها، ولا حد عليها، ولو ظهر في حياته فاستلحقه لحق به ولم يحد، ويصير لها الصداق ، وله الرجعة، وان تمادى على انكاره لاعن وزال عنه، وان نكل لحق به، وإن لاعن سقط عنه ولا رجعة له، ولا يزاد على نصف الصداق، وإن قبضت جمعيه ردت نصفه، قال محمد: وتحد هي أن لم تلاعن.
قال محمد : أما قوله لا ترثه ولم يتم لها الصداق، فالصواب، أن يتم لها للحوق الولد وإن كان الطلاق واحدة ومات قبل انقضاء العدة ورثته.
قال ابن القاسم : وان نفى حملا قبل البناء لاعن، ولا حد وإن نكلت هي بعد لعانه أو صدقته حدت مائة جلدة إن كانت بكرا.
قال عنه عيسى في العتبية وتبقى له زوجه ويبرأ من الحمل ولا يمسها حق تضع، وقال في كتاب ابن المواز : ولا تحل له أبدا، ولها نصف الصداق إلا أن يظهر حملها في أيام قريبة من العقد بها لا يشك أن الحمل قبل العقد، فلا صداق[5/336]
***(1/327)
[5/337]لها ولا لعان فيه، قال محمد: لا تحرم عليه لأن اللعان كان لغير زوجه، وقاله عبد الملك، وإذا وضعت لأقل من / ستة أشهر من النكاح فلا لعان فيه، وهو زني ولا صداق لها.
قال ابن القاسم وابن وهب : وإن قال الزوج عقدت منذ خمسة أشهر وقالت هي منذ أكثر من ستة أشهر وجاء حمل فلابد من اللعان، وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية يريد : ولم يطأ.
في اللعان بعد الطلاق
وفي الحمل يظهر بعد طلاق أو وفاة
من كتاب ابن المواز: قال : ولا لعان بعد طلاق بائن إلا في نفي حمل.
ولو قال في العدة من طلاق بائن رأيتها تزني فأراد أن ينفي ما يتقى من حمل، فهذا يلاعن، وإن لم يدع فيه استبراء، فإما إن لم يذكر رؤية ونفى الحمل، فإن إدعى الاستبراء هاهنا لاعن، ثم تلتعن هي أيضا، فإن تكلت رجمت.
قال ابن سحنون عن أبيه في الذي طلق امرأته البتة، ثم قال في العدة : رأيتها تزني فقال ابن القاسم، وروى مثله ابن وهب: إنه يلتعن، فإن مات يريد بعد لعانه قيل لها إلتعني، قال ابن القاسم : وعدتها ثلاث حيض، ولا تنقل ؛ وقال المغيرة : لا يحد ولا يلاعن، وسحنون يميل إلى هذا.
قال ابن المواز: وإذا قذفها في العدة حد، ولم يلاعن.
قال سحنون في حر تحته أمة فابتاعها ثم ظهر بها حمل فتنكره، أيلاعن؟ قال : إن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم الشراء وقد أصابها بعد الشراء، فاللعان بينهما ، لأنه زوج، وإن وضعته لستة أشهر من بعد الشراء والوطء لحق به لأنه إنما يشبه أن يكون من وطئه، إذا كان زوجا وذلك لخمس سنين فأدني، فاللعان/ بينهما والله أعلم.[5/337]
***(1/328)
[5/338]ومن كتاب أبي الفرج : وإن قال زوج امرأة رأيتها تزني قبل نكاحي، حد ولم يلاعن، وإذا أقر بحملها وقال رأيتها تزني قبل طلاقي فهو قاذف يحد وإن كان طلاق فيه الرجعة لاعن، وإن ثبت أنه قذفها قبل الطلاق ثم قامت بذلك وقد بانت منه فله أن يلاعن وينفي ولدا إن ظهر، وكذلك إن كانت تحت زوج فليلاعن لأنه قذفها في موضع كان فيه اللعان.
وأما الذي يدعي أنه كان رآها تزني قبل الطلاق البائن فهذا يحد إلا أن يظهر بها حمل قبل أن يحد فتنفيه ويدعي الاستبراء فيلاعن وينفيه ولا يحد.
قال مالك : وإن قذفها في العدة وهي حامل يقر بحملها، فإنه يحد، ولو نفاها لاعن ولم يحد.
قال محمد : أحب إلي أن ينظر، فإن تبين أن لا حمل بها حد لها وإن ظهر بها حما لاعن لأنه ممن لا لعان في الرؤية ومن خير امرأته ثم قال في المجلس : رأيتها البارحة تزني فإنه يلاعن، وإن اختارت هي نفسها قبل اللعان فلابد من اللعان. وأما إن حلف بطلاقها أن لا يفعل شيئا ثم فعله ثم قال رأيتها تزني قبل ذلك فهذا يحد ولا يلاعن. وإن قال : أنت طالق إذا قدم أبي فقدم، ثم قال رأيتها تزني قبل ذلك فهذا يلاعن فيما قرب لأنه لم يكن يعلم وقت نزوله ويخاف لحوق الولد.
وإن ملكها نفسها متى شاءت فجاءته يوما فقالت طلقت نفسي البتة فأجابها : كنت رأيتك تزني البارحة فله أن يلاعن، وكذلك إن قال : إذا تزوجت عليك فأمرك بيدك فتزوج عليها فاختارت نفسها فقال قد كنت رأيتها تزني فليلاعن.
قال مالك : ومن طلق امرأته فادعت حملا فقال اعترضت عنها ولا أعلم كان مني إليها شيئا، فإن كانت لهم بينة فالولد ولده ولا لعان له ولا حد عليه، لأنه لم ينف الولد ، إنما قال لا أعلم أني وطئتها، وقد تحمل ولا يبلغ ذلك منها وإن لم[5/338]
***(1/329)
[5/339] تكن لهم بينة لاعن وفي العتبية نحوه من رواية أشهب، ومن لاعن ثم قامت بينة أنه أقر وطئ بعد الرؤية فإنه يحد.
قال : وما ظهر من حمل بعد العدة من وفاة أو طلاق إلى ما تلد له النساء، قال ابن القاسم: خمس سنين من يوم الطلاق أو وفاة فهو لاحق خرج الولد صغيرا أو كبيرا، إلا أن يلاعن المطلق، وكذلك لو حاضت ثلاث حيض، وقد تحيض على الحمل.
قال ابن القاسم: ولو كنت أعلم أنها حائض حيضة مستقيمة ويوقن بذلك وتعرفه النساء يقينا لرأيتهما زانيين، وسقط نسب الولد عن الميت والحي، ولكن هذا لا يحاط بمعرفته قال أصبغ : ليس هذا بقول، ولو عرف ذلك لم يوجب ذلك زني ولا حد وهو شبهة، والولد لاحق إلا أن يلاعن المطلق، ومن العتبية قال يحيى عن ابن القاسم: وإذا طلقها ثلاثا ثم ادعى أنه رآها تزني في العدة فليلاعن، وإن ادعى ذلك بعد العدة حد ولم يلاعن ، ولو ظهر بها حمل في العدة لما يحمل له النساء لحق به إلا أن يلاعن.
في تمام اللعان وموت أحدهما
قبل تمامه أو رجوعه/ أو نكوله،
وكيف إن التعنت هي قبله
أو عفت الزوجة عن الزوج على أن لا يلاعن؟
أو زكاها بعد أن رماها
من كتاب ابن المواز : قال مالك : وإذا مات الزوج قبل تمام لعانه فلا لعان عليها ولا عذاب، وإن تم لعانه ثم مات ولم تلتعن هي ثم ماتت ورثته، وإن لم تمت هي قيل لها: وإلتعني، فإن التعنت فلا ميراث لها ولا عدة عليها للوفاة، وإن نكلت ورثته ورجمت. وروى البرقي عن أشهب أنها ترثه وإن التعنت لأنها الآن ماتت،[5/339]
***(1/330)
[5/340] قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا إلتعنت قبله ثم ماتت هي فذلك مما لم يكن ينبغي، وأما إذا كان فإنه يقال للزوج : إلتعن ولا ميراث لك ولا حد عليك، وإن نكل ورثها وعليه الحد.
قال ابن القاسم: ولو لم تمت لم أعد اللعان عليها، وقال أشهب : بل تعيد اللعان بعد لعان الزوج، وكذلك في الحقوق إذا بدأ الطالب باليمين.
قال مالك: وإذا أكذب الزوج نفسه وقد بقي شيء من لعانها حد وبقيت امرأته.
قال ابن وهب قال مالك : وإن ماتت بعد تمام لعانه وقبل لعانها ورثها إذ لعلها كانت تصدقه، وروى ابن وهب عن ربيعة إذا التعن هو ثم ماتت هي قبل تلتعن، إنه يرثها، ولو مات هو لم ترثه.
قال مالك إلا أن لا تلتعن بعده فترثه، وذكر ابن حبيب عن مطرف عن مالك : وإذا إلتعن ثم مات قبل لعانها مثل ما ذكر ابن المواز وغيره، وقال : وقال ربيعة : يريد التعنت أو لم تلتعن، قال: وبهذا نأخذ. ألا تراه لو رجع قبل لعانها بقيت له زوجة وحد؟ أولا تري لو ماتت قبل لعانه لورثها عند مالك؟ /، ومن رمي زوجته بعد موتها لم يلتعن وهو قاذف، وإنما يلتعن من نفي حمل.
ومن كتاب ابن سحنون : وإذا وجب عليه اللعان فماتت قبل لعان الزوج قال سحنون: لا لعان عليه، قاله مالك، قال ابن سحنون في المطلقة قبل البناء تأتي بولد بعد موت الزوج فتقول هو منه أنه يلحق به ويرث أباه ولا ترث هي الزوج وليس لها غير نصف الصداق، وقال ابن القاسم وأشهب، ولو تقاررا بعد البناء أنه لم يمس ثم مات فظهر بها حمل، وإلا لو ظهر قبل موته لحق وأكمل لها الصداق، وله الرجعة، ولو نفاه لاعن ولو قالت ليس هو منه وقد زنيت به، وقال هو : الولد ولدي فإنها تحد والولد به لاحق.
قال محمد : فإن أنكره بعد استلحاقه لم يحد، لأنه رمي مقرة بالزني وقد كتبت هاتين المسألتين في باب الرجعة، وذكرنا عن أشهب إذا بنى بها وتقاررا [5/340]
***(1/331)
[5/341] بنفي المسيس ثم ظهر حمل بعد طلاق أن لها تمام الصداق وله الرجعة ويتوارثان بذلك.
ومن العتبية قال سحنون وإذا لاعن الزوج من نفي حمل ونكلت هي ووخر رجمها حتى تضع، ثم أكذب الزوج نفسه قبل أن تضع وبعد أن نكلت قال ، لعانه قطع لعصمته ولا ميراث بينهما، وترجم إذا وضعت، وأنكر أبو محمد هذه المسألة.
ومن كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم: وإذا بقي من لعان الزوج أقله، فقال المرأة قد عفوت عنك فلا تلتعن، فترك فلا حد عليه، ويلحق به الولد، ولو لم يعف ولكن أقرت ثم رجعت واعتذرت بما يعتذر به، لم تحد هي ولا يحد لها الزوج / والولد لاحق به إلا أن يجب أن يلاعن ينفيه، كما له ذلك في النصرانية والأمة، إلا أن هذا إذا التعن فلتلتعن هي وإلا رجمت، وإذا أشهدت امرأة يعدلها زوجها، ثم قال، رأيتها تزني قبل أن تشهد فِإنه يحد، لأنه أكذب نفسه بتعديلها، وكذلك لو عدلها بعد أن رماها، ولو رماها أجنبي فوكلت الزوج على طلب الحد ثم قال رأيتها تزني قبل ذلك فلا لعان له أيضا ويحد، وفي باب لعان الغائب من معاني هذا الباب.
في لعان الغائب إذا قدم
وكيف إن وأقرت هي في الولد أنه من زنا؟
أو قدم وقد ماتت فنفاه
من العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا قدم الغائب وقد ماتت زوجته وتركت ولدا كان بعده فأنكره فإنه يلتعن وينفيه ويرث زوجته هذه، وكذلك ذاكر ابن حبيب عن ابن الماجشون وقال في سؤاله وادعى الاستبراء وزاد قال ولو قال[5/341]
***(1/332)
[5/342]إذا جاء : كنت رأيتها تزني وأراد أن يلتعن، فليس ذلك له ويحد، وهو كمن رمي امرأة طلقها، وكذلك في كتاب ابن المواز.
ومن العتبية قال عيسي عن ابن القاسم: وإذا غاب عشر سنين أو أكثر ثم قدم فوجدها قد ولدت أولاداً فأنكرهم، وقالت هي: منه، كان يأتيني سراً لم ينفهم إلا بلعان، ومن قذف ولده قبل قدومه فقال له رجل ليس أبوك فلانا، أو يا ابن الزانية أو يا ابن زنية فإنه يحد، وكما لو قذف قاذف/ بعد أن قدم أبوه ولا عن أمه بنفيه، ولو مات قبل قدوم الأب لحق به وورثه وحد قاذفه.
إذا ولدت امرأة الغائب ولدا وقالت هو من غير زوجي، ثم مات الزوج قبل قدومه فإنها ترجم، ويلحق به الولد، ويرث أباه، وكذلك في كتاب ابن المواز عن ابن القاسم.
ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب في الغائب إذا قدم فوجد ولدا فقال ليس هذا ابني ولا ابنك: إنه يحلف ما أراد قذفا ولا شيء عليه، إلا أن يريد لعانا فيمكن من ذلك ، وأما إن كان حاضرا مقرا بالولد ثم قال هذا، فليحد ولم يعجب سحنون جواب أشهب هذا.
فيمن لاعن زوجته ثم قذفها
أو أكذب نفسه أو استلحق الولد
ومن قذف الزوجة قبل اللعان
ومن رمى زوجتيه فقامت به إحداهما وأكذب نفسه
وفي طلب اللعان بعد إنكاره القذف
من كتاب ابن المواز: ومن لاعن زوجته ثم قال والله ما كذبت عليها، أو قذفها ، قال محمد : يحد لأنه إنما لاعن لقذفه إياها وما سمعت فيها من أصحاب مالك شيئا. ومن قال لابن ملاعنة يا بن زانية، حد.[5/342]
***(1/333)
[5/343] قال ابن شهاب : من لاعن امرأته، ثم قال لها يا زانية أنه يحد لأنها ليست بزوجة له، قال محمد من لاعن ثم أقر بالولد لحق به فإن لاعن عن رؤية لم يحد، وكذلك على الرؤية وإنكار الولد، وإن كانت على إنكار الولد وحده فإنه يحد ويلحق به الولد إن كان حيا وإن كان / ميتا وترك ولدا فإن لم يترك ولداً لم يلحق به ولم يرثه وحده، قال ابن القاسم فإن لم يكن له ولد ولا مال له لم يلحق به.
قال أصبغ : إذا لم يدع ولدا لم يلحق به إن استلحقه ترك مالا أو لم يترك. وقال أشهب : وإذا ترك ولدا أو ولد ولد وإن كان نصرانيا صدق ولحق به وحد، وإن لم يدع ولداً لم يلحق به وحد، قال ابن القاسم : إذا لاعن ثم ادعى الولد بعد مدة رجعت عليه بنفقة الحمل وأجر الرضاع وبنفته بعد ذلك إن كان في تلك المدة ملياً، وكذلك روى عيسى في العتبية عن ابن القاسم.
قال محمد : قال مالك وإن كان عبد حد للحرة أربعين ولا يحد للأمة ويلحق به الولد، وإذا إستلحق الملاعن ولده بعد أن زنت الأم لحق به ولم يحد.
قال أصبغ : قال ابن القاسم ومن رمي زوجته فطالبته وانكر، فلما أقامت عليه البينة إدعى الرؤية فله اللعان بخلاف الحقوق، ويقول أردت الستر بإنكاري.
ومن قذف زوجتيه فقامت به إحداهما فأكذب نفسه فحد لها، فقامت به الثانية فلا يحد وذلك الحد الأول لكل حد مضى، ولو قال بعد أن حد قد صدقت عليك أو على صاحبتك فهذا يحد ثانية إلا أن يلاعن، وسواء فيمن قال ذلك لها منهما، قاله ابن القاسم، وقال عبد الملك : إنه يحد في الأولى ولا يلاعن، لأنه قذف ثان وقد أكذب نفسه فيها فلا يلاعن.
قال محمد: وهذا أحب إلي ولو قال للثانية إما عليك فصدقت، وإما صاحبتك فكذبت عليها، فهذا يلاعن، وإلا حد، وإما إن قال للثانية كذبت عليك/ وصدقت على صاحبتك فهذا قذف ثان فيه الحد ولا لعان فيه عند عبد[5/343]
***(1/334)
[5/344] الملك، وقال ابن القاسم يحد إلا أن يلاعن، ومن قال لزوجته رأيتك تزني، فقال لها أجني قبل اللعان قد صدق أو زناها فليحد ولا يؤخر لنكولها.
قال أشهب : وكذلك لو قال ذلك بعد لعان الزوج وقبل لعانها لعجل ضربه، فإن تأخر حتى نكلت أو ماتت فلا حد على الأجنبي.
وقال ابن القاسم في موضع آخر؛ لا أعجل عليه لأنه قد ثبت عليها بلعان الزوج حد الزنا حتى يخرج منه، قال ابن القاسم: ولو قذفها بعد لعان الزوج لوخرته حتى تلتعن هي أو تنكل فإن التعنت حد لها ، وإن نكلت لم يحد، وكذلك لو قذفها أحد بعد موتها وبعد لعان الزوج وحده، وقاله عبد الملك، وقال أشهب من قذفها بعد لعان الزوج وحده عوجل بالحد، وقول ابن القاسم وعبد الملك أحب إلي، وأما لو قذفها قبل تمام لعان الزوج يحد ولم يؤخر وإن تأخر حتى التعن الزوج فلا يسقط الحد إذا التعنت.
باب في اللعان بالتعريض
وفي قذف الولد
من كتاب ابن المواز: ومن عرض لامرأته بما يحد فيه غيره، فقيل : يحد ولا لعان فيه إلا في صريح القذف، أو في تعريض يشبه القذف، فأما في قوله وجدتها مع رجل في لحاف عريانين، أو وجدتها تحته ونحوه، فلا يلاعن في هذا ويؤدب، ولو قاله لأجنبية لحد إلا في قوله رأيتها تقبل رجلا وقال ابن القاسم وأشهب / يحد الزوج في التعريض ولا يلاعن، وقال فإن رجع لها قيم عليه فقال رأيتك تزني فليلاعن وقال عبد الملك : وإذا أسلم الزوجان ثم قال لها الزوج رأيتك تزني وأنت نصرانية فإنه يحد ولا يلاعن كمن قذف امرأته ثم وطئها.
وكذلك قوله : زنيت وأنت مستكرهة، ولو وقف عنها منذ زعم أنه رآها، كان له اللعان.
ومن قال أقرت عندي امرأتي أنها زنت حد ولم يلاعن.[5/344]
***(1/335)
[5/345]قال ابن سحنون عن أبيه قال مالك : ومن قال لابن ملاعنة لست ابن فلان، الذي لاعن أمه. حد ، فإن قال له أنت ابن ملاعنة: عزر، قال وإذا انتفى من حمل امرأته وقال ليس منى ثم انفش الحمل فلا حد عليه.
في اللعان في النكاح الفاسد
من كتاب ابن المواز : ومن العتبية من رواية أبي زيد عن ابن القاسم: ومن نكح ذات محرم أما أو أختاً ولم يعلم، ثم علم وقد حملت وأنكر الولد، فليتلاعنا لأنه نكاح شبهة حين لم يعلم، فإن نكلت حدت، وإن نكل هو حد للقذف ولزمه الولد.
قال في كتاب محمد : وكل نكاح يلحق فيه الولد ففيه اللعان وإن فسخ، ولو أخذا في زني ثم تناكحا فينحا اللعان يريد في نفي الحمل وإن أكذب نفسه لم يحد.
ومن حلف إن تزوج فلانه فهي طالق فتزوجها ودخل ثم ظهر بها حمل فنفاه فليلاعن، ويلاعن في الرؤية إلا أن يتأخر القول بالرؤية حتى يفسخ نكاحه فلا لعان له إلا في الحمل وحده، وكذلك كل نكاح يفسخ/ وإذا وضعت لأقل من ستة أشهر فلا لعان فيه وهو زنى، وقد تقدم في باب آخر إذا أختلفا في تاريخ النكاح أنه لابد من اللعان.
في اللعان والزوجة صغيرة
أو نصرانية أو صماء أو عمياء أو أمة
وكيف إن كان الزوج عبدا أو صغيراً
أو شيخا أو عنينا أو خصياً أو أخرس أو سفيهاً ؟
من العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في الزوجة التى لم تبلغ ومثلها يوطأ، إن قال رأيتها تزني وأراد اللعان خوف الحمل فليلاعن هو، ولا تلاعن هي فإن جاء حمل فلا يلحق به.[5/345]
***(1/336)
[5/346]قال سحنون في كتاب ابنه : وتبقى زوجة له إذا لاعن لأنه نفي عن نفسه الحد ولا تلتعن هي فتقع الفرقة.
ومن كتاب ابن المواز : ولعان الحر المسلم مع زوجته الأمة أو الذمية في نفى الولد لا في الرمي ولا في الرؤية، إلا أن يريد نفي الولد في الرؤية، فإن لن تلتعن النصرانية لم تحد، وبقيت له زوجة، وإن التعنت وقعت الفرقة، وكذلك إذا أسلم مجوسي عن مجوسية ثم قال رأيتها تزني فإنهما يتلاعنان، ولا يحلفان إلا بالله، ويقبل منها يمينها بالنار.
قال ابن حبيب: قال مطرف معنى قول مالك في المسلم تحته النصرانية فينفي حملها أنهما يتلاعنان يعني إن طاوعته ولا تجبر، ولأنها لو أقرت بالزنى لم تحد، وكذلك إن قال رأيتها تزني فشاء اللعان خوفا من ولد فلتلتعن، وترد هي في التكول في هذا إلي أهل دينها، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، / ومن كتاب ابن سحنون قال: وإذا لاعن الرجل الصغيرة ليدرأ الحد لم تجب الفرقة بلعانه، وهي زوجته بحالها، وكذلك ولو لاعن النصرانية بنفي حمل إلا أن تلاعن هي فتقع الفرقة.
ومن العتبية روى أشهب عن مالك أن لعان العبد كالحر، في الحرة والأمة، يشهد أربع مرات ويخمس بالغضب، وإن أكذب نفسه حد للحرة أربعين، ولا يحد للأمة.
والمسلم يلتعن في نفي حمل زوجته النصرانية فإن نكلت إنتفى الولد وبقيت زوجة ولا شيء عليه.
قال ابو زيد عن ابن القاسم : وإن قال رأيتها تزني وهي أمة أو نصرانية فلا لعان عليه ولا حد إلا أن يريد لما ينفي من حمل أن يلتعن فله ذلك ، وتلتعن الأمة، ولا لعان له على النصرانية.[5/346]
***(1/337)
[5/347] قال أصبغ عن ابن القاسم فيمن قال في زوجته رأيتها تزني وهي صماء بكماء لا تسمع ولا تفهم، قال يعمل فيها على ما تفهم ويفهم عنها من الإشارة، فإن صدقته حدث وإلا التعن ثم التعنت.
فيمن اشترى زوجته ثم نفى حملها
قال ابن حبيب : قال ابن أصبغ فيمن اشترى زوجته ثم ظهر بها حمل، فإن علم أنها كانت يوم اشتراها حاملا لم ينفه إلا بلعان إلا أن يكون وطئها بعد رؤيته للحمل فلا ينفيه، وإن لم يعلم أكانت حاملا يوم الشراء أم لا حتى ظهر الحمل واتت به لأقل من شتة أشهر؟ فالولد للنكاح ما لم يطأها بعد الشراء قوله، يطأها بعد الشراء يريد إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر.
وقد روى ابن سحنون عن أبيه أنها إذا لم يطأها بعد الشراء بحيضتين قال: ولو وطئها بعد الشراء فلا ينفيه بلعان ولا بغيره، استبرأها بعد الوطء أو لم يستبرئها، إلا أن يدعي أنه استبرأها بعد أن وطئها، فهذا ينظر، فإن ولدته لأقل من ستة أشهر فهو للنكاح لا ينفيه إلا باللعان، وإن ولدته لستة أشهر فأكثر فله نفيه بغير لعان، إن ادعى استبراء بعد الوطء الذي هو بعد الشراء، وإن لم يدع استبراء فهو منه، قال ابن المواز: قال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن تزوج أمة ثم لاعنها ثم اشتراها قال: لا تحل له أبداً.
في الولد يعتوره الفراشان من نكاح أو ملك
من كتاب ابن المواز : من وطئ أمته وهي تحت زوج، فالولد للزوج حتى ينفيه بلعان يدعي فيه الاستبراء فيلتعن هو دونها ثم يلحق بالسيد، وإذا حملت أمة رجل حدث إلا أن يدعي السيد ولدها، قال ابن القاسم : والمتزوجة في العدة قبل حيضة تأتي بولد أكثر من ستة أشهر من يوم عقد الثاني قال في العتبية ما بينها[5/347]
***(1/338)
[5/348]وبين خمس سنين من فراق الأول فهو للأول إلا أن ينفيه ويدعي استبراء فيلتعن هو ولا تلتعن هي، فإن نكل هو لم يحد ولم يلحق به، وإن التعن فهو للثاني إلا أن ينفيه بلعان، قال في العتبية ويدعي استبراء وتأتي به لستة أشهر فأكثر من يوم نكاحه فإنه يلتعن.
قال في الكتابين: فإن نكل لحق به ويحد وإن التعن قيل لها: التعني، فإن نكلت رجمت.
قال سحنون في كتاب ابنه : وإن وضعت لأقل من ستة أشهر من نكاح الثاني فقد انتفى من الثاني بهذا أو انتفى من الأول باللعان.
قال في كتاب ابن المواز: فإن استلحق الأول بعد لعان الثاني ولعانها لحق به ولا حد عليه، وإن استلحقه بعد لعانه وقبل لعان الثاني فليس ذلك له، ومن سبق إلى استلحاقه بعد التعانهما ولعان الأم لحق به ثم لا استلحاق لمن بعده كان الأول أو الآخر، وإلا أنه إن كان الآخر حد ولحق به إن كان أولهما استلحاقا، وإن استلحقاه معاً فالأول أحق به، قال في العتبية ومن استلحقه منهما لحق به وحد.
وروى ابن سحنون عن أبيه : أن من استلحقه أولاً لحق به وحد، ولو استلحقه الآخر بعد الأول لحد/ ولم يلحق به.
قلت : فمن لاعنها منهما وحده ولم تلتعن هي لأن الولد يلحق بالآخر أتحل للذي لاعنها ولم تلاعنه ؟ قال : لا، لأنه لعانة قائم نفي به الولد، وروى بالإشارة، فإن نكلت فعليها الحد.
قال عنه عيسى فيمن نكح أمة على إن ولدها حر فلاعنها، فإن الولد حر، فإن صدقته على نفيه فهو رقيق، فإن استلحقه يوما لحق وصار حراً.
من كتاب ابن المواز: وإذا ظهر بزوجة الصبي حمل حدت ولا لعان برميه، والكبير يرمي زوجته الصغيرة يوطأ مثلها ولم يحض فيقول رأيتها تزني فليلاعن في[5/348]
***(1/339)
[5/349]الرؤية ولنفي الحمل، ولا تلتعن هي في رؤية ولا ولد رمي، ولأن من قذفها يحد ولا تحد هي إن زنت ولا لعان في نفي حمل امرأة المجبوب أو خصي لا يولد لمثله، وذلك والولد لزنى، وتلتعن/ في رميها، وإلا حدا وقد اختلف في الخصي فقال قوم : يولد له وقال آخرون لا يولد له، فلا بد من اللعان، ويلتعن العنين والشيخ والزمن في الرؤية لا شك ، وأما في النفي فهو يقول يكافى فلابد من اللعان، ويلتعن الأعمى بما بدله على علمه، لأنه يقول مسست وسمعت وحسست وعلمت، ويلاعن الأخرس بما يفهم عنه ويلاعن المسخوط والمحدود لا يختلف أصحابنا في ذلك.
ابن سحنون عن أبيه : أنها لا يحرم عليه نكاحها، إلا ترى أن المغتصبة إذ لاعنها وهي لا تلتعن أنها لا تحرم عليه والولد منفي؟
وقال في الكتابين : وإن تزوجته بعد حيضة أو حيضتين وأنت بولد لستة أشهر فأكثر فهو للثاني إلا أن ينفيه، ويدعي استبراء قليلا عن هو، ولا تلاعن هي ثم لحق بالأول إلا أن يلاعن ويدعي استبراء، فإن لاعن وجب عليها للآخر اللعان فإن التعنت وإلا حدث.
قال في العتبية وإن أتت به لأقل من ستة أشهر فهو للأول إلا أن ينفيه بلعان.
ومن كتاب محمد : قال ابن القاسم وإذا وطئ البائغ والمبتاع الأمة في طهر تموت حاملا فهي من البائع.
قال أصبغ : وكذلك إن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم وطئ الآخر فهو للأول وضعته نافصا أو تاما.
وإن وضعت لأكثر من سنة أشهر فهو للآخر كان ناقصا أو تاماً إلا أن يكون حيا فيدعى له القافة، ولا يدعي القافة إلى ميت، وإنما يحسب من يوم يوطأ لآخر ستة أشهر وإن تقارب الوطئان.[5/349]
***(1/340)
[5/350]قال ابن القاسم : ولو وطئ هذا اليوم وهذا غدا، كان افتراقا، ويحسب من يوم وطئ المشتري، وقال أصبغ ذلك عندي كذلك، وهذه المسألة مكررة في البيوع.
فيمن قال لزوجته أو لأم ولده:
لم تلدي هذا الولد
وفي المرأة تستلحق ولداً
ومن كتاب ابن المواز: / قال ابن القاسم ومن قال لزوجته لم تلدي هذا الولد، ولا يعلم حملها وولادتها وقالت هي ولدته منك؛ فهو منه إلا أن ينفيه بلعان فإن نكل لم يحد.
قال أشهب : ظني إذا أقرأنه ولده، ونفى أن تكون هي ولدته، فالمرأة مصدقة ولا لعان فيه، وإن كان ذاك نفيا منه فليلاعن.
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم في امرأتين شهدتا أن هذا الولد ولدته امرأتي، وأنا له منكر، وهو صغير أو كبير، وأنا أقول ولدها ذلك قد مات أو حملها ذلك قد انفش، وكنت حاضراً أو غائبا والولد صغير أو كبير ولا لعان في هذا.
ومن كتاب محمد قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: ومن أقر بوطء أمته فجاءت بصبي فقال لم تلديه، وقالت بل ولدته منك فهي مصدقة ويلحق به الولد إلا أن يدعي استبراء، وإقراره بالوطء إقرار أن ولدها في جوفها، فإذا قالت هو هذا صدقته قال ابن القاسم: كالحرة هو لو قالت امرأة في غلام : هذا ابني ويمكن أن تلد منه لم يثبت نسبه بذلك وإن صدقها الغلام، لأنه ليس ثم فراش قائم.[5/350]
***(1/341)
[5/351] في أربعة شهدوا بالزنى على امرأة أحدهم زوجها
من كتاب ابن المواز : قال مالك، وإذا شهد أربعة على زني امرأة أحدهم زوجها حد الثلاثة، ولا عن الزوج، فإن رجمها الإمام ثم علم بذلك لم يحد الثلاثة ويلاعن الزوج فإن نكل حد ويرثها إلا أن يعلم أنه تعمد الزور ليقتلها أو يقر بذلك فلا يرثها، وإن قال شهدت بالحق لاعن وإلا حد ولا دية عليه / ولا على الثلاثة ولا حد.
قال ابن القاسم : ولادية على الإمام لأنه مختلف فيه، وليس يخطأ صراح كشهادة العبد والنصراني وقاله أصبغ إلا الميراث ، فقال : لا يرثها ، لأنه يلتعن، وليس بشاهد، ولا يخرج من تهمة العامد لقتل وارثه.
تم بحمد الله وعونه
ويليه كتاب الصرف [5/351]
***(1/342)
[5/352] [5/352]
***(1/343)
[5/353]بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الصرف
في المراطلة والمبادلة بالذهبين
أو الفضتين، ومصارفتك لمن راطلك
من كتاب ابن المواز، قال : ووجوه المراطلة كلها جائزة، إلا في وجهين أحدهما أن يأتي هذا بذهب وآخر بذهبين أحدهما أجود من المنفردة، والآخر أردأ .
والوجه الآخر أن يرجح ذهب أحدهما فيأخذ لرجحانها شيئا عرضا أو ورقا فلا يجوز ذلك، وهو ذريعة إلى الربا، ولا يجوز أن يتجاوز له عن الرجحان، ويجوز في المراطلة أن تكون ذهب أحدهما رديئة سكة أو مصوغة، وذهب الآخر أجود ذهبا، بخلاف الاقتضاء؛ لأنه في المراطلة لم يجب لأحدهما قبل الآخر شيء، فيتهم فيما ترك له لفضل ما أخذ منه، وفي الاقتضاء قد وجب له ذهب مسكوك أو مصوغ، فإذا أخذ تبرأ أجود منه اتهم أن يكون ترك السكة والصياغة لفضل الذهب الذي أخذ.
قال مالك : وكل ما لا ينبغي التفاضل فيه في جنس واحد من عين أو طعام فلا ينبغي – وإن كثر – أن يجعل مع الصنف الجيد منه شيئا دنيا/ يستحل به التفاضل. [5/353]
***(1/344)
[5/354]وقد خفف مالك في القطعة الذهب تجعل مع الجيد من المالين، ليعتدل الميزان يكون فيها ثمن أو سدس أو ثلث، إذا لم يعتدل بها فضل غيون التي معها. محمد : ما لم تكن القطعة رديئة. قال مالك: وإن كان فيها قدر الدينار لم يجز إلا أن يكون مثل المنفردة وأجود. وهذا كله في العتبية من سماع ابن القاسم. قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا اتفق جودة التبرين في المراطلة، جاز أن يجعل مع أحدهما ديناراً أو دنانير ليعتدل، وإن كان أحد التبرين أجود فلا يجعل الدنانير مع الرديئة، وكذلك إن تراطلا دنانير بدنانير متفقة العين، فيجوز أن يجعل مع أحدهما تبرأ. وإن كان أحدهما أبخس فلا يجعل التبر مع الجيدة. وأما إن كان التبر في كفة والدنانير في كفة فلا بأس بذلك كان التبر أفضل من تبر العين أو مثلهما إذا كان تبرأ كله واحدا. وقاله أصبغ.
ومن كتاب محمد : وإذا راطلته دراهم لك سوداً بدراهم له بيض، وللسود عليها فضل في عينها، لم يجز أن تجعل أنت مع السود فضة غير مسكوكة، مثل فضة البيض، ولا تأخذ في الاقتضاء من دنانير ديناراً وقطعة ذهب وفاه ؛ ويجوز في المراطلة.
وإذا كانت دراهم بيض في كفة، وفي كفة دراهم سود أفضل منها، معها فضة كفضة البيض لم يجز، لنقص السكة.
ومن/ العتبية أشهب، عن مالك ومن كتاب محمد : قال مالك ولا بأس أن يراطله بالمثاقيل فيجعلها في كفة والذهب في كفة أخرى، فإذا اعتدلت أخذها صاحب الذهب الأخرى، وجعل ذهبه في تلك الكفة حتى يعتدل بالمثاقيل فيأخذها الآخر. وفي السؤال ، وإنما تحروا العدل لئلا يكون عيب في الميزان.[5/354]
***(1/345)
[5/355]ومن العتبية ومن سماع ابن القاسم : وإذا ورثت المرأة مع إخوتها حلي ذهب؛ دملجين، أو سوارين أو خلخالين، وسألتهم أن ينظروا وزنه، وتعطيهم مثل وزن حصتهم منه دنانير فذلك جائز إن كان نقداً.
وقال أشهب، عن مالك في قوم باعوا دواب بينهم بدراهم، وفيها الناقص والوازن، فاقتسموها عددا بلا وزن قال: أرجو أن لايكون بذلك بأس.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أعطي صرافا ديناراً قائما وأخذ منه ديناراً بحبة وقطعة ذهب فيها حبة عينا بعين فلا بأس به، وإن راطله ثلاثة قائمة ودينارا بخروبة بأربعة حبة حبة، فإن كان الذي يخروبته ليس في عينه نقص عن التي أخذ، وكان لو كان قائما كان له فضل على التي أخذ لو كانت قائمة، فذلك جائز.
ومن الواضحة ولا يجوز مع المراطلة بيع شيء يراطله على أن يبيعه الآخر شيئا. وكذلك في بدل الطعامين اللذين لا يجوز التفاضل فيهما.
وإن راطلك رجل ورقا بورق، لم يجز إلا أن يبتاع أحدهما ببعض الورق عرضا أو ذهبا.
ومن/ كتاب محمد : وإن صرفت دراهم بدنانير من رجل ثم صرفت بها دراهم غير دراهمك منه بعد يومين، قال كرهه مالك، ووقف في أبعد من يومين.
وقال ابن القاسم : لا بأس به إن طال الزمان. وقال أشهب : إن كان كعيون دراهمك جاز وإن لم يفترقا، كانت أقل منها أو أكثر، وإن أختلفت العيون لم يجز إلا أن يطول الزمان طولا يعلم أنهما لم يعملا لذلك . [أنظر قوله: إذا اختلفت العيون لم يجز، لعله يريد: إذا اختلف الورق أيضاً؛ لأنه أجاز مع اتفاق العين اختلاف الورق، فكذلك يجوز مع اتفاق الورق اختلاف العين لارتفاع التهمة لأنه أبدل جميعها لا يعضها][5/355]
***(1/346)
[5/356]قال ابن القاسم : ويجوز بدل دينار ودينارين وشبه ذلك بأوزن من ذلك من غير مراطلة، وأما العشرة وأكثر فلا خير فيه.
ولا يجوز ذهب وفضة بذهب وفضة وإن اتفق الجنسان، ولا يجوز في تبادل الطعامين يداً بيد من جنس واحد أزيد كيلا. فأما الدنانير والدراهم ، فيجوز بدل ناقصة بوازنة يداً بيد إذا استوى العدد، ولا يجوز إذا اختلف، فإن كانت الأجود أقل عدداً فهو حرام، وإن كانت الأجود أكثر عددا فإني أتقيه.
قال : وكره ربيعة ومالك بدل دينار ناقص بأوزن منه وأجازه ابن القاسم، وابن عبد الحكم، وأشهب. محمد : ما لم يكن على الوزن.
ومن العتبية ابن القاسم عن مالك: ومن دفع إلى أخ له ذهباً، أو ورقاً ناقصة، أو طعاماً؛ ليبدل له ذلك بأجود منه، فيما كان من المعروف من غير إلزام فجائز يداً بيد، ولا بأس ببدل دينار بأنقص منه أو أوزن بغير مراطلة ، ولا يجوز فيه التأخير وإن كان على وجه المعروف.
قال مالك : ومن أبضع معه بدينار، / فلا بأس يبدله بأجود منه عيناً ووزنا. قال في العتبية : وبعلم صاحبه، وفي باب تبادل الطعامين بدل مد دقيق ومد حنطة بمثلهما، ونحو ذلك.
في مبادلة الصائغ وأهل بيت الضرب
من كتاب محمد : قال مالك فيمن يأتي بفضة إلى أهل بيت الضرب فيراطلهم بها بدراهم مضروبة ويعطيهم أجرتهم قال: لا أحبه وما يفعله أهل الورع . ونرجو أن يكون خفيفا لضرورة المسافر في احتباسه ولغير ذلك. [5/356]
***(1/347)
[5/357]قال في العتبية : ولخوفه وفي سماع ابن القاسم، وابن وهب : وقد كان يعمل به بدمشق، وتركه أحب إلي. قال سحنون عن ابن القاسم : هو للمضطر وذي الحاجة خفيف. قال عيسى: لا يعجبني. قال ابن المواز في رواية أشهب عن مالك: وإنما كان هذا حين كان الذهب لا تنقش والسكة واحدة، وأما اليوم فلا، قد صار في كل بلد سكة يضربون فيها ، فليعطه جعله، ويضرب له ذهبه. قال ابن المواز : فلما اتسع الناس بالضرب وزالت الضرورة لم يجز ذلك. قال مالك : ولا خير في ذلك أيضا في الحلي إن تبادل الصائغ حليا بورقك وتعطيه أجره.
قال في العتبية : ولم يره من الصرف . قال مالك : ولا يصلح أن يقول له إعمل لي بفضة عن عندك حتى أعطيك أو يأخذ منه دنانير سلفا يعملها له حلياً يجعل يعطيه إياه إلا أن يتفرقا بعد من السلف، ويصح / أنهما لم يعملا على ذلك.
وقال في الواضحة: ولا يجوز أن تراطل الصانع دراهم بفضة على أن يصوغها لك بأجر، وهو كالذي وجدها مصوغة فراطله بها وأعطاه أجره، ولو بادله بها ولم يذكرا صياغة ثم دفعها إليه في المجلس لم يجز إلا بعد التفرق وبعد ذلك وصحته. قال : ولا بنبغي أن يعمل لك صائغ أو سكاك إلا فضتك أو ذهبك، وأما عمل أهل السكة في جمعهم لذهب الناس فإذا فرغت أعطوا كل واحد بقدر ذهبه قد عرفوا ما يخرج من ذلك فلا يجوز هذا. قاله من لقيت من أصحاب مالك.
وقالوا : ولا يجوز إذا أصاب دنانير مضروبة، فليأخذها بوزنها ذهباً، ويعطيه أجره. وفي الدراهم مثل ذلك. وهذا أشد من الأول، ولا يجوز للمسافر ولا للمضطر ولا لغيره. قاله لي من لقيت من أصحاب مالك المدنيين والمصريين.[5/357]
***(1/348)
[5/358] قال في كتاب ابن المواز: وإن أعطيته خمسين على أن يخرج من عنده خمسين ويعمل خلخالين ويأخذ أجره لم يجز، والخلجالان بينكما، وعليك نصف قيمة عمله لا نصف ما سميت له، ولا خير في مثل ذلك في تموين اللجام والسيف، إلا أن في هذا عليك مثل ما أسلفك، ولا يكون شريكا لك، وعليك قيمة إجازته، ولا يجوز أن يقرضك الحداد رطل حديد على أن يعمل لك به بدرهمين، وهو بيع وسلف.
[قال أبو محمد وقد ذكرها ابن المواز في كتاب الكراء والإجارات مثل ذلك إلا أنه قال في مسألة الخلخالين. أعطاه خمسين درهما. وقال له اصنع لي خلخالين بمائة درهم حتى آتيك بالخمسين الأخرى. ثم ذكر الجواب سواء وجعلهما شريكين في السيف واللجام. قال أبو محمد : والفرق عندي بينهما أن الدراهم التي من سلف في الخلخالين لم يقتضهما مسلفها ولا أمر الصائغ أن يجعلها له في عرض له مثل لجام أو سيف أو يكون غزلا ففعله له في غزل يكون له عنده فيصبر هذا في القبض ويصبر عليه في رد ما استلفه ولم يحصل له في الدراهم قبضا ولا ما أشبه القبض. فمن أجل ذلك كانا شريكين وبالله التوفيق].
فيمن وجد فيما راطل به رديئاً
من كتاب ابن المواز/ قال ابن القاسم: وإذا راطله تبرا بدنانير فأصاب فيها ديناراً ردياً، فإن كان كجودة الذهب فأرفع فلا رد له إلا في المغشوش فينتقص بمقداره. وقال أشهب في الدينار: له رده ، إذا لم يرض ببيع ذهبه إلا بدينار جيد.
ومن الواضحة: وإن راطله خلخالين فضة بدراهم، فوجد فيهما عيبا أو كسراً، فله ردهما، وكذلك إن وجد في الدراهم درهما لا يجوز، أو مكسوراً فلم يرضه، لا نفسخ ذلك كله، ولو راطله فيهما بفضة فلا يردها لكسر إذا أنفقت الفضة، ولو راطله دراهم بفضة أو بدراهم فوجد درهما قبيح العين أو مكسوراً فليس له[5/358]
***(1/349)
[5/359] رده. يريد في مراطلته بالفضة. قال: وإن وجده رديئا أو مغشوشاً فضته دون الفضة التي راطله بها فليرده ويرجع بما قابله من الفضة.
فيمن اقتضى من المجموعة أزيد أو أنقص
وكيف إن ودى للزيادة شيئا أو أخذ للنقصان
أو يفعل ذلك في دينار لك ذا قضاء أو وازن
من كتاب ابن المواز قال: ومن لك عليه ثلث دينار أو نصف أو ثلاثة أرباع، فهو كالمجموع، وكذلك إن كان لك دينار وكسر من بيع أو قرض فقضاك أكثر وزنا، ورددت عليه لذلك ورقا أو عرضا فهو جائر، ولا ترد إليه ذهبا، ويجوز أن تأخذ أنقص، وتأخذ ببقيته ما شئتما، وكذلك لو أخذت قراضات، ولا تأخذ من دينار لك ينقص قيراطاً ديناراً وازناً / وتؤدي شيئا ولا أنقص منه وتأخذ بعضاً؛ وإن لم تؤد ولا أخذت شيئا، فذلك جائز ما لم تكن عادة من السلف في أخذ الارجح، أو يكون والوازن أردأ عيبا لمن كان منهما، ولا تأخذ في دينار لك صحيح قطعا أقل وزنا أو أردأ، إلا أن تكون قطعة واحدة، فيجوز.
قال ابن القاسم عن مالك : وإذا قضاك دنانير مجموعة، قال في العتبية من بيع أو قرض، فرجحت، فله الأخذ بالرجحان ما شئتما، إلا الذهب . قاله مالك. قال ابن القاسم. قال مالك : ولا بأس أن يعطيه بها ورقاً أو عرضاً. قاله في الواضحة.
قال في كتاب محمد : وإن نقصت ، جاز أن تأخذ بالنقصان ما شئتما، أو تدعه في ذمته فتأخذ به عند القضاء ما شئتما. واختلف قول مالك في أخذه النقصان في مجلس القضاء، وأراه خوفا أن يتجاوز عنه في الصرف ليزده قال ابن القاسم : فإن صح فلا بأس به قال محمد : هذا خفيف لا تهمة فيه إلا أن يكون في الدنانير شيء يجاوزه في عينه، وأما بعد المجلس، فجائز ما لم يكن أخذه ذلك[5/359]
***(1/350)
[5/360] على ضمان أو طمع. وكذلك في العتبية نحو ما ذكر محمد عن مالك وابن القاسم.
قال محمد: وكره مالك، في رواية أشهب أن يأخذ في الزيادة ورقاً كما كره الذهب. وقال : يقطع من الدينار وإن كان يكره القطع، فإن لم تجد بداً فاقطع منه قطعة. قال أشهب لا أحبه ولا أفسخه إن نزل ، وأجازه ابن القاسم وأصحابه إلا في أخذ الذهب في رجحان الذهب فلا يجوز، كان / من بيع أو قرض.
قال محمد : وهو في السلف أخف. وقد أجازه أشهب في السلف. قال ابن حبيب : لا بأس أن يأخذ في السلف بزيادة الذهب ذهباً، وبزيادة الورق ورقا، ولا يحمل على أنه أخذ الساعة ورقا بورق أعطاها منذ شهر، وبورق أعطاها الساعة لأن السلف من أهله يحمل محمل الصحة، ألا تراه يقبض فيه عند الأجل من الذهب ورقا؟
محمد : قال مالك : ومن ابتاع حنطة بدينار فوجد ديناره ناقصاً فلا ينبغي أن يرد من الطعام بنقصه، ولا يعطية ورقا ولا عرضا ولا فلوساً، وكذلك إن وجد أنقص مما شرط، وكذلك الدراهم . وإن باع بناقص نقصا معلوما لم يجز أخذ وازن ويرد شيئا من الأشياء، وكذلك ف الدرهم [ولو لم يقع البيع وإنما كانت مراوضة لجاز. قال : وكذلك في الدرهم] لا يعطى لزيادة، ولا يأخذ لنقص. وهذه المسألة من أولها.
في العتبية من سماع ابن القاسم ، وذكر في موضع آخر أنه لا يجوز أن يرد من الطعام لنقص الدينار إلا أن يكون على المراوضة، ولم يقع الوجوب، وقال في موضع آخر : إنه جائر. قلت : بعد الوجوب ؟ قال : نعم كأنه حمله على المساومة، فرد ذلك محمد إلى المعنى الظاهر في المسألة أنه لا يجوز بعد التواجب. [5/360]
***(1/351)
[5/361]وذكر ابن حبيب أنه لا يجوز، وزاد في تفسيرها ما ذكرته في باب الأخذ من ثمن الطعام طعاما.
قال ابن القاسم : وإن أقرضك درهما فيه نصف، فقضيته درهما نصفه قضاء، وتأخذ بنصفه تمراً لم يجز، وإن ابتعت منه بنصف درهم منها لم يشترط فرداً، فلك أن تعطي أكثر، وتأخذ / فضله أو أقل، وتقضيه بقيته، وكذلك بثلثين وبثلاثة أرباع. وكذلك إن زدت على الدرهم ربعا أو سدسا فهو كالدرهمين، وذلك مجموع ما لم يشترط الفراد. يريد ذكر الفراد عدداً .
قال : ولو اشترط – يريد في البيع – مع ذكر الفراد الكيل، فجائز أن يقضيه في مثل الوزن أزيد عددا أو أقل، فإذا كانت مثل العدد أو أكثر، أقل من الوزن، فجائز أو مثل العدد فأقل أكثر من الوزن، فجائز، ما لم يكن أردى عيوباً، فإذا اجتمع فيما يؤخذ الجودتان؛ جودة العين وريادة الكيل والجودة وقلة العدد، فجائز.
قال : وإذا باع بعدد، وشرط وازنة – يريد محمد : فرادا – أو شرط كل دينار ينقض [إنه ينقص] شيئا معلوماً ، فلا يأخذ مثل الكيل جملة، ولو شرط عددا وكيلاً فليأخذ الكيل وإن خالف العدد، ومن شرط كيلا فلا يأخذ عدداً ومن شرط عدداً فلا يأخذ كيلا. قال : وإذا كانت له أفراد فلا بأس أن يأخذ مجموعة مثل عددها، زاد وزنها أو نقص.
قال أصبغ عن ابن القاسم، فيمن اشترى باثنين وعشرين قيراط ذهب فأعطي ديناراً فيه أحد وعشرون، وأعطاه القيراط فاستقله، قال أصبغ : لا بأس به، إن ما دون دينار كالمجموع يأخذ ببعضه ذهبا وببعضه ورقا. وكذلك ما زاد على الدينار.[5/361]
***(1/352)
[5/362]ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية رواية أصبغ: قال أشهب : ومن ابتاع بثلثي دينار ونصف قيراط فدفع فيها ثلثا دينار وبالباقي ورقأ فجائز . محمد: وقاله ابن القاسم؛ لأن ما دون الدينار مجموع.
في القائمة والمجموعة يقتضي بعضها من بعض
أو تبرأ من مسكوك أو حلياً من بيع أو قرض أو استهلاك
من كتاب ابن المواز، قال : ولا يأخذ مجموعة من فراد من بيع أو قرض إلا أن يتفق العدد، ويجوز أن تغطيه عشرة أنصاف،أو تسعة أنصاف من عشرة صحاح ليست بأجود عيناً، فإن زاد العدد حرم، ولا يجوز أخذك أحد عشر نصفاً أو ثلثاً، ولك أن تأخذ من عشرة أنصافاً عشرة صحاحا، ما لم تكن أردأ عيونا، ولم تكن عادة، ولا تأخذ تسعة وازنة، وإذا بعت أو أسلفت فراداً عدداً، ولم يعلم وزنها، فلا تأخذ فيها مجموعة، إلا أن يتفق العدد نقص الوازن أو زاد. ومن سلف عشرة مثاقيل، فكان يأخذها ديناراً ديناراً، فلا تعطيه مجموعة لاختلاف العدد.
قال: والمجموعة ما جمع بالحديدة وإن عرف وزن كل دينار.
قال أشهب : فإذا عرف، صارت مجموعة وفراداً، فإن قضاه فراداً جاز وإن قضاه مجموعة أو تبرأ جاز.
قال مالك: ولا تأخذ في دينار قائم ناقصاً خروبة، وتأخذ لنقصه قراضة ذهب، ولا فضة، ولا سلعة. ومن لك عليه نصف دينار فرد، فبعث منه سلعة بعشرة مجموعة وقضاك عشرة ونصفاً مجموعة فلا خير فيه. ولو تسلفت ديناراً بحربان وقضيت به، فدخل فيه قطعتان أو دينار، وقطعة، فلا بأس بذلك، قال محمد: ومعنى أنه حربان/ غير مثقال معروف، ولو وزن بمثقال معروف لم يكن فيه خير.[5/362]
***(1/353)
[5/363]ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم: ومن لك عليه دينار- يريد من سلف- فلا خير في أن يأخذ به منه نصفين إلا أن يكون للدينار حرمان عندك تأخذ به، ولا تأخذ به، ولا تأخذ ديناراً إلا قيراطا وقراضة، ولو كان لك عليه نصف دينار فأعطاك به نصف دينار قراضة فهو خفيف.
ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، فيمن لك عليه دينار قائم فأعطاك دينارا ينقص خروبة بخروبة ذهب فيزتهما لك بدينار فإن كانا من عين واحدة فأرجو ولم يجزه مالك في كتاب ابن المواز.
ومن سماع ابن القاسم: ومن اشترى بنصف دينار وثلث فدفع دينارا ينقص سدسا فلا بأس به.
ومن باع بمائة دينار مثاقيل فرادا مجموعة، فلا بأس أن تأخذ بها أكثر عدداً ومثل كيلها.
من سماع عيسى من ابن القاسم : ومن لك عليه ألف دينار [مجموعة، فلا بأس أن تأخذ منه ألف دينار]، إلا دينار قائمة. وكذلك كل ما لا شك أن وزنه من القائمة أكثر من كيل المجموعة وإن نقص العدد.
ومن كتاب محمد : قال ابن القاسم : ومن لك عليه عشرة دنانير قائمة، فقضاك تسعة ونصفا ذهباً ونصف درهم لم يجز. وكذلك الدينار الواحد، إنما يجوز هذا في المجموعة. محمد: ولما اشترط قائمة فقد اشترط فرادا. ومن لك عليه دينار من قرض أو بيع، فلا يأخذ به ثلاث أثلاث، ولا نصفين، ولا دينارا ناقصا ومعه قراضة. وكذلك / من لك عليه درهم، ويجوز هذا في المراطلة. فأما مبادلة على غير وزن فلا لأنه لا ينفق. قاله ابن القاسم ويصير كمن دفع مثاقيل ناقصة أكثر عددا من فراد والأفراد في العدد كالدينار الواحد.[5/363]
***(1/354)
[5/364] قال ابن القاسم عن مالك : ومن أسلف دينارين بحبة حبة، فأخذ وازنا وناقصا حبتين حبتين فهو مكروه. مالك: وإن كان لك عليه نصف دينار بحبتين، فأخذت دينارا بحبة ليأخذ منه نصف الحبتين ويرد ما بقي، فهو مكروه.
قال أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية، في هذه المسألة : إذا قال له انظر كم صرفه، فخذ منه نصف دينارك ورد إليه ما بقي فلا خير فيه.
قال : ومن اشترى من صوف بعينه أربعة وعشرين رطلا بدينار قائم، فلم يجد إلا اثنين وعشرين رطلا[فأعطى دينارا ينقص قيراطين، فلا ينبغي، ولو وجد ستة عشر، أو عشرين رطلا]، فدفع دينارا فيه نصف أو ثلث أو ثلثان فجائز. وكذلك روى أبو زيد، في العتبية، عن ابن القاسم، قال محمد: هو كله خفيف؛ لأن المحاسبة وجبت بينهما إذا لم يكن فيه ما ذكر.
ومن كتاب محمد : ومن لك عليه درهم من قرض أو استهلاك فقضاك فضة مثل فضته فجائز. وإن كانت أجود لم يجز، اتفق الوزن أو اختلف. وكذلك في الدينار في أخذك تبرأ أجود منه فلا يجوز، ولا يجوز أن تأخذ من التبر حليا ولا مشكوكا دون ذهبه.
قال ابن القاسم : ومن استهلك لك درهما فقضاك درهما فيه أربع دوانق فجائز . وهذا / أحب إلي مما قال مالك في الدرهم الفرد وإن لم يعرف وزن الدرهم. وإذا أعطاك مثل جودته؛ فإن كان أقل أو أكثر أو يعطيك ما يعلم أنه أدنى وأقل وزناً ، وقال أشهب : جائز صلحهما على درهم ما كانت؛ لأنهما لم يقصدا المخاطرة لجهلهما بالأول، قال محمد: وما ذلك ببعيد، ولا فيه تكايس. وقول ابن القاسم أحب إلينا.[5/364]
***(1/355)
[5/365]قال مالك : ولو استهلك لك درهمين مجموعين فقضاك وزن درهمين فضة [جاز إن لم يكن أجود فضة]، وإن كانا درهمين فرادا، لم يجز ، إلا أن يعطيه من الفضة وزن كل درهم على حدته. قال ابن القاسم لأنه لابد له أن يزيد وزن المجموعة على الفراد وقاله مالك.
ومن العتبية روى عيسى، وأبو زيد عن ابن القاسم فيمن أعطى عشرين درهما لصائغ يعمل له بها سوارين فمطله فاسترد الدراهم فقبض عشرة ووخره بعشرة شهراً فأخذ ثمانية وبالدرهمين تبرأ؛ فإن كان بعد أن وجب ذلك وتم حتى لا يرجع فيه لو أراد فذلك جائز، وإن كانت مراوضة فلا خير فيه.
ومن ابتاع سلعة بمائة دينار قائمة وشرط في البيع أن يجمع له وزن مائة قائمة يدخل في ذلك ما دخل، فلا خير فيه، كما لا يجوز في القضاء، ويفسخ في البيع إلا أن يفوت فلا يفسخ.
ومن العتبية، وقال ابن القاسم عن مالك: ومن باع سلعة بمائة دينار قائمة أو ناقصة نقصانا معروفا. قيراط أو نصف قيراط الدينار، ثم قال له المبتاع استعر دنانير مثل التى لك على أن لك بها / دنانير أخرى مخالفة لنقصانها فيدخله اختلاف في العدد ؛ قال : لا. لا أحبه ، ويدخله اختلاف في الوزن، وإنما تجوز المراطلة بحضور الذهبين.
قال ابن حبيبت : ومن باع سلعة بمائة درهم عددا فلم يجد إلا نقصا، فسأله أن يعطيه إياها مراطلة بمائة وازنة فلا يجوز ذلك. وكذلك لو أعطاه فضة هكذا؛ لأنه باع منه بدراهم ليس لها وزن معروف، حتى يبيع بدراهم كيلا، فيجوز هذا .
ومن كتاب محمد: قال مالك : ومن نكح بدنانير، ثم أعطاها فيها سواري ذهب ؟ قال في المختصر: لم يجز إلا مثلا بمثل، ويردهما ويأخذ الدنانير، وإن فاتا [5/365]
***(1/356)
[5/366] فمثلهما، وإن كان كان بغير يعرف فقيمتهما، وإن أخذت قلادة فيها ذهب قليل مما يبتاع مثلها بذهب ، فذلك جائز.
جامع ما يجوز في الاقتضاء
من زيادة عدد أو وزن
أو تعجيل أو تنجيم
أو خلاف لما عليه من عين أو طعام
من كتاب محمد : ولم يجز ابن القاسم أن يأخذ في القرض زيادة العدد في طعام ولا في عين إلا مثل رجحان الميزان.
قال مالك : ولو صح فهو ذريعة إلى الحرام، وأجاز أشهب أن يأخذ. يريد في المائة أزيد أردبا، وفي الدراهم زيادة درهم أو درهمين على غير موعد. وقاله ابن حبيب في كل شيء إن كانا من أهل الصحة، وكان عند القضاء أو بعد ولا يجوز قبل القضاء. وقال ابن القاسم : ولا يجوز في الاقتضاء في / الطعام إلا ما يجوز على البدل، ولم يجز أخذه محمولة أقل كيلا من سمراء له من بيع أو قرض، وأجازه أشهب في القرض ما لم يكن أنقى من السمراء.
قال ابن القاسم : ولك أن تأخذ في القرض قبل الأجل سمراء من سمراء أجود جودة، أو محمولة من محمولة أجود جودة، ولا تأخذ أدنى، ولا تأخذ أحد الصنفين من الآخر حتى يحل الأجل. ومن لك عليه دينار من بيع أو قرض فعسر به، فنجمته عليه ثلاثة أنجم فلا يجوز ذلك ، تعجلت دراهم أو ذهباً أو عرضا. يريد على أن يتعجل بثلث ما ذكر.
قال محمد ، إن تعجل] عرضا فهو بيع، وسلف، وفي الدراهم صرف وسلف. وفي الدنانير الزيادة في العدد ولو عجل له ثلاثة أثلاث، ولم يجز. وكذلك إلى أجل، وإنما يجوز في المجموعة.[5/366]
***(1/357)
[5/367] ومن العتبية وكتاب محمد : قال ابن القاسم عن مالك: ومن عليه لرجل ثلاثة أثلاث منجمة في كل شهر ثلث، فلا بأس أن يعطيه بذلك ديناراً قبل الأجل . يريد دينارا قائما.
ومن لك عليه دينار- يريد حالا- فلا بأس أن تأخذ منه بالقيراط والقيراطين دراهم لأنه جزء معروف من الدينار.
ومن كتاب محمد: ومن لك عليه دينار قد حل من بيع أو قرض فأخذت منه جزءاً ثلثاً أو ربعاً دراهم أو من دنانير كذلك وأبقيت ما بقي ذهبا لا صرف فيه ولا تنجيم، لجاز ما لم تأخذ بما يبقي ذهبا، وإن أخذت الجزء الأول ورقاً أو عرضا فلا يصلح. وأجاز أشهب أن تأخذ الجزء الآخر ذهباً / مثل ذهبك وورقك لا أقل ولا أكثر؛ لأنه الباقي لك.
محمد : ولو كان ما أبقيت شيئا غير الذهب، ما جاز أخذ ما أخذت أولا. قال : ولو اختلفا فيما بقي لم يحكم له إلا بالورق . قال محمد : وقول أشهب أحب إلي لأن من باع بنصف دينار إلى أجل فإنما له ذهب ولا يقضى له إلا بالورق، ولا يجوز أخذك ورقا قبل الأجل.
قال ابن القاسم : وأكره أن يأخذ الجزء الأول ذهبا وإن أخذت بعده ورقا أو عرضا أو ذهبا، وإنما يأخذ أولا عرضا أو ورقا.
قال مالك : ومن لك عليه نصف دينار حالا، فلك أن تأخذ منه بجزء منه ورقا ويبقى باقيه ذهبا.
قال ابن القاسم : ومن حل لك عليه ثلثا دينار لم يجز أن تنجمه عليه أنجماً. وكذلك من لك عليه قيراطان من ذهب. قال أصبغ : وخفف غيره التنجيم على الأجزاء.
وروى أشهب عن مالك، فيمن له على رجل دينار من بيع أو قرض فنجمه عليه؛ في كل شهر جزء، أنه أجازه. وروي عنه أنه كرهه. وقال ابن عبد الحكم:[5/367]
***(1/358)
[5/368] كرهه، وإن نزل لم أفسخه. محمد: بل، يفسخ، وإنما يجوز عند ابن القاسم لو وقع به أصل البيع أن يقضي ثلثا كل شهر. وأجازه مالك في أصل البيع. ومن حل له على رجل نصف دينار من شيء ونصف دينار من شيء آخر، وجب له في الحكم أخذ دينار.
فيمن لك عليه دينار
فقضاك دراهم متفاوتة على غير صرف
من العتبية من سماع أشهب قال مالك: ومن له قبل رجل دنانير، فكان/ يعطيه مرة خمسة دراهم، ومرة ثلاثة دراهم، ومرة أربعة، وقال اجمعها عندك، فإذا كملت صرفناها ثم أوفيتك. قال : لا ينبغي أن تكون على يديه، ولكن بيد عدل، إلا أن يختم عليها عند الطالب فيجوز.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم قال: إذا دفع إليه عشرة دراهم، ثم قال له الطالب كالغد: انظر كيف الصرف وقاصصني بالعشرة، وأعطني ما بقي. فهو جائز إن كان أنفق العشرة، قال : وإذا قبضها على وجه القضاء من غير صرف يريد أن يأخذ ما بقي ويحاسبه فلا خير فيه، ويرد الدراهم . قال: ولو فسخ الأمر بينهما حتى تصير الدراهم ديناً عليه جاز أن يصارفه مكانه ويحاسبه بها وإن لم يردها، هذا لو كان الفسخ قد ثبت بقضاء.[5/368]
***(1/359)
[5/369]باب في المناجزة في الصرف
وذكر التأخير فيه والموعد
أو قال له استورى وأنا أبدل لك الرديء
ومن باع ما صرف قبل ينفذ
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك : ومن باع تبرا في المزايدة، فبلغ على رجل مائة درهم، فأوجبه له، ثم ذهب معه إلي الصراف ليوفيه ثم بدا له، قال هذا منتقض إذا لم ينقده مكانه، قال: وكذلك من اشترى حليا ثم تفرقا لليل غشا، أو لنقد ما يوزن.
قال ابن القاسم عن مالك في الذين اشتروا قلادة من ذهب وفيها لؤلؤ على النقد فلم ينقدوا حتى فصلت، وتقاوموا اللؤلؤ / وباعوا الذهب ، فلما وضعها أرادوا نقض البيع لتأخير النقد ولم يكن ذلك شرطا، قال : لا ينتقض ذلك. وقاله ابن القاسم؛ لأنه باع على النقد، ولم يرض بتأخيرهم، وهو مغلوب . وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم . وقال سحنون : إنها مسألة جيدة.
ومن اشترى ألف درهم بدنانير فوزن الألف وأراد أن يزن ألفا أخرى قبل أن يدفع دنانير الأولى، فكرهه ابن القاسم إلا أن يقضيه كلما وزن له ألفا، وكذلك رواها أو زيد عنه، في العتبية.
قال محمد : قال مالك ومن ابتاع ورقا بخمسة دنانير ونصف، فدفع ستة دنانير ، وتفرقا قبل يقبض منه نصف دينار، قال : فلا ينبغي ذلك. وكره مالك أن يواعده في الصرف ، يقول : احبس دراهمك حتى آتي أصرف منك، وإن لم يقاطعه وإن لقيه فقال اذهب بنا إلى السوق، لتقلب دراهمك وتزنها، وقد أخذتها كذا. فلا خير فيه؛ ولكن يسير معه على غير موعد. [5/369]
***(1/360)
[5/370] وذكر عن مالك ، فيمن صرف منه دراهم بدنانير وقال اذهب فزنها ووازنها أنه خففه إن كان قريبا. وكذلك في العتبية من سماع أشهب: إذا قال له زنها عند هذا الصراف. وازنه إياها، أو قام إليه لذلك وخففه إن كان قريبا، وقال أيضا في سماع أشهب فيمن صرف ديناراً بدراهم من رجل، وقال له : إن وجدت رديئاً فرده فوجدها جيادا ً قال : أصل الصرف لا يصلح، وليردها كلها، / قال محمد: وكره مالك أن يصرف منه الدينار، فيأخذه ويدفع دراهم إلي إنسان يزنها له وهو واقف عند الصراف حتى يزنها له الآخر.
ومن المجموعة : روى ابن نافع عن مالك فيمن له قبل رجل مائة دينار، فأخذ بها منه دراهم وقبض وقال له إني لا أبصرها، ولكن اسلفني مائة درهم، فإن كانت جيادا رددت المائة، وما وجدت من رديء أبدلته منها فكرهه، وقال : ليأت بمن ينتقد له.
ومن كتاب محمد والعتبية : أشهب عن مالك : وإذا قال له الصراف في دراهم صارفه بها هي جياد . فأخذها بقوله ، وهو لا يدري أجياد هي أم لا ؟ فنهى عنه ، قيل فأنا لا أبصرها، وأنت تكره أن أفارقه. قال: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا) .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : وإذا راضاه ثم أرسل معه من ينتقد الذهب ويقبض الدراهم لم يعجبني، ولو أعطاه الذهب على غير صراف، فينتقد، ثم يصارفه. قال : لا يعجبني؛ لأنه على سومه الأول، إلا أن يكون على غير سوم.
وكره مالك بيع الذهب على أن يذهب يقنه. ومن اشترى سوارين من ذهب بدراهم على أن يريهما لأهله فإن أعجبتهم وإلا رده، فخففه مالك وكرهه، وكراهيته أحب إلينا، إلا أن يأخذها على غير إيجاب، ولا على الشراء.[5/370]
***(1/361)
[5/371] وقال مالك في حلي أبيع في ميراث، فيشتري منه بعض الورثة، وحصته في الميراث أكثر منه، فلا يجوز ذلك إلا بالنقد كالأجنبي، إلا أن يحبس حصته من ثمن ذلك خاصة، وينقد ما بقي.
ومن العتبية من سماع / أشهب من ابن القاسم، وذكرها ابن المواز عن ابن القاسم: وإن صرفت دراهم، ثم بعتها في مقامك قبل تقبضها، فذلك جائز إن قبضتها أنت، فدفعها إلي مبتاعها منك. فأما أن تأمر الصراف يدفعها إليه فلا خير فيه.
قال في كتاب محمد : وإن لم يبرحا، بعتها بعرض أو بدينار، ولك بيعها من الصراف ببعض نقداً قبل أن تقبضها.
وقال في العتبية أصبغ : بما يجوز بيعها به منه.
ومن الواضحة ومن ابتاع حليا بدراهم فلا يقوم إلي صراف ليريه وينقده، فإن نزل ذلك فهو مردود، وليس في الصرف مشورة، وليس فيه حوالة وإن عجل قضاه.
في الوكالة في الصراف
وصرفك أو بيعك مالك بيد من غصبك
أو رهنته أو أودعته أو أسلفته
من كتاب محمد ، قال: وإن صرفت ديناراً بعشرين درهما، فقبضت عشرة، وأمرته يدفع عشرة إلى رجل معك من ثمن سلعة فلا يعجبني حتى تقبض أنت.
ابن القاسم : وكذلك في جميعها ، قال أشهب : وإن لم تفارق حتى يقبضها المأمور فلا افسخ ذلك، وإن افترقا فسخ الصرف، ابتعت السلعة قبل الصرف أو بعده.[5/371]
***(1/362)
[5/372]قال ابن القاسم في الرجلين بينهما دراهم صرفاها بدينار، أو حلي أو تبر صرفاه بنقرة، فلا بأس أن يوكل أحدهما الآخر بقبض ذلك ويذهب عنه، ومن لك عليه دراهم حالة، فبعتها من رجل بدنانير نقدا قبل يقبضها ؛ فإن انتقد مبتاعها منك وانتقدت أنت الدنانير مكانكما ، وإلا لم يجز. قال أشهب : فإن افترق أحد منهم قبل ذلك نقض الصرف، وإذا لقيت من غصبك دينارا جاز لك أن تصرفه منه، وإن كان رهنا فصارفته فيه أو قضيته بعضه في الدين وصارفته بعضة لم يجز. قاله مالك.
وكذلك في الوديعة. وقال عنه أشهب في الوديعة: إنه جائز وبرواية ابن القاسم أقول. وإن غصبك جارية ثم أخبرك بمكانها فلا بأس أن تبيعها منه وينقذك، ولو كان وديعة لم يجز. وقال سحنون : ولا يجوز في الغصب حتى يخير في تصمين القيمة.
قال ابن القاسم: ومن لك عنده مائتا درهم وديعة فلقيك فأعطاك مائة وهضمت عنه مائة لم يجز حتى يعطيك من دراهمك.
ومن العتبية ، من سماع أشهب وذكرها محمد: وإن رهنت ديناراً في دراهم تسلفتها ثم صرفته منه كالغد فلا خير فيه؛ وليأخذ ديناراً ويؤد ما عليه.
ومن كتاب محمد، ومن رهن ديناراً في دراهم ثم أتاه فصرفه منه فترك له حقه وأخذ ما بقي فأجازه مالك إن لم تكن عادة، ثم كرهه وإن لم تكن عادة. وفي آخر الكتاب باب دفع المأمور، فيه شيء من ذكر الوكالة في الصرف.
فيما يظهر بعد الصرف من نقصان
أو استحقاق، والتصديق في الصرف
من كتاب محمد: ولا يجوز أن يصارفه بسوارين، على أن يصدقه في وزنهما وينقض البيع، وإن افترقا ووجدهما كذلك، فلابد أن ينقض، ولو وزنهما قبل[5/372]
***(1/363)
[5/373]التفرق فوجد نقصا فرضيه، أو زيادة فتركها الآخر ، فذلك جائز/ . قال أشهب: إذا افترقا على التصديق ثم وجد زيادة أو نقصانا وترك من له الفضل، فذلك جائز. قال : وكذلك الدرهم يجده رديئاً أو دون الوزن فيتجاوزه. قال محمد : إما الرديء، ويسير النقصان فجائز إن لم يفترقا، على أن يربى أو يزن . وكذلك لو طلبه بالبدل، فأرضاه على أن لا يبدل.
ومن العتبية، قال سحنون : لا يجوز التصديق في الصرف، ولا في تبادل الطعامين. وقاله مالك في كتاب محمد.
قال مالك : ومن وجد في الصرف نقصا فتجاوزه فذلك له، وقد قال : ليس ذلك له، وإن كان يسيرا قال قبل ذلك : أما في اليسير كالدانق ونحوه فذلك له وقال في النصف درهم في الدينار لا يجوز، قال : وكذلك لو صرفه لك وكبلك نقصا نصف درهم، فتجاوزته فلا يجوز.
وقال أصبغ عن ابن القاسم : إن نقصت الألف درهم مثل الدرهم فهو خفيف، وأما في دراهم الدينار، فلا يجوز أن يتجاوز عن النقص وإن قل، وذلك فيما لا يكون من نقص الموازين واختلافها، وإن وجد نقصا في بعضها أو وجد رديئا فأراد الرجوع انتقص صرف دينار واحد.
قال مالك فيمن باع ورقا بذهب فنسي بعضها عنده أو خلفه، لم يخرجه من المأثم إلا انتقاص الصرف.
وكره مالك أن يصرف منه ثم يستودعه الدراهم التي قبض، وله أن يتجاوز النقص إن وجد بعضها ناقصا أو رديئاً . قال ابن القاسم: فإن أحب أن يبدل ويأخذ النقص فليس له ذلك ، إلا أن يناقصه الصرف، قلت ؛ كم ينتقص؟ قال صرف دينار، وإذا وجد في / الدنانير قبل يفارقه نقص دينار ثم افترقا على أن يأتيه به فإن ينتقص صرف دينار.[5/373]
***(1/364)
[5/374] قال محمد : إذا فارقه على معرفة بالنقصان ، أو على أن يبدل ما وجد رديئا؛ فإنه ينتقص الجميع، قال : وإذا لم يجد معه من مائة دينار إلا خمسين انتقص الصرف كله، إلا أن يشاء أن يأخذ ما وجد منها، كمبتاع مائه قفيز لا يجد إلا خمسين، يريد ابن القاسم قبل التفرق،وافترقا على إبقاء الصرف فيما لم يجد معه قال أصبغ :ينتقص الصرف كله، وليس ما ناظره به ينتظر. وواجد النقص بعد التفرق من غير الصرف كالغيب، بخلاف الصرف الذي لا يتأخر، ومن صارفته فلم يكن معه تمام الدراهم فتركت له ما عجز قب التفرق أو حططته ما شئت فذلك جائز، وتأخذ بما عجز ما شئت نقدا. وهذا في العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: وإن وجد الدنانير القائمة ناقصة بعد التفرق، فتجاوزها فذلك جائز يريد نقصا في غير العدد.
قال أشهب : إذا وجد في الدراهم نقصا أو رديئا فردها ثم صارف بها مكانه بعد أن أخذ دنانيره، فذلك جائز ما لم يكن فيه وأي، ولو رد الدراهم، ثم صارفه ولم يقبض منه الدنانير، فلا بأس بذلك.
قال أصبغ : وله أن يؤخره بالدنانير وإن ثبت الفسخ؛ قال مالك : وله أن يأخذ به منه بعد ذلك قمحا يريد نقدا، ولو كان الدينار في منزله فقال له أعطيك به نقرة أو أبدل لك الدراهم فذلك جائز. يريد/ وقد تم الفسخ. وفي آخر باب من وجد رديئا ما يشبه هذا.
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم ، فيمن صرف دنانير بدراهم فذهب فوزنها عند آخر فتقصت فرجع إلى الصراف فاستراب ميزانه فذهب معه إلي حيث وزن كما ذكر، فوزن أيضا الصراف الدنانير هنالك فوجدها تنقص مثل نقص الدراهم، قال : إن كانت الدنانير مجموعة انتقص من الصرف بقدر ما نقصت هذه. هذه المسألة فيها نظر، ولا ينتقص من الصرف شيء لأن ما نقص[5/374]
***(1/365)
[5/375]من الذهب نقص حداه من الدراهم بذلك الميزان، فلم يبق لأحدهما عند الآخر شيء.
محمد: قال ابن القاسم وإن صرف خلخالين فاستحقا بمحضر المتصارفين وحضور الخلخالين فربها مخير أن يجيز ذلك ويأخذ الثمن من المتعدي أو يرد، وقاله أشهب استحسانا، قال : والقياس الفسخ؛ لأنه صرف فيه خيار. قال محمد: ذلك جائز، ولم يكن البيع الأول ببيع.
قال ابن القاسم : وإن غاب المتعدي، فالمستحق مخير البيع ويأخذ الثمن من المبتاع ثانية إن رضي له المبتاع بغرمه ثانية، وإلا أخذهما منه ربهما، إنما قال هذا محمد، لأن ليس على المشتري غرم الثمن ثانية إلا برضاه.
فيمن وجد فيما صرف رديئا
أو ظهر فيما قلب لغيره
من كتاب محمد قال مالك : ومن صرف دنانير بدراهم ثم وجد درهما زائفا أو ناقصا فإنما ينتقص صرف دينار، وكذلك إن وجد دراهم رديئة مثل صرف دينار فأقل فلا ينتقص إلا/ دينار، فإن كانت أكثر من صرف دينار، انتقص صرف دينارين على هذا الحساب، وما فات من الجياد، رد مثلها، وإذا وجد رديئا بعد أن أنفق بقية الدراهم رد مثلها.
قال ابن القاسم : ومن لك عليه ثمانية قراريط حالة فصارفته فيها بثمانية دراهم ثم وجد منها درهما رديئا فرددته فإنك ترجع بقيراط ذهب فقط، يأخذ فيه أقل من درهم أو أكثر ما بلغ يوم ترجع به عليه، وكذلك في درهمين لاينتقص غير قيراطين. وإن كان لك عليه عشرة دراهم فأخذت بها منه عشر خراريب ذهب قراضة، قراضة رديئة فينتقص صرف درهم وهذه المسألة من أولها رواها أبو زيد عن ابن القاسم، في العتبية.[5/375]
***(1/366)
[5/376] ومن كتاب محمد قال ابن القاسم وأشهب فيمن ابتاع طوقا من ذهب بألف درهم ثم وجد به عيبا فصالح البائع على دينار دفعه إليه أو دراهم، فذلك جائز.
قال ابن القاسم : دراهم من سكة الثمن لايجوز على خلافها ولا على فضة، وقال أشهب: يجوز على دراهم من غير صنف دراهمه؛ لأنه إنما ابتاع منه الرد عليه بالعيب، وبيعهما الأول على الصحة.
وقال سحنون : لا يجوز فيه الصلح. وإما رصينه أو رده كدينار رديء.
ومن كتاب محمد، من العتبية من رواية أبي زيد عن ابن القاسم – ورواية محمد أتم – ومن صرف نقرة فضة بوزن أو جزاف بعشرة دنانير، قال في العتبية / سمى في الوزن لكل دينار شيئا أو لم يسم، ثم وجد في النقرة مسمار نحاس أقل من دينار فإنما ينتقص صرف دينار من أصغر الدنانير.
من المجموعة قال : وكذلك إن كانت مقطعة انتقص أصغر ما لم يكن أصغر من حصة وزن المسمار، وإن كانت أصغر قطعة فيها أكثر من حصة المسمار وأزيد من النقرة الفضة إلى تمام ذلك، وإن كانت حصة المسمار أكثر من دينار انتقص من دينارين، وإن كانت قطعا فأصغر ما يقدر عليه ما لم ينقص عن صرف المسمار.
وقال عيسى، في العتبية عن ابن القاسم: وإن كانت الدنانير قائمة والنقرة جزاف وقد وجد درهما نحاسا في النقرة؛ فإن كان وزنها مائة درهم فلينتقص صرف دينار، وإن كانت مجموعة انتقص منها أقلها وزنا ومن العتبية، ومن رواية أبي زيد عن ابن القاسم.
ومن كتاب محمد: وإن ابتاع خلخالين أو سوارين من ذهب أو حليا كثيرا من ذهب بدراهم، فوجد في الخلخالين أو في السوارين : قال في العتبية من أسورة [5/376]
***(1/367)
[5/377]كثيرة بأحدهما عيبا؛ شقا أو كسرا أو في رؤسهما نحاس – قال في العتبية في رأس أحدهما- فليردهما جميعا، بخلاف النقرة التى لا يرد منها إلا ما وجد رديئا ولو وجد درهما في الثمن زائفا فرده، انتقص بيع الحلي كله، وإن كانوا أسورة كثيرة، أو خلاخل قال في كتاب محمد : ولو كان الذهب سبيكة أو قراضة لم ينتقص إلا حصة الدراهم/ من ذلك.
من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم : وإن اشترى أزواج أسورة من ذهب بدراهم فوجد في زوج منها نحاسا فليرد الأسورة كلها ولو كانت مائة، وروى أبو زيد عن ابن القاسم في الخلاخل : لا ينتقص إلا صرف زوج منها إذا وجد بأحدهما عيبا، وذكر في روايته أنه اشتراها جزافا.
قال في رواية عيسى : فإن فات بعضها رد ما بقي بالقيمة وروى عنه أبو زيد، فيمن اشترى ثوبا ودراهم بدينار، فوجد درهما زائفا فإنه ينتقص البيع والصرف وهذه في باب البيع والصرف مستقصاة.
قال ابن حبيب كان ابن شهاب والليث، وابن وهب يجيزون البدل في الصرف.
ومن العتبية ابن القاسم، عن مالك فيمن واجر صرافا ينتقد له دنانير أو يزنها في بيع ميراث فوجد فيها رديئا، فلا يضمن إلا أن يغره من نفسه وفي موضع آخر لا يضمن وإن غر من نفسه وتحرم اجارته ويؤدب قال مالك وهذا معنى تضمينه قال ابن القاسم: وإن لم يغر فله أجره ولا يضمن، قال سحنون : الأول أصح.
ومن العتبية سماع ابن القاسم: ومن ابتاع دراهم بمثقال ذهب فوجد رديئا فرده فأراد أن يعطيه به دينارا مضروبا فلا ينبغي حتى يفسخ ذلك ثم يأخذ منه ما راضاه عليه من مثقال ذهب أو دراهم. [5/377]
***(1/368)
[5/378]ومن كتاب محمد قال مالك : ومن لك عليه دينار قائم فأعطيته دينارا فوجده ناقصا فصرفه ثم أعلمك فقلت له/ : أعطني هذه الدراهم، وخذ دينارك فذلك جائز إن لم يتأخر ذلك – يريد : ورصينا جميعا – فليرد مثله إن فات، ويأخذ ديناره القائم.
قال : وإن صرفت دينارك بدراهم ثم عدت إليه فقلت له ألحقني بصرف الناس فقد بخستني فزادك درهما فذلك جائز، فإن وجدت الدرهم بعد ذلك زائفا فليرده وحده، ولا ينتقص الصرف، وإن وجد في الدراهم الأولى رديئا انتقص الصرف إن رددته؛ ولترد معه الدرهم الزائد قال في المدونة إذا استزاده بعد التفرق، فزاده درهما فألفاه رديئا، فليس عليه بدله. فلعل محمداً إنما أوجب بدله بقوله: بخستني من صرف الناس فألحقني بالصرف. فكأنه شيء أوجبه على نفسه بهذا القول.
باب في الشرك والتولية في الصرف
وفي صرف بعض دينار أو حلي
ومن صرف دراهم مختلفة
من كتاب محمد: ومن ابتاع دراهم بدنانير، فسأله رجل أن يشركه فينقد عنه لم يجز إلا أن ينقد حصته فقط قبل التفرق، ولو قال له قبل الشراء اشتر وأشركني وانقد عني لجاز على المعروف، وكذلك في الطعام المؤجل إنما يجوز قبل الشراء؛ ولو سأله أن يشركه ولم يذكر النقد فلما رضي سأله أن ينقد عنه لم يجز في الصرف والطعام إن كان الأول قد نقد، وإن لم يكن نقد فلا يجوز في الصرف، ولا ينقد إلا حصته، ويجوز في الطعام إن لم يكن يشترط في أصل الشركة، قال ابن القاسم ولا يجوز في طعام بعينه أن يشترك فيه قبل قبضه قبل أن / ينقد عنه، ولو تطوع بذلك بعد تمام الشركة جاز.
ومن سأل رجلا سلف ذهب واشتركا في شراء دراهم بها فذلك جائز إلا أن يجيز نفع معونته، قال مالك : ولا يجوز بيع نصف دينار أو نصف نقرة من رجل [5/378]
***(1/369)
[5/379]وإن قبض المشتري جميع ذلك، وكذلك في العتبية وقال فيها : لا يشرك رجلا في حلى اشتراه ودراهم، ويفترقا قبل القسمة، وإن انصرف له كله ولا يجوز حتى يقاسمه.
ومن كتاب محمد : قال أشهب في شراء نصف خلخال بنصف وزنه : فإن سلم إليه جميع الخلخال فذلك جائز، وروى أشهب في نقرة عن مالك خلافه.
قال ابن القاسم : لم يجزه مالك في ذلك ولا في دينار، قال مالك: ومن اشترى سوارين على أن فيهما أربعين درهما فوجد قبل التصرف زيادة أو نقصانا، فإن ترك الفضل من له الفضل، وإلا لم يجز صرف بعضها، وإن قبضها المبتاع، وكذلك بعض دينار.
قال ابن القاسم في دراهم مختلطة سود وبيض وسعرهما مختلف فلا يجوز لرجل أن يشترى جميعها بعضها ببعض، بسعر واحد حتى يعلم ما فيها من كل صنف، وكذلك لو قال: أخذت السود على كذا، والبيض على كذا لم يصلح حتى يعرف ما في كل صنف، ولا يجوز بمعرفة صنف واحد لا جزافا ولا وزنا.
في التصرف من رجلين
وصرف بعض دينار أو بعض نقرة أو بعض حلي
من كتاب محمد والعتبية أشهب قال مالك : ولا بأس بصرف دينار أو نقرة من رجلين، ولو غاب أحدهما قبل قبض الآخر فلا بأس به، قال ابن / القاسم وكذلك الحلي بخلاف بيع نصف دينار ونصف نقرة ومن عليه لرجلين لكل واحد منهما نصف دينار، جاز أن يعطيهما جميعا ديناراً.
ومن كتاب محمد : ومن لك عليه نصف دينار ومن بيع أو قرض فصرفت من آخر نصف دينار ودفعت إليهما دينارا بيهما لم يجر، وكذلك لو أن لرجلين عليك[5/379]
***(1/370)
[5/380] ثلثي دينار لكل واحد ثلث دينار فدفع أحدهما إليك ثلث دينار دراهم ودفعت إليهما دينارا ليكون لهذا ثلثاه، ولهذا ثلثه لم يجز لأن كل واحد صرف منك ما لم بين به، وهو حول في الصرف، وكذلك لو قبض الدينار مصرف الثلث، وكذلك لو كان لأحدهما عليك نصف ولآخر ثلث فصرف منك صاحب الثلث سدس الدينار ودفعته إليه أو إليهما، ولم يجز، ولو صرفت ذلك الجزء منهما لجاز ذلك، قبضا الدينار أو قبض أحدهما.
قال محمد : إذا اشتركا في دراهم بقية الدينار قبل الصرف. وكذلك لو أسلف أحدهما الآخر جزاه من الدراهم قبل دفعها، فأما بعد فلا يحل، وذكر العتبي هذه المسألة من أولها عن أصبغ عن ابن القاسم، وقال : لا يصلح حتى يكون القضاء فيه كله والبيع فيه كله بينهما.
ومن كتاب محمد : ولو كانوا ثلاثة لكل واحد عليك ربع دينار صرفت من أحدهم ربعا ودفعت الدينار إليه أو إليهم قضاء، لم يجز، ولو صرفت من كل واحد قراطين جاز ذلك قبض من كان منهم.
محمد: إذا تشاركوا في الدراهم التي تخارجوا قبل دفعها؛ فإما أن يشتري/ كل واحد قراطين، ولا حتى يشتركوا في الدراهم بدءا.
قال ولو كان لك على رجلين ثلث ثلث أو ثلث ونصف، أو ربع، فدفعت إلى أحدهما بقية الدينار دراهم، وقبضت منه أو منهما دينارا مكانك فهذا جائز، كما لو أن لك على رجل نصف دينار فدفع إليك عن رجل دينارا، وكذلك ذكر أصبغ في العتبية عن ابن القاسم.
قال محمد : يعجبنا قوله في أخذ الدينار من قابض الدراهم، وتحيله على صاحبه بثلث، وكذلك لو دفعت عرضا إلى دافع الدينار إليك في الثلث؛ لأن دافع الثلث يمكن أن يزيده ليضمن له عن الآخر الثلث الباقي فيدخله ضمان بجعل، ولا يجوز ضمان مع صرف ولا مع بيع، ولو ضمن دافع الدينار ما على[5/380]
***(1/371)
[5/381]صاحبه قبل ذلك ومن غير شرط جاز أن يدفع ديناراً ويأخذ بقيته مكانه؛ عرضا أو ورقا، وإن تأخر عليه على أنه ثلث دينار كما هو جاز ذلك، ومن لك عليه نصف دينار فأعطاك دينارا على أن تحيله على فلان بنصف لك فذلك جائز لأنك لم تأخذ منه ولم تعطه.
قال محمد : كما لو جعلت النصف الباقي في سلعة، ولو كان في ذلك زيادة من قابض الدينار درهم واحد لم يجز أو قال : ونصفا قضاء عن فلان كان بينا أنه جائز، وكلام محمد يدل على أن صحح السؤال نصف قضاء لك عنى ونصف قضاء لك عن فلان.
قال ابن القاسم : ولكن لو كان لك على فلان ثلث وعلى هذا نصف فدفعت أنت إلى هذا بالسدس ورقا أو عرضا وأحلت على فلان بالثلث، وأخذت / منه دينارا، لم يجز قال محمد: ويدخله في العروض أنه لم يرض الحوالة إلا بما زاده في العرض، ولو كان بينهما سلعة من قابض الدينار معجلة أو مؤخرة إلى أجل لجاز، وإنما أكره ذلك في الحول أن يكون معه شيء قال محمد: ولو دفع إليه أحدهما دينارا، وإنما عليه ثلث، وعلى صاحبه ثلث، وسكت عن الثلث الباقي ولم يشترط فيه شيئا، فهو خفيف إن صحت نياتهما. قلت وكيف إن علما أن لابد من دفع الثلث الآخر؛ إما دراهم أو سلعة؟ قال: لأنه لم يقع بيع وضمان، ولا صرف وضمان، ولا سلف وضمان، وقد لزم ضمان دافع الدينار قبل تقع مبايعة ولا صرف ولا ضمان زاده قابض الدينار في الصرف، أو في ثمن سلعة ما ضر ذلك؛ لأنه لو شاء ألا يزيده ولا يخرج مما لزمه من الضمان.
قال مالك : وأن ابتعت من رجل ثوبا بنصف دينار ومن آخر ثوبا بثلث دينار فأعطيتهما دينارا فيه نصف وثلث فلا بأس بذلك.
محمد: ولو دفع إليك دينارا وازنا وأخذ من صاحب الثلث بالسدس دراهم لم يجز وإن أخذ الدراهم منهما، ليكون السدس بينهما على ما أخرجا جار، ولو تسلف من هذا دراهم ومن الآخر دراهم، ودفع إليهما دينارا ليكون بينهما في دراهمهما لم يجز، وإن اشتركا في الدراهم قبل يقبضها ثم أسلفاه إياها جاز أخذهما.[5/381]
***(1/372)
[5/382]الدينار، وكانا بمنزلة رجلين اشتركا في دراهم ثم صرفا بها دينارا فذلك جائز، وإن لم يشتركا حتى دفع أحدهما دراهمه / في نصف دينار بعينه ودفع الآخر دراهم في نصف الآخر لم يجز، وقال مالك : ومن وهب نصف نقرة له فضة لرجل، وباع نصفها من آخر لم يجز وإن كانت الهبة والبيع معا، قال مالك : ولا بأس أن يصرف نقرة من شريك، فيهما.
محمد: إن حضرت النقرة وإلا لم يجز وإن كانت عند المبتاع، ولا يجوز من غير الشريك وإن حضرت إلا بعرض، وأجاز ابن القاسم الشريك في النقرة أن يعطيه مثل نصف وزنها دراهم، وكذلك الحلي، وروى أشهب أن مالكا لم يجزه.
وقال أشهب : ويجوز في الحلي أن يعطيه نصف وزنه ذهبا إن كان ذهبا وفضة في الفضة لضرر قسمته، ولا ضرر في قسمة النقرة وذكر في العتبية ابن القاسم عن مالك أنه أجاز أن يعطي لشريكه في النقرة في نصفه دراهم، إن كان بالحصنرة يدا بيد.
ومن العتبية عيسى عن ابن القاسم: وقال في دراهم لرجل سود ودراهم يزيدية مختلطة في كيس فصرفها منه كلها على اثنين وعشرين بدينار، وأحد الصنفين يسوى كذلك، والآخر يسوى ثلاثة وعشرين فلا خير فيه حتى يعرفا جميعا : كم فيها من هذه، وكم من هذه ؟ ولو عرفا : كم في أحدهما ولم يعرفا كم في الأخرى لم يجز وقد ذكرت في البيوع.
باب في بيع سلعة ودراهم بدينار نقدا أو مؤجلا
وكيف إن وجد في الدراهم رديئا؟
من الواضحة : ومن باع عرضا ودراهم بدينار وذلك كله/ نقدا، فجائز؛ قلت الدراهم أو كثرت في الدينار الواحد. [5/382]
***(1/373)
[5/383] فأما إن كان فيه أجل فإنما يجوز أن تكون الدراهم قليلة درهمين أو ثلاثة، وإن يتأخر الدراهم والدينار، ويتعجل العرض، فلا يجوز. فيه من وقوع الأجل غير هذا، والعرض كبعض الدراهم لا يتأخر إذا عجلت، ولا يفارق الدراهم الدينار فيتأجل أحدهما. ومن ابتاع عرضا ودراهم بدينار أو بدنانير؛ فإن كانت الدراهم أقل من صرف دينار فذلك جائز وسبيله في تعجيل بعضه وتأخير بعضه مثل ما فسرت في الدنانير، وإن كانت الدراهم قد صرفت بدينار فهو مكروه لأنه بيع وصرف كرهه ربيعة ومالك وأكثر أصحابه، واستخفه بعضهم، ونحن نكرهه وليس بحرام بين.
ومن كتاب ابن المواز: وأجاز مالك في النقد بيع سلعة بدينار إلا خمسة دراهم قال ابن القاسم : إنما جوزه في أقل الدينار، مثل أن يشتري بثلثي دينار أو بثلاث أرباع دينار سلعة فيدفع بقية الدينار دراهم، فإن كان الورق أكثر الدينار فقد كرهه مالك وغيره.
قال مالك : ومن ابتاع ثوبا بدينار إلا درهما لم يجز تأخير الثوب وإن تناقدا إلا أن يتأخر لمثل خياطته، وحتى يبعث في أخذه وهو بعيبه فلا بأس به، وقد أختلف قوله مالك في تعجيل الدينار والدراهم وتأخير الثوب، وخفف في رواية أشهب/ ، وذكر عبدالله بن عبد الحكم أنه أجاز أن يشتري ثوبا بدينار إلا درهما. الدينار نقدا، والثوب والدراهم إلي أجل، قال ابن القاسم : كرهه بعد ذلك ، وقال : إنما أرخص في صكوك الجار.
قال أصبغ في العتبية عن ابن القاسم، فيمن ابتاع ثوبا بدينار إلا درهمين، فدفع الدينار ، وتأخرت الدرهمان، فلا بأس بذلك.
وروى عن ابن عبد الحكم أن لا بأس بشراء ثوب بدينار إلا ثلاثة دراهم إلى أجل.
ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم وأشهب عن مالك : وإن عجل الثوب، وعجل الدينار وحده، وتأجلت الدراهم لم يجر، وإن عجل الثوب وتأخر الدينار[5/383]
***(1/374)
[5/384] والدراهم إلي أجل واحد جاز ذلك. قال : وإن كان بدينارين إلا درهما يتعجل الثوب وينقد دينارا ويبقى دينار إلا درهما إلى أجل أو يكون هو المعجل، فلا خير فيه، وكذلك ما كثر من دينارين وكانت إلا درهمين أو إلا ثلاثة، فلا يتأخر بعض الذهب، ولا يجوز أن يتعجل من الدراهم بقدر ما ينقد من الدنانير، لأن لما يتأخر من الفضة نصيبا في كل دينار.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم : ومن له قبل رجل طعام من قرض، فباعه بدينار إلا درهما فيعجل الدينار والدراهم؛ فإن حل ذلك جاز، وإلا لم يجز، وخفف ابن القاسم، وإن لم يحل وكذلك روى عنه أبو زيد، قال سحنون : قول مالك أصح.
وفي كتاب محمد قال : وإن ابتاع مائة جلد كل جلد بدينار إلا ثلاثة دراهم، وذلك كله نقدا فذلك جائز.
ومن كتاب محمد والعتبية أشهب عن مالك فيمن ابتاع خمسة عشر جلدا، / كل جلد بدينار إلا درهما إلي أجل ثم تحاسبا بعد البيع فصارت أربعة عشرة دينارا فلا خير في هذا البيع قال محمد: تحاسبا أو لم يتحاسبا لكثرة الدراهم في المؤجل.
قال مالك : ولو قطعوا صرف الدراهم قبل العقد ووقعت الصفقة بدنانير معلومة جاز ذلك نقدا ومؤجلا.
قال محمد : مثل أن يقولوا إن وقع بيننا بيع بدراهم فيتبعوها كذا وكذا بدينار، فهذا الجائز، وإلا لم يجز نقدا ولا إلى أجل، وهو صرف وبيع إلا في دراهم يسيرة، وقاله مالك في العتبية إذا كان ذلك قبل البيع، ومن كتاب محمد: ومن اكترى دارا أو دابة بدينارين إلا ثلثا فنقد دينارين، وأخذ ثلاثة دراهم في العقد،[5/384]
***(1/375)
[5/385]فكرهه مالك، ثم أجازه، وإجازته أحب إلينا، وروى أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم أنه أجازه قال مالك : ومن اكترى دابة بنصف دينار أو بدينار ونصف فلا بأس أن يدفع دينارا ويأخذ من المكري نصفا دراهم، أو يدفع الراكب النصف دراهم إن كان الكراء على النقد أو شرطاه، وإلا لم يجز، وإن اكترى دابة بدينارين إلا ثلثا فدفع دينارين، وأخذ ثلثا دراهم، ثم أصيب الدابة ببعض الطريق فليرد الكري دينارين ويأخذ دراهمه، ثم يحاسبه بحصة ما ركب من حساب ما أكرى كعبد بيع بعشرة دنانير إلا ثلثا، فنقد عشرة، وأخذ ثلثا دراهم، ثم رد بعيب فيه ، وقال مالك، فيمن ابتاع بنصف دينار قمحا، فدفع دينارا، وأخذ نصفا دراهم مكانه ومضى ليأتي بحمال فلا خير فيه، عقد على الصرف أو كان ذلك بعد التواجب.
وكذلك إن كان ثوبا فتأخر قبض الثوب لم يجر، ولو تعجل دفع الدينار وتعجل الثوب والنصف الدينار الدراهم كان جائزا.
قال مالك : وإذا ابتاع ثوبا بنصف دينار فنقد دينارا وتعجل الثوب والدراهم في نصف فذلك جائز، ولو تقابضا بما يجوز ثم وجد بالثوب عيبا أو درهما زائفا، وانتقض كل ما بينهما من بيع وصرف إن أحب الرد، وكذلك إن وجد قابض الدينار به عيبا فرده.
قال محمد : إن وجد في الدراهم درهما رديئا لم ينتقض إلا صرف الدراهم إلا إن كان اشترى الدراهم والثوب في صفقة، وعلى ذلك الجواب الأول. ولو أخذ الثوب بأقل من دينار فدفع دينارين وأخذ الثوب والدراهم فوجد درهما رديئا فليرد الدراهم تمام صرف دينار ويرجع دينارا، وإن كان العيب بالثوب رده ورد معه تمام صرف دينار وأخذ ديناراً، وإن كان الثوب بأكثر من دينار بخروبة انتقض الجميع، وإن فات الثوب فلا يأخذ لعيبه قيمة، ولكن يرد قيمته ويرد معه بتمام صرف دينار واحد، ويأخذ دينارا واحدا، وإن كان قيمته أكثر من دينار انتقض الجميع فرد[5/385]
***(1/376)
[5/386]قيمته مع الدراهم وأخذ ديناريه وهذا في فوته بقطع أو تلف. ولا تفيته حوالة سوق وليرده، وإن وجد درهما زائفا وقد تغير سوق الثوب وقيمته أكثر من دينار، فهذا يرد قيمته مع الدراهم، ويأخذ ديناريه، وإذا كان أحد الدينارين رديئا، فليردهما ويأخذ ثوبه كان أقل من دينار أو أكثر، ويأخذ دراهمه، وإن فات الثوب هاهنا بتغيير سوق رد قيمته مع الدراهم.
وذكر ابن حبيب في هذه المسألة من أولها مثل ما ذكر محمد، إلا أنه قال: إذا وجد درهما رديئا وقد ابتاع سلعة ودراهم بدينارين، فليرد مع الدراهم الردئ تمام صرف دينار من الدراهم. قال: وإن كان فيها أكثر من صرف دينار على قول من يجيز بيعا وصرفا فليرد جميعها مع العرض ويأخذ دينارين، وإن كانت الدراهم اقل من صرف دينار ردها مع تمام دينار من العرض إن تبعض، وإن كان لا تبعض، رد جميعه، وانتقض ذلك كله.
ومن كتاب محمد : ومن ابتاع ثوبا بدينار إلا درهمين نقدا ودفع الدينار وقبض الثوب والدرهمين ثم وجد درهما رديئا فقال مالك : يبدله، وليس بصرف واحتج بصكوك الجار. وقال عنه ابن وهب : ينتقض ذلك كله. وخالف بعض جلسائه، فلم يرد به بأسا.
فيمن باع بدينار إلا ثمنا أو إلا درهما
فتأخر ما يرد أو يعجل وتأخرت السلعة
قال ابن القاسم، وأشهب : وإن ابتاع بدينار إلا ثمنا ودفع دينارا وأخر قبض الثمن فذلك جائز وإن كان بدينار إلا درهما وإلا درهمين فدفع الدينار وأخر الدرهم فأجاز هذا أشهب ولم يجزه ابن القاسم وهذا صواب. وقال مثله أشهب في كتبه أنه لا يجوز قال : ولعله إنما أجاز إلا قيراطا؟ وإلا قيراطين، فيوخر القيراط، فهذا جائز فأما الدراهم فلا يجوز عند مالك / وجميع أصحابه، وكذلك بدينار إلا درهما، الدينار والدرهم مؤخران، لم يختلفوا في إجازته، واختلف قول مالك في تعجيل الدينار والدرهم وتأخير الثوب فأجازه وكرهه، وكره أيضا ابن القاسم وابن وهب.[5/386]
***(1/377)
[5/387]ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن باع سلعة بدينار إلا ثلثا على أن يدفع البائع إليه ثلثا إذا جاءه بالدينار فلا خير فيه، وليتبعه بثلثين ولا يشترط شيئا ثم يتفقان عند القضاء فإن تشاحا فليس عليه شرط، رجع ابن القاسم، فقال: ولا خير فيه بالنقد إلا أن يشترط دراهم معدودة. يريد: وبعده قبل التفرق ويريد في أول المسألة على أن يدفع إليه البائع دراهم وكره هذا الشرط.
باب بقية القول في البيع والصرف
أو عرض وفضة أو بفضة أو فضة وذهب بذهب
والأخذ من الدين عين وعرض وصرف الدين
من كتاب محمد: وخفف مالك أن يأخذ بالدرهم بنصفه من السقاط لحما، أو حاجة وبباقيه فضة. وكره أن يأخذ من الفضة أكثر من نصف وخففه في رواية أشهب، أن يأخذ منه بكسر لحما أو غيره، وبباقيه من الدراهم الصغار، قال أشهب : أما كل بلد تجري فيه الفلوس فلا خير فيه، وكره مالك أن يأخذ بالدرهم بنصفه فلوسا وبباقيته دراهم صغارا، وأجاز أن يأخذه ببقيته حنطة / [وقاله ابن القاسم، وأشهب في الوجهين، وكره مالك والليث أن بثلثي دينار حنطة]،فتدفع دينارا، وتأخذ. بالثلث قطعة ذهب منقوش.
ومن العتبية قال عيسى عن ابن القاسم، فيمن عليه ثلثا درهم فدفع درهما وأخذ بثلث درهم فلا بأس به، وإن كان من قرض فلا يجوز، كما لا يجوز نقداً.
وروى عنه أبو زيد، فيمن ابتاع بنصف درهم سلعة فدفع درهما فيه ثلثان، وأخذ بالدانق فلوسا، وقال : أكره أن أتكلم في هذا فأضيق على الناس وكأنه[5/387]
***(1/378)
[5/388] كرهه، قيل : فإن ابتاع بدرهم كيلا فدفع درهما ودانقا كيلا، وأخذ بالدانق فلوسا قال : هذا أيسر في الكراهية.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع ثوبا بدينار ودرهمين، نقد الدرهمين، وتأخر الدينار، فذلك جائز، وروى عن عيسى فيمن ابتاع سلعة بثلثي دينار من رجل ثم أتاه بعد ذلك فأسلف منه دراهم ثم قضاه في الجميع دينارا فجائز، لأنه يجوز في أصل البيع، ولو كان ثلثا الدينار يبرأ سلفا لم يجز لأنه ورق وذهب بذهب ومن سماع ابن القاسم : ومن اشترى من السقاط بالدانق والدانقين حتى يكثر فيكون درهمين وثلاثة، فيعطيه دراهم فلا بأس به، ودين الله يسر.
ومن كتاب محمد: وإذا رهن عند السقاط سوار فضة فكان يأخذ الخبز والأفلس فصار له عشرون قيراط فلوس، فباع من السوارين بما عليه وبأرطال خبر مؤخرة، يأخذ كل يوم رطلين، لم يجز إلا أن يتعجل الخبز مكانه، قال محمد جائز أن يتأخر / بالخبز إن حضر السوار.
قال ابن عبد الحكم، فيمن صرف ديناراً فبقي له ثلاثة دراهم فله أن يأخذ بها فلوسا مكانه قال عنه ابن وهب وإن بقى له نصف درهم فله أن يأخذ به حنطة مكانه.
قال مالك : ومن صرف دينارا، فلم تعتدل الدراهم إلا بزيادة نصف درهم من عند رب الدينار، فلا خير فيه ومن له عليك نصف دينار، فقضيته دينارا؛ نصفه فضة ونصفه في سلعة إلي أجل فذلك جائز ما لم يكن النصف الأول دراهم سلفا ليس بنصف ذهب، وأما من ثمن سلعة فجائز إن حل أو كان حالا. قاله ابن القاسم، وإن لم يحل لم يجز، وهو بيع وسلف، وضع وتعجل، قال مالك، ومن لك عليه نصف دينار فلا تأخذ به دراهم، ولا يجوز أن تعطيه نصفا آخر دراهم وتأخذ دينارا، وإن دفعت إليه عرضا فجائز، وكرهه ابن القاسم، وهو أحب إلي؛ لأن تعجيل الحق سلف قارنه بيع، وأرى مالكا استخف لقلة ثمنه.[5/388]
***(1/379)
[5/389]ومن العتبية، ذكر أبو زيد عن ابن القاسم قول مالك هذا وقول ابن القاسم، وزاد عن مالك : وإن كان لك دينار أو نصف لم يحل فلا يجوز أن تأخذ دينارا وبالنصف دراهم، ولك أن تأخذ بالنصف سلعة، وليس هذا بيع وسلف إذا أعطاه دينارا بالنصف سلعة، فلا تأخذ منه ديناراً وتؤدي دراهم.
قال ابن حبيب : قال مالك : ومن اشترى تور نحار بدرهمين ودانق، فأكره أن يعطي في الدانق فلوساً.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، فيمن يأخذ من السقاط/ بنصف دينار زيتا وبربع تمرا ً فيدفع ديناراً ويدع عنده الربع الثاني على غير شيء، فلا بأس به، وكذلك الدراهم.
في صلح الورثة الزوجة أو الشريك شريكه
من عين وعرض وغيره على مال
من كتاب محمد : ومن هلك عن زوجة وولد وترك عينا وعرضا لم يجز أن يصالحها الولد على دنانير من عند نفسه، ولو ترك دنانير دينا وعروضا حاضرة فعجل لها من عنده حظها من الدنانير وتركت ما بقي لم يجز، وإن ترك ثمانين ديناراً عينا وديونا من طعام بيع، أو من عروض، أو من دنانير فأعطاها عشرة من الدنانير وتركت ما بقي، فقال ابن القاسم : ذلك جائز، إلا أن تكون العشرة من عنده فلا يجوز، وأجازه أشهب إن كانت مثل سكة الثمانين ووزنها، وإن خالفتها لم يجز، وإن كان الثمانون دينا وترك غيره أشياء حاضره وفي الذمم لم يجز صلحها على ذلك من عنده.[5/389]
***(1/380)
[5/390]ولو كانت الثمانون جميع التركة جاز أن يعجل لها عشرة من عنده كانت الثمانون حاضره أو غائبة إذا كانت كسكة ما ترك في جودتها ووزنها. وإن افتصل شريكان على أن يعطي أحدهما الآخر دنانير وفي حانوتهما متاع ودنانير ودراهم وفلوس، قال مالك : لا خير فيه، وإذا كان في الشركة، أو في التركة دنانير ودراهم وفلوس ومتاع وطعام، وذلك كله حاضر، لم يجز صلح المرأة ولا الشريك على دنانير، إلا أن تكون ليس/ ثم دنانير غيرها، والدراهم يسيرة لا تكون صرف دنانير، إلا أن تكون ليس/ ثم دنانير غيرها، والدراهم يسيرة لا تكون صرف دينار.
في السيف المحلى يباع بذهب أو فضة
من الواضحة : وكل مفضض من الخواتم والمناطق والمصاحف الأسلحة فهو كالسيف، وإن كانت فضته تبعا لثمن الجميع بيع بفضة نقدا [وإن لم يكن بيع بذهب نقدا ويجوز بعرض نقدا] ومؤجلا، وكذلك كل ما فيه الذهب مركب من حلي النساء من التاج والقرقف والنقارس، والسوادر، والخواتم، والأدلة يباع ما ذهبه تبع بذهب نقداً، وما ليس بتبع بيع بفضة نقدا أو بعرض نقداً ، أو مؤجلا، وما كان ذهبا مع جوهر مجتمعا فانتظم من العقود والأقرطة والقلائد فلا يباع بذهب، كان تبعا أو غير تبع، ويباع بالورق نقداً، وإن كان في الحلي المركب ذهب وفضة هما تبع لما هما فيه فلك بيعه بذهب أو بورق نقداً، فإن لم يكن تبعا لم يبع بشيء منهما نقدا ولا مؤخرا، وإن كان أحدهما تبعا والآخر أكثر من التبع فليبع بالتي هي تبع نقداً ، ولا يباع بالأخرى بحال، ويباع ذلك كله بعرض نقدا وأجلا، وإن كان في حلي الرجال ذهب وفضة، فلا يباع بذهب وإن كان تبعا، ويباع بفضة إن كانت تبعا، وإن جازت التبع، لم يبتع بعضه بحال، ولكن بالعرض كما قلنا.[5/390]
***(1/381)
[5/391]وما فضض من قدح أو سكين ومذهنة وصحفة وسرح ولجام فلا يباع بفضة وإن قلت، وكذلك الخرزة والخازرة، إلا مالا بال له كحلقة في قدح أو صحفة أو يسير من الفضة في أطراف / السرج واللجام، فقد استخف لمتخذه، وخفف بيعه.
ومن كتاب ابن المواز ، قال مالك: وما حلي به السيف والخاتم والمصحف من الذهب؛ فإن كان قدر الثلث فأقل فلك بيعه بدنانير، وكذلك ما حلي بفضة يباع بالفضة على هذا، لا تأخير في ذلك.
قال أشهب : إن نزل بتأخير لم يفسخ، وهو كالعرض، وما حلي بذهب وفضة، قال ابن القاسم ، عن مالك : فليبع بأقلها إن كان الثلث فدون، يدا بيد، وإن تقاربا بيع بالعرض أو الفلوس. ثم رجع مالك، فقال : لا يباع بذهب ولا بورق على حال. وبهذا أخذ ابن القاسم ، وبالأول أخذ ابن عبد الحكم. وكره مالك بيع السكين في نصلها فضة يسيرة، أن تباع بفضة.
وقال ابن القاسم، في حلية السيف وهي تبع إذا نقضت، فلا تباع معه بفضة.
ومن العتبية، ومن سماع ابن القاسم من مالك: وكره أن يجعل في فضة خاتمه مسمار ذهب، أو يخلط بفضته حبة أو حبتا ذهب تصدأ.
باب في بيع تراب المعدن أو تراب الصاغة
وفي بيع المعدن
من الواضحة وإنما يباع تراب المعدن، بخلافه من ذهب وفضة، وإن بيع تراب الذهب بالذهب أو تراب الفضة بالفضة رد، فإن فات واستخرج فهو [5/391]
***(1/382)
[5/392] للمبتاع، وعليه قيمة التراب. ولا يجوز بيع رماد الصاغة بشيء، فإن نزل وفات واستخرج، رد ما خرج منه إلى البائع وذا أجره. هذا بخلاف تراب المعدن.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك في البيوت المبنية في المعادن، والدكاكين يبتاع ذلك الردل ليهدمه ليصفي ما فيه؛ فهذا غرر بخلاف ترابه لأنه يرى ويميز ويكال ويحرض فيعرف قدره أو قيمته، والدكان لا يقلب ولا يرى، وإنما هو شيء يرجى، ولا بأس بقسم تراب المعدن كيلا.
ولا يجوز بيع أصل المعدن، وهو غرر لا منتهى له ، وإذا مات أقطع لغيره قال أشهب : وكذلك إن ضعف عنه، وهو كثيرا الماشية وذكر عن ربيعة فيه شيء.
في بيع الفلوس وقرضها وصرفها
وبيع الدراهم أو الفضة جزافا
أو بوزن لا يعرف أو عدد
أو بالبيع بالرديء وقطع الدراهم
من كتاب محمد قال مالك في الفلوس والتهامي من الرصاص في بيعها بالعين إلي أجل : لم يبلغني تحريمه عن أحد، وليس بحرام، وتركه أحب إلي. قال أشهب : وكرهه الليث. قال أشهب : ويفسخ إن نزل إلا أن تفوت الفلوس بحوالة سوق أو بمطل. واتفق ابن القاسم، وأشهب، أنه يبدل الرديئة منها في الصرف بعد التفرق.
قال ابن القاسم : من اشترى رطل دراهم بدينار فجائز إن كان معروفا. قال عنه عيسى، في العتبية : إن كان معروفا، كم فيه من الدراهم الجارية ؟ ولا يجوز بيع رطل فلوس. قال محمد: قال أشهب في الفلوس البصرية بفلوسنا هذه: اثنين بواحد، إن ذلك جائز.[5/392]
***(1/383)
[5/393]ومن تسلف نصف دينار فلوس أو نصف درهم فلوس إلى أجل/، فليرد عدة الفلوس التي أخذ، وإن شرط ترتيب نصف دينار عليه أو نصف درهم فسخ ذلك، ورد فلوسا قبل الأجل ؛ وإن لم يشترط ذلك ، بقيت إلي أجلها، ولا بأس ببيع فضة جزافا نقارا أو حليا بدنانير بوزن أو عدد، ولا يجوز في المسكوك الجزاف، وإن اشترى بها عددا إن كان وزنها معروفا لا يكاد يخلف.
قال في المختصر : ولا خير في أن تباع الدراهم المعدودة جزافا، ويجوز بيع الحلي المحشو بالذهب جزافا ما لم يعلم البائع وزنه فيكتمه.
ومن العتبية أشهب، عن مالك، فيمن ابتاع بعشرين درهما عددا، وهي تختلف من عريض خفيف، وصغير ثقيل، قال : لا خير فيه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم مثله إن كان لا يختلف وزنها وإلا فلا خير فيه. قال : ولو كانت ببلد لا ميزان فيه فلا تباع عدداً.
قال ابن نافع : كره مالك أن يعطى دينارا أو دراهم في فلوس إلى أجل إذا كانت سكة جائزة بالبلد، وذلك عندي جائز، وهي كالعرض وكنحاس لم يضرب : قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم : لا يجوز مراطلة الفلوس بالدراهم.
ومن سماع ابن القاسم : كره مالك للرجل أن يشتري بالدرهم، يقول كله، وأعطني بما فيه، وما لكراهيته وجه، ولا بأس به عندي، قال أبو زيد عن ابن القاسم، في القراريط التي لا يتبايع بها الناس أربعة وعشرون قيراطا بدينار، فكرهه مالك، ولا أرى به بأسا.
ومن سماع ابن القاسم : ومن قدم بلدا يجوز فيه الدراهم النقص، فلا يقطع/ دراهمه، ويكره له ذلك. وكره مالك أن تقطع الدنانير المقطوعة. [5/393]
***(1/384)
[5/394]قال أصبغ قال ابن القاسم : كل ما ليس يسمى درهما فلا باس أن يقطع منه. قال ابن القاسم، عن مالك : ولا بأس أن يقطع الرجل الدنانير والدراهم حليا لنسائه. وقال ابن وهب مثله.
ومن كتاب ابن المواز : وقال – يعني مالكا- في جواز الذهب : أما كل بلد مثل ملكة يجوز بها كل شيء، فلا بأس، وأما غيرها فلا أحب ذلك حتى يبين.
فيمن باع بجزء من دينار أو بجزء من درهم
أو باع بدراهم من صرف كذا
ومن تسلف نصف دينار ماذا يرد؟
ومن لزمه نصف ونصف أو أثلاث
ما الذي يقضى به في ذلك كله؟
من كتاب محمد قال : لا يجوز أن يبيع بنصف دينار بصرف يوم القضاء، وليبيع بنصف دينار، أو بدراهم مسماة.
ومن كتاب محمد، ومن العتبية، من سماع أشهب من مالك: ومن عليه صك بعشرة دراهم من صرف عشرين بدينار أو خمسة دراهم من صرف عشرة بدينار فإنما يقضى أن له بنصف دينار ما بلغ من صرف يوم القضاء إن كانت من بيع، وإن كانت دراهم من قرض فليس عليه إلا ما قبض. ولو قال في البيع بكذا وكذا درهم ولم يسم من صرف كذا، ولو سمى من صرف كذا ، كان جزءاً من الدينار على ما سمى بصرف يوم القضاء. وكذلك روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، وفي العتبية، في البيع مثل ما ذكر فيه، وقال: ولو قال بنصف دينار من صرف عشرين بدينار. فإنما عليه عشرة دراهم.[5/394]
***(1/385)
[5/395]ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم : ومن اشترى بعشرين قيراطا من ذهب لم يقض عليه إلا بالدراهم بصرف يوم يقضيه، إلا أن يشتري بدينار إلا قيرطا وإلا قيراطين فعله دينار، وأما بدينار إلا ربعاً فبالدراهم يقضى.
ومن اتباع بدانق أو بربع درهم أو بثلث قضي عليه بالفلوس في بلد الفلوس، وإلا فيما يجوز بينهم فيه من حنطة أو غيرها إلا أن يكون بها الأرباع والأنصاف والقطع. قال مالك : ومن ابتاع بدينار وربع فدفع دينارا، وبقي الربع فدفع فيه تبرا ذهبا فهو جائز إن رضي الطالب بمائة، إنما لزمه دراهم.
وكذلك في العتبية، من سماع أشهب من أولها، وقال : إن كانت عندهم دنانير صغار أثلاثا وأرباعا وإلا قضي بالدراهم إلا أن يتفقا على التبر من الذهب.
ومن كتاب محمد، قال مالك : ومن باع من رجل بنصف دينار إلي أجل ثم باع منه بنصف آخر إلي ذلك الأجل، قضى عليه بدينار ولا يجوز أن يشترط ذلك عليه في البيعة الثانية.
قال ابن القاسم في العتبية : ويجبر المبتاع على أن يؤدي ديناراً قائما بقدر وزنه. محمد : ابن القاسم : ولو اجتمع عليه ستة أسداس من كذا، قضى عليه بدينار، وإن أعسر به فلا ينجمه عليه كسورا، فلا ينجمه عليه كسورا، وليتركه دينارا، ويأخذ منه ما وجد أو يثبت عليه دينارا يأخذه به إذا كان قد حل كله قبل يجمعه عليه، فأما أن يضم ما حل مع ما لم يحل/، فيجعله دينارا إلى وقت واحد، فلا يجوز.
قال مالك : وإن باع منه ثوبا بثلثي دينار إلى شهر، ثم باع منه ثوبا آخر بثلثي دينار إلى شهرين، فوخره في محل الأول ليأخذ عند آخر الأجلين دينارا وثلثا فلا يجوز له تعجيل ما عليه في الأجل الأول إن شاء. وقاله مالك في الذي عليه ثلاثة أثلاث بآجال مختلفة محلها، فذلك جائز. [5/395]
***(1/386)
[5/396]قال ابن القاسم : ومن تسلف نصف دينار من رجل فأعطاه دينارا، فقال: صرفه وخذ نصفه، وجئني بنصفه فأحسب أن لا يلزمه إلا مثل ما أخذ من الدراهم، وإذا قال له : خذ هذا الدينار فخذ نصفه وجئني بنصفه لزمه نصف عينا. وروى أبو زيد عنه في العتبية في المسألة الأولى، أنه يلزمه نصف دينار عين. وقال في كتاب ابن المواز أن أبا زيد قال : لا يعجبني قوله، ولا يكون عليه إلا مثل ما أخذ لأنه لو تلف الدينار لم يلزمه في شيء. لقوله : صرفه. فلم يعطه إلا بعض الصرف.
في المأمور أو الوكيل
يدفع ذهبا عن ورق أو ورقا عن ذهب،
أو لآخر أمره بالصرف والغريم يؤكلك على الصرف
من كتاب محمد قال مالك : من أمرته أن يقضي عنك نصف دينار فدفع دراهم فإنه مخير أن يقضيه كما دفع، أو نصف دينار يعطيه الأول، إلا أن يكون دفع دينارا فصرفه المحال، فليرجع بنصف دينار ما بلغ. ثم رجع فقال : بل يعطيه دراهم كما دفع. وإلي هذا رجع ابن القاسم بعد أن اختلف قوله أيضا. وإن دفع طعاما، قال مالك: فلا يعطيه إلا ثمن ذلك الطعام دراهم، قال ابن القاسم : بل عليه نصف دينار ما بلغ. وكذلك روى ابن وهب عن مالك.
قال ابن القاسم : وإن أمرته يدفع عنك دينارا، فدفع دراهم فليس له عليك إلا دينار. محمد: بخلاف النصف والقراريط.
قال أصبغ : لأنه لا يحكم في النصف والقراريط إلا بدراهم.[5/396]
***(1/387)
[5/397] قال ابن القاسم : ولو أمرته يقضي عنك قراريط ذهب فدفع دراهم فيمثلها يرجع عليك. قال أصبغ : وقد أختلف قول ابن القاسم في الدينار يأمره بدفعه عنه فقضى، فقال : الآمر مخير. ثم قال: ليس له ولا عليه إلا الدينار، لأن ما فعل المأمور مع الآخر لم يكن له أن يمنعه منه من مصارفته ومبايعته. ولا يبالي كان سلفا من الآمر أو قضاء لدين عليه، وإن كان سلفا من الآمر للقابض فلا يرجع عليه إلا بدينار. لم يختلف في هذا قول ابن القاسم، واختلف فيه قول مالك. وبقول ابن القاسم قال أصبغ: وكذلك روى عنه أبو زيد، أنه يرجع بدينار، وكذلك يؤدي إلي الآمر، واختلف قول مالك فيه ثلاث مرات، وإلى هذا رجع، وبه أخذ ابن القاسم.
قال ابن القاسم: وأما إن أمرت وكيلك بدفع دينار لمن استقرضه منك، فدفع إليه دراهم من ماله فلا ترجع عليه إلا بدراهم لأن وكيلك بمنزلتك، وبخلاف المأمور ، إلا أن يعدم المتسلف فتكون أنت بالخيار على وكيلك إن شئت، / وادفع إليه دينارا وخذ منه دراهم مثل ما دفع من ماله تعدياً ، وإن شئت فسلم.
قال أصبغ : وذلك إذا لم يكن الآمر علم بما دفع وكيله، فرضي.
وذكر في العتبية، من سماع ابن القاسم قول مالك الذي تقدم في المأمور أن يدفع نصف دينار يدفع دراهم، قال : وإنما الاختلاف إذا أمره أن يدفع دينارا فيدفع دراهم، فإما أن يدفع إليه في النصف دينارا فصرفه فله نصف دينار ما بلغ.
ومن كتاب محمد : ومن له عليك دنانير لم يجز أن تعطيه دراهم ليصرفها ويستوفي. محمد: وليرد الدنانير أو مثلها، ويأخذ دراهمه إلا أن تقوم بينة حضروا، صرفها عن الدافع، واستوفى، ولم يصرف من نفسه.
قال ابن القاسم ، عن مالك : ومن له عليك نصف دينار فأعطيته دينارا وقلت له : صرفه، واستوف، وجئني بنصفه. فكرهه مالك ثم أجازه، وبإجازته أخذ ابن القاسم، ولو كان عليه دراهم، لم يجز.[5/397]
***(1/388)
[5/398]وذكر في العتبية، عن مالك من أولها. قال : وهذا في الدينار، فأما فيما كثر فلا خير فيه. وبه قال ابن القاسم، وإن دفع إليك رجل دنانير، وآخر دراهم للصرف، فصرفت من هذا لهذا ، فأجازه مالك. وكرهه ابن القاسم حتى يحضر أحدهما. و خففه محمد. وذكر أبو زيد، عن ابن القاسم في العتبية، ما ذكر عنه محمد.
وقال مالك في سماع أشهب : من وكل على صرف دراهمه فعرضها وصرفها لنفسه ثم غنم ربها، فلا خير فيه، أرأيت إن لم يرض؟ وكأنه صرف فيه خيار. ومن ابتاع ثوبا بنصف دينار فأحال به على غريمه فدفع فيه دراهم ثم رد الثوب بعيب فليرجع المبتاع على البائع بنصف دينار. رواه أبو زيد، عن ابن القاسم. وكذلك في رواية عيسى. قال محمد : وقاله أصبغ، قال فيه ضعف.
في الدعوى في الصرف والتعدي فيه
ومن دفع إلي غريمه دينارين ليأخذ أحدهما فضاعا
ومن العتبية ، من سماع ابن القاسم: ومن لك قبله ذهب، فأخذت منه دراهم مقطعة فادعيت أنك صارفته فيها، وقال هو : بل تركتها بيدك حتى أصارفك فأنت مصدق إن جئت بما يشبه من الصرف، وإن جئت بما لا يشبه حلف الآخر يريد: ويصدق . وقال ابن القاسم : القول قول الدافع الدراهم مع يمينه، ثم يتصارفان الآن إن أحبا، فإن نكل حلفت أنت وصدقك. وبه يأخذ سحنون.
من كتاب محمد: وإن صرفت دنانير عندك وديعة – يريد : لربها لا لنفسك – بغير أمره، لم يجز، وتباع الدراهم بدينار فيما زاد لربها، وما نقص فعليك. [5/398]
***(1/389)
[5/399]ومن كسر لك سواري ذهب، فلزمته القيمة فلك تأخيره بها. قال محمد: بل يترك الحكم حتى يوجد ما يؤخذ منه. ومن لك قبله دينار فأعطاك دينارين لتزنهما وتأخذ أحدهما، فضاعا أو أحدهما، فذلك منكما، وإن كان لك نصف دينار فأعطاك دينارا، فقال لك: خذ نصفا وجئني بنصفه. فضاع، فهو منكما.
قال : ولو أن لك قبله دراهم فأعطاك دينارا، فقال : اذهب/ فزنه فضاع، فهو من المقتضي. قال محمد : لا يعجبنا هذا ، وإذا كان لك نصف دينار فدفع إليك دينارا فقال : صرفه وخذ نصفك. فهو من الدافع، وإن لم يقل : صرفه. قال خذ نصفه، وجئني بنصفي. فهو منكما.
من سماع أصبغ، من العتبية، ومن اقتضى دينارا من رجل فقطعه فوجده رديئا فليرد مثله ويرجع بديناره.
باب في ذكر الربا والكسب
ومعاملة من خبث ماله
من كتاب محمد : وقال ملك في قول الله عز وجر: (وذروا ما بقي من الربا) قال : ذلك في أهل الإسلام، يقول: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم)ومن الواضحة قال قتادة. هي فيمن أسلم وبقي له دين بربى، فله رأس ماله، وما قبضوا قبل الإسلام حل لهم، قال الحسن : من باع في الإسلام بيع ربى فله رأس ماله فقط قال ابن حبيب : هذا إن فات ولا يقدر على رده، وما لم يفت فليس فيه إلا الفسخ. قاله مالك وأصحابه.
ومن في يديه ربا لا يقدر على رده، ولا يعرف مبايعة، فليتصدق به عنه، قال الحسن : إن أسقيت ماء من صراف فلا تشربه. قال ابن حبيب : لأن الغالب عليه عمل الربى. قال أصبغ : وكره أن يستظل بظله.[5/399]
***(1/390)
[5/400]ومن كتاب محمد : وكره مالك الصرف من صيرفي يعمل بالحلال والحرام فيختلط ذلك، وكره لم يكري أرضه بالطعام الشراء من ذلك الطعام، وكره الشراء ممن يسلم بغير صفة، إلى غير أجل، وقال : ولا ينبغي أن يكون الربا بين العبد وسيده، ولا أن يشتري منه شاة أصابها السبع بشاة حية سليمة.
وكره مال الصرف من الجار وإن كان نصرانيا، وقال الصرف من الباعة أحب يتفقهوا في الدين. قال مطرف وابن الماجشون : يعني من لا يعرف تحريم الربا وكراهة الصرف غير متأخرة، والدراهم بالدرهمين، وبيع الطعام قبل الاستيفاء، وشبه ذلك من كبيرات الأمور، وظاهر الفقه، وأما خفيات الفقه والعلم، فلم يرده.
وفي كتاب البيوع الفاسدة : ذكر إسلام المترابين، وفي كتاب العيون: ذكر البيع بالدرهم الرديء، وهل يشتري به وبيين أو لا يبين ؟
تم كتاب الصرف
بحمد الله وعونه
وصلواته على محمد وسلم
يليه كتاب البيوع الأول(1/391)
[6/5]
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
كتاب البيوع
الجزء الأول مما يحل ويحرم من البيوع
ما يحل ويحرم من بيع الطعام بالطعام
من الحبوب جنسًا بجنسه أو بخلافه
أو مما فيه صنعة من ذلك كله
وذكر الفواكه البقول
من الواضحة أجمع العلماء على جواز التفاضل في بيع كل شيء يدًا بيد، من صنف واحد، ومن صنفين، عدا الذهب والورق، وما كان من الأطعمة صنفًا واحدًا، يريد: المدخرات، فالقمح والشعير والسلت والعلس صنف واحد في الزكاة، وفي تحريم التفاضل في بيع بعضها ببعض، أو دقيق أحد منها بالآخر أو بدقيقه، ولا يجوز فيها جزاف بجزاف، ولا جزاف بكيل، وخبز جميعها صنف واحد، ولا يجوز مثلاً بمثل إلا تحريًا ولا وزنًا، والسويق والخريدة والخبز صنعة، يجوز التفاضل في بيع ذلك بحب منها أو بدقيق أو بعجين.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا خبز في مد حنطة، ومد دقيق بمد حنطة، ومد دقيق كانت بيضاء كلها أو سمراء.
[6/5]
***(1/1)
[6/6]
قال ابن القاسم: وكذلك - عندي - إردب حنطة وإردب شعير بمثلهما، واتقاه مالك للذريعة.
قال مالك في مدين من حنطة أو من دقيق، بمد حنطة ومد دقيق: فإن كان مد الحنطة ومد الدقيق ليس أحدهما أرفع من مدي الحنطة، والآخر أدنى منهما، كان الدقيق أو الحنطة، فلا بأس به، وإن كان مد الدقيق والحنطة كلاهما أجود أو أردأ مما قابلهما، أو أحدهما أجود أو أردأ والآخر مثل ما قبلهما، فذلك جائز.
قلت لمحمد: فقد كره مالك مد حنطة ومد دقيق بمثلهما، وهو مثل ما أخذت من هذا؟ قال: كرهه مالك للذريعة، ولا بأس به عندي أن يكون قمح وشعير بمثلهما كيلاً وجودة، أو يتفق القمحان في الجودة، وشعير أحدهما أدنى أو أرفع من الآخر، أو اتفق الشعيران خاصة، فأما إن كان أحدهما أجود مما قابله من بر أو شعير، والآخر أدنى مما قابله، فلا يجوز. كما قلنا في المراطلة بالذهبين والفضتين. قال أحمد بن ميسر: لا يجوز من ذلك شيء، ولا يعجبني قول محمد.
قال مالك: ومن سأل رجلاً أن يبدل له طعامًا بأجود منه يدًا بيد، فإن كان على المعروف، ليس بشرط لازم كالبيع الذي إذا قال: نعم، لزمه، ولكن إن شاء تم ذلك وإن شاء رد ما أخذ، فذلك جائز إذا كان مثل الكيل سواء، وكان يدًا بيد. قال مالك: ولا يكون مع أحد الطعامين - يريد المدخرين من صنف - عرض أو طعام من غير صنفه، ولا فضة، كما لا يجوز أن يكون شيء مع أحد الورقين أو أحد الذهبين، وأما ذهب بفضة، أو صاع قمح بصاع تمر مع أحدهما شيء عرض أو غيره، فجائز إن كان ذلك يدًا بيد.
قال مالك: ويجوز الدقيق بالحنطة منها، وإن كان لها ريع وهذه السمراء أكثر دقيقًا من البيضاء، وهي بها مثلاً بمثل جائز.
قال ابن المواز: إن عبد العزيز بن أبي سلمة يرى أن طحينه صنعة تبيح التفاضل فيهما
[6/6]
***(1/2)
[6/7]
وقال مكحول: لا يجوز الدقيق والقمح على حال.
قال ابن الماجشون في الواضحة: وإنما أجازه مالك فيما قل فيما بين الجيران والرفقاء، فأما ما كثر مما يدخله التكايس، وتدعو إليه الرغبة في معاملة، فكرهه ونهى عنه لما فيه من الريع إذا طحن.
من كتاب محمد: قال مالك: ويجوز دقيق القمح بالشعير والسلت مثلاً بمثل.
قال: ويجوز خبز أحدهما بدقيق الآخر أو بحبه أو بعجينه متفاضلاً، وكذلك السويق والجريدة للصنعة في ذلك، ولا تصلح الجريدة بالسويق إلا مثلاً بمثل. قال أبو بكر الأبهري: الجريدة جليل السويق.
قال مالك: ولا خير في العجين بالحنطة ولا بالدقيق. محمد: يريد متفاضلاً، ويجوز بالدقيق تحريًا مثلاً بمثل. قال مالك: لا بأس بالعجين بالدقيق على التحري مثلاً بمثل.
وروى عيسى في العتبية، أن ابن القاسم كرهه، ثم رجع فأجازه، وفي الواضحة أنه جائز.
ومن كتاب محمد قال: ولا بأس بسلف الخميرة للجيران ويرد وزنها. قال في العتبية: على التحري، من سماع ابن القاسم، قال محمد: وكره أشهب العجين بالعجين تحريًا، قال: ولا بأس بدقيق القطنية بعضها ببعض متفاضلاً، ما لم يكونا من حب واحد، وكذلك صنف منها بدقيق الآخر، ولا يصلح العدس بدقيق إلا مثلاً بمثل.
[6/7]
***(1/3)
[6/8]
قال ابن القاسم: دقيق القطنية وخبزها مختلف، كاختلاف منافع حبها، إلا البسيلة والجلبان فهما صنف واحد، واللوبيا والحمص فهما صنف واحد. قال: وسويق القطنية كلها صنف، لا يجوز الفضل بين سويق العدس وسويق حمص أو فول، لتقارب منافعه. قال أشهب: وكذلك خبزها لا يصلح فيه التفاضل، لتقارب منافعه. محمد: وهذا أحب إلينا.
قال أشهب: والأرز والدخن والذرة أصناف، حبه ودقيقه، فإذا صار خبزًا تقاربت منافعه وحرم التفاضل فيه، وكذلك خبز قمح أو شعير أو سلت بخبز أرز أو دخن أو ذرة، لا تفاضل فيه، فأما خبز بعض ذلك بخبز شيء من القطنية فذلك صنفان.
ومن العتبية قال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: يجوز خبز القطنية بخبز الأرز متفاضلاً، كالنحل من أصناف مختلفة. من كتاب محمد، قال: والأرز المطبوخ بالهريسة لا يصلح إلا مثلاً بمثل. قال أصبغ: وهو مثل عجينها لا يصلح إلا على التحري.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، قال: والفول والعدس والحمص لا يجوز التفاضل بينهما. ابن القاسم وجميع أصحاب مالك: ذلك جائز.
وفي سماع أشهب: وأمر القطاني مختلف، منه ما يجوز ذلك فيه، ومنه ما لا يجوز، فالحمص والعدس، لا يجوز ذلك متفاضلاً.
ومن كتاب محمد، قال مالك: والحمص واللوبيا صنف، والبسيلة والجلبان صنف، وكذلك في الواضحة.
[6/8]
***(1/4)
[6/9]
قال ابن حبيب: وما ييبس ويدخر من البقول، كالثوم والبصل، فلا يباع الصنف منه بصنفه متفاضلاً، ولا رطبه بيابسه، ولا جزافًا منه بمكيل ولا بجزاف، وذلك كله جائز في البصل بالثوم يدًا بيد.
قال ابن حبيب: والكرسنة صنف واحد منفرد، كالدن صنف والحراسيا، كالزفيزفيا، والكمثرى، ولا يدخر إلا بعضه في العال، فهي كالخضر في جواز التفاضل فيها في الصنف.
ومن كتاب محمد قال مالك: والزفيزفا من رطب الفواكه التي يجوز فيها التفاضل يدًا بيد. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، أخضر كله ويابسًا، وكذلك عيون البقرة، ولا يجوز في العنب التفاضل بعضه ببعض، وإن كان أحدهما لا يتزبب، وكذلك التين وأحدهما لا ييبس، ويحكم فيه بالأغلب من أمره، وأما التفاح، وعين البقر - وإن يبس بعضه - فليس بالغالب، ولا ييبس لأجل معاش، بل ليتداوى به، فله حكم رطب الفاكهة، ولا بأس بالتفاضل في يابسه بيابسه، وكذلك الموز لا بأس به. وذكر عنه أنه لم يعجبه. وقال غيره: اللين منه - يريد أخضره بنضيجه - ولا بأس بحامض الرمان بحلوه متفاضلاً. قال مالك: والثوم والبصل بخلاف البقول، والغالب فيهما أن ذلك لا ييبس ويدخر، ولا يصلح التفاضل في رطبه ولا في يابسه.
يريد أخضره بنضيجه - ولا بأس بحامض الرمان بحلوه متفاضلاً. قال مالك: والثوم والبصل بخلاف البقول، والغالب فيهما أن ذلك لا ييبس ويدخر، ولا يصلح التفاضل في رطبه ولا في يابسه.
ومن كتاب محمد، قال ابن القاسم: والشمار والأنيسون صنف، والكمونان صنف، وذلك كله من الطعام. وقال أصبغ، ومحمد، في هذه الأربعة: ليست من
[6/9]
***(1/5)
[6/10]
الأطعمة، وهي من الأدوية، وإنما التابل الذي من الطعام: الفلفل والكرويا، والكسبر، والقرفا، والسنبل. قال أشهب: قال مالك: كل واحد من ذلك صنف. قال ابن سحنون: واتفق العلماء على أن الزعفران جائز بيعه قبل استيفائه.
ابن القاسم، في حب الغاسول، ليس بطعام، وإن كان تأكله الأعراب إذا أجدبوا، والحلبا عند ابن القاسم من الطعام. قال أصبغ: أما اليابسة، فليس لها حكم الطعام، وأما الخضراء، محمد: والمنبوثة، ينبتها أهل المنازل للأكل، فمن الطعام، وبمجرى البقول.
قال ابن القاسم: والخردل والقرطم من الطعام، لا يباع حتى يقبض، وكحب فجل الزيت، وليس حب فجل الروس، ولا بزر البصل والجزر والبطيخ والقرع والكراث من الطعام، ولا بأس ببيع الصنف منه بصنفه متفاضلاً، وببيعه قبل قبضه.
ومن الواضحة: وقال في بزر البقول، وبزر تمر البحاير مثل ما ذكر محمد. قال: ويجوز الأجل في الصنف الواحد منه وبخلافه متساويًا ومتفاضلاً. وقال: الشماز هو البسباس، والقرح: السونيز، هما من سائر التوابل، وكذلك الخردل، وأما الحرف والحلبا فدواء، ويجوز أحدهما بالآخر إلى أجل متساويًا ومتفاضلاً.
في بيع الرقيق والدواب
والحيوان كله بعضه ببعض
إلى أجل من صنف واحد
قال ابن حبيب: اتفق العلماء أن ما عدا الذهب والورق والطعام من صنف، يجوز فيه التفاضل يدًا بيد، من صنف واحد، فإذا اختلف، جاز فيه
[6/10]
***(1/6)
[6/11]
التفاضل يدًا بيد وإلى أجل، والرقيق بجميع أجناسها: ذكرانها وإناثها، صغارها وكبارها، عجمها وفصائحها صنف، لا يجوز فيه التفاضل إلى أجل، واختلاف أبدانها يصير به صنفين، يجوز فيها واحد باثنين إلى أجل. واختلاف الذكور، النفاذ، والتجارة والبضارة، والصنعة باليد، والكتابة والقراءة، إذا كان ذلك نافذًا، فيكون هذا صنفًا يجوز الواحد منه في اثنين ممن ليس ذلك فيه إلى أجل، وكذلك الخياط، والبناء، والصائغ، والخزار، وشبهه، يسلم الواحد في اثنين ممن ليس ذلك فيه، واختلاف الصنعة اختلاف، كالعبد التاجر النبيل في خياطين أو بنائين أو خرازين إلى أجل.
ومن كتاب ابن المواز، قال: والفصاحة والتجارة والنفاذ في العبيد صنف، وما سوى ذلك صنف، وإن اختلفت الصفات والقيم في الذكر والأنثى، وليست الفصاحة وحدها بشيء، وأما التجارة - وإنا لم يكن فصيحًا - فهي صنف، ومن تمام نفاذه أن يكون كاتبًا حاسبًا، والاختلاف في الإناث: الصنعة، الطبخ والخبز. قال ابن القاسم: والرقم كذلك، وليس الغزل وعمل الطيب صنعة توجب أن تكون صنفًا. قال في الواضحة، مثله، وقال: تسلم ذات الصنعة في اثنتين لا صنعة فيهما، ولا خير في الطباخة بالجاريتين، لتقارب ذلك. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، وزاد: إلا أن تكون صناعة أو رقامة. قال ابن القاسم في كتاب محمد: ولا التي تقرأ أو تكتب صنف ولا الفارهة وحدها صنف، ولا بأس بعبد تاجر في أمة تخبز وتطبخ، أو في اثنتين، لاختلاف المنافع، وأرجو أن يكون خفيفًا. وذكر عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، مثل ما ذكر محمد في ذلك كله.
[6/11]
***(1/7)
[6/12]
ومن كتاب محمد: قال أصبغ: وأرى إن كانت جارية قارئة كاتبة نحريرة، أن تسلم في غيرها من الإماء. وكذلك قال في الفارهة الجملية للحاف، تسلم في جاريتين طباختين، أو من سائر الإماء.
قال محمد: هذا استحسان، والقول ما قال ابن القاسم، وهو القياس، وأحب إلينا، ولو أخذت به فيما تقارب لدخل في غيره.
وذكر ابن حبيب هذا الذي قال أصبغ في القارئة والفارهة، أنه قال له بعض أصحاب مالك، إلا أنه قال: الفائقة في الجمال.
ومن كتاب محمد، والواضحة: والاختلاف في الخيل، السبق، والجودة.
وإذا بلغت أن تكون جداعًا، فهي والقرح سواء، والحولي من صغارها، وما بلغ الجدع فما فوق، فهو من كبارها، وهو صنف.
قال في كتاب محمد: وليس الفرس الجميل السمين العربي صنفًا، حتى يكون جوادًا سابقًا، وصغارها صنف وكبارها صنف، فيسلم صنف واحد في الآخر من ذلك، إن كان بمعنى البيع، لا بمعنى السلف، وإن تقارنوا في الأصل. قال: ولا بأس بكبير في صغيرين فأكثر أو صغير في كبيرين، كان صنفًا واحدًا أو مختلفًا. ثم قال في موضع آخر من كتاب محمد: ولا خير في حولي في حوليين ككبير في كبيرين، والجدع له حكم الكبار، والحولي صغير.
قال ابن القاسم: ولا خير في صغير في كبير، ولا في كبيرين فأكثر. وهذا من الزيادة في السلف، قال: وروى ابن وهب، عن مالك، أنه أجاز فرسًا فارهًا في جدعين، وجارية فارهة في جاريتين دونها. قال: والجدع عند ابن القاسم من الكبار. قال: والفرس السابق الجيد عنده صنف، وسواه صنف، فلو أسلم فرسين جوادين في فرس ليسا مثله، جاز، ولا يدخله زيادة الضمان حتى يكون من نوعه ومن صنفه.
[6/12]
***(1/8)
[6/13]
قال عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية: لا خير في صغير في كبير من جنسه من البهائم كلها، ولا كبير في صغير؛ لأنه من الزيادة في السلف، والذي يشبه التبايع: سلم كبير في صغيرين، أو صغيران في كبير، وكذلك صغيران في كبيرين، أو كبيران في صغيرين، ولا بأس بكبار البغال بصغار الحمير، على هذا المعنى.
قلت: لِمَ كرهت كبار الحمير في صغار البغال؟ قال: قد قاله مالك، وما فيه غير الاتباع، وكأنه كرهه؛ لأن الحمير تنتج البغال، قيل: فإلى أجل قريب؟ قال: إن كان خمسة أيام وما يشبهها مما لا تهمة فيه، فجائز.
قال ابن القاسم: وليس الذكر والأنثى اختلافًا يبيح سلم بعض ذلك في بعض من جنس واحد، لا في الرقيق، ولا الأنعام والحيوان كله.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: والحمير كلها صنف على اختلاف أثمانها وألوانها وأجناسها، وسرعة سيرها، إلا صغارها، فإنها صنف، وكبارها صنف، الحولي صغير، والقارح والمرباع كبير، والحمير مع البغال صنف لا يسلم بعضها في بعض. قال مالك: إلا الحمر الأعرابية. قال ابن القاسم: جعلت صنفًا منفردًا تسلم في الحمير المصرية وفي البغال. قال: وحمير مصر كلها صنف، رفيعها ورضيعها.
ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم نحوه، وقال: لا يسلم بغل في حمارين، ولا حمار في بغلين، إلا كبير في صغيرين، أو صغير في كبيرين، وهي مثل الحمير. وقاله مالك.
وقال عيسى، وأصبغ: إذا بان اختلاف الحمير، فهم كالخيل والإبل.
[6/13]
***(1/9)
[6/14]
قال ابن القاسم: ولا يسلم الحمير صغارها في صغارها، ولا كبارها في كبارها، ولا خير في صغير في كبير، ولا كبير في صغير، ولا بأس بصغيرين في كبير.
ومن الواضحة قال: والحمير والبغال صنفان، يجوز التفاضل بينهما إلى أجل، ولا أحد يقول بقول ابن القاسم في ذلك. قال: والبغال كبارها صنف مما بلغ الحمل والركوب، وصغارها صنف، والحمير كذلك صغارها مما بلغ الحمل والركوب صنف، وكبارها صنف، وإذا اختلفت الحمير والبغال في سيرها وجريها اختلافًا بينًا، جاز بينها واحد في اثنين، وأباه ابن القاسم.
قال ابن حبيب: وليس السير في الجبل يوجب الاختلاف؛ لأن المبتغى منها السبق والجودة، إلا البراذين الدك العراض، لا جري فيها ولا سبق يراد لما تراد له البغال، من الحمل والسير، فلا بأس أن يسلم السبوق والهملاج البالغ منها في اثنين من خلافه.
ومن كتاب محمد وابن حبيب: وأما الإبل مما كان فيه النجابة والرخلة صنف. قال ابن حبيب: والحمولة، وإن لم تكن له نجابة، وله فضل حمل، يحمل القباب والمحامل، فيسلم في حواشي الإبل. قال ابن المواز: وصغارها صنف وكبارها صنف. قال ابن حبيب: وليس اختلاف أسنانها صنفًا تفاضلاً، إلا صغارًا لا حمل فيها، فتكون صنفًا، وكبارها صنف. قال في كتاب ابن المواز: قال مالك في ابنتي مخاض في حقة، أو حقة في جذعين، أو جذعة في حقتين، فذلك كله لا خير فيه.
قال ابن حبيب: والاختلاف في البقر: غزر اللبن في ألبانها، وفراهية العوامل الذكور منها القوية على الحرث، وإلا فهي كلها صنف من عوامل وغيرها من ذكر أو أنثى، ولا خير في بقرة في ثورين، أو ثور في بقرتين، إلا على ما ذكرنا من غزر اللبن في البقرة، وفراهية الثور، ولا بأس بصغارها التي لم تبلغ حد العمل بكبارها متفاضلة إلى أجل.
[6/14]
***(1/10)
[6/15]
قال في كتاب محمد: قال مالك: الغنم كلها صنف، صغارها وكبارها، إلا ذات اللبن، ولم يجز كبشًا في خروفين. وروى عنه في ضائنة في معزتين: لا تجوز إلا أن تكون المعزتان صغيرتين، وليس بشيء، والأول هو المعروف. قال ابن حبيب: الغنم كلها صنف، من معز وضأن، وكبار وصغار، لبانها وغير لبانها، وليست في اللبن متباينة الفضل، إلا ما غزر لبنه جدًا من المعز خاصة، فتسلم في حواشي المعز وفي الحدة من الضأن، ولا يعرف من غزر لبن الضأن ما يوجب ذلك. وقال ذلك مالك وأصحابه.
ومن العتبية، من سماع عيسى، من ابن القاسم، قال: والطير كله ليس في الجنس الواحد منه من الاختلاف ما يجوز بعضه ببعض إلى أجل، ولا تجوز دجاجة بيوض في اثنتين ليستا مثلها في كثرة البيض، وكذلك في الأوز. وكذلك في الواضحة، في البيوضة، وزاد: والديكة والدجاج صنف، وصغارها وكبارها صنف، والأوز صنف، والحمام صنف، لا يفترق في ذلك ذكر ولا أنثى ولا صغار ولا كبار.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: الديكة والدجاج صنف. قال أصبغ: لا يسلم بعضها في بعض، إلا الدجاج ذات البيض، فإنها صنف. قال: وتسلم الدجاجة البيوض، أو فيها بيض في ديكين، أو ديك في دجاجتين منها.
ومن العتبية عيسى، عن ابن القاسم: والحمام كله صنف، وليس كثرة البيض والفراخ فيها اختلافًا، ولا الصغير والكبير، لا فيه ولا في شيء من الطير يبيح التفاضل إلى أجل.
ومن الواضحة: وسائر الطير الوحشي مما لا يقتنى لفراخ، ولا لبيض مثل الحجل، واليمام، وشبهها، فمجراه مجرى اللحم، ولا يباع بعضه ببعض، وإن كان
[6/15]
***(1/11)
[6/16]
حيًا، إلا تحريا يدًا بيد، ولا يجوز أوز، ودجاج، أو حمام؛ لأنه اللحم بالحيوان، وليس اختلاف الألبان في شيء مما تقدم ذكره اختلافًا.
ومن كتاب محمد: قال مالك في بعير في بعيرين، مثله أحدهما نقدًا، والآخر إلى أجل: لا خير فيه. وروى عنه ابن عبد الحكم، أنه أجازه، وكرهه. قال: وأحب إلينا ألا يجوز. وقال سحنون: هذا حرام؛ لأن نصف المعجل ثمن المعجل، ونصفه في حمل إلى أجل. محمد: وقال ابن القاسم: هذا جائز إذا لم يكن في المنفرد فضل عن المعجل من الحملين.
قال أصبغ: ولقد اضطر المخزومي طرد القياس نية لأشهب، حتى قال: لو كان دينار في دينارين أحدهما معجل مع صاحبه، والآخر مؤجل، لجاز.
في بيع غير الحبوب من الطعام جنسًا بجنسه أو بخلافه
وبيع الشيء من ذلك بما يخرج منه
وذكر الشاة باللبن، والدجاجة بالبيض
من كتاب محمد: قال مالك: والزيوت أصناف لاختلاف أصولها؛ فزيت الزيتون، والفجل، والججلان، والقرطم، يجوز زيت صنف بزيت الآخر متفاضلاً، يدًا بيد. قال مالك: وكل ما يسكن الماء من الترمس فما دونه، والطير فما فوقه صنف، لا يباع متفاضلاً، وبيض الطير كله صنف واحد، النعام والطاوس مما فوقه ودونه، ما يطير وما لا يطير، مما يستحيا أو لا يستحيا، صغيره وكبيره، لا يباع إلا مثلاً بمثل تحريًا، وإن اختلف العدد.
قال محمد: وأرى في بيض النعام إن استثنى صاحبه قشره، فلا بأس به بغيره من البيض تحريًا، ولا يجوز أن أسلمه بقشره؛ لأن له ثمنًا. قال: وبيض الحيتان صنف.
[6/16]
***(1/12)
[6/17]
قال ابن القاسم: وودك الرؤس من الطعام لا يباع قبل قبضه، ولا بعضه ببعض متفاضلاً، فاستثقل ابن القاسم كسب الجلجلان بالطعام إلى أجل، ولم يوجبه.
قال أصبغ: لا بأس به، وإن كان يؤكل، وقد قال ابن القاسم في حب الغاسول وإن كان يأكله الأعراب من الجدب. وقال أشهب: ولا باس بالجراد متفاضلاً.
قال ابن القاسم: ولا بأس بخل العنب كقول مالك في خل التمر بالتمر، لطول الأمد، وكثرة الصنعة، وبخلاف نبيذه. ثم قال ابن القاسم في العنب بخله: لا أدري، إن كان يطول كالتمر، فلا بأس به.
ومن العتبية: يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: لا يصلح خل التمر بنبيذ متفاضلاً، لتقارب منافعه، ولا خل التمر بنبيذ الزبيب متفاضلاً. وفي كتاب أبي الفرج أن نبيذ الزبيب ونبيذ التمر صنفان.
ومن كتاب محمد: ولا خير في رب عسل القصب بعسله، إلا أن يدخل ربه أبزار، فيصير صنعة، ولا خير في الجلجلان بالشبرق أو بالزنبق، قال: والجبن كالسمن والزبد، لا يجوز باللبن.
وقد اختلف في الجبن باللبن المضروب، فأجيز وكره، وأجازه ابن القاسم. وأجاز مالك المضروب بالزبد والسمن.
ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم قال: لا بأس بالفقاع بالقمح.
[6/17]
***(1/13)
[6/18]
قال ابن حبيب: والجبن كله صنف، بَقَرِيُّهُ وغَنَمِيُّهُ، لا يجوز فيه التفاضل، ولا رطبه بيابسه، ولا بأس بالسمن بالزيت متفاضلاً، يدًا بيد، وبالعسل.
من كتاب محمد: قال مالك: لا تصلح شاة لبون بلبن، أو بسمن، أو بزبد إلى أجل، ويجوز يدًا بيد. قال ابن القاسم: أيهما تأخر، ولا خير فيه.
ابن القاسم: والقياس: إذا عجل اللبن، جاز، وإذا عجلت الشاة، لم يجز إن كان فيها حينئذ لبن، فإن لم يكن، فأيهما عجلت، جاز، وإن كان يكون لها إذا عجلتها لبن قبل الأجل. وقاله مالك، وقاله أصبغ. قال أصبغ: وإن لم يجزه القياس. وقاله سحنون في العتبية. وقاله ابن حبيب.
قال محمد: وكذلك الدجاجة في البيض، في جميع ما ذكرنا. وأجاز أشهب شاة حلوبًا بلبن إلى أجل، إذا صح، ولم يبتغ ذلك فيها. وقال عنه البرقي: لا يصلح لبن معجل بشاة مؤجلة. قال ابن حبيب: إذا كان اللبن والسمن، أو الجبن هو المعجل، فجائز. واستثقله مالك، وجميع من لقيت يستخفه. وذكر في الدجاجة البيوضة في البيض مثل ما ذك محمد.
قال محمد: وقال ابن القاسم: لا بأس بدجاجة لا تبيض ببيض مؤجل، وإن باضت قبل الأجل، وإن كان فيها بيض لم تصلح بالبيض، إلا يدًا بيد.
وبهد هذا باب آخر في بيع الشيء بما يخرج منه، أو ينبت منه، أو يعمل منه من سائر الأشياء.
[6/18]
***(1/14)
[6/19]
باب ذكر ما يجوز فيه البدل من الطعام تحريًا
أو القسم تحريًا فيه وفي غيره أو بمكيال مجهول
من العتبية من سماع عيسى: قال ابن القاسم، عن مالك في اللحم والجبن والبيض: يجوز بيع بعضه ببعض تحريًا، بلا كيل ولا وزن. قال ابن القاسم: وذلك إذا بلغه التحري ولم يكثر حتى لا يستضاع تحريه، وكذلك كل ما يباع وزنًا ولا يباع كيلاً، فهذا مجراه.
قال ابن القاسم: وكل صنف من طعام أو غيره يجوز فيه التفاضل من صنفه، فلا بأس بقسمته على التحري، كان مما يكال أو يوزن، أو لا يكال ولا يوزن.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وما يكال أو يُعد من طعام أو غيره، فلا يقسم تحريًا، وأما ما لا يمكن فيه إلا الوزن فيقسم تحريًا، ويباع بعضه ببعض تحريًا، مثل اللحم والخبز والحيتان.
قال ابن القاسم: ولو أن بينهما صبرة قمح وصبرة شعير، والقمح أكثر بأمر بين، لم يجز أن يأخذ هذا القمح، وهذا الشعير، ولو أخذ أحدهما نصف الشعير كيلاً، وسلم نصفه مع جميع القمح لصاحبه، جاز، ولا يجوز إن قسما الشعير جزافًا، إلا أن يأخذ ما لا يشك أنه أقل من نصف.
قال مالك: ولا بأس أن يقسم الطعام المكيل بقصعة، أو بقفة، أو قدح، ولا يجوز تحريًا. قال محمد: وذلك بموضع لا مكيال فيه، وأكرهه بالقفة.
[6/19]
***(1/15)
[6/20]
ومن الواضحة وغيرها من قول مالك: ولا يجوز فيه التفاضل من الطعام والإدام، فلا تجوز قسمته تحريًا.
ولا يقسم الطعام وهو زرع أو حزم أو مصبر إلا كيلاً، وكذلك السمن، والعسل، والزيت، إلا كيلاً ووزنًا، مثلاً بمثل، وكذلك قسم الثمار في شجرها التي لا يجوز فيها التفاضل، لا يقسم شجرها يابسه ولا مصبره، إلا كيلاً، وما لم ييبس وقد حل بيعه، من عنب، أو تين، أو رطب، فيقسم عند اختلاف حاجة أهله إليه، وكل ما يجوز فيه التفاضل، فلا بأس بقسمته في شجره، على التحري، رطبًا أو يابسًا، أو بالأرض مصبرًا، مثل الفواكه الرطبة، وتمر النخل، وكذلك كل شيء يجوز فيه التفاضل، مثل الكتان، والخيط، والنوى، والتين تحريًا، وإن كان الكتان والحناء قائمًا قبل أن يجمع وقد طاب أو بعد أن جمع.
ولا يقسم ما لا يجوز فيه التفاضل تحريًا، إلا ما أرخص فيه من قليل اللحم والخبز والبيض؛ لأن التحري يحيط بقليله، ولا خير في كثيره إلا وزنًا، وقاله كله من أرضى من أصحاب مالك.
قال: قال ابن القاسم: لا تجوز شاة مذبوحة بشاة مذبوحة، إن لم يكن على الوزن إلا أن يقدر على تحريهما. وقال سحنون، وأصبغ: لا يقدر على ذلك، ولا يجوز ولم يعجب محمدًا قول أصبغ.
[6/20]
***(1/16)
[6/21]
في المزابنة بالرطب باليابس من الطعام وذكر التحري فيه
قال ابن حبيب: نهى الرسول عليه السلام عن المزابنة والزبن والزبان: هو الخطر والخطار. فمن ذلك: شراء الرطب في شجره من رطب، أو تين أو عنب بيابس من جنسه مكيل، أو زرع قائم، أو حصيد بمكيل من البر، أو مهذب مصبر بكيل أو زيتون في شجره بمكيل من زيتون، أو زيت، ومنه: بيع الجزاف من كل شيء بكيل، أو وزن، أو عدد من ذلك الجنس.
ومنه: بيع اللحم بالحيوان - يريد من جنسه.
وبعد هذا أبواب في بيع الجزاف.
من كتاب محمد: قال مالك: أكره الرطب باليابس في الفاكهة الرطبة من صنف واحد، وإن جاز فيها التفاضل، من تفاح، وخوخ وغيره، لا على تساو أو تفاضل، وإن كان يدًا بيد. وكره مالك رطب الثوم بيابسه، وكذلك البصل مثلاً بمثل، ومتفاضلاً يدًا بيد. واختلف قول مالك في أخضر الموز بنضيجه، وأجازه، وكرهه.
من العتبية قال أصبغ: لا بأس بذكار التين بالتين متفاضلاً ومتماثلاً، نقدًا ومؤجلاً، ولا يجوز الرطب الذي لا يتمر بالتمر. قال أشهب: ولا بأس بالتمر القديم بالحديث.
ومن سماع عيسى، من ابن القاسم: ولا بأس بالتمر المنثور بالكيل تحريًا.
ولا يجوز البيض النيء بالمسلوق إلا مثلاً بمثل تحريًا وليس السلق فيه بصنعة.
[6/21]
***(1/17)
[6/22]
وكذلك في الواضحة، قال ابن القاسم، في الزيتون الذي جني بالأمس، بما يجنى للغد أو اليومين مثلاً بمثل، وهو أشد انفتاحًا، قال: لا يبدل، في اليوم واليومين، وإن علم أن هذا المجني آخر يضمر وينقص، فلا خير فيه وكذلك الفدان يتسلفه الرجل لحاجته، ويحصد وفيه رطوبة، ويرد عليه من زرعه اليابس إذا يبس، فإن كان لو ترك لضمر ونقص، فلا خير فيه.
قال أصبغ، عن ابن القاسم: لا خير في رطب الزفيزف بيابسه، وكذلك العين بقرن. قال أصبغ: لعموم النهي عن الرطب باليابس.
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في التفاح الأخضر بالمقدد، لا بأس به إذا تبين الفضل فيه.
ومن الواضحة قال: ولا يباع رطب الجبن بيابسه، وهو كله صنف بقريه وغنميه.
ومن كتاب محمد: قال مالك: لا بأس بالحالوم الرطب باليابس منه، والمعصور، والقديم على التحري، ويجوز الجبن بالحالوم تحريًا. وكره الزيتون الأخضر الطري بالمالح الذي قد أكل منه. ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا بأس بيابس الخبز برطبه على التحري إن قدر على ذلك، ولا يصلح بغير تحر.
محمد: وإنما جاز على التحري لدخول الصنعة فيه، وإنما يتحرى أن يتفق دقيقهما أو عجينهما، لا على أنه إذا يبس هذا، كان مثل هذا، ولا على أن اليابس ولو كان رطبًا، كان مثله، وخبز القمح بخبز الشعير، يجوز على تحري التساوي في دقيقهما، لا على قدر الخبز، لثقل الشعير.
[6/22]
***(1/18)
[6/23]
واختلف قول مالك في طري اللحم بالقديد اليابس، أو باللحم المشوي، وآخر قوليه أنه كرهه وإن تحرى وبه أخذ ابن القاسم، وأصبغ، وأخذ ابن وهب، وابن أبي الجمر بقوله الأول، وذكر ابن حبيب مثل القول الثاني، قال: وكذلك مشوي بمشوي، أو قديد بقديد.
محمد: قال ابن القاسم: ولا بأس بالقديد من المشوي بالمطبوخ متفاضلاً، ولا خير في قديد بمشوي وإن تحرى، ولا خير في طري السمك بمالحه وإن تحرى، ولا بأس بقلة صبير بقلة صبير تحريًا. قال أصبغ: إن قدر أن يتحرى. وكرهه محمد. وروى سحنون، عن ابن القاسم، في العتبية أنه لا يصلح إلا بالتحري.
قال ابن المواز: وكره مالك القرظ الأخضر باليابس، إلا أن يتبين الفضل بالكثرة البينة أن لو يبس، وذلك يدًا بيد، ولا خير فيه إلى أجل.
في بيع نخل بنخل بثمرهما، وأرض بأرض بزرعهما
أو شيء من ذلك بطعام حاضر
وفي بيع الجبح بعسل أو بطعام
وذكر الجزاف بمكيل أو جزاف من الطعام
قال ابن حبيب وغيره: وكل ما لا يجوز فيه التفاضل من الطعام، فلا يجوز فيه مكيل بجزاف، ولا جزاف بجزاف. ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز جنان بجنان مثله، فيهما طلع أو بلح. قال محمد: وإن اشترطا جذ البلح، لم يجز حتى يتبين فيه الفضل - يريد: والبلح صغير - فيجوز، فإن اشترط أن يجذ أحدهما ما صار له، جاز ذلك. قال ابن القاسم: وكذلك إن لم يكن في أحدهما شيء.
[6/23]
***(1/19)
[6/24]
وذكر ابن عبدوس، في تفسير الشفعة، أن ابن الماجشون يجيز نخلاً بنخل، فيهما تمر لم يؤبر ويقول: لأنه تبع وملغى، وأجاز بيعهما بطعام.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا خير في بيع نخل بأصلها، فيها تمر، أو طلع بتمر، ولا بشيء من الطعام نقدًا، ولا إلى أجل، إلا أن لا يكون فيها حينئذ تمر.
قال أشهب، في شجرة خوخ بمثلها وفيهما خوخ: فإن كان يجذ كل واحد منهما ما صار له قبل التفرق، جاز إن تبين الفضل بين الخوخين، وإلا لم يجز، وكذلك كل ما جاز فيه التفاضل من الفواكه يجوز جزافًا منه بجزاف آخر، أو جزافًا بكيل، أو وزن أو بعدد، إذا تبين الفضل، ولا يجوز إذا تقارب ذلك، وكذلك في غير الطعام من جنس واحد، وإن كان ترابًا.
قال مالك: ولا يصلح في السنبل قتة بقتة، ولا صبرة بصبرة، ولا مكتل بمكتل، ولا بأس بالطلع بالطلع متفاضلاً، كصغير البلح، وكذلك الجمار. محمد: ما لم يترك الطلع حتى يطلب به الزيادة.
قال: والبلح الصغير إن كان مجذوذًا، واشترط جذاذه، فجائز، وإن لم يشترط جذاذة فهو يؤول إلى طعام، فيدخله بيع تمر قبل بدو صلاحه. قال: والطلع طعام، فلا يصلح بالطعام إلا يدًا بيد.
قال مالك: ولا تباع المقتاة بقمح وإن قبض المقتاة.
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم قال: ولا يجوز بيع أرض بأرض، في كل واحدة منهما زرع، إذا استثنى كل واحد زرع صاحبه، ولا تباع
[6/24]
***(1/20)
[6/25]
أرض فيها زرع صغير بطعام، وأما أرض بيضاء بطعام، فيجوز نقدًا ومؤجلاً. قال سحنون، عن ابن القاسم: ولا بأس بشراء الأرض المبذورة، لا نبات فيها، بحنطة وغيرها.
ومن الواضحة: وقال في حائطي نخل، وتمرهما لم يؤبر، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر بحال، ولا بيع أحدهما بطعام. قال في المدونة: فإن أبر تمرهما، فهو جائز، وكذلك إن أبر أحدهما، فجائز. وإن سكتا عن الاشتراط. قال ابن حبيب: وإن أبرا جميعًا، فشرط أحدهما تمرة صاحبه. ولم يشترط الآخر شيئًا، فذلك جائز؛ لأن التمرتين تصير لواحد، وبيع أصل بأصل من صنف أو من صنفتين مثل ذلك، والاعتقاد في تمرها كالإبار في النخل.
قال ابن حبيب: ولا خير في شراء تمر شجر قد طاب بتمر شجر قد طاب، وهما من صنف واحد، أو من صنفين مما يجوز فيه التفاضل في الصنف أو مما لا يجوز؛ لأن ما لا يدخله التفاضل في الجنس يدخله طعام بطعام مؤخر.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا تباع الخلايا بشيء من العسل نقدًا، ولا إلى أجل. محمد: وإن لم يكن فيها يومئذ عسل. قال أصبغ: إذا لم يكن فيها يومئذ عسل جاز بيعه بطعام غير العسل نقدًا، أو إلى أجل قريب لا يأتي فيه العسل، وإلا لم يجز.
ومن الواضحة: ولا يجوز بيع جبح نحل العسل نقدًا، أو إلى أجل، ولا بيع عسل بجبح نحل إلى أجل، ولا بأس ببيع ذباب النحل كيلاً بالدراهم، وبالعسل نقدًا أو إلى أجل، وكذلك بيع عسل بكيل ذباب النحل إلى أجل، إلا أن لا يكون فيه عسل، فيجوز بطعام إلى أجل قريب لا يكون فيه إليه العسل، وإن كان يأتي إلى مثله فيه العسل، فلا يباع إلا بعين أو عرض.
[6/25]
***(1/21)
[6/26]
قال ابن حبيب: وهو في المدونة، ولا بأس من بيع شجر لا تمر فيها بتمر إلى أجل قريب.
في بيع اللحم بالحيوان
وبيع ما لا يحيا بما يحيا أو بطعام
من كتاب محمد، ابن المواز: وإنما نهى عن بيع اللحم بالحيوان من صنف واحد. قال ابن حبيب: وذلك للفضل والمزابنة. ومن كتاب محمد، قال: وكل ما جاز في لحمه التفاضل بعضه ببعض، جاز الحي منه بالمذبوح، وكره مالك الشارف أو المكسورة من الأنعام باللحم، ثم أجازه. وكرهه ابن القاسم. وخففه أصبغ. قال محمد: لا خير فيه، وبيعها باللحم أكره منه بالحية.
وكره ابن المسيب السارف بالثنية. وكره ابن القاسم الكبش الخصي بالطعام إلى أجل، لأنه لا يعيب العجلة، ثم رجع فأجازه إن كانت فيه منافع غير ذلك. قال في العتبية، من رواية عيسى: إذا كان يقتنى لصوفه. قال ابن المواز: وأجازه أشهب، وأصبغ، كانت فيه منافع أو لم تكن، وليس الكبش الخصي كاللحم، بخلاف الشارف والكسير.
قال مالك: وليس كل شارف سواء، وإنما ذلك في الذي شارف الموت، فأما شارف يقبل ويدبر ويرتفع، فلا. قال: وإن كان كبشًا خصيًا لا منافع فيه قائمة ولا مرجوة، فهو مثل ما ذكرنا. قال عيسى، عن ابن القاسم في العتبية فلا يجوز بالطعام إلى أجل؛ لأنه لا يصلح إلا للذبح. قال في موضع آخر، ولا يجوز بحي من الأنعام.
[6/26]
***(1/22)
[6/27]
قال ابن القاسم، في رواية عيسى، وفي كتاب محمد، في جدي بلبن: إن كان مما يستحيا فجائز نقدًا أو إلى أجل، وإن كان لا يستحيا، لم يصلح إلا نقدًا. قال أصبغ في كتاب محمد: وذلك إذا كان له علة مرض، أو على، لا رضاع له ولا حياة ولا سبيل إلا الذبح.
ومن كتاب محمد: ابن القاسم: ولا خير في لبن في شاة لحم إلى أجل، وهي التي لا نفع فيها للبن، ولا لصوف، وإن استحيى مثلها للشحم، وكذلك هذه بطعام إلى أجل، لا خير فيه. قال أصبغ: وهي التي لا يقتنى مثلها، فأما شاه لحم تقتنى بالعمل والرعي للسمن، فلا باس بذلك فيها، وكره أشهب كبشًا بلحم مطبوخ إلى أجل. وأجازه ابن القاسم، وقوله أحب إلينا.
وكره ابن القاسم ما لا يحيى من الطير بلحم طير تحريًا. قال أصبغ: لأنه حي بعد، ولا بأس بالأوزة بالدجاجة أو بدجاج يدًا بيد وإلى أجل؛ لأن ذلك يستحيا.
قال ابن القاسم: ومن ذبح له رجل شاة حية، لم أحب أن يأخذ بقيمتها منه لحمًا ولا شاة حية.
ومن الواضحة: ولا يجوز حي من الأنعام بوحشي ذكي أو حي من ذوات الأربع؛ لأنه لا يقتنى ولا يحيا حياة الاقتناء.
ولا يباع ثور حي بشاة مذبوحة، ولا شياه أحياء بثور جزير، أو جمل جزير، أو بوحشي حي أو مذبوح ولا يباح ما لا يقتنى من الوحش أو الطير حيًا بحي مثله من صنفه، إلا تحريًا مثلاً بمثل. وخففه بعض العلماء، ورأوه مثل ما يقتنى، والأول أحب إلينا. ولا يباع حي بمذبوح منه، ولا حي مما يقتنى من الطير
[6/27]
***(1/23)
[6/28]
الداجن، بحي مما لا يقتنى منه، مثل دجاجة بحجلة حيتين، ولا دجاجة بيوضة بدجاجة قد انقطع منها ذلك، ولا تباع غير البيوضة بشيء من الطير حي، إلا على التحري.
ومن العتبية، عيسى، عن ابن القاسم: وما لا ينتفع به إلا اللحم، مثل الداجن كدجاجة لا تبيض، لا بأس أن تباع بما لا يستحيا من الطير على التحري. وفي باب سلم الحيوان بعضه في بعض طرف من هذا المعنى.
في الأخذ من ثمن الطعام طعامًا أو في الاستهلاك
ومن له عليك طعام هل يبتاع منه ما يقضيه أو من وكيله؟
من كتاب ابن المواز: قال محمد: وقد كره أهل العلم الأخذ من ثمن الطعام طعامًا بما آل إليه، فصار كأنه باع ما دفع من الطعام بهذا الطعام، فكذلك كل ما خرج عن يدك بمتاجرة مما له مثل، فلا تأخذ في ثمنه إلا ما كان يجوز لك أن تبيعه به إلى أجل، ولا يدخل ذلك في الغرض الذي ليس على متاجره. قال ابن القاسم: ولا يدخل ذلك في الثياب في المتاجرة، ولا فيما لا يجب فيه إلا القيمة في التعدي.
قال مالك: وإذا بعت من رجل طعامًا بثمن، فلا تأخذ منه فيه طعامًا يخالفه، ولك أن تبتاع من غيره طعامًا سواه، أو في جنسه أكثر منه، أو أقل أو أجود أو أردأ، وتحيل بالثمن على ثمن طعامك. قال مالك: وإن أحالك غريمك بالثمن، فلا تأخذ من الذي أحالك عليه طعامًا إلا مثل طعامك، الذي بعت ممن أحالك صفة وكيلاً، ولو أحلت أنت رجلاً بالثمن عليه، فلا يأخذ هو منه طعامًا إلا مثله صفة وكيلاً. قال ابن القاسم: وإن أخذت بالثمن كفيلاً،
[6/28]
***(1/24)
[6/29]
فغرم له الثمن بعد محله، فلا بأس أن يأخذ هو في ذلك من غريمه طعامًا من صنف طعامك أقل أو أكثر، أو من غير صنفه، وكذلك لو تبرع فرد الثمن بغير حمالة، فلا بأس أن يأخذ فيه طعامًا، وكذلك قال في الواضحة وغيرها.
ومن وكلته على قبض ثمن طعامك، فقبض الثمن فأكله فلك أن تأخذ منه فيه طعامًا.
ومن كتاب محمد وإذا باعه مائة إردب سمراء، فقد اختلف قول مالك، هل يأخذ في ثمنها خمسين سمراء، فأجازه مرة، وأباه أخرى، وقال: لا يصلح أن تأخذ دون كيل طعامك، لا بالثمن ولا ببعضه، ولا بأس أن يأخذ مثل كيل طعامه في جودته بالثمن وأكثر منه. وأجاز أشهب أن يأخذ أقل كيلاً من حنطته. وأجاز ابن القاسم أن يأخذ سمراء قضاء من ثمن سمراء، وإن كان الذي يأخذ أدنى مما باع. قال: وفيه مغمز.
ومن كتاب محمد، قال: وإن بعت طعامًا، فلك أن تأخذ في ثمنه قبل تفرقكما طعامًا يخالفه، إن كان المبتاع اكتال طعامًا، وإلا فليكتله له قبل أن يتفرقا. وإن ابتعت بدانق ملحًا أو فاكهة، فلا تدفع فيه طعامًا، وادفع درهمًا، وخذ ببقيته طعامًا، أو تأخذ بجزء بعد جزء من الدرهم حتى يعم درهمًا، فيؤديه، وإذا قبضت ثمن طعام من رجل، فلا تبتاع به منه في المجلس طعامًا.
وإن بعت بدينار قمحًا من رجل، ثم جنيته، أو ابتعت منه بدينار تمرًا، فأراد بعد مقاصتك؟ قال مالك: لا أحبه، وليرد الثمن الذي اشترى. قال ابن القاسم: بل يؤدي دينار التمر، ويأخذ منه ثمن قمحه، وإن رد إليه ذلك الدينار بعينه، كما لا تستعمل غريمك بدينك عليه، ولكن تستعمله بدينار تدفعه إليه، ثم يقضيك إياه.
[6/29]
***(1/25)
[6/30]
ومن الواضحة: ومن ابتاع بدرهم لحمًا، أو طعامًا، فوجد درهمه ناقصًا، فقال للبائع: خذ بما نقص من اللحم أو من الطعام لم يجز. ودخله أربعة أوجه: بيعه قبل قبضه، والأخذ من ثمن الطعام طعامًا، والتفاضل بين الفضتين، والتفاضل بين الطعامين، ولو كان غير الطعام دخله الفضل بين الفضتين، وكذلك لو رد فلوسًا، ولو كان هذا بعد أن قبض الطعام، دخله كل ما تقدم إلا بيعه قبل قبضه.
قول ابن حبيب في هذه المسألة: يدخله الأخذ من ثمن الطعام طعامًا. قال ابن المواز: لا يدخل ذلك فيما كان قبل التفرق. وهذه المسألة قد ذكرتها في الصرف، باب من أخذ من المجموعة أزيد أو أنقص، وما ذكر فيها في العتبية، وكتاب ابن المواز.
قال ابن حبيب: ومن استهلك لرجل زرعًا استحصد أو لم يستحصد، أو طعامًا جزافًا، فأجاز أن يصالحه من الطعام بما شاء من صنفه، وغير صنفه، وبما شاء من عرض. نقدًا كله، وهذا إن كان الاستهلاك معروفًا، أو بحريق ظاهر، أو غيره، وإن كان بالغيبة عليه، والانتقال له، لم يجز صلح على طعام.
ومن باع طعامًا بثمن مؤجل، فلا يأخذ به جبحًا فيه نحل، إذ لا يخلو من عسل، إلا أن يكون فيه عسل لا يعتد به، فلا بأس بذلك.
ومن العتبية، قال ابن القاسم: قال مالك: ولا بأس أن يأخذ الرجل النوى، والقصب، والتبن، من ثمن طعام، وكذلك في سماع أشهب.
وبعد هذا باب في شرائك الطعام ممن بعت منه طعامًا، في الجزء الثاني من البيوع.
[6/30]
***(1/26)
[6/31]
الجزء الثاني من البيوع
في بيع الطعام من بيعه قبل قبضه
وربح ما لم يضمن
من كتاب محمد: قال مالك: ومعنى ما نهى عنه من ربح ما لم يضمن إنما في الطعام خاصة عند أهل المدينة، وقد خصه النبي عليه السلام بالذكر، في النهي عن بيعه قبل قبضه.
ومن الواضحة: قال ابن حبيب: وذهب عبد العزيز بن أبي سلمة إلى أن كل مبيع على كيل، أو وزن، أو عدد، من غير الطعام، لا يجوز بيعه قبل قبضه، كالطعام، وجعل العلة الكيل والوزن؛ لأن جزاف الطعام يجوز بيعه قبل قبضه. وروي ذلك عن عثمان، وابن المسيب، والقاسم، وسالم، وربيعة، ويحيى بن سعيد. قال: وروي النهي عن ربح ما لم يضمن. وقال عن ابن حبيب: ظاهر هذا بيع ما في ملك غيره.
[6/31]
***(1/27)
[6/32]
ومن كتاب ابن المواز قال: ومن ربح ما لم يضمن أن يبيع لرجل شيئًا بغير أمره ثم يبتاعه منه وهو لا يعلم بفعلك بأقل من الثمن. وكذلك بيعك لما ابتعت بخيار، لا تبيعه حتى يعلم البائع أو تشهد أنك رضيته وإن لم تعلمه، فربح ذلك للبائع. قاله ابن القاسم، إن أقررت أنك بعت قبل خيار؛ لأنه في ضمان البائع. وإن قلت: بعت بعد أن اخترت صدقت مع يمينك، ولك الربح.
قال ابن القاسم: ومن باع طعامًا من بيع قبل استيفائه، فقبضه مبتاعه، وغاب عليه، ولم يقدر عليه ليرده، فإنه يؤخذ الثمن من البيع الآخر، فيبتاع به طعامًا مثله فيقبضه، فإن نقص عن مقدار طعامه، فله اتباع الغائب بما نقص، وإن فضل شيء من الثمن، أوقف ذلك للغائب، فيأخذه إن جاء، وإن كان كفافًا برئ بعضهما من بعض.
ومن الواضحة: وكل ما ارتزقه القضاة، أو الكتاب، أو المؤذنون، أو صاحب سوق من الطعام، فلا يباع حتى يقبض، وما كان لصلة، أو عطية من غير عمل، فذلك فيه جائز، وإنما ينهى عن بيع صكوك الجار - وهي عطايا من طعام - فإنما نهي مبتاعها عن بيعها قبل القبض، ولم ينه من أعطيت له.
ومن العتبية: أشهب، عن مالك، فيما فرض عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من الأرزاق من طعام، فلا بأس ببيع مثل هذه الأرزاق قبل قبضها. وكذلك طعام الجار.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: وللرجل بيع ما وهب له من طعام أورثه قبل قبضه، وكذلك ما يؤخذ في الأرزاق، فأما ما يأخذ الكتاب في أرزاقهم منه، فلا يباع حتى يقبض.
[6/32]
***(1/28)
[6/33]
قال مالك في الواضحة: ولا يبيع طعامًا من كتابة مكاتبك من غير المكاتب قبل قبضه، إلا أن يكون يسيرًا تافهًا بيع مع غيره مما كاتبه عليه، فلا بأس به. قال مالك: وكل طعام من بيع ورثته، أو وهب لك، أو تصدق به عليك، أو أعطيته سلفًا، وأخذته قضاء من سلف، فلا تبعه حتى تقبضه، وأخفه عندي الهبة والصدقة. وقاله عمر بن عبد العزيز في الميراث.
ومن العتبية: روى عبد الملك بن الحسن، عن ابن القاسم، في من مات وله طعام من سلم، فلا يجوز لورثته أن يصالحوا فيه على أقل من رأس المال، وأما أقل من الطعام، فجائز.
ومن الواضحة: وكره مالك أن يقول لغريمه: تعال حتى أشتري طعامًا من فلان، ثم أقضيكه، لوجهين: وجه كأنه له اشتراه، فكأنه قضاه دراهم واشتراه لنفسه فيدخله أنه قضاء له قبل قبضه، ولا ينبغي للطالب أن يدله على طعام يبتاعه لقضائه، أو يسعى له فيه، أو يعينه عليه، أو يجعل له فيه. نهى عنه ابن المسيب، ويحيى بن سعيد، وربيعة، وابن شهاب، ومالك.
ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب، عن مالك: من أسلم في طعام، ثم أسلم إليه في طعام ينوي أن يقضيه من هذا، فلا خير فيه، وهو الذي نهى عنه سعيد بن المسيب.
ومن المجموعة، قال أشهب في قول ابن المسيب: إذا كان لك قبل رجل طعام من بيع، ثم بعت أنت طعامًا، صار في ذمتك، ونويت أن تعطيه من الطعام الذي لك من بيع، فنهى عن ذلك. قال أشهب: لا بأس أن يقضيه منه
[6/33]
***(1/29)
[6/34]
ما لم يشترط ذلك ولا تضره النية كما لو نوى أن يشتري طعامًا يوفيه منه، أو مما لم يبد صلاحه من الحب.
قال مالك: لم يكن بالحجاز أعلم بالبيوع في التابعين من ابن المسيب، ومنه أخذ ربيعة علم البيوع، ولم يكن بالمشرق أعلم بهذا من محمد بن سيرين.
ومن الواضحة: ومن قال لرجل: تقاض طعامي على فلان، ولك ربعه ما تقتضي. لم يجز، وهو بيع له قبل قبضه، وكل ما ابتعت على كيل أو وزن. وفي المختصر: أو عدد من إدام، أو بقل، أو شراب - عداء الماء - فلا يباع حتى يقبض. وكذلك جميع التوابل، والثمار، والقرح والخردل، لأنه طعام. فأما الحرف والحلبة والبذور والبقول وبزر ثمر البحاير ونحوها، فلا يجرم ذلك فيها. قال مالك: وزيت الفجل، وزيت السمسم لا يباع حتى يقبض.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن أحلته على طعام من بيع أسلفته إياه، أو قضيته من قرض، فلا يبيعه المحتال قبل قبضه، إلا أن يأخذ منه مثل رأس مال المحيل، فذلك كالإقالة، فتجوز، ثم لا تأخذ منه أنت فيه ثمنًا إن كنت أقرضته إياه، وكذلك لو صار إليه منك بصدقة، أو ميراث، فلا تبيعه قبل قبضه، وإن أحلت من له عليك طعام من بيع، على طعام لك من قرض، فلا تبيعه قبل قبضه، إلا أن يأخذ منه مثل رأس ماله، ولو أقرضك إياه رجل استقرضته منه، وأمرته، فقضاه له عنك، جاز لك أن تعطيه فيه ثمنًا، لأن هذا قرض، وطعام البيع قد قبض.
ومن استقرضك طعامًا، فأحلته على طعام لك من بيع، فقبضه، فأردت بيعه منه، فقال مالك مرة: أما الشيء اليسير من الكثير فلا بأس به، وكأنه وكيل على قبضه. وقال قبل ذلك: لا خير فيه، ولم يحد يسيرًا من كثير. ومن لك عليه طعام من بيع، فابتاع طعامًا، ثم أحضرك حين قبضه، ثم أعطاك إياه بكيله،
[6/34]
***(1/30)
[6/35]
فذلك جائز، وكذلك لو لم يحضر، فأخذه على تصديق الكيل، ما لم يكن موعدًا مثل أن يقول اشتراه، وأنا آخذه بكيله. وذلك كله إن حل، وإلا لم يجز. وقيل عنه: لا يأخذه منه على تصديق الكيل، ولا أن يحضره فيأخذه بكيله، فقد كرهه، وأجازه ابن القاسم، إلا في الموعد.
وكره مالك بيع طعام إلى أجل على تصديق الكيل للذريعة للربا إن يدان على هذا، وكذلك لو حضر كيله. قال: وما وجد من نقص بين، أو زيادة بينة، فللبائع وعليه.
قال ابن عبد الحكم: ومن باع من نصراني طعامًا، فباعه النصراني قبل أن يقبضه، فلا أرى للبائع أن يكيله حتى يحضر صاحبه، ثم يصنع به بعد ما شاء.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن كتاب محمد: قال مالك: وإذا وكلك رجل على بيع طعام، فأراد من لك عليه طعام من بيع أن يبتاع منك من الطعام الذي بعته لغيرك، لقضيك منه، فلا خير فيه. قال في العتبية: نقدًا، أو إلى أجل، فنقصك منه، فلا خير فيه، ولكن لو أرسل إليك رسولاً، يبتاع له منك، وأنت لا تعلم، ففعل، ثم جاء فقضاك، فلا بأس به، ولكن أكرهه للذي قضاك.
قال مالك: وأكره للغريم أن يقول للوكيل على قبض طعام منه: بعني من طعامك بالوكيل، واقبضه لصاحبك. قال في المجموعة: فلا يعجبني.
[6/35]
***(1/31)
[6/36]
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم: ومن لك عليه طعام من سلم، فحل، فقال له: بعني طعامًا مثله أقضيكه، فإن ابتاعه منك بمثل رأس مالك، فهي إقالة، وإن كان بأكثر، فهو ربا، وإن كان بأقل، فهو بيعه قبل استيفائه.
باب قضاء الكفيل واقتضائه وصلحه وتعديه
وغير ذلك من مسائله
وما يدخل ذلك من بيع الطعام قبل قبضه
من كتاب ابن المواز: وإذا قبض الكفيل الطعام، فباعه ولم يؤمر بالقبض، فأتى الطالب واتبع الغريم، فللغريم أخذ الكفيل بطعامه، فإن صالحه على الثمن أو أقل منه أو أكثر، فجائز - يريد محمد: لأنه قبضه على الاقتضاء، ولو قبضه على الرسالة، كان له أخذه بثمنه، أو تضمينه مثل الطعام. قال: ولو كان أكله، أو كان الطعام حاضرًا، جاز له بيعه منه ومن غيره، بخلاف الطالب يرضى بقبضه، لا أن يكون وكله على قبضه، فله بيعه، فذلك القبض منه ومن غيره، ولو أغرم الطالب الكفيل مثل الطعام الذي باعه، فللغريم أخذ الثمن، ويعطيه طعامًا كما غرم، إن كان جعله رسولاً، وإن قبضه منه مقتضيًا، فليس ذلك له، ولو دفع إلى الكفيل دنانير ليبتاع له طعامًا، ويقضيه عنه، فطلبه أن يعطيه طعامًا من عنده، وأعلم بذلك الغريم، فرضي، لم يجز حتى يقبضه منه الغريم، أو يوكل من يقبضه منه، ثم يقضيه عنه. محمد: وللكفيل شراؤه من غيره، وقضاؤه بغير محضر الغريم، ولو دفع الكفيل الطعام من عنده بغير أمر الغريم، وحبس الثمن، فأجاز ذلك الغريم لما علم، فذلك جائز؛ لأنه سلف من الكفيل، باعه منه الآن بذلك الثمن، وكذلك لو لم يكن قبض الثمن من الغريم، جاز أن يأخذ منه الثمن.
[6/36]
***(1/32)
[6/37]
ومن الواضحة: ومن تحمل بطعام من بيع، أو قرض، فأخذ به، فقضاه، فإن اشترى للطالب طعامًا بثمن أخرجه، فليرجع بمثل الثمن، وإن قضاه طعامًا من عنده، لم يرجع إلا بالطعام. وكذلك في العتبية عن ابن القاسم.
وإن تحمل بطعام من قرض، جاز للحميل شراؤه لنفسه، وإن صالح منه عن الغريم أو قضاه عنه وصالح عنه بعرض مخالف لما عليه، أو بدراهم، فذلك جائز، والغريم مخير: إن شاء دفع ما عليه، وإن شاء دفع إليه ما ودى عنه من دراهم، أو طعام مخالف له، أو قيمة العرض، ولا يدخله طعام بطعام مؤخر؛ لأنه إنما صار بيعًا يوم رضي به المطلوب، فحينئذ لا يتأخر كحميل بدينار دفع دراهم، فالمطلوب مخير، ولا يكون صرفًا مؤخرًا. وقاله كله ابن كنانة، وابن القاسم، ثم رجع ابن القاسم، فقال: لا يصالح عنه بما يكون فيه مخيرًا عليه، إلا أن يؤدي عرضًا يرجع إلى القيمة عن مال تحمل به، فيأخذه بالأول، والأول أبين؛ لأنه لم يعامل المتحمل به على شيء، وهو كمن ودى عن غريم شيئًا، فإن شاء رضي وودى مثل ما ودى عنه، وإلا ودى ما عليه، ثم لا رجوع للحميل فيما عمل مع الطالب، إذ ليس في ذلك فساد، ولو اشتراه لنفسه، حمل على ما يحل ويحرم في البيع؛ لأن الطالب حينئذ بائع غير مقتض. ومن كتاب محمد: ابن القاسم: ومن تحمل لك بطعام من سلم، على أن يوفيكه الغريم بالفيوم، فلما حل، وكلت الحميل على قبضه، فجعل يقبضه، وجاء به إلى حلوان، فلقيته بها، وقال لك: خذ قمحك، وادفع إلي الكراء، فهذا لا يجوز. قال ابن القاسم: وليرد قمحك حتى يأخذ منه بالفيوم. يريد: لأنه ضمنه بتعديه إلى حلوان. قيل له: فإن هلك الطعام؟ قال: هو من بائعه.
[6/37]
***(1/33)
[6/38]
فيمن ابتاع طعامًا جزافًا، أو نصف ثمره، أو نصف صبرة،
أو استثنى ما باع، أو أسلم في ثمرة بعينها، أو في لبن غنم،
أو ابتاع ثمرة غائبة، هل يبيع شيئًا من ذلك قبل قبضه؟
وكيف إن أسلم في لحم أو رطب، فزال إبانه، أو نقصت الصبرة عما شرط،
أو أداه عرضًا فلم يف له بما شرط من الأقفزة؟
من كتاب محمد: قال مالك: من اشترى نصف ثمرة جزافًا، أو نصف صبرة، فلا بأس ببيع ذلك قبل أن ينقل، وأحب إلي أن ينقل قبل البيع، لحديث ابن عمر، ولا أراه حرامًا. وكذلك الصبرة يشتريها، إلا أنها في ضمانه بالعقد، فقد استوفى، وعلى ذلك من أدركت. قال ابن القاسم في العتبية: وقد كان مالك يقول: إذا اشترى جزعًا من ثمرة، فلا يبيعه حتى يقبضه. ثم رجع عن ذلك.
ومن كتاب محمد: وإذا ابتاع رجلان صبرة، أو جرة سمن، فأربح أحدهما الآخر في ذلك قبل القبض، فذلك جائز، إلا أن يشتريا على كيل أو وزن.
قال مالك: ومن باع كرمه، وأسمى سلالا أقل من الثلث، أو من الثمر مائة صاع يأخذ كل يوم شيئًا معلومًا، فباع المشتري الثمر كله، فعليه ثمر مثله يشتريه له. ولا يأخذ بذلك صنفًا آخر من الطعام، إلا أن ينقطع أصلها، وله أن يأخذ ذلك دراهم. أو عرضًا معجلاً.
ومن ابتاع ثمر حائط غائب عنه لم يره، لم يجز أن يبيع منه شيئًا؛ لأنه في ضمان البائع بعد، حتى يراه المبتاع ويرضاه.
[6/38]
***(1/34)
[6/39]
ومن باع ثمر حائطه، واستثنى منه كيلاً، يجوز أن يستثنيه. وقد كره مالك بيعه قبل قبضه، ثم رجع فأجازه. وكذلك وهب ذلك أو أقرضه، جاز أن يباع قبل القبض.
ومن ابتاع لبن غنم بأعيانها شهرًا، فأراد بيعه قبل أن يحتلبه، فنهى عنه ابن القاسم، وأجازه أشهب. ويقول ابن القاسم: أخذ محمد، قال: لأنه في ضمان البائع حتى يقبض، فهو من بيع ما لم يضمن من الطعام.
ومن المجموعة، مالك: ومن أسلم في ثمر حائط بعينه، فأخذ كل يوم كذا وكذا، فلا يبيع ذلك ولا شيئًا منه حتى يقبضه، كمبتاع صبرة أو بعضها على الكيل، ولو ابتاع جميع الحائط، أو نصفه، أو عدد نخلات بلا كيل، فله بيع ذلك قبل يجذه؛ لأنه صار في ضمانه بالبيع، فذلك قبض.
ومن كتاب محمد: ومن أسلم في لحم ضأن، يأخذ كل يوم شيئًا معلومًا، فانقطع وقته، فقد وجبت المحاسبة، وله أن يأخذ باقي رأس ماله لحم بقر أكثر أو أقل، أو ما شاء سواه نقدًا. فأما أن يأخذ لحم بقر على ما كان يأخذ كل يوم بوزنه، فلا يجوز، إلا أن يأخذ جميعه مكانه، وكذلك ما ينقطع مما يسلم فيه من رطب ونحوه فأخذ بما بقي له شيئًا غيره فلا يجوز فيه التأخير.
وفي الباب الذي بعد هذا ذكر الصنف من الحرث ينقطع إبانه.
وقال: وكذلك إذا أسلم في لحم ضأن، فانقطع وقته، فله أن يأخذ برأس ماله أو ببقيته لحم بقر، أو معز رطلين برطل، أو معزى حية. وكذلك يأخذهما فيما زال وقته من العنب زبيبًا أو عنبًا مشتويًا رطلاً برطلين بعد العلم بما بقي من الثمر - يريد محمد - على قول من يرى أن ليس لهما إلا المحاسبة فيما ليس من حائط بعينه من الثمر. محمد: وقال مالك مرة: يتأخر الذي بقي له إلى إبان قابل. ثم قال: لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله. قال ابن القاسم: له أن يؤخر، وله أن يتعجل بقية رأس ماله، وفسخه أحب إليَّ.
[6/39]
***(1/35)
[6/40]
قال أشهب: لا يجوز فيه التأخير، وليس له أن يأخذ إلا بقية رأس ماله. قال ابن حبيب: أما إذا أسلم فيما له إبان، فانقطع وليس من شيء بعينه، فروي عن مالك، أن له أن يتأخر، أو يتعجل باقي رأس ماله. وقال بعض أصحابه - وقاله أصبغ -: من شاء المحاسبة، فذلك له، إلا أن يجتمعا على التأخير. قال ابن حبيب: وفي التأخير مغمز؛ لأنه إذا ملك تعجل ما له، صار التأخير دينًا من دين، والقول بالتأخير عن اجتماعهما، أو بغير اجتماع استحسان من قائله من أصحاب مالك، ولا أحب أن يأخذ ببقيته طعامًا إن طلب المحاسبة، لأن فيه مغمزًا من أخذ طعام نقدًا من طعام مؤخر. محمد: وأما الحائط بعينه يسلم فيه فيفرغ قبل يقبض، فليس له إلا رأس ماله، أو يأخذ به ما يتفقان عليه نقدًا، لا يجوز تأخيره. قال ابن حبيب: لم يختلف في هذا. قال محمد: وكذلك صبرة يشتري منها كيلاً، فلا يجد فيها تمامه، أو المسكن ينهدم قبل المدة في الكراء وشبهه.
قال مالك: وإن أسلم في عنب، فانقطع، فأراد أن يأخذ شتويًا، فلا يصلح إلا أن يأخذ جملة قبل أن يفارقه.
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن ابتاع مائة إردب من طعام بعينه، ونقد الثمن، فلم يجد فيه إلا ثمانين، فله أن يأخذ بثمن العشرين ثمرًا، أو غيره، أو عرضًا، ولا يؤخره فيصير دينًا بدين.
ومن كتاب ابن سحنون: من سؤال حبيب، ومن عرض قمحًا، أو زيتًا بشيء في يده منه، فيواجبه على أقفزة معلومة، ثم يقول: ما عندي من شيء، أو هو لغيري. وأبى أن يبيع، قال: إن أقام بينة أنه لا شيء عنده منه، أو أنه لغيره، وإلا لزمه أن يأتي بالأقفزة التي باع منه.
[6/40]
***(1/36)
[6/41]
في توكيلك من له عليك طعام على شرائه وقبضه
أو وكلت من لك عليه طعام على قبضه
أو على التوكيل على قبضه، أو وكلت غائبًا
من كتاب ابن المواز: ومن له عليك طعام من بيع قد حل، فأعطيته دراهم ليشتري بها مثل ما عليك، لم يجز، إلا أن يكون مثل رأس المال، لا أنقص ولا أزيد في الطعام، وفي العرض مثل رأس المال فأقل، ولا يجوز أكثر، فإن أخذ في هذا أو هذا ما ذكرنا أنه لا يجوز، وزعم أنه ابتاع به مثل الذي له وقبضه، وإن كانت له بينة أنه ابتاع ذلك باسمك، ثم قبضه وفات بعد ذلك بينكما، وإن لم يكن إلا قوله، لم يجز، ورد ما أخذ، وطالب بحقه، إلا أن يأخذ ما ذكرنا أنه يجوز.
قال أشهب: إن دفع إليه من الطعام مثل رأس المال أو أقل، ليشتري لنفسه، فزعم أنه فعل وقبض حقه، أجزت ذلك، وإن زعم أنه بقي له شيء يكون أكثر من رأس ماله لم يصدق، ونقضت ذلك بينهما. قال في المجموعة: لأنه إن أعطاه ما بقي طعامًا، أو دراهم يبتاع بها ما بقي له، فقد صار بيعًا ويدخله الربا في الزيادة على رأس ماله إن أخذ أكثر.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: ولا يجوز أن توكل الذي لك عليه الطعام أن يوكل من يقضيه منه، فإن فعل، فأشهد على وكيله، فجائز، فإن أمره ببيعه، لم أحب ذلك، فإن نزل لم أفسخه. قال أشهب في المجموعة: ولا يوكله يقبضه له من نفسه، وإن أشهد الذي عليه الطعام بذلك القبض، فلا يعجبني.
[6/41]
***(1/37)
[6/42]
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا تطلب غريمك أن يكيل طعامك، ويعزله ويبيعه لك، ولو اشتراه لك من غيره فاستوفاه، فلا بأس أن تبيعه من غيره - يريد: وكل على أن يسلم في طعام.
قال أشهب: وإن قلت له: وكل فلانا على قبضه منك، فإذا قبضه فبعه أنت، فهذا أخف، وتركه أحب إلي، ولو قلت له: قد وكلت أنا فلانًا، فأعلمه، فإذا قبضه فمره ببيعه، أو بعه أنت. فذلك جائز، وإن لم يكن على ذلك إشهاد، يريد محمد في القبض والبيع. قال: والإشهاد أحب إلينا، ومن لك عليه دراهم، فأعطاك عرضًا أو طعامًا، لتبيع وتستوفي، فجائز، وأكره الدنانير والفلوس يعطيكها، تبيع وتستوفي.
فيمن له طعام من بيع فأخذ فيه صنفًا آخر
أو دقيقًا من قمح، أو يأخذ أقل من الكيل أو أكثر
أو أخذ ما لا يحيى من الطير صنفًا منه أو من غيره
أو انقطع إبانه وفي تعجل الطعام بغير البلد
من كتاب محمد: قال: وكره مالك أن يأخذ من قمح، أو سلت، أو شعير، من بيع إن حل دقيقًا. قال أشهب: وأراه كرهه للاختلاف، إن ابن أبي سلمة وغيره يجيز الدقيق بالقمح متفاضلاً، ويتأول أن طحينه صنعة، ومكحول لا يجيزه بحال.
قال ابن الماجشون في الواضحة: إنما يجيزه مالك في المبادلة فيما قل ويكرهه فيما كثر. وقد ذكرنا هذا في باب بيع الطعام بالطعام.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا يأخذ من قمح شعيرًا أقل كيلاً وإن حل، ولو أخذت خمسين شعيرًا من مائة قمحًا، على أن تبقى لك خمسون قمحًا، ثم تركت له القمح، جاز إن صح أصل القبض، وكذلك قمحًا من شعير، وسمراء من بيضاء، وإن أخذت مكانك خمسين شعيرًا، وخمسين قمحًا، جاز. وكذلك
[6/42]
***(1/38)
[6/43]
سمراء وبيضاء من أحدهما ما لم ينقص الكيل ولو كفًا واحدًا. قال مالك: ومن اشترى زيتًا أو زبيبًا - يريد: على كيل أو وزن، قال في المجموعة عن مالك: تينًا أو بطيخًا، كيلاً أو وزنًا، فأراد أن يأخذ مكان التين عنبًا أو بطيخًا قبل قبضه، لم يجز.
قال أشهب، عن مالك: ولو دفع الثمن في التين، ثم قال: زن لي بنصفه عنبًا أو بطيخًا، وبنصفه تينًا، فأرجو أن يكون خفيفًا. قال محمد: لا خير فيه، وهو سواء، ومحمل هذا: أنه دفع الثمن من غير إيجاب.
وروى ابن وهب، وابن القاسم، عن مالك، فيمن ابتاع بدينار قمحًا، ثم سأله أن يعطيه بنصفه عدسًا، قال: لا يجوز.
قال مالك: ومن اشترى بدرهم زيتًا، فلم تسعه بطته، فأراد أن يأخذ بما بقي له طعامًا، أو يرتجعه ثمنًا، فلا يعجبني.
قال في باب الإقالة: إذا ابتاع بدرهمين زيتًا، فقبض بدرهم، وأقال من درهم، فإن لم يتفرقا، فذلك جائز. قال أشهب: ومن اشترى عشرة أرادب من صبرة بعينها، فلما اكتال خمسة منها، تراضيا على أن يعطيه ما بقي من صبرة أخرى أدنى منها، أو أجودها، أو شعيرًا مثل المكيلة مكانه، فذلك جائز. وروي نحوه عن مالك أيضًا.
ومن العتبية: عيسى، عن ابن القاسم: ومن له مائة أردب قمح من بيع، فأخذ بتسعين قمحًا، وعشرة شعيرًا أو دقيقًا، فإن حل الأجل، فذلك جائز.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن لك عليه طعام من بيع، فلا تأخذه قبل الأجل أزيد كيلاً، وتؤدي للزيادة شيئًا، أو لا تؤدي، أو أقل كيلاً، ويأخذ
[6/43]
***(1/39)
[6/44]
شيئًا أو لا تأخذ، وإن حل الأجل، جاز أن تؤدي في الزيادة ثمنًا نقدًا، أو إلى أجل إن اتفقت الصفة، وإن كان أجود صفة، أو أردأ، لم يجز لك شراء الزيادة، إلا أن تكون بغير شرط مثل أن تقضيه جميع كيله شعيرًا بغير شرط، ثم تشتري منه فضله ذلك ما لم تتعاملا على ذلك، ولو أخذ أجود صفة وأقل كيلاً أو وزنًا، لم يجز بحال.
قال: وإن أسلمت فيما لا يستحيا من الطير، فلك أن تأخذ بعد محل الأجل صنفًا آخر مما لا يحيى تحريًا، ولا تأخذ مما يستحيا فيدخله بيع اللحم بالحيوان، ولا تأخذ غير الطير، فيكون بيع الطعام قبل قبضه، ولا تأخذ ما لا يستحيا مما يستحيا وإن حل، ولك أخذ صنف آخر مما يستحيا، أكثر أو أقل، حل الأجل أو لم يحل، أو عرضًا أو حيوانًا غير الطير، أو طعامًا، وتأخذ لحم الطير بعضه من بعض ما يستحيا، وما لا يستحيا؛ لأنه لحم كله، ولك أن تأخذ من صنف من الحوت: من سلم صنفًا آخر منه بعد الأجل تحريًا، مثلاً بمثل. فإن انقطع إبان ذلك الصنف، جاز أن يأخذ بقية رأس مالك، أو تأخذ به ما شئت، أو صنفًا من الحوت أكثر منه وأقل. ومن أسلم في لحم ضأن، يأخذ كل يوم وزنًا معلومًا، فله أن يأخذ في يومه لحم بقر، ولا يتعجل منه في ذلك اليوم أكثر مما شرط.
ومن الواضحة، قال: وإذا شرط أن يأخذ كل يوم من اللحم كذا، وأخذ يومًا أكثر من الشرط، وودى ثمن الزائد، فإن كان ما أخذ مثل صنف شرطه، فجائز، وإن كان بخلاف الصفة من سمن اللحم، أو عظم في الحيتان، أو صنفًا من اللحم غير ما له عليه، لم يجز أن يشتري منه زيادة في الوزن، ولو جاء بمثل الوزن دون الصفة، أو خلاف الجنس، ويعطيه معه عرضًا أو عينًا، لم يجز، ولا يأخذ أكثر وزنًا وأدنى صفة، ويأخذ ثمنًا، ولو سأله أن يعجل له شرطه ليومين أو ثلاثة، جاز ما لم يعطه أدنى صفة أو أعلى، فلا يجوز.
[6/44]
***(1/40)
[6/45]
ومن العتبية: قال سحنون، عن ابن القاسم: وإذا أسلم في مائة طير أحياء، مما لا يستحيا فأخذ عند الأجل من صنفها دون عددها، فذلك جائز، وإن أخذ من غير صنفها أقل عددًا، فلا خير فيه، إلا أن يأخذ دونها في العدد من غير صنفها من الطير مما لا يستحيا على التحري، أن يكون مثل المائة، وأكره الحي منه بالمذبوح، ويجوز الحي منه بالحي، على التحري في المماثلة.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، فيمن أسلم في عشرة أرطال لحم، فأعطاه جزرة فيها خمسون، فإن كان على صفة، فالبقية أفضال جائزة. قال أصبغ: والجزرة مذبوحة مسلوخة، وقد حل ما عليه، ولا يجوز إن كانت حية.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن لك أو يؤخره فلا يجوز هذا، ومن لك عليه سمراء من قمح البحيرة - محمد: من قرض أو بيع - جاز أن تأخذ منه بيضاء من قمح البحيرة، وليس بمصر سمراء، وإنما تفترق السمراء والبيضاء بالمدينة. محمد: إنما هو جائز في القرض، فأما من بيع، فلا تأخذ قبل الأجل أجود ولا أدنى.
ولو أسلم في صفة من قمح مصر، فاستغلاه، فجعلها له أجود من صفته إلى أجل، أو أوجب له بقية من غلته، أو بيضاء من سمراء، فذلك جائز، بعد أن تكون مصرية كلها. قال أصبغ: لا يعجبنا هذا من قول ابن القاسم. محمد: بل ذلك جائز إذا كانت للصفة، وإنما فضله بالجودة.
[6/45]
***(1/41)
[6/46]
في الإقالة والشركة والتولية في الطعام من بيع
من الواضحة: قال: الإقالة والشركة والتولية في الطعام مستخرجة برخصة الرسول عليه السلام، من نهيه عن بيعه قبل قبضه، كما أخرج بيع العرية من بيع التمر قبل بدو صلاحه، والحوالة من نهيه عن بيع الدين بالدين. قال: وكل ما بيع من الطعام بعرض، يرجع فيه إلى القيمة، لا إلى المثل، لم تجز فيه الشركة ولا التولية، لا بالقيمة ولا بالمثل، وتجوز فيه الإقالة، والعرض قائم، فإن فات، لم تجز الإقالة، وإن كان عرضًا يكال، أو يوزن، جازت فيه الإقالة، والشركة والتولية مثل ما يجوز في العين.
ومن المجموعة: قال أشهب: إذا كان رأس مال الطعام عرضًا يكال ويوزن، فهلك العرض، فالإقالة بعد هلاكه جائزة إن كان المثل حاضرًا عندك، ولا يجوز أخذك أرفع منه أو أدنى في وزن أو صفة، ولا يؤخره به، ولم يجز ابن القاسم الإقالة بعد هلاك ذلك، وإنما اختاره في الإقالة من طعام قبضه، ثم أفلت منه بعد هلاكه. قال أشهب: ولو كان رأس المال عرضًا يوزن أو يكال، إلا أنه جزاف، فلا تجوز بعد غيبته عليه إقالة، ولا تولية، ولا شركة، إلا أن يوقن أنه بعينه، لا زيادة فيه ولا نقصان، فيجوز ذلك كله فيه.
قال ابن القاسم، عن مالك: ولا تشترك في طعام ابتعته وهو غائب عنك، إلا أن يكون حاضرًا.
[6/46]
***(1/42)
[6/47]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا تقيل من طعام غائب ابتعته، ويدخله الدين بالدين، ولا توليه لأحد. وقاله كله مالك في الواضحة، قال: ولا يشرك فيه.
ومن العتبية: روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في من باع ثوبين بعشرة أرادب قمح إلى شهر، ثم أقاله بعد الشهر من خمسة، ورد أحد الثوبين، فإن استوت قيمة الثوبين، جاز، وإلا لم يجز. وقال سحنون في المجموعة: أخاذ أن يكون بيع الطعام قبل استيفائه؛ لأنه قد يدخله الغلط في التقويم، وقد كره ابن القاسم بيع أحد الثوبين مرابحة، وقد ابتاعهما في صفقة.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن أسلم في قمح، فاستقال منه بعد محله، فقال له البائع: خذ بعضه فبعه، فما وضعت فيه وديته إليك مع بقية قمحك، فهو جائز، كما لو دفع إليه جميعه، وضمن له ما اتضع في جميعه.
ومن الواضحة: فما اشتريت من طعام بعينه غائبًا بعيد الغيبة، فلا تجوز فيه الشركة ولا التولية ولا الإقالة، ويدخله الدين بالدين مع بيعه قبل قبضه، وإن كان حاضرًا بعينه وقد ابتعته بثمن مؤجل، لم يجز فيه الشركة ولا التولية، لا نقدًا ولا إلى أجل بعينه.
ومن كتاب محمد: وإذا أقلت من طعام، ورأس المال عرض بعينه، ثم وجد قد تلف، بطلت الإقالة، ثم لا يجوز أن يتاقيلا قبل قبض الطعام، وكذلك لو كان بعينه مما يكال أو يوزن، فلا يؤتى بمثله، وتبطل الإقالة كالبيع، أن لو هلك قبل الكيل بطل البيع.
قال مالك: وإن ابتعت طعامًا بعينه، على الكيل بثمن مؤجل، فلك أن توليه أو بعضه وتشرك فيه إذا أخرته بالثمن إلى أجله.
[6/47]
***(1/43)
[6/48]
وقال ابن القاسم في بعض مجالسه: لا تجوز فيه التولية. قال أشهب: لا يجوز فيه إلا الإقالة وحدها. قال أشهب: كمن له طعام من إجارة، أو ابتاعه بعرض، فلا يصلح فيه إلا الإقالة، فإن فات العرض، أو تغير بزيادة أو نقص، أو تم عمل الأجير كله، لم تجز الإقالة فيه أيضًا.
قال ابن حبيب: لأن الأعمال من الناس تختلف. قال أشهب: فإن عمل بعض العمل، جاز أن يقيله مما بقي، إذا أحيط بمعرفته، وإن لم يعمل شيئًا، جازت الإقالة من الجميع.
قال ابن حبيب فيمن ابتاع طعامًا حاضرًا بعينه، على كيل أو وزن أو عدد بثمن مؤجل، فلا تجوز فيه الإقالة قبل قبضه. قال في كتاب الشركة: ولا تجوز فيه الشركة، ولا التولية لا بنقد ولا إلى أجل بعينه، بخلاف ما في الذمة مما ينقد ثمنه، لأنه لا يجوز له تعجل الثمن، فيصير بيعًا والذمتان لا بد أن تختلفا في الملأ، ويختلف منهما القضاء. وقاله ابن الماجشون، وأشهب. وذكره ابن عبدوس، عن أشهب.
قال ابن حبيب: وإن كان الطعام من إجارة أو كراء، لم يجز فيه شرط ولا تولية، انقضت المدة أو لم تنقض، عمل أو لم يعمل. ثم ذكر في الإقالة مثل ما ذكر ابن المواز، عن أشهب. وقال أشهب: مثله كله في المجموعة.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإن أشركته في طعام ابتعته، على أن أشركك في طعام ابتاعه، لم يجز ذلك.
ومن المجموعة: ابن نافع، عن مالك: وإذا كان لرجلين لكل واحد منهما قمح على رجل على حدة، من بيع، فقال كل واحد منهما للآخر: ولني نصف طعامك وأوليك نصف طعامي لم يجز. قال أشهب: إذا أسلم رجلين في طعام فولى أحدهما رجلين أو أشركهما أو وهبه لهما أو ورثاه فلكل واحد منهما أن يقيل
[6/48]
***(1/44)
[6/49]
البائع من جميع ما صار له لا من فضل ما صار له أو يقيلاه جميعًا فذلك جائز. وكذلك رجل له طعام من بيع فولى رجلاً نصفه أو ثلثه فلكل واحد منهما أن يقيل من جميع حظه منه لا من بعضه أو يقيلاه جميعًا فيجوز.
وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن أسلم في طعام دينارًا فأشرك في نصفه فأحب إلي يأتي بدينار فيقبض هذا المشرك نصفه ويرد نصفه وكذلك في الواضحة قال: ولكل واحد من الرجلين أن يولي صاحبه مصابته أو يشرك معه فيها، ثم لا يقيل أحد منهم البائع إلا من جميع نصيبه.
ومن كتاب ابن المواز: وإن أسلم في طعام من أصناف مختلفة، وعروض في صفقة، لم يجز أن يقيله من صنف من الطعام ولا الثياب، ولا بأس أن يولي صنفًا منه، أو جزءًا شائعًا إذا قبض الثمن على ذلك بالعدل، لا ينظر إلى ما سميا لكل صنف، وله بيع الثياب وحدها مرابحة، ولو وليته صنفًا من الطعام على ما سميتما أولاً من الثمن، لم يجز حتى يعلم عند الإقالة أنه الذي يصيبه بالعدل، فإن تعقب بعد الإقالة على القيمة، فوجد ذلك عدلاً في القيمة لم يجز حتى يعرف في الإقالة، وإن سميتما للعرض ثمنًا، فلك بيع العرض بما بلغ من الثمن بربح وغير ربح، من غير غريمك.
أشهب عن مالك: ومن أسلم في أصناف من الطعام في صفقة، وأسعارها مختلفة، فله أن يولي صنفًا منها.
قال مالك في المجموعة: من أسلم إلى رجل في طعام من صنف واحد صفقة إلى أجل واحد، فله أن يقيله من صفقة، ويأخذ في الأخرى طعامًا.
ومن كتاب محمد والواضحة: ومن أسلم غنمًا في طعام، فحل، فلم يجد عنده إلا بعضه، فلا يجوز أن يقيل من بعضه. قال ابن حبيب: فإما أن يقيل من
[6/49]
***(1/45)
[6/50]
جميعه، أو يقبض جميعه، وله أن يقبض ما وجد، ويؤخره بباقيه، أو يضعه عنه إن شاء.
قال ابن حبيب: ولو كان رأس المال يعرف من ثياب، أو رقيق، أو حيوان، جاز أن يقيله من بعضه، ويصير بيع وإجارة، وذلك جائز.
ومن كتاب محمد، قال مالك: ون ابتاع طعامًا بعشرين دينارًا، فذهب ليأتي بأوعيته، ثم استقاله من عشرة، فذلك له جائز. قال محمد: لعله لم يغب على الثمن إلا قدر ما يتناول أوعيته أو لم ينقد، وإنما يجوز عند مالك وأصحابه أن تقيل من بعضه، إذا لم ينقد، أو لم يغب على الثمن. قال: ومن أسلم في طعام، فلا تجوز الإقالة من بعضه، وله أن يولي بعضه ويشرك فيه. قال ابن القاسم: إن قبض بعض طعامه عند محله، لم يجز أن يولي ما بقي منه، أو ما أخذ منه أو بعضه، ولا يجوز أن يوليه ما قبض مع ما بقي، ولا يشرك فيهما. هكذا وقع في كتاب محمد: لا يجوز أن يولي ما بقي منه، أو ما أخذ، وأرى الألف غلطًا، وإنما هو: وما أخذ. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية: لا بأس أن يولي ما بقي، ولا يجوز أن يولي ما بقي مع ما قبض. وكذلك في الواضحة.
قال أصبغ في كتاب محمد: لا يجوز أن يولي ما لم يقبض خاصة. ومن كتاب ابن المواز: وما أسلمت فيه من طعام أو غيره، فقبضت بعضه، فلا يجوز أن تقيل مما بقي، ولو رددت عليه ما اقتضيت، وأقالك من الجميع، فهو حرام، وبيع الطعام قبل قبضه، وكأنه أقالك مما بقي، على أن وليته ما قبضت. قال مالك: إلا أن يكون ما قبضت يسيرًا، كخمس أرادب أو عشرة من مائة، فأرجو أن يكون خفيفًا.
[6/50]
***(1/46)
[6/51]
قال ابن القاسم في العتبية: وأنا أكرهه في القليل والكثير. قال أشهب في المجموعة: وقول مالك فيه استحسان، وإذا نقدت بعض الثمن في طعام أو عرض، ثم تفرقتما، جاز أن تقيله مما نقد، لا من بعضه، أو تقيله مما لم ينقد، ومن بعضه، ومما نقد ومما لم ينقد. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم نحوه في العتبية.
محمد: قال مالك: وإن لم يقبض منه الطعام حتى أقاله، ثم فارقه قبل قبض رأس ماله، فليس له إلا طلب رأس المال، ولا حجة له في فسخ الإقالة بتأخير الثمن. قال محمد: ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من أصحابه. وقد روي فيه أن الإقالة فاسدة، وكذلك في التولية، إلا أن يتأخر، مثل دخول البيت فهو خفيف، وإلا فليرجع بالطعام، إلا أن يقيله ثانية، وكذلك في العرض في ذمة، يقيل منه، أو يوليه، أو يبيعه من غيره، فلا يتأخر رأس المال إلا مثل البيت من السوق. قال ابن القاسم: فأرجو أن يكون خفيفًا. وأما بيع دين على رجل، فيجوز تأخير رأس المال فيه يومين وثلاثة. وذكر سحنون هذه الرواية التي أنكر محمد عن أشهب، أن الإقالة جائزة وإن تأخر الثمن شهرًا.
قال محمد: قال ابن القاسم: وإن وكلت من يدفع إليه رأس المال في الإقالة في الطعام، ودخلت، ووكل هو من يقبض وذهب، فإن دفع الوكيل مكانه، جاز، وإن تأخر، لم يجز، وكذلك إن كان الثمن عرضًا. قال محمد: إن كان عرضًا بعينه حاضرًا، فلا بأس بذلك.
ومن المجموعة: قال سحنون في مسألة ابن القاسم، في إقالة المرسض من طعام من بيع، ولم يدع غيره في تخيير الورثة. قال سحنون: الإقالة لا تكون إلا ناجزة، وفعل المريض موقوف. قال أبو بكر بن اللباد: لعل ابن القاسم يعن أن
[6/51]
***(1/47)
[6/52]
المريض مات مكانه. قال أبو محمد: ولو قيل بفسخ الإقالة ما لم يمت، فإذا مات صار ضرورة، كمن أقال وهرب، فقد قالوا: تصح الإقالة، وأعرف لبعض أصحابنا أنه إن أقال في مرضه الذي عليه الطعام، وليس له إلا ثمنه، ثم مات، فإنه يبدأ بدينه فيقضى، وهو الطعام، فما بقي كان له ثلثه إن لم يجز الورثة.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن أسلم في طعام، وأخذ به رهنًا، أو حميلاً، فولاه رجلاً على إسقاط الحميل أو الرهن، فلا خير فيه، ولو أسقطه المبتاع قبل ذلك، جازت التولية إذا تبين له أنه كان وأنه أسقطه.
ومن اشترى قمحًا بعشرة، ثم استزاده البائع، فزاده درهمًا، فلا يوليه إلا بأحد عشر، بعد أن يبين الزيادة. قال محمد في كتاب المرابحة: لا ينبغي التولية فيه بحال.
في إقالتك من الرطب أو من بعضه بعد أن أثمر
وأخذك ذلك في تفليس
وشرائك الطعام ممن بعت منه طعامًا أو إقالتك له
من العتبية من سماع أشهب: ومن باع من رجل ثمر حائطه رطبًا بمائة دينار وعشرين دينارًا، ثم قضاه بخمسة عشر دينارًا من الحائط منها رطبًا أو تمرًا، ثم ابتاع ما بقي في الحائط - وهو تمر - جزافًا في رؤوس النخل بسبعين من ثمنه، فلا بأس به، ولو كان ما بقي رطبًا، لم يجز، لتأخيره، فيصير الدين بالدين. وقال عنه أشهب أيضًا: إنه كره أن يشتري منه ذلك بعد أن يبس في رؤوس النخل بجميع الثمن أو بعضه، وخاف أن يدخله الرطب بالثمن وإن كان ثمره بعينه، وكذلك لو باعه بمائة دينار إلى الجذاذ، ثم اشتراه إلى يومين، أو عند الجذاذ، وهو تمر بعشرين ومائة، فقد قال: لا خير فيه. قال: ولو أخذه منه وقد
[6/52]
***(1/48)
[6/53]
أثمر في التمر فقط، فلا خير فيه، قال: ولو أخذه عند تفليس الغريم لجاز؛ لأن الحكم أوجبه له، كما لو كان عبدًا ابتاع ففلس. وقد أبقى فرضي باتباعه، فإن وجده أخذه، وإلا رجع فحاصص الغرماء. قال في كتاب ابن المواز: لأنه في ضمان المبتاع حتى يقبضه. وهذه المسألة في كتاب ابن المواز مثل ما ذكرنا. وذكر كراهية مالك أن يقيله منه بعد أن صار تمرًا. قال محمد: وذكر عنه غير هذا، وهذا أحب إلينا.
محمد: قال مالك: وإن بعت من رجل طعامًا بعشرة دنانير إلى أجل، ثم ابتعت منه في ذلك الطعام بدينارين نقدًا، لم يجز، ويصير الطعام ودينارين بعشرة مؤجلة، ولا تأخذ منه بالدينارين قصاصًا، فيصير بيعًا وسلفًا.
قال مالك: ولا بأس أن تبتاع منه مثل المكيلة والصفة بمثل الثمر فأكثر نقدًا أو مقاصة. وأجاز مالك أن يأخذ أقل كيلاً بمثل الثمن، ثم قال: إني لأتقيه. وقال ابن القاسم: لا يعجبني. وكذلك مثل الكيل أدنى في الجودة، ولا تأخذ أقل من كيله بحسابه، ولا بجميع الثمن.
وإن بعت منه سمراء، فأقلته، وأخذت سمراء مثل الكيل وأدنى صفة، قال ابن القاسم: أرجو أن يكون سهلاً، وفيه مغمز. قال أصبغ: جائز. وقد خففه مالك. وأجازه أشهب. وإن كان أقل كيلاً. وكذلك قال أشهب في المجموعة، وقال: والترك أحب إليَّ؛ لأنه يتقى فيه ما لا يتقى في الذهب والورق.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ويجوز أن يأخذ طعامه الذي باع بربح ثوب أو دينارين، وإن غاب عليه المبتاع، قال: وإن باع طعامًا بثمن مؤجل، ثم تقايلا بزيادة من أحدهما، فإن لم يفترقا، فلا بأس بالزيادة ممن كانت، إذا كان قد اكتال المبتاع الطعام ما لم تكن زيادة المبتاع عينًا، أو من الثمن ما كان الثمن. قال مالك: فلا خير فيه. قال: وإن كان بعد التفرق بالكيل، فلا تجوز الزيادة من المبتاع بحال، وإن كانت الزيادة من البائع، فجائز إذا كانت إقالة من بيع الطعام.
[6/53]
***(1/49)
[6/54]
وفي هذا المعنى في الإقالة بزيادة في طعام أو عرض باب ما يشبهه من الآجال، في غير هذا الكتاب، وهناك باب في شرائك لطعام ممن بعت منه طعامًا.
ومن الواضحة: ومن باع من رجل طعامًا كيلاً بدينار إلى أجل، فاستقال منه البائع قبل يوفيه إياه بدينار يدفعه إلى ذلك الأجل، أو بأقل أو أكثر، فلا يجوز، ولو كان المبتاع هو المستقيل بالدينار جاز، وكأنه وهبه الطعام، والدينار باق عليه إلى أجله، فأما بدينار يخالف سكتة أو بأقل من دينار أو بأكثر، فلا يجوز.
في بيع الطعام من القرض قبل قبضه
أو كان من غصب أو تعد
وما لا يجوز فيه الاقتضاء
من كتاب محمد: وإذا كان لك طعام من قرض، فلك بيعه قبل محله وبعد محله ممن هو عليه، ومن غيره، إذا تعجلت ثمنه، ولا تأخذ فيه من غريمك طعامًا يخالفه قبل محل الأجل، وذلك جائز بعد محل الأجل، ما لم يكن بغير البلد، ولا تأخذ فيه طعامًا من أجنبي، وإن حل الأجل إلا أن يقبضه هو من غريمك قبل أن يفارقك، ولك بيعه من غريمك قبل الأجل بالبلد أو بغيره، بما شئت من ثمن نقدًا عدا الطعام، وإذا حل، فلك بيعه منه بالبلد بما شئت من الطعام، فإن كان من صنفه، فلا تأخذ إلا مثل مكيلته، ولك أن تأخذ دقيقًا إذا حل، وإن كان أقل من الكيل، فهو مكروه. قال ابن القاسم: يجوز من ذلك ما يجوز في المبادلة. وأجاز أشهب في القرض إذا حل، أن يأخذ طعامًا ما أدنى صفة وأقل كيلاً من طعامك، ما لم تكن المحمولة أنقى نقاء من سمرائك. وأجاز أخذ الدقيق أقل كيلاً ما لم يكن الدقيق أجود من دقيق قمحك. ويجوز مثل كيله أجود أو أردأ، ولا يجوز أكثر من كيله وإن كان أجود منه أو مثله. واتفق مالك، وابن القاسم، وأشهب،
[6/54]
***(1/50)
[6/55]
أنه لا يأخذ من القرض قبل الأجل سمراء من محمولة، ولا محمولة من سمراء مثل المكيلة، ولا قمحًا من شعير، ولا صيحانيًا من عجوة، ولا جنسًا غيره من الطعام والإدام.
وفي المدونة أن ابن القاسم أجاز أخذ سمراء من بيضاء، ثم رجع. قال أصبغ: ولك من القرض أخذ سمراء من سمراء أجود جودة قبل الأجل، ولا يجوز أدنى. ولا يجوز في البيع أخذ أجود ولا أدنى قبل الأجل.
قال مالك: ومن له إردب من قرض، فباعه قبل الأجل بدينار إلا درهمًا، انتقده، ونقد الدرهم، لم يجز. وأجازه ابن القاسم، وإن كثرت الدراهم. ومن عليه طعام من غصب أو تعد، فهو كالقرض في بيعه قبل قبضه.
وفي الباب الأول ذكر بيع الهبات والميراث والأرزاق والصلات من الطعام قبل قبضه.
قال ابن القاسم: ومن باع تمرًا عنده وديعة، فربه مخير في أخذ التمر، أو يغرمه مثل طعامه، كان باعه بطعام أو غيره. قال أشهب: إن باعه بتمر أزيد، لم يجز لربه الرضا بالتمر؛ لأنه طعام بطعام، فيه خيار، وإن باعه بتمر لنفسه، خير ربه بين الرضا بالتمر، أو بمثل القمح. محمد: صواب. فإن باعه بتمر لنفسه، فليشتر بالتمر قمحًا، فإن كان القمح أكثر من قمحه، فذلك لرب القمح. أشهب: وإن باعه بثمن غير الطعام لنفسه أو لربه، فالخيار لربه في الرضا بذلك، أو يأخذ مثل قمحه.
قال مالك: والمأمور بتقاضي حق فيتقاضى فيه طعامًا. وقال: صاحبي مخير، فإن لم يعلم بفساده، فلا بأس به، وإن تعمد ذلك بمعرفة، لم يجز. قال ابن القاسم: يرد الطعام، جهل أو علم.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: ومن أقرض ويبة قمح، فلا بأس أن يأخذ نصفها قمحًا، ونصفها دقيقًا أو تمرًا أو شعيرًا، وله أن يأخذ
[6/55]
***(1/51)
[6/56]
بالنصف إن شاء ما يجوز فيه التفاضل مع القمح أزيد كيلاً، فأما ما لا يجوز معه فيه التفاضل، فلا يأخذ إلا مثل ما بقي له من الكيل. وإذا أقرضه ويبة محمولة، فلا يأخذ نصفها سمراء، ونصفها شعيرًا، أو شيئًا ما من الأشياء في صفقة واحدة، ولو قبض أولاً في نصفها سمراء أو شعيرًا أو دقيقًا، ثم انصرف عنه، ثم عاد إليه، فأخذ بالباقي زيتًا، أو عرضًا، أو طعامًا، فذلك جائز إذا لم يكن ذلك في مرة واحدة. ومن أقرض رجلاً قمحًا، فقضاه نصفه دقيقًا ونصفه شعيرًا، فإن كان الدقيق أوضع من القمح فذلك جائز، وإن كان أرفع، لم يجز، ولو قضاك في نصف القمح تمرًا، على أن أعطاك بنصفه شعيرًا أو سلتًا، فلا خير فيه إن كان في مجلس واحد، ولو أخذ بنصفه تمرًا، ثم تقاضاه بعد ذلك فأعطاه بنصفه شعيرًا، فذلك جائز إذا صح.
في بيع الأشياء بعضها ببعض نقدًا
وسَلَمِ بعضها في بعض من جنس واحد
وبيع الشيء بما يخرج منه أو ينبت منه أو يعمل منه
وما في ذلك من ذكر المزابنة
من كتاب محمد: وكل شيء عدا الطعام - يريد: المدخر - من صنف واحد، والذهب والورق والفلوس، فيجوز فيه التفاضل يدًا بيد، كيلاً ووزنًا وعددًا، ولا يجوز فيه كيل بجزاف، ولا جزاف بجزاف حتى تبين الفضل. قال: ولا يسلم شيء في مثله، ولو أنه الحصباء، وزيادة شيء منه أو من غيره، أو منفعة ما، ولا بأس أن يسلم شيء فيما يخالفه خلافًا بينًا. قال مالك: لا خير في التبن في القصب. وجعله صنفًا واحدًا. وقال: هو كله علف. وقد قيل: هما نوعان. محمد: وهما أشد تباعدًا من رقيق ثياب الكتان وغليظها، وأجاز مالك القصب بالنوى إلى أجل.
قال: والحديد جيده، ورديئه صنف حتى يعمل سيوفًا وسكاكين وأعمدة وغير ذلك، وكذلك النحاس، فيصير أصنافًا باختلاف المنافع، لا بالوزن.
[6/56]
***(1/52)
[6/57]
محمد: والسيوف صنف، إلا المرتفع منها، المرتفع الحديد، فذلك صنف، ولا خير في السيف بأرطال من حديد إلى أجل، ولا في أرطال نحاس في قدر نحاس إلى أجل، ولا بأس بنحاس بثور نحاس يدًا بيد. محمد: موازنة وإن تفاضل، ولا يصلح جزافًا حتى يتبين الفضل بأمر بيِّن، ولا خير في فلوس بنحاس صحيح أو مكسور على حال، وتدخله المزابنة، وقد اختلف فيه قوله، وهذا أحب إلينا.
والكتان كله صنف، جيده ورديئه، حتى ينسج فيصير الرقيق صنفًا والغليظ صنفًا، وكذلك القطن. قال في الواضحة: وكذلك الحرير كله صنف. محمد: وكره مالك ثوب صوف بصوف، يدًا بيد، أو إلى أجل قريب لا يعمل في مثله ثوب للمزابنة. وكره جلدًا بعشرة أحذية مقطعة، كان من جلده أو من جلد غيره، وكذلك الكرسف بغزله يدًا بيد، وكتان منقوض بمغزول. محمد: وهذا فيما تقارب، وأما لو دفع رطلي صوف في ثوب صوف أو رطلي صوف بعشرة أرطال مغزولة - يريد: نقدًا - أو جلدًا كثيرًا بزوج أو زوجي حذاء يدًا بيد لجاز.
قال مالك: ولا بأس بثوب مروي بثوب مخيط مروي. قيل له: إنه كأنه يقول: أعطني من الثوب قميصًا والزائد لك، وما نقص فعليك. قال: إن أراد هذا، فلا خير فيه. محمد: إن لم يعرفا قياس الثوب الغير المخيط، فلا خير فيه، وكأنه ضمن له قميصًا طوله كذا من شقته.
ومن الواضحة قال: ولا يباع شيء بما يتولد منه إلى أجل، مثل صوف في ثياب صوف، أو كتان أو قطن في ثيابه، أو جلود في فرو. ولا يباع لوز الحرير بمغزوله أو بمعموله إلى أجل، ولو عجلت الثياب فيما تولدت منه، لجاز، وهو يجوز كله يدًا بيد، أيهما كان بالآخر، ولا خير في جلد بقري بأزواج نعال مسماة، ولا خير في ثوب وشي بظهائر، لا نقدًا ولا مؤجلاً للمزابنة، وإذ لا صنعة فيه تخرجه
[6/57]
***(1/53)
[6/58]
إلى إجازته، بخلاف صوف بثوب صوف، يدًا بيد، أو كتان بثوب كتان، أو جلود بأحذية معمولة، هذا جائز نقدًا، ولأن فيه صنعة بينة، ولا يتأخر ما قابلها إلى أجل يعمل فيه، فيدخله المزابنة.
والحديد كله صنف، ذكيره ولينه، فلا يجوز متفاضلاً ولا مكسورًا بمعمول إلى أجل، وكذلك الصفر، نحاسه وشبهه، والآنك قصديره ورصاصه، لا يجوز الأجل فيه تفاضلاً ولا مكسورًا بمعمول، ولا بأس بذلك كله نقدًا.
ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك القرظ الأخضر باليابس، إلا أن يتبين الفضل بالكثرة البينة، أو لم يتبين، ولا خير فيه إلى أجل. وقال في النوى والخبط وغيره يباع جزافًا بمكيل من نوع واحد، فلا ينبغي أن يتبين الفضل جدًا ما خلا الطعام.
ولا بأس برطل كتان مغزول، من صنف واخح، يدًا بيد، وكذلك منقوض بمنقوش، ولا خير في رطل غزل كتان رقيق أسمر، برطل كتان مغزول رقيق أبيض، إلى أجل، ويجوز يدًا بيد، ولا خير في كرسف بغزله إلى أجل. قال محمد: وإن كان يدًا بيد دخلته المزابنة، إلا على الوزن منهما، فيجوز وإن تفاضل، وأما إلى أجل، فيدخله سلف جر منفعة، وإن كان مثلاً بمثل. قال: وكل شيء يباع وزنًا بجزاف، من صنف، أو كيل، أو عدد، بجزاف منه أو جزاف بجزاف، فهو من المزابنة، كان ذلك من الطعام والإدام وأصنافه، أو غير الطعام من جميع الأشياء، من الثياب، والحناء، والكتان، والكتم، والنحاس، والعلف، وغيره. قال ابن القاسم: ولو كان ترابًا، فلا يصلح حتى يتبين الفضل بأمر بيِّن، فيكون مثله وشبه ذلك. وهذا في غير العين والطعام، إلا طعامًا يجوز فيه التفاضل، فهو فيه
[6/58]
***(1/54)
[6/59]
جائز على ما ذكرنا. قال: وإذا قال: زن، أو: كل، أو: عد سعلتك هذه، وأنا أضمن لك منه كذا وكذا، فما زاد لي، وما نقض فعلي، لم يجز، وكذلك في الثوب يضمن له كذا وكذا قميصًا، أو ظهائر فلا نش على هذا. وكذلك حب البان بالسليخة. قال مالك: إنما يكره حب البان بالسليخة، وأما بالبان المطيب وقد طيب ونشي، فجائز للصنعة التي فيه.
قال: ولا خير في القصب بعسله ولا بربه، ولو برد وطبخ وصار صنعة، جاز بعسله وبقصبه، ويكون كالبان المطيب بالسليخة، والخل بالتمر، ولا شيء في الجلجلان بالزنبق المطيب، نقدًا ولا مؤجلاً، بخلاف مطيب البان. قال مالك: والأدهان صنف، الزنبق، والراذقي، والكادي والخيري، فلا يجوز فيه التفاصل إلى أجل. قال: والمطيبة منها مثل الزنبق، والورد، وشبهه، كلها نصف لا يكون فيه التفاضل إلى أجل؛ لتقارب منافعه، ويجوز يدًا بيد. وروى أشهب أن مالكًا نهى عن التمر بالنوى إلى أجل. قال عنه ابن القاسم: ولا يدًا بيد. وقيل: لا بأس به، وأجازه ابن القاسم نقدًا، وإلى أجل. وقاله أصبغ. محمد: ما لم يكن التمر حشفًا لا يراد منه إلا النوى.
قال ابن القاسم: ولا خير في عصفر في ثوب معصفر إلى أجل، ولو كان الثوب معجلاً في عصفر، لجاز، ولا يقضي من ثمن حب اشتراه شيئًا بنبت من ذلك الحب في ذلك الأجل إلى ذرعه. قال مالك: وما هو بحرام بيِّن. ولا بأس بتمر بنخل، يدًا بيد، وإلى أجل، إذا وصف النخل، ولم يكن فيها تمرة يوم يأخذها لا طلع ولا غيره.
[6/59]
***(1/55)
[6/60]
وقد تقدم في باب بيع الشيء بما يتولد منه من الطعام فيه من معاني هذا الباب.
ومن الواضحة: وإذا تباينت الأصناف في الثياب والعروض، وتباعدت، جاز سلم شيء في غير صنفه. قال: فثياب القطن صنف وإن اختلفت جودتها وأثمانها وبلدانها، أو كانت هذه عمائم، وهذه أردية أو شقق، لتقارب منافعها، إلا ما كان من وشي القطن، واليوسفي والصنعاني، والسعيدي، ومثل ثياب القصب والحبر والمشطب والمسير وشبهه، فلا بأس ببياض القطن بثياب منه متفاضلاً إلى أجل، وكذلك ثياب القصب بثياب وشي القطن، لاختلاف المنافع والجمال.
وما اختلف أيضًا في الرداءة الجودة، والغلظ والرقة، فتباين وتباعد في بيعه وجماله، فهو صنفان، يجوز فيه التفاضل إلى أجل، وكذلك ثياب الكتان صنف على ما ذكرنا، إلا أن تختلف اختلافًا شديدًا، بالرقة والغلظ، والرداءة والجودة، فيجوز فيها التفاضل إلى أجل.
وثياب الحرير كلها صنف وإن اختلفت الأثمان، والجودة والصنف من أردية وأخمرة، ومقانع وشقق ولفائف، وكذلك ثياب القز، وثياب السفيق، إلا ثياب وشي الحرير، أو ثياب الخز، فلا بأس بها ببياض ثياب الحرير، واحدًا باثنين إلى أجل، وثياب الخز صنف، إلا أن تختلف في الغلظ والرقة، والرداءة والجودة، وتتباعد، فيجوز التفاضل فيها إلى أجل، وثياب الصوف والمرعز كلها صنف، فإن اختلفت بالبلدان والأثمان، لا يجوز كساء مرعز بكساء صوف إلى أجل.
وكذلك بالجباب ولا يجوز ساج طرازي بكرديين، ولا قرمص بطرازيين، أو افساساري بمصريين إلى أجل حتى تختلف أنواع صنعتها، مثل الطيقان
[6/60]
***(1/56)
[6/61]
الطرازية بالجيب المرعزية، ومثل القطف بالبسط، والأكسية بالرقم كله، يجوز متفاضلاً إلى أجل، وكذلك ثياب الصوف تتباين في الرقة والغلظ، فيجوز فيها ذلك، وأما صنف في خلافه، مثل ثوب قطن في ثياب كتان أو صوف أو وشي أو خز أو حرير، واحد باثنين من الصنف الآخر إلى أجل، فجائز، وإن اتفق ذلك في الجمال والرقة والنفع لاختلاف الأصول. والخشب صنف وإن اختلفت أصوله، إلا أن تختلف المنافع والمصارف مثل الألواح بخشب الجوائز وشبهها فيجوز ذلك متفاضلاً.
والأدهان الطيبة إذا كانت مختلفة الأصول والصنعة، جاز فيها التفاضل في الأجل، كاللبان بالزنبق، والزنبق بالمقتت متفاضلاً إلى أجل، وما استوى في طيبه واشتبه، لم يجز ذلك فيه كاللبان البرمكي بمثله، أو بالطريد، أو الزنبق بالزنبق من بلد أو من بلدين، فلا يجوز حتى يختلف في طيبه اختلافًا شديدًا، كالبرمكي بالثليث، أو الطريد بالخميس، والزنبق العراقي المطيب بالمربد من المصري، فأما بالرأس من المصري، فلا يجوز؛ لأنه معتدل في طيبه أو عشبته، فأما المقتت من الأدهان، فتشابه الطيب ليس له تباين يجوز به المثل بالمثلين إلى أجل.
والحناء صنف على اختلاف بلدانها، وكذلك الزعفران والمسك والكافور، كل واحد منه صنف على اختلاف بلدانه، كالمسك الصعدي بالسندي، والكافور الرياحي بالمصعد فلا يجوز، وأما مسك بكافور، أو حناء بزعفران، فجائز فيه التفاضل إلى أجل. قال: والماء العذب والشريب صنف، لا يصلح متفاضلاً إلى أجل، ولا بأس بعذب أو شريب في أجاج إلى أجل متفاضلاً، والتراب الأسود بالأبيض صنفان، وكذلك الجير بالتراب الأبيض. قال: والعُمُدُ بالصخر، والكدان بالرخام، والجندل بالحجارة، أو بالجص، والرخام بالعمد، فهذا كله مختلف، يجوز فيه التساوي والتفاضل، نقدًا أو إلى أجل. قول ابن حبيب: الرخام
[6/61]
***(1/57)
[6/62]
بالعمد يعني رخامًا لا يكون منه العمد، وما استوت منافعه ومصارفه، لم يجز ذلك فيه، كالجندل بالحجارة.
من العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع كبشًا بصوف إلى أجل، فإن كان قريبًا لا يكون فيه للكبش صوف، فلا بأس به، وإن كان بعيدًا يكون له فيه صوف، فلا خير فيه. قال مالك: ولا يصلح بيع نخل بتمر إلى أجل يكون فيه للنخل تمره، ولا خير في البطيخ بزريعته إلى أجل يكون فيه من الزريعة بطيخ، لا تبالي أيها أخرت، البطيخ أو زريعته. قال عنه محمد بن خالد: لا بأس بكراث نقدًا بحب الكراث إلى أجل، ولا خير في حب الكراث نقدًا بكراث إلى أجل، ولا بأس بحب الكراث بمثله متفاضلاً، يدًا بيد، وبيعه قبل قبضه.
قال عيسى: قال ابن القاسم: ولا بأس بالقصب بالسكر.
جامع ما ينبغي في السلم من صفة وأجل
وتعجيل نقد وغيره ووجوه ما يجوز منه وما لا يجوز
من كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا بد من صفة معلومة في السلم، وأجل معلوم.
قال مالك: فإن وصف القمح في السلم، ولم يذكر سمراء من بيضاء، فإن كان بمصر، فهو على البيضاء، وبالشام على السمراء، وإن كان بالحجاز، لم يجز حتى يسمى سمراء من محمولة.
وقال مالك أيضًا: في مصر لا يجوز حتى يسمى سمراء وبيضاء مع الصفة. محمد: وهذا أحب إلينا. وقاله ابن عبد الحكم، إنه يفسخ. وقال أصبغ: لا يفسخ إن نزل، والبيضاء قمح مصر الغالب فيها، ولا يكاد يكون بها السمراء إلا ما أصابته عاهة. قال ابن حبيب: ذلك جائز في كل بلد إذا سُمي
[6/62]
***(1/58)
[6/63]
جيدًا أو وسطًا، إلا بالحجاز بالمدينة ومكة، فلا يجوز حتى يسمى سمراء أو بيضاء، لاجتماع الصنفين هناك، تحمل إليهم البيضاء من مصر، والمحمولة من الشام، فإن ذكر هناك سمراء أو بيضاء، أو لم يذكر الصفة، لم أبلغ به الفسخ، وله وسط مما سمى، وأما البلد الذي ليس فيه الصنفان، وإن كان في ذلك البلد من قمحه يجتمع أسمر وأبيض، وينبت فيه مختلطًا، فيجربه أن يصف، فيقول: جيدًا نقيًا، أو وسطًا نقيًا، أو معلوثًا وسطًا، فإن لم يضف النقاء والفلث وسمى جيدًا أو سطًا أجزأه، ويجمع بالوسط يكون في جودته ونقائه، وإن سميا نقيًا، أو معلوثًا، ولم يذكر الوسط أو الجودة، لم يجز، وإن سمى سمراء أو بيضاء في موضع الصنفين، فلا حتى يذكر الجودة أو الوسط.
(ع) أراه يعني في موضع ينبت فيه الصنفان لا في موضع يحمل إليه قال وكذلك من أسلم في قمح، وسكت عن الصفة، فيفسخ هذا كله، وإذا شرط جيدًا، فله الجيد المعروف العام، ليس له الخاص حتى يشترطه، وكذلك إن ذكر وسطًا، فله الوسط العام في الحب والنقاء، وكذلك في الشعير، وإن لم يذكر فيه أبيض من أصفر، وذكر جيدًا وسطًا أو معلوثًا وسطًا، أجزأه، وإن ذكر مع ذلك أبيض أو أصفر، كان أحسن، فإن لم يذكر جيدًا أو وسطًا، لم يجز.
وكان ابن القاسم لا يجزئ عنده ذكر جيدًا أو وسطًا، حتى يذكر النقاء، وسمراء أو بيضاء يعني بالحجاز، وأبيض أو أصفر في الشعير، وإلا فسخه، والأول قول من أرضى من أصحاب مالك، وقاله أشهب وأصبغ.
[6/63]
***(1/59)
[6/64]
ومن العتبية روى أبو زيد، عن ابن القاسم، فيمن ابتاع من رجل مائة إردب قمح إلى الحصاد، ولم يسم قديمًا ولا جديدًا، فأراد أن يعطيه عند الحصاد قمحًا قديمًا، قال: إذا كان على ضفته، فلا بأس به. يريد: يلزمه قبضه وإن أبى.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن أسلم في زيت، فلم يذكر جيدًا من رديء، ولكن ذكر أصله، فإن كان تختلف صفته عند الناس، لم يجز، قيل لابن القاسم: أيأخذ من غيره، ويطبع عليه حتى يأخذ صفته؟ قال: لا يصلح. قال أصبغ: إذا كان مضمونًا لم يصلح ذلك فيه، وإن كان بعينه غائبًا، فجائز ما لم يشترط خلف مثله. ومن الواضحة، قال: وليذكر في الزيت مع ذكر الصفة زيت الماء، وزيت المعصرة، وإن كان يجتمع في ذلك البلد زيت بلدان، ذكر من أي بلد، ويذكر جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، وإلا لم يجز، وكذلك السمن بصفة بقري أو غنمي، وجيدًا أو وسطًا أو رديئًا، وإلا لم يجز، ويصف بذلك العسل، مع ذكر خاثر أو رقيق، وإلا فسخ، وإن كان في البلد عسل بلدان شتى، فليذكر عسل أي بلد، وإلا لم يحتج إلى ذلك.
ولا يجزئه في التمر ذكر جيد أو رديء؛ لكثرة أجناسه، فلا بد أن يسمي الجنس، ثم يذكر جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، وإلا لم يجز، وكذلك في التين اليابس بالأندلس؛ لأنه أجناس، وليذكر معه منثورًا أو مكتلاً أو محملاً، فإن وقع على غير ذلك، فسخ.
وأما الزبيب، فلا يعرف عندنا بأجناسه، لكن ببلدانه، فيحتاج بقرطبة أن يذكر من أي بلد هو، وأن يقول: أحمر أو أسود، شمسي أو دخاني. ويذكر جيدًا أو وسطًا. وأما بغير قرطبة، فيستغنى عن ذكر البلد؛ لأنه إنما يصف زبيب البلد الذي أسلم فيه، وما وقع فيه على غير هذا فسخ.
[6/64]
***(1/60)
[6/65]
ولا بد في الجوز من ذكر جيد أو وسط، ويذكر مع ذلك، صغيرًا أو كبيرًا، أو رقيق البشرة أو غليظها، ويسلم فيه عددًا أو كيلاً، وما وقع فيه على غير هذا فسخ. ولا يسلم في غير الجوز من يابس الفاكهة على العدد لصغره، وليذكر جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، ويسلم في التفاح، والرمان، والسفرجل، عددًا، أو كيلاً ولا يجوز وزنًا، ويذكر مقداره وأجناسه، وجيدًا أو وسطًا أو رديئًا، ولا يسلم في البيض على كيل أو وزن، لكن عددًا، ويذكر القدر من صغير أو كبير أو وسط، ويسلم في البطيخ والقثاء وشبهه، عددًا أو وزنًا، أو أحمالاً مع الصفة، وأن يؤخذ في إبانه، وليذكر في اللحم، الجنس والسمانة، ويجزئه قوله: سمينًا. ويكون له السمن المعروف عند الناس لا الخاص. وإن قال: وسطًا من السمانة فحسن، وإن لم يذكر من أين يأخذ، من جنب أو فخذ، فجائز، وإن ذكره، فحسن. وذكر مثله في كتاب ابن المواز، قال: وهذا رأي أهل العراق، وذلك باطل، ولكن يذكر السمانة والنحر، وضأنًا أو معزًا. قال أصبغ: وإن ذكر وسطًا من السمانة، فحسن، وإن قال: سمينًا، فجائز، وله السمن المعروف، كقوله في الطعام: جيدًا. فله الجيد المعروف العام، وإن أعطى في اللحم من البطن، لزمه إذا كان بقدر، وقد عرف الناس وجوه ذلك كله، وكأنه رأى أن يعطي بقدر البطن من لحم الشاة.
ومن الواضحة: وإن أسلم في الحيتان، ولذلك إبان، فليشترط أخذه في الإبان، ويذكر الجنس والقدر، من صغر أو كبر، مع ذكر الوزن.
وكذلك السلم في الدجاج الحية والمذبوحة، ويذكر السمن والهزال، والصغر والكبر. وكذلك الإوز والحمام، ويذكر العدد في الأحياء، ويذكر في سائر الطير مثل ما ذكرنا.
ومن كتاب محمد: ولا يسلم في فداين بقل أو قرظ أو قصب، وإن وصف طولها وعرضها، وجودتها ورداءتها، وغزرها وخفتها. قال في الواضحة: إذ لا يحاط بذلك، وكذلك القصيل، ولا ينبغي في ذلك كله إلا على أحمال،
[6/65]
***(1/61)
[6/66]
أو حزم، وصفة معلومة. قال ابن المواز: وقال أشهب: ذلك جائز كله، ومن لم يجزه؛ لأن الجيد منه مختلف، والوسط مختلف، لزمه ذلك في الحبوب، ولا مقال له في ذلك.
ومن الواضحة: ولا يكون السلم إلا إلى أجل معلوم. وكره الأجل القريب، كالثلاثة أيام، أو خمسة، وأجازه ابن المسيب، وإن نزل لم أفسخه.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا خير في السلم إلى يوم أو يومين، كان في طعام أو ثياب أو حيوان. قال ابن القاسم: وكرهه ابن المسيب، وربيعة، والليث. قال محمد: فإن نزل، فلو فسخ كان أحب إلي، ولم أصرح به لاختلاف قول مالك فيه.
وروى عنه ابن القاسم، وابن وهب، في السلم في الطعام، قال عنه ابن وهب: وفي الثياب والحيوان إلى يومين أو ثلاثة: إنه جائز. قال عنه ابن وهب: وغيره أحسن منه. وقال أصبغ: إن نزل، لم أفسخه، وليس بمكروه بين. وقال مالك في حناط أعطى على أربعة آصع، على أن يعطي مدًا كل يوم، قال: لا بأس به. وكذلك في العتبية. محمد: وقال ابن عبد الحكم: بُعدُ الأجل في السلم أحب إلينا من اليوم واليومين، وكل لا بأس به. قال محمد: ولو كان على أن يوفيه ذلك بقرية أخرى لجاز، وإن كان حالاً لاختلاف سعر البلدين، فلم يقصد الخطر.
وقال مالك فيمن أسلم في طعام حالاً: يؤخذ بالريف، مسيرة يومين أو أكثر.
قال ابن القاسم: البلدان آجال، لا بأس أن يسلم إليه فيه، على أن يوفيه إياه بموضع كذا، غير بلد التبايع.
قال أصبغ: يريد وإن قرب الأجل، يومًا أو يومين، أو حالاً لا أجل فيه إلا قبضه بالبلد الآخر، فذلك كالأجل البعيد ببلد التبايع.
[6/66]
***(1/62)
[6/67]
ومن سلف، ولم يذكر موضع القضاء، لم يضره ذلك، وهذا مما لا يحتاج إلى ذكره وليوفه بموضع التبايع في سوق تلك السلعة، فإن لم يكن لها سوق، فحيث ما وفاه من البلد أجزأه. وقال سحنون: يوفيه ذلك بداره إن لم يكن لها سوق.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن أسلم في طعام إلى أجل يوفيه إياه، على أن على البائع حملانه من الريف إلى الفسطاط، فذلك جائز.
قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا أسلم فيه على أن يوفيه إياه بموضع سماه، ثم أعطاه دينارًا يتكارى به عليه إلى موضع آخر، فإن كان يقبضه منه بموضع شرط، ثم يتكارى له عليه إلى موضع، فجائز؛ لأنه يصير بعد في ضمان المبتاع، وإن لم يقبضه منه بموضع شرط، لم يجز.
روى سحنون، عن ابن القاسم، فيمن أسلم في مائة دينار، في مائة إردب قمحًا، ومائة كبش موصوفة، يأخذ كل يوم إردبًا أو كبشًا، فذلك جائز. وقاله مالك في الحنطة، قال: وإن أسلم فيها إلى خمسة أيام، يأخذها، قال: إن وقع لم أفسخه وأنا أتقيه. قال: وإن مرض المسلم إليه أو أفلس، فذلك ضامن عليه، وإن كان رأس المال في هذا إلى أجل، ولم يقدموه، فلا بأس به، وليس من الدين بالدين.
قال: وإذا مرض الجزار، أو مات، أو أفلس، فبخلاف ذلك، فإن مرض مرضًا بينًا، أو جاء عذر بيِّن، فسخ ما بقي. وقال غيره: لا يجوز في مسائلك في الطعام والغنم، إلا لمن كان ذلك عنده، وإلا فلا خير فيه.
محمد: قال مالك: وكل ما أسلمت فيه إلى أجل، يحتاج فيه إلى ذلك الشيء، فأخلفك عن وقته، فليس لك فسخ البيع، وكذلك الضحايا يخلفك فيها
[6/67]
***(1/63)
[6/68]
حتى تزول أيام النحر، وكذلك الراء كله، إلا كراء الحاج وحده، إذ إن زالت أيام الحج، ولم يأت المكتري إلى السلطان يكتري، له فسخ ما بينهما.
وقال في كتاب ابن المواز: من البيوع: وإذا باع على أن يوفيه حقه بأفريقية، ولم يضرب أجلاً، ولعله على خروج، وقد عرف مبلغه ومسيره، أو أسلم إليه على هذا، فأما السلم فأكرهه، ولا أفسخه، وأضرب له أجلاً قدر مسيرة، وأجازه أشهب بدءًا، وأما البيع فمنقوض - يريد في قوله: يوفيه بإفريقية: أنه ببلد منها قد عرفاه.
قال ابن القاسم: ومن أسلم في قراطيس طولها عشرون ذراعًا، فقال المشتري: يأخذ بذراعي. وقال البائع: بل بذراعي، فليحملا على ذراع وسط. وكذلك روى أصبغ، عن ابن القاسم في العتبية. قال أصبغ: هذا حسن، والقياس: الفسخ.
ومن كتاب محمد: ولا بأس أن يسلم إلى أهل الصناعات، وليس ذلك عندهم. قال مالك: والسلم إلى الحائك في الثياب هو وغيره سواء، إذا كان بصفة معلومة، جاز.
وأجاز ابن القاسم في مسألة سلم الحمير في صغار البغال، قال: إن كان إلى مثل خمسة أيام، فجائز. قال مالك: ومن أسلم في جز صوف، فسمى ما يأخذ من الفحول، ومن الخصية والإناث، فلا يشتري حتى يقرب جزازه، وإن كان مضمونًا إلى أجل، فليسم الوزن والصفة.
قال ابن القاسم: وإذا تأخر رأس مال السلم إلى محل الأجل، وهو عين، لم يجز. ثم رجع فقال: لا يفسد السلم بذلك، إلا أن يشترط ذلك. وقاله أشهب. قال ابن القاسم: وإن أسلم عشرة دنانير في سلعة، فنقد خمسة، وتأخرت خمسة إلى محل الأجل، فليدفع خمسة، ويأخذ سلعته. قال ابن
[6/68]
***(1/64)
[6/69]
القاسم: ما لم يكن بشرط في الصفقة، فإن لم يكن بشرط، وطال التأخير بتعمد أو شغل، فالسلم تام. وقال ابن وهب: إن تعمد الغيبة، فالسلم تام، وإن لم يتعمد، فسد السلم. قال ابن حبيب: نحو ما تقدم أنه لا يفسد إلا بالشرط. وزاد: إذا مطله برأس المال، أو ببعضه والتوى به حتى حل الأجل، فالبائع مخير، إن شاء أخذ منه بقية رأس المال، وأعطاع طعامه، أو يعطيه حصة ما نقده فقط، إن كان نقده بعضًا، وإن لم يلتو المشتري بالثمن، وإنما ذلك بسبب البائع، فالطعام كله لازم له، وليأخذ ما بقي له، وكذلك من باع طعامًا بثمن مؤجل، فلم يقبض المشتري بعض الطعام حتى حل الأجل، فإن كان البائع مطله به، لم يلزم المبتاع إلا ثمن ما قبض، وإن أمطله البائع، فلم يقبض، فليؤد بقية الثمن، ويأخذ جميع الطعام.
قال ابن المواز: كره مالك ترك الطعام عند بائعه بثمن مؤجل. قال مالك في العتبية: وإن اكتاله. قال محمد: ولا يفسخ بذلك. قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يتواضعا الثمن في البيع المضمون. يريد: حتى يقبض السلعة.
قال ابن حبيب: وأما السلم فيما يشرع في أخذه، ويتصل، مثل اللحم والرطب والفاكهة، فيجوز تأخير الثمن إلى أجل بشرط، وإن كان بين القبض والعقد أجل، لم يجز تأخير الثمن.
وفي باب السلم في ثمر حائط بعينه من هذا، وبقية القول فيه.
في الشراء نم ثمر حائط بعينه والسلم فيه
وشراء لبن غنم بأعيانها والسلم فيه
من كتاب محمد: وأجاز مالك الشراء من ثمر حائط بعينه بعد زهوه، ليأخذ ذلك رطبًا، وإن ضرب للثمن أجلاً، وهو يشرع في أخذه إلى عشرة أيام أو
[6/69]
***(1/65)
[6/70]
عشرين، واشترط أخذه تمرًا لم يجز، فإن نزل وفات لم يرد، وكذلك في زرع قد أفرط، يأخذه حبًا يابسًا. قاله مالك. وكذلك في الواضحة.
قال محمد: قال ابن وهب: كره مالك أن يسلم فيه وقد أرطب. قال: ولا يدري كيف تأتي الثمرة. وقد تأتي أقل مما اشترى، وكرهه في رواية أشهب، فإذا زها، قال: وقد تعاد الثمرة، ولا يدري كيف تأتي، وكذلك في زبيب كرم بعينه أو تين، وإن وقع ذلك لم يرد. ومن البيوع ما لا يرد إذا وقع. قال أشهب: لا يرد، وإن كان بسرًا.
وقال مالك: أكره السلم في ثمر حائط بعينه، وقد أزهى على أن يأخذه ثمرًا، فإن وقع، لم يرد، وأما شراء ثمرته جزافًا بعد أن طابت ليتركها حتى تيبس، فذلك جائز، بخلاف الكيل، ولا ينبغي أن يشتري ثمرة حائط على الكيل، على أن يأخذه ثمرًا. وكره مالك شراء لبن شاة أو شاتين، أو الناقة جزافًا، واستخفه على الكيل. قال مالك: وإنما يشتري منه على الكيل، أو يقدم فيه ما يعلم أنه يجده مأمونًا، وإلا لم ينبغ، وأما جزافًا فلا، إلا في غنم لها عدد، ولكن إن وقع، لم يفسخ، وإن كان ابن القاسم لا يجيزه. وقد قاله كله مالك.
قال أشهب عن مالك: ولا يسلم في لبنها إلا في إبانه، ويشترط كيلاً، لا يأخذه قبل انقطاعه، ويشرع في الأخذ إلى أيام يسيرة. يريد: ويستثني ما يأخذ كل يوم. وقاله ابن القاسم وغيره في موضع آخر. قال: وتكون الغنم حينئذ ملبنة، لها عدد، ولا يصلح ذلك في الشاة والشاتين، والبقرة والناقة. قال أشهب: إلا أن يشتري من ذلك يسيرًا على الكيل، مثل الربع وشبهه، مما الغالب أن ذلك منه مأمون. وأجازه ابن القاسم في الشاة والشاتين على الكيل في الإبان، ويشرع فيه. وروى أشهب عن مالك نحوه.
[6/70]
***(1/66)
[6/71]
قال أبو زيد في العتبية، عن ابن القاسم: إذا استوقن أنها تحلب مثل ما شرط، أخذه كل يوم. وروي عن مالك، أنه أجاز شراء لبن شاة شهرًا، إذا كان شيئًا معروفًا. وروي عنه أنه كرهه. قال أصبغ: فإن وقع، لم أفسخه، إذا كان في الإبان، وعرف حلابها، وفيها يومئذ لبن، والغرر فيه وفي العدد سواء، وهو في الواحدة أثقل.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: من اكترى بقرة أو ناقة، للحرث أو للسقي أشهرًا، ويشترط حلابها، فذلك جائز إن كان في الإبان، وعرف وجه حلابها.
قال أصبغ: لا أفسخه في الشراء والكراء، إلا أن لا يعرف وجه حلابها، فيفسخ. ولا يصلح السلم في سمن غنم بأعيانها، ولا في جبنها، ولا في أقطها وزبدها، كما لا يصلح شراء ما يخرج من لبن بعينه. قال أشهب: إلا في الجبن والحالوم، فإني أستخفه؛ لأن وجه ذلك معروف، وإن بولغ في عمله أو يوتر عنه.
ومن العتبية روى أشهب، عن مالك في شراء لبن غنم شهرًا، أنه جائز، فإن ماتت شاة، أو أصابها ما نقض لبنها، وضع عنه، وإن نقضت كما ينقض لبن الغنم فيما عرف، لم يوضع لذلك شيء إذا نقص نقصان مثلها.
من سماع ابن القاسم: ومن اشترى من رجل ثمرة، على أنه إذا أدخلها بيته فهي له كذا وكذا صاعًا بدينار، ولم ينقد شيئًا، فلا بأس بذلك.
[6/71]
***(1/67)
[6/72]
في السلم في صوف غنم معينة أو في جلودها
أو في زيت أو دقيق من حب بعينه أو من حب أو بذر بعينه
أو عمل شيء من شيء بعينه أو عمل رجل بعينه
أو طحين شيء ببعض ما يخرج منه أو شراء ما يخرج منه
من كتاب محمد: وقال مالك في السلم في صوف غنم بأعيانها: إن كان في إبان جزازها فجائز، وكذلك إن باعها واستثنى جزازها، فجائز في إبان جزازها، وإلا فلا، وإن قل ما يسلم فيه من الصوف، ويجوز أن يتأخر الجزاز إلى عشرة أيام وخمسة عشر.
قيل: أفيشتري جلود غنم أو بقر بأعيانها أحياء؟ قال مالك: إن كان ذلك، وكان متقاربًا، فجائز، وإن جعله بالخيار حتى يفرغ منها وينظر إليها، فإن لم ينقد، فجائز. قال عنه ابن القاسم: ما هو بحرام بيِّن، وما يعجبني. وقال ابن القاسم: يفسخ، إلا أن يفوت الجلد، فلا يفسخ. قال مالك: وإن باعه الجلد، على أنه إن سلم، فلا يعجبني، وإن لم ينقده، ولا بأس بالسلم في زيت زيلون بعينه، أو جلجلان بعينه، على الكيل، وبالنقد فيه إن كان خروجه معروفًا مأمونًا، كما يعرف حال القمح، يسلم في دقيقه، وإلا لم يجز النقد، وأما شراء زيته جزافًا، فلا يجوز بحال، وكذلك لو باعه جلجلانه، وشرط كسبه، وكان باعه ما يخرج منه.
وكذلك شراء زرع يابس بالتين، على أن على البائع تهذيبه، فأما قمح على أن على البائع طحينه، فكرهه مالك، ثم أجازه واستخفه ابن القاسم.
قال مالك: ولا يشترى زيت هذا الحب جزافًا، ولا بأس به على الكيل.
[6/72]
***(1/68)
[6/73]
قال مالك: وليس حب الفجل بزيته، واللبان بالسليخة مثل الدقيق بالحنطة؛ لأن الدقيق قد عرف كيف يأتي. قال مالك: ولا بأس بالسمراء من حب زرع بعينه يابس على الكيل، وهو يتهذب إلى خمسة عشر يومًا، وينقد الثمن، وكذلك من طعام في سفينة حتى يفرغ، ولو ترك النقد في طعام السفينة، كان أحب إليَّ.
قال مالك: ويجوز شراؤه وهو زرع جزافًا أو كيلاً، ما لم يشترط في الجزاف تهذيبه، ولو كان أندرًا أو جريشًا م يجز شراء حبه جزافًا، ويجوز على الكيل إن كان في الأندر وفاء مما شرط، ولا يجوز طحين قمح بشيء من دقيقه ولا من نخالته، ولا بدقيق عن حب غيره بعينه، ولا طحينه بنخالته، وكذلك الزيت في عصر الزيتون، وشراء ذلك جائز، ولا خير في بيع خل من هذا التمر بعينه، أو من عنب، أو من زبيب بعينه، ولا بيع ثمر، ويشترط منه خلا، ولا خير في السلم في طوب مطبوخ من هذا الطين، أو من هذا الطوب النيء، ولا في تودة من هذه الحجارة.
وإن ابتاع ثوبًا بقي من نسيجه ذراع، على أن يتمه له، لم يجز. قال ابن القاسم: إلا أن يبقى مثل الأصبعين، ولا بأس أن يشتري منه تور نحاس، على أن يعمله له إذا أراه بنحاس ووصف ما يعمل، وكذلك ظهارة على أن يعملها له قلنسوة، والحذاء، على أن يجذى له، والثوب، على أن يخيطه له، ويشرع في ذلك. قال: ويجوز له أن يبيعه قبل قبضه. قال محمد: بل لا يصلح بيعه قبل قبضه؛ لأنه شيء بعينه لا يصلح الضمان فيه. قال: وفرق بين الثوب يشتريه، على أن يتم له نسيجه، والتور النحاس يعمله له: أن النحاس إن جاء خلاف ما شرط، كسرة، فأعاده له، والثوب لا يمكن ذلك فيه، ولا يدري كيف يجيبه، ولا يجوز أن يسلم في عمل رجل بعينه، أو عمل شيء من شيء بعينه، مثل نحاس يصنعه قمقمًا، أو ظهارة قلنسوة، ويضرب فيه أجلاً، يكون عليه مضمونًا، ولا يصلح،
[6/73]
***(1/69)
[6/74]
نقده أو لم ينقده، إلا أن لا يكون مضمونًا ويشرع في العمل، أو في مثل يسير الأيام، وإلا لم يجز، إلا أن يسلم إليه سلمًا مضمونًا، لا يشترط عمل أحد بعينه، ولا من شيء بعينه، وينقده إلى يوم أو يومين، ويضرب للعمل أجلاً قريبًا أو بعيدًا، فذلك جائز، وكره أشهب شراء الثوب، على أن على البائع قصارته وأجازه في الخياطة.
ذكر ما يجوز فيه بيع الجزاف وما لا يجوز
ومن اشترى من صبرة باعها شيئًا
من كتاب ابن المواز، قال مالك: لا يباع جزافًا إلا ما يكال ويوزن، فلا بأس ببيعه جزافًا، إلا في الدنانير والدراهم والفلوس، وكبار الحيتان، ولا يباع ما كثر من الدقيق والثياب جزافًا. قال: وما عرف كيله أو وزنه، فلا يباع جزافًا، فإن باعه وهو يعلم كيله، فالمبتاع مخير في رده أو حبسه. قال مالك في كتاب ابن المواز، وابن حبيب: ولو قال البائع: إني أعرف كيله، فيقول المبتاع: رضيت أخذه جزافًا بكذا، فلا يجوز، وقاله مالك.
قال ابن حبيب: قال ابن المسيب: إذا علمت كيل طعامك، ثم اكتلت منه صدرًا، فلا تبع ما بقي جزافًا. قال ابن حبيب: وذلك إذا عرفت قدر ما بقي في التقدير، فأما إن جهلته لكثرة ما اكتلت منه، فذلك جائز.
وفي العتبية من سماع ابن القاسم، فيمن ابتاع طعامًا كيلاً، فأقام عنده، أو حمله إلى بلد، أو باع بعضه، أيبيع باقيه جزافًا، ولا يدري ما حدث فيه من نقص أو سرقة؟ قال: فلا ينتغى ذلك، إلا أن يخرج منه كيلاً كثيرًا وينساه، أو جزافًا كثيرًا، ولا يدري ما بقي منه، فله بيع باقيته جزافًا، فأما أن يخرج إردبًا أو إردبين، ثم ينسى مبلغه، أو يخرج قدر ذلك جزافًا، فلا يبيع ما بقي جزافًا حتى يتبين، وهو كمن يعلم كيل الصبرة، لقلة ما خرج منها.
[6/74]
***(1/70)
[6/75]
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا يجوز أن يباع ما يعلم أحد المتبايعين عدده من جميع الأشياء، لا قثاء ولا غيره، وهو كالعيب يرد به إن شاء. قال ابن حبيب: لا يباع ما يعرف أحدهما عدده أو وزنه أو كيله جزافًا، إلا في القثاء والبطيخ والأثرج، وما تختلف مقاديره، فلا بأس بذلك - يريد ابن حبيب: لأن العدد لا يؤدي فيه إلى تعريف اختلاف مقاديره.
ومن العتبية، ابن القاسم، عن مالك: ولا تباع كبار الحيتان جزافًا في أحمال ولا صبر حتى تعد. ويباع صغار الحيتان جزافًا، مثل صغار الخشب، فأما إذا صار صغار الحيتان في ظروف، فلا يعرف عدد الظروف، بخلاف البطيخ والقثاء في أحماله، وإن كان عظيمًا، ولا بأس بشرائهما مصبرين.
قال مالك في كتاب ابن المواز: ولا بأس ببيع القمح في غرائره، والزيت في زقاقه جزافًا. قال محمد: يعد العلم بعدد الغرائر الزقاق، وكذلك المسك في جماجمه، وبعد أن تريه من ذلك شيئًا.
قال ابن القاسم، عن مالك في العتبية، وكتاب ابن المواز: ولا يباع القمح في أندره جزافًا قبل يدرس.
قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: ولا بأس ببيع صغير الخشب، أو صغير الحيتان جزافًا، ولا يجوز في كبيرها إلا العدد، فإن صار صغارها في ظروف، كقلال الصبر في سفينة أو في بيت فلا يجوز إلا عددًا.
ومن الواضحة، وكتاب ابن المواز: ولا يجوز بيع ما يعد عددًا جزافًا، من الدقيق، والثياب، والحيوان، والبزور، وسائر العروض التي لا تكال ولا توزن، وقد يكون شيئًا مما يباع عددًا يباع جزافًا، كالجوز، والبيض، ورطب الفاكهة من الرمان، والفرسك، والقثاء، والتين، والموز، والأترنج، والبطيخ، وصغار الحيتان.
[6/75]
***(1/71)
[6/76]
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وإنما ذلك في كل شيء له بال منه، وكذلك صغار العصافير، وأما كبار الحيتان والطير، فلا.
قال ابن حبيب: وإنما ذلك فيما يشق عدده مما صغر وكبر مما ذكرنا فما يشق عدده، وأما ما عظم مما سمينا، مثل الأترنج وشبهه مما حزر وحدد مما إذا نظره الناظر أحاط بعدده أو بجله، فلا يباع جزافًا حتى يكثر جدًا، ويعمى أمره، ومن ذلك البطيخ، والطير المذبوح، وكبار الحيتان، وضبه ذلك. وأما الطير حيًا في الأقفاص، فلا يباع جزافًا، قل أو كثر، حتى يعد؛ لأنه يمرح ويلوذ، ويدخل بعضه في بعض، فيعمى أمره.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا بأس ببيع برج الحمام بما فيه جزافًا، ولا أعرف شراءه أجلاً مسمى. قال ابن القاسم: إذا باع جميع ما فيه، أو باعه بما فيه، ونظر إليه، فجائز، وإن لم يعرف عدده. قال أصبغ: وبعد أن يحيط به بصره وحزره، فرب كبير قليل العمارة، وصغير عامر. وكذلك في العتبية، وقاله أصبغ، عن ابن القاسم.
ومن كتاب ابن المواز، قال: وما علمت في شيء يباع وزنًا، يجوز بيعه كيلاً.
قال ابن القاسم: ولا يباع القمح بوزن، إلا أن يكون عرف وجه وزنه، ولا بمكيال غير جار، إلا بموضع لا مكيال فيه من الصحارى، وكذلك سائر الحبوب، ولا يبدل المكيل منها وزنًا بوزن. قال مالك: وما يعد أو يوزن فلا يباع بعضه ببعضه كيلاً، مثل الدنانير والدراهم والفلوس، ولا ينبغي في الفلوس جزاف، ولا كيل، ولا وزن، ولكنه عدد. قيل لمالك: فما يكثر عليهم كيله مما ابتاعه على الكيل، ومن تمر، أو زبيب، أو دقيق، أو بصل، فيكيل وسقًا، فيزنه، فيعلم ما فيه ثم يأخذه وزنًا؟ قال: إن لم يحتلف، فلا بأس به. ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك.
[6/76]
***(1/72)
[6/77]
قيل له: إنا نبتاع العصفر وزنًا، وقد نهى صاحب السوق أن يباع إلا كيلاً؟ قال: إنما كان يباع كيلاً، وهو الصواب.
قال ابن القاسم: ومن ابتاع غرارة مملوءة طعامًا جزافًا بدينار، فذلك جائز، فإن قال: فرغها، واملأها لي بدينار. لم يجز، وكذلك الصبرة يقول: أعطني بقدر كيلها بكذا وكذا. ولا يعرف كم كيلها. قال ابن حبيب: وكذلك قارورة مملوءة دهنًا، يجوز أن يشتريها جزافًا، ولا يجوز أن يقول: املأها لي من هذا الدهن بكذا.
ومن العتبية روى أبو زيد أنه كره بيع التمر عددًا. قال: وكره مالك بيع الرطب عددًا وأراه مثل التمر.
وقال ابن وهب: إذا أحاط بصره به، صغيره وكبيره، فلا بأس به. قال ابن القاسم: لا بأس به في اليسير، مما لا يمكن فيه الكيل، وعن هذه النعال السبتية التي يجعل فيها الخفاف، تشترى جلودها موازنة، قال: لا يجوز ذلك. ولو جاز هذا، جاز بيع الثياب موازنة.
ومن كتاب ابن المواز: ولا يسلم بمكيال قد أبطل. قال أشهب: إلا أن يعرف قدره من المحدث الجاري. قال مالك: ومن ابتاع بمكيال، ثم زيد فيه، كان كيلهم التطفيف، ثم صار بالتصبير، فله بالمكيال القديم.
قال مالك: ومن باع ويبة وحفنة، فليسم أي حفنة، وأرجو أن يكون خفيفًا. وقال: هو جائز بموضع لا مكيال فيه، والمكيال أحب إليَّ، وقيل: هو جائز كمن باع بذراع لم يسمه، فله وسط من ذلك وكذلك الحفنة. محمد: والحفنة أشد منه. وكره سحنون الحفنة.
[6/77]
***(1/73)
[6/78]
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن اشترى مكتلاً مملوءًا طعامًا بدينار، ثم قال: فرغه واملأه لي ثانية بدينار، فإن كان بموضع مكيال لم أحبه، وكذلك لو جاء بغرارة يملؤها له بدينار، وقاله مالك.
قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن وجد عنده سلا مملوءًا تينًا، وقال: أنا آخذه منك، وأملؤه ثانية من التبن بدرهم، فهو خفيف، بخلاف غرارة القمح، ألا تراه لا يسلم في غرائر قمح، ويجوز أن يسلم في سلال تبن.
وقال سحنون فيمن باع ثلاثة أحمال زبيب، وقال للمبتاع: إن فيها ثمانية أرطال تين أستثنيها. فقبض المبتاع الأحمال، فوجد فيها أحد عشر رطلاً من التين، فلينظروا إلى الثلاثة الأرطال الزائدة في التين، كم هي من الزبيب بعد طرح الثمانية أرطال سدسها أو ثلثها، فيوضع قدرها عن المبتاع من الثمن.
ومن كتاب ابن المواز، وابن حبيب - وهي في العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: وإذا أراد رجلان شراء صبرة جزافًا، فأبى أحدهما إلا كيلاً، فاشترى خمسة أرادب بخمسة دنانير، الآخر ما بقي بخمسة، فإن كان المكيل منها قدر الثلث فأدنى، جاز ذلك، وإلا لم يجز، وليست بشركة، وإنما باع من الأول خمسة، وباع من الآخر ما بقي بعد كيل له أن يستثنيه. قال في العتبية: وليست كالغنم، يكون له مائة فيبيع عشرة من خيارها، ثم يبيع باقيها من رجل، هذا لا يجوز، مثل خيار الأول، ويجوز أن يستثني من الصبرة القليل. والضأن لا يدري ما يبقى منها، والطعام صنف واحد، ليس لما يأخذ منه كيلاً فضل على ما بقي من الجزاف. وقال مثله ابن حبيب في الصبرة، أو تمر النخلة يبيع منها من رجل كيلاً، ومن آخر باقيها، فإن كان الكيل الذي باع يجوز استثناؤه لقلته، فذلك جائز.
[6/78]
***(1/74)
[6/79]
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن باع تمرًا جزافًا، ولم يقبض ثمنه، ثم ابتاع منه كيلاً، فإن كان أكثر من الثلث، لم يجز، نقد أو لم ينقد، وإن اشترى إلى أجل، فلا يجوز أن يشتري منه دون الثلث بنقد.
قال سحنون: ولا شيئًا منه بنقد. قال مالك: وإن تفرقا، فلا يجوز أن يشتري منه أقل من الثلث بنقد، ولا بغير نقد، وإنما يجوز له أن يشتري منه أقل من الثلث إذا لم يتفرقا بغير نقد.
ومن الواضحة: ومن الغرر بيع العنب وغيره من خضر الفواكه بالقمح موازنة، كما لو قال: أعطني بوزن هذه الحجر قمحًا، أو عنبًا بكذا. وكذلك بيع العنب والتين بشيء من الطعام كيلاً بكيل، أو كيلاً بكيلين، إن كان بقصعة أو بشيء لا يعرف مقداره من الكيل الجاري، فلا ينبغي إلا بموضع ليس به مكيال جار.
في البيع على التصديق في الكيل والوزن
أو قال زن فما نقص أوفيتك
وفي إدخال الظرف في الوزن
من الواضحة: وقد استثقل القاسم بن محمد وغيره بيع الطعام على التصديق في الكيل. وأجازه كثير من التابعين. قال مالك: وإنما كرهوه إذا بيع بالتأخير، والذريعة فيه أبين.
ومن كتاب محمد، والواضحة: ومن ابتاع طعامًا سمي له كيله، أو كان حاضرًا كيله، فهو أبدًا على الكيل حتى يشترط فيه التصديق، ولو ابتاعه على الكيل، جاز أن يدعاه على التصديق، ثم لا رجوع للمشتري إلى الكيل بعد ذلك. وقاله أصبغ.
[6/79]
***(1/75)
[6/80]
ومن الواضحة: وإذا ابتاعه على التصديق، فألفاه ناقصًا أكثر من نقص الكيل، مما لا يكون غلطًا ومعه بينة، لم يغب عليه دونهم، فله الرجوع بحصة ذلك ثمنًا، فإن لم يجد بينة، حلف البائع، فإن نكل حلف المبتاع، ورجع بما ذكرنا، وما بيع على التصديق مما يكال أو يوزن، فهو كالطعام، ولا يجوز بيع طعام كيلاً أو جزافًا، بشيء من الطعام على التصديق مما يجوز فيه التفاضل، ولا يجوز لأنه طعام بطعام غير ناجز؛ لأنه يجيز كيله بعد التفرق، ومن ابتاع طعامًا على التصديق، فلا يبعه على الكيل، ولا على التصديق قبل أن يكيله هو، أو يغيب عليه، ويدخله بيعه قبل قبضه، إذ لا يتم فيه البيع إلا بكيله، أو الغيبة عليه. وقاله مالك، وابن كنانة في المسألتين. وأجازه فيهما ابن القاسم، وابن الماجشون، وأصبغ.
ومن العتبية، ابن القاسم، عن مالك فيمن ابتاع زقًا فيه سمن بقمح جزافًا، وزعم بائع الزق أن فيه عشرة أقساط، فكره مالك أن يأخذ بقول صاحبه. وأجازه ابن القاسم. وأخذ سحنون فيه بقول مالك. وقاله المخزومي.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: ومن اشترى صبرة، على أن فيها كيلاً مسمى، فوجدها تزيد، فليرد الزيادة، ويلزمه البيع في الباقي.
واستخف مالك شراء الزيت والسمن في الزقاق وزنًا، ويدخل الزقاق في الوزن، وربما يريد المبتاع حملها كذلك إلى بلد آخر، وذلك أن الناس عرفوا وجه ذلك، ووزنها، والتفريغ. ووزن الظروف أصح، ولو علم أن القلال في التقارب كالزقاق لأجزت ذلك، ولكن بعض الفخار أغلظ من بعض، فلا أحبه.
ومن كتاب ابن المواز، عن ابن القاسم، ومن العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: ومن لقي رجلاً في سفر، فابتاع منه دهنًا معه، ونقده الثمن، ودفع إليه الدهن وقال له: وزنه كذا وكذا، فإن صدقه، فذلك جائز. وإن قال
[6/80]
***(1/76)
[6/81]
له: زنه، وأنت مصدق، وما نقص فعلي، فإن كان يزنه إلى قريب من موضع عقد البيع مثل الميل ونحوه، كان ما يزيده من عصير الدهن الذي باعه فجائز، وإن كان يتأخر وزنه أيامًا، قال في كتاب محمد: أو إلى بلد يبلغها، يريد: وهو عنده. وقال في العتبية: إلى غاية سفره، لم يجز؛ لأنه ضمنه، وضمن له نقصًا لا يدري مبلغه، نقده الثمن أو لم ينقده. قال ابن القاسم: أإن كان ما يتم له من الدهن ليس من عصيره ولا من صفته، لم يجز، وإن وزنه بحضرته وقربه؛ لأنه التزم نقصًا لا يدري مبلغه يوفيه من صنف غيره. قال في كتاب محمد: وإن لم يقل: فما نقص عليَّ. ولكن قال: يحط بحسابه. وكان يزنه عن قرب، وذلك جائز إذا شرط ذلك في أصل العقدة، أو جعلاه بعد العقدة، غير أنه لا ينقده إلا قدر ما لا يشكان فيه، فذلك جائز، إذا كان الوزن قريبًا من شروط النقد، ولو اتزنه بموضعه، وشرط ضمانه وحملانه على البائع إلى بلد آخر، لم يجز وفسخ. قيل: فأين يرده على البائع بموضع الصفقة، أو بموضع القبض؟ قال: بموضع قبضه، فإن مات وكان مما يرد مثله، فليرد مثله هناك، وإن كان مما يرجع إلى القيمة فيه، فقيمته حيث يقدر عليه ويحكم له. وقال ابن القاسم: قيمته حيث قبضه منه. قال في العتبية: فإن وقع على أن يزنه ببلد آخر، فإنه يفسخ، فإن فات الدهن، رد مثله بموضع قبضه، إن عرف مثله، وإلا فقيمته بموضع قبضه. يريد: يأخذ منه تلك القيمة حيث ما لقيه.
في بيع كيل مع جزاف
وبيع صبرتين على سعر متفق أو مختلف
والبيع مع صبرة صفقة صفقة بعد صفقة على الكيل
من العتبية، من سماع ابن القاسم: ولا خير في شراء صبرة طعام جزافًا بمائة دينار، على أن يعطيه من صبرة أخرى شعيرًا خمسين إردبًا بخمسين دينارًا.
[6/81]
***(1/77)
[6/82]
قال عنه أشهب: ولا خير في شراء صبرة، كل قفيز بدينار، على أن يزيده في الجملة ثلاثة أقفزة.
قال عيسى: قال ابن القاسم: ولا خير في صبرة قمح وعشرة أرادب شعير بدينار. قاله مالك؛ لأنه خطار ولا يشترى شيء كيلاً مع جزاف من غيره. قال عنه أصبغ: لا يباع كيل وجزاف من طعام واحد، أو من صنفين، وهو أشر، اتفق السعر أو اختلف، ولا إن كان الكيل قليلاً، مثل إردب أو ويبة، فإني أكرهه، ولا يباع جزاف كيلاً وعروض معه ما كان من شيء لا يباع مع الجزاف، وذلك إذا أخذ جميع ما في الصبرة كيلاً مع العروض؛ لأنه لا يدري ما يبلغه. وكذلك في كتاب ابن المواز عنه، وزاد: إلا أن يسمي ما يأخذ من الكيل. فأما أن يأخذ الصبرة كلها كيلاً، ومع ذلك غيره، فلا يصلح ذلك، وكذلك لا يصلح عدد وجزاف على هذا.
قال أصبغ: أنا أقوله خوف الذريعة للمزابنة استحسانًا واتباعًا، وليس بالبين، ولا أعلم من قاله قبله. وقد أجازه أشهب. قال أصبغ: قلت له: فطعام واجد في الجودة، وهو صبرتان ابتاعهما في صفقة إيجابًا بسعرين، هذه ثلاثة أرادب بدينار، وهذه إردبان بدينار؟ قال: لا خير فيه، إلا أن يسمي بكم من دينار يأخذ من كل واحدة. قال أصبغ: وهذا إغراق، وأرجو أن يكون خفيفًا.
ومن العتبية، وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ولا يباع طعامان مختلفان على كيل متفق أو مختلف في صفقة، مثل قمح وتمر، ولا من جنس واحد، والصفة مختلفة، مثل قمح وشعير، أو قمح جيد ورديء، اتفق الكيل أو اختلف، اتفق السعر أو اختلف، إلا أن يسمي كم يأخذ من كل صبرة من دينار في ذلك كله. قال في كتاب محمد: أو يشتريها جزافًا، فيجوز، اختلفا أو اختلف الثمن.
[6/82]
***(1/78)
[6/83]
ومن كتاب محمد: ولا خير في أن يباع من شيء واحد كيل وجزاف في صفقة، ولا من صنفين، هذا بكيل أو وزن، وهذا جزاف، كان طعامًا أو أحدهما، أو كانا غير الطعام. قال مالك: ولا أن تشتري صبرة قمح جزافًا بمائة، على أن يعطيه من صبرة أخرى شعيرًا كيلاً، لم يجز.
قال مالك: ولا يباع الدقيق والثياب جزافًا، ولا يباع دقيق وثياب في صفقة، لا على جزاف ولا عدد، حتى يعلم عدد كل صنف، وإن سمى لكل رأس أو ثوب ثمنًا، اتفق الثمن أو اختلف، ولا يصلح هذا أيضًا في سلعتين مختلفتين تشتريان في صفقة، على أن تكون واحدة بوزن أو عدد، والأخرى جزافًا، ولا يشتري سلعتين مختلفتين، على العدد قبل يعلم عدد كل صنف، كما لا يصلح بيع جاريتين بثمنين مختلفين، يأخذ إحداهما، قد لزمته.
محمد: ومثل أن يبتاع كذلك، هذا كل ثوب بكذا، وهذه الغنم كل شاة بكذا، استوجب جملتها قبل يعلم عددها، ولو اشترى منها مائة ثوب، أو اشترى مائة كبش من الكباش بكذا، جاز ذلك إذا استوت، ولا بأس بشراء صبرتين من جنس واحد، وهما صنف واحد جودة، وجنسًا كل قفيز بكذا بسعر واحد، وكيل واحد صفقة واحدة. وقاله أصبغ. ومن كتاب محمد، قال: ولا يجوز ذلك إن اختلف السعر.
ومسألة بيع دراهم سود وبيض مختلطة بسعر متفق أو مختلف في اختصار الصرف.
ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، فيمن باع من رجل مائة فدان من زرعه، كل فدان بدينارين، من ناحية منه عرفاها، وتم البيع، وواعده ليقيس له في غد، ثم ابتاع منه في غد مائة أخرى، كل فدان بثلاثة دنانير قبل يقيس الأولى، فقاس، فلم يجز في زرعه إلا مائة وسبعين فدانًا، قال: مائة منها
[6/83]
***(1/79)
[6/84]
تحسب بدينار كل فدان، وما بقي حسبه، كل فدان بثلاثة دنانير، ويصير النقصان في الصفقة الأخرى، وكذلك إن باع مائة قفيز من قمح عنده بمائة دينار، ثم باع منه أو من غيره قبل الكيل مائة أخرى بخمسين، فلم يوجد فيها مائتان، فيبدأ بالمائة الأولى، وما بقي فلصاحب الثانية بسعرها، ولا يتحاصان فغي النقصان.
باب فيمن له قبل رجل صوف
فأخذ منه كباشًا مصوفة أو جززًا جزافًا
قال في العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن له قبل رجل مائتا رطل صوف قد حلت، وأخذ منه بها سبعة أكبش مصوفة، وسبعة مجزوزة، فإن عرف قدر ما على المصوفة من الصوف، حتى لا يفوته التقدير إلا باليسير: رطل أو نحوه، فلا بأس به، وإن كان لا يعرف، وفي جهله بذلك عبن كثير، فلا خير فيه. قيل: فإن أخذ منه بصوفه جززًا من غير وزن، قال: إن تحرى ذلك حتى لا يزيد أو ينقص إلا يسيرًا فلا بأس به، وإن لم يعلم إلا بتغابن كثير فلا خير فيه.
تم الكتاب بحمد الله وعونه
وصلى الله على محمد نبيه
[6/84]
***(1/80)
[6/85]
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
الجزء الثاني مما يحل ويحرم من البيوع
ما ينهى عنه من بيع العينة
وما يتهم فيه أهلها وما أشبه هذا من بيوع النقود
ومن قال لرجل اشتر سلعة كذا وبعها مني بدين أو بنقد
من كتاب ابن المواز، قال محمد: ومن قول مالك وأصحابه: أنه إنما تكره العينة في البيع إلى أجل، فأما في بيع النقود، فلا، إلا لمن عرف بالعينة المكروهة، فإذا كانت البيعة الأولى إلى أجل، والثانية إما بنقد وإما إلى أجل فاتهم فيها كل أد، فإن خرج ذلك إلى شيء مكروه، فلا نجزه، وإذا كانت البيعة الأولى نقدًا، فلا يتهم في الثانية إلا أهل العينة خاصة.
قال أصبغ: وإذا كان أحدهما من أهل العينة، فاعمل على أنها جميعًا من أهلها.
ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: ومن باع سلعة بثمن نقدًا، فقبضه، قال في كتاب ابن المواز: ثم ابتاعها منه بأكثر منه نقدًا. وقال في المجموعة والواضحة ثم استقال منها بزيادة من البائع نقدًا أو إلى أجل، قالوا عن مالك: فذلك جائز، إلا من أهل العينة. وقال في كتاب ابن
[6/85]
***(1/81)
[6/86]
المواز: فيتهمون أن يريد سلف عشرة بخمسة عشر فيخاف من إظهار ذلك، فيقول: خذ سلعتي بعشرة، تنقد ثمنها، وأرد عليك - إلى أيام - خمسة عشر، ولا يتهم بهذا غيرهم. قال أصبغ: وإن كان أحدهما يعرف بها، حملا على أنهما من أهل العينة.
قال أشهب في المجموعة: وأما بأقل من الثمن، فلا تهمة فيه في بيع النقد بين أهل العينة أو غيرهم.
ومن كتاب محمد، قال مالك: ومن باع سلعة بنقد، فانتقد، ثم ابتاعها البائع بأكثر من الثمن إلى أجل، فلا أحبه مخافة العينة، إذا لم يكن بين ذلك طول زمان، ولا تحول أسواق، أو تغيير السلعة، إلا أن تتبين براءته، مثل أن يسافر عليها سفرًا بعيدًا، أو يلبس الثوب فيبليه فهذا جائز. محمد: وإن كانا من أهل العينة، قال: وأما إن كان البيع الأول إلى أجل، والثاني بنقد، وقد تغيرت هكذا، فمذكور في بيع الآجال.
قال ابن القاسم وأشهب: إذا باعها بنقد، جاز أن يبتاعها بأكثر إلى أجل قبل أن ينقد، أو بعد أن نقد. محمد: يريد: ما لم يكونا من أهل العينة.
ومن كتاب محمد والمجموعة: قال ابن وهب، عن مالك، فيمن باع سلعة بدينارين نقدًا، وانتقد دينارًا، ثم ابتاعها منه البائع بثلاثة دنانير، يقاصه بدينار، ويبقي دينارين إلى أجل، فكرهه ورآه كمن أعطاه دينارًا في دينارين إذا لم يتفاضلا حتى اشتراها منه. وكرهه ربيعة.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وأشهب: إذا ابتاعها على النقد، وهو ليس من أهل العينة، جاز بيعه إياها بمثل الثمن فأقل وأكثر، وإن لم ينقده أصلاً بنقد، وإلى أجل، كان طعامًا أو غيره إلا في طعام على كيل أو وزن، وإلا فذلك جائز من صاحبها، وينقد صاحبها الثمن الأول، ولا يؤخر شيئًا منه
[6/86]
***(1/82)
[6/87]
بشرط، فإن ذلك لا يصلح. وكذلك لو كان ثوبًا في بيته بعينه، باعه على الصفة، وانتقد ثمنه. ثم ابتاعه من مشتريه قبل يقبضه بأكثر من الثمن نقدًا أو إلى أجل، فجائز، إذا علم أن الثوب قائم في الصفة الثانية، وهذا من بيوع النقود ويجوز إلا من أهل العينة، إلا أن يطول الزمان بعد قبضها، وأما بيعها من غير صاحبها على ما وصفت لك، فجائز، إلا أن يكون وعده أن يبتاعها له، فيكون استيجابها للآمر، وينقد المأمور من عنده، ويدفعها المأمور إلى الآمر بأكثر من الثمن، فيصير من أهل العينة، وإن لم يكونا كانا منهم، وصار قد أسلفه ذهبًا في أكثر منها.
قال ابن القاسم: ومن ابتاع دارًا بخمسين دينارًا نقدًا، فبنى فيها أشياء، ثم باعها من البائع بأكثر من الثمن إلى أجل، فإن لم يكونا من أهل العينة، فجائز. مالك: ومن سأل رجلاً أن يبيع منه شيئًا إلى أجل، فقال: ما عندي، ولكن أشتريه لك. فيراوضه على الربح، ثم يبتاعه، ثم يبيعه منه إلى أجل. قال مالك: هذه العينة المكروهة. وكذلك إن قال: ابتع لي سلعة كذا، وأربحك فيها كذا إلى أجل كذا فهو مكروه. فكأنه دفع ذهبًا في أكثر منها. قال مالك: ولو قال: ما عندي. فذهب عنه، ثم ابتاع هذا ذلك من أجله على غير موعد، ثم لقيه، أو عاد إليه فباعه منه فلا بأس به إن لم يكن غير هذا. محمد: إذا لم يكن وجوب، فأنا أكره المواعدة والعادة، وروى عنه ابن نافع في المجموعة كراهيته.
ومن كتاب محمد، قال مالك: وأكره أن يقول: ارجع إليَّ. أو يقول: أنا أشتريه لك، فعد إليَّ. قيل لمالك: فإن قال: اشتره منه حتى أبتاعه منك بربح إلى أجل، ولم يتراوضا على ربح - محمد: يريد ولا قطعًا سومًا - ثم عاد إليه، فباعه منه إلى أجل، فهو مكروه، ولا أفسخه إن نزل.
[6/87]
***(1/83)
[6/88]
ومن كتاب ابن حبيب، قيل: فإن راوضه على الربح حتى يشتريها له، أو قال: اشتر سلعة كذا، وأنا أربحك فيها كذا. أو قال: أربحك. ولم يسم الربح، فهذا كله لا يجوز، ولو انصرف عنه على غير موعد، ثم اشترى شيئًا فباعه منه، فذلك سائغ، فإن كان فيه موعد، أو تعريض، أو تصريح، مثل أن يقول: اشتر متاعه، وأشتريه منك. ولم يسميا الربح، فهذا يكره، فإن نزل، لم يفسخ.
ومن كتاب ابن المواز: وإن قال: اشتر هذا الثوب بعشرة، وهو لي بأحد عشر. قال مالك: يكره هذا، وليس من بيوع الناس. قال محمد: وإن كان بالنقد كله، وهما حاضران، فجائز، وإن كان دخله تأخير، دخله الزيادة في السلف، فلا يجوز.
قال مالك: ولو قال: اشتره، ولك دينار، فذلك جائز، وضمانه من الآمر. محمد: إن كان كله نقدًا، جاز، وإن دخله الأجل، فلا خير فيه، وإن نزل، فلس له إلا رأس ماله وجعل مثله. ولا يفسخ، فات أو لم يفت.
قال أشهب فيمن قال لرجل: أعندك متاع كذا تبيعه مني إلى أجل؟ قال: نعم. فباعه منه، ثم ذهب فاشتراه من السوق، قال: ليس عليه إلا الثمن الذي اشتراه به. قال مالك: ومن راوض رجلاً أن يبدل منه جملاً ببكرين، فأبى رب الجمل، فقال رجل لرب البكرين: زده، وهو لي بخمسة عشر. قال: إن كان نقدًا، فهو خفيف، ولا خير فيه إلى أجل.
قال مالك: وإن قال: ابتع لي هذا الثوب، وأنا أبتاعه منك بربح كذا، فأما بالنقد، فذلك جائز، وذلك جعل إذا استوجبه له، ولا خير فيه إلى أجل.
قال مالك: وإن قال: ابتعه لي، وأنا أبتاعه منك بنقد. أو لم يقل لي، قال: لا يعجبني ذلك وكرهته. قال محمد: إن قال ابتعه لي فما ابتاعه به لزم
[6/88]
***(1/84)
[6/89]
الآمر ولا يجوز له أن يلزمه نفسه بأقل نقدًا، ولا بأكثر تأخيرًا، فإن دفع إليه العشرة ليدفع عنه الخمسة عشر إلى أجل، ردت العشرة، وبقيت الخمسة عشر على الآمر إلى أجل.
ومن العتبية من سماع سحنون، من ابن القاسم، ومثله في الواضحة، قال مالك فيمن قال لرجل: ابتع لي هذه السلعة بعشرة دراهم، وهي لي باثني عشر. فإن استوجبها الآمر بالثمن نقدًا، فلا بأس به، والزيادة على العشرة جعل، قال ابن القاسم: وذلك إن لم ينقد الثمن من عنده، أو نقده بغير شرط، فإن نقده بشرط، رُدَّ إلى جُعل مثله بغير سلف، ما لم يكن أكثر من الدرهمين، كالبيع والسلف، وإن قال اشترها لي إيجابًا على الآمر بعشرة، يريد ينقدها عنه المأمور، على أن يكون على الآمر باثني عشر إلى أجل، ففعل، فهو زيادة في السلف، فإن لم تفت السلعة، فسخ البيع، وإن فاتت، لزمت البائع بعشرة نقدًا، وسقط ما زاد؛ لأنه ضمنها حين، قال: لي. وقال ابن حبيب: إذا وقع لزمت السلعة الآمر، ويؤمر أن يقضيه العشرة المعجلة التي نقد عنه، ويعطى جعل مثله. قال ابن حبيب: وإن قال اشترها لنفسك بعشرة نقدًا، وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدًا أو إلى أجل، لم يجز. فإن نزل، فسخ الشراء الثاني، لمواطأته على وجوب بيعها قبل وجوبها للبائع، فدخلها بيع ما ليس عندك. قال: وإن قال: اشتره لنفسك بخمسة عشر إلى أجل، على أنها لي بعشرة نقدًا، فالبيع الثاني حرام، ويرد، فإن فاتت، ففيها القيمة يوم قبضها الثاني مما بلغت، كبيع حرام، ويرد، فإن فاتت، ففيها القيمة يوم قبضها الثاني مما بلغت، كبيع كران؛ لأن وجوبها كان للمأمور، ومنه ضمانها، وإنما فسخ للمواطأة كما ذكرنا. وهذا أحسن ما سمعنا، وقد كان من ابن القاسم فيها وفي التي قبلها اختلاف.
[6/89]
***(1/85)
[6/90]
قال ابن القاسم في العتبية: وإن قال: اشترها لي بخمسة عشر إلى أجل، على أن أدفع إليك عشرة نقدًا، لم يجز، ولزمت الآمر خمسة عشر إلى أجل، ولم يتعجل منه شيئًا. وإن قال: اشترها بعشرة نقدًا، وأنا أشتريها منك باثني عشر إلى سنة، لزمه اثنا عشر إلى سنة؛ لأن مبتاعها ضمنها قبل أن يبيعها منه. وقاله مالك، وأحب إليَّ أن يتورع عن الزائد على العشرة، وأما في الحكم، فيقضى له باثني عشر. قال مالك: وإن قال اشترها بخمسة عشر إلى أجل، وأنا أشتريها منك بعشرة، وأحب إليَّ أن لو رد فيه الخمسة، فإن أبى لم أجزه؛ لأن المأمور ضمنها وابتاعها لنفسه، كما ألزم مالك في المسألة الأولى البيع للآمر باثني عشر إلى أجل؛ لأن العقد كان للمأمور.
وهذه المسائل كلها في المجموعة على ما في العتبية.
وقال في المجموعة ابن القاسم عن مالك: وإن قال: اشتر لي هذا المتاع، وأنا أبتاعه منك بربح، يسميه إلى أجل، فهو مكروه. قال عن مالك: ومن قال لرجل: اشتر الجمل بعشرين إلى أجل، وأنا أشتريه منك بخمسة وعشرين إلى أجل، فكرهه، إلا أن يكون استجابة له، فلا بأس به إلى الأجل نفسه.
قال عنه ابن وهب: على أن أشتري منك بخمسة وعشرين، فأنركه، وقال: ليس بحسن.
[6/90]
***(1/86)
[6/91]
فيمن باع سلعة بثمن مؤجل فتغيرت
هل يبتاعها بأقل منه نقدًا؟
ومن ابتاع من أهل العينة سلعة
ثم استوضع على أن ينقد بعض الثمن
أو أسلم في شيء ثم وهبه رأس المال
من كتاب محمد، قال مالك: ومن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم ابتاعها بأقل منه نقدًا بعد أن سافر على الدابة سفرًا بعيدًا، فرجع وقد أنقصها أو دبرت، أو لبس الثوب فأبلاه، فما كان مثل هذا فلا بأس به، وكذلك بالثمن إلى سنة فجائز، وبأكثر منه نقدًا فجائز، إلا من أهل العينة. يريد محمد: والبيعة الأولى بنقد. قال ابن القاسم، عن مالك في الدابة أو البعير يبتاعها بثمن إلى أجل، فيسافر عليها المبتاع إلى مثل الحج، وبعيد السفر، فيأتي وقد أنقصها، فيبتاعها منه بأقل من الثمن نقدًا، فلا يتهم في هذا أحد، ولا بأس به. وقد روى عنه أشهب، قال: وإذا حدث بها عور أو قطع أو عرج، حتى يعلم أنهما لم يعملا على فسخ، قال: لا يصلح هذا، ولا يؤتمن عليه أحد. وبرواية أشهب أخذ سحنون في العتبية.
ومن المجموعة، ذكر رواية ابن القاسم، وأشهب، واختيار سحنون، قال: وقال ابن القاسم: إذا عميت، أو قطعت يدها أو رجلها، أو جاء عيب يذهب بحل ثمنها، فذلك جائز، كقول مالك في البعير الذي حج عليه، فأنقصه وأدبره.
ومن كتاب ابن المواز، قال محمد: قال مالك: ومن ابتاع طعامًا أو غيره بثمن إلى أجل، وهو ممن يعين، ثم جاء يستوضعه، وشكا الوضيعة، فوضع له، فلا خير فيه؛ لأن هذا في أهل العينة يتراوضون على ربح للعشرة اثني عشر، فإذا باعه فنقص ذلك عن تقديرهما، حطه حتى يرجع إلى ما تراوضا عليه. وقد كرهه
[6/91]
***(1/87)
[6/92]
ابن هرمز. قال مالك: ولو باعه - وهو ممن يعين راوية زيت بعشرين، على أن ينقده عشرة، وعشرة إلى أجل، فلا خير فيه إن كان مبتاعها يريد بيعها، وكأنه لم يرد بيع ما طلب هذا منه فقط، فيقول: خذها فبع منها ما تنقدني، وذلك عشرة وباقيها لك بعشرة إلى أجل. وكرهه ربيعة وغيره.
قال مالك: وكذلك لو نقده قبل يقبضها؛ لأنه من ثمنها ينقده؛ لأنه يجعل ما باع به مكان ما نقد. قال في المجموعة: وهذا إذا كان أصله على العينة، وهو يتسلف له ما ينقده، ويرده من ثمنها، وإن لم يكن البائع من أهل العينة، فلا بأس بذلك كله.
قال في العتبية ابن القاسم عن مالك: وكذلك على أن ينقده من الثمن دينارًا واحدًا، فهو مكروه.
وقال في الواضحة عن مالك: وهذا فيما يشتريه لبيعه لحاجته إلى ثمنه، فأما من يشتري لحاجته من ثوب يلبسه ودابة يركبها، أو خادم يخدمه، فلا بأس بذلك كله.
قال في كتاب ابن المواز: ولو كان يريد أكل السلعة أو لبسها، لم يكن به بأس.
قال ابن القاسم: وكذلك في العروض والحيوان بيع على نقد بعض الثمن فلا خير فيه. وقاله مالك في أهل العينة، ولا بأس به في غيرهم.
قال أصبغ من العتبية بإثر هذا: وكذلك قال أشهب فيمن باع داره بثمن إلى أجل، وشرط أنها بيده رهنًا إلى ذلك الأجل، وذلك أنها تباع عند الأجل، فإن نقصت عن الثمن، ضمن تمامه للمبتاع، وإن زادت أخذ الزيادة، فكأنه
[6/92]
***(1/88)
[6/93]
ضمن النقص لتكون له الزيادة، فضارع القمار، فإن وقع، فسخ، وإن بيعت، فالزيادة والنقصان لرب الدار، وعليه كمبتاع سلعة على ألا نقصان عليه، فهو كالأجير.
ومن كتاب محمد: ومن أسلم عينًا، أو ما لا يعرف بعينه، من طعام أو عرض في سلعة، ثم رد إليه رأس المال أو بعضه، وبقي السلم بحاله، فإن لم يفترقا فلا بأس به، وإن تفرقا لم يصلح، حل الأجل أو لم يحل، ولو كان رأس المال مما يعرف بعينه، جاز، وإن تغير عن حاله ما لم يكن ما أسلم فيه طعامًا.
فيمن باع سلعة بثمن مؤجل
ثم اشتراها من هو بسببه بأقل منه نقدًا
أو من كان جالسًا معهما ثم ابتاعها منه بائعها
من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم: ومن باع سلعة من رجل بثمن مؤجل، ثم أمر البائع رجلاً أن يبتاع له سلعة بنقد دفعه إليه، فابتاعها له المأمور من المشتري بأقل من الثمن الذي ابتاعها به، وقد علم المأمور أو لم يعلم، فإن لم تفت السلعة، فسخ البيع، يريد: الثاني. وإن فاتت، فليس عليه إلا رأس المال، وكذلك إن لم يعلم المبتاع الأول بوكالة المأمور.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا كان من أهل العينة، فباع سلعة بثمن إلى أجل، فقبضها المبتاع، فباعها من رجل معهما في المجلس، فابتاعها منه بائعها مكانه، فهو كالمحلل بينهما، فلا خير فيه. قال: وقال ابن دينار: وهذا مما يضرب عليه عندنا، ولا يختلف عندنا في كراهيته.
وإذا باع المقارض سلعة بثمن إلى أجل، جاز لرب المال سراؤها بأقل منه نقدًا.
[6/93]
***(1/89)
[6/94]
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن باع سلعة بعشرة إلى أجل، فاشتراها عبده المأذون بخمسة نقدًا، فإن كان يتجر بمال السيد، لم يجز، وإن كان يتجر بماله نفسه، فجائز.
وقال أشهب: لا أحبه، وإن تجر بمال نفسه، للذريعة، وكذلك شراء سيده لما باعه عبده المأذون، فإن وقع، لم أفسخه في الوجهين، وكذلك شراء الولد البالغ في ولاية أبيه، ما باعه أبوه بدين إلى أجل بأقل منه نقدًا فلا أفسخه إن وقع، ولكن إن اشتراها العبد أو الابن بمال البائع، أو اشتراها السيد لعبده الذي باعها، فهذا يفسخ، وإن اشتراها بائعها لولده الصغير، أو لأجنبي وكله يشتريها له، كرهته، فإن ترك، لم أفسخه إذا صح. قال مالك: ولا يلي بيعها لمبتاعها منه يسأله ذلك. قال أشهب: لا خير فيه، فإن فعل وكان بيعًا صحيحًا بعد قبض المبتاع لها، لم يفسخ، وإن كان قبل يقبضها فسخ، إلا أن يبيعها بعشرة فأكثر نقدًا، فلا يفسخ. وقال ابن القاسم: هذا جائز.
باب فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل
ثم اشتراها بأقل منه نقدًا وفاتت أو تعدى عليها
أو باعها تعديًا من آخر بأقل من الثمن نقدًا
أو أخذ من ثمن الطعام طعامًا
من المجموعة: قال سحنون: ومن باع سلعة بعشرة دنانير إلى أجل، ثم ابتاعها بخمسة نقدًا، فإن لم تفت السلعة، ردت إلى المبتاع الأول، وصحت الصفقة الأولى. قال غيره: يفسخ البيعان جميعًا، إلا أن يصح أنهما لم يتعاملا على العينة، وإنما وجدها تباع فابتاعها بأقل من الثمن، فهذا يفسخ البيع الثاني، ويصح الأول.
[6/94]
***(1/90)
[6/95]
قال ابن المواز: انظر في بيوع الآجال إذا باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم اشتراها، فانظر من يبتدئ بإخراج ذهبه. فإن وجدت المتأخر من أحد الثمنين أكثر بدرهم، أو ثوب، أو انتفاع، فلا خير فيه، وإن كان أقل أو مثله، فلا بأس به، فإذا وقع المكروه، مثل أن يبتاعها بثمن نقدًا، أقل مما باعها به إلى أجل، وفاتت بيد الذي رجعت إليه، لم يكن لمبتدئ إخراج ذهبه إلا مثل ما دفع لا أكثر منه. فإن دفع كل واحد ذهبه، رجع إلى كل واحد مثل ما دفع.
قال ابن عبدوس: قال غيره: إذا اشترى بخمسة نقدًا، ففاتت عنده، فلا يرد عليه المشتري الأول إلا خمسة، ولو تعدى عليها البائع الأول بعد قبض المشتري لها، فباعها، أو وهبها، أو أفسدها، قال: فعليه قيمتها، يأخذها منه المتعدى عليه، وإن شاء الثمن الذي بيعت به إن بيعت، فإذا حل الأجل، رد الثمن الذي كان ابتاعها به، بخلاف المسألة الأولى؛ لأنهما في الأولى تعاملا فاتهما، وفي الآخرة لم يتعاملا على هذا، فلا يتهمان.
روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية فيمن باع سلعة بخمسة إلى أجل، ثم تعدى فباعها من آخر بعشرة نقدًا، فالمبتاع الأول أحق بها، ما لم تفت، فإن فاتت خير بين أخذ العشرة أو قيمة السلعة، فأي ذلك أخذ، لم يرد إذا حل الأجل، إلا ما قبض، وليس عليه تعجيله قبل الأجل. قال سحنون: إلا أن يأخذ في القيمة أكثر من خمسين، فلا يرد إلا خمسين. قال سحنون عن ابن القاسم: فإن لم تفت السلعة، وشاء المشتري أخذ ما بيعت به، فذلك له. وذكر في فوتها كرواية يحيى، إلا أنه قال: القياس أن يأخذ القيمة، ويغرم خمسين، ولكنهما يتهمان، فلا يغرم إلا ما أخذه إلا أن يجاوز الخمسين. قال عنه سحنون: وإن باعها بطعام نقدًا، أو أراد أخذ الطعام، فذلك له. وكذلك في المجموعة عن ابن القاسم، وسحنون، مثل ما ذكر في العتبية عنهما، وزاد عن سحنون: وهذا
[6/95]
***(1/91)
[6/96]
إن كانت القيمة أقل من الثمن، فتصير إقالة من الثاني، ولا يكون لأحدهما على الآخر شيء. من المجموعة: روى ابن وهب، عن مالك، فيمن باع طعامًا بثمن إلى أجل، وأخذ فيه بعد الأجل زيتًا. قال: يرد الزيت، ويأخذ ثمن القمح. وذكر رواية ابن القاسم: إذا أخذ منه بدينار تمرًا، وقد ذكرنا ذلك موعبًا في باب الأخذ من ثمن الطعام طعامًا.
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل
ثم اشتراها بدنانير نقدًا أو إلى أجل
أو بدنانير إلى أبعد منه أو إليه
من كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بعشرة إلى شهر، ثم ابتاعها بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهرين، فهذا أجازه ابن القاسم. وكرهه عبد الملك، وإنما يدخله: أسلفني وأسلفك. فليس في هذا عنده كبير تهمة ولا كراهية، وإنما التهمة في الزيادة في السلف أو البيع والسلف، وكذلك بأربعة نقدًا، وستة إلى شهرين، فأما بأربعة نقدًا، وبخمسة إلى شهرين، فلا يجوز؛ لأنه ينقد أربعة أو أقل، ويأخذ في الأجل عشرة، خمسة في الأربعة أربى فيها بدينار، وخمسة يردها بعد الأجل، فإن كانت بأربعة نقدًا، وسبعة إلى شهرين، لم يجز؛ لأنه ينقد أربعة، ويأخذ في الأجل عشرة، أربعة قضاء لأربعة، وستة يرد فيها سبعة بعد الأجل.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: فإن اشتراها بخمسة نقدًا، أو ستة إلى ذلك الشهر، فذلك جائز، ويصير مقاصة بستة، ويأخذ أربعة من خمسة نقدها. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وعبد الملك: ولو ابتاعها بعشرة إلى شهر، وبعشرة أخرى إلى شهرين، فذلك جائز؛ لأن العشرة الأولى مقاصة، ورد البائع العشرة باطلاً، وإن اشتراها بتسعة إلى شهر، وبدينار إلى
[6/96]
***(1/92)
[6/97]
أبعد منه، فذلك جائز؛ لأنه إنما يأخذ عند الأجل دينارًا، ثم يرده بعد ذلك، ولو اتهم أن يكون هذا سلفًا، لما انتفع به من لباس الثوب؛ لاتهم إذا اشتراه بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل، وهذا لا تهمة فيه، وإن ابتاعها بستة فأكثر إلى تسعة نقدًا، وبخمسة إلى أبعد من الأجل، لم يجز؛ لأن الستة ترجع إليه من العشرة، ويأخذ أربعة، فيرد فيها خمسة. قالا: وإن ابتاعها بعشرة نقدًا، وبخمسة إلى أبعد من الأجل، فذلك جائز.
فيمن باع سلعة بنقد ودين
ثم ابتاعها بثمن نقدًا أو إلى أجل وبنقد ودين
من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب: ومن باع سلعة بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، ثم ابتاعها بستة نقدًا، أو إلى دون الشهر، لم يجز ذلك، وكذلك بما هو أقل من عشرة، وأكثر من خمسة، فلا يجوز. وكذلك في كتاب ابن المواز. وقال في كتابه وفي المجموعة عنهما: فأما بخمسة نقدًا فأقل، فجائز، وكذلك بعشرة نقدًا. قال: وإن أخذها بستة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، فإن كان من أهل العينة، فلا خير فيه؛ لأن التهمة لم تدخل إلا فيما انتقد البائع لما قبض الخمسة، ورد ستة، فلا يتهم في النقود إلا أهل العينة، والخمسة بالخمسة مقاصة في الأجل. قال عيسى، عن ابن القاسم في العتبية: وإن ابتاعها بخمسة نقدًا، وستة إلى شهر، لم يجز إلا أن يكون في المجلس، ولم يغب على الدنانير، فذلك جائز؛ لأنه خمسة بخمسة إلى الأجل مقاصة، ويرد هذا الدينار السادس.
قال ابن المواز: ولو ابتاعها بأحد عشر، أو بأكثر نقدًا، لم يتهم فيها إلا أهل العيبة؛ لأن خمسة ترجع إليه من الأحد عشر في الأجل، وتصير الستة الباقية قد ردها من خمسة كان انتقدها في الصفقة، وهذا لأهل العينة مكروه، لغيرهم. قال: وإنما ينظر في الأجل بعد الصفقة الثانية، ماذا يجر إليه في المستقبل، ولا
[6/97]
***(1/93)
[6/98]
ينظر فيما يقع من المنفعة لما مضى، لكن فيما يستقبل إلا أهل العينة خاصة، فينظر في أول معاملتهما على ما آلت، وفيما يستقبل إلى ماذا تؤول.
ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يجوز أن يشتريها بأحد عشر إلى أبعد من الشهر، وأما بعشرة، أو بأكثر نقدًا أو إلى أجل دون الشهر، أو إلى الشهر، فجائز، إن لم يكونا من أهل العينة، فإن كانا من أهل العينة، فيتهمان فيما جاوز العشرة نقدًا. قال ابن القاسم: فأما بعشرة إلى الشهر، فلا بأس به من أهل العينة وغيرهم، وأما بأحد عشر، أو بعشرة نقدًا، أو إلى دون الشهر، فلا يصلح من أهل العينة، وكذلك بأحد عشر إلى الشهر، قال: فإن ابتاعها بستة فأكثر إلى عشرة إلى أبعد من الشهر، فجائز من أهل العينة وغيرهم. قال أشهب: وكذلك لو كان مكان العين طعامًا في الصفقة الأولى والثانية. ابن القاسم، عن مالك، فيمن باع سلعته بسلعة نقدًا، وبخمسة إلى شهر، ثم اشتراها بسبعة نقدًا، أو بثمانية إلى شهرين، خمسة منها قصاصًا عند الشهر، فإنما يتهم في هذا أهل العينة.
قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن باع سلعة بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، ثم ابتاعها بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى الشهر، فذلك جائز، وأما بستة نقدًا، وبخمسة أو ستة أو سبعة أو ثمانية أو تسعة إلى شهر، فلا خير فيه من أهل العينة. قال ابن القاسم: وكذلك بأكثر من خمسة نقدًا، أو تسعة وستة إلى الأجل فلا، وكذلك بعشرة فأكثر نقدًا، أو إلى دون الأجل، وبخمسة إلى الأجل، أو بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى الأجل، وبخمسة إلى أبعد منه، فلا خير فيه. يريد: من أهل العينة. قال عبد الملك: ومن ابتاعها بستة نقدًا، وبخمسة إلى شهرين، لم يجز؛ لأنه رد الخمسة التي قبض، ودينارًا سلفًا يقبضه عند الأجل، يأخذ أربعة يردها خمسة.
[6/98]
***(1/94)
[6/99]
باب فيمن باع سلعة بعشرة إلى شهر
ثم ابتاعها وثوبًا معها بدنانير
أو ابتاعها بثوب ودنانير وفي ذلك نقد ومؤجل
من كتاب ابن المواز: من باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر، ثم ابتاعها وثوبًا معها نقدًا، فلا يجوز ذلك بعشرة، ولا بأقل ولا بأكثر نقدًا، ويدخله بأكثر بيع وسلف. وأما بمثل الثمن أو بأقل، فيدخله ذهب في أكثر منها؛ لأنه إن دفع أحد عشر، فعشرة سلف، يأخذها عند الشهر، والدينار ثمن الثوب الذي قبض مع سلعته. وأما تسعة فهي سلف يرجع إليه فيها ثوب نقدًا، وعشرة إلى شهر، وكذلك بعشرة يصير الثوب زيادة، والعشرة ترجع إليه، وأما إن ابتاعه، وثوبًا معه إلى أبعد من الأجل، فلا بأس به بالثمن وبأقل، ولا يجوز بأكثر؛ لأنه بيع وسلف وذهب في أكثر منها؛ لأن ثوبه يرجع إليه، وأخذ ثوبًا آخر، وعشرة أخذها عند الأجل سلفًا، يرد فيها أحد عشر، فدينار منها ثمن للثوب، وعشرة قضاء للعشرة، وأما إلى الأجل نفسه، فيجوز مثل الثمن أو أقل أو أكثر، في جميع مسائلك؛ لأنه يرجع إلى المقاصة، فلا يدخله سلف وبيع، ولا انتفاع، وأما إن ابتاعه بثوب دفعه، دنانير نقدًا، فإن كانت الدنانير أقل من الثمن، لم يجز، وأما بمثل أو بأكثر، فجائز، ولا يتهم في أن يدفع ثوبًا وعشرة، ويأخذ عند الأجل عشرة.
قال عبد الملك في المجموعة: إذا اشتراها بثوب نقدًا، أو بمثل الثمن نقدًا، لم يجز، ويصير الثوب بالثوب بيعًا، والثمن بمثله سلفًا، ويدخله أيضًا إن كان الثوب الذي يعطي أدنى الزيادة في السلف، وكذلك إن كان الثوب الذي يعطي إلى أجل دخله ذلك كله، وذكر أن ابن القاسم يجيز هذا، كما ذكر ابن المواز. قال ابن القاسم: وكذلك إن كانت السلعة والعشرة إلى أجل دون الأجل، فذلك جائز، وإن اشتراه بثوب نقدًا، وبخمسة إلى الأجل، فهو جائز، وإن كانت الخمسة نقدًا فهو بيع وسلف.
[6/99]
***(1/95)
[6/100]
ومن كتاب ابن المواز: وإن اشتراها بثوب نقدًا، أو بعشرة دنانير، أو أقل أو أكثر إلى أبعد من الأجل، لم يجز، فإن أعطى فيها ثوبًا نقدًا، أو تسعة إلى أبعد من الأجل، فهو يأخذ عشرة عند الأجل بدينار ثمن الثوب الذي كان دفع، وتسعة سلفًا يردها إلى الأجل الثاني، فهو بيع وسلف، ولو كان بثوب نقدًا، وبعشرة فأكثر إلى أبعد من الأجل، كان الزيادة في السلف، فالدنانير سلف يأخذها أو أكثر منها مع ثوب عجله يوم ارتجع سلعته.
فيمن باع ثوبين بخمسة نقدًا وخمسة إلى شهر
ثم ابتاعها بعين وثوب نقدًا أو إلى الأجل أو إلى أبعد منه
أو ابتاع أحدهما وثوبًا معه بعين أو عرض
من المجموعة: قال ابن القاسم، وعبد الملك فيمن باع سلعتين بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى شهر، ثم ابتاعهما بخمسة نقدًا فأكثر إلى تسعة، وبثوب نقدًا، فلا خير فيه، وهو بيع وسلف، فالخمسة التي رد سلفًا، وإن كان أكثر منها، فهو زيادة منفعة فيه أيضًا، والثوب الذي أعطاه بيعًا بالخمسة المؤخرة، فأما بعشرة نقدًا مع ثوب، فلا بأس به، إلا من أهل العينة، وإن اشتراهما بخمسة إلى الشهر، وبثوب نقدًا، أو إلى الشهر، فلا بأس به، وإن كان بستة إلى الأجل مع الثوب، فلا خير فيه؛ لأن خمسة من الستة مقاصة في الأجل، والدينار السادس رده من الخمسة التي قبض، فهو سلف، والأربعة ثمن للثوب الذي أعطى. قال عبد الملك: وكذلك بأكثر من خمسة إلى التسعة إلى الأجل. قالا: وإن اشتراهما بثوب، وبعشرة إلى الأجل، لم يجز، وهو زيادة في السلف؛ لأن خمسة بخمسة في الأجل قصاصًا، ورد في الخمسة التي قبض خمسة وثوبًا، فإن اشتراهما بثوب نقدًا، وبخمسة إلى أبعد من الأجل لم يجز؛ لأنه بيع وسلف. قال عبد الملك: وكذلك بثوب نقدًا، وبأكثر من خمسة إلى تسعة إلى أبعد من الأجل. قالا: وإن
[6/100]
***(1/96)
[6/101]
كان بثوب وبعشرة إلى أبعد من الأجل. قال عبد الملك: وأكثر من عشرة لم يجز، وهو ربا؛ لأنه قبض عشرة متفاوتة، رد منها عشرة وثوبًا. قال: وإن ابتاع أحدهما وثوبًا معه بتسعة أو بعشرة وثوب نقدًا أو إلى الشهر، أو أبعد منه، لم يجز لأنه بيع وسلف، باع ثوبًا كان أعطاه، وثوبًا يعطيه الآن بثوب أخذه، وما زاد من المال سلفًا، وما فضل عنه داخل في ثمن المبيع.
فيمن باع ثوبين بثمن مؤجل أو بعه نقد
ثم ابتاع أحدهما بنقد أو بنقد ودين أو بنقد وثوب
من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، فيمن باع من رجل ثوبين بعشرة إلى شهر، ثم ابتاع أحدهما بتسعة نقدًا، أو إلى أجل دون الأجل، لم يجز، وهو بيع وسلف، ولا يجوز أن يبتاع أحدهما إلى أبعد من الأجل بمثل الثمن، ولا بأقل منه ولا بأكثر. فأما بأقل، فهو بيع وسلف. قال أشهب: وبيع عرض، وذهب بذهب. قال أشهب: وإن لم يكن في ثمن سلعته زيادة ولا نقصان، وذلك ذريعة، وإذا رد في وجه، فهو مردود بكل حال. قالوا: وأما مثل الثمن فأكثر، فهو سلف جر منفعة، رد السلف وانتفع بثوب أرباه، أو ثوب مع زيادة زادها. وأما إلى الأجل نفسه، فيجوز مثل الثمن وأقل وأكثر، فيكون مقاصة. قال ابن القاسم: فإن ابتاعه بدراهم نقدًا فإن كانت كثيرة ترتفع معها التهمة، فجائز.
وقال هو وعبد المالك: وإن ابتاعها بثوب وبعشرة نقدًا، أو إلى أجل، فلا بأس به؛ لأنه أعطى ثوبين وعشرة، ويأخذ عشرة، وإن ابتاعه إلى أبعد من الأجل بثوب، وبمثل الثمن أو أقل منه، لم يجز، وهو زيادة في السلف. قال ابن القاسم: هذا بمثل الثمن، فأما بأقل منه إلى أبعد من الأجل، فبيع وسلف، وإن ابتاعه بثوب وبتسعة نقدًا، فهو بيع وسلف، تسعة سلف، ودينار ثمن ثوبيه، وأما بثوب - يريد نقدًا - أو بتسعة إلى الأجل، فجائز؛ لأنها مقاصة، ويصير الدينار الباقي ثمنًا للثوبين.
[6/101]
***(1/97)
[6/102]
قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن باع ثوبين بخمسة نقدًا، وخمسة إلى شهر، ثم ابتاع أحدهما بعشرة نقدًا، أو بعشرة وثوب نقدًا، فذلك جائز. قال عبد الملك: فإن كان الثوب الذي يعطي مع العشرة إلى الأجل، فلا بأس به، لا تهمة فيه لأحد ما لم يكن م صنف الثوب الذي استرد، فلا يجوز، ويصير قد أخذ ثوبًا، يعطي ثوبًا من جنسه، وثوبًا أعطاه قبله، وأخذ خمسة ردها، ويعطي خمسة يأخذها. قال عبد الملك: فإن ابتاع أحدهما بتسعة نقدًا أو إلى أجل، أو إلى أبعد منه، فلا خير فيه، وهو بيع وسلف، ودين بدين؛ لأن له عليه خمسة إلى أجل، باعه منه بها أو ببعضها ثوبًا إلى أجل وإلى أبعد منه، فهو الدين بالدين، فأما بيع وسلف، فقد رد الخمسة التي أخذ، وأعطاه أربعة سلفًا يأخذها في الأجل، يأخذ دينارًا ثمنًا لثوب من الأولين، وثمنًا للثوب الذي يعطي.
ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا اشترى أحدهما بخمسة نقدًا، فجائز. وكذلك بأقل من خمسة نقدًا؛ لأنه أربح أحد ثوبيه، ورد أربعة من الخمسة التي انتقد، وبقي منها دينار، فهو مع الخمسة الباقية ثمن لثوبه الآخر، وإن أخذ أحدهما بستة نقدًا إلى أقل من عشرة، لم يجز؛ لأنه بيع وسلف وزيادة في السلف، ولا يجوز أن يشتري أحدهما إلى أبعد من الأجل بمثل الثمن، ولا بأقل ولا بأكثر؛ لأنه بأكثر أو بأقل، سلف جر منفعة؛ لأن البائع أخذ عند الصفقة خمسة، وعند الأجل خمسة، ثم يرد بعد الأجل عشرة أو أكثر مع ثوب كان خرج من عنده، وأما بأقل من عشرة أو بخمسة أو بأقل إلى أبعد من الأجل، فيدخله بيع وسلف، لأن البائع أخذ خمسة نقدًا، وخمسة عند الأجل، وأعطى ثوبًا نقدًا وتسعة بأقل منها بعدما حل الأجل، فهي قضاء لما حاذاها من العشرة التي أخذ، والثوب الذي كان أعطى ثمنًا لبقية العشرة.
[6/102]
***(1/98)
[6/103]
في الرجلين يبيعان ثوبين من رجل بثمن إلى أجل
ثم يشتري أحدهما أحد الثوبين
من كتاب ابن المواز، وذكره ابن عبدوس، عن ابن القاسم، وعبد الملك: وإذا باع رجلان ثوبين بعشرة إلى أجل، ثم ابتاع أحدهما أحد الثوبين، فلا خير فيه بمثل الثمن، ولا بأقل منه ولا بأكثر، لا نقدًا ولا إلى أجل، دون الأجل ولا إلى أبعد منه، ويدخله في ذلك كله: بيع وسلف لأنه ارتجع نصف ثوب كان له، وأخذ نصفًا لم يكن له بنصف ما بقي له في الثوب الباقي، فصار بيعًا، فإن نقده الآن أربعة، فهي سلف ترجع إليه عند الأجل مع زيادة؛ لأنه يأخذ خمسة عند الأجل، منها أربعة سلف، ودينار زيادة، فهي ثمن نصف ثوبه الذي أخذ فيه نصف ثوب شريكه ثمنًا، وكذلك بخمسة نقدًا، فهي سلف يرتجعها، وبيع نصف ثوب بنصف ثوب، وأما بأكثر من خمسة نقدًا، فإن خمسة منها سلف، والزائد مع نصف ثوبه ثمن لنصف ثوب أخذه، وأما إلى أبعد من الأجل بخمسة أو أقل، فيدخله بيع وسلف، ويدخله أكثر من خمسة الزيادة في السلف.
ورأيت في كتاب ابن الماجشون: أنه إنما يدخله بيع وسلف؛ لأنه استقر أمره على أنه خرج من عنده نصف ثوب، وأخذ نصف ثوب شريكه، ويأخذ خمسة في الأجل، وهي حصة من العشرة يأخذها سلفًا، يردها بعد الأجل، ويزيد معها دينارًا فأكثر، فهو مع نصف ثوبه ثمن للنصف الذي أخذ.
قال في المجموعة خاصة: وإن اشترى أحدهما أحد الثوبين بخمسة إلى الأجل، فلا بأس به؛ لأن الخمسة مقاصة ويصيران قد تبايعا نصف ثوب بنصف ثوب، وكذلك بعشرة، أو بخمسة عشر إلى الأجل؛ لأن خمسة بخمسة مقاصة، ويعطي عشرة أو خمسة مع نصف ثوب بنصف ثوب أخذه.
ومن كتاب ابن المواز: ولو باعا ثوبيهما بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، ثم ابتاع أحد الرجلين أحد الثوبين بخمسة نقدًا، فهذا بيع وسلف، فأما بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى الأجل، فذلك جائز، وكذلك بخمسة نقدًا، وبدينارين ونصف
[6/103]
***(1/99)
[6/104]
فأكثر إلى الأجل، فذلك جائز؛ لأنه لا يرتجع مما دفع شيئًا. قال ابن القاسم في كتاب الأسكندراني، وقال عبد الملك: لا يجوز أن يبتاعه بخمسة نقدًا، وبدينارين ونصف إلى الأجل، أو إلى أبعد منه؛ لأنه بيع وسلف؛ لأنه قبض أولا دينارين ونصفًا، فردها مع دينارين ونصف مع نصف الثوب الذي كان باع بنصف الثوب الذي أخذ، ونصفه الآخر قد عاد إليه، فإن كانت الديناران ونصف الأخرى إلى الأجل، فهي قصاص، وإن كانت إلى أبعد منه.
قال عبد الملك: فقد صارت إلى أبعد من الأجل، ونصف الثوب الذي بيد المشتري ثمنًا لنصف الثوب الذي أخذ البائع الأول، وأعطى خمسة نقدًا، فنصفها ردها سلفًا، وهي حصته من الخمسة النقد، ورد معها دينارين ونصفًا يقبضهما إلى شهر، فهو بيع وسلف. وقال ابن القاسم: رد الدينارين ونصفًا التي كان أخذ، فهي سلف، ورد معها مثلها، يرد إليه إلى شهر، ثم يردها إلى شهرين، فهي ونصف الثوب الذي بيد المشتري ثمن لنصف الثوب الذي بيد البائع، والديناران وصنف التي ردها، ولم ترجع إليه هي السلف.
قال في كتاب ابن المواز: وإن اشتراه بخمسة نقدًا، وبأقل من دينارين ونصف إلى الأجل، لم يجز؛ لأنه إذا بقي له على المشتري من الدينارين ونصف التي تبقى له من الثمن الأول شيء يرجع إليه، كان ذلك كالسلف؛ لأنه إنما انتقد في بضاعته دينارين ونصفًا أول الصفقة، وبقيت له ديناران ونصف، فإذا دفع أكثر من دينارين ونصف، وأوجب على نفسه دينارين ونصفًا فأكثر إلى الأجل بعينه، فلا بأس به، لأن الزيادة كلها من عند البائع، فلم يرتجع بما يعطي من الذهب ذهبًا؛ لأنه يرد ما انتقد ويزيده بغير شيء يرتجعه من المبتاع، بل يسقط عنه ما وجب له عليه، أو يزيده ونصف ثوب باعه بنصف ثوب أخذه، ولو كان رجع إليه من الدنانير شيء، كان سلفًا، ولم يحل، فإذا لم يجد كل واحد منهما يخرج ذهبًا، فلا بأس به.
[6/104]
***(1/100)
[6/105]
فيمن باع سلعة بدنانير إلى أجل
ثم ابتاعها بدنانير مخالفة لها أو بدراهم أو بعرض أو بعين وعرض
أو باعها بطعام ثم ابتاعها بخلافه من طعام أو عرض
من المجموعة: قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن باع سلعة بمائة دينار قائمة إلى شهر، ثم ابتاعها بمائة مثاقيل نقدًا، فلا خير فيه. وأما بمائة مثاقيل إلى ذلك الشهر، فلا بأس به، ولا يتهم على مثل هذا أحد، وكذلك إلى أبعد من الأجل. وقد قال ابن القاسم في المدونة: إن باعها بمائة محمدية إلى شهر، ثم اشتراها بمائة يزيدية إلى ذلك الشهر، فلا خير فيه.
قالا: وإن باعها بعشرة هاشمية إلى شهر، ثم ابتاعها بعشرة عتق نقدًا، أو إلى الأجل، فجائز، ولا يجوز إلى أبعد منه؛ لأنه الزيادة في السلف. قال ابن القاسم: وإن كانت الهاشمية أكثر عددًا، فإن كانت بزيادتها تكون مثل العتق المؤخرة أو أكثر، فلا بأس، وإن لم تكن مثلها، فلا خير فيه، وإلا فإن باعها بمائة عتق بخروبة خروبة إلى شهر، ثم اشتراها بمائة هاشمية رديئة وازنة، يريد: نقدًا، فإن كان بعشرة قائمة إلى شهر، ثم اشتراها بعشرة مجموعة نقدًا، تكون مثل الأجل أو أكثر، فباعها بمائة هاشمية، ثم اشتراها بتسعة وتسعي عتق، هي خير الساعة من المائة المؤخرة، فلا بأس به؛ لأن هذه البيوع إنما يحرم منها ما قامت فيه التهمة، وإلا حمل على أنه بيع حادث.
ومن كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بعشرة دنانير عتق إلى أجل، بنقص خروبة، ثم ابتاعها بعشرة هاشمية وازنة نقدًا، أنه لا يصلح.
ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإن باعها بعشرة هاشمية وازنة إلى شهر، ثم اشتراها بعشرة خروبة خروبة إلى ذلك الشهر، فلا بأس به، ولا يتهم أن يعطي عشرة قائمة في أنقص منها إلى الأجل، زاد عددها أو نقص.
[6/105]
***(1/101)
[6/106]
قال عبد الملك: وإن باعها بعشرة هاشمية نقص إلى شهر، ثم ابتاعها بأكثر عددًا أو وزنًا إلى شهر، فجائز، كان أدنى أو أكثر عددًا، أو أجود عينًا، ولا يتهم أن يعطي قليلاً في كثير إلى الأجل نفسه، قالا: وإن باعها بدينار إلى أجل، ثم ابتاعها بدينار ناقص وبدرهمين نقدًا، أو بعرض مع الدنانير، أو اشتراها بدراهم أو تبر نقدًا، فإن كان ذلك مثل الدنانير المؤخرة فأكثر، فجائز، وإن كان أقل أو ما فيه شك، فلا خير فيه.
قال ابن القاسم: وإن باعها بعشرة دنانير، ثم اشتراها بألف درهم نقدًا، أو بما ترتفع به التهمة، فذلك جائز، وكذلك في بيعه بدراهم، واشترائه بدنانير. وقال أشهب: لا يجوز، كان ما يعطي من ذهب أو فضة، نقدًا أو إلى أجل؛ لأنه صرف مؤخر. قال ابن القاسم: وإن بعت ثوبًا بعشرة دنانير إلى شهر، ثم ابتعته بدينار نقدًا، وبثوب قيمته مائة دينار، لم يجز؛ لأنه بيع وسلف، قيل له: والتهمة مرتفعة، قال: لم ترتفع، ويدخله مع ذلك عرض وذهب بذهب، ولو ابتعته بثوب من صنفه، أو من غير صنفه، قيمته ألف دينار، إلى أبعد من الأجل، لم يجز، وهو دين بدين، وكذلك إلى الأجل بعينه، أو إلى دونه، وأما نقدًا، فجائز، ولو بعته بطعام مؤجل، ثم ابتعته بدنانير نقدًا، فجائز، فأما بدينار إلى أجل دون الأجل أو أبعد منه أو إليه، فلا يجوز؛ لأنه دين بدين، إلا أن يكون على أن ينقده إلى يوم أو يومين، فيجوز، وكذلك لو بعته بدنانير، ثم ابتعته بطعام.
قال عبد الملك: وإن بعته ثوبًا بعشرة إلى أجل، ثم اشتريته منه بتسعة وثوب إلى الأجل، من غير جنس ثوبك، لم يجز، ويصير لك عليه دينار، وله هو عليك ثوب مؤخر. قال ابن القاسم: وإن بعته عبدًا بعشرة أرادب حنطة إلى سنة، ثم اشتريته بمائة إردب زبيب، فإن علم أن هذا الزبيب أضعاف قيمة الطعام في زمنه حتى تزول التهمة، فجائز، ولو باعه منه بثياب إلى أجل، ثم ابتاعه بثياب نقدًا، فإن كان لا تسلم هذه في تلك، لم يجز، إلا أن يكون ما يعطيه أكثر من قيمة المؤخرة مما ترتفع فيه التهمة، فيجوز، وأما بما يجوز أن يسلم فيه، فجائز بكل حال، وإن أقرضته ألف درهم إلى سنة، ثم بعت منه عبدًا بعشرة دنانير نقدًا،
[6/106]
***(1/102)
[6/107]
وإلى دون السنة، ثم ابتعت منه العبد بالألف درهم التي لك عليه، لم يجز؛ لأن هذا أخذ عشرة دنانير في ألف درهم فسخها عنه، والعبد لغو.
قال في كتاب ابن المواز: ومن لك عليه ثمانون دينارًا حالة، فبعث منه جارية بمائة إلى سنة، ثم لفيته، فقاضيته الثمانين، فأعطاك الجارية بها، فلا خير فيه، لرجوع جاريتك إليك، وصارت الثمانون الحالة في مائة مؤخرة.
فيمن باع طعامًا إلى أجل ثم استقال منه بزيادة من أحدهما
وشرائك الطعام ممن بعت منه طعامًا
من العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن ابتاع طعامًا بثمن مؤجل، ثم استقاله البائع على أن يغرم المبتاع عينًا أو عرضًا، فلا بأس به إذا كان قد اكتال المبتاع الطعام ولم يفترقا وإن ندم المبتاع فرد الطعام على البائع، وإن ندم، وزاده عليه طعامًا أو عرضًا، ولم يفترقا، وقد اكتال الطعام، فذلك جائز، وإن تفرقا، فلا خير فيه.
ع: هذا إن كان البيع الأول قد تناقدا فيه الثمن وكانا من أهل العينة.
ومن ابتاع طعامًا فقبضه ونقله، ثم أقاله من بعضه، فهو مكروه. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع طعامًا بثمن مؤجلاً أو نقدًا، فلم يكتله حتى أقال أحدهما الآخر، بائع أو مبتاع بزيادة، فإذا لم يكله، لم تجز على الزيادة من أحدهما، بائع أو مبتاع، كانت الزيادة نقدًا أو إلى أجل، نقده أو لم ينقده، افترقا أو لم يفترقا؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وإنما تجوز فيه الإقالة برأس ماله، لا نفع فيه ولا زيادة ولا تأخير. قال: وإن اكتاله ولم يفترقا، ولم يغب عليه المبتاع، والبيع بالنقد ولم ينتقد، فلا تجوز الزيادة من المبتاع في شيء من الأشياء مؤخرًا؛ لأنه إن
[6/107]
***(1/103)
[6/108]
كان الثمن ذهبًا فزاده ذهبًا مؤجلاً، فهو بيع وسلف، وإن زاده عرضًا نقدًا، فهو دين بدين، وإن كان ورقًا، فهو صرف مؤخر. قال: وإن زاده ورقًا نقدًا، فجائز، وكذلك إن زاده شيئًا معجلاً يقبض عرضًا أو حيوانًا وطعامًا من صنف طعامه، أو من غير صنفه أو ذهبًا - يعني من جنس الثمن - فلا بأس به، وإن كان قد نقده ثمن طعامه واكتاله، فهو بيع حادث يبتدئان فيه مما في غيره. قال: وإن كان البيع بثمن إلى أجل، وقد اكتاله ولم يفترقا، ولم يغب عليه المبتاع، فلا بأس بالزيادة من المبتاع في تقايلهما، كانت الزيادة عرضًا أو حيوانًا أو طعامًا من جنسه، أو من غير جنسه، كل ذلك نقدًا، ما لم تكن الزيادة من الثمن الذي عليه، فلا تجوز نقدًا، وتجوز إلى الأجل بعينه في مثل عين الثمن وسكته، ولا يزيده ورقًا نقدًا ولا مؤجلاً، ويدخله ذهب بوزن إلى أجل، وطعام معجل، وإن كان الثمن ورقًا، فهو على مجرى الذهب أيضًا بورق، ولا يزيده عرضًا ولا طعامًا ولا حيوانًا مؤجلاً، ويدخله الذهب أيضًا بورق، ولا يزيده عرضًا ولا طعامًا ولا حيوانًا مؤجلاً، فيصير دينًا في دين. قال: وإن افترقا وغاب عليه المبتاع، فلا تجوز الإقالة على أن يزيده المبتاع شيئًا من الأشياء، لا عينًا ولا عرضًا ولا طعامًا، من صنفه ولا من غير صنفه، ولا غير ذلك نقدًا ولا إلى أجل، وهو الزيادة في السلف، وإن كان البائع هو المستقيل بزيادة منه ولم ينتقد، وقد اكتال الطعام، فسواء تفرقا أو لم يتفرقا، كان الثمن نقدًا أو مؤجلاً، فلا بأس أن يزيده البائع ما شاء عينًا ذهبًا أو ورقًا أو عرضًا أو حيوانًا، نقدًا أو مؤجلاً، إلا أن يزيده طعامًا من جنس طعامه مما لا يجوز معه فيه التفاضل، فلا يجوز نقدًا ولا إلى أجل؛ لأنه طعام بجنسه مع أحدها ذهب، فإن زاده طعامًا من غير صنفه، جاز نقدًا، ولم يجز مؤجلاً. قال: وإذا أراد البائع أن يشتري ذلك الطعام أو بعضه، فإن كان الثمن إلى أجل، وقد اكتاله المبتاع ولم يفترقا، فلا بأس به أن
[6/108]
***(1/104)
[6/109]
يشتري البائع جميع الطعام أو بعضه بمثل الثمن أو أكثر، نقدًا أو مقاصة، ولا يجوز أن يشتريه كله بأقل من الثمن نقدًا؛ لأنه يعطي قليلاً في كثير، ولا بأس به مقاصة من الثمن إن لم يفترقا، ولا يجوز أن يشتري بعضه ببعض الثمن نقدًا وإن لم يتفرقا لأنه بيع وسلف ولا بأس ينقص الثمن مقاصة، ولا بأس أن يشتري بعضه بمثل الثمن فأكثر، نقدًا أو مقاصة؛ لأنه لا تهمة فيه، وهذا كله إن لم يفترقا. قال: فإن تفرقا، وغاب المبتاع على الطعام، لم يجز للبائع شراء بعضه ببعض الثمن نقدًا ولا مقاصة فيصير في الوجهين بيع وسلف وفي النقد سلف دنانير وفي المقاصة سلف طعام. قال: ولا بأس أن يشتري منه مثل كيله في صنفه بمثل الثمن فأكثر نقدًا أو مقاصة، ولا يشتري منه أقل من الكيل بمثل الثمن كله أو أكثر مقاصة لأنه اقتضى من الطعام طعامًا. قاله مالك استثقالاً في هذا، وهو سهل، ولو أجازه مجيز لم أخطئه، ولا بأس أن يشتري منه أقل من كيل بمثل الثمر، أو أكثر نقدًا، ولا خير في أن يشتري منه أكثر من كيله ولا مثل كيله وزيادة شيء منه معه مثل الثمن، ولا بأكثر ولا بأقل نقدًا؛ لأنه زيادة في السلف إن كان بمثل الثمن فأقل، رجعت إليه سلعته، وأعطى عشرة أو أقل نقدًا بعشرة إلى شهر وسلعة يعجلها، وإن كان بأكثر، دخله بيع وسلف. قال: وإن كان الثمن مقاصة، لم يجز؛ لأنه زيادة في السلف، كان بالثمن أو بأكثر، ويدخله أيضًا في الأكثر الأخذ من ثمن الطعام طعامًا، وإن لم يفترقا، فلا يجوز أيضًا أن يشتري منه أكثر منه، ولا طعامه وزيادة شيء معه بمثل الثمن ولا بأكثر، ولا بأس به مقاصة بمثل الثمن أو بأكثر، كانت الزيادة على الثمن معجلة أو مؤخرة، إذ لا تهمة فيه ما لم تكن الزيادة المؤخرة طعامًا، وإن كان من غير صنفه فيصير طعامًا بطعام إلى أجل، وإن كان نقدًا، جاز ما لم يكن من صنفه، وإذا كان اشتراه وزيادة معه من صنفه، أو من غير صنفه بأدنى من ثمنه، لم يجز، ولا بثمنه نقدًا، وإن لم يفترقا،
[6/109]
***(1/105)
[6/110]
ولا بأس به مقاصة؛ لأنه إنما ابتاع ذلك ببعض الثمن، وأبقى بقية إلى أجله، ولا يتهم إذا لم يغب عليه، وهو كالعرض لأن العرض وإن غاب عليه إذا كان مما يعرف بعينه يجوز للبائع شراؤه وعرضًا معه ببعض الثمن أو جميعه مقاصة، ويبقى ما بقي إلى أجله، ولا تدخله الزيادة في السلف؛ لأنه عرض بعينه، وإنما يدخل ذلك إذا رد عرضًا من صنف عرضه، وعرضًا معه والطعام، فلا يعرف بعينه، فهو تدخله الزيادة في السلف لذلك.
قال عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع ألف إردب بمائة دينار إلى سنة، ثم اشترى منه بعد ذلك مثل المكيلة فأقل بمثل الثمن نقدًا، فذلك جائز، ولو حل الأجل، فأخذ منه من صنفه مما قل من كيله، فكرهه مالك، وقال في موضع آخر: لا بأس به.
ومن سماع أصبغ، من ابن القاسم: ومن باع عشرة أمداد قمح بدينار إلى شهر، ثم اشترى منه - يريد البائع - عشرين مديًا بدينار نقده إياه، وأخذ منه عشرة أرادب مع العشرة أرادب التي عنده، فلا يجوز؛ لأنه زيادة في السلف، صار دينارًا بدينار، وزيادة عشرة أرادب، والأرادب الأولى لغو.
باب فيمن باع سلعته بثمن نقدًا أو إلى أجل
ثم أقاله منها بزيادة أو أشركه فيها
من العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، ومن المجموعة عن ابن القاسم، وعن أشهب، وعبد الملك، هذه المسألة بوجوهها إلى آخرها، وربما زاد بعضهم على بعض، واللفظ للعتبية، والمعنى واحد: ومن ابتاع عرضًا يوزن أو يكال، أو لا يوزن ولا يكال بدنانير نقدًا، ثم استقال منه قبل ينقد فيه بزيادة
[6/110]
***(1/106)
[6/111]
دينارين أو ثلاثة من المبتاع، فجائز أن يزيده ما شاء معجلاً. قال ابن المواز: قبل التفرق من مجلس الإقالة، ولا يجوز مؤخرًا؛ لأنه في زيادة الذهب مؤخرًا يدخله بيع وسلف وفي زيادته إياه الورق، يدخله الصرف مؤخرًا وفي زيادته العرض دين في دين.
قال ابن القاسم في المجموعة وفي كتاب ابن المواز: ويجوز بزيادة دراهم نقدًا، إن كانت أقل من صرف دينار. قال: ولو كان البيع الأول بدنانير إلى أجل، لم يجز أن يزيده المبتاع أقل من صرف دينار. قال: ولو كان البيع بدنانير إلى أجل، لم يجز أن يزيده المبتاع ذهبًا نقدًا أو إلى أجل دون الأجل، ولا أبعد منه، ويدخله بيع وسلف، وبيع ذهب بذهب وعرض، ولا يزيده ذهبًا مخالفة لها إلى أجلها، إلا أن يزيده إلى الأجل نفسه مثل عين الثمن وجودته. وكذلك في كتاب ابن المواز، وزاد: قال مالك: ولو زاد من غير نوع الثمن، فما كان نقدًا فجائز، وإن تأخر لم يجز. قالوا: ولا يزيده ورقًا نقدًا، ولا إلى دون الأجل، ولا إلى أبعد منه. وإن كان الثمن ورقًا، دخله في زيادة الورق مثل ما قلنا في الثمن يكون ذهبًا، فيزيده ذهبًا، ولا بأس أن يزيده عرضًا نقدًا، ولا يجوز مؤخرًا، وإن كان الثمن عرضًا، فلا يزيده عرضًا من جنس ما له عليه نقدًا، ولا إلى أجل دون الأجل، ولا إلى أبعد منه، ويجوز إلى الأجل نفسه، ويجوز أن يزيده عرضًا مخالفًا لما عليه نقدًا. قال: وإن كانت الزيادة من البائع، والثمن دنانير إلى أجل، فلا بأس أن يزيده ذهبًا أو ورقًا أو عرضًا، معجلاً ذلك أو مؤخرًا إلى أقرب من الأجل، أو أبعد منه، إلا أن يكون العرض الذي يزيده من صنف ما استقال منه، فلا يجوز أن يتأخر ما يزيده، ويجوز معجلاً، ولو كانت مثلها صفة وعددًا، لم يجز تأخيرها، ويصيران أسلفه عروضًا إلى أجل، على أن زاده الدنانير التي عليه.
[6/111]
***(1/107)
[6/112]
قال ابن القاسم: ومن باع عكم قراطيس بدينار نقدًا، ثم تقايلا بزيادة عشرة دراهم إلى أجل، فإن كانت من عند المبتاع، لم يجز، ويجوز من عند البائع، إن لم يكونا من أهل العينة. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن اشترى عبدًا بمائة دينار إلى شهر، وله على البائع مثلها إلى الشهر أو حالة، فأقاله البائع على أن وضع عنه المبتاع المائة الدينار، فذلك جائز، وكأنه قضاه إياها في ثمن العبد، ووهبه لعبد، وذلك إذا تكافأ المالان، وكذلك لو كان عليه أكثر من مائة، فترك له ذلك على هذه الإقالة، فذلك جائز. فأما إن اختلف أجل المالين، وهما متساويان أو متفاضلان، لم يجز أن يقيله على أن يفسخ عنه المبتاع دينه الذي له عليه، ويدخله في اختلاف الأجلين ذهب بمثلها إلى أجل، وزيادة عبد، فلا يجوز في هذا، إلا أن يكون دين المبتاع حالاً، أو إلى أجل ثمن العبد.
ومن سماع ابن القاسم: ومن باع سلعة بخمسة عشر دينارًا نقدًا، فنقد عشرة، ومطله بالخمسة، فقال له البائع: أقلني، ولك ربح ثلاثة دنانير، وأخرني شهرين، فإن كانا من أهل العينة، لم يجز، وإن لم يكونا من أهلها، فجائز.
ومن كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بثمن مؤجل، ثم أشركه المبتاع بعد ذلك في نصفها، فإن نقده نصف الثمن، لم يجز، وإن تأخر إلى أجله، فجائز. محمد: وهذا في غير الطعام، وفي غير ما يكال أو يوزن من العروض.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وعلي عن مالك فيمن باع سلعة بدنانير نقدًا، أو بعرض مؤجل، فأقال مبتاعه على أن ردها مع دنانير عجلها له، وترك الدنانير التي كان قبض، فذلك جائز، لأنه اشترى ما عليه بما عجل من سلعة. ومن قال عنه ابن نافه، فيمن باع جارية بتسعين دينارًا إلى أجل، ثم قال له البائع: أنا شريكك فيها بالثلث، فبعها، فإنما يجوز هذا لو كان باعها بالنقد. فأما والبيع دين، فلا يصلح. قلت: أكرهته لأنه دين بدين؟ قال: إنه لا يريد جنسها،
[6/112]
***(1/108)
[6/113]
فهو يقول له: بع هذا الثلث بخمسة وعشرين، فيأخذها ويدع له ثلاثين. قيل: إنه يقول له: بعها، وأنا معك فإنك صاحب رقيق، قال: لا خير فيه، وكأنه سلف بزيادة.
فيمن أسلم في سلعة ثم تقايلا بزيادة من أحدهما
أو باع عروضًا بثمن مؤجل ثم أقال منها أو من بعضها
وقد فاتت على رد مثلها وزيادة من أحدهما وابتاع منه مثل العروض
من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: إن أسلفت عشرة دنانير في عرض غير طعام، ثم أقالك على أن أعطاك تسعة دنانير في عرض غير الطعام، أو عشرة، فأعطيته شيئًا غير الذهب والفضة نقدًا، أو إلى أجل، فذلك جائز. قال عبد الملك: وإن زاده المبتاع ثوبًا من صنف ما له عليه، أو من غير صنفه، وقد حل الأجل، فهو جائز. قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يزيده ذهبًا من غير الذهب التي يأخذ منه نقدًا؛ لأنه بيع ذهب وعرض بذهب، ولا مؤجلاً، فيصير: بيع وسلف، ولا بأس بأن يزيده ورقًا نقدًا - يريد دراهم يسيرة - وقد اختلف فيه. وبعد هذا قول آخر لعبد الملك في هذا الباب.
قال أشهب وعبد الملك: وإن حلت السلعة فلا بأس أن تأخذ ذهبك، وتزيده ورقًا نقدًا. قال عبد الملك: ما لم تكن كثيرة، فيصير صرفًا وبيعًا. قال ابن القاسم وأشهب: وإن تأخرت الفضة، لم يجز. قالوا: وإن زاده البائع بعد التفرق شيئًا، لم يجز وهو الربا.
قال ابن القاسم، وأشهب: وإن كان رأس مالك عرضًا أسلمته في عرض خلافه، فأقالك من عرضك بعينه، وزادك قبل الأجل شيئًا، فجائز ما لم
[6/113]
***(1/109)
[6/114]
يزدك من صنف ما عليه نقدًا فلا يجوز، ويجوز إلى أجله، لا إلى أبعد منه، ويجوز أن يزيد بعد الأجل ما شئت نقدًا، ولا يجوز فيه تأخير.
قال أشهب: وإن أسلمت طعامًا في سلعة، أو دفعته في كراء إلى أجل، ثم أقلته وزيادة تعطيها له من غير الطعام والإدام نقدًا أو إلى أجل، فلا بأس به، ولا يجوز أن يزيده طعامًا أو إدامًا نقدًا ولا مؤجلاً، وهو إذا زاده طعامًا من صنفه نقدًا، فهو طعام بطعام وزيادة، وإن زاده من غير صنفه دخله التأخير فيما قارن أحد الطعامين، وأما إن حل العرض أو الكراء، فتجوز زيادتك الطعام من غير صنفه نقدًا، ولا يجوز إلى أجل.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن باع ثوبًا بدينارين إلى أجل، ثم ابتاع منه قبل الأجل ثوبًا من صنفه، ومثله في جودته بدينار نقدًا، إنه جائز. بخلاف ما لا يعرف بعينه، مما يقضى بمثله في الاستهلاك. محمد: وهو عنده مبايعة طارئة في الثياب والحيوان، ولا يعجبنا، وقوله في العشرة الأثواب التي أسلمها في عروض أصح. قال فيها: إذا رد إليه خمسة من صنفها، ولا بقية ما أسلم فيه، فلا يجوز، وجعل ما رد من ثمنها كالسلف، وكذلك ينبغي في مسألة الثوب.
قال ابن القاسم: وإن أسلمت عشرة دنانير وثوبًا في عبد إلى أجل، فحل وقد هلك الثوب، وأعسر بالعبد، فأقاله على أن رد العشرة، ومثل الثوب، فجائز، وإن كان دون الصفة، ولا يجوز أرفع ولا مخالف للصفة، وإن كان أدنى منه أضعافًا، وكذلك في رواية عيسى في العتبية.
[6/114]
***(1/110)
[6/115]
قال ابن المواز: أما هذه فجيدة، ولم يجزه أصبغ، ورأى الثوب بالثوب بيعًا، والمال سلفًا. قال أصبغ: ولو كانت ثيابًا كلها، وأخذ بعضها من صنفها، وبالبعض شيئًا آخر، لم يجز أيضًا.
قال محمد: إذا جعل ما رد من صنفها سلفًا، فلم أنكر على ابن القاسم إذ جعل كل شيء سلفًا في المسألة الأولى؟ قال محمد: ولو رد الدنانير وثوبًا من غير صنف المبيع كان بيعًا وسلفًا، ولو كان رأس المال دنانير أو قمحًا فرد مثلها لجاز.
قال ابن القاسم في العتبية، في رواية عيسى، فيمن أسلم عشرة دنانير وعرضًا في عبد إلى أجل، فلما حل الأجل، أخذ منه عشرين دينارًا والعبد، لم يجز؛ لأنه بيع وسلف.
ومن كتاب محمد: وإن باع عشرة أثواب بأعيانها بثمن مؤجل، فأقاله من نصفها، جاز إن حل أجل الثمن، وإن لم يحل، لم يجز أن يعجل له باقي الثمن، فيصير بيعًا وسلفًا، وإن أعطاه بالنصف الذي أقاله منها ثيابًا من صنفها مع نصف الثمن، لم يجز وإن حل الأجل؛ لأن ما رد من صنفها سلف، والباقي في بيع.
ومن أسلم دينارًا في ثوب، ونقده، ثم استقاله، دافع الدينار في مجلسهما على أن زاد للبائع درهمين نقدًا، فذلك جائز، وإن كثرت الدراهم مثل خمسة فأكثر، فأجازه ابن القاسم، واختلف فيه قول مالك، وكرهه أشهب إذا كثرت الدراهم، أجاز في الدرهمين أن يشتري ثوبًا بدينار إلا درهمين يتعجل الدينار والدرهمين، ويتأخر الثوب. قال محمد: ثم رجع مالك إلى كراهيته، وبذلك أخذ ابن القاسم. قال أصبغ: وإن كثرت الدراهم لم أفسخه إن نزل.
ومن أسلم عشرة دنانير في ثياب إلى أجل، ثم ندم المبتاع فاستقال على رد خمسة دراهم للبائع، وأخذ دنانيره، قال مالك: ليس بحسن. قال ابن القاسم:
[6/115]
***(1/111)
[6/116]
لا بأس به. قال محمد: لا بأس به بعد محل الأجل، ولا خير فيه قبل محله، ويصير يأخذ ذهبًا، ويدفع دراهم وعرضًا مؤجلاً.
ومن المجموعة قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: وإن بعت ثوبًا بثمن إلى أجل، ثم أقلت منه وقد فات، ليرد مثله وزيادة شيء من الأشياء نقدًا، فلا يجوز، وهو الزيادة في السلف، وكذلك إن زادك دينارًا إلى محل أجل الثمن، وإن رد عليك من غير صنف عرضك، جاز على أن يزيدك، وعلى أن تأخذ بباقي الثمن عند أجله، لا يتعجله ولا يؤخره، فإن أقاله ولم يجد سلعته، فأخذ خيرًا منها من صنفها، لم يجز، ويجوز أن يأخذ أدنى، وكذلك أدنى وأقل عددًا. قال أشهب: أو مثلها في الجودة وأقل عددًا.
وذكر عن عبد الملك في باب آخر، فيمن باع عشرة أثواب بثمن مؤجل، فلا يأخذ منه من صنفها خمسة عشر، ولا تسعة، وكأنه باع الأولى بما أخذ فيها، وهذا غير ما ذكر عنه هاهنا.
قال ابن القاسم: وإن كانت أجود صفة، أو أدنى، واختلف العدد، ولا خير في أجود من الصفة، أقل عددًا أو أكثر، وإن كانت أدنى صفة، فجائز مثل العدد فأقل.
قال ابن القاسم وعبد الملك: وإن رد مثل ثيابه فأدنى، على أن أعطاه البائع دينارًا نقدًا فجائز، وإن رد أكثر عددًا من ثيابه، وأخذ منه دينارًا، لم يجز، وهو بيع وسلف، فالزائد على العدد بيعًا، ومثل الثياب سلفًا، ولا يجوز أن يكون أرفع منها في مثل العدد ولا أدنى وأكثر عددًا، وهو بيع وسلف، والزيادة في السلف.
[6/116]
***(1/112)
[6/117]
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل أو أسلم فيها ثم تقايلا
على أن باع أحدهما من الآخر سلعة أخرى بنقد أو دين
من المجموعة قال غيره فيمن أسلم دنانير في عرض، ثم استقال منه، على أن باعه البائع دابته بذهب أو بوزن أو بعرض، فلا يجوز ذلك، ولو ندم البائع فاستقال، على أن يبيع دابته من المشتري، فلا يجوز، لأنه بيع وسلف، أسلفه الذهب الأول، على أن أعطاه دابته بورق أو ذهب أو عرض، وصار أن أعطاه الذهب الأول والدابة الآن بذهب يأخذها وما معها، وذلك ذهب بذهب، مع كل ذهب سلعته، وهذا إذا افترقا، فإن لم يفترقا، فندم المبتاع فاستقال البائع على أن يبيعه دابته بذهب أو ورق أو عرض من غير صنف العرض الذي أسلف فيه، فهذا جائز، وإن كان من صنفه، لم يجز، إلا أن يكون قد حل، أو يكون إلى أجل بعينه، فلا بأس به، وإن ندم البائع، ولم يفترقا فاستقال مبتاعه على أن يبيعه البائع دابته بذهب مثل الذهب الذي أخذ وأكثر، فلا بأس به إن كان مقاصة؛ لأنه رجل اشترى دابة بأثواب له ويفضل ذهب أعطاها إن كانت أكثر من رأس المال، وإن كانت أقل، فجائز؛ لأنه باع ثيابه بدابة، ويفضل ذهب يأخذها، وإن لم يكن مقاصة، أو كانت ذهبًا مخالفة لرأس المال، فلا خير فيه.
وإن ابتاع الدابة بورق من البائع على الإقالة كما ذكرنا، لم يجز؛ لأنه صرف تأخر فيه عوض، إلا أن يكون حل الأجل، فلا بأس به بالورق، وأما بالعرض، فجائز نقدًا وإلى أجل، إلا أن يكون العرض المؤخر من صنف الدابة، ولا يجوز، وإن كان مكان الدابة عرض من صنف ما عليه، لم يجز شراؤه للمشتري بشيء، إلا أن يحل الأجل، أو يكون إلى الأجل بعينه، فيجوز؛ لأنه باع بعض ثيابه، ولا يشتري العرض الذي قام مقام الدابة، إلا بما جاز له شراء الدابة، ولا بأس أن يشتريه بعرض مخالف له إلى الأجل؛ لأنه ليس يبيع، إما يقاص ذلك
[6/117]
***(1/113)
[6/118]
العرض، وباع منه بقية ماله عليه إلى أجل، وعرض إلى أجل بذهب مثل ذهبه التي أعطى قبل يفارق، فإن افترقا، لم يجز، كان العرض نقدًا أو إلى أجل.
قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، فيمن باع سلعة بعشرة إلى أجل، فندم المبتاع فاستقال، فلم يقله البائع حتى باع منه المشتري سلعة، دفعها إليه بثمن نقدًا، أو إلى أجل دونه، أو أبعد منه، فذلك له جائز؛ لأنك أيها البائع ابتعت منه الآن ثوبك الأول وثوبًا آخر بدنانير عليه، وبدنانير أخرى يدفعها نقدًا، أو إلى أجل، والعرض كله من عندك، والذهب كلها من عندك، وليست من رجلين. قال أشهب: سواء انتفع بعرضك أو لم ينتفع. قال ابن القاسم: وتجوز الأول، فتجوز زيادته، ذهبًا أو ورقًا نقدًا أو مؤجلاً، ولو كان على أن باعه المبتاع ثوبه بعشرة دراهم نقدًا، أو إلى أجل، فذلك جائز لأن الدراهم والدنانير من عند البائع والعرضين من عند المبتاع الأول.
وأما إن كان على أن باعه منه بعرض نقدًا أو إلى أجل، فجائز، ما لم يكن العرض الذي يأخذ منه مؤجلاً من صنف الثوبين اللذين يعطيه، أو من صنف أحدهما، فيصير سلفًا جر منفعة، وبيع وسلف؛ لأن أحد الثوبين المأخوذين الآن سلف يرد مثله، والباقي بيع، ويدخله عرض بعرض مثله وزيادة، لمسألة الحمل نقدًا بحمل مثله وزيادة دراهم.
وقال ابن القاسم: إن شرط عليه رد الثوب الذي يعطيه الآن لم يجز، ويصير قد فسخ دنانير في ثوب أخذه ولباس ثوب آخر آجلاً، وهو دين في دين، قالوا: فإن أقاله على أن باعه البائع الأول ثوبه بدنانير نقدًا، أو إلى أجل دون الأجل، أو
[6/118]
***(1/114)
[6/119]
أبعد منه، فلا يجوز، إلا إلى الأجل نفسه، لأنك بعت منه ثوبك، بدنانير لك عليه بثوب أخذته وبدينار نقدًا، أو إلى أجل، فهو ذهب، نقدًا أو مؤجلاً بذهب مؤجله مع كل ذهب عرض نقدًا. قال أشهب: ويدخله في انتقادك الدينار بيع وسلف، وضع وتعجل.
قال ابن القاسم: إن كان في الثوب الذي أعطيت فضلاً عن الذي كنت بعت منه، فكأنك أعطيته ذلك الفضل على أن عجل لك دينارًا من دينك، فهو: ضع وتعجل، قالوا: وإن كان بدينار إلى أبعد من الأجل، فهو بيع وسلف تبايعتما الثوبين على أن وخرته بدينار من دينك. قال ابن القاسم: وسلف جر منفعة، أسلفه الدينار ووخره عنه بفضل ثوبه الذي أخذ منه على ثوبه الذي أعطاه الآن. قال أشهب: وإن لم يكن بين الثوبين فضل، أو كان الثوب الذي يدفعه الآن البائع أفضل فهو ذريعة، وباب من أبواب الربا. قال ابن القاسم، وعبد الملك: وإن كان بدينار ناقص، فهو أبين لحرامه. قال عبد الملك: ولا يجوز بدينار نقدًا، وهو: ضع وتعجل. قال ابن القاسم، وأشهب: وأما بدينار إلى أجل، فهو جائز، لا تهمة فيه إن كان في مثل ما لك عليه في الورق والوجه. قال أشهب: فإن كان الدينار ليس من صنف دينك، لم يجز، وصار تبايعكما عوضًا في فضل ما بين الذهبين، وإن ابتاع منك ثوبك بدينارين أو ثلاثة إلى الأجل، على أن أولته في الثوب الأول، فجائز إن كانت الثلاثة دنانير من صنف دينك. قال ابن القاسم: وكأنك بعته ثوبك هذا بثلاثة دنانير إلى الأجل، ورد إليك سلعتك. قال ابن القاسم: ولا يجوز على أن يأخذ منه ورقًا - نقد أو لا - إلى أجل، وهو عرض وذهب مؤخر بعرض ودراهم، ويدخله مع ذلك في تأخير الدراهم: دين بدين، وأما على أن يبيعه منه بثوب نقدًا من صنفه، أو من غير صنفه، فلا بأس به، وأما إلى أجل، فلا يجوز وهو فسخ دين في دين، ويدخله
[6/119]
***(1/115)
[6/120]
أيضًا إن كان من صنفه: بيع وسلف، الثوب الآخر سلفًا، والثوب الأول أخذه بدينار بيعًا.
قال ابن القاسم، وعبد الملك: وإن قال المشتري: لا أقيلك أيها البائع حتى تعطيني دينارًا نقدًا في ثوب إلى شهر، لم يجز، وهو دين في دين، فسخ دينًا لم يحل مع دينار نقده فيما لم يتعجل جميعه. وفي باب الإقالة في الإقالة منه على بيع سلعة من أحدهما.
في الإقالة من الكراء أو من بعضه أو من الإجارة
وكيف إن كان في ذلك زيادة من أحدهما أو تأخير
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن اكترى دارًا سنة، ونقد الثمن، ثم استقال على أن وخره بالثمن، فلا يعجبني، ثم رجع فأجازه، وقال: ذلك بخلاف الحمولة؛ لأن تلك مضمونة في ذمته. قال محمد: ما لم يسكن فتحرم الإقالة.
قال مالك في الأجير تظهر منه خيانة، فيريد مباراته، فإن صح ذلك فهو واسع، وكذلك في كراء الحمولة، وأما إن لم يكن العذر من مرض، أو شيء نقم عليه، ولا وجه، فلا ينبغي إن كان نقد الثمن، ولو واجره بدينار، فعمل له، ثم لم يتفقا، فأقاله مما بقي، ورد ذلك دراهم، فكرهه مالك، ثم أجازه. وبرجوعه أخذ ابن القاسم، إذا كان عذر من مرض أو سفر أو غيره. وأجاز مالك في الطحان والخياط وشبهه، يقيل مما بقي، ويرد حصته، وكرهه في بائع اللحم والرطب وشبهه.
قيل لابن القاسم في المجموعة: ما الفرق بين هذا في الصائغ واللحم والرطب، وفي الكراء في الحمولة، والدرر في الإقالة مما بقي؟ قال: هو سواء في
[6/120]
***(1/116)
[6/121]
القياس. وفرق بينهم مالك بقدر ما يتبين من الأعذار، وما لا تهمة فيه، وإن جاء في الرطب واللحم ما يشبه ما تقدم من عذر بين، فلا بأس به، ومكر في الدار، بخلاف ذلك.
ومن كتاب ابن المواز: وإن أقاله من كراء مضمون بعد أن سار، وزاده الكري على ما بقي له نقدًا، فجائز. وقال أصبغ: كمن باع سلعة بدينار، فطال زمانها، وتغيرت تغيرًا شديدًا، من إخلاق ثوب، وإدبار دابة، ثم اشتراها بأقل من الثمن نقدًا، وكذلك لو أعطاه الكري في جميع رأس المال وأضعافه نقدًا، فجائز، أو أقاله على أن باع منه المكتري دابة بدنانير نقدًا، فجائز، ولا يجوز إلى أجل. محمد: يريد: في الكراء المضمون، وإن كان على أن يبيع منه الكري سائره نقدًا أو إلى أجل، فلا يجوز، ويدخله ذهب بذهب، وسلعة وكراء، إلا أن تكون دنانير مقاصة، فيجوز.
ومن المجموعة قال علي عن مالك: ومن تكارى إلى بلد على حمل متاع، ثم استقال من بعضه، فإن نقد، فأكرهه، فإن لم ينقد، فجائز، وإن استقاله بعد أن سار بعض الطريق بربح أو وضيعة، فجائز. قال ابن القاسم: وذلك إن سار كثيرًا لا يتهمان في بعده. وقال أشهب: إذا زاده المكتري بعد أن سار عينًا أو عرضًا، وقد كان نقده أو لم ينقده، فجائز إذا كان شرط له ما نقده، أو كان لم ينقد، وذلك حال، وإن كانت الزيادة من رب الأجل، فذلك جائز نقدًا، وإن لم يكن انتقد، فلا يجوز تأخير الزيادة؛ لأنه دين في دين وإن نقد، لم تجز زيادته نقدًا ولا إلى أجل، ولا أن يأخذ أكثر مما ينوب بقية المسافة، ولا بأس أن يقيله على أن يرد عليه حصة بقية المسافة - يريد: وقد عرفا قدر ما مضى - قال: عليّ يدخله في قول مالك: بيع وسلف. كالمقيل من بعض ما سلف فيه بعد الغيبة على رأس المال. وكرهه مالك في الأجير.
[6/121]
***(1/117)
[6/122]
قال علي، عن مالك: ومن تكارى دابة، ثم ندم الكري فاستقال بغرم يغرمه، فإن كان انتقد، لم يجز، وإن كان لم ينتقد، فجائز إن نقده الزيادة، ولا يجوز إن أخرها، وإن استقال المكتري بغرم يغرمه فجائز، وإن أخره لم يجز.
قال مالك: ومن لك عليه دنانير حالة من كراء أو بيع، فأقالك على أن تغرم له دينارًا فأكثر مؤخرًا، لم يجز، وهو إقالة وسلف. قال أشهب: وإن أكريت بطعام نقدته، ثم استقلت من ذلك بزيادة تنقدها من غير الطعام والإدام أو إلى الأجل، فجائز.
وباقي هذه المسألة قد تقدم في باب من أسلم في سلعة، ثم تقايلا.
قال: وإن استقالك مكريك بزيادة شيء ما، فلا يجوز؛ لأنه ربًا، ولو كان رأس مالك مما يعرف بعينه، من حيوان، أو عرض، فرده، جازت الزيادة منه ما كانت، ولا يجوز تأخيرها. وفي باب الدين بالدين إذا أقاله من كراء دار، على أن يؤخره بالثمن.
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم استقال من بعضها
وفي الإقالة على تأخير أو سلف
من المجموعة: ومن باع طعامًا بثمن مؤجل، فأقيل من نصفه قبل التفرق، فإن كان على تعجيل باقي الثمن، لم يجز، ويدخله، تعجل دين على بيع وعرض، وذهب نقدًا بذهب إلى أجل، وإن لم يعجل باقي الثمن لم يدخله ذلك، إذا لم يغب على الطعام، فيتهم على سلف بانتفاع.
قال عبد الملك: ومن باع ثيابًا بثمن مؤجل، ثم أقيل من نصفها، فجائز ما لم يشترط تأخير باقي الثمن عن أجله، فيصير: بيع وسلف. قال: ولو كان
[6/122]
***(1/118)
[6/123]
هذا بعد محل الأجل، لجاز. هذا قول عبد الملك، قال: لأن ما رجع إليه هو شيؤه بعينه، ووخره بعين لو شاء تعجله، ولا يرجى تغير سوقه. قال سحنون: وهذا لا يجيزه أحد من أصحابنا غيره.
قال ابن القاسم: قال مالك: ولو أخذ منه جميع السلعة المبيعة بعد الأجل ببعض الثمن، أو سلعة غيرها، على أن أخره بباقي الثمن، فهو بيع وسلف.
قال ابن القاسم: وإن باعه عبدين بدنانير إلى أجل، ثم أقاله من أحدهما فلا يجوز حتى يسمي كم للذي أقاله منه من الثمن اتفقت قيمتها أو اختلفت.
قال ابن القاسم، وابن وهب: قال مالك فيمن باع دابة وانتقد، ثم أقاله المبتاع على أن وخره بالثمن، فذلك جائز، ولو قال له المبتاع: لا أقيلك إلا على أن تسلفني مائة دينار إلى سنة، لم يجز. وبعد هذا في الكتاب جواب عن سؤال سقط بعضه من الأم، فأتممناه على ما كتبنا.
وقال ابن القاسم: عن مالك، فيمن باع سلعة بمائة دينار إلى سنة، ثم استقال منها على أن أسلف هو للمبتاع بمائة دينار إلى سنة، فلا خير فيه. وأجازه أشهب إلى الأجل بعينه، فأما حالاً، أو إلى أجل قبل الأجل وبعده، فلا يجوز.
قال أبو محمد: كأن أشهب حمله على أن السلعة بالمائة التي أعطاه الآن بيعًا، وإذا حل الأجل، كانت المائة التي أخذ منه هي ثمن سلعته الذي كان له عليه، وما لفظا به من ذكر السلف لغو، وفي العتبية، من رواية عيسى عن ابن القاسم، قال فيها: أما إلى الأجل نفسه، فناس يكرهونه، وناس يجيزونه، وكرهه مالك، وأنا أتقيه ولا أحرمه.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن البيع والسلف، أن يبيع سلعة بثمن نقدًا، فلم ينتقد حتى استقاله المبتاع، على أن يردها ببعض الثمن، ويؤخره
[6/123]
***(1/119)
[6/124]
بما بقي. محمد: أو يردها بالثمن كله على أن يزيده المبتاع شيئًا مؤجلاً، أو منفعة بتأخير، ويدخله الدين بالدين.
في البيع والسلف وما يقارن السلف من العقود
ومن باع سلعة من رجل على أن باعه الآخر سلعة
من الواضحة: قال ابن حبيب: ولا يجوز أن يقارن السلف بيع، ولا صرف، ولا نكاح، ولا قراض، ولا شركة، ولا إجارة ولا غيرها، ولا يكون إلا مجردًا.
ومن باع وأسلف، فإن لم يقبض السلف ويغيب عليه، فتركه مشترطه جاز البيع، وإلا فسخ، وإن غاب على السلف، تم الربا، ونقض البيع، وردت السلعة، فإن فاتت فقيمتها ما بلغت، وإن قبضت السلعة وفاتت، ولم يقبض السلف: فإن كان البائع قابض السلف، فعلى المبتاع الأكثر من القيمة أو الثمن، وإن كان المبتاع قابض السلف، فعليه الأقل. وقال سحنون: مثل ما ذكرنا عن ابن حبيب سواء. وقال أصغ في غير كتاب ابن حبيب: إذا كان السلف من المبتاع، وفاتت، فعليه القيمة ما بلغت، إلا أن يجاوز الثمن، والسلف، فلا يزاد، وإن كان من عند البائع، فعلى المبتاع الأقل ما بلغ.
قال ابن حبيب: والإجارة مع السلف كالبيع. وأما الشركة مع السلف، فله ربح ما أسلفه فيها؛ لأنه ضمنه، وأما مع القراض، فالربح والوضيعة لرب المال وعليه، والعامل أجير، وقد قيل: له قراض مثله، وأما مع النكاح، فكالبيع إن غيب على السلف، فسخ النكاح، فإن فات بالبناء، فلها صداق مثلها، وإن لم يقبض، وترك السلف، مضى النكاح، وإن دخل بها، فلم يقبض السلف، فلها صداق المثل، فإن كانت هي أسلفته، فلها الأقل من المسمى وصداق المثل، وإن كان هو أسلفها فلها الأكثر.
[6/124]
***(1/120)
[6/125]
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية فيمن باع من رجل عبدًا بعشرة دنانير إلى شهر، وبثوب نقدًا، على أن أسلف المشتري لبائع العبد عشرة دنانير إلى أجل ثمن العبد، أو خمسة، فإن كان شرط في أصل البيع، وعلى أن يتقايلا، فلا بأس به وإن قبح اللفظ، وإن اختلفت الآجال، لم يجز البيع، ويفسخ إذا لم يفت العبد، فإن فات، رد إلى قيمته يوم قبضه، ولو كان على أن أسلفه المبتاع مائة درهم إلى شهر، والصرف عشرة بدينار، فلم يذكر لها في رواية يحيى جوابًا. قال أبو بكر بن محمد: لا يجوز. قال أبو محمد: ويتبين لي أنه إن دفعها إليه المشتري، وشرط أنها تكون قصاصًا بالعشرة الدنانير، فهو جائز، وإن قبح اللفظ، وصار بائع العبد بثوب ودراهم نقدًا.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن قال لرجل: بعني بغلك بكذا، على أبيعك فرسي بكذا، فإن كان الثمنان حالين، أو إلى أجل واحد، فلا بأس به، اتفق عدد الثمن أو اختلف، فإن اتفق، فهو مقاصة، ويصير: بيع فرس ببغل، وإن اختلف الثمنان في العدد، فهو فرس ببغل مع أحدهما زيادة، وإن كان أحد الثمنين نقدًا، والآخر إلى أجل، إن اختلفت آجالها لم يجز، وصار بيعًا سلفًا، من مخرج الذهب أولاً.
وفي البابين اللذين قبل هذا الباب شيء من معنى البيع والسلف.
[6/125]
***(1/121)
[6/126]
ذكر السلف وجرائره وما يجوز منه والشروط فيه
وما يقارنه من نفع وذكر هدية المديان
وما يجوز له في الاقتضاء من الزيادة
من الواضحة قال: وأحب لمن استقرض دنانير أو دراهم أن يتسلفها بمعيار، ليرد مثلها، ولا يتسلفها عددًا، فيختلف العدد في وزنه، فيرد أزيد مما عليه أو أنقص.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن قال لرجل: أسلفك هذه الحنطة في حنطة مثلها بشرط، فلا خير فيه، وإن كان النفع للقابض. قال أشهب: أكره الكلام في ذلك أن يقول: أسلفك هذا في مثله، خوفًا أن يكون أمرهما على غير المعروف، ولو أسلفه إياه على أن يعطيه من جنسه أقل منه وأدنى صفة، لم يجز ذلك، وأما يدا بيد، فجائز على المعروف من صاحب الفضل، إلا في الطعام، وأما في الدنانير والدراهم، فيجوز بدل ناقصة بوازنة، يدًا بيد، إذا استوى العدد، ولا يجوز إن اختلف. قال مالك: ومن ذبح شاة وسلخها، وأسلفها جزازًا وزنًا، على أن يأخذ منه كل يوم رطلين، لم ينبغ ذلك، وإن لم يكن في ذلك شرط إذا تصنعا لذلك، ومن وخر غريمًا بدين من بيع، أو قرض غيره، فذلك سلف، وإن كان رفقًا بالمديان، فذلك جائز.
ومن قال لرجل خارج إلى مصر: أسلفك مالاً، لتقضينه بمصر، فلا ينبغي ذلك، ولو كان المسلف هو السائل له ذلك، فذلك جائز.
وأما في الطعام، فلا يجوز أن يتسلف منه، على أن يوفيه ببلد آخر. محمد: وكذلك كل ما كان له حمل أو كراء.
[6/126]
***(1/122)
[6/127]
ومن سأل رجلاً أن يحمل له بضاعة، فقال: حلفت ألا أحمل بضاعة، إلا ما إن شئت تسلفته أو تركته، فلا خير فيه، وإن أودعه وديعة، فلم يقبلها، فقال: فخذها مني سلفًا، فكره ذلك مالك.
ومن خشي على قمحه الفساد، فأسلفه ليضمنه له، لم ينبغ ذلك.
ومن الواضحة، قال: ولا يجوز سلف الطعام السائس، ولا العفن، ولا المبلول، ولا الرطب، ولا قديم ليأخذ به جديدًا، وإن كان القديم صحيحًا؛ لأن كل سلف كانت منفعته للمسلف لم يحل. قال: ولو نزلت حلجة وسنة شديدة بالناس، فسألوا رب الطعام العفن أو السائس وغيره مما ذكرنا أن يسلفهم إياه لما لهم فيه من المعونة، فذلك جائز، إذا كانت المنفعة فيه لهم دونه.
ومن كتاب ابن المواز: ولا بأس أن تؤخر من لك عليه حق بالحق بعد محله، على أن يرهنك رهنًا، وإن كان هذا قبل الأجل، لم يجز، وكذلك لو قال: أسلفني عشرة إلى محل حقك، وأرهنك بالدينين رهنًا. لم يجز، وهو سلف جر منفعة، ولا بأس بذلك بعد محل الحق الأول، وقد كان قال: إن كان عديمًا، فلا خير فيه. محمد: وهذا غلط، وذلك أنه يملك هذا الرهن، وفيه وفاء للحق. قلت: فإن كان الرهن ليس له، أو دفع حميلاً بالحقين؟ قال: جائز؛ لأنه سلف مبتدأ، وقال في كتاب الرهون: لا يجوز إلا أن يكون الرهن له. وأما إذا كان عديمًا وعليه دين محيط لم يجز وإن كان الرهن له.
ومن له على رجل عشرة دنانير حلت، ولا شيء عنده، فقال لغريمه: اسلفني خمسة، ونجم علي الخمسة عشرة، نصف دينار من كل شهر، فلا بأس به.
ومن قال لرجل: أعني بغلامك أو بثورك في حرثي يومًا أو يومين، وأعينك بغلامي أو بثوري، فلا بأس به، ورآه من وجه الرفق، وكان هو الذي يطلب.
[6/127]
***(1/123)
[6/128]
قال: وإن أعطيته عبدك النجار يعمل له اليوم بعبده الخياط يخيط لك غدًا، فجائز.
قال مالك: ومن أقام شاهدًا بدين، فأراد أن يحلف، ثم سأل المطلوب أن يعفيه من اليمين، ويؤخره سنة، فليس بحسن، أرأيت إن قال: أسلفك؟ وكذلك لو رد اليمين، فقال المطلوب: لا تحلفني، وأخرني سنة، وأنا أقر لك. فلا خير فيه، وهو سلف جر منفعة، والإقرار على هذا باطل، ويرجعان إلى الخصومة.
ومن قال لرجل: أقرضني اليوم دينارًا، وغدًا دينارًا، وأقضيك إلى شهرين دينارين، فجائز إن كان النفع للمستقرض، ولو قال: أسلفني دينارًا، وإلى شهر دينارًا، على أن أرد عليك دينارين يوم تعطيني الدينار. لم يجز، وإن كانت المنفعة للمستقرض، وكأنه أسلفه دينارًا، على أن يراطله إلى شهر بدينار، فصار بيعًا وسلفًا.
وسئل مالك فيمن لزم رجلاً بدينار، فقال له غيره: وخره، وأنا أسلفك عشرة دنانير، فكره ذلك.
قال ابن القاسم: قال مالك فيمن نزل بغريمه للقاضي، فيقيم يأكل عنده، قال: إن من ذلك ما عسى أن يكون خفيفًا، ولعله لولا دينه لم يقم.
قال مالك: ومن باع من مديانه بيعًا، أو صنع له معروفًا أو هدية، وهو قريب أو بعيد، غني أو فقير، فإن تبين أنه فعل شيئًا من ذلك لمكان الدين، لم يصلح، وما كان لغير الدين فجائز، وما أشكل فلا يقربه، وإذا كان غشيانك إياه ليلا يرهقه في دينك، فلا خير فيه، وإن كان ممن لا يخاف، فلا بأس. ثم قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
[6/128]
***(1/124)
[6/129]
ومن قال لغريمه: هل لك أن تخرج بهذا المتاع تبيعه؟ فإن كان يكلفه الخروج بسبب دينك، فلا خير فيه، فإن فعل، فلو أعطاه شيئًا يصلح به ذلك، وإن لم يخرج لمكان دينك، فلا بأس به.
ومن العتبية: قال ابن القاسم، عن مالك، فيمن ابتاع كذا وكذا رطلاً بدينار إلى أجل، فيزن له، فبقي عنده رطلان، فيدعهما له، فلا بأس، بما قل مثل هذا، وإن كثر، فلا يعجبني. وقال سحنون: لا بأس به كان قليلاً أو كثيرًا.
ومن الواضحة، قال: ولا يقبل للمديان هدية، ولا ركوب دابة، إلا أن يكون من خاصة أهلك ممن يكون ذلك بينكما قبل الدين، وإن خفت أن يكون بعض ذلك للدين، فلا نقربه، وقد أمر ابن عباس أن يحاسب بما تقدم له من هدية في دينه، ورد عمر هدية أبي وله عليه دين، فعاتبه وقبلها، وقال: إنما الربا على من أراد أن يربي.
ولا تنتفع بما رهنك بشرط، ولا بغير شرط، وإن كان مصحفًا فلا تقرأ فيه، ولو كان من بيع وشرط في أصله النفع بالرهن أجلاً ذكره، جاز، وإن لم يشترطه، لم يجز نفعه به، كان الدين حالاً أو مؤجلاً، أذن له ربه أو لم يأذن، ونحو هذا في كتاب ابن المواز، في كتاب الرهون وغيره.
قال ابن حبيب: ولم يختلف في إجازة القضاء في القرض أجود صفة وعينًا في العين والطعام، وقد تسلف النبي صلى الله عليه وسلم بكرًا، فقضى حملاً خيارًا رباعيًا.
وأما الزيادة في العدد في العين، والطعام في القضاء، فكرهه مالك، واستخف رجحان الميزان. قال ابن حبيب: وأجازه غيره من أصحابه، إذا كان من أهل
[6/129]
***(1/125)
[6/130]
الصحة من غير وأى ولا عادة، ويكون عند القضاء أو بعده، لا يجوز قبل القضاء أن يقبل منه شيئًا، ويتهم أن يكف عن تقاضيه، أو يمد له في الأجل.
قال ابن المواز: خفف مالك يسير الرجحان، ولم يجز ما كثر، ولا زيادة العدد في العين والطعام، وأجاز أشهب زيادة العدد في العين والطعام، واحتج بحديث رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بعير تسلفه ببعيرين.
ولمثل هذا باب في كتاب الصرف فيه هذا المعنى.
ومن العتبية قال أصبغ في قوم يقتسمون ماء بالقلد، فتسلف أحدهم من صاحبه في الشتاء أقلادًا، فيطلبه في الصيف، فيأبى أن يعطيه إلا في الشتاء كما أخذه، لرخصه حينئذ وغلائه في الصيف، قال عليه أن يعطيه حين يطلبه به إن كان حالاً، وللمتسلف قضاؤه أيضًا أي وقت شاء، ولا يأبى الآخر أخذه إذا بذله له.
وفي باب مبايعتك لمن لك عليه دين ذكر سلفك لمن لك عليه دين ليقضيك.
فيمن له دين هل يضع منه ويتعجل أو يأخذ أفضل أو أكثر
أو يأخذ ببعضه غيره على تعجيل أو تأخير؟
من المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: قال: ومن له دنانير دينًا، فلا يأخذ قبل الأجل بعضها، وبباقيها عرضًا، فيصير بيع وسلف وعرض، وذهب
[6/130]
***(1/126)
[6/131]
بذهب، وإن كانت قيمة العرض دون ما أخذه به، دخله مع ذلك: ضع وتعجل، ولو أخذنا بجميعه عرضًا قبل الأجل يسواه، فذلك جائز، ولك أن تأخذ بعضه قبل الأجل عينًا وببعضه عرضًا، ثم إذا حل أخذت ببقيته عينًا أو عرضًا، لا يتأخر العرض. قال أشهب: لا تتعجل من دينك شيئًا على وضيعة باقيه أو بيعه، فإن تعجلت بعضه، ولم تضع شيئًا منه ولا بعته أو بعت منه، أو وضعت ولم تتعجل، ثم أراد أن يفعل ما ذكر، فذلك جائز إن صح من غير مؤانسة ولا موعد، كمن أسلف بعد تمام البيع، أو أسلف إن كان السلف سابقًا للبيع.
ابن نافع، عن مالك: ومن له مائة دينار حالة، من ثمن طعام على رجل، فأخذ منه تسعين، ووخره بعشرة، ثم أخذ منه بها قبل الأجل عرضًا أكثر من قيمتها، فذلك جائز، ولا يأخذ منه من صنفه طعامًا أقل منه.
قال مالك في كتاب ابن المواز: ولو أخذ منه تسعين من مائة حالة، ووخره بعشرة، وكتب له بذلك كتابًا، فلا يصلح أن يضع له منها على تعجلها بعد أن وجب التأخير، ولو كان ذلك عند المراوضة قبل الوجوب، لجاز، ولكن إن أخذ منه عرضًا، فجائز.
مالك: ومن قال لغريمه: عجل لي ديني، وأحطك منه، فقال: لا يجوز هذا، ولكن خذ عرضًا بما رضيت تعجله. قال: ذلك جائز، وهذا غلط في اللفظ، ولا يأخذ ببعضه قبل الأجل عرضًا مؤخرًا، ولا يأخذ بعضه عينًا وبعضه مؤخرًا، ولا عرضًا معجلاً.
[6/131]
***(1/127)
[6/132]
مالك: ومن أسلم في عبدين، فأخذ قبل الأجل عبدًا مثل شرطه، أو أرفع، وعرضًا ببقية حقه، فكرهه مالك، وأجازه ابن القاسم. وقال أصبغ: لا يجوز، وهو: ضع وتعجل، وقول مالك أصوب.
قال محمد: قول ابن القاسم غلط. وروى أشهب، عن مالك أنه لا يجوز، ولو أخذ قبل الأجل عبدًا أدنى أو أرفع، لم يجز.
ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا كان لك عرض من بيع إلى أجل، فعجله لك، فإن لم يكن أجود ولا أردأ، فجائز، وإن كان مثله ولكن لم يعجله حتى أعطيته شيئًا، أو أعطاك شيئًا، ولم يقع بخطوة ولا كلمة، فلا يجوز، لأنه منك وضيعة على تعجل حق، ومنه طرح ضمان بزيادة. قال هو وأشهب: ولا يأخذ أجود، أقل عددًا أو أكثر. ولا أدنى وأقل عددًا أو أكثر. قال ابن القاسم: ولا يأخذ ما لا يجوز أن يسلمه فيه قبل محله، إذا كان من بيع. قال عبد الملك: وإذا حل وليس بذهب ولا فضة، جاز أخذك أرفع أو أدنى، أو أكثر أو أقل، من صنفه ومن غير صنفه نقدًا.
قال ابن القاسم: ويجوز أن تؤدي إليه بزيادة الفضة شيئًا، أو تأخذ منه لدناءتها، وكذلك في العدد، وتكون الزيادة نقدًا منك أو منه، وهي عين أو عرض، إلا أن يزيدك من مثل رأس المال، فلا يجوز، ولا يتأخر ما يزيدك؛ لأنه دين بدين، وإن كان من صنف دينك، فهو بيع وسلف، فإن أخرت أنت ما زدته، فذلك جائز. ورواه علي، عن مالك، في المسألة كلها. قال ابن القاسم، وأشهب، وعلي: ما لم تكن زيادتك من صنف ما تأخذ منه في عرضك، فيصير بعض ما قضي سلف في عرض من صنفه. قال ابن القاسم: وإن كان الذي لك عليه
[6/132]
***(1/128)
[6/133]
من قرض، فلك أن تأخذ قبل الأجل أجود صفة في مثل العدد، ولا تأخذ أردأ، بخلاف أن لو كان من بيع؛ لأن له أن يعجل لك العرض، وقد عجله أجود، وليس له تعجيل البيع.
وقال أشهب: لا يجوز في البيع، ولا في القرض أن يأخذ قبل الأجل أجود ولا أبدأ؛ لأنه العرض بالعرض من صنفه، أو ضع وتعجل أو ازدد وتعجل. واختلف قوله في أخذه من الذهب القرض أردأ أو أجود، وحوزها قبل الأجل من الطعام في مثل كيله وجنسه أجود صفة، فكرهه، وأجازه ثم قال: ولا خير في أن يأخذ من الطعام قبل الأجل أكثر كيلاً من صنفه؛ لأنه الفضل في الطعام.
قال ابن القاسم، وأشهب: ومن لك عليه دين إلى أجل، من عرض أو حيوان، فلقيته بغير البلد، فلا بأس أن تأخذه منه إذا رضيتما وحل الأجل، وكان من صنفه، لا أرفع ولا أدنى. قال أشهب: لأنه في الأرفع زيادة برفع الضمان، وفي الأدنى: ضع وتعجل. قال ابن القاسم: وإن لم يحل، فلا تأخذ منه بغير البلد، لا مثل، ولا أدنى، ولا أرفع، وكذلك هذا كله في كتاب ابن المواز. وزاد: قال ابن القاسم: ويدخله في أخذ مثله قبل الأجل بغير البلد ما يدخل في أرفع وأدنى. قال ابن عبدوس: وقال سحنون: ذلك جائز إن كان مثل الصفة، حل الأجل أو لم يحل.
ومن كتاب محمد: ولا يجوز أن يعطيك بغير البلد، من عرض، أو طعام من قرض أو بيع قبل الأجل، وإن كان مثل دينك سواء، ويجوز في البلد قبل الأجل مثله، ويجوز في القرض أجود منه. قال يحيى بن عمر: قال أصبغ: ومن لك عليه طعام من قرض، فقضاك بغير البلد مثله، وقد حل، فذلك جائز ولا يجوز أدنى
[6/133]
***(1/129)
[6/134]
ولا أجود وإن لم يحل فلا يجوز مثله ولا أدنى ولا أجود بغير البلد، وكذلك إن كان من بيع في القضاء بغير البلد، مثل ما قلنا في القرض فيما حل، وفيما لم يحل.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وأخذك لبعض ما أسلمت فيه قبل الأجل، مع عوض يخالفه كأخذك من مائة دينار خمسين دينارًا، وعرضًا قبل الأجل، ويفسخ ذلك كله، ويبقى الحق إلى أجله إن علم ذلك قبل محله. قال أصبغ: وإن لم يعلم حتى حل نقدت الوضيعة؛ لأنه لا أجل له يرد إليه، وليس له إلا ما أخذ، وقد أتم. قال محمد: هذا غلط، وخلاف لمالك، وابن القاسم، بل الوضيعة باطل قاله مالك.
ومسألة الخلع على وضيعة الدين وتعجله، في كتاب الخلع.
وإن أسلمت في عرض أو حيوان، فلا تأخذ قبل الأجل أدنى صفة، أو أقل وزنًا؛ لأنه ضع وتعجل، ولا أرفع، ويجوز ذلك كله بعد الأجل، وإذا كان دينك دنانير أو دراهم، من بيع أو قرض، أو كان طعامًا أو عرضًا من قرض خاصة، فيجوز أن يأخذ قبل الأجل أرفع صفة، ولا يجوز أدنى صفة، ولك أن تأخذ قبل الأجل أكثر عددًا، إن كان ذلك من بيع، فأعطاك ذلك البائع، ولا يجوز إن كان من قرض، إلا أن يأخذ أجود صفة، من غير وأي ولا عادة، ولا يأخذ قبل الأجل أقل ولا أدنى في عين أو غيره من بيع أو قرض.
وروى أشهب، عن مالك: إلا أن لا يبقى في الأجل في البيع إلا يوم أو يومان، فيلزم المبتاع قبوله.
مالك: ومن لك عليه أربعة عشر دينارًا ونصف، فقضاك الدنانير قبل الأجل، وأعطاك بالنصف دراهم، فلا يجوز ويجوز أن يعطيك به عرضًا، وإن
[6/134]
***(1/130)
[6/135]
أعطاك دينارًا، ورددت عليه في نصفه دراهم، قال: أحب إلي أن يرد إليه عرضًا. وأجازه ابن القاسم في القرض، ومن لك عليه نصف دينار، فأعطاك قبل الأجل دينارًا، وأعطيته بنصفه دراهم، لم يجز، وأما عرضًا، فقد أجازه مالك، ولسنا نجيزه، ويدخله: بيع وسلف، وضع وتعجل، تعجل حق سلف. وكذلك قال ابن القاسم.
وهذا الباب يتعلق منه بغير باب من البيوع والأكرية، قد جرى ذكره في مواضعه.
من له دين على رجل، ما الذي يجوز له بيعه به منه أو من غيره؟
أو يأخذ منه فيه والاقتضاء في الدين
ما لا يجوز أن يسلم فيه أصله في بيع أو قرض أو حوالة
من كتاب ابن المواز: وما أسلمت فيه من عرض، فلك بيعه من غير بائعك بما شئت من ذهب أو ورق أو طعام أو غيره، من خلاف العرض، وتنتقد وتحيل عليه، حل أو لم يحل، ولا يجوز أن تبيعه من بائعك، إلا بما يجوز أن تسلم فيه رأس مالك، وما ابتعته بعينه، جاز أن تبيعه من أجنبي بنقد، أو إلى أجل، بخلاف ما في الذمة، وما أسلمت فيه ورقًا، فلا تبعه من بائعك بذهب، وما أسلمت فيه ذهبًا، فلا تبعه من بائعك بورق وإن قلت، ويجوز أن تبيعه منه بمثل ما نقدت في صفته، وفي وزنه فأقل.
وإن أسلمت عرضًا أو طعامًا في غير الطعام، فلك بيع ذلك من بائعك بذهب أو ورق، بما يجوز أن تسلم فيه ما دفعت، إذا تعجلت ذلك، حل الأجل أو لم يحل، ويجوز أن تبيعه بمثل رأس مالك فأقل، ما لم يكن أجود جودة منه، وإن نقدت ذهبًا، جاز بيعك بذهب أقل عددًا، ما لم يكن أجود عيونًا،
[6/135]
***(1/131)
[6/136]
وكذلك الورق، والعروض، وكذلك الطعام إن أخذت مثله في صفته وكيله. وكره ابن القاسم أن يأخذ أقل كيلاً. وأجازه أشهب وغيره، كالذهب يأخذ أقل منه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب: وإن كان له طعام من قرض، فله أن يأخذ به عند الأجل طعامًا يخالف جنسه أزيد كيلاً نقدًا، وله أن يأخذ منه فيه ما يجوز أن يأخذه في المبادلة يدًا بيد، اثنان بواحد إن شئتما، وذهبا من ورق وورقًا من ذهب، ولا يأخذ من جنس من التمر جنسًا آخر، إلا في مثل المكيلة. قال أشهب في هذا: يجوز إذا لم تجر بينكما فيه عادة ولا وأي، فأما إن جرت فيه عادة أو وأي، فلا تأخذ إلا مثل ما أسلفته بعينه من تمر أو غيره، أو أدنى منه في جنسه من التمر الذي لك عليه، فإن كان أردأ منه في غير جنسه من التمر، فلا أحبه؛ لأنه ربما رغب فيه وكان أفضل. قال أشهب: ولا تأخذ في ثمن كرسف بعته كرسفًا أكثر من وزنه، وأدنى من صفته، أو أقل وزنًا وأجود صفة.
قال أشهب: ومن أسلم في سلعة غير الطعام عينًا أو طعامًا أو عرضًا لا يعرف بعينه، أو مما يعرف بعينه، ثم باعها من الذي هي عليه قبل يفارقه، فيجوز بيعها منه بما شاء نقدًا قبل التفرق، وكذلك إن نقد فيها دنانير، وأخذ دراهم، أو دنانير أكثر من دنانيره، ولا يجوز بعد التفرق أن يأخذ إلا ما يجوز أن يعطي فيه رأس ماله، ولا يأخذ من ذهبه ذهبًا أقل وزنًا وأجود صفة، ولا أكثر وزنًا وأدنى صفة، ولا من ثمن الطعام طعامًا من صنفه أكثر كيلاً وأردأ عينًا، ولا أقل كيلاً وأجود عينًا، ويجوز أدنى صفة وكيلاً، أو مساويًا له في أحدهما، أو أدنى منه في الآخر، وإن لقيته بغير البلد، فأخذت منه دنانير مثل رأس مالك عددًا أو وزنًا، فذلك جائز.
قال أشهب: ومن لك عليه عروض، فلك بيعها من غيره، حلت أو لم تحل بمثلها صفة ومقدارًا. وقال ابن القاسم: إذا كان النفع في هذا لآخذه، جاز وإلا لم يجز.
[6/136]
***(1/132)
[6/137]
ومن الواضحة: وإذا أحالك من لك عليه عرض على عرض مثله من بيع، لم يجز لك أن تصالح المحال عليه إلا بما كان يجوز لك أن تصالح عليه من أحالك بمثل رأس ماله فأقل، فإن كان رأس ماله خمسة عشر، ورأس مالك عشرة، فلا تصالحه إلا بعشرة فأقل، ولو كان رأس مال غريمك بما أقالك ورقًا، ورأس مالك ذهبًا، لم يجز أن يأخذ منه ذهبًا ولا ورقًا، ولكن يأخذ منه ما يجوز، لا أن تأخذه من غريمك، ويكون ذلك مما يجوز لغريمك أن يأخذه من غريمه، وإلا لم يجز. وهذا الباب متعلق بغير باب قد تقدم ذكره.
جامع مسائل الدين أو فسخه في دين
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم، وأشهب: قال مالك: من كان شراؤه بدين إلى أجل، جاز لك أن تشتريه بدين لك على رجل آخر. قال: ومن لك عليه دين، لم يجز لك أن تفسخه عليه في دين، ولا يجوز لك أن تشتري منه ما يتأخر قبضه من تمره وشيء غائب، أو بيع فيه خيار أو مواضعة، أو كراء، أو إجارة.
ولا بأس أن تشتري ذلك منه بدين لك على غيره، إلا الإجارة والكراء، فأجازه أشهب، وكرهه ابن القاسم، وروى كل واحد منهما قوله عن مالك. وفي المدونة في كتاب الحوالة، عن ابن القاسم مثل ما ذكر هاهنا عن أشهب.
ولو اكترى منه على أن يحمله على من ليس له عنده دين، فهو جائز؛ لأنها حمالة. قال مالك: ولو شرط في الكراء النقد، ثم أحاله على دين له حال أو مؤجل، كان جائزًا، أو لو لم يشترط النقد، لم يجز.
[6/137]
***(1/133)
[6/138]
قال مالك: ولا تأخذ بدينك من الغريم طعامًا بقريته، تبعث من يقبضه. قيل: فإن كان على ستة أميال. فكرهه، حل الدين أو لم يحل. قال: ولا ثوبًا يصبغه لك أو يخيطه، أو حنطة يطحنها، أو يكري منه به أرضًا قد رويت وإن حل. قال مالك: ولو كان طعامًا قليلاً أخذ منه بدينار، لم يصلح له أن يؤخره إلا قدر ما يجوز له في مثلها، إلى أن يأتي بحمال أو مكتال يأخذه فيه. وقاله ابن القاسم، وأشهب.
قال أشهب: وكذلك لو كان مما يكال أيامًا أو شهرًا، يقم في ذلك ما ذكرنا، لم يكن بذلك بأس إذا شرع فيه. قال: وإذا بعت الدين من غير من هو لك عليه، جاز أن تؤخره بالثمن اليوم واليومين فقط، ولا تؤخر الغريم إن بعته منه، إلا مثل ذهابه إلى البيت، فأما أن تفارقه، ثم تطلبه به، فلا يجوز. قال أشهب: فإن تفرقا، فسخ البيع إن عملاً على ذلك، أو كانا من أهل العينة، فإن لم يكونا كذلك فليلح عليه حتى يأخذ منه الثمن. قلت: فإذا لم يجز إن اكترى منه بدين عليه داره أو عبده، فهل يجوز لي أن أستحمله به عملاً؟ قال مالك: أما العمل اليسير والدين لم يحل، فذلك جائز، وإن حل، لم يجز في يسير ولا كثير. وقال مالك فيمن لك عليه درهمان، فاستحطته بدرهم، فلا تقارضه به بعد فراغه، ولكن ادفعه إليه، ثم يقضيكه في دينك. وكره مالك في رواية ابن وهب تستعمله في دين لم يحل به عملا قبل الأجل، وقال: أخاف أن يمرض أو يغيب، فيتأخر عليه حتى يحل الأجل فيصير دينًا بدين.
قال مالك: ومن ابتاع خمسين إردبًا بخمسين درهمًا، يأخذ كل شهر عشرة أرادب، ونقده الآن عشرة دراهم، على أنه كلما أخذ عشرة أرادب، نقده عشرة دراهم. قال: هذا دين بدين.
[6/138]
***(1/134)
[6/139]
قال مالك: من ابتاع طعامًا إلى أجل بعشرة دنانير، فنقده ثمانية دنانير، وتأخر ديناران إلى محل الأجل، فلا خير فيه. محمد: ولا يفسخ إلا أن يتعاملا عليه.
ومن العتبية: وكره مالك أن يشتري الطعام بثمن إلى أجل، ثم يقره عند بائعه وإن كان اكتاله، وأخاف أن يؤخره حتى يحل الحق، ولو كان بالنقد لجاز.
قال ابن القاسم: يخاف أن يضمنه له إلى الأجل، فيكون النقد والكيل معًا. قال في رواية عيسى: ولا يفسخ إن نزل وإن لم يكتله حتى يحل الأجل، وقاله ابن المواز.
قال: ومن لك عليه مائة دينار، فأخذت بها منه مائة إردب، فاكتلت نصفها، وتأخر ما بقي حتى طال، فليرد كل شيء، ويرجع إلى دنانيره.
ومن كتاب محمد: وإذا كان رأس مال السلم حليًا مكسورًا، فيقبضه، ثم استحق أو وجده رديئًا، فله مثله، ولا ينقض السلم، بخلاف المصوغ، قاله ابن القاسم، وأشهب، ولو عرف وزن المصوغ، فهو كالموزون المكيل يستحق من طعام أو عرض أنه ينتقض السلم.
ومن وليته طعامًا أو عرضًا في ذمة رجل، فلا يجوز أن يؤخره بالثمن يومًا ولا أقل منه، وهذا كالصرف. قال محمد: أما في الطعام، وفي كل ما عامل به صاحبه، فكما قال، وأما في غير الطعام، يبيعه من غير من هو عليه، فيجوز أن يؤخره بالثمن يومًا أو يومين.
قال: ولا يجوز للمرأة أن تضع مهرها عن زوجها، على أن يحج بها، ذلك دين بدين، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم.
[6/139]
***(1/135)
[6/140]
قال ابن القاسم: إن أسلمت في وقت، ثم زدته ليجعله أكثر مما وصفته، فجائز إن كان ذلك إلى الأجل بعينه، كقول مالك في الثوب يزيد في طوله، كان حائكًا أو غيره، وأما في أصفق وأدق، فلا يجوز.
قال مالك فيمن استعمل مساويًا على قدر وصفه، ثم زدته في الثمن، ليجعل لك أكثر منها، فذلك جائز، إذا لم يزد في الأجل. محمد: ولم ينقص منه.
ومن اكترى دارًا سنة، لم يجز، سكن أو لم يسكن. ثم رجع فقال: إن لم يسكن، فلا بأس به، بخلاف الحمولة؛ لأن تلك مضمونة. وقد ذكرت فسخ الكراء والإجارة في غيره في كتاب الإجارات والأكرية.
باب في مبايعتك لمن لك عليه دين أو تقرضه قرضًا
من العتبية، قال مالك فيمن لك عليه طعام من قرض، فسألك أن تبيعه طعامًا يقضيكه، من قرضك. فأما بنقد، فجائز، وأما بدين، فلا يجوز، لأنك ترده إليه، وتصير تطلبه بثمن مكان طعام كان قرضًا، وأما بنقد، فهو كبيع الطعام من قرض قبل قبضه، فذلك جائز.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن عليه طعام من بيع، فقال للطالب: ما عندي طعام، ولكن بعني حمارك، وأنا أقضيك طعامك. فأما بنقد فجائز، إذا لم يعطه دون شرطه من الطعام أو أرفع، وإن كان بيع الحمار إلى أجل، فلا يجوز. قال أصبغ: ويفسخ، فإن مات الحمار، تعجلت قيمته.
من الواضحة: روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، في القائل: بعني حمارك لأقضيك طعامك: أنه كرهه، ولم يذكر بنقد، ولو قال: بعني طعامًا
[6/140]
***(1/136)
[6/141]
لأقضيك، لم يجز، وهو بيع الطعام قبل قبضه. وقاله أشهب. وإن كانت الدنانير التي يعطيه الآن أكثر من رأس ماله، فهو الربا.
قال عيسى، عن ابن القاسم: إن ابتاعه بمثل رأس المال نقدًا، فجائز، وأما بأكثر، فهو الربا، وأما بأقل، فهو بيع الطعام قبل قبضه.
ومن كتاب ابن المواز: ومن تحمل له رجل، فقال للحميل: بعني سلعتك أقضيها فلانًا، فتسقط حمالتك، فلا يعجبني، وأخاف أن يكون من الدين بالدين، وبابًا من أبواب الربا. ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم: إن كان اشتراها كما يشتري الناس، ولا يدري أيبيعها في قضائه، أم لا؟ فلا بأس به.
ومن كتاب ابن المواز: مالك: ومن عليه مائة دينار دين، فلما حلت سأل الطالب أن يبيع منه سلعة بمائة وخمسين إلى أجل. قال في المجموعة: تسوى مائة بالنقد، فهذا لا يجوز، وهذا كراء الجاهلية، ورواه ابن القاسم، وأشهب، عن مالك. وقال مالك فيمن يقدم عليه البز من مصر، فيبيع بدين، فيقضي البعض، ثم يقدم شيء آخر، فيبيع منهم، قال: لم أرهم يرون بهذا بأسًا، وليس مثل الأول، وإنما يكره هذا من أهل العينة.
قيل: إن قومًا يبيعون الغزل بالدينارين والثلاثة من الحاكة، فيأتي أحدهم بدينار مما عليه، ثم يبتاع منه أيضًا غزلاً آخر، فهو هكذا يقضيه ويبقى عليه، فلم ير به بأسًا. قال محمد: وقول مالك الأول، كراهيته أحب إليّ. قاله ابن القاسم.
قال مالك: ومن لك عليه دين، قد حل أو قرب حلوله بما يتهم أن يكون يستعين بما يأخذ منك في قضاء دينه، فلا تبيعه شيئًا إلى أبعد من أجل حقك، وأما بنقد فجائز.
[6/141]
***(1/137)
[6/142]
قال أشهب: قال مالك فيمن عليه خمسة وعشرون دينارًا من قرض، فقضى منها عشرين، لم يجد غيرها، فباعه الطالب عرضًا بخمسة إلى ستة، ثم وقع في نفسه أنه يقضي من ثمنه، قال: لا يأخذها، وأصل بيعه لا خير فيه، باعه وله عليه دين. قيل: إنه سلف حال، قال: ذلك سواء من بيع أو قرض، ولكن إن ترك الخمسة إلى السنة، فأرجو أنه جائز. قول محمد: صواب إلا قوله: إن ترك الخمسة إلى السنة فجائز. فهذا لا يعجبني؛ لأنه إن باعه العرض، على أن يؤخره بالخمسة، فهو بيع وسلف، وإن باعه على أن يعجل له من ثمنه، فلا خير فيه؛ لأنه يعطيه ثمن سلعته.
وقال مالك فيمن له حريف بالريف، يبتاع منه بالمال العظيم، ثم يقضيه عند حصاده، ثم يأخذ منه أيضًا. قد عوده ذلك، ولولا أنه يعطيه ذهبه عندما يقضيه، لم يعطه طعامه، قال: لا يعجبني هذا، وإذا قبض الرجل من أهل القرية طعامه وخزنه، ثم ابتاعوه منه بنقد، فإن لم يكن بحدثان ذلك، ولم يبق له عندهم شيء، فلا بأس به.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع طعامًا بثمن إلى أجل، ثم أراد أن يسلم إلى المبتاع عرضًا في طعام، فإن لم يقرب الأجل، فذلك جائز، وإن كان على أن يرهنه بالأول والثاني رهنًا، فلا يجوز.
قال ابن القاسم، عن مالك: ومن وجب لأجيره عليه عشرة دراهم، فسأله بها ثوبًا، فقال: أشتريه لك إن شئت. فكرهه، قال: والصواب من ذلك أن يشتريه لنفسه، ثم يبيعه منه بعد ذلك.
[6/142]
***(1/138)
[6/143]
ومن المجموعة قال ابن القاسم، عن مالك: ومن الناس من يجوز له أن يبيع ممن له عليه دين قد قرب حلوله مثل البزازين والسقاطين ممن يبتاع على التقاضي، فهو يبيعه ويقبض منه، وقد يأتيه متاع آخر يبيعه منه وقد حل الأول، أو قرب حلوله، فهو جائز، وليس هؤلاء من أهل العينة. قال: وأما من يسلف في الحبوب، فإذا حل أجله أسلم إليه في طعام إلى أجل، ولو منعوهم أخذوا من غيرهم، وهم عدماء، ولهم ما بقي بديونهم، ولا يبيعونه، فلا خير في هذا.
قال غيره: ومن حل عليه دين لرجل، فقال له: لا أقضيك إلا أن تسلفني دراهم أو طعامًا، أو كانت له دنانير مرهونة عند غيره في عشرة دراهم، فقال له أسلفني عشرة دراهم أفتكها وأقضيكها، فقال: لا يسلفه إلا من جنس ذهبه الذي يسأله ولا يعده سلفًا، وهو شيء أخذه مما عليه، وإذا كان مخالفًا لما لع عليه، فهو سلف جر منفعة.
قال علي، عن مالك: ومن لك عليه عرض من بيع، فقال لك: أسلفني ذهبًا أبتاع لك عرضًا وأوفيكه، فلا ينبغي، وكأنه فسخ العرض في دنانير.
فيمن تسلف من رجل شيئًا أو قبضه منه
في دين أو صرف ثم يبيعه منه أو يصرفه منه أو يسلمه إليه
أو أسلمت إليه ذهبًا فردها إليك قضاء من دينك
من كتاب ابن المواز: ومن تسلف من رجل دراهم حالة، أو إلى أجل، فلا بأس أن يشتري منه بها سلعة بعينها، ولا يجوز أن يصرف بها منه دنانير؛ لأنه يفارقه، ثم يطلبه بالدراهم، ولكن إن فعل فليس له غير الدنانير؛ لأن دراهمه رجعت إليه، وإن كانت حالة، جاز أن يسلمها إليه في طعام إلى أجل. قاله
[6/143]
***(1/139)
[6/144]
مالك، قال في كتاب آخر: وكذلك يجوز أن يشتري بها منه طعامًا نقدًا.
قال: وإن أخذت منه الدراهم إلى أجل فلا يسلمها إليه في شيء مؤجل ولا بأس أن يشتري بها منه طعامًا نقدًا.
محمد: قال مالك: ومن لك عليه ذهب قد حل، فأسلمت إليه ذهبًا في سلعة إلى أجل، فردها إليك قضاء من دينك، الأول فإن لم يكن شرط ولا وأي ولا عادة، فلا يجوز إن كان بحدثانه.
ومن أسلمت إليه دنانير في طعام، ثم ابتعت منه طعامًا بدنانير إلى مثل أجلك أو أبعد، فقد كرهه مالك. قال محمد: الذي أعرف من قول مالك، وابن القاسم، أنه إن قارب الأجل فمكروه، وأما قبل الأجل، بما يعلم أنه لا يستعين بما أخذ في القضاء، فلا بأس به. قال مالك: وإذا قرب الأجل، فلا خير في أن يشتري المشتري من الذي عليه الطعام أو غير الطعام طعامًا أو سلعة ما كانت إلى أجل أبعد من أجل دينه، وأما إلى الأجل بعينه أو بالنقد، فجائز.
قال مالك: ومن قضاك طعامًا من سلم، ثم ابتاعه منك بنقد، أو تأخير، فإن كان بغير حضرة القضاء وبين ذلك تفاوت يعلم به صحة أمرهما، فهو جائز.
ومن المجموعة: قال أشهب: ومن صرف من رجل دينارًا بدراهم، ثم استقرضها منه، ودفعها إليه، لم يجز، وعليه رد ديناره، ولا يجوز أن يعطيه فيه دراهم.
وقد ذكرنا في الصرف ذكر من يصرف منه ورقًا، ثم يصرفها منه بذهب.
[6/144]
***(1/140)
[6/145]
ومن غير المجموعة: وإن أقرضك رجل دراهم إلى أجل، فابتعت بها منه شيئًا نقدًا، فذلك جائز، ولا يجوز إلى أجل، وإن أقرضكها حالة، جاز شراؤك بها منه شيئًا نقدًا أو إلى أجل، كآجال السلم، فذلك جائز.
قال ابن حبيب: وإن أقرضك طعامًا حالاً، ثم بعته منه بثمن نقدًا أو مؤخرًا، لم يجز، ولو أقرضكه إلى أجل، جاز أن تبيعه منه بثمن حال - يريد: مثل آجال السلم - ولا يجوز بدين.
باب ذكر الحوالة والمقاصة في الديون
من المجموعة، قال ابن القاسم: إذا كان عليك طعام، ولك في ذمة رجل طعام، وأحدهما من بيع، والآخر من قرض، فإن حلا، فجائز أن تحيله على غريمك، فإن لم يحلا أو حل أحدهما، فلا يجوز، حل البيع أو القرض.
وقال أشهب: هما كالقرضين يحيل بما حل منهما فيما حل وفيما لم يحل، وإن كانا من بيع، لم يجز، وإن حلا، إلا أن يتفق رأس ماليهما، فيجوز، ويشبه التولية.
ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا أحلت بدين عليك على دين لك، فإن لم يكونا طعامًا من بيع، واتفقت الصفة والجنس والمقدار، وكان الذي يحتال قد حل حقه، فهذا جائز، وإن اختلفا في الصنف، أو في الجودة والصنف، وأحدهما طعام أو عين أو عرض، كانا أو أحدهما من بيع أو قرض، فلا يصلح ذلك، وإن حلا إلا أن يقبضه قبل أن يفترقا، فيجوز إلا في الطعام من بيع، فلا يصلح أن يقضيه، إلا من صاحبه، وكذلك إن كان هذا ذهب وهذا ورق، فلا تحيله به وإن حلا، إلا أن يقبضه مكانه قبل افتراق الثلاثة، وقبل طول المجلس، وإذا كان طعامين متفقي الجنس والصفة والكيل، وهما من قرض، أو أحدهما من قرض،
[6/145]
***(1/141)
[6/146]
والآخر من بيع، فلا بأس أن يحيل ما قد حل منهما، كان السلف أو البيع فيما لم يحل. ولم يجزه ابن القاسم حتى يحلا. ورواه عن مالك. قال ابن حبيب: والأول قول جميع أصحاب مالك إنه جائز إذا حل ما يحيل به، إلا ابن القاسم، واختلف فيه قول أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب، عن مالك، في الرجلين لكل واحد منهما على صاحبه عشرة دنانير، وآجالهما مختلفة، ولم يحلا: لم يجز أن يتقاصا وأجازه ابن القاسم إذا اتفق الحقان في الجنس والصفة، كانا ذهبين أو فضتين أو عرضين ما كانا، إلا الطعام من بيع، كان أجلهما متفقًا أو مختلفًا، حلا أو لم يحلا، أو حل أحدهما، فإن اختلفا في الجنس والصفة، فلا يتقاصا وإن حل أحدهما، إلا أن يحلا، أو يكون أجلهما متفقًا، وإن لم يحلا فيجوز، ما خلا الصرف مثل أن يكون هذا ذهبًا وهذا فضة فلا يتقاصا قبل أن يحلا، وإن اتفق أجلاهما. قوله في العرضين المختلفي الجنس لا يتقاصا وإن حل أحدهما، هكذا وقع في كتاب محمد. وقال في المدونة: تجوز المقاصة في عرضين بحلول أحدهما.
ومن كتاب محمد: قال: وإذا كانا عرضين نوعًا واحدًا، أو أحدهما أجود صفة، فإن اتفقت أجلاهما، فجائز، وإن لم يحلا كانا أو أحدهما من بيع أو قرض، وإن اختلفت أجلاهما وأحدهما من بيع، والآخر من قرض، فإن كان آخرهما محلاً للبيع، لم تصلح المقاصة، كان الأرفع أو الأدنى؛ لأنه في الأرفع: ضع وتعجل، وفي الأدنى زاده لطرح الضمان، وإن كان آخرهما حلولاً هو القرض، وهو الأدنى، فلا بأس أن يتقاصا؛ لأنه إذا عجل القرض وأجبر صاحبه على أخذه، ولا يجبر في البيع، وإن كان الأرفع آخرهما حلولاً، لم يجز؛ لأنه وضع
[6/146]
***(1/142)
[6/147]
له من الجودة، ليتعجل، وهذا إذا اتفقا في العدد والوزن، وإنما اختلافهما في الجودة وحدها، ولو اختلفا في العدد، وهما جنس واحد، لم تنبغ المقاصة، كانا من قرض أو بيع أو أحدهما، ولأنه لا يجوز في القرض زيادة العدد وإن حلا - يريد في قول ابن القاسم في زيادة العدد في القرض - ولو كانا ذهبين، وهما من قرض أو بيع أو أحدهما، فإن كان أولهما حلولا أرفع في الجودة أو العين أو الأرجح، فلا بأس أن يتقاصا، وإن كان هو الأدنى، فلا خير فيه.
وقال ابن حبيب: إذا كان أحد الذهبين ناقصة، والآخر وازنة، لم تجز المقاصة حتى تحل الوازنة. ومن كتاب ابن المواز: ولو اختلفا في العدد، وهما من قرض، لم تجز المقاصة وإن حلا، وإن كانا من ثمن سلعة، فكان أولها حلولاً أكثرها، فذلك جائز، وكذلك إن كان أحدهما من قرض، والقرض أكثرهما وأولهما حلولاً، وإن كانا طعامين، وهما من قرض، والكيل والجنس واحد، وأحدهما أجود. وقد حلا، فالمقاصة جائزة، وإن لم يحلا، وأولهما حلولاً أجودهما، فجائز، وإن كان أدناهما، لم تجز، وإن كان أحدهما من بيع، لم يجز المقاصة، وإن اتفقا في الجودة حتى يحلا.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: إن حل أجل السلم، جازت المقاصة. وقال ابن حبيب: إذا اتفقت أجلاهما، جازت المقاصة وإن لم يحلا. قاله جميع أصحاب مالك، إلا ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز: وإن كانا من بيع، لم يجز، وإن حلا. قال أشهب: إلا أن ينفق رأس ماليهما في عينه ووزنه، وإن كانا من قرض، وأحدهما سمراء، والآخر محمولة، فلا يتقاصا حتى يحلا، أو يكونا حالين، وكذلك نقي ومعلوث، وإن اتفق الكيل والجنس والصفة جاز، وإن لم يحلا وحل أحدهما، والأجل متفق أو مختلف، وأما هذا ذهب وهذا فضة، فلا يتقاصا حتى يحلا.
[6/147]
***(1/143)
[6/148]
وروى عنه ابن نافع: إذا كان لكل واحد منهما على صاحبه ذهب، والأجل مختلف، فلا يتقاصا حتى يحلا، قيل: فإن اتفق أجلاهما، فسكت. قال ابن نافع: لا يعجبني.
تم الكتاب بحمد الله وعونه
يتلوه في الجزء الثامن بعون الله وتأييده وتوفيقه
الجزء الثالث مما يحل ويحرم من البيوع
أوله: أبواب البيوع الفاسدة
[6/148]
***(1/144)
[6/149]
بسم الله الرحمن الرحيم
عونك اللهم
الجزء الثالث
مما يحل ويحرم من البيوع
ذكر أبواب البيوع الفاسدة
من بيع الغرر والخطر
من الواضحة: نهى الرسول عليه السلام عن بيع الغرر، وهذا يشتمل على أشياء كثيرة. ومن ذلك نهيه عليه السلام عن المضامين والملاقيح وحبل حبلة. فقال مالك: المضامين ما في بطون الإناث، والملاقيح ما في ظهور الذكور، وحبل الحبلة بيع نتاج نتاج الناقة.
قال ابن حبيب: المضامين ما في ظهور الفحول، والملاقيح ما في بطون الإناث.
قال الراجز: ملقوحة من بطن ناب حامل
[6/149]
***(1/145)
[6/150]
قال ابن حبيب: وحبل حبلة: بيع نتاج نتاج الناقة كما قال عن مالك. وقال مالك في الموطأ: كان يباع الجزور إلى أن ينتج نتاج الناقة.
قال ابن القاسم: فهو أجل مجهول بيع إليه الجزور. وجعل ذلك أبو الفرج البغدادي حجة في النهي عن البيع إلى أجل مجهول. وروى ابن وهب عن مالك مثل ما ذكر ابن حبيب.
قال ابن حبيب: ومن الغرر ما نهى عنه عليه السلام من بيع الحصاة. كان في الجاهلية تكون حصاة بيد البائع فيقول: إذا سقطت الحصاة وجب البيع بيني وبينك.
ومن العتبية: أشهب عن مالك: وأكره بيع المقاومة بالحصاة، وأستخف بيع المقاومة بالسرار.
قال ابن حبيب: ومن الغرر ما نهي عنه من بيع العربان في البيع والكراء، ويقول: إن تم العقد فهو من الثمن، وإلا كان ذلك باطلاً ولا بأس بالعربان في غير هذا الشرط. قال: ومعنى العربان أول الشيء وعنفوانه.
[6/150]
***(1/146)
[6/151]
ومن الغرر بيع الآبق والشارد، وبيع ما في بطون الإماء والدواب، أو بيعها واستثناء ما في بطونها. ومنه بيع العبد أو غيره من الحيوان مريضًا مرضًا يخاف منه الموت. قال: ويفسخ البيع، وهو من بائعه حتى يقبضه مبتاعه، فيكون منه إن فات بقيمته يوم قبضه.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا خير في بيع بعير أصابه القلاب على الصبر به يومين، فإن خاف الموت نحره، وإن عاش فلا بيع له.
قال مالك: ولا خير في بيع الرمكة لعقوق، بشرط أنها عقوق، وكذلك الغنم والإبل، إلا أن يقول هي عقوق، ولا يشترط ذلك.
قال مالك: ولا ينبغي شراء الإبل المهملة في الرعي، وإن رآها المبتاع؛ لأنه لا يدري متى تؤخذ، وهي تستصعب. قال ابن القاسم: وأخذها خطر. وكذلك المهارات والفلاء الصغار بالبراءة وهي كبيع الآبق ومصيبتها من البائع حتى تؤخذ.
ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم: لا يجوز بيع الصعاب من الإبل وما لا يؤخذ إلا بالأوهاق، ولا يعرف ما فيها من العيوب، وربما عطبت في أخذها. قال ابن حبيب: بيعت بالبراءة أو غير البراءة.
قال ابن القاسم: في العتبية: وكذلك شراء المهارات والفلاء الصعاب بالبراءة، ولا يعرف عيوبها ولا ما فيها لصعوبتها، ويقول أبيعك على ما فيها فهو خطر يضع له من الثمن والآخر يرجو السلامة، كبيع الغائب بغير صفة على أنه ما
[6/151]
***(1/147)
[6/152]
قد أصابه فمنك، وكبيع الآبق. قال أصبغ: ليس هذا بنظير، وإنما يكره بيعها للغرر لصعوبة أخذها، وهي من البائع حتى يقبضها المبتاع. ولولا هذا الخطر لجاز، ولكان بيع الغائب وغيره بالبراءة مما لا يعلم جائزًا.
وقال ابن حبيب: مثل ذلك في بيع المهارة، وهي من البائع حتى يقبضها المبتاع. ثم إن فاتت عنده فعليه قيمتها يوم قبضها.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبدًا وهو آبق، يريد محمد: عرف بالإباق، أو غير آبق على أنه إن أبق عنده، فالبائع ضامن، أو كان عبد به مرض أو رمد فشرط أنه ضامن إن مات من مرضه أو لما جر رمده من بياض وغيره فهذا بيع فاسد، نقد أو لم ينقد. وضمانه من المبتاع، يريد إن قبضه، وعليه قيمته يوم قبضه. وهذه المسألة من أولها في العتبية من سماع ابن القاسم من مالك. قال أصبغ: هو من المبتاع فات بإباق أو غيره، فعليه قيمته يوم البيع على ما هو به آبق أو مريض، يريد: وقد قبضه يومئذ. وفي أول المسألة، كان يعرف بالإباق أو لا يعرف.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فيمن اشترى آبقًا وهو عارف بمكانه أو جاهل به، ونقد ثمنه وأعتقه. فكتب إليه: نقد الثمن غير جائز وينزع من البائع. فإن ظهر العبد فالعتق فيه جائز ويرجع إلى القيمة فيه يوم ثبت فيه العتق؛ لأنه كأنه قبضه وفات عنده.
[6/152]
***(1/148)
[6/153]
وسأله حبيب عمن باع عبدًا وشرط للمبتاع أنه إن أبق منك إلى سنة، فالثمن مني رد عليك، فقال: هذا شرط يفسد البيع. فإن أبق الغلام عند المبتاع قبل فسخ البيع، قال: يرد ولا شيء على المبتاع.
وسأله حبيب عن الآبق يجعله الحاكم في السجن ليأتي مولاه فيأخذه، ومولاه ببلد آخر، فباعه مولاه وهو في السجن وهو بذلك عارف. قال: لا يجوز بيعه لأن فيه خصومة إذ لو جاء مولاه لم يأخذه إلا ببينة، فباعه قبل أن يستحقه.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا أحب بيع السلعة على أنه إن لم يجد قضاءه ومات فهو من الثمن في حل.
ومن العتبية: أشهب عن مالك: ومن ابتاع سلعة على أنه إن ادعاها مدع، فمالي رد إلي بغير خصومة. قال: لا يعجبني هذا البيع، وقد شرط شرطًا ليس في كتاب الله سبحانه.
قال ابن المواز: وكره مالك بيع العشرات ويراه من الغرر.
وقال في المختصر الكبير: ولا يصلح بيع العشرات التي في الديوان بعين ولا بعرض ولا هبتها للثواب. قال محمد: هي العشرات التي تزاد في الأعطية رواه ابن القاسم وأشهب عن مالك.
في البيع إلى الأجل المجهول أو البعيد أو على التقاضي أو حتى يبيع
أو على أن يقبض ببلد آخر أو على أن لا يبيع ولا يهب حتى يقبض
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز البيع إلى أجل مجهول. قال مالك: وإن باع سلعة على أن لا يأخذ ثمنها حتى يموت البائع، لم يجز، ويفسخ،
[6/153]
***(1/149)
[6/154]
ويرد في الفوت إلى القيمة. قال: وخير من ذلك أن يبيع على التقديم، يقول له بعد الوجوب: ما ذكرت، فيلزمه ثم لا رجوع له فيه. قال: ومن باع سلعة على أن لا يأخذ ثمنها حتى يبيعها أو بعضها، لم يجز، ويفسخ.
قال مالك: ومن باع ثمر حائطه على أن يوفيه الثمن أو شيئًا سماه منه، إذا جذ نصف الحائط أو ثلثه، وباقي الثمن إذا جذ آخره، لم أحب هذا، ولا أعرف النصف من ذلك ولا الثلث. ولكن يؤخره إلى فراغه أو إلى أجل مسمى. وإن شاء نقده البعض. وأجاز ذلك أشهب. وقال في السؤال: إذا جذ ثلث ثمره، ونقده ثلث الثمن، وباقي الثمن إذا جذ بقيته تمرًا.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية: إذا باع كرمه على أن يقبض عشرين دينارًا، ثم يأخذ ثلث ما بقي إذا قطف ثلثه، وباقي الثمن إذا قطف بقيته، لم يجز. ولو قال: إذا قطف جميعه، جاز.
قال مالك: ولا بأس ببيع أهل الأسواق على التقاضي وقد عرفوا قدر ذلك قدر الشهر أو ما عرفوه بينهم. يريد: مما جرى بينهم حتى يتقاضاه فيعطاه مقطعًا بعد ذلك. قال مالك: فإن تأخر نقد ما عرف من وجه التقاضي أغرم ذلك.
قال: وكره ابن القاسم البيع إلى أجل بعيد، مثل عشرين سنة أو أكثر. قال: ولا أفسخه إلا في مثل الثمانين والتسعين. وكذلك النكاح. ولا بأس به إلى عشر سنين. ولا ينبغي البيع على أن يقضيه حقه بإفريقية. وأرى أن ينقض، يريد
[6/154]
***(1/150)
[6/155]
والثمن عين، فإن ضربا أجلاً، جاز، ويقتضى له به حيث ما لقيه في داخل أجله. وأما السلف على ذلك فأكرهه، ولا أفسخه، وأضرب له فيه أجل مسيرة. وأجازه أشهب. يريد: في السلف.
وإن أسلم في عرض أو طعام إلى أجل، وشرط قبضه ببلد آخر، فليأخذه بالخروج، أو التوكل بمقدار ما يصل إلى البلد عند محل الدين. وليس له أخذه به بغير البلد، وإن كان مما لا حمل له لاختلاف السعرين. قال أشهب: إلا أن يتقارب سعر الموضعين فيما يخف حمله، والموضع بعيد جدًا، فليأخذه بدينه في موضعه، وإن كره، إذا حل. وإن كان على غير ذلك، لم يأخذه به، إلا أن يتطوع به المطلوب، فيجبر رب الحق على قبوله؛ لأنه بموضعهما أغلى من الموضع المشترط.
ومن أراد السفر من بلد وعليه دين محله به، فإن كان سفرًا، يحل فيه الحق مثل رجوعه، منع، وإلا لم يمنع.
قال مالك: ولا بأس بالبيع إلى خروج الحاج وإلى الصدر، يعني أهل بلدهم.
قال مالك: وإن باع غنمه بثمن إلى وقوع الغيث، لم يجز. ومن باع حائطه بأربعين دينارًا رطبًا على ثلاثة آصع بدينار يأخذ كل يوم ما استجنى، فلا خير فيه، حتى يسمي ما يأخذ كل يوم.
ولا باس أن يشتري ثلاث جنيات أو أربعة، كل صاع بكذا، وهذا أجل معروف. ولا بأس أن يشتري ثمر الحائط كله، يأخذه رطبًا، كل صاع بكذا. ولا خير في أن يشترط أخذه تمرًا، إلا لمن اشتراه جزافًا، فأما على الكيل فلا.
[6/155]
***(1/151)
[6/156]
قال مالك: ومن ابتاع سلعة على أن لا يبيع ولا يهب، فلا خير فيه، إلا أن يطرح الشرط البائع. ولا بأس أن يشترط أن لا يبيع ولا يهب حتى يقضي الثمن. محمد: وهذا في مثل الأجل القصير اليوم واليومين استحسانًا أيضًا. فأما ما طال أو إلى غير أجل فلا خير فيه، ولأنها لو كانت أمة لم يطأها. قال مالك فيما إذا كان لا يقدر يهب ولا يبيع، فلم يملكها ملكًا تامًا.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن باع سفينة وشرط أن لا يبيعها ولا يهبها حتى يقضيه ثمنها، قال: إن لم تفت فسخ البيع، وإن فاتت أو هلكت مضى البيع ولم يرد.
ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا شرط في جميع السلع أن لا يبيع ولا يهب حتى يقضي الثمن، فلا خير في هذا البيع.
ومن ابتاع جارية بمائة إلى سنة على أنه إن مات قبل السنة، فالمائة عليه صدقة، فهو غرر لا يحل.
وكره مالك بيع الدابة إلى أجل على أنها إن نفقت قبله نقده. قال مالك: ولا أحب أن يبيع السلعة، على أن المبتاع إذا لم يجد قضاءه ومات، فهو في حل من الثمن. قال ابن القاسم: هذا حرام ويرد. فإن فاتت فعليه قيمتها يوم قبضها.
ومن باع وشرط على المبتاع إن سافر قبل الأجل فحقه حال، فالبيع فاسد. فإن فاتت بتغيير سوق، ففيها القيمة.
ولا بأس أن يشترط حميلاً إن سافر قبل الأجل.
[6/156]
***(1/152)
[6/157]
قال مالك: وإن باع عبدًا إلى أجل، وشرط إن لم يقضه فيه، فهو حر، فإنه لا يباع حتى يحل ويقضيه، وإلا عتق. وإن حل وعليه دين محيط به، رق، والبائع أحق به من الغرماء.
في بيع الشيء المجهول أو بيع المعلوم بالثمن المجهول
أو على التحكيم أو على نفقة مجهولة
ومن باع نخلاً ولم يذكر كم لها من شرب ماء ولا طريق
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في دار بين أخوين، فابتاع رجل من أحدهما ما يصير له منها بالقسم، فلا يجوز ذلك.
قال مالك: ومن ابتاع حديدًا يوزن، فأربحه رجل درهمين، على أن لا ينقصه من الدرهمين إن نقص الحديد، فلا يجوز. إلا على أن يكون له منهما ما نقص بحسابه.
وكره مالك أن يشتري علفًا، ويقبض بعضه، وينقد من الثمن أكثر من حصته، ويشترط إن احتاج إلى باقيه أخذه ونقده باقي الثمن. قال: يفسخ.
ومن قال لرجل: بكم سلعتك هذه، قال بخمسين، قال له أحسن. قال: قد حكمتك، فبعث إليه ثلاثين دينارًا فلم يرض. قال: إن فاتت، فعليه القيمة ما لم تكن أقل أو أكثر من خمسين.
قال محمد: إنما نجيز هذا الأصل إذا لم يقع وجوب بيع على المبتاع بثمن معلوم.
قال مالك: ولا يجوز بيع سلعة بقيمتها، ولا بحكم المبتاع، ولا البائع، ولا بحكم أجنبي، ولا يصلح أن يقول: أبتاع منك مثل ما ابتاع فلان منك، وكذلك الخياطة والإجارة، حتى يسميا الثمن.
[6/157]
***(1/153)
[6/158]
ومن قال: بعني عبدك، قال: هو لك بما شئت. فأعطاه ما سخط. قال ابن القاسم: إن أعطاه القيمة، لزمه ذلك. قال محمد: هذا إن فات. وإن لم يفت رد؛ لأن هذا الباب لا يجوز إلا في هبة الثواب.
قال أشهب: ومن دفع داره إلى رجل على أن ينفق عليه حياته، فلا أحب ذلك، ولا أفسخه إن وقع. قال أصبغ: هذا حرام؛ لأن حياته مجهولة، ويفسخ. ولو لم يذكر الحياة، لجاز. يريد: إذا ذكر أجلاً. قال ابن القاسم عن مالك: لا يجوز إذا قال: على أن تنفق عليه حياتك، وقد قال في سؤاله: تصدق بداره عليه. قال: ويرجع بما أنفق على الرجل. والغلة للمبتاع بضمانه.
ومن العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم: فيمن قال لرجل: بعني كما تبيع الناس، فلا يجوز في شيء من الأشياء، فإن وقع البيع بذلك، ردت السلعة إن لم تفت. وإن فاتت رد المثل فيما يقضى بمثله، والقيمة فيما فيه القيمة.
ومن سماع ابن القاسم: ومن باع نخلاً ولها شرب ماء، ولم يبين كم لها منه، سدسًا أو خمسًا. قال: البيع فاسد، ويرد. قيل: قد حلف البائع بالحرية، إن أقاله أيخرجه فساده من اليمين. قال: لا، وليرفعه إلى السلطان. قال ابن القاسم: فيفسخه، ثم لا يحنث هذا.
وروى عنه أشهب فيمن اشترى أربعة أعذق ولم يشترط في طريقها ولا مائها شيئًا، لا البائع نعته، ولا المبتاع شرطه. قال: فذلك للمبتاع، له طريقه إليها، وشربه من الماء؛ لأن ذلك له، وإن لم يشترط.
[6/158]
***(1/154)
[6/159]
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن اشترى من رجل فضل مائه بعد ري نخله، فهو غرر لا يدري ما يفضل، إلا نخل عرف شربها وأنها لا تنقص، فلا بأس بذلك. وأما الغراس التي لا يعرف شربها، أو تكون العين ربما قل ماؤها، فذلك غرر.
ولا يصلح أن يشتري ثوبًا على أنه إن لم يكسه، فعلى البائع تمامه.
وقال في برك الحيتان لها مسرب يسرح منه الماء، فيرى المبتاع ما فيها من الحوت فيشتريها كلها، قال: في كم يأخذها؟ قيل: في خمسة عشر يومًا أو عشرين. قال: لا ينبغي والحيتان تتوالد.
ومن الواضحة: ولا يجوز البيع بما يخرج السعر، ولا أن يقول له: هي لك بما أعطيت، وكرهه ربيعة وغيره.
قال ابن الماجشون ومن ابتاع مائة رطل بدينار، فقال المبتاع: إن زدت أحدًا من الآن على هذا فلي مثل ما تزيده. فرضي. فإن كان شرطًا في البيع، فهو مفسوخ. وإن كان بعد العقد، فهو وأي ينبغي أن يفي به، ولا يقضى عليه به. ومن باع أرطال عصفر على أن على المبتاع أن يصبغ له منه ثوبًا يسميه، بثمن يسميه، يكون مقاصة أو بغير ثمن، لم يجز؛ لأنه كأنه باعه ما يبقى منه بعد صبغ ثوبه، وهو مجهول.
ومن الواضحة: ومن قال لصياد: أشتري منك ما تخرج شبكتك هذه، في ضربتك هذه، بدرهم، لم يجز. ولو قال: اضرب لي بشبكتك هذه بدرهم ضربة، كان جائزًا.
قال: ولا خير في شراء الأرض على البذار، لاختلاف ذلك في الأرض، في كرمها ودناءتها، ولا يجوز إلا على الأذرع، ذرع التكسير، أو ذراع الطول
[6/159]
***(1/155)
[6/160]
والعرض، في أرض قد عرفها المبتاع، أو وصفت له، فأما على البذار وحده، فلا يجوز.
فيمن باع سلعة على أنه متى ما رد الثمن
أو قال إلى أجل كذا فهي له أو شرط له ذلك بعد البيع
ومن ارتهن دارًا بدين على أنه إن لم يوفه في الأصل فالدار له بدينه
من العتبية: أشهب عن مالك فيمن باع حائطه من رجل، على أنه متى ما رد الثمن كان أحق به. ثم رد الثمن بعد سنة، وقد اغتله المبتاع، وبنى فيه وحفر وزرع فيه قصبًا فاغتله. قال: البيع فاسد، وما اغتل، فهو له بالضمان، ويرد الحائط، وله على البائع ما أنفق في بنيان جدار أو حفر بئر. قال عنه ابن القاسم من رواية أصبغ: فما بيع على هذا من أرض وشبهها، والغرس يفيتها، والهدم وبيعها يفيتها، ويوجب على المشتري الأول قيمتها يوم قبضها، وبيع الثاني تام. قال ابن القاسم: ولا يفيتها طول زمن وحوالة الأسواق، قال: إلا مثل عشرين سنة فما فوق ذلك، فلا بد أن تتغير في بعض الوجوه، والتغير ما رآه فوتًا.
وقال ابن القاسم من كتاب محمد: ومن باع داره وانتقد الثمن، وشرط إن لم يرد الثمن إلى أجل كذا، فقد وجب له البيع، ثم جاءه البائع بعد ذلك، فثبت له البيع وأشهد له، قال: صار البيع جائزًا، وقد كان حرامًا. قال محمد: يريد إذا رضي المشتري، يريد وقد فسخا الأول، أو لعله رآه من بيوع الشرط الذي إن ترك الشرط مشترطه مضى البيع.
[6/160]
***(1/156)
[6/161]
ومن العتبية: قال أصبغ في من باع أمة وانتقد، ثم طلب الإقالة، فقال له المبتاع: إن جئتني بالثمن إلى شهر، أو إلى سنة، أو متى ما جئتني به، فقد أقلتك. قال: إذا صح العقد، وكان هذا بعده من غير موعد ولا موالسة، فذلك جائز ولازم في كل شيء، إلا في الفروج، فلا يصح ذلك، إلا أن يجعل ذلك في الأمة إلى استبرائها فقط مما لا يصل إليها المشتري، فيجوز، وإلا فذلك لا يصح ولا يلزم، إلا أن يدركها بحرارتها على نحو هذا. وأما في غير الفروج من السلع فذلك لازم، وإن كان إلى غير أجل، ما أدركها في يده وملكه، فإن خرجت من ملكه سقط ذلك. وإن وجل فيه أجلاً فليس له أن يُحدث فيها شيئًا يقطع به ذلك إلى منتهى الأجل.
ومن أرهنته دارك بدين على أنك إن لم توفه إلى سنة فالدار له بدينه، فالبيع فاسد، ويرد، فإن فاتت الدار بعد السنة، فعليه قيمتها يوم تمام السنة. وقيل: يوم فاتت في يده. محمد: وأحب إليَّ يوم تمت السنة إن كانت على يديه. وإن كانت بيد أمين غيره، فقيمتها يوم قبضها منه.
[6/161]
***(1/157)
[6/162]
فيمن أقال بائعه من سلعة وقال على أنك إن بعتها
فهي لي بالثمن الأول أو بما تُعطى بها
أو على أنها تبقى لك لا تبيعها أو باع سلعة على ذلك
من العتبية: أشهب عن مالك في من أقال بائعه من حائط اشتراه منه على أنه متى ما بعته، فهو لي بما تبيعه به، فرضي، ثم باعه بعد مدة، فقام المقيل بشرطه. قال: ذلك له، ولا يرد البيع، ولكن له أخذه بالثمن الذي باعه به هذا الآخر.
ومن المختصر الكبير: ومن باع داره على أنه متى ما باعها المبتاع، فهو أحق بها بالثمن، فلا خير في ذلك.
ومن العتبية: روى محمد بن خالد، عن ابن القاسم في من باع أرضه أو جاريته، ثم استقال مبتاعه، فقال: أخاف أنك إنما أرغبت في الثمن، فقال: لا، فقال: أنا أقيلك على أنك إن بعتها فهي لي بالثمن الأول، فباعها بأكثر منه، فإن تبين أنه إنما طلب الإقالة رغبة في الزيادة، فهي للمقيل بالثمن الأول، وإن كان لغير ذلك، ولكن لأمر حدث له من البيع، فباعها بأكثر، فلا شيء للمقيل.
وقال ابن كنانة: إذا قال أخاف أن تصرفها إلى غيري، فأنا أقيلك على أنك إن بعتها فأنا أحق بها من غيري، فإن باعها بالقرب، وكان الأمر على ما خاف المقيل من صرفها إلى غيره، فهو أولى بها، وإن كان بين ذلك تفاوت وطول، فلا شيء له.
[6/162]
***(1/158)
[6/163]
وروى سحنون عن ابن القاسم قال: إذا طلبه أن يقيله، فقال: أخاف إنما تريد تبيعها من غيري بربح، فيقول: بل لنفسي طلبتها، فيقيله ثم يبيعها، قال: إن علم أنه إنما طلب الإقالة ليبيعها، فبيعه رد، وإن لم يكن كذلك، وطال الزمان، ثم باع، فذلك نافد. كالذي طلب زوجته وضيعة صداقها، فقالت: أخاف أن تطلقني، فقال: لا أفعل فوضعته، ثم طلقها، فإن كان بقرب ذلك، فلها الرجوع، وإن كان بعد طول الزمان مما لا يتهم فيه أن يكون خدعها، فلا رجوع لها.
فيمن باع أمة على العتق أو على التدبير
أو على أن يهبها المبتاع لولده أو على أن لا يطأها
أو أن لا يخرجها من البلد أو على أن يخرجها
ومن كتاب ابن المواز، والعتبية، قال مالك: من باع أمة على أن يعتقها المشتري فحبسها يطؤها ويستخدم، ثم أعتقها بعد ذلك، فللبائع أن يرجع عليه بما وضع له من الثمن، وكذلك إن حبسها حتى مات أو ماتت، فإن كان ذلك بعلم البائع ورضاه فلا شيء له وقد سقط شرط العتق عن المبتاع، ولو قام عليه حين علم، فله ردها أو تركها بلا شرط. ابن القاسم: وإن دخلها فوت فله ما نقص من الثمن للشرط، وكذلك إن فاتت بحوالة سوق.
قال أصبغ في العتبية: وإذا غرم المبتاع ما نقص من القيمة فلا عتق عليه فيها، وليصنع بها ما شاء. هذا في فواتها بعيب مفسد، أو نقص فاحش، أو زيادة بينة، فأما بحوالة سوق، أو ما خف من زيادة البدن ونقصه، فالمبتاع مخير، إما أن يعتق ولا شيء للبائع أو يردها، إلا أن يترك البائع شرطه، فإن فاتت فسخ البيع ورد إلى القيمة.
[6/163]
***(1/159)
[6/164]
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في من ابتاع عبدًا في مرضه، على أن يوصي بعتقه، ثم مات، فلم يحمله ثلثه. قال: البيع غير جائز، وما لحقه من العتق بالوصية فوت، ويرد إلى قيمته يوم البيع، ويعتق منه ما حمل، ويرق ما بقي، وليس للبائع رد ما رق منه.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا أحب أن يأخذ من الرجل مالاً على أن يدبر عبده، فإن نزل مضى التدبير ويرد إلى قيمته يوم قبضه إذا باعه على الإيجاب أنه مدبر. قال أصبغ: وإن كان على أن يدبره فليس بإيجاب، وإن أدرك قبل التدبير فسخ بيعه. قال محمد: وجواب مالك على أنه باع عبده ممن يدبره ولو أخذ مالاً من رجل على أن يدبر عبده، فدبره، فليرد المال وينفد التدبير، وكذلك ما أخذ على الاتخاذ، ثم اتخذ، كما يرجع عليه لو باعها، يرجع على ذلك بما وضعه.
قال ابن القاسم: ومن باع من امرأته خادمًا على أن تتصدق بها على ولده، فذلك جائز، ولا يحكم عليها بالصدقة، فإن لم تفعل، فالبائع مخير أن يجيز البيع على ذلك أو يرد، وكذلك البيع على العتق.
قال مالك: ومن باع أمة على أن لا يبيع ولا يهب فلا خير فيه، إلا أن يطرح الشرط البائع، قال: وإن باعها على أن يتخذها أم ولد أو على أن لا يبيعها، لم يجز، فإن فاتت، فعليه الأكثر من الثمن أو القيمة. قال مالك: وإذا باعها على أن لا يخرجها من الشام، أو على أن لا يخرجها من بلدها فذلك مكروه ويرد. قيل: فإن ترك البائع شرطه، قال: ما أحراه. قال ابن القاسم: ذلك له، وله في فوتها الأكثر كما ذكرنا.
[6/164]
***(1/160)
[6/165]
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في من ابتاع أمة على أن لا يطأها فإن فعل فهي حرة، أو فعبده حر، أو عليه صدقة أو صيام، فهو قبيح، ويفسخ. فإن فاتت بما يفيت البيع الفاسد، ففيه القيمة واليمين تلزمه. وإن وطئها حنث، ورواها أصبغ. قال أصبغ: وهذا إن شرطه في البيع وحلف به. ولو كان شيئًا حلف به بعد البيع، لزمه، ولم يفسد البيع.
فيمن باع أمة على أن يكفلها أو يكفل ابنها
أو على أن ترضع ابنه أو ابنها
ومن باع صغيرًا على أن عليه رضاعه ونفقته
أو باع شيئًا من الحيوان على ذلك كله
من العتبية: ابن القاسم: قال مالك: في من باع أمة لها ولد صغير، وشرط أن عليهم رضاعة سنة ونفقته سنة، فذلك جائز إن كان. إن ماتت أمه، أرضعوا أخرى. قال ابن القاسم: كيف يجوز بيع الأمة دون الولد. قال سحنون: إلا أن يعني أن الولد حر.
وفي المدونة: ومن باع أمة ولها ولد حر على أنه إن مات الصبي أرضعوا له غيره. قال سحنون: كيف هذا وهو لا يجيز الإجارة على ذلك؟ إلا أن يكون للضرورة في هذه المسألة.
وروى عيسى عن ابن القاسم في من باع صبيًا صغيرًأ على أن ينفق عليه البائع عشر سنين، ثم إن المبتاع أعتق الصبي أو باعه أو مات، قال: ينظر كم قيمة
[6/165]
***(1/161)
[6/166]
نفقته عشر سنين وكم قيمة الصبي، قيمة ذلك يوم البيع، فإن كان الصبي نصف القيمة بقدر ما وقع من الثمن على ما بقي من مدة النفقة، وهو بيع جائز.
ومن باع فصيلاً أو غيره من أولاد البهائم على أن رضاعه على أمه، قال: بلغني أن المهر لا يقبل غير أمه إذا ماتت، فأرى إن كان من البهائم التي يقبل غير أمه، فعلى البائع أن يأتي بمن يرضعه مكان أمه، والبيع جائز، ويضمن الرضاع إلى فطام مثله، وإن كان ممن لا يقبل غير أمه إلا بعناء أو تعب، أو بعد الخوف عليه من الموت، أو النقصان، فلا خير في هذا البيع.
قال ابن القاسم، عن مالك: ومن باع نصف وصيفه أو نصف دابة على أن عليه نفقتها سنة، فماتت فله الرجوع بحصة ذلك، وكذلك إن باعها المشتري. وذكرها في كتاب ابن المواز، فقال: إن كانت النفقة ثابتة، مات العبد أو الدابة أو باعهما، فذلك جائز.
ومن كتاب ابن المواز: أشهب عن مالك: ومن باع رقبة واشترط نفقتها وكفلها فلا خير فيه، وكذلك لو باعها بولدها الصغير على أن يكفله البائع خمس سنين، على أنه إن مات فيها غرم ما بقي فليس بصواب.
مالك: ومن باع أمة على أن ترضع ابنه سنة على إن ماتت أخلف مكانها من يتم الرضاع فلا يعجبني.
قال مالك: ومن باع ولد أمة رضيع وشرط على نفسه رضاعه سنة ونصف ويسمونه نصف سنة، فذلك جائز إذا كان إن مات فذلك ثابت عليه حتى يتم له شرطه. محمد: هذا إذا كان عند المبتاع في هاتين السنتين والبائع يغرم ما شرطه ولم تكن أمه حية.
[6/166]
***(1/162)
[6/167]
ومن العتبية، روى ابن القاسم عن مالك في من باع نصف الوصيفة أو نصف الدابة من رجل وشرط عليه الرجل نفقتها سنة وأن له عليه إن ماتتا أخذ ذلك منه، أو باعهما، فذلك عليه ثابت، وإن بقيتا إلى ذلك، فهو حقه استوفاه، قال: لا بأس بذلك، وأنكرها سحنون.
فيمن باع أمة أو نكح بها واستثنى جنينها
أو تقدم عتق الجنين ومن باع دابة أو أمة
على أنها حامل وفي شراء الجنين والآبق والشارد
من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في من باع أمة حاملاً، أو استثنى جنينها، فذلك يفسخ، فإن فاتت بولادة، أو بحوالة سوق، أو بدن، ففيها القيمة يوم قبضها على غير استثناء. وإن قبض الجنين مستثنيه، رد إلى المبتاع بحدثان ذلك، فإن فات عنده بشيء من الفوت، أو طول زمن، ترك، وكان له على المبتاع قيمة الأمة على غير استثناء، وللمبتاع على البائع قيمة الجنين يوم قبضه، ثم يتقاومان الجنين والأم، أو يباعان من واحد، ما لم يتغير الولد، واستثناؤه كاشترائه.
وكذلك من اشترى بعيرًا في شراده، وعبدًا في إباقه، فطلبه وقبضه، فإنه يرد، ما لم يفت بيده، ولا شيء للمبتاع في طلبه إياه، فإن فات، ودى قيمته يوم قبضه. وقاله مالك كله إلا قبض مستثني الجنين فهو رأيي.
وقال في كتاب ابن المواز: يضمن القيمة في الآبق الذي قبضه وفات عنده، ويطرح عنه من ذلك ما ودى في جعل طلبه؛ لأنه لم يضمنه إلا بعد القبض.
[6/167]
***(1/163)
[6/168]
وقال ابن حبيب في مسألة الأمة واستثناء الجنين نحو ذلك، إلا أنه قال: إلا أن تلد بحدثان البيع ولم تفت بغير ذلك، فلا تكون الولادة في هذه خاصة فوتًا، ويفسخ البيع ويرد، إلا أن تغيرها الولادة في بدنها.
قال مالك: ومن باع رمكة حاملاً وشرط أنها عقوق، فلا خير في ذلك، وكأنه وقع للجنين حصة من الثمن.
ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن أشهب في من ابتاع بقرة على أنها حامل، قال: إن لم يجدها حاملاً، فله ردها، ولو ابتاع جارية على أنها حامل، فلم تكن حاملاً، فإن كانت مرتفعة، فذلك يبرى، ولا شيء له، وإن كانت وخشًا يزيد فيها الحمل، فله ردها، إن لم تكن حاملاً.
قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا باع الجارية على أنها حامل، فالبيع فاسد.
ومن الواضحة: ومن نكح واستثنى جنينها فسخ النكاح قبل البناء وردت الأمة إن قبضها ولم تفت، وإن فاتت ففيها قيمتها يوم قبضها، وإن بنى بالمرأة، فلها صداق المثل يحسب عليها فيه قيمة الأمة في فوتها فتؤدي فضلاً أو يأخذه.
ومن أعتق جنين أمته ثم باعها على أنه حر، فالبيع فاسد، فإن قبضها المبتاع وفاتت بموت أو عيب مفسد، وقد ولدت أو لم تلد، فعليه قيمتها طرفًا، على أن جنينها مستثنى، إن لو جاز ذلك والولد حر، ولو ولدت ولم تفت بعيب مفسد، لردت إلى البائع، والولد حر، وكذلك لو باعها من غير استثناء الجنين، وقد كان
[6/168]
***(1/164)
[6/169]
أعتق الجنين وأشهد على ذلك، وكتم ذلك المبتاع، فالجواب سواء، ولو أعتقها المبتاع قبل أن تضع، كانت حرة وولاؤها له، وولاء الجنين للبائع، وعلى المبتاع قيمتها طرفًا يوم قبضها على ما ذكرنا. وقال ابن المواز: عتق المبتاع أوجب وولاؤها جميعًا له، وعليه قيمتها غير مستثناة.
وهذه المسألة في النكاح مستوعبة لابن المواز، وهو يرى أن ولادتها فوت. وابن حبيب لا يرى ولادة هذه خاصة فوتًا إن ولدت بقرب البيع قبل تغيرها. قال ابن حبيب: وإذا وهبها المشتري جازت هبته، والجنين حر إذا وضعته، وعلى المبتاع قيمتها طرفًا.
ولو نكح بها امرأة على أن جنينها حر، وكتمها ذلك، وقد كان أعتقه بمثل ما ذكرنا في البيع، إلا أنه إن لم يبن بها في النكاح، فسخ قبل البناء، وثبت بعده، ولها صداق المثل، وتقاصص بالقيمة على أنها طرف بغير ولد إن لزمتها، فإن كتمها ذلك، فالنكاح ثابت قبل البناء وبعده، وترد إلى ربها، وتعطى الزوج قيمتها غير مستثناة الولد، فإن فاتت عندها بما ذكرنا في البيع، فالتراجع فيما بينهما فيما بين القيمتين، وهكذا فسر لي فيها من أولها أصبغ وغيره. يريد: وعليها هي في فوتها قيمتها مستثناة الولد، فعلى ذلك يكون التراجع.
قال ابن حبيب: من وهب جنين أمته لرجل، فقبض الأمة قبض للجنين، وفيه اختلاف.
فيمن دفع فلوه أو فصيله أو وصيفه
إلى رجل يغذيه أمدًا ثم يكون بينهما
من كتاب ابن المواز: ومن دفع فصيلاً لرجل يغذيه بلبن ناقته إلى أجل مسمى، أو لم يسم أجلاً، على أنه بينهما، فلا خير فيه، إذ قد يموت الفصيل
[6/169]
***(1/165)
[6/170]
فيذهب اللبن باطلاً، والجائز من هذا أن يبيع منه نصف عبده أو نصف دابته على أن يكفله المبتاع مؤنته أو طعامه أجلاً مسمى أو سنة. فإن مات العبد أو الدابة، أو باع نصفه قبل ذلك، فإن ذلك العلف ثابت له على الذي باع منه نصفه، ويأخذ ذلك منه إلى أجله كل يوم، كما كان يعلف ويطعم، فلا بأس به، قاله مالك.
ولو شرط أن لا يبيعه سنة حتى يستوفي شرطه، لم يجز. والناقة ليس كذلك، لا يجوز أن يشتري لبن ناقته سنة أو أجلاً سماه، أو نصف لبنها. قاله مالك. وإنما اشترى نصف لبنها سنة. ولا يجوز شراء لبن ناقة واحدة أو شاة واحدة حتى يكثر عدد ذلك، ويعرف وجه حلابها.
قال أصبغ: وإن وقع جاز إذا عرف وجه حلابها وكان في إبانه، فيمضي شراؤه لنصف لبن الناقة بنصف الفصيل، إن مات الفصيل أخذه. وإن ماتت هي تحاسبًا، فإن أرضع نصف ذلك ثم انقطع، أو ماتت، رجع رب الفصيل على رب الناقة بربع قيمة الفصيل يوم تبايعاه، فأخذه ثمنًا مكان نصف اللبن الذي لم يتم له، ولا يرجع في الفصيل بعينه.
ومن الواضحة: ومن الغرر أن يعطي الرجل الرجل فلوه أو مهره أو خروفه أو عجله يغذوه أو ابن أمته قد ماتت أمه ليغذوه سنة أو سنتين، على أنه بينهما بعد الأجل، فلا يجوز، ويفسخ قبل الأجل وبعده، ويرد المربى إلى ربه، وعليه لمن رباه أجره في تربيته وقيامه. فإن فات بيده بعد الأجل بما يفوت به البيع الحرام، فعليه قيمته يوم تمام الأجل. وفي باب قبل هذا ما يشبه معاني هذا الباب.
[6/170]
***(1/166)
[6/171]
في البيع الفاسد وعهدة ما فات فيه من السلع
وماذا يفيتها وما يجب لفواتها وذكر الثمرة والغلة
من كتاب ابن المواز، ومنه من كتاب ابن عبدوس، قال: ومن قول مالك أنه يرد الحرام البين، فات أو لم يفت.
ومن البيوع ما يكره، فإذا فات ترك، كمن أسلم في حائط بعينه وقد أزهى واشترط أخذه تمرًا، وفي الحب إذا أفرك، على أن يأخذه يابسًا. قال ابن القاسم: وليس مثل هذا مثل القائل: أشتري هذه السلعة بنقد، وأشتريها منك إلى أجل، هذا خبيث، وغير ذلك مما يعرف عند نزوله.
ومنها ما يكره لشرط فيه، فإذا تركه مشتركه مضى، فمنه: بيع وسلفة، ومثله بيع المرابحة إذا كذب فيها، ثم حط الكذب. ومنه بيع الأمة على أن تتخذ، أو على أن لا يخرجها من البلد، في قول ابن القاسم. وقال أشهب: يفسخ في هذا.
ومنه ما يكره أن يبتدياه، فإذا وقع مضى، كالبيع على أنه إن لم يأت بالثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما، وغير ذلك. وما فسد من البيع الفاسد لفساد عقده، أو فساده ثمنه، فإنه يفسخ. قال ابن عبدوس فيما فسد لفساد ثمنه، ففات، رد إلى قيمته، وما فسد لعقده كبيع يوم الجمعة عند النداء، وبيع الولد دون أمه، ففات، فإنه يمضي بالثمن، كالنكاح يفسد لعقده.
[6/171]
***(1/167)
[6/172]
ومن كتاب ابن المواز، قال: والمبتاع يضمن السلعة في البيع الفاسد من وقت قبضها حتى يفسخ، وترد إلى بائعها، إلا أن تفوت، فعليه قيمتها يوم قبضها. قال ابن القاسم: ووطؤه للأمة، فوت.
وإن ابتاع طعامًا جزافًا بيعًا فاسدًا، فإن حوالة الأسواق، تفيته، وغير ذلك من أوجه الفوت. ولو بيع على كيل أو وزن لم يفته شيء، وليرد مثله بموضع قبضه، وكذلك كل ما يكال أو يوزن من سائر العروض، كالحناء والنوى والخبط وغيره، فكالعين، لا فوت فيه. وأما الحيوان والثياب وشبه ذلك فيرد قيمته من الفوت، وكذلك إن كان ثمن سلعة فاستحقت أو ردت بعيب، فإن ما دفعت فيها من هذا يفيته حوالة السوق وغيره، ويرد قيمته يوم البيع.
وأما إن كان يكال أو يوزن فليرد مثله إن فاتت عينه، وكذلك يفيت السلعة في الكذب في المرابحة ما يفيتها في البيع الفاسد، ويكون على ما ذكرنا فيما يكال أو يوزن، وفيما لا يكال ولا يوزن. وأما الأرض والدور والحوائط، فلا يفيتها حوالة سوق إلا في قول أشهب، فإنه قال: يفيتها حوالة السوق. وقال أصبغ: طول الزمن في الدور مثل عشرين سنة، فوت. وقال أشهب: وطول الزمن في العرض فوت.
قال مالك: ومن ابتاع ثمرة لم يبد صلاحها، ثم باعها بعد أن أزهت، فذلك فوت، وعليه قيمتها يوم بدا صلاحها. قال محمد: بل قيمكتها يوم باعها المشتري. وكان مالك يقول: يرد عدد المكيلة تمرًا. قال: وإن جذها رطبًا، رد قيمتها يوم جذها. وإن جذها تمرًا فأكله أو باعه، رد المكيلة. وإن لم يعرفها رد قيمته. قال مالك: وهي من البائع ما لم تجذ، وإن يبست.
[6/172]
***(1/168)
[6/173]
ومن ابتاع حليًا بيعًا فاسدًا، فإن كان جزافًا، فإن حوالة الأسواق تفيته ويرد قيمته. وإن كان على الوزن لم يفت بحوالة سوق، وليرده أو مثله. وإن كان سيفًا محلى، فضته الأكثر، فلا يفيته حوالة السوق، ويفيته البيع أو التلف أو قلع فضته ويرد قيمته.
قال محمد: وليس بالقياس، وكل ما فات في البيع الفاسد مما يرد مثله أو قيمته، فلا بأس أن يأخذ بذلك صنفًا آخر مما يصلح أن يسلم فيه رأس المال وما اشتراه به. وإن كان طعامًا فله أن يأخذ برأس ماله ما شاء مما يصلح أن يقدم فيه رأس ماله إذا لم يكن من النوع الذي فسخ عنه.
قال ابن القاسم وأشهب: إذا أسلم في طعام سلمًا فاسدًا، ففسخ فله أن يأخذ برأس المال صنفًا من الطعام غير ما أسلم فيه نقدًا، وله أن يأخذ نصف رأس ماله، ويحط ما بقي. قال محمد: ولا يأخذ برأس ماله ورقًا إن كان ذهبًا. قال أشهب: وذلك في الحرام البين. وأما في المكروه وما لعله أن يجاز، فلا يصلح مثل هذا فيه حتى يفسخه السلطان أو يتفاسخانه ببينة.
قال محمد: كل ما فيه اختلاف فلا يجوز، إلا بعد حكم السلطان. والأمة تباع بيعًا فاسدًا، فتفوت في سوق أو بدن، فليس للبائع أن يرضى بها في نقضها، ولا للمبتاع ردها بزيادتها إلا أن يجتمعا بعد معرفتهما بالقيمة التي لزمت المبتاع.
وإذا حال سوق السلعة أو تغيرت بيد البائع، وهي حيوان أو عرض، ثم قبضها المبتاع وماتت عنده، فإنما عليه قيمتها يوم قبضها. قال أشهب: إلا أن
[6/173]
***(1/169)
[6/174]
يكون نقد ثمنها، ومكن من قبضها فتركها، فعليه قيمتها يوم مكن من قبضها أو نقد ثمنها.
قال ابن القاسم: وإن أحدث المبتاع في الأمة عتقًا أو تدبيرًا فهو كالقبض وإن لم يقبض، وعليه قيمتها يومئذ إلا أن يحدث فيها البائع ذلك قبله، فالسابق بذلك منهما أولى. قال محمد: وإن كان بعد قبض المبتاع لها، قيل تلزمه القيمة بفوتها بيده.
وقال أشهب: لا عتق للبائع فيها وإن ردت عليه بعد عتقه؛ لأنه أعتق ما هو في ضمان غيره. وإذا كان في الأمة مواضعة فإنما يلزم المبتاع قيمتها بعد الاستبراء، وكذلك تعتبر قيمتها في البيع الصحيح ترد فيه بعيب وقد فاتت بعيب مفسد بيد المبتاع، فإنما يغرم قيمتها يوم خرجت من الاستبراء لأنه من يومئذ ضمنها وإن لم يقبضها في البيع الصحيح. وأما في الفاسد، فيوم قبضها، وبعد خروجها من الاستبراء، ولو باعها المبتاع، ثم اشتراها مكانه قبل أن يتفرقا، أو ردت عغليه بعيب، لم يفتها ذلك عند ابن القاسم في البيع الفاسد الأول، وهو فوت عند أشهب. وكذلك لو ورثها مكانه لأنه لزمته القيمة ببيعه لها، وكذلك لو أعتقها أو دبرها فرد ذلك غرماؤه مكانه، لزمته قيمتها. قال ابن القاسم: وإذا حال سوقها، ثم عاد وذلك عنده أو عند مبتاعها، فذلك فوت.
قال ابن القاسم: ومكتري الدار كراء فاسدًا إن أكراها من غيره مكانه كراء صحيحًا، فذلك فوت، وعليه كراء مثلها.
[6/174]
***(1/170)
[6/175]
قال ابن القاسم: ومن ابتاع أرضًا بيعًا فاسدًا فالغراس يفيتها، ولا يفيتها الزرع. وإن فسخ البيع في إبان الزرع لم تقلع، وعليه كراء المثل كالزارع بشبهة وإن فسخ بعد الإبان فلا كراء عليه، ولا يفيتها أن يبيعها بيعًا فاسدًا وينقض البيعان.
وإذا كانت أصولاً فأثمرت عند المبتاع ففسخ البيع وقد طابت الثمرة فهي للمبتاع جدت أو لم تجد، وإن لم تطب فهي للبائع وعليه للمبتاع ما أنفق.
ومن العتبية، قال أصبغ: ومن ابتاع أرضًا بيعًا فاسدًا، فغرس حولها شجرًا أحاطت بها، أو عظمت فيها المؤنة، وبقي أكثرها بياضًا فذلك فوت، وتجب فيها القيمة. وإن كان إنما غرس ناحية منها، وبقي جلها، رد ما بقي منها، وعليه فيما غرس القيمة، وإن كان إنما غرس يسيرًا لا بال له، رد جميعها، وكان للغارس على البائع قيمة غرسه.
وذكر ابن حبيب هذه المسألة عن أصبغ فقال: ومن اشترى أرضًا شراء فاسدًا، فغرس حولها غروسًا، وبقي وسطها، وهو جلها وأكثرها لا شيء فيه، أو غرس جانبًا منها وبقي سائرها لا شيء فيه، فإن كانت الغروس يسيرة لا خطب لها، فليس ذلك لها فوت، وترد كلها على بائعها، ويعطى للمبتاع قيمة ما غرس فيها قائمًا، وإن كانت الغروس لها بال وقدر في المؤنة والنفقة، فذلك فوت في بيعها، أو يكون على المشتري قيمة جميعها يوم الصفقة، يعني ابن حبيب إن كان ذلك يوم القبض.
وذكر ابن حبيب عن أصبغ أيضًا في من اشترى أرضًا يزرعها الأخضر أو اليابس شراء فاسدًا، وحصد الزرع وأفاته، ثم غير على ذلك، فإن كانت الأرض قد فاتت بطول الزمان أو اختلاف الأسواق أو تغير الحال، فهو فوت لها وللزرع معها، وترد الأرض إلى القيمة بما كان فيها يوم الصفقة، يعني أصبغ إن كان ذلك
[6/175]
***(1/171)
[6/176]
يوم القبض لها. قال: وإن كانت الأرض لم تحل بشيء من ذلك، ولا بغيره من وجوه الفوت، فسخ البيع بهما، فيها وفيما كان فيها من الزرع، أخضر كان يومئذ أو يابسًا، فإن كان مشتريه حصده رده بكيلته، وأعطي أجرته في حصاده وعمله. وإن كان باعه، فإنما رد الثمن الذي باعه به إلى البائع أو قيمته يوم باعه. ولو كان الزرع أصيب وهو قائم قبل حصاده أو بعد حصاده، قبل أن يصير حبًا بيد مبتاعه كانت مصيبته من البائع، كزرع بيع ولم يحل بيعه، وكذلك فسر لي أصبغ. وقال: قال أصبغ: وتغير الأسواق في جميع الأشياء كلها، وفي العرض والدور إذا بيعت بيعًا فاسدًا، فوت، دون الهدم والبناء والغراس في الأرض، يرد به إلى الفقه، وقد قاله مالك مجملاً: إن تغير الأسواق فوت.
وروى عيسى عن ابن القاسم في من ابتاع رقيقًا بإفريقية فيقدم بها الفسطاط، فيوجد البيع حرامًا، فليس يفوت إلا أن تفوت بنماء أو نقص أو تغير سوق، ولا أرى سوق مصر وسوق القيروان ألا يختلف، فذلك فوت، وإن كان إنما قدم بها من الإسكندرية، فإن اختلفت الأسواق أو غيرها السفر، فذلك فوت، وإلا فلا، وترد عليه بالفسطاط، ولو كان طعامًا، لم يرد عليه إلا بالإسكندرية.
قال ابن القاسم في من باع دارًا بيعًا حرامًا، ثم علم البائع بفساد البيع، فيقوم على المشتري ليفسخه قبل فوتها، فيفوت المبتاع الدار حينئذ بصدقة أو بيع، أو يكون عبدًا فيعتقه بعد قيام البائع. فأما الصدقة والبيع، فليس بجائز بعد قيام البائع. وأما العتق فأراه فوتًا لحرمته.
[6/176]
***(1/172)
[6/177]
في السلعة تفوت في البيع الفاسد ثم يظهر منها على عيب قديم
من كتاب ابن المواز: وإذا فاتت السلعة في البيع الفاسد بحوالة سوق وشبهه، ثم ظهر على عيب قديم، فإن شاء ردها بالعيب ولا شيء عليه، وإن شاء حبسها، ولزمه بقيمتها صحيحة؛ لأنه رضي العيب حين أمكنه ردها بها، فأبى إلا أن يكون حدث عنده عيب آخر مفسد، فله حبسها بقيمتها يوم قبضها بالعيب القديم، فيكون ذلك كالثمن، وإن شاء ردها، نظر ما قيمتها يوم القبض بالعيبين، فما نقص ذلك رددته معها.
وإذا ابتعت عبدًا بيعًا فاسدًا، فأبق عند البائع قبل قبضك إياه، فوديت أنت في رده جعلاً، وأصابه في الإباق قطع أصابعه، ثم ذهبت عينه بعد أن وصل إليك، فقد فات رده بفساد البيع، ولزمتك قيمته آبقًا مقطوع الأصابع يوم قبضته. ويطرح عنك من ذلك ما وديت من جعل رده، لأنك لم تكن ضمنته إلا بعد ذلك، فذلك على البائع. ولو قبضته بعد غباقه، ولم يعلم بقطع أصابعه حين أخذته، ولم يحدث به عندك عيب، فلك رده، أو تحبسه بقيمته صحيحًا آبقًا، لأنك على الإباق أخذته، فتؤدي قيمته بما علمت من العيوب، سالمًا مما لم تعلم به منها قبل أن يقبضه، فإذا حدث عندك ذهاب عينه، كان لك حبسه بقيمته بكل عيب قديم، علمته يوم القبض، أو جهلته فعليك قيمته، آبقًا مقطوع الأصابع، أو رده، ورد ما نقصه العور من تلك القيمة؛ لأنه لا يمكنك رده بعيب لم تكن علمت به، إلا بغرم تغرمه للعيب الحادث عندك، فلذلك لزمك بقيمته بكل عيب قديم.
[6/177]
***(1/173)
[6/178]
ومن ابتاع جارية بالخيار، وشرط النقد فيها، فأصابها في الخيار عيب علم به، ثم قبضها، فحالت في سوقها أو في بدنها، ثم حدث بها عنده عيب مفسد، ثم ظهر على عيب قديم غير عيب الخيار، فينظر إلى قيمتها يوم قبضها، بعد أيام الخيار، بعيب الخيار وبالعيب القديم. فإن شاء ودى ذلك وحبسها. وإن شاء الرد، نظر كم قيمتها بذلك، وبالعيب الحادث عنده. فما نقص من ذلك رده معها. وفي كتاب ابن المواز في هذا الفصل إشكال ربما ظهر للمتأمل هذا، وربما ظهر له أنه يقومها إذا أراد الرد بقيمتها بعيب الخيار، سليمة من العيب القديم. ثم يرد ما نقصها العيب الحادث عنده من تلك القيمة. وهذا التقويم إنما يكون إذا لم يحدث عنده عيب مفسد. والكلام الأول أشبه بما قدم من الأصل، وإياه أراد إن شاء الله. وأما إذا حبسها، فليس بمشكل على ما ذكرنا أن يؤدي قيمتها بالعيب القديم، وعيب الخيار، لحدوث العيب المفسد عنده. قال: ولو لم يحدث بيد المبتاع فيها غير حوالة الأسواق، فله الرد بالعيب، فإن تماسك، كانت عليه قيمتها بعيب الخيار، سالمة من العيب القديم؛ لأنه رضيه، إذ لو شاء ردها به.
في بيع الخمر وكيف إن تبايعها مسلم وذمي
ومن أسلم على ربا أو بيع خمر
وذكر معاملة النصارى وملكهم لمسلم
أو لمن يجبر على الإسلام وبيع الحر نفسه
من كتاب ابن المواز: وكره مالك الصرف من الخمار وإن كان نصرانيًا، قال: والصرف من الباعة أحب إليّ من الصرف من الصيارفة، لكثرة الفساد فيهم، ولا بأس باقتضاء الدين من الذمي الخمار والمربي، بخلاف المسلم، لما أباح
[6/178]
***(1/174)
[6/179]
الله تعالى من اقتضاء الجزية منهم. ولا يستقرض منه بدءًا. وكره مالك أن يبضع من النصراني بضاعة، أو ينيب له على بيع شيء، أو يشتري له شيئًا يسيرًا من السوق، أو يصرف له دراهم بفلوس، وإن كان عبده. ولا بأس أن تؤاجره يعمل لك بيديه عملاً. وإذا أرسل المسلم نصرانيًا يشتري له خمرًا من نصراني ففعل، فإنه يقضى له بالثمن، إذا لم يعلم أنه لمسلم، وتكسر الخمر. وإذا باع المسلم خمرًا من نصراني، فليؤخذ الثمن من المسلم فيتصدق به. واختلف قول مالك إذا لم يقبضه، فقال: لا يؤخذ من النصراني، وقال: يؤخذ منه فيتصدق به، وبهذا أخذ ابن القاسم. قال محمد: لا يؤخذ منه الثمن، وإن أخذ رد عليه، وأغرم مثل الخمر، فتهراق على المسلم.
وقال ابن القاسم وأشهب: ولو أخذ فيه المسلم جارية، فأحبلها أو أعتقها، فليقض للنصراني بقيمتها. ويغرم النصراني مثل الخمر فتهراق على المسلم. وكذلك لو حال سوق الجارية.
قال أشهب: ومن اشترى خمرًا بعشرة دنانير، فباعها بخمسة عشر، فليتصدق بالثمن كله.
قال ابن حبيب: إذا باع مسلم من مسلم خمرًا، فما كانت الخمر قائمة بيد بائع أو مبتاع، فلتكسر على البائع، ويرد الثمن، إن قبضه على المبتاع، فإن فاتت فقد فات الفسخ، وأخذ الثمن يتصدق به سواء قبضه البائع أو لم يقبضه ويعاقبان.
[6/179]
***(1/175)
[6/180]
ولو اشترى منه جرارًا على أنها خل، فحملها، فانكسرت في الطريق، فإذا هي خمر، فهذا لا ثمن عليه ولا قيمة، ويرجع بالثمن إن دفعه.
وروى مطرف، عن مالك، في مسلم كسر لذمي خمرًا، أنه يعاقب. ولا غرم عليه. ولا يجعل لما حرم الله ثمنًا ولا قيمة. وقال ابن القاسم: عليه قيمة الخمر، وقد روى هذا عن مالك في غير الواضحة. قال ابن سحنون: ويقومها حديث عهد بإسلام منهم. وقال ابن المواز: يقومها المسلمون، ولا تخفى عنهم قيمتها.
قال ابن حبيب: وإن باع نصراني خمرًا من مسلم، فقبضها المسلم ولم تفت فإنها تكسر. وإن قبض النصراني الثمن ترك له. وإن لم يكن قبضه لم يقض به على المسلم، وتكسر الخمر على النصراني عقوبة له، وكذلك لو أدركت بيد النصراني قد أبرزها ولم يقبضها المسلم، لكسرت عليه عقوبة له. وأما إذا فاتت الخمر بيد المسلم، ولم يدفع الثمن، أخذ منه، وتصدق به، ويعاقبان، وإن كان المسلم بائعها منه ولم تفت الخمر، كسرت، كانت بيد المسلم أو النصراني، ورد الثمن على النصراني. وإن فاتت الخمر بيد النصراني قبل يعثر على ذلك، أخذ الثمن من النصراني إن لم يدفعه أو من المسلم إن قبضه فتصدق به.
قال ابن حبيب: ومن باع كرمه ممن يعصره خمرًا، أو أكراه داره، أو دابته في شيء من أمر الخمر، فإنه يتصدق بالثمن في ذلك. والوضي إذا أصاب في التركة خمرًا، فليهرقها ولا يخللها لليتامي.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في من يبيع عنبه ممن يبيعه في السوق، فإذا فضل منه شيء عصره مشتريه خمرًا. قال: إذا لم يبعه لذلك، وإنما باعه عنبًا، فلا بأس بذلك. قال محمد: ولا يعود لبيع مثله.
[6/180]
***(1/176)
[6/181]
وقال أصبغ: واختلف قول ابن القاسم كاختلاف قول مالك في نصراني أسلم دينارًا في دينارين فأسلم أحدهما وثبت على أنهما يردان على رأس المال بإسلام من أسلم منهما. وقيل عن مالك إن أسلم المطلوب فعليه ديناران. وقيل: إن مالكًا توقف فيه، قال: ولو كان دفع إليه دينارًا في دراهم إلى أجل، فأسلم الطالب، فلتؤخذ الدراهم من النصراني فيصرف بها دينارًا، فإن لم يف، لم يكن له غير ذلك. وإن كان فيها فضل، رد الفضل إلى النصراني، وإن أسلم المطلوب رد الدينار الذي قبض على النصراني.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في النصراني يسلف نصرانيًا خمرًا أو خنازير فأسلم المستلف فعليه قيمة الخمر والخنازير، وإن أسلم الذي أسلف الخمر والخنازير، قال: أحب إليّ أن يأخذ الخمر والخنازير، فيقتل الخنازير ويريق الخمر.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في نصراني أسلم إلى نصراني دنانير في خمر أو خنازير فأسلم الذي عليه ذلك، رد الثمن إلى صاحبه، وإن أسلم الطالب فتوقف مالك وقال: لا أدري، أخاف أن أظلم الذمي، ولكن أرى أن يؤخذ الخمر منه ويكسر على المسلم وتؤخذ الخنازير فتقتل وتطرح في مكان لا يصل أحد إلى أكلها. قال: وإن رضي النصراني برد الدنانير فذلك جائز، قال: وكذلك إذا تسالفا خمرًا أو خنزيرًا، ثم أسلما جميعًا فليس على المطلوب شيء من ذلك.
ومن كتاب ابن المواز متصل بقول مالك: قال: وإذا باع منه خمرًا بثمن إلى أجل ثم أسلم فذلك نافذ، وليأخذ الثمن إلى أجله. وكره مالك أن يباع من الكتابيين من يجبر على الإسلام، وقال: ما أعلم حرامًا. قال: وإذا بيع منهم من يجبر على الإسلام، بيع على المشتري ما لم يدين بدين. وأجاز بيع صغار
[6/181]
***(1/177)
[6/182]
الكتابيين منهم. ومن ابتاع من نصراني عبدًا، فأسلم، ثم وجد به عيبًا، فليرده عليه، وكذلك لو كان عبدًا يجبر على الإسلام. وكره أن تشترى منهم السلع عندما يلزمون بالخراج على الضغطة. قال ابن القاسم: وترد على بائعه بغير ثمن إن كان بإكراه أو ضغطة.
قال أشهب: ومن واجر عبده المسلم من نصراني، فسخ ذلك وودب السيد. وإن علم النصراني بتعدي سيده، ودب، وإلا فلا، ويأخذ السيد ثمن ما عمل من الإجارة، ويفسخ ما بقي.
وكره مالك أن يكري دابته ممن يركبها من النصارى إلى الكنيسة، ولم يحرمه.
ومن العتبية قال ابن القاسم: قال مالك في بيع الصقالبة والسودان قبل أن يسلموا من النصارى، قال: ما أعلم حرامًا، ولا يعجبني إن كانوا صغارًا، ولا يجوز بيعهم منهم، فإن بيعوا منهم فسخ البيع. وإن كانوا كبارًا فلا بأس ببيعهم منهم؛ لأن الصغار يجبرون على الإسلام والكبار لا يجبرون. قال ابن القاسم في رواية يحيى بن يحيى: لا يباع منهم صغير ولا كبير، ويجبر الجميع على الإسلام. وإن ابتاعوهم بيعوا عليهم إلا أن يدينوا بدين فيقروا بأيديهم، وإن تقدم إليهم ألا يشتروهم، ثم اشتروهم، فهودوهم أو نصروهم، فليعاقب الذين هودوهم أو نصروهم حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك.
قال ابن سحنون: قال سحنون في عبد نصراني اشتراه يهودي من يهودي، قال: يجبر على بيعه.
ومن العتبية: قال أصبغ فيمن اشترى عبدًأ مجوسيًا من المجوس الذين بالعراق بين ظهراني المسلمين قد ثبتوا على مجوسيتهم وهم عبيدهم، فهذا لا يجبره
[6/182]
***(1/178)
[6/183]
الذي اشتراه على الإسلام. وإنما يجبر من يشتري من السبي من صقالبة وغيرهم من المجوس.
قال ابن وهب من رواية عبد الملك بن الحسن في بيع رقيق اليهود من النصارى أو رقيق النصارى من اليهود، قال: لا ينبغي ذلك ولا يجوز، وذلك لأن بعضهم لبعض أعداء، ولا تقبل شهادة بعضهم على بعض، وقاله سحنون.
قال أصبغ: قال ابن القاسم في العبد: هل يباع من أهل دينه من أهل الحرب، قال: لا أرى ذلك. أخاف أن يكون عورة على المسلمين، ولولا ذلك لم أكرهه، وقاله أصبغ.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم في الربانيين يقدمون بالرقيق هل يشتريهم الناصرى منهم، قال: أما الصغار فلا، وأما الكبار فنعم.
وفي كتاب الجهاد شيء من ذكر بيع الخمر وإظهارها وكسرها.
ما ينهى عن بيعه من الزبل وجلد الميتة
وشعر الخنزير والكلب والصور والملاهي
والخصيان والصغير والزمن وبيع الطفل وغير ذلك
من كتاب ابن المواز: وكره مالك بيع رجيع بني آدم. قال ابن القاسم: ولا بأس بأكل ما زبل به. وبلغني أن ابن عمر كرهه. ولا أرى به بأسًا. قال أشهب: أكره بيع رجيع بني آدم إلا لمن اضطر إليه، والمبتاع أعذر فيه من بائعه.
[6/183]
***(1/179)
[6/184]
ومن العتبية: عيسى قال ابن القاسم: ومن باع جلود ميتة مدبوغة وابتاع بالثمن غنمًا، فنمت، ثم تاب، فليتصدق بثمن الجلود لا بالغنم. قال عيسى: يرد الثمن إلى من ابتاع منه الجلود أو إلى ورثته، فإن لم يجدهم تصدق بذلك، فإن جاء خير بين الصدقة أو الثمن.
قال أصبغ وأبو زيد: قال ابن القاسم: لا بأس ببيع شعر الخنزير الوحشي كصوف الميتة. وقال أصبغ: ليس كصوف الميتة بل كالميتة نفسها، لأنه حرام حيًا وميتًا، وتلك صوفها حل في الحياة.
قال أبو زيد: قال ابن القاسم: ومن باع كلبًا فلم يقبض ثمنه حتى هلك الكلب بيد المبتاع فمصيبته من البائع. ولا بأس باشتراء كلاب الصيد، ولا يعجبني بيعها. قال سحنون: نعم، يجوز، ويحج بثمنها، وهي ككلاب الحرث والماشية. ومن كتاب آخر أن ابن كنانة يجيز بيعها.
قال سحنون: قال ابن القاسم في من باع بوقًا أو كبرًا فليفسخ بيعه ويؤدب أهله.
قال أبو زيد: قال ابن القاسم: لا بأس بشراء الصبي الصغير لا يحمل السؤال وإن كان رضيعًا، إلا أن يكون من بلد عمه الفساد من سرقة الأحرار وبيعهم. وأحب إليّ أن يتورع فيه، ولا أرى أن يمنع بذلك البيع.
[6/184]
***(1/180)
[6/185]
ومن سماع ابن القاسم: ولا بأس ببيع المحدوم ومكاتبته. وأعرف لابن المواز أن من أعتق صغيرًا، أن عليه نفقته إلى أن يبلغ السعي والنفع لنفسه. وكذلك على ملتقطه.
قال أشهب: قال مالك: ترك التجارة في العبيد الخصيان أحب إلي ولا أحرمه. وشراؤهم معين على خصائهم.
قال محمد: وفي العتبية: قال أشهب عن مالك قال: أما الرجل يشتري الخصي والاثنين لنفسه فلا بأس به. وأما أن ينفق عنه بهم فلا ينبغي، وقد رغب فيهم الملوك وأكثر الناس منهم.
قيل: أتكره أن يقول أحدهم للرومي: اخص هذا لأشتريه منك؟ قال: وما بأس هذا؟ قيل: إنهم يقولون: إذا قلت لهم هذا ذهبوا بهم يخصونهم. قال: هم أعلم بذلك منه.
قيل لابن المواز في بيع الطير يؤكل، قال: أكره أكله، وأما بيعه، فلا أدري، قد يشتري لغير وجه. وقال ابن الماجشون: إن أكله حرام.
ومن العتبية: أصبغ: قال ابن القاسم في الذي يعمل الدوامات يبيعها من الصبيان، قال: أكره ذلك.
[6/185]
***(1/181)
[6/186]
قال أشهب عن مالك: سُئل عن التجارة في عظام على قدر التمر، يجعل لها وجوه، يتخذها الجواري بنات. قال: لا خير في الصور، وليس هذا من تجارة الناس.
قال سحنون في كتاب الشرح: لا يحل بيع السم ولا ملكه على حال. والناس مجتمعون على تحريم بيعه.
في وقت بيع التمر والفواكه على القطع وثمر البحائر
وما بيع من ذلك قبل بدو الصلاح
وما بيع منه على القطع
وبيع ما حضر من الثمار
وذكر السقي في بيع الثمر
من الواضحة: نهى الرسول عليه السلام عن بيع الثمار حتى تزهي وفي حديث آخر حتى يبدو صلاحها.
قال ابن حبيب: وثمر النخل يكون سبع درجات، طلعًا، ثم إغريضًا، ثم بلحًا، ثم زهوًا، ثم بسرًا، ثم رطبًا، ثم تمرًا، فأوله الطلع ثم ينقلع الخف عنه
[6/186]
***(1/182)
[6/187]
ويبيض فيكون إغريضًا ثم يذهب عنه بياض الإغريض ويعظم حبه وتعلوه خضرة فيكون بلحًا، ثم تعلو الخضرة حمرة وهو الزهو، ثم تصير صفرة فيكون بسرًا، ثم تعلو الصفرة دكنة وحمرة ويلين ويستنضج، فيكون رطبًا، ثم ييبس فيكون تمرًا. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيه الثمار حتى تزهي وحتى يبدو صلاحها، وقال: ((حتى تنجو من العاهة))، وكله بمعنى واحد. وقول زيد: حتى نطلع الثريا؛ لأنها تطلع أول الصيف في نصف مايو، وهو وقت تؤمن العاهات على الثمار، ويظهر احمرارها واصفرارها.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا أزهى في الحائط كله نخلة أو دالية بيع جميعه بذلك ما لم تكن باكورة.
مالك: وإذا كان في الدالية الحبات في العنقود أو العنقودين جاز بيعها، وكذلك كل ما تتابع طيبه، وأما أن يكون بعض الحائط مستأخرًا جدًا، فهذا يكره أن يباع معه.
قال مالك: وإذا عجل زهو الحائك، جاز بيعه، وإذا أزهت الحوائط حوله ولم يزه هو، جاز بيعه. قال ابن القاسم: وأحب إليّ حتى يزهي هو. وقاله مطرف في الواضحة. قال ابن حبيب: هو أحب إليّ، والأول هو القياس؛ لأنه لو ملك ما حواليه ما حرفه إليه جاز بيعها بإزهاء بعضها، إلا أن يتفاحش تباعد بعضها من بعض.
قال ابن المواز: قال مالك في جنان فيه ثلاثمائة شجرة تين، فيها عشرة شتوية، فلا تباع الشتوية بإزهاء غيرها، وإذا كان في الكرم عنب صيفي وشتوي، فلا
[6/187]
***(1/183)
[6/188]
يباع الشتوي بإزهاء الصيفي، وكذلك التين الشتوي والصيفي مثله سواء، وإذا كان في الحائط أصناف من التمر، بيع جميعه بإزهاء بعض أصنافه، فأما وإن كان نخل ورمان وخوخ وشبهه لم يبع بإزهاء جنس منه بقية الأجناس، ولكن يباع ذلك الجنس بإزهاء بعضه. ولو كان في شجرة واحدة منه طيب، لجاز بيع جميع ذلك الصنف بها.
قال أشهب: ولو كان في حائط نخل شجرتا رمان، فلا يباع بإزهاء ثمر النخل، ولا يباع التين وإن تناهى خلقه ولا جميع ثمر الفواكه حتى يطيب أولها ويؤكل.
قال ابن حبيب: ووقت جواز بيع الزيتون إذا اسود أو نحا ناحية الاسوداد، وكذلك العنب الأسود إذا نحا ناحية الاسوداد. وأما الأبيض، فأن ينحو ناحية الطياب، وحد الإزهاء في كل الثمار، إذا نحت ناحية الاحمرار، أو أينعت للطياب، فما لم يبلغ ذلك أو يقاربه، فلا يباع إلا على القطع.
ومن كتاب محمد: قال مالك: وغذا يبس الزرع وفيه ما لم ييبس ما لا خطب له، فلا بأس ببيع جميعه. قال ابن شهاب: ومن قول العلماء أن زهو الزرع أن يفرك. وقال مالك: حتى ييبس. ولا يباع الفول الأخضر وغيره من الحبوب على أن يترك حتى ييبس. ولا يباع الجلبان إذا تحبب حتى ييبس، وكذلك الفول وغيره من الحب إلا أن يقطع مكانه، فإن غلبه بعضه فيبس، فابن عبد الحكم ينقض فيه البيع. وقال غيره: هو كقول مالك في بيع القمح إذا أفرك: إنه لا ينقضه إذا يبس.
[6/188]
***(1/184)
[6/189]
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وإذا بيع الزرع وقد أفرك، والفول وقد امتلأ حبه وهو أخضر، أو حمص، أو عدس، فإن عثر عليه قبل أن ييبس فسخ البيع، وإن فات باليبس لم ينقض للاختلاف فيه. قال في كتاب محمد: وأما شراء الثمرة بعد الزهو جزافًا وتركها حتى تيبس، فذلك جائز. وإنما يكره ذلك أن لو اشترى منها كيلاً على هذا، فإن قلت: لم يفسخ. وهذا في باب السلم في ثمر حائط بعينه.
قال ابن حبيب: ومن ابتاع ثمرة بعينها قد حل بيعها على أن يدعها حتى تيبس، فذلك جائز، أو على أن يجنيها رطبة. وأما على الكيل، فلا يشترط ذلك في كرم بعينه، أو تين بعينه، وإذا اشترى ثمرة بعينها رطبة فأراد أن يقرها حتى تيبس، فليس ذلك له حتى يشترط ذلك من أجل السقي أنه على البائع حتى يجذ.
ومن العتبية: قال أصبغ: قلت لأشهب ما صلاح البطيخ الذي يباع به، أهو أن يؤكل بطيخًا أو فقوسًا؟ قال: هو أن يؤكل فقوسًا. قال أصبغ: فقوسًا بطيخًا قد انتهى للتطبيخ.
قال ابن حبيب: الطبيخ والبطيخ سواء، والعرب تقدم الباء وتؤخرها. تقول: جبذ وحذب. والخربز جنس من البطيخ أملس مدور الأرس. والقثاء والخربز
[6/189]
***(1/185)
[6/190]
والبطيخ قد عرف أنه لا ينعقد في كرة، فإذا انعقد أوله وبلغ القثاء منه مبلغًا يوجد له طعم، حل بيعه مع ما يثور ويحدث منه إلى آخره، ولا يباع البطيخ إذا أبلح. ولكن إذا نحا ناحية الاصفرار واللين للطياب، فيباع ما بلغ هذا الحد وما يتصل بعده، وكذلك الخربز.
وأما الفقوس فكالقثاء فيما ذكرنا. قال: ويباع التين إذا طاب أوله، ما طاب منه وما لم يطب، وما ظهر وما لم يظهر؛ لأنه إنما يطلع شيئًا بعد شيء وبطنًا بعد بطن، فكل ما طلع منه تلك السنة، بيع لأوله، إلا ما كان منه من البطن الأولى التي تطيب في آخر أيار وأول حزيران، فلا يضاف إلى البطن التي تطيب في تموز وآب، لأن بين ذلك تفاوت، وآخر ذلك البطن مضاف أوله إلى آخره.
قال في كتاب ابن المواز: ويباع الزيتون إذا اسود، وأمنت عليه العاهة.
قال مالك في الثمرة تباع في الأصل: فالسقي على البائع. قال مالك: ولا يجوز أن يبيع ما تطعم المقتاة شهرًا لأنه يختلف. وكذلك البطيخ والخربز والقثاء.
قال: ولا يباع شيء من ثمر البحائر وشبهها أجل مسمى، ولا بأس أن يباع في أول منفعته إلى آخر إبانه يستجنى كل ما يخرج منه إلى آخره.
قال مالك في شجرة تطعم بطنين في السنة، فلا يبيع كل بطن إلا وحده.
[6/190]
***(1/186)
[6/191]
قال مالك: وإذا بدا صلاح الموز جاز بيع أصله سنة أو أجلاً معلومًا.
ولا تباع البقول حتى تبلغ إبانها الذي تطيب فيه، ويكون ما قطع منه ليس بفساد.
وقال في الجزر واللفت والفجل والثوم والبصل، إذا استقبل ورقه، وتم، وانتفع به، ولم يكن ما يقلع منه فساد، جاز بيعه، إذا نظر إلى شيء منه، فإن وجد شيئًا مخالفًا، رده بحسابه.
قال مالك في البصل المغيب وشبهه يتأخر بيعه عشرين ليلة وفي ذلك ينبت بعضه، فلا ينبغي بيعه حتى ينبت ويؤمن.
قال: ويباع قصب السكر إذا طاب، وهو أن يكسر فلا يكون فسادًا.
ومن الواضحة وغيرها: وما بيع من ذلك كله قبل بدو صلاحه ممن لا يتعجل قطعه ويؤخره، فذلك فاسد، وضمان الثمر من البائع. فإن قبضها المبتاع وعرفت مكيلتها رد مثلها، وإن لم تعرف فقيمتها يوم جناها لا يوم البيع ولا يوم الزهو وهو مصدق في قيمتها مع يمينه، وفي كيلها إن عرفه، وله أجرته في قيامه وسقيه إلى يوم جناها، وقاله مالك، ومن لقيت من أصحابه.
وأما الزرع بين الحبوب فلا يباع حتى يشتد وييبس في أكمامه وييبس في سنبله، فإن بيع وقد أفرك ولم يستغن عن الماء وقد قارب الاستغناء، فليفسخ، ما لم
[6/191]
***(1/187)
[6/192]
يحصد، فإذا حصد وقبض، لم يفسخ، وليس بحرام. قاله مالك. وأما إن بيع قبل أن يتحبب ويفرك، فليفسخ أبدًا.
ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك في العنب الحصرم وارمان الأخضر والفرسك وشبهه يباع قبل أن يطيب، يريد على القطع، قال: أما بمصر وشبهها فلا باس به لأنه لا يضر بهم.
قال عنه أشهب في العنب يشترونه حصرمًا يقطعونه: فلا أحبه حتى يطيب. قال في العتبية في ذلك كله: لا بأس به على القطع، وإنما كرهت النفس هاهنا لأن ذلك يضر بالناس، فأما الأمصار ففاكهتهم كثيرة، لا يضر بهم ذلك.
قال ابن حبيب: ولا بأس أن يشتري من الحائط ثلاث جنيات أو أربع، كل صاع بكذا على الكيل.
ما يجوز من بيع القضب والقرط والقصيل
والورد والياسمين وغيره من غير الطعام
وكيف إن تحبب القصيل بعد البيع
من كتاب ابن الموز، قال مالك: ويجوز بيع القضب، والبقل والعصفر، والورد والياسمين، والقطن، إذا بدا أول منفعته إلى آخر إبانه، يستجنى كل ما يجن حتى ينقطع وتوضع فيه العاهة، ولم يحد الثلث فيه.
[6/192]
***(1/188)
[6/193]
قال ابن القاسم: لا حائجة فيما دون الثلث منه. محمد: إلا البقل فيوضع فيه دون الثلث. ولا يباع شيء منه أجلاً معلومًا، ولكن إلى انقطاعه.
قال مالك: وإذا بلغ القرط والقضب أن يرعى ويجنى بلا فساد، جاز بيعه، فإن كانت خلفته لا تخلف، جاز، شرط خلفته أربع جزات أو خمسًا أو إلى انقطاعه، فإن لم يخرج نباته على ما كان يعرف، لشيء أصابه، وضع عنه، إن كان مشترط القضب يريده علفًا ولا يريده حبًا، فإن كان للحب فلا يشترط خلفته. قال أصبغ: يريد: وإن كانت مأمونة. قال عنه أشهب: لا يباع القضب حتى يعني، وليشترط، جزتين وثلاثة وأربعة. وإن شرط خلفته ليقتلعه، فجائز، إن كانت لا تخلف، ثم قال: ما هو عندي بحسن؛ لأنها تأتي مختلفة.
قال ابن حبيب: إنما يجوز في القضب والقرط والقصيل أن يشترط خلفته في بلد السقي لا في بلد المطر إذ ليست الخلفة فيه بمأمونة، وإذا لم يشترط الخلفة فإنما له الجزة الأولى، وإذا شرطها، فله ما أخلفت، وإن كانت خلفة بعد خلفة، فإنما ذلك كبالقول إذا بلغ النفع به إذا قطع جاز حينئذ بيعه وبيع ما يطلع منه.
[6/193]
***(1/189)
[6/194]
ومن كتاب محمد: وما غلب فيه الحب مما تشترط خلفته، انتقض بيع ما فيه ورجع بحصته، وكذلك القرط والقصيل، كان ذلك بتعد من المشتري أو بتوان منه. قال ابن القاسم: ويقوم ذلك حسب بقائه في اختلاف أزمنته. قال أصبغ: وإن تقارب في ذلك وفي الأكرية واللبن ينقطع والجوائح. محمد: مما لا يرغب فيه لدهر دون دهر بالأمر البين، فليحمل على أنه متفق كله في المحاسبة.
ومن العتبية: من سماع ابن القاسم: وقال في القصيل يباع فيتحبب، قال: يعدل بالفدادين ويقاس، فإن تحبب منه قدر الثلث أو الثلثين وضع بقدره، وليس ذلك بالقيمة، وإنما يقدر بالقياس والتحري، قيل: فإن بعضه أجود من بعض، قال: يقدر ذلك بقدر جودته ورداءته، وكذلك البلح يزهي بعضه.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في القصيل: يجاح، إن اشترى منه جزة واحدة فلا تقويم فيه، وإن اشترط خلفته، فإنه يقوم مثل ما ذكرنا في المقاثي وشبهها. يريد ابن القاسم: وكذلك ما تحبب في القصيل في تقويمه وحسابه.
قال ابن القاسم: ولو اشترى قصيلاً، فاستغلاه فتوانى في قصله، فليرفعه البائع إلى الإمام حتى يأمره بقصله، فإن تراخى ذلك حتى تحبب، فلا بيع بينهما. قال أصبغ: ولو قضى عليه بقصله ثم لم يقصله حتى تحبب أو تحبب وهما في الخصومة، فذلك سواء، وقد انتقض البيع.
[6/194]
***(1/190)
[6/195]
قال: وأما من ابتاع عصيرًا بعينه جزافًا فلم يقبضه حتى صار خمرًا، فالبيع لازم، ويهراق على المشتري.
وقال في الكتان وقد نبت واستقل ولم يتم حبه، وحبه للمبتاع، قال: كل ما لا يتم إلا بالسقي فلا خير فيه، قيل: إن هذا لا يسقى. قال آخر مثله يسقى، فلا يجبني حتى يشتد - يريد: ويتم حبه.
قال ابن حبيب: ويباع الورد والياسمين إذا بدا أوله وتفتحت أكمامه وظهر نوره، حل بيعه، وكان كل ما طلع منه تلك السنة تبعًأ له؛ لأنه يطلع شيئًا بعد شيء، وبطنًا بعد بطن، وكذلك التين أيضًا.
في بيع الأصول بثمرها والأرض بزرعها
وذكر الإبار في ذلك
وما لا يجوز من استثناء الثمر والزرع واشتراطه
وذكر السقي في الثمرة والمبيعة
ومن كتاب ابن المواز والواضحة: وكل ما لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه من تمر أو حب أو بقل، فإذا بيع مع أصله من شجر أو أرض جاز ذلك، إلا أن ما أبر منه لا يدخل في الصفقة إلا بشرط كما جاءت السنة. قال مالك: فإذا أبر أكثر الحائط فالثمرة للبائع، وإن أبر أقلها فهي كلها للمبتاع، وكذلك سائر الشجر، فإن أبر النصف، قال في الواضحة: أو قريبًا منه. فإن كان ما أبر على
[6/195]
***(1/191)
[6/196]
حدته، قال في الواضحة: في نخل دون نخل، فما أبر للبائع، وما لم يؤبر للمبتاع. وإن لم يكن ما أبر على حدته، قال في كتاب ابن المواز: لم يجز، إلا أن يكون ذلك للمشتري كله. وقال في الواضحة: إذا كان ذلك على ما في سائر النخل، فذلك سائغ للبائع.
وقال سحون في العتبية: قال ابن القاسم: إذا أبر نصفها، قيل للبائع: إما أن تسلم جميع الثمرة، وإلا فسخ البيع، وإن رضي المشتري التماسك بما لم يؤبر ورد ما أبر، لم يجز. وقال المغيرة في إبار الأقل والأكثر كقول مالك. وإن كان نصفين، فنصفها للبائع ونصفها للمشتري. وقال ابن دينار: إذا أبر النصف، فما أبر تبع لما لم يؤبر، وجميع ذلك للمبتاع.
قال في كتاب محمد: قال مالك: وإذا ألقحت الشجر الرمان والأعناب والفواكه، فذلك فيها كالإبار فيما يؤبر. واللقاح فيها أن يثمر الشجر فيسقط منها ما يسقط، ويثبت ما يثبت. وليس ذلك أن يورد. ولقاح القمح أن يسنبل ويتحبب. وهذا في المختصر، وروى عنه أشهب أيضًا: إذا طلع الزرع من الأرض فهو للبائع، وسقيه على من هو له. وكذلك قال في الواضحة، قال: وما كان حرثًا وبدرًا فهو للمبتاع.
قال ابن حبيب: وذلك كالطلع إذا لم يتلقح ويؤبر، وكالنوار في الشجر الذي لم يعقد، وكالتين الذي لم ينقد ولم يعقد. قال: وما كان غير النخل من الثمار قد
[6/196]
***(1/192)
[6/197]
أنقد واعتقد وتبين ثمره فهو للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، وإن شك فيه ولم يتبين إنقاده وعقده فهو للمبتاع، والإنقاد: اعتقاد الثمرة أول ما تعتقد، والإبار من النخل التذكير أول ما تعتقد.
قال: وإذا بيع ما لا يؤبر من النخل، فإن كان حين يقلح طلعه ويظهر إغريضه، وبلغ مبلغ الإبار في غيره، فتلك كالإبار، والثمرة للبائع، وإن لم تبلغ ذلك فهي للمبتاع، لا يجوز أن يستثنيها البائع.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن باع نخلاً مأبورة دون ثمرها، فالسقي عليه حتى يسلم الأص لمشتريه، وإن بيعت الأرض وفيها زرع قد نبت، أو قثاء، أو بطيخ، فالسقي على البائع.
وقال المخزومي في بائع النخل دون الثمر: إن السقي على مشتري الأصول.
قال مالك: ومن وهب ثمرة حائطه هذه السنة، فلا يبيع الأصل حتى يؤبر الثمرة، وبمتاع الأرض له شجرها، إلا أن يستثنيها البائع. ومبتاع الشجر له أرضها. وكذلك في الصدقة والهبة. وبعد هذا باب في الاستثناء من الثمرة وقال العبد ومن الصبرة، وفي البيوع الأول ذكر بيع حائط بحائط فيها ثمرة.
فيمن ابتاع ثمرًا أو حبًا على الجذ
ثم اشترى الأصل أو الأرض أو ابتاع الأصل
ثم اشترى الثمر أو الحب أو مال العبد بعد شرائه العبد
ومن ابتاع نخلاً مأبورة، فله شراء ثمرها بعد ذلك. واختلف فيه قول مالك، وفي شراء مال العبد بعد الصفقة. وروى أشهب عنه أنه لم يجزه في الثمرة، ولم
[6/197]
***(1/193)
[6/198]
يجزه في مال العبد. واختار ابن عبد الحكم أن لا يجوز فيهما. ولم يجزه المغيرة في الثمرة، ولا في مال العبد، إلا في صفقة واحدة، وبعد هذا في كتاب آخر في مال العبد وفي مأبور الثمر في شرائه واستثنائه فيه من مسائل هذا الباب.
وفي المدونة: فيمن باع أرضًا فيها زرع قد نبت، أن ظهوره من الأرض كالإبار. وروي عن مالك في غير المدونة أن إباره أن يتحبب، فيصير حينئذ للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع. وفي رواية ابن القاسم: ظهوره من الأرض إباره.
قال مالك: ومن اشترى زرعًا أو تمرًا قبل بدو صلاحه على القصل والجد، ثم اشترى الأرض أو الأصل، فله أن يقر ذلك. ولو عقد البيع الأول على أن يقره ثم اشترى الأصل، فالبيع الأول فاسد، يرد، ويثبت شراء الأصل. ثم إن شاء شراء ذلك قبل طيبه، فذلك له. وهكذا ذكر مثله كله في العتبية عن ابن القاسم، وزاد. قلت: فإن اشتراه على الفساد، ثم ورث الأصل من البائع، فلا بأس أن يقر ذلك.
ومن الواضحة: وإن اشترى ثمرة أو زرعًا قبل بدو صلاحه على القطع، ثم اشترى الأرض فأقره فيها، ثم استحقت الأرض قبل استحصاده، أو بعد، فإنه ينفسخ البيع في الثمرة وإن جدت، وفي الحب وإن حصد، كمن ابتاعه على الجد ثم أخره حتى طاب. ولو ابتاع الأرض بزرعها في صفقة، ثم استحقت الأرض خاصة قبل استحصاده، انفسخ فيه البيع، وإن كان بعد استحصاده أو
[6/198]
***(1/194)
[6/199]
حصاده، تم فيه البيع، وهو للمبتاع. وكذلك في الثمرة في استحقاق الأصل. وفي الجزء الذي بعد هذا باب في استثناء مال العبد ومأبور الثمر، وشراء ذلك بعد الصفقة.
باب العرية وشراء ثمرها وسقيها وزكاتها وحيازتها
قال ابن حبيب: والعرايا فيما ييبس ويدخر، وفيما لا ييبس، مثل الأترنج والتفاح والسفرجل وشبهه، وثمر البحائر، إلا أن ما يدخر منها يشترى بخرصه، وما لا يدخر لا يشترى بخرصه رطبًا، كما لا يجوز شراء ما يدخر منها بخرصه رطبًا, وكذلك إن اعراه من نخل لا يثمر أو عنب لا يتزبب، ولا يشتريه بخرصه تمرًا أو زبيبًا، نقدًا ولا إلى الجداذ، ويجوز شراء ذلك كله بعين أو عرض.
ومن كتاب محمد: وإنما تشترى ما أعريت بخرصه إلى الجداذ، ما كان له جداذ، وما كان ييبس كالتمر والزبيب والتين والزيتون واللوز والجوز والفستق والصنوبر، فأما ما لا يدخر فلا تشتريه إلا بعين أو عرض، لا بالخرص، وقد كان من قول مالك: لا يشترى مما أعري بخرصه إلا العنب والنخل.
قال أشهب: ويشترى الزيتون بخرصه إلى القطف، إذا كان ييبس ويدخر.
قال أبو الفرج، عن مالك: لا يشترى من العرايا بخرصها إلا أقل من خمسة أوسق، شك داود في خمسة أوسق.
[6/199]
***(1/195)
[6/200]
ومن كتاب محمد: ولا تباع العرية بخرصها نقدًا. قال أصبغ: ويفسخ إن نزل حتى بانتفاء فيها ما يحمل. وإن فاتت رطبه، رد مثلها إن وجد، وإلا فقيمتها.
قال أصبغ: وإذا اشترى ما أعرى من رطب الفاكهة وقد أزهت بخرصها ويدفعها من غيرها نقدًا وإلى تناهيها لم يصلح ذلك، فإن لم يفت ذلك رد. وإن قبض وفات أنفد ولم يرد، وكأنها هي، ضمنها له إلى أخذها. وكذلك في كل عرية ما كانت، فتدخلها رخصة العرية ورفقها، ولو أجيزت بديًا بغير كراهية لم أره خطأ، وإن كنت أتقيه. ولو فسخه فاسخ لم أعبه ولرأيته صوابًا.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: لا يجوز للمعري شراء بعض عريته كانت خمسة أوسق أو أقل أو أكثر، ولا أعلم مالكًا قاله. وأنكر قول ابن القاسم وإن كانت أكثر من خمسة أوسق فليشترها بعين أو عرض أو طعام يخالفها نقدًا. ومن دارت إليه العرية بإرث أو هبة أو بيع، فللمعري شراؤها يخرصها، ولوارثه ولمن دار الأصل إليه ببيع أو هبة ما كان ذلك للمعري من ذلك إذا كان اشتراها بخرصها تمرًا إلى الجداذ فله أن يعطيها من حائط غيره. ولا يشترط ذلك في شرائه، ولكن مضمونًا، وإن تطوع له بتعجيل خرصها قبل الجداذ من غير شرط فذلك جائز. ومن أعرى نفرًا فله أن يشتري من بعضهم إن كانت مصابته خمسة أوسق فأدنى.
[6/200]
***(1/196)
[6/201]
قال في كتاب ابن المواز: ومن أعرى نفرًا: هذا وسقين، وهذا مثل ذلك، حتى أعرى جماعة أكثر من خمسة أوسق، فله شراء جميعه بالخرص، وقد وقف عنه مالك، ثم أجازه.
ومن الواضحة: وإذا أعرى نفر لرجل، فابن الماجشون لا يجيز لواحد منهم شراء عريته منه دون شركائه؛ لأن المعرى يدخل الحائط لبعض جده، فلم يدفع مشتري ذلك ضرر دخوله، فصار كشراء بعض العرية من رجل. وأجاز ابن القاسم لبعضهم شراء عريته منه.
ومن كتاب ابن المواز: واختلف في زكاة العرية، فقيل على المعرى، وقيل على رب الحائط، وقاله ابن حبيب. قال ابن المواز: ولم يختلفوا أن السقي فيها على رب الحائط.
قال سحنون: إن كانت العرية والهبة بيد المعطي، يسقي ذلك ويقوم عليه، فالزكاة عليه، وإن كانت بيد المعرى والموهوب، يقوم عليها، فالزكاة عليه.
قال أشهب: زكاة العرية على المعرى كالهبة، إلا أن يعريه بعد الزهو. وما روي عن مالك أنها على رب الحائط، خطرة رمى بها.
قال أبو الفرج: ومن أعرى خمسة أوسق من حائط يعبر عنه، فأجيح الحائط إلا مقدار خمسة أوسق، كانت الخمسة أوسق للمعرى، قياسًا على قول
[6/201]
***(1/197)
[6/202]
مالك في من حبس على قوم حائطًا، وعلى قوم خمسة أوسق منه، فأجيح الحائط إلا مقدار خمسة أوسق، أن أصحاب الخمسة أوسق مقدمون على من سواهم.
قال ابن حبيب: الزكاة والسقي على المعري، أعراه الحائط أو بعضه أو نخلات بعينها. قال: وسواء سماها عرية أو هبة، فلها حكم العرايا في ذلك وفي شرائها بخرصها. وأنكر قول ابن القاسم في التفرقة بين الهبة والعرية؛ لأن الهبة هي ترجمة العرية، ولا يفرق اللفظ بين ذلك.
قال: وحيازة العرية بوجهين: قبض الأصول، وأن يطلع فيها ثمر قبل موت المعري. وإن قبضها ولم يطلع فيها ثمر حتى مات المعري، بطلت. وإن طلع الثمر ولم تقبض الشجر حتى مات المعري، بطلت، قاله مالك.
وقال أشهب في كتاب محمد: إن مات بعد الإبار، فهو حوز لأن المعطى يدحل ويخرج ولا يمنع، وكمن وهب أرضًا بصحراء، فحوزها أن تسلم إليه، وإن مات ربها قبل أن تؤبر، فلا شيء للمعرى، إلا أن تكون العرية مما يسلم إلى المعرى، فتحاز، فإنه إن لم يحزه حتى مات ربه، فلا شيء له، وإن حازه جاز ذلك، وإن لم تؤبر.
قال ابن حبيب: وابيح في العمرى في الدار، والمنحة في الحلوبة، والخدمة في العبد، شراء ذلك بما يجوز، من عين، أو عرض للمعطي دون الأجنبي، ووجه حيازة ذلك حوز الرقاب، وأن يصير اللبن في الحلوبة قبل موت المانح، كما قلنا في العرية في اجتماع الوجهين. وأما في الدار والعبد، فالقبض لهما حيازة.
[6/202]
***(1/198)
[6/203]
في وضع الجوائح فيما يبتاع من ثمر أو حب
قال ابن حبيب وغيره: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح. وفي بعض الحديث: توقيت الثلث.
قال غيره: ولو لم يأت توقيت الثلث، واستحال وضع ما لا بال له، إذ لا بد من سقوط شيء منها انبغى أن يوضع ما له بال. والثلث عدل مما له بال. وحد فيما بين القلة والكثرة في الأصول.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ويقضى بوضع الجائحة، ولا ينتفع البائع بشرط البراء من الجائحة.
قال في المختصر: ولا ينجي البائع من الجائحة أن يدعو إلى الإقالة أو يغلو الثمر فيربح المبتاع.
ومن كتاب محمد، ومن الواضحة، قال ابن حبيب: وهي في ضمان البائع لما بقي فيها من الاستيضاع والمصلحة، كما يكون في ضمانه ما بقي فيه الكيل والوزن فيما بيع على ذلك.
قال ابن حبيب: فوضع الجوائح على ثلاثة أوجه: فوجه يوضع فيه قليل ذلك وكثيره، وذلك في الخضر من جميع البقول وما ناسبها، فيوضع ذلك فيها وإن قل، إلا التافه الذي لا باله له، فلا يوضع. قال ابن المواز: واختلف فيها
[6/203]
***(1/199)
[6/204]
عن مالك، وقال علي بن زياد عن مالك في المدونة: إنه لا يوضع فيها إلا ما بلغ الثلث.
قال ابن حبيب: والوجه الثاني ما يجنى بطنًا بعد بطن من البحائر والموز والرياحين من الورد والياسمين والخيري وشبهه، وما لا يدخر من الفواكه من الخوخ، والفرسك، والكمثرى، والسفرجل، والأترنج، والرمان، والقراسي، وما لا يدخر من التين وهو أول بطن منه، فهذه الأشياء إنما تطيب شيئًا بعد شيء، وتجنى بطنًا بعد بطن، فهذا يقوم ما جنى وما أجيح وما بقي ينتظر فيجمع. فما وقع للمجاح من تلك القيم وضع مثله من الثمن كان عشر الثمن أو تسعة أعشاره إذا كان ذلك من الثمرة في التقدير ثلث جميعها فأكثر، وكذلك قال في كتاب ابن المواز في كل ما لا يدخر ولا يحبس أوله على آخره كالمقائي والموز والورد والرمان وشبهه، ويقوم بقدر نفاقه في اختلاف أزمنته. قال أصبغ: فإن تقارب ذلك، حمل على أنه متفق كله. وقال أشهب: إنما يراعى ما بلغ ثلث الثمن في ذلك فهو جائحة، وإلا لم يره جائحة، وإن بلغ ثلث الثمرة. قال ابن المواز: وقول مالك وابن القاسم وابن عبد الحكم وعبد الملك: إنما يراعى ثلث الثمرة، لا ثلث الثمن في هذا.
قال ابن حبيب: والوجه الثالث مثل ما ييبس ويدخر من الثمار من نخل وعنب وتين مدخر وزيتون ولوز وجوز وجلوز وفستق، فإذا أجيح ثلثه فأكثر، وضع بقدره من الثمن لا تقويم فيه. اشتري ذلك وقد حل بيعه، أو بلحًا، على أن يجذ، ثم أجيح. قال ابن المواز: فأما التين، فقال مالك فيه: يسأل عنه؛ لأنه مما يدخر ويطعم بطنًا بعد بطنج وقد كان جعله مثل القرط والقضب يشترط خلفته وكالمقاثي، وهذا أحب إلينا.
[6/204]
***(1/200)
[6/205]
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: والزيتون كالنخل والعنب في ذلك. قال ابن المواز وابن حبيب: وكذلك ما اشتري جزة واحدة من قضب وقرط وقصيل، فأما إن اشترى منه جززًا أو شيئًا وخلفته، فكالمقاثي والورد وشبهه، ينظر، فإن كان البطن المجاح قدر ثلث النبات في النبات وضع عنه من الثمن بقدره في التقويم. وقال أشهب: إنما أنظر إلى قيمة المجاح لا إلى كيله، فما بلغ ثلث الثمرة فهو جائحة. قال: وذلك في المقثاة وغيرها، لا ينظر إلى ثلث النبات.
قال: وإذا اشترى ثمرة حائط فيه اصناف من الثمر، فيجاح صنف منها، فلينظر إلى قيمته من قيمة الأصناف، فإن كان ثلث قيمة الجميعز وضع عنه. وقال أصبغ: إذا كانت متفاوتة غير متقاربة وكذلك الحائط فيه أصناف من نخل وكرم ورمان وخوخ أو حوائط في صفقة، حائط نخل، وحائط رمان وحائط كرم، فيجاح صنف منها فينظر إلى قيمته من قيمة جميع الأصناف، فإن كان ثلث الجميع وضع عنه.
قال محمد: وهذا خلاف مالك ومن ذكرنا من أصحابه، والذي نأخذ به إن كان الحائط تمرًا كله أو كرمًا كله، إلا أنه اصناف منه، فلينظر إلى الثلث فأكثر في المقدار فيكون جائحة. يريد محمد: فيحط ما قابل ذلك الصنف منه من الثمن بالقيمة.
قال أصبغ في موضع آخر: إنما استعمل قول أشهب في أصناف من الفاكهة في صفقة، يجاح صنف منها، فينظر في ذلك إلى القيمة، لا إلى المقدار. وإن أجيح بعض صنف منها، وهي أصناف، نخل، وكرم، ورمان، وغيره،
[6/205]
***(1/201)
[6/206]
فالقياس أن ينظر، فإن كان جميع ذلك الصنف لا يبلغ قيمة ثلث قيمة الجميع، فلا جائحة فيه، سواء أجيح كله أو بعضه، وإن بلغ ثلث القيمة، نظر ما أجيح منه، فإن كان قدر ثلث ثمرته، وضع قدر ثلث قيمة ذلك، يريد من الثمن، وإن كان أقل من ثلث ثمرته، لم يوضع منه شيء.
وهو كقول ابن القاسم فيمن اكترى دارًا مع ثمرة فيها قد طابت. محمد: وقال أصبغ بخلاف ذلك. يريد محمد: ما استحسن أولاً أصبغ. وقال: إن كان المجاح ثلث القيمة، وضع، ولم يراع ثلث الثمرة ورواه عن ابن القاسم، قال: وقاله أشهب وابن عبد الحكم، وراعى في النخيل المختلفة مبلغ ثلث الثمرة. قال ابن حبيب في أصناف من الثمر تباع في صفقة واحدة، بعضها أبرع في الثمن من بعض كالصيحاني والبرني والعجوة، فأجيح صنف منها، فإن كان قدر ثلث جميع الأصناف في الثمرة، فإنه يوضع بقدر ما يصيبه بالتقويم في تفاضله، وكذلك في أصناف التين واصناف العنب وغيره مما ييبس ويدخر، وهو أجناس، هذا قول مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ.
وكان ابن القاسم لا يفرق بين ما تفاضلت قيمته في ذلك من النوع الواحد ويقول قولاً مجملاً: إذا بلغت الجائحة ثلث الثمرة كلها وضع عنه، رجع بثلث الثمن بلا تقويم، والذي قاله ابن حبيب عنه شيء تأوله عليه، وهو قد غلط في تأويله لأن هذا الذي حكاه بعيد من مذهب ابن القاسم.
[6/206]
***(1/202)
[6/207]
قال ابن حبيب: وإن كان الزيتون أجناسًا، فكما قلنا في أجناس التمر وغيره، وما ذكرنا فيه من الاختلاف. وإن كان جنسًا واحدًا، فلا تقويم فيه. قال: وإذا بلغ منتهى يمكن فيه جمعه كله، فلا جائحة فيه، مثل ما ييبس من الثمر.
قال: ومن قول مالك في من ابتاع بستانًا، فيه تمر وتين وعنب ورمان وغيره، وقد حل بيع كل صنف منه، وهو في موضع واحد، أو افترقت أماكنه، وجمعته الصفقة، فأجيح صنف منها كله أو بعضه، فإن جائحة كل ثمرة منها على حدة لا تضم إلى غيرها، فإذا بلغت ثلث ذلك النوع حط عنه ثلث حصته من الثمن بالقيمة.
ومن كتاب ابن المواز، والمختصر، والعتبية، قال مالك: ومن اشترى حوائط فأجيح أحدها، فإن كان ذلك في صفقات شتى روعي بالحائجة ثلث كل صفقة، وإن جمعتهم صفقة، فلا وضيعة حتى يكون المجاح قدر ثلث جميع الحوائط.
ومن العتبية، قال سحنون: قال ابن القاسم: في الفحل والإسفنارية والورد والياسمين وشبهه والعصفر وقصب السكر أن ذلك في الجائحة سواء، لا يوضع حتى تبلغ الثلث. قال: وهو تجوز فيه المساقاة، فكل ما جازت فيه فالجائحة فيه موضوعة، إذا بلغ الثلث، إلا الموز، فإن المساقاة لا تجوز فيه، ولا توضع فيه الجائحة حتى تبلغ الثلث.
[6/207]
***(1/203)
[6/208]
قال: وأما الزعفران والريحان والبقل والقرط والقضب وقصب السكر، فإن الجوائح توضع في قليله وكثيره، ولا تصلح فيه المساقاة، وأما الكمون فتجوز فيه المساقاة كالزرع، وإنما يراد حبه لا شجره.
وأما الموز والمقاثي والباذنجان، فهي ثمار، فلا توضع فيها الجائحة حتى تبلغ الثلث.
وما بيع أخضر من فول وجلبان وما يشبهه، فلا يوضع فيه حتى يبلغ الثلث، ويرد إلى أصله، هكذا في العتبية قول مختلف في قصب السكر.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وكل ما بيع قبل طيبه على أن يجد من البلح والحصرم والجوز والتين والقطاني وغيرها، والفواكه، ففيه الجائحة إذا بلغ الثلث.
وقال ابن القاسم: لا جائحة في قصب السكر. وقال ابن عبد الحكم: فيه الجائحة، وقاله أصبغ.
قال أصبغ: قيل لابن القاسم: أفيه جائحة؟ قال: لا، هو لا يباع حتى يتم. قيل: فإن تم ما بيع، أتوضع فيه الجائحة؟ قال: عسى به. وكأنه لم يوجبها. وقال بعد ذلك: لا جائحة فيه، والأول أحب إليَّ.
قال ابن عبد الحكم: وإنه إنما يقطع شيئًا بعد شيء، بخلاف الزرع.
ومن الواضحة قال: ومن قول مالك: إن في قصب السكر الجائحة، وإن بيع بعدما يطيب؛ لأنه يتأخر قطعه لما يزيد من استنضاج وحلاوة، كمدخر
[6/208]
***(1/204)
[6/209]
التمر، فإذا بلغ الثلث، وضع فيه بلا تقويم، كالقصيل تباع منه جزة واحدة، إلا أن يكون القصب متفاضلاً، بعضه أعظم من بعض وأفخر، فيقوم كأصناف التمر يجاح صنف منه. قال: وجائحة القصب غير الحلو كجائحة الحلو؛ لأنه يجوز بيعه إذا بلغ مبلغ الانتفاع به أو ببعضه، كالبقل، ثم يستأخر جمعه ليزداد ريا وعظمًا، فإذا بلغ تمامه انقطعت الجائحة فيه كيبس الثمرة.
قال: وجائحة ورق التوت الذي يباع ليجمع أخضر لعلف دود الحرير كجائحة البلح وشبهه، الثلث فصاعدًا، وليس كالبقل. وروى أبو زيد في ورق التوت عن ابن القاسم في العتبية أنه كالبقل يوضع ما قل منه وكثر.
ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب: في المقاثي توضع الجائحة فيما قل منها وكثر كالبقل. قال أصبغ: وهذا خلاف مالك وأصحابه، وليس بشيء.
مالك: ومن اشترى عريته بخرصها ففيها الجائحة كغيره. وقاله ابن القاسم وابن وهب. وقال أشهب: لا جائحة فيها. وفي الواضحة مثل قول مالك.
وروى أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم في من نكح بثمرة أنه لا جائحة فيها، والمصيبة من المرأة. وقال ابن الماجشون: بل توضع فيها الجائحة كالبيع. ومن الواضحة، وفي كتاب محمد نحوه.
قال: ولا جائحة فيما بيع بعد يبسه من جميع الثمار، أو بيع قبل يبسه فأجيح بعد يبسه، ولا فيما بيع بأصله، كان تبعًا للأصل، أو الأصل تبعًا له، أبر أو لم يؤبر، طاب أو لم يطب، وهذا قول مالك.
[6/209]
***(1/205)
[6/210]
قال ابن حبيب: إلا أن أصبغ قال: إلا فيما يعظم خطره من الثمرة ففيها الجائحة بعد أن يقيض الثمن على الأصل وعلى الثمرة، لأنه زيد من أجلها في الثمرة زيادة عظيمة. وأما كل ثمرة لا يعظم قدرها، فلا جائحة فيها مع الأصل. وقال في كتاب ابن المواز: إن ذلك كله تبع، ولا حصة له من الثمن، كمال العبد، ولا جائحة فيه.
ومن العتبية: روى سحنون عن ابن القاسم في من ابتاع زرعًا بعد طيبه ويبسه بثمن فاسد، فأصابته عاهة قبل أن يحصده فمصيبته من المشتري، وهو قابض له، بخلاف مشتريه قبل بدو صلاحه على أن يتركه، فيصاب هذا بعد يبسه، فمصيبته من البائع؛ لأنه لم يكن المبتاع قبض ما اشترى حتى يحصده، يريد لفساد البيع، ولو كان البيع صحيحًا لم ييبس، لم تكن فيه جائحة.
قال ابن القاسم عن مالك في من اشترى ثمرة، فأجيح، فطلب الوضيعة، فقال له رب الحائط: أنا أقيلك ولا أضع عنك. قال: يلزمه أن يضع عنه، دعاه إلى الإقالة أو إلى ربح في بقية الثمرة، إذ لو حبس أكثر من ذلك لم يرجع بشيء، فوضيعة الجائحة له ثابتة.
قال ابن حبيب: ومن قول مالك: إن كل ثمرة اشترطت في كراء دار أو أرض، وهي تبع، فلا جائحة فيها، أبرت أو لم تؤبر، طابت أو لم تطب، يبست أو لم تيبس، فإن لم تكن تبعًا، لم يجز اشتراطها، إلا أن تطيب، ثم تكون فيها
[6/210]
***(1/206)
[6/211]
الجائحة، وإن كانت مثل نصف الصفقة أو ثلثها، ففي ذلك الجزء تكون الجائحة، إن بلغت ثلثه فأكثر، وكذلك في كتاب ابن المواز. وقال: وكذلك الأرض فيها شجر يشترط.
قال ابن القاسم: ومن اشترى رقاب النخل دون الثمرة، ثم اشترى الثمرة بعدها، فإن كانت مزهية، ففيها الجائحة، وإن لم تزه، فلا جائحة فيها، وكذلك روى عنه أبو زيد في العتبية.
قال ابن المواز في من اشترى الأصول ثم الثمرة بعد ذلك، فقال ابن القاسم في الأسدية: لا جائحة فيها، وكذلك روى عنه يحيى بن يحيى، قال: وإن اشترى الثمرة - يريد: مزهية - ثم الأصل بعدها، ففيها الجائحة.
قال سحنون: هو إذا باع الأصل، ثم باع الثمرة، لم يكن على البائع سقي. ولو باع الثمرة وحدها، كان عليه السقي، يحتج بهذا في الجائحة. يريد سحنون أن مشتريها بعد الأصول يصير كالقابض، إذ لم يبق له على البائع سقي ينتظره منه فتسقط الجائحة فيها.
ومن العتبية: قال أصبغ: قال ابن القاسم: من ابتاع نصف ثمرة الحائط أو ثلثها، فأجيح أقل من الثلث، فذلك عليها، ولا يوضع من الثمن شيء. وإن بلغ الثلث، وضع عنه ثلث الثمن، وإن أجيح النصف، وضع عنه النصف، ولو كانت صبرة ابتاع نصفها، فالمصيبة منهما، ولا جائحة فيها.
ومن كتاب محمد، قال مالط: ومن باع ثمرة واستثنى منها آصعًا أو أوسقًا قدر الثلث فأقل، فإن أجيح منها قدر الثلث فأكثر، وضع بقدره مما استثنى
[6/211]
***(1/207)
[6/212]
البائع. رواه ابن القاسم، وأشهب، وعبد الله. وإن أجيح أقل من الثلث، أخذ البائع مما سلم جميع ما استثنى. وروى عنه ابن وهب أنه يأخذ ذلك الذي استثنى كاملاً، أجيح ثلثها أو أكثر أو أقل. ولا جائحة على البائع حتى يستثنى جزءًا شائعًا. وقال به ابن عبد الحكم، وقال بالأول ابن القاسم وأصبغ. وما استثنى، فكالثمن.
ومن الواضحة: ومن باع ثمر حائطه وقد يبس، واستثنى منه كيلاً ما يجوز له، فأجيح قدر ثلثها فأكثر، فلا يوضع عنه من الثمن ولا من الكيل المستثنى، كالصبرة. وإن أجيح منها جميع الثمرة، سقط عن المبتاع ما استثنى البائع وتكون، والمصيبة منهما جميعًا.
ذكر ما يُعد من الحوادث جائحة ومن شرط رفع الجائحة
من كتاب ابن المواز، قال مالك في الثمرة يصيبها الجيش: إنه جائحة.
قال ابن القاسم: والسارق جائحة. ولم ير أصبغ أن السارق جائحة، وقال: إنما الجائحة ما لو علم، لم يقدر على دفعه. وهو قول ابن نافع في المدونة. قال ابن حبيب: ولم ير مطرف وابن الماجشون الجيش وغلبة اللصوص جائحة. وقال ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ: إن ذلك جائحة، وبه أقول، وهو قول عطاء، والأول قول سهل بن أبي حتمة.
[6/212]
***(1/208)
[6/213]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في الثمرة يصيبها غبار وتراب حتى تبيض وتصير ملحًا وتتفتت: إنه جائحة. وإن أصابها ريح كسر أصول النخل، فهو جائحة.
قال مالك: وما جاء من فساد الثمرة من قبل العطش وضع قليله وكثيره في جميع الثمار. قال ابن القاسم: وإن كان يشرب بمطر أو عيون. وكذلك قال مالك في الواضحة.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: عفن الثمرة جائحة. والفغا - وهو يبس الثمرة - جائحة. تقول: أفغت، إذا يبست. ومن اليبس أيضًا القشام، تقول: استقشمت. ومنه الجرس، والترز: ضمران الثمرة. والشريان تساقطها. والشمرخة إذا لم يجد في الشمراخ الماء لم تطب ولم ترطب حسًا. وكل أمر غالب من مطر وسيل وبرد وطير وجراد وسموم ونار وريح. وقاله مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ.
[6/213]
***(1/209)
[6/214]
ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن باع ماء يوم من عين، فنقص ماء ذلك اليوم ثدر الثلث، وضع عنه. وقال ابن القاسم فيه: إنه يوضع قليله وكثيره إلا ما لا يضره كالبعل.
قال مالك: ومن باع ثمرة وشرط البراءة من الجائحة، لم ينفعه ذلك وقضي عليه بها. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم.
تم الكتاب بحمد الله وعونه
وصلى الله على محمد نبيه وسلم
[6/214]
***(1/210)
[6/215]
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
الجزء الأول من كتاب أقضية البيوع
في عهدة الرقيق في الثلاث والسنة
من كتاب محمد، قال مالك، في عهدة الثلاث والسنة في الرقيق: إنما ذلك بالمدينة وأعراضها الذين جروا عليها، فبيعهم أبدًا على العهدة، حتى تشترط البراءة، ولا تلزم بغيرها من البلدان إلا أن تشترط. ولا براءة أيضًا أبدًا حتى تشترط البراءة، ولا براءة أيضًا إلا بشرط.
قال ابن القاسم: وإذا كتب في الشراء من غير بلد العهدة، وله عهدة المسلمين، لم ينفعه ذلك، إذا لم تجر فيهم. قال محمد: ومن يعرفها، فيبيع عليها لزمته.
[6/215]
***(1/211)
[6/216]
قال ابن حبيب: قال المصريون من أصحاب مالك: لا تلزم عهدة الثلاث أهل بلد حتى يحملهم السلطان عليها. وقال المدنيون منهم: يقضى بها بكل بلد وإن لم يعرفوها ولا جرت فيهم، وعلى الإمام أن يجريها، وليحكم بها على من عرفها أو جهلها قبل التقدم بها وبعده، ورووه عن مالك.
ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك وسئل: أيحمل أهل الآفاق على عهدة الثلاث والسنة؟ قال: يتركون على عادتهم، مثل بيع البراءة عندنا، ولا يعمل بها أهل مكة. وأما المواضعة فليحملوا عليها.
وفي سماع ابن القاسم: أرى أن يحمل الناس على العهدة. وقال: وددت ذلك، ولكن لا يعملون بها.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، عن مالك، في من باع نصف النهار، فليلغ بقية يومه، وليأتنف ثلاثًا بعده. قال: وتؤتنف عهدة السنة بعد الثلاث، وبعد الاستبراء، والثلاث داخلة في الاستبراء، وكذلك روى عنه أشهب وابن القاسم في العتبية. محمد: فقال ابن الماجشون: يدخل في السنة الثلاث والاستبراء.
قال ابن حبيب عن مالك: والسنة من يوم عقد البيع.
[6/216]
***(1/212)
[6/217]
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، أن عهدة الثلاث في بيع الخيار مؤتنفة بعد أيام الخيار. قال محمد: وليس في ذات الاستبراء عهدة الثلاث، إلا أن تحيض من يومها حيضة بينة، فيحسب فيها بقية الثلاث.
قال ابن حبيب: وفي المبيعة في أول دمها عهدة الثلاث، كانت لا استبراء فيها إلا أبعد منها.
في النقد والنفقة في العهدة والاستبراء
وما يحدث في الثلاث، وذكر إباق العبد
وذهاب ماله ونمائه في الثلاث
من كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز النقد في الثلاث بشرط، ولا في الاستبراء. ابن حبيب: لأن الضمان من البائع بعد. قال مالك: والنفقة فيه على البائع. محمد: قال مالك: وإذا تشاحا في النقد في الثلاث والمواضعة، حبس بيد أمين، ثم مصيبته ممن يصير له. وكذلك ذكر ابن عبدوس، وابن حبيب.
قال مالك في العتبية: ليس على المبتاع إيقاف الثمن، إلا أن يتطوع.
ومن كتاب ابن المواز: كل ما أصاب العبد في الثلاث، فمن البائع، والمبتاع مخير، إلا أن يذهب عنه، وكذلك إن أصابه عمى، أو عمش، أو
[6/217]
***(1/213)
[6/218]
بياض بعينه، وما ذهب قبل الثلاث، فلا رد له. قال أشهب: أما الحمى، فلا يعلم ذهابها وليتأن به، فإن عاودته بالقرب رده، وإن كان بعد الثلاث؛ لأن برءه فيها.
ومن العتبية: من سماع عيسى، عن ابن القاسم: وما أحدث العبد في الثلاث، من زنى، أو سرقة، أو شرب خمر. قال ابن حبيب: أو إباق، فللمبتاع رده بذلك، وكذلك الأمة في المواضعة. قال ابن حبيب: إلا أن يكون تبرأ من مثل ذلك فيهما. قال: وقاله كله ابن الماجشون، وأصبغ وابن القاسم، وفرق بين الإباق والسرقة، وبين الزنا وشرب الخمر فيهما فلا يعجبني.
قال عيسى، عن ابن القاسم: وما نما للعبد في ماله في الثلاث، وقد اشترط ماله، فنما بربح، أو هبة، أو وصية، فذلك للمبتاع، وإن لم يبع بماله، فذلك للبائع. قال عنه يحيى بن يحيى: وإن ذهب ماله في الثلاث، قال ابن المواز، وابن حبيب: وقد اشترطه المبتاع. قال ابن حبيب: وهو عين، أو عرض، أو حيوان، قالوا: فلا رد له بذلك. قال ابن حبيب: وقاله مالك وأصحابه.
ومن كتاب ابن المواز: وإن أبق العبد في الثلاث، وقد تبرأ منه، في الإباق، فابن القاسم يراه من المبتاع، حتى يعلم أنه هلك في الثلاث، وكذلك كل ما أصابه من كسر، أو عور، ثم وجده، فذلك من المبتاع حتى يعلم أنه أصابه
[6/218]
***(1/214)
[6/219]
ذلك في الثلاث، وهذه رواية ابن القاسم، عن مالك في العتبية، وروى أشهب، عن مالك في العتبية، وفي كتاب ابن المواز، أن ذلك كله من البائع حتى يعلم أنه خرج من الثلاث سالمًا، ويرد الثمن إن أبق، ولكن بعد ن يضرب في ذلك أجل حتى يتبين أمره، فإن وجده مثل رد الثمن، فهو للمبتاع، وإن وجده بعد رد الثمن، فهو للبائع؛ لأنه بيع قد انتقض. قال عيسى، عن ابن القاسم: وإن لم يبرأ من الإباق فهو من البائع، مات في إباقه أو لم يمت.
ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنون عن الرأس يصيبه في اليوم الثاني حمى، فلم يرفقه إلى الحاكم أو ترافقا، فلم يجداه، ثم أتيا في اليوم الثالث وقد زالت الحمى، وهما مقران بذلك، وقال المبتاع: لا آمن أن تعود. قال: فله رده، ولو كان ابتاعه جماعة، فأقر اثنان منهم أنه حم في اليوم الثاني، فأنكر ذلك الثالث، فشهادة الاثنين جائزة على الثالث، إذا لم يجز بشهادتهما منفعة، لكراهيتهم لشركة المشتري معهم.
[6/219]
***(1/215)
[6/220]
في العهدة فيما أسلم فيه، أو نكح به، أو أقيل منه، أو رد بعيب، أو وهب،
ومن ابتاع زوجته، هل فيها عهدة أو مواضعة أو قيام بحمل؟
من كتاب ابن المواز: قيل لمالك فيمن أسلم في عبد، فقبضه، أفيه عهدة الثلاث؟ قال: نعم. قال محمد: لا عهدة فيه، وإن كان ببلد العهدة، إلا أن يشترطها، وأما إن كانت أمة، ففيها الاستبراء.
وقال ابن القاسم: إذا قبض عبدًا من سلم، فأصابه في السنة جذام، فلا عهدة فيه، إنما ذلك في البيع. قال مالك: في العبد المنكح به، العهدة. وقال أيضًا: لا عهدة فيه.
قال ابن حبيب: والعهدة فيما أسلم فيه من الرقيق إذا قبض، كذلك سمعت أهل العلم، ولا عهدة في سلف الرقيق، ولا في غقالة منها في البيع.
ومن العتبية قال أشهب، عن مالك: ومن رد عبدًا أو أمة بعيب بعد أن أقاما عنده، فلا عهده فيهما، إلا أن الأمة إن كانت رائعة ترقبت فيها الحيضة، وإن كانت وخشًا، فهي بالرد، والعبد من البائع، ولو ماتت الرائعة، أو تلفت في ترقبنا بها الحيضة، كانت من البائع، وكذلك إن كان وطئها المبتاع؛ لأنا
[6/220]
***(1/216)
[6/221]
إنما أوقفناها لاختبار الحمل، فإن كانت غير حامل، فهي من البائع، وإن كانت حاملاً، لزمت المبتاع، ورجع بقيمة العيب.
ومن كتاب ابن المواز: ومن اشترى زوجته بعد البراءة وبعهدة الإسلام، ففيها العهدة، ولا استبراء فيها، ولا مواضعة، ولا يضمنها البائع إلا في العهدة، فإن نزل بها فيها ما ترد به وردها وقد ثبت، فسخ النكاح، وإن ظهر بها حمل لم يردها ورجع بقيمة عين الحمل. ولا يحل للمشترى أختها قبل تناهي العهدة إلا بتحريم يحدثها فيها بلا عهدة ولا استبراء يعني المشتري. قال محمد: لأنه شرط بيع الإسلام ورفع البراءة. هكذا الأمر. والمبتاع لا يمكنه فيها بيع وهي حامل منه، فلا معنى لذكره العهدة والاستبراء. ابن القاسم: وليس بيع الخيار فيها بيعًا أفسخ به النكاح وأحل به الأخت وأعتق به على ذي القرابة؛ لأنه إنما يقع البيع بعد تمام أيام الخيار.
وقال سحنون في العتبية: ليس في المعتدة وذات الزوج مواضعة، ولا الحمل فيها عيب، إلا أنه لم يذكر في السؤال شرط العهدة، ووقع الموارثة.
[6/221]
***(1/217)
[6/222]
في عتق أحد المتبايعين في العهدة والاستبراء
وفي العبد يعتق ثم يتجذم في السنة
من كتاب ابن المواز: وإذا أعتق المبتاع العبد المبيع في عهدة الثلاث، أو حنث فيه بعتق، نفذ فيه، وعليه أن يعجل الثمن، ويسقط بقية العهدة ولا يجوز فيه للبائع عتق وإن لزمه ضمان بعتق؛ لأنه ليس له إسقاط العهدة، وذلك للمبتاع.
وإذا أعتق أحد المتابعين الأمة في الاستبراء من وطء البائع، لم يعجل عتقه حتى تحيض، كما ليس له تعجيلها وترك الاستبراء، إلا أن يكون الاستبراء من غير وطء السيد، فينفذ عتقه ويتعجلها.
ولو أعتقها البائع والمبتاع، أو حنثا فيها بعتق، والاستبراء من وطء البائع تربصنا بها، فإن ظهر بها حمل، عتقت عليه، وإن حاضت، عتقت على المبتاع، ولو حدث بها عيب، لم يكن له تعجيل ردها للعتق، فإن كان الاستبراء من غير وطء للبائع، عجلنا عتق المبتاع فيها، ثم إن ظهر بها حمل عتقت عليه، ويرجع بقيمة عيب الحمل؛ لأنه لو ظهر بها عيب أو حمل، ولم يكن عتق، كان له الرضا به، وتعجيل قبضها.
قال ابن القاسم: وإن ابتاع عبدًا فأعتقه، أو أمة فأحبلها، ثم ظهر بها في السنة جنون، أو جذام، أو برص، فلا يرجع بشيء، وما أحدث من ذلك،
[6/222]
***(1/218)
[6/223]
فكالرضا بترك العهدة. وقال أصبغ: له الرجوع بقيمة العيب؛ لأنه كعيب كان عند البائع، وكذلك لو أعتق في عهدة الثلاث، فليس ذلك بقطع لها، فإن أصابه فيها ما يرد بمثله، رجع بأرشه على البائع، وكذلك في العتبية قول ابن القاسم هذا، وقول أصبغ، وقال سحنون مثل قول أصبغ.
وقال أصبغ في العتبية: قال ابن كنانة: إذا أعتق العبد، ثم تجذم في السنة، نُظر، فإن كان له قيمة وإن قلت، رجع بما بين الصحة والداء، وإن لم تكن له قيمة، رجع بالثمن كله، ونفذ عتقه، فإن مات العبد عن مالك، أخذ البائع منه مثل الثمن، وورث المبتاع منه ما بقي، وإن كان قد رجع أولاً بما بين الصحة والداء، فميراثه كله للمشتري، إذا كانت له قيمة ولو درهم واحد يوم رجع بالعيب.
ومن الواضحة: ذكر ابن الماجشون في العبد يعتق ثم يتجذم في السنة أو تلد الأمة من السيد، ثم تتجذم في السنة، أنه يرجع بما بين الصحة والداء.
قال ابن حبيب: وكان ابن القاسم يلوذ في هذا، فقال مرة بقول ابن الماجشون، وقال مرة برد العتق، وقال أيضًا: يرجع بجميع الثمن، ويمضي العتق.
[6/223]
***(1/219)
[6/224]
في العبد يجني أو يجنى عليه في الثلاث
من الواضحة: قال مالك: وإذا جني على العبد في الثلاث، فأرشه للبائع، ثم للمبتاع حبسه بجميع الثمن أو رده.
قال ابن حبيب: وإن جنى العبد جناية خطأ، قيل للبائع: أتفدي الثمن وتسلمه؟ فإن فداه لزم المبتاع العبد، وإن أسلم الثمن إلى المجروح وفيه قدر الأرض فأكثر فلا كلام للمجروح، وإن كان أقل من الأرش. قيل: للمبتاع إن شئت أن تجيز شراءك فافده بالأرض، فإن فعل، فالعبد له، ولا يرجع على البائع بشيء، كما لو فداه وهو رهن أحيا لرهنه، لم يلزم ذلك ربه، ولو كانت جنايته في الثلاث عمدًا، فللمبتاع رده بذلك، وكذلك الجواب في هذا كله، في بيع الخيار، إن كان الخيار للبائع، وإن كان للمبتاع فقط، أو لهما، فهو مثل ذلك، إلا في رد المبتاع إياه، فإن هذا له رده متى شاء، افتكه البائع أو لم يفتكه، وقاله كله من كاشفت من أصحاب مالك فيه.
فيما يظهر في السنة من الأدواء الثلاثة
من العتبية: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في مبتاع الأمة يدعي في السنة أن بها جنونًا، فرفع ذلك إلى الإمام، فوضعت بيد رجل
[6/224]
***(1/220)
[6/225]
ليستبرئ ذلك، فلا تظهر للعدول حقيقة جنونها إلا بعد السنة، فلا ترد بهذا حتى يثبت أن جنونها كان قبل السنة. وكذلك ما يظهر في السنة من سبب يخاف عاقبته إلى غير ذلك من جنون، أو جذام، أو برص، ولا يقطع به أهل النظر ويريبهم، فلا يرد بهذا حتى يشهد عدلان أنه جذام أو برص. قال: ولو شاء فنظرها في السنة من خفة حاجبيها، وغير ذلك مما يظن الناظر أنه جذام، ولا يقطع به أهل المعرفة ويخافونه؛ لأن بدايته يشك فيها، فلم يردها بهذا الإمام، ثم يستحكم الأمر فيها بعد السنة بجذام بيِّن. قال: إن استحق ذلك بها بقرب السنة، فله الرد، وإن طال ذلك بعد السنة، فلا رد له.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: وإذا ذهب عقل العبد في السنة من ضربة أو ترد، لم يرد بهذا، وإنما يرد بما يعلم أنه من قبل الجان، إلا أن يعلم أن عقله ذهب من شيء خالطه مع الضربة، فيكون من البائع. وقاله المدنيون والمصريون من أصحاب مالك، إلا ابن وهب، فإنه قال: بأي وجه زال عقله في السنة، من ضربة أو غيرها، فهو من البائع. قال ابن حبيب: فإن ظهر به جذام
[6/225]
***(1/221)
[6/226]
بيِّن، أو برص ظاهر، في السنة، ثم خفي وذهب، لرد به؛ لأنه لا يؤمن كالجنون، ولأن مثل هذا له كمون في البدن، ألا ترى أنه لو ظهر قبل السنة بيوم لرد به.
قال ابن الماجشون: وإن ظهر به في السنة من ذلك ما يشك في حقيقته، ثم انتشر، واتضح بعد تمام السنة، فإنه يرد مما كان بدوه في السنة، وإن لم يوقن به في السنة حتى تحقق بعدها. وبهذا قال ابن وهب، وأشهب، وأصبغ. وبه أقول. ولم ير ابن القاسم، وابن كنانة بذلك ردًا حتى يتحقق قبل تمام السنة.
وفي باب عيوب الرقيق في أبدانهم، ذكر العبد يقال: إن به جذامًا لا يظهر إلا إلى سنة أو سنتين. وفي باب من قام بعيب في غيبة البائع: مسألة بعضها من معنى هذا الباب.
وفي باب اختلاف المتبايعين ذكر الدعوة في زوال السنة في العهدة.
في العهدة في الدرك فيما ابتعته
ثم بعته أو وليته أو أشركت فيه من شيء بعينه
أو في ذمة غريمك بشرط أو بغير شرط
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن ولى شيئًا له في ذمة رجل، أو أشركه فيه من طعام أو غيره، أو كان عرضًا أو حيوانًا، فباعه، فعهدة ذلك على من
[6/226]
***(1/222)
[6/227]
ذلك في ذمته، شرط ذلك أو لم يشترطه؛ لأنه باع ذلك أو ولاه وأشرك فيه قبل يضمنه. فأما السلعة الحاضرة بعينها يبتاعها، فقد ضمنها، فإن فعل ذلك فيها بحضرة البيع وقربه، ولم يفترقا، فعهدة ذلك في الشركة، والتولية على البائع الأول، ولا شيء على المشتري الأول من استحقاق أو عيب، اشترط ذلك أو لم يشترط. وأما في العيب، فتباعة ذلك على البائع الثاني، إلا أن يشترط عليه أن عهدتك على الأول، ويكون ذلك عند مواجبة البيع الأول، وقيل يبين بالسلعة، فيلزم ذلك. قال مالك: وإن تفاوت ذلك، لم ينتفع بشرط زوال العهدة عن البائع الثاني.
قال أصبغ: وفوات افتراقهما الذي لا ينفع معه اشتراط العهدة في الشركة والتولية على البائع الأول افتراق الأول والمشتري منه افتراقًا بينًا وانقطاع ما كانا فيه من مذاكرة البيع.
وفي العتبية: قال فيها مثل ما ذكرنا من ذلك كله، من رواية عيسى، عن ابن القاسم.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم في العتبية في من ولى رجلاً بحضرة البيع، قال: تباعته على الذي ولاه، إلا أن يشترطها على البائع الأول بقرب البيع الأول، فيلزم، فإن تباعد لم ينتفع بما شرط، وعهدته على المولي، قال: فإن كان بالقرب، فشرط العهدة على الأول وهو غائب أو حاضر، فذلك لازم.
[6/227]
***(1/223)
[6/228]
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، مثل ما ذكر ابن المواز عن مالك، فيما أسلم فيه يباع أو يشرك فيه أن العهدة فيه على من ذلك في ذمته.
قال يحيى في كتاب السلم: وإن شرط للبائع الثاني أنها منك حتى أقبضها من الأول لم يجز ذلك.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإن بنت بالسلعة، وافترقتما، فلا تكون العهدة في البيع والتولية والشركة إلا على الثاني، ولا ينفعه إن شرط شيئًا، وكان مالك يقول: إن شرطه العهدة على رجل، فسمى رجلاً غائبًا معروفًا، فإن أقر لزمه، وإلا كانت العهدة على البائع الثاني، وإن لم يكن الغائب معروفًا، فسخ البيع، ثم رجع مالك، فقال: إن لم يكن بحضرة البيع، فشرطه باطل، حضر الأول أو غاب، عرف أو جهل، وبهذا أخذ ابن القاسم، وكذلك في العتبية، من سماع ابن القاسم هذا القول.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في من يقدم ويبيع بشرط العهدة على رجل سماه معروف، مقر أو منكر، فلا خير فيه، إلا عند مواجبة البيع. وفي سماع أشهب، قال مالك في ورثة باعوا رقيقًا، فطلب المبتاع أن يكتب على واحد منهم نصيبه، فأبى، إلا على جميعهم، فإن وجه ما يعرف من ذلك، أن يكتب على جميعهم.
[6/228]
***(1/224)
[6/229]
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في المبتاع إذا أشرك رجلاً أو ولاه عند مواجبة البيع، فشرط الرجل العهدة على المبتاع، فذلك يلزمه. قال محمد: ولزمه لمغمزًا من الضمان الذي لم يكن يلزمه لولا الشركة والتولية، وهو لا يجيز الضمان بجعل، ولكني أتقيه استحسانًا، إذ لو زاده على الثمن، لزمه الضمان؛ لأنه بيع حادث.
جامع القول في العهدة في الدرك في العيب
والاستحقاق على بائعك أو على بائع بائعك
من كتاب ابن المواز: قال لي أبو زيد، عن ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا، ثم باعه من غير مواجبة شرائه، فاستحق من يد الثاني بحرية أو ملك، أو قام فيه بعيب كان عند الأول، ومبايعه عديم مفلس، حاضر أو هو غائب، مليء أو معدم، فأما في العيب، فلا يرجع على الأول، وليرده على بائعه المفلس إن شاء، ويحاص غرماءه، أما عن الاستحقاق، فليرجع على الأول في غيبة مبايعه أو عدمه؛ لأنه غريم غريمه، إلا أن يكون عليه دين يحيط به، فيحاص غرماؤه. وروى مثله أصبغ في الاستحقاق. قال أصبغ: وكذلك في العيب عندي بعد أن يقيم بينة أنه باع بيع الإسلام من غير براءة، فيعدل على الإتلاف، إلا أن يقيم الأول بينة أنه باع بالبراءة. قال محمد: لا يعجبني قول أصبغ في العيوب، وإنما نزع فيه إلى قول ابن كنانة. وفي العتبية مثل ما ذكر ابن المواز من رواية أصبغ وبروايته هذا.
[6/229]
***(1/225)
[6/230]
قال أصبغ في العتبية عن ابن القاسم: ولو ثبت أن الأول باع بالبراءة فلا يرد إلا على الثاني، ويحلف الأول أنه ما علمه. قال عنه عيسى: ولو ادعى الأول أنه باعه بالبراءة، فصدقه مبتاعه المفلس، فإقراره بذلك قبل التفليس مقبول، وأما بعد التفليس فلا، ويرجع على الأول أيضًا بقيمة العيب في فوت العبد، أو يرد إن لم يفت. قال عنه يحيى بن يحيى: يرجع على البائع الثاني في فوته بقيمة العيب من ثمنه، ويرجع الثاني على الأول أيضًا بقيمة العيب، فإن لم يتبع بشيء، لم يرجع على الأول بشيء، وإن مات العبد من العيب أراه يريد: وقد دلس الأول به، فليأخذ المشتري الأول من بائعه ثمنه، فإن كان أكثر مما باعه هو به، رفع إلى المبتاع منه ثمنه، وحبس الفضل، وإن باعه بأكثر، غرم له ما بقي.
قال سحنون في مسألة التدليس بالإباق: إن لم يكن فيما أخذ من الأول تمام ثمن المشتري الثاني، أن البائع الثاني يغرم له الأول من تمام ثمنه أو من قيمة العيب.
قال يحيى، عن ابن القاسم: إن كان الأول عديمًا، لم يتبع الثاني إلا بقيمة العيب ويتبع المشتري الثاني البائع الأول بالثمن الذي قبض، حتى يستكمل منه تمام ثمنه.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ورواه أصبغ في العتبية عن ابن القاسم، في من باع عبدًا، دلس فيه في الإباق، فباعه المبتاع ولم يعلم، فأبق
[6/230]
***(1/226)
[6/231]
عند مبتاعه، فمات، قال في العتبية: أو لم يمت، قالا: والبائع الثاني عديم. قال في كتاب محمد: فليؤخذ الثمن من البائع الأول فيدفع منه إلى المشتري الثاني مثل ثمنه، فإن فضل منه شيء، دفع إلى البائع الثاني.
وقال في العتبية: يؤخذ من الأول قدر ما اشتراه به الثاني فيدفع إلى المشتري الثاني، ثم إن شاء البائع الثاني أن يتبع الأول بقيمة ماله إن كان له فضل، وإن شاء ترك، قالا: وإن لم يوجد الأول، لم يرجع على الآخر إلا بقيمة عيب الإباق من ثمنه، ثم إن وجد الأول أخذ منه الثمن، فأعطى منه المشتري الثاني بقيمة رأس ماله، وما بقي فللمشتري الأول.
قال في كتاب ابن المواز: فإن لم يكن فيه إلا أقل من ثمن الآخر، فليس له غيره، ولا يرجع بتمامه على بائعه إن لم يدلس، إلا أن يكون الثمن الأول أقل من قيمة العيب من الثمن الثاني، فليرجع في بائعه بتمام قيمة عيبه. يريد محمد: ولم يكن يرجع الأول بقيمة عيبه على بائعه.
قال سحنون في كتاب ابنه: إذا أخذ الثمن من الأول في عدم الثاني، فلم يكن فيه مثل رأس مال المشتري الثاني، فإنه يرجع على البائع الثاني بالأقل من تمام ثمنه، أو من قيمة العيب من ثمنه.
وقال ابن القاسم في العتبية: إن لم يكن فيه وفاء، فليس له غيره، يريد ابن القاسم في معنى ما ذكر ابن المواز، ما لم يكن ذلك أقل من قيمة العيب من ثمنه، فليرجع بتمام ذلك على الثاني. قال محمد بن يحيى، عن ابن القاسم: إن كان
[6/231]
***(1/227)
[6/232]
الأول عديمًا، لم يتبع الثاني، إلا بقيمة العيب، ويتبع المشتري الثاني البائع الأول بالثمن الذي قبض، حتى يستكمل منه تمام ثمنه.
وقال أصبغ في باب آخر من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا كان الثاني عليمًا، أخذ من الأول الثمن، فدفع منه إلى المشتري الثاني قيمة عيب الإباق فقط. محمد: بل يؤخذ من الأول ما كان يرجع به عليه الثاني لو عدم قيمة عيب الإباق للآخر، فإنه يرجع بذلك ما لم يكن ذلك أكثر من الثمن الذي ابتاعه به الأول. قال ابن القاسم: فإن لم يوجد الأول، قال: فلا يرجع على الثاني إلا بما بين القيمتين، ثم إن وجد الأول، أخذ منه الثمن، فأتم منه للمشتري الثاني تمام ثمنه، وما بقي للمشتري الأول.
قال محمد: ولم أر هذا الجواب يصححه أحد، وهو منكسر من غير وجه، والذي يصح عندنا، أن ليس للثالث إلا قيمة عيب الإباق على بائعه، وليس لبائعه على الأول إلا ما غرم بسبب الإباق ما لم يكن ذلك أكثر من الثمن الذي اشتراه به منه. وقد قال ابن القاسم في عبد يتداوله ثلاثة، ثم يتبايعونه بالبراءة، فإن وجد عيبًا، فإن كان عند الأول، ولم يعلم به الأوسط، والأول عالم به، فليس على الأوسط إلا يمينه ما علمه، ثم لا يرد عليه، ولا على الأول، إلا أن يعلم أنهم أرادوا بذلك الغش والتدليس، فيرد عليه، وإلا فلا.
محمد: وهذا أصح من الأول.
[6/232]
***(1/228)
[6/233]
وفي باب آخر، قال مالك: وإذا قام الثالث بعيب، كان عند الأول، ولم يبايعوه بالبراءة، والثاني عديم، فلا يرده إلا على الثالث. محمد: ثم له ولغرمائه رده على الأول، وأخذ ثمنه، والمحاصة فيه، فإن فات، فللآخر ولغرمائه أخذ قيمة العيب من الأول من ثمنه، فيتحاصوا فيه، هذا بقيمة العيب من ثمنه، وهؤلاء بعينهم. محمد: إن كان الثاني عديمًا، ولا دين عليه، وقد فات العبد، فليأخذ الثالث من الأول ما كان يرجع به على مبايعه، إلا أن يدفع إليه الأول قيمة راس ماله، أو قيمة الغيب الذي كان يلزم الأول من ثمنه.
في عهدة الدرك في من باع لغيره بوكالة أو وصاية أو تعد
وفي من باع لغيره وبين ذلك وفي يمين الوكيل والوصي
من كتاب ابن المواز: ومن وجد عبده في يد مشتر من غاصب، فإن أجاز البيع، فالعهدة عليه دون الغاصب، وهذا إن لم يفت، فإن فات حتى يخير في الثمن، أو في القيمة، فالعهدة على الغاصب وطولب بالقيمة أو بالثمن، ولا عهدة على الوصي، وبيعه بيع براءة إلا أن يعلم عيبًا، فيكتمه، فيرد عليه،
[6/233]
***(1/229)
[6/234]
وكذلك الورثة يكتمون عيبًا، قال: ويحلف منهم في العيوب من يظن به علم ذلك على علمه، وكذلك الوصي ممن يرى أنه علم ذلك. قال: ولا يتبع الوصي من الثمن إلا بما وجد بيده منه، أو من مال الميت إن أكل الورثة الثمن، فإن دفع المال إلى الغرماء، فعليهم المرجع، ويباع عليهم العبد ثانية، وهذا أحب إلينا، واختلف قول مالك في يمين الوكيل، فقال: يخلق في العيب، وإلا رد عليه، وإن بين أنه لغيره، وقال: إنه علم أنه لغيره لم يحلف، وإلا حلف إن لم يخبره، قال مالك في عبد أبق عند مبتاعه، وقال لهم: أبقت عن بائعي، وقال أيضًا: إذا لم يعلمه، حلف إلا المنادين، والنخاسين، ومن يبيع الميراث في من يزيد، فلا تباعة، ولا عهدة عليهم. قال محمد: أما هؤلاء فكذلك، وأما الذي أخذ به الوصي والوكيل المفوض إليهم، فعليهم اليمين، وإن أعلموا أنه لغيرهم، إلا أن يشترط ذو الفضل منهم أن لا يمين عليه، فذلك له، أتبع فيه مالكًا استحسانًا، وأما الوكيل غير المفوض إليه أرسل ليبيع شيئًا، فلا يمين عليه إذا أعلمه أنه لغيره؛ لأنه ليس له أن يقبل، ولو أقر أنه كان يعلم العيب لينقض البيع، ما قبل قوله، فكيف يحلف؟! فإن لم يعلمه أنه لغيره، فله الرد عليه، وإن باعه بالبراءة، وكان عيبًا يشك في قدمه، فله يمينه، وإن نكل رد عليه وإن حلف فللمشتري إن شاء يمين ربه أنه ما علم بالعيب.
[6/234]
***(1/230)
[6/235]
قال مالك: وإن علم المبتاع بعد البيع أنه لغيره، فهو مخير: إن شاء تماسك على أن عهدته على الآمر، وإن شاء رد، إلا أن يرضى الرسول أن يكتبها على نفسه، فلا حجة للمبتاع. محمد: وهذا إذا أثبت أنه لغيره.
قال ابن القاسم: وإن قام بعيب وأقر أنه أعلمه أنها لفلان، فادعى المبتاع أنه قال: ليس بيني وبين فلان عمل، فلا يصدق، وليحلف المأمور: ما بعتك إلا على أن تباعتك على الآمر.
قال مالك في الوكيل يشترط أن لا يمين عليه، ثم يوجد عيب: فأما الرجل الوصي، فذلك له، وأما غيره، فلا، ويحلف، وإلا رد البيع. قال محمد: وإنما ذلك في الوكيل المفوض إليه.
ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك في الوضي يبيع لمن يلي عليه، ويشترط أن لا يمين عليه، قال: ذلك له، وإن باه الوصي دار الميت، ثم استحقت، فليس على الوصي من الثمن شيء وهو في التركة إن طرا للميت شيء.
قال ابن الماجشون، وأصبغ، في المديان يبيع عليه الإمام داره لغرمائه أو لغريمه، ويهلك الثمن قبل يقبضه الغرماء، ثم تستحق الدار، أن المبتاع يرجع بالثمن على الغرماء الذين بيعت لهم الدار، ومن كل غريم كان للميت، ولو طرا
[6/235]
***(1/231)
[6/236]
للميت مال، أخذ من المشتري ثمنه، وحسب ما تلف من الغرماء، حتى كأنهم قبضوه وأكلوه.
وقال أشهب في كتاب آخر: ورواه عن مالك: لا يرجع على الغرماء بشيء. والقول الأول رواية ابن القاسم، عن مالك، وقال به.
ومن أخذ من رجل سلمًا على طعام، وقال له: لفلان أخذه، أو اشترى له منه سلعة، فأخره به، على أنه إن اعترف ودى، وإلا كان لك على الطعام أو الثمن فأجازه مالك. قال ابن القاسم: ولم يجزه غيره. قال: وإن لم يقل: إن أقر فلان، وإلا فأنا ضامن. قال: إن كان في قوله: بعثني فلان إليك، أو قال: أبتاع له منك، فإن أنكر هذا، غرم الرسول رأس المال، وإن كان إنما قال له: بعثني، ولم يقل: إليك، ولا منك، ضمن القمح، ولو أقر بذلك المرسل لم يبرأ الرسول، وكان عليهما.
قال ابن القاسم في أخوين بينهما أرض، غاب أحدهما، فباع الحاضر نصيب الغائب، واشترط أنه إن لم يجز، فنصيبي لك مكانه، فإن كانت مقسومة، لم يجز، إذ لا يدري ما وقع معه، وإن كانت شائعة، فجائز إن قربت غيبة أخيه ليطلع رأيه مثل اليوم ونحوه، وإن بعدت، لم يجز، وقد خاطره؛ لأنه ممنوع من القسم. قال محمد: ذلك جائز؛ لأن المبتاع قد تم أمره، ولا طلب لأحد عليه، كما لو اشترى مصابة الحاضر، والقاسم يقسم ذلك.
[6/236]
***(1/232)
[6/237]
ولمن ابتاع لرجل شيئًُا بنسيئة، وقال: لفلان أسباعه، فلا يبريه ذلك من الثمن، حتى يقول له: وإني لست من الثمن في شيء، فهذا لا يتبع إلا فلانًا، وإن لم يقل هذا، وقال: لفلان هذا، فليتبع المأمور، إلا أن يقر فلان، فليتبع أيهما شاء، إلا أنه يقول الآمر: كنت دفعت الثمن إلى المأمور، فيحلف ويبرأ، ويتبع البائع المأمور.
قال محمد: وإن قال له: فلا بعثني إليك، لتبيعه، فهذا كالشرط المؤكد، ولا يتبع إلا فلانًا. قال أشهب: ولو قال: بعثني إليك لأشتري منك، أو لتبيعني، فالثمن على الرسول حتى يبين: إني لست من الثمن في شيء. أو يقول: بعثني إليك لتبيع منه.
ومن الواضحة: ومن باع عبدًا، وقال: هو لفلان، فإن كان حاضرًا، أو قريبًا، فالعهدة عليه إن أقر، وإن لم يقر، فعلى البائع، وإن كان رب العبد غائبًا بعد الغيبة، فالعهدة على متولي البيع، وإن لم يشترط عليه، ولا ينفعه قوله: إنه لفلان، وكذلك إن نسبة إلى امرأة بالبلد محجوبة لا تبلغها المؤامرة، فالعهدة عليه، إلا أن يشترط أن عهدتكم على من نسبه إليه، وليس علي منها شيء، فيبرأ في ذلك كله. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ.
قال ابن الماجشون: وإن دفعت عبدك إلى غريمك يبيعه، ويستوفي، فيبيعه على أنه لفلان، ثم يستحق أو تدركه عهدة السنة أو الثلاث، فالعهدة والرجوع
[6/237]
***(1/233)
[6/238]
على ربه، وهذا وكيل لا شيء عليه إذا أخبر أنه لفلان، بخلاف بيع السلطان للغرماء، ذلك يرجع فيه على الغرماء في عدم المطلوب. وساوى أصبغ بينه وبين بيع السلطان، وليس ذلك بشيء.
قال محمد بن عبد الحكم: ليس على القاضي عهدة فيما باعه لغيره، فإن باع شيئًا ولم يبين أنه لغيره، فاستحق، فقال: بعته لغيره. ولا بينة على ذلك، فالعهدة على القاضي، وإن قامت بينة أنه باعه لغيره من دين أو وصية. غير أنه لم يذكر ذلك للمشتري، فالعهدة على القاضي، ويرجع بها القاضي على من باع له، وكذلك الوصي فيما باع إن بين، وإلا فهي عليه يؤديها، ثم يرجع بذلك على من باع ذلك عليه إذا صحت عليه البينة.
في بيع البراءة
من كتاب محمد: قال ابن القاسم: الذي آخذ به قول مالك الأول في بيع البراءة: أن البراءة جائزة في الرقيق. قال ابن القاسم: وبيع البراءة أمر جائز بالمدينة، قضى به عثمان وغيره، وبيع البراءة إذا شرط يبرأ من جل
[6/238]
***(1/234)
[6/239]
عيب، قل أو كثر، لا يعلمه البائع، وبيع السلطان في المغنم والتفليس وغيره بيع براءة وإن لم يشترط، وكذلك بيع الميراث، إذا علم المبتاع أنه بيع ميراث، وإنما ذلك كله في الرقيق خاصة، إلا أن يعلموا عيبًا فيكتموه، وقاله كله مالك. ورواه ابن القاسم، وأشهب، وقاله كله عبد الملك.
قال مالك: وأما الدواب وسائر الحيوان والعروض، فلا ينفع في ذلك شرط البراءة، ولا يبرأ فيها في بيع الميراث، ولا سلطان ولا غيره، وذلك مردود. قال سحنون، ومحمد بن المواز: قال أشهب: فإن وقع بيع البراءة في الرقيق غير الحيوان، لم أفسخه، وإن وقع في العروض، سوى الحيوان، فسخته، إلا أن يطول ويتباعد، فلا أفسخه، وخالفه ابن القاسم، وقال: لا ينفعه ذلك، وشرطه باطل.
قال محمد: وأرى أشهب إنما قال: لا أفسخه في الحيوان لما روي لمالك في كتاب محمد: من باع عبدًا أو وليدة أو حيوانًا بالبراءة، فقد برئ. وقد قال في غير كتاب ابن المواز: إنه ذكر لمالك أن ذلك في كتبه، فقال: امح الحيوان. وقال في كتاب ابن المواز: قلت له: في كتبك: يجوز بيع الحيوان بالبراءة، قال: إنما نعني به الرقيق. محمد: وروى عنه أشهب في بعير باعه سلطانه، أيرد؟ قال: لا، إلا أن يعلم عيبًا فيكتمه، وإن كان لنفسه، فهو كسائر الناس، وإن باعه في دين ونحوه، فلا يرد. قال محمد: بيع الميراث، وبيع
[6/239]
***(1/235)
[6/240]
السلطان، وبيع البراءة واحد، لا ينفع في غير الرقيق من حيوان أو عروض. وروى مثله أشهب، عن مالك. وقال ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، وعبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ: إن بيع الميراث بيع البراءة، وإن لم يشترط. قال ابن القاسم، وأشهب: وكذلك بيع السلطان، وذلك في الرقيق.
ومن العتبية، وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم، عن مالك: ولا ينفع البراءة في الثياب، إلا أن يكون الشيء التافه غير المضر ولا المفسد في الثوب أو قي العلم، فلا ترد به، وأما الخرق وما هو مضر به، فليرد به، وكذلك الحيوان.
قال ابن القاسم، عن مالك، في من يأتي بثوب مرتفع إلى بصير به، فيقول: اشتر مني بالبراءة، وانظر لنفسك، فيشتريه منه على ذلك، ثم يجد عيبًا: فإما عيب كثير، فله الرد، ولا رد له في الخفيف الذي ولا ينقصه كبير نقص.
فقال مالك: في جرار الزيت مدفونة في الأرض، فتباع في تركة الرجل بالبراءة، ثم يأمر السلطان بالكشف عنها، ثم يوجد فيها عيوب، فلا تنفعه البراءة، وله ردها.
ومن الواضحة: قال ابن شهاب، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وغيرهم: تجوز البراءة في كل شيء. وقاله مالك مرة: إنه يلزم في الرقيق والحيوان والعروض. ثم
[6/240]
***(1/236)
[6/241]
رجع إلى أنها لا تكون إلا في الرقيق. وقال ابن وهب بقوله الأول، ونحن نقول بقوله الآخر فيما باع طوعًا، فأما ما باعه السلطان، في فلس، أو موت، أو على أصاغر، أو في مغنم، فيأخذ فيه بقوله الأول أنه بيع براءة في كل شيء، من رقيق، أو حيوان، أو عروض، وإن لم يشترطه. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، وغيرهم. وقول مالك: إن البراءة تنفع في كل عيب وإن كثر في الرقيق. وقاله أصحابه إلا المغيرة، فإنه قال: ما لم يجاوز ثلث الثمن، فلا تنفع فيه البراءة حينئذ.
ومن كتاب ابن المواز: وقد كان مالك رجع، وقال: لا تنفع البراءة في ميراث ولا غيره، في رقيق وغيرها، إلا في عيب خفيف. وقال أيضًا: لا تنفع في الرقيق، إلا في بيع السلطان في الديون، فأما في بيع الميراث أو غيره، فلا، إلا فيما حق، فعسى به.
ومن الواضحة: وما بيع من المغنم فوجد به عيبًا، فأرى إن لم يفرغ، ولم يقسم، أن يقيله ويبيعها ثانية، ويقسم ثمنه، وإن قسمه، لزم مشتريه على بيه البراءة، وما بيع بإذن الإمام على مفلس أو ميت، لقضاء دين، أو إنفاذ وصية، أو على أصاغر، فهو بيع براءة، وإن لم يذكر متوليه أنه بيع ميراث أو مفلس، وأما إن وليه الوصي بنفسه كما ذكرنا، بغير إذن الإمام، أو باعه الورثة وهم أكابر، ليقضوا دين الميت ووصاياه، فليس بيع براءة حتى يخبر من يليه أنه بيع براءة أو يذكر الميراث.
[6/241]
***(1/237)
[6/242]
وما باع الوصي على يديه للأيتام من رقيق وغيره، فليس بيع براءة، وإن بين أنه لأصاغر من ميراثهم حتى يشترط البراءة. وقاله أصبغ في ذلك كله.
ومن كتاب محمد، قال مالك: بيع الميراث، وبيع السلطان بيع براءة، إلا أن يكون المشتري لم يعلم أنه بيع ميراث أو سلطان، فهو مخير في أن يحبسه بلا عهدة أو يرده. قال في بيع السلطان: وإن علم الإمام عيبًا، فكتمه، فللمبتاع الرد، وكذلك لو علمه المفلس وقد بيع عليه، فللمبتاع الرد، ولا تباعة على الإمام، ولا على الغرماء، وذلك على السيد، ولو كان السيد هو الذي باعه بنفسه، وقضى دينه، ثم أخبر بعيب علمه، فلا سبيل إلى الغرماء، أراه يريد: ولو قامت بينة بعلمه في هذا. محمد: هذا بيع في السلطان، ثم أقر المفلس بعد البيع بالعيب، فأما إن كانت بينة أنه كان يعلمه، فإنه يرد، ويؤخذ الثمن من الغرماء، ويباع لهم ثانية. وقاله ابن القاسم في بيع الوصي إن قامت بينة. فأما بإقراره، فلا، إن شاء المشتري رده على ربه، ولا يرجع على الغرماء بشيء. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: بيع الصفقة في العبد الغائب بيع براءة، ولا يرد بعيب إلا ما علم وكتم، وكذلك ما وهب من الرقيق للثواب، وهو أحسن ما سمعت.
[6/242]
***(1/238)
[6/243]
ومن كتاب ابن المواز: والنقد جائز في بيع البراءة، إذ لا عهدة فيه إلا في الجارية الرائعة، فلا ينقد فيها بشرط في الاستبراء، وإن بيعت على البراءة من غير الحمل، إذ لا تجوز البراءة فيها من حمل لم يظهر، وليتواضعا الثمن حتى تحيض، وتجوز فيها البراءة من حمل ظاهر. وأما الوخش، فتجوز البراءة فيها من حمل، وإن لم يظهر، وأما وطيئة السيد من الوخش وغيره، فلا يجوز ذلك فيها بحال.
وبيع البراءة المشترط، وبيع السلطان، وبيع الميراث، يقطع العهدة في الثلاث والسنة، إلا الجارية الرائعة في ذلك، فهي في ضمان البائع حتى تحيض، وكذلك ما مسه السيد من الوخش فهو في ضمان حتى تحيض. وهذا كله قول مالك. قال أصبغ، ومحمد: وشرط البراءة في هاتين يفسد البيع.
قال ابن القاسم وأشهب: وعبد الملك، قالوا: ولا يجوز بيع الرائعة التي يضع الحمل من ثمنها ما له بال بالبراءة من الحمل، وأما التي لا يضع ذلك من ثمنها ما له بال، فذلك فيها جائز. محمد: وإن بيعت الرائعة بالبراءة مطلقًا، ولم يذكر الحمل، فذلك جائز وفيها المواضعة.
ابن القاسم: قال مالك في الجارية تباع بيع السلطان، أو بيع براءة، فتوجد حاملاً، فإن كانت رائعة حاملاً، لم تنفع فيها البراءة، وقاله ابن الماجشون.
وذكر ابن حبيب، في باب بيع الإماء، في الجارية المسبية تقع في سهم رجل، أو يشتريها من المقاسم، فله أن يلتذ منها بدون الجماع قبل أن تحيض؛ لأن بيع المقاسم بيع براءة، ولو ظهر بها حمل، لم يردها عليه به.
[6/243]
***(1/239)
[6/244]
قال مالك: ومن باع عبدًا بالبراءة فقيم عليه بعيب قديم، فأنكر أن يكون علم به وليحلف على ذلك. قال في باب آخر: على علمه في الظاهر والخفي في هذا خاصة، فإن نكل، رد عليه، ولا يمين على المبتاع.
من كتاب ابن سحنون: وسأله حبيب عن العبد قام فيه المبتاع بأضراس ساقطة، وقال البائع: تبرأت إليك منها. وأنكر المبتاع، فكلف البائع البينة، فأتى ببينة تشهد أنه باعه منه بالبراءة من كل عيب، وأنا لا أعرف هذه الأضراس، فقال البائع: إنما أردت بقولي: برئت منها: إنما أردت البراءة من كل عيب. قال: لا ينفعه قوله. وقوله: برئت منها، إقرار منه أنه كان يعلمها، وإنما البراءة مما لا يعلمه البائع. وقال سحنون: البراءة من العيوب كلها في الرقيق لازمة، إذا كانت حيوانًا لا يعرفها البائع. قال: فإن كان أعور أو أشل؟ قال: نعم، إذا كان البائع لا يعرفها، وإن كانت فاحشة.
ومن العتبية قال أشهب، عن مالك: إذا باعه بالبراءة، فظهر منه على بياض، فيأتي البائع اليمين أنه ما علمه، وقال المبتاع: احلف أنك ما رأيته، ولا علمته، ولا رضيته، فليس على المبتاع يمين في ذلك. قال ابن حبيب: إذا ثبت أنه قديم، حلف البائع على علمه، خفيًا كان أو ظاهرًا، وكذلك المفلس، ومن يظن أنه علم ذلك من صغار الورثة ثم يبلغ. فأما عيب يمكن قدمه ويمكن حدوثه، فلا يحلف فيه البائع في بيع البراءة، خفيًا كان أو ظاهرًا، فأما في بيع العهدة، فيرد بالعيب القديم، بلا يمين، وأما ما يمكن قدمه وحدوثه، فيحلف في الخفي على علمه، وفي الظاهر على البت، وهو أصل خفي حسن. وقاله مطرف وابن
[6/244]
***(1/240)
[6/245]
الماجشون، وأصبغ. ورواه عن ابن القاسم، وهو مذهب مالك. وكذلك في العتبية، وكتاب محمد، إلا في اليمين فيما يمكن قدمه وحدوثه، في بيع البراءة. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، أنه يحلف فيه البائع، فإن نكل، رد عليه، ولا يمين على المبتاع.
ومن العتبية قال أشهب، عن مالك: ومن باع عبدًا بالبراءة على أن لا يمين عليه، ثم وجد المبتاع به عيبًا قبيحًا، هل يحلف له البائع على علمه؟ قال: لا يمين عليه كما شرط.
ومن كتاب ابن المواز، والواضحة: وكره مالك أن يبيع الرجل رأسًا بالبراءة، لم تطل إقامته عنده، ولم يختبره. قال أشهب: فإن وقع ذلك، لم يفسخ، وقاله أصبغ. وقال عبد الملك نحوه، وقد قال: يبيع الورثة ومنهم الغائب، ومن لم يطلع، فيبيع بمكنه، فيكون بيع براءة. وقال ابن حبيب في من باع ما لم يختبر، قال أصبغ: يلزمه، ولا يفسخ.
قال محمد: وكره مالك للذي جاء بجارية من مكة أن يبيعها ولم يختبرها، أن يبيعها بالبراءة. قال ابن القاسم: لا تنفع البراءة من لم يعلم أنه لم يختبر العبد، وهو وجه من الغرر.
ومن العتبية قال مالك في من اشترى جارية بالعهدة، ثم باعها بالبراءة، فإني أكره ذلك، ولكن لا يرد البيع.
[6/245]
***(1/241)
[6/246]
ومن كتاب محمد، والواضحة، في مقل معناه. قال مالك وأصحابه: ومن تبرأ من عيب، فمنه فاحش واضح ومنه خفيف، فلا يبرأ من فاحشة حتى يصف بفاحشة، من ذلك الإباق، والسرقة، والدبرة بالبعير، ومثل من تبرأ من كي، أو آثار بالجسد، أو من عيوب الفرج، فيجد ذلك متفاحشًا، في ذلك كله، فله الرد، وكذلك سائر العيوب. وذكر مثله ابن القاسم في كتاب محمد، قال: وقال أشهب: يفسخ ذلك، ما لم يصف له مبلغ الكي، وقدر كل كية، ويريه من ذلك ما يجوز له أن ينظر إليه، وكذلك قروح الجسد وحراحه، وكذلك ذكر البراءة في الدبرة إذا لم يصف قدرها وغدرها، وكذلك كل ما يختلف هكذا، فلا يجوز البيع إلا على ما ذكرنا. قال محمد: قول ابن القاسم أحب إلي، وقد قال هو، وابن القاسم، في من تبرأ من الإباق، فوجد إباقه كثيرًا أو بعيدًا، فله الرد، قالا: وإن تبرأ من عيوب الفرج، جاز ذلك في اليسير، وأما في الفاحش، فلا.
قال أشهب عن مالك: وإن تبرأ من كل مشش في الدابة، فإن كان معروفًا، تبرأ منه بعينه، فجائز رواه أشهب عنه. قال ابن حبيب: وإن تبرأ في جبتان من خرقها فشقت، فوجدت شديدة الخرق لا ينتفع بها. قال ابن الماجشون: إن لم يذكر له مقدار ذلك، ويرد إياه، أو يصفه، فله الرد.
[6/246]
***(1/242)
[6/247]
قال محمد: قال أشهب، عن مالك: ولا تنفع البراءة للبائع من كل عيب علمه، وإن سماه، حتى يخبر أنه بالعبد. محمد: وكذلك لو أفرد له عيبًا، فلا يبيعه حتى يخبر بأنه به.
ومن الواضحة: وإذا سمى بالدابة عيوبًا، أو بالعبد منها ما بالعبد، ومنها ما ليس به، لم يبرأ مما به من يفرده، وله الرد، إلا أن يكون المبتاع عالمًا بذلك العيب، أو يكون عيبًا ظاهرًا، أو يخبره به غير البائع، فيلزمه، ولا يرد به. قاله مالك وأصحابه، ونحوه في كتاب ابن المواز: قال ابن حبيب: وكذلك هذا في غير الرقيق، إذا تبرأ من عيوب بالسلعة مع عيوب ليست فيها، فهو مثله، ولكن لا يبرأ في غير الرقيق مما لا يعلمه.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن باع دابة، ثم وضع له بعد ذلك دينارًا على عيوبها، فوجد عيبًا، فله الرد. قال أصبغ: كما لو باعها بالبراءة، لم ينفعه.
ابن حبيب: ومن قول مالك، في من باع دابة أو جارية بعشرة دنانير، على أن وضع دينارًا لعيوبها، فإنه إن وجد عيبًا، رده، وأخذ التسعة، كمن نكح بعشرة دنانير على أن تركت له دينارًا، على أن لا ينكح عليها، فالنكاح جائز، ولا شيء عليه. ابن حبيب: فأما لو تم البيع، ثم وضع عنه دينارًا في عيوبها، لم يجز ذلك في الدابة؛ لأنه خطر، ويرد الدينار، فإن وجد عيبًا، فله الرد، وهو في الجارية جائز؛ لأنه يلزمه فيها البراءة كمشتري مال العبد بعد الصفقة، أو يشتري من الصبرة ما له أن يستثنيه في العقد. والذي ذكر ابن حبيب في
[6/247]
***(1/243)
[6/248]
الجارية آخرًا يرد قوله أولاً في الجارية؛ لقوله: إنه يلزمه ما بعد الصفقة في هذا، كما يلزمه في الصفقة، ورواية محمد أصح.
ومن العتبية، قال أشهب، عن مالك: ومن ابتاع عبدًا بالبراءة، أو بيع ميراث، فلا يبيعه بيع الإسلام وعهدته حتى يبين أنه ابتاعه بالبراءة ولو لم يخبره بذلك في العقد، ثم أخبره، وقام يريد فسخ البيع، فلا يفسخ، وإنما عليه أن يبين له. قال مالك: ثم للمبتاع رده إن شاء. وكذلك قال في كتاب ابن المواز.
قال في العتبية، في رواية أشهب: إن مالكًا قال لصاحب السوق: لا تدع من اشترى بيع الإسلام وعهدته أن يبيع بيع براءة، وامنعهم من ذلك، وافسخ ذلك بينهم، يبتاع أحدهم العبد بيع العهدة، ثم لا يقيم في يده كبير شيء، حتى يبيع بالبراءة فامنعهم من ذلك.
والمبتاع بالبراءة له أن يبيع بيع العهدة، إذا بين أنه ابتاعه بالبراءة.
ومن ابتاع بالعهدة حتى يبيع بيع براءة إلا من باع في دين عليه، أو بيع ميراث، أو السلطان ونحوه، فله ذلك، وقد تقدم فيه القول إن فعل.
القول في عيوب الرقيق في أبدانهم
وذكر الحمل والحيض والشهادة على العيب
وذكر عقوبة المدلس
من كتاب محمد، قال: ولا يرد به من العيوب إلا ما يجتمع عليه عدلان من أصل العلم بتلك السلعة وغيوبها، وقول امرأتين في عيوب الفرج والحمل وشبهه.
[6/248]
***(1/244)
[6/249]
قال مالك: ويعاقب من دلس. وكذلك ذكر ابن حبيب وغيره، عن مالك.
قال مالك: ولا يرد من العيوب الخفيفة التي لا تنقص من الثمن، وإن كان عند النخاسين عيبًا، كالكي الخفيف، ولا يرد إلا بعيب تخاف عاقبته. وكذلك عنه في الواضحة. قال ابن القاسم في الضرس المنزوعة: خفيف في العبد والأمة، إلا في الرائعة التي ينقص من ثمنها. وكذلك روى عنه أصبغ، في العتبية.
ومن الواضحة قال: والسن الناقصة عيب في الرائعة، في مقدم الفم ومؤخره، وليست في الأمة الدنيئة، ولا في العبد عيبًا، إلا أن تكون في مقدم الفم. وما زاد على سن واحدة، فعيب في العلي والوخش، من ذكر وأنثى. في مقدم الفم أو مؤخره.
قال ابن حبيب: والسن الزايدة عيب في العلي والوخش، من ذكر وأنثى، قال مالك: والبخر في الفم عيب في الجارية والعبد، في الوخش والعلي.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في الشيب في الرأس: ترد به الرائعة، ولا ترد به غير الرائعة. قال أشهب: وقد قيل ترد بكثيره، ولا ترد بقليله، إلا أن يكتمه عن علم وعمد. قال ابن عبد الحكم: لا ترد الرائعة إلا بكثيره، وكذلك في الواضحة، عن مالك، قال ابن المواز: وهذا كله في الشابة.
قال مالك في الواضحة، في التي جعد شعرها أو اسود: فذلك في الرائعة عيب، وليس في غير الرائعة عيبًا. وأما صهباء الشعر، فلا ترد به، وإن قال
[6/249]
***(1/245)
[6/250]
المبتاع: لم أكشف عنه، ولا علمت أنها صهباء الشعر. فلا حجة له، وهو باد لا يخفى، إلا أن يكون سود. وقاله ابن المواز، وإن كانت رائعة، إلا أن يسود وينقص ذلك من ثمنها. قال في كتاب آخر: نقصًا بينًا، وإلا لم ترد.
ومن الواضحة قال مالك في الخيلان في الوجه، أو في الجسد تنتشر: فإن نقص ذلك من ثمن الرائعة، فهو عيب، وإلا ليس عيبًا. قال: وسمعت أهل العلم يقولون: والقبل، والميل، والصور، والزور، والصدر، والقزر، والعسر، والحبط، كل ذلك عيب في الأمة والعبد، رفيعين أو وضيعين، إلا أعسر يسر يعمل بيديه جميعًا، فليس بعيب في عبد ولا أمة. والقبل في العينين أو في إحداهما: أن تميل إحدى الحدفتين إلى الأخرى في نظرها، والميل في الخد: أن يكون مائلاً عن الآخر إلى جهة الأذن أو اللحى، والصور: أن يميل العنق عن الصدر إلى أحد الشقين، والجسد معتدل، والزور في المنكب: أن يميل بكله إلى أحد الشقين، والصدر: أن يكون في وسط الصدر إشراف كالحربة، والفزر في الظهر أو بين الكتفين: أن يكون هناك إشراف كالحدبة، ويقال للأحدب: أفزر، والأعسر: أن يبطش بيسراه دون يمناه، وأما أعسر يسر، فليس بعيب إذا كانت اليمنى في قوتها وبطشها بحال من لا يعمل باليسرى، وإن نقصت عن ذلك، لعمله باليسرى منها فهو غيب يرد به، الحبط: أثر الجرح أو القرحة بعد البرد، بخلاف لون الجسد فهو عيب، قال: والعجرة، والبجرة، والظفرة، والسلعة، عيب في العبد والأمة، رفيعين كانا أو وضيعين. فالعجرة: العقدة على ظهر الكف، أو الذراع، وفي سائر الجسد. والبجرة: نفخ كالعجرة، إلا أن
[6/250]
***(1/246)
[6/251]
البجرة لينة من نفخ ليس زائدًا. والسلعة: نفخ زائد ناتئ متفاحش أثره. والظفر: لحم نابت في مشفر العين.
ومن كتاب محمد، والعتبية، رواية أصبغ، عن ابن القاسم: والكي الخفيف ليس بعيب، إلا أن يخالف اللون، فيرد، أو يكون متفاحشًا في منظره، أو يكون كثيرًا متفرقًا، فليرد بذلك، وإن لم يخالف اللون، ولا تفاحش في العظم، وكذلك إن كان في موضع مستقبح، مثل الفرج وما والاه، وفي الوجه.
ومن كتاب محمد: والزغر وإن كان في غير العانة عيب. قال محمد: لا ينبت له في الساقين والجسد. قال ابن القاسم: وهو مما يتقى عاقبته من الداء السوء.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم في العبد يقول أهل النظر: نرى به جذامًا لا يظهر إلى سنة، لا يرد بذلك. قال محمد: لا يعجبني، ألا ترى أن العبد أو الأمة إذا قيل: إنه سياري، فإنه يرد لما يخاف به من الجذام. قال غيره: السياري: الذي لا حاجبان له. قال مالك: وليس الزلاء بعيب، إلا أن تكون ناقصة الخلق، وكذلك في الواضحة، قال ابن حبيب: الزلاء، عيب، إلا أنه لا يخفى على المبتاع.
قال أشهب، عن مالك: والصغيرة القبل ليس بعيب، إلا أن يتفاحش، فيصير كالنقص.
[6/251]
***(1/247)
[6/252]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في كتاب محمد: إذا كانت الجارية غير مخفوضة، أو العبد أغلف، فإن كان من رقيق العجم الذين لا يختتنون، لم يرد، ذكرًا كان أو أنثى، رفيقًا أو وضيعًا، وإن كانوا من رقيق العرب، فيفترق، فأما الوخش، فلا يرد به، ويرد العلي من ذكر أو أنثى.
قال: وتفسير رقيق العرب: ما طال مكثه بأيديهم، أو ولد عندهم، وأما ما قرب ملكهم إياه من الجلب، فليس كذلك. قال أصبغ: يريد بالعرب: المسلمين كلهم. قال في كتاب ابن المواز: وكذلك من اشترى مسلمًا، فوجده أغلف، نظر، هل هو من رقيق العرب كما ذكرنا؟ وفي رواية محمد بن خالد، عن ابن القاسم في العتبية قال: هو عيب، ولم يفسر. وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم في الجارية يجدها لم تخفض، فإن كانت فارهة ردت.
قال ابن نافع في العبد المسلم يجده المبتاع غير مختون: إنه يرد بذلك. وقال في الواضحة في العبد يجده غير مختون، والأمة غير مخفوضة: إن كانا نصرانيين، فليس بعيب باعهما مسلم أو كافر، وإن كانا مسلمين اشتريا من مسلم، فإن كان من بلد المسلمين، فهو عيب في الرفيع والوخش، إلا الصغيرين، لم يفت ذلك فيهما، وإن كانا مجلوبين، أو من رقيق العجم ممن قد أسلم، فيراعى فيهما كما تقدم من طول الإقامة وقربها.
قال في كتاب ابن المواز والواضحة: وإن اشترى عبدًا نصرانيًا، فوجده مختونًا، فليس بعيب. قال ابن حبيب: وكذلك الأمة النصرانية يجدها مخفوضة، وذلك إن كانا من رقيق المسلمين، أو من رقيق العجم الذين عندنا. فأما المجلوبون، فهو عيب، لما يخاف أن يكونا ممن أغار عليهم العدو، أو أبق إليهم من رقيقنا. وقد قال ابن القاسم: هو عيب في مثل بلدكم. وقاله أصبغ.
[6/252]
***(1/248)
[6/253]
ومن كتاب ابن المواز والعتبية: قيل لمالك في من ابتاع جارية عليه أن يخفضها، قال: إن أراد حبسها، فنعم، وإن كانت للبيع، فليس ذلك عليه.
قال ابن القاسم: وإن اشترى جارية، فوجدها مفترعة، فإن كانت في الصغر ممن لا يوطأ مثلها وهي ذات ثمن، فهو عيب يردها به، وإن كان مثلها يوطأ لم ترد، وليس على البائع أن يخبر هل هي بكر أو ثيب؟ وكذلك قال سحنون في العتبية، فإن كان مثلها لا يوطأ، فهو عيب في العلية، وإن كان مثلها يوطأ، فليس بعيب في العلي والوخش.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وكتاب محمد، قال مالك في الأمة تباع في ميراث، فيقول الصائح عليها: إنها تزعم أنها بكر، ولا يشترطون ذلك، فتوجد مفترعة، فله الرد، إلا أن يكونوا لم يذكروا ذلك أصلاً، وكذلك لو قال إنها تزعم أنها طباخة خبازة. ثم لم توجد كذلك، فلترد. ومن سماع أشهب: وإن قال: إنها بكرًا كانت أو ثيبًا، لا علم لي بذلك. فذلك جائز، سيما في الوخش. وكذلك في كتاب محمد، ولم يقل: سيما في الوخش. وزاد: ثم لا يكون للمتشري حجة.
قال في العتبية من سماع أشهب: وإن باعها على أنهار بكر، فغاب المبتاع عليها بكرة، ثم ردها عشية، وقال: لم أجدها بكرًا، فلينظر إليها النساء، فإن رأين أثرًا قريبًا، حلف البائع، ولزمت المبتاع، وإن لم يكن قريبًا، حلف المبتاع وردها، وإن نكل، حلف البائع، ولزمت المبتاع. وقال عيسى عن ابن القاسم: ليس في
[6/253]
***(1/249)
[6/254]
هذا تحالف، فإن قال النساء: إن ذلك مما يكون عند المبتاع، لزمته، وإن قلن: قديمًا، ردت بغير يمين.
وذكر ابن المواز، عن أصبغ، عن ابن القاسم مثل رواية عيسى. قال محمد: والذي أقول كقول مالك، لا بد من اليمين مع شهادة النساء. وشهادتهن في هذا كشهادة رجل، وليس مثل ما لا يعلمه غيرهن من عيوب الفرج والاستهلال والحيض، وإنما مسألتك: شهدن لرجل يدعي علم ما شهدن له به على غيره، فلا بد من يمينه.
ومن كتاب ابن المواز: والجارية إذا وجدها قد حدت في خمر، فليردها بذلك.
ومن اشترى صغيرًا، يرضع فوجده أصم، أو أخرس، لم يرد بذلك، إلا أن يعرف ذلك منه صغيرًا.
وإذا كان بالأمة حمى تذهب عنها ثم تعاودها، فهو عيب ترد به، ما لم تنقطع انقطاعًا بينًا، ويطول الزمان.
ومن الواضحة قال مالك: وإذا وجدت العبد مؤنثًا يؤتى، أو الأمة مذكرة فحلة تستذكر النساء، فإذا شهرًا بذلك فهو عيب يرد به، وأما توضيع كلام العبد وتذكير كلام الأمة وطبعها، فلا يردان بذلك. وهذا خلاف المدونة.
ومن حلق لحية عبده وباعه، فحسب أنه أمرد، فهو عيب يرد به. قال شريح: ويعاقب بائعه.
[6/254]
***(1/250)
[6/255]
ومن اشترى صبية، فوجدها تبول في الفراش، فأما الصغيرة جدًا، فلا رد له بذلك، وإن باعها بعدما كبرت، وإن كان ذلك بها وقد ترعرعت، وفارقت حد الصغر، فذلك عيب، بيعت حينئذ، أو بعد أن كبرت، وعلى البائع أن يبين ذلك، وإن انقطع، إذ لا تؤمن عودته.
ومن ابتاع أمة، فألفاها تبول في الفراش، فليس له ردها حتى تقيم بينة أنها كانت تبول عند البائع؛ لأنه مما يحدث في ليلة فأكثر، ويحلف البائع على علمه، ولا يحلف بدعوى المبتاع، حتى توضع بيد امرأة أو رجل له زوجة فيذكر ذلك، ويقبل قول المرأة في رؤيتها، وقول زوجها عنها، فيجب اليمين على البائع بذلك، وليس ذلك بمعنى الشهادة، ولو جاء المشتري بقوم ينظرون مرقدها بالغدوات مبلولا، فلا بد من رجلين؛ لأن ذها بمعنى الشهادة، ثم حينئذ يحلف البائع. قال: والغلام مثل الجارية في مثل هذا، وكذلك قال من كاشفت من أصحاب مالك. وقال مالك في العتبية من سماع أشهب: توضع على يدي عدل، ويقبل فيها قول النساء، ويقبل قول الرجال، ينظرون إليها، قيل: أفتراه مما يحدث؟ قال: يسأل عنه أصحاب الرقيق.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا انقطع البول عن الجارية، فلا يبيعها حتى يبين؛ لأنه لا تؤمن عودته، وكذلك الجنون، فإن لم يبين، فهو عيب ترد به.
قال أشهب: في البول إذا انقطع انقطاعًا تامًا بينًا، وقضى له السنون الكثيرة، فما عليه أن يبين، وأما انقطاع لا يؤمن، فلا، وللمبتاع الرد.
قال مالك: ومن ابتاع جارية، وقيل له: هي أعجمية لا تفصح، ولم يسموا له جنسها، فإذا هو جنس لا يفصح أبدًا، معروفًا بذلك، فقال: أعرف هو ذلك؟ قيل: نعم، قال: فلم لم يذكره عند الشراء.
[6/255]
***(1/251)
[6/256]
ومن الواضحة: ومن ابتاع عبدًأ، على أنه أعجمي، فألفاه فصيحًا، أو على أنه مجلوب، فألفاه مولدًا، فهو عيب يرد به، رفيعًا كان أو وضيعًا، لرغبة الناس في المجلوب لغير وجه، وقاله أصبغ.
وقال يحيى بن يحيى في العتبية عن ابن القاسم في العبد يبتاعه على أنه إفرنجي بلغته، ثم يتبين بعد أيام أنه فصيح بالعربية، أو يجده مختونًا، وقد اشتراه مجلوبًا من أرض العدو، فإذا كان ذلك الذي اشترى عليه الناس، فيه أرغب أو أثمن فوجده على خلافه، فهو عيب.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن ابتاع جارية حدثة، قد بلغ مثلها، فتأخرت حيضتها شهرين، فذلك عيب ترد به، وكذلك الاستحاضة. قال: وذلك في تأخير حيضتها مما فيه ضرر. قال ابن القاسم: إذا تأخر حيضها الأربعة أشهر والخمسة، فله عذر وحجة، وأما ما لا ضرر فيه على المبتاع، فالبيع له لازم.
قال أشهب: إن مضى بعد أيام حيضتها قدر الشهر والشهرين، لم ترد حتى يطول ذلك. قال: فإن مضى لها ثلاثة أشهر، نظرها النساء، فإن قلن: لا حمل بها، حلت للمشتري، فإن لم يطأ حتى طال ذلك بعض الطول الذي يظن به أنها ممن لا تحيض، فهو عيب، وله الرد، وإن كان قد وطئ، فلا رد له.
قال ابن القاسم: إن وجدها لا تحيض، فهو عيب في العلي والوخش والسبي وغيرهم، إن بلغت ستة عشرة سنة ونحوها. قال ابن عبد الحكم، وأصبغ: وكذلك إذا استمرت مستحاضة، فهو عيب في العلية والوخش. قال محمد: يعني قول مالك في الاستحاضة: إذا علم أنها مستحاضة، وأما إن
[6/256]
***(1/252)
[6/257]
وضعت للاستبراء فحاضت ثم استمرت مستحاضة، فقد لزمت المبتاع. وقاله أشهب. قال محمد: إذا تبين أن أول الدم حيضة، لا شك فيه، وأما الدنية، فقد كان من قول ابن القاسم فيها مرة، يسأل عنها، فإن كان ذلك عيبًا، وينقص من ثمنها، ردت به. وفي باب الاستبراء زيادة في هذه المسألة لابن حبيب، وفيه ذكر التي تستحاض المرة بعد المرة، أو ترتفع حيضتها المرة بعد المرة.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن باع جارية، وقال: هي صغيرة لم تحض، وكانت قصيرة، فطمع المبتاع بنشوزها عند البلوغ، فلم تقم عنده إلا أيامًا حتى حاضت، قال مالك: إن كان يبلغ مثلها أن تحيض، حلف البائع ما حاضت عنده، وإن كانت صغيرة، فقد اثتمنه على ما قال، فلا أرى أن يحلف.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع أمة، فادعت الحمل، فليستأن بها، فإن قال النساء: إنها حامل. ردت بذلك، ولا ينتظر بها الوضع، ثم إن انفش، لم ترد إلى المبتاع.
ومن كتاب ابن سحنون، من سؤال حبيب: وسأله عن عيب الفم مثل الأضراس الساقطة، والحفر، والعيب في الفرج، وجري الجوف، هل هذا من العيوب الباطنة التي يحلف فيها البائع على علمه؟ قال: يسأل عن ذلك أهل الصنعة والمعرفة، فإن قالوا: هو من العيوب الباطنة فهو كذلك، وإن قالوا: هو من الظاهرة، فهو كما زعموا.
[6/257]
***(1/253)
[6/258]
ومن العتبية قال ابن القاسم، عن مالك، في من ابتاع سفينة من رقيق - يريد: وعرف عددهم - فيهم الزنج، والسند، تباع جملة، فتوجد فيهم أمة حامل، فلا ترد بذلك؛ لأنهم وخش.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، عن مالك، في من اشترى جملة رقيق من السودان والزنج، فيجد فيهم أمة حاملاً، فإنها تلزمه، ولا رد له؛ لأنه لو اشتراها وحدها، كان له الرد بذلك. قال ابن المواز: وإن كانت وخشًا في رواية ابن القاسم، وفي رواية أشهب، عن مالك: لا ترد بالحمل في الوخش.
قال أشهب في كتاب محمد في جملة رقيق يوجد بأحدهم عيب، فإن كان ذلك ينقص من ثمن الجملة، رده بحصته، وإن لم ينقص لم يرد، وقال: إن كان لو انفرد كان نقصًا. قال محمد: يستحسن هذا في الحمل خاصة، فأما في غيره، فليرد بحصته.
ومن سماع عبد الملك بن الحسن، عن أشهب، في من ابتاع بقرة على أنها حامل، قال: إن لم يجدها حاملاً، فله ردها.
ومن اشترى جارية على أنها حامل، فإن كانت مرتفعة بذلك، تبرأ ولا شيء له، وإن كانت من اللاتي يراد فيهن الحمل، فله ردها إن لم تكن حاملاً.
وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن ابتاع جارية بشرط أنها حامل، قال: البيع فاسد بهذا الشرط.
ومن الواضحة: ولم يختلف أن الحمل عيب في الجواري، إلا في الوخش، فلم يره ابن كنانة فيهن عيبًا، وابن القاسم يراه فيهن عيبًا، والذي أرى: إن كان
[6/258]
***(1/254)
[6/259]
مبتاعها أرادها للبادية فليس بعيب، فإن كان ارادها للحضر للخدمة فذلك عيب.
وفي باب المواضعة مسألة من تأخير الحيض ذكرتها هناك.
القول في عيوب الرقيق في غير أبدانهم
وجامع ذكر العيوب فيهم وفي العيب يزول قبل أن يقام به
من كتاب ابن المواز، قال مالك: الزنى عيب يرد به العبد والأمة في العلي والوخش، وذكره ابن حبيب، عن مالك في الزنا، وشرب الخمر. ومن كتاب ابن المواز: وكذلك لو شربا المسكر وحدا في شربه، وإن لم تظهر رائحته بهما، فهو عيب في العلي.
قال أشهب عن مالك: وإذا وجد الغلام أو الجارية ولد زنى، فهو عيب في العلي ممن ينقص ذلك من أثمانهم، ولا يرد بذلك في الوخش، إلا أن يكتمه البائع ذلك عالمًا به، فيرد بذلك في الوخش. وقال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، في الجارية يرد بذلك، ولم يذكرا فارهة ولا غيرها. وكذلك في سماع ابن القاسم في العتبية. وقال ابن حبيب عن مالك: هو عيب في الرائعة والوخش، وفي العبد الرضيع.
ومن العتبية من سماع أشهب: قال في الوصيفة المولدة تباع، فسئلت عن أبيها، فلم تعرفه، فقال المبتاع للبائع: اكتب لي طيبة، فقال: لا أدري وإنما
[6/259]
***(1/255)
[6/260]
ابتاعها من رجل من اليمامة، قال: وقد شرط له مولدة، ولا تكون المولدة إلا طيبة، فليحلف أنه لا يدري هي أم لا؛ لأنه يتهم أن يكون ندم، ثم إن شاء أمسك أو رد، وكذلك في كتاب محمد، وعمن ابتاع وصيفًا، فألفاه ولد زنى، فإن شرط أنه لطيبة، لم يرده.
ومن ابتاع جارية، ليتخذها، فقيل له: لا يعرف أبوها، فلا رد له وإن كانت ذات ثمن، وكذلك لو أخبر أن أحد جديها أسود، فلا رد له. وفي الواضحة، عن مالك: أنه عيب في الرائعة للاتخاذ، لما يتقي أن يخرج ولده أسود، وإن كان أحد أبويها، أو جديها مجذومًا فهو عيب في الجارية والعبد والعلي والوخش. قال في كتاب ابن المواز في العبد أحد أبويه مجذوم: إنه عيب؛ لأنه يتقى ويكره شديدًا إذا ذكر. وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: والجارية توطأ غصبًا، ثم تباع، فذلك عيب، وعلى الغاصب نقصان الوطء في البكر والثيب، وإذا ردها المبتاع، فلا شيء عليه لوطئه، إلا في البكر يطؤها، ثم ترد بعيب، فليرد معها ما نقصها.
ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم: قال مالك: ويرد العبد بالولد يكون له، أو الزوجة أو الدين عليه.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبدًا، فوجد له زوجة أو ولدًا، فهو عيب، وكذلك الجارية، كان الولد صغيرًا أو كبيرًا، قاله ابن القاسم، عن مالك، وكذلك لو أعتقه المبتاع، لرجع بقيمة العيب، وكذلك في دين عليه.
[6/260]
***(1/256)
[6/261]
قال في الواضحة: إذا كان للعبد زوجة، فهو عيب، كانت حرة أو أمة، وكذلك الزوج في الأمة، كان حرًا أو عبدًا، وكذلك إن وجد لأحدهما ولد حر أو عبد أو وجد له أب وأم، إلا أن يموت من ذكرنا، من زوج، أو زوجة، أو ولد، أو من كان من الأبوين قبل الرد، فلا رد له. قاله مالك في هذا، أو فيما يزول من العيوب مما لا تخشى عاقبته. قال ابن حبيب: إلا أن تكون الأمة رائعة، فالتزويج لها عيب، وإن مات زوجها، وللمبتاع ردها به، إلا أن يكون المبتاع قد بين ذلك له.
قال أبو محمد: وفي المدونة: إذا ابتاعها في عدة، فلم يعلم حتى خرجت من العدة، فلا كلام له. قال ابن حبيب: وليس الأخ والأخت في ذلك كالولد وكالوالدين، لبعد الضرر في ذلك، وإذا قال المبتاع في أمة ابتاعها: قد كان لها زوج، فمات عنها، أو فارقها، وصدقته الأمة، وصدقه البائع، فقد برئ البائع من ذلك، ولا يطؤها المشتري أو يزوجها إلا بينة على الطلاق، أو الوفاة، ثم ليس للمبتاع ردها بذلك، وإن قال: ظننت أن قول المبتاع والأمة في ذلك مقبول، فلا حجة له في ذلك، وإن كان مثله يجهل ذلك، وقد لزمته بعينها.
ومن كتاب محمد: قال أشهب، عن مالك رواية. ورواه ابن القاسم عنه بلاغًا: إن كان عيب ذهب قبل القيام به، فلا رد له به، إلا الزوج في الأمة، أو الزوجة في العبد، تنقطع العصمة بينهما، فله الرد بعد ذلك.
[6/261]
***(1/257)
[6/262]
قال في رواية أشهب: وكذلك لو ماتت الزوجة بخلاف الوعك يزول قبل علم المبتاع، وكذلك في العتبية من سماع أشهب.
قال أشهب: والدين على العبد إن سقط، أو قضي عنه قبل علم المبتاع بالعيب، فلا يرد به، وإذا علم به، قبل يسقط عنه فله الرد، وإن سقط بعد علمه، وكذلك كل عيب علمه، وكذلك كل عيب إن لم يعلم به حتى ذهب أو استحق برؤه، وأمنت عودته، إلا بأمر يحدثه الله، فلا رد له، وما لم يستحق برؤه، ولم تؤمن عودته، استؤني به، فإن استمر برؤه، لم يرد إلا أن تبقى منه بقية مثل دمعة في العين، أو تكمش في الجسد يخافه.
قال ابن القاسم وأشهب: وكذلك إن كان له ولد، فمات قبل يعلم به، فلا رد له.
قال أشهب: إن كان به جنون أو جذام أو برص، فبرئ قبل أن يعلم به، فإن طال ذلك حتى تؤمن عودته، فلا رد له، فكذلك في عهدة السنة. قال ابن القاسم: يرد في الجنون، إذ لا تؤمن عودته، وكما عليه أن يبين عند البيع وإن أمن منه. قال ابن حبيب، وسحنون: فإن كان زال الدين قبل الرد به، فإن كان أدانه في فساد، فله الرد به، وإن كان لم يكن أدانه في فساد، فلا رد له.
[6/262]
***(1/258)
[6/263]
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، في من ابتاع أمة على أنها نصرانية، فوجدها مسلمة، فكرهها، وقال: إنما أردت أن أزوجها لعبدي النصراني، فإن عرف ذلك من العذر وشبهه، فله ردها بذلك؛ لأن ذلك يضطره إلى شراء غيرها، وإن لم يُعلم لذلك وجه، فلا رد له. قال أصبغ: أو ليمين عليه أن لا يملك مسلمة، وقد اشترطه، فله شرطه، وكذلك في كتاب ابن المواز، وقال عن أصبغ: وذلك إذا اشتراها بشرط، والشرط ضعيف.
ومن كتاب ابن المواز: وإن اشتراها على أنها من جنس، فألفاها من جنس غيره، قال ابن القاسم: إن كان ذلك أدنى مما شرط، فله الرد. قال: وإن اشترى أمة على أنها بربرية فوجدها خراسانية، أو على أنها أشبانية فوجدها بربرية، فله أن يرد، لاستشكال ما بينهما. يعني محمد: ليس إحداهما أفضل من الأخرى بأمر بين.
ومنه، ومن العتبية، والمواز: أشهب، عن مالك في الصبي يأبق من الكتاب، ثم بلغ، وكشفنا عنه ولم يبين، قال: يرد به ومثل هذا عادة، وكذلك في كتاب محمد.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في من اشترى مغنية لتخدمه، لا يريد لغنائها، ولم يزد في ثمنها لذلك، فلا بأس به.
قال سحنون: ينبغي لبائع المغنية أن لا يذكر ذلك، فإذا انعقد البيع، تبرأ منه.
[6/263]
***(1/259)
[6/264]
ومن كتاب محمد: ومن ابتاع أمة، فوجدها مغنية، فلا رد له، إلا أن يشتريها بشرط ذلك، فيفسخ البيع.
قال أشهب: لا تباع ممن يعلم أنها مغنية، وإن تبرأ من ذلك، فليس بشيء؛ لأنه إخبار بغنائها.
ومن العتبية، قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا قالت الأمة: ولدت من الذي باعني، لم تحرم على المبتاع، إلا أنه عيب. قال ابن القاسم: يريد إذا باعها هذا فليبين، إذ لا يقدم أهل الورع على هذا. وهذا في كتاب محمد، والواضحة.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم: ومن امتنع من بيع عبده بمائة، فقال له أجنبي: بعه مني بمائة، ولك علي عشرون، ففعل، ثم علم المبتاع، فلا رد له ولا قيام، إلا أن يكون ابتاعه للعتق. قال: ولو ابتاعه رقبة وقد كتب البائع على الأجنبي: عشرين. وكتبها الرجل على العبد ثم قام المبتاع، فإن علم البائع ما كتب الرجل على العبد يوم البيع، سقطت عن الحميل وعن العبد، فإن لم يعلم، وظن أنه حمل ذلك في ماله، فهي على الحميل بها، ويرجع على العبد، ويرجع المبتاع على البائع بقيمة عيب الدين.
وإن ادعى المبتاع أنه ابتاعه بماله، فأنكر البائع، فالبائع مصدق مع يمينه إن لم تقم بينة، وإن قامت بينة أنه قال: إنما ابتاعه بما في يديه؛ لأني أعتقته، ليستغني بماله، فسكت البائع، ولم يقل: نعم، ولا لا، وباع على هذا، فالمال بيد العبد تبعًا.
[6/264]
***(1/260)
[6/265]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن ابتاع عبدًا ليعتقه تطوعًا، فأبى البائع إلا بخمسين، فكتب العبد: عشرين. بغير علم البائع، حتى باعه بأربعين، وأعتقه، قال: لا يجوز ما صنع، ولا يلزم العبد شيء.
ومن الواضحة: ومن باع جارية لها زوج، أو في عدة وفاة أو طلاق، ولم يبين ذلك للمبتاع، فوطئها، فإن حملت بعد حيضة من العدة، فالولد له إن جاءت به لستة أشهر، وهي به أم ولد، ثم لا تحل له أبدًا، وتعتق عليه ساعة حملت، ويرجع على البائع بعيب ما كتمه، وإن وطئها وزوجها قائم، وهي في عصمته، فإن كان غائبًا أو معزولاً عنها قدر الاستبراء، وذلك حيضة أو مقدارها، لحق الولد بالمبتاع، وترد إلى زوجها إذا وضعت، وهي بذلك الولد أم ولد للمبتاع، وإن حلت يومًا من الزوج، حل له وطؤها، وعتقت من رأس ماله إذا مات، كان زوجها حيًا أو ميتًا، ولها الخيار في نفسها إن كان زوجها عبدًا، ويجرع المشتري على البائع بقيمة عيب ما كتمه من الزوج، وإن لم يكن الزوج غائبًا ولا معزولاً، فالولد للزوج، وترد الأمة على البائع بعيب الزوجية، ولا شيء على المبتاع للوطئ، إلا أن تكون بكرًا لم يبن بها الزوج، فيرد معها ما نقصها الافتضاض، وإن وطئها في هذا كله، وهي حامل من زوجها أو من غيره، أو ليست بحامل، فليردها بعيب الزوج، وإذا وطئها وهي حامل حملاً بينًا، لم يعتق عليه الولد، كان له أب أو لم يكن.
في عيوب غير الرقيق، وشيء من معاني الغش
من الواضحة، قال: وفرق مالك بين الثياب والدواب في الرد بما خف من العيوب، فقال: ما وجد في الثوب، من خرق، أو حرق، أو قطع، أو ثقب، فله
[6/265]
***(1/261)
[6/266]
الرد به وإن قل، بخلاف ما يقل من عيوب الرقيق، إلا أن يكون ثوبًا يقطع. ومثل ذلك يخرج في تقطيعه، فلا يكون ذلك فيه حينئذ عيبًا.
ومن العتبية ابن القاسم، عن مالك: العثار في الدابة عيب ترد به، ويرد الفرس الرهيص، وليس له أن يقول: اركبها يزول إلى يوم أو يومين. وكذلك في كتاب ابن المواز.
وقال أشهب، عن مالك، في من ابتاع دابة، فوجد جوفها أخضر، فظن أنه من ضرب، فلا رد له، وقد يقال له: سمينة، فيجدها عجفاء، قيل: أيحلف؟ قال: إن جاء بوجه، حلف. وذكرها عنه محمد، ولم يذكر اليمين.
قال مالك: ومن ابتاع ناقة، ليحمل عليها، فحمل عليها ثقله، فلم تنهض، فإن لم تكن عجفاء، ولا زاد فوق طاقتها، فله الرد، وكذلك إن كان ذلك من صعوبة، وإذا سام بدابة فركبها، فرأى سيرها حسنًا، فابتاعها، ثم مضى بها، فوجدها غليظة، فلا رد له قال: وإذا أصاب في الدار صدعًا يخاف عليها منه الهدم، فله الرد به. فإن لم يخف منه ذلك عليها لم يرد. محمد: ويرجع بقيمة ذلك العيب.
وعلم أحد المتابعين بكيل الصبرة دون الآخر، كالعيب إذا بيعت جزافًا، وللذي لم يعلم نقض البيع وبها، وقاله أشهب.
ومن العتبية، وكتاب محمد، روى أشهب، عن مالك، في من ابتاع سمنًا، فوجده سمن بقر، فقال: ما أردت إلا سمن غنم، فله أن يرده.
[6/266]
***(1/262)
[6/267]
ومن ابتاع قلتسية سوداء، فوجدها من ثوب لبيس، فلا رد له، إلا أن يكون فاسدًا؛ لأنها تعمل من الخلقان وكان ينبغي أن يبين. وكذلك في كتاب ابن المواز، وزاد: فإن وجد حشوها صوفًا: فأما الرفيعة، فليردها، وأما الدنية، فلا رد له، وإن جعلوا مع القطن صوفًا تحته، وخلطوا مع القطن الجديد قديمًا، فهذا من الغش، ولا خير فيه.
ومن العتبية، رواية عيسى، ورواه أصبغ في كتاب ابن المواز، والواضحة، قال ابن القاسم في الفرايين يزينون وجوه الأفرية، لتحسن، وربما يستر بعض عيوبها، فلا رد له. ابن المواز: إلا أن يجد عيبًا، فله الرد. وكذلك في الواضحة عن ابن القاسم نصًا، قال ابن القاسم: فإن لم يكن يعلم بذلك، فله الرد، وجد عيبًا أو لم يجده، عرف بعيب التتريب أم لا، إذا كان يغيب بعض العيوب. وقاله أصبغ. وقال في الواضحة: إذا اشتراها من لم يعلم أنها متربة، فله الرد، وجد عيبًا أو لم يجد، عرف أنها معيبة قبل التتريب أم لا، إذا كان يغيب بعض العيوب.
ومن الواضحة: ومن اشترى شقة، فوجد أحد جانبيها أطول بذراع، أو أحد كرفيها أعرض من الطرف الآخر بشبر أو بذراع، فإن اشتراها على ذرع مسمى، فنقص في طول أو عرض، فهو عيب، وإن لم يكن على ذرع، فليس
[6/267]
***(1/263)
[6/268]
بعيب؛ لأنه إن قال: وجدت طرفًا أقصر، أو أضيق. قال البائع: بل وجدت أحدهما أطول أو أعرض، فلا حجة له، إلا أن يتفاوت ذلك تفاوتًا شديدًا يفسد الثوب إذا قطع قميصًا، فله الرد بعيب الفساد، إذا كانت لا تصلح إلا للقطع. وأما الملحفة والإزار، فليس ذلك فيها بعيب، وسواء قاس المشتري جانبها الطويل أو العريض، فظن الطرف الآخر كذلك، أو لم يقس، وقاله كله أصبغ.
قال أصبغ: ومن ابتاع قميصًا، فوجد بنائقه أدنى رقعة من بدنه وكميه، أو وجد مقعدة السراويل كذلك، فإن كان متفاوتًا غير متقارب، فله الرد، وإن تقارب فلا رد له.
قال أصبغ في الجبة تباع، أو الساج وقد قلب، فهو عيب، وكذلك الثوب يلبس أسمر حينًا، ثم يقصر أو يخرج هدبه، بعد أن بليت وقطعت، والجاهل يظنه جديدًا، فذلك عيب يرد به، ويؤدب من يفعل ذلك. قال أصبغ: والفرو الطويل الصوف، فيقص بالمقراض، ويضرب بالقضيب، ليرى أنه خرفان، وهو كباش، فله الرد بذلك، وهذا من الغش، وعن الفرو يندى بعد فراغه، ثم يمد، فإذا لبس يسيرًا نقص نقصًا فاحشًا، فهو غش، ويرد به، والفرو الجديد يتقلص إلا أن الممدود منه مجاوز التقلص المعروف، فيرد بذلك.
وقال في الفرو تكون فيه بقعة منتوفة، فيجعل عليها صوفًا، أو تكون مصوفة لا جلد لها، فيضرب عليها جلد خشن لا صوف له، فهذا غش يرد به، ولو لم يكن فيه إلا رقعة واحدة، إن كان فرو له قدر إلا أن يكون يسيرًا جدًا، مثل الثقب وشبهه، وكذلك لو جعل في مثل هذا من الخروف في فرو القلنيات يستر خفة صوفه، أو قباحة جلده، ولا بأس أن يجعل في خواصر الفرو، أو كميه جلود مسود؛ لأنه يرى، وإن عمل فرو من جلود الميتة وحريره، ولا يبين ذلك
[6/268]
***(1/264)
[6/269]
في بيعه، فلا بأس به، وإن شرط جيزية، وفيه أندلسية مثلها من الجودة، لم يصلح، وكان له الرد؛ لأن الجيزية يرغب فيها، وإن شرط أندلسية وفيه جيزية مثلها أو أدنى منها فلا بأس به، وإن لم يشترط ذلك، فقال المبتاع: قبلت فيه جلودًا جيزية، فظننته كله جيزيًا، فلا رد له إن لم يكن شرط إلا أن يكون أكثره وظاهره ووجهه جيزيًا، فيشتريه على ذلك، فله الرد وإن لم يشترط.
وإن اشترى شعيرًا، فزرعه، فلم ينبت، وثبت ذلك، فله الرجوع بقيمة العيب، يقوم على أنه ينبت، وعلى أنه لا ينبت، فيرجع بما بين ذلك، سواء علم البائع أنه لا ينبت أو جهله، لا ينصرف إلى غير وجه، وقد جاء الذي علم أنه لا ينبت فلم يبينه بالإثم والعقوبة، إذ دلس ولم يبين. يريد ابن حبيب: إن لم يشترط عليه زريعة، ولا بين أنه يشتريه لذلك. ابن حبيب: فلو زارع به أحدًا، فنبت شعير صاحبه، ولم ينبت هذا، فهذا إذا دلس، رجع عليه صاحبه بنصف مكيلته من شعير صحيح، وبنصف كراء الأرض الذي أبطل عليه، وإن لم يدلس، رجع عليه بنصف قيمة العيب، وما نبت في الوجهين، فبينهما. وكذلك قال أصبغ في ذلك كله، وقال ابن سحنون مثله في ذلك كله، إلا في الكراء، فلم يذكر ذلك، وزاد، فقال: وإن لم يدلس دفع إلى شريكه مثل نصف زريعة صاحبه صحيحة، ودفع له شريكه مثل نصف زريعته التي أنبتت، وهذا إذا زال إبان الزراعة. وأما إن علم في إبان الزراعة، وقد دلس، فعليه أن يخرج قفيزًا آخر صحيحًا، فيزرعه في مكانه، وإن لم يغره، فعليهما جميعًا، إن شاء أن يخرجا قفيزًا آخر، فيزرعانه أيضًا؛ لأن الشركة قد لزمت بالتعاقد، وإبان الزراعة لم يفت بعد. ولكن ينبغي إن جاءه بقفيز ينبت أن يزرعاه جميعًا ويرجع عى صاحبه بنصف قيمة مجمل القفيز الأول. وقد يتفاوت ذلك. وقال سحنون في كتاب ابنه:
[6/269]
***(1/265)
[6/270]
إذا باعه منه على أنه زريعة تنبت، وهو يعلم أنه لا ينبت، رجع عليه بجميع الثمن، وإن لم يعلم رجع عليه بالثمن، ورد عليه شعيرًا مثله، وذلك إذا ثبت ببينة أن الشعير بعينه زرعه في أرض ثرية، فلم ينبت. وقد أفردنا بابًا لذكر الغش والخديعة والخلابة، وخلط الدني بالجيد وشبه ذلك. وعيب الزريعة مذكور في كتاب المزارعة.
وسأله حبيب عمن باع جنانًا في أرض، وفي الجنان قناة شارعة، أتراه عيبًا؟ قال: نعم.
قال مالك في كتاب ابن المواز في طافي الحوت: لا بأس بأكله، ولكن لا يبيعه حتى يبين، وإلا فهو عيب.
ومن لبس ثوبًا، ثم قصره، فليبين في بيعه، وإلا فهو عيب. وكذلك قال في الواضحة، إلا أنه قال: لبسه لبسًا بينًا كثيرًا. قال مالك: ويبين لمن اشترى الرطب المخلل والثياب المعصفرة؛ لأنه غش وعيب.
في خلط الجيد بالرديء من الطعام وغيره وفي خلط اللبن
وفي الحشف يجعل في الطعام أو الماء في اللبن والعصير
من كتاب ابن المواز: ولا يخلط طعام بدونه، ويعاقب فاعله، وكذلك البر والشعير. قال مالك: وكذلك جميع الطعام والتمر وغيره، وليس الجمع من التمر مثل ذلك؛ لأن التمر يختلط إذا أخذ.
قال أصبغ، عن ابن القاسم: لا يجوز أن يخلط زيتًا دنيئًا بجيد، وإن كان يبين ذلك.
[6/270]
***(1/266)
[6/271]
وقال مالك في من خلط قمحًا بشعير لقوته، فكره له بيع ما فضل منه وإن قل، وكذلك في التمر والسمن أو العسل، والسمن يخلط منه جيدًا بدنيء لبيته، ثم يريد أن يبيع منه.
قال ابن القاسم: إذا لم يتعمد خلطه للبيع، فأرجو أن يكون خفيفًا. وقال مطرف، وابن الماجشون، في الواضحة، مثل قول ابن القاسم، وزادا فقالا: ذلك إذا كان يسيرًا، يريدان - والله أعلم - مما يخلط مثله للفوت. قالا: وإن كثر، فلا خير في بيعه.
وروى عيسى عن ابن وهب في العتبية في الذي يبيع الطعام، فيأتيه رجل بطعام مأكول - أراه يريد: مسوس - ليبدله له، ويخلطه بما يبيع، فلا ينبغي، وهذا عيب. قال ابن القاسم: يبدله ولا يخلطه.
ومن كتاب ابن المواز، قال أصبغ، عن ابن القاسم: ولا خير في أن يخلط ذهبًا رديئه بجيده ويذيبها، وهو غش، فإن قدر على تمييزهما فعل، وإن لم يقدر فله أن يبيعهما إذا بين، وإن لم يبين فهو عيب وغش. وقاله أصبغ.
قال مالك في رب السفينة يبتاع القمح الأسمر المشعر، ثم يشتري أبيض، فيصبه عليه، ولا يخلطه، فلا أحبه، وليجعل كل شيء على حدته. ومن سماع أشهب، ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في لبن البقر والغنم يخلطان، فيخرج زبدهما معًا ثم يباع لبنهما، قال: أحب إلي أن يعرف كل واحد على حدته، فإن لم يفعل، فليبين ذلك في بيعه للبن والزبد.
[6/271]
***(1/267)
[6/272]
ومن كتاب ابن المواز، والعتبية، قال أصبغ، عن ابن القاسم في الجزار عنده لحم سمين ومهزول، وقد خلطهما، فيبيعهما بوزن واحد، قال: والمشتري يرى ما فيه من سمين ومهزول، ولكن لا يعرف وزن هذا من هذا، قال: أما شراء الأرطال اليسيرة، كشراء الرجل بالدرهم والدرهمين، فذلك جائز، وأما ما كثر كعشرين رطلاً، وثلاثين رطلاً، فلا خير فيه حتى يعرف وزن هذا من هذا، وهو خطر، وليمنع الجزار من خلط السمين بالمهزول، وهو غش، ولا يحل لهم.
قال في العتبية: لا يحل له ذلك، وإن بينه عند البيع، قال في الواضحة مثله كله. وقال في أول المسألة: وإن كان السلطان لا يغيره، فاشتراه منه مخلوطًا، فذكر مثل جواب ابن القاسم.
ومن العتبية، في سماع أشهب: ولا بأس ببيع الصبرة من طعام، أو تمر، وفيهما حشف فيكون داخلها وعلى وجهها، ما لم ير من أعلاها، فيكون داخلها، بخلاف خارجها. قيل: أرأيت الحشف إذا كان في داخله وخارجه، فقلب ما على وجه الصبرة فيجعله ناحية ولا يدخله في داخلها. قال: لا يعجبني. وذكره في كتاب محمد، وقال: هذا تزيين، ولا يعجبني. قال مالك: وما يجعل في التبن أسفل المطمر عند الخزن، أو في السفينة، فلا بأس بذلك، وليس من الغش.
قال مالك: ولا بأس بخلط الماء باللبن، لاستخراج زبده، فأما بعد ذلك، فلا.
[6/272]
***(1/268)
[6/273]
قال سحنون في العتبية: ولا بأس أن يصب في العصير المتخذ للخل الماء، لئلا يصير خمرًا، ويعجل تخليله إذا قصد هذا، ولم يرد الغش.
جامع في الغش والتدليس وما يصنع بما غش من الأشياء
وفي رد ذلك إذا بيع وفي الذهب الرديء
من الواضحة، قال مطرف وابن الماجشون: ويعاقب من غش ويضرب، أو يخرج من السوق، إذا كان معتادًا للغش والفجور، ولا يراق ما غش، إلا ما خف، كاللبن بغشه بالماء، أو يسير الخبز الناقص، فليتصدق به أدبًا له مع تأديبه بما ذكرنا. وأما الكثير من اللبن والخبز، فلا، ولا ما غش من مسك وزعفران. قال ابن حبيب: ولا يرد ذلك إليه، وليبع ممن يؤمن أن يغش به من أهل العطر، ومن يصرفه في وجوه مصارفه. وما كثر من الخبز، فإذا كسر عليه أسلم إليه، وما كثر من لبن، أو عسل غشه، أو سمن غشه بشحم، فليبع ممن يأتدم به بالبراءة، ممن يؤمن أن يغش به. وكذلك كل ما غش، وقاله أصحاب مالك. وروى أشهب، عن مالك، في العتبية، وابن الماجشون في الواضحة.
قال: ولا ينهب متاع الرجل إذا غش، وأرى أن يعاقب من أنهب أو انتهب.
[6/273]
***(1/269)
[6/274]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في من فجر في السوق: أرى أن يخرج منه، وذلك أشد عليه من الضرب.
وقال في موضع آخر فيمن جعل في مكياله زفتًا، أرى أن يضرب، ويخرج من السوق.
مالك: وما غش من لبن أو غيره، فلا يراق، وليتصدق به، وكذلك الزعفران والمسك، وإن كان هو غشه. وأما إن ابتاعه مغشوشًا، فلا. قال ابن القاسم: وهذا في اليسير، فأما الكثير، فلا يتصدق به على من غشه، وليوجع أدبًا، ومن ابتاع ما ذكرنا من المغشوش، أو أقمحًا مبلولاً، وفات عنده أو أكله، فليرجع بما بين الصحة والداء؛ لأنه لا يوجد مثله.
وقال أشهب: سواء دلس أو لم يدلس. قال ابن القاسم: إلا أن يوجد مثله، ويحاط بذلك، فليرد مثله، ويرجع بالثمن. وقال أشهب: إن وجد مثله سواء، فهو مخير في رد مثله، أو أخذ قيمة الغش. وقال سحنون: لا يرد مثله، وإن وجد مثله.
قال مالك في الزعفران المغشوش: له رده، ولا أرى أن يحرق.
قال: ومن قبض دينارًا من دين، فقطع منه لحاجته، فوجده مغشوشًا، فليرد مثله في رداءته صحيحًا، ويرجع بديناره. وقاله أصبغ. ورواه أصبغ، عن ابن القاسم في العتبية، وذلك إذا قطعه قبل أن يعلم برداءته.
ومن العتبية من سماع أشهب، ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في جواز الذهب: أما في مثل مكة، يجوز بها كل شيء، فلا بأس به، وأما في غيرها فلا، حتى يبين.
[6/274]
***(1/270)
[6/275]
قال عنه ابن وهب، في الدراهم، يكون في وجوهها ما يكره، فلا يباع بها شيء، وإن أخذها بعض الناس، وأراه عيبًا.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وعن الدراهم النقص يتبايع بها بين الناس، أتغير؟ قال: أرى أن تترك، وفيها رفق بالناس، تأتي المرأة بغزلها وغير ذلك. قيل: أفينادي الإمام في الناس بجواز ذهبهم كلها؟ قال: لا ينبغي ذلك، ولا يكره الناس عليه، وليبع الرجل من النقد بما أحب.
ومن كتاب محمد بن المواز: قال عنه أشهب، في المبتاع فيه الخلل والسقط، فيكمده ليصفق ويستر خلله، قال: ولا خير في الغش.
قال مالك في الخمر من الخز يبل لها الخبز ويرش عليها لتصفق وتشتد، فذلك من الغش، ولا خير فيه.
ومن الواضحة قال: ومن الغش تصميغ الديباج، ليصفق ويشتد ولينهوا عن ذلك، وعن تصويرهم فيه صور الحيوان. وأما ما لا زوج فيه من الشجر وشبهها، فلا بأس بتصويره، ويعاقب من لم ينته، وكذلك ما يفعله الحذاءون من تغليظ حواشي النعال قبل حدوها، ليواروا رقتها، وللمبتاع الرد بذلك، ويعاقب فاعله.
ومن العتبية، روى ابن القاسم، وأشهب، عن مالك، قال: ويمنع الجزار من نفخ اللحم. قال عنه ابن القاسم: وهو يغير طعمه.
[6/275]
***(1/271)
[6/276]
قال أصبغ، عن ابن القاسم، في بيع أشياء يغش بها: فأما ما لا وجه له إلا الغش، فلا أحب بيعه، وأما ما فيه نفع سوى ذلك، فله بيعه ممن لا يدري ما يصنع به، فأما إن علم أنه يبيعه للغش، فلا خير فيه.
قال ابن القاسم، عن مالك: أكره أن يغش البسر حتى يصير رطبًا، وإنما كرهه من أجل فساد التمرة، وهو تعجيلها قبل طيبها. قال مالك: ولينهوا عن بيع رطب يبيعونه ممن يرشه بالخل. وهذا في كتاب ابن المواز مثله، وقال في جامع البيوع من العتبية، من رواية ابن القاسم، عن مالك: أنه أجاز شراء العنب المحصرم والرمان الأخضر وشبهه من إنجاص وتفاح وأترج قبل طيبه على القطع. قال: وإنما كره ذلك هاهنا؛ لأنه يضر بالناس، فأما بالأمصار، ففاكهتهم كثيرة، ولا أرى به بأسًا.
ومن كتاب محمد: قال مالك في الثياب تطوى وتظهر وجوهها، وتكون وعيوبها داخلها، فينشر للمبتاع منها ثوبًا أو ثوبين، فيرى عيوبها، فيقول له البائع: اشتر على هذا. قال: غيره أحب إلي، وأرجو أن يكون خفيفًا.
فيمن ابتاع جنسًا فوجد خلاف الجنس الذي ابتاعه
أو ذكره أحد المتبايعين أو خلاف ما ظن
أو جعل رجل ثوبه في بيع الميراث
من الواضحة قال: ومن الخلابة والخديعة أن نسبت السلعة إلى غير جنسها، أو يسميها بغير اسمها، فللمبتاع الرد بذلك، ولو أتي أحد المتبايعين من
[6/276]
***(1/272)
[6/277]
جهله بالبيع، فباع أو ابتاع ما يساوي مائة درهم بدرهم كان ماضيًا عليهما. وروي عن شريح، في من قال لرجل: بكم هذا الثوب الهروي؟ فقال البائع: بكذا. فابتاعه منه، ثم تبين أنه غير هروي، ولكن صُنِعَ صُنْعَ الهروي، فأجاز ذلك عليه شريح. قال ابن حبيب: لأنه لم يبعه على أنه هروي هراة، إنما هو هروي البيع.
قال مالك في من باع حجرًا بدرهمين، فإذا هو ياقوت رفيع الثمن، فالبيع لازم. وكذلك في سماع أشهب، من كتاب ابن المواز، وقال: باعه ممن يشتريه، فإنه يلزم، ولو شاء استبرأ لنفسه قبل البيع. قال ابن حبيب: وذلك إذا قال: من يشتري مني هذا الحجر؟ لأن الياقوت يسمى حجرًا، وسواء علم المشتري حين اشتراه أنه حجر أو ياقوت، أو لم يعلم، وكذلك لو ظن المبتاع أنه ياقوت، فترفع ثمنه، فأخطأ ظنه، فلا رد له. ولو قال البائع: من يشتري مني هذا الحجر الزجاج؟ فباعه، ثم ظهر أنه ياقوت، فللبائع رده. جهله المبتاع أو علمه، كما لو سمى ياقوتًا فألفي زجاجًا، فله رده، وأما إن سكت، أو قال: حجرًا. فلا كلام له إن وجد ياقوتًا. ولو قال المبتاع: بعني هذا الزجاج، ففعل، والبائع يجهله، فوجد ياقوتًا، فللبائع رده، وكذلك لو قال: بعني هذا الياقوت، فألفاه زجاجًا، فله رده، بخلاف مسألة شريح؛ لأن ذلك لصبغه يسمى: هروي حتى يقال: هروي هراة. وكل ما شرحت من ذلك، فقول مالك.
قال مالك في سماع أشهب، في العتبية، وفي كتاب ابن المواز: وقد باع مصلى في ميراث، ثم قال للمبتاع: هو خز؟ فقال البائع: ما علمت، ولو
[6/277]
***(1/273)
[6/278]
علمت ما بعت بهذا الثمن. فالبيع لازم، ولو شاء استبرأ. ثم ذكر المسألة التي ذكرنا في الحجر.
قال في سماع أشهب: وكذلك لو باع ثوبًا مرويًا، ثم قال: لم أعلم أنه مروي، ظننته كذا. أو قال المشتري: ظننته خزًا. وليس بخز، فهذا مثله.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم، فيمن اشترى ياقوتة، وهو يظن أنها ياقوتة، ولا يعرفها هو ولا بائعها، فوجدها غير ياقوتة، قال: فله الرد، بخلاف الثياب، وكذلك قرط ذهب يشتري، ولا يشترط البائع أنه ذهب، والمبتاع يظنه ذهبًا، فوجده نحاسًا، فله رده.
وروى عيسى، عن ابن القاسم في الرقيق يجلب من طرابلس، فيخلط فيها مصري، رأسًا يبيعه، ويأمر الصائح ببيعه، ولا يذكر أنه له، قال: أرى للمبتاع رده إذا علم، وكذلك الدواب والحمير يجلب مثل هذا. وقال مالك مثله فيمن خلط سلعته بتركة ميت تباع: إن المبتاع بالخيار إذا علم.
وكتب شجرة إلى سحنون فيمن اشترى ثوبًا على أنه يحرث، فوجده لا يحرث، فكتب إليه: له شرطه، قيل لسحنون: فإن اشتراه ولم يشترط شيئًا فوجده لا يحرث، وإنما اشتراه للحرث فكتب إليه ليس له رده في هذا إلا أن يشترط ذلك.
فيمن قام بعيب وقد حدث عنده عيب آخر
أو أحدث صنعة في السلعة
أو جنى العبد أو مرض والبيع صحيح أو فاسد
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: وإذا قام المبتاع بعيب قديم، وقد حدث عنده عيب خفيف، من حمى، أو رقد، أو نحوه، قال في
[6/278]
***(1/274)
[6/279]
الواضحة: أو صداع في جسم، أو موضحة، أو منقلة، أو جائفة، إن برأت، فليس عليه لذلك غرم إن رده، ولا يوجب له أخذ قيمة العيب القديم إن حبسه.
وقال محمد بن عبد الحكم: إن الحمى والوعك عيب عند أشهب، وبه أقول.
قال ابن المواز: وإن كان أخذ للموضحة عقلاً: فلا شيء عليه إن رد بالعيب، بخلاف قطع اليدين. قال ابن حبيب: وكذلك ما حدث عنده من شرب خمر أو زنى أو سرقة، أو إباق، فلا شيء عليه في هذا إن رده، كما ليس له قيمة العيب القديم إن حبسه، قال مالك في الكتابين: وأما الافتضاض في الإماء، فمن العيوب المفسدة، لا يردها بالعيب القديم، إلا ما نقصها الافتضاض. قال: ولا شيء عليه في وطئه إن لم تكن بكرًا.
قال ابن حبيب: قال ابن نافع وابن وهب وأصبغ: إذا وطئها بكرًا كانت أو ثيبًا، فليس له ردها، وإنما له قيمة العيب، وروي أن عمر بن عبد العزيز، وعلي بن أبي طالب قضيا بذلك. وقاله أشهب والليث. وبه أقول للذب عن الفروج، وقد ألزم مالك الغاصب قيمة الأمة إذا غاب عليها، إن شاء ذلك ربها، وألزم الشريك القيمة بالوطء، والأمة المحللة، والأب يطأ أمة الابن، فلا بد فيها من القيمة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن قام بعيب، وقد حدث عنده عيب مفسد، فأما في الرقيق فيستوي التدليس فيها وغير التدليس، في أنه لا يردها إلا وما نقصها عنده العيب، إلا أن يكون ما أصابه من نقص أو فوت عنده بسبب العيب، فيضمن ذلك البائع في التدليس، ولا يضمن في غير التليس إلا قيمة العيب. قال: ولو اشترى أمة بكرًا، ولها زوج يعلمه المبتاع، فاقتضها، ثم ردها المبتاع بعيب، دلس به البائع، فلا شيء على المبتاع في هذا، وهذا كالتقطيع في الثوب.
[6/279]
***(1/275)
[6/280]
وأما الثياب وشبهها، فيفترق فيها التدليس من غيره إن قام بعيب، فإن لم يحدث فيها إلا أن قطعت ما يشبه من قمص ونحوها، فإن لم يدلس البائع، فذلك مثل العبد، وإن دلس فللمبتاع ردها بغير غرم، للقطع، والجلود كذلك، وليس له حبسها وأخذ قيمة العيب، إذ لا شيء عليه إن ردها، ولو قطع ذلك ما لا يشبه، فليس على البائع إلا قيمة العيب.
ولو قال البائع: علمت العيب وأنسيته عند البيع، صدق مع يمينه، وكان كمن لم يدلس. قال مالك: ولا يحلف في هذا، ولا في قوله: لم أعلم بالعيب حتى يختار المبتاع رد الثياب مقطعة، فليحلف، ويأخذ ما نقصها. وإن تماسك، لم يحلف البائع، وودى قيمة العيب، وإن خاط الثياب، فله أخذ قيمة العيب، دلس البائع أو لم يدلس، وله أن يرده مخيطًا، فيقوم مقطوعًا مخيطًا، فتدخل الخياطة في القيمة، وإن نقص بعد ذلك شيء، غرم المبتاع ما نقص إن لم يدلس البائع، ولا شيء له إن دلس.
قال سحنون، وابن حبيب: ولو زادت الخياطة، كان بالزيادة شريكًا إن رد. قال في كتاب محمد: وإنما يؤدى ما نقص بعد يمين البائع أنه ما دلس، فإن نكل، فلا شيء عليه من النقص. يريد محمد: بغير رد يمين في هذا. وقاله محمد في نكول البائع فيما بيع بالبراءة. قال أصبغ: وإن طلب المبتاع حبسه، وأخذ قيمة العيب، فأبى البائع، وقال: أنا أغرم لك الخياطة، ولا آخذ منك نقص القطع. فليس ذلك له للصنعة التي فيه للمبتاع، فإن صبغه فزاده ذلك، فالتدليس وغيره في الزيادة سواء. أما أخذ قيمة العيب أو رده وكان شريكًا بالزيادة، ويقوم الثوب أيضًا معيبًا، ثم يقوم مصبوغًا، فما زاد، فهو به خريط، وإن نقصه الصبغ، فهو كما قلنا في الخياطة تنقصه، إلا أن يصبغه ما لا يصبغ مثله، فيصير فوتًا، وليس له إلا قيمة العيب في التدليس وغيره، وقال في من ابتاع عبدًا، فحدث عنده به عيب، وظهر على عيب قديم، وقد ابتاعه بخمسين دينارًا، فإن شاء قيمة العيب،
[6/280]
***(1/276)
[6/281]
قوم العبد يوم الفقة صحيحًا، فإن قيل: مائة، قيل: ما قيمته يومئذ بالعيب القديم؟ فإن قيل: تسعون، فقد بقي للمبتاع عشر الثمن، فهو خمسة دنانير لم يقبض لها عوضًا، فإن شاء رجع بها وحبسه، وإن شاء رده، ورد ما نقصه، فقد علمت أن ثمن ما قبض معيبًا خمسة وأربعون من ثمنه، فانظر إلى قيمة العبد بالعيبين يوم الصفقة، فإن قيل: ثمانون، فقد نقص عند المبتاع تسع ما قبض، وقد علمت أن حصة ما قبض من الثمن خمسة وأربعون، فعليه تسع ذلك، وهو خمسة، فنقص عنه من الثمن، ويرجع بأربعين، ويرجع أيضًا بخمسة أولى التي لم يقبض لها عوضًا، وهو مرجوع بها في الرد والحبس.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا فقام فيه بعيب تعقيفًا في يديه، والبائع غائب بمكة، فأتى به السلطان وأشهد عليه، ثم قدم البائع والعبد مريض، قال: فليرد وهو مريض، إلا في المرض المخوف. قال عيسى، عن ابن القاسم: فإن كان مخوفًا، استؤني به ما لم يتطاول ذلك إلى ما فيه ضرر، فإن تطاول، أو هلك، رجع عليه بقيمة العيب. وكذلك ذكرها ابن المواز، إلا أنه قال: وإن كان برؤه قريبًا، رده.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في عبد جنى عند ابن القاسم يريد: خطأ ثم يقوم فيه بعيب، فهو مخير، إن شاء حمل الجناية، ورد العبد، وإن شاء حبسه، وأخذ قيمة العيب. وفي باب العيب الباطن ما يشبه هذا الباب، ومسألة الأمة يطؤها المبتاع في الاستبراء، ثم يظهر بها حمل، في أبواب الاستبراء، وذكر السلعة تفوت بعيب في بيع فاسد، ثم يظهر منها على عيب، في أبواب البيوع الفاسدة في الثالث من البيوع.
[6/281]
***(1/277)
[6/282]
فيمن قام بعيب في الرقيق والحيوان
وقد نقص ذلك في بدنه أو زاد أو ولد له
أو تعلم صنعة وما يفيت الرد
من كتاب محمد والعتبية من رواية عيسى، قال مالك: ومن قام بعيب في عبد أو أمة، وقد زاد عنده بفراهة أو ثمن، أو تعليم صنعة، أو فصاحة أعجمي، أو نقص بهزال، فليس ذلك فيها بفوت.
فإما حبس ولا شيء له، أو رد ولا شيء له ولا عليه، وأخذ ثمنه، وكذلك لو اشترى مريضة أو مصرورة، فصحت وسمنت، فليس بفوت. وأما الدابة السمينة تعجف، أو تدبر، أو ينقص بدنها، فذلك فوت، فإما رجع بقيمة العيب، أو ردها مع ما نقصها ذلك.
قال أصبغ: لم يختلف قول مالك في عجف الدواب.
ومن الكتابين: وأما العجفاء تسمن، فقال مالك: ليس بفوت كالرقيق. وقال قبل ذلك: إنه فوت، وبه أخذ ابن القاسم. قال ابن القاسم: إن ابتاعها عجفاء، فسمنت سمينة بينة، فله أخذ قيمة العبد وحبسها، أو يردها ولا شيء له في سمنها، وإن صلحت عنده ولم تسمن ذلك السمن، فلا شيء له إن حبسها. وقد قال ابن حبيب: إن أحسن ما سمعت أن السمن البين في الرقيق والدواب بعد الهزال البين والعجف البين فوت، وكذلك الهزال والعجف البين بعد السمن البين فيهما فوت. وحكي عن مالك أنه كان لا يرى ذلك كله فوتًا في حيوان ولا رقيق، وأن ابن القاسم يرى العجف والهزال فوتًا فيهن، ولا يراه في السمن، ولم يذكر هذه الرواية غير ابن حبيب فيما علمت.
[6/282]
***(1/278)
[6/283]
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، وابن القاسم، وأشهب: وأما الصغير يكبر، فليس له إلا قيمة العيب وإن كره البائع. وقاله ابن القاسم في هرم الكبير، لا خيار لواحد منهما. وقاله مالك في الهرم، وروي أيضًا عنه في الهرم، أن له أن يرده وما نقصه، أو يأخذ قيمة العيب. قال أصبغ: بل هو كالصغير يكبر إذا كان هرمًا بينًا.
ومن كتاب البيوع الرابع لابن المواز: وإذا كبر الصغير، فذلك فوت، وله قيمة العيب، ولو رضي المبتاع أن يرده وقد كبر، فليس له ذلك. وقاله أصبغ، إلا أن يرضى صاحبه، ولمالك قول في الصغير يكبر، أن له رده، وله حبسه وأخذ قيمة العيب.
وأما الأمة تلد من غير السيد وقد حدث بها عنده عيب، وظهر على عيب قديم، فله ردها، ويجبر بالولد ما حدث عنده من عيب غير التزويج وغيره، وإلا حبسها ولا شيء له. وقاله مالك، وقال أيضًا: لا يجبر بالولد نقص عيب، وله أخذها وقيمة العيب، أو أخذها وما نقصها العيب عنده، ويرد ولدها، فإنما تقوم وحدها دون الولد في الرد والحبس، اشتراها حاملاً أو ولدت عنده، ولا شيء عليه في موت الولد، ولو قتل فأخذ له قيمة، فليردها معها. وكذلك يرد ثمنه إن باعه، ويرد مع ذلك قيمة العيب الحادث عنده كاملاً.
قال أصبغ: وقد قال لنا أشهب في من ابتاع أمة، فولدت عنده، ثم وجد عيبًا، فليس له أخذ قيمة العيب، وإما حبس ولا شيء له، أو ردها بولدها. قال محمد: لأنه اشتراها حاملاً، ولم يحدث عنده عيب، واتفق ابن القاسم، وأشهب، أنها إذا ماتت هي، أو قتلت، وبقي الولد، أنه يرجع بقيمة العيب، وإن كانت به حاملاً يوم البيع، وإنما اختلفا إذا حدث عيب آخر وقد ولدت. محمد: فأحب إلينا في ذلك: إن شاء ردها وولدها وقيمة العيب الحادث عنده، وإن شاء
[6/283]
***(1/279)
[6/284]
أخذ قيمة العيب بعد أن تقوم لولدها، فذلك له، إلا أن يقول البائع: أنا أقبلها بولدها، ولا آخذ للعيب شيئًا. فذلك له، إلا أن يشاء المبتاع أن يحبسه، ولا شيء له، أو يرد بالولد ولا شيء عليه. قال ابن القاسم: ويرد معها ما أخذ في الولد من ثمن أو قيمة، بخلاف بيع الولد الحادث، فلا شيء للبائع في ثمنه، إذا أخذ أمته. وقال أصبغ: يرد في العيب من ثمن الولد قدر قيمته حتى كأنه اشتراه مع أمه مولودًا.
قال محمد: بل يرد جميع ما أخذ فيه. قاله ابن القاسم، وأشهب، وأنكر قول أصبغ. قال ابن القاسم: وإن مات الولد، ولم يأخذ فيه شيئًا ردها ولا شيء عليه فيه، وإن ماتت هي أو قتلت، رجع بقيمة العيب يوم الشراء، ولا ينظر إلى الولد إن كانوا أحياء أو قيمة إن أخذوا له قيمة. قال أشهب: إلا أن يقول: أنا أقبل ما أخذت في الولد من ثمن أو قيمة، أو الولد إن كانوا أحياء، أو قيمة الأم إن أخذت لها قيمة، وأرد جميع ثمنك، فذلك له، وإن لم يقبل ذلك البائع، فعليه قيمة العيب، أو ما بقي من ثمنها بعد أن يحسب على المشتري ما أخذ فيه من قيمة العيب، أو ما بقي من ثمنها بعد أن يحسب على المشتري ما أخذ فيه من قيمة أو ثمن، وللقاتل أن يرجع عليه بقيمة عيبها يوم القتل إن لم يعلم به، ويضم إلى قيمة الأمة ما أخذ في ولدها من ثمن أو قيمة، فإن شجت موضحة، فأخذ لها عقلاً، فله ردها بالعيب، ولا شيء عليه؛ لأن الموضحة لا ينقصها، وهذا بخلاف قطع يدها، تلك إن ردها رد معها ما نقصها، ولا ينظر إلى ما أخذ في يدها، قل أو كثر، كثوبين باع أحدهما، ووجد الآخر عيبًا، ومجهلة الثمن فوت، وقد ذكرناها في باب الدعوى، في الرد بالعيب موعبة، وما فيها من القول.
[6/284]
***(1/280)
[6/285]
قال عيسى بن دينار: إذا حدث عنده عيب، فله الرجوع بقيمة العيب، ولا حجة للبائع إن قال: رده، ولا غرم عليك فيما نقص عندك. وهو في كتاب ابن مزين.
وفي العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا ابتاع أمة، فزوجها، فولدت، ثم قام بعيب، فليس بفوت، فإما ردها وولدها، أو حبس ولا شيء له. وقاله ابن القاسم: قال عنه عيسى: وإن باع الولد، ردها مع ثمن الولد. وكذلك في الواضحة، عن مالك. وقال: فإن ماتت، وبقي الولد، رجع بقيمة الولد.
وروى عنه موسى بن معاوية، في من ابتاع شاة حاملاً، فولدت عنده، فأكل الولد، ثم قام بعيب فيها، فله ردها، ويحسب عليه في ثمنها قيمة الولد الذي أكل، أو يمسكها فيرجع بقيمة العيب إن شاء؛ لأنه ربما كان ثمن الولد أكثر من ثمنها. قال: ولا يقاص بثمن ما انتفع به من لبن أو صوف؛ لأنه غله ولا يرده، وإن كان قائمًا بائنًا عنها.
وبعد هذا باب فيه ذكر مال العبد المردود بعيبه وغلته، ومثله الأمة يطؤها المشتري، فتحمل أو لا تحمل، ثم يظهر أن لها زوجًا، قد تقدمت في باب عيوب الرقيق في غير أبدانهم.
[6/285]
***(1/281)
[6/286]
[6/286]
***(1/282)
[6/287]
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
الجزء الثاني
من أقضية البيوع
باب في الدعوى في الرد بالعيب والرضا به
وفيما يحدث بيد المبتاع وفي قدم العيب وحدوثه
ومن ادعى أنه باع بالبراءة فرد عليه من له هو رد
واختلاف أهل النظر في العيب
من العتبية من سماع أشهب: وإذا أبق العبد أو سرق بقرب البيع، وبعد الشهر، فليس بمبتاع أن يحلف البائع أن ذلك لم يكن عنده، إلا أن يأتي بشبهة وما يتهم به، وليس قرب البيع يوجب ذلك، إلا في عبد زنى عند بائعه، فيتهم في هذا. قيل: إنه عبد زنى بالمدينة، وتداولته الأملاك، قال: فلا يحلف فيه.
[6/287]
***(1/283)
[6/288]
وقد ذكرنا في باب عيب الرقيق مسألة الجارية تبول في الفراش بقرب البيع.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا ادعى المبتاع في العبد أن البائع ظهر منه على إباقه أو سرقته، أو أنه جن، أو زنى أو شبه ذلك مما لا يعلم إلا بقوله، فليحلف على علمه عند ابن القاسم. وقال أشهب: لا يحلف أصلاً، ولو جاز هذا لحلفه كل يوم على صنف من هذا، واحتج بقول مالك في الذي أبق بقرب البيع، فأراد أن يحلف البائع، فقال: لا يمين عليه.
قال ابن القاسم: بلغني عن مالك، في عبد أبق عند المبتاع، وقال: أبقت عند بائعي، فإن كان البائع ذكر له أنه لغيره، لم يحلف، وإلا حلف.
قال محمد: إذا ظهر العيب هكذا، حلف البائع، وإلا رد عليه، وليس له يمينه في عيب لم يظهر.
قال: وإذا قال البائع للأمة بعد البيع: إن بها عيب كذا. لما ليس بظاهر، لم ينفعه ذلك إن لم يصدقه المبتاع، وله الرد إذا ظهر عيب، إلا أن يقوم للبائع بينة بالعيب، فيبرأ إن تمسك بها المبتاع.
وقال أشهب: لا تنفعه البينة إن لم يقبلها، إلا بإيقاف السلطان على الرد أو الرضا.
قلت: فإن لم يكن ذلك، ولم يكن قبل المبتاع، ثم أراد الرد، ولم يظهر عيب. قال: ليس له ذلك، إلا أن يثبت البائع على إقراره، أو يظهر العيب، أو تثبت بينة.
قال: وإذا اختلف أهل النظر في العيب، فقال قوم: هو قديم. وقال آخرون فليس قديم، أو قال بعضهم: يرد به. وقال آخرون: ليس بعيب. فهذا تكاذب، ولا يرد بذلك، وكذلك بائع الثوب على جنس يختلف فيه أهل النظر أنه من ذلك الجنس، وإذا تكافئوا في العدالة، لزم المشتري. وذكر ذلك في كتاب الشهادات، فقال: يشهد بهذا رجلان، وبهذا رجلان. قال: ولا يحلف البائع في
[6/288]
***(1/284)
[6/289]
عيب يخفى مثله: أني ما بعته حين بعته وأنا به عالم، ولكنه يحلف أنه ما باعه وبه هذا العيب في علمه، وفي العيب الظاهر على البت. وقال أشهب: لا يحلف البائع، إلا على العلم في العيب الظاهر أو الخفي؛ لأنه إن لم يكن علم بالظاهر، فهو كالخفي عليه، وإن علمه، فقد تعمد الكذب.
وقال مالك: ويرد بالعيب القديم، ولا يمين على المبتاع، كان خفيًا أو ظاهرًا. محمد: طال مكث السلعة عنده أو لم يطل. قال مالك: إلا أن يدعي البائع أنه أراه ذلك. قال: وإن ادعى البائع أن المبتاع رضي به، أو وطئ، أو تسوق به بغير علمه، فلا يحلفه حتى يدعي أنه بلغه وأخبر به. وكذلك في الواضحة عن مالك، قاله ابن المواز. وقال أشهب: لا يحلفه وإن ادعى إخبار مخبر حتى يدعي أنه تبرأ إليه منه فرضيه. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن طلب البائع يمينه في عيب قديم، أنه ما رآه، فلا يمين عليه، إلا في عيب ظاهر لا يشك أنه يراه، كالأعور، ومقطوع اليد والرجل ونحوه، وأما ما سوى هذا، فلا يحلف فيه إذا رده. وفي باب من قام بعيب، والبائع غائب: القول في يمين المبتاع أنه ما وطئ بعد أن علم بالعيب.
ومن سماع يحيى من العتبية، قال ابن القاسم: وإذا قيم بعيب قد ثبت قدمه، قال عنه عيسى بقول أهل النظر، أو ببينة، أو باعتراف، وجب رده. قال عنه يحيى: ولا يقبل فيه يمين البائع إن لم يقر به. قال: ويرد بقول أهل النظر: إنه قديم بلا بينة، وأما عيب يقدم مثله ويحدث، فإن كان ظاهرًا حلف فيه على البت، فإن نكل، حلف المبتاع على البت، ورده، ويحلفا فيما يخفى على العلم.
قال عنه يحيى، وفي كتاب ابن المواز، وابن حبيب: وأما البائع بالبراءة، فلا يحلف في العيب القديم، إلا على العلم، كان ظاهرًا أو خفيًا، فإن نكل رد عليه. قال عنه يحيى: بعد يمين المبتاع على علمه. قال عنه ابن المواز: بلا رد يمين على المبتاع، وذكره عن مالك في باب البراءة، ونحوه في سماع أشهب. قال يحيى،
[6/289]
***(1/285)
[6/290]
عن ابن القاسم: وكذلك فيما يدث ويقدم، يحلف البائع على البراءة فيه على علمه. قال ابن حبيب: لا يحلف في هذا البائع بالبراءة حتى يثبت قدم العيب، فيحلف له على علمه.
ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم: وإذا ظهر على عيب قديم لا يكون قديمًا، لطول لبثه بعد المبتاع، فهو له لازم، ولا يمين على البائع، وإذا كان عيبًا يحدث مثله ويقدم، حلف البائع فيما يخفى على العلم، وفيما لا يخفى على البت، فإن نكل في الوجهين، حلف المبتاع على العلم.
قال في كتاب محمد: يحلف كما يحلف البائع في العلم والبت. قال عنه عيسى: ثم يرده، ولا شيء عليه، أو يحبسه ولا شيء له، فإن نكل لزمه، وإن حدث عنده عيب آخر، فالأيمان كما ذكرنا في العيب الآخر، فإن نكل المبتاع لزمه، وإن حلف رده مع ما نقصه ما حدث عنده، أو إمساكه وأخذ قيمة العيب. وتكلم في العتبية في هذا السؤال الثاني في حدوث عيب عند المبتاع، على أن يمين البائع على العلم، وبين معناه ابن المواز، أن معناه على ما ذكرنا. وذكره أيضًا عن ابن القاسم، عن مالك.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أقام المبتاع شاهدًا أن العيب كان عند البائع، ومثله يخفى، حلف المبتاع هاهنا على البت، كما شهد شاهده، فإن نكل فقال أصبغ: حلف البائع على علمه.
قال محمد: على البت؛ لأنها اليمين التي ردت عليه، فإن نكل، رد عليه فنحا أصيغ أن شاهده سقط بنكوله، وليس كذلك، ولو كان هذا لكان من أقام شاهدًا، بحق على رجل، ولا خلطة بينهما، فنكل أن يحلف مع شاهده، لكان لا يحلف المطلوب، لسقوط الشاهد، ولا خلطة تعلم بينهما.
[6/290]
***(1/286)
[6/291]
قال في رواية عيسى، وكتاب محمد: وإن ظهر على عيبين، أحدهما قديم، والآخر مثله يقدم ويحدث، فقد وجب رده بالعيب القديم. وكذلك في سماع ابن القاسم، قالوا: ويحلف المبتاع في العيب المشكوك فيه، أنه ما علمه حدث عنده. قال ابن حبيب: في الخفي، وأما في الظاهر، فعلى البت. قال ابن القاسم في سماع عيسى: وإن نكل، حلف البائع على العلم. يريد: في الخفي، ثم يلزم المبتاع هذا العيب. ثم هو مخير في رد العبد بالعبد القديم، ورد ما نقصه العيب الآخر، أو حبسه وأخذ قيمة القديم. فإن نكل البائع لزمه العيبان، ثم للمبتاع حبسه، ولا شيء له، ورده ولا شيء عليه.
قال في كتاب محمد: فإن حدث به مع ذلك عيب ثالث عند المبتاع، فله رده مع ما نقصه هذا الثالث عن العيبين، ويحلف في العيب المشكوك فيه على العلم، وإن شاء أن يحبسه فذلك له، ويرجع بما نقصه القديم، ويحلف البائع في المشكوك فيه على علمه، فإن نكل حلف المبتاع، ورجع عليه بقيمة هذا العيب الآخر أيضًا.
قال ابن حبيب: ومن اشترى جارية، أو دابة، أو سلعة من السلع، وأشهد أنه متى قلب ورضي، ثم وجد عيبًا مثله لا يخفى على التقليب، أنه يلزمه، وليس له رده ولو لم يشهد على نفسه أنه قلب ورضي، رد من الأمرين جميعًا. وكذلك فسر لي مطرف وأصبغ. ومن كتاب محمد وغيره: قال مالك في نخاس ابتاع عبدًا، فأقام بيده ثلاثة أشهر حتى صرع وفصد، ونقص، ثم وجد عيبًا قديمًا. فلا أرى له ردًا، ومن هؤلاء النخاسين من يشتري، فإن وجد ربحًا باع، وإلا خاصم، وأرى أن يلزم هؤلاء فيما علموا أو فيما لم يعلموا.
قال ابن القاسم: وأحب إلي إن كان مثله يخفى ويسقط عنه، أن يحلف ما رآه، ويرده، وإن كان على غير ذلك، لزمه. وأما غير النخاسين، فليردوا فيما خفي وفيما لم يخف. قال محمد: بغير يمين عليهم. وذكر ابن حبيب عن مالك مثل ما
[6/291]
***(1/287)
[6/292]
هاهنا عنه، أن يلزم النخاسين في الخفي غيره، لبصرهم بالعيوب. وذكر أن ابن القاسم روى مثله، وخالفه.
وقال في الواضحة: وإذا حلف البائع في العيب، ثم وجد المبتاع بينة، فإن كان يعلم بالبينة، أو يرى أنه لا يجهلها فلا قيام له، وإن لم يعلم بها، إما لغيبتها، أو أن مثلها وإن حضرت لا يعلم أن عندها علم، فله القيام بها، وأن أشكل ذلك من علمه بها أو جهله، فليحلف ما علم بها، ثم يقضى له بشهادتهما.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومن ابتاع حيتانًا، فذهب بها، ثم قال: وجدتها خزنة، فقال له البائع: عندك خزنته، فإن كان من وقت البيع إلى قيامه ما يحدث في مثله، حلف البائع ما باع منه خزنًا في علمه، وبرئ، وإن كان لا يحدث الخزن في مثله، ردها عليه بلا يمين.
ومن العتبية: روى أصبغ، عن ابن القاسم، في الدابة العثور ترد بذلك، إن ثبت أنه كان عند البائع، فإن لم تكن بينة، وهو مما يحدث ويقدم، حلف البائع على علمه، فإن نكل، حلف المبتاع على علمه وردها، وإن كان لا يحدث مثله في فوت البيع، وجب ردها.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون في جوابه لحبيب في الأمة المبيعة يظهر بها حمل يمكن أن يكون عند البائع، ويمكن حدوثه عند المبتاع، والمبتاع ينكر، قال: يحلف البائع أنه ما علم بذلك، ويبرأ؛ لأنه مما يخفى من العيوب، قال: ولو باع أمة متعكرة العينين، وقال: هو رمد، ثم أتى المبتاع بعد ذلك، فقال: بعينيها جرب، فقال: يسأل عن ذلك أهل المعرفة، فإن كان جرب لا يحدث مثله في هذه المدة من وقت الشراء، فهو من البائع، وترد عليه، وإن كان مثله يحدث، كان كالعيوب التي يحدث مثلها.
[6/292]
***(1/288)
[6/293]
ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنون عمن باع من رجل عبدًا، فقام فيه بعيب، فزعم البائع أنه باعه إياه بالبراءة من كل عيب، ولم يكن بهذا العيب عالمًا، فأنكر المشتري أن يكون اشتراه بالبراءة، ولم يأت البائع ببينة، فحكمت عليه بالعيب، فأتاني المحكوم عليه، فالبائع منه لا حكم لنا عليه، فقال له: أنت مقر أنك بعت من صاحبك بالبراءة، وقد جحدك ذلك، فكيف ترد علي بعيب أنت تزعم أنه منه بريء؟ وبراءتك أنت منه براءة لي، ولكن صاحبك جحدك، وكيف إن كانت جارية، فردت على الأول، أيحل له وطؤها وهو يزعم أنها للذي ردها عليه بالعيب؟ ولكن يجحده. فقال سحنون: له أن يرد على الذي باع منه أولاً، وله أن يطأ إن لم يرد ردها؛ لأنه بيع لم يتم، ومثل ذلك لو اختلف المتبايعان في الثمن، فتحالفا، ورجعت إلى البائع، أن له الوطء، ويرده بعيب إن وجدها، وهو يعلم أنه محق في دعواه التي جحدها صاحبه، ولكن لما لم يتم ذلك البيع، جاز له ما ذكرنا من الوطء والرد.
في اختلاف المتبايعين في الرد بالعيب في تاريخ البيع
ومبلغ الثمن وكيف إن جهلا الثمن
من العتبية، قال أصبغ: وإذا قام بعيب في عبد لا يحدث في أقل من شهر، فقال: ابتعه مثل عشرة أيام، وقال البائع: منذ سنة أو يأتي به وقد جن أو تجذم، فيقول المبتاع: هو في السنة. ويقول البائع: بعته منذ سنتين. أو يموت فيدعي المبتاع أنه في العهدة مات، أو في الجارية أنها ماتت فيما لا يكون فيه استبراء، أو لم تحض، ويدعي البائع قدم التاريخ، فذلك كله سواء، القول فيه قول البائع؛ لأنه مدعى عليه الرد، أو الضمان لقيمة عيب، سواء انتقد أو لم
[6/293]
***(1/289)
[6/294]
ينتقد، وأراك نحوت إلى قول ابن القاسم، في مبتاع عبدين، قام في أحدهما بعيب، ومات الآخر، واختلفا في قيمته، أنه إن لم ينتقد، فالقول قول المشتري. وهذا خطأ، بل المدعي في هذا المشتري، نقد أو لم ينقد؛ لأنه ثمن وجد للبائع ادعى هذا أمرًا ينقضه، وكذلك قال أشهب. وذكر ابن حبيب اختلافًا في هذا الأصل كله في تاريخ البيع والعهدة وغيره.
وقد ذكرناه في أبواب اختلاف المتبايعين.
وقال ابن سحنون، عن أبيه، في جوابه لحبيب: إذا اختلف في تاريخ البيع لعيب ظهر، فالمبتاع مدع؛ لأنه يريد نقض البيع. وروى عيسى، عن ابن القاسم في المتبايعين يموت، فيقوم ورثة المبتاع بعيب قديم في العبد حتى هلك منه، وقد جهل الثمن ورثتهما، فإن مجهلة الثمن فوت، ويرجع بقيمة العيب من قيمة وسطه للعبد يوم قبضه، كان العبد قائمًا أو فائتًا. فإذا كان أعلى قيمته خمسين، وأدناها أربعون، جعلت خمسة وأربعين. قال عيسى: لا ينظر إلى وسقط القيمة، ولكن إلى قيمته يوم البيع، فيرجع بقيمة العيب منها، ومجهلة الثمن فوت. وذكر ابن المواز، عن ابن القاسم مثل ما ذكر عيسى في ذلك، وقد قال: إن لم يفت العبد: إنه يرده، ويرجع بقيمته يوم قبضه قيمة وسطه، ثم رجع إلى أن جهل الثمن فوت، وله قيمة العيب من قيمة وسطه، فات أو لم يفت.
من العتبية من سماع أصبغ: قال ابن القاسم في من رد عبدًا بعيب، وقال: قيمته ثلاثون. وقال البائع: عشرون، أو بعتكه بعرض، فالقول قول البائع في الوجهين، إلا أن يأتي بما لا يشبه. قال أصبغ: فيصدق المشتري فيما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه ولا تقارب، فله قيمته عينًا يوم قبضه.
[6/294]
***(1/290)
[6/295]
قال ابن القاسم: ومن باع ثوبًا بنصف دينار، فأحال به غريمًا له، فأخذ من المبتاع دراهم، ثم رده بعيب، فليرجع على بائعه بنصف دينار، لا بالدراهم. وقاله أصبغ اتباعًا، وفيه مغمز.
وروى أشهب، عن مالك، في من ابتاع طفلة، ثم قال بعد شرائه: هذه صغيرة، لا يفرق بينها وبين أمها، فقال له البائع: قد ماتت أمها. قال: أقم البينة. قال مالك: ليس ذلك عليه، ويلزم المبتاع البيع، وكذلك في الواضحة.
في العهدة في العبد يدلس فيه بعيب
فيناله بسببه هلاك أو نقص أو يكون أباقًا فيجني في إباقه
وكيف إن قام بعيب فهو في الخصوم حتى هلك فيه؟
من كتاب محمد، قال ابن القاسم وأشهب: قال مالك: إذا دلس البائع في العبد بإباق، فأبق، لزمه رد الثمن، وإن لم يصدقه البائع بإباقه، فالمبتاع مصدق مع يمينه، ولا بينة عليه، وكذلك في الجمل الشارد، وكذلك إن مات العبد من داء كان في جوفه.
قيل لمالك: فإن دلس له بمرض به، فمات منه، فقال: ومن يعلم أنه مات منه؟ وإن دلس بالسرقة، فسرق من بيت المبتاع، وذلك في ذمة العبد، لا يضمنه البائع.
ومن الواضحة قال: قال مالك: يأخذ جميع الثمن، وليس له في ذمة العبد، ولا في رقبته ولا على بائعه مما سرق شيء؛ لأنه عبده حتى يحكم له برده.
[6/295]
***(1/291)
[6/296]
وقال ابن الماجشون، عن مالك في المدلس بالإباق: إنه يرد الثمن إذا أبق، كما لو دلس فيه بالسرقة فقطع. وقال ابن دينار: ليس كالسرقة، وإذا هلك في إباقه، فللمبتاع فيه عيب الإباق فقط، إذا لم يعطه الإباق، إلا أن يلحقه الهرب في عطب، كالنهر يقتحمه أو يتردى في مهواة فيهلك بذلك، أو يدخل مدخلاً، فتنهشه حية، ففي هذا يرجع بجميع الثمن، فأما إن مات في إباقه، أو سلم، أو جهل أمره، فليس فيه إلا قيمة العيب، وأخذ ابن الماجشون بقول مالك، وقاله جميع أصحابه، قال: لأنه بالإباق ضمنه حين دلس به.
قال ابن الماجشون: وإن جنى في إباقه، ثم جاء قبل قيام المبتاع، فله أن يرجع بالثمن، ويعامل البائع المجني عليه، ولو جنى قبل إباقه، فالمبتاع مخير، إن شاء افتكه، ورده إلى البائع، وأخذ ثمنه، أو يسلمه، ويرجع بقيمة العيب، وإذا دلس بإباق، فأبق، فهلك، أو بسرقة، فسرق، فقطع، فمات لذلك أو لم يمت، أو يمرض، فتمادى به حتى مات منه، فإن ثبت علم البائع بهذا كله حين البيع، أدى جميع الثمن - وإن لم يعلم بذلك أو علم به فنسيه وقت البيع، فإنما عليه قيمة العيب.
ومسألة الأمة يدلس فيها بحمل تموت، ويقوم وقد ضربها الطلق، أو يراه ثم يقوم، هي في المدونة لأشهب، وحكاها محمد عن ابن القاسم نصًا واحدًا.
في العيب الباطن لا يظهر في الخشب وغيرها
إلا بعد نشر أو كسر أو نحت أو قطع
وفي العيب يظهر بعد لباس الثوب وفي شراء الخشب في الماء
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن دلس في الخشب بعيب، منهى كالثياب والجلود فيما علمه ودلس به، ولا يضمن المبتاع ما أحدث فيها من نشر أو نحت أو قطع، وله الرد، ولا شيء عليه، وإن لم يدلس، مما كان من عيب يمكن
[6/296]
***(1/292)
[6/297]
علمه لو طلب، فلا يرده إلا وما نقصه النشر وشبهه، كالثوب، إلا أن يقطعها قطع التلف، مثل الكوى والأبواب، أو يدخلها تحت البناء، فليس له إلا قيمة العيب. محمد: دلس أو لم يدلس، وكذلك ما يشبه ما ذكرنا. قال مالك: وما كان في مثل هذا من عيب، فلا يمكن أحدًا علمه إلا بعد نشر أو قطع أو نحت، فلا يرد بذلك، ولا شيء على البائع، ويلزم المبتاع، وكذلك ما يشبه هذا مما لا يظهر إلا بعد القطع، وكذلك الفصوص تحك، وخشب النخل يقطع، والخشب التي تخرط منها الأقداح، والصاري ينحت، فتظهر عيوب ذلك، فلا رد في ذلك، ولا قيمة عيب، وكذلك الرانج الجوز الصغير. وذكر محمد بن خالد، عن ابن القاسم في العتبية في الفصوص والجوز مثل ذلك.
قال: وقال ابن نافع: إن وجد عامة الجوز فاسدًا، فله رده، وإن كان يسيرًا لزمه كله بجميع الثمن. وقاله محمد بن خالد، من كتاب محمد، قال: وقد قيل لا يرد من الجوز ما كسر، فوجد فاسدًا، إلا مثل الجوزتين والثلاثة من الرانج والجوز الصغير. فأما الأحمال والكثير منه، فلا يرد، إلا أن يكون كله أو أكثره فاسدًا، فليرده، ويأخذ الثمن، وإن وجد يسيرًا من كثير، فلا شيء له.
قال مالك: فأما البض، ففساده يظهر، ومن البائع إن دلس، قال: وأنكر مالك رد المر من القثاء. قال ابن القاسم: ولا أرى أن يرد. قال محمد: أما إن كان كله أو كثره مرًا، فأرى أن يرد. وقال أشهب: إن كان يوصل إلى علمه بإدخال العود الرقيق فيه، فليرد منه ما بيه من اليسير، مثل الواحدة والاثنتين، وأما الأحمال فلا ترد، إلا أن يكون كله أو جله مرًا ورديئًا.
قال: وكل ما يمكن الاطلاع على عيبه من غير كسر من هذا كله فليرد، ولا شيء على كاسره؛ لأنه لذلك يشترى، وهذا في تدليس البائع، فإن لم يدلس، فليرد معه ما نقصه الكسر إلا ما يرد من فاسد البيض، وقد كسره، فليرجع مما بين القيمتين إن كانت له قيمة بعد الكسر يوم باعه، وإلا رجع بجميع الثمن.
[6/297]
***(1/293)
[6/298]
وقال مالك، وابن القاسم، في البيض يجده فاسدًا: إن كان بحضرة البيع رده، وإن كان بعد أيام لم يرده، إذ لعله فسد عنده. وفي غير كتاب محمد: ولأن الفساد يسرع إليه.
ومن الواضحة ذكر ابن حبيب، عن مالك في الخشب مثل ما تقدم. قال ابن حبيب: وهذا إذا كان من أصل الخلقة فيها، لم يحدث فيها من عفن وشبهه. وكذلك غير الخشب مما لا يمكن أحدًا علم عيبه إلا بعد قطعه، ومثل الصندل والعود، وأما الرانج، والجوز، واللوز، والقثاء يوجد داخله فاسدًا أو مرًا، فمالك يراه كالخشب. وقال ابن الماجشون: هذا في اليسير، إذ لا يسلم منه، فأما ما كثر فيرد، ولو شرط البائع البراءة منه، لم يجز؛ لأنه خطر، وهو معنى قول مالك. وقاله أصبغ.
وقال مالك وأصحابه في عيب البيض: إنه مما يعرف ويظهر. قال ابن حبيب: وأما ما يحدث بعد الصحة من عفن وسوس، أو في الجلود من سوء صنعة، أو داء، فهذا مما يعلمه بعض الناس، وإن جهله آخرون، وله الرد، فإن دبغ الجلود، ثم ظهر له ذلك، فله أخذ قيمة العيب، أو يردها، ويكون شريكًا مما زادت الصنعة على قيمتها فاسدة غير مدبوغة، ولو باعها منه أولاً على أن يرد منها ما انتتف، لم يجز، إذ لا يدري ما ينتتف؟ وهل هو في خيارها أو شرارها؟ ومثل جلود الفرائين للمبتاع عند دباغها: إنها قد ساست، ولم تقم عنده ما تسوس في مثله، وهو لا يظهر له عند الشراء؛ لأنها يابسة، وربما كانت غير يابسة، والسوس فيها بين الجلد والصوف، فإذا دبغت، انتتفت، فهذا كسائر العيوب، وكذلك جلود البقر تباع مطوية يابسة، فإذا بلت تبين السوس فيها، فذلك من البائع، فهذا عند مالك وأصحابه، بخلاف ما فيه ذلك من أصل الخلقة، ولا يمكن أحدًا معرفته، إلا بعد قطعه، مثل الجدري في الجلود لا يعرف إلا بعد الدباغ، فيصير كالخشب لا يعلم عيبها حتى تشق، فأما ما يحدث في أيدي الناس من سوس وعفن وسوء صنعة، من قلة ملح أو حرارة شمس، أو ماء بحر، فكسائر العيوب. وقاله كله ابن الماجشون، وأصبغ. وقاله أصبغ في لون الحرير لا يعلم فساده حتى
[6/298]
***(1/294)
[6/299]
يدخل العمل، فإن كان فاسدًا أصليًا ليس لسبب حدث فيه بعد تمامه، وكان لا يعرف حتى يدخل العمل، فلا رد له، ولو كان شيئًا يعرفه بالنظر قبل العمل، لكان له الرد، وكذلك ما كان سببه في الجلود من قلة الملح، أو يسقط في بحر أو نهر، ثم يجفف في الشمس، فتنتتف في الدباغ، فله الرد، ولا يعد بائعها مدلسًا. وإن قل ذلك؛ لأنه يرجو السلامة وترجى له، وقد يقل مكثها في الماء ويكثر، وقد يجزيها قليل الملح، وقد لا يجزي إلا أن يكون قد باع بعضها، فظهر له فيها ذلك، فهو فيما بعدها كالمدلس إن لم يبين، رد الثمن كله، وأخذها فاسدة.
ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وعن جلود تشترى يابسة، فتطرح في الماء، فيظهر فيها فساد واختراق، ولا يتبين ذلك للمشتري حتى تجعل في الماء، فيظهر فيها. قال: ينظر في ذلك أهل المعرفة، فإن كان مثل ذلك لا يخفى عن البائع، فهو كالمدلس، وإن كان يخفى مثله، كان كمن لم يدلس، وكان بمنزلة القثاء يجده مرًا ثم رجع بعد ذلك، فقال فيها غير هذا.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: وليس اللباس في الثوب كالقطع فيه؛ لأنه منتفع، وكطعام أكله، قالا: وإذا وجد به عيبًا قديمًا بعد أن لبسه حتى غسله غسلات، والتدليس في اللباس وغير التدليس سواء، إن كان لباسًا خفيفًا، رده ولا شيء عليه، وإن كان كثيرًا ينقصه، لم يرده إلا وما نقصه أو يحبسه، ويأخذ قيمة العيب، وكذلك افتضاض الأمة؛ لأنه انتفع، فلا يردها إلا بما نقصها ذلك. وذكر في الواضحة، عن مالك في اللباس مثل ما تقدم. وقال عن أصبغ أنه أجاز شراء الخشب في الماء، لا يرى إلا ما ظهر منها. وقال: أمرها على السلامة، وإذا وجد خلافًا على ما ظهر منها، وله الرد، وإذا خرجت، فجعلت ركامًا بعضها فوق بعض، لم يجز شراؤها، كذلك حتى يظهر لمشتريها ما يعرف به ما يشتري.
[6/299]
***(1/295)
[6/300]
باب في القيام بالعيب في غيبة البائع أو حضرته
وكيف إن أشهد برد العبد ثم هلك بيده؟
وكيف إن استخدم أو ركب الدابة
أو ولدت الأمة؟ وهل يحلف في ذلك؟
من العتبية من سماع عيسى، عن ابن القاسم: ومن قام بعيب في جارية، والبائع غائب، فليقم البينة أنه ابتاع منه بيع الإسلام وعهدته. قال غيره في غير العتبية: وأنه نقده الثمن، فيبيعها عليه الإمام، فإن لم يف ثمنها بماله، اتبعه بما يفي، ولا شيء له في الوطء إن لم تكن بكرًا، قيل: أيحلف أنه ما وطئ بعد علمه بالعيب؟ قال: إن كان ممن يتهم، فيحلف، وإن لم يتهم، لم يحلف.
قال سحنون: قال أشهب، عن مالك، في من رد أمة بعيب: فليس للبائع أن يحلفه أنك ما وطئت بعد العلم به. قال سحنون: جيدة.
ومن سماع ابن القاسم، قال مالك في من قام في عبد بعيب، فلقي بائعه، فأخذه، وأشهد أنه غير راض به، وأنه بريء منه، فأقبل ليأخذ عبده، فوجده قد هلك بعد هذا، أو أبى أن يأخذه، فذهب المشتري ليستأذن عليه، فهلك العبد، قال: هو من المبتاع حتى يرده بقضاء سلطان، أو بأمر يعرفه البائع، ويأخذ عبده.
قال ابن القاسم: إذا قضى له السلطان، فهو من البائع، وإن لم يقبضه. قال عنه ابن المواز: وإلى هذا رجع مالك إذا قضى السلطان.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا بغير بدله، ثم وجد به عيبًا أو أصابه جنون بعد شهر، فلم يعرف أمره حتى مات عنده بعد ستة
[6/300]
***(1/296)
[6/301]
أشهر، فليرجع على بائعه بقيمة عيب الجنون؛ لأنه في السنة، فكأنه اشتراه وهو به، وكذلك البرص، ولو كان موته منه، فقيمته على البائع.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا علم بإباق العبد، والبائع غائب، وأشهد أني رددته، فلا ضمان علي فيه، ثم كتب القاضي في جلب البائع، فلم يقدم حتى مات العبد، فليس له إلا قيمة العيب، وكذلك لو أقام بينة بإباقه، فقال البائع: أنا أجرحهم، فكان في ذلك حتى مات العبد، فهو من المبتاع، وله قيمة العيب.
وفي باب من قام بعيب، وقد حدث عنده عيب مسألة العبد يرد بالعيب، والبائع غائب، والعبد مريض.
واختلف قول مالك في الدابة يسافر بها، ثم يحدث بها عيب في سفره، فروى عنه أشهب، أنه إن حمل عليها بعد علمه بالعيب، لزمته، وقال به أشهب، وابن عبد الحكم.
وروى عنه ابن القاسم، أنه له ردها، وليس عليه في ركوبها إياها بعد علمه شيء، وليس عليه أن يكري غيرها، ويسوقها، وليركب، فإن وصلت بحالها ردها، وإن عجفت، فله ردها مع ما نقصها العجف، ويحبسها، ويأخذ قيمة العيب، وقال به ابن القاسم، وأصبغ.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وذكر من قوله: فإن وصلت إلى آخرها من لفظ ابن القاسم، وزاد: وأما الحاضر، فإن ركبها ركوب احتباس لها بعد أن علم بالعيب لزمه، وذلك رضًا، وأما إن ركبها ليردها وشبه ذلك، ولا شيء عليه.
ومن كتاب محمد: ومن ابتاع عبدًا من رجل، فسافر به، ثم وجد به عيوبًا، فأشهد عليها، ثم باعه، ثم قدم فخاصمه، فإن لم يرفع إلى سلطان حتى يقضي له برده وبيعه، فلا شيء عليه.
[6/301]
***(1/297)
[6/302]
قال محمد: وإن كان في بلد لا سلطان فيه، أو سلطان لا يحكم على غائب أو متناول السلطان يبعد، رأيت أن يشهد على ذلك ويبيع، ويرجع ببقية الثمن.
ومن الواضحة: ومن سافر من اشترى من ثوب يلبسه أو دابة يركبها، أو جارية، أو عرض له ثقل، وعليه في رد ذلك مؤنة، فليقم البينة أنه اشترى بيع الإسلام وعهدته، ثم يبرأ من ذلك العيب، وليحلفه السلطان أنه ما تبرأ منه إليه ثم يبيعه على البائع، وله الفضل، وعليه النقص، يقضى له بذلك، فإن لم يجد بينة، فليس له إلا الرضا به، أو يرده إلى بلد البائع، ثم لا يطأ الأمة، ولا يلبس الثوب، فإن فعل، فذلك رضى بالعيب، وأما العبد، فله أن يستخدمه، أو دابة، فله أن يركبها، وينتفع بها. ثم ذكر مثل ما تقدم عن مالك، وابن القاسم، وإذا وصل بها وقد تغيرت أو لم تتغير. قال عبد الملك: قال: وأما الحاضر، فإن له أن يستخدم الأمة خدمة مثلها بعد قيامه، إلى أن يقضى له بردها، ويستخدم العبد، ويركب الدابة بالمعروف، حتى يقضى لع بالرد؛ لأن عليه النفقة والضمان، وأما الثوب، فلا يلبسه، وأما الأمة، فلا يتلذذ بها شيء، وقاله أصبغ، وغيره من أصحاب مالك. والذي ذكر ابن حبيب من الخدمة خلاف ابن القاسم، وأشهب، وغيره.
[6/302]
***(1/298)
[6/303]
باب فيمن وجد عيبًا بعد أن باع أو تصدق أو رهن أو واجر
وكيف إن حدث به عيب آخر؟
وهل يقوم على باع بائعه؟
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: وكل ما فات به العبد أو غيره من السلع بعد المبتاع، ثم ظهر على عيبه، فله الرجوع بقيمة العيب، إلا في بيعه، أو هبته إياه لثواب، فلا يرجع بشيء، إلا أن يرجع إليه بشراء، أو بميراث، أو صدقة، أو بعيب، أو بغيره، فليرده إن لم يكن علم بالعيب حتى باع. وقال عنه أشهب بلاغًا: إنه يرجع إن باعه بالأقل من قيمة العيب من ثمنه، أو بقيمة رأس المال. قال محمد: قول ابن القاسم أحب إليّ، إلا أن يكون نقص ثمنه من أجل العيب، ولم يعلم به بائعه، أو باعه وكيل له ونحوه، فليرجع بالأقل واختار ابن حبيب رواية أشهب، وذكر القول الآخر من رأي ابن القاسم. قال محمد بن عبد الحكم: إذا باعه، فله الرجوع بقيمة العيب كاملاً وأعاب رواية أشهب، عن مالك، وزعم أن هذا الذي قاله هو من قول مالك في موطئه.
وإذا قال: إذا فات العبد بوجه من وجوه الفوت، فللمشتري الرجوع بقيمة العيب. قال محمد: فالبيع فوت، ولا ينظر إلى الأقل.
ومن كتاب ابن المواز: ولو باعه المشتري له، ولم يعلم بالعيب، ففات عند المشتري الثاني مما وجب له الرجوع بقيمة العيب من ثمنه، فرجع بذلك، فللمشتري الأول حينئذ أن يرجع على بائعه بقيمة ذلك العيب من ثمنه هو، ما لم يكن أكثر من بقية رأس ماله، فإنما له أقل الثلاثة أوجه، وإن كان المشتري الأول مفلسًا، ولم يفت العبد، فليس للمشتري الآخر رده على البائع الأول،
[6/303]
***(1/299)
[6/304]
وليرده إن شاء على الثاني، ويخاصم غرماءه بثمنه، ثم له ولسائر الغرماء رده على البائع الأول وأخذ ثمنه، يتحاصون فيه، فإن فات عند الآخر، فله ولغرماء بائعه الرجوع على بائع بائعه بقيمة العيب، فيتحاصون فيها، وفيما يصاب له، يضرب فيه الآخر بقيمة العيب. قال محمد: وإن لم يكن له غرماء وهو غريم، فللآخر الرجوع على الأول بما كان يرجع به هذا على البائع منه، إلا أن يرضى الأول أن يعطيه قيمة عيبه الذي كان يلزمه هو، أو بقية رأس ماله البائع الثاني فقط.
ومسألة من باع فدلس بالإباق فباعه المبتاع فأبق عند المبتاع الثاني، واستحق ولم يكن عيب، موعبة في باب العهدة في الدرك.
ومن الواضحة، قال: وإذا باعه بمثل الثمن فأكثر، ثم رجع إليه ببيع، أو ميراث، أو هبة وهو بحاله، فأراد رده بالعيب على بائعه، فإن كان قام عليه قبل يرجع إليه، فقضى عليه ألا يرجع إليه؛ لأنه باعه بالثمن فأكثر، فلا قيام له الآن، فإن لم يكن ذلك، فهو على أمره، يرد أو يحبس، ولو علم بعيب بعد أن آجره، أو رهنه، فإن كان أجل ذلك أيامًا يسيرة، أو شهرًا، أو نحوه، فليؤخر إلى انقضائه، ثم هو على أمره، وإن بعد كالأشهر والسنة، فهو كالفوت، ويرجع بقيمة العيب، إلا أن يشاء أن يفتكه معجلاً من الرهن، أو يراضي صاحب الإجارة على القسم ويرده، فذلك له. وفي المدونة لابن القاسم، وأشهب، اختلاف في هذه المسألة، ليس فيه هذا.
قال ابن حبيب: ومن ابتاع عبدًا، فباع نصفه، ثم ظهر على عيب، فإن باع نصفه بمثل نصف الثمن فأكثر، لم يرجع لذلك النصف بشيء، وإن باعه بأقل، رجع عليه بالأقل من تمام نصف الثمن، أو نصف قيمة العيب، ثم يخبر البائع في النصف الباقي بين أن يسترجعه بنصف الثمن، أو يدعه ويؤدي نصف قيمة
[6/304]
***(1/300)
[6/305]
العيب، وذكر في كتاب ابن المواز: يخير البائع في النصف الباقي إن رضي مبتاع النصف بالعيب، وإن رد به، فللبائع رد جميعه أو حبسه.
ومن العتبية من رواية عيسى، عن ابن القاسم، وهي في كتاب ابن المواز، عن أصبغ، وهي في الواضحة، قالوا: ولو تصدق بنصفه فقط، فالبائع مخير بين أن يعطيه قيمة العيب كله، أو يعطيه نصف قيمة العيب، ويسترد نصف العبد بنصف ثمنه. قال عيسى في روايته: ولو دخله مع ذلك نقص في بدنه، فلا خيار للبائع، ويلزمه جميع قيمة العيب. قال: وقد قال أيضًا: ليس له خيار، واحتج فقال: إذا أراد هذا النصف الباقي فصار لعله يسوى جميع الثمن، قال: أنا آخذه، وأؤدي نصف قيمة العيب، وإن نقص تركه، وودى جميع العيب، فلا أرى ذلك، وعليه نصف قيمة العيب فقط. قال: ولو باع نصفه فقط، فإن رجع عليه بشيء فيما باع، رجع بجميع قيمة العيب. وإن لم يرجع عليه بشيء لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الباقي في يديه، مثل إذا باع نصفه، وتصدق بنصفه. قال في العتبية وكتاب ابن المواز: وإذا باع نصفه فليرجع بنصف قيمة العيب في نصف العبد، ولا يرجع للمبيع بشيء. قال في رواية عيسى: إلا أن يرجع إليه. وقال ابن حبيب: يرجع بنصف العيب في الصدقة، وينظر في النصف المبيع، فإن باعه بمثل نصف الثمن فأكثر، لم يرجع فيه بشيء، وإن باعه بأقل رجع بالأقل من تمام نصف الثمن، أو نصف قيمة العيب.
قال ابن القاسم في رواية عيسى: ومن اشترى عبدًا، وبه عيب لم يعلم به، ثم باعه، فحدث به عيب عند الثاني، فللثاني رده مع ما نقص عنده، أو يحسبه
[6/305]
***(1/301)
[6/306]
ويأخذ قيمة العيب. فإن رجع بقيمة العيب من ثمنه، كان لهذا أن يرجع على بائعه بقيمة العيب من ثمنه لا من الثمن الثاني.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا باعه من غير عالم بالعيب، يظنه حدث عنده، فتبرأ منه، ثم علم أنه قديم، فإن باع بأقل من رأس ماله، فليرجع بالأقل من بقية رأس ماله، أو قيمة العيب، فإن لم تعلم أيها المبتاع بالعيب أصلاً حتى بعت، فلتعرف المبتاع بذلك، فيرضى أو يرد، فإن رضي، فلا شيء له، ولا لك على بائعك، وإن رد، فلك أن ترد أو تحبس، ولو فات عند المبتاع منك بغير البيع، فله عليك قيمة العيب من ثمنه يوم شراه منك، ثم تنظر ما بقي بيدك منه، فإن كان مثل رأس مالك، فلا شيء لك على بائعك، وإن كان أقل، غرم لك بقيته أو ما وديت بسبب العيب، ما شاء من ذلك، فإن أبى، فعليه قيمة العيب من ثمنه يوم بيعه منك، وخالف أشهب ابن القاسم فيه إذا رضي المشتري الآخر به، ولم يفت عنده. فقال: ترجع أنت على بائعك بالأقل، وقال ابن القاسم: لا يرجع بشيء.
قال أشهب: وإذا ابتاع رجلان ثوبًا، فاقتسماه، فوجد أحدهما في نصفه عيبًا، فإنما يرد على شريكه، ثم يردان جميعًا على البائع مع ما نقصه القطع إن لم يدلس، أو يأخذا قيمة العيب.
قال ابن وهب: فإن تماسك أحدهما، وأحب الآخر الرد، تقاوما لعل البائع لا يقبله إلا كله. قال محمد: بل لمن شاء منهما الرد، ويغرم نقص القطع، أو يحبس ويأخذ نصف قيمة العيب؛ لأنه باع من كل واحد منهما نصفًا، وعلى أنهما يقتسماه ويقطعاه.
ومن ابتاع سلعة بعشرة، فباعها من رجل برأس ماله، ثم ابتاعها فيه بخمسة عشر، ثم ظهر على عيب قديم، فله الرد على الأول، ويأخذ عشرة، وإن شاء رد
[6/306]
***(1/302)
[6/307]
على الآخر، وأخذ خمسة عشر، ثم للآخر رده عليه، ويأخذ منه عشرة، ثم للمبتاع الأول رده على بائعه إن شاء، أو حبسه، ولا يكون رده إياه أولاً على بائعه منه أخيرًا يمنعه من رده على الأول.
ومن الواضحة: وإن اشترى عبدًا وبه عيب لم يعلم به، ثم باعه من بائعه، فإن كان الأول مدلسًا، وقد نقص بيد المبتاع نقصًا يفوت به، فإن كان ما باع منه بمثل الثمن فأكثر، ساغ له، ولا شيء على البائع، وإن كان بائعه منه بأقل من الثمن، رجع عليه بالأقل من تمام الثمن أو من قيمة العيب يومئذ، وإن لم يكن نقص عنده، فباعه بدون الثمن، رجع عليه بتمام الثمن، وإن باعه بأكثر، فسائغ له، وإن لم يكن مدلسًا، وكان العبد بحاله، فإن باعه بمثل الثمن، فلا شيء له، وإن كان بأقل، رجع بتمامه، وإن كان بأكثر، فبائعه الأول مخير في حبسه أو رده، فإن رده فالخيار لهذا في مثل ذلك، وإن كان قد تغير بيد مبتاعه بما يفوت به، فسواء باعه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، فالبائع الأول مخير في رده، فإن رده، فلمبتاعه رده عليه مع ما نقصه عنده، أو حبسه، وأخذ قيمة العيب، وإن لم يرده البائع الأول، فإن ابتاعه بمثل الثمن فأكثر، فلا شيء للمبتاع، وإن كان بأدنى غرم له الأقل من قيمة العيب، أو تمام الثمن.
ومن العتبية: من سماع عيسى، من ابن القاسم: ومن ابتاع جارية، فباعها، فقام المشتري الثاني فيها بعيب، وأراد الخصومة، فقال له البائع الأول: أنا أقيلك فيها، فرضي، وثمنها الأول أقل من الثمن. قال: قال مالك: ليس على البائع الأول إلا الثمن الذي قبض. قال ابن القاسم: ثم ليس له أن يرجع على البائع الثاني ببقية رأس ماله. وكذلك في كتاب ابن المواز، وقال: قال أصبغ: وذلك إذا كانت إقالة مبهمة لم يسم لها بشيء.
[6/307]
***(1/303)
[6/308]
ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب، عن مالك: ومن ابتاع فرسًا يحمل عليه في سبيل الله، ثم علم فيه عيبًا قديمًا، فإن خرج من يديه وقضى، فله قيمة عيبه، وإن كان بيده، فله رده على البائع، وأحب إليّ أن يشتري فرسًا يجعله في مثابته يريد ثمنه.
باب في العيب يوجد ببعض الصفقة أو يستحق
أو يوجد مختلفًا أو نقصانًا والتداعي في ذلك
من العتبية: من سماع ابن القاسم: ومن باع أعدالاً من كتان أو بز فنظر إلى ثوب أو ثوبين، أو رطل أو رطلين، ثم وجد الباقي لا يشبهه، فأما ما هو قريب مما رأى، فلا رد له، وكذلك القمح والتمر في بيت يكون أوله خيرًا من داخله، فأما التغير القريب، فلا حجة له فيه، وأما الأمر الفاسد، فليرد.
قال: ومن اشترى طعامًا جزافًا، أو كيلاً، أو غيره، فيجد أسفله مخالفًا لأوله، فإما أخذه كله، أو رده، إلا أن يسلم إليه البائع السالم بحصته، فيكون المبتاع أيضًا مخيرًا، كما يجتمعان على أخذ السالم. قال سحنون: وهذا إذا أصاب العيب بجله، فأما الشيء اليسير، فإنه يلزمه السالم بحسابه. يريد سحنون: في المكيل لا في الجزاف والعروض، إلا في استحقاق جزء شائع. وقال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: وإن كان يسيرًا لا خطب له، فليرده وحده بحصته من الثمن.
[6/308]
***(1/304)
[6/309]
وكتب شجرة إلى سحنون، في التين يباع في أزيار قد رزم منها، والصير في أزيار، والحوت المالح، فيشتري الرجل من ذلك زيرًا، أو أزيارًا، أو مجارسًا وقد قلب أعلاه فرضيه، فيغيب عليه، ثم يأتي بعد أيام قليلة أو كثيرة، فيزعم أنه وجد أسفله خلافًا لما قلب في أعلاه من التين، أو الصير وغيره من الحوت المالح، ويقول البائع: ما كان أسفله وأعلاه إلا سواء كما رأيت، ويأتي بما يزعم أنه وجده في أسفله، فلا يصدقه البائع، وكذلك سلال العنب يغيب عليها، ثم يأتي في يومه أو من الغد بشيء دنيء، يقول: إنه وجده في أسفل السلال، فيكذبه البائع. وربما اختلفا كذلك في الرمان والبطيخ يباع في قفافه، ويقلب أعلاه.
فقال سحنون: إذا اشتروا على ما رأوا من أعلاه ذلك كذلك، وكذلك تباع هذه الأشياء، ثم يأتون بعد أن غابوا عليها، فيدعوا خلافًا لما رأوا فيهم مدعون، وعليهم البينة أنهم من حين أخذوه لم تفارقهم البينة حتى وجدوا الخلاف، وإلا حلف البائع: ما باع إلا على أن أسفله مثل أعلاه وبرى.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع صبرة، أو مائة قفيز، ثم يستحق نصف ذلك، فله رد ما بقي، إلا أن يتماسك به. وقال أشهب: تلزمه ما بقي، وكذلك إن نقصت خمسين، وقد قال مالك في الرقيق يستحق نصفها، يلزمه ما بقي، وهي أولى بالرد، وإلا فلا حجة له في الطعام في استخفاف اليسير منه، أو نقص اليسير.
قال ابن القاسم: وإذا أصاب في المائة قفيز ثلثها، أو ربعها معيبًا، فليس له أخذ السالم بحصته، قال مالك: وكذلك الصبرة في أسفلها خلاف، إلا أن يتفقا على ذلك. وقال عنه أشهب في الصبرة: إن قال أهل الطعام: لا بد من هذا، لم يرد شيء منه حتى تجد اختلافًا بينًا، فيأخذ الجميع أو يرده.
[6/309]
***(1/305)
[6/310]
وذكر قول ابن القاسم في الشاتين، واحدة غير ذكية، والقلتين، إحداهما خمر، وقول أشهب. وقال أصبغ بقول أشهب، وبقول ابن القاسم يقول محمد.
قال مالك في من ابتاع رقيقًا، فوجد بأحدهم عيبًا، أو وجد مسروقًا، فإن كان وجه الصفقة، وفيه رجاء الفضل، فله رد الجميع. قال ابن القاسم: يعني في كثرة الثمن. قيل: فنصف الثمن؟ قال: لا، حتى يكون أكثر، ويكون ما بقي له تبعًا، وإذا رد القليل، فبحصته من الثمن، لا بما سمى له من الثمن، وكذلك صبرة قمح، وصبرة شعير تباعا في صفقة، كل صبرة بدينار، تستحق التي ليست وجه ذلك، فإن استحقت الوجه، رد الأخرى، وإن فاتت وجهل كيلها، لزمته بحصتها من الثمن، ولو اشتراهما على أن كل قفيز بدرهم، لم يجز. وقال ابن حبيب بخلاف قول ابن القاسم، وأشهب، في التراضي، يأخذ الأدنى بحصته وقد استحق الأرفع، أو رد بعيب، فقال في رقيق في صفقة واحدة يوجد بأحدهم عيب أو يستحق، وهو الذي يرى فيه النماء، والربح، وكثرة الثمن. ومن أجله اشتري الجميع، فرضي المتبايعان بأخذ المبتاع ما بقي بحصته من الثمن: إنه جائز؛ لأنه كان بيعًا قد تم، بخلاف من ابتاع عبدًا وجارية، وهي وجه الصفقة، فهلكت في المواضعة، فلا يجوز الرضا بأخذ العبد بحصته؛ لأنه لم يكن بيعًا يتم إلا بخروجها من الحيضة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع دارين، فاستحق بعض واحدة. فأما أيسرها، فليرجع بحصته، وإن كان أكثرها وهي وجه الصفقة، ردهما، وأما الدنية، فيردها بحصتها. وقد قيل: هما كدار، فإن كان ذلك يسيرًا في الصفقة، لم ينتقض البيع، وهذا قول سحنون.
ومن ابتاع حائطًا، فاستحق نصفه، فله رد جميعه. قال مالك في الدار والحائط: إن استحق من ذلك كثير، تضر به فيما بقي، ويضيق ذلك عن سكناه وعما اشتراه له، فله رد الجميع، وأما نخلات يسيرة، أو من الدار ما لا يضيق عليه، فيلزمه ما بقي. قال: ومثل الثمن والسدس يسير، والثلث كثير، ترد به الدار.
[6/310]
***(1/306)
[6/311]
قال أشهب: ومن ابتاع عدة رقيق، فوجد بواحد عيبًا، فإن كان ينقص ذلك من ثمن الجملة شيئًا، رد الرأس وحده بحصته، وإن لم ينقص من ثمن الجملة لم يرده، وإن كان ينقص من ثمنه لو انفرد. قال محمد: وأنا أستحسن هذا في الحمل خاصة، وأما غيره من العيوب، فليرده بحصته مما بقي.
ومسألة بيع السفينة من الرقيق كتبتها في باب عيوب الرقيق، وهي من العتبية، وهي في كتاب ابن المواز.
قال: ومن باع جارية بجاريتين، فرد واحدة من الاثنتين بعيب، وقيمتها سواء، فليرجع بنصف قيمة جاريته، فاتت أو لم تفت، لضرر الشركة. وقال أشهب في غير هذا الكتاب: يرجع فيها بعيبها، وإن كان العيب بأرفع الجاريتين، ولم يدخلهما نقص في بدن، فليردهما، ويأخذ جاريته إن لم تفت في سوق أو بدن، فإن فاتت في سوق أو بدن، أخذ قيمتها يوم قبضها الآخر.
قال في الجزء الرابع في القيام بعيب، فقال: قيمتها يوم خرجت من الاستبراء، وإن لم تفت هذه ولا المبيعة، وفاتت الدنية. وقيمة الدنية قيمة مطلقة، لا على الحصة، لانتقاض البيع، ويأخذ جاريته، وإنما يفيت الدنية هاهنا حدوث عيب مفسد لا تغير سوق، وكأنه وجد العيب بها، إذ هو بوجه الصفقة. وأما إن فاتت المتفردة في سوق أو بدن، فليرد المعيبة فقط بقيمتها من قيمة صاحبها: إن فاتت الدابة، فيأخذ تلك الحصة من قيمة المنفردة، وإن لم تفت الدنية، ردها مع المعيبة، ولو وجد العيب بالدنية، ردها بحصتها من قيمة المنفردة، وإن لم تفت المنفردة بشيء، ولو فاتت المعيبة، وهي أرفع الاثنتين، رجع بحصة العيب في قيمة المنفردة، وإن وجد بأحد الجاريتين عيبًا، وماتت الأخرى، فاختلفا في قيمتها، فادعى مبتاعها قليلاً، وقال بائعها: قيمتها الثلثان، فليصفاها، فإن اختلفا في الصفة، فالقول قول البائع مع يمينه، انتقد أو لم ينتقد.
[6/311]
***(1/307)
[6/312]
وأنكر محمد فرق ابن القاسم بين المنتقد وغيره، وكذلك قال ابن حبيب، وقاله أصبغ في العتبية، وهو قول أشهب.
قال ابن القاسم: ولو وجد بالمنفردة عيبًا فردها، فإن فاتت أرفع الاثنتين بحوالة سوق أو بغيره، أو فاتتا بذلك جميعًا، فله قيمتها يوم قبضها الآخر، وإن فاتت الدنية فقط، رد قيمتها، ما بلغت، لا على الحصة، ورد الرفيعة، وهذه المسألة من أولها قد ذكرتها في كتاب الاستبراء، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، وفيها معان زائدة على ما هاهنا وهناك أشبه بذكرها.
ابن القاسم: ولو باع جاريتين بعين، فوجد عيبًا بالدنية، فليردها بحصتها من الثمن، وإن وجده بالرفيعة، وقد فاتت الدنية، رد الرفيعة بحصتها من الثمن، لأن البيع لم ينتقض كله، بخلاف أن لو كان ثمنها سلعة لم تفت، فإنه كان يرد الرفيعة وقيمة الدنية ما بلغت، لانتقاض البيع كله، ويأخذ سلعته. ولو كانت هذه السلعة مما لا ضرر فيها بالقسم، لاحتبس مبتاعها منها قدر حصة الدنية الفائتة، ورد ما بقي، ولو فاتت هذه السلعة، وقد فاتت الدنية، لرد المعيبة الرفيعة وحدها بحصتها من الدنية في قيمة السلعة الفائتة.
ومن ابتاع عبدين في صفقة، فوجد بهما عيبًا، فرضي أحدهما ورد الآخر: فإن رد الأدنى، فذلك له بقيمته من قيمة الأرفع في الثمن يوم البيع على السلامة، وإن رد الأرفع، فليس له حبس الأدنى، كما لو كان الأدنى سالمًا، هذا قول مالك وأصحابه.
ولو ابتاعهما بالخيار، فوجد بهما أو بأحدهما عيبًا قديمًا، أو حدث ذلك في أيام الخيار، فليس له رد أحدهما في أيام الخيار، رفيعًا أو دنيًا، وإنما له ردهما أو حبسهما بجميع الثمن، وكذلك لو وهبا له لثواب، فليس له رد أحدهما، لا الأرفع ولا الأدنى، إلا أن يدخلهما فوت، أو يكون قد أثابه فيصير حينئذ كالبيع بغير
[6/312]
***(1/308)
[6/313]
خيار، فإن أصابه بالأرفع فشاء رده، ردهما جميعًا، وإن كان بالأدنى، فله رده وحده. قال: ولو أصاب العيب بهما. يريد: في بيع الخيار، فليس له إلا ردهما أو حبسهما، بخلاف البيع بغير خيار، قال: فليس العيب أوجب له فيهما الخيار، بل خياره فيهما قائم.
ومن ابتاع ثوبين بعشرة دنانير، فوجد بالأرفع عيبًا، وفات الأدنى، وهو قدر رفع الصفقة، رد المعيب وحده، وأخذ حصته، وكذلك إن كان الثمن قمحًا أو زيتًا، ولا ما لا ينقصه القسم.
قال مالك: ومن أراد رد عبد اشتراه بعيب، فصولح منه على عبد آخر، فاستحق أحدهما، فذلك كشرائهما في صفقة، قال: وكذلك إن صالح على ثوب.
قال ابن القاسم: وإن ابتاع عبدين بدار، فرد أدناهما بعيب، فليرجع بحصته في قيمة الدار، لا في رقبتها، وكذلك لو باعها بماله عدد ما يصلح فيه القسم، من الثياب، وغيرها، فليرجع في القيمة، ولا يرجع فيها وإن لم تفت.
قال أصبغ: وأرى إن كانت بحدثان البيع وقربه، وقبل تغير الأسواق، أن يرجع فيها بعيبها وينقص منها بقدر ما يرد.
وقال ابن القاسم: يرجع بذلك ثمنًا. قلت لمحمد: لم ولا ضرر على مشتريها؟ قال: فهو ضرر على بائعها إذا صار يرجع إليه من الدار قدر ثمنها، لا يسعه ولا يكفيه.
ومن اشترى مائة عبد، فاستحق منها سدسها شائعًا، فإن كانت لا تنقسم على ذلك الجزء، فهو مخير عند أول الاستحقاق قبل يستحق، بين أن يرد الجميع، أو يتماسك، وإن كانت تحمل القسم، فلا خيار له، ويلزمه ما بقي، كالدار العظيمة تحتمل القسم، يستحق منها جزء يسير سائغ، فيلزمه باقيها.
[6/313]
***(1/309)
[6/314]
ومن باع عبدًا حاضرًا بعينه، وعبدًا موصوفًا إلى أجل، في صفقة، فاستحق المعين، نظر ما قيمته من قيمة الموصوف إلى أجله وحال بائعه، فيرد حصة المستحق، ويثبت الباقي، وإن كان المستحق وجه الصفقة، انتقض البيع كله.
ومن أسلم ثوبين في فرس، فاستحق أحدهما، فإن كان الأرفع، انتقض السلم، وإن كان الأدنى، مثل أن يكون ربع الصفقة، وفات الأرفع أو لم يفت، قيل له: ادفع ربع قيمة الفرس يوم الصفقة على صفقة إلى مثل أجله، مثل ما لو بايعه بفرس بعينه، ويكون لك الفرس، وكذلك في وجوب العيب. قال: وإن وجد بأرفعها عيبًا، والفرس بعينه، رد المعيب والأدنى، وأخذ فرسه إن لم يفت، أو قيمته إن فات، وإن فات الأدنى، وهو ربع الصفقة، رد الأرفع مع قيمة الأدنى ما بلغت، وأخذ فرسه، إلا أن يفوت، فلا يرد إلا الأرفع، ويأخذ ثلاثة أرباع قيمة الفرس مطلقة يوم البيع، وحوالة الأسواق في الفرس في هذا فوت، ثم لا يرد إلا المعيب وحده، كان الأرفع أو الأدنى. وإن كان العيب بالفرس فرده، أخذ ثوبيه، وما فات منهما، أخذ قيمته ما بلغت، كان هو الأرفع أو الأدنى.
وبعد هذا باب في الشقة أو العرصة توجد أقل من الذرع المشترط أو أكثر.
في العبد يؤخذ في نكاح أو دم أو صلح أو سلم
أو في دين ثم يوجد به عيب أو يستحق
وفي الصلح من عيب يقام به
من كتاب ابن المواز: وإذا نكحت امرأة بعبد بعينه، فظهرت منه على عيب، وحدث عندها عيب آخر، فلها أن تأخذ قيمة عيبه. يريد محمد: من قيمته، أو ترده مع ما نقص عندها، وترجع بقيمته صحيحًا.
ولو استحق بحرية، فلا شيء عليها في العيب الحادث عندها أو ترجع بقيمته سالمًا.
[6/314]
***(1/310)
[6/315]
ومن العتبية قال سحنون: وإن نكحت بعبد مضمون، فقبضته، فألفته معيبًا، فلترده، فإن فات، ردت قيمته، وترجع بعبد مثله. وكذلك من قبض عبدًا من سلم، فمات بيده، ثم ظهر على عيب، فليرد قيمته، ويرجع بعبد مثله، وقيل أيضًا عن سحنون، ولم أروه: إنه ينظر ما قيمة العيب منه، فإن كان ربعه، رجع عليه بربع عبد، فيكون معه شريكًا في مثله، يريد: إذا مات.
وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أسلم إليه مائة دينار في عبد يصفه، فقبضه وأعتقه، أو كانت أمة، فأولدها، ثم وجد بأحدهما عيبًا، أو استحق نصفه بحرية، فإنه يرجع بما نقصه العيب من قيمته، لا من الثمن، بخلاف العبد بعينه الذي ينفسخ فيه البيع برده، وهذا لو رده رجع بمثله، فلينظر إلى قيمته سالمًا، فقيل: مائتين، ثم يقال: ما قيمته وبه العيب؟ فيقال: مائة، فيرجع عليه بمائة دينار.
قال عبد الله: وهذا لا وجه له؛ لأنه إنما يجعله كأنه قبض نصف صفقته، فيرجع بنصف عبد، كما قال سحنون، أو يقول: قبض غير صفقته، فليرد قيمته كما قال ابن القاسم، ويتبعه بعبد، وهذا أشبه الأقاويل بالصواب إن شاء الله.
ومن الواضحة قال: ومن أخذ عبدًا من دين كان له من سلف أو بيع، أو من دية خطأ، ثم وجد به عيبًا، أو استحق، فانظر، فإن كان يشبه أن يكون ثمنًا لما اشتراه به من دين أو دية، فليرجع بجميع ذلك، وإن كان لا يشبه أن يكون ثمنًا له، وإنما أخذه على الهضم البين لعدم أو صلة، فليرجع بقيمة العبد بعينه، أو غيره من السلع إن كان، وفيه اختلاف، وهذا أحب إلي، وقد ذكر عن مالك.
[6/315]
***(1/311)
[6/316]
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا بمائة دينار، فمات عنده، ثم علم فيه بعيب قديم، فصالح منه على مائة درهم قبل علمهما بقيمة العيب، فذلك جائز، وإن لم يعرف، وإن استحق حرًا، رجع بقيمته كله، ولو استحق مسروقًا، لم يرجع عليه بشيء، ورجع مستحقه على بائعه بالثمن.
فيمن ابتاع دارًا أو أرضًا أو شقة
على أن فيها من الزرع كذا وكذا
فوجد أقل أو أكثر أو وجد في الدار حائطًا لجاره
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن اشترى دارًا على أن فيها مائة ذراع، فوجد زيادة ذراع، فهو مخير في أن يغرم حصة الزيادة، أو يرد البيع كله، إلا أن يدع له البائع الزيادة.
وإن ابتاع ثوبًا على أن فيه سبعة أذرع، فوجد ثمانية، فذلك للمشتري بزيادته. قال محمد: وله الرد في النقصان.
قال أشهب: وأما الصبرة يبتاعها على كيل سماه، فتزيد، فليرد الزيادة، ويلزمه البيع فيما بقي.
ومن الواضحة ذكر في الثوب مثل ذلك. قال: وهو ثوب بعينه يقلبه، فلما تم البيع قاسه. وقال في النقصان: إن فات بالقطع، فليرجع بقيمة ذلك.
قال: ومن اشترى عرصة على ذرع مسمى، فهي كالشفة في ذلك، في الزيادة والنقصان، وأما الدار ذات البناء والمنازل، فليست كذلك؛ لأن هذه إنما توصف بحدودها، فإن سمى مع ذلك الزرع، فهي كالتحلية والمراوضة، وإن نقص الزرع يسيرًا، فلا قول للمبتاع، إلا أن يتفاحش النقص بما له خطر، فيكون عيبًا يرد به إن شاء، أو يكون اشترط الزرع اشتراطًا، منصوصًا، فيكون له فيما قل من النقص وكثر، مثلما لو قلنا في الشقة والعرصة: إنه عيب، وهو في العرصة والشقة عيب، كان ذلك بشرط، أو تذكر من البائع فقط، كما قال مالك
[6/316]
***(1/312)
[6/317]
في الجارية التي تزعم أنها عذراء أو طباخة، ولو ذكر في العرصة مع الزرع الحدود، لم يكن كالدار؛ لأن العرص إنما يراد منها الزرع، كما يراد من الدار البناء، وقاله كله أصبغ وغيره.
ومن كتاب آخر/ قال سحنون في الثوب يشتريه على أنه سبعة في ثمان، فإن وجده أكثر من ذلك، فهو للمشتري، ولا كلام فيه للبائع برد ولا زيادة ثمن، وإن أصابه أقل فالمبتاع مخير بين رده أو الرضا به بما يقع عليه من الثمن، وأما إن قال: على أن فيه كذا وكذا ذراعًا، على أن كل ذراع بعشرة، فهذا إن أصاب زيادة، فالمشتري لا يأخذه إلا بزيادة من الثمن بقدر الأذرع كما سمى، وإلا رده، وأما في النقصان، فيلزمه بحصة ما نقص من الثمن، وأما الدار يشتريها على أن فيها ألف ذراع، فأجمل ذلك، أو قال: لكل ذراع من الثمن كذا. فهذا إن وجدها أزيد، فللمشتري أخذها، وإن وجدها أقل، فهي تلزمه بخطاط ما نقص ذلك القياس من الثمن، إلا أن يكون ما نقص منها كثيرًا يضر به، فلا يلزمه ذلك بحصته، إلا أن يشاءه. انظر قول سحنون في الدار: للمشتري أخذها. ولم يفسر، هل بزيادة ما زادت، أو بالثمن الأول، وما أراه يأخذها في الزيادة إلا بغرم حصة الزيادة من الثمن؛ لأنه قال: لأنه يضر به فيما يبقى منها. يريد: الزيادة. قال: إلا أن يكون لا يضره، لسعة الدار، وكثرة طرقها ومرافقها. قال: وليست كالثوب، ولا كالصبرة. وقال في الصبرة: يرد الزيادة، ويحاسب بما نقص، وتلزمه إذا لم ينقص كثيرًا.
ومن العتبية من سماع عيسى: قال ابن القاسم: ومن اشترى دارًا، على أن فيها ألف ذراع، فلم يجد إلا خمسمائة، فهو مخير في أخذها بحصتها من الثمن، أو يرد. وقال عنه أسد: إما يأخذها بجميع الثمن أو يردها. قال عنه عيسى: فإن كان فيها بنيان فانهدم، ثم قاس، فلم يجد إلا خمسمائة، قال: يلزمه بحصتها.
[6/317]
***(1/313)
[6/318]
قال أصبغ: ومن اشترى دارًا بكل ما فيها، وكل حق هو لها، فهدمها إلا حائطًا أقام جاره ببنة أنه له، فلا حجة للمبتاع بذلك على بائعه، وإن طلب يمينه أنه لم يبعه منه فيما باع، لم يلزمه إلا أن يدعي أنه باعه ذلك الحائط بعينه، والبائع منكر، فليحلف له، فأما قوله: اشتريت جميع الدار، فهذا منها. فلا يمين له بهذا؛ لأنه إنما باع منه كل حق هو لها، فليس هذا من حقوقها.
ذكر ما يفيت السلع وأعواضها في الرد بالعيب والاستحقاق
وكيف إن أخذ بالثمن عرضًا أو دراهم؟
من كتاب ابن المواز: وليس تغير السوق في المعيب يفيت رده، فإذا رد، فتغير السوق في ثمنه إن كان عرضًا، أو عبدًا، أو حيوانًا فوتًا يوجب قيمته، إلا أن يكون عرضًا يكال أو يوزن، فيرد مثله. وكذلك ما يستحق، فتغير السوق في عرضه فوت على ما ذكرنا، وكذلك إن استحقت هبة الثواب، وتغير سوق عرضها، فله قيمته.
قال مالك: ومن باع سلعة بمائة دينار، فاستحقت السلعة، أو ردت بعيب، فليرجع بالمائة، إلا أن يكون ما دفع فيها لا يشبه أن يكون ثمنًا له، مثل ما يساوى خمسين، فهذا يرجع بالعرض، فإن فات فبقيمته. ابن القاسم: لأنه أخذه على التجاوز والهبة أو لعسرته، وإن كان يقارب المائة، فهو بيع مؤتنف، فعليه المائة، وكذلك إن أخذ بها قمحًا كيلاً، فليرد المائة، إلا أن يأخذه على التجاوز في قلبه، فليرد مثله، فات أو لم يفت، ولو باعه بالمائة، على أن يأخذ بالمائة عرضًا سماه، فكأنه لم يبع إلا بالعرض، والمائة لغو، فلا يرجع إلا بالعرض، فإن فات، فبقيمته، وتفيته حوالة الأسواق، إلا فيما يكال أو يوزن، فليرده أو مثله، فإن لم يعرف له كيل أو وزن فقيمته، وكذلك إن كان العوض سكنى دار، أو ركوب دابة، رجع
[6/318]
***(1/314)
[6/319]
بقيمة ذلك، فإن رد الموزون أو المكيل بعيب، أو استحق وثمنه عيب أو عرض حال سوقه، فليرد قيمته، إلا فيما يكال أو يوزن، فيرد مثله ما لم يكن جزافًا، فيرد قيمته، وإن كان المعيب عرضًا مضمونًا، رجع بمثله، ولم ينقض البيع، ولو استحق ما أخذ في الثمن، أو رده بعيب، رجع بالثمن ما كان، فات أو لم يفت.
قال ابن القاسم في العتبية، عن مالك في من باع سلعة بدنانير، ثم أخذها دراهم، ثم استحقت السلعة، وحال الصرف، فليرجع بالدراهم، بخلاف العرض يأخذه في الثمن، فإن أخذ به عرضًا، فذكر مثل ما ذكر ابن المواز.
باب في مال العبد وغلته
وغلة النخل في الرد بالعيب والبيع الفاسد
من كتاب محمد: ومن رد عبدًا، أو نخلاً بعيب، وقد استثنى مال العبد، والثمرة المأبورة في النخل، فليرد المال والثمرة، وإن كان أكثر ثمنًا، فإن هلك ذلك بجائحة، أو تلف، لم ينقص ذلك من الثمن.
وقال مالك: إذا تلف المال عند المشتري، فلا يضمنه، ويأخذ جميع الثمن، إلا أن يكون أكله، بخلاف الغلة المؤتنفة. قال محمد: ما لم تجذ الثمرة، فإن جذها حتى يفيتها، لرد مثلها، ولو قبض مال العبد، ثم تلف، لرد مثله، وما لم يؤبر يوم البيع، فهو كغلة مؤتنفة.
وقال فيمن ابتاع نخلاً لا تمر فيها بيعًا حرامًا، ففسخ وقد أثمرت، فإن طابت، فهي للمبتاع، جذها أو لم يجذها، وإن لم تطب، ردت مع الأصل، ورجع بما أنفق، وكذلك إن ردت بعيب، وليس فيها تمر يوم الشراء، وهي الآن فيها.
[6/319]
***(1/315)
[6/320]
قال ابن القاسم: وما جز من صوف كان يوم البيع على الغنم، فليرد مثله أو قيمته في الرد بالعيب، وأما في التفليس، فليحسب ثمنه من قيمة الأجل، ويرد بالعيب ما ولد للأمة بعد الشراء، أو قيمة الولد في الغنم إن أكلته، أو ثمنه إن بعته، وأما في التفليس، فلا شيء لربها من ذلك. أما أخذ الأمهات بجميع الثمن، وإلا فله الحصاص ما لم يكن ولدها معها، لم يبع ولم يتلف، وما أفاد العبد المردود بالعيب من غير كسب يده عند المبتاع أو ماله المشترط، فإنه يرد معه، وإلا فلا رد له، ويرد ما انتزع من ذلك كله، إلا أن يهلك عند المشتري، فلا شيء عليه فيه، وأما خراجه فللمبتاع وإن لم يقبضه حتى يرده بالعيب. لعله يريد: عند المشتري، وهو بيد العبد؛ لأنه قال أول الباب غير هذا.
قال مالك فيمن ابتاع عبدًا له ثلاثة أعبد فاستثناهم، ثم وجد ببعض عبيد العبد عيبًا، فلا رد له بذلك، ولا قيمة عيب؛ لأنه مال العبد، وهو لو هلك ماله في الثلاث لم يرد، ولو نزل بالعب نفسه شيء، رده ولا شيء عليه فيما هلك من ماله، وعبيده في العهدة، ولا في رد نفسه بعيب، ويأخذ جميع الثمن.
في بيع المصراة وردها لذلك
من الواضحة قال ابن حبيب: ومن الغش ما نهى عنه النبي عليه السلام من تصرية الناقة والشاة عند البيع. والتصرية: حبس اللبن في الضرع، وأصله حبس الماء. تقول: صريت وصريته. قال الأغلب:
رأت غلامًا قد صرى في فقرته = ماء الشباب عنفوان شرته
[6/320]
***(1/316)
[6/321]
وليست المصراة من الصرار، ولو كان منه لقيل: مصرورة، وتسمى المصراة المحفلة؛ لأن اللبن أحفل في ضرعها، فصارت به مجفلة، ولا تكون حافلاً، والحافل العظيمة الضرع، وهذا أصل لكل من باع شيئًا وزينه بغش، أن للمبتاع رده.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قلت لمالك: أتأخذ بحديث المصراة؟ قال: نعم، وإنما اتبع ما سمعت، أو لآخذ في هذا الحديث رأيي. ولم يأخذ به أشهب، وقال: قد جاء ما يضعفه إن الغلة بالضمان، وسألت عنه مالكًا، فكأنه ضعفه. قال أشهب: وهو لو ردها بعيب، وقد أكل لبنها، فلا شيء عليه للبن.
قال محمد: والذي يأخذ في الصاع في المصراة خاصة، وبه أخذ ابن القاسم، وإنما يرد بعد أن تحلب مرتين، فإن حلبها ثالثة، لزمته، وذلك في الذي أصرت، ولم يدر البائع والمبتاع ما حلابها؟ ولو كانت غير مصراة في إبان لبنها، فدرت، فحلبها، فليرد حلابها، ولا يردها إلا أن يكون البائع علم بحلابها فلم يخبره قدره.
وإن اشتراها في غير إبان لبنها، والبائع عالم بوجه حلابها، فلم يذكر، وجاء إبان حلابها. قال أشهب: فللمبتاع ردها، حلبت أو لم تحلب، إذا كانت شاة لبن. وقال ابن القاسم: لا رد له حتى يبتاع في إبان لبنها ويكتمه الحلاب. قال محمد: وأرى أن ينظر في ثمنها، فإن كان في كثرته ما يعلم أن ذلك لا يبلغ،
[6/321]
***(1/317)
[6/322]
لشحمها ولحمها، ولا للرغبة في نتاج مثلها، فإن ظهر أن الغالب من ذلك أنه اللبن، فليردها إذا كتمه البائع وثبت ذلك.
تم الجزء الثاني من أقضية البيوع
يتلوه الجزء الثالث إن شاء الله
وصلى الله على محمد
[6/322]
***(1/318)
[6/323]
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثالث من أقضية البيوع
أبواب الاستثناء من الصفقة
باب بيع العبد وله مال وكيف إن باعه واستثنى ماله أو بعضه؟
أو بيع الشجر واستثنى الثمرة أو بعضها في العقد أو بعده
والدعوى في ذلك وجامع القضاء في مال العبد
من الواضحة: ولا يجب للمبتاع في السنة مال العبد إلا باشتراطه، فإن اشترطه، فهو له، كان عيبًا أو دينًا أو ناضًا، أو عرضًا معلومًا أو مجهولاً، وإن كان أكثر من ثمنه، كان ثمنه نقدًا أو دينًا أو عرضًا، وهو بيع لا تقع له حصة من الثمن، وإنما يصير للسيد بالانتزاع، ولو كان في ماله أمة، حل للعبد وطؤها بغير إذن السيد. قال: ولا يجوز في مال العبد، وثمرة النخل اشتراط نصفها. وكذلك في حلية السيف. ولا إن قال البائع: أبيعك العبد بنصف ماله. وكذلك في الثمرة، وحلية السيف. وقاله كله مالك، ومن كاشفت من أصحابه.
[6/323]
***(1/319)
[6/324]
من كتاب محمد: قال مالك: وإذا لم يشترط في البيع مال العبد، ولا مأبور الثمرة، فله أن يزيده شيئًا ليلحق المال والثمرة ببيعه. وقاله ابن القاسم، وأصبغ. قال عيسى في العتبية، عن ابن القاسم: يجوز، وإن كان ماله عينًا، واشتراه لعين، فأما إن كان عرضًا، فليس فيه كلام.
محمد: وروي عن مالك أن ذلك لا يجوز بعد العقد، إلا أن يكون مالاً معلومًا، فيشتريه بعين إن كان عرضًا، أو بعرض إن كان عينًا، وأخذ بهذا ابن وهب، وابن عبد الحكم، في المال والثمرة.
وقال أبو زيد، عن ابن القاسم: إن كان بحضرة البيع وبقربه، فجائز، وإلا لم يجز، وقال عنه أصبغ مثله في العتبية، في مال العيب. وقال عنه عيسى مثله في الثمرة: إنما يجوز بحدثان البيع. وروى أشهب أن مالكًا لم يجزه فيهما، وروى عنه إجازته، وأجازه أشهب في الثمرة، ولم يجزه في مال العبد، ورواه عن مالك أيضًا.
ومن ابتاع عبدًا بمائتين سوى مائة، وقال: أردت ماله، فلا قول له، وكذلك ثمرة النخل المأبورة، وذلك للبائع.
قال مالك: وللسيد أن ينتزع صداق الأمة، وهو لها حتى ينتزعه، وإن باعها، فهو له، وإن أعتقها، فهو لها، إلا أن يستثنيه، وإن باعها قبل البناء، فهو له، وإن كان نكاحه تفويضًا، فهو للمبتاع إن لم يبين بها، إلا بعد البيع.
قال مالك: ولا يجوز أن يستثني نصف الثمرة المأبورة، ولا جزءًا منها، ولم يكن من عمل الناس. قال أشهب: فإن نزل، لم أفسخه، ورأيته جائزًا، والعبد يستثنى نصف ماله، فذلك جائز، وكذلك بعد الصفقة، ذلك له في المال كله، أو بعضه. قال عنه سحنون في العتبية: لا بأس باستثناء نصف الثمرة، أو
[6/324]
***(1/320)
[6/325]
نصف مال العبد في البيع، وقاله أصبغ في الثمرة. وذكر ابن حبيب، عن ابن الماجشون مثل قول مالك في الثمرة ومال العبد.
قال أشهب، عن مالك: ولا يجوز بيه أحد الشريكين في العبد حصته فيه، إلا بماله، وإن باعه مبهمًا، ولم يسمه، لم يجز. وقاله ابن القاسم. قال مالك: لأنه لا يكون للمبتاع إلا باشتراط. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، قال: وكذلك إن كان نصفه حرًا أو لآخر، فلا يشتريه إلا من يحل في المال محل بائعه، يقر في يد العب لا يحرك. قاله مالك، وليس للبائع أن يستثنيه، فإن لم يذكراه عند البائع، فقال البائع: بعته بغير مال. فالبيع فاسد. قال سحنون: وإن باعه من شريكه، على أنه ماله للبائع، فذلك جائز؛ لأنه كالمقاسمة، بخلاف إن اشتراه غير شريكه.
أصبغ، عن ابن القاسم: ومن قال: أبيعك عبدي بكذا، وله مائة دينار أوفيكها. لم يصلح ذلك. يريد: والثمن عين.
ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم: ومن باع عبده، واستثنى نصف ماله، لم يجز، إلا أن يكون ماله غير العين، وهو حاضر يراه، وإنما السنة في الجميع. قال عنه أصبغ في العتبية: ويجوز إن كان الثمن قرضًا، والمال عينًا. قال أصبغ: وذلك إذا وقف المشتري على معرفة الذهب، والورق، وأثمانه معروفة، أو العرض بصفته وعينه، ومخالفًا للعرض الذي يعطى في ثمنه، وأما مجملاً لا يدري ما هو، فلا يجوز، كان عينًا أو عرضًا، وإن اشتراه بعرض، بخلاف ما لو استثنى جميع المال. قال: وأجاز ابن القاسم أن يستثني نصف ماله، وهو عرض، والثمن عرض من صنفه، قال أصبغ: لا يعجبني.
[6/325]
***(1/321)
[6/326]
قال محمد: قال أشهب: إذا أذن أحد الشريكين في العبد، في أخذ حصته من ماله، ففعل، وأخذ الآخر بيده حصته، فله أخذها متى شاء، فإن باعاه، وبقي ماله لهما، فليأخذ الآخر مثل ما أخذ الأول، ثم يقتسمان ما بقي.
قال أصبغ: لا أحب لأحدهما أن يأخذ شيئًا من ماله وإن أذن له شريكه، وليرده إن فعل، إلا أن يأخذ شريكه مثله.
وقال في كتاب العتق، عن مالك: وإذا أخذ أحدهما حصته من ماله بإذن شريكه، ثم باعه بعد ذلك، فثمنه بينهما نصفين، وإن استثنى ماله، كان بينهما نصفين. قال أصبغ: لأن ما تركه شريكه صار ملكًا للعبد، لو شاء الذي تركه انتزاعه، لم يكن له ذلك إلا باجتماعهما.
قال: ومن ابتاع عبدًا، على أن ماله مائة دينار يوفيه إياها البائع، لم يجز. وفي آخر كتاب الاستبراء باب، فيه ذكر الأمة تباع وعليها حلي وثياب، فيختلفان فيه، أو يستثنى، أو يشترط، وهو يشبه معاني هذا الباب.
في مال العبد المستحق
ومن اشترى عبدًا واشترط ماله
من كتاب محمد: قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا، ثم باعه، فاستحق وبيده مال أفاده عند المشتري الثاني، قال: فماله للمستحق، إلا ما وهب له خاصة، فلينتزعه منه، وكذلك ما أفاد من عمل يده، أو من ربح مال دفعه إليه السيد، فذلك له، وما كان من غير ذلك، فهو للمستحق.
ومن مات وبيده عبد بعد أن أفاد عبده مالاً، ثم اعترف مسروقًا، فالمستحق مخير إن شاء أخذ المال الذي ترك بيد المبتاع مما أفاد عنده لو لم يرجع مبتاعه بالثمن على بائعه، وإن شاء اتبع الغاصب بقيمته، وكان ما ترك لمبتاعه.
[6/326]
***(1/322)
[6/327]
ومن اشترى عبدًا، واستثنى ماله، وله جارية رهنها البائع، فإن افتكها، فهي للعبد. قال محمد: عليه أن يفتكها من ماله.
ومن اشترى عبدًا، واشترط ماله، وله جارية حامل منه، فجاريته تبع له، وولدها للبائع؛ لأنه ليس بماله، ولا أفسخ به البيع؛ لأنه لو اشترط ماله، وللعبد جمل شارد وعبد أبق، فلا بأس بذلك. قال محمد: وأظنها لابن القاسم، من رواية أبي زيد، وأنا أتوقف عنها.
في الثمرة أو الصبرة تباع ويستثني البائع منها
أو يشتري ذلك بعد الصفقة
وذكر الجائحة في ذلك
من الواضحة: ومن باع ثمرة حائطه، واستثنى ثمر أربع نخلات بأعيانها، جاز ذلك، قلت أو كثرت.
وذكر الجائحة فيما يستثنى من الثمرة والصبرة مذكور في باب الجوائح.
ومن كتاب ابن المواز، والواضحة: ومن باع ثمرة يابسة، أو صبرة، فله أن يستثني منها كيلاً قدر الثلث فأقل، ويجوز أن يشتري منها جزءًا شائعًا، كان أكثر من الثلث أو أقل.
ومن الواضحة: وإن باعه ذلك بثمن إلى أجل، فلا بأس أن يشتري شيئًا منه بنقد، وله أن يشتري منه مقاصة مثل ما يجوز أن يستثنيه، ولو باعه بنقد، فله أن يشتري منه مثل ما ذكرنا بنقد، إلا من أهل العينة، ولا يشتريه منه إلى أجل، فيصير بيع وسلف وإن لم يكونا من أهل العينة، وأما بعرض، فيجوز نقدًا، ولا يجوز إلى أجل، فيصير الدين بالدين، إلا أن يكون الثمر الأول بنقد، فيجوز شراؤه منه بعرض نقدًا أو إلى أجل.
[6/327]
***(1/323)
[6/328]
ومن العتبية: أشهب، عن مالك في من باع حائطًا فيه أصناف من الثمر، فله أن يشتري من صنف منها مثل ثلث جميع الثمر الذي باع، كان ما ابتاع من ذلك الصنف أكثر من ذلك الصنف أو أقله، إذا كان قدر ثلث الجميع.
ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك لمن باع ثمرة حائطه جزافًا، أن يستثني من صنف منها كيلاً مسمى. وقال أشهب: إلا أن يكون ذلك الصنف كثيرًا مأمونًا، ويكون ما يستثني منه تبعًا لما بقي منه.
وقال ابن القاسم: إذا كان قدر ثلث ذلك الصنف، فجائز. وكذلك في العتبية، وذكر ما ذكر هاهنا عن أشهب، فذكر أن مالكًا قاله من رواية ابن القاسم، وقال أصبغ بالذي ذكرناه من قول ابن القاسم.
قال ابن المواز: واتفق ابن القاسم، وأشهب في جواز الاستثناء من الصفقة والثمرة كيلاً قدر الثلث فأقل، فأما الاستثناء من لحم شاة باعها، يستثني وزنًا منه، فأشهب يجيز قدر الثلث، وابن القاسم لا يجيز إلا اليسير، مثل خمسة أرطال أو ستة. قال مالك: ومن باع ثمرة بنقد، فلا يشتري منها شيئًا وإن قل بدين، ولا يشتري بنقد إن كان باع بتأخير. قال مالك في العتبية: ولا دون الثلث. وقال سحنون: ولا شيء منه.
قال ابن القاسم: قال مالك: وإن تفرقا، فلا يجوز أن يشتري منه أقل من الثلث بنقد ولا بغير نقد، وإنما يجوز أن يشتري منه أقل من الثلث إذا لم يتفرقا بغير نقد. يريد: مقاصة. ومن كتاب محمد: وإن باعه بتأخير، فحل وقبض، فله أن يشتري منه بنقد، ويتأخر، وبمثل نقده بعينه. قال محمد: إذا انتقد وتفرقا،
[6/328]
***(1/324)
[6/329]
فله الشراء منه بنقد ويتأخر ما لم يكونا من أهل العينة. قال أصبغ وابن القاسم: وإن لم ينتقده، فلا يشتري منه إلا من الثمن مقاصة وكأنه استثناه يوم الصفقة.
ومن كتاب محمد: ومن باع ثمرة حائطه جزافًا، فله أن يبتاع منها رطبًا قدر ما كان يستثني فقط. وكذلك لا يبتاع منه من حائط غيره إلا قدر ما كان يستثني من حائطه. محمد: إن كان تمر الحائطين صنفًا واحدًا. قال مالك: ومن حائطه وحائط غيره سواء، ومن حائطه أحب إلي. قال أصبغ: سواء استثنى رطبًا أو بسرًا أو تمرًا قدر ثلث خرصه. محمد: وذلك إذا استثنى بعد بيعه فيما لم ينقد ثمنه، فيحسب ذلك عليه في الثمن. فأما ما انتقد ثمنه كله وتفرقا، فلا بأس بما ابتاع منه بعد ذلك كيلاً أو جزافًا، الثلث أو أكثر كالأجنبي إن لم يكونا من أهل العينة.
قال مالك: ومن باع ثمرة حائطه إلى أجل، لم يجز أن يستثني منه شيئًا، ينقد أقل من الثلث أو أكثر، وإنما يجوز أن يستثني منه الثلث فأقل على المقاصة من الثمن.
قال ابن القاسم: فيمن باع جديدًا جزافًا بنقد وتفرقا، ثم اشترى منه وزنًا، فذلك جائز بنقد وإلى أجل ما اشترى منه، إلا من أهل العينة. وإن لم ينقد، فلا يجوز أن يشتري منه إلا قدر ما يجوز أن يستثنيه قدر الثلث، ويقاصه من الثمن، وهذا في الطعام وغيره.
قال ابن القاسم في بائع المقتاة يستثني فقوسًا قدر الثلث قفافًا معروفة، قال أصبغ: بكيل أو عدد، وأجازه ابن القاسم عددًا، وبصفة معلومة. قال: وأحب إلي قفافًا يملأها؛ لأنه قد لا يجد بتلك الصفة قدر الثلث. قال أصبغ: إذا كان فيه ذلك ويؤمن، فهو أجله. وأجاز استثناء ثمر نخلات يختارها.
[6/329]
***(1/325)
[6/330]
قال مالك: وإن استثنى أربع أحمرة، يرسلها في الحائط تأكل ما سقط، فذلك جائز، ويلزم المبتاع، ولا يرد البيع. قال مالك: ولا يبيع ثمره على أنه ضامن له في خرصه كذا وكذا صاعًا.
ومن باع حديدًا جزافًا، واستثنى منه وزنًا، فإن لم ينتقد فليشتر منه ما كان يجوز له أن يستثنيه في البيع، قدر الثلث فدونه، وإن انتقد، فجائز على كل حال، إلا من أهل العينة.
قال ابن حبيب: ومن باع مقتاة أو مبطخة، فله أن يستثني منها قدرًا معلومًا، عددًا أو وزنًا، أو عددًا بقفاف أو سلال، قدر الثلث فأدنى، فأما جزافًا، فذلك جائز. يريد: قل ذلك أو كثر، ما لم يشترط نقد جميع الثمن، فيصير: بيعًا وسلفًا، ولكن يبيعه بقدر الجزء المبيع، ولا يجوز أن يبيع زيتونًا، ويستثني منه أقساط زيت، أو عنبًا، ويستثني كيلاً من خله، أو من ربه، ولكن يستثني من ذلك كله حبًا، على ما تقدم ذكره.
وبعد هذا باب في ضمان الصبرة يشترى بعضها، أو يستثنى بعضها، فيه من هذا المعنى شيء.
فيمن باع دارًا واستثنى سكناها أو دابة واستثنى ركوبها
أو ابتاع دارًا أو بئرًا وهي مكتراة
والمعمر والمسكن دارًا هل يكريها؟ وهل يبيع ربها مرجعها؟
من العتبية: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في من باع دارًا بدين، على أن يسكنها سنة، قال: لا بأس بالأشهر، وقد خفف مالك السنة،
[6/330]
***(1/326)
[6/331]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن مات وقد أكرى داره، والدين محيط به، فإن بقي من الكراء قريبًا، قال ابن القاسم: يريد: قدر الأشهر والسنة، جاز أن يباع ويشترط للمكتري سكناه، ومن اكترى داره سنة أو سنتين، فله أن يكريها من آخر، والمكتري في السنة الأولى لم تنقض، فذلك جائز بنقد وإلى أجل، ولا يجوز في الرقيق والحيوان، نقد أو لم ينقد. قال محمد: إن كان من مكتريه بعينه، فجائز بنقد وإلى أجل، ولا يجوز من غيره.
ومن أسكن دارًا عشر سنين، لم يجز أن يبيعها من غيره، إلا فيما قرب، ولو كان أرضًا تزرع، جاز ذلك فيها.
وقال: قول أشهب فيما أكراه عشر سنين، من دار، أو أرض، إنه جائز، وهو في المدونة.
قال أشهب: قيل لمالك: لم لا جاز لمن أسكن داره اثنتي عشرة سنة أن يبيع مرجعها، كما يجوز أن يكريها هذه المدة؟ قال: أليس يكري عبده سنة، ولا يشتري العبد بعد سنة؟ قال: ولا يجوز بيع مرجع الدار وإن لم ينقد.
مالك: ومن أسكن داره حياته، فلا يكريها إلا كالسنة ونحوها، إن شرط النقد، فإن لم يشترط النقد فجائز؛ لأنه متى ما مات، انفسخ الكراء، ورجعت الدار إلى مرجعها.
ومن باع بعيرًا، واشترط أن ينقل عليه ترابًا ثلاثة أيام، أو يكتريه من المبتاع فيها بشيء معلوم، فلا خير فيه، فإن مات بيد المبتاع بعدما قبضه، فهو منه، وعليه قيمته يوم قبضه، وإن مات بيد البائع قبل قبض المبتاع، أو بعد، وقد رجع إلى البائع بشرطه، فهو من البائع، من مات بيده منهما فهو منه، وكذلك لو اشترط البائع سفرًا بعيدًا عليه.
[6/331]
***(1/327)
[6/332]
قال مال في حديث جابر، إذ ابتاع منه النبي صلى الله عليه وسلم بعيره، واشترط ظهره إلى المدينة، قال: كانا بقربها، بنخلة أو نحوها.
قال ابن حبيب: قال مطرف: ويجوز من ذلك ما كان مسيرة اليوم واليومين، ما لم يبعد السفر، ويتغير الحال. رواه أشهب، عن مالك في كتاب ابن المواز. ومن كتاب ابن المواز: وكره ابن القاسم أن يكري دابته بنقد، على أن يركب إلى عشرة أيام.
ومن كتاب محمد والعتبية: أصبغ، عن ابن القاسم: ومن باع دابة، وشرط ركوبها بعد ثلاثة أيام، قال في كتاب محمد: أو أكثر من الفسطاط إلى الإسكندرية ونحوها من البعد، قال في كتاب محمد: لم يجز، فإن قبضها المبتاع فنفقت بيده قبل الثلاث، فهي منه، وعليه قيمتها يوم قبضها، ولو أخذها البائع بعد الثلاث بشرطه، فركبها، فماتت تحته، فهي منه، قال في كتاب محمد: لأن البيع كان فاسدًا. قال أصبغ في العتبية: البيع فاسد، لطول الركوب، فإذا ردها إلى البائع، فهي كما لم تقبض، فهي منه. ومن الكتابين: ولو كان صحيحًا، لقرب الركوب، كان الضمان من المبتاع، ماتت بيده، أو في الركوب بيد البائع. قال في كتاب محمد: ولا يرجع عليه البائع بما استثنى من ركوبه؛ لأن هذا خفيف، كمن قال: أبيعكما، على أن تأخذها إلى غد أو بعد غد، فهذا جائز، وضمانها من المبتاع من يوم العقد، وقد تقدم في باب الصبرة يبيع نصفها، شيء من هذا.
ومن العتبية، وروى أبو زيد، عن ابن القاسم: إن شرط ركوبها يومًا بعد ثلاثة أيام اليوم الرابع، فنفقت بيد المبتاع في اليوم الثالث، فهي من البائع، وكذلك لو نفقت في ركوب البائع، فهي في ضمانه ما بقي له فيها شرط. وقاله أبو زيد.
[6/332]
***(1/328)
[6/333]
وقال ابن حبيب: وإذا استثنى البائع ركوبها بديا ما يجوز من الاستثناء فنفقت بيده فهي منه، وكأنه إنما باعها بعد انقضاء ركوبه، وإن استثنى ركوبها بعد ثلاثة أيام أو أربع. يريد: ما يجوز له من الاستثناء عنده، فأسلمها إلى المبتاع، فسواء نفقت بيده أو بيد البائع، فهي في هذا من المبتاع؛ لأنه بيع جائز، ويرجع البائع على المبتاع، إذا لم يقم استثناؤه بعدد ما استثنى من الثمن؛ لأنه ثمن.
قال مالك: ومن ابتاع سلعة يقبضها إلى يومين، قال مالك: فلا بأس بذلك ممن شرطه، وكذلك إن كانت دابة في السفر. قال عنه أشهب: لا يصلح في بعيد السفر، وهو في غير الحيوان أجوز.
ومن العتبية: روى أبو زيد، عن ابن القاسم في من باع بعيرًا، وشرط على المبتاع قربتين من ماء بئر كذا، فلم يوجد فيها ماء، فإن كان يوجد ماء من غير تلك البئر يشبه ماءها، أتاه بمثله. وإن كان لا يوجد فللبائع على المبتاع قيمة البعير. قال أبو محمد: انظر ما معنى هذه المسألة، هل القربتان مضمونتان أو إنما شرط حملهما على البعير. وإذا لم تكن مضمونة، والبئر غير مأمون وجود الماء فيها، فما وجه فساد البيع فيه ووجوب القيمة؟ والذي يشبه أنها إن كانتا مضمونتين فطلبه مثلها يحملها له على البعير أو على غيره. وإن كانتا على البعير فلم يجد ماء، كان على المبتاع قيمة حملها بحساب ذلك من قيمة البعير، والبعير صحيح، والله أعلم.
[6/333]
***(1/329)
[6/334]
ومن العتبية: روى سحنون، عن علي بن زياد، في من باع دارًا، واستثنى سكناها سنة، ثم انهدمت قبل السنة، أو دابة، واستثنى ركوبها يومًا أو يومين، فماتت قبل اليوم، هل يرجع بحصة ذلك؟ قال: لا يرجع بشيء، وهي مصيبة منهما. وروى أصبغ، عن ابن القاسم مثله. وقاله في شرط ركوبها إلى المكان القريب تهلك فيه؛ لأنه لم يوضع له لذلك من الثمن، وهو شيء اشترطه لنفسه، كمن باع دابة لا يدفعها إلى غد، فهو جائز، وضمانها من المبتاع. وقاله أصبغ، إلا في الرجوع بحصة الركوب، فإنه رأى ذلك له إن كان شيء له قدر، ولم يكن كالساعة والأميال، وفي الدار اليومين والثلاثة، فهذا لغو، لا رجوع به، فأما اليوم واليومان في الدابة، فله، والضمان من المبتع، كبائع نصف سلعة من رجل، على أن يبيع له النصف الآخر إلى شهر، فيبيع في نصفه. ومثله من أوله ذكر ابن الماز، واختار قول ابن القاسم، وقال: ما وجدت لقول أصبغ معنى، وهذا مذكور بعد هذا في باب ضمان الصبرة يستثنى منها بعضها.
قال عنه أصبغ في العتبية: ومن باع دابة، وشرط ركوب أخرى إلى موضع بعيد، فهذا جائز، ولو كان إلى إفريقية. يريد: إلى بلد منها يذكره، فإن نفقت في الطريق، رجع بحصة ذلك، يقوم جميع الركوب، ويضم إلى الثمن، فيقسم عليه قيمة الدابة. ويرجع بحصة باقي الركوب من قيمة الدابة ثمنًا، لا في رقبتها، وكذلك السكنى. وذكر ابن المواز في كتابه مثل ذلك. وقال: لا يرجع في غير الدابة وإن لم تفت.
[6/334]
***(1/330)
[6/335]
في بيع الشاة واستثناء جلدها أو سواقطها أو شيء من لحمها
وفيمن ابتاع جلد شاة أو شيئًا من لحمها
من كتاب محمد، والعتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: ومن باع شاة، واستثنى جلدها. قال في العتبية: حيث يجوز له ذلك، فتموت قبل الذبح، قال: فلا شيء عليه، ولا يكون ضامنًا للجلد، وإنما اشترى لحمًا. وفي رواية أصبغ عنه في العتبية أنه ضامن للجلد.
قال عنه عيسى، وأصبغ، في من باع شاة، واستثنى جلدها، فسقط عليها جدار، فماتت قبل الذبح، فهي من المبتاع، وكذلك كل بيع فاسد، إن كان بيد البائع فهو منه، وإن قبضه المبتاع، فهو منه، وقاله سحنون.
قال في سماع ابن القاسم، عن مالك في بيع الجلود قبل الذبح. ما هو بحرام بين، وما يعجبني، وعسى أن يكون خفيفًا. قال: ومن ابتاع شاة بخمسة دراهم فذبحها، ثم أشرك فيها رجلاً قبل السلخ بدرهم، فلا بأس به، وكذلك في كتاب محمد.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، أنه أجاز بيعها، كذلك إن بيعت بحالها، وإن كان إنما تباع أرطالاً، ثم تسلخ وتوزن، فلا خير فيه.
ومن الواضحة: ومن الغرر شراء اللحم المغيب، أن يشتري لحم شاة، كل رطل بكذا، قاله مالك.
وأما بيع شاة واستثناء جلدها، فخففه مالك في السفر، وكرهه في الحضر، إذ له هناك قيمة، ولا يبلغ مبلغ شراء اللحم المغيب، ولكن يكرهه، ولا يفسخ إن نزل، وهو من المبتاع إن ماتت، وقد روي إجازته في الحضر والسفر عن علي بن
[6/335]
***(1/331)
[6/336]
أبي طالب، وزيد بن ثابت، وشريح، والأوزاعي، والليث، وابن وهب، وغيرهم، وأما في السفر، فإجازته قوية، وروي أن النبي عليه السلام فعله في سفر الهجرة.
وأما استثناء الرأس والأكارع فلا يكون في سفر ولا حضر، كمن باع شاة مقطوعة الأطراف قبل السلخ، ومصيبة المستثني سواقطها من المشتري، ولا شيء عليه للبائع فيما استثنى.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: يجوز بيع شاة مذبوحة لم تسلخ ما لم تكن على الوزن، كلها أو بعضها، فلا يجوز، ولا يجوز بيع شاة مذبوحة بشاة مذبوحة، وإن لم يكن على الوزن، إلا أن يقدر على تحديهما. قال أصبغ: لا يقدر على ذلك، ولا يجوز. وقال مثله سحنون، ولم يعجب ابن المواز قول أصبغ. قال محمد: واتفق قول ابن القاسم، وأشهب، في جواز الاستثناء من الطعام: من الصبرة، والثمرة كيلاً، قدر الثلث فأقل. فأما الاستثناء وزنًا من لحم شاة باعها، فأشهب يجيز قدر الثلث. وقال ابن القاسم: لم يبلغ به مالك الثلث، ولكن مثل خمسة أرطال أو ستة، ولا يستثني الفخذ والجنب من مذبوحة ولا حبة، كانت بقرة أو شاة.
قال ابن القاسم: ولا يبيع من لحم شاته الحية رطلاً، ولا رطلين، وكذلك لا يبيع من الثمرة الزهية كيلاً، على أن يأخذه ثمرًا ويجوز أن يستثني منه كيلاً ثمرًا. وقال أشهب: لا يفعل في الشاة، فإن نزل، وكان يشرع في الذبح، لم أفسخه، وإن كان يذبح بعد يوم أو يومين، فسخ، وكذلك في ثمرة الحائط، فإن استثنى ما يجوز في الشاة، فليس للمبتاع استحياؤها، ويعطى مثله، بخلاف الجلد. محمد: ويدخله اللحم بالحي.
قال ابن القاسم: ومن باع بعيرًا، واستثنى سواقطه، فلا يصلح في الحضر، فإن نزل لم أفسخه؛ لأن مالكًا قال: ليس بحرام بين.
[6/336]
***(1/332)
[6/337]
ومن باع بعيرًا، أو شاة من رجل، واستثنى جلدها، فيموت قبل الذبح، فلا شيء عليه، وإنما اشترى لحمًا، وذكر عيسى، عن ابن القاسم مثله. قال عنه أصبغ: هو ضامن للجلد.
ومن كتاب ابن حبيب: وروى مطرف، عن مالك، في من باع جزورًا واستثنى رأسها، أو ارطالاً يسيرة من لحمها: أنه جائز، فإن أخرها المبتاع حتى ماتت أو صحت، وقد كانت مريضة، قال: إذا بيعت لمرض، أو معلولة، فخيف عليها الموت، فبيعت لذلك بيسير الثمن، ولولا ذلك بيعت بدنانير كثيرة، وإن أخرها عامدًا رجاء صحتها، فهو ضامن لما استثنى عليه منها، وإن صحت، وذهب ما كان بها من مرض، فعلى المبتاع شراء ما استثنى عليه، وإن كانت حين البيع صحيحة، فتربص بها المبتاع الأسواق، فزاد ثمنها وسمنت، فكره نحرها، فالبائع شريك له بقدر ما استثنى منها، وإذا ابتاع رجلان شاة، أحدهما رأسها، والآخر بقيتها، فلا بأس به. فإن استحياها يشتري بقيتها ويعطى صاحب الرأس مثله أو بقيته، فليس ذلك له، وهما شريكان بقدر الأثمان، وكذلك روى ابن وهب، عن شريح.
قال ابن الماجشون في ثلاثة اشتروا شاة بينهم، فطلب أحدهم الذبح، والآخر المقاواة، والآخر البيع، فإن كانوا من أهل البيوت ممن يرى أنهم طلبوا أكلها، فالحكم فيها الذبح، وإن كانوا جزارين، أو تجارًا، فالحكم فيها البيع، ولا تكون المقاواة إلا عن تراض.
ومن كتاب محمد: قال مالك في القوم ينزلون ببعض المناهل، فيريدون شراء اللحم منهم، فيمتنعون من الذبح حتى يقاطعهم على السعر خيفة، أن لا يشتروا منهم بعد الذبح. قال: لا ينبغي ذلك.
[6/337]
***(1/333)
[6/338]
وبعد هذا باب الصبرة يستثنى منها، فيه مسائل في بيع الشاة، والاستثناء منها.
فيمن باع ثيابًا واستثنى منها بعضها
قال ابن حبيب في قول مالك فيمن باع بزًا مصنفًا، فاستثنى منه ثيابًا برقومها، فإن شرط أن يختارها من رقم بعينه، فذلك جائز، وإن لم يشترط رقمًا بعينه، كان شريكًا في البز كله بقدر ما استثنى. قال ابن حبيب: إذا سمى عددًا من رقم بعينه، فليختارها من ذلك الرقم، وإن لم يشترط اختيارها، وقد سمى من ذلك الرقم، فهو شريك بعددها في ذلك الرقم، وإن لم يسم رقمًا يختارها منه، واشترط اختيارها من جملة الثياب، وهي أصناف، فلا يجوز إن لم يشترط خيارًا، فهو شريك في جملته بالعدد الذي استثنى، وذلك جائز، وإذا استثنى عدد أثواب من رقم بعينه، واشترط أن يختارها، فذلك جائز، وإن كانت جل ذلك الرقم، وإنما يكره ذلك في استثناء الكيل من الجزاف، ففيه لا يجوز أن يجاوز مقدار ثلثه، فأما في هذا، وفي من باع أنواعًا من الثمر، واشترط كيلاً من نوع من تلك الأنواع، فقال مالك: فلا يكثر منه، مخافة أن يذهب الكيل ذلك النوع، ولا بأس أن يستثني أكثر من ثلث ذلك النوع. قال عبد الملك: وسواء كان ذلك النوع من خيار تلك الأنواع، أو من شرارها. وقاله أصبغ، وغيره.
فيمن باع سلعة من رجل على أن لا نقصان عليه
أو شرط له ذلك بعد البيع أو حطه لمرض فزال
أو لشرد البعير فوجده
من كتاب ابن المواز: ولا خير في أن يبيع من رجل سلعة، على أن لا نقصان عليه إن خسر، وأما بعد عقد البيع، فلا بأس به، ويلزم البائع، وإذا
[6/338]
***(1/334)
[6/339]
كان هذا الشرط في العقد، فقال مالك: فالمبتاع فيها كالأجير لا يضمن هلاكها، ولا شيء له من زيارتها، وذلك للبائع ومنه وللمبتاع إجارة مثله فيما عني، باع أو لم يبع، تلفت أو بقيت.
وقال ابن حبيب: قال مالك مرة: إنها إجارة، وقال مرة: هو بيع فاسد، وقال: إنه بيع فاسد. ابن الماجشون، وابن القاسم: وأصبغ، وبه أقول، وهو القياس، إذ لو وطئها، لم يحد. وقال بقوله الأول، إنها إجارة عبد العزيز بن أبي سلمة.
ولو كانت إجارة لحد في الوطء، وهي في ضمانه من يوم القبض، والقيمة عليه بفوتها بما يفوت به البيع الفاسد، وعتقه فيها، وهبته نافذة، وعليه القيمة، ولو قال له ذلك بعد البيع، فلم يختلفوا أنه جائز، قال: وله أن يطأ إن شاء؛ لأن ذلك عدة من البائع، ولو ماتت لزمه جميع الثمن، وكذلك لو أولدها، أو أعتقها، أو وهبها، وإن باعها بوضيعة، وجب له أن يضع عنه ما وضع. وهذا قول مطرف، وابن الماجشون، وابن القاسم، وابن عبد الحكم. وشذ أصبغ عنهم، فقال: فوتها من البائع، وأباح للبائع وطأها، وهذا محال.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: فإن كان ذلك بعد العقد، فهو لازم للبائع، فإن فاتت، فليس هذا من ناحية الوضيعة. قال: ولا له أن يحملها على وجه السوق، ولا أن يبيع حتى يرى وجه بيع مثلها، وإن توانى فيها حتى انحط سوقها كثيرًا، فإن كان ذلك منه على غير حسن النظر، فلا وضيعة له، إلا أن يكون له عذر في ترك البيع. قال: وإذا رضي المشتري بما وعده من ذلك، لم يحل له وطؤها، فإن تعدى فوطئ، سقط شرطه، وله جميع الثمن. وقال ابن حبيب: له أن يطأ.
ومن كتاب محمد قال: وإن باع بغير تعد، ولا توان، فوضع، فقال له البائع: بعت بأكثر، فإن ذكر أنه باع بما يشبه من الثمن، حلف وصدق، ولو جعل له البائع أيضًا أنك مصدق فيما تبيع به، فهو كذلك.
[6/339]
***(1/335)
[6/340]
وقال ابن حبيب، عن ابن الماجشون، وغيره: إذا ابتاعها بمائة، ثم زالت لها عنده جارحة، ثم باعها بستين، نظر، فإن كان قيمتها صحيحة يوم باعها تسعين، فقد علمت أن وضيعة الغلاء عشرة لما ذهب منها، ولما بقي، وقد بقي ثلثا التسعين، فلذلك ثلثا العشرة، فيحط سبعة إلا ثلث، ولو كانت قيمتها سليمة يوم باعها المبتاع مائة، لم يحط شيء، لأنا قد علمنا أن الوضيعة لزوال الجارحة.
ومن كتاب محمد: قال أصبغ، عن أشهب، في من باع كرمًا، ثم قال له إذا خاف الوضيعة: بع، وأنا أرضيك، فإن لم يضع، فلا شيء له، وإن باع بوضيعة، فإن زعم البائع أنه نوى يوم قال له ذلك شيئًا يرضيه به، فذلك له، وإن قال: لم أنو شيئًا، أرضاه بما شاء، وحلف أنه لم يرد أكثر منه.
قال أصبغ: وقال ابن وهب: يرضيه بما يشبه من تلك السلعة ووضيعتها، وهذا أحب إلينا.
ولو باع سلعة بعشرين إلى أجله، ثم استوضعه، فقال: بع ولا نقصان عليك، فباعها بعشرة نقدًا، فقال البائع: لم أرد بيع النقد، فإنه يحلف، ويقبل قوله، فإن نكل أو رضي، لم يجز أن يعجل له العشرة حتى يحل الأجل، ثم لا يكون له غيرها.
وإن باعه بعشرة إلى أجل، فليس للبائع غيرها. قال مالك: ومن باع سلعة بنقد، فطلب منه الثمن، فقال: أخشى الوضيعة، فقال له: انقدني، وأنا أشهد لك أن وضعت، فأنا أرد عليك ما وضعت، فلا يعجبني هذا. قال ابن القاسم: يريد: كأنه ينتفع ببعض ما يأخذ، ثم يرده إليه، ولعله لو لم يفعل لردها عليه بعيب، فصار ذريعة إلى بيع وسلف.
ومن العتبية: قال سحنون، في من ابتاع بعيرًا فسرق منه، فشكا ذلك إلى البائع، فحطه خمسة دنانير، أو عبدًا، فمرض، فقال له: أخاف أن يموت.
[6/340]
***(1/336)
[6/341]
فحطه، أو قال: أخاف الوضيعة، واستغلى، فحطه، ثم باعه بربح، وأفاق المريض، وأصاب البعير، وجعل فيه جعلاً أو لم يجعل، أيرجع في الخمسة؟ قال: نعم، ولا شيء عليه من انحطاط، بزوال الأمر الذي من أجله حطه.
في التفرقة بين الأم وولدها في البيع
وفي المسلم يباع من نصراني أو يملكه
من كتاب ابن حبيب: ومن السنة ألا يفرق بين الوالدة وولدها في البيع، وحد ذلك: الإثغار، إلا أن يثغر وينفع نفسه، ويستغني عن أمه، ويعرف ما يؤمر به، وينهى عنه، وذلك أن يبلغ تسع سنين. ومن كتاب ابن المواز، عن مالك: وحد ذلك الإثغار، ما لم يعجل، وحين يختن، ويؤمر بالصلاة ويؤدب عليها، ويجعل في المكتب، ويزول عنه أسنان اللبن، وروى عنه ابن غانم، في موضع آخر، أن حده البلوغ. وقال محمد بن عبد الحكم: وإن بلغ، لم يفرق بينهما.
قال ابن القاسم: وإن وقع البيع بالتفرقة قبل حده، فسخ البيع، إلا أن يبيع أحدهما من الآخر. قال محمد: أما الفسخ فلا، ولكن إما تقاوما، أو باعا، وإنما هو من صفوف الولد ليس بحرام، وكذلك شراء النصراني مصحفًا، أو مسلمًا، فليبع عليه، ولا يفسخ شراؤه، وقاله ابن القاسم، وأصبغ.
قال أصبغ: ووجدت لأصحابنا: إما أن يبيعا، أو يبيع أحدهما من الآخر، أو يفسخ البيع.
وذكر ابن حبيب أن قول مالك وأصحابه: أن يفسخ في التفرقة، ويعاقبان، وأما بيع المسلم من نصراني، فإن المتبايعين يعاقبان عندهم. واختلف في فسخ بيعه، فقال ابن القاسم ومطرف: لا يفسخ، ويباع عليه من مسلم. وقال ابن الماجشون، والمغيرة: يفسخ فيه، وفي التفرقة، والعقوبة في شراء النصراني للأمة المسلمة أشد منه من شرائه للعبد المسلم. قال مالك: وكذلك لا يفرق بين الكافرة وولدها، وكذلك في السبي، ويقبل قولها: إنه ابنها، ولا يتوارثان.
[6/341]
***(1/337)
[6/342]
قال: وإذا نزل قوم بعهد، ففرقوا بين الأبناء والأمهات، لم يمنعوا، ولكن يشتري منهم ذلك المسلمون. ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع، وإن شرط البائع أنهما لا يفترقان، لم يجز، أرأيت إن مات، أو فكر، أليس يباع؟
ومن كتاب محمد، وابن حبيب: وإن أعتق الولد، جاز أن يبيع الأم ممن يشترط عليه أن يكون معها، وأن تكون مؤنته عليك أيها المشتري.
قال ابن حبيب عن مالك: إن لم يكن للولد مال يكفيه حتى يبلغ حد التفرقة. وقال في كتاب محمد: وأن يكون عليه مؤنته ورضاعه، وعلى أنه إن مات قبل ذلك، كان له أن يأتي بمثله يمونه. إلى مثل ذلك، وليس لأمه أن ترضى بتركه، وإن كان حرًا، وإن كانت له جدة تكفله إذا كانت الأم مملوكة. قالا: ولو أعتق الأم، لباع الولد ممن يشترط عليه أن لا يفرق بينهما، ولا نشترط في هذه نفقة، ونفقتها على نفسها.
ومن تصدق بالولد على رجل، فدبره رد إلى حضانة الأم مدبرًا، وعليه أجر رضاعها وقيامها عليه، ويبيع الأم سيدها إن شاء، ممن يشترط عليه ألا يفترقا على هذا إلى حد التفرقة، فيأخذه الذي دبره.
وإن تصدق بالصغير، على رجل، جبرًا أن يجمعاهما في حوز، فإن جازه المعطي دون الأم حتى مات المعطى وهو كذلك، فهي حيازة تامة، وقد أساء، ويؤمر بالخروج بالجمع، فإن أراد المعطى البيع، جبر الآخر أن يبيع معه، ويقتسما الثمن على القيم، ولمالك قول آخر أن يجبرا أن يجمعاهما في ملك، وهذا أحب
[6/342]
***(1/338)
[6/343]
إلينا وإلى من لقينا، ولو جاز هذا، جاز في الوارثين، فقد قال مالك: لا يقتسما وإن شرطا أن لا يفرقا في الحيازة.
قال ابن القاسم: وإذا باع أحدهما وتصدق بالآخر، لم يفسخ بيع ولا صدقة، وليباعا جميعًا عليهما. قال أصبغ: هذا فيه رجوع عن فسخ البيع. وقال في الأسدية: يفسخ البيع. ثم نقضه في مسألة أخرى، في من اشترى جارية بالخيار، ثم باع ولدها في أيام الخيار بغير خيار، فإن كان الخيار للمشتري، فاختار الشراء، جبر أن يجمعا. وهذه مناقضة، وإن كان الخيار للبائع، منع من إمضاء البيع. قال محمد: ليس بمناقضة؛ لأن هذين كانا لرجلين.
قال ابن القاسم: وإن باع الولد، فلم يعلم حتى كبر، لم يرد البيع.
وإن اشترى المأذون جارية، واشترى سيده ولدها، جبرا أن يجمعاهما في ملك أحدهما.
ومن اشترى رمكة ومعها مهر، فوجد به عيبًا، فإن كان مستغنيًا عن أمه، فله رده وحده، إلا أن يكون أكثر ثمنًا، وفيه الرغبة، فلا يردا إلا جميعًا.
وقال في نصراني له عبد وأمة، وهما زوجان، ولهما ولد صغير، فأسلم الأب وحده، قال: فيباع الأبوان والولد من مسلم، أو يباع الولد والأم من مسلم، والأب من مسلم آخر، وحرمت الأمة على زوجها.
ومن اشترى من تجار العدو غلامًا وجارية، فزعما أنهما زوجان، فإن علم ذلك بائعوها وغيرهم، فنكاحهما ثابت. هكذا وقع في كتاب ابن المواز: بائعوهما وغيرهم بغير ألف، وفي المدونة: بائعوهما أو غيرهم بألف.
[6/343]
***(1/339)
[6/344]
وقال ابن القاسم في المرأة تؤسر مع العلج، فزعما أنهما زوجان، فباعهما الإمام على ذلك، فليس لمن اشتراهما أن يفرق بينهما.
قال ابن القاسم: قد زوج عبده لأمته، فله بيع كل واحد منهما على حدة، ولا يكون ذلك طلاقًا.
ومن الواضحة، قال مالك في الأم وولدها: أيهما دبر، فلا يتبع الآخر حتى يبلغ الولد حد التفرقة. قال أصبغ: وإن دبر الأم، ثم استحدث دينًا يفترق ماله، فلا يباع الولد حتى يبلغ حد التفرقة، أو يموت السيد، فيباعا جميعًا، وكذلك لو دبر الولد، فلا يبيع الأم، ولو دبر النصراني ولد أمته، ثم أسلمت الأم لم يبع الأم للتفرقة، وإذ لا يباع الولد المدبر، ويوقفان، ويعزلان عن ملكه، وتؤاجر له الأم.
قال مالك: ولا يقسم أخوان ورثا أمة وولدها، فيأخذ كل واحد واحدًا، وإن كانا في بيت، وشرطا بقاءهما على حد التفرقة، فلا يجوز. قال ابن حبيب: فإن وقع القسم، فذلك فسخ، وإنما يجوز مثل هذا، ويجمعان في حوز في هبة الأم أو الولد، أو صدقة أحدهما إذا كان شملهما واحدًا، ودارهما واحدة، وإلا أمر بالمقاواة أو البيع من واحد. كذلك قال مطرف، وابن الماجشون.
وقالا: فإذا كان الشمل واحدًا، عند الأب والولد، والزوج والزوجة، والإخوة يكون شملهم واحدًا، ودارهم واحدة، فيجوز ذلك، ولا يكون التفرقة، قالا: وإذا كان الشمل واحدًا، فرضاع الولد الموهوب على أمه، أحب الواهب أو كره، قبل غيرها أم لا، ولا أجر رضاع على الموهوب، وهو كمن تصدق بأرض لها سقي، فقد دخل سقيها معها، وإن لم يذكره، وبقية مؤنة الصبي غير الرضاع على
[6/344]
***(1/340)
[6/345]
الموهوب، قال: والإشهاد على الصدقة به، والقيام بمؤنته حوز وقبض له، وإن كان مع أمة ترضعه عند المتصدق عليه؛ لأن الشمل واحد. كذلك قال لي مطرف، وابن الماجشون.
وقال ابن القاسم: لا تتم الصدقة إلا بقبض الولد، وتكون الأم عند المتصدق عليه، وكان يقول أيضًا: إذا قال المتصدق: لم تكن صدقتي بالولد، وأنا أريد أن ترضعه أمة. فذلك له، ويحلف، وعلى المعطى أجر الرضاع، إلا أن يسترجع غيرها. وقول مطرف، وابن الماجشون أحب إلينا.
قال ابن حبيب: ومن له أمة لها ولد صغير، فله أن يبيع أيهما شاء على إيجاب العتق فيه؛ لأنه إذا أعتق أحدهما، فليس بتفرقة عند مالك.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: كتب إليه شجرة فيمن باع وصيفتين أختين: واحدة يجب فيها التفرقة، وأخرى صغيرة. عجل عليها الإثغار، قال: إن كانت الكبيرة وجه الصفقة، وكانتا معتدلتين في القيمة أمر في الصغيرة أن تضم إليها الأم ببيع أو هبة، فإن لم يفعل، فسخ البيع في الصغيرة بحصتها من الثمن، وجاز في الكبيرة، وإن كانت الصغيرة فيها الرغبة وكثرة الثمن، أمر المشتري بالجمع بينهما وبين الأم بشراء أو هبة أو غيرهما، فإن لم يقدر، فسخ بيعهما جميعًا.
[6/345]
***(1/341)
[6/346]
أبواب بيع المرابحة
باب في بيع المرابحة وما عليه أن يبينه
وما يضرب له الربح مما لا يضرب له
وفيمن باع ما حال سوقه أو وزنه
ورسم عليه أو ابتاعه إلى أجل ولم يبين
من كتاب ابن المواز، وابن سحنون، وغيره، عن مالك قال: يحمل على الثمن في المرابحة: القصارة، والخياطة، والصبغ، قال في كتاب ابن حبيب: والفتل، والكماد، والتطرية. قال غيره: والطراز. ويحسب له الربح. قالوا: وأما كراء الحمولة، ونفقة الرقيق، فيحسب بغير ربح، إلا أن يربحه بعد العلم بذلك.
وأما كراء البيت، والشد، والسمسرة، ونفقة التاجر على نفسه، وركوبه، فلا يحسب في رأس مال، ولا ربح.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا قال: قامت علي بمائة بمؤنتها ونفقتها، أو قال: منها عشرة في مؤنتها ونفقتها، فإنه يحمل على ما ذكرنا مما يحسب وما لا يحسب، وما يكون له ربح وما لا يكون. وإذا قال بعد أن باع: إن فيها نفقة كذا في مصالحها، فإن كان قد سماها في جملة الثمن، فلا يبالي فاتت أو لم تفت، يرجع الأمر إلى ما ذكرنا أنه يسقط وربحه، أو يثبت ويسقط ربحه، أو يثبت هو وربحه إن كان ما ذكر من النفقة شيء آخر سوى ما سمى من الثمن وباع عليه، فإن كانت قائمة، خير في ردها، أو يتفقان على ما أمروا، وإن فاتت، رجع الأمر إلى ما وصفنا مما يثبت ويسقط.
[6/346]
***(1/342)
[6/347]
وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا باع وأدخل في الثمن ما ذكرنا إنه لا يحسب في رأس مال ولا ربح ولم يبينه، فهو كالكذب، فإن لم يفت، فله التماسك بها بجميع الثمن، أو الرد، إلا أن يحط البائع ذلك منه وربحه فيلزمه، وإن فاتت بحوالة الأسواق فأكثر، وأبى البائع أن يضع ذلك، وأقام المبتاع على طلب البائع، فعلى المبتاع قيمتها إلا أن ينقص عن الثمن بعد طرح ما ذكرنا، وطرح ربحه، فلا ينقص، أو يزيد على جميع الثمن الذي باع به، فلا يزاد.
وأما إن لم يبين كراء الحمولة أو نفقة الرقيق، ولم تفت، فإما أخذها بالجميع، أو يرد، إلا أن يحمله البائع ربح ذلك، فيلزمه. قال ابن المواز: فإن فاتت، فقال مالك: يحسب له الكراء ونفقة الرقيق، ولا يحسب له ربح، وعلى ما في كتاب ابن سحنون: إن أبى ذلك البائع، فعلى المبتاع القيمة، إلا أن يكون أكثر من الثمن الأول، فلا يزاد، أو أقل من الثمن بعد طرح ربح ما ذكرنا، فلا ينقص.
ومن العتبية ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا انحط سوق السلعة الدرهم والدرهمين، فليبين. قال: وإن حال سوقها، فلا يعجبني أن يبيع مرابحة، إلا أن يقرب ذلك. محمد: يريد من اختلاف الأسواق. قال مالك: ولا يبيع مساومة وإن تطاول ذلك حتى يبين. ولعله يظنه من شراء اليوم. وكذلك في كتاب ابن عبدوس: قال سحنون في كتاب ابنه: فإن لم يبين حوالة السوق، وهي قائمة، خير بين ردها أو يتماسك، وليس للبائع في هذا أن يلزمها له، فإن فاتت، فلا قيمة فيها ولا يزداد في ثمن. ثم رجع سحنون، فقال: إلا أن تكون الأسواق حالت بنقص حين باع، فله القيمة، إلا أن يزيد على التسمية، فلا يزاد، أو ينقص مما رجعت إليه مع ربح ذلك، فلا ينقص، وأما إن طالت بزيادة قبل يبيعها، فلا شيء له.
[6/347]
***(1/343)
[6/348]
وقال ابن عبدوس: ليس حوالة السوق نقصانًا من السلعة، ولا زيادة في الثمن في هذا، وهو غش، فعليه القيمة ما كانت، إلا أن يجاوز الثمن الأول، فلا يزاد عليه.
وكذلك قال: إذا اشتراها بدين، ولم يبين، مثل إذا كتمه أنها بارت عليه سنة. قال: وقد قال ابن نافع، عن مالك، أن له أن يردها، فهذا يدل أن رد قيمتها في الفوت بدلاً منها.
وقال ابن المواز في الذي ظهر أنه ابتاعها بثمن إلى أجل، فإن لم تفت، نقص البيع، وليس للمشتري حبسها، وإن فاتت، فعليه قيمتها يوم قبضها بلا ربح. وقال ابن سحنون، عن أبيه: إذا فاتت وقد كان اشتراها بعشرة دنانير دينًا ولم يبين، قوم الدين، فإن كانت قيمته بالنقد ثمانية، فهي كمسألة الكذب، له قيمتها ما لم تجاوز عشرة، وربحها، فلا يزاد أو ينقص من ثمانية وما قابلها من الربح فلا ينقص.
وقال ابن حبيب: إذا ابتاع سلعة، فحال سوقها بنقص بقرب البيع، أو ببعد منه، فلا بيع مرابحة حتى يبين، فإن لم يبين، فللمبتاع رد البيع، فإن فاتت، رد القيمة، وإن حال سوقها بزيادة، ولم يطل لبثها عنده، فليس عليه أن يبين، وإن طال لبثها عنده، فليبين، حال سوقها أو لم يحل، فإن لم يفعل فاتت إلى القيمة.
قال سحنون في كتاب ابنه: إذا ورث متاعًا، فباعه مرابحة، ولم يبين، فإن لم تفت، فللمبتاع رده أو الرضا به، وليس للبائع أن تلزمه ذلك بشيء، إذا شاء رده، وإن فات فعليه القيمة ما لم يجاوز الثمن كله، فلا يأخذ أكثر منه، وإن كانت أقل، فله الأقل أبدًا.
قال: وأما من اشترى سلعًا بثمن، فرقم على كل سلعة ثمنًا، باع عليه مرابحة، فإن لم تفت، فله الرد، إلا أن يشاء البائع أن يلزمه ذلك بما يقع عليه لتلك السلعة من جملة الثمن وربحه بالقيمة، وذلك خير للمشتري، فيلزمه، وإن
[6/348]
***(1/344)
[6/349]
فاتت، فعليه القيمة، إلا أن تزيد على ما رقم وربحه، فلا يزاد أو ينقص مما يقع لها بالقيمة وربحها، فلا ينقص.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن ورث متاعًا أو وهب له، فلا يجوز أن يرقم عليه أثمانًا يبيع عليها، وكذلك فيما ابتاع ورقم عليه أكثر من الثمن، واختلف في بيعها على تلك الرقوم مساومة، فكره، وخفف، وممن خفف في المساومة: إبراهيم النخعي، وكرهها الحسن، وابن سيرين، وطاووس. وبه نقول، وهو كالخلابة، وأشد من الغش، وأرى أن يعاقب عليه، فإن فاتت في هذا عند المبتاع، وشاء أن يؤدي القيمة، فذلك له.
وقد أخذ سلعة في المقاواة بينه وبين شريكه، فله بيعها مرابحة بتلك المقاواة، وإن لم يبين، إذا صح ذلك، يريد يحمل على الثمن نصف الزيادة فقط، وهو ما أخذ الشريك.
باب فيمن زاد في الثمن في بيع المرابحة أو نقص منه
وفيمن ابتاع بدنانير ونقد دراهم ولم يبين
أو باع بدراهم مرابحة
من كتاب ابن عبدوس: قال ابن عبدوس: بيع المرابحة على الزيادة في الثمن، والكذب من باب بيع الشرط المكروه، مثل من باع جارية على أن يتخذها المبتاع أم ولد، أو يدبرها، أو يسلفه مائة دينار، وهو يشبه البيع الفاسد في بعض أحكامه.
والبيع الفاسد على وجهين: فبيع يغلب المتبايعان على فسخه، وبيع وقع بشرط يكره، فإن ترك الشرط مشترطه تم البيع، وإن أبى فسخ، وحكم له بحكم البيع الفاسد. والبيع الذي يغلبان على فسخه، لفساده، على وجهين: فمنه ما فسد
[6/349]
***(1/345)
[6/350]
لعقده، وثمنه صحيح، كالبيع عند نداء الجمعة، والمدبر يباع، والولد يباع دون أمه، وشبه ذلك، فهذا يرد، فإن فات ومضى بالثمن، إذ لا فساد في ثمنه، ومنه ما يفسد لفساد ثمنه، مثل أن يبيع السلعة بخمر، أو خنزير، أو بثمن مجهول، أو إلى أجل مجهول، وشبه ذلك، فهذا يرد، فإذا فات رد إلى القيمة.
وشرط السلف في البيع من بيوع الشرط الذي بتركه يصح، فإن كان السلف من البائع، فتركه المبتاع، فلا حجة للبائع، وإن حال سوق السلعة، أو تغيرت بيد المبتاع، زال ما كان له من الرد، ولزمه الأقل من القيمة أو الثمن، وهذا ما لم يقبض السلف من البائع، فإن قبضه، وغاب عليه، فقد تم الربا، وعليه القيمة ما بلغت. قاله سحنون.
وكذلك إن كان السلف من المبتاع على هذا المعنى، إلا أن عليه الأكثر من القيمة أو الثمن في الفوت، وما لم تفت السلعة في بيع الشرط المكروه، فلمشترطه تركه، ويتم البيع، إلا في مشترط الخيار في البيع إلى أجل بعيد، فلا يجوز، فإن قال مشترطه: أنا أترك شرطي لم يجز، إذ ليس بترك لشرطه، إنما هو شرط يثبت لك، ثم اخترت إمضاء البيع، فلا بد من فسخه، إلا أن يفوت، فتكون فيه القيمة.
قال: فبيع الكذب في المرابحة كبيع الشرط، إذا اشترى بعشرة، وباع على أحد عشر، فإن أسقط البائع الدينار وربحه تم البيع، إلا أن هذا إن أبى البائع من ذلك، خير المشتري أن يرضي بالثمن كله أو يرد، كما كان للبائع أن يحط ذلك، أو لا يحط، وفارق الكذب في الثمن المغيب برضا البائع بحطيطة ما ينوبه، فلا يلزم المبتاع، ويلزم البيع إن حط عنه الكذب أن العيب قائم بعد الحطيطة، ولا يبقى بعد حطيطة الكذب شيء يكرهه المبتاع من السلعة، ويصير كالعيب يذهب.
[6/350]
***(1/346)
[6/351]
قال سحنون: ورواه علي بن زياد، عن مالك، في مسألة الكذب في المرابحة أتم وأحسن شرحًا، وإذا لم تفت، برئ المبتاع بالخيار، أن يرد أو يحبس، فإن رد، خير البائع بين أن يرد، أو يحط الكذب وربحه، فيتم البيع، وإن فاتت، فعليه القيمة ما لم يجاوز الثمن بالكذب وربحه، فلا يزاد أو ينقص عن الصدق وربحه، فلا ينقص، وكذلك في الذي يدخل الكراء في الثمن، ويضرب له الربح، على ما ذكرنا قبل هذا، ويصير ثمن الصحة هاهنا أن يسقط ربح الكراء فقط، وقد تقدم بيانه.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا ظهر أن البائع زاد في الثمن، قال: يؤخذ منه الفصل، فيرفع إلى صاحبه، قيل: فالقيمة أعدل؟ قال: القيمة، وهذا يشبه ما في كتبكم، وأرى أن يؤدب الفاجر المعتاد، ويرد البيع. قال: وإذا ظهر أنها قامت عليه بأكثر ولم يفت، خير المبتاع في أخذها بما ظهر، والربح عليه، أو ردها، إلا أن يرضى له البائع بالثمن الأول، وإن فاتت، فعليه القيمة، إلا أن يزيد على ما ظهر من الثمن وربحه، أو ينقص من الثمن الأول وربحه. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن مالك.
ومن كتاب ابن المواز: قال: ومن اطلع على أن بائعه كذبه في الثمن، فرضي، فلا يبيع مرابحة حتى يبين، وكذلك عيب يرضى به بعد البيع، أو يزيده في الثمن بعد البيع، فليبين، ولا توليه، إن كان طعامًا، إلا بالزيادة. قال محمد: لا أحب فيه التولية بحال.
قال مالك: ومن قال في شاة: اشتريتها بسنة دراهم، وأربح درهمًا، فباعها، ثم قال: وهمت، وإنما ابتعتها بثمانية، وصار ببينة، فله رد البيع، ولو قال: ما كنت إلا مازحًا، وما قامت علي إلا بعشرة. وجاء ببينة. قال: ينظر فيها ساعتئذ، فإن كان مثلها لا يباع بيعة، حلف ما كان إلا لاعبًا، ولم يرد بيعًا، وإن كان يباع بذلك مثلها، لزمه البيع، وربما كسدت السلع، فيرضى صاحبها يبيعها بنقصان.
[6/351]
***(1/347)
[6/352]
ومن ابتاع بدنانير فحسب صرف دراهم، فباع عليها، ثم فاتت السلعة، فليضرب له الربح على الدنانير، على حساب ربح الدراهم، إلا أن يجيء ذلك أكثر مما رضي به، ولم يجعل مالك في هذا قيمة، كما جعل ذلك في مسألة الزيادة في الثمن، وحوالة الأسواق في مثل هذا فوت، إلا فيما يطال أو يوزن، فلا فوت فيه.
قال مالك: وإذا نقد دراهم عن دنانير، فليبع على ما نقد. محمد: وإن لم يسم ما وقع به البيع، إذا لم يحابه في الصرف. وقال مالك مثله إذا نقده طعامًا يكال أو يوزن، والذي عليه أصحابه أن ذلك كالبيع.
وقال ابن القاسم: إذا باع مرابحة، ولم يبين، فإنه يقوم ما نقد من طعام أو عرض، فإن كانت قيمة ذلك أقل مما ابتاع بع، حسب على الأقل، وإن كانت قيمته أكثر، حسب على الثمن. وقال أيضًا ابن القاسم: إن شاء أعطاه على ما ابتاع منه، وإن شاء أعطاه مثل الطعام الذي نقد، وضرب الربح منه على ما ابتاع.
ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم: ومن ولى رجلاً سلعة، ثم سأله عن الثمن، فقال: دينارين، أو قال في توليته: قد وليتك بدينارين، فأعطاه دينارين، ثم ظهر أنه ابتاعها بدينار، فذلك سواء إن لم يفت، فهو مخير إن شاء حبسها بدينارين أو ردها، فإن فاتت فكانت قيمتها أقل من دينارين. يريد: إلى دينار، رد عليه ما جوز القيمة، وإن كانت قيمته دينارين فأكثر، فلا شيء له عليه، وكذلك الكذب في بيع المرابحة إن قال: أبيعك كما بعت من فلان، ثم يجده قد كذب.
والقائل: قد وليتك، ولم يذكر الثمن، فلا يلزم ذلك المولى حتى يسمي له الثمن، ويرضى به، ولو كان قد ألزمه ذلك قبل التسمية، لم يجز.
[6/352]
***(1/348)
[6/353]
فيمن حدث عنده عيب فباع مرابحة ولم يذكره
أو ذكره ولم يبين حدوثه عنده أو ابتاع سلعة
ثم ظهر على عيب فرضيه ولم يبين ذلك
وكيف إن دلس بعيب وزاد في الثمن
من كتاب ابن سحنون، عن أبيه، قال في الذي ابتاع أمة فزوجها، أو حدث بها عنده عيب، أو ظهر منها على عيب قديم فرضيه، فلا يبيعها مرابحة، ولا غير مرابحة حتى يبين ما حدث أنه بعد شرائه أو ما ظهر عليه بعد البيع، فرضيه، فإن باع ولم يبين العيب في ذلك كله، ولم يفت أو فاتت بحوالة سوق أو عيب خفيف ولا يفيت ذلك الرد بالعيب، وإن كان ذلك في بيع المرابحة فوت، وله إن شاء ردها، أو أخذها بجميع الثمن، وإن فاتت بما يفيت الرد بالعيب من عتق وشبهه، فإن حطه البائع حصة العيب وربحه، فلا حجة له وإن أبى فللبائع القيمة ما لم ينقص من الثمن بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، أو يزيد على ذلك، فلا يزاد ولا ينقص.
وقال ابن عبدوس: هذا رجل دلس بعيب، فإنما يحط من الثمن قيمة العيب وربحه، باع مرابحة أو مساومة، وكذلك لو اشتراها ذاهبة الضرس، فباع ولم يبين، وليس هذا بموضع القيمة.
قالا جميعًا: فأما الكذب إن ذكر في المسائل الأولى العيب ولم يبين أنه اشتراها على الصحة، فهي كمسألة الكذب، ويفيتها حوالة السوق، فإن لم تفت، فإما رضيها بالثمن كله، أو رد إلا أن يحطه البائع حصة العيب ورده، فلا رد له، فإن فاتت بحوالة سوق فأعلا، وأبى البائع أن يحطه ذلك، ولم يرض المبتاع بالثمن ما لم يجاوز الثمن الأول، فلا يزاد أو ينقص عن الثمن بعد طرح قيمة العيب وربحه، فلا ينقص.
[6/353]
***(1/349)
[6/354]
قال ابن حبيب: إن فاتت فعليه قيمتها ما لم تجاوز الثمن، فلا يزاد عليه. قال ابن سحنون وابن عبدوس: ولو افتضها، ثم باع مرابحة ولم يبين الافتضاض، فإن لم تفت، وحطه البائع ما ينوب الافتضاض وربحه، فلا حجة له.
قال ابن عبدوس: بخلاف العيوب؛ لأن من باع جارية، فليس عليه أن يبين أنها غير بكر. ولا حجة للمبتاع بذلك إذا حطه ما ينوب الافتضاض وربحه، إلا أن يكون شرط أنها بكر، فتوجد غير بكر، فيكون كتدليس العيوب، كما ذكرنا، وإن لم يكن ذلك، فالأمر على ما ذكرنا، وإنما حجة المبتاع أن البائع كأنه زاد في الثمن، فهي بالبيع الفاسد أشبه، وتفيتها حوالة الأسواق، بخلاف التي ترد بعيب.
قالا: فهذه إذا فاتت بحوالة سوق، قيل للبائع: إن أعطيته ما نقص الافتضاض وربحه، وإلا فله أن يسترجع الثمن، ويعطيك قيمتها مفتضى يوم قبضها، ما لم ترد على الثمن الأول، فلا يزاد أو ينقص منه بعد طرح نقص الافتضاض وربحه، فلا ينقص.
قال ابن عبدوس: ولو كان لها زوج، فكتم الزوج، وزاد في الثمن في بيع المرابحة، فهذه يجتمع فيها فساد البيع والتدليس بالعيب، فإن لم تفت، فإن شاء المبتاع رضيها بجميع الثمن، أو ردها، وإن فاتت بحوالة سوق، فذلك في بيع الكذب في المرابحة يفيت ردها، وليس يفوا في الرد بالعيب.
ولو حطه البائع قيمة العيب وربحه، لم يلزمه إلا أن يشاء، فإن قال: أنا أرضى بالعيب وأطلبه بالزيادة في الثمن، فذلك له، ويقال للبائع: حط عنه
[6/354]
***(1/350)
[6/355]
الكذب وربحه، فإن أبى، فليعطه المبتاع قيمتها معيبة بالزوج وأخذ الثمن، إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي به باع، فلا يزاد، أو أقل من الثمن الصحيح وربحه بغير حطيطة قيمة العيب، فلا ينقص، ولأنه لم يفته الرد بالعيب، فلم يفعل فقد رضي به، فلذلك لم يحط للعيب شيء. وهذه الحجة التي ذكر ابن عبدوس توجب أن يلزمه قيمتها بلا عيب، فكذلك جرى لابن المواز في مثلها ولغيره.
قال ابن عبدوس: وإن فات بعتق أو كتابة، فقد فات الرد بالعيب والكذب، وقد لزم البائع حطيطة قيمة العيب وربحه، ثم إن حطه مع ذلك الكذب وربحه، فلا حجة للمشتري، فإن أبى البائع ذلك، أعطي قيمة سلعته معيبة، إلا أن تزيد على الثمن الذي باع به بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، فلا يزاد، أو أقل من الثمن الصحيح وربحه بعد إلغاء قيمة العيب منه، فلا ينقص.
فيمن باع مرابحة بعد الولادة أو الغلة
وحوالة السوق ولم يبين
أو باع ثم حطه البائع من الثمن
من كتاب ابن سحنون: ومن ابتاع غنمًا عليها صوف، فجزه وباع مرابحة ولم يبين، فإن طرح البائع عنه حصة الصوف وربحه، لزمته، وإلا فليرد أو يحبس، فإن فاتت ولم يحطه البائع ذلك، ولم يرض المبتاع بالثمن الأول، فعليه قيمتها، ما لم يجاوزه، فلا يزاد حتى ينقض الثمن بعد أن يطرح منه حصة الصوف وربحه، ولا ينقص. وقد ذكر نحوه عن ابن عبدوس في الباب الذي قبل هذا، وذكرنا في الباب الأول: من باع ولم يبين حوالة الأسواق.
[6/355]
***(1/351)
[6/356]
قال سحنون: وإذا ولدت الغنم عنده، فليبين في المرابحة؛ لأن الأسواق إلى أن تلد تحول، فإن باعها بولدها أو بغير ولدها، ولم يبين أنها ولدت عنده ولم تفت، فللمبتاع أن يحبس بجميع الثمن أو يرد، وليس للبائع إذا ردها عليه وقد باعها دون الولد أن يقول له: نعطيك الولد، ويلزمك البيع؛ لأن أسواقها قد حالت.
فإن فاتت الغنم، وكان سوقها قد حال زيادة، فلا يزاد فيها، ويمضي البيع وإن حالت بنقص، كانت كمسألة الكذب، وقد ذكرنا اختلافهما في حوالة الأسواق، في الباب الأول. قال: ولو كانت أمة فولدت فحبس الولد، فباعها مرابحة ولم يبين، فإن لم تفت، أو فاتت بحوالة سوق أو نقص خفيف، ولم يرض بها بالثمن كله، فله ردها، وليس للبائع أن يقول: أنا أحط عنك حصة العيب؛ لأن الولد عيب، ولا له أن يقول له: أنا أرد عليك الولد، ويلزمك البيع. قال سحنون: لأن المشتري يحتج بحوالة الأسواق، وقوله: لأن الولد عيب، أولاً لأنه لم يجعل حوالة الأسواق فيها فوت.
قال: وإن رضي المبتاع بعيوبها، جبرا على أن يجمعا بين الولد وأمه في ملك. قال: وإن فاتت بعتق وشبهه، فإن حطه البائع حصة العيب وربحه، وإلا فعلى المبتاع قيمتها معيبة، ما لم يجاوز الثمن بعد إلقاء قيمة العيب وربحه، فلا يزاد، أو ينقص عن ذلك فلا ينقص. هذا الذي ذكره ابن سحنون مرجعه إلى أن حط عنه حصة العيب وربحه، ولا مدخل للقيمة في هذا نحو ما ذكر ابن عبدوس قبل هذا. قال ابن سحنون: وإن باعها مع ولدها مرابحة ولم يبين، فله الرد، أو التماسك، فإن رد، فليس للبائع أن يلزمه إياها؛ لأنه يحتج بأنه حال سوقها عند البائع، ولم يبين له.
قال: وإن فاتت عند المبتاع بنماء أو نقصان، فإن زادت أسواقها في وقت بيعه، لم يكن فيها قيمة؛ لأن القيمة أكثر مما باع به، ولا قيمة فيه، ولا حجة للمبتاع أن الولد عيب؛ لأنه قد أعلمه البائع بالولادة حين باع الولد مع الأم، وإن
[6/356]
***(1/352)
[6/357]
حالت الأسواق بنقصان، فهو كما ذكرنا قبل هذا. وقوله: لما باع الولد معها، فقد بين الولادة، فكيف ذلك وهو لم يبين أنه عنده ولدت؟ فهو كما لو زوجها فأخبر بالزوج، ولم يذكر أنه عنده حدث، والذي تقدم من أصل ابن عبدوس أبين.
قال: ومن باع مرابحة، ثم حطه بائعه من الثمن، فإن حط عن مبتاعه ذلك، لزمه البيع، وإلا كان مخيرًا في الإمساك أو الرد.
قال سحنون: إذا حط مثل ما حط فقط دون حصة ربحه، لزمه البيع. قال ابن المواز: قال أصبغ: بل حتى يحط عنه ما حط، وما يقابله من الربح. وقاله ابن القاسم في بعض مجالسه، ورواه عيسى. قال سحنون وابن حبيب: فإن لم يعلم بالحطيطة حتى فات بيد المبتاع، أو كانت الحطيطة بعد فوتها، قيل للبائع: حط عنه مثل ما حططت من غير ربح، فإن أبى فله القيمة ما لم تجاوز الثمن الأول، فلا يزاد، أو أقل من الثمن بعد طرح الحطيطة، فلا ربح، فلا ينقص.
ومن كتاب ابن المواز، قال: ومن باع سلعة مرابحة، أو ولاها، أو أشرك فيها، ثم وضع له بائعه من الثمن، فيلزمه في الشركة والتولية بعضها، وضع ما وضع عنه، وأما توليتها كلها، فكبيعها مرابحة إن وضع عنه ذلك، وإلا خير المبتاع في الرد أو الحبس، ولا شيء له.
قال مالك: ما لم يوضع له الثمن كله. قال ابن القاسم: أو نصفه، فإن فاتت والوضيعة دينار من أحد عشر، فإن كانت قيمتها أحد عشر فأكثر، فلا شيء للمبتاع، وإن كان أقل، رجع بذلك ما لم يزد على دينار. قال محمد: وقاله ابن القاسم في بعض مجالسه، ورواه عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، أنها إن لم تفت، فإنه إن رد دينار الوضيعة، وما يقع له من الربح، وإلا خير المشتري في حبسها بلا وضيعة، أو ردها.
[6/357]
***(1/353)
[6/358]
قال ابن القاسم في العتبية، في رواية عيسى، ومثله عن أصبغ، في كتاب محمد: أنها إن فاتت، قيل للبائع: رد الدينار أو ربحه، وإلا فلك القيمة، ما لم يكن أكثر من جميع الثمن، فلا يزاد، أو أقل من الثمن بعد طرح دينار وربحه، ولا ينقص.
قال محمد: وهذا إغراق من أصبغ. والأول أحب إلينا. قال أصبغ: وهو قول مالك.
وقال أشهب من شركاء ثلاثة في سلعة، تقاوموها بينهم، فأخرجوا أحدهم بربح، فذهب إلى البائع، فوضع له دينارًا، فقام صاحباه، فلهما رد السلعة عليه، إلا أن يسلم الدينار، فيقسم بينهم أثلاثًا، وله الربح الأول. وقال محمد: فإن أراد البائع بوضيعة الدينار هذا دون شريكيه، فإن كان هو متولي الشراء منه، كان ذلك بينه وبين شريكيه، وإن ولي الشراء غيره، كان ذلك له وحده. ابن حبيب: ومن تجاوز عنه بائعه في عيوب الثمن أو وخره به، فليبين ذلك في بيع المرابحة.
قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن لم يبين، فللمبتاع ردها، فإن فاتت، فالقيمة كالذي لم يبين تأخير الثمن.
جامع مسائل المرابحة
قال ابن عبدوس، عن ابن القاسم فيمن ابتاع ثوبين جنسًا واحدًا، وصفة واحدة بعشرين درهمًا، فباع أحدهما مرابحة ولم يبين، فللمبتاع رده، وليس للبائع أن يلزمه إياه بحصته بالقيمة من الثمن بحجة المبتاع أن الجملة يرغب فيها، فيزاد في ثمنها، ألا ترى لو استحق جل صفقته، لم يلزمه ما بقي؛ لأنه يقول: أردت
[6/358]
***(1/354)
[6/359]
الجملة، وفيها رغبت، فإن فاتت عنده بحوالة سوق، فله أن يؤدي فيه قيمته يوم قبضه، ما لم يجاوز ثمنه الأول.
ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك، في من ابتاع ثوبين في صفقة، فله أن يبيع أحدهما مرابحة إذا بين ذلك.
وقال مالك في من أبضع في سلعة اشتريت له، ثم باع مرابحة، قال: ما عليه أن يبين ذلك. وقال سحنون: بل يبين؛ لأن المبتاع يقول: إنما رضيت بنظر البائع واجتهاده.
وروى ابن القاسم، عن مالك في العتبية مثل ذلك، والقول الأول رواية أشهب. قال عنه ابن القاسم في العتبية: فأما إن ابتاعها لك نصراني، فلا تبع مرابحة حتى تبين.
قال عيسى وسحنون: لا يحل له أن يوكل نصرانيًا على بيع ولا ابتياع. قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن لم يبين، فللمبتاع ردها، فإن فاتت، فالقيمة كالذي لم يبين تأخير الثمن.
قال ابن عبدوس: وقال بعض أصحابنا في من اشترى مالاً يكال ولا يوزن، فباع بعضه، قال: لا يبع ما بقي، ولا بعضه مرابحة حتى يبين، فإن لم يبين، فللمشتري أن يرد، فإن فاتت عنده، فالقيمة إن شاء، قال: وكذلك الرجلين يشتريان البز، فيقتسمانه، فيبيع أحدهما مرابحة ولا يبين، فليرجع الأمر إلى ما ذكرنا.
[6/359]
***(1/355)
[6/360]
ومن العتبية روى أصبغ، وعيسى، عن ابن القاسم مثل ما ذكر ابن عبدوس عن بعض أصحابنا، وزاد: وأما ما كان مما يكال أو يوزن من طعام أو غيره، فلا بأس أن يبيع ما بقي أو بعضه مرابحة، ولا يبين أنك بعت منه شيئًا. وقاله أصبغ.
ومن ابتاع بعرض، جاز أن يبيع مرابحة على صفته، ويكون عليه مثله، ولا يجوز أن يبيع على قيمته.
ومن باع سلعة من رجل بربح دراهم، ثم ابتاعها منه بربح درهمين، فله أن يبيع مرابحة، ولا يبين.
قال مالك: وإن أقالك من سلعة، فلا تبيع مرابحة على ثمن الإقالة حتى تبين.
قال في الواضحة: إذا أقالك بزيادة أو نقصان، أو اشتريتها بربح، فلا تبيعها مرابحة على الثمن الآخر حتى تبين. وقاله مالك، وروي عن قتادة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع سلعة بثلثي دينار، فنقد دراهم مثل الصرف يومئذ، ثم زاد الصرف، فقال: قامت علي بثلثي دينار، فلا بد أن يبين ما نقد، وإن ابتعت مع آخر عدل بز، فاقتسمتماه، فلا تبع نصيبك حتى تبين، بخلاف ما يكال أو يوزن.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك في الذي يقدم بمتاع، فيعرضه على قوم ويريهم برنامجه ويقول: لا أبيعكم مرابحة. قال مالك: لا أحب أن يريهم البرنامج إذا كان لا يبيعه مرابحة، وهذا يدخله خديعة.
[6/360]
***(1/356)
[6/361]
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في من عرضت متاعًا بقرة نقص، فقال المشتري: ليس معي نقص، فاحبسها بقائمة وأربحك نصفًا، فذلك جائز، فكأنه بيع مساومة وبيع حادث.
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في من اشترى من عبده جارية، فأراد بيعها مرابحة، فإن كان العبد يعمل بمال نفسه، فذاك جائز، وإن كان يعمل بمال السيد، فلا خير فيه.
وروى أصبغ، عن ابن وهب، في من ابتاع ثوبًا بنصف دينار، فنقد فيه دراهم، وباع مرابحة ولم يبين، فإن نقده دراهم، فله مثلها، وإن كان أعطاه دينارًا فضربه، فأخذ نصفه ورد نصفه، فله نصف دينار بالغًا ما بلغ. قيل: إنما نقده دراهم، وقد فات الثوب ونقص الصرف. قال: فله ما نقد، وإن لم يفت الثوب، فهما على رأس أمرهما.
وروى عيسى، وأصبغ، عن ابن القاسم، في من ابتاع جرار زيت موازنة، فوزنت بالظروف، ثم أراد بيعها مرابحة قبل وزن الظروف، قال: ذلك جائز مرابحة، أو مساومة، وقد دخلت في ضمانه، فلا مقدار وزن الظروف يسقط عنه، وعليه لمن باعها منه الوزن أيضًا، إلا أن يبيعها على تصريفه في الوزن، فيجوز.
قال ابن حبيب: ومن ابتاع بعروض أو طعام، جاز أن يبيع مرابحة، ولا يدخله السلف إلى غير أجل.
[6/361]
***(1/357)
[6/362]
أبواب بيه البرنامج والأشياء الغائبة والديون
باب في البيع على البرنامج والشيء المغيب يوصف
وكيف إن وجد نقصًا أو خلاف الصفة؟ وبيع العكم
من كتاب ابن المواز في الساج أو الثوب المدرج من جرابه: أنه لا يجوز بيعه حتى ينشر، بخلاف بيع الأعدال على البرنامج.
قال ابن حبيب: لا يباع الساج المدرج في جراب على الصفة، بخلاف بيع الأعدال على البرنامج، لكثرة الثياب، وعظم المؤنة في فتحها ونظرها.
ومن كتاب ابن المواز: ومن باع ثوبًا مدرجًا في جرابه"، فوصفه له، أو كان على أن ينشر، فذلك جائز، ونشر بعد البيع أو قبله.
ومن الجزء الأول لابن المواز: قال مالك في الثياب تطوى، وتجعل وجوهها ظاهرة، وعيوبها داخلة، فينشر للمبتاع منها الثوب أو الثوبين، فيرى عيوبهما، فيقول: أشتري على هذا، فقال: غيره أحب إلي، وأرجو أن يكون خفيفًا.
وذكر ابن سحنون في رده على الشافعي، أن الصفة تنوب عن ذلك، واحتج بحديث أبي هريرة، في النهي عن بيع السلع لا ينظرون إليها، ولا يخبرون عنها.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك: وإذا نسب الكتان إلى أسماء عمال له معروفين، فيشترون على ذلك ولا يفتحونه، فلا أحب ذلك حتى يفتح وينظر إلى شيء منه. وكذلك في كتاب ابن المواز عن مالك.
[6/362]
***(1/358)
[6/363]
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عكم أخفاف، فلا بأس أن ينظر فيها إلى خفين أو ثلاثة، وكذلك البز. يريد محمد: وبعد أن يعلما عددها.
ومن ابتاع عدلي بز مروي على برنامج أو صفة، فأصابه مطر، فالقول قول البائع مع يمينه، إلا أن يصحبه كالطعام.
ولو قبض طعامًا من سلم على التصديق في الكيل، فينقص عليه أكثر من نقص الكيل، فلا يصدق إلا ببينة لم تفارقه، وإلا حلف البائع، وإن كان بعث إليه، أو دفع إليه حلف: لقد باعه على ما قيل له، أو كتب إليه، وكذلك فيما يجد ناقصًا من الثياب في بيع البرنامج، وإلا رد اليمين على المبتاع، وكذلك من دفع صبرة في صرف، أو قضاء دين فصرفه البائع أنها مائة دينار، فالدافع مصدق مع يمينه، إلا أن يأخذها القابض على أن يرد أو يزن، فيصدق مع يمينه، قال مالك: وكذلك الطعام والثياب.
قول محمد: وفي صرف ليس يعني أنه يجيز فيه التصديق وأراه بما علم على تضمين القابض على ذلك إن فعل. وقال أشهب وسحنون: لا يجوز التصديق في الصرف، ولا في تبادل الطعامين. ولابن المواز نحوه في موضع آخر.
ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم، في من وكل ببيع قراطيس، فأراد ربها بيعها، وقال: باقيها على هذه الصفة أو وصفها له، أو كتب إليه بصفتها وبعثها إليه، فأتى إلى الوكيل رجل، فأراه منها قنطارًا، أو عرفه أنها بضاعة، وأنها كانت على ما رأيت فيما قال لي ربها، فاشتراها على هذا، فوجد منها قنطارًا متغيرًا بعد الصفة التي رأى، فقال الوكيل: ما أعرفه، فطلب يمينه أنه ليس مما بعت مني. قال: يحلف أني بعتك على ما كتب إلي، ولم أدلس، ولا أعرفه، قال: وليس عليه غير ذلك؛ لأنه قد صدقه حين ابتاع منه على ما ذكر. وقد قال مالك،
[6/363]
***(1/359)
[6/364]
فيمن يبتاع من الرجل ثياب قصب في صندوق بصفة، فيغيب عليه، ثم يدعي نقصانًا أو خلافًا، إنه لا يصدق، يحلف البائع أنه ما كتبه، ولقد باعه على ما كتب إليه.
ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وسأله حبيب عن من ابتاع جملة غنم مائة أو مائتين، فحبسها كلها، قال: نعم، لا بد من ذلك، وإلا فهو بيع مكروه، إلا أن يحبس اثنين أو ثلاثة، ثم يقول للبائع: نشترط عليك إن ما لم أحبس مثل ما حبست، فيكون كالبيع على الصفة.
فيمن ابتاع خمسين ثوبًا فلم يجد إلا تسعة وأربعين
قال ابن حبيب فيمن ابتاع خمسين ثوبًا، يريد على برنامج، فلم يجد إلا تسعة وأربعين، فليرجع بجزء من خمسين جزءًا من الثمن، فإن زاده ثوبًا، كان البائع شريكًا بجزء من اثنين وخمسين، وقالا لي: هذا غلط عم مالك.
باب في بيع الشيء الغائب، وعهدته
والنقد فيه، والإقالة منه، والشرك فيه
وبيع غائب بغائب، وبيع ما فيع عرض وعين
وغير ذلك من ذكر بيع الغائب
من الواضحة، قال: يجوز بيع الأشياء الغائبة على الصفة، وإن بعدت ما لم تتقاص غيبتها جدًا، ولا نقد بشرط إلا فيما قرب، على مثل يوم ويومين، ولا يجوز فيما بعد إلا أن يتطوع بعد العقد، فإن تشاحا، وضع الثمن بيد عدل حتى ينظر ما حال ذلك المبيع، وهذا في غير الرباع والعقار، تلك يجوز شرط النقد فيها، ولم يختلف، إنما هو مما يحدث بعد الصفقة، ومن مصيبة إن نزلت، ألا تراه يشتري الصبرة الحاضرة، فيجد في داخلها شيئًا، فيرد ذلك، إلا أن يتأخر قبضه وانتقاله،
[6/364]
***(1/360)
[6/365]
فينظر، فإن كان لا يمكن حدوث مثل ذلك في تلك المدة لقربها، فليرد، وإن أمكن حدوثه بعد الصفقة، ولا يكون قديمًا، فهو من المبتاع، فإن أمكن هذا وهذا، فهو على أنه محدث حتى يظهر أنه قديم، فكذلك الغائب في هذا يشترط فيه الصفقة، ولو كانت الصفقة في الغائب على إلزام ما في الباطن من عيب بالصبرة وشبهها، ما جاز مثل هذا في الحاضر. قال: وكذلك في العبد الغائب، أو الأمة تشترط فيها الصفقة. قال: وما ظهر من عيب، فاختلفا في قدمه، فهو أبدًا على أنه حادث، ومن المبتاع حتى يعلم أنه قبل ذلك، وعلى البائع اليمين أنه ما علمه قبل الصفقة. وقاله ابن الماجشون، وابن القاسم، وأصبغ.
قال: ولا يجوز شرط الصفقة في طعام غائب بيع على الكيل أو الوزن.
ومن الواضحة، ومن العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: وما بيع من طعام غائب بعينه، قال ابن حبيب: على الجزاف، فوضع الثمن لذلك، فهلك الثمن، فإن وجد على الصفة بالثمن من البائع، وإلا فهو من المبتاع، ولو تعدى بائع الطعام عليه فباعه، فعليه شراء مثله، ومصيبة الثمن منه.
قال ابن حبيب: قال مالك: ولا تصلح فيه الإقامة، ويدخله الدين بالدين، ولا أن يشترط فيه، ولا أن يبيعها من بائعها بأقل أو بأكثر ولا بمثل، لأنه كدين لزمه أخذ منه سلعة غائبة، وله بيعها من غير البائع بأكثر وأقل، إذا لم ينتقد. قال سحنون: إنما لا يجوز أن يبيعها من بائعها، ويصير كدين بدين، على قول مالك الأول: إنها من المبتاع.
ومن المستخرجة: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، قال: ولا يجوز التولية في طعام اشتريته بعينه غائبًا قريب الغيبة، سواء رآه المتولي أو وصف له، أو لم يره ولم يوصف له.
[6/365]
***(1/361)
[6/366]
ومن كتاب ابن المواز، قال: وأخذ ابن القاسم وأشهب بقول مالك الأخير في ضمان الشيء الغائب المبيع: أنه من البائع، إلا أن يشترط أنه من المبتاع، فيصير منه من يوم الشرط، ولا ينقد فيما شرط أنه من المبتاع أو من البائع، إلا في الربع والعقار، ولا يصلح أن يقرب لقبض السلعة الغائبة أجلاً قريبًا أو بعيدًا.
قال ابن القاسم: وضمان الربع والعقار من المبتاع من يوم الصفقة، اشترط ذلك عليه البائع أو لم يشترطه.
قال ابن القاسم: إنما يشتري الرباع الغائبة بصفة المخبر والرسول، فأما بصفة ربها فلا، إلا أن يشترط النظر، ولا يصلح النقد حينئذ.
وكذلك هي في العتبية، عن مالك، ولا بأس أن يتطوع بالنقد بعد العقد فيما لا يصلح فيه النقد.
قال مالك: أو من اشترى دارًا غائبة مذارعة، لم يجز فيها النقد، وكذلك الحائط على عدد النخل. قال أشهب، عن مالك في العتبية: وضمانها من بائعها.
قال مالك في الدار الغائبة تباع بصفة، فلا ينبغي أن تشترى إلا مذارعة، وقاله سحنون.
ومن كتاب محمد: قال مالك: وإن اشترى ذلك لك على غير ذرع ولا عدد نخل، ثم هلك ذلك قبل قبض المبتاع، فهو من البائع إلا أن يكون شرط أنه من المبتاع.
[6/366]
***(1/362)
[6/367]
قال محمد: ولمالك غير هذا، أن الرباع من المبتاع، وإن بعدت. وعليه أصحابه أجمع. قال: وإذا بيع الحائط الغائب وفيه الحيوان والعبد، فالنقد في ذلك جائز، والضمان من المبتاع، فإن بعدت غيبة ذلك.
وأجاز مالك النقد فيما قرب من غير الرباع، فجعل القرب نحو البريد والبريدين، ثم رجع، فقال: اليوم ونحوه. ابن القاسم: واليومين.
وكره مالك في رواية ابن وهب النقد في الطعام على نصف يوم، حتى يقرب جدًا. قال عنه ابن القاسم: وأما الحيوان، فلا ينتقد فيها إلا في مثل البريد والبريدين. قال عنه ابن عبد الحكم: لا ينقد منه في الحيوان، قرب أم بعد. وقال أشهب: يجوز النقد في الطعام والحيوان على مثل اليوم واليومين، فإن بعد، لم ينتقد فيه، كان الثمن دارًا أو حيوانًا، أو ما كان. وقال ابن القاسم: لا ينقد، وإن كان الثمن دارًا أو عرضًا أو حيوانًا أو سكنى دار، إلا في الرباع الغائبة.
قالا عن مالك، في الزرع الغائب قد يبس: لا ينقد فيه، وإن شرط ضمانه من المبتاع، فذلك جائز إن لم ينقد.
قال ابن القاسم: قال مالك: لا ينبني بيع الطعام الغائب على شرط إن أدركته الصفقة. قال ابن القاسم: وذلك في المخزون في البيوت؛ لأنه لا يدري ما فيه.
قال أصبغ: يريد: في الجزاف، وقاله سحنون. قال سحنون: قال ابن القاسم: بخلاف الزرع القائم. قال أصبغ: وقد أجاز ابن القاسم النقد في السلع الغائبة على يوم أو يومين، طعامًا كان أو غيره، وإن كان أبعد من ذلك، فلا خير فيه.
قال ابن القاسم: ولا بأس ببيع عبد بغنم غائبة، ما لم يدخل في ذلك الضمان ولا حد بالقبضة أجلاً، وكذلك روى عنه عيسى في العتبية، فإن قدم
[6/367]
***(1/363)
[6/368]
بالغلام قبل، فمات الغلام قبل قدوم الغنم، فإن جاءت على الصفة، أو جاءت على غير الصفة يرضيها، فله أخذها، وضمان العبد من الآخر، فإن لم يرضها إذ خالفت الصفة، فالعبد من بائعه. ومسألة الأمة في المواضعة مثلها في هلاك الثمن، وفيها اختلاف ذكرناه في المواضعة.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ابتاع سلعة غائبة، على أن يوافيه بها البائع، فوضع كذا وكذا، لم يجز ذلك. محمد: وهذا من ناحية الضمان. قال أصبغ: وكذلك على أن يوافي بها هاهنا. محمد: إن كان البائع ضامنًا للسلعة، لم يجز، وإن كان إنما ضمن حمولته، فذلك جائز.
قال مالك: ولا يجوز بيع السلعة الغائبة، على إن هلكت ضمنها البائع، يأتي بمثلها.
ومن العتبية، روى أصبغ، عن ابن القاسم، في من اشترى جارية غائبة بالشام، وشرط ضمانها حتى يعطيه إياها بمصر، فلا خير فيه، ولو كان يقبضها بالشام، لم يكن به بأس. وقاله أصبغ.
من كتاب محمد: وقال في العبد البعيد الغيبة، إذا أعتقه مبتاعه، جاز عتقه، ووجب للبائع قبض الثمن، وزال من ضمانه، وذلك كالقبض في هذا، وفي البيع الفاسد.
قال: ومن رأى عبدًا من عشرين سنة، ثم اشتراه على غير صفة، فذلك جائز، ولا ينقد، وهو بيع على الصفة التي كان رأى.
قال مالك: ولا خير في أن يبيع دابة عنده في الدار خبرة على صفة. قال محمد: لأنه يقدر على نظرها. قال: ومن باع بالمدينة غلامًا له بمصر، يعرفه المبتاع، وكتب إلى وكيله بمصر أن يقبضه، ويدفع الثمن، فذلك جائز. قال ابن
[6/368]
***(1/364)
[6/369]
القاسم، وأشهب: ومن ابتاع مائة إردب من طعام غائب بعينه، يخرج إليه يكتاله بثمن إلى أجل، فذلك جائز.
قال مالك: ولا يقبل من سلعة غائبة لا يصلح النقد فيها؛ لأنه دين بدين؛ لأن الثمن ثبت عليه، لا يزيله إلا أمر يحدث في السلعة، فصار كبائع سلعة غائبة بدين عليه، فلا يصلح بمثل الثمن، ولا بأقل ولا بأكثر، وأما من غيره، فجائز إن لم ينتقد، وأجاز مالك أن يقيله من الجارية في المواضعة، وإن أقاله بربح، فلا ينقده الربح حتى تخرج من الاستبراء.
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن اشترى من رجل كل مملوك له، ولم يسمهم، وهم غيب بموضع، والمبتاع يحيط علما كجميعهم، وصغيرهم وكبيرهم، فذلك جائز، فإن كان على مثل يوم أو يومين، جاز النقد فيهم، وإن بعدوا، لم يجز النقد فيهم بشرط، وإن تطوع به بعد العقد، جاز. قال: فإن ادعى البائع أن المبتاع ااشترى ما لا يعرف، وادعى المبتاع أنه بهم عارف، فالمبتاع مصدق بدعواه الصحة.
ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: ولا يصلح شراء الميراث الغائب فيه عين وعرض بعرض نقدًا، وإن اشتراه على أنه له وحده، أو لم يجده نقص أو زاد، فهو غرر، وإن شرط إن لم يجده، رجع فأخذ عرضه.
وروى عيسى، وأصبغ، في من باع طعامًا غائبًا أو غنمًا بموضع لا يجوز فيه النقد، بثمن إلى أجل سنة، على أن السنة من يوم يقبض الغنم، فلا يجوز حتى يكون الأجل من يوم عقد البيع، كمن نكح بمائة نقدًا ومائة إلى سنة، فالسنة من يوم العقد، ولا يجوز أن يكون من يوم البناء.
قال أصبغ: وإن كان الأجل في البيع من يوم العقد، وهي بموضع لا يمكن قبضها إلا بعد هذا الأجل، لم يجز، ويصير كشرط النقد في البعيد الغيبة.
[6/369]
***(1/365)
[6/370]
قال أصبغ، عن ابن القاسم: وإن ابتاع غنمًا غائبة بثمن في ذمته، جاز في قريب الغيبة، فإن بعدت الغيبة جدًا لم يجز، وإذا كان المقبوض أولاً هو المضمون، لم يصلح، وإن كان المعين يقبض أولاً جاز، وإن بعد ما لم يبعد جدًا، فلا يجوز؛ لأنه حيوان.
وروى عيسى، وأصبغ، عن ابن القاسم، عن مالك، وهي في كتاب ابن المواز، عن مالك، في من له ذهب بالمدينة توقف عند قاضيها، فابتاع بها زيتًا بالشام، أو طعامًا. قال في العتبية: فلا خير فيه، ولكن يتواضعان الزيت، ثم يخرج إلى الذهب، فإن وجدها، تم البيع.
قال في كتاب محمد: وإن شرط ضمان الذهب للبائع، فجائز، ولو كان إلى أجل، كان أحب إليّ، وكأنه يرى إن لم يضمن الذهب أنه يفسخ.
قال ابن القاسم في الكتابين: إذا قبضت السلعة، فلا يجوز إلا أن يضمن الدنانير.
قال مالك في العتبية: إذا ابتاعه بالذهب الغائبة، فلا خير فيه، والذي يصلح أن يتواضعا السلعة، ثم يخرج إلى المال فإن وجده، تم البيع. قال في كتاب محمد: فإذا لم يجد الذهب وتواضعا الساعة حتى يخرج إلى المال، فإن وجده تم البيع.
قال في الكتابين: وإن لم يوجد وأراد أن يخلف له مثله، فذلك له وإن كره البائع، وإن كان العرض لا يخرج من يد بائعه، ولا يتواضعانه، فذلك جائز، وليخرجا إلى المال، فإن وجداه فلا يجوز قبضه حتى يقبض المبتاع السلعة، وإلا صار كالنقد في الغائب.
[6/370]
***(1/366)
[6/371]
ومن كتاب محمد: ومن أكرى إبلا غائبة بكراء مؤخر إلى البلد، فإما إبلا معينة فجائز، وإما كراء مضمونًا، فكرهه مالك حتى ينقد أكثره، ثم خففه إذا عربنوهم لما اقتطع الأكريا أموال الناس. وقال أصبغ: بشرط أو بغير شرط، ما لم يكن الأجل إلى بعد البلوغ، فلا خير فيه. والقياس: ألا يجوز إلا نقده كله.
في شراء الدين على غائب أو حاضر أو ميت
ومن له دين وامتنع من أخذه في فلس أو موت
من العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك: لا يشترى دين، على غائب مقر أو منكر، أو حي أو ميت، أو مليء أو معدم.
قال ابن حبيب: ولا بأس بقسمة ما على الرجل الغائب من الدين؛ لأن حالهما فيه لا يختلف.
ومن كتاب ابن المواز: لا بأس ببيع ما على الرجل الغائب من الدين، إذا كان قريب العيب، عرف ملاؤه من عدمه. وقال: فإن لم تكن عليه بينة ما لم يجز حتى يحصر ويقر.
قال ابن حبيب: ويعرف ملاؤه من عدمه. قال محمد: وإن حضر وأنكر، وعليه بينة، لم يجز بيع ما عليه؛ لأنه خطر وحصوم.
قال مالك: ولا يجوز بيع ما على الميت وإن كان عليه بينة، وإن عرف ما ترك؛ لأنه لا يدرى ما عليه من الدين، وليس ثم ذمة باقية.
ومن ولي سلعة له في ذمة رجل، ولم يجمع بينهما، فالعهدة للمولى على البائع الأول.
[6/371]
***(1/367)
[6/372]
قال أصبغ في العتبية: وأما إن ولاه طعامًا على غائب، فلا يجوز حتى يحضر ويجمع بينهما، ولو ولي سلعة، جاز ذلك فيها.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن مات وعليه طعام لم يحل، فامتنع صاحبه من أخذه من الورثة حتى يحل، قال: يجبر على أخذه، وقال ابن القاسم: ويجبر على أخذ العروض في الفلس والموت.
أبواب الضمان في المعينات من الأشياء الحاضرة والغائبة
وفيمن اشترى شيئًا عرفه البائع
ثم قال للبائع: جوزني ما بعت مني
من العتبية، قال سحنون فيمن ابتاع دارًا أو أرضًا أو غير ذلك، وقد عرف ذلك بيد البائع يملكه ويجوزه، فيسأله بعد البيع أن يجوزه، أذلك عليه؟ قال: إن كان المبتاع ابتاع ما قد عرفه بيد البائع فلا جوز عليه، وإن دفعه عما اشترى دافع فهي مصيبة على المبتاع.
في ضمان ما يهلك بعد الصفقة من الأشياء الحاضرة بيد البائع
وفيما بيع على كيل أو عدد أو على غير كيل فيهلك
وكيف إن تعدى فيه متعد وذكر التداعي في هلاكه
من كتاب محمد: وما اشترى من الحيوان بعينه شراء صحيحًا، ونقد فيه أو لم ينقد، فهلك بيد البائع، فاختلف فيه قول مالك وروى أشهب أنه من البائع، إلا أن يدعى المبتاع إلى قبضه، فيكون هو الذي أقره، فيصير الضمان من المبتاع. وقاله أشهب.
[6/372]
***(1/368)
[6/373]
وروى عنه ابن القاسم أنه من المبتاع؛ لأنه إما احتبسه للثمن فهو كالرهن، أو المبتاع تركه فهو كالوديعة. قال ابن القاسم: ولو كان به عيب قديم، فلم يقبضه حتى مات، فهو من المبتاع، وليرجع بقيمة العيب. قال: وهو منه، حتى يرد بقضية أو يرضى من البائع، ولو قبضه المبتاع، ثم قام بعيب فأعلم به البائع، وأشهد عليه أنه غير راض به، وأنه منه بريء، فأقبل البائع ليأخذه، فوجده قد مات بعد إقالته، أو أصابه عيب، فهو من المشتري. قال محمد: وأحب إلي أن تثبت الإقالة على البائع بإيجابه ذلك على نفسه، والمصيبة منه، وإن لم يقبضه، كاستئجار بيع في سلعة حاضرة، وهذا أقوى من قضاء السلطان. قال مالك: ولو خاصمه في رده، فقضي برده، فلم يقبضه، حتى مات، فهو من المبتاع حتى يرده بقضية، ويقبضه البائع. ثم رجع مالك فقال: إذا قضي برده، فهو من البائع وإن لم يقبضه.
قال محمد: ومبتاع الصبرة جزافًا أو على التصديق في الكيل، فذلك من المبتاع، كالحيوان، ولم يثبت مالك فيها على أمر.
قال: وأما من اشترى طعامًا، فسمي له كيله، أو كان حاضرًا، فهو أبدًا على الكيل. محمد: والمصيبة هاهنا من البائع حتى يشترط أخذه بكيله أو تصديقه فيها، كالقائل: كم في طعامك هذا؟ فيقول: خمسين إردبًا، فيقول: قد أخذتها بكذا. فيرضى له، فهذا على الكيل حتى يشترط تصديقه، ولو اشتراه على الكيل، ثم أراد تصديقه في كيله، فذلك جائز، ثم إن بدا له أن يرجع إلى الكيل، فليس ذلك له. وقاله أصبغ.
محمد: وإن لم يسم معرفة كيله، فأراد أن يسلفه له بما يتوخيان من كيله، لم يجز، وهذا أخذ طعام جزافًا من رجل عن كيل وجب.
[6/373]
***(1/369)
[6/374]
ومن ابتاع زرعًا قد يبس، كل فدان بكذا، إلا أنهما يقيسان الأرض بعد حصادها، لمعرفة كم فيه، ولم يحصده حتى هلك، فهو من المبتاع، وقد كان للمشتري بيعه قبل يحصد، وقبل يقيس فدادينه.
وذكر ابن حبيب مثله عند مالك، وقال: وكذلك من اشترى دارًا على عدد حتى تزرع، أو حائطًا على عدد نخل، فيهلك ذلك بسيل أو حريق النخل، والمصيبة من المبتاع، ويعاد الآن ذلك، ويعد النخل على ما هي به، ويلزمه الثمن. وقاله مطرف، وعبد الملك، وأصبغ. وإذا احتجن البائع الأمة بالثمن، ثم وطئها، فيبرأ عنه الحد لقول من يرى أنها في ضمانه، والأمة للمبتاع، وعليه قيمة الولد على البائع إن ولدت. ولو أمكن منها، فأقرها عنده بعد تمام الاستبراء فوطئها المبتاع، فهو زان، يحد أو يرجم، ولو كان ذلك في الاستبراء، وقد كان البائع يطؤها قبل البيع، دري عنه الحد ويعاقب، ويفسخ البيع، وتكون له أم ولد.
ابن القاسم: ومن باع ثوبًا، فأراد المبتاع أخذه، فقال المبتاع: هو على عنقي حتى أبلغ به البيت، فاختلس منه، فالبائع يضمنه إن لم تقم بينة، وذلك سواء نقد أو لم ينقد، ويضمن الأكثر من قيمته، أو الثمن أو الثوب، وهو كالرهن.
وكذلك روى عنه سحنون في العتبية، وقال: إن قامت بينة، فهو من المبتاع.
قال مالك: ومن باع صبرة طعام على الكيل، فاستهلكها أجنبي قبل الكيل، فعليه قيمتها على التحري. يشتري بها طعامًا فيكال للبائع.
وقال أشهب: تكون القيمة للبائع، وينفسخ البيع، وليس للمبتاع إلا الثمن، إلا أن يقر المستهلك بعدد كيل، فإن شاء بائعها أغرمه عدد ما أقر به واستحلفه، وإلا فالقيمة. ثم يتخير المشتري، فإن شاء أخذ المكيلة التي أقر بها المستهلك، وإن
[6/374]
***(1/370)
[6/375]
شاء اشترى له بالقيمة طعامًا فاكتاله، وإن شاء فسخ البيع، وأخذ الثمن. قال أشهب في أخذ البائع القيمة من المستهلك: اختلف فيه قوله، فقال: يشتري به طعامًا، فيوفاه المشتري، ومرة قال: لا، إلا أن يعرف الكيل. قال محمد: وأحب إلينا أن يجعل ما أخذ من المستهلك من طعام، أو قيمة في طعام يوفي منه المشتري شراءه. كذا قال ابن القاسم.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، في من باع كيلاً من طعام، ثم ادعى هلاكه قبل أن يقبضه المبتاع، فكذبه المبتاع، فعليه أن يوفيه الكيل الذي باع منه، إذا لم يعلم هلاكه بالبينة.
وروى سحنون عن ابن القاسم فيمن باع ثوبًا، ثم حبسه بالثمن، ثم ادعى تلافه، ولا بينة له، قال: فيفسخ البيع، إلا أن تكون قيمته أكثر من الثمن فيغرمه؛ لأنه يتهم لتلفه، وإن كانت أقل، فسخ البيع، وليس برهن، وهو مصدق في تلف الحيوان، ولو قال قائل: يضمن قيمة الثوب، كانت أقل أو أكثر. لم أعبه، قال سحنون: ليس هذا بشيء، وينفسخ البيع، ولا قيمة على البيع.
قال في كتاب ابن المواز: وإذا أسلم ثوبًا في طعام، فأحرقه رجل عند بائعه، فإن ثبت ذلك، فالسلم بحاله، ويتبع الذي عليه الطعام الجاني، فإن لم تقم بينة، فهو مخير في فسخ البيع، أو يضمن بائع الثوب قيمته، ولو أمكنه منه، وتركه عنده وديعة، فلا خيار له وهو منه، والطعام عليه، ولو أحرقه بائعه متعمدًا أو غير متعمد، فعليه قيمته.
ومن العتبية، روى أبو زيد عن ابن القاسم في من ابتاع صبرة، فلم يأت بالثمن حتى هلكت نار، فهي من المبتاع، وكذلك من باع عشرة فدادين من قمح من زرعه، فذهب إلى غد ليقيس، فاحترق الزرع، فالمصيبة منهما جميعًا.
[6/375]
***(1/371)
[6/376]
ومن سماع ابن القاسم: قال مالك في الضأن يباع صوفها، فتصاب منها الأكبش قبل أن تجز، فهي من البائع، ويوضع عن المشتري بقدرها، وذلك إذا سرقت، أو أخذها السبع، فأما إن ماتت، فليس له إلا صوفها، إلا أن تكون صوف الميتة عند الناس لا تشبه الحي، فيوضع عنه.
من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، في النواتية يحملون التلاليس - يريد بالطعام - فيسقط منهم في البحر، أنه من المشتري.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع من خياط ثوبًا قد خاط قدر ثلثه، على أن يتمه، فهلك عنده، فإنه يضمن قيمته يوم باعه من صاحبه، كتضمين الصناع، ولو قامت بينة بهلاكه، لم يضمن، ويرد من الثمن بقدر ما كان بقي من خياطته بعد أن نقص ثمنه على قيمته يوم الشراء، وعلى ما بقي من خياطته. ومن كتاب ابن عبدوس، في تفسير القسم، قال: وإن قطعت يد العبد عند البائع، فاختلف هو والمبتاع من قلة الثمن وكثرته، خير المشتري بين أخذه بما قال البائع، وإلا حلف على ما قال، ثم فسخ البيع فيما بقي من العبد بحصته من الثمن، إن بقي ثلاثة أرباعه، سقط عنه ثلاثة أرباع الثمن، وغرم ربع الثمن. يريد: الذي أقر به المشتري مع يمينه، فإن مات العبد في يد البائع، صدق المشتري في الثمن بعد أن يحلف، وصار هو المدعى عليه.
باب في ضمان ما بيع فوزن بظروفه فهلك قبل تفريغها
وفي ضمان الظروف وفي المكيال يسقط بعد امتلائه
والراوية تنشق قبل تفرغ
من كتاب ابن المواز: وإذا وزنت جرار الزيت، وقبضها المبتاع ليفرغها، فضمان الزيت من المبتاع، وله بيعه قبل يفرغه؛ لأن ذلك قبضه. قال أصبغ:
[6/376]
***(1/372)
[6/377]
وكذلك لو ملأ له الظروف فقبضها حتى يفرغها، ثم يعبرها بالماء، ليعرف ما تسع، فهو قبض والضمان منه. محمد: ولا يضمن الظروف، إذ لم يقبضها على شراء، ولكن على وجه الكراء، وكان الثمن وقع على الزيت على عارية الظروف.
وروى عيسى، عن ابن القاسم في روايا زيت توزن بظروفها، ويقبضها المبتاع مثل ما روى عنه محمد في ضمان الزيت، وذكر مثله ابن حبيب، عن مالك.
ومن كتاب محمد: وإذا سقط المكيال وانكسر بعد امتلائه، وقبل يفرغه في إناء المبتاع، قال مالك في رواية أشهب: إنه من البائع حتى يصب في إناء المشتري.
قال ابن القاسم: وإذا أمر البائع أجيره بالكيل للمبتاع، فكال واحدًا فصبه في إناء البائع، ثم كال ثانية، فوقع المطر في يده بعد امتلائه على وعاء المشتري فانكسرا، فالثاني من البائع، وأما الأول فالأجير يضمنه للمبتاع.
قال أشهب: قال مالك في من اشترى زق سمن، فذهب ليزنه، وانقلب من الميزان فانشق، فهو من البائع، وكذلك لو تم وزنه، ثم ذهب ليصبه في إناء المشتري، فمالت يده فأهراق، فهو من البائع، وكذلك في الكيل حتى يستوفيه المشتري. وكذلك في الواضحة، وما يسقط من المطر بهد وفائه، أو الويبة بعد وفائها، فيهلك، فذلك من البائع، سواء ولي هو كيله، أو من أمره، أو وليه المشتري بأمره، فأما لو وليه المشتري بتعد منه، أو أجنبي بتعد منه بغير أمر البائع لكان ضامنًا بتعديه.
ومن العتبية: روى عيسى، ويحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في البائع أو أجيره يكيل مكيلاً، فيصبه في إناء المشتري ثم يكيل ثانية فيسقط منه بعد امتلائه على إناء المشتري، مثل ما روى ابن المواز، وزاد: وإن بقي شيء من الزيت عند
[6/377]
***(1/373)
[6/378]
البائع، وفاه صفقته، وإلا رد عليه حصته من الثمن. قال عنه يحيى: ولو ولي المبتاع الكيل فيما وفاه، وامتلأ سقط من يده على إناء نفسه فكسره، فما في إنائه فهو منه، وما كان في المكيال فمن البائع حتى يصبه في إناء المشتري، وليس امتلاء المطر بقبض، وكذلك لو ولي الكيل أجير لها، لضمن ما في إناء المشتري، ولا يضمن ما في المكيال، إلا أن يكون فعل به ما هو سبب سقوطه.
وروي عن سحنون، في غير العتبية، أن المشتري إذا وعي الكيل لنفسه، أو وزم الدراهم، فلما استوى المكيال والميزان، سقط من يده، فالمصيبة من المشتري. وروى عنه عيسى في من اشترى راوية ماء فتنشق، أو تكون قلالاً، فتنكسر قبل يصل، فذلك من السقاء، وهو مما يشترى على البلاغ في عرف الناس.
فيمن باع شيئًا من رجل ثم باعه من غيره
وكيف إن تنازعه المشتريان أو كان طعامًا
فنقله البائع أو غيره إلى بلد آخر
من كتاب ابن المواز، قال: ومن أسلم ثوبًا في طعام، ثم باع الثوب بائعه، ومبتاعه مخير، في تضمينه قيمته ما بلغت، أو الرضا بالثمن الذي باعه به، ولو أراد أن يترك ذلك، ويفسخ البيع، أو تراضيا بذلك، لم يجز، ولا تجوز الإقالة إلا برأس المال.
قال مالك: ومن ابتاع قلنسية، فباعها الخياط، فلا خير في أن يرضى ببيعها؛ لأن الخياط لها ضامن حتى يعطيها له، وليعمل له مثلها، ولو لم تفت بيد المبتاع، لم يتبع له الرضا ببيعها. قال ابن القاسم: وذلك أنها على الخياط مضمونة بصفة معلومة، ولو كانت خرقة بعينها استعمله إياها، فله الرضا ببيعها، أو يلزمه قيمتها إن كانت أكثر. قال محمد: هذا إن ثبت بيعه إياها بعينها.
قال محمد: ويجوز وإن كانت مضمونة عليه أن يرضى مبتاعها بالبيع، ما لم تفت وينتقد، وذلك إذا أشهد الخياط أن هذه لفلان، وهو مما يجوز بيعه قبل
[6/378]
***(1/374)
[6/379]
قبضه، وما كراهة مالك في هذه إلا أنه لم يعلم من بيع الخياط أنها لفلان إلا بعد البيع، ولعله إنما باع غير متاعه أو لم يبع، فخاف الذريعة إلى الربا، أن يعطي قليلاً ويأخذ كثيرًا، ويدل جواب مالك أنها عرفت بعينها: أنه قال: إذا لم تفت، فهو مخير. يدل أنها عرفت، فكان له أخذها وأخذ الثمن، وإن فاتت، لم يجز ذلك.
وقال أشهب: ومن ابتاع طعامًا بعينه على الكيل، فتعدى البائع، فحمله إلى بلد آخر، فإن شاء أخذ بعينه، وإن شاء فسخ بيعه، وأخذ رأس ماله، وليس له أن يأخذه بمثله بموضع اشترائه. قال محمد: ليس هذا شيء، وليس له أخذه، وإنما له مثله بموضع اشترائه، ولو باعه ولم يحمله، لم يكن للمبتاع أن يجيز بيعه، ويأخذ الثمن وإن كان بعينه، وإنما له أخذه بمثله، بالبلد الذي كان به، ويصنع هذا بهذا ما شاء، كمن تعدى على طعام رجل، فنقله إلى بلد آخر، فإن وثق به، وإلا أوقف له، ويبيعه ويوقف له ثمنه، ولا يكلف رد الطعام.
قال ابن القاسم: ومن ابتاع طعامًا غائبًا بنقد، فقدم به وكيل البائع ولم يعلم، أو كان خرج قبل البيع، فالبيع لازم، فإن شاء قبضه هاهنا، وإلا أخذه شرواه هناك، ويرده إن شاء. وقاله أصبغ.
ومن العتبية، قال أصبغ: ومن اشترى شاة، ثم ذهب ليأتي بالثمن، فباعها البائع من غيره، فلقي المشتري الأول الثاني وهي معه، فتنازعاها، فماتت الشاة بأيديهما، فالضمان منهما إن كان موتها من فعلهما جميعًا، فإن ثبت بيعه من الأول، غرم له الثاني نصف القيمة، ورجع الثاني على البائع بما دفع إليه، وإن صحت للناس، غرم الأول نصف القيمة.
[6/379]
***(1/375)
[6/380]
ورأيت لسحنون في كتاب البيوع الذي نسب إلى ابنه، أنه إن باعها من الأول بعشرة، ثم باعها من الثاني بعشرين، فالأول قد قبض نصفها في منازعته للناس، وعليه فيه خمسة، ويخير في النصف الآخر، فإن شاء ضمن المبتاع نصف قيمته، وإن شاء جاز فيه البيع، وأخذ فيه عشرة من المبتاع الثاني، ثم يرجع بها مؤديها على بائعه إن كان نقده، وإن شاء ضمن البائع قيمة النصف ما بلغ، وكان ثمنه له، وإن شاء أخذ من البائع العشرة التي باع بها النصف، ورجع بفضل القيمة إن زادت على عشرة على المبتاع.
فقول سحنون: إن أجاز البيع أخذ من المشتري العشرة وقد دفعها إلى باعه فليس بأصلهم، وأصلهم في بيع الغاصب والمتعدي يقبض الثمن، أن رب السلعة إذا أجاز البيع، فعليه يرجع بالثمن إن قبضه، لا على المشتري. وقوله: إن شاء أخذ العشرة من البائع، ورجع بالفضل القيمة إن كانت أكثر على المشتري. فليس يعني أنه أجاز البيع، وأراه أراد أنه يطلب المبتاع بالقيمة، ولا يجيز البيع، فيأخذ هذا العشرة التي له عند البائع؛ لأنها مال غريمه ثم يرجع بتمام القيمة عليه؛ لأنه ضمن نصفها في منازعته حتى ماتت بأيديهما.
وبهد هذا باب في اختلاف الوليين فيما باعا، فيه ذكر من باع سلعة من رجل، ثم باعها من آخر، وزيادة على معنى ما في هذا الباب.
في ضمان الصبرة يشتري بعضها أو يستثني بائعها بعضها
أو في بيع الثمرة أو سكنى دار باعها ثم يهلك ذلك كله
من كتاب ابن المواز: ومن اشترى نصف صبرة، فاكتال منها أقل من نصفها، ثم هلك باقيها، أن البائع يرجع فيأخذ نصف ما أخذ المبتاع.
ومن باع صبرة جزافًا، واستثنى منها كيلاً سماه، قدر الثلث، فأصيبت الصبرة أو جلها، فالمصيبة منهما، فإن بقي منها الثلث فأدنى، فهو للبائع، وإن كان أكثر من الثلث، فللبائع منه ثلثاه وللمبتاع ما بقي.
[6/380]
***(1/376)
[6/381]
ومن باع دارًا واستثنى سكناها سنة، فانهدمت في السنة، فهي من المبتاع، ولا يرجع عليه البائع بشيء من ثنياه كالصبرة، إلا أن يصلحها المبتاع في بقية السنة، ولا يجبر على إصلاحها. قال أصبغ: لا يعجبني، وليس كالصبرة؛ لأن الصبرة قبض للمبتاع، والسكنى لم يقبض البائع ما استثنى، وثنيا السكنى لزيادة باع منها فتقوم، فيطرح مسكنه، ويرجع مما معها وكذلك ركوب الدابة إلا شيء لا بال له، مثل الأيام القلية في الدار، والبريد في الدابة، فهو لهو وسيع.
قال محمد: قول ابن القاسم أصوب، وما وجدت بقول أصبغ معنى. وهذا الباب قد تقدم أكثره في أبواب الاستثناء من الصفقة، وأبواب الجوائح.
ومن باع ثمرة واستثنى منها أقل من الثلث، فأجيحت أقل من الثلث، فلا يوضع عن المبتاع مما استثنى البائع شيء، كما لا يوضع عنه من الثمن. قاله مالك، كالصبرة، ولو أصيب الثلث فأكثر، يوضع عنه بقدر ما يوضع من الثمن. قاله مالك، وقاله أصبغ.
وروي عن مالك أنه لا يوضع عن المشتري مما استثناء البائع شيء، وإن ذهب أكثر من الثلث، ويكون ما استثنى فيما بقي. وبه أخذ ابن عبد الحكم. قال محمد: ورواية ابن القاسم أحب إلينا؛ لأن الصبرة لا جائحة فيها، وهذا فيه الجائحة، وما استثنى فهو كالثمن. وقاله أصبغ.
[6/381]
***(1/377)
[6/382]
باب فيمن اكتال زيتًا ابتاعه
ثم اكتال في جرة من جرة نجسة ولم يعلم وتناكرا في النجسة
من العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم فيمن اشترى من رجل مائة قسط زيت، فكال له من جرة خمسين، ثم كال له من جرة أخرى قسطًا أو قسطين، فصبه على الأول، ثم وجد فأرة في الجرة الثانية، فضمان الخمسين الأول من المبتاع، وإنما صب عليه هذا بأمره، كما لو صب لك حمال زيتًا في جرة بأمرك، وإذا فيها فأر، فلا شيء عليه.
قال ابن حبيب: إلا أن يكون البائع عالمًا بالنجاسة التي في زيته، فغره حتى صبه على الآخر، فيضمن الزيتين جميعًا، ويبالغ في عقوبته. قال ابن حبيب: ولو ظهر فيه بعد أن صار في إناء المشتري فأرة، فقال المشتري: في زيت البائع كانت. وقال البائع: بل في إنائك كانت، فالقول قول البائع مع يمينه، إلا أن تقوم بينة أنها كانت في إناء البائع، أو يقوم دليل من انتفاخها وتزلعها ونحوه مما لا يمكن أن يكون في إناء المشتري وكان صبيبًا أو يابسًا، وإن كان إناء زيت فرغ منه أشكل فيه الأمر، فقد لزم المشتري. وقاله أصبغ، عن ابن القاسم.
باب فيمن قلب قوارير للبيع أو قلال خل فسقطت
أو جرب قوسًا أو سيفًا فانكسر
أو سقط في يده على شيء آخر ومن قلب دينارًا فتلف
من كتاب ابن المواز، قال مالك في القوارير وأقداح الخشب تنصب للبيع، فيقلبها الذي يريد الشراء، فتسقط من يده فتنكسر، فلا ضمان عليه. قال أصبغ: أخذه بإذنه أو بغير إذنه، إذا رآه فتركه، وإن كان بغير علمه، ضمن.
[6/382]
***(1/378)
[6/383]
ورو عيسى عن ابن القاسم أنه إذا تناوله بغير إذنه، ثم جعل يساومه، فسقط من يده، أنه ضامن إذا لم يناوله إياه، أو يأذن له، ويضمن ما انكسر تحته، وكذلك السيف يهزه فينكسر، والدابة يركبها ليجربها، فتموت، أو القوس يرمي عنها بغير إذنه، فهو ضامن في هذا، إلا أن يكون بإذنه.
قال محمد: وما سقط من ذلك عليه مما قلبه، فانكسر الأسفل، ضمنه، ولا يضمن ما سقط من يده. قيل لابن القاسم: فقلال الخل يرفعها يروزها، فتنكسر؟ فقال: ما سمعت في هذا شيئًا. قال أصبغ: هي مثل القوارير، إلا أن يخرق ويعنف بجر المأخذ قبل أن تعلق القلة الكبيرة بأذنها، وبغير الوجه المعروف، وروى أصبغ عن ابن القاسم أنه ضامن في قلال الخل، بخلاف القوارير. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: ومن لا يعرف إلا بالتناول باليد، كالسيف فيهزه، والقوس ينزع فيها فتنكسر فلا يضمن. وما كان يجتزأ بعضه، كالبان والدهن يجتزأ شيء منه يشمه، فإذا أخذه رجل بيده فسقط منه، فانكسر فإنه يضمن. ومثل الخل إنما يذاق الشيء، فإن رفع القلة بيده، فانكسر ضمن، وضمن ما وقعت عليه.
وقد قال مالك فيمن أعطى دينارًا للصيرفي في دراهم، فنقره. قال في العتبية: نقرًا خفيفًا أو منخرقًا، فضاع، لضمنه؛ لأنه أخذه على المبايعة، وكذلك لو غصب من يده، أو اختلس قبل يريه لضمنه، وإنما الذي لا يضمنه من نقره ما يستور أوجهه بلا بيع، فينقره نقرًا خفيفًا لا خرق فيه ولو أخذه على الصرف، فاستأذنه، فنقره نقرًا خفيفًا لم يضمن، وإن أخرق ضمن.
[6/383]
***(1/379)
[6/384]
[6/384]
***(1/380)
[6/385]
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الرابع من أقضية البيوع
أبواب بيع الخيار
في بيع الخيار وما يجوز من أمده وما لا يجوز
وفي مجاوزة أيام الخيار
من كتاب ابن المواز: قال: وأجل الخيار في السلع بقدر ما يشبه فيها من الاختيار، فالأمة قدر أربعة أيام أو خمسة، ولو وقع في الأمة أو العبد خيار عشرة أيام لم أفسخه، وأفسخه في الشهر، فإن فات وجبت القيمة. وأجاز ابن القاسم بيع العبد بالخيار عشرة أيام. وروى ابن وهب أن مالكًا أجازه في الشهر، وأباه ابن القاسم وأشهب.
قال مالك: الخيار في السلم مثل اليوم واليومين والثلاثة، ولا ينقد، فإن كان بعيدًا، لم يجز، ويصير الكالئ بالكالئ، فإن وقع على ذلك، ثم ترك ذو الخيار خياره، لم يجز، لفساد العقد، فإذا فسخ، فلهما أن يأتنفا بيعًا.
[6/385]
***(1/381)
[6/386]
مالك: وإن اشترى واستوجب، وقال: إن بدا لي رددت ما بيني وبين شهر. ثم أصيبت السلعة وهي من المبتاع.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون وغيره: أحد الخيار في الثوب لليومين والثلاثة، ولا خيار فيما زاد، وفي الدار الشهر والشهران.
ومن العتبية: سحنون، عن ابن القاسم، في من ابتاع حيوانًا أو غيره، على أنه بالخيار أربعة أشهر، وقبضها، وشرط النقد أو لم يشترط، فمصيبتها من بائعها إذا لم يتم فيها بيع.
قال سحنون: فإن كانت دارًا، وشرط فيها الخيار لأحدهما ثلاث سنين، أو أربعة، أو أجلاً، لا يجوز إليه الخيار، فبنى فيها المبتاع أو غرس، فإن كان الخيار لبائع، فليس البناء فيها فوتًا، وترد إلى بائعها، وليس عليه في البنيان للمبتاع شيء، وليس للمبتاع أخذه إلا منقوصًا، فإن بنى بعد أجل الخيار المشترط، فالبناء فوت، وعليه قيمتها يوم خرج وقت الخيار، وكذلك مبتاع الأمة يشترط النقد في الخيار، فلم يفسخ حتى زالت أيام الخيار، وفاتت بنماء أو نقص، فعليه قيمتها يوم خرجت من أيام الخيار.
وروى ابن سحنون عن أبيه فيمن اشترى سلعة وشرط فيها الخيار سنة أو سنتين، أن البيع فاسد، وضمانها من المشتري من يوم قبضها. وقال: إنه مثل ما قال أصحابنا في من باع سلعة، على أنه متى رد الثمن فهو أحق بسلعته، أو إن رده إلى خمس سنين، أو أقام ما لا يجوز الخيار إليه، أنه بيع فاسد والمشتري ضامن من يوم القبض، وفرق بينه وبين المشتري بالخيار إلى ما يجوز فيه الخيار، واشترط النقد، فقال في هذا: ضمانها من البائع. وإن قبضها المشتري، إلا أن يقبضها بعد أجل الخيار. وقال: لأن الخيار هاهنا صحيح لم يفسد البيع به. قال أبو محمد: ورواية العتبي عنه أحسن.
[6/386]
***(1/382)
[6/387]
قال مالك: ومن اشترى بالخيار ثلاثًا، فمضت أيام الخيار، ثم رد السلعة، فإن ردها بعد غروب الشمس من آخره، أو من الغد، فله الرد، وإلا فلا، قال أشهب: إن مضت الثلاثة بلياليها، فلا رد له، وإن رد قبل غروب الشمس عن آخرها، فله الرد. وكذلك قال ابن الماجشون في الواضحة، إن بزوالها ينقطع الخيار.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإن اشترط للخيار يومين، وشرط إن لم يأت به لزمه البيع، فلا يعجبني. قال ابن القاسم: يفسخ البيع وإن فات الأجل الذي يجب به البيع.
ومن العتبية قال سحنون في من ابتاع جارية بالخيار ثلاثًا، أو لم ينقد، وسافر البائع، فمرضت الجارية، ولم يأت المبتاع السلطان، ولا أشهد على ردها حتى ماتت بعد عشرة أيام.
قال ابن القاسم: إذا قبض المبتاع الأمة، والخيار له، ثم أقامت في يديه بعد أيام الخيار، ولم يشهد على قبول ولا رد، فكونها في يديه رضًا.
قال سحنون: وهذا في وخش الرقيق. يريد سحنون إذ لا مواضعة بها بعد زوال الخيار فيها، فضمنها البائع.
فيمن ابتاع أو باع على خيار فلان أو رضاه أو مشورته
من كتاب محمد: قال مالك: وإذا شرط البائع عند البيع، أن يستشير فلانًا، لزم ذلك المبتاع، ثم للبائع أن يمضي البيع، أو يرده قبل نظر فلان، ولمن خلع وكالة وكيل.
[6/387]
***(1/383)
[6/388]
قال مالك: ومن ابتاع على أن يستأمر، ثم بدا له، فله رده، ولا يستأمر أحدًا.
مالك: وقد أمر رجلاً يبيع له سلعة، وقال: أشترط رضاي، ففعل، فرد ذلك الأمر إليه، فرد البيع، فذلك إليه.
مالك: ومن باع لرجل سلعة على أن يستأمر، ثم لقيه من زاد فيها، فعليه أن يخبر ربها بذلك، وإن كان أقلها عطية، وقد أساء الزائر فيما عمل.
قال مالك: وإن أمره أن يبيع من الذي زاده، فنكل الزائد، فقد لزمه البيع، ولا نكول له.
والوكيل على البيع يبيع على أن يشاور الآمر، فيشاوره، فأجاز بيعه، فأقاله الرسول، فالإقالة باطلة، إلا أن يكون مفوضًا إليه، ويقيله على النظر، فيجوز.
ومن العتبية من سماع أشهب: وإن باع لرجل سلعة بأمره، واستثنى رضاه، فرد ربها الأمر إليه، فأراد رد البيع، فذلك له، ولا حجة للمشتري إن قال: إنما استثنيت رضا صاحبها.
ومن الواضحة: وإذا شرط المتبايعان خيار فلان أو مشورته، فذلك سواء، وله أن يدعه ويختار ما شاء من رد أو إجازة، ولا حجة في ذلك لمبايعة ولا يجوز الخيار لرجل غائب بعيد الغيبة، ثم إن أسقط الخيار لم يجز، لوقوع البيع فاسدًا.
وروى ابن يزيد عن ابن نافع، أن المشورة والخيار سواء، ولا رد للمبتاع إلا نرأي من اشترط.
وذكر ابن المواز في كتاب النكاح: الخيار والمشورة سواء، وله الرد والأخذ دون خيار من اشترط ذلك فيه.
[6/388]
***(1/384)
[6/389]
ابن حبيب: ومن اشترى لغيره على خيار حاضر أو غائب، ببلد آخر قريب، فليس لهذا أن يجيز البيع دونه.
في النقد في بيع الخيار والضمان فيه
ومن كتاب ابن المواز: ومن شرط النقد في الخيار فالبيع فاسد، فإن هلكت السلعة في أيام الخيار بيد المبتاع، فهي من البائع لأنها في ضمانه في البيع الصحيح على الخيار، فكيف بالفاسد على الخيار؟!
قال: وإن هلكت فيه بعد أيام الخيار، فهي من المبتاع.
وقال مالك فيمن أخذ ثوبًا من البزاز، ونقده الثمن حتى يراه، فإن لم يرضه رده. قال: إن كان قريبًا وطبع على الثمن، أو جعله على يد غيره، فجائز.
قال مالك: ومن باع أمة بالخيار، ثم سأل المبتاع بعد صحة العقد أن ينقده الثمن، لينتفع به، فإن نفذ البيع، وإلا رده، فلا بأس به إن صح، وكان على غير موعد.
في موت من له الخيار أو يغمى عليه وفي الخيار لرجلين
من كتاب ابن المواز: فإن مات من له الخيار وهو مبتاع، فقال بعض ورثته: نأخذ، ورد الباقون، فللبائع إمضاء نصيب من تماسك، أو رد الجميع، فإن شاء المتماسك أخذ نصيب الراد، فذلك له، ولا قول للبائع إذا لم يرض بإنفاذ نصيب المتماسك فقط، وكذلك لو كان الخيار للبائع، فمات، ولا يلزم المبتاع نصيب من أجاز، إلا أن يشاء، وإن كان كبير وصغير له وصيان، فرد الكبير، وأجاز الوصيان، فللوصيين أخذ مصابة الكبير للصغير، إلا أن يشاء الحي من المتبايعين أخذ نصيب الكبير، فذلك له، ولا كلام للوصيين، ويلزمهما نصيب الصغير وحده إن شاء ذلك الحي، وإن رد، أو أخذ الكبير الجميع، فللحي أن
[6/389]
***(1/385)
[6/390]
يرضى بذلك، أو يسلم إليه حصته فقط، ويرد حصة الصغير، فإن لم يجز له أخذ حصته فقط، فله أخذ الجميع إن شاء.
وإذا أحاط الدين بالميت، فرد غرماؤه البيع، فللورثة أخذ ذلك لأنفسهم من أموالهم، وليس للأوصياء أخذه لأنفسهم، بخلاف الورثة. قال: والمغمى عليه ليس للسلطان في أيام الخيار فيه نظر، ولا للوارث، فإن طال الإغماء بعد أيام الخيار، فله النظر بالرد للضرر، لا بالأخذ. وقال أشهب: له أن يجيز أو يرد، أو يجعل ذلك إن رآه من وارث أو غيره، فإن لم يفعل حتى مضت أيام الخيار، لم يكن له نظر، ورد البيع.
ومن الواضحة: وإذا كان الخيار لرجلين، فلأحدهما الرد ولا حجة للبائع، وكذلك في العيب.
في ضمان ما يباع على الخيار في صحة البيع وفساده
أو في ثوب من ثياب يختاره فيهلك أو يهلك أحدهما
والدعوى في ذلك كله
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن اشترى واستوجب، فقال: إن بدا لي رددته ما بيني وبين شهر. ثم أصيبت السلعة، فهي من المبتاع.
قال: ومن ابتاع لرجل ثوبًا، وقد أمره يشتري له ثوبًا، واشترط الخيار حتى يريه صاحبه، فروى ابن القاسم، عن مالك أن الثوب إن هلك من الآمر. وأحب إلينا أن لا يكون على الآمر، وأن يكون على الرسول، إلا أن يكون بين للبائع أن فلانًا أرسله ليبتاع له ثوبًا، فيلزمه البائع، ويحلف الرسول لقد ضاع.
وقال في مبتاع الدابة يركبها يختبر مسيرها، والقوس ينزع فيها، والسيف يختبره فيصاب في ذلك، فلا ضمان عليه، وقد تقدم هذا.
ومن ابتاع ثوبًا من ثوبين يختاره، قد لزمه، فإن كان الثمن واحدًا، والثوبان من جنس واحد، فجائز، وإن هلك أحدهما بيد المبتاع في الخيار، أو دخله عيب،
[6/390]
***(1/386)
[6/391]
فالهالك أو المعيب بينهما، والسالم بينهما، وعليه نصف ثمن كل ثوب، ولو اختلف الثمن، فألزم نفسه أحدهما على الوجوب، لم يجز، فإن هلكا، فعليه نصف قيمتها، وإن هلك واحد، فعليه نصف قيمته، ويرد الباقي إن لم يفت بشيء، فإن فات، فهو بينهما، وعليه نصف قيمته.
ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية ذكر مثله، أنه إن كان البيع فاسدًا في الثوبين على ثمن مختلف قد لزمه أحدهما يختاره، فهو مثل ما ذكرنا في البيع الصحيح.
ومن كتاب ابن المواز: قال: ولو كان السلعتان مما يجوز أن يسلم إحداهما في الأخرى، لم يجز على إلزام إحداهما. قال: وإذا كانا صنفًا واحدًا، والثمن واحد، فأخذهما على أن يختار واحدًا إن شاء، وإن شاء ردهما، فهلكا أو أحدهما، فالجواب كالجواب في أخذ حدهما على الإلزام يختاره، ولو قال المبتاع: إنما ضاع أحدهما بعد أن اخترت الباقي، فالقول قوله، ويحلف ولا شيء عليه في التأليف. وقاله أصبغ.
وروى مثله عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، في أخذه أحدهما على الإلزام، ولو لم يختر حتى هلك واحد، فله رد الباقي، وغرم نصيب ثمن الثالث، فإن اختار حبس الباقي، فليس له إلا نصفه، إلا أن يرضى له البائع؛ لأنه لزمه نصف التالف، وهو لم يبعه ثوبًا ونصفًا، وإنما باعه ثوبًا واحدًا، وقال أشهب: هو ضامن للثوبين إذا توارى بهما. قال أشهب في غير كتاب ابن المواز: فإن أخذ الباقي، كان عليه بالثمن، والتالف بالقيمة، وإن رده، فعليه التالف بالأقل من الثمن أو القيمة. قال: ولو كانا عبدين، على أن يختار واحدًا على الإلزام، فهلك واحد، فهو من البائع، والباقي للمبتاع لازم.
[6/391]
***(1/387)
[6/392]
قال ابن القاسم: ومن اشترى ثوبًا، وأخذ من البائع أربعة أثواب، على أن يختار منهم واحدًا، فضاعت، فإن كان البائع تطوع له بذلك، لم يضمن إلا واحدًا، وإن كان هو سأل البائع ذلك، ضمنها كلها.
قال محمد: لا يعجبني هذا، وذلك سواء، ولا يضمن إلا واحدًا؛ لأن البائع لم يعطه إياها إلا عن رضى إذ سأله.
قال ابن القاسم في عبد بيع على الخيار للمبتاع فهلك، فقال المبتاع: هلك في الخيار. وقال البائع: بل تعدى أيام الخيار. فالقول قول البائع؛ لأن المبتاع يطلب نقض البيع، فعليه البينة. قال أبو محمد: يعني وقد تصادقا اليوم أن أيام الخيار قد مضت، وأما لو قال المبتاع: لم تنقض. لصدق مع يمينه؛ لأن البائع يريد تضمينه.
ومن كتاب ابن حبيب، قال: وما قبضه المشتري على الخيار، فادعى هلاكه، فهو مصدق فيما لا يغاب عليه مع يمينه، لقد ذهب، وإنه ما اختاره حتى ذهب، ويضمنه البائع، وأما ما يغاب عليه، فيضمنه المبتاع بالثمن، إن لم تقم بينة.
ومن اشترى ثوبين بالخيار بثمن واحد، فهلك بيده أحدهما، ضمنه بحصته من الثمن، وإن اشترى منه كل ثوب منهما بثمن سماه دون الآخر، يأخذهما إن شاء أو أحدهما، فضاع أحدهما، فإنه يضمنه بما سمى له من الثمن، وله أخذ الباقي أو رده، وإن كان شرط أن يأخذ أيهما شاء بثمنه، ويرد الآخر، فله أخذ الباقي، كما ذكرنا، وإن هلكا ضمنهما جميعًا بالثمن الذي كان سمى لهما جميعًا، وكذلك لو كانت عشرة أثواب، سمى لكل ثوب ثمنه، على أن يأخذ أيهم شاء، قد لزمه، فضاعت كلها، فإنها تلزمه كلها بما سمى من الثمن، ولا يكون في شيء منها أمينًا.
[6/392]
***(1/388)
[6/393]
وعاب قول ابن القاسم وقال: لو أخذها كلها بالخيار بغير إيجاب لضمنها عنده، فلما أخذها على واحد، ألزمه بخياره، لم تلزمه جميعًا، ولزمه عنده واحد، ولو لم يضع إلا واحد كان شريكًا في كل واحد بجزء عددها، وهذا غلط، وهو فيها كلها مخير، كما كان في المسألة التي ضمنه فيها.
قال: وسواء أخذها على أن يختار واحدًا قد لزمه، أو على أن يأخذ منها واحدًا هو منه بالخيار أن يأخذه، أو يرد جميعًا، إلا في وجه واحد، أنه إذا أخذها على أن واحدًا لزمه بخيار، فضاع واحد، فإن قال: اخترته، ثم ضاع، لزمه الثمن ورد ما بقي، وإن قال: ضاع قبل يختاره لزمه بالثمن المسمى لغيبته عليه، وقيل له: اختر واحدًا مما بقي إن شئت بثمنه، لا بد لك من ذلك، ولا يكون شريكًا في شيء منها، وإن لم يأخذوا واحدًا منها بخياره على إلزام، ضمن الذاهب، ورد ما بقي إن شاء، وله أن يأخذ منها واحدًا أو يردها.
وقاسها ابن القاسم بمسألة مالك فيمن له قبل رجل دينار فقبض منه ثلاثة يزنها، فيأخذ واحدًا، فضاعت، أنه لا يضمن إلا واحدًا، ولا تشبهها، وهذه فيها أمانة بينة، وفي البيع كلها على الضمان؛ لأنه مخير في كل واحد منها، وبقي في مسألة مالك تمامها، أنه إنما يضمن واحدًا، إذا لم يشك أن فيها وازنًا، فأما إن جهل ذلك، وقال: ضاعت قبل الوزن فلا يضمن شيئًا منها، ولا يكون متقاضيًا لشيء ضمنه، وهو مصدق، ويحلف أنه ما علم أن فيها وازنًا، ولا وزنها حتى ضاعت، إلا أن تكثر الدنانير حتى يعلم أن مثلها لا يحطى أن يكون فيها وازنًا، فيضمن حينئذ واحدًا على ما ذكرنا، وهكذا قال لي من كاشفت من أصحاب مالك في ذلك كله، إلا في وجه واحد، إذا كانت الثياب مختلفة الأثمان، فإن مالكًا يكره أن يأخذ واحدًا على إلزام، وأجازه عبد العزيز، وذلك أبين، إن شاء الله.
[6/393]
***(1/389)
[6/394]
وإن ابتاع ثوبين، على أنه فيهما بالخيار، فاختار أحدهما بغير محضر البائع، وأشهد على ذلك، ثم ادعى هلاك الباقي، فابن القاسم لا يضمنه، ومن سواه من أصحاب مالك يضمنه، وهو الصواب. هكذا في كتاب ابن حبيب، وإن كان يعني أنه إنما يختار أحدهما، فهو قول ابن القاسم، وإن كان يريد هو فيهما بالخيار، يأخذهما أو يردهما، فليس بقول ابن القاسم.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن دفع إلى رجل دنانير ثمن سلعة ابتاعها منه، فقال له: زنها، أو قال: خذها حتى تزنها، فإن كانت وفاء، فهي لك، وما زاد فاردده، وما بقي أوفيتكه، فهلكت، فهي من قابضها إذا قبضها على وجه القضاء أو الرهن، ولو كان بمعنى الوديعة، كانت من الدافع.
قال أصبغ: هذا قبضها على القضاء لا شك فيه، ولو لم يكن على القضاء، لكانت رهنًا؛ لأنه سبب ما دفع عليه، وقد قلت لابن القاسم: ولو كان حلف ليوفينه، فدفع إليه ثلاثة، وقال له: زنها، فما وجدت من قائم فخذه، فإن ضاعت قبل يعرف أن بها قائمًا، فهي من الدافع.
فيمن أخذ ثوبًا بالخيار من رجل وثوبًا من آخر
ثم لم يدر ثوب كل واحد
من كتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك: ومن ابتاع ثوبًا بالخيار من رجل، ومن رجل آخر ثوبًا غيره بالخيار، ثم لم يتبين ثوب هذا من ثوب هذا، وادعى كل واحد أجودهما، فإنه يلزمه الثمنين جميعًا، إلا أن يزعم أنه يعرف ثوب كل واحد، فيصدق ويحلف، أو تعرفه بينة غيره، فلا يحلف.
[6/394]
***(1/390)
[6/395]
ومن كتاب ابن المواز، قال: فإن لم يعرف، وحلف البائعان، فأحب المشتري أن يدفع أرفعها إلى من شاء منهما، ويدفع إلى الآخر ثمن ثوبه الذي راضاه عليه، فذلك له، فإن نكل البائعان عن اليمين، قيل للمبتاع: ادفع الأرفع إليهما، وادفع الأدنى حتى يدعياه بعينه.
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، قال: وإن كان أحدهما بعشرة والآخر بخمسة، وادعى كل واحد أجودهما، فإن نص لكل واحد ثوبه، حلف وبرئ إليه منه، وإن قال: هذا ثوبه بعشرة ولا أدري أيهما ثوبه، وهذا ثوبه بخمسة ولا أدري ثوبه. فقد لزمه بخمسة عشر، فإن شاء دفع أرفعهما إلى من شاء وعزم للآخر ما سمى له من الثمن، وإن قال مع جهله بثوب كل واحد: ولا أدري الذي ثوبه بعشرة. قيل له: ادفع إلى كل واحد عشرة، واحبس الثوبين. يريد: ويحلفان. قال ابن حبيب، عن مالك: إن عرف ثوب أحدهما، حلف وصدق، وإن شك وقد قطع الذي بعشرة راضيًا به، وكلا الرجلين يدعيه، فإنهما يحلفان ثم يغرم عشرة وهو ثمنه، ويغرم أيضًا قيمته، فتكون القيمة والعشرة بينهما، إلا أن تكون القيمة أكثر من عشرة، فلا يخرج إلا عشرين، ثمنه مرتين، لكل واحد منهما عشرة، فإن نكل أحدهما، وحلف الآخر كان للذي حلف عشرة، وللآخر الثوب المردود، وكذلك لو رد الثوبين جميعًا، وادعى كل واحد الرفيع، فالجواب على ما ذكرنا. وقاله ابن الماجشون ومطرف عن مالك.
ما يعد من فعل ذي الخيار اختيارًا وجنايته
من الواضحة: وإذا تسوق من له الخيار بالسلعة فذلك رضًا، إلا أن يزعم أنه أراد أن يختبر ثمنها، ليعرف رخصها من غلائها، فيحلف، ويكون على خياره، وإن نكل لزمته وإن حجم الوصيف، أو حلق رأسه على المشط، فهو رضًا. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية: في الحجامة مثله.
[6/395]
***(1/391)
[6/396]
قال ابن حبيب: وإذا جعل من خضب يدي الأمة بالحناء، أو ضفر رأسها بالعسل، فهو رضًا، إلا أن تفعل ذلك الجارية بغير أمره، فلا يكون رضًا، وإن جردها للذة أو قومها، أو مس بطنها أو ثدييها، فهو رضًا، وأما تجريد نظر واختيار، فلا يعد رضًا.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وطؤه للأمة في الخيار قطع لخياره، وأما ضمانها بعد ذلك، فأما الرائعة، فمن البائع، لما بقي من عهدة الاستبراء لا للخيار، وأما الوخش فمن المبتاع لزوال الخيار بالوطء.
وإذا انتظر بذات المواضعة التي وطئها، فوضعت لأقل من ستة أشهر، برئ منه المبتاع، فإن لم يقر البائع بالوطء، فالمبتاع مخير في قبولها بولدها، أو ردها، وإن أتت به لستة أشهر، فهو للمبتاع إن لم يكن لها زوج، ولا أقر به البائع، فإن أقر به البائع، دعي له القافة، فإن كانت ذات زوج، فالزوج أحق به، ولا ينفيه إلا بلعان، وينكل إن لم يعذر بالجهل.
قال ابن كنانة: ويعاقب في القبلة. قال: وتزويجه للجارية قطع للخيار فيها، فأما تزويجه للعبد، فابن القاسم يقطع به الخيار، وأشهب لا يقطعه به، وتراه بخلاف الجارية، وأما مواجرته للعبد، أو الأمة، أو السوم بهما، أو طرحه للعبد في صناعة، أو كراء الدار، أو الدابة، أو رهنهما، فقال أشهب: ليس ذلك كله قطعًا بخيار المبتاع بعد أن يحلف في ذلك كله، أنه ما كان منه تركًا لخياره، وقال ابن القاسم: وذلك كله رضًا منه بالبيع، ومن البائع رد له، إن كان له الخيار.
وإن قطع يد الأمة في الخيار، أو فقأ عينها - يريد: عمدًا - والخيار له، فقال أشهب: لا يقطع ذلك خياره، ولا يظن بأحد أن يفعل ذلك رضًا. قال محمد: وتعتق عليه. وقال ابن القاسم: وفي العمد رضًا، وإن كان خطأ، حلف إن اتهم وردها، وغرم ما نقصها، إلا أن يكون عيبًا مفسدًا، فيضمن الثمن كله، كما لو فعله بعبد أجنبي. قال سحنون: يضمن القيمة. قال: وإن كان عمدًا،
[6/396]
***(1/392)
[6/397]
عتق عليه، وفي الدابة يضمن في المفسد في الخطأ والعمد، وإن لم يكن مفسدًا، حلف في الخطأ، وردها وما نقصها، وتلزمه في العمد.
من المبسوط لإسماعيل القاضي - وهو عندنا رواية -: روى ابن نافع عن مالك أنه سئل عن رجل باع أمة وشرط أحد المتبايعين لها الخيار أيامًا، ثم وطئها أحدهما في أيام الخيار فحملت، قال: إن حملت من الذي ليس له فيها خيار لحق به الولد، وكان عليه قيمته، وتكون الجارية للذي له فيها الخيار إن اختار ردها.
قال أبو محمد: يريد إذا اختارها أخذ قيمة الولد من صاحبه. ورأيت في كتاب نسب إلى سحنون ولم أدره قال فيمن اشترى جارية على أن البائع فيها بالخيار فوطئها المشتري فحملت منه: إنها تكون أم ولد له وتلزمه القيمة ويدرأ عنه الحد بالتهمة. قال أبو محمد: يريد سحنون أن البائع الذي له فيها الخيار إن اختار إجازة البيع أخذ الثمن، وإن اختار رده أخذ القيمة إن كانت أكثر.
فيمن له الخيار في سلعة فيبيعها
ومن الواضحة: ومن ابتاع شيئًا بالخيار، فباعه بربح في أيام الخيار قبل يخبر صاحبه باختياره، فإن قال: بعته بعد أن اخترته، صدق مع يمينه، إن كذبه صاحبه، يريد بعلم يدعيه، وله الربح، وإن قال: بعت قبل أن أختار، فالربح لربه. قاله مالك وأصحابه.
قال ابن المواز: وما ابتعت على خيار، فلا تبعه حتى يعلم البائع، أو يشهد أنك رضيت. يريد: والخيار لك، وإلا فربح ذلك للبائع إن لم تعلمه، قاله ابن القاسم. وإن أقررت أنك بعت قبل يختار؛ لأنه في ضمان البائع، وإن قال: بعد أن اخترت، دين وأحلف.
[6/397]
***(1/393)
[6/398]
باب ما يجوز من بيع شيء يختاره المبتاع من عدد
وما يباع من آخر قبل اختياره
وكيف إن كانت غنمًا فتوالدت؟
وما يجوز من استثناء البائع لحمار يختاره
أو يكون في بعضه بالخيار
من كتاب ابن المواز: ومن ابتاع مائة شاة، على أن يرد شاة منها بثمنها، فإن سماه، جاز، وإلا فالبيع رديء، وإن استثنى البائع شاة أو عشرة من شرارها، إن ذلك ليتقى، قال أصبغ: للخطر. وقال محمد: إن نزل مضى، والقياس أنه يجوز. وقال محمد في موضع آخر: إنه جائز، كانت قلية أم كثيرة؛ لأنه إنما اشترى من خيارها.
قال محمد: ولا باس بخيار البائع فيما استثنى في أيسرها، ولا يجوز في أكثرها، ويجوز على خيار المبتاع في أيسرها وأكثرها، فأما بغير خيار، فيجوز منهما. ويكون بما سمى شريكًا فيها، وكذلك في الثمرة، ولا يجوز على الخيار في الثمرة، وإن اشترى عشرة من هذه الغنم يختارها، فلم يخترها حتى ابتاع هو وغيره عشرة أخرى يختارها، فلا باس به، وقيل: أما غيره، فلا يعجبني إلا في الغنم الكثيرة جدًا، وإلا فكان الثاني اشترى شرارها بشرط أن يختار عليه البائع أكثرها. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية.
ومن العتبية روى سحنون، عن أشهب في من ابتاع عشرة أكبش في مائة يختارها، ثم أربحه رجل على أن يختارها مكانه، فلا يجوز ذلك إلا بخيار ما لم
[6/398]
***(1/394)
[6/399]
يجب الأول بعد، ولو قال: اختر أنت، وأنا مشتر لها بخيار، لم يجز، وهو غرر، بخلاف اختيار الورثة لما كان للميت أن يختاره.
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في من اشترى غنمًا فبها كبش معتل، على أن المبتاع بالخيار فيه عشرة أيام، فإن رضيه حبسه، وإلا رده بحصته من الثمن، فلا يجوز، إذ لا يدري بكم تبقى عليه إن رد الكبش. ويفسخ البيع، وعليه القيمة في فوتها.
ومن كتاب ابن حبيب: ولا بأس أن يقول: بعني عشرة من خيار غنمك. لا يقول: أختارها أنا ولا أنت، فإن اختلفا في من يختارها، دعي لذلك أهل العدل والنظر، يختارها، ولا يجوز شراء عشر شياه من شرارها يتسورها البائع والمبتاع، ولا يجوز أن يشتري رجل من غنم رجل عشرة يختارها، ويشتري الآخر بقيتها وذلك معه، إذ لا يدري الثاني ما يبقى منها للأول، بخلاف الصبرة.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن اشترى عشرة يختارها من هذه الغنم، وهي حوامل فلم يختر، حتى ولدت، فله أن يختار عشرة من الأمهات دون الأولاد. محمد: وقد وضعت في ضمان غيره، ولو شرط أنها حوامل، فسد البيع.
قال محمد: ولو نقصتها الولادة، فللمبتاع أن يقبلها، ولو كان الخيار للبائع، وأما في الجواري يشتري عشرة من مائة يختارهن وهن حوامل، فلم يختر حتى وضعن، قال: هذا لا يكون، وله الخيار في أخذ الأمهات، ويفسخ البيع من أجل التفرقة. وقيل: لا يفسخ، والولد للبائع، ويخير المشتري، فإن اختار الأخذ، جبرا أن يجمعا بينهما. يريد محمد: في ملك أو يبيعا ويقسم الثمن على القيم. وأما لو شرط في البيع أنهن حوامل، فسخ البيع، وقيل: إن كان الحمل ظاهرًا بينًا، يعرفه كل أحد، جاز في الجواري والغنم، وقيل: إن كان ذلك على وجه البراءة من الحمل، جاز في الوخش دون المرتفعات.
[6/399]
***(1/395)
[6/400]
وقال أشهب فيمن اشترى غنمًا، على أنها حوامل، فهو جائز، وإن لم يكن حملهما بينًا، يقول: ضربها الفحل، وأنا أبيع على ذلك أن ذلك في بطونها. ولا بأس بذلك في الأمة الوخش، ولا يجوز ذلك في العلية. وقال في كتبه: إن كانت بينة الحمل، وكان شرط، فلا خير فيه، وإن كان على وجه الخير، فلا باس به. قاله مالك. قال ابن القاسم في الغنم: وليس للبائع جز صوف الغنم قبل خيار المبتاع، فإن فعل، فذلك للمبتاع إن اختاره، وأما ما أكل البائع من لبن أو سمن، فهو له بالضمان.
وروى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية مثل ما ذكر عنه ابن المواز في مسألة الغنم والجواري الحوامل، وزاد قال: ولو اشترى عشر شياه من مائة يختارها، على أن المائة تحلب قسطًا قسطًا، فذلك جائز، فإن تأخر اختياره حتى حلبها البائع، فالثمن للبائع بضمانه.
باب في جناية العبد المبيع بالخيار
من كتاب ابن المواز: ومن اشترى عبدًا بالخيار ثلاثًا، فجرح العبد رجلاً في أيام الخيار، فللمبتاع الرد في العمد والخطأ، إن كان الخيار له.
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: له رده، ولا شيء عليه في الجناية. قال في كتاب ابن المواز: فإن كان الخيار للبائع، فيفترق ذلك، فليس له في العمد أن يلزمه للمشتري، وإن فداه، وأما الخطأ، فله إلزامه.
ومن الواضحة: ومن ابتاع جارية بالخيار، فجنت، أو جنى عليها عمدًا أو خطأ، فالخيار فيها بحاله للمبتاع، إن شاء رد، وكانت المبتاعة بين البائع والجاني أو
[6/400]
***(1/396)
[6/401]
المجني عليه، فإن جنى هو عليها خطأ، فهو على خياره، فإن حبسها، فبالثمن كله، وإن ردها، رد ما نقصها، وإن كان عمدًا فهو عند أشهب كالخطأ، وعند ابن القاسم هو رضًا، وبه أقول.
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: إذا ابتاع عبدًا بالخيار فجنى، قال: فله رده.
فيمن ابتاع أباه بالخيار
والنصراني يشتري مسلمًا بالخيار أو يسلم في أيام الخيار
من الواضحة: قال ابن حبيب: ومن ابتاع أباه، أو من يعتق عليه بالخيار، فابن القاسم لا يعتق عليه حتى يختاره، وهو القياس، وأنا أستحسن أن يعتق عليه إن كان الخيار له، وليس للبائع. وقاله من أرضى، فأما إن كان الخيار للبائع، فلم يختلف أنه لا يقطع خياره.
والنصراني يبيع من النصراني عبدًا نصرانيًا بخيار، فأسلم العبد في أيام الخيار، فلا يفسخ البيع، ولكن إن اختار المبتاع أخذه، بيع عليه، وإن رده، بيع على البائع.
ومن كتاب ابن المواز: وإن ابتاع نصراني مسلمًا بالخيار، فليوقف مكانه، فإن اختار البيع، بيع عليه.
باب في التداعي في بيع الخيار
من كتاب ابن المواز: وإذا اختلف المتبايعان، فقال البائع: بعتك على أن الخيار لي دونك، فقال له المبتاع: بل على أن الخيار لي دونك. فقال ابن القاسم وأشهب: يتحالفان، ويثبت البيع. قال محمد ابن المواز: أما إن اتفقا على رد أو
[6/401]
***(1/397)
[6/402]
إجازة، فلا يحلفا، وإن اختلفا، فمن أراد إمضاء البيع، قُبل قوله مع يمينه، كان بائعًا أو مبتاعًا، ولا يحلف صاحبه؛ لأن اليمين على من يحكم له، وهذا يحكم عليه، وفي اختلافهما في الثمن، كل واحد يحكم له على صاحبه.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية في هذا، قال: ينتقص البيع، ولا يقبل دعوى واحد منهما.
وروى أصبغ في العتبية عن ابن القاسم: إذا ادعى كل واحد أن الخيار له، فالبيع لازم، والخيار ساقط. قال أصبغ: ويتحالفان، ولا أبالي من بدأت باليمين، وأحب إليّ أن يبدأ المبتاع؛ لأنه أوكد في الدعوى، فإن حلفا أو نكلا فذلك، وإن حلف واحد ونكل آخر، فالقول قول الحالف، فإن حلف المبتاع أولاً، فله الأخذ، ويخير البائع في أن يحلف، فيسقط أو لا يحلف فيسلم، كما إذا اختلفا في الثمن، فبدأ البائع فحلف، فإنه يتم له حتى يحلف صاحبه، فيسقط، أو لا يحلف، فيؤدي الثمن.
ومن كتاب محمد: وإن باع ثمر حائطه، واستثنى ثلاثة أعذق، وقال: شرطت أن أختارها. وأنكره المبتاع، تحالفا، وفسخ البيع، فإن نكل البائع، وحلف المبتاع، فللبائع ثلاثة أعذق من أوسطه، وكذلك إن قال المبتاع: ثلاثة أريتنيهن. أو قال البائع: شرطت ثلاثة معينة، وأنكر المبتاع الأعذق، فليتحالفا ويتفاسخا.
ما ينهى عنه من بيعتين في بيعة
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن باع من رجل أحد ثوبين بدينار قد لزمه فلا خير فيه. قال محمد: ومكروه ذلك أن يختلف الثوبان أو السلعتان، وكانا من صنف واحد أو من صنفين مختلفين، اتفق الثمن أو اختلف، وإذا كان كل واحد بالخيار، فجائز.
[6/402]
***(1/398)
[6/403]
قال مالك: وقد باع سلعة بدينار نقدًا، أو بطعام نقدًا، لزم ذلك البائع بخيار المشتري، أو لزم ذلك المشتري بخيار البائع في أحد الثمنين، أو رد السلعة، فهو من بيعتين في بيعة، ويدخله مع ذلك في الطعام بيعه قبل قبضه. قال محمد: ولو لم يقل أحدهما لصاحبه: أنت مخير علي. ولم يزد على أن قال: خذها إن شئت بدينار، وإن شئت بهذه الشاة، لم يجز؛ لأن قوله: خذ، قال: قد بعتك، أو هي لك، فقد ألزمه نفسه بغير خيار.
أشهب عن مالك فيمن حبس راويتين زيت لرجل، فأمره وسأله كيف بعت؟ فقال: بخمسة وعشرين على التقاضي، وبأربعة وعشرين نقدًا، فخذ بأيهما شئت. قال: قد أخذت. فلا يجوز. محمد: لأنه إيجاب على البائع بقوله: خذ بأيهما شئت.
قال أشهب عن مالك: وإن قال في عبدين: هذا بخمسين إلى سنة، وهذا بأربعين إلى سنة، خذ أيهما شئت، فلا باس بذلك. قال محمد: رواية أشهب الأولى أصح، وهي رواية ابن وهب، وابن القاسم.
قال مالك في من يبتاع البز من العجم، وقد جعل بينهم وبينه شيئًا يعرفونه، أن الدينار الوازن هو ثلاثون قيراطًا، والناقص أربعة وعشرون، فيبتاع ثوبًا بعشرة قراريط، أو ثوبًا بعشرين، فيبتاع ثيابًا كثيرة، ثم يخير البائع على ما يحسب له، فيقول: على الوازن فيحسب له على ثلاثين، فما بلغ أعطاه ذلك وازنة، فلا أحبه، لأنه باعه على نقدين مختلفين. محمد: كأنه بايعه على أربعة وعشرين، على إن شاء البائع أخذ منها دينارًا ناقصًا، وإن شاء أخذ وازنًا يحسب عليه وبه ثلاثين، فلا يدري بأي الثمنين يلزم المبتاع.
ومن باع عكمًا بألف درهم، على أن كل عشرة دراهم بدينار، فإن كان على أن له الدنانير ثابتة، فجائز، وإن كان يعطيه إما دراهم، وإما دنانير، فلا يجوز.
[6/403]
***(1/399)
[6/404]
ومن واجر أجيرًا على أنه إن شاء استخاطه، وإن شاء جعله برفو، فلا خير فيه، وإن واجره بخدمة سنة، على أنه إنما اجتاز فيها سفر شهر أو شهرين، خرج معه، فلا بأس بذلك.
محمد: إن كان لخدمته يخرج به، فجائز، وإن كان لغيرها، أو لتجارة، فلا خير فيه أن يقول: إن احتجت، ولكن يوجب الشهرين ويسميهما.
قال مالك: ومن واجر عبدًا هذا الشهر بخمسة، والذي بعده بعشرة، فجائز، ويصير كل شهر بسبعة ونصف، إلا أن يقصد على أنه إن مات العبد، حاسبه على ما سمى، فلا خير فيه، حتى يكونا في كراء واحد. محمد: وهو خطر، وكذلك في الأكرية، كما يفعله بعض الناس، يقول: أكريك شهرًا بدينار، وأحد عشر شهرًا بدرهم، كأنه يقول: إن سكنت شهرًا، ثم تركت أو انهدمت الدار، كان باقي السنة بدرهم، فهو من بيعتين في بيعة.
ومن الواضحة قال مطرف، عن مالك: ومن باع سلعة بدينار نقديًا، وبعشرين درهمًا إلى أجل، لزم ذلك أحد المتبايعين والآخر مخير، لم يجز.
قال مالك: وإن واجبه على تسعة آصع بدينار ناقص، أو عشرة بوازن، فأعطاه تسعة، وأخذ ناقصًا، على أنه إن وجد وازنًا جاء به، وأخذ الناقص وصاعًا، وإلا تمسك بما عنده، فلا خير فيه، وإن قال: إن شئت هذا الثوب أو هذا بدينار، لزمك أحدهما. فإن كان مستويين، فجائز، ولا يجوز إن اختلفا. وهذا في غير الطعام جائز، مما يتساوى في الجنس والجودة، والكيل والوزن، ولا يجوز في الطعام، كان من صنف واحد أو مختلف، اتفق الثمن أو اختلف.
ومن تزوج بمائة دينار، أو بعبد إيجابًا، فذلك فاسد، يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها الأكثر من صداق المثل، أو من المائة، أو قيمة العبد، وقاله ابن الماجشون.
[6/404]
***(1/400)
[6/405]
فيمن باع على أنه إن جاءه بالثمن إلى شهر وإلا فلا بيع له
ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن باع على أنه إن جاءه بالثمن إلى شهر، وإلا فلا بيع بينهما، فأما الرباع وشبهها، فذلك جائز، وأكرهه في الحيوان والعروض، وينفذ البيع، ويبطل الشرط.
وقال ابن القاسم: وذلك والعروض سواء، والشرط باطل، وقد كرهه مالك في الرباع وغيرها، وكذلك قوله: إن جئتني بالثمن اليوم، وإلا فلا بيع لك، فإن جاء من الغد، فالبيع نافذ، وإن هلكت قبل ذلك، فهي من البائع، ولو تأخر النقد جدًا، نقض البيع. وقال ابن عبد الحكم: اختلف فيه قول مالك، وأحب إليّ أن يفسخ البيع.
قال ابن سحنون: قال عبد الملك في من باع سلعة وشرط إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا وكذا، وإلا فلا بيع بينهما: إن البيع جائز، والشرط باطل.
باب ما يلزم به البيع من التساوم
وكيف إن أفات السلعة بعد التساوم قبل الاتفاق؟
ومن قال: من جاءني بمثل ثوبي هذا فله دينار
ومن أعطاني في عبدي هذا عشرة فهو له
من العتبية: روى أشهب، عن مالك فيمن قال لرجل: بعني سلعتك هذه، فيقول: نعم بكذا أو كذا، فيقول: قد أخذتها، فيقول ربها: لم أرد بيعها، وإنما أردت اختبار بيعها، قال: أما من أوقف سلعته في السوق يتسوق بها، فذلك يلزمه، وإن لم يقوما، وأما الذي يعلم أنه لاعب، لا يريد بيعها، فلا يلزمه.
[6/405]
***(1/401)
[6/406]
وفي موضع آخر من سماع أشهب: وعمن أوقف عبده للبيع، فيقول له رجل: بكم عبدك؟ فيقول: بعشرين دينارًا، فيقول: قد أخذته بكذا، فيبدو للبائع، قال: قد لزمه البيع، وكذلك في العبد يوقف في السوق، فيقول له: بكم هو؟ فيقول: بعشرين، فيقول: ضع لي دينارًا، فيأبى، فيقول: قد أخذته، فليس للبائع رجوع.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في من سام بسلعته، فما كسبه المشتري حتى يوقف على ثمن، فلم يزده البائع على هذا، ولا قال: إن رضيت فخذ، وإنما قال: هي بكذا، فيقول السائم: أذهب بها وأشاور، فيقول: افعل، فيذهب بها المشتري، ثم يرضى، ويأتي بالثمن، فيبدو للبائع، أو يقول: بعتها ممن زاد عليك، ويقول: إنما بيني وبينك سوم، فالبيع تام إن رضيه المبتاع، وليس من سام بشيء، فقال المبتاع: قد أخذتها، فيبدو للبائع، كمن وقف على ثمن سلعة ودفعها إلى المبتاع، فذلك يلزمه، إلا أن يقيله المبتاع، وإن هلك ذلك بيد المبتاع قبل يرضى به، فهو من البائع.
وقال في كتاب آخر: ومن قال: هو لك بكذا، فقال: قد أخذته، فقال البائع: لا أرضى، فذلك يلزمه، وكذلك لو قال المبتاع أولاً: قد أخذته بكذا، فيقول البائع: هو لك، فيقول المبتاع: لا أرضى، فهذا يلزمه، بخلاف إن تساوما بغير تواجب.
ومن سام بسلعته، فقال: بعشرة، فقال المبتاع: بخمسة، ومضى بها على ذلك، فهلكت، فعليه عشرة.
وفي غير هذا الكتاب في المكتري يقول: بخمسة، ويقول رب الدار: بعشرة، ويسكن على هذا، أنه إنما عليه خمسة، بخلاف الخياط يخيط على مثل هذا، وقد ذكرت هذا في موضع آخر من البيوع.
[6/406]
***(1/402)
[6/407]
في الرجلين يتفقان فيما يشتريان قبل الشراء
أن يأخذ كل واحد من الصفقة شيئًا بعينه
من العتبية، روى سحنون عن أشهب في رجلين اشتريا ثوبين من رجل، ثوب خز وثوب مروي بمائة دينار، وتراوضا قبل الشراء أن يأخذ هذا الخز بحصته، وهذا المروي بحصته، قال: المراوضة قبل ذلك باطل، ولكل واحد نصف كل ثوب. وذكر مسألة الأرض يشتريانها، وهي بين حائطيها، على أن يأخذ كل واحد منهما نصيبه مما يليه، والأرض مختلفة. قال ابن كنانة: لا يجوز؛ لأن كل واحد منهما قد يقل ما يصيبه ويكثر.
[6/407]
***(1/403)
[6/408]
أبواب اختلاف المتبايعين
في اختلاف المتبايعين في الثمن والمثمون
من الواضحة: وإذا اختلف المتبايعان تحالفا، وبدئ بيمين البائع، فإن حلف ونكل المبتاع، أو حلف المبتاع ونكل البائع، فالقول قول من حلف، وإن حلفا تفاسخا، وإن نكلا فالقول قول البائع عند مالك، حتى يحلف المبتاع على تكذيبه. وروى سحنون في المدونة عن شريح، إذا نكلا ترادا، مثل إذا حلفا. ومثل هذا ذكر ابن المواز عن ابن القاسم.
قال ابن القاسم في المدونة: إذا حلفا ترادا، إلا أن يرضى المبتاع قبل الفسخ أخذها بما قال البائع. وقال سحنون: بل بتمام التحالف ينفسخ البيع. قال محمد بن عبد الحكم: إذا تحالفا، ثم أراد البائع أن يلزمها المشتري بما ادعى المشتري، فذلك له، وإن شاء فسخ البيع.
ومن كتاب ابن المواز، قال: ولم يختلف قول مالك في اختلافهما في الثمن قبل التفرق. وهو قول أهل المدينة: أن يتحالفا ويترادا. واختلف قوله إذا افترقا، وقبض المبتاع السلعة، فروى عنه ابن وهب أن القول قول المبتاع، إذا بان بها وحازها وضمنها، مع يمينه ما لم يدع ما لا يشبه، مثل أن يقول: أخذت العبد بدينار، أو بدرهم. وما لا يكون ثمنه. قال ابن عبدوس: وبه يأخذ سحنون. قال ابن المواز:
وروى عنه ابن القاسم مثله. روى عنه ابن القاسم أيضًا أنهما يتحالفان بقرب ذلك، ما لم تتغير السلعة في سوق أو بدن أو غيره من الفوت، وبهذا أخذ ابن القاسم. وقال ابن عبد الحكم، ثم رجع إلى الأول، وبه قال سحنون.
[6/408]
***(1/404)
[6/409]
وروى أشهب، عن مالك، أنهما يتحالفان وإن قبضها وفاتت، ويرد القيمة بدلاً منها، قيمتها يوم قبضها. وبه قال أشهب. وذكر ابن حبيب مثل قول ابن القاسم، وقال هو قول مالك، وما علمت أحدًا اختلف فيه من أصحابه المدنيين والمصريين.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك: إذا طال زمان العبد بيد المبتاع، وتغير من بدن أو سوق، تحالفا، وغرم قيمته يوم البيع، وإن كان بحضرة البيع، مثل عشرة أيام، تحالفا، وردت السلعة، ومن نكل فالقول قول من حلف، ومن كان قوله منهما شبيهًا بالحق، قبل قوله مع يمينه في الوجهين. قال ابن القاسم: وذلك عندي إذا اختلفا في نوعين من الثمن، فقال: هذا بدنانير، وهذا بطعام، أو قال: هذا بحنطة، وهذا بعدس، فليتحالفان إذًا وترد القيمة في فوتها.
قال ابن القاسم في اختلاف المتبايعين، ولم تفت السلعة: فمن نكل منهما، فالقول قول من حلف، وإن نكلا أو حلفا، نقض البيع، وإن فاتت، فنكل المبتاع، حلف البائع، وأخذ ما قال، فإن نكل أيضًا، أخذ ما قال المبتاع بلا يمين. قال: ومعنى قول مالك: القول قول من ادعى منهما ما يشبه. يعني في فوتها بيد المبتاع في سوق أو بدن مما لا يشبه أن يدعي في عبد قائم قد تغير سوقه، أنه ابتاعه بعشرة وقيمته عشرون، أو في عبد قد مات لا يعرف فادعى أن ثمنه دينار أو ثوبًا بينهم، وإذا جاءا جميعًا بما لا يشبه، فعليه القيمة ويصدق المبتاع في صفة السلعة مع يمينه، ولو قال: عبدًا أعمى مقعدًا، لصدق حتى تقوم بينة بخلافه.
قال: وسواء اختلفا في الثمن، والسلعة دار أو حيوان أو عرض أو طعام على جزاف أو كيل، فإذا بان بذلك وضمنه، صدق فيما يشبه من الثمن مع يمينه. يريد محمد: في قول مالك الأول. قال ابن القاسم: وسواء نقد الثمن أو لم ينقد، إذا لم تفت السلعة، وكان بقرب التبايع، تحالفا وترادا، فإن فاتت ما لم يكن لأحدهما فيما بيد الآخر غير اليمين.
[6/409]
***(1/405)
[6/410]
ومن كتاب ابن المواز والواضحة: وإذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في الثمن، فإن ورثة كل واحد مكانه، فإن تجاهلا، بدئ هاهنا ورثة المشتري بالثمن، أنهم لم يعلموا مبلغه، ثم يحلف ورثة البائع على مثل ذلك، وترد السلعة، وإن كانت، رد ورثة المبتاع قيمتها من ماله، وإن جهله ورثة أحدهما، فالقول قول من عرفه مع يمينه فيما يشبه.
قال ابن حبيب: فإن جاء بما لا يشبه، كانا مثل إذا تجاهلا في الثمن. وكذلك قال لي مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، في ذلك كله.
قال في كتاب ابن المواز: وإن ادعيا المعرفة تحالفا وترادا، وبدئ بيمين ورثة البائع هاهنا، وذلك ما لم تفت، فإن فاتت بيد المبتاع، صدق ورثته مع يمينهم.
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: فإن فاتت بيد المبتاع، وقد نقد بعض الثمن، صدق فيما بقي منه، وكذلك لو قال الذي نفدت هو جميعه، لصدق مع يمينه، إن لم يتبين كذبه، وإن لم تقبض السلعة من البائع، وقد قبض البائع جميع الثمن، وقد فات وقت مبايعتهما، أو حال سوق السلعة، فالقول قول البائع مع يمينه.
وإن قبض بعض الثمن لم يكن عليه من السلعة إلا بقدر ما قبض من الثمن، ويخلف ثم المبتاع، وإلا لزمه بقية السلعة، وغرم بقية الثمن على ما حلف عليه البائع، إلا أن تكون السلعة مما في الشركة فيها ضرر، كالعبد الواحد، أو الدابة فيتحالفان ويتفاسخان، فإن بعد طول الزمان، وإن كانت مما يكال أو
[6/410]
***(1/406)
[6/411]
يوزن، أو مما يعد ولا يدخله ضرر الشركة إن قسم، فليحلف البائع، وعليه من السلعة بقدر ما انتقد من الثمن الذي ادعى.
وكذلك لو قبض الثمن كله ودفع بعض السلعة، صدق فيما بقي منها مع يمينه، وإن لم ينتقد شيئًا، وقبض المبتاع بعض السلعة، تحالفا، وفسخ ما لم يقبض منها، وعليه من الثمن ما قبض منها على دعواه مع يمينه، ومن نكل، فالقول قول من حلف، فإن نكلا، فهو بمنزله إذا حلفا.
وإذا قبض المبتاع قفيزًا، أو دفع دينارًا، ثم اختلفا، فقال البائع: بعتك قفيزين بدينارين، وقال المبتاع: بل قفيزين بالدينار الذي دفعت، فلتقسم الدينار على قفيزين، فوق منه للقفيز المقبوض بنصف دينار، والبائع يقول: بقي لي من ثمنه نصف آخر، فهو مدع، ويحلف المبتاع، ويتم فيه البيع، إذا فات ذلك بيده بطول الأيام وحوالة الأسواق.
وكذلك لو قال: ما نقدتك هو ثمن ما قبضت، وادعى البائع زيادة في ثمنه، لصدق المبتاع مع يمينه، وأما لو قال: الذي نقدت أكثر من الثمن كان في الزائد مدع، قال: وإذا قال: هو ثمن للقفيز وقد قبض قفيزًا، فقسمنا الدينار المقبوض على القفيزين، فوقع منه أيضًا للقفيز الذي لم يدفعه البائع نصف دينار، فالبائع يقول: بل إنما يقع لهذا النصف دينار نصف قفيز. فيدفع نصف قفيز على قوله، ويحلف، ثم يحلف المبتاع في النصف قفيز الباقي، ويبرأ منه ومن ثمنه، فإن نكل، غرم نصف دينار على دعوى البائع، وأخذ نصف قفيز. يريد محمد: فإن نكل عن اليمين في القفيز الذي قبض، غرم بقية ثمنه، وهو نصف دينار.
وكذلك لو كان إنما أسلم في القفيزين، فتأخر بعض النقد بغير شرط، أو كان على أن يشرع في الأخذ، فأخذ واحدًا، ثم اختلفا، وأما في الكري يقبض بعض
[6/411]
***(1/407)
[6/412]
الثمن، ويسكن بعض المدة، فباقي المدة كما لم تفت من السلع، ويفسخ بعد التحالف، فيرد حصة ما قبض له، وعلى المكتري فيما سكن ما أقر به مع يمينه.
ولو قال البائع: بعتك قفيزًا دفعته إليك بالدينار الذي قبضت منك. وقال المبتاع: بل ابتعت منك قفيزين، فالبائع مصدق ويحلف.
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية في البائع يقبض دينارًا، ويدفع خمس أرادب، ثم يختلفان قبل التفرق فيقول البائع: بعتك بالدينار الذي قبضت الخمسة أرادب التي دفعت. وقال المبتاع: بل ابتعت منك ستة أرادب. فالبائع مصدق مع يمينه، لقبضه الدنانير، وأنكر هذا يحيى بن عمر، وكأنه يرى أن يتحالفا إذا لم يتفرقا ولم تفت. قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: فإن لم يتقابضا شيئًا تحالفا وترادا، وإن قبض المبتاع خمسة أرادب، ولم يدفع الدينار، لزمه خمسة أسداس دينار، بعد أيمانهما، وينفسخ البيع بسدس دينار. قال: وإذا لم يقبض هذا طعامًا، ولا هذا ثمنًا تحالفا وفسخ البيع كله.
قلت: فمن يبدأ في هذا باليمين؟ قال: يحلف المبتاع أنه اشترى ستة أرادب، ثم يحلف البائع ما باعه إلا خمسة، ثم يخير المبتاع بين أخذ خمسة أو يفسخه.
ومن كتاب ابن المواز: ولو قال البائع: بعتك قفيزين بدينارين، وقال المبتاع: بل ثلاثة أقفزة بدينارين، وقد دفع المبتاع دينارًا، وقبض قفيزًا، فليحلفان، ثم يدفع البائع إلى المبتاع نصف قفيز؛ لأن الدينار وقع منه على دعواه نصفه لما دفع إلى المبتاع، فهو مدع فيما بقي من ثمنه، ووقع منه القفيز الذي له بدفع نصف دينار، فله ألا يدفع في النصف دينار الذي قبض إلا حصته على دعواه، وذلك النصف قفيز، فيحلفان، وينفسخ بقية القفيز الذي لم يقبض،
[6/412]
***(1/408)
[6/413]
ويرد المبتاع من بقية ثمن ما قبض مما لم يقر به؛ لأن البائع يقول: ثمن القفيز الذي قبضت مني دينار، وهو يقول: ثمنه ثلثا دينار، فله حصة مما دفعت إليك، ثلث دينار، ويبقى لك قبلي فيه ثلث دينار.
وهذا منتهى كلام محمد، ولم يذكر أن يغرم المبتاع للبائع شيئًا، واراه يعني أنه يغرم له ثلث دينار؛ لأنه يقول: وقع للقفيز الذي قبضت ثلثا دينار على دعواي، دفعت من ثمنه ثلث دينار؛ لأن الدينار عن ثلاثة أقفزة دفعته، فبقي علي من ثمنه ثلث، والبائع يقول: بل بقي لي من ثمنه نصف دينار، فهو مدع والمبتاع مصدق مع يمينه فيما قبض، وقد حلف.
قال محمد: ولو قال البائع: الدينار الذي قبضت منك، إنم دفعته إلي عن القفيز الذي استوفيت خاصة من القفيزين اللذين بعتك بدينارين. وقال المبتاع: بل دفعته عن الثلاثة أقفزة الذي ابتعت بدينارين. فقد قيل: يصدق البائع، ويقال للمبتاع: إن شئت دفعت دينارًا وأخذت قفيزًا على دعوى البائع، وإلا حلفت، ويفسخ بيع القفيز الباقي بعد أيمانكما.
قال محمد: وأحب إلي أن يجعل الدينار على القفازين بعد أيمانهما، ثم لا يكون على البائع إلا نصف قفيز، حصة النصف دينار الذي قبض على دعواه، كما لو قال المبتاع: إنما نقدتك الدينار عن ما لم تقبض، لم يصدق.
قال ابن حبيب: وإن تصادقا في الثمن، أنه دينار، واختلفا في الكيل، فقال المبتاع: اشتريت منك أربعة أقفزة، وقال البائع: بل ثلاثة، فإن قبض الدينار، صدق مع يمينه، قبض المبتاع الطعام، أو لم يقبض شيئًا، وإن لم ينقد الثمن، وافترقا، حلف المبتاع أنه إنما ابتاع منه أربعة بدينار، وحلف البائع أنه ما باعه إلا ثلاثة، فإن حلفا فالمبتاع مصدق، فيما عليه، فيؤدي ثلاثة أقفزة، ويؤدي المبتاع ثلاثة أرباع دينار.
[6/413]
***(1/409)
[6/414]
ولو قبض المبتاع الأربعة أقفزة، ثم اختلفا في ثمنها، فالقول قول المشتري مع يمينه، قبض الدينار البائع أو لم يقبضه. وهكذا فسر لي مطرف، عن مالك. وإذا اختلفا في صنفين من الثمن، فقال أحدهما: بعرض كذا، وقال الآخر: بعرض خلافه، أو عين نقدًا، واتفقا أنه إلى أجل واحد، فليتحالفا، قبض السلعة أو لم يقبض، فاتت أو لم تفت، ويرد المبتاع القيمة فيما فات عنده حاله.
ولو تصادقا في نوعه وأجله، واختلفا في عدده، وفاتت السلعة، صدق المبتاع فيما يشبه مع يمينه، فإن لم يأت بما يشبه فقول البائع ويحلف، فإن لم يأت بما يشبه، كان عليه من ذلك الثمن إلى أجله ما شبه، بخلاف اختلافهما في النوع، وهو كاختلافهما في الكيل في السلم قبل الأجل، وأتيا بها لا يتشبه، أنهما يحملان على سلم الناس إلى أصله، ولو اختلفا في النوع تفاسخا.
ومن كتاب ابن المواز في الوكالات قال: وإذا اختلفا في سلم الطعام وغيره في موضع القضاء، فكان الحكم فيه أن يقضيه بموضع عقد البيع مع يمين مدعي ذلك، أرأين إن قال البائع: عقدنا الصفقة بموضع سماه غير موضع الصفقة، وسمى المشتري موضعًا آخر غير موضع الصفقة، فليتحالفا، ويفسخ البيع.
انظر مسألة ابن سحنون في البائع يقول: بعتك بخمر، ويقول المبتاع: بل بدنانير، أنهما يتحالفان، بخلاف أن يدعي أحدهما حلالاً والآخر حرامًا. انظر مسألة ابن سحنون.
وفي كتاب الإقرار باب في الإقرار في البيوع والتداعي، فيه كثير من اختلاف المتبايعين.
[6/414]
***(1/410)
[6/415]
في اختلاف المتبايعين في قبض الثمن أو قبض السلعة المبيعة
وفي موضع القضاء وفي قبض الدين وقد طال زمانه
من كتاب محمد، والواضحة، قال مالك: وإذا اختلفا في دفع الثمن، فقال البائع: لم أقبض، وقال المبتاع: دفعت. قال في الواضحة: فذلك يختلف بقدر تصرف الحال في السلع، قالا: فما كان كالصرف، مثل الحنطة، والزيت، واللحم، وشبهه، قال محمد: من الفاكهة، والخضر، فإذا تفرقا، صدق المبتاع مع يمينه: لقد دفعت الثمن حين قبضت ذلك.
قال في كتاب محمد: وأما الرقيق، والثياب، والدور، فالبائع مصدق مع يمينه وإن افترقا، ولو اكتال ما بالأسواق مما يعجل ثمنه، ثم اختلفا في قبض الثمن قبل التفرق، فاختلف فيه قول مالك، فروى أشهب عنه فيمن ابتاع رطبًا فقبضه، ثم اختلفا قبل التفرق في قبض الثمن، فالرطاب مصدق ما لم يفترقا، وكذلك الطعام يكتاله في وعائه، وقال عنه ابن القاسم: القول قول المبتاع مع يمينه. وقاله ابن القاسم في كل ما الشأن فيه قبض ثمنه قبل يكتاله، كالحنطة، والزيت، واللحم وشبهه.
قال ابن حبيب: وأما الرقيق والدواب والربع والعقار، فالبائع مصدق وإن تفرقا، ما لم يطل، فإن مضى مثل عام أو عامين، فالقول قول المبتاع، ويحلف، وليس يباع مثل هذا على التقاضي، وأما البز وشبهه من التجارات على التقاضي وعلى الآجال، فإن قام البائع لما لم يطل جدًا، فزعم أنه لم يغرم الثمن حلف، وصدق وإن قام بعد طول، مثل عشر سنين واقل منها مما لا يتبايع ذلك إلى مثله، صدق المبتاع ويحلف. وقال ذلك كله مطرف، وابن الماجشون، عن مالك، وقالا به. وساوى ابن القاسم بين البز والربع وغيره، ما عدا الحنطة، والزيت ونحوه، وجعل القول أيضًا قول البائع في ذلك، وإن بعد عشرين سنة، حتى يجاوز الوقت الذي يجوز البيع اليد، وبالأول أقول.
[6/415]
***(1/411)
[6/416]
ومن العتبية قال أصبغ، عن ابن القاسم: وإذا طلب البائع الثمن، فقال المشتري: لم أقبض السلعة، وقال البائع: قد قبضتها، فإن أشهد له بالثمن، فليرده، ولا يصدق أنه لم يقبضها، قال أصبغ: ويحلف له البائع إن كان بحرارة البيع والإشهاد، فأما أن يكف حتى يحل أجل الثمن وشبهه، فلا قول له، ولا يمين على البائع.
وذكر ابن سحنون في الأقضية قول ابن أبي ليلى، أن البائع عليه البينة بدفع ما باع. وخالفه سحنون وقال: إذا أشهد المبتاع على نفسه بالثمن، فلا يصدق أنه لم يقبض السلعة.
وقال محمد بن عبد الحكم: إذا شهد شاهدان على رجل أن لفلان عليه مائة دينار من ثمن سلعة اشتراها معه، لم أقبل ذلك، ولم ألزمه إياها حتى يقولا: وقبض السلعة. وكذلك لو قالا: باعه سلعة بمائة دينار. لم يقبض بذلك عليه؛ لأنه ليس في شهادتهما ما يوجب له أنه قبض السلعة.
ومن الواضحة: وإذا تصادقا على عدد الثمن ووزنه، وهو عشرة، فقال البائع: لم أقبض إلا ثمانية، فهو مصدق، ويحلف، كانت السلعة قائمة أو فائتة، ولو أشهد على البيع وقبض الثمن، ثم قال البائع: أشهدت إلي بقبضه ثقة مني بك، ولم توفني جميعه، فاحلف لي، فقال: وفيتكه، ولا أحلف، ولي بينة. فقال مالك وأصحابه: لا يمين عليه. وقال ابن حبيب: إلا أن يأتي بسبب يدل على ما ادعى، وتقع عليه بتهمة، فيحلف.
قال مطرف في من قام على رجل بذكر حق قديم بعد عشرين سنة، أنه يؤخذ به، إلا أن يأتي الغريم بالبراءة منه، ولو مات المطلوب، واقتسم ورثته تركته، والمطالب حاضر لا يقوم، ثم قام بعد ذلك، فلا شيء له، إلا أن يكون له عذر، بأنه لم يعرف ببينته، أو كانوا غيبًا، ولم يجز ذكر حق إلا عند قيامه، أو يكون لهم
[6/416]
***(1/412)
[6/417]
سلطان يمتنعون به، أو نحو هذا مما يعذر به، فيحلف بالله لما كان تركه القيام إلا للوجه الذي عذر به، ثم يكون على حق، وإن كال زمانه. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبطل حق امرئ وإن قدم))، وإن نكل حلف الورثة بالله ما يعلمون له حقًا وبرئوا، فإن نكلوا غرموا، أو من نكل منهم. وقال مثله أصبغ.
في اختلافهما في السلم وغيره من البيوع
من كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا قبض رأس مال السلم، واتفقا في الصفة والأجل، واختلفا في الكيل أو الوزن، فإن كان بقرب مبايعتهما تحالفا وتفاسخا، وإن طال ذلك وتفاوت، فالقول قول من عليه السلم مع يمينه فيما يشبه. قال ابن القاسم: فإن لم يشبه، صدق الطالب فيما يشبه مع يمينه، وإن جاء بما لا يشبه، حملا على سلم الناس يوم تعاقدا، وكذلك إن اختلفا في الصفة والسلم في طعام أو عروض أو حيوان. وكذلك قال ابن حبيب في الكيل والعدد، قال: وكذلك إن قال البائع: في عبد، وقال المبتاع: في عبدين، أو قال هذا في ثوب، وهذا في ثوبين.
قال محمد: قال مالك: وإن اختلفا في النوع تحالفا وترادا، وإن طال ذلك، أو حل الأجل، وكذلك لو اختلفا في ثمن جارية قبضها المبتاع، وحال سوقها في قلة الثمن وكثرته، صدق المبتاع وحلف، فإن أتيا بما لا يشبه، صدق البائع فيما يشبه، فإن لم يأت به، فله قيمتها يوم البيع، ولو اختلفا في صنف ثمنها، ترادا القيمة بعد التحالف.
وقال أشهب: إن لم يعرف كذب واحد منهما في السلم، يريد أتيا بما يشبه، تحالفا وتفاسخا، اختلفا في الجنس أو في القلة والكثرة، أو في الصفة، والنوع واحد. وإن عرف كذب أحدهما، صدق الآخر مع يمينه، أو يحملان على
[6/417]
***(1/413)
[6/418]
الوسط من سلم الناس، واختلافهما في النوعين، أو في القلة والكثرة، والنوع واحد سواء، يوجب التفاسخ.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أسلم مائة دينار إلى أجل، فلما حل، دفع إليه خمسين كساء فقبضها، وقال: بقيت لي خمسين ثوبًا فسطاطي، وكذلك أسلمت إليك فيها، وفي خمسين كساء. وقال البائع: إنما أسلمت إلي في مائة كساء، فإن لم يقبض شيئًا تحالفا وتفاسخا، وإن قبض الخمسين كساء تحالفا، وقسم الثمن عليها. قال عيسى: يريد على قيمة الأكسية والفسطاطي على دعوى البتاع، فيرد ما قابل الفسطاطي من الثمن؛ لأنه لما قبض الأكسية، صار مدعيًا فيما بقي.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم في من أسلم في قراطيس طولها عشرون ذراعًا، واختلفا عند الأجل، أيأخذ بذرائع البائع أو بذراع المبتاع؟ قال: يحملان على ذراع وسط، ولا ينظر إلى قولهما. قال أصبغ: هذا أحسن، والقياس الفسخ. وكذلك ذكر عنه ابن المواز.
وفي الواضحة قال: وإذا قال المبتاع: أسلمت إليك بقفيز إلى بلدي. وقال البائع: بل على قفيز بلدي، فالبائع مصدق، وإن تقاررا أنهما لم يسميا قفيز بلد معلوم، فهو على قفيز البلد الذي أسلمت الدراهم فيه، وكذلك إن لم يسميا موضع القضاء، فهو بموضع التبايع، وإن ادعاه أحدهما، فالقول قوله، وإن ادعى كل واحد بلدًا غيره، وتقاررا أن الدراهم دفعت في موضع كذا، فالبائع مصدق فيما يشبه، وإلا صدق المبتاع فيما يشبه، وإن تباعدت المواضع حتى لا يشبه ما قالا جميعًا، تحالفا وتفاسخا. ونحوه في كتاب محمد، وقال: قال هذا ابن القاسم، وقال أيضًا: القول قول البائع، إلا أن يكون قريبًا. وقال أصبغ: يريد: قريبًا من الصفقة، وأما لو بعد ذلك وحل الأجل، فالقول قول البائع.
[6/418]
***(1/414)
[6/419]
ومن الواضحة: وإذا اختلفا في الصفة، في جيد ووسط، وفي سمراء وبيضاء، وقد قبض الثمن وتفرقا، فالقول قول البائع، وإذا اختلفا في جنسين، تفاسخا بد التحالف، ومن نكل فالقول قول الحالف، وإن حلف فسخ، وإن نكلا، صدق البائع، وهو كمطلوب رد اليمين، فنكل الطالب، وإذا اختلفا في الكيل والوزن أو العدد، واتفقا في الصفة والصنف، فالبائع مصدق فيما يشبه ويحلف، وإلا فالمبتاع فيما يشبه ويحلف، فإن أتيا بما لا يشبه، حملا على الوسط من سلم الناس يومئذ. يريد: يوم العقد.
باب اختلافهما في الأجل وحلوله أو في النقد والأجل
من كتاب ابن المواز، قال مال: وإن اختلفا في الأجل، فالبائع مصدق مع يمينه، إن قبض الثمن، وادعى ما يشبه، واختلافهما في الأجل كاختلافهما في الأثمان، وكذلك في سلعة قائمة يختلفان في الأجل فليتحالفا، وإن قبضت، صدق قابضها مع يمينه. قال مالك في رواية ابن القاسم وابن وهب: وإن قال: بعتكما بالنقد، وقال المبتاع: إلى أجل، تحالفا، وردت، وإن قبضها المبتاع، صدق مع يمينه. وكذلك روى سحنون في العتبية، عن ابن وهب، عن مالك. قال سحنون: والاختلاف في هذا الأصل عن مالك كثير، وهذا أحب إلي.
قال ابن المواز: وقد كان من قول ابن القاسم: إن أقر البائع بشيء من الأجل بعد فوت السلعة عند المشتري، فالقول قول المشتري، وإن لم يقر بشيء
[6/419]
***(1/415)
[6/420]
من الأجل، وادعى النقد، فالبائع مصدق. هذا فيما قبض وفات. وما لم يقبض ويفت تحالفا وتفاسخا. قال محمد: وقول مالك أحب إلي.
قال مالك: اختلافهما في الأجل كاختلافهما في الثمن، يحلف المبتاع إذا قبض السلعة وفاتت عنده. وقاله ابن عبد الحكم، وعبد الملك، وأصبغ.
وقال أشهب في المكاتب يدعي من الأجل أكثر مما ادعى السيد، فالمكاتب مصدق.
ولو قال من عليه قرض من غير بيع: إنه إلى أجل كذا. وقال الذي أسلفه: حالاً، فهو غير مصدق. محمد: ما لم يقر الطالب بشيء من الأجل في هذا.
ومن الواضحة: قال عبد الملك: روى مطرف، عن مالك: إذا اختلفا في الأجل واتفقا في الثمن، فالبائع مصدق مع يمينه، فاتت السلعة أو لم تفت، فإن أقر بالأجل، واختلفا فيه، فالمبتاع مصدق فيما يشبه مع يمينه، فإن لم يشبه أن تباع تلك السلعة إلى ما ادعى، فالبائع مصدق.
قال ابن القاسم مرة: إن لم يقر البائع بالأجل صدق في قيام السلعة، فإن فاتت، صدق المشتري. وقال مرة: إن ادعى المبتاع أجلاً قريبًا لا يتهم فيه، صدق مع قيام السلعة وفواتها. ثم قال: إن كانت قائمة تحالفا وتفاسخا، تقاررا بالأجل أو لم يتقاررا به. وإن كانت فائتة فالمبتاع مصدق مع يمينه إن تقاررا بالأجل أو لم يتقاررا به. وإن كانت فائتة فالمبتاع مصدق مع يمينه إن تقاررا بالأجل أو اختلفا فيه، وادعى البائع حلوله. فإن لم يقر البائع بأجل، فالقول قوله مع يمينه. وكذلك سمعت ابن الماجشون يقول: يتحالفان ويتفاسخان في قيام السلعة، تقاررا بالأجل أو لم يتقاررا به، إذا ادعى المبتاع، فإن فاتت السلعة فالمبتاع مصدق في
[6/420]
***(1/416)
[6/421]
الأجل، تقاررا أو لم يتقاررا به، إلا أن يأتي بما يتفاحش فيصدق البائع ويخلف، وذلك كقول ابن القاسم الآخر، إلا في وجه واحد، إذا فاتت ولم يقر البائع بأجل.
قال ابن الماجشون: يصدق المبتاع مع يمينه إن ادعى ما يشبه. وابن القاسم لا يقبل قوله، إذا لم يقر البائع بأجل، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ بقول ابن القاسم. ورواه ابن وهب، عن مالك، وبه أقول.
وإذا قال الذي عليه السلم: لم يحل. وقال الطالب: قد حل وفي قربه وبعده، فالذي عليه السلم يصدق، ويحلف إذا قبض الثمن وتفرق، وهو مما يغاب عليه، فإن نكل، فالمبتاع مصدق ويحلف، فإن نكل فالقول قول الذي عليه السلم بلا يمين، فإن اختلفا في ذلك قبل أن يفترقا، ويغيب على الثمن، أو كان الثمن مما لا يغاب عليه، ولم تفت بشيء من الفوت حتى اختلفا، فليتحالفا ويتفاسخا في هذا، أو فيما فسرت لك. وقاله لي كله من كاشفت من أصحاب مالك.
وقال في كتاب البضائع: وإذا اختلفا في السلم في موضع القضاء، فكان الحكم أن يقضيه ببلد السلم، فاختلفا فيه، فقال هذا: تبايعنا ببلد كذا، وقال الآخر: ببلد كذا، فليتحالفا ويتفاسخا.
[6/421]
***(1/417)
[6/422]
باب في اختلافاهما في أصل البيع
وفيمن أقر على نفسه وعلى غيره ببيع أو دين
من الواضحة: قال مطرف عن مالك فيمن ادعى على رجل أنه باع منه سلعة، فأنكر البائع، فشهدت بينة على البيع، ولا يعرفان الثمن، قال: فالشهادة تامة، ويقال للبائع: قد ثبت البيع، فبكم بعتها؟ فإن سمى ثمنًا، فاعترف به المبتاع وداه، وإن ادعى دونه تحالفا ورده، وإن تمادى البائع على إنكار البيع، سئل المبتاع: بكم الـ...؟ فإن سمى ما يشبه حلف وأخذها به، وإن ادعى بخسًا، قيل له: إما أعطيت ما يشبه ثمنها وإلا فدعها. قال ابن حبيب: هذا أحسن ما سمعت فيها.
ومن العتبية من سماع أصبغ: وقال في السلعة في المزايدة تقف على ثمن، فيطلب الصائح الثمن ممن زاده فيها ممن كان حضر المزايدة، فينطر أن يكون زاده شيئًا، فعليه اليمين، لحضرته المزايدة، ولو لم يحضر، لم يلزمه يمين، قيل: فإن لم يحضر، ولكن قال له الصائح: قد أوصيتني إذا وقفت أن أرد ما لك، فإن كان مثله يأمره مثله في تجارته وناصيته، فليحلف، وإلا لم يحلف.
قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا قال لرجل: اشتريت منك سلعتك أنا وفلان، فقال البائع: بل منك وحدك بعت، فلا يلزم المقر إلا نصفها بنصف الثمن.
ولو قال: أنا اشتريتها، فقال البائع: بل منك ومن فلان، فإن طلب ذلك فلان، فهي بينهما، إلا أن يكون للآخر بينة، فإن لم يطلب فلان، فهي كلها لمدعي شرائها. قال أصبغ: ليس له إلا نصفها، إلا أن يسلم له البائع، وقد قال
[6/422]
***(1/418)
[6/423]
أيضًا: إذا قال: لفلان علي ألف درهم، وعلى فلان وفلان، فالألف كلها عليه، وإن كان كلامًا نسقًا. قال أصبغ: وهذا والأول غلط، وليس عليه إلا ثلثها.
وفرق ابن القاسم بين قوله: لفلان علي، وعلى فلان وفلان ألف. قال: فهذا عليه الثلث، ويبين قوله: لفلان علي ألف، وعلى فلان، ورأى هذا ندمًا بعد إقراره بالألف، فهي تلزمه كلها. وقال أصبغ: وهذا كله واحد، وإقراره منتظم أوله بآخره، كتقديم العتق أو الطلاق في الحلف وتأخيره.
باب اختلافهما في كسة الثمن أو وزنه
من كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا طلب البائع نقدًا كذا، وقال المبتاع: بل نقدًا كذا، قضي بالمتعارف بالبلد في نقد تلك السلعة. والحنطة والزيت قد عرف ما يباع به، والرقيق نقدها على ما عرف. فإن ادعى البائع أنه شرط في الرقيق والوازنة. وقال المبتاع: بل شرطت النقد المعروف، فهو مصدق، قال ابن القاسم: مع يمينه. وكذلك إذا اختلفا بعد محل أجل الثمن حملا على النقد المعروف يوم التبايع.
قال محمد: ولو كان إلى أن يتحالفا ويتفاسخا إذا ادعيا الشرط. قال ابن القاسم: وإن كان النقد في تلك السلعة مختلفًا، فسد البيع، وفيها القيمة إن فاتت. قال أصبغ: إلا أن يكون لها نقد هو الغالب فيها، فيقضى به دون الحاضر. قال مالك: لا ينظر فيه إلى الحاضر من رواية أشهب عن مالك، إلا أن يشترط.
ومن الواضحة: وإذا تصادقا في عدد الثمن ولم ينصا وازنة ولا ناقصة، حكم فيها بالوازنة، وإن جرت الناقصة بينهم على التجاوز، لأن ذلك على التطوع، فأما ما يحكم به، وما هو به اليمين على القضاء، فعلى الوازنة التي ضربت عليها سكة
[6/423]
***(1/419)
[6/424]
ذلك البلد. والوازنة عندنا بالأندلس التي عليها ضربت سكتنا، دخل عشرة ومائة عددًا في مائة موزونة بالجديدة.
فإن قال البائع: شرطت وازنة، وقال المبتاع: بل شرطت عليك ناقصة كذا. فإن كان البلد لا يجري فيه الوازنة، صدق البائع مع يمينه في قيام السلعة أو فوتها، وإن كان البلد تجري فيه الوازنة وغيرها، وعلى الداخل نظر في تلك السلعة، فإن كان لها نقد معروف، صدق مدعيه مع يمينه من بائع أو مبتاع في قيام السلعة أو فوتها، إن لم يكن لها نقد معروف، أو كان نقدها مختلفًا، تحالفا وتفاسخا، في قيامها، قبضها المبتاع أو لم يقبضها، وإن فاتت بيد المبتاع، صدق مع يمينه. وقاله كله من كاشفت عنه من أصحاب مالك.
باب في اختلافهما فيما يرد لعيب من عرض أو عين فينكره الآخر
أو يدعي أنه كان أكثر من ذلك أو يختلفان في الظروف
وفي الدنانير يختلف فيها أهل النظر
من الواضحة، قال ابن الماجشون: وإذا رد المبتاع الثوب بعيب، أو الطعام بعرض، فقال البائع: لم أبع هذا منك، فهو مصدق مع يمينه، فإن نكل، حلف المبتاع أنه الذي ابتاع منه، ورده، وأما إن رد درهمًا لنقصه أو لغش فيه فهاهنا يحلف الدافع في الوجهين على البت أنه لم يعطه هذا، إن كان صيرفيًا أو بصيرًا، وإن كان على غير ذلك، حلف في الناقص والمغشوش على علمه، ما يعلمه من دراهمه ولا أعطاه إلا جيدًا في علمه، وبرئ. فإن نكل حلف القابض، ورد، فإن نكل حبسه.
قال ابن حبيب: وهذا أحسن ما سمعت من الاختلاف فيه. وكان ابن القاسم يحلفه من الناقص والمغشوش على علمه، كان صيرفيًا أو غيره. وكان ابن
[6/424]
***(1/420)
[6/425]
كنانة يحلف الصيرفي في المغشوش والناقص على البت، ويحلف غيره في المغشوش على علمه، وفي الناقص على البت، ويجعل النقص كنقصان العدد، ولم يختلفوا في نقصان العدد أنه يحلف على البت في الصيرفي وغيره.
قال ابن حبيب: وذلك مفترق، وقد يعطي الرجل الناقص، ويحسب أنه وازن، فيحلف فيه الصيرفي والبصير على البت، ويحلف غيره على العلم في النقص والمغشوش، إلا أن يكون الدافع قال للقابض: اذهب بها، فما أنكرت أبدلت لك، فالقول هاهنا قول القابض، مع يمينه في المغشوش، والناقص في نقص العدد؛ لأنه أمينه، وقاله مالك وأصحابه.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: من رد عبدًا بعيب، فاختلفا في ثمنه، صدق البائع، مع يمينه في قلة الثمن، وكذلك أيضًا لو قال بثوب، فإن جاء بما لا يشبه، صدق المبتاع وحلف، فإن جاء أيضًا بما لا يشبه، فله قيمته سليمًا من العيب يوم البيع.
مالك: من رد عبدًا بعيب، فقال البائع: ليس هذا هو، وقال: المبتاع مدع إلا أن يشتريه على الخيار، فيصدق، وكذلك القمح.
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في من اشترى لرجل سلعة، وقال للبائع: خذ منه، ففعل، ثم وجد البائع في الثمن نقصًا، وقد غاب المشتري له، أو فلس، قال: إن لم يعرفه بذلك متولي الشراء، فعليه بدلها.
ومن رد طعامًا ابتاعه بعيب، فقال البائع: كنت بعتك حملاً بمائة. وقال المبتاع: بل عدلاً، فهو مصدق مع يمينه، والبائع مقر له بالثمن، يدعي زيادة فيما وجب رده، إلا أن يأتي المبتاع بما لا يشبه، أو ينكل عن اليمين، فيصدق البائع مع يمينه، ويرد من الصمن نصف ما قبض.
[6/425]
***(1/421)
[6/426]
قال محمد: إنما هذا في الجزاف، وأما ما كان على الكيل وعرف كيله، فليرد المبتاع الكيل كله إن نكل، أو جاء بما لا يشبه. قال: ولم يشبه أو كانا لم يتفرقا تحالفا أو تفاسخا، إن كانت السلعة قائمة، وإن كانت قد فاتت، وكان البائع قد قبض الثمن، فالقول قوله مع يمينه.
وحكى ابن حبيب المسألة من أولها، فذكر مثل ما تقدم من الجواب، ثم قال: مثل أن يقول: بعتك مديًا بمائة درهم. وقال المبتاع: بل نصف مدي بمائة وأشبه ما قال البائع دون ما قال المبتاع، فالبائع مصدق، ويرد من المائة خمسين، ولا يقال للمبتاع: ائت بتمام المدي.
قال ابن حبيب: وكذلك لو باعه ثوبًا، أو عبدًا، أو فرسًا، فرده، فقال البائع: بعتك هذا وآخر معه، واتفقا في الثمن، فالمشتري مصدق، فإن لم يأت بما يشبه في الثمن، فالمشتري مصدق، فإن لم يأت بما يشبه، صدق البائع فيما يشبه، فإن اختلفا في الثمن، فالبائع مصدق؛ لأنه في يده، ولو كان الثمن مؤخرًا، كان القول فيه قول المشتري، ويحلف، ويسقط عنه ما ادعاه البائع عليه فوق ما أقر به المشتري. وقاله كله من كاشفت من أصحاب مالك، وهو تفسير قول مالك.
ومن كتاب محمد: ومن ابتاع سمنًا، فوزنه بظروفه، وقبضها لتفرغ، ثم توزن، ففرغها، ثم ردها، فقال البائع: ليست هي، فإن لم تقم بينة، لم تفارقه، ولا السمن حاضر يقران به، فيغادرونه، فالقول قول من يرد الظروف مع يمينه. وقال أشهب: القول قول المبتاع في وزن السمن، ويحلف.
وإذا اختلف أهل النظر في الدنانير أو الدراهم، فقال بعضهم: جياد وبعضهم رديئة، فلا يعطى إلا ما يجمع عليه، ولا شك فيه، وتصير معيبة باختلافهم فيها، فليس له أن يعطيه معيبًا.
[6/426]
***(1/422)
[6/427]
باب جامع في اختلاف المتبايعين في الثمن والمتمون وغير ذلك
وما لا يتفاسخان فيه من اختلافهما
من الواضحة: وإذا قبض المبتاع السلعة، ونقد عشرة دراهم، ثم جاء البائع يدعي أن الثمن اثنا عشر، وكذبه المبتاع، فليتحالفا ويرد، إلا أن تفوت، فيصدق المبتاع ويحلف.
ولو جاء المشتري إلى البائع، فقال: أعطني السلعة الأخرى، فإنما ابتعت منك سلعتين. وقال البائع: بل الذي قبضت مني فقط، واتفقا في الثمن، فالبائع مصدق إذا تفرقا، ويحلف ولا يتفاسخا في هذا، فاتت أو لم تفت.
ولو قال البائع: بعتك هذه السلعة، واستثنيت لفلان ثلثها. وقال المبتاع: بل ابتعت منك كلها. وقد تفرقا، فالبائع مصدق في عدد السلعة، مع يمينه إذا تفرقا، وأشبه ما قال، وإن لم يشبه، أو كان لم يتفرقا تحالفا وتفاسخا، إن كانت السلعة قائمة، وإن كانت قد فاتت، وكان البائع قد قبض الثمن، فالقول قوله، مع يمينه على كل حال، وإن كان البائع لم يقبض الثمن، وجاء بما لا يشبه، وفاتت السلعة، فحلف البائع ما باعه إلا السلعة الواحدة بالثمن الذي سمى، وحلف المبتاع، لقد ابتاع منه السلعتين بذلك الثمن، ودفع إليه من الثمن ما ينوب هذه السلعة التي قبض، وكانت في يده، وورثتهما بمنزلتهما. وقاله كله من كاشفت من أصحاب مالك، وكله تفسير قول مالك.
[6/427]
***(1/423)
[6/428]
باب فيمن تسلف درهمًا رديئًا
ومن اقتضى من رجلين دراهم فأخلطها ثم وجد رديئًا
من العتبية قال سحنون: ومن تسلف من رجل درهمًا صفرًا، فأعطاه نضًا في طريق، ثم علم أنه صفر، فإن علم وزن ما فيه من الفضة، ووزن ما فيه من الصفر، فليرد وزن ذلك، ولا يرد مثله فيغش به الناس، وإن لم يعلم وزن ما فيه من ذلك، فعليه قيمة الصفر ورقًا، وقيمة الفضة ذهبًا، وإن قل جزء من الدنانير قيراطًا، أو نصف قيراط، ويقال لهم صرف الدينار، فيأخذ ما يقع لذلك.
وقال مالك فيمن تسلف من رجل دراهم، ومن آخر دراهم، فأخلطها، ثم وجد فيها زيفًا أو نقصًا، ولا يدري لمن هو، قال: فلا يرد عليهما، إلا طيبًا، ويحلفان أنهما ما أعطياه إلا جيادًا.
ومن كتاب ابن سحنون، قال ابن سحنون في من باع سلعة من رجل بعشرين دينارًا وباع من آخر سلعة وعشرة دنانير فقبض منهما الثمن، فأخلطه ثم أصاب فيها عشرين رديئة، فكل واحد منهما يدعي أنه أعطاه جيادًا، قال: إن أخلطها بأمرهما، فعلى صاحب العشرين بدل عشرة؛ لأنه قد تبين فيها كذبه، ويبدلا العشرة الباقية، على صاحب العشرين ثلثاها، وعلى الآخر ثلثها، وإن أخلطها تعديًا منه، ضمن القابض عشرة، وكانت العشرة الأخرى على صاحب العشرين.
[6/428]
***(1/424)
[6/429]
ومن كتاب آخر قال سحنون فيمن باع سلعة بثلاثين دينارًا من ثلاثة رجال، وقبض منهم الثمن، فأخلطه، فوجد أحدًا وعشرين رديئة، قال: رجع عليهم البائع بثلاثة دنانير، من كل واحد دينار، ويحلفوا في الباقي، فمن حلف برئ، ومن نكل أبدل له تسعة، وإن حلفوا كلهم لزمت البائع، إلا الثلاثة دنانير التي أبدلوا له.
ولو أن لرجل على رجلين ثلاثين دينارًا من بيع أو قرض، على هذا عشرة، وعلى الآخر عشرون، فقبضها منهما، فأخلطها، ثم وجد أحدًا وعشرين رديئة، وتسعة جيادًا، فادعياها جميعًا الدافعان، فليحلف كل واحد منهما أنهما من عنده، فإن حلفا رفع القابض على صاحب العشرة ببدل دينار، وعلى صاحب العشرين ببدل أحد عشر.
ولو باع سلعة بثلاثة دنانير من ثلاث رجال، وأخذ من كل واحد دينارًا، وخلطها، ثم وجد دينارين رديئين، فليحلف كل واحد منهما أن الباقي ديناره ويبرآ، ويلزم البائع، ولو باع منهم ثلاث سلع، سلعة من كل واحد بدرهمين، وقبض الدراهم وأخلطها، فظهر منها قبل اختراقهم أربعة رديئة، وادعى كل واحد أن الدرهمين الجيدين له، وهو لا يعرف لمن هي، فليس له عليهم رجوع، يريد: ويحلفوا، قال: ولو وجد خمسة رديئة، رجع على كل واحد بدرهم؛ لأن كل واحد يقول: الجيد لي، وتكون مصيبة درهمين منه.
[6/429]
***(1/425)
[6/430]
باب اختلافهما بعد الصفقة فيما لم يذكراه من مسيل ماء
وكنس مرحاض وعين وشجر لم يذكراها وذكر الأرض
وفي ثوب بيع على القطع ولم يذكرا أي نصف يأخذ
من العتبية قال أصبغ: ومن باع أسفل عرصة له، وكان على أسفلها مصب مائها، ولم يذكرا في البيع مجرى الماء، فبنى المبتاع، وأجرى الماء من كوة، ثم سدها بعد أشهر، أو عام أو عامين، وقال: لا تلزمني، ولم تشترط علي، قال: فله إصراف ذلك إن لم يسلم ذلك، إلا أن يكون أمرًا ظاهرًا، يعرف المبتاع أن لا مصرف للماء عنها بكل حال، فهذا على الشرط، ولا حجة له، وإلا لم يلزمه، فإذا كان على غير ذلك، فأقره سنة أو سنتين، لم يلزمه بذلك تسليم، ويحلف: ما كان ذلك فله تسليمًا، ولا على أنه حق للبائع قد رضي به، ثم يصرف عنه، إلا أن يطول زمانه جدًا لمثل حيازة الأشياء، وهو مسلم غير طالب إلا ساكت على التسليم، فلا قيام بعد ذلك.
وروى عيسى، عن ابن القاسم في من باع داره، واستثنى منها بيتًا يسكنه واستثنى على المبتاع الاختلاف إلى الكنيف والاستقاء من البئر، فاحتاجا إلى الكنس، فعليه من الكنس بقدر ما استثنى، إن ثلثًا فثلث، وإن ربعًا فربع، ولا يلتفت إلى كثرة العدد أو قلتهم.
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في من باع نصف شقة - يريد على القطع - من رجل، ولم يسم هو ولا المبتاع النصف الأول والآخر حتى قطعها، فطلب المبتاع أخذ أوله، وأبى البائع، قال: يحلف البائع ما باع إلا على الآخر، ويفسخ البيع، ويرد الثوب مقطوعة، إلا أن تكون لهم سنة إذا قطعوا إنما يبيعوا الأول، فيحملوا عليها.
[6/430]
***(1/426)
[6/431]
وروى أشهب، عن مالك فيمن اشترى أربعة أعذق بعينها من حائط رجل، ولم يذكرا طريقًا إليها ولا شربها، فللمبتاع على البائع شربها، والطريق إليها، وإن لم يشترطه.
وفي المدونة من اشترى نخلاً ولم يذكر أرضها أو ذكر الأرض ولم يذكر النخل، فالنخل وأرضها داخلة في البيع، وكذلك من ابتاع أرضًا وفيها بئر أو عين لم يسمها، فهي داخلة في البيع، وكذلك في الوصايا والعطايا والرهن.
قال ابن حبيب عن أبي معاوية المدني، عن يزيد بن عياض، أن مروان ابتاع من إبراهيم بن نعيم بن عبد الله نخلاً كانت في موضع دار مروان، أو في بعضها، فقال إبراهيم: بعتها دون البقعة، وقال مروان: ابتعت النخل والبقعة، فجعلا بينهما ابن عمر فقضى على إبراهيم باليمين، أنه إنما باع من النخل دون البقعة، فنكل، فسلم البيع لمروان مع يمينه.
قال ابن حبيب: معنى ذلك أن يقول: بنيت ذلك شرطًا، ويقول المبتاع كذلك، فيقضى بهذا، ولا يتفاسخان في هذا، فأما إذا أقر أن البائع قال: أبيعك النخل أو الشجر، وسكت عن الأرض، فالأرض مع الشجر، أو قال: أبيعك هذه الحديقة، أو هذه الجنان، أو هذا الحيز، فالأرض والشجر قد دخلا في البيع، وكذلك لو قال: أبيعك أرضي هذه، أو الأرض التي لي بموضع كذا، فإن ما فيها من الشجر تبع لها في البيع، كانت الشجر قليلة أو كثيرة، في الوجهين، كل واحد تبع لصاحبتها حتى يتصادق أحدهما أو يختلفا، فيكون الأمر على ما وصفا، وذلك إذا انتقد البائع الثمن. وكذلك قال مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم. قال أصبغ: وقاله ابن القاسم.
[6/431]
***(1/427)
[6/432]
في تداعيهما في زوال السنة لقطع العهدة أو الشفعة
ودعوى أحدهما في عهدة البيع حلالاً والآخر حرامًا
من الواضحة: وإذا أصاب العبد أو الأمة جنون أو جذام أو برص، فقال المبتاع: أصابه ذلك في السنة، وقال البائع: بل بعد انقضائها، فقال لي بعض العلماء: القول قول المبتاع مع يمينه؛ لأن مدة السنة في العهدة حق له، فمن ادعى زوالها فهو مدع عليه البينة، ومن قال: قد كان كذا، فهو مدع، وهو كقول البائع: قد انقضت السنة، والقائل: لم يكن هو مدعى عليه، وهو كقول المبتاع، لم تنقض.
ومنهم من قال لي: القول قول البائع مع يمينه؛ لأن المبتاع مدع ما يوجب الرد، فهو مدع، وهو يقول: قد أصابه هذا في السنة، فهو مدع، والبائع يقول: لم يصبه ذلك فيها، فهو مدعى عليه، وكلا القولين محتمل، وهذا أقوى عندي إن القول قول البائع أبدًا.
وأما الشفعة يدعي المبتاع أن الزمان الذي تنقطع في مثله الشفعة قد مضى، والشفيع يدفع ذلك، فالقول أبدًا قول الشفيع، حتى تقوم بينة؛ لأنها وجبت له بالعذر، فمن ادعى ما يوجب قطعها فهو مدع.
ومن قول مالك في المتبايعين يدعي أحدهما الحلال والآخر الحرام، أن القول قول مدعي الحلال. قال ابن حبيب: وتحمل عليه اليمين، وإن كان منهما استحلال ما ادعى صاحبه أنهم أشهرا ذلك وأظهرا الحلال، فإن كان مثله متهمًا بمثل ذلك، لزمه اليمين؛ لأن مثل هذا قد كثر عمله من الناس، فإذا كان منهما ينكل عن اليمين، حلف صاحبه، ثم فسخ ذلك، وإن كان مثله لا يتهم، لم يحلف مع البينة التي شهدت على معاملتهما الجائزة، وإن لم تقم بذلك بينة، فليحلف على كل حال.
[6/432]
***(1/428)
[6/433]
في اختلاف الوليين فيما باعا أو أنكحا
وفيمن باع شيئًا من رجل ثم باعه من آخر
أو زوج رجلاً ثم زوج آخر
من الواضحة: ومن قول مالك في الذين لكل واحد منهما أن يبيع مثل الشريكين المتفاوضين، أو من وكله رجل على بيع سلعته، ثم يبدو لربها فيبيع، فإن باع هذا وهذا، ولم تقبض السلعة، فالمبتاع الأول أحق، إلا أن يقبضها الثاني قبله، فهو أحق؛ لأنه لما لم يكن واحد منهما متعديًا، ولم يعلم به كان من صاحبه، كان أقواهما سببًا أولاهما. وقاله ربيعة وقاله مالك وأصحابه في البيع والنكاح. وإن لم يقبضا السلعة، وادعى كل واحد منهما أنه الأول تحالفا، فمن نكل، فهي لمن حلف، وإن حلفا أو نكلا أو تجاهلا من الأول، فهي بينهما، ثم يخير كل واحد في التمسك بنصفها بنصف الثمن أو يردها ويأخذ جميع الثمن، إلا أن يقر أحد المتبايعين عند استواء حال المشترين، وتجاهل ذلك البائع الآخر، فالقول قول المقر أنه باع أولاً، وإن قال صاحبه أيضًا: بل أنا بعت أولاً، حلفا، فمن نكل منهما، فالقول قول من حلف، وإن حلفا أو نكلا أو تجاهلا جميعًا، رجع الأمر إلى ما قلنا في تجاهل المشترين.
قال: وأما في المرأة إذا لم تعرف العقد الأول فيها، فلا يجوز لها أن تقر لأحدهما أنه الأول. وكان أشهب يجعل القول قولها، ويجعل إقرارها كإقرار أحد البائعين. قال أصبغ: ولا أرى أن تصدق في هذا، لحرمة النكاح، وخوف الاشتباه، فأرى أن يفسخا بالحكم، وتأتنف نكاح من شاءت. قال ابن حبيب: وهو أحب إلي.
[6/433]
***(1/429)
[6/434]
والبكر التي لا تؤامر في نفسها، ولكن أبوها يزوجها، فوكل الأب من يزوجها، فزوجها كل واحد، فلا يقبل قولها في الأول، وكذلك التي تؤامر في نفسها، مثل أخت الرجل، وابنته الثيب، فيوكل وليها وكيلاً على تزويجها بمؤامرتها. ثم يشهد عليها وليها عند سفره أنها أذنت له أن يزوجها رجلاً ذكره لها فيغيب، فيزوجها لزوجها الوكيل بمؤامرتها، فهذه لا تعلم أيضًا الأول، ولكن التي يزوجها وليها من رجلين بأمرها، واحدًا بعد واحد، تعديًا منه ومنها، فهذه التي الأول أحق بها، وإن بنى الآخر بها إذا عرف الأول، فإن لم يعرف، فهي لمن بنى بها، فإن لم يبن بها واحد منهما، ولم يعرف الأول، ولكل واحد بينة على نكاحه، فليفسخ نكاحهما، إلا أن تقر هذه بالأول، فيقبل قولها، وكذلك يقبل قول الأب في البكر خاصة، إن فلانًا الأول، ولا يجوز في مثل هذا قول غير الأب من الأولياء في بكر ولا ثيب، ولا يتحالف الزوجان في هذا كله، بخلاف البيع.
ومن باع سلعة من رجل، ثم باعها من غيره، فهي للأول إن عرف، وإن قبضها الآخر، فإن جهل الأول، فهي للذي قبضها، فإن لم يقبض ولا عرف الأول بالبينة، فهي لمن أمر له البائع أنه الأول، وإن قبضها أحدهما ولم يعرف الأول بالبينة، فأقر البائع أن الأول الذي لم يقبضها، لم يصدق، ولكن إن كان في الثمن الذي أخذها به القابض، فضل، فذلك الفضل للذي أقر له أنه أول، وإن كانت قيمتها أكثر، غرم له الأكثر.
وقال مالك في من باع من رجل كيلاً من طعام له بمصر، فذهب ليأتي بظرفه، فباعه من آخر كيلاً مثله، فلم يكن ذلك في الطعام، فإن باع من الثاني، وهو يرى أن ذلك فيه كله تحاصا فيه، وإن كان إنما باعه، لينقض بيع الأول، فالأول مبدأ. ثم سئل عن مثل ذلك، فقال: الأول أولى إن كان يعرف، وإلا تحاصا، وبهذا يأخذ أصحابه المدنيون والمصريون، وبه أقول.
[6/434]
***(1/430)
[6/435]
في اختلاف الآمر والمأمور أو المأمور والمشتري
من كتاب محمد، قال مالك: ومن أمره يبيع عبدًا ولم يسم له الثمن، فقال: بعته بخمسين، وقال المبتاع بأربعين، فليتحالف المبتايعان، فإن نكل الوكيل، لم يحلف الآمر، وفسخ البيع. قال ابن القاسم: إذا نكل الوكيل، حلف المبتاع، وكان له بأربعين. قال محمد: ويضمن المأمور عشرة للآمر.
قال ابن القاسم: وإذا وجد العبد بيد رجل ذكر أنه ابتاعه من الوكيل بثمن نقده إياه. وقال الوكيل: أبق مني إليه وما بعته، فليحلف الوكيل، فإن نكل حلف المشتري، وكان له العبد، وغرم الوكيل الثمن الذي قال المبتاع.
مالك: وإن باع له سلعة بأربعين، وقال: بذاك أمرتني، وقال ربها: أمرتك بخمسين، فإن لم تفت السلعة حلف الآمر وارتجعها، فإن نكل فله الأربعين بغير يمين. قال أصبغ: إن حلف الآمر، فطلب المبتاع يمين الوكيل أنه لم يأمرك بخمسين، فبعتني بأربعين متعمدًا، فإن نكل لزمه تمام الخمسين، وتم البيع للمبتاع؛ لأن بيعه بدون ما أمر رضى، لتحمل النقصان. محمد: لا يحلف الرسول، إلا أن يدعى عليه، أنه تحمل ذلك له، وإذا فاتت، حلف المأمور، ولا يمين على المشتري، ولا غرم، فإن أقر الرسول بما قال الآمر، لزمه غرم ما قال، فإن أعدم، اتبع به دون المشتري، وكذلك إن باع إلى أجل، وقال: إنما أمرتك بالنقد في فوت السلعة وغير فوتها. وإن قال رب الثوب: بعته منك، وقال المأمور: بل أمرتني ببيعه، فالقول قول رب الثوب مع يمينه. وقال أصبغ: معناه: يحلف ما أمره ببيعه، ولباعه منه، وليأخذ ثوبه، فإن فات غرم له قيمته، ما لم يكن أكثر من الثمن الذي ادعاه. قال ابن القاسم: فإن حلف رب الثوب، وقد فات بيد المبتاع، فاختلفا في صفته، فليصفه المأمور ويحلف ويغرم قيمة تلك الصفة، فإن
[6/435]
***(1/431)
[6/436]
قومت بأقل مما باعها به، قيل للمأمور: إن كنت محقًا أن أمرتك بالبيع، فادفع بقية ما بعته به، ولا يقضى عليه بذلك؛ لأن ربه يقول: بعته منك. وقاله أصبغ، وأعاب قولاً كان لابن القاسم غير هذا.
وإن اشترى المأمور بمالك شعيرًا، وقال: بذلك أمرتني، وقلت أنت: لم آمرك إلا بقمح، فلابن القاسم قولان، قال: يصدق المأمور ويحلف. وقال: أو لا يصدق الآمر ويحلف. وقال هذا أشهب، وأصبغ.
وقال مالك: ومن أمر رجلاً يشتري له غلامًا في ميراث، فاشتراه بثمن غال، فقال الآمر: إنما أمرتك بدون ذلك. فليحلف الآمر، ويلزم المأمور. وقاله ابن القاسم. محمد: لاشترائه إياه بالثمن الغالي، وهو متعد بذلك، وأحب إلينا إن كانت السلعة لم تقبض، أو قبضت ولم يطل أمرها، والدنانير تعرف أنها للآمر ببينة حضرت دفعها، أو يقر بذلك البائع، حلف الآمر وارتجع ماله، وإن لم تعرف بعينها، أو فاتت السلعة، حلف المأمور ولزمت الآمر. وهو قول مالك في بيع المأمور السلعة.
في البائع للثوب يقول قد دفعت إلى المبتاع غير غلطًا
أو يقول المبتاع دفع إلي غيره
من العتبية: من سماع ابن القاسم: وعن البائع للثوب، فيدفعه إلى المبتاع، هو أو من أمره، ثم يدعي أنه غلط به، فإن كان هو دافعه، لم يصدق إلا بما يعرف به صدقه من رقم عليه بأكثر مما باع، أو ببينة، فيحلف مع ذلك، ويرده، وإن كان إنما أمر من دفعه فدفعه غيره، حلف واحدة.
وروى عيسى، عن ابن القاسم في من ابتاع ثيابًا، فبعد أن خرج بها زعم أنه إنما أبدل عليه بعضها، فأمر البائع ببدل ثلاثة منها، وقال المبتاع: بل أكثر.
[6/436]
***(1/432)
[6/437]
فليحلف البائع أنه ما أبدل إلا ثلاثة، ويأخذ المبيعة إن كانت قائمة، وإن فاتت، فحصتها من الثمن، إلا أن تكون وجه الصفقة فيرد البيع كله.
ومن كتاب محمد: ومن قال لبزاز: أخرج لي ثوبًا مروبًا بدينار، فيعطيه ثوبًا، ثم يوجد الثوب من ثمن أربعة، فيقول: غلطت به، قال مالك: فهذا يحلف ويأخذ ثوبه. وهذه المسألة إذا غلط البائع فدفع أرفع مما باعه أو أدنى، مكتوبة في باب الصانع أو البائع يدفع غير الثوب غلطًا في كتاب تضمين الصانع.
فيمن اشترى سلعة لغيره بماله فأنكر الآمر أن يكون أمره
أو أقر وقال قد دفعت إليك المال فأنكر المأمور
ومن العتبية: قال أصبغ في من اشترى سلعة بعينها بمال، وقال: لفلان اشتريتها بأمره وماله، وكتب ذلك في كتاب الشراء، وقال: أمرتني بشرائها بهذا المال بعينه، فأنكر فلان وطلب المال من البائع، فذلك كله سواء، ولا شيء له على البائع، وله أن يضمن ذلك المبتاع، ويتبعه به في عدمه، وليس يصدقه البائع فيما قال حتى يبيعه على ذلك بتصريح وتصديق بين وإقرار، أو ببينة تشهد على المال بعينه، وإلا فلا.
قال أصبغ: قال ابن القاسم في من اشترى سلعة أو اكترى دابة، ثم قال: ابتعتها لزوجتي وحازت المرأة الدابة أو الدار، ثم طلب منها الثمن أو الكراء، فقالت: دفعته إليك، قال: إن كان نقد، فالقول قولها مع يمينها، وإن لم ينقد، حلف: ما قبض شيئًا، ورجع عليها.
قال عيسى وسحنون: وإن أشهد من دفع الثمن أنه إنما ينقد من ماله، فلا يقبل قول المرأة أنها دفعت الثمن إليه. وهذا الباب مثله في الوكالات، وأبين من ذلك.
[6/437]
***(1/433)
[6/438]
باب فيمن ابتاعا من رجل طعامًا فنقص حظ أحدهما
من العتبية: روى أشهب، عن مالك في رجلين ابتاعا طعامًا، فحمله الحمالون إليهما، فنقص على أحدهما أربعة أرادب، فكال شريكه قمحه وقد خلطه بالقمح يعرف كيله، فوجد فيه زيادة إردبين، فردهما عليه، قال: فلشريكه أن يحلف ما دخل بيته إلا هذا، فإن نكل حلف هذا. وهو رجل سوء إن حلف، كيف يحلف على ما لا يعلم، ثم قال: لا يحلف إلا المدعى عليه، فإن نكل، غرم بغير رد يمين على الآخر، ثم قال في آخر كلامه: فإن نكل، أيحلفه الآخر؟ قال: نعم، فنظرت في أصل سماع أشهب، فلم أجد فيه قال: نعم.
في مكتري الدار وله فيها نقض وأبواب
فبيعت ولم يذكر ذلك ثم أراد أخذه
من العتبية: روى سحنون، عن ابن القاسم في الدار تباع وفيها مكتر، له فيها نقض وأبواب في بيوت، وهو حاضر للبيع، فأراد أخذه، فقال له المبتاع: قد حضرت البيع، فلم يدع، وقد اشتريت، ووجب لي كل ما فيها، قال: فالنقض والأبواب للمكتري، ولا تنقطع حجته بحضوره؛ لأنه يقول: لم أظن أن ذلك يجب لك.
[6/438]
***(1/434)
[6/439]
في النجش ومن يعطى في السلعة ليغتر غيره
وفيمن يذكر أنه أعطي في سلعته كذا
لعطاء قديم أو لما لم يصح
وفيمن يسأل غيره أن لا يزيد عليه
من الواضحة نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن النجش. قال ابن حبيب: وذلك أن يدس الرجل من يعطيه عطاء لا يريد الشراء، لكن ليغتر به، فإن فعل، فإن ذلك يفسخ، إلا أن يتماسك بها المبتاع، بذلك الثمن، وإن فاتت، ودى القيمة إن شاء، هذا إن دسه البائع، أو كان الناجش أخذ بسببه من ولده أو عبده أو شريكه وهو من ناحيته، وإن لم يكن دسه، ولا عن أمره، وإن كان أجنبيًا لم يعلم به البائع، وليس من ناحيته، فلا شيء على البائع، ولا يفسخ البيع، والإثم على من فعل ذلك.
ومن العتبية في سماع ابن القاسم: قال مالك: والنجش أن يعطي عطاء في السلعة ليغتر به غيره، وليس من حاجته الشراء، وكذلك في كتاب ابن المواز.
ومن العتبية: روى أشهب، عن مالك فيمن يريد بيع سلعته، فيقول: أعطيت كذا، وهو صادق، فلا باس بذلك إذا كان عطاء جد به السوم، فأما النجش فلا، أو يكون أعطي عطاء قديمًا، فكتم قدمه، والمبتاع يظن أنه حديث. وقد يحول، وأما بحداثة ما أعطي، فلا بأس به. وكذلك في كتاب ابن المواز نحوه عن مالك.
[6/439]
***(1/435)
[6/440]
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في من قال لرجل: ما أعطيت في سلعتك، فلك زيادة دينار، وقال: أعطاني فلان مائة، فزاده، وأخذها، ثم فلان: لم أعطه إلا تسعين. قال مالك: يلزمه البيع، ولو شاء لتثبت، إلا أن تكون بينة حضرت عطاء فلان دون ذلك، فيرد البيع إن شاء فلان، ولا شيء على البائع، وكذلك القائل في الجارية: أعطيت مائة، فيصدقه، ويزيده، فذلك يلزمه.
قال مال في العتبية: ولا يمين عليهما.
ومن كتاب محمد، قال: ولا بأس أن يقول المبتاع لرجل حاضر: كف عني، لا تزيد علي في هذه السلعة، وأما الأمر العام، فلا، وكره أن يقول: كف عني، ولك نصفها، وتدخله الدلسة، ولا ينبغي أن يجتمع القوم للبيع، فيقولوا: لا تزيدوا علي كذا وكذا.
ومن العتبية والواضحة: قال مالك في عبد بين ثلاثة نفر، قال أحدهما للآخر: إذا تقاومناه فاخرج عنه بربح ليقتدي بك صاحبنا، والعبد بيني وبينك، ففعل، فاقتدى به الآخر، فخرج من العبد، وثبت هذا ببينة أو أقر به، قال: البيع مردود، ولا يجوز. قال ابن حبيب: ولم يأخذ بهذا أصبغ، ولم يره من النجش، وبه أقول؛ لأن صاحبه لم يرد أن يقتدي بزيادته، إنما أمسك عن الزيادة رأسًا ليرخصه على نفسه وعلى صاحبه، فلا بأس بذلك.
[6/440]
***(1/436)
[6/441]
باب في سوم الرجل على سوم أخيه وفي بيع المزايدة
من الواضحة، قال: ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبع بعضكم على بيع بعض))، يقول: لا يشتري، وتقول العرب: بعت بمعنى اشتريت، وشريت بمعنى بعت. قال الله تعالى: {وشروه بثمن بخس} [يوسف: 20]، وقال سبحانه: {ولبئس ما شروا به أنفسهم} [البقرة: 102]. قال لبيد:
ويأتيك بالأنباء من لم تبع له = بتاتًا ولم تضرب له وقت موعد
يقول: من لم تشتر له زادًا.
وقال الحطيئة:
وبعت لذبيان العلاء ممالكا
يقول: اشتريت، وإنما النهي للمشتري دون البائع. ومن جهل فابتاع على بيهع أخيه بعد أن اتفقا، فليستغفر الله، ويعرضها على الأول بالثمن، زادت أو نقصت، فإن أنفق عليها شيئًا زادت به، فليعطه النفقة مع الثمن، وإن نقصت، فإن شاء أخذها، ولا شيء له، أو ترك. وهذا قول مالك ومن لقيت من أصحابه.
[6/441]
***(1/437)
[6/442]
ومن العتبية قال سحنون: قال ابن القاسم في السائم على سوم أخيه، والخاطب على خطبة أخيه: إنه لا يفسخ، وأرى أن يؤدب. وقال غيره: بل يفسخ ذلك. وفي كتاب النكاح من هذا، وذكر باقيه عن ابن وهب نحو ما ذكر ابن حبيب، وهناك زيادة من هذا المعنى.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: معنى ما نهي عنه من بيع الرجل على بيع أخيه، إنما ذلك إذا ركن، وجعل يشترط وزن الذهب، ويتبرأ من العيوب، ونحوه مما يعلم أن البائع أراد مبايعة السائم، ولو نهي أن يسوم الرجل في أول سوم الآخر، لكان ضررًا على الناس، وهذا مما لم يزل من عمل الناس عندنا.
قال مالك: ولو أركن في البيع إلى يهودي، لم يصلح أن يزيد عليه.
قال مالك: لا بأس ببيع المزايدة في الميراث وغيره، فإذا أوجبه لرجل، ثم يرد عليه، فليس ذلك له.
قال مالك: إذا وقف على عطاء رجل، فطلب زيادة من غيره، فلم يجد، فرجع إليه فنكل، فذلك يلزمه.
ومن الواضحة قال: وبيع المزايدة خارج مما نهي عنه من السوم على سوم أخيه، ومن زاد فلم يرد عليه، لزمه.
واستحب مالك للسلطان فيما يبيع على مفلس أو ميت أن يتأنى فلانًا، عسى بزائد أن يزيد.
واستحب في بيع العقار أن يأمره بالصياح عليه الشهرين والثلاثة، بصفته ونعته، وتسمية ما فيه، فإذا بلغ منتهاه على أحد أن يستأني ثلاثًا قبل الإيجاب، يكون الخيار فيه للسلطان لا للمبتاع، فإن زيد عليه قبله، وإلا ألزمه به، فإذا أوجبه له، ثم جاء زائد، فلا يقبله عليه، وإن ندم المبتاع، فقال: لم أعرفه، ولم أره،
[6/442]
***(1/438)
[6/443]
ولم أسمع صفته، فلا حجة له، ويلزمه البيع، وهو بيع براءة، ما لم يعلم الإمام أو وكيله والبائعون من الورثة، وما علموه، فعليهم بيانه.
ومن العتبية، روى عيسى عن ابن القاسم في القوم يحضرون بيع المزايدة، فيزيد أحدهم، فيتمادى في المزايدة، ثم يبدو للذي زاده، فليس ذلك له، وقد لزمه البيع، وإن زاد فيه رجلان، فاجتمع عطاؤهما على دينار، فيوجبه لهما، ويبدو لأحدهما أو لهما، فالبيع لهما لازم، وهما فيه شريكان. قال عيسى: لا يعجبني، وأراه للأول، وليس للصائح أن يقبل من المعطي مثل عطاء الذي قبله، وإنما يقبل الزيادة، فهو للأول حتى يزاد، إلا أن يكونا أعطيا جميعًا معًا.
ومن العتبية من سماع أشهب، قال مالك في الرقيق ينادى عليها، ويقول الصائح: إني أعرضها ثلاثًا، فيعرضها يومين، ثم يحبسها أهلها يومًا ويومين، ثم يبيعونها، فينكل من كان أعطى، ويقول: قد جازت أيام الصياح، ولا يلزمنا ذلك. قال: أما يومًا ويومين وشبه ذلك، فيلزمهم. وأما بعد عشرين يومًا وشبه ذلك، فلا يلزمهم ذلك.
باب في تلقي السلع
من كتاب ابن المواز: قال مالك: لا تتلقى السلع لتشترى، وإن لم يرد التجارة حتى يهبط بها إلى سوقها، ولا في أفواه الطرق والسكك، ولا يبتاعها من مرت به وهو بباب داره في البلد الذي جلبت إليه، وأما إن مرت بمن في قرية بقرب البلد الذي يريد إليه، ومن على ستة أميال من المدينة، ومثل العقيق من المدينة، فله أن يشتري منها للأكل وللقنية أو ليلبس أو ليضحي ويهدي ونحوه، وأما للتجارة، فلا.
[6/443]
***(1/439)
[6/444]
قال ابن القاسم: وهذا في كل سلعة، طعام أو غيره، ونحوه في العتبية.
ومن الواضحة: قال: ولا تتلقى السلع وإن كانت مع مسيرة يوم ويومين، وما بلغ منها الحضر، فلا يشترى منها ما مر على باب داره، لا لتجارة ولا لقوته، إن كان لها سوق قائم، وأما ما ليس له سوق قائم، فإذا دخل بيوت الحاضرة والأزقة، جاز شراؤها، وإن لم تبلغ السوق، ومن منزله في غير الحاضرة، قريبًا منها أو بعيدًا، فله أن يشتري مما قربه للقوت لا للتجارة، ولو كانت على الأيام من البلد الذي تحمل إليه. وهذا قول مالك وأصحابه.
ومن كتاب ابن المواز: وسئل مالك عن خروج أهل مصر إلى الإصطبل مسيرة ميل ونحوه أيام الأضحى، يتلقون الغنم يشترونها، قال: هذا من التلقي، ويكره أن يشتريها من مرت به في نواحي الفسطاط، وكذلك غير الضحايا حتى ترد سوقها.
قال مالك: ومن جاءه طعام أو بز أو غيره، فوصل إليه خبره وصفته عن مسيرة يوم أو يومين، فيخبر بذلك فيشتريه منه رجل، فلا خير فيه، وهو من التلقي.
قال مالك في التجار يشترون الغنم من الريف، فيأتون به، فيصيرون على مثل ميل من الفسطاط، فتكون في المراعي، ويشتد عليهم إدخالها كلها، أو لكون ذلك أرفق بهم، فيبيعونها ثم، فيدخلها المشتري قليلاً قليلاً، قال: أخاف أن هذا من التلقي وأكرهه. قال في العتبية: واراه من التلقي.
ومن العتبية: روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في من قدم بقمح من الإسكندرية، فقال حين خرج: إن وجدت بيعًا في الطريق بعت، وإلا بلغت الفسطاط، قال: لا يبيع في الطريق، وليبلغ الفسطاط، إلا أن ينوي قرية فيها
[6/444]
***(1/440)
[6/445]
سوق، فلا بأس أن يبيعه فيها. قيل: فإذا أراد أن يخزنه في منية موسى، ثم بدا له أن يبيعه، قال: لا بأس بذلك.
قال ابن القاسم: قال مالك في الأجنة التي تكون حول الفسطاط من نخيل وأعناب، يخرج إليها التجار، فيشترونها ويحملونها في السفن إلى الفسطاط ليبيعوها، فلا بأس بذلك.
قال في سماع أشهب في الذين يشترون الثمار من الحوائط، ثم يدخلونها المدينة، فيبيعونها على أيديهم، فرآه من التلقي. وقال أشهب: لا بأس به، وليس من التلقي، والتلقي: أن تلقى الجلاب قبل أن يهبط إلى السوق، فتبتاع منه.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في قوم خرجوا إلى الغزو في تجارة، فيلقون تجارة ببعض الطريق، فلا أحب أن يشتروا منها للبيع، وإن جلبوا إلى البلد أو غيرها، ولا باس بشرائهم ما يأكلون، وكذلك القرى الذين يمرون بهم، فأما البيع بموضعهم بضرب أو جلب، فلا.
وأما التجار يخرجون إلى الحوائط يشترون منها، ويردون الأسواق، فلا بأس، وما أرسي بالساحل من السفن من التجار، فلا بأس أن يشتري منهم الرجل الطعام وغيره فيبيعه بها، إلا أن تأتي الضرورة والفساد، فيكون من باب الحكرة، فلا يصلح.
قال مالك: ولا تلقى السلع بالجبانة.
قال مالك: ولا يطيب للمتلقي ربح ما تلقى. ولا أحب أن يشترى من لحم ما تلقى. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم.
[6/445]
***(1/441)
[6/446]
قال محمد: واختلف قول مالك في شراء المتلقي، فقال عنه ابن القاسم: ينهى، فإن عاد أدب، ولا ينزع منه شيء. وروى عنه ابن وهب أنه ينزع منه، فيباع لأهل السوق، فما ربح فهو بينهم، والوضيعة على المتلقي. قال ابن القاسم: أرى أن يشرك فيها التجار وغيرهم ممن يطلب ذلك، ويكون كأحدهم. وقاله ابن عبد الحكم بالحصص بالثمن الأول. وقال أصبغ بقول مالك الأول: إن عاد أدب، ونفي من السوق، وإنما يشتركون فيما يحضرون فيه بالسوق، فيطلبون الشرك، فيكون كأحدهم.
قال محمد: الصواب في المتلقي أن يرد شراؤه، وترد على بائعها إن وجد، فإن فات أو من يقوم ببيعها عن صاحبها. وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود. قال في الواضحة: ويفسخ شراء المتلقي، وترد السلعة، فإن فات بائعها، فإن كان المتلقي ليس بمعتاد، ترك له، وزجر، وإن كان معتادًا، فإن كان لها سوق، وقوم راتبون فيه لبيعها، فلهم أخذها بالثمن أو يدعوها، وإن لم يكن لها أهل راتبون، عرضت في السوق بثمنها لعامة الناس، فإن ام يوجد من يأخذها بذلك تركت لربها، ويؤدب المعتاد بما يراه الإمام من سجن أو ضرب أو إخراج من السوق. وهذا في العروض. فأما في الطعام كله، فليوقف لكل الناس بالثمن، وإن كان له أهل راتبون.
قالوا: وإذا بلغت السعة موقفها، ثم انقلب بها ولم يبع، أو باع بعضها، فلا بأس أن يشتريها من مرت ببابه، أو من أراد بيعها. وروى عيسى في العتبية عن ابن القاسم نحو ما ذكر ابن حبيب إن كان لها أهل راتبون، فإن لم يكن لها أهل راتبون يبيعونها في حوانيتهم من الناس، وإنما جل شأنها أن جالبها يبيعها من الناس كافة، فلتوقف للناس كافة بالثمن، فإن لم يأخذها أحد إلا بأنقص منه، تركت له. قال: وإن فاتت بيده وكان معتادًا أدب، وإن لم يكن
[6/446]
***(1/442)
[6/447]
معتادًا، زجر وأمر ألا يعود. قيل: هل يتصدق بالربح؟ قال: ليس بحرام، ولو فعل ذلك احتياطًا، لم أر به بأسًا.
ومن العتبية: قال سحنون، عن ابن القاسم في المتلقي، قال: يعرض على أهل السوق، فإن لم يوجد بالثمن، ردت إليه، لا إلى ربها، ويؤدب إن لم يعذر بجهل. قال: وقال لي غير ابن القاسم: يفسخ البيع في هذا، وفي بيع حاضر لباد، وفي السوم على سوم أخيه، وترد إلى ربها.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في بيع الحاضر لباد: يفسخ، كان البادي حاضرًا أو غائبًا، وذلك في المتلقي مثل ما روى عنه سحنون.
وفي العتبية من سماع ابن القاسم في أهل السوق يبيعون على أيديهم، يشترون من أهل السوق الطعام مثل أهل الحوانيت ممن يبيع بالأفلس، يشترون من أهل السواحل، فلا بأس به. قال: والذي يتلقى السلع، فيقدم بها المدينة ليبيعها، قال: لا ينبغي ذلك، باع أو أمسك، ولمثل هذا كره المتلقي أن يخرج من المدينة عارف بالسعر، فيشتري على معرفة.
في بيع الحاضر للبادي
من كتاب ابن المواز: قال مالك في النهي عن بيع الحاضر للبادي: هم الأعراب أهل العمود، لا يباع لهم، ولا يشار عليهم. قال محمد: فيما يأتون به للبيع. وكذلك قال في الواضحة، وقال: ولم يرد بذلك أهل القرى الذين يعرفون الأثمان والأسواق.
ومن كتاب ابن المواز: قيل لمالك: فإن كانوا أيام الربيع في القرى، ومن بعد ذلك في الصحراء على الميلين من القرية، وهم عالمون بالسعر، قال: لا يباع لهم.
[6/447]
***(1/443)
[6/448]
قال مالك: ولا يبيع مدني لمصري، ولا مصري لمدني. قال أصبغ: ويفسخ إن ترك. وقال مالك قبل ذلك: إنما يكره ذلك لمن كان من أهل القرى يشبهون أهل البادية، فأما أهل القرى من أهل الريف، ممن يرى أنه يعرف السوم، فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفًا. وذكره كله في العتبية، ولكنه قال: فأما أهل المدائن يبيع بعضهم لبعض فأرجو أن يكون خفيفًا.
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وهذا أحب إلينا.
قال مالك: وأهل القرى ممن يشبهون أهل البادية، فلا يباع لهم، ولا يشار عليهم، ولا بأس أن يشترى لهم.
قال مالك في العتبية: إذا قدم البدوي، فأكره أن يخبره الحضري بالسعر، ولا بأس أن يشتري له، بخلاف البيع له.
قال ابن القاسم: وإن باع حضري لباد، فسخ البيع، حضر البادي أو بعث إليه بالسلعة. ولم ير ابن عبد الحكم فسخه. وقول ابن القاسم هو الصواب. وذكر ابن حبيب عن مالك أنه يفسخ. قال ابن حبيب: وكذلك الشراء؛ لأنه يدخل فيه مثل ما له نهي عن البيع. وروى ابن القاسم عن مالك أنه أجازه ولم يره مثل البيع.
قال: ولا يبعث البدوي إلى الحضري بمتاع يبيعه له، ولا يشتري له وهو غائب، ولا يشير عليه في البيع إن قدم، وقاله مالك في المشورة.
ومن العتبية: أصبغ عن ابن القاسم في أهل أبي منا وأهل أبي صير، هل ينهى عن البيع لهم، كما ينهى عن بيع حاضر لباد؟ قال: لا، إنما يراد بهذا أهل القرى، ومن ذكرت أهل مدائن وكور من كور مصر.
[6/448]
***(1/444)
[6/449]
قال ابن القاسم: إن باع حاضر لباد، فسخ البيع، ويؤدب المعتاد وبزجر. وروى سحنون، قال: لا يفسخ، ويؤدب فاعله. قال: وقال غيره: يفسخ. وروى زونان، عن ابن وهب، قال: يزجر، لا يؤدب وإن كان عالمًا بمكروهه. وقال أشهب، وابن وهب، في الحضري يأتي البادي في باديته، فلا ينبغي أن يخبره بالسعر، ولا يشير عليه. وقال أشهب في البدوي يأتي إلى الحضر بسلعته، فيعرضها على الحضري، فلا يبيعها له. قال ابن القاسم: ولا يشير عليه إن قدم، وله أن يشير له، أو يشير عليه في الشراء ويجهز عليه. وكذلك روى عنه أصبغ: لا بأس أن يشتري لرسوله.
باب في التسعير في الطعام وغيره
وما يحمل الناس على المساواة بين السكك
وجواز النقد الرديء وقطع الدنانير والدراهم
من العتبية: من سماع ابن القاسم، قال مالك في السوق إذا أفسده أهله، وحطوا سعره، أيسعر عليهم؟ فكره التسعير وأنكره.
أشهب عن مالك قال: وصاحب السوق يقول للجزارين: اشتروا على ثلث رطل بسعره من الضأن، وعلى نصف رطل من الإبل، وإلا فاخرجوا من السوق. قال: إذا سعر عليهم قدر ما يرى في شرائهم، فلا بأس به، ولكن أخاف أن يقوموا من السوق.
قيل: إن صاحب الجار أراد أن يسعر على السفن، قال: بئس ما صنع.
قال أصبغ، عن ابن القاسم، عن مالك: لا يقدم على أهل الحوانيت ولا غيرهم شيئًا مما في السوق من طعام وإدام وزيت وزبد وبقل وغيره.
[6/449]
***(1/445)
[6/450]
قال: ولو باع الناس ثلاثة أرطال بدرهم، فباع واحد منهم أربعة بدرهم، قال: لا يقام الناس لواحد، ولا اثنين، ولا أربعة، ولا خمسة، وإنما يقال الواحد والاثنان إذا كان جل الناس على سعر، فحط هذان منه.
ومن كتاب ابن المواز: لا يمنع الجالب أن يبيع في السوق دون بيع الناس. محمد: يريد صنف سلعته في جودتها فيما قد جرى سعره، وليس عليه أن يبيع الجيد مثل الرديء. وكذلك في العتبية مثله. ومثل هذا التفسير لسحنون.
ومن كتاب محمد والعتبية، ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: ولا يسعر على الناس في السوق، ومن حط من السعر، منع وأخرج من السوق، ومن زاد في السعر، لم يؤمر غيره أن يلحق به.
قال في العتبية: ومن طعامه ليس بجيد من أهل السوق، فنزل السعر، فلا يقال لغيره: إما بعت مثله، وإلا فاخرج، وإنما يقال ذلك إن حط من سعر الناس، وأراد الفساد.
ومن كتاب محمد، قال مالك: وإذا حط أهل السوق كلهم إلا واحدًا، فلا يمنع، وإذا حط السعر واحد، فهذا يقال له: الحق بهم، وإلا فاخرج. وكره مالك التسعير وأعابه.
ومن الواضحة: ونهى ابن عمر، والقاسم، وسالم، عن التسعير. وأرخص فيه ابن المسيب. وقال ربيعة، ويحيى بن سعيد: إذا كان الإمام عدلاً، وكان ذلك صلاحًا ونظرًا للمسلمين يقوم بقيمة يقوم عليها أمر التاجر، ولا ينفر منها الجالب.
قال ابن حبيب: وليس ما أجازوه من ذلك في القمح والشعير وشبهه؛ لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لأن الجالب يبيعه، ولا يترك التجار يشترونه ليبيعوه
[6/450]
***(1/446)
[6/451]
على أيديهم، وأما مثل الزيت، والسمن، والعسل، واللحم، والبقل، والفواكه، وشبهه، ذلك مما يشتريه أهل السوق للبيع على أيديهم، ما عدا البز والقطن وشبهه، فينبغي للعدل إن أراد أن يسعر شيئًا من ذلك أن يجمع وجوه أهل السوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهارًا على صدقهم، فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون؟ فإن رأى شططًا نازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سدادًا حتى يرضوا به، ثم يتعاهدهم، فمن حط من ذلك قيل له: إما بعت بسعر الناس، وإما دفعت، ويؤدب المعتاد، ويخرجه من السوق، ومن باع أرخص من ذلك، لم يمنعه إن فعله واحد أو اثنان، فأما إن كثروا، فليحمل من بقي على ذلك، أو يخرجوا. قال: ولا يجبرون على التسعير، ولكن على ما ذكرنا. وعلى هذا أجازه من أجازه، ولا يكون التسعير إلا عن رضًا، ومن أكره الناس عليه فقد أخطأ، ويكشف الإمام كل حين عن شرائهم من التجار، فإن حط السعر عن الأول عاودهم في التسعير، وراوضهم إلى ما فيه سدد، ولا يسعر على جلاب شيء ما لم يزد بأرفع من السعر الذي رضي به أهل الحوانيت، فليس لهم الزيادة عليه، فإما باعوا به، وإلا رفعوا. وأما جلاب القمح والشعير وشبهه من الأقوات، فلا تسعير فيه، لا بتراض ولا غيره، ولهم بيعه على أيديهم في السوق. والبزاز كيف شاءوا، فإن رخص بعضهم في السعر، تركوا إن قلوا، وإن كثر المرخصون، قيل لمن بقي: إما أن تبيع مثل أولئك، وإلا فارفعوا، إلا من أغلى لجودة بينة، ولا يفعل مثل هذا بمن أغلى في العروض وما لا يكال ولا يوزن، وإن اتفق في الجنس والصفة، ويفعل ذلك فيما يكال ويوزن، كان يؤكل ويشرب، أو لا يؤكل ولا يشرب.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا ينبغي للإمام أن يكره أحدًا على أن يأخذ من النقد ما لا يريد، ولا ينبغي أن ينادي أن تجوز الدراهم كلها،
[6/451]
***(1/447)
[6/452]
وكذلك دنانير مختلفة النفاق في الصرف، ولا يكره الناس على أخذ المنحط في الصرف، وإن كان جيد الذهب، وليبع كل أحد بما شاء، وكذلك الدنانير القائمة والناقصة، والدراهم كذلك، يترك كل واحد وما اختار وفي ذلك رفق.
وكره مالك أن يأتي بدرهم فيه نقصان، فيقول: أعطني بما فيه. وهذا مجهول، ويمنع الناس من قطع الدنانير والدراهم، وجاء أن ذلك من الفساد، وقيل: إن ذلك معنى قول الله سبحانه: {أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء} [هود: 37]. وكره مالك قطع الدنانير المقطعة.
وسئل مالك عن جواز الدراهم الرديئة، فقال: أما كل بلد مثل مكة يجوز بها كل شيء، فلا بأس، وأما غيرها، فلا أحب ذلك حتى يبين.
باب في احتكار الطعام وغيره
وهل يخرج من أيدي أهله في الغلاء؟
من كتاب ابن المواز: قال مالك: وينهى عن الاحتكار عند قلة تلك السلعة، وعند الخوف عليها. قال مالك: وذلك في الطعام وغيره من السلع، فإذا كان الشيء كثيرًا موجودًا، أجاز شراءه للاحتكار، أو ليخرج به من البلد. قال: وإذا خيف انحطاط سوقه، منع أن يحتكر، أو يخرج من البلد، وإن أمن من ذلك، لم يمنع مما ذكرنا.
قال مالك: ومما يعيبه من مضى، ويرونه ظلمًا، منع التجر إذا لم يكن مضرًا بالناس، ولا بأسواقهم.
[6/452]
***(1/448)
[6/453]
ومن العتبية: من سماع ابن القاسم، قيل لمالك: أفيحتكر الرجل ما عدا القمح والشعير؟ قال: لا بأس بذلك.
ومن كتاب محمد والعتبية: قال مالك في الطحانين يشترون الطعام من السوق، فيغلوا سعر الناس، قال: فإنه يمنع مما أضر بالناس في ذلك. وكره ابن حبيب عن مالك مثله، وقال: قلت لمطرف وابن الماجشون مثل ما أخبراني بذلك عن مالك إن ذلك ربما رفق بالمساكين، فقالا: إنما ينظر إلى الذي رفقه أعم نفعًا، فيقر ويمنع ما هو أشد ضررًا فماذا... ضرره أمكن من قدر ما يرفقه بالمساكين، ومنعوا مما يضر بالناس.
وعمن يشتري من الساحل ويبيعونه بنواحي الفسطاط على أيديهم؟ قال: فلا بأس بذلك في الطعام والزيت وغيره، وكذلك في ساحل الجار ليبيعه بها.
ومن الواضحة: كان ابن الماجشون ومطرف لا يريان احتكار الطعام في وقت من الأوقات إلا مضرًا بالناس، ويذكر أن مالكًا كرهه. قال ابن حبيب: فلا يرخص في ذلك إلا لجالب أو زارع. ولم ير مالك بأسًا على هذين أن يحتكرا. قال ابن حبيب: ولا يحتكر غيرهما، وليخرج من يده إلى أهل السوق، يشركون فيه بالثمن، فإن لم يعلم كم ثمنه فسعره يوم احتكره وقد فعل مثله عمر. وكذلك ينبغي في القطنية والحبوب التي هي كالقوت والعلوفة، وكذلك الزيت، والعسل، والسمن، والزبيب، والتين، وشبهه، أضر ذلك بالناس يوم احتكره أو لم يضر.
وأما العروض، فيراعى فيها احتكارها في وقت يضر بالناس ذلك، فيمنع منه، ويكون سبيله مثل ما ذكرنا في الطعام، ولا يمنع من احتكارها في وقت لا يضر.
[6/453]
***(1/449)
[6/454]
ومن كتاب ابن المواز: قيل لمالك: فإذا كان الغلاء الشديد، وعند الناس طعام مخزون أيباع عليهم؟ قال: ما سمعت، وإن من يشتريه على هذا يمنع، ولا يعرض للجالب، فمن عنده طعام من جلبه أو زرعه، أو ثمر من جنانه، فليبع متى شاء، ويتربص إذا شاء بالمدينة وغيرها.
قال مالك: وإذا كان بالبلد طعام مخزون، واحتيج إليه للغلاء، فلا بأس أن يأمر الإمام بإخراجه إلى السوق فيباع. قال مالك: وإذا احتاج أهل الريف إلى شراء الطعام من مصر، لم يمنعوا من الشراء لطعامهم من الفسطاط إن كان بها كثيرًا، وإن كان يضر ذلك بأهل الفسطاط لقلته، فليمنعوا، وإذا كان بها كثيرًا، وعند أهل الريف ما يغنيهم، فليمنعوا. وسئل مالك عن التربص بالطعام وغيره رجاء الغلاء. قال: ما علمت فيه بنهب، ولا أعلم به بأسًا، يحبس إن شاء، ويبيعه إذا شاء، أو يخرجه إلى بلد آخر.
قيل لمالك فيمن يبتاع الطعام، فيحب غلاءه، قال: ما من أحد يبتاع طعامًا أو غيره إلا ويحب غلاءه، ولكن لا أدري ما يغلو، ولا أحب ذلك.
ومن الواضحة، قال: وينبغي للإمام أن يديم دخول السوق والتردد إليه، ويمنع من يكثر الشراء منه، ولا يدع من يشتري إلا القوت، ويخرج منه من يشتري فضول الطعام، ويقر فيه الجلاب ويمنع الجلابين بيه الطعام في غير سوقه. وإن أراد غير الجلاب بيع الطعام في دورهم بسعر سوق الطعام، فليمنعه، وينبغي في الطعام أن يخرج به إلى البزاز، كما جاء في الحديث.
[6/454]
***(1/450)
[6/455]
في صفة الكيل وأجر الكيل وذكر المكاييل والموازين
وفيمن يفجر في ذلك وذكر ما يباع وزنًا وكيلاً
من كتاب محمد والعتبية: من سماع ابن القاسم، قال مالك: إذا ملأ رأس المكيال، فهو الوفاء من غير رزم ولا تحريك ولا زلزلة. قال في كتاب محمد: ولكن يصب حتى يملأه، فإذا امتلأ، أرسل يده، ولم يمسك، وكذلك الوزن: أن يعتدل لسان الميزان، وإن سأله المشتري أن يميله له، لم أره من باب المسألة.
ومن العتبية: قال في سماع ابن القاسم: يمسك الكيال على رأسها، ثم يسرح يديه. قال في سماع أشهب: ولا يطفف، ولا يجلب، ولكن يصب حتى يجتبذه، فإذا اجتبذ به، أرسل يديه، ولم يمسك.
قال عنه ابن القاسم: وأجر الكيال على البائع، وذلك أن المبتاع لو لم يجد كيالا، كان على البائع أن يكيل له. قال إخوة يوسف: {فأوف لنا الكيل} [يوسف: 87]، فكان يوسف هو الذي يكيل.
قال مالك في كتاب محمد: أجر المكيال عندنا على المبتاع، والزيت عندنا على البائع.
قال ابن القاسم وابن وهب: قال مالك: أجر الكيال على البائع، ويلزم البائع الوفاء، ولا يوكل ذلك إلى أجيره أو غيره.
[6/455]
***(1/451)
[6/456]
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: بلغني أن كيل فرعون إنما كان الطفاف مسحًا بالأيدي، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وأمر بتصبير الكيل، وقال: ((إن البركة في رأسه))، فينبغي أن يكون الكيل في البلد الواحد واحدًا، كيل القفيز، وكيل القسط، ووزن الأرطال، فيكون أمرًا عرفه الناس، واستحب أن يكون القفيز معروفًا بمد النبي صلى الله عليه وسلم وصاعه، وأن يتبايعوا فيما دون القفيز بالصاع والمد.
وينبغي للإمام تفقد المكاييل والموازين في كل حين، وأمر مالك بذلك، وينبغي أن يضرب الناس على الوفاء، وكتب عمر بتعاهد المكيال والميزان.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك فيمن جعل من أهل السوق في مكياله زفتًا: أرى أن يخرج من السوق، فذلك أشد عليه من الضرب. قيل: فأهل الجار يقدمون بالقمح معلوثًا، فيؤمرون بغربلته قبل البيع. قال: ذلك الحق، وأرى أن يؤخذ الناس به.
قال ابن المواز: كره مالك بيع الرطب عددًا بالدراهم، كفعل أهل الذمة.
قال عنه ابن عبد الحكم، في المجلب يباع بالبصرة وزنًا، وبالمدينة كيلاً. قال: لا بأس بذلك.
وروى محمد بن خالد، عن ابن القاسم في العتبية في الوالي يعزل، ويلي آخر، فيزيد في المكيال، فإن كان في ذلك نظر للمسلمين يوافقه حتى لا يكره الناس على البيع، فلا بأس به.
[6/456]
***(1/452)
[6/457]
باب ما يستحب في البيع من المسامحة والسوم وإقالة النادم
وما يكره من المدح والذم وغبن المسترسل
من الواضحة: وتستحب المسامحة في البيع والشراء، وليس هي ترك المكايسة فيه، إنما هي ترك المواربة والمضاجرة والكزازة، والرضا بالإحسان، ويسير الربح، وحسن الطلب بالثمن، وفي ذلك آثار ورغائب. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صاحب السلعة أحق أن يسوم بها من أن يسام)). وأنه قال: ((البركة في أول السوم، والبركة في المسامحة))، ورغب في إقالة النادم. وروي أنه عليه السلام، قال: غبن المسترسل ظلم.
وسمعت أهل العلم يقولون: له الرد إذا غبن، ويرد القيمة في فوت السلعة، وغيره من الخديعة، ولا يكون الاسترسال في البيع، إنما هو في الشراء، وذلك في ترك المساومة، ويقول: بعني كما تبيع من الناس، فإن قصر به عن ذلك، فقد ظلمه، وكانوا يحبون المكايسة في الشراء وأن تحاصه. ولو أبى أحد المتبايعين من جهله بالبيع، فباع أو اشترى ما يسوى مائة درهم بدرهم، لزمهما.
ويكره المدح والذم في التبايع، ولا يفسخ به البيع، ويأثم فاعله، لشبهه بالخديعة.
ومن المكر والخديعة فيه الإلغاز في اليمين، وقد نهى عن ذلك عمر، والحلف فيه مكروه، وإن لم يلغز، وروي أن البركة ترتفع منه باليمين.
والمواربة في البيع من الخديعة، وقد نهى ابن الزبير عن ذلك.
[6/457]
***(1/453)
[6/458]
باب جامع لمسائل مختلفة
مسألة من باع عبد غيره ثم اشتراه
من العتبية: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في من سام رجلاً بعبد لغيره، فقال: اشتره مني بستين دينارًا، فإني أعطيته فيه عطاء نرجو أن يمضيه لي، فيقول: نعم، قد أخذته. ثم يرجع البائع، فيبتاعه من ربه بخمسين نقدًا، أو يمضيه للآخر بستين نقدًا على السوم الأول. قال: أكرهه، وإن وقع أمضيته إذا كان البيعان بالنقد وانتقدا.
قال ابن المواز: ومن ربح ما لم يضمن أن يبيع لرجل شيئًا بغير أمره، ثم تبتاعه منه بأقل من الثمن، وهو لا يعلم بفعلك، وكذلك بيعك لما ابتعت على خيارك قبل تختار، فربحه البائع. وهذا مذكور في باب بيع الطعام قبل قبضه. واختلف فيمن باع ثوب رجل بغير أمره ثم ورثه هل له نقض بيعه؟
مسألة في بيع المريض وليس في عقله والسكران
والعبد الشديد المرض هل يباع؟
من العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم، في المريض يبيع، وليس في عقله، فأراد المبتاع نقض البيع، وأبى البائع رده. قال: فالبيع له لازم. وقد جرى من بيع السكران في ذكر نكاحه.
ومن الواضحة: ومن الغرر بيع العبد أو غيره من سائر الحيوان مريضًا مرضًا يخاف منه الموت، ويفسخ، وهو من بائعه حتى يقبضه مبتاعه، فيكون منه إن فات بقيمته يوم قبضه. قاله ابن الماجشون.
[6/458]
***(1/454)
[6/459]
مسألة في شراء أنقاض أرض الصوافي وغيرها
من العتبية: روى أشهب عن مالك، في من ابتاع جميع نقض دار، إلا أن البقعة قطيعة من أمير المؤمنين، على أن العهدة في النقض دون البقعة، قال: ليس بجائز ولا حسن.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتنى في أرض الصافية من أرض السلطان ويؤدي إليه الكراء، فيبيع الباني النقض قائمًا، وربما زاد عليهم السلطان في الكراء. فإذا باع النقض ولم يشترط كراء مسمى، ولا يقول: أحول اسمك مكان اسمي، فذلك جائز. قال محمد: وإنما هذا في أرض السلطان التي لا تنزع الأرض ممن بنى فيها وكذلك الغراس فيها. فأما لغيره، فلا يجوز للباني بيع النقض، ولا شيء منه على حال.
من يستوضع من الثمن، هل هو من المسألة؟
من كتاب محمد: قال مالك: ومن اشترى سلعة، هو بها مغتبط، فاستوضع من ثمنها، فلا بأس بذلك، وما هو من المسألة، وهو يستعير منه ثوبه ودابته، ما لم يكن من الإلحاح والتضرع والتبكي، فأكرهه، أو يقول: إن لم تضع لي خاصمتك، فلا خير فيه، وسئل أيضًا عنه مالك، فقال: جائز، وغيره أحسن منه. قال أشهب: فإن باعها المشتري بربح، ثم استوضع بائعه، قال: غير ذلك أصوب. قال أصبغ: ولو بين أنه مغتبط، كان أحب إليّ، وإن لم يفعل، فهو خفيف ما لم يأخذه بأخف أن يضع له، أو يجد عيبًا فيما يعرض له من ذلك.
[6/459]
***(1/455)
[6/460]
باب الشراء من العبد
قال مالك في الشراء من العبد مثل الخفين وشبهه. فلا يفعل إلا من عبد يشتري ويبيع إلا بإذن أهله، ولا يصدقه أنهم أذنوا، وليرد عليه. وفي موضع آخر: إنه خفف الشراء من العبد الراعي، مثل اللبن والشاة، إذا كان لا يستخفى، ومثله يبيع لأهله.
قال: وعمن قال لرجل اشتر سلعة كذا، فما ربحت فلك، وما خسرت فعلي على المعروف، فجائز، ما لم يكن المأمور ملزمًا بذلك لا يحرج منه. قال مالك: وإذا سأل المشتري البائع معروفه، وهو غريب، فليس ذلك عليه، إلا أن يشترطه عند البيع. وقال في من دعا عبدًا، فدخل معه في شراء ثمرة، على أن لا نقصان عليك، فخسر، قال: فلا خسارة على العبد، وله أمر مثله.
وعن امرأة ورثت سدسًا من ابن ابنها، فباعته مشاعًا، فإن عرفت جميع التركة، فجائز.
باب فيمن أحاط الدين به وفي المريض يحابي في البيع
من الواضحة: ومن أحاط به الدين، فباع بيعًا، فذلك جائز، ما لم يفلس، إلا أن يحابي فيه محاباة بينة، تشبه الهبة، فللغرماء رد البيع، وإن قال المشتري: أنا أتم الثمن. وأبى الغرماء، فذلك لهم، وإنما للمشتري أن يأخذ من السلعة بمقدار ما أعطى من الثمن على العدل، أو يردها كلها إن شاء، لما نقص عليه منها، وكذلك المريض يبيع بمحاباة، فليس للمبتاع أن يكره الورثة على أخذ السلعة، ويتم لهم الثمن، ولكن له من السلعة بمقدار ما أعطى، أو يردها. وقاله لي أصبغ، وغيره.
[6/460]
***(1/456)
[6/461]
باب في شراء امرئ ما وكل عليه أو أسند إليه وسلفه منه
من الواضحة: وكل من وكل بيع شيء، فلا تشتريه لنفسه. قاله مالك. وقد نهى عنه عمر، وكذلك الوصي، وأجاز ابن القاسم ذلك في الوكيل والوصي في اليسير، ورواه عن مالك في الوصي. وروى عنه مطرف أنه نهى عنه فيما قل أو كثر، قال: ولا أحب أن يتسلف مما أودع، أو كان فيه وصيًا، وإذا اشتراه الوكيل لنفسه، فلربه إن جاء أخذه منه، أو إجازة بيعه بذلك الثمن، وإن فات، فله أن يضمنه قيمته يوم باعه، وكذلك لو باعه بربح، وكذلك الوصي بسلطان، عليه مثل ذلك. وضمانه منه حتى يسترجع من يده، ولا ينبغي أن يتزوج في بنات من أوصى إليه، إلا أن يزوجهن بنيه، فإن فعل، تعقبه الإمام، فإن رأى صوابًا أمضاه، إلا أن يفوت بالبناء، فلا يرد، ويؤخذ بصداق المثل إن كان أكثر مما سمى.
باب في الشيء بين الرجلين يريد أحدهما المقاواة
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون، وأصبغ، في الشيء لا ينقسم بين الرجلين، فيريد أحدهما المقاواة فيه، أو البيع، قالا: لا يلزم صاحبه المقاواة معه، وعليه أن يبيع معه، وإن رضيا بالمقاواة تقاوياه بينهما بالمزايدة أو بما أحبا بلا قيمة، ولا يقوم بقيمته، ثم يتزايدان عليها، وإذا أمر بالبيع معه، فإذا بلغ، فمن شاء منهما أخذه بذلك، ومن شاء تركه، وإن باع أحدهما نصيبه وحده، مضى ذلك، ولم يكن له أخذه بالثمن، وليعمل مع من صار له إن شاء، كما كان يعمل مع الشريك الأول. يريد إن لم يقم بالشفعة فيما فيه شفعة، ولم يكن بائعه معه، وإن استحق العرض المأخوذ في الدنانير، رجع بالدنانير بكل حال، تجاوز فيه أو لم يتجاوز. قاله مالك وأصحابه.
[6/461]
***(1/457)
[6/462]
فيمن باع دارًا من رجل
على أنها إن غصبت منك فلا رجوع لك علي
قال ابن حبيب: ومن باع دارًا، وشرط على المشتري أنه إن غصبها سلطان، فلا رجعة لك علي، فهو بيع فاسد وخطر، إذ لعله انطوى من علمه بولد السلطان فيها، على ما لم يعلمه المبتاع، فيخاطر ويفسخ، فإن غصبها السلطان، فهي من المشتري ويرد فيها إلى قيمتها على غرر ما يخشى من ذلك فيها، وما يرضى من السلامة، كما يقوم الزرع الأخضر يستهلك. وقاله ابن القاسم، ومطرف، وابن نافع، وأصبغ.
من باع بيعًا فاسدًا
قال ابن حبيب: ومن باع سلعة بيعًا فاسدًا بفضة، فلا تقوم السلعة في فواتها بفضة، ولكن بالدنانير أو بالدراهم، ويرجع بفضته، فإن فاتت، فمثلها، وإن كان عرضًا بعرض وقد فاتا، تقاصا بالقيمة، قيمة كل عرض يوم قبضه قابضه.
باب من باع سلعة بدنانير
فأخذ فيها دراهم أو عرضًا ثم استحقت
قال ابن حبيب: ومن ابتاع سلعة بدنانير، فدفع فيها دراهم، ثم استحقت السلعة، فليرجع بالدراهم، ولو دفع عرضًا، رجع بالدنانير، إلا أن يكون يهضم له في العرض على التجاوز، لعدم أو صلة إخاء، فليرجع بقيمة العرض يوم أخذ منه.
[6/462]
***(1/458)
[6/463]
باب في بيع المضغوط
من العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك في بيع أهل الذمة، وهم يلزمون بالخراج، قال: أكره الشراء منهم على هذه الحال، وعلى الضغطة، فأما إن لم يكن على هذه الحال، فذلك جائز. قال ابن القاسم: وليرد عليه ما باع بغير ثمن، إذا كان بيعه على عذاب وما يشبه من الشدة، ولا أرى إن اشترى منهم ذلك على هذا أن يحبسه.
باب في الرجلين يسكنان في دار الإمارة
فيعطي أحدهما الآخر شيئًا على أن يخرج
من كتاب ابن المواز قال مالك في رجلين كانا في منزل من منازل الإمارة، فضاق بهما، فأراد أحدهما يعطي صاحبه شيئًا، على أن يخرج، فلا خير فيه؛ لأنه لا يدري متى يخرج منه، فهو إلى غير أمد.
تم الجزء الرابع من أقضية البيوع وبتمامه كملت كتب البيوع
يليه في الجزء السابع كتاب الجعل والإجارة
كمل الجزء السادس من كتاب النوادر والزيادات
ويليه الجزء السابع أوله كتاب الجعل والإجارة
[6/463](1/459)
[7/5]
بسم الله الرحمن الرحيم ، عونك اللهم
كتاب الجعل والإجارة
صفة الجعل ، وما يجوز فيه وما لا يجوز فيه الجعل
وهل لأحدهما تركه ؟
وما يجب في الجعل الفاسد
ومن كتاب ابن المواز وابن حبيب ، قال مالك : لا يصلح الأجل في الجعل ولا في المقاطعة ولا النقد في الجعل ، وإذا ضرب في الجعل أجلا ، خرج إلى حد الإجارة ، فلا يصلح إلا لما تصلح به الإجارة قال محمد : وكل ما صلح فيه الجعل صلحت فيه الإجارة ، وليس كل ما تصلح فيه / الإجارة يصلح فيه الجعل ، قالا : والمجعول له في ترك العمل في ترك العمل في الجعل حتى يفرغ منه ، فإن تم فله جعله وإن عمل بعضه ولم يتمه فلا شيء من الجعل إلا بالتمام ، ولا يصلح الجعل في عمل إذا ترك بعضه بقي للجاعل فيه ما ينتفع به .
قال محمد : فإن لم يكن وكان تبقى له منفعة ، لم يصلح فيه إلا الإجارة ، قال ابن حبيب : ولا يجوز أن يقول : إن عملت لي شهرا ، فلك كذا ، وإلا فلا شيء لك ، فإن وقع هذا ، فله أجر مثله ، ويجوز الإجارة فيما خف وفيما ثقل ، وأما الجعل فأما في الإباق وحفر الآبار فيجوز فينا خف أو عظم ولا يحوز في بيع الثياب ، والرفيق ، إلا فيما خف .
[7/5]
***(1/1)
[7/6]
قال محمد : ولا يصلح الجعل في الخياطة ولكنه من باب المقاطعة ؛ لأنه إذا شرع فيه ثم تركه ؛ بقي للجاعل ما ينتفع به بغير شيء ، فلا يصلح فيه إلا المقاطعة بالأجرة ، فيلزم الفريقين ، وإنما يصلح الجعل في حفر الآبار ، أو عين في غير ملك الجاعل ، وفي طلب الآبق ، وما ند من بعير أو دابة ، أو على بيع ثوب ، أو رأس ، أو دار ، وما خف من ذلك ، وإذا عمل في ذلك ولم يتم فلا شيء له ، ولم يبق للجاعل ما ينتفع به .
وبعد هذا باب في الجعل في تقاضي الدين ، فيه ذكر موت المجعول له أو الجاعل .
ومن العتبية وكتاب محمد ، أشهب ؛ عن مالك : ومن جعل لرجل في تقاضي دين ثلث ما ثلث ما يقتضى ، ثم أخر الطالب غريمه بالثلث ، وعجله الثلثين ؛ فإن كان الآخر تقاضاه حتى فعل ذلك ، فله ثلث ما قبض ، وهو على شرطه ما لم يقبض .
محمد : وقال لا أجير تأخير الغريم فذلك له ، وليقبض جميع ما بقي حتى يأخذ ثلثه لا / برضا ، وكما لو أسقط الطالب حقه .
ومن العتبية قال سحنون : قال علي بن زياد ، عن مالك : من جعل لرجل جعلا في اقتضاء دين معه في القرية ، ثم بداله ؛ فليس له ذلك إذا أخذ المجعول له في التقاضي قال سحنون : إذا شرع المجعول له في العمل ، فليس للجاعل إخراجه ، وللمجعول له أن يخرج متى شاء [ولا يلزمه شيء].
قال ابن حبيب : له أن يترك بدءا وبعد أن عمل [منه وهو وجيبة على الجاعل ليس له]أن يرجع عنه ولا أن يمنع من المضي فيه والإجارة وجيبة لهما ،
[7/6]
***(1/2)
[7/7]
ليس لأحدهما أن يرجع فيها ، وإن لم يعمل . قال : ولا يجتمع جعل مع بيع ولا مع إجارة ، وإن جعل له في تقاضي دين ، ثم بدا لربه ، أو أخر غريمه ، أو وضعه عنه ، فإن كان أخذ المجعول له في التقاضي ، فله جميع الجعل . وقال أصبغ .
ولو جعل له في بحث عبد أبق ثم أعتقه ؛ فإن عمل وشخص ، فله جميع الجعل ، وإن لم يعمل شيئا ولا شخص ، فلا شيء له . وقال أصبغ .
وفي باب جعل الآبق لعبد الملك غير هذا ، وإن جاعله في حصار زرع ، وقال : فما حصدت فلك نصفه . فله أن يدع متى شاء ، ولو قال : احصده كله ، ولك عشرة . فهذه إجارة ، وقد لزمه تمامه ، والعمل في تهذيبه عليها جميعا .
ومن كتاب ابن المواز ولم يجز مالك الجعل في اقتضاء الدين على أنه إن لم يقبضه كله ، فلا شيء ، فإن نزل ، فله فيما اقتضى عمل مثله .
وإن قال : فما اقتضيت ، فلك ربعه ، فجائز ، ولو تسمى له جعلا يكون له ، اقتضى أو لم يقتض ، فلا أحبه ، فإن عمل ، فله أجر مثله . محمد : يريد فيما اقتضى : قال محمد : وإذا وقع الجعل فاسدا ، ففرغ من العمل أو من بعضه ، فلا يكون فيه جعل مثله / ، ولكن إجارة مثله فيما قد انتفع به الجاعل ، ولا شيء له فيما لم ينتفع به الجاعل من عمله .
قال ابن حبيب : ولا بأس بالجعل على انتقاد المال ، وعلى الدلالة على الطريق وقد ذكرنا الخلط في ذلك في باب اختصار تضمين الصناع .
[7/7]
في الجعل على بيع السلع وشرائها ، وما دخل
في ذلك من معاني الإجارة ، وكيف بما رد بعيب ؟
من كتاب محمد : قال محمد : الجائز في الجعل في بيع الثوب عند مالك وأصحابه ، أن يقول له بعه كذا أو يقول له : بعه بما رأيت ، ولك كذا .
[7/7]
***(1/3)
[7/8]
قال ابن القاسم : الجعل يجوز في بيع السلع القليلة على ثلاثة أوجه ؛ أن يسمى الجعل ويسمى الثمن ، أولا يسميه ، يقول : بعها بما رأيت ، وإن لم تبع فلا شيء لك فإن قال : فإن بعت ، فلك درهم ، وإن لم تبع ، فلك درهم فهذه إجارة ، إن ضرب فيها الأجل فجائز ، وإن قال : وإن لم تبع فلك أقل من درهم لم يجز ذلك ، ولا يجوز أن يقول : بعه عشرة ولك ما زاد قيل لمالك : إنه صاحب حانوت لا يتعب فيه ، وقد أجازه بعض الناس قال : وهو يطويه وينشره ، فلا خير فيه .
قال مالك : ولا يجوز أن يقول : بعه ـ ولا يسمى ثمنا ـ ولك من كل درهم كذا ، ولا أن يقول : إن بعت بعشرة فلك درهم ، وإن بعت بتسعة فلك نصف درهم .
ومن العتبية ، قال عيسى : قال ابن القاسم : فإن قال : فإن بعته بعشرة ، فقلك من كل درهم سدسه ، فجائز ، ثم إن باعه بأكثر من عشرة ، فليس له إلا سدس العشرة ولو لم يسم ثمنا ، وقال : فيما بعته بع فلك من كل درهم سدسه لم يجز ، وكذلك في الواضحة ، وقال : فإن باع ، فله جعل مثقله ، وإن لم يبع ، فلا شيء له وقال مطرف ، وابن الماجشون وأصبغ .
قال سحنون في العتبية عن ابن القاسم : ولا يجوز في الجعل على بيع الثوب على ألا يبيع إلا بما يرضى به ، وإن فوض إليه في الثمن فهو جائز : قال عنه محمد بن خالد في الجعل في بيع رأس أو دار : إن بعت ، فلك كذا ، وإن لم تبع فلا شيء لك ، فهو جائز ؛ لأنه يصيح به أياما وينظر في حوائجه من خلال ذلك ،
فأما ما يباع في العاجل ، فلا يكون إلا بإجارة ومن كتاب محمد وابن حبيب : ويجوز الجعل في البلد في الثوبين والثلاثة ، وفي الدابة ، والرأس والرأسين ، ولا يجوز بغير البلد إلا إلى أجل مضروب ، وكذلك كثيرها بالبلد ، ولا يصلح فيه النقد .
[7/8]
***(1/4)
[7/9]
ابن حبيب : إلا أن يتطوع به ، وإن قال في الثوب : إن بعت اليوم ، فلك درهم ، وإن لم تبع فلا شيء لك لم يجز ؛ لأن هذا أجل ، ولا أجل في الجعل إلا أن يجعل له أن يدع متى شاء في ذلك اليوم أو بعده ، وفي باب الجعل على عمل شيء بنصفه تمام القول في قوله : فما حصدت اليوم ، فلك نصفه وعلى أن يدع متى شاء .
ومن العتبية ، ومن سماع ابن القاسم : وإذا جعل له على بيع ميراث أو تقاضيه ، فاكرهه ، ولعله ثمنه يكثر ، وليس تقاضي ما يكثر مثل ما يقل .
ومن كتاب محمد ، قال أشهب ، عن مالك : وإن أعطاه ثيابا ، وقال : كلما بعت ثلاثة فلك دينار فجائز إن كان قريبا لا يسافر بها . محمد : ولا تكثر قال أصبغ : ولا يجوز على السفر به إلا بإجارة قال أشهب : وإن وأجره بدينار على أن لم يسم أجلا ، ولم في ذلك أجل قدر بيع مثلها ، وكذلك لو أعطاه ها هنا ثوبا يبيعه يريد : أن القيام بالبيع معروف في كراء سلعة ، وكذلك في العتبية . قال محمد : لا يعجبني ولا يجوز عند غيره من أصحابه إلا بأجل في المسافر والحاضر ، فلا بأس أن يؤاجره على بيع هذه السلعة بعينها بيد آخر إذا ضربا لإجارته أجلا قال مالك : وإن جعل به في رقيق يصيح عليهم ، وله في كل رأس يبيع درهم ولا شيء له : إن لم يبع ، لم يصلح إلا بإجارة مؤجلة ، باع أو لم يبع ، في يوم وفي يومين ، أو ساعة . محمد : لأنهم قصدوا بيع الجملة ، بخلاف الرأس ، والثوب الذي لا يمنعه أن يأخذ من غير ، ولا يشغله عن حوائجه ، وهذا على أن يبيعها كلها ؛ كل رأس على حدة ولو قال : على أن يبيع منها ما شئت لجاز وكذلك الثياب ، وكذلك ذكر في العتبية في ذلك كله ابن القاسم ، عن مالك ، قال محمد : وقال سحنون جيدة وكره ابن القاسم الجعل في عشرة أنواب ، إلا أن يقول : حج على ما شئت منها ،
[7/9]
***(1/5)
[7/10]
ولا يقول : بعها كلها ، ولا يبعها شيئا شيئا ولك في كل ثوب أو رأس كذا ، فلا يصلح إلا أن يقول : بع ما شئت منها . قال ابن القاسم : وإن جعل له في رأس ، أو ثوب يبيعه فيمن يريد وله درهم إن باع ، ولا شيء له إن لم يبع ، فجائز : وإن قال : له الدرهم باع أو لم يبع ، فهذه إجارة ، وعليه الصياح كصياح الناس في مثله مما عرف محمد : فيصير / ما عرف كالأجل ، ثم له ما سمى ، باع أو لم يبع ، وكذلك ما كثر ، ويكون إلى أجل معلوم ؛ فإن باع دونه ، حاسبه قال : والجعل على بيع الطعام ، فأما اليسير الذي إذا شاء رده بلا مؤنة ولا غرم ، فجائز ، وأما [الكثير في الطعام والثياب والرقيق] إذا كان يسلم ذلك غله ، أو على أن يبيعه شيئا شيئا ، فلا يجوز ، فأما أن ينادى عليه جملة وهو في موضعه لم يسلمه إليه فيشغله ، فجائز ، كالدار تباع جملة ، ولو قال في كثير الدقيق والثياب : فما بعت منها ، فلك كذا فلا بأس به ما لم يسلمها إليه ، ويجوز عند مالك وأصحابه الجعل على الشراء فيما قل وكثر ، في الحضر والسفر ، لا بأس أن يجعل له على مائة ثوب يشتريها له دينارا إذا كان على أن ما يشترى له به يلزمه ، فأما أن يختار عليه ما يشترى ، فلا خير فيه .
قال مالك : ولا يصف المال . محمد : إلا أن يعرف منه محاباة ، أو يشتري غير الصنف الذي أمره ، قال مالك : والذي يشتري بجعل ، ليس عليه ضمان ، ولا على من يبيع بجعل في الثمن إذا ضاع ، ولا في السلعة . قال مالك : ولا بأس أن يجعل له جعلا على شراء سلعة يسميها ، قرب موضعها أو بعد ، وما تلف لم يضمنه
المشتري ، قال الإحرام بن ميسر : وما تلف بعد الشراء فقد وجب له جعله قال ابن حبيب فيمن جعل لرجل خارج إلى بلد جعلا في شراء ثياب كذا بمال أعطاه إن اشتراها كلها بجعله ، وإن لم يشترها ، فلا شيء له ؛ فإن كان خروجه ليس لهذا المال جاز ، وإن كان المال أخرجه فلا خير فيه إلا بأجل مضروب ، وقال نحوه ابن ميسر قال / ابن حبيب : ولو قال له : خذ ثوبه ، فسر به ، فإن بعته ، فلك كذا ،
[7/10]
***(1/6)
[7/11]
وإن لم تبعه فلا شيء لك لم يجز ، خرج لذلك أو لحاجته ، كان ثوبا أو ثيابا كثيرة ، إلا بأجل مضروب ، وإجارة معلومة ، وقاله كله أصبغ .
ومن كتاب ابن المواز ، قال مالك : ومن باع ثوبا بجعل ، ثم رد بعيب فليرد الجعل على ربه . قال أصبغ : إلا أن يكون دلس ، فلا يرد عليه شيئا قال مالك ، فيمن قال لرجل بع ممر حائطي ، ولك كذا ، ثم جاء مع قوم فساوموه حتى باع ذلك ، فطلب الرجل جعله ، وقال : أنا جئت بالقوم فلا شيء له ، إنما جعل له على يبيع ويماكس ، فهذا إنما اشترى وكابر لأصحابه ، ورب الحائط هو البائع . وسئل مالك عن الذي يجعل الولاة في بيع المواريث ، قال : ليس بحرام ، ولا هو من عمل الإبرار ، وكان من تقدم لا يأخذ في ذلك شيئا .
قال ابن حبيب : ومن جعل لرجل جعلا في بيع متاع إن باع الجميع أخذه ، وإن لم يبع الجميع ، فلا شيء له ، لم يجز .
وكذلك إن قال مالك الجعل : بعت أو لم تبع نفلا يجوز ، وهذا إن وقع يرد إلى إجارة مثله إن باع ، وإن لم يبع فلا شيء له ففرق ابن حبيب في الجعل الفاسد إذا جعل عوضه في غير المبيع ، ولكن إذا جعله في المبيع ، وقد خولف في القائل : لك كذا بعت أو لم تبع . وقد ذكرت قول غيره فيه
في الإجارة على بيع السلع
ومن باع نصف سلعة من رجل
على أن يبيع له نصفها
ومن كتاب محمد ، قال مالك : ومن واجر من يبيع له متاعا شهرا ، فباعه قبل الشهر فليأخذ متاعا آخر يبيعه إلى تمام الشهر . قال محمد : وهذا إذا لم يكن متاعه بعينه ، وكذلك القمح وغيره ، وهذا يجوز فيه النقد ، وأما الذي بعينه ، فلا ينقد فيه ، وإن باع في بعض الأجل ، فله بحسابه .
[7/11]
***(1/7)
[7/12]
ومن العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن واجر رجلا شهرا بعشرة دنانير ، على أن يبيع له كل ما جاءه ، فإن لم يجئ بشيء فله العشرة ، فلا خير فيه ، ولو كان شيئا ثابتا إن جاءه شيء باع به ، وغلا كان له أن يواجره في مثله ، كان جائزا ولو واجره بدينار على أن يذهب إلى إفريقية ، يبيع له هذه الدابة ، أو ثيابه ، أو رقيقه ، فإن كان على أن إن هلكت الدابة ، أو ذهب الثوب ، انفسخ ذلك ، فلا خير فيه ، وإن كان إن هلك ذلك ، كان له أن يشتري في مثله ، ويأتيه في الدابة بأخرى ، وكان إلى أجل معلوم ، فذلك جائز .
ومن كتاب محمد : ولا يجوز بيع نصف عبد أو ثوب ومالا ينقسم على أن يبيع له نصف ببلد آخر ؛ لأنه لا يقدر المبتاع أن يحدث فيما ابتاع حدثا ، ولو كان مما ينقسم وكان على أن يأخذ نصفه متى شاء لجاز ، وإن كان على أن يؤخر قسمه إلى البلد ، أو على بيعه ها هنا مجتمعا لم يجز ، وأما على يع نصفه بالبلد ، ولم يقل : مجتمعا فيجوز إن ضرب أجلا . محمد : لا يعجبنا هذا على الأجل ؛ لأنه النقد في بيع شيء بعينه ، إلا أن تكون إجارة لازمة ، باع أو لم يبع إلى أجل ، فإن باع قبله ، باع له مثلها ، أو آجره في مثله ، وإلا لم يجز ، وإذا لم يكن فيه سفر جاز فيه النقد ، وكلما باع أتاه بمثله يبيع حتى يتم الأجل . قال ابن حبيب ، في بيع نصف ثوب ، أو رأس على أن يبيع له النصف الآخر بالبلد : لا يجوز فيه إلا الإجارة بأجل مضروب ، ولا يجوز فيه الجعل ؛ إذ لا يجتمع جعل وبيع .
ومن كتاب محمد : قال ابن القاسم : وإن كان الأجل شهرا ، فباع في نصفه نظركم قيمة بيع نصف الثوب ؟ فيضم إلى الثمن فإن كان قدر بع الجميع رجع عليه بثمن قيمة نصف السلعة ، وإن باع في ثلث الأجل ، رجع بثلثي ربع قيمة نصف السلعة منها إلا أن يكون ما يوزن أو يقال ، فيرجع فيه بعينه إن لم يفت قال محمد : وهذا لا يصلح فيه البيع ؛ لأنه إن باع ، فتارة يرجع بثمن ، وتارة يرجع بغيره .
[7/12]
***(1/8)
[7/13]
قال ابن حبيب : وأما على بيع نصفه ببلد آخر ، فلا يجوز في ثوب ، ولا دابة ، ولا طعام ، إذا شرط خروجه بجميعه ، فإن قال : إن شئت خرجت بنصفك المبيع ، وإن شئت تعجلته ، فجائز بإجارة مؤجلة ، ولا يجوز في الثوب والعبد ، لا يمكنه أخذ نصفه ، فكأنه باعه النصف مما جعل يحصل في ثمن النصف الآخر ببلد آخر ، فلا يجوز عند مالك ، ومن لقيت من أصحابه ، وفي باب الجعل على الخصومة ، الجعل على بيع ميراث لك ببلد آخر .
ما يجوز من عمل الشيء بنصفه في إجارة أو عل
أو حمله بنصفه أو سواه على أن يعمل له فيه عملا
وكيف بما هلك من ذلك ؟
من كتاب ابن المواز : ولا يجوز أن يقول الرجل أحصد زرعي / هذا ولك نصفه وهو مقاطعة من باب الإجارة والجواز بيع نصفه ، ولو قال : فما حصدت ، فلك نصفه فهو جائز : ومن باب الجعل يدع متى شاء بلا مضرة ، ويأخذ نف ما حصد ، ويبقى للآخر تقع فيها ترك [ولا يصلح أن يضرب فيه أجلا فيقول : ما حصدت اليوم فلك]نصفه ، إلا أن يشترط أن يترك متى شاء .
ومن كتاب ابن سحنون : ومن قال لرجل قد طاب زرعه ، فعامله على أن يحصده بنصفه ، فإن شرطا قسمته ، حبا ثم لم يجز ، وإن كان يحب بالحصاد فهو جائز .
ومن العتبية ، روى عيسى بن دينار ، عن ابن القاسم ، في قوله : جذ نخلي هذه اليوم ، واترك متى شئت ، ولك نصف ما عملت ، أنه لا ضر فيه ، كما لو قال : تقاضى مالي شهرا ، ولك نصفه ، وما تقاضيت فيحسابه لم يجز ، لأن لو تم الشهر ولم يتقاض شيئا ، لم يأخذ وذهب عمله باطلا ، ولو شاء أن يترك ترك ،
[7/13]
***(1/9)
[7/14]
ولعله قد أسف عليه ، وأما قوله : احصد زرعي وادرسه ، ولك نصفه ، فلم يجزه في رواية ابن القاسم ، وأجازه في رواية أشهب ، ولا يصلح الجعل في عصره الزيتون والجلجلان ، أن يقول : اعصره ، ولك نصفه ، أو ما عصرت ، فله نصفه ؛ لأنه لا يقدر على ترك ما شرع فيه ، وإن ترك بقي للجاعل ما ينتفع به ، ولا يصلح أن يقول : اعصره : ولك نصفه على المقاطعة ؛ لأنها إجارة ، وذلك بيع ، ولا يصلح بيع نصف ما يخرج منه ، ولا يصلح أن يقول اعصره بقسط من زيته ومن زيتون غيره ، ويجوز لك شراء قسط من زيته ، ومارق / الجعل ؛ لأن الزيتون إن هلك في البيع رجعت بالثمن ، وكذلك في شراء دقيق الحنطة ، وفي الجعل لا يرجع عليه بشيء لأنه ليس بمضمون على صاحبه ، ولو كان مضمونا كان أفسد له ، ولو باع شيئا على أن يضمنه حتى يقبضه المبتاع ، لم يجز ، وبخلاف شرائك لدقيق الحنطة ، ولو قلت له : خط هذا الثوب بققيز من هذه الحنطة ، أو من دقيقها ، على أن لا يأخذه حتى يفرغ . لم يجز ، ولا بأس بالإجارة على طحين بنصفه ، إذا كان متى شاء قاسمه ، ولا يجوز أن يقول له احمل طعامي هذا إلى بلد كذا ، ولك نصفه إلا أن يعطى نصفه نقدا ، ولا يجوز على تأخيره إلى البلد ، ولو اكتال نصفه ها هنا ، ثم يحمل الجميع إلى البلد ، لم يجز أيضا .
قال ابن حبيب : ولو سلم إليه نصفه إن شاء حمله أو حبسه ، لجاز .
قال ابن حبيب : وكذلك قوله : حك لي من هذا لغازل ثوبا ، ولك نصفه ، أو : اطحن لي هذا القمح ولك نصفه . فإن قال بعد فراغه ، لم يجز ، وإن قال : فلك نصفه قمحا أو غزلا فجائز ، وإن وقع ذلك منهما ، فهو على الأمر الجائز حتى يصرح بقوله دقيقا وثوبا . وكذلك في عصر الزيتون والسمسم ، وحصاد الزرع بنصفه ، فمحمله على الجائز أن له ذلك قبل العصر والحمل حتى يصرح ، فيقول : بعد عصره أو حصاده فلا يجوز ، فإن نزل ، فله أجر عمله ، ويبقى الجميع لربه ، وإن ذهب أو تلف قبل تمامه ، فلا شيء له من الإجارة ، ويجوز أن يقول : اطحن لي هذا القمح بقفيز من دقيق ولا يجوز أن يقول : على أن لك نصفه دقيقا . لأنه جعل بغرر ، والأول إجارة بشيء معلوم / ، ولم يجزه ابن القاسم ، لأن
[7/14]
***(1/10)
[7/15]
الدقيق إن ذهب ذهب عمله باطلا . ونحن نرى أنه إن ذهب بعد طحنه قبل يأخذ القفيز إن له أجرة طحينه والذي ذكره ابن حبيب : عن ابن القاسم ، مثل رواية ابن المواز ، والذي في المدونة أنه أجاز طحين قمح بقفيز من دقيقه ، وأما مجيب الآبق بنصفه ، فلا يجوز بكل حال ، ولا شيء له إن شخص ولم يأت به ، وإن أتى به ، فله جعل مثله والعبد لربه ، فإن فات بيد الجائي به بعد أن قبضه بما يفوت في البيع الفاسد ، فعليه نصف قيمته ، ويقاص بذلك فيما وجب له من جعل مثله وقاله مطرف ، وابن الماجشون وإن قال : انفض زيتوني هذا أو قال القطه ولك نصفه فجائز ، وكذلك فما لقطت ، أو نفضت ، فلك نصفه وأجازه ابن القاسم في اللقط ، ولم يجزه في النفض ، حمله محمل قوله حرك شجرتي ، فما سقط ، فلك نصفه ، وهذا خطر ، ومحمل قوله : فما نفضت ، يقول : ما جمعت كقوله : اقطف كرمي ، أو جذ تمري بنصفه وقاله مطرف ، وابن الماجشون . ومن كتاب محمد ، فيمن قال : القط زيتوني فما لقطت ، فلك نصفه اختلف فيه قول مالك ؛ فقال مرة : لا خير فيه ، كما لا يجوز بيعه وقال : إنه جائز وبهذا أخذ ابن القاسم ، كتقاضي الدين .
ومن العتبية قال ابن القاسم : وكره مالك جمع الخلالة على النصف ؛ لأنه غرر لا يعرف ما هو ؟ وكم هو بخلاف الزرع والثمر الذي ينظر إليه ، والخلالة ما سقط من الثمر ووجد من الكرانيف والسعف فهو يخرج ويجمع ويسقط فيه ثمر .
[7/15]
***(1/11)
[7/16]
قال عيسى ، عن ابن القاسم ، / فيمن له شجرة تين فقال لرجل آخر احرسها واجتنها وتحفظ عليها ولك نصفها أو ثلثها فذلك جائز وروى عن يحيى بن يحيى ، في الذي واجره ، فقال : احصد زرعي ، ولك نصفه فيحصده أو بعضه فما يخرجه فهو بينهما وعليه أن يستعمله في مثله أو مثل ما بقي منه . وقال سحنون : عليه نصف قيمة الزرع ، وليس عليه حصد مثل نصفه . قال يحيى بن عمير ، لأن الزرع يختلف ، وقاله ابن القاسم ، ولو قال : فما حصدت ، فلك نصفه . فضمان ما حصد منهما ، وضمان ما لم يحصد من ربه ولا يتبع أحدهما الآخر بشيء ولو قال : احصده كله وادرسه وصفه ، ولك نصفه فهلك بعد حصاده ، فضمانه كله من ربه ، وللأجير أجر عمله لفساد الإجارة وفي باب الإجارة على عمل شيء بعينه بقية من هذا المعنى قال مالك : لا خير في أن يعطيه غزلا ينسجه ثوبا على أن له نصفه ، قال أصبغ : فإن فعل ، فله أجر عمله ، والثوب لربه الغزل . محمد : كمن ابتاع غزلا من رجل ؛ على أن عليه نسجه فهلك وإن قال له : انسج من غزل ثوبين ، ولك واحد ولي واحد . لم يجز ، إلا أن يقول : لك نصف الغزل ، على أن تنسج لي نصفه . مالك : ولا يتشرى ثوبا بقي منه ذراع على أن يتمه لك . محمد : وأن يشترط على أن يأتي بمثيل صفته ؛ لأنه بيع شيء بعينه بضمان ، فإن دفع إليه نصف هذا الغزل على أن ينسج له نصفه منه ، وانعقد ذلك ، ثم يشرك فيه فينسجه كله مبتاعا ، فذلك جائز ما لم يكن مع ذلك زيادة دراهم أو شيء فيصير شركة وإجارة ، ولا يجوز بع مع الشركة [أو شرط زيادة] أو منفعه ولو / واجرته على نسج غزل بينكما مجتمعا ، لم يجز ، ويجوز على نسج حصتك وإن ابتعت منه نحاسا ، على أن يعمله فمقما . قال أشهب : فلا يجوز : كمن ابتاع فمقما من نحاس بعينه ، وكذلك كنانا على أن ينسجه ، ويجوز شراء ثوب على أن يخيطه ، قال ابن حبيب : لا بأس باجتماع بيع ، وإجارة ولا يجوز جعل وبيع ، ولا إجارة مع جعل .
[7/16]
***(1/12)
[7/17]
من العتبية ، قال سحنون : في اجتماع البيع مع الإجارة : أما في ذلك الشيء المبيع ، فلا .
بخلاف قول ابن القاسم ، وأشهب ، فيمن ابتاع ظهارةعلى أن على البائع عملها ، أو حديدا ، على أن يعمل له فيه قدرا ، أو نحاسا يعمل له منه ، قمقما أو عودوا على أن ينحته سرجا فأجاره ، ولم يجزه سحنون : قال : ومسألة بيع الغزل على أن عليه نسجه أصل هذا ، وأما في بيع الثوب على أن على البائع خياطته ، أو قمحا على طحينه ، فخففه مالك ، قال سحنون ، في كتاب تضمين الصناع ، لأن خروج معروف .
ومن العتبية ، ورى أشهب ، عن مالك فيمن قال لرجل في تراب : اعمله لبنا بيني وبينك قال : [ما يعجبني ذلك]فلا يعجبني عصر ابن حبيب الفجل والجنجلان بكسبهما ، وطحين القمح بنخالته ، وبعض النخالة أجوء من بعض وروى أصبغ ، عن ابن القاسم ، في الرجل يبيع الكنان خصبا ، على أن عليه بله فإن كان شيئا معروفا . قدره وقد النصب فيه ، فجائز ، وهذا إن كان الكنان لا يختلف عند خروجه من البل ، وإلا فهو بيع ولا خبر فيه ، وقد قيل إنه يختلف عند خروجه قال : ويجوز جذاذ الثمرة بنصفها ، وحصار الزرع بنصفه / قال : ولا يجوز أن يشترط البائع للنصف درسه وتدربته قاله مالك ، يريد الجميع وتذريته قال أصبغ : ولو شرط ذلك على المشتري ، لجاز ؛ لأنه اشترى نصفه بثمن مسمى ، وبعمل أجل معلوم وكرهه ابن القاسم ، قال سحنون ، عن ابن القاسم ، فيمن له حياض ملح ، ولها شرب من بير لها ، فلا بأس أن بقليها أشهرا معلومة ،
[7/17]
***(1/13)
[7/18]
بالدنانير والدراهم ، إذا كان شربها معلوما ، ولو واجر عليها شهرا من بسقيها ، ويجمع ملحه بملح يكون عليه مضمونا ، فهو جائز ، ويجوز بثلث ما يدفع فيها أو نصفه وفي تضمين الصناع باب ، فيه شيء من ذكر من يبتاع شيئا ، أو يشترط فيه صنعة .
في الجعل في الإباق والضوال
وذكر الجعل الفاسد في ذلك
ومن كتاب محمد ، قال مالك : ومن شرد له أربعون من أبعرة ، أو عبيدا أبقوا ، فجعل فيهم لقوم ، فقال : ما وجدتم منهم ، فلكم في كل بعير أو عبد دينار . فذلك جائز ، وإن لم يعرف أين سلكوا ، ولا يجوز حتى يسمى عدتهم . قال ابن ميسر : لا يضر ترك تسمية العدد .
قال ابن حبيب : لا بأس أن يجعل للرجل منهم في كل عبد دينار ، اتفقت قيمتهم أو اختلفت . وكذلك إن كان منهم / الرفيع والوضيع ، والبعيد والريب فجاء الذي فيه دينار وكذلك لو قصد طلبه دون غيره ، أو كان قريبا ، وإن قال : إن جئت بهم ، وهم خمسة ، فلك عشرة دنانير أو قال : في كل رأس ديناران .
فإن قصدت أنه إن لم يأت بجميعهم ، فلا شيء له ، لم يجز قال مالك في موضع آخر : إن قال : فلك في كل رأس دينار ، فهو جائز . وأما إن قال : إن جئتني بهم ، فلك كذا . ولم يقل : في كل واحد كذا ولكن جعل الجعل في جماعتهم ، فله على كل واحد بقدر قيمته من قيمة جمعيهم يريد من قيمتهم [حين أبقوا]
قال أحمد : أحب إلي أن يعطى أجر مثله ، وإن قال : لك في فلان ثلاثة ، وفي فلان ديناران ، وفي فلان دينار فجائز إن عرفهم قبل الإباق ، ثم قال ، جاز وإن لم
[7/18]
***(1/14)
[7/19]
يعرفهم ولا عرف ما حدث بهم من عيب ، وما قال ذلك من عمل الناس ولو قال : ولك في الخمسة عشر دنانير فإن وجدت بعضهم ، فلك بقدر قيمته من قيمة من لم يجد ، فإن كان على قيمة ما عرفاه منهم قبل الإبان ، فجائز وقد قيل : لا يجوز في هذا ، ولا في قوله : من فلان دينار ، وفي فلان ديناران . وليس هذا بمروي في الأم .
ومن جعل لرجل في عبدين أبقاله عشرة ، فجاء أحدهما ، فله خمسة . وقاله أصبغ ، وأشهب ، له بقدر قيمته من قيمة الآخر ، محمد : إن قال له : فلك في كل رأس خمسة فقول ابن القاسم أحسن وقد أجاز مالك في بيع الثياب : فلك في كل ثوب درهم . ولم يجز : في كل دينار درهم .
وروى عيسى ، عن ابن القاسم في العتبية في العبدين : لا أحب أن يقول / : إن جئتني بهما ، فلك عشرة حتى يسمى في كل واحد شيئا معلوما ، فإن وقع على الوجه الأول وقيمتهما سواء ، فله في الذي جاء به خمسة ، وإن لم يسم فأقله من العشرة بقدر قيمته من قيمة الآخر .
ومن الواضحة قال : ولو قال : إن جئتني بيزيد ، فلك دينار ، أو جئت بمرزوق ، فلك دينار ، أن قال : من جئت به منهما فلك فيه دينار فذلك جائز : وذكر ابن القاسم ، أنه لم يجزه حتى يسميها ، وذلك خلط ، وإنما يكره أن يقول : إن جئتني بهم ، فلك عشرة ، حتى يقول : وأيهما جئت به فلك عشرة ، لأنه قد تختلف أثمانهما ، فإن عمل على ذلك وجاء بهما ، فله ما سمى ، وإن أتى بواحد فله نصف العشرة ، وإن اختلفت أثمانهما ، فله العشرة بقدر ثمنه لا من ثمن الآخر يوم أبق ثم رجع ابن القاسم عن هذا إلى أن له جعل مثله والأول أحب إلينا ، وإنما يجوز الجعل على طلب عبد يجهل مكانه ، فأما من وجد آبقا أو ضالا ، أو هائما . فلا يجوز له أخذ الجعل على رده ، ولا على أن يدله على مكانه ، بل ذلك
[7/19]
***(1/15)
[7/20]
واجب عليه ، فأما من وجد ذلك بعد أن جعل ربه فيه جعلا ، فله الجعل ، علم بما جعل فيه أو لم يعلم ، تكلف طلب هذه الأشياء أو لم يتكلف ، وإن وجده قبل أن يجعل فيه ربه شيئا فانظر فإن كان ممن نصب للإباق قد عرف بذلك فله جعل مثهل وإن لم يكن ممن نصب لذلك نفسه ، فليس له إلا نفقته ، وكذلك لو جاء به بدءا أو لم يبذل ربه فيه جعلا ، وكذلك قال ابن الماجشون ، وأصبغ فيه .
وفي أصله قال ابن الماجشون ، في كتبه : / إن كان ليس من شأنه طلب الإباق ، فلا جعل له ، ولا نفقة قولا مجملا ، قال ابن الماجشون ، في موضع آخر : ولو أشاد بذكر عبده في المواطن التي يشاد مثله فيها فجاء به ، فإن له جعله مثله بما أشاد به .
ومن العتبية ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن علم بموضع دابة رجل قد ضلت ، فإما أن يخبره وقال : اجعل لي كذا وآتيك بها ففعل ، فلا ينبغي ذلك ، وإنما هذا في المجهول [ولا أراه يئبت له هذا الجعل ، ولا ينبغي له أن يكتم موضعها وأرى أن يعطى قيمة عنائه إلى] ذلك المكان إن جاء بها [ولا جعل له].
ومن جعل في آبق عشرة دنانير لمن جاء به ، فجاء ربه من لم يسمع بالجعل ؛ فإن كان ممن يأتي بالآباق ، فله جعل مثله ، وإن كان ممن لا يأتي بهم ، فليس له إلا نفقته ، وإن سمع بالجعل ، ثم أتى به ، فله العشرة ، كان ممن يأتي بهم أو ليس ممن يأتي بهم .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : ومن قال : جاءني بعبدي الآبق ، فله ربعه ، أو نصفه ، أو في عبيده ، فله من كل عبد ربعه ، فلا يجوز ذلك وإن قال : إن وجدته ، فلك عشرة دراهم ، وإن لم تجده ، فلك خمسة ، أو لك نفقتك لم يجز وكذلك في بيع الثوب : إن بعت ، فلك كذا ، وإن لم تبع ، فلك شيء آخر . فلا
[7/20]
***(1/16)
[7/21]
يجوز ومن قال : من جاءني بعبدي الآبق ، فله هذه الدنانير ، أو هذا الثوب فجائز ، ولا خير في أن يقول : فله هذا العبد ، أو هذه الدابة ؛ لأن ذلك يتغير ، وتأتي فيه الحوادث ، والجعل الجائز أن تقول إن لم تجده ، أو لم تبع ، فلا شيء لك .
قال ابن القاسم : فإن وقع بما ذكرنا ، فأتى به ، فله أجر مثله ، وإن لم يجده ، فلا شيء له وقال ابن القاسم في العتبية ، والواضحة / : إن وجد ، فله جعل مثله ، وإن لم يجده ، فله أجر مثله ، جاء به أو لم يجئ به ، إذا شخص فيه ، وذكر قول ابن القاسم هذا ، وقال : ويقول في البيع : فإن باع ، فله جعل مثله ، وإن لم يبع فلا شيء عليه .
قال ابن حبيب : فهو في حلال الجعل لا شيء له إن لم يجئ به ، فكذلك في حرامه وأما إذا سمى له في الآبق إن لم تجئ به عوضا فاسدا ، فهو يرد إلى أجر مثله .
وإذا اجتمع جعل وإجارة ففسد ذلك ، كانت فيه كله إجارة المثل ، وإن قال : إن جئتني به ، فلك تمري الذي لم يزه جنينا في بطن أمه أو أسلفك دنانير فهذا له فيه جعل مثله إن جاء به لأنه جعل فاسد .
وقال ابن المواز ، في الباب الأول : إذا وقع الجعل فاسدا ، ففيه إجارة مثله .
ومن العتبية ، قال مالك : ومن جعل جعلا في آبق ، فأتى به وقد أنفق عليه ، فالنفقة من الذي جاء به ، وله جعله فقط .
وإن أرسله بعدما أخذه تعمدا ضمن قيمته . قال عيسى : قال ابن القاسم : ومن جعل في آبق خمسة دنانير ، فذهب رجل فأتى به من أفريقية ، فلما صار بترنوط أفلت منه ، فِأخذه آخر فجاء به ، قال مالك : إذا أفلت قريبا ، فالجعل بينهما بقدر شخوص كل واحد . وهذه من كتاب الآبق .
[7/21]
***(1/17)
[7/22]
ومن كتاب آخر ، ، قال عبد الله بن عبد الحكم : وإن جاء به من يطلب الإباق ، فقطع في سرقة ، فإن كان جعل فيه جعلا ، فهو لازم ، وإن لم يجعل فيه جعلا ، وكان له بالعبد حاجة أخذه وودى جعله ، وإن شاء تركه ولا شيء عليه .
ومن كتاب محمد : ومن جعل في آبق جعلا ، فقطعت يد العبد بعد أن وجده رجل ، أو دبر لم ينقص لذلك من جعله ، وإذا استحق بعد أن وجده وقبل أن يصل إليه / ربه ، فالجعل على الجاعل ، ولا شيء على المستحق .
قال في العتبية ، ابن القاسم : وكذلك إن استحق بحرية . قال أصبغ : إذا استحق : إذا اسحق بحرية من الأصل ، فلا جعل له على أحد .
قال محمد : إذا استحق رجل ، فأحب إلي أن يغرم ذلك الجاعل ، ويرجع على المستحق بالأقل من ذلك ، أو من جعل مثله .
وقال لي من أرضى ، إن من أتى بآبق ممن يطلب الإباق ، فله جعل مثله بلا نفقة ، وأما من لا يتكلف ذلك ، فله نفقته ، ولا جعل له [ومن جعل في آبق لرجل عشرة ، ولآخر عشرين فجاءوا جميعا].
قال محمد : أحسن ما فيه أن لكل واحد نصف ما جعل له ، وإن كان ثالث بخمسة ، فكل واحد ثلث ما جعل له . وقاله عبد الله بن عبد الحكم .
قال عبد الملك : ومن جعل في آبق جعلا ، ثم أعتقه ، فلا شيء لمن وجده بعد ذلك ، ولو لم يعلم بالعتق ، ولو أعتقه بعد أن وجده ، كان له جعله ، فإن كان عديما فذلك في رقبة العبد ؛ لأنه بالقبض وجب له الجعل . قال أحمد : إن كان العتق بعد القدوم ، فكما قال : قال وإن أعتقه بعد علمه أنه وجده ، لزمه جعله ،
[7/22]
***(1/18)
[7/23]
فإن لم يجد عبده لم يصح عتق العبد حتى يقبض هذا جعله مبتدأ على الغرماء .
أحمد : كالرهن .
في الإجازة على الإتيان بعبده
الآبق أو غير آبق من بلد بعينه
وكيف إن مات ؟ أو على علوفة داوب فماتت ؟
من العتبية عيسى بن دينار ، عن ابن القاسم ، فيمن أبق عبده ، فبلغه أنه في بلد بعينه ، فواجر رجلا بأجر معلوم ليأتيه به أو يخبره ، فخرج ، فخالفه العبد إلى سيده قبل بلوغ الأجير البلد ، فانصرف ، قال : له الإجارة تامة ، ويرسله في مثل ما فقر [فيه]من الطريق . من سماع ابن القاسم : ومن استوجر على رقيق يأتي بهم ، فلم يجدهم ، فقد وجب له حقه ، وإن وجدهم ببعض الطريق فله عليه أن يبعثه فيما بقي منها أو يواجره في مثله .
ومن اكثري دابة لحاجة ثابتة ، لزمه الكراء وليكرها إلى الموضع .
قال ابن القاسم : ويجوز النقد في هذا كله ، ولو شرط مع النقد في هذا أنه إن جاء الرقيق من بعض الطريق ، أو وجد حاجته في الطريق حاسبه ، لم يجز ذلك .
أصبغ ، عن ابن القاسم : قال مالك : ومن استوجر على تبليغ خادم ، فماتت في الطريق أو أبقت ، حوسب ، وإن ماتت ، فله جميع الإجارة .
وقال ابن القاسم : ذلك سواء وله جميع الأجر ، وقال أصبغ ، إلا أن له أن يستعمله في مثل ذلك ، أو يواجره في مثله قال ابن وهب : له من الأجر إلى حيث بلغ .
[7/23]
***(1/19)
[7/24]
أصبغ : قال ابن القاسم : ومن واجر أجيرا شهرا على علوفة داوبه ، فماتت قبل الشهر ، فأراد أن يستعمله في غير العلوفة ، فليس له ذلك ، إما جاءه بمثل تلك الدواب يقوم بعلوفتها ، وإلا فلا شيء له على الأجير ، وله جميع الأجر ، ولو رضي الأجير أن يتحول إلى عمل غيره ، فلا بأس [بذلك]يريد : فيما يشبه العلوفة سحنون ، عن ابن القاسم ، فيمن دفع فرسه إلى رجل ليعلفه سنة بستة دنانير ، فذلك جائز في الفرس والعبد .
في الجعل في تقاضي الدين أو الإجارة فيه
وفي موت أحدهم
من كتاب محمد ابن المواز : وإذا قال لرجل لي على فلان مائة دينار ، فاقبضها ، فما اقتضيت به فلك ربعه فذلك جائز إذا عرف الدين ، وإذا لم يعرف الدين / ، لم يجز وقد ينفق في سفره دينارا ، فيجد الدين دينارا ، فلا يصلح بجزء منه ولا لكل دينار شيئا معلوما مسمى ، ولو جعل فيه شيء وعرف الدين ، لجاز .
قال محمد : قوله : مسمى ليس يريد أنه لا يكون له حتى يقبضه كله ، وإنما يجوز إما بجزء منه ، أو من كل دينار كذا ، ولا يجوز الجعل حتى يعرف المال وموضعه ، [وإلا يخرج إلا بإجارة مسماة]وأجل معلوم ، فيكون ذلك له اقتضاء الدين كله أو بعضه ، أو لم يقتضه ، ويجوز الجعل في اقتضاء الدين على أن له من كل عشرة دينارا أو عشر ما يقتضى إذا سمى الدين وعرفه ، وقوله : ولك من كل عشرة دينار قال : فما زادت فبحسابه أو لم يقل ، فهو الجائز ويحمل على أنه المعنى حتى ينص أنه لا شيء له فيما دون العشرة ، فيكون فاسدا ، أو له إن عمل
[7/24]
***(1/20)
[7/25]
جعل مثله ، ومن قول مالك ، فيمن يجعل لرجل جعلا في تقاضي دين ، على أن له الجعل إن تقاضي جميعه ، وإن لم يأخذ الجميع ، فلا شيء له ، أو قال : على أن لك الجعل ، تقاضيت أو لم تتقاض فهذا لا يجوز ، ويرد إلى إجارة مثله ، تقاضى أو لم يتقاض . وكذلك في بيع المتاع ، وقد كتبتها في باب الجعل في بيع السلم .
ومن العتبية ، وقاله أصبغ : قال أشهب فيمن قال : اقتض مائة دينار لي على فلان ولك نصفها . قال : لا يعجبني قيل : فإن قال : اقتضيت فبحسابه ، قال : لا يعجبني على حلا قال أصبغ : كرهه من باب الجعل في الخصوم وقال ابن وهب : إذا قال : اقتض مالي على فلان ولم يقل : وهو كذا ، ولك نصفه ، فلا خير فيه ، كمن قال في الثوب : بعه بما وجدت ، ولك من كل دينار درهم ، فلا خير فيه . قال أصبغ / : والذي آخذ به قول ابن القاسم في هذا سمى عنده الدين أو لم يسمه .
ومن كتاب محمد ابن القاسم : ولا يجوز الجعل في تقاضي الدين على أنه إن لم يقتضيه كله ، فلا شيء له ، فإن ترك ، فله بما اقتضى أجر عمله ، ولو سمى له جعلا يكون له ، قبض الدين أو لم يقبضه ، فلا أحبه ، فإن عمل ، فله أجر مثله محمد : فيما اقتضى فقط عيسى عن ابن القاسم : ومن جعل لرجل دينارا في اقتضاء ستة دنانير دينا له ، فل يجوز له في كل ما يقتضي بقصاصه من الدينار ، فإن فعل على الوجه الجائز ، ثم أراد رب الدين أن يؤخر به ويحيله على غيره ، قال : فلهذا الدينار كله ، وإن لم يقبضه إلا اليوم . قال مالك وإن قال في التقاضي لك من كل مائة دينار دينار : فليس بحرام ، وغيره أحب إلي منه . قال ابن القاسم : إن كان إن لم يقبض المائة كلها ، فلا شيء له ، فلا يجوز ، وإن كان له من كل ما اقتضى جزء بحساب ما سمى ، فجائز ولو جعل له في طلب ضائع أو اقتضاء دين ، وعلى أنه إن لم يأت بشيء ، فله كراؤه ونفقته ، لم يصلح ، وهو من شرطين في شرط أو كراء أو جعل مالك ، ولو أعطاه صكا بدين يطلبه على أن ما
[7/25]
***(1/21)
[7/26]
قبض فله ثلثه ، فجائز قال مالك : وإن قال : أخرج في مالي ببلد كذا ، فإن جئتني وقت كذا ، فلك دينار ، وإن لم تأت به إلى هذا الوقت ، فلك نصف . لم يجز فأن نزل ، فله أجر عمله وشخوصه .
قال محمد : إن انتفع الذي بعثه بشيء فله بدر ذلك . وعيسى ، عن ابن القاسم ، في العتبية فيمن له طعام من بيع على رجل ، فقال الرجل : اقتضه ، فما اقتضيت منه ، فلك ربعه . قال : ويجوز وهذا بيع الطعام قبل / قبضه . قال عنه أصبغ : وإن جعل لرجل في دين يقتضيه ثلث ما يقبض ، فمات أحد الثلاثة قبل يقتضي أو قد اقتضى بعض ذلك ، فإن مات المجعول له وقد عمل ، فورثته بمثابته إن كانوا أمناء ما دام صاحب الحق حيا ، وإن فات قبل أن يتقاضى شيئا ، فلا حق لورثته ، كالقراض يموت العامل قبل يعمل أو ق بل يشغل من المال شيئا ، وإن مات الجاعل ، فليس للمجعول له ولا لورثته تمام ما بقي . قال : في كتاب [محمد إلا أن يشاور به الجاعل]وكذلك لو فلس رب الدين أو هلك وعليه دين محيط ، فمنعه العزماء ، فذلك لهم ، ويسقط جعله فيما بقي من العمل خاصة ، ولو مات الذي عليه الحق ، فالمتقاضي على جعله ، وله أن يتمادى اقتضى شيئا ، أو لم يكن اقتضى . قال أصبغ : وكما لو أراد الطالب أو غيره تفليسه ، فإن المجتعل على جعله ، وكذلك الموت وورثة الأجير بمنزلته إن كانوا أمناء ، وقاله أصبغ كله على الاتباع وفي بعضه بعض المعنى [يريد أصبغ]في موت الجاعل وتفليسه ، وذكرها من أولها في كتاب محمد مثل ما ها هنا ، سواء قال : وسواء في موت الجاعل على قول ابن القاسم اقتضى العامل الجعل أو الأقل ، أنه ينفسخ فيما بقي . وفي الباب الأول من جعل في تقاضي دين ، ثم حط الدين ربه ، أو وخر به .
[7/26]
***(1/22)
[7/27]
في الجعل على الخصوم
قال مالك ، في كتاب محمد ، وفي العتبية نحوه عن ابن القاسم من رواية يحيى بن يحيى قال : ولا يصلح الجعل على الخصوم في الحق قال ابن القاسم : إذ لا يعرف لفراغه حد قالا : ولكن يواجره / على ذلك بأجر معلوم وأمد معلوم .
ومن كتاب محمد ، قال أشهب : يكون له ذلك ظفر أو لن يظفر قال ابن القاسم : ثم ليس له ترك ذلك حتى يستجرحه .
قال أصبغ وكالإجارة على بيع السلع وإن لم يسم وقتا إذا كان لذلك وقت عرف الناس ، والأجل على كل حال أحسن .
قال أشهب : قال مالك : ومن له ميراث ببلد ، فجعل لمن يأتيه به شيئا معلوما ، فلذلك جائز ، وأما أن يخاصم فيه ، فلا .
وكذلك إن قال : فلك ربعه فجائز إن كان مالا معروفا موضوعا ولا يخاصم فيه ، وأجاز في رواية ابن القاسم الجعل على بيع ما وقع له في شيء آخر نم ميراثه ، وقبض ثمنه ، والخصومة فيه بجعل مسمى وإن لم يضرب أجلا إذا عرف ذلك الميراث ووجه [مطلبه ثم]كرهه في الحاضر والغائب ، إلا بإجارة وأجل على أن يبيع ويتقاضى فإن باع دونه فله بحسابه ، وبه قال ابن القاسم ، وأصبغ قال ابن القاسم : ولو وقع على الأمر الآخر رجوت أن يجوز .
قال أصبغ وأما في الحاضر ، فلا أفسخه إذا عرف وجه ذلك ، فإن كان سفر ، وخصوم ، فسخته ، وإن قال : رردته إلى إجارة مثله . قال محمد : يريد أصبغ : وكان البيع منه يسيرا وقد روي عن مالك أنه كرهه لا أن يبيعه ، ثم يجعل له في التقاضي جعلا ، قال ابن القاسم ، في رواية يحيى بن يحيى ، في العتبية : ولو
[7/27]
***(1/23)
[7/28]
قال : قم لي بشفعتي ، فإن استحققته ، فلك نصف سهم لم يجز ، ولو جاز الجعل في الخصوم ما جاز في هذا ؛ لأنه كبيع ما لم ي ملك بعد .
ومن كتاب محمد ابن القاسم : إذا واجره على الخصوم ، ثم ادعى به تقصيرا في حجته نظر السلطان وإن رأى [ذلك أمره بالقيام بحجته]وإلا فسخ / الإجارة بتقصير ، وكذلك إن لم يضرب أجلا فترك الطلب ولا يعاوده ويرى ضررا فيفسخ ذلك ؛ لأن تركه يدخل في وقت يجري عليهم له في ذلك حق وأنه إذا واظب بالحرص ومضى وقت يتم في مثله أمر تلك الخصومة ، وتأخر ذلك بسبب ما كان قد بلغ وكالأجل المضروب .
ومن العتبية ، سحنون ، عن ابن القاسم ، في الذي جعل له على الخصوم في قرية ثلثها ثم تصدق عليه بذلك . الثلث حازه ، ثم قاموا فساد الجعل ، وقال هو : قد أخذته صدقة ، وأقام بينة ، وأقاموا هم بينة أنه أقر أنه أخذ في جعله ، وهم مقرون بالصدقة ، وقالوا : ظننا أنه يلزمنا ، وقاموا بعد سنتين فلم ير قراره يضره ، ولا ينفعهم دعوى الجهل في الجهل في الصدفة ، وكأنهم أعطوه ذلك فيما لزمهم من جعله ، لأنها ترجع إجارة ، فكأنهم أعطوه ذلك في الإجارة ، ولا عذر لهم بالجهل .
في الدلالة على البيع والنكاح وشبهه
من كتاب محمد : وأجاز مالك الجعل في الدلالة على البيع ، وكرهه في النكاح : قال ابن القاسم : وهو أن يقول : دلني على من أبتاع منه ، أو على من يبتاع مني ، أو يستأجرني ، أو استأجره ولك كذا فذلك جائز ، ولكما لازم وكرهه مالك في النكاح ، ولا شيء له ، وإن دله ، والمرأة والرجل في ذلك سواء لا يجوز ذلك ، ولا شيء له إن تزوج . قال أصبغ : لأن النكاح لا بيع فيه ولا كراء [وما بين]ذلك عندي فرق ، ولا حجة قوية .
[7/28]
***(1/24)
[7/29]
قال ابن القاسم : وأما / إن قال : اسع لي في نكاح بنت فلان فذلك لازم وإن لم يكن فيه سعي وقال أصبغ وهذا والدلالة منه في امرأة بعينها أو بغير عينها ، وكذلك من المرأة ، وذلك لازم كالدلالة على البيع ، وقد قال مالك في طباخ قال لرجل : دلني على من يخرج معي إلى سفر ، وهو يطبخ لبعض السعاة ، ولك علي كذا إذا رجعت من سفري ، فذلك له لازم إن دله .
قال ابن ميسر : قوله حتى أرجع من سفري مكروه ؛ لأنه لا يدري متى يرجع .
ومن العتبية ابن القاسم ، عن مالك ، فيمن قال : دلني على من يشتري مني جاريتي ، ولك كذا ، فذلك لازم ، وأما إن قال : دلني على امرأة أتزوجها ، فلا شيء له . قال سحنون : ذلك لازم في النكاح والبيع .
قال عيسى بن دينار ، عن ابن القاسم : وإن قال : اسع لي في نكاح بنت فلان أو اشخص لي فيه ، ولك كذا ، فأما في البلد ، فجائز ، ولا يجوز عى أن يشخص فيه إلى بلد آخر .
ومن الواضحة قال : ولا بأس بالجعل على الدلالة على الشراء والنكاح . وكرهه ابن القاسم في النكاح ، ورواه عن مالك . وقاله أصبغ ، وقال : قد أجاز مالك بجعل في رجل قال الرجل : احلف ، [أنك لم تشتمني]ولك كذا . فيحلف ، أنه يلزمه .
قال ابن الماجشون : بلغنا أن ابن عمر أجاز الجعل فيمن جعل لرجل جعلا على أن يرقى الجبل إلى موضع كذا منه ، ولم يجز مالك مثل هذا إلا فيما ينتفع به الجاعل .
[7/29]
***(1/25)
[7/30]
في الجعل والإجارة على الاكتحال
وجعل الطيب
من كتاب محمد ، قال ابن القاسم في الرمد : لا بأس أن يشارط الكحال على عشر / كحلات معلومات بدرهم إن كانت راتبة إن استراح ببعضها ، فله بقيتها وإن فيه [نفعا]وأجوز فيه أن يشترط إن برئ فبحسابه ولا ينقد قال أشهب في الطبيب ، يشارط على البرء ثم يريد أن يتعجل حقه ، فلا خير فيه ، قال ابن وهب ، عن مالك : ولا شيء له حتى يبرأ ، إلا أن يكون شرط شرطا جائزا فينفذ محمد : يريد على شربات أو كحلات ومن العتبية عيسى عن ابن القاسم ، وابن وهب في مشارطة الطبيب على أنه إن برئ فله كذا ، وإن لم يبرأ ، فله ثمن الأدوية ، فلا يبنغي ذلك ، وهذا من شرطين في شرط .
في الجعل على الحفر والبناء وغيره
والإجارة في ذلك
من كتاب ابن القاسم : ومن جعل له على حفر بئر ، فحفر بعضها ، ثم مرض ، فلا شيء له ، إلا أن ينتفع به الجاعل ، فيأخذ منه قدر ما عمل مما انتفع به ، وكذلك لو قال : من جاءني بخشبة من مكان كذا ، فله كذا . فجاء بها رجل إلى نصف الطريق ، فلا شيء له ، إلا أن يحملها صاحبها فينتفع بحمل الأول ، فيغرم له أجره بقدر انتفاع ربها بالحمل الأول .
قيل : فالمبتاع بجعل في بيعه فيبيع نصفه ، قال : ليس هذا مثل البئر والخشبة .
[7/30]
***(1/26)
[7/31]
ومن العتبية ، من رواية أصبغ ، مثل هذا كله من كتاب محمد ، قال مالك : وإذا انهدمت البئر في الجعل قبل تمامها فلا شيء له ، وإن تهدمتن بعد تمامها فله الجعل ، وفراغها إسلامها إلى الجاعل وإن لم يقل خذها ، وإن عمل بعضها ، ثم تركها ، فلا شيء له ، فإن أتمها الجاعل أو جعل الآخر فأتمها ، فللأول بقدر / عمله مما انتفع له العامل الآخر ، قال ابن القاسم بالاجتهاد فقد يصادف الأول أرضا رخوة أو صلبة والثاني خلافها .
وكذلك القسم بالاجتهاد في العتبية ابن القاسم ، عن مالك : قال عيسى : قال ابن القاسم : يقضي الذي جعله كاملا ، وعلى رب البئر قيمة ما انتفع به من عمل الأول ، كان أقل من الجعل الأول أو أكثر ، ابن القاسم : وإن قال له فيما يهلك من الأرضين : احفر لي ها هنا بئرا ولك كذا . فحفر بعضها ، ثم انهدمت ، فإذا كان فيما يملك لم يصلح فيه الجعل إلا إجارة ومقاطعة ، فعليه حبس تمام العمل فيما يشبه ذلك ، ويحفر له في أرضه على أنه إذا قبض الماء وتم البناء كان بينهما رقبة البئر بمائها وبنائها فإن كانت أرض قد عرف قرب مائها وبعده وشدة الأرض وسمى له قدرا معلوما ، فجائز ، وإلا فلا خير فيه .
وقد أجاز مالك إذا أشكل الأمر فيه على الأذرع ومن العتبية أشهب ، عن مالك : وإذا انهار البئر قيل فراغه ، وقد جعل له فيه جعلا ، فيحفر لهم ، وإن انهدم بعد تمامه ، فلا شيء لهم ، وله جعله ؛ لأنه قد فرغ من عملهم وبرئ منه إليهم وإن شاءوا ثمنهم أو أخروه .
ابن القاسم ، عن مالك : ومن واجر رجلا يحفر له عينا على خمسة آلاف ذراع ، وما وجد في الأرض من صفا فعى رب الأرض أن يشقه فعمل فيها ، فوجد في
[7/31]
***(1/27)
[7/32]
الأرض نحوا من مائة ذراع فشقها الرجل ، فما فرع قال له الرجل اعمل لي بدلهما [وموضعه الذي يعمل أكثر / من موضع وجد فيه الصفا قال قد دخلا فيما لا خير فيه ، وأرى عليه قدر قيمة الموضع الذي شقه الرجل يغرمه ، ولا يعمل له بدله ، يريد : ينظركم ذلك من الأرض من قدر العمل ، فيرد قدره مما أخذ .
قال ابن القاسم : لا أقول ذلك ، ولكن بعطاء أجر مثله . وقال سحنون قال ابن حبيب : والإجارة في الحفر أن يقول : أواجرك على حفر هذه البير بيديك وطيها ، أو دور طيها بكذا أو على أن تعمل لي في عشرة أيام أو شهرا ، قال وما يحتاج من حبال وقفاف وأجر ، فعل رب البئر ، وكذلك في البناء ، وإذا مات الأجير قبل تمامه ، لم يتم من ماله ، وله بقدر ما عمل ، ولو منعته صخرة من التمادي فله بقدر ما عمل ، وليس له ذلك في الجعل إلا أن ينتفع به بعد ذلك ، فله بقدر ما انتفع به .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : ومن شارط رجلا يبني له جدارا ، يجصص له بيتا ، ولا خبرة له بالبناء ولا لرب البيت علم بما يدخل فيه ، فذلك جائز كان بصفة معلومة .
في المجاعلة في الأرجية والبناء على النصف
من الواضحة : ولا بأس بالمجاعلة على أرحاء الماء كالمغارسة على الشجر ، أو على بناء بيت على أن له جزءا من ذلك ، مثل أن يكون له منصب رحا ، فيجاعله على بناء رحا فيه ، بصفة كذا ويحجر كذا ، وخشب كذا ولك إذا تمت ثلثها أو نصفها بأرضها ، ثم ما احتاجت في المستقبل من مرمة أو بناء ، فعليهما بقدر
[7/32]
***(1/28)
[7/33]
ملكهما فيها ، ولا يجوز أن يشترط عليه قيامه باغتلالها ما بقي ، ولا أن تكون معاملتهما على عدة من السنين ، ولا على أن يكون للعامل / في القاعة شيء وله جزء من الغلة ، فإن وقع على أن له جزءا من الغلة دون الأرض ، فالغلة كلها لرب الأرض ، وعليه للآخر الأقل من قيمة عمله قائما يوم فرغ منه أو نفقته التي أنفق ، وثمن ما أدخل من صخر وخشب مع قيمة عمل يديه ، فإن أتى سيل فأبطلها قبل النظر في ذلك ، فليس للعامل شيء ، لأنه عمل على أن عوضه في غلة ما عمل بعينه ، وإن كان غررا ، فلا شيء له إذا ذهب ولو كان محمله ، محل الإجارة على الشيء بغرر من غيره لأعطي قيمة عمله ، ذهب أو بقي ، ورد ما أخذ من الغرر الذي لا يصلح إن أخذ شيء وتمضي الغلة بينهما كما اغتلاها ، ولا ترجع إلى ربها ، ولا ينظر فيها بشيء إذا ذهب ، ومثل هذا أن يقول : اعملها على صفة كذا ، وأنفق عليها كذا ، هي لك بذلك كذا وكذا سنة لأنه أخذها منه بذلك تلك السنين بما سمى له من النفقة ، فإن قصرت النفقة التي سمى عن تمام عملها ، مغلى رب الردا ، وإن تم بدون ذلك ، فما فضل له ، ولو قال له : اعملها على صفة كذا ولم يسم ما ينفق ، فذلك جائز ، وكذلك إن قال : أصلح قناتي هذه وما يخرم من سدها ، ولك اغتلاها سنة ، فذلك جائز وكذلك المعاملة على بناء العرصة ، دارا أو بيتا بصفة معلومة ، سمى مما ينفق أو لم يسم ، على أن له سكناها سنينا معلومة مثل الرحا ، ولا يجوز أن يقول فيهما : وإذا انقضت المدة ، فلك قيمة عملك قائما ، أو : إذا خرجت أو إذا أخرجت ، فلك قيمة عملك قائما ، ويفسخ ما لم تفت بالعمل ، فيكون على صاحب العرصة / والرحا الأقل من قيمة العمل يوم فرغ ، أو ما أنفق على المعرفة بما أنفق ، أو على تقدير وكذلك فسر لي مطرف ، وابن الماجشون ، وأصبغ .
ومن العتبية ، روى عيسى عن ابن القاسم ، فيمن قال : أعطني عرصتك أبنيها بعشرة دنانير ، أو بما دخل فيها ، على أن أسكنها [كذا وكذا سنة]، فذلك
[7/33]
***(1/29)
[7/34]
جائز ، وإن لم يسم ، فلا خير فيه ، ولا بأس أن يقول : ابني فيها بيوتا بصفة معروفة وذرع معروف ، على أن لي نصف ذلك .
في العمل على الدابة والسفينة
بنصف الكسب أو بنصف العمل
أو يكريها أو يكري الدار بنصف الغلة
وفي العمل في المعدن على ذلك
أو في الصيد وفي الشيء بينهما
يتداولانه في خدمة أو غلة
من كتاب محمد : ومن دفع سفينته أو دابته إلى من ي عمل عليهما على نصف كسبها ، لم يجز ، والكسب للعامل ، وعليه كراء مثلها . قال محمد : إن لم يسلم إليه السفينة أو الدابة وهي بيد ربها ، وهذا يعمل معه فيها ، فالكسب لربها ، وللعامل أجر مثله .
قال مالك : ولا يدفع دابته إلى من يحطب عليها على النصف محمد يريد : بنصف ثمن الحطب ولو كان نصف الحطب مما ينقل ، لجاز .
قال يحيى بن سعيد : إذا قال فما حطبت من الحطب : أو قال : من الماء ، فلك نصفه ، فجائز ، قال محمد : ويجوز على حملات حطب معلومات ، كما لو قال : لي نقد : ولك نقلة ومن العتبية ، روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، قال إذا دفع دابته أو سفينته لمن يعمل عليها اليوم لنفسه ، ويوما لربها ، فذلك جائز ، فإن أخذ ... ها فعمل أو يوم لنفسه ، ثم نفقت قبل يعمل لربها ، فلربها عليه كراء دابته
[7/34]
***(1/30)
[7/35]
ذلك اليوم ، ولو بدأ فعمل له يوما ، ثم نفقت ، فليدفع ربها إليه أجرة عمله ذلك اليوم .
قال أبو محمد : وأعرفه في غير هذا الموضع إن بدئ بيوم الأجير ، فلرب الدابة أن يأتيه بدابة أخرى . يعمل عليها ، وهذا هو أصلحهم قال : ومن دفع قاربه ، أو شبكته إلى من يصيد له يومين ، ولنفسه يوما ، قال : أرجو أن يكون خفيفا فيما قرب مثل شهرين وأستكثر شهرين .
ومن الواضحة ومن دفع دابته على نصف عملها ، فإن أراد النصف من عملها كراءها ، أو ما يكسب على ظهرها لم يجز والكسب له ولربها كراء مثلها عليه وإن عاقه على العمل عائق ، وعرف ذلك بأمر معروف فلا شيء عليه إذا لم يكرها بشيء مضمون عليه ، وإن قال احتطب ، أو احتش ، ولك نصف ما تحتطب أو تحتشى فإن كان ذلك ممكنا فجائز ، وكذلك : فلي حمل ولك حمل ، ولأن وجه الحمل معروف ، ولو كان الحمل موصوف القدر ، كان أحب إلي ، وإلا فهو جائز ، وإن اختلفا في قدره حمل على الوسط من الأحمال ، ولو كان الحطب والحشيش متعذرا ، لم يجز ذلك ، إلا أن يقول : فما احتطت ، فلك نصفه ، لأنه خطر ويصير وكقوله : أكرها أو اعمل على / ظهرها ، فما عملت عليها أو اكتريتها به من شيء ، فلك نصفه . فلا يجوز إلا على تسمية حزم موصوفة ، وهو في السفن مثل ما ذكرنا في الدواب ، وأما في الدرر والحواتيت والأرصاد ، إن قال : قم لي بذلك بنصف غلتها لم يجز ، فإن نزل فالخراج لربها ، ولهذا إجارة بدنه ، بخلاف السفن والدواب ، لأن المستأجر في الدور وشبهها الرجل ، وأما السفن والدواب فهي المستأجرة ، وكله قول مالك ، والي قال ابن القاسم ، في المدونة إذا قال أكرها ، ولك نصف الغلة فالغلة لربها ، وعليه إجارة الرجل في السفينة والدار والدابة ومن
[7/35]
***(1/31)
[7/36]
كتاب ابن المواز : قال مالك : ولا بأس أن يدفع إليه دابته يعمل عليها اليوم بشيء مسمى يصفه ، أو في كل يوم ، وأما إن أجره بدينار وأعطاه دابته على أن تأتيه كل يوم بشيء مسمى من طعام أو غيره ، لم يجز قال محمد : وأما بدرهم كل يوم ، فلا يجوز ، وأما طعام ، فلا أدري لم كرهه ؟
وكذلك لو أعطاه طعاما وضمنه درهما كل يوم ، لجاز قال ابن ميسر : إذا وصف ووجل الأجل ، قال مالك : إذا شرط في الأجر ، أن يأتيه الأجير بالخراج ، فلا خير فليه ، وإن لم يشترط ، فرضي بذلك الأجير ، فلا بأس به لأمانة ، وفي المدونة لا بأس بإجارة العبد ذي الصنعة على أن يأتيه بالغلة ، ما لم يشترط غلة معلومة ، قال مالك : ومن دفع دابته إلى رجل فيعمل عليها على أن يأتيه كل يوم بكراء ضامن ، فذلك جائز ، قال محمد : صواب ، لأنه ضمن . له / كراءها ـ قال مالك ولو أجره بدينار أو بدراهم ، ودفع إليه دابته على أن يأتيه كل يوم بدرهم لم يجز ، لأنه دفع دينارا أو عمل دابته سنة بدرهم كل يوم ، وكذلك في الواضحة ، إذا كان طعامه وكسوته على المستأجر وعلى نفسه ، فلا يجوز .
قال مالك : ولا يشترط عليه طعاما معلوما كل يوم قال ابن القاسم ولا عرضا معلوما ؛ لأنه خطر إن زاد فله ، وإن نقص فعليه . قال : وإن لم يضمنه شيئا معلوما وائتمنته على ما يصيب ، فذلك جائز ، قال محمد : أما إن أعطاه دينارا أو عمل دابته شهرا ، على أن يعطيه كل يوم من الشهر ويبة طعام موصوف ، فجائز ، ولا يجوز على أن يكون له عليه دراهم ، ولا بأس أن يعطيه دابته أو سفينته يعمل عليها اليوم لنفسه ، وغدا لك ، ولا أحب أن يقول : ما كسبت عليها غدا فلي ، ولو كريته دابتك اليوم بعمله عليها لك غدا ، لجاز . وكذلك إن استأجرك ودابتك اليوم بنقل كذا بدابته ، ونفسه غدا ، وإنما يكره في الكسب أن يقول : أعطني ما كسبت دابتك اليوم بما كسبت دابتي غدا ، ولو كانت الدابة بينكما ، لم يجز أن يقول : ما كسبت اليوم فلي ، وما كسبت غدا فلك ، وكذلك في العبد ،
[7/36]
***(1/32)
[7/37]
قال مالك : وإن قال : استخدمه أنت اليوم ، وأنا غدا ، فهو جائز . وكذلك شهرا ، وأنا شهرا . قال محمد إنما يجوز في الخدمة خمسة أيام فأقل ، ولا يجوز في الكسب ، ولا يوم واحد ، وقد سهله مالك في اليوم الواحد ، وكرهه في أكثر منه ، وأجازه في / الخدمة وأكرهه في عمل الدابة أيضا أكثر من خمسة أيام وقد كره مالك النقد في إجارة العبد يقبضه إلى عشرة أيام وكرهه ابن القاسم ، وأجاز النقد فيه في خمسة أيام فدفعك الدابة الشهر هو تعجيل للنقد في الشهر الثاني ، قال محمد : ولا يدخل في خمسة أيام دين بدين وقد أجاز مالك أن تكري منه دارك أو أرضك هذه السنة بداره وأرضه عام قابل ولم يجزه في الحيوان .
ومن العتبية أشهب عن مال ومن قال [لرجل أعني بعملك خمسة]أيام أعينك مثلها جاز وكذلك في الحصاد وغيره .
قال أصبغ وإن قال أعطني عبدك النجار يعمل لي اليوم بعبدي الخياط يخيط لك غدا فلا بأس به .
ومن العتبية قال أصبغ ومن بعث رجلا يعمل له في المعدن وينفق عليه على أن له نصف ما أصاب أو ثلثه لم يجز فإن فات بالعمل وقد نزل في معدن الزبرجد من ابن القاسم وابن وهب وأشهب وغيره واختلف فيه فكان ما استقر فيه من أكثرهم وأكابرهم إنها إجارة فاسدة استوجر عليها فللعامل أجر مثله على الذي بعثه وكل ما أصاب فللذي بعثه كمن واجر أجيرا على أن ما كسب فهو له الإصابة له والحرمان عليه وليس للأجير يعني أجير المعدن إلا إجارة مثله في شخوصه وفي عمله في إقامته فإن وفرت عليه إجارته على إن طعامه على نفسه حوسب بما أنفق عليه وإن قومت / على أن طعامه هعلى من واجره دون ذلك ودخل طعامه في الإجارة وكل سائغ وله أجر مثله أصاب أو لم يصب يريد في المعدن ولو واجره على
[7/37]
***(1/33)
[7/38]
ذلك بطعامه أو بطعامه وشيء معلوم أو شيء معلوم بلا طعام كان جائزا وإنما يفسد إذا جعل له جزءا من الإصابة قد يقل ويكثر وكذلك من واجر أجيرا يصيد له يوما صيد البر أو البحر بأجر معلوم فهو جائز وعليه أنه يجتهد فيما يعمله الصياد من إلقاء شبكة ونصب حباله وغير ذلك مما يعمله الصائد .
قال أشهب في كتاب ابن المواز من واجر رجلا وجهزه إلى معدن الزبرجد على أن ما أصاب فللذي جهزه فهو جائز وقاله أصبغ ولو كان على أن ما يصيب بينهما لم يجز .
في إجارة المعين من رجل أو دابة
أو على عمل أو رعاية في شيء بعينه
وما هلك من هذا كله أو شرط خلفه
من كتاب محمد ومن واجر أجيرا بعينه من أجير أو دابة أو سفينة لم يجز شرط خلف ما هلك من ذلك وأما خلف ما هلك مما فيه العمل عن دواب يعمل عليها أو غنم يرعاها ومال يعمل به فلا يصلح العقد عند ابن القاسم إلا بشرط خلف ما هلك منه ورواه عيسى أيضا عن ابن القاسم وقال غيره جائز أن لا يشترط خلفه والحكم يوجب ذلك في الواضحة قال في كتاب محمد وإنما يجوز ذلك في غيره مبهم من العدد فما تقص أتى / بمثله ما دام الأجير باقيا والذي يريه من غنم يرعاها أو متاع يحمله أو يعمله هو كالصفة لا يجوز الشرط فيما فيه العمل من ذلك وشبهه وضرب الأجل فيه أو في تبليغ كتاب أو الوصول إلى بلد في الكون على أن يقبض عليه لا يعدوه إلا في موت الضمين في الطير ومعلم الكتاب وموت الدابة تراض قاله ابن القاسم وهو استحسان لتعذر وجود المثل في هذه الثلاثة قال محمد فإما في موت الطير والمعلم والرائض فلا شك في فسخ الإجارة بذلك ولا يفسخ بموت أبي الصبي إلا أن لا يترك شيئا وأما الأعمال التي يشترط أن تكون مضمونه في الذمة والمقاطعات الحالة فذلك جائز فليس فيه عمل
[7/38]
***(1/34)
[7/39]
رجل بعينه ولا مركوب بعينه لا كمن أمر في الذمة يواجر من ماله في ذلك إن مات ، وبعد هذا باب في موت الطير والأجير وإن دفع إليه ثوبا يخيطه مضمونات في ذمته فجائز إن لم يشترط عمل رجل بعينه .
وروى أشهب عن مالك في الأجير على حصاد زرع في بقعة منها بعينها فهلك الزرع فلا شيء للأجير ولا عليه محمد ويرد الثمن أن قبضه وقال ابن القاسم الإجارة قائمة ويستعمله في عمله أو يواجره فيه محمد وهذا أحب إلي لأنها مقاطعة وكمن إكتري على حمل عدل بعينه أو طعام ، قال ابن ميسر المحمول على وزن أو كيل بخلاف الزرع ولو كان على حصاد أيام لا يستعمله باقي الأيام .
قال ابن حبيب فإن واجراه على / حصاد فدان بفدان فأهلكها برد فله أن يستعمله في مثله وضمان ما أعطاه من الأجير كرراهم قبضها وقد تقدم من هذا في باب عمل الشيء بنصفه من كتاب محمد ولا يجوز أن تواجر رجلا يعمل لك على دابة بعينها أو يحمل شيئا بعينه لا يعدوه إلا مثل الساعة واليوم وتجوز الصنعة على عمل شيء بعينه وهو مقاطعة في ماله لا يصلح فيه أجل وكل مال يصنعه الصانع لا يصلح أن يضرب في فراغه أجلا ولكن يشترط أن يشرع فيه أو إلى وقت معلوم ولو قال يعمل لي فيه كذا يوما أو فرغ أو لم يفرغ فذلك جائز .
قال أشهب قال مالك ولا خير في أن يقول للخياط تعطيني الثوب بعد غد ولك ثلاثة دراهم قال عنه ابن وهب وكذلك على أن يبلغ له كتابا في يومين أرايت إن تأخر ساعة ؟ قال ابن القاسم ولكن يكريه على اجتهاده وكذلك لا يضرب لبلوغ الدواب أجلا .
وكذلك في العتبية من قول ابن القاسم وروايته عن مالك ، محمد قال أصبغ إن ذكر من الأجل في تبليغ الكتاب وخياطة الثوب وغيره مما يفرغ من مثله فهو جائز ما لم يك فيه إن لم يفعل فلا كراء له وقد بلغني عن مالك في الكراء يشترط فيه اليسير في أيام يذكرها إن أشبه السير فجائز .
[7/39]
***(1/35)
[7/40]
قال محمد : لا يعجبني هذا ، ورواية ابن القاسم وأشهب ، وابن وهب ، بخلاف ما بلغ أصبغ ، وقد انفرد ابن عبد الحكم برواية عن مالك ، في قوم تكاروا / من كري على أن يسير بهم إلى موضع خمسة وعشرين يوما أنه أجازه وأراه يعني اكتراء دوابه خمسة وعشرين يوما إلى قرية فلان فهذا كالمياومة والمشاهرة ، فأما على أن يبلغها في وقت معلوم ، فلا خير فيه ، فإن نزل وكان ي بلغ في مثله لا شك ، رجوت جوازه ، والبقية في أحب إلي ، ثم رجع فقال : يفسخ ، وله قيمة الكراء .
قال مالك ، في الخياط يواجر على أن يخيط ثيابا تسمى له ، فأما الملاحف وشبهها فإنه يعرف نحوها [وأما الخز ففيه المرتفع فليره ثوبا]يعمل عليه أو يصفه ، وكذلك العتبية ، من سماع ابن القاسم ، وقال : أو تكون صفة عرفاها .
قال ابن حبيب ، في الذي جعل له على تبليغ كتاب في يوم كذا ، قال : إن بلغه فله جعله ، وإن اعتلل أو قصر ، فلم يبلغه إلا بعد [ذلك فليس له إلا ما جعل له ولكن أجر مثله بقدر ما انتفع إلا أن يتخلف مثل الساعة وما قرب مما لا يتفاوت فيه نفع ولا ضرر فيكون له عنده أخبار]انقطعت لبعدها منفعته بالكتاب فلا أجر له . وقاله ابن الماجشون .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : ولا بأس أن يكري سفينته شهرا ، قيل : إن الربح قد يبطئ ؟ قال : والدابة تسير وتبطئ ، قال محمد : ويسمى الموضع ومنتهاه ، وقد اختلف فيه قول مالك ، وهذا أحب إلينا . ولو قال : على أن يسير بهم إلى موضع كذا شهرا ، لم يصلح .
[7/40]
***(1/36)
[7/41]
في الذي يقول في الخياطة أو تبليغ كتاب أو كراء :
إن عجلته في كذا فلك كذا في العقد أو عبد العقد
من كتاب محمد والواضحة وفي العتبية من سماع ابن القاسم ، قال مالك ، فيمن واجر غلمانا يخيطون مشاهرة ، وهو يقاطع الناس على الثياب ، فيطرح على أحدهم ثوبا على أنه إن فرغ منه اليوم ، فله بقية يومه ، إلا فعليه تمامه في آخر ، لا يحسب له في الشهر ، قال : أما الثوب الواحد الشيء لو جهد فيه أتمه ، فلا بأس به ، وما كثر فلا خير فيه ، محمد : ولو كان هذا في أصل الإجارة ، كان أكره ، قال مالك : ولا يجوز في عمل الصناع أن يقول : إن عملته إلى أجل كذا ، فلك كذا ، وإن عجلت ، فلك زيادة كذا ، فلا يصلح ذلك في جعل ولا إجارة ، ولا يكون الأجل في الكراء إلى البلدان ، قال مالك : ومن واجر من يبلغ كتابا إلى ذي المروة ، ثم قال بعد صحة الإجارة : إن بلغته في يومين ، فلك زيادة كذا ، فكرهه ، واستخفه في الخياطة بعد العقد على التعجيل ، وكذلك في العتبية ، قال ابن ميسر : وهما سواء ، قال ابن عبد الحكم في تعجيل الكتاب بزيادة : قد خفف ، وكره ، وكذلك في الخياطة ، ولا إجازته أحب إلي .
قال سحنون ، في العتبية لا بأس به فيما بعد صحة العقد قال محمد وإن قال في الكتاب وفي الكراء في أصل العقد إن بلغت في أجل كذا ، فلك الجعل ، وإلا فلا شيء لك ، فلا يجوز بخلاف الجعل في الضالة وبيع السلع ، لأنه لا يبقى للجاعل / بعد العجز ما ينتفع به ، وفي الأول إن شاء بقي له ما ينتفع به .
[7/41]
***(1/37)
[7/42]
في موت الأجير والظئر أو مرضيهما أو موت الأب
من كتاب محمد ، قال مالك : إذا مات الأجير على أن يعمل بيده ، انفسخ ما بقي ، ووجبت المحاسبة ، وإن كان مضمونا في خياطة أو حفر أو بناء ، فهو في ماله ، فإن لم يف حاص بذلك بقيمته يوم الحصاص لا يوم الإجارة ، والأجير يعينه إذا مات أو مرض لا يؤتى بغيره ، قال مالك ، وإن مرض شهرا ، فلا يعمل إذا صح في غيره وإن رضيا ، ولبحاسبه ويأخذ ما بقي له ، قال محمد : وأما الأجير والمرضع وغير المقاطعين على الأعمال يمرض أحدهم ، فليرجع إذا صح في بقية المدة ، ويحاسب بما مرض وكذلك رحى الماء ينقطع ، وإن ماتت الظئر أو الصبي ، انفسخت الإجارة ، وذلك استحسان ، يعني في موت الصبي ، وقد تقدم هذا في باب إجارة المعين ، وفي باب المراضع ، وإذا مات أبو الصبي فقيرا ، ولم يكن دفع إليها شيئا ، فسخ ما بقي ، وإن ترك شيئا فما مضى ففي رأس المال وما بقي ففي مال الصبي : قال مالك : ولا بأس على الكبير شرب لبن المرأة ، ويسعط به ويتداوى إذا كان على وجه التداوي . وفي باب المركب تقف ، في كتاب الأكرية ، ذكر الريح تبطئ على المركب وقد سارت ، هل لهم الفسخ ؟
في الأجير يشترط عليه عملين ، وهل ينقل من عمل إلى غيره ؟
أو واجر أو أكرى شهرا بعد / شهر مختلفين
والاستثناء في كراء الدار أو السفينة شهرا أو حملا
من كتاب محمد ، قال مالك : لا يجوز أن يشترط على الأجير أن يعمل له ما استعمله ، إلا أن يسمى له أعمالا يقرب بعضهما من بعض قال ابن القاسم : ولا ينبغي أن يشترط عليه في المتباعد منها أنه بالخيار ؛ لأنه خطر . الجعل
[7/42]
***(1/38)
[7/43]
قال محمد : ولا يشترط عليه في الخدمة سفر أيام يسميها في السنة ، ولا سيتأجره على عمليه متباعدين ، مثل أن يقول : يحرس في كرمي ، ويبني لي هذا البئر ، قال محمد : يجوز أن يشترط في شهر بعينه من السنة عملا آخر قد سماه ، وقد قال مالك في الدار يكريها على أن إن احتاج إليها في شهر من السنة يسكنها ، أنه جائز إن سمى الشهر بعينه ، وكذلك في السفينة ، قال في موضع آخر : قال مالك ، فيمن أكرى دارا له بالفسطاط ، وهو ريفي سنة على أنه إن قدم في حرث النيل سكنها شهرين ، وإن لم يقدم ، فالسنة كلها للمكتري ؟ قال لا يعجبني هذا .
قال مالك : ولا بأس أن يكري سفينته على أن يضرب له ضربة في الشتاء وضربة في الصيف ، إلا أن يختلف ذلك في سيرها بالريح في سرعته وإبطائه ، فلا خير فيه وكذلك في العتبية من رواية أشهب ، عن مالك .
ومن العتبية ، قال ابن القاسم ، فيمن واجر أجيرا للخدمة ، وشرط عليه إن احتاج إلى سفر شهر أو شهرين في السنة / سافر معه ، فلا بأس به قال في الواضحة إذا قال في أجير الخدمة : سافر معي حيث ذهبت واسخرك في السوق وسمى مثل هذا ، فما كان يقرب بعضه من بعض ، فجائز ، وما اختلف في مؤنثه ، وتباعد ، في أجرته لم يجز ، ولو ذكر الخدمة مجملا لجاز ، [ويختدمه خدمة الرجال]ثم إن حوله من ذلك إلى ما يقاربه فجائز ، وإن تباعد ، لم يجز وإن رضيا .
ومن كتاب محمد ، قال مالك [وإن اكترى أرضا أو عينا وفيها غلمان فاشترط أنه إن]احتاج إلى عمل غلمان في أرض له أجراء استعملهم ، فلا خير فيه ، قال ابن القاسم وهذا خطر وإن استأجره في عمل واحد ، فلا يخير إن
[7/43]
***(1/39)
[7/44]
يستعمله في غيره . إلا ما تقارب وأشبه أن يكون مثل اليوم الواحد أو الساعة مما لا يكون دين بدين وإن لم يشبه الأول فيجوز في هذا ، وإن لم يحسن الأجير بعض ما استؤجر عليه أو ما نقله إليه من المشابه ، أو اشترطه ، فالمستأجر مخير أن يستعمله ما يحسن منه ، وإلا فسخ الإجارة ما لم يكن ذلك العمل يسيرا لا خطب له ، ولا ضرر في تركه .
قال مالك : وإذا واجره يوما على نقل تراب ، ثم بداله ، أن يخيط له ثوبا ، أو يحفر له حفرة ، فذلك جائز في هذا القريب ، ولا يجوز فيما بعد وقاله ابن القاسم ، قال ابن حبيب : برضاهما ، قال ابن حبيب ومن واجر أجيرا شهرين ؛ يعمل في الشهر الأول عملا سماه وفي الثاني عملا آخر أو آجره شهرا على عمل ثم عامله ، قبل تمام الأول على عمل آخر في الشهر الثاني مما أشبه وتقارب من العمل فجائز في المسألتين / ، وما تباعد لم يجز ؛ لأن كمن واجر رجلا في عمل لا يشرع فيه إلى شهر ، أو واجر رجلا شهرا ، ثم واجره غير شهرا ثانيا ، وإذا كان عملا يتشابه ، فهو جائز لمستأجر واحد لا يجوز لغيره ، وقال ابن الماجشون ، قال إن واجره شهرين شهرا بعشرة ، وشهرا بخمسة ، فتلك إجارة واحدة ، ولكل شهر سبعة ونصف ، وإن كان أراد أن يكون ما سمى لكل شهر ، راتب تقع عليه المحاسبة في موت العبد ومرضه فلا يجوز قاله ابن الماجشون ، عن مالك ، وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم ، قال : ولا يصلح حتى يكونا جميعا في كراء واحد على الشهرين نصفين .
قال ابن القاسم : وإلا فهو من بيعتين في بيعة ، لأن العبد إن هلك في الأول فالغابن الكري ، وإن هلك في الثاني ، فالغاين المكري .
قال ابن القاسم : قال مالك : ومن أكرى داره سنتين ؛ سنة بستة ، وسنة بأربعة كراء مختلفا ، فالكراء فاسد .
قال سحنون : الكراء جائز ، لا بأس به . [قال أبو محمد أرى سحنونا يريد هو على الأمر الجائز حتى يشترطا الذي قال مالك]قال ابن حبيب : وإذا
[7/44]
***(1/40)
[7/45]
واجرته ثلاثة أشهر ، ثم واجرته بقية السنة ، ونقدته الإجارة ، فذلك جائز لك ، لا لغيرك في مثل العمل الأول ، وفي الأكرية باب من هذا المعنى إذا واجره ، أو أكرى منه في أمرين مختلفين .
في إجارة بعينه ، أو كراء دابة أو دار بعيبها
وتأخير العمل أو السكنى وتعجيل النقد فيه
وإجارة الرجل المدة الطويلة أو الدابة أو الدار وغير ذلك
/ من كتاب محمد ، قال مالك : ومن واجر أجيرا يعمل له عملا إلى شهرين ولا يعجل النقد أو بعضه ، لم يجز ذلك إلا في خدمة مضمونة ، ولا بنقد في عمل رجل بعينه إلا فيما يشرع في عمله ، أو عمل مضمون مؤجل ، فإذا مات من هو عليه ، كان ذلك في ماله ، وهذا كالنقد في شرك الشيء الغائب ، ويجوز في المضمون . قال أصبغ : وإن لم يشترط تأخير العمل شهرا ، جاز أن ينقده ، وإن لم يشرع في العمل ، فإن واجره بخدمة أجلا طويلا ، ويشرع في الخدمة ، قال : روى ابن وهب ، عن مالك ، فيمن واجر أجيرا خمس عشر سنة ، قال : لا يصلح وهذا كالدين ، وكذلك ذكر في العتبية ، وزاد : ولا بأس أن يكري سنة ، وينفد كراءه .
ومن كتاب محمد ، روى عنه ابن القاسم ، أنه أجازه في الحر ، والعبد عشر سنين أو عشرين سنة ، ويقدم كراءه قال : وما رأيت من فعله وأجازه ابن القاسم ، في عشر سنين ، وكره ما تطاول ولم ير ذلك في الدواب وهي أقرب فوتا ولا تكرى السنين الكثيرة .
ومن الواضحة قال ابن القاسم : يكره كراء الدابة بعينها في السفر الأمد الطويل الخارج من أكرية الناس ، وهي في غير السفر ؛ من سقي زرع ، وشجر وشبهه ، يجوز في ذلك أكثر من حدة في السفر ، ولا يصلح فيه الطول جدا ، فنحن نكرهه في السفر ، مثل الشهور ونحوها ، ويجوز في غير السفر ؛ لما ذكرنا ، ونكرهه
[7/45]
***(1/41)
[7/46]
فيما طال من ذلك كالسنة ونحوها ، ونجيزه في العبد أكثر من ذلك ؛ لأن / عمل العبد لا ينقصه كالدابة ، وليس هزاله وسمنه في بيع رقبته يتفاوت .
ومن كتاب محمد ، قال مالك : ومن استأجر خياطا أو حائكا على عمل أثواب معلومة ، على أن يعملا بيده ، ويقدم إليه أجرته ، ولا يعمل إلى شهر ، قال : لا يصلح النقد في عمل لا يشرع فيه ، فإن شرع فيه ، فجائز أن ينقده فإن مات قبل يفرغ من عمله ، أخذ بقية رأس ماله ، ولا بأس بكراء دار يقبض إلى سنة ، فأما الحيوان فلا ، إلا إلى مثل شهر وشهرين ما لم ينقد . محمد : ما لم تكن الدابة في سفر قلت : كم يجوز فيه النقد ؟ قال : اليوم واليومين ، يريد في الدواب ، قال ابن القاسم : ولا يعجبني في العبد إلى عشرة أيام أن ينقد فيه وأجازه مالك في خمسة أيام ، وفي رواية أشهب ، ولم يجز عبد الملك أن يواجر عبدا على ألا يشرع في عمله إلا إلى شهر ، وقال : هو لا يدري كيف يكون العبد إلى شهر ؟ قال مالك : ومن أكرى دارا سنة ، فله أن يكريها من غير السنة الثانية بنقد أو بتأخير وأكرهه في الحيوان ، لا بنقد ولا بتأخير محمد : ولو أكرى العبد مما هو في يده فذلك جائز بنقد وبتأخير ، ولا يجوز من غيره .
قال مالك : والغرماء يجوز أن يبيعوا دار الميت وفيه عقد كراء منه ، ما لم تبعد المدة وأحاز السنة ، وأما الأرض ، فيجوز فيها وإن بعد عشر سنين ، قال أحمد : إذا أمن فيها من الغرق والتشنج . قال مالك ، ومن واجر عبدا من رجل سنة ، فمضى منها شهر ، فلا بأس أن يؤاجره منه سنة ثانية ، ولا يجوز من غيره إلا فيما قرب ، وفي رواية أشهب : وإن مضت ، جاز أن يؤاجره سنة ثانية وينقده ، قال ابن وهب ، عن مالك فيمن أكرى دارا ثلاثين سنة ؛ وكل سنة بدينار ، فذلك جائز ؛ لأنه بناء مأمون ، لا يخاف عليه ، ويجوز بنقد أو إلى أجل أبعد من أجل الكراء ، ولا يجوز في الحيوان ، ويجوز أن يؤاجر عبدا سنة ، على أن لا ينقد إلى آخر السنة أو أبعد منها ، ولم يره دينا بدين ، قال مالك فيمن أسكن دارا حياته ، فلا بأس أن
[7/46]
***(1/42)
[7/47]
يكريها [مدة قريبة وينتقد ولا يكريها أكثر . قال]ابن القاسم : والقليل مثل السنة ونحوها ، وقال أشهب وإن أكرى ثلاث سنين أو أربعة ، لجاز عندي ، ولو كرهت هذا لكرهت أن يؤاجر عبده أو نفسه مثل ذلك ، وذلك سواه ، ويجوز النقد فيه .
ومن العتبية ، ابن القاسم ، عن مالك ومن واجر خياطا أو نساجا ، وشرط عليه عمل يده ، أو عرف أنه يعمله بيديه ، قال : فلا يصلح فيه النقد إذا عرف أنه يعمله بيده ، أو شرط ذلك ، إلا أن يشرع في عمله ، فينقده إن شاء ، فإن مات قبل تمامه ، رد إليه بقية رأس ماله ، ولمن يستعمل له غيره أخذه مقاطعة ، أو أجرة عليه أياما مسماة .
في العبد المستأجر يعتق ، أو الأمة
هل توطأ : وكيف إن حملت الظئر !
من الواضحة وغيرها ، قال : والعبد يواجره السيد سنة ، ثم يعتقه قبل تمامها ، فالإجارة املك به ، وهو حر بتمامها ، لا يلحقه دين ، وأحكامه أحكام عبد : قال ابن حبيب : فإن اختلفا في إجارته / لمن هي ؟ قال مالك : يسأل سيده ، فإن قال أردت أن يكون حرا بعد تمام السنة صدق ، والإجارة له ، قبضها أو لم يقبضها ، وإن قال : أردت تعجيل عتقه فالإجارة قبضها أو لم يقبضها .
ومن كتاب ابن المواز : وم واجر أمته ، فله أن يطأها ، فإن حملت ، وجبت المحاسة ، ولا يمنع الوطء كما لا يمنع أن لو أكترى مع زوجته ، وأما الظئر فيمنع من وطئها ، لأن ذلك يضر بالولد وتمام هذا في باب إجارة المراضع .
[7/47]
***(1/43)
[7/48]
في الأجير يدع العمل بعض المدة أو كلها
أو يأتيه مانع من غير سببه
أو يشترط بطالة يومين
وذكر الدعوى في بطالة الأجير
العتبي قال عيسى ، عن ابن القاسم : ومن واجر أجيرا مدة بعينها ، أو شهرا ، أو يوما ، يعمل له عملا ؛ في خياطة ، أو خرازة ، أو بناء أو طحين ، أو غيره ، فيروغ عنه حتى جاز الأجل ، ثم يأتي ، قد انفسخت الإجارة فيما يبطل ، وإن عمل شيئا فله بحسابه ، وإنما الذي يلزمه عمله بعد ذلك ، مثل أن يقول : اعجن لي من هذا اليوم ويبة أو اطحن لي في هذا الشهر في كل يوم ويبة . فهذا لا يضر ذكر الوقت ، وليس العمل بعد ذلك ، وليس بواقع على وقت لكن على عمل مسمى .
وكمن قال لسقاء : اسكب لي في هذا الشهر ثلاثين قلة فيروغ فيه ، فذلك باق عليه : وأشهب ، عن مالك : ومن واجر عبدا شهرا بعشرة دراهم ؛ على أن له راحة يومين ، فيبطل العقد ، فأما غير اليومين كيف يحسب حصتهما ؟ من الثلاثين أو من الثمانية / وعشرين قال مالك : الذي يأخذ بقلبي وما هو بالبين ، أنه إن شرط على المستأجر طعامه في يومي الراحة المشترطين ، حسب على الشهر ، وكأنه أجره يوما على أن يترك له بعض النهار سويعة ، وإن لم يكن عليه طعام ، حسب على ثمانية وعشرين .
ومن كتاب محمد ، قال أشهب في الأجير ، يقول : علمت لك السنة كلها ، ويقول من واجره بطلت ولم تأت فهو مصدق ، ويحلف ، محمد : وسواء كان انقطاعه إليه ، أو يغدو إليه كل يوم . ومن كتاب ابن حبيب ، قال وإذا اختلف في كسور الأجير يدعى المستأجر أنه مرض أياما أو شهرا أو شهورا من السنة التي
[7/48]
***(1/44)
[7/49]
واجر عليها ، وأنكر ذلك الأجير أو رب العبد ، فإن كان العبد أو الأمة لهذا المستأجر ليلها ونهارها ، قول المستأجر ، ويحلف نقد أو لم ينقد ، وكذلك دعواه إباقا أو غيبة ، لأنه مؤتمن حين أسلم ذلك إليه ، وإن كانا يختلفان إليه من عند السيد ، فالقول قول السيد مع يمينه ، وأما الأجير الحر ، فالقول قوله مع يمينه كان يختلف إليه ، أو مأواه إليه ، قبض الأجر أو لم يقبض وقاله ابن الماجشون ، ورواه عن مالك . وقاله ابن القاسم ، وأصبغ القول قول الأجير إن كان في يده ، وإن لم يكن يأوي إليه ، فالقول قول المستأجر ، وساوى بين الحر والعبد وبالأول أقول .
ومن العتبية ، قال سحنون ، عن ابن القاسم ، فيمن أجر رجلا يحرث له شهرا ، فينكسر المحراث أو يموت الزوج ، فالكراء لازم ؛ لأن ذلك من سببه ، وإن جاء مطر فهو كالمرض ولا أجر له في ذلك . وفي / أكرية الدور باب في الدعوى في انهدام الدار ومدة السكنى .
في العمل بغير تسمية أجر
وكيف إن خاط الثوب أو سكن المنزل بعد تساوم مختلف
من العتبية من سماع ابن القاسم ، وعن الخياط المخالط أن لا يكاد يخالفني استخيطه الثوب ، فإذا ف رغ راضيته على أجره ، فلا بأس به ، أشهب ؛ عن مالك : ولا بأس بمشارطة الحجام على الحجامة ، ولا بأس بكسبه ، وكسب البيطار .
قال ابن حبيب : لا ينبغي أن يستعمل الصانع حين يسمى أجره ومن كتاب محمد يسأل عن العمل بالقيمة ، مثل التجارة ؟ قال : لا أحبه ، قال : لا يصلح الجعل والإجارة بغير تسمية ثمن . وقال فيمن دفع ثوبا إلى خياط ، فقال : لا أخيطه إلا بدرهمين . وقال ربه : لا أخيطه إلا بدرهم . وجعله عنده ، فخاطه ، قال : ليس له إلا درهم ، قال : ومن سكن منزلا ، فقال ربه : بدينارين في السنة ،
[7/49]
***(1/45)
[7/50]
وقال الساكن : لا أعطي إلا دينارا ، وإلا خرجت إن لم ترض فسكن ، ولم يجبه بشيء حتى تمت السنة ، قال : ولا يلزمه إلا دينار .
فيمن عمل لرجل عملا بغير أمره
أو خدمة أو حمل له حملا ، أو حصد له زرعا
أو أنفق على عبده بغير أمره
من كتاب اللقطة من العتبية ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك : ومن ماتت راحلته بفلاة ، فأسلم متاعه فِأتى رجل ، فحمله إلى منزله فأصابه ربه ، فليأخذه ويدفع إليه أجرة حمله وعمن غابت دابته في السفر ، فتركها موئسا منها ، فأتى من قام عليها / وأنفق فأفاقت ، فلربها أن يأخذها ويعطيه ما أنفق عليها ، ولا شيء له في قيامه عليها .
من العتبية ، عيسى ، عن ابن القاسم ، فيمن انقطع إلى رجل فصحبه أشهرا . يقوم في حوائجه ثم مات المنقطع عليه ، فقام الذي خدمه بأجره ولم يبينه على عدد الشهور ، فإن كان مثله إنما يفعل ذلك لما يرجو من مثله ، فليحلف : ما أتى له شيئا [ثم يعطي له أجرة مثله في أمانت وقيامه وجرأته]وذكر ابن حبيب مثله سواء ، وذكر عن ابن القاسم وروى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، فيمن ملك وصيفة أبوها حر فتركها عند أبيها حتى كبرت ، ثم أخذت فطلب منه الأب نفقته ، قال يحلف ما أنفق عليها احتسابا ، ولا ليضعه عن السيد ويرجع بذلك عليه قال سحنون ، فيمن سقط له ثوب في بئر أو جب ، فنزل رجل فأخرجه بغيره أمره ،
فطلب منه أجره ، فأبى ، وقال : لم آرك فرد الرجل الثوب في البئر أو الجب قبل أن يأتيه أو ابتداء . فطلبه ربه ، فلم يجده ؛ فعلى الذي رده إلى البئر إخراجه ، وإلا
[7/50]
***(1/46)
[7/51]
ضمنه ومن الواضحة ومن حفر لرجل كرمه ، أو سقى أو حرث أرضه ، أو حصد زرعه اليابس ، أو قطع ثوبه وخاطه ، أو طحن قمحه بغير أمره ، ثم طلب أجره ؛ فإن أن رب هذه الأشياء ، لم يكن بد من الاستئجار عليها ، ولم يكن يكتفي فيها بعمل يديه أو غلمانه أو أداته لا بالاستئجار ، فعليه لهذا أجر عمله ، وإن كان مثله لا يحتاج إلى شيء من ذلك ، أو كان يحتاج ذلك إلا أنه ممن يليه بنفسه أو يغلمانه وأعوانه وأداته ، ولا يريد فيه إجارة ، فلا / كراء عليه قال ابن الماجشون ، فيمن واجرته لرعي غنمك شهرا بكذا فلما تم أمرته يدفعها إلى فلان ، قال ورعاها شهرا آخر ، فإن كان بموضع سلطان فترك أن ينهى ذلك إليه ، فكأنه رضي برعيها على مثل الإجارة الأولى ، فيأخذ أجر شهرين ، وإن لم يكن بموضع سلطان ، فلا أجر له في الشهر الثاني ، قال ابن حبيب : هذا إن كان رب الغنم ليس من شأنه أن يؤجر عليها ، وإنما يأمر بإسلامها إلى غيره ، ومن يكفيه ، ولولا ذلك لزمه في الشهر الثاني إجارة مثل الراعي .
فيمن استؤجر على حرث أرض أو حصاد زرع
فيعمل ذلك في غير ما أمر به
أو على بناء بقعة فاستحقت
من كتاب محمد : ومن واجرته على حرث أرض ، فحرث أرض جارك غلطا ، وقد كان يريد حرثها ، ولجاره عبيد ونفر فلا شيء عليه للأجير ، وعلى الأجير أن يحرث لك أرضا . وقال أحمد بن ميسر : للأجير أن يستعمل دواب جارك مثل ما عمل .
ومن العتبية ، روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، ذكر المسألة وقال : إن زرعها فانتفع بالحرث ، فذلك عليه ، وإن لم ينتفع به ، وقال : إنما أردت كراءها فلا شيء عليه .
[7/51]
***(1/47)
[7/52]
قال : وإن واجرته على حصاد زرعك فغلط ، فحصد زرع جارك وكان الغلط من الأجير ، نظر ؛ فإن كان لجارك عبيد وأجراء يكفونه ذلك فلا شيء عليه ، وإن جاء الخطأ من قبل صاحب الزرع ، وكان جاره لا أجر له ولا عبيد ، فليدفع إلى الذي واجر الحصادين قيمة عملهم / ، وللأجراء على من استأجرهم أجرتهم التي سمى لهم قال ابن القاسم : ومن استأجرته يبني لك دارا بالريف بموضع معلوم ، على صفة معلومة ، فاستحقت البقعة ، قال : فله إجارته ذاهبا ولا شيء له في رجوع .
في الأجير على حراسة أحمال أو زرع
كيف تلزمهم الإجارة بينهم ؟
من العتبية ، قال سحنون ، في القوم يستأجرون أجيرا يحرس لهم أعكام متاع ، ولرجل منهم العشرة ، ولآخر خمسة وثلاثة ، قال : الإجارة بينهم على عدد الرجال ، لا على عدد الأحمال ؛ لأنه يتمون في القليل بنظره وترك النوم مثل مؤنثه في الكثير وكذلك حبال المقاتي مختلفة في الطول والعرض والعدد ؛ لهذا حبلان ولهذا ثلاثة ، وكذلك الكروم ، قال : وأما على جميع ثمرة الكروم والمقاتي ، أو على الحراسة مع جميع الثمرة ، فهذا عمل وعمل القليل بخلاف عمل الكثير ، وهذا الحراسة مع جميع الثمرة ، فهذا عمل وعمل القليل بخلاف عمل الكثير ، وهذا فاسد ؛ لأن الكراء يقسم على قيمة ما عمل لكل واحد ، فلا يعرف أجره فيه إلا بعد القيمة مثل الرجلين سلعتهما في البيع في صفقة ، وقد اختلف قول ابن القاسم في إجازته وأجازه أشهب .
[7/52]
***(1/48)
[7/53]
جامع القول في الإجارة في الرعاية وما يصحبه الراعي
وفي الراعي والأجير يعمل في أيام من استأجره
من الواضحة ولا يضمن الراعي عند مالك إلا ما تعدى فيه أو فرط ، وقال ابن المسيب : يضمن الراعي المشترك ، ولا يضمن من يرعى / لرجل خاص وقاله الأوزاعي وهو قول مكحول ، والحسن قال ابن حبيب : ولا يضمن إن قام فضاعت الغنم وإن نام نهارا في أيام النوم إلا أن يأتي من ذلك مما يستنكر ، وما يجر إلى الضيعة ، فيضمن أو يكون بموضع مخوف .
مالك : ويصدق في الشاة يذبحها ويقول : إنها وقعت للموت .
قال ابن كنانة ، وأصبغ : ولا يصدق على مثله مستعير البقرة يدعي ذلك فيها ، وإذا رمى شاة أو بقرة ففقأ عينها أو كسرها ، ضمن ما نقصها ، وإن أبطلها ضمن قيمتها تعمد أو لم يتعمد ، وكذلك إن رمى كما يرمى الراعي الغنم ، فحدث عن ذلك ما لم يرد ، فإنه يضمن ، كما أن من ضرب زوجته على وجه الأدب ، أو معلم يضرب الصبي للأدب ، فيكون عن ذلك ما لم يقصده ، وإن يفعل ذلك ، ولو كان أجنبيا ، كان فيه القود وإنما لا يضمن الراعي ما أحدث عن رميته إن تزوي الشاة لرميته أو تحيد فتقع في مهواة فتنكسر ، أو تقع في نهر أو تنطح صخرة فتنكسر ، فلا يضمن هذا بخلاف ما تؤثر الرمية بنفسها ، وهذا إذا رمى كما يرمي الرعاة ، فإن رمى منعشا ضمن كيف ما عطبت بسبب رميته ، ويصير كأجنبي ، ويدل أنه يضمن ما أصابت رميته أنه لو رمى صيدا فأخطأه ، وأصاب شاة فعطبت ، لضمن ، قال : وإن رجلا [لو رمى في بيته في بعض ما يجوز له]فيطيب جرة دهن عنده وديعة إنه ضامن ، كما لو سقط عليها شيء من يده ، ولو سقطت من يده ، لم / يضمنها ومن واجر راعيا يرعى له غنمه ، فإن شرط أن يضمنه إلى نفسه ، فيكون تحت يده ، فليس عليه أن يتم له عدة ما يرعى ، وله أن
[7/53]
***(1/49)
[7/54]
يسترعيه ما يقوي مثله على رعيه من الغنم ، وليس للأجير عن ذلك أن يرعى لغيره ، وإن لم يضر ذلك بغنمه [لأنه أجير وله خذكته كلها]في الغنم ، كالدابة يكريها ليحمل عليها ، فليس لربها أن يحمل عليها إلا أن يكري منه حمل وزن مسمى ، أو كيل ، وكذلك إن واجره على رعاية عدد معلوم ، فله أن يرعى غيرها ، ويكون للراعي . أجرها إن لم يضر الأول ، إلا أن يكون شرط عليه لا يرعى معها غيرها ، فله شرطه وقال مالك ، من استأجر على رعاية غنم معينة مذكورة العدد ، فابن القاسم لا يجيزه حتى يشترط خلف ما هلك أو باع ، وليس بصواب ، والحكم بوجب له ذلك ، ويستغنى على الشرط ، وذلك على الأمر الجائز حتى يشترط تصريحا أن ما مات أو بيع ، فليس عليه أن يرعى له مثله ، فتفسد الإجارة ، وكذلك قال ابن الماجشون ، وأصبغ والغرض في رعي الغنم العدد لا الأعيان ، وكذلك في الجعل في شراء الثياب وتقاضي الديون في كل مائة كذا ، فهو على أنه بحسابه حتى يشترط ألا شيء له حتى يتم مائة ، فيفسد ، وإن شرط على الراعي الضمان ، لم يلزمه وله أجر مثله ، وليس له أن يسترعيها غيره إلا بإذن ربها ، وإن فعل ضمن ، وإن كان مثله في أمانته وعناية كالأمين يأتمن غيره . ولا يجوز له أن يسقي من ألبانها أحدا .
ومن كتاب ابن سحنون ، من سؤال حبيب ، عن الراعي يرعى للجارين ، لهذا شاة ، ولهذا شاتين ، فهربت من الدورشاة فطلبها قليلا ، ثم رجع إلى الدور هل هذا تفريط ؟ قال : ليس هذا بتفريط ، ولا ضمان عليه .
ومن كتاب محمد بن المواز : وإذا كانت بينهما غنم ، فواجر أحدهما الآخر على رعايتها بثمن سماه ، فإن كان إذا شاء قاسمه ، فذلك جائز كان فأهلك أو باع ، رعى له مثله ، وإن كان على أن لا يرعاها إلا الجميع ، لم يجز ، وللأجير على رعاية غنم أن يرعى معها غيرها ، فهذا إن فعل فالأجر لمن واجره ، وكذلك أجير الخدمة يؤجر نفسه من غيره يوما ، فالإجارة للأول قاله مالك .
[7/54]
***(1/50)
[7/55]
قال ابن القاسم : إلا أن يدعه ويرجع بحصة اليوم فيما دفع ، فذلك له هو مخير .
ابن القاسم : والأجير في شهر بعينه لرجل ، فيعمل فيه لغيره ، فالكراء للأول إن كان أكثر ، وإن كان أقل ، أخذ بقية حقه منه محمد : وهو مخير في ذلك في المحاسبة وأخذ ما أخذ في ذلك .
في تفليس الأجير والمستأجر
من الواضحة : وإذا فلس الرجل ، فأجيره في سقي زرع أو شجر ، أو على عمل أرض على الغرماء وأجير الرعاية ، أو على البيع أو التجارة أسوة وكلهم في الموت أسوة ، وحامل المتاع على دوابه أحق به في الموت والفلس ، قاله كله مالك ، واختلف قوله في أجير / الزرع والشجر والأرض قمر برأه في الفلس دون الموت ، ومراه برأه فيهما وقاله أصبغ ، وبه أقول ، وهو كالرهن ومن استأجر أجيرا في مال ، فما لحق فيه من دين تجاوز ما في يديه ، فهو المتبع فيه دون من واجره ، وكذلك ما لحق به عبده التاجر في تجارته والصانع من ضمان في صناعته ، فهو في ذمته ، ولا شيء على سيده ، وقاله كله مالك ، وهذا المعنى . مستوعب في كتاب التفليس ، فيه ما في كتاب ابن المواز وغيره ، فتركت تكراره ، إلا ما ذكرت ها هنا لابن حبيب .
في الإقالة في الإجارة ، وذكر الإجارة والسلف
قال ابن حبيب : ومن واجرته سنة ، ونفدته الإجارة عنها ، فلا يجوز أن تقبله قبل تمامها إلا أن يأخذ منه عرضا ، أو ما سوى العين نقدا ، إلا أن يمرض . الأجير ، أو يحدث لمن واجره سفر ، أو يظهر من الأجير خيانة أو دعارة ، فهذا ونحوه غرر ، ويبرئها من الذريعة ، وفي البيوع ذكر الإقالة في الأكرية والإجارة مذكورة . قال مالك : ولا يجوز أن تأمر الصانع أن يعمل لك على فصك خاتما بفضته ، ليقضيه إياها مع إجارته محمد : فإن فعل ، فليرد عليك فصك ، وليبق له فضته التي
[7/55]
***(1/51)
[7/56]
صاغها قال مالك : وإن استقرضت فيه عشرة دنانير على أن يصوغها ، لم يجز ذلك بإجارة ولا بغير إجارة ؛ لأنك على ذلك أخذتها منه .
ولو أسلفك دنانير ، فلم تقبضها منه حتى / قلت له : صغها لي لم يجز أيضا ، ويرد إليه ما صاغ لا شيء له غير ذلك ، ولو قبضت منه الدنانير بغير شرط ، وفارقته ، ثم رددتها إليه يعملها ، جاز إذا صح لب ، ولم يقصد الصياغة أولا ومثل هذا وشبهه في كتابه الصرف في أوله ، وفيه مسألة الصائغ يعطيه خمسين ، ليصوغ لك خلخالين مجانة حتى يعطيه إياها مع إجارته عشرة دراهم ، أو كان ذلك في تموبه لجام أو حلية سيف ، وفي الحداد يسلفه حديدا ، ويعمل لك به شيئا وفيه لابن حبيب من مثل هذا المعنى .
في إجارة المراضع
من الواضحة : ولا بأس بإجارة الظئر السنة والسنتين بشيء مسمى ، على أن نفقتها في طعامها وكسوتها على أبي الصبي وإن لم يسم قدرها ، وهذا معروف على قدرها وهيئتها وقدر أبي الصبي في غنائه وفقره ، وقد اختلف في وطء الزوج إياها وقد استؤجرت بإذنه ، فقال ابن القاسم : ليس له الوطء .
وقال أصبغ : لا يمنع الوطء إلا أن يشرط ذلك عليه ، وإلا لم يمنع إلا أن يتبين ضرر ذلك على الصبي ، فيمنع حينئذ ، لأن النبي عليه السلام ِإنما قال : لقد هممت أن أنهي عن الغيلة ولم ينه عنه .
وقول ابن القاسم أحب إلي ، اشترط ذلك أو لم يشترطه ألا ترى أن الزوج لا يكون موليا باليمين لتركه ؟ قال ويحمل من مون الصبي في حميح ودهن ودق ريحانة وغسل خرفه على المتعارف ، فإن لم يكن عرف ، فليس عليها غير الرضاع فقط / ، إلا أن يشترط ، وليس لأبي الصبي إن أراد الرحلة من البلاد فسخ الإجارة ، ولا تنسخ إلا بموتها ، أو موت الصبي .
[7/56]
***(1/52)
[7/57]
ومن كتاب محمد ابن المواز : ولا بأس بإجارة الظئير إلى فطان الصبي . واتقى مالك استرضاع الفاجرة ولم يره حراما ، قال ابن حبيب : وكره مالك استرضاع الكوافر والحمقاء والمأفونة قال ابن حبيب : ولما في الرضاع [من الطعام قال محمد]ابن عبد الحكم إذا تكفلت امرأة بوجه رجل ، وقد كان غيره أجرها على رضاع ولده ثم قاما عليها ، فلا تحبس لصاحب الدين ؛ لأن الحمالة تطوع منها ، وليس لها أن تتطوع بما يفسخ ما عليها من الإجارة ، فإذا أوقت الإجارة ، طولبت ، وإذا استؤجرت امرأة في عملها ، أو رضاع صبي ترضعه في بيت أهل ، ثم مات زوجها فإنها . تبيت في منزلها بالليل ، ولا نفسخ الإجارة إن طلبوا فسخها في العدة ، للشرط المتقدم ، وإن رضوا بمصير الصبي في منزلها ، بقيت الإجارة ثابتة وإن أجرت ظئر نفسها ، فأراد الزوج أن يسافر بها ، فإن كانت الإجارة بغير إذنه ، فذلك له ، وتفسخ الإجارة ، وإن كانت بإذنه ، فليس له أن يسافر بها . قال محمد بن عبد الحكم ، وعلى الظئير المستأجرة أن تغسل خرق الصبي ولحافه ، وما يحتاج إليه ، وتقوم من أمره بما تقوم به الأم وترضعه إن احتاج إلى ذلك ، وتحمله إلى طبيب إن احتاج ذلك ، وتدق ريحانه وغيره مما يحتاج إليه ، فأما ما ترقد فيه الظئير من لحاف / وفراش ، فذلك على ما تعارفه الناس أن يكون عليه ، فإن لم يكن للبلد في ذلك سنة معروفة ، فذلك عليها ، ويكون على الأب لحاف الصبي ودشاره وما يرقد عليه . وإذا كان للظئير زوج في ذلك بأمره ، فليس له أن يسافر بها وإن كان بغير أمره ، فله أن يفسخ ذلك ويخرجها حيث شاء .
في إجارة نزو الفحل
في الواضحة ويجوز إجارة نزو الفحل نزوات معدودات ، أو أياما ، أو شهرا ، فإن سمى يوما أو شهرا ، لم يجز أن يسمى نزوات ، ولا يجوز في ذلك كله شرط
[7/57]
***(1/53)
[7/58]
الإعقاق وقال الحسن : لا بأس بإجارة الفحل ما لم يبصر أو يمصر ، ودع عنك فتيا النوكي قال لي محمد عبد السلام : البصر الإكراه على الشاة قبل أوانها والمصر الجنب .
ومن العتبية ، قال عيسى بن دينار ، عن ابن القاسم : لا بأس أن ينزى البغل على البغلة إذا استودفت ، وكأنه كره فيه الإجارة ، وقال : ليس فيه منفعة ، ثم قال : لا أدري ما هو ؟ قال عيسى : لا بأس به إذا أذنه ، وإن استأجره إذا لم يجد من ينزى له باطلا .
قال سحنون فيمن وافق رب الفحل عن أن ينزيه على دابته مرتين بدرهم ، فأنزاه ضربة ، فعقت الدابة ، فليرجع بنصف درهم بمنزلة موت الصبي في الرضاع ، ولا يؤتى بغيره .
في إجارة المعلمين
من كتاب محمد ، قال مالك : ولم يبلغني عن أحد كراهية تعليم القرآن والكتاب بأجر ، وكان سعد بن أبي وقاص يعطي الأجر على تعليم بنيه ، وما روي من النهي عن ذلك ، فذلك في أول الإسلام / والقران قليل في صدور الرجال ، فأما بعد أن فشا وانتشرت المصا حف والتعليم ثمن لشغل بدن متولى ذلك ، كبيع المصحف ثمن للرق والخط ، وقد علم صفوان بن سليم ، وعطاء بن أبي رباح في مبتدإ إسلامهما وأجازاه ، قال الحسن : لا بأس بالاشتراط في تعليم القرآن شيئا معلوما ، قال عبد الجبار بن عمر : وكل من فسألت بالمدينة لا يرون بتعليمه بالأجر بأسا ومن العتبية ، سئل سحنون عن المعلم يعلم الصبيان بغير شرط
[7/58]
***(1/54)
[7/59]
فيجرى له الدرهم والدرهمان كل شهر ، ثم يحذقه القرآن فيطلب الحذقة ، ويأبى الأب ويقول : حقك فيما قبضت قال : ينظر إلى سنة البلد ، فيحملون عليها ، ألا أن يشترط شيء فله شرطه ، وليس في الحذقة شيء معروف إلا على قدر الرجل وحاله .
قال ابن حبيب : ولا بأس بالإجارة على تعليم الشعر ، والنحو ، وأيام العرب ، والرسائل ، وشبهه من علم الرجال وذوي المروءات ، وأكره من تعليم الشعر وروايته ما فيه ذكر الخمر والخنا وقبيح الهجاء وقاله كله أصبغ قلت لأصبغ : فلم جوزت الشرط على ذلك بغير أجل ، وهو ليس له حد معروف ؟ قال : هو معروف كما أجاز ذلك مالك الشرط على تعليم الخياطة والخرز وشبهه ، فإذا بلغ ذلك مبلغ أهل العلم به من الناس ، وجب أجره وأجاز مالك شرط حذقة القرآن ظاهرا أو نظرا بأجل وبغير أجل الأولى ، كمشترط خياطة ثوب في يومين ، ففرغ فيه في ثلاثة ، فله أجر مثله ، وإنما يجوز الأجل في الحذقة . وفراغ الخياطة / إن ضيق الأجل حتى يخشى ألا يبلغ ذلك فيه والذي ذكر ابن حبيب من ضرب الأجل في الحذقة ليس بأصله ، وكذلك في الخياطة ، وقد ذكرناه فيما تقدم .
ومن كتاب ابن المواز : وأجاز مالك التعليم مشاهرة ، ومقاطعة ، وكل شهر ، وكل سنة كذا ، ما لم يقل بعلمه في سنة أو سنتين ، فإذا سميا سنة ، فلا ترك لأحدهما ، وإن قالا : كل سنة أو كل شهر فلكل واحد منهما الترك .
قال ابن حبيب : ونحن نوجب حق الحذقة على حفظ القرآن ظاهرا أو نظرا ويقضي بها للمعلم بقدر دراية الغلام وحفظه في حذقه الظاهر ، وقدر معرفته بالهجاء والخط في حذقه بالنظر ، وليس لها قدر معلوم ، وهي بقدر ملاء الأب وعدمه ، وهي مكارمة جرت بين الناس وبين المعلمين كهدية العروس التي يحكم بها بقدر ملاء الزوج وعدمه قاله أصبغ وغيره ، ولا يضره في حذقة الظاهر أن يخطئ الصبي في السورة الحرف والأحرف ، وليس من يخطئ كمن لا يخطئ ، فإما إن
[7/59]
***(1/55)
[7/60]
كان غير مستمر في القراءة ولا متوجه ، فليس ذلك بحفظ ولا حذقة تجب له بل يجب عليه التعنيف من الإمام فيما كان يأخذ من خراجه ، وكذلك إنما يجب له حذقة النظر إذا كان يتهجى حسنا ، ويخط خطا جميلا ، ويكتب ما يملي عليه ، ويقرأ نظرا ما أمر بقراءته ، فأما إن لم يحسن الهجاء ويحكم الخط ولا يقرأ شيئا نظرا فلا حذقة له ، وعليه التعنيف من الإمام فيما كان يأخذه من خراجه ، وكذلك إنما تجب له حذقة النظر إذا كان يتهجى ـ حسنا ، ويخط خطا جميلا ويكتب ما يملي عليه ، ويقرأ نظرا ما مر بقراءته ، فأما إن لم يحسن الهجاء ويحكم الخط ولا يقرأ شيئا فلا حذقة له وعليه التعنيف من الإمام ، وسواء كان يأخذ الخراج مشاهرة أو في كل شهرين ، فالحذقة على الحفظ تلزم أباه / إلا أن يكون اشتراط عليه ألا حذقة له غير خراجه ، فلا يلزم ، وإن سكتا عنها ، لزمته ، اشترطها أو لم يشترطها ، ويفترق ذلك إن أراد الأب إخراجه [الحذقة فإن كان شرطها]المعلم إن له في الحذقة كذا ولبه درهم في كل شهر ، فللأب أن يخرجه إذا شاء ، وعليه من الحذقة بقدر ما قرأ منها ، ولو لم يقرأ إلا الثلث أو الربع ، فله بحسابه من الحذقة ، ولو شارطه على أن يحدقه كذا ، فليس له إخراجه حتى يتم ، ولا يجوز إذا اشترط الحذقة مع الخراج إلا أن يسمي لها شيئا معلوما ، وأما أن يذكر الخراج ويشترط أن له الحذقة ولا يسميها ، فلا يجوز ذلك ، وإذا لم يشترطها ، فهناك يحكم له بها بقدر الغلام في درابته وحفظه ، وإذا لم يشترطها ، ولا شرط للأب سقوطها وأراد إخراج الصبي قبل فراغه ، فإن تدانت الحذقة بالأمر اليسير ، مثل السور القليلة تبقى عليه ، فقد وجبت له الحذقة كلها ، وإن بقي ما له بال مثل سدس القرآن وأقل من ذلك فله إخراجه ، ولاحذقة عليه لا كلها ولا على حسابها . وقال سحنون ، إذا بلغ الصبي عند المعلم ثلاثة أرباع القرآن فقد وجبت له الحذقة ، ووقف في الثلثين ، وقال : الثلاثة أرباع أبين .
قال ابن حبيب : ولا يلزم الأب حق الأمطار والأعياد إلا أن يشاء ، وهي مكارمة حسنة في أعياد المسلمين ، وذلك مكروه في أعياد النصارى ، مثل النيروز .
[7/60]
***(1/56)
[7/61]
والمهرجان لا يجوز عطاؤه ولا قبوله ، وكرهه الحسن ، وقال : كان المسلمون [يعرفون]حق معلميهم إذا جاء عيد أو دخل / رمضان ، أو قدم غائب ، ومن كتاب ابن المواز : وكره مالك أن تطرح ولدك عند النصراني ، وكره أن يعلم المسلم أبناء المشركين الخط ، وروى مثله أشهب ، في العتبية عن مالك ، ومثله في الواضحة .
وكره أن يتعلم المسلم عند النصراني كتاب المسلمين أو كتاب النصارى في كتاب محمد ، ومن كتاب ابن سحنون : وسأل حبيب سحنونا ، عن الرجل يريد أن يخرج ابنه من الكتاب بعد أن بلغ عنده ربع القرآن ، هل يجب له شيء من حق الختمة ؟ قال : لا يجب له شيء وإنما يجب له إذا قارب الختمة بمنزلة المدبر ، وأم الولد للسيد انتزاع أموالهما إن لم يتقارب عنهم بمرض السيد ، فلا ينزع منهم شيء قيل : فإن بلغ الثلثين قال : وقد قارب ، والثلاثة أرباع أبين .
في إجارة المصحف والإجارة في الأذان والإمامة
قال ابن حبيب : لا يجوز إجارة المصحف ، بخلاف بيعه ، وكأنه ثمن للقرآن ، وبيع المصحف ثمن الرق والخط وكره إجارته من لقيت من أصحاب مالك واختلف قول ابن القاسم فيه ، وقد بيعت المصاحف أيام عثمان ولم ينكروا ذلك وكره ابن عباس أن يتخذ متجرا ، وأجاز بيع ما عمل بيده ، وتجوز الإجارة إلا على كتابتها ، وكره مالك ، وغيره النقط بالحمرة والصفرة ، وأعبا ابن حبيب ، رواية ابن القاسم ، عن مالك في إجازة الإجارة على الأذان والإمامة ، وكرهته في الإمامة ، وقال : ذلك سواء / لا يجوز على أذان ولا صلاة ؛ لأن ذلك كله لله معمول ، وقد جاء في الحديث : « اتخذ مؤذنا لا يأخذه على أذانه أجرا » وكرهه عطاء إلا أن
[7/61]
***(1/57)
[7/62]
يعطى من غير شرط ، وما روي من عطية عمر وغيره على ذلك ، فلأن ذلك من مال الله ، ونفق لهم على قيامهم بأمر المسلمين ، وكذلك كان يجرى للقضاء والولاة رزقا وهم لا يجوز لهم الأخذ من مال من حكموا له [بالحق جعلا على حكمهم].
في ضمان ما يكترى أو يؤاجر
من كتاب ابن المواز : قال من اكترى جفنة ، ثم زعم أنها انكسرت أو تلفت أو سرقت ، فهو مصدق ، إلا في قوله انكسرت ؛ لأنه يقدر أن يأتي بفلقتها ، قال مالك : فأين فلقتها ؟ محمد : إلا أن يقول : سرقت الفلقتان ، أو تلفتا ، فإن كان بموضع يمكن اظهارها ، لم يصدق ، وإن كان بموضع لا يمكنه صدق قال ابن القاسم : ويصدق في ذهاب الحلي والثياب قال مالك : ويصدق في ذهاب السرج واللجام على الدابة يكتريها بهما ، ويحلف ، ولا يضمن إلا أن يتعدى وقاله ابن القاسم .
قال أصبغ : ويسقط عنه من كراء ذلك كله بقدر ما زعم أنه ذهب منه ، قال ابن ابن القاسم : ويصدق في قوله : قد رددت ذلك قبضه ببينة أو بغير بينة وفي باب أكرية الدواب من هذا الباب مسائل ، وفيه ذكر الدابة يدعي هلاكها ، وفي باب الأجير يدعى العمل بعض المدة ، وذكر التداعي في كسور الأجير / وبطالته ، وهدم الدار ، وانقطاع الماء ونحوه ، وفيه أيضا في باب من أكريه الدور .
باب في العبد يؤجر في عمل ، فيهلك فيه
روى عيسى ، عن ابن القاسم ، قال مالك ، في العبد الخياط أو النجار يستأجره رجل في غير عمله ، يحمل له شيئا ، أو ينقل له لبنا أو غير ذلك ، فيهلك
[7/62]
***(1/58)
[7/63]
العبد فلا ضمان عليه ، وقد يرسل العبد البناء في البناء ، فيتعذر عليه البناء ، فيؤجر نفسه في [غير عمله فلا أرى عليه ضمانا إن أصابه شيء في ذلك إلا أن يستعمله]في عمل مخوف فيه خطر ، قال ابن القاسم [أو بعثه سفرا].
في أجر القابلة
روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في أجر القابلة : إن كان أمرا لا يستغنى عنه النساء فهو على الرجل ، وإن كان يستغنى عنه فهو على النساء خاصة ، وقال أصبغ : قال ابن القاسم : إن كانت المنفعة فيه للمرأة والصبي ، والمضرة فيه عليهما ، فذلك على المرأة والزوج نصفين ، كأنه يراه على قدر المنفعة ، قال أصبغ ، أراه على الأب كله ، يقول الله تعالى : [وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ففرض لهن ذلك بالولد ، والولد هبة لما جميعا]وكذلك نوائب الولد ومصالحه التي يخرج بها ويحتاج إليها .
في إجارة المولى عليه ، ومن لا يؤمن
قال مطرف ، وابن الماجشون : ولا بأس أن يستأجر الرجل الغلام لم يبلغ ، والجارية لم تحض من أنفسهما إذا عقلا وكان فيما فعلا نظر ، ويدفع إجارتهما إليهما ويبرأ من ذلك الدافع ما لم يكن شيء له بال ، وما كان في إجارتهما من محاباة فعلى المستأجر / تمامها ، كان معهما ولي أو لم يكن ، وكذلك لو عقد ذلك عليهما أخ أو عم ، يجوز من ذلك ما يجوز إذا عقداه هما إذا قال : خطب ذلك ، ولم يحاسبيا
[7/63]
***(1/59)
[7/64]
فيه ، ودفعه الإجارة إلى وليهما من أخ أو غيره يبرأ به في هذا [كله إن كان الولي مأمونا ولو كان ولي من الإمام كان أحب إلينا وقال مثله ابن عبد الحكم وأصبغ ولا ينبغي]إن يؤاجر إلا المأمون ، ولا تؤاجر إلا للمأمون ، ولا تؤجر الجواري في الخدمة إلا من المأمون العفيف ، ويتقدم فيه الإمام ويعاقب على خلافه ، ولا يؤاجرن من غريب لا يعرف .
جامع في الإجارة [والأكرية]
من الواضحة : ومن واجر [أجيرا]على أيام معدودة أو كل يوم بدرهم على أن يوافيه إلى منزله لحصاد أو غيره ، ومسافته عن يومين ، فطلب [أن يحسن له في]اليومين ، وقال المستأجر : إنما أحسب لك من يوم تصل قال بل يحسب له من يوم خرج من موضعه إليه ؛ لأنه دخل في السفر الذي هو سبب عمله ولا يحتسب له شيء في انصرافه وقال ابن الماجشون : وقال أصبغ : إنما يحسب له من يوم وصل إلى موضع عمله ، وإذا واجره على أن يشرع في العمل إلى أيام ، فإنما يجوز من ذلك إن كانت قريبة كالجمعة ونحوها ، هذا إن كان تأخيره لعمل هو فيه . الحر لنفسه ، والعبد لسيده ، وإن كان لغير عمل هو فيه ، فلا وهو خطر قاله ابن الماجشون ، وقاله مالك .
قال : ولا بأس بإجارة الرجل ليحمل طعاما إلى رحى ويرده دقيقا ، ولا يوقت لاحتباس الطحين وقتا ، وذلك في غير إبان حمل الأنهار التي يكثر عليهم فيها الطحين فيخشى طول المدة ، فلا يصلح في ذلك / إلا مؤقتا ، وإن كان [في غير]إبان الجيش ، فأما الجيش من غلة رحى أو غير ذلك ، فإنه إذا قضى من الوقت مثل ما يعرف قبل حدوث ما أوجب الجيش ، أخذ دابته ، وللمكتري أن يكريها راجعة من الرحى إلى مثل طعامه إلى مثل موضع داره ، ويتراضيان على أمر جائز ، وقاله كله أصبغ .
[7/64]
***(1/60)
[7/65]
ومن كتاب محمد : قال مالك ، في قوم اشتروا سلعة ، ثم تبايعوها بينهم ، وجعلوا لأحدهم أن يكتب لهم : من حضر بجزء من الربح غير حظه ، فلا خير في ذلك وكذلك قال في العتبية ، من سماع ابن القاسم .
تم كتاب الجعل والإجارة
بحمد الله ويسره عونه
[7/65]
***(1/61)
[7/66]
***(1/62)
[7/67]
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
كتاب تضمين الصناع
باب في أكرية الصناع
من كتاب ابن المواز وغيره قال مالك : يضمن الصناع أم استعملوا ، وإنما قال ذلك لمصلحة العامة ؛ وإذ لا غنى للناس عنهم ، كما نهى عن التلقي ، وبيع حاضر لباد للمصلحة ، وقاله علي بن أبي طالب وبين ذلك ضمن الأكرياء الطعام خاصة للضرورة والمصلحة قال محمد : قال مالك : ما أدركت العلماء إلا وهم يضمنون الصناع ذلك قال ابن حبيب وغيره عملوا بأجر أو بغير أجر ، ولو عمل زرا أو طوقا بأجر أو بغير أجر ، لضمن كراء العمل وقال كان الذي استعمله إياه حاضرا معهم أو غائبا إذا كان ذلك في قوانينهم ، وقاله مالك قال في كتاب محمد : ويضمن ما يصلح فيه اليسير بغير أجر ، مثل فص خاتم أو رقعة ثوب أو زرة إذا أسلم ذلك إليه ، ابن حبيب : قال مالك : إلا أن يذهب الصانع إلى بيته ، فلا يضمن ما أتى على يديه في بدنه من خرق كتاب أو قطع أو ذهاب جلس معه صاحب أو لم يجلس ، بأجر أو بغير أجر ، فالصانع مصدق في ذلك لأنه ها هنا أمر خاص ، فإذا جلس في حانوته فهو مشترك ، وقاله كله أصبغ ، قال ابن القاسم ، في كتاب ابن المواز : ولا يضمن الصانع ما عمل عندك في بيتك ،
[7/67]
***(1/63)
[7/68]
إلا أن يتعدى ، ويصير كأجير الخدمة ينال الطعام بصحبة ربه . قال عيسى بن دينار في العتبية ومن دفع ثوبا إلى رجل يقصره أو يخيطه أو يرقعه ، فضاع عنده ، لم يضمنه إذا لم ينصب نفسه صانعا ؛ لما ذكرنا ، وهو كالأجير حتى ينصب نفسه لذلك ، فيضمن . قال ابن المواز ، عن ابن القاسم : وكذلك أجير القصار ، لا يضمن ، والقصار ضامن لما أفسد أجيره .
قال ابن حبيب : ولا يضمن أجير القصار والصناع شيئا .
قال أصبغ في كتاب ابن المواز ، والعتبية قال أشهب : وإن كثر على الغسال الثياب ، فواجر أجراء يبعث بهم إلى البحر بالثياب ، فيدعون تلفه [فهم ضامنون وكذلك أجراء]الخياط ينصرفون بالثياب فتتلف ، فهم ضامنون .
قال ابن ميسر : وذلك إذا واجرهم على عمل أثواب مقاطعة ، ومن العتبية وكتاب ابن المواز : قال أشهب : إذا شرط الصناع ألا ضمان عليهم ، لم ينفعهم ، أو شرط على أجير الخدمة أن يضمن الثمن إذا سقط ، أو هرب المتاع ، أو فلس ، فالشرط باطل ، أصبغ : وله أجر مثله ممن لا ضمان عليه ، وكذلك في الواضحة روى عن أشهب ، إن شرط الصانع ألا ضمان عليه أن ذلك ينفعه ، قال ابن حبيب : ومن قال للخياط : إذا خطته فادفعه لنا لمن يغسله ، فزعم أنه ضاع ، فإن ضاع قبل يتم خياطته وبعد فراغه ، قبل يدفعه إلى الغسال ، فهو ضامن ، وإذا قال ضاع عند الغسال ، صدق كما يصدق في قوله : رددته ، على قول ابن الماجشون قال : ويضمنه الغسال إن أقر بقبضه . قال غيره : ولا يصدق أنه دفعه إلى الغسال إلا ببينة أو يصدقه الغسال فيبرأ ؛ لأنه صار مضمونا ، كمن أمر بدفع ثوب إلى صباغ ، فأقر الصباغ بقبضه فإنه يبرأ المأمور كان الصانع مليا أو عديما ، بخلاف المودع .
[7/68]
***(1/64)
[7/69]
ومن العتبية قال عيسى : قال ابن القاسم ، وابن وهب ، في الصباغ ، والقصار ، ونحوه ، يفسد الثوب بقطع أو بحرق : إنه ضامن غر من نفسه ، أو لم يغر ، إلا أن يذهب بالصانع إلى منزله ، فيعمل عنده ، فلا يضمن ما أحرق ولا ما أفسد ، إلا أن يغر من نفسه ، فيضمن ، قال ابن القاسم : وإن جاءه في حانوته بثوب كمده له ، فكمده بحضرته ، فقطعه من غير تفريط ولا تعد ، قال : يضمن غر من نفسه أو لم يغر .
وكذلك ذكر ابن حبيب ، عن أصبغ ، عن ابن القاسم ، قال : ابن حبيب : ولو كمد معه صاحب الثوب ، فأصابه حرق ؛ فإن كان من قبل ربه ، لم يضمن القصار نصف ما نقصه . وهو في كتاب محمد ، قال ابن القاسم : وإذا كيل القمح على الطحان وأسلم ضمنه ، وقال مالك فيه : أرجو أن يكون خفيفا أن يضمن ، وما سمعت فيه شيئا .
قال ابن القاسم : ويعطى قدر مثله دقيقا على ما يعرف الناس ، وله إجارته ، قال محمد : عليه قمح مثله ، وفي العتبية عن ابن القاسم ، عن مالك ، في القمح بنقص عند الطحان ، فذكر نحو ما ذكر ابن المواز [ودقيق]عن ابن القاسم ، في نقصان الدقيق ، أن يضمن له دقيقا إذا عز .
ومن العتبية وكتاب محمد : قال أصبغ : قال أشهب ، في الطحان يطحن القحم على أثر النقش ، فيفسده بالحجارة ، قال : يضمن لربه مثل قمحه وقاله أصبغ ، قال أصبغ : إلا أن يعلم رب القمح بذلك ، فصبه ؛ لعلمه ورضاه ، فلا يضمن من كتاب ابن المواز ، ومن المختصر قال مالك : وإذا أفسد الخياط أو
[7/69]
***(1/65)
[7/70]
القصار فسادا بسيرا ، فعليه ما نقصه أن يرفوه ، يقال : ما قيمته يوم دفعه إليه صحيحا ، وما قيمته ذلك اليوم مرفوا ؟ فيغرم ما بين ذلك ، وإن كان كثيرا ، ضمن قيمته كله يوم دفعه . قال ابن وهب عن مالك من دفع قميصا إلى خياط ، فأفسده بخياطته ، فله أن يتركها ، ويضمنه قيمة ثوبه صحيحا .
قال ابن حبيب : وإذا أفسد الحائك الثوب ، فضمن الغزل ، فقال ابن القاسم : إن وجد مثل الغزل أتى به ، وكان عليه مثل عمله ، وإن تعذر عليه مثله ، ودى قيمته يوم قبضه ، وهو مصدق في صفته ، ويحلف ، وتنفسخ الإجارة بينهما .
وقال أصبغ : الإجارة قائمة ، فيأخذ القيمة ويأتي بغزل مثله يعمله ، وقال ابن حبيب : يقول ابن القاسم ، قال : لأنه غزل بعينه ، وقال ابن المواز قول أصبغ ، وقال : ليس غرضهم تعسر الغزل ، ولو كان ذلك على أن لا يعدوه إلى غيره ، ولم نجز الإجارة .
ومن كتاب محمد ، وابن حبيب : وإذا قال الصانع : ضاع الثوب ، بعد فراغه ضمن قيمته يوم قبضه ، ولا صنعة فيه ، وليس لربه أن يقول : يؤدي العمل ، ويأخذ قيمته معمولا ، قال محمد : وكذلك لو قامت بينة بفراغه ، ولا يعلم تلافه إلا من قوله ، ولو قامت البينة بتلافه مفروغا ، فهو من ربه ، وعليه أجر عمله .
قال ابن القاسم ، في / المدونة في كراء الرواحل : لا أجر عليه حين لم يسلم الصانع الصنعة إليه .
ومن كتاب محمد : وإذا قطع الشقة بمحضرك سرا ويلين ثم ضاعا ، ضمن قيمة الشقة صحيحة ، ولو ضاع واحد ، ضمن نصف قيمتها صحيحة ، قال أحمد : لا قيمة نصف صحيح ، و قال سحنون ، في كتاب ابنه : وإذا خرج القصار المتاع رديئا أسود ، فليعده حتى يخرجه [جيدا] ، فإن كان يفسد برده ويسترخي وينكسر وجهه ، وخيف أن يحترق ، فلا يرده ، وينظر ؛ فإن أفسده بذلك ، ضمن قيمته أسمر وإن أن الفساد فيه يسيرا ودى قيمة ذلك العمل على رداءته يريد ما لم يتجاوز شرطه .
[7/70]
***(1/66)
[7/71]
قال سحنون ، في الخياط إذا جعل رجه الثوب إلى داخله ، فإنه يفتقه ويعيده ، فإن كان الفتق ينقصه ، خير ربه بين أن يضمنه قيمته يوم قبضه ، أو يأمره بفتقه وخياطته وقال ابن عبد الحكم ، عن أشهب ، في القصار يعلق الثوب على حبل في العمل ، فحملته الريح ، فألقته في قصرية صباغ ، فإن زاده ذلك ، فإنهما يتحاصان في الثوب ؛ فإن نقصه ، فعلى القصار ما نقصه ، ولا شيء على الصباغ .
قال بعض أصحابنا : إذا ثبت ذلك ببينة ، لم يضمن النقصان ، إلا أن يعلقه في ريح شديدة . . .
قال سحنون ، في ثوب ألقته الريح في قصرية صباغ ، فإن زاده الصبغ ، فهو شريك بالزيادة ، ويباع لهما ويتحاصان هذا بقيمة ثوبه / أبيض ؛ وهذا بما زاده الصبغ ، وإن كان ينقصه ، لم يضمن أحدهما للآخر شيئا ، ولو سقط من يد ربه في قصرية الصباغ ، لضمن ربه صبغ زاده الصبغ أو نقصه . ومن الواضحة وغيرها العبد المأذون له في الصنعة يضمن ما ضاع أو أفسد أو اختان ، ويكون في ذمته .
قال ابن المواز : وإن دعاه إلى بيته ليعمل له عملا فاختان فقال ابن القاسم : يكون ذلك في رقبته ويخير سيده في إسلامه أو افتدائه بذلك .
وقال محمد : بل ذلك في ذمته بعد عتقه ؛ لأنه اختان من موضع أذن له في دخوله . وفي سماع ابن وهب : وإذا وهبت الخبزة عند الفران ، فأعطى ربها غير خبزته ، فلا يعجبني أخذها ، وليعطه مثل خبزته ، ولا يأخذ أكبر منها ، ولا بأس بأخذ أصغر منها ، وكذلك في المختصر الكبير ، وقال محمد بن عبد الحكم : لا يأخذ غير خبزته ، في قول مالك ، يريد ؛ لأن الفران ضامن لرجلين .
روي عن سحنون ، فيمن أتى بخبزة ، فأسلمها إلى الفران يخبز له ، فهو لها ضامن ، وإن تركها ولم يعلم بها الفران ، لم يضمنها .
ومن كتاب ابن سحنون ، قال : وسأل حبيب سحنونا عن العبد القصار يضيع عنده الثوب ، قال : هو في ذمته . قال : ولا يباع في ذلك حماره الذي يحمل
[7/71]
***(1/67)
[7/72]
عليه المتاع ، إلا أن يقول السيد : إن الحمار والأداة للعبد ، ق يل : فهل يعمل بالأداة وبالحمار ، وملكه لذلك ظاهر ؟ قال : لا أملك للعبد في ذلك ، وذلك للسيد حتى يقر أنه للعبد ؛ لأنه ليس / بالمأذون له في التجارة ، وقال في القصار يخرج الثوب أسود ، قال : يرده حتى يخرج جيدا . فقيل : إنه إن رده أفسده ، وأنكسر وجهه واسترخى ، وخيف الحرق . قال : إذا كان هكذا ، ضمن قيمته إذا كان أفسده فساد بينا ، وإن كان الفساد يسيرا ، فليعطه ربه قيمة ذلك العمل الردئ ، ولا يعطيه الأجر الأول ، يريد إن شاء ، ولا يضمنه .
باب في تفليس الصناع
وجامع باقي مسائل الصناع
ومن العتبية ابن القاسم ، عن مالك ، وهو في المختصر ، وقال في الصناع تسرق بيوتهم ، فيزعم الصانع فيما بقي أن هذا متاع فلان ، وقد ذهب متاع الآخرين ، فليحلف أرباب الذي بقي ، ويأخذونه .
وروى أشهب ، عن مالك ، في الصانع إذا فلس فقال : هذا غزل فلان ، وهذه سبيكة فلان ، فلا يصدق . وذكر في الواضحة رواية ابن القاسم ، وقاله أصبغ ، قال مالك : وإذا مات الصانع وقد استعمل في شيء يعمله هو بيده ، فعمل بعضه حوصص بما عمل ، وانفسخ ما بقي ، وما كان مضمونا عليه من مقاطعة بناء أو غيره ، فذلك في ماله يغدو فإنه قال علي بن زياد ، عن مالك : وإذا شيء شرط عليه أن يعمله بيده فطلب تقديم أجره ، فليس له ذلك حتى يبدأ في عمله ، فيقدم حينئذ ... إليه أجره .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن استعمل قلنسية من خياط ، فباعها الخياط ، فأراد ربهما أخذ ما باعها ، فليس ذلك له ؛ لأن الصانع ضامن
[7/72]
***(1/68)
[7/73]
لها ، وعليه مثلها قال ابن القاسم : وذلك أنها مضمونة ، ولو كانت خرقة أتى بها ربها ، فله الثمن أو القيمة إن كانت أكثر في قوتها ، وقال ابن عبد الحكم : قال ابن القاسم : إن كانت بعينها اشتراها ، فله أخذها أو ثمنها ، وإن كان اشتراها من يود ، فله مثلها .
ومن كتاب محمد : للصناع حبس ما عملوا حتى يأخذوا أجرهم ، وكذلك للمكترين بعد الوصول حبس ما حملوا ، ثم ذلك كله كالرهن في ضمانه ، وإذا طلب الصناع بعد فراغ المتاع نقد يومئذ ، لم يكن إلا النقد الذي كان جاريا يوم دفع إليه ، وكذلك المكتري له نقد البلد الذي حمل عنه ، ولا نقد البلد الذي حمل إليه ، وإن لم يجر عنه ببلد حمل إليه .
ذكر ما يسقط به الضمان وما لا يسقط
من أمر غالب أو حادث أو ما تقوم به بينة
وضمان ما يوضع بالفناء
من كتاب محمد ، قاله ابن القاسم ، في العتبية ، وقاله ابن حبيب فيه ، وفي الغزل يحترق ، قال : لأن احتراقه ليس من سببه ، وهو من غلبة النار ، وهو كالبينة على ذهابه ، وذلك إذا بقي في الخبز من احتراقه ، أو من الغزل ما يدل على أنه خبزه أو غزله ، فأما لو ذهب أصلا ، ولو يعرف إلا بقوله : إنه احترق لضمن ، ولو احترق ذلك بتضييع منه ، أو عنف في الوقيد ، لضمن / ومن كتاب محمد ، قال مالك : ولا يضمن من دفعت إليه لؤلؤة يتقبها ، فتنكسر ، قال أصبغ ، في العتبية فتنحزم في موضع الثقب ، فلا يضمن ، ولو تعدى الثقب ، لضمنها ، عمل ذلك بأجر أو بغير أجر .
[7/73]
***(1/69)
[7/74]
قال مالك ، وابن القاسم ، في كتاب محمد ، وأصبغ ، في العتبية : وكذلك القوس تدفع إلى من يغمزها ، فتنكسر ، والرمح يقوم مثله ، وكذلك إن دفع إليه فصا ينقشه ، فينكسر ، لم يضمن ، إلا أم يغر أو يفرط . قال أصبغ ، في العتبية فإن قال أهل النظر : إنه أخذ اللؤلؤة والجوهرة من غير مأخذها ، وظهر فيها ذلك ، ضمن ، وإن أخذها من مأخذها ولم يغر من نفسه لم يضمن ويصدق بلا بينة وربها مدع تعديا ، وهو لم يظهر فيها من صنعته إلا ما كان يجوز له فعله بذلك ، كشاهد وهو من له في العمل وكذلك كل صاحب صنعة على هذا المعنى .
قال ابن حبيب : وكذلك الدابة يصوغها البيطار فتنكسر ، أو السيف يقومها فتنكسر ، أو الختان يختن الصبي ، فيموت من ختانه ، أو الطبيب يسقي المريض ، فيموت من سقيه ، أو يكويه ، فيموت من كبه أو الحجام يقلع الضرس فيموت صاحبها فيضمن أحد منهم ؛ لأن الغرر في هذا كله الغالب وكان صاحبه عرضة ذلك قال : إلا أن يخطئ به الخاتن فيقطع الحشفة ، فتلزم عاقلته الدية لأنه يعد خطأ منه وإن لم يوعبها فبحسابه فتضمن العاقلة قدر الثلث فأكثر وما دون ذلك / في ماله وإن كان الخاتن غر من نفسه وهو لا يحسن فهو ضامن لجميع ذلك في ماله وكذلك الطبيب وقالع الضرس والبيطار ويعاقبون وقاله مالك وإذا عرف قرض الفأر وتبين ذلك للناظر إليه ثم يضمنه .
وكذلك ما أصاب الثياب من [يحبس السوس في الصانع]والمرتهن ، وإن أشكل ذلك ، فهم ضامنون حتى تقوم بينة أنه نخس سوس أو قبض فأر . قال ابن المواز : تقوم بينة أنه قرض فأر ولم يكن ضيع .
[7/74]
***(1/70)
[7/75]
قال ابن حبيب : وإذا عرف أنه قرض فأر أو نخس سوس وقال رب الثوب : إن الصانع ضيع الثوب وأنكر ذلك الصانع فهو مصدق وعلى رب الثوب البينة بالتضييع لأن قرض الفأر غالب والتعدي لا . فلزم الدعوى وكذلك قال لي من استوضحته وكله قول مالك . ومن كتاب ابن المواز ومالك : وإن سرق بيته وعلم ذلك ، فقال : ذهب المتاع مع ما ذهب . لم يصدق وكذلك لو احترق بيته فرأى ثوب الرجل يحترق فهو ضامن وكذلك الرهن محمد : حتى يعلم أن النار من غير سببه أو بسيل يأتي أو ينهدم البيت فهذا وشبهه يسقط به الضمان وإن نشر ثوبا على طريق فمر به رجل بحمل فخرقه فهو ضامن دون القصار فكذلك يضمن المار ما كسر من قلالي في الطريق يعثر عليها ولو انكسرت رجله لم يضمن واضعها وضعها بموضع يجوز له أو ليرفعها مكانه ليعثر عليها أحد وكذلك / الدابة المحملة يوقفها في الطريق فيصدمها فيكسر ما عليها أو فيها أنه ضامن ولو سقطت أو ما عليها على أحد فذلك هدر . وقال ابن نافع في غير كتاب ابن المواز ، في الثوب المنشور يخرقه المار بالحطب ، وذلك إذا علقه في المكان الذي يعلق فيه وليس بممر الحطب ، فأما إن علقه بمكان لم يكن يعلق فيه وهو معروف بمرور الحطب فهو ضامن .
في ضمان الظرف والمثال وأحد الخفين فيه عمل
وما جعل عنده للصنعة من غير مواجبه
من كتاب محمد : وإذا ضاع القمح بقفته عند الطحان ضمن القمح ولم يضمن القفة وكذلك الصيقل يضمن السيف ولا يضمن الجفن وإن لم يكن فيه وكذلك المنديل يلف فيه الثوب عند الخياط لا يضمن المنديل وأما المثال يعمل عليه فهو يضمنه .
[7/75]
***(1/71)
[7/76]
ومن العتبية قال أصبغ : قال أشهب في المنديل : إن كان الثوب رقيقا يحتاج إلى وقاية ضمن المنديل ، وإن كان غليظا لا يحتاج لفافة لم يضمن المنديل .
ومن الواضحة : لا يضمن الفران ما تلف من الصحاف إذا ضاعت فارغة ولو ضاعت بما فيها لضمن الخبز والصحاف ؛ إذ لا غنى بالإقراض عنها بخلاف منديل الثوب فإنه لا يضمنه ضاع الثوب ملفوفا فيه أو قد زايله ؛ إذ لا ضرورة به إليه مثل / الضرورة إلى الصحاف إلا أن يكون إنما يؤتى الفران بالعجين فيلي هو تقريصه فهو يضمن الصحاف كيف ما ضاعت بعجين أو بغير عجين ، وكذلك الطحان إن أسلم إليه القمح يطحنه بغير محضر به فهو ضامن للأوعية كيف ما ضاعت بالقمح أو فارغة ، وإن كان يطحنه بمحضر أربابه لم يضمن ظرفا إلا أن يخرج الناس عن الرحى ؛ لزحمتهم أو يخرجهم الفران لكثرتهم فإنه يضمن القمح وظرفه والعجين وقصاعه ضاعت فارغة أو غير فارغة .
ومن العتبية : قال محمد بن خالد : قال ابن القاسم : ومن دفع إليه الصانع قطعة ذهب قال : اقطع لي منها مثقالا تعمل لي به خاتما فزعم الصانع أنها ذهبت قبل القطع أو بعده . قال : لا يضمن إلا المثقال الذي أمر بعمله وهو مصدق أنه ذهب قبل القطع أو بعده . قال ابن القاسم : قال مالك : وأما السوار يعطيه له مثالا يعمل عليه سوارين فإنه يضمن المثال لأنه لا غنى به عنه . وقال أصبغ : فيمن أتى بخفين إلى الخزاز فاستعمله في أحدهما فضاعا فلا يضمن إلا الذي فيه العمل . وذكر ابن حبيب فيمن أعطى سلعته إلى صانع ليستعمله فيها فيقول تكون عنده حتى آتي فأعاملك فيها . قال فتضيع ، أنه ضامن ؛ لأنه تركها على العمل لا لأمانة .
وروى عيسى عن سحنون أنه قال : لا يضمن المثال ولا الوراق الأم الذي يكتب منها .
[7/76]
***(1/72)
[7/77]
فيمن ابتاع شيئا واشترط على البائع / فيه
صنعة فهلك ذلك
من العتبية روى عيسى بن ابن القاسم قال : كل ما يعرف وجهه بعد ما يخرج فلا بأس أن يشتري ويشترط عمله مثل النعل على أن يحذي أو القميص على أن يخاط والقلنسية على أن تعمل والقمح على أن يطحن وهذا كله قد عرف وجهه وقد مرض مالك القمح في بعض قوله واجازه ابن القاسم وأجاز النحاس أن يعمله تورا يصفه له ولم يره ، كالثوب ينسج بعضه لأنه إن لم يخرج الثور على ما يريد قدر أن يعيده ولبس الثوب كذلك . قال سحنون : وإذا ضاع هذا كله الذي أجازه مالك لم يضمن ويحط عن المبتاع بقدر خياطة الثوب وطحين القمح من الثمن إلا أن يكون البائع ممن يعمل تلك الصنعة ، فيضمنها كالصناع . قيل لسحنون : قد أجاز ابن القاسم وأشهب ما ذكرنا من شراء الشيء على أن يعمله والظهارة على أن يعملها جبة والحديد على أن يعمله قدرا وعودا لينحته سرجا ونحاس يعمله له قمقما وهو بيع وإجارة وقد جرى في مسائل مالك في الغزل على أن ينسجه والزيتون على أن يعصره أنه كرهه . قال : وإنما خففه مالك في الطحين وخياطة الثوب لأن خروج ذلك معروف وقد غمزه أيضا مالك والأصل قولهم في الغزل على نسجه والزيتون على عصره إلا ما ذكرنا حصته . وكل بيع مع إجارة في الشيء المبيع فامنع منه فإن كانت في غيره فأجيزه وكل بيع وشركة داخلة / في المبيع فأجزها وإن خرجت عنه فلا تجزها . وفي باب الإجازة معا في هذا الباب مكروه .
ومن الواضحة ولا بأس أن يقول : " اطحن لي هذا القمح بقفيز من دقيقه .
ولا يجوز أن يقول : ولك نصفه دقيقا ، لأنه يجاعله بغرر ، والأول أجرة بشيء معلوم
[7/77]
***(1/73)
[7/78]
فإن قال من يقول يقول ابن القاسم في كراهيته : إن الدقيق إن ذهب [قبل]أخذه للقفيز [ذهب]
عمله باطلا . فإنا نقول : إن ذهب الدقيق بعد طحينه وقبل قبضه القفيز فله أجرته في طحنه وكما أجاز بيع قفيز من دقيق هذه الحنطة فكذلك الإجارة به فإن قيل : فتارة يصير أجره دقيقا وتارة دراهم . قيل : كذلك مع قفيز من دقيقه وأجاز مالك بيع القمح على أن يطحنه وقد قال لي هذا كله أصبغ . وفي المدونة أنه أجاز طحينه بقفيز من دقيقه ولم يجزه ابن المواز في روايته وفرق بينه و بين البيع . وهذا في باب الإجازة فيه أكثر ما في هذا الكتاب مذكورا مكررا .
في الصانع يستعمل غيره
وكيف إن هرب الأول ؟ وفي الصانع يموت
وهل يقدم بعض الأعمال على بعض ؟
من الواضحة ، وما استعمل الصناع فهو عمل مضمون حتى يشترط عليهم عمل أبدانهم وإلا فلهم استعمال غيرهم إلا من عرف أنه يقصد لرفقه وفضل عمله ، فلا يكون عليه مضمونا إن مات ولا يستعمل غيره ويكون كالشرط . وقال أصبغ : وهو معنى / قول أصبغ ، قال أصبغ : ولا بأس على من لا يحسن يخيط أن يأخذ ثوبا على أن عليه خياطته بدرهم ؛ لأنه عمل مضمون . ومن العتبية ، أصبغ عن ابن القاسم في الخياط يدفع إليه الثوب بخيطه فله أن يستخيطه غيره ما لم يشترط عليه يده .
ومن سماع ابن القاسم ، قال مالك في القصار يدفع الثياب إلى قصار غيره فيهرب الأول وقد قبض الآخر فلربها أخذها بلا غرم ويتبع الثاني الأول . بحقه وكذلك الخياط والغسال وكذلك قال ابن مسرور ، وهذا إن قامت بينة أنه دفع الإجارة إلى
[7/78]
***(1/74)
[7/79]
الصانع الأول فإنه يحلف الثاني أنه ما قبض إجارته من الهارب ثم يدفع رب الثياب إليه أجره فإن كانت أجرة الأول خمسة وهذا عشرة لم يدفع إليه هذا إلا خمسة ويتبع بما بقي الهارب ويأخذ هذا ثيابه وإن كانت إجارة الأول عشرة وهذا خمسة دفع إلى هذا خمسة وتبقى خمسة عنده للأول ثم إن قدم الأول فأقر بقبض إجارته فليرجع القادم على الثاني بما أخذ منه . وهذا الذي قال غير مستقيم ولا ثقيل دعوى غريم القادم على المقيم إذا كان الغارم عديما .
قال مالك : ومن مات ممن استعمل عملا فما كان يعمله بيده حوصص بما عمل وانفسخ ما بقي وما كان مضمونا من عمل أو قطاعة من بناء أو حفر أو صنعة من الصناعات فذلك ضامن في ماله يعمل من تركته وإن لم يدع وفاء حاص المستعمل بقيمة ما بقي من العمل يوم الحصاص . قال عيسى : قال ابن القاسم في الخياط يدفع إليه قوم بعد قوم / ، فإن أحب أن يتبدئ الأول فالأول ، ولعله أن يكون واسعا في الشيء الخفيف الرقعة ونحوها . وقال ابن حبيب : لا حرج أن يبدئوا من أحبوا ما لم يتعمدوا حيفا ومطلا . وكذلك سمعت أهل العلم يقولون .
ومن كتاب محمد : للخياط أن يدفع إلى غيره بخيط ما دفع إليه وليس لرب الثوب إلا أن يشترط عليه عمل يده فلا يفعل . قال محمد : ولا يصلح . وإن رضي ربه ودفع إليه مثله لا شك فيه . وهو كجابة بعينها تحول إلى غيرها فإن فعلها فللخياط الثاني قيمة عمله على رب الثوب ، إلا أن يكون بأقل منه وتبقى الأجرة قائمة على الأول ثابتة بثوب مثله يخيطه له . وكذلك في الدابة الباقية عليه كراء مثلها ما بلغ ويبقى كراء الأول قائما . ومن كتاب ابن المواز ، قال مالك ، فيمن دفع إلى صانع غسال أو غيره ثوبا ودفع إليه أجره فدفعه الصانع إلى غيره يعمله فوجده ربه عند الثاني : إن له أخذه بغير شيء يغرمه ويكون للصانع الثاني
[7/79]
***(1/75)
[7/80]
أن يتبع الصانع الأول بأجرته وكذلك الخياط وغيره ليس للثاني أن يقول : لا أدفعه حتى آخذ أجرتي . إذا كان ربه قد دفع إلى الأول أجره وليتبع الثاني الأول بأجرته .
في اختلاف الصانع والمصنوع له
وتعدى الصانع وغلطه
من العتبية من سماع ابن القاسم : وإذا قال الخياط في الثوب : إن ربه دفعه إليه ليعمله . وقال ربه : أعطيتك لترفعه أو تدفعه / إلى غيرك . فالصانع مصدق مع يمينه . وكذلك ذكر عنه ابن المواز قال ابن حبيب : القول قول رب الثوب وكذلك إن قال : سرق مني مع يمينه ثم له أخذ ثوبه مصبوغا أو مغسولا بغير غرم إلا أن ينقصه الصبغ ويفسده فربه مخير في أخذه ، أو تركه وأخذ قيمته وإن زاده الصبغ فله أخذه بلا غرم .
ومن كتاب محمد ، قال ابن القاسم : ومن لت سويقا لرجل وقال : أمرني أن ألته بعشرة . وقال ربه : ما أمرتك أن تلته بشيء فربه مصدق مع يمينه . قال محمد : وهذا غلط واللات مصدق ، ويحلف إن كان أسلم إليه السويق ، فإن نكل حلف ربه وأخذ منه مثل سويقه وليس لربه أخذه بعينه إلا أن يدفع ثمن السمن إن يشأ رب السمن أن يدفعه إليه بلتاتة . قال ابن حبيب : وإن قال رب الثوب : أمرتك بصبغه أصفر . وقال الصباغ : بل أحمر . وكذلك صبغه فالصباغ مصدق مع يمينه .
قال سحنون : وله الأقل مما سمى من الأجر أو أجر مثله . قال ابن حبيب : إلا أن يصبغه صبغا لا يشبه مثله فيصدق رب الثوب مع يمينه ثم يخير ربه في أخذه مصبوغا ويدفع إلى الصباغ أجرته أو يسلمه ويأخذ منه قيمته أبيض إلا أن يشاء الصباغ أن يسلم صبغه بلا ثمن وإن أبى أشرك بينهما ؛ هذا بقيمته أبيض ، وهذا بقيمة الصبغ وقد اختلف فيه وهذا أحسن ذلك .
ومن العتبية عيسى عن ابن القاسم قال مالك : إذا قال الحائك : أمرتني
[7/80]
***(1/76)
[7/81]
أن أنسخ ثوبك في ست . وقال ربه : بل تسعا في أربع . فالحائك مصدق مع يمينه . وإن اختلف البناء / ورب العرصة ؛ فقال البناء : أمرتني أن أبني بيتا خمسة في خمسة . وقال ربه : بل عشرة في عشرة . تحالفا ؛ فإن حلفا فسخ ذلك وقيل للبناء : أقلع نقضك . إلا أن يشاء رب العرصة أن يعطيه قيمه مقلوعا وإن نكل البناء حلف رب العرصة وعلى البناء أن يبني له على دعواه وإن نكل وحلف البناء أجبر على ما قال البناء والفرق أن الحائك صانع حائز لما [في يديه قال محمد قال]ابن القاسم والحائك مصدق في الصنعة بخلاف البناء لأن الصانع حاز ما استعمل محمد : يريد ويتحالفان في البناء ويتفاسخان وكذلك الحائك وجميع الصناع قبل العمل وإذا عمل فهو مصدق ويحلف . وقال ابن نافع في كتاب آخر عن مالك في الصانع يقول : عملته بأربعة دراهم . وقال ربه : بدرهمين . فالصانع مصدق وأما البناء يقول : عملت هذا بدينار . وقال رب البناء : بنصف دينار . فرب البنيان مصدق مع يمينه لأنه حائز ذلك إلا أن يدعي ما لا يشبه والصانع حائز لعمله وكذلك في المختصر .
وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن دفع جلدا إلى خراز ليعمل له خفين ولم يصفهما له فيعمل خفين قبل أن يصفهما له فيقول ربه : أردت غير هذه الصنعة . وقال الخراز : إنما عمله يصلح لك . قال : إن عمل ما يشبه أخفاف الناس ويشبه لباس الرجل لم يضمن وكأنه فوض إليه إذا لم يواجبه وكذلك الخياط في الثوب وعامل الفاسي بالظهارة وأما الصباغ يصبغه لونا بغير إذن ربه فهو ضامن كمن أمر رجلا شراء خادم أو جارية .
وقال ابن حبيب / ، في كتاب الأحكام الأول عن مطرف وابن الماجشون في الصباغ يصبغ الثوب فيقول ربه : أمرتك بصبغ آخر أو أن تغسله أو استودعتكه ولم آمرك بشيء . فالصباغ مصدق فيه مع يمينه إذا صبغه ما يشبهه . ولو
[7/81]
***(1/77)
[7/82]
قال ربه : لم أعطكه ولكن أخذته بغير أمري أو سرقته أو غصبته أو سقط مني .
فرب الثوب ها هنا يحلف والقول قوله ولكن هو مخير أن يعطيه قيمة الصبغ ويأخذه أو يدعه ويأخذ منه قيمة الثوب إلا أن يشاء الصناع أن يسلم إليه الثوب مصبوغا بغير شيء ، فإن أبى ، كانا شريكين فأقيم الثوب أبيض وأقيم مصبوغا ثم كان شريكين . وقاله أصبغ عن ابن القاسم .
ومن كتاب محمد : وإذا قطع الخياط الثوب قميصا وقال ربه : أمرتك بقطعة قرقلا . فالخياط مصدق وكذلك لو قال : لم تأمرني فيه بشيء . لم يضمن إذا حلف ربه ما أمره بشيء وكمن قال للخراز في جلد : اقطعه خفا . ثم قال : أمرتك بخراساني . وقال الخراز : لم تأمرني بشيء . ولم يضمن الخراز إلا أن يكون دافعه خراسانيا ممن لا يلبس إلا خراسانيا . محمد : يريد أو عمل العامل ما يشبه لبس الدافع لم يضمن حتى يبين له الدافع . قال ابن ميسر : وقد عرف ما يقطع الرجل فهو يشبه الجواب وإذا قال الغسال : هذا ثوبك . وكذبه ربه حلف الغسال وصدق فإن نكل حلف ربه ما هو ثوبه وأن قيمة ثوبي عشرة وغرمه ذلك . محمد : يريد يحلف على الصفة ، ويغرم إذا ادعى / الصناع رد المتاع فعليهم البينة أخذوه ببينة أو بغير بينة علموه بأجر أو بغير أجر ، وإلا حلف ربه وأخذ قيمته بغير صنعة ولا أجر عليه . ولو قال مكتري ما يغاب عليه : قد رددته . لصدق مع يمينه كما يصدق على تلفه أخذه ببينة أو بغير بينة بخلاف العارية والقراض . وقال أصبغ : الكراء والقراض والوديعة سواء يضمن في التلف وفي الرد إلا أن أجده ببينة فلا يبرأ في الرد خاصة إلا ببينة . قال أشهب : ومن دفع إلى صراف دينارا ليزنه له فقبضه ثم قال : رددته إليك . فأنكر فالصراف مصدق مع يمينه . قال محمد : وكذلك لو
[7/82]
***(1/78)
[7/83]
غاب عليه إذ ليس بصناع . قال أحمد : إن غاب عليه بأمره فأما بغير أمره فيضمن لتعديه .
ومن الواضحة ، قال ابن الماجشون : الصناع مصدقون في رد المتاع إلى أهله مع أيمانهم إلا أن يأخذوه ببينة قال ابن حبيب : إذا قال رب الثوب : دفعته إليك لنغسله . وقال الصباغ : بل لأصبغه بعصفر . وقد صبغه فإن كان مثل الثوب يصبغ بعصفر . وقال ابن عبد الحكم عن مالك : وإذا قال : أمرتني بصبغه . وقال ربه : أمرتك أن تبيضه . فالصباغ مصدق إلا بعمل ما لا يعمل مثله . وكذلك إن قال الخياط : أمرتني بقباء . وقال ربه : بل قميص . وقال محمد بن عبد الله : إن أشهب لا يصدق الصانع في هذا ، ويرد إلى القيمة ربه ، أقول : والذي حكى محمد عن أشهب لا يصح لأن ربه إن لم يصدقه وجب لربه ضمان إن شاء / فكان ينبغي أن يخبر في تضمينه أو غرم قيمة الصنعة . قال ابن نافع : وإن قال رب الثوب : دفعته بدرهمين . وقال الصباغ بأربعة . صدق الصباغ وحلف إلا أن يدعي ما لا يشبه فله القيمة يريد منهم تجاوز دعواه .
قال ابن القاسم عن مالك : وإذا قال الصباغ : أمرتني أن أصبغه بعشرة دراهم عصفر . وقال ربه : بل أمرتك بخمسة . فالصباغ مصدق إن كان ما فيه يشبه ما قال .
قال سحنون وقال غيره : يتحالفان ثم يكون له أجر عمله ما لم يجاوز عشرة وهذا أصل جيد . وقال ابن القاسم في قلع الضرس بأجر إذا قال له المقلوع ضرسه : إنما أمرتك بقلع التي تليها . فلا يصدق وعليه الأجر . قال سحنون : قال غيره : كل واحد مدعى عليه فلا يلزم الحجام ضمان بدعوى الآخر ، ولا يلزم الرجل ما سمى من الأجر فليحلف ويغرم له أجر مثله ما لم يجاوز التسمية . قال أبو محمد : أخبرني أبو بكر قال : يحيى بن عمر فيمن دفع ثوبا إلى صباغ يصبغه أحمر بدرهمين فصبغه أحمر يسوي ستة دراهم ويدعى الغلط فربه مخير بين دفع
[7/83]
***(1/79)
[7/84]
قيمة الصبغ وأخذ ثوبه أو أخذ قيمة ثوبه يوم دفعه وإن سوى ثلاثة دراهم أو أقل إلى رجل سوارين فعمل أحدهما ورده إليه ثم قال : قد دفعته إليك الذي قبضت .
وأنكر الصانع فإن كان دفعه إليهما معا إجارة واحدة فالصانع مصدق وإن / دفع إليه واحدا بعد واحد حلف ربهما وصدق إلا أن يعطيه إجارته بحدثان ذلك .
في الصانع يدفع الثوب إلى غير ربه غلطا
والبايع يدفع غير الثوب الذي باع غلطا
من كتاب محمد ، روى ابن القاسم وأشهب عن مالك في الغسال يخطى فيدفع إلى غير ربه فيلبسه أن الضمان على الغسال دون اللابس [إلا أن سلبسه عالما وقال أشهب روايته إذا لبسه الأيام فلا شيء عليه ، إلا أن يكون أبلاه .
وروى عيسى عن ابن القاسم فإن كانت قيمة الثوب الملبوس دينارين وقيمة الآخر دينارا نظر كم ينقص ثوبه هذا الثاني أن لو لبس ذلك في تلك المدة فإن كان ينقص نصف دينار وقد نقص من الملبوس دينار كان على اللابس الذي لم يلبس ثوبه نصف دينار ونصف آخر على الغسال فإن كان الملبوس نقص أقل من نصف دينار فليس على اللابس إلا ذلك الأقل ولا شيء على الغسال وإن كان قيمة الملبوس دينارا وقيمة الذي لم يلبس دينارين قيل : كم كان ينقص ثوب اللابس لو لبس ثوبه ؟ فإن قيل : نصف دينار . وقد نقص الملبوس ربع دينار دفع دينارا إلى ما فوق ذلك في القيمة ما لم يجاوز نصف دينار فلا يغرم أكثر منه ولو لبسه
[7/84]
***(1/80)
[7/85]
وهو يعلم أنه غير ثوبه غرم ما نقصه قال أو كثر فلا شيء على الغسال إلا أن يكون اللابس عديما فيتبع بذلك الغسال ثم يتبع الغسال ذمة اللابس / بذلك وإن لبس كل واحد منهما ثوب صاحبه وهو يعلم واختلف نقصان ذلك رجع من الفضل على صاحبه وإن لم يكن في القيمة فضل فلا شيء لواحد منهما على صاحبه .
وروي عن سحنون : إن لبسا جميعا ولم يعلما وفي ذلك فضل رجع من له الفضل بذلك على الغسال . قال ابن حبيب : فإن كان أحدهما عالما ولم يعلم الآخر فعلى هذا التفسير وقال فيما سوى ذلك مثل ما تقدم ؛ قال : فإن تلف الثوبان عندهما وقد كانا عالمين حين لباسهما فهما ضامنان ويرجع من له فضل على صاحبه بفضل القيمة في ملائه فإن كان عديما طالب الغسال بالفضل وإن كان يجهل فالغسال خاصة يتبع بالفضلة وإن تلف أحدهما وبقي الآخر فعلى هذا التفسير في العلم والجهل وكذلك وضح ابن الماجشون وقال : إنه قول مالك : قال أشهب في الصباغ يدفع ثوب هذا [لهذا]، فإن لبساهما حتى خلقاهما ضمن كل واحد قيمة الثوب الذي لبس يغرمه لربه وإن لم يخلقاهما فعلى كل واحد قيمة ما نقص لبسه من الثوب الذي لبسه هو ولا شيء على الغسال ، فإن كان أحدهما عديما رجع لصاحب الثوب على الصباغ .
ومن كتاب محمد ، قال ابن القاسم : وإذا دفع القصار غلطا ثوبك مقصورا إلا من قطعة وخاطه ودفع إليه ثوبه رددت ثوبه ولك تضمين القصار ثوبك أسمر إن شئت أو تأخذه ويغرم خياطته وتعطي للقصار أجره ولا ترجع عنه بحق الخياطة فقال ابن القاسم : ولو نقصه القطع والخياطة / ، فليس له أخذه وأخذ ما نقصه وقال غيره : إذا نقصته الخياطة فإن شاء أخذه ولا غرم عليه للخياط وإن شاء تركه وضمن القصار ثم يرجع العمل بين القصار وبين قاطعه .
[7/85]
***(1/81)
[7/86]
ومن غير كتاب محمد ، وروي عن ابن القاسم : إذا أبى أن يدفع أجر الخياط فللذي خاطه أن يعطيه قيمته صحيحا أو يسلمه إليك مخيطا فإن أسلمه إليك فأنت مخير بين أخذه أو تركه وتضمين القصار . قال سحنون : إذا أبيت مثل دفع الخياطة فليس لك إلا تضمين القصار فإن ضمنته قيل للقصار :
ادفع أجر الخياطة إلى الذي خاطه وحده ، فإن أبى قيل للآخر : ادفع إليه قيمة الثوب ، فإن أبى كانا شريكين هذا بقيمة الثوب وهذا بقيمة الخياطة .
ومن كتاب محمد ومن العتبية روى أشهب عن مالك في البائع يدفع إلى المبتاع أرفع من ثوبه فإن أدركه بعينه أخذه وأعطاه ثوبه وإن قطعه فهو للمبتاع بثوبه .
ومن العتبية : لأنه يقول : أردت ثوبا بدينارين ولم أرد ثوبا بعشرين .
قال ابن ميسر : لربه أخذه مقطوعا بلا غرم شيء .
وقال ابن ميسر : إن دفعه إليه ربه ولم يصدق إلا أن يعلم ذلك بقوم حضروا شراءه أو أمر يستدل عليه والثوب حاضر وإن كان رسوله دفعه إليه فالجواب على ما ذكر قال مالك : وإن أعطاه دون ثوبه فقطعه فالمبتاع مخير بين أن يرده وما نقص القطع ويأخذ ثوبه أو يمسكه بقيمته يوم / انقطع ويأخذ ثوبه أيضا . قال في العتبية : وله أن يدع ثوبه لأنه يقول : إنما أردت ثوبا ولم ارد ثوبين .
ومن الواضحة : وإذا اختلف الانع ورب الثو في دفع الإجارة فالصانع مصدق أنه لم يقبضها إن كان الثوب بيده أو بحدثان مما دفعه وليس له يجعلها قبل العمل إلا أن تكون له سنة فيحلفا عليه ومن هذا المعنى باب في آخر البيوع .
[7/86]
***(1/82)
[7/87]
في صاحب الحمام وجميع الحراس والرعاة هل يضمنون ؟
وفي الحارس ينام والدليل يخطئ الطريق
من العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك : قد أمرت صابح السوق أن يضمن أصحاب الحمامات ثياب الناس فيضمنوها أو يأتوا بمن يحرسها وقد قال أيضا : لا يضمنوا . وهذا من كتاب آخر كذلك حراس القرى لا يضمنون وإن أخذوا الأجر .
ومن كتاب محمد : ومن استؤجر يحرس بيتا فينام فسرق ما فيه فلا يصمن ، وإن غاب عليه وله جميع الأجر قال مالك : وكذلك حارس النخل والماشية لا يضمن وله أجره كله . قال محمد : لا يضمن جميع الحراس إلا بتعد كان مما يغاب عليه أو غيره من طعام وغيره وكذلك من يعطى متاعا يبيعه فيضيع أو يضيع ثمنه إلا أن هذا لا أجر له ويضمن . قال ابن وهب في قول ابن ربيعة : لا يضمن الراعي إلا أن يكو مشتركا ، معناه أن يأخذ ما لا يقوى عليه . قال ابن حبيب / : ذهب ابن المسيب أن الراعي رعى لرجل خاص لا يضمن وإن كان مشتركا ضمن . وقال مكحول والأوزاعي والحسن قال : فمن أخذ ذلك فهو حسن .
ومن العتبية ابن القاسم عن مالك فيمن بعث معه بخادم يبلغها بجعل فنام في الطريق فأبقت فله من الأجر ما بلغ ولا ضمان عليه يريد إنها إجارة وليس بجعل . قال : وقد روى ابن القاسم عن مالك المبضع معه يبلغها فماتت في الطريق أن له الأجرة كلها وعليه أن يتم له بقية سعره وقيل : إن كان ممن يواجر نفسه فذلك له . وهذا في كتاب الوكالات .
[7/87]
***(1/83)
[7/88]
وقال في حمال بعثت معه دنانير ليبتاع لك بها طعاما فيرجع فيقول : قد ذهب المال . قال : لا يضمن وعليه اليمين ولا أجر فيما عنا .
وفي باب الإجارة على المجيء بعيد من بلد فيخالفه العبد أنه يرسله في مثل ذلك والإجارة تامة قال مالك : والمستأجر يحرس بيتا فينام فيسرق من البيت فله أجره ولا يضمن وكذلك حارس الخيل والغنم له أجره ولا يضمن .
قال ابن القاسم : لا يضمن الأجير إلا ما ضيع أو فرط أو تعدى ، ومن الضيعة أن يترك ما وكل به ويذهب إلى غيره حتى يذهب ما وكل عليه وليس النوم والغفلة من الضيعة . أشهب عن مالك في الدليل يخطئ الطريق فأما العالم بذلك فلا شيء عليه ولا كراء وأما الجاهل يغرهم فلا شيء له قال أشهب : لا شيء لهما . قال ابن حبيب / : وإذا أخطأ وهو عارف لم يغرهم من نفسه فله جميع الأجر إذا بلغهم عل ما كان من خطئه وإن لم يبلغهم فله من الأجر بقدر ما دل لهم إلى أن يستغنى عنه مما ظهر لهم من حكاية على غرمهم وهو غير عارف فلا شيء له وعليه الأدب .
في الخياط يقول للرجل : إن الثوب يكسو فيشتريه
أو الصيرفي يقول : إن الدينار جيد فيأخذه
أو يدله على جارية فلان فيغلط
من العتبية ، ابن القاسم عنه مالك وعمن قال الخياط : أخرج لي من هذا الثوب قميصا أو ساجا . قال : نعم فأخذه أجه فقطع فلم يأت ذلك فيه فلا ضمان عليه ولو أفسد ذلك غرم قيمة الثوب إلا في فساد يسير . قال : ومن واجر قسطالا فانتقد له مالا ثم خرج فيها ردية فلا ضمان عليه .
[7/88]
***(1/84)
[7/89]
قال ابن القاسم عن مالك : ومن قال لخياط : إن كسا هذا الثوب اشتريته . فقال له : يكسوه فاشتراه فلم يكس فالبيع لازم ولا يضمن الخياط . قال ابن القاسم : وإن غر من نفسه عوقب وكذلك الصيرفي يقول للرجل : هذه دراهم جياد . فلا تكون كذلك ، فإن غره من نفسه عوقب وحرم أجره واختلف قول مالك في تضمينه إذا غر بجهله ؛ فقال : يضمن . وقال : لا يضمن ولا أجر له وأما البصير فلا يضمن وله أجره . وكذلك قال ابن حبيب إذا جعل له على ذلك ، فإن كان بصيرا فله أجره . قال / : ويعاقب الذي غر من نفسه ويحرم أجره ولا يضمن وروي عن سحنون تضمينه . وروي في أمين أمره القاضي يبيع على يتيم فباع وقال : قبضت دنانير جيادا . ثم توجد غير طيبة فإن كانت مشكوكا فيها لم يضمن ، وإن كان رداها بينا ضمنها .
وقال مالك ، في سماع ابن القاسم : إذا استوجر صيرفي ينتقد للورثة دنانير فوجد فيها ذهب قباح قال : لا يضمن إلا أن يكون [غر من نفسع أو يغرف أنه ليس]من أهل البصر ، فيضمن . قال سحنون : وهذه أصح من التي تحتها حين قال : إن غر من نفسه فلا شيء عليه ويؤدب .
وقال ابن دينار المدني فيمن استأجر رجلا في انتقاد مال قال : فوجد فيه رديا فإن كان بصيرا وأخطأ فيما يختلف فيه لم يضمن ، وإن كان مما لا يختلف في مثله لبيان فساده رأيته ضامنا ؛ لأنه قصر فبما كان يدركه لو اجتهد ولو كان الأجير جاهلا لا بصر له والذي استأجره لا يعرف بجهله وذكر الأجير أن له بصرا ومعرفة وغر من نفسه ، فإن قبض شيئا لا يختلف في مثله لسان فساده ضمن وعوقب ، وإن قبض ما يختلف في مثله لم يضمن وأدى لكل واحد منهم أجرئه . قال غيره : هذا كله إذا تصادقا على أنها منها أو بينة معه لم تفارقه .
[7/89]
***(1/85)
[7/90]
ومن كتاب محمد : ومن قال لرجل : دلني على جارية فلان أشتريها . فقال : هذه هي : فلما ابتاعها ألفاها غيرها وإنما طلبها / بعينها لصنعة أو سبب أو أرسل فيها ، فإن كان الدليل تعمد فلا جعل له ويؤدب ، وإن كان عارفا بها فشبه عليه فله جعله .
قال ابن القاسم فيمن قال لبزاز : أخرج لي قوارة ساسج فأخرج له طاقا وأمر الخياط فقور له منه ساجا ثم قال له الخياط : فيما بقي ساج مثل الأول . فاشتراه فقطعه وخاطه فجاء دون الأول فلا يضمن ويحلف أنه ما سرق منه شيئا . قال ابن ميسر : إلا أن يكون قطعه على شيء أراه إياه فغره وقطع دونه فيضمن الثوب وكذلك الخياط وإنما لا يضمن فيما ذكر حين ولي الشراء دافع المال نفسه فإنما كذبه هذا ولا يضمن بالكذب .
[7/90]
***(1/86)
[7/91]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا المرسلين وعلى آله وصحبه
كتاب الرواحل والدوات
في الكراء المضمون والمعين والنقد فيه
وهل يجوز تعيين حمل متاع لا يعدوه ؟
من العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك ومن كتاب ابن المواز : وإذا اكتريت من رجل دابة أو سفينة على أن يحملك إلى بلد كذا على دابة أو سفينة لم يسمها ولذلك الرحل دابة أو سفينة قال في كتبا محمد : وقد أحضرها الكري قال في الكتابين : ولا يعلم له غيرها ولم يقل : إنك تحملني على دابتك هذه أو سفينتك . فهلكت بعد أن ركب فعلى الكرى أن يأتيه بدابة أو سفينة غيرها ويحمله وذلك مضمون حتى يشترط شرطا إنما أكري منك هذه بعينها فينفسخ / الكراء بهلاكها . قال محمد : أو يكري منه نصف المركب أو ربعها فيكون كشرط التعيين . محمد : ولو أحضر متاعا أكرى عليه فلا يكون ذلك على تعيين المتاع ولو شرط في المحمول أنه لا يعدوه ولا يأتي بغيره ولا يبدله لم يجز ذلك ، فإن حمل فله كراء مثله ولا بأس بتأخير النقد في الكراء المعين في دابة أو عندما لم يتأخر الانتفاع مثل الشهر فأكره حينئذ تعجيل النقد ولا يؤخر في المضمون إلا أن يشرع في الركوب . قال مالك : وإن تكارى كراء مضمونا إلى أجل كالمتكاري إلى الحج في غير إبانة فليقدم مثل الدينارين ونحوهما ولا يجوز في غير المضمون يتأخر فيه الركوب تأخير شيء من النقد ووخر في هذا لما يقطع الأكرياء بالناس .
[7/91]
***(1/87)
[7/92]
قال أبو زيد عن ابن القاسم فيمن اكترى كراء مضمونا ويقدم إليه الدينارين حتى يأتي بالظهر فلا بأس بذلك وكم من كري هرب الكراء وترك أصحابه .
ومن الواضحة : وإذا وقع الكراء بدابة عينها أو أجير أو دار بثوب بعينه أو طعام بعينه ، فإن لم يكن للبلد سنة أو كانت سنتهم كلما عمل أو سكن أو سار أخذ بحسابه فلا يجوز في قول ابن القاسم والجواب عندي أن الكراء بهذا كله جائز كان سنة الله التأخير فيه أو غيره فهو على تعجيله حتى يشترط تأخيره تصريحا . وقاله من أرضى من أصحاب مالك .
ومن كتاب محمد ، مالك : ومن اكترى إبلا إلى بلد على أن يوخره بالكراء إليها ولم / تحضر الإبل وهي غائبة ، فان كانت بأعيانها فذلك جائز لأن النقد لا يصلح في شراء الغائب ، وإن كان كراء مضمونا فكان مالك يكره ذلك إلا أن يتعدى أكثر الكراء أو ثلثيه ثم قال : قد قطع الأكرياء أموال الناس فلا بأس بتأخير النقد ويعربنهم الدينار وشبهه قال أرجو أن يكون خفيفا لهذه الضرورة ولعموم الضرر بالناس بفسد الأكرياء وأما على قياس البيوع فلا يتأخر النقد في المضمون و خففه في الكراء لهذه العلة وسواء بشرط أو بغير شرط ما لم يشترط أجلا بعد حمل الحمولة والبلوغ فلا خير فيه . قال مالك : من اكترى دابة يركبها إلى عشرة أيام وينقد الكراء فإن كان قريبا فلا بأس به . قال ابن القاسم : لا يعجبني إلى عشرة أيام .
ومن كتاب محمد : وإذا مرضت الدابة يريد بعينها فتركها واكترى غيرها فقد انقطع ما بينهما وليرد ما بقي ولا يصلح في ذلك رجوع وإن رضيا . قال : ولا يكري الرجل الدابة بعينها كراء مضمونا .
[7/92]
***(1/88)
[7/93]
فيمن اكترى دابة على أنها إن ماتت ركب دابة له أخرى
وفي الدابة بعينها تموت أو تمرض أو يجد بها عيبا
فيعطيه غيرها والحوالة في الكراء أو يتحول من
دابة إلى أخرى أو إلى طريق أخرى أو إلى جمل من ركوب
من الواضحة : ومن تكارى من رجل دابة بعينها وشرط عليه إن ماتت فدابته الأخرى بعينها مكانها إلى مدى سفره / أو شرط أن باقي كرائه مضمون فلا يجوز .
ومن العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك فيمن تكارى دابة إلى موضع فهلكت ببعض الطريق ـ يريد وقد نقده ـ فلا ينبغي أن يعطيه دابة أخرى يركبها بقية سفره إلا أن يصيبه ذلك بفلاة وموضع لا يوجد فيه كراء فلا بأس به . وكذلك في كتاب محمد عن مالك . وكذلك في الواضحة وزاد سواء تحول في كراء مضمون أو معين والكراء الأول غير مضمون ، إلا أن يكون بفلاة ، فلا بأس به في الضرورة إلى موضع المستعتب فقط .
ومن سماع أبي زيد من ابن القاسم قال مالك : ومن بقي له عند رجل بقية كراء وسأل الكري رجلا آخر أن يحمله بالكراء الذي له عليه ويزيده فهو مكروه وأرجو أن يكون خفيفا . قال ابن القاسم : وليس بضيق وفيه شيء ، وإن سأل ذلك المتكاري أن يحتال على الكراء الأول ورضي بذلك الكري الأول أن يحتال عليه ويزيده فلا خير فيه . أنكرها سحنون ورآها من وجه دين بدين .
ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن اكترى شق / ؛ مالك ونقد الثمن ثم أراد التحول إلى زاملة ويرتجع فلم ير فيه بأسا . قال عيسى عن ابن القاسم : إن سأله أن يحوله من محمل إلى زاملة ويرد عليه دينارا ويرده من زاملة إلى محمل ويزيد عليه دينارا وقد ركب أو لم يركب فذلك جائز إلا أن يكون ، نقده فلا يزيده
[7/93]
***(1/89)
[7/94]
الحمال شيئا إلا أن يكون قد سار بعض الطريق فتزول تهمة السلف فأما / أن يزيده الراكب ويتحول إلى محمل فلا بأس به ركب أو لم يركب نقد أو لم ينقد . قال عنه أصبغ : ولا بأس أن ينتقل إلى محمل ويزيده وأما إن تكارى على حمل أحكام فأراد أن يتحول إلى محمل ويزيده فلا يجوز . قال أصبغ : لتباعد هذا من هذا .
ومن كتاب محمد : ومن أكرى دابة بعينها فلا يجوز أن يتحول منها إلى غيرها ، فإن فعل فعليه في الثانية كراء مثلها ما بلغ ويبقى كراء الأول قائما بينهما ، ولو كانت إجارة على أيام معلومة جاز ذلك بينهما إذا انقضت تلك الأيام ، وأحب إلينا أن يكون عليه في تلك الزيادة الأكثر من كراء المثل أو من الكراء الأول .
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن اكترى دابة من مصر إلى برقة ثم باعها وشرط على المبتاع أن عليه تمام الحمل مضمونا عليه على أي دابة شاء فالبيع جائز هو بيع وكراء مضمون بخلاف الدابة تباع ويستثنى ركوبها مكانا بعيدا .
ومن سماع أشهب من مالك قال فيمن اكترى من مصر إلى الحج ولم يشترط المضي بالمدينة فبريد ذلك ويأبى الكري إلا أن يتساحل فذلك على الكرى إلا أن يخاف فوات الحج وكذلك في كتاب محمد قال ابن ميسر : ولا تراعى ها هنا سهولة الطريق ؛ ولأنه واجب عليهم بدءا للإحرام .
ومن الواضحة : وإذا اكترى منه من مصر إلى مكة ذاهبا وراجعا فلما بلغا مكة سأله أن يرجع به في طريق غير التي أتى منها قال : قال ابن الماجشون : /
[7/94]
***(1/90)
[7/95]
إذا كان رجوعه إلى مصر فذلك جائز كانت المسافة متفقة أو مختلفة بزيادة من أحدهما أو بغير زيادة ، وأما أن يفسخ ذلك في سفر ينشره من مكة إلى غير مصر فلا يجوز بزيادة ولا بغير زيادة كان الكراء الأول مضمونا أو في دابة بعينها .
ومن كتاب ابن المواز : ومن اكترى دابة بعينها فالقاها بها دبرة يؤذيه ريحها فكرهها يقال : اركبها ، فإن لم تواتك فعلى بدلها حتى أبلغك فإن كانت مما يقضي له بردها فلا خير في شرطه أن يبلغه ؛ لأن الكراء في معينة ، فإن نزل فعليه كراء ما ركب ولا خير أيضا في أن يحوله إلى غيرها ، وإن لم يضمن لها وإن كانت الأولى في حقه أمرا الدابرة لا يقضي بردها فالكراء الأول لازم والشرط الثاني باطل . قال ابن القاسم وعبد الله : من اكترى دابة بعينها إلى بلد ثم أراد أن يتحول إلى دابة أوطى منها لم يجز ذلك لا بزيادة ولا بغيرها . وقاله مالك . وأجاز ابن القاسم أن يتحول إلى طريق أخرى إن كانت مثلها .
محمد : يريد في أمنها وسهولتها ولم يجزه عبد الملك ما لم يكن طريق من يراجعه إلى الموضع الذي اكترى إليها ، أو طلب الاختصار فيجوز ما لم يكن زيادة .
ومن العتبية ، أشهب عن مالك في المكتري يريد أن يركب الدابة إلى غير الموضع الذي تكارى إليه فقال : إن كان مثل الموضع الذي تكارى إليه في السهولة والجزولة فذلك له . وفي المدونة ذلك له برضاء ربها . وقال غيره : ليس ذلك له بجائز . والله الموفق .
[7/95]
***(1/91)
[7/96]
في إلزام الكراء العاقد به
وفي تخلف الراكب أو الكري قبل الركوب أو بعده
وفي الكري لا يجد الوكيل فيكري الإبل أو لا يكري
ومن كتاب محمد ، قال : ويوم يقع الكراء يجب الركوب حينئذ إلا أن لا يمكن لليل غشيهم أو غيره فيؤخر إلى مكانه إلا أن يسميا شيئا معروفا جائزا .
قال ابن حبيب : وليس لأحد المتكاريين أن يرجع عما عقد ولا ينقضه ولا له في الدابة بيع ولا هبة ولا صدقة ، فإن فعل فالكراء أولى ولا ينقض الكراء بموت أحدهما .
ومن العتبية وكتاب محمد ، أشهب عن مالك : ومن اكترى من المدينة إلى مكة فسار شيئا ثم أراد أن يرجع إلى المدينة فقد لزمه الكراء كله قال أحمد : وليكر بقية المسافة إلا أن يرجع على الدابة برضى منها على المقاواة .
ومن سماع أصبغ من ابن القاسم ، من العتبية وعن كري حمل لرجل أحمالا من الشام إلى مصر أو الفسطاط فلما بلغ إلى الفرما قال له المتكاري : أعدل بأحمالي إلى الأشنوم احملها في البحر . فيفعل ثم قال : على الكري فيما بين الفرما إلى الفسطاط قال : ليس له ذلك إلا أن يكون استثنى ذلك فقال له : اخرج أحمالي ها هنا وحاسبني . وإلا فلا شيء له والكراء كله للكري أرأيت لو قال له : ضع لي بعض متاعي ها هنا . فوضعه ألم يكن له كراؤه كله ؟ أو يحمل حتى فات الأمر فإن لم تكن أياما بأعيانها ، وقد ضرب لمجيء الدابة أجلا أو لم يضرب فأتى بها فلم يقبل فالكراء قائم حتى ينظر السلطان ويكريها عليه ولو أخذها فاستعملها / في غير ذلك ، فإن كان ليس في مثله فالكراء قائم وعلى
[7/96]
***(1/92)
[7/97]
المكتري كراء ما في هذا العمل مع الكراء الأول وكذلك لو أبقاها فعليه كراء مثلها فيما أوقفها فيه والكراء ثابت يكريها المكتري في مثله وإن أكراها في أيام بأعيانها فأتى بها فلم يقبل الدابة فإن تركه ربها قد قيل : إن لم يرجع ذلك إلى السلطان حتى يكريها على المكتري حتى فات الوقت وقد انفسخ ما بينهما ولا شيء على المكتري . ابن القاسم ، روى عن مالك أنه إن أمكنه منها ولم يأخذها حتى [ذهب الوقت]. وقد أشهد عليه فقد لزمه الكراء . وقد قاله ابن القاسم . وكذلك الأقل إن أمكنه منها . قال محمد : وذلك عندنا في أيام بأعيانها أو شهر بعينه ، ولو قبضها فأوقفها حتى زال الوقت لزمه الكراء كاملا ، وإن استعملها في غير ما أكراها له بغير إذن ربها وقيمة ذلك أكثر من قيمة ما اكتراها له فالفضل لرب الدابة ، وإن كان أقل لم يكن له غيره . قال محمد : تفسيره أن يسقط الكراء الأول ، كان أقل أو أكثر ولم يعجبني بل يكون له الأكثر من الكراء الأول أو الثاني وكذلك أجير السنة لو واجر الأجير نفسه فيها كان الفضل للذي استأجره أولا يأخذه منه . قاله أحمد بن ميسر : إذا أكرى الدابة أياما بأعيانها فقبضها فأوقفها أو استعملها في دون ما اكتراها له فالكراء الأول بمضي الأيام المعينة ويكون له كراء مثله في شدة ذلك العمل الذي استعملها فيه . وقال مالك مرة : إذا أكرى ظهرا / إلى أجل على حمولة ف لما حل الأجل أمكنه منها فأبى ورافقه إلى الإمام فلم يفصل بينهما فأكرى الإبل ربها ، فإن كان بأكثر فذلك للمكتري / وإن كان بأقل فعلى المكتري ما بقي له عليه . وقال مالك فيما بلغني : بل هذا الكراء للكري وليرجع ثانية قال ابن القاسم : وإذا خرج الكري إلى وكيل المكتري ببلد آخر فلم يجده قال ابن حبيب : أو لم يجد المتاع ، فإن رجع بعد إعلام الإمام أو بعد اجتهاده وتلومه وإشهاده إن لم يكن سلطان ، فله كراه ، وإن لم يكن ذلك رجع ثانية . محمد : وهذا هو القول ، قال مالك : وإن لم يكن الكراء بالبلد موجودا أو رجع ولم يرفع إلى الإمام فلا يبطل عمله بجهله إن يدخل على الإمام . قال أحمد : هو مدع في الاجتهاد ولا بينة له ولو دخل على السلطان بأن عذره . وقال مالك :
[7/97]
***(1/93)
[7/98]
وإذا اكترى الإمام الإبل أو المكري وقد اجتهد إن لم يكن سلطان ، يريد فأشهد فذلك للمكتري قال أو كثر وعليه الكراء الأول ولو أكراها الحمال لنفسه وكان ما وصفت لك فله هذا الكراء وليرجع ثانية إذا لم يرفع إلى سلطان ولو أكراها الحمال للمكري بغير تلوم فإن رضي به المكتري وقد نقده فإن كان هذا الكراء أكثر لم يجز له أخذ الفضل ، وإن لم ينقده فله أخذ الفضل ، وإن لم يرض به فالكراء الأول قائم .
ومن العتبية ، أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك : وإذا لم يجد الوكيل فأكرى لنفسه / فالكراء له وليرجع ثانية ، ولو تلوم وكلم الإمام وأشهد فليس عليه أن يرجع ثانية ولو لم يفعل ذلك وأكراها للمكتري ثم ذكر نحو ما في كتاب ابن المواز إلا أن ما في العتبية فيه إشكال يتغير به المعنى في ظاهره . قال سحنون : إذا أكراها المكتري على وجه النطر بأكثر من كرائه فالمكتري مخير إما أخذ رأس ماله وترك له الفضل وتكون إقالة ، وإلا رده وكان جميع الكراء للكري ، وإن أكرى بأقل لم يضمن وله كراؤه ويرجع ثانية إلا أن يتراضيا على شيء فيكونا على ما اصطلحا .
قال ابن حبيب : وإذا لم يجد الوكيل وترك أن يأتي السلطان وأن يتلوم ويشهد وأكرى لنفسه فالمكتري مخير إن شاء سلم الكراء ورده يحمل متاعه ، وإن شاء أخذ الكراء فإن شاء أخذه فانظر فإن كان فيه فضل فالفضل للمكري أكرى كان ذلك للمكتري قال ذلك أو كثر .
ومن كتاب محمد : وإذا أخلفه الكرى حتى فاته فلقي رجل أو غيره ف لا ينفسخ الكراء بذلك إلا في الحج فقط لأن أيام الحج معينة فإذا فاتت انفسخ
[7/98]
***(1/94)
[7/99]
الكراء وكذلك يمكن في أيام بأعيانها ولا يتمادى وإن رضيا وقد قال مالك : إن نقد في الحج أو غيره ، فإن أحب أن يتأخر الكراء إلى عام قابل لا يؤمر بالرد ، وإن لم / ينقد فجائز فسخه ثم رجع مالك في الحج فقال : يفسخ بينهما وكذلك إن اكترى دابة شهرا بعينه فحبس عنه فيفسخ ما حبست فيه ويصح بقية الشهر ويصير كالأجير يمرض أو يغيب في إجارة الشهر ولو لم يكر أياما معينة كأن يكري سلعة بعينها يدفعها من الغد أو مضمونة فمطله بذلك حتى فاته ما يريد فلا حجة له وإنما له السلعة . وقاله مالك في الأضاحي يسلم فيها فيؤتى بها بعد أيام النحر أنها تلزمه وإذا غاب الكري فلم يأت مع الوقت فإنما يتكارى عليه الإمام إن كان له مال معروف وإذا كان الحج خاصة ففات وقته فسخ بينهما ولا يفسخ غيره إلا في كراء أيام بأعيانها أو شهر بعينه فيخلفه فيه كذلك قال مالك . فأما كراء مضمونا أو دابة بعينها يركبها من الغد أو بعده وليس بأجل مسمى يبلغه وإنما سمى وقتا بمجئ الدابة يركبها فهذا لا ينفسخ بعينه الحمال ما لم يكر المشتري أياما بأعيانها قيل : أليس يكره الأجل في المسير ؟ قال : ليس هذا من ذلك لأن هذا حيث ينقضي الأجل سلم الحمولة إلى ربها وإنما المكروه أن يسمى للبلوغ أجلا . قال مالك : في كتاب ابن المواز ، ومثله لمالك في العتبية في سماع أبي زيد : وإذا تخلف الكري في بعض الطريق فأنفقوا على إبله أو مات بعير فأكروا عليه ؟ قال مالك : يلزمه ذلك إذا كان ما يشبه . قيل : فاشتروا بعير ا ؟ قال : لا أدري / ما الشراء أرأيت لو ماتت كلها أيشترون مثلها ؟ إنكارا إن يكون عليه شيء .
[7/99]
***(1/95)
[7/100]
في هلاك الراكب وكيف إن شرط المحاسبة بموته ؟
وفي الحمولة تهلك أو يتعدى فيها الكري
وفي الطريق تعرض فيه
أو عرض للراكب ما منعه المسير
من العتبية من سماع أصبغ من ابن القاسم : وسئل عمن اكترى شق محمل فمات في الطريق فلم يجد وليه كراء فأراد أن يطرح في شقه حجارة ؟ قال : ليس ذلك له ، وهذا مضار إلا أن يكون له في تلك الحجارة نفع .
قال ابن القاسم في رواية عيسى : ولا خير في أن يكتري الدابة ويشترط أنه إن هلك ببعض الطريق قاصه بما ركب ورد الدابة . وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن أكرى على قمح من الريف أخذ اللصوص القمح ببعض الطريق قال يرفع ذلك إلى السلطان فينظر فيه فإن لم يرفع ذلك حتى قدم فليرجع حتى يحمل مثله من الموضع الذي أصيب فيه .
ومن سماع عبد الملك بن الحسن قال ابن القاسم في الدابة تكتري إلى موضع فتقطع به اللصوص أو سرق له من متاع أو قطع به شيء لا يقدر معه على المسير قال : الكراء لرب الدابة فإن شاء المكتري سارة أو أقام وليكرها في مثل ذلك . وقال سحنون . وقال : وأما من تكارى دابة إلى موضع / فيبلغه شيء لا يقدر معه على دخوله ولا التخلص إليه فالكراء يفسخ بينهما . قال ابن حبيب : ومن تكارى على حمل متاع كراء بعينه أو مضمونا فسار بعض الطريق فبلغهم فساد الطريق ، فإن كان في الطريق انفلاق بين وشدة لا يرجى كشفها إلى أيام فيها مضرة عليهما أو على أحدهما فلمن شاء منهما فسخ الكراء ، وإن كان في غير موضع مستعتب فعلى المكري أن يرد به إلى المستعتب والمكان المأمون كان بين يديه أو خلفه ، فإن كان بين يديه فله بحساب كرئه ، وإن كان خلفه فيكري مثله
[7/100]
***(1/96)