[2/199]
حكم للإمام في هذه ، و لا يزيل ملك ربِّها منها ظهور المعدن فيها ، كانت ارضَ صُلْحٍ ، أو عنوةٍ ، أو من ارضِ العربِ ، و هي لمن ظهرت في أرضه يعامل الناسَ فيها على ما يجوز ، و فيها الزكاة ، و هذا تفسير من لقيت من أصحاب مالكٍ .
و من "العُتْبِيَّة" ؛ قال يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسمِ : و ما ظهر من معدنٍ في ارضِ ذمِّيٍ من أهل العنوة أو أرض مَواتٍ فأمره إلى الإمام .
وللإمام إقطاعُ المعادنِ على غير تمليكٍ ، و لكن إذا مات أقطعه لغيره . وللإمام إقطاعُ المعادنِ على غير تمليكٍ ، و لكن إذا مات أقطعه لغيره . قال سحنونٌ : إنَّما ينظر الإمام في الأرض التي كالمواتِ ، و أمَّا من ظهر له في أرضٍ يملكها معدن فهو لم يمنعه ، و لا يجوز له بيعه ، إذا لا يدري ما فيه ، وكم يدوم ، و له منع ما في البِرْكَةِ في أرضه من الحيتان .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال ابن نافعٍ : و ما ظهر من المعادن فلاةٍ ، فليقطعه الإمام لمن يعمل فيه ، و ما ظهر منها في أرضِ رجلٍ و في حظِّهِ فهو له ، و ليس للإمام عليه سبيلٌ ، و ما ظهر منها في أرضِ الصُّلحِ فهو لأهل الصلحِ . قال : و معادنُ القبيلة ، لم يكن حظُّه لأحدٍ ، و إنما كانت بفلاةٍ .
قال يحيى بن يحيى في "العُتْبِيَّة" : قال ابن القاسمِ : و ما ظهر منها في لأرض الصلح ، فهو لأهل الصلحِ و يوفي لهم بعهدهم ، فمن أسلم منهم و في أرضه معدنٌ ، فأمره إلى ألإمام ، و قال ابن الْمَوَّاز : بل ذلك لهم إذا أسلموا . وذكره عن مالكٍ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ : كلُّ ما كان من المعادنِ قبل الإسلامِ ، أو ظهر بعد الإسلامِ في أرضٍ أسلم عليها أهلها ، فأمرها إلى ألإمامِ ، و أمَّا معادن أرض الصلحِ ما ظهر منها قديماً وحديثاً
***(1/195)
[2/200]
فلأهلها منعها ، و من شاءوا عاملوه فيها بالثلثِ أو الربعِ . و أنكر محمدٌ مُعاملتهم فيها بالثلث والرعبِ ، و وقف عنه . قال : و ما ظهر منها في أرض العنوةِ فللإمام أَنْ يقطعها ، و ليس فيها إلا الزكاةُ ، و إذا أسلم أهلُ الصلحِ فلابدَّ من الزكاة من معادنهم ، و من عاملهم منها من مسلمٍ قبل إسلامهن فعليه الزكاة كما لو زرع في أرضهم بكراً . و من أسلم من أهل العنوةِ كأهل مصر ، فليس له أرضه و لا داره و لا ماله يريد : المال الذي كان له يومَ الفتحِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافعٍ ، وعليٍّ ، عن مالكٍ ، قال مالكٌ : و ما أصابه الذِّمِّيُّ بعمله في المعدن ، فإن كانت الأرضُ من عَفَاءِ الأرضِ ، فلا يقرهم فيها الإمام على شيءٍ معلومٍ يؤدونه و إن كانت لبعضِ المسلمين فعلى ما راضاهم عليه بها ، و إن كانت من الأرض التي أمر صلى الله عليه و سلم بإجلائهم منها ، لم يتركوا فيها . قال سحنون : قوله : يقاطعهم على أمر معلومٍ . لا أعرفه ، فإذا كانت من عفوِ الأرضِ التي أسلم عليها أهلها فلهم النفع بها ، و لا يبيعونها و قد كانت تُقطع فيها المعادن ، و فيها قيل : "لا يُمنع فضلُ الماءِ ليُمنع به الكلاُّ" ، و هي التي حَمى عمرُ . و أمَّا في البلدان فهي لمن أحياها . قال مالكٌ : و أهلُ الصلحِ أحقُّ بمعادن أرضهم .
بابُ بقيَّةِ القولِ في زكاة ما يخرج من المعدن من ذهبٍ أو فضةٍ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ ، في الدرة تخرج من المعدنِ أو توجد على الأرض بالمعدنِ بغير عملٍ أو بعملٍ يسيرٍ : ففيها الخمسُ ، و أمَّا من أقام يكدُّ و يعملُ ، ثم يجد هذا ، ففيه الزكاة ، و أمَّا ما (خفَّ من العملِ) فلا ، و قد يتكلف عملٌ في دفنِ الجاهلية ،
***(1/196)
[2/201]
و كذلك في الذهب النابت يجده فيما لي سفيه كثير عملٍ ، ففيه الخمسُ ، و قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه ، عن ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، في الندرة تخرج من المعدن : إنَّ فيها الزكاة ، و إنما الخمسُ في الركاز ، و هو دفنُ الجاهلية . قال سحنونٌ : و إذا أصاب في نيل المعدن مائة درهمٍ ، ثم انقطعَ فابتدأ العملَ فأخرج مائة أخرى ، فلا يضم ذلك بعضه على بعض ، كزرع ائتنفه بعد حصادٍ ، و لو أنَّ له أربع معادن ، أو أُقطعها لم يضم ما يصيب في واحدٍ منها في باقيها ، و لا يُزكِّي إلا عن مائتي درهم فأكثر ، من كلِّ معدنٍ ، وكل معدنٍ كسبه مؤتنفه في الزرعِ ، و ليس كزرع في مواضع يضم بعضه إلى بعضٍ زرعه في عامٍ واحدٍ .
وقال محمد بن مسلمة : يضم بعضها على بعض و يُزكِّي الجميع كالزرعِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و لا يسقط زكاة ما يجد في المعادن دَينٌ محيط ، و كذلك الركاز ، و هو قول مالك . و من أدرك نيلاً ، فليس له بيع ذلك الغار و لا يورث عنه ، و هو يقطع لغيره . و قال أشهبُ : لا يبيعه في حياته ، و ورثته أحقُّ به بعد مماته ، و لا يبيعونه بمنزلة بئر الماشية يسقون منه بقدر مواريثهم ، و من أسلم منهم نصيبه منه و من المعادن ، فهو لسائر الناس يقطعه الإمام لمن رأى . قال ابن القاسم : وَ لا بَأْسَ للشريكين في المعدن أَنْ يُقسما ترابه كيلاً .
و من "الواضحة" و إذا انقطع عِرق المعدن قبل بلوغ ما فيه الزكاة ، وظهر له عرقٌ آخر فليبتدئ الحكم فيه . قاله مالك : و قال ابن الماجشون : والشركاء في المعدن كالواحدِ ، و العبد كالحرِّ ، والذمي كالمسلمِ ، وذو الدَّين كمن لا دين عليه ، كالركاز يجده منذ كرنا ، و كذلك ذكر عنه
***(1/197)
[2/202]
ابن سحنونٍ . قاله سحنونٌ : لا زكاة فيه إلا على حرٍّ مسلمٍ ، كحكم الزكاة ، و قاله المغيرة . قال سحنونٌ : والشريكان فيه كشريكي الزرع . قال ابن حبيبٍ : و ما وُجدَ بساحل البحر من ترابٍ فعُملَ فاستخرج منه ذهبٌ أو فضةٌ ، فهو مثل ما يوجد من المعدن . و قاله مالك .
قال ابن سحنون : قال ابن كنانةَ : و من باع تراب المعدن قبل يزكيه لم ينظر إلى الثمنِ ، و لينظر إلى ما يخرج من ذلك التراب على ما اختبره قبل ذلك ، فيزكيه إن بلغ ما فيه الزكاة ، من ذهب أو فضةٍ .
قال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : و يزكي ما يخرج من المعدن إذا بلغ ما فيه الزكاة ، و إن كثرت نفقته فيه ، و كذلك الزرع والثمر .
جامع القول في الركاز
من "الواضحة" ، قال : والركاز : دفن الجاهلية خاصَّة ، والكنز يقع على دفنِ الجاهلية ودفن الإسلام ، فدفن أهل الإسلام فيه التعريف ، و في دفن الجاهلية الخمس وباقيه لمن وجده كان في أرض العربِ ، أو أرضِ عنوةٍ أو صلحٍ ، قاله مطرِّفٌ ، و ابن الماجشون ، و ابن نافع ، و أصبغ . ورواه ابن وهبٍ ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ ، و عمر بن عبد العزيز ، و مكحول ، و الليث . و فرَّق ابنُ القاسمِ فيه بين أرض العربِ و أرض الصلحِ و العنوة ، ببلاغ عن مالك ، واحتجَّ بالسَّفَطَيْنِ اللذين ردَّ عمر ، و ذلك شيءٌ يسيرٌ .
من "العُتْبِيَّة" ، و ليس بركازٍ ، و قد قال مالكٌ : ما أصيب في قبورِ
***(1/198)
[2/203]
الجاهلية ففيه الخمس ، أفترى بالحجاز واليمن كانوا يقبرون بالذهب؟ و إنما أراد قبور ملوك فارس ، و الروم ، و العجم الذين ظهر عليهم الإسلام .
وقال عبد الملك : و هذا إن كانت الأرض للذي وجده أو كانت فلاة ، فإن كانت ملكاً لغيره ، فالأربعة أخماسٍ لربِّ الأرضِ ، و هو كالأجير يحفرُ في دار رجلٍ فيجد كنزاً .
قال سحنونٌ : في "العُتْبِيَّة" : و من وجد ركازاً في أرض عنوةٍ ، لم يبقَ ممن افتتحها أحدٌ و لا من نسلهم ، فليتصدَّقْ بها على المساكين ، يريد : زخمسُه يخرجه أيضاً في مسلك الفيءِ . قال سحنونٌ : فإن لم يُعرف أعنوةٌ هي أو صلحٌ ، فهو لمن أصابه ، حرًّا أو عبداً أو امرأة ، فهو له و عليه خمسه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ : و من أصابه ببلدِ العنوةِ فليس لمن وجده ، و فيه الخمس ، و أربعة أخماسه لمن فتح تلك البلاد ولورثتهم . و إن هلكوا ، أو يتصدَّقُ بها عنهم ، و إن لم يعرفوا . و قد ردَّ عمر السِّقْطيْنِ ، و إنما هو كنزٌ دلَّ عليه . قال : و إن كانت بلد صلحٍ ، فهو كله لهم ، لا خمسَ فيه إذا عرف أنَّه من أموالهم ، و إن عرف أنَّه ليس من أموال أهل بلدِ الذمَّةِ ، و لم يرثه عنهم أهل هذه الذمة ، فهو لمن وجده ، و إذا أصابه رجلٌ في دارِ صلحٍ فمن صالح على تلك البلاد . قال ابن القاسمِ : فهو لربِّ الدار لا خمس فيه .
قال سحنونٌ ، عن ابن نافعٍ : قال مالكٌ : و مَن وجد في البحر من تراب الذهب والفضةِ ، والتماثيل منذ هبٍ ، أو فضةٍ ، ففي تراب الذهبِ
***(1/199)
[2/204]
والفضةِ الزكاة ، و في التماثيل الخمس .
وقال عليٌّ ، عن مالكٍ ، فيما يحفر في مدائن الأولين ، فيستخرج قِطعَ القصَارِ من ذهبٍ يصيب في شهرٍ منها ، أو حولٍ عشرين مثقالاً أو أربعين ، ففي كل شيءٍ من ذلك الخمس ، قال عنه ابن نافعٍ : فيما أصيب من الركازِ الخمسُ قلَّ أو كثر . و إن كانت عشرة دراهم ، ثم رجع ، فقاتل : إنْ كان يسيراً ، فلا شيء فيه . قال مالكٌ : و ليس فيما وجدَ من لؤلؤٍ أو جوهرٍ شيءٌ ، حتى يبيعه و يأتنف بالثمنِ حولاً ، إذا قبضه فيزكيه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال المغيرة : في كل ما وجد من الركاز من العين و غيره الخمس وجده ، حرٌّ أو عبدٌ ، أو ذمِّيٌّ ، ذكرٌ أو أنثى ، صغيرٌ أو كبيرٌ . و قاله ابن نافعٍ . و لم يُرد ذلك فيما أصيب بأرض الحرب . قال مالكٌ : ما أصيب منذ دفنِ الجاهلية ، بأرض الحربِ فبين أهل الجيش . قال أشهبُ : و كذلك إن فتحت لهم مطامر فوجد فيها مالٌ ، فهو مغنم .
قال ابن القاسم : في الركاز يجده الفقيرُ : فليخرج خمسه و إن قلَّ .
قال أشهبُ : و ما وُجِدَ من ركاز في بلد الصلح ، فإن كان مما يجوز أَنْ يكون لهم ، ففيه التعريف ، ـ ثم هو لمن اعترفه منهم ، كما يعرف المسلم ما كان من دفن المسلمين ، و لو كانت لقطة ، فادَّعاها ذمِّيٌ ، لَقُبلَ قولُه مع يمينه في الكنيسة ، و إن كان ممن لا يجوز أَنْ يكون لهم ، و هو لمن لم يكن له ذمة ، و لا ممن ورثه أهل هذه الذمة ، فهو لمن وجده و فيه الخمس ، و إن وجده في أرض العنوة ، و يجوز أَنْ يكون لأهل هذه العنوة ،
***(1/200)
[2/205]
فهو لمن افتتح البلاد إن عرَّفوا ، و إلا فهو لعامة المسلمين وخمسه فيءٌ . قال سحنونٌ : يسلك بأربعة أخماسه مسلك اللُّقَطَةِ ، فيتصدَّق بها على مساكين تلك البلدة ، و إن كان مساكينهم مع بقايا الذين فتحوها . و إن كانوا ابتنوا غيرها ، رأى فيه الإمام رأيه .
قال أشهبُ : و إن كان لمن ليس من أهل هذه العنوة ، و لا همن و لا ورثتهم ، ففيه الخمس ، و هو لمن وجده ، قال المغيرة : ما وُجدَ من ركاز بأرض الصلحِ ، فهو لأهل الصلحِ . قال سحنونٌ : يكون لأهل تلك القريةِ جون الإقليم . قال المغيرة : و إن كان من دفن مَن سكنها من أهل الإسلام ، فهو كاللقطة .
وقال عليٌّ : عن مالكٍ : مَن وجدَ ركازاً في منزل اشتراه ، أو في منزل غيره ، فهو لربِّ المنزلِ دون من أصابه . و قال ابن نافعٍ : بل هو لمن وجده . و كذلك في "كتاب" ابن سحنون .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز" و ما وُجدَ من دفنهم من عُمُدٍ ، و خشبٍ ، و صخرٍ ، فهو كالركاز ، قال محمد بن الْمَوَّاز : اختلف قول مالك فيما وُجِدَ من دفنهم سوى العينِ ، من جوهرٍ ، ولؤلؤٍ ، وحديدٍ ، و نُحاسٍ ، و مسكٍ ، وعنبرٍ ، فقال : ليس بركازٍ ، ثم رجع ، فقال : له حكم الركاز . روى القولين ابن القاسمِ ، و أشهبُ . ,اخذ أشهبُ ، بأنه ركازٌ في ذلك كله ، إلا في النحاس والرصاص . و هذا أبين ؛ لأنَّه لا خمسَ إلاَّ فيما وجب عليه ، و إنما أخذ من الذهب والورقِ ، لأنَّه الركاز نفسه الذي جاء فيه النصُّ . و قال ابن حبيبٍ : قال مطرِّفٌ ، و ابن الماجشون ، و ابن نافعٍ : إنَّه الركاز .
وقال ابن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : و ما في قبورهم من مالٍ ففيه الخمسُ ، و لا
***(1/201)
[2/206]
شيء فيما وجد فيه من جوهرٍ ، و نحوه مع الكراهية لحفرِ قبورهم ، فليس بحرامٍ . قال أشهبُ : لا أكره حفرها و نبشهم منها وسلبهم ما فيها من مالٍ أو حِرزٍ ، أو ثوبٍ ، و فيه الخمسُ ، و ليس حرمتهم مَوْتَى بأعظم منها أحياءً ، و هو مأجورٌ في فعل ذلك بالأحياء منهم . قال سحنونٌ : قال ابن القاسم ، عن مالكٍ : و ليس بضيق إن فعله أحدٌ ولكنِّي أكرهه .
فيما يؤخذ من أهل الذمةِ إذا تجروا على غير بلدهم
من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، من رواية عليٍّ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، قال مالك : أَخذَ عمرُ من أهل الذمة العشرَ إذا تجروا من أُفقٍ إلى أُفقٍ ، و أخذ من النبط نصف العشر ، في الحنطةِ والزيت ، و أمَّا في القُطنيَّةِ فأخذ منهم العشر ، قال مالكٌ : و إنَّما خفَّفَ عنهم في حملهم الحِنطةِ والزيتَ إلى المدينةِ و مكة خاصَّةً ، و كذلك إلى ما كان بأعراض المدينةِ من القُرَى ؛ ليكثر حملهم ذلك إليهم . وذُكر في "كتاب" ابن سحنونٍ ، من روايته ، عن ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : يؤخذ من أهلِ الذمة من الزيت والطعام العشر ، إذا تجروا في بلاد المسلمين إلى المدينة و مكة أة غيرها ، و إنما يؤخذ منهم عمر نصف العشر في الحنطةِ والزيتِ ، ليكثر الحملُ إلى المدينة ، و قد أغنى الله عز وجلَّ المدينة و غيرها عنهم اليوم ، فليؤخذ منهعم العشر من الزيت والطعام . و قال ابن نافعٍ : لا يؤخذ منهم بهذين البلدين إلا نصف العشر ، كما فعل عمرُ و إن استغنوا اليوم عن ذلك ، و كذلك رواية أخرى لابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، قال مالكٌ : و إنَّمَا
***(1/202)
[2/207]
يؤخذ من الذمي إذا تجر إلى غير أفقه ، قيل : لمالكٍ في سماع أشهب .
من "العُتْبِيَّة" ، فما حملوا إلى المدينةِ من تيماء ، قال : فليؤدوا و أمَّا من وادي القرى فلا ، لأنَّها من المدينة .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن وهبٍ : قال مالكٌ : و إن تجرَ ذمِّيٌّ من أهل العراقِ ، من البصرةِ على الكوفةِ ، و لم يؤخذ منه شيءٌ ، إلا أَنْ يخرج من بلده على بلد آخر . قال ابن القاسمِ ، و أشهبُ ، و ابن نافعٍ : قال مالكٌ : و مَن تجرَ منهم من مصر إلى الشام أُخذ منه العشر ، ثم عن مضَى منها على العراقِ أُخِذَ منه أيضا مما معه من التجارة ، و كذلك إنْ مضَى على بلدٍ آخر .
قال ابن القاسم ، في الذمي يكري إبله من مصر : فلا شيء عليه ، فإن أكراها من الشام راجعاً ، فعليه في ذلك . و قال أشهب : لا شيء عليه ؛ لأنَّ ذلك غلةٌ .
و رُوِيَ عن مالكٍ ، في النصرانيِّ يُكري في بلد الإسلامِ ، قال : لا يؤخذ منه شيءٌ . قال ابن نافعٍ : يؤخذ منه عشر الكراء سلعةٍ باعها . قال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : و إن تجروا بالخمرِ و ما يَحرم علينا تُركوا حتى يبيعوه ، فيؤخذ منهم عشر الثمن ، فإن خيفَ من خيانتهم ، جُعلَ عليهم أمينٌ .
قال ابن نافعٍ : و ذلك إذا جلبوه إلى أهل ذمةٍ ، لا على أمصار المسلمين التي لا ذمة فيها .
قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و يؤخذ من عبيدهم إذا تجروا . و قاله أشهب . و إن قال : عليَّ دَينٌ محيطٌ . لم يصدَّقْ . و لو ثبتَ ذلك
***(1/203)
[2/208]
ببينةٍ ، لم يؤخذ منه شيءٌ عن كان دَيناً للمسلمين ، و إن كان دَيناً لأهلِ الذمَّةِ أُخذ منهم .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ : و مَن كان من أهل ذمةِ مصرَ ، فرحل إلى الشام فأوطنها ، ثم قدم مصرَ بتجارةٍ فباع . فلا يؤخذ منه شيءٌ ؛ لأنَّها بلده التي صالح عليها ، و إن رجع إلى الشام التي أوطن أُخذ منه العشر ، قال أصبغُ : و ذلك ما تُركت جزيته لم تُحوَّلْ . و لم يؤخذ منه شيءٌ فيها حيث انتقلن فإن أُخذت منه حيث استوطنَ و مَحَى عنه الأول ، صارت كبلدهِ و لم يؤخذ منه شيءٌ فيها .
قال ابن الْمَوَّاز : و إذا تجرَ الذمي إلى غير بلده فباع ثم اشترى ، فلا شيءَ عليه إلاَّ عشر ثمن ما باع ، ثم إذا قدمَ بلده بما اشترى فباعه ، فلا شيءَ عليه .
قال ابنُ القاسمِ : و إذا قدِمَ الذمي بعينٍ ، فلا شيء عليه إلا أَنْ يشتريَ به ، فيؤخذ عُشره حين يشترى به ، و لو أقام يتجرُ سنين ، ثم رجع لم يؤخذ منه غير ما أُخذ أول مرةٍ ، و لو أكثر الاختلاف إلى غير بلده في السنة ، لأخذ منه كلما أتى وباع .
قال ابنُ سحنونٍ ، عن أبيه : و إذا نزلَ الذمي ببلدنا فاشترى منا فأُخذ منه العشر ، ثم استُحقَّ من يده ، أو يرده بعيبٍ ، أنَّه يرجع على العشر فيأخذه ، و إذا قدم المدينة ، فباع تجارته ، فأُخذ منه العشر ، ثم اشترى أخرى ، وخرج بها على بلده ، فلاشيء عليه فيها ، و إن خرج بها على بلدٍ آخر أُخذَ منه العشر ، يريد إن باع هناك .
قال ابن سحنونٍ : عن أبيه : قال : رُويَ عن مالكٍ في اليهود والنصارى ممن بأعراض المدينة يزرعون ، أيؤخذ منهم العشر؟ قال" إن كانوا ممن يؤدي الجزية لم يؤخذ منهم شيءٌ ، و إن كانوا ممن لا يؤخذ منهم
***(1/204)
[2/209]
الجزية ، فعليهم العشر إن بلغ ما رفعوا خمسة أوسقٍ . قال سحنون : هذه رواية سُوءٍ . و لم يجزها .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال سحنونٌ : و إن قدمَ ذمِّيٌّ فاشترى متاعاً ، فأُخِذَ منه العشر ، ثم يرده بعيبٍ ، و يستحقُّ أنَّه يرجع إلى ما دفع فيأخذه .
و من هذا الباب بقية مذكورة في الثالث من الجهاد .
في ما يؤخذ من الحربيين إذا نزلوا عندنا للتجارة
من "المَجْمُوعَة" ، قال عليٌّ ، عن مالكٍ : و يؤخذ من تجار أهل الحربِ ، إذا نزلوا عندنا ، العشر . و قال ابن القاسم ، و ابن نافعٍ : إنَّمَا يؤخذ منهم ما صالحوا عليه . قال أشهبُ : إلاَّ أَنْ ينزلوا من غير مقاطعةِ على شيءٍ ، فلا يزاد عليهم على العشرِ . و رُوِيَ ذلك عن أنس بن مالكٍ .
قال أصبغُ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : إذا كانوا معروفين النزول قبلَ ذلك على العشر ، فلم يُقَلْ لهم شيءٌ حتى باعوا ، فلا يُزاد عليهم .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : و إذا نزلوا على دنانير أو دراهم ، لم يُحَلْ بينهم و بين رقيقهم ، قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ : و إن كان على العشر حِيلَ بينهم و بين وطءِ الإمامِ حتى يبيعوا . و لو لم يبيعوا ورجعوا ، فليؤدوا العشر و يذهبوا ، بخلاف الذميين . و قاله سحنونٌ في "كتاب" ابنِهِ .
وقال : و يقاسموا . و نحوه في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال" وحيث ما نزلوا من بلاد المسلمين ، فلا يؤخذ منهم شيءٌ ، لأنَّه قد أُخذَ ذلك منهم مرةً و ليسوا كأهل الذمةِ \في هذا .
***(1/205)
[2/210]
قال ابن عبدوسٍ : و قال ابن نافعٍ : لا يؤخذ منهم إن لم يبيعوا شيئاً ، فإن باعوا أُخذَ منهم عشر الثمنِ . قال ابن الْمَوَّاز : و قال أشهبُ : إنَّ لهم الرجوعَ بسلعهم على موضع آخر ، إلاَّ أَنْ يُشترط عليهم شرطٌ . قال ابنُ القاسمِ : إذا نزلوا على العشر ، و لم يريدوا الخروج حتى يبيعوا فأراد الوالي أَنْ يقاسمهم رقيقهم ، فليس له ذلك انْ يقاسمهم الرقيق و لا غيرها ، حتى يبيعوا ، إلاَّ أنْ يبدوا لهم في البيع والخروج إلى بلدٍ آخر ، أو على بلدهم ، و أمَّا الذميون فلهم ذلك ، و لا يؤخذ منهم شيءٌ ، قال ابن القاسمِ : إلاَّ أنْ ينزل الحربيين على أنْ يقاسمهم ما بأيديهم ، فلا يكون لهم أَنْ يطأوا ، و لا يبيعوا حتى يقاسموا ، فإذا قُوسموا أخذوا ما صار لهم ، فلهم فيه الوطءُ والبيع والخروج به حيث شاءوا .
قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه ، عن ابن القاسمِ ، مثله . قال عنه : و لو جَزُّوهم عشرةً عشرةً ، على أَنْ يختارَ الإمامُ من كلِّ عشرةٍ واحداً ، فلا بأس بذلك ، قال ابن الْمَوَّاز : قال أصبغ : وارى ألا يتركوا يدوروا في سواحل الإسلامِ لبيعٍ و لا شراءٍ ، إلا الموضع الذي نزلوه ، إن لم يبيعوا ؛ لأنَّ ذلك عورةٌ ، وتفتيش بموضعِ الغرة ، و لا ينبغي أَنْ ينزلوا إلا بموضعٍ المَجمع ، وبموضعٍ تؤمن غرتهم فيه ، غير أنَّ لهم الأمان في أنفسهم و أموالهم في بلدِ الإسلام أجمع ، حتى يفارقوا دارَ الإسلامِ كلها . و قال أشهبُ في الربانيين : لا يُمنعوا من وطءِ من معهم من الجواري ، فإن لم يوافقهم و قد نزلوا على العشرِ ، و أرادوا الخروجَ على موضعٍ آخرَ من بلدِ المسلمين فذلك لهم ، و لا يؤخذ منهم شيءٌ إلا أَنْ يكونَ اشترطَ عليهم شرطٌ ، قبلُ ، فيخرجون إلى بعض الريفِ ليشتروا؟ قال : يخرجون
***(1/206)
[2/211]
حيث شاءوا . قال أصبغُ : لا يعدوا موضع نزولهم ، و لا يدوروا أزفة موضع نزلوا ، إلا ألأسواق والطريق الواضحة لحوائجهم . قال ابن القاسمِ : و إذا أسلم رقيق الحربيين بعد أن نزلوا ، وقبل يباعوا فليقرُّوا بأيديهم ، حتى يخرجوا بهم عن شاءوا . قاله مالكٌ . واحتجَّ بردِّ النبي عليه السلام أبا جندلٍ . و قاله سحنونٌ في "كتاب" ابنِهِ : صُولحوا على عشر الرقيقِ ، و على مالٍ بعد أنْ يقاسموا إن نزلوا على العشرِ . و قال ابن الماجشون ، في "كتاب" آخر : يُعطون قيمتهم أشحطَ قيمةً تكونُ و لا يُتركون معهم . قال ابن الْمَوَّاز : قال ابن القاسمِ : و إن نزلوا على أن لا عهدةَ عليهم فيما باعوا منَّا ، فليُوَفِّ لهم بذلك ، و هذا جهلٌ من الإمام ، و لم يكن ينبغي له ذلك ، و إذا نزل ذلك فليصح بذلك و ينذر به الناس ، فمَن اشترى ممن لم يعلم ، و لم ينذرهم أحد ، فما كان من عيبٍ خَفِيٍّ أو خفيف ، فلا ردَّ فيه ، كبيعِ المُفلسِ ، و ما كان من تدليسٍ وعيبٍ فاحشٍ ، وعيب ظاهرٍ فلهم الردُّ عليهم و على ألإمام .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، عن ابنِ القاسمِ : و إذا اشترط ألا يردَّ عليهم إلا ما كان من جنونٍ ، أو جُذامٍ ، أو برصٍ ، فليبينوا لهم ما شرطوا من ذلك . قال سحنونٌ : و لا يجوز هذا الشرط و لا يلزم . فإن كانت الرقيق مجوساً فشرَى المسلمون لهو قوتاً ، و يرجعونَ بقيمةِ العيبِ و إن كانوا كتابيين ، فليردوهم عليهم بالعيبِ ، و إذا نزلوا برقيق على أَنْ يؤدوا
***(1/207)
[2/212]
مائة دينارٍ و يُخلَّى بينهم وبينَ الرقيقِ فاخصى أحدهم عبداً له ، أو مثل به ، فلا يعتق عليه ، و إنَّمَا يؤدب الذمي عن فعل مثل هذا .
قال : و إن كان مع الحربيِّ دنانير عيناً ، فابتاعَ بها تجارةً ؛ ليتجهَّزَ بها إلى بلده ، أو معه سبائكُ ذهبٍ فضربها دنانير ، أو خرج بها ، أو كتاناً غزلاً حاكَه وخرج به . قال : أمَّا في قول ابنِ القاسمِ ، فإنَّه يرى في ذلك كله العشر ، أو ما نزل به عليه مثل ما جاء به من تجارته ؛ لأنَّه يرى ، أنَّه بدى له فيما نزل به من تجارته ، فأراد ردَّه أنَّه يؤخذ منه عشرةٌ ، بخلافِ الذميِّ عنده . و أشهبُ يراه كالذميِّ ، لا يؤخذ منه شيءٌ فيما وصفته ، إلا أَنْ يشتري تجارة ، لأنَّه لا يى عليه في تجارته شيئاً ، حتى يبيع .
قال ابن الْمَوَّاز : و أمَّا الذمي فلا شيء عليه – في (قول ابن القاسمِ) ، و أشهبَ – في الذهب التي ضربها دنانير ، أو ما خاطَ من الثيابِ ، و إن جلبَ ذلك من أُفقٍ إلى أُفقٍ ، و إن أخرج معه إلى بلده . وزاد محمدٌ في موضعٍ آخر . أنَّ عليه عشر الأجرة التي دفع في الضرب والصياغةِ والحياكةِ ، و هذا في الذِّمِّيِّ يدخل غير بلده ، فأما الحربيُّ ففي قول أشهب : إنَّ ذلك عندَه فيه مثلُ الذميِّ . و في قول ابن القاسمِ : يؤخذ منه عشر ذلك معمولاً . قال أبو محمدٍ : انظر قوله . معمولاً .
قال محمدٌ : و إن حاكه هو بيده ، فلا شيء عليه . قال : و أشهبُ لا يرى عليهم في المال شيئاً ، حتى يشتروا به شيئاً ، فيؤخذ منهم – يريد عشر
***(1/208)
[2/213]
قيمةِ ما اشتروا ، إن نزلا على العشرِ – و ابن القاسمِ يرى أنْ يؤخذ منهم ، اشتروا أو لم يشتروا .
و إذا باع تجارته ، ثم اشترى أخرى ، فلا شيء عليه فيما اشترى ، كان ذمِّيًّا أو مُستأمناً ، و إذا كان معهم دنانير صرفوها ، أُخِذَ منهم عُشر الدراهم ، و إن صاغوها حُليًّا ، فلا شيء عليهم . قال محمدٌ : بل يؤخذ منهم عشر أجر الصائغ ، و أجرِ الحائكِ إذا حاكُوا غزلاً . قال : و أشهبُ لا يرى في هذا كله شيئاً على حربيٍّ و لا ذمِّيٍّ ، إلا في تجارةٍ يبيعها . و ابنُ القاسمِ يرى ذلك في الذمي ، و أما الحربي فيرى أَنْ يؤخذ منه ، كما يؤخذ من تجارته التي لم يبعها . و هذا الباب مذكورٌ في كتاب الجهاد . و فيه ما لم يذكر هاهنا .
في الجزية
قال مالكٌ : و لا يزاد عليهم في الجزية على فريضة عمرَ بنِ الخطابِ ، رحمه الله .
و من "كتاب ابن الْمَوَّاز : و لا يزاد في الجزيةِ على ما فرض عمرُ أربعة دنانيرَ على أهل الذهب ، و أربعين درهماً على أهل الورق ، و إن كثر يسرهم .
قال في "المختصر" : و لا يزاد عليهم على فرائض عمر بنِ الخطابِ . قال ابن القاسمِ : ول ينقص من ذلك . قال أصبغُ ، و محمدٌ : بل يخفَّفُ عن مَن لا يقدرُ . و قد كتب عمرُ بنُ عبد العزيز ، أَنْ يخففَ عن جماجمهم ، فإن احتاجوا فاطرحوها عنهم ، فإن احتاجوا فأنفقوا عليهم ، أو أسلفوهم من بيتِ المالِ .
قال مالكٌ : وتوضع عن أهل الذمةِ ضيافة ثلاثة أيامٍ التي جعل عمرُ
***(1/209)
[2/214]
إذا لم يوف لهم – و في موضع آخر : - لأنهم لم يوفَّ لهم بما ينبغي من الذمةِ .
قال مالكٌ : و لا جزية على نصرانيٍّ أعتقه مسلمٌ . قال أشهبُ : قلتُ له : فإن أعتقه نصرانيٌّ . قال : لا أدري . قال أشهبُ : و أنا أرى أن لا جزية عليه .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال مالكٌ : وتؤخذ الجزية من نصارى العربِ ، كما تؤخذ من أهل الكتابِ . قال مالكٌ : و إذا فلسَ أهل الذمةِ ، فلا يؤاجرون في الجزيةِ و لا يباعون ، وليتركوا حتى يرزقهم الله .
قال عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ أسلم من أهل الذمةِ : فأمَّا الصُّلحيُّ ، فهو أحق بأرضه ، وتوضع عنه الجزية في نفسه و أرضه ، و أمَّا أرض العنوةِ فإذا أسلم ، فهي للمسلمينَ و قد أحرزَ هو نفسه و ماله . أبو محمدٍ : يريدُ ، ماله الذي كسَبَ بعد الفتحِ .
و من "كتاب" ابن القُرْطِيِّ : و لا يؤخذ من رهبان أهل الذمةِ جزيةٌ ، وتسقط عن معسرهم ، و إن احتاجوا إلى أَنْ ينقصوا من فرض عمر نقصا ، و إن منعوها قُوتلوا وسُبوا .
كتاب زكاة الماشية والحَبِّ والفطر ، ذِكرٌ من أصول زكاة الماشية ، و في الإبلِ تزيدُ على عشرين و مائةٍ أو يجبُ فيها أخذُ سنينَ مختلفةٍ
(قال أبو محمد) : قد جرى في "المدونةِ" من ترتيب زكاة الإبلِ والبقرِ والغنمِ ، ما فيه كفايةٌ على ما في كتاب آلِ حزمٍ . و رُوِيَ مثله أيضاً في صحيفةِ كتبها أبو بكرٍ الصديق ، يذكر أنَّها الزكاة التي أمر بها
***(1/210)
[2/215]
النبي صلى الله عليه و سلم . و زكاة البقرِ على ما روى مُعاذٌ حين بعثه النبي صلى الله عليه و سلم إلى اليمنِ .
قال ابنُ حبيبٍ : و في تسعين من البقرِ ثلاثة أتابيعَ ، و في المائة تبيعان و مُسِنَّةٌ ، و في مائةٍ و عشرةٍ مُسنتان وتبيع ، و في عشرين و مائةٍ ثلاث مُسِنَّاتٍ . قال ابنُ الْمَوَّاز : أو أربعُ توابعَ ، أيُّ ذلك شاءَ المُصدِّقُ ، يريدُ إن كان فيه السنان .
قال ابن الْمَوَّاز : واختلف مالكٌ ، و ابنُ شهابٍ في خيارِ المصدقِ إذا بلغتِ الإبلُ من أحدٍ و عشرينَ و مائةٍ إلى تسعٍ و عشرين و مائةٍ . فابنُ شهابٍ لا يرى له إلا ثلاثَ بناتٍ لَبُونٍ ، كانت في الإبلِ أو لم تكن ، و كان فيها الحقَّتَانِ . و به قال ابن القاسمِ . و قال مالكٌ : إنَّه مخيَّرٌ في حِقَّتَيْنِ ، أو ثلاث بناتِ لبونٍ ، كانت في الإبلِ أحد السنينَ ، أو لم تكن . و قال أشهبُ : و أصبغُ كقولِ مالكٍ : إنَّه مخيَّرٌ . قال ابن عبدوسٍ : و رَوَى أشهبُ ، و ابن الماجشون ، و ابن نافع ، عن مالكٍ : ليس له إلا حِقَّتانِ . قال عنه ابن الماجشون : و إنَّمَا يعني في الحديث بقولهِ : "فما زاد على عشرين و مائةٍ" .
***(1/211)
[2/216]
يريدُ زيادة تحيُّلِ الأسنان ، و لا يزولُ عن الحقتين إلى ثلاثين و مائةٍ – و ذكر ابن عبدوسٍ ، من اختيار أشهب ، و ابن القاسمِ مثل ما ذكر ابنُ الموازِ .
و أنَّ ابن نافعٍ اختار مثل اختيار ابنِ القاسمِ . و ذكر ابنُ حبيبٍ نحوَ ذلك : إنَّ قول المغيرةِ ، و ابنِ الماجشون ليس فيهما إلا حِقتان ، فإنَّ عبدَ العزيز بنَ أبي حازمٍ ، و ابن دينارٍ ، و مطَرِّفاً ، و أصبغ ، يرونَ تخيير المصدق ، كما قال مالكٌ ، في رواية ابنِ القاسمِ ، و به أقول .
قال ابن الْمَوَّاز : و أمَّا مَن له مائتان من الإبلِ ، فقال ابن القاسمِ ، و أشهبُ : فإن كان فيها الحِقاقُ وبناتُ اللبون ، فالساعي مُخيَّرٌ في أخذِ أربعِ حِقاقٍ أو خمسِ بناتِ لبونٍ ، قاله مالك . قال محمد : إلاَّ أن تكون الأربع حِقاقٍ فيها قوامُ ربِّ الإبلِ و مصلحته ، فيضرُّ بها . و نحو ذلك في رواية أشهبَ ، عن مالكٍ . و قد قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، للساعي الخيار ما لم يضرَّ بربِّ الإبلِ . و قد قال عمرُ : لا تأخذوا حزراتِ الناسِ .
قال مالكٌ : و إنْ لم يكن فيها السِّنانُ فهو مخيَّرٌ ، و إن كان فيها أحدهما ، فليس له غيره . وذُكر عن ابنِ القاسمِ ، أنَّها إنْ خلتْ من السنين ، أنَّ ما أتى به ربُّها منهما ، فليقبله . قال أصبغُ : و ليس هذا بشيءٍ ، والساعي مخيَّرٌ .
قال مالكٌ : و أمَّا خمسةٌ و عشرون من الإبلِ ، فإن لم يكن فيها السنان ، فليس الساعي بمخير ، و لا يأخذ منه إلا بنتَ مَخاضٍ . قال ابنُ
***(1/212)
[2/217]
القاسمِ : إلا أنْ يشاء المصدق فأخذ ابن لبونٍ . يريدُ : و يرى ذلك نظراً .
وقال أِشهبُ : ليس ذلك للمصدقِ ، بخلاف المائتين . و إذا كان أحدُ السنين في الخمس و العشرين ، و في المائتين ، فليس له غيره .
قال مالكٌ : و إذا لم يكن في الخمس و العشرين السنين ، و فيها بنتُ لبونٍ ، فليس للساعي أخذها إلا أَنْ يشاء ربُّها ، فليس له أنْ يأبى أخذها . قال ابن الْمَوَّاز : في عشرين من البقرِ ثلاث مسناتٍ أو أربع توابعَ ، أي ذلك شاء المصدق .
ذِكر أسنان ما يؤخذ في زكاة الماشية ،
وصفاتها من غنمٍ أو إبلٍ أو بقرٍ
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، و أشهب ، و لا يأخذ المصدق من الغنمِ ما فوق الثنيِّ و لا ما دون الجذع ، إلا أَنْ يتطوَّعَ ربُّ المالِ بالأفضلِ ، والجذع من الضأن سواءٌ في الصدقةِ جائزٌ في الضأنِ و المعز .
قال أشهبُ : و غيره : و كذلك فيما يؤدي منها عن الإبلِ . قال أبو محمدٍ : وذهب ابن حبيبٍ ، إلى أنَّه إنما يؤخذ الجذع من الضأنِ ، والثنيُّ من المعزِ كالضحايا ، و ليس بقولِ مالكٍ ، و أصحابه فيما علمنا .
قال عليُّ بن زيادٍ ، في "المَجْمُوعَة" : والجذع في الضأنِ ، و المعز ابن سنةٍ . و قاله أشهبُ ، و ابن نافعٍ . و في موضعٍ آخر عن ابن وهبٍ ، أنَّه ابنُ عشرة أشهرٍ .
ورُوِيَ عن سحنونٍ ، عن عليِّ بن زيادٍ ، أنَّه ابنُ ستةِ أشهرٍ .
***(1/213)
[2/218]
قال ابن حبيبٍ : و يؤخذ الجذع ذكراً كان أو أنثى ، والثنيُّ من معْزٍ أو ضأنٍ ابنُ سنتين ، و لا يؤخذ الثنيُّ من المعزِ إلاَّ أنثى ، والذكر الثنيُّ منها تيسٌ . و قد نُهيَ عن أخذه إلا أَنْ يكون مسنًّا من كرائم المعز فيُلحقَ بالعجولِ ، فيؤخذ إنْ طاع به ربُّه .
قال ابن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : و ما يؤدي فيه الغنمَ من الإبلِ ، فإنَّما ينظر إلى جُلِّ كسب ذلك البلدِ ، و إن كان ضأناً أدَّى منه ، و إن كان المعز أدَّى منه ، و لا ينظر إلى ما في مِلكه هو منهما .
قال ابن الْمَوَّاز : يُكلَّفُ أَنْ يأتيَ بما عليه و إن خالف ما عنده .
و من "كتاب" ابنِ سحنونٍ ، قال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : يأخذ في ذلك ما تيسر عن ربِّ الإبلِ ، من ضأنٍ أو معزٍ لا يكلف ما ليس عنده ، و ما أدَّى من ضأنٍ أو معزٍ أجزأ عنه . قال ابن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : أهلُ الحجاز أهل ضأنٍ ، و أهل الساحلِ أهل معزٍ . قال ابن حبيبٍ : إن كان من أهل الضأن فمنها ، و إن كان من أهل المعزِ فمنها ، و إن كان من أهل الصنفين أخذ المصدق من أيهما شاء ، وبنت المخاض من الإبلِ ، بنتُ سنتين ، قد لحقت أمها بالمخاضِ في ذلك فهي في حدِّ ذلك ، و هي في السنة الثالثة بنت لبونٍ ، والذكر ابن لبونٍ ؛ لأنَّ أمّها في حالِ أن تضع ،
***(1/214)
[2/219]
وتصير ذات لبنٍ ، و في الرابعة حِقَّةٌ استُحِقَّتْ أنْ يُحملَ عليها ، وتُركبَ ، وطرقةُ الجملِ ، (أن يطرقها الفحلُ) ، فإذا دخلت في الخامسةِ فهي جذعةٌ ، و في السادسة ثنيَّةٌ . قال : والجذع من البقرِ . و هو التبيع من سنتين ، يجوز أَنْ يؤخذ ذكراً و أنثى في الصدقةِ ، والثنيُّ منها ما أوفى ثلاث سنين ، ودخل في الرابعة و هو سنُّ المسنةِ ، و لا يؤخذ إلاَّ أُنثى .
و كذلك في "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافعٍ : والجذع من البقرِ الذي أوفى سنتين ، ودخل في الثالثةِ مثل الدَّوَابِّ .
تفسير الذَّوْدِ ، والشَّنَقِ ، والوَقْصِ ، والسَّائمةِ ، والسِّخالِ ،
والفُصْلانِ ، و غير ذلك ممَّا يجري ذِكره في الزكاة
قال ابنُ حبيبٍ ، في كتاب "شرح الموطأ" ، في قولِ النبي صلى الله عليه و سلم : «ليس فيما دون خمسِ ذودٍ صدقةٌ» . فكأنَّه قال : ليس فيما دُونَ خمسٍ من الإبلِ صدقةٌ ؛ لأنَّ الذودَ ثلاثة و أربعة وخمسة إلى السبعة ، و ما فوقَ السبعةِ شَنَقٌ إلى أربعٍ و عشرين ، فيُقطعُ منها اسمُ الشنقِ ، و يُحَمِّلُهَا
***(1/215)
[2/220]
اسم افبلِ ، و لا ينقصُ الذودُ ، و لا يكون الذود واحداً ، كما لا ينقصُ من عددِ البقرِ ، فلا يكون البقرُ واحداً ، والبقرُ من ثلاثةٍ إلى سبعةٍ ، و ما فوق السبعة إلى العشرة رَهْطٌ ، وفوق ذلك إلى الربعين عُصبَةٌ ، وفوق ذلك إلى المائة فأكثر أُمَّةٌ . و قال ابنُ مزينٍ ، عن عيسى بن دينارٍ : آخرُ أقلِّ الذَّوْدِ واحدٌ . و قاله غيره .
وقال ابنُ حبيبٍ : والسَّخلةُ ، المولودة من الخِرقانِ والجديان .
و الأكولةُ ، ما تُعُوهِدَ بالرعي وكَثُرَ أكلُها ، من ذَكَرٍ أو أنثى كما يتعاهد العليف . و الأكيلةُ ، التي قد أكلت أو تؤكلُ ، و يقال : شاةٌ عَلِيفٌ .
و العلوف ، الرجل الذي يعلفها . مثل قاتلٍ وقتُولٍ . و الماخضُ ، ما دنا ولادها ، و الرُّبى ، التي كما ولدت أو قربَ ما ولدت ، و الحافِلُ ، الكبيرة الضرع ، حزراتُ الناسِ خِيارُ مواشيهم ، و الهَرِمَةُ ، الشارفُ ، و العوارُ ، بالفتحِ العيبُ . و هو الذي في الحديث ، فيما لا يؤخذ في الصدقةِ ، و أمَّا برفعِ العينِ فمن العَوَرِ ، قال هو و غيره : والوَقْصُ ، ما بين الفرضين ، والنِّصَابُ ما فيه الزكاة ، والسائمة ، الراعيةُ ، قال الله تبارك وتعالى : {فيه تسيمون} . والفُصلانِ ، صغارُ الإبلِ مما لم يبلغ السنَّ المأخوذَ ، و كذلك العجاجيل من البقرِ .
في من أعطى أفضل مما عليه ، و أخذ عِوَضاً ، أو دون ما عليه ، و أدَّى عِوَضاً ، أو أعطى أفضل بغيرِ عوضٍ ، أو معيبةً و هي أثمنُ ، و في من كانت ماشيته عِجافاً كلها أو سِخالاً أو عجاجيلَ
من "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و إذا كان له خمسون كلها بنات مَخاضٍ أو فُصلانٌ أو بُزلٌ ، فليَشْتَرِ له حِقَّةٌ ، و مَن له أربعون سَخلةً ، فليشتر له شاةً جذعةً أو ثَنِيَّةً .
***(1/216)
[2/221]
قال ابن القاسمِ : و لا خير أَنْ يعطيَ بنتَ مخاضٍ من بنتِ لَبونٍ عليه ، و يزيد سِنًّا أو يعطيَ بنتَ لبونٍ من بنت مخاضٍ ، و يأخذ ثمناً . قال أصبغُ : فإن أعطَى بنت لبونٍ ، فليس عليه إلا ردُّ الثمنِ الذي أخذ ، و أمَّا معطي بنت المخاض مع الثمنِ ، فعليه البدلُ و لا يُجْزِئُهُ .
وقال ابن القاسمِ ، و أشهبُ ، في "المَجْمُوعَة" ، في من يعطي أفضلَ و يأخذ ثمنا أو أدنى ، و يؤدي ثمناً . أنَّه لا ينبغي ، فإن نزل أجزأه . و قال نحوه سحنونٌ ، في "كتاب" ابنهِ .
قال ابن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : و مَن وجبَ عليه مَعْزٌ فأعطَى ضأناً فليقبل منه ، و أمَّا معزٌ عن ضأنٍ فلا . قال أشهبُ : إلا أَنْ يبلغَ لفراهتها مثل ما لزمه من الضأنِ . فلا بأس بذلك .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : التيسُ منذ ذوات العَوَارِ ، و هو دون الفحلِ ، فإن رأَى المصدقُ أخذه ، و أخذَ ذاتِ العَوَارِ ، لأنَّه خيرٌ له فعل . قال أشهبُ : ربما كانتِ العوراءُ ذواتُ العيبِ والكسرِ أسمنَ و أثمنَ . فلا ينبغي أنْ يردَّهَا إن أُعطيَهَا و لا يأخذ الفحل ، و إذا كان التيسُ و الهرمة أوضع ، فلا يأخذهما ، و أمَّا السِّخَالُ فخارجةٌ عن السنِّ الذي يُجزئُ .
و من "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز ، وسأل عثمان بنُ الحكمِ مالكاً ، الرجلِ تكونُ ماشيته عِجافاً كلها ، قالَ : يأخذ منها و إن كانت عِجافاً . قال محمدٌ : و معناه عندي ، أنَّه يزكيها لا يدعها ، و لكن لا يأخذ عَجفاءَ ، و كذلك إن جُرِّبَتْ كلها ، فعليه أَنْ يأتيه بما فيه وفاءٌ ، و إذا كانت لَبناً كلها ، لم يأخذ منها إلا إنْ يشاءَ ربُّهَا . و قد ذكرنا القولَ في السنةِ
***(1/217)
[2/222]
الجدبةِ فتُعجفُ الغنمُ . الاختلاف في الأخذِ منها ، أو تأخيرها في باب تخلُّفِ الساعي .
في من يؤدي في صدقته ثمناً أو يشتريها ، أو يؤدي عن العينِ عَرْضاً أو عنِ الحَبِّ عيناً ، و هل يُشترَى من الإمامِ شيءٌ من الصدقةِ ، أو يُعطي لمِدْيانه ما عليه
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ ، و أشهبُ : مَن أدَّى عن ماشيةٍ أو حَبٍّ عيناً ، رجوْتُ أَنْ يُجْزِئُهُ ، و لا يُجْزِئُهُ عن الفطرةِ ، و لا في كفارة اليمين .
قال ابن القاسمِ : و لا أحبُّ له شراءَ صدقتهِ فإن فعل أجزأه ، إذا كانوا يضعونها مواضعها ، فإن لم يكونوا كذلك لم يُجْزِئُهُ ما أخذوا طَوْعاً و لا كَرْهاً من صدقةٍ أو عوَضِهَا . قال أصبغُ : والناس على خلافِهِ يُجزئُ ما أخذوا في العشور و المُكوسِ ، إذا أخذتْ كَرهاً بعد محلِّهَا . وبذلك كان يُفتي ابنُ وهبٍ ، و غيره . قال أصبغُ : و إنْ أدَّاها طوعاً . قال أصبغُ : و إن أدَّاها طوعاً ، فأحبُّ إليَّ أنْ يُعِيدَ .
و من "العُتْبِيَّة" ، عيسى ، عن ابن القاسمِ : إذا أخذ السُّعاةُ في صدقةِ الحَبِّ و الماشيةِ ثمناً طوعا أو كرهاً ، أجزى ذلك . قال أصبغُ ، و قال قبل ذلك : يجزئُ الي أخذوا كرهاً في السُّعاةِ و في المكوسِ . و قاله ابنُ وهبٍ؟ . قال ابن محمدٍ : يعني بالمكوسِ من يجلس بالطرقِ لأخذ الزكاة .
قال ابن سحنونٍ : قال ابن نافعٍ : عن مالكٍ : إنَّه لا يُجْزِئُهُ إذا أخذ منه في الحَبِّ ثمناً ، و هذا في أئمةِ الجورِ والخوارجِ . و قال ابن نافعٍ : يُجْزِئُهُ كلُّ ما
***(1/218)
[2/223]
أخذ منه من شيءٍ ؛ الطعام ، و العين ، والبقرُ في ذلك سواءٌ ، إذا كان مُكرهاً .
و من "كتاب" ابن سحنون : و من أعطى في شاةٍ ، لزمته دراهم و أعطاه أفضل منها ، و أخذ منه فضلاً ، أو في ما لزمه من زكاة ثمرٍ أو طعامٍ دراهم عرْضاً جَهِلَ ذلك ، فذلك يُجْزِئُهُ إن كان فيه كَفافُ القيمةِ ، و لا يُجزئُ انْ يفععلَ هذا في كفارة اليمين .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ عليه شاةٌ في خمسِ ذودٍ فدفع فيها دراهم ، قال : لولا خوفي أَنْ يدخل فيه الظلم لم أرَ به بأساً ، ثم رجع ، فقال : لا يدفع إلا شاةً ، فإن دفعَ دراهم أجزاه . و به أخذ ابنُ القاسمِ . و أمَّا إنْ أعطَى دون السنِّ درتهم أو أعلى منها و أخذ دراهمَ ، فمذكورٌ في بابٍ قبل هذا .
قال أشهبُ : وقلنا في مَن أدَّى قيمةَ صدقتهِ و أجبره المصدق على ذلك ، أنَّه يُجْزِئُهُ إذا تعجَّله ، و ذلك للاختلاف فيه . قد أجاز بعضُ العلماءِ شراءَ الرجلِ صدقتهن و كره هذا البعضُ ، فإن نزلَ عندنا لم نفسخه . و إذا تطوَّعَ رجلٌ بصدقةٍ فخرجت من يدِ المتصدق عليه ببيعٍ أو هبةٍ ، فلا بأسَ بشرائها ، فأمَّا من المتصدق عليه نفسه ، فلا يفعل و لا يَدسُّ من يشتريها . و كره ابن القاسمِ في "المدونة" ، أَنْ يشتريها من غير المتصدِّقِ عليه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عليٌّ ، و ابنُ نافعٍ ، عن مالكٍ : إنَّه سُئِلَ ، أيشتري من الإمامِ مما يجتمع عنده من زكاة ماشيةٍ أو حَبٍّ؟ قال : إن كان معه نظراً لأهله ، فجائزٌ و إلاَّ فلا يشتري منه . زاد في "كتاب" ابنِ سحنونٍ : إذا أُخذتْ بحقٍّ ، وتباع وتُجعل أثمانها في حقٍّ ، فلا بأسَ باشتراء ذلك .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى أبو زيدٍ ، عن ابن القاسمِ ، فِي مَنْ أخرج عن زكاةِ الحَبِّ عيناً له : يُجْزِئُهُ ، و إن أخرج عن زكاة العينِ حَبًّا لم يُجْزِئُهُ .
***(1/219)
[2/224]
قال ابن حبيبٍ في المخرج عن العينِ حَبًّا أو عن العين حَبًّا : فلا يُجْزِئُهُ ، إلاَّ أنْ يُجبره الوالي ، أو يخرج عن العينِ حَبًّا يرى أنَّ ذلك أحسنُ للمساكين ، و يجزئه بسعره فيجزئه . قاله مطرِّفٌ ، و ابن الماجشون . و قال أصبغُ : في المخرج عن الحَبِّ عيناً أو عن العين حَبًّا : إنَّه يُجْزِئُهُ إن كان فيه وفاءٌ و ما أحبُّ ذلك له . و قاله ابن أبي حازمٍ ، و ابن دينارٍ ، و ابن وهبٍ .
وقال ابنُ المواز ، في المدير أو غير المدير : يُخرج زكاته عَرَضاً : فإنَّه لا يُجْزِئُهُ عند ابن القاسمِ . و قال أشهبُ إذا لم يحاسب نفسه ، وبئسَ ما صنع .
وقال ابن القاسمِ ، فِي مَنْ له على رجلٍ دنانيرُ فتصدَّقَ بها عليه عن زكاةٍ حلَّتْ عليه : فلا يُجْزِئُهُ . و قاله أصبغُ . و قال أشهبُ : يُجْزِئُهُ منها ما كان يُعطي مثله أو لم يكن له عليه شيءٌ .
و من "العُتْبِيَّة" ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و مَن لزمته شاةٌ في زكاتهِ ، فذبحها وفرَّقها لحماً ، لم يُجْزِئُهُ . و ليعطيها حيَّةً لمَن رأى من المساكين .
قال ابنُ المواز ، و قال أشهبُ : يُجْزِئُهُ ، و قد أساء . و هذه بعد هذا في باب سيرة السُّعاةِ .
ما يجمع من أصناف الماشيةِ بعضه على بعضٍ ، أو من الحَبِّ ، و في من له أموالٌ مفترقةٌ في البلدان من ماشيةٍ أو حَبٍّ
من "المَجْمُوعَة" ، قال مالكٌ : و من له ضأنٌ و معزٌ يجب فيها شاةٌ ، أخذها من أكثرهما فإن استويا ، فمن أيهما شاءَ . قال ابن القاسمِ : فإن كان فيهما شاتان ، فلهما عددُ الزكاةِ ، فمن كل صنفٍ يأخذ واحدةً ، و إلاَّ
***(1/220)
[2/225]
أخذهما من الأخرى ، فإن كان فيهما ثلاثُ شياهٍ ، و كانت القليلة كونها أوجبت زيادة الواحدة ، و فيها مع ذلك عدد الزكاةِ أخذَ الثالثة منها ، و إن لم يُوجب كونها زيادة الواحدة ، فهي وقْصٌ و إن كثرت .
قال أبو محمدٍ : ورأيتُ لسحنونٍ ، و لم أروه ، فِي مَنْ له عشرون و مائة ضأنيَّةٌ و أربعون معزية ، أنَّه يأخذ الشاتين من الضأن والذي ذكر ابن عبدوسٍ عن مالك أبينُ و هو بخلاف من له أربعون بقرةً و عشرون من الجواميس . قال في هذه في "المدونة" : يأخذ واحدةً من كلِّ صنفٍ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ ، و غيره ، عن مالكٍ : و يُجمعُ على الرجلِ ما افترقَ له من مالٍ أو ماشيةٍ ، أو زرعٍ ، إذا كان في الجميع ما فيه الزكاة . قال أشهبُ : و يؤدي في كلِّ بلدٍ زكاة مالِه فيها . قال عبدُ الملكِ : و يعلمُ الإمامُ بالذي له في كلِّ بلدٍ من حَبٍّ ، أو ماشيةٍ ، ليجمعه عليه ، و يأخذ منه في كلِّ بلدٍ بقدر ما فيه .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، و قال فِي مَنْ له أربعون شاةً في أربعة أقاليم ، عشرة في كل إقليمٍ ولكلِّ إقليمٍ أميرُه ، عشرةً بالأندلسِ ، و عشرة بإفريقية ، و عشرة بمصر ، و عشرة بالعراقِ . و قال : إنْ كان الوُلاةُ عدولاً فليخبرهم ذلك فيأخذ منه كلُّ أميرٍ ربع شاةٍ يأتي بشاةٍ يكون الإمامُ شريكاً له بربعها ، هكذا يفعل في كلِّ بلدةٍ ، و إن أخذ منه كل امير قيمةَ ربعِ شاةٍ ، أجزأه ، و إن لم يكونوا عدولاً ، فليخرج هو ما يلزمه كما قد أعلمتك .
و كذلك إنْ كان له خمسةُ أوسقٍ مفترقة كما ذكرنا ، فليقضِ لكلِّ أميرٍ زكاةَ مالهِ في بلده ، و إن لم يكونوا عُدولاً ، أخرج هو ما يلزمه عن جميع ذلك .
***(1/221)
[2/226]
و في باب زكاة الحبوبِ شيءٌ من ذكر ما يجمعُ في الزكاةِ ، من الحبوبِ والثمارِ .
في فائدة الماشيةِ ، وكيف عن نمتْ أو نقصتْ قبلَ الحولِ
أو قبل مجيءِ السَّاعي
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ ، و أشهب ، و غيره عن مالكٍ : والنِّصَابُ أقلُّ ما فيه الزكاة من كلِّ ماشيةٍ من الأنعام فأكثر من ذلك ، فكلُّ ما أفاد إلى النصابِ قبل حولهِ أو بعد حولِهِ قبل مجيء الساعي ، فليُزكِّه مع النصابِ إنْ كان من صنفه ، و إذا أفاد غنماً كثيرةً إلى غير نِصَابٍ ائتنفَ بالجميع حولاً . من يوم أفاد الآخرة ، و لو أفاد شاةً إلى عشرين و مائةُ شاةٍ عندَه لزمه شاتان لحولِ الأولى و إن قرب . و كذلك في جميع الماشية . و ذكر أصبغُ ، في "العُتْبِيَّة" ، عن بعض المصريين نحوه .
وقال : و إن أفاد غنماً كثيرةً على نصاب فنقصَ النصاب قبل حولهِ عمَّا فيه الزكاة ، فلا يزكيه إلاَّ مع حولِ الفائدةِ الآخرة ، إلاَّ أنْ تزيدَ الأولى بولادةٍ ، فيتم عدد الزكاة ، فليزكها مع الثانية بحولِ الأولى ، و كذلك لو أقام الثانية إلى غير نصابٍ ، ثم تناسلت الأولى قبل حولها ، فتمت نِصَاباً ، فليزكها لحولها مع الفائدة الآخرة .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عبد الملكِ : و مَن أفاد غنماً كثيرةً إلى نصاب غنمٍ قبل الحولِ . فلا يُبالي ما نقص من الفائدةِ قبلَ الحولِ ، فأمَّأ إن نقص النصاب
***(1/222)
[2/227]
الأول قبل حولِهِ عن عدد الزكاةِ ، فلينتقل حولُه إلى حولِ الفائدةِ الآخرة ، و هو كنقصه قبل الفائدة . و قاله ابنُ القاسم ، و أشهبُ ، إن نقص قبل حوله ثم أفاد إليه غنماً . و كذلك ذكر في "كتاب" ابنِ سحنونٍ ، عن ابن القاسمِ ، و غيره . و ذكر ابنُ الْمَوَّاز قولَ عبد الملكِ هذا ، و قال : قاله أصبغ .
قال أصبغُ : و إن أفاد نِصَاباً إلى غير نصابٍ ثم نتجت الأولى فتمت نصاباً قبل حولها بيومٍ ، فليزكِّ الجميع لحولِ الأولى .
و من "كتاب" ابنِ سحنونٍ : و مَن زكَّى غنمه للساعي ، ثم مات فضمها الوارث إلى نصابٍ فمرَّ به الساعي ، فليأخذ منها أيضاً زكاتها مع ما ضمَّهَا إليه من النصاب . و قال فِي مَنْ لا يمرُّ به الساعي يكون له ثلاثون شاةً ، لها حولٌ ثم نتجت تمامَ الأربعين : فليزكها مكانه ؛ لأنَّه ليس ممن ينتظر ساعياً . و كذلك إن وَرِثَهَا فأتى عليه حولٌ من يوم وَرِثَ ، فليزكها ، و لو تمت السنة بعد مرور الساعي ، فليزكِّ ربها ، لأنَّه ساعي نفسه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قلا مالكٌ : و من مرَّ به الساعي ، وغنمه أقلُّ من أربعين فجاوره ، ثم رجع في عامه إليه ، و قد صارت أربعين بولادةٍ فلا يزكيها ، و لا يمرُّ به في عامٍ مرتين ، و لو نزل به مع المساءِ فسأله عن غنمه ، فقال : غداً آخذُ منك شاتين فنتجت تلك الليلة واحدةً ، أو كانت مائتين وشاةَ فماتت واحدةً فلا ينظرُ إلى عدتها عند وقوفه لعددها ، و الأخذ منها ، و قاله أصبغُ .
قال مالكٌ : و له اني ذبح و يبيع و إن حلَّ الحولُ و لم يأتِ الساعي ، فإنْ نقصَ ذلك زكاتها إلا مَن فعَلَه فِراراً ، فليُلزمه ما فرَّ به .
قال ابن القاسمِ : و إن عزل ضحايا لعياله قبل مجيئه ، فإن أشهد عليها – قال محمدٌ : يريدُ لفلانٍ كذا – ولفلانٍ كذا ، فلا زكاة فيها ، و إن جاء
***(1/223)
[2/228]
و هي حيَّةٌ إلاَّ أن تكون لمن شهد ، فليزكها ، و إنما لا يزكي ما لو ماتَ صحَّتْ لمن أعطاها له .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، في الجلاَّبِ يبتاعا الغنمَ ليذبحها أو ليبيعها من الجزارين ، فيحولُ الحولُ عليها من يوم الشراء : فليزكها .
قال مالكٌ في كتاب ابن الْمَوَّاز : فإنْ كان مديراً وجاءه وقتُ زكاةِ الإدارةِ قبل حولِ الغنمِ ، و قد ابتاعها – لما ذكرت – فلا تقويم عليه فيها . قال محمدٌ : فإن بيعت قبل يجب في رقابها الزكاة رجعَ حولها إلى الإدارة ، كان ثمنها عيناً أو عَرْضاً أو دَيناً .
قال ابن عبدوسٍ : و رَوَى عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، فيمن ابتاع غنماً للتجارةِ ثم ردَّهَا سَائمةً أو السائمة ثم ردَّهَا للتجارة فهو سواء : فليزكها للحولِ .
في الغنمِ تُباع قبل الحولِ وبعده بمالٍ أو بجنسها
أو بخلافها من الماشية ، أو يقيل فيها أو يبتاع بمالٍ قبلَ حولهِ غنماً ، أو يبيع غنماً بمالٍ ثم يبتاع به غنماً
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و مَن زكَّى غنمه ثم باعها بعد أشهرٍ ، فلم يختلف مالكٌ و أصحابه ، أنَّه يزكِّي الثمن بحولٍ من يوم زكَّى الرقاب ، كانت لِقِنيَةٍ ، أو بميراثٍ أو من تجارةٍ ، و إنما اختلف قولُه فيمن باعها قبل أَنْ يزكيها قبل الحولِ ، أو بعده و هي ميراثٌ أو مشتراةٌ لقنيةٍ . فقال : يأتنف بالثمنِ حولاً ، ثم قال : يُزَكِّي لحولٍ من يومِ ملكها إذا باع بما فيه الزكاة ، و لم يبعْ فراراً . و على هذا جُلُّ أصحابه إلا أشهبَ ، فثبت على قوله الأول . و لم
***(1/224)
[2/229]
يختلفوا أنَّها لو كانت للتجارةِ ، لرجعت إلى حولِ أصلِ ثمنها ، و يزول حولُ الغنمِ . و هو قول مالكٍ ، ما لم تزكَّ الرقابُ قبلَ البيعِ . و كذلك لو كانت الموروثة أقلَّ من أربعين وبيعت بعد حولٍ ، أو بيعت التي زكيت بما لا زكاة فيه و لا زكاة في ثمنها عند مالكٍ ، و أصحابه . قال ابن حبيبٍ : و لم يختلف قول مالكٍ ، و أصحابه ، أنَّ مَنِ ابتاع غنماً للتجارةِ أو للقنيةِ بعينٍ له بيده شهوراً ، أنَّه يأتنف بالغنمِ حولاً ، ثم إن باع التي اشترى للتجارةِ بعد أن زكَّاهَا شهوراً ، انَّه يزكي الثمن لحولٍ من يومِ زكَّى الرقابَ .
قال ابن حبيبٍ : واختلف قول مالكٍ في (المقتَنَى تبتاع) بعد أن زكَّاهَا . فقال : يأتنف بالثمنِ حولاً . ثم قال : يزكيه لحولٍ من يوم زكَّى الرقاب . و أخذ بالقول الأول مطرَّفٌ . و أشهبُ ، و أخذ بالآخرِ ابنُ كنانة ، و ابن القاسمِ ، و ابن الماجشون ، و أصبغُ . و به أقول . و كذلك اختلف قوله في المقتناةِ و الموروثةِ يبيعها قبل الحولِ . و أمَّا التي للتجارةِ فترجعُ على أصلها ، لم يختلف فيها قوله . قال ابن حبيبٍ : و مَن ابتاع ماشيةً بعد الحولِ ، و لم يأتهِ الساعي ، فإنْ كان ببلدٍ لا يأتي فيه السعاة ، زكَّى زكاة السائمة ، و إن كان ببلدٍ يأتي فيها السُّعاة ، فهو كمن باع غنمه قبل الحولِ ، فإن كانت للتجارةِ رجعت على أصلها . و إن كان قنيةً أو ميراثاً فقد ذكرنا اختلاف قولِ مالكٍ في ذلك .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال مالكٌ : و مَن باع ماشيةً وجبتْ عليه فيها الصدقة قبل أَنْ يبيعها ، فباعها بما فيه الزكاة ، قال مالكٌ : تلزمه صدقةُ الماشية . قال ابن نافعٍ : و إن باعها فِراراتً أدَّى . كما قال مالكٌ . و إنْ باعها لغير ذلك ، فلا شيء عليه في الغنمِ و لا في الثمن ، و يأتنف به حولاً .
***(1/225)
[2/230]
و قال مالك فِي مَنْ كانت عندَه أصلُ ماشيته تناتجتْ ، ثم بادل بها غنماً أخرى أو بقراً أو إبلاً ، أو باعها بالعين . فلا زكاة فيما أخذ فيها ، حتى يحولَ عليه حولٌ من يومِ باعها أو بادل بها ، إلا أَنْ يكون تاجراً يبيع و يشتري ، فليحسب من يوم زكَّى الغنم التي باع أو بادل بها ، فإذا تمَّتْ سنةً زكَّى ثمنها ، أو ما أخذ فيها من الأنعام . و قد ذكرنا قولَ ابنِ الْمَوَّاز ، أنَّ قولَ مالكٍ ، و أصحابه ، فِي مَنْ بادل غنماً بغنمٍ ، أنَّها على حولِ الأولى ، و هذه الرواية تُخالف ذلك ، و أراها من رواية سحنونٍ ، عن عليٍّ بن زيادٍ ، عن مالك ، مما قرأ على ابنِ نافعٍ .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ : و من باع أربعين شاةً بعد الحولِ ، فراراَ من الزكاة بأربعة أبعرةٍ أو وهبها فرراً ، فعليه زكاتها . و ذكر سحنونٌ ، عن عبد الملكِ ، أنَّه قال فيمن دفعَ حَبًّا فزكاه ، ثم ابتاع به غنماً بعد أشهرٍ ، ثم حوْلٌ من يوم حصادِ الحَبِّ . قال : فليُزكِّ الغنمَ . وخالفه سحنونٌ ، فقال : لا شيء عليه . و كذلك يقول عبد الملكِ ، في بدلِ الغنمِ بغيرها من النعمِ ، فإنَّه يُزكِّي هذه لحول الأولى . و أمَّا إن أفرغ عيناً في غنمٍ أو إبلٍ للقنية ، فلا يزكيها إلا لحولٍ من يومِ اقتناها . قال سحنونٌ : قولُه في العين صحيحٌ .
قال ابن الْمَوَّاز في الدير يبتاع الغنمَ ، ليبيعها من الجزارين أو ليذبحها قبلَ حولِ الإدارةِ ، قبل يأتيَ للغنمِ حولٌ : فلا تقويم عليه ، و لو بيعت قبلَ
***(1/226)
[2/231]
تجب في رقابها الزكاة ، رجعت لحولِ الإدارةِ ، بيعت بعينٍ أو عَرَضٍ ، و لو بيعت بعد زكاة الرقابِ زالَ حولُ الإدارةِ ، و يصيرُ حولُ ثمنها حولَ الرقابِ ، و لو اشتراها للقنيةِ من مال الإدارة ، ثم باعها ، رجعَ حولُ ثمنها لحولِ الغنمِ – يريدُ باعها قبل يزكيها – و إلى هذا رجع مالكٌ ، إن كان في الثمنِ ما يُزكِّي . و ذكر ابن عبدوسٍ نحو ذلك كله ، عن ابنِ القاسمِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : و إذا اشترى غنماً للتجارةِ ، فأقامت بيدهِ خمس سنين ، لا يأتيه الساعي وباعها ، فليزكِّ ثمنها . قال أشهبُ : لحولٍ واحدٍ . و قال ابن الْمَوَّاز : إن كانت يومَ باعها أربعة و أربعين فأكثر . وباع بأكثر من عشرين ديناراً ، فليزكِّ الثمن عن كلِّ سنةٍ ربع عُشره ، إلاَّ ما نقصت الزكاة ، و إن كانت ثلاثةً و أربعين زكَّاه لأربعِ سنين ، و إن كانت اثنين و أربعين زكَّاه لثلاث سنين ، إلاَّ أَنْ ينقص ذلك من عشرين ديناراً .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ : و من أقام بيده مالٌ أشهراً ، ثم باع به غنماً ، فأقامت عنده حولاً ، فلم يأته الساعي ، ثم باعها ، فليردها على حولِ أصلِ المالِ الأولِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال : و من بيده ذَهَبٌ لها شهورٌ فابتاع به أنصاب نِصابَ ماشيةٍ لنفسه ، فليأتنف بها حولاً ، ثم عن باعها لحولٍ أو قبلَ حولٍ ، فليأتنف حولاً ؛ لأنَّ القنية أبطلت حولَ الذهبِ ، و لو كانت للتجارة وباعها قبل أَنْ يزكيها ، رجعَ حولها حولَ الذهبِ ، و إن باعها بعد أن زكَّاها صار حول ثمنها من يوم زكَّى الرقابَ ، و إن لم تبلغ ما فيه
***(1/227)
[2/232]
الزكاة ، فهي كسائر السلعِ ترجع إلى أصلها .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ ، عن مالكٍ : و إذا حالَ الحولُ على مالٍ ، فلم يزكِّه حتى ابتاع به غنماً ، فعليه زكاة العين باقية ، و لو ابتاع بالعين قبل الحولِ سلعةً فأقامت عنده حولاً . ثم ابتاع بها غنماً ، فليأتنف بها حولاً .
قال عنه ابن وهبِ فِي مَنْ زكَّى مالَه ثم ابتاعَ به بعد شهرين غنماً ، ثم باعها بعدِ أشهرٍ : فليُزكِّ لحولٍ من يوم زكَّى الغنمَ .
قال أشهبُ : و مَن باع غنماً بعَرَضٍ أو بعينٍ ، ثم ابتاع بذلك غنماً ، فليأتنف بها حولاً .
قال ابن القاسم : و من باع ماشيته بعد الحولِ بعرضٍ أو بعينٍ ، ثم باع العَرَضَ بعين ، فإن أخذ العرض للتجارةِ زكَّى ثمنَه مكانه ، فإن كان للقنيةِ ، فلا زكاة عليه في الماشيةِ و لا في الثمنِ . واختلف قولُ مالكٍ فِي مَنْ باع غنماً ورثها بعد حولٍ و لم يزكِّها ؛ فأمَّا عن كانت أربعةَ أبعرةٍ ، فلا زكاة في ثمنها . أو بيعه بعيراً منها ببعيرين كالنتاج .
قال مالكٌ : و إن بادلَ غنماً بإبلٍ ، فليأتنف بالثانية حولاً .
قال ابن حبيبٍ : (قال ابن الماجشون) : و مَن بادلَ ماشيةً فيها الزكاة ، أو لا زكاة في عددها بجنسٍ آخر من الماشيةِ في عدده الزكاة ، فليُزكِّ الثانية لحولِ الأولى من شراء أو ميراثٍ ، و إن حلَّ الحولُ و لم يأتِ الساعي ، فالحولُ بمجيئه ، و إن كان البلدُ لا يأتي فيه السعاة ، فالعمل على حلول الحولِ في إيجاب الزكاة ، وسواءٌ بادل ماشيته أو باعها بثمنٍ ، ثم اخذ فيه خلافها من الغنمِ . و هذه رواية ابن وهبٍ ، و مطرف ، عن مالكٍ : و قاله أصحابه . وخالف ذلك ابنُ القاسمِ . قال ابنُ الْمَوَّاز : لم يختلف
***(1/228)
[2/233]
مالكٌ و أصحابه فِي مَنْ باع صِنفاً بصنفه من الأنعام غنماً بغنمٍ ، أو بقراً ببقرٍ أو بجواميس ، أو جواميس ببقرٍ ، أو بُختاً بعِرابٍ ، أنَّها على حولِ الأولى ، و كذلك معزاً بضأنٍ أو ضأناً بمعزٍ ، فأمَّا إن أخذ جنساً بخلافه من ذلك ، فاختلف قولُ مالكٍ ، و أصحابه ، فقال ابن وهبٍ ، وعبدُ الملكِ : هي على الأولى و هي في روايتهما عن مالكٍ مع أشهب . و قاله ابنُ نافعٍ في "كتاب" ابن سحنونٍ : و قال ابن الْمَوَّاز : و قال ابن القاسمِ : و أشهبُ : يأتنف بالثانية حولاً . و هي رواية ابن القاسم .
و من "العُتْبِيَّة" ، من سماع أشهب : و من زكَّى غنمه ثم باعها بإبلٍ بعد ستةِ أشهرٍ ، فليزكِّ الإبل لحولٍ من يومِ زكَّى الغنم .
وقال ابن الْمَوَّاز : و من باع غنمه بذهبٍ وسطَ الحولِ ، ثم اشترى بها مثلها . فقال ابن القاسمِ ، و أشهب ، عن مالكٍ : يأتنف حولاً بالثانيةِ .
و ذهب عبدُ الملكِ إلى أَنْ يزكِّيَ الآخرة لحول الأولى ، قال العتبيُّ : و رَوَى أبو زيدٍ ، عن ابن القاسمِ ، فِي مَنْ باع أربعين شاة بعد ستة أشهرٍ بعشرين ديناراً ، ثم ابتاع بها أربعين شاة بعد شهرٍ : فليأتنف ، و لو باع الأولى بعد الحولِ بعشرين ديناراً زكَّاها نصف دينارٍ . و إن باعها بأقلَّ فلا شيءَ عليه .
قال ابن الْمَوَّاز : و من باع غنماً بثمنٍ ، ثم استقال منها ، فليأتنف بها حولاً ، و كذلك لو أخذ غنماً في قيمةِ غنمٍ استهلكت له – و الإقالة بيع حادثٍ – و لم يره مالكٌ في الشفعة بيعاً حادثاً لتهمتهما عنده أَنْ يكونا أرادا نقض البيعِ الأولِ فراراً من الشفعةِ فيه .
قال ابن القاسم : و من زكَّى أربعين شاةً ، ثم باعها بعد شهرٍ بعشرين ديناراً ، فليأتنف بها حولاً .
***(1/229)
[2/234]
و من باع من غنمه أقلَّ من أربعين ديناراً ، قبل الحولِ وبقيت منها اربعون . قال مالكٌ : فإن كانت التجارة زكَّى العشرين لحولِ ما ابتاعها به ، وتزكَّى رقاب الباقية لحولٍ من يومِ اشتراها ، ثم عن باعها بعد ذلك كان حولُ ثمنِ هذه من يوم زكَّى الغنم . و من باع من غنمه أقلَّ من أربعين بعشرين ديناراً ، فليأتنف بها حولاً . قال أبو محمدٍ : يريد محمداً . و ليس أصلها للتجارةِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : فِي مَنِ استهلكت له غنمٌ فأخذ منها غنماً ، أنَّه يأتنف حولا . و قاله ابن القاسمِ . و قال أيضا : يكون للحولِ الأولِ . و قال أشهبُ : بل ذلك كما لو باع الأولى بدينارٍ ، ثم اخذ بالدينارين غنماً .
و من "العُتْبِيَّة" ، من سماع أشهب ، و من له خمسةٌ من الإبلِ ستَّةَ أشهرٍ ، ثم باع ثلاثةً منها بثمن ثم اشترى منه بعد شهرين ثلاثةً ، ثم حال حولُ الأولى فلا زكاة عليه .
في من باع غنماً ثم رُدَّت عليه بعيبٍ بعد حولٍ ، أو أخذها في تفليس المُبتاع ، و في الساعي يأتي و قد قامت الغرماءُ
من "كتاب" ابن سحنونٍ : و من ابتاع غنماً فأقامت عنده حولاً ، ثم ردَّها بعيبٍ قبلَ مجيءِ الساعي ، فزكاتها على البائعِ ، و لو ردَّها بعد أن أدَّى غنماً شاةً فليردها ، و لا شيء عليه في الشاة التي أخذها المصدق ، و لو أفلس المشتري فقام الغرماء وجاء الساعي ، فالزكاة مبدأةٌ و ما بقيَ للغرماء ،
***(1/230)
[2/235]
و كذلك الحائط يُشترَى – يريد بثمره – فيأتي المصدق و قد طابت الثمرة ، فالساعي مبدَأٌ ، و لو طلب اغنمَ أخذَ الغنم في تفليس المبتاع ، و قد أتى المصدق ، فليأخذ المصدق شاة ، ثم للبائع أخذ الغنمِ ناقصةً بجميع الثمن إن شاء ، و يكون ما أخذ المصدق منه . و كذلك في أخذه لزكاة الثمرة . و لو هرب المشتري بالغنمِ عن الساعي ، و هي أربعون ثم جاء السنة الثانية بعد حولٍ و قد فلس ، فليأخذ الساعي منها شاةً ، و يكون من البائع إن استرجع الغنمَ ، و لا شيء عليه في السنة الثانية ، و لا على المبتاع ، و إن لم يأخذها البائعُ كان على المشتري فيها شاتان – يريدُ على مذهبِ سحنونٍ ، لأنَّه ضامنٌ بهرو به ، فصارت الشاة الأولى في ذمته – قلت لسحنونٍ : فلو جاء و قد تماوتت فلم يبقَ منها إلاَّ شاةٌ . قال : فربُّها أحقُّ بها بما يصيبها من الثمن و لا شيء للساعي ، و لو قام عليه غريمٌ بدَيْنٍ من غير ثمنها ، كان الساعي أحق بها . و قال بعض أصحابنا : إنَّ الساعي أحق بها . فأنكره سحنون . قلت له : و لو ماتت الأربعون كلها ، ثم اشترى شاةً فجاء الساعي ، أنَّه يأخذها . قال : أصاب . قلتُ : و قال : و لو كان عليه دَيْنٌ مُحيطٌ فليتحاصَّا الساعي والغريم . فقال سحنونٌ : بلِ الساعي أحقُّ بها . وقلتُ له : و لو كان الدَّيْنُ من ثمنها والغريمُ أولَى بها من الساعي ، إنْ لم يكنْ من الأربعين التي هرب بها . فأجاز ذلك سحنون .
***(1/231)
[2/236]
فِي مَنْ تخلَّفَ عنه الساعي سنين ، ثم أتاه وغنمه قد زادت أو نقصت ، و هل يتخلَّف في سنةٍ جَدْبَةٍ والغنمُ عِجَافٌ ، و هل يؤخذ منها؟
من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : قال مالك : يُبعث السعاة في كل سنةٍ إلأَّ في سنةٍ شديدة الجدبِ ، فلا يبعثوا ؛ لأنَّه يأخذ ما لا يحلب ، و إن بيع فلا ثمن له . و قال عنه ابن وهبٍ : لا تؤخر الصدقة و إن عَجَفَتِ الغنمُ . قال ابن شهابٍ : و قد بعثَ الخلفاءُ في الخَصْبِ والجدبِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، فذكر رواية ابن وهبٍ ، ثم قال : و قد سأل عثمان بن الحكم عن ذلك مالكاً ، فقال : يؤخذ منها عِجافاً ، و لو كانت ذات عَوارٍ كلها أو يبوساً . فليأتِ بغيرها . قال محمدٌ : و كذلك العِجافُ ، فليشتر له ما يعطيه . و قال مالكٌ : فإذا تخلَّفَ عنه الساعي ، فلينتظره ، و لا يُخرج شيئاً . و كذلك إن حلَّ الحولُ بعد أن مرَّ به بيسيرٍ ، إنْ كان الإمامُ عدلاً ، فإن لم يكن عدلاً ، فليخرج للحولِ إن عفى له ، فإن خافَ أَنْ يؤخذ بها انتظره . قال مالكٌ : و إذا تخلف الساعي سنين ، فلا يضمن ربُّ الغنمِ ما نقصت غنمه ، ببيعٍ أو أكلٍ أو غيره ، و لو غاب عن مائة بعيرٍ ، ثم جاء و لم يبق منها إلا خمسةٌ ، فليأخذه بشاةٍ عن كل سنةٍ ، و لو لم يجد ما فيه الزكاة ، لم يلزمه شيءٌ .
قال مالكٌ : و إن وجده قد أضاف إليها غيره ، لأخذه بما يجب عن ماضي السنين ، إذا كانت في أول سنة نصابٍ ، عَرَفَ عددَها في كل سنةٍ أو لم يعرف .
***(1/232)
[2/237]
قال أشهبُ : عن مالكٍ : و لو غاب أربع سنين عن أربعين شاة لم تزد ، فلا يأخذ منه إلا شاة ، أخذها منها ، أو اشتراها له . و كذلك قال في "كتاب" ابن سحنونٍ : فإن غاب عن أربعين جفرة . قال سحنونٌ : و لو غابَ عن أربعين عامين ، و لم تزد ، فقبل يأتيه أكل واحدةٍ أو وهبها أو باعها ، ثم جاءه المصدق ، فلا شيء عليه في العامين ، و لو وجدها أربعين لم يزكِّها ، إلا لعامٍ واحدٍ ، و لو وجدها أحداً و أربعين و كانت كذلك في العامين أخذ منه شاتين ، قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و لو أفاد إليها ثلاثة بقربِ قدومه ، أخذه بأربع شياه .
قال ابن الْمَوَّاز : و لو كانت عن ألف شاةٍ ، ثم وجدها أربعين لم يأخذ منه غيرَ شاةٍ ، و إن نقصت عن أربعين منه شيئاً ، و لو كانت أولاً أربعين ثم صارت ألفاً بفائدةٍ قبل مجيئه بيسيرٍ ، و قد غاب خمسَ سنين لأخذه عن أول سنةٍ بعشرة شياهٍ . وعن كل سنةٍ تبقى بتسعٍ تسعٍ . و كذلك قال ابن حبيبٍ : عن مالكٍ : إنَّه يأخذ منه عن ما يجده عنده لأول سنةٍ ، ثم عن التي تليها عن باقيها ، ثم عن باقيها ، هكذا حتى ينقضي عن عدد الزكاة .
و ذكر ابن سحنونٍ ، عن أبيه ، أنَّ غيرَ ابن القاسمِ ، يقولُ : إذا غاب عن أربعين خمسَ سنين ، صم صارت ألفاً قبل مجيئه بيسيرٍ ، أنَّه يزكِّي عن الأربع سنين بشاةٍ واحدةٍ ، وعنِ السنة الخامسة بتسع شياهٍ ، و لو كانت أولا مائة زكَّى عن الأربع سنين بأربع شياهٍ ، و في هذه السنة بتسع شياهٍ ، و هو مصدق في ذلك كله .
***(1/233)
[2/238]
قال غيرُ ابن القاسمِ : و إنما معنى قولهم : يزكي ما وجد بأيديهم عن ماضي السنين ، إذا لم يدَّعُوا أنَّها كانت فيها دون ذلك . و هذا قول عبد الملكِ . و قال سحنونٌ بقول ابن القاسمِ ، و أشهب ، على ما ذكرنا ، أنَّه يُزكِّي الألف لأول سنةٍ ، و يُزكِّي ذلك عن كل سنةٍ بعدها ، إلا ما نقصت الزكاة .
قال سحنونٌ : و إذا أتى الساعي بعد غيبة سنين ، فقال له رجلٌ معه ألفُ شاةٍ : إنَّما أفدتها منذ سنةٍ أو سنتين . فهو مصدق بغير يمينٍ ، و يُزكِّيه لما قال .
قال ابن الْمَوَّاز : قال مالك : و إن غاب عن خمس من الإبلِ خمس سنين ، أخذه عن كل سنةٍ بشاةٍ ، و لو انَّه يبيع في ذلك بعيراً منها لم تنقص من ذلك ، و لو نقصت في بعض هذه السنين عن خمس ذودٍ ، ثم رجعت في العام الخامس بغير نتاجٍ ، فليس عليه إلا شاةٌ ، إلاَّ أَنْ يرجع بولادتها ، و لو تخلَّفَ عن أقلَّ من أربعين شاة ، فتمت في السنة الخامسة بولادتها أربعين ، فلا يأخذه إلا بشاةٍ . و كذلك لو تناسلت أكثر من ذلك لم يأخذه إلا بزكاة عامه هذا ، حتى لو غاب عن نصاب ، ثم نقصت عن النصاب ، ثم تمت قبل مجيئه بولادتها ، أو ببدل قليل بكثير ، فصارت ألفاً و قد غاب خمس سنين ، لزكَّاها عن ما يجدها به لكل سنةٍ غاب فيها ، و القول في ذلك قولُ ربِّ الغنمِ بلا يمينٍ . قال أشهبُ : فيأخذ لأول عامٍ عشرة شياهٍ ، ثم تسعاً عن بقية السنين .
***(1/234)
[2/239]
و إن كانت زيادتها بفائدةٍ ، فلا يزكِّي غل من يوم أفاد تمامها بعد نقصها عن النصاب . قاله أصبغ ، و أشهب . قال مالكٌ : و إن غاب عنه ، وغنمه عشرون ثم صارت في العام الثاني ثلاثين ، فأتى في الثالثِ و هي أربعون ، فعليه شاة ، و قاله مالك . و ابن القاسمِ . قال ابن الْمَوَّاز : وردَّدَ مالك السؤالَ على السائلِ في رواية أشهب ، فقال : أكنت تزكيها قبل ذلك؟ فقال : لا . فكأنَّه يعني أنَّه لو كان أولها يزكَّى ، ثم نقصتْ ، ثم رجعت بولادةٍ أو مبادلة ، أنَّ الزكاة ترجع لما مضى من ما تخلَّفَ عنه .
قال ابن الْمَوَّاز : ولسنا نأخذ بهذا ، بل يأخذ فيها من يوم تمَّت ما فيه الزكاة ، و يسقط ما قبل ذلك . قال أبو محمد : انظر لعلَّ محمداً يعني أنَّها و إن كانت تُزكَّى قبل ذلك إلا أن الساعي غاب عنها ، و هي أقلُّ من أربعين فلا تزكى ، إلا من يوم تتم ألربعين بولادةٍ أو ببدلٍ .
قال أشهب برأيه في مسألةِ التي غاب عن عشرين ، ثم صارت في عامٍ ثانٍ ثلاثين ، ثم أتى في الثالث و هي أربعون – يريد : فأكثر بولادةٍ أو مبادلة – أنَّه يزكي لكل سنةٍ مضت حتى يرجع إلى ما لا زكاة فيه .
قال ابن الْمَوَّاز : و لا يعجبنا هذا أيضاً ، و يلزمه أَنْ يقول : إذا تمت الغنم بولادتها ، أو نما المال بربحه ، فجاوزا ما فيه الزكاة ، أَنْ يزكِّيَ لكلِّ سنةٍ مضت من يومِ أفاد الأصلَ .
قال ابن الْمَوَّاز : و إذا غاب عن ثلاثٍ و أربعين بقرةً خمسَ سنين ، فعليه
***(1/235)
[2/240]
أربع مُسِنَّاةٍ وتبيع ، على نحو هذا يُجزِئُ من الإبلِ ، إلاَّ في الشنقِ فإنَّها لا تتغير ، لأنها زكاتها من غيرها ، فيأخذه بالغنمِ عن كلِّ سنةٍ سواءٌ و إن كثرت .
و إذا وجد الإبل أمثر من سنةٍ وثلاثين إلى خمسة و أربعين ، فليأخذ عن كلِّ سنةٍ بنت لبونٍ ، حتى تنقصَ عن ستة وثلاثين ، فيأخذ بنت مخاضٍ ، عن كل سنةٍ بقيت ، فإنْ لم يكن فابن لَبونٍ ذَكراً حتى ينقص عن خمسة و عشرين ، فيأخذ عنها الغنم ما تناهت .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عبد الملكِ : و إذا غاب عامين عن خمسةٍ و عشرين من الإبلِ ، فليأخذ لأول علمٍ بنت مخاضٍ ، فإن لم يكن فابن لبونٍ ، فإن كان ذلك من عددِ ما اخذ في العام الثاني أربع شياهٍ ، و إن لم يكن منها اخذ فيه مثل ما في العام الأول ، و إن كانت ستة و عشرين ، لم يؤخذ منها غنمٌ ، كان فيها ما يؤخذُ من الإبلِ (أو لم يكن) . قال أشهبُ ، و ابن نافعٍ : و إذا غاب الساعي عن أربعين جفرة سنين ، أو كانت غنماً فلم يبقَ إلا أربعون من عدادها ، فليس عليه إلا شاة . و إن كان تُشترى له بخلاف الشنق من الإبلِ .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال مالكٌ : و إن غاب عن أربعين جفرة و أربعين تيساً . فليس عليه إلا شاة واحدة ، و لا حجة للساعي ، فإنَّها تُزكَّى من غيرها ، بخلاف الشنق من الإبلِ ، و كذلك عشرون ديناراً لعامين .
قال العتبيُّ : عن أبي زيدٍ ، عن ابن القاسمِ ، فِي مَنْ غاب عنه
***(1/236)
[2/241]
الساعي فأوصى بزكاة غنمهِ : فلا تُبَدَّى على الوصايا . وليحاصَّ بها .
القول في الهارب عن الساعي
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، (قال مالك) : و الهارب عن الساعي إنَّمَا يأخذه بزكاة ما كانت غنمه كل عامٍ ، و لا يأخذه بأن يزكِّيَ عن ما أفاد آخراً عن متقدم السنين .
وقال أشهبُ : أمَّا إذا زادت في هرو به ، فهو كمن غاب عنه الساعي ، و لا يكون أحسن حالاً منه . قال : و هو في نقصانها ضامنٌ يأخذه (في كلِّ عامٍ بزكاةِ ما كانت فيه ؛ لأنَّه ضَمِنَ ذلك بهرو به . قال ابن حبيبٍ : إنَّ قولَ مالكٍ و أصحابه المدنيين و المصريين أَنْ يؤخذ بها الهارب بزكاة ما كانت غنمه كل عامٍ ، إلاَّ أشهب ، فذكر من قوله ما ذكر ابن الْمَوَّاز .
(قال ابن الْمَوَّاز) : قال ابن حبيبٍ ، عن مالك : فإذا هرب بألفِ شاةٍ ، ثم جاء بعد ثلاث سنين بأربعين شاة ، فليأخذ عن هذه السنة بشاةٍ .
و كذلك يبدأ في الهاربِ بالسنةِ التي هو فيها ، ثم يؤخذ عن كل سنةٍ من الأولتين عشرة عشرة ، و لو قال : كانت في السنةِ الثانية أربعين . لم يصدَّقْ إلا ببينةٍ . و لو هرب بأربعين ، ثم جاء بألفٍ ، فليأخذ منه لهذه السنة عشر شياهٍ ، ثم عن عَلِمَ أنَّها في السنتين أربعين أخذه بشاتين لأنَّه
***(1/237)
[2/242]
ضامنٌ فلا يُنقصها الأداء ، فإن لم يكن إلا قوله أخذه بشاةٍ لأول سنةٍ ، وللعامين بعدها بعشر عشر . و أمَّا مَن يتخلَّفُ عنه الساعي سنتين ، فليأخذ منه لأول سنة عما بيده الآن ، ثم عما بعدها إلاَّ ما حطَّتِ الزكاةُ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عبد الملكِ ، فِي مَنْ هرب بأربعين ، ثم جاء بعد ثلاث سنين بألفٍ ، فقال : في هذا العام صارت ألفاً ، مثل ما ذكر ابن حبيبٍ ، أنَّه لا يُصدَّقُ و يؤخذ من كل سنةٍ بزكاة ألفٍ إلاَّ في العام الأول ، فعليه فيه شاةٌ . و ذكر ابن سحنون لأبيه قول عبد الملكِ هذا ، فخالفه ورأى أن تقبل منه ، و لا يؤخذ منه إلا شاة شاة عن العامين الأولين ، و في السنة التي صارت فيها ألفاً عشر شياهٍ . قال : و لو هرب بأربعين خمسَ سنين ، ثم جاء بها بحالها فليؤدِّ خمسَ شياهٍ ؛ لأنه كان ضامناً .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ : و من هرب بثلاث مائة شاةٍ ، ثلاث سنين ، ثم جاء في الرابعة و قد هلكت ، إلا أربعين ، فليأخذ منه تسع شياهٍ للثلاث سنين .
قال عنه عيسى ، في "العُتْبِيَّة" : وشاةٌ عن الرابعة, و لو جاء في الرابعة بألف شاةٍ ، فليأخذ بتسع عن الرابعة ، و لو جاء في الرابعة بألفِ شاةٍ ، فليأخذه بتسعٍ عن الثلاث وتسعٍ عن هذه . قال أصبغ : بل يأخذه بعشرةٍ لهذه يبدأ بها ؛ لأنَّه ضامنٌ لما تقدم . قال محمدٌ : بل يأخذ تسعة للثلاثة أعوام الماضية ، بضمان الهربِ .
***(1/238)
[2/243]
و قال بعض علماء المدنيين : يبدأ بالسنة الأولى ، ثم يزكِّي ما بعدها .
و لا يعجبنا هذا . و به يأخذ ابن القاسمِ . و إنَّمَا يبدأُ عنه أصبغ بالآخرةِ و هو الصواب . قال : و يقول أشهبُ : أقولُ إنَّه يزكيها في الزيادة لما مضَى ؛ لأنَّه قد ضمن الفائدة إلى نصابٍ . و ذكر أنَّه قول عبدِ الملكِ أيضاً . و قد ذكرنا ماذ كر عنه ابن عبدوسٍ ، و ابنُ سحنونٍ .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عيسى ، عن ابن القاسمِ ، في الفارِّ بأربعين شاة ، فأقام ثلاث سنين و هي بحالها . فليس عليه إلاَّ شاةٌ . و قاله سحنون . كان له مالٌ أو لم يكن . قال عيسى : قال ابن القاسمِ : و لو صارت في الرابعة ألفاً بفائدةٍ ، فعليه شاةٌ للثلاثِ سنين ، وتسع شياهٍ لهذه السنةِ .
و ذكر ابن سحنونٍ ، عن أبيه ، خلافَ ما ذكر عنه العتبيِّ ، إذا لم يزد أنَّ عليه لكل سنةٍ شاةً ؛ لأنَّه صار ضامناً ، والدين لا يُسقِطُ زكاةَ الغنمِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ و أشهبُ ، عن مالكٍ : والفارُّ عنِ الساعي ضامنٌ لصدقةِ ماشيته ، و أمَّا من يتبع الكلا ، أو يتأخر عنه الساعي فلا يأخذه إلا بزكاة ما وجده .
في من لا يأتيه السُّعاة لبعده ، و في الأسير كيف يُزكِّي
و من "كتاب" ابن سحنون ، و قال فِي مَنْ لا يأتيهم السُّعاة ، و لا ينزلون بهم في مثل زماننا ، يكون عند أحدهم ثلاثون شاةً ثم تتناتج بعد الحول ، و مرور الساعي على الناس ، فتتم أربعين : إنَّه يُزكيها يوم تمَّتْ بالولادةِ
***(1/239)
[2/244]
أربعين ؛ لأنه ساعي نفسه . و كذلك لو ورث غنماً ، فمرَّ الساعي على الناس ، و هو لا يمر به ، ثم تمت له بعد مروره بالناس حولاً من يوم ورثها ، فليزكها حينئذٍ ، و يكون ذلك خوله وتصير كزكاة العين .
وعن الأسير بدار الحرب يكسب مالاً و ماشية ، و لا يحضُرُه فقراء المسلمين : فليؤخر زكاة العين حتى يخلُصَ أو يمكنه بعثها إلى أرض الإسلامِ ، و هو في الغنمِ كمَن تخلَّفَ عنه الساعي ، لا يضمنُ ، فإن خَلصَ بها ، أدَّى عنها لماضي السنين ، إلا ما نقصت الزكاة .
وقال أبو محمدٍ : مَن لا يأتيه السُّعاة و هو يُزكِّي نفسه ، هل نصيب الفائدة من الماشية على نصاب الذي سَعَى أن تكون فوائد هذا كالعين ، إذ لا ضرورة تلحقه بانتظار الساعي .
في زكاة الخُلطاء ، و ما يوجب الخُلطةِ
قال أبو محمدٍ : قال بعض العلماءِ من أصحابنا : الخليطُ في الغنمِ الذي لا يُشارك صاحبه في الرقابِ/ و يخالطه بالاجتماع والتعاون ، والشريك المشارك في الرقابِ ، فكلُّ شريكٍ خليطٌ ، و ليس كل خليطٍ شريكاً . قال الله سبحانه في الخلطةِ من غير شركةٍ : {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآية . و في أول القصةِ {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} . و قد جاء ذِكْرُ مرفقِ الخليطين في الزكاة بالتردد في "كتاب آل حزمٍ" ، وكتب به عمر .
***(1/240)
[2/245]
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسم ، وجماعةٌ غيره ، عن مالكٍ : الخليطُ الذي غنمه معروفة من غنمِ خليطه ، والذي لا يعرف غنمه هو الشريك ، و له حكمُ الخليطِ في الزكاة ، قالوا عنه : وتجب الخُلطةُ بجمعها في الراعي والدلو . وزاد عنه ابنُ القاسمِ ، و ابن وهبٍ : والفحلُ ، و إن باتت هذه في قريةٍ ، و هذه في قريةٍ .
قال ابن حبيبٍ : وبعض هذه الأمور تُوجب الخُلطةَ ، و لو لم يجتمعا ، إلا في الراعي و المرعى . وتفرقتْ في الشرب و المراح ، فإنَّه إذا كان ذلك ، صارَ الفحلُ واحداً هذه فحلُ هذه ، و هذه فحلُ هذه ، و إذا كان لكلِّ واحدٍ راعٍ لم يكونا خلطاءَ –يريدُ ابن حبيبٍ لا يتعاونان – قال ابن حبيبٍ : و إذا كان لها رُعاةٌ يتعاونون عليها ، فهم كالراعي . و قاله ابن القاسم في غير "الواضحة" .
قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه : إذا اجتمعت في الراعي والحوضِ والفحلِ ، فهم خلطاء .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : و إذا جمعهما في شيءٍ واحدٍ ممَّا يكونَانِ به خلطاء ، لم تجب الخلطةُ إلا بالاجتماع في أكثر ذلك ، و إذا افترقا في أكثرها فليسا خلطاء .
وقاله ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة" .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالك : و إذا كان الفحل واحداً ، والراعي واحداً ، و المَرَاحُ واحداً فهم خلطاء ، و إن كان بعض ذلك يُجزئُ
***(1/241)
[2/246]
من بعضٍ . قال أشهبُ : ما لم يفترقا في الأكثر مما يوجب الخلطة .
قال بعض البغداديين من أصحابنا : لا يكونان خليطين حتى يجتمعا في وجهين فأكثر . قال مالكٌ : و إنَّمَا يعني بما روى أن كلَّ خليطين يترادَّان ؛ يعني في الماشية خاصَّة ، لا في عينٍ و لا حَرْثٍ .
قال مالكٌ : و إذا اجتمعا وافترقا قبل الحولِ بشهرٍ ، وبأقل من الشهر ، فذلك جائزٌ . قال ابن القاسمِ : ما لم يَقْرُبْ جدًّا . أو يهربا بذلك من الزكاة . قال ابن حبيبٍ : لا يجوز بأقل من الشهر .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عيسى ، عن ابن القاسمِ فِي مَنْ زكَّى غنمه ، ثم خالط بها خليطاً بعد ستة أشهرٍ ، فحلَّ حولُ خليطهِ في ذلك الشهر : فليزكِّ خليطه غنمهن و لا شيء على هذا حتى يأتيَ حولٌ مؤتنفٌ لخليطهِ ، إلا أَنْ يفارقه قبل ذلك ، كمَن مرَّ به الساعي لستة أشهرٍ من حوله .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال مالكٌ : فِي مَنْ له غنمٌ كثيرةٌ ، ولآخر غنمٌ قليلةٌ ، ولكل واحد راعٍ ، فقال رب الكثيرة لرب القليلة : إنَّ غنمي لا يكفيها راعٍ واحدٍ ، فتفضَّلْ بضمِّ غنمك إلى غنمي ، و يعاون غلامك غلامي في الرعاية ، و هي تفترق في الحلب و المبيتِ . قال : هما خليطان ، / لأنَّ الراعي واحدٌ والفحل واحدٌ و الماء يجمعهما .
***(1/242)
[2/247]
في الخلطة بجنسين مختلفين (من الأنعام) ،
أو بشيئين مختلفين وترادُدهما
و من "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز ، و مثله لابن الماجشون في "المَجْمُوعَة" : و إذا كان لأحدهما ضأنٌ ولآخر معْزٌ ، فهما خليطان ، و إن اتفق العددُ و فيهما شاةٌ أخذها من أيهما شاءَ . و إن كان شاتان ، فمن هذه واحدة ، و من هذه واحدة . و إن اختلف العددُ و فيهما شاةٌ أخذها من أكثرهما ، و يترادَّانِ فيها ، و كذلك في البقرِ مع الجواميس ، و في البُختِ مع العِرابِ ، و إن كان لأحدهما غنمٌ ، ولآخرِ بقرٌ أو إبلٌ ، لم يكونا خلطاءَ و لا ينتفعان بذلك و لا يضرهما .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ : و لا بأسَ أَنْ يختلطا ، لهذا ضأنٌ ، ولهذا معزٌ ، ثم يأخذ المصدق منهما كما يأخذ من رجلٍ واحدٍ ، و إنَّمَا يأخذ من الأكثر عدداً ، ثم يترادَّان فيما اخذ من ضأنٍ أو معزٍ ، و لا يقال : إنَّ صاحب معزٍ زكَّى بضأنٍ ، و لا صاحب ضأنٍ زكَّى بمعزٍ ، لأنهما كرجلٍ واحدٍ . و كذلك لو كان لواحدٍ من الإبلِ خمسةٌ و عشرون فيها بنتُ مَخاضٍ ، ولآخر ستة وثلاثون يجب فيها بنت لَبونٍ ، فالخلطة توجب عليهما جَذَعَةً يترادَّانِ فيها ، و في إبلِ أيهما وُجدت أخذت ، فعلى صاحبِ الخمسة من بنت مَخاضٍ ، فإن لم يكن فابن لَبونٍ ، و كذلك ثلاثون تبيعاً وخمسون مُسِنَّةً ففيهما مُسنَّتَانِ ، فعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أجزاء من ثمانيةٍ من مُسنتين . و قال ابنُ عبدوسٍ مثله ، عن ابنِ القاسمِ : إنْ كان لأحدهما أربعون مسنةً ، وللآخر
***(1/243)
[2/248]
ثلاثون تبيعاً ، فيأخذ مسنة وتبيعاً . قال : يترادَّانِ فيهما ، و ذكر نحوه ، عن ابن الماجشون في جميع ما قال سحنونٌ . قال : و إذا كان لواحدٍ أربعون من البقرِ ولخليطه ثلاثونَ منها ، فليأخذ منهما مسنةً وتَبِيعاً و يترادَّانِ فيهما .
في ترادُدِ الخليطين في اختلاف العددِ
وكيف عن كانا أو احدهما لا زكاة في غنمه إن انفردتْ؟
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و من قول مالكٍ : إنَّ مَنْ ليس في حظِّه من الخليطين ما فيه الزكاة ، فلا يضرُّ صاحبه و لا ينفعه ، و لا يؤخذ إلاَّ ممَّن في حظِّه الزكاة ، قال ابو محمدٍ : يريدُ هذا الذي ينبغي في مذهبه ، فأمَّا إذا أخذ على مذهب غيره فمذكورٌ بعد هذا . قال مالكٌ : و إنَّما يترادَّانِ الخليطان بقدرِ العددِ ، لا بقدرِ ما يلزم الواحد في الانفراد ، لو كان ذلك ما انتفعا بالخلطةِ . و قد كان من مالكٍ في ذلك بعضُ القولِ فِي مَنْ له تسعة من الإبلِ ، ولخليطهِ خمسةٌ : إنَّ على كلِّ واحدٍ شاةً . ثم رجعَ فقال : يترادَّانِ في الشاتين ، و كذلك من له ثمانون شاة ولخليطه أربعون شاة ، فعلى خليطه ثلثُ الشاة المأخوذة .
و إن كان لواحدٍ خمسةٌ و عشرون من الإبلِ ، ولخليطه عشرةٌ ، فإنَّه يأخذ بنت مخاضٍ ممن كانت في إبلهِ ، و إن لم يكن فابن لَبونٍ ذَكَرٌ ، ثم يرجع على صاحبه بحصته ، و هو ما يلزمه من قيمة ذلك يومَ أخذه
***(1/244)
[2/249]
الساعي ، تقسَّمُ القيمةُ على سبعةِ أجزاءٍ ، فجزآنِ على ربِّ العشرة ، والخمسةُ على الآخر .
و من "المَجْمُوعَة" قال أشهبُ : وكلك في شركتهما في أداء الحقَّةِ .
و ليس للآخر أَنْ يقولَ له : لك في هذه الحقة كذا وكذا . و لا يُكلِّفُه أَنْ يأتيه بحقَّةٍ ، إلا أَنْ يؤدي عنه حقَّة كاملة . و من قال له أَنْ يعطيه جزءاً من حقَّةٍ . لم اعبه ، و لا يكون أداء القيمةِ على هذا القول ، إلا قيمة ذلك يوم يعطيه القيمة . و ذكر مسألة عبد الملك في تراددهما في ثلاثين تبيعاً ، وخمسين مسنة ، وذكرناها في الباب الذي قبل هذا .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ : إنَّما الترادُدُ فيما فيه قولُ قائلٍ من العلماء : فأمَّا ما لم يقله أحدٌ فهو مظلمةٌ ممَّنْ أخذ منه . قال مالكٌ : فإذا كان لخلطاءَ غنمٌ لا تبلغ أربعين و أخذ الساعي منها شاة فهي ممن أخذت منه ، و لو كانت أربعون تراددوا فيها ، فإن كان لأحدهم أربعون ولخلطائه اقلُّ من ذلك ، فه يعلى صاحب الأربعين ، يرجع بها عليه مَن أُخذت من غنمهِ .
قال ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة" : و إن أخذ شاتين من ربِّ الأربعين لم يرجع على أحدٍ بشيءٍ .
و منه و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، عن ابن القاسمِ : و إن أخذ شاتين من غير صاحب الأربعين رجعَ على صاحب الربعين بواحدةٍ ، و إن كان له أكثر من عشرين و مائةٍ ، رجع بالشاتين عليه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و إن كان في جملة غنمهم نيِّفٌ و عشرون
***(1/245)
[2/250]
و مائةٌ ولي منهم من له أربعون إلا واحدٌ ، فأخذ شاتين من ربِّ الأربعين ، فواحدته عليه ، والثانية ، يتحاصُّ هو و أصحابه فيها ، و أحبُّ إليَّ أَنْ يتحاصُّوا في الشاتين ، و إن كان جملة غنمهم لا يؤدَّى عنها إلا شاةٌ ، فلا يرجع على أحدٍ بشيءٍ .
قال ابن عبد الحكم : و إن كان لرجلٍ عشرون و مائةُ شاةٍ ، و لخليطه شاةٌ فأخذ منها شاتين ، فواحدة على ربِّ العشرين و مائة ، و يتحاصان في واحدةٍ ، على أنَّ لهذا عشرين و مائة كاملة ، و لهذا الآخر شاةٌ .
قال محمدٌ : و أحبُّ إليَّ أنْ يتحاصَّا في الشاتين ، لأنَّ هكذا رأى من ذهب إلى هذا ، و إنما هو كحكمٍ نفذَ فلا ينقضُ .
و من غيره ، قال ابن القاسمِ و غيره : هو قول ربيعة .
و من "العُتْبِيَّة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، قال ابن القاسمِ : و إذا كان لواحدٍ عشرون و مائة ، ولآخر ثلاثون فأخذ شاتين ، فليتحاصَّا فيهما لا يُبالي من غنم من أخذها ، أو اخذ من غنم هذا واحدةً وغنمِ هذا واحدةً ، لترادَّا فيهما جميعاً ، و لا أجعل واحدةً على صاحبِ المائة و العشرين ، و يترادَّان في الأخرى ، و لو ـخذ شاةً من غنمِ صاحبِ الثلاثين ، لرجع بها على ربِّ المائة و العشرين ، يريد لم يأخذ غيرها .
قال ابن القاسمِ : و إن كان لهذا مائة وثلاثون ، ولخليطه عشرون فأخذ الساعي شاتين من العشرين ، فليرجع بهما على ربِّ الثلاثين و مائةٍ ، و إن اخذ له ثلاثة لم يرجع عليه إلا بشاتين ، و إن أخذهما من صاحب الثلاثين و مائةٍ
***(1/246)
[2/251]
أو أكثر منهما ، لم يرجع على صاحبه بشيءٍ .
قال سحنونٌ في "كتاب" ابنه : إن كان لواحدٍ عشرون شاةً ، ولخليطه ثلاثون ، فأخذ شاتين من غنمِ أحدهما ، فليتراجعا في واحدة بقدرِ غنمهما ، و الأخرى مظلمة ممن أُخذت منه ، و إن تفاضلت الشاتانِ ، تحاصَّا في الدَّنِيَّةِ .
وقال : قيل ذلك في نصف قيمةِ كلِّ واحدةٍ .
و إذا أخذ الساعي قيمةَ شاتين – يريد منهما – فقيمة شاةٍ يتحاصان فيها ، و الأخرى بينهما نصفانِ ، إلاَّ أنْ يقولَ المصدق ذلك : على عدد غنمكما أخذته . فهو كما جعله .
قال في "كتاب" ابن سحنونٍ : و كذلك لو أخذ من غنم هذا شاةً و من غنمِ هذا شاةً ، تراجعا في شاةٍ ، وتكون الثانية عليهما نصفين .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و إذا كان خليطان ، لكلِّ واحدٍ أربعون شاةً ، فأخذ الساعي شاةً ، فليرجع الذي أُخذت منه على صاحبه بنصف قيمتها . و كذلك لو أخذ منه شاتين ، لم يرجع إلا بنصف واحدةٍ .
قال مالك في خلطاء ثلاثة : لكل واحدةٍ أربعون شاةً ، فأُخذ من غنمِ أحدهم ثلاثة ، فلا يرجع على صاحبيه إلا بثلثي شاةٍ . يريدُ قيمتها يوم أخذها الساعي . و إذا كان لواحدٍ اثنان وثلاثون بعيراً ، ولخليطه أربعة أبعرة ، فأخذ منها بنت لبونٍ ، فعلى صاحب الأربعة منها حصتهن لأنَّه أخذه بقولِ قائلٍ و ذلك تسعُ بنت لبون ، و هو حكمٌ يبعدُ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ في خلطاء أربعةٍ ، في أربعين شاةً لكلِّ واحدٍ عشرةٌ فأخذ شاتين لرجلين منهما : فليتحاضَّ الأربعة في نصف قيمتها ، والنصف الآخر بين هذه للذين أُخذت
***(1/247)
[2/252]
منهما . و كذلك روى عنه عيسى و يحيى في "العُتْبِيَّة" .
قال عنه عيسى : و إذا أخذَ شاتين من غنمِ أحدهم ترادُّوا في شاةٍ .
قال سحنونٌ في "كتاب" ابنهِ : و إن اختلفت قيمتُهَا ، تحاصُّوا في نصفِ قيمتها . و كان يقول في أدناهما ثم رجعَ على هذا . و من "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز ، و قال في خلطاءَ ثلاثةٍ ، لواحدٍ ثمانٍ وسبعون شاةً ، وللآخرِ تسعٌ وثلاثون ، ولآخر ثلاثةَ عشرَ ، فذلك ثلاثون و مائةٌ فأخذَ الساعي شاتين : فواحدةٌ على ربِّ الثمانية و السبعين . والثانية ، يترادون فيها على عشرة أجزاءٍ ؛ فجزءٌ على صاحب الثلاثة عشر ، وثلاثة على صاحب التسعة والثلاثين ، وستة أجزاءٍ على الثالثِ .
قال (أبو محمدٍ) : و هذا على القول الذي لم يختره ابن الْمَوَّاز ، واختار أَنْ يترادُّوا في الشاتين على هذا الحساب .
قال محمدٌ : و لو أخذ ثلاثَ شياهٍ من غنمٍ كل واحدٍ شاةً فقد بقي على ربِّ الثمانية والسبعين ما يلزمه في الشاة التي فيها يترادُّون . و ذلك ثلاثة أخماس شاةٍ يؤديها إلى صاحبه . قال في "كتاب" الزكاة الأول : يكون ذلك بينهما على أربعة أجزاءٍ ، فالربع لصاحبِ التسعة والثلاثين ، وثلاثة أرباعٍ لصاحب الثلاثة عشر . قال محمدٌ : بل يقتسمانِ ذلك على ستَّةَ عشرَ جزءاً ، فتسعة أجزاءٍ لصاحبِ الثلاثة عشر . وسبعة لصاحب السبعة والثلاثين ؛ لأنَّ ربَّ الثلاثة عشرَ بما يلزمه على المحاصة في شاةٍ شاةٍ فظُلمَ بتسعةِ أعشارها ، وصاحب التسعة والثلاثين كان يلزمه ثلاثة أعشار
***(1/248)
[2/253]
شاةٍ ، فظلمَ بسبعةِ أعشارها . يريدُ فيتحاصان على قدرِ ما ظُلما به .
قال : و لو تاب المصدق فردَّ شاةً على صاحبيِ القليل ، لقسَّماها مع ما أخذا من صاحب الكثير ، حتى يصيرَ هذا غارماً لعشرِ شاةٍ ، و هذا غرماً لثلاثة أعشار شاةٍ . و لو ردَّ شاتين أخذا بمذهبنا كانتا بين هذين ، وردَّا على صاحب الكثير ما اخذا منه ، ولزمته الشاةُ وحده . ولربِّ الكثير أخذ ما كانا أخذا منه من هاتين الشاتين ، ثم يتحاسبان بهما فيما بقي بينهما .
قال : و لو أخذ شاتين من صاحبي القليل ، شاةً من كلِّ واحدٍ ، لرجعا على صاحب الكثير بشاةٍ ، يعني التي لا حصاص فيها – على أحذ القولين من قولي أصحابنا ، وبتسعة أعشار شاةٍ ثم يقتسمان ذلك على ستة عشر جزءاً ، يريدُ – إذا أخذ صاحبُ الكثيرِ من هاتين المائتين ثلاثة أخماس شاةٍ – تحاسبا في الذي كانا أخذا منه ، يحتسب كل واحدٍ ممَّا عندَه من ذلك ، ثم يضيف كل واحدٍ من هذه الشاة والخمس ، الشاة الباقية حتى يرجع إلى كلِّ واحدٍ شاةٌ كاملةٌ ، كما ذكرنا .
قال : و لو أخذ شاةً من ربِّ الكثير وشاةً من ربِّ الثلاثة ، عشرَ لرجع ربُّ الثلاثة عشرَ على ربِّ الكثير بستة أعشارها ، وبثلاثة أعشارها على الآخر ، و لو كان إنَّما أخذ الثانية من صاحب التسعة والثلايين ، لرجع بعشرها على ربِّ الثلاثة عشر وبستة إعشارها على ربِّ الكثيرة ، و لو لم يأخذ إلاَّ من صاحبِ الثمانية والسبعين شاتين ، أو ثلاث شياهٍ ، لم يرجع إلاَّ
***(1/249)
[2/254]
بعُشْر شاةٍ على ربِّ الثلاثة عشر وبثلاثة أعشارها على ربِّ التسعة والثلاثين .
في الخليطين لأحدهما أو لكلِّ واحدٍ منهما
غنمٌ أخرى بخليطٍ أو بغيرِ خليطٍ
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و مَن له ثمانون شاةً له فيها خليطٌ بأربعين و منها أربعون ببلدٍ آخر ، بغيرِ خليطٍ ، فهو خليطٌ لصاحبه بما حضرَ وغابَ ، و ليس عليهما إلاَّ شاةٌ ، على صاحب الأربعين ثلها .
قال أصبغُ : و كذلك لو كانت الثمانون ببلدٍ واحدٍ . و قال عبدُ الملكِ : يكون على ربِّ الأربعين نصفُ شاةٍ و على صاحب الثمانين ثلثا شاةٍ . قال محمدٌ : وقولُ مالكٍ أحبُّ إلينا ، و عليه جُلُّ أصحابه . و قال سحنون لقولِ عبدِ الملكِ : و هو أحبُّ إليَّ من قول ابنِ القاسمِ و أشهبَ . و أنا أشكُّ أَنْ يكون ابن وهب رواه عن مالكٍ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عبد الملكِ ، وسحنون ، فِي مَنْ له في بعض غنمهِ خليطٌ : إنَّ خليطه لا يكون له حكم الخُلطةِ في التي لم تخالطه بها .
وقال ابن القاسمِ : يكون خليطاً له في ما حضر وغاب .
قال سحنونٌ : و لو أن البعض الذي له فيه الخليط لا تجب فيه الزكاة إل مع غنمهِ الأخرى ، فله به حكمُ الخلطةِ مع شريكه ، لأنَّ عليه الزكاة فيما غاب أو حضر .
***(1/250)
[2/255]
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن عبد الحكم ، و أصبغ ، فِي مَنْ له ثمانون شاةً فريقين له في كلِّ أربعين منهما خليطٌ بأربعين : فهم كلُّهم خُلطاءُ . قال محمدٌ : والذي آخذُ به انَّ صاحبَ الثمانين خليطٌ لهما ، وصاحبيه خليطان له ، و ليس أحدهما حليطاً لصاحبه ، فيقع على صاحبِ الثمانين شاةٌ ، و على كل واحدٍ من صاحبيه ثلاث شياهٍ .
قال : و من له عشرةٌ من الإبلِ ببلدٍ ، و له فيها خليطٌ بخمسةٍ ، و له ببلدٍ آخر عشرةٌ أخرى له فيها خليط بخمسةٍ ، فهو خليط لرجلين لا خُلطةَ بينهما ، فعلى كلِّ واحدٍ من الرجلين خمسُ بنتِ مَخاضٍ ، و على صاحبِ العشرين ثلثا بنت مخاضٍ ، فجملة ذلك بنت مخاضٍ وخُمسُ ثلث بنت مَخاضٍ ، فمن وجدَ في إبله بنت مخاضٍ أخذها .
فإن أخذاها من إبل صاحبِ العشرين ، أخذا بقيَّة حِقَّةٍ من أيِّهما شاء ، و هو ثلث خمس قيمة بنت مخاضٍ ، و يرجع الذي أدَّى بنت مخاضٍ – و هو ربُّ العشرين – ثلث قيمتها حتى يغرمَ كلُّ واحدٍ ما عليه ، فإن أخذها من أحدِ صاحبيِ الخمسة رجعَ على صاحبيه بما عليهما ، على ما ذكرنا .
و لو كان خليطٌ لرجلين لدفع هذا عشرةً ، و مع هذا خمسةٌ فعليه ثلاثةُ أخماس بنت مخاضٍ ، و على صاحبيه شاةٌ شاةٌ على كلِّ واحدٍ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال غيره : و مَن له ثلاثون بعيراً مفترقة قد خالطَ بكلِّ عشرةٍ منها خليطاً له أيضا عشرة ، ففي الجميع حِقَّةٌ ، فعلى ربِّ الثلاثين نصف حِقَّةٍ ، لأنَّه خليطٌ لجميعهم ، و على كلِّ واحدٍ من خلطائه ربع بنت
***(1/251)
[2/256]
لبونٍ . و كذلك من له خمسة عشر مفترقة ، له في كل خمسةٍ خليطٌ بخمسةٍ فعليه نصف بنت مخاضٍ ، و على كلِّ واحدٍ من أصحابه ، و هذه في "العُتْبِيَّة" . ذكرها هكذا أصبغُ ، عن بعض المصريين .
في من خالطَ عبدَه بغنمٍ أو غيرها ،
و في من وهبَ لابنهِ غنماً فأراد عزلها في الصدقةِ أو يخالطه بها
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و "العُتْبِيَّة" ، من رواية عيسى ، عن ابنِ القاسمِ ، و قال في السيد يكون خليطَ عبدهِ ، قال : لا يوجب ذلك خُلطةً وليؤدِّ كما يؤدي وحده ، و لو زرع معه لم يكن على السيد شيءٌ ، إلاَّ أنْ يكون في حصته همسة أوسقٍ ، و كذلك عبدُ غيره . وكما لو كان خليطه . أو شريكاً نصرانيًّا .
و ذكر ابن حبيبٍ فِي مَنْ هو خليطٌ لعبدهِ أو لعبدِ غيره أو الذمِّيِّ : فليأخذ منه على حساب الخُلطةِ في الماشية ، و يُسقِطُ عن العبدِ والذمي . قال : و هو قول ابن الماجشون ، فإن لم يُسقط عنه و أخذها من غنمِ المسلمِ فهي كلها منه . فإن أخذها من العبدِ أو الذمي رجعَ بنصفها على المسلمِ الحرِّ .
و من "المَجْمُوعَة" ، و "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، في مَن وهبَ لابنهِ الصغير غنماً ، و وسمها وحازها لهن فإن ضمها إلى غنمهِ ، و كان فيها شاتان ، و إن أفردها كان له فيها شاةٌ . قال : فلا يضُمُّها إلى غنمهِ .
***(1/252)
[2/257]
قال في "العُتْبِيَّة" : و إن علم المصدِّقُ أنَّه إنَّمَا له منها كذا وكذا : فليصدقه و إن كان على صدقته بينةٌ ، هكذا في رواية عيسى . قال سحنونٌ : إذا كلَّفه البينة فلم يصدقه .
في سيرة السُّعاة في أخذ الصدقةِ ، و هل يؤخذ بها أحد في غير بلدهِ ، و هل يُنصبُ لها في الطرقِ ، و في تعدِّي المصدِّقِ؟
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : و ليس على أحدٍ جلبُ صدقةِ الماشية ، والحَبِّ ، والثمرِ . و كذلك روى هو و أشهب ، عن مالكٍ في الحَبِّ والثمرِ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال مالكٌ : ليس على أهل الحوائطِ حملُ صدقاتهم إليهم ، وليؤخذ منهم في حوائطهم . و كذلك الزرع و الماشية . و قاله ابنُ القاسمِ ، عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة" ، و نحوه في "المَجْمُوعَة" .
و على السعاة أَنْ يأتوا اصحابَ الماشيةِ على مياههم ، و لا يقعدون في قريةٍ و يبعثونَ ، فتُجلبُ إليهم المواشي . و أمَّا من بَعُدَ من المياه التي يردها السُّعاة ، فعليهم جلبُ ما يلزمهم إلى المدينةِ ، فإن ضعفت عن ذلك الغنمُ ، فلا بُدَّ من ذلك ، ليتفقوا على قيمتها ، وَ لا بَأْسَ بالقيمة في مثل هذا ،
***(1/253)
[2/258]
فإذا جلبوا ما فيه وفاءٌ ، فليأخذه و لا يعنفهم ، و إذا كانت الغنمُ كلُّها عِجافاً أخذَ منها . و هذا في باب تخلُّفِ الساعي .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ ، في البصري يقدم بالمدينةِ بإبله ، فلا يؤخذ بصدقتها ؛ لئلا يؤخذ ببلدهِ بها ثانيةً ، إلاَّ أنْ يكونَ بالمدينة أداءٌ .
قال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : لا يأخذ المصدق ممن مرَّ به ، و لكن يأخذ من أهل عمله .
قال أشهبُ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ إبله بذي الحُليفَةِ فذهب يبتغي الكلأَ أيؤخذ منهم بالمدينةِ ، أم يبعث إليهم؟ قال : يفعل ما فعل من قبله من صالحي الولاةِ ، ثم خفَّفَ أن تؤخذ القيمة في هذا و لا يُرهقوا عُسراً . قيل : فمَن لزمه بخيبر وفَدَكَ صدقةُ حَبٍّ أو تمر ، أيكلف أَنْ يأتيَ بذلك بعينه المدينة؟ قال : إذا جاء بمثله ، فلا حجة عليه . قال ابن الْمَوَّاز : و ذلك إذا رضي ربُّها أَنْ يؤدي مثلها بالمدينةِ ، و إلاّ لم يكلف ذلك .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عيسى ، عن ابن القاسمِ ، قال : و إذا حلَّ الحولُ ، و الإبلُ في سفرٍ فلا يصدقها للساعي حتى تأتيَ ، فإنْ ماتت فلا شيءَ عليه . و إذا كان له خمسُ ذودٍ فشردَ بعيرٌ منها أو ضلَّ ، فلا يأخذ منه الساعي شيئاً ، فإن وجده صدقها حين يجده . قال في رواية أبي زيدٍ : لا ينتظر بها حولاً آخر .
و من قرارُه بالبصرةِ ، فأكرى على المدينة ، فسألهم ساعي المدينةِ عن الصدقةِ ، فقالوا : كنا نؤدي . فلا يأخذ منهم ؛ لأنهم يؤخذون بالصدقةِ بالعراقِ ، فإن سأل عنهم فظهر له أن صدقتهم تؤخذ بالمدينة ، فليأخذهم بذلك
***(1/254)
[2/259]
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و لا يُنَصَّبُ أحدٌ في الطرقِ لأخذ الزكاةِ ، و لا على من دخل مدينةً أَنْ يقومَ ما معه لذلك .
قال أشهبُ : وليجلسوا في مواضعهم فمَن جاءهم بشيءٍ قبضوه ، و لا يبعث في ذلك إلى أحدٍ .
قال مالكٌ : و قد أخطأ مَن حلَّفَ الناسَ من السعاة وليصدَّقُوا بغير يمينٍ .
و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و إذا خرج الساعي قبل إبله ، فأخذ من قومٍ قبل الحولِ لم يجزئهم . و ذكر وقت خروج السعاة مذكور في باب تخلف الساعي .
قال مالكٌ : و مَن لزمته شاةٌ في زكاته ، فإن ذبحها وفرَّقها لحماً ، لم يُجْزِئُهُ وليُعطها حيَّةً لمن رأى من المساكين . و كذلك قال ابن القاسمِ ، و أصبغُ في "كتاب" ابنِ الموازِ . و قال أشهبُ : يُجْزِئُهُ وبئسَ ما صنع .
و قد تقدَّمَ هذا في باب أخذِ السعاة في الصدقةِ ثمناً ، و فيه ذكر المكوس ، وبعد هذا بابُ دفعِ الزكاةِ إلى الإمامِ العدلِ أو غيره ، وتصديق الناس فيها .
في أرزاق السُّعاة ، و هل يتضيَّفُون بأحدٍ أو يُحملُون على إبلِ الصدقةِ ، و هل يليها العبدُ؟
من "العُتْبِيَّة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، عن ابن القاسمِ ، قال : رِزْقُ الساعي على قدر شخوصهِ في القرب والبعدِ ، وربما كان له مثلُ ربعِ سهمٍ من المسعى القريب الكثير الأداء ، وربما كان له سهمان وثلاثةٌ
***(1/255)
[2/260]
فيما بعدُ منه . مالكٌ : و لا يليها عبدٌ و إن كان كالأجير ، فلا يكون إلاَّ مَن له الأخذُ من الصدقةِ . و من أُعينَ من السُّعاة من بيتِ المالِ في خروجه فليُحطَّ من عطاءِ العمالة بقدرِ ذلك ، و أمَّا المُوسِرُ فلا يُعان في خروجه ، وليأخذ عَمالته و أجرَه .
و إذا كان العاملُ عليها مِدياناً ، فلا يأخذ مع الغارمين إلا أَنْ يعطيه الإمام باجتهادهِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابنِ سحنونٍ ، قال ابنُ نافعٍ ، وعليٌّ ، عن مالكٍ : و إذا نزل الساعي بصديقٍ له في ضيافةٍ ، أو يَمُرُّ ببعضِ عملهِ ، فيُقْرُوه و يتدَثَّرُ من البردِ بمتاعهم ، فالتنزه عن ذلك أحسنُ ، و ذلك في غير عمله أخفُّ . قال عنه المغيرة في "المَجْمُوعَة" : لأنَّه ضيفٌ في عمله ، و لا يقبل لهم طعاماً و لا هدايا و لا علفاً لدابته .
و من "كتاب" ابن الموازن قال مالكٌ : و لا يعجبني أَنْ يتضيَّفَ الساعي بمن يريد أَنْ يزكِّيَ ماشيته و يذبح له و يستعير منه الدابة ، و إن صحَّ ذلك منه ، و قد يراه مَن يقتدي به .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و يُكره أَنْ يتضيَّفَ الساعي بربِّ الماشيةِ ، أو يستعير منه الدابة ، و لا يتضيف الرجل بغريمه . واستخفَّ للسُّعاة شربَ الماءِ من أهل الماشية ، قال : و ليأكلوا من أرزاقهم .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، و قال مالكٌ : لا ينبغي للأمير و لا للعاملِ على الصدقةِ أَنْ ينزلَ على أحدٍ من أهل عمله ، و لا يأكل عندَه ، و لا يقبلَ له هديةً و لا منفعةً ، فإن فعل لم ينبغِ لمن معه أَنْ يأكل من ذلك .
قال مالكٌ : و لا يأكل الساعي إلا رأس مالهِ ، وَ لا بَأْسَ أَنْ يحمل متاعه على بعيرٍ من الصدقةِ ، إن كان متاعاً خفيفاً ، و يحمل ذلك إن كان لابدَّ فاعلاً على أدنى الإبلِ ، إن كان شيئاً خفيفاً لا يضرُّ به فيما يحتاج إليه المسلمون .
قال أبو محمدٍ عبد الله بن أبي زيدٍ : إذا كانت الإبلُ مُحبسةً في سبيلِ الله و كانت من أربعةٍ و عشرين إلى خمسِ ذَوْدٍ ، فإنَّ فيها الزكاة ، وَ لا بَأْسَ أن تُكرى في زكاتها و يُشترى من كرائها ما يجبُ فيها من الغنمِ ، فإن لم
***(1/256)
[2/261]
يُوجد من يَكرِي و يَئِسَ من كرائها ، فلا باس أَنْ يُباعَ متها ما يُزكِّي به ، مثل أَنْ يكونَ نصفُ جَمَلٍ منها يفي بزكاةِ ما عليها ، فيُباع نصف جملٍ ، و إن لم يفِ بذلك إلا ثمنُ بعيرٍ ، فليبع بعيرٌ ، فإن لم يوجد من يشتري نصف بعيرٍ ، فجائزٌ أَنْ يُباع بعير كاملٌ ، و يُخرج من ثمنه الزكاة ، و يُشترَى بالباقي منه بعيرٌ دون السنِّ ، أو بعضُ بعيرٍ ، إن أمكن ذلك . و أمَّا إن كانت الإبل ممَّا فيها زكاة الإبلِ ، فلم يوجد السنُّ الواجبة فيها ، و وجِدَ أفضلُ ، فإنَّه يُباع و يُشترَى منه السنُّ الواجبةُ ، و يعملُ بالفاضلِ من الثمنِ ماذ كرنا . و أمَّا إن وجد فيها دُون السنِّ ، فإنَّه يُباع منها ما يُشتَرَى به السنُّ الواجبة .
ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار
و في كم تجب من الكيل ، أو ما يُجمع منها من الزكاةِ ، و في الحائطِ فيه أصنافٌ أو صِنْفٌ
من "المختصر" قال مالكٌ : كلُّ ما كان من تمرٍ ، أو عنبٍ ، أو زيتونٍ ، أو حَبٍّ يُدَّخَرُ و يأكله الناس – يريدُ و هو لهم قوتٌ و أصلُ معاشٍ – ففيه الزكاةُ في خمسةِ أوسقٍ فأكثر فيما سقتِ السماء العشرُ – وفيما سُقِيَ بالنَّضْحِ نصف العشرِ والوسْقُ ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه و سلم و ما زاد على خمسة أوسقِ فبحسابِ ذلك .
قال ابن القاسم في "المَجْمُوعَة" : والخمسة أوسقٍ ثلاثمائة صاعٍ بصاع النبي صلى الله عليه و سلم و هي عشرةُ أرادبَّ . قال سحنونٌ : و هي ستَّةُ أقفزةٍ وربعٌ بإفريقية .
قال مالكٌ في "المختصر" : والحبُوبُ التي تُزكَّى ، القمحُ و الشعير و السِّلْقُ و الذرةُ و الدُّخْنُ و الأرز و الحِمَّصُ و اللوبيا و العَدَسُ و الجُلْبَانُ و البِسِلَّةُ
***(1/257)
[2/262]
و الفولُ و الجُلجُلانِ و التُّرْمُسُ ، و ليس في الحلبةِ زكاةٌ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال أشهبُ ، عن مالكٍ في الكِرْسِنَّةِ : إنَّها مِن القُطنيَّةِ . و قال ابن حبيبٍ : بل هي صنفٌ على حدته .
قال أصبغُ في "العُتْبِيَّة" : و الإشقاليَّةُ التي بالأندلس صِنْفٌ منفردٌ ، و فيها الزكاةُ . و قاله ابنُ وهبٍ . قال أصبغُ : و هي حبَّةٌ مستطيلةٌ مصرفةٌ في طول الشعيرة ، و ليس على خلقته ، و هي إلى خِلقةِ السُّلْتِ وخلقَةِ القمحِ أقربُ ، و ليست من القمح و لا من الشعير . و قال ابن كنانة : هو صنفٌ من الحنطةِ يقال له : العلسُ ، يكون باليمن يُجمعُ مع الحنطةِ . قال ابنُ حبيبٍ : و هو قول مالكٍ فيه ، و جميع أصحابه ، إلا ابن القاسمِ .
قال مالكٌ : و ليس في الفواكه كلها ، رَطْبِهَا و يابسها زكاةٌ ، و لا في الخُضَرِ زكاةٌ . قال أبو محمد : هذا قول مالكٍ ، و أصحابه ، و مَن اتَّبعهم إلاَّ ابن حبيبٍ ، فقال في الثمار التي لها أصولٌ : الزكاة ، مدَّخَرَةٌ أو غير مدخرةٍ .
قال مالكٌ : و لا زكاة في الثمار ، إلا في النخل و العنبِ و الزيتون .
و من "العُتْبِيَّة" ، و منه و من "العُتْبِيَّة" ، روى ابنُ وهبٍ ، عن مالكٍ : في التُّرْمُسِ الزكاةُ ، و ليس في الحُلْبَةِ زكاةٌ ، و لا في العصفرِ والزعفران ، و لا في العسلِ .
قال عنه ابن نافعٍ : و لا في شيءٍ من التوابل ، و لا في الفستق وشبهه ، و لا في القطنِ .
قال عنه ابن وهبٍ : و ما علِمْتُ أنَّ في حَبِّ القُرطمِ وبزر الكتَّان زكاةٌ . قيل : إنَّه يُعصَرُ منها زيتٌ كثيرٌ . قال : فليُزكِّ إذا كثُرَ هكذا .
و لا زكاة في يابسِ الفواكه ، و لا في قصَبِ السكر .
***(1/258)
[2/263]
و رَوَى ابنالقاسم ، عن مالكٍ ، أنَّ في حَبِّ القُرطمِ الزكاة من زيته .
قال سحنونٌ : و قد قال : لا زكاة فيه . و هو أحبُّ إليَّ .
قال عنه ابن القاسمِ : لا زكاة في بزرِ الكتان ، و لا في زيته إذ ليس بعيشٍ . و قاله المغيرةُ ، وسحنونٌ .
قال أصبغُ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : فيه الزكاة و هو أعمُّ نفعاً من زيت القُرطمِ .
ابنُ القاسمِ ، عن مالكٍ ، قال : والترمسُ من القُطْنِيَّةِ ، ففيه و في حَبِّ القُرطمِ الزكاةُ ، ولي سفي الحُلبةِ زكاةٌ ، أصناف القطنية تُجمعُ في الزكاة إلاَّ أنَّه يُخرج من كل صنفٍ بقدره ، إلا أنْ يُعطيه منها ما يرضى به ، و ليس القرطم منها و لا الجُلجلان و الأرز ، و قد جُمعَ البُرُّ مع الشعير و العَلسِ وجميعِ أصناف التمرِ و أصناف الزبيبِ في "المدونة" . و قد تقدَّمَ في باب ما يُجمعُ على الرجلِ في الزكاة .
قال ابن نافعٍ عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة" : و إذا كان حائطٌ رديئاً كله أو جيداً كله ، فليبتعْ له ربُّ الحائطِ وسَطاً من الثمرِ ، و قاله عبد الملكِ .
قال ابن نافعٍ في "كتاب" ابن سحنونٍ : و هو عند مالكٍ بمنزلة الغنمِ .
و أنا أرى أنَّه بخلافهما ، وليؤدِّ مما عنده . و من "المَجْمُوعَة" ، و قال عنه ابن القاسمِ : بل يؤدي منه . ورواه عنه أشهب . و قال به ابن نافعٍ : و قال : ليس كالغنمِ . و قال عنهِ أشهبُ : و إن كان في الحائط دنِيٌّ وجيِّدٌ ، أحذَ من كلِّ صنفٍ بقدره . و كذلك إن كان أحدهما أكثرَ ، فهو كاجتماع الشعير و القمح . و قاله أشهب .
و رَوَى ابن القاسمِ في أصناف التمرِ في الحوائطِ ، أن تُؤدَّى من وسطهِ . و به قال ابن القاسم . و هو قد روى القولين عن مالكٍ ، و رَوَى مثله أشهب ، و ابنُ نافعٍ . و قال مالكٌ : و العجوةُ من وسطهِ . و نحوه في "كتاب" ابن سحنونٍ . و قال : قال ابن القاسم : يؤدي ما في حائطه دَنِيًّا كان أو جيداً ، و إنما
***(1/259)
[2/264]
يؤدِّي من وسط التمر عند مالكٍ ، إن كان فيه اصنافٌ فيؤخذ من وسطهِ . و قال : و العجوة من وسطه . واختار أشهبُ ، و ابن نافعٍ قوله الأول ، أنْ يؤدي من كل صنفٍ ، و إن كان صنفٌ أكثر من صنفٍ ، فمن كل صنفٍ بقدره . و قال ابن سحنونٍ : و قد كان سحنون مالَ إلى القول الأولِ . و قال سحنونٌ : إنَّ الثمرة كالغنمِ ، و يؤخذ من وسطِ التمر لا من رديئه و لا من جيده ، فإن كان مالُه رديئاً كله ، فعليه أَنْ يأتي بالوسطِ ، و كذلك عن كان ماله جيداً كله ، و إن كان فيه أصنافٌ فمن كلِّ صنفٍ بقدره .
في زكاة ما يُسقَى بالنَّضْحِ وبماء السماءِ و العيون ، و ما يجمع من ثمر الشعارى أو من ارض العدوِّ ، و في الأرض تزرع في السنة مرتين
قال ابن حبيبٍ : البَعْلُ ، ما يشرب بعروقه من غير سقيِ سماءٍ و لا غيرها ، والسَّيحُ ما يشرب بالعيون . و العِدِّيُّ و العَثَرِيُّ ، ما تسقيه السماء . و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافعٍ ، وعليٌّ ، عن مالكٍ فِي مَنْ له النخلُ و العنبُ فيسقي نصفَ السنة بالعين ، فيقطع باقيها بالنضح أو الساقية : فليخرج زكاة ذلك ، نصفه على العشر و نصفه على نصف العشر . و قاله المغيرة ، و عبد الملكِ ، و ابن القاسمِ . قال مالكٌ : و إن سقَى أكثرها بأحدِ الصنفين كان القليل تبعاً للكثيرِ – و قاله عبد الملكِ – تقدَّمَ الكثيرُ أو تأخَّرَ ، فعليه أَنْ يخرج الجميع . قال ابن القاسمِ : وجُلُّ ذلك ثلثا سقيه ، أو ما قارب ذلك . و أمَّا إن زاد على النصف اليسير ، فليخرج نصفين .
قال ابن القاسم ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ زرع زرعاً من ماءٍ يُسقَى فجاءه من ماء السماءِ ما أغناه : فليخرج زكاته بالعشر كما لو زرع على البعلِ فاحتاج على السقي فيسقي ، فليؤدِّ ذلك على السقي ، وجد ذلك ما تمَّ به و كان أكثر ذلك فعليه يُخرج .
***(1/260)
[2/265]
قال مالكٌ : و إذا كانت الأرضُ تُزرع في السنةِ مرتين ، فليؤدِّ في كل مرةٍ ، و لا يجمع عليه ما حصدَ في المرتين ، و إنَّما يَنظرُ على كلِّ حصادٍ . و كذلك في "المختصر" .
قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه : قال مالكٌ : إن كان يحصد في كلِّ مرةٍ خمسة أوسقٍ ، فليزكِّ ، فإن لم يُصِبْ في كل مرةٍ خمسة أوسقٍ ، فإنَّ ما زرع في الصيفِ في أوله يُضَمُّ مع ما زرع في آخر الصيف ، و يُجعلُ كالبَكْرِيِّ و المتأخر ، و كذلك يضم ما زرع في أول الشتاء إلى ما زرع في آخره ، و لا يُضمُّ زرعة الصيف إلى زرعة الشتاء ، و قال عنه ابن نافعٍ : لا زكاة عليه حتى يدفع في كل مرةٍ ما فيه الزكاة .
و من "المَجْمُوعَة" ، و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و لا زكاة فيما يؤخذ من الجبال من كَرْمٍ وزيتونٍ وتمرٍ ممَّا لا مالك له ، و أمَّا ما أُخِذَ من ذلك من ارض العدوَّ ففيه الخمس ، إن جعل في الغنائم . قال مالكٌ في الزيتون الجبلي : يُنقَّى ما حوله من الشعرِ ، أو يجمعه : فإن كان يأخذه ثم ينقطع عنه ، فلا زكاة فيه ، و إن قطع ما حوله ليكون له في المستقبل ، فعليه الزكاة .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و ما جمع من تمرٍ وادى هبيبٍ : فلا زكاة عليه فيه . قيل : و إن ورَاهم ممَّن أخذتهم الصيحةُ فربما وجدوا القطعة من الورق . قال : يزكيها أحبُّ إليَّ . قال ابن القاسمِ : و لا أرى به بأساً . و مما تقدَّمَ في صدر هذا الباب ، عن عليٍّ ، و ابن القاسم ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، و هو أيضاً في "كتاب" ابن سحنونٍ .
***(1/261)
[2/266]
في خرصِ العنبِ والنخلِ ، وكيف إن نقص أو زاد
أو أُجيحَ ، وكيف بما أكل أو تُصِدِّقَ أو جُدَّ قبل طيبه؟
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، قال عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : لا يبعثُ في الخرصِ إلاَّ أهلُ المعرفة و الأمانة . قال عنه ابن نافعٍ : و يُخرَّصُ الحائطُ نخلةً نخلةً ، حتَّى يفرغَ الحائطُ ثم يجمعُ ذلك .
قال ابن حبيبٍ : وليخفَّفُ الخارصُ و يوسِّعْ على أهله لما ينتفعون و ينالون من رءوس النخلِ . قال أبو محمدٍ : قول ابن حبيبٍ هذا خلاف ما روي عن مالكٍ ، أنَّه لا يُخلَّى لهم شيءٌ من ذلك .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و يُحسبُ على الرجلِ كلُّ ما جدَّ أو علفَ أو تصدق به أو وهبه ، من زرعه بعد ما افرك إلا الشيء التافه و لا يحسب ما كان من ذلك قبل أَنْ يفركَ . قال عنه ابن القاسمِ : و أمَّا ما أكلت الدَّوابُّ بأفواهها عند الدِّراس ، فلا يحسب و يحسب ما علفهم منه .
قال أشهبُ : و منِ استأجرَ على خرطِ زيتونهِ على الثلثِ ، فعليه زكاة ذلك الثلث .
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، قال مالكٌ : إذا خرَّصَ خارصٌ مائة وَسَقٍ ، وخرَّصَ آخرُ فيه تسعين ، و آخرُ ثمانين أخذ من قولِ كل واحدٍ ثلثه . قال : و لا يبعث في ذلك إلا أهل المعرفة و الأمانة . قال عنه ابنُ القاسمِ ، و غيره : و يؤدي زكاة ما زاده على ما خُرِّصَ عليه لقلَّةِ إصابة الناس اليوم . قال أشهبُ : إن كان في زمان العدل ، لم يكن ذلك عليه .
قال أشهبُ : في "كتاب" ابن سحنونٍ : إن خرَّصَ عليه أربعة أوسقٍ فأصاب خمسةً ، فإنْ كان في زمانِ العدلِ عَمِلَ على ما خَرَّصَ عليه ،
***(1/262)
[2/267]
زاد أو نقصَ ، و إن كان زمان الجورِ ، فليخرج على ما وجدَ ، زادَ على الخرْصِ أو نقص .
و رَوَى عليٌّ و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، قال : إن خرَّصه عالمٌ ، فلا شيء عليه فيما زاد ، و إن خرَّصَه غيرُ عالمٍ ، فليُزكِّ الزيادة ، وعامة من يخرِّصُ اليومَ لا يعرفون كمعرفة من مضى . و نحوُه في "المَجْمُوعَة" . و قال ابن نافعٍ : يؤدي زكاة الزيادة ، خرَّصَه عالم أو غير عالمٍ . و رَوَى أشهبُ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : أمْثَلُ عندي أَنْ يؤدي على الزيادة ، و من الخُرَّاصُ مَن يُتَّهَمُ بالتخفيف على الناسِ . و أما من وجد أقلَّ . فليس عليه إلا زكاة ما وجد ، إنْ صَدَقُوه و لو أطاعوني لم يأخذوا منه إلا ما وجدوا . و نحوُه في "المَجْمُوعَة" .
قال عنه ابنُ نافعٍ في "الكتابين" : و لا يُقبلُ قوله في الخَرصِ : إنَّه نقص عليه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عنه أشهب : و إن خرَّصَ عليه كرمةً خمسةَ أوسقٍ ففسدَ ، فلا شيء عليه ، فإن بيع ما فسد أدَّى من ثمنه . قال ابن القاسم : فإن بقي بعد الجائحةِ أربعة أوسقٍ ، فلا شيء عليه . قال ابنُ القاسمِ : و لا يُحسبُ عليه ما اكل من حائطهِ بلحاً ، بخلاف الفريك الأخضر وشبهه .
وقال مالكٌ : و ما أكل من القُطنيَّةِ أخضرَ ، أو بيعَ كذلك ، فليتحرَّه ، فإن بلغَ خرصُه على التيبيس خمسة أوسقٍ ، زكَّاه ، و أخرج عنه حَبًّا يابساً من ذلك الصنف .
قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و إن شاء أخرج من ثمنه . قال أشهب في "المَجْمُوعَة" : إن غلبه معرفة ذلك ثم يؤدي من ثمنه .
قال ابن حبيبٍ : فيما يُفادُ من الزكاة في الخضر والفواكه : يُخرَصُ منها
***(1/263)
[2/268]
ما يبس على ما يصحُّ فيه إذا يب و ما لا يبيسُ ، فما بلغ خرصه و هو أخضر مما يجب فيه الزكاة ، زكَّى .
فيما لا يتزبَّبُ من العنب أو بلحٍ لا يُثْمرُ ،
أو زيتونٍ لا زيتَ فيه
من "المَجْمُوعَة" ، ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، و قال في بلحٍ لا يزهي : إنَّمَا يؤكل أخضر . قال : إن بلغ خمسةَ أوسقٍ أدَّى من ثمنه . قال أشهبُ : و إن أكله أدَّى من قيمته .
قال عنه ابن نافعٍ ، وعليٌّ ، في "كتاب" ابن سحنونٍ في العنبِ الذي لا يتزبَّبُ : يُخرَّصُ ذلك العنب زبيباً ، فإن وجد بالبلد زبيباً ، فليشتره للزكاة ، و إن لم يُبَعْ بالبلدِ زبيبٌ ، أخرج من ثمنه و إذا أكله ، أخرج عشرَ ما يُباع به مثلُه ، إن كان في الخرصِ خمسةُ أوسقٍ ، و إلا فلا شيءَ عليه ، و إن كثر الثمنُ . و قاله ابن اقاسمِ ، و أشهبُ فيما لا يثمر من العنب والبلحِ .
قال مالكٌ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، فِي مَنْ لهم أعنابٌ لا يزببونها ؛ لأنَّهم يعملون بها أو بأكثر ربا . قال : فليزببوا منها قدر الزكاة . قال ابن الْمَوَّاز : إذا أراد صاحب عنب مصر الذي لا يتزبب أَنْ يخرج زبيباً ، فليس ذلك له وليخرج ثمناً . قال ابنُ حبيبٍ في عنبٍ لا يتزبَّبُ : إنَّه يُخرج من ثمنه و إن أخرج منه عنباً أجزأه و لا بدَّ أَنْ يُخرَّصَ ، و كذلك الزيتون الذي لا زيت له ، ورُطَبٌ لا يثمر إذا أُخرجَ من حَبِّه أجزأه .
***(1/264)
[2/269]
في عصر ما يُزَكَّى من زيته ، و في من باع زرعاً
أو حَبًّا قبل أَنْ يزكيه ، أو وهبَ ذلك أو تصدَّقَ به
بأصله أو بغير أصله ، وكيف إن أجيح المبيعُ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و مَن لزمه زكاةُ زيتونٍ أو حَبٍّ فُجْلٍ فعَصَرَه عليه . و قاله في الجُلجُلانِ ثم خفَّفَ أَنْ يؤخذ من حَبِّهِ . قال أشهبُ : إلاَّ أنْ يُعصرَ فيؤخذ من زيته .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، ابنُ نافعٍ ، عن مالكٍ ، قال : يُخرج زكاةَ الجُلجلانِ وحَبٍّ الفُجلِ من زيته ، فإن لم يعصرهما أخرج من حَبِّهما .
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ ، فِي مَنْ باع ما يُثمرُ و ما يتزبَّبُ : فليأتِ بما كان يلزمه من ثمرٍ أو زبيبٍ . و كذلك الزيتون الذي له الزيت . قاله ابن القاسمِ ، و أشهبُ . قال أشهبُ : إلا في الزيتون للزيتِ ، فالمُصَدِّقُ مُخَيَّرٌ أنْ يأخذَ منه زيتاً أو قيمه الزيت .
قال مالكٌ : إنْ باعَ كَرْمَه عنباً فلم يَضْبُطْ خَرْصَه ، و لا أنْ يتحرَّاه أو يتحرَّى له فليودِّ من ثمنهِ .
قال ابنُ نافعٍ في "المَجْمُوعَة" ، في الذي باعَ زيتونه : فليأتِ من الزيت بالوَسَطِ من إخراج مثله .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و مَن باع زرعه بعد يبسهٍ أو تَمْرَه ، فله أنْ يأتمنَ المبتاعَ على ما يَجِدُ فيه ، و يُزَكِّيَ على قوله . فإنْ باعَه من نصرانيٍّ فليتحفَّظْ من ذلك . قال أصبغُ : و إنْ لم يعلمْ توخَّاه وزادَ ليسلمَ ، و مَن باعَ زرعَه اليابس فعليهٍ الزكاة ، فإن أُغْرِمَ والطعامُ لم يَفُتْ أُخذت الزكاة من المبتاع ورجع بحصة ذلك من الثمنِ . قال أشهبُ : لا
***(1/265)
[2/270]
يُتبع المبتاع و إن كان الطعام بيده ، كعبدِ البيِّ يبيعه أبوه ، فيأكل ثمنَهُ فلا قيام للصيب فيه .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عنه ابن القاسمِ فِي مَنْ باع زرعاً بأرضه قبلَ طِيبه ، أو اصول نخلٍ بثمرها ، قبل طيبها . قال مالكٌ : و لا يجوزُ أَنْ يشترطَ الزكاةَ على البائعِ ، و هي على المبتاع ، و لو طابَ ذلك كانتِ الزكاة على البائعِ ، إلا أَنْ يشترطها على المبتاع . قال ابن حبيبٍ : و له بيعُ ما طاب من ذلك و إخراجُ زكاتهِ من غيره .
قال العتبيُّ عن يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسمِ ، في مَن باع زرعاً قد أفرك ، أو فولاً أخضرَ قد امتلأ حَبُّه ، أو حِمَّصاً أو عدساً قبل يُبسه ، فسخ ذلك ، و قد اختلف في بيع الزرع ، فقيل : إنَّما يُباع بعد أنْ يُفركَ . و قيل : بلْ حتَّى ييبس ، واستحبَّ مالكٌ إذا يبسَ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسم ، و أشهبُ ، عن مالكٍ : و مَن باع أرضه بزرعها الأخضر ، أو نخلةً مع ثمرها ، و لم يَزْهُ فالزكاة على المبتاع ، و لو كان قد بدا صلاحُ ذلك كانت على البائع ، والنكاح بذلك كالبيع
قال ابن الْمَوَّاز : قال مالك : و مَن باع زرعه اليابس فأُجِيحَ فلا جائحة فيه ، والزكاة على البائع ، فإن أُجيحَ يابساً قبل بيعه ، فلا زكاة عليه ، إلاَّ أَنْ يبقى منه خمسةُ أوسقٍ فيُزكِّيَ منه ما بقيَ منه .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال سحنونٌ : قا مالكٌ : مما قرأناه على نافعٍ ، فأجازه ، فِي مَنْ باع عنبه قبل أَنْ يخرَصَ عليه : فليُخرجْ زكاته من ثمنه عُشراً ، أو نصف عشرٍ ، و إن خرَّصَ فيه خمسةَ أوسقٍ فأكثر فبيعَ عنباً ، فليُخرجْ
***(1/266)
[2/271]
منه ثمنَه و لو اشترى بذلك زبيباً فردَاه على أصل ما خُرِّصَ عليه أجزأه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ : و مَن باع ثمرةَ نخلهِ ، و فيها خمسةُ أوسقٍ فأُجيحتْ بأقلَّ من الثلثِ فالزكاة عليه قائمةٌ ، و إن كانت بالثلثِ فأكثر وضعَ ذلك عن المشتري وسقطت كلها عن البائع .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال مالكٌ : و من باع ثمرة حائطه ، أو الأصل مع الثمرة بعد أن طابت ، و لم يذكر الزكاة فالزكاة على البائعِ حتَّى يشترطَ على المبتاع ، و إن باع الأصلَ مع الثمرةِ قبل يحلُّ بيع الثمرةِ فالزكاة على المبتاع .
وقال عنه ابم نافعٍ ، فِي مَنْ (تُصُدِّقَ عيه) بزرعٍ قائمٍ قد يبسَ ، فإنْ كان المُعطَى ممن له أخذُ الصدقةِ فقد أعطاه عُشر الزكاة ، والباقي صدقةُ تطوُّعٍ فلا شيء على المعطَى ، و إن لم يُعطِه ذلك على وجهِ الصدقةِ ، و لكن صلةً و نحوَه .
فعلى المعطِي العُشر يتصدَّقُ به ، و إن كان لم يحلَّ بيعُه ، فالزكاة على المعطِي .
وقال فِي مَنْ جعل لعبدهِ ثلثَ زرعهِ عِوَضاً من يومين كان يتركهما له من عمله كل جمعةٍ . قال : زكاةُ الثلثِ على السيدِ مع الثلثين .
في زكاة العَرِيَّةِ ، و الهبةِ ، و زكاة ما أوصى به
من ثمرةٍ أو زرعٍ أو وهَبَه ، أو تصدَّقَ به ، أو انتزعه من عبدِهِ
كم "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ : عن مالكٍ : إنَّ زكاةَ العَرِيَّةِ على المُعري قلَّتْ أو كَثُرَتْ يحسبُ عليه بخلافِ الهبةِ . و قالِ أشهبُ : هما سواءٌ ، والزكاة فيهما على المُعرِي و الموهوبِ ، و ما العرية إلا هبةٌ إلا أنْ يعريَهَا بعدَ بُدُوِّ الصلاحِ فزكاتها على المُعرِي ، و ما روي عن مالكٍ غيرُ هذا
***(1/267)
[2/272]
فهي خَطْرَةٌ رَمَى بها . قال محمدٌ : و هذا أحبُّ إليَّ ، إذا كان في ذلك خمسةُ أوسقٍ ، و إل فلا شيءَ عليه و لا على المعرِي و لم يختلفوا أنَّ السقيَ على المعرِي .
و من "المَجْمُوعَة" ، و "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال ابن نافعٍ ، و علي ، عن مالكٍ ، وذكره ابنُ وهبٍ عنه في "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز : أنَّه إنْ كانت إذا ماتَ المُعرِي رجعتِ الثمرةُ إلى المعرِي ، فالزكاةُ على ربِّ الحائطِ ، يُخْرَصُ عليه مع ثمرته و إن كانت تبقى لورثةِ المعرَى فزكاتها منها ، إنْ بلغتْ خمسةَ أوسقٍ .
قال سحنونٌ في "كتاب" ابنهِ : إذا كانتِ الهبةُ أو العريَّةُ بيدِ المعرِي يقومُ عليها و يسقيها ، فزكاته عليه في الوجهين ، و إن كانت قد دفعها على الموهوبِ أو المعرَى يقومُ عليها و يأكل ثمرَها ، فزكاتها على المعرَى و الموهوب . قال ابن حبيبٍ : الزكاةُ على المعرَى في العرية و الهبةِ ، لا على المعرِ يأعراه الحائطَ كله ، أو بعضه ، أو نخلاتٍ بعينها ، و ذكر قولَ ابنِ القاسمِ و أشهبَ واختار هذا . و قال : أعرَى أو وهبَ قبل أَنْ يُؤبَّرَ ، أو بعدُ ، أو قد طابتْ ، و إنما يختلف ذلك في البيع للأصلِ ، و إذا باع الأصلَ أو وهبه بعد زهوِ الثمرةِ ، فالزكاة على البائعِ والواهبِ و الميتِ و إن كان قبل الزهوِ ، فعلى المبتاع و الموهوبِ والوارثِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال سحنونٌ ، عن ابن القاسمِ : إذا أعطاه ثمرَ نخلاتٍ معينةٍ ، فالزكاة والسقيُ على المعطى ، لأنَّه حاز ذلك ، و إن كان اطعمه الثمرة وربُّها يليلها و يسقيها ، فالزكاة على ربِّها . قاله مالك ، وفرَّقَ مالكٌ بين الهبةِ و العريةِ ، فجعل الزكاة والسقيَ على المعرِي في الهبةِ ، و التعمير على الموهوبِ .
***(1/268)
[2/273]
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال مالكٌ : و مَن أعرى أو سقَى مفترقةً بعد طيبها ، فالزكاة عليه يجمع ذلك مع ما أبقى لنفسهِ ، و كذلك الهبة و ما وهب قبل الزهوِ فالزكاة والسقيُ على الموهوبِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال أشهبُ : و إذا أُبِّرَتْ ثمرةُ العريةِ ، ثم ماتَ المعرِي ، فالثمرة للمعرَى ، و هو كالحوزِ ، لأنَّه يدخل و يخرج لا يُمنعُ ، وكالأرض في الصحراء فحوزها أَنْ يُخَلَّى بينه وبينها ، و إن لم يؤبَّرْ فلا شيء له فيها ، وسقيُ العرية على المعري . قال : و إذا كانت عريَّةً سَلَّمَ جميعها على المعرِي فسُلِّمتْ إليه ، ثم مات ربُّها قبل خروجِ الثمرةِ ، وقبل إبَّارها فهي للمعرَى ، قال أصبغُ : صوابٌ كله . و أمَّا المتصَدَّقُ بما في بطنِ أَمَتِه على رجلٍ فحاز الأمةَ و ماتَ ربُّها قبل أن تضعَ ، فقوله : إنَّ ذلك لي يحوزُ ، فلا يعجبني و أراه حوزاً . و هو قولُ ابن القاسمِ . قال محمدٌ : قولُ أشهبَ أَصوبُ ، إلا ترى أنَّه لو أعتقه ، ثم استحدث دَيناً أنَّ الدَّينَ يلحقه .
قال أشهبُ : و مَن أعرَى حائطه كلَّه قبلَ طيبهِ لنصرانيٍّ ، فلا زكاة فيه على واحدٍ منهما .
و من "كتاب" ابنِ سحنونٍ ، قال المغيرةُ : في حائطٍ لرجلٍ فيه عرايا لغير واحدٍ ، فإن كانت نخلاً معروفةً بعينها حازها أهلُها ، فعلى الذين حازوها زكاتها إن بلغ حظُّ كلِّ واحدٍ ما فيه الصدقةُ ، و إلاَّ فلا شيء عليه و لا على ربِّ الحائطِ .
***(1/269)
[2/274]
قال : و لو كان ربُّ الحائطِ يُجرِي مَكِيلةً من مالهِ كلَّ سنةٍ على قومٍ ، فإنَّمَا زكاةُ هذا عليه ، وللذين أقام لهم ذلك المكيلةُ تامَّةً .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال سحنونٌ ، عن ابن القاسمِ ، عن مَن أعطَى نصفَ ثمرةِ حائطهِ لرجلٍ قبل أن تطيبَ ، قال : تُزَكَّى منها ، ثم يقتسمان ما بقيَ ، والسقيُ عليهما ، و إن أعطَى النصف للمساكينِ فالسقيُ عليه . قال سحنونٌ و لو أوصى بأوسقٍ مَسْميةٍ للمساكين ، أو لرجلٍ بعينه ، والزرع أخضر ، أو أعرَى ذلك ، أو وهبه ، فذلك كلُّه لمَن جعله له ، و زكاته مَن بقية ثمرهِ وزرعه و لا تنقصه الزكاة .
قال أشهبُ ، عن مالكٍ : و مَن وَهَبَ ثمراً قبل زهوهِ ، فالزكاة على الموهوبِ ، و لو كان ذلك بعد الزهوِ و قد خرصَ أو لم يخرُصْ ، فهي على الواهبِ
قال ابنُ نافعٍ : و مَن وهب حائطاً أُبِّرَ أو لم يُؤَبَّرْ ، أو كان كَرْماً أو كان زرعاً أفرَكَ أو لم يفْرِكْ ، فالزكاة منه مأخوذة بعد تمييز الواهبِ ما وهبه على حملِ زكاته من مالهِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و مَن وهَبَ ثمرته أو باعها قبلَ طيبها لرجلين فلا زكاة فيها ، حتى يبلغ خَرصُهَا عشرة أوسقٍ ، فإن وهبها بعد طيبها فالزكاة عليه . قال مالكٌ : و مَن أوصى بثلثِ زرعهِ للمساكين ، و قد طاب بُدِئَ بزكاتهِ ، و كان ثلثُ ما بقي للمساكين بوصيتهِ . و إن مات و لم تَطِبْ فثلثه أجمعُ للمساكين ، و عليهم في ذلك الثلث الزكاة إن بلغ خمسةَ أوسقٍ . و مَن كانت في حظِّهِ من الورثةِ خمسةُ أوسقٍ زكَّى حصته . قال أصبغُ : و لو قصدَ بوصيته بثلثِ ما طابَ الزكاةَ ، كان قدرُ الزكاةِ من رأسِ مالهِ ، و ما زاد ففي ثلثه غير مُبْدَإٍ .
***(1/270)
[2/275]
و من "المَجْمُوعَة" ، ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ تصدَّقَ بحائطٍ له على بنين خمسةٍ نصفه بين اثنين ، و نصفه بين ثلاثةٍ ، و هو يليه لهم و يجمعه فإن لم يكن صالحاً فإنَّمَا الصدقةُ على مَن بلغ في حصتهِ من الثمرةِ ما فيه الزكاةُ . قال ابن نافعٍ : و لو كان جنساً كانتِ الزكاةُ مُبَدَّاةً ، و إن لم يكن في حظِّ أحدهم ما فيه الزكاةُ .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال ابنُ نافعٍ : و ما وهب قبل الإبارِ ، أو قبل أَنْ يُفْرَكَ الزرعُ ، فالزكاةُ على الموهوب .
قال أشهبُ : و منِ انتزع من عبدهِ مالاً أو ماشيةً ، فليأتنف به حولاً ، قبضه أو لم يقبضه ، و أمَّا الثمار فإنِ انتزعها بعد طيبها ، فلا شيءَ عليه و إنْ كان قبل لاطِّيبِ فالزكاة عليه و كذلك الزرعُ .
***(1/271)
[2/276]
في دفع الزكاةِ إلى ألإمامِ ممن يَعْدِلُ
أو لا يعدلُ ، و هل يُصَدِّقُ الناسَ فيها؟
وكيف إنْ أخفى منها ، أو أخرج جميعها بنفسه؟
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : و إذا عدَل الإمامُ ، لم يَسَعْ أحدٌ زكاتِه دونَه ، ولتدفعْ إليه زكاة العين و غيره ، و أمَّا مَن لا يعدلُ ، فإن قدَر أَنْ يُخفيَ عنه زكاةَ الماشيةِ والحَبِّ فعل ، إنْ لم يُحلِّفْه ، فإنْ لم يقدرْ ، فلا يحلفْ ، وليجترئْ بما أخذ و يُخرج ما فضل عندَه . و كذلك لا تُدفعُ زكاةُ الفطرِ على غير العدلِ إن قدر . قيل : فإنَّهَا تُفرَّقُ عندنا؟ قال : نعم ، و لكن تدخلها صنعته . قال : و لا يَقبلُ العدلُ قولَ ربِّ الماشيةِ . إنِّي قد زكَّيْتُهَا .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : لم أسمع أَنْ يفرِّقَ الرجلُ زكاتَه بنفسه ، إن كان الإمامُ عدلاً ، ولك يدفعها إليه . قال أشهبُ : إنْ كان يُقسِّمُهَا على الحقِّ ، من غير تفريطٍ و لا ضَيْعَةٍ و لا حَبْسٍ عن أهله ، و لم يَخفْ أنْ يُحْدِثَ والٍ غيرَه قبلَيُقَسِّمَهَا ، فأمَّا إنْ كان على غير هذا فلا يدفعها إليه . قيل : فإنْ دفعها إلى (غير العدلِ) و قد كان يَخفَى ذلك ، قال : لا
***(1/272)
[2/277]
يُجْزِئُهُ ، إلاَّ أنْ يُكرهه (فلعلَّه يُجْزِئُهُ) مع أنِّي لا أحبُّ أَنْ يجتزءَ بها ، و ليس عليك إذا حلَّ الحولُ انتظار غير العدلِ ، إلاَّ أنَّ ذلك فيه سَعَةٌ ، لخوفكَ أنْ يأخذك بها . و كان ابن عمر يدفع زكاته على من غلب على المدينة .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، ذكر رواية ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، مثلَ ما في أول الباب ، و قال : فإنْ أحلفه فلا يحلفُ ، وليدفع إليهم .
قال ابن نافعٍ : و يجزئه كلُّ ما دفع إليهم ، إذا أُكره في العين والحَبِّ و الماشيةِ .
قال مالكٌ : فإنْ أخذَ منه في الحَبِّ عيناً ، لم يُجْزِئُهُ . و قد تقدَّمَ بابٌ في مَن يُؤَدَّى في صدقته ثمناً . وذكرنا فيه الاختلاف في ذلك ، وبقية القولِ في هذا المعنى .
قال ابن عبدوسٍ : قال أشهبُ : و مَن أدَّى زكاتَه على الخوارج طَوْعاً أو كَرْهاً . أجزأهز و قال ابن الْمَوَّاز : و مَن فرَّقَ زكاتَه ، و الإمامُ عدلٌ فقد أخطأ ، و أجزأته إنْ خفيَ ذلك عنه . و أمَّا إنْ طَلَبَهُ بها فأخبره أنَّه أنفذها ، فقال ابن القاسمِ : لا يُقبل منه . و قاله مالك ، إنْ كان مثل عمرَ بنِ عبد العزيزِ . و قال أشهبُ : ارَى للإمامِ أنْ يقبل قولَه ، إنْ كانَ من أهلِ الصلاحِ . و إن كان متهماً بمنعِ الزكاةِ فلاي قبل منه ، و لو كان الإمام
***(1/273)
[2/278]
غير عدلٍ ، رأيت أنْ يصدقه و ما اراه بفاعلٍ . قالَ : و كذلك في زكاة الفطر و غيرها .
قال : و لا يبعثُ العدلِ مَن يأخذ زكاةَ أموالهم العينَ ، و إنَّمَا يسألهم عن ذلكَ مسألةَ استحبابٍ ، كما فعلَ الصِّدِّيقُ بغيرِ نداءٍ و لا بَعثٍ ، و لا يمين ، و إنما يبعث إليهم في زكاة الحَبِّ و الماشية ، لا يُكلَّفُون جلبَ ذلك ، و يقبلُ منهم ما يذكرون بغير يمينٍ ، إلاَّ في التمرة و العنبِ ، فإنَّه يَخْرُصُ عليهم فقط ، ثم لا يضمونه إن هلك ، أو أُجيحَ ، أو أبقى منه أقلٌ من خمسةِ أوسقٍ يابساً ، فلا شيء عليهم .
قال مالكٌ : و لا يُنصَبُ أحدٌ في الطريقِ لأخذ الزكاةِ ، و لا على من دخلَ مدينةً أَنْ يُقَوَّمَ ما معه ؛ لذلك . قال أشهبُ : وليجلسوا في مواضعهم ، فمن جاءهم بشيءٍ قبضوه و لا يُبعثُ في ذلك إلى أحدٍ .
قال مالكٌ : و قد أخطأ مَن يُحَلِّفُ الناسَ من السُّعاة ، وليُصَدِّقُوا بغيرِ يمين .
قال مالكٌ : و أرى أَنْ يفرِّقَ كلُّ قومٍ في مواضعهم من أهلِ القُرَى و المُدن و العمود .
***(1/274)
[2/279]
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ، "وكتاب ابنِ سحنونٍ" قال ابن نافعٍ : قال مالكٌ : و إذا أظهر لغير العدلِ مُدَّيْن ، وكتم مُدًّا ، فأخذ منه قيمة ثلاثة أمدادٍ ، فلا يُجْزِئُهُ إلاَّ عن مُدَّيْن ، وليخرج الثالث .
قال سحنونٌ : و إذا قال له : أصبت عشرة أقفزةٍ ، فأخذ منه عن عشرين ، و قد كتمه عشرة ، فإن لم يُصدقه ، و قال له : قد اصبت عشرين . فأرجو أَنْ يُ<زئه ، و إن صدقه وزاد عليه ظلماً ، لم يُجْزِئُهُ إلا عن عشرةٍ . و قال (ابن حبيبٍ) (في من وجبت) عليه شاتان ، فقال له المُصَدِّقُ : أنا أترك لك شاةً . ففعل و أخذ منه في قيمة الشاة قيمةَ شاتين ، قال : فلا يُجْزِئُهُ إلاَّ عن شاةٍ .
قيل لسخنونٍ ، في المعشر يقدُمَ القريةَ فيقولُ : ائتوني بكذا وكذا ديناراً عن جميعكم ، أيتولَّى ذلك رجلٌ خشيةَ أَنْ يُطلَمَ الضعيفُ؟ قال : لا احب ذلك . و قيل : فإن أجمعوا عشورهم ، فإذا هي أقلُّ مما جُعلَ عليهم أيؤَدُّونَ ذلك على قدرِ ما دفعول؟ فقال : بل على عددِ الرجالِ إلا أَنْ يقولَ المُصَدِّقُ : ذلك عليكم على قدر ما دفعتم فيكون كذلك .
قال : و إذا كان يأخذ في عشورهم في كلِّ زوجٍ ديناراً ، و قد اشترك رجلان ، فأخرج أحدهما الزوجَ ، و الآخر الأرضَ على أنَّ البذرَ ، و العملَ بينهما ، فالدينار عليهمت .
***(1/275)
[2/280]
في وجهِ إخراج الصدقةِ في الأصناف الذين هم أهلها
قال الله سبحانه {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} على قوله : {وَابْنِ السَّبِيلِ} .
من "المَجْمُوعَة" ، قا لالمغيرة ، و غيره ، عن مالكٍ : إنَّ الأصناف المذكورين في الصدقةِ ، ليس هم قِسْمٌ ، بل إعلامٌ بأهلها ، فإن كان المساكينُ أكثر أُعْطُوا سهمهم ، وزيدوا من غيره ، و إن كانوا أقل أُنْقِضُوا من سهمهم بالاجتهاد .
قال ابن كنانةَ : و إذا لم يوجد من احدِ الأصناف إلا الواحدُ والنَّفَرُ ، أُعطُوا بقدرٍ ، ,أُصرفَ باقي سهمهم إلى الصنف الأكثر ، و لو كان قِسْماً ، لأُعْطِيَ الثمنُ لواحدٍ إذا لم يكن من الصنفِ غيرُه . قال : و إنْ لم يُوجدْ إلاَّ صنفٌ ، قُسِّمَ كلُّه عليهم .
وقال أشهبُ : و قال عددٌ من العلماء : و لو وجد الأصناف كلها فقسَّمها في صنفٍ واحدٍ باجتهاده ، جاز ذلك .
و من "كتاب ابن الْمَوَّاز" قال أصبغُ : و أَحَبُّ إليَّ أنْ يُرْضِخُ الإمامُ لكلِّ صنفٍ ، ممَّا سمَّى الله عزَّ وجلَّ في الصدقاتِ ؛ لئلا يندرسَ علمُ حقهم ، و لا شيء للمؤلفة اليومَ .
قال مالكٌ : في "المَجْمُوعَة" : {الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} : السُّعاةُ ، و لا مؤلفةَ اليومَ .
***(1/276)
[2/281]
قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ و غيره : و يُعطَى العاملون عليها على قدرِ المَسْعَى ، من بُعدهِ وقُربه ، وربما أقام سنةً في المسعى ، وربما أُعطي الرئيس نائتي دينارٍ ، ولعمَّاله الخارجين معه شيئاً آخر ، و من غنمٍ يأكلون منها . وربما أُعينَ في خروجه من بيت المال .
قال ابن القاسمِ : و قد يُولَّى الرجلُ ليست له قوةٌ ، فيعدل في خروجه من بيت المالِ ، فيفرض لهذا من الصدقة دونَ ماي فرضُ لمَن لا يُعَانُ فإذا كان مِدياناً فلا يأخذ منها ؛ لأنَّه غارمٌ إلا أَنْ يعطيه السلطانُ بالاجتهاد .
و من "كتاب ابن الْمَوَّاز" ، قال مالكٌ : و لا ينبغي للعاملِ على الصدقةِ أَنْ يأكل منها ، و لا يستنفقَ إذا كان الإمامُ غيرَ عدلٍ ، و إذا كان عدلاً ، فلا بأسَ بذلك ، و إنَّما يُفرَضُ للعاملِ عليها بقدرِ شخوصه وغنائه ، و لا يعطَى من صدقةِ الفطرِ (من يحرسها وليُعْطَ من غيرها) .
قال ابن القاسمِ : و لا يُستعملُ على الصدقةِ عبدٌ ، و لا نصرانيٌّ . فإنْ فات ذلك ، أُخذَ منهما ما أخذوا ، و أُعطيا من غير الصدقة بقدرِ رِعيانها . و قالَ محمدٌ : من حيث يُعْطَى العمال والولاةُ .
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، روى عليُّ بن زيادٍ ، عن
***(1/277)
[2/282]
مالكٍ قال : و المسكينُ والفقيرُ المذكوران في الصدقةِ يفترقان ، فالمسكينُ هو اذلي لا شيء له ، و هو يسأل ، والفقير الذي لا غنى له و يتعفَّفُ عن المسألة .
قال ابن حبيبٍ : سمعتُ ابنَ السلامِ : يقولُ : الفقيرُ الذي له علقةٌ من مالٍ ، و المسكين الذي لا شيءَ له . قال المغيرةُ ، عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة" : الفقراءُ اذلين يُحرمون الرزقَ ، و المسكين الذي لا يجد غنًى يُغنيه ، و لا يُفطنُ له فيتصدَّقَ عليه ، و لا يقومُ فيسأل الناسَ .
قال ابن الماجشون في "كتاب" ابن حبيبٍ : و أحبُّ الأصناف إليَّ ، أن تجعل منه الزكاة ، أرجَى للأجرِ في الفقراء و المساكين ، إلاَّ أنْ يكونَ عدوًّا قد أضلَّ به الغزو أنها أفضلُ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال مالكٌ : و يؤثَرُ أهلُ الحاجةِ ، و لا يُرضخُ لمَن لا يستحقها .
قال أشهبُ : و لا يعطَى لغير محتاجٍ إلا غارمٌ ، و ابن السبيل ، و من "كتاب ابن الْمَوَّاز" ، قال : و قال أشهبُ : و مَن أعطَى الغازي أو الغارم لم اعبْ عليه ، و أهل الحاجةِ أحَبُّ إليَّ .
قال مالكٌ : وَ لا بَأْسَ أَنْ يعطَى الغازي و ابنُ السبيلِ منها و إن كان معهما ما يكفيهما ، و هما غنيَّانِ ببلدهما ، و لو لم يقبلا ، كان أحبَّ إليَّ لهما .
قال أصبغُ : قولُ ابن القاسمِ في ابنِ السبيلِ : إذا كان معه ما يكفيه .
***(1/278)
[2/283]
غلطٌ ؛ لأنَّه لا يكون ابنَ السبيلِ و معه ما يكفيه . و أمَّا الغازي ، فيجزئه .
قال ابن القاسمِ : ولابنِ السبيلِ أخذها و إنْ وجدَ مَن يُسلِّفُهُ و يُغنيه ، و إنْ لم يكن في غزوٍ و لا تجارةٍ .
قال ابنُ مزينٍ : قال عيسى بن دينار في الغازي : إنْ كان معه ما يُغنيه في غزوه ، و هو غنيٌّ ببلدهِ ، فلا يأخذ منها . و قال أصبغُ : له أَنْ يأخذ منها ، و إن كان غنيًّا .
و من "كتاب ابن الْمَوَّاز" ، قال مالكٌ : و مَن أُعطيَ مالاً في مخرجه للحجِّ ، أو لغزو يفرقه على من قطع به ، فقطع به هو ، فليأخذ منه بالمعروفِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال المغيرةُ ، عن مالكٍ : و يُعطَى من الغارمين مَن دخلت عليه مَعْقَلَةٌ من دَمٍ ، فأمَّا من صالح على جِرَاحٍ أو على ضربٍ ، فلا يعْطَى . و يعطى من زرع بدَينٍ فأجيح زرعه .
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، قال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، في الغريب الغني ببلده يجد من يسلفه قال : لا يعطَى ، فإن لم يجد من يسلفه ، فليعطَ .
قال عنه عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، في المرأةِ يغيب عنها زوجها غيبةً بعيدةً ، فتحتاج و لا تجد مسلفاً : فلتعْطَ منها . وعنم الغريب يقيمُ بالبلدِ سنةً وسنتين ، ثم يذكر أنَّه إنَّمَا أفاد إذ لم يجد ما يتحمل به ، أيعطَى على أنَّه
***(1/279)
[2/284]
ابن السبيل ؟ قال : المختار أبين ، فإن عُرِفَ هذا أُعْطِيَ ، و أخاف أَنْ يأخذ و يقيم .
و كذلك قال في غريبٍ قَدِمَ لحاجةٍ له في البلدِ ، فأقام سنين في ذلك ، و قد عُرِفَ ذلك منه ، و هو يقولُ : ما يمنعن يمن الرجوع لاإلى بلدي إلا الفقرُ . فالجواب في هذه و في الأولى سواءٌ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم فِي مَنْ يأتي فيقول : أنا ابنُ سبيلٍ .
و لا يُعرفُ ، قال : يُعْطَى لذلك إذا كان عليه هيئةُ ذلك ، و أين تجدُ من يعرفه؟!
قال عنه ابن القاسمِ ، و ابن وهبٍ ، و غيرُه : أُحبُّ إلى الإمام و غيره شراء رقبةٍ يعتقها عن المسلمين .
قال ابن حبيبٍ : و رَوَى مُطَرِّفٌ ، عن مالكٍ ، في الذي يعتق من زكاته رقبةً عن المسلمين ، أنَّ غيرَ ذلك أحبُّ إليه .
قال ابنُ القاسمِ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و مَن اشترى من زكاته عَبَداً ، فأعتقه في زكاته عن نفسه ، فلا يُجْزِئُهُ . و قال أشهبُ : يُجْزِئُهُ ، و ولاؤه للمسلمين كمَن أمرَ مَت يُعْتِقُ عنه عبده ، أو يذبح عنه اُضحيته ، ففعل ذلك عن نفسه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال المغيرةُ ، عن مالك في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ {وَفِي الرِّقَابِ } ، قال : المكاتب لا يقدر فيؤدي عنه . قال عنه ابن القاسم : و ابن نافعٍ : يؤدي عنه ما يعتق به .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال : وكرِهَ مالكٌ أَنْ يعطَى من الزكاةِ
***(1/280)
[2/285]
مُكاتبٌ ، و إن كان يتمُّ به عتقُه ، و لا عبدٌ ليعتق . قال أصبغُ : فإنْ فعل فليُعِدْ أحبُّ إليَّ ، و لا أوجبه للاختلاف .
قال ابن حبيب ، و رَوَى مطرفٌ ، عن مالكٍ ، في الذي يُعتقُ من زكاته رقبةً عن المسلمين ، أن غير ذلك أحبُّ إليه ، و أنَّه لا بأس أَنْ يفكَّ منها المُكاتبين ، و أن يفط منها الرقابَ ، مثلَ انْ يعطَى منها من له عبدٌ على أَنْ يعتقه ، فإنْ كان ولاؤه للمعتقِ ، فذلك جائزٌ . و كذلك رقبةٌ بعضها حرٌّ ، فلا بأس أَنْ يشتري ما رقَّ منها ، فتتم حريته .
قال مطرف : و إن جعل منها في مطاتبٍ لا يتم عتاقه ، أو في رقبةٍ لا يتمُّ عتقها ، فلا يُجْزِئُهُ . و قال بقولِ مطرفٍ و ابن الماجشون . و قاله أصبغُ .
وخالف فيه ابن القاسم .
قال أصبغُ : لا يفكُّ الأسير من الزكاة ، فإن فعل لم يُجْزِئُهُ ، و قال ابن حبيبٍ : بل يُجْزِئُهُ ؛ لأنَّها رقبةٌ ، و قد ملكت بملكِ الرقِّ ، فهي تُخرجُ من رقٍّ إلى عتقٍ ، بل ذلك أحقُّ و أولى من فكاك الرقاب التي بأيدينا .
قال أصبغُ في "العُتْبِيَّة" : و إذا أعتق أحدٌ في الزكاة رقبةً لا تجوز في الرقابِن لم يُجْزِئُهُ ، و عليه بدلها . و لا يُعتقُ الإمام منها كافراً و لا ذميًّا .
و مَن ابتاعَ مكاتباً أو مدبراً من الزكاة ، فأعتقه ، فعلى قولِ مالكٍ الأولِ ، فلا
***(1/281)
[2/286]
يُجْزِئُهُ ، و يردُّ . و على قوله الآخر ، لا يردُّ ، و يجزئه . قال أصبغُ : و لو أبدلها كان أحبّ إليَّ من غير إيجابٍ . و في بابِ إعطاءِ القرابة ذكرُ الإعطاءِ لأهلِ الأهواء ، وتارك الصَّلاَة ، و في الباب الذي يلي هذا ، مسألة من معه ألفٌ ، و عليه ألفانِ ، و له دارٌ وخادمٌ يُساويان ألفين .
في قدر ما يعطِي الرجلُ من الزكاةِ ، و ذكر الاجتهاد في قيمتها
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ : أُحِبُّ للرجلِ أَنْ يلي غيرُه تفرقة زكاته ، لما عسى أنْ يدخل عليه ، و ليست عندي كالصلاة ، لا يبالي أعلن بها ، بقولِ الله سبحانه : {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} الآية ، و نحوه في "كتاب" ابن الْمَوَّاز عنه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عنه عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، سُئِلَ كم أكثر ما يُعطَى الفقيرُ منها ، والصدقة واسعةٌ؟ قال : لا حدَّ فيه ، و ذلك قدرَ اجتهادِ متوليها؟ قيل : فيعطي قاسمها للفقير قوتَ سنةٍ ، ثم يزيده الكسوةَ . قال : ذلك له بقدرِ ما يرى من كثرةِ الحاجةِ وقلتها ، و قد تقلُّ المساكين ، وتكثرُ الصدقةُ ، فتُجْزَلُ لهم ، قال عنه المغيرةُ : و يؤثِرُ الفقيرَ له الصلاحُ ، لحسنِ حاله ، و يُعطَى الآخر و لا يمنع لسوء حاله . و يُعطَى القويُّ البدنِ ، و لا يمنع لقوة بدنهِ .
قيل لابن القاسمِ : أيعطَى الرجلُ منها أربعين درهما؟ قال : نعم ، إن
***(1/282)
[2/287]
كان ذا عيالٍ ، و من له عشرةٌ من العيالِ ، فما عسى أَنْ يغنيه ذلك .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قيل لمالكٍ : أيعطَى الرجلُ أربعين درهماً ، أو رأساً أو رأسين ، قال : نعم ، إن كان كثيَرَ العيال .
قال أصبغُ : قيل لابن القاسمِ ، فمن زكاته دنانير أيعطيها لأهل بيتٍ واحدٍ؟ فقال : نعم ، إن كان لهم عددٌ .
وقال عمر بن عبد العزيز : و يعطى منها ، من له الدار والخادم والفرسُ .
وقاله مالكٌ عن لم يكن في داره فضلٌ عن مسكنٍ يكفيه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عنه ابن القاسمِ ، و غيره : و يُعْطَى من له الدارُ والخادمُ إنْ لم يكُنْ فيهما فضلٌ بيِّنٌ . قال عنه المغيرةُ : إذا كان يَفْضُلُ له من الثمن عشرون ديناراً ، لم يُعْطَ ، و إلا أعْطِيَ على الاجتهاد ، ثم لا يبلغ ما يعطَى – مع ما يفضل له – ما تجب فيه الزكاة .
و في "السير" لابن سحنونٍ ، قال المغيرةُ : لا بأس أَنْ يعطَى من الزكاة اقل مما تجب فيه الزكاة ، و لا يعطى ما تجب فيه الزكاة" .
قال ابن حبيبٍ : لا بأس أَنْ يعطِيَ المسكينَ الواحد – من زكاته – أربعين درهماً ، وخمسينَ ، و أكثرَ إلى المائة .
قال عروة بن الزبير : لا بأس أَنْ يعطِيَ الواحدَ من عشرةِ دراهم على مائةِ درهمٍ ، قال ابن حبيبٍ : و ذلك بقدرِ تعففه ، وحاجته ، و يعطِي من الطعام المُدَّيْنِ ، و أكثر ، و أقلَّ .
***(1/283)
[2/288]
و يعطي المعيل المحتاج أكثر من ذلك . وَ لا بَأْسَ أَنْ يعطي الواحدَ المتعفف من الزكاة من دينارٍ إلى خمسةِ دنانير ، و يعطِي ذا العيال المحاويج أكثر بقدرِ اجتهاده . وَ لا بَأْسَ أنْ يجمع النفرَ في الدينار أو يصرفها دراهم ، إذا كانت الحاجة كثيرة . و إن زكَّى دراهم ، فلاي صرف ما يخرج عنها دنانير ، ولاي صرفها بفلوسٍ لكثرةِ الحاجةِ ليعمهم ، و لكن يجمع النفرَ في الدراهم إن شاء ، فإن صرفها فلوساً و أخرجها ، فقد اساءَ ، و أجزأه . وَ لا بَأْسَ أَنْ يعطِيَ من زكاة غنمة للواحدِ الشاة ، ولأهل البيت الشاتين والثلاث . و إذا كثرت الحاجة فلا بأس أَنْ يجمع النفر في الشاة .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال المغيرةُ ، عن مالكٍ ، في الذي يعلمُ من أهل بيت حاجةٍ ، و هو أيتامٌ صغارٌ ، و هو يلي قَسمها ، أيجري لهم ما يكفيهم؟ قال لا يفعل ذلك من يليها .
قال ابن القاسمِ ، و أشهبُ ، فِي مَنْ بيده ألفٌ ، و عليه ألفان ، و له دارٌ وخادمٌ يسويان ألفين ، فلا يُعطَى الزكاة ؛ لأنَّه ممن تلزمه الزكاة ، فإذا قضى الألف في دَينه ، أُعْطِيَ ، وصار من الغارمين إنْ لم يكُنْ في الدار والخادم فضلٌ يُغنيه ، قال أشهبُ : إن كان فيهما فضلٌ قدرَ ما عليه ، فهو غارمٌ .
قال مالكٌ : و يؤثَرُ أهل الحاجةِ ، و لا يُرضَخُ لمَن لا يستحقها . قال أشهبُ : لا يُعْطَى لغيرِ محتاجٍ إلا الغارمَ ، أو ابن السبيل .
قال عنه عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، فِي مَنْ له ربحٌ وعقارٌ ، ليس في ثمنه ما يُغنيه ،
***(1/284)
[2/289]
فلا بأس أَنْ يعطَى منها . قيل : و المُسَدَّدُ له قوت شهرٍ أيعطَى تمام قوتِ نفسهِ ، و في المال سعةٌ؟ قال : يُعطَى بالاجتهادِ ، قد يكون أفقرَ مَن يوجدُ فيعطَى ، و يكون غيرُه أحوجَ ، فيؤثر ألحوجُ . قيل : فمَ ، له خمسون درهماً ، أو عرضٌ يساويها ، و له عيالٌ أيعطَى مثلَ ما يُعطَى من لا شيءَ له؟
قال : يُعطَى إذا لم يكن معه من هو أحوجُ ممن يستوعب المالَ ، فإن كان أُعطيَ هذا و هذا بالاجتهاد ، و قد يكون له ما ذكرت و هو ضعيفٌ أو ضريرٌ أو زَمَنٌ أو كثير العيال . و قال فِي مَنْ بيده مالٌ و عليه دَيْنٌ مُحيطٌ به . قال : لا يكون كالفقير المحتاجِ . قال : و لو كان قومٌ عليهم ديونٌ مختلفةٌ ، لم أنظر على قلَّةِ الديونِ ، و ننظر إلى شدَّةِ الفقرِ والحاجةِ .
قال في "كتاب" ابن سحنونٍ : و ليس للذي المالُ و عليه الدَّيْنُ أكثرُ منه ، فالفقير الموصوف بالفقر المستحقُّ لهذا ، و ذلك للفقراء المحتاجين .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عليٌّ ، عن مالكٍ ، في مكاتبٍ عليه كثيرٌ ، و آخر عليه قليلٌ ، فلينظر إلى من هو أضعف عن ما عليه ، و في رواية ابن ، نافعٍ ، إنَّما يُعطَى ما يتمُّ به عتقُه .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، و "المَجْمُوعَة" ، روى عليٌّ ، و ابنُ نافعٍ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ ليس عنده ما ينكح به ، و لا خادمٌ يخدمه ، هل يقبل من الإمام من الصدقةِ ما ينكح به أو ما يشتري به
***(1/285)
[2/290]
خادماً؟ قال : لا أنكر له ذلك ، و أرى أنَّه لا يصيبه في حقِّه مثلُ ما أخذ ، و قالا في امرأةٍ لا خادم لها ، و أخرى لها خادمٌ ، لا فضل فيها ، قال : ما ذاتُ الخادمِ كالتي لا خادم لها ، إذا تساوى حالهما في الضعفِ ، و لكنَّ ذلك على الاجتهاد ، و لا تمنع هذه أن تعطَى من أجلِ خادمها . قيل : فالفقير يُعطَى منها الشيءَ الكثيرَ مثلَ العبدِ ، أو ما ينكح به؟ قال : إنْ كان يَسَعُ ذلك المساكين فيُغنونَ بذلك ، لم أر به بأساً ، و لكن أكره أَنْ يأخذ هذا حظَّ مساكين كثيرة بهذا التفضيل الواسع .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، و ابن عبدوسٍ ، قال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : و إذا احتاج - يريد الساعي – إلى قسمِ شاةٍ بين نفرٍ كثيرٍ ، فليبعها و يجمع في الدرهم نفسين وثلاثة ، فإن سألوه قطعه بينهم ، فلا يفعل .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ ، في فقيرٍ له أبٌ مَليءٌ : فإن كان يناله منه ما يُغنيه ، فلا يُعطَى من الزكاةِ أحبُّ إليَّ ، إذا وُجِدَ مَن هو أحوجُ منه .
في إخراج الزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : تُقْسَمُ الصدقةُ بحيث جيئتْ ، و إن كان غيرُهم أحوجَ إليها ، و إن نُقلَ إلى غيرها لحاجةٍ نزلتْ بهم ،
***(1/286)
[2/291]
فلا يُعَرَّى منها مَن جُبيتْ فيهم . فإن تساوت البلدان لم ينقل منها شيءٌ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، قال : و إذا كانتِ الحاجةُ في أهل الحضرِ أشدَّ ، فلا بأس أَنْ ينقل بعضُ صدقات الباديةِ إليهم ، و إذا كانت الحاجة في البادية اشدَّ . نُقلتْ بعضُ صدقاتِ الخضرِ إليهم .
و كذلك في الفيءِ .
قال ابن حبيبٍ : و إذا رأى الإمام أَنْ يضع بعضَ ذلك في فقراء موضعه ، أو ببلدٍ من سلطانه بلغته عنهم حاجةٌ ، و لم يكن في صدقةِ أهله ما يَسُدُّ خَلَلَهم ، فله أَنْ يأمرَ السُّعاةَ بحملِ طائفةٍ من ذلك إلى من ذكرنا ، و يُعطَى أجرَ حملها منها ، لا على من أُخذتْ منه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : و إذا فوَّضَ الإمامُ إلى الساعي قسم ما يأخذ ، فلا ينقل بعضَها إلى فقراء الحاضرةِ للذريعة إلى نقل الصدقات . و إذا لم يجد في المَحَلَّةِ إلا فقيراً أو فقيرين ، فليتبع ضعفاء من سعى عليه ، أولى من نقلها إلى بلدٍ يجهل ذلك منهم .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عيسى ، عن ابن القاسمِ ، قال : كره مالكٌ نقل عشر موضع على موضعٍ ، و إن كان أكثر مساكينَ ، و أقلَّ عشوراً .
قال ابن القاسمِ : و إذا نقل زكاته على بلدٍ آخر ، فلا يتكارى عليها من الفيء ، و لكن يبيع ذلك ، ثم يشتري مثلَه بالموضع اذلي يريد قَسْمَه فيه .
وقال في موضعٍ آخرَ ، عن مالكٍ : إنَّه يتكارَى عليها من الفيءِ ، أو يبيعه -
***(1/287)
[2/292]
يريد ها هنا – الإمامُ . و الله أعلم .
قال سحنونٌ : و مَن أخرج زكاتَه إلى غير قريته ، وبقريته فقراءُ ، لم يُجْزِئُهُ . قال ابو بكر بن محمدٍ اللَّبَّاد : هذا استحسانٌ . و هي تُجْزِئه .
قال ابن القاسمِ : و إن زرع بموضعين أخرج زكاة كل زرعٍ بموضعه ، إلاَّ أن يقرب ما بين الموضعين ، فيجمع الزكاة في موضعه ، إذا كان الزرع على بريدٍ من المدينةِ ، فإن كان بموضع الزرع قرًى مسكونة بها فقراءُ ، فهم أحقُّ بزكاته .
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و ابن القاسمِ ، قال مالكٌ : وليخرج المسافر زكاته بموضع هو به . و كذلك لو كان ماله بمصر ، و هو بالمدينة ، / إلا أَنْ يخاف أَنْ يحتاج فيقطع به ، فليؤخرها إلى بلده .
و كذلك قال مالك في رجلٍ من الشام ، بعث ببعضِ صدقته إلى المدينة ، فذلك صوابٌ . و أرى مالكاً خصَّ المدينة بذلك ؛ لأنَّها بلدةُ رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال مالكٌ : في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، في الذي يبعث من زكاة ماله إلى العراق ، قال : ذلك واسعٌ ، و أحبُّ إليَّ أَنْ يؤثر بها من عنده من أهل الحاجةِ إن كانت الحاجةُ عندهم ، و إن لم يكن كذلك ، فلا بأس به ، فإذا بعث بها فأصيبت بالطريق ، فلا شيء عليه . قال محمدٌ : و ذلك إذا بعث بها قبل محلها قدرَ ما يكون حلولها عند بلوغها .
قال عبد الله : إنما يريد محمداً ، أنْ هكذا ينبغي له أَنْ يفعل ، إذا بعث ، لا على أنَّه لا يضمن إن فعل هلكت قبل محلها .
و من "المَجْمُوعَة" ، و رَوَى ابن وهبٍ ، و غيرُه ، عن مالكٍ ، قال :
***(1/288)
[2/293]
وللرجل أَنْ يبعث ببعض زكاته إلى العراق ، ثم عن هلكت في الطريق ، لم يضمن ، إذا كانت الحاجة كثيرة بموضعه ، أحببتُ له ألا يبعث .
قال عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، قال مالكٌ : و مَن زرع من أهل الحضر في منزلٍ على عشرةِ أميالٍ ، فلا بأس أَنْ يجعل من زكاته إلى ضعيفٍ عنده بالحاضرةِ . و كذلك في "كتاب" ابن سحنونٍ . و قال عن سحنونٍ : و إنما الذي لا ينقل زكاةَ طعامه من منزله ، إذا كان بها ساكناً ، أو يكونُ على مسيرةِ ما تُقْصَرُ فيه الصَّلاَة ، و ما قرُب من ذلك .
من "المَجْمُوعَة" ، ابن نافعٍ ، أشهبُ ، عن مالكٍ ، في نت انتجَعَ البادية على المدينة ، من الفقراء : فإنَّهم يدخلون في صدقة البادية ، إذا انتجعوا ، و هم يريدون الرجعة إلى وطنهم ، فأمَّا من لا يريد الرجعة ، فلا و إذا كانت أقسام المدينة تصيبهم ، ثم رجعوا إلى وطنهم ليأخذوا من الصدقات ، فلا شيء لهم معهم ، فإن لم يصبهم ، فلهم القَسْمُ مع أهل ناحيتهم .
قال عنه عليٌّ ، و ابن نافعٍ ، في المكاتب ، و ابن السبيلِ ، يتبع الساعيَ من محلَّةٍ إلى محلَّةٍ ، ايرضخُ له بكلِّ محلَّةٍ مع فقرائها؟ قال : إذا لم يجد سبيلاً على إعطائه إلاَّ هكذا لقلَّةِ ما في يديه ، أو لحاجة أهل تلك المحلة ، فليتَّبِعْهُ إلى محلَّةٍ أخرى .
وعن المكاتب يغشى الساعيَ ، و ليس بساكنٍ في عملِهِ ، فإن لم يحضره في عمله من المكاتبين ، مَن يفترق ذلك ، فليعطه و إن كان في غير عمله . و في باب إعطاء الزكاة للأقارب ذكرُ حملِ الرجلِ من عشوره على بلدٍ آخر لأقاربه .
قال ابن حبيبٍ : و لا يجوز لأحدٍ أَنْ يبقى من زكاته عندَه ، حتى إذا سأله
***(1/289)
[2/294]
أحدٌ أعطاه ، و نهى عنه ابن عباسٍ ، والنَخَعِيُّ و غيرهما .
في إعطاء الرجلِ أقاربه من الزكاة ، و هل تُعطَى لأهل الأهواء؟
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : لا أُحبُّ للرجلِ أَنْ يَخُصَّ قرابته ، و إن لم تلزمه نفقتهم ، بزكاةٍ عليه ، و لا بكفارة يمين ، و كذلك إن نذر صدقةً ، فإن اعطاهم من ذلك النَّذْرِ فليُقَلِّلْ لهم ، و مَن دفع زكاته على غيره يُفرِّقُهَا ، فهو أحبُّ إليَّ ، فإن أعطى هذا المُتَوَلِّي مَن يلزم مُخرجها نفقته ، لم يُجْزِئُهُ ؛ لأنَّها رجعت إليه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قالِ أشهبُ : و مَن أعطَى من زكاته لمَن لا تلزمه نفقته على الاجتهاد ، أجزأه ، و إنَّمَا أكرَه أَنْ يلي ذلكن لئلا يخرجَ عن الاجتهاد .
قال ابن القاسمِ : و لا تُعطي المرأةُ زوجَهَا من زكاتها . قيلَ : أتحْفَظُه عن مالك؟ قال : هذا أبين أن اسأل عنه مالكاً . و هذا في "المدونة" . قال أشهبُ : إذا أعطته من زكاتها ، فخِيفَ أنَّ ذلك يُرَدُّ إيها فيما يلزمه لها . فإن فعلت وصار ذلك على ما خيفَ منه ، لم يجزئها ، و أنا أكرهه ، و إن لم يرجع إليها خوفاً من دفعِ مؤنتهِ ، أَنْ يجعل ذلك وفايةٌ لمالها ، فيما يلزم نفسها ، من تأدية حقِّه ، و مواساته ، فإن اعطته حسبَ ما يُعطَى نظراؤه ، ثم لم يَرُدَّ شيئاً من ذلك عليها ، أجزأها .
قيل لمالكٍ ، فيمن يُعطَى مالاً يُقَسِّمُه : أيعطي منه قرابته؟ قال : إن كان على الاجتهاد ، فنعم .
و من "الواضحة" ، قال ابن حبيبٍ : و لا يُجْزِئُهُ أَنْ يعطِيَ
***(1/290)
[2/295]
زكاته من يلزمه نفقتهمن و لا من يشبههم ممن لا يلزمه لانفقتهم ، مثلَ الاجدادِ والجدات ، وبنى البنين والبنات . و أمَّا المرأة تُعطِي زوجها من زكاتها ، فلا يجزئها عندَ مالكٍ .
وقال ابن أبي ذئبٍ ، وسفيانُ ، و أهلُ المشرقِ : إنَّه يجزئها . و إنِّي أرى إنْ كان يستعين به في النفقة عليها ، فلا يجزئها . و إن كان بيده ما ينفق عليها ، و هو فقيرٌ و يصرف هذا في كسوته و مصالحه ، فذلك يجزئها .
و أمَّا الأُخوةُ و الأخواتُ ، و الأعمامُ و العماتُ ، و الأخوالُ والخالاُ ، وسائرُ القراباتِ ، فلا بأس أَنْ يعطيهم منها ، إذا لم يكونوا في عياله .
و رُوِيَ مُطرفٌ ، عن مالكٍ ، أنَّه لا بأس أَنْ يعطيَ قرابته من زكاته إا لم يعطِ مَن يقول . قال : ورأيت مالكاً يعطي قرابته من زكاته .
حدَّثَنِي الحِزَامِيُّ ، عن الواقديِّ ، عن ابن أبي ذئبٍ ، قال : قيل للقاسمِ : فِي مَنْ أضع زكاتي؟ قال : في أقاربك اذلين لا تعولُ ، فإن لم يكونوا فجيرانك ، فإن لم يكونوا فصديقك المحتاج .
و رُوِيَ ذلك عن ابنِ عباسٍ ، و قاله النَّخَعِيُّ ، والحسنُ ، في إعطاء مَن لا يعولُ من قرابته .
قال الواقديُّ ، عن مالكٍ ، و ابن أبي ذئبٍ ، والثَّوْرِيُّ ، والنُّعمانُ ،
***(1/291)
[2/296]
و أبو يوسفَ : إنَّ أفضلَ مَن وضعتْ فيهم زكاتك ، أهلُ رَحِمِكَ الذي لا تعول .
قال ابن حبيبٍ : و له أَنْ يُوَسِّعُ عليهم ، إن كان فيهم التعفُّفِ والصلاحُ ، فإن أعطَى مَن في نفقته معياله ، و هم مِن قرابته أو من غيرهم ممن يُنفقُ عليهم تطوُّعاً ، لم ينبغِ ذلك ، فإن فعل ذلك جهلاً ، فقد أساءَ ، و لا يضمن إذا لم يقطعْ بذلك عن نفسهِ نفقته ، و قاله مطرفٌ عن مالكٍ . قال ابن حبيبٍ : و إن قطع بذلك عن نفسه نفقتهم ، لم يُجْزِئُهُ . و قال : وَ لا بَأْسَ أَنْ يجمل من عشور قريته إلى فقراء قرابته في الحاضرة ، لما يعلم من حاجتهم ، و كذلك إلى غير قرابته ممن له التعفف والحاجةُ .
و إن شحَّ على دَوابِّه ، فلا بأس أَنْ يُكرِيَ عليه منه .
قال ابن الْمَوَّاز : قال أصبغُ : و لا يعجبني أَنْ يعطَى من الزكاة أحدٌ من أهل الأهواء ، إلا الهوى الخفيف .
قال عيسى في "العُتْبِيَّة" ، عن ابن القاسمِ ، في أهل الأهواءِ : إن احتاجوا ، فلا بأس أَنْ يعطوا منها ، و هم من المسلمين يرثونَ ، و يُورثون .
و لم يُجِزِ ابنُ حبيبٍ أَنْ يُعْطَى تاركُ الصلاةِ ، و قال : إنَّ ذلك لا يجزئُ من فعله . و هذا قولٌ انفردَ به ، و إن كان غيرهم أولى، وَ لا بَأْسَ أَنْ يعطوا إذا كانت فيهم الحاجة البينة .
قال ابن حبيبٍ : قال مطرِّفٌ ، و ابن الماجشون : و لا يُعطِي من زكاته لأهل الأهواء ، فإن فعل أساء و يجزئه .
في أخذ آل محمدٍ النبي صلى الله عليه و سلم من الزكاة أو التطوُّعِ
و ذكر سهم ذي القُرْبَى من الفيءِ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ ، في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم : «لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لآلِ محمدٍ» . إنما ذلك في الزكاة لا في
***(1/292)
[2/297]
التطوُّعِ ، و هم بنو هاشم أنفسهم ، و لم يرْمُوا إليهم من ذلك .
قال : و إن أعطى بني هاشمِ أنفسهم ، لم يُجْزِئُهُ ، و إن كانوا محاويجَ و يجوز لمواليهم . وكَرِهَ أصبغُ لهم فيما بينهم و بين الله أنْ يأخذوا من التطوعِ . و نحو ما تقدم في "العُتْبِيَّة" .
قال أصبغُ في "العُتْبِيَّة" : و آلُ محمدٍ الذين لا تحلُّ لهم الصدقةُ ، عشيرته الأقربون اذلين ناداهم حينَ أنزل الله : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} . و هم آلُ عبد المطلب ، و آل هاشمٍ ، و آل عبدِ منافٍ ، وقُصَيٌّ ، و ليس يَحرُمُ على مواليهم ، و إنما معنى موالي القوم منهم يقول : في الحرمة ، كما قيل : ابنُ أختِ القومِ منهم ، و مثلَ " أنت و مالُك لأبيك" ؛ يعني : في البرِّ والطواعية .
قال أصبغُ : واخْتُلِفَ في سهمِ ذوي القربى ، من القسمةِ من هو ذوو القربى؟ فقيل : قرابة النبي صلى الله عليه و سلم خاصةً . و قيل : قريشٌ كلها .
وقال ابن عباسٍ : نحوهم ؛ يعني : آل محمدٍ . و لكن أبى ذلك علينا قومنا . و وجدت معنى الآثار أنهم آلُ محمدٍ خاصة .
***(1/293)
[2/298]
في قَسْمِ زكاة المعدن ، وقَسْمِ الفيءِ والخُمْسِ ، والجزيةِ ، و المال يُجعل في السبيلِ ، أو من وصيةٍ أو حبسٍ
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : وسبيلُ قَسْمِ زكاةِ المعدنِ سبيلُ قسمِ زكاة المال سواءٌ ، و يُسلكُ بخمسِ الركازِ مسلكَ خمسِ الغنيمةِ والفيءِ ، فمن ولِيه أخرجه بالاجتهاد . وجزية الأرض والجماجم وعُشُورِ أهل الذمة وخمسِ الركازِ ، و ما فُتِحَ بصلحٍ أو عنوةٍ ، فسبيله واحدٌ .
قال أبو محمدٍ : يريدُ بقوله : بصلحٍ أي ذلك المال الذي صُولحوا عليه .
وقولُه : أو عنوةً ، يريد الخمسَ المأخوذ فيه خراجَ الأرضِ .
قال ابن عبد الحكم : فهذا كلُّه يبدأُ منه بسدِّ الثغورِ والتَّحَرُّزِ من العدوِّ ، ثم يُقْسَمُ ما بقي بين جميع المسلمين ، فيُجعلُ قسمين ، قِسْمٌ للذُّرِّيَّةِ و العيال ، وقسمٌ للمجاهدين ، قال : و يُجعل ابنُ خمسةَ عشرَ سنةً مع الرجال ، و ابن أقلَّ منها مع الذرية ، و مَن أزمنَ من الرجال دخل مع الذرية ، فيأخذ ما يكفيه لسنةٍ . قال : فإن فضل بعدَ ذلك كله شيءٌ جُعِلَ بينَ جميع المسلمين .
و يُساوَى فيه بين الناسِ أحبُّ إلينا . و قد اختُلِفَ فيه ؛ فأبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه قد ساوَى ، و قال : البلاءُ والسابقة فضائل ، أجرُها على الله سبحانه ، والناسُ في المعاشِ سواءٌ . وفضَّلَ عمرُ الرجلَ بسابقته وببلائه .
***(1/294)
[2/299]
قال ابن عبد الحكم عن مالكٍ : والتسوية أحبُّ إلينا ، و لم يجعل الله قَسْمَ المواريث على قدر الحاجةِ .
قال محمدٌ : و أحَبُّ إلينا أَنْ يؤثرَ الحوجُ فيما فضَل ، و هو قول مالكٍ .
قال ابن عبد الحكمِ : حتى لا يبقى منه شيءٌ ، لم يختلف في هذا أبو بكرٍ و عمرُ . قيل : فإن نزلت بالمسلمين نازلةٌ ، و لم يبقَ في بيتِ المال شيءٌ؟ قال : يتعاونون في ذلك . قال : ولكلّ أحدٍ في الفيءِ حقٌّ إلا أهلَ العمودِ ، و الأعرابَ ، فلا شيء لهم في الفيء ، وحقُّهم فيما يؤخذ منهم من صدقةٍ ، إلاَّ أَنْ ينتقل أحدٌ منهم من دارِ أعرابيته إلى دار الجهاد ، أو ينزل بالأعراب نازلةٌ زشدةٌ فيُواسُون حتى يحيون ثم يردون إلى دار أعربيتهم ، كما فعل بهم عمر عامَ الرمادةِ حتى حَيَوا ، ثم ردهم إلى دارهم .
قال : و يفرق ذلك في البلد الذي جُبِيَ فيه بعد سدِّ ثغوره ، إلاَّ أنْ تنزلَ بغيرهم حاجةٌ ، فيُواسَوا .
قال مالكٌ : و ليس بين الذكر و الأنثى، و العربيِّ و المولَى ، و الصغير و الكبير ، فضلٌ في الفيءِ ، و يُعْطَى كلُّ واحدٍ بقدرِ فقره ما يُغنيه ، فإنْ فضل شيءٌ فهو بين الناسِ ؛ رفيعهم و وضيعهم ، إلا أَنْ يرى الإمام حَبْسَه ، لنوائب تنزِلُ به فليفعلْ .
قال أشهبُ : و أرزاق عمال المسلمين ، و ولاة أمرِهم وحُكَّامِهم من الفيءِ ، إلا عاملَ الصدقةِ فيأخذُ منها .
***(1/295)
[2/300]
من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : و لا بأسَ أنْ يُعطَى من الركازِ مَن تلزمه نفقتهن و مَن لا تلزمه على الاجتهاد ، بلا مُحاباةٍ .
ابنُ القاسمِ ، عن مالكٍ : و مَن أعطى مالاً في السبيلِ ، فلا بأس أَنْ يأخذ منه مَن يأخذ العطاءَ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و من أوصَى بمالٍ في سبيلِ اللهِ ، قال مالكٌ : يُبدأُ فيه بالفقراء ، و يأخذ منه ألغنياءُ ، إنْ وَسِعَ ، و مَن أُعطِيَ مالاً في السبيلِ ففضلَ منه ، فإن شاء ردَّه ، و إن شاء أعطاه لغيره ، و لا يُعْطى راجعاً . و مَن خُلِّفَ عندَه مالٌ في السبيلِ ، فليُقَسِّمْه ، فيمن يخرجُ ممن يثق به ، و لا ينفرْ به فيهلك .
قال مالكٌ في "المَجْمُوعَة" ، و غيرها : أشرتُ على محمدٍ أبي جعفرٍ أنْ يُقَسِّمَ خَيْبَرَ كلها مع صدقهِ النبي صلى الله عليه و سلم فقسَّمُوها على الأغنياء والفقراء ، و ليس برأيٍ .
قال مالكٌ : و أكثر الكتيبة منها عَنوةٌ .
قيل لأشهبَ : كيف تُقَيِّمُ صدقةَ النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قال : إنْ لم يُسْبِلْهَا ، فهي كالفيءِ ، فلْتُقَسَّمْ على غنيِّهم وفقيرهم بالاجتهادِ ، و أرى أَنْ يؤثرَ فقراؤهم .
و في كتابِ الصدقةِ وكتاب الجهاد بقية القولِ في هذا المعنى .
في إلزام زكاة الفطرِ ، و ذكر مِكْيَلِهَا ، ماذا يُخرجُ من الحبوب ، و هل يؤدي فيها ثمناً
من "كتاب" ابنِ سحنونٍ ، روَى ابنُ نافعٍ ، عن مالكٍ : أنَّ
***(1/296)
[2/301]
الزكاة المندفروضة بالصلاة ، تدخل فيها زكاة الفطر ، و رُوِيَ عنه أيضاً ، أنَّه قال : هي زكاة الأموال المُزكّاةِ . و قيل : فزكاة الفطر . قال : هي ممَّا سنَّ النبي صلى الله عليه و سلم وفرض .
قال ابن حبيبٍ : و قد قيل في قول الله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} : أنها زكاة الفطرِ . قال غيرُه في "المَجْمُوعَة" : و هي زكاة الأبدان .
قال أشهبُ ، عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة" و غيرها : قيل : أيؤدِّي الرجلُ الفطرة بالمُدِّ الأكبر؟ قال : لا بل بمُدِّ النبي صلى الله عليه و سلم ثم إن اراد انْ يفعلَ خيراً ، فليفعله على حدته .
و منه ، و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابنُ القاسمِ : قال مالك : وتؤدَّى من القمح والشعير والسُّلتِ والذرةِ والدُّخْنِ و الأرز والزبيب والتمر و الأَقِطِ ، صاعٌ من قوت البلد الذي هو به ، من ذلك كله . و أنكر مالك ما روي من الحديث في نصف صاعٍ ، و لم يصح عندَه . و يدلُّ أنَّ ذلك لا يجزئُ عن القيمة ، أنَّ ما ذُكر في الحديث الصحيح بعضُه أعلى قيمة من بعض ، والكيل متفقٌ . قال : والحنطة أفضل من ذلك .
وقال أشهبُ : لا يجزئُ فيها إلا الأربعة المذكورة في الحديث ، الشعير
***(1/297)
[2/302]
والتمر ، والزبيب ، و الأقِطُ ، و مع الشعير ، القمح والسُّلتُ ، و هما منه ، و أفضل منه .
قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة" : و أحبُّ إليَّ بالبلدان الحِنطةُ ، وبالمدينة التمرُ ، و لو كانوا ، أو أكثرهم يؤدون الحِنطةَ كانت أحَبَّ إليَّ ، و لكن لا يؤدونها بها . قال : و أنا السُّلْتُ أحَبُّ إلي من اشعير ، والشعير أحبُّ إلي من الزبيب ، والزبيب أحبُّ إليَّ من الأقِط ، و من كان عيشته من شيءٍ من هذا فليؤدِّ منه ، و إن كان غيرُه أفضلَ .
قال ابن حبيب : تؤدَّى الفطرة من عشرة أشياءٍ ، فذكر ما قال مالكٌ ، أول هذا الباب ، وزاد العَلْسِ ، و قال/ مَن قدر على أحدِ هذته الثلاثة ؛ القمح والشعير والتمر ، فليخرج مما ياكل منها ، فإن أكل من فضلها ، و أدَّى من أدناها أجزأه ، و كان ابنُ عمرَ يُخرج تمراً ، و مرة واحدة ، أخرج لاشعيراً ، و كان يأكل البُرَّ والتمرَ والشعيرَ . و أحسبُ أنَّ التمرَ جُلُّ قوتهم ، فأمَّا السبعةُ أصنافٍ الباقية فليخرج مما هو قوتُه منها ، فإنْ أخرجَ من غيره لم يُجْزِئُهُ ، و مَن أخرج من غير العشرة أصنافٍ لم يجزئه ، و إن كان عيشهم . و أما الدقيق ، فإنما نُهي عن إخراجه لريعه ، فمَن أخرج منه قدرَ ما يزيد على كيلِ القمحِ أجزأه ، و قاله أصبغُ .
قال ابن حبيبٍ في كتال النذور : والخبزُ كذلك . قال : و كذلك غَربلةُ القمحِ بواجبٍ ، و هو مستحبٌّ ، إلا أَنْ يكون غَلِيثاً . قال مالكٌ : في غير
***(1/298)
[2/303]
كتابٍ : لي سعليه غربلة القمح في الكفارة .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و نحوُه في "المَجْمُوعَة" ، قال مالك : لا يؤدي أهلُ مصرَ إلا البُرَّ ؛ نه جُلُّ عيشهم ، و نحن في المدينة نؤدي التمرَ .
قال ابن الماجشون : تؤدي من الغالب من عيش أهل بلده . قال ابن الْمَوَّاز : بل مما يأكل هو وعياله مما يُفرضُ على مثله . قال أشهبُ : يُخرجُ مما يقوت به نفسه ، وعياله . و قد سئلَ مالكٌ عن الشعير ، فقال : يُخرج منه إن كان هو أكله ، فلا يجزئ أَنْ يخرج من القُطنِيَّةِ ، و لا من التينِ ، و إن كان عيشَ قومٍ .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عيسى عن ابن القاسمِ ، قال : إن كان العَدَسُ أو الحمصُ عيشَ بلدٍ ، فأخرج منه ، قال : هذا لا يكون ، فإن كان رجوت أَنْ يُجْزِئُهُ .
وقال مالكٌ في "المختصر" : يؤديها من كل ما تجب فيه الزكاة ، إذا كان ذلك قوتَه .
و من سماع ابنِ القاسمِ ، وعن قومٍ ليس طعامُهم إلا التين ، قال : لا أرى أَنْ يؤدَّى منه .
قال مالكٌ : و لا يُجْزِئُهُ أَنْ يدفع في الفطرةِ ثمناً . و قاله ابن القاسمِ في رواية أبي زيدٍ . قال عنه عيسى : فإن فعل لم أرَ به بأساً .
في الفقير هل يؤدي زكاة الفطر ، و هل يأخذها؟
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : إذا وجدَهَا الفقيرُ ،
***(1/299)
[2/304]
فليؤدها ، يعني زكاة الفطرن و إن وجد مَن يُسلِّفُه فليستلفْ . قال عنه ابنُ القاسمِ : و قال : قيل : ذلك مَن له حقُّ أَنْ يأخذها فلا تجب عليه .
وقاله ابنُ الماجشون : و قال عنه ابن وهبٍ : إنْ كان له قوت شهرٍ أو خمسة عشر يوماً ، فهي عليه . و قال عنه أشهب : مَنْ لم يكن له شيءٌ فلا شيء عليه ، و إن كان ممن يتكلَّف تلك الأشياءَ ، فعليه ذلك .
قال ابنُ القاسمِ ، عن مالكٍ ، في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : وليؤدِّ الرجلُ الفطرة ، و إن كان ممن يَحِلُّ له أَنْ يأخذها .
قال عنه في "العُتْبِيَّة" : و إذا أدَّى الفقيرُ زكاة الفطر ، فلا أرى أَنْ يُعْطَى منها . ثم رجع فأجازه إن كان محتاجاً .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال أشهبُ عن مالكٍ ، فيمن له عشرة دراهم ، فأدَّى الفطرة ، أيأخذ منها؟ فلم يرَ له ذلك ، قيل : فمن يملكُ عشرة دراهم أيسعه أَنْ يأخذ؟ قيل : ليس لهذا حَدٌّ .
قال مالكٌ : و إن وجد الفقير من يسلفه ، فليتسلَّفْ ، و يخرجها ، فإنْ لم يجد ، فلا قضاء عليه إن أيسر . قال محمدٌ : ليس عليه أَنْ يتسلف ، و ليس ممن هي عليه .
قال ابنُ حبيبٍ : و ليستْ على الفقير الذي لا يجدها و لا يجدُ ثمنها ، ولي سعليه أَنْ يتسلَّفَ ، إلا أَنْ يتطوَّعَن فإنْ أُعطيَ منها يوم الفطر ما فيه قوت يومه ، فلي سعليه إخراجها ، و إن كان فيها فضلٌ عن قوتِ يومه ذلك ، أخرج منه .
و كذلك روى مُطرِّفٌ ، و ابن الماجشون عن مالكٍ ، أنَّ الفقير يؤديها مما يأخذ .
قال ابن حبيبٍ : و إن لم يدخل شيءٌ إلا في غدِ يومِ الفطرِ ، فلا شيءَ عليه ؛ لأنَّ يومَ الفطر قد زال عنه ، و ليس من أهلها .
***(1/300)
[2/305]
فيمن عليه زكاة الفطر ، و من يلزم الرجلَ
أن يؤدي عنه زكاة الفطر
من "كتاب ابن حبيبٍ : و غيره ، و من قول مالكٍ و أصحابه : أنَّ زكاةَ الفطرِ على كلِّ مسلمٍ حرٍّ أو عبدٍ ، ذكرٍ أو أنثى ، صغير أو كبيرٍ ، حاضرٍ أو بادٍ ، مسافرٍ أو مقيم ، كان ممن صام رمضان أو أفطره لعذرٍ أو بغير عذرٍ . و على الرجل أَنْ يؤديها عن يتيمه من مال اليتيم ، و على الرجل أَنْ يؤديها من ماله عمَّن يلزمه أَنْ ينفق عليه من المسلمينن فيؤديها عن زوجته ، و إن كانت مليَّةً ، وعن بنيه الفقراءِ إلى احتلام الذكر ، ودخول الأنثى على زوجها ، وعن أرقائه المسلمين ، وعن أبويه الفقيرين .
و من "العُتْبِيَّة" روى أشهبُ عن مالكٍ ، قال : و يؤدي المسافر عن نفسه زكاة الفطر ، و يؤخر الأداء عن أهله ، ولعلهم أدَّوْا .
قال ابن حبيبٍ : و عليه أَنْ يؤديَ عن والده الفقير ، وعن زوجة والده وخادمها ، و إن لم تكن هي أمه . قاله ابن الماجشون ، و مُطرِّفٌ ، و ابنُ عبد الحكم ، و أصبغُ .
قال ابن القاسم في "المدونة" : و إنما ينفق عن زوجةٍ واحدةٍ لأبيه ، أو أمِّ ولدٍ له ، و على خادمه ، أو خادمِ زوجته .
قال المغيرة في كتاب آخر : لا يلزمه أَنْ ينفق على زوجة أبيه ، إلا أن تكون أما له .
وقال مالكٌ في "المختصر" : و ليس عليه أَنْ يزوجَ أباه .
قال ابن حبيبٍ : و إذا دُعِيَ الرجلُ إلى البناء بزوجته ، فمن يومئذٍ تلزمه النفقة عليها ، و زكاة الفطر عنها ، و لا يلزمه ذلك عن خادمها حتى يدخل . كذلك قال ابنُ الماجشون .
***(1/301)
[2/306]
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و نحوُه في "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : و إذا دُعِيَ الزوجُ على البناءِ ، فلم يجد ما ينفق منه ، أو الثَّواءِ بذلك ، فالنفقة والفطرةُ على الأب . قال عبد الملكِ : و إنما تلزمه الفطرة عن خادم زوجته إذا كان ممن عليه أَنْ يخدمها ، فإن كان ذلك ، فإنما ذلك عليه إذا بنى بها .
قال أشهبُ : و كذلك إذا امتنع من البناءِ ، و قد دَعَوْهُ إلى ذلك . و قال ابن القاسمِ : و لو منعوه من البناءِ ، فأتى يومُ الفطرِ ، ثم طلَّق قبل البناءِ ، فالزكاة عليها عن نفسها ، وعن الخادمِ ، و إن نكحت عليها . قال أشهبُ : و إن لم يدعوه إلى البناءِ ، فزكاة الخادمِ عليها ، ولولا الاستحسانُ ، لكان عليه نصفُ زكاتها ، و إنْ طلَّقَ يومَ الفطرِ . ولكني أكرهه ؛ للذريعة أي أَنْ يخرج عن نفسٍ واحدةٍ زكاةً و نصفاً ، و إن كان هو القياس ، و إنْ طلقها دونَ يومِ الفطر فلا شيء .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و عليه أَنْ يؤديها عن عبده الغائب ، و إن طالت غيبته ، و إن لم يعرف موضعه ، إلا أَنْ يكونَ أَبِقَ إباقَ إياسٍ .
قال ابن وهبٍ : عن مالك : و مَن له عبدٌ تاجرٌ كثير المال فالزكاة عنه على سيده .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال أصبغُ ، عن ابن القاسمِ : و مَن لزوجته
***(1/302)
[2/307]
خادمان ، و هي ذاتُ شرفٍ ، فليؤدِّ الفطرة عن الخادمين .
قال أصبغُ : و لو ارتفع قدرُها فوق ذلك ، كالهاشمياتِ وبنتِ الملكِ ، فليزد في عددِ الخدمِ مثل الربعة والخمسة ، و يلزم الزوجَ النفقةُ عليهن والفطرة . و في باب زكاة المديان ذكر زكاة الفطرة عن عبدِ ولدهِ .
في ما يلزم أو يسقط من الفطرةِ ، فِي مَنْ يموت أو يولد أو يُسلمُ أو يباعُ أو يعتقُ أو يحتلمُ أو يبني أو يستغني ليلة الفطر أو يوم الفطر أو قبل دخول ليلته
قال ابن حبيبٍ : اختُلِفَ عن مالكٍ متى حدُّ وجوب الفطرة . فروى أشهبُ ، عن مالكٍ : أنَّها تجبُ بغروب الشمسِ من ليلة الفطرِ ، و به قال .
و رَوَى ابن القاسمِ ، و مطرف ، وعبد الملكِ ، عنه ، أنَّ حدَّ ذلك ، طلوعُ الفجرِ من يوم الفطر . و به قالوا . و به أقول . فمن باعَ عبداً قبل الفجر ، يوم الفطر ، ففطرته على المشتري ، و إن باعه بعد الفجرِ ، فهي على البائعِ ، و كذلك يجزئُ هذا في العتقِ والطلاق و الموتِ ، و موتِ من يلزمه أداؤها عنه .
و لم يختلفوا عن مالكٍ ، فيمن وُلِدَ قبل الفجر أو بعد الفجر أنها على الأب . و قال ابن الماجشون : هو فيه بعد الفجر مستحبٌّ . و قاله أشهب .
و أجمعوا عن مالكِ ، فِي مَنْ أسلم قبل الفجر ، أنها عليه ، و أنَّه بعد الفجر مستحبٌّ . و هذا يدل على قول عبد الملك في المولود ، و قال أشهبُ : إذا لم يسلم قبل الفجر بيومٍ وليلةٍ ، حتى يلزمه صومُ يومٍ منه ، فليست عليه
***(1/303)
[2/308]
بواجبةٍ . و قال ابن حبيبٍ : و هذا شاذٌّ ، و لو وجبت بالصوم سقطت عن المولودِ ، و إنما تجب بإدراك أو حلول اليوم اذلي فُرضت فيه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و "المَجْمُوعَة" : و من أسلم يوم الفطر ، فروى ابن القاسم ، عن مالكٍ ، أنَّه يُستحبُّ له أَنْ يؤديها . قال عنه ابنُ وهبٍ : و ليس بواجبٍ . و قال أشهبُ : و كذلك لو أسلم قبل الفجرِ من يوم الفطرِ ، أو بعد الفجر من آخر يومٍ من رمضان ، فلا فطرة عليه ، و يُستحبُّ له . و لو أدرك صومَ يومٍ ، لزمته .
قال أشهبُ : و مَن مات بعد فجر يوم الفطر ، و لم يُوصِ بالفطرةِ ، فإنما تلزم ورثته من رأس ماله . و قال ابن القاسمِ : لا تلزمهم حتى يوصى بها . و قال أشهبُ : و من مات ، ممن يؤدي عليه ، قبل فجر يوم الفطرِ ، فليؤدِّ عنه . و ما أُحبُّ له ترك ذلك ، و لا أدري هل هو واجبٌ؟ و أمَّا مَن مات قبل دخول ليلة الفطر ، فلا شيء عليه فيهم .
قال أشهبُ : و مَن أعتق عبدَه ، أو باعه ، أو طلق امرأته طلاقاً بائناً ، أو احتلم ولدُه الذكرُن أو من بُنِيَ به من بناته ، أو أيسر أحدٌ منهم ، أو من أبويه بعد طلوع الفجر من يوم الفطر ، فالفطرة عليه عنهم ، و إن كان ذلك بعد غروب الشمسِ من ليلة الفطر ، فليؤد عنهم ، و ما أدري أواجبٌ ذلك عليه ام لا؟ و إن كان ذلك كله قبلَ دخول ليلة الفطرِ ، فلا شيء عليه عنهم ، و ذلك عليهم ، إلا من بعته ، فعلى مشتريه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و من باع عبدَه قبل غروب الشمسِ من آخر يومٍ من رمضانَ ، فالفطرة عنه على المشتري ، و إن باعه بعد غروب الشمس ، فمُسْتَحَبٌّ للبائعِ ، و هي لازمةٌ للمشتري ، و قد استحبَّ
***(1/304)
[2/309]
أشهبُ ، فيمن اشتراه يومَ الفطر ، أَنْ يؤدي عنهن و أما ابلائع فذلك واجبٌ عليه . و قال عبد الملكِ : إذا باعه قبل الفجر ، فزكاته على المشتري .
في زكاة الفطر عن عبدٍ بين اثنين أو بعضه حرٌّ ، أو عن العبدِ يُردُّ آبعيبٍ أو لفسادِ بيعٍ ليلة افطر أو يومه ، أو تأخذه الفطرة و لم يخرج من العهدة
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و إذا كان عبدٌ بين اثنين ، أخرج كلُّ واحدٍ عنه في الفطرة نصف صاعٍ مما يأكل السيدُ .
و في "كتاب" ابن سحنونٍ ، أنَّ عبدَ الملكِ روى عن مالكٍ ، أنَّ على كل واحدٍ عنه زكاة الفطر كاملةً . وذهب عبد الملكِ إلى أنَّ على كلِّ واحدٍ بقدرِ ما له فيه من الرقِّ . قال : و أرى مالكاً قاسه على الذي بعضه حرٌّ ، انَّ الرقَّ يُخرجُ عنه جميع الفطرةِ ؛ لأنَّه يرثه و هو حابسه عن أحكام الحرية . و لم يعرف سحنون هذه الرواية ، عن مالكٍ في الشريكين ، و قال : قولُ عبد الملكِ في الشريكين ، قولنا .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ : و ذكر عبد الملكِ ، عن مالك في الذي بعضه حرٌّ ، انَّ مَن له الرقُّ يُخرج عنه جميع الكفارة . فلم يعرف سحنون هذه الرواية . و قال : بل عليه بقدرِ ما له فيه من الرقِّ و لا شيء على العبدِ .
قال ابن الْمَوَّاز : قال عبد الملك ، في عبدٍ بين حرٍّ وعبدٍ : إنَّ على العبدِ نصف زكاته فقط .
***(1/305)
[2/310]
قال ابن حبيب ، و ابن القاسمِ ، و ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : على من له فيه الرقُّ ، أَنْ يؤدي عنه بقدر ملكه فيه ، و لا شيء على العبدِ ، و به قالا .
وقاله أشهبُ ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغُ . و قال أشهبُ : على مَن له فيه الرقُّ بقدرِ رقِّه فيه . و على العبد أَنْ يؤدي بقدر ما عتق منه .
وقال مطرِّفٌ ، و ابن الماجشون : على الذي له الرقُّ الفطرة تامَّةً . و به أقولُ . ولأنه يرثه إن مات . و ذكر في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قول عبد الملك فيه ، و ذكر قولَ ابنَ القاسمِ ، و أشهب . و قال أشهبُ : و هو القياسُ ، و أما الاستحسان فجميعُها على السيد .
قال ابن الْمَوَّاز : و العبد الموصَى بخدمته لرجلٍ ، وبرقبته ، لآخر ، فقال ابن القاسم : النفقة و زكاة الفطر على المخدم . و قاله ابن عبد الحكم . و كذلك لو أخدمه السيدُ الحيُّ أجلاً ، أو عمراً . و قال أشهبُ : بل الزكاةُ على من له مرجع الرقبة في الرقبة في الوجهين ، و إن كانت نفقته على المخدم ، و به أخذ ابن الْمَوَّاز . قال ابن القاسم في "المَجْمُوعَة" مثل قول أشهب . قال ابن حبيبٍ : إلى هذا رجع ابن القاسم . و قال أشهب في "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز : هو كعبدٍ مستأجر من رجلٍ ، على أنَّ نفقته عليه ، والزكاة على سيده ، و ليس كخادم الزوجة ، لأنَّ الزوجَ ، غيرُ الزوجة ، ينفق على خادمها . و لو قالت هي : أنا أنفق على نفسي ، و على خادمي ، و أبي الزوجُ إلا أَنْ يُنفق هو ، فذلك له . و لو أبى صاحبُ رقبةِ
***(1/306)
[2/311]
المخدم إلا أَنْ ينفق هو ، و يمنع المخدم من النفقة عليه ، كان ذلك لسيده ، بخلاف الزوج ، لأنه لا يملك غير خدمته .
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، و قال عبد الملك في المخدم : و مرجعه على ربه ، أو إلى آخر ، فأمَّا ما طال من الخدمةِ ، حتى يصير لو وطِئَ الأمة فيه ، لكانت شبهة تزيل الحدَّ ، فالنفقة فيه والفطرة على المخدمِ . و ما كان مثل الوجائب و الإجارة ، فهي على من له الرقبة .
وقال سحنونٌ في "كتاب ابنه" : لا أقول بما ذكر في طول الخدمةِ في النفقة والفطرة ، وقول أصحابنا : إنَّ ذلك على من له الرقبةُ ، و إن طالت الخدمةُ .
وقال مالك فِي مَنْ أعمر رجلاً خادماً عُمرا ، أو أجلا : فزكاة الفطر عنها على السيد المعمر ، و إن كان مرجعها إلى حرية فالزكاة على المعمر إذ لم يبق للسيد فيها ملكٌ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و من باع عبدا بيعاً فاسداً ، ثم رده يوم الفطر ففطرته على المشتري ، قاله ابن القاسمِ ، و قال أشهبُ : على كل واحدٍ من البائعِ ، و المبتاع عنه زكاةٌ كاملةٌ ، و كذلك عن رده ليلة الفطر . و كذلك الجارية تأتيها الحيضة ليلةَ الفطر أو يومه .
قال أشهبُ : و كذلك العبدُ يباع بعهدة الثلاث ، فانقضت الثلاث يوم الفطر أو ليلته ، فالزكاة كاملةً على كل واحد منهما ، إلا أَنْ يبيعه بيع براءةٍ ، فهي على المبتاع فقط ، و لو مضى يومُ الفطر في بيعِ العهدة قبل تمام الثاث ، فهي على البائع فقط .
***(1/307)
[2/312]
و قال ابن حبيب ، عن ابن الماجشون في المبيع بيعاً فاسداً إن فُسخَ : بحدثان ذلك ، فهي على البائعِ و إن فات ، فهي على المبتاع و إن فات بعدَ يومِ الفطرِ ، و به أقول . و ذكر عن أشهبَ إن أدركه يومُ الفطرِ لم يفت بحوالة سوقٍ فاعلاً ، فهي على البائع ، و إن فات بعدَ ذلك و إن أدركه الفطرُ فائتاً فهي على المبتاعِ ، و قال ابنُ الماجشونِ ، في المردودِ بعيبٍ ، مثل المبيع بيعاً فاسداً .
في زكاة الفطر عن عبيد القِراضِ
من "الواضجة" ، قال ابن حبيبٍ : روى ابن القاسمِ ، و ابن وهبٍ ، عن مالكٍ في زكاة الفطر ، عن عبيد مال القراضِ : على ربِّ المالِ في رأس مالهِ . و به قالا . و قال أشهبُ ، و أصبغُ : يُزكَّى عنهم من مال القراض بحسب ذلك على رب المالِ ، ثم يكون رأس ماله ما بقي بعدَ إخراج زكاة الفطر منه .
و ذكر ابن حبيبٍ ، أنَّ فطرتهم كنفقتهم ، من جملة القراض ، ورأس المال بعدَ العددِ الأول . واختار ابن الْمَوَّاز رواية ابن القاسم . وقوله : إنَّ فطرتهم على ربِّ المالِ ، قال : لأنَّه شيءٌ ليسَ على المالِ وجَب ، و قد لزم ذلك قبل يجب للعامل شيءٌ ، و ما يأخذ العامل كالإجارةِ ، فإنما يلزمه زكاةٌ في نصوصه ، وبعد أَنْ يصيرَ له بعد الحولِ ، ألاَ تراه لو كان العاملُ لا يديرُ وربُّ المالِ يديرُ ، أنَّه يقوِّمُ ربُّ المال ما بيدِ العاملِ ، و يزكّي كل عامٍ ، و لا يزكِّي العاملُ إلاَّ على ما ينو به بعدَ المفاصلة لعامٍ واحدٍ؟ و كذلك في
***(1/308)
[2/313]
زكاة رقاب الغنمِ ، على رواية ابن القاسم . وبقية القولِ من هذا ، في باب زكاة القِراض .
في دفعِ زكاة الفطر إلى الإمام أو تفريقها دونَه ، و هل
تُخرجُ من موضعها ، و هل تُخرجُ يوم الفطرِ ، و هل يأخذُ
منها من يليها
من "المَجْمُوعَة" قال مالكٌ : و إذا كان الإمام عَدلاً ، و لا يدخل زكاةَ الفطرِ عنده تضييعُ ، فإرسالها إليه واجبٌ ، و كذلك إنْ لها قومٌ تجمعُ إليهم و يفرّقونها . قال : و ليس من أمرِ الناسِ أَنْ يبعث الإمام العدلُ في زكاةِ الفطرِ من يقبضها إنما له من موضع تُجمع فيه ، و قد كانت تبعثُ إلى المسجد . قال أشهبُ : فإذا اجتمعت ، أمر تُقاةً بتفريقها .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال : و كان مالكٌ يُضَعِّفُ دَفعها إليهم في المسجد ، و أحَبُّ إليه أَنْ يفرقها مُخرجها ، و يُعجِّلَ بها .
قال أصبغُ : وَ لا بَأْسَ أَنْ يخرجها قبلَ الفطرِ بيومين ، وثلاثةٍ . قال محمدٌ : وتُجزئه ، و يوم الفطرِ أحبُّ إلينا . و لو أخرجها قبلَ الفجر بيومين ثم هلكت ، لضمنها . و كذلك زكاة المال قبل الحول بمثل ذلك .
قال مالكٌ : و لا تنقل فطرة القرى إلى المدينة إلا أنْ لا يكونَ بها من يستوجبها ، فتنقل إلى أقرب القرى .
***(1/309)
[2/314]
قال مالكٌ : و لا يُعطَى منها من يليها ، و لا من يحرسها ، وليُعْطَوْا من غيرها .
قال ابن حبيبٍ : و ليس لِما يُعطَى منها حدٌّ . و قد روى مطرِّفٌ عن مالكٍ : إنَّما يُستحبُّ لمن وَلِيَ تفرقة فطرته أَنْ يُعطَى كل مسكينٍ ما أخرج عن كلِّ إنسانٍ من أهله من غير إيجابٍ ، و له إخراج ذلك على ما يحضره بالاجتهاد . و كانوا بالمدينة يبعثونها إلى المسجد ، ثم تُفَرَّقُ يومَ الفطرِ بعد صلاة العيد . و مَن وَلِيَ إخراجها بنفسه ، و لا يعدلُ مَن يليها ، فأحسنَ له أَنْ يخرجها قبل أَنْ يخرج على المُصلَّى يوم الفطر ، و مَن أخرجها قبله بيسيرٍ ، أجزأه عند المصريين من اصحاب مالكٍ . لم يُجْزِئُهُ عند عبدِ الملكِ ، إلا أنْ يبعث بها إلى مَن تُجتمع عنده .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، واستحبَّ مالكٌ أنْ تُقسَمَ صدقةُ الفطرِ يومَ الفطرِ ، و كره أَنْ يسال المساكين في العيد في المسجد و المُصلَّى .
قال : و قد جاء : " أغنوهم عن طوافِ هذا اليوم" .
مسائل من "كتاب الزكاة" لابنِ سحنونٍ من غير معاني الزكاة
من "كتاب" ابن سحنونٍ ، قال سحنونٌ ، عن ابن القاسمِ : قيلَ : أيأخذ الإمامُ الناسَ بحرسِ البحرِ إن خاف على ذراريهم ، و يجعل لكلِّ
***(1/310)
[2/315]
ليلةٍ قبيلة للحرسِ . و مَن غاب عاقبه . و ليسوا بأهل ديوانٍ مثلَ أهلِ الإسكندرية؟ قال : نعم ، إذا خاف عليهم ، فله أَنْ يُلزمهم ذلك .
وقال في أرض الخراجِ ، تُباعُ باستثناءٍ ، فاغتلَّها المبتاع سنين ، و البائع يؤدي خراجها ، أو لم يؤده : فأشهبُ يرى الغلة للمبتاع ، و عليه الخراجُ و يردُّ الأرضَ إذا لم تفت ، و إن فاتت ففيها القيمة والغلة للمبتاع ، و عليه الخراجُ . فإن كان أدَّاه البائع رجع به عليه . و غيرُه لا يجيز بيعَ أهلِ غفريقية بشرطِ الخراج – يريد على المبتاع - .
و من "كتاب"ابن سحنونٍ ، قال مالكٌ : و من تصدَّق بصدقةٍ فرُدَّتْ عليه ، فله أَنْ يتصدَّق بها إلاَّ أَنْ يردها إليه الميراث .
وقال مالكٌ ، في رفقاء يتخارجون في سَفِرٍ و يأكلون في موضعٍ واحدٍ ، و فيهم أحدٌ فقيرٌ فيتصدق عليه أحدُهم ، فأخرج عنه وعن نفسه ، و هم يأكلون في موضعٍ واحدٍ : فلا بأس لمن معهم المتصدِّقُ : قال مالكٌ : و أكره أن تبعث مع الوالي ؛ ليبتاع شيئاً .
تمَّ الكتا بالثاني من الزكاة من النوادر ، والحمد لله رب العالمين كما ينبغي الحمد لله ، وصلى الله على سيدنا محمدٍ خاتمِ النبيين و آله الطاهرين وسلم تسليماً . وحسبنا الله و نعم الوكيل ، نعم المولى و نعم النصير .
***(1/311)
[2/316]
***(1/312)
[2/317]
كتاب الحج
في فريضةِ الحجِّ
و ذكر الاستطاعة والسبيل ، و في من وجده ،
و ذكر استئذان الأبوين فيه ، و ذكر وجوب العمرة
و يوم الحج الكبر
من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ : الحجُّ كله في كتاب الله تعالى ، و أما الصَّلاَة والزكاة ، فذلك مُجمَلٌ فيه ، ورسول الله صلى الله عليه و سلم بيَّنَه .
قال أشهبُ فيه ، و في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : سئلَ مالكٌ عن قولِ الله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} أذلك الزادُ والراحلةُ؟ قال : لا ، و الله ، قد يجد الرجل زاداً وراحلةً ، و لا يقدر على المسير ، و آخر يقدرُ أنْ يمشيَ راجلاً ، و رُبَّ صغيرٍ أجلدُ من كبيرٍ ، فلا صفة في هذا أبين مما قال الله سبحانه .
قال ابن حبيبٍ : رُويَ انَّ الاستطاعة مركبٌ وزادٌ . و قاله عددٌ من الصحابةِ ، والتابعين . و قاله ابنُ أبي سَلمة .
قال ابن عبدوسٍ : و قاله سحنونٌ – يريدُ الزادَ والراحلةَ – في بعيدِ الدارِ . قال سحنونٌ : والطريق المسلوكة . و قال غيره من البغداديين : لم
***(1/313)
[2/318]
يثبت في الراحلة حديثٌ ، وظاهرُ القرآن يُوجبُ الحجِّ على مستطيعه مشياً .
قال ابن حبيبٍ : و قال عَطاءٌ : هو كما قال الله سبحانه . قال ابن الزبير : هو على قدر القوةِ ، قال عكرمةِ : السبيل : الصحةُ .
قال ابن حبيبٍ : و ذلك يرجع إلى البلاغ إلى مكة ، و يدخل في البلاغ ، الصحة و الزاد ، و يدخل فيه الحمولة ، بشراء أو كراءٍ لبعيد اذلي لا يبلغ راجلاً إلا بتعبٍ و مشقةٍ ، لقولِ الله تعالى : {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} . فإن كان صحيحاً و له زادٌ و لا يجد مركباً و عليه هذه المشقة في الرحلة . فلا حج عليه . و لا حج على من ليس بصحيح البدنِ ، و إن وجد زاداً و مركباً . والصحيح إن لم يجد زاداً أو مركباً ، فلا حجَّ عليه ، فإن وجد زاداً ، و هو قريب الدارِ ، و ليس عليه في المشي كثير مشقةٍ ، فعليه الحج . و إذا كان في داره وخادمه وسلاحه كل ما يباع في دينه ما يبلغه الحج فعليه الحج .
قال عيسى ، و ابن الْمَوَّاز : قال ابن القاسم : إذا قدر على المشي ، و لم يجد ما يتكارَى به ، فعليه الحج .
قال محمدٌ : قال أصبغُ : إذا وجدَ زاداً . و ليس النساء في المشي على ذلك ، و إن قوين ؛ لأنهن عورةٌ في مشيهن إلا المكان القريب ، مثل أهل مكةَ و ما حولَها و ما قَرُبَ منها إذا
***(1/314)
[2/319]
أطَقْنَ المشي .
قال العتبيُّ عن محمدِ بن خالدٍ ، عن ابن القاسمِ ، فيمن لا يملك إلا قريةً ، و له ولدٌ ، قال : يبيعها لحجِّ الفريضةِ ، و يَدَعُ ولدَه في الصدقةِ .
قال ابن الموازِ : قال مالكٌ : وذكره ابن عبدوسِ ، من رواية ابن نافعٍ ، فيمن عليه دَيْنٌ ، ليس عنده له قضاءٌ . فلا بأس أَنْ يَحُجَّ . قال سحنونٌ : و إن يَغْزُوا . قال ابن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : و إن كان له وفاءٌ أو كان يرجو قضاءه . فلا بأسَ له أَنْ يحجَّ . قال محمدٌ : معناه : إنْ لم يكُنْ معه غيرُ مقدارِ دَينه ، فليس له أَنْ يَحُجَّ –يريدُ محمدٌ ، إلاَّ أنْ يقضيَه أو يَتَّسِعَ وجده .
قال ابن وهبٍ عن مالكٍ و نحوِه في "المختصر" ، فِي مَنْ يؤاجرُ نفسه ، و هو حاجٌّ ، أيجزئُ عنه حَجُّه؟ قال : نعم ، قيل له فِي مَنْ يسألُ ذاهباً أو جائياً ، و لا نفقةَ عنده ، قال : لا بأسَ بذلك . قيل : فإن ماتَ في الطريق . قال : حسابه على الله .
قال في موضعٍ آحرَ من رواية ابنِ القاسمِ عنه : و لا أرى الذين لا يجدون ما ينفقون أنْ يخرجوا على الحجِّ ، والغزوِ ، أو يسألون ، و هم لا يَقْوَون إلا بما يسألون ، و إني لأكره ذلك ؛ لقولِ الله سبحانه : {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} .
قال في "المختصر" : و يبدأ بالحجِّ قبل النكاحِ إذا لم يكن لذلك عنده سَعَةٌ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ : نَهَى مالكٌ عن حجِّ النساءِ في البحرِ ، و كره أَنْ يحجَّ أحدٌ في البحر ، إلا مثلَ أهلِ الندلسِ اذلي لا يجدُ
***(1/315)
[2/320]
منه بُدًّا ، و ذكر في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و غيره ، قول الله تعالى : {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} . ما أسمعُ للبحرِ ذكراً . قال فيه ، و في "العُتْبِيَّة" ، من رواية ابن القاسم : و كره مالكٌ حجَّ المرأةِ في البحرِ ؛ لأنّها تتكشفُ ، ولتخرج في البرِّ ، و إن لم يجد وليُّها .
قال ابن حبيبٍ : رُويَ انَّ عمرَ قال : مَنِ اتصل وفره ثلاث سنين ، ثم مات و لم يحجَّ ، لم أُصَلِّ عليه .
قال العتبيُّ : قال سحنونٌ في الكثير المال القويِّ على الحجِّ ، و لم يحجَّ : فهي حرمةٌ ، إذا طال زمانه ، و اتصل وفره ، و ليس به سقمٌ . قيل : فهو كذلك مُذ بلغ عشرين سنة ، إلى أن بلغ ستين سنة . قال : لا شهادة له . قيل : و إن كان بالأندلس؟ قال : نعم ، لا عذر له .
قال العتبيُّ ، و ابن الْمَوَّاز : قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ : أولُ مَنْ أقامَ الحجَّ للناس أبو بكرٍ ، سنة تسعٍ .
قال غيرُ واحدٍ من البغداديين ، و منه لإسماعيل القاضي : إنَه لم يأتِ صريحاً أنَّ حجَّ أبي بكر حينئذٍ كان عن فرضٍ ، والظاهرُ أنَّه حجَّ ليُنذرَ المشركين ، بسورة "براءة" ، أنْ لا يحجَّ بعد العامِ مشركٌ ، و وقعَ حجُّهُ في ذي القعدةِ ، والنسيءُ قائمٌ ، و ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم قال في حجه في العام الثاني : " ألا إنَّ الزمان قد استدار كهيئتهِ ، يوم خلق الله السموات و الأرض" ، فأخبر أنَّه
***(1/316)
[2/321]
لم يكن قبل ذلك مستديراً ، و يبعد أَنْ يفترض عليه الحج ، فيحج أبو بكر الفرضَ قبله ، و لو كان مفروضاً ، يومئذٍ فأخَّره عليه الصلاةُ والسلامُ لم يُشبه غيره ؛ لأنَّ الله سبحانه أخبره أنَّه يفتحُ عليه ، و يدخلُ مكة آمناً فكان على ثقة ، فكيف يجوزُ لمَن كان عليه فرضٌ غيرُ معلومٍ بقاؤه إليه ، أَنْ يؤخره و ليس على علمٍ من تأخُّرِ عُمره .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و لا يَحُجُّ بغير إذن أبويه ، إلاَّ حجة الفريضة ، فليخرج و يدعهما ، و إن قدَر أَنْ يترضاهما حتى يأذنا له ، فعَل ، و إن نذر حجةً فلا يثكابرهما ، و لينتظرْ إّذنهما عاماً بعد عامٍ ، و لا يعجلُ فإنْ أبيا ، فليحجَّ . و مَن توجَّه حَاجَّا بغيرِ إذن أبويه ، فإن أبعد وبلغ مثلَ المدينةِ ، فليتمادَ . و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : لا يعجل عليهما في الفريضة ، و ليستأذنهما العامَ ، وعاماً قابلاً ، فإت أبيا ، فليخرجْ .
قال ابن القاسم ، و غيره : قال مالكٌ : العمرةُ سنَّةٌ واجبةٌ كالوترِ لا ينبغي تركها .
***(1/317)
[2/322]
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابنُ القاسمِ : و مَن أسلم عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، فأحرمَ و لم يختتنْ ، فذلك يُجْزِئُهُ من حجةِ الفريضة .
قال أشهبُ : و إذا عتقَ العبدُ عشيَّةَ عرفةَ ، فليحرمْ حينئذٍ عن شاء ، ثم يقطعِ التلبيةِ مكانه ، و يُجزئه من الفريضة . و كذلك الوقوف بعرفاتٍ قبل الفجرِ ، أجزأه . و مَ ، اراد عتق عبدِه بعرفة فتعجيل عتقه أحبُّ إلينا .
قال مالكٌ : و يوم الحجِّ الأكبر ، يومُ النحر .
قال غيره : أمر الله سبحانه نبيه عليه الصَّلاَة والسلام أَنْ يؤذَّنَ للمشركين بسورة "براءة" ، و موقف قريشٍ ، و كان غيرُهم يقفُ بعرفةَ ، ثم يأتون المشعرَ فيجتمعُ فيه جمعهم كلهم .
في الغسل للإحرامِ ، ولدخول مكة ، ولوقوف عرفة ، و ذكر اغتسال المُحرمِ لجنابةٍ ، أو لِتَبَرُّدٍ ، أو لِتَطَيُّبٍ ، أو لغير ذلك
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و ليغتسل من أراد الإحرامَ بالحجِّ . قال في موضعٍ آخر : أو بالعمرة . قال مالكٌ : والغُسلُ له بالمدينة عند خروجه ، أو بذي الحُليفة . قال ابنُ القاسمِ : فإذا اغتسل بالمدينة ،
***(1/318)
[2/323]
ثم خرج من فوره ، أجزأه .
قال مالكٌ : وَ لا بَأْسَ لمَنِ اغتسل بالمدينة أَنْ يلبس ثيابه إلى ذي الحُليفةِ ، فينزعها إذا أحرمَ . واستحبَّ عبدُ الملكِ ، أَنْ يغتسلَ بالمدينة ، ثم يخرج مكانه ، فيحرم بذي الحُليفة . قال ابنُ حبيبٍ : ذلك أفضلُ ، وبالمدينة اغتسلَ النبي صلى الله عليه و سلم وتجرَّدَ ولَبِسَ ثَوْبَيْ إحرامه . والذي رُويَ من الأحاديث الصحاح ، من غير رواية ابن حبيبٍ ، أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم صلَّى الظهرَ بالمدينة ، وصلَّى العصرَ بذي الحُليفَةِ ، وبات بها ، و بها أمر النبي صلى الله عليه و سلم أسماءَ أنْ تغتسلَ حين نفسَتْ .
قال سحنونٌ : فإذا أردت من الخروج من المدينة خروجَ انطلاقٍ ، فأتِ القبرَ كما صنعت أولَ دخولك ، ثم اغتسل ، والْبسْ ثوبي إحرامك ، ثم تأتي مسجدَ ذي الحُليفة ، فتركع ، وتصلِّي . و مَن ترك الغسل ، وتوضَّأ ، فقد أساءَ ، و لا شيءَ عليه ، و كذلك إنْ ترك الغسل ، والوضوء ، و إن أراد تركَ الغسل إلى ذي الحُليفةِ ، فعَل ، أو يغتسل و يؤخر تجردَهُ ، فعل .
قال مالكٌ ، في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : فأمَّا أَنْ يغتسل بُكرةً و يتأخَّرَ خروجه إلى الظهر ، فإنِّي أكره ذلك ، و هذا طويلٌ .
قال : وتغتسل النساءُ والصبيانُ ، للإحرام ، والحائضُ ، والنُّفَسَاءُ . قال مالكٌ : فإنْ أحرمت الحائضُ والنُّفَسَاءُ و لم تغتسلْ ، فلتغتسلْ ، إذا عَلِمَتْ .
***(1/319)
[2/324]
قال أبو محمدٍ : قال ابنُ الماجشون في "كتابه" : و من ركعَ للإحرامِ ، وسار ميلاً قبل أنْ يُهِلَّ ، و قد نَسِيَ الغسل ، فليغتسلْ ، ثم يركع ، ثم يُهِلَّ ، و إن ذكره بعد أن أهَلَّ ، تمادى ، و لا غُسلَ عليه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و ليس في ترك الغسل عَمداً ، و لا نِسياناً دَمٌ ، و لا فديةٌ . قال سحنونٌ : و قد أساءَ .
قال مالكٌ ، في "المختصر" : وتغتسل الحائضُ ، وتُحرمُ من فناءِ مسجدِ ذي الحُليفةِ ، و لا تؤخر إلى الجُحفةِ رجاءَ أنْ تَطْهُرَ .
قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة" : وتغتسل الحائضُ والنُّفَسَاءُ ؛ للإحرامِ بالعمرةِ ، كالحجِّ .
وقال ابنُ حبيبٍ : و مَنِ اعتمر من التنعيمِ ، فأحبُّ إليَّ ، أَنْ يغتسلَ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و يغتسل المحرمُ ، لإحرامه ، ولدخولِهِ مكَّةَ ، ولرواحِهِ على الصَّلاَة بعرفةَ . وغسلُ الإحرامِ أو جبُها ، و يتدَلَّكَ فيه ، و يغسلُ رأسه بما شاء . فأمَّا غُسلُ مكة ، وعرفةَ ، فلا يتدَلَّكَ فيه ، و لا يغسلُ راسه إلا بالماءِ وحدَه يصبُّه صبًّا ، و لا يُغَيِّبُ راسَه في الماء .
قال ابن عبدوسٍ : قال أشهبُ : ولولا أنَّه لم يؤمرْ بالغسلِ لزيارةِ القبرِ ، ولرميِ الجمارِ ، لأحببتُ ذلك ، ولكنِّي أخافُ ذريعةَ استنانه ، و إيجابه ، و لو فعل أحدٌ في خاصةِ نفسه ، رجوتُ له خيراً .
***(1/320)
[2/325]
قال محمدٌ : قال عطاءٌ ، و مُجاهدٌ : والحائضُ تتوضأ إذا توجهت لشيءٍ من امر الحجِّ .
قال أبو محمدٍ : و قال ابنُ الماجشون في "كتابه" : و مَن ركع للإحرام ، وسار مشيلاً .
قال محمدٌ : قال مالكٌ : وتغتسلُ النساءُ ، والصبيان لدخول مكة . قال : والغُسلُ بذي طُوَى لدخول مكةَ ، و مَنِ اغتسل بعد دخوله مكةَ ، فواسعٌ ، قال في "المختصر" : و أرجو أَنْ يكون من ترك لك في سَعَةٍ .
قيل : فقبْلَ ذي طُوَى بمُرِّ الظَّهرانِ . قال : الذي سمعتُ بقربِ مكةَ .
قال مالكٌ : و ليس على النُّفَسَاءِ والحائضِ غُسْلٌ لدخولِ مكةَ . قال أشهبُ : و ذلك عليهما لوقوفِ عرفة . قال مالكٌ في "المختصر" : و ذلك حَسَنٌ لوقوف عرفة .
قال ابن حبيبٍ : و إذا اغتسل المحرم لدخول مكةَ ، فإنما يغسِلُ جسده دونَ رأسه ، فقد كان ابن عمرَ لا يغسلُ رأسه و هو مُحْرِمٌ ، إلا من جنابةٍ . و من غسل رأسه ، فلا حرجَ ما لم يَغْمِسْ رأسه في الماء ، و كان ابنُ عمرَ ربما اغتسل لدخول مكة ، وربما توضَّأ ، والغُسلُ أفضلُ ، و من لم يغتسل ، فلا حرج .
و في "الموطأ" : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يغسل رأسَه ، و هو
***(1/321)
[2/326]
مُحرمٌ ، و عمر بن الخطاب و لعلَّ ابنَ عمرَ كان لا يغسلُ رأسَه ، إلاَّ مِن جنابةٍ يعني في غير هذه المواطن الثلاثة . قال : وَ لا بَأْسَ أَنْ يغتسلَ المحرمُ لغيرِ ضرورةٍ ، من جنابةٍ ، ولغير حَرٍّ يجده . قال ابن حبيبٍ : و له أَنْ يغتسلَ لحرٍّ لا لتنظيفٍ .
قال مالكٌ : و لا يدخل الحمَّام ، فإن فعل ، فليفْتَدِ إن اتنقى وَسَخَهُ ، وتَدَلَّكَ ، و إن لم يبالغ في ذلك ، فلا شيء عليه . قال أصبغُ : إذا كان إنَّمَا تَدَفَّأَ وصبَّ الماءَ ، فلا شيء عليه . قال ابن حبيبٍ : لا بأس أَنْ يدخل الحمام للتدفُّؤِ ، والتَّطَهُّرِ ، لا لاستنقاء .
محمدٌ : قال ابن القاسمِ : و إنْ غسل رأسَه ، ولحيته بالخِطْمِيّ ، افتدى .
قال ابن حبيبٍ : و كذلك بالِّدْرِ ، و إن غسله بالماء وحده لتنقية أطعم شيئاً .
قال محمدٌ : قال مالكٌ : و إذا اغتسلت المُحرمةِ من الحيضَةِ ، فإت دَلَّكَتْ راسَها ، وجلدها بالسِّدْرِ أو بغيره ، افتدتْ ، و لا تزيد على الماءِ .
قال مالكٌ : ولْيُعَجِّلِ المُحرمُ غسله من الجنابة ، أَحَبُّ إليِّ ، فإن أخَّره على وقتِ الظهر ، فلا بأس بذلك .
***(1/322)
[2/327]
ما يجوزُ أَنْ يفعله المحرمُ عندَ إحرامهِ قبل أَنْ يحرِمَ
وعندَ إحلاله ؛ من دَهْنٍ أو إلقاءِ تَفَثٍ (أو تلبيدٍ) و غيره
قال مالكٌ ، في "المختصر : وتركُ الطيبِ عند الإحرام ، أحبُّ إلينا ، فأمَّا الرَّازِقيُّ ، والكادِيُّ ، والبانُ السَّمْحُ ، فلا بأس به ، و كذلك قبلَ أنْ يُفيضَ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : و ليس له سَعَةٌ أنْ يَدَّهِنَ قبل إحرامه ، بِدُهْنٍ فيه طيبٌ ، و لا يحلَّه قبلَ أنْ يُفيضَ ، فإنْ فعل فلا فديةَ عليه ، لما جاء فيه ، و أكرههُ ، لما نهى كثيرٌ من الصحابة عنه . قال مالكٌ : و قد أحدث الناسُ طِيباً يبقى ريحُه .
و منه ، و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و ابن القاسمِ ، قال مالكٌ : وَ لا بَأْسَ أنْ تمتشطَ المرأةُ قبلَ إحرامها ، بالحنَّاءِ ، وبما لا طيبَ فيه ، ثم تُحْرِمُ .
و كذلك لها أن تختضبَ . محمدٌ : قال مالكٌ : و لا تجعل في رأسها زِواقاً ، فإن فعلت افتدت ، و إن جعلته قبل الإحرام .
قال مالكٌ فيه ، و في "المَجْمُوعَة" : و لا يجعل الرجل في رأسه عندَ الإحرامِ قبل أَنْ يحرم للأبزيةِ ، و أخاف أَنْ يقتلَ القملَ ، قيل : به إليه ضرورة أفيفتدي؟ قال : لا يجعله ، وليصبر حتى يَحِلَّ ، أحبُّ إلينا .
قال مالكٌ : و لا بأسَ أنْ يَقُصَّ شاربه و يُقلِّمَ أظافره ، و يتنوَّرَ عندما يريد أَنْ يحرم ، و أما شعرُ رأسه ، فأحبُّ إليَّ أَنْ يُعْفَى ، و يُوَفَّرَ للشَّعَثِ .
***(1/323)
[2/328]
قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : وَ لا بَأْسَ أَنْ يلبده قبل أَنْ يحرمَ ، و قد فعله النبي صلى الله عليه و سلم قيل : حين أحرمَ بمكة . والتلبيدُ ، أنْ يأخذَ غاسولاَ ، وصمغاً ، فيجعله في الشعرِ ، و يُضَفِّرَه ، فيُلْصَقَ ، فيقتل قمله ، و لا يشعَثَ . و من لبَّدَ ، أو عَفص ، أو ضفَّر ، أو ربط شعرَه قبل أنْ يحرم من الرجال ، فلا بدَّ له من الحِلاق ، و من فعل ذلك من النساء ، فليس عليها إلا التقصير ، عند الإحلالِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال مالكٌ : و ينبغي للمرأة أن تخرج من قرون رأسها شيئاً للتقصير ، عند الإحلال ، و ليس في قدره حدٌّ للرجل ، و لا للمرأة .
قال ابنُ حبيبٍ : وَ لا بَأْسَ أَنْ يُقَصِّرُ منه الرجال ، إذا ترك منه مأخوذَ الموسَى ، و له أَنْ يتنوَّرَ إذا أراد الإحرام .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال مالكٌ : وللرجل أنْ يكتحلَ قبلَ أَنْ يُحْرِمَ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و إذا كان في عنقه كتابٌ فلينزعه قبل أَنْ يُحرمَ ، فإن اضْطُرَّ إليه أو خاف فليتركه ، و يفتدى ، و إذا انتفض على المُحرمةِ راسها ، فلا بأسَ أن تعيده .
في الإحرام والتلبية والركوع عند الإحرامِ ، و ذكر النية وقطعِ التلبيةِ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن وهبٍ : قيل لمالكٍ فِي مَنْ أتَى الميقاتَ
***(1/324)
[2/329]
بعد الفجر : أيركع ركعتين ثم يحرم؟ قال : بل يقيمُ حتى يصلى الصبحَ ، فأحبُّ إلينا أنْ يقيمَ حتى تحين النافلةُ ، فإنْ أحرم بأثرِ المكتوبةِ ، أجزأه .
و كان قال : لا يفعل . ثم رجع ، وبرجوعه أخذ ابن القاسمِ . قيل : فتجزئُ المكتوبة . قال : أحبُّ إليَّ أَنْ يصليَ بعدَها ركعتين ، فإن كانت لا تنفُّلَ بعدَها ، فليركع قبلَها ركعتين, قال : و إذا اغتسل وتجرَّدَ ، دخل المسجدَ فركع ركعتين أو أكثر إن أحبَّ ، ثم يخرج فيُحرمَ .
قال فيه ، و في "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : يجبرُ الكراء أنْ يُنيخَ بالمكترى ببابِ مسجد ذي الحُليفةِ ، حتى يصلُّوا ثم يركبوا ، فيُهلُّون ، و ليس له أَنْ يقولَ : اذهبوا ، فصلُّوا ، ثم تأتونَ إليَّ ، فأحْمِلُكُمْ .
قال محمدٌ : قال مالكٌ : وتُحرِمُ الحائضُ من رحلها إذا كانت بالجُحْفَةِ وبينها و بين المسجدِ هُنيهةٌ ، و إن كانتْ بالشجرةِ ، يريدُ من ذي الحُليفةِ ، فمِن فناء المسجدِ ، و لا تدخله ، ولتغتسلْ ، و لا تؤخر لانتظار الطُّهرِ ، و لا تُحرم إلا يف ثياب طاهرةٍ ، و لا تحرم حتى تركب ، و إن كانت ماشيةً فحين يُحرمُ الماشي ، بفناءِ المسجدِ إذا توَجَّهَ .
قال عبد الملكِ ، في "المَجْمُوعَة" : و مَن أحرم في غير صلاةٍ ، فلا حرج .
و من "الواضحة"" و إذا ركعتَ بمسجد ذي الحُليفةِ ، فاكثر من الدعاء ، ثم أخرج ، فإذا ركبتَ بفناءِ المسجدِ ، و أنت مستقبلٌ القبلةَ ،
***(1/325)
[2/330]
وانبعثتْ بكَ راحلتكَ ، فأحرمْ ، و كذلك إذا أخذ الرجلُ في المشي أحرم . و قال مالكٌ ، في "المدونة" : لا ينتظرُ سيرَ دابته .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : و من اقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم المعروفة ، اقتصر على حظٍّ وافرٍ ، وَ لا بَأْسَ عليه إن زاد على ذلك ، فقد زاد عمر : لبَّيْكَ ذا النَّعماءِ والفضلِ الحسنِ ، لبيك ، لبيك مرهوباً و مرغوباً إليك . وزاد ابنُ عمرَ : لبيك ليك ، وسعديك ، والخير بيديك ، والرَّغْبَاءُ إليك و العملُ .
و رُويَ أنَّ من تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم "لبيك إله الحقِّ لبيك" . و لا تُكره التلبية في كلِّ موطنٍ ، و على كل حالٍ ، و لا و هو في حاجته .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسم : وسئل مالكٌ ، عن قولِ عروة : لا إله إلا أنت و أنت تُحيي بعدما أمَتَّ . قال : ليس عليه العملُ و قد ترك .
قال في "المختصر" : وَ لا بَأْسَ بتعليم التلبية .
***(1/326)
[2/331]
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : والتلبية خلف كلِّ صلاةٍ وخلفَ النافلةِ ، و لا أحبُّ تركها في منازلهم ، و لا في الطرق . قيل : ففي اصطلام الرفاقِ ، قال : ما سمعت ذلك . و في "الواضحة" ، نحو ما ذكر ، وزاد ، وحين يلقى الناسَ ، عندَ اصطلام الرفاقِ ، وببطن كل وادٍ ، راكباً ، و ماشياً ، أو نازلاً ، أو قاعداً ، أو عند انتباهك من نومك ، و إن صليت بأصحابك ، فلبِّ دبرَ الصلاةِ مرة واحدةً على آخر التلبيةِ ، قبل قيامك .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : كانت عائشة تُسَمِّي في الإحرام بالحج و العمرة ، وكان ابن عمر يُحْرِم و يَنْوِي . قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : أحبُّ إليَّ النية ، و لا يسمِّي . و في رواية ابن القاسمِ : أكره التسمية ، و ذلك واسعٌ أَنْ يُسمِّيَ . قال : و يجزئه النية في إحرامه عن غيره .
قال ابنُ القاسمِ : قال مالكٌ : و مَن أراد أَنْ يُهِلَّ بالحجِّ مفرداً ، فأخطأ ، فقرن ، أو تكلَّمَ بالعمرة ، فليس ذلك بشيءٍ ، و هو على حجِّهِ .
قال في "العُتْبِيَّة" : ثم رجع مالكٌ ، فقال : و عليه دمٌ . و قاله ابن القاسمِ . قال مالكٌ : و إذا أحرم بالحجِّ بالتلبيةِ قارناً ، فليقل : لبيك بعمرةٍ وحجٍّ . معاً يبدأ بالعمرة .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال : و من لبى يريد الإحرام ، و لم ينوِ شيئاً ،
***(1/327)
[2/332]
فالاستحسان أَنْ يُفردَ ، و القياس أَنْ يقرِن . و لو نوى شيئاً فنسيه ، فهذا قارنٌ لابدَّ . و قاله أشهبُ ، في "المَجْمُوعَة" .
و من "كتاب" محمدٍ ، و إن لبَّى بعمرتين ، أو حجتين ، فليس عليه إلا حجة واحدة ، ولاي قضي الأخرى .
و ليسمع نفسَه التلبية ، و مَن يليه في المساجد ، غيرِ المسجدِ الحرام و مسجد مَنًى ، فليرفع فيها صوته . قال أشهب في "المَجْمُوعَة" : لأن لك ينتشر فيهما ، و لا تُشتهر بذلك الملبِي لأنها موضع ذلك .
و من "العُتْبِيَّة" ، أشهب ، عن مالكٍ ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : «أمرن يجبريلُ أنْ آمُرَ أصحابِي برفعِ الصوتِ في التلبيةِ» . و ليس عليه أَنْ يصيحَ جدًّا حتى يعقرَ حَلقه ، والوسطُ من ذلك يُجْزِئُهُ ، إن شاء الله تعالى .
و من "المختصر" قال مالكٌ : و لا بأسَ بتعليم المحرمِ التلبيةَ .
و منه و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و الأعجميُّ يُلبِّي بلسانه الذي يرطُنُ به .
وواسعٌ للمحرم التلبية حولَ البيتِ ، وتركها أحب إليَّ . و أكثر الناسِ
***(1/328)
[2/333]
يفعله ، و كان ابن عمر لا يفعله ، و لا ابن شهابٍ . و ما ارى به بأساً .
و إذا طاف المعتمر لم يَعُدْ على التلبيةِ ، و ليعد القارن .
قال العتبيُّ ، و ابن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : و لا بأسَ أَنْ يلبِّيَ الحاجُّ على الصفا و المروة ، و أما المعتمر فلا ، أحرم من ميقاته أو من التنعيم .
قال أشهبُ ، عن مالكٍ : لا يقطع الحاج التلبيةَ ، و إن دخل أوائل الحرمِ ، و لكن يقطعها في الطوافِ ، و إن لبَّى فواسعٌ ، ثم يعاودها حتى يروحَ إلى عرفة .
قال الن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : مَن أحرم من الميقات لحجٍّ أو عمرةٍ ، فليقطع التلبية ، و يسعى حتى يروح إلى عرفة .
و من "المختصر" : و من اعتمر من الجُعرانة قطع إذا دخل مكة ، و إن اعتمر من التنعيم قطع إذا رأى البيت ، أو دخل المسجدَ ، و إن اعتمر من الميقات قطع إذا دخلَ الحرمَ ، و إن لبَّى في ذلك كله حتى يدخل المسجد ، فذلك واسعٌ ، و الإحرام من الميقات أفضل له من الجعرانة أفضل من التنعيم .
قال محمدٌ : قال مالكٌ : يقطعُ التلبيةَ يوم عرفةَ إذا زاغت الشمسُ ، و قال : إذا زاغت و راح إلى مصلَّى عرفة ، و به يأخذ ابنُ القاسمِ ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغُ ، و قال مالك أيضاً : يقطع إذا وقف بعرفة .
قال ابن وهبٍ : قلت لمالكٍ : أيلبي في ممشاه إلى الموقف للدعاء حتى
***(1/329)
[2/334]
ينتهيَ إليه؟ قال : لا . و قال عنه أشهبُ : إذا راح إلى موقف عرفة قطعَ التلبية ، و لا يلبي الناس بعرفة ، و لا الإمام في خطبته .
قال سحنونٌ : و إذا اغتسلتَ بعرفة ، فإذا زاغتِ الشمسُ ، فرُحْ إلى المسجدِ مُلبيًا ، فإذا صليت الظهر و العصر ، ورُحت إلى الموقف فاقطع التلبية ، وخُذْ في التكبير والتهليل حتى تأتيَ الموقف .
قيل لمالك : أيردُّ الملبيَ السلامَ؟ قال : أحبُّ إليَّ ألا يرد حتى يفرغ من تليته ، فيرد بعد ذلك ، ثم قال : و هل يسلِّمُ على الملبِّي أحدٌ – إنكاراً لذلك -؟ قال مالكٌ ، و في "العُتْبِيَّة" : و إن رجع لحاجةٍ ، فلا يلبي رجوعه ، و إذا حلَّ ، فلا يلبي راجعاً .
و من "كتاب" محمدٍ : و مَن كبَّر و لم يلبِّ ، أو ترك التلبية حتى فرغَ ، فعليه دمٌ . و إن أنكر في إحرامه ، فعاودها ، أجزأه . و لو بدأ بالتلبية ، ثم كبَّر و هلَّل ، فلا شيء عليه ، و قيل : إن لبَّى أحرم ثم ترك ، فعليه دمٌ ، كمَن أحرم بغيرِ تلبيةٍ . و من نادى رجلاً حلالاً ، فأجابه : لبيك اللهم لبيك ، فإنْ كان جهلاً وسفهاً ، فلا شيء عليه .
وكثير من مسائل هذا الباب في "مختصر" ابن عبد الحكم .
ذكر المواقيت ، و مَن تعدَّاها ، و ما يفعل مَن دخل المدينة ، وذِكرُ أشهرِ الحجِّ و الإحرامِ قبلها (أو من وراء الميقات) أو مَ ، فاته الحجُّ من أين يُحرمُ بالعمرةِ؟
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قيل لمالكٍ : في ميقات الجُحْفَةِ أيحرم من
***(1/330)
[2/335]
وسطِ الوادي ، أو آخره ، قال : هو مهلٌّ كله ، فليحرم من أوله ، أحبُّ إليَّ ، و كذلك ما كلن مثلَ الجُحفةِ من المواقيت . وسئل أيضا : أيحرم منَ الجُحفةِ من المسجد الأول أو الثاني؟ قال : ذلك واسعٌ ، و من الأول أحبُّ إلينا . و مثله في "العُتْبِيَّة" ، من سماع ابن القاسمِ ، و لم يقل : و الأول أحب إلينا .
قال مالك : و المواقيت في العمرة والحج سواءٌ ، إلا من منزله في الحرمِ أو بمكة ، فعليه في العمرة أَنْ يخرج إلى الحلِّ ، و أقلُّ ذلك التنعيم ، و ما بعد مثلُ الجعرانة ، فهو أفضل . و لو خرج الطارئ إلى ميقاته ، كان أفضل و إهلال من أحرم (من مكة ، فالحج من جوفِ المسجدِ إذا رأوا هلاَ ذي الحجة ، و إن أخرُّوا على يوم التروية ، فأرجو أَنْ يكونَ فيه سَعَةٌ . و مثله في "العُتْبِيَّة" ، من سماع أشهب ، و قال : يحرم من جوف المسجد ، لا من بابه ، و لا من منزله .
محمدٌ : قال مالكٌ : و من حجَّ في البحر من أهلِ مصرَ وشبههم ، فليحرم إذا حادى الجحفة ، و مَن كان منزله حذاء الميقات ، فليحرم من منزله ، و ليس عليه أَنْ يأتي الميقات . قال مالك : (و من منزله دونَ المواقيت على مكة فليُحرم من داره أو مسجده و لا يؤخر ذلك) ، و قد أحرم ابن عُمر من الفرعِ ، حين
***(1/331)
[2/336]
أراد الخروج منه إلى مكة ، و من أحرم من بلده ، وقبل الميقات فلا بأس بذلك ، غير أنَّا نكره لمَن قارب الميقات أنْ يحرم قبله ، و قد أحرم ابنُ عمر من بيتِ المقدسِ ، و أحرم من الفرعِ ، كان خرج لحاجةٍ ، ثم بدا له ، فأحرم منه .
قال مالكٌ : فِي مَنْ نذر إن شفاه الله أَنْ يحرم بعمرةٍ من المدينةِ : فليغتسل بالمدينة ، و يتجرد بها ؛ لقوله : من المدينة . و لا يحرم إلا من ذي الحُليفةِ ، و في رسولِ الله صلى الله عليه و سلم أسوةٌ حسنةٌ .
قال في "المختصر" : و أحبُّ لأهلِ المشرقِ إن مرّوا بذي الحُليفةِ أَنْ يحرموا منها . و قال في "المدونة" : ليس لمن مرَّ بها من أهل العراق أَنْ يجاوزها ؛ لأنَّه لا يتعداخا إلى ميقاتٍ له .
قال ابن حبيبٍ : و إذا أراد أهلُ مصرَ و أهلُ الشام و المغرب أن لا يمروا بالجُحفةِ ، فلا رخصة لهم في تركِ الإحرامِ من ذي الحُليفة .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و أُحبُّ لمَن دخل المدينة ، إذا دخل المسجدَ أَنْ يبدأ بركعتين قبلَ الوقوفِ بالقبرِ ، و من دخل المسجدَ الحرامَ ، فليبدأ قبل الركوعِ . قال ابن حبيبٍ : و يقولُ إذا دخل مسجدَ رسولِ الله صلى الله عليه و سلم : بسم الله ، وسلامٌ على رسولِ الله عليه الصَّلاَة والسلامُ ، وافتح لي أبواب رحمتك ، وجنتك ، واحفظني من الشيطان الرجيم . ثم تقف بالقبر – يريد : بعد أن تركع – فتقف متواضعاً متوقِّراً ،
***(1/332)
[2/337]
فتُصَلِّي على النبي ، وتثني عليه بما يحضرك ، وتسلم على أبي بكر ، و عمر ، وتدعو لهما ، و أكثر من الصاة بمسجد النبي صلى الله عليه و سلم بالليل والنهار ، الفرض والنافلة ما أقمت بها ، و لا تدع أنْ تأتيَ مسجدَ قباءَ ، وقبور الشهداء .
قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و يسلمُ على النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل وخرج ، وفيما بين ذلك . قال مالكٌ في موضع آخر : و قد أكثر الناسُ من ذلك .
قال محمدٌ : و إذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقبر ، و كذلك مَن خرج مسافراً .
قال ابن حبيبٍ : وتركع ركعتين عند وداعك القبر ، وتسأل الله فيهما الفوز والتقبل وتمامَ حجك ، و قد اغتسلت لإحرامك وتجرَّدْتَ ، فلا تُلبِّ حتى تأتي ذا الحُليفةِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ ، في رجلٍ بمكة أراد أنْ يحجَّ عن رجلٍ : فليحرم من ميقات الرجل ، أحب إلينا . و إن أحرم من مكة أجزأه .
قال ابن القاسم : و من حلفَ بالمشي على بيت الله ، و هو بمكة ، من مكيٍّ أو طارئٍ ، ثم حنثَ ، فليخرج على الحلِّ ، فليحرم بحجٍّ أو بعمرةٍ .
و كذلك لو نَوَى أنَّه محرمٌ ساعة يحنث ، فلا بد أَنْ يخرج ، و إن كان الإحرام لزمه . و رُوِيَ عن مالكٍ ، في الحالف في المسجدِ ، فهذا يخرج إلى الحل .
مالكٌ : و لا يَقْرِنُ أحدٌ من مكة ، و من أهَلَّ بحجٍّ أو بعمرةٍ ، فلا يقيم بأرضه إلا غقامة المسافر . و ليس مكةُ و لا الحرم بميقات المعتمر ، فمن أحرم بعمرةٍ من مكةَ أو من الحرمِ ، فقد اخطأ و قد لزمه ، و عليه أَنْ يخرج إلى الحِلِّ على إحرامه ، لا يقطعه ، فيدخل مَهلاًّ به ، و إن لم يذكر إلا في
***(1/333)
[2/338]
طوافه أنَّه أَهَلَّ من الحرمِ ، فليتم طوافه ، و يخرج على الحِلِّ ، فيدخل منه .
قال محمدٌ : يريدُ : و يبتدئ . قال : و إن لم يذكر حتى أتمَّ عمرته ، وحلقَ رأسَه ، فليس ذلك بإحلالٍ ، ولابدَّ أَنْ يخرج إلى الحِلِّ ، و يدخل منه ، و يأتنف عمل العمرة ثانية . و يُمِرَّ المُوسَى على رأسه ، و لا شيء عليه في حلاقه الأول . قال أبو محمدٍ : و هذه المسألة أراها لأشهب ، و هي في "أمهات" أشهب نصًّا ، إلا أنَّ في "كتابه" : عليه الفدية في حلاقه الأول ، و هكذا رأيت في "أمهات" يحيى بن عمر ، و غيرهما ، و هذا الصواب ، و أراها وقعت في "كتاب" ابن الْمَوَّاز غلطاً .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و هو لأشهب في "كتابه" قال : فإن أصاب أهله فيما بين أَنْ يخرج إلى الحِلِّ لعمرته الثانية ، قال : فليتمَّها ، و عليه عمرةٌ أخرى و الهدي .
قال مالكٌ : في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، في المريض : لا ينيغي أَنْ يجاوز الميقات ، لما يرجو من قوةٍ ، وليحرم منه ، و إن احتاج على شيءٍ افتدى .
ورُوِيَ عنه ، أنَّه قال : لا بأس أَنْ يؤخر إلى الجحفةِ . و في رواية ابن عبد الحكم : لا يؤخر إلى مكة ، وربَّ مريضٍ أزاله ذلك حتى يأتيَ الجحفةِ .
***(1/334)
[2/339]
و قال : لا تؤخر الحائضُ من ذي الحليفة على الجحفةِ رجاء أن تطهر .
قال : و مَن تعدَّى الميقات ، فليرجع إذا لم يحرم ، ما لم يخفِ الفوات ، فيحرم . و قيل : و إن شارف مكة ، فلا يرجع ، و يحرم و يُهدي ، و إن لم يشارف رجع إن كان يدرك .
قال ابن حبيبٍ : و مَن تعدَّى ميقاته ثم أحرم بعد أن جاوزه ، فعليه دمٌ ، إلا أنْ يحرم و هو قريب منه ، فلا دم عليه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و من جاوز ميقاته لا يريد دخول مكة ، و يريد حاجة بمثل أمَجٍ وقُدَيدٍ ثم بدا له أَنْ يدخل بعمرةٍ ، فليحرم . و لا يجع ، و لا دم عليه .
قال مالكٌ : و مَن جاوز ميقاته يريد دخول مكة حلالاً ثم أحرم بعد أن جاوزه ، فعليه دمٌ ، قال محمدٌ : (لا هدي عليه) ، و إنما الهدي على من جاوز ميقاته يريد الإحرام .
و أخبرني أبو زيدٍ ، عن ابن القاسمِ ، فِي مَنْ دخل مكةَ حلالاً ، ثم أنشأ الحج منها ، فلا بأس بذلك ، و لو خرج إلى الحِلِّ ، كان أحبَّ إليَّ .
قال : و على متعدِّي ميقاته في قضاء ما فاته من حج أو عمرة ، هَديٌ .
قال ابن القاسمِ : و من تعدى الميقات ففاته الحجُّ ، فلا هدي عليه ، و إن أفسدَ حجه ، فذلك عليه . و قال أشهبُ : عليه ذلك في الفوات والفساد ، و به قال محمد .
***(1/335)
[2/340]
و من أنشأ الحج من مكة و من مكيٍّ ، أو متمتعٍ طارئٍ ، أو من دخل بعمرةٍ ثم اردغ إليها الحج أو بالحرمِ ، ثم فاته الحجُّ ، فليخرج كل واحدٍ منهم إلى الحِلِّ لعملهم عملَ العمرةِ ، و ليس مكةُ بميقاتٍ للمعتمر ، و من دخل مفرداً أو قارناً ، ثم فاته ، فلا يخرج إلى الحلِّ ، لأنَّه منذ دخل مكةَ بإحرامه هذا ، فليطف و يسعَ ، طاف قبل ذلك أو لم يطف ، وذك رنحوه ابمن القاسمِ ، في "العُتْبِيَّة" .
و لا أحب لأحدٍ أَنْ يحرم بالحجِّ في غير أشهر الحجِّ ، إن فعل لزمه ، و إن احرم في المحرم إلى ذي الحجة ، لزمه ، و لا يزال ملبياً محرماً حتى يرمي ، و يحلق ، وكُره أَنْ يقرن في غير أشهر الحجِّ .
قال أشهبُ : قال مالكٌ : و أشهر الحجِّ ، شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة كله . و قال ابن حبيبٍ ، عن مالكٍ : شوال ، وذو القعدة ، و عشر ذي الحجةِ ، و رُوِيَ ذلك عن عمر ، وعثمان ، و ابن عمر ، و ابن عباسٍ . و ذكر في "المَجْمُوعَة" رواية أشهب هذه ، و قال : و قاله أشهبُ ، و رواه عن عمر بن الخطابِ . و قال محمد بن عبد الحكمِ : إذا انقضتْ عشر ذي الحجة فقد انقضى أشهر الحجِّ .
***(1/336)
[2/341]
في لباس المحرم ، و ذكر ما فيه من صِبْغٍ أو طِيبٍ
من الثيابِ ، و مما يَتَوَسَّدُ و ينام عليه ، و ذكر العقد وشبهه
في لباسه ، و ما فيه الفدية من اللباس
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : ولباس البياض في الإحرام أحبُّ إلينا ، وَ لا بَأْسَ بغيره .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : وسَّعَ مالكٌ أَنْ يحرم في ثوبٍ غيرِ جديدٍ ، ,عن لم يغسله . قال أشهبُ : و إن خاف عليها نجاسةً ، فهذا من باب الوسوسةِ ، فأحبُّ إلي غسلهما ، كانا جديدين أو غسيلين .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و إن ابتاع ثوبين من السوقِ ، فخاف أَنْ يكونا مسروقين ، فلا يحرم فيهما إن شكِّ . قيل : فإن باعهما وتصدَّقَ بثمنهما؟ قال : قد أصاب .
قال مالكٌ : والنساءُ والرجال فيما يُنْهَى عنه من الإحرامِ في المُوَرَّسِ ، و المعصفرِ المُفدَمِ ، و المزعفرِ ، سواءٌ ، وَ لا بَأْسَ بغير ذلك من الألوان ، و إن أحرم في ثوبٍ مُوَرَّسٍ ، أو مزغفرٍ ، فليفتدِ .
و من "المَجْمُوعَة" : و كره مالكٌ الإحرامَ في المعصصفرِ المُفدَمِ
***(1/337)
[2/342]
للرجال والنساءِ . قال أشهبُ : اكره من المعصفرِ مالَه رَدْعٌ في الجسدِ . و لا فدية على /َن لبسه من رجلٍ أو امرأةٍ ، و قد أساء . و أكره لُبس ما لم يردع منه للرجل المفتدِي به ، و أفضل لباس المحرم البياض ، و لا يمنع من سواه ، والخَزُّ من أشهر ذلك . و ما كان منه أبيضَ و من الألوان ما لا شبهةَ به على الناسِ في لباسِ المصبغِ ، فلا بأس به .
قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ : وللمرأة أن تحرم في الحرير الصفر .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : وللمحرمةِ أن تلبس ثياب حيضتها ، ولتغسل ما فيها من الدمِ ، و لا يُكره لها من اللباسِ غيرُ الوَرْسِ والزعفرن و المعصفرِ المفدَمِ . قال ابن حبيبٍ : ولها لباس المفدم إلا الذي ينتقض ، فقد كره مالكٌ ، ولها لباس الخزِّ في الإحرامِ .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال : وتلبسُ كيف شاءتْ ، إذا اجتنبت النقاب ، والبُرقعَ ، و القُفازين ، و إن فعلت لك افتدت ، إلا أنْ تنزعه مكانها ، و كذلك البرقع ، و إن خافته ، ولها لباس الخُفَّيْن .
قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة" : وتلبس السراويلَ والخفين وال ؛ لي والحريرَ ، وَ لا بَأْسَ أن تلبس عمامة حريةٍ . قال ابن حبيبٍ : كان مالكٌ يوجب عليها الفدية والنقاب والبرقع و القفازين ، و أنا لا أبلغ بهاذ لك في القفازين ، لرخصةِ عائشةَ فيهما ، و أما الخفين والسراويل فمجتمَعٌ على الرخصةِ لها فيهما .
***(1/338)
[2/343]
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و لا يحرم المحرم في ثوبٍ فيه ريحُ مسكٍ أو طيبٍ . فإن فعل فلا فديةَ عليه . قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة" : إلا أني كون كثيراً ، أو يكون كالتطيبِ ، فيفتدي ، قال : وَ لا بَأْسَ بالمورَّدِ ، و الأصفرِ بغير وَرْسٍ و لا زعفرانٍ ، و أمَّا المعصفرُ ، فإن غسلَ فذهب لونُه ورائحته فلا بأس به ، و إن بقيت رائحته أو بقيت فيه صفرة فلا ، إلا أن تكون معدَّةً يغشيها يوارى لونها .
و من "العُتْبِيَّة" ، و"كتاب "ابن الْمَوَّاز ، قال مالك : و من احرم في ثوبٍ فيه لُمعةٌ من الزعفران ، فلا شيء عليه ، و ليغسله إذا ذكر . وَ لا بَأْسَ أَنْ يحرم في ثوبٍ مصبغٍ . قال ابن القاسمِ : و إن كانت رائحته طيبةً ، ما لم يكن مسكاً أو عنبراً .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و لا ينام على شيءٍ مصبوغٍ بورسٍ أو زعفرانَ ، من فراشٍ أو وسائدَ ، و لا يجلس إلا أَنْ يُغشِّيَه بثوبٍ كثيفٍ ، فإن فعل و لم يغشه افتدى إن كان صبغاً كثيراً ، أو معصفراً أخف ذلك ، و لا أحب أَنْ ينام على ذلك ، لئلا يعرقَ فيصيبه ، إلا الخفيف لا يخرج على الجسدِ ، و لا يتوسَّد مرفقة فيها زعفران ، و كره أَنْ ينام
***(1/339)
[2/344]
على خشبةٍ مزعفرةٍ قد ذهبت الشمس بصباغها حتى يغشيها بثوبٍ أبيضَ .
قال مالكٌ : وللرجل أَنْ يحرم في ثوبٍ فيه حريرٌ ، ما لم يُكثره . و أخبرنا أبو بكرٍ ، عن يحيى بن عمر ، عن ابن بُكيرٍ ، أنه سأل مالكاً : هل يحرمُ في ثوبٍ فيه علمُ حريرٍ قدرَ الأصبعِ؟ قال : لا بأس بذلك .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و له أَنْ يرتدي بقميصه وبُرنسهِ ودُواجه وقبائه و يطرحه على ظهره . وكُره أنْ يرتدي بالسراويل . قال : و إن لم يجد مئزراً ، فلا بأس بالسراويل ، و إن افتدى ، و فيه جاء بالنهي . قال في "المختصر" إذا لم يجد مئزراً ، فليلبس سراويل ، و يفتدِ .
مالكٌ : و إذا اغتسل فجعل ثو به على رأسه ، يتجفَّفُ به ، فهو خفيفٌ ، وتركه أحب إلينا ، و إذا جرَّبَ خُفًّا فلبسه ، ثم نزعه مكانه ، فلا شيء عليه .
قال مالكٌ : و إن لبس قميصاً و لم ينتفع به من حَرٍّ أو بردٍ ، حتى ذكر فنزعه ، فلا شيء عليه ، و إن مكث يوماً ، أو انتفع به لحرٍّ أو لبردٍ افتدى .
***(1/340)
[2/345]
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و إذا لم يجد المحرم النعلين بثمنٍ يُشبه ثمنهما ، أو يقاربه ، فله أَنْ يلبس الخفين ، و يقطعها أسفلَ من الكعبين ، و إن فعل ذلك واجداً لشراء النعلين بماذ كرنا من الثمن ، فليفتد . و قال ابن حبيبٍ : إنما أرخصَ في قطعِ الخفين في قلةِ النعالِ ، فأما اليوم فقد كثرت فلا تقدم ، و لا رخصة في ذلك اليوم ، و من فعله افتد . و قاله ابن الماجشون .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و كره مالك للمحرم الجوربين ، أو نعلاً له عقب معطوف ، يجاوز من وراء رجليه .
قال الن الماجشون : و إن لحتاج على لباسِ قميصهِ ، ثم استحدث لباس سراويل معه ، ففديةٌ واحدةٌ ، و لو احتاج أولا على السراويل ، فلبسه ثم لبس قميصاً ، ففديتين . و أما إن لبس قَلَنْسِيَةً ، ثم بدا له فلبس عمامة ، أو لبس عمامة ثم نزعها فلبس قلنسية ، ففدية واحدة في هذا كله . و قال عنه ابن حبيبٍ : و كذلك إن احتاج على قميصٍ فلبسه لم ينوِ لُبسَ غيره ، ثم احتاج إلى جُبَّةٍ فلبسها ، ثم اختاج إلى فروٍ فلبسه ، فليس عليه إلا فدية واحدة ، و كذلك لو لبس قلنسية ثم احتاج إلى عمامة ثم على التقبُّبِ والتظللِ ، ففعله ، ففدية واحدة في ذلك كله .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال : قال مالك : و لا ينبغي أَنْ يفعل ما فيه الفدية من غير الضرورة ، ليسارة الفديةِ عليه ، و أنا أعظه عن ذلك ، فإن فعل فليفتدِ ، و إن لبس لغير علةٍ ، ثم مرض ، فتركه ، ثم صحَّ ، فتركه ، ففديةٌ واحدةٌ تُجْزِئه . و لو لبس لمرضٍ ، ثن تمادى فلبسه يعد أن صحَّ فعليه فديتان . و كذلك ذكر ابن حبيبٍ ، في أول المسألةِ ، عن ابنِ الماجشون ، وزاد : لا يبالي من مرضَ مرضةً ثانية بعد الأولى ، ثم صحَّ منها ، و هو عليه ، أو لم يمرض ثانيةً ، فليس عليه إلا فديتان . و من هذا المعنى في باب التظللِ ، و في باب التطيبِ في تكرير ما يفعله مما نُهيَ عنه .
***(1/341)
[2/346]
في العقد و الاحتزام والتعصيب وشبهه للمُحرمِ ، وتقليد السيف
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و إن عقد الثوب عليه حتى صلَّى ، افتدى . قال محمدٌ : و ليس لأن هذا طويلٌ ، و لكن لانتفاعه . و في موضع آخرَ ، قال ابنُ القاسمِ –و كأنه لا يرى عليه فديةٌ - : إن صلَّى كذلك لقربهِ ، و قد قال مالكٌ : يفتدي ، و ما هو بالبينِ . قيل لمالك : أيَحْتَزِمُ المحرم بثو به على نفسه؟ قال : أمَّا إن أراد العملَ ، فلا بأس به ، و إلا فلا .
قيل : يستثفر بثو به عند الركوب؟ قال : أرجو أَنْ يكونَ واسعاً ، و ما هو من الشأن . قال في "المختصر" : واختُلفَ في استثفاره به عند الركوبِ والنزولِ و العملن و أرجو أَنْ يكون واسعاً .
و من "كتاب" محمدٍ : و إن احتزم فوق إزاره بعمامةٍ ، أو حبلٍ ، أو خيطٍ افتدى . و إن ائتزر بمئزرٍ فوق مئزره . افتدى إلا أَنْ يبسطهما ثم يأتزر بهما معاً ، و كذلك ذكر ابن عبدوسٍ ، عن عبد الملكِ : قال عنه : و أما رداءٌ فوق رداءٍ فلا بأسَ . قال : وَ لا بَأْسَ فيما يجملُ من وفرةٍ أَنْ يعقده على صدره .
قال في "المختصر" : وَ لا بَأْسَ أَنْ يحملَ متاعه على رأسه ، أو يجعل فيه الحبل ، و يلقيه خلفه ، و يجعل الحبلَ في صدره .
قال ابن عبدوسٍ : قال عنه ابن القاسمِ : وَ لا بَأْسَ أَنْ يجعل إزاره في حجوته عند نزوله . قال عنه ابنُ نافعٍ : و لا يستثفره إذا ركب . قال عنه ابن القاسمِ : و مَن قصَّر إزاره أيعقده – إذا صلى – خلف قفاه؟ قال : لا ،
***(1/342)
[2/347]
وليأتزر به ، فإن فعل فلا شيء عليه .
و كذلك في "العُتْبِيَّة" ، وَ لا بَأْسَ أنْ يتوشَّحَ بثو به ، و أن يحتبي ، فإنْ عقد ما يتوشح به على عنقه ، فإنْ نزعه مكانه ، فلا فدية عليه ، و كذلك إن جلله عليه ، فإن طال ذلك افتدى . و ذكر نحوه ابن حبيبٍ ، عن مالكٍ ، وزاد عنه : و كذلك إن زرَّرَ عليه طَيلسانه .
قال مالكٌ : في "العُتْبِيَّة" : و لا يجعل الكساءَ يلبسه بعودٍ .
و من "كتاب " ابن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : و أما أَنْ يحتبي بثو به ، و ليس من ناحية العقدِن و مَن عَصَبَ من وجعٍ يجده ، فليفتد .
قال مالكٌ : و يتقلد المحرم الشيفَ ، إن احتاج إليه وخاف ، و لا فدية عليه إن فعله من غير حاجةٍ ، و إن نزعه ، و لا يفتدي . و من كتاب آخرَ قال ابنُ وهبٍ : إذا تقلده من غير حاجةٍ إليه ، فعليه الفديةُ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و من "العُتْبِيَّة" ، قال مالك : وَ لا بَأْسَ أَنْ يتخذ الخرقة ، و يجعل فرجه عند نومه ، و هو بخلاف لفِّها عليه للمنِيِّ أو للبولِ ، هذا يفتدى . و إن استنكحه بفديةٍ واحدةٍ تُجْزِئه إذا استدامه ، و لو اعتمر بعد حجته ، افتدى لذلك فديةً ثانيةً .
قال ابن القاسمِ : عن مالك ، في "العُتْبِيَّة" : و أما الذي يعصب على ذكره عصابةً للمنيِّ ، أو للبولِ يقطر منه ، قال : عليه الفديةُ . و قال في موضع آخرَ : يَلُفُّ على ذَكره خرقة للمَذْيِ أو للبولِ ، والجواب سواء
***(1/343)
[2/348]
في باب التظلل من مسائل العقدِ .
في التظلل والتقبب للنحرم ، وتغطية الرأس و ما يفعله من العقد ولصق الخرق ورباط المنطقةِ ، و نحو ذلك
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و لا يستر المحرم على رأسه و لا على وجهه من الشمس بعصاً فيها ثوبٌ . فإنْ فعل افتدى ، و لا بأسَ بالفسطاط و القُبَّةِ و هو نازلٌ ، و لا يعجبني أَنْ يستظلَّ يومَ عرفة بشيءٍ . و لا يستظلَّ في البحرِ ، إلاَّ أَنْ يكون مريضاً ، فييفعل و يفتدي . قال مالكٌ : وَ لا بَأْسَ أَنْ يستظلَّ تحت المحملِ و هو سائرٌ ، أو يجعل يدَه على رأسه أو يستر بيده وجهَه من الشمسِ ، و هذا لا يدومُ . وقا سحنونٌ : لا يستظل تحت المحمل و هو سائرٌ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهب : و إن غطَّى وجهه متعمداً ، أو ناسياً حتى انقطع بذلك ، لحرٍّ أو بردٍ ، فلا فدية عليه ، لما جاء فيه . قال ابن حبيبٍ : قال ابن الماجشون : لا بأس أَنْ يتظلل المحرم إذا نزل بالأرضِ ، وَ لا بَأْسَ أَنْ يلقيَ ثوباً على شجرةٍ ، فيقيل تحته ، و ليس كالراكب ، و الماشي . و هو للنازل كخباءٍ مضروبٍ . و ذكر ابنُ المواز ، في "كتاب المناسك" ، أنَّه لا يستظلُّ إذا نزل بالأرضِ بأعوادٍ يجعل عليها كساءً أو غيرَه ، و لا يحمله ، قال : فإنما وُسِّعَ له في الخباء والفسطاط والبيتِ المبنيِّ . و قال
***(1/344)
[2/349]
يحيى بن عمر : لا بأس بذلك إذا نزل بالأرضِ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال أشهبُ ، عن مالكٍ : وَ لا بَأْسَ أَنْ يجعل يديه فوقَ حاجبيهن يستر بهما وجهه ، و كره أَنْ يجفف رأسه إذا اغتسل بثوبٍ ، و لكن يَحُكُّهُ بيديه . قال في "المحتصر" : و هو خفيفٌ في الثوبِ ، وتركه احب إلي .
قال في "المختصر" : و ليس على المحرم كشف ظهره للشمسِ إرادةَ الفضل فيه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : وَ لا بَأْسَ أَنْ يواريَ المحرمُ بعضَ وجهه بطرفِ ثو به ، و إذا جاز للمحرم أَنْ يتعممَ ، أو يتفلسَ ، جاز له انْ يتظلل .
و منه ، و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، و كره مالك أَنْ يَكُبَّ وجهه على الوسادةِ من الحرِّ ، و لا يرفعها يستظلُّ بها ، وَ لا بَأْسَ أَنْ يضع خدَّه عليها .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و إذا عصَّبَ رأسه لصداعٍ بعمامةٍ ، ثم ذهب عنه ، فبعد ايامٍ عاوده ، فعصب رأسه ، فإن نوى أولا إن عاد إليه الوجعُ عاودها ، ففديةٌ واحدةٌ و إلا ففديتان .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و إذا جعل صُدغيه فعليه الفدية ، و هو من ناحية العقد ، و كذلك إن عصَّب رأسه .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال : و إذا غطت المحرمة وجهها ، و أسدلت عليه
***(1/345)
[2/350]
لحرٍّ أو لبردٍ ، لا لسترٍ ، افتدت إلا انْ تنزعه مكانَها .
و إذا مات المحرم خُمِّرَ وجهُه ورأسُه .
قال مالك في المرأة تعادل الرجل في المحمل : لا يعجبني أَنْ يجعل عليهما ظلاًّ ، وعسى أَنْ يكونَ في ذلك بعضُ السعةِ إن اضطُرَّ على ذلك ، و في رواية أشهب : لا يستظلُّ هو ، وتستظلُّ هي . و قاله ابن القاسمِ .
قال : و في الدُّمِّلِ تُوضعُ عليها رُقعةٌ ، قدرَ الدرهم ، إنَّ ذلك كثيرٌ ، و يفتدي .
و من "المختصر" : و إن كان به قروحٌ ، فألصق عليها رِقاعاً صغاراً ، فلا بأس به ، و إن كانت كباراً فليفتد .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و لا باس أَنْ يربط نفقته في إزاره ، و يعقد ذلك فيهن و إن لم يكن له منطقةٌ ، و كره له مالكٌ شدَّ المنطقةِ على العضدِ والفخذِ والساقِ . قال ابن قالاسمِ : و لا فدية عليه إن فعل ، قال أصبغُ : أما في العضدِ فليفتد .
و من "العُتْبِيَّة" ، / قال ابن القاسمِ : عن مالكٍ : و إذا كان في إصبعه قطْعٌ بسكينٍ ، فإن كان يسيراً وجعل عليه حِنَّاءً ، وربطه بخرقةِ ، فلا شيءَ فيهن و إن كان كثيراً ، افتدى إذا فعل ذلك .
في الطيب للمحرم ، و إلقاء التَّفَثِ ، وقتلِ الدوابِ ، والدُّهنِ والكحل والحجامة ، وحلق الشعرِ والزِّنَةِ ، و غيرها ، و من فعله بغيره
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال : و مَسُّ الطيبِ أشدُّ من شمِّهِ ، وشربه أشدُّ من مسِّهِ ، والفديةُ في شربهِ ، أو مسِّهِ .
***(1/346)
[2/351]
قال ابن وهبٍ ، قال مالكٌ : في المحرم يشرب شراباً ، فيه طيبٌ ، أو رائحةٌ : فلا يعودُ ، و لا شيء عليه ، و قاله أشهبُ . قال محمدٌ : و هذا عندنا ، فيما طبخته النار ، أو فيما تغير لونه ، و لا يوجد طعمه ، كالترياقِ ، وشبهه ، والفُلُّونيَّةِ . و ليس لما فيه من الزعفرن قدرٌ ، و لا يُرى .
و كذلك ذكرَ في "العُتْبِيَّة" ، عن مالكٍ ، في الفلونيَّةِ والترياقِ : وَ لا بَأْسَ عليه في شربههما .
قال ابن حبيبٍ : و له أنْ يأكل ما فيه زعفرانٌ ، مما طبخته النارُ ، حتى أذهبت ريحه ، و لا يَعْلُقُ باليدِ ، و لا بالفمِ منه شيءٌ مثلُ الخُشْكَنَانِ الأصفرِ ، والخبيصِ ، فأما الفالوذُ ، والدقِّقَّةُ ، فلا ؛ لأنَّ الفالوذ ، و إن مسته النارُ ، فربما صبغ اليدَ ، والفمَ ، و أما الدِّقَّةُ المصبوغة فتصبغ اليد والفم .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال ابن القاسمِ : و مَن شرب زعفراناً تداوياً ؛ افتدى . قال مالكٌ : و ليغسل ما أصابه من خلةق الكعبةِ بيده ، و لا شيء عليه ، و له تركه إن كان يسيراً ، و إن أصاب كفُّه من خلوقِ الركنِ ، فإن كان كثيراً ، فأحب إليّ أَنْ يغسل يده قبل أَنْ يقبلها ، و إن كان يسراً فهو منه في سعةٍ .
وكُره للمحرم بيعُ الزنبقِ وشبهه من الطيب الذي يَعلقُ ، فإن فعل ،
***(1/347)
[2/352]
فالله حسيبه . وكُره أَنْ يخرج في رفقها أحمال الطيب ، و إن أخذ باناً بأصبعه ، فوضعه على ظهر كفه ، فلا شيء عليه ، هذا ما لم يدهن به .
و لا بأس أَنْ يضع يده على أنفه إذا مرَّ بطيبٍ . قال ابن القاسمِ ، في "العُتْبِيَّة" : أحبُّ إليَّ أَنْ يفعل ذلك ، وَ لا بَأْسَ إن سدَّ أنفه من الجِيفةِ ، قال في "العُتْبِيَّة" : أو الغبار .
قال ابن عبد الحكمِ ، عن مالكٍ : و إن قطرَ في أُذنيه باناً غيرَ مُطَيَّبٍ ، لوَجَعٍ به ، فلا بأس به . و كذلك لو جعله في فيه .
قال ابن وهبٍ ، و ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و ما كان في باطنِ الكفِّ ، و القدمِ من شقوقِ فدهنه بزيتٍ ، أو سمنٍ ليمرَّ بهما ، فلا شيء عليه ، و أما على ظاهرالجلدِ مما يحسنه ، فليفتدِ . قالا : عن مالكٍ ، في المحرم الماشي يدهن باطن ساقيه أو ركبته أو ظاهر قدميه ، لخوفِ أَنْ يصيبه شيءٌ : فعليه فديةٌ واحدةٌ ، و إذا اشتكى بعضُ جسدهِ فدهن ذلك بدهنٍ ، أو بزيتٍ ، فليفتد .
قال ابن حبيبٍ : قال مالكٌ : و إن دهن باطن قدميه ، وكفيه لشكوى ، أو شقوقٍ بزيتٍ ، أو شحم ، أو دهنٍ لا طيب فيه ليمر بهما ، فلا شيء عليه ، و أما على ظاهر الكفِّ و القدمِ وسائرِ الجسدِ ، فليفتد ، لأنَّه يُحسِّنُه ، و يثذهب قشفه ، و أجاز ذلك غير مالك ، في كل ما يأكله المحرم ، و قاله الليث ، و رُوِيَ عن عليٍّ ، و ابن عباس ، و ابن عمر ، فلا فدية عندي فيه ، وتركه أحوطُ .
***(1/348)
[2/353]
و من "كتاب" محمدٍ : و إن داوَى جُرحه بدواءٍ ، فيه طيبٌ ، فَبرِئَ ، ثم انتقضَ فعاوده بهن فعليه فديتان ، و إن حلق رأسَه ، ثم وجد بَرداً ، فتعمَّم ، ففديةُ واحدةٌ ، إن كان في موضعٍ واحدٍ ، و كذلك إنْ حلق رأسَه ثم لبس ثوباً ، ثم تطيب في وقتِ واحدٍ ، ففديةٌ واحدةٌ .
و إذا اكتحل نحرمٌ أو محرمةٌ بالإثمدِ لا طيبَ فيه لغير وجعٍ ، فليفتديا .
قال ابن حبيبٍ : إن اكتحلا به لزينةٍ ، فليفتديا ، و أما لغير زينةٍ ، لحرٍّ وشبهه ، فلا فدية فيه عن لم يكن فيه طيبٌ . قال في "المختصر" : و لا باس للرجل بالكحل قبل أَنْ يحرم .
محمدٌ : قال مالكٌ : و ليس من أن المحرم و المحرمة النظرُ في المرآةِ إلاَّ من وجعٍ ، و ذلك خيفةَ أنْ يرى شعثاً فيصلحه ، و ليس من شانه تسوية الشعر ، و لا الحمام ، و إن نظر في المرآة فلا شيء عليه ، و يستغفر الله .
و من "العُتْبِيَّة" ، أشهبُ ، عن مالكٍ ، عن المحرمة تقيم أياماً ، ثم تريد نظرَ وجهها ، في المرآةِ ، فكره لها ذلك .
و من "كتاب" محمدٍ : و إذا أخذ من شاربه ، أو نتف من عينه شَعراً ، فليفتد و لو سقط من شعر راسه شيءٌ بحملِ متاتعه ، فلا شيء ععليه ، و كذلك إن جر بيده على لحيته ، فسقط منها الشعرة والشعرتان . قال ابن القاسمِ : و لو اغتسل فتسلقط منذ لك شعرٌ كثيرٌ ، فلا شيء عليهن و إن كان تبرَّدَ ، أو لو قتل لذلك قملاَ من رأسه ، فلا شيء عليه في الجنابةِ ، و عليه الفديةُ في التبردِ . قال أصبغُ : و هذا إن تناثر دوابٌّ وشيءٌ له بالٌ ، فأما في مثل الواحدةِ ، فليطعم تمراتٍ ، أو قبضاتِ سويقٍ أو كسراتٍ .
***(1/349)
[2/354]
قال في المختصر : و من شأنه قرضُ اظفاره ، أو لحيته بأسنانه ، فعليه فدية واحدةٌ . و كذلك في "العُتْبِيَّة" ، عن ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : يفتدي . قال ابن القاسم : يريد في ظنِّي و إن كان مِراراً .
و من "كتاب" محمدٍ : و مَن نتف شعراً من أنفه ، أو من حلق مَرشحةٍ لضرورةٍ ، أو لموضع المحاجمِ ناسياً ، أو جاهلاً ، افتدى . و كلُّ ما كان لإماطةِ أذًى و إن قلَّ ، ففيه الفديةُ ، و ما كان لغير إماطةٍ و لا لمنفعةٍ ، جاهلاً ، أو ناسياً ، فعليه في الشعرة أو الشعرات قبضةٌ من طعامٍ .
قال مالكٌ : و إن قصَّ ظفرين من غير كسرٍ ، افتدى . قال ابن القاسمِ : و لا شيء في الواحد إلا أَنْ يُميطَ به عنه أذًى . و قال أشهبُ : يُطعمُ فيه شيئاً ، و إن قصَّ من كل يدٍ ، افتدى . قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : في الظفر الواحد مسكيناً .
و مَن فعل ما عليه فيه الفديةُ ، فلم يفتدِ حتى فعله ثانيةً ، أو غيره مما فيه الفدية ، فإن قرَّبَ بعضَ ذلك من بعضٍ ، و في موطنٍ واحدٍ ، ففديةٌ واحدةٌ ، و إن لم يكن كذلك ، ففي كل شيءٍ فديةٌ ، إلا أَنْ يكون نَوَى أوَّل مرة أَنْ يفعل ذلك كله ، ففدية واحدةٌ لذلك كله تُجزئه ، و إن كان بينَ ذلك أيامٌ .
قال ابن وهبٍ : قال مالكٌ : و لا يقصُّ المحرمُ شاربَ حلالٍ ، و لا حرامٍ ، و لا يأخذ من شعرهن فإن فعل فلا شيء عليه في الشارب ، و الأظفار ، و يُطعم في الرأس جفنةً من طعامٍ . و قال مالك : يفتدى ، و لا فدية فيه عندي .
***(1/350)
[2/355]
قالا : عن مالكٍ : و إن حلق من شعرٍ حلالٍ ما يُوقن أنه لم يقتل دَوَابَّ ، فلا شيء عليه .
قال : وليَجُزَّ من شعر دابته ما شاء .
قال ابن حبيبٍ : و أكره الحِجامة للمُحرمِ إلا لضرورةٍ ، و لا فديةَ في ذلك ما لم يحلق شعراً . قال مالكٌ : و رُوِيَ عن ابن عمرَ ، قال : فإن احتجمَ لضرورةٍ ، أو لغير ضرورةٍ ، فحلق لها شعراً في الرأس ، أو القفا ، أو سائر الجسدِ ، فليفتد . قال سحنونٌ : وَ لا بَأْسَ عليه أَنْ يحتجمَ إذا لم يحلق الشعر ، و لا يحتجم في الرأس ، و إن لم يحلق منه شعراً خِيفةَ قتل الدوابِّ .
و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسم ، عن مالكٍ : وَ لا بَأْسَ أَنْ يَحُكَّ المحرم ما به من القروحِ حتى يخرج الدمُ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و "العُتْبِيَّة" : عن مالك : قال : وللمحرم أَنْ يَتَسَوَّكَ ، و إن أدمَى فاهُ ، و يَبُطَّ جراحَه ، و يقطع عِرقه ، و يقلع ضرسه ، و لا يحتجم إلا من ضرورةٍ ، و يحكّ جسده ، وقروحه و إن ادمى جلده ، و يحكّ رأسَه خكًّا رقيقاً . و في موضعٍ آخر ، و له أَنْ يقفأ دُمُّلَه .
و من "العُتْبِيَّة" ، من سماع أشهب : و إذا أخذ القملة من ثو به ، أو من جلدهِ ، فيضعُها منه في مكانٍ آخرن فأرجو ألا بأسَ به ، و أما أَنْ يلقيها بالأرض ، فلا . قال في "المختصر" : و إذا سقطت من رأسه قملةٌ ، فليدعها ، و لا يردها مكانها . قال في "المختصر" : و له أَنْ يحكَّ
***(1/351)
[2/356]
ما يراه من جسده ، و إن أدماه . قال سحنونٌ : وليترفقْ بحكِّ رأسه . و في باب ما يقتل المحرم من الدواب بقية القولِ ، فيما يلزمه من قتل الدوابِّ ، و الذّرِّ و غير ذلك .
و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، قيل لمالكٍ : أيُنْشِدُ المحرم الشعرَ؟ قال : لا . إلا الشيء الخفيف . و قال ابن حبيبٍ : لا بأس أَنْ ينشد الشعر ، ما لم يكن فيه خنًى ، و ذكر النساء ، و قد فعله أبو بكر و عمر و ابن عباسٍ ، و غيرهم .
و من "كتاب" محمدٍ : و مَن طيَّبَ محرماً ، و هو نائمٌ ، أو حلقَ رأسه ، فالفدية على فاعلِ ذلك بنُسكِ أو طعام ، و لا بصيامٍ ، و ليغسل المحرم عنه الطيب ، فإن فعل الفاعل عديماً ، فليفتد المحرم ، وليرجع على الفاعل – إن أيسر – من ثمن الطعام ، أو ثمن النُّسك ، إن افتدى بأحدهما ، و إن صام فلا يرجع عليه بشيءٍ .
و كره مالك للمحرم غسل ثو به إلا لنجاسةٍ ، أو وَسَخٍ ، فليغسله بالماء وحده ، و إن مات فيه دوابُّ . و لا يغسل ثوب غيره ، فإن فعل أطعم شيئاً من طعامٍ ؛ خيفة قتل الدوابِّ فإن أمِن ذلك ، فليغسله ، و لا شيء عليه .
قيل لمالكٍ : فالغسل بالأُشنانِ؟ قال : أما اليدين فجائزٌ ما لم يكن فيه طِيبٌ ، و كرهه ابن حبيبٍ .
و من "كتاب" ابن حبيبٍ : و مَن جهلَ فلَّى ثو به أو فلاَّ رأسَه حتى انتفع
***(1/352)
[2/357]
بذلك ، فعليه الفديةُ . فإن كان إنما قتل منه قملةٌ أو قملاتٌ ، فليطعم حفنةً أو حفناتٍ ، و ما اطعم أجزأه ، و أماإن فلاَّ ثوبَه أجمعَ ، أو نشره ، أو أكثر ما القى منه ليفتد ، و كذلك إن امر بذلك غلامه الحلالَ ، و إن كان حراماً أيضاً ، فعليه فديتان ، لأنَّه كأنَّه أكرهه بعزيمة الأمر ، و كذلك لو أمره بذبحِ صيدٍ فذبحه ، فعليه جزءانِ ، أو وطئ أمَته المحرمة ، فعليه هديان ، طاعت له أو أكرهها .
قال ابن القاسمِ ، غعن مالكٍ ، في "العُتْبِيَّة" : في محرم أمر جاريته المحرمة أن تَغْلِيَ إزاره ، فغلته ، و ألقت الدوابّ عنه ، فليفتد بشاة أو صيام ثلاثة ايامِ ، و لو أمر بغليِ الثوبِ أجنبيًّا محرماً فعلى كل واحدِ فدية ، و لو أمر حلالاً ، لم يكن على الحلاِلِ شيءٌ ، و هو على الآمرِ ، و لو أمره بقتلِ الصيدِ ، لم يكن على الآمر شيءٌ، و المحرم إذا حُلِقَ رأسُه ، و هو نائم ، فعليه تالفديةُ ، وليرجع بها على الحالقِ ، فإن كان الحالق محرماً ، فعليه فديتان ، قاله مُطرِّفٌ ، و ابن الماجشون .
و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، عن مالك : وَ لا بَأْسَ أَنْ يبيع إزاره لما فيه من القملِ ، قال سحنونٌ : لي إذا باعه عرَّضَ جوابه للقتلِ .
و في باب ما يجوز أَنْ يفعله عند إحرامه شيءٌ من معنى هذا الباب .
***(1/353)
[2/358]
ذكر فدية الإذاء ، و أين تُذبحُ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال : له أَنْ يذبح نُسُكَ الفدية ، حيث شاء ، في ليلٍ ، أو نهارٍ ، والنسك ، و إن شاء أَنْ ينسكَ ببعيرٍ أو بقرةٍ ، في بلدهِ ، فذلك له ، و قد فعله عليُّ بن أبي طالبٍ ، و له أَنْ يجعله هَدْياً ، و يقلده ، و يُشعره ، ثم لا ينحره بمنًى ، أو بمكة ، إن أدخله من الحِلِّ .
قال : و إذا اختار الإطعام فأطعم الذرة نظرَ مجراه من مجرى القمح فيزيد من الذرة مثل ذلك . قال في "المختصر" : و كذلك الشعيرُ . و قال في "المدونة" : و إنما عليه مُدَّانِ ، لكل مسكينٍ ، من عيش البلدِ من شعيرٍ ، أو بُرٍّ .
قال مالكٌ : و إن غدَّى ستةَ مساكين معَشَّاهم شِبعاً لم يُجْزِئُهُ . قال أشهبُ : غل أَنْ يبلغ ذلك مُدَّيْنِ ، فأكثرَ ، لكل مسكينٍ ، و إذا افتدى لشيءٍ قبلَ أَنْ يفعله ، ثم فعله لم تُجْزِئه .
قال في "المختصر" : و لا يجب في الفدية جَدعاً .
بابٌ في حج الصغير ، و العبد ، وذات الزوجِ ، و المولَّى عليه ، و ما يدخل عليهم من جزاءٍ أو فديةٍ وفسادٍ ، و العمل عن الصبيِّ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : و لا يُحَجُّ بالرضيعِ ، فأما ابنُ أربعه سنين وخمسٍ ، فنَعَمْ . و إذا حجَّ به أبوه ، فما أصاب من صيدٍ ، أو ما فيه فديةٌ ، ففي مال الأبِ ، إلا أَنْ يخرج به ؛ نظراً لأنَّه لو تركه ضاع ، فيكون ذلك في مال الصبيِّ ، فإن لم يكن له مالٌ ، أتبعه به ، و قد قيل : إنَّ ما أصاب من صيدٍ ، ففي ماله ، يريد كالجناية
***(1/354)
[2/359]
و إذا أفسد حجه ، فعليه القضاءُ ، و الهَديُ .
و إذا جُرِّد الصبيُّ ، فل بأس أَنْ يترك عليه مثل القِلادةِ ، والسوارين .
قال مالكٌ : و إذا رمى الأبُ عن نفسه ، حمل الصبيَّ ، فرمى عنه ، و لا يطوف به /َن لم يطف لنفسه ، و لا باي بذلك في السعي ، أَنْ يحمله ، فيسعى به عنهما سعياً واحداً . قال ابن القاسمِ : و إن طاف عنه ، وعن الصبيِّ طوافاً واحداً أجزأ عن الصبيِّ و أحبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ عن نفسه . قال أصبغُ : بل ذلك عليه واجبٌ ، و لو أَعَادَ عن الصبيِّ ، كان أحبَّ إليَّ ، كقول مالكٍ ، فيمن حجَّ حجةً عن فرضه ، و نذره ، أنَّه يُعِيدُ الفريضة و يُجزئه عن النذر . قال أصبغُ : و ما هو بالقويِّ ، و القياس أَنْ يُعِيدَ النذر .
قال مالكٌ : و يَحلقُ الصبيَّ ، و أمّا الصبية ، فإن شاء حلقها ، أو قصَّر ، والحِلاقً أحب إلينا ، و أما الكبيرة ، فلتقصِّرْ . قال ابن حبيبٍ : وَ لا بَأْسَ لمَن طاف عن نفسه ، أنْ يطوف بصبيين ، أو ثلاثة يحملهم ، طوافاً واحداً ، وليرمِ عن الصبيِّ ، أو المريض ، بعد رميه عن نفسهِ ، فإن جهل فرمى عن نفسه جمرةً بسبعٍ بقدرٍ ، ثم رماها عن الصبيِّ ، أو المريضِ ، ثم فعل ذلك في بقية الحمار ، فقد أخطأ ، و لا يُعِيد عن نفسه ، و لا عنهما .
و من كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و لا أحبُّ أَنْ يدخل بالعبد الفاره ذي الهيئةِ إلا محرماً ، و أما الصغير ، و الأعجميُّ ، والجارية ، يصونها للبيعِ ، فما ذلك عليه ، فإن سألته الإحرام ، فخيرٌ له إلا يمنعها ، و إن نقص
***(1/355)
[2/360]
من ثمنها ، و ليس عليه بواجبٍ . و كذلك في "المختصر" ، وزاد ، و له أن يحُجَّ بعبدهِ النصرانيِّ . و لا بأس أن يحرم العبد بالحج ، و إن لم يَختتن – يريد الغلام – إذا أذن له السيد .
و منه و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، قال مالكٌ ، في رجلٍ مُوَلَّى عليه أحرم بالحجِّ ، أو المرأة عند أبيها ، أو زوجها : إنَّ ذلك من السعةِ ، لا يقضي ، و لا على المرأة قضاءٌ ، و إذا أهَّلها زوجها و أبوها إذا حجَّتِ الفريضةِ ، قال محمدٌ : كعتقِ المُولَّى عليه ، يُرَدُّ ، ثم يلي نفسه ، قال : و إذا أحرم عبدٌ بغير إذن سيده ، فحلله ، ثم أذن له في القضاءِ ، في عامٍ قابلٍ ، فذلك جائزٌ ، و على العبد الهَديُ في حجة القضاء ، فإنْ أهدى عنه السيدُ ، أو أطعم ، و إلا صام هو ، و أجزأه ، و ليس له أن يَنسُكَ ، و لا يُهدِيَ عما لزمه في ذلك من ماله ، إلا بإذن سيده ، فإن لم يأذن لهن و لا أهدى عنه فليصمن و لا يمنعه الصوم ، إن كان ما أصاب خطأً ، و إن تعمد ، فله منعه إن كان ذلك يُضِرُّ به .
قال أشهبُ : إذا أحرم ، فحلله سيده ثم عتق ، أو حلَّلَ الصبيَّ وليُّه ثم بلغ ، فليُحرما الآن بالحج ، و يجزئهما عن حجة الإسلامِ ، محمدٌ : لأن قضاء ما حللا منه لا يلزمُهما ، و لو نذر ذلك العبد نذراً فلم يَرِدْ ذلك عليه حتى عتق ، أو نَذَره سَفيهٌ بالغٌ ، ثم رشد ، فذلك يلزمُهما ، و أما
***(1/356)
[2/361]
الصبيُّ فلا يلزمه إنْ بلغ . وكله قولُ مالكٍ ، لا اختلاف فيه . و لو أذن له سيده في الحجِّ ، ففاته الحجُّ ، قال : فعليه القضاء و الهَديُ ، إذا عتق .
قال ، في بابٍ آخرَ : قيل لأشهب : فهل يمنعه سيدُه أن يحل من ذلك في عمرةٍ ، قال : إن كان قريباً ، فلا يمنعه ، و إن كان بعيداً ، فله أن يمنعه . فإما أن يبقيه إلى قابلٍ على إحرامه ، و إما أن يأذن له في فسخهِ في عمرةٍ .
قال : و إن أفسد حجه . قال أشهبُ : فلا يلزم سيدَه أن يأذن له في القضاء ، و ذلك عليه إذا عتق ، و قال أصبغُ : على السيد أن يأذن له . محمدٌ : والصواب قول أشهبَ .
قال ابنُ حبيبٍ : و إذا أذن لعبده في الحجِّ ، فما لزمه مما فيه صيامٌ ، و إن كان عن تعمده ، فليس له منعه منه ، و إن أضرَّ به ، و كذلك لو نكح بإذنه ، فلزمه ظِهارٌ ، فلا يمنعه الصومَ إنْ أضرَّ به ، و هو قول ابن الماجشون ، و ابن وهبٍ ، و قاله ابن شهابٍ ، و يحيى بن سعيدٍ ، وفرَّق ابن القاسم بين ما لزمه بتعمده ، و بين خطئه ، فيما يَضُرُّ بسيدِه من الصيام ، ورأى غيرُه أنَّ إذنه في الأصلِ ، يوجب ألا يمنعه مما جرَّ إليه ، إلا مما يكونُ في مال العبدِ ، فيجتمع عليه ، أنَّ له منعَه فيه .
قال ابن حبيبٍ : قال مالكٌ : و ليس على الزوج نفقةٌ لزوجته ، في خروجها على فريضة الحج ، و ذلك من مالها ، ولها أن تخرج فيها بغير إذنه ، و إن لم تجد ذا محرمٍ . وبل تخرج في التطوع إلا مع ذي محرمٍ ، وبإذنِ الزوج ، و كره عمر بن عبد العزيز ، أن يخرج بها عبدُها ، قيل له : إنه أخٌ لها من الرضاعةِ ، فلم يُرِدْ لها بأساً .
***(1/357)
[2/362]
و قال ابن المواز ، في التي حللها زوجُها من حجة الفريضةِ : إنَّ إحلاله باطلٌ ، و هي على إحرامها . والذي قال محمدٌ ، قول أشهبَ . قال محمدٌ : و عليها من الفدية و غيرها ، ما على غيرها ، و أن وطأها ، أفسد حجها ، وتقضي ، وتُجزئها في حجة الإسلامِ ، وتُهدِي في القضاء ، أو يرجع بالهَدي على الزوج ، و إن كان قد فارقها . و إن تزوجت غيرَه قبل القضاء ، فنكاحها باطلٌ ؛ لأنَّها مُحرمةٌ بعدُ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال عيسى ، عن ابن القاسمِ ، في التي تركت مهرَها لزوجها ، حتى يتركها تحج الفريضة ، قال : يلزمه الصداقُ ، لأنَّه يلزمه أن يدعها .
في العمرة ، و وقتها ، و إيجابها
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : العمرةُ سنَّةٌ واجبةٌ ، كالوترِ ، و ليس كوجوب الحج ، وذهب ابن حبيبٍ إلى أنها كوجوب الحجِّ ، وذهب إليه ابن عبد الحكمِ و ليس بقولِ مالكٍ ، و أصحابه .
قال ابن المواز : و كره مالك أن يعتمر عمرتين في سنةٍ ، يريدُ فإن فعل لزمه . و قال محمدٌ : و أرجو أن لا يكون به بأسٌ . و قد اعتمرت عائشةُ مرتين في عامٍ ، و فعله ابنُ عمر ، و ابن المنكدر ، و المِسورُ . و كرهت عائشة عمرتين في شهرٍ ، و كرهه القاسم بن محمد ، و فرَّطَتْ عائشة في العمرة
***(1/358)
[2/363]
سبع سنين ، فقضتها في عام واحدٍ . و رُوِيَ عن عليٍّ : في كل شهر عمرة ، قال ابن حبيبٍ : و لم يرَ مطرِّفٌ بأساً بالعمرةِ مراراً في السنةِ .
قال غير ابن حبيبٍ : و إنما اختار مالكٌ العمرةَ في السنة مرةً ، تأسياً بالنبي صلى الله عليه و سلم ولأنه اعتمر ثلاث عُمَرٍ ، في كل عام عمرةً . و قد كره كثيرٌ من السلفِ العمرة في السنة مرتين .
و من "كتاب" ابن المواز ، و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسم ، عن مالكٍ : و لا بأس لغير الحاجِّ أن يعتمر في آخر أيام التشريق ، لا يفعل بعدَ ذلك و لم يرَخَّصْ للحاجِّ في ذلك قبل أن تغيب الشمس ، قال مالكٌ : و العمرةُ في أيام التشريق جائزةٌ لغير الحاجِّ ، و أن يُحل منها في أيام التشريق ، و أما الحاج ، فلا يحرم بها حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق .
قال محمدٌ : فإن جهل ، فأحرم بها في آخر أيام الرميِ ، قبل غروب الشمسِ ، و قد كان يُعَجِّلُ في يومين ، أو لم يتعجَّلْ ، و قد رمى في يومه ذلك ، فإنَّ إحرامه يلزمه ، و لكن لا يُحِلُّ حتى تغيب الشمسُ ، و إحلاله قبل ذلك باطلٌ ، و هو على إحرامه . فإن وطئ بعد ذلك الإحلال ، أفسد عمرته ، و ليقضها بعد تمامها ، و يُهدِ . و لو أنَّ المتعجِّلَ أحرم بعمرةٍ في اليومين بعد أن حلَّ ، وخرج ، وتمَّ عملُه لم يلزمه الإحرام ، أحرم ليلاً أو نهاراً ، و لا قضاء عليه .
قال مالكٌ : و لا بأس أن يعتمر بعد أيام الرمي ، في آخر ذي الحجة ، ثم يعتمر في المُحرَّمِ عمرة أخرى ، فيصير في كل سنةٍ عمرة . ثم رجع
***(1/359)
[2/364]
فقال : أحب إليَّ لمن أقام ألا يعتمر بعد الحج حتى يدخل المُحَرَّمُ .
وقال مالكٌ : و العمرة في ذي الحجة (بعد الحج) أفضل منها قبل الحجِّ في أشهر الحج ، و لا بأس أن يعتمر الضرورة قبل الحج ، و قد اعتمر النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يحج ، و من احرم بالحج من مكة ، فحَصِرَ بمرضٍ ، ففاته الحج ، فليخرج إلى الحل ، و يُحلَّ بعمرة في أيام منًى .
و من "كتاب" ابن حبيبٍ : و أحب للمعتمر أن يقيم لمرته ثلاثاً بمكة .
في القِران والتمتع و الإفراد ، و إرداف الحج على العمرة ،
و ما يلزم من قَرنَ ، أو تمتع ، و ما يدخل في ذلك من فسادٍ أو فواتٍ
من "كتاب" ابن الموازن قال محمدٌ : والتمتع و القران و الإفراد واسع ، و الإفراد أفضل ذلك . قال مالكٌ : في "المختصر" : و الإفراد أحب إلي .
قال عبد الملك : و قد اختلف في حجة رسول الله صلى الله عليه و سلم و أحق أن يكون أولى ذلك و أصحه الإفراد ، لأنه اسلم ، و لا هدي فيه ، و لا يكون الهدي لا ليجبر به شيءٌ ، فالإثم لا يُهدي فيه ، واختار ذلك الأئمة ، وامتثله أهل الخبرة بالنبي صلى الله عليه و سلم فجاء أن عائشة أفردت ، وذكرت أن النبي صلى الله عليه و سلم أفرد ، و هي منه بموضع الخبرةِ الأكيدة ، ليلاً و نهاراً ، و سرًّا و علانيةً .
و أفرد أبو بكر سنة تسع ، و أفرد عتَّابُ بن أسيد سنة ثمانٍ ، و هو أول
***(1/360)
[2/365]
حجٍّ تامٍّ للمسلمين ، و أفرد عبدُ الرحمن عام الرِّدَّةِ ، و أفرد الصديق السنة الثانية ، و أفرد عمرُ عشر سنين ، و أفرد عثمان عشرة سنة .
و المفضِّلُ به العمل بالمدينة من الأئمة والوُلاة و من علمائهم وعامتهم فأين العدل عن هذا .
في "كتاب" محمدٍ ، قال ابن المسيِّب : الحجُّ أفضلُ من العمرةِ . قال أبو محمد بن أبي زيدٍ : و أراه يعني أنه إذا جعل عملَه للحجِّ الذي هو أفضل من يوم يُحرمُ كان أفضل أن يشركه مع ما هو أفضل منه أو يبدأ في إحرامه بالعمرةِ . و يكون حَجُّه الذي هو أفضل إنما يحرم به من مكة ، ليدلَّ أنَّ الإفراد أفضل .
و من "المجموعة" ، قال أشهبُ : عن مالكٍ : أما من قدم مكة مرافقاً للحجِّ ، فالإفراد له أحب إليَّ ، و أما من قدم ، وبينه و بين الحج طولُ زمانٍ يشتدُّ عليه ، فردَ الإحرام ، و يُخاف على صاحبه ، فله الصبر ، فالتمتع له أحب غلي ، و من قدم مقارنا ، و لم يشأ الإفراد ، فالقِران له أحب إلي من التمتع .
و من "كتاب" ابن المواز : و ما أصابه القارن من شيءٍ ، فهَديٌ واحدٌ لذلك ، وجزءٌ واحدٌ ، وفديةٌ واحدةٌ . قال مالكٌ : فيمن تمتَّعَ ، و له أهلٌ بمكة ، و أهل بغيرها : فأحوط له أن يُهْدِيَ . و قال أشهبُ : إن كان إنما يأتي أهله بمكة منتاباً ، فعليه التمتع ، وغن كان سُكناه بمكة ، و إنما يأتي أهله التي بغير مكة منتاباً ، فلا هَدي عليه ، كالمكيِّ . قال ابن القاسمِ : بلغني عن مالكٍ .
وقال في "العُتْبِيَّة" ، سمعت مالكاً يقولُ ، في من ترك أهلَه بمكة من
***(1/361)
[2/366]
أهل الآفاقِ ، وخرج إلى غزوٍ ، أو تجارةٍ ، ثم قدم في أشهر الحجِّ : فلا متعة عليه . قال محمدٌ : معناه عندي أنه دخل بها للسكنى ، قبل يُحرمَ بالعمرةِ ، يريد في أشهر الحجِّ ، و كذلك لو سكنها بغير أهل ، قبل أن يتمتع .
قال أشهبُ : و من انتجع إلى مكة للسكنى في غير أشهر الحج ، ثم اعتمر ، وتمتع في أشهر الحج ، فلا متعة عليه ، لأنه مكيٌّ ، و إن كان لغير سكنى ، فهو متمتعٌ . و مَنِ اعتمر من أهل الآفاقِ في أشهر الحجِّ ، ثم رجع إلى مثل افقه ، ثم حج من عامه ، فإن كان ذلك إلى أفق غير الحجاز ، كالشام ، أو مصر و العراق ، أو أفق من الآفاق ، أفقه أو غير أفقه ، فلا هدي عليه ، و لو قدَّم هَدياً فاعتمر ، ثم خرج إلى بعض الآفاق ، ثم حج لم يكن متمتعاً .
و لو قدم نصريٌّ ، ثم كان رجوعه إلى مثل العراق والشام ، فليس بمتمتعٍ ، فإن رجع إلى مثلِ الجُحفةِ ، و المدينةِ ، والطائف ، فليس بقرانٍ له ، و هو متمتعٌ . و رَوَى ابن عباس مثله .
قال ابن حبيبٍ : و لا تمتع لأهل مكة ، و لا لأهل القرى المجاورة ، أما مثل مرَّ ظهران ، وضَجنان ، و نخلتان ، وعرفة ، والرجيع ، وشبهها مما لا تُقصر في مثله الصلاةُ ، فأما ما بعد مما تقصر فيه الصلاة ، مثل جُدَّةَ ، وعُسفانَ ، والطائف ، وراهطٍ ، فعليهم هَدي المتعةِ ، هكذا رُوي عن ابن عباسِ ، و هو مذهب قول مالك ، و أصحابه .
***(1/362)
[2/367]
(قال أبو محمدٍ) : والذي تأوَّل ابن حبيبٍ في هذا ، ليس بقول مالكٍ ، و أصحابه ، فيما علمتُ .
و من "كتاب" ابن الموازِ : و من اعتمر في أشهر الحج يريد التمتع ، ففاته الحج قبل يحرم به ، وفرغ من عمرته ، فلا تمتع عليه .
و في "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : فيمن خرج يريد التمتع فألفى الناسَ قد فرغُوا من حجهم ، فلا شيء عليه .
و من "كتاب" محمدٍ : و من اعتمر في أشهر الحجِّ ، فأفسد عمرته بالوطءِ ، ثم حلَّ منها ، ثم حج من عامه قبل قضاء عمرته ، فهو متمتعٌ ، و عليه قضاء عمرته بعد أن يحلَّ من حجه ، وحجه تامٌّ ، و لو أردفه على العمرة الفاسدةِ ، لم يلزمه ذلك الحج ، و من اعتمر عن نفسه ، ثم حلَّ ، ثم حج من عامه عن غيره ، فهو متمتع ، و من حلَّ من عمرته في غير ذي الحجةِ ، فتعجُّلُ إحرامه –يريد في غرَّةِ ذي الحجةِ – أحب إليَّ من تأخيره على يوم الترويةِ ، فإن أخره ، فلا باس بذلك .
قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و من تمتع بالعمرة إلى الحجِّ ، ثم مات بعرفة ، فإن مات قبل رميِ العقبةِ ، فلا شيء عليه ، و إن مات بعد رميها ، فقد لزمه هَديُ التمتعِ . قال ابن القاسم ، و أشهبُ : من رأسِ ماله ؛ لأنه لم يُفرِّطْ . قال ابن القاسمِ : و كذلك إن مات يوم النحرِ ، و إن لم يرمِ فيه ،
***(1/363)
[2/368]
أو مات بعدَه ، فقد لزمه ذلك ، و كذلك روى عيسى ، عن ابن القاسمِ ، في "العُتْبِيَّة" : و قال سحنونٌ : لا يلزم ورثته إلا أن يشاءوا ، كمن حلَّت عليه زكاةٌ ، فمات ، و لم يفرِّطْ ، و لم يُوصِ بها . والذي ذكر سحنونٌ ، عن قول ابن القاسمِ في الزكاة ، وخالفه أشهبُ .
محمدٌ : قال مالك : و من صام ثلاثة أيام في الحجِّ ، لتمتعه ، ثم مات بعد تمام حجه بمكة ، أو بعد رجوعه إلى بلده ، قبل يصومه السبعة ، فليُهْدِ عنه هَدْيٌ . قال مالكٌ : إذا تمتع العبد فلا يُهدِي إلا بإذن سيده ، فإن لم يأذن له ، فليصم . قال : و المعتمر مراراً في أشهر الحجِّ إذا حجَّ من عامه ، فهَديٌ واحدٌ يجزئه لتمتعه . و من أردف الحج ، و هو في طواف العمرةِ ، قد طاف بعضه ، قال ابن القاسمِ : يلزمه و يصير قارناً ، و قال أشهبُ ، و ابن عبد الحكمِ : إذا طاف و لو شوطاً واحداً ، لم يلزمه إلا أن يشاء أن يبتدئه بعد تمام عمرته .
قال مالكٌ : لا أحب لأهل مكة أن يقرنوا ، ما سمعت أن مكيًّا قرن ، فإن فعل ، فلا هدي عليه لقرانه ، كتمتعه . قال ابن حبيبٍ : و كان ابن الماجشون يرى على المكيِّ هَدى القران . محمدٌ : قال مالكٌ : و لا يقرن المكيُّ إلا من الحِلِّ . قال : و القارن يعجِّلُ طوافه وسَعيه إلا أن يكون مراهقاً ، و من تمتع ، ثم ذكر بعد أن حلَّ من حجه أنه نَسِيَ شوطاً ، لا يدري من عمرته ، أو من حجه ، فإن لم يكن أصاب النساء ، رجع فطاف وسعى و أهدى لقرانه فدية واحدة ، لحلاقه ولباسه ، لأنه إن كان الشوط من
***(1/364)
[2/369]
حجه ، فقد أتى له و الهدي لتمتعه . و إن كان من العمرة ، صار قارناً ، قاله ابن القاسم ، وعبد الملك ، و إن كان أشهب يرى أنَّ مَن طاف شوطاً من العمرة ، ثم أردف الحج ، فلا يلزمه ، فإنه إذا نَسِيَ هذا شوطاً من العمرة ، وتباعد لا يبني فيه ، بطل ما طاف ، وصار كمن أردف قبل أن يطوفَ ، و اتفق أشهبُ معهما بهذا الوجه ، و لو وطئ النساء ، فإنه يرجع ، فيطوف و يسعى ، و يُهدي لقرانه وتمتعه ، و عليه فديةٌ واحدةٌ ، ثم يعتمرُ و يُهدِي لقرانه . وبقي من كلام محمدٍ في هذا شيءٌ ذكر فيه أنه إن كان الشوط من العمرةِ ، صار قارناً و أفسد قرانَه ، فعليه بدله مقرنا في قولهم أجمعين ، و هذا من قول محمدٍ ، لا أعلم معناه إلا على قول عبد الملك الذي يرى أن يردفَ الحج على العمرة الفاسدةِ . فأما في قول ابن القاسمِ : فلا ، إلى أن يطأ بعد الإحرام بالحجِّ ، وقبل رميِ جمرةِ العقبةِ و الإفاضةِ ، في يوم أنحر فيفسد حجه قِراناً ، إذا كان الشوطُ من العمرةِ و لم يطأ فيها ، و إن كان الوطء قبل يحرم بالحج والشوط من العمرة ، فلا يكون قراناً إلا في قول عبد الملك ، و قد بيَّنها في باب مَن أفسد حجه قِراناً .
وقال مالكٌ : و من أحرم بعمرةٍ ، وساق هَدياً ثم بدا له ، فأردف الحج على العمرة ، فأحب غلي أن يهدي غيرَه لقرانه ، و أرجو إن لم يفعل أن
***(1/365)
[2/370]
يجزئه هذان و كذلك التي أحرمت بعمرةٍ ، وساقت معها هَدياً ، ثم حاضت قبل أن تطرف ، فإن كانت في غير أشهر الحجِّ ، انتظرت ، و هَديها معها لا تنحره حتى تطوف وتُحلَّ . و إن كانت في أشهر الحج ، و كانت تريد الحج فلتردف الحج حين حاضت ، وتؤخر هَديها ، حتى تنحره بمِنًى لقرانها ، و لو أهدت غيرَه كان أحب إلي . و كذلك استحبَّ ابنُ القاسمِ .
قال : و المتمتع إذا كان معه هديٌ ، فلا يجعله لتمتعه ؛ لأنه أوجبه قبل ذلك ، و كذلك لو نوى به قبل ذلك لتمتعه . و قال ابن القاسمِ : و أرجو أن يجزئه ، و غيره أحب إلي . و قال عبد الملك : لا يجزئه لتمتعه ، و قاله أشهبُ ، ورواه عن مالك ، و رَوَى مثله ابن القاسم في "المدونة" .
قال ابن حبيبٍ : في المتمتع ، تفسد عمرته دون حجه ، أو حجه دونَ عمرته ، أو تفسد عمرته ثم يردف عليها الحج ، فقال ابن الماجشون ، في هذا الذي أردف : يصير قارنا ، فيقضي قارناً ، و المتمتع يقضي ما افسد و ما ضم إليه ، فيقضي متمتعاً ، قاله ابن الماجشون ، و قال أيضاً ابن الماجشون ، إنَّ مَن قرن من أهل مكة ، فعليه دمٌ بخلاف المتمتع منهم . والذي ذكر ابن حبيبٍ عنه من هذا – و في الذي أفسد عمرته دون حجه –خلاف مالكٍ و ابن القاسم .
قال ابن حبيبٍ : قال ابن الماجشون : و من صام يومين من الثلاث في الحج ، ثم وجد الهَدي ، فله التمادي على الصوم ، إلا أن يشاء أن يهديَ ، و لو صام يوماً واحداً ، فليُهدِ ، و لا يَبنْ على الصوم .
***(1/366)
[2/371]
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسم ، عن مالكٍ ، في المرأة تدخل بعمرةٍ ، و هي حائضٌ ، ثم تردف الحج عليها : إنَّ أحبَّ إليَّ إذا دخلت ، تعتمر عمرةً ، كما فعلت عائشة .
قال سحنونٌ : وللمحرم أن يسافر اليومين والثلاثة ، و المتمتع إذا حلَّ من عمرته ثم خرج لحاجةٍ إلى جدَّةَ والطائف ، ثم رجع ، فإن كان إذ خرج نوى أن يرجع على مكة ، ليحج من عامه ، فليس عليه أن يدخل بإحرامٍ ، و يصير كالمختلفين بالحطبِ والفاكهةِ ، و إن خرج لا ينوي الرجوع ثم رجع ، فلا يدخل إلا بإحرامٍ . انظر ابن الماجشون ، هل يعني أفسدها ثم انشأ الحج ، هل يطوف أو يتم طوافه؟ فأما بعد أن حلَّ من العمرة الفاسدةِ ، يُحرمُ بالحجِّ ، فلا يكون .
في دخول المحرم مكة ، و ما يبدأُ به ، و ذكر الطواف ، والركوع ، واستلام الأركان ، والجُنبِ في الطواف ، والسعي بين الصفا و المروة ، والسع في المسيلِ ، و مَن صلَّى قبل يتم طوافه أو سعيه فرضاً ، أو نافلةً ، و ذكر القراءة ، والكلام ، والجلوس في الطواف وجامع القول فيه
من "كتاب" ابن المواز ، قال : و كان ابن عمر إذا دخل مكة دخل من عقبة كَدَاءَ ، و إذا خرج خرج من عقبة كَدَاءَ . قال محمدٌ :
***(1/367)
[2/372]
فالتي دخل منها ، فهي الصغرى التي بأعلى مكة ، التي يهبط منها على الأبطح ، و المقبرة تحتها عن يسارك ، و أنت نازلٌ منها ، فإذا نزلت أخذت كما أنت على المسجد ، محمدٌ : وعقبةُ كداءَ التي خرج منها ، هي الوسطى التي بأسفل مكةَ .
قال ابن حبيبٍ : و كذلك دخل النبي صلى الله عليه و سلم من كداءَ ، وخرج من كداءَ .
وقال في "كتاب" ابن المواز : و من دخل من السفلَى ، و يخرج من العليا ، فلا حرج . قال : و كان ابن عمر يدخل المسجدَ من باب بني شيبةَ . و نحوه في "المجموعة" . و قال ابن وهبٍ : و كان لا يُنيخُ راحلته إلا باب المسجد .
وقال ابن حبيبٍ : ودخل النبي صلى الله عليه و سلم من باب بني شيبةَ ، وخرج إلى الصفا من باب بني مخزومٍ ، وخرج على المدينة من باب سهمٍ .
و من "كتاب" محمدٍ ، و غيره ، قال مالكٌ : فإذا دخلت المسجدَ ، فلا تبدأ بالركوع ، و لكن تستلمُ الركن وتطوفُ ، و كذلك فعل النبي صلى الله عليه و سلم .
قال في "المجموعة" : فإذا استقبل الركنَ ، حمِد الله وكبر . قيلَ : أيرفع يديه عندَه؟ قال : ما سمعت ، و لا عند رؤية البيتِ .
وقال مكحولٌ : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا رأى البيت رفع يديه ، و قال : " اللهمَّ زِدْ هذا البيت تشريفاً ، وتعظيماً ، و مَهابةً ، وزِدْ مَن شرَّفه وكرَّمه ممن حجَّ إليه أو
***(1/368)
[2/373]
اعتمر تشريفاً وتعظيماً وتكريماً" .
وقال ابن حبيبٍ : إذا دخلت مكةَ ، فأتِ المسجدَ ، و لا تُعرِّجْ على شيءٍ دونه ، فإذا وقفت على باب بني شيبةَ ، و نظرت إلى البيتِ ، رفعت يديك ، وقلتَ : اللهمَّ أنت السلام ، و منك السلام ، فحيِّنا ربنا بالسلام ، اللهم زِدْ هذا البيت . . . فذكر مثل قولِ مكحولٍ . قال : و يقال عند استلام الركنِ : بسم الله ، و الله أكبر ، اللهم إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، وتصديقاً بما جاء به محمدٌ نبيك . و يستحبُّ من الدعاء حينئذٍ : {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ، اللهم إليك بسطت يدَيَّ ، وفيما عندك عَظَّمْتُ رغبتي ، فاقبل مسحتي و أقلني عثرتي .
و من "المجموعة" ، و"كتاب" محمدٍ ، قال ابن القاسمِ ، في قول عروةَ ، في الرَّمَلِ : اللهم لا غله إلا أنت ، و أنت تُحيي بعدَ ما أمَتَّ .
يُخفى بها صوته . قال مالكٌ : ليس بمعمولٍ به . قال : و كذلك لا توقيت فيما يقال في بطنِ المسيلِ ، و محاذاة الركنِ ، و لكن ما تيسر . و ذكر ابن حبيبٍ ، أنَّ ابن عمر كان يقول في الرَّمَلِ في طوافه : اللهم اغفر وارحمْ ، واعفُ عما تعلم ، إنك أنت الأعزُّ الأكرمُ ، قال : و يقال ذلك في بطنِ
***(1/369)
[2/374]
المسيلِ . و ذكر قول عروةَ .
و من "المجموعة" ، قال عطاءٌ : ولمن طاف أن يركع خلف الإمامِ ، أو حيث شاء من المسجدِ . قال القاسمُ : أما أوَّل دخوله ، فخلف المقام ، يعني بعدَ الطوافِ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و لا يَحسِرُ عن منكبيه في الرَّمَلِ ، و لا يحركهما ، و لا يسجد على الركن ، وليُقَبِّلْه إن قدَر ، و إلا لمسه بيده ، و يضعها على ما فيه من غير تقبيلٍ . قيل له : كان بعضُ الصحابةِ يقبِّلُه ، و يسجد عليه . فأنكره ، و قال : ما سمعت إلا التقبيل . قال ابن حبيبٍ : قد روي عن مرَ ، و ابن عباسٍ ، ولعل مالكاً كرهه خيفة أن يُرَى واجباً . و مَن فعله في خاصته فذلك له .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال مالكٌ : و لا يرفعْ يديه عندَ رؤيةِ البيتِ ، و لا آخذ بفعل عروة في استلام الأركان كلها . و لا أرى أن يُقَبِّلَ اليمانيَّ ، وليلمسه بيده ، و لا يلمسُه عند خروجه بخلاف الأسودِ ، و ما ذُكر عن مالكٍ من تقبيل اليدِ عندَ مسِّ اليمانيِّ ، ليس بشيءٍ ، و لم يرَ مالكٌ تقبيل اليدِ فيه و لا في الأسودِ . قال مالكٌ : و من شأن الناسِ استلامُ الركنِ من غير طوافٍ ، و ما بذلك من بأسٍ . قال في "المختصر" : و لا يستلم الركن إلا طاهراً .
قال أشهبُ ، عن مالكٍ ، في "العُتْبِيَّة" : و من ترك استلام الركنِ ، فلا شيء عليه .
***(1/370)
[2/375]
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و ليقلَّ الكلامَ في الطوافِ ، وتركه أحب إلينا في الواجب . و من "المجموعة" قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : و لا بأس بالكلام فيه ، فأما الحديثُ ، فأكرهه في الواجب . قال أشهبُ : كان أكثر كلام عمرَ ، وعبد الرحمن بن عوفٍ فيه {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و ما القراءة فيه من عملِ الناسِ القديمِ ، و لا بأس به إذا أخفاه و لا يُكثر منه .
قال ابن حبيبٍ : والوقوف للحديث في الطوافِ والسعي أشدُّ منه بغير وقوفٍ ، و هو في الطواف الواجب أشدُّ ، و لا يجلس في طوافٍ أو سعيٍ إلا من علَّةٍ . يريد أثناءه . قال محمدٌ : قال أشهبُ ، عن مالكٍ : و لا بأس أن يُسْرِعَ الطائفُ في مشيه و يتأنَّى ، و قد يُسرعُ للحاجةِ ، و كره مالكٌ أنْ يطوفَ أحدٌ مُغَطَّى الفمِ ، أو امرأةٌ منتقبةٌ ، كالصلاةِ ، قال أشهبُ ، في "المجموعة" : و من فعل ذلك أجزأه .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال مالكٌ : و من فاته الحج ، فلا يدع الرمل في طوافهِ ، و يسعى في المسيلِ ، و كان ابن عمر إذا انشأ الحج من مكة ، لم يُر~مُلْ ، والرَّمَلُ أحب إلينا . و إن ذكر في طوافه أنه نَسِيَ الرمل ، ابتدأ و ألغى ما مضى ، و إن ترك السعي ببطن المسيلِ ، فلا شيء عليه و هو خفيف ، و قال أيضا : إن أهدى ، فحسَنٌ ، و قال أيضا : يُعيد إلا أن يفوتَ ، فلا شيء عليه ، و به قال ابن عبد الحكم .
***(1/371)
[2/376]
و قال أشهبُ في تارك الخَبَبِ في طوافه ، والسعي في المسيل ، أو أحدهما : إنه يعيد طوافه ما كان بمكة ، و إن أهدى . و قال عبد الملك : لا يعيد الرمل ، و عليه دمٌ . و رَوَى ابنُ القاسمِ ، و ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، في من ترك الرمل أو السعي في العَوَادِيَّ ، نسي أو جهل : إنَّ ذلك خفيفٌ ، و لا شيء عليه .
قال : و لا رمل على النساء و لا ببطن المسيل ، و من طاف عن مريضٍ ، فليرمل ، و لا يرمل عن النساء ، و يرمل من طاف بصبيٍّ . و قال ابن القاسمِ : لا يرمل عن الصبي من طاف به . قال أصبغُ : و أحب إلي أنْ يرمل .
قال مالكٌ : والسعيُ في بطنِ المسيلِ وَسَطٌ ؛ و هو الخببُ ، و من تركه في المسيل ، أو الطواف ؛ لضعفٍ به ، فلا شيء عليه .
قال في "المختصر" : و يرمل المعتمر ؛ من مكيٍّ و غيره ، و من أخَّرَ الطوافَ حتى صدر ، فليرمل ، و من ترك الرمل ، فلا شيء عليه . و إن أهدى فحسنٌ .
قال ابن حبيبٍ : و ينبغي للطائف الطوافُ بسكينةٍ و وقار ، و واسع إن طاف بنعليه ، أو خلفهما ، و لا يطوف مع النساء ، ولتكن النساء خلفَ الرجال .
وقال عن مجاهدٍ ، أنه كره أن يقال : شَوْطٌ ، ودَوْرٌ ، و ليقل : طوْفٌ .
***(1/372)
[2/377]
و من "المجموعة" : و كره أشهب دخول الحجر بنعلٍ ، أو خُفٍّ ، لأنَّه من البيتِ . قال : وكراهيتي لذلك في البيت أشدُّ ، و لم يكرهه ابن القاسمِ في الحجرِ .
قال ابن القاسم : و من طاف في سقائف المسجد للزحام ، أجزأه ، و إن كان فراراً من الشمسِ ، لم يجزئه . قال أشهبُ : لا يجزأ من طاف في السقائف ، و هو كالطائف من خارج المسجد ، و من وراء الحرم . قال سحنونٌ : و لا يمكن أن ينتهيَ الزحام إلى السقائف و من "كتاب" محمدٍ ، قال ابن القاسمِ : و لا بأس بالطواف في سقائف المسجد من الزحام .
وقال أشهبُ ، عن مالكٍ ، قيل له : ربما كثُر الناس في الطواف حتى يكونوا خلف زمزم ، والنساءُ من ورائهم إلى البيت ، أيؤخر الطوافُ حتى يخفَّ ذلك؟ قال : أرجو ألا يكون بالطواف كذلك بأسٌ .
قال ابن حبيبٍ : و إذا خرجت إلى الصفا فارتقيت عليه ، حيث ترى البيت ، و أنتَ قائمٌ يديك حذوَ منكبيك ، وبطونهما إلى الأرض ، تقول : الله أكبر الله اكبر الله اكبر ، و لله الحمد كثيراً ، ثم تقولُ : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد ، و هو على كلِّ شيءٍ قديرٌ ، ثم تدعو بما استطعتَ ، ثم ترجعُ ، فتكبر ثلاثاً ، وتُهلِّلُ مرةً كما ذكرنا ، ثم تعيد التكبير والتهليل ، ثم تدعو ، وتفعل ذلك سبع مراتٍ ، فتكون إحدى و عشرين تكبيرةً و سبع تهليلاتٍ ، والدعاء بين ذلك ، و لا تدعِ الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و هذا كله مرويٌّ ، و ليس ذلك بلازمٍ ، و من شاء زاد ، أو نقص ، ودعا بما امكنه ، ثم تفعل سبعة أشواطٍ ، بين الصفا و المروة ، فيصير
***(1/373)
[2/378]
لك بذلك أربع وقفاتٍ على الصفا ، واربعٌ على المروةِ .
و كذلك قال مالكٌ ، في "المختصر" : يبدأ بالصفا ، و يختم بالمروة ، و يسعى سبعة اشواطٍ بينهما ، فذلك من الوقوف عليهما ، أربعة على الصفا ، و أربعة على المروة ، و لا سعي على النساء ببطن المسيل . والذي ذكر ابن حبيبٍ من التكبير والتهليل والدعاء ، على الصفا و المروةِ ، مرويٌّ عن ابن عمرَ و غيره .
و من "كتاب" ابن المواز ، مالكٌ : و لا باس بشرب الماء في الطوافِ ، لمن يصيبه ظمأٌ .
قال مالكٌ : و لا يصلِّي الطائف على جنازةٍ . قال ابن القاسمِ : فإن فعل فليبتدئْ ، و قال أشهبُ : بل يبني . قال مالكٌ : و يصلِّي المكتوبة ، ثم يبني قبل أن يتنفَّلَ . قال ابن حبيبٍ : يقطع ، ثم يصلِّي ، فإذ صلَّى بَنَى ، و إنْ أحب ابتدأ طوافَه من الركن الأسودِ .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال مالكٌ : و إن أقيمت الصلاةُ ، و قد بقي له طوافٌ ، أو طوافان ، فلا باس أن يتمَّه على أن تعتدل الصفوف ، و أما المبتدئُ ، فأخاف أن يكثر و يطولَ ذلك من الناس ، فلا ينقطعن ورخَّصَ فيه .
قال عنه أشهب : وليبتدئْ بركعتي الطواف ، قبل ركعتي الفجر ، فإذا فرغَ طوافه ، وصلاة الصبح تقام ، و هم يطيلون الإقامة ، لطردِ الناسِ ، أيركع ؟ قال : لا ينبغي أن يركع أحدٌ بعد الإقامةِ ، وعسى أن يكون هذا بمكة خفيفاً ، وركعتا الفجر مثله ، أرجو أن يكون خفيفاً .
***(1/374)
[2/379]
أشهبُ عن مالكٍ : و من طلع له الفجر و هو يطوف ، فلا يركع للفجر و يبني . قال : و إن كان الطوافُ تطوعاً ، فليركع . ثم يبني ، و ما أخاله بالنشيط ، و ما لم يدخل الطواف ، و قد قارب ذلك ، فإن فعل ، ركع ثم بنى في التطوع ، و لا باس لمن دخل المسجد أن يركع ركعتين ، قبل ركعتي الفجرِ .
قال ابن حبيبٍ : و يُستحبُّ أن يقرأ في ركعتي الطواف ، بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
و من "كتاب" محمدٍ ، و "العُتْبِيَّة" ، قال مالكٌ : و من أُقيمتِ الصلاة عليه في السعي ، فليتمادى إلا أن يَصِلَ لوقتِ تلك الصلاةِ ، فليصلِّ ، ثم يبني على ما مضى من سعيه . و قاله ابن حبيب ، عن مالكٍ .
قال : و لو حقنه بَوْلٌ ، أو غائطٌ في السعي ، فليقضِ حاجتهن ثم يبني على سعيه .
في الطواف والسعي على غير طهرٍ ، و من أحدث فيهما ، أو طاف أو ركع بثوبٍ نجسٍ ، و المرأة تحيضُ ، و قد طافت أو لم تَطُفْ
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و مَنِ انتقض وضوءه في طوافه ، أو بعد تمامه قبل يركع ، فليتوضَّأْ ، وليأتنف الطوافَ إن كان واجباً ، و ليس عليه في التطوع أن يبتدئه به ، إلا أن يشاء إذا لم يتعمَّدِ الحدثَ .
و إن أحدث في السعي فلا ينقطع لذلك .
قال ابن حبيبٍ : و أما الرعافُ ، فليبنِ بعدَ غسلِ الدَّمِ في الطواف أو
***(1/375)
[2/380]
في السعي ، أو ذكر أنه غيرُ متوضيءٍ ، فإن أتمَّه كذلك ، أجزأه ، و أحبُّ إلينا أن يتوضَّأَ ، ثم يبني . قال مالكٌ : و في الطواف لا بدَّ أن يبتدئ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال ابن القاسمِ : إن أحدثَ بعد الطوافِ الواجب قبل أن يركع ، فتوضأ وركع ، و لم يُعِدِ الطوافَ جهلاً حتى فعل ، فليركع بموضعه ، و يبعث بهَديٍ . قال محمدٌ : و لا تجزئه الركعتان الأولتان ، و يبعث بهَديٍ . قال ابن القاسمِ : و لو احدث في الطوافِ ، فتوضأ ، وبنى وركع ، فليرجع ، و هو كمن لم يطف ، و من ذكر بعد تمتم حجه ، و هو بمكة ، أنه طاف أول دخوله مكة على غير وضوءٍ فليُعِدْ طوافه وسعيه و لا دم عليه . بخلاف المتعمد ، أو الناسي .
و من طاف بثوبٍ نجسٍ ، فعلم بعد طوافه فنوعه ، وصلى بثوبٍ طاهرٍ ، فلا شيء عيه ، فإن ركع به الركعتين ، أعادهما فقط إن كان قريباً و لم ينتقضْ وضوءه ، و إن انتقض وضوءه أو طال ذلك ، فلا شيء عليه ، كزوال الوقت .
قال اصبغُ : سلامُه من الركعتين كخروج الوقتِ ، و ليس إعادتهما بواجبٍ ، و هو حسنٌ أن يعيدهما بالقربِ . قال أشهبُ : إن علم به في طوافه ، نزعه إن كان كثيراً ، و أعاد طوافَه ، و إن علم بعد فراغه ، أعاد الطواف والسعيَ فيما قَرُبَ إن كان واجباً ، و إن تباعد فلا شيء عليه ، و يُهدي و ليس بواجبٍ .
و من العُتْبِيَّة" ، قال أشهبُ ، عن مالك : و أكره أن يطوفَ بثوبٍ نَجِسٍ .
و من "كتاب" ابن المواز ، و "العُتْبِيَّة" ، قال مالكٌ : و من أحدث في سعيه فتمادى ، فلا إعادة عليه ، و أحسن ذلك أن يتوضأ ، و يُتمَّ بقيةَ سعيه .
***(1/376)
[2/381]
قال أشهبُ ، عن مالكٍ : و إن حاضت المرأة في سعيها ، فلتتماد بخلاف الطواف ، و لو حاضت بعد الركوع لسعت ، و أجزأها .
و في سماع ابن وهبٍ ، سئل مالكٌ عن المرأةِ ، تطوف بالبيت ثم تحيضُ؟ قيل : أن تسعى و هي حائضٌ .
و من "كتاب" ابن المواز ، و من "المجموعة" ، قال ابن وهبٍ : قال مالكٌ : واستحبَّ بعضُ العلماء التطهُّرِ للسَّعي ، ولرمي الجمار ، ولوقوف عرفة و مزدلفة ، و من لم يفعل ، فلا شيء عليه .
في تأخير الطواف ، و في طواف المراهق و المكيِّ ، و من طاف راكباً ، أو محمولاً ، و في تأخير السعي لمرضٍ ، أو غيره ، و من جلس أو وقف في طوافه أو سعيه
من "كتاب" ابن المواز ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، فيمن أخَّر طوافه ، و ليس بمراهقٍ : فلْيُهْدِ . و قال أشهبُ : لا هَدي عليه . قال مالكٌ : وللمراهق سَعَةٌ في تعجيل الطواف وتأخيره ، و من أهَلَّ من مكة ، فلا سعة له في تعجيله . قال أشهبُ : إنْ قدم المراهق يومَ عرفة ، فأحبُّ إليَّ تأخير طوافه ، و إن قدم يوم الترويةِ ، أحببت أن يعجِّلَ طوافَه وسعيه ، و له في التأخير سعةٌ .
قال مالكٌ في "المختصر" : إنْ قدم يومَ عرفةَ ، فليؤخر إن شاء ، و إن شاء طاف وسعى ، و إن قدم يوم التروية و معه أهله ، فليقدم إن شاء ، و إن لم يكن معه أهله ، فليطفْ و يسعى . وكلُّ مَن أحرم من منزله من الحرم ،
***(1/377)
[2/382]
فهو كمن أحرم من مكَّةَ من تأخير الطواف ، و إن أحرم هؤلاء من الحِلِّ ، فليُعجِّلُوهِ ، إلا أن يكونوا مراهقين . قال مالكٌ ، في المرأة ذات الجمالِ ، تقدَمُ نهاراً : فلا بأس أن تؤخر الطوافَ إلى الليل .
قال مالكٌ : و من به مرض أو ضعفٌ يقدر أن يمشي في طوافه ، فلا بأس أن يركبَ . ثم رجع عن قوله : أو ضعفٌ . قال مالكٌ : و إن طِيفَ بالمريض محمولاً ثم أفاق فأحبُّ إليَّ أنْ يعيدَ ، و إن طيفَ به محمولاَ من غير عذرٍ ، فلا يجزئه ، فإن لم يقدر حتى رجع إلى بلده ، فليبعث بهَديٍ .
قال أشهبُ : إن ذكر قريباً أعاد .
و من "الواضحة" : والكلام في السعي بغير ما أنت فيه أخفُّ منه في الطوافِ ، والوقوف فيهما ؛ للحديث اشد منه بغير وقوفٍ ، فلا يجلس في الطواف والسعي ، إلا من علةٍ ، وليجلس ما شاء بموقف عرفة ، و من أطال الجلوس لحديثٍ أو استراحةٍ ، بين الصفا و المروة ، أو في بيعٍ أو شراءٍ ، ابتدأ السعيَ ، وليَبْنِ فيما خفَّ من ذلك .
و من "المجموعة" ، قال أشهبُ : و مَن جلس بين ظهراني سعيه ، فإن طال ذلك جدًّا ، فليبتدئ فإن لم يتذكر فلا شيء عليه .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و مَن طاف فلا ينصرف إلى بيته حتى يسعى ، إلا من ضرورة و من حقْنٍ أو يخاف على منزله .
قال مالكٌ : و مَن بدأ بالسعي قبل الطواف ، فليس ذلك بشيءٍ ، وليأتنف الطوافَ والسعيَ ، فإن جهل حتى خرج من مكة رجع حتى يطوفَ و يسعى ، و كره مالكٌ للمريض إذا طاف بالبيت أن يؤخر السعيَ ، و أن يفرقَ بين الطوافِ والسعي ، و كذلك من طاف وركع فمرض ، فلم يقدرْ أنْ يسعى
***(1/378)
[2/383]
حتى انتصف النهارُ . قال ابن القاسمِ : و مَن أصابه لك ، فليبتدئْ .
قال مالكٌ : و مَن طاف بالبيت سبعاً ، فلم يخرج إلى السعي حتى طاف تطوُّعاً أُسبوعاً أو أسبوعين ، فأَحَبُّ غليَّ ، أن يبتدئ الطوافَ و يسعى ، و إن لم يعد الطوافَ ، رجوت أن يجزئه .
قال أشهبُ ، عن مالكٍ : و مَن أتى ليلاً فطاف ، و لم يَسْعَ إلا بعد أن أصبح ، فإن كان بطهرِ واحدٍ ، أجزأه ، و إن نام أو انتقض وضوءه ، فبئسَ ما صنع ، فإن كان بمكة فليُعِدِ الطوافَ والسعيَ والحِلاقَ ، فإن خرج من مكةَ ، فليُهْدِ هدياً ، و لا يرجع . قال أشهبُ : فإن ذكر بعد أن صلى ركعةً من الركعتين أنَّه طاف ستة ، فليقطع ، وليتم طوافَه .
في الطواف بعد الصبح وبعد العصر
وكيف إن أخَّر الركعتين والسعيَ ، و في تأخير الطواف والركوع في الإفاضةِ
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و من دخل بعد العصرِ ، فلا بأس أن يؤخر الطوافَ ، فإن طاف و أخَّرَ الركعتين حتى صلى المغرب ، فركع وسعى ، فإن طاف بطهر واحدٍ ؛ أجزأه ، و إن لم يكن بوضوءٍ واحد أعاد الطوافَ والسعيَ ، إن كان بمكةَ ، فإن خرج وتباعد بعثَ بهَديٍ ، و قد أخَّر عمرُ ركعتي الطواف حتى طلعت الشمس . و أحبُّ لمَن جاء مكة ، وعلم أنه لا يدرك الطوافَ إلا بعد العصر ، أن يقيم بذي طوًى حتى يُمسِيَ ، و لو دخل فطاف وسعَى و لم يركع إلا بعد غروب الشمسِ ، فليعد – إن كان بمكة – الطواف ، و يركع و يسعَ . و إن خرج منها بعثَ
***(1/379)
[2/384]
بهديٍ ، و ذلك لسعيه قبل أن يركع .
قال مالكٌ : و إن طاف بعدَ الصبح ، ثم سعى قبلَ أن يركع ، فليرجع ، فيركع ، ثم يسعى ، و من أفاض من مِنًى ، فوجد الناسَ قد صلوا العصرَ ، فإن خاف فوات الصلاةِ ، بدأ بها وطاف و أخر الركعتين حتى يصليهما بعد المغرب ، و إن لم يخف فوات الصلاةِ ، بدا بالطواف وركع وصلَّى العصر .
قال مالكٌ : و مَن طاف بعد الصبح أو بعد العصر ، و أخَّر الركعتين ، فحلت النافلةُ ، و هو في منزله ، فأرجو أن يجزئه ركوعهما في المنزل .
قال ابنُ القاسمِ : قال مالكٌ : و من أخر الركعتين بعد العصرِ ، فليصَلِّهما بعد أن يصلِّيَ المغربَ ، و إن ركعهما قبل أن يصلِّيَ المغربَ ، وبعد الغروب أجزأتاه ، وبعد صلاة المغرب أحب إلينا .
قال مالكٌ : و من طاف للإفاضة بعد الصبحِ ، فأحبُّ إلينا أن لا ينصرف حتى يركع الركعتين في المسجد ، أو بمكةَ ، و إن ركعهما في طريقه ، فإن كان بوضوءٍ واحدٍ ، فلا رجوع عليه ، و لا يعيد ركعهما في طريقه في الحرم أو في غيره ، فإن انتقضَ وضوءه فليرجع حتى يعيد الطوافَ ، و يركع . قال ابنُ القاسمِ : ما لم يَبعُدْ ، فلا يرجع ، وليهدِ وليركعهما بموضعه .
قال مالكٌ : و مَن صلَّى العصرَ بمنزله بمكة ، ثم أتى المسجد ، فطاف قبل أن يصليَ الإمام ، فلا يركع حتى تَغرُبَ الشمس ، و إن كان بعيداً عن الإمام .
قال ابن حبيبٍ : قال مطرّفٌ ، و ابن الماجشون ، فيمن طاف بعد
***(1/380)
[2/385]
الصبح ، و هو في غلسٍ : فلا بأس أن يركعَ لطوافه حينئذٍ ، و قد فعله عمرُ بنُ الخطاب .
و في بابٍ آخر ، من "كتاب" ابن المواز ، قيل لمالكٍ : هل يتنفَّلُ الرجلُ بعد الفجرِ بالركوعِ؟ قال : إنَّ الناسَ ليتركونه و ما هو بالضيق جدًّا .
و من "كتابه" ، قال مالكٌ ، في المرأة ذات الجمال تقدَمُ نهاراً : إلا بأس أن تؤخر الطواف إلى الليلِ . و قد تقدم هذا .
وقال مالكٌ : و إذا دخلتِ امرأةٌ بعمرةٍ ، فطافت ، ثم حاضت قبل أن ... تركع ، فلتقم ختى تطهر ، ثم تأتنف الطوافَ ، وتركع وتسعَ . و إن خرجت قبل ذلك ، رجعت حتى تفعل ذلك ، وتُهدِيَ ؛ يريد الذي خرجت .
قال ابن حبيبٍ : و لو حاضت بعدَ الطوافِ – يريد والركوعِ – فلتسعَ .
في من ذكر بعضَ طواف السعي أو الإفاضةِ ، أو بعض السعي و قد رجع إلى بلده ، أو لم يرجع أو ذكر الركعتين ، أو صلاهما في الحجر و في من طاف تطوُّعاً ، و عليه طوافٌ واجبٌ نَسِيَه
من "كتاب" ابن المواز ، قا مالكٌ : و مَن ذكر شوطاً من طوافه ، فليرجع له من بلده ، و كذلك من السعي ، و إلى هذا رجع ابن القاسمِ بعد أن كان يُخفِّفُ الشوط والشوطين . و كذلك من السعي . و إلى هذا رجع ابن القاسمِ بعد أن كان يُخفِّفُ الشوط والشوطين . و كذلك عن شكَّ في ذلك ، فليرجعْ .
قال مالكٌ : و إن ذكر بعد السعيِ شوطاً من طوافه ، بنى وركع ، ثم سعى .
قا مالكٌ : و من طاف مع اخٍ له فشكَّ في طوافه ، فأخبره الذي معه ،
***(1/381)
[2/386]
أنه قد اتمه ، فأرجو أن يكون ذلك واسعاً . وذكره ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، في "العُتْبِيَّة" ، و قال : فأخبره رجلان معه ، أنه قد أتَّمه .
قال : أرجو أن يكون خفيفاً .
قال : و من بدأ بالركن اليمانيِّ ، فإذا فرغ من سعيه – قال أبو محمدٍ : أراه غلطَ قولُه : من سعيه . و أراه من طوافه ، أولَى – فإنَّه يعيدُ الركوعَ والسعيَ بعدَه ، و ما بعده بدلٌ أتمَّ ذلك ، فتمادى من اليمانيِّ إلى ألأسود ، فإن لم يذكر ، حتى طال أو انتقض وضوءه ، أعاد الطواف والسعيَ . و إن خرج من مكةَ وتباعد ، أجزأه أن يبعث بهَديٍ ، و لا يرجع . قاله أصبغُ .
وغن كان متعمداً ، فليبتدئ إلا فيما لا تراح مثله ، مثل أن يعدِلَ إلى بعضِ المسجدِ ، ثم يستفيقَ ، فليبن كمَن يخرج من صلاته ، إلى مثل جوانب المسجدِ ، ثم يستفيق ، فليبن كمن يخرج من صلاته ، إلى مثل جوانب المسجد و أبوابه ، و إن طال ذلك منه بنسيانٍ أو جهلٍ ، و لم يتباعد ، فليبنِ ما لم ينتقض وضوءه أو يطوِّلْ . و من ابتدأ طوافه من بين الحجر الأسود ، و من بين الباب بالشيء اليسير ، ثم ذكر ، قال : يجزئه ، و لا شيء عليه ، و إن بدا من باب البيت ألغَى ما شاء من باب البيت على الركن ، و لا يَعْتَدُّ به .
قال مالكٌ : و من جهل ، فلم يسعَ بين الصفا و المروة ، حتى رجع إلى بلده ، فليرجع متى ما ذكر على ما بقي من إحرامه ، حتى يطوف و يسعى .
قال في رواية ابن وهبٍ : و أحَبُّ إليَّ أنْ يُهدِيَ ، بخلاف رواية ابن القاسمِ .
قال أشهبُ : و كذلك من ذكر شوطاً من حجٍّ أو عمرةٍ . قال :
***(1/382)
[2/387]
فإن أصاب النساءَ ، فليرجع حتى يطوف ، و يسعى ، ثم يعتمر و يُهدِي . و قال أشهبُ : هَديَيْنِ هَدياً في عمرته للوطء ، و هَدياً للتفرقةِ ، و ليس هَديُ التفرقة بواجبٍ . و ابن القاسمِ يرى في ذلك كله هَدياً واحداً .
و من "كتاب" محمدٍ ، و "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسمِ : و من دفع من عرفة بعد الغروب ، فمضى إلى بلده كما هو ، فليرجع أبداً حراماً من النساء والصيد ، و يتقى الطيب ، و يرجع لابساً للثيابِ حتى يطوفَ الإفاضة ، و عليه هَديٌ واحدٌ لسائر ما ترك من الجمار و غيرها ، و لو أصاب النساء اعتمر بعد إفاضته ، و عليه هَديٌ آخر .
و كذلك من أُحْصِرَ بعد وقوفِ عرفة بعدُوٍّ – و في باب آخر بمرضٍ – حتى فاته الحج ، فحجه تامٌ ، و عليه لما ترك من المزدلفة والرمي و المبيت بمنًى و غيره ، هَديٌ واحدٌ . و قد قال غيرُ ابن القاسمِ : إنَّ عليه لكل شيءٍ من ذلك هَدياً . قال أبو محمدٍ : قوله : بعدُوٍّ . فابن القاسمِ لا يرى في المحصرِ بعدُوٍّ هَدياً ، و أشهب يراه . و إن كان بمرضٍ . فيريد ، أنَّه قد أفاض .
قال ابن القاسمِ : وكلُّ طوافٍ نَسِيَ فيه الركعتين ، من طوافِ السَّعيِ أو الإفاضةِ ، أو طاف عمرته ، فذكر بعد أن تباعد من مكة ، أو رجع إلى بلده ، فليركعهما مكانه و يبعث بهَدْيٍ ، وَطِئ النساء أو لم يطأ . و إن ذكره بمكةَ أو قريباً منها ، و لم يطأ النساء ، فإن كانتا من طواف السعي
***(1/383)
[2/388]
و ليس بمراهقِ –رجع فطاف ، وسعى و أهدَى ، و إن كانتا من طواف الإفاضةِ طاف و لا دم عليه ، أو كانتا من طواف السعي الذي أخَّره ؛ لأنَّه مراهقٌ ، أو محرمٌ من مكة ، أو كانتا من عمرةٍ ، فليطف و يسعَ ، و لا دمَ عليه ، و إذا وطئ ، و هما من أيِّ طوافٍ كان ، فذكر بمكة أو قريباً منها ، فليطف و يركع ، و يسع ما فيه سعيٌ ، و عليه عمرةٌ و الهديُ ، و لو رجع إلى بلده أو بعدَ ، فلا يرجعْ ، وليركعهما و يبعث بهَديٍ . و نحوه هذا في "العُتْبِيَّة" ، من سماع ابن القاسمِ .
قال مالكٌ : و من نسي الركعتين حتى سعى ، فليركعهما وليُعْدِ السعيَ .
و قيل : يأتنف الطوافَ ، و يركعُ ، و يسعى .
قال ابن حبيبٍ : و مَن نَسِيَ الركعتين ، فإن لم ينتقض وضوءه ، ركعهما و لم يُعِدِ الطوافَ ، و إن انتقض وضوءه ، ابتدأ الطواف إن كان واجباً ، و هو مخيَّرٌ في التطوعِ .
و من نَسِيَ طوافَ الإفاضة أو بعضه ، أو طاف على غير وضوءٍ ، فليرجع له من بلده ، إلا أن يكون طاف بعدَه متطوعاً أو مُوَدِّعاً ، فيجزئه من كواف الإفاضة . و قاله كله مالكٌ .
و من "كتاب" ابن المواز ، وبعضه أيضاً في "المختصر" ، قال مالكٌ : و لا بأس بركعتي طوافِ النافلةِ في الحِجرِ ، و قال : لا أحبُّه . و أراه عن هذا رجع .
و من صلى المكتوبة في الحجر ، أعاد في الوقت ، فإن ركع فيه ركوعَ الطواف الواجب طواف السعي ، أو الإفاضةِ سهواً ، أو جهلاً ، فليُعِدِ الطوافَ ، و يركع ، و يسعَ ما فيه السعيُ ، و هذا إن كان بمكةَ ، أو قريباً منها ، و إن تباعد بما في رجوعهِ مشقةٌ ، أو بلغ بلده ، بعث بهَديٍ وركعهما مكانه ، وَطِئَ النساء أو لم يطأ . قال مالكٌ : و لو ركعهما في الحجرِ ، ثم
***(1/384)
[2/389]
ذكر في بعض السعي ، أو بعد تمامه ، أحببتُ له أن يعيد الطوافَ ، و لو لم بعده وركع ثم سعى ، رجوت أن يجزئه ، و يأتنف الطوافَ أحب إلي .
قال مالكٌ ، في المختصر" : و إذا سعى بين الصفا و المروة ، فلا يخرجُ من مكة حتى يخرج إلى منًى ، إلا أن يرعى بعيره ، أو ما أشبه ذلك .
و من "كتاب" ابن المواز : و من طاف بالبيتِ لا ينوي فريضةً ، و لا نافلةً ثم سعى ، فلا يجزئه ، و يعيد إن كان قريباً ، و إن تباعد فعليه دمٌ . قال محمدٌ : إن عرف ما أحرم عليه ، لم يُعِدْ .
قال عبد الملكِ : و من طاف متطوعاً ، وظنَّ أنه قد أفاض ، ثم أصاب النساء ، ثم ذكر ، قال : يجزئه طواف التطوع عنه . قيلَ : فكيف له بالركعتين ؟ قال : حسبه أن ينوي بهما الواجب أولا من طواف التطوع .
قال : وسائر أمر الحج ، فإنه يُجزئُ تطوُّعُه عن واجبٍ ، إلا الصلاة ، فلا تكون إلا بنيةٍ .
في الخروج إلى منًى ، و إلى عرفة ، و الصلاة بها
قال ابن حبيبٍ و غيره : و إذا مالتِ الشمسُ يوم الترويةِ ، فطُف بالبيت سبعاً ، واركع ثم اخرج إلى منًى و أنت تلبي ، و إن خرجت قبل ذلك فلا حرجَن فإذا خرجت من منًى إلى عرفة ، فلا تجاوز مُحسراً حتى تطلع
***(1/385)
[2/390]
الشمس تنير ، فإذا جئت عرفة ، فانزل نَمِرَةَ ، فإذا زالتِ الشمسُ ، فرُح منها إلى مسجد عرفة .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و أكره المُقامَ يومَ الترويةِ بمكةَ إلى أن يُمسيَ ، إلا من شغلٍ .
قال مالكٌ : و من أدرك الجمعة بمكة يوم التروية ؛ من مكيٍّ و غير مكيٍّ – قال في باب آخر ممن أقام بها أربعة أيامٍ – فعليهم أن يصلوا الجمعة قبل أن يخرجوا . قال ابنُ القاسمِ : يريد ممن يتم الصلاة . و قال أصبغُ : فأما المسافر فليس ذلك عليه ، و أحب إليَّ أنْ لو فعل . قال محمدٌ : و كان أحب إلي خروجه إلى منًى ، ليدرك بها الظهر ، و العصر ، و إنما تكلم مالكٌ على من لم يفعل ، حتى أخذه الوقت .
قال ابن القاسم : قال مالك : و يغدو الإمام والناس إلى عرفة بعد طلوع الشمسِ ، و لا أرى بأساً للضعيف و من بدابته عِلَّةٌ ، أنْ يغدوَ قبل ذلك .
قال مالكٌ : والحج على الإبلِ والدوابِّ أحب إليَّ من المشي لمن لم يجد ما يتحمل به ، و كذلك فعل النبي صلى الله عليه و سلم .
قال : و من غدا من منًى إلى عرفة ، فله أن يُكبرَ أو يلبِّيَ ، كلُّ ذلك واسعٌ .
ابنُ القاسمِ : قال مالكٌ : و مَن فاته أن يجتمع بين الصاتين بعرفة . قال في "العُتْبِيَّة" : و من قويَ على ذلك ، فليجمع بين الصلاتين في رحله إذا زالت الشمس ، و يتبع في ذلك السُّنة . قال في "كتاب" محمدٍ :
***(1/386)
[2/391]
و كان القاسمُ ربما صلَّى في رحله ، وربما صلَّى مع الإمام . و قال ابن حبيبٍ : و لا ينبغي لأحدٍ أن يتركَ جميع الصلاتين بعرفة مع الإمامِ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال أشهبُ : و من جاء و الإمامُ يصلي بعرفة ، فلم يدرِ أي صلاةٍ هي ، فدخل ينوي صلاة الإمامِ ، فلا يجزئه .
قال مالكٌ : و من صلى في رحله يوم عرفة كَفَتْهُ الإقامة لكل صلاةٍ .
لمالكٍ : أيتقدم أحدٌ من مسجد عرفةَ قبلَ الإمامِ ، فإنَّ الأكرياء يفعلونه؟ قال/ إن ذلك ليكون ما لم يسرعوا .
و من "المجموعة" : قال أشهب : و إذا قطع المحرم التلبية بعرفة ، فليهلل ، و يكبر ، و يذكر الله .
قال أشهبُ : و لا أكره تقديم الناس أثقالهم إلى منًى و إلى عرفة ، و إن شاء من عرفة في رجوعه و من مزدلفة و في أيام منًى ، و لا يُسئل عن تقديم مَن حجَّ ، فقد اُرخصَ في تقديم النساء والصبيان وضعفةِ الرجالِ ، من مزدلفة إلى منًى قد فعله النبي صلى الله عليه و سلم .
قال ابن حبيبٍ : و يجمع بين الصلاتين بعرفة ، و يبدأ بالخطبة إذا زالت الشمسُ ، أو قبل الزوال بيسيرٍ قدرَ ما يفرغ من الخطبةِ ، و قد زالت الشمسُ . قال أبو محمدٍ : في قول ابن حبيبٍ هذا نظرٌ ؛ لأنَّه قال ألاً : فإذا زالت الشمسُ ، فرُح إلى مسجد عرفة . و قال ههنا : يخطب بمقدار أن
***(1/387)
[2/392]
تزول الشمس بعد الخطبة . و قال : يؤذن إذا جلس في الخطبة . و الأذان يجب إلا بعد الزوال .
وقال أشهب في "كتبه" : إذا خطب قبل الزوال ، لم يجزئه ، وليُعِدِ الخطبة ، إلا أن يكون قد صلَّى الظهر – يريد بعد الزوال – فتجزئه .
قال ابن حبيبٍ : و إذا جلس في الخطبة الأولى ، أذَّن المؤذن ، ثم يخطب الثانية ثم يقيم ، فإاذ جمع بهم ركب ، فليرتفع إى عرفاتِ ، فيقف عند الهضابِ ، راكباً . والناس معه ، و قد رُوِيَ في الجمع بينهما بأذانين و إقامتين ، و رُوِيَ بأذان و إقامتين . و بهذا أخذ ابنُ الماجشون ، و قاله ابن القاسمِ ، وسالمٌ . قال ابن المواز : قال ابن شهابِ : و يُهْجِرُ بالصلاةِ يوم عرفة .
في الوقوف بموقف عرفة والدَّفعِ
منها ، و المبيتِ بمزدلفة والدفع منها ، والوقوف بالمشعرِ
قال ابن حبيبٍ : فإذا تمت الصلاة بعرفة ، فجدَّ في التهليل والتكبير والتحميد ، و قاله سحنون و أشهب . قال ابن حبيبٍ : ثم اشتدَّ إلى الهضاب من سفحِ الجبلِ ، وحيث يقف الإمام أفضل ، وكل عرفة
***(1/388)
[2/393]
موقفٌ ، وعرفة في الحِلِّ ، وعرفة في الحرمِ ، فبطن عُرَنَةَ الذي أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالارتفاع منه ، و هو بطن الوادي الذي فيه مسجدُ عرفة ، و ما قاربه لا يُوقف في ذلك الوادي ، و هي ثلاثُ مسايلُ يسيلُ منها الماء أقصاها يلي الموقف ، و رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه بالدعاء عَشيَّةَ عرفة ، واستحبَّ مالكٌ أن يقف راكباً ، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم و من وقف قائماً فإذا أعيا فليجلس .
قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة" ، في الماشي إذا هبط من بطنِ مُحَسِّرٍ : أن يسعى على قدميه كما يفعل الراكب ، و يدعو بعرفاتٍ قائماً ، فإذا أعيا جلس .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و يقف راكباً أحب إليَّ . محمدٌ : كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم . قال مالكٌ : و أما الماشي ، فأحب إليَّ أنْ يدعوَ قائماً فإذا أعيا جلس ، و في "المجموعة" ، نحوه . قال مالكٌ : و لا أحب أن يقف على جبال عرفة ، و لكن مع الناس ، و ليس في موضعٍ من ذلك فضلٌ إذا وقف مع الناسِ ، و مَن تأخر عنهم فوقف دونهم ، أجزأه . محمدٌ :
***(1/389)
[2/394]
إذا ارتفع عن بطنِ عُرنة . قال مالكٌ : و لم يُصِبْ من وقف بمسجد عرفة .
قيل : فإن فعل حتى وقع؟ قال : لا أدري . قال أصبغُ : لا حج لهن واراه من بطن عرنة ، و وقف ابنُ عبد الحكمِ كما وقف مالكٌ .
قال ابن حبيبٍ : فإذا رغبتَ وسألت فابسُطْ يديك ، فإذا رهبت واستغفرت وتضرَّعْتَ ، فحولهما ، فلا يزال كذلك مستقبل بالخشوعِ والتواضعِ والتذللِ وكثرة الذكر ، بالتهليل والتكبير والتحميد والتمجيد والتسبيح والتعظيم و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ، والدعاء لنفسك ولأبويك ، و الاستغفار .
قال ابن حبيبٍ : فإذا دفعت من عرفة ، فارفع يديك على الله ، سبحانه ، وادفع عليك السكينة وامشِ الهُوينا ، و إنْ كنت راكباً ، فالعنقَ ، فإن وجدت فُرجةً ، فلا بأس أن تحرِّكَ شيئاً ، و أكثر من ذكر الله وتحميده وتهليله ، وتمجيده في مسيرك و في مبيتك بمزدلفة و مقامك في منى ، كما كمنت تفعل بالتلبية من رفع الصوتِ .
و من "كتاب" ابن عبدوسٍ ، قال ابن الماجشون : و لا أحب أن يتعمَّدَ الوقوف بعرفة بغير طهرِ ، وكل المناسكِ تحضرها الحائضُ ، إلا المسجد والطواف و الصلاة .
***(1/390)
[2/395]
قال ابن وهبٍ : قال مالكٌ : واستحبَّ بعضُ العلماءِ الغسل للسعي بين الصفا و المروة ، ولوقوف عرفة ، ولرمي الجمار و المزدلفة ، و لا يرون بأساً على من لم يفعل .
قال أشهبُ/ : و أحب موقف عرفة إليَ ما قرب من عرفة ، و من مزدلفة ما قرب من الإمامِ ، و قال عطاءٌ : من أدرك أن يقف على أول من جبال عرفة مما يلي مكة إلى عرفة قبل الفجرِ ، فقد أدرك الحج .
قال مالكٌ : و لا أُحبُّ أن ينزل يوم عرفة في الموقف عن بعيره ، و هو أحب إليَّ ، و إن وقف قائماً ، فله أن يستريح إذا أعيا . قال أشهبُ : و إن وقف بنفسه ، و لا علة بدابته ، فلا شيء عليه . و كره مالك أن يستظلَّ يومئذٍ من الشمس بعصاً و نحوها .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالك : و من دفع قبل الغروب ، فإن رجع فوقف قبل الفجرِ ، أجزأه و لا هَدي عليه . و قال أصبغُ : و أحب إلينا أن يهديَ ، و ليس بواجبِ . قال مالك : و إن لم يرجع حتى طلع الفجرُ ، فعليه حجٌّ قابلٌ و الهَديُ .
قال ابن القاسمِ ، و أشهبُ : و من تعمَّدَ تركَ الوقوفِ حتى دفع الإمامُ ، ثم وقف بعد ذلك ، فعليه الهدي . قال : و من دفع قبل الغروب ، إلا أنه لم يخرج من عرفة
حتى غربت الشمسُ ، فعليه الهَديُ .
قال مالكٌ : و من دفع قلب الغروب مثل الإمامِ ، أجزأه ، و مع الإمام أحب إلينا ما لم يتأخر .
قال في "المختصر" : و لا بأس أن يتراخى الناس بالدفعِ ما لم يُسرفُوا ،
***(1/391)
[2/396]
و من دفع من عرفة ، فلا ينزل تلك المياه ، يتعشَّى ، و يقضي حاجته .
و من "كتاب" محمدٍ : و مَن أتى عرفة ليلاً ، فليقف و يدعُ و لا يؤخر الصلاة إلى المزدلفة ، محمدٌ : و من بعرفة مارًّا شقَّها ليلاً ، و لم ينزلْ ، فذلك يُجزئه إذا عرفها نَوَى الوقوف بذلك و إلا بطل حجُّه .
و من أتى قرب الفجرِ ، و قد نسي صلاةً ، فإن صلاها طلع الفجر ، و لم يقف ، فإن كان قريباً من جبال عرفة وقف وصلى ، و إن كان بعيداً بدأ بالصلاةِ ، و إن فاته الحجُّ .
وبلغني أنَّ محمدَ بنَ عبد الحكمِ قال : إنْ كان من أهل مكةَ و ما حولَها ، فليبدأ بالصلاةِ ، و إن كان من أهل الآفاقِ مضى إلى عرفة ، فوقف ، وصلى .
و من "العُتْبِيَّة" ، أشهب عن مالكٍ : و من جاء مكةَ عشيَّةَ عرفة فخرج إلى عرفة ، فتغرب عليه الشمس ، أيصلي مكانَه ، أم يؤخر حتى يقف بعرفة ، و يرجع إلى المزدلفة؟ قال : بل يصلي الصلاة لوقتها .
و من "كتاب" ابن المواز : و من وقف به مُغَمًى عليه ، أجزأه ، و لا دمَ عليه ، قال أشهبُ : و قيل : لا حج عليه ، كمن فاته الحج .
و من "المجموعة" ، قال ابن نافعٍ : لا يجزئه ، قال أشهبُ : إلا أنْ يقفَ غيرَ مغمًى عليه بها ، حتى صدروا ، فيجزئه ، و لا دم عليه . قال
***(1/392)
[2/397]
ابن الماجشون : إن أُغمِيَ عليه بعد الزوال . فوقف به حتى صدروا . أجزأه . و إن أغمِيَ عليه قبل الزوال ، فلم يُفِقْ حتى الفجرِ ، فقد فاته الحج . قال ابن حبيبٍ : قال ابن القاسم ، و أشهبُ : و إن أُغميَ عليه قبل الزوال . و قال ابن الماجشون ، و مطرِّفٌ : يجزئه ، إلا أن يغمَى عليه بعدَ الزوال ، و إن كان ذلك قبل الوقوفِ ، فإنه يجزئه ، وروياه عن مالكٍ ، واحتجَّا بإغماء الصائمِ قبل الفجرِ ، وبعده .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و مَن صدرَ ، و به أو بدابته علة ، لا يقدر يسيرُ بسيرِ الناسِ ، فليُصَلِّ الصلاتين قبل المزدلفة ، و لا يصلِّ حتى يغيب الشفق ، فيجمع بينهما .
قال ابن القاسم : و من صلَّى قبل يأتي المزدلفة ، و هو يسير بسيرِ الناسِ فليُعِدْ إذا بلغها . قال أشهبُ : لا يعيد – بئس ما صنع – إلا أن يكون صلى قبل غيبوبة الشفقِ ، فليعد ، العشاء أبداً . قال محمدٌ : وقول ابن القاسمِ أحب إلينا . قال ابن حبيبٍ : هو كمن صلَّى قبل الوقتِ ؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم "الصلاةُ أمامَكَ" .
***(1/393)
[2/398]
قال ابن المواز : و هذا لمن وقف مع الإمامِ ، و أما من وقف بعده ، فليصلِّ كل صلاةٍ لوقتها . و قال ابن القاسم : إن طَمِعَ هذا أن يبلغ المزدلفة في ثلثِ الليلِ ، أخَّرَ الصلاتين ، و إلا صلَّى كل صلاةِ في وقتها . و قال أيضا : يصلي كل صلاةٍ في وقتها . إلا أن يُعجله السيرُ ، فيجمع بينهما .
قال أشهبُ : عن مالكٍ ، و في "العُتْبِيَّة" : و من وصل إلى مزدلفة ، فليبدأ بالصلاةِ قبل يَحُطُّ رواحله وزوامله ، إلا مثلَ الرجلِ الخفيفِ ، فليحطه قبل الصلاةِ .
وقال أبو محمدٍ : قال أشهبُ في "كتبه" : و من أتى المزدلفة ، فله حَطُّ رَحلهِ قبل الصلاة ، وحَطُّه له بعد أن يصليَ المغربَ أحب إليَّ . ما لم يُضطرَّ إلى ذلك ؛ لما بدابته من الثقلِ ، أو لغير ذلك من العذر ، فإذا صلى المغرب ، حَطَّ رَحله إن شاء قبل يصلي العشاء ، و إن لم يكن بدابَّته ثِقَلٌ ؛ لأن ذلك قريبٌ ، لا تفاوت فيه بين الصلاتين ، و لا يتعشَّى قبل أن يصليَ المغرب – و إن خفَّفَ عَشاءه – وليُصَلِّ المغربَ ثم يتعشَّى قبل أن يصليَ العشاء ، إن كن عشاؤه خفيفاً ، و إن كان عشاؤه فيه طُولٌ ، فليؤخره حتى يُصلِّيَ العشاءَ ، أحب إليَّ .
و ذكر عبد الرحمن بن يزيد النَّخَعِيُّ أنَّ ابنَ مسعودِ ، لمَّا نزل بالمزدلفة ، صلى بهم المغرب ، قال : ثم وضعنا أرحالنا ، وتعشينا . ثم صلى العشاء ، و في حديث مالكٍ ، في "الموطأ" أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى المغرب
***(1/394)
[2/399]
بمزدلفة ، ثم أناخ كل إنسانٍ بعيره في منزله ، ثم أُقيمت العشاء ، فصلاها ، و لم يُصَلِّ بينهما شيئاً .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال محمدٌ : قال أشهبُ : عن مالكٍ ، و من أدرك بالمزدلفة من المغرب ركعةً ، فليقضِ إذا سلَّم الإمامُ و لا يقطعْ .
قال ابن حبيبٍ : و من شاء صلَّى ليلة المزدلفة مع ألإمامِ ، وغن شاء في رحلهِ ، و مع الإمام أفضلُ . والشأن أن يصلِّيَ الإمامُ بها الصبحَ حينَ ينصدعُ الفجرُ .
و من "كتاب" ابن المواز : و من وقف بمزدلفة مغمًى عليه أجزأه ، و إنما اختلف ابن القاسمِ و أشهب في عرفة . قال أشهبُ : و إذا لم يزل بمزدلفة حتى طلع الفجر ، فعليه الهَديُ ، وغن كان من ضعفةِ الرجال والنساءِ والصبيان . و قال ابن القاسم : إن نزل بها بعد الفجرِ ، ما لم تطلع الشمسُ ، فهو مدركٌ ، و لا هَديَ عليه . و ليقف بالمشعرِ الحرامِ . ما لم يُسفِرْ جدًّا . و إن دفع الإمامُ ، و إنما الذي إلا يقف بالمشعر بعد دفع الإمام ، من بات بها ، أو وقف معه ، فهذا لا يقف بعدُ .
قال : و وقت دفع الإمام من المشعر الإسفار الذي يجوز تأخير الصلاة غليه . قال في "لمختصر" : و يدفع إذا كان الإسفارُ الذي يجوز تأخير الصلاةِ إليه .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال : و يُستحبُّ ليلةَ المزدلفة كثرةُ
***(1/395)
[2/400]
الصلاة والذكر ، و كان ابن عمر يطيل بها التهجد ، و كان الناس يستحبون الوقوف على الجبل الذي عليه الإمامُ .
وقال سعيد بن جبيرٍ : و ما كان بين الجبلين موقفٌ منها ، و قال ابن أبي يحيى : و ما صبَّ منه في منًى فهو منها . قال ابن حبيبٍ : المشعر ما بين جبلي المزدلفة ، و يقال لها أيضا : جَمْعٌ ، وكلها موقفٌ ، و لا يرتفع عن بطن مُحَسِّرٍ ، و يقف الإمام حيث المنارة التي على قُزَحَ .
قال مالكٌ : ولترفع يديك بالدعاء والذكر ، والرغبةِ على الله سبحانه ، و يُكثِرُ من التهليل ، و يفعل في الدفعِ من المشعر من الذكر والتلبية مثلَ فعلك في الدفع من عرفة ، و يُهروِلُ في بطنِ مُحَسِّرٍ . و كان عروة يقول فيه : لا إله إلا أنت ، و أنت تُحيي بعد ما أمتَّ .
وقال غيره :
إنْ تغفرِ اللهمَّ تغفرْ جَمًّ = و إلى عبدٍ لك ألَمَّا
و من "العُتْبِيَّة" ، عيسى ، عن ابن القاسمِ : و من دفع من عرفة بعد مغيب الشمسِ ، فتمادى إلى بلده ، فإنه يرجع لابساً للثيابِ حتى يفيضَ ،
***(1/396)
[2/401]
و عليه لجميع ما ترك هَديٌ واحدٌ ، بَدَنَةً أو بقرةً ، و هذا في باب الفوات .
جامع القولِ في رميِ الجمارِ
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : لقطُ حصى الجمارِ أحبُّ غليَّ من كسرها ، و ليس عليه غسلها ، قال ابن حبيبٍ : واستحبّ القاسمُ ، وسالمٌ أخذها من المزدلفة ، و لا باس بأخذها من غيرها ، إذا اجتلب ما رمى به ، و كان القاسمُ يرمي بأكبر من حصى الخذفِ قليلاً .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال عيسى ، عن ابن القاسمِ : و وقت الرميِ يومُ النحرِ من طلوع الشمسِ إلى الزوالِ ، فإذا زالت ، فات الرميُ ، إلا العليلَ ، أو لمن نَسِيَ . و لو رمى بعد الزوال فلا شيء عليه ، و لكن في صدر النهار أصوبُ في ذلك اليوم ، و أما في أيام منًى ، فمن حين تزول الشمس إلى أنْ تَصْفَرَّ ، فإذا اصفرَّت ، فقد فات الرمي إلا لمريضٍ أو ناسٍ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : والرميُ في أيام منًى بعدَ الزوال قبل الصلاةِ ، و إن رمى بعد أن صلَّى الظهر أجزأه . قال مالكٌ في "الواضحة " : و قد أساء . قال : و يعيد من رمى قبل الزوال .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و مَن رمى جمرة العقبةِ ، رجعَ ، من حيث شاء . قال مالكٌ : و يرميها من أسفلها ، و من لم يصل
***(1/397)
[2/402]
لزحامٍ ، فلا بأس أن يرميها من فوقها ، و قد فعله عمرُ لزحامٍ . ثم رجع مالكٌ فقال : لا يرميها إلا من أسفلها فإنْ فعل ، فليستغفر الله . و كذلك في "المختصر" : و إذا رماها من أسفلها ، فليستقبلها ، و منًى . عن يمينه ، والبيت عن يساره ، و هو ببطن الوادي . و كذلك كان ابنُ مسعودٍ يفعلُ .
قال : وليرمها كما هو راكباً ، إلاّ أنْ يأتيَ قبل الفجرِ ، وغن رماها ماشياً ، فلا حرج و لا يقف عندَها بعد الرميِ .
قال مالكٌ : وليمشِ في رمي الجمارِ أيام منًى في اليوم الآخر . قل : إنَّ الناس تحملوا براحلتين ، قال : في ذلك سعة ، ركب أو مشي .
قال : و إذا رمى الأولى ، تقدَّم أمامها و أطال الوقوف للدعاءِ ، و يرمي الوُسطَى ، و ينصرف عنها ذات الشمال ببطنِ المسيلِ ، فيقف أمامها مما يلي يساره ، و وجهه إلى البيتِ ، فيفعل كما فعل في الأولى ، وليكثر الوقوف عندَها . و كان القاسمُ ، وسالمٌ يقفان عندَهما . قدرَ ما يقرأ الرجل السريع سورة البقرةِ . قال ابن عبد الحكمِ : و هو موضع ذلك .
***(1/398)
[2/403]
قال مالكٌ : و يرفع صوتَه بالتكبير عند الجمارِ . قال ابن القاسم ، و أشهبُ : و يُطيلُ الدعاء .
قال ابن حبيبٍ : ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم كان يطيل عند الأولى القيامَ ، و يقومُ عند الوسطى دون ذلك ، و لا يقوم عند العقبةِ . و كان ابن مسعودٍ يقفُ في الولى للدعاءِ قدرَ البقرةِ مرتين ، وعند الثانية قدرَ قراءتها مرة . و كان قيام ابن عمر فيهما قدرَ قراءة البقرةِ . قال ابن حبيبٍ : والوقوف في الثانية دون الأولى .
و كان ابن مسعودٍ كلما رمى أو عمل شيئاً من أمر الحجِّ ، قال : اللهمَّ اجعله حجًّا مبروراً و ذنباً مغفوراً .
و أيام مِنًى أيام ذكرٍ ، قال الله : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} ، و هي أيام منًى ، و المعلومات أيام النحرِ لقولهِ : {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} .
وقال مالكٌ : و ليعلن الحاج التكبير أيام منًى و يذكر الله ؛ لقوله {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} الآية ، فكان ابنُ عمر يكبّرُ
***(1/399)
[2/404]
أول النهار في قُبَّتِهِ أو حيث كان من منًى رافعاً صوتَه ، فيكبِّرُ الناسُ بتكبيرِهِ ، ثم يكبِّرُ إذا ارتفع انهار كذلك ، ثم يكبِّرُ إذا زالتِ الشمسُ كذلك ، و يكبِّرُ الناسُ حتى تَرْتَجَّ منًى بالتكبير ، حتى يبلغ ذلك مكة وبينهما ستةُ أميالٍ . ثم يكبِرُ بالعشاءِ كذلك أيام منًى كلها . فأما أهلُ الآفاقِ ، فإنما يُظهرونَ التكبيرَ في غُدُوُّهم إلى المصلى ، و في دبرِ الصلوات .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و إذا رمى في اليوم الثالث ، فلا يقيم بعد رميه ، و لينفذْ و يصل في طريقه ، و إذا كان له ثقلٌ وعيالٌ ، فله أن يؤخر ما لم تصْفَرَّ الشمسُ ، و لا يصلى لك اليوم بمسجدِ منًى غيرَ صلاةِ الصبحِ .
و ذكر مثله ابن القاسمِ ، عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة" : و قال : لا يرمي ، و يرجع إلى ثقله ، فيقيم فيه حتى يتحمل .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال أصبغُ : والسنة للإمامِ أن يرميَ الجمرة الآخرة عند الزوال ، و يتوجَّه فاصلاً ، و قد أعاد رواحله قبل ذلك ، أو يأمر من يلي ذلك له ، و لا يرجع إليه .
قال مالكٌ : أُرخِصَ لرعاة الإبلِ أن يرموا يومَ نحرِ العقبة ، ثم يخرجوا ، فإذا كان اليومُ الثاني من أيام منًى – يومُ نفرِ المتعجل – أتَوْا يرمون الجمار لليوم الماضي ولليوم ، ثم لهم أن يتعجَّلُوا ، فإن أقاموا ، رَمَوا للغدِ مع
***(1/400)
[2/405]
الناسِ . محمدٌ : فإن دعوا النهار ورَموا الليل ، أجزأهم ، ورُوي أن النبي صلى الله عليه و سلم أرخص في ذلك .
قال عبد الملك : و مَن ترك جمرة العقبةِ ، أول يومٍ ، ثم رماها من الليلِ أو من الغدِ بغيرِ نيَّةٍ ، لقضاء ما نَسِيَ منها ؛ أنه يجزئه كلُّ ما فعله من أمر الحج تطوعاً لا ينوي به القضاء ، إلا الصلاة فلا تجوز إلا بنيةٍ .
قال : و خالف عبدُ الملكِ أصحابه ؛ فقال : و إن لم يَرْمِ العقبة في شيءٍ من أيام الرميِ بطل الحج . و كذلك ذكره عنه ابن حبيبٍ ، وزاد عنه ، فإنْ لم يرمها يومَ النحرِ حتى أمسى ، فعليه دمٌ و يرميها في ليلته ، و إن ذكرها في اليوم الثاني أو قبل انقضاء أيام منًى ، رماها ، و عليه بَدَنَةٌ ، فإن لم يذكرها حتى زالت أيام منًى بطل حجه ، فإن ذكر منها حَصاةً إلى مَيِّتٍ ثم ذكرها في أيام منًى ، فليرمِ منها ما نسي فقط و عليه دمٌ . و إنما عليه بَدَنَةٌ لو ذكر رميها كلَّه .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و إن ذكر بعد أيام منًى حصاةً ، ذبح شاةً ، فإن كانت جمرة ذبح بقرةً . محمدٌ : و إن كانت الجمارَ كلها . فبدنة . قال عبد الملك فيمن ترك حصاةً إلى بيتٍ ، فإن كانت سبعاً فهو كالجميعِ . و عليه بدنةٌ ما لم يكن جمرة العقبةِ .
***(1/401)
[2/406]
قال محمدٌ : و من ذكر في اليومِ الثالثِ قبلَ أن يرمي أنه لم يرمِ لأول يومٍ من أيام الرميِ إلا ستَّ حصياتٍ لكلِّ جمرةٍ . قال ابن القاسمِ ، و أشهب : فليرمِ لأول يومٍ بحصاةٍ وللاثنين بسبعٍ سبعٍ ، و كذلك إن كان رمى ليومه هذا ، عند ابن القاسم ، ثم يعيد رميَ اليومِ . و قال أشهبُ : إذا ذكر بعد الزوال أعاد رميِ أول يوم كله ، ورمي اليومِ .
قال ابن القاسم : و من صدر في اليوم الرابع ثم ذكر أنه لم يرمِ ، فليرجع فيرمِ ما لم تغبِ الشمسُ ، فإن لم يقدر أن يرمي إلا جمرة أو جمرتين حتى غابت فليرم ما أدرك ، و عليه في الآخرة دمٌ .
و من "كتاب" محمدٍ ، و "العُتْبِيَّة" : ابن القاسم ، قال مالكٌ : و إذا شكَّ في حصاة من الأولى بعد أن رمى ، فليرمها بحصاة ثم يعيد الجمرتين بعدها ، فسبع سبعٌ ، و أما إن بقيت بيده حصاة أو حصاتين ، لا يدري من أيتهما هي ، فليبتدئ الرميَ من أوله بسبعٍ سبعٍ ، و قد قال : إنها مثلُ الأولى .
قال ابن القاسمِ : و إن رمى الآخرة ، ثم الوسطى ، ثم الأولى ، أعاد الوسطى ، ثم الآخرة ، و لو رمى الأولى ثم الآخرة ثم الوسطى أعاد الآخرة .
قال ابن المواز : و إن رمى الجمار بحصاةٍ حصاةٍ كل جمرةٍ حتى أتمها بسبعٍ سبعٍ ، فليرمِ الثانية بستٍّ ، ثم الثالثة بسبعٍ ، و من نفذت حصاه ثم رمى بحصاةٍ من الجمرةِ ، فلا أحب له ذلك ، و قد أجزأه ، قاله
***(1/402)
[2/407]
ابن القاسم . و قال أشهبُ : لا يجزئه .
قال مالكٌ : و أحبُّ إليَّ للمريض – إنْ طمع بصحةٍ – أن ينتظر بالرميِ آخر أيام الرمي ، فإن لم يرجُ ذلك ، فلا يؤخر ، وليرمِ عنه و يهدِ ، فإن صحَّ في أيام الرمي ، أعاد ما رُميَ عنه و أُهديَ ، يريد عما مضَى . و قال أشهبُ : لا هَديَ عليه إذا أعاد ما رُميَ عنه ، و قاله عطاءٌ .
واختلف قولُ ابن القاسمِ ، في وقوف الرمي عن المريض للدعاءِ ، فقال : يقف عنه . و قال : لا يقف . و قال أشهبُ : يقف عنه إذا لم يرمِ المريض ، حتى غربت الشمسُ ، ثم ركب فرمى ، فعليه دمٌ .
و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و مَن أفاض بعدَ رميِ الجمرةِ فأقام بمكة و كان مريضاً ، فلم يرجع إلى منَى و لا رمى حتى ذهبت أيام منًى فقال : عليه بدنَةٌ فإن لم يقدر ، فما استيسر من الهَديِ ، يريد : شاة . قيل : إن قوماً قالوا : لو رمى بعد أيام منًى؟ قال : هذا خطأٌ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال ابن وهبٍ : و ليس على من رمى الجمار على غير وضوءٍ إعادةٌ ، و لكن لا يتعمد ذلك ، و لم يرَ عطاءٌ ، والشعبي بهذا بأساً . و كان لبن عمر يغتسل لرميِ الجمار . و قال ابن أشهبٍ : لا يرمي إلا و هو طاهرٌ . قال عطاءٌ ، و مجاهدٌ : وتتوضأ الحائض إذا توجهت إلى شيءٍ من ذلك .
قال ابن حبيبٍ : و من نسي رمي الجمار إلى بعد يوم النحرِ ، رمى الساعة
***(1/403)
[2/408]
ذكر ، و لا دم عليه ، إلا أن يذكر ذلك بعد الصدر وزوال أيام منًى ، فليبتدئ ، و إن ذكر بعد أن صدر قبل غروب الشمسِ ، رجع فرمى ، و عليه دمٌ ، لأنه رمى بعد الصدرِ ، و إنما يعتدُّ بأن يرميَ الأولى بسبعٍ ، ثم الثانية ثم الثالثة لأول يومٍ ثم يعود ، فيرميهم . هكذا عن اليومِ الثاني ، ثم عن الثالثِ ، و لا يرمي الأولى ، و لا غيرها عن الثلاثة أيامٍ في مرةٍ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال يحيى بن يحيى ، عن ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، فيمن نسيَ الرميَ يوماً ، أو يومين ، ثم ذكر ، قال : يرمي في اليوم الثالثِ لليومين الماضيين ، و يُهدي .
قال ابن وهبٍ : إن كان متعمداً ، فليقضِ ، و يُهدِ ، إن كان ناسياً ، فلا هدي عليه ، إلا أن يذكر بعد أيام الرميِ ، فليهدِ في العمدِ و السهوِ ، و إذا أدرك في اليوم الثالثِ ، فلا يرمي الأولى ليومين ، ثم الثانية كذلك ، والثالثة . و لكن يرمي عن أول يومٍ جميعهن ، ثم يبتدئ كذلك للثاني .
قال : و كان أحب إلى مالكٍ في تاركِ جمرةِ العقبةِ شاة ، و في جمرتين بقرةٌ ، و في الثلاث بَدَنَةٌ ، و يرى أنَّ أدنى الهَدي في ذلك يُجزئُ أيضاً .
***(1/404)
[2/409]
و من سماع ابن القاسم : و من نسي أن يرميَ نهاراً ورمى ليلاً ، فلا هَديَ عليه ، ثم رجع ، فقال : يُهدي . قاله ابن القاسم .
قال ابن حبيبٍ : قال مالكٌ : و مَن أخطأ حين أفاض من عرفة ، فلم يأت منًى إلا بعد يومِ النحرِ بيومٍ ، أو يصيب امرأةً بعفة ، أو مزدلفة ، فلم يأتِ منًى إلا بعد يومِ النحر بيومٍ ، فليرموا ، و عليهم هَدْيٌ .
جامع القول في الحلاقِ ، والتقصير للحاجِّ
و المعتمر ، و ما يَحِلُّ للحاجِّ برميِ الجمرةِ
من "كتاب" ابن المواز ، قال عروة : ول يجاوز أحدٌ جمرة العقبة ، حتى يحلق . قال عبد العزيز بن أبي سلمة : لا ينبغي لأحدٍ أن يحلق خلفَ العقبةِ .
قال مالكٌ : و من رمى جمرة العقبةِ يوم النحرِ ، فقد حل له كل شيءٍ إلا النساء ، والطيب ، والصيدَ . و قاله عليُّ بن أبي طالبٍ . و قيل : إنَّ عمر لم يذكر الصيدَ في خطبته ، لأنه ليس من شأن أهل منًى ، و إنما شانهم ما بحضرتهم . قال مالكٌ : واراه لهذا لم يذكره .
قال مالكٌ : و إذا أفاض بعد الرميِ حل له كل شيءٍ ، من النساءِ ، والطيبِ ، والصيدِ ، وكل شيءٍ .
قال مالكٌ : و من الشأنِ أن يغسلَ رأسَه بالغاسولِ والخِطميِّ ، حين يريد أن يحلق ، و لا باس أن يتنوَّرَ ، و يقصَّ أظفاره ، و يأخذ من شاربه ، ولحيته قبل أن يحلقَ ، و إذا رمى ، فله لبس الثيابِ في الإفاضةِ .
***(1/405)
[2/410]
قال ابن القاسم في المعتمر يغسل رأسه قبل أن يحلقه ، أو يقتل شيئاً من الدوابِّ ، أو يلبس قميصاً بعد تمام السعي ، قال : أكره ذلك له .
قال مالكٌ : و لو وطئ قبل أن يحلق كان عليه عمرة ثانية ، و قال في بابٍ آخر : ليس عليه إلا الهدي . و قال في "العُتْبِيَّة" : يبتدئ . و قال ابن حبيبٍ ، عن مالكٍ : إذا لبس المعتمر الثيابَ ، أو مسَّ الطيبَ ، أو النساءَ ، قبل أن يحلق ، أو يُقَصِّرَ ، فلا شيء عليه .
محمدٌ : قال مالكٌ : وليُعَجِّلِ الحاجُّ حِلاق رأسه إذا رمى ، و كذلك المرأة تُعَجِّلُ التقصير . فإن أفاض قبل أن يحلق ، فإن ذكر في أيام منًى ، حلق شيء و لا عليه . و إن ذكر بعدَها حلق و أهدى . قال ابن القاسمِ : إذا تباعد ذلك بعد الإفاضةِ ، أهدى ، و ليس لذلك حدٌّ . و إن ذكر و هو بمكة قبل أن يفيضَ ، فليرجع حتى يحل ثم يفيض .
و من "المختصر" : و من أفاض قبل الحِلاقِ ، فقد اختُلفَ فيه ؛ فقيل : يرجع فيحلق ، ثم يفيض ، فإن لم يُفِضْن فلا شيء عليه . و قيل : ينحرُ ، و يحلقُ ، و لا شيء عليه . و الأول أعجبُ إلينا .
و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و لا يتنفل أحدٌ بطوافٍ ، و قد لزمه الحلاق ، حتى يحلقَ ، فإن وطئ قبل يحلق أو يقصِّرُ ، فعليه هَديٌ قرُب أو بعُدَ .
و المرأة كذلك كان في حجٍّ أو عمرةٍ .
و من "الكتابين" : و من نسيَ الحِلاقَ أو التقصيرَ ، أو امرأة أقامت سنين نسيت التقصير أو جهلته ، فليُهدياه ، وتقصِّرُ المرأةُ . و يحلق الرجلُ .
***(1/406)
[2/411]
مالكٌ : و لا بأس لمن طاف لعمرته ليلاً ، أن يؤخر حِلاقه حتى يصبحَ ، و لكن لا يتنفل بطوافٍ حتى يحلقَ ، قال اصبغُ : فإن فعل فلا شيء عليه .
قال ابن القاسمِ ، في "العُتْبِيَّة" : قال مالكٌ : إذا تأخر المعتمر بالليلِ حَلاقه إلى الصباح ، فلا يتنفل بطوافٍ حتى يحلق ، و كذلك فعل ابن عمر .
و إن عجَّل حلاقه ، فهو خيرٌ له ، و إن أخَّره ، فواسع ، و قد فعله القاسم .
قال مالكٌ : و لا يلبس الثيابَ حتى يحلقَ ، فإن فعل ، فلا شيء عليه ، و إن أتم عمرته ، ثم أحرم بالحجِّ ، ذم ذكر أنه لم يقصر ، فعليه هَدْيٌ لذلك مع هَديِ التمتعِ .
و من "الكتابين" ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و لا أرى للمعتمر أنْ يدخل الكعبى حتى يحلق . قال في "كتاب" محمدٍ : فإن فعل ، فذلك واسعٌ .
قال في "العُتْبِيَّة" : و لا يطوف و لا يقرب البيت حتى يحلق . قال في "المختصر" : و لا يدخل البيت حتى يحلق ، فإن فعل ، فلا شيء عليه فذلك واسعٌ .
قال مالكٌ : و ليس تقصير الرجلِ أن يأخذ من أطراف شعره ، و لكن يَجُزُّ ذلك جَزًّا ، و ليس مثل المرأةِ ، فإن لم يَجُزَّه و أخذ منه ، فقد اخطأ و يجزئه .
***(1/407)
[2/412]
و من "الكتابين" : قال مالك وحلاق المعتمر أحب إلينا ، إلا أن يقارب أيام الحجِّ ، فليقصر أحب إلينا . قال محمدٌ لموضع حِلاقهِ في الحجِّ : و استحبَّ مالكٌ لمَ ، حلق ، أن يأخذ من شاربه ، ولحيته و أظفاره ، و ليس بواجبٍ . و قد فعله ابنُ عمر .
قال محمدُ بن كعبٍ في قوله : {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} . قال : حلق الرأسِ .
و الأخذ من الشارب و اللحيةِ و الأظفار ، و رمي الجمارِ ، و الذبحُ ، و الطوافُ ، - و عن ابن عباسِ و عطاءٍ – نحوه و حلق العانةِ ، و نتف الإبطِ .
و إذا أرادت المرأة أن تحرم أخرجت من قونها شيئاً للتقصيرِ ، فإذا أحلت قصَّرتْ . و جاء عن ابنِ عمرَ : أنَّ نساءً يُقَصِّرْنَ أُنملةً . و قالت عائشةُ : يكفيها قدرُ التطريفِ . قال مالكٌ : و ليس ذلك عندَنا حدٌّ معلومٌ ، و ما اخذ منه الرجل و المرأة أجزأه . قال : و المرأة إذا أذاها أقملُ في رأسها ، فلها سَعَةٌ في حِلاقه ، وتدع التقصير ، قال مالكٌ : و أما الصبية ، فتحلق أحب إلي ، والتقصير لها جائزٌ . قال عنه ابن القاسم ، في "العُتْبِيَّة" : إن شاءوا حَلقُوا لها ، أو قصَّرُوا .
***(1/408)
[2/413]
قال محمدٌ : و من لم يقدر على حلاق رأسه ، و لا التقصير ، من وجعٍ به ، فعليه هَدْيٌ ، بَدَنَةٌ ، فإن لم يجد فبقرةٌ ، فإن لم يجد فشاةٌ ، فإن لم يجدْ ، صام ثلاثةَ أيامٍ وسبعةً .
قال ابن حبيبٍ : و مَن حلق قبل أن ينحرَ ، فلا شيء عليه عند ابن القاسمِ . و قال ابن الماجشون : يُهدي ؛ لقول الله تعالى : {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} . و ما ذُكر من قول النبي عليه السلام ، إذ سُئلَ ، فقال : "احْلِقْ و لا حَرَجَ" . يعني : أنَّ حجَّهُ تامٌّ .
قال : و يبلغ بالحلاق إلى عظم الصُّدْغينِ ، منتهَى طرفيِ اللحيةِ . و كان ابنُ عمر يأخذ من لحيته حينئذٍ ما جاوز القبضة ، و يأخذ من شاربه ، و أظفاره ، و لا يأخذ من عارضيه .
قال مالكٌ في "المختصر" : و من أخَّر طوافَ السعي ، من مراهقٍ وشبهه ، فإنَّه إذا رمى الجمرة ، فليحلق ، و يَحلُّ له ما يحلُّ لمَن طاف وسعى .
و ذهب ابنُ الجهمِ ، إلى أنَّه إن كان قارناَ ، فلا يحلق بعدَ الرميِ ، حتى يطوفَ ، و يسعَى .
و من "العُتْبِيَّة" ، أشهبُ ، عن مالكٍ ، في من دخل بعمرةٍ ، فحلَّ ، و أنشأ الحج من مكة ، و أخر الطوافَ ، فإنه إذا رمى الجمرة ، فله لُبْسُ الثيابِ ، قبل أن يطوفَ ، و يسعى .
***(1/409)
[2/414]
في الإفاضةِ ، والتعجل في يومين ، و ذكر المقام بمنًى أيام منًى ، و المبيت بها ، و ذكر الصيد و ذكر المحصبِ
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : والتعجل بطواف الإفاضةِ أفضلُ ، و لا رمل فيه ، و له أنْ يؤخره إلى آخر أيام التشريقِ . قال : و إذا أفاض ، و قد رمى ، حل له كل شيءٍ ، و من أفاض قبلَ الرميِ ، لم يجزئه ، و ليرمِ ، ثم يحلقُ ، ثم يفيص ثانية . و إن رمَى و لم يحلق ثم أفاض ، فأحبُّ إليَّ قولُ عمر : أن يحلقَ بمنًى ثم يعيد الإفاضةِ ، فإن لم يُعِدِ الإفاضةِ ، أجزأه .
و لو وطئ امرأته قبل أن يحلق ، و قد أفاض ، فعليه دمٌ .
قال ابن حبيبٍ ، في من رمى ثم أفاض قبل يحلق : فليرجع إلى منًى ، فيحلق ، أو يقصر ، ثم يفيضُ ، وغن حلق بمكة ، أجزأه ، و بمنًى أفضلُ .
و من "العُتْبِيَّة" ، و "كتاب" محمدٍ ، قال ابن القاسم عن مالكٍ : و مَن طاف للإفاضةِ ، ثم أراد أن يتنفَّلَ بطوافٍ أو طوافين ، قال : ما هو من عمل الناسِ ، و أرجو أن يكون خفيفاً . و من فرغ من طواف الإفاضةِ ، ثم سمع ألآذان ، فواسع له أن يخرج ، أو يقيم حتى يصلي .
زاد في "كتاب" محمدٍ : و إن سمع الإقامة ، فله أن يَثْبُتَ ، ليصلي .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال عنه أشهبُ ، فيمن أفاض يوم النحرِ ، يومَ جمعةٍ ، هل يقيم حتى يصلي الجمعة؟ قال : أحب إليّ أن يرجع إلى منًى .
***(1/410)
[2/415]
قال ابنُ حبيبٍ : ولمن طاف لإفاضته أن يتنفَّلَ بطوافٍ ، أو طوافين قبل أن يرجع إلى منًى .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و للرجلِ أن يَطَّلِعَ أهلَه بمكةَ أيام منًى ، ليُصيبَ منهم ، و ينظر من ظهر له ، ما لم يختلف كل يومٍ ، أو يُطِلِ الإقامة .
قال مالكٌ : و مَن بات من وراء العقبةِ في أيام منًى ، فعليه دمٌ .
قال مالكٌ : و إذا أفاض يوم الجمعةِ ، فأحبُّ إليَّ أن يرجع إلى منًى فلا يقيمُ لصلاةِ الجمعةِ ، و إذا طلب الحاجةِ أيام منًى ، فلا يبعد إلا مثل الاستقاء وشبهه ، و لا أحب أن يتنفل بطوافٍ أيام منًى ، بعدَ الإفاضةِ ، وخفف الأسبوع و الأسبوعين ، و ما ذُكر انَّ العباسَ ، و ابن عباسِ كانا يبيتان بمكةَ ، فذلك رخصةٌ من النبي عليه السلام لهما لموضع السقايةِ .
قال ابن حبيبٍ : قال ابن الماجشون : و مَن أقام بمكة أكثر ليلتهِ ، ثم أتى إلى منًى ، فأقام باقيها ، أو أقام بمنًى أكثر ليلته ثم مضى إلى مكة ، فأقام باقيها حتى أصبح ، فلا شيء عليه حتى يبيت ليلةً كاملةً ، فعليه دمٌ .
و كان عطاءٌ يقولُ : يجزئه صدقةُ درهمٍ .
و من "كتاب" ابنِ المواز ، قال ابنُ أبي سلمةَ : ليس نزول المُحَصَّبِ بواجبٍ ، والفضل فيه . قال مالكٌ : و لا أعلم المحصَّبَ يكون لم ، تعجَّلَ في يومين ، و قال ابن أبي ذئبٍ ، و قاله ابن شهابٍ .
قلا مالكٌ : و من أراد أن يتعجَّلَ في يومين فذلك له ، و ذلك في اليومِ
***(1/411)
[2/416]
الثاني من أيام منًى ، و هو ثالث أيام النحر أن يرمي فيه الجمار ، إحدى و عشرين حصاةً ، و ذلك له ما لم تغرُب الشمس بمنًى ، فإن غابت له بمنًى ، فليقم حتى يرمي في غدٍ ، فإن جهل ، فتعجَّل في ليلته ، فقد أساء و عليه الهَديُ ، و إذا جاوز العقبةَ ، ثم غربت الشمسُ ، فلا شيء عليه ، و إن شاء طاف ليلاً ، وانصرف . و قاله اصبغُ .
و من أفاض في يومين و هو يريد التعجُّلَ ، فلا يضرُّه أن يقيمَ بمكةَ حتى يمشي ، و كذلك أهل مكة ، و من أفاض و ليس شأنه التعجل ، فبدا له بمكة أن ينفرَ ، فذلك ما لم تغب عليه الشمسُ بمكة ، فإن غابت فليقم حتى يرمي من الغدِ ، و لو رجع إلى منًى ، ثم بدا له قبل الغروبِ أن يتعجَّلَ ، فذلك له ، و هي السنَّةُ .
و منه ، و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و من تعجَّلَ فأتى مكةَ ، فأفاض ، وانصرفَ ، فكان مَمَرُّه على منًى ، فلم ينفذ منها حتى غابت الشمسُ ، فلينفذ و لا يضرُّه . قال في "كتاب محمدٍ" : و كذلك لو لم يكن ممره ، إلا أنه نسيَ بها شيئاً فرجع له ، فغابت له بها الشمسُ ، فلينفذ ، و لا يضره . قال : وللمتعجل في يومين أن يقيمَ بمكة ، و لا يضره . و قال عبد الملكِ : إن بات المتعجل بمكة ، فعليه دمٌ ، قال محمدٌ : يريدُ : و يرمي من الغدِ ، و ليس كالمكِّيِّ . لأنه تعجل على بيته .
و منه ، و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسم : قال مالكٌ : أرَى أهلَ مكةَ مثل غيرهم في التعجلِ ، ثم استثقله لهم إلا من عذرٍ من تجارةٍ ، أو
***(1/412)
[2/417]
مرضٍ . قال مالكٌ : و يُعجبني افمامُ الحاجُّ أن يتعجَّلَ .
محمدٌ : قال أشهبُ : فإن فعل ، فلا بأس عليه . و أخذ ابن القاسمِ بقوله : إن هل مكة التعجل ، كغيرهم . وذهب ابن حبيب على أن المتعجل في يومين ، يرمي جمارَ يومهِ ذلك ، ثم يرمي في فوره جمارَه لليوم الثالثِ ، كما كان يرمي لو لم يتعجل مكانَه . و ليس هذا قولَ مالكٍ ، و لا اعلم من يهب إليه من أصحابه .
قال ابن المواز : و إنما يصير رميُ المتعجل كله تسعاً و أربعين حصاةً ، منها سبعة يوم النحرِ ، ولليومين اثنان و أربعون .
قال مالك في "المختصر" : و لا باس بالصدر قبل دخول البيتِ .
في قصر الحاج الصلاة بمنًى ، و ذكر صلاة العيد والجمعة
من "كتاب" ابن المواز ، و من "العُتْبِيَّة" ، و هو في كتاب الصلاة أيضاً ، قال أشهبُ ، عن مالكٍ : و من أقام بمنًى آخر أيام الرميِ بعد أن رمَى ؛ لزحامٍ أو لتبردٍ ، أو لغير ذلك . قال في "العُتْبِيَّة" : فحانت صلاةُ الظهر بمنًى ، فَلْيَقْصُرْ . و كذلك لو رجع غليها بعد الرمي ، فأقام حتى صلاة الظهر ، فليقصرْ ، كان مكيا أو غيره ، ممن يريدُ الإقامة بمكة ، أو لم يرد ، و قد قال قبل ذلك : إنه يُتم . واختلف فيه قول ابن القاسمِ ،
***(1/413)
[2/418]
و قال أصبغُ : يقصُرُ . و إليه يرجع ابن القاسمِ .
قال مالكٌ : و أهلُ منًى يُتِمُّونَ ، و يقصرونَ بعرفة ، و أهل عرفة يتمون بها ، و يقصرون بمنًى ، و ليس الحج كغيره ، و هو في الحجِّ سفرٌ يَقْصُرُ فيه . قيل له : فمن خرج من مكة ، ممن قد أتمَّ بها الصلاة إلى منًى ، أيقصر حين يخرج إلى منًى؟ قال : نعم . ثم قال السائلُ : يقصرُ بمنًى ، و لا ادري ماذا خرج .
قال مالكٌ : و على أهل مكة صلاة العيد ، و ليس ذلك على أهل منًى .
قال مالكٌ : و إن كان يوم الترويةِ يوم الجمعة ، فمن زالت له الشمس بمكة من أهلها ، أو ممن أقام بها أربعة أيامٍ ، فعليهم أن يصلوا الجمعة ، و إن لم يأخذه الوقت ، فالخروج إلى منًى أحب إلي ، و هذا قد تقدم في باب آخر .
قال مالكٌ : و إذا كان يومُ الترويةِ يوم الجمعة ، فليصل الإمام بمنًى ركعتين بغير خطبةٍ و يُسِرُّ القراءة .
قال مالكٌ : و أحب للإمام إن صدر يوم الجمعة ، يصلي بأهل مكة الجمعة ، و لا يقيم بالمحصَّبِ ، و قد فعله عمر بن الخطابِ رضي الله عنه .
***(1/414)
[2/419]
في وطء المحرم وتلذذه ، و ما يفسد من ذلك حجه ، أو عمرته ، وكيف إن أكره أهله ، و في نكاحه و رجعته ، و غسله امرأته و كيف إن وطئ ثم أحرم
قال ابن حبيبٍ في قول الله تعالى : {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} : فالرفث هاهنا ، ما نلذ به من أمر النساء ، من تذكر أو ما رجعةٍ أو غيره ، و نحوه . و ما ذكر منه في ليلة الصيام الجماع . قال مالكٌ : والفُسوق ؛ الذبح لغير الله ، و رُوِيَ عن ابن عمرَ ، و ابن عباسٍ ، أنها المعاصي كلها ، و أنَّ الجدال المراءُ حتى يُغاضب صاحبه . قال مالكٌ : هو ما كان من تفاخر أهل الجاهليةِ بآبائها .
و من "كتاب" ابن المواز ، ابن القاسمِ ، قال مالك : و من نظر إلى امرأته فأنزل ، فإن أدام النظرَ فسدَ حجه ، و إن كان ذلك في نظره ، من غير إدامةٍ ، فليس عليه إلا الهدي .
و منه ، و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ : و كذلك الذي يردد التذكر إلى قلبه حتى ينزل ، ما أراه إلا و قد فسد حجه ، و أما إن تذكر شيئاً ، فينزل ، فلا يَفْسُدً حجُّه . قال احمد بن مُيَسِّرٍ : و يُهدي .
و من "الكتابين" قال عنه أشهب : ليس على الذي يتذكر أهلَه حتى يُنزلَ حجُّ قابلٍ ، و لا عمرةٌ ، و عليه هَدْيٌ بدنة ، و يتقرب إلى الله تعالى بما
***(1/415)
[2/420]
استطاع من خيرٍ ، قال محمدٌ : وبرواية عن ابن القاسمِ ، أقول في إدامة ذلك و إدامة النظرة ، فأما القُبلة و المباشرة والجسَّة والضمةُ فينزل مكانَه ، فقد أفسد حجه .
محمدٌ : و قال مالكٌ : و من قبَّل امرأته ، فلم يُنزل شيئاً فليُهدِ بدنةً ، و إن غمزها بيده فأحب إلي أن يذبح في ذلك ، و في كلِّ ما يتلذذ به منها .
قال مالكٌ : و لا يلمس كفَّها تلذذاً ، و يُكره أن يرى ذراعيِ امرأته ، و لا بأس أن يرى شعرَها ، و يُكره أن يحملَها على المحملِ ، و إن الناس ليتخذون سلالم ، و لا بأس أن يُفتى المحرم في أمور النساء .
و من "الكتابين" ، ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و أكره له أن يُقلِّبَ جاريةً للابتياع له أو لغيره . و قال عنه أشهبُ : و لا يَحضُرُ المحرمُ نكاحاً . قال محمدٌ : و قال اصبغُ : فإن حضره أساء و لا شيء عليه .
قال أشهبُ : فإن حضره أساء و لا شيء عليه .
قال أشهبُ : عن مالكٍ : و له – إذا أمِن – أن يمسك بيدِ امرأته ، و رُبَّ رجلٍ لا يأمنُ .
قال مالكٌ ، في "الكتابين" : وللمحرمِ أن يرتجعَ امرأته من طلاقٍ غير بائنٍ .
محمدٌ : قال ابن القاسم ، و أشهبُ : و إن تزوج بعدَ رميِ العقبةِ ، قبل أن يفيضَ فُسخَ نكاحه . قال مالكٌ : بغير طلاقٍ . و قاله أشهبُ : و قال ابنُ القاسمِ : بطلاقٍ .
قال مالكٌ : و لا ينبغي أني غسل أحدُ الزوجين المُحرمين الآخر ، يرى عورته ، فإن فعل ، و كان عن ذلك مَذْيٌ فليُهْدِ ، فإن لم يكن مذيٌ ،
***(1/416)
[2/421]
فلا شيء عليه ، و يُكره له ذلك .
و من "الكتابين" قال محمد : و إذا أفسد حج الزوجين بالوطءِ ، فليفترقا في حج القضاء ، من يوم يُحرمان ، و لا يتسايران ، و لا يجتمعان في منزلٍ ، و لا في الجُحفةِ ، و لا في مكة ، و لا في منًى .
و من "كتاب" محمدٍ : و إذا طاف معتمرٌ ، وسعى على غير وضوءٍ ، ثم وطئ ، ثم تذكر ، فعليه عمرةٌ و الهَديُ .
و من أفسد عمرتَه بالوطءِ ، فليُتمَّهَا ، ثم لا ينصرف حتى يأتنف العمرةَ و يُهديَ ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيامٍ وسبعةً . و من وطئ قبل أن يُحرمَ ثم نسيَ أن يغتسل حتى حلَّ من حجهِ ، فليرجع من بلده لابساً للثيابِ ، و يتجنب النساء والطيبَ ، فيطوف و يسعى ، و يهديَ ، و لو وطئ ، لاعتمر ، و أهدى هدياً واحداً عن ذلك كله .
و إذا وطئَ المحرمُ أهلَه مُكرهةً ، ثم طلقها ، فتزوجت غيرَه ، فعلى الأولِ أن يُحجَّها ، و يُجبر الثاني على الإذنِ .
و منه ، و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسمِ عن مالكٍ : و مَن وطئ أمَته – و قد أذن لها – فعليه أن يُحِجَّهَا ، و يُهديَ عنها . قال ابن القاسم : و الإكراه فيها من السيد ، و غير الإكراه سواءٌ ، وطَوعها له بالإكراه . قال محمدٌ : قال عبد الملكِ : و لو باعها ، لكان ذلك عليه لها . محمدٌ : و هو كعيبٍ تُرَدُّ به ، إلا أن يبرأ منه .
***(1/417)
[2/422]
و قال عبد الملكِ ، و يُهدي عنها ، و لا يصوم . قال العتبيُّ : روى عيسى ، عن ابن القاسمِ ، في مُحرمٍ وطئ أهلَه مكرهةً ، و ليس معه ما يُهدي عنها و هي مَلِيَّةٌ ، فليس عليها هي حج و لا صيام .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال ابن القاسم : و من أكره زوجته المحرمة ، فلم يجد به و يُهدي عنها ، فلتفعل هي ذلك ، و يُرجع به عليه . فإن صامت لم يُرجع عليه من قبل الهدي بشيءٍ ، و كذلك المُدْخِلُ على المحرم شيئاً كرها يوجب الفدية .
و إن أفلس الزوج فللزوجة مُحاصَّةُ غرمائه ، بما وجب لها من ذلك ، و يُوقف ما يصير لها حتى تَحُجَّ به وتُهدي ، فإن ماتت قبل ذلك ، رجع بحصة الإحجاج إلى الغرماء ، و أنفذ الهدي عنها .
قال مالك : و من أصاب أهلَه يوم النحر بعد الرمي ، وقبل الإفاضةِ ، فليعتمر و يُهد . و قاله ابن عباسٍ ، وربيعة ، و قال ابن عمر : يحجُّ قابلاً . و قاله الحسن ، و ابن شهابٍ ، و قيل عن ابن عباسٍ : يجزئه بدنة . و قال ابن المسيب و القاسم ، وسالم ، وعطاء : ليس عليه إلا الهدي ، و إن أفاض قبل أن يرمي ، ثم وطئ قبل الرمي في يوم النحر ، أو بعده ، فليس عليه إلا الهدي ، في قول ابن القاسم ، و ابن كنانة . و قال أشهب ، و ابن وهبٍ : إن وطئ يوم النحر في حجه ، و إن أفاض إذا لم يرمِ . و قال اصبغُ مثل قول ابن القاسمِ ، و قال : و أحب إلي أن يعيد الإفاضةَ ، بعد أن يرميَ .
***(1/418)
[2/423]
قال محمدٌ : لا يعيد الإفاضة ، و لو لم يجزئه لفسد حجه . كذا قال أشهب ، و ابن وهبٍ ، و ذكر ابن حبيبٍ ، أنه إن وطئَ يومَ النحرِ بعدَ الإفاضةِ ، وقبل الرمي ، فعليه عمرةٌ و الهدي ، و إن وطئ بعد يومِ النحرِ ، و قد أفاض و لم يرمِ قائماً ، عليه الهدي ، وذكره عن أصبغ .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال مالكٌ ، في الذي وطئ بعد الرمي وقبل الإفاضةِ : إن طلقها فبانت منه فتزوج كل واحدٍ منهما قبل أن يعتمر ، فنكاحها فاسدٌ ، و إن طلقها طلقةً فراجعها في العدة ، فلا بأس ، فإن انقضت ثم تزوجها ، فُسِخَ النكاح ، فإن أصابها فلا يتزوجها حتى تستبرئ نفسها ، بثلاث حِيَضٍ ، من ذلك الماء الفاسد ، و كذلك نحوه في "العُتْبِيَّة" ، من سماع ابن القاسم ، و نحوه في "المختصر" ، في تزويجها هي خاصة .
قال أبو بكر الأبهريُّ : إنما فُسِخَ نكاحها ؛ لأنها بقيَ عليها الإفاضة ؛ لأنها طافته بعد الوطءِ ، فلم يتم إحلالها ، فبقي عليها أن تبدأ به في عمرةٍ ، فكأنها تزوجت ، قبل تمام إحلالها .
قال ابن حبيبٍ : قال ابن الماجشون : في من أفسد حجه فيُستحبُّ أن يكونَ الهديُ الذي يلزمه في فساد الحج ، أن يكون منعه في حجه القضاء ، فإن قدَّمه أداه .
و من "المحتصر"/ و مَن أصاب أهلَه بعد رميِ العقبةِ ، فليتم حجه ،
***(1/419)
[2/424]
ثم يعتمر من الميقات أحب إلينا ، و إن اعتمر من التنعيم ، أجزأه .
في من افسد حجه قِراناً أم متمتعاً أو مُفرداً ، أو افسد حجه ، ثم فاته ، أو افسد عمرته ثم تمتَّعَ ، أو قضى حجًّا لفساده فأفسده ، أو حج عن غيره أو لنذر فافسد
من "كتاب" ابن المواز ، و "العُتْبِيَّة" : قال أشهب ، عن مالكٍ ، في قارنٍ أفسد حجه ، قال : عليه الهدي لقرانه الآن ، و يقضي الحج قارناً ، و يُهدي معه هديين ، هديٌ لقران القضاء ، و هديٌ للفسادِ ، فإن لم يجد صام ستة أيامٍ ، فإن شاء أفطر بين كل ثلاثةٍ ، و إن شاء وصلها ، ثم يصومُ أربعة عشر يوماً بعد ذلك . و لو وجد هَدياً واحداً ، صام عن الآخر ثلاثة ثم سبعة .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال ابو زيدٍ : قال ابن القاسم : فإن أفسد هذا القارن حجه ، ثم فاته الحج مع ذلك ، فعليه أربع هَدَايا ، هديٌ لقرانه الأول ، و هديٌ ثانٍ حين صار يعمل عمل العمرةِ ، محمدٌ : فكأنَّه وطئ فيها ثم هديٌ لقران القضاء ، و هدي للقضاء في الفواتِ ، محمد : و رَوَى أصبغُ ، عن ابن القاسمِ ، إنما عليه ثلاث هدايا . و الأول أحب إلينا .
قال مالكٌ : و من أفسد حجه ، ثم فاته ، فلا ينبغي أن يقيم إلى قابل على أمرٍ فاسدٍ ، وليُحِلَّ بعمرةٍ ، ثم يحج قابلاً .
قال ابن القاسم : و من فاته الحجُّ ، ثم وطئ ، فليحل بعمرةٍ ، و يُهدِ لوطئه فيها ، و عليه حجُّ قابلٍ و هَديٌ آخر للقضاء ، و لا بدل عليه لهَديِ
***(1/420)
[2/425]
العمرةِ ؛ لوطئه فيها ، كما ليس عليه قضاءُ عمرةٍ إن وطئ في الحجِّ ، ثم فاته الحج . و كذلك قال في سؤالٍ آخر ، فيمن فاته الحج ثم وطئ في عمرته التي يتحلَّلُ فيها : إنه لا بدلَ إيه . و قاله عبدُ الملكِ ، و ابن وهبٍ . و ليس عليه إلا حجٌّ واحدٌ ، و هديٌ للفسادِ ، و هديٌ للفواتِ ، و لو أصاب صيداً ، أو تطيب في هذه العمرة ، كان عليه الجزاء و الفدية .
قال ابن القاسمِ : و سواءٌ أفسد حجه ثم فاته ، أو أفسده بالوطء بعدَ الفواتِ ، قبل أنْ يطوفَ ، فلي عليه إلا حجٌّ واحدٌ ، و هديٌ للفسادِ ، و هدي للفواتِ .
قال مالكٌ في رجلٍ حجَّ في وقتٍ خرج فيه حسين بنُ عبد الله ، فلما رأى ما رأى ، رجع إلى أهله ، ورفض إحرامه ، / و وطئ ، ثم جاء العامُن قال : يدخل على إحرامه الأول ، فيعمل عملَ العمرةِ ، ثم يحج و يُهدي ، لأنَّ حجه الذي أفسده قد فاته ، فصارت عمرة . قال محمدٌ : و عليه في هذه التي جعلها عمرة هديٌ آخر ، و كأنه وطئ فيها . قاله ابن القاسمِ .
و لو رفض إحرامه من غير عذرٍ ، فأصاب النساء والطيبَ والصيدَ ، فلكلِّ ما أصاب من لباسِ وطيبٍ فديةٌ واحدةٌ ، ولكلِّ صيدٍ جزاؤه ، وللوطءِ هديٌ ، مع حجٍّ قابلٍ ، و من افسد حجه مفرداً ، لم يجزئه أني قضيه قارناً ، و لو أفسده قارناً ، لم يجزئه أن يقضيه مفرداً ، و من تمتع فافسد حجه ، فقضاه مفرداً ، فإنه يجزئه ، و عليه هديان ؛ هدي التمتع ، و هدي الفسادِ . وذكره
***(1/421)
[2/426]
عيسى ، في "العُتْبِيَّة" ، عن ابن القاسم ، و قال : يُعَجِّلُ هديَ التمتعِ ، و يؤخر هديَ الفساد إلى حجة القضاء .
و في غير "العُتْبِيَّة" : و من حجَّ قارناً ، فافسد بالوطءِ ، فقضاه مفرداً ، متمتعاً ، لم يجزئه ، و عليه في هذا دَمَانِ ، دمٌ للقرانِ ، ودمٌ للمتعةِ ، و يقضي قابلاً قارناً ، و يُهدي أيضاً هديين . و المتمتع إذا فاته الحج ، فإنما عليه حجٌّ واحدٌ قابلٌ، فإن فاته و أفسده ، فعليه هديان مع القضاء مفرداً . و رأيت لعبدِ الملكِ ، ابن الماجشون ، في غير "كتاب" ابنِ الموازن أنَّ من أفسد حجه مفرداَ ، فقضاه قارناً ، أنه يجزئه .
و من "كتاب" ابن المواز : و من حلَّ عمرته ، وانصرف ثم ذكر السعيَ ، فليرجع حراماً ، فيطوفَ و يسعى ، و يُهديَ للتفرقةِ ، و عليه فديةٌ .
و لو وطئ لأت عمرته هذه ، وقضاها وافتدى ، و هديٌ واحدٌ يجزئه عن الفسادِ والتفرقةِ . قال أشهبُ : و من افسد عمرته ثم حلَّ ثم حجَّ من عامه قبل يقضي عمرته ، فحجه جائزٌ و هو متمتعٌ ، و عليه هديُ التمتعِ ، ثم يقضي عمرته ، و يُهدي هدياً آخر .
قال محمدٌ : فإن لم يُتمَّ عمرتَه الفاسدة حتى أنشأ الحج ، فإنَّ أردافه باطلٌ لا يلزمه ، و يرجع فيتم عمرتَه الفاسدة ، ثم يقضيها ، ثم عن احرم بالحج قبل يقضيها ، لزمه و عليه قضاء عمرته بعد ذلك . و لو أتم عمرته في أشهر الحج ، ثم أنشأ الحج فأفسده ، لم يزل عليه دمُ المتعةِ ، و يحج قابلاً
***(1/422)
[2/427]
مفرداً ، و يهدي للفسادِ . قال محمدٌ : إذا كانت عمرته صحيحة ، وغن كانت فاسدةً ، قضاهما جميعاً ، واحدة بعد واحدةٍ . يريد و قد تقدَّم عليه هديٌ لفساد العمرةِ ، و لو يسقط عنه هدي التمتعِ .
و من غير "كتاب" ابن المواز ، روى اصبغُ عن ابن القاسمِ ، في من تمتَّعَ ، ثم فاته الحج بعد الإحرامِ ، أنه يسقطُ عنه دمُ المتعةِ ، بخلاف المفسد لحجِّ التمتعِ .
و من "كتاب" ابن الموازن قال ابن القاسمِ ، و من أفسد حجه فقضاه قابلاً ، فأفسده ، فعليه قضاءُ الحجتين . ورواه ابن القاسمِ عن مالكٍ ، في من افطر في قضاء رمضان ، أن يقضي يومين ، و كذلك في رواية عيسى ، عن ابن القاسمِ ، في "العُتْبِيَّة" من أول المسألة . قال محمدٌ : قال أصبغُ : هذه الرواية في الصومِ ، و ليس عليه إلا قضاء يومٍ بخلاف الحجِّ ، و ما ذلك في الحج بالقويِّ ، و هو أحب إلينا أن يقضيَ حجه الآخر ، ثم يقضي الأول . قال عبد الملكِ : ليس عليه إلا حجة واحدة ، و لا يعيد حجة القضاء التي أفسد ، و إن نحر فيها الهدي ، فذلك الهدي يجزئه ، كمَن عجَّل هدي القضاء ، و إن كان أحب إلينا أن يكون مع حجة القضاء . و قال محمدٌ بقول عبد الملكِ .
و من "العُتْبِيَّة" : روى عيسى عن ابن القاسمِ ، في من حجَّ عن غيره ، فأفسد حجهن فليقضِ من مال نفسه ، أخذ ذلك على البلاغ أو بالإجارةِ ، و إن أُحصرَ بمرضٍ ، أو غيره فليقض أحب إلي ، و إن استؤجرِ
***(1/423)
[2/428]
مقاطعةً ، فعليه القضاء بكل حالٍ .
قال يحيى بن يحيى : قال ابن القاسم في من حجَّ في مشيٍ عليه إلى مكة ، فأفسد حجه بالوطء بعرفة : فليتم حجه و يقضي ، و يعيد المشيَ من الميقاتِ ، و يركب ما قبله ؛ لأن المشي الذي يجوز له فيه الوطءُ يجزئه و لا يعيده ، و عليه هديٌ للفسادِ ، و هديٌ لتبعيض المشي .
في من فاته الحج ، أو أُحصر بعدوٍّ أو مرضٍ ، و في المحرمة تحيض قبل الإفاضةِ ، و ذكر المستحاضة
من "كتاب" ابن الموازن قال مالكٌ : وكلُّ مَ ، فاته الحج بخطأِ العددِ ، أو بمرضٍ ، أو بخفاءٍ من الهلالِ ، أو بشغلٍ ، أو بأي وجهٍ غير العدوِّ ، فلا يحله على البيت ، و يحج قابلاً و يُهدي . قال مالكٌ : في "المحتصر" : كان إحرامه بحجٍّ واجبٍ ، أو تطوُّعٍ . قال ، في "كتاب" ابن المواز : و أهل مكةَ و غيرهم في ذلك سواء . و قال ابن شهابٍ : لا حصر على المكيِّ و إن نُعِشَ نعشاً ، قال محمدٌ : يريد : و إن حمل على نعشٍ على عرفة و غيرها ؛ لمرضه .
قال مالكٌ : و من فاته الحج ، فله أن يثبت على إحرامه على قابلٍ . قال عنه أِشهبُ : و يُهدي احتياطاً . قال عنه ابن القاسمِ ، و ابن وهبٍ : لا هدي عليه . و قاله أصبغُ . قال مالكٌ : و أحب إلينا ، أن يتعجَّل إحلاله ، / ثم يحج قابلاً و يُهدي . و كذلك في "العُتْبِيَّة" ، و فيها رواية أشه عنه في الهدي . قال مالكٌ : و إن اختار المُقام على إحرامه إلى قابلٍ ، ثم بدا له ،
***(1/424)
[2/429]
فذلك له أنى حل متى ما شاء ، ما لم تدخل أشهر الحجِّ ، فليس له حينئذٍ ، أن يُحِلَّ ، حتى يُتمَّ حجه .
قال : و لو دخل مكةَ أو الحرمَ قبل أشهر الحجِّ ، و هو على إحرامه ، لم يكن له أن يثبت على إحرامه ، وليُحِلَّ بعمرةٍ ، ما لم تدخل أشهر الحجِّ .
و لو دخل مكةَ قبل شهور الحجِّ ، فثبت على إحرامه حتى حج ، فذلك يُجزئه ، من فريضته ، و لو دخلت أشهر الحجِّ ، فحلَّ منها بعمرةٍ ، فبئس ما صنع .
قال أشهبُ : و قيل : إحلاله باطلٌ إذا قدم فيها و نوى الحجَّ من عامه ، و إن أصاب في فسخه هذا صيداً ادَّاه ، و إن حَلَقَ افتدى . و قال ابن القاسم مرة : فسخُه باطلٌ ، و هو على إحرامه . و قال إنْ جهِل وفعل ، كان متمتعاً ، يريد إذا حلَّ و أنشأ الحج . و قال أيضا : لا يكون متتعاً إن حجَّ بعدَ إحلالِهِ ، لأنها لم تكن عمرةً ، إنما تَحلَّل بها من حجٍّ .
قال أشهبُ : و من فاته الحج و أحرم بحجةٍ أخرى قبل يُحِلَّ ، فذلك لا يلزمه ، و هو على إحرامه .
قال أشهبُ : و العبد إذا أحرم بالحجِّ بإذن سيده ، ففاته الحج ، فلا يمنعه سيده أن يحل بعمرةٍ ، إن كان قريباً ، و إن كان بعيداً فذلك له ، إن شاء أن يبقيه على إحرامه إلى قابلٍ ، و إن شاء أذن له فحلَّ منه بعمرةٍ .
***(1/425)
[2/430]
و من "العُتْبِيَّة" ، قال عيسى عن ابن القاسم : و إذا أتى عرفة بعدَ الفجرِ من يوم النحرِ ، فليرجع إلى مكةَ ، فيطوف ، و يسعى ، و يُقَصِّرَ و ينوي بها عمرةً ، و يحُجّ قابلاً و يُهدي .
و من "كتاب" محمد : و من دخل مفرداً أو قارناً من الحِلِّ من مكيٍّ ، و غيره ، ثم فاته الحج ، فليحلَّ بعمرةٍ ، و لا يخرج على الحل ، و لو دخل بعمرةٍ فحلَّ منها ثم أنشأ الحج من مكة ، أو أردف الحج بمكة أو بالحرمِ ، فهذا يخرج إلى الحلِّ فيدخل منه و يُحلُّ بالطواف والسعي ، و قد تقدم هذا في باب المواقيت .
قال ابنُ حبيبٍ ، في المحصرِ بمرضٍ قبل يَبلُغُ مكة : فله إن صحَّ قطعُ التلبيةِ ، إذا دخل الحرم ورأى بيوت مكة ، و لو مرض بعد أن طاف وسعى ، ثم أفاق بعد أن فاته الحجُّ ، فليطف و يسع ، و لا يخرج على الحِلِّ ، إلا من أحرم من مكة بالحج ثم فاته .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، قال : إذا أخطأ أهل المَوسِمِ فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر ، مضَوا على عملهم ، و ينحرون الغد ، و يتأخر عمل الحجِّ كله يوماً ، و يجزئهم .
و لو وقفوا بعرفة يو التروية ، لأعادوا الوقوف يومَ عرفة بعينه . واختلف فيه
***(1/426)
[2/431]
قول سحنونٍ ، فيما أخبرنا أبو بكرٍ ، عن (حَمْدِ يس ، عن سحنونٍ ، و أخبرك عن يحيى بن عمر ، في أهل المَوسمِ ينزل بهم ما ينزل بالناسِ من ) سندٍ العلويِّ .
و هروبهم عن عرفة ، و لم يتموا الوقوف ، قال : يجزئهم ، ول دم عليهم .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال ابن القاسم ، و المحصَرُ بمرضٍ ، بعدَ وقوفهِ بعرفة ، فحجه تام ، و ليس عليه لما ترك من المزدلفة والرمي و المبيت بمنًى إلا هدي واحدٌ ، و قال ابن شهابٍ : عليه هدي للمشعرِ ، و هدي للجمارِ ، و هدي للمبيتِ .
وقال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، في : هديٌ واحدٌ ، و أحب إلي أن تكون بنية ، فإن لم يجد صام . و كذلك في "كتاب" ابن حبيبٍ ، و قال : إلا أنه إن لم يُفضْ ، فلا يحله إلا الطواف بالبيت .
و في بابٍ آخر من "كتاب" ابن المواز ، عن ابن القاسم ، فيمن أُحصرَ بعد وقوفِ عرفة بعدوٍّ ، قال : يُهدي هدياً واحداً . قال : و المعروف عنه ، ما قال أولا : إنما الهدي في حصر المرضِ . و في رواية سحنونٍ مبهمةٌ ، قال سحنون : يعني بمرضٍ .
قال ابن القاسم : و من أُحصرَ بعدوٍّ ، بعد أن احرم - في الحل أو في الحرمِ ، في قربٍ أو بعدٍ – حتى فاته الحج ، فليحل و ينحر هدياً ، إن كان معه . و كذلك يُحِلُّ من العمرة ، و إن كان لا يخشى فيها فوتاً ، فإن النبي
***(1/427)
[2/432]
صلى الله عليه و سلم من العمرة حلَّ .
قال : و لا يقضي الحج ، إلا أن يكون ضَرورة . قال : و ينحر هذا هديه ، و يُحلُّ ، و إن كان بغمر الحرمِ . و قد حلَّ النبي صلى الله عليه و سلم عامَ الحديبية بالحرمِ ، و ليس بمحلٍّ للهدي ؛ لقول الله تعالى : {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} .
قال ابن القاسم : فإذا اُحصرَ الحاج بعدوٍّ ، تربَّصَ فإذا صار له وقتٌ ليي أن يدركَ الحج ، حلَّ ، وغن كلن قبل يوم النحرِ . قال مالكٌ : ول يقضي الحج إلا أن يكون صرورة ، و لا هدي عليه ، و لم يامر النبي صلى الله عليه و سلم أهل الحديبية بقضاءٍ ، و لا هدي عليه . قال أشهبُ : لا يحلَّ حتى يومِ النحرِ ، و لا يقطع التلبيةَ حتى يروحَ على عرفةَ ، و عليه الهدي ، لقول الله تعالى : {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} . و قال إسماعيل القاضي : هذا أحصارٌ مرضٍ ، و لو كان عدوًّا لقال : فإن حصرتم ، و منه يقال : قَبَرَ و أَقْبَرَ ، و قتلَ و أقْتَلَ ، وضربَ و أضربَ ، فما وليه بنفسه ، فهو من فعلت ، و ما كان له فيه سببٌ أدَّى
***(1/428)
[2/433]
إلى المسبَّبِ ، فهو من أَفْعَلْتَ ؛ فإذا حبس رجلٌ رجلاً ، قيلَ : حبسه .
وغن قتله قيل : قتله . فغن فعل به فعلاً عرَّضه للحبسِ ، قيل : احتبسه .
و كذلك إن فعل به ما عرَّضه للقتلِ . قيل : أَقْتَلَه . واخذ ابن المواز بقول ابن القاسمِ .
وقال عبد الملكِ : و إذا أخَّر هذا المحصر حلاق رأسه ، حتى رجع على بلده . فقال ابن القاسمِ : لا دم عليه . و قال أشهبُ : عن لم يحلقْ حتى ذهبت أيام منًى ، فعليه هديٌ .
و من "كتاب" ابن حبيبً : قال ابن الماجشون : من حَصِرَ بعدوٍّ في حجٍّ أو عمرةٍ ، فهو سواءٌ ، و في العمرة تَحلَّلَ النبي صلى الله عليه و سلم ، فليتربص في الحجِّ ، ما رَجَى كشفَ ذلك قبل فواتهن فإذا أيسَ ، حلَّ ، و أما في العمرةِ ، فليقم ما رجى إدراكها بفورهِ . وبرجائه يريد بحدثانه ، ممَّا لا ضررَ به في الصبر عليه ، فإن لم يرجه إلا فيما يطولُ ، فليحل .
قال في المحصر بالحجِّ : إن وصل إلى مكةَ ، و أُحصرَ عن عرفة و منًى ، فليطف و يسع ، و يؤخر الحلاق ، فإن لم يرج كشف ذلك ، حلَّ و نحرَ . و لو كان الهدي بمكة ، فلم يدخلها وذهب فوقف بعرفة ، وشهد جميع المناسكِ ، وزالت أيام منًى ، و العدو بمكة ، فليحلَّ و يمضَ . قال ابنُ الماجشون في المحصر بعدوٍّ في الحجِّ : فيحلُّ سنة الإحصار ، فغنها تجزئه من حجة الإسلامِ ، و قال : إنما استحب مالكٌ القضاءَ . و قال ابنُ
***(1/429)
[2/434]
القاسمِ : بل ذلك واجبٌ ، و به أقول . و المعروف عن مالكٍ في غير "الواضحة" إيجاب القضاء على الضرورة .
و من "المختصر" : و يجب للمحصر أن يحل من حجه ، فإن رجع و لم يفعل ، فلا شيء عليه . قال ابن حبيبٍ : و إن أحصرَ في عمرةٍ بمرضٍ ، حتى أتى الحج القابل ، فإن شاء حلَّ منها وانصرف ، وغن شاء أردف عليها حجًّا ، وصار قارناً .
و من "كناب" ابن المواز ، قال ابن الماجشون : و إن انكشف الخوفُ عن المحصرِ بعدوٍّ قبل يُحلَّ و يحلقَ و ينحرَ في الموضع الذي فيه إدراكٌ ، فله أن يحل و يحلق مثلَ ما لو كان عدوُّ قائماً .
و من "كتاب" ابن المواز ، قيل لابن القاسم : فإن أحصر بعدوٍّ ، قبل أن يحرم ، ثم أحرم لطول السفرِ أو لغيره ، قال : ما احسب هذا يحله إلا البيت ؛ لأنه أحرم بعد أن تبين له المنع . قال : و إذا كان بطريقِ الحاجِّ ، من مصر أو الشام عدوٌّ ، فإن كان عدوًّا يَسُدُّ عليه سبيل طريقه على مكة ، و يمنعه أن يسلكَ إلى غيرها ، حتى يتخلَّصَ إليها ، فهذا مُحصِرٌ ، و ليس عليه أن يسلك حيث لا يسلك ، و لا المخاوف و لا حيث أل يسلك إلا بالأثقال فإن وجد سبيلاً مسلوكاً ، و إن كان ابعدَ في المسافةِ ، فليس بمحصرٍ ، و من حبسه سلطان في دَينِ ، فليس بمحصرٍ ، و لا يحله إلا البيت .
و قال ابن القاسمِ ، عن مالكِ مثلَه إذا حبس في ذين ، و قد احرم .
قال ابن القاسم : و من أحرم من بلدٍ بعيدٍ ، ثم جاء عليه من الوقت ما لا يدرك ، فليثبت على إحرامه إلى قابلٍ . فإن حصره عدوٌّ ، لم ينفعه و يبقى على إحرامه على قابلٍ ، لأنَّ العدوَّ ليس الذي منعوه الحج .
***(1/430)
[2/435]
و إذا حاضت امرأةٌ بعد الرميِ قبل الإفاضةِ ، جلست تطهر أو تستحاض و يُحبس عليها كريها . قال أشهب : قال مالكٌ مرةً : خمسةَ عشرَ يوماً . و قال مرةً : شهراً و نحوه . و قال مرةً : خمسة عشرَ يوماً ، وتستظهر بعده بيومٍ أو يومين أحب إلينا . و قال عنه ابن القاسم : قدر ما تقيم في حيضتها و الاستظهار . و قال عنه ابن وهبٍ : تجل ما تقيم الحائض والنفساء . و على هذا أكثر أصحابه . قلت : فلتجلس كريها وحدَه . ؟ قال : إن كان مثلَ يوم أو يومين ، فتحبس كريها ، و من معه .
و إن كان أكثر من ذلك ، لم تحبس إلا كريَّها وحدَه ، و ول شرطت عليه عمرة المحرمِ ، فحاضت عند ذلك قبل أن تعتمرَ ، قال مالكٌ : لا يُحبسُ على هذه كريَّهَا ، و لا يوضعُ لذلك شيءٌ من الكراء ، أو لم يره كالحجِّ .
و من "كتاب" محمدٍ : و "العُتْبِيَّة" ، قال أشهبُ ، عن مالكٍ مثله ، و قال في التي حاضت قبلَ الإفاضةِ : يُحبسُ كريها خمسة عشرَ يوماً .
و قال : يحبسُ على النفساء – يريد قدر ما تطهر فيه ) ، و لا تبالي كانت حاملا حين الكراء ، أو غير حاملٍ ، و لا عليها أن تخبره بحملها .
قال في "العُتْبِيَّة" : و لا أدري هل تعبِّنه النفساء خاصةً من العلفِ؟
قال أبو بكرِ بن محمدٍ : و قد قيل أيضا : إنها تحبسُ كريَّها إذا كان الأمنُ ، و أما
***(1/431)
[2/436]
في هذا الوقت ، حيث لا يأمن في طريقه ، فهي ضرورة ، و يُفسخُ الكراءُ بينهما .
قال ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة" : قال مالكٌ في المرأة تريد العمرةَ بعدَ الحجِّ ، وتخاف تعجيل الحيضة : فإني أكره أن تشرب دواءً لتأخير الحيضة .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : وللمستحاضةِ أن تحجَّ وتطوفَ وتركع وتسعى ، وتستثفر بثوبٍ . و في باب القران وباب الطواف على غير طهرٍ ، شيءٌ من ذكر حيض المحرمة .
في وداع البيتِ ، و في دخولها
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : دخول البيت حسنٌ ، و قد صلى فيه النبي صلى الله عليه و سلم و لم أسمع أنه اعتنق شيئاً من أساطينه ، و لا باس بدخوله في اليوم مراراً . قيل : ما رأينا أحرص من النساء على دخوله . قال : هنَّ الجهلةُ الجُفاةُ .
قال ابن حبيبٍ : و كان عمرُ بنُ عبد العزيز ، يقول إذا دخله : اللهم إنك وعدت الأمان دَخّالَ بيتك ، و أنت خيرُ منزولٍ به في بيته ، اللهم اجعلْ أمان ما نؤتي به أن تكفيني مؤنة الدنيا ، وكل هَولٍ دون الجنةِ ، حتى تبلغنيها برحمتك . قال اب حبيبٍ : وغن قدرت المرأة على دخوله مع
***(1/432)
[2/437]
النساء ، فلتفعل ، لما في ذلك من الرغبةِ . و قد دخلته عائشة مع نسائها .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و لا يدخل البيت بنعليهن و لا بأس أن يكون في حجرهِ أو يده ، و إذا صلَّى ، فلا يجعلها بين يديه ، و ليصلِّ و هما في إزاره ، يريدُ : في البيت . و في آخر الكتاب باب فيه ذكرُ الصلاةِ في البيتِ .
قيل لمالك ، في من نسي الوداع حتى بلغ مر ظهران . قال : لا شيء عليه .
قال ابن القاسمِ : لم نجد فيه حدًّا ، و أرى إن لم يخف فواتَ أصحابه ، و لا منعه كريُّه أن يرجعه ، وغلا مضى و لا شيء عليه .
قال ابن عبد الحكمِ ، عن مالكٍ ، و إن وَدَّعَ ، أقام بذي طوًى يوماً وليلةً ، فلا يرجعن قال : وليتموا بذي طوَى صلواتهم ؛ لأنها من مكة .
قال مالكٌ : و من وَدَّعَ ، ثم خرج إلى الأبطح ، فأقام نهارهن فواسعٌ ألا يرجع .
قال ابن القاسم ، عن مالكٍ : في من ودَّعَ قبلَ طلوعِ الشمسِ ، ثم خرج و هو يريد أن يركع الركعتين بذي طوَى ، فانتقض وضوءه ، فإن تباعدَ ، فلا شيء عليه ، بخلاف ركعتي الطواف الواجب ، و كذلك قال في "العُتْبِيَّة" : و قال : و لو كان قريباً من الوداع رجع . قال ابن حبيبٍ : فيأتنف الكوافَ .
***(1/433)
[2/438]
قال ابن حبيبٍ ، في ركعتي طواف الوداع ، عن مالكٍ : إذا لم يركعهما حتى بلغ بلده أو تباعد ، فليركعهما ، و لا هدي عليه .
قال : و قال مالكٌ : طوافُ الوداعِ على النساء ، و العبيدِ ، والصبيانِ ، إذا حجُّوا .
و من "كتاب" ابن المواز ، قيل لمالكٍ : فإذا ودَّع أيأتي الملتزم إذا أمكنه ؟ قال : ذلك واسعٌ ، قيل : واليذ يلتزم أيتعلق بأستار الكعبةِ؟ قال : لا ، و لكن يقفُ ، و يدعو – و كذلك عندَ قبرِ النبي صلى الله عليه و سلم – و لا يُوَلِّي ظهرَه البيت ، إذا دعا ، و ليستقبله . قال : و كان ابن عباسِ يقف عند الملتزم ، بين الركن و الباب ، و لا يُقبِّلُ ، و لا يلتصق بها ، غيرَ أن ثيابه تكادُ أن تمسَّ ثياب الكعبةِ ، و قال ابن حيببٍ ، عن ابن الماجشون ، عن مالكٍ : أنَّ الملتزم ، ما بين الركن و الباب . قال مطرف : يعني بالملتزم ، أنه يعتنق و يُلحُّ الداعي عندَه ، وانه يستحبُّ ذلك ، و قاله هو ، و ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، و قاله ابن نافعٍ ، و ابن الماجشون ، و ذُكرَ مثلُه في حديثٍ ، لعبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه و سلم .
قال ابن وهب : قال مالك : و يقال له : المتعوَّذُ أيضاً ، و لا باس أن يعتنقَ و يتعوذ به ، و لا يجعل ظهره على البيتِ جين يدعون و كره عطاءٌ اعتناق الملتزم ، و لا التصاق به ، و لكن يقف للدعاء عندَه ، و لا يلصق بالبيت بطنه ، و لا ظهره ، و لا يعتنق شيئاً منه . قال : و كذلك فعل ابن عباسٍ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و إذا ودَّعَ بعدَ العصرِ ، فله أن
***(1/434)
[2/439]
يركع الركعتين في الحرمِ ، أو خارجاً منه .
قال أشهبُ : عن مالكٍ ، في من حلَّ من حجه ، ثم أراد أن يخرج إلى الجُحفةِ ليعتمر ، هل يُوَدِّعُ؟ قا : إن شاء فعَل أو ترك ، و إنما الذي قال عمر : لا يصدر أحدٌ حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيتِ . فمن أفاض ثم عاد على منًى للرمي ، ثم صدر ، فليودع بالطواف ، فإذا طاف هذا الطواف الذي هو آخر نُسكه ، ثم أقام أياماً ، ثم أراد الخروج ، فليس عليه أن يودع ، إن شاء فعل أو ترك . و قال عنه ابن عبد الحكمِ ، الوداع في مثل الجحفةِ أحب إلينا . كرواية ابن القاسم .
قال أشهبُ : عن مالكٍ ، في من قدم معتمراً ، ثم أراد الخروج على الرباطِ ، فهو من الوداع في سعةٍ .
و كره مالك أن يقال الوداع ، و ليقل الطواف .
و من "العُتْبِيَّة" ، قلا ابن القاسم : قال مالك : في المعتمر يطوفن و يركعن ثم يودِّعُ ، ثم يخرج فيسعى و ينصرف ، قال : يجزئه من الوداع .
قال أبو محمدٍ : قوله يودعُ – يريدُ يطوف و يركع .
في تقليد الهدي ، و إشعاره ، وتجليله ، و إيقافه
من "كتاب" ابن الموازن قال مالكٌ : تقلَّدُ البُدنُ عندَ الإحرامِ بنعلين في رقبتها ، ثم تشعر في شقها الأيسر عَرضاً ، و وجها على القبلةِ ، ثم تُجلِّلُ إن أحب ، و ليس الجلال بواجبٍ . قال عنه أشهبُ : ثم يركع ، ثم يحرم ، و يقول إذا أشعرها : بسم الله ، و الله أكبر .
***(1/435)
[2/440]
و منه ، و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسمِ : قال مالك : و كان ابن عمرَ يُشعرُ بدنه من الشقين جميعاً ، إن كانت صعاباً ، و إن كانت ذُلَلاً أشعرها من الشق الأيسر .
قال في "العُتْبِيَّة" : و لم يشعرها من الشقين ؛ لأنه سنةٌ ، لكن ليذللها . و إنما السنة في الشق الأيسرِ ، في الصعابِ و غيرها . و قال ابنُ المواز ، في قوله : يُشعرها من الشقين . أي من أيّ الشقين أمكنه .
قال مالكٌ : و يجزئه نعل الواحدة في التقليد ، والنعلان أحب إلينا . قال مالكٌ : وتقتل القلائد قتلاً . ؟ و أحب إلينا أن تكون مما تنبت الأرضُ .
قال مالكٌ : و لا يُجَلِّلْ بالمخلق ، و غير ذلك من الألوانِ خفيفٌ ، والبياض أحب إلينا .
قال ابن حبيبٍ : و ذلك بقدر السعة ، فمنهم من يجلل بالوشي ، و منهم بالحبرِ ، و منهم بالمسطبِ ، و القُباطِيِّ ، وبالأنماطِ ، وبالملاحفِ ، و الأرزِ .
و من كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و أحب إلينا شقُّ الجلالِ عن الأسنمةِ – عن كان قليل الثمنِ ، كالدرهمين – و نحوها ؛ لأنها تحبسه عن أن يسقطَ ، و أن لا يشقَّ عن المرتفعةِ استبقاءً لها .
***(1/436)
[2/441]
قال محمدٌ : و ذكر نافعٌ أنَّ ابن عمر كان يعقد أطراف الجلالِ على أذنابها من البولِ ، ثم ينتزعها قبلَ أنْ يُصيبها الدمُ ، فيتصدق بها . قال ابن المبارك : و كان ابن عمر يُجلِّلُها بذي الحُليفة ، فإذا مشَى ليلةً نزعها ، فإذا قرُبَ من الحرم ، جللها ، و إذا خرج إلى منًى جللها ، فإذا كان حين النحرِ نزعه .
و من "العُتْبِيَّة" ، و"كتاب" ابن المواز ، قال أشهبُ ، عن مالكٍ : و يَشُقُّ الأجلةَ عن الأسنمةِ لئلا يسقط ، و ما علمت من ترك ذلك ، إلا ابن عمر استبقاءً للثيابِ ؛ لأنه كان يُجلل الجللَ المرتفعة . و أحب إلي في المرتفعة ، ألا يشقها ، و كان ابن عمر لا يجلل حتى يغدو من منًى .
و من "كتاب" ابن المواز ، أشهب ، قال مالكٌ : و إذا لم يكن للإبلِ أسنمة ، فإنها تقلدُ ، و لا تشعرُ ، كالبقرِ . و لا تُساقُ الغنمُ من البعدِ إلا من عرفة ، و ما قار بمكة ، و به قال ابن القاسمِ .
و من "كتاب" ابن حبيبٍ : قال : و الإشعارُ في السنامِ طُولاً في شقِّهَا الأيسر . وذُكر عن ابن عمرَ ، أنَّه كان يشقها طولا . قال : فإن كانت صعاباً و قد قرنت ، و لم يقدر أن يدخل بينها ، فلا بأس أن تُشعر في شقها الأيمن .
قال أبو محمدٍ : و ما ذكر ابن حبيبٍ ، عن ابن عمر ، في الإشعار في شقها الأيسر طولا إلى آخ الحديث . و كذلك في "موطأ ابن وهبٍ" ،
***(1/437)
[2/442]
عن ابن عمر ، إلى آخر الحديثِ . و قال ابن القاسم ، في "المدونة" ، عن مالكٍ : يشعرها في شقها الأيسرِ ، وبلغني عنه أنه قال : عرضاً ، و لم أسمعه منه .
وقال مالكٌ في البقرِ : إن كانت لها أسنمةٌ أشعرتْ . و رُوِيَ عن ابن عمر ، و ابن شهابٍ ، أنها تُشعر كانت لها أسنمةٌ ، أو لم تكن ، و به أقول .
قال ابن حبيبٍ : وتقلَّدُ الغنمُ ، و لا تُشعرُ . روي ذلك عن عائشةَ ، وعطاء ، و لم ير مالك . أن تقلد . قال : و من لم يجد نِعالاً يقلدها ، أو ضنَّ بها فيقلدها ما شاء ، و يجزئه . قال ابن عمر : يقلدها جرابه . و هي إذن المرادةُ .
قال ابن حبيبٍ : و اجعل حبلَ القلائد مما شئت .
و منه ، و من "كتاب" ابن الموازن قال : و يغدو بها من منًى ، ليقف بها بعرفة . و من اشتراه بعرفة ، فقلده ، و أشعره بها ، و أمر الباعة أن يقفوه له مع الناس ، أجزأه ، و قاله ، في "كتاب" ابن المواز ، عن مالكٍ ، وعبد العزيز : و ليس كشرائه منهم بعدما أوقفوه بعرفة ، هذا لا يجزئه .
قال ابن حبيبٍ : و من أوقف هديه بعرفة ، فلا يدفع بع قبل الغروبِ ، و لا بأس إن لم يبتِ الهدي بمزدلفة ، وقدم إلى منًى .
و من "العُتْبِيَّة" ، و"كتاب" ابن الموازن و قال ابن القاسم : قال مالكٌ ، في الشاميِّ ، و المصريِّ : أكره أن يقلد هديه بذي الحُليفةِ ، و يؤخر
***(1/438)
[2/443]
إحرامه ، إلا من يبعث بهدي ، و يقيم من أهله .
قال مالكٌ : و لا ينبغي أن تقلد المرأة بدنتها ، و لا تشعرها ، إلا ألا تجد من تلي ذلك مثلَ الذبحِ ، و أنكر قول ابن شهابٍ : أنَّ المرأة تقلِّدُ وتُشعر . قال مالك : في "كتاب" محمدٍ : فإذا لم تجد إلا أن تأمر جاريتها ، بالتقليد ، و الإشعار ، فذلك لها .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال مالكٌ : و مَنِ اشترى كبشاً أو شاة ، تطوعاً ، فأستحسن أن يوقفه بعرفة . قال مالكٌ : لا بأس بالنعجةِ ، والتيس في الهدي ، و من أصاب بدنة ضالَّةً مقلدة ، فأوقفها لربها ، فذلك يجزئه .
قال ابن حبيبٍ/ و من قال : لله عليَّ أن أنحر جزُوراً بمكة ، فلينحر بها جزوراً ، و ليس عليه أن يقلده ، و يُشعره .
في محلِّ الهدي ، و موضع النحر والذبح ، وكيف تُنحرُ البدن؟
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : ما وقف به من الهدي بعرفة ، فمحلُّه منًى ، فإن نحر بغيرها ، في أيام منًى ، لم يجزئهن وكل مت نحره مما لم يوقفه بعرفة ، فلا يجزئه . و إن دخله من الحلِّ كان تطوعاً أو عن واجبٍ ، أو جزاءَ صيدٍ أو غيره ، وكلُّ ما نحره بمكة ، ممَّا لم يدخله من الحِلِّ ، فلا يجزئه .
وكل ما محله من الهدي مكة ، فلم يقدر أن يبلغ به داخل بيوت مكة ، حتى نحره في الحرم ، فلا يجزئه . قال مالكٌ : و إنما محله مكة ، أو ما
***(1/439)
[2/444]
يلي بيوتها ، من منازل الناس . زاد عنه أشهب ، في "العُتْبِيَّة" : و لا يجزئه أن ينحر عنه ثنية الهديين ، و قد نحر النبي صلى الله عليه و سلم هديه ، بالحديبية في الحرمِ ، فأخبر الله سبحانه وتعالى أنَّ ذلك الهديَ لم يبلغ محله .
محمدٌ : قال مالكٌ : و منًى كلها مَنْحَرٌ إلا ما خلف العقبة ، و أفضل ذلك عند الجمرةِ الأولى .
قال أشهبُ : قال مالكٌ : وكل ما كان من هدي ، فلا ينحر بمكة ، إلا بعد أيام منًى ، قال مالكٌ : و القارن إذا ساق معه الهدي ، فدخل به مكة ، فَعَطِبَ بها ، قبل يخرجه على عرفة ، فلينحره بمكة ، إن شاء ، و لا يجزئ عنه ، و كذلك ما ساقه رجلٌ لعمرته ، فنحره بمنًى ، فلا يجزئه ، و إن أوقفه بعرفة .
قال : وجزاء الصيد إذا ساقه معه في عمرةٍ ، فلا ينحره إلا بمكة ، لا بمنًى . قال أشهبُ : و إن ساقه في حجٍّ ، لم ينحره إلا منًى ، بعد وقوفه به بعرفة ، لا إن نحره بمكة في أيام منًى ، لم يجزئه إلا أن تنحره بها ، بعد أيام منًى ، قال : فإن لم يقف به بعرفة ، فلينحره بمكة .
وقال عبد الملكِ : إن ساق هدياً واجباً ، فعَطِبَ بمكة ، فنحره بها ، أجزأه و ذلك له محلٌّ . قيل : فإن عَمَدَ لذلك؟ قال : نعم . لأنه محلٌّ ، و لو مرَّ به من مكة إلى منى يريد به عرفة ، فعطب بمنًى ، أو بمزدلفة ، أو بعرفة ، فنحره ، لم يجزئه حتى يرجع به إلى منًى ، من عرفة ، في أيام النحر ، و ذلك أنَّ منًى في البدأةِ كسائر المواضع . و قال مالكٌ : كل هديٍ
***(1/440)
[2/445]
دخل مكة من الحل ، فعطب بمنًى ، فنُحرَ بهل فيجزئ ، إلا هدي التمتعِ ، لأنه إنما يبتدئ الحج من مكة ، قال ابن حبيبٍ ، عن ابن الماجشون : فكأنه عَطِبَ قبل محله ، فلا يجزئ .
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : وكل ما وقف به بعرفة ، فمحله منى ، فإن جهل ، فنحره بمكة ، أجزأه ، و قد أساء ، و لو أن ما لم يقف به بعرفة ، نحره بمنًى في بدائهن لم يجزئه ، و ليست منًى فغب البدأةِ منحره ، و لو نحره بمنًى ، بعد رجوعه من عرفة ، أجزأه ، و كذلك ما وجد بها مما ضلَّ عنه و لم يقف به بعرفة ، فيجزئه نحره بمنًى ، و كذلك لو وجده بها منحوراً .
و من "كتاب" : محمدٍ : قال ربيعة ، و مالكٌ ، في جزاء الصيد : إن ساقه في حجٍّ ، فمحلُّه منًى ، و إن ساقه في عمرةٍ ، فمحله مكة . قال أشهبُ : و إن أوقف الجزاء بعرفة ، ثم نحره بمكة ، في أيام النحر ، فلا يجزئه ، و إن نحره بمنًى و لم يوقفه بعرفة ، لم يجزئه . قال ابن القاسم : و إن أوقفه بعرفة ، ثم تعمد تركه ، حتى زالت أيام منًى ، فنحره بمكة ، أجزأه . و قال محمدٌ : و قد أساء .
محمدٌ : قال مالكٌ : و مَن بعث بهديه ، ثم خرج معتمراً ، فأدركه فأحب إلينا ألا حيلَّ ، حتى ينحره .
***(1/441)
[2/446]
قال عنه ابن القاسمِ : إذا حلَّ من عمرته نحره ، و لا يؤخره على منًى ، و لو كان إنما بعثه في حجٍّ أخره ، حتى ينحر في الحجِّ .
قال مالكٌ : في امرأةٍ قرَّبَتْ ، فقيل لها : اشترِ شاةً من منًى . ففعلتن وظنَّتْ أنَّ ذلك يجزئها . فإنَّ عليها البدل ، فإن لم تجد صامتْ . قال أشهبُ : و من دخل بعمرةٍ في أشهر الحجِّ ، و معه هديُ تطوُّعٍ ، فلينحره بمكة ، إلا أن يكون ندره بمنًى ، فإن نحره بمكة قبل عرفة ، فعليه البدلُ . قال ابن حبيبٍ : قال مالكٌ : و لا يكون النحر في الحجِّ إلا منًى ، و لا يكون في العمرة إلا بمكة .
فيما ضلَّ أو عَطِبَ من الهدي قبلَ محلِّه
من "كتاب" محمدٍ : و إذا ضلَّ هديه المقلد المشعر به ، ثم وجده بعدَ يوم عرفة – يريد في أيام النحر ، و لم يكن وقف به بعرفة – فقد اختلف فيه قول مالكٍ ، و أحب غلينا أن يجزئه عن قرانه ، وعن ما وجبَ عليه و لينحره بمكة ، إن دخل به من الحلِّ ، و إلا أخرجه إلى الحلِّ ثم ردَّه فنحره بمكة .
وقال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، في من ساق هدياً عن قرانه ، فضلَّ عنه قبل يقف بعرفة ، ثم وجده يوم النحرِ بمنًى : أنَّه لا يجزئه ، و لينحره بمكة ، و يُهدي غيرَه ، فإن لم يجد صام ، و قال عنه أشهبُ : يجزئه . و إن لم يجده إلا بعد أيام منًى و لينحره بمكة . و قاله ابن القاسمِ ، و ابن
***(1/442)
[2/447]
عبد الحكمِ . قال ابن القاسمِ : و ينحره بمكة فإن عطبَ قبلَها ، فعليه بدله/ ، إن كان واجباً .
قال مالكٌ : و يُستحبُّ لكلِّ من لزمه هديٌ أو وجب عليه ، ثم له أن لا يسوقه إلا في عمرةٍ – فينحره بمكة ، و كذلك من تمتع ، فلم يجد هدياً بمنًى ، فرجع على مكةَ ، فاشتراه فليسُقْهُ في عمرةٍ من الحلِّ ، أحب إليَّ ، فغن ساقه من الحلِّ حتى نحره بمكة ، في غير عمرةٍ ، أجزأه . و إذا لم يشعر هديه ، فضلَّ عنه فنحرَ غيرَه ثم وجده ، فله بيعه ، و كذلك لو لم يشعر البدلَ ، حتى وجد هدياً كان أشعره ، فله بيع البدلِ .
و من "العُتْبِيَّة" ، أشهب ، عن مالكٍ : و مَن ضلَّ هديه يوم النحر ، و هو قارنٌ ، فله أن يحل قبل أن يبدله ، و كذلك لو مات هديه .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : في من وجد بدنةً بمنًى – يريد مقلدة – قال : يعرِّفها إلى يوم ثالث النحرِ ، و هو الثاني من أيام منًى ، ثم ينحرها ، و يجزئ عن صاحبها ، و رُوِيَ ذلك عن عليٍّ بن أبي طالبٍ . و كذلك إن وجدها ربُّها .
قال محمدٌ : فإن لم ينحرها بمنًى في ثالث النحر ، فلا ينحرها بمنًى من ثالث أيام منًى ، و لكن بمكة ، فإن نحرها بمنًى ، فعليه بدلها ، كانت واجبةً ، أو تطوعاً . و إذا ضلَّ هَدْيُ التطوُّعِ ، أو عطبَ ، لم يلزمه بدله ، فإن أبدله ، ثم وجد الأول ، لزمه نحرهما جميعاً . و إذا ضلَّ له هديٌ أوقفه بعرفة ، فوجده في ليلة اليوم الثالث من ايام منًى ، فلا ينحره إل بمكة ، لزوال أيام النحر .
***(1/443)
[2/448]
قال ابن حبيبٍ : قال ابن الماجشون : و من ضلَّ هديه الواجب ، فاشترى غيرَه ، فقلده ، ثم وجد الأول ، فهما هديان ، و لا يأكل من الأول .
قال عنه ابنُ المواز : إن الأول وجبَ من جزاء الصيدِ . وتمامُ هذا في باب ما يؤكل منه من الهدي .
في صفةِ النحر والذبح
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : والشأن أن تنحر البُدنُ قائمةً ، قد صَفَّ يديها بالقيد ، و لا يعقلها إلا من خاف أن يضعف عنها ، و كان ابن عمرَ ينحر بيده ، و يتلو : {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} .
و كان القاسم إذا صفَّ يديها بالقيودِ ، و هي قائمةٌ ، و أمسك رجلٌ بخطامها ، ورجلٌ بذنبها ، طعنها بالحربةِ ، و قال : بسم الله و الله أكبر ، ثم جبذاها حتى يصرعاها .
قال مالكٌ : و لا تُعرقَبُ بعد أن تُنحرَ ، إلا أن يخاف أن تفلتَ ، و يضعف عنها ، و لينحرها باركةً ، أحبُّ إليَّ من أن تُعرقبَ ، وليريطها بجبلٍ ، و يمسكها رجلان ؛ رجلٌ من كلِّ ناحيةٍ ، و هي قائمةٌ مصفوفةٌ أحب إليَّ من أن ينحرها باركةً . وذك و نحوه كله ابن حبيبٍ ، عن مالكٍ .
قال ابن حبيبٍ : في قول الله تعالى : {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} : و ذلك أن تصفَّ يديها بالقيود عند نحرها . وقرأ ابنُ عبَّاسٍ "صوافنَ" ؛ و هي المعقولة من كل بدنةٍ يدٌ واحدةٌ ، فتقف على ثلاث قوائم . وقرأ الحسنُ : "صوافي" ؛ أي : صافيةً لله سبحانه .
***(1/444)
[2/449]
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و من نحرَ هديه بمنًى قبل نحر الإمامِ ، فلا شيء عليه ، و ليس على الناس الئتمام في هذا بالإمامِ ، و لكن يأتمونَ به في الدفعِ من مزدلفة ، فالناسُ من بين مُسرعٍ و مبطئٍ ، و إنما يأتمونَ بنحره في الأضحى ، في الآفاقِ .
ما يتقى من العيوبِ في الهدي ، و ما يرجع به من قيمة عيبٍ أو رأسٍ ، و ما يحدث في الهدي من عيبٍ ، أو عجفٍ ، و في الهدي يُباع
من "كتاب" محمدٍ ، قال مالك : و لا تجوز الدبرةُ في الهدي إن كانت كبيرةً . قال ابن القاسمِ : و كذلك الجُرح الكبير . قال مالكٌ : وتجوز الشارف التي لا أسنان لها .
قال أشهبُ ، عن مالكٍ : و ما وجد فيه عيباً بعدَ أن قلَّده ، فليرجع بقيمةِ العيب ، فيستعن به في البدلِ ، إن كان واجباً ، و إن كان تطوُّعاً صنع به ما شاء .
و رَوَى عنه ابن القاسم ، في التطوُّعِ : يجعل ما يأخذ فيه من هَدي ، و إن لم يبلغ تصدَّقَ به وجعله كالعتقِ الواجبِ ، يجد بالعبدِ عيباً بعد العتقِ . قال مالكٌ : فإن كان مما يجزئ به ، فليجعله في رقيةٍ ، فإن لم يبلغ ففي آخر كتابة مُكاتبٍ ، و إن كان لا يجوز به صنع ما شاء إلا أن عليه البدل .
قولُه : عن كان واجباً فعليه بدله – يريدُ : و وجدَ العيبَ به قديماً ، و لم يُحدث بعدَ الإشعارِ . و يريدُ في الواجبِ : من لزمه من متعةٍ أو قِرانٍ ، أو لنقصِ من أمر الحجِّ ، أو جزاءٍ ، أو فدية أهداها ، أو نذرَ هدياً للمساكين ، و ليس بعينه . فأما لو نذر أن يهديَ هذا البعير بعينه فقلده و أشعره ، ثم ظهر له به عيبٌ قديمٌ ، فلا يدلُّ عليه ؛ لأنَّ نذْرَه لم يتعدَّ إلى غيره : قال محمدٌ : و إنما يتصدَّقُ
***(1/445)
[2/450]
بما يأخذ في عيب الهدي ، إذ لله يبلغ بعد هَديٍ ، لأنه لا يُشتركُ في الهجي ، فيؤمر أن يشارك في هديٍ ، بخلاف العتقِ .
قال ابن القاسمِ : و إذا كان متطوعاَ بالعتقِ ، صنعَ بما يأخذ في العيب ما شاء ، وغن كان عيباَ لا يجزئ في الواجبِ ، و لم يقل ذلك في هد التطوعِ . قال مالكٌ : و ذلك أنه لو استحقَّ هدياً بعد التقليد ، فأخذه ربه ، لأمرت هذا أن يرجع بثمنه ، فيجعله في هديِ ، و لا آمره بذلك في عتقِ التطوعِ . ورُوِيَ أيضاً عن ابن القاسم ، أنه يصنع ما شاء بما يرجع به من قيمة عيب هدي التطوع . قال أصبغُ : و ذلك إذا كان عيبُ الهدي ممَّا يجزئ به في الهدي ، و إلا فعليه بدله كله . محمدٌ : صوابٌ . لأنه يتطوَّعُ بعتقِ المعيبِ ، و لا يتطوَّعُ بهدي المعيبِ . و ما جُنِيَ على الهدي بعد أن قلَّد ، فما أخذ في ذلك ، فكالعيب يرجع به . قال محمدٌ : و أحب إليَّ في الجناية أن يتصدَّقَ به في التطوع ، والواجب لأنه شيءٌ قد وجب لله .
يريد محمدٌ : عن لم يكن فيه ثمن هديٍ ، وكلام محمدٍ هذا لم أروه .
قا مالكٌ : وللرجلِ أن يبدلَ هديه ، ما لم يقلده و يشعره ، و إذا عطب الواجب قبل محله ، فلا بيع من لحمه في البدل وليأكل إن شاء .
قال ابن حبيبٍ : و أجاز له ابن الماجشون البيع منه ، كالأكل ؛ لأنَّ عليه بدله ، و كره مالكٌ البيعَ .
قال ابن حبيبٍ : و إذا قلَّد هديه سميناً ، فنحره ، فوجده أعجف ، فإن كان العجف يحدث في مثل مسافته ، أجزأه ، و إن كان لا يعجف في مثلها ، لم يجزئه في الواجب ، و لو أشعره أعجف ، و نحره سميناً ، فإن كان لا يسمن بمثلِ مسافته أجزاه . و إن كان يسمن في مثلها فأحب إلينا
***(1/446)
[2/451]
أن يبدله ، لما يُخشى أن يكون حدث سِمنةٌ . و كذلك قال ابن الماجشون .
و من أهدى هدياً معيباً ، مضى في التطوعِ ، و يعيد في الواجبِ ، و لا يبع لحمَ المعيبِ .
و من "كتاب" محمدٍ ، قال : و من باع هديه بعد التقليد ، ردَّ بيعه ، فإن فات اشترى بثمنه مثلهن فأهداه ، فغن لم يبلغ زاد من عنده ، و إن زادت القيمةُ ، اشترى بالجميع هدياً . و لم اسمعه من مالكٍ .
فيما يؤكل منه – من الهدي – و ما يطعن منه و من يطعم ، و ذكر ولد البدنةِ و لبنها و الأكل مما عَطَبَ من الهدي ، أو من بدَّل ما ضلَّ منه
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و يؤكل من الهدي كله ، إلا ما عُدلَ منه بالصدقةِ من جزاء الصيدِ ، و كذلك فديةُ الأداءِ ، و ما نذره مُهديه للمساكين ، و ما عطِبَ من هذيِ التطوُّعِ قبل محله . قال مالكٌ : و له أن يأكل من الهدي النذر ، والبدنةِ النذر إلا أن ينذر ذلك للمساكين ، قال ابن حبيبٍ : بلفظٍ ، أو بنيةٍ أنَّه للمساكين ، فإنه لا يؤكل منه و ما نذره تقرباً إلى الله بالهدي به فليأكل منه ، إلا أن ينذره للمساكين .
قال ابن المواز ، قال مالكٌ : لا أحب له أن يأكل مما نذر من الهدي للمساكين ، و ما أخرجه بمعنى الصدقة .
قال آخر : و من ترك الأكل مما نذره للمساكين ، يقوى كقوةِ الجزاءِ ، أو الفديةِ ، و مت عَطِبَ من التطوعِ ، قبل محله .
***(1/447)
[2/452]
قال محمدٌ : و كان الحسن يقولُ : يؤكل من كلِّ هديٍ . و قال سعيد بنُ جبيرٍ : لا يؤكل من النذرِ ، و لا من جزاء الصيدِ ، و لا الفدية .
وقال طاووسٌ : لا يأكل من الجزاء ، والفدية . قال ابن الماجشون : و إذا ضلَّ جزاء الصيد ، فأبدلَه ثم وجد الأولَ ، فلينحرهما ، إن كان قلَّدَ الآخرَ أيضا و لا يأكل من الأول ، و يأكل من الثاني إن شاء . قال محمدٌ : و لو أكل من الثاني بعدَ أن بلغ محلَّه ، قبل يجد الأول ، فليبدله ، إلا أن يجد الأول ، فيجزئه ، و يثير الثاني هديَ تطوُّعٍ يأكل منه ، بعد أن يبلغ محله . و ذكر ابن حبيبٍ المسألة من أولها ، عن ابن الماجشون ، و قال في سؤاله : إن ضلَّ هديه الواجب ، فأبدله . والذي ذكر محمدٌ ، من جزاء الصيدِ هو اصحُّ .
قال ابن حبيبٍ : قال ابن الماجشون : و من معه هدي تطوُّعٍ ، و هديٌ واجبٌ ، فاختلطا ، فلا يأكل من واحدٍ منهما ، و إن ضلَّ أحدهما ، و لم يدرِ أيهما هو ، فلا يأكل من الباقي ، و لا يجزئه الباقي ، إذ لعلَّه التطوعُ ، والبدلُ الواجبُ ، و لا يأكل من البدل ، إذ لا يدري أيهما التطوعُ . قال أبو محمدٍ : قولُه : الهدي واجبٌ . إنما يصحُّ على أنه جزاءُ صيدٍ ، أو نذرٌ للمساكين .
قال في "كتابه" : إن ضلَّ منه هديُ تمتعهِ ، و هو مقلِّدٌ ، بعد أن بلغ ، فأبدله ، فَعَطِبَ البدلُ ، قبل يلغ محله ، فله أن يأكل منه ، و عليه بدله لمتعته ، فإن وجد الأول ، نحره عن تمتعه ، و لا يأكل من الثاني ؛ لأنه صار تطوعاً أكل منه قل محله .
قال : و يؤكل من هديِ القِرَانِ و المتعةِ والفوات والفساد . و قيل في هدي
***(1/448)
[2/453]
الفسادِ : لا يؤكل منه . و القولُ : أن يؤكل منه أحب إلينا . و من قال : إني أنحر في مقام إبراهيم ، فأهدى هديه فله أن يأكل منه . و قاله أشهب .
قال ابن القاسمِ : و إذا أكل من نذر المساكين بعد بلوغِ محله ، لم يبدله ، و عليه قدر ما أكل ، و ليس ترك الكل منه بالقويِّ .
قال عبد الملكِ في "كتاب" محمدٍ ، و ابن حبيبٍ : عليه ثمنُ ما أكل طعاماً يتصدَّقُ به . و كذلك في قوله : إن أكل من جزاءِ الصيدِ . و لو عطيا قبل المحل ، فنحرهما ، فله أن يأكل منهما ، لأنَّ عليه البدلَ . قال ابن الماجشون : و له أن يبيعَ . و كره مالكٌ البيع ، و إن أكل من هدي التطوعِ قبل بلوغ محله ، فعليه بدله ، و له الأكل منه إذا بلغ محله .
قال محمدٌ : قال ابن عباسٍ : إذا عطب الهدي ، فانْحره ، واغمس نعليها في دمها ، واضرب بها صفحتها ، فغن كانت تطوُّعاً فأكلت أو أمرت من يأكل غرمتَ ، و قاله عليٌّ ، و ابن مسعودٍ .
قال سفيانٌ : الرأي أن يغرم ما أكل ، و لكنَّ السنةَ مضتْ بتضمينه كله .
وقال الليثُ : إن أكل من فدية الأذى ، فعليه بقدر ما أكل الطعام .
قال ابن القاسم : و إن اطعم الأغنياء من جزاء الصيدِ ، وفدية الأذى ، و هو لا يعلم ، فلا يجزئه . و قال أيضا : أرجو أن يجزئه إذا لم يتعمَّدْ ، و إن اطعم منها مساكين أهل الذمةِ ، لم يجزئه ، و إن أطعمهم ممَّا يجوز له أن يأكل منه ، أساء و لا بدل عليه . و لا يطعم من الجزاءِ والفديةِ ولده ، و لا والده و لا أخاه و لا من فيه بقيةُ رقٍّ من أقاربه .
قال أشهبُ : و إن أعطى جلال بدنته غير الواجبة لبعضِ ولده ، فلا شيء عليه . و قال ابن القاسمِ : و يصنع بالجلال والخِطامِ ما يصنع بلحمها . و قاله أشهب .
***(1/449)
[2/454]
قال مالكٌ : و إن أنتجت البدنة بعد التقليد و الإشعار ، فلينحر معها ولدها إذا نحرت . و ما أنتجت قبل الإشعار ، فأحب إلي أنْ يُنحر معها ، إن نوى ذلك . محمدٌ : يريدُ : إن نوى بأمها الهدي قبل الإشعار . قال أشهبُ في نتاج البدنة : إن خلَّفَه فعليه أن ينفق عليه حتى يجد له محلاًّ ، و لا محل له دون البيتِ ، وغن باعه فعليه بدله هدياً كبيراً تامًّا . و قاله ربيعة ، و قاله ابن القاسمِ ، إن نحره في الطريق أبدله بهدي بعيرٍ ، و لا يجزئه بقرةٌ .
و كذلك من أضرَّ بولدٍ ، فديته في لبنها حتى مات ، فعليه بدله ممَّا يجوز في الهدي .
قال ابن حبيبٍ : قال ابن الماجشون : و لو سَقْبَ هدي التطوعِ سقباً قبل محله ، كان مثل أمه إن أبدله ، و لو سقبَ الهدي الواجب قبل محلهن فعطبَ السقبُ ، لم يكن كأمه إن نحره ، وليخلِّ بين الناس وبينه ، و يصير كالتطوعِ ، فإن أكل منه ، أبدله ، و إن نحر السقبُ قبلَ المحل ، فليبدله .
و من "كتاب" ابن المواز ، و كره ابن القاسم ضُرْبَ لبنِ البدنةَ بعدَ ريِّ فصيلها . قال : فإن فعل . فلا شيء عليه . قال محمدٌ : إلا أن يكون لها ضررٌ في ترك الحلاب ، فيحلب قدر ذلك . قال ابن وهبٍ : لا يشرب
***(1/450)
[2/455]
لبنها إلا من ضرورة ، و لا تركب إلا من ضرورةٍ . و قاله مالكٌ .
في الشركة في الهدي و الأضحية ، و من أخطأ فنحرَ هديَ غيره ، و في الهدي يختلط و الأضحية
من "كتاب" ابن المواز ، قال ابن وهبٍ : قال مالكٌ : لا بأس أنْ يشترك في هدي العمرة ، التي يتطوع بها الناس ، و أما الواجب ، فلا . قال محمدٌ : لا يشترك في تطوُّعٍ و لا غيره ، و قد قال مالكٌ : و من فعله في التطوعِ فهو خفيفٌ . قال مالكٌ : و معنى حديث جابرٍ : نحرنا البدنة عن سبعةٍ؟ .
أنَّ ذلك في التطوعِ ، و كانوا معتمرين .
قال مالكٌ : و من اشترى أضحية عن نفسه ، ثم بدا له أن يُشركَ فيها أهل بيته ، فلا بأس بذلك .
قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و من نحر هدي غيره ، و نحر غيره هديه ، فذلك يجزئهما ، و لا يجزئ في الضحايا . و قال أشهبُ : لا يجزئ في الهدي و يضمن كل واحدٍ منها لصاحبه . وذكراه عن مالكٍ . و كذلك في "المستخرجة" ، وزاد : و كذلك لو ذبح هدي غيره ، عن نفسه ، لم يجزئه .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال أشهبُ : وتجزئ في الضحايا عن ذابحها ، و يغرم في الضحايا ، كل واحدٍ قيمة ما ذبح لصاحبه ، و يجزئه
***(1/451)
[2/456]
كمن ضحَّى بكبشٍ ، فاستحقَّ .
واختلف قول أشهب في الضحايا ، قال محمدٌ : ذلك جائزٌ في الهدي ، عن شاء الله ، و إن اختار كل واحدٍ أخذ قيمتها في الضحية ، أجزأت ذابحها ، وغن اختار أخذ اللحم ، كان ذلك له .
قال محمدٌ : و الهدي الضالُّ ، من نحره عن نفسه ، لم يضر صاحبه ، و هو يجزئ عن صاحبه . وتقدم في الباب الذي هذا بعده شيءٌ منذ كر اختلاط الهدي .
في من نذر هدياً أو بدنةً أو جَزُوراً
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : في من نذر بدنةً : فهي من الإبل و محلها مكة ، إلا أن يُسمِّيَ موضعاً ، فهي على ما سمَّى ، فإن لم يجد فبقرةٌ .
قاله ابن المسيب ، وسالمٌ ، وخارجةٌ ، وعبد الله بن محمد بن عليٍّ ، قالوا كلهم ، إلا ابنَ المسيبِ : فإن لم يجد فسبعٌ من الغنمِ . و قال ابنُ المسيبِ : فعشرٌ من الغنمِ . وبالأول أخذ مالكٌ .
قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، في "العُتْبِيَّة" ، في من نذر بدنة : فإنه يجزئه ذكراً أو أنثى ، كان في تطوعٍ ، أو وصيَّةٍ ، أو غير ذلك .
و من " كتاب" محمدٍ : و من نذر جزوراً ، نحره حيث شاء . قال سليمان بن يسار ، وربيعةُ ، و غيرهما ، في ناذر البدنة : ينحرها حيث نوى . و قال محمدٌ : إلا في موضع يتكلف فيه سوقها ، فلينحرها بموضعه ، و لا
***(1/452)
[2/457]
تساقُ إلى غير مكةَ . قال مالكٌ ، كانت بعينها ، أو بغير عينها . و لو نذرها لمساكين البصرةِ ، أو مصرَ ، فلا ينحرها إلا بموضعه . قال أشهبُ : إن نوى بها مساكين المدينةِ ، نحرها بالمدينةِ . و قال ابن القاسمِ : بل بموضعه ، و قاله مالكٌ ، و قال مرة أخرى : ينحرها حيث نوى ، و كذلك في "المختصر" .
وقال في ناذر البدنةِ : إن لم يجد سبعاً من الغنمِ ، لم يجزئه الصيامُ ، فإن صام ، فعشرة أيامٍ . قال مالكٌ : و كذلك مَن نذر عتق رقبةٍ ، فلم يجد فلا يجزئه الصيام . فإذا وجد أعتق هذا و أهدى ها . و قال أشهبُ : إن لم يجد سبعاتً من الغنمِ ، صام سبعين يوماً . و كذلك قال ابن حبيبٍ ، وذكره عن مالك . و قال أشهب في "كتاب" ابن المواز : يصومُ سبعين يوماً ، أو يطعم سبعين مسكيناً ؛ لكل مسكينٍ مُدًّا ، فإن وجد شاةً واحدةً ، أهداها وصام ستين يوماً .
و لو قال : لله هَديٌ ، أجزته شاة إلا أن ينويَ أعلى منها ، فإنْ نوى جذعةً من المعزِ ، فعليه ثنيَّةٌ من المعزِ ، أو جذعةٌ من الضأنِ . و كذلك إن نوى عوراء أو معيبةً ، أهدى سليمةً ، و هذا في غير شيءٍ بعينه ، و من نذر شيئاً بعينه ، فلينحره ، كما هو . أشهبُ : و قال : لا يجوز في السنِّ ، والسلامةِ ، إلا ما يجوز من الهدي . وقوله : أنا أهدي أو لله علي هديٌ ، فذلك سواءٌ ، و ذلك عليه . قال مالكٌ : وقولُه : عليَّ المشيُ أو لله عليّ المشيُ سواءٌ .
***(1/453)
[2/458]
و من "العُتْبِيَّة" ، قال سحنونٌ ، عن ابن القاسم : و من قال : عليَّ هديُ عبدٍ ، أو ثوبٍ ، فلينظر إلى وسطٍ من العبيدِ ، أو الثيابِ ، فيبعث به ، فيشترى به هديٌ . قال ابن القاسمِ : و من قال : عليَّ رقبةٍ من ولدِ إسماعيل ، فلينظر على اقرب الناس من ولد إسماعيلَ ، ممن يُسترق فيخرج قيمته يُشترى به هديٌ . و قال مثله مالكٌ ، فيمن نذر عتق رقبةٍ من ولدِ إسماعيل .
في من لزمه هديٌ فلم يجده ، أو تصدَّقَ به أو بثمنهِ ، و في صيامِ المتمتعِ و القارنِ و غيرهما ، إذا لم يجد هجياً ، و في هدي الفوات والفساد هل يُعجَّلُ؟
قال مالك في "المختصر" : إنَّ ما استيسر من الهديِ ، شاةٌ .
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ ، في من لم يجد ثمنَ هديٍ و قد لزمه و هو مليٌّ ببلدهِ ، فإن وجد مسلفاً ، فليتسلف ، فإن لم يجد ، صام ثلاثةَ أيامٍ في الحج ، وسبعة إذا رجع ، و لا يؤخر الصيامَ ليُهديَ ببلده ، فإذا صام أجزأه . قال مالكٌ فيمن لم يجد هدياً ، فتصدَقَ بثمنه ، فلا يجزئه . و من دفعَ الهديَ حيًّا للمساكين ، بعد أن بلغ محلَه ، و أمرهم بنحره ، ورجع على بلده ، فاستحيوه ، فعليه بدله ، كان واجباً أو تطوعاً . و إنما يجزئه أن يدفعه إليهم ، بعد أن ينحره ، و لو نحره ثم سرق منه ، أجزأه ، و إن كان واجباً ، و لو سرقَ ، و هو حيٌّ مقلدٌ ، فإن كان واجباً ، بدله .
و من نحر بمكة جزاء صيدٍ ، ثم حمله إلى غير مساكينها ، أجزأ عنه .
***(1/454)
[2/459]
قال أشهبُ : و إن لم يجد مساكين ، و لا قدر على حمله ، أجزأه .
قال مالكٌ : في المتمتع : إن لم يجد الهدي ، فليصم الثلاثة أيام في الحجِّ وسبعةً من يوم يُحرمُ إلى عرفةَ . و قال أيضا : يصومها قبل يوم عرفة ، أو يكون آخرها يوم عرفةَ ، فأن لم يفعل صام أيام منًى ، ثم له وطءُ أهله في ليالي أيام صيامه بمنًى . قيل لمالكٍ : أفيصومُ السبعة إذا رجع إلى مكة؟ قال : إذا رجع إلى أهله احب غلي ، إلا أن يقيم بمكة و يجزئه إن صام في طريقه . قال مالكٌ : فإن نسيَ الثلاثة حتى صام السبعة ، فإن وجد هدياً فأحب إلي أن يهديَ ، و إلا صام . قال اصبغُ : يعيد حتى يجعل السبعة ، بعد الثلاثة .
قال مالكٌ : و يصوم القارن ثلاثة في الحجِّ ، مثل المتمتع ، و لا يجوز له أن يؤخر رجاء أن يجد هدياً ، و أحب إلي أن يؤخر إلى غير ذي الحجةِ ، أو بعده عن رجا هدياً ، و إن لم يرجُ فليصمْ .
ابن وهبٍ : وسألت امرأة مالكاً ، فقالت : قرنت عام أول و لم أجد هدياً ، و قد قدمت العام . فقال لها : إن لم تجدي هدياً ، فصومي ثلاثة أيامٍ في إحرامك ، وسبعة إذا رجعتِ .
أشهبُ : قال مالكٌ : و من صام يوماً أو يومين من الثلاثةِ ، ثم وجد هدياً ، فليهدِ . و رَوَى عنه ابن القاسمِ ، أنه إن شاء بنى على صيامه ، و أجزأه . قال : و المعتمر في الصيام ، كالحاجِّ ، يصوم ثلاثةً – يريد في إحرامه – وسبعةَ بعد ذلك .
قال مالكٌ : و من لزمه هديان ، مثلَ أن يقرن و يفوته الحج ، فإن وجدَ واحداً صام ثلاثة في إحرامه وسبعة بعد ذلك ، و إن لم يجد
***(1/455)
[2/460]
صام ستة أيامٍ في إحرامه ، و أربعة عشر إذا رجع . قال : وصيام من نسيَ حلق رأسِه في عمرته ، حتى أحرم بالحجِّ ، ثلاثةٌ وسبعةٌ ، بعدَ ذلك . وكل ما يجب فيه الهديُ ، فصيامه فيه صيام المتمتعِ ، و كذلك صيامُ الفواتِ و صيامُ الفسادِ ، يصوم كذلك في حجه القضاء . و قاله أصبغُ استحباباً . و لا أراه بواجبٍ ، كالقارنِ .
قال : و من عجز عن مشيهِ ، فليصم عشرة كيف شاء وحيث شاء ، و كذلك من نقصَ من حجِّه ، مثلُ رمي الجمارِ ، أو ترك النزولِ بمزدلفة ، إذا لم يجد الهديَ . و لا يصوم هذا في أيام التشريق ، وليصم كيف شاء وحيث شاء . و قاله اصبغ ، و عبد الملكِ . و هكذا من قبَّل امرأته في إحرامه ، و من أخَّرَ رميَ الجمارِ ، أو بعضها على الغدِ ، فليصم ثلاثةً ، وسبعةً إذا رجع ، مثل المفسدِ ، و المتمتعِ . قال في "المختصر" : و يصومُ المحصر السبعة في أهلهِ ، أحب إلينا .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عيسى عن ابن القاسمِ ، فيمن أفد حجه ، و لم يجد هدياً ، قال : يصوم ثلاثة في الحجِّ ، وسبعة إذا رجع .
و من "كتاب" ابن المواز ، و رُوِيَ عن مالك ، في صيامِ فدية الإيذاء : أنه لا يصومها في أيام منًى . قال مالكٌ : و يؤخر هدي الفواتِ و الفسادِ ، فيخرجه مع حجة القضاء ، قال في "المختصر" : لا يقدِّمْ هدي الفوات عن
***(1/456)
[2/461]
واجبٍ ، أو تطوعٍ ، و إن خاف الموتَ . قال أصبغُ ، في "كتاب" محمدٍ : و إن قدَّمَ لم يجزئه ، وبعده أحب إليَّ . و قال بعض العلماءِ : يجزئه على ضعفٍ ، و إن تركه ، فليس بواجبٍ .
و من قلَّد هدي تمتعه ، قبل يحرم بالحجِّ ، أو نحره ، لم يجزئه . قال أشهبُ ، و ابن الماجشون : وسهَّل فيه ابن القاسمِ ، أنه يجزئه ، و إن ساقه في عمرةٍ ثم قرن ، أجزأه عن قرانه ، والثقة له أن يبدله .
ما يقتل المحرم من الدوابِّ
من "كتاب" ابن المواز ، و كره مالكٌ للمحرم قتل الوزغِ ؛ لأنها ليست مما أمر النبي صلى الله عليه و سلم المحرم بقتله ، و لا بأس بقتلها للحلالِ في الحرمِ ، و لو لم تُقتل فيه لكثرت وغلبت ، و أما المحرم فشانه يسيرٌ . قال مالكٌ : و قد سمعت أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم أمر بقتلِ الوزغِ ، و كانت عائشة تتخذ لها رمحاً . فأما المحرم ، فلا يقتلها ، فإن قتلها ، رأيت أن يتصدَّقَ مثلَ شحمةِ الأرضِ . قيل له : لِمَ و قد أذن النبي صلى الله عليه و سلم
***(1/457)
[2/462]
في قتلها؟ قال : وكثيرٌ مما أذن في قتله ، لا يقتله المحرم ، و قد احلَّ الله الطيباتِ من الرزقِ ، والصيد من الرزقِ . قال مالكٌ : وال يقتل المحرم قرداً ، و لا خنزيراً . قال ابن القاسم : و لا وحشيًّا و لا أهليًّا ، و لا خنزير الماء . وقف محمدٌ عن خنزير الماءِ .
قال ابن حبيبٍ : و قال عطاءٌ في القرد : أنَّ فيه الجزاءَ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال : و يقتل المحرمُ الفأرة والحية و العقرب ، صغارهنَّ ، وكبارهنَّ ، و إن لم تؤذه ، و لا يقتل صغار الذئابِ ، و لا فراخَ الغربانِ .
قال ابن عبد الحكمِ : واختلف قولُ مالكٍ في الذئب بعينه ، فقال : لا يصيده المحرم ، و قال : يصيده .
و أحب إلينا أن يقتله إذا عدى عليه ؛ لأنه داخلٌ في اسمِ الكلبِ العقورِ .
قال في "العُتْبِيَّة" أشهبُ عن مالكٍ : لا يصيد المحرم الذئبَ ، و لا الثعلبَ .
قال مالكٌ : والحدأة والغراب لا يقتلها المحرم ، و لا الحلال في الحرمِ ، إلا أن يضراه ، و يؤياه ، قال في "المختصر" : لا أحب لأحدٍ قتلهما في الحرمِ ، خوفَ الذريعة لاصطياد ، إلا أن يؤذياه .
و لا تصاد في الحرمِ الرخمة ، و لا الثعلب ، و لا الضبع ، و لا الهرُّ الوحشيُّ أو الإنسيُّ .
وقال ابن حبيبٍ : و لا الدُبُّ وشبهه من السباع التي لا تؤذي . فإن قتلهم و لم يؤذوه ، وداهم ، و إن كانوا آذوه ، فلا شيء عليه . و كان عطاءٌ يجعل الهرَّ الوحشيَّ من السباع العاديةِ ، و يأمر المحرم بقتله . وقو لمالكِ أحب إليَّ .
قال ابن حبيبٍ : و لا يقتل الضبع بحالِ . و قد جاء أنَّ فيها شاةً . قال مالكٌ : إلا أن يؤذيه و يعدو عليه ، فله قتله . و قال اصبغُ : يديها ، و إن بدأ بها . و هذا من اصبغ غلطٌ . و كذلك له قتل سباعِ الطيرِ إذا آذته .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال : و يقتل السبع والفهد والنمر ، و يبتدئها ، و إن لم تبتدئه . قال ابن القاسمِ : و لا يقتل صغارها ، فإن فعل ، لم يدهم . قال أشهبُ : بل يديهم .
***(1/458)
[2/463]
قال ابن القاسمِ : و أحب إلي أن لا يقتل الغراب ، والحِدأةَ ، حتى يؤذياه ، فإن قتلها قبل يؤذيانه ، فلا شيء عليه . قال اصبغُ : يريد في كبارها ، لأنها من الخمس الفواسقِ ، و أما صغارها التي لا حِراكَ لها ، فيديها إن قتلها ، و يقتل بقية الخمسِ ، و إن لم تؤذِ . قال اصبغُ : لأن صغارهن عدوٌّ يضرُّ . و يعقرُ . و قال البرقيُّ ، عن أشهبَ : يقتل صغار السباع وصغار الحية و العقرب والفارةِ ، عَدَتْ أو لم تَعُدْ .
وقال أشهبُ ، في "كتبه" : إن قتلَ غراباً أو حِدأةً أو صغارَ السباعِ ممن غير أذًى ، وداهم . و يقتل الكلبَ ، و إن لم يعقرْ ، و إن كان كلبَ ماشيةٍ ، و لا يقتل سباع الطير عندَ مالكٍ . قلتُ : فما عدى عليه من الطيرِ؟ قال : لا شيء عليه فيه ، إذا آذاه .
قال أشهبُ : إذا عدى عليه شيءٌ من الطير فقتله ، فعليه جزاؤه . قال : و لا بأس أن يلقيَ عن نفسه الذرةَ والبرغوث و القراد والنملةَ ، و إن قتل شيئاً من ذلك ، فعليه شيءٌ من طعامٍ ، في قليلٍ ذلك وكثيره .
قال مالكٌ : و يُلقي عن نفسه البراغيث والذبابَ والذرةَ ، والحصان ، و هي ذبابٌ صغارٌ ، و إن لذعته دَرَّةٌ فقتلها و لا يشعر ، فليطعم شيئاً ، و كذلك النملة ، و كذلك ما وطئ عليه من ذك ببعيره .
قال : و لا بأس أن يقتل البراغيث ، و أما القمل ، فلا . و قال أيضا في البراغيث ، و الباعوضِ : عن أَطْعَمْ لذلك شيئاً ، فهو أحب غلي .
قال محمدٌ : و ليس عليه في كثرةِ القملِ و قليله إلا قبضةٌ من طعامٍ .
***(1/459)
[2/464]
و رُوِيَ لمالكٍ في كثيره ، الفدية . قال ابن القاسمِ : و أرجو أن يجزئه شيءٌ من الطعامِ .
قال مالكٌ : و لا يُشَمِّسْ ثوبَه ، و لا يُفَلِّه ، و إذا وجد عليه البَقَّةَ ، فأخذها ، فتموت في يده ، فلا شيء عليه ، و إذا كثر عليه الذَّرُّ ، فلا يقتلها ، فإن حكَّ فقتلها ، أطعم شيئاً .
قال مالكٌ : و إن وقعت من رأسه قملةٌ على ثو بهِ ، فإن شاء تركها ، و إن شاء حوَّلها من ثو بهِ ، إلى موضع أخفى من مكانها . و قال عنه أشهبُ : يدعها مكانها . و رَوَى هون و ابن القاسمِ مثل القول الأول .
و من "المختصر" : و إذا جعلتِ المحرمة زاوُوقاً قبل الإحرامِ ، قلتفتدِ . وتقدَّم هدا . وتقدَّم في باب غُسلِ المحرم ذكرُ دخوله الحمَّامَ .
و من "كتاب" محمدٍ : و لا شيء في الضفدعِ ، إن قتلها . قال أشهبُ : و قيل : يطعم شيئاً .
قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ ، في جرادةٍ : قبضه من طعامٍ . و قال محمدٌ : بحكومة ذوي عدلٍ ، فإن ودى بغير حكومةٍ ، أعاد بحكومةٍ . قال مالكٌ : و لا يُصادُ الجراج في الحرمِ ، و ما أصابت البدنة في سياقٍ أو قيادٍ أو ركوبٍ ، في ليلٍ أو نهارٍ ، فهو ضامنٌ له ؛ لأنه أوطأها ، و كذلك لو ضربها فقتلت صيداً ، و أما ما فعلت بنفسها ، من غيرِ هذه السباب ، فلا شيء عليه .
قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، في الذباب : يطأ عليه ، لا يمتنع من
***(1/460)
[2/465]
ذلك لكثرته ، فليطعم مسكيناً ، أو مسكينين . و قال : بعد ذلك لا شيء عليه في مثل هذا الغالبِ . قال ابن عبد الحكمِ : و هذا أحب إلينا .
قال في "المحتصر" : و إذا كثر الجرادُ على الناسِ في حرمهم ، فلا يقدرون على التحفظِ منه ، فلا شيء عليهم فيه ، إذا لم يتعمدوا قتله ، و لو أطعم مسكيناً ، لم أرَ بذلك بأساً .
قال ابن القاسمِ : و لا يصيد المحرم سُلحفاءَ البرِّ . قال مالكٌ : و لا يصيد من الطير شيئاً مأواه البحرُ وجزائره .
في المحرم يأكل ما صيد من أجله ، أو ما ذبحه الحلال ، أو صاده المحرم
من "كتاب" ابن المواز ، قال أشهبُ : عن مالكٍ : لا باس أن يأكل المحرم من صيدٍ ذُبحَ للمحرمين ، قبل أن يحرموا ، أو صيدَ من أجلهم ، قبل أن يحرموا ، لقومٍ بأعيانهم ، أو بغير أعيانهم . قال مالكٌ : و لو صيدَ من أجل محرم بعد إحرامه ، لم يأكله ، فإن أكل منه ، و هو بذلك عالمٌ ، وداه ، و إن أكل منه غيره من أصحابه ، و هو يعلم فلا شيء عليه ، لما جاء عن عثمان . و لكن لا ينبغي أن يأكل من ذلك حلالٌ و لا حرامٌ .
وقال في محرمٍ ، قُتلَ من أجله صيدٌ ، أو من أجل محرمٍ غيره ، ثم أكل منه ، و هو يعلم ، فعليه جزاؤه . فإن لم يعلم ، فلا جزاء عليه ، و قد قيل :
***(1/461)
[2/466]
لا جزاء عليه ؛ علمَ ، أو لم يعلم . لأنه أكل منه ، إلا أن يعلمَه قبلَ يذبحه ، فيذبحه على ذلك ، أو يأمرهم بصيدهِ ، فهذا عليه جزاؤه .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى يحيى بن يحيى ، وسحنونٌ ، عن ابنِ القاسمِ ، مثل هذا كله . و قال : إذا أكله محرمٌ ، و لم يُصَدْ من أجلهِ ، و هو عالمٌ بذلك ، فلا جزاء عليه ، وبئس ما صنع ، و لا يده ، و لا أحب له ذلك ، و إنما يديه من صيد من أجله، إذا أكله الذي صيدَ من أجله عالماً بذلك، و كان محرماً يومَ صيدَ من أجله ، و إذا كان ذلك ، فإنما أكله بعدَ أنْ حلَّ ، فذلك مكروهٌ ، و لا جزاء عليه عن فعل .
قال عنه ابن القاسمِ : و إن صيد من أجله قبل أن يحرم كرهت له أكله ، و لا جزاء عليه إن فعل .
قال : و روى ابنُ القاسمِ ، عن مالكٍ : أنه لم يرَ به بأساً بأكله إذا صيدَ من أجله ، قبل إحرامه . قال ابن القاسمِ : و ما صيدَ للمحرمينَ ، يتلقَّوْنَهم به ، فأكله محرمٌ يعلم أنه صيدَ لهم ، و قد كان يومَ يصيدُ قد احرم ، فليَدِه ، و إن لم يعلم فلا شيء عليه ، وغن كان أحرم ، و بعدَ أن صيدَ للمحرمين ، فلا شيء عليه ، و إن علمَ به ، فلا خطأ ، و قد تقدم ما ينوب ذكره عن هذا .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ في المحرمِ ، إذا قتل صيداً فوَدَاه ثم أكل منه – قال ابن القاسمِ : هو أو غيره من المحرمين – فلا شيء عليه في أكله ، كمن أكل منه ، و كذلك ما صيدَ في الحرمِ . و في رواية
***(1/462)
[2/467]
أشهبَ ، عن مالكِ ، في صيدٍ قتلَه محرمٌ ، فأكله غيرُه من المحرمين .
قال : في ذلك نظرٌ ، و إن أكله حلالٌ ، فلا شيء عليه .
وقال مالكٌ ، في المحرم ، يصيد الصيد في الحِلِّ ، فيذبحه الحلال ، أو يذبحه هو ، بعد حِلِّهِ ، فلا يؤكل ، و عليه جزاؤه ، و كذلك ما صاد و هو حلالٌ ، وقتله و هو محرمٌ .
قال مالكٌ : و إذا اضطرَّ على الميتةِ ، فليأكلها ، و لا يصيدُ صيداً ، فيأكله ، فأما صيدٌ صيدَ من أجلهِ ، بغير أمره ، فله أكله ، و يديه أحب إلينا من أكلِ الميتةِ .
في المحرم يدلُّ محرماً ، أو حلالاً على صيدٍ ، و في المحرم يجرح الصيدَ ، أو يعين في قتله
من "كتاب" ابن المواز ، قال أشهبُ : وغن دلَّ محرمٌ على صيدٍ ، فقتله ، فعلى كلِّ واحدٍ منهما جزاؤه .
و إن دلَّ محرمٌ حلالاً على صيدٍ ، فقتله ، فلا جزاء على الدال ، و ليستغفر الله ، و كذلك إن ناوله سَوطاً . و ابن القاسمِ لا يرى على الدالِّ المحرم في الوجهين شيئاً .
قال أشهبُ : و إذا قطع رجل صيد ، و ذبحه الآخر ، فعليهما الجزاء جميعاً . محمدٌ : إن كان في فورٍ واحدٍ ، بخلاف الإنسانِ ، لأنَّ هذا لو لم يقتله الآخر ، للزم القاطع جزاؤه .
***(1/463)
[2/468]
و من جرح صيداً ، فعليه جزاؤه ، إلا أن يعلم أنه سلمَ فلا شيء عليه .
محمدٌ : و ذلك إذا برئ على غير نقصٍ ، و إن جرحه ، ثم قتله في فورٍ واحدٍ ، أو بعد ذلك ، قبل يبرأ من الأول ، فجزاءٌ واحدٌ ، وغن برئ من ألأول ، فعليه جزاؤه ، و عليه في الجرحِ الأول ما نقصه ، ما بين قيمته صحيحاً ، وجريحاً . و قاله ابن القاسمِ .
قال ابن حبيبٍ : و من رمى صيداً ، و هو محرمٌ ، فأصابه ، فتحاملَ حتى غاب عنه ، فإن أصابه بما يفوت بمثله ، فليَدِهِ ، و إن وَدَاه ، ثم وجده لم يعطب بعدُ ، ثم عطبَ ، فليده ثانية ، لأن الجزاء الأول ، كان قبل وجب لله . قاله ابن الماجشون .
في الصيد يموت بسبب المحرمِ مثل أن يفزع منه أو يقع فيما نصبه لسبعٍ ، أو يقتله كلبه ، و قد أرسله على غيره ، أو يذبحه ناسياً لإحرامه ، و من ادخل كلبه الحرم ، وكيف إن افلت على صيدٍ
من "كتاب" ابن الموزا : و إذا رأى الصيدُ محرماً ، ففزع فعطبَ لذلك ، قال أشهبُ : لا شيء على المحرمِ ، و قال ابن القاسمِ : عليه الجزاءُ .
وقول أشهب أحب إليَّ .
قال ابن حبيبٍ : قال أصبغُ : إلا أن يكون كانت من المحرم حركةٌ نَفَرَ لها .
و من "كتاب" ابن المواز : و لو أرسل كلبَه على سَبُعٍ في الحرمِ ،
***(1/464)
[2/469]
فأصاب صيداً . فقال أشهبُ : لا شيء عليه . وقول ابن القاسمِ ، إنه يديه أحب إلينا .
و لو نصبَ شرَكاً لسبعٍ ، فعطب فيه صيدٌ ، وداه ، عند ابن القاسمِ .
وقال أشهبُ : إن كان في موضعٍ يتخوَّفُ فيه على الصيدِ ، وداه ، و إلا فلا . و هذا أحب إلينا .
وقال في محرمٍ نزلَ بالسيالةِ ، فاشترى عشرة من الطيرِ ، فذبح منها ناسياً لإحرامه ، ثم ذكر ، ثم جاء بها – يعني ليردها على البائع – فما ذبح ، أو أمر بذبحه ، يلزمه ، و ما بقي رده ، و يلزم البائع ، شاء أو أبى . و يجزئُ كل كيرِ ذبحه ، يعدله طعاماً ، و لا يجزئه أن يجزئهم جميعاً بشاةٍ .
قال مالكٌ : و لا أحب أن يصحبَ المحرم كلباً ، و لا بازاً . قيل : فإن فعل؟ قال : ما أرى من أمرٍ بيِّنٍ إن لم يكن أفلتَ ، أو أُرسلَ على شيءٍ .
قال أشهبُ : إن أدخل حلالٌ بازًّا الحرم ، فليخرجه ، و لا شيء عليه ، وغن افلت على شيءٍ من حمام الحرمِ ، فإن صنعَ ، فعليه الجزاء ، و إلا فلا شيء عليه .
في من أحرم وبيده صيدٌ أو بيدِ من جعله عنده ، وكيف عن قتله غيرُه بيدهِ ، وفيمن أخرج صيداً من الحرم ، أو أدخله فيه من الحِلِّ ، أو قص جناجه ، و في المرحم يبتاع الصيدَ
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و إذا احرم ، فعليه أن يرسلَ
***(1/465)
[2/470]
كل صيدٍ معه ، و لا شيء عليه فيما في بيته ، وفيما ليس معه عند إحرامه .
قال أشهبُ : قال مالكٌ : و لا يسافر المحرم بالصيدِ ، فغن فعل ، فلا شيء عليه يريد و يرسله و من أرسله من يده ، فعليه قيمته . قال محمدٌ : وقول ابن القاسمِ أحب إلي : أنَّ لا شيء على من أرسله من يده ؛ لأن عليه هو أن يرسله ، و كذلك لو حلَّ ، فإن قيل : كيف يرسله في وقتٍ يحلُّ له صيده؟ قيل له : و كذلك يلزمه في الحلال ، يخرج الصيدَ من الحرمِ ، إنَّ له أن يحبسه ، لأنَّ له أن يصيده هناك ، و هذا لا يجوز . قالا جميعاً : و لو أرسله المحرم ، فأخذه رجلٌ، لم يكن له أن يطلبه منه ، إذا حلَّ . قالا : و ما خلَّف عند أهله ، فذبحوه ، فله ولهم أكلُه ، و لا جزاء عليه فيه .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال سحنونٌ : قال ابن القاسمِ ، فيمن صاد صيداً ، و هو حلالٌ ، أو محرمٌ فأدخل الحلال صيده الحرم ، أو احرم و هو معه ، ثم حلَّ أو خرج من الحرمِ ، أو حل الذي صاده ، و هو محرمٌ ، والصيد معهما ، فأكلاه فعليها جزاؤه ؛ لأنه وجبَ عليهما إرساله . قال : وخالفني أشهب ، فقال : لا شيء عليهما جميعاً .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال أشهبُ : و إذا أخذ محرمٌ صيداً ، فقتله في يدهِ حلالٌ في الحرمِ ، فعلى كل واحدٍ منهما جزاؤه ، و يغرم الحلالُ قيمته للمحرم ، كان القاتلُ حرًّا ، أو عبداً ، أو صبيًّا ، أو نصرانيًّا ، إلا انَّه لا جزاء على النصرانيِّ . قال : و إن كان في الحِلِّ غَرِمَ له قيمته ، و على المحرم وحده جزاؤه . قال محمدٌ : و إنما نرى على
***(1/466)
[2/471]
قاتله لصاحبه القيمة ، إلا أن تكون اليمة أكثر من الجزاء ، فلا يلزمه إلا الجزاءُ لحجة المحرمِ ، و عليه إني كنتُ اقدرُ ، على السامةِ ، بإطلاقه ، فعليك ما أدخلت على بقتله ، و إن كان في الحرمِ غَرِمَ جزاءً ثانياً .
وقال أشهبُ ، و ابن القاسمِ : و إذا صاد محرمٌ صيداً ، أو احرم ، و هو بيده ، فأرسله من يده حلالٌ ، فلا شيء عليه ، و لو نازعه فيه حتى قتلاه ، فالجزاء على المحرم بخاصَّةٍ فيه ، و لو كان الآخر محرما وداه . و إذا أودع رجلٌ رجلاً صيداً ، و هما حلالاً ، في سفرٍ ، ثم أحرم ربه ، فإن كانا رفيقين ، فليراه ، و إن لم يكونا في رحل واحدٍ ، فهو كالذي خلّفه في بيته ، و لو احرم الذي هو بيده وديعة ، فليرده على ربه ، إن حضر . قال ابن حبيبٍ : ثم يطلقه الذي هو له إن كان محرماً ، و إن كان حلالاً جاز له حبسه .
قال في "كتاب" ابن المواز : فإن غاب ، فلا يرسل متاعَ الناسِ ، و يضمنه إن فعل ، و لو كان يومَ استُودعَ محرماً ، كان عليه أن يطلقه ، و يضمن قيمته لربه .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال مالكٌ ، فيمن باع صيداً على أنه بالخيارِ ثلاثاً؟ ثم أحرم المتبايعانِ مكانهما ، فليوقف من له الخيارُ ، فإن لم يختر ، فهو منه و يسرحه ، و إن أمضى البيعَ ، فهو من المبتاع ، و يسرحه ، و لو سرحه المبتاع قبل إيقاف الآخر ، ضمن قيمته .
و من "كتاب" ابن المواز ، و من "الواضحة" قال : و إذا اشترى المحرم صيداً ، فعليه أن يرسله ، و إن حلَّ . و قال عطاءٌ : إا حل ، فله حبسه .
قال ابن حبيبٍ : و إذا لم يرسله المحرم وجهل ، فردَّه على بائعه ، فعليه جزاؤه . و في باب الصيد يكون بسبب المحرم ذكرٌ من شراء المحرم ، الصيدَ
***(1/467)
[2/472]
و إذا صاده يف الحل ، ثم أدخله الحرم . فإن كان إرساله بذلك المكان مصلحةً له ، أرسله ، و إلا فليرده إلى موضعِ أخذهِ منه . و ول كان إذا حبسه في ذلك لم يعش ، فليرسله ، وليده . و لا بأس أن تطرد طير مكةَ عن طعامك و رحلك . قاله عطاءٌ ، و مجاهد .
قال أشهبُ : و إذا أخذ محرمٌ صيداً بمكة ، فأخرجه على الحل ، فسرحه ، فإن كان صيداً ينجو بنفسه ، فلا شيء عليه سواءٌ خَلاَّه قريباً ، أو بعيداً ، و لو كان بالأندلس ، و لو كان صيداً مما لا ينجو بنفسه ، فعليه جزاؤه . و ذكر في "العُتْبِيَّة" ، يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسمِ ، مثلَه ، إذا صاده و هو محرمٌ ، فيرحه بعد أن حلَّ ، فليده ، إن خيف عليه الهلاك . ؟
قال : فإن ذبحه بعدَ أن حَلَّ رداه .
و من "كتاب" محمدٍ : و إذا أخرج عنزاً من الظباء نم الحرمِ ، فكانت عندَه حتى ولدت ، فعليه الكفارة فيها ، و في أولادها بشاةٍ شاةٍ ، وغن كفَّرَ ثم ولدت ، لم يحلَ له ولدُها ، كما لم تحلَّ له هي ، وليُخَلِّهَا ، و أولادها .
و إن أصابها رجلٌ بعدَ ما كفَّر ، فعليه كفارة ثانية ، وغن لم يكفر حتى قتلها ، رجلٌ لم يكن عليه فيها غير كفارة واحدةٍ . قال مالكٌ في المحرم إن ابتاع صيداً ، فقصَّه فليدفئه . ثم يدعه في موضعٍ ينسل فيه ، ثم عليه جزاؤه ، و كذلك لوم مات بيده . و إذا أصاب المحرم صيداً فنتفه ثم حبسه
***(1/468)
[2/473]
حتى نسل ، فكار فلا شيء عليه ، و إن حلَّ فليرسله ، و لا شيء عليه ، إلا أن يخاف عليهن فليده .
قال ابن حبيبٍ : إذا نتف المحرم صيداً ، فليحبسه ، حتى يعفوَ ريشه ، ثم يرسله ، و يطعم مسكيناً ، فإن غاب عنه بعد أن قصَّه ، أو نتفَ ريشَه ، ما يخاف عليه فيه العطبُ ، فليده .
و من "كتاب" ابن المواز : و من صاد في الحرم صيداً ، أو خلاه في الحِلِّ بموضعٍ له فيه معاشٌ ، وحفظَ مثل ماله في الحرمِ ، فلا شيء عليه ، و إن لم يكن كذلك بيقينٍ ، فعليه جزاؤه .
في الغصن في الحِلِّ و أصله في الحرمِ ، هل يُصادُ ما عليه؟ و في رمي صيداً من الحِلِ في الحرمِ ، أو من الحرمِ في الحِلِّ ، و في إرسال الكلب كذلك
من "كتاب" ابن المواز : و إذا كانت شجرةٌ أصلها في الحل ، وبعض غصونها في الحرمِ ، فلا يصاد ما على الغصن الذي في الحرمِ ، و لا باس أن يقطعن وغن كان أصلها في الحرمِ ، وغصنٌ في الحلِّ ، فلا بأس بصيدِ ما عليه ، و لا يقطع ذلك الغصن ، و رَوَى ابنُ عبد الحكمِ ، عن مالكٍ ، و قاله عبدُ الملكِ ، أن لا يصاد ما على الغصن الذي في الحِلِّ ، و أصله في الحرمِ ، و قال : و إذا كان الغصن في الحرمِ ، فقتل ما عليه ، فقد قتل في الحرمِ ، و إذا كان الغصنُ في الحل ، فقد قتل ما كان
***(1/469)
[2/474]
على ما أصله في الحرمِ ، و هو قريبٌ منه .
و قد قال أصحابنا ، فيما قتلَ من الصيدِ ، قريباً من الحرمِ : فيه الجزاءُ . و مثله عن مالكٍ في كتابٍ آخرَ .
وقال مالكٌ : و من كان في الحرمِ ، فرمى صيداً في الحِلِّ ، فلا يؤكل .
محمدٌ : و عليه جزاؤه .
قال ابن القاسمِ : و كذلك إن أرسل كلبَه من الحرمِ على الحلِّ ، فعليه جزاؤه ، و لا يؤكل . قال ابن القاسمِ : و كذلك إن رمى صيداً ، و هو والصيد في الحلِّ ، و قد مكرَّ سهمه في الحرم ، فليده ، و لا يأكله . و قال أشهبُ فيه ، و في الذي رماه في الحرم : لا جزاء عليه ، و يأكله .
وقال عبد الملكِ : إذا كان بعيداً من الحرمِ . قال أصبغُ : في المسالتين خطأٌ و لا يأكل منذ لك شيئاً . قال : و إن رمى صيداً في الحل فمات في الحرمِ ، فإن نفذتْ مقاتله في الحل أكل ، و إن لم تنفذ مقاتله في الحل ، و مات في الحرم ، فلا يؤك لولا جزاء فيه ، وغن هرب .
و من "الواضحة" ، قال ابن الماجشون ، و من أرسل كلبَه على صيدٍ في الحرمِ ، فطرده حتى قتله في الحِلِّ بعيداً من الحرمِ ، فليده ، و كذلك لو عطب من غير ذلك في الحل ، أو طرده من الحرم إلى الحلِّ ، ثم رده من الحل حتى رجع على الحرمِ ، فعطب فيه من غير ذلك ، فإنَّ عليه جزاءه ؛ لأنه حرَّكه من مكانه الذي كان فيه ، و لو كان رجع في الحرمِ إلى مكانه الأول ، فعطب فيه ، فلا جزاء عليه ، إلا أن يعطب مما ناله من اللبِ ، وبسببه .
وذهب ابن الماجشون إلى أنه يرسل كلبَه من الحرمِ على صيدٍ في الحلِّ بعيداً من الحرمِ ، و لا يسكن بسكونه ، و يرة أن يؤكل .
***(1/470)
[2/475]
قال : لأن الحرم لا يحرم الصائد ، إنما يحرم الصيدَ . قال : و رواية ابن القاسم أحوط ، أنه يَدِيه . و قد قال مالكٌ : ما قتل من الصيد قريباً من الحرمِ ، يسكن بسكونه ، فعليه جزاؤه .
في ذبح ما دجن في الحرمِ للمحرم ، و غيره ، و في بيضِ الطيرِ و فراخهِ ، وحمام مكة والحرم ، و في قطع شجر الحرم ، و غيره ، و ذكر حرم المدينة ، والصيد فيه
من "كتاب" ابن المواز : و كره مالكٌ للمحرم ذبح الحمام الداجن ، والحمار الوحشي ، إذا دجنَ ، أو أن يحج عليه راكباً ، قال ابن القاسمِ : فإن أصاب المحرم حماراً وحشيًّا بعد أن دجن ، وداه .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال عيسى ، عن ابن القاسم ، عن مالكٍ : و إن المحرم صيداً داجناً ، فعليه جزاؤه وقيمته لصاحبه ، فإن كَسَرَ رجله ، فإن برئَ ، فلا جزاء عليه ، و عليه ما نقصه الكسر .
قال ابن حبيبٍ : كره مالك للمحرم ذبح الحمامِ المتخذ في البيوتِ للفراخِ ، و لم ير فيه جزاءً إن فعل ، و كان عطاءٌ لا بذبحه بأساً .
قال : و كره مالكٌ ذبح الحمامِ الأحمرِ ، و قال : جنسه يمامٌ و له عرقٌ في الوحشيةِ .
***(1/471)
[2/476]
و من "كتاب" ابن المواز قال مالكٌ : و لا يذبح فراخ برجٍ له ، و لا باس بما ذبح أهله منه ، و لا يأكل هو ما ذبحوا له منه . قال أشهبُ : و لا بأس أن يأكل ما ذبحوا منه لأنفسهم ، و هو محرم . قال أصبغُ : و ما ذبح هو من حمام بيته ، و هو أيسر ، فليَدِهِ .
وقال عبد الملكِ : و لا خير في بيض الحمام كله للمحرم .
وقال في "العُتْبِيَّة" : فأما بيض الدجاجِ و الأوزِّ ، فجائزٌ له أكله .
وقال ابن نافعٍ : لا آخذ بقولِ مالكٍ في بيض النعامِ ، و آخذ فيه بما ذكر عطاءُ بن يسارٍ ، هن النبي صلى الله عليه و سلم : "في كلِّ بَيْضَةٍ صيامُ يومٍ" .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ ، في مكيٍّ احرم ، و في بيته فراخ حمامٍ من حمام مكة ، فأغلق عليهم باباً : فنفق فليُهدِ من كل فرخٍ شاةً ، و إذا دخل مكةَ حمامٌ إنسيٌّ أو وحشيٌّ ، فللحلالِ أن يذبحه ، فإن ذبحه بها محرم ، فعليه قيمته طعاماً ، و ليس عليه شاةٌ في هذا ، إذا لم يكن من حمام الحرم . وحمام الحرم كحمام مكةَ عندَ مالكٍ ، و لم يره ابنُ القاسمِ مثلَه . و قال : فيه حكومةٌ . و قال أصبغُ : و بقول مالكٍ أقولُ .
وقَمَاريُّ مكةَ كحمامها . قال أصبغُ : و كذلك يمامها ، وقماريُّ الحرمِ و يمامه . و قال عبدُ الملكِ : في ذلك حكومة ، إلا حمامَ الحرمِ ، ففيه شاةٌ ، فإن لم يجد صام عشرة أيامٍ . قاله مالكٌ : و ليس في ذلك صدقةٌ ، و لا تخيير .
***(1/472)
[2/477]
قال مالكٌ ، في بيضِ النعام يكسرها المحرم ، أو تكسر في الحرم : ففي كل بيضةٍ عشر ثمن أمها ، كان فيها فرخٌ ، أو لم يكن ، أو كان ميتاً ، أو حيًّا غير مستهلٍّ ، و إن استهلَّ ، ففيه الجزاءُ كاملاً ، محمدٌ : بحكومة عدلين . قال أشهبُ : فيه ما في أمه ، إذا خرج حيًّا . و لم يذكر : استهلَّ .
قال مالكٌ : في "المحتصر" : و في بيض النعام عشر ثمن البدنةِ .
و كذلك قال مالك ، في بعض "الموطآت" عشر ثمن النعامةِ . قال ابن حبيبٍ : و كذلك في بيض حمام مكة ، عشر ثمن الشاةِ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : في صغيرِ كل صيدٍ مثلُ ما في كبيره .
قال محمدٌ : و إن شكَّ في حياته ، فأحب غلينا أن يديه ، ولعله إنما مات بكسره ، ما لم يوقن أنه كان ميتاً قبل ذلك ، بالرائحة و غيرها . و قاله كله ابن القاسمِ ، رواه لي عنه أبو زيدٍ : و كذلك في بيضِ حمامِ مكة إن كان فرخها حيًّا ، فشاةٌ ، و إلا فعشر ثمن شاةٍ .
قال مالكٌ : و لا يقطع شجرُ الحرمِ ، و لا يكسرْ ، و من فعل لم يحكم عليه بشيءٍ ، وبئس ما صنع ، و لم يبلغنا أحداً حكم فيه بشيءٍ ، و لم يثبت عندنا ما قال أهل مكةَ : في الدَّوْحَةِ بقرةٌ ، و في كل غصنٍ شاةٌ ، و لا يقطع إلا السَّنَى و الإذْخِرِ ، و له أن يرعى ، و لا يحتشَّ ، و له أن يحتشَّ في غير الحرمِ عند الحاجةِ ، وليتقِ قتلَ الدوابِّ .
قال ابن حبيبٍ : قال عطاءٌ : من قطع شجرةً من الحرمِ ، فعليه دمٌ .
و لم يره مالكٌ ، و قال : ما بلغني أن أحداً حكم فيه بشيءٍ .
***(1/473)
[2/478]
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و لا بأس أني قطع في غير الحرمِ من الشجر مثلَ العصاة و العصاتي و القضيبِ لحاجته . قال مالكٌ : و له أن يخبطَ في غير الحرمِ لبعيره .
قال مالكٌ : و لا بأس أن يتفلَّى الحلال في الحرم . و كره قتلَ الجراد في حرم المدينةِ . و لا يقطع شجر الحرم ، و لا غرم عليه إن فعل فيه ، و لا في حرم المدينة – يريدُ و قد اخطأ - .
و منه ، و من "العُتْبِيَّة" ، قال مالكٌ : و لا نعلم فيما صيدَ في حرمِ المدينةِ جزاءً ، وكل شيءٍ وسنته . و من مضَى اعلم ممن بقيَ ، و لو كان هذا لسنُّوا فيه و قد قُتلَ الصيد في أيامهم ، و نزل ذلك وتكرَّر ، وزاد في "كتاب" محمدٍ : قيل : أفيؤكل ما صيدَ بها ، وذبح . قال : ما هو مثل ما صيدَ بحرمِ مكةَ ، و إني لأكرهه ، فروجعَ ، فقال : لا أدري .
قال في "العُتْبِيَّة" ، عيسى ، عن ابن القاسمِ : و أخذ مالكٌ بالحديثِ في تحريمِ ما بين المدينة ، و لم يرَ فيه جزاءً ، و نراه ذنباً من الذنوب .
ذكر جزاء الصيد ، و ذكر الحَكمين فيه ، و أين يخرج الجزاءُ؟
و من "العُتْبِيَّة" ، قال أشهبُ ، عن مالكٍ : في الحمار الوحشيِّ
***(1/474)
[2/479]
بقرة ، و لا يؤديها ، إلا بحكم ذوي عدلٍ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و يحكم في كل شيءٍ من الصيد يصيبه المحرم –صغيره أو كبيره ، الجراد فما فوقه – حكمان ، فإن كفَر قبلَ الحكمين ، أعاد بهما .
قال عنه أشهب ، في "الكتابين" : و لا يكتفي في الجراد و لا غيره ، أو النعامة أو البقرة ، فما دونها بالذي جاء في ذلك ، حتى يأتنف الحكمَ فيه ، و لا يخرجا عما مضى ، قيل لمالكٍ : فإن أصاب صيداً ، فأفتاه مفتٍ بما جاء في ذلك؟ قال : لا يجتزئ بذلك ، إلا بحكمين ، و قال أيضا في المفتي : لا ، حتى يكون معه غيرهم و لو كان في جراجة و هذا في كلِّ صيدٍ إلا في حمام مكة ، ففي ذلك شاةٌ يحتاج فيه على حكمين ، لأنه لم يؤخذ من باب الاجتهاد في المماثلةِ لكنه أمرٌ خارجٌ عن ذلك مخصوصٌ . قال محمدٌ : و أحب إلينا أن يكون الحكمان في مجلسٍ واحدٍ ، من أن يكون واحداً بعد واحدٍ .
قا محمدٌ : و ليس فيما دون الظبي من جميع الأشياء إلا الطعام ، أو الصيام ، إلا في حمام مكة أو الحرم . وتوقف ابن القاسم في حمام الحرم .
و في الضبِّ اختلافٌ ، روى ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : فيه شاةٌ ، و رَوَى عنه ابن القاسم : عليه قيمته طعاماً أو صياماً ، و كذلك الثعلب و لا يجزئه إن ذبح عناقاً ، فأشبع منها عددَ ما يجزئه من الحنطةِ و اللحم ، لا يجزئ في كفارة يمينٍ و لا في كفارة فطرٍ ، و لا غيره ، ولي يقوم
***(1/475)
[2/480]
الجزاء بالطعام ، و لكن الصيد نفسه قيمته بالحنطة بموضع أصابه ، أو بما قرب الموضع إليه من المُدين ، إذا لم يكن بموضعه من يقومه .
و كذلك يفرقه على مساكين أقرب المواضع إليه ، عن لم يكن بموضع إصابة أنيسٍ .
و إن قوَّمه بدراهم ، و أخرج قيمةَ الدراهم طعاماً ، أجزأه ، وقيمته بالطعام أحب إلينا . و إن أصابه بالمدينةِ ، فأطعم بمصرَ ، لم يجزئه ، إلا أن يتفق سعراهما ، و إن أصابه بمصرَ و هو محرمٌ ، فأطعن بالمدينةِ أجزأه ؛ لأنَ السعرَ بالمدينةِ أعلى . قال اصبغُ : إذا أخرج على سعرهَ بموضعه ذلك ، أجزأه ، إن شاء الله حيث ما كان .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال يحيى ، عن ابن وهبٍ : و إذا كان الطعامُ ببلدهِ أغلى من موضع قُتِلَ فيه الصيدُ ، واُحكم عليه فيه ، أو كان ببلده أرخص ، فإنما يخرج قيمةَ الطعامِ الذي حُكمَ به عليه عيناً ، حيث أصاب الصيدَ ، فيشتري بمثل تلك القيمة طعاماً ، حيث أحب أن يخرجه ، فيتصدق به إلا بذلك البلدِ ، أو رخص .
قال : والسنة أن الحكمين يخيران الذي أصاب الصيد أن يحكما عليه إن شاء بهديٍ ، أو بكفارةٍ طعامِ مساكينَ ، أو عدلِ ذلك صياماً ، ما لم يبلغ أن يحكم فيه بهديٍ ، فليحكما فيه بطعامٍ ، ثم هو مخير أن يطعم ذلك ، أو يصوم عن كل مُدٍّ يوماً ، و كذلك إن أحب أن يحكما عليه بطعامٍ – يريد فيما يبلغ الهدي – فله أن يصوم بمبلغ الأمداد أياماً .
وقال ابن حبيبٍ : و لا يطعم الطعام إلا بموضع أصاب الصيد فيه ، أو ما
***(1/476)
[2/481]
قاربه ، حيث يجد المساكين ، فإن جهلَ ، فأخَّره إلى يلده ، فإن كان السعر ببلده ارخص ، اشترى بثمن الطعام ، حيث قتل الصيد طعاما ببلده ، فأخرجه بها ، و إن كان ببلده أغلى ، فليخرج المكيلة التي حُكمَ بها عليه حتى يخرج مثلَها ببلده .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و إذا أصاب صغيراً قُوِّمَ بالطعام ، ثم يُسَوَّى الكبير منه ، وكما يُهدي عن صغيره مثلَ ما يُهدِ يعن كبيره .
في الوصية بالحج ، و في من حج عن غيره
من كتاب ابن المواز ، قال ابن وهبٍ : قال مالكٌ : لأن يؤخر الرجل نفسَه ، في سوق الإبلِ وحمل اللبنِ ، أحب إليَّ من أن يعملَ عملاَ لله عزَّ وجلَّ عن غيره بإجارةٍ ، وحسنٌ أن يتصدق عن الميت ، و يُهدي عنه ، و يعتق و يقضي دَينه . و هذه دارُ الهجرةِ لم يبلغنا أن أحداً بها منذُ زمان النبي صلى الله عليه و سلم حجَّ عن احدٍ ، و لا أمر بذلك ، و لا أذن فيه . قيل : فإن أوصى به أحدٌ؟ قال : فافعل ما أمرك به .
قال مالكٌ : لا يحجُّ أحدٌ عن أحدٍ ، و لا يعتمر عنه ، لا عن حيٍّ ، و لا عن ميت ، إلا أن يوصيَ فينفذَ ذلك ، و لا يصوم أحدٌ عن احدٍ ، و لا يصليِّ عنه . قيل له : فمن أوصاني أن أحج عنه؟ قال : فافعل ما أمرك به . قيلَ : أفاحجُّ عنه أو أتصدَّقُ . قال قد وعدته أن تحج عنه ، فافعل ما أمرك .
قال محمدٌ : لعل هذا على الوصية لبعد الموت .
وقال مالكٌ ، في شيخٍ كبيرٍ زَمَنٍ ، قد أيسَ أن يبلغ مكةَ ، و هو ضرورةٌ :
***(1/477)
[2/482]
فلا يجعل من يحجُّ عنه ، و لا أحبُّ لابنه المليِّ أن يحجَّ عنه ، ولن يحجه إن قدر ، و إن مات و لم يوصِ بذلك ، فلا يحج عنه ، وليهدِ عنه من أحبَّ من ورثته ، أو يعتق ، أو يتصدَّقْ ، فإن أوصَى بالحجِّ ، فلتُنفَّذْ وصيته .
قال أشهبُ ، في الكبير ، و قد يئس من الحج : فلا يحجَّ عنه أحد تطوعاً و لا بإجارةٍ ، فإن فعل ، فذلك يُجزئه .
ابنُ القاسمِ : قال مالكٌ : في رجلٍ أوصَى أن يمشيَ عنه في يمينٍ حَنِثَ فيها بالمشي ، أنه لا يمشي عنه ، وليهِدِ عنه هديين فإن لم يجد ، فهَدْيٌ واحدٌ يجزئُ عنه ، و لا يمشِ أحدٌ عن أحدٍ .
و من "الواضحة" ، قال مالكٌ : و لا ينبغي أن يحج أحدٌ عن حيٍّ و لا ميت ، و لا والدٍ و لا غيره ، إلا أن يوصيَ ، فينفذَ . و قاله النخعيُّ . قال مالكٌ : وال أدري هل يجزئه عندَ ربِّه؟ و لو سألني قبلَ يموتَ لأمرته أن يجعل ذلك في الهدي .
قال ابن حبيبٍ : و قد جاءت الرُّخصةُ في ذلك في الحجِّ عن الكبير الذي لا ينهض فيه و لم يحجَّ ، أو عمن مات و لم يحج أنَّ ذلك جائزٌ لابنه أن يحج عنه ، و إن لم يُوصِ ، و يجزئه إن شاء الله و الله واسعٌ بعباده و أحق بالتجاوز .
و من "كتاب" ابن المواز ، و قال عن مالكٍ ، في امرأةٍ أوصت أن يحج عنها : إن حمل ذلك ثلثها ، فإن لم يحمل أُعتقَ به رقبةٌ ، فحمل ثلثها الحج ،
***(1/478)
[2/483]
قال : أرى أن يعتق عنها ، و لا يحج . قيل له : أفكل من أوصى أن يحج عنه ، أينفَّذُ ذلك ، من ثلثهِ ؟ قال : نعم . و لا يحج عنه ضرورةً ، فإن فعل أجزأه .
قال أشهبُ : لا بأس أن يستأجر له ضرورةً ، ممن لا يجد السبيلَ على الحج ، فأما من يجد السبيل إليه ، فلا ينبغي أن يعان على ذلك ، فإن أحجوا عنه ، أساءوا ، و يجزئه .
وقال ابن القاسم : إذا جهلوا فوجدوا ضرورةً . ممن لا يجد السبيلَ ، أجزأه .
قال أبو زيدٍ ، عن ابن القاسم : فإن حجَّ عنه هذا لضرورةٍ ، فنوى بالحجة عن نفسهِ وعن الميتِ ، أجزأه عن نفسه ، و أعاد عن الميت . و رَوَى عنه اصبغُ : لا يجزئه لواحدٍ منهما . و قاله أصبغُ . وليرجع ثانيةً عن الميتِ . و به اخذ محمدٌ .
مالكٌ : و إن أحجُّوا امرأةً ، أجزأه ، و كذلك رجلٌ عن امرأةٍ .
محمدٌ : فأما العبدُ و مَن فيه بقيَّةُ رِقٍّ ، فلا يجزئ عن الضرورةِ ، و يضمن الدافعُ إليه ، إلا أن يكون لا يعلم ، و يظن به الحرية .
ابنُ القاسم : و إن أوصَى و هو ضرورةٌ أن يحج عنه أو صبي ، دُفعَ ذلك لغيرها مكانه ، و لا ينتظر به عتق العبدِ ، و كِبَرُ الصبي .
قال أشهبُ : و أما التطوعِ يُوصِي أن يحج عنه عبدٌ ، أو مكاتبٌ ، أو صبيٌّ ، فلينفَّذْ ذلك له ، إذا لم يكن على الصبي مضرَّةٌ ، و إن لم يأذن له وصيه ، أو سيدُ العبدِ ، تربَّصً بذلك حتى يونس من عتق العبدِ ، وبلوغ الصبي ، فإن عتق العبدُ ، وبلغ الصبيُّ ، فأبيا ، رجع ميراثاً .
قال : و من أوصى أن يحج عنه ، فأنفذ ذلك ، ثم استحقت رقبةٌ ، فإن كان معروفاً بالحريةِ ، فلا ضمان على الوصي ، و لا على الجير ، و ما لم يفت من ذلك رَدٌّ .
***(1/479)
[2/484]
قال ابن القاسمِ : و إن أوصى أن يحج عنه بعض ورثته بثلثه ، فلا يُعطَى إلا قدر النفقةِ ، والكِراء ، و لو كان أجنبيًّا كان ثلثه كله ، و كان له ما فضل ، و إن لم يُسَمِّ بعينه ، فلينفذ ثلثه كله في حج ، و يوسع على أهلها بقدر الثلث .
وقاله أصبغُ ، قال ابن القاسمِ : و من أوصَى أن يحج عنه بهذه الأربعين ديناراً ، فأحجُّوا بها رجلاً على البلاغِ . قال : فما فضل منها/ فهو ميراثٌ . و قاله لي مالك . وكمَن قال : أعتقوا بها عبدَ فلانٍ ، فبيعَ بثلاثين . قال محمدٌ : إذا سمَّى ما يعطى ، فذلك كله للموصَى له ، إلا أن يرضى بدونه ، بعدَ علمهِ بالوصيةِ ، هذا إذا قال : يحج بهذه الربعين عني فلانٌ . أو قال : رجلٌ . فأما إن قال : حجوا عني بها ، أو يحج عني بها ، فأنفذ كلها في حجةٍ ، أو حجتين ، أو ثلاثةٍ ، أو أكثر ، و لو جعلت في حجة واحدةٍ ، فهو أحسنُ ، و كذلك عن قال : أعتقوا عني بهذه المائة ، و لم يقل : عبداً . و لا سمَّى عدداً ، فليعتق عنه بها كلها ، و إن أوصَى أن يحج عهنه فلانٌ بهذه الأربعين ، فأعطيَ ثلاثين ، فرضيَ . قال مالكٌ : فالبقية ميراثٌ ، و كذلك في عتق عبد فلانٍ . قال محمدٌ : و هذا إذا علم الموصَى له بالحجِّ ، وسيد العبد بالوصيةِ ، و مبلغها بأقل منها ، وغلا فالوصية له نافذة ، و لو قال : يحج بها فلانٌ ، و لم يقل : عني . فله الأربعون كلها ، إلا أن يترك منها شيئاً عد علمه بما أوصى له به .
وقال أشهبُ في من أوصى أن يحج عنه بثلثه ، و لم يقل : حجة واحدة . والثلث كثيرٌ ، و هو ضرورة ، فليدفع الثلث كله في حجة واحدة ، و إن كان غيرَ رورة ، فأستحسنُ أن يدفعَ لثلثُ كله في حجةٍ أيضاً ، و إن حجَّ بها عنه حججاً ، لم أرَ بذلك بأساً . و الأول أحب إلي .
***(1/480)
[2/485]
و رَوَى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم ، في "العُتْبِيَّة" ، قال : يُعطَى الثلث ، إن كان كثيراً ، في حججٍ لرجالٍ يحجون عنه به حججاً .
قال أشهبُ ، في "كتاب" ابن المواز ، في الوصايا : و من أوصى أن يُحجَّ عنه بمائة درهمٍ ، فاستؤجرَ من حجَّ عنه بخمسين ، فإن كان أوصَى لرجلٍ عينه ، أخذ الخمسين الباقية ، و إن لم يكن بعينه ، فليحجَّ عنه بالخمسين الأخرى ، و لا يضمن من أحجه عنه ، ولأنه بحجةٍ واحدة أاوصَى ، و لو كان يضمن لردّ الخمسين على ذالي حجَّ .
محمدٌ : يريد ، لأن عليه نقداً و لا يُشبه النسمة ، لأن النسمة تقلُّ ثمنها ، و يكثر ، والحجُّ هو حجٌّ واحدٌ . و لو أوصَى بعتقِ نسمةٍ بمائةٍ ، فأعتقَ عنه بعشرةٍ ضمنوا . قال محمدٌ : قول أشهب صوابٌ ، إذا قال : حُجُّوا عنِّي حجة . أو عرف أنه مراده ، و أما لو قال : يُحجُّ عنِّي بهذه المائة ، فليحج عنه بها كلها ، و إن حججا . و كذلك النسمة ، ما لم يقل أيضاً : نسمةً .
أو رقبةً .
و من "كتاب" ابن المواز : و مَن أعطَى مالا ليغزوا به ، ففضل منه فضلةٌ ، دفعَ الفضلة ، لمن يغزوا بها أيضاً ، أو ردها ، و لينفذها أحب إلينا .
ابن القاسم : و من دفع إلى رجلٍ عيناً ، أو عَرَضاً ، أو جاريةً ، على أن يكون عليه حجة عن فلانٍ ، فمات الذي عليه الحجة ، فذلك في ماله حجة لازمة ، تبلغ ما بلغت ، لا يلزمه غير ذلك ، بمنزلة سلعةٍ من السلعِ ، و قاله اصبغُ .
***(1/481)
[2/486]
قال : و من أخذ حجة على البلاغِ ، فله أن ينفق ما لا بدَّ له منه مما يصلحه ، من الكعك ، والزيت ، والخل ، و اللحم ، مرة بعد مرةٍ ، وشبه ذلك ، والوطاء ، و اللحاف ، والثيابِ ، فإذا رجع ، ردَّ ما فضل من ذلك كله ، وردَّ الثيابَ ، وغنا لنكره ذلك . و هذه و الإجارة في الكراهةِ سواءٌ . و أحب إلينا أن يؤخر بشيءٍ مسمًّى ، لأنه إذا مات قبلَ أن يبلغَ ، كان ضامناً لذلك . –يريد : محمدٌ : ضامناً للمالِ ، و يُحاسب بما شار ، و يؤخذ من تركته ما بقي و كان هذا أحوط من البلاغ ، و ليس عليه أن يؤجر من ماله غيرَه ، لأنه شرط عليه أن يحج بنفسه ، فانفسخ ذلك بموته ، إلا أن تكون الحجة إنما جُعلت في ذمته .
قال ابن القاسم : و إذا سقطت له النفقة أو سرقت ، و قد أخذ المالَ على البلاغِ ، فليس على الورثة شيءٌ ، و إن كان في الثلث فضلٌ . قال أشهب : عليهم أن يحجوه هو أو غيره ، من بقية ثلثهِ ، مثل الرقبة يوصَى بشرائها للعتقِ ، فيشتريها ، فتهلك قبل العتق ، فليعتق من بقية الثلث أخرى ، لأنه لم يسم في ذلك شيئاً ، و لو سمَّى لم يكن عليهم غيرُه .
قال ابن حبيبٍ : إذا سقطت نفقة الذي اخذ المالَ على البلاغ قبلَ أن يحرم ، فليرجع من موضع سقطت ، و لا نفقة له في رجوعه ، و أما لو كان احرم لتمادى ، و له النفقة في مال الميت ، ذاهباً وراجعاً ، فإن لم يكن له مال ، فعلى من دفع المال إلى هذا ليحج به .
***(1/482)
[2/487]
و من "كتاب" محمدٍ ، قال أشهبُ : و يُحج عن الميت من موضع أوصى ، كالحالف يحنثن إن لم تكن له نيَّةٌ ، فليمشِ من موضع يحلف ، فإن أحجوا عنه من أمام ذلك إلى مكة ، ضمنوا ، وليحجوا عنه من موضع مات .
و من استؤجر ليحج عن ميتٍ ، ثم بدا له لما بلغه في ذلك من الكراهة ، قال ابن القاسمِ : الإجارة تلزمه .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ : وكتاب سليمانَ بن عمران ، على سحنونٍ ، في من استؤجر لميتٍ على أن يحجَّ عنه ، فاشترى منها دابةً ، ثم بدا له ، فاستقال الوصي ، فأقاله ، و أخذ منه بقية المالِ ، إلا الدابة فإنها ضاعت من يديه ، فدفع الوصيُّ بقية الدنانير لغيره يحجُّ بها ثم وُجدتِ الدابةُ ، و قد كان عليها المستقيلُ ، فكتب إليه : إن أخذ المال على الإجارةِ ، فاستقال ، فهو ضامنٌ للدابةِ ، و يؤدي ثمنها الذي اشتراها به ، و يحج عن الميت بالمال كله . و إن كان الوصي قد دافع أقل مما أوصَى الميت أن يحج عنه ، فهو ضامنٌ للمالِ ، يحج به ثانيةً – يريد : يضم غليه ثمن الدابة - .
قال : فإن أخذه على البلاغ ، فالدابة ترجع إلى الورثة ، و قد مضَى الحجُّ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ ، في من أوصَى أن يمضيَ عنه في يمينٍ حَنِثَ بها : فليُهدَ عنه هَديان ، و إن لم يجد ، فهَدْيٌ واحدٌ ، و لا يمشي أح
ٌ عن احدٍ ، و إن أوصَى بذلك ولدَه ، فوعده الابنُ أن يمشيَ عنه ، فليتم له ما وعده ، وذكرها أيضا العتبيُّ في سماع ابن القاسمِ ،
***(1/483)
[2/488]
و قال في التي قبلها : فإذا لم يوصِ بشيءٍ ، فأحب إلينا أن يهدي عنه هديان . و كذلك إن أوصَى أن يمشى عنه ، فليهدَ عنه هديان ، أحب إليَّ ، لا يمشي أحدٌ عن أحدٍ ، فإن لم يجد ، فهَديٌ واحدٌ . قال سحنونٌ : لا يلزمهم الهديُ إلا أن يوصيَ به .
قال سحنونٌ : قال ابن القاسمِ ، في من عليه نذرٌ أن يمشي حافياً ، و أوصَى أن يسأل عن يمينه ، فيُنَفَّذَ عنه ما يلزمهم . قال : يُنظرُ إلى كفافِ النفقةِ ، والكِراء إلى مكةَ ، فيهدَى عنه هديٌ .
قال ابن القاسمِ : و من أوصَى أن يحج عنه بمالٍ ، و لم يوجد من يحجُّ عنه به من مكانه لقلته ، فليدفع من موضع يوجد . و لو سمَّى الميتُ ، فقال : من الأندلسِ ، أو من بلد كذا ، فلم يوجد من يحجُّ بها عنه ، رجعت ميراثاً . و كذلك روَى عيسى عن ابن القاسمِ ، في "العُتْبِيَّة" ، أنَّه فرَّق بينه و بين إذا سمَّى ، و إذا لم يُسَمِّ . قال محمدٌ : و قال أشهبُ : بل يتقدَّمُ بها إلى بلدٍ يُوجدُ من يحُجُّ عنه بها منه . يلزم ذلك الورثة . قال محمدٌ : عن كان ضرورةً ، فقول أشهب أحسنُ ، و إن لم يكن ضرورةً ، فهو ميراثٌ ، إذا عرفت عزيمةُ الميتِ أنَّه أرادَ من موضعٍ مسمًّى . قال اصبغُ : ذلك سواءٌ سمَّى الميتُ بلداً ، أو لم يُسَمِّ ، وليتقدَّمْ بها من موضع يبلغ ، إلا أن يستثنِيَ الميتُ ألا يُحجَّ إلا من البلدِ الذي ذكر ، أو لم يُعلم ذلك من مذهبه .
قال مالكٌ : و إذا اشترطوا عليه إلا يُقَدِّمَ قبلَ الحجةِ عمرةً ، فقدَم عمرةً ، وتمتَّعَ ، فذلك يُجزئُ عنه ، و لا حجة عليه . و قال ابن القاسمِ : عليه أن
***(1/484)
[2/489]
يوفِّيَهم ما شرطوا ، أو يردَّ عليهم ما قبض منهم . ثم رجع إلى قولِ مالكٍ : إنَّه مُجزئٌ عنه . قال اصبغُ : و فيه مَغْمَزٌ ، و يُجزئُ غنْ شاء الله تعالى .
و إن شرطوا أن يحرم من الميقات ، فاحرم من غيره ، فعليه أن يبدل لهم الحجة بتعدِّيه . و قاله أصبغُ .
وقال في "الأسدية" : عن اعتمرَ عن نفسهِ ، وحجَّ عن الميت من مكةَ ، أجزأه ، إلا أن يُشترطَ عليه من أُفقٍ من الأفاقِ ، أو من المواقيتِ ، فليرجع ثانيةً . قال محمدٌ : و كذلك ، إذا أحرم عنه من مكة ، فأما من ميقات الميتِ ، فذلك يُجزئه .
قال ابن القاسمِ ، في "العُتْبِيَّة" : سواءٌ شرطوا عليه من ذي الحُليفةِ ، أو لم يشترطوا إلا منِ استؤجرَ على الحجِ عن ميتٍ ، فعليه أن يُحرمَ من ميقات الميت .
محمدٌ : قال ابنُ القاسمِ : و إن قرنَ فبدأ العمرةَ عن نفسه ، والحجُّ عن الميتِ ، فليردَّ المالَ . ثم رجع فقال : يضمن الحجَّ ثانيةً .
وقال ابن حبيبٍ : إذا أخذ المالَ على البلاغ ، فقرنَ ، أو تمتَّعَ ، فقد أساء ، و لا يضمنُ ، و عليه في ماله هديٌ ، و لو اعتمر عن نفسهِ ، ثم حجَّ عن الميتِ ، أو قرنَ ، فنَوَى العمرة عن نفسهِ فقط لضمن المال في الوجهين .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال ابن القاسمِ : و منِ استؤجرَ ليحجَّ عن ميتٍ ، فوطِئَ في الحج ، فليردَّ النفقة ، و يثتمَّ ما هو فيه من ماله ، و يحجَّ ثانيةً ؛ للفساد من مالِه ، و يُهدِ ، ثم يَحُجَّ عن الميت بتلك النفقةِن إن شاء الورثةُ ، وغن شاءوا أجروا غيرَه . و قاله أشهبُ .
***(1/485)
[2/490]
و رَوَى عيسى ، عن ابن القاسم ، في "العُتْبِيَّة" : في من أوصَى أبوه أن يمشَى عنه لنذرٍ عليه ، فمشَى ينوي به نذر أبيه ، وحجة الإسلام عن نفسه . قال : قال مالكٌ : يُجزئه لفريضته ، و لا شيء عليه لأبيه .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و من أوصَى لرجلٍ بعشرين ديناراً ، أو بعشرين في حجةٍ ، فإن كان ضرورةً ، بدأتَ الحجة ، وغن كان تطوُّعاً تحاصَّا ، و كذلك إن أوصَى أن يحج بها لرجلٍ أحجه بها ، فليتحاصا فإن لم يُردِ الأجنبيُّ الحجُّ ، ردَّ ما نابه .
قال : و ما دُفعَ للحجةِ عن الموصِي فلم يبلغ ، فليحج به عنه من حيث بلغ ، فإن لم يكن إلا مثل الدينار وشبهه ، رُدَّ إلى الورثةِ . قيل : فالأجنبيُّ . قال : إن أحبَّ الحج أعطيه يقوى به ، و إن لم يُردِ الحج ردَّها على الورثةِ .
و من "العُتْبِيَّة" ، من سماع أبي زيدٍ ، قال ابن القاسمِ ، في
***(1/486)
[2/491]
الذي يحج عن رجلٍ بأجرٍ ، فيفسد حجه بإصابةِ أهله ، قال : عليه القضاءُ بحجةٍ صحيحةٍ من ماله ، استؤجر عليها مقاطعةً ، أو دفعَ إليه على البلاغِ ، فذلك واحدٌ ، و إن كان إنما أصابه أمرٌ من الله ليس من فعله ، مثل أن يمرض ، أو ينكسر ، فإنه : يقضي ذلك الحج عن الميت ، هو أحب إليَّ ، و إن كان استؤجر مقاطعةً ، فعليه القضاء أيضاً على كل حالٍ ، و كذلك الذي يُحصَرُ حتى يفوته الحج ، و ما أشبه ذلك ، والذي يَخفَى عليه الهلالُ حتى يفوته الحج .
وقال في "كتاب" ابن المواز : قلتُ – يعني لابن القاسم - : فإن أُحصر عن البيتِ بعدوٍّ؟ و قال : إن أخذ المالَ على البلاغِ ، فله نفقته ، حتى يُحِلَّ بموضعه ، أو حتى يرجعَ ، و يردَّ ما فضل ، و إن كان أجيراً ، حُوسبَ ، فكان له من الأجر بقدر مسيره ، وردَّ ما بقيَ ، و هو رأيي .
وقال مالكٌ في أجيرِ الحجَّ ، يموتُ قبل أن يبلغ ، فقال : يُحاسب ، فيكون له بقدر ما سار ، و يردُّ ما بقي . قلت : فأحصر بمرضٍ؟ قال : إذا أخذ المال على البالغ ، فله نفقته في مال الميتِ ، ما أقام مريضاً ، و إن أقام إلى حجٍّ قابلٍ . و يجوز ذلك عن الميت ، و ذلك إذا لم يقدر على الذهاب ، إلى البيت ، و إن قدر على أن يذهب إليها ، فليذهب حتى يُحلَّ بعمرةٍ ، و لا بد له من ذلك ، و له نفقته ، و كذلك إن أُغميَ عليه ، حتى فاته الحجَّ .
قلت : فإن كلن اخذ ذلك على الإجارة؟ قال محمدٌ : فذلك لازمٌ له أبداً .
***(1/487)
[2/492]
في من أوجب على نفسه المشي على مكةَ في يمينٍ ، أو غير يمينٍ
من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و من قال : عليَّ المشيُ على بيتِ اللهِ . أو قال : أنا أمشي إلى بيت الله . فذلك يلزمه . قال : نذراً . أو لم يقل : نذراً . فهو نذرٌ . و كذلك قوله : عليَّ عتق رقبةٍ ، أو صدقةٌ دينارٌ .
أو قال : أنا اعتق رقبةً ، أو أتصدَقُ بدينارٍ . فذلك يلزمه .
و من حلف بالمشي إلى مكةَ بمصرَ ، وحنث بالمدينةِ ، فليرجع إلى مصرَ حتى يمشي منها ، إلا أن يكون نوى موضعاً يمشي منه ، فله نيته ، و إن لم يحرك به لسانه . وغن حلف بالمشي إلى مكة ، و هو بمكة ، فحنث ، فليلزم حتى يمشي من الحِلِّ مُحرماً . فإن جهل فاحرم من مكةَ ، فليخرج راكباً ، ثم يحرم من الحلِّ ماشياً .
قال عبد الملكِ : و إاذ حلف ، و هو في مسجدِ بلدٍ ، أو موضعٍ منه فحنثَ ، فليمشِ من تلك المدينة ، من حيث شاء منها أجزأه .
قال : و إن حنث بغير البلدِ الذي حلف فيه ، و هو ممن لا يقدر على المشي ، فليرجع على تلك البلدِ ، ثم يمشِ منه ما قدر ، و يُهدِ . قال اصبغُ : إن كان قريباً ، ليس عليه فيه كبيرُ مضرَّةٍ رجع ، و إلا مشى من حيث حنث ، و أهدى .
قال مالكٌ : و من عليه مشيٌ فأصابَ أخصَرَ من طريقٍ ، فليختصرْ .
قال مالكٌ : و لا بأس لمن حنث بالأندلس أن يركبَ البحرَ للمجازِ ؛ لأنه لا بد له من ذلك . و كذلك روى أشهبُ عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة" .
***(1/488)
[2/493]
مالكٌ : و من حنث ، فعجز فعاد ثانيةً ، فليجعلها إن شاء خلاف الأولى من حجٍّ أو عمرةٍ . قال مالكٌ : إلا أن يكونَ نذره الأول في مشي بعينه ، فلا يقضِ إلا في مثله ، قال : و ليس له أنْ يقضيَ مشيه في حجٍّ فريضةٍ . و إذا نَوَى في الثانية على مشي الطريق كله ، فليس ذلك عليه .
قال ابنُ حبيبٍ : و له أن يجعل الثانية عمرةً إن حجَّ أولاً ، إلا أن يكونَ نذرَ أولا الحجَّ ، و لو نوى العمرةَ أولا – يريدُ نذراً – فله أن يجعل الثانية في حجةٍ ؛ لأنه زاد و لم يرَ ذلك ابنُ القاسمِ ، و أجازه غيرُه من أصحاب مالكٍ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : و من كثر ركو به حتى ربما مشَى عقبةً وركب أخرى ، فليعدْ مشيه كله ، و إنما يعيد ما ركب من كان ماشياً حتى عجز وركبَ .
قال عبدُ الملكِ : و إذا مشى أولَ مرةٍ مشياً كثيراً ، ثم عجزَ ، فصار يمشي قليلاً ، و يركب قليلاً ، فليرجع على حدِّ مشيه المتصل ، فيمشِ من ذلك الموضع إلى مكة .
قال مالكٌ : و من ركب يوماً و ليلةً . قال ، في موضعٍ آخرَ : يوماً و يومين ، و مشى باقيَ ذلك ، لم يرجع ، و ليُهدِ ، فإن لم يجد صام عشرةَ أيامٍ ، و ليس كالراكب في المناسك . و قد ذكرها في "العُتْبِيَّة" ، في سماع ابن القاسمِ ، فذكر نحوَه ، و لم يذكر يومين .
قال محمدٌ : قال مالكٌ : في الذي ركب في المناسك : إنه يرجعُ حتى يمشي ما ركب ، و لا يلزمه هديٌ ، إلا أن يشاءَ . قال ابن القاسمِ : لأنَّ
***(1/489)
[2/494]
بعض الناسِ يرى أنه بتمام السعي يتمُّ مشيه .
و من "الواضحة" قال : و من مشى في نذرٍ لزمه ، فركب بعضَ الطريق ، من غير ضرورةٍ و لا ضعفٍ ، ليقضيَ ذلك ، فهذا يبتدئُ المشي ، بخلاف ذي العذر ، وجعله كمفطرٍ في صومٍ متتابعٍ ، وحكاه عن بعض أصحا بمالكٍ ، و قال : قال مالكٌ : و إذا كثر ركو به أول مرةٍ ، حتى يُعلمَ أنه لا يقدر على قضائه ، فلا يرجع ، و يجزئه الهدي . قال ابن حبيبٍ : و كذلك لو لم يكثر ، إلا أنه علم أنه لا يقوَى عليه ؛ لضعفهِ ، أو بعد بلده ، فلا يرجع وليهِ بدنةً ، فغن لم يجد ، فبقرة ، فغن لم يجد ، فشاةً ، فإن لم يجد ، صام عشرة أيامٍ . و لو أهدى في هذا واجدَ البدنةِ شاةً أجزأه و لا يرجع في ركوب اليوم فأقلَّ منه و يرجع في أكثر منه و إذا مرضَ ، فركب في رمي الجمار ، أو في الإفاضةِ ، فعليه دمٌ ، و لا يرجع . و من حيث في المشي فجعله في حجٍّ ، فعجَّل طوافَ الإفاضةِ ، فلا يركب في رجوعه على منًى . و لا في رمي الجمارِ .
قال أبو محمدٍ : والذي ذكر ابن حبيبٍ من هذا خلاف ابن القاسمِ وروايته عن مالكٍ .
قال ابن حبيبٍ : و مَن سفِهَ نفسه ، فنذر ثلثي حجةً ، وشبه ذلك ، فمشى وعجز ، فركب بعض الطريقِ ، فليجتزئْ بالهدي ، وليكن رجوعه لبقيَّةِ نذرهِ .
***(1/490)
[2/495]
و المرأة إذا لزمها مشيٌ بنذرٍ ، أو حنثٍ ، فإن كان مثلها يقوَى ، و قد تقرب دارها ، فهي كالرجلِ ، و إن ضعفت عن ذلك لثقلِ بدنٍ ، أو تخفُّرٍ ، و لينِ خلقٍ ، أو لبعدِ الدارِ ، فهي كالزَّمِنِ ، و المريض الذي ايسَن و إن يرَ أن يقدرَ ، أو بعد أن يعجزَ عن اكثر المشيِ ، فهؤلاء يخرجون مُشاةً أو ليومٍ . و لو نصف ميلٍ أو أقل ، فإذا وقفت بهم لطاقة ، ركبوا بعد ذلك على مكة ، و أهدوا .
و من "كتاب" ابن المواز : و إذا مشى في حجٍّ ، ففاته ، فعمل عمل العمرة ، ثم حج للفوات راكباً ، قال مالكٌ : فليس عليه أن يمشي في المناسك ، لأن مشيه قد صار في عمرةٍ ، فأجزأه ، و قال ابن القاسمِ : يمشي المناسك ، إذا قضى .
مالكٌ : و إذا مشى الحالف في حنثه من بلدٍ على بلدٍ ، فأقام بها شهراً ، ثم خرج ماشياً أيضا ، فلا شيء عليه . و كذلك في "العُتْبِيَّة" ، من سماع ابن القاسم .
قال في "كتاب" محمدٍ : و إذا حنث بالمشي ، و قد نوى في يمينه الحج ، فأحرم بحجةٍ ينوي بها نذره وفريضته ، فهذا لا يجزئه عن واحدٍ منهما ، ولغى الذي قال مالكٌ : تُجزئه لنذره في الذي لم ينوِ حين يمينه حجًّا و لا عمرةً ، فيجزئه عن نذره ، و يُعيد فريضته ، كما قيل ، في من مشى في حجٍّ لنذره ، ففاته الحج : غنه أجزأه بمشي النذر ، و إنما يُعيد للفوات لا لنقصِ النذرِ ، فكذلك لا يضرُّه في نذره ما ادخل معه من مشاركة فريضته التي ألزمناه فيها القضاءَ . و قال عبد الملكِ
***(1/491)
[2/496]
وحدَه ، من بين أصحاب مالكٍ ، عن مالكٍ : و يعيد هنا . استحباباً . و قاله أصبغُ . و قال المغيرةُ : يجزئه نذره . و به قال عبد الملكِ . وقول مالكٍ أحب إليّ ، و إنما يعيدها من كانت يمينه بحجه ، فحنث ، لأنَّ هذا لا يجزئه في ذلك عمرةٌ ، و كذلك لو أحرم هذا بحجةٍ عن نذره في يمينه ، ففاته الحج ، فعمل عملاً فلا يجزئه ، و لا بد له أن يأتنف الحج عن يمينه قابلاً .
و لو حلف و لم ينوِ حجة و لا عمرة ، فحنث ، فخرج من بلده لحنثه خاصَّةً ماشياً ، فلما بلغ الميقات أحرم بالحج عن فريضته خاصة ، فأتمه ماشياً ، فإنه يجزئه لفرضه ، و يرجع فيمشي لنذره ، من ميقاته الذي كان أحرم منه ، و كذلك لو بدأ له ، فرجع من هناك ، و لم يخرج لعاد ثانيةً راكباً ، ثم يمشي من الميقات .
و قد روي عن مالكٍ في الطائف عن الصبي ينوي عنه وعن الصبيِّ : يجزئ عن الصبيِّن و يعيد عن نفسه . و لو طاف حاملاً لرجلٍ لزمه الحج ينوي عنه وعن نفسه ، لم يجز عن واحدٍ منهما ؛ لأنهما واجبان ، وحجُّ الصبي تطوُّعٍ . فهذا أولَى من اختيار عبد الملكِ . يقول المغيرةُ ، في الذي ينوي لنذره وفرضه : و يحتجُّ بأن الطائف بالصبي يجزئه عن نفسهن و يعيد عن الصبي ، و لو اوجب على نفسه في حجِّ فريضته أن يمشي فيه ، للزمه ، و أجزأه ، و هذا نذر مشياً في فريضته ، و ذلك طاعةٌ تلزمه .
***(1/492)
[2/497]
و كذلك من نذر اعتكافاً في فرض رمضان ، لزمه ، و كذلك لو نواه ودخل فيهن فأما لو نذر اعتكافاً مبهماً ، لم يجزئه أن يقضيه في صيام فرضه وظهاره ، وقتل النفسِ ، و لا في قضاءِ رمضانَ .
قال : و لو أنه حين أحرم بحجِّ الفريضةِ نوى مشيها ، لم يلزمه إلا أن يُوجب ذلك على نفسه ، بنذرٍ نذره . قال محمدٌ : فإنْ أوجبَ مشيها ، فعجز ، فركب ، عليه أن يرجع حتى يمشي ما ركب في حجٍّ أو عمرةٍ .
قاله عبدُ الملكِ .
و لو سمَّى في نذره حجة أو عمرةً مفردةً ، فمشَى ثم تمتع بالعمرة إلى الحج ، فإن كانت العمرة لنذره ، فلمَّا حل أحرم بحج فريضته ، فذلك يجزئه . و عليه هديُ تمتعه ، ثم قال : و لو نوى الحج و العمرة عنهما ، فذلك يجزئه . واراه يريدُ : إذا لم يذكر في نذره عمرة و لا حجٍّ ؛ لأنه قال : لأنَّ العمرةَ لم تكن وجبت عليه فأجزأته عن نذره ، وانفرد الحج لفرضه ، و لا نذر عليه به . يريدُ : بخلاف من سمَّى في نذره حجًّ أو عمرةً .
قال : و لو كانت عليه عمرةٌ متقدمةٌ بنذرٍ ، فاشترك فيهما ، لم تجزئه عن واحدٍ منهما .
و منه ، و من "العُتْبِيَّة" ، أشهب : قال مالكٌ : و من مشى عن واحدٍ ، وحجَّ عن نفسه ، و هو صرورةٌ ، أجزأه لفرضه ، لأنه لا يمشي أحدٌ عن أحدٍ . قال محمدٌ : و أحب إلي لمن عليه المشيُ ، و هو صرورةٌ أن يبدأَ بفرضهِ ، إذا كان في أشهر الحج ، و يمشي بعد قضاء حجه ، و إن أراد التخفيف ، بدأ بالمشي في العمرةِ ، فإذا حَلَّ منها أحرم بالحج عن فريضته ، و لا بأس في أشهر الحج أن يبدأ بنذره . قال أبو محمدٍ : انظر : هل يريد إنما يلزمه مشيُ الفريضةِ ، إذا نذره بلفظه ؛ لأنَّ دخوله الحج ليس بدخولٍ
***(1/493)
[2/498]
في المشي الذي ينوي اعتكافاً أو صوماً فلزمه بدخوله فيه و نيته ؛ لأنه دخل في ما نوى ، فلزمه تمامُه ، و الاعتكاف بتتابعٍ غير منقطعٍ ، و كذلك صومُ يومٍ واحدٍ أو صلاةٍ تُلزم تمامَ ما دخل فيه من ذلك ، بالاتصال و المشي ، فيفصِلُ بعضَه من بعضٍ ، و لا يلزمه بالنية في أوائله ، كما لا يلزم من نوى صيامَ عشرة أيامٍ . بدخوله في أول يوم منها ، و هو لم ينذرها بلفظه .
و الله أعلم .
و منه ، و من "العُتْبِيَّة" ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك ، في امرأةٍ حلفت بالمشي سبع مراتٍ إن كلمت أباها . قال : تكلمه ، وتمشي سبع مراتٍ ، فإن لم تطق المشي ، فلتحج أو تعتمر بع مراتٍ راكبةً ، وتُهدِ في كل مرةٍ .
و من "كتاب" ابن الموز : و من قال : إن كلمت فلاناً ، فأنا محرِمٌ بحجة ، أو قال : بعمرةٍ ، و نوى ، من وقت يكلمه ، فذلك يلزمه كما نوى ، فإن نوى ، من موضع يحرم ، فله نيته .
و من قال : عليَّ الركوبُ إلى مكةَ ، فعليه أن يأتيَ في حج أو عمرة .
قال أشهبُ : و لا يسعه أن يأتيها مشياً ؛ لأنه يخفف عن نفسه مؤنة نفقةِ أوجبها الله . و من قال : عليَّ السيرُ أو الذهاب أو الإتيان أو الركوب إلى مكة ، إن فعل كذا ، فحنث . قال ابن القاسم : لا شيء عليه ، حتى ينويَ في حج أو عمرة . قال محمدٌ : ذلك يلزمه ، إلا أن يمشي
***(1/494)
[2/499]
مشياً ، يريد موضعاً خارجاً من المسجد ، أو ينويه ، فلا يلزمه .
وقال أشهب ، في غير "كتاب" محمدٍ ، في من قال علي المشي إلى الصفا أو المروة ، أو ذي طُوَى ، أو عرفة . فذلك عليه ، إلا أن ينويَ موضع المشي بعينه . قال محمدٌ : والذي ذكر لنا عن ابن القاسم ، أنَّ ذلك لا يلزمه ، إذا صحَّ ما روي عنه وعن غيره في ذلك .
قال ابن القاسمِ ، في من قال : عليَّ المشي على الحرم : لا شيء عليه .
قال محمدٌ : يُحمل ذلك على أوائل الحرم ، و لو نوى جميع الحرمِ لزمه المشيُ لدخول البيت في ذلك . و من أوجب على نفسه المشي إلى مسجد بيت المقدسِ ، أو مسجد المدينة ، فليأتهما راكباً . و قد قيل : إلا أن يكون بينهما وبينه الأميال اليسيرةُ ، فليأتهما ماشياً . و المشي ضعيفٌ . و قاله أصبغُ .
و من غير "كتاب" محمدٍ ، و قال ابن وهبٍ في الناذر المشي إلى مسجدِ المدينةِ ، أو بيت المقدس : فليأتهما ماشياً .
قال ابن حبيبٍ : و من قال : كلُّ ثوبٍ أبتاعه من فلانٍ ، فأنا آخذه إلى مكة ، فابتاع منه أثواباً . قال أصبغُ : فإن ابتاعها في صفقةٍ ، فمشيٌ واحدٌ يجزئه ، و إن ابتاعها ثوباً بعد ثوبٍ ، فليمش على عدد الأثواب .
***(1/495)
[2/500]
باب في ذكر البيت و الصلاة فيه ، و ذكر الحجر و المقام و زمزم ، و ذكر الحرم و معالمه و منًى و عرفة ، و ذكر خُطبِ الحج ، و ذكر منبر النبي صلى الله عليه و سلم ، و حرم المدينة
من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسم : قال مالكٌ : بكَّةٌ موضع البيتِ ، و مكةُ غيره من المواضع ، يريدُ : القريةَ .
و من "كتاب" ابن المواز ، قال مالكٌ : وبناء الكعبةِ هذا ، هو بناء ابن الزبير ، و كان الحجاج قد أحرقه بالنارِ ، و هدمه حتى كان قد سُترَ بالثياب ، وطاف الناسُ من وراء الثيابِ ، فبناه ابن الزبير ، هو بناه كله إلا الحائط اذلي يلي الحجر ، فإن ابن الزبير كان أخرجه غلى الحجرِن فهدمه الحجاج ، وردَّ الحائطَ إلى موضعه ، و كان قد جعل ابن الزبير للبيت بأبين .
و كان لاصقاً بالأرضِ ، فلمَّا هدمه الحجاج ، ردم البيتَ بما بقي من حجارته ، فلذلك ارتفع البيت ، وصار الباب في موضعه .
قال اشهبُ : قال مالكٌ : سمعت من أهل العلمِ من يقول : إن إبراهيم عليه السلام أقام هذا المقام ، و أنه إثرُ مقامه ، و قد كان ملصوقاً بالبيتِ في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكرٍ ، و إنما الصقَ إليه ، لموضع السيلِ ، فعمرُ هو الذي ردَّه ، و يزعمون أن موضعه الذي رده غليه هو موضعه الأول الذي كان فيه .
قال مالكٌ : أُريَ عبد المطلب أنه يقال له : احفر زمزمَ ، لا ينزف
***(1/496)
[2/501]
و لا بدمٍ ، بين فرثٍ ودمٍ يروي الحجيج الأعظم ، في موضع الغراب العصم ، قال/ فحفره .
قال ابن حبيبٍ : و يُستحبُّ أن تُكثرَ من شرب زمزم ، والوضوء به ما أقمت ، قال ابن عباسٍ : و ليقل إذا شربه : اللهم إني أسألك علماً نافعاً ، وشفاءً من كل داءٍ . قال وهب بن منبه : هي شراب الأبرار ، طعام طُعْمٍ ، وشفاء سقمٍ ، قال ابن عباسٍ : هو شفاء لما شرب لهن و قد جعلها الله تعالى لإسماعيل ولأمه هاجرَ طعاماً و شراباً .
و من "كتاب ابن المواز" ، قال مالكٌ : و قد سمعت أنه يكره كراء بيوت مكة ، و كان عمر فيما بلغني يقلع أبوابَ بيوت أهل مكة .
قال مالكٌ : وبلغني أن النبي صلى الله عليه و سلم دفع مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن طلحة ، من بني عبد الدار ، فيرون أنها ولايةٌ من النبي صلى الله عليه و سلم فلا ينبغي أن يشاركوا فيها . و أستعظمه .
قال مالكٌ : وبلغني أتن عمر جدَّدَ معالم الحرمِ ، و وضع أيضاً بها بعدَ أن كشف عن ملك من يعرفه بعرفة ، ممن له قدمٌ . قال ابن القاسمِ : والحرم خلف المزدلفة بمثل ميلين . قال مالكٌ : وعرفة في الحل .
قال : وبطن عرفة هو وادي عرفة ، و يقال : أن حائط مسجد عرفة القبلي على حده ، فلو سقط ، ما سقط إلا فيه .
***(1/497)
[2/502]
و يقال : إن من وقف في مسجد عرفة فقد خرج من بطن عرنة ، و لكنَّ الفضل بقرب الإمامِ ، و قال ابن القاسمِ ، عنه : ليس الوقوف فيه بحسنٍ .
قيل : فإن فعل؟ قال : لا ادري . و كذلك وقف فيه ابن عبد الحكمِ . و قال أصبغُ : لا حج فيه .
قال ابن القاسمِ : و مزدلفة في الحرم ، وسمعت أن الحرم يعرف بان لا يجيئه سيلٌ من الحل ، فيدخل الحرم ، و إنما يخرج السيل من الحرم ، إلى الحلِّ ، و هو يجزئ من الحل فإذا انتهى إلى الحرمِ ، وقف و لم يدخل فيه ، و لا يدخل الحرم إلا سيل الحرم ، و مجراه بين يدي موقف المزدلفة ، و هو قُزَحُ ، موضع بناء المنارة بما يلي منًى على منًى في أدنى موقف الإمامِ ، و الأخشبانِ من منًى فيما بينهما ، و المأزمين اللذانِ يمر الناس بينهما منصرفهم من عرفة إلى المزدلفة .
و من "كتاب" ابن الموزا ، لغير واحدٍ من أصحابنا : أن حد الحرمِ مما يلي المدينة ، نحو من أربعة أميالٍ ، إلى منتهى التنعيم ، و مما يلي العراق ثمانية أميالٍ ، على مكان يقال له : المقطع ، و مما يلي عرفة تسعة أميالٍ ، و مما يلي طريق اليمن سبعة أميالٍ ، على موضع يقال له : أضاةُ ، و على جدة عشرة أميالٍ ، على منتهى الحديبية .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال مالكٌ : والحديبية في الحرم . و من
***(1/498)
[2/503]
"كتاب بن حبيبٍ" ، قال : وحرم النبي صلى الله عليه و سلم ما بين لابتي المدينة ، بريداً في بريدٍ ، لا يعضد شجرها ، و لا يُخبط .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسم ، و ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، قال : نهيت بعض الولاة أن يطلع على منبر النبي صلى الله عليه و سلم بنعلين . قال عنه ابن وهبٍ : أو بخفين . و قد نهي عن ذلك في الكعبةِ ، وليجعل نعليه في حجرته .
قال عنه أشهبُ : و له أن يصلي في البيت على ايِّ جوانبه شاء . ثم سئل بعد ذلك ، فقال : أحب إلي أن يجعل الباب خلف ظهره ، ثم يصلى على أي موضع شاء بعد أن يستدبر الباب ، و كذلك فعل النبي صلى الله عليه و سلم .
قال ابن المواز : وخُطَبُ الحج ثلاث خطبٍ ؛ أولهنَّ قبل التروية بيومٍ قبل صلاة الظهر ، في المسجد الحرام ، و قيل : قبل الزوال ، و الأول قولُنا ، و هي لا يجلس في وسطها ، يُعلِّمُ الناس فيها مناسكهم ، وخروجهم إلى منًى ، وصلاتهم بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء . وصلاة الصبح بها يوم عرفة ، وغدوهم منها ، و غير ذلك ، والثانية ، بعرفة ، يجلس بينهما ، و هي تعليم للناس ما بقي و من مناسكهم ، من صلاتهم بعرفة ، و وقوفهم بها ، ودفعهم ، و مبيتهم بمزدلفة ، وصلاتهم بها ، و وقوفهم بالمشعر ، والدفع منه ، ورمي الجمرةِ ، والحلق ، والنحر ، و الإفاضة . والثالثة : بعد يومِ
***(1/499)
[2/504]
النحر بيومٍ ، و هو اول ايام الرميِ ، و هي خطبة واحدة ، لا يجلس فيها ، و هي بعد الظهر يُعَلِّمُ الناس فيها الرمي ، واوقاته ، و كيف هو و يوم نفرهم ، ما لهم من التعجيل ، في يومين ، وتعجيل الإفاضةِ واسعة في تأخيرها والبيوتة بمنًى ليالي منى . و لا يجهر بالقراءة في صلاته في شيءٍ من هذه الخطبِ .
قال ابن حبيبٍ : قال مطرفٌ ، و ابن الماجشون : و يفتتح في هذه الثلاث خطبٍ ، بالتكبير ، كالأعياد ، و يكبر في خلال كل خطبةٍ ، و يجل في وسطها بين كل خطبتين .
باب جامعٌ ، و فيه ذِكر القفل و المُعَرَّسِ
من "كتاب" ابن المواز ، و "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسم ، قال مالكٌ : و لا بأس أن يحج بثمنِ ولد الزنا ، قال في "كتاب" ابن المواز : و لا بأس من أن يحج و معه النصراني يخدمه ، و قد يُكري الحاج من النصراني ، وحسن الصحبةِ .
و من "الكتابين" قال مالكٌ : و ليس النبيذ الذي يعمل في السقاية ، من السنة ، و لو ذكرت لكلمت أمير المؤمنين في قطعه . وشدَّدَ فيه الكراهية .
و من "كتاب" ابن المواز ، و غيره ، قال مالكٌ والطواف للغرباء أفضل من الركوع ، والركوع لهل مكة أفضل من الطواف .
قال مالكٌ : و الأيام المعلومات ؛ أيام النحر الثلاثة ، و الأيام المعدوداتُ ؛
***(1/500)
[2/505]
ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحرِ ، و هي أيام منًى .
وسئل مالكٌ ، عن التكبير في النفل من حج أو عمرةٍ يرفع به صوته؟ قال : يُسمع من يليه ، و أحب إلي لمن بالمدينة أن ينزل بالمعرس ، فيصلي فيه ، و إن جاء في غير حين صلاةٍ حين تحين الصلاةُ .
و في غير "كتاب" لأصحابنا : و يُستحبُّ لمن قفل من حج أو عمرةٍ أن يكبر على كل شرفٍ ثلاث تكبيراتٍ ؛ و هو : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و له الملك و له الحمد ، و هو على كل شيءٍ قديرٌ ، آيبون ، تائبون عابدون ساجدون ، لربنا حامدون ، صدقَ الله وعدَه ، و نصر عبدَه ، و هزم الأحزابَ وحده" .
و من "كتاب" ابن المواز ، و غيره ، قيل لمحمدٍ : فالحج والجوار أحب إليك ، أم الحج و القفل؟ قال : ما كان الناس إلا على الحج و القفل . ورأيته أعجب إليه . قيل : فالغزو ؟ فلم يره مثله . و قال : قد أقام الصحابة بالشامِ ، منهم أبو عبيدة ، و معاذ ، وبلال ، و أبو أيوبَ .
و في كتاب آخر : قيل : فالغزو أحب إليك ، أم الحج؟ قال : الحج ، إلا أن تكون سنة خوفٍ .
***(2/1)
[2/506]
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسم ، عن مالكٍ ، في قول الله سبحانه : {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} ، قال : رمي الجمار . و في قوله سبحانه : {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الآية ؛ فعرفة و مزدلفة ، والصفا ، و المروة ، من الشعائر ، و محل الشعائر كلها البيت العتيق . قال مالكٌ : و الموسمُ هو الحج ، لا في الأسواق . قال : وجعل عمر بن الخطاب إبلاً من مال الله للنا سيحجون عليها ، و يردونها .
وقال ابن القاسم ، عن مالكٍ ، ورواه ابن أبي حسينٍ ، عن معن بن عيسى ، عن مالكٍ ، في نصرانية بعثت بدينارٍ على الكعبة أيجعل في الكعبة .
فقال : بل يرد غليها .
تمَّ كتاب الحج الثاني من النوادر ، والحمد لله رب العالمين وحدَه .
كما هو أهله و مستحقه . وصلى الله على نبينا محمدٍ خاتم النبيين ، و آله الطاهرين وسلم تسليماً(2/2)
[3/11]
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجهاد
ذكر بعض ما روي في فضل الجهاد
وذكر شيء من الرباط وفضله
قال أبو محمد : قد روي من فضل الجهاد ما يكثر ذكره , ونحن نذكر من مون الأحاديث فيه بعض ما روي فيه .
من كتاب ابن سحنون وكتاب ابن حبيب : روي أنه قيل : يا رسول الله , أي الأعمال أفضل ؟ قال إيمان بالله وجهاد في سبيله . وفي حديث آخر : وحج مبرور , وروي أن الصحابة قالوا : يا رسول الله , وددنا لو علمنا أفضل الأعمال , فنزلت : " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى قوله : وفتح قريب " .
[3/11]
***(1/1)
[3/12]
وقال النبي صلى الله عليه و سلم لرجل : لو قمت الليل وصمت النهار , ما بلغت يوم المجاهد . وفي حديث آخر : لم تبلغ غبار شراكه . وفي حديث آخر : ما بعد الصلاة المكتوبة أفضل عند الله من الجهاد . وقال : مثل المجاهد كمثل الصائم لا يفطر والقائم لا يفتر حتى يرجع إلى أهله .
وقال ابن عمر : لأن أقف موقفاً في سبيل الله مواجهاً للعدو , لا أضرب بسيف ولا أطعن برمح ولا أرمي بسهم , أفضل من أن أعبد الله ستين سنة لا أعصيه , وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لموقف ساعة في سبيل الله أفضل من شهود ليلة القدر عند الحجر الأسود . وقال لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها . وقال لرجل له ستة آلاف دينار : لو أنفقها في طاعة الله لم يبلغ غبار شراك نعل المجاهد .
وقال الحسن : من قلت حسناته وكثرت سيئاته , فليجعل الدروب وراء ظهره .
وقال النبي صلى الله عليه و سلم : من اغبرت قدماه في سبيل الله , حرمه الله على النار . وروى أنه عليه السلام لم يكن يتلثم من الغبار في سبيل الله , وكره مكحول التلثم في سبيل الله .
وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : غزوة بعد حجة الإسلام خير من ألف حجة ومن صيامها وقيامها .
[3/12]
***(1/2)
[3/13]
وروى ابن وهب قال : قال نافع في تخلف ابن عمر عن الغزو ولزومه الحج : إنه إنما ترك الغزو لوصايا عمر ولصبيه وضيعة كثيرة لا يصلحها إلا التعاهد , وقد كان يغزي بنيه ويرى أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الصلاة . وقالت عائشة : من خشي من نفسه جبناً , فلا يغز . وقد روي من فضل أعمال البر في الجهاد من صلاة وصوم وصدقة وذكر الله : أن عمل ذلك في الجهاد أفضل منه في غيره . وكذلك إن مرض فيه أو نكب أو شاب فيه , فقد روي في ذلك فضل كثير , وفي من مشى في سبيل الله وفي من شيع غازياً أو حفظه في أهله أو جهزه أو أعانه .
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا لم يوف بعهد ولا ذمة ولم يقم بكتاب ولا سنة , فالرباط أفضل غزوكم . قال مالك : الغزو على الصواب أحب إلي من الرباط و والرباط أحب إلي من غزو على غير الصواب . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثمرة الجهاد الحرس , وحارس الحرس على فرس يصيح وقد أوجب يقول : استوجب الجنة ومن كتاب آخر . قال مالك لرجل سأله قد ابتلي بدم : تقرب إلى الله سبحانه بما استطعت والزم هذه الثغور .
ذكر بعض ما روي في فضل الرباط ولزوم الثغور
وذكر الغارات وذكر الأفضل من الحج والغزو والرباط
وذكر التكبير في الرباط والحرس في لقاء العدو
من كتاب ابن حبيب وغيره : روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : رباط الرجل ليلة
[3/13]
***(1/3)
[3/14]
في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقوم ليلها لا يفتر ويصوم نهارها لا يفطر . وقال : من رابط فواق ناقة , حرمه الله على النار . قال ابن حبيب : قوله : فواق ناقة : قدر ما تحلب . وقال أبو هريرة : لحرس ليلة أحب إلي من صيام ألف يوم أصومها وأقوم ليلها في المسجد الحرام وعند قبر النبي صلى الله عليه و سلم . وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إنكم ستجدون أجناداً أو يفتح لكم أرضون , ويكون لكم ذمة وخراج , ويكون لكم على سيف البحر مدائن وقصور , فمن أدرك ذلك فاستطاع أن يحبس نفسه في مدينة من تلك المدائن أو قصر من تلك القصور , فليفعل . وروي في الرباط من الرغائب كثير .
قال ابن حبيب : وهو شعبة من شعب الجهاد , وبقدر خوف أهل ذلك لسفك دماء المشركين والرباط لحقن دماء المسلمين , وحقن دماء المسلمين أحب إلي من سفك دماء المشركين , وقيل إنما هذا حين دخل فيالجهاد ما دخل , وقال عمر : اغزوا ما دام الغزو حلواً خضراً قبل أن يكون مراً عسيراً , ثم يكون ثماماً ثم يكون رماماً ثم يكون حطاماً , فإذا انتاطت المغازي وكثرت العزائم واستحلت الغنائم , فخير جهادكم الرباط . والثمام : الرطب من الثياب , والرمام : اليابس , والحطام : الذي ينكسر ويتحطم , وقوله : العزائم يريد : حمل السلطان شدة الأمر عليهم والعزم فيما يشق عليهم لبعد الغزى وقلة عونه لهم وغير ذلك .
[3/14]
***(1/4)
[3/15]
وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تمام الرباط أربعون ليلة . وروي أنه إذا نزل العدو بموضع مرة فهو مرابط أربعين سنة . وهذا والله أعلم على الترغيب في الرباط , وكلما كثر الخوف في ثغر من المرابطات كان أعظم لثواب أهله .
وكذلك قال مالك . وسئل عن من جعل شيئاً في السبيل أيجعله في حده ؟ قال : لا , قيل : قد نزل بها العدو مرة , فضعف ذلك .
ومن العتبية : من سماع ابن القاسم ومن غير ديوان , قيل لمالك , ما أحب إليك الرباط أم الغارات في أرض العدو ؟ قال : أما الغارات فلا أدري , كأنه كرهها , فأما السير في أرض العدو على الإصابة , يريد : السنة , فهو أحب إلي .
قال ابن سحنون عن أبيه : قد مضى عبد الله بن نافع إلى المصيصة فأقام بها أربعين يوماً مرابطاً وترك دخول أرض العدو .
قال في الكتابين : قيل لمالك : أيما أعجب إليك الرباط أم المصيصة ؟ قال : المصيصة إلا أن يكون ما عندكم أخوف , فليؤثر الرجل ناحيته . فإن كان فيها غناء فالمصيصة , يعني : الغزو ودخول بلد الروم والرباط فيها , فذلك أحب إلي . قيل : فعندنا مدائن على البحر ضيعت من العدو , وفيها حشر من نساء وصبيان , فرباطهم أحب إليك أم دخول بلد الروم ؟ قال : ما في هذا حد إلا على ما يرى وينزل .
[3/15]
***(1/5)
[3/16]
وقال الله سبحانه : " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " , يقول : من حولكم , فينبغي لكل قوم أن يرابطوا ناحيتهم ويمسكوا سواحلهم , إلا أن يكون مكاناً مخوفاً يخاف فيه على العامة . قال ابن وهب : قال ابن زيد : فلما فرغ النبي صلى الله عليه و سلم من قتال من يليه , نزلت : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله " , إلى آخرها . وقال مالك : وليس من سكن بأهله في مثل الفسطاط والإسكندرية وطرابلس من أهل سواحل البحر مرابطين , وإنما المرابط من خرج من منزله فرابط في نحور العدو وعلى سواحل حيث الخوف .
ومن كتاب ابن حبيب : سئل مالك عن سكان الثغور على السواحل , يريد : بالأهل والولد , قال : ليسوا بمرابطين , وإنما الرباط لمن خرج من منزله معتقداً للرباط في موضع الخوف .
ومن العتبية : من سماع ابن القاسم , قيل لمالك : الحج والقفل أحب إليك أم الحج والمقام للجوار ؟ قال : ما كان الناس إلا على الحج والقفل . قيل : فالجهاد مثله , فإنه قد قيل ذلك ؟ قال : لا , قد أقام غير واحد من الصحابة بالشام حين فتحت وهي بحال الحرب , منهم : معاذ وأبو هريرة وبلال وأبو أيوب . قال أشهب , قيل لمالك : أعلينا بأس في إقامتنا عندكم وتركنا أهليا بالإسكندرية , وما أدركنا قط عدواً نزل بها وإنهم ليخافون ؟ قال : قد قلتم : إن الموضع مخوف ضائع وأهلها قليل ومحارسها خالية , فلخوفكم بأهليكم أحب إلي وتكونون من وراء المسلمين .
قيل : فنأثم في مقامنا ها هنا ؟ قال : لا أدري ما الاثم وأنعم أعلم بموضع خوفكم , وكونكم معهم أحب إلي . قيل : فالمقام بأرض العدو أم الذهاب
[3/16]
***(1/6)
[3/17]
و الرجوع ؟ قال : كل حسن واسع . وفي باب الغزو مع ولاة الجور ذكر الرباط هل هو أفضل أم الغزو معهم ؟
ومن العتبية : روى أشهب عن مالك , قال : لا بأس برفع الصوت : روى أشهب عن مالك , قال : لا بأس برفع الصوت ... بالتكبير بحضرة العدو وذلك حسن . وأما على السواحل في الرباط فلا بأس به إلا أن يؤذى بذلك الناس ممن يقرأ ومن يصلي , يؤذيهم برفع الصوت فلا أرى ذلك .
قال ابن حبيب : ويكره التطريب في التكبير وفي الحرس ولا بأس بما سهل من ذلك , وإن كان بتحزين فلا تطريب .
ويكره أن يلي واحد التكبير والتهليل ويجيب الباقون , ويكبر كل واحد بنفسه على نيته ورغبته وإن رفع به صوته . ولا بأس أن يكبر الواحد وينصت الباقون , ويستحب التكبير في العساكر والثغور بإثر صلاة الصبح وصلاة العشاء تكبيراً عالياً ثلاث مرات , وهو قديم من شأن الناس .
ومن غير كتاب ابن سحنون : روى ابن وهب عن مالك في من له بنات وأخوات وضيعة وأراد الجهاد أو الحج : أيهما أفضل , أيجاهد أو يقيم في أهله ؟ قال : بل أن يجاهد أحب إلي من المقام في أهله وولده وضيعته , ويستخلف الله عليهم . وأما الحج , فإن كان صرورة فليحج , ولم يبلغني أن شأحداً ممن بالمدينة يقتدى به من صاحب وغيره خرج منها إلى الرباط إلا واحداً أو اثنين , وهي أحب المساكن إلي إلا أن يخرج أحد إلى الرباط ثم يرجع إليها .
[3/17]
***(1/7)
[3/18]
ذكر فرض الجهاد وتطوعه , وذكر النفير والهجرة
من كتاب ابن سحنون , قال سحنون , كان الجهاد في أول الإسلام فرضاً على جميع المسلمين , ثم هو الآن يحمله بعضهم عن بعض , يريد : إلا في الضرورات , قال : والآن هو مرغب فيه . قال : إلا أن يرى الإمام أن يبعث بعثاً نظراً للإسلام , فعلى الناس طاعته فيمن رأى أن يبعث منهم و وعليه أن يجهزهم من بيت المال .
قال ابن المسيب : هو فرض على العامة إلا أن يتركوه , وليس كالصلاة على كل أحد . قالت عائشة : من حس نفسه جبناً , فلا يغز . وقال سحنون : وقد قرنه الله تعالى بالإيمان به فقال جل وعز : " تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله " , ثم خفف ذلك فقال جل وعز : " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً " , فدل أن ذلك على كل أحد في خاصته , وهو على الجميع فرض . قال غيره : ولقوله تعالى : " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة " .
قال سحنون : هو فرض على الجميع يحمله بعضهم عن بعض , إلا أن ينزل أمر يحتاج إليهم أجمعين فيكون عليهم فرضاً . ولا ينبغي مع ذلك أن يعطل الإمام الجهاد والدعاء إلى الإسلام . قال سحنون : وأما قول الله تعالى : " انفروا خفافاً وثقالاً " , وقوله " ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله " . قال ابن زيد : آيتان مسنوختان بقوله : " فلولا نفر من كل
[3/18]
***(1/8)
[3/19]
فرقة منهم طائفة " وقوله : " انفروا خفافاً وثقالاً " كان في أول الإسلام , فلما كثر المسلمون قال : " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " . قال : والثقيل : من له ضيعة , والخفيف : من لا ضيعة له .
قال سحنون : والنفير فرض يحمله بعض الناس عن بعض . وقال عن الوليد عن بشير بن عبد الله قال : كان الوالي في أيام عمر وعثمان إذا قام في الناس بنفير البعث , فالمتعجل الرائح من عشيته , والغادي من غداة غدة , والرائح من عشية غد مقصر , والغادي من غداة بعد الغد معتذر . قال : وإذا وقع النفير , ورجل معتكف , فإن حل بموضعه ما لا قوة لمن حضر على دفعة خرج ثم بنى .
قال أبو محمد : وقد قيل يبتدىء , وإن كان فيهم قوة على دفعهم فلا يخرج . ولا ينفر العبد والمكائب ومن فيه بقية رق بغير إذن السيد , إلا من في ثغر فغشيهم ما لا قوة لمن حضر به فلينفر بغير إذن السيد , وقاله الأوزاعي .
قال سحنون : ومن عليه دين قد حل وعنده له قضاء فلا ينفر ولا يرابط ولا يعتمر ولا يسافر حتى يقضيه . قال النبي صلى الله عليه و سلم : مطل الغني ظلم . وإن كان دين لم يحل أو لا وفاء له به فله أن ينفر . ولا أحب لمن له والدان أن ينفر إلا بإذنهما إلا أن ينزل بمكانه من العدو ما لا طاقة لمن حضر بدفعه فلينفر بغير إذنهما . ولو نزل ذلك بساحل بغير موضعه ولا غوث عندهم أو كان الغوث بعيداً منهم فلينفر إليهم بغير إذن الأبوين .
قيل لسحنون : فلو نزل العدو بسوسة أينفر إليهم أهل سفاقس والمنستير وهو يخافون أن يخالفهم العدو إلى مواضعهم ؟ قال : إن خافوا ذلك حذراً بغير
[3/19]
***(1/9)
[3/20]
معاينة مراكب ولا خبر فلهم النفير . وإن اشتد خوفهم مثل أن ينزل لهم مراكب وشبه ذلك فليقيموا بموضعهم .
وقال نحوه الأوزاعي وسفيان إذا نزل عدو ببعض الثغور : إن لمن أحب من المتطوعة بالمصيصة أن ينفروا إليهم .
وروى ابن وهب عن ابن شهاب في قول الله تعالى : " كتب عليكم القتال " , قال : الجهاد على كل أحد غزا أو قعد , فالقاعد إن استعين به أعان , وإن استنفر نفر , وإن استغيث به أغاث , وإلا قعد . قال غيره : قال النبي صلى الله عليه و سلم : لا هجرة بعد الفتح , ولكن جهاد ونية , وإذا استنفرتم فانفروا . وقد رفع الله ذلك عن ذي العذر من أعمى ومريض وأعرج وشبهه .
ومن كتاب ابن سحنون , قال سحنون : روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تقطع الهجرة ما قوتل الكفار , وإنما الهجرة اليوم من دار الكفار إلى دار الإسلام , مثل أن يسلم بدار الكفر , عليه أن يهاجر .
قلت : قال الحسن : هجرة الأعراب إذا ضمهم ديوانهم , قال : لا هجرة اليوم في الأعراب لأنهم دخلوا في أحكام المسلمين . وقد أسهم لهم عمر حين دون الديوان . وهم أهل البدو , وقد حكم في دياتهم بالإبل .
قال ابن حبيب : وقال النبي صلى الله عليه و سلم : من هاجر لعرض من الدنيا , فلا أجر له , وقوله : من هاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها , فهجرته إلى ما هاجر
[3/20]
***(1/10)
[3/21]
إليه . وفي حديث آخر : قتل فلان في سبيل الجهاد . وقال عمر : ليس كل من قتل في سبيل الله بشهيد , ولكن الله يعذب عدوه بالبر والفاجر .
قال سحنون : وإذا دخل المشركون أرض الإسلام فسبوا النساء والذرية وأخذوا الأموال فواجب على المسلمين إن كانت بهم قوة عليهم استنقاذ ذلك . فإن فصلوا إلى بلدهم فواجب عليهم اتباعهم ما دام لهم طمع باستنقاذ ذلك وفيهم له قوة . فإن صاروا إلى حصونهم ومدائنهم , وبمن اتبعهم قوة على ذلك ورجاء فيه فواجب عليهم استنقاذ ذلك حتى ييأسوا ولا يرجوا ذلك فلهم أن يذبوا عن أهل ذمتهم في أنفسهم وأموالهم مثل ذبهم عن أنفسهم في ذلك كله . ومن بلغه من نال العدو من المسلمين من هذا فعليه النفير لعونهم حتى يستنقذوا ذلك منهم أو يعجزوا عنه أو يقتلوا دونه . ومن كان بعيداً عنهم وإن نفر لم يدركهم حتى يفوتوا فله المقام . وإن غلب أنه يدركهم فعليه النفير لذلك . وهذا إذا لم يكن فيمن هو بإزائهم الذين خرجوا إليهم قوة عليهم والغالب عليهم الخوف . وهم مستطيعون لا يخاف عليهم فهو أخف في إيجاب نصرهم .
في الغزو والسفر بغير إذن الأبوين أو غيرهما أو العبد بغير إذن سيده
ومن نذر الغزو ثم تخلف لعذر أو لغير عذر
وهل يغزو المديان أو من له قرابة
من كتاب ابن سحنون وغيره : روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الغزو بغير إذن الأبوين , ونهى عن ذلك كثير من الصحابة والتابعين . قال يحيى بن سعيد : وليطعهما وليقم ما لم ينزل بالناس ما لا قوام لهم به . قال
[3/21]
***(1/11)
[3/22]
الحسن : وإن أذنت لك أمك وأنت تعلم أن من هواها قعودك فاقعد . ونذر رجل الغزو فتجهز فنهته أمه فأمره أبو هريرة أن يقعد ويدفع جهازه لغيره . قال مالك : لا يكابر في ذلك أبويه وليصبر إلى عام آخر .
ومن المختصر وكتاب ابن المواز , قال مالك : لا يغز أحد إلا بإذن أبويه , فإن أوجبه على نفسه وتجهز فليستأذنهما . قال محمد : إن خرج بغير إذن فليرجع حتى يأذنا له . قال مالك : وإن لم يأذنا له فلا يكابرهما وليدفع جهازه ولا يأكله , فإن خاف فساده باعه وحبس ثمنه إلا أن يكون ملياً فليصنع به ما شاء حتى يمكنه الغزو . فإن مات قبل ذلك فهو ميراث كصدقة نذرها فلم ينفذها . ولو جعله على يدي غيره فمات على ذلك فهو ميراث إلا أن يشهد على ذلك أشهاداً أن ينفذ بعد موته فيكون من رأس ماله , مات قبل ذلك أو بعده ز قال مالك فيمن تجهز يريد الغزو متطوعاً ثم بدا له : وأحب إلي أن يدفع جهازه لغيره .
وذكر ابن المواز مثل ما تقدم أن أبا هريرة أمر بذلك في الناذر تكره ذلك أمه . وذكر ما تقدم من قول يحيى بن سعيد . قال : ورد عمر خداشاً من الشام وقال له : الزم أباك حتى يموت . وروى ابن وهب أن عبداً قاتل يوم أحد , فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : أذن لك سيدك ؟ قال : لا , قال : لو قتلت دخلت النار .
قال ابن حبيب : وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أهل الأعراف ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم . وسمعت أهل العلم يقولون في العبد يغزو مع سيده : إنه لا يقاتل إلا بإذنه إلا أن يدخل العدو العسكر فله أن يدفعه , وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم : إن الشهادة تكفر كل شيء إلا الدين وروي أن الله سبحانه يقضي عنه دينه .
[3/22]
***(1/12)
[3/23]
وأرخص مالك للذي عليه الدين أن يغزو إن خلف وفاء دينه أو كان بإذن غرمائه . و قال له رجل : علي دين كبير وأردت الغزو و لا مال لي . فإن مت فأحب الموضع إلي , و إن وجدت مالا ديني , فأباح له أن يغزو . و (و قال له رجل من أهل الأندلس أراد أن يلحق بالمصيصة و الثغور , و له ولد و أهل بالأندلس : أترى له في ذلك سعة ؟ قال : نعم . قال : أيخشى عليهم الضيعة ؟ قال : نعم , فكأنه لم يعجبه ذلك) .
و من كتاب ابن سحنون : و أجاز مالك لمن عليه دين و لا وفاء عنده أن يغزو . قال سحنون : و من له أبوان أو أحدهما باق فلا يغزو إلا بإذنه , و إن كانا مشركين , و قال سفيان . قال سحنون : و أما الجد و الجدة فبرهما واجب , و لا يلحقان في هذا بالأبوين , و أحب إلي أن يرفق بهما حتى يأذنا له . فإن أبيا , فله أن يخرج . و العم و العمة من ذلك , و لا شيء عليه فيهما . و قال سفيان في الجدة المسلمة : لا يغزو إلا بإذنهما . قال الأوزاعي و سحنون : إن لم يأذن له أبواه المشركان فليطعهما , إلا أن يعلم أن منعهما له لا لحاجتهما إليه , لكن ليوهن الإسلام و لا يعين على النصارى فليخرج وإن كرها .
قال سحنون : و لا يسع الأبوان منع ولدهما من الغزو . و لو أثما بذلك لوسعه ترك إذنهما . و منع الجدة ضعيف , فإذا أذن له أبواه لم ينظر إليها . و إن أراد أن يخرج إلى حج الفريضة فليرفق بهما حتى يأذنا له , فإن لم يفعلا فله أن يخرج . و أما السفر للتجارة ,
فلا إلا بإذنهما .
[3/23]
***(1/13)
[3/24]
و يكره التجارة إلى العدو و إن كان مأمونا لا يحفر فيه عهد , فكيف إن لم يأذن له أبواه ؟ و قد كتبت في كتاب الحج قول مالك في شيخ زمن كره خروج ابنه إلى السفر , فقال مالك : إن كان رجلا و كان رشيدا فله أن يخرج و قيل لسحنون فيمن ليس له أبوان و له زوجة و إخوة و أخوات و أعمام و عمات و أخوال و خالات : هل يغزو بغير إذنهم ؟ فقال : إن لم يخف ضيعتهم أو كان غيره القائم بهم أو هم عنه في غنى فليخرج و إن كرهوا . و إن خاف أن يضيعوا و هو القائم بشأنهم , فالمقام عليهم أفضل . فإن لم يكن بيده مال يقوم به عليهم و لا في مقامه منفعة لهم فلا بأس أن يخرج . و كذلك إن كان له مال و ترك لهم كفاية . و إن كان إنما يعود عليهم بفضل يده فالمقام عليهم أفضل . قال : و الزوجة و من يلزمه الإنفاق عليه من ولده , فله أن يخرج إن ترك لهم النفقة . و إن كان إنما يعود بعمل يده , فلا يقضى عليه بالمقام و لكن يؤمر بذلك لأنه ليس على الفقير أن يؤاجر نفسه و ينفق . و هذا كله في الجهاد . و أما في النفير و ما يدهم من العدو فليخرج بغير إذن أبويه و لا يطعهما , و هذا فرض , و إنما يطيعهما في النافلة . و يخرج في النفير العبيد بغير إذن السادة و إن نهوا , و النساء إن قوين , و من أطاق القتال من الصبيان و إن كره الأبوان . و عن مليء فرط في الحج حتى ذهب ماله إن له أن يغزو و لا ينتظر أن يكسب ما يحج به . و عن فقير أفاد مالا فيه ما يحج به هل يغزو قبل أن يحج ؟ قال : إن كان يرجع قبل إبانه فعل , و إلا فلقم حتى يحج . و كذلك لو كان مليا ففرط في الحج حتى افتقر ثم أفاد مالا على ما ذكرنا . و لو طلب تأخيره العام ليغزو فلا يفعل و ليبدأ بالحج , تقدم له تفريط و ملا أو لم يتقدم .
قال سحنون : لا يغزو المكائب إلا بإذن سيده . فإن أذن له فشهد القتال ثم مات و ترك وفاء وله ولد في الكتابة فلا يسهم للمكائب في المغنم .
[3/24]
***(1/14)
[3/25]
في الجهاد مع من لا يرضى من الولاة
من كتاب ابن سحنون : روى ابن وهب أن جابر بن عبد الله قال : قاتل أهل الضلالة , و على الإمام ما حمل و عليك ما حملت . و قيل لابن عباس : أغزو مع إمام لا يريد إلا الدنيا ؟ قال : قاتل أنت على حظك من الآخرة . قال نافع : و لم يكره ابن عمر الغزو معهم و كان يغزي بنيه . و في حديث آخر : و يبعث بالمال و يعين الغزاة . قال : و إنما تخلف لوصايا عمر و لصبية و ضيعة كبيرة لا يصلحها إلا التعاهد . و قال الحسن : اغز معهم ما لم ترهم عهدوا ثم غدروا . و لم ير السلف بالغزو مع ولاة الجور بأسا . و قاله أبو أيوب و عبد الرحمان بن يزيد و النخعي و مجاهد و الحسن و ابن سيرين و طاوس و سالم بن عبد الله و أبو حذيفة و عمارة بن عمير , و قال مالك و قال : في ترك ذلك ضرر و جزأة لأهل الكفر . قال ابن حبيب : سمعت أهل العلم يقولون : لا بأس بالغزو معهم و إن لم يضعوا الخمس موضعه و إن لم يوفوا بعهد , و إن عملوا ما عملوا . و لو ترك ذلك لا ستبيح حريم المسلمين ولعلا أهل الشرك . و قاله الصحابة حين أدركوا من الظلم , فكلهم قال : أغز معهم على حظك من الآخرة , و لا تفعل ما يفعلون من فساد و خيانة أو غلول .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم : الجهاد ماض منذ بعث الله نبيه إلى آخر عصابة تقاتل الدجال لا ينقضه جور من جار و لا عدل من عدل . و قال ابن عمر : اغز مع ائمة الجور و ليس عليك مما أحدثوا شيء . و غزا أبو أيوب النصاري مع يزيد ابن معاوية أن كان توقف , ثم ندم على توقفه .
[3/25]
***(1/15)
[3/26]
فى الغزو بغير إذن الإمام
و هل يسري أحد أو يقاتل أو يبارز بغير إذنه
و من يصلح في الإمارة في الحرب و طاعته
من كتاب ابن سحنون : و اختلف في قول الله سبحانه : (يا ايها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم) , فقال أبو هريرة : أمراء السرايا , و رواه ابن وهب . و قال جابر بن عبد الله : هم أهل الفقه و الدين . قال بعض العلماء : و طاعة هاتين الطبقتين واجبة . و قد نهى النبي صلى الله عليه و سلم يوما أصحابه عن القتال و هم مستقبلو العدو , فقاتل رجل فقتل , فأمر النبي عليه السلام من ينادي : لا تحل الجنة لعاص . و قال عليه السلام : و إن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له و أطيعوا . و في حديث آخر : إلا أن يأمروا بمعصية , فلا سمع فيها و لا طاعة .
قال سحنون : و ليؤمر الإمام على السرية أميرا يتقدمون بأمره و يتأخرون , و يكون من ذوي المراس في الحرب و الحنكة , و يستظهر بأهل الرأى ممن معه . و من كتاب ابن المواز , قلت : أيغزى بغير إذن الإمام ؟ قال أما الجيوش و الجمع فلا خروج لهم إلا بإذن الإمام و توليته عليهم و اليا . و قد أرخص لأهل الثغور ممن بقرب العدو يجدون الفرصة و يبعد عليهم إذن الإمام , فسهل مالك في ذلك . فأما في سرية تخرج من عسكر فلا يجوز لهم ذلك . قال عبد الملك : و هم عاصون خرجوا ببدعة و رغبوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و الأئمة بعده , و لا أرى أن ينفلوا و لا ينفل إلا من أطاعه و يستألفه على حسن فعله , و ليؤدبهم بما يرى . قال محمد : و إنما أبيح ذلك لمن بعد عن الإمام مثل اليوم و يجد الفرصة .
[3/26]
***(1/16)
[3/27]
قال أصبغ عن ابن القاسم في ناس في ثغر يخرجون سراياهم لغزة يطمعون بها و إمامهم على أيام : فإن كانت الغرة بينة من العدو و لم يخافوا أن يلقوا بأنفسهم فيحاط بهم فلا بأس به . فإن خافوا أن يطلبوا فيدركوا و لا قوة بهم في من يطلبهم , فلا أرى ذلك لهم .
قال عنه أبو زيد في قوم سكنوا بقرب العدو فيخرجون إليهم بغير إذن الإمام فيغيرون : فإن كانوا يطمعون بالفرصة و خشوا إن طلبوا ذلك من إمامهم منعهم أو يبعد إذنه لهم حتى يفوتهم ما رجوا , فذلك واسع و إن كنت أحب أن لو كان بإذن الإمام . و كذلك في العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم .
قال سحنون عن ابن نافع عن مالك , و هو في العتبية من سماع أشهب في العدو ينزل بساحل المسلمين : أيقاتلون بغير إذن الإمام ؟ قال : إن قرب منهم استأذنوه , و إن بعد فليقاتلوهم و لا يتركوهم حتى ينفر إليهم .
قال ابن حبيب : و سمعت أهل العلم يقولون : و إذا نهى الإمام عن القتال لأمر فيه مصلحة فلا يحل لأحد ان يقاتل إلا أن يغشاهم العدو و يدهمهم منهم قوة فلا بأس بقتالهم إذنه .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم , و عن السرية تخرج مغيرة في أرض العدو و هم إذا ماتت دابة أحدهم لم يقفوا عليه و لم يرجعوا و تركوه وحده في أرض الروم فإن ظفر به الروم أسروه , قال : لا يعجبني أن يخرج معهم و هم هكذا . و روى عنه أشهب في الجيش بأرض العدو فاحتاج بعضهم إلى العلف , فخرج جماعة إلى قرية للعلف , فربما بعضهم أو أسر , قال :
[3/27]
***(1/17)
[3/28]
لا ينبغي أن يخرجوا إلا في كثرة و منعة , و ما جاؤوا به فلا ينبغي أن يبيعوه . قيل : فإنا نتعلف و لا نستأذن الإمام ؟ قال : لو كان بإذنه كان أحب إلى إن استطعتم , و لكن الناس أكثر من ذلك . و لكن إن خرجتم ففي كثرة وعدة . قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب , قيل : أيبارز أحد العدو بغير إذن الإمام ؟ قال : إن كان عدلا فلا يفعله إلا بإذنه كالقتال .
و من كتاب ابن سحنون : ذكر حديث معاذ : الغزو غزوان , و ذكر غيه : و يجتنب فيه الفساد و يطاع فيه ذو الأمر ألا فكل شيء منه أجر تام . قال سحنون : و يجب أن يطيعوا أميرهم فيما يأمرهم به و ينهاهم عنه , و لا ينازعوه لقول الله تعالى : (و لا تنازعوا فتفشلوا) . فإذا أمرهم بأمر لا يدرون عاقبته فليطيعوا . و قد أمر عمرو بن العاص الجيش الذين معه ألا يقدوا ناراً في ليلة باردة . فلما قدم إلى النبي صلى الله عليه و سلم شكوا ذلك , فقال عمرو : كان في أصحابي قلة , فكرهت أن يراهم العدو , فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه و سلم . و إذا أمرهم بأمر يخاف فيه الهلكة و اجتمعوا على أنه خطا , فهذا الذي لهم أن يسألوه عنه و يناظروه فيه . فإما أن يظهر لهم صوابه فيرجعون أو يتبين له الزلل فيرجع , و لا يلزمهم طاعته في هذا . و قد رجع الصحابة إلى الصديق في قتال أهل الردة و انفاذ جيش أسامة . فإذا اختلفوا فرأى بعضهم رأي الأمير فليرجع إليه من خالفه , و ليتهم رأيه حتى يأتي الأمر البين .
و الإمارة في الحرب غير الإمارة في غيره , و إنما يقدم فيها العالم بها ذو الحنكة و التجربة مع الفضل , و قد يقدم فيها الدون في الفضل على الفاضل لما عنده من فضل العلم بالحرب .
[3/28]
***(1/18)
[3/29]
وقال النبي صلى الله عليه و سلم : إني لأقدم الرجل وغيره أحب إلي منه , ولكن لعله أيقظ عينا وأسهر سهراً ومكيدة . قال سحنون : وإذا كان في الرجل الفضل والعلم بالحرب , فليقدم ولا ينظر في نسبه عربي أو مولى . وإذا نادى منادي الأمير : يكون فلان وجنده فيالميمنة وفلان وجنده في الميسرة وفلان في المقدمة وفلان في الساقة , فلا يتعدى أمره . ومن خالف ذلك من غير عذر فللإمام أن يؤدبه إذا رأى ذلك . وعلى الإمام حياطة الناس في خروجهم في المتعلقة يكونون ردءاً لهم , ولا يخرجوا إلا بإذن , ولا يركبوا الخطر , وأن يشتروا العلف خير من ذلك , والمشتري فيه أعذر من البائع . وإذا نادى منادي الإمام : من أراد العلف فليخرج تحت لواء فلان , فلا ينبغي أن يتعدوا ذلك ولا يفارقوا اللواء إلا مفارقة قريبة لا يغيب بعضهم عن بعض , وليحذروا عند دخول القرى فلا يدخلها إلا الجماعة . وإذا نهى عن قطع الشجر والحرق والهدم , فإن كان مذهب ذهب إليه فليس عليهم طاعته في ذلك إلا فيما يرجى ظهورنا عليه . وإن كان ذلك لئلا يشتغلوا عن مناصبة العدو فليطيعوه . وإذا نهى عن القتال فليقطع . وإذا بعث سرية وقال : لا يخرج إلا ثلثمائة , فلا ينبغي أن يتجاوز ذلك , فإن خرج أكثر من ذلك وغنموا فللإمام منع الذين تعدوا من سهامهم أدباً لهم , وله ألا يمنعهم . ولو نفل السرية الربع بعد الخمس , فهذا النفل عندنا لا يصلح . فإن عقده وخرجوا عليه فلينفذه كقضية قضى بها قاض بقول بعض العلماء .
وفي باب السرايا ذكر خروج السرية بغير إذن الإمام , وكيف إن غنموا , وللمبارزة باب .
[3/29]
***(1/19)
[3/30]
في سيرة الإمام في الغزو وما ينبغي في سفره من القول والعمل
والسيرة في أرض العدو وأدب الإمام ووصيته في الغزو
ومسيرة ورفقه بالناس وذكر ما وقف من دوابهم
من كتاب ابن حبيب : روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخرج في سفره يوم الخميس باكراً ويرجع يوم الإثنين باكراً , فيبدأ فيصلي في المسجد ركعتين , ثم يحدث أصحابه ساعة , ثم يدخل . وروي أنه كان يصلي ركعتين قبل أن يخرج . وكان عليه السلام يبعث السرايا أول النهار . قال ابن مسعود : ومن خرج إلى سفر فليأت إخوانه يسلم عليهم . فإذا قدم فليأتوه . وروي للنبي صلى الله عليه و سلم نحوه في المسير يرتجي بدعائهم خيراً . وكان عليه السلام إذا استوى على بعيره يريد سفراً , كبر ثلاثاً وقال : " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون " , اللهم يسر لنا في سفرنا هذا التقوى , ومن العمل ما ترضى , اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر واطو لنا بعيده , اللهم أنت الصاحب في السفر والخليف في الأهل .
ثم ذكرنا في حديث الموطأ : وإذا رجع , قال : آئبون تائبون , إلى آخر الحديث المعروف . وذكر ما روي من القول والدعاء والتعويذ عند دخول قرية وعند النزول في ليل أو نهار .
وذكر ما روي من قول النبي صلى الله عليه و سلم إذا بعث جيشاً أو سرية , فمن ما روي أنه كان يوصيهم به : اغزوا بسم الله وعلى عون الله , فامضوا بتأييد الله بالنصر ولزوم الحق والصبر , فقاتلوا في سبيل الله , ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين , ولا تجبنوا عن اللقاء ولا تمثلوا عند الغدرة ولا تسرفوا عن الظهور ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً ولا تغلوا عند الغنائم , ونزهوا الجهاد عن عرض الدنيا , وأبشروا بالرباح في البيع الذي بايعتم به الله , وذلك هو الفوز العظيم .
[3/30]
***(1/20)
[3/31]
وهكذا في رواية ابن وهب من كتاب ابن سحنون . وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : خير الصحابة أربعة وخير الطلائع أربعون وخيرالسرايا أربع وخيرالجيوش أربعة آلاف , ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة إلا باختلاف كلمتهم . ونهى عليه السلام عن الوحدة في السفر وغيره . وقال في الإبل : احملوها على بلادكم من السير , فإنما يحمل الله , يريد : شدة السير . وكان ابن المنكدر شديد السير . وسار ابن عمر من المدينة إلى مكة في ثلاث وابن مسعود منها إلى العراق في سبع وابن الزبير من إفريقية في شهر , يريد ابن حبيب : وليس هذا في سير الجيوش , ولكن على ما هو أرفق بالناس وبقدر الحال الحاضر
قال : وقال النبي صلى الله عليه و سلم : أنجوا عليها بنقيها , وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار . وقال : إذا سرتم في الخصب فأمكنوا الدواب من أسنانها ولا تجاوزوا المنازل , وإن سرتم في الجدب فعليكم بالدلج وإذا توغلت لكم الغيلان فنادوا بالأذان , وإياكم والتعريس على جواز الطريق والصلاة عليها . وإذا ضل أحدكم أو أخطأ فليتيامن , وإذا أيى فليهرول . وارتووا من الماء وأقلوا المكث في المنازل .
قال مالك : وكان من شأن الناس أن يقتادوا بعد الصبح إلى الإسفار وينزلوا من آخرالنهار فيقيموا حتى يناموا نومة إلى ثلث الليل وترعى دوابهم ثم يركبوا . قال : وكانوا يروحون عند الفياح وذلك عند زوال الشمس .
[3/31]
***(1/21)
[3/32]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم : وينبغي لإمام الجيش ألا يعجل على أصحابه , وأن يكون في وسطهم , ويبعث سراياه , وألا يقطع الناس . وقال أيضاً مالك فيه وفي الواضحة : وينبغي أن يكون الإمام في آخرهم حتى يتقدم الضعيف ويلحق المنقطع به . وكان عمر بن الخطاب يفعل ذلك وكذلك ينبغي , ويرفق بهم ولا يعجلهم .
قال في كتاب ابن حبيب : وأوصى عمر بن عبد العزيز صاحب الصائفة أن يركب أضعف دوابه فيالجيش يضبط سيرها , وروي أن أقطف القوم دابة أميرهم . وينبغي للناس أن يرفق قويهم على ضعيفهم ويتفقد ذلك الإمام . وكان عمر يقول : أيها الناس اعملوا عملاً صالحاً قبل القتال , فإنكم إنما تقاتلون بأعمالكم .
ومن كتاب ابن سحنون , قال سحنون : وينبغي للإمام أن يوكل بالساقة رجالاً في دخوله دار الحرب وفي خروجه يلحقون بمن تخلف ويقفون على الضعيف . ومن معه دابة لا فضل فيها أمروه بتركها واللحوق بالناس . فإن أبى فلينزعوها منه ويتركوها ويلحقوه بالناس ولا ضمان عليهم فيها , ولا فرق بين أن يزال عن دابته أو تزال دابته عنه , كما قال من خالفنا : وإذا خافوا على ربها ولا فضل فيها فلهم أن يذبحوها ولا يضمنوها . ومن معه رمك أو بقر أو غنم اشتراها من المغنم فلم يقدر أن يلحق بالناس , فعلى أصحاب الساقة قتل ذلك كله إن خافوا على الرجل . وإن تركوها وألحقوا ربها بالناس ثم مرت بها سرية لحقوا العسكر بعد ذلك بساعة أو يوم أو يومين , فقام ربها , فإن كان بقي خلف ربها بقية من المسلمين فليس لأهل الساقة أن يحولوا بينهم وبينها , فإن فعلوا فهم
[3/32]
***(1/22)
[3/33]
ضامنون لما قتلوا أو هلك منها . وإن فعلوا ذلك ولم يعلموا من خلفهم أو خلفهم سرية لم يعلموا بها لم يضمنوا ما قتلوا أو هلك منها . وإن جاء بها هؤلاء فاربابها أحق بها ويؤدون إليهم ما أنفقوا عليها وإلا أسلموها إليهم . ولو أنفقوا عليها وهم يظنون أنها للعدو غنيمة , فلا رجوع لهم بالنفقة على أربابها , كما لو غنموا عبيداً من أيدي العدو للمسلمين فلأربابها أخذها بغير نفقة . ولو قسمت أخذوها بالثمن , فلا نفقة لأنهم أنفقوا على أموالهم .
وقال أكثر أصحابنا : من وقفت عليه دابته فتركها فأنفق عليها رجل , فلربها أخذها منه ويغرم له النفقة إلا أن يسلمها بالنفقة , والقول قوله فيما أنفق مما يشبه . فإن اختلفا في المدة فقال المنفق من وقت كذا وقال ربها من وقت كذا أو قال لا أدري و فالمنفق مدعٍ , فإن جاء بالبينة وإلا فلا شيء له إلا ما أقر به ربها .
وقال ابن كنانة : إنما يغرم النفقة إن كانت يسيرة , فإذا عظمت فلا يلزمه , لأنه لم يكن له أن يحبسها حتى يذهب في نفقتها . وقال بعض أصحابنا في المنفق على الضالة إن كان ممن يطلب الضوال فله جعل مثله , ولا نفقة له إلا أن يكون جعله أكثر من قيمتها فلربها إسلامها بذلك الجعل أو غرمه . و إن كان مثله لا يطلب الإباق فئة النفقة , و لا جعل له إلا أن يسلمها ربها بالنفقة فذلك له . و كذلك الوديعة ينفق عليها .
في الغزو بالمصاحف و النساء و الاستعانة بالكفار
من كتاب ابن حبيب : نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو . و قال مالك : أراه مخافة أن يناله العدو . قال ابن حبيب : لما يخشى من تعنتهم واستهزائهم به و تصغير ما عظم الله منه .
[3/33]
***(1/23)
[3/34]
و من كتاب ان حبيب و كتاب ابن المواز , قال ابن المواز : قال ابن الماجشون : و لو أن الطاغية كتب إلى السلطان أن يبعث إلية مصحفاً يتدبره أو يدعو إلية فلا ينبغى أن يفعل , و ليس هذا وجه الدعوة , و هم أنجاس و أهل ظنة و بعض للإسلام و أهله . قال ابن سحنون قلت لسحنون : أجاز بعض العراقيين الغزو بالمصاحف إلى أرض العدو في الجيش الكبير كالصائفة و نحوها . فأما السرية و نحوها فلا . قال سحنون : لا يجوز ذلك لنهي النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك عاماً , و لم يفصل , وقد يناله العدو من ناحية الغفلة عنه .
قال ابن الماجشون : لا يتعرض بما يكون سبباً لاستخفافهم به . قال : و إذا طلبك ذمي أو حربي أن تعلمه القرآن فلا تفعل لأنه خبيث , و إنما المشركون نجس . و لا بأس أن يقرأ القرآن على الكفار و يحتج عليهم به كما قال الله عز وجل . و من كتاب ابن سحنون : قال سحنون عن ابن وهب , قال مالك : ليس على النساء جهاد . قال سحنون : و لا نفير . و من الواضحة نحوه . قال ابن عباس : و عزا النبي صلى الله عليه و سلم بالنساء يداوين الجرحى و يمرضن المرضى .
قال في الواضحة : و يسقين الماء . قال ابن عباس و غيره : و لم يسهم للمرأة . قال ابن شهاب : لم يبلغنا أنه أسهم لامرأة و لا لعبد , و لا أن النساء قاتلن معه . قال سحنون : و قد قاتل نساء يوم اليرموك لما هجم الروم على العسكر . قال سحنون : و هم ثلاثون ألفا و الروم مائة ألف و عشرون ألفا . قال : و كانت عائشة مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم الخندق . قال سحنون : و كانت أم سليم معه يوم حنين .
ومن الكتابين : وأجاز مالك أن يخرجن في الصوائف والعساكر العظام , وأجاز أن يخرج الرجل بأهله إلى الرباط .
[3/34]
***(1/24)
[3/35]
قال سحنون : إلى المواضع المأمونة الكثيرة كالإسكندرية وتونس , وشك في سفاقس وسوسة . وأما غير هذين من سواحلنا فلا يخرج بهن إليها . وأجاز ابن القاسم الغزو بهن في العساكر المأمونة الكثيرة الأهل . وأجاز ذلك الأوزاعي في الجواري ونهى عنه في الحرائر , ولا فرق بين ذلك . قال مالك : ولا يعجبني أن يغزو بأم ولده , وأجاز مالك السكنى بالأهل والولد في الثغور المأمونة مثل ثغور الشام ومصر . ورب ثغر فيه ألف رجل وليس بمأمون ورب سواحل موطأة مثلالاسكندرية وشبهها , فهذه مأمونة .
قال ابن حبيب : ويكره للإمام أن يكون معه أحد من المشركين أو يستعين ببعضهم على بعض . قال النبي صلى الله عليه و سلم : لن أستعين بمشرك . قال ابن حبيب : وهذا في الزحف والصف وشبهه , فأما في هدم حصن أو رمي مجانيق أو صنعه أو خدمه فلا باس . و لا باس أن يقوم بمن سالمه من الحربيين على من لم يسالمه منهم بالسلاح و نحوه , و يأمرهم بنكايتهم . و لا بأس أن يكون من سالمه منهم بحذاء عسكره و قربه و مسايرين له يقوون بظلمه على من حاربه منهم ما لم يكونوا في داخل عسكره .
في السرايا و الألوية و الرايات و العمائم
و في خروج السرية بغير إذن الإمام
من كتاب ابن سحنون : قال ابن شهاب : قال النبي صلى الله عليه و سلم : خير الجيوش أربعة الأف و خير السرايا أربع مائة , و الحديث بتمامه في باب سيرة الإمام .
و من العتبية : روى أشهب عن مالك قيل له : إنه يقال خير السرايا أربعمائة , قال : قد بعث النبي صلى الله عليه و سلم أبا عبيدة على سرية فيها ثلاثمائة , و ربما بعث الرجل الواحد و الرجلين سرية .
[3/35]
***(1/25)
[3/36]
و من كتاب ابن سحنون : قال سحنون : و ليس في السرية توقيت لا يتعدى , و إنما ذلك على اجتهاد الوالي بقدر ما يرى من شدة الخوف و كثرة العدو و قلة ذلك , فيقابل ذلك بما يراه على حياطة المسلمين .
و من العتبية : روى أصبغ عن ابن القاسم قال : لا بأس ببعث السرايا و انتشارها سراً و علانيةً , و هي من أمر الجهاد قديماً . قال النبي صلى الله عليه و سلم : يرد على المسلمين أقصاهم . و لا أرى أن يكون إلا كتبية و ذوي شجاعة و إن قلوا . ورب رجلين خير من مائة ما لم يبعثوا القلة على الحصون و شبهها , و لا ينبغي أن تكون السرية غرراً و لا إلى موضع غرر و غرة , فإن و هنها و هن العسكر . و من كتاب ابن سحنون , قال سحنون : و أصحابنا يرون في سرية تخرج في قلة و غرر بغير إذن الإمام فغنموا : فللإمام منعهم العنيمة أدباً لهم . قال سحنون : فأما جماعة لا يخاف عليهم فلا يحرمهم العنيمة و إن لم يسأتذنوه , يريد ك و قد أخطأوا . قال ابن القاسم عن مالك في القوم يأتون المصيصة فيجدون الوالي قد أخرج سرية فيدعون دخول القرية لئلا يمنعهم الخروج معهم فيلحقون بهم , فلا بأس بذلك إن شاء الله إن لم يخالفوا على أنفسهم ضيعة . قال سحنون : فلذلك قلت في أولئك لا يمنعوا الغنيمة .
قال ابن الماجشون في سرية خرجت بغير إذن الإمام : فإن أمنت حصناً على مال أو على غير مال خوفاً على أنفسهم , فإن كان غلب عليهم الشرك فلم يخلوهم حتى أعطوهم الأمان فذلك باطل . و إن كان على ذلك طلباً للمال فلا يفجأهم الإمام بشيء حتى ينذرهم أنه لم يجز أمان أولئك .
و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله أعز هذا الدين بالعمائم و الألوية . قال يزيد بن أبي حبيب أول من عقد اللواء الأبيض معاوية , و كانت الرايات سوداء .
[3/36]
***(1/26)
[3/37]
قال يحيى بن سعيد : أول من عقد الأولوية إبراهيم عليه السلام . قال زهير : و كان لواؤه أبيض . و اعتم النبي صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب بعمامة سوداء قد أسدلها بين كتفيه على قطيفة حمراء . و روى ابن حبيب أنه عمم علياً و أسدلها بين كتفيه .
و من كتاب ابن سحنون : قال مالك : و العمائم من لباس العرب . قال ربيعة : و هي تزيد في العقل , و كان من أدركت يلبسونها , وكان الإمام يخطب بها في الشتاء و الصيف . قال مالك : و لم أتركها إلا منذ و لي بنو هاشم , فتركتها خوفا من خلافهم لأنهم لا يلبسونها .
و كان من أدركت لا يرخي بين كتفيه منها شيئاً و لكن بين يديه يسدل منها , و لا أكره إسدالها من خلف لأنه غير جائز إلا أن هذا أجمل . قال غيره : و قد أسدل ابن عمر بين كتفيه بعمامة سوداء . و كانت عمامة النبي صلى الله عليه و سلم يوم الفتح سوداء .
قال ابن شهاب : أول راية عقدت على الحق يوم خيبر . و عقد النبي صلى الله عليه و سلم لعمرو بن العاص لواء في غزوة ذات السلاسل . قال الحسن : كانت راية النبي صلى الله عليه و سلم سوداء تسمى العقاب . قال غيره : و كانت راية خالد يوم دمشق سوادء . قال ابن القاسم في العتبية : و لا بأس أن يتخذ راية من حرير .
ومن كتاب ابن حبيب : روى ان النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله أكرم هذه الأمة بالألوية و العمائم , و كان علية السلام يعقد الألوية يوم الخميس . و إن جبريل أتاه في بعض المغازي و عليه عمامة سوداء قد أسدلها بين كتفيه , و قيل : حمراء . و في الباب الذي يلي هذا شيء من ذكر العمائم .
[3/37]
***(1/27)
[3/38]
في اتخاذ السلاح و العدة و رباط الخيل و النفقة عليها
و ذكر الفروسية و الرماية و العوم وزي العرب
من كتاب ابن حبيب : قال ابن عباس في قول الله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل) : فالقوة : السلاح كله و العدة في سبيل الله , ومن القوة تعلم الرمي . و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ألا إن من القوة الرمي , قالها مرتين . قال أبو معاوية الضرير : و من القوة اتخاذ الحجور . قال عكرمة : القوة الحصون و رباط الخيل الإناث . قال عمر : و من السلاح توفير الأظفار في الغزو . و قال النبي صلى الله عليه و سلم : من تقلد سيفاً في سبيل الله , البسه الله وشاح الكرامة , و كان يأمر بالقوس العربية و يكره الفارسية , و أمر بالعمة و عمم عليا بعمامة سواء أسدل منها بين كتفيه , و قد بعثه في سرية و قال : من أعد عدة في سبيل الله كانت له في زمانه كل غداة . و من العتبية : قال ابن القاسم : قال مالك : لا بأس أن يحمل الرجل رمحه و سلاحه في الغزو و معه من يحمله له من غلام و غيره . و قيل : أفيحمله غلامه ؟ قال : لا بأس به , و لعل ذلك يكون خيراً له إن احتاج إلى القتال ألا يتعب نفسه , فذلك حسن أن يحمله غلامه .
و من كتاب ابن حبيب , قال : و كان في درع النبي صلى الله عليه و سلم حلقتان عند الثندوة و مثلها في ظهره . قال محمد بن علي : لبستها فحطت في الأرض , و كان له مغفر و ترس .
[3/38]
***(1/28)
[3/39]
و من كتاب اخر : و كان لعلي رضى الله عنه درع و هو الذي أصدق فاطمة . و كان درع عمر تامة و كان لها ساقان كساقي السراويل , و ما بينهما مرفوع مفتوح يلبس منه , ثم يربط بشراكين فيصير كمقعدة السراويل , و كان له مغفر من نحوها . و كانت قبيعة سيف النبي صلى الله عليه و سلم فضة و في وسطه حلقة من فضة و في جفنه حلقتان من فضة , و اتخذ عمر مثله , و زاد فيه ابن عمر بعده بكرات فضة , و كان عريضا فيه قصر طوله أربعة أشبار من نعله إلى قبعته .
وروى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعجبه أن يكون الرجل سابحاً راميا فارساً و كتب عمر إلى أهل حمص : علموا أولادكم السباحة و الرماية و الفروسية و الاختفاء بين الأغراض . و قال : أختفوا و تجردوا و اخشوشنوا و تمعددوا و اقطعوا الركب و انزوا على الخيل نزوا وارموا الأغراض , و إياكم و لباس العجم , البسوا الأزر و الأردية و القوا السراويلات و استقبلوا حر الشمس بوجوهكم فإنها سامات العرب و اطرحوا الخفاف و البسوا النعال .
قال أسلم مولى عمر : و رأيت عمر يمسك بأذن فرسه ثم ينزو عليه . قال النبي صلى الله عليه و سلم : كل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا في ثلاث : تأدييه فرسه ورميه عن كبد قوسه و ملاعبته امراته فإنهن حق . و قال : من ترك الرمي بعد أن تعلمه فقد عصاني . و روي أنه عليه السلام قال : لهوان تحضرهما الملائكة الرمي و استباق الخيل . و قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة . و قال : ارتبطوها , فإن بطونها لكم و ظهورها لكم عز , و أصحابها معانون عليها , قلدوها و لا تقلدوا الأوتار . قال ابن حبيب : يعني : الدماء و الفساد , و نهى عن جز نواصيها و أعرافها و أذنابها . و قال : مثل الذي يربط فرساً كمثل
[3/39]
***(1/29)
[3/40]
الصائم نهاره القائم ليله الباسط بالصدقة كفه فلا يقبضها . و الفضل في رباط الخيل و التراغيب فيها في النفقة عليها كثير جدا . و كثير مما ذكر ابن حبيب من هذا مثله في كتاب ابن سحنون . و كره عليه السلام خصاء الخيل , و شدد الكراهية فيه و نهى عن ذلك . و قال في الخيل : خضرها صلبها . و كمتها ديباجها , و شقرها جيادها , و بارك في الشقر ثلاثاً , و روي عنه أنه قال : خير الخيل الحر . و كان يكره منها الشكال , و هو الذي برجله اليمنى بياض و بيده اليسري بياض أو في يده اليمنى و رجله اليسري , و نهى عليه السلام عن إنزاء الحمير على الخيل , و نهى عنه عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز .
في الدعوة قبل القتال
من كتاب ابن سحنون و كتاب ابن المواز : روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا غزا قوما لم يعز عليهم حتى يصبح , و أمر علياً , بالدعوة ثلاثاً , و فعله علي رضى الله عنه .
و قال نافع : إنما كان هذا قبل ظهور الإسلام . قال ابن المواز : يقول : قبل أن يفشو و ينتشر . قالوا : و قد أغار النبي صلى الله عليه و سلم على بني مصطلق , و هم غارون , و بعث في قتل ابن أبي الحقيق و ابن الأشرف و صاحب بني لحيان غيلة , و احتج بذلك يحى بن سعيد و قال : لا بأس أن تبتغي غرتهم إلا من ترجى إجابته من أهل الحصون , فليدعوا , و قاله عمر بن عبد العزيز . و قال ربيعة : من لم تبلغهم الدعوة , فليدعوا و يقرا عليهم القرآن و يعرض عليهم الإسلام
[3/40]
***(1/30)
[3/41]
و يضرب لهم الأمثال و العبر . و إن آبوا جاز آلتماس غرتهم , ثم تصير الدعوة تحذيرا لهم . و قال النخعي في العدو : قد علموا ما يدعون إليه , و قاله الحسن . و قال أبو عثمان النهدي : كنا ندعو أو ندع . و قال ابن عباس : إذا لقيتم العدو فآدعوهم . و من كتاب ابن المواز : قال أشهب : الدعوة لأهل الكفر حسنة , و قاله عبد الملك . قال ابن المواز : و إنما الدعوة في من بعد عنهم خبر الإسلام . و قد قال مالك في أهل الكنيسة و من دنا منهم من المصيصة و الثغور : إن الدعوة فيهم ساقطة . قال عبد الملك : دعوة هؤلاء تحذير لهم و تحريض لأن يستعدوا . و أما من لم يكن مثلهم فالدعوة أحوط . و لعل الإجابة ستكون , فليدعوا بلغت الدعوة ما بلغت .
قيل لسحنون : أتجب الدعوة اليوم في من بعدت داره أو قربت ؟ قال : قد قال من ذكرنا : إن الدعوة اليوم قد بلغت جميع الأمم .
قيل لأصبغ في العتبية و غيرها : أرأيت من دعي إلى الإسلام أو الجزية , فأبوا فقوتلوا على هذا مراراً , أيدعون كلما غزوناهم ؟ قال : أما الجيوش الغالبة و الصوائف , فلا يقاتلوا إلا بدعوة لأنهم ظاهرون . و أما السرايا فلا دعوة عليهم , و دعوتهم إنذار العدو . و هم مع الإختلاف في الدعوة , و قد قال جل الناس : إن الدعوة بلغت جميع العالم . و قال عمر بن عبد العزيز : لا يقاتلوا حتى يدعوا لأنهم يخيل إليهم و إلى كثير منا أنا نقاتلهم على الغلبة , فينبغي أن يبين , فإنما نقاتل على الدين . و من كتاب ابن سحنون , قال : و لم يفرق سحنون بين الجيوش و السرايا و قال : إن وجبت فعلى الجميع , و إن لم تجب سقطت في الوجهين . قال ابن سحنون : اختلف في الدعوة على ثلاثة أوجه , فقيل : لا تلزم في كل أحد لبلوغ الدعوة , و قاله الحسن و غيره . و قيل : الدعوة واجبة في كل أحد بعدت داره أو قربت ,و قاله عمر بن عبد العزيز و غيره . و قاله مالك و أكثر العلماء . قال ابن
[3/41]
***(1/31)
[3/42]
الماجشون عن مالك : لا دعوة فيمن قرب منا مثل المصيصة و الكنيسة و طرسوس .
قال ابن حبيب : قال المدنيون من أصحاب مالك : إنما الدعوة اليوم في من لم يبلغه الإسلام و لا يعلم ما يقاتل عليه . و أما من بلغه الإسلام و علم ما يدعى إليه و حارب و حورب كالروم والإفرنج و من دنا من أرض الإسلام و عرفه , فالدعوة فيهم ساقطة . قال ابن حبيب : فليغر عليهم و يلتمس منهم الفرصة . و قد بعث النبي صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد إلى خالد بن يليم فأغتاله . و كذلك فعل بابن الأشرف و ابن أبي الحقيق .
و من العتبية , و هو في كتاب ابن المواز و غيره : قال ابن القاسم عن مالك : و إذا أغار أهل المصيصة في أرض الروم فأتوا حصناً لهم , فأحب إلي ألا يغيروا حتى يدعوهم , قيل : قد بلغتهم الدعوة . قال : و إن .
قال ابن سحنون : و قال أيضاً مالك : الدعوة أصوب إلا أن يعاجلوكم . قال ابن القاسم : غزوناهم أو جاءونا . و قد قال أيضاً مالك : لا يدعى من قرب من الدروب , و أما من بعد و خيف ألا يكونوا كهؤلاء فليدعوا . قال سحنون : و لو أن أهل الحرب ممن يظن أن الدعوة قد بلغتهم قوتلوا بغير دعوة فغنموا و قتلوا , فذلك ماض و ليس عليهم رده , و قد أساءوا .
[3/42]
***(1/32)
[3/43]
ذكر ما يدعون إليه , و ذكر من تقبل منه الجزية
و كيف إن بذلوا مالأً على هدنة أو صلح
و هل تقبل الجزية من العرب ؟
من كتاب ابن حبيب : روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر أن يدعوا إلى الإسلام و الصلوات الخمس و صوم الشهر و حج البيت و الزكاة : فإن أجابوك و إلا فقاتلهم . وأمر الصديق خالدا أن يقاتل من أبى واحدة من هذه الخمس منها الشهادة . و قي حديث روي للنبي صلى الله عليه و سلم , ذكره ابن سحنون و ابن حبيب , و معنى ما فيه : وإن أجابوك إلى الإسلام فادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين و لهم ما لهم و عليهم ما عليهم . فإن أبوا الإسلام و بذلوا الجزية , فكف عنهم و إلا فقاتلهم .
قال سحنون : أما الدعوة إلى الإسلام فهي قائمة . قال ابن القاسم : يدعون إلى الله و إلى رسوله , فيسلمون أو يؤدون الجزية . قال سحنون : كانوث أهل كتاب أو غيرهم من مجوس أو عبده أو ثان . و أما ما ذكر في الحديث من التحول من دارهم إلى دار الهجرة فقد ذهب هذا بعد الفتح , و لكن إن كانوا الذين أسلموا فى القرب من سلطان الإسلام و حيث يأمنون أم يفتنهم الكفار عن دينهم فلا انتقال عليهم . و إن بعدوا من سلطاننا بحيث لا يؤمن عليهم منهم و أن تجري عليهم أحكامهم فعليهم الانتقال , و لا تقبل الجزية من هؤلاء إن بذلوها و لم يسلموا حتى ينتقلوا إلى دار الإسلام . و كذلك أمر الصديق رضى الله عنه يزيد ابن أبي سفيان و عمرو بن العاص و شرحبيل بن حسنة . قال ابن سحنون : و إنما
[3/43]
***(1/33)
[3/44]
كانت الدعوة من النبي صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام وحده حتى أمره الله جل و عز بأخذ الجزية في غزوة تبوك من أهل الكتاب , قاله مجاهد .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم في المجوس : سنوا بهم سنة أهل الكتاب , و أخذها من مجوس هجر و مجوس البحرين . و أخذها عمر من مجوس السواد , و قيل من مجوس فارس . و أخذها عثمان من البربر .
و من كتاب آخر : و قال ابن شهاب : و من لم يتعلق من العرب بدين فلا يقبل منه إلا الإسلام . و من تعلق منهم بدين قبلت منه الجزية لقول الله سبحانه : (و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لله) .
قال ابن سحنون : قلت لسحنون : روي عن ابن وهب قال : إنما قائل النبي صلى الله عليه و سلم قريشاً على الإسلام أو السيف . فمن كان اليوم من العرب من تغلب و تنوخ و غيره لم يدخل في ملة فلا تقبل منهم جزية و يقائلون على الإسلام . و من هذا , و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم في المجوس : سنوا بهم سنة أهل الكتاب . و كتب إلى هجر إلى عظيم غطفان المنذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام و قال : من أبى فعليه الجزية . فما فرق بين عربي و غيره , و كان فيهم مجوس و غيرهم .
و قال أشهب في الأمم كلها إذا بذلوا الجزية قبلت منهم , فأهل الكتابين بكتاب الله و مجوس بالسنة . و قال ابن القاسم : يسترق العرب إن سبوا كالعجم , و لم يفرق بينهم , و أرى ابن وهب ذهب في هذا إلى مذهب اهل العراق . و من كتاب ابن المواز ذكر أصبغ أن ابن وهب قال : إن النبي صلى الله عليه و سلم قائل مشتركي قريش على الإسلام أو السيف , و كذلك سبيل تنوخ و تغلب و شبههم . و إن دخلوا في دين اهل الكتابين قوتلوا على أن يسلموا أو يؤدوا الجزية . قال ابن عباس : و من دخل في ملة قوم فهو منهم . و قد أخذ النبي صلى الله عليه و سلم الجزية من
[3/44]
***(1/34)
[3/45]
مجوس هجر . و أخذها عمر من مجوس السواد وعثمان من البربر . و من لم يدخل في ملة قوم لم يقبل منه غير الإسلام أو السيف , و لا تقبل منهم الجزية . قال ابن حبيب : و إذا وجبت الدعوة فإنما يدعون إلى الإسلام جملة من غير ذكر الشرائع , إلا أن يسألوا عنها فتبين لهم , قاله مطرف و ابن الماجشون . قال ابن حبيب : وإذا حاصرنا حصناً للروم فبذلوا لنا الجزية على الانصراف عنه , فإن كنا على رجاء من فتحه لم يجز قبول ذلك من غير تحريم للتربص و الصبر على الإضرار بهم إن كان في الجيش قوة على ذلك . قال : و إذا بذلوا الجزية قبلت منهم إن كانوا بموضع ينالهم سلطان الإسلام و حكمه , أو يكون المسلمون قد حازوا ما حولهم و خلفهم و احتووا عليه , فليقبلها منهم . و إن لم يكونوا بهذه الصفة , و هم في بعد من سلطاننا و قرب من سلطاننا . و يستحب إذا انتقلوا إلى دار الإسلام أن يخفف عنهم في شرطهم و جزيتهم لفراقهم أرضهم , فإن أبوا فالسيف . و من العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب : إن كانوا بموضع لا نصل نحن إليهم إلا بخوف شديد , فلا تقبل منهم الجزية إلا أن ينتقلوا , فإن أبوا قوتلوا . و إن كانوا بموضع يقدر المسلمون على الإختلاف إليهم و لا يخافون على أنفسهم فلتقبل منهم الجزية .
و من كتاب ابن سحنون : و قد كان هارون الخليفة صالح قوماً من الروم على ثلاثين ألفاً , فكره ذلك أصحابنا ورأوا أن الجزية صغار لهم إن كانوا حيث ينالهم سلطان . قيل : فقد هادن النبي صلى الله عليه و سلم أهل مكة . قال : نعم , و ذلك جائز إذا لم يكن بالإمام قوة على العدو وخاف الوهن فله أن يهادن حتى يكون للمسلمين قوة . و كان الإسلام قليلاً يوم صالح النبي صلى الله عليه و سلم و الأرض كلها شرك .
[3/45]
***(1/35)
[3/46]
وسأله أهل الأندلس فقالوا : أرأيت إن انقطعت عنا الجيوش وضيع أميرنا الجهاد وبعد منا , وعدونا قريب في قوة , هل لأمير الثغر أن يصالحهم على غير شيء يطرأ إذ لا طاقة لنا بهم ؟ قال : نعم , فلا يبعد في المدة لما قد يحدث من قوة الإسلام .
في لقاء العدو ووقت قتالهم والبغتة للقتال والسكينة والذكر
وذكر الشعار ولباس الحرير وغيره في الحرب وتسويم الخيل
وفيمن قاتل للفخر , والنية في الجهاد , وطاعة الإمام
من كتاب ابن حبيب : قال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله . وفي حديث آخر : فإن صاحوا فعليكم بالصمت والسكينة " ولا تنازعوا فتفشلوا " , وإذا أتوكم فاثبتوا وأكثروا ذكر الله وعليكم بالأرض , وقولوا : اللهم أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك , وإنما تغلبهم أنت فاهزمهم لنا . فإذا غشوكم فقوموا وغضوا أبصاركم واحملوا على بركة الله
وكان النبي عليه السلام ينتهز إلى عدوه حين تزول الشمس , وكان يقول : اللهم منزل الكتاب , مجري السحاب , هازم الأحزاب , اهزمهم لنا وانصرنا عليهم وزلزل بهم . قال سحنون في كتاب ابنه : ويكره رفع الصوت عند اللقاء بالجدال والمنازعة ويعد ذلك فشلاً , وأما إن كان تحريضاً لقلوب المسلمين ونفعاً لهم فلا بأس به . قال قيس بن عباد : كره الصحابة رفع الصوت عند الجنازة وفي الصلاة وعند القتال . قال الحسن ويكره عند قراءة القرآن . وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : عليكم بالسكينة " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " .
[3/46]
***(1/36)
[3/47]
قال ابن نافع عن مالك : لا بأس برفع الصوت بالتكبير في السواحل بحضرة العدو وبغير حضرتهم إلا أن يؤذى به القارىء والمصلي . وقد تقدم هذا في باب الرباط .
قال سحنون : وتكره الخفة والطيش عند الفزع فيالعسكر , وينبغي التثبت والسكينة وترك العجلة حتى تتبين الأمور . وروي نحوه للنبي صلى الله عليه و سلم : وإذا سمعت النداء في العسكر : السلاح السلاح , فالبس سلاحك ولا تذهب نحو الصوت ولكن إلى الإمام لتسمع أمره أو نهيه إلا أن تخاف العدو على الموضع الذي ضربوا فيه فاقصد الموضع . فإن كان النداء ليلاً فامض إلى مضرب الإمام . وإن نادى مناديه الصلاة جامعة فلا يتخلف أحد إلا من يحفظ الرحال , رجل أو اثنان في كل رحل . وإن الزموا الساقة لزم ذلك كل امرىء إلا من ضعف .
قال سحنون . والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه عند اللقاء حسن ومن فعل الماضين . وكان من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم يوم حنين : يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت , برحمتك أستغيث , فاكفني كل شيء ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين . وروي بلفظ آخر . ومن دعائه عليه السلام يوم الأحزاب : اللهم منزل الكتاب , ومجري السحاب , سريع الحساب , هازم الأحزاب , انصرنا عليهم وزلزل أقدامهم . وروي أنه يقول عند اللقاء : اللهم أنت عضدي ونصيري , بك أحول وبك أصول وبك أقاتل . وقال : اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم . وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له , أعز جنده , ونصر عبده , وغلب الأحزاب وحده , فلا شيء يغلبه .
ومن سماع ابن القاسم , قال ابن اقاسم : قلت لمالك : هل بلغك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتحرى قتال العدو بعد الزوال ؟ قال : ما بلغني ذلك , وما كان قتال النبي صلى الله عليه و سلم أهل خيبر إلا أول النهار حين خرجوا لما أصبح بمساحيهم ومكاتلهم , وما كان قتاله يوم أحد إلا أول النهار .
[3/47]
***(1/37)
[3/48]
قال ابن حبيب : ولم يزل الشعار من أمر الناس . قال ابن عباس : كان شعار يوم بدر : يا منصور , ويوم حنين : حم لا ينصرون , يريد : اللهم , وشعارهم حين انهزموا : يا أصحاب سورة البقرة , وكان ذلك تحضيضاً ليكروا فكروا .
قال سحنون في كتاب ابنه : و الشعار من الأمر القديم , و ينبغي أن يتخذ كل قوم شعاراً , فمن ضل منهم ناداهم بشعارهم . قال مالك : كان شعار الصحابة يوم حنين : يا أصحاب سورة البقرة , قال غيره : و شعارهم يوم بيتتهم هوزان : أمت أمت . و قال عليه السلام : إن لقيتم العدو , فشعاركم حم لا ينصرون . قال ابن حبيب قالت عائشة : كان للنبي صلى الله عليه و سلم جبة من سيجان مكففة بديباج , يلبسها في الحرب . قالت أسماء : و أعطى عليه السلام للزبير ساعدي ديباج كان يقاتل بهما . و لم ير القاسم بن محمد بلباس الحرير في الحرب بأساً . و لبسه أنس بن مالك في قتال فارس , و نحوه عن عروة و عطاء . و قال ابن الماجشون : لا بأس بلبسه عند القتال , و أجازه مالك و غير واحد من صاحب و تابع , و ذلك لإرهاب العدو و مباهاته .
ومن كتاب ابن المواز قال مالك و هو في سماع أشهب : لا أحب لبس الحرير و الذهب في الغزو , و ما سمعت أن أحداً ممن يقتدى به لبس شيئاً من ذلك في الغزو , و قد كانت المغازي على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و من العتبية من سماع ابن القاسم : و عن رجال بالإسكندرية يتهيؤون يوم العيد بالسلاح و يلبسون عليها ثياباً حريراً يتباهون بها . قال : ما يعجبني لبس الحرير . قال ابن القاسم : لا بأس أن يتخذ منه راية في أرض العدو . جهاد و من كتاب ابن سحنون : و لا بأس باتخاذ التجافيف من جلود السباع
[3/48]
***(1/38)
[3/49]
تعلق على الخيل للتهيب بها . و إن كان فيها أجراس فلا بأس به . قال ابن سحنون : و نهى عن ذلك الأوزاعي و خالفه سحنون واحتج بأن أبا دجانة لما عصب رأسه بعصابة حمراء و تبختر بين الصفين يوم أحد قال النبي صلى الله عليه و سلم : إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن , فأجاز عليه السلام فيه ما لا يجوز في غيره . و قال ابن حبيب : و استحب أهل العلم تسويم الخيل عند القتال لقول الله تعالى : (يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) : يعني : معلمين في أذناب خيولهم و نواصيهم بالصوف , قاله مجاهد . و قال غيره : و سيما الملائكة العمائم و سيما خيلهم الصوف الأبيض . و قال النبي صلى الله عليه و سلم : من قتل و هو يريد وجه الله فذلك الشهيد . قال عمر : من الناس من يقاتل للدنيا و من يقاتل رياء و من يقاتل إن دهمهم القتال لا يستطيع غيره , ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله فأولئك الشهداء . وقال النبي صلى الله عليه و سلم : رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته . و قال عليه السلام : شر ما في الرجل وشح هالع وجبن خالع . واتجز النبي صلى الله عليه و سلم , و هو يقاتل :
أنا النبي لا كذب = أنا ابن عبد المطلب
و كان الصديق سالا سيفه بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم يشرع القتل في المشتركين , فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : أغمد سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك .
[3/49]
***(1/39)
[3/50]
في الفرار من الزحف و الانحياز إلى فئة
و من حصر فخاف الهلاك
و من يلقي بنفسه من خوف النار إلى غرق أو قتل
قال ابن حبيب : اختلف في قول الله سبحانه : (الآن خفف الله عنكم و علم أن فيكم ضعيفاً) , الآية . فقيل : وهم الأكثر , يعني : ضعفاً في العدد لا في القوة و لا الجلد , فلا يحل أن يفر الرجل من رجلين و لا المائة من مائتين من العدو و إن كانوا أشد منهم سلاحاً و أظهر جلداً و قوة إلا أن يكونوا بأرض العدو و موضع مادتهم و لا مادة للمسلمين , فيخافون من استجاشة العدو عليهم فلهم حينئذ في الانحياز عنهم و التولية منهم سعة . و قيل : إنما ذلك في القوة و الجلد , فلو أن مائة مسلم لقوا ثلاثمائة أو خمسمائة ليسوا مثلهم في القوة و الجلد , لم يجز لهم التولية عنهم , فإنما الضعف في القوة و الجلد لا في العدد . وهذا قول ابن الماجشون و روايته عن مالك و به أقول . و لم يأخذ مالك بقول عمر : أنا فئة لمن انحاز إلي و هو بالمدينة , و إنما ذلك إلى رأس الجيش وولاته دون والي الطائفة .
و إذا دخل والي الجيش المستعظم فانحياز السرية أو الخيل إلى الجيش دون من هو أبعد منه , و انحياز الطوائف و الجيوش إلى من هو أقرب إليها من المسلمين و من إذا دنا منه خيف منه و انتهي عنه . و قال الحسن : لم يكن الفرار من الزحف كبيرة إلا يوم بدر , لأن تلك العصابة لو أصيبت ذهب الإسلام . فلما نصره الله صار الجهاد تطوعاً , فلو جاء المسلمين عدو لا يطيقونه تحيزوا إلى البصرة . فإن جاء ما يغلبهم تحيزوا إلى الكوفة . فإن جاء ما يغلب فإلى الشام . فإن جاء ما يغلب فإلى المدينة , ثم إن جاء أمر غالب , فلا تحيز لهم و صار قتالهم فريضة .
[3/50]
***(1/40)
[3/51]
قال يزيد بن أبي حبيب : أوجب الله سبحانه لمن فر يوم بدر النار . ثم كانت أحد , فقال جل و عز : (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان , إلى قوله : و لقد عفا الله عنهم) . ثم كانت حنين , فقال فيمن تولى : (و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم , إلى قوله : ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) , فنزل العفو فيمن تولى بعد يوم بدر .
ومن كتاب ابن المواز , قال : لا يجوز الفرار من المثلين إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة , كما قال الله سبحانه . و لم فئتهم إذا كان على خوف التهلكة و الضعف عن قتالهم , و قاله عبد الملك عن مالك .
قال ابن المواز : و إنما الانحياز إلى والي جيشه الأعظم الذي دخل معه , و ربما تكوؤن سرية دون سرية , فتنحاز المتقدمة إلى من خلفها ممن يليها , ثم تنحاز إذا جاءهما أكثر من مثليهما إلى من يليهما حتى يبلغ الانحياز إلى الجيش الأعظم وواليهم الأكبر , و قاله عبد الملك , و الله أعلم بما يخرج من سخطه . و قال عن مالك : لا يجوز الانحياز إلا عن خوف بين وعن جيش مستطلع و ضعف من السلطان , فأما عن أمر متناصف في الغلبة لهم طمع فلا . و لا يكون لأمير الجيش ما يكون للسرايا من الانحراف و التولي عنهم . قال : و لهم سعة أن يثبتوا لقتال أكثر من الضعفين و الثلاثة و أكثر من أضعاف كثيرة , و هم يجدون مصرفاً عنهم .
قلت : فإن علموا أنهم مقتولون إن ثبتوا ؟ قال : و أحب إلي أن ينصرفوا عنهم إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً , فإن لم يجدوا (فلهم أن يقاتلوا حتى يقتلوا . فمن احتسب نفسه على الله فهو شهيد . و من ثبت حتى قتل و هو يجد) منصرفاً و قد علم أنه إن ثبت قتل , فإنه يرجى له أفضل الشهادة , و إنما الشهادة لمن أيقن
[3/51]
***(1/41)
[3/52]
بالموت قبل أن يموت , فاحتسب كما قال عمر . وروى أشهب عن مالك الكراهية لذلك , ثم ذكر الرواية .
و ذكر العتبي قال : أشهب عن مالك في الرجل يحمل وحده على الجيش , قال : اخاف أن يكون ألقى بيده إلى التهلكة وليس ذلك سواء من كان في الجيش الكثيف , فيحمل وحده على الجيش , وآخر خلف خلفه أصحابه بأرض الروم أخطأوه , فهو يخاف الأسر فيحمل عليهم , فهذا خفيف . والأول مضطر , ويختلف إن حمل احتساباً بنفسه , وآخر يريد السمعة والشجاعة . قال عمر : والشهيد من احتسب نفسه قال عنه أشهب في الجيش بأرض العدو يصاح فيهم : السلاح , فيأخذ الرجل سلاحه , ثم يتوجه فيلقى جيشهم : فلا بأس أن ينحاز راجعاً إلى أصحابه .
ومن كتاب ابن سحنون : قال عقبة بن عامر : الفرار الأعظم من الزحف الفرار إذا التقت الفئتان . قال عطاء : من فر من مراماة من حصن , فلا بأس عليه ما لم يفر من الزحف , وللواحد أن يفر من الثلاثة , وقاله ابن عباس .
قال سحنون : لا يفر من المثلين ولهم أن يفروا الواحد من الثلاثة والمائة من ثلثمائة . وإذا دهمهم من العدو الأمر الذي لا فراق معه فلهم الفرار ولهم أن يقاتلوهم . وقال في قول الله تعالى " ومن يولهم يومئذ دبره " , الآية , إنه إنما كان ذلك في يوم بدر خاصة . قال محمد : لأنه لم يكن لهم فئة غير النبي صلى الله عليه و سلم . قال إسماعيل بن موسى : أول ما أمر النبي عليه السلام بالقتال , كان من فر عنه فر إلى غير فئة . فأما اليوم فحيثما فر فإلى فئة يفر .
[3/52]
***(1/42)
[3/53]
وقال أهل العراق : لا يفر اثنا عشر ألفاً من العدو وإن كثروا , لقول النبي صلى الله عليه و سلم : ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة . قال سحنون : لا أعرف هذا , ولم يقل النبي صلى الله عليه و سلم : لا يفروا . وقد كان المسلمون يوم اليرموك ثلاثين ألفاً والعدو مائة الف , فرأى أبو عبيدة وخالد القتال . وقال غيرهم من الصحابة كثير ننحاز إلى فئة ويشاور أمير المؤمنين , ثم عزم أبو عبيدة على القتال .
قيل لمالك : أسمعت أن عمر قال : أنا فئة لكل مسلم ؟ قال : قد سمعته ولكن لا أحب أن يتحرفوا إلى فئتهم إلا عن هلكة وضعف . قال مالك في السرية القليلة يلقون أضعافهم فلهم الانحياز إلى عسكرهم . قال عنه علي : إن عملوا أنهم لا ينكون العدو لقلتهم فلينحازوا ولا يلقوهم فيستأسد العدو إذا قتلوهم . وذكر قول عبد الملك الذي ذكره ابن حبيب أول الباب , وحكاه ابن المواز وأجاز قول عبد الملك في ذلك كله واستحسنه .
ومن كتاب ابن حبيب : ولا باس أن يحمل الرجل وحده على الكتيبة وعلى الجيش إذا كان لله وكانت فيه شجاعة وقوة , وليس من الإلقاء بيده إلى التهلكة , فلا يفعل ذلك لغير الله ولا يفعله الضعيف إن كان لله سبحانه , قال القاسم بن محمد والقاسم بن مخيمرة : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على عشرة آلاف إذا كانت به عليهم قوة , وليس من الإلقاء إلى التهلكة , وإنما ذلك ترك الإنفاق والجهاد في سبيل الله . وقال أبو أيوب الأنصاري : نزلت حين أردنا أن نقيم في أموالنا نصلحها وندع الجهاد بعد ما نصر الله نبيه وظهر الإسلام , فأنزل الله هذا .
ومن كتاب ابن المواز : وقال أشهب في قوم نفروا في طلب عدو فأدركهم واحد من المسلمين أيحمل عليهم ؟ قال : إن احتسب ولم يرد الفخر فذلك حسن , وإلا فلينصرف إلى أصحابه أو يتكعكع إليهم . وقال عن مالك في رجل لقي من العدو عشرة أو أكثر أيقاتلهم أو ينصرف إلى عسكره إذا أمكنه ؟ قال :
[3/53]
***(1/43)
[3/54]
ذلك واسع , وأحب إلي أن ينصرف إن لم تكن به قوة على قتالهم . قال محمد : ومن أحاط به العدو وهو وحده , وهو يدعى إلى الأسر , فله أن يقاتل وله أن يستأسر .
ومن كتاب ابن حبيب ومن كتاب ابن سحنون , رواه ابن وهب عن ربيعة : وسئل ربيعة عن مدينة حاصرها العدو فضعفوا عن قتالهم وليس عندهم ما يكفيهم : أيخرجون فيقاتلونهم أم يصبرون حتى يموتوا جوعاً أو يقتلوا ؟ قال : بل يخرجون للقتال أحب إلي . قال في كتاب ابن سحنون : وإن بلغ بهم الجوع والعطش مبلغاً لا قوة بهم على القتال , فإن طمعوا أن في الأسر نجاة ومفاداة وقد عرف ذلك من العدو في غيرهم , فليخرجوا إليهم , وإن كانوا يقتلونهم فليصبروا للموت جوعاً وعطشاً .
قال ابن القاسم : ولا يحل للناس إن فر إمامهم أن يفروا من مثلي عددهم . قال ابن القاسم : ومن فر من الزحف وفراره من مثلين لم تقبل شهادته إلا أن يتوب وتظهر توبته .
وذكر مسالة المركب يرمي بالنار فيلقي الرجل نفسه في الماء : فإن أيقن بالغرق إذا فعل ذلك فلا يفعل . وإن طمع بنجاة فذلك له . وكذلك سمعت الفقهاء . وقال عن ربيعة : إن أيقن أنه يلقي نفسه إلى ما فيه قتله فلا يجوز له . وإن رجا النجاة فذلك له . قال ابن المواز : وهذا أحب إلينا .
في المبارزة وقتل الرجل ذا محارمه
وذكر الحرب خدعة , والقتال في الشهر الحرام
من كتاب ابن المواز روى أشهب عن مالك : سئل عن الرجل بين الصفين يدعو إلى المبارزة وقال : إن صحت نيته فلا باس . وقد فعل فيما مضى .
[3/54]
***(1/44)
[3/55]
قال ابن حبيب : وسمعت أهل العلم يقولون لا بأس بالمبارزة , وذلك على قدر النية , ولا يكون ذلك إلا بإذن الإمام , فرب ضعيف يقتل فيهد الناس , فلا بأس أن يعضد إذا خيف عليه الغلبة . وقيل : لا يعضد لأنه لم يوف بالشرط ولا يعجبنا , لأن العلج إذا أسره , يحق علينا أن نستنقذه إن قدرنا . وقد ضرب شيبة رجل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في المبارزة فقطعها فكر عليه حمزة وعلي فاستنقذاه من يده .
ومن كتب ابن سحنون : قال سحنون : وكره مالك وغيره من أصحابنا أن يبارز الرجل أباه المشرك , وكره أن يقتله , ويفتديه أن يعتقله . قالوا : ولا بأس أن يقتل ذوي رحمه مبارزة وغير مبارزة . قال سحنون : وإن اضطره أبوه المشرك وخافه فلا باس أن يقتله . وليس الجد كالأب عندنا في هذا , والجد للأم كسائر القرابات . وقال غيرنا : إن الجد للأب أو للأم كالأب في كراهية قتله , وليس كذلك . وقد تنازع الناس في الاب . وقد أتى أبو عبيدة النبي صلى الله عليه و سلم برأس أبيه , وقد نزلت " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر إلى قوله : آباءهم أو أبناءهم " , الآية . قال مالك : ولا بأس بالمبارزة . قال سحنون : وقد مضى ذلك من أمر الناس , ولا ينبغي أن يبارز إلا من يثق بنفسه لما يتقى أن يدخل من الوهن على الناس .
وقد بارز أنس بن مالك مرزبان الواره من البحرين فقتله وأخذ منطقته وسواريه فقوما بثلاثين أو أربعين ألفاً . قال لي معن عن مالك : إذا دعا العدو إلى المبارزة فأكره أن يبارز أحد إلا بإذن الإمام واجتهاده . واختلف قول سحنون إذا بارز مشركاً فخيف عليه هل يعان ؟ فقال : لا يعان , وقال : لا بأس أن يعان , ولا يقتل الكافر لأن مبارزته كالعهد ألا يقتله إلا واحد , وقاله أشهب : كما لو أسره جاز لهم خلاصة منه . قال سحنون : وقد قيل لمالك : غذا خيق عليه أيعضد ؟ قال : إن خاف الضعف فلا يبارز .
[3/55]
***(1/45)
[3/56]
قال سحنون : ولو أن ثلاثة أو أربعة بارزوا مثلهم جاز معاونة بعضهم بعضاً مثل أن يفرغ أحدهم من صاحبه من الكفار فلا بأس أن يعين أصحابه , كما فعل حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث يوم بدر . وقال علي : سئل مالك أيبارز يخرج من الصف يطلب الشهادة ؟ قال : لا يعجبني .
قال سحنون : وتأويل ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم : الحرب خدعة , إنما هو المكر لا الكذب , ولا يجوز الكذب فيالحرب ولا في غيره , ولكن المكر مثل أن يكني عن الجهة التي يريد الخروج إليها ويخبر أنه يريد غيرها , ويقول القول وليس الأمر كما قال من غير كذب , ولكن يرى أصحابه أنه قد ظفر أو أمراً يقوي به أصحابه . وكان النبي صلى الله عليه و سلم يخرج على طريق وهو يريد غيرها يعني بما يؤمل فيهم , لا يتحرجه , أو يقول أريد الخروج إلى موضع كذا مكراً بما أظهر من ذلك يريد أن يخرج إلى موضع ماكر ويرجع إلى موضع آخر . وكان بعض أهل الصائفة يقف في الناس فيحمد الله ويثني عليه ثم يقول : إني أردت إن شاء الله درباً كذا , ثم يأخذ إلى غيره .
قال سحنون : وأجمع العلماء أن القتال في الشهرالحرام جائز . قال مالك : خرج النبي صلى الله عليه و سلم حين صد عام الحديبية في الشهر الحرام , ولم أسمع أحداً قال : لا يقاتل فيالشهر الحرام . قال سحنون : كان الكف عنه في أول الإسلام حتى قتل ابن الحضرمي , فأنزل الله سبحانه " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " , إلى آخرها .
[3/56]
***(1/46)
[3/57]
في قتل النساء والولدان والعسيف والشيخ الفاني وذي الزمانة
وكيف إن قاتلوا هم أو الرهبان
من كتاب ابن سحنون وابن حبيب وغيره : روي أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن قتل النساء والصبيان , وفي حديث آخر : والشيخ الهرم والرهبان . وفي حديث آخر : نهى عن قتل الذرية والعسيف . قال ابن حبيب : يعني : الأجير الذي لا يقاتل . قال سحنون : لم يثبت نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن قتل العسيف وهو الأجير , وهو عندنا وغيره سواء . قال ابن حبيب : وروي النهي عن قتل الأكارين والفلاحين . قال ابن حبيب : إلا أن تقاتل المرأة بالسيف أو الرمح و شبه ذلك فلتقتل , لقول النبي صلى الله عليه و سلم في المرأة المقتولة فأنكر ذلك و قال : ما كانت هذه تقاتل . قال ابن حبيب : إلا أن يكون قتالها بالرمي من فوق الحصن و شبه ذلك فلا تقتل إلا أن تكون قتلت فتقتل و إن أسرت , إلا أن يرى الإمام استحياءها كما يستحيي من شاء من الأسارى . و كذلك الصبي المراهق مثل ذلك سواء .
و من كتاب ابن سحنون : و قال عمر بن عبد العزيز في قول الله تبارك و تعالى (و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا) , قال النساء و الصبيان من ذلك , و من لم ينصب الحرب منهم . قال سحنون : روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال فيما أصيب في غشم الغارة من الذرية , فقال هم من آبائهم . و من العتبية : قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في القاسم في المرأة و الصبي لم يحتلم من العدو يقاتلان , ثم يؤسران : فإن قتلهما جائز بعد الأسر كما جاز قبل ذلك , فقد استوجبا القتل .
[3/57]
***(1/47)
[3/58]
و من كتاب ابن سحنون : و إذا قاتل الشيخ الكبير و المرأة و الصبي المطيق للقتال فليقتل . و إذا لم يطلق الصبيي القتال لطفولته فليس قتاله قتالاً و إنما ذلك و لع فلا يقتل . و إذا قاتل الراهب و الشيخ و المرأة و الصبي ثم أسروا , فأما الراهب فيقتل , و أما المرأة و الصبي فلا يقتلان إلا في حال القتال و لا يقتلان بعد الأسر . قال ابن سحنون لأبيه : بلغني أنك قلت : ثم إن أسر الصبي أن الإمام فيه مخير في قتله و تركه , فأنكره و قال : لا يقتل إلا أن ينبت الشعر . قال محمد : و قاله الأوزاعي : إلا في حال القتال , و كذلك المرأة . و قال سفيان : تقتل المرأة و يكره قتل الصبي و قال الأوزاعي في المرأة و الصبي يحرسان على الحصن : فلا بأس أن يقتلا و يرميان . و قال سحنون : لا يقتلان في الحراسة و ليس ذلك كالقتال . و أخبرني ابن نافع عن مالك في نساء العدو و صبيانهم يرمون الحصن فيه المسلمون بالحجارة أيقتلون ؟ قال : نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن قتل النساء و الصبيان . قال سحنون : أرى أن يرميهم المسلمون كما يرمونهم و إن قتلوا في ذلك . قال سحنون : و إذا دعا إلى ذلك الصبي و المرأة فلا يبارزان . و قال في الأجذم الذي يقتل و يدبر فليقتل , و أما من أبطله الجذام فهو كالشيخ و لا يقتل . و كذلك المفلوج الذي لا حراك به إلا أن يكون فيه العقل و التدبير . قيل له : روى عبد الملك عن مالك في الرهبان أن فيهم التدبير والإجتهاد و البغض على دينه فهو أنكى من غيره , و الشيخ الفاني الذي لا يدع السرايا و الجيوش فليقتل بعد استخباره , و هو من أهل التدبير و الحمية في دينه . قال : ما أعرف هذا و ما سمعت من يذكره عن مالك . و إنما ذكر ابن وهب عن مالك في قتل الأسارى قال : أما من يخاف منه فقتله أمثل . قال : و كذلك الكبير السن إن خيف منه . قلت : قال ابن أبي زائدة : لا يقتل العسيف , قال سحنون : يقتل العسيف و هو يقوى على القتال . ابن أبي زائدة و الأوزاعي : و لا يقتل الأعمى و المقعد . و قال سحنون : يقتلان , و قد يقودان الجيوش و فيهم المكر و التدبير
[3/58]
***(1/48)
[3/59]
و الذهاب و المجيء . و أما المجنون فإن كان مطبقاً لا يفيق لم يقتل . و أما من يجن و يفيق فليقتل . و أما الزمانة فيختلف و قد وصفت لك ذلك . و قيل عن الأوزاعي في المقعد إن كان عنده معونة على قتال أو ذل فليقتل . و صوب ذلك سحنون . قال سحنون : و يقتل المريض الشاب من العدو و الدنف لأنه قد يبرأ . و يقتل المجورح الملحوق إلا أن يكون منفذ المقاتل فهو كالميت . و انكر سحنون قول الأوزاعي في أقطع اليد و الرجل أنه لا يقتل , و قال سحنون يقتل . قيل : فإن خيف من الشيخ الكبير و المرأة و الراهب و الصبي أن يدل على العدو , قال : لا يعرض للراهب . و أما الصبي و المرأة فقد صار فيئاً . فإذا غنموا لم يعرض لهم بقتل و لا أسر رضيع مع أمه , فلم يقدر المسلمون إلا على حمل أحدهما , و في ذلك هلاك الصبي , قال : يتركان إلا أن يقدر على حملهما . و اختلف أصحابنا في الصبي إذا أنبت الشعر و لم يحتلم فأكثرهم يرى أن يقتل . و ذهب ابن القاسم و غيره أنه لا يقتل حتى يحتلم . قال : و من قتل من نهي عن قتله من صبي أو امرأة أو شيخ زمن , فإن قتله بدار الحرب قبل أن يصير في المغنم فليستغفر الله سبحانه , و إن قتله بعد أن صار مغنماً فعليه قيمته يجعل ذلك في المغنم . و من كتاب ابن حبيب قال : أما الشيخ الكبير فإن كان ممن له رأى و تدبير قتل و إن كان خرفا ً فانياً . و كذلك إن كان فيه بغية و مثله يخاف فليقتل و إن كان لا رأى له و لا تدبير . و إنما الذي لا يقتل الفاني الخرف الذي لا بغية فيه و لا رأي له و لا تدبير يتقى فهو الذى جاء أنه لا يقتل . قال : و لا يقتل الضمنى و لا الزمنى , فمن الضمنى المعتوه و المجنون و المختبل و شبههم , و من الزمنى المقعد و الأعمى و الأشل و الأعرج الذين لا رأى لهم تدبير و لا نكاية فيهم . و أما المريض الشاب فيقتل و يترك الشيخ . و كذلك من مرض من الأسرى بعد الأسر , فالشاب منهم يقتل إلا أن يرى الإمام إبقاءه نظراً للمسلمين .
و أما الحصن و المراكب فيه الذرية فمذكور في باب بعد هذا .
[3/59]
***(1/49)
[3/60]
في الرهبان و النهي عن قتلهم و هل يترك لهم أموالهم ؟
و الشيخ الكبير , و في قتل الشمامسة ,
و هل تؤخذ الجزية ممن ترهب عندنا منهم ؟
من كتاب ابن حبيب و غيره : روي أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن قتل الرهبان . (و في وصية الصديق ليزيد بن أبي سفيان أنه نهاه عن قتل الذين حبسوا أنفسهم لله , يعني : الرهبان .) و قال فى الذين فحصو عن اوساط رؤوسهم : فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف , يعني الشمامسة .
قال ابن حبيب : و لم ينه عن قتل الرهبان لفضل عندهم من ترهبهم و تبتلهم , بل هم أبعد من الله من غيرهم من أهل دينهم لشدة بصيرتهم فى الكفر , و لكن لاعتزالهم أهل دينهم عن محاربة المؤمنين بيد أو رأى أو مال . فأما إن علم من أحد منهم أنه دل العدو على غرة سرية منا أو دلهم عليهم و شبه ذلك فقد حل قتله . و كل من نهى عن قتله من أهل الحرب فلم ينه عن سباه و إخراج من أرض الحرب إلا الرهبان فلا يقتلوا و لا يخرجوا من مواضعهم ما لم يحدثوا ما ذكرنا . و هذا في رهبان الصوامع و الديارات سواء . فأما رهبان الكنائس فلا , و يجوز قتلهم و سباهم لأنهم لم يعتزلوا . قال سحنون : و يقتل القسيس و الشمامسة بخلاف الرهبان .
و من كتاب ابن سحنون : و إذا وجد الراهب من غير صومعة في دار أو غار فهو كأهل الصوامع . قيل : فبماذا يعرف أنه راهب ؟ قال : لهم سيما يعرفون بها . و إذا قاتل الراهب قتل .
قال العتيبي قال أشهب عن مالك : و سواء كان الراهب في صومعة أو ديارات فلا يهاج . قيل : فالراهبان من النساء ؟ قال : النساء أحق ألا يهجن .
[3/60]
***(1/50)
[3/61]
و من كتاب ابن سحنون : و من وجد من النساء في الصوامع و اليارات رواهب فلا بأس أن يسبين بخلاف الرجال . و إذا وجد العلج ببلد العدو و قد طين على نفسه في بيت في غير صومعة و له كوة ينظر منها , فهذا راهب لا يعرض له . و إذا مروا براهب فلا يستخبروه عن شيء من أمر عدوهم .
قال الأوزاعي : ل يزل المسلمون يقتلون الشمامسة و يسبونهم , و لا يعرضون للرهبان الذين في الصوامع و الغيران و الديارات قد خرجوا إليها من ديارهم و يخلوا من الدنيا . قال سحنون : هذا كله قول مالك .
قال : و إذا أصابوا بأرض العدو حبشياً قد ترهب في صومعة فلا يعرض له , و هو كغيره , فإن علموا أنه كان عبداً لمسلم أنزل . فإن كان مسلماً استثيب , فإن تاب رد على مولاه إن عرف و إلا صار مغنماً . و إن لم يتب قتل . وإذا أدركت حبشياً بأرض العدو و قد ترهب فلا تقتلة و خذه إن خفت أن يكون مسلماً . فإن قاتلك فاقتله .
قال سحنون : و نحن نرى قتل الزراع و الحرث ببلد الحرب . قال : و يقتل السائح في بلد الحرب . و قيل له روى عبد الملك عن مالك في الرهبان : أن فيهم التدبير و البغض على دينه فهو له روى عبد الملك عن مالك في الرهبان : أن فيهم التدبير و البغض على دينه فهو أنكى من غيره . و الشيخ الفاني الذي لا يدع السرايا و الجيوش فيقتل بعد استخباره . قال : ما أعرف هذا , و لا سمعت من يذكره عن مالك . قال أبو محمد : و قد تقدم هذا . قال سحنون : و إن صح عن راهب أن أهل الحرب يأخذون عنه الرأي عن حربهم فليقتل .
و منه و من العتبية : من سماع ابن القاسم : و قال في أموال الرهبان : إنه يترك لهم ما يصلحهم والبقرتان بكفاية . و لو قبل قوله لا دعى الشيء الكثير . قال فى كتاب ابن سحنون : و لكن يترك لهم ما يصلحهم مثل المزراعة و البقرات لأنهم إذا تركوا لابد من مصلحتهم و عيشهم . قال سحنون و ما وجد عند
[3/61]
***(1/51)
[3/62]
الراهب من المال و الحلي و البز و الخيل و البغال فليؤخذ منه كله و يترك له من الكسوة ما يستر عورته و يرد عنه البرد , و من الطعام ما يعيش به . و أما ما سوى ذلك من الأموال فلا يترك للشيخ الكبير مثل ما يترك للراهب من العيش و الكسوة . قال ابن نافع عن مالك في الراهب له الغنيمة و الزريع في أرض الروم , قال : لا يعرض له و ذلك يسير , و لا يعرض لبقره و لا لغنمه إذا عرف أنها له و لذلك وجه يعرف به , و ما أدرى كيف يعرف . قال سحنون : يعني إذا كان قليلاً قدر عيشه . و أما ما جاوز ذلك فلا يترك له . قال أشهب عن مالك في العتبية في أموال الرهبان و عبيدهم و زروعهم : إن علم الجيش أن ذلك للرهبان فلا يمسوا منه شيئاً .و من كتاب ابن المواز قال : و لا يعرض للراهب و لا لماله . قيل : فإن وجد له المال و الأعكام و البقر و الغنم ؟ قال : أما ما لا يشبه أن يكون للرهبان فلا يترك له و لا يصدق فيه . قال مالك : أما مثل البقرتين و الغنيمات و ما يكفيه و يقوم بعيشه و مثل المبقلة و النخيلات فليترك له , و يؤخذ ما بقي أو يخرب أو يحرق . و إذا لم يترك له ما يعيش به فقد قتله . و أهل الديارات كأهل الصوامع .
قال : قال ابن القاسم و من ترهب منهم في أرض الإسلام فلا تؤخذ منهم جزية إذا حبسوا أنفسهم في الصوامع .
و من كتاب ابن سحنون : و إذا وجد راهب قد نزل من صومعة و هو منهزم مع العدو فأخذ فقال : إنما نزلت و هربت خوفاً منكم , قال لا يعرض له . قال ابن نافع عن مالك قيل له ك و ربما أسرى المسلمون سرية فيعلم بهم الراهب فيخافون أن يدل عليهم فلينزلوه يكون معهم , فإذا أمنوا أرسلوه . قال : ما سمعت أنه ينزل من صومعته .
[3/62]
***(1/52)
[3/63]
قال سحنون : و إذا وجدوا في صومعته طعاماً و احتاجوا إليه , فليأخذوا منه و يتركوا له قدر عيشه لأشهر . و أما إن وجدوا معه مالاً ناضاً أو غير ناض خباه عنده الروم فليأخذوه منه و لا يستحلون بذلك دمه .
و في باب قتل الأسارى شيء من معاني هذا الباب .
في إخراب بلد الحرب و قطع الشجر
و خراب أموالهم و ما يذبح لمأكله
و هل يحرق ما فضل من الغنيمة ما لا يطاق حمله ؟
من كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم فيما أوصى به أبو بكر يزيد بن أبي سفيان في نهيه إياه عن قطع شجر العدو و تحريق النخل و تغريقها و عقر بهيمة إلا لمأكل , و في كتاب ابن حبيب : و خراب العامر , إنما ذلك فيما يرى ظهور الإسلام عليه . و أما ما لا يرجى ذلك فيه من داخل أرض العدو فلا بأس بقطع شجرهم و خراب حصونهم و إفساد أموالهم و عقر دوابهم و تحريق النخل و تغريقها , و قاله مالك و احتج بقول الله تعالى (ما قطعتم من لينة أو تركتموهم) , وقال : (و لا ينالون من عدو نيلا) , و قال ابن وهب . قال أصبغ : و خراب ذلك أفضل من تركه . قال مالك : و يحرق زرعهم و حصونهم بالنار , و كره تحريق النخل و تغريقها . و ما فضل من الغنيمة لا يطاق حمله فليحرق بالنار و تعرقب الدواب , و قاله ابن القاسم . قال مالك : و إذا طلب أخذ العسل فخاف لدغ النحل فله أن يغرقها لأخذ العسل . قال ابن حبيب قال مالك و أصحابه : إنما نهى الصديق عن تحريق الشام و خرابه لأنه علم مصيرها للمسلمين . فأنما ما لا يرجى الظهور عليه فخراب ذلك الذي ينبغي , مثلما تقدم من الخراب و عقر الدواب و الأنعام و إفساد
[3/63]
***(1/53)
[3/64]
الطعام , و ذكر أن تحرق النخل و تغرق . قال و سمعت أهل العلم يقولون : و إذا لم يقدروا على أنعامهم إلا بعقرها فذلك لهم إذا ذكوها بعد العقر و لم يبلغ العقر منها مقتلا , ما لم يكن نهبة , فقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن النهبة , و هذا فينما في داخل أرض الكفر . فأما في بلد الإسلام أو بموضع يؤمن أن يأخذه العدو فلا يعقر هناك خيل و لا حيوان من الأنعام و غيرها . و كره بعض العلماء أن يفدوا منهم الأسارى بالخيل إذا وجدوا الفداء بغيرها , فكيف يترك لهم ؟
و اتفق مالك و أصحابه على عقر دوابهم إن لم يجدوا النفوذ بها . و اختلفوا كيف العقر , فقال المصريون : تعرقب أو تذبح أو يجهز عليها , و قال المدنيون : يجهز عليها و كرهوا أن تذبح أو تعرقب , و به أقول لأن الذبح مثلة و العرقبة فيه تعذيب . و من كتاب ابن سحنون روى ابن وهب عن مالك : و تعرقب الدواب إذا خافوا أن يأخذها العدو و يحرق الطعام و قرأ (و لا يطأون موطئاً يغيظ الكفار) , الآية . و من وقف له فرس بأرض العدو فليعقره . و قال عنه ابن نافع : تحرق بيوتهم , ووقف عن تحريق النخل , و لا بأس بقتل خنازيرهم .
قال سحنون في كتاب ابنه مثل ما تقدم عن مالك في التحريق و الخراب . قال : و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم أسامة أن يذهب إلى البلقاء , فيحرق فيها . قال لي الوليد قال الأوزاعي : و إذا ظهر على أهل مدينة أو حصن فلتخرب بيوتهم و كنائسهم , و كره تخريب الكنائس في القرى و تحريقها , و يؤخذ ما فيها من ستور و حبال القناديل و صليب من حديد أو نحاس . قال : و لم يكن من عندنا يكسرون صلبان الخشب . فإن كسر فلا بأس . قال سحنون : و قولنا إنها تكسر و لا تترك .
[3/64]
***(1/54)
[3/65]
قال سحنون في البقر و الغنم : تذبح في أرض للحاجة إلى جلودها لا للحم . فإن كانت الجلود تراد لشيء من أمر الحرب من الدرق والدبابات فلا بأس به . و أما لحاجة الذابح في نفسه فلا إلا للحاجة للحم . قيل : فإن نزلنا بيرتهم في ثلج و برد فنعدو أبوابهم ؟ قال : نعم , و يطبخون بذلك و يشوون . قال ابن القاسم عن مالك : تعقر بقرها و غنمهم من غير حاجة إن أريد بذلك نكاية العدو . و إذا بقي من الغنيمة ما لا يقدرون على النفوذ به و لا بيعه و لا يريدونه , و إن ترك فلا قوة فيه للعدو في الحرب و لكن ينتفعون به , قال : فليحرق بالنار . قال : و هدم كنائس بلدهم أحب إلي من تركها , و تكسر صلبانهم التر في بيوتهم و أصنامهم , و تهراق خمورهم و تكسر خرائبهم و أزقاقهم و يحرق زرعهم و كلأهم . قال ابن سحنون عن ابيه : و كره الأوزاعي و سفيان لمن وقف فرسه أن يعقره و تأولا قول أبي بكر : إلا لمأكله , و ليس هذا من ذلك , هذا مال المسلمين . و قد ذكرت لك قول مالك في معنى قول أبي بكر . و قال ابن وهب كقول الأوزاعي و سفيان , و روى هو عن مالك فيمن وقف فرسه قال : إن كان يتنفع بها العدو فليعرقبه . قيل : و لا يذبحه لئلا يعذبه . قال : فليبعجه أو يضرب عنقه و كره ذبحه , و بهذا أخذ سحنون .
و من كتاب ابن المواز قال مالك : و لا بأس أن يعقر بقرهم و غتمهم و إن لم يحتج إلى ذلك .
و من كتاب ابن سحنون قال مالك : و ما ظفروا به من المطامر فأخذوا منه حاجتهم للعلف . فإن كان الإمام عازماً على الرجوع إلى دار الإسلام من ذلك الموضع فلا بأس أن يحرقوا ما بقي أو يغرقوه . و إن كان يريد التقدم و رجوعه على هذا الموضع فليبقوه إلا أن يأخذوا على طريق آخر فليحرقوه إن قدروا أو يغرقوه .
[3/65]
***(1/55)
[3/66]
في رمي العدو بالنار و المجانيق
و هل يغرقون أو يقطع عنهم الماء وشبه ذلك ؟
أو يسم لهم الحديد أو الطعام و في طرح الحسك
من كتاب ابن حبيب , قال : و قد جاء النهي عن التعذيب بعذاب الله , فقيل : إن ذلك فيمن أسر أو قتل صبراً . فأما إن تحصن العدو في حصن فلم يوصل إليهم إلا بالنار فلا بأس بذلك . و روي نحوه عن أبي عبيدة . قال ابن حبيب : ما لم يكن فيهم النساء و الأطفال أو أسارى من المسلمين من غير نساء و لا ذرية فلا يرموا بالنار . قال الله سبحانه : (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم) . و كذلك لا بأس أن يلقى عليهم في مراكبهم أتوا بها أو لم يأتوا بها , و إن كان فيهم الذرية و النساء إلا أن يكون معهم مسلم أسير . و لا بأس أن يرموا بالمجانيق في حصونهم و يلقى عليهم الماء ليغرقوا به و يقطع عنهم مجراه و يقطع عنهم المير و إن كان فيهم النساء و الذرية , ما لم يكن فيهم أسارى للمسلمين .
و من العتبية : روى سحنون عن ابن القاسم في الحصون , قال : يرمون بالمجانيق و فيهم النساء و الذرية . و أما بالنار فلا أحب ذلك بخلاف المراكب , إلا أن يرمونا به فحائز لنا أن نرميهم به , إلا أن يكون معهم مسلمون فلا ينبغي ذلك
و قال اشهب : لا بأس أن يرموا بالنار إذا رمونا به .
و من كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم عن مالك في مركب للعدو و معهم ذرية المسلمين , فلا يلقى عايهم النار لقول الله تعالى : (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم) . قال ابن القاسم عن مالك : و كذلك إن كان معهم أسارى المسلمين . و إذا كان في الحصن النساء و الذرية فلا يلقى عليهم النار . و إن لم يكن فيهم غير المقاتلة فلا بأس بذلك . و قال سحنون : لا يلقى عليهم النار و إن كان الرجال فقط . و قال عبد العزيز بن أبي سلمة : و لا يلقى على مراكبهم النار إلا أن يبدأونا بذلك .
[3/66]
***(1/56)
[3/67]
قال سحنون : و إذا كان العدو في مطمورة فلا أرى أن يلقى عليهم النار و إن لم يكن معهم ذرية . و أما الدخان يضطرون به للخروج فلا بأس بذلك . قال أشهب : و إن كان معهم في المطمورة الذرية أو أسارى المسلمين فلا يدخن عليهم , و قاله سحنون . و قد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يعذب العدو بالنار .
و قال عمر بن عبد العزيز : وددت أن لو عاهدونا أن لا يقتلونا بالنار و لا نقتلهم به . و أجاز بعض أصحابنا رمي العدو بالنار و إن كان فيهم الذرية كما يسبون معهم . و قال : إنما قال الله سبحانه (و لولا رجال مؤمنون و نساء مؤمنات) , فلم يرفع إلا الرجال و لم يذكر الذرية , فأنكر هذا سحنون و قال : لا يرموا بالنار , و حجته بالسبي لا وجه له , لأن قتل الوالد دون الولد .
قيل له روي عن ابن القاسم : أنه لا بأس أن يرسل على حصونهم الماء ليغرقوا و إن كان فيهم النساء و الذرية , و يرموا بالمجانيق و يقطع عنهم الماء و المير. قال : لا أعرف إرسال الماء عليهم , و لا بأس أن يقطع الماء و المير عنهم إلا أن يكون فيهم أسارى المسلمين يخاف هلاكهم بذلك , و أجازه الأوزاعي . و خالفه سحنون و قال : لا بأس أن يذبح في مائهم البقر و الغنم ليفسدوه عليهم , و لا يطرح على الحصن النار كان معهم أسارى المسلمين أو يكن و إن كان لا يؤخذ إلا بذلك . قيل له : روي عنك أنك قلت إن كان إذا دخلوا بلادنا ألقوا علينا النار فلا بأس أن يلقى عليهم إن لم يكن معهم أسارى المسلمين , فأنكره و قال : إنما قلت هذا في المراكب إذا رمونا به . قال : و لنا أن نحرق طعامهم الذي خارج الحصن لأنه قوة لهم .
[3/67]
***(1/57)
[3/68]
قلت : قال الأوزاعي إن كانت غارة لا يحرقوه و إن كانوا إنما يريدون حصارهم فقدروا أن يمنعوهم منه فليفعلوا و لا يحرقوه . قال : لا أرى ذلك و ليحرقوه فى الغارة و في الحصار . و إنما نحل الأوزاعي أنه لا يكره قطع البحر إليهم .
قلت : فإن حصرناهم فقالوا إن لم ترحلوا عنا قتلنا أساراكم عندنا و سألهم الأسارى الرحيل ؟ قال : إن كانوا على إياس من فتحه فليرتحلوا . و إن كانوا أشرفوا عليهم و هم منه على شبه اليقين فلا يرتحلوا و إن قتلوا الأسارى , و قاله الأوزاعي و سفيان . و إذا بذلوا لنا مالاً على أن لا نقتل خنازيرهم و لا نفسد خمرهم لم يجز لنا أخذ شيء على ذلك إن قدرنا عليه .
ومن كتاب ابن المواز : قال في الغار أو الحصن فيه العدو و معهم الذرية أو الركب , فلا يقدر على ذلك إلا بحرق المركب و التدخين على الغار و الحصن أو تغريقهم فلا بأس بذلك كله , و اجتناب النار أحب إلينا في ذلك كله , و هذا إن لم يكن معهم مسلمون , فإن كانوا فلا يحرقوا و لا يدخن عليهم . و قال في المطمورة فيها النساء و الصبيان , فإن كان التدخين يقتلهم و لا خلاص لهم به غير القتل فلا يدخن عليهم . (و إن كان لهم خلاص فلا بأس بذلك . و ذكر عن أشهب مثل ما تقدم من رواية سحنون في المطمورة فيها الذرية أو أسارى فلا يدخن عليهم .) و ذكر ما تقدم ذكره عن مالك و ابن القاسم في الحصون فيها الذرية أو أسارى فلا تحرق . و قال : و إنما تحرق أو تغرق إذا كان فيها الأعلاج فقط .
و من كتاب ابن سحنون : و كره مالك أن يسم النبل و الرماح يرمى بها العدو و قال : ما كان هذا فيما مضى . و روى مثله ابن حبيب .
[3/68]
***(1/58)
[3/69]
و من كتاب ابن سحنون قال الأوزاعي : بلغني أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يلقى السم في آبار العدو و مياههم . قال الأوزاعي : و لا يفعل ذلك المسلم في طعام و لا سلاح , و هو قول مالك . قيل لسحنون : فإن أخذ المسلمون قلالاً مملوءة خمراً فجعلوا فيها سماً و نصبوها للعدو فشربوا منها فماتوا ؟ فكره أن يعمل بهذا . قال : و لا بأس أن يلقى المسلمون الحسك حول عسكرهم إذا نزلوا يتحصنون به . و كذلك إذا التقوا فألقى المسلمون أمامهم الحسك يردعونهم به , فلا بأس بذلك .
و من كتاب ابن المواز : قال ابن القاسم و أشهب : لا بأس أن يقطع عن حصنهم المير و الماء و يرموا بالمجانيق . و قال مالك : و لا بأس أن يعقر بقرهم و غنمهم وإن لم يحتج إلى ذلك . و كل ما قدر أن يهلكهم به فعل .
في قتال الحبشية و شراء النوبة
من كتاب ابن سحنون : قيل لمالك : أبلغك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ذروا الحبشية ما ذرتكم ؟ قال عن النبي صلى الله عليه و سلم , فلا , و لكن لم أزل أسمع ذلك يقال . قيل : قد كانوا خرجوا بدهلك . قال ينظر في أمرهم , فإن فعلوا و إلا لم يهجم عليهم إلا بأمر بين . و قد خلا له دهر ما فعلوا مثل هذا . و لكن أخاف أنه ارتكب منهم باطل . و لم يزل الناس يغزون الروم و غيرهم و تركوا هؤلاء . فما أرى ترك قتالهم إلا لأمر , فلا أرى أن يخرج إليهم حتى يستبان أمرهم . فإن كان عن ظلم صنع بهم لم أر أن يقاتلوا و ألا يعجل في أمرهم .
و من العتبية : روى أشهب عن مالك , و سئل عن أسير النوبة و البجة , و بيننا و بينهم هدنة : يعطينا النوبة رقيقاً و نعطيهم طعاماً و يعطونا البجة إبلاً و نعطيهم طعاماً , فهل نشترى شيئاً من رقيقهم ؟ فقال : دع ما يريبك إلى ما
[3/69]
***(1/59)
[3/70]
لا يريبك , قاله ابن عمر . قيل : فيشترى رقيقهم الذين يبعثونهم إلينا للصلح الذي بيننا و بينهم ؟ قال : لا أدرى ما هذا التفصيل الذي يفصل بين هذا و هذا .
في قتل الأسارى و استرقاقهم
و التمثيل بالعدو و حمل الرؤوس و فداء الأسارى و استرقاقهم
و من لا يقتل منهم و في أمان الأسير
من كتاب ابن سحنون , قال : روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه و سلم قتل سبعين اسيراً بعد الإثخان من يهود . و قتل عقبة ابن أبي معيط صبراً بعد أن ربط . و لم يقتل يوم بدر من الأسرى غيره , و كثر يومئذ الفداء , و أكثر ما فودي به الرجل أربعة آلاف . و ربما فدي الرجل على أن يعلم عندنا الخط لأن أهل المدينة لم يكونوا يحسنون الخط . و قتلأبو بكر أسيراً بعد أن أعطى في فدائه مالاً فقال : اقتلوه فقتل رجل منهم أحب إلى من كذا . و قد قتل الأسرى غير واحد من الصحابة . و قتل عمر بن عبد العزيز أسارى من الروم و قتل أسيراً من الترك , و أمر بفداء من أسر من المسلمين و إن كان قد هرب إليهم من حر أو عبد .
قال سحنون : و الإمام مخير في أسرى العدو في قتلهم أو استرقاقهم قبل أن يستحييهم , فإذا استحياهم لم يجز له قتلهم . قيل : فما معنى الحديث : إن عبد الرحمان بن عوف أسر أمية بن خلف أراد به الفداء , فحرض بلال على قتله حتى قتله غيره . قال : ما أدري , و لعل عبد الرحمان لم يؤمنه .
و قال مالك : إنما يقتل من الأسرى من يخاف منه , و قد كتب عمر : ألا تجلبوا إلينا من علوجهم أحداً . قال مجاهد : إذا أسلم الأسير لم يقتل . قال بكير : و من قسم لم يقتل . قال سحنون : لأنه قد استحيي فلا يقتل . قال الأوزاعي : و لا يقتل الحراث و الزراع و شبهه و ليقسم . قال سحنون : إن خيف منه قتل .
[3/70]
***(1/60)
[3/71]
وكذلك في كتاب ابن المواز مثل ما ذكر عن الأوزاعي ومكحول وبكير وغيره . وقال مجاهد : ومن ترك ليقسم لم يقتل . قال بكير : ومن قسم لم يقتل . قال محمد : وإن كان من الخسيء .
ومن كتاب ابن سحنون وابن المواز قال مكحول : إذا استأسر أسير لم يقتل إلا أن لا يقبل ذلك منه . قال سحنون وابن المواز : إنما هذا إن كان في منعه أو حصن , فإن قبلت منه حرم دمه . وإن لم تقبل منه رد إلى مأمنه . فأما أسير قدر عليه فبخلاف ذلك .
ومن كتاب ابن حبيب قال : وإذا استأسر , وهو منك في منعه , فهو آمن لا يقتل ولا يسترق . وإن استأسر وقد رهقته فلا أمان له . وإذا استسلم الأسير حرم دمه وصار مملوكاً .
ومن كتاب ابن سحنون : وأتى عمر باسرى فضلوا , فقسمهم ولم يقتلهم . قال ابن شهاب : إن طعنته فتشهد فقد حرم دمه , وقاله سحنون . قال : وأخبرني ابن نافع عن مالك أنه لا يقتل إذا اسلم . قيل : فقتل من مرض ؟ قال : نعم , ومن يشك في هذا . قال عنه ابن وهب , قيل : يدعى الأسير إلى الإسلام قبل أن يقتل ؟ قال : نعم . قيل : فإن حمل الأسير فمرض ؟ قال : أخاف أن يكون ذلك أماناً , ولهذا وجوه . وإذا أخذ المسلمون أسارى فأرادوا قتلهم , فقال أحدهم : أنا مسلم , فإن ثبت إسلامه قبل الأسر فهو حر . وإن لم يكن غير دعواه فهو فيء ويسأل عن الإسلام . فإن عرفه فهو مسلم ولا يقتل وهو فيء . وإن تزيا بزي المسلمين لم يخرج من الرق بذلك حتى يثبت إسلامه قبل ذلك . قال ابن سحنون : وإن قال أنا مسلم ولم يصف الإسلام وصف له . قإن قبله فهو مسلم ويسترق . قال سحنون : وإن طلب الإسلام فلا يعجل عليه بقتل ويعرض عليه الإسلام , فإن أسلم لم يجز قتله .
[3/71]
***(1/61)
[3/72]
ومن كتاب ابن المواز قال : وإذا ترك عن الأسير القتل لرجاء فداء أو بيع أو دلالة أو سبب سقط عنه القتل . وكذلك إن صلى . وإذا أخذوا إنساناً يستخبرونه الخبر فلا يقتل وهو رقيق لهم استبقوه لصنعه ظنوها فيه ولم يكن ذلك .
قال سحنون : وللإمام قتل الأسارى ممن حضر القتال أو غيره , ما لم يعرض فيترك عنه القتل لما ذكرنا فإنه لا يقتل . وأما من ترك ليعاود فيه رأيه فله قتله إن رأى ذلك . وكذلك في المحتصر . وكذلك السرية تبعث فتلتقط الأعلاج من القرى والجبال وغيرها , فمن جيء به إلى الإمام فإما قتل أو ترك لفداء أو بيع أو لصنعة , أو ليطلقه لما يرى في ذلك من الصلاح والاستئلاف , ثم ليس له ولا لغيره معاودة القتل في من ترك لما ذكرنا . وليس لمن أسر أسرى قتلهم حتى يأتي بهم الإمام فيجتهد فيهم رأيه . وقد أجر أمير الجيش الهرمزان حتى قدم على عمر , فكلمه فاستعجم , فقال : هلم تكلم ولا تخف . فلما تكلم أراد قتله , فقال له : قد قلت لا تخف فتركه . وقد عفا النبي صلى الله عليه و سلم عن من أسر ببدر إلا عقبة بن أبي معيط أمر بقتله . ولا ينبغي للإمام أن يدع قتل من يخاف منه أن بيع أو استبقي ضرراً لى المسلمين ممن يحامي على دينه . ولم يقتل عمر بن عبد العزيز في خلافته غير أسير من الخزر . وكان أبو عبيدة وعياض بن عقبة يقتلان كل من أتيا به من أسير .
وأمر النبي صلى الله عليه و سلم بأبي أمامة سيد أهل اليمامة فخيره بين أن يعتقه أو يفاديه أو يقتله . فقال : إن تقتل تقتل عظيماً , وإن تفاد تفاد عظيماً , وإن تعتق تعتق عظيماً , وأما أن أسلم فلا والله أسلم قسراً أبداً . فقال : فقد أعتقتك , فقال : أشهد أن لا إلاه إلا الله وأنك رسول الله .
ومن كتاب ابن حبيب : ولا بأس أن تقتل المشرك قبل ظفرك به بأي قتلة أمكنك . فأما بعد الظفر فلا ينبغي أن تمثل به , ولا تعبث عليه ولكن تضرب عنقه .
[3/72]
***(1/62)
[3/73]
قال سحنون : أخبرني معن عن مالك , قيل : أيضرب وسطه بالسيف ؟ قال : قال الله سبحانه : " فضرب الرقاب " ولا خير في العبث . قيل : أيعذب إن رجي أن يدلنا على عورة العدو ؟ قال : ما سمعت ذلك .
قال ابن حبيب : وقد أبى النبي صلى الله عليه و سلم أن يمثل بحيي بن أخطب . وإنما مثل المشركون بالمسلمين يوم أحد , فتواعدهم النبي صلى الله عليه و سلم بأكثر من ذلك , فأنزل الله سبحانه " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " , الآية . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : نصبر . وقد كره أبو بكر إذ حمل إله رأس البطريق من الشام وقال : هذا فعل العجم .
ومن كتاب ابن سحنون : قال سحنون لا يجوز حمل الرؤوس من بلد إلى بلد ولا حملها إلى الولاة . وذكر ما أنكر الصديق وقال : استنان بفارس والروم , يكتفى بالكتاب والخبر .
ومن كتاب ابن حبيب : وإذا أمر الإمام بتوقيف الأسير فيمن يرتد ولم يعطه أماناًفصيح به , ثم رأى قتله فذلك له إلا أن يكون الأسير هو سأله البيع فأجابه إليه فذلك أمان من القتل .
ومن كتاب ابن المواز : وعن علج أسر فأمر الإمام بالنداء عليه فبلغ أحد عشر ديناراً ثم أراد قتله , قال : ذلك له . قال أصبغ : هذا إن عرضه يختبر ما يبلغ فيرى رأيه وإلا فلا . وينبغي للإمام إذا أراد قتل أسير أن يدعوه إلى الإسلام ويسأله هل له عند أحد عقد ممن أسره . قال : وقتل البالغين من الأسارى أحب إلى العلماء من إحيائهم . وكتب عمر إلى أمراء الجيوش أن يقتلوا كل من جرت عليه المواسي ولا يحمل إليه من علوجهم أحد .
قال ابن حبيب : ومن لا يخشى عوره وعداوته من الشباب المراهقين فليباعوا ويقسموا .
[3/73]
***(1/63)
[3/74]
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم : واتقى مالك قتل الشيخ الفاني ومن لا يخاف منه ومن له صنعة والحراث والعامل بيده . وقال عبد الملك : يقتل الشيخ الكبير إن كان ممن له الكيد . قال محمد : إذا عرف بذلك , وإلا تركه أحب إلي للنهي عن قتل مثله . وكذلك الصناع من لم يكن من مقاتلتهم فيؤثر . وأما مقاتلتهم فيقتل إلا أن يسلم , ولا يؤخ لمرض أو غيره .
ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم : ولا يقتل من الأسارى إلا من يخاف منهم , مثل من يعرف بالنجدة والفروسية , فله قتله .
ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ عن أشهب : إذا أسرت سرية فغنموا أعلاجاً , ثم أدركهم أمر فخافوهم أيقتلونهم ؟ قال : إن لم يستحيوهم فذلك لهم . وإن استحيوهم فليس ذلك لهم إلا أن يقاتلوهم . والاستحياء أن يتركوهم على أنهم رقيق للمسلمين أو فيئاً لهم . فأما إن تركوهم ليأتوا بهم الإمام فيرى فيهم رأيه فليقتلوهم إن خافوهم , وقاله أصبغ .
وفي الباب الذي يلي هذا شيء يشبه بعض معاني هذا الباب .
ومن كتاب ابن سحنون : ومن اشترى علجاً من المغنم فأراد أن يدخله المركب فيأبى ويريد الهرب إلى العدو وهو قريب منه ولا يقوى الرجل على حبسه ولا معه عوين أيقتله ؟ قال : لا , لأنه لم يحارب إنما أراد الهرب . ولو سار به في البر فضعف عن المشي فلا يقتله لأنه قد استحيي .
ومن كتاب ابن سحنون : قال سحنون في مراكب الإسلام لقوا مراكب العدو في البحر فقاتلوهم , ثم طلب الروم الأمان فأمنوهم واستأسروا فجاؤوا بهم إلى أرض الإسلام : فإن أمنوهم على أن يكونوا ملكاً أو ذمة فالشرط لازم . وإن كان أمان مسجل لم يجز قتلهم ولا رقهم , وليردوا إلى مأمنهم إلا أن يرضوا بالمقام على الجزية أو يسلموا .
[3/74]
***(1/64)
[3/75]
في الأمان وذكر الإشارة بالأمان
وما يجري من قول أو عمل فيظن أنه أمان
وما يكون منه على الخديعة
قال أبو محمد : وقد أمر الله سبحانه ورسوله عليه السلام بالوفاء بالعهد والذمة , والأمان من ذلك .
كتاب ابن سحنون وابن حبيب : وذكر حديث مالك عن عمر فيمن يقول للمشرك : لا تخف ثم يقتله : فمن فعل ذلك ضربت عنقه . قال سحنون , قال مالك : ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه . وقال ابن حبيب , قال مالك : ذلك تشديد من عمر ولا ينبغي أن يقتل . وينبغي للإمام أن يقدم للجيوش ألا يقتلوا من أشاروا إليه بالأمان فإنه كالأمان .
قال ابن حبيب : سمعت بعض أهل العلم يقولون فيمن رهق مشركاً بالقتل فاتقاه المشرك فقال له المسلم لاتخف أو لا بأس عليك ثم أسره فأراد قتله , فإن كان أراد بقوله تأمينه من الضربة التي أشرف بها عليه لا من القتل فله قتله . وإن أراد تأمينه م القتل فلا سبيل إلى قتله . فإن فعل فعليه قيمته يجعلها في المغنم . قال سحنون قال ابن وهب عن مالك : والإشارة بالأمان كالكلام , وليتقدم إلى الناس في ذلك . وذكر ما روي عن عمر في القائل للعلج : مترس , وهو بالفارسية : لا تخف , قال سحنون : فهو أمان . وكذلك إن ناداهم المسلمون بالأمان بأي لسان من قبطية أو فارسية أو بالرومية أو غيرها , فذلك أمان . وإذا كان ذلك اللسان لا يعرفه العدو فهو أمان لهم وإن لم يعرفوه . وهو معنى حديث عمر في : مترس .
قال ابن المواز : ونزل عندنا أن مركباً من المسلمين لقي مركباً للعدو , فقاتلوهم يومهم , ثم طلب العدو الأمان , فنشر المسلمون المصحف وحلفوا بما فيه
[3/75]
***(1/65)
[3/76]
لنقتلنكم , فاستسلموا وظنوا أنه أمان , ثم طلبوا بيعهم , فأجمع فقهاؤنا أنه أمان لهم . قال : وإذا طلبوا مركباً للعدو فصاحوا به : أرخ قلعك , فيرخيه , فيأسرونهم , فهذا أمان إذا كان قبل الظفر بهم وهم على رجاء من النجاة .
ومن المجموعة : قال مالك في قوم من العدو يأتون فيطلبون الأمان فينزلون فيقولون : الأمان الأمان , قال : إما أن يقبل منهم أو يردوا إلى مأمنهم .
قال سحنون : وإذا أشار مسلم إلى مشرك في حصن أن تعال , وأشار مع ذلك إلى السماء , أو أشار إلى أهل الحصن أن افتحوا , فظن من ذكرنا أن ذلك أمان ففعل , أو كان عرف عندهم أن مثل هذا أمان أو لم يعرف , فهذا أمان كالإفصاح به . وكذلك إن أشاروا إليهم أن تعالوا واشاروا بأصابعهم إلى السماء . وكذلك إن أشار إني قاتلك فأتى كما روي عن عمر . قال سحنون : إلا أن يكون المشرك فهم قوله : إني قاتلك , فأتى فهذا فيء يرى فيه الإمام رأيه . قال سحنون في موضع آخر : لا تكاد العجم تفهم هذا . وقد روي عن عمر في من أشار إلى مشرك : إني قاتلك إن نزلت فينزل يظنه أماناً فأمنه عمر .
قال ابن سحنون عن أبيه في المسلم يأسر المشرك فيقول المشرك : الأمان الأمان , فأمنه فإنه لا يحل له ولا لغيره قتله , ولكن يتعقب الإمام ذلك . فإن رآه نظراً أمضاه وصار فيئاً , وإن كان أصلح للإسلام قتله قتله لأنه أمن بعد أن صار أسيراً وفيئاً . ولو أسلم حرم دمه وكان فيئاً . ولو قال أكون ذمة لكم فليس له ذلك وللإمام قتله . ولو كتفوه أو ضربوه حتى يسلم فلا يجوز أن يفعل ذلك به لهذا . وإنما يجوز أن يفعل ذلك مخافة أن يهرب . فإن خيف أن يمنعه ذلك من الإسلام فليقيد ويدع التعكيم . وإن رام قتله فقال له العلج : الأمان الأمان , فأجابه المسلم : الأمان الأمان , رداً عليه وتغيطاً كالقائل : أتطلب الأمان ؟ فليس هذا بأمان ويجوز قتله . ولكن إن سمعوا ذلك أصحابه رفعوه إلى الإمام يرى فيه رأيه . ولو
[3/76]
***(1/66)
[3/77]
قال لهم : إنما أردت تعجباً ومنعاً فلا يصدقوه وليرفعوا أمره . ولو زاد من القول ما يوضح قوله فقال : الأمان الأمان تطلب ؟ أو : لا تعجل حتى ترى ما تلقى , ونحو ذلك مما يكشف الأمر فل ولهم قتله . وقد يأتي أمر ظاهر إنما يراد به التهديد كالقائل : أفعل كذا إن كنت رجلاً , أو : افعل ما شئت إن كنت صادقاً , فأجابه مسلم من الجيش بمثل ذلك , أو ابتدأ المسلم هذا القول , فنزل العلج فقال القائل : إنما أردت التهديد فلا يقبل منه فإما أمنه الإمام وإما رده إلى مأمنه . وكذلك لو قال له ذلك الإمام فهو كالخديعة . فإما أمنه أو رده إلى مأمنه . ولو أبان ذلك فقال : الأمان الأمان انزل إن صدقت ونحو هذا فإنه لا يقتل . وإما أمن أو رد إلى مأمنه . وكذلك لو قاله له الإمام . ولو قرن مع ذلك كلامه بكشف أسمعه المشرك بلساننا أو بلسان الروم وعلم أن المشرك فهمه , فهو فيء إلا أن يشاء الإمام قتله , مثل أن يقول له : الأمان ما أبعده ! أو : انزل إن كنت صادقاً ونحوه , كمن قال لرجل : لي عليك ألف درهم , فأجابه : لك علي ألف درهم , فأجابه : لك علي ألف درهم ؟ ما أبعدك من هذا ! فليس بإقرار .
وإذا أتى المسلمون حصناً للروم فأظهروا أنهم رسل الخليفة وجاؤوا بكتاب منه وذلك كله كذب فأدخلوهم , فلا يجوز لهم قتل أحد وليفوا بما أظهروا مما دخلوا عليه , والإشارة عند مالك بالأمان أمان , ولينه الإمام عن قتل من أشاروا إليه بالأمان . وكذلك لو صدقوهم من غير كتاب اتهروه معهم , أو قالوا نحن تجار فأدخلوهم فلا يجوز لهم قتل أحد ولا أخذ شيء . وكذلك لو تحلوا بحلية أهل الروم ولباسهم أو كانوا منهم ثم أسلموا وقالوا :كنا بأرض الإسلام بأمان , وانتسبوا إلى قوم من الروم معروفين ذكروهم , فدخلوا على هذا , فلا يجوز أن يؤذوا أحداً . وكذلك لو قالوا لهم نحن أهل ذمة أردنا نقض العهد فأدخلوهم .
[3/77]
***(1/67)
[3/78]
قلت : فإن كعب بن الأشراف وسفيان بن عبد الله قتلا غيلة بأمر النبي صلى الله عليه و سلم , وأظهر إليهما من جائهما غير ما جاء فيه , ولم يكن ذلك أماناً لهما . قال : هذان قتلا بأمر النبي صلى الله عليه و سلم لأذاهما الله ورسوله فلا أمان لهذين .
ومن العتبية : قال سحنون في مراكب الإسلام حاربوا مراكب للعدو , فجرت بينهم جراح , فطلب العدو الأمان فأعطوهم , فاستأسروا فقدموهم بهم بر الإسلام , هل يجوز قتلهم ؟ قال إن أمنوهم على أن يكونوا ملكاً أو ذمة فالشرط جائز . وإن لم يكن الأمان مسجلاً فلا يجوز ملكهم ولا قتلهم , وليردوا إلى مأمنهم إلا أن يقيموا على الجزية .
في أمان العبد والمرأة والصبي والمعاهد والمجنون وغيرهم
وكيف إن أمنهم أحد بعد أن نهى الإمام عن التأمين
ومن حكى الأمان عن غيره
من كتاب ابن سحنون وابن حبيب : روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يجير على المسلمين أدناهم ويرد عليهم أقصاهم . قال ابن حبيب : فأدناهم يقول : الدني من حر أو عبد أو امرأة أو صبي يعقل الأمان يجوز أمانه , ولا ينبغي للإمام ولا غيره أن يغدره , ولكن يوفي له بذلك أو يرده إلى مأمنه . وقوله : ويرد عليهم أقصاهم , أي : ما غنموا في أطرافهم يجعل خمسه في بيت مالهم .
[3/78]
***(1/68)
[3/79]
قال : ولا ينبغي لأحد من الجيش أن يؤمن أحداً غير الإمام وحده , ولذلك قدم , وينبغي أن يتقدم إلى الناس بذلك , ثم إن أمن أحداً قبل نهيه أو بعده , فالإمام مخير إما أمنه أو رده إلى مأمنه .
ومن كتاب ابن سحنون , قال : وإذا أمن المسلم قوماً من أهل الحرب فهم آمنون , لكن ينظر الإمام فإما أتم ذلك أو نبذ إليهم . فإن نبذ إليهم ثم أمنهم ذلك الرجل فلا يحل قتالهم حتى ينبذ إليهم . وهكذا كلما أمنهم إلا أن ينذرهم الإمام فيقول : إن عاد هذا الرجل فأمنكم فلا أمان لكم , فهاهنا إن أمنهم جاز قتالهم بغير نبذ . وإذا أمن رجل حربياً فأدخله دار الإسلام فكره ذلك الإمام , فليعذر إليه أن يرجع إلى بلده ويؤجل له أجلاً يمكنه فيه ذلك ويحتاط له , فإن تعدى ذلك جعله ذمة ومنعه الرجوع . و هذا في من يقدر أن يرجع , و إلا على الأمير إبلاغه مأمنه . و لو قال الإمام لحربي : لا تقبل أمان فلان , فإن دخلت إلينا بأمانه فأنت فيء ففعل و تعدى فإنه فيء و لا أمان له , و يؤدب المسلم . و لو قال الإمام لأهل الحرب : من دخل إلينا بأمان فلان أو بأمان أحد من المسلمين فهو ذمة لنا لا ندعه يخرج , أو : فهو رقيق فهو على ما قال و ذلك نافذ . و كذلك لو قال في حصار حصن : من خرج منكم بغير أمان الأمير إلى عسكرنا فهو فيء أو مباح الدم فهو كذلك . و منالكتابين : و قال النبي صلى الله عليه و سلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء . قال ابن الماجشون و سحنون : لم يجعل ذلك بيد أدناهم ليكون له نظر الإمام بالمصلحة , كما أنه إنما أتم أمان أم هانىء صلى الله عليه و سلم : قد أجرنا من أجرت .
و من كتاب محمد بن سحنون :وروي عن عمر أنه قال : أمان العبد أمان . و قال سفيان : و إذا أمن العبد من في الحصن فهو أمان و ليذهبوا حيث شاؤوا . قال
[3/79]
***(1/69)
[3/80]
سحنون : إذا أشرفوا على فتحه قاهرين له فلا يقبل قول العبد بعد أن صاروا بأيدي المسلمين و لا قول لهم. و كذلك لو قال ذلك رجل حر مسلم حتى يثبت ذلك برجلين أن العبد أو الحر أمنهم , فيكون الإمام المقدم في إجازة ذلك أو رده . و إن ثبت أن العبد أمنهم فرده الإمام فأبوا إلا أن يقتلهم الإمام إو يسبيهم أو يتم أمانهم , قال : يقال لهم تحولوا إلى بلد الإسلام أو ودوا الجزية . فإن أبوا فهم فيء يرى فيهم الإمام رأيه فيمن يقتل أو يستحي . و إن لم يكن المسلمون مقتدرين عليهم , و هم في تحصين فهذه شبهة : فإما أن يردهم إلى حصنهم أو يؤمنهم . فإن أبوا سألهم النقلة إلى بلد الإسلام . فإن أبوا فهم فيء .
و أجاز ابن القاسم أمان العبد و الذمي . قال ابن القاسم : إن قالوا : طننا الذمي مسلماً ردوا إلى مأمنهم . فإن علموا أنه ذمي فهم فيء . قال سحنون : لا يجوز أمان الذمي بحال . و أما الصبي فليس أمانه بأمان إلا أن يجيزه الإمام للقتال فيصير له سهم , فالإمام مخير إما أجاز أمانه أو رده . فأما غن لم يجزه للقتال فأمانه باطل . قال : و أخبرني معن بن عيسى عن مالك : سئل عن رجل من الجيش يؤمن الرجل أو الرجلين بغير أمر الإمام قال ذلك جائز . قيل له : فالعبد ؟ قال : لا , و ما سمعت فيه شيئا . قال ابن وهب : قال إسماعيل بن عياش قال أشياخنا : لا أمان للمعاهد و الصبي إلا أن يجيزه الإمام , و قاله الليث . قال الليث : إذا أمن العبد رجلا من العدو فليرده إلى مأمنه . قال ابن المواز قال الأوزاعي و الليث : لا أمان للذمي . قال سحنون : و أمان الخوارج جائز .
و من كتاب ابن المواز : قال مالك و أصحابه : أمان المرأة جائز على جميع الجيش و على جميع المسلمين . قال ابن المواز : و يجوز أمان العبد . قال ابن القاسم : و يجوز أمان الصبي إن كان مسلماً كان عبداً أو حراً . قال محمد : إذا بلغ سناً يعرف به الأمان ما هو . و أما من ليس بمسلم فليس بشيء لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يجير على المسلمين أدناهم , يقول : من هو منهم . فأما الصبي فكالمرأة لا سهم لها و إن قاتلت , و هو إن قاتل فله سهمه , قاله مالك . و قال : إن أمنهم
[3/80]
***(1/70)
[3/81]
الذمى فلا أمان لهم و هم فيء قال محمد : فإن قالوا ظنناه مسلماً , فأحب إلى أن يردوا إلى مأمنهم إن أبى الإمام أم يؤمنهم . و اختلف فيه قول ابن القاسم , فقال هم فيء و قال يردون إلى مأمنهم .
و قال ابن حبيب : إذا قال الحربي الذي أمنه الذمي ظننت أنه مسلم فلا يقتل . و إما أمنه الإمام أو رده إلى مامنه . و لو علم الحربي أنه ذمي فلا أمان له . قال ابن المواز : و إذا قالوا : علمنا أنه ذمي و ظننا أن امانه يجوز لذمته منكم كما يجوز أمان عبدكم و صغيركم , قال لا امان لهم و هم فيء .
و من كتاب ابن حبيب و ابن سحنون و ابن المواز : ذكروا ما روي أن عمر كتب به إلى سعيد بن عامر في الأمان و فيه : من أمنه منكم حر أو عبد من عدوكم فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه او يقيم معكم على الجزية . و إذا نهيتم عن الأمان فأمن أحد منكم أحداً ناسياً أو عاصياً او لم يعلم أو جاهلاً رد إلى مأمنه . و كذلك إن أشار إليه : إني قاتلك فأتى ظناً أنه أمان . و كذلك إن جاء مطمئناً تعلمون أنه جاء متعمداً . فإن شككتم و لم تتيقنوا مجيئه إليكم فاضربوا عليه الجزية و لا تردوه . و من وجدتموه في عسكركم لم تعلموا به فلا أمان له و لا ذمة . جهاد قال سحنون : بهذا كله قال أصحابنا إلا قوله : و إن شككتم فإن هذا فيء للمسلمين .
و من كتاب ابن سحنون : و إذا أمنهم الرجل المخالط العقل إلا أنه يصف الإسلام و يعرفه فأمانه جائز , و الإمام مخير في إمضائه أو ينبذ الحرب إليهم . و إذا أمر امير العسكر ذمياً ان يؤمنهم فذلك جائز و هو رسول . و كان ينبغي أن يرسل مسلماً إلايبعثه ليكلمهم بلغتهم . و إن أمنهم الذمي عن رجل مسلم من العسكر فقال قد أمنكم فلان المسلم أو قال فلان , فإن علموا أنه ذمي فلا أمان لهم لأنه لا أمان له على نفسه فكيف على غيره ؟ فإن قالوا : ما علمنا انه ذمي فهي شبهة , و إن علموا فهم فيء .
[3/81]
***(1/71)
[3/82]
و من كتاب ابن المواز : وروى ابن وهب عن فضل بن يزيد , قال : كنا مصافين للعدو , فكيب عبد في سهم أماناً للمشركين و رماهم به فأتوا و احتجوا بالسهم , فكتب إليهم عمر بإجازة أمانه . قال ابن القاسم : و من أتي إلى العدو يزعم أن الوالي بعثه إليهم على أنه من أراد أن يخرج إليه فقد أمنه على دمه و ماله و يؤدي الجزية فخرج واحد على ذلك فأنكر الوالي فإنه يقال له : إما أن تتم له ذلك أو فرده إلى مأمنه بما معه . قال ابن المواز : فإن أخذ علج في العسكر فقال : جئت لأمان فلان و لا يعلم ذلك أحد , فإنه يسأل فلان و يصدق فيما يقول , و قاله ابن القاسم و أصبغ , كان فيه بينة أو لم تكن . قال أصبغ : فإن أنكر المحكي عنه فالوالي مخير أن يؤمنه أو يرده إلى مأمنه . قال ابن المواز : لا يعجبني هذا , و قد صار في أيدينا بلا عهد له فللإمام ان يقتله أو يرى فيه رأيه , و كذلك روي عن عمر .
في أمان الأسير من المسلمين بأيدي العدو
و أمان المكره من الأسارى
و أمان من خرج من طاعة الإمام من الخوارج
و من كتاب ابن المواز : و إذا كان بأيدي العدو أسير مسلم خلوه في بلادهم على أن أعطاهم الأمان , فما أظن أن ذلك كان منه لهم إلا لخوف غشيهم في وقتهم و لذلك الجيش وحده فذلك جائز . فأما امانه على أن لا يغزوهم أحد من المسلمين فلا يجوز ذلك . و إنما يجوز ذلك في الجيش الذي نزل بهم ما لم يخوفوه بالقتل .
ومن كتاب ابن المواز و العتبية من رواية أصبغ , و من كتاب ابن سحنون : و قد قال أشهب فيمن شذ من سرية فاسر , فلما خشوا السرية طلبوا من الأسير
[3/82]
***(1/72)
[3/83]
الأمان فأمنهم , فإن كان آمناً على نفسه جاز أمانه . و إن كان خائفاً لم يجز , و الأسير مصدق . قال ابن المواز : فإن اختلف قوله أخذ بقوله الأول . و قال سحنون : لا أرى أماناً و لا أصدقه أنه أمنهم غير خائف , لأن المسلمين قدروا عليهم , و هذا ضرر على المسلمين , و هل يقدر الأسير إذا طلبوه الأمان إلا أن يؤمنهم ؟
قال في كتاب ابن المواز و فى العتبية من رواية عيسى : قال ابن القاسم إذا امنهم عن تهديد بالقتل فلا أمان لهم . و أما إن قالوا له نخليك و تؤمنا فأمنهم فهو أمان جائز . قيل له : إنه بأيديهم و خاف إن لم يفعل قتلوه و اغتنموا . قال : و ما يدريه . قال في كتاب ابن المواز : بل أمانه جائز إن كان ذلك منه بعد أن أشرف عليهم المسلمون , و لو شاؤوا أن ينقذوا قدروا على ذلك و تخلصوا . قال في العتبية : و لو شاؤوا أن ينفذوا . و في بعضها : بعد ما أشرف عليهم المسلمون ليس هذا بأمان إلا أن يخلوه و لا يشترطوا عليه شيئاً .
و في كتاب ابن حبيب مثل ذلك : إن هددوه بالقتل أو إنما قالوا له : أمنا و نخليك , ففعل و خلوه فلا أمان لهم إلا أن يخلوه بغير شرط . فإن أمنهم و هو على نفسه آمن فذلك جائز . و يقبل فيه قول الأسير , و قاله لي من أرضى .
و من كتاب ابن سحنون قال سحنون في أسير بيد العدو أو أسيرين , أو دخلا مدينتهم بأمان , فإن سألوهم الأمان فأمناهم , فإن كان على القهرة لهما و أنهما لا يقدران على غير ذلك فالأمان باطل . و إن امناهم على غير قهرة لكن نظراً للمسلمين فالإمام مقدم في إجازة ذلك أو رده و يوذنهم بحرب . و كذلك لو أسلم منهم أحد ثم أمنهم , افترق أمانه على القهرة و على ما ذكرنا إذا ثبت أنه أسلم في دارهم ببينة مسلمين , و قاله الأوزاعي . و لا يجيز أهل العراق امانه و يرونهم فيئاً
[3/83]
***(1/73)
[3/84]
و قال الأوزاعي في حصن أو مطمورة نزل بهم المسلمون و فيه أسير مسلم , فلما خافوا قالوا للمسلم : أمنا و نخليك , فأمنهم فخرجوا و خرج معهم : فالإمام مخير إن شاء أمنهم أو ردهم إلى حصنهم أو تركهم حتى يبلغوا مأمنهم . قال سحنون : إن أكرهوا الأسير حتى أمنهم فذلك باطل و هم فيء . و إن لم يكوهوه و إنما فعل ذلك نظراً و حياطة فالإمام مقدم أن يمضيه أو يردهم إلى مأمنهم . و من العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن خرج عن طاعة الإمام بالأندلس و تغلب على ناحية من الثغر و استعان بمن أمكنه من العدو , فنزل عنده ناس منهم فأمنهم , قال : ذلك لهم أمان لازم و لكن ينتظر فيه الإمام : فإما أمضاه أو ردهم إلى مأمنهم . فإن طلبوا المقام على أداء الجزية , لم أحب أن يأبى لهم من ذلك . قال سحنون في كتاب ابنه مثله .
قال أصبغ في العتبية في وال خرج عن جماعة المسلمين في حصن من حصونهم , فصالح من يليه من الروم و استمد بهم أيستباحون ؟ قال : إن لم يغزوا و لا اعانوه فقاتلوا معه فلا يستحلوا . فإن فعلوا هذا فهم كمن نقض العهد و تلصص , قاله سحنون . و قد تقدم في باب آخر ذكر أمان الخوارج من المسلمين
.
في تأمين الخوارج لأهل الكفر
أو استعانوا بهم علينا
من كتاب ابن سحنون قال سحنون : و أمان الخوارج لأهل الحرب جائز . و كذلك لرجل حربي , و كذلك موادعتهم لهم , و لا ينكث لهم ذلك الإمام حتى ينبذ إلى الحربين إن كانوا في منعة , و الإ فليبلغهم مأمنهم ثم ينبذ إليهم إذا رأى الإمام نقص ذلك و كان عنده على غير نظر . و إن كان خوارج لهم منعة امنوا قوماً
[3/84]
***(1/74)
[3/85]
حربيين على أن يخرجوا إليهم يكونون معهم بدار الإسلام يقاتلوننا . فظهرنا على الجميع بعد القتال أو قبل أن يقاتلونا فلا يستباح أولئك الحربيون بسبي و لا أخذ مال , لأنه انعقد لهم أمان على الكون بدار الإسلام . و من قتل منهم قتيلاً فليس له سلبه و إن كان الإمام قد نفل الأسلاب . و ليسوا كالذين أمنهم الخوارج على أن يخرجوا من دار الحرب ليقاتلونا معهم , هؤلاء على أصل الحرب و لم يذكروا أماناً فليس خروجهم أماناً .
و لو دخل الخوارج أرض الحرب فأمن بعضهم بعضاً ثم دخلنا عليهم , فإن كان الحربيون في سلطانهم فما أصبنا منهم فيء و يكون السلب للقاتل إن نفله الإمام . و إن دخل إليهم الخوارج بموضع من بلد الحربيين لا يمتنعون فيه إلا بمنعة الخوارج , فإنا لا ننال منهم سبياً و لا غنيمة و لا فيئاً .
و لو جاء حربيون إلى موضع لخوارج بأرضنا يسألونهم قتالنا معهم , فأنعموا و لم يفعلوا , فلا يحل لنا منهم قتل و لا مال حتى يقاتلونا , فيستحل منهم ما يستحل من الخوارج فقط . و لو قالوا لمسلم خارجي أو غيره أدخل إلينا إلى بلد الحرب و أنت آمن ففعل , فلا يحل له أن يستبيح منها شيئاً و لا يغدرهم . و إذا كان الخوارج يقاتلوننا ثم أمنوا قوماً حربيين فخرجوا عليهم فسألوهم قتالنا فأبوا إلا أن يكون الأمير منهم و الحكم لهم فرضوا الخوارج أن يكون الأمير من الحربيين وقاتلونا فظفرنا بهم ,فإن كان الحربيون في منعه فهم فيء وما معهم , ولا يؤخذ لأهل البغي شيء , وسلب الحربي لقتاله إن نقل السلب الإمام . ولو كان سلاح خارجي قتيل أخذه عارية من حربي كان للقتال لأن الأمير حربي . ولو كان الحكم حكم الشرك . فإن قاتلونا نقضوا ما خرجوا عليه من دار الحرب فلا ينبغي أن ينال منهم الخوارج سبياً ولا مالاً . ولو سبوا منا وغنموا فعلى الخوارج قتالهم حتى يستنقذوا ذلك منهم . ألا ترى لو استأمن إلينا عدد لهم منعه مثل ألف رجل ثم أمروا عليهم أميراً , فأمروهم بقتالنا من ناحية والخوارج من ناحية , فإن كان أمير الحربيين منهم وهم في منعه بغير منعه
[3/85]
***(1/75)
[3/86]
الخوارج فهم فيء إن ظفرنا بهم . ولو لم يكن منعه إلا بالخوارج فليحكموا فيهم بحكم الخوارج إذا ظفروا بهم .
ولو أن عشرة من الخوارج أمنوا عشرة من الروم على أن يخرجوا من أرض الروم فيغيروا علينا معهم ولا منعه لكل فريق فظفرنا بهم فلهم حكم الخوارج , ولا سبي فيهم ولا غنيمة ولا ضمان . ولو لم يؤمنوهم ولكن قالوا اخرجوا قاتلوا معنا فخرجوا وحدهم لذلك فقاتلوا معهم كان ما ذكرنا من الحكم في الخوارج خاصة وكان الحربيون فيئاً , كان أميرهم حربياً أو خارجياً .
وإذا وادع الخوارج حربيين فليس لنا نقض ذلك حتى ننبذ إلى أهل الحرب .
ولو استعانوا بهم ثم وادعوهم على أن يأخذوهم من طريق وأولئك من طريق ففعلوا فظفرنا بهم , فالحربيون فيء إلا أن يؤمروا أحد الخوارج فلهم حكم الخوارج في رفع السبي ومنع المال . ولو أن الموادعين أغاروا ببلدنا وحدهم فهو نقض للموادعة وهم فيء .
وقال في الخوارج قتلهم يستعينون على قتالنا بطائفة من الحربيين فظفرنا بهم فلنا سبي أولئك الحربيين , ولا يكون استعانتهم بهم أماناً وهم فيء بجميع ما معهم . ولا يكون للخوارج قتلهم لأنهم في أمان منهم . فإن تعدوا فسبوهم فعليهم رد ذلك , ولا يشتري منهم أحد ولا مما غنموه لهم من أملاكهم .
قال ابن سحنون فإن اشترى منهم أحد كرهناه له ولم نبلغ به الفسخ , وهو كمسلم دخل بلادهم فغدرهم وسبى منهم وأخذ المال فإنما نأمره برد ذلك ولا يقضى عليه , ويكره شراؤه منه ولا يبلغ به الفسخ . ولو قاتلوا مع من ساعدعم من الكفار وقد نفل الإمام السلب فقتل رجل منا مشركاً كان سلبه له وليس له سلب من قتل من الخوارج , ولا يسبون . ولو أخذ الحربيون الذين أعانوا الخوارج مال مسلم فأحرزوه في عسكر الخوارج ثم تاب الخوارج وأسلم الحربيون فليردوا
[3/86]
***(1/76)
[3/87]
كل ما أخذوا للمسلم إذا لم يحرزوه في دارهم . ولو أخذه منهم أهل العقل قبل أن يدخلوه دار الحرب ردوه على أهله . ولو أدخلوه دار الحرب ردوه على أهله . ولو أدخلوه دار الحرب ثم أسلموا عليه كان لهم . ولو أخذه منهم المسلمون كان لربه ما لم يقسم فيكون له بالثمن , وما سبى هؤلاء الحربيون من المسلمين فعلى أهل الحرب استنقاذ ذلك منهم وقتالهم عليه . وكذلك ما أخذوا من أموالنا . ولو استهلكوا ذلك ثم أسلموا لم يضمنوا . ولو أعان الحربيين لصوص كان كما ذكرنا في الخوارج .
في قتال الخوارج والحكم على أموالهم
قال سحنون في الخوارج : إنما قوتلوا وقتلوا لبدعتهم , وسماهم النبي صلى الله عليه و سلم مارقين . قال غيره : وقال : سمارا في الفرق . قال سحنون : فلم يسمهم كفاراً . وسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتالهم بما كان عنده من النبي صلى الله عليه و سلم من العلم فيهم , فلم يكفرهم ولا سباهم ولا أخذ أموالهم , فمواريثهم قائمة , ولهم أحكام أهل الإسلام في ذلك . وإنما قتلوا بالسنة وبما أحدثوا من البدعة , فكان ذلك كحد يقام فيهم , وليس قتلهم يوجب تكفيرهم , كما لو يوجب قتل المحارب تكفيره ولا قتل المحصن تكفيره , وأموالهم لهم , ولهم حكم المسلمين في أمهات الأولاد وعدد النساء والمدبرين والوصايا , ويردون ما أخذوا للمسلمين إلى أربابه , ولا يتبعون بما أسفكوا من دم ونالوا من فرج , ولا قود ولا دية ولا صداق ولا حد , وما لم يعرف ربه من الأموال فيوقف لأهله . وإن أيس منهم تصدق به . ولم يثبت عندنا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أجاز الانتفاع بسلاح الخوارج ما دامت الحرب قائمة .
[3/87]
***(1/77)
[3/88]
في رجل من العسكر يؤمن العدو على مال أو على غير مال
وهل يقبل قوله في ذلك بعد خروجهم ؟
وكيف إن اختلف فيه رجلان ؟
من كتاب ابن سحنون : وإذا أمنهم رجل من العسكر فللإمام أن يمضي ذلك أو ينبذ إليهم ثم يقاتلهم . ولو كان قد خرجوا على هذا , فإن ثبت بالبينة أنهم إنما خرجوا لأمانة نظر الإمام : فإما أمضاه أو ردهم إلى مأمنهم . فإن لم يكن غير قوله وقولهم , فهم فيء ويقتل منهم من شاء , وقاله غيرنا ولكنهم كرهوا القتل . وإن شهد رجل مع الذي أمنهم , فقال سحنون : يجوز ذلك , ثم رجع فلم يجزه وجعلهم فيئاً . وقال الأوزاعي في السبي يرد العسكر فيقول المسلم : كنت قد أمنتهم , قال : ذلك جائز وإن لم تقم بينة . وكذلك لو قاله الإمام .
قال سحنون : يقبل قول الإمام إني كنت أمنتهم . وأما غيره فلا يصدق وهو يشهد على فعل نفسه وهم فيء . ولو أمنهم مسلم على ألف درهم أخذها ثم علم الإمام وهم في حصنهم فهو مخير : فإما أجاز ذلك وأخذ الألف وكانت فيئاً , وإن شاء ردها إليهم ونابذهم . ولو كان قد خرجوا إلى العسكر وأخربوا حصنهم , فإن ثبت تأمينه لهم على هذا المال فالإمام مخير أن يجيز ذلك والمال فيء , أو يردهم إلى مأمنهم من بلد الحرب . وإن أرادوا إصلاح حصنهم وخرهم لذلك , وقد يضعفون عن التحمل إلى بلد آخر . ولو ادعى هذا بعد أن فتح الإمام الحصن وصدقوه لم يقبل ذلك وهم فيء , إلا أن يكون قبل الفتح وهم ممتنعون فيرى الإمام رأيه في إمضاء ذلك أو رده .
قال الأوزاعي في مطمورة حاصرها المسلمون , فلما أشرفوا عليها جعلوا جعلاً لمسلم على أن أمنهم : فإن كان قبل أن يدخلها المسلمون جاز أمانه وبولغ في عقوبته وله ما أخذ . وقال سحنون : بل للإمام إبطال ذلك ويرد ما أخذ إليهم أو
[3/88]
***(1/78)
[3/89]
يجيز ذلك والجعل فيء . قال الأوزاعي : وإذا جاء رجلان بعلج فقال أحدهما أسرناه , وقال الآخر أمناه , قال : يوضع في لمقاسم ولا يقتل . ومن جاء بعلج فقال قد أمنته , قال : يصدق . ولو قال العلج قد أمنني أو لقيني على الطريق أريد إليكم فقال الرجل : لقيته على الطريق وما أمنته , فهذه شبههة ويجعل فيالمقاسم ولا يقتل . قيل : أيحلف ؟ قال : إن كان متهماً , حلف , وإن كان من أهل الصدق لم يحلف .
وفي مثل هذا المعنى باب بعد هذا قد تكرر منه كثير .
في المسلم يأتي إلى الحصن يزعم أن الأمير أرسله إليهم بالأمان
بكتاب يخبر فيه أو بغير كتاب
فصدقوه وفتحوا الحصن وقد كذب لهم .
وكيف إن جاء رسول من الطاغية هل يصدق في نكث أو غيره ؟
من كتاب ابن سحنون عن أبيه : وإذا أرسل الأمير رسولاً مسلماً إلى حصن أو مدينة للروم في حاجة له , فأتاهم بكتاب افتعله أو بغير كتاب يزعم أن الأمير أرسله إليهم بكذا من أمانهم أو بأمر ذكره لم يؤمر به , ففتح الملك المدينة ودخل المسلمون فسبوا , فذكر الملك ما قال الرسول عن الأمير فأقام عدلين مسلمين أن الرسول قال ذلك فأنكر الأمير ذلك , قال : ذلك يلزمه ولهم الأمان ويرد عليهم ما أخذ منهم لأنه رسول له معروف , فليس عليهم أن يعلموا ما أمره كما لو نادى : إن هذا رسولي وجب قبولا قوله لأنه أمينه . وكذلك لو كان ذمياً أو مستأمناً , وإن كنا نكره إرسال الكفار في هذا . فأما إن لم يعرف أن الرسول قال لهم ذلك قبل الفتح بالبينة إلا بقبول الرسول بعد الفتح إني قلته لم يصدق على الإمام وهم فيء . فإن وقع للرسول منهم سبي لم يعتق عليه لأن ذلك القول لم يعقد لهم أماناً .
[3/89]
***(1/79)
[3/90]
وقال أهل العراق : يعتقون عليه لأنه مقر أنهم أحرار , ولكن لا يتركون يرجعون إلى دارالحرب . وأما إن جاءهم بهذا رجل ليس برسول للأمير بكتاب افتعله أو قول بلسانه بمحضر عدلين مسلمين بما حكى من الأمان ونحوه ففتحوا الباب فسبوا فقاموا بذلك , فلا سبيل عليهم لأمهم شبهة , ويرد ما أخذ لهم من مال أو سبي , , ولا يعارضوا حتى ينبذ إليهم كما لو أمنهم مسلم عندهم فهو أمان . ولو ادعوا أنه قال لهم ذلك أو جاءهم بكتاب ولا بينة لهم فهم فيء . ولو قال لهم هذا الذي ليس برسول هذا القول ففتحوا لكانوا آمنين حتى ينبذ إليهم , ولا يصدقون أنه قال لهم ذلك إلا بشاهدين من المسلمين عدلين . ولو قال لهم رسول الأمير : إن فلانا القائد يؤمنكم , أو إن المسلمون يؤمنوكم – قال ذلك بمحضر عدلين- ففتحوا , فهم في أمن حتى ينبذ إليهم ومن أخذ لهم شيئاً رده . ومن أرسل إليهم من مسلم أو ذمي أو حربي بالأمان فبلغهم , ثم رجع إليه فأخبره , فليف لهم وهم آمنون . ولو أمنهم رجل مسلم من العسكر فهي شبهة وهم آمنون حتى ينظر الإمام فيجيز ذلك أو يرده . فإن رده فأرسل رجلاً عدلاً ليأخذوا حذرهم ورجع إليه فأخبره أنه بلغ عنه , فليصدقه ويحاربهم إن شاء , ورجلان عدلان أحب إلي في هذا . ولو بعث مسلماً غير عدل أو ذمياً فأخبرهم , فلا يغير عليهم المسلمون بهذا . وليس وليس نقض العهد والنبذ مثل الأمان الذي يكف عنهم به لأن في النبذ القتل والسبي . ولو أغر عليهم المسلمون بذلك فسبوا فقالوا ما علمنا ذلك ولا نبذ إلينا , فليرد ما أخذ لهم ويؤتنف إليهم النبذ , ومن كان قتل منهم فلهم ديته , وليبعث في النبذ عدلين . وإن بعث أجزأه .
وقال أهلالعراق : يرسل إليهم رجلاً في النبذ معه عدلان يشهدان على نبذه لأنه لا يشهد على فعل نفسه , فأنكر هذا سحنون وقال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يبعث
[3/90]
***(1/80)
[3/91]
إلى ملوك العجم فما بلغنا أنه أرسل بينة على رسله ولا عمل به الخلفاء . وإذا جاء رجل من عند الطاغية بكتاب إلى الأمير فيه : إني نبذت إليك وناقضتك العهد الذي بيني وبينك فلا يعجل حتى يبعث من قبله عدولاً إلى الطاغية ويخبره بما جاء عنه , ثم يعمل على ما يأتونه به .
وأهل العراق يقبلون ذلك إن جاء به حربيان ولا يقبلون واحداً لأنهم يجيزون شهادة الكفار عليهم ولا يجيزون شهادة ذميين ولا مسلمين غير عدلين , وهذا تناقض .
في من أمن على أن يدل على شيء أو يخبر بخبر فلم يفعل أو خدعهم
أو أمنوا حصناً على أن يعرض عليهم الإسلام ليسلموا ثم أبوا ذلك
من كتاب ابن المواز قال عبد الملك فيمن استأمن على أن يخبر فلم يخبر واستعجم وبان لدده , قال يكره أبداً على ما شرط , وهو كسرية أخذت لساناً فاستخبروه فتبين أنه أخبرهم بباطل تعمد التغرير بهم , أو لم يجدوا لما أخبرهم به أثراً فليحمل أمره على أنه عين على الإسلام أراد الغرة بهم , أو غرهم بقلة عدد فجاءهم أكثر منها , أو صرفهم عن طريق عدوهم ولولا ذلك ظفروا بهم , فهذا يقتل لأنه عين وجاسوس . وذكرها ابن سحنون في كتابه عن عبد الملك , فقال : إذا استأمن إلى العسكر ببلد الحرب على نفسه وأهل بيته على أن يدل على العورة والغرة فاستعجم ولم يخبر فما تبين عليه فيه الظنة والكتمان , فإنه يجبر على الخبر , فإما يبين للإمام وإلا رده إلى مأمنه حتى إذا ظهر أنه أخبر الإمام بكذب
[3/91]
***(1/81)
[3/92]
قربه به إلى غرة أو صدفة عن طريق إلى ما يضر بالمسلمين فقد أخفر وحل دمه .
و من كتاب ابن سحنون : قال سحنون في الحصن يحاصر , فقال رجل منهم : أمنوني على أن أدلكم على مائة رأس بقرية كذا أو مطمورة كذا , فأمنوه على هذا , فنزل فذهب بهم إلى قرية أو مطمورة فلم يجدوا شيئاً فقال كان ذلك بها وذهب , فإن علم كذبه وأنه لم يكن لذلك أثر فلا أمان له وهو فيء , وإن شاء الإمام قتله . وإن لم يتبين كذبه وتبين أنه كان ثم شيء فذهب فله الأمان حتى يرد إلى مأمنه . وكذلك لو فتحوا حصنه لردوه إلى مأمنه من أرضه . وكذلك لو كان في شرطه : فإن لم أدلكم فلا أمن لي فإنما يكون فيئاً إن تبين أنه غرهم . وكذلك لو كان عند المسلمين أسير شرط أن يؤمن على أن يدلهم على مال فدلهم عليه فلا ينبغي , وهو كفداص الأسير بالمال , فإن نزل ذلك وفى له . وإن لم يوجد ما قال وتبين أنه غرهم فللإمام قتله أو استرقاقه . إن تبين أنه لم يغرهم فهو أسير كان للإمام قتله إن شاء إذا لم يأت بما شرط . قال أبو محمد : يريد إذا لم يكن أبقى للاستحياء .
قال الأوزاعي : ولو قال : أدلكم على عشرة فدلهم على خمسة , قال : يخلونه ولعله قد جرى فيه حدث . وقال غيرهم لا يخلى حتى يدل على عشرة .
قال سحنون : ونحن ننهي عن هذا لأنه من فداء الرجال بالمال . فإن نزل وفي له إن دل على عشرة . فإن دل على أقل لم يطلق . ولو شرط من حصنه أمانه على الدلالة على عشرة غدل على أقل منها , فإن دل على أكثرها فهو آمن . وإن دل على خمسة فأقل فلا أمان له ويرد إلى مأمنه إن تبين أنه لم يغرهم . وإن نزل فقال
[3/92]
***(1/82)
[3/93]
لا أدلكم على شيء فهو فيء وللإمام أن يقتله أو يسترقه . ولو شرط إن لم أدلكم على ما ذكرت فأنا فيء فلم يف فهو فيء وليس للإمام أن يقتل هذا . وإن وفى فله شرطه , وكذلك في هذا . وإن تبين أنه لم يغرهم حين لم يجد شيئاً فإنه فيء لأنه لم يشترط إن لم أجدهم وزالوا فلا سبيل علي . وكذلك إن قال إن لم أف فأنا ذمة لكم فهو كما قال .
وإذا قال لهم أهل حصن : نفتح لكم على أن تعرضوا علينا الإسلام فنسلم فرضوا وفتحوا فعرض عليهم الإسلام فأبوا فليجبروا على الإسلام أبداً بالسجن والضرب ونحوه . ولو كان في الشرط : فإن لم تسلموا فلا أمان لكم , كانوا فيئاً إن لم يسلموا , و اللإمام قتل من شاء من رجالهم . و إن أسلم بعضهم فهم أحرار و الباقون فيء . و لو هذا علج فنزل فعرض عليه الإسلام فأبى فليجبر عليه من غير قتل و لا يرد و لا يسترق . و إن شرط عليه إن لم تسلم فأنت فيء فرضي فهذا إن لم يسلم فيء و للإمام قتله . و لو أسلم فقد صار فيئاً بامتناعه , و لا ينتظر حكم الإمام أنه فئ و لكن يبقى رقيقاً و لا يقتل . و إن قال أمهلوني حتى أنظر لم يمهل إلى أجل , و إما أسلم أو صار فيئاً كما لا تؤخر المملكة .
و قال غيرنا : يؤخر ثلاثاً كفعل عمر في المرتد , و تأخير المرتد لم ير مالك أنه أمر لازم و نحن نستحسنه . و قال قبل هذا سحنون : يؤخر المرتد . قال : و إن سكت في عرض الإسلام عليه و لم يتكلم فليعرفه الإمام أنه إن لم أسلم فأنه فيء فله شرط و يحسب من ساعة قال أسلم إلى مثل تلك الساعة من اليوم الرابع . فإن لم يسلم صار فيئاً و لا ينتظر فيه رأي الإمام . و لو قال على أن أسلم إلى ثلاثة أيام , فهذا إن مضت و لم يسلم جبر أبداً بالضرب و السجن حتى يسلم . و لو قال على أني إن أسلم إلى ثلاثة أيام فأنا عبد لكم , فهذا إن لم يسلم فهو عبد و لا يقتل , و إن أسلم كان حراً . و كذلك إن قال أكون لكم ذمة فهو كذلك , و كذلك أهل الحصون .
[3/93]
***(1/83)
[3/94]
وإن نزل على أن يدلهم على مائة رأس في قرية و يؤمنوه فدلهم على قرية قد كان المسلمون يعرفونها أو رأوا ما فيها , فإن عرف أنه لم يعلم بذلك و لم يغرهم فهي شبهة و يرد إلى مأمنه . و إن كان بذلك عالماً فهو فيء إلا أن يدلهم على قرية أخرى . و إذا وصف لهم مكان القرية و لم يذهب معهم فقد وفي . و كذلك لو ذهب معهم فعرفها المسلمون قبل أن يصلوا إليها .
و لو نزل على أن يدلهم على بطريق بأهله وولده و إن لم يفعل فلا أمان له , فنزل فوجد بطريقاً قد أخذه المسلمون قبل نزوله أو بعد أو عرفوا موضعه و لم يأخذوه فقال : هو الذي وعدتكم , فإن عرف صدقه رد إلى مأمنه . و إن لم يعرف , فهو فيء إلا أن يدلهم على بطريق آخر بأهله وولده لم يعلموا به . فأما إن وصف البطريق الذي شرط أن يدل عليه قبل نزوله المدينة أو الحصن , فلما نزل وجد أنهم قد علموا بذلك قبل نزوله أو بعد , فقد تبين أنه لم يغرهم لأنه شيء بعينه و ليس عليه أن يدلهم على غيره , و ليرد إلى مأمنه . و لو كان ذلك بغير عينه , فإما دلهم على ما قال و إلا صار فيئاً إلا تتبين براءته فيرد إلى مأمنه . و لو دلهم على قرية كان دخلوها مرة ثم أشكل عليهم الآن مكانها فهي دلالة تامة . و لو نزل على أنه إن لم يدل حل قتله لزمه ذلك .
قلت : لم ذلك و أصل نزوله على أمان ؟ قال : قد نزل أهل خبير على النبي صلى الله عليه و سلم على أنهم إن كتموا مالأ , حلت دماؤهم , فظهر على ما كتموه فاستباحهم بذلك . قال سحنون : و إذا قال الإمام لأسير من العدو دلني على حصن كذا و أخليك فدله , قال : يرسل و يوفى له بشرطه , ثم رجع فقال : لا يخليه لهذا , و كأنه فدي الرجل بمال , و إنما له أن يفادي به أساري المسلمين . و لو ضل عن الطريق , فدله علج أسير على أن يطلقه جاز هذا و كانه فادى به المسلمين حين خاف على هلاكهم . و كذلك من ضل عن العسكر فأسر علجاً ثم قال له : دلني على الطريق و نخليك , فذلك جائز و لا يشبه الفداء بالمال , و كأنه فدى نفسه به حين خاف أن يؤسر .
[3/94]
***(1/84)
[3/95]
في أهل الحصن يؤمنه أحد أهل الجيش على مال أو على غير مال
أو يؤمن رجلاً منهم على أن يدخل العسكر و يرجع
و كيف إن كان أماناً إلى أجل ؟
و كيف إن كان الإمام قد قدم النهي عن ذلك ؟
من كتاب ابن سحنون عن أبيه : و لا ينبغي لرجل من العسكر أن يؤمن أهل الحصن الذي حاصروه و لا رجلاً منهم بغير إذن الإمام , فإن فعل فهي شبهة , وللإمام رد ذلك أو من إمضاؤه على النظر , و له تأديب من فعل ذلك إلا أن يؤمن أحد رجلاً لصلاح رآه من وعده إياه أن يدله على عورة أو يفتح لهم الحصن و يخا فوات ذلك إلى إذن الإمام فأمنه على النظر فيعذر بذلك , ثم للإمام إمضاء ذلك أو رده و يردهم إلى مأمنهم . و من أمن حربياً بمال أخذ منه على أن يدخل العسكر فيلقي رجلاً ثم يرجع إلى حصنه فأخذ في العسكر فهو آمن حتى يرجع إلى حصنه , و المال المأخوذ فيء . و إن فتح الحصن قبل أن يرجه فله الأمان حتى يرجع إلى مامنه من بلد الحرب و المال فيء . و كذلك لو رجل الحصن المحاصر على مال أخذه فللإمام إمضاء ذلك و المال فيء , أو رد الأمان ورد المال إليهم و ينبذ إليهم قبل القتال .
و إذا نودي في الجيش بأمر الإمام أن من أمن أهل الحصن أو رجلاً منهم فأمانه باطل , ففعل ذلك رجل من الجيش على جعل أو على غير جعل و لم يعلم أهل الحصن بنهي الإمام فهي شبهة و هم آمنون , و يؤدب من فعل ذلك , ثم للإمام رد ذلك أو إجازته . و لو كان الإمام بين ذلك لهم , ثم قبلوا أمان المتعدي فأتوا فهم فيء . و كذلك ما رد الإمام من هذا الأمان فعلموا برده ثم نزلوا بعد ذلك فهم فيء . و كذلك لو أمنهم رجل فرد الإمام أمانه فعلموا بذلك ثم نزلوا , أو تقدم إليهم الإمام أن لا أمان لكم بأمان من يؤمنكم ثم أمنهم رجل فنزلوا فهم فيء . و لو
[3/95]
***(1/85)
[3/96]
ثم مثل هذا لم يفتح حصن أبداً بأمان فاسق من الفساق , إذ كلما نقضنا ذلك عليه عاد فأمنهم , و لكن إذا قال الإمام لا أمان لمن أمنكم حتى أومنكم فهذا كالنبذ إليهم .
و لو جاءهم رجل فقال : أرسلنى المير بأمانكم فنزلوا على ذلك و قد كذب الرجل , فهؤلاء يردون إلى مأمنهم إن كان يرسل في مثل هذا . و أما لو قال : لا أمان لمن أمنكم برسالة أو غيرها حتى آتيكم أنا فأؤمنكم فهؤلاء إن نزلوا بتأمين رسول فهم فيء إلا يصح أن الرسول من قبله , فهذا كرجوعه و لهم الأمان بذلك . و كذلك لو قال لا لكم إن أمنتكم ثم أمنهم . و لو أن رجلا وادع قوماً من أهل الحرب سنة على ألف دينار أخذها منهم , فالإمام مخير فإما امضى ذلك و جعل المال في بيت المال و إلا أبطل ذلك ودر إليهم المال و نبذ إليهم . إن لم يعلم مضت السنة أمضى ذلك و جعل المال في بيت المال , وله تأديب من فعل ذلك . و إن مضى بعض السنة فطلب الإمام أخذ حصة ذلك فعلى قياس قول سحنون إن كانت المنفعة قد وصلت اليهم بالموادعة فذلك له . و إن لم يمض إلا الأمر اليسير لا منفعة فيه فليرد جميع المال إن أبطل الموادعة . و إن وادعوهم ثلاث سنين في كل سنة بألف فمضت سنة , فله أن يحبس ألفاً لما سمي . و لو وادعهم الإمام ثلاث سنين فليس له نقض المودعة . و أعاب قول من رأى ذلك و قال : يقول الله سبحانه : " فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم " .
في السرية تؤمن الحصن ثم تأتيهم سرية أخرى
و هل تدخل سرية فيما غنمت الأخرى ؟
و ذكر الدعوى في الصلح في ذلك
من كتاب ابن سحنون عن أبيه : و قال في السرية تحاصر حصناً , ثم يصالحهم أهل الحصن على مال على أن يؤمنوهم حتى تخرج السرية إلى بلد
[3/96]
***(1/86)
[3/97]
الإسلام , و رأوا ذلك نظراً لامتناع الحصن و لما خشوا في انصرافهم عنهم من غير أمان , قال ذلك جائز و لا بأس أن تغير السرية على غيرهم , و أما هم فلا يغربوا لهم سرحاً و لا شيئاً من أموالهم إلا ما أخذوا قبل الصلح ثم إن دخلت سرية أخرى فلا يعرضوا لأهل الحصن إن شهد عدلان بالصلح قهم أمان لهم من جميع المسلمين حتى تخرج السرية الأولى إلى بلد الإسلام , و ذلك كالأجل . و كذلك لو قالوا إلى أربعة أشهر , إلا أن ينقص أهل الحصن ذلك و يقولوا نحن ننفض ذلك الصلح و ننابذكم الحرب فلهم أن يقاتلوهم . فإن ظفروا بالحصن ثم اجتمعوا مع السرية الأولى و نصراً لها لقلة عددها و خوفاً عليهم , و كانت كل سرية مأمون عليهم أن تقدر على التخلص من بلد الحرب من غير حاجة إلى صاحبتها .
فأما إن كانت كل سرية لا تؤمن عليها لو انفردت و لا فيها مقدار على التخلص من بلد الحرب دون الأخرى , فكل ما غنمت كل سرية قبل أن تلتقيا أو بعدما التقيا بينهما , و إذا لم ينقض أهل الحصن ذلك لم يكن للثانية قتالهم و إن ردوا إليهم ما أخذ منهم الأولون إلا أن يرضى أهل الحصن بذلك , فلا ينبغي للمسلمين أن يردوا إليهم شيئاً و لا يعطوهم على النقض مالاً . فإن جهلوا فأعطوهم و نقض أهل الحصن ذلك و قاتلوهم فظفر بهم المسلمون , فإن كانت كل سرية نجاتها بالأخرى فللأولى الدخول معهم فيما غنموا , و لا يأخذوا ما ردوا إليهم من الغنيمة . و قال غيرنا : يأخذونه من الغنيمة , و هذا غلط لأن ما فعلوا خطأ و لم يؤدوه على أن يرجعوا به على أحد . و لو غرموه من غنيمة أخرى لم يرجعوا به . و إن لم تلتق السريتان حتى خرجوا من أرض الحرب سلم لكل سرية ما أخذت , و لم يرجع الذين ردوا إلى الحصن ما ردوا بشيء على الأولى . و لو اجتمعتا بأرض الحرب فإن كان نجاة بعضهم ببعض دخل بعضهم فيما غنم بعض . و لو لم تغنم الثانية شيئاً
[3/97]
***(1/87)
[3/98]
لدخلوا فيما غنمت الأولى إن كان بهم نجاتهم , و لا يرجعون بما ودوا من أموالهم . و لو غنموا من غير الحصن بعد ردهم المال على أهل الحصن فلا يأخذونه مما غنموا , وودوه من أموالهم أو مما غنموا . و لو أن الثانية لم تصدق أهل الحصن في الصلح و لم يجدوا بينة فقاتلوهم و ظفروا بالحصن ثن صح عندهم الصلح فليردوا عليهم ما أخذوا , و ديات من قتلوا على عواقلهم . و إن عرف كل قاتل فعلى عاقلته ديات من قتل في قول أشهب . و في قول مالك : إنما الديات على جميع اهل السرية عرف القاتل أو جهل لأنه إنما قوي بمن معه .
و لو أن أهل الحصن قالوا للسرية الأولى : امنونا أنتم على مال أعطوهم على أنا آمنون حتى تخرجوا من بلدنا فهذا و الأول سواء . و لو قالوا على أن لا تهيجونا و تكفوا عنا حتى تخرجوا من بلدنا , فهذا لمن جاء بعدهم من السرايا أن يقاتلوهم و يغنموهم لأن هذا أمان مخصوص من هؤلاء خاصة , و لمن صالحهم أيضاً ان يسري على غيرهم , و لا ينبغي لأهل لسرايا أن يؤمنوا الحصون على مال إلا ان يؤمنواالحصون على مال إلا ان يأمرهم بذلك الإمام الكبير , لما جاء في ذلك من زوال الجهاد إلا لعذر أو ضرورة . فإن فعلوه لغير ضرورة لم ينقض إلا ان ينقضه الإمام الكبير .
و إذا أمنتهم السرية الأولى حتى يخرجوا إلى بلد الإسلام فلا يهيجهم غيرهم . فإن خرج بعضهم فإن كان خرج الأمير و القوم الذين لهم المنعة حل قتال الحصن لغيرهم . و لو أصيبت السرية الأولى فقتلوا و لم يخرجوا فالأمان قائم إلى مقدار ما لو بقوا لخرجوا في مثله . و إن قتل بعضهم فإن لم يبق إلا الرجل و الرجلان و من لا منعة لهم فقد زال الأمان , يريد إلى تلك المدة . و إن بقي من لهم المنعة فالأمان قائم . قال الوزاعي في أهل ملطية لأن أهل ملطية لم يؤمنوهم من مدد , و الروم هم , إلا أن يشترطوا عليهم أن تؤمنونا أنتم أيضاً من مدد رجالكم , و قاله سحنون .
[3/98]
***(1/88)
[3/99]
قال سحنون : و لو لم يقع الصلح إلى خر3جهم و لكن على أن امنوهم هذه السنة فذلك لهم أمان من جميع المسلمين , و السنة على سني المسلمين . و إنما لهم ما بقي منها إلى آخر ذي الحجة , بقي منها شهر أو أكثر . و لو قالوا : إنما صالحناكم على ما نحسب نحن عليه فالقول قولهم لأنهم طالبوا الأمان فذلك لهم على عرفهم يحسب . و إن قالوا : نحسب سنة من يوم الصلح لم يندر إلى قولهم لأنهم قالوا هذه السنة .
و لو قالوا : أردنا حتى ترجعوا من صائفتكم لم يقبل منهم حتى يثبتوا ذلك في الصلح .
و لو قالوا : على سنة أوتنف لهم أثنا عشر شهراً بخلاف قولهم : هذه السنة , و هذا أمان مطلق من جميع المسلمين . ولو حاصروهم فأمنوهم سة على ألا يقاتلوهم ولا يغيروا عليهم فهو أمان من هذا العسكر خاصة . وإن صالحوهم على مال ولم يوقتوا فهذا أمان منهم ومن غيرهم إلى خروخ هذه السرية من بلد الحرب .
ولو أرسل إليهم الإمام من بلد الإسلام من يصالحهم على الأمان ولم يوقت فهذا على التأبيد بخلاف عقد السرية , وليس للإمام أن ينكث عليهم وإن رد المال الذي أعطوه إلا أن يرضى أهل الحصن بأخذه على انقض . ولو بعث الخليفة عسكراً من المصيصة وآخر من ثغر ثالث , فبعث أهل الحصن إلى أحد هذه العساكر قبل أن يصل إليهم أحد من العساكر مالاً على أن يؤمنوهم حتى يرجعوا من هذه الغزاة ففعلوا , فللعسكرين الآخرين قتالهم في قولنا .
[3/99]
***(1/89)
[3/100]
وقال غيرنا : لا يعرضون لهم أجمع حتى يخرجوا إلى بلد الإسلام لأن إماماً واحداً بعثهم . قال ابن سحنون : بل لكل عسكر حكمه كما ينفرد بغنيمته عن الآخر , ولكل عسكر أمير لا طاعة له على الآخر . وجامعونا على أن ذلك لو كان بعد وقوف هذا العسكر إليهم أن هذا أمان من هذات العسكر خاصة . قالوا : فأما قبل وقوفه بهم فهو أمان من الجميع حتى يقولوا : أمنونا منكم خاصة فيقصر عليهم . قال سحنون : ذلك سواء .
قال سحنون : ذلك سواء .
قال سحنون : ولو دخل الخليفة في أحد هذه العساكر فكان إرسالهم بذلك إليه فرضي فذلك أمان من جميع العساكر حتى ينصرفوا لهذا الحصن خاصة . ولو كان الإرسال من الطاغية فقال أمنونا على كذا كان أماناً لجميع مملكته .
قال سحنون : ونحن نكره هذه الأمانات من السرايا ومن الأمير الأكبر , وكذلك نكرهه أيضاً من الخليفة لما في ذلك من توهين أمر الجهاد إلا لعذر . فإن نزل لغير عذر , مضى إلى مدته . وإذا أمنت السرية حصناً أربعة أشهر على مال أخذوه فليس لغيرهم قتالهم في الأجل إلا أن يرضى أهل الحصن بإسقاط العهد والحرب على أن يعطيهم هؤلاء ما ودوا إلى الأولين , أو على غير شيء يأخذزنه منهم فذلك لهم . فإن ظفروا بهم فليس لهم أخذ ما ودوا إليهم من الغنيمة . وإن عرفوه بعينة . ولو لم يقدروا عليهم بعد أن أعطوهم المال ثم مضوا إلى داخل أرض الروم فأتت سرية ثالثة فلهم قتالهم في الأجل وبعده . فإن ظفروا لم يدخل معهم من تقدم من السرايا في الغنيمة إلا ألا يقدروا على الخروج إلا بهم , وإلا فلا يدخلون معهم , وليس للسرية الثانية أخذ ما ردوا من هذه الغنيمة أصيب بعينه أو لم يصب
[3/100]
***(1/90)
[3/101]
كل ما ردوا بأمر الإمام أو بغير أمره , ولكن إن ردوه بأمره فليرده عليهم من بيت المال .
قال : ولو لم يأتهم أحد غير أن السرية الأولى رجعت إليهم في الأجل فراضوهم على رد المال والحرب ثم ظفروا بهم فلا يأخذوا ما ودوا , وعليهم الخمس فيما أصابوا . وإن دخلت عليهم سرية أخرى فلا يشاركوهم إلا أ، يضعفوا , يريد عن التخلص . ولا ينبغي للإمام موادعة الروم سنة إلا لأمر يعرض فيجوز , ثم يكون ذلك المال كالخراج لا خمس فيه .
قال أبو محمد : أعرفه لا خمس فيما يصالح به , يريد ولو كان صلح بعد دخول أهل الحرب , فصالحوا حصناً على مال فينبغي أن يكون فيه الخمس , قاله سحنون في موضع آخر .
وقال ابن حبيب : لا خمس فيه كالجزية , قال ولو وادعهم , ثم تبين له أن ذلك خطأ وضرر بالمسلمين فلا ينبغي أن ينبذ إليهم حتى يرد عليهم ما أخذ ثم ينابذهم . وكذلك إن تبين ذلك لمن بعده , ولا سحبس من المال شيئاً بقدر ما مضى من الأجل بل يرده كله , ثم ليس له أخذه من الغنيمة تكون منهم . ولو ودت السرية الثانية إلى الحصن المال , يريد : ما صالحتهم عليه الأولى ودوه بغير أمر الإمام ولا بأمر أمير السرايا ولكن بأمر أميرهم , ثم حاصروه ثم جاءتهم سرية ثالثة ففتحت السريتان الحصن فالغنيمة بينهما بعد الخمس , ولا تأخذ الثانية ما ودت لأهل الحصن من الغنيمة .
[3/101]
***(1/91)
[3/102]
في المرراوضة على الأمان والتداعي فيه
وهل يقبل فيه قول الرسل والوسائط ؟
وهل يكون ما يترجم الترجمان يعمل عليه ؟
قال ابن سحنون عن أبيه : وإذا حصر المسلمون حصناً فأنزلوا منهم عشرة ليوافقونا على الأمان ورضي أهل الحصن والطاغية بما حكم العشرة , فنزل العشرة وسألوا المسلمين ترك السبي فأبوا اتفقوا معهم على أن أمنوا العشرة خاصة في أنفسهم وأموالهم وعيالاتهم وكتبوا بذلك كتاباً أشهدوا فيه ومضوا , ففتحوا الحصن ودخل المسلمون فسبوا , فقال الطاغية وأهل الحصن : إنما قال لنا العشرة إنكم أمنتم السبي فأنكر ذلك العشرة أو أقروا , أو شهد مسلمان أنهم قالوا لهم قد أمنوا السبي , فهذا كله لا ينفعهم وعقد العشرة قد تم لرضى الطاغية أولاً بما عقدوا عليه وعلى أهل مملكته , ورضاه وحده كاف لأن النبي صصصإنما كان يكاتب سيد القوم والرؤساء لا العامة , ويصير كل من في الحصن وكل ما فيه فيئاً غير العشرة وأموالهم وعيالهم , وهم مصدقون في عيالهم وأموالهم إلا أن يأتوا بأمر مستنكر . وكذلك لو أخذ الطاغية وأهل الحصن الأمان حتى يرجع إليهم العشرة فذلك سواء .
ولو أخذ الطاغية وأهل الحصن الأمان حتى يرجع إليهم العشرة فيخبروهم بما عقدوا فيرضى ذلك الطاغية أو يرده , فقال العشرة د أخبرناه بما كان ورضي به وقال هو لم أرض فلا يلزمه قول العشرة إلا ببينة . ولو أرسلهم للمقاضاة فقاضاه العشرة على أمر فقال الطاغية أرسلتهم على غيره وقال العشرة بل على ما عقدنا عليه أرسلنا فالقول قولهم لأنهم رسله , إلا أن يشهد للطاغية بينة مسلمون بما أمرهم به فليرد فعل الرسل . ولو نزلوا على تعريف الطاغية ليرضى فقالوا أخبرناه فرضي وأنكر هو الرضى فلا يصدقون عليه . فإن فات في الحصن كسر ونهب ردوا إلى مأمنهم وغرم المسلمون ما أخذ لهم وقيمة ما نهب لهم , ولا تقبل شهادة العشرة
[3/102]
***(1/92)
[3/103]
عليه بالرضى وإن شهدوا بعد أن أسلموا . وكذلك لو شهد بعضهم أن بعضهم أخبره بالصلح فرضي .
ولو أن العشرة أخبروا الطاغية وأهل الحصن بالصلح على خلاف ما راضاهم عليه المسلمون وقالوا إنهم أمنوا السبي فصدقوهم , فهذا و الأول سواء ولا يعرض لما في الحصن من سبي ولا غيره . ولو أن الطاغية وأهل الحصن رضوا بهذا الصلح الذي هو بخلاف ما عقدوا عليه فقال المسلمون نحن نسلم لكم السبي ونأخذ ما بقي لأنكم رضيتم به وفتحتم عليه وقال الطاغية والقوم لا نرضى به الآن أو علمنا أن الصلح لم يقع عليه , قال يلزمهم ذلك إذا رجع المسلمون إليه , ثم رجع فقال: لا يلزمهم وهم آمنون حتى ينبذ إليهم إن كانوا في منعه ويردوا إلى مأمنهم , كالمأمور ببيع سلعة بما رآه فباعها بخمسة عشر ثم أخبر ربها فرضي ثم ظهر أن البيع بثلاثة عشر فلم يرض فقال المبتاع : فإنا نؤدي خمسة عشر فأبى البائع فذلك له .
ولو بعث الإمام مع العشرة رجلاً مسلماً يشهد إخبارهم إياهم بالصلح فقالوا إنما قال لنا العشرة أمنوكم على السبي وصدقهم العشرة وقال الرجل كذبوا بل أخبروهم كيف كان الصلح أنه على أمان العشرة خاصة وأموالهم وأهليهم , فلا يجوز قول هذا المسلم لأنه واحد وأهل الحصن على أمانهم . ولو كانا رجلين جازت شهادتهما إن كانا عدلين , وصاروا كلهم فيئاً إلا العشرة , وتجوز شهادتهما وإن كان لهما في الغنيمة نصيب , كما لو شهدا أن ذمياً سرق من الغنيمة شيئاً إلا أن تكون الغنيمة جريدة خيل مما يصيب كل رجل منه ما له قدر كثير ومال عظيم فلا تجوز شهادتهما , ولا تجوز في هذا شهادة رجل وامرأتين ولا شهادة أهل الذمة
[3/103]
***(1/93)
[3/104]
وإن بعث الإمام بكتابه مسلمين عدلين مع العشرة فشهدا أن الطاغية قرأ الكتاب ورضي جازت شهادتهما ونفذ الأمر على ذلك , فإن لم يعرفا لغة العلج وقالا قرىء عليه مترجماً فرضي لم يجز حتى يعرفا لسان المترجم . ولو قالا لم نجتمع مع الطاغية وقد جاءا من عنده بكتاب مختوم لم يقفا على أنه كتبه وأرسله , فلما فتح الحصن أنكر هو ومملكته الكتاب وقالوا مفتعل فهم على أمانهم ولا يلزمهم ذلك صدقهم العشرة أو كذبوهم .
وكذلك لو كاتب الإمام ملكهم الأعظم على مثل قسطنطينية أو عمورية ولم يدخل إلى نفسه أحداً من المسلمين , وكتب بالصلح إلى ملكهم كتاباً وأمره أن يكتب إليه بما يرضى به , وكتب الطاغية الجواب وطبعه ولم يشهد على نفسه أحداً من المسلمين لا الرسل ولا غيرهم بأنه كتابه ولا حضروا طبعه , فأتى الكتاب فقرأه الإمام وفيه الرضى بالصلح , فلما دخل المسلمون المدينة أنكر الطاغية الكتاب وما فيه وقالوا إنما رضينا بترك السبي , فلا يجب أن يستباحوا بهذا وهم على أمانهم . ولو حضر الرسولان كتاب الطاغية وطبعه إياه لجاز قولهما عليه .
قال سحنون : وربما تبين لي أن تقبل شهادة رسول واحد في هذا فيما أتى به عن الطاغية . قال أبو محمد : ويدل على قول سحنون هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يبعث الواحد بكتابه وأوامره فيقبل ما يأتي به . وقال : اغد يا أنيس على امره هذا فإن اعترفت فارجمها , فكأنه شيء ولاه إياه من نقل خبر إليه أو عنه و إنفاذ أمر ونحوه . قال سحنون : ولو بعث الأمير عشرة مسلمين بكتاب النبذ إلى ملكهم فقرىء عليه وترجم له الترجمان وترجم عنه ولا يدرون هل بلغ عنه الترجمان الحقيقة فجاؤوا بالجواب على هذا , قال : فهم على أمنهم حتى ينبذ إليهم ويعرف الرسل أن ذلك بلغ إليهم بالحقيقة .
[3/104]
***(1/94)
[3/105]
ولو أن مسلماً جاء بمشرك إلى الأمير , وهو يحاصر الحصن فقال قد كنت أمنت هذا فلا يصدق حتى يشهد شاهدان سواه بذلك , ثم قال سحنون بعد ذلك : أو يشهد شاهد معه أنه إنما جاء به على أمان متقدم .
واستحب بعض العراقيين ألا يقبله والإمام بخلاف ذلك , والإمام لا يسأل البينة على فعله , وغيره يكلف عدلان بما فعل . وكان سحنون ربما قال هذا وربما قال غيره .
باب في مسائل الأمان بمعان مختلفة
من كتاب ابن سحنون عن أبيه : وإذا قال المسلمون لأهل حصن للعدو : أخرجوا إلينا أربعة نفاوضهم على الأمان فخرج إليهم عشرون . فإن خرجوا بإرسال من الطاغية فالأمان لأربعة يختارهم الإمام فيردهم , والباقون فيء ولا يقتلون . فإن خرجوا بغير إرسال منه ولا اختيار من أهل الحصن فهم كلهم فيء : إن شاء الإمام قتلهم أو أبقاهم , وليس كل من خرج تجوز مقاضاته . ولو جاز أن يخرجوا بغير إذن الطاغية فتجوز مقاضاتهم لجاز لو خرج عبد أو مجنون قاضيناه .
وأما لو قال : من فتح الباب فهو آمن ففتحه عشرون معاً فهم آمنون لأن هذا أمان مقصور على من بادر الباب , و الأول يوجب أمان الجميع فلا يكون إلا عن رأي الطاغية . ولو قال لهم الإمام : عشرة منكم آمنون على أن يفتح لنا الباب , ففتح ودخل المسلمون , فيختار الإمام منهم عشرة يؤمنهم ليسوا من أراذلهم وعبيدهم وصبيانهم , وأحب إلي أن يكونوا من خيارهم , ولا شيء لهم في أموالهم وعبيدهم ونسائهم وذراريهم . ولو كانوا هم القائلين نفتح الباب على أن شرة منا آمنون كان اختيار العشرة لهم ويختارون برؤوسهم دون من لهم من عبيد ونساء وذرية ومال , ولا يترك لهم إلا ما عليهم , ولهم أن يجعلوهم عبيداً أو أحراراً نساءً أو رجالاً , فإن اختلفوا فيمن يختارونه أقرع بين جميعهم في ذلك .
واو قال الإمام : يخرج إلينا هؤلاء الأربعة وهم آمنون نراوضهم على الصلح , أو قال نراوضهم ولم يذكر أماناً ولا مراوضةً , فهو أمان عندنا للأربعة .
[3/105]
***(1/95)
[3/106]
وقال أهل العراق وإذا قال : تخرجون فقط فله قتلهم . قال سحنون : بل ذلك يشبه الأمان . وكذلك لو قال : يخرجون إلينا نبايعهم كان أماناً . ولو خرج غير الأربعة المشار إليهم كانوا فيئاً . ولو خرج أربعة فأشكل علينا هل هم أولئك أو غيرهم فيسألون فإن قالوا نحن هم صدقهم الإمام بلا يمين . وإن قالوا نحن غيرهم كانوا فيئاً . ولو خرج عشرون كل واحد يقول أنا من الأربعة كانوا كلهم آمنين . وكذلك لو دخل عشرة إلينا ثم لحقهم مثلهم فلم يعرف الأولون .
ولو قال أمير الحصن أفتح لكم الباب على أني آمن على عشرة من الحصن أو على أن لي عشرة آمنين أو على أن تؤمنوا لي عشرة , كان هو وعشرة يختارهم آمنين في أنفسهم وأموالهم , وهو كقوله أمنوني وعشرة أو أمنوني على عشرة منهم . وإذا قال أفتح لكم على أن لي عشرة آمنين من أهل هذا الحصن فله عشرة يختارهم سوى نفسه , فيكونون هم آمنين وأموالهم لهم وهو آن معهم .
وقال بعض أهل العراق مثله إلا في حرف واحد , فإنه قال إن اختار نفسه فيهم كان آمناً , وإن اختار عشرة غيره كان فيئاً .
وروي أن أبا موسى حاصر حصناً فقال له صاحب الحصن أمن لي عشرة من أصحابي وأفتح لك , فرضي أبو موسى وقال له آعزلهم , فعزل عشرة ونسي نفسه فقتله .
قال سحنون : ولسنا نأخذ بهذا لأن مخرج ذلك أنه لم يأخذ ذلك لهم إلا وذلك له أوكد . وأمن عمر مع الهرمزان بأقل من هذا .
ولسحنون قول آخر أنه يكون عاشر تسعة منهم يختارهم أهل الحصن فيكونون آمنين وقاله بعض العراقيين , إلا أنهم قالوا يختارهم إمام المسلمين . ولو قال : على أني آمن وعشرة فهذا يكون هو وعشرة آمنون . وقال سحنون : الخيار في العشرة لصاحب الحصن .
[3/106]
***(1/96)
[3/107]
وقال أهل العراق : الخيار فيهم لأمير الجيش . وكذلك لو قال على أن تؤمنوني مع عشرة , كان هو وعشرة يختارهم هو آمنين . وفي القول الآخر يختارهم الإمام .
قال : ولو قال أمنوني مع عشرة من أهل بيتي فهو آمن مع عشرة من أهل بيته يختارهم , وفي قوله الآخر هو وتسعة يختارهم . وكذلك في عشرة من بني أبي في اختلاف قوله . وأما إن قال في عشرة من إخوتي فهو أبين أن يكون هو وعشرة من إخوته يختارهم هو لأنه لا يحسن أن يقال للرجل هذا من إخوته . ويقال هذا من بني أبيه .
ولو قال رأس الحصن أمنوا عشرة من إخوتي أنا فيهم أو أمنوا عشرة من ولدي أنا فيهم , أو قال من أهل بيتي أو من حصني أنا فيهم , أو قال في ذلك كله أنا أحدهم , فهو سواء و هو حادي عشر ممن قال , وهو ومن اختار آمنون , يعني ولهم أموالهم . قال وليس يؤخذ الأعاجم إلا بظاهر قولهم , ولا يحمل عليهم المعاني المنصرفة في اللغة , يريد ولكن بما يعرف أنهم قصدوا إليه . وقد كان يقول في قوله أنا فيهم أو أنا أحدهم أنه عاشر عشرة , وهذا بخلاف قوله أمنوا عشرة من إخوتي أنا فيهم , أو من ولدي أنا فيهم , لأنه لا يقال إن الرجل من إخوته ولا من ولده , ويجوز أن يقال إنه من أهل حصنه ومن أهل بيته .
وإذا قال أمنوني في عشرة من ولدي أو قال من بني فهو آمن وعشرة غيره يختارهم هو من بنيه كانوا ذكوراً أو إناثاً , وله أن يختار من الذكور ومن الإناث أو من ولد البنين إن شاء , ولا يختار من ولد البنات , وله أن يدع الذكور ويختار الإناث أو من ولد الولد دون الولد .
وقال بعض أهل العراق وإذا قال في عشرة من بني وكلهم إناث فذلك باطل ولا يؤمن إلا هو وحده لأن البنات لا يقال لهم بنين .
[3/107]
***(1/97)
[3/108]
قال سحنون هذا لو كان المستأمن من العرب أو ممن يعرف كلام العرب ومعانيه فأما العجم فلا يفرقون بين هذه المعاني وهم يذكرون المؤنث وؤنثون المذكر والبنات عندهم ينون وإنما يؤخذ في ذلك بمعانيهم . وكذلك في الإخوة والأخوات على هذا . ولو قال في عشرة من إخوتي لم يدخل في ذلك بنو الإخوة في لسان أحد من الأمم . ولو كان له أخوات لم يدخلن عندي في الإخوة إلا أن يكونوا عجماً لا يفرقون بين الإخوة والأخوات , ويجري الأعمام والعمات وبنوهم مجرى ما ذكرنا . وكذلك الأخوال والخالات وبنوهم .
ولو قال على أن تؤمنوني في عشرة من أصحابي أو قال موالي أو عبيدي فهو مع عشرة منهم يختارهم آمنون . ولو نظر الإمام إلى فارس منهم فقال له أنت آمن في عشرة من فرسان الحصن إن فتحت الباب فهو مع تسعة من الفرسان آمنون . وفي قوله الآخر : فهو وعشرة آمنون , والخيار لصاحب الجيش لأنه هو مبتدىء ذكر الأمان . ولو قال في عشرة من الرجالة لم يكن بد من عشرة سواه لأنه فارس والخيار له . ولو قال لراجل أنت آمن في عشرة من الرجالة فمثله في اختلاف قوله في العدد . ولو قال من الفرسان لم يكن بد من عشرة سواه .
ولو قال في عشرة من بناتي فلا يدخل الذكور ها هنا من بنيه ولا من بني بنيه . وإن لم يكن له إلا بنات بنات فلا أمان لهن إلا أن يسمي شيئاً يعرفن به مثل أن يقول لي بنات ماتت أمهن فأمنوني في بناتي فيكون هؤلاء كالبنات , أو يكون قوم عجم لا يفصلون بين بنات البنات ولا بين بنات البنين . ولو قال من موالي وله موالي من فوق وموالي من أسفل فهو على ما نوى منهم والقول قوله . وإن لم تكن له نية فإني أجعلهم في مواليه من أسفل . فإن لم يكن له أحد من أسفل كان ذلك في مواليه من فوق .
[3/108]
***(1/98)
[3/109]
ولو قال : أمنوني علي قريبي زيد بن عمر , فكان له قريبان بذلك الإسلام والنسب ابن خال وابن عم , قال فالقول قوله فيمن أراد إن شاء ابن عمه وإن شاء ابن خاله . وإن لم يكن نوى أحدهما فله الخيار الآن في أحدهما .
وقال غيرنا : الأمان لمن نواه الإمام منهما , فإن لم ينو فما نواه المستأمن , فإن لم ينو فهما آمنان . ولو قال رأس الحصن : أمنوني على عشرة بنين من بني وأفتح لكم ففعلوا وفعل , وله بنون وبنات , فله أن يختار بنين وإن شاء بنين وبنات , وليس له أن يجعلهن بنات كلهن , لابد أن يجعل فيهن بنين ولو ذكر واحد , لقوله عشرة بنبن من بني , فأما قوله : على عشرة من بني فله أن يجعلهن بنات كما لو قال من عبيدي يجعلهن إن شاء إناثاً أو إناثاً وذكوراً . ثم قال سحنون : عاودني في قوله : عشرة بنين من بني وثبت على أنه إن قال عشرة من بني أن له أن يجعلهن إناثاً . وإن قال أمنوني في عشرة من عبيدي وله ذكور وإناث فله أن يخلط أو يجعلهن إناثاً كلهن أو ذكوراً وكذلك في العتق إذا لم تكن له نية في أعيانهم وقيل له اختر . وإذا قال أمنوني في عشرة من عبيدي وليس له إلا إماء بطل الأمان فيهن . وكذلك لو قال عبيدي أحرار أو عشرة من عبيدي أحرار وليس له إلا إماء فلا عتق عليه لأنه لا يقال للإماء إذا انفردن عبيد . وأما لو قال على موالي أو في موالي و ليس له إلا مواليات فلهن الأمان لأنه وقع عليهن اسم موالي . و لو قال على إخوتي أو بني و ليس له إلا أخوات أو بنات فلا أمان لهن إذ لا يقال لهن إخوة حتى يكون فيهن ذكر و لا بنون حتى يكون فيهن ذكر .
قال الأوزاعي : و إذا : و إذا طلبك العلج الأمان بعد أن استأسر في القتال فلك أن تقتله أو تسترقه و لا تؤمنه , و قاله سحنون .
و قال الأوزعي : و من لقي علجاً فسأله الأمان لحاجة يريدها فهو مخير أن يؤمنه أو لا يؤمنه و لكن يرده إلى مأمنه .
[3/109]
***(1/99)
[3/110]
قال سحنون في العدو يريد لقاءنا في أمر يعقده من صلح أو فداء أو رهائن , فأراد من جاء بذلك لقاءنا فيه من غير استئذان أو إحداث عهد ثقة بأنفسهم أو لغير ذلك , فقالوا لنا أخرجوا بحشدكم و نخرج بحشدنا و نجتمع لذلك , فلما تراأى الجمعان أراد المسلمون أن ينتهزوا منهم فرصة , قال لا تفعلوا و ليس هذا أصل ما خرجوا عليه .
قال أبو محمد : و في الجزء الثالث باب جامع في وجوه الأمان و الخفر و الخديعة .
[3/110]
***(1/100)
[3/111]
باب آخر جامع لمسائل من معاني الأمان
و في أمان الأساري و القول فيهم
من كتاب ابن سحنون : قال سحنون في قول الله سبحانه : " ثم أبلغه مأمنه " إنها قائمة معمول بها . وحد مأمنه أن يبلغه أول حصونهم و معاقلهم و تكون حصون متصلة . و أما إن كان حصناً من حصونهم مما يلي الإسلام منقطعاً من حصونهم لا يأمنون فيه فأستحسن ألا يكون قد بلغ مأمنه . و إذا كانت الحصون متصلة فنزل في الحصن الأول فبات عندهم فأخذ المسلمون ذلك الحصن فلا أمان للذي بات عندهم . و لو لقيته السرية قبل بلوغه مأمنه فلا يعرض له .
قال سفيان و الأوزاعي و إذا أسر رجل علجاً ثم قال له لا تخف , قالا فإنما الأمان قبل الأسر و لكن هذا لا يقتل و يباع . قال سحنون و إذا كان يعني : لا تخف من القتل فليبع و لا يقتل .
قيل له : فعمر حين قال للهرمزان تكلم لا بأس عليك , فوقف عن قتله لهذه الكلمة ولم يسترقه . قال فقد اختلف فيه و قيل إنما تركه لأن بعض أصحابه رآه يصلي , و الصلاة لا توجب له الحرية و إنما صلى بعد الأسر . و إن جاء علج يطلب الأمان فبدر إليه رجل فقتله قبل أن يعطى الأمان فقد أساء و لا شيء عليه و لا دية . و إن كفن فحسن و لا ذلك عليه بواجب فيما يظهر .
[3/111]
***(1/101)
[3/112]
قيل : فإن سأل الأمان و هو في الحصن أيرمى ؟ قال : إن رضي بالجزية فلا يرمى . و إن لم يرضى بها فلنا أن نرميه . و إذا بذل أهل الحصن الجزية بعد أن بلغوا من حصارنا مبلغاً ضيقاً أشرفنا فيه على أخذهم فلا يحابوا إلى ذلك ورقهم أولى , و لو أسلموا في هذا الحال لأنجاهم من الرق .
و كره مالك كثرة جلب هؤلاء السودان و قال : هؤلاء العلوج لا يكاد يدخلهم الإسلام . و قد كره عمر جلبهم .
قال : و لما قتل أبو لؤلؤة عمر رحمه الله و قد كانت السكين التي طعنه بها رئيت قبل ذلك بيوم فى يد الهرمزان و هو صاحبه , فقال عبيد الله بم عمر فقتلهما فحبس و تكلم الناس فيه , و كان رأى عثمان ألا يقتل , فترك قبل أن يلي عثمان . قال عبد الملك بن مروان , فترى أنها أول مظلمة وقعت في الإسلام . و قال سحنون في أسير في وثاق يسور من الليل خزفاً مما يتقى و ضجراً من الألم , فقال له حارسه لا تخف , أذلك له أمان ؟ قال ليس ذلك بأمان له . و إنما هذا أمان لو قال له ذلك و هو مطلق هارب في الهزيمة .
قيل لسحنون فلو صاح به في الهزيمة لا تخف و قد أمكنه و علم أنه لا يفوته ؟ قال و من يعلم أنه لا يفوته , فأراه له أماناً .
قلت له : روي عنك أنك قلت : و يسترق . قال : ما أعرف ذلك و قولي الأن إنه حر .
قيل فلو امتنع أربعة أعلاج فنادى واحد بالأمان فأمناه . فلما دخل عليهم لم يعرف من الصائح منهم , قال فالأمان لجميعهم و هم أحرار إلا أن يعطوه الأمان على استرقاقه فيرقون . قال و لو نادى علج بالأمان خارج العسكر فأمناه فهو حر آمن , و للإمام أن يجيز ذلك أو يرده إلى مأمنه . و إذا بعث الإمام سرية بأمير
[3/112]
***(1/102)
[3/113]
أمره عليهم , فغنموا و جاؤوا بأسارى و فيهم من يعرف بالنكاية للإسلام فهل يقتل ؟ قال : إن أسروهم على شرط الأسترقاق أو أسروهم ثم استحيوهم على الإرقاق فلا يقتل منهم أحد . و إن أسروا قهرا و غلبة ثم لم يسحيوهم على الإرقاق فليقتل منهم الإمام من رأى قتله صلاحاً , و ليسترق من يرى أم ذلك أفضل فيه .
و لو اقتسموهم بأرض الحرب لم يكن للإمام قتل أحد منهم و إن كان ممن فيه نكاية و لو عزلوا خمسهم ببلد الحرب و في رقيق الخمس من له نكاية , قال ك لا يقتل و القسم مانع للقتل . قال : و إذا بعث بأسرى إلى أمير المؤمنين , فإن كانوا من الخمس فلا يقتلون لأنهم قد قسموا . و إن لم يكونوا من الخمس و كان ذلك ليرى الإمام فيهم رأيه فليقتلهم إن كانوا أهل الحرب و له أن يستحييهم . و أحب إلينا ألا يفعل .
و إن بعثوا ليستخدموا فلا يقتلوا , و إن بعث بهم إليه ليقتلهم فأسلموا أو بعضهم فليبع من أسلم منهم . فإن قدر على الجيش قسم الثمن بينهم و إلا بيعوا و تصدق بأثمانهم .
قلت : قال الأوزاعي و سفيان : إذا أتي بالأسير إلى فأجمع رأيه على بيعهم ثم بدا له أن يقتلهم فذلك له . قال سحنون : لا أرى ذلك و لا ينبغي أن يقتلهم بعد أن استبقاهم . و عن الأسير يستخبره الإمام عن خبر فيخبره فيتهمه أيضربه ليصدقه ؟
قال : ذلك له و لا أن يقتله إلا على الإجتهاد . قال الأوزاعي : لا يضربه , وكره سفيان ضربه .
[3/113]
***(1/103)
[3/114]
قال سحنون : و لا بأس أن يوثق الأسير بالحديد إن خيف منه . و إن رأى أن يجعل في عنقه الحديد فعل إن خاف منه . قال سحنون : و لا بأس أن يؤمن الحربي على أنه إذا جاوز موضعاً كذا فلا أمان له .
في الأمان و من يدخل فيه بالمعنى و إن لم يسم
و ما يكون فداء من ذلك و ما لا يكون فداء من الأموال
و يدخل في الأمان
من كتاب ابن سحنون : و إذا حاصر المسلمون حصناً فقال رجل من الحصن أفتح لكم على أن تؤمنوني على فلان رأس الحصن فرضوا و فتح , فالرأس مع الرجل آمنان . و كذلك لو قال : أنا آمن على فلان , أو قلنا له : قد جعلناك آمناً على فلان , كما قلنا له أمناك على أهللك كان آمناً معهم , و لو قال أعقدوا لي أو عاقدوني أو اكتبوا لي الأمان عليه أو أجعلوا لي الأمان عليه كانا آمنين . و كذلك لو خاطبوه هم بذلك . و إن قال عاقدوني لي الأمان على ولدي أو قال على قرابتي أو بني أو بناني , أو قال إخوتي أو أعمامي أو عماتي أو عيالي فهو و من اشترط آمنون .
قال سحنون و لو قال عاقدوني الأمان على عيال فلان أو على ولده فهو آمن و كل من اشترط . و قال أهل العراق في هذا هو فيء و الذي شرط أمانهم آمنون . و إن نسبهم إلى نفسه فقال عيالي أو بني أو إخواتي استحسنت أن يدخل معهم في الأمن . و أجمعوا لو قال على أهل بيتي أو أهل مملكتي أو أهل قلعتي أو حصني على أن أفتح لكم الباب أنه داخل معهم في المن . و اما الأموال و السلاح ففيء . و أجمعوا لو قال آعقدوا لي الأمان على أهل حصني على أدلكم على الطريق فهذا
[3/114]
***(1/104)
[3/115]
يكون كل من في الحصن آمنين على أموالهم و سلاحهم و متاعهم . و أما قوله على أن أفتحه لكم دليل على أنه أراد الناس خاصة بخلاف قوله على أدلكم على كذا و كذا . و لو قال على أهل حصني على أن أفتحه فتدخلوا فتصلوا فيه ففعل و فعلوا فلا شيء لهم من سبي و لا مال . و لو قال أمنوني على اهلي على أن تدخلوه فهذا أمان على الناس خاصة .
قال سحنون و إن قال أفتح لكم على أن تؤمنوني في بني أو أهلي أو في أهل حصني , أو قال معهم أو تؤمنوني و أياهم , فالأمان للرجال , و الأموال فيء . و إن قال رجل من الحصن أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم نأخذها ففعل فله الألف و هو آمن و ماله فيء و كل ما في الحصن فيء . و لو قال على ألف درهم من مالي أخذها من كان عيناً أو عرضاً فإن لم يف بها لم يكن له غيره . و لو قال من دراهمي فلم يكن له دراهم فلا شيء له و ماله فيء و هو آمن بخلاف قوله من مالي و هذا كالوصايا إن أوصى له فقال من مالي وله عروض فذلك له . و إن قال دراهمي و لا دراهم له فلا شيء للموصى له .
و لو قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على عشرة أرؤس من الرقيق أو عشرة أفراس من الكراع فهذا و الأول سواء و يعطيه ذلك المسلمون . و ذلك على ألف درهم و يكون على ما في الحصن في و يعطونه الألف كما شرطوا له . و لو لم يشترطوا عليه فتح الحصن و لكن قال لهم قولاً مستقبلاً أمنوني حتى أنزل إليكم على ألف درهم , قال من مالي أو لم يقل , ففعلوا فنزل فعليه الألف الدرهم , و كذلك على عشرة أرؤس من الرقيق أو من رقيقي , و هذا كله فداء و ليعطهم ذلك .
قال سحنون و إن قال أمنوني على أهل بيتى أو قال على ولدي أو قال مالى حتى أنزل إليكم فأمنوه فهو آمن و لا شيء عليه , و ما نزل به معهمن ذلك فهو آمن عليه . و إن لم ينزلوا معه فأهله وولده و ماله له , بقي ذلك في الحصن أو نزل به ,
[3/115]
***(1/105)
[3/116]
و القول قوله في تعيين ذلك ,و كذلك على رقيقي . و لو قال على نصفهم فعليه نصف رقيقه كالفداء . و كذلك على نصف ماله .
و لو قال أمنوني على زوجتي أو قال فلان فهما آمنان و ليس هذا بفداء . و لو قال على عشرة من و لدي فليس هذا فداء و و آمن عليهم و لا فداء عليه لأنهم ليسوا بمال . و كذلك لو قال على فلان هما آمنان . و كل ما نسبه إلى نفسه فعم به فقال على مالي أو قال على رقيقي أو على سلاحي فذكر صنفاً و هو ماله كله فليس بفداء و هو آمن على ذلك . و إن خص صنفاً من أصناف ماله كله كان فداء ووجب ذلك عليه كقوله و نصف رقسقي أو نصف مالي , أو قال على سيفي هذا أو درعي أو على عشرة من رقيقي أو خيلي لأنه إنما فدى نفسه . فإن نزل أخذ بالفداء .
فإن نزل معه حين نزل بماله زوجته و بناته و عياله فهم فيء أجمعون , و لا نجيز له من ذلك إلا أن ينزل بنفسه و ما عليه من لباسه , لأنا لو أمناه على أن ينزل بلا فداء لم يكن آمناً ألا على نفسه لأنا محاصرون له , فلا يدخل شيء من ماله في الحصن في الأمن إلا بأماننا . فإذا قال أمنوني على أن أنزل إليكم على عشرة أرؤس من رقيقي أو على ألف درهم فإن نزل معه بمثل ذلك و قال جئت به لشرطكم فله ذلك لأنا سلطناه بالشرط على أن يأتينا به . فإن جاء بزيادة فلنا أخذ الزيادة .
و كذلك إن جاء بعشرين رأساً فقال جئت بها لتختاروا كان لنا أخذ الباقي . و إن جاء بعروض فقال جئت بها لأبيعها و أعطيكم الشرط لم يصدق لأنه غير الصنف المشترط فيكون ذلك فيئاً و يطلب بالفداء .
و قال غيرنا إذا شرطنا عليه عشرة أرؤس و لم يقل من رقيقي , فنزل بمال و قال جئت لأبتاع به شرطكم صدقناه في العين خاصة مع يمينه و جعلنا ذلك فداء . و أبي ذلك سحنون و قال العين و غيره سواء لأنه خلاف الشرط .
[3/116]
***(1/106)
[3/117]
و قال سحنون و أهل العراق و لو كان قال عشرة أرؤس من رقيقي فنزل بمال , كان فيئاً و يطلب بالرقيق . و لو قال لم يدعني أهل الحصن أنزل بالرقيق فنزلت بالمال لأشتري به لم يصدق حتى يخبرنا قبل نزوله فنأذن له و لو يذكر في هذه المسائل نزولاُ و لا فتح الباب و قال أمنوني على كذا كان ذلك و ذكره للنزول سواء في قياس قول سحنون .
قال سحنون : و إذا قال صاحب القلعة أو الحصن أمنوني على قلعتي أو قال على حصني على أن أفتحه لكم ففعلوا و فعل , فهو آمن على الحصن أو القلعة و كل ما فيها من سبي و غيره من مال و سلاح و كراع و غيره . و كذلك لو جرى في كلام أخاف إن فتحتها لكم أن تهدموها , فقالوا له افتح و انت آمن على قلعتك ففتح , فقد دخل في الأمان القلعة و كل ما فيها من سبي . و كذلك الحصن و المدينة , لأنها لا تعتبر بهذا سلامة الحسطان من الهدم .
و كذلك لو قال الملك تؤمنونني على أهل مملكتي كان عاماً على كل ذلك . و لو قال رجل من أهل الحصن أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم من مالي أو قال على أن تؤمنوني من مالي على ألف درهم أو بألف فهو سواء و له من ماله ألف درهم فقط إذا فتح . و لو قال على ألف درهم أو بألف و لم يقل من مالي , كانت الألف له على المسلمين , و ماله و كل ما في الحصن فيء و قوله و تؤمنونني و على أن تؤمنوني سواء . و كذلك بألف أو قال على ألف . و كذلك لو لم يذكر فتح الحصن فذكر أمان نفسه فقط .
و إذا قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم من مالي فلم يوجد له مال فهو آمن و لا شيء عليه لأنه هو شرط ذلك لنفسه من ماله فقال من مالي , حتى لو قال أمنوني على أن أنزل إليكم على ألف درهم من مالي كان لهم طلبه بها لأنه فداء بخلاف قوله أفتح لكم .
[3/117]
***(1/107)
[3/118]
و لو قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على أهلي و ألف درهم ففعلوا ففتح , فله أهله و ألف درهم يعطاها من ماله أو غير ماله و الباقي فيء . و كذلك بأهلي و ألف درهم . و لو بدأ بالمال فقال أفتح لكم و تؤمنوني على ألف درهم و على أهلى وولدي فهو آمن على ألف درهم يعطونها له و على أهله وولده , و ما سوى ذلك فيء . و كذلك قوله : بألف درهم و بأهلي وولدي . و كذلك قوله بجميع قرابتي و أهلي وولدي و بألف درهم من مالي . فإنما هو استثناء و له الألف من ماله . و لو قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على أهلي أو بأهلي و ألف درهم من مالي ففعلوا فنزل بمال كثير و بأهله , فهو و اهله آمنون و ألف درهم مما نزل به , و باقي ذلك فيء . و كذلك لو قال على أن تؤمنوني بأهلي و ألف درهم من مالي فهو و الأول سواء . و لو قال أنزل إليكم على أن تؤمنوني بألف درهم من مالي و أهلي كان آمناً هو و أهله و عيله ألف درهم . و كذلك إن قال على أهلي و ألف درهم .
و لو قال أفتح لكم و أعطيكم مائة دينار من مالي ففعلوا , فعليه أن يعطيهم مائة دينار من ماله . و لو قال أفتح لكم و أعطيكم مائة دينار من مالي على أن تعطوني عشرة آلالف درهم من أموالكم فهذا ربا , و الربا بيننا و بين أهل الحرب لا يجوز . و لو قال أفتح لكم الحصن و أعطيكم مائة دينار على أن تؤمنوني بألف درهم من مالي فهذا جائز و هو آمن و عليه مائة دينار و له ألف درهم من ماله . و لو قال في الالف على أن يأخذها هو من المسلمين لم يجز .
قال محمد : فإن أمنوه على هذا الذي لا يحل فهو آمن و يرد إلى مأمنه إلا أن يدع الألف فيتم أمانه , أو يترك إمام الجيش المائة دينار و يتم أمانه .
[3/118]
***(1/108)
[3/119]
في الحصن يصالحهم الجيش على أن لا يسلكوا عليهم إذا رجعوا
أو على ألا يشربوا لهم ماء و لا يفسدوا زرعاً و لا يأكلوه
و لا يخربوا لهم قراهم
أولا نأسرهم و لا نقتل أسراهم
و شرطوا لنا ذلك و كيف إن خالفوا
من كتاب ابن سحنون : وإذا مر الجيش بحصن أو مدينة لا طاقة لهم بها فتقدموا عنها , فطلبوا الصلح على ألا يرجعوا على هذه الطريق على ألا يقتلوا منا حداً ولا يأسروه , فإن رأي ذلك الإمام نظراً فليعطهم ذلك وإن كانت هذه أقرب . وقد يخاف أن يتبعوا الجيش ولا طاقة للمسلمين بهم ونحو هذا , ثم ليوف لهم ولا يرجعوا عليهم . وإن قال المسلمون إنا لا نزرأهم في شيء من رعي كلأ أو شرب ماء أو غيره وإنما نأخذ هذه الطريق لقربها فليس لهم ذلك . وقد يحتجون بأنكم قد تطلعون على عورة لهم وتنبهون من بلدنا على أمر لم تكونوا علمتم به فذلك جائز لهم . وكذلك صلحهم لهم على ألا يشربوا من نهركم على ألا تتبعونا ولا تر زؤنا بأسر أو قتل , فذلك جائز ويوفي لهم . ثم إن احتاج الناس إلى مائهم لأنفسهم ودوابهم وخافوا على أنفسهم فلهم تناوله وإن أضر ذلك بالماء . ولو كان على أن لا يأكلوا لهم زرعاً ولا ثمراً , فليوف لهم وإن كان لا ضرر على الكفار فيه , فإن اضطر المسلمون إلى ذلك فلهم تناوله . وإن كان على أن لا يحرقوا لهم الزرع والكلأ فليوفوا لهم .
قال بعض العراقيين : ولهم الأكل والعلف لأن ذلك ليس بحرق . وقال سحنون : ليس ذلك لهم لأن مرادهم تحصين الزرع والكلأ إلا أن يرى المسلمون أن الزرع والكلأ غير المراد أن يكون داخلاً في الشرط , ويكون ما ينال منه تافهاً لا خطب له . فإن كان الأكل والعلف يذهب أكثر زرعهم فهذا غير وفاء بما جعل لهم .
[3/119]
***(1/109)
[3/120]
وإن كان على ألا نخرب قراهم . قال محمد وقال غيرنا : فلنا أن نأخذ ما وجدنافي قراهم من متاع أو علف أو طعام أو غيره مما ليس ببناء , ولا يمس البناء إلا الخشب الملقى . فقال سحنون : أما قولنا فإن الصلح على أن لا نخرب قراهم , فهذا عبارة عن تحصين أموالهم من زرع ومتاع وخشب ملقى وغيره إلا ما رآه المسلمون خارجاً عن ذلك . وقد يقال أحرق العسكر كذا , يعنون معرة الجيش من نهب وفساد وسيماء خراب الديار و ذهاب أموال أهلها . قال غيرنا وإن قالوا على أن لا يأكلوا لهم زرعاً ولا يعلفوه لم يكن لهم حرقه . وإن قالوا على ألا تحرقوه فلهم أكله , وهذا تناقض . وإن شرطوا على ألا يحرق فليس لهم تغريقه .وكذلك لا يحرقون ما شرطوا ألا يغرقوه . وكذلك في السفن لأنه كله إتلاف العين , ما ليس لنا الذهاب بها ولا بإنقاص الديار التي شرطهم فيها .
قال سحنون : وهذا رجوع إلى قولنا : وإن شرطوا ألا نقتل لهم أسيراً إذا أصبناهم على ألا يأسروا منا أحداً , فأصبنا أسرى لهم فليس لنا أن نسترقهم ولا نجعلهم فيئاً . وإن شرطوا ألا نأسرهم ولا يأسرونا فليس لنا أن نقتلهم . وأجاز غيرنا في رفع القتل الاسر , فلا فرق بين ذلك .
قال سحنون : فإن قتلوا أسرانا ولم نأسرهم فلنا أن نقتل أساراهم أو نملكهم لأنه نقض . فإذا فعل ذلك واحداً منهم فليس بنقض حتى يفعله جماعتهم . أو أميرهم , أو يفعله أحدهم فلا يغيرون عليه . وإن شرطوا ألا يقتلوا أسرانا ولا نقتل أسراهم . فأسروا أسرانا ولم يسترقوهم ولا قتلوهم فليس ذلك بنقض .
[3/120]
***(1/110)
[3/121]
في الصلح على أن لا يكتمونا مالاً أو يحدثولا حدثاً ونحو ذلك
فيظهر عليهم خلاف ذلك
أو ينكث أحد منهم أو منا ما وقع به الصلح
من كتاب ابن سحنون : قال يحيى بن سعيد : صالح النبي صلى الله عليه و سلم أهل خيبر على ألا يكتموه مالاً على أن لهم النخل والأموال , فظهر على مال كتموه فاستحلهم بذلك . قال ابن وهب : وقال عمرو بن العص للقبط حين فتح مصر : من كتمني كنزاً فظهرت عليه قتلته , فظهر على رجل كتمه فقتله , فأخرجوا كنوزاً كثيرة . وكتب أبو عبيدة لأهل ديرة من أهل حمص : أمنتكم على دمائكم وأموالكم وكنائسكم أن تخرب أو تكسر ما لم تحدثوا حدثاً أو تأووا محدثاً , فإن فعلتم برئت منكم الذمة , وعليكم إنزال الضيف ثلاثة أيام وبرئت من معونة الجيش .
قال سحنون وإذا أمن المسلمون حربياً على أن يدلهم على حصن أو على أمر كذا فإن خانهم فهم في حل من دمه ورقه , فخرج معهم على هذا ثم ظهر أنه خانهم فللإمام قتله أو استراقه . وعن أمير الجيش يصالح قوماً من الكفار بمال أو بغير مال أو صالحهم رجل من المسلمين وصح ذلك , ثم أغارت عليهم سرية لم تعلم فسبوا وغنموا وقتلوا , فليردا الغنيمة , ودية من قتل على عاقله قاتله , وعليهم من أرش الجراح ما بلغ ثلث الدية , وأما ما دون ذلك ففي مال الجارح , ويردوا النساء ولكل موطأة منهن صداق مثلها , وولدها حر لاحق النسب , ويردوا الإماء إلا من حمل منهن , ففيها قيمتها يوم الوطء وتبقى أم ولد للشبهة . وكثير من مسائل النقض في غير هذا الباب الذي قبل هذا . وإن نكث أحدهم السبي لم يكن نكثاً حتى يفعله جماعتهم أو أميرهم .
وعن مدينة حاصرها العدو فوثب عليهم أهل ذمتهم من اليهود فحاربوهم , فهذا يوجب رقهم عند ابن القاسم ورق ذراريهم إن قاموا من غير ظلم ظلموا به .
[3/121]
***(1/111)
[3/122]
وكذلك من خفر العهد ممن بيننا وبينه عهد من الحربيين فهو نقض على من وراءهم من النساء والذرية . وقال أشهب : يرد أهل الذمة إلى ذمتهم ولا يسترقوا . قال ابن سحنون : وإنما كان النبي صلى الله عليه و سلم يكاتب ويعاعهد الرؤساء , فيلزم ذلك من وراهم من النساء والذرية , فكذلك نقضهم نقضاً عليهم . وكذلك فعل الأئمة . وعن حربي استأمن إلينا على أن يدلنا على عورة ثم لقينا العدو فهزمناهم فوجدناه معهم , فقال أسروني في الصف الأول فلا يصدق وهو فيء يقتل أو يسترق إلا أن يوجد مع أسارى مسلمين فيصدقوه , أو يأتي بما يتبين فيصدقوه .
ولو ودناه مقيداً أو مصفداً فلا يصدق . وكذلك لو انهزم المسلمون ثم كروا فهزموا العدو فوجدوه معهم وقد فقدوه قبل اللقاء , فإن وجدوه بعد الهزيمة فلا يدرى أكان معهم أم لا وقال هو ما زلت من عسكركم , وقد فقدوه قبل اللقاء , فإن كانت السرية قليلة لا يخفى عن مثلهم زواله لم يصدق إلا أن يقول : ذهبت للعلف أو أطلب الطريق فيصدق . وإن كان الجيش عظيماً صدق بكل حال .
في النزول بعهد على شرط لا يجوز
ومن نزل بشبهة أو بأثر عهد ذهبت مدته
أو زاد على شرط أو لم يف به
من كتاب ابن سحنون : قال ابن وهب في العدو يداينون المسلمين على أن يرجعوا من قابل فيأتون فيقولون لا ننزل إلا على ألا يعدى علينا غرماؤنا , فلا يجوز أن ينزلهم الإمام على هذا . فإن فعل فليعد عليهم غرماؤهم . فإن باعوا أخذ منهم العشر . وإن لم يبيعوا فلا يؤخذ منهم شيء ويرجعوا إن شاؤوا . قال سحنون : بل ينظر فإن كان ما يؤخذ منهم من العشر أضعاف الدين فلينزلهم على ذلك , ثم يؤخذ منهم العشر فيؤدى منه الدين لغرمائهم وما بقي انتفع به المسلمون . وإن
[3/122]
***(1/112)
[3/123]
كان ذلك كفافاً ورأى الإمام أن ينزلهم ليأخذوا منهم ما بأخذ أهل الدين القيام ليردوا على المسلمين ما أخذوا من العشر في الدين , قال لا شيء على العدو ولا على الإمام لأنه أمر جرى على المصلحة فيمضي . وإذا كان الدين أكثر مما يؤخذ منهم , وجهل الإمام وأنزلهم على أن لا يعدى عليهم بدين , قال : فليف لهم بالشرط ولا يبطل الدين , ولكن يردهم إلى مأمنهم ولا يدعهم يقيمون على منع الدين .
وعن الجيش بأرض الحرب يستأمن إليه حربي من غير حصن حوصر على أن يرجع إلى أهله ثم يعود بتجارة أو لم يذكر تجارة , فلا يجوز التأمين ليذهب ليذهب ويجيء فيصير عيناً لهم . فإن نزل هذا فهي شبهة ويرد إلى مأمنه . وإن قال وعلى أن آتي بتجارة فهو بما جاء معه من تجارة داخل في الأمان . وإن جاء معه بزوجة وأهل وولد فهم فيء . وقال غيرنا هم آمنون ويصدق فيهم , فإن تبين كذبه فهم فيء , ثم ناقضوا فقالوا إن جاء معه برجال فقال هم ولدي لم يصدق وهم فيء , وإنما يصدق في الإناث من رحمة صغارهم وكبارهم وفي صغار الذكور من رحمه . وقال سحنون لا أمان له إلا في نفسه وماله وما جاء به من تجارة ويصدق في رقيقه للتجارة . وجامعونا أن كل من جاء به من الأجنبيين فيء . وإذا أمن الأمير حربياً ليدله على منفعة للمسلمين وفعل ثم عاد إلى بلده فليس له أن يرجع إلينا بغير أمان مؤتنف , وما معه فيء . وإذا أمن على أن يذهب ويرجع ولم يقل أرجع بمال أو تجارة فذهب ورجع فهو آمن في نفسه و ولا أمان له فيما جاء به من مال أو تجارة وأهل وولد وقرابة وأجنبيين ممن جاء به , جاء بذلك من قرية قريبة من العسكر أو بعيدة , أو من حصن حاصرناه , فما جاء به من ذلك فهو فيء إلا بتفسير أمان عليه . ولو جاز هذا أن يخرج كل ما في الحصن على هذا .
[3/123]
***(1/113)
[3/124]
قال سحنون : وإذا قال رجل من الحصن أنزل على أن تؤمنوني على مائة دينار فرضوا فنزل فلم يعطهم وقال ما عندي فلا أمان له حتى يعطي المائة . فإن أبى فهو فيء إن شاء الإمام قتله أو استرقه . وكذلك على أن يعطيهم رأساً وإن لم يصفه ولهم رأس وسط أو قيمته فإن جاء بذلك فهو آمن يذهب حيث شاء من أرض الروم . فإذا بلغ مأمنه منها حل قتاله . وكذلك لو رجع إلى حصنه أو رجع إليه بعد أن بلغ مأمناً من بلد العدو إلا أن يشترط أنه آمن إلى أجل يذكره أو حتى يرجعوا إلى أرض الإسلام فله شرطه .
قال أبو محمد : ومن معاني هذا الباب في غيره .
ومن العتبية : ابن القاسم عن مالك , وعن تجار من العدو يأتوننا , وقد تقدم إليهم ألا ينزلوا إلا بموضع كذا فنزلوا دونه فيريدون أخذ الماء فمنعوا حتى يقاتلوا عليه , قال لا يقاتلوا عليه , وهذا مشكل فلا يقتلوا على هذا . وإذا نزلوا على أن لا يرد عليهم بما باعوا بعيب هو في باب في آخر الكتاب .
في من وجد من العدو ببلد الحرب أو ببلد الإسلام أو في العسكر
فقال جئت للأمان أو للذمة أو للفداء أو للإسلام
أو رسول وشبه هذا مما لم يوجف عليه
من كتاب ابن المواز : وإذا لقيت السرية علجاً على الطريق فيقول جئت أطلب إليكم الأمان أو أنا رسول , فإن كان ظفرهم به ببلد العدو لم يقبل منه إلا بدلالة تحق له قوله , فأما لو خرج في عمل المسلمين ولم يدخل بعد , ولعله يقول أنتهي إلى موضع سماه فينادي , فأمر هذا فيه شك وترك الشك أفضل .
[3/124]
***(1/114)
[3/125]
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية في العلج يوجد ببلدنا أو قبل أن يصل إليها فيقول جئت إلى الإسلام , وهم ربما تلصصوا الواحد و الإثنين . قال : إن أخذ قبل أن يدخل بلد الإسلام فلا شك أن يقبل منه أو يرد إلى مأمنه , قاله ملك . وكذلك إن قال جئت أطلب الفداء . وأما إن أخذ ببلد الإسلام فإن أخذ بفور وصوله وحدثان قدومه فهو مثله . فأما إن لم يظهر عليه إلا بعد طول إقامة بين أظهرنا , فبعد إن قال هذا فلا يصدق ويسترق , وليس لمن وجده والإمام يرى فيه رأيه ولا يقتل إلا أن يعلم أنه جاء جاسوساً للعدو .
قال عنه يحيى ابن يحيى في أعلاج من العدو تحملوا إلينا فأخذوا بأرضنا أو أو في مفاز بيننا وبينهم مترجلين ليسوا بحال أهل الحرب ولا مقتنصين فرصة , فقالوا جئنا نسكن عندكم على الجزية أو بغير جزية , فقال فلا يقتلوا ولا يسترقوا ويخيروا فإما أن يقيموا على أداء الجزية أو يرجعوا . وأما إن دعوا إلى الجزية حين خرجوا فيلزم الإمام أن يقرهم عليها ولا يقول لا أقبل إلا أن استرقكم أو أردكم . فإنما يحكم الإمام في الذين انكسرت مراكبهم فوجدوا , أو اضطرهم أمر حتى دخلوا بموضع غير هذا , فهذا له أن يبيعهم أو يصرفهم فيما رأى من مصالح الإسلام .
وقال في علج وجد عند أقاربه ببلدنا فقال : جئت لأقيم وأؤدي الجزية أو جئت زائراً لقرابتي , قال فإما أقره الإمام على الجزية إن رضي العلج , وإن لم يرض رده إلى مأمنه , وليس له استرقاقه ولا قتله . قال عنه أصبغ في ثلاثة من العدو أتوا على خيل لهم متسلحين حتى دخلوا قرية هي آخر عمل الإسلام فقالوا جنحنا إلى الإسلام أو قالوا جئنا لنؤدي الجزية ونقيم , فإن قالوا ذلك قبل أن يظفر بهم فإنه يقبل منهم .
وكذلك في كتاب ابن سحنون وقال : وللإمام – يريد إن ظهر عليهم قبل أن يقولوا هذا – أن يسترقهم أو يقتلهم إلا أن يسلموا فيكونوا رقيقاً للمسلمين , لا خمس فيهم ولا قسم , وقاله غير واحد من أصحاب مالك .
[3/125]
***(1/115)
[3/126]
ومن كتاب ابن سحنون : ذكر رواية عيسى في الحربي يوجد بأرضنا وتفرقته بين أخذه بحدثان قدومه أو بعد طول , فقال سحنون : إذا أخذ بأرض الإسلام بحدثان قدومه أو بعد طول فهو فيء يرى فيه الإمام رأيه إلا في الجاسوس فيقتل . و أما إن أخذ في أرض الحرب فروى ابن القاسم عن مالك أنه يرد إلى مأمنه .
و قال عنه ابن نافع : من يعلم أنه جاء مستاًمنا فلا أرى أن يقبل منه و ما ذلك بالبين , و في الأمور أمور مشكلة . قيل لعبد الملك في العلج يطلع على السرية و يوجد بقرب من العسكر أو بعد أو كان بقرب محلة , أو أخذ بموضع لا يرى أنه جاء إلا لأمان و بحيث يمنعه البعد من النجاة , أو سفن ينزل معهم السلاح أو الأمتعة و التجارة : و كيف إن قلوا حتى يرى أن مثلهم في القلة و الضعف لا يقدم ذلك الساحل , أو كثروا حتى يخافهم من ظهر عليهم , فألقوا بأيديهم و قالوا جئنا مستأمنين . قال يصرف هذا كله إلى اجتهاد الإمام , و لا يكاد يخفى ذلك فيما يستدل به . و من أخذ بحيث لا مقدرة له فيه
و لا منهض فليؤمنه , وما قدح فيه الشك فليجتهد فيه .
و إذا كانت المراكب فيها التجارات و من يدفع عنها إلى ناحية الضعف و الاستئمان , يريد فيسعه الاجتهاد فيهم على حسب ما استدل به , قال و منهم اهل قوة و عدة و سلاح و الساحل الذي نزلوا به فيه ضعف و غرة , قال فهؤلاء يحبسهم و يجعلهم فيئاً و ما معهم و يقتل مقاتلهم . و إذا كان العلج في موضع ممتنع لا يقدرون عليه و لو تكلم لسمعوه و قد أرادوا قتله أو سبيه أو لم يتعرضوا له فسكت حتى أتاهم من موضع منعة فوضع يده في أيديهم و قال أردت الإسلام فمقبول منه . و إن قال : جئت لأقيم على الذمة فللإمام أن يبقيه ذمة أو يردة إلى مأمنه . و لو نزل من معقله إلى موضع لا يحصنه منهم فناداهم بالأمان فهو آمن , فإما قبله أو رده إلى مأمنه . و كل من جاء وحده من منعة و لا سلاح معه علمنا أنه أراد الأمان , و كذلك لو كان معه سلاح و لم يروا فيه هيئة من يريد القتال فهو
[3/126]
***(1/116)
[3/127]
آمن . ولو جاء سالا سيفه رمحه فلما صار بموضع لا يكون ممتنعاً ناداهم بالأمان فهذا فيء لأن هذا يؤخذ فيه بالعلامات والدلائل .
قال : ولو أن عسكراً بأرض الحرب للمسلمين هجم عليهم عسكر للروم فقالوا جئنا مستأمنين ووقع في قلوب المسلمين خلاف ما قالوا فهم فيء . فإن رأى الإمام قتلهم فعل . ولو نزل عسكر ليلاً بأرض العدو فجاء رومي يمشي على الطريق لا يعدوه ولا سلاح معه حتى لقي أول مسالح المسلمين ولم يعلموا به , فسألهم الأمان وذلك الموضع غير ممتنع من المسلمين فهو آمن . وكذلك المرأة . ولو وجد مسلم رجلاً من العدو وعليه سلاحه في موضع من العسكر أو عن يمينه أو عن يساره يعارض العسكر فلما بصروا به دعا إلى الأمان وهو في موضع غير ممتنع فهو فيء ويرى الإمام رأيه . وإنما هذا على ما يظهر من العلامات والدلائل , وما كان مشكلاً فليرد إلى مأمنه .
وقال سحنون في الحربيين يريدون الدخول إلى دارنا فلا يقدرون أن ينادوا بالأمان حتى يصلوا إلى موضع لا يكونون فيه ممتنعين , فأتوا ونادوا بالأمان , فوثب المسلمون إليهم فأخذوهم وليس معهم آلات الحرب , قال هم آمنون , وهكذا يكون الأمان إلا أن يشاء الإمام أن يردهم إلى مأمنهم .
ولو جاؤوا بمنعه وسلاح وهم قادرون على الامتناع فالمسلمون مخيرون في تأمينهم أو قتالهم . ولو تقدم المسلمون إلى تلك الديار أنه لا أمان لكم عندنا ولا يخرج أحد منكم إلينا , فعلموا ذلك أو علمنا أن القادمين علموا ذلك , وكانت دار قليلة الأهل لا يخفى عنهم ما يتقدم إليهم منا فلا أمان لمن جاء منهم وهم
[3/127]
***(1/117)
[3/128]
فيء . وإن كان قدمنا إليهم غير مستفيض أو كان البلد في كثرة يمكن أن يخفى ذلك عن من قدم فليردوا إلى مأمنهم إلا أن يؤمنهم الإمام .
وإذا وجد حربي ببلدنا فقال جئت بأمان لم يصدق . فإن قال رجل أو رجلان بأماننا دخل قبل قول العدل في ذلك . وقد قال لا يقبل وإن كان عدلين لأنهما بينا فعلهما . فإن شهد عدل أو عدلان أن فلاناً أمنه فهو آمن ويرد إلى مأمنه . والحتياط فيما أشكل أولى . وإن قال بعد أن أخذ أنا رسول الملك إلى الخليفة , فإن أخرج كتاباً يشبه ورأى دلالة ذلك فهو آمن حتى يبلغ ويرجع , وإلا فهو فيء ولا شيء لمن أخذه .
ولو قال من أخذه أخذته في دار الإسلام بأمان فلا أمان له بذلك لأنه أمنه بعد أن صار فيئاً . ولو قال أمنته بأرض الحرب حيث هو ممتنع به ولا يعرف صدقه , فإما قبل منه وإلا رد إلى مأمنه .
قال الأوزاعي في الحربيين يوخذون بدار الإسلام فقالوا جئنا للتجارة بلا عهد ولا ذمة , فإن وجدهم ظاهرين في مجيئهم أو في بلد الإسلام فإما أن يؤمنهم أو يردهم إلى مأمنهم . وإن وجدهم مستخفين فهم فيء إن شاء الإمام قتل أو باع , والبيع أحب إلينا .
قال سحنون : هم فيء إذا وجدوا ببلدنا من غير عهد ولا ذمة . وبرواية ابن نافع عن مالك أقول لا برواية ابن القاسم .
قال الأوزاعي وإن وجد في عسكرنا بدار الحرب فقال جئت للأمان , فالإمام مخير في بيعه أو قتله . ولو قال جئت للإسلام فإن أسلم وإلا رد إلى مأمنه . قال سحنون : ولا أقول بهذا وبرواية ابن نافع أقول . وقد تقدمت .
ومن كتاب ابن حبيب : وإذا خرج الحربي إلينا فأخذ قبل أن يستأمن فقال جئت لتجارة أو لفداء أو جانحاً , فإن كان قد اعتاد المجيء وجاء مطمئناً مظهراً أمره غير متريب , فالوالي مخير بين أن يؤمنه على ذلك أو يرده إلى مأمنه , سواء أخذ قبل أن يصل إلى بلد الإسلام أو بعد وصوله إذا أخذ بحدثان وصوله .
[3/128]
***(1/118)
[3/129]
فأما بعد طول مقامه فلا يصدق ويرق للمسلمين , ولا يقتل إلا أن يتهم بالتجسس فيقتل . وإن أخذ وهو مستخف أو متريب غير مطمئن بإقباله فهو فيء , أخذ قبل يصل أو بعد . وإن تعود الاختلاف قبل ذلك فذلك سواء , وإن شاء الإمام قتله أو استرقه . وأحب إلي إن اتهمه بالتجسس أن يقتله . وإن أخذ قبل يدخل أرض الإسلام فهو فيء لمن أخذه وفيه الخمس . وإذا لم يكن معتاداً للمجيء لفداء أو تجارة فهو فيء كيف ما أخذ قبل دخوله إلينا أو بعد , أخذ مستخفياً أو مطمئناً بإقباله , ولا يكون هذا يجري إلا بأمر قد ثبت وجرى .
وهذا قول ابن الماجشون وأصبغ ورواه ابن وهب عن ربيعة وقاله أشهب . إن أخذ قبل أن يظهر ما حاله فلا أمان له . ولو قبل من هذا عذر لقبل من المسلم يزني ويقول تزوجت والسكران يقول أكرهت . وإذا أخذ العلج على نحو ميلين عن العسكر فيقول جئت للأمان فلا يقبل منه إن ظهر عليه قبل يدعي ذلك .
ومن كتاب ابن سحنون : وإذا دخل أرض الإسلام بغير أمان وادعى أنه أسلم قبل يؤخذ , فإن ثبت فهو حر . وإن كان عن قوله أو أسلم حين أخذ فهو رقيق .
قال مالك : قال الله تعالى : " فإما مناً بعد " فالمن العتق . فإذا أعتيق فقد ملك . وإذا دخل عندنا فأقام يبيع ويشتري ولم يعلم به ثم أخذ , فللمسلمين أخذه وما معه , وللإمام قتله أو استرقاقه .
ومن كتاب ابن المواز قال مالك ومن وجدناه قد دخل إلينا مستخفياً بغير أمان فأمره إلى الإمام وليس لمن وجده . فإن رأى قسمة على من يراه مستوجباً على الاجتهاد فعل . وذكر ابن سحنون هذه الرواية لأبيه فأعجبته .
ومن كتاب ابن حبيب : وإن جاء حربي نهاراً حتى عسكرنا أو قرية من قرانا فيسأل عن شأنه فيقول إن مسلماً أعطاني عهداً , فإن أخذ قبل أن
[3/129]
***(1/119)
[3/130]
يتكلم بهذا فهو فيء إلا أن يصدقه ذلك المسلم على ما قله , وقاله ابن نافع وأصبغ .
ومن كتاب ابن سحنون : وإذا غزوا في البحر فلقيهم العدو في البحر فغلبوا على المسلمين وأوثقوهم , ثم وثب عليهم المسلمون من وثاقهم فغلبوا الروم وأسروهم وغنموا ما معهم , فإن كان ذلك قبل يصلوا بهم إلى أرض الحرب ففي ذلك الخمس وهم فيء . فإن كان ذلك بعد أن وصلوا بهم إلى بلادهم ثم فعل بهم المسلمون هذا فلا خمس في ذلك , وما غنموا فلهم . وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقاله .
ومن كتاب ابن المواز : وقال أراه – يعني ابن القاسم – في خيل للعدو يخرجون في أرض الإسلام على المسلمين فينهزمون عن غير قتال , ويشتت أمرهم فينهزمون , هل هم فيء ؟ قال : هذا لا يكون , ولو كان لكان مما أوجف عليه وفيه الخمس وباقيه بين الذين أوجفوا عليهم وقاتلوهم . انظر قول عبد الملك في موضع آخر إن كانوا ممن لا تجارة لهم فهم كالأسرى ولا إيجاف فيه ويرى الإمام فيهم رأيه .
في من يوجد بساحلنا من مراكب العدو قد انكسرت أو لم تنكسر
فقالوا نحن تجار ونحو هذا وقاتلونا فظفرنا بهم
من كتاب ابن المواز : قال – يريد ابن القاسم - : وإذا وجدنا بساحلنا مراكب للروم قد تكسرت فقالوا نحن تجار , فإن بان صدقهم وإلا فهم أسارى يرى فيهم الإمام رأيه من أسر أو بيع أو فداء برأي أهل الفقه , ولا خمس فيهم
[3/130]
***(1/120)
[3/131]
وليسوا لمن وجدهم لأنهم صاروا بموضع لا ملجأ لهم . وكذلك لو قاتلوا ومعهم العدة والسلاح حتى قتل من قاتل منهم وأسر الباقون , وهم كأسارى اجتمعوا فقاتلوا .
قال محمد : إلا أن يكون بقي لهم مركب أو غيره مما يتحملون في مثله لو تركوا أو نجوا أو وجدوا إلى النجاة سبيلاً فيكونون فيئاً لمن ظفر بهم وفيهم الخمس .
وفي كتاب آخر : وكذلك إن كانوا بقرب بلدهم يمكنهم الهرب والنجاة إليها .
قال ابن المواز : وما وجد في هذه المراكب التي تكسرت من عروض وثياب وأطعمة وذهب وفضة فإن كان ذلك مع الحربيين الذين أخذوا فهم وما وجدوا معهم سواء يرى فيهم الإمام رأيه , فإن وجد ذلك في المراكب ولا رجل فيها فذلك لمن وجده ولا خمس فيه لأنه لم يوجف عليه , إلا الذهب والفضة ففيه الخمس .
وسواء تكسرت مراكبهم أو إنما طرحوا ذلك خوف الغرق فلا خمس فيه إلا أن يكون ذلك لجنب قرية من قراهم ففيه الخمس إلا أن يكون ذلك شيئاً يسيراً فلا خمس فيه . ورواه أيضاً أشهب عن مالك .
قال عبد الملك في الذين تكسرت مراكبهم : إلا أن يرى من سببهم سبب من جاء يطلب الأمان لما معهم من التجارات , أو معهم آلة النقلة إلى بلدنا للمقام . قال ابن المواز : ونزل هذا عندنا فكتب فيه عبد الله بن عبد الحكم : إن أدنى ما يدخل في هذا الشك .
قال عبد الملك في مراكب للعدو توجد بساحلنا فيقولون جئنا نطلب الأمان , فلا يعجل عليهم الإمام ولا يكاد يخفي ذلك , مثل مركب فيه العدة من
[3/131]
***(1/121)
[3/132]
المقاتلة والكثير من السلاح وآخر مملوء من التجارات , وهو مركب كبير ليس من الحربية وإن وجد فيه السلاح لأنهم يدفعون عن أنفسهم , فليقبل في مثل هذا قولهم أنهم جاؤوا للتجارة وإن كان نزولهم بغير موضع تجارة .
ومن كتاب ابن سحنون : قال : ومن جاء من مراكب الروم وقد قرب من المرسى أو بعد فأخذ , فإن كان ممن عرف بالتجارة إلى المسلمين فلا يحل إلا أن يوجد ببلده أو يوجد وهو يريد غير بلد الإسلام . وإن كان ممن لا يعرف بالتجارة إلى المسلمين فهو حلال . وإذا أخذنا مركباً في البحر جاء من بلد الإفرنج أو غيرها فقالوا نحن ذمة لصاحب الأندلس يأخذ منا الجزية , فإن جاؤوا ببينة على ذلك وإلا فهم فيء . فإن أثبتوا ما قالوا وادعوا أن من أخذهم أخذ منهم أموالاً , فإن كانوا مأمونين لم يحلفوا لهم . وإن كانوا من أهل الشر وممن عرف به حلفوا لهم .
ومن كتاب ابن حبيب قال لي غير واحد من أصحاب مالك : وإذا وجدوا على الساحل قد تكسرت مراكبهم فقالوا جئنا تجاراً , أو نزلوا للماء وادعوا أنهم كانوا على أن يستأمنوا للتجارة بعد أن ظهر عليهم فهم وما معهم فيء لا خمس فيهم ولا يقبل قولهم . فإن كان معهم ما هو للتجارة مثل الجوز واللوز والشحم والقطانية ونحو ذلك , وليس على جهة حرب , فإنهم حرب أبداً حتى يؤمنوا قبل الظفر بهم , إلا أن يكونوا تعودوا الأمان على الاختلاف بالتجارة قبل هذا فهم على الأمان إذا كانت هيئتهم هيئة التجارة . وروى ذلك المدنيون والمصريون عن مالك . قال عنه مطرف : وما شرد من بقر العدو عنهم إلى بلد الإسلام فهو لمن وجده ولا خمس فيه , ولا يأخذه الإمام إن كان يسيراً . وإن كان كثيراً نظر فيه الإمام وحاطه لجميع المسلمين .
وفي الباب الذي قبل هذا في الحربي يوجد ببلدنا , فيه مسائل مراكب العدو توجد بساحلنا .
[3/132]
***(1/122)
[3/133]
في الحربي ينزل عندنا بلا عهد فيتزوج
أو معاهد يتزوج ببلد الحرب
ما حكم ولده ؟
من كتاب ابن سحنون : وإذا دخل الحربي إلينا بلا عهد فتزوجةذمية فإنه فيء وولده حر تبع لأمه . وإن تزوج أمه فولده منها رقيق لسيدها . ولو دخلت حربية فتزوجها ذمي فهي فيء وولدها منه تبع لأبيهم .
وروى الأندلسيون عن ابن القاسم عن مالك في أهل قبرس يدخل إليهم الرومي فيتزوج أن ما ولد له فيء تبع للأب . ولو دخل القبرسي بلد الروم فتزوج فيهم فولده على مثابة أبيه في العهد . وقاله الليث , قالا : وإنما الولد تبع للأم في الملك . فأما في الأحرار من مصالح أو ذمي أو حربي فتبع للآباء .
قال سحنون : أما ولد القبرسي من الحربية فكذلك . وأما ولد الحربي من القبرسية فلا أقول إلا أنه حر لأمه .
في من دخل إلينا من الحربيين على المقام هل له أن يرجع ؟
ومن نزل على المقام مدة فجاوزها
وتجار الحربيين يركبون البحر من عندنا فيردهم الريح أو نحوه
من كتاب ابن المواز قال : ومن دخل إلينا بأمان من الحربيين فإنه يكون عندنا حراً . فإن أسلم فله ما لنا وعليه ما علينا . وإن لم يسلم فهو حر وعليه الجزية إذا سكن عندنا . وقاله مالك : إن شاء كن على الجزية وإن شاء رجع . قال محمد : إنما يكون بالخيار قبل أن يرضى أن يدخل في أهل الذمة وتلزمه الجزية . فأما إذا رضي بأداء الجزية وألزم نفسه ذمة المسلمين فليس له أن يرجع إلى
[3/133]
***(1/123)
[3/134]
بلده , وكالعبد النصراني يعتقه النصراني أنه تلزمه الجزية لا يخرج من ذلك . ولو أعتقه مسلم لم تلزمه جزية وليس له الرجوع إلى أرض الحرب . وقاله مالك وابن أبي سلمة وابن القاسم وأشهب وأصحاب مالك أجمع . قال أشهب : قلت لمالك : فإن أعتقه نصراني ؟ قال : لا أدري . وقال أشهب وابن وهب : عليه الجزية .
ومن كتاب ابن سحنون : وإذا استأمن حربي إلى الجيش ثم أراد أن يرجع قبل أن يصل إلى أرض الإسلام فله ذلك . ولو وصل إلى بلد الإسلام فله أن يرجع إلا أن يؤدي الجزية ويرضى بها فليس له أن يرجع إلى بلده . ولو قال حين جاء إلى الإمام في الجيش إني أريد المضي معكم إلى بلدكم لتجعلوا علي من الجزية مثل ما على أهل ذمتكم فأمن على ذلك ورضي به فليس له أن يرجع إلى بلده , وصل إلى أرض الإسلام أو لم يصل , ودى الجزية أو لم يؤدها .
قال : والمستأمن الذي لم يشترط عليه شيء إذا وجد راجعاً إلى بلده بغير إذن الإمام ؟ قال : أخطأ إذا لم يستأذن ولكن لا يعرض له . ولو جاؤوا به فقالوا أخذناه بعد أن بلغ مأمنه وقال هو قبل أن أبلغ مأمني , فإن كان الذين أخذوه مثل اثنين وثلاثة أو أكثر قليلاً فالقول قول العلج . وإن كان جماعة العسكر فقولهم أولى . ولو أخذ بعد طول مدة من ما يرى أنه قد بلغ به طول ذلط لصدق من أخذه وإن كان واحداً . أرأيت : لو أخذ بعد سنة أو ستين أيصدق ؟ وهذا يتبين عند نزوله , فيجتهد فيه الإمام . ولو قال جئت لأقيم عندكم بغير جزية فجهل الوالي وأعطاه ذلك فقد أخطأ ولكن يعرض عليه أن يقيم على الجزية وإلا رده إلى مأمنه وإذا جاء فنزل للمقام على الجزية فاتهمه الإمام أن يكون عيناً , قال لا يمنعه من ذلك بالتهمة ولكن يحترس مه . وإذا جاء علج لحاجة فأمن على أن يقيم عشرة أيام فخرج فعرض له نهر أو مرض فأخذ بعد الأجل قبل بلوغ مأمنه لما عرض له , قال يطلق ولا يعرض له . قال ابن نافع عن مالك : قال في الحربيين ينزلون على أن
[3/134]
***(1/124)
[3/135]
لهم الأمان حتى ينصرفوا بسفنهم راجعين حتى لا تراهمخ العين , فيذهبوا حتى يراقبوا بعضهم جبال أرضهم ثم يردهم الريح , قال هم على أمانهم .
قال سحنون : لهم الأمان حتى يصيروا من البحر إلى موضع يأمنون فيه من عدوهم , فعند ذلك يحلون لمن ظفر بهم من المسلمين . قيل له : إنهم اليوم لا يأمنون حتى يردوا بلادهم فيخرجوا من البحر لكثرة مراكب المسلمين . قال إذا كان هذا فلهم الأمان حتى يخرجوا من البحر إلى مأمنهم .
قال عبد الملك : إن ردته الريح مغلوباً فهو على أمانه . وإن بلغ موضع منجاة لولا غلبه الريح فهو على أمانه حتى يصل إلى مأمن إن شاء أقام أو رجع , فهذا إن رجع فإنه حل إلا أن يأتنف أماناً . ولو رجع في البر فاشتدت عليه الطريق فرجع لكان على أمانه . وحد مأمنه أن يجاوز الدروب إلى سلطانه وحيث يأمن على نفسه . وأما ما كان في الفيافي والقفاز وحيث يخاف على نفسه فهو على أمانه . وقال إنه إذا ردته الريح في البحر إلى سلطان غير الذي أمنه فلا أمان له . وقال سحنون : بقول مالك أقول إن له الأمان حتى يرجع إلى مأمنه .
ومن كتاب ابن سحنون قال ابن حبيب قال ابن الماجشون : هو آمن إذا قلد حتى يبعد من بلد الإسلام ويقرب من حرزه ومأمنه فيصير كمن لا عهد له بعد فيمن لقيه من أهل ذلك السلطان الذي أمنه في رجوعه إليهم بريح غالبة أو رجع غير مغلوب أو نزل الماء أو شبهه . وأما من لقيه من غير أهل ذلك السلطان في البحر بقرب أو بعد من موضع قلد منه بأمانه أو سقط بساحل غير ساحل السلطان الذي أمنه فهو كمن لا أمان له . وكذلك المستأمن في ثغور المسلمين في غير بحر إذا رجع فاشتدت عليه الطريق بثلج أو غيره فهو على أمانه ما كان في قرب المكان الذي أمن فيه .
[3/135]
***(1/125)
[3/136]
في النازل على الأمان يظهر أنه مرتد
أو عبد لمسلم أو رسول أو غير ما أظهر
من كتاب ابن سحنون : روي عن ابن القاسم في حربي نزل بأمان فإذا هو مسلم ارتد , قال لا يعرض له . قال سحنون : لا أرى ذلك بل يستتاب فإن لم يتب قتل وإن تاب لم يرد إليهم . قال ابن القاسم : ولو استحق بعبودية وهو مرتد لم يعرض له للوفاء بالعهد . قال سحنون : بل يرد إلى سيده بعد الاستتابة وبعد أن يسلم . فإن أبى قتل . ولو جاز هذا لم يشأ إلا فعل هذا . وقال الاوزاعي في علج أسر فبيع ثم هرب إلى أرض العدو ثم استأمن على أن يكون حراً , قال . وقال ابن أبي ليلى وسفيان : يرد إلى سيده ولا يكون حراً , وبه قال سحنون .
قال سحنون ولو جاءنا رسل لصلح أو هدنة , فإذا هم مرتدون , قال : يستتابون فإن تابوا لم يردوا إلى أرض الكفر , وإن أبوا قتلوا لأنا إنما أعطيناهم العهد على أنهم كفار لا على أنهم مرتدون , ولم ير ما روى يحيى بي يحيى عن ابن القاسم أنهم يردون ولا يعرض لهم .
ومن كتاب ابن حبيب : وإذا وجد المستأمن مرتداً أو عبداً لمسلم أو لمعاهد أو مديان عليه دين للمسلمين : إنه يحكم فيه بحكم الإسلام ولا يحجزه استئمانه عن ذلك . وقاله مطرف وابن الماجشون وأشهب وابن نافع وأصبغ , ولا يجوز للإمام أن يؤمنهم على أن لا يحكم عليهم في هذه الأشياء إن وجدهم كذلك . فإن جهل فأمنهم على ذلك فليس جهلخ يزيل ما أوجب الله سبحانه من أحكام دينه في ذلك من استرقاق حر مسلم أو ذمي .
[3/136]
***(1/126)
[3/137]
قال عبد الله : يريد كما لو أسلم عليه لم يرق له حر مسلم . قال ابن حبيب : وكذلك إن وجد عبد لمسلم قد أبق أو أصيب , وليس هذا مما يمنعه العهد كما لا ينفع الإمام الجاهل تأمين المحارب , أو إن أمن سارقاً أو زانياً , وليستتب المرتد ويرد العبد إلى ربه . وأما إن أمن السلطان حربياً على ألا يتبع بما عليه من ديون المسلمين فلا ينقض عليه , ولكن ليتم له ذلك أو يرده إلى مأمنه , وليس كالمرتد يظفر به . قاله ابن الماجشون وغيره .
وقال ابن القاسم وأشهب في حربيين نزلوا بأمان فاشتروا السلاح في خفية من المسلمين فدخل المسلمون إلى سفينتهم ليفتشوا على السلاح فكتفوهم وتنجوا بهم في البحر وأبوا أن ينزلوا إلا على أن لا يفدوهم منهم ولا ينزعوهم ولا يؤدوا ديناً عليهم , فلا ينبغي للإمام أن ينزلهم على هذا , وليقاتلهم إن قوي أو يدعهم . فإن جهل فأمنهم على ذلك فقد ضل . فإن قوي على قتالهم فليخيرهم : فإما ردوا من معهم من المسلمين أو يؤذنهم بحرب ثم يقاتلهم . وإن لم تكن به قوة عليهم أقرهم على ما أعطاهم من العهد , وليف لهم للأنهم قد نصوا ذلك نصاً . ولو نزلوا على أمان حادث بغير اشتراط فليؤخذ منهم المسلمون الذين غدروا بهم وأموالهم بلا ثمن ولا قيمة , وقاله أصبغ . وسمعت أهل العلم يستحبون للإمام إذا استأمنه الحربيون أن يشترط عليهم : إني لا أؤمنكم من حق للمسلمين أو لأهل الذمة قبلكم , غصبتم ذلك منهم في عهد وأمان , أو من نجده منكم مرتداً أو عبداً أبق لنا إليكم إلا من سبيتموه .
[3/137]
***(1/127)
[3/138]
في العدو ينزلون من الحصن على حكم الله أو على حكم فلان
وكيف إن نزلوا على ذلك أو حكم رجلين
من كتاب ابن سحنون : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقبل منهم النزول على حكم الله , فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم , وأنزلهم على حكمك . قال سحنون : فإن جهل الأمير فأنزلهم على حكم الله إذا طلبوا ذلك فنزلوا , فهذه شبهة , فليردوا إلى مأمنهم إلا أن يجيبوا إلى الإسلام . قال محمد : وليعرض عليهم الإسلام قبل ردهم . فإن أبوا عرضت عليهم الجزية .
قال سحنون : فإن أسلموا فهم أحرار لا يعرض لهم في مال ولا غيره , فإن أبوا وبذلوا الجزية فإن قربت دارهم منا قبلت منهم ولا يعرض لهم في مال ولا غيره . وإن بعدوا لم يقبل منه إلا أن ينتقلوا إلى حيث سلطاننا أو يردوا إلى مأمنهم ثم ينبذ إليهم . ولا ينبغي أن ينزلهم الإمام على حكم غيره وإن طلبوه . فإن فعل مضى ذلك . وإن لم يكن عدلاً لفسقه فحكم تعقب الإمام حكمه فإن رآه نظراً للإسلام وإلا رده هو الحكم بما يراه نظراً ولا يردهم إلى مأمنهم .
قال ابن القاسم : ولو حكم خصمان في الحقوق بينهما رجلاً فحكم جاز حكمه ولا يرده القاضي وإن خالف مذهبه . وأما أنا فرأيت أن لا ينفذ حكمه حتى يتعقبه القاضي فينفذه أو يرده . وكذلك لو حكما جاهلاً أو فاسقاً . وأما لو حكماً ذمياًَ أو حكموا امرأة أو عبداً أو صبياً وإن عقل وهم عالمون بهم لم يجز حكمه وليحكم الإمام بما يراه لأنهم رضوا بأقل المسلمين أو بذمي , فرددناهم إلى حكم من هو أعلى وأفضل فلا حجة لهم .
[3/138]
***(1/128)
[3/139]
وقال بعض أهل العراق : يكونون ذمة إذا حكموا العبد والصبي وليس كتحكيم المحدود في القذف . وإن لم تقبل شهادته لتهمته فإنا نقبلها في النكاح إذا تصادقوا عليه . قال سحنون : وهذا تناقض إن تأولوا قول الله تعالى " ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً " فلا يقبلوها في النكاح , وقبولهم شهادة العبد أولى إذ لا نص فيه . وقد أجاز أنس ابن مالك وشريح وغيره . وقال غيرنا : إن نزلوا على حكم امرأة جاز حكمها بكل ما حكمت إلا بالقتل فإنهم يصيرون فيئاً .
قال سحنون : وإن نزلوا على حكم الله وحكم فلان , فحكم فلان بقتلهم أو بسبي الذرية وأخذ المال , فلا ينفذ ذلك وكأنه أنزلهم على حكم الله وحده , وليردهم إلى مأمنهم حسب ما ذكرنا .
وقال غيرنا : يصيرون ذمة إن لم يسلموا ويوضع عنهم الخراج . ولو نزلوا على حكم رجلين فلان وفلان فمات أحدهما قبل الحكم ثم حكم الباقي بالقتل والسبي لم يجز حكمه وليردوا إلى مأمنهم لأن شرطهم حكم رجلين . ولو حكم أحدهما أن يكونوا فيئاً وحكم الآخر بالفتل والسبي لم يلزمهم حكم واحد منهما حتى يجتمعا وليردوا إلى مأمنهم . وكذلك إن حكم أن يكونوا ذمة أو أن يردوا إلى دارهم فيكونوا حرباً فذلك نافذ . ولو مات قبل أن يحكم اردوا إلى مأمنهم . ولو قال لا أقبل وقد رددت ما جعلوا إلي فذلك له ويردون حتى يجتمعوا هم والمسلمون على حكم غيره . ولو أنه بعد أن رد ذلك رجع فقبله وحكم بالقتل والسبي أو بتركهم ذمة لم يجز لأنه رد ما جعل له , فلابد من ائتناف رضاهم بحكم .
ولو قالوا ننزل على حكم فلان فما حكم فينا بشيء مضى وإن لم يحكم رددنا إلى مأمننا فذلك جائز . فإن مات قبل الحكم ردوا إلى مأمنهم . ولو شرطوا أنه حكم فينا بالرد إلى مأمنهم فذلك لنا فذلك لهم . وقال غيرنا : إذا لم
[3/139]
***(1/129)
[3/140]
يشترطوا هذا فليس من الحكم أن يردوا إلى مأمنهم , ويجيزون حكمه بذلك ويكونون ذمة ويكون عليهم الخراج . وكذلك إن أبى أن يحكم , ثم نقضوا ذلك بقولهم في التحكيم إذا مات , وقد شرطوا إن لم يحكم رددنا إلى مأمننا أنهم يردون إلى مأمنهم إذا مات قبل الحكم .
باب ذكر ما يكون أماناً من غير شرط
من قدوم زوجة مع زوج مسلم أو ذمي أو مع ذي محرم وغير ذلك
وكيف إن تداعيا ذلك واختلفا
من كتاب ابن سحنون : وقال في مسلم دخل دار الحرب بأمان أو أسر أو أسلم وهو منهم فتزوج امرأة منهم وخرج بها إلينا فهي حرة لا سبيل عليها ولا يسترقها وليس لها أن ترجع إلى أرض الحرب كالذمية . ولو قال الرجل : كنت أخرجتها قاهراً لها وأنكرت ذلك فهي مصدقة , حرة كانت أو ذمية , لا تترك والرجوع إلى بلد الحرب , ولا نكاح بينهما لإقراره أنه ملكها , ولا يسترقها حتى يقيم بينة مسلمين أنه أخرجها قهراً فيسترقها ويبطل النكاح , وليس نكاحه إايها أماناً لها . و لو قالت لست بزوجة له ولا قهرني ولكن أمنني فخرجت وادعى لأنها زوجة له وأنه لم يقهرها فهي حرة , فإن شاء الإمام أقرها على الذمة أو ردها ولا تكون له زوجة . ولو قال هي زوجتي فقهرتها وأجبرتها لم يصدق إلا ببينة مسلمين .
ولو أخرجها معه مقيدة بيده فهي أمة له لا خمس فيها . وإن لم يعلم أنه فعل هذا بها إلا بدار الإسلام وأنكرت الزوجية فلا سبيل له إليها وخروجها شبهة , فإما قبل منها وإلا ردت .
[3/140]
***(1/130)
[3/141]
وعن ذمي دخل دار الحرب بأمان فتزوج بها امرأة فلم يخرج بها حتى استأمن عليها المسلمين فأمنوه فهي حرة ذمية إذا قبلت هي ذلك الأمان وخرجت معه , ثم ليس لها الرجوع إلى دار الحرب وإن أذن لها الزوج إن طلقها . ولو استأمن الذمي على أخته الكبيرة فخرجت راضية بذلك فهي آمنة لا سبيل عليها , وليس لها رجوع إلى أرض الحرب . ولو لم يستأمن عليها أحد أو أمنها هو فأخرجها حر مسلم فهي فيء وليست لمن أخذها . ولو قال أخوها أجرجتها وقد قهرتها بأرض الحرب لم يصدق وهي فيء . وإن قامت له بينة مسلمون فهي أمة له لا خمس فيها . وكذلك إن علم أنه أخرجها من أرض العدو مقيدة مغلولة , ولا يقبل في ذلك إلا مسلمون عدول . فإن لم يعلم أنه قهرها إلا في دار الإسلام فلا حق له فيها , وخروجها مع المسلم شبهة إذا قالت خرجت بأمانة , فإما قبل أو ترد إلى مأمنها وقد كان قال : تكون فيئاً لأنه لا يصدق على رقها , وهي فلم يعلم المسلمون بها إلا وهي في مقدرتهم . وإذا خرج المسلم بامرأة من أهل الحرب فقال تزوجتها فصدقته وليس إلا قولهما فهي له زوجة ذمية حرة .
في التداعي بين القادمين إلينا
على عهد في استرقاق بعضهم بعضاً
أو في رقيق قدموا بهم .
من كتاب ابن سحنون : وإذا خرج من بلد العدو علج ومسلم , فلما وصلا إلى عسكرنا قال المسلم أسيري , وقال الأسير جئت مستأمناً , فالأسير مصدق حتى يرد إلى مأمنه لأنه غير مقهور ولا مأسور . وكذلك لو قال أمنني فجئت معه فهو مصدق .
[3/141]
***(1/131)
[3/142]
ولو جاء معه مكتوفاً أو مغلولاً أو في عنقه حبل يقوده به لم يصدق أنه مستأمن ويصدق المسلم أنه أسيره . وأما لو جاء مع عدد في غير وثاق ولا حديد فقال جئت مستأمناً وقال القوم هو أسيرنا , فهم مصدقون لأنهم عدد قاهرون له لا يقدر أن يتخلص منهم , وهو فيء لأهل الجيش . ولو كانوا مائة فقالوا إلا واحداً هو أسير , وقال الواحد بل هو مستأمن , لم يقبل ذلك إلا بشهادة رجلين ويكون أسيراً حتى يشهد له رجلان .
ولو خرج المسلم بحربية فقال تزوجتها فصدقته وليس إلا قومها فهي له زوجته ذمية حرة . ولو لم يدع الزوجية وقال أمنتها وجئت بها فهي شبهة , فإما قبل ذلك وإلا ردت إلى مأمنها , ولو لم يقل ذلك حتى أخذها المسلمون كانت فيئاً .
ومن العتبية : روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في حربيين قدما إلينا من بلد الحرب معهما رقيق وعروض , ومن ذلك ما سرقاه ببلدهما فتنازعا في ذلك وقد أسلما أو أسلم أحدهما , قال : أسلما أو لم يسلما فالرقيق والعروض بينهما إن لم يعلم أن ذلك في حوز أحدهما . فأما إن أسلم أحدهما فالذي لم يسلم , لو أقر بالرقيق والمتاع لصاحبه لم ينظر إلى إقراره لأنه عبد , وأمر ذلك إلى الإمام إذا كان يعرف ذلك في أيديهما , ويقاسم الإمام ذلك للمسلم . قال ولو أنكر الرقيق ملكهما وادعى كل واحد الحرية فهم كلهم سواء , لا يرق واحد للآخر حتى تقوم بينة بحيازتهما الرقيق والثياب أو حيازة أحدهما فيكون ذلك لمن حازه . قال : ومن أسلم منهم فماله له ومن لم يسلم فأمره إلى الإمام إن لم ينزل على عهد .
وفي كتاب ابن سحنون هذه المسالة وقال إنها عن بعض أصحابنا وقالوا : لو قدمنا بأمان فأسلم أحدهما , فإن كان في حوزهما فهو له .
[3/142]
***(1/132)
[3/143]
قال سحنون عن ابن القاسم : وإذا قدم مسلم مع علج من أرض العدو فقال سرقته أو اشتريته وقال العلج بل خرجت معه رغبة في المقام عندكم , فقالقول قول العلج وهو حر إلا أن يقيم المسلم بينة .
وقال سحنون في كتاب ابنه : وهذا إذا لم يكن في وثاقه . وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ . قال ابن القاسم : ولو قدم علجان بأمان وادعى كل واحد ملك صاحبه فلا يقبل دعواهما وهما حران إن لم تقم بينة .
قال عنه أصبغ في العتبية , وهو في كتاب ابن المواز وابن حبيب لأشهب إلا أنه قال في عبد مملوك لمسلم , وفي سؤال أصبغ في أسير نصراني بيد مسلم , فعاهده على أن تركه على أنه يأتيه بابن نفسه أو بابنه أو بزوجته يفدي بذلك نفسه , فيذهب فيأتيه بهم ويقول سرقتهم أو غنمتهم ويقولون خرجنا معه بعهد , قال : فالقول قول الجائي بهم .
وقال ابن المواز : القول قولهم , ولا يقبل قوله لأنه مدع . قال أحمد بن ميسر : القول قوله لأنه سبق له الأمان قبلهم . ولو كانوا دخلوا أرض الإسلام وطلبوا الأمان ثم اختلفوا كان القول قولهم .
ومن كتاب ابن سحنون : وإذا قدم من بلد الحرب عبد كان أبق لسيده ومعه عبيد استألفهم وأنكر العبيد وقالوا نحن أحرار جئنا إلى أرض العرب ودين الإسلام , فجئنا معه على الصحبة وما أمن , قال : إن لم يكونوا في وثاق العبد فالقول قولهم , وعلى الإمام أن يفي لهم بعهد العبد إن أعطاهم عهداً أو يردهم إلى
[3/143]
***(1/133)
[3/144]
مأمنهم . وإن كانوا في وثاق العبد فهم له عبيد . وإن ادعوا أنه إنما أوثقهم ببلد الإسلام حين خافوا على أنفسهم , فإن استدل على ما قالوا أنه إنما قهرهم بعد أن خرجوا معه فهم مصدقون , وإلا كانوا له أرقاء .
في المستأمن إلينا يسلم رقيقه أو يقدم بهم مسلمين
أو بيده رجل حر أو ذمي أو عبد مسلم
أو يجني جناية أو يحدث عندنا حدثاً
وكيف إن مات والقول في ماله وديونه
وفي الحصن يصالحون على ما بأيدينا فيوجد بأيديهم مسلمون
من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم : وإذا نزل عندنا الحربيون بأمان للتجارة فأسلم رقيقهم أو بعضهم أو قدموا بهم مسلمين فلا يمنعوا من الرجوع إذا ودوا قيمة ما رضوا عليه . ولو كن إماء لم يمنعوا من وطئهن . وقال عبد الملك : بل يعطون في كل مسلم أوفر قيمة تكون وينزعون منهم .
ومن كتاب ابن حبيب : ومن أسلم من رقيق المستأمنين فليبلغ عليهم كما يفعل بالذمي , ثم لا يكون ذلك نقضاً للعهد , وقاله مطرف وابن الماجشون وروياه عن مالك , وقاله ابن نافع , وهو قول الأوزاعي .
وقال ابن القاسم : لا يباع عليهم وهذا وهم , ومن وجدناه بأيديهم من سبايا المسلمين فليؤخذوا منهم ويعطوا قيمتهم وإن كرهوا . وهذا أشد من الأول ولا يكون هذا خفراً . وأما ما بأيديهم من أموال المسلمين من ما أخذوا أو اشتروا أو بغير ذلك فلا يعرض لهم فيه . وكذلك إن كان في ذلك رقيق على غير الإسلام . وإن وجدنا في أيديهم أحرار ذمتنا لم يعرض لهم فيهم بثمن ولا بغير ثمن , وقاله مطرف وابن الماجشون وابن نافع وغيرهم ورووه عن مالك .
[3/144]
***(1/134)
[3/145]
وانفرد ابن القاسم فقال : لا يعرض لهم فيما بأيديهم من سبايا المسلمين وأساراهم , ولا يعجبني . وأما إن أسلم المستأمن فيجتمع عليه أن يطلق من بيده من أحرار المسلمين وأهل الذمة , وأما أموالهم فهي له إلا أن يتنزه عنها ولا يحكم عليه . وقد كره مالك أن يشترى منه ومن المستأمن ما كان أحرز من أموال المسلمين , وإن لم يعرف ربه . قال ابن المواز : إذا أسلم وبيده أحرار ذمتنا فقال ابن القاسم يكونون رقيقاً له . وقال أشهب لا يسترقون وهم أحرار .
ومن كتاب ابن المواز : وإذا أودع المستأمن عندنا مالاً ثم رجع إلى بلده فمات أو مات عندنا فليرد ماله إلى ورثته . وكذلك لو قتل عندنا وكانت فيه الدية لبعث بالدية إلى من يرثه ويعتق قاتله رقبة . وكذلك لو قتل في محاربته المسلمين فإنا نبعث بماله الذي له عندنا إلى من يرثه . وأما لو أسر ثم قتل لصار ماله فيئاً لمن أسره وقتله لأنهم ملكوا رقبته قبل قتله . وقاله ابن القاسم وأصبغ .
قال ابن حبيب : وإذا مات عن مال وودائع فذلك لورثته إن قدموا , وعرفهم أنهم ورثته بشهادة مسلمين وإلا بعث إلى طاغيتهم . قاله مالك والأوزاعي وابن القاسم وأصبغ , وكذلك ديته إن قتل . قال ابن حبيب : وإن ظهرنا على ورثته قبل أن يأخذوا ذلك فذلك فيء . ولو رجع إلى بلده ثم سبي أو قتل بعد أن أسرناه كان ذلك فيئاً فيه الخمس . وإن قتل في المعركة فهو فيء لا خمس فيه لأنه لم يوجف عليه . وقاله ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ .
ومن كتاب ابن المواز : ولو أن المستأمن قتل عبداً مسلماً أو ذمياً لقتل به في العمد . وإن كان خطاً فعلى عاقلته الدية متى قدر على ذلك , وهو ما دام في عهده كالذمي في جميع أموره عند ابن القاسم وعبد الملك . ولو سرق من مسلم لقطع . ولو قذفه لحد , وليقطع من سرق منهم . وقال عبد الملك : يجري مجرى
[3/145]
***(1/135)
[3/146]
الذمي في جراحاته وقتله في عمد أو خطأ وجناياته وسرقته وغصبه , وكذلك الرسل . ولا يرد الرسول حتى يعرف ما جاء به , وديته لورثته بأرضه . وقال أشهب : لا يقطع الحربي المستأمن في سرقته من مسلم أو ذمي ما قل أو كثر من حرزه , ولا على من سرق منه ولا حد عليه إن قذف مسلماً ولكن يعاقب .
وقال إن مالكاً قال : إن أخصني عبده لا يعتق عليه وكأنه أخصاه ببلده .
قال أشهب : ولو أخصني ذمي عبداً عتق عليه . وقال ابن اقاسم : لا يعتق عليه في ذلك ولا في المثلة ما كان في أمانه وهو كالذمي .
وقال ابن المواز : وإن لم يقم عليه حتى هرب إلى دار الحرب ثم عاد إلينا بأمان ثان , فليؤخذ بما تقدم ولا يزيله أمانه الثاني , ولا يؤخذ بما صنعه في بلده وفي غير عهده من قذف وقتل وغصب ونهب .
ومن كتاب ابن سحنون ذكر عن ابن القاسم مثل ما تقدم في المستأمن والذمي وقال : لا يعرض لهم في شرب الخمر وينهون عن إعلانه . و إن زنى رد إلى حكام دينه إلا أنه قال في جناية المعاهد لا عاقلة له : لأن العواقل على ثلاثة أوجه , عشيرة الجاني أو أهل جزية النصراني أو مسلم لا عشيرة له ولا ولاء كمن أسلم فعقله علي بيت مال المسلمين وميراثه لهم , والمعاهد ليس من هذه الأوجه , فذلك في ماله وإلا ففي ذمته , ولإمام منعه من الرجوع حتى يؤديها أو يبعث إلى بلده في ذلك إلا أن الدية عليه في ثلاث سنين مؤجلة . وقال أشهب : فإن أبوا أن يبعثوا إليه شيئاً فإنما عليه بقدر ما يلزمه معهم لو أطاعوا على اجتهاد الإمام , وقال سحنون : بل ذلك في ذمته .
[3/146]
***(1/136)
[3/147]
ومن كتاب ابن حبيب : ذكر عن عبد الملك كما ذكر ابن المواز في المستأمن أنه يؤخذ بحوادثه عندنا , يحد في القذف والسرقة ويؤدب في الحوادث كالذمي . وقاله أصبغ وغيره , وهو قول الأوزاعي . وإن باع عبداً فظهرنا منه على عيب فليرد إليه وإن طال لبثه إلا أ، يكون العبد من المجوس أو الصقالبة أو شبههم فطال مقامهم بأيدي المسلمين فليرجعوا بقيمة العيب لأن ذلك فوت بإسلامهم . وكذلك عبد مجوسي إن أسلم عند مسلم وقد ابتاعه من ذمي أو مستأمن فليرجع بقيمة العيب . وقال ابن القاسم في هذا كله : يرد بالعيب ثم يباع عليه . والأول أحب إلي , وقاله ابن الماجشون وأشهب .
وقد نهى مالك عن بيع المجوس من أهل الذمة والكتابيين , فإن اشتروهم فعثر على ذلك بحدثانه بيعوا عليهم . وإن طال ذلك ورجعوا إلى دين الكتابيين تركوا إلا أن يكون الإمام نهى الكتابيين عن شرائهم فتعدوا فليعاقبهم بما رأى من سجن وغيره ويبيعهم عليهم من مسلم . وإن لم يتقدم إليهم تركوا وهو آثم في تفريطه . وإن شرط المستأمن في أمانه ألا يرد عليه من باع من الرقيق بعيب فلا يجيبهم إلى هذا . فإن جهل وفعل مضى لهم بشرطهم على من بلغه ذلك أو لم يبلغه , وينبغي للإمام أن يشهر ذلك . وإن اشترى بعضهم من تلك الرقيق ثم باعوها من الناس ففي هذه العهدة , وإنما لهم الشرط في بيعهم أولاً , وقاله لي من سألته من أصحاب مالك , وقاله أشهب وأصبغ وغيره .
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون في شرطهم أن لا يرد عليهم ما باعوا بعيب : لا يلزم هذا ويرد عليهم بالعيب إن كان الرقيق من أهل الكتاب . وإن كانوا مجوساً فشراء المسلمين لهم فوت ويرجعون عليهم بقيمة العيب .
[3/147]
***(1/137)
[3/148]
ومن كتاب ابن المواز والعتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم : وعن قوم من العدو قدموا لطلب صلح ومعهم عبد كان أبق لمسلم فلا يعرض له . ولو صالحناهم على هدنة وأداء الجزية ولم يشترط عليهم فيما بأيديهم للمسلمين شيئاً فلا يعرض لهم فيما حازوا قبل ذلك منا من عبد أو حر أو غيره إلا أن يفادوا فيه برضاهم , كانوا أخذوا ذلك أو أبق إليهم بعض عبيدنا . وأما من أسلم منهم قال مالك : فلا يؤخذ ما بيده إلا الحر المسلم . قال ابن القاسم : وليس بقياس ولكني أستحسنه , ولو لم يسلم لم يؤخذ منه .
وكره مالك أن يشترى من المسامن ما بيده من مال المسلمين . قال ابن المواز : أحب إلي أن يشتري منه ويعرض على صاحبه فيفديه إن شاء .
ومن العتبية قال سحنون : قال ابن القاسم في رسل ملك الروم إلى الخليفة يسلم بعضهم عندنا : فللباقين ردهم . وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل . وقال سحنون : ولو قدم إلينا معاهد معه مكاتب أو مدبر أبق إليه المسلم , فللمعاهد كتابة المكاتب . فإن وداها عتق وولاؤه لسيده . وإن عجز رق له وله خدمة المدبر . فإن مات سيده والثلث يحمله , عتق أو ما حما منه , وباقيه للمعاهد .
قال أبو زيد عن ابن القاسم : وإن قدموا لصلح أو تجارة ومعهم عبيد مسلمون فليمنعوا من ذلك ويتقدم إليهم فيهم . فإن عادوا عوقبوا . قال ابن القاسم
[3/148]
***(1/138)
[3/149]
عن مالك : ولا يمنعون من ردهم , وكذلك من أسلم منهم عندنا . وقال عبد الملك : بل يعطون فيهم أوفر قيمة ويؤخذون منهم . قال ابن المواز قال عبد الملك : إذا قدم ومعه حر مسلم فليعط فيه قدر قيمة مثله , ولا يمكن أن يسرف في ثمنه ولا في ثمن الصغير . قال محمد : وقول مالك الذي رواه عنه ابن القاسم أحب إلي , وقاله أشهب .
ومن كتاب ابن سحنون في السير : وإذا أسلم عندنا عبد المستأمن بيع عليه . قال عيسى عن ابن القاسم في المعاهدين ينزلون بأمان فإذا فرغوا سرقوا عبيداً لنا أو أحراراً , ثم قدموا ثانية بأمان ولم يعرفوا وهم معهم , قال : يؤخذون منهم ولا يتركون يبيعون الأحرار ويطأون المسلمات . قيل : أليس قد صاروا حرباً ثم استأمنوا ؟ قال : بل هم كمداينتهم للمسلمين ثم يهربون ثم ينزلون ثانية أن الديون تؤخذ منهم . ثم رجع ابن القاسم فقال : لا يؤخذ منهم حر ولا عبد ولا ما داينوا به المسلمين قبل ذلك .
وقال أشهب في حربي نزل عندنا بأمان فوجد كنزاً , قال هو له وعليه الخمس . وإن أقام عندنا ثم استأمن وله عبده فهو له . لفإن أسلم العبد بيع عليه وأعطى ثمنه .
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في المستأمن يصيب عندنا كنزاً : فإن كانت أرض عنوة فذلك لمن افتتحها بعد الخمس . وإن كانت صلحاً فذلك لأهل الصلح لا يخمس . وإن كانت من أرض العرب فهو لمن وجده من معاهد أو غيره . قاله ابن القاسم وخالفه أشهب .
[3/149]
(3/150)
قال ابن المواز: وأهلا كان مع المستأمن عبد مسلم مرتد فلا يعرض له فى قول ابن القاسم وليبعه إن شاء أو يرده كما لو أسلم أحد عبيده. ولو باع الحربى هذا المرتد لاستتيب فإن تاب وإلا قتل . قال: ولو اعترف الحربى المستأمن أنه عبد لمسلم أو لذمى أو ارتد، قال: إذا حكم عليه وليس كمال الحربى المستأمن. قال أصبغ قال أشهب: وإذا عرفه سيده فله أخذه وكل ما معه . وبلغنى عن أشهب خلافه وليس بصواب. وإن دخل إلينا فظهر أنه مرتد فليحكم فيه بحكم المسلمين.
قال أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم فى مسلم تنصر ولحق بأرض الحرب ثم قدم بأمان، قال: لا يقتل. وروى عنه فى الرسول يظهر أنه مرتد أنه يقتل . قال أصبغ : الرسول وغيره سواء.
قال ابن المواز: وإن داين المستأمن الناس عندنا ببيع أو سلف ثم عاد إلى بلده فد خلناها فغنمناه وماله وله عندنا ودائع ودين، قال: لولا غرماؤه كان ماله الذى ببلد الحرب والذى عندنا لمن غنمه ، ولكن غرما ءه أحق بماله فى بلد الإسلام يأخذون منه دينهم إن بلغه. وإما ما كان له ببلد الحرب فللذين غنموه. وقاله ابن القاسم وأصبغ لأنهم أوجفوا عليه.
وفى كتاب ابن سحنون مثل ذلك وزاد: فإن وقع فى سهمان رجل أو اتباعه فآخرج لسيده مالا بأرض الشرك فذلك فىء للذين أصأبوه وليس لسيده إلا ما أفاد عنده، وليس له أيضاً ما كان له ببلد الإسلام من وديعة أو دين، وذلك للذين سبوه إلا أن يكون عليه ببلدنا دين فغرماؤه أحق بذلك دون ما كان ببلد الحرب. وقاله كله ابن القاسم.
وقال غيره: المال الذى له ببلدنا عليه فيه أمان وهو لا يملكه لأنه عبد، ولا يتبعه فى البيع وليرد إلى أهله وأهل مملكته. ولو أسلم أو عتق لم يكن له فى ماله
[3/150]
***(1/139)
[3/151]
الذى بأرض الشرك شىء وإن أدركه بأيدى المسلمين. قال: وإما ما له أو عليه ببلدنا من دين أو وديعة أو رهن فليحكم له وعليه فى ذلك بحكم الإسلام. وإن مات عندنا أو كان حياً ولحق بأرض الحرب فمات أو قتل فتؤخذ منه الحقوق ويؤخذ له، وما فضل رد إلى ورثته. ولو أسر فصار عبداً كان ما فضل للمسلمين فيئاً فى قول ابن القاسم . وكذلك لو نقض العهد عندنا فقتل كان ما فضل بعد قضاء ديونه فيئاً فى بيت المال. ولو كان معه أم ولده فأسلمت ورجع إلى دار الحرب فلتعتق عليه إذا قال أنها أم ولدى ويتبعها ولدها. قيل : لا تعتق وتوقف حتى يسلم أو يموت.
ومن كتاب آخر قال ابن عبدوس: ولو أن حربياً أودع وديعةً فى دار الحرب ثم غنمه المسلمون فصار فى سهمان رجل فإن تلك الوديعة تكون للعبد لا للجيش الذين سبوه.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قدم حربى عندنا فكاتب عبده فله الرجوع به إلا أن يسلم المكاتب فيباع كتابته من مسلم فيرق له إن عجز. وإن ودى فولاؤه للمسلمين ما دام سيده كافراً .
وإذا نزل عندنا الحربيون على الرجوع فعدا بعضهم على بعض ، فبعض أصحابنا يرى أن لا يحكم بينهم الإمام ويردهم إلى أهل الذمة. ومنهم من يرى أن له أن يحكم بينه إذا رضى الخصمان لا برضاء أحدهما . وإن لم يقدر بعضهم من بعض قطع السارق. ويقطع المسلم إن سرق منهم. وإذا لم يقدر على السارق فلا شىء للمستأمن. ولو قدم معه بأسير فاغتيل فليطلبه له الإمام وليجتهد فإن لم يجده فلا شىء عليه.
[3/151]
***(1/140)
[3/152]
وإن قدم ومعه ذرية فمات وله ذرية بأرض الحرب، فإن قدم على أن يرجع أو كان على ذلك جرى أمرهم على الرجوع فليرد ماله وذريته إلى بلده. وإن لم يكن كذلك فلا يرد ماله ولا لولده الرجوع وتؤخذ منهم الجزية، يريد : من ذكورهم إن بلغوا.
وإذا مات عندنا ولم يكن يذكر رجوعاً فإن كان أكثر المستأمنين بذلك البلد إنما هو على المقام، فميراثه للمسلمين ولم يكن لهذا أن يرجع. ولو كان شأنهم الرجوع فله الرجوع وميراثه إن مات يرد إلى ورثته ، إلا أن تطول أقامته عندنا فليس له أن يرجع ولا يرد ميراثه. وإذا لم يعرف حاله ولا ذكر رجوعاً فميراثه للمسلمين.
ولو قدم أخوه فقال أنا أستأمن إليكم وهو يريد الرجوع لم ينظر إلى قول أخيه . وإن بعث المستأمن عبده إلى أرض الحرب فأخذته سرية للمسلمين، فإن قدم على المقام رد غليه عبده وإلا لم يرد إليه إذا أخذ بعد أن بلغ مأمنه. ولو أخذ قبل أن يبلغ مأمنه رد إليه. وكذلك فى مال إن كان مع العبد.
وإذا دخل مسلم بأمان دار الحرب فقتله حربى ثم قدم إلينا بأمان فقتله ولى المقتول فلا شىء على الوالى وليرد الإمام ديته لأنه أخذ الدم بما لا يجوز فى مثله من الخفر. وإذا جاء عسكرنا فاشترى أهله وقال أنا أبعث بالثمن مع عبدى فبعثه بالثمن فأبى العبد أن يرجع قال يرد إليه لأنه على هذا رجع.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون وإذا أعطى أهل حصن أمان اً على ما بأيديهم فوجدنا بأيديهم مسلمين، قال يعطون قيمتهم كما لو أسلم عبد الذمى فبيع عليه فهذا مثله. وهذا إن كان صلحاً مؤبداً. فإما إن كان صلحاً إلى
[3/152]
***(1/141)
[3/153]
وقت أو إلى أن يمر بهم الجيوش فلا يعرض لهم فيما بأيديهم من المسلمين. وعلى قول عبد الملك ذلك سواء ولهم القيمة فى الوجهين كما يعطى القادم بأمان قيمة المسلم فى يديه.
فى المعاهد يريد أن يبيع منا زوجته وولده
أو صالحت عبدك على أن يأتيك بذلك
من كتاب ابن المواز: وإذا قدم الحربى إلينا معه أهله وابنه وابنته فنزل عندنا مستأمناً فأراد بيعهم فلنا شراؤهم إلا أمرأته وابنه الكبير الذى ولى نفسه فلا يجوز بيعه كما لا يبيع صاحبه ، إلا أن ترضى بذلك أمرأته وابنه وابنته التى وليت نفسها ، لأن نزوله معهم بالأمان نزول واحد، وله بيع صغار بينه ورهنهم. وكذلك من هادن المسلمون مثل السنتين والثلاثة. فإما من صالحناه صلحاً لا أمد له فلا يجوز لمن قدم منهم بيع أولادهم لدخولهم معهم فى الصلح. قال ابن القاسم إن صالحناهم على مائة رأس كل عام ، فإن كان عام ا أو عام ين فلا بأس أن نأخذ ما أعطونا من أولادهم ونأخذ منهم النساء.
قال محمد: إنما جاز ها هنا أخذ النساء منهم لأنهم بأرضهم بخلاف من دخل بأمان ولو صولحوا على خراج كل سنة فأسلموا سقط عنهم.
قال أشهب فى عبد لرجل طلب سيده أن يخليه ويأتيه بزوجته أو بولده يكون ذلك فداءه ففعل ، وجاء وادعوا أنهم خرجوا معه بعهد وقال هو بل سرقتهم أو غنمتهم ، (قال: القول قول الذى جاء بهم لسيده.
[3/153]
***(1/142)
[3/154]
وبقية القول فى الحربى والأسير يفدى زوجته بمال يرهن فيه ولده) وشبه ذلك فى أبواب الفداء فى كتاب آخر من كتاب الجهاد.
فى المستأمنة تريد أن تتزوج عندنا
من كتاب ابن المواز: قال أشهب فى علجة قدمت بأمان فأرادت نكاح مسلم وقالت ليس لى زوج أو قالت لى زوج تركته وحضت ثلاث حيض بعد خروجى ، قال لها أن تتزوج. فإن كان لها زوج فاستبراؤها ثلاث حيض وهى مصدقة أنها حاضتها بعد آخر وطء وطئها. ولو قدم زوجها قبل تمام ثلاث حبض كان أحق بها إن لم تسلم هى.
ولو أسلمت لم يكن أحق بها إلا أن يسلم قبل تمام عدتها. (قال وخروجها إلى بلد الإسلام وحدها فراق ما لم يسلم هو قبل خروجها ، وخروجها كما لو سبيت بغير) زوج، فهى تحل لمن صارت له بعد حيضة. قال أصبغ وذلك كالسبى.
قال محمد: فاستبراء السبى حيضة . وإذا جاءت وحدها فاستبراؤها ثلاث حيض. وإن قدم زوجها أو سبى قبل الحيضة وقبل أن توطأ فهو أحق بها، يريد فى المسيبة . وإن جاء بعد أن وطئت فلا نكاح بينهما ولا سبيل له إليها. ومن اشترى علجة وزوجها من المقاسم فلا يفرق بينهما فى النكاح، فإن هرب العلج لم يكن لسيدها وطؤها إن كانا أقرأ على النكاح وعلى ذلك بيعت.
ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ فى المستأمنة تريد النكاح فلا ينبغى أن يتزوجها مسلم وإن قالت لا زوج لى، لأن لها أن ترجع إذا انقضى ما استأمنت
[3/154]
***(1/143)
[3/155]
عليه، إلا أن تريد المكث ببلد الإسلام وعلى ذلك أمنت فلهاالنكاح بعد ثلاث حيض، كان لها زوج أو لم يكن لأنها جانحة، والجانح من الحربيين ليس له أن يرجع إلى بلد الحرب. وتلك التى لها أن ترجع المستأمنة للفداء (أو لتجارة ونحوه فكرهنا أن تتزوج لئلا يبقى ولد المسلم فى رحمها إذا رجعت. والقول فى الرهائن) والرسل فى كتاب آخر من الجهاد.
[3/155]
***(1/144)
[3/157]
فى سهمان الخيل وسهم الفارس والراجل
وذكر المريض والفرس الرهيص والصغير ولهرم وما أشبه ذلك
من العتبية: روى يحيى بن يحيى قال: قال ابن نافع حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم فرض للفرس سهمين وللرجل سهماً. ورواه ابن وهب عن نافع عن عبد الله بن عمر بإسناده. وفعله عمر ابن الخطاب ومضت به السنة. وذكر ابن حبيب من الرواية مثله.
وقال ابن سحنون: وما علمت أن من علماء الأمة من قال:إن للفرس سهماً ولفارسه سهم غير أبى حنيفة، وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد، وما أرى مجوزاً أن يدخل هذا فى الإختلاف.
ومن الواضحة قال ابن حبيب: اختلف الرواية فى السهم لفرسين ، فروى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يسهم للزبير إلا لفرس واحد، وكان معه ثلاثة أفراس وروى أنه أسهم لفرسين. وأخذ به عمر بن عبد العزيز وغيره.
[3/157]
***(1/145)
[3/158]
قال أبو محمد: وكذلك فى رواية ابن وهب وبه قال ابن وهب ،ذكره عنه ابن سحنون.
قال ابن حبيب وقال مالك (فى الموطأ: قال الله تعالى فى كتابه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) قال مالك : فأرى البراذين والهجن من الخيل إذا أجازها الوالى. قال مالك: ولم أزل أسمع ان للفرس سهمين وللرجل سهم، ولم أسمع بالقسم إلا لفرس واحد.
ومن كتاب ابن حبيب: وقال مالك) وأصحابه: لا يسهم إلا لفرس واحد وهى روايته فى أمر الزبير. قال مالك: والخيل والبراذين سواء فى السهمان. قال ابن حبيب: والبراذين الدك العراض، فإذا أشبهت الخيل فى القتال عليها والطلب بها أسهم لها. وقال ابن الماجشون عن مالك: ويسهم للفرس الرهيص وإن كان كذلك منذ أدرب به، وقاله أشهب وأصبغ. قال ابن حبيب: بخلاف الكسير أوالخطيم يدخل به كذلك هذا لا يسهم له ، وكأنه مات قبل الإدراب. وإما لو أوجف عليه صحيحاً ثم أصابه الكسر لكان له سهمه كما لو مات بعد الإيجاف.
ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: يسهم للفرس المريض منذ أدربوا، وكذلك الرجل. وروى عنه أشهب وابن نافع أنه لا يسهم له ، وبالقول الأول يأخذ سحنون. وروى عنه غير هذا فى المريض وقال: ما كل من حضر القتال يقاتل، وقال :ولا كل فرس يقاتل عليه. قال سحنون: وإن دخل دار الحرب بفرس لا يقدر أن يقاتل عليه من كبر أو مهر صعب لا يركب فهو راجل ولم يكن ينبغى للإمام أن يجيزه.
[3/158]
***(1/146)
[3/159]
قال ابن المواز قال مالك: ومن لم يزل مريضاً منذ خرجوا من أرض الإسلام حتى قفلوا ،فله سهمه. وكذلك الفرس لم يزل رهيصاً حتى قفلوا . قال ابن القاسم: وإن نفق قبل أن يحضر القتال لم يسهم له. ولو نفق بعد القتال وقبل الغنيمة أسهم له. وكذلك فى الرجل يموت على هذا المعنى.
قال ابن حبيب: وإما صغار الخيل لا مركب فيه ولا حمل فلا يسهم له. وإن كان فيه بعض القوة على ذلك أسهم له.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا دخل رجل بفرس صغير لا يقاتل على مثله فأقاموا حتى كبر وصار يقاتل عليه فله من يومئذ سهم فرس لا فيما قبل ذلك. وإن كان لا يركب لمرض أو رهصة أو طلع فهو كالصحيح بخلاف الأول ، وهذا يتوقع برؤه.
ومن بلغ وأنبت من الصبيان فى أرض العدو فلا يسهم له إلا فيما يغنمون بعدذلك. والفرس العقوق إذا وضعت وطال مقأمهم حتى كبر الولد، فمن يوم يصلح أن يقاتل عليه يسهم له. وأجمع أصحابنا أنه لا يرضخ لصاحب حمار أو بغل أو لصاحب برذون لا يجيزه الوالى.
وقال ابن وهب عن مالك فى من غزا على حمار أو بغل فأعطى فرس فى السبيل أيأخذه؟ قال: الحمار ضعيف والبغل أقوى، وإما الفرس فلا أرى أن يأخذه إلا أن يعلم من نفسه أنه يقوى على التقدم إلى إلاسنة. قال سحنون: ومن دخل دار الحرب راكب حمار ومعه فرس يقوده، أو راجل وفرسه عليه جل وهو يقوده أسهمت له سهم فارس. وقال أصحابنا: وإذا عسكروا بأرض الحرب ولبعضهم خيل فسروا رجالةً فليسهم للفرس.
[3/159]
***(1/147)
[3/160]
وروى أصبغ عن ابن القاسم فى العتبية: وإذا لقوا العدو رجالةً وخيلهم فى رحالهم لغناهم عنها فأنه يسهم لخيلهم لأنها عدتهم.
ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: والخيل التى يتجاعل فيها أهلالديوان، يسهم لها إذا حضروا الغزو. وإذا دخل رجلان أرض العدو ومعهما فرس وهو بينهما، فسهماه للذى ركبه فى القتال، وعليه للآخر نصف إجارته. وإن شهدا عليه القتال جميعاً ، فلكل واحد منهما ما حضر عليه من القتال، وعليه نصف الإجارة لصاحبه إن كان يعرف ذلك، وإلا اقتسما الجميع وتحإلا. قال : ولو ركبه أحدهما كل الطريق فلما حضر القتال ركبه آخرهما، فالسهمان للذى ركبه فى القتال، ويغرم نصف الإجارة لصاحبه ، وعلى راكبه أولاً نصف إجارته.
فيمن دخل أرض الحرب فارساً أو راجلاً
ثم انتقل إلى خلاف ذلك من ركوب أو رجلة
وفى من قاتل على فرس بعارية أو تعد أو شراء أو كراء
ومن مات بعد الإدراب
من كتاب بن سحنون قال سحنون قال مالك وأصحابنا: إذا دخل الجيش دار الحرب، فمن دخل منهم فارساً فهو فارس. ومن دخل منهم راجلاً فهو راجل وما مات من فرس أو رجل قبل الغنيمة فلا سهم له. ولو أخذ العدو فرسه قبل الغنيمة ثم رجع إليه فإنما يسهم له من كل ما غنموا بعد رجوعه إليه، وكذلك لو أسر ثم تخلص فإنما يسهم له فيما غنموا من يوم خلاصه. وكذلك الراجل يفيد فرساً فمن يوم يفيده يسهم له. وإذا قاتل فقتل فرسه ثم أسر ثم
[3/160]
***(1/148)
[3/161]
غنموا بعده من ذلك القتال غنيمة ً ثم غنموا آخرى ثم تخلص وجاءهم فله سهمه فى غنيمة قتالهم الذى أسر فيه على أنه فارس، (ولا سهم له فيما غنموا بعد ذلك فى أسره. وإما ما غنموا بعد خلاصه فله فيه سهم) راجل، إلا أن يتخلص وهو فارس فله من يومئذ سهم فارس. وكذلك لو قفل أصحابه وجاء آخرون فتخلص إليهم فله مع هؤلاء من يوم تخلص إما فارس أو راجل، وله فى الأولين سهم فارس. ومن كتاب ابن حبيب: ومن أوجف فارساً ثم نفق فرسه قبل مشاهدة القتال لم يسهم لفرسه، ولو مات هو حينئذ لم يسهم له. ومن أوجف راجلاً ثم أفاد فرساً عند مشاهدة القتال بشراء أو كراء أو عارية أو بتعد فقاتل عليه فله سهم الفرس. وحد ذلك عند مالك مشاهدة القتال. وإما ابن الماجشون. فبالإيجاف يجب عنده وإن لم يشاهد قتالاً، فيوجب بالإيجاف لمن مات أو قتل من رجل أو فرس ما توجبه المشاهدة. ومن أوجف عنده راجلاً ثم أفاد فرساً حتى يمكن كونه بيده بملك أو كراء أو تعد فله سهمان الفرس. فإما إن ألفى فرساً عند زحمة القتال من خيل العدو أو خيل المسلمين فركبه بأحد هذه الوجوه فلا يأخذ سهميه، وسهماه لصاحب الفرس إلا أن يكون من خيل العدو فلا سهمان له. وإنما الفارس الداخل على فرس أو يفيده بحدثان ذلك وقبل شهوده القتال بأيما وجه وإن كان باعتداء إذا تمكن كونه بيده واستفرد دون الموجف عليه. قال ابن حبيب: وقول ابن الماجشون أقيس وبه أقول. وقول مالك استحسان وقال به أكثر أصحابه.
قال ابن المواز: ومن دخل أرض العدو راجلاً فاشترى فرساً فقاتل عليه فله سهمه، ولو دخل بفرس فنفق أو باعه قبل القتال فهذا يعد راجلاً. قال ابن القاسم: لا ينظر إلى الفصول إلى أرض العدو ولا النزول عليهم وإنما ينظر إلى القتال ، فبه تجب السهام. وقال عبد الملك: بالإيجاف يجب له سهمه فيما غنموا.
[3/161]
***(1/149)
[3/162]
ومن كتاب ابن سحنون ذكر سحنون قول عبد الملك هذا قال: وخالف فى ذلك أصحابنا وقال ولا يكون فارساً من أخذ فرساً عاثراً أو قتل مشركاً وركب فرسه أو استعاره من ساعته فلا يعطى سهم فارس وإنما الفارس من دخل على فرس أو اشتراه حتى تمكن فى كينونته له، وذلك لأنه إنما يجب عنده بالإدراب.
قال سحنون: وسهم الفرس المحبس للغازى عليه ولا يجعل فى علفه وسلاحه. ولو كرى فرساً أو استعاره فله سهم فارس. وقال ابن القاسم: ومن معه فضل فرس فى الغزو فأعطاه لرجل يقاتل عليه على أن له سهماً ولربه سهم فلا خير فيه. قال سحنون: فإن نزل فسهمان لراكبه وعليه إجارة مثله لربه وإن جأوز ذلك سهم الفرس.
وكذلك فى كتاب ابن المواز عن ابن القاسم عن مالك أن لربه أجر مثله. وقال ابن القاسم بل السهمان لربه إلا أن يكون دفعه إليه قبل خروجه من بلده. قال ابن القاسم صواب إن كانت عاريته غير بتل ومتى شاء أخذه.
ومن كتاب ابن سحنون: وكره مالك أن يكرى فرسه ممن يحرس عليه ومثله من لا يقاتل . فإذا قيل: من يرمى موضعاً كذا فله مائة درهم فيذهب فيرمى فهذا قبيح وكرهه.
وقال ابن القاسم فى فرس انفلت من ربه بأرض العدو فأخذه آخر فقاتل عليه حتى غنموا: إن سهمانه للذى انفلت منه وكذلك ذكر ابن المواز عن أصبغ عن ابن القاسم. قال سحنون: سهماه للذى قاتل عليه وعليه إجارة مثله إلا أن يكون هروبه من ربه بعد أن شهد عليه أول القتال وباشر عليه القتال فيكون السهمان لرب الفرس ولا أجر للمعتدى.
[3/162]
***(1/150)
[3/163]
قال ابن القاسم : ولو شد القوم على دوابهم للقتال فعدا رجل على فرس آخر فقاتل عليه فغنموا مكانهم: إن سهمان الفرس لربه.
وكذلك عنه فى كتاب ابن المواز. قال ابن المواز: وكذلك لو تعدى عليه قبل يكون قتال ،وليس ذلك مثل موت الفرس. وقال سحنون: بل السهمان للمعتدى وعليه أجر مثل الفرس إلا أن يأخذه بعد إثبات القتال، فيكون السهمان لربه.
قال ابن القاسم: ولو تعدى عليه فى أرض الإسلام فغزا عليه أو فى أرض العدو قبل حضور القتال فشهد عليه سريا أو قاتل عليه، فسهماه فى هذا للمتعدى وهو له ضأمن. قال سحنون هو كذلك فى السهمين، فإما الضمان فإن رده بحاله لم يضمن وعليه الإجارة. وإن رده وقد تغير أو عطب فربه مخير أن يضمنه قيمة الفرس أو يأخذ منه أجره فيما استعمله فيه، وقاله أشهب. ومن عقر فرسه قبل الغنيمة، يريد بعد القتال ، فله سهم فارس فى تلك الغنيمة. ولو خرجوا من المدينة للقتال ثم أمر رجل غلأمه برد فرسه إلى منزله لم يضرب لربه إلا بسهم راجل. ولو رده العبد فلم يخرج من معركة القتال حتى أنهزم الكفار فلمولى العبد سهم فارس فى قول أشهب وسحنون، إذ لو شاء ربه أخذه فقاتل عليه.
(قال ابن المواز قال ابن القاسم: ومن تعدى فى أرض العدو على فرس لغيره فقاتل عليه) حتى غنم فسهمان الفرس للمتعدى وعليه لربه أجر مثله. قال ابن الموازعن أشهب : ولو وجد فرساً للعدو فأخذه قبل القتال فركب عليه فسهماه له وعليه أجر مثله لأهل الجيش.
وروى لنا عن أشهب خلاف هذا فى المركب يمنعه الريح أن يلحق بأصحابه: أن لأهله سهامهم ، وهذا أصح، وهو قول مالك فى المريض والفرس
[3/163]
***(1/151)
[3/164]
والرهيص والضال والمنفلت والمركب يعتل أو يرده الريح والأسير والدابة: إن سهمانهم قائمة لا يرد ذلك إلا الموت قبل القتال أو الرجوع بغير عذر أو البيع.
وروى لنا عن أشهب قول آخر فى من ضل فرسه يوم اللقاء فأخذه رجل فقاتل عليه: إن سهميه للذى ركبه وعليه لربه أجر الفرس. وكذلك لو غضبه إياه ، وهذا قول متروك إذا كان دفعه إليه، يريد عاريةً بعد أن وقع القتال ، وليس هو بمثل إذا أفلت منه أو غصبه رجل فقاتل عليه.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن غصب فرسه بدار الحرب أو بدار الإسلام أو نزل عنه لحاجة أو غار فرسه، فإن رجع إليه قبل القتال فحضر عليه القتال فله سهم فارس. ولو قاتل عليه الغاصب كان له فى تلك الغنيمة سهم فارس، ويغرم لربه أجر مثله فى مثل ما استعمله، ثم يكون لربه فيما يستقبل سهم فارس ، وابن القاسم لا يرى له أجراً.
قال سحنون: وإن تغير الفرس فربه مخير فى تضمينه قيمته ولا اجر له، (أو أخذه ناقصاً وإجارته. وكذلك لو غصبه بأرض الحرب على ما ذكرنا) .وإذا أخبر لصاحب المقاسم عند دخوله أن فرسه قد غار أو غصب فليكتبه راجلاً، ثم إن خرج فلا يصدقه على وقت وجده إلا ببينة. ثم يصير فيما يغنم بعد ذلك فارساً .وإذا أحرزت الغنيمة فأخذ رجل منها فرساً فقاتل عليه، فقد سهل مالك فيه أن يأخذه يقاتل عليه أو ينقلب عليه إلى أهله ، وكرهه فى رواية آخرى، وأنا أرى لهذه إلاباحة أن سهمى الفرس لراكبه ولا أجر عليه. ولو صرع رجلاً من العدو عن فرسه فركبه وقاتل عليه فإما ما غنم فى قتاله هذا عليه فلا سهم له لذلك الفرس. وإما ما حضر عليه بعد ذلك من السرايا وغيرها فله سهمه. وقال فى الوالى
[3/164]
***(1/152)
[3/165]
يستعير منه رجل فرساً فى أرض العدو فيقاتل عليه إن سهمه لراكبه. وكذلك فى العتبية، رواه أشهب عن مالك. ورواه ابن القاسم عنه فى كتاب ابن المواز.
قال سحنون: ومن اعار رجلاً فرسه يقاتل عليه فسهماه للمعار، أعاره قبل الإدراب أو بعده. ولو كانت العارية مؤجلة أو إلى رجوعه أو لم يوقت فذلك سواء كله وسهماه للمستعير. ولو أعاره فى حومة القتال فإن كان فى أوله قبل بيان الظفر فهما للمعار. وإن كانت فى ىخره وبعد بيان الظفر فالسهمان لربه، ثم رجع فقال : هما للذى ناشب عليه القتال أول القتال.
قال ابن الماجشون: ومن أعار فرسه أول دخوله عليه بلد العدو واشترط إلى الرجوع أو لم يشترط فهذا للمستعير، وكان المعير قد أوجف بغيره. وإما إن أعاره واشترط السهمين أو بعضهما فأقام أو أوجف هو نفسه فله كراء مثله والسهمان للداخل عليه. وإما من تمكن من الإيجاف عليه والدخول فأعار بشرط أو بغير شرط أو بين فتحين، فإنظر ما وجب للفرس ، فهو لمعيره لأنه بالإيجاف عندى وجب ذلك، ما لم يشترط جزءاً من سهم الفرس أو من سهمه، فهذا فاسد وله كراء مثله مع سهمى الفرس. وإما إن أعار فى سرية فما انفرد به من ذلك فهو له . فإما إذا رجع إلى أن يكون فى الجيوش والصوائف فهو لربه الذى أوجف عليه.
قال أشهب ومن غزا بأفراس له فإذا كان حمل من يقاتل فسهمانها لمن قاتل عليها. ولو شرط ربها أن يكون له السهمان فليعطوه كراء خيله
[3/165]
***(1/153)
[3/166]
بقدر المسافة وبقدر إثخأنهم فى القتال وبقدر الخوف. قال سحنون: صواب ومن أعار رجلاً فرسه ليدخل به وليقاتل عليه لم يكن له نزعه منه قبل أن يقاتل، ثم إذا قاتل فله أخذه منه فيكون فيما يغنم بعد ذلك فارساً. ولو منعه منه أو جحده حتى فرغت المغانم فله حكم الغاصب.
قال سحنون فيمن حضر القتال على فرس فلم يفتح لهم فى يومهم. فباعه فقاتل عليه مبتاعه اليوم الثانى فلم يكن فتح فباعه الثانى فقاتل عليه الثالث يوماً ثالثاً ففتح لهم: إن سهم الفرس لبائعه الأول لأنه قتال واحد، كما لو مات بعد أول يوم وقاتل عليه أحد ورثته فى اليومين أو لم يقاتل: إن سهميه لورثته، وكل قتال مبتدأ بعد موته قاتل فيه وارث له على هذا الفرس فسهماه فيه للوارث وعليه أجر الفرس موروثاً.
قال الأوزاعى: ومن ابتاع فرساً وقد غنموا واشترط سهمه فجائز إن كان الثمن أكثر من السهم كمال العبد يشترط: قال سحنون: لا يجوز غن كان السهم ذهباً والثمن فضةً ويصير عرضاً بعرض وذهباً بذهب. ولو كان الثمن عرضاً والسهم معروفاُ جاز، وليس كالعبد لأن العبد يملك والفرس لا يملك. ولو كانت الغنيمة عروضاً والسهمان معروفةً جاز شراؤها مع الفرس بالذهب والورق. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السهمان حتى يعلم ما هى.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن أعطى فرسه لمن يقاتل عليه على أن سهمى الفرس لربه أو بينهما لم يجز فإن وقع فإن كان قبل القتال بأمد يتمكن كونه بيده وحوزه إياه فسهماه له، وإن كان ذلك بحدثان القتال فسهماه لربه وله على راكبه أجر مثله فى الوجهين فى مثل ما ركبه له وعرضه إياه، والحكم فى سهمان
[3/166]
***(1/154)
[3/167]
الفرس فى صحة الكراء وفساده سواء . وكذلك لو أخذه متعدياً فالأمر فى سهمانه وكراته على ما ذكرنا. والأمر فى عاريته فى السهمان على ما ذكرنا ولا كراء فيه.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا نفق فرسه قبل القتال لم يسهم لفرسه. ولو حضر عليه القتال ثم نفق فله سهمه فى تلك الغنيمة. ولو نفق فرسه ثم كسب آخر قبل اللقاء فحضر القتال أو تركه فى العسكر فله سهم فارس وكذلك لو أفاده وقد التحم القتال. وكذلك لو قتل علجاً منهم فأخذ فرسه فقاتل عليه. وكذلك لو جاءه فرسه حينئذ. ومن مات أو قتل فى المعرطة قبل الغنيمة أو بعد فله سهمه. وكذلك بعد الهزيمة. ولو أصاب فرساً بعد هزيمتهم فقاتل عليه فله سهم راجل إلا فيما يستقبل بعد هذه الغنيمة. قال وينبغى للإمام أن يكتب أهل الجيش للغنائم إذا دنا من أهل الحرب قبل أن يغنموا وقبل أن يسروا السرايا.
فيمن مات بعد الإيجاف أو بعد القتال
ومن تخلف لمرض أو عذر أو ضل عن أصحابه أو بعث فى أمر
وفى المراكب يردها الريح أو يغرقها
من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن فضل من الغزاة فأدراب ثم مات، ولعله قد نزل وتهيئوا للحرب ثم مات وكان القتال بعده وغنموا فلا سهم له. ولو وقع القتال ثم مات ولم يكن فتح ولا غنيمة ثم غنموا بعد ذلك فللميت سهمه موروثاً لورثته.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم مثله وذكره عن مالك وفى كتاب ابن سحنون نحوه، وقال: وكذلك لو قتل فله سهمه.
[3/167]
***(1/155)
[3/168]
ومن كتاب ابن المواز قال: ولو لم يبلغ العسكر حتى مرض فخلفوه فى الطريق لعله يفيق فيلحق بهم فقاتلوا وغنموا ورجعوا فله سهمه. وكذلك إن كان تخلفه ببلد الإسلام وقبل أن يدرب فى بلد الحرب فله سهمه. قال ابن وهب عن مالك فى من مات بعد الوصول إلى أرض العدو وقبل القتال فلا سهم له. وإن مات بعد القتال قبل الغنيمة فله سهمه. ولو كانت غنيمة بعد غنيمة فما كان متتابعاً فله فيه سهمه فى الجميع، مثل أن يفتحوا (حصناً ثم يموت ثم يفتحوا) آخر على جهة الأمر الأول . قال أصبغ: وإما لو رجعوا قافلين ونحو ذلك من انقطاع الأمر فلا شىء له فيما استؤنف بعده.
كذلك روى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية من أول المسألة ، وقال عنه يحيى : ويقسم فى كل ما غنموا بعد موته من أسلاب الجيش الذين قاتلوهم أو من فتح حصن أو من ما أوجفت عليه خيلهم من سرايا وغير ذلك إذا مات بعد القتال. وإما إن لم يكن قتال إلا بعد موته فلا شىء له فيه وإن أوجف.
قال فى كتاب ابن المواز: ولو حاصروا حصناً فقتل فى أول يوم ثم أقام أصحابه حتى فتحوه بعد أيام فله سهمه فيه. ولو مات قبل حضور القتال (فلا سهم له. ولو حضر القتال) وهو مريض ثم مات ثم فتحوه حصوناً بعده حصناً بعد حصن، فله سهمه فى الجميع وذهب عبد الملك إلى أن من مات بعد الإيجاف فله سهمه فى كل ماغنموا بعد ذلك، والإيجاف عنده الوصول إلى أرض العدو ومفارقة أرض الإسلام.
[3/168]
***(1/156)
[3/169]
قال ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك فى المراكب تفصل إلى أرض العدو ثم يرد بعضها الريح إلى أرض الإسلام ولم يرجع أهلها من قبل أنفسهم، فإن لهم سهمانهم مع أصحابهم الذين وصلوا إلى أرض العدو وغنموا. قال عبد الملك : وكذلك لو كان سلطانهم الذى ردته الريح فسلطأنه عليهم قائم والغنيمة له ولمن معه كما لو حضروا القتال.
قال ابن سحنون: اختلف قول سحنون فى الذين ردتهم الريح فقال: لا سهم لهم مع الذين غنموا ، وهذه الرواية على معنى من يقول بالإدراب، ثم رجع فقال: لهم سهمهم لأنهم مغلوبون كما قال مالك.
ومن كتاب ابن المواز: من مات ممن ردته الريح أو خلفه بالطريق مرض فكمن مات بعد أن فصل: إن مات بعد القتال فله سهمه وإن مات قبله فلا شىء له. قال مالك: وإن خرجت مراكب من مصر غزاة فاعتقل منها مركب فتخلفوا لإصلاحه فخافوا إذ بقوا وحدهم فرجعوا إلى الشام فلا شىء لهم فيما غنم أصحابهم. وكذلك لو مرضوا فرجعوا أو انكسر مركبهم فرجعوا.
قلت: فإن أسهموا لهم وأعطوهم؟ قال: فلا يرجعوا عليهم قد فات ذلك وأنفقوه.
قلت: فلو ولجوا بلد العدو وجاءوا قبرس ثم عرض لهم ما عرض فرجعوا إلى الشام خوفاً من العدو حتى رجع الجيش؟ قال :هذا عذر إذا بان خوفهم فهذا مشكل ويسهم لهم. قال محمد: الرجوع عند مالك أشد إلا رجوع يتبين فيه العذر ولا يكون رجوعهم رغبةً عن أصحابهم. قال عبد الملك: وإن فرقت المراكب الريح وحالت بينهم الظلمة أو عرض لهم غير ذلك حتى غنم بعضهم ولم يغنم الباقون، أو ردت الريح أميرهم وأوجف الباقون ، فكل رجوع كان بأمر غالب
[3/169]
***(1/157)
[3/170]
فهو كمن لم يرجع ، وكالسرايا يغنم بعضها دون بعض فذلك بين الجميع ولواليهم معهم وكذلك لمن ضل منهم. ومن تاه عن السرية قبل القتال ولم يرجع حتى غنموا فله سهمه. وقاله أصبغ عن ابن القاسم فى من ضل عنهم. وكذلك من تاه بأرض العدو أو فى أرض الإسلام فى الطريق قبل بلوغهم.
قال سحنون: قد قالوا فيمن مات بعد الإدراب فلا سهم له ، فالذى رده المرض ومن ردته الريح أولى أن يمنع.
وقال عن أشهب فى من تاه من سرية فلقى سريةً آخرى من غير عسكرهم فغنم معهم فإن كان السريتان خرجتا من أرض الإسلام فكلهم شركاء.
قال ابن المواز: وإن كان السرية من غير أصحاب الثانية، فإن دخل معهم قبل القتال ثم قاتلوا وغنموا فله سهمه. ثم إذا رجع إلى أصحابه ضم ما غنم إلى ما غنموا وكانوا شركاء.
وقال ابن سحنون عن أبيه مثل ما ذكر ابن المواز من أول المسألة ، وذكر عن أشهب أنه لا شىء للذى ضل من ماغنم الجيش إذا ضل قبل الوقعة، ويصير حكمه حكم السرية التى صار إليها، غنم معهم أو لم يغنم. قال ابن سحنون: وهذا القياس على قولهم فيمن مات بعد الإدراب وقبل الغنيمة.
قال ابن سحنون عن أبيه: واختلف فى رجل ضل من سرية فاجتمع مع آخرى فقاتل معها فأخذ سهماً ثم اجتمع مع الأولى، والذى أقول به أنه يضم ما أخذ مع السرية الآخرى إلى ما غنم أصحابه ويقسمون ذلك كله. وروى ابن نافع عن مالك فيمن ضل عن العسكر حتى غنموا أنه لا سهم له. وقال ابن نافع له سهمه.
[3/170]
***(1/158)
[3/171]
قال ابن المواز: ولو بعث الأمير قوماً من الجيش قبل أن يصل إلى بلد العدو فى أمر من مصلحة الجيش، من حشد أو أقامة أسواق أو غير ذلك، فاشتغلوا فى ذلك حتى غنم الجيش فلهم معهم سهمهم. وقد قسم النبى صلى الله عليه وسلم لعثمان يوم بدر وقد خلفه على ابنته، وقسم لطلحة وسعيد بن زيد وهما غائبان بالشام.
قال سحنون: وكذلك روى ابن وهب وابن نافع عن مالك. وروى عن مالك أنه لا شىء له إن بعثه الإمام فى بعض مصالح المسلمين ثم غنموا بعده، وبالأول أقول. وقال: وإذا رد الإمام قوماً من بعض الطريق لضعف الناس وإثقالهم وما وقف من دوابهم، فإن كل من رده لمصلحة المسلمين فله سهمه فيما غنم الجيش بعده إذا رده بعد الإدراب فى بلد الحرب. ومن رده لذلك قبل الإدراب فلا سهم له. وقال أيضاً قبل هذا: ما أعرف الإدراب ولم يقله من أصحابنا إلا عبد الملك، وأنكر ما ذكر منه عن المغيرة وقال وأرى أن كل من رده للمصلحة فله سهمه. وقد أسهم النبى صلى الله عليه وسلم يوم بدر لعثمان وقد خلفه على ابنته، ولا أعرف الإمام يرد المرضى والخيل ولكن يرد الرجل للخبر وشبهه.
وقال: ومن مرض بعد الإدراب وقبل القتال فرده الإمام لمرضه إلى بلد الإسلام فله سهمه على قول ابن القاسم.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أهل مركب غزوا فنزلوا ببعض مواضع الروم فبعثوا رجلاً إلى ناحية من الجزيرة ليختبر لهم ما فيها من مراكب المسلمين فأبطأ عليهم فأقلعوا إلى موضع أصأبوا فيه غنائم فإن للرسول نصيبه معهم إن كان قد رجع فلم يجدهم. فإن كان قد أقام عند من وجد من المسلمين رافضاً لأصحابه فلا شىء له معهم.
[3/171]
***(1/159)
[3/172]
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أمير خرج بأصحابه فلما دنا من العدو عرض لهم نهر فأمرهم بجوازه فأبى بعضهم وخافوه وجازه الباقون معه فغنموا، فلا يشركهم من تخلف فيما غنموا. وإن أنكروا أن يكونوا تخلفوا عن أميرهم فالقول قولهم إلا أن تشهد عليهم بينة ممن تخلف أو من غير الفريقين. فإما من جاز مع الأمير فلا يقبلون لجرهم إلى أنفسهم، فلا تقبل شهادة الأمير عليهم . وقال ابن وهب مثله.
وقال ابن سحنون عن أبيه مثله إن كان النهر جوازه خطر ومهلكة، فقد أخطأ الذين جازوا ويدخل من تخلف معهم فيما غنموا. وإن كان النهر على غير ذلك فلا سهم للمتخلفين إذ لا عذر لهم فى تخلفهم، ثم القول فى باقيها كما قال ابن القاسم إلا قوله إن الإمام كأحدهم فيما قال، وأرى أن الإمام إن كان عدلاً فقوله مقبول على من تخلف، وليس ذلك من طريق الشهادة.
ومن كتاب ابن سحنون قال: وسأل شجرة سحنون عن أربع مراكب خرجت للغزو، فلما بلغوا سرادنية أو قرسقة وجدوا مركباً عظيماً للروم، فغنموه وأجمعوا على الغزو إلى بعض الجزائر، فلم يمكنهم السير بذلك المركب العظيم، فاتفقوا على أن يدخل فيه ثلاثة من كل مركب منهم ويقيم معه مركب منهم ويمضى الثلاثة، وقالوا للباقين تمضون إلى مرسى كذا من بلد الروم نأتيكم إليه ، فإن أقمتم عشرين يوماً ولم نأتكم، فإذهبوا إلى بلد الإسلام، فمضوا على هذا فغنمت الثلاثة غنائم، ولم تأت الريح المركب الرابع مع المركب الكبير، وجاءت
[3/172]
***(1/160)
[3/173]
الثلاثة إلى موضع الموعد فأقاموا عشرين يوماً للموعد فلم يأتوا ،فذهبوا إلى بلد الإسلام ثم طاب الريح للمركبين فأتوا أيضاً وقد غنموا أو لم يغنموا، فتنازعوا فيما غنمت الثلاثة مراكب وفيما غنم هؤلاء ، قال: ذلك كله بينهم وقد ثبتت شركتهم لنصر بعضهم بعضاً، وأمرهم واحد وللفارس منهم سهمه وللراجل سهمه.
قال سحنون: وإذا نزل المسلمون بحصن فيه حصون بعضها فى بعض فلما فتح الحصن الأول مات رجل أو قتل، ثم فتح حصنان بعده أو ثلاثة فى يوم أو أيام لم يسهم للرجل إلا فى غنيمة الحصن الأول.
قيل له روى عيسى عن ابن القاسم: إن كان شيئاً متتابعاً قبل أن ينقطع ذلك فله سهمه فى ذلك كله، وقد يقاتل عشرة أيام وهذا قريب، وإن كانوا رجعوا وشبه ذلك ثم ائتنفوا قتالاً فهذا أمر مؤتنف. قال: لا أعرف هذا، وإنما له فيما وقعت فيه المناشبة قبل موته. وإما ما ابتدأ قتاله من الحصون بعد موته فلا شىء له فيه ولو كان للمدينة أرباص ولها أسوار فمات أو قتل بعد أن أخذوا فى قتال المدينة ثم فتح الربص الأول (وصار الكفار فى الربض الثانى فأخذ الناس فى قتالهم فى الثانى وانتهب الربض الأول) فتمادوا حتى فتحوا الثانى وانتقل العدو إلى الثالث، وتمادى الناس فى قتالهم فى غير فور واحد حتى فتحوا المدينة، قال: هذا قتال واحد ولمن مات فى أول القتال سهمه فى جميعه، وهذا كأنهزأم الميمنة أو الطلائع ثم يموت أحدهم ثم تنهزم الميسرة. قال: ولو قأمت الصفوف منا ومنهم ثم مات رجل قبل المناشبة فلا سهم له فى ذلك القتال.
قال أبو محمد: وبعد هذا باب فى القسم للغائب والقتيل والأسير وغيره ، فيه بعض ما فى هذا الباب الثانى.
تم الجزء الثالث من كتاب الجهاد وبتمامه تم الجزء الثالث من كتاب النوادر ويتلوه إن شاء الله فى الذى يليه فيما تغنمه السرية تتقدم أو تتآخر عن العسكر
[3/173]
***(1/161)
[3/175]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وصحبه
الجزء الثالث من كتاب الجهاد
فيما تغنمه السرية تتقدم أو تتآخر عن العسكر أو تضل
وهل تدخل إحدى السريتين فى غنيمة الآخرى؟
وفى الجيش يغنم بعد انصراف طائفة منه
من كتاب ابن المواز ومن قول مالك: أنه إذا بعث أمير الجيش سرية من بلد الإسلام تتقدمه ليتبعها فغنمت قبل خروجه، ثم لحقها بموضع غنمت فلا شىء له ولا لمن معه فيما غنمت. قال مالك: وكل سرية خرجت من عسكر قد فصل عن بلد الإسلام للغزو فما غنمت بينهم وبين جميع الجيش. ولو آخرجها من بلد الإسلام فما غنموا فلهم خاصةً. قال ابن المواز: ولو آخرجها من بلد الإسلام ثم أتبعها ببقية عسكره فغنمت وقفلت فلقيها الوالى بعسكره راجعةً فاختلف فيه: فقال عبد الملك: الغنيمة بينهم كلهم غنموا قبل خروج الثانية أو بعده، وقال أشهب: إن غنمت قبل فصول أصحابهم من أرض الإسلام فالغنيمة للسرية الأولى، وإن فصلت الثانية قبل الغنيمة فهم معهم شركاء وإن لم يلحقوهم إلا قافلين. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا.
[3/175]
***(1/162)
[3/176]
ولو أن العسكر غنموا غنائم فقسموا غنائمهم فأسرعت طائفة بالرجوع فلقيهم العدو فى ابطريق فقتلوهم وأخذو ما معهم، ثم إن المتخلفة لقوا سريةً آخرى للروم فقتلوا منهم وغنموا وهم بأرض الحرب أو بعد خروجهم منها فلا تدخل المسترعة فى هذه الغنيمة من بقى منهم ولا من قفل. ولو أن المتخلفة إنما لقيت سرية الروم الذين قتلوا أصحابهم فظفروا بهم واستنقذوهم ما أخذوا لأصحابهم من ما كان لهم من غنيمة أو غيرها فأنهم يردون كل ما كان للمسترعة من غنائم وغيرها على من بقى وعلى ورثة من مات ، ويكون ما غنم (المتخلفة من سوى ذلك بينهم وبين أحياء المتسرعة، كانوا فى الأسر والحديد أو مطلقين. وكذلك للمرضى منهم والزمنى، ولا شىء لمن مات منهم قبل ذلك.
قال عبد الملك وإذا بعث الوالى سريةً من ثغر المسلمين ثم أردفها بآخرى ردءاً لها: أنها تشارك الأولى فيما غنمت وإن غنمت قبل بعث الثانية، وكذلك غنمت الثانية دون الأولى، ود التقيا أو لم يلتقيا، فإن الأولى تشارك الثانية فيما أصابت ، وهما كسرية واحدة، ولأنها من ماحوز واحد ، علمت الأولى بالثانية أو لم تعلم.
وهذا فى كتاب ابن سحنون عن عبد الملك . وقال سحنون: هذا قولنا إلا قوله: فيما غنمت الأولى قبل خروج الثانية، فلا تدخل عندى الثانية فيه إذا كانت الأولى قويةً مستغنيةً عن غيرها، يريد فى رجوعها. قال عبد الملك: ولو لم تبعث الثانية إلى الأولى لكن الجيش آخر فلا تدخل إحداهما على الآخرى إلا أن تجتمعا على حرب واحد. قال: وإن لم تكن بعثت إليها إلا أن الثانية لم تغنم، وغنمت الأولى أو غنمت الثانية دون الأولى ، ثم إن الروم اجتمعوا عليهم فلقيتهم
[3/176]
***(1/163)
[3/177]
الطائفتان جميعاً حتى كانت النجاة باجتماعهما ، قال: فالطائفتان شريكتان فيما كانت غنمته إحداهما.
قلت: فما تقول فى قول عبد الملك؟ قال: إما إن بعث الثانية قبل أن تحرز الأولى غنائمها فالثانية شريكتها إن كان بعثها إليها. وكذلك غن أصابت الثانية ولم تصب الأولى. ولو كان بعثه الثانية إلى جهة آخرى فلا شركة لإحداهما مع الآخرى. ولو اجتمع الطائفتان فى حرب واحد فكانت سلأمة الغنيمة التى غنمها الأولون قبل اجتماعهما بالثانية فالغنيمة للأولين. وكذلك لو تخلصها الروم من الأولين فلما اجتمعا استنفذتا ذلك من أيدى العدو فذلك رد إلى الأولين. وكذلك لو استنفذتها الثانية وحدها لردت إلى الأولين كمال مسلم وجد فى المغنم.
قال ابن سحنون قال سحنون: وقال بعض أصحابنا ،وأنا أقوله، وإ، دخل الجيش أرض الحرب فمات أميرهم قبل القتال فافترقوا طائفتين وأمرت كل طائفة أميراً وانحازت كل طائفة على حدة فقاتلت وغنمت كل طائفة بين الطائفتين لأنهم على أصل ما دخلوا عليه وكل طائفة قوة للآخرى. قال محمد: إلا أن تتباعد كل طائفة عن الآخرى بعداً لا يمكنها المعونة والغياث لها فها هنا لا تدخل واحدة فيما غنمت الآخرى إذا لم يجتمعا إلا بدار الإسلام. فإما إن اجتمعا بدار الحرب فليرجعا على أمرهما هذا قياس قول سحنون.
وعن سرية دخلت أرض العدو فغنمت غنيمةً فلم تقسم حتى غلب على ذلك العدو فأخذوه ، ثم جاءت سرية آخرى فإنتزعوا ذلك من أيدى العدو ، فهو للثانية دون الأولى. وقيل : إن أحق به كما لو قسموه لأنهم ملكوه، وهذا هو أحب إلى. وإما لو اقتسمه الأولون ثم كان ما ذكرنا فالأولون أحق به بكل حال ما لم يقع فى المقاسم .
[3/177]
***(1/164)
[3/178]
قال سحنون: وإن بعث الإمام سريتين فنفل إحداهما الربع قبل الخمس ولم ينفل الآخرى شيئاً، فحاصرا حصناً ففتحوه فليقسم ذلك على رؤوس الرجال. فإن كان عدد التى نفل مائتن وعدد الآخرى مائة فتأخذ المنفولة) نفلها من ثلثين وهو الربع قبل الخمس، ثم ضم ما بقى من جميع الغنيمة فخمس وقسم ما بقى بين أهل العسكر والسريتين على سهأم الغنيمة. وإن لم يكن غير السريتين قسم ما بقى على الغنيمة. وإذا دخل جيش أرض العدو ثم دخل قوم متطوعون بغير إذن الإمام فلهم حكم الجيش فيما غنم كل فريق. ولو سبق المتطوعون الجيش كان ذلك سواءً، وقد أخطأوا فى خروجهم بغير إذن الإمام إذا كان الإمام غير مضيع.
ولو خرج عسكر بوال إلى أرض الحرب فغنموا ثم خرج عسكر آخر بإمام إلى جهة آخرى ثم اجتمع العسكران، وقال فى موضع آخر فى الجيش يغنم ثم يلحقهم جيش آخر قبل يخرجوا إلى بلد الإسلام ثم اجتمعا بأرض الحرب، قال فى الموضعين ثم خرجوا ، فإن كان الأولون فى خوف فاجتمع العسكران للمعونة على السلام ة والخلاص بأنفسهم وما معهم فما غنمن كل جيش (فبينهما. وكذلك لو لم يغنم إلا أحدهما فهو بينهما. ولو كان كل جيش) فى قوة لا يحتاج إلى معونة الآخر لم يدخل كل جيش فيما غنم الآخر . وإذا بعث الإمام من العسكر سرية ثم غنم العسكر بعدهم، فكل ما غنم وغنمت سراياه بين الجميع، يدخل بعضهم فيما غنم بعض.
وإذا أسر رجل ثم غنموا بعده ثم انفلت فجاءهم فما غنموا فى القتال الذى أسر فيه أو بسبب ذلك اللقاء فله فيه سهمه رجع أو لم يرجع، وما غنموا فى قتال مؤتنف فلا شىء له فيه إلاأن يأتى فيدخل فيما غنموا بعد مجيئه. وكذلك الأسير غنموا بعد مجيئه إليهم، وقاله معن عن مالك.
[3/178]
[3/179]
فى سهمان الخيل فى بلد الإسلام إذا أتى العدو إلى مدائنهم وحصونهم
وكيف إن قاتلهم بعضهم أو أتبعوهم فى بر أو بحر
ولمن تكون الغنيمة منهم
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: إذا أتى العدو بلد الإسلام فظفرنا بهم فالغنيمة لمن شهد الوقعة حسب ما حضر من فارس أو راجل . ومن فخرج الناس من المدينة فعسكروا دونهم فرساناً ورجالةً، ثم خرجوا من العسكر رجالةً فظفروا بالعدو وغنموا، فلكل من خلف فرسه فى العسكر سهم فارس.
ولو أتبعهم الخارجون رجالةً حتى أبعدوا ثم غنموا، فإن كانت خيلهم منهم بموضع يمكنهم المعونة بها لو احتاجوا وأرسلوا فيها لقرب المكان فللخيل سهمانها فى قياس قول سحنون. وإن كانوا ببعد ولا يمكنهم عون أهل العسكر (لو أرادوا فليسهم للخارجين على أنهم رجالة ولا شىء لأهل العسكر) فيها إلا أن يكون الإمام حبسهم بالمكان خوفاً لما لا يأمن من رجعة العدو فيحولوا بينهم وبين المدينة، فلأهل العسكر مشاركتهم وإن بعدوا. وكذلك لو طلبهم القوم على إلابل والبغال والحمير وتركواخيلهم فإنتهوا مسيرة يوم ويومين أو أكثر فليضرب لهم بسهم الرجالة.
وإذا خرج من المدينة مدد فأدركهم فى القتال قبل الغنيمة شاركوهم فيما يغنمون، قاتلوا أو لم يقاتلوا. وكذلك لوأتوهم قبل القتال أو نزلوا قريباً منهم بحيث يقرون على عونهم ويكونون ردءاً لهم. فإن أتوهم بعد القتال والغنيمة فلا شىء لهم إلا فيما يستقبل. ولو عأودهم العدو فى غد فهزموا المسلمين وألجأوهم إلى خندقهم فمنعهم هؤلاء المدد حتى أنهزم الكفار لم يدخلوا فى الغنيمة الأولى ، ولهم من ما غنم فى هذا القتال دون ما غنم فى الأول فى قول سحنون وغيره.
[3/179]
***(1/165)
[3/180]
ولو استنقذ العدو منهم الغنيمة الأولى فخلصها منهم المدد فى هذا القتال فليردوا الغنيمة الأولى إلى أهلها لأن هذا فى دار الإسلام، فتفرقهم يوجبها لهم دون من أمدهم بعد ذلك، وليس كالذى يكون فى دار الحرب من سرية بعد آخرى وقد تقدم ذلك.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا قدم العدو بلد الإسلام فقتلوا وأسروا وغنموا (ثم خرج المسلمون فى أثارهم فلحقوهم فى دار الإسلام منهم من ما غنموا فهو لأهله إن عرف أنه لمسلم أو ذمى إن قأمت عليه بينة. قال ولو غنم المسلمون منهم شيئاً فى المدينة فهو بين أهلها ممن قاتل أو لم يقاتل وفيه الخمس .وإما لو خرجوا فمن خرج فى أثارهم خاصةً أحق بما غنموا من أهل المدينة وفيه الخمس .وكل من قتله العدو فى المدينة من نيام أو غير نيام أو فى الأزقة فليدفنوا بدمائهم، قاله ابن القاسم، كما لو قتلوهم على غفلة فى أسواقهم. ولو خرج الناس فى أثرهم رعإلا بعضهم بعد بعض، فقاتلتهم أول رعلة وغنمت قبل تلحقها الآخرى فذلك كله بين كل من نفر أو برز ممن باشر القتال أو لم يدرك إذا علم أن الغنيمة كانت بعد خروجهم من المدينة . ومن خرج من المدينة بعد الغنيمة فلا شىء له ، هذا قول أشهب.
وقال عبد الملك: الغنيمة بين كل من خرج يريدهم ، وقول أشهب أحب إلينا . وقد قال مالك فى الروم يغيرون على ما قرب من المصيصة فيقال : يا خيل الله اركبوا، فيخرج أهل النشاط فيلقون العدو فى أدنى أرض الروم، فيظهرهم الله بهم ويغنمون: أنه لا يدخل فى ذلك ما لم يخرج من المصيصة.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى العدو يغير على بعض الثغور فيطلبهم الناس متفأوتين فيدركون أولهم فيظفرون بهم وقد خرج إليهم
[3/180]
***(1/166)
[3/181]
أهلمنازل شتى، قال: إن كانت مسالح منصوبة للرباط أهلها مقيمون بها لذلك فما غنم بين أهلتلك المسالح من خرج منهم ومن لم يخرج ومن قاتل ومن لم يقاتل. وكذلك إن كانوا من أهلحصن فى رأس الثغر. وإما إن كانت قرى فيها أهلها بعيالهم فالغنيمة بين كل من خرج ممن (أدرك القتال أو لم يدركه إذا ثبت بالبينة أنهم ممن خرج ، وليس لمن لم) يخرج من أهلالقرية شىء . وذكر هذه الرواية ابن سحنون لأبيه فأعجبته.
ومن كتاب ابن حبيب قال الأوزاعى: إذا نزل العدو إلى مدينة للإسلام فخرج بعضهم فقاتلوا، فإن نزلوا ببعد منها فالغنيمة لمن خرج دون من بقى فى المدينة. وإن نزلوا قريباً فخرجوا إليهم يعقب بعضهم بعضاً ومنهم من يحرس ومن ينقل إليهم الماء والطعام ويأتيهم منهم المدد، فهم شركاء فى الغنيمة إذا كان لو استعانوا بهم أعانوهم لقربهم منهم وإن كان لا يدركهم عونهم فلا شىء لهم . قال ابن حبيب: وقال مثله من لقيت من أصحاب مالك. وإذا شاركوهم أسهم للخيل التى بالمدينة.
قال ابن حبيب وسألتهم فقلت: وإذا أغارت خيل العدو على بعض الثغور فتداعى عليهم المسلمون فأنهزموا فنالوا منهم مغنماً، قالوا: فأنه يخمس لأنه كالإيجاف وإن لم يقاتلوا وأنهزموا من غير ملاقاة لأن منهم جزعوا وهربوا، وباقى الغنيمة لأهل المكان الذى كانت فيهم الغارة. ولو تفرقوا فى القرى فظفر أهل كل قرية بمن عندهم فأهل كل قرية أولى بما أصأبوا وفيه الخمس، إلا أن تكون قرى متقاربة يتلأحق تناصرهم فهم فى ذلك كله شركاء، ويسهم للخيل ولما بقى فى القرى منهم إذا ربطوها فى سبيل الله ويصدق أهلها فى ذلك.
قال : وإن قاتل معهم العبيد والصبيان والنساء وأهل الذمة فلا يسهم للعبيد وأهل الذمة إلا أن يحدوا من الغنيمة برضى أهلها الأحرار البالغين وإلا فمن
[3/181]
***(1/167)
[3/182]
الخمس . وإما النساء ومن اطاق القتال من الصبيان فإن ناصبوا وقاتلوا كقتال الرجال أسهم لهم. وإن كان كقتال النساء أو الصبيان لم يسهم لهم ولم يحذوا.
ولو نفرت إليهم سرعان الخيل فوافقوهم وللعدو عيون على الجبال فرأوا أهل القرى قد خرجوا ليلحقوهم فرأى نظارهم ما لا طاقة لهم به فإنذروا أصحابهم فرعبوا وأنهزموا، فالغنيمة بين من قاتل وبين من نفر ومن أقام كجيش واحد،فيسهم لخيلهم ما نفر وما لم ينفر إذا ربطت فى السبيل. وكذلك كل مدينة أو حصن أو قرى فى ثغر نزل بهم العدو فقاتل بعضهم وأقام بعضهم فى الحصن أو المدينة أو القرى فذلك كله بينهم وبعضهم قوة لبعض.
ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: وإذا أغار العدو على قرى من بلد الإسلام فدفع أهل كل قرية عن أنفسهم وأنهزم العدو، فلأهل كل قرية ما غنموا لا يشركهم الباقون، وفى جميع الخمس إلا أن تكون القرى متقاربةً ، فهم شرعاً سواء فى كل ما غنموا إذا كانت كل قرية تقوى بالباقين، وهى على ثقة من نصرها. قال سحنون: إذا كان مغار واحد ومضرب واحد، فهم فيه شركاء، كانوا أهل قرية أو قرى. وإن كان المغار ليس فى ماحوز واحد، فأغاروا على جهتين ، فلكل جهة ما غنموا.
قال أشهب: وليس لمن قاتل معهم من أهل الذمة والعبيد والنساء والصبيان سهم إلا أن يحذوا برضى الأحرار المسلمين وإلا فمن الخمس. قال سحنون: لا بأس بذلك على اجتهاد الإمام، ويسهم للخيل التى قوتل عليها وللتى لم يقاتل عليها إن ربطت فى السبيل، ويصدق أهلها.
[3/182]
***(1/168)
[3/183]
قال سحنون: الرجال والخيل سواء إنما يسهم لمن خرج وبرز إلى العدو، ولا حق لمن لم يبرز لا للرجال ولا للخيل إلا أن يكون ممن أقام فى القرى لضبطها وللخوف عليها وعدةً لمن خرج فيكون لهم أيضاً ولخيلهم.
وعن مدينة أغار غليها العدو على عشرة أميال فخرجوا متعأونين فظفروا وغنموا فلا يدخل فى ذلك إلا من برز من المدينة وغن لم يردهم العدو ولا شىء لمن يخرج بعد الوقعة. ولو كانت المدينة ثغراً أو محرساً مثل محارس المنستير والحصون التى على ساحلنا ومثل بعض مواضع إلاندلس فالغنيمة لمن برز ولمن لم يبرز، لأن هذه المواضع كجيش مجتمع. وذكر يحيى بن يحيى عن ابن القاسم مثله.
وذكر سحنون عن أشهب مثل هذه المسألة وقال : لا شىء لمن لم يبرز ولم يذكر إن كانت ثغراً أو محرساً .
قال سحنون: ولو أن الإمام لما خرج الناس من المدينة حبس فيها طائفةً حتى لا تخلى فيميل إليها العدو، كان لمن بقى فيها حقهم فى الغنيمة لأنه حبسهم لمصلحة المسلمين.
قال : ولو أن أهلطرسوس غزوا مراكبهم إلى بعض الجزائر فقال لهم الإمام ليقم من كل مركب نفر لضبط المدينة ولما يخاف أن يأتيها العدو قال: ولا يدخل من بقى فى المدينة فيما غنمه الخارجون فى المراكب لأن هؤلاء لم ينزل بهم عدو إنما هم خرجوا إليه وأولئك نزل عليهم العدو فهم متظاهرون عليه، وأصحابنا يكرهون الغزو فى البحر، ونهى عنه ابن القاسم، وأبى عمر أن يغزى فيه.
[3/183]
***(1/169)
[3/184]
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أتت مراكب الروم إلى بلد الإسلام فخرجت إليهم مراكب الإسلام فقاتلوهم فى البحرفى مرسى المدينة فالغنيمة لمن قاتل فى البحر دون أهل البر . ولو نازلوهم فى البر فقاتلوهم فى البر والبحر فالغنيمة بين من حضرها للحرب فى البر والبحر.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى حصن للمسلمين وحاصره العدو فخرج نفر من الحصن فقاتلوا أقوإما وغنموا أسلابهم وخيلهم، فإن ذلك يخرج خمسه ثم يقسم ما بقى بين من خرج ممن قاتل أو لم يقاتل وبين جميع من فى المدينة من الرجال. قال: ويقسم لخيل من لم يخرج ولخيل من خرج راجلاً وخلف فرسه، إن كان الحصن مرابطاً سكنه أهله رصداً أو رباطاً. وإن كان على غير ذلك لم يكن لهم شىء، يريد من لم يخرج.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا دخلت سفن الروم إلى بلد الإسلام فخرج الناس إليهم خيلاً ورجلاً وركبوا فى السفن وأدخلوا معهم الخيل رجاء أن يمكنهم النزول بها للقتال فاقتتلوا فى السفن فأنهزم الروم، فمن كان له فرس فى السفن فله سهم فارس، كما لو لقوهم فى البر فى المضيق لا يقاتلون فيه إلا رجالةً. ولو ركبوا فى السفن رجالةً وتركوا خيلهم فكان الفتح، فإن تركوا خيلهم بعسكر معد للإسلام ضرب لأهل الخيل وشاركهم أهل العسكر فى الغنيمة، لقوهم فى قرب من العسكر أو بعد إذا كانوا يقدرون على معونتهم بركوب السفن إليهم بالخيل. وإما لو بعدوا حتى لا طاقة لهم بعونهم لو كانوا فى البحر أو فى البر لبعدهم فلا يشاركوهم فيما غنموا. ولا يسهم للخيل المقيمة معهم إلا أن يكون الإمام أمر هؤلاء إلا يبرحوا خوفاً أن يخالفهم العدو إلى دارهم، فها هنا يشاركونهم.
إلا ترى لو كان للعدو فى جزيرة من بحر الإسلام وبينهم وبين عسكر المسلمين يسير مثل عرض دجلة، فركب إليهم طائفة فغنموا على أن بقية أهل
[3/184]
***(1/170)
[3/185]
العسكر يشاركونهم ويضرب للخيل بذلك. فإذا كانوا بالقرب هكذا لم ينظر إن بعدوا فى طلبهم للعدو أو طردهم لهم إلا أن يبعدوا بعد انقطاع لا يقدرون فيه على نصرهم. وإما إن كانوا يقدرون فليشاركوهم (فيما غنموا. وإن كان أصحاب الخيل إنما ركبوا بأبدأنهم وتركوا خيولهم) فى غير عسكر مقيم لهم وإنما تركوها فى أهليهم ومنازلهم أو مستودعة عند قوم مسلمين فى مواضعهم ممن لم ينفر إلى العدو فلا يسهم للخيل فى ذلك بشىء.
إلا ترى لو دخل المسلمون إلى غيضة لم تدخلها الخيل فلقوا العدو بموضع يقرب من عسكرهم وحيث يسمعون صهيل خيلهم ويقدر أهل العسكر على عونهم فهم شركاء فيما غنموا ويسهم لخيلهم. وإن بعدوا حيث لا يمكنهم نصرهم لم يشاركوهم. وإن نزل العدو بقلعة منيعة بأرض الإسلام أو حصن منيع وخنقوا حول ذلك وسرحوا حولها الماء فلا يتوصل إلى القلعة أو الحصن إلا فى الماء وليس للخيل مدخل فى القلعة، فركب بعض المسلمين السفن وفتحوا الحصن أو القلعة وغنموا فلبقية أهل العسكر الذين لم يركبوا مشاركتهم فى الغنيمة ويسهم للخيل إلا أن يكونوا فى بعد لا يكونون ردءاً لهم . وهذا بخلاف دار الحرب : لو دخلت سرية فى مثل هذا بلد العدو وبينهم وبين العسكر شهر لكان ما غنموا لجميع الجيش ولخيولهم سهمانهم. وإذا دخل العدو إلى مدينة من مدائننا فقاتلهم أهلها على بابها فما غنموا فلهم دون من فى المدينة حين لم يخرجوا. ولو تهيأوا بالسلاح فركب من ركب فخرج البعض والآخرون خلفهم متأهبين فالغنيمة بين من خرج وبين من حضر يريد القتال . وكذلك لو كان رجل ممن تأهب للقتال واقفاً على بابه لا يمنعه من التقرب إلى باب المدينة إلا الزحام فله سهمه. وكذلك إن انتهى الزحام إلى بابه وهو واقف متسلح فى داره أو راكب فرسه وقد فتح بابه أو أغلقه فله سهمه لأنه يغلقه خوفاُ من تهجم الجمع عليه .
[3/185]
***(1/171)
[3/186]
ومن لم يتأهب للقتال فلا سهم له.ولكل من على سورها يرمون بنبل أو حجارة أويحرضون أو يرهبون سهمه.
ولو كان العدو منها على أميال فخرجوا إليهم وأمر الأمير طائفة أن يقفوا على بابها لا يبرحون إلا أنهم يمنعون العدو من دخولهم فهم شركاء فى الغنيمة. وقال سحنون فى غير المدائن المنصوبة للعدو فى الثغور،فإما مدائن الثغور والمسالح المنصوبة للذب فالغنيمة لجميعهم من خرج ومن لم يخرج ومن قاتل ومن لم يقاتل .وكذلك الحصن فى رأس الثغر.وإما قرى ومدائن يسكنون بالعيال فليس الغنيمة إلا لمن خرج وباشر دون الباقين إلا من أمرهم الإمام بضبط المدينة خوفاً من دائرة العدو. قال ابن سحنون: وكذلك أمر النبى صلى الله عليه وسلم الرماة إلا يبرحوا من موضع كذا. قال: وإن خرج من المدينة رجالة فقاتلوا وقد أسرجوا خيولهم وهيؤها فى منازلهم، فليس لخيلهم سهم كما ليس لمن تخلف من الرجال شىء،إلا أن يخرجوا عليها ثم ينزلوا عنها وقد أمسكها غلمأنهم أو لم يمسكوها فيقاتلوا فليضرب لهم بسهأم الخيل.
فيمن يسهم له ممن لا يسمه له
من عبد وامرأة وصبى وأجير وتاجر وأسير وأمير الجيش وغيره
ومن ارتد بعد الغنيمة
من كتاب ابن حبيب، قال: ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يسهم للنساء والصبيان والعبيد ، ولكن كان يحذيهم من الغنيمة شيئاً.
قال سحنون فى كتاب ابنه قال ابن وهب عن مالك، سئل أيحذى النساء والصبيان والعبيد من الغنيمة؟ قال: ما علمت، وروى نحوه ابن القاسم عنه. وقال ابن وهب عن الليث: لا يسهم لهم إلا أن يحذوا من الغنائم.
[3/186]
***(1/172)
[3/187]
ومن كتاب ابن المواز، ونحوه فى كتاب ابن سحنون وغيره قال مالك: ويسهم لمن لم يبلغ الحلم من الفىء إن أطاق القتال وقاتل . قال ابن المواز: وإن حضر العسكر ولم يحضر القتال لشغل أو غيره فلا سهم له حتى يقاتل. وكذلك إلاجراء والتجار إن قاتلوا أسهم لهم وإن لم يقاتلوا فلا شىء لهم وإن حضروا القتال . وكذلك الصبى. وإما من سواهم فليسهم له إن حضر القتال وإن لم يقاتل ، قاله مالك.
قال سحنون فى كتاب ابنه: وإلاجير قد أخذ مالا باع به خدمته فلا سهم له إلا أن يترك خدمة من استأجر ويقاتل مع المسلمين فله سهمه، ويبطل أجره عن من واجره بقدر ما اشتغل عن الخدمة. وكذلك أهلسوق العسكر لا سهم لهم ولا رضخ إلا أن يقاتلوا فيسهم لهم.
ومن العتبية قال مالك: (ما علمت أن النبى صلى الله عليه وسلم أسهم لامرأة فى مغازيه. وقال مالك: ويسهم للصبيان إذا قاتلوا وأطاقوا.
قال مالك فى كتاب ابن سحنون) ولا يسهم للمرأة والعبد وإن قاتلا وأجزيا. ولو أحذاهما الوالى من الخمس لم أر به بأساً.
وقال ابن حبيب: أحسن ما سمعت فى ذلك أن من شهد العسكر من الغلمان الذين قد راهقوا وأنبتوا أو بلغوا خمس عشرة سنةً فأنه يسهم لهم، قاتلوا أو لم يقاتلوا، سبيلهم سبيل الرجال، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر يوم الخندق وزيد بن ثابت والبراء بن عازب، وهم أبناء خمس عشرة سنةً. ورد ابن عمر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنةً. وأجاز عقبة بن عام ر وأبو بصرة الغفارى يوم فتح إلاسكندرية غلإما قد أنبت. قال ابن حبيب: وإذا أجيز هذا ألحق بالبالغين قاتل أو لم يقاتل. وما كان دون ذلك مثل أربع عشرة سنةً ةما قاربها فإن قاتل أسهم له وإن لم يقاتل فلا شىء له.
[3/187]
***(1/173)
[3/188]
ومن كتاب ابن سحنون: ذكر من رواية ابن وهب مثل ما ذكر ابن حبيب فى إجازة ابن عمر وزيد ثابت يوم الخندق وهما ابنا خمسة عشر. قال سحنون: ولا يأتى عليه خمس عشرة سنةً إلا وقد أنبت فإذا أنبت أجيز وأسهم له .وقال مالك: إذا أطاق القتال وقاتل أسهم له، وقال سحنون: وإن لم يحتلم، ثم قال: لا يسهم له حتى يحتلم أو ينبت.
قال ابن حبيب: ومن قاتل من النساء كقتال الرجال نصباً للقتال فأنه يسهم لها. إلا ترى أن المرأة من العدو إن قاتلت قتلت؟ ولا يسهم للعبيد وإن قاتلوا ، ويستحب للإمام أن يحذيهم من الخمس، ويحذى النساء والغلمان الذين لم يبلغوا. وإما إلاجير فإن قاتل أسهم له إن كان حراً، وإن لم يقاتل فلا وليحذ من الخمس. وإن كان فى العسكر نصارى من خدم وأعوان ولصنعة المجانيق فلا بأس أن يحذوا من الخمس. وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم رضخ لناس من إليهود كانوا فى العسكر، ورضخ لعبيد وغلمان لم يبلغوا، وقاله ابن عباس وابن المسيب وغيرهم.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وذكر خبر أم سليم يوم حنين، فقيل له: فهل أسهم لها النبى صلى الله عليه وسلم أو لمن خرج معه من النساء فى مغازيه يدأوين الجرحى أو لغير ذلك؟ فقال: ما علمت أنه أسهم لامرأة فى مغازيه. قال مالك: ويسهم للصبيان إذا قاتلوا وأطاقوا ذلك. قال: ولا يعطوا من المال الذى جعل فى سبيل الله حتى يحتلموا.
قال عنه أشهب فى إلاجراء فى المراكب فى الغزو للقذف ولغير ذلك ، أو يؤاجروا فى البر لتسوية الطرق وتوسعتها وإصلاح ما فيه ضرر على المسلمين ثم يحضروا القتال فيقاتلوا قتالاً عظيماً، قال لا يسهم لهم. قيل قد يخرج الرجل مع عمه أو مولاه يخدمه ويعينه، وكان ابن معيوف يحلفه أنه ما خرج لخدمته فإن لم
[3/188]
***(1/174)
[3/189]
يحلف حرمه. قال: بئس ما صنع ولا يمين فى هذا. وقد خرج الرجل مع من ذكرت يعينه ويكفيه، يريد: فليس هو كالأجير .
قال ابن المواز روى ابن وهب عن مالك فى إلاجير إذا قاتل فله سهمه إن كان حراً، وقال الليث مثله.
وقال ابن سحنون عن أبيه: يسهم له إذا قاتل كل من ذكر، وقال ليس رواية أشهب على أصل مذهبنا، وروى ابن القاسم وابن وهب خلافهما. وقال فى العبد والمرأة يحضران القتال: لا سهم لهما إلا أن يحذيا من الغنيمة. قال يحيى ابن سعيد: وقد أطعم النبى عليه السلام يوم خيبر طعمه.
قيل لمالك أيحذى النساء والعبيد والصبيان من الغنيمة؟ قال ما علمت ذلك.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم قال ويسهم للأسير ولفرسه إذا أسر بعد القتال، وأصيب معه فرسه أو عقر أو تركه عند أصحابه إذا شهد القتال. قال أصبغ قال أشهب: ويسهم لأمير الجيش (كما يسهم لرجل منهم.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن أسر من الجيش) فليعزل له سهمه فيما مضى لا فيما يؤتنف ومن الغنيمة. وكذلك من فقد كان ذلك بعد خروج الغنيمة من دار الحرب أو قبل. ولو أن تجاراً من المسلمين أو من أهل الذمة خرجوا مع العسكر على خيولهم لا يريدون إلا التجارة ثم بدا لهم بدار الحرب فلحقوا بالمسلمين وقاتلوا معهم قال فلهم سهمان الفرسان إلا أهل الذمة فلا سهم لهم
[3/189]
***(1/175)
[3/190]
ولا إرضاخ. وقال أشهب: للإمام أن يرضخ لهم من الخمس إن رأى ذلك . وإن أتوا بعد الغنيمة لم يرضخ لهم. وكذلك لو نفقت خيول المسلمين بعد اللقاء. ولو نفقت قبل اللقاء سهم رجالة إلا أن يفيدوا خيلاً قبل الغنيمة.
ولو أسلموا الذميون قبل الغنيمة فلهم سهمانهم فيما يغنم من يومئذ حسب ما هم به من فرسان أو رجالة لا فيما قبل ذلك. وكذلك العبد يعتق، فمن ما يغنم بعد العتق. وإن كان له فرس وأمن يستشن السيد ماله فله يهم فارس. وكذلك إن (استعار فرساً. وما جدى به فى قول أشهب فيما قاتل قبل أن) يعتق فهو له إلا أن يستشنيه سيده أو يستشنى ماله. ولو لم يإذن له السيد فى القتال فلا يرضخ له فى قول أشهب، وينبغى فى قياس قوله أن يرضخ له كما لو واجر نفسه بغير إذنه لكان له إلاجر إلا ان ينزعه السيد. والمكاتب يعتق مثل ما قلنا فى العبد إلا أنه لا يستشنى ماله، ويرضخ للمكاتب يقاتل عند أشهب، وذلك له دون سيده. ولو عجز فرق وجدى فذلك لسيده. ومن جن بعد الغنيمة فله سهمه فيما مضى إلا فى المستقبل. وقال: إما المطبق فلا يسهم له. وإما المصاب وبه هوج ومثله يقاتل فليسهم له. وأرى ان يسهم للأعمى لأنه يرمى بالنبل ويكثر الجيش، وقد يدبر. وإما المعقد فأنه يسهم له وهو يقاتل فارساً، ويسهم لمقطوع اليدين، ويسهم للمجذوم. وإما المفلوح اليابس الشق فلا يسهم له ولا نفع فيه.
ولو ارتد فله سهمه فيما تقدم من غنيمة يكون ذلك مع ماله فى بيت المال إن قتل. فإن أسلم فذلك له. وإذا ارتد بعد الإدراب فلا سهم له فيما غنموا. فإن عأود الإسلام فله سهمه (فيما يغنمون بعد إسلأمه. وإن ارتد بعد الغنيمة ولحق بأرض الحرب ثم أسلم فله سهمه) من ما تقدم من الغنيمة قسمت أو لم تقسم. وإذا عتق العبد أو من فيه بقية رق بعد القتال فأنه يسهم له فيما يغنمون بعد ذلك . وكذلك الصبى يحتلم أو ينبت.
[3/190]
***(1/176)
[3/191]
قال الأوزاعى: والبيطار والشعاب والحداد لا يسهم لهم. (قال سحنون إلا أن يقاتل فيسهم له كالتاجر. وكذلك المكارى وإن باع ظهره).
قال سحنون فى الجيش بأرض العدو: إذا خرج إليهم أسارى جماعةً، يريد مسلمين، بعدما غنموا، ثم غنموا معهم شيئاً أو لم يغنموا، ثم لقيهم عدو لهم قوة فنجوا منهم، فإن كان الجيش لهم قوة على دفع من لقوا ورجاءً فى التخلص دون معونة الأسارى فلا سهم لهم معهم إلا فيما حضروه. وإن كان لا غنى بهم عنهم فى دفاع من لقوا، فليدخلوا معهم فيما غنموا قبلهم بحسب ما خرجوا من فرسان أو رجالة لأن بهم نجوا. ولو خرج إليهم أسير مسلم على فرس للعدو فأمتنع (بالعسكر فالفرس فىء بين جميع العسكر والخارج به فارس فى كل ما حضر عليه). ولا كراء عليه فى قول سحنون. وكذلك لو أسلم مشرك أو مرتد بأرض الحرب ثم فعلوا مثل ذلك أو أسلم جماعة مرتدون ثم خرجوا حسب ما تقدم من القول.
ولو نفقت خيولهم بقرب العسكر أو ببعد فلا يضرب لهم إلا بسهم رجالة فيما حضروا بعد مجيئهم. وكذلك لو نفقت فى العسكر قبل يلقوا أحداً. وكذلك لو لحقهم من أرض الإسلام فارس ثم نفق فرسه قبل لقاء العدو.
قال أبو محمد: وفى باب جامع القول فى إلانفال ذكر العبيد هل يدخلون فى النفل.
[3/191]
***(1/177)
[3/192]
فى القسم للغائب والقتيل ومن أسر
والمريض والضعيف ومن ضل
ومن كتاب ابن حبيب ونحوه فى كتاب ابن سحنون قال ابن الماجشون قال ابن شهاب: لم يقسم النبى صلى الله عليه وسلم لغائب فى مغنم لم يشهده إلا يوم خيبر، فأنه قسم لغائب أهل الحديبية لأن الله سبحانه وعدهم بها وهم بالحديبية، بقوله سبحانه :(وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) فكانت خيبر لمن شهدها من أهل الحديبية ولمن غاب منهم مع سائر من شهدها من غيرهم. وقسم لعثمان يوم بدر وقد خلفه على ابنته، وقسم لطلحة وسعيد بن زيد يوم بدر وهما غائبان.
قال ابن حبيب وقال أهل العلم : هذا خاص للنبى صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون بعده أن لا يقسم للغائب. وأجمع أصحاب مالك على أنه لا يسهم لمن مات قبل القتال إلا ابن الماجشون فأنه قال: يجب له القسم بالإيجاف وهو مجأوزة الدروب.
وسمعت أصحاب مالك يقولون: أنه يسهم لمن أسر فى القتال فليسهم له فيما غنموا قبل القتال أو بعده كمن مات أو قتل . وإن أسر قبل القتال فلا سهم له فيما غنم بعده إلا أن تكون الغنيمة بفور ذلك وبحضرته. وإن أسر بعد القتال فله سهمه فيما غنم قبله وبعده يسهم له ولفرسه أسر معه أو غفر أو خلفه عند أحد . قالوا: ومشاهدة القرية أو المدينة أو الحصن أو العسكر كالقتال وإن لم يكن قتال. قالوا: ومن ضل أو أخطأ أو فل قبل المشاهدة أو بعدها وإن رجع فى فلوله إلى دار الإسلام فله سهمه وسهم فرسه فيما غنم قبله أو بعده، وإن كان مغلوباً لا يجد فيه مرجعاً إليها. واحتجوا بغزاة البحر ترد الريح بعضهم.
[3/192]
***(1/178)
[3/193]
وقال ابن الماجشون: كل من مات أو قتل أو ضل أو فل فقد وجب له السهم بالإدراب. قال ابن حبيب: وبه أقول. وقالوا فى سرية بأرض العدو بلغهم أن العدو خرجوا على بعض نواحى المسلمين فأرسلوا واحداً ينذرهم فله سهمه فيما غنموا بعده.
وقال مالك فىالأسير يخرج إلى العسكر من الحصن: أنه إنما يسهم له فيما غنموا بعد خروجه. وكذلك من خرج فأسلم. وذلك إذا كان أمراً متبايناً يعرف أوله من آخره. فإما إن اشتبه ولم يعرف فليسهم له من الجميع.
قال ابن المواز قال أشهب: وإذا قوتل العدو فظفر بهم وبأيديهم أسارى مسلمون فللأسارى معهم حق فى كل ما غنموا ويسهم لهم مع من استنقذهم.
وقد تقدم فى باب آخر ذكرالأسير ومن ضل أو مات ، واختلف فيمن ضل، وقد تقدم هذا.
وجه كتابة الناس من فارس وراجل فى قسم الغنيمة
وكيف تقسم؟ وأين تقسم؟
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: وينبغى للإمام إذا غزا أن يعرض الناس ويكتبهم إذا جازوا الدروب وصار فى أرض العدو قبل بعث السرايا والقتال، يكتب الفارس والراجل ويسميهم ويحليهم. فمن مات قبل القتال محا اسمه. ومن نفق فرسه محا الفرس.
قال محمد: وإذا خرجوا من أرض الحرب بغنيمة تآخر قسمها فليعرضهم عند قسمها بأرض الحرب أو بأرض الإسلام. فمن مات فرسه قبل القتال فلا سهم له. وإن قال ربه نفق بعد الغنيمة فعليه البينة لأنه يريد الأخذ . وإن شهد
[3/193]
***(1/179)
[3/194]
عدلأن من غير أهل المغنم أو من أهل المغنم أو من التجار أن فلأناً باع فرسه قبل الغنيمة فإنى أقبلهم وأمنعه سهم الفرس ويصير سهمه للمبتاع. ولو تقدمت قبل البيع غنيمة فللبائع فيها سهم الفرس.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك وأصحابه: تقسم الغنيمة ببلد الحرب إذا بلغ ذلك مجمع عسكرهم ووإليهم ولا ينتظر به القفول وافتراق الجيش، وليحط كل واحد ما يصير له . قال الأوزاعى: وبه مضت السنة. قال محمد: ولا يكون ذلك للسرية قبل أن تصل عسكرهم وإلى من أرسلهم يعنى قسم الغنيمة.
قال محمد وقاله أصحابنا إلا عبد الملك وحده فأنه قال: إلا أن يخشى من ذلك فى السرية ضيعةً من مبادرتهم إلانصراف وطرح بعضهم النفل على بعض فيتماحكون فى ذلك وتقل طاعتهم لصاحب السرية، فما جاء من هذا وغيره مما له وجه فله أن يبيع ويحوط من اشترى شيئاً متاعه، ويثبت البيع على من غاب من الجيش. فإما إن لم يكن هذا فلا حتى يبلغ بذلك مجمع الجيش إذا كان ببلد العدو ثم لا يتأنى فيه ولى الجيش أن يقسمه أو يبيعه. قال : وله قسمة ذلك بالبيع حسب ما يمكن ويتهيأ له. والقسم أن يقسم كل صنف على خمسة أسهم، والرقيق كذلك: ويجعل وصيف وصيف حتى يعتدل ذلك، ثم يجعل كذلك النساء المشتبهات ثم الذكران. فإذا اعتدل ذلك بالإجتهاد برأى النظر بالقيمة وإلاقتسأم، (ثم) يسهم عليها ويكتب فى سهم منها الخمس أو لله ، أو لرسول الله.
[3/194]
***(1/180)
[3/195]
وروى ذلك عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم فعله والأئمة بعده. ويبيع الإمام للناس أربعة أخماسهم ويتوثق لهم. وربما رأى بيع الجميع أفضل قبل القسم ليخرج الخمس من الثمن لئلا يدخل الغنيمة ضيعة أو تلف، فذلك له.
وإذا نزل الخليفة أو أمير الجيش بماحوز أو ثغر وأرسل الصوائف والجيوش والسرايا وأقام فهذا كالمقيم بداره، فليس عليهم تأخير قسم الغنيمة وبيعها حتى يأتوه، ولا له ولا لمن بقى معه من الجيش فيما يغنمون حق حين لم يدربوا معهم.
قال ابن سحنون قال سحنون: وينبغى أن يأمر الإمام يبيع الغنيمة من العروض بالعين ثم يقسم، فإن لم يجد من يشترى العروض قسم العروض بالقيمة على خمس أجزاء بالقرعة، فيأخذ الخمس ثم يقسم الأربعة أخماس بين أهل الجيش.
قال ابن حبيب سمعت أهل العلم يقولون: ما يستطاع قسمه قسمه الإمام إذا شاء، وما لا ينقسم بيع فقسم ثمنه مع ما غنم من ذهب أو فضة ، وله بيع الجميع وقسم ثمنه على الإجتهاد منه وممن معه من أهل العلم بالنظر للمسلمين، ولا يبيع إلا بالنقد إلا أن يرى فى ذلك ضرراً فليكتبه حتى يخرجوه ثم يتقاضاه ويقسمه قبل تفرق الناس. وبالنقد أحب إلينا قدر، وليس يرد فيه بعيب ولا عهدة، وهو بيع براءة إلا أن يقوم قبل القسم وتفرق الجيش فلا بأس على الإمام أن يقبل ذلك ممن رده بعيب ثم على يبيعه على بيان. والذى ذكر ابن حبيب من هذا استحسان وليس بلازم للإمام لأنه عند أصحابنا بيع براءة.
قال ابن حبيب: والسنة قسمها ببلد الحرب قبل تفرق الناس كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم ، وكذلك فعل الناس بأمر الخلفاء، وينبغى أن يؤذن الناس بذلك ويواعدهم بمكان يأمن فيه من كرة العدو، ولا يخلفهم وليوافهم غير مبطىء ولا مسرع، فيقسم ويعزل الخمس ويقسم الأربعة أخماس بين من حضر، ومن غاب رفع له سهمه.
[3/194]
***(1/181)
[3/195]
قال ابن حبيب: وقد أمتنع النبى صلى الله عليه وسلم أن يعطى من المغنم عقإلا حتى يخرج الخمس. قال ابن حبيب: فما أعطى الوالى قبل الخمس أو احتبس فهو غلول على معطيه وأخذه. كذلك سمعت أهل العلم يقولون، يريد إلا أن يحبسه من الخمس.
فى الغنائم والخمس وسهم ذى القربى
ومصارف الفىء والخمس
قال ابن حبيب: قال النبى صلى الله عليه وسلم : أحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى . قال ابن حبيب: وكان يوم بدر استباح الصحابة الغنيمة قبل أن تنزل فيها إباحة إلا عمر، فعاتبهم الله بقوله عز وجل: (لولا كتاب من الله سبق ، يقول: فى تحليلها: لمسكم فيما أخذتم، إلى قوله: فكلوا مما غنمتم) إلاية. ثم تنازعوا فيها: طائفة غنموا وطائفة اتبعت العدو وطائفة أحدقت بالنبى صلى الله عليه وسلم ، فتنازعت الغنيمة كل طائفة منهم دون غيرها، فنزلت (يسألونك عن إلانفال قل إلانفال لله وللرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)، فسلموا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان هذا ببدر . ثم نسخ ذلك بقوله: (واعلموا أن ما غنمتم من شىء فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتأمى والمساكين وابن السبيل) ،والله غنى عن الدنيا وما فيها. وإنما يريد لله ولرسوله الحكم فيه، فكان حكم النبى صلى الله عليه وسلم فى الخمس من حكم الله. وإما الأربعة أخماس، فإن لله تعالى حكم بها لمن غنمها ورد حكم فى الخمس إلى الرسول عليه السلام .
[3/196]
***(1/182)
[3/197]
فقال النبى صلى الله عليه وسلم :مإلى أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم ، يعنى: على الغنى والفقير والكبير والصغير والذكر وإلانثى كالفىء الذى أنزل الله تعالى فيه ما أنزل.
وتأول عمر فى قول الله سبحانه (والذين جاءوا من بعدهم) أنه أبقى لمن يأتى فى ذلك حقاً، فأقر الارض فلم يقسمها لتكون لنوائب المسلمين ومرافقهم.
ومن كتاب ابن سحنون قيل لسحنون: فقول من قال إن للنبى صلى الله عليه وسلم خمس الخمس له خاصةً؟ قال: هذا غير معروف عند أهل المدينة. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم :والخمس مردود عليكم ولم يستشن منه شيئاً. وقد أعطى جميع الخمس لهوازن من ما غنم منهم وسأل لهم الناس فيما غنموا منهم.
قال ابن حبيب: ففوض الله سبحانه أمر الخمس إلى رسوله عليه السلام يجتهد فيه. قال سحنون: فكانت أفعاله فيه جائزة على ما رآه من المصلحة لا على هذا التقدير. قال ابن دينار: ولو كان الخمس على هذا التقدير لكان سهم ذى القربى يجرى فيه المواريث وقد أجمع الخلفاء على خلاف ذلك.
قال سحنون: وأجمع الأئمة من صدر هذه الأمة أنه ليس لذى القربى فةى ذلك سهم ثابت. قال غيره: وقد أعطى النبى عليه السلام بعض ذى القربى من خمس خيبر ومنع آخرين، (واستخدمته فاطمة رضى الله عنها من سبى جاء فمنعها. قال سحنون وأصبغ: وأمر) الخمس والفىء واحد ليس فيهما قسم محدود لكل نفس. وقد سأوى أبو بكر الصديق رضى الله عنه بين الناس كافةً فيه.
[3/197]
***(1/183)
[3/198]
وفضل عمر بقدر السابقة والهجرة والحاجة، وكل صواب على الإجتهاد. وقد قال عمر: ولئن بقيت إلى عام قابل لألحقن أسفل الناس بأعلاهم.
قال ابن حبيب: فما كان من خمس الغنائم وجزية أهل الذمة وما يؤخذ من أهل الصلح ومن تجار أهل الذمة وأهل الحرب وخمس الركاز فسبيله سبيل الفىء، ويبدأ فيه بالفقراء والمساكين واليتأمى وابن السبيل ثم يسأوى بين الناس فيما بقى ، غنيهم وفقيرهم وشريفهم ووضيعهم. ومن الفىء يرتزق وإلى المسلمين وقاضيهم ويعطى غازيهم وتسد ثغورهم وتبنى مساجدهم وقناطرهم ويفك أسيرهم وتقأم صوائفهم ويقضى دين ذى الدين منهم، وتعقل جناياتهم ويزوج عازبهم ويعان حاجهم وشبه ذلك من إلأمور، ولا يحل أن يعطى من العشور والصدقات فى شىء من هذه الوجوه، ولكن على الفقراء والمساكين ومن سمى معهم فى آية الزكاة، ولا يحل لغنى إلا لغاز أو غارم وهو المديان، أو ابن السبيل يضعف وهو غنى ببلده.
قال أبو محمد: وفى الجزء الثالث باب فى قسم الفىء من خراج الارض والجزية، وباب فيه السيرة فى مال الله من الفىء وغيره وسهم ذى القربى وغير ذلك.
[3/198]
***(1/184)
[3/199]
فيما يغنم العبيد وأهل الذمة من العدو فى تلصص أو غير تلصص
هل يخمس؟
وما يغنمه المرتدون وفى العبد يصيب كنزاً
ومن خرج من الحربين إلى العسكر بمال
وكيف إن أسلم أو كان عبداً وكيف إن رجع؟
من العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى عبد مسلم وحر خرجا يتلصصان فى أرض العدو، قال: يخمس ما أصابا ثم يقسم ما بقى بينهما. قلت: أليس العبد لا حظ له فى المقاسم؟ قال: ليس المتلصص من العبيد كالذى يغزو. قال: ولو تلصص ذمى وحر مسلم قسم بينهما ما أصابا فيخمس حظ المسلم دون حظ الذمى. وكذلك لو خرج ذمى وحده لم يؤخذ منه ما أصاب، فليس حال المتلصص كمن حضر مع المسلمين جهادهم هذا لا شىء له. وقال سحنون فى العبد والحر مثل قول ابن القاسم فى الذمى أنه لا يخمس نصيب العبد.
وقال سحنون فى كتاب ابنه: ولو أن مسلماً وعبداً وذمياً غزوا وغنموا فأنه يقسم ذلك بينهم، وإنما لا يسهم للعبد وللنصرانى إذا كانا (فى جيش المسلمين وخرجوا بإمام وهم لهم تبع. وكذلك لو كانوا) أربعة والنصرانى، وإنما لا يسهم إذا كانوا قليلاً فى كثير من حماعة بإمام وبغير إمام.
قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أهلذمة فى ثغر يغزون من يليهم من العدو فيغنمون، قال لا ينبغى للإمام أن يإذن لهم فى ذلك . وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : لن أستعين بمشرك، فخروجهم من ذلك وإن لم يكن معهم مسلم . قال ولا
[3/199]
***(1/185)
[3/200]
يخمس ما أصأبوا وهو لهم. قال وإن حكموا مسلماً يقسم ذلك بينهم فليقسمه بينهم على حكم الإسلام، وإلا فأمرهم إلى أساقفتهم فى ذلك، وقاله سحنون.
وقال أصبغ عن ابن القاسم فى أهل الذمة يخروجون سرية إلى أرض الحرب ليس معهم مسلم أو معهم مسلمون يسيرون واحد أو إثنين يخروجون معهم متلصصين. قال: يمنعون من ذلك لوجهين: لقول النبى صلى الله عليه وسلم لن أستعين بمشرك، ولوجه آخر أنهم يستحلون قتل النساء والصبيان والغلول وغيره، ولا يجاهد العدو إلا بسنة وإصابة. فإن فعلوا نهوا عن العودة، وترك لهم ما أصأبوا. ومن كان معهم من مسلم فليخمس نصيبه. قال: ويمنع أيضاً العبيد من مثل ذلك ليس لأنهم لا يصيبون لكن لأنهم لا حق لهم فى الفىء ، ولا يخمس ما غنموا ويترك لهم.
ومن كتاب ابن حبيب: وإن أراد نفر من أهل الذمة الغزو مع صوائفنا وسرايانا فلا ينبغى أن يإذن لهم، فإن جهل فإذن لهم فأصأبوا قسم بينهم وبين المسلمين، فما صار لهم ترك لهم ولم يخمس، وما صار للمسلمين خمس وقسم بينهم. وإن خرج أهل الذمة وأهل الصلح وحدهم ترك لهم ما أصأبوا ولم يخمس. وكذلك سمعت ممن أرضى.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا دخل عسكر المسلمين دار الحرب، فارتدت طائفة منهم واعتزلوا وحاربهم من بقى وفارقوهم، ثم غنم من بقى من الجيش من الروم غنائم وغنم المرتدون غنائم ثم رجعوا إلى الإسلام، فلا يدخل الذين ارتدوا فى غنائم الباقين أدباً لهم ويكون ما غنم المرتدون بينهم وبين بقية أهل الجيش لأنهم على حكم الإسلام خرجوا أولاً، وفى ذلك وفى جميع الغنيمة الخمس.
[3/200]
***(1/186)
[3/201]
ولكن لو قتلوا على الردة فلأهل الجيش نصيبهم من المرتدين بعد الخمس، وما بقى فللمسلمين.
قال ابن القاسم: وإذا وجد العبد ركازاً بأرض العدو فلا شىء له فيه فىء. ولو وجده بأرض الإسلام عبد أو ذمى أو امرأة أو صبى فهو له وفيه الخمس.
ومن كتاب ابن سحنون أيضاً: وإذا إذن الإمام لنصارى أو لذميين أن يغيروا على الروم ، أو فعلوا ذلك بغير أمره فلا خمس (فيما أصأبوا وهو لهم، ولا ينبغى للإمام أ ن يستعين بهم. ومن أسلم بدار الحرب وقدم إلى عسكرنا بمال أخذه لهم قبل أن يسلم أو بعد أن أسلم فهو له ولا خمس)/فيه، ولا مغنم فيه لغيره إلا أن يكون لم يكن لمثله نجاة إلا بهذا العسكر فيكون مثل ماغنموا، وله سهمه معهم فيما غنموا من يوم خروجه. وأن خرج بذلك إلينا على أنه ذمة فالمال له خاصةً لا يخمس. ولو رجع هذا الذمى إلى أرض الحرب مغيراً عليهم فقتل وغنم وأتى فما جاء به فلأهل العسكر دونه كذمى قاتل مع الجيش. وكذلك لو إذن له الإمام أن يغير إلا أن يرى الإمام أن يحذيه منه فذلك له فى قول أشهب خاصةً. ولو أسلم فكان أول ما أسلم أخذ ذلك وجاء به فهو له خاصةً إن كان لمثله نجاة لو لم يكن العسكر.
قال أشهب فى العبد يؤسر فيفلت إلى العسكر بشىء أخذه للعدو فهو وما جاء به لسيده.
ومن كتاب ابن سحنون: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى العبد يتلصص فى قرى أرض العدو فيغنم: أنه يخمس ما أصاب وله ما بقى ، ولا
[3/201]
***(1/187)
[3/202]
يخمس ما غنم فى إباقه لأن الخمس فيما أوجف عليه وتعمد به الخروج إليه، وإلابق لم يقصد ذلك. وقال سحنون: لا يخمس ما أصاب العبد متلصصاً أو غير متلصص، وقد كان يقول يخمس.
وسأله الاندلسيون عن عدو بيننا وبينهم هدنة ويؤدون إلينا الجزية ، فدهمهم عدو لهم لا عهد لهم منا، فإنتصر أهل ذمتنا بنا، فخرج إليهم وإلى البلد، فلما قرب منهم توقف خوفاً من مكرهم أن يجتمع الجميع عليه، فتسلل منا رجال يسيرون بغير إذن الأمير ، فلما نظر الراجعون إلى ذمتنا إلى أعلام المسلمين أنهزموا فغنم أولئك غنائم و أصاب أهل ذمتنا أيضاً، قال: إن كان أهل ذمتنا بائنين عنكم وعن مقدرتكم فى سلطانكم وبقرب أرض الحرب فما كان من هذه الغنيمة فهو بين أهل ذمتكم وبين من تقدم منكم وبين من توقف مع الأمير بالسوية إن كان الأمير ومن معه بالقرب منهم، وقد نظروا أعلام المسلمين وخافوهم وهؤلاء ردء لهم. وإما إن بعد الأمير منهم بمن معه فلا يدخل فى الغنيمة إلا من تقدم منكم إذ لو احتاجوا إلى من تركوا لم يعينوهم، ويعاقب الإمام من نفر بغير إذنه وخاطر إن رأى ذلك.
قال سحنون: ولا ينبغى للإمام أن يعاهد مثل هؤلاء ممن يبعد عن سلطأنه إلا أن ينتقلوا إلى حيث يأخذهم سلطأنه. قيل: فإن استنصر بنا أهل ذمتنا هؤلاء فبعثنا إليهم ألفاً وخمسمائة فارس فغنموا؟ قال: فلا سهم ها هنا معهم لأهلتلك الذمة لأنهم تبع لعسكركم، ولا سهم لأهل الذمة إذا كانوا تبعاً. وإن رأى الإمام ان يرضح لهم من الخمس فعل. ولا ينبغى أن يستعان بالمشركين فى الجهاد.
[3/202]
***(1/188)
[3/203]
فى الغلول وفيمن غل من الغنيمة
من كتاب ابن حبيب قال النبى صلى الله عليه وسلم : لا تغلوا، فإن الغلول عار ونار وشنار، وأطلق الوعيد فى شراك أو شراكين، وفى عقال من الغلول، وترك الصلاة على رجل عليه خرازات من خرز يهود غلها وقال: صلوا على صاحبكم. قال أهل العلم : فلا تترط الصلاة عليه لقوله عليه السلام صلوا على صاحبكم . وإذا جاء تائباً أخذ ذلك منه ولا نكال عليه. فإن تفرق الجيش تصدق عنهم. وإن ظهر عليه قبل أن ينتصل عاقبه عقوبةً شديدةً. وإن انتصل منه عند الموت فإن كان أمراً قريباً ولم يفترق الجيش فهو من رأس ماله. وإن كان أمراً قد طال آخرج من ثلثه.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: إن ظهر على أنه غل من الغنيمة قبل أن يتوب، ودب وتصدق به إن افترق الجيش. وإن لم يفترق رد فى المغنم. وأنكر مالك أن يحرق رحله. وقال الليث: إن تفرق الجيش جعل خمسه فى بيت المال وتصدق بما بقى.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قيل لمالك: أيعاقب من غل؟ قال: ما سمعت فيه بشىء، ولو عوقب لكان لذلك أهل ا. قال ابن القاسم: إن جاء تائباً لم يؤدب. قال سحنون: كالزنديق و الراجع عن شهادته قبل أن يعثر عليه.
قال ابن سحنون عن أبيه عن معن ابن مالك: لا بأس أن يصلى على من غل.
[3/203]
***(1/189)
[3/204]
فيما يصاب من الغنيمة من الطعام والماشية والعلف وغير ذلك
وكيف بما فضل له من ذلك أو بيع منه
وما لا يكون غلولاً
من كتاب ابن حبيب: قال: ومن السنة أن لا يقسم مطعم ولا مشرب، ومن أصابه أحق به إلا أن يؤاسى فيه فضل عن حاجته، وله ان ينفق منه إلى منصرفه .فما فضل تصدق به ولا ينفقه في أهله إلا التافه مثل يسير بن قديد وكعك واحتج بحديث الجراب الذي فيه شحم من شحم يهود, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب المغانم: خل بينه وبين جرابه, وليس علي الناس استئمار الإمام في كل ما وجدوا من الغنم والبقر. ولو نهاهم السلطان عن إصابة ذلك ثم اضطروا إليه لكان لهم اكله. ولو أخذ الناس من ذلك حاجتهم وفضلت فضلة فضمها صاحب المغنم كان للناس. أكل ذلك إن احتاجوا إليه أو من احتاج منهم.
ولا بأس بأكل طعام العدو قبل الدعوة فيمن يدعي منهم ولا بأس بما لت من السويق من سمنهم وعسلهم. وإذا لم يقدروا علي أخذ البقر ونحوها إلا بالعقر فلم ذلك ويأكلوا ما ذكوا مما لم يبلغ المقاتل, والعربقة وشبهها أسلم ذلك إن أمكنهم, ولا تجوز النبهة في ذلك. ولابأس بجبن الروم, ولا يؤكل جبن المجوس.وما أصيب من العلف فهو كطعام في إباحته.
ومن الجهل فباع شيئا مما ذكر رد ثمنه إلي المغنم. ومن أقرض من ذلك شيئا لم يلزم للمستقرض رده علي المقرض لأن يعطي ما استغني عنه. وإذا كان بيد أحدهم صنف من الطعام وبيد الآخر صنف فلا بأس به أن يتبادلوا ذلك من
[3/204]
***(1/190)
[3/205]
قمح بشعير وسمن بعسل أو لحم ولم يروه بيعاً.وكره بعضهم التفاضل بين الشعير والقمح فى هذا وخففه آخرون، وهو خفيف لأن عليهم المؤاساة فيه بينهم. ومن جهل فباع بثمن واشترى جنساً آخر من الطعام فهو مكروه لأنه إذا صار ثمناُ ابتغى أن يرجع مغنماً بخلاف المناقلة . وما أكل لحمه فله النفع بجلودها فى غزوهم إن احتاجوا، وإلا جعلت فى المغنم إن كان لها هناك ثمن ، ولا يحملها معه إلا أن لا يجد لها هناك فى المغنم ثمناً.
ومن كتاب ابن المواز قال : وإذا خرجت السرايا من العسكر فجلبت العلف وإلاطعمة، فإما العلف والطعام فلمن جلبه خاصةً . وإما غيير ذلك فهو غنائو لجميع أهل الجيش .وينبغى أن يؤاسى جالب الطعام من احتاج إليه ولا ييبيع منه شيئاً. فإن باع منه شيئاً جعل ثمنه فى المغنم، وله بدل الطعام بطعام . وغن جلبوا من الطعام ما لا يحتاجون إليه لكثرته فليدخلوا ذلك فى المغانم بعد أن يأخذ منه من احتاج إليه فى علف وأكل فى/غزوه ممن جلبه ومن غيرهم.
قال ابن القاسم : وما احتاج إليه وهو فى السرية من ثوب يلبسه أو ركوب دابة أو يحمل عليها علفاً فذلك له. وإذا كان إذا بلغ العسكر استغنى عنه جعله فى المغانم. وكذلك غرارة يحمل فيها طعام ه. ووسع ابن القاسم أن يبقى عليه الثوب يحتاج إليه ثم إن استغنى عنه رده إن كان له ثمن. وما لم يكن من ذلك كله ثمن مثل الخرقة يرقع بها أو يخيط به أو مسلة أو إبرة فله أن ينتفع بذلك. وقاله أصبغ ولا اختلاف فيه.
قال مالك: وإن الذى يرد مثل الكبة وشبهها مما يمنه دانق وشبهه، أخاف أن يرائى بهذا ، وليس بضيق على الناس. ورواه فى العتبية أشهب عن مالك.
[3/205]
[3/206]
قال ابن المواز (قال ابن القاسم): ولو أحرز مثل هذا فى المغنم ثم احتاج إليه رجل فله أخذه. وكذلك الثوب يلبسه ودابة يركبها ويرد ذلك إذا استغنى عنه. وما احتاج إليه من غير ذلك فله أخذه بعلم من يلى المغنم أو بغير علمه ويرد ما استغنى عنه. وإن فات الأمر باع ذلك وتصدق به. وله حبس ما ليس له ثمن أو ما ثمنه الدرهم وشبهه ولا يبيعه.
قال ابن القاسم: ولا بأس أن يأخذ مما أحرز النعل يحتذيه والجلد لإكافه أو يجعله خفاً والغرارة يحتاج إليها والفلفل والدراصينى لطعام ه. وقال عبد الملك: يأخذ مما أحرز فى المغانم ما خف من طعام وعلف وشبهه مما يحتاج إليه ولا ثمن له، وله أن لا يرده. وإما ما له البال فليرده بعد غنائه عنه.
قال مكحول وسليمان بن موسى: يأخذ الطعام بغير استئذان، ومن سبق إليه فهو أولى به إلا أن ينهى عنه الأمير فليتركه. وما بيع منه بثمن صار مغنماً. قال ابن المسيب لا قسم فى الطعام .
قال ابن القاسم قال مالك: وما قدم به من قديد أو طعام فإن كان يسيراً أكله مع أهله. وإما الكثير قليتصدق به. قال محمد: يتصدق به حتى يبقى اليسير فيكون له أكله مع أهله. قال مالك: ولا أحب أن يبيع المتعلفة ما فضل عنهم من علف وطعام ومن احتاج إليه فاشتراه فهو فى سعة. وإن وجد عنه غناءً لم أر له شراءه. ومن استغنى عن شىء منه أعطاه لصاحبه بغير ثمن . وإن أخذ فيه ثمناً رده فى المغنم. قال مالك: وله أن يبدل عسلاً بلحم أو طعام .
قال ابن القاسم: وإن باع الغازى طعام ا من غير غاز بطعام غيره أو بعلف فلا بأس به. وذكر أشهب أن مالكاً كرهه. قال محمد: وليس لكراهيته فيه وجه.
[3/206]
***(1/191)
[3/207]
قيل لأشهب : أيدفع منه إلى من يحجمه؟ قال: إما بشرط فلا أحبه. قال ابن القاسم: ولهم أن يضحوا بغنم العدو ومما أحرز فى المغانم، ولهم إن احتاجوا إلى اللحم أخذه من البقر والغنم من المغنم بغير إذن، وليطرح الجلود فى المغانم إن كان لها ثمن. فإن لم يكن لها ثمن صنع بها ما شاء. وكذلك (ما استغنى عنه من الطعام قاله مالك. وكذلك) قال فى العتبية من سماع ابن القاسم.
ومن العتبية : روى سحنون عن ابن القاسم فيمن باع طعام ا ببلد الحرب ممن يأكله، ثم علم بعد أن خرج فليرد الثمن فى المغنم لا على المبتاع، وقاله مالك. قال ابن القاسم: وإذا رأى الإمام بيع الطعام ببلد الحرب لغنائهم عنه ببلد الحرب وحاجتهم إليه ببلد الإسلام فلا بأس بذلك.
قال أصبغ: ولو دخل بلد الحرب بسويق فلته بإدام أو ثوب فصبغه فإن كان ما زاده يسيراً فذلك خفيف. وإن كان كثيراً كان شريكاً بقيمة ثوبه وسويقه فى ذلك .
قال محمد بن المواز قال ابن القاسم: وله ذلك فى السلاح والبراذين. وكذلك فى السرية يأخذ الرجل الدابة يقاتل عليها وتبقى معه حتى يقفل عليها إلى أهله إذا اتصلت حاجته إليها ثم يبيعها ويتصدق بثمنها. وكذلك إن وجد الغنيمة قد قسمت، وقاله ابن القاسم كله. وكذلك الثياب يحتاج إليها وإذا بلغ إلى العسكر ردها . فإن اتصلت حاجته إليها حتى قفل باعها وتصدق بثمنها.
[3/207]
***(1/192)
[3/208]
وروى على بن زياد وابن وهب فى المدونة: أنه لا ينتفع بدابة ولا سلاح ولا ثوب . قال ابن حبيب: ولهم أن ينتفعوا قبل القسم بما أصأبوا من أموال العدو من خيل ودواب ونبل وسلاح إذا احتاجوا إليه، ويعطيه ذلك صاحب المغنم ويستوثق إلى أن يرده إليه وله أن ينتفع بما لم يصل إلى رب المغنم ولا يحسبه إلا لحاجته إليه لا للاختصاص به.
ومن كتاب ابن سحنون: قال بعض أصحابنا: ومن باع من رجل طعام ا من المغنم فأكله ، فإن باعه ليتأثل منه مالا فالثمن مغنم إن كان شيئاً له بال. وإن كان تافهاً ترك له. وقد غمزه بعض إلاحتلاف . وإن كان باعه لحاجته أن يصرف ثمنه فى كسوة أو سلاح ولا شىء عنده فلا بأس به كما لو أخذه من المغنم . وإن بلغ بلد الإسلام وبقى من ذلك ما له بال فليتصدق به. ومن واجر عبداً بطعام من الفىء فليغرم قيمة الطعام يجعله فى الفىء.
ومن العتبية قال أشهب بن عن مالك قيل له: بأرض العدو أشجار لها ثمن كثير ببلد الإسلام وحملها خفيف وثمنها بأرض العدو يسير. قال: لا بأس بأخذ هذا وإن أخذه للبيع. ولو جاء به إلى صاحب المقاسم لم يقبله ولم يقسمه.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا ألفوا فى الغنيمة مثل القصعة وشبهها قيأخذها الرجل. قال: إذا تركوها ورحلوا فهى له ولاخمس فيها. قيل: فالابرة أهى من الغلول؟ قال: إن كان ينتفع بها فلا بأس بذلك. قال عنه أشهب : وله أخذ الغرارة يحتاج إليها يحمل فيها متاعه والقربة والجلد يحتذيه
[3/208]
***(1/193)
[3/209]
والشيخ للدواء. وإن وجد عسلاً فلت به جذيذة فله أن ينصرف بها إلى بلده. وإذا وجدوا قدوراً لعدو مملوءةً فلهم أكلها.
قال أبو محمد: وبقية القول/فيما يشبه هذا الباب الذى يلى هذا.
فيما يجوز ان ينصرف به معه ولا يدخل فى المغانم
وما يدخل فيها مما يصنع أو مما لا يصنع
ومن الحيوان وغيره وفى الكلب
وكتبه الفقه هل تقسم؟ وفى كتب العدو وما يوجد فى قبورهم
وفيمن كسب من صنعة يده مالا بأرض العدو
قال ابن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون فيما يجوز للرجل الإختصاص به مما أصابه بأرض العدو : إن كل ما صنعه بيده من أعوادهم المباحة من سرج نحته أو سهم أو مشجب صنعه أو قدح أو قصعة وشبه ذلك أو ما عمل من أحجارهم ورخأمهم المباح لا ثمن له هناك، أو حمله غير مصنوع فله آخراج ذلك كله لمنفعة أو بيع ، وله بيع ذلك فى العسكر ولا شىء عليه فى ثمنه وغن كثر. وإما ما وجده مصنوعاً فى بيوتهم فلا يستأثر به وإن دق.
وأمر النبى صلى الله عليه وسلم بأداء الخيط والمخيط إلا ما ينتفع به ثم يرده إلى المغنم إن استغنى عنه. فإن بقى معه شىء لم يعلم به حتى رجع تصدق به وإن قل. وما صاد بأرضهم من طير ووحش وحوت فهو أحق به وبثمنه. وإن شاء خرج به إلى أهل. وإن واسى به فهو أحب إلينا وليس بلازم، وهو شىء لم يملكه العدو. وإما الصقور والبرازة وما يصاد به مما يعظم قدره فليرد فى المقاسم، ولا يكون لمن صاده أن يخرج به. وغن باعه رد الثمن فى المغنم .
[3/209]
***(1/194)
[3/210]
وهذا/قول كثير التابعين ، وقاله مالك وأصحابه إلا ابن القاسم ، فقال: كل ما نض من هذا مما عمله من شجرهم ورخأمهم وترابهم صار مغنماً. قال ابن حبيب: وإما الهر فإن وجد به ثمن بيع ورده فى المغنم وإلا أخذه من شاء. وإما الحمأم فله ثمن ويجعل مغنماً. وخفف بعض العلماء الهر والحمأم. وإما الكلب فإن كان صائداً بيع فى المقاسم. فإن لم يوجد له ثمن أخذه من شاء. وإن لم يؤخذ فليقتل. وإما غير الصائد مما لم يرخص فيه فليقتل.
ومن كتاب ابن سحنون قال: ولا يعجبنى ما روى عن مالك من بيع الكلب فى المقاسم ،وأخبرنى عن معأوية فى العتبية : روى معن عن مالك فى كلاب العدو الصائدة وغيرها أنها لمن وجدها وليس عليه أن يأتى بها إلى المغانم.
وقال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ولا يجوز لمن وجد الكلب بأرض العدو أن يحبسه دون الإمام . قال ابن كنانة فى كلب الصيدك أنه يباع ويجعل ثمنه فى المغنم بخلاف الذى نهى عن كسبه لأن هذا يلزم من قتله قيمته. قاله عبد الملك. وقال ابن القاسم وأصبغ لا يباعن وهو داخل فى النهى، وليس القضاء بقيمته كابتداء بيعه. قيل :فما يصنع به؟ قال: يقتل: قال ابن القاسم: ولو ترك لمن وجده فخرج به فلا بأس به. وقال أصبغ: هذا قليل الثمن. وإما الكثير/الثمن فقتله احب إلى .
ومن العتبية : روى عيسى ويحيى فى الكلب الكثير الثمن، يريد للصيد، قال يدخل فى المقاسم ويباع فيها. قال عنه عيسى: وكذلك الظبى يصاد بأرض العدو.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وما قطع من شجر العدو لفسطاط أولقتب أو لا كاف فله ذلك ما لم يرد به البيع. وإما الخشب لعمل المراكب فهذا من الغنائم ويخمس.
[3/210]
***(1/195)
[3/211]
ومن كتاب ابن المواز قال: قد ذكرنا تخفيف ما قطع من خشب أرض العدو لفسطاطه من عموده وأعواده،ولا كاف وقتب وسرج.
وفى العتبية نحوه من سماع ابن القاسم، قال: ولنشاب يرمى به. وقال : وإن فضل شىء من هذا بيده فهو له.
قال فى كتاب ابن المواز: فإما إن عمل من ذلك سروجاً كثيرة ً أو توابيت أو رحإما فيجعل ثمن ذلك فى المغنم، وله قدر عمله وعنائه، وليس عليه قيمة الخشب ليكون له لأن أجر عمله إلاقل والثمن إلاكثر. ولو تطبب فكسب مالا بأرض العدو فذلك له. وإن استعان بشىء من أوديتهم جعل قيمته فيئاً. وكذلك البيطار والخياط وأصحاب الصنائع، ويغرم قيمة ما استعان به من صباغ ودواء.
ومنه ومن العتبية من سماع عيسى قال ابن القاسم: وما صاد من الحيتان والطير فلا شىء عليه إن أكله . وإن باع منه جعل ذلك فى المغانم .وما حمل إلى أهله من ذلك من حيتان مصنوعة أو طيور أحياء، فما كان كثيراً/بيع وصار ثمنه مغنماً إن استغنى عن أكله. قال ابن القاسم: إلا أن يذخر قدر ما يكفيه فى طريقه ، ثم إن بقى يسير لأهله فلا شىء عليه فى أكله إلا أن يبيعه. وإما الكثير يرجع به إلى أهله فليبعه ويتصدق بثمنه.
ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم: أن ما عمل بأرض العدو من نشاب ومحأمل وسروج أو فخار أو صاد من طير أو حيتان فيبيع ذلك كله :ان ثمنه فىء ، ولا أجر له فى عمله. ولو اصطاد بازا أو وجده فى منازلهم فليبع إن كان له ثمن ويجعل فى المغانم ثمنه.
[3/211]
***(1/196)
[3/212]
قال ابن المواز: قال ابن وهب عن ابن القاسم وسالم فى من صاد فى أرض العدو حيتاناً أو طيوراً فباع ذلك فله أكل ثمنه، وهو له وإن بلغ ذلك مالا كثيراً.
ومن كتاب ابن سحنون قال: وإما كتب الفقه فلا تدخل فى المقاسم ولكن يعطيها الإمام من استحق النظر فيها ممن غنمها أو غيره. وكذلك من مات عن كتب فقه فالوارث فيها وغيره سواء، ولمن هو لها أهل ان ينتفع بها من وارث وغير وارث.
قال أبو محمد: هذا قول مالك وسحنون، وذهب غير واحد من أصحابنا أنها تباع فى دين المفلس وتورث.
وقال محمد بن عبد الحكم: بيعت كتب ابن وهب بعد وفاته بثلاثمائة دينار، وإنى وأصحابنا/متوافران فما أنكروا ذلك. قال سحنون: ومن غضبها أو استهلكها فعليه قيمة الخط والرق.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم، ونحوه فى كتاب ابن المواز عنه، قال: وما وجد من مصاحفهم فلتمح ويباع الورق. وإما صلب الذهب والفضة فتكسر وتقسم.
قال سحنون فى كتاب ابنه: وكذلك صلب الخشب تكسر. وقال الأوزاعى ك لا تكسر، فهذا مكرر فى الجزء الأول.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وما وجد فى بيوتهم من بقر وغنم وحمأم ودجاج فلتبع وتجعل مغنماً إلا ما يريد أكله، وقاله أصبغ: أو يسمح الوالى لأحد أن يخرج بها إلى أهله فذلك له . قال محمد: فيما تقل قيمته.
ومن العتبية: قال سحنون فى عسكر نزل ببعض السواحل ، فنبشوا قبراً
[3/212]
***(1/197)
[3/213]
للعدو فوجدوا فيه حلياً وثياباً، قال ذلك فىء لهم، وجده من وجده قبل تفرق الجيش أو بعد تفرقه، كما فعل عمر فى السفطين.
وروى أشهب عن مالك فى العتبية فيممن ابتاع بأرض العدو كبائب خيوط فلما رجع إلى بلده حلها فوجد داخلها ذهباً نحو سبعين مثقإلا، قال: أرجو إلا يكون به بأس قد تفرق الجيش وما أدرى ما يصنع به.
وفى الباب الذى قبل هذا قول مالك فى الأخذ من أشجار إلادوية إن ذلك جائز له وإن أخذه للبيع وإن كان له ثمن كثير فى بلد الإسلام وشأنها يسير ببلد العدو إن ذلك جائز. ولو جاء بها لصاحب المغانم لم يأخذ ولم يقسمها.
ومن كتاب ابن الموازك ولا بأس بأخذ أشجار الدواء والسمن والحجر والعصا وقصب النشاب والسرج ينحته وشبه هذا، وهذا خفيف. وكذلك عيدان يعمل منها المشاجب.
وقال مالك فى العتبية من سماع ابن القاسم: إما العصا وأشجار الدواء فلا بأس به. وإما الحجر والسمن ففيه شك ولأنه لم يوصل إليه إلا بالجيش.
فيما يضعف المسلمون عن حمله من الغنيمة ومن أموالهم
وكيف إن تركوه فمر غيرهم
وهل له ترك ما يقدر على حمله
قال ابن حبيب: وما عجز الإمام عن حمله من إلاثاث والمتاع ولم يجد به ثمناً فلا بأس أن يعطيه لمن شاء أخذه. فإن لم يأخذه أحد فليحرقه. وإن لم يحرقه
[3/213]
***(1/198)
[3/214]
تم حمله احد فلا خمس عليه فيه ولا قسم. وكذلك من أعطاه له الإمام ومن اشترى رقيقاً من السبى فعجز عن حملهم فتركهم ثم أخذهم أحد (من أهلهذا الجيش أو) ممن دخل غيرهم، فإن تركهم الأول فى حوزة الإسلام فهم له ويغرم للجائى بهم أجر مؤنتهم. ومن كان فيهم عجوز أو شيخ فهم أحرار لأن ترك مثلهم كالتحرير لهم، قاله من أرضى. وغن كان تركهم فى حوزة العدو فهم لمن جاء بهم، ولا عتق للشيوخ منهم لأنهم لم يخلهم، وهو يملكهم ملكاً تإما وهو كالمغلوب.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وما تركته السرية أو المتعلفة أو ترك من المغنم لكثرة ما معهم منه فهو لمن أخذه وحمله ولا خمس عليه فيه. وقال أشهب : ليس لمن حمله وهو فيه كرجل منهم. قال محمد: وقول أشهب فيما أظن فيما لو تركت السرية من لو رجعت إليه لحملوه ما دام وا بأرض العدو. فإما ما تركوه عند قفولهم مما يؤيس من الرجعة فيه فهو لمن أخذه ولا يخمس، وهو قول مالك.
قال أشهب فيمن اشترى شيئاً من السبى عن بعضه فتركه فدخلت خيل آخرى فأخذته فهو لصاحب الأول . قال محمد: صواب من لم يكن رقيق أعتقهم فتركهم على العتق. قال أشهب: ولو كانت عجوز فأعتقها فأخذتها خيل آخرى فهى حرة.
قال ابن المواز: ومن أخذ ذلك لنفسه وليس مما وقع فى سهمه ولا هو من المغنم فليس له حمله فى مركب المسلمين إلا بإذن الإمام . قال ابن القاسم وليس للإمام أن يإذن له إذا خاف أن يعيب به المركب.
[3/214]
***(1/199)
[3/215]
وكذلك فى العتبية عن أصبغ عن ابن القاسم .قال فى كتاب ابن المواز: وإما ما خف مثل ثوب وشبهه فلا . وكذلك فى مراكب الشركة إلا بإذن إلا بالشىء اليسير إذا لم يكن من المغانم التى يتبايعوا ،وقد أمر بمباشرة الشريك فى الغزو.
قال فيه وفيه العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك: إذا وقف عليه فرسه وهو قافل فليعقره أو يعرقبه أو يشق بطنه أو يطير عنقه، وكره ذبحه قيل فإن وجد غنيمة فى بيوتهم أله تركها؟ قال لا يسعه ترك ما له بال إلا لعذر ، إما لضعفه عن حمله أو لخوفه منه أو لما هو أفضل .قال ابن القاسم وله أن يترك ذلك لئلا يتعب نفسه ودابته إلأمثل الجوهر ونحوه . وكذلك روى عنه أبو زيد فى العتبية وقال إلا النفيس من متاع وجوهر.
فى السرية يغنمون رقيقاً هل يشترى منهم ولم يؤدوا الخمس؟
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم: سئل عن قوم غنموا رقيقاً أيشترى منهم قبل أن يؤدوا الخمس؟ قال :لا . قيل: فإن كانوا صالحين يظن بهم أن يؤدوه؟ قال: وإن ، إلا أن يعلم أنهم يؤدون الخمس.
وروى يحيى بن عمر عن أبى المصعب أنه يشترى منهم ويوطأ الأمة منهم، وإنما الخمس على من يبيع. قيل : إن الخليفة منعهم أن يخمسوها فى ذلك
[3/215]
***(1/200)
[3/216]
الموضع قال :لا أعرف هذا، ولهم الشراء والوطء، والخمس على البائع. قال غيره :إذا كان البائع قد علم أنه يبيع ويمنع الخمس من سرية أو وال ، فلا يشترى منه لأنه قد علم أنه يبيع ليتعدى فى الخمس فكأنه بيع عداء.
قال سحنون فى قوم سروا فقسموا الرقيق قبل أن يخمسوها أيشترى منهم؟ قال لا، ولكن إذا أدوا الخمس فى موضعه فهو جائز والشراء منهم حسن.
فيما يهديه العدو للخليفة أو لأمير الجيش أو لبعض الغزاة هل يخمس؟
من كتاب ابن سحنون: روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من أبى سفيان ودحية من المقوقس وأكيدر، وأهدى إلى بعضهم، ولم يقبل هدية عياض المجاشعى. قال سحنون: وإذا أهدى أمير الروم إلى أمير المؤمنين هديةً فلا بأس بقبولها وتكون له خاصةً. وقال الأوزاعى: تكون للمسلمين ويكافيه بمثلها من بيت المال. قال سحنون: ليس عليه أن يكافيه.
وقال سحنون: وإن أهدى إلى أمير الصائفة، فإن كان الروم فى منعة وقوة فله قبولها وهى خاصةً ولا مكافاة عليه. وقال الأوزاعى: هى بين الجيش.
قال سحنون: وإن كان الروم فى ضعف والمسلمون مشرفون عليهم فقصدوا بها توهين عزمهم والتخفيف عنهم فهذه رشوة لا يحل قبولها. قال أشهب لا يقبل أمير الجيش هديةً من مسلم أو ذمى تحت سلطأنه، ويقبل ممن ليس له عليه سلطان من مسلم أو ذمى أو حربى وتكون له خاصةً، وقاله سحنون.
وقال :قال ابن نافع عن مالك فى السرية يبعثها الوالى فيرجعون بالفواكه فيهدون إليه من ذلك مثل قفة عنب أو تين والأمر اليسير فلا بأس به، وتركه
[3/216]
***(1/201)
[3/217]
أمثل لأنا نكره له قبول مثل هذا فى غير الغزو. وكذلك قال فى أمير الثغر، وربما أغار مع الجيش.
ومن كتاب ابن المواز وهو فى العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم فى العلج من الحصن يهدى هديةً إلى رجل من الجيش فهو له دون أهل الجيش. فإما إن أهدى لأمير الجيش فأنه يكون مغنماً، وقاله ابن القاسم ،لأنه على سبيل الخوف . قال ابن المواز: لأنتهاء الجيش لأمره ونهيه. قال ابن القاسم: إلا أن يتبن أنه لغير سبب الجيش من ذى قرابة أو لسبب مكافأة يرجوها أو ما دل أنه لخاصته فذلك له.
قال ابن المواز: وقال ايضاً ابن القاسم: وإذا أهدى إليه مسلم يجرى عليه سلطأنه فليرده إليه. وإن لم يجر عليه سلطأنه فلا يرده كان لمسلم أو ذمى وهو له خاصةً .وكذلك وإلى الثغر الذى يغير عليهم أحياناً. وإذا دفع علج عند اللقاء إلى مسلم دنانير فهو أحق بها. فإما إن دفعها إلى الوالى فلا أدرى كأنه يراه مغنماً. وكذلك فى العتبية عن أبى زيد عن ابن القاسم. قال ابن المواز: قال عبد الملك فى أسير أعطى لرجل شيئاً طوعاً، قال: هو لجميع الجيش بخلاف عطية من لم يؤسر بعد.
ومن كتاب ابن سحنون قال: وإذا أهدى رومى إلى مسلم فى الجيش فله قبول ذلك بغير إذن الإمام وهى له خاصةً كان ذا قرابة أو أجنبى، وقاله الأوزاعى. وإما هدية المسلم إلى أحد منهم فلا ينبغى كان ذا قرابة أو غير ذى قرابة إذن له الإمام أو لم يإذن، وأجازه الأوزاعى بإذن الإمام.
[3/217]
***(1/202)
[3/218]
قال سحنون: والرسول إلى الطاغية يجاز بجائزة فهى له دون السلمين ولا خمس فى ذلك. وإذا جاء رسول من الطاغية لم ينبغ لأمير المؤمنين ان يجيزه بشىء إلا أن يرى لذلك وجهاً فيه صلاح للمسلمين فيجتهد فيه.
ومن كتاب ابن حبيب قال: سمعت أهل العلم يقولون: أمير الجيش هو كأحدهم فيما يقسم له وفى ماله وعليه. وما أهدى إليه حربى فأنه مغنم كمن وجد كنزاً ببلد العدو من أهل الجيش، ولا يقبل هديةً ممن فى عمله من مسلم أو ذمى إلا من صديق ملاطف مستعن عنه، وله أن يقبل ممن ليس فى سلطأنه منهم. وكذلك الأمير إلاعظم إن غزا فما أهدى إليه الحربيون فهو مغنم لأهل الجيش. وما أهدى إليه الطاغية أو غيره من أهل الحربفى مقأمه فهو لجميع المسلمين.
ولا حجة لأحد فى هدية المقوقس إلى النبى صلى الله عليه وسلم مارية وشيرين وبغلة شهباء مات عنها، واتخذ مارية أم ولد وأعطى شيرين لحسان. وهذا من خواصه صلى الله عليه وسلم .وهذا المعنى مذكور فى الجزء السادس فى باب أرزاق العمال والحكأم والهدايا إليهم، وهناك زيادة فى هذا المعنى.
ومن العتبية من رواية أبى زيد عن ابن القاسم وذكره ابن المواز عنه، وعن رومى أهدى ابنته إلى رجل أن له وطأها. ولو سبى جارية ممن ببيننا وبينهم عهد مثل النوبة وشبههم لم ينبغ لى أن أشتريها ولا أطأها.
[3/218]
***(1/203)
[3/219]
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فى الدخول إلى أرض الشرك والخزر، وهم يبيعون أبناءهم وأمهاتهم، قال: شراؤهم منهم جائز، ولكنا نكره دخول أرضهم.
آخر الجزء الثالث من كتاب الجهاد
من النوادر والزيادات والحمد لله وحده
وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم
[3/219]
***(1/204)
[3/221]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الجزء الرابع من كتاب الجهاد
جامع القول فى إلانفال وذكر السلب
وفى شرط النفل قبل الغنيمة
قال أبو محمد قال مالك وأصحابنا: النفل من الخمس . وقال بعضهم: لأن الله سبحانه قال: (واعلموا أن ما غنمتم من شىء فإن لله حمسه) وجعل الأربعة إلاخماس لمن غنمها، فلا يجوز أن يؤخذ لهم منها شىء بإلاحتمال. وقولنا إن ما نفل النبى صلى الله عليه وسلم من السلب إنما هو الخمس أولى لأن الله سبحانه فوض إليه أمر الخمس يجتهد فيه. وإما الأربعة إلاخماس فمملوكة لهؤلاء. وليس تأويل من قال أنه من جميع الغنيمة أولى من قولنا أنه من الخمس.
ودليل آخر أنه لو كان السلب مستخرجة من جملة ما أوجب من الغنيمة لأهلها ، لم يؤخر النبى صلى الله عليه وسلم البيان فيه عند الحاخة إلى بيأنه، لأن هذه إلاية نزلت فى شأن خيبر أو النضير فلم يكن يؤخر بيأنه إلى يوم حنين، ففى حنين قال: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه، بعد أن برد القتال. ولو كان أمراً متقدماً لعمله أبو قتادة الذى قتل قتيلاً يوم حنين، وهو من فرسان النبى صلى الله عليه وسلم وأكابر
[3/221]
***(1/205)
[3/222]
سلبه ، فلم يطلب أحداً سلباً حتى نادى بذلك ،ولم يكن هذا ليخفى لو كان أمراً مرتباً.
وشىء آخر أن قوله من قتل ظاهره أنه من قد فعل .فمن قال أنه فيما يستقبل فعليه الدليل. وظاهر هذا أنه شىء فعله فيما قد كان اجتهاداً، ومخرجه من الخمس الذى قد حكمه الله فيه.
ودليل آخر أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاه لأبى قتادة واحد بلا يمين . فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج حق من غنم إلا بما تنقل به إلأملاك من البينات أو شاهد ويمين. وشىء آخر أنه لو كان أمراً وجب للقتال فلم يجد بينةً لكان يوقف كاللقطة ولا يقسم. وهو إذا لم تكن بينة يقسمن فخرج من معنى التمليك، ودل ذلك أنه خارج باجتهاد الإمام يخرجه من الخمس الذى يجعل فى غير وجه.
قال ابن حبيب: وحديث ابن عمر فى السرية التى كان فيها، بعثها النبى صلى الله عليه وسلم فغنمت إبلاً: فكان سهماننا أحد عشر بعيراً أو اثنى عشر بعيراً ونفلنا بعيراً بعيراً، فدل هذا أن النفل من غير حقوقهم. وليس ذلك إلا الخمس. قال: ابن المسيب: كان الناس يعطون النفل من الخمس. قال ابن حبيب: وعلى ذلك العلماء.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وكل نفل من الخمس، وقاله ابن المسيب. واحتج ابن المواز بحديث ابن عمر قال مالك: ولا نفل قبل الغنيمة.
قال ابن المواز ولا يعطى أمير الجيش شيئاً من الغنيمة أحداً منهم دون أصحابه إلا الطعام وما لا يبقى إلا إلأيام، أو ما يكون على العارية ويرد، فإما
[3/222]
***(1/206)
[3/223]
تمليك فلا إلا لما له وجه من نفل الرجل الشجاع أو من قد اختص بفعل فيعطيه ما يزيده به إقدام ا ويحرض بذلك غيره من الشجعان، ويكون ذلك من الخمس. أو من صعد موضعاً كذا فله كذا.
قال سحنون وابن حبيب: والنفل قبل الغنيمة مما يكرهه العلماء. قال ابن حبيب: وقد استخفه بعضهم إذا احتاج إليه الإمام مثل أن يدهمه كثرة من العدو أو نحوه. وقد فعله أبو عبيدة يوم اليرموك لما دهمه كثرة العدو حتى قاتل يومئذ نساء من قريش.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولا يكون السلب للقاتل حتى يعطيه الإمام على الإجتهاد. وإنما قاله النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين، ولم يبلغنا أنه قال ذلك فى غيرها، ولا فعله بعد ذلك، ولا فعله أبو بكر وعمر. قال ابن المواز: ولم يعط عمر البراء بن مالك سلب قتيله وخمسه .
ومنه من كتاب ابن حبيب قال: وأهل الشام يرون السلب لمن بارز خاصةً نفله الإمام أو لم ينفله، ولا يجعلون لأحد سلباً فى هزيمة ولا فتح. والأمر على قول أهل المدينةرأنه من الخمس إذا قاله الإمام.
ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال أصبغ: قال ابن القاسم فى السيرة تبعث بأرض العدو على أن لها ثلث ما تغنم أو جزءاً معلوماً إن ذلك لا ينبغى، وقاله أصبغ . قال ابن القاسم: وهذا مما تفسد به النيات ويصير عملهم للدنيا، ولا يخرج معهم على هذا، ولا أرى لمن خرج معهم على هذا أن يأخذ منه شيئاً. وبلغنى أن بعض أهل العلم خرج معهم، وما بذلك بأس لمن لا يريد أن يأخذ من هذا.
[3/223]
***(1/207)
[3/224]
قال أصبغ: وما أراه حرإما لمن أخذه وقد عملت به السرايا. ولا أحب أن تكون السرية إلا كثيفةً ذوو شجاعة ونشاط، ولا يكون غرراً ولا إلى موضع غرر. وقول مالك وأصحابه فى هذا الصواب وقول أهل الورع.
قال ابن القاسم: وللإمام أن ينفل بعض أهل السرية بعد الغنيمة من الخمس لما يراه من شجاعة رجل وشبه ذلك . فإما وحالهم سواء فلأن لا من الخمس ولا غيره.
قال عبد الملك: ولا يكون النفل لغير من ولى الأخذ وجاء به.
ومن كتاب ابن سحنون وذكر ما يكره من قول الإمام قبل القتال: من قاتل موضعاً كذا فله كذا، ومن فعل كذا فله كذا. قال سحنون: وإنما ينبغى أن يخرج المجاهد على إعزاز دين الله وإعلاء كلمته ثم إن عرض له رزق قبله. فإما أن يكون أصل جهاده على دنيا يصيبها فهذا يدخل فى الحديث فى قوله: ومن كانت هجرته إلى الدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها ، فهجرته على ما هاجر إليه . ولأمير الجيش أن ينقل فى أرض العدو على الإجتهاد.
قال: وإن بعث أمير الثغر سرية وأمر عليهم أميراً وسمى لهم موضعاً أو لم يسم، ولم ينهه عن النفل ولا إذن فيه، فإن نفل لم يجز نفله لأنه ولاه القتال، وليس إليه النظر ولأمير الثغر لو خرج ، إلا أن يرضى جميع أهل السرية بما نفل وإليهم من انصبائهم لا من الخمس فيجوز. وكذلك لو نهاه عن النفل فلا ينفل إلا برضاهم من انصبائهم دون الخمس.وما روى من السرية التى كان فيها ابن عمر وقوله: فنفلنا بعيراً بعيراص،يحتمل أن يكون عن أمر النبى صلى الله عليه وسلم متقدماً.
قال سحنون قال ابن عباس والسلب من النفل. قال مالك: لا يجوز ما (فنل قبل الغنيمة، وإنما فعله النبى عليه السلام بعد الغنيمة. قال سحنون:
[3/224]
***(1/208)
[3/225]
ولو) فعل ذلك إمام من أهل الإجتهاد فنفل قبل الغنيمة لم أنقضه، مثل أن يقول لهم: آخرجوا على أن لكم الربع بعد الخمس، كقضية حكم بها حاكم لما فيه من الإختلاف. وكذلك إن قال: ما غنمتم فلكم نصفه. وقال نحوه بعض أهل العراق.
قال :ولو نفل الإمام من الغنيمة بعد أن أحرزت بعض من له شجاعة فقد أخطأ ولكن لا ينقضه من رفع ذلك إليه. قال:وكذلك من أسهم لفرسين على قول أهل الشام لم أنقضه.
قال سحنون: وإن قال بعد القتال من قتل قتيلاً فله سلبه، فلا يخمس السلب ولكن يكون كله من الخمس. قال سحنون: كان ابن المبارك لا يأخذ لعبده من النفل شيئاً. قال سحنون: صواب، وقال الأوزاعى وغيره من أهل الشام: إن كراء حمل النفل يخرج من النفل خاصةً. وروى أيضاً عن الأوزاعى ان ذلك من جملة الغنيمة قبل الخمس.
قال سحنون: وحمل ما عجز الجيش عن حمله يبدأ بالكراء فيه قبل الخمس. قال سحنون: ولا حق فى النفل لأهل الذمة والعبيد إن حضروا، كما لا يرضخ لهم عندنا ولا للمكاتب.
وقال بعض أهل العراق: يدخل الذمى فى النفل لأنه يرضخ لهم عندهم، ولا يدخل فى قسم الغنيمة. والأوزاعى يرى أن يدخلوا مع المسلمين فى النفل وفى الغنيمة إذا غزوا مع المسلمين ويروى فيه حديثاً. وبعد هذا باب فى النفل هل يأخذه الذمى. قال مكحول: لا نفل فيما أصاب العسكر فى طريقه أو فى مقدمته.
[3/225]
***(1/209)
[3/226]
قال الأوزاعى : ولا نفل فيما وجد فى العسكر ولا فيما وجد فى بيوت قرية نزلوا بها. وإذا استقر العسكر فمن خرج يسرى من العسكر أو يتعلق فله النفل فيما أصاب. وكذلك من سار عن يمين العسكر ويساره وناداً عن طريقه فله نفله من ما أصاب.
قال مكحول: لا سلب يوم هزيمة أو فتح.
قال سحنون: لسنا نعرف هذا كله، والنفل من الخمس ولا يكون راتباً وإنما هو على الإجتهاد من الإمام: إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل على اجتهاده إذا برد القتال. وله أن ينفل إلاسلاب يوم الهزيمة أيضاً باجتهاده، وإنما يكون ذلك إذا برد القتال. وإإذا قال من قتل فله سلبه ولم يستشن فى هزيمة فله السلب وإن كانت هزيمة، يريد سحنون: وإن قاله قبل القتال على غير مذهبه أنه يمضيه كقضية نفذت.
قال سحنون: وكيف يجوز أن يقول : ما أصبتم فهو بينكم بالسواء بعد الخمس، وفى هذا إبطال السهام التى أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،يريد : فى تفضيل الفارس.
فى تفريع مسائل نفل السلب وما يدخل فى السلب
وذكر نفل الذهب والفضة
قال سحنون قال أصحابنا وأهل الشام: ولا نفل فى العين وإنما هو فى العروض السلب والفرس والسلاح ونحوها. وقال أهل العراق إذا نادى الإمام بنف السلب للقاتل فأنه يكون له ما على المقتول من سوارين وطوق ذهب ودنانير ودراهم وحلية سيف ومنطقة. وذكر عن مكحول فى المبارز أنه جعل من السلب الطوق والسوارين (بما فيها من جوهر.
[3/226]
***(1/210)
[3/227]
قال سحنون: إما حلية السيف فتبع للسيف. ولا شىء له فى الطوق والسوارين) والعين كله. وكذلك إن كان عليه تاج أو قرطان فلا شىء له فى ذلك. ويكون له فرسه وسرجه ولجأمه وخاتمه ودرعه وبيضته وسيفه ومنطقته بما فى ذلك من حليه وساعديه وساقيه وروايته. قال مكحول: بما فى ذلك من حلية وجوهر. قال سحنون والأوزاعى: وليس له ما فى منطقته من مال ونفقة ولا ما فى كمه وتكته. قال سحنون: وكذلك الصليب يكون فى عنقه. قال الوليد وقال الأوزاعى: يدخل الصليب فى السلب، وهو أحب إلى وقيل: وليس مما تزين به لحربه وإنما هو من دين تدين به فليس من السلب.
قال ابن حبيب: يدخل فى السلب فرسه وكل ثوب عليه وسلاحه ومنطقته التى فيها نفقته وسواراه وفرسه الذى هو عليه أو كان يمسكه لوجه قتال عليه . وإما إن تجنب أو كان منفلتاً منه، فليس من السلب.
ومن كتاب ابن سحنون قال الأوزاعى: وإذا أسر علجاً فأتى به إلى الإمام فقتله الإمام فليس له سلبه. وكذلك لو بارزه فصرعه ثم خرج فذهب به إلى الإمام فقتله.
قال سحنون: إلا أن أنفذ مقاتله بالضربةة فله سلبه.
قال سحنون: ولو أخذ إمام بغير قولنا فقال قبل القتال: من قتل قتلاً فله سلبه، فخرج رجل علجاً وأجهز عليه آخر ، فإن كان الأول أنفذ مقاتله فالسلب له، وإن لم ينفذها فهو بينهما. قال الأوزاعى: وإن عانقه واحد قد بارزه وقتله آخر فسلبه للمعانق. قال سحنون: هذا إن قهره حتى لا يتخلص منه كأسيره. وإن كان يمكنه التخلص فالسلب للقاتل.
[3/227]
***(1/211)
[3/228]
قال الأوزاعىك وإن بارز علجاً فوضع العلج بعض سلاحه بالارض، ثم قاتله فقتله المسلم فليس له إلا ما عليه دون ما فى الارض، وقاله سحنون. قال الأوزاعى: ولو قاتله على فرسه ثم نزل عنه العلج وقاتله ومقود فرسه بيده فليس له فرسه إلا أن يكون المسلم صرعه عن فرسه بطعنة أو ضربة.
وقال سحنون: الفرس له من السلب كان بيده أو مربوطاً فى منطقته بخلاف ما وضع بالارض من سلاحه. وإذا صرعه عن فرسه ثم جره إلى العسكر فمات بعد ذلك فإن كان أنفذ مقاتله فله سلبه، وإن لم ينفذ مقاتله فلا شىء له وإن مات بعد يوم أو أيام من ضربته فلا شىء له من سلبه وكذلك لو جره المشركون فمات عندهم وأخذ المسلم فرسه فلا شىء له من سلبه إلا أن تكون الضربة أنفذت مقاتله.
قا الأوزاعى : ومن حمل على فارس فقتله فإذا هو امرأة أو صبى أو مراهق: فإذا قاتلت المرأة فله سلبها، وكذلك الصبى. قال سحنون: إذا كان الإمام قد نفل إلاسلاب.
قال سحنون فى الإمام يقول: من قتل قتيلاً فله سلبه، فقتله رجلان أو أكثر ، فسلبه بينهم بالسواء للاختلاف. ولو قال: غن قتل رجل منكم وحده قتيلاً فله سلبه فلا شىء لهم إذا لم يختلف فى هذا ينفرد الواحد بقتل قتيل. قال محمد بن سحنون: ولو برز عشرة علوج فقال الإمام لعشرة من المسلمين: إن قتلتموهم فلكم أسلابهم فقتلوهم كل رجل يقتل واحداً، فلهم أسلابهم لا ينفرد كل قاتل بسلب قتيله فى قياس قول سحنون، لأن بعضهم معونةً لبعضهم. ولمن قتل صاحبه أن يعين بقية من برز معه ولا يعينهم غير من برز من المسلمين. ولو قتل تسعة منهم تسعة وقتل المشرك الباقى العاشر من المسلمين وذهب، فأسلاب التسعة بين التسعة القاتلين، لا شىء للمقتول معهم. ولو بقى
[3/228]
***(1/212)
[3/229]
المسلم العاشر حياً معيناً لهم لشاركهم فى إلاسلاب إلا أن يبين الإمام أن سلب كل قتيل لقاتله. ولو قال لكم أسلابهم إن قتلتموهم أجمع ولم تغادروا منهم أحداً فلا شىء لهم حتى يستوعبوهم.
وبعد هذا باب فى نفل الذهب والفضة والعروض.
فى المقاتل يجعل له السلب أو غير السلب فيقتل الإمام قتيلاً
قال سحنون: وإذا قال الأمير فى أول القتال من قتل قتيلاً فله سلبه فنحن ننهى عن هذا، فإن نزل مضى . فإذا قال هذا ثم لقى هو علجاً فقتله فإن له سلبه. كذلك إن قتله فى مبارزة. ولو قال: من قتل قتيلاً منكم فله سلبه، أو قال لما بارز رجل من العدو من قتله منكم فله سلبه، لو يكن له هو سلب من قتل ، كان هو المبارز أو غيره، لأنه آخرج نفسه بقوله: منكم. ولو قال: إن قتلت قتيلاً فلى سلبه فلا شىء له لما خص نفسه. وكذلك لو قال بعد ذلك: ومن قتل منكم قتيلاً فله سلبه فى المستقبل. ولو قتل الأمير قتيلاً بعد أن خص نفسه وقتيلاً بعد أن قال من قتل قتيلاً فله سلبه فإنما له سلب الثانى.
ولو قتل الأمير قتيلين أحدهما قبل أن يقول من قتل منكم قتيلاً فله سلبه ، والآخر بعد قوله من قتل قتيلاً فله سلبه، وقد كان قال قبل قتل القتيلين إن قتلت قتيلاً فلى سلبه، فإن سلب القتيل الأول فى الغنيمة، وله سلب الثانى. ولو قال الأمير: إن قتلت قتيلاً فلى سلبه، (ومن قتل منكم قتيلاً فله سلبه)، فقتل الأمير قتيلين وقتل رجل من القوم قتيلين، كان للأمير سلب القتيل الأول دون الثانى. وإما
[3/229]
***(1/213)
[3/230]
القوم فمن قتل منهم قتيلين كان له سلبهما بخلاف الأمير لأن الأمير إنما خص نفسه بقتيل واحد، وهو بخلاف المسألة الأولى لنه قال فى الأولى: إن قتلت قتيلاً فلى سلبه، ثم قال بعد ذلك: من قتل قتيلاً فله سلبه، وهذا :إنما قال ذلك كله فى مقأم واحد، فخص نفسه معهم بقتيل واحد.
ولو قال لرجل: إن قتلت قتيلاً فذلك سلبه، فقتل قتيلين أحدهما بعد الآخر ، فغيرنا يجيزه ويعطيه سلب الأول خاصةً. ونحن نكره هذا كله، فإن نزل وقاله الأمير على الإجتهاد مضى، وكان له سلب الأول فقط. فإن جهل سلب الأول ، فقيل له نصفهما، وقيل : أقلهما. وإذا قالك من قتل منكم قتيلاً فله سلبه ، فمن قتل منهم اثنين أو ثلاثة فله سلبهم.
محمد: ونحن وغيرنا مجمعون أنه إن خص نفسه فلا شىء له . فإما إن قال لعشرة هو احدهم من قتل قتيلاً فله سلبه، أو قال من قتل منا قتيلاً فله سلبه، فقال غيرنا: إن قتل هو وغيره قتيلين أو ثلاثة فله سلبهم، فنحن نمضيه على قولهم. وإن قال يا فلأن إن قتلت قتيلاً فلك سلبه فقتل قتيلين معاً، فقيل له نصف سلبهما، وقيل له أكثرهما. وكذلك قوله: إن أصبت أسيراً فهو لك فأصاب أسيرين، فله نصف كل واحد منهما.
جامع القول فى النفل يبذله الإمام قبل الغنيمة
من جزء مسمى أو مال مسمى
لمن قتل قتيلاً أو لمن تقدم إلى الحصن
والقول فى نفله لسرية وفيما غنمت أو يغنم بعدها
قال ابن سحنون قال سحنون: وكل شىء يبذله الإمام قبل القتال من هذه إلانفال لا ينبغى عندنا، إلا أنه إن نزل وقاله الإمام أمضيناه وإن أعطاهم ذلك
[3/230]
***(1/214)
[3/231]
من أصل الغنيمة للاختلاف فيه. فلو ظأنه قال من تقدم إلى الحصن فله كذا أو إلى الباب فله كذا فليعطهم ما قال. وكذلك الصائفة يبعث أميرها سرايا على أن لهم الثلث بعد الخمس، أو قال قبل الخمس، فأنه يمضى ويعطون ما قال، ويدخلون فى السهام فيما يبقى بعد الخمس منه.
ولو بعث سرية على الثلث وآخرى إلى جهة آخرى على الربع، وفى كل سرية قوم بأعيأنهم، وكل ذلك على اجتهاده على قدر صعوبة أحد الموضعين، فدخل فى كل سرية رجل من الآخرى فغنموا، فليحرم الإمام النفل من دخل منهم فى غير سريته عقوبةً له، وله حقه من الغنيمة. ولو خرج معهم رجل لم يأمره الإمام بالخروج، والأمير متفقد لأمر جيشه، فلا نفل له أيضاً. ولو قال يخرج فى كل سرية من شاء، فللذى دخل فى غير سريته النفل مثل أصحابه.
قال الأوزاعى: وإن خرج فى سرية فلقى آخرى فإنضم معها، فإن كان من أهل الديوان أحرم النفل بتعديه . وإن كان متطوعاً فله نفله ويضمه إلى السرية التى كان معها فيقسمه معهم، ولييشركهم فى نفل ماغنموا. ولو بعث أمير الجيش سريةً على أن لهم الربع بعد الخمس، ثم نفل وإليها قوماً على فتح حصن أو نفل رجلاً ففتحوا وغنموا ، فنفل أمير السرية باطل، إلا أن يجيزه جميع أهل السرية، فيجوز مما نفلهم أمير الجيش فى تلك السرية ومن سهامهم فيها بعد النفل لا فى سهأم أهل العسكر.
ولو ضل من السرية رجل عن قوم من العسكر فتركوا هناك نفراً لأنتظاره، ثم رجعوا إليهم غانمين، قال: لا نفل للذى ضل منهم بخلاف الغنيمة، وقد أخطأ الأمير فى تغريره بمن خلف منهم إلا فى موضع مأمون.
قال ابن سحنون: وللذين أقاموا على النضال من النفل ما لأصحابهم لأنه خلفهم فى مصلحة. ولو لم يتخلف أحد عليه فرجع الضال غانماً وقد غنم
[3/231]
***(1/215)
[3/232]
أصحابه فالتقوا ،فلهم النفل فيما غنموا وللضال نفله فيما غنم، وما بقى جمع إلى ماغنم العسكر فقسم بين الجميع. وكذلك لو افترقت على فرقتين، فرجعت كل سرية غانمة فقط، فالتقوا عن العسكر بأميال لا يلحقهم فى مثلها فى النصر،(فلكل سرية نفها مما غنمت دون الآخرى، إلا أن يكون لا غنى لواحدة عن الآخرى وبها خلصت) فلتشركا فى النفل.
قال سحنون: وإن بعث الإمام سرية على الربع بعد الخمس على مذهبه فقدموا غانمين، فلم يأخذوا النفل حتى مات أو عزل وولى من يرى قولنا، فأنه لا ينفذ ذلك إلى الحصن ونحو ذلك مما لا نراه. قال ابن سحنون: وأنا أرى أنها قضية نافذة لا ترد، قبضوا ذلك أو لم يقبضوه.
قال سحنون: وإذا بعث الوالى سرية على أن لهم الثلث بعد الخمس على مذهبه، فبعدوا من العسكر بعداً لا يمكنهم الرجوع إليه، فرجعوا إلى دار الإسلام من موضعهم، فما غنموا بينهم خاصةً بعد الخمس فقالوا للإمام سلم لنا نفلنا فلا يسلم لهم لأن الغنيمة صارت لهم كلها. قال سحنون: ويسقط حقهم فيما غنم أهل العسكر بعد انقطاعهم عنهم. وإما ما غنموا قبل خروج السرية فحق السرية فيه معهم.
قال سحنون: ولو أصابت السرية غنائم فى موضع يكون العسكر رداءاً لهم لو استعانوا بهم، ثم خرجت السرية إلى دار الإسلام ولم ترجع إلى العسكر ، فأهل
[3/232]
***(1/216)
[3/233]
العسكر شركاؤهم فى غنيمتهم، ولهم نفلهم فيما غنموا ولو كان خروج السرية إلى دار الإسلام على إلاضطرار والغلبة لكثرة العدو فلا يقدرون أن يرجعوا إلى العسكر.
قال ابن القاسم: نرى للسرية حقاً فيما غنم أهل العسكر بعدهم، لأنه روى عن مالك فى المراكب تفرقهم الريح فترد بعضهم إلى أرض الإسلام: أن لهم حقهم (فيما غنموا . وأنا أرى فى السرية الخارجة بغلبة أن لهم حقهم) مع العسكر فيما غنم قبل خروجهم، (وساقط فيما غنم بعد خروجهم) كالميت لا شىء لعه بعد موته. ولو خرجوا اختياراً فحق أهل العسكر ثابت فيما غنمت السرية، وحق أهل السرية ساقط فيما غنم العسكر بعد دخولهم دار الإسلام فى قول ابن القاسم وقول غيره.
وإذا بعث الأمير سرية من المصيصة ليلحقها على أن لهم الثلث بعد الخمس أو قبل ، فتقدموا فغنموا ، فإن ادركهم الإمام بأرض الحرب كما قال فلهم نفلهم ، ثم يشركهم أهل العسكر فى بقية الغنيمة. وإن بدا للإمام فلم يخرج حتى رجعت السرية أو خرج فأخذ غير ناحيتهم وخرجت السرية إلى أرض الإسلام فلا حق للعسكر فيما غنمت، وليعزلوا الخمس ويقسم ما بقى بينهم خاصةً.
قال محمد: هذا إن نفلهم الثلث بعد الخمس لأن كل ما يبقى لهم خاصةً . فإما إن نفلهم الثلث قبل الخمس فلهم الثلث بدءاً ثم يخمس ما بقى ويضم أربعة أخماس إلى الثلث فيقسمون ذلك ، وكأنه نفلهم بعض الخمس. قال سحنون: وأصحابنا يكرهون أن يبعث سريةً ثم ينفلها جميع الخمس لأنه أمر لم يمض به سلف. وإما بعضه فله أن ينفلهم بعضه أو ينفل بعضهم.
[3/233]
***(1/217)
[3/234]
قال أهل العراق :ولو بعث الإمام رجلين أو ثلاثة وقال: ما أصبتم فلكم لا خمس فيه فهو جائز بخلاف السرية والجيش. قال محمد: لا فرق بين ذلك ولا ينبغى إبطال الخمس قلوا أو كثروا. وقال غيرنا: ولو أن هؤلاء الثلاثة سروا بغير أمر الإمام فما أصأبوا فلهم لاخمس فيه . قال محمد: هذا خطأ وفيه الخمس، ولا فرق بين هذا وبين الجماعة.
قال محمد: وإن بعث سرية على نفل الربع بعد الخمس وآخرى على فنل الثلث، فضل من كل سرية رجل فدخل فى السرية الآخرى وبعد ما بينهما فلم يجتمعا إلا فى العسكر، ففى قياس قول سحنون يصير نفل الضال وسهمه مع السرية التى صار إليها وعلى نفلهم. وقال غيره من أصحابنا: بل يأخذ معهم مثل نفلهم يضمه إلى نفل التى ضل منها، فيأخذ نفله معهم كما يأخذون. وقال مثله الأوزاعى: إذا أخطأ طريق سريته فدخل مع الآخرى.
قال محمد وإذا نفل سريةً الرع بعد الخمس فأنه يسأوى فيه بين الفارس والراجل فى قسم النفل، لأنهم أعطوه لما ينالهم، والراجل أشد غرراً وتعباً. وإما ما بقى بعد الخمس فيعطى للفارس سهم فارس، وقاله أهل الاشم وأهل العراق. قال محمد: ولو بين لهم فى النفل أن يقسم للفارس سهمان وسهم للراجل قسم على ما قال.
فى النفل على فعل شىء فيفعل بعضه أو ما يشبهه أو خلافه
وفى النفل لمن جاء من المال بكذا أو جاء بكذا فله كذا
من كتاب ابن سحنون وإذا قال الإمام بعد الغنيمة: من قتل قتيلاً فله سلبه، فجاء فارس وراجل بسلب علج قتلاه فليقسم بينهما بالسواء. ولو قال لسرية قبل القتال، يريد على مذهب غيرنا، من فعل كذا فله كذا فقد تقدم قوله: إنا ننهى عنه فإن نزل أمضيناه.
قال سحنون: وإذا قال للسرية :إن قتلتم مقاتلة هذا الحصن وقتحتموه، فلكم الربع بعد الخمس، فقتلوا بعضهم وأنهزم من بقى وفتحوا فلهم نفلهم.
[3/234]
***(1/218)
[3/235]
وكذلك لو لم يقتلوا غير أمير الحصن وأنهزموا وفتح. وكذلك لو أنهزموا لما أقبل إليهم المسلمون خلوا عن الحصن فلهم نفلهم. وإما لو خلوا عن الحصن قبل إقبال المسلمين إليهم فأتوا فوجدوه خالياً فلا نفل لهم.
ولو قال :إذا قتلتم المقاتلة وسبيتم الذرية فلكم الربع ، فقتلوا بعض المقاتلة وسبوا فلهم نفلهم. وكذلك لو هجموا عليهم فهزموهم بغير قتال فلهم النفل. وإن قال: من قتل بطريقاً فله سلبه، فقتل غير بطريق فلا شىء له. وكذلك لو شرط قتل الملك فقتل بطريقاً. ولو قالك من قتل قتيلاً فله سلبه وقتل مسلم ومشرك مشركاً أخطأ به المشرك، فللمسلم نصف السلب والنصف يقسم قسم الغنيمة.
ولو قال : من قتل رجلاً من صعاليك المشركين فله سلبه فقتل رجل بطريقاً أو ملكاً فليس له سلبه لأنه منع سلب البطارقة لكثرة سلبهم. ولو قال: ففله مائة درهم، فله ذلك من الخمس . ولو قال: من قتل شيخاً فله سلبه فقتل شاباً فله سلبه إلا أن يعلم أنه خص الشيوخ لكيدهم وتدبيرهم فلا شىء له . ولو شرط شاباً فقتل شيخاً فلا شىء له.
ولو قال : من جاء بأسير فهو له أو له كذا، فجاء رجل بوصيف أو وصيفة فلا شىء له. ولو قال: (من جاء بوصيف أو وصيفة فجاء بأسير، فإن أراد الأمير أن يكثر السبى فلا شىء له. وإن لم يرد ذاك فله نفله. وإن قال: من جاء برضيع فجاء بوصيف فلا شىء له. ولو شرط وصيفاً فجاء برضيع فهو له. وإن قال:) من جاء بوصيف فله مائة درهم من الخمس فجاء بوصيفة، فإن كانت فى القيمة مثله فأكثر فله نفله. وإن كانت أقل، فلا شىء له. وكذلك فى مجيئه بوصيف والشرط وصيفة. وإما إن جاء بشيخ والشرط شاب فلا شىء له.
وإن قال: من جاء بشيخ فله مائة درهم فجاء بشاب، فله نفله فى إجماعنا إلا ان يكون إنما حرض على الشيوخ لكيدهم ورأيهم. وغيرنا يرى النفل فى المال بقول إن قال: من جاءنى بألف درهم فله مائة منها، إن ذلك لازم، وليس بقولنا.
[3/235]
***(1/219)
[3/236]
وفرغ فى هذا على أصله : إن جاء بأفضل عيناً أو دون عيناً على ما قدمنا. وإن قال: من جاء بعشرة من الغنم فله شاة منها أو قال مائة درهم، فجاء رجل بعشر بقرات فله ما جعل له. وكذلك من جاء بثياب كذا فله كذا. فإن جاء بثياب غيرها مثل قيمتها فأكثر فله شرطه. وإن كان دون القيمة فلا شىء له.
وإن قال من جاء بفرس (أو قال: ببردون فله كذا ، فجاء ببغل أو حمار فلا شىء له. ولو قال من جاء بفرس) فلا شىء لمن جاء ببرذون. وإن قال من جاء ببرذون فجاء بفرس فله نفله. وأن قال من جاء بفرس فله مائة درهم، فجاء رجل بفرس ثم لم يغنموا غيره فله من خمسه مائة درهم إن بلغ ذلك خمسه.
فى النفل فى الذهب والفضة والعروض
وكيف إن استثنى أو ذكر أشياء تتصرف إلى أصناف
وفى النفل فى الارض
قال ابن سحنون عن أبيه قال أهل الحجاز وأهل الشام: لا نفل فى ذهب ولا فضة، وخالفهم آخرون.
قال: فلو قال الإمام من أصاب ذهباً أو فضةً فله منها الربع بعد الخمس أمضيناه على ما قال كقضاء نفذ بقول قائل، ولمن أصاب ذلك نفله منه كان مسكوكاً أو غير مسكوك من سكتنا أو من سكتهم أو حلى أو تبر. وإن قال من أصاب شيئاً فله ربعه إلا ذهباً أو فضةً فهو كذلك لا شىء له فى ذهب أو فضة على أى حال كان.
[3/236]
***(1/220)
[3/237]
وإن قال من أصاب حديداً فهو له أوله منه كذا، فإن كان ذلك أمراً عرفوه فهو ذلك. فغن عنوا به السلاح دخل فيه الدروع والسيوف والسكاكين وغيرها من السلاح. وإن عنى نقر الحديد لم يدخل فيه السلاح. وإن كان ذلك قولاٌ مبهماً، فإن كان بلد معادن حديد حمل على أنه عنى زبر الحديد لا السلاح. وإن لم يكن بلد معادن حمل على كل حديد من سلاح وزبر وآنية، ولا يدخل أجفإن السيوف ونصال السكاكين فى ذلك. وإن ذكر البز فإن ثياب الكتان والقطن من البز. وكذلك يعرف عند الناس من البز، ولا يدخل الغزل فى ذلك.
ولو قال : من أصاب ثوباً دخل فى ذلك ما أصاب من ثوب ديباج أو بزيون من لباسهم أو كساء بز كانوا يلبسونه فى أعيادهم. وإن أصاب كسساء للنوم أو عمأمةً أو قلنسوةً فلا شىء له. وكذلك فى الفراش والبساط أو النسج وإنما الثياب ما يلبس.
ولو قال من أصاب متاعاً دخل هذا فيه، ودخل فيه الفرش والثياب والبزيون والمرافق، ولا يدخل فى ذلك إلانية كلها.
وإن قال من أصاب ذهباً أو فضةً فهو له فأصاب سيفاً محلى، فإن كانت حليته تبعاً يسيرةً فلا شىء له. وإن كان النصل تبعاً فهو له. وكذلك ما حلى من سرج ولجأم أو مصاحفهم. وكذلك أبواب فيها مسأمير ذهب أو فضة يسيرة فلا شىء له.
ولو وجد حلياً مرصعاً بالجوهر فى الغنيمة ، وكذلك فص الخاتم، فله الذهب والفضة. وكذلك لو كثرت قيمة الفص، وهذا بخلاف ما مضى لأن هذا منسوب إلى الذهب والفضة، (يقول: خاتم ذهب أو فضة. وكذلك صليب ذهب مرصع.
[3/237]
***(1/221)
[3/238]
ولو قال من أصاب ياقوتاً أو زمرداً أو لؤلؤاً فهو له فوجد حلياً مرصعاً بذلك، فهذا ينزع الجوهر ويكون له دون الذهب والفضة). وكذلك من الخاتم. ولو قال من أصاب فصاً من ياقوت فأصيب فى الخاتم فأنه يقلع. ولو قال من أصاب حديداً ولا دليل على قصده فجاء بسرج فله الركابان. وليس له مسأميره ولا ضبة فيه يتفكك بنزعها، كما لا ينزع مسأمير السفينة ولا حشو الجبة المحشوة مما شرط، لأنه لا اسم له منفرد إلا بزوال اسم ما تضمنه.
ولو قال من أصاب ثوب قز فأصاب جبة بطانتها قز ووجهها غير قز فله فيها بمبلغ قيمة القز منها. ولو قال جبة حرير فكان وجهها حريراً فله الجبة كلها لا ينظر إلى بطانتها، ولا شىء له فيها. وإن قال: من أصاب ذهباً فجاء بثوب فيه ذهب ونسيج، فإن كان ذهبه تافهاً فلا شىء له. وإن كان كثيراً نزع منه وأخذه، ولا يباع ويقسم ثمنه إذ لا يجوز تركه كذلك. وإن وجد قصعةً مضببةً بذهب فإن كان له بال جعل للزينة ولا يضر نزعه فله فصله وأخذه . وإن كان شيئاً تافهاً فلا شىء له . وكذلك وكذلك المائدة. وإن قال من أصاب حريراً فوجد جبة علمها حرير أو لبنتها حرير فلا شىء له.
وإن قال ذهباً فوجد ياقوتةً فيها مسمار ذهب فلا شىء له. وإن وجد أسيراً قد اتخذ أنفاً من ذهب فله إلانف الذهب لأنه بائن بخلاف ما ضبب به أسنأنه. فإن قال ثوب حرير فوجد ظهارةً تحتها فرو نسور أو فنك فلا شىء له لأنه فرو ، هو الغلب على اسمه. ولو قال من أصاب حلياً فأصاب حلياً مرصعاً فهو له بجوهره.
وإن قال من أصاب سيفاً فله السيف بجفنه وما فيه حلية تافهة. وإما الكمثيرة فتنزع إلا أن يعلم الإمام ومن معه أن سيوف ذلك العدو كذلك فهو
[3/238]
***(1/222)
[3/239]
له . وكذلك المناطق والثوب النسيج إذا قال من وجد ثوباً. وإن قال ذهباً فوجد درعاً مموهاً أو لجإما مموها ص بذهب، فإن كان لو كان تافهاً فلا شىء له فيه، ولا تباع هذه الأشياء حتى ينزع ما فيها من الذهب. وإن قال من وجد حلياً فوجد تاجاً للنساء أو تاج الملك فهو له ولا فرق بينهما، وقد أخطأ من فرق بينهما. والخاتم من الحلى فهو له كان ذهباً أو فضةً. فإن لبس رجالهم الذهب، قال والسلك المنظوم والقرط المنظوم هو من الحلى وإن كان لم يكن فيه ذهب. ولو قال ومن وجد صوفاً فوجد جلود صوف أو ثياب صوف أو غزله فلا شىء له فيها. وكذلك إن قال شعراً فلا شىء له فى جلود الماعز ولا فى مسوح الشعر ونحوها. ولو قال خزاً فوجد جلود خز فهى له ها هنا، نزع الخز عنها أو لم ينزع لأنه الغرض منها. وكذلك له غزل الخز وثياب الخز، ولا شىء فى راية الخز. ولو قال من أصاب فرواً فله الفرو بما ظهر به من حرير أو خز بخلاف قوله جبة خز فيوجد بطانتها فنك أو نسر لأن إلاسم فرو. وإن أصاب جبة خز بطانتها مروية فله الظهارة وحدها لأنه يقع عليها جبة خز بلا بطانة. ولو قال جبة مروية، فيوجد ظهارتها مروية وبطانتها جنساً آخر فهى له ببطانتها. وكذلك فى القلأنس هى له ببطانتها، ويعمل على ما عرف من إلاسماء . ولو قال : هذه الجبة الخز وهى على علج فأخذها رجل كانت هذه ببطانتها. ولو قال من أصاب قباءً مطلقاً، أو قال قباء خز أو مرورى، فلا يكون له فى هذا كله غير ظهارة القباء دون بطانته لأنه سمى قباء. وقد أخطأ من فرق بين قوله قباء وبين قوله قباء خز أو مرورى. والسرأويل كذلك لا شىء له من بطانته.
قال أهل العراق: وإذا نفل الإمام سريةً الربع بعد الخمس من الارض فذلك جائز لهم. قال سحنون: لا ينفل الارض ولا شىء لهم كما لا تخمس.
[3/239]
***(1/223)
[3/240]
فى النفل المجهول
من كتاب ابن سحنون قال: وإذا قال الإمام على غير قولنا من جاء بشىء فله منه طائفة أو قال بعضه أو جزء منه فليعطه بقدر اجتهاده. وكذلك قوله فله منه يسير أو قليل. قال وما أعطاه فمن الخمس .
وقد قال أشهب فى الحالف لأقضينك بعض حقك إلى شهر : أنه يبر بما قضاه منه.
ولو قال لأقضينك حقك إلا أن تؤخرنى ببعضه، أو أحلفه الطالب بذلك فليؤخره بما شاء وهو بعض. وقال ابن القاسم: يؤخره بقدر ما يرى من ناحية الحق وناحية الرجل، وليس تأخيره بدينار من ألف دينار أو مائة وجه مراده. وقال سحنون: وهذا يرجع إلى اجتهاد الرأى.
قال أشهب: ولو وخره بالجميع لم يحنث . وولو قال من جاء بشىء فله منه سهم فإن له سهماً منه. ولو أعطاه السدس كان حسناً. قاله بعض أصحابنا في الموصى له بسهم من ماله ,لأن أصل الفرائض من ستة.
وقال أشهب: له سهم ما تستقيم عليه فريضته. وإن كان وارثه واحداً فللموصى له الثلث إلا أن يجيز له الورثة الجميع. فإن ترك من لا يجوز له المال أو لم يترك وارثاً فله الثمن لأنه أقل سهم ذكر لأهل الفرائض، فيأخذه إن كان مليئاً وإن كان فقيراً، لم أر بأساً أن يزاد بالإجتهاد. ولو قال من جاء بشىء فله منه نصيب فذلك يرجع إلى الإجتهاد أيضاً كمن لرجل نصيباً من دار فإنما له ما أعطاه . ولو قال فله شرك فيه فهو كذلك يجتهد فيه ولا بأس أن يبلغ به النصف.
وهو على غير قول ابن القاسم فى المقارض على أن له فى الربح شركا: إن له النصف ، وهو أحسن . ولو قال من جاء بشىء فله منه مثل سهم أحد القوم، نظر
[3/240]
***(1/224)
[3/241]
سهم راجل من الجماعة إن كانوا رجالةً أو سهم فارس إن كانوا فرساناً. وإن كانوا صنفين ،فنصف سهم من كا صنف فى غير قول ابن القاسم . وفى قول ابن القاسم تقسم الغنيمة على الفرسان والرجالة بالسواء، ويعطى مثل ذلك السهم كمن أوصى بمثل نصيب أحد ورثته وفيهم رجال ونساء.
ففى هذين القولين قال: فإن لم يبلغ الذى جاء به ما ذكر لم يزد عليه، وذلك يحسب من الخمس. وإنما جعلت له جميع ما جاء به إذا كان مثل السهم فأقل والأمير إنما قال فله منه سهم. ولأن ذلك مثل من أوصى لرجل بعبد من عبيده ولم يدع غير عبد واحد فإن له جميعه. وأنه لا يزاد على ما جاء به كما لو قال من جاء بمائة فله مائتان فلا يزاد عليها، وهذا خطأ من الإمام إن قاله.
ولم يبلغنا أن أحداً من السلف نفل إلا بعض ما جاء به أو ما جاء به لا أكثر منه، قال: ولم يختلف الناس أنه لا يعطى أكثر مما جاء به فى السلب وفى غيره.
ولو قال من جاء بوصيفة فله ألف فجاء بوصيفة تسأوى خمسمائة دينار فلا يزاد على قيمتها. وكذلك سائر العين والعروض. وإما إن قال من جاء بأسير فهو له وله أيضاً خمسمائة، فهذا عندنا خطأ، ولكن إذا فعل ما أراده ويعطى ما قال: وليس كالأولى لأن فى هذا تحريضاً على الجهاد. وكذلك من جاء ببطريق فله سلبه وله ألف درهم، أو قال من قتل الملك أو جاء به فله ألف دينار، أو كان رجل قد أنكى على الحصن فقال من صعد إليه فأسره أو قتله فله كذا، ففعل ذلك رجل فله ما قال.
ولو سقط ذلك العلج خارج الحصن بموضع يمتنع فيه فقتله رجل أو أسره فلا شىء له لأنه زال من الموضع الذى أنكى فيه. ولو وقع داخل الحصن فصعد
[3/241]
***(1/225)
[3/242]
رجل ونزل إليه فقتله أو جاء به فله نفله. ولو طعنه على السور فرمى به إلى المسلمين فى موضع يمتنع فيه فأخذه رجل آخر وقتله فالنفل بينهما. ولو لم يقل من قتله ولكن قال من قتله أو جاء به، فوقع من غير فعل أحد بموضع يمتنع، فقتله رجل أو جاء به، فإن أراد الإمام زواله من موضعه لثملة سدها أو غير ذلك فلا شىء له لأنه زال من غير فعله. فإن لم يقصد هذا فالنفل لمن جاء به أو قتله إلا أن يقع فى موضع لا يمتنع فيه.
وإن قال من قصد الحصن ونزل عليهم أو من دخل عليهم من ثملة كذا فله كذا. فلا ينبغى هذا إذا كان فيه خطر. فإن لم يكن فيه خطر ونزل هذا فله نفله إذا كان فيه نكاية وجرى على الإجتهاد. وإن دخل من ثملة آخرى أو صعد من حائط آخر وهو مثل ما دعا إليه أو أنفع للمسلمين فله نفله. وإن كان أشد خطراً فينبغى أن يحرمه نفله عقوبةً له فيما غرر بنفسه. وإن كان موضعاً أقل نفعاً وفائدةً فلا شىء له. وكذلك من جاء بدون ما شرط له به النفل.
فى الإمام ينفل السلب لمن قتل قتيلاً
فيقتل الرجل من ينهى عن قتله أو يقتل عبداً
من كتاب ابن سحنون: وإذا قال الإمام من قتل قتيلاً فله سلبه، فقتل رجل رجلاً أجيراً للمشركين أو تاجراً لا يقاتلأن أو عبداً لا يقاتل أو مرتداً أو ذمياً لحق بأرض الحرب فله سلب هؤلاء. ولو قتل منهم امرأة فليس له سلبها إلا أن تكون تقاتل وقأمت بذلك بينة. وكذلك الغلأم إذا ثبت أنه قد قاتل وإن لم يبلغ ولم ينبت وهو يطيق القتال، فله سلبه. وإن قتله وقد أنبت فله سلبه وإن لم يقاتل.
وإن قتل مريضاً لا يقدر أن يقاتل أو يقدر أو مقطوع اليد فله سلبه. وإن قتل شيخاً فانياً فليس له سلبه فى قول أكثر العلماء إلا فى قول من يرى قتل مثله
[3/242]
***(1/226)
[3/243]
لما فيه من الرأى والتدبير. وإن قتل راهباً فليس له سلبه. وإن قتل أسيراً مسلماً أكرهوه على القتال فلا شىء له وسلبه لورثته مع ماله، إلا أن يكون سلبه أعاره إياه العدو فهو لقاتله. وليس له سلب من لم يقاتل من امرأة وصبى وشيخ فإن وإن كان سلبهم عاريةً للعدو، لأنه قصد إلى قتل من لا يجوز له قتله.
ولو قتل مشركاً وسلبه أعاره إياه كافر أو رجل أو امرأة أو شيخ أو من يحل ماله من الكفار فذلك للقاتل. وإن كان أعاره ذلك مسلم من تاجر عندهم أو رسول فلا شىء للقاتل. وإن كان السلب لرجل أسلم بدار الحرب فالسلب للقاتل فى قياس قول ابن القاسم، لأنه يرى ماله فيئاً إن دخلنا إليهم أو خرج هو وحده ثم دخلنا إليهم. وأنا أرى أنه أحق به ما لم يقسم. فإن قسم فهو أحق به بالثمن. ولو أن سلاحه كان غصبه للمسلم لكان للقاتل بخلاف أن لو أعاره إياه.
فى السلب يحوزه المشركون وقد وجب للقاتل
من كتاب ابن سحنون: وإذا نفل الإمام السلب فرمى رجل علجاً فقتله وهو فى صف المشركين، فلم يقربه المشركون حتى أنهزموا فهو للقاتل. ولو أخذوه ثم أنهزموا ثم وجدنا ذلك السلب والدابة، فإن كان أخذه ورثته أو وصيه أو ملكهم أمر بأخذه على ما رأى من النظر لهم، فلا شىء لقاتله لأنه قد ملك عنه قبل يحوزه. وإن أخذ على غير هذا أو سرقه أو خلسه فالقاتل أحق به. وإن أخذ بعد أن أخذه من له أخذه فهو فىء. وإن أنهزموا فلا يدرى أخذوه أم لا، فما وجد عليه فلقاتله. وكذلك دابته إن أصيبت معه. وإما ما نزع عنه ففىء ، لأن الغلب أنه نزعه من له نزعه.
وإن وجدوا دابته بيد من أخذها من وصى أو وارث له فهى فىء. وإما بيد مختلس أو سارق فهى للقاتل. وإن وجدت بعد سير العسكر مرحلةً أو مرحلتين فهى للقاتل ذلك بخلاف لو وجدت بعد أمد طويل. ولو حمل أهله أو وصيه القتيل على دابته مع سلاحه ثم ساقوها منهزمين فذلك للقاتل. وكذلك لو فعله أحد من العسكر على الخلسة، لا أفرق بينهم وبين ورثته إذا كان بحدثان
[3/243]
***(1/227)
[3/244]
القتل ، ولأن الوارث أيضاً لم ينزع عنه سلبه، ولا فات فيه أمر كما لو لم يجروا القتيل إليهم، وليس يملك الوارث السلب عندنا فى هذا لجر المشركين القتيل إليهم إذا كان أم يفت فيه أمر.
فى التداعى فى السلب
وجامع القضاء فيه
من كتاب ابن سحنون: وإذا نفل الإمام السلب للقاتل فضرب رجل علجاً ثم احتز آخر رأسه، فإن كانت الضربة أنفذت مقاتله وإن تآخر موته فالسلب للضارب دون المجهز. وإن لم ينفذ مقاتله فالسلب للثانى . وكذلك لو قطع أوداجه أو نثر حشوته وأجهز آخر عليه.
محمد: ولا اختلاف فى هذا لأن حياته حياة موت. وقول الله تعالى فى أكيلة السبع وما ذكر معها (إلا ما ذكيتم) ، ومعناه : إذا كان خرجاً من معنى ما (حرمت عليكم) ولو كان فى معناه لكان تكريراً وكان الميتة قد جمع ذلك. إلا ترى أن ذكره للجمع بين إلاخيتن فيه معنى من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها لأنهما قرابة محرم كما إلاختين قرابة محرم، وليس اينتا العم قرابة محرم ؛ ولأن من قطعت أوداجه أو انتثرت حشوته أو قطع نصفين له حياة ولا تذكية فيه، ولم يختلف فيهم.
و‘ذا تداعيا قتله الجارح والحتز الرأس وقد ذهب الجسد ، فالسلب بينهما لاحتمال دعواهما. وأهل الشام يرون سلبه للجارح الأول وإن لم ينفذ مقاتله. وغيره يراه لمحتز رأسه لأنه متيقن أنه عن فعله مات، ونحن نشك فى الجارح هل قتل أو
[3/244]
***(1/228)
[3/245]
لم يقتل. قال وإذا احتمله من فرسه فأتى به إلى الصف أو إلى عسكر المسلمين لم يكن له سلبه لأنه صار أسيراً تعدى فيه بغير أمر الإمام. ولو صرعه بين الصفين فله سلبه.
ولو جاء به إلى الإمام فأمر بقتله لم يكن له سلبه. ولو أسلم حين صرعه بين الصفين حرم معه، وليس له سلبه ويصير فيئاً إن كان قاهراً له. وكذلك لو أسلم بعدما جاء به إلى صف المسلمين أو عسكرهم. ولو جره بدابته بوهق إلى غسكر المسلمين أو صفهم فقتله فليس له سلبه إذ صيره بذلك مستأسراً غير ممتنع. ولو كان بعد أن أتى صف المسلمين غير ممتنع فقاتل غير مستسلم فله سلبه إذا قتله. وكذلك فى العسكر لن قتاله عند إلااس أشد. وكذلك الذى يحمل فيدخل العسكر وهو يقاتل حتى قتل فقتاله سلبه، إلا أن يقتله بعد أن يلقى بيده ويطرح سلاحه ويستأسر فلا شىء له.
ولو جرحه رجل ثم جرحه آخر وليسا بجراح مقتل فمات فسلبه بينهما . وإذا قال الأمير عند اللقاء من جاء برأس فله كذا فنحن نكره هذا. فإن نزل أمضيناه وكان من الخمس إذا كان اجتهاداً وتحريضاً وإن جاء رجل برأس وقال أنا قتلته، وقال آخر أنا قتلته وهذا احتز رأسه، فالذى جاء بالرأس أولى بالنفل مع يمينه ولا بينة عليه. وإن ثبت ببينة أن هذا قتله وهذا احتز رأسه فالنفل لقاتله، كما لو غلب على رأسه أو وقع فى نهر كان له السلب.
وقد قال لى أيضاً، يعنى سحنون: وإن جاء بسلب وقال قتلت صاحبه فلا يأخذ السلب إلا ببينة على القتل. وكذلك إن جاء بالرأس فاختلف قوله فى الرأس. ولو شك فى الرأس أرأس مسلم هو أو مشرك، نظر إلى علأمة وسيماء يستدل بها هذا فى قوله الأول فيأخذه مع يمينه. فإن نكل فلا شىء له. وإذا أشكل فلا شىء
[3/245]
***(1/229)
[3/246]
له فى القولين. وإذا علم أنه مشرك وداعى آخر أنه قتله فأقر له الجائى به فالسلب للمقر له.
ولو جاءا به وقإلا قتلناه فالنفل بينهما فى قوله الأول وإن كان بيد أحدهما، ولا شىء لهما فى قوله الآخر. ولو قال من بيده قتلته أنا وهذا ، وقال الآخر بل أنا قتلته، فالسلب بينهما فى قوله الأول. وإذا كان بأيديهما كل واحد يقول أنا قتلته، ففى قوله الأول يحلفإن والسلب بينهما. ومن نكل فهو لمن حلف. وإن نكل فلا شىء لهما. ولو رأى قوم رجلاً يحز رأساً فقال هو أنا قتلته وحلف فالنفل له فى قوله الأول. ولو رأوه جاء من موضع بعيد لا يقتله من مثله فاحتز رأسه فلا شىء له فى القولين. قال: ولو قال الإمام بعد هزيمة العدو من جاء برأس فله كذا ، فأخذوا يقتلون يأتون بالرؤوس، فقال الإمام إنما عنيت رؤوس السبى فإنما يحمل هذا على رؤوس الرجال. فإن كان بعد الهزيمة حتى جىء ببينة، أو يكون شىء قد عرفه أهل الثغور بينهم، أو كان الغالب عندهم فيعمل عليه، ثم لا يقبل قول الإمام أنه عنى غير ذلك . وكذلك لو أنهزموا ولا تؤمن كرهتهم.
ولو تفرق المشركون وكف المسلمون عن القتال، كان محمل قول الإمام من جاء برأس فله نصفه أو رأس من رأسين فقد أخطأ ، ولكن أمضيه إن جرى على الإجتهاد، ويكون هذا على السبى دون رؤوس الرجال.
ولو أن بطريقاً عرف بالنكاية فقتل، فرأى الإمام أن ظهور رأسه ونصبه للناس فيه وهن للعدو وتثبت للمسلمين فقال: من جاء برأسه فله من الخمس كذا، فإن كان رأسه فى موضع لا يوصل إليه إلا بقتال فقاتل رجل حتى جاء به، أو كان بموضع يخاف ان يقاتل عليه، فإنا نكره هذا شديداً أن يغرر بنفسه فى هذا ، ولكن إذا جاء به فله النفل. ولو كان موضع مأمون فجاء به فله النفل. وكذلك لو عرفه بين القتلى فحز رأسه فجاء به ، وهذا كالعجل.
[3/246]
***(1/230)
[3/247]
وإذا قتلنا الخوارج مع قوم من أهل الحرباستعانوا بهم علينا، فقال الإمام: من قتل قتيلاً فله سلبه، فإن من قتل خارجياً فليس له سلبه وله سلب الحربى .ولو أن سلاح الخارجى ودابته عارية من حربى ، فذلك لقاتله إن ثبت ذلك .ولو كان القتيل حربياً استعار ذلك من خارجى فلا شىء فيه لقاتله ويأخذه الخارجى . ولو دخل جربيون بأمان عسكر الخوارج فاستعاروا منهم سلاحاً قاتلونا به لم يكن فيئاً إن ظفرنا بهم. ولو أخذوه منهم غضباً بعد أن دخلوا عندهم لم يكن للقاتل هذا السلب لأنه مال مستأمن ، ولا يقسم ويوقف لأهل. وإن خاف عليه الإمام ضيعه باعه وأوقف ثمنه. وإن مات الخوارج أو هزموا فليرد هذا السلاح إلى الحربيين ويتركهم يذهبون به إلى دار الحرب إذا لم يكن اشتروه من بلد الإسلام .
فى الأمير ينفل ثم يعزل أو يموت
أو يموت أحد ممن نفل
أو يلحق بالعسكر قوم أسلموا
من كتاب ابن سحنون: وإذا نفل الإمام قبل الغنيمة على غير قولنا ثم مات بعد الغنيمة أو عزل لم ينقص ما فعل، وإن لم يقسم وثبت على هذا بعد أن قال يرد ما لم يقبضوه. وإذا نفل سريةً الربع بعد الخمس ثم قدم عليه وال غيره فذلك قائم للسرية حتى يلحقوا بالعسكر، ثم يبطل عنهم تنفيل الأول إلا أن يجدد لهم الثانى نفلاً.
ولو مات أميرهم واستحلف غيره عليهم فالأمر قائم لأن هذا خليفته إلا أن بنهى المستخلف عنه. وإن كان باعث الأولى قال فإن مات فلأن ففلأن بعده، فأنه يزول سبب النفل بموته حتى يأتنف الثانى نفلاً .
[3/247]
***(1/231)
[3/248]
ومن مات من أهل السرية قبل القسم وبعد الغنيمة أو قبل فتح الحصن ثم فتح فى ذلك القتال فحقه فى النفل والمغنم لورثته. ومن مات ممن فى العسكر دون السرية فحقه فى غنيمة السرية موروث.
وإذا قال أمير العسكر: من قتل قتيلاً فله سلبه فلحق بالعسكر قوم أسلموا من العدو، فإن من قتل منهم قتيلاً فله سلبه. ولو كان قال من قتل منكم قتيلاً فله سلبه لم يدخل فى ذلك هؤلاء ولا من لحقهم من أهلسوق العسكر ولا جند جاء من بلد الإسلام، لكن الذين كانوا يقاتلون ذلك اليوم لأنه خصهم بقوله منكم، ولا يدخل أهل العهد ومن استأمن فيما ذكرنا من شرط إلاسلاب.
وإذا نفل أمير الجيش من قتل قتيلاً ثم عزل الإمام أمير الجيش الأول وولى ثانياً جعله أمير الجيشين بطل ما جعل الأول م النفل فى المستقبل من يوم قدوم الثانى.
فى الغنيمة فيها شرط نفل هل يقتل منها الأسارى
وكيف إن استهلك أحد من تلك الغنيمة شيئاً
قال سحنون: وإذا نفل الإمام سريةً الربع فأراد قتل الرجال، فقال أهل السرية لنا فيهم نفل، فلا قول لهم فيهم فى نفل ولا مغنم لأن الحكم قتل الرجال، والغنيمة ما بقى وفيه النفل، ما لم يستحيهم الإمام أو يقع فيهم قسم.
وإذا جاءت سرية بما غنمت ولهم نفل، فاستهلك رجل من أهل العسكر بعضها فهو ضأمن لأهل النفل ولأهل الغنيمة. قال محمد وقال العراقيون: لا يضمن إلا النفل، إلا من قتل من الرجال فلا يضمنه.
[3/248]
***(1/232)
[3/249]
قال سحنون: إما بعد أن استحياه الإمام فأنه يضمنهز وإما الطعام وغيره من المأكول والعسل وشبهه يأكله فلا يضمنه لأنه مباح أكله ولو حتى أتى عليه فى أرض الحرب فلا ضمان فيه. وإما إن أحرزه الإمام فى المقاسم ونقله إلى دار الإسلام فإن من أكل منه بعد هذا فأنه يضمن. قال: وللتجار وإلاجراء فى العسكر إلاكل مما فى العسكر من الطعام ولا يضمنون فى نفل ولا غيره.
فى السرية ينفلها أمير الجيش أو أمير السرية
وهل ينفل بعض السرية؟
والسرية تنقطع عن الجيش
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: لا يجوز نفل أمير السرية .وكذلك لو خرج أمير الجيش فى سرية وترك ضعفاء العسكر فأمر عليهم أميراً فقاتلوا بعض الروم فنفلهم أميرهم فلا نفل لهم. وإذا بعث أمير الجيش سريةً فنفلهم جزءاً بعد الخمس، فلما بعدوا عن الجيش بعث أمير السرية بعضها سريةً ونفلهم أقل من ذلك أو أكثر ، ثم رجع الجميع إلى العسكر، فإن نفل أمير الجيش جائز ونفل أمير السرية باطل إلا أن يرضى به بقية أهل السرية فيجوز من نفلهم وسهامهم من تلك الغنيمة.
وإذا انقطعت عن العسكر أياما حتى لا يكون لها فيه رد ثم سرت سرية منهم فغنموا ، ورجع الجميع إلى أرض الإسلام ولم يروا العسكر، فأنه يبطل نفل السرية الأولى لأنقطاعهم عن العسكر، فبطلت إمارته عليهم وحقه فيهم، وبطل نفل السرية الثانية لأنها بنفل أمير السرية، إلا أ، يرضى لهم أهل السرية الأولى بذلك.
ولا يجوز لأمير أن ينفل بعض السرية دون بعض، والعناءوالعمل واحد. وكذلك لو كان منهم أصحاب مجانيق وقوم يحفرون الحصن فلا ينفلهم، وإنما ينفل مثل هؤلاء من الخمس.
[3/249]
***(1/233)
[3/250]
قال سحنون: فإن نفلهم من غير الخمس أنفذ لاختلاف الناس فيه. وكذلك إن فضل الفارس على الراجل أو الراجل على الفارس أو أهلخيل أفرة من خيل على قدر الجزاء. وهذا كله يجيزه غيرنا.
فى الحكم فى النفل والغنيمة
فى دخول عسكر على عسكر وسرية على سرية
أو يرجع الأمير على ما نفل
قال سحنون: وإذا بعث أمير الجيش سريةً ونفلهم الربع بعد الخمس، يريد: على قول غيرنا، فأبعدت أياما عن العسكر فغنمت، ثم لقيها عسكر ثان آخرجه الخليفة فى جهة آخرى، فإن كان انقطاع السرية عن عسكرها لا يرجو منه رداء وكانت ضعيفةً عن النفوذ بما غنمت، فالعسكر الثانى شركاؤهم فى النفل والغنيمة. فما صار لهم من نفل أخذوه وما صار لهم من المغنم ضموه إلى العسكر الأول واقسموه.
وإن كانت السرية قويةً على التخلص، لم يشركهم العسكر الثانى فى نفل ولا سهأم ولهم نفلهم، وما بقى بينهم وبين عسكرهم بعد الخمس. وكذلك لو نفذت مع العسكر الثانى إلى بلد الإسلام لم يرجعوا إلى العسكر الأول ،وهى قوية على التخلص، هذا إن لم يحل بينها ويبن العسكر بغلبة. وإن كانت تضعف عن التخلص بما غنمت فليشركها العسكر الثانى فى النفل ، ثم يكون ما بقى بعد الخمس بينها وبين العسكرين. وإن كانت مغلوبةً عن النفوذ إلى عسكرها فقد أعلمتك بقول ابن القاسم وبقولى.
[3/250]
***(1/234)
[3/251]
قال ابن القاسم: لا يقطع حظ عسكرهم مما غنموا كان خروجها باضطرار أو اختيار، ولهم نفلهم. ولو شاركهم العسكر الثانى فى القتال حتى غنموا ورجعوا إلى عسكرهم قسم ما غنموا بينهم وبين العسكر الثانى بلا نفل. فما صار للسرية أخذوا منه نفلهم وقسم ما بقى بينهم وبين عسكرهم بعد رفع الخمس أولاً على سهأم الغنيمة.
وكذلك لو تمادوا مع الثانى إلى الإسلام عن غير ضرورة ولو يرجعوا إلى عسكرهم، وللسرية حقها فى غنائم عسكرها قبل خروجهم إلى أرض الإسلام، ولا شىء لهم فيما بعد ذلك فى قول ابن القاسم وقولى.
وإذا نفل الأمير سريةً الربع فغنموا ،ثم غلبهم عليها الكفار، فأتى جيش آخر فاستنقذوا ذلك من أيديهم وأتوا به بلد الإسلام، فإن كانت السرية الأولى أهلقوة ومنعة أو كانت أهلصائفة، فلهم أخذ ذلك ممن غنمه، ما لم يقسم فيكون لهم أخذ ذلك بالثمن، وكذلك فى النفل. ولا تدخل السرية الثانية على الأولى إذا كانت قويةً ولا على الصائفة والجيش فى النفل ولا فيما غنموا قبل هؤلاء. وإن لم تكن الأولى قويةً مأمونةً ولا كثيفةً، فلا شىء لهم فيه ، قسم أو لم يقسم، ولا حق لهم فى النفل .وإذا غنمت سرية غنيمةً وليس بكثيفة والخوف عليها أغلب، ثم أتت سرية آخرى فعززتها حتى خلصت من دار الحرب، فأنهم يشاركونهم فى تلك الغنيمة وفى النفل منها، وليست كالصائفة تبعث سريةً على نفل فتغنم وتأتى، فيكون لسرية الصائفة نفلهم وإن كان لهم القوة بالصائفة، لأن الصائفة شركاء فى غنيمة السرية من أول، والسرية بعد السرية إنما حدثت الشركة لهم بتعزيزهم إياهم.
قال سحنون: وإن بعث الأمير سريةً على نفل بعد الخمس ثم أتبعها بآخرى وأشركهم فى نفلهم فوجدوا الأولى قد غنمت، فإن كانت تضعف عن
[3/251]
***(1/235)
[3/252]
النفوذ لولا الثانية فالنفل بينهما. وإن كانت تقوى لم تدخل معها فى ذلك النفل فيما غنموه قبل مجيئهم.
ولو كانت السرية الأولى والثانية خيل ورجل وقال لهم أنتم شركاؤهم بالسوية، فاجتمعت السريتان فغنمتا فالنفل بينهم كما قال ،ذكروا ذلك للأولى أو لأميرهم أو لم يذكروه. ولو قال للثانية لكم ثلثا النفل أجمع ولم يخبروا بذلك الأولى ، فلا يقسم النفل بين السريتين إلا بالسواء، وهذا لا يمضى من فعل الإمام .ولو قال للثانية لكم النفل كله فذلك باطل، أعلمهم بذلك أو لم يعلمهم.
قال : ولو نفل سريةً الربع بعد الخمس، فلما فصلت أشهد أنه قد أبطل ذلك لما رآه من النظر، فإبطاله ولذلك نافذ حسن إلا أن يكون إبطاله لذلك بعد أن غنمت فلا يجوز إبطاله وذلك نافذ لهم. وكذلك لو قال لرجل إن قتلت هذا العلج فلك سلبه ثم أبطل ذلك ، فغنما فعل إلا أن يبطله بعد ما قتله، فإن له سلبه لأن مثل هذا من النفل نكرهه.
فى الأمير ينفل جميع الغنيمة
أو يقول من أصاب شيئاً فهو له
والمنفول يعتق بعض عبد
وكيف إن كان فى النفل من يعتق عليه
من كتاب ابن سحنون وإذا قال أمير الجيش للسرية: ما غنمتم فلكم بلا خمس فهذا لم يمض عليه السلف ، فلا يجوز وإن كان فيه اختلاف، فإنى أبطله لأنه كقول شإذ حكم به فهو رد.
قال محمد: إلا أن يكون مضى فى هذا من صدر الأمة من الإختلاف مثل ما مضى فى نفل جزء بعد الخمس فليمض، ثم يكون سبيله سبيل النفل يسأوى فيه بين الفارس والراجل .
[3/252]
***(1/236)
[3/253]
فإن كان فيه ذو رحم من أحدهم يعتق عليه، ففى قول سحنون يعتق عليه ولا يعتق فى قول ابن القاسم وأشهب. وكذلك من أعتق منهم بعض الرجل أو نصيبه من الرقيق لم يعتق فى قولهما ويعتق فى قول سحنون. وللإمام أن يقتل الرجال منهم ولا قول لأهل السرية فيهم.
قال سحنون وكذلك لو قال من أصاب منكم شيئاً فهو له لم ينظر إلى هذا وقسم ذلك بين جميع أهل السرية بعد الخمس وفرق أهل العراق فى ذلك بين الطليعة مثل إلاثنين والثلاثة وبين السرية فى عتق القرابة وعتق من أعتق منهم نصيبه ،ولا فرق عندنا بين ذلك.
قال سحنون: وإن أعتقت الطليعة، وهم رجل أو رجلان أوثلاثة، ما غنموا من الرقيق أو بعضهم بدار الحرب ثم لقيهم جيش خرجوا معه إلى أرض الإسلام فإن العتق موقوف. فإن كان لا نجاة لهم إلا بهذا الجيش شركهم الجيش فى الغنيمة وقوم على المعتقين أنصباءهم. إلا ترى لو أعتقوا ما غنموا وهم بهذا الضعف ثم أخذهم العدو منهم ثم غنموا بعد ذلك أنهم رقيق لأن ذلك العتق فيه ضعف إذ لم يقو ملكهم لهم.
فى النفل هل يكون لأهل الذمة أو لامرأة
وفى الأمير ينفل ولا يعلم بذلك بعض الجيش
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال الإمام بعد أن برد القتال أو قبل القتال: من قتل قتيلاً فله سلبه فلا شىء من السلب للذمى وإن ولى القتال، إلا أن يقضى له به الإمام وينفذه له فلا يتعقب برد، لأن أهل الشام يرون ذلك للذمى. وكذلك لو قتلته امرأة فلا شىء لها إلا أن يحكم بذلك لها فيمضى. وأشهب يرى أن يرضخ لأهل الذمة، ففى قياس قوله له السلب من الخمس لأنه نفل، ونحن نقول كما لا حظ له فى الغنيمة فكذلك النفل.
ولو قال: من قتل كافراً من المسلمين فله سلبه فقتله ذمى شىء له بإجماعهم للشرط. وكذلك لو قال من قتل حراً. وإن قتل قتيلاً فله سلبه أو له كذا فسمع ذلك بعض الناس دون بعض، فالسلب للقاتل وإن لم [3/253]
***(1/237)
[3/254]
يكن سمع وإن كنا نكره هذه إلانفال، ولكن نمضيها إذا وقعت. وكذلك لو جعل للسرية نفلاً فهو كذلك وإن لم يعلم ذلك جميعهم. وإن لم يسمع ذلك أحد منهم فلا شىء للقاتل منهم فى هذا. وكذلك لو دخل عسكر ثان لم يسمعوا ما جعل للأول فلهم مثل ما للأول إذا كان أمير العسكرين واحداً، كما يشركون فيما يغنمون فى المستقبل، ولا يدخلوا فيما مضى إلا أن يكون الأول يضعف عن النجاة لولا الثانى فأنهم يشتركون فيما مضى أيضاً .
فى الإمام يقول من قتل قتيلاً فله فرسه
أو قال فرساً وكان تحت المقتول برذون أو حمار أو بعير أو نحوه
وكيف إن قال من قاتل على فرس فله كذا فقاتل على برذون
من كتاب ابن سحنون وإذا قال الإمام من قتل قتيلاً فله فرسه فقتل رجل علجاً راجلاً وله فرس مع غلأمه، فلا يكون له فرسه حتى يكون معه يقوده . ولو كان معه إلا أنه فرس أنثى أو برذون ذكر أو أنثى فهو للقاتل. وإن كان بغلاً أو حماراً فلا شىء له فيه. ولو قال الإمام من (قتل قتيلاً فله فرس، فقتل راجلاً أو فارساً فله فرس من الخمس وسط ولا يعطى برذوناً. وهذا كله نكرهه.
وإن قال من) قاتل موضعاً كذا على فرسه، أو من نزل عن فرسه فقاتل فله كذا، فالنفل لمن فعل ما قال، كان تحت برذون أو فرس. وإن قال: من قتل قتيلاً فله برذون فأنه يكون له كان ذكراً أو أنثى.فإن كان فرساً لم يكن له كان ذكراً أو أنثى. وإن قال: من قتل قتيلاً فله دابته فأنه يكون له كان فرساً أو برذوناً ذكراً أو أنثى. وإن كان على بعير أو بغل أو حمار أو ثور لم يكن له إلا أن يكون قوم لا مراكب لهم إلا ما ذكرت فذلك له.
[3/254]
***(1/238)
[3/255]
وإن قال: من قتل قتيلاً على بغل فهو له فكانت بغلة فهى له. ولو شرط على بغلة لم تكن له إن كان بغل. وإن قال على حمار فكان أتان فهى له. ولو قال على أتان أو على حمارة فكان على حمار ذكر لم يكن له. وكذلك يفترق فى البعير والناقة فذكره للناقة يمنع من أخذ الذكر. وإن قال من قتل فارساً فله دابته فقتل من تحته بغل أو حمار أو بعير فلا شىء له . وإن كان تحته فرس أو برذون ذكر أو أنثى فهو له.
فى الحكم فيما يوجد فى الغنيمة من مال مسلم أو ذمى
وكيف إن كان عبداً فبيع أو أسر ثانيةً ثم غنم
أو كان جنى جناية أو كان مرهوناً
من كتاب ابن حبيب وغيره: قال النبى صلى الله عليه وسلم للذى وجد بعيره فى المغانم: إن وجدته فى المغنم فخذه وإن قسم فإنت أحق به بالثمن. قال فى كتاب ابن المواز: رواه ابن عباس. قال ابن حبيب: ولو قسم و بيع وتدأولته إلأملاك بالبيع فلربه أخذه إن شاء بأقل إلاثمان كالشفعة يأخذها بأى ثمن شاء. قاله من أرضى وبه أقول.
وقال غيره من أصحاب مالك: ليس له أخذه إلا بالثمن الأول، واختلف فيه قول ابن القاسم فقال بهذا وبهذا. واختلف إن كان عبداً فى عتق فاديه من العدو والموهوب له أو عتق مشتريه، فأشهب ينقض العتق ويأخذه ربه، وابن القاسم يرى ذلك فوتاً وفى إيلاد الأمة. ولا شىء لربه عليه إلا أن يكون وهبه له العدو، فيؤدى القيمة إلى السيد. وإن كان مشترياً ممن ذكرنا فلا شىء عليه، ويرجع ربه بالثمن كله على بائعه. وإن كان بائعه مشترياً من العدو ومفدياص قاصه به فى ذلك كله ورجع عليه بفضل إن بقى له، وقال كله أصبغ. وبه قال ابن حبيب.
وذكر ابن سحنون عن أبيه: إذا تدأوله إلأملاك أخذه بأى ثمن شاء، ثم رجع فقال: يأخذه بما وقع به فى المقاسم بخلاف الشفعة: إذ لو سلم الشفعة
[3/255]
***(1/239)
[3/256]
فى بيع ثم بيع الشقص كان للشفيع فيه الشفعة. وهذا إذا أسلمه لم يكن له أخذه إن بيع بعد ذلك، وهو قول ابن القاسم. وكذلك رواه عنه سحنون فى العتبية واحتج بهذا. وإذا أراد ربه أخذه بالثمن جبر مشتريه على تسليمه إليه.
ومن كتاب ابن حبيب: وإذا عرف ربه فلا يقسم . فإن بيع بعد ذلك فى المقاسم فقد أخطأ، ولربه أخذه بلا ثمن. قال مالك: وإما إن عرف أنه للمسلمين ولا يعرف ربه فأنه يقسم، ثم يكون ربه إن جاء أحق به بالثمن، وقاله الأوزاعى وسفيان.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا عرف أنه لمسلم ولم يعرف ربه ولم يقسم فأكره أن يشتريه أحد. قال عنه ابن وهب: إن عرف ربه واستطيع على دفعه إليه وإلا قسم.
قال سحنون فى كتاب ابنه: وإذا عرف ربه بعينه أوقف له ولو كان بالصين. قيل لسحنون: وإذا عرف أن العدو أخذوه من بلد معروف من بلدان المسلمين أيوقف ويبعث إليهم يسأل لمن هو؟ قال: بل يقسم وليس يوقف حتى يعرف ربه بعينه.
قال ابن المواز وإذا عرف ربه وهو غائب، فإن كان خيراً له أن يبعث إليه ويؤخذ منه الكراء والنفقة فعل ذلك به. وإن لم (يكن ذلك خيراً له باعه عليه الإمام وأوقف له الثمن، ولزمه البيع لأنه بيع على النظر. وإن لم) يعرف ربه بعينه بيع فى المقاسم ولم يكن لربه أخذه إلا بالثمن. وإذا عرف ربه ويقدر على إيصاله إليه مثل العبد والسيف وما لا مؤنة كثيرة فيه فباعوه فى المقاسم بعد المعرفة بربه فلربه إن جاء أخذه بلا ثمن. وإذا عرف أنه لرجل غصب منه ولا يعرف بعينه فهذا يباع ويقسم ثمنه. وقال مالك فى هذا: ما سمعت فيه بشىء.
[3/256]
***(1/240)
[3/257]
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وقع عبد فى المغانم وقد عرف ربه بعينه، فجهل الإمام فوضعه فى المقاسم أو تأول أو تعمد. قيل له: فروى عن ابن القاسم أن لسيده أخذه بلا ثمن، ويرجع المشترى على المغانم إن أدركها فقال سحنون: ليس له فيه شىء إلا أن يؤدى ما وقع به، وهى قضية من الحاكم وافقت اختلافاً من الناس، فقد قال الأوزاعى: أنه يقسم وإن عرف ربه ولا يأخذه إلا بالثمن.
ومن العتبية رواية سحنون عن ابن القاسم: ولو سبى بعد ثانيةً بعد أن تدأولته أملاك، فليس لأحد فيه مقال إلا للذى سبى منه أولا وللذى سبى منه آخراً ، إلا أن المسبى منه آخراً أحق به من الأول إذا دفع إلى من هو بيده ما وقع به فى المقاسم. فإن أخذه فربه الأول مخير: إن شاء أخذه بما وقع به فى المقسم الثانى لا بما وقع به فى الأول ، لأنه جاء ملك ثان أملك به.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبداً من المغنم بمائة ولم يعرف ربه ، ثم سبى ثانيةً فاشتراه رجل بخمسين ثم قأم ربه، فأنه يقال له : أدفع مائةً للأول وخمسين للثانى وخذه. فإن أبى فلا سبيل له إليه، ثم إن شاء الأول فداه من الثانى بخمسين وكان له. فإن أسلمه إليه الأول فلربه الأول أن يعطيه خمسين ويأخذه. ولو أن مشتريه بالمائة فداه بخمسين من الثانى فلا يأخذه ربه حتى يعطيه خمسين ومائة.
ولو كان قد جبى قبل الأسر جنايةً وغصب دابةً ثم بيع فى المقاسم قفيم فى ذلك، فأنه يقال لربه: إن شئت فافده بما بيع به فى الفىء وبما فى رقبته من جناية وإلا فأسلمه. فإن أسلمه بدى بمبتاعه من المغنم فقيل له: آفده وإلا فأسلمه إلى الرجلين يكون بينهما بالحصاص.
[3/257]
***(1/241)
[3/258]
قال ابن المواز: وقيل إذا أسلمه ربه بدى بولى المقتول ورب الدابة فقيل لهما: افدياه بما بيع به فى المغنم فكان بينهما بالحصص، وليس لأحدهما فداء قدر (مصابته فينتقص على مبتاعه. وإن فداه أحدهما كله بعد إسلأم) صاحبه إياه فذلك له ويكون له وحده. وإن فداه بغير علم صاحبه فلصاحبه أن يشاركه فيه إن أعطاه حصته مما فداه به. وإن لم يعترفه ربه حتى فدياه، ثم اعترفه ربه، فإن لربه أن يفديه من هذين بما فدياه به من مشتريه وبدية المقتول وقيمة الدابة. وإن شاء فداءه ممن شاء منهما بما صارت له تلك المصابة لحقته جميعاً، وسواء كان مشرياً من المغنم أو من العدو.
ومن كتاب ابن سحنون: قال أشهب: ولو ابتاعه الأول من المغنم بمائة، ثم ابتاعه الثانى بخمسين فى المغنم الثانى، ثم سبى ثالثةً فغنم فابتاعه آخر بعشرة، ثم قأم ربه والآخران، فلربه إن شاء فداؤه بأكثر إلاثمان وهو مائة، فيدفع منها عشرةً للثالث وخمسين للثانى وأربعين للأول. ولو كان البيع الأول بعشرة والثانى بخمسين والثالث بمائة، فليأخذ الثالث المائة ولا شىء لمن قبله. ولو أسلمه المستحق الأول كان الثالث أحق به.
ولو كانت أم ولد لكان عليه إلاقل من قيمتها أو من أكثر إلاثمان المذكورة. وفى باب أم الولد تقع فى المقاسم قول بعض المدنيين فى الأمة إذا كان الثالث أقلهم ثمناً، وهو خمسون إن الثانى مبدأ على ربها. فإن فداها منه بخمسين فللأول أن يفديها من الثانى بالمائة التى ودى، ثم لربها أخذها من الأول بما فداها به من العدو وهو مائتان. فإن أسلموها أخذها ربها من الثالث بخمسين.
قا ل سحنون فى العبد المإذون له يركبه الدين ويجنى جنايةً، ثم يأسره العدو فيغنم ويقع فى سهم رجل: فلربه إن قأم أن يفديه بإلاكثر مما وقع به فى المقاسم
[3/258]
***(1/242)
[3/259]
أو من أرش الجناية. فإن كان إلارش عشرين وثمنه فى المقاسم عشرةً، أخذ من صار له عشرةً وصاحب الجناية عشرةً. وإن كان إلارش عشرةً أخذ من هو بيده العشرين ولا شىء لصاحب الجناية، ثمل ما لو سبى فغنم فابتاعه رجل، ثم سبى ثانيةً وغنم لفداه ربه بإلاكثر كما ذكرنا، هذا قول سحنون وتقدم لابن القاسم جواب غير هذا.
قال يحيى بن يحيى : إذا وقع العبد الذى أخذه العدو لمسلم وقع فى سهمان رجل ثم سبى ثانيةً فغنم، (فللذى كان وقع فى سهمه أخذه بغير شىء ما لم يقسم ، فيكون لربه الأول أخذه ويعطى لهذا قيمته).
قال سحنون: إن أراد قيمته التى وقع بها فى المقاسم فصواب. وإلا فعليه ما وقع به فى المقاسم.
قال يحيى: فإن قسم ثانيةً فإن مولاه الذى وقع فى سهمه أحق به بالقيمة إن شاء ، ثم لمولاه الأول أخذه من هذا بالقيمة إن شاء.
قوال سحنون: ليس كذلك إنما يفديه ربه بإلاكثر مما وقع به فى المرتين. فإن كان وقع فى المغنم الثانى بأكثر أخذ الجميع ولا شىء لصاحب السهمان الأول. وإن كان ما فى الأول أكثر فداه من الثانى بما وقع عليه، وما بقى فللأول. قال يحيى: ولو تقدم فى رقبته جناية خطأ ودين فى ذمته لم يلحقه شىء من ذلك وإن كانت الجناية عمداً لم تبطل.
قال سحنون: ليس كما قال، وقد تقدم قولى لك فى الجناية، وقد ناقض فى قوله: إن كانت عمداً أو كانت خطأ. وإما الدين فلا يسقط وهو فى ذمته. قال يحيى: وإن أصاب العدو لمسلم دنانير أو دراهم أو تبر ذهب أو
[3/259]
***(1/243)
[3/260]
فضة، ثم غنم فعرف قبل القسم، فربه أحق به ما لم يقسم. فإن قسم فلا سبيل له إليه لأنه إنما يعطى مثله. قال سحنون: هذا صواب.
قال سحنون: وإن وقع العبد الرهن فى الغنيمة فللمرتهن أخذه قبل يقسم ويبقى بيده رهناً. فإن قسم فللراهن فداؤه بما وقع ويأخذه المرتهن رهناً. وإن أسلمه فللمرتهن فداؤه بما وقع به ثم يباع فى ذلك مكأنه، حل أجل الدين أو لم يحل قيأخذ من ثمنه ما فداه به. فإن فضل شىء قبضه فى دينه. وإن أسلمه المرتهن رجع بدينه على الراهن. وابن القاسم يقول: لا يباع حتى يحل الدين، ولا أقول به وهذه المسألة مثل مسألة العبد الرهن يجنى.
قال ابن سحنون: وما غنم من متاع المسلمين مما كان بأيدى العدو فباعه الإمام فلم يقسم الثمن بين الجيش حتى استحق، قال يأخذه أهله ويرجع المبتاع على الإمام بالثمن، وإنما يؤخذ بالثمن إذا قسم.
قال أصبغ فى العتبية فى العبد يهرب من المغنم ثم يسبى فى جيش آخر وهو مغنم للجيش الأول لا شىء فيه للثانى، ولا يخمس مرتين إلا أن ينفلت بحدثان أخذه قبل استحكأم الغنيمة مثل أن ينفلت عند أخذه من رباطه أو يختفى وشبه ذلك فيكون للجيش الثانى.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن نفله الإمام فرساً فتدأولته بياعات ثم قأم ربه فله أخذه بأى ثمن شاء. وإن شاء أخذه بالقيمة من الذى أعطيه نفلاً. وقال فى عبد غنمه المسلمون ومعه أموال كسبها بأرض الحرب أو وهبت له وقد كان أقروه عندهم على الجزية أو على أنه عبد لهم، قال فمولاه أحق به وبما معه من مال.
وقال الأوزاعى: إذا كسب مالا من عمل يده فربه أحق به وبماله. وعن عبد أبق لسيده المسلم فلقيه خيل المسلمين بقرب أرض الحرب فى مفاز بيننا
[3/260]
***(1/244)
[3/261]
وبينهم وأخذوه وباعوه وقسموا ثمنه، قال: ربه أحق به بلا ثمن لأنه لم يصل بعد إلى أيدى العدو، ويرجع المشترى عليهم بالثمن كإلاستحقاق.
وإذا أبق العبد من الخمس ثم غنماه ثانيةً فليرد إلى الخمس، ولا خمس فيه كالمستحق. ولو أبق من المغنم رد إلى المغنم الأول وفيه خمس واحد، إلا أن يأبق قبل استحكأم الغنيمة، فيكون كما لم يؤسر كالذى ينفلت فى الأخذ أو من الرباط أو يختفى وشبهه.
وإذا قسم الأسارى فابتاع رجع منهم جماعة فعجز عن بعضهم وتركهم بأرض العدو ثم غنمهم جيش آخر، فلربهم أخذهم إلا أن يقسموا قيأخذهم بالثمن. ومن اشترى أسيراً من المغنم فأعتقه، يريد:(ثم رجع إلى أرض الحرب، قال: دخلت خيل للمسلمين فأسروه فهذا لا يرجع) إلى رق، ولأنه أعتقه مسلم قاله أشهب وبه أقول. وكذلك الذمى إذا حارب ولم يتبين لى فيه قول ابن القاسم. ولو لقى العدو مسلماً، فخافهم فصالحهم على أن أعطاهم سلاحه ودابته، ثم ظفر بذلك المسلمون، فهو لهم فىء لأن الحربيين قد ملكوا ذلك. وقال أبو محمد: كأنه رأه فداءً.
وقال الأوزاعى: ولو صالح العدو أهلحصن على تسليم الحصن إليهم والكراع والسلاح، فأخذوا ذلك ونفذوا به إلى بلدهم ثم غنمه المسلمون، قال: يرد إلى أهل الحصن.
وقال سحنون: بل ذلك فىء لأن العدو ملكوه. قإلا: ومن أهدى إلى العدو هديةً أو باع منهم عبداً نصرانياً أو دابةً أو ابتاع منهم وقبضوا ذلك ثم غنماه فلا يرد إلى ربه وهو فىء.
ومن كتاب ابن المواز وغيره: ومن قول مالك: إن من فدى أمةً من العدو فلا يطأها حتى يعرضها على ربها.
[3/261]
***(1/245)
[3/262]
فيمن اشترى أمةً من المغنم أو فداها من العدو أو وهبت له
ثم أحدث فيها عتقها أو أولدها أو باعها
وهل يصدق فيما فداها به؟
من كتاب ابن سحنون: وما أحرزه العدو من مال مسلم أو ذمى بغنيمة أو عبد أبق إليهم فغنمناه فوقع فى سهمان رجل فلا يأخذ ذلك ربه إلا بالثمن. فإن كانت أمةً فأولدها من وقعت فى سهمه أو أعتقها فقد فاتت ولا سبيل لربها إليها. قاله انب القاسم وغيره. وقال أشهب: هى كالمستحقة ويأخذها ربها ملكاً ويأخذ قيمة الولد. وقاله ابن القاسم، ثم رجع . قال ابن نافع: ولو وهبت ولم يثب عليها فربها أحق بها ويرد العتق. وإن أثاب عليها شيئاً أعطاه ما أثاب. ومن اشترى منهم أمةً وعرف أنها لمسلم لم ينبغ له وطؤها، اشتراها منهم فى بلدهم أو فى بلد الإسلام.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإن كان عبداً فأعتقه مشتريه من العدو أو دبره أو كاتبه أو اتخذ الأمة أم ولد فذلك نافذ ولا سبيل لربه إليه. ولو باعه لم يرد بيعه، وكان لربه فى البيع ما فضل من ثمنه بيد مبتاعه من العدو أو من المغنم على ما ودى فيه. ولو قال إنما وهب لى فلربه أخذ جميع ما بيع وليس له نقض بيعه.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا فدى أمةً من العدو وهو يعلم أنها لفلأن فليردها إليه. قال ابن القاسم: يريد بالثمن، وهو فيه مصدق إلا أن يأتى بأمر يستنكر لا يشك فى كذبه فيأخذها بالقيمة.
ومن كتاب ابن حبيب: وعن أمة أبقت إلى العدو فباعوها ممن علم أنها لمسلم ، فلربها أخذها بالثمن، ومشتريها مصدق فيه ما لم يأت بمستنكر فيعطى القيمة.
[3/262]
***(1/246)
[3/263]
ومن كتاب ابن سحنون: قا ل سحنون: ولو أخذ العدو عبيداً نصارى للمسلمين فصالحهم الإمام منهم على ثمن، قال: يكون ذلك لأرباب العبيد ولا يكون مغنماً. ولو أن العبيد مسلمون لم ينبغ للإمام أن يأخذ فيهم المال فإن فعل لم أر للسادة أخذه ولا أحب لأهل الجيش أن يقتسموه. وروى ابن أبى حسان عن ابن القاسم قال: وإن أخذ المشركون رقيقاً للمسلمين فصالحهم الإمام على ثمن أخذه منهم ، فليس لاربابهم أخذ المال ، وكأنهم وقعوا فى المقاسم فلا يأخذهم إلا بالثمن.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن وهب له العدو عبداً (فباعه فلربه أخذه من مبتاعه بلا ثمن ويرجع المبتاع بالثمن على بائعه إلا أن يكون البائع غريماً) فلا يأخذه ربه إلا بالثمن ويرجع بما غرم على بائعه، ولربه الرضى بالبيع وأخذه الثمن. قاله ابن الماجشون وغيره: وكذلك غن فات بيد المبتاع بعتق أو غيره.
فى الفرس والسيف يوجد فى المغنم وفيه مكتوب: حبس
وكيف إن باعه ربه وذلك فيه
وفى النبل يوجد فى المعركة
من العتبية: قال أصبغ فى الفرس يوجد فى المغنم فى فخذه موسوم: حبس، قال: لا يقسم ويكون حبساً فى السبيل، وقاله سحنون فى العتبية.
وقال فى كتاب ابنه: لا يمنعه ذلك من أن يقسم لأن الرجل قد يوسم فى فخذ دابته: حبس فى سبيل الله ليمنعه ممن يريده منه قال: ولو أن رجلاً باع فرسه وفى فخذه حبس فى سبيل الله فذلك له إذا زعم أنه لم يرد به الحبس فى السبيل.
[3/263]
***(1/247)
[3/264]
قال ابن سحنون: واختلف فيه قول الأوزاعى ،فقال مرة: أحب إلى أن يحمل عليه الإمام رجلاً فيكون بيده حبساً. وروى عنه أنه يقسم. وقاله سفيان: ما لم يأت صاحبه فله أخذه بالثمن.
قال الأوزاعى وسحنون: ولو وجدوا سيفاً فيه مكتوب: حبس ،لم يمنعه ذلك من المقاسم. قال الأوزاعى: وليس هو كالفرس. قال سحنون: وكذلك لو لم يكن فى فخذ الفرس إلا :الله، فهو حبس إذا استيقن أنه من خيال الإسلام ، كالسبى يستحق قبل القسم.
ومن كتاب ابن حبيب: وذكر ابن حبيب أن الأوزاعى قال فى الفرس الذى فيه مكتوب حبس ولا يعرف صاحبه : يكون حبساً يوقفه الإمام فى سبيل الله. قال ابن حبيب: فيكون كما لو جاء صاحبه .
قال الأوزاعى: وإذا رموا العدو بالنبل ثم انكشفوا ، فما أصيب مما العدو عليه أغلب، فمن عرف سهمه أو رمحه أخذه. وما لم يعرف وضع فى المقاسم. ومن عرف رمحه أو سهمه فأخذه فلا يجوز له بيعه لأن رميه به يصير به كالحبس حين آخرجه من يده. وما وجد مما المسلمون عليه أغلب فهو كاللقطة يعرف به . فإن لم يعرف تصدق به.
فى أم الولد تقع فى المقاسم فتشترى أو تفدى من العدو
من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب عن ابن شهاب فى أم الولد تعرف فى المقاسم، يريد بعد أن قسمت، فليأخذها ربها بالقيمة. ولو عتقت لم تؤخذ فيها فدية. وقال مالك فى الموطأ : إذا وقعت فى المقاسم فليفدها الإمام لسيدها. فإن لم يفعل فعلى سيدها فداؤها. وروى عنه ابن القاسم أن عليه ثمنها الذى أخذها به، كان أكثر من القيمة أو أقل. فإن لم يكن معه ذلك اتبع به .
[3/264]
***(1/248)
[3/265]
وقال المغيرة وعبد الملك فى كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: عليه إلاقل من الثمن أو القيمة، وقال سحنون وابن المواز بقول مالك. وفى كتاب ابن حبيب : بإلاقل مثل الجناية ، ذكره عن عبد الملك وغيره، ويتبع به فى عدمه. قال ابن حبيب: وإن فداها رجل من العدو فقال مالك: يأخذها سيدها ويتبعه بما فداها به قل أو كثر. وقال المغيرة: يتبعه بإلاقل كالجناية.
ومن كتاب ابن المواز قال: يرجع الذى اشتراها على سيدها بما اشتراها به من العدو أو من المغنم. وإن أخذها بسهمه فليرجع بقيمتها. وليس لواحد منهما أن يأبى ذلك، ويتبع السيد بذلك عى عدمه. وهذا كله قول مالك وابن القاسم وقال أشهب والمغيرة وعبد الملك: على السيد إلاقل من قيمتها أو الثمن، اشتراها من العدو أو من المغنم. قال عبد الملك: وسيدها أحق بما فى يدها من غرمائه. قال محمد: وقول مالك أحب إلى أن عليه الثمن ما بلغ ، وقاله ابن القاسم وابن وهب وأصبغ. ولم يختلفوا فى العبد أن يؤخذ فيه الثمن. قال أشهب: وإن كان مائة ألف.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا عرف أنها أ/ولد فلا تدخل فى المقاسم.
قال ابن سحنون وقال سفيان: ولو قسمت كان لربها أخذها بلا ثمن. وليس هذا قولنا.
قال سحنون: ولو صارت فى سهم رجل بمائتى دينار ثم تسبى ثانيةً فتغنم فتصير فى سهم آخر بمائة ثم تسبى فتغنم فتصير فى سهم آخر بخمسين، فسيدها أولى بها يأخذها بإلاكثر وهو مائتان يأخذ منها من هى فى يديه خمسين والذى قبله مائةً، وما بقى فلللأول وهو ثالثهم الذى وقعت فى سهمه. ولو صارت فى سهمه بخمسين والثانى بمائة والثالث بمائتين، أخذها من الثالث بمائتين وسقط الأولأن.
[3/265]
***(1/249)
[3/266]
ولو كانت أمةً غير أم ولد،فالذى فداها آخراً أحق بها، وللثانى فداؤها منه بها، ثم كان للأول أن يفديها بمائة دون سيدها، ثم لسيدها فداؤها من هذا وهو الأول بمائتين فقط. ولو أسلمها الأولأن إلى الثالث فلربها فداؤها منه بخمسين فرجع، يعنى فيما أظن سحنون، عن ما قال فى الأمة وقال حكمها حكم أم الولد.
قال سحنون: وإذا أعتقها من صارت فى سهمه وهو يعلم أنها أم ولد لمسلم فكأنه وضع المال عن سيدها، ولسيدها أخذها منه بلا ثمن ويبطل العتق. ولو لم يعلم فعلى سيدها غرم ما فداها به ويبطل العتق. ولو أولدها لأخذها بالثمن ورجع بقيمة ولد أم ولد.
قال سحنون: ولو مات سيدها قبل يعلم بها فأنها حرة ولا يرجع على أم الولد بشىء ولا فى تركه سيدها. قيل :فلم قلت فى الجناية إذا مات السيد ولم يفدها أنها تتبع؟ قال: لأن هذا فعلها وليس لها فى الأول فعل . ولو ماتت بيد من صارت بيده لم يتبع سيدها بشىء، وكذلك فى الجناية.
قال: ولو وطىء أمةً ثم أخذها العدو فغنمت ومعها ولد فقالت هو من وطء سيدى، فإن لم يدع السيد استبراء وثبت أنها ولدته، وربما تبين لى أن الوطء إذا ثبت صدقت الأمة فى الولد، قال: ويأخذها سيدها وولدها. ولو قسمت جبر على افتكاكها.
قال أشهب: ولا قيمة عليه فى الولد لأنه حر لا يرجع فيه بما وقع فى المقاسم، وإنما يلزمه إذا فدى به من العدو ما فدى به.
قال سحنون: وإن ادعى إلاستبراء لم ييلحق به ويأخذها السيد بما صارا به فى المقاسم.
[3/266]
***(1/250)
[3/267]
قلت له: قال أشهب الولد فىء، وهو مخير فى فدائها هى إن بيعت ويجبر على أن تباع مع ولدها. قال: القول ما قلت لك ، وهو قول ابن القاسم وغيره.
قال سحنون: ولو وطئها ،ثم سببت فوطئها علج ثم قدم بها فأسلم عليها. فإن وطئها العلج بعد زمان فيه استبراء لرحمها فالولد ولد العلج. وإن وطئها فى طهر فوضعت لما يشبه أن يكون منهما دعى له القافة، فإن ألحقوه بالمسلم لحق به وجرى فيها حكم أم الولد. وإن لحق بالحربى لحق به ولا شىء عليه فيها، كمن أسلم على عبد بيده لمسلم. وإن قالت القافة اشتركا فيه، فابن القاسم يقول: يوإلى إذا كبر أيهما شاء.
وقال غيره، يعنى ابن الماجشون، يدعى إلى قائف غيره أبداً حتى يلحقه بواحد. قال: وبه أقول كما لو نفاه عنهما لم يقبل منه.وقد أتى مروان بأمة أصابها ثلاثة، فقالت القافة: اشتركوا فيه، فقال لهم: ألحقوه بأفصحهم به شبهاً، فقالوا : هذا فألحقه به.
ولو غلب أهل الحرب على أم ولد رجل ثم أسلموا عليها فليأخذها سيدها ويؤدى قيمتها إليهم.
ومن العتبية: روى أصبغ عن أشهب فيمن وطىء علجةً من السبى ثم أبقت فوجدها بعد سنين معها أولاد فقالت هم منك، فإن لم يدع استبراء فهم ولده إن كانوا من بطن واحد. وإن كانوا من بطنين لم يلحق به غير البطن الأول.
[3/267]
***(1/251)
[3/268]
فى المدبر يقع فى المغانم أو يفدى من العدو أو يسلمون عليه
وكيف إن أحدث فيه نم فداه تدبيراً أو عتقاً
وما دخل فيه من ذكر المكاتب والمعتق إلى أجل
من كتاب ابن سحنون قال سحنون قال ابن القاسم: وإذا وقع فى الغنيمة مدبر قد ارتد وهو لمسلم فاستتيب فتاب فليأخذه سيده. قال سحنون: وإن عرف أنه لمسلم لا يعرف فلا يقسم ولكن تدخل خدمته فى المقاسم.
قال فى كتاب آخر :توقف خدمته لافتراق الجيش. وإنما تجوز الشهادة فيه أن يقولوا: أشهدنا قوم يسمونهم أن سيده دبره، ولم نسألهم عن اسم السيد أو :سموه ونسيناه، قاله سحنون، وقال نحوه ابن حبيب.
ولسيد المدبر أخذه قبل القسم. فإن قسم فله فداؤه بما وقع فى المقاسم. وكذلك إن فدى من العدو فبما فدى به، ثم لا يتبعه بشىء من ذلك هو ولا ورثته إن عتق فى ثلثه. قال سحنون: وإن أبى أن يفديه اختدم فى ثمنه. فإن مات ربه خرج من ثلثه عتيقاً واتبع بما بقى. وكذلك إن عتق بعضه أتبع حصة العتيق بمقداره ورق ما بقى.
وقال عبد الملك فى الكتابين: لا يتبع بشىء أعتق فى ثلثه أو ما خرج منه، ولابد أن تضم قيمته إلى ماله. وكذلك إذا كان إنما بيع فى المغنم بعد خروجه من الثلث. وقاله سحنون: يعتق فى نفسه وفيما ترك سواه.
قلت له: قال عبد الملك إذا أبى سيده أن يفديه أنه يبقى بيد من اشتراه، يكون له من ورقه ما كان لسيده لا يحاسبه فيه بخدمته حياة سيده. قال : لا أرى ذلك ، وإنما أسلم سيده خدمته، فيقاص بها كما قال ابن القاسم . وذكر ابن حبيب كلام الماجشون وهذا فى المدبر والمعتق إلى أجل سواء.
[3/268]
***(1/252)
[3/269]
ومن سماع ابن القاسم عن مالك: إن المدبر إذا وقع فى المقاسم فإن فداه سيده بما وقع فى المقاسم إن شاء رجع إليه مدبراً إلى سيده.
(قال ابن المواز: وإما المدبر والمكاتب والمعتق إلى أجل ابن القاسم: إن ذلك) فيهم كالجناية ويخير السيد بين أن يؤدى إلى مشتريهم من المغنم أو من العدو ما ودوا ويبقوا عنده بحالهم، وإلا أسلم ما له فيهم، فيختدم المسترى المدبر والمعتق إلى أجل فى الثمن. فإن مات سيد المدبر عتق فى ثلثه واتبعه المبتاع بما بقى له. وكذلك إن أجل المعتق إلى أجل عتق واتبعه بما بقى له. وإما إن أعتق بعض المدبر فى ثلث سيده فأنه يتبع ذلك البعض بما يقع عليه مما بقى ويرق باقيه للمبتاع. ولا يحاسب فيه بخدمة لأن سيده أسلم ما كان له فيه. وكذلك فى المعتق إلى أجل حين أسلمه صارت خدمته وإن كثرت للمبتاع حتى يحل إلاجل ويعتق. فإن بقى له شىء اتبع به. وإما المكاتب فيقال له: ود ما اشتراك به حإلا وتبقى مكاتباً، وإلا رققت.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم فى المعتق إلى أجل يتم إلاجل ولم يستوف المشترى فى الخدمة ما بقى له أنه لا يتبعه بشىء، وهذا الصواب ورجوع منه عن قوله الأول . وكذلك ينبغى فى المدبر يعتق فى ثلثه إلا يتبع بشىء مما بقى للمشترى، وقاله عبد الملك وغيره. وهو أصل قول مالك. وإن رق من هذا المدبر شىء بقى للمشترى.
قلت: وهو فى هذا كبيع ما كان له فيه من خدمة ومرجع وليس كجناية فيحسب فى تركه السيد، وهو يرق بعضه للمشترى؟ قال: نعم، وقد قال عبد الملك: يقوم فى الثلث قيمة رقيق فإن خرج لم يتبع بما بقى إن كان من الفىء اشتراؤه، كالحر لا يتبع فى الفىء. وإن كان اشتراؤه من العدو اتبعه بما بقى له بعد أن يحسب عليه قيمة خدمته وما استغل، لأن فى هذا يتبع.
[3/269]
***(1/253)
[3/270]
قال محمد بن المواز: صواب ولأنه لا يأخذ أكثر مما أعطى فيه فيدخله الربا. وكذلك المعتق إلى إن بقى له بعد عتقه ببلوغ إلاجل شىء اتبعه فى شرائه من العدو ولم يتبعه فى شرائه من الفىء. وإن استوفى من خدمتها كل ما ودى قبل موت السيد فى المدبر وقبل تمام إلاجل فى المؤجل رجعا إلى سيدهما يخدمأنه.
قال عبد الملك: وإما المكاتب فإن اشتراه من العدو فأبى سيده أن يؤدى ذلك، قيل للمكاتب: هذا يلزم ذمتك. فإما وديته وإلا عجزت الساعة ورققت لمشتريك. وإن وديته بقيت مكاتباً لسيدك . وإن اشتراه من الفىء فأسلمه السيد قيل له: هذا فى رقبتك دون ذمتك، وليس عليك غير الكتابة تؤديها إلى مشتريك، قلت أو كثرت، ثم تعتق. وإ، عجزت رققت له. قال ابن المواز: صواب كله، اشتراه بأمره أو بغير أمره. وقاله ابن القاسم وعبد الملك.
قال ابن سحنون: وسأوى عبد الملك بين أن يشترى المدبر فى المقاسم أو يفديه من العدو فيسلمه سيده أنه يبقى بيد مبتاعه لا يحاسب سيده بخدمته. فإذا عتق فى ثلث سيده افترق هاهنا فيما يتبع، فيتبع المشترى من أرض الحرب بجميع ما ودى فيه، ولا يتبع فى المقاسم بشىء، والولاء لورثة سيده، يعنى: الذكور .وكذلك قال ابن حبيب فى المدبر والمعتق إلى أجل.
قال سحنون: وإذا أسلم بعض أهل الحرب على مدبر فأنه يكون لهم جميع خدمته ولا يقاصون فيه بشىء، وإذا مات السيد عتق فى ثلثه ولم يتبع بشىء كحر أسلموا عليه. ولو كان على السيد دين محيط بجميع ماله رق المدبر لمن أسلم عليه. ولو ترك ما يعتق به بعضه فى ثلثه، رق باقيه لمن أسلم عليه ولم يتبع ما عتق منه بشىء.
[3/270]
***(1/254)
[3/271]
وقال فى مدبرة اشتريت من العدو أو من المقاسم أو أسلموا عليها ثم وطئها من صارت له فحملت، فأنها تكون له أم ولد لا ترد إلى سيدها. ولو دبرها الذى اشتراها من العدو ولم يعلم سيدها، فإن سيدها إن دفع إليه ما فداها به بطل تدبير (الثانى وعادت إلى ربها على حالها. وإن أسلمها بقيت بيد مشتريها يختدمها ولا يبطل) تدبيره. فإن مات الأول وثلثه محتمل له عتقت واتبعها هذا بجميع ما فداها به، ثم إن مات هذا وثلثه يحتملها لم يسقط ذلك ما فداها به. وهو حكم قد تم قبض أو لم يقبض. ولو كان على الأول إذا مات دين يرقها عتقت فى ثلث الثانى إن مات.
قال سحنون: ويتبعها ورثته بما فداها به. وإن لم يحمل ثلثه إلا بعضها اتيعوا ذلك البعض بحصته ورق لهم باقيها. وإن حمل الثلث الأول نصفها، عتق (نصفها واتبع مفديها ذلك النصف بنصف الفداء وبقى نصفها بيده بحال التدبير . فإن مات عتق فى ثلثه واتبع ببقية الفداء. قال: ولو أسلم على المدبرة ثم دبرها فتدبيره جائز ولا يأخذها الأول ويختدمها الثانى. فإن مات الأول وخرجت من ثلثه، لم تتبع بشىء كالحر يسلم عليه الحربى. وإن خرج بعضها فباقيها مدبر على الثانى يعتق فى ثلثه ولا يتبع بشىء. وإن رق باقيها لدين عليه، بيع لغرمائه ولا يتبع ما عتق منها بشىء.
قال ابن سحنون: ولو مات الذى أسلم عليها أولاً) فخرجت من ثلثه، عتقت ولم تتبع بشىء وولاؤها لمن خرجت من ثلثه. وإن كان عليه دين محيط بقيت بيد ورثته إلى موت الأول . فإن كان عليه دين محيط رقت لورثة الذى
[3/271]
***(1/255)
[3/272]
أسلم عليها. وإن ترك ما يخرج به من ثلثه أو نصفها عتق ذلك ، وما رق منها فلورثه الذى أسلم عليها.
قال سحنون: وإما الذى صارت له فى السهمان ثم دبرها فتدبيره باطل، فداها ربها أو أسلمها، لأنه إنما يسلم إليه خدمتها يحسب عليه فى ثمنها فإذا تم رجعت إليه.
قال ابن سحنون: ويلزم عبد الملك أن يجيز تدبير صاحب السهمان لأنه يرى أن خدمتها له إذا لم يفدها ربها ما دام حياً. قلت: روى عن أشهب فى الحربى يسلم على أم ولد رجل أنها ترد على سيدها . قال: لا أعرف هذا له ولا لغيره من أصحابنا، وهذا غلط عليه.
ومن كتاب ابن المواز: وقال فى المدبر يبتاعه من المغنم فأعتقه ولم يعلم: قال ابن القاسم: ينفذ عتقه ولا يرد. وإما أم الولد والمعتق إلى أجل ، فلينقض عتق مبتاعهما ويأخذهما السيد وعليه قيمتهما ، فإن لم يكن عنده شىء اتبع بذلك ديناً. وقال أصبغ: إما المعتق إلى أجل فليس للسيد نقض عتقه.
فى المدبر يجنى ثم يؤسر ثم يقع فى المقاسم
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وعن مدبر جنى ثم أسر فغنم فوقع فى سهم رجل، فليقل لربه أفد خدمته بإلاكثر مما وقع به فى المقاسم أو من الجناية، ثم سبيله سبيل ما ذكرنا فى العبد. فإن أبى قيل لأهل الجناية: آفدوه بما وقع به فى المقاسم. فإن فدوه اختدموه بذلك أولاً ثم بالجناية. فإن وفى عاد مدبراً إلى سيده، وإن مات عتق منه محمل الثلث ورق ما بقى لأولياء الجناية، ولا خيار للورثة فى فداء ما رق منه، ثم يقسم ما بقى عليه من الفكاك ومن الجناية، فيتبع العتيق بما يقع عليه من ذلك. فإن أسلمه أولياء الجناية اختدمه الذى صار له فى السهمان وقاصه. فإن استوفى رجع إلى أولياء الجناية فاختدموه وقاصوه. فإن استوفوا عاد إلى سيده. وإن
[3/272]
***(1/256)
[3/273]
مات السيد ولم يستوف من صار له سهمان حقه وكان الثلث يحمله عتق واتبعه بما بقى من صار غليه من السهمان، واتبعه أهل الجناية بجنايتهم. وإن لم يحمله الثلث عتق منه ما حمل الثلث منه ثم يقسم ما بقى مما بيع به فى السهم على ما رق منه، وما عتق فيتبع ما عتق منه بحصته، ويبطل ما صار على الرقيق، ويرق باقيه لمن أخذه فى القسم، وتقسم الجناية على ما رق منه وما عتق ، فيبطل ما قابل الرقيق، ويتبع بما وقع على العتيق منه، ويبدأ بالذى وقع به فى السهم.
ولو ودى ما وقع به فى السهم، والسيد حى، وأخذه أهل الجناية، ثم مات السيد ولم يؤد ما فداه به من أرض الحرب، فضت الجناية على ما ذكرنا على ما رق منه وما عتق ، ولا خيار للورثة. وإن حمله الثلث فكما قلنا إذا عجز بيد صاحب السهمان.
فى المعتق إلى أجل
يشترى من المغانم أو من العدو أو يسلم عليه أحد
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: والمعتق إلى أجل إذا سبى ثم غنمناه كالمدبر: إن عرف ربه أوقف له وإلا وقعت خدمته فى المقاسم. ثم سيده مخير كالمدبر. ولو أسلم عليه حربى كان له خدمته إلى إلاجل دون سيده. فإذا عتق بتمام إلاجل لم يتبع بشىء. ولو فداه رجل من العدو بمال فإن شاء سيده فداه بذلك ولا يحاسبه بعد العتق. وإن أسلمه صارت جميع خدمته للذى فداه إلى إلاجل . فإذا عتق اتبعه بجميع ما فداه به. وإن وقع فى المقاسم فى سهم رجل فإن فداه ربه بالثمن عاد إلى سيده. وإن تم إلاجل ولم يف عتق ولم يتبع بشىء.
قلت له قال بعض أصحابنا: ولو أعتقه من صار فى سهمه لم يجز عتقه ويبقى بحاله. ولو كان مدبراً مضى عتقه. قال: أصاب فى المدبر. وإما المعتق
[3/273]
***(1/257)
[3/274]
إلى أجل فإن أعتقه ولم يجز عتقه. وإما فداه ربه وأسلمه. وإن أعتقه وهو يعلم أنه معتق إلى أجل، فإن كان ما أخذه به أكثر من خدمته مضى عتقه. وإن كان أقل لم يجز عتقه، وكان لربه أن يفديه ويبقى بحاله إلى أجله أو يسلمه فيتم عتقه. ولو كان معتقة إلى أجل فأسلم عليها حربيى وأولدها ، فإن عليه قيمة ولده على أنهم يعتقون إلى إلاجل مع أمتهم.
قلت: لم وهو قد ملك منها ما كان يملك السيد؟ قال: لأنه لم يملكها ملكاً تإما. ولو قتلت كانت قيمتها للذى أسلم عليها. ولو ولدت من غيره كان ولدها معها فى الخدمة. ولو فداها من بلد الحرب ثم أولدها، فإن ودى سيدها إلى الواطىء ما فداها به قاصة بقيمة الولد على أنه ولد أم ولد. وإن أسلمها فعلى الواطىء قيمة ولده. وكذلك لو أخذها فى المقاسم ثم أولدها. فإن فداها السيد قاة بقيمة الولد. (وإن أسلمها أخذ منه قيمة الولد).
وفى باب الحر يفدى شىء من ذكر المعتق إلى أجل
فى المكاتب يسبى ثم يغنم فيقع فى سهم رجل
أو يفديه من العدو أو يسلم عليه حربى
وفى العبد فى المغنم يدعى أنه مكاتب
أو مدبر أو معتق إلى أجل ونحو ذلك
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا غنم المكاتب وعرف أنه مكاتب ولم يعرف ربه فإن كتابته تباع فى المقاسم. فإن جاء ربه ففداها عاد إليه مكاتباً. وإن أسلمها وعجز رق لمبتاعها. وإذا ودى فولاؤه لعاقدها، ولا خيار فيه لربه بعد العجز ولا يعصمه من بيع رقبته إن شهدت بينة أنه مكاتب أو
[3/274]
***(1/258)
[3/275]
مدبر لا يعرفون سيده، ولا تجوز فى شهادة السماع، وإنما ينفعه أن يشهدوا أن فلأناً وفلأناً أشهداهما أن مولاه كاتبه أو دبره ولم يسألهما عن اسمه، أو قإلا ذكراه لنا فنسيناه.
وكل ما استنقذ من أيدى العدو من عبد فلا يخرجه من الرق إلا بينة بحرية أصل أو حرية غير أصل، أو أنه مكاتب أو مدبر أو معتق إلى أجل أو الأمة أم ولد . وإذا بيع المكاتب فى المقاسم (ثم قأم سيده قال ابن القاسم: إن قدر المكاتب على غرم ما وقع به فى المقاسم) ويعود مكاتباً إلى سيده فعل. وإلا فقد عجز وخير سيده بين أن يسلمه عبدا ً أو يفديه بما ذكرنا كالجناية.
وقال سحنون مرةً: يبدأ بسيده فإن فداه بقى له مكاتبا ً. وإن أسلمه قيل للمكاتب: إما وديت ما صرت به لهذا أو تمضى على كتابتك. فإن لم يقدر فهو كمكاتب عليه دين فأفلس به فأنه يعجز. ثم رجع سحنون إلى قول ابن القاسم، ووجدت له قولاً آخر: أنه يخير سيده بين أن يفديه بالثمن ويبقى مكاتباً له، وإلا، أسلمه فصار عند مبتاعه مكاتباً: إن عجز رق له ، وإن ودى عتق فقرأته عليه فخطأه وقال بقول ابن القاسم.
قال ابن حبيب بعد أن ذكر اختلاف مالك والمغيرة فى أم الولد تباع فى المقاسم أو تفدى وذكر المعتق إلى أجل والمدبر ثم قال: إما المكاتب فيجتمع عليه من قولهم فى الوجهين أن سبيله كما لو جنى جنايةً.
قال سحنون: وإذا أسلم حربى على مكاتب بيده لمسلم فأنه تكون له كتابته. فإن عجز رق له، وإن ودى فولاؤه لعاقدها. ولو كان مع المكاتب آخر بيد السيد فى عقد واحد فأنه يقال للذى أسلم على الواحد وللسيد: إما أن يبيع أحدكما من الآخر كتابة الذى بيده ليصير المكاتبان فى ملك واحد وأداء واحد،
[3/275]
***(1/259)
[3/276]
وإلا فبيعا كتابتهما جميعاً واقتسما الثمن بقدر قيمة المكاتبين وقوتهما على إلاداء. فإن وديا فالولاء للأول ، وإن عجز رقا لمبتاع كتابتيهما. ولو أن مكاتباً فداه رجل من العدو أو ابتاعه منهم فهو كما ذكرنا إذا وقع فى المقاسم فى سهم رجل على قول ابن القاسم واختلاف قول سحنون كما تقدم.
وفى باب الحر يفدى شىء من ذكر المكاتب يفدى.
فى المخدم يشترى من العدو
من كتاب ابن سحنون: قال سحنون فى الموصى بخدمته لرجل سنين ثم هو لفلأن، فأخذه العدو فى الخدمة فابتاعه رجل، فأنه يقال للمخدم أفده بالثمن. فإذا تمت خدمتك قيل لصاحب الرقبة: ادفع إليه ما فداه به وإلا فأسلمه إليه رقاً.
فيمن ابتاع عبداً فغنمه العدو قبل دفع ثمنه
ثم غنمناه فصار فى سهم رجل
من كتاب ابن سحنون:ومن باع عبداً من رجل فللبائع حبسه فللبائع حبسه حتى يأخذ الثمن . فإن أسره العدو قبل ذلك ثم غنم فى سهم رجل بمائة دينار، فإن شاء البائع فداه بالمائة، ثم للمشترى أخذه إن دفع إليه الثمن الأول ومصيبة المائة التى ودى البائع منه لأن ضمأنه منه لو مات بيده، وإن أبى أن يفديه فللمبتاع أن يفديه بإلاكثر . فإن كان ثمنه فى السهمان مائتين وثمنه القديم مائةً فليؤد مائتين إلى صاحب السهمان ولا شىء للبائع، وإن كان ثمن السهمان مائةً والثمن القديم مائتين فليؤد إن شاء مائتين يأخذ منها صاحب السهمان مائةً، وللبائع مائة وليس له غيرها، وإن أسلمه المبتاع كما أسلمه البائع فليس للبائع على المبتاع شىء من الثمن ، ومصيبته منه كموته.
[3/276]
***(1/260)
[3/277]
قال ابن سحنون: وهذا على مذهب سحنون وبعض أصحاب مالك أن ما حبسه البائع بالثمن فهو منه. قال ابن سحنون: وعلى قول ابن القاسم هو من المشترى، فعلى قوله لا خيار للبائع فى العبد. وقد لزم المشترى الثمن ومنه المصيبة، وهو يخير فى فدائه أو إسلأمه، ويغرم الثمن للبائع بكل حال. وإن شاء افتكه من السهمان أو أسلمه.
فى الحر المسلم أو الذمى يفدى من العدو
أو يقع فى المقاسم أو يسلم عليه حربى
وكيف بمن بعضه حر وبعضه رقيق
أو عبد أسر فأعتقه ربه ثم غنمناه أو أعتقه ربه ببلد الحرب
أو أسلم نصرانى ببلاده ثم غنمناه
من كتاب ابن المواز قال مالك وابن القاسم فى الحر أو الحرة يقع فى المقاسم: أنه يتبع بشىء مما وقع به فى المقاسم، وكذلك الذمى. قال عبد الملك: ولا يرجع مشتريه على أهل المغنم ولا على أحد منهم بشىء.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: كان حراً أو ذمياً لا يتبع بشىء ولا يرجع من كان فى يديه على أهل الجيش بشىء إلا أن يكونوا نفراً يمكن ذلك فيهم لقلتهم، مثل عشرة ونحوهم وهم حضور فليرجع عليهم. وروى بعض أصحابنا عن أشهب أن مبتاعه بالثمن ، وخالفه رواته عنه وقالوا لا شىء عليه. قال سحنون لا يتبع بشىء كان حراً مسلماً أو ذمياً.
قال وروى عن عيسى عن ابن القاسم: أنه لا يتبع بشىء ،وينبغى للإمام أن يغرم لمن وقع فى سهمه من الخمس أو من بيت المال لافتراق الجيش. قال عيسى هذا إن كانا ممن يجهلأن ذلك كالصغير . وإما من لا يعذر بجهل ذلك فعليه أن يرجع. وإن كانت جارية فوطئت فلا شىء عليها إذا عذرت بجهل أو تأويل.
[3/277]
***(1/261)
[3/278]
قال سحنون: لا أعرف أن يعطى من الخمس أو من بيت المال، وهى مصيبة نزلت به كان ممن يجهل أو يعلم فلا شىء عليه عندى. وقد سمعت من يقول إن كانا ممن لاتجهلأن فيرجع عليهما. وكذلك الحر يمكن من نفسه من يبيعه أنه يتبع بثمنه لأنه غار. وقال غيره لا غرم عليه وإن كان عالماً .
ومن العتبية قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وهى مصيبة نزلت به، يعنى بالمشترى إلا ان يدرك ذلك قبل المقاسم فيسقط عنه الثمن.
قال ابن المواز: وإن كان نصفه رقيقاً لم يرجع إلا على مالك نصفه بنصف ثمنه فقط إن شاء ربه. وكلما اعترفه ربه من عرض أو رقيق أو حيوان أو غيره مما قسم فى المغنم أو ابتيع من المغنم أو من العدو، فلا يأخذه ربه إلا بالثمن إلا فى الحر والحرة، فأنه إ، بيع فى المغنم، فأنه يخرج ولا يتبع بشىء. وإما إن اشترى من العدو فليتبع لأنه فداء. وكذلك إن فدى، فإن لم يكن له شىء اتبع فى ذمته.
ولو كان معه مال وعليه دين فالذى فداه أو اشتراه من العدو أحق من غرمائه إلى ما ودى فيه، لأن ذلك فداء له ولماله، كما لو فديت ماله من اللصوص أو فديت دابته من ملتقطها أو متاعاً له أكريت عليه، فليس لربه أخذه ولا لغرمائه حتى يأخذ هذا ما ودى فيه. وكذلك ما أنفق المرتهن على الرهن. وإن فدى أمةً من العدو، لم يطأها حتى يعرضها على ربها.
ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فى الحر المسلم يشترى من العدو بأضعاف الثمن فأنه يتبع بذلك وإن كثر ، شاء أو أبى.
قال ابن المواز وقال عبد الملك مثله فى مال الحر الذى فدى من العدو: إن مشتريه من العدو أحق بماله من غرمائه. قال محمد: وهذا فى ماله الذى أحرزه
[3/278]
***(1/262)
[3/279]
العدو مع رقبته لأنه قد فدى ذلك كله. وإما إن اشتراه فى المغنم أو أخذه بسهمه فلا شىء له عليه، لم يختلف فى هذا مالك وأصحابه إلا شىء بلغنى عن أشهب.
قال عبد الملك: والحر الذمى كالمسلم فى هذا لا يتبع بما وقع به فى المقاسم، ويتبعه مفديه من العدو ويكون أحق بالفداء من غرمائه، سواء صار بأيدى العدو بأسر أو غضب.
قال وقال ابن القاسم: إذا نودى على الحر من المغنم المبيع ، وهو ساكت معتمد بلا عذر ولم ينكر، فليرجع علييه مشتريه إن تفرق الجيش بالثمن إذا لم يجد على من يرجع، وإما الحر الصغير أو كبير قليل الفطنة كثير الغفلة أو أعجمى أو من يظن أنه قد أرقه ذلك فلا يتبع هؤلاء بشىء.
وروى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية نحوه: لا يتبع الحر والحرة بما بيعا به فى المقاسم إذا سكتا ومثلهما يجهل مثل ذلك. وإن كانا ممن لا يعذران فى ذلك فعليهما غرم أثمأنهما. قال فى الكتابين: ولو كانت جارية فوطئت لم يكن عليها شىء إذا عذرت بما ذكرت لك من الجهالة والتأويل.
ومن كتاب ابن المواز قال: وأو قالت الحرة قد علمت أنى حرة محصنة، لم يكن عليها فى وطئها شىء إلا أن يطأها عالماً بأنها حرة. وقد كره مالك لكل من اشترى أمةً من العدو أو من المغنم أن يطأها حتى يستبرىء أمرها . ولو وهبه العدو هذا الحر المسلم لم يرجع عليه بشىء إلا أن يكافىء عليه فأنه يرجع عليه بما كافأ فيه وإن كثر، شاء المفدى أو أبى، كافأ بأمره أو بغير أمره. وكذلك فى عبد لمسلم أو لذمى إن لم يكافىء فيه بشىء فلربه أخذه بغير شىء. وإن كافأ فيه فلا يأخذه إلا بما ودى فيه من عين وبقيمة العرض. وكذلك ما أخذ من المغنم ببيع. وإن أخذه مقاسمةً بلا ثمن أخذ فيه قيمته.
[3/279]
***(1/263)
[3/280]
قال ابن المواز: ومن ابتاع أمةً وزوجها نصرانيين فاعتقهما ثم لحقها بأرض الحرب ثم سبيا، فأنهما يكونان حرين لأن الولاء نسب لا ينتقل. وإما إذا أسلم الحربى على حر فى يديه أو ذمى فهو مذكور فى موضع آخر.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون فى العبد يؤسر أو يهرب إليهم فيعتقه ربه قال: عتقه موقوف، فإن خرج إلينا فهو حر، وإن سبى فربه أحق به إن لم يقسم فيكون حراً. فإن قسم فهو أيضاً حر حين غنم كالحر إذا قسم. ثم قال بعد ذلك : إن كان يوم أعتقه سيده لم يحدث فيه أهل الحربحدثاً يزيل ملك ربه عنه مثل هذه الحوادث فهو حر ولا يضره. ويكون ما اشتراه به إن اشتراه مسلم ديناً عليه.
ومن العتبية وقال فى النصرانى، يريد الذمى، يعتق عبده النصرانى ثم يخرج العبد إلى أرض العدو فيسلم هناك ثم يأسره المسلمون. قال: هو حر ولا يقع فى المقاسم. ورورى أشهب عن مالك فى رجل مسلم رهنه أبوه فى أيدى العدو ثم مات أبوه ففداه رجل: أيرجع عليه أو على أبيه؟ قال: لو فداه السلطان.
ومن كتاب ابن سحنون: وروى أصبغ عن أشهب فى ذمى ومسلم حرين سبيا فبيعا فى المغنم أنهما حران ويتبعهما مبتاعهما بالثمن . قال أصبغ: هذا وهم، بل هما حران ولا يتبعان بشىء.
وقال ابن المواز: لم يختلف فى هذا مالك وأصحابه إلا بشىء قد بلغنى عن أشهب.
وقال ابن سحنون قال يحيى بن سعيد: ومن اشترى ذميةً من اعلدو فهى حرة وليتبعها بما ودى فيها. وقاله مكحول، وهو قول مالك.
[3/280]
***(1/264)
[3/281]
ومن كتاب ابن المواز: فإذا أسلم نصرانى ببلاده ثم غنمناه فأنه يكون حراً لا يرق. وكذلك لو خرج إلينا وهو على دينه لكان حراً أيضاً.
قال سحنون: ومن دخل دار الحرب بأمان فابتاع منهم رقيقاً فأعتقهم ثم خرج وتركهم ثم ظهرنا على تلك الدار، فإن كان العبيد مسلمين فهم موإلى ساداتهم. وإن كانوا نصارى فهم فىء يباعون. فإن عتقوا فابن القاسم يرى ولاءهم لسيدهم الثانى. وقال غيره بل للذى أعتقهم أولاً.
وقال أشهب: لا يسترق هذا العبد أبداً وهو حر على عتق سيده الأول . وكذلك عنده لا يسترق أهل الذمة إذا نقضوا العهد، وابن القاسم يرى أن يسترقوا. وفى الجزء الثالث فى أوله باب فيمن فدى زوجته فيه شىء من هذا (وبقية أبواب من الفداء هى أول الثالث).
فى الحرة أو الأمة أو الذمية تسبى فتوطأ فتلد
ثم ظهرنا عليهم بغنيمة أو خرجوا إلينا
والحربى يسلم ويقدم إلينا أو لا يقدم
ثم نظهر نحن على بلاده
ما حكم ماله وأهله وولده؟ أو مسلم تزوج عندهم
من كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم فى الحرة المسلمة أو الذمية يسبيها العدو فيولدها ثم تغنم، فهى وولدها الصغار أحرار. ومن كبر من ولدها وقاتل فهو فىء. وإما أمة المسلم تسبى ثم تغنم وقد ولدت فأولادها الصغار والكبار لسيدها.
[3/281]
***(1/265)
[3/282]
وقال أشهب فى ولد الأمة جميهم فىء إلا أن تكون الأمة تزوجت فولدت فهذا الولد لسيدها معها. قال سحنون: ذلك سواء وكلهم لسيدها. واختلف قول أشهب فى ولد الحرة المسلمة ، فقال : ولدها فىء . وقال : هم أحرار. وقال سحنون بقول ابن القاسم.
وقال ابن حبيب: ولا سبيل على الحرة المسلمة ولا الذمية ، وترد إلى ذمتها والأمة إلى سيدها. واختلف فى أولادهن، فقال ابن الماجشون وأشهب: أولادهن فىء صغارهم وكبارهم. وروى مطرف عن مالك: أن أولادهن تبع لأمهاتهن إلا أولاد الذمية الكبار البالغين فهم فىء، وولد الأمة الصغار والكبار لسيدها، وولد الحرة صغارهم وكبارهم تبع لها فى الإسلام والحرية. فإن أبوا الإسلام جبروا عليه. وإن تمادوا، يريد كبارهم، قتلوا عليه كالمرتد. وقاله ابن وهب، وقاله ابن حبيب.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. وقاله ابن القاسم: إلا فى كبار ولد الحرة فأنهم عنده فىء كالكبار من ولد الذمية.
قال ابن حبيب: ما يعجبنى، أرأيت المسلمة يغصبها نصرانى ببلد الإسلام فتلد منه، أيكون الولد إلا مسلم؟ ولو كان عبداً لكان الولد حراً .
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أسلم الكافر ببلده فدخلنا عليهم فإن ماله وولده فىء عند ابن القاسم، ورواه عن مالك. وقال سحنون، وهو قول أشهب: إن ولده أحرار وتبع له ، وماله له وأمرأته فىء. وكذلك لو هلجر وحده وترك ذلك كله بأرضه، أو رجل مسلم دخل أرضهم فتزوج وكسب مالا وولد له ولد، فذلك كله سواء وأمرأته فىء.
قال الأوزاعى: وإن تزوج بأرض الحرب فولد له ولد فدخل المسلمون تلك الدار فولده حر لأحق به، وله ماله ويسقط نكاحه، ويؤدى قيمة أمرأته فى المقاسم ، ثم إن شاء تزوجها.
[3/282]
***(1/266)
[3/283]
قال سحنون: له ماله وولده حر كما قال . قوله: يسقط نكاحه ، فإن زوجته فىء للمسلمين. فإن أسلمت بقيت امرأة له، إذ لا تحل له أمة كتابية بنكاح. وذلك إذا كان ممن لا يجد الطول. وإما قوله: يقوم عليه فليس بقولنا ولا أعرفه. وإن كبر ولده وقاتلوا فهم كالمرتدين يستتأبون. فإن لم يتوبوا قتلوا.
قال الأوزاعى: وإن أكرهالأسير سيده على تزويج أمته فإن ولده منها أحرار . قال سحنون: بل هم رقيق ويدخلون فى المقاسم.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا قدم إلينا بأمان فأسلم ثم غزا معنا بلاده فغنم ماله وأهله وولده، فإما ماله ورقيقه ودوابه وخرثى فهو له. وإما أمرأته وولده الكبير ففىء له ولأهل الجيش، ويفسخ النكاح لشركته فى ملك زوجته. وإما أولاده الصغار فأحرار مسلمون بإسلأمه.
وقال أشهب: ولو هربت علجة لسيدها المسلم ثم أصابها بعد سنين ومعها أولادها، وقال هم منى، فالأول به لأحق. وإن لم يدعه إلا أن يدعى استبراء قبل إباقها فيصدق. قال محمد: يريد أشهب أنها أم ولد له.
فيمن أسلم من عبيد أهل الحرب
ثم قدم أو غنمناه أو قدم ثم أسلم
من كتاب ابن حبيب قال: وإذا أسلم عبيد الحربيين ثم خرجوا إلينا فهم أحرار لخروجهم لا ملك عليهم لساداتهم. وإن أسلموا ولم يخرج العبيد إلينا وقد أسلموا، فملك ساداتهم قائم عليهم فى البيع وغيره. وإن أسلم ساداتهم فهم لهم رقيق. وإما لو دخلنا إليهم غلبين، فابن القاسم يرى دخولنا إليهم كخروجهم إلينا وهم أحرار.
وقال أصبغ: بل هم عبيد، والقولأن إذا لخصا كانا كقول واحد. فإن كان إذا دخلنا بلده غلبين، فزع إلينا العبيد من دون ساداتهم فهم أحرار. وإن لم
[3/283]
***(1/267)
[3/284]
يلجأوا إليهم حتى غنموهم فهم رقيق كما لو باعوهم ساداتهم. ولو خرج إلينا عبد لحربى تاجر بأمان ومعه مال لمولاه فأسلم عندنا فهو حر وما فى يديه له.
وقال أصبغ: المال لسيده إلا أن يكون استأمن على الإسلام وعلى ما معه فى أول نزوله ، فهذا يكون له كما لو هرب به مسلماً، بخلاف إسلامه بعد أن استقر نزوله بالعهد. وقول ابن القاسم أحب إلينا.
ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: إذا أسلم العبد عندنا فهو حر فى حكم الإسلام ولا يعرض له المال إلا أن عليه أن يفدى لسيده، لأنه خرج على أن يرجع إليه، فليرجع وليرد إليه المال، وهو حر على سيده كما لو بعث أسيراً مسلماً لتجارة فهو حر لا يكلف أن يرجع، ولا يمنع مما فى يديه إلا أن عليه الوفاء لمن بعثه بما خرج عليه. وقال ابن القاسم: المال للعبد ولا خمس فيه ولم يذكر رجوعه.
قال ابن حبيب: وقال أشهب فى حربى دخل إلينا بأمان فاشترى عبيداً مسلمين، ثم مضى بهم إلى بلد الحرب، ثم عنمنا بلدهم فغنمنا العبيد أنهم أحرار ، وقال أصبغ هم غنيمة لأهل الجيش لأن حكم إنما كان يوجب بيعهم عليهم ولم ينتقل ملكهم عنهم، وبه أقول.
[3/284]
***(1/268)
[3/285]
فى العلج يباع فى المغنم فيوجد معه مال
أو له مال ببلده أو ببلدنا
من العتبية : روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فى الأمة تسترى من المغنم فيوجد معها مال، قال : فإما ما ليس من هيئتها ولباسها مثل الدنانير والدراهم فذلك لأهل الجيش لأن المبتاع لم يشترطه. وقال أشهب عن مالك: إذا وجد معها الحلى وقد بيعت فى المقاسم، فإما اليسير مثل القرطين ونحو ذلك فلا بأس به وإما ما له بال فلا.
قال يحيى عن ابن القاسم: وما كان للعلج المبيع فى المقاسم من مال وديعة ً بأرض الإسلام، فهو فىء لأهلذلك الجيش. وكذلك لو قتل بعد أن أسر. فإما لو قتل فى المعترك، لرد ماله المودع إلى ورثته حيث كانوا.
قال عنه عيسى: ولو كان معه مال أو له ببلد الإسلام مال من وديعة ودين وعليه دين للمسلمين، فإما ما أوجف عليه من ماله فأهل الجيش أولى به . وإما ما لم يوجف عليه من وديعة له أو دين فغرماؤه أولى به.
وهذا الباب قد تقدم مثله فى الجزء الأول.
فى العتق من المغنم
وكيف إن كان فى المغنم من يعتق على بعض أهل المغنم
وفى الوطء والسرقة من المغنم
قال ابن سحنون قلت لسحنون: قال سفيان إذا كان فى الغنيمة من يعتق على بعض أهل المغنم من أقاربه فلا يعتق عليه شىء منه إذ لا يعلم قدر نصيبه منه إلا بعد القسم .
وكيف إن كان فى المغنم من يعتق على بعض أهل المغنم
وفى الوطء والسرقة من المغنم
قال ابن سحنون قلت لسحنون: قال سفيان إذا كان فى الغنيمة من يعتق على بعض أهل المغنم من أقاربه فلا يعتق عليه شىء منه إذ لا يعلم قدر نصيبه منه إلا بعد القسم.
[3/285]
***(1/269)
[3/286]
قال : هذا كقول ابن القاسم وأشهب أنه إذا أعتق أمةً من المغنم فلا عتق له. قال مالك: ويحد إن وطىء أمةً من المغنم. وإن سرق منه قطع. قال سحنون: وكذلك لو قال عدد الجيش فكان عشرة أو أقل أو أكثر فى قولهم. وفى قول غيرهم لا يحد فى الزنا ويقطع إن سرق.
وقال سحنون: إن سرق فوق حقه من المسروق بثلاثة دراهم قطع. وبه أقول وأنه يعتق من أعتق ويؤدى نصيب أصحابه.وإن كان فيها من يعتق عليه أعتق وغرم نصيب أصحابه. وكان سحنون يقول: إن سرق حقه (من المغنم بثلاثة دراهم قطع. ثم رجع إلى أنه : إنما يقطع إن سرق فوق حقه) من المسروق بثلاثة دراهم.
قال مالك: إذا أحرزت الغنيمة قطع من سرق منها كمال بين رجلين أودعاه رجلاً . فمن سرق منهما قطع.
قال سحنون: وإن وطىء أمةً من المغنم فأولدها وهو من ذلك الجيش فقد اختلف فيه. وأحب إلى أن يدارأ عنه الحد للشبهة بالشرك الذى له فيها. وهو يورث عنه بخلاف بيت المال، ويخرج قيمة الأمة يوم أحبلها فيدفعه إلى أمير الجيش إن لم يفترقوا. فإن افترقوا تصدق به. فإن كان عديماً فمصابته منها بحساب أم الولد، ويباع باقيها فيما لزمه من القيمة ويتبع من قيمة الولد بقدر ذلك.
قال ابن المواز: ومن زنا بما غنمه أصحابه أو سرق منه، فإن كان ذلك بعد أن أحرز عند أصحابه، فقال ابن القاسم: يحد فى الزنا ويقطع فى السرقة.
وقال عبد الملك: لا يحد فى الزنا ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم. وإما من بيت المال فيحد فى الزنا ويقطع فى السرقة.
[3/286]
***(1/270)
[3/287]
فى تعارف السبى بين الزوجين وإلاقارب والتفرقة بينهم
زما يحل به وطء من سبى من النساء
من كتاب ابن المواز: فإذا تعارف الزوجان من السبى عند البيع فى المغنم والمقسم، أو تعارف إلأبوان والولد أو إلاخوان، فإما الزوجان فلا يقبل ذلك منهما إلا أن يعرف ذلك من أسرها مثل أن يجدهما فى سرير واحد أو مجمع واحد فيصدقان فى هذا. وإن بيع كل واحد على حدة جاز ذلك ويشترط على كل واحد من المالكين أنهما زوجان. وإما إلأم فتصدق فى ولدها إن ادعته قبل البيع والقسم فيجمع معها فى البيع، كان ذكراً أو أنثى قليلاً كان الولد أو كثيراً. وإما غير إلأم وحدها فى الولد فلا يقبل، ولا يجمعان أيضاً فى البيع وإن عرف صدقهما، لا إلاخوان ولا غيرهما ولا والد مع ولد صغار أو كبار، وما علمت ممن يجب اتباعه قال غير هذا غير قول بعض أهل العراق فأنه قال: يباع مع الاب ابنه الصغير.
قال مالك وأصحابه: ولا يفرق بين الولد وإلأم حتى يثغر وليس فى أول إلاثغار. قال الليث: فى عشرين سنة ، ولم يختلف فى غير ذلك. وروى على ابن زياد عن مالك: إن حد التفرقة البلوغ.
وقال محمد بن عبد الحكم: لا يفرق بينهما بعد البلوغ.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فى الإمام يبيع السبى على أن هذا زوج هذه، أو يبيعهم الربانيون القادمون بهم على هذا، فليس للمشترى أن يفرقهم ويقران على تلك الزوجية، وليس فى هذا اختلاف. قال أصبغ قال ابن القاسم: ويفرق بين الجدة وبين ولد ابنها أو ابنتها فى البيع فى السبى وغيره.
[3/287]
***(1/271)
[3/288]
ومن كتاب ابن حبيب: وإن اشترى جاريتين من السبى أو وقعتا فى سهمه فقالتا نحن أختان أو أم وابنتها، فلا يجمع بينهما فى الوطء إذ لعل ذلك كما قالتا. وإن اشترى علجاً وأمرأته من السبى أو وقعا فى سهمه، فقال زوجتى وصدقته فله أن يطأها. ولو اشتراهما من أهل الحرب ولم يسبيا فادعيا أنهما زوجان أو قال ذلك بائعها، فلا يطأها لأن البيع ل يهدم النكاح بخلاف السبى، ولا يفرق بين الوالدة وولدها فى البيع والسبى وغيره، وحد ذلك إلاثغار، وليس ذلك فى غيرها من القرابة من أب أو غيره. وما بيع على التفرقة والولد صغير فسخ البيع.
وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم سبى أوطاس: لا توطأ حأمل حتى نضع ولا حائل حتى تحيض . قال ابن حبيب: وهذا فى الكتابيات. وإما المجوسية فحتى تسم (وتحيض. وإن حاضت قبل أن تسلم أجزأه، وإسلأمها أن تشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله) ، أو تجيب بأمر يعرف دخولها فيه بإشارة أو كلام . والصغيرة التى تعقل ما يقال لها فلا توطأ حتى تجيب إلى الإسلام. وإن ماتت قبل ذلك لم يصل عليها. فإما الصغيرة التى لو ماتت لصلى عليها فتلك توطأ إن حملت ذلك. وينهى عن وطء المسيبة فى بلد الحرب لئلا تهرب إلى أهلها. وفى حديث الخدرى ما يدل على إجازته ويجوز وطء المسيبة الكتابية لها زوج ببلدها أو معها فى السبى، والسبى يهدم النكاح ، سبيا معاً أو سبى الزوج قبلها أو بعدها، إلا أن يسلما أو يسلم الزوج مكأنه، يريد بعد إسلأمها لأنها أمة ،ويريد ما لم يقرأ على نكاحها بعد السبى، فليس للسيد بعد ذلك وطء الأمة ،ولو وطئت أولاً بالملك لزالت العصمة.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إن سبيا معاً أو سبى أحدهما قبل صاحبه فهما على نكاحهما ما لم تستبرأ المرأة ويطأها السيد . فإن وطئها قبل يدركها الزوج ويعلم بذلك فالنكاح منقطع.
[3/288]
***(1/272)
[3/289]
قال ابن بكير البغداداى قال مالك: إذا سبيت قبل الزوج انفسخ النكاح وحلت لمالكها إذ عهد لزوجها. وإن سبيا معاً فاستبقى الزوج أقرا على نكاحهما إذ صار لزوجها عهد حين استحيى، فصار أحق من المالك.
قال أبو محمد: يريد إذا صحت الزوجية:
باب الشهداء ودفنهم والصلاة عليهم
قال أبو محمد: وهذا الباب مثله فى كتاب الجنائز، فيه ما جرى فى المجموعة وكتاب العتبى وبعض ما فى كتاب ابن سحنون، وها هنا بقية كتاب ابن سحنون وابن حبيب.
قال ابن حبيب: ويدفن الشهداء فى المعترك بدمائهم وثيابهم كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم ،وينزع منهم السلاح كله والمناطق والمهأمز والدرع والمغفر والساعدان وغير ذلك من السلاح، ولا تنزع العمأمة والقباء والقميص والدراعة والسرأويل ونحوه، وهذا مجتمع عليه. واختلف العماء فى القلنسوة والخف والفرو والجبة المحشوة. وأكثر ما عليه علماؤنا أن لا ينزع ذلك ، وهو أحب إلى .ولا بأس بترك الخاتم إن كان لا قدر له. فإن كان له قدر نزع.
ومن كتاب ابن سحنون: روى سحنون عن ابن نافع عن مالك، قال: ينزع السلاح. قيل فالخفإن؟ قال: لا أدرى ما الخفإن. قال أيضاً مالك: لا ينزعا. وقال أشهب: ينزع الخفإن والقلنسوة والمنطقة والفرو والحشو وجميع السلاح. قال سحنون: لا ينزع شىء من هذا إلا السلاح. وكذلك روى معن وابن القاسم عن مالك فى الفرو. وكذلك قال ابن المواز وقال: ولا يغسل من دمه شىء.
ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: ولا أحب أن يزاد عليه فى الكفن ولا ينزع منه، إلا أن يقتل فيما لا يواريه أو يسلب فليكفن.
[3/289]
***(1/273)
[3/290]
قال ابن حبيب: وإن كان عليه ثوب عارية أعطى ربه قيمته من تركته وترك عليه.
ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب: وإنما الذى لا يصلى عليه من قتل فى المعركة قعصاً. وإما من حمل من المعركة إلى بيته فمات فيه أو فى أيدى الرجال أو بقى فى المعركة حتى مات فليغسل ويصلى عليه. قال سحنون وابن حبيب فى الذى بقى فى المعركة: إنما هذا فى الحياة البينة الذى لا يقتل قاتل مثله إلا بالقسأمة. قال ابن حبيب: كذلك سمعت أهل العلم يقولون.
قال سحنون: ومن حمل وهو فى غمرة الموت فمات مكأنه أو بعد ذلك بقليل فى أيدى الرجال أو أنفذت مقاتله فحمل فمات فى بيته، فلا يغسل ولا يصلى عليه. وإن أوصى بوصية وهو فى غمرة الموت بكلام يسير ثم مات مكأنه فلتنفذ وصيته ولا يغسل ولا يصلى عليه. ولو أنفذت مقاتله لم تجز وصيته. وقال غير سحنون من أصحابنا: تجوز وصتيه وقد أوصى عمر حين طعن، وهذا مذكور فى كتاب الديات.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن أسره العدو فلم يؤمنوه حتى قتلوه ورموه إلينا فلا يصلى عليه. ولو أمنوه ثم قتلوه لغسل وصلى عليه. ومن قتله العدو فى غير قتال فى علاقة أو سرية أو ساقة أو غفلة فى المسير أو فى القفل فأنه لا يغسل ولا يصلى عليه. وكذلك لو حلوا بالمسلمين فى مدينة أو حصن فقتلوهم فى عقردارهم يريد فى وسط دارهم، أو فى حصن من حصنوهم، فقتلوا الرجال والنساء والصبيان، فليدفنوا بغير صلاة ولا غسل. وإذا احتيج إلى دفن اثنين فى قبر واحد أو جماعة من الشهداء أو بوباء نزل فلا بأس بذلك ويقدم أحسنهم حإلا وإن كان أصغر سناً وأقلهم قرآناً. فإن استووا فأعلمهم وأكثرهم قرآناً .فإن استووا فأسنهم.
[3/290]
***(1/274)
[3/291]
قال: وإنما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقدم أكثرهم قرآناً لأن الحال منهم كلهم حسنة. قال: ومن وجد قتيلاً فى قرية من قرى العدو ممن شذ فلا يغسل ولا يصلى عليه حتى يعلم أن قاتله من غير العدو أو أنه عاش بعد أن جرح.
قال ابن حبيب قد قيل: أنه يغسل ويصلى عليه حتى يعلم أن العدو قتله قعصاً وبالأول أقول. وإن قدر على دفن الشهداء حيث صرعوا فعل ذلك وهى السنة. ومن قتله نصرانى أو مسلم بدار الإسلام فأنه يغسل ويصلى عليه.
ومن كتاب ابن سحنون قيل لمالك: روى أنه يبدأ بالشهداء بأكثرهم قرآناً؟ قال ليس هذا من إلاحاديث المعروفة. قال ابن حبيب: كان هذا أول الإسلام والحال منهم كلهم حسنة.
ومن كتاب ابن سحنون: قال ابن القاسم فى القوم بأرض العدو يوجد منهم رجل فى القرية قد قتل لا يدرى من قتله بسلاح أو غيره، فليغسل ويصلى عليه. ولو عرف أنه قتله أحد من العدو قعصاً فى قتال بينهما قتلاً لم يحى بعده فلا يغسل ولا يصلى عليه. ومن وجد ميتاً فى المعترك ولا أثر فيه فلا يغسل ولا يصلى عليه.
قال سحنون: إذا وجد من ساعته أو من يومه من المتعلفة أو نحوهم مقتولاً لم يصل عليه. وإن وجد بعد أيام فليغسل ويكفن ويصلى عليه. ومن وجد بحضرة القتال ميتاً فى المعترك ولا أثر فيه، أو وجد الدم يخرج من فيه أو من أنفه أو إذنيه أو عينيه أو دبره أو من ذكره، أو خرج منه مرةً حمراء أو صفراء فلا يغسل ولا يصلى عليه. وكذلك من قتل فى الصف بنشاب أو حجر، أو سقط فأوطأته دابة مشرك قاصداً أو غير قاصد، أو نفحته أو كدمته أو ضربته بيدها أو بذنبها فمات فلا يغسل ولا يصلى عليه. ولو لم يكن عليها راكب وقد غارت لمشرك ولا سائق لها ولا قائد فقتلته بصدم أو أوطأته فمات يغسل ويصلى عليه. وإذا أنهزموا فقتلهم العدو فى الهزيمة فلا يصلى عليهم. وإن عثرت برجل دابته فرته
[3/291]
***(1/275)
[3/292]
فقتلته أو وطئت دابته على رجل فقتلته وعليها راكب أو لها سائق أو قائد فهذا يغسل ويصلى عليه.
ولو رمى مشركاً بسهم فأصاب مسلماً خطأ لغسل وصلى عليه. وكذلك من نفرت دابته بتنفير المشركين إياها فرمته فقتلته أو زجروا دوابهم وضربوها فرمت برجل دابته فمات فأنه يغسل ويصلى عليه. وكذلك لو ضربوا بالدرق وجهها فنفرت فرمتهم فمات بعضهم . وكذلك من نفرها من حمل خيل المشركين عليها. وكذلك لو ألجأوهم إلى نهر فغرقوا فيه، أو إلى نار فاحترق بعضهم أو غرقوا، فليغسلوا ويصلى عليهم. وكذلك لو طعنوهم برماح فرموهم فى الماء أو فى نار عن دوابهم أو عن السور فماتوا فكما ذكرنا.
وإذا قتل الشهيد جنباً قال سحنون: يغسل ولا يصلى عليه لأنه حى عند ربه. وقال أشهب لا يغسل. وإذا وجد فى المعركة حريقاً أو غريقاً لا يعرف سببه لم يغسل ولم يصلى عليه.
ولو طلعوا حصناً فزهقت رجل أحدهم فسقط فمات ، أو سقط عليهم حائط السور فماتوا، أو نقبوه فخر عليهم، فليغسلوا ويصلى عليهم. ولو نقبة العدو وعلقوه ثم دفعوه عليهم فهلكوا، فلا يصلى على هؤلاء ولا يغسلون. ولو سقط عليهم من غير دفع لغسلوا وصلى عليهم. وإذا خندق المشركون خندقاً جعلوا فيه ماءاً أو ناراً أو رموا حولهم الحسك فهلك بذلك أحد فأنه يصلى عليه. ولو رمونا بالنار لم يصل على من مات من ذلك. وكذلك لو جعلوا النار فى أطراف الشجر لتصل إلينا لقربها منا. ولو لم يجعلوها لذلك إلا لإحراق الخشب ونحوه فليغسل من مات بذلك ويصلى عليه. وإن رموا العسكر بالنار فأخذت فى الفساطيط فأحرقت وقتلت أو ذهب بها الريح فقتلت فلا يصلى على من مات بذلك. وكذلك ما رمونا به فى البحر، فتراقت النار إلى حرق مركب وأهله بخلاف نار تلحقنا من غير رميهم.
وإذا وجد فى المعركة أحد قد مات بأحد هذه الوجوه فلا يدرى بفعل
[3/292]
***(1/276)
[3/293]
المشركين أو بغير فعلهم، فهو على أنه بفعلهم حتى يظهر خلافه. وهذا إن وقع بينهم لقاء أو حرب أو مرإماة، وإلا فالغسل والصلاة عليه واجبة.
قال أشهب: إذا أغار الروم على مدينة للمسلمين فقتلوا الرجال والنساء والصبيان، فإن كان على وجه قتال فلا يغسلوا ولا يصلى عليهم، (ومن قتل منهم على غير قتال صلى عليه وغسل, وقال سحنون: لا يغسلون ولا يصلى عليهم).
قال أشهب: ومن أكله سبع أو مات من تردى من جبل أو سقوط جدار أو غرق أو فى بئر، أو قتيل يوجد فى القبيلة لا يدرى ظالم هو أو مظلوم بحديد أو غيره ، فليغسل ويصلى عليه.
بقية مسائل من صلاة الخوف
زيادة على ما فى كتاب الصلاة من ذلك
فى صلاة المسايفة وصلاة الراكب
من كتاب ابن سحنون فى السير قال مالك: إذا اشتد الخوف والقتال وأخذت السيوف مأخذها صلوا بقدر الطاقة إيماءً، وحيث توجهوا مشاةً وسعاةً وركباناً تومئون بالرؤوس. وقال أهل العراق: إنما صلاة الخوف والقوم متوافقون. فإما فى المسايفة والطعان والمرإماة فلتؤخر الصلاة إلى زوال ذلك ،لأن هذا عمل فى الصلاة. قالوا :وقد صليت المغرب يوم الخندق بعد هوى من الليل. قال سحنون: كان ذلك قبل نزول إلاية فى صلاة الخوف. وإما قولهم: هذا عمل، فإن من قولهم: إذا صلت الطائفة الأولى ركعة، ذهبت وجاه العدو وهى فى الصلاة، فهذا العمل أكثر . وقال ابن عمر فى صلاة الخوف ما قال، قال: فإن كان خوفاً أشد من ذلك ،صلوا كما قال الله عز وجل: (فإن خفتم فرجإلا أو
[3/293]
***(1/277)
[3/294]
ركباناً) ،حيث ما توجهوا ويؤمئون بالسجود أخفض من الركوع. فإن لم يقدروا على إلايماء فالتكبير يجزيهم فى كل ركعة تكبيرين، وقاله مجاهد.
وقال الأوزاعى ومكحول: إن لم يقدروا على إلايماء وخروا . قال سحنون: قد اعلمتك بقولنا. قال الأوزاعى: إن لم أن يصلوا صلاة الخوف مع الإمام كما روى وقدروا أن يصلى كل واحد ركعتين بأربع سجدات، ويقاتل عنه صاحبه فليفعلوا .قال الوليد: ولا يجب عليهم صلاة الخوف إن قدروا على هذا. قال سحنون: أقامة صلاة الخوف أولى بهم إن قدروا.
قال أشهب: وإذا صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعةً، ثم حمل عليهم العدو فأتموا الصلاة بإلايماء أجزاهم. وكذلك إن حملوا عليهم فى الركعة الثانية.
قال أشهب وإذا أتوا العدو وخافوا منهم صلوا (على الدواب. قيل: أيصلى بطائفة وطائفة تكف العدو؟ قال: نظن أنه) إن كان فى طائفة كف للعدو أنه يقدر أن يصلى بالآخرى بالارض. وإذا خاف على الطائفة المواجهة، (فله أن يصلى بالآخرى ركباناً. وغن صلى بطائفة ركعةً ثم ركبوا أو واجهوا العدو) لم تفسد صلاتهم بالركوب والقتال للضرورة، كما لم يفسدها عمل الشىء للضرورة.
قال أشهب: وللإمام أن يستخلف فى صلاة الخوف إذا أحدث فيعمل المستخلف ما كان يعمل. وإن كان الإمام مقيماً أتم بهم. وإن كان مسافراً وخلفه مسافرون ومقيمون، صلى بكل طائفة ركعةً ويعمل على أصل أشهب كما تقدم ، إلا ان المقيمين يتمون بعد سلأمه. وإذا لم يقدر الركبان على النزول من العدو، وقدروا أن يصلوا ركباناً بإمام فعلوا. وإلا صلوا أفذإذا .وإن قدروا أن ينزل بعضهم فيصلون بالارض ممسكين دوابهم. ولو رجلاً والباقون وقوف ركباناً فعلوا. ولا يجوز حينئذ أن يصلوا على الدواب إلا ان يخافوا أن يفوت المتربصين منهم فليصلوا على الدواب.
[3/294]
***(1/278)
[3/295]
قال سحنون: وإن حاصروا حصناً وحضرت الصلاة فخافوا إن نزلوا فاتتهم غرة أمكنتهم فليصلوا على دوابهم. وقاله الأوزاعى. وقال: وإن كانوا راغبين غير راهبين. وقاله مكحول فى قرية عدوا عليها، وقد انتشر أهلها وخافوا الفوت وأمكنتهم فرصة. وفعله شرحبيل بن السمط.
وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم إذن فى ذلك للسرية إذا بلغوا المغار عند الصلاة. قال سحنون: وإذا اشتد القتال ورجى فتح الحصن جاز أن يصلوا إيماء وهم يسعون ويقاتلون. قيل: فإن لم يقدروا على (إلايماء؟ قال: هذا محال أن يأتى بهم حال لا يقدرون على إلايماء.
وقال الأوزاعى: إن لم يقدروا على) ذلك، وخروا حتى يفتحوا أو تمكنهم صلاة الخوف. وقال أنس بن مالك: ما صلينا صلاة الصبح فى فتح تستر مع أبى موسى إلاشعرى إلا بعد طلوع الشمس، وما أعدل تلك الصلاة ما طلعت عليه الشمس.
فى إقصار الصلاة فى الغزو أو فى بلد العدو
قال أبو محمد: وهذا الباب قد جرى منه شىء فى كتاب الصلاة الثالث.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: وإذا قأموا على حصن بأرض العدو وقد وطنوا أن يقيموا عليه شهراً أو يفتحوه قبل ذلك أو على أقامة شهر، فإن فتحوه فليقصروا لأن دار الحرب ليست بدار أقامة. وإن كان بين الحصن وبين دار الإسلام ما لا يقصر فيه (ونيتهم إلا يجأوزوه فليتموا فى طريقهم ومقأمهم. ولو خرجوا إلى ما يقصر فيه) من بلد الحرب ثم رجعوا فحصرهم الثلج فى آخر بلد
[3/295]
***(1/279)
[3/296]
الحرب فأقاموا باقى سنتهم حتى انكشف، قال: يقصرون لأن بلد الحرب ليست بقرار وقد يرهقهم العدو، إلا أن يجرى بينهم فى ذلك هدنة فليتموا فى أقامتهم.
ومن دخل دار الحرب بأمان فله حكم من بدار الإسلام فى مقأمه وفى نيته أن يقيم أربعة أيام بموضع. ومن أسلم منهم وأمن أو كتم إسلأمه، فهو كمن فى وطنه فى سفره ومقأمه. وإما أسير مسلم بأيديهم فهو كالعبد يغلب على مراده. فإن سافروا به إلى ما يقصر فيه وهو لا يريد السفر أو يريد المقام أربعة أيام فليقصر. وإن نووا هم أقامة أربعة أيام أتم هو. وإن لم يرد هو مقاما يعمل على مرادهم. وكذلك حكم العبد والزوجة يسافر بها فى بلد الإسلام. وكذلك الرجل يبعث فيه الخليفة ليؤتى به من بلد كذا وهو لا يريد فإنما يقصر أو يتم على قصد الذاهبين به.
وإن انفلت منهمالا سير المسلم فليقصر أبداً ما بدار الحرب. وإن نوى أن يقيم شهراً أوغيره، فليقصر لأنه لا يأمن . وكذلك من أسلم منهم فطلبوه فهرب، أو مستأمن منا غدروه فطلبوه، فهو على القصر فى هربه فى مسافة يقصر فيها. ومن خرج بغير علمهم فيقيم كأمناً فى موضع ينوى فيه أقامة شهر ونحوه فليقصر.
قال ابن سحنون: ومن أوطن من هؤلاء مدينة من مدائن الحرب، ثم لما طلب اختفى فيها، فليتم ما أقام بها حتى يظعن. وكذلك إن خرج إلى مسيرة نصف يوم ليقيم فيها مختفياً فليتم.
ولو أسلم أهلمدينة فحاصرهم الروم فليتموا حتى يخرجوا إلى مسافة يقصر فيها فليقصروا، (غلبوا على مدينتهم أو لم يغلبوا. وإن أقاموا ببلد الحرب شهراً
[3/296]
***(1/280)
[3/297]
فليقصروا). وإن رجعوا إلى مدينتهم ولم يكن عرض لها الروم فليتموا بها. وإن كان قد غلب عليها الروم ثم لما رجع أهلها تركوها لهم، فإن أراد أهلها إيطانهم فليتموا. وإن لم يريدوا ذلك ولكن ليقيموا بها شهراً ويذهبوا فليقصروا كمن لا يأمن بدار الحرب. وكذلك المسلمون يغلبون على مدينة للروم ، فأقاموا بها ليوطنوها وهم ممتنعون فليتموا. وإن لم يكونوا ممتنعين وإنما يقيموا وإنما يقيموا مدةً ويرتحلوا، فليقصروا.
ولو أتى العدو مدينة للمسلمين فخرجوا فعسكروا على ميلين منها فحضرت صلاة الجمعة فلا جمعة عليهم، وليصل بهم ظهراً على سنة صلاة الخوف فى الحضر ،وليس عليهم صلاة العيد لشغلهم بالعدو. ولو حوصروا فى المدينة صلى بهم الإمام بكل طائفة ركعةً.
قال : واختلف أهل الشام فى الصلاة بدابق إذا نزلها الإمام فى الإقصار. فقال الأوزاعى: هى من منازل المسلمين. فإذا لم يدر متى يرحل منها . فأقصر إلى اثنى عشر يوماً ، ثم أتم .واختلف قول مكحول فى الإتمام بها والإقصار، ورجع إلى أن يتم.
قال سحنون: هى من بلد الإسلام، والأمر عندنا على حالين : فإن نزل بأرض الإسلام قصر ما لم ينو أقامة أربعة أيام. وإن كان بأرض الحرب فليقصر ومن أقام السنين، أقام على حصن أو غيره. وروى الوليد عن مالك أنهم كانوا يجمعون الصلاة فى الغزو، وما سمعت أحداً يحكى هذا عن مالك، ولا جمعة عند مالك ببلد الحرب.
قال الأوزاعى: يصلون صلاة العيد بإمامهم. قال سحنون: لا صلاة عيد ولا جمعة ببلد الحرب، ولا أضحية عليهم.
[3/297]
***(1/281)
[3/298]
وقال الأوزاعى ومكحول: يضحون بغنم الروم. قال سحنون: إنما يضحى الرجل بملكه وغنم الروم غير مملوكة.
قال سحنون: وإذا كانت مدينة هى أقرب إلى دار الحرب من آخرى، وأمر الخليفة أهلها بالغزو، فكتب بذلك أمير الدنيا إلى القصوى فخرجوا إلى الدنيا فإن كان بين المدينتين ما يقصر فيه قصروا. وإن لم يكن بينهما ذلك وبين القصوى وبلد الحرب ما يقصر فيه، فإن كان أهل القصوى على عزم فى الخروج، خرج أهل القريبة أو قعدوا، فليقصروا من يوم خرجوا، ولا قصر على أهل الدنيا إن خرجوا حتى يكون بينهم وبين أرض الحرب ما يقصر فيه. وإن كان أهل القصوى لا ينفذون إلا بخروج أهل الدنيا فلا يقصر أهل القصوى حتى يبرزوا مع أهل الدنيا منها إلا أن لا يكون بسير منها إلى أرض الحرب ما يقصر فيه فلا قصر على أحد منهم. وإذا جهلوا أقصى سفرهم لم يقصروا على شك حتى يوقنوا بما يقصر فيه.
وإن كان بين المدينتين أربع برد فأكثر قصر أهلها بخروجهم وفى مقأمهم فى الدنيا وإن طال مقأمهم إن كانوا عازمين على النفوذ، ما لم ينووا أقامة أربعة أيام بها فليتموا حتى يبرزوا منها فيرجعوا إلى أصل سفرهم فيقصروا. وإن جهلوا أقصى المغزى فلا يقصر من خرج من المدينة القريبة حتى يوقن بمسيرة أربعة برد ، إما لخبره أو علمهم بمخارج أسفاره. وإذا خرجوا عازمين والسفر تقصر فيه الصلاة فعسكروا خارجاً حتى يلحقهم الوالى فليقصروا ما أقاموا إن كان لابد أن يخرجوا، خرج وإليهم أو لم يخرج. وإن كان لا يخرجون إلا به أتموا حتى يرحل بهم عن عسكرهم إلى ما يقصر فيه. وإن خرجوا وبينهم وبين المدينة الآخرى بريدان، وبينهم وبين أول دار الحرب أربع برد فليقصروا. فإن قصروا فلما بلغوا المدينة
[3/298]
***(1/282)
[3/299]
الآخرى قال الوالى: قد كتبت إلى الخليفة قبل خروجكم إلا تغزوا، فإن كان خروجهم من مدينتهم على إلا يخرجوا إلا بخروجه وقصروا فليعيدوا كل ما قصروا فيه .ولو كتب إليهم وإلى القرية من أراد الخروج فليواف موضع كذا من أول دار الحرب ، ولم يخبرهم مدى سفره فأتوه، فإن علموا أن فى سفرهم ما تقصر فيه قصروا من يومئذ. وإن قصروا قبل ذلك أعادوا أبداً أربعة . وإن ظعنوا فى الوقت فركعتين.
آخر الرابع من كتاب النوادر والحمد لله
يتلوه الخأمس والحمد لله
[3/299]
***(1/283)
[3/301]
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا ومولأنا محمد
وآله وسلم
الخامس من الجهاد والنوادر
فى فداء الأسارى المسلمين
وهل يفدون بالخيل والسلاح
والرجال والنساءوالصبيان والأشياء المحرمة
وفى رجوع من يفدى الأسير عليه
من العتبية روى أشهب عن مالك (قال : ويجب على المسلمين فداء أساراهم بما قدروا عليه، كما عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم.قال أصبغ عن أشهب عن مالك) وإن لم يقدروا على فدائهم إلا بكل ما يملكون فذلك عليهم. وذكر ابن سحنون نحوه عن مالك ، وذكر ابن حبيب رواية أشهب هذه كلها. قال: ورواها ابن الماجشون عنه.
قال ابن حبيب : وقاله الأوزاعى .وقد سمعت أهل العلم يقولون يجب ذلك على الإمام وعلى العام ة.فإما على الخاصة فمستحسن. وأمر عمر بن عبد العزيز أن يفدى من هرب إليهم طوعاً من حر أو عبد، وذكر ابن سحنون عنه مثله.
ومن العتبية قال أشهب: فإن طلبوا الخيل والسلاح فلا بأس أن يفدى بها. وإما الخمر فلا ولا يدخل فى نافلة بمعصية.
[3/301]
***(1/284)
[3/302]
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: يفدى بالخيل والسلاح، والمؤمن أعظم حرمة.وإن طلبوا الخمروالخنزير والميتة أمر الإمام أهل الذمة بدفع ذلك إليهم وحاسبهم بقيمته فى الجزية. فإن أبى من ذلك أهل الذمة لم يجبروا، ولم ير قول أشهب. قال سحنون: لا بأس ان يبتاع لهم الخمر للفداء وهذه ضرورة.
وفى غير كتاب ابن سحنون: أن ابن القاسم لم ير أن يفدى بالخيل والخمر (قال: والخمر أخف.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: إذا طلبوا منا فداء المسلم بالخيل والخمر) . فلا يصلح ذلك بالخيل، وهو بالخمر أخف. وأجاز أبو زيد أن يفدى بالفرس وقال:مسلم أحب إلينا من فرس.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن فدى أسيراً مسلماً بخمر أو بخنزير أو ميتة أو اشتراه بذلك أو وهب له فكافأ عليه بذلك فلا رجوع له عليه بشىء من ذلك إلا ان يكون المعطى ذمياً فليرجع عليه بقيمة الخمر والخنزير. وإن كانت الميتة مما يملكون أخذ منه قيمتها.
قلت :فلم أرجعته بما كافأ فيه والمكافأة تطوع؟ قال: لأنهم يرى أنهم أرادوا الثواب.
قال ابن حبيب: قال لى مطرف وابن الماجشون وأصبغ لا بأس بفداء المسلم بالخيل والسلاح وبالمشرك الذى له القدر عندهم والنجدة إذا لم يرضوا إلا به.
[3/302]
***(1/285)
[3/303]
قال عمر : لبقاء مسلم أحب إلى من فتح حصن حصونهم. قال ابن حبيب:وهذا إذا أيس أن يقبلوا مالا ،ويجتهد فى ذلك ويبذل. قال والسلاح والخيل أيضاً إذا لم يكن أمراً كبيراً يظهر لهم بالقوة القاهرة. وكذلك العدد الكثير. فإما الرجل والرجلان والشىء بعد الشىء فى الفرط فذلك جائز إلا أن ياتى مشرك إلينا معه أسير مسلم فلا يفادى بالسلاح. فإن أبى إلا ذلك أخذ منه صاغراً وأعطى به القيمة. وكذلك إن جاء به ليفدى به مشركاً فوجده قد مات، فلا يترك يرجع به ويعطى القيمة . والذى ذكر ابن حبيب قول ابن الماجشون وغيره، وخالفه ابن القاسم.
قال أبو محمد: وفى باب فداء أسارى المشركين من هذا.
ومن كتاب ابن سحنون قال: وإذا فدى الأسير بأضعاف ثمنه، فأنه يرجع عليه به على ما أحب أو كره.
قال ابن نافع عن مالك: وإذا أسلم الصبى عندنا فلا يفدى بهالأسير المسلم. قال سحنون:وإن طلبوا علوجاً بأيدينا لهم نكاية فى فداء المسلم فلا بأس أن يعطوا ذلك . وكذلك صبيان صغار من أطفالهم إلا ان يسلموا ويعقلوا الإسلام فلا أرى ذلك. وقد قال مالك: إذا سبوا أطفالهم وليس معهم أب ولا أم فلهم حكم المسلمين ويصلى عليهم إن ماتوا. وأجاز ان يفادى بهم المسلم. وقال لى معن عن مالك: لا يفادى بمن صلى من السبى.
قال سحنون: ولا بأس أن يفدى مسلم بذ مى إن رضى الذ مى وكانوا لا يسترقونه. فإما إن كانوا يسترقونه فلا.
قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك : وإذا قدم مشرك بأسير مسلم فطلب أن يفدى به قريباً له مشركاً رقيقاً لمسلم، فأبى سيده فليجبره
[3/303]
***(1/286)
[3/304]
الإمام على أن يأخذه فيه قيمته ويفدى به المسلم. قال: وإن طلب المشرك بأسيره شططاً من الثمن فإن كان قريباً من القيمة أعطيه. وإلا أخذ القيمة، ولو طلب الرجوع به جبر على أخذ القيمة ونزع منه ، قاله ابن نافع.
وقال ابن القاسم: لا يؤخذ منه إلا برضاه ويترك الرجوع به ، وخالفه أصبغ وغيره، وليس من الختر ولم يعاهدهم على أن يخالف بالعهد أحكأم الله سبحانه . وذكر ابن سحنون عن عبد الملك نحوه وقال: إن كان فى قيمة المشرك فضل بين على المسلم منع القادم به من الرجوع به.
قال سحنون وقال عبد الملك: ولا يزاد على قيمته إلا الشىء القريب. وقال مالك: يمنع من التشحيط فى ثمنه. وكذلك إن كان العلج والعلجة تشبه قيمتهم قيمة المسلم، نزعها ممن هما بيده وأعطاه القيمة على الإجتهاد.
قال ابن سحنون عن أبيه: إذا طلبوا فى فداء أسارى مسلمين علوجاً استرقهم المسلمون وأبوا إلا هذا ، فلا بأس أن يجبر الإمام ساداتهم على البيع ويعطيهم الثمن ويفدى المسلمين بهم، ولا يباع منهم جبة مشرك ذات ثمن، ولا بأس أن يفدى بها مسلم، يريد: كأنها مما يتزين به فى الحزب. وإذا قدم علج بأسير يطلب به فداء زوجته أو ولده فوجدهما قد أسلما، فمالك وابن القاسم يريان ان له رده ، وغيرهما يرى أن يجبر على أخذ القيمة. قال : ولو كان إنما فاتا بتدبير أو كتابة أو عتق إلى أجل، فهو فوت ويعطى قيمةالأسير عند من ذكرنا، ومعنى القيمة فى هذه المسائل أى فداء مثله، ليس العربى والقرشى كإلاسود والمولى.
قلت: فقد فديت الأسارى الذين كانوا بسردانية على قيمتهم عبيداً. قال: إنما ذلك لأنهم غير معروفين عندى من ذوى القدر.
[3/304]
***(1/287)
[3/305]
وقد روى ابن نافع عن مالك فى مسلم رهنه أبوه بيد العدو فمات الاب فخرج رجل مسلم ففداه على من يرجع قال: لو فداه الإمام. قال سحنون: وأنا أرى إن كان رهنه أبوه فى مصلحة للمسلمين
وما ينزل بينهم وبين العدو ثم التاث الأمر فعلى الإمام فداؤه، وأحب إلى أن يفتكه ويغرم لمن فداه. وإن كان إنما رهنه فى تجارة فغرم ذلك على الاب ويؤدب. وإن مات فذلك فى تركته يرجع به إلابن ويؤدى إلابن لمن فداه ويرجع بذلك فى تركه إلاب.
وقال ربيعة: وإذا فدى الذمى مسلماً فليرجع عليه بما فداه به إن كان من ذمتنا ممن علينا نصره. وإن كان ممن ليس علينا نصره فلهم رضاهم. قال : يعنى من ليس علينا نصره: من ينزل عندنا بأمان وقد فدوا مسلماً فلهم رضاهم. قال ابن حبيب: إلا أن يطلب هذا المستأمن ثمناً شحيطاً فليعط القيمة. قاله مالك من رواية مطرف وابن الماجشون، وقاله أصبغ.
قال سحنون :ومن فدى خمسين أسيراً مسلماًببلد الحرب بألف دينار رجع عليهم، ومنهم ذو القدر وغيره الملىء والمعدم، فإن كان العدو قد عرفوا ذا القدر منهم وشحوا عليهم فليقسم عليهم الفداء على تفأوت أقدارهم. وإن كان العدو جهلوا ذلك فذلك عليهم بالسوية. وكذلك إن كان فيهم عبيد، فهم سواء والسيد مخير بين أن يسلمهم أو يفديهم. قال: ومن فدى أسيراً مسلماً فهو أحق بماله من غرمائه حتى يأخذ الفداء.
قال عبد الملك: وذلك آكد من الدين لأنه يفدى وهو كاره وبأضهاف ثمنه وديته، فقد حل ذلك فى ذمته بغير طوعه فلهذا صارأولى. وقد يبيع الرجل العبد بيعاً فاسداً فيفسخ وقد أتلف البائع الثمن وفلس فالمبتاع أحق به حتى يأخذ الثمن كالرهان. فإن بقى عن قيمتهم شىء، حاصهم(به فيما سواه من ماله.
[3/305]
***(1/288)
[3/306]
وكذلك من فدى مكاتباً أو مدبراً أو معتقاً إلى أجل، وسيد أم الولد) فيما يلزمه فيها. قال سحنون: ومفديها أحق من غرماء سيدها بما فداها به. وقد تقدم فى الجزء الثانى فى باب الحر يفدى أو يباع فى المغنم ذكر الرجوع على الحر بالفداء.
قال سحنون : ومن فدى ذميةً من العدو فلا يطأها وله ما فداها به، يريد: عليها. ولو أهدى مالك الروم إلى أمير المسلمين أو إلى المسلمين مسلماً أو ذمياً لم يكن عليهما شىء. قال: وروى ابن نافع عن مالك فيمن اشترى عبداً من العدو فلما قدم به تكلم بالعربية وأقام البينة أنه حر أسره العدو فأنه يغرم لمبتاعه الثمن. فإن لم يكن عنده فليبتع به ديناً.
قال عنه ابن نافع فيمن عنده أم ولد نصرانية ابتاعها من السبى فطلب قريب لها ان يعطيه فيها أسيراً مسلماً ، قال : إن رضيت أم الولد.
قال فى كتاب ابن المواز: وكانت على شركها فذلك جائز. وإن كرهت فإنى أكره ذلك. وإما لو أسلمت فلا يجوز ان يفدىالأسير بها. وذكره ابن حبيب عن مالك وقال: فإن كرهت أو كره ذلك سيدها فلا يفعله. واستثقله أصبغ وإن رضيا. وبقول مالك أقول.
وقال العتبية أبو زيد عن ابن القاسم فى أم الولد النصرانية لمسلم طلب وليها أن يفديها، قال : فلا يفعل ذلك سيدها. قال: ولو أعتقها فله أن يدفعها فى الفداء وبعد أن يستبرئها، وكذلك لو أولدها فله ان يدفعها فى الفداء.
قال أبو محمد: إنما يعنى، والله أعلم، فى التى أعتقها أو أولدها: إنما يدفعها فى فداء مسلم برضاهم لا بمال يأخذه. وإنما يدفعها فى فداء مسلم
[3/306]
***(1/289)
[3/307]
على أن لا يسترقوها. وقد قال سحنون فى الذمى أيفدى به مسلم برضى الذمى؟ قال: إن كان لا يسترقونه فنعم وإلا فلا.
قال ابن حبيب قال مالك فى أسير مسلم قال لرجل: افدنى ولك كذا غير ما تفدى به : فلا شىء غليه غير ما فداه به.
وبعد هذا باب فى فداء المشركين فيه من معانى هذا الباب، وباب فى بيع صغارالكتابيين والفداء بهم من هذا، وزيادة فيه.
فيمن فدى زوجته أو أحداً من ذوى محارمه
وفى الفداء على شرط زيادة أو عرض
ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، ومثله فى كتاب ابن سحنون عن مالك والمغيرة فيمن ابتاع زوجته من العدو وقد أسروها أو فداها: فإن لم يعلم بها حين الشراء فله اتباعها بالفداء. وإن علم بها فليس له اتباعها بشىء. قال عنه يحيى بن يحيى : إلا ان تأمره بذلك.
قال ابن حبيب: ومن فدى من الزوجين صاحبه فلا رجوع له عليه إلا ان يكون فداؤه بأمره أو يفديه وهو غير عارف به، فليتبعه بذلك فى عدمه وملائه. وقاله مطرف وابن الماجشون عن مالك، وقاله ابن القاسم. وسبيل فداء القريب لقريبه كالزوجين لا رجوع له على الأباء والأمهات والابناء والبنات والاخوة والاخوات والاعمام والعمات والاخوال والخالات والاجداد وبنى الاخوة وبنى الاخوات. فإن فداه وهو لا يعرفه رجع عليه إلا فيمن يعتق عليه فلا يرجع عليه. وإما ان فداه بأمره فليرجع عليه، كان يعتق عليه أو لا يعتق عليه.
[3/307]
***(1/290)
[3/308]
قال سحنون: من فدى أحداً من ذوى رحمه من العدو أو اشتراه منهم، فكل من لا يرجع عليه بثواب فى الهبة فلا يرجع عليه فى هذا إذا كان عالماً به. وكذلك أحد الزوجين يفدى صاحبه إذ لا ثواب بينهما فى الهبات. وإن كان لا يعلم به رجع عليه فى ذلك كله. وكذلك فى إلأبوين والولد لأنه لم يملكه بالفداء. ولو كان ملكاً لكان إذا فدى زوجته حرمت عليه. فإن كان عالماً به لم يرجع عليه.
ومن كتاب ابن حبيب: وإن قالت الأسيرة لزوجها آفدنى ولك مهرى أو ولك كذا فليس له إلا ما ودى. وقال ابن القاسم: إن وفيت له الفدية فالمهر موضوع لأنه أمر بين لا خطر فيه. قال ابن حبيب: وقول مالك فى إلاجنبى يكشف هذا: إذا قال له افدنى ولك كذا أنه ليس له غير ما ودى. (وكذلك هذا ليس له غير ما ودى) والمهر ثابت عليه.
ومن العتبية: روى يحيى عن ابن القاسم فى الأسيرة تسأل زوجها أن يفديها ولم تسم له شيئاً على أن تسقط عنه مهرها فلا يجوز إذا لم تسم العوض الذى له تركت المهر، ويبقى لها مهرها وعليه غرم ما فداها به. وإما إن سمت له الفدية، فإن سمت دراهم والمهر دنانير لم يجز إلا أن تقبض هى منه الدراهم صرفاً مكأنها قبل التفرق ثم تدفعها إليه للفداء، فيجوز إن كان المهر حإلا. وكذلك لو كانت الفدية دنانير والمهر دراهم. وإن كان كلاهما دنانير والسكة سواء والمهر حال فلا بأس أن يفديها بأقل منه أو بأكثر إذا قبضت ما يفديها به والمهر حال،لأنها إما قبضت أقل منه وتركت باقيه أو قضاها جميعه وزادها.
وإن كان المهر إلى أجل لم يجز أخذها أقل منه لأنها وضعت وتعجلت. وإن أخذت أكثر فهو بيع ذهب بذهب إلى أجل متفاضلاً. وإذا كان الذى عليه
[3/308]
***(1/291)
[3/309]
عروضاً جاز أن يفديها بمثلها صفةً وجنساً. وإن كانت عليه دنانير أو دراهم جاز الفداء بما شاء حل المهر أو لم يحل إذا قبضت ما يفديها به. وإن كان الذى عليه عروضاً جاز فداؤها بعروض وإن خالفتها، وبدنانير أو دراهم إذا عجل الفدية. فإن تآخرت فلا يجز فيما ذكرنا من ذلك ومن اختلاف العروض. وإن كان المهر طعام ا فيجوزو أن يفديها بمثله صفةً وجنساً حل أو لم يحل. وإذا لم يحل لم يجز بأكثر منه ولا بأقل.
ومن كتاب ابن سحنون روى ابن نافع عن مالك قال: إذا قالت لزوجها افدنى وأضع عنك مهرى وهو خمسون ديناراً، ففداها بعبد قيمته خمسون ديناراً، قال لا شىء له من مهرها إلا أن يفديها وهو لا يعلم أنها أمرأته.
وقال ابن نافع عن مالك فىالأسير يقول لرجل: افدنى بكذا وأرده عليك وأزيدك كذا، فليس له إلا ما ودى. وكذلك فى كتاب ابن حبيب عن مالك.
فيمن فدى حراً من العدو ثم اختلفا فى مقدار الفداء
أو ادعى كل واحد أنه فدى صاحبه
أو ادعى استرقاق من قدم معه أو نحو ذلك
ومن كتاب ابن المواز عن أصبغ، رواه عن ابن القاسم, ونحوه فى العتبية عن ابن القاسم: ومن فدى أسيراً من بلد الحرب وقدم به وقالالأسير ما فدانى بشىء أو قال بشىء يسير وقال الآخر بكثير ، فالأسير مصدق فى الوجهين، كان يشبه ما قالالأسير أو لا يشبه، يريد مع يمينه. قال لأن مالكاً قال لو قال لم
[3/309]
***(1/292)
[3/310]
يفدنى أصلاً لصدق مع يمينه إلا أن يأتى الآخر ببينة. قال ابن القاسم وإن كان هو آخرجه من أرض الحرب.
قال: ولو ادعى كل واحد أنه فدى صاحبه لم يصدقا ولا يتبع كل واحد منهما صاحبه بشىء. قال فى العتبيةو يحلفإن .
ومن كتاب ابن سحنون إذا قال قد فديتك بمائتين وقالالأسير بمائة، فالقول قولالأسير مع يمينه، وقاله ابن القاسم من غير رواية سحنون. وقال سحنون مرةً: القول قولالأسير إن اختلفا إن ادعى ما يشبه، ثم رجع فقال القول الذى فداه لأنه هو آخرجه من أرض الحرب فهو كالحيازة. وكذلك لو قال لم يفدنى بشىء.
قال ابن حبيب: وإذا اختلف المفدى والمفدى فى مبلغ الفداء فالمفدى مصدق مع يمينه (وإن كان مالا يشبه فداء مثله، كما لو قال لم يفدنى بشىء وقد خرجا من بلد الحرب. وكذلك لو قأمت بينة أنه فداه ولم يوقت فالمفدى مصدق مع يمينه) . وإذا خرج تاجر من بلد الحرب وخرج معه أسير مسلم أو رجل أسلم من الحربيين وقال فديتهما أو أحدهما فكذباه، فهما مصدقان مع أيمأنهما. ولو صدقه المفدى واختلفا فى مبلغ الفداء فالمفدى مصدق مع يمينه فى مبلغه، وقاله مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأصبغ.
وقيل: إذا أقر المفدى أنه فداه واختلفا فى قدر الفداء فالفادى مصدق ويصير كالرهن فى يديه وهذا خلاف قول مالك. وإذا خرجت مسلمة كانت مأسورةً مع حربى أسلم فادعى كل واحد أنه فدى صاحبه فليتحالفا. فمن نكل صدق عليه ما حلف.
ومن كتاب ابن سحنون (قال الأوزاعى: إذا حلفالأسير والمشترى فيما اشتراه به. صدق المشترى . وقاله سحنون) إن كإن الأسير فى يدى المشترى.
[3/310]
***(1/293)
[3/311]
وقال سفيان: إن أقر أنه أمره أن يشتريه ولم يوقت فالمشترى مصدق. وإن قال: أمرتك أن تشترينى بكذا وقال المبتاع بل بكذا فالأسير مصدق . وقال ابن أبى ليلى: القول قول المشترى.
وقال ابن حبيب: قا ل ابن القاسم، (وذكر مثله العتبى من رواية يحيى عن ابن القاسم) قال فى أسير مسلم هرب من العدو أو قدم برقيق فزعم أحدهم أنه حر مسلم وانتسب، وهو فصيح وذكر قوماً عرفوا ما يقول أن رجلاً أسر من عندهم عما يصف وينسب ولا يعرفونه بعينه، قال فى العتبية: وفيهم عدول، قال يبقى بيد الذى خرج بيده رقيقاً حتى تثبت حريته. قال فى العتبية: حتى يثبت أنه الذى سبى بالعدول. وقال فى الكتابين: أو يثبت أنه كان يعرف بالإسلام بأرض العدو فلا يجوز استرقاقه بآخراجه من أرضه، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون وقال الأوزاعى: وإن خرج إلينا أسير مسلم بامرأة وصبية فزعم أن المرأة زوجته وأن الصبية ابنته، فإن صدقته المرأة فهى زوجته. وإن أنكرت فهى مصدقة، ولا يلحق به ولدها إلا ببينة، وقاله سحنون، وكذلك لو لم يكن معها ولد لم يقبل قوله إلا ببينة أو تقر له بالزوجية.
جامع القول/فى الأسير
وفى إكراهه على القول أو عمل
وذكر صلاته وغير ذلك من شأنه وهل يطأ أهله؟
من كتاب ابن سحنون: روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من استأسر ولم تثخنه جراح فليس منا. وجاء الفضل فيمن قتل منهم، أو خير بين القتل والكفر
[3/311]
***(1/294)
[3/312]
فاختار القتل. وقد أنزل الله سبحانه فى عمار بن يأسر: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بإلايمان)
ومن كتاب ابن حبيب قال الله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) ، وقال (إلا من أكره) ، إلاية. وقال النبى صلى الله عليه وسلم لعمار: إن عادوا فعد. فمن ترك الرخصة وصبر على إظهار الإسلام فذلك له واسع فيما يعرض من القتل، وذلك أحظى له عند ربه إن صدق. وقد جاءت به إلاثار. قال : وإنما الرخصة فى القول والقلب مطمئن بإلايمان. وإما على أن يعمل عملاً فيسجد لغير الله أو يصلى إلى غير القبلة أو يشرب الخمر ويأكل الخنزير أو يزنى أو يقتل مسلماً أو يضربه أو يأكل ماله وما أشبه ذلك فلا رخصة له وإن خاف القتل. قال ابن عباس : التقية بالقول وليس بالفعل ولا باليد. وقال محمد بن الحسن: إن كان الصنم إذا سجد إليه قبالة القبلة فله أن يسجد وينوى القبلة، وهو قول حسن. ومن كتاب ابن سحنون قال الأوزاعى: أبيح للمكره القول ولا يصدق ذلك بعمل. قال: فإن أكره على ذلك مثل السجود للوثن أو صليب أو أكل خنزير وشرب خمر، فلا يفعل وليختر القتل، وقاله قتادة. وقال سحنون: يسعه أن يفعل ذلك كما يسعه فى القول. وقال الحسن ومكحول: يكره على القول والعمل وهو يسر إلايمان.
قال سحنون قال مالك والأوزاعى أخبره عنهما الوليد: قد أسر عبد الله ابن حذافة صأحب النبى صلى الله عليه وسلم ، فطبق عليه فى بيت مع خمر وخنزير ليأكل من ذلك ويشرب، فآخرج بعد ثلاث ولم يفعل وكاد أن يهلك،فقال لصأحب قيسارية: إن الضرورة تبيح لى ذلك ولكن كرهت أن أشتمك بالإسلام.
[3/312]
***(1/295)
[3/313]
وروى الوليد عنهما فى أسير قدم للقتل بعد أن صلى العصر أيركع ركعتين؟ قإلا: ليركع فى كل وقت. وقال ابن نافع عن مالك قال ما سمعت ذلك . قال سحنون: لا يركع إلا فى وقت تصلى النافلة. قال الأوزاعى وسحنون فى أسير موثوق منع من الصلاة، قإلا : يصلى إيماء. قال سحنون: فإن أطلق فى الوقت أحببت له أن يعيد وما ذلك عليه. قإلا: فإن حيل بينه وبين الماء فليتيمم ويصلى. قال الأوزاعى: فإن حيل بينه وبين التيمم فلا يدعه وإن قتل، إلا أن يكون فى حديد ولا يقدر معه على وضوء ولا تيمم. قال سحنون: إذا خاف القتل وسعه ترك التيمم،وكذلك ترك الصلاة.
وروى معن عن مالك فيمن كعمه العدو ثم حلوه، أنه لا يعيد ما مضى وقته من الصلاة. وعلى رواية ابن القاسم فى الذين تحت الهدم: يعيدون أبداً. وابن نافع لا يرى على من تحت الهدم إعادةً. قال الأوزاعى : ليس على أسارى المسلمين جمعة. قال سحنون: ولو كانوا جماعة يكون لمثلهم جمعة ولم يمنهم من ذلك العدو فليجمعوا، كانوا فى سجن أو فى مدينة مسرحين. قال ابن شهاب ومالك والأوزاعى: إن الأسير يتم حتى يسافر. قال سحنون: ويسألهم عن المسافة ويقبل منهم.
قال معن عن مالك: ولا بأس على المجاهد أن يصلى بالسيف قد قتل به المشرك ولا يغسله.
قال الأوزاعى : وإذا دعى الطاغية من عنده من أسارى المسلمين أن يقاتلوا معه من خالفه من أهلملته ويخليهم إن فتح له، فإن قاتلوا معه لأنجاز ما وعدهم لا ليحظوا عنده أو ليعزوا دينه فلا بأس بذلك. فعله فروة بن مجاهد فى أصحاب
[3/313]
***(1/296)
[3/314]
له من التابعين مع طاغيته الرومى غزوة برجان، ففتح لهم فأطلقهم، فلم ير من كان يومئذ من العلماء بذلك بأساً.
قال الأوزاعى : ويسعهم أن يقاتلوهم من غير دعوة إلى الإسلام، وما غنموا فهو له لأنهم كعبيده. قال سحنون: بقول مالك أقول: أنهم لا يقاتلون معه وإلى من يدعوهم.
قال ابن القاسم: وكذلك لو كان عنده تجار فأراد أن يقاتلوا معه فلا يفعلوا ولا يجوز لهم ذلك. وقال مالك فى الروم يقولون لأسارى مسلمين عندهم: قاتلوا معنا أعداءنا من الروم ونطلقكم، فلا يجوز هذا إلى من يردونهم.
من العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أهلبرشلونة حين أجل لهم العدو سنةً لرحلتهم، فتخلف بعد إلاجل من المسلمين من أغار على المسلمين وأخاف وسبى وقتل أو لم يقتل، قال: هو كالمحارب إن أصابه الإمام رأى كالمحارب ولا قتل عليه ولا عقوبة إذا تبين أنه يخاف وأنه مأمور.
ومن كتاب ابن سحنون: قال قتادة فى امرأة سبيت فخافت الفضيحة: أتقتل نفسها؟ قال: لا ولتصبر. قال الأوزاعى: ولا تؤتى إلا عن ضرب. قال سحنون: إنما عليها أن لا تؤتى طائعة، فإن أكرهت وسعها. وإذا خافت القتل أو ضربت وسعها. وكذلك المطلقة ثلاثاً يطأها زوجها فليس عليها قتلها ولا قتله ولكن لا يأتيها إلا مكرهة.
قال الأوزاعى فىالأسير يأمره سيده أن يسقيه الخمر قال: لا يفعل وإن قتل. قال سحنون: بل يسقيه إن خاف القتل أو قطع جارحة له.قيل: فأى ذلك أفضل؟ قال: يسقيه إن خاف القتل أو خاف ضرباً يخشى منه الموت وإلا فلا، ثم رجع فقال مثل قول الأوزاعى.
[3/314]
***(1/297)
[3/315]
قال الأوزاعى : وإن أمره الطاغية بقتل العلج فليفعل. قال سحنون: كل من للأسير قتله إن جفى له فليطعه فى قتله ولا يطيعه فى من ليس له قتله إن جفى له، مثل أن يطلق ويؤتمن فلا يسعه ذلك. وإما الذى فى وثاق أو سجن فله ذلك بأمره أو بغير أمره. ولو كان مطلقاً وأخذ الطاغية عدواً له من البرجان فله قتلهم بأمره لأنهم عدو لم يأتمنوه على شىء. وإن أمر بقتل أسير مسلم فلا يفعل وإن خاف القتل. فإن قتله قتل به إن طفر به.
قال الأوزاعى: وإن أخذ مال أسارى مسلمين فأعطاه إياه كرهت له أخذه. قال سحنون: حرأم عليه أخذه، قال : وإذا رأودته امرأة سيده أن يطأها فإن لم يفعل كذبت (عليه أنه رأودها فخاف على نفسه، فلا يسعه وطأها بهذا. وإن أكرهه الطاغية على أن يزنى بمسلمة) أو حربية وإلا قتله أو قطع جارحة له فلا يفعل.
قال سحنون: وللأسير أن يخيط عندهم ويعمل من الصنائع مالا يضر بالإسلام، ولا يصقل سيفاً أو يعمل سلاحاً إلا أن يخاف القتل أو الضرب فليفعل. وله أن يشترى منهم المضحف ويحتال آخراجه من بلدهم، وأكره أن يأخذ منهم قراضاً، وإنما لم أكره أن يخيط لهم ويعمل لضرورته، ولا يعمل لهم سلاحاً قد علم أنهم لا يقاتلون به الإسلام وإنما يقاتلون به البرجان.
قال سحنون: وللأسير أن يحرم بالحج وأن علم أنهم لا يخلونه. وقد أحرم البنى صلى الله عليه وسلم ، وهو يعلم أنه يصد.
قال: فإذا أتى إلى الوقت لو أطلق علم أنه لا يدرك حل مكأنه. وإن خاف العنت فله أن يتزوج وينكح مسلمة أحب إلينا، ولا يعقد هو نكاحها وليل ذلك رجل مسلم بأمرها. فإن لم يجد لم يجزله النكاح.
(قال أبو محمد: لم ذلك؟فإن كان لأنه كعبد فإن العبد يعقد على غير، وإنما أراه لاشتهار النكاح).
[3/315]
***(1/298)
[3/316]
قال ابن حبيب: كره له مالك أن يتزوج حتى يخشى العنت. فإن خشيه فأحب إليه أن يتزوج من قعد عن الولد، وحكى مثله سحنون عن الأوزاعى.قال سحنون:صواب، ولا يتزوج صغيرة ًلا يلد مثلها إذ قد يأتى وقت يلد مثلها إلا أن يخشى العنت. وكذلك إن لم يجد من الكبار من لا تلد وخاف العنت فليتزوج ولا يعزل إلا بإذنها، وشراؤه للأمة أحب إلى لأنه يعزل عنها لأنه إنما يكره له لئلا ينتشر ولده بأرض الكفر، وكرهه ابن شهاب ومالك والأوزاعى.
وإذا سبى هو وزوجته وكان العلج يطأها فلا يطأها الزوج. وله أن يقبل ويباشر وينال ما فوق إلازار كالحائض و كالمغصوبة حتى يستبرئها. وكذلك عندى:من اشترى أمةً بينة الحمل بالبراءة فهى فى ضمأنه، وله التلذذ منها فوق إلازار بخلاف من فيها مواضعة. قال أبو محمد: ومالك لا يرى له ذلك.
قال سحنون: وكذلك لمن ابتاع أمةً من وخش الرقيق بيعت على القبض، يريد ولم يطأها البائع، فله أن يقبل ويباشر ولا يطأها حتى تحيض. وكذلك لو وهبه رجل جارية لم يطأها فللموهوب أن يقبل ويباشر ولا يطأها حتى تحيض. وقال الأوزاعى: وإذا أسر مع أمته فلا يطأها لأنها فى ملكهم. قال سحنون: له وطؤها إن خفى له، ولا يزول ملكه عنها إلا أن يسلموا عليها.
قال أبو محمد: يريد إن لم يطأها سيدها، أو يريد: فوق إلازار إن كانت يطؤها سيدها.
قال ابن حبيب: إذا كانت معه زوجته أو أمته، وهى عند سيده أو عند غيره، فكره له مالك وطأها خيفة أن ينتشر ولده بأرض الكفر. وكذلك ذكر ابن المواز عن مالك:كما يكره للأسير أن يتزوج هناك. قال ابن حبيب: وهذا إنما يكره إذا خلوا بينه وبينها ... فإما إن لم يفعلوا وصار من هى له أملك بفرجها فلا
[3/316]
***(1/299)
[3/317]
يجوز له وطؤها سراً ولا جهراً، بإذن من صارت له ولا بغير إذنه، وقاله الأوزاعى. وقال نحوه ابن القاسم: إن أمره أن يطأ الحرة والأمة من سباها فذلك له وإلا فلأن، ثم كره الأمة لأنها بملك الكافر معلقة، إذ لو أسلم عليها كانت له. قال سحنون: ذلك له.
وكذلك روى يحيى/بن يحيى عن ابن القاسم فى العتبية: أنه إن أيقن أن من سباها لا يطؤها، فلزوجها وطؤها حلال، إلا أنى أكرهه لنشر ولده بدار الكفر. وذكر فى الأمة مثل ما تقدم أنه كره له وطأها لتعلق ملك من سباها بها لو أسلم عليها، فتركه أحب إلى.
وقال سفيان فى كتاب ابن سحنون فىالأسير يقال له: مد عنقك للقتل فيفعل خوفاً إن لم يفعل أن يمثل به، فلا يعجبنى أن يعين على نفسه. قال الأوزاعى وسحنون: ذلك له ، وليس بمعين على نفسه لخوف المثلة. ولو كان مع ابنه فقال: قدموا ابنى قبلى لأحتسبه، فكره ذلك سفيان وأجازه الأوزاعى وسحنون. قال الأوزاعى: وإن كانوا نفراً فقال لهم أحدهم آبدئوا بهذا فبئس ما قال. قال سحنون: هذا إن كان العدو يسمعون منه وإلا فلا بأس عليه. ولم يعجب الأوزاعى أن يقول لقاتله خذ سيفى فأنه أحد وأجازه سحنون.
قال سحنون: وللأسير إن شاء أن يأخذ سيفاً فيقاتلهم ولا يرجو نجاةً يريد الشهادة، وفى ذلك توهين لهم. وإن خاف أن يضر بغيره من الأسر ى فذلك له وإن كان بقسطنطينية ، وقاله الأوزاعى. وإن ألقى نفسه وقال لا أتبعكم، وهو لا يمتنع من ذلك إلا قتل فذلك له.
[3/317]
***(1/300)
[3/318]
فىالأسير المسلم أو من أسلم بدار الحرب
هل له أن يفعل ما يمكنه من هروب أو جناية أو قتل أو سبى
وكيف إن سرحوه بشرط أو عاهدهم على أمر
وكيف إن زنى أو سرق
من كتاب ابن المواز، وهوفى العتبية عن أصبغ وعن ابن القاسم: وقال فىالأسير إذا أمكنه الهروب ممن هو عنده من العدو، فإما المخلى يذهب ويجىء فذلك له جائز إلا من خلى على عهد. فإن لم يخل على عهد فله أن يقتل ويغنم ويأخذ ما أمكنه. وكذلك من كان منهم فى وثاق (فاحتال فى كسر قيده بنفسه، فإما إن أطلق من وثاق) بشرط إلا يهرب ولا يخونهم فهذا لا يسعه ذلك.
وروى نحوه عيسى عن ابن القاسم قال: وقاله من أرضى، وأشك أن يكون قاله مالك فى الذى خلى على أمان فلا يجوز له أن يهرب ولا يأخذ لهم شيئاً، وإن أرسلوه على غير أمان على ما يرسلون العبد ولا يخافونه فله أن يهرب ويأخذ ما قدر عليه.
قال ابن المواز: (إلا أن يكون الذين أطلقوه من وثاق خلوه فى بلد لا يقدر أن يهرب منها وخلوه على أن لا يهرب فهذا له أن يفعل من ذلك ما أمكنه.
قال ابن المواز) قال ابن القاسم: وإذا لم يشترطوا ذلك عليه حين أطلقوه من وثاقه فله أن يفعل ما أمكنه من ذلك من أخذ مال وقتل وسبى النساء والذرية. وإن أطلق بشرط أن لا يهرب ولا يحدث حدثاً فلا يجوز له أن يفعل شيئاً من ذلك وذلك كالعهد.
[3/318]
***(1/301)
[3/319]
قال أصبغ: وإن لم يكن فيه يمين.
قال ابن المواز: وإذا خلوه على أيمان، فإما مثل العهد والوعد فذلك له لازم. وإما أيمان بطلاق أو عتق أو صدقة فلا يلزمه لأنه إكراه.وقاله لى أبو زيد عن ابن القاسم: إذا خلوه على أن حلف بطلاق أو عتق أو غيره فلا يلزمه وهذا مكره.
قال أشهب: وإن خرج به العلج فى الحديد ليفادى به فله إذا أمكنه قتل العلج والهرب أن يفعل.قال يحيى بن سعيد: إذا ائتمنوه على أموالهم فليرد أمان ته. وإما إن كان مطلقاً فقدر أن يتخلص يأخذ من أموالهم ما لم يؤتمن عليه فذلك له.
قال ابن المواز:ولو هرب بجارية أو غيرها فلا خمس فى ذلك لأنه لم يوجف عليه، وهذا إن كان إنما أسروه فى بلد الإسلام. فإما إن كان هو خرج إلى بلد الحرب فأسر فعليه الخمس فيما غنم لأنه لم يصل هو إلا بالإيجاف.
قال ابن المواز: ولا يطأ الأمة ما دام ببلد الحرب حتى يصل إلى بلد الإسلام فيطأ، يريد وقد إستبرأها.
قال ابن القاسم: وله أن يسرق ما بأيديهم ولا يعام لهم بالربا. وقال أشهب فىالأسير يدفعون إليه ببلد الحرب الثوب يخيطه فلا يجوز أن يسرق منه. قال محمد بن المواز: وما سرق منهم ثم تخلص منهم فلا إثم عليه. وإما ما عام لهم فيهم بالربا فليتصدق بقدر ما أربى. وكذلك ما خان إذا لم يقدر على رد ذلك على من خأنه. وإما إن زنى ثم قدم فقال ابن القاسم: يحد إن قأمت به بينة، وإلا فليستتر. فإن أتى الإمام فأقر وتمادى على إقراره (فأنه يحد. قال أصبغ: زنى بحربية أو أمة لأن ذلك حرأم عليه لا تأويل فيه). وقال عبد الملك: لا حد فى زناه بهم ولا فى سرقته أموالهم. [3/319]
***(1/302)
[3/320]
ومن كتاب ابن سحنون قال: قال الأوزاعى إذا زنى فيهم حد حد البكر وإن كان محصناً. قال سحنون: لا أرى ذلك، وابن القاسم يقول: حد حد الزنا. وأشهب يقول: لا يحد لأنها شبهة لما كان له أن يسيبهم ويسترق ويأخذ ما قدر عليه صار بذلك شبهةً. ولوكان زناه فيهم بمسلمة أو ذمية أو سرق من مسلم أو ذمى لزمه الحد كما يجب فى ذلك كله. وكذلك لو حارب فقطع الطريق فلا شىء عليه إلا أن يفعل ذلك بمسلم أو ذمى. وقال سحنون: يقول ابن القاسم: كما لو زنى بأمة من الخمس. وإما لو حاربهم فى بلدهم فقتل وأخذ المال لجاز له لأن له قتلهم، وليس له وطء نسائهم.
ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم فىالأسير يدخلونه فى بلادهم على القهرة له: فله إذا أمكنه أن يهرب ويسبى النساء والذرية ويأخذ ما قدر عليه. وإذا خلوه على أن لا يهرب ولا يحدث حدثاً فليس له أن يفعل شيئاً من ذلك، سواء إذا تركوه على هذا كان فى وثاق أو مطلقاً.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: كل أسير حر أو عبد كان عند العدو غير ممتنع منهم فأمنهم وأمنوه (أو أخذوه ،ثم أطلقوه وائتمنوه فليف لهم. وإن لم يؤمنهم من نفسه ولكنهم أمنوه) وأدخلوه دارهم فلا يغدرهم ولا يخنهم ولا يأخذ لهم شيئاً. وقال ابن حبيب فىالأسير : إذا اؤتمنالأسير على شىء من أموالهم ورقيقهم ونسائهم فليؤد أمان ته، لا يجوز له أن يهرب بشىء من ذلك كان مطلقاً أو غير مطلق، وله الهروب بنفسه خاصةً وإن أطلقوه على الطمأنينة له ما لم يطلقوه على أن لا يهرب. قال : وله أن يهرب بما لم يأتمنوه عليه. قال : ولو جعلوا أموالهم/فى يديه على وجه الغلبة والرق فله أن يهرب بها، وهى لا خمس فيها.
[3/320]
***(1/303)
[3/321]
قال مالك ومطرف وابن الماجشون: ولو كان هروبه إلى جيش دخل بلد الحرب، فإن كان لولا الجيش لم يمكنه الهروب فذلك داخل فى الغنيمة ويخمس، إلا ما كان له خاصةً من كسبه أو هبة وهبت له ونحوه. والقول قوله فيما قال أنه له من ذلك مع يمينه، وقاله كله أصبغ.
قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا أطلقوه من وثاق بعهد على أن لا يهرب ولا يخونهم فذلك يلزمه، وإن أخذ شيئاً رده. قال محمد وقال سفيان: له أن يهرب، واختلف فيه عن الأوزاعى، فقال: يكفر يمينه ويهرب فى أحد قوليه. قال سحنون: لا وجه للكفارة فى العهد، وإنما فيه الوفاء به أو لا يوفى إذا لم يلزمه الوفاء به. وإن كان على إلا يجاهدهم لم يلزمه وله أن يجاهدهم. قال: وله أن يعاهدهم على ذلك لينجو ولا يلزمه، ثم قال بعد ذلك: وأحب إلى أن لا يغزوهم إلا فى ضرورة تنزل بالإسلام. وإذا كفل به مسلم أو ذمى أو حربى على أن يطلق من وثاق على أن لا يهرب ، فإن كان شأنهم قتل الكفيل فلا يهرب كان حربياً أو غيره. وإن كان شأنهم أن يغرموه مالا فليهرب وليبعث إليه بما غرموه. وإن كان شأنهم حبسه يسيراً أو ضربه ضرباً خفيفاً فله أن يهرب. وإن كان يضرب الكفيل كثيراً أو يحبس طويلاً أو مؤبداً فلا يهرب الأسير. وإذا حلوه من وثاق وأمنوه وهو فى حصن نزل به المسلمون أو سمع بهم لم يسعه أن يدل المسلمين على عورة ولا ينزل إليهم من سلاحهم ولا ينزل إليهم حبإلا يصعدون بها ولا يغتالهم فى نفس ولا مال.
قال مالك: وإما الموثق فليأخذ ما أمكنه ويهرب ويدل على العورة.وإن حلوه من وثاق ليسقوه ماءً أو يأتى لحاجة فليس له أن يحمل عليهم فيقاتلهم. فإن رأى فلينبذ إليهم على سواء.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا خلى أهل الحربأسارى مسلمين ببلدهم مسرحين، فقال غيرنا إن لهم إن قدروا على أن يقتلوا من أمكنهم ويأخذوا
[3/321]
***(1/304)
[3/322]
ما قدروا عليه ويهربوا. قال سحنون: ليس لهم ذلك، وهذا كأمان من الأسر ى لهم. قال سحنون: إما الهروب فذلك إن أمكنهم، قاله مالك.
قال سحنون: إذا قالوا للأسرى قد أمناكم فإذهبوا حيث شئتم، فلهم أن يهربوا ولكن لا يقتلوا أحداً ولا يأخذوا مالا .
قال أبو محمد قال غيره: إن سرحوا على عهد فلا يفعلوا شيئاً من ذلك. وإما لو لم يطلقوهم على عهد لكان لهم ذلك.
قال سحنون وإذا أسلم قوم بدار الحرب حل لهم قتل من أمكنهم وأخذ أموالهم. ولو أخذهم الملك فإنكروا إسلأمهم فتركهم، فلهم أن يفعلوا مثل ذلك وليس كمن دخل إليهم المسلمين يقولون إنا نصارى، فيصدقونهم ويدعونهم يدخلوا لأن تركهم يدخلون أمان وعهد فلا يتعدوا عليهم. وإن ذكروا للملك إسلأمهم فقال أنتم أمنون، ولم يؤمنوه هم ولا قالوا له شيئاً ولا فشا هذا بالبلد حتى يعرف أهل البلد أنهم فى أمان ، فلهؤلاء ان يقتلوا ويأخذوا ما شاءوا. وكذلك لو قال لهم أمنتكم فألحقوا بأرض الإسلام فلم يقولوا له شيئاً، فلهم أيضاً ما أمكنهم من قتل أو غيره ويخرجون من بلد الحرب. وإن فشا أمان الملك لهم فلا أحب لهم أن ينالوا منهم دماءً ولا مالا . وقال بعض أهل العراق: وإن دخل مسلم أرض الحرب بلا أمان فأخذ (فقال أنا منكم أو قال جئت أقاتل معكم فتركوه فله أن يأخذ من أموالهم) ما أمكنه ويقتل من أمكنه، وليس الذى قال بأمان منه لهم. فقال سحنون: ما تبين لى هذا، وقد كان قال: لا يقتل ولا يأخذ شيئاً، وتركهم له كالأمان . وإذا أمنوه أمنوا منه .
[3/322]
***(1/305)
[3/323]
فىالأسير المسلم يؤمنونه على أن يأتيهم بمال أو يبعث إليهم بسلاح
من كتاب ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون فى أسير مسلم بيد العدو فأطلقوه على أن ياتيهم بفدائه: فله أن يبعث بالمال إليهم ولا يرجع هو. فإن لم يجد الفداء فعليه أن يرجع. وإما إن عوهد على أن يبعث إليهم بالمال فلم يجده فهذا يجتهد فيه أبداً وليس عليه أن يرجع ، وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون: قال عطاء والأوزاعى فيمن أسرته الديلم، فأطلقوه بعهد على أن يبعث إليهم بكذا فإن لم يقدر فليرجع، فلم يقدر، قإلا: يرجع إليهم، ولكن على المسلمين أن يفدوه. وقال سفيان: لا يرجع إليهم. قال سحنون: من أصحابنا من قال لا يرجع ويسعى فى فدائه، ومنهم من يقول يرجع، وقاله أشهب. قال سحنون: وأنه لحسن وربما تبين لى هذا وربما تبين لى القول الآخر.
قال: ولو فدى أسير نفسه بألف دينار يبعثها إليهم ففعل، ثم غنمها المسلمون بعينها، فهى فىء لا حق للأسير فيها. وعن أسير مسلم صالح العلج الذى هو فى يديه على مال على أن يطلقه ليأتيه به، وأخذ عليه عهد الله إن لم يجد ليرجعن، فذهب فلم يجد؛ فإما على قول مالك فليرجع إليه، وقال سحنون. لا يرجع إليه وليبعث إليه بما وجد، ويبقى الباقى عليه حتى ييسر. ولو خلوه على أن يبعث إليهم بخيل وسلاح فليبعث إليهم بذلك ولا يمنعه الإمام. فإما على أن يبعث بالخمر والخنازير فلا يفعل، وليبعث إليهم بفداء مثله.
فى الحكم فى زوجةالأسير وماله وغير ذلك من أحكأمه
من كتاب ابن حبيب: قال مالك وأصحابه فىالأسير يوقف ماله وزوجته وينفق عليها منه وعلى من تلزمه نفقته حتى يعلم صحة موته بالبينة.، إن
[3/323]
***(1/306)
[3/324]
عرف موضعه ولم ينقطع خبره. (فإما إن انقطع خبره بعد أن عرف موضعه أو جهل خبره من أول ما فقد فى المعترك، فليعمر ثم يحكم) بموته، ويرثه ورثته يوم ذلك الحكم بموته، ومن يومئذ تعتد أمرأته للوفاة. وقال مالك مرةً فى التعمير أقصاه ثمانون، وقال مرةً تسعون.وبالثمانين أخذ ابن القاسم ومطرف، وبه قال ابن حبيب. قال وأخذ بالتسعين ابن الماجشون.
وما قضىالأسير فى ماله الذى خلف عندنا، فما كان فى أول أسره وعند الخوف عليه فهو فى ثلثه إن مات أو قتل فى فوره، إذا كان خوفه كخوف من حبس للقتل وصح علم ذلك. فإما من طال لبثه عندهم فذلك فى رأس ماله، قاله مطرف وابن الماجشون وأشهب وأصبغ وغيرهم.
ومن مات له من موروث وقد علمت حياته أو علم أنه مات بعد موروثه فليؤخذ ميراثه منه فيضم إلى ماله. وإن جهل خبره أوقف له ميراثه فى ولده أو غيره. فإن صحت حياته أو أنه مات بعده ضم إلى ماله. وإن جهل ذلك حتى موت بالتعمير رد ذلك إلى ورثة ولده وبقى مالا لأسير لورثته يوم قضى بموته.
وإن علم أنه تنصر طائعاً أو لا يدرى طوعاً أو كرهاً ،فرق بينه وبين زوجته ويوقف ماله، ولا ينفق منه على من كان ينفق منه عليه. وإن علم أنه مكره فأحكأمه قائمة كمن لم ينتصر فى الزوجة والمال.
وهذا الباب أكثره فى المدونة ومكرر فى غير موضع.
فيمن دخل دار الحرب بأمان هل له أن يحدث حدثاً
من كتاب ابن سحنون: ومن دخل دار الحرب بأمان منهم فهم فى أمان منه لما أمنوه. وإن اغتالهم فقال أمنونى ولم يعطهم هو أمان اً لم ينفعه. وإذا أمنوه فلا يسفك لهم دماءً ولا يأخذ لهم مالا . وإن دخل بغير أمان فله قتل من أمكنه
[3/324]
***(1/307)
[3/325]
منهم وأخذ ما قدر عليه من مالهم. ولو كان إنما أمنه رجل واحد من الروم فذلك يوجب أن يكون الروم كلها أمنين منه. ولو أعطاه ملكهم شيئاً من أموال أهلمملكته أو أمره أن يقتل رجلاً منهم فإن كان دخل إليهم بأمان فلا يفعل. وإن كان أسيراً عندهم ولم يدخل بأمان فله أن يقتل من أمره ويأخذ بأوأمره. ولو أنزله عند بعضهم وأمره أن ينفق عليه، فإن كان دخل عندهم بأمان وكان ذلك النزول ظلماً من الطاغية للمأمور بالنفقة فلا يجوز ذلك. وإن كان أمراً قد صبر عليهم كالجزية وأمراً جرى عليهم وليس بظلم، فله أن ينزل حيث أمره. وإن كان لم يدخل بأمان فله أن ينزل عليه ويأكل ماله كيف أمكنه.
وعن رجل دخل إلى ملك السودان زائراً له، فيجعل مالا على بعض مملكته فيهبه فلا يصلح أن يأخذ من ذلك شيئاً.
وعن قوم مسلمين أتوا دار الحرب غير ممتنعين، فقال لهم مشائخ أهل الحربآدخلوا أمنين فدخلوا، فلا يحل لهم أن يعرضوا لأهل الحربفى شىء. ولو أن أهل الحربلقوا مسلمين فأخذوهم، فقالوا نحن تجار (دخلنا إليكم بأمان من أصحابكم فصدقوهم، فلا ينبغى للمسلمين بعد هذا أن يقتلوا منهم أحداً). فإن عرض لهم أهل الحرب وعلموا كذبهم فحبسوهم ثم انفلتوا فلهم قتلهم وأخذ أموالهم.
وكذلك لو دخل مسلمون إلى ملكهم بأمان ، فغدر بهم فحسبهم، فلهم إن أمكنهم القتل والسبى فليفعلوا. وإما لو فعل هذا عام تهم فإنكر ذلك ملكهم وغيره فالقوم على عهدهم ولا ينبغى لهم أن يستحلوا منهم دماءًولا مالا . وإن لم يغير ذلك ملكهم ولا أنكره حلت لهم دماؤهم وأموالهم.
[3/325]
***(1/308)
[3/326]
فى مفاداة أسارى المشركين
وكيف إن رهنوا رهائن أو أعطوا عهداً
وفى حربى فدى زوجته ورهن ولده فى الفداء
من كتاب ابن حبيب: قال الله سبحانه : (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)، فنهى عن الأسر فى أول اللقاء: (حتى إذا اثخنتموهم)، يقول: بالقتل والغلبة (فشدوا الوثاق) فإذن فى الأسر هاهنا . وقال سبحانه : (فإما منا بعد وإما فداء)، فالمن العتق، والفداء أخذ المال منهم، وذلك فى الضعفاء منهم والنساء والصبيان. فإما من يخشى منهم من الشباب والمراهقين فقد استحب من مضى من الخلفاء قتلهم. فإن استبقوا فلا يقبل منهم الفداء بالمال. ولا حجة لقائل إن النبى صلى الله عليه وسلم قد فادى أسارى بدر، لأن الله تعالى لم يإذن له فى ذلك، وقد عاتبه عليه فقال: (ما كان لنبىء أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الارض)، إلى قوله: (لولا كتاب من الله سبق)، إلاية. ولا بأس أن يفدى المسلمالا سير بمشرك وإن كان الكافر قائداً شريفاً. وإما أن يفدى الكافر بالمال فلا، قاله مطرف وابن الماجشون. وإما الضعفاء والنساء والصبيان فلا بأس أن يفادوا بالمال ما كان الجيش بأرض الحرب أو بفوز خروجه إلى بلد الإسلام. فإما بعد تقرقهم فى بلد الإسلام وقرارهم بها، طال مكثهم أو لم يطل، فلا يفادوا إلا بأسرى المسلمين، قاله الأوزاعى ومطرف وابن الماجشون وأصبغ.
قالوا : ولا يفادى الصغار منهم بمال إذا لم يكن معهم آباؤهم وإن كانوا من أهل احد الكتابين، ويفادوا بالمسلمين. وإذا رضى مسلم فى فداء أسير بيده بمال فلما أخذه تبين له أنه من قوادهم أو أشرافهم ولم يكن عرفه فذلك يلزمه ولا رجوع له.
[3/326]
***(1/309)
[3/327]
ومن كتاب ابن المواز: ويفدى العلج منهم بمسلم لا بالمال، ما لم يكن المفدى منهم معروفاً بالشجاعةوالذكر، فليفد بمثله فى الذكر من المسلمين. فإن لم يوجد اجتهد فيه الإمام.
قال أبو محمد: وهذا فى باب ما يكره بيعه من أهل الحرب.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: قال فىالأسير من الروم بيد مسلم، فيفاديه على مال ويرهن فيه ابنه أو أخاه صغيراً أو كبيراً حربياً أو ذمياً، أو شرط أن يكون لهم عبداً إن لم يأته المال ،(قال : لا يصلح فداء الرجال بالمال ولكن بالمسلمين، ولكن لا ينبغى أن يأخذ هذا فيه رهناً إلا رجلاً هو فى بأسه كالأول أو أشد، ثم إن شرط أن يكون هذا عبداً إن لم يأت بالمال) فله شرطه. وإذا رهنه بالمال وأبطأوا فلم يأت بالمال فوداه هذا الرجل المرهون، فليخل ويوفى له بشرطه. وإن شرط أن يكون هذا الرهن عبداً، أو ذمى أو معاهد فلا يرق نفسه، ولكن عليه قيمةالأسير أو المال الذى شرط فى فدائه.
وقال سحنون عن أشهب فى علج سبى أهله فقال للأمير: أعطنى أهلى وأدلك على مائة رأس،فرضى وبعث معه خيلاً فدلهم على سبعين، قال: لا يعطى أهله حتى يتم المائة، وهذا عهد ليس من باب الإجارة. وقال ابن القاسم: إن لم يبق إلا يسير تافه، فليأخذ أهله. وقال الأوزاعى: كانوا يقولون إن جاء بالنصف فأكثر أخذ أهله. وإذا أسروا مسلماً أوعبداً فخرج إليهم أخو المسلم أو سيد العبد فى بر أو بحر ففداه بمال أو بعبد ورهنهم رهناً، ثم طلبهم المسلمون فظفروا بهم بعد أن بلغوا بلدهم أو قبل : إن ذلك فىء إلا الرهن فربه أحق به لأنهم لم يملكوا الرهن، وعليه أن يبعث إليهم بالفداء ويفى لهم به.
[3/327]
***(1/310)
[3/328]
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى العلج يباع فى المغنم، فيفدى نفسه بمال فيرهن فيه ابنه أو ابنته، ثم يذهب ليأتى به،فيقيم ببلده ويخيس بهم؛فإن كان الولد كبيراً فليسترق وللسيد بيعه إذا تبين قعود العلج ونقض ما خرج عليه. وإن كان إلابن صغيراً فليطلق إذا تبين خفر أبيه. وإلابنة مثل إلابن البالغ بخلاف الصغير كما قلنا. وإما إن مات أو قتل فى الطريق وتبين أن له عذراً ولم يمكث حتى مضى عليه ، لزم السيد إطلاق الولد ورده إلى مأمنه.
وقال سحنون فى كتاب ابنه: قولنا المعروف أن لا يفدى علج بمال ولكن بالأسارى المسلمين. قال: فإذا جىء بالولد من أرض الحرب فرهنهم على أن يكونوا(رهناً بأبيهم، فخاس بهم فأنهم يكونوا رقيقاً ،صغاراً كانوا أو كباراً ذكوراً أو إناثاً ولا)يقتلوا ولا خمس فيهم. وإن كان إنما قدموا على أن يكونوا ذمةً ويؤدوا الجزية، فرضى الكبير أن يكون رهناً بأبيه فخاس بهم، فهؤلاء لا يسترق منهم صغير ولا كبير وعلى إلابن الكبير فداء مثل إلاب، ولا يسترقون لأن الذمة فيهم ثابتة.
ومن العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، وذكره ابن المواز وابن حبيب عنه، فى العلج يفدى نفسه بأمة، فاعترفت أنها حرة، زاد ابن حبيب: أو حرة مسلمة كانت قد سبيت، (قالوا: فأنها تطلق ولا تتبع هى ولا أبوها بشىء كما لو بيعت فى المغنم ويتبع العلج بقيمتها) ، زاد ابن حبيب: يوم فادى بها، ولا يرد كالمكاتب يقاطع بعبد فيستحق .
وقال فى العتبية عيسى عن ابن القاسم، وكتاب ابن المواز: وليسالأسير يسبى بمنزلة من قدم بأمان فيما فى يديه من مسلم استرقه، هذا لا يعرض
[3/328]
***(1/311)
[3/329]
له فيه وله بيعه. وإن باعه من مسلم صار حراً واتبعه مبتاعه بالثمن مثل ما لو فداه، وقاله أصبغ وابن المواز. قال عنه أصبغ: وإن قدم إلينا بأمان ففدى زوجته بمال رهن فيه ابنه ثم أبطأ، قال: فإن جاء وإلا بيع عليه إلابن واستوفى من ثمنه المال، وما بقى رفعه له حتى يأتى. وكذلك ذكر ابن المواز عن أشهب مثله سواء.
قال أشهب: ولو دفع إليه بعض الثمن وعجز منه اليسيركتبوه عليه وذهب وتركها، فلم يجد شيئاً: أنها تباع عليه. قيل له: أنه اشتراها على أنها حرة. قال : نعم يباع عليه منها ما بقى من الثمن.
قال فى كتاب ابن حبيب: إذا لم يأت بالفداء وقد رهن ولده فأنه يسترق الكبير والكبيرة ويطلق الصغير والصغيرة وذلك إذا خاس بهم. وإن تبين أنه قتل أو مات أو منع المجىء فلا يسرق ولده، وليطلق وإن كان كبيراً ويرد إلى مأمنه.
وقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ: إن كان الولد فى عهد أو هدنة فأنه يسرق، كان كبيراً أو صغيراً، خاس به الاب أو لم يخس، أو مات أو منع، لأن هذا شأن الرهن.
قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا وافقهم فى فداء زوجته على أربعة أسارى من المسلمين سماهم، فأتى بثلاثة وقال لم أقدر على الرابع، قال فإما أعطوه أمرأته أو ردوا عليه الثلاثة. قال عيسى بل ينبغى أن يعطوه أمرأته.
وذكرها ابن المواز من أولها وقال: إذا اتى العلج فوقف قريباً من عسكر المسلمين ثم ذكر مثله. وقال أصبغ وأبو زيد: ولا يسعهم إلا أن يعطوه أمرأته.
قال أبو زيد: وهذا أحسن فى النظر للمسلمين، وكذلك لو لم يأتهم إلا بواحد واستقصى أمره فى الباقين وأيس له من وجدان ذلك. قال ابن المواز: وإن ظن أن ذلك منه إربة نظر فيه. فإن طمع به أنه لا يترك أمرأته فلا يعطاها إلا بما فارقوه عليه أو من العرض بما هو أفضل للمسلمين.
[3/329]
***(1/312)
[3/330]
وقال سحنون فى كتاب ابنه مثل قول أبى زيد: إذا بقى (عليه واحد فذكر مثل ما ها هنا. قال: وقاله معن بن عيسى وابن الماجشون، وذكر ابن حبيب) مثله.
ومن كتاب ابن سحنون قال: ومن اشترى علجاً من المغنم فجاء أهله يريدون فداءه وفيه نكاية، قال يمنعه الإمام من ذلك، ولا يرد إليهم أسير يفدى بمال أو غيره إلا أن يفدى به مسلم من الرجال، وقال مرةً: إن هؤلاء الذين فيهم النكاية ويتقى منهم إذا استحياهم الإمام قسموا فإن ذلك خطأ ولا يمنعهم ذلك من القتل، ثم رجع فقال: لا يقتلوا وهذه شبهة، ولا بأس أن يؤخذ فى فداء النساء المال وفى صغار إناثهم. فأما فى صغار الذكور فلا. وقال بعض الرواة: إن كانت صبية مع أمها فذلك جائز لأنها على دين أمها. وإما إن كانت وحدها فلا يصلح لأنها على دين من سباها، ويصلى عليها فى قوله إن ماتت. قال سحنون: وإما فداء الحأمل بالمال فذلك خفيف. وإن كانت قد تلد ذكراً فذلك بعيد.
قيل لسحنون: لم منعت من فداء الأسارى بالمال، وقد أخذ النبى صلى الله عليه وسلم المال فى أسارى بدر؟ قال: قد خصت مكة وأهلها بخاصة منها أنها لم تقسم ولاخمست وهى عنوة، وقد من عليه السلام على بعض الأسارى بلا فداء، وقد أبيح له ذلك بقول الله تعالى: (فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها)، وذلك فتح مكة، ثم لا يجوز اليوم المن على المشركين، ولكن إنما هو القتل أو الرق أو الفداء بأسارى المسلمين. وقال الأوزاعى مثل قول سحنون: وليس الأمر على ما قال الحسن وعطاء إن الأسير يمن عليه أو يفادى ، وإنما كان ذلك فى حرب النبى صلى الله عليه وسلم خاصةً. وسأل الأمير سحنون عن أسرى أسروا من صقلية، فلما أراد الوالى قتله، يريد : قتل رأسهم، قال: دعونى وأعطيكم
[3/330]
***(1/313)
[3/331]
الحسنى، فتركه واستحيى الباقين ليفدى بهم أسارى المسلمين ، فأرسل إلى الطاغية فى ذلك، وقد غنم المسلمون لهم بطارقة أكثر من هؤلاء، فأرسل الطاغية أن لا أفدى بالحسنى من ذكرت إلا بالبطارقة الذين أخذت ولا أفدى بالباقين حتى أفدى حتى أفدى بالمأخوذين من بعدهم . قال سحنون: أما العلج الذى بدل الجسنى فقد أعوزه ذلك فليقتل، وهو ممن يوصف بالنجدة. وأما الباقون فوخرهم واكتب إلى الوالى بكتابة الطاغية: فإن كان عنده بهم فداء فودى بهم ، وإلا قتلوا. (وفى الباب الذى يلى هذا من معانى هذا الباب).
جامع القول فى الرهائن من العدو
من كتاب ابن حبيب قال ابن الماجشون فى الرهن يرهنهم العدو عندنا فيجوز رهنهم، فهو غدر ممن رهنهم بهم ويصيرون فيئاً لا خمس فيهم ولا مغنم، وهم أنزلوا أنفسهم بهذه المنزلة. فإن كانوا صغاراً فآباؤهم أنزلوهم بهذا ، وقد كان لهم بيعهم ولنا شراؤهم، ولا يقتلهم الإمام وهم رقيق للمسلمين.
قال ابن حبيب: وإذا رهن حربى مستأمن ابنه الصغير أوقريباً له أو أجنبياً عند مسلم فى مال، فإن أسلمه بالمال طوعاً فهو رقيق للمرتهن بذلك. وإن غدر وخرج إلى بلد الحرب ولم يسلمه ولا ودى كان الرهن بذلك رقيقاً للمرتهن.
قال ابن الماجشون: وإذا أسلم الرهن فذلك مخرج لهم من الرهن . وإن أسلم عبيدهم بيعوا ودفع ثمنهم إلى المرهونين. (وإن كانوا للراهن بعث بثمنهم إليه، والمرهونون) فيما لهم وعليهم من دية وحد وميراث بمنزلة المعاهد.
وروى ابن وهب عن مالك أنه سألوه أهل المصيصة إذا رهنوا منهم سبعةً وارتهنوا من الروم سبعةً حتى يفرغ ما بينهما، فأسلم الذين بأيدينا وأبوا الرجوع إلى بلدهم إنهم يردون إليهم. قال ابن حبيب: قال من لقيت من أصحاب
[3/331]
***(1/314)
[3/332]
المدنيين: ومعنى ذلك أن الروم حبسوا من عندهم من المسلمين، فيرد هؤلاء يستنقذ بهم أولئك. فإن رجى خلاص أولئك فلا يرد إليهم هؤلاء. ولو شرط أن يرد إليهم من أسلم، قال ابن الماجشون وغيره:ولا يوفى لهم بذلك، وهذا جهل من فاعله.
ومن كتاب ابن سحنون قال أشهب فى الرهن وغدر الراهن: فما دام أمر ينتظر وله وجه فليتربص له. فإن طال ففيه المراجعة، ولهم حكم المستأمنين فيما لهم وعليهم. فإذا استبيح الأمر الذى كان له الرهن غلق الرهن وذهب الأمان . قال سحنون: إذا تبين غدر الطاغية الراهن فللإمام أن يسترقهم أو يقتلهم، وهم كالفىء.
وقال سحنون: فإن جنى أحدهم خطأ فإن صح الغدر فالجناية فى رقبته إن بقى. وإن قتل بطلت. فإن تم الوفاء فذلك فى ماله وذمته.
قال أشهب: وإن أسلم أحدهم خرج من الرهن ولا سبيل عليه ، ومن بقى رهن. ولو أسلم عبد أحدهم بيع عليه ودفع إليه ثمنه. وإن كان لغيرهم بعث بثمنه إلى ربه.
قال سحنون: وليس هذا قول مالك ، ومالك يرى أن يرد من أسلم من الرسل والرهن، وقاله سحنون مرةً، وقال أيضاً سحنون لا يردون.
وسأله أهل الاندلس إذا رهنوا أولادهم وقد صالحناهم إلى خمس سنين فأسلموا، فقال ابن القاسم: يقول: إن شرطوا رد من أسلم فليردوا. وكذلك العبيد. وقال غيره: لا يردوا. وإن كانوا عبيداً أعطوا قيمتهم. فإن لم يشترطوا رد من أسلم فمن أصحابنا من يرى ردهم ومنهم من لا يرى ردهم. وإن نكثوا فالإمام مخير فى الرهن فى إبقائهم لما يرى من المصلحة وإمضاء الصلح لضعف المسلمين فعل ذلك. وإن فسخه لقوة المسلمين وكثرة غدر العدو كان الرهن فيئاً، إن شاء قتل أو باع. وأنكر ما قال عبد الملك أنهم لا يقتلون. قال: والإمام فيهم مخير. وإن لم يشترطوا أنهم لنا إن نكثوا فذلك سواء. ولكن إن كانوا صغاراً لم يقتلوا(وهم فىء.
[3/332]
***(1/315)
[3/333]
وقال عبد الملك: إن شرطنا للرهون إنا نقتلكم بنكث أصحابكم فذلك لنا. وليس لنا ذلك فى الصغار) وإن شرطناه. قال سحنون: ولو بلغ الصغار ثم نكث الروم لم يجز قتل من بلغ إذ كان دمهم قبل ذلك لا يحل. وكذلك لو بلغوا مجانين. ولو كان فى الره مجنون لم يقتل. وإما الراهب والشيخ الزمن فيقتل لأنه لما رضى أن يكون رهناً فقد أباح دمه.
ومن كتاب ابن سحنون قال: إذا رهنوا ورهانهم فقتلوا رهننا فقد غلق رهنهم ولا أمان لهم ولا للرهن.
قلت: قال بعض أصحابنا إن أخذ الرهن منهم حسن على وجه النظر وإن شرطنا عليهم إن غدرتم أو خالفتم فلنا أن نقتل الرهن أو نسترقه. قال لا يجوز هذا الشرط ولا يلزم، ولا يقتل ولا يرق. وإن شاء أبقاه رهناً أو رده. قال سحنون: ليس هذا قولنا والشرط لازم.
جامع القول فى الرسل من أهل الحرب
وهل يقاتلهم والرسل عندنا؟
ومن كتاب ابن حبيب وهو لأشهب فى كتاب ابن سحنون قال: والسنة تأمين الرسل أن لا يهاجوا ولا يخرجوا ما دام لما أرسلوا وجه وانتظار جواب، ولهم فى هذه الحال فيما لهم وعليهم ما يحدثون ويحدث فيهم وفى دمائهم ومواريثهم مثل حكم المستأمنين.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا جاء الرسول لفداء أو لحاجة فالإمام مخير: إن شاء رده إلى مأمنه ولم يسمع منه شيئاً، وإن شاء أمنه وسمع منه حسب ما يراه أحوط على المسلمين. قال ويترك الرسل فى حاجتهم بقدر قضائها، فإذا فرغ منها ومن بيع تجارته خرج. وإن استبطأه الإمام أمر بإخراجه. فإن كان له دين
[3/333]
***(1/316)
[3/334]
مؤجل فلم يكن له أن يبيع إلى أجل. فإن كان قريباً انتظر. وإما البعيد ومثل السنة، فليؤمر بالخروج. فإن شاء وكل ،أو يقدم إذا حل.
قيل : فإن لم يشترط عليه قدر المقام فقال: ما ظننت أنكم تجعلونى، وقد بعت إلى أجل، قال ما علمت أنه يشترط عليه مقاما . قال : وليفعل الإمام ما ذكرنا. فإذا جاء لحلول الدين لم يدخل إلا بأمان مؤتنف. فإن دخل بغير أمان لم يبح لأن لذلك أصلاً وشبهة، ولا يمنعه الإمام من الدخول لدينه إلا ان يقبضه فيدفعه إليه.
قال سحنون: وإذا جاء إلى العسكر ببلد الحرب حربى بأمان ، أو رسول استدل أنه رسول، فرأيا عورةً أو خيف ان يرياها فليس للإمام حبسهما بعد انقضاء ما دخلا فيه، وقد يطول إصلاح تلك العورة، ثم قال عاودنى فعاودته ، فقال ان كان إصلاح العورة إلى قريب فعله. وإما إلى بغيد فلا ، ثم قال: عاودنى .
قال ابن سحنون: وأرى إلا يخليهما حتى يأمن من ذلك الأمر ولا يقبل منهما يميناً أنهما لا يخبران بما علماأو حلفا أنهما لم يعلما فلا يخيلهما لأن فى ذلك هلاك الإسلام، ولكن لا يحبسهما فى قيد ولا غل، وليوكل من يحرسهما. فإن حضر قتال وخاف الشغل عنهما فليقيدهما. فإذا زال القتال حلهما وجعل من يحرسهما. فإذا قفل إلى أرض الإسلام مضى بهما حتى يصل إلى موضع يأمن منهما. فإن أطلقهما ببلد الإسلام، ثم سألاه مالا يتحملان به، فليعطهما مالا يبلغهما إلى الموضع الذى اكرههما فيه الرجوع. فإن خاف عليهما،بعث معهما من يبلغهما إلى خبرهما إذا كان يأمن فيه على المسلمين ،(وإلا فليس عليه أن يبلغهما إلا إلى أدنى موضع يأمن فيه على المسلمين) وليخرج ما يعطيهما من ذلك المغنم لأنه لمصلحة الجيش حبسهما، إلا ان يقسم فيعطيهما من بيت المال. وكذلك فى الإنفاق عليهما.
[3/334]
***(1/317)
[3/335]
ومن كتاب ابن حبيب قال:وإذا وجدنا الرسول مرتداً فليستتب ولا يرد إليهم.وان وجد عبداً لمسلم أبق إليهم أو غنموه فهو لمرسله،فإن كان العبد مسلماً بعث بثمنه إليهم.وكذلك إن كان مرتداً ويستتاب.وإن كان نصرانياً فله الرجوع.
وقال مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ،وقاله ابن القاسم وأشهب إلا أن ابن القاسم قال: إن أمنوه وهم يعلمون أنه مرتد ترك.وخالفه الباقون، وقولهم أقوى.
وإن وجد الرسول ذمياً نزع إليهم أو سبى فإنه يمتنع بالرسالة ولأنه صار حربياً. وإن ألفى الرسول عليه ديون وحقوق للمسلمين أو فى يديه حر مسلم حكم عليه(فى ذلك بحكم الإسلام. وكذلك فيما أحدث من زنا أو شرب خمر وفاحشة كالحربى المستأمن. وإن أسلم) الرسول لم يرد إليهم،يريد ابن حبيب:هذا فى غير قول ابن القاسم. (قال :وإن أراد الرسول المقام ورفض ما أرسل إليه فيه لم يكن من ذلك).
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: قيل: فإن أرسل إلينا العدو رسلاً أنغير على العدو والرسول عندنا قبل ان ينعقد الصلح؟ قال: إن كان ذلك عندهم أماناً (قد عرفوه منكم فلا تهاجموا.وإن كانت رسلكم عندهم فهو كذلك.فإن لم يكن ذلك عندهم كالأمان ). فلكم ان تغيروا عليهم ان أمنتم على رسلكم. فإن خفتم عليهم فلا تفعلوا. وإذا قدم حربى بأمان ومعه سلاح، وقد كانت الرسل تقدم ومعها السلاح، فلا ينزع منهم. ونزع النبى صلى الله عليه وسلم سيف عمير بن وهب إذ قدم. وما اشتروا من سلاح وخيل فلا يتركوا يخرجون به ولا يباع منهم.
[3/335]
***(1/318)
[3/336]
فيمن أسلم من حربى أو مستأمن على شىء فى يديه
من مال لمسلم أو لذمى
أو على استرقاق حر مسلم أو ذمى استأمن على ذلك
ومن كتاب ابن سحنون وابن حبيب: (روى أن النبى عليه السلام قال:من أسلم على شىء فهو له. قال ابن حبيب): فإذا أسلم الحربى أو كان مستأمناً عندنا فأسلم فلم يختلف مالك وأصحابه أن ما بيده(من أموال المسلمين أنه له دون أصحابه لهذا الحديث. وأما ما كان بيده) من حر أو من أحرار ذمتنا فليطلق ولا سبيل عليه ولا ثمن. وكل ما بيد من أسلم من أموال المسلمين فهو له إلا أن يتنزه عنه متنزه. وقد كره مالك ان يشترى ذلك منه أومن معاهد وإن لم يعرف صاحبه من المسلمين.
وذكر ابن سحنون عن أبيه ان ما بيده من مال مسلم فهو له، وكل من بيده من حر مسلم فلا سبيل عليه. واختلف فى احرار ذمتنا، فابن القاسم يراه رقاً له، وأشهب يراه حراً.
قال ابن حبيب: وما وجدنا بأيدى المستأمن من حر مسلم جبر على أخذ قيمته فى قول عبد الملك ومطرف، وروياه عن مالك. وقاله ابن نافع وخالفهم ابن القاسم، وقد ذكرنا هذا فى باب آخر. ولا يؤخذ منهم ما أحرزوا من مال المسلمين إلا بثمن وطوع. وكذلك من بأيديهم من أحرار ذمتنا.
وقال ابن المواز: لا يعرض للمستأمن عندنا فيما بأيديهم من متاع المسلمين ومن عبيدهم، ولا أحرار مسلمون وذ ميون ومكاتبون ومدبرون، يريد وأمهات وأولاد،قال: وله بيع ما شاء من ذلك وأخذ ثمنه أو الرجوع به بعد أن يغرم ما نزل عليه، يريد: على قول ابن القاسم وروايته. وعبد الملك يرى ان يعطوا قيمة المسلمين الأحرار وإن كرهوا.
[3/336]
***(1/319)
[3/337]
قال ابن المواز: فأما إذا أسلم المستأمن والحربى فلا حق له فى كل من بيده من حر مسلم ويخرجون من يده بلا عوض، لم يختلف فى ذلك.
واختلف فى الذمى الحر فرآه ابن القاسم رقيقاً له. وقال أشهب: لا يرق ويرجع إلى ذمته بلا ثمن. وأما كل مال لمسلم فهو له حلال إذا أسلم عليه، فلا يؤخذ منه إن عرفه ربه، ولا بالثمن إلا بطوعه. وكذلك فيمن بيده من عبد لمسلم أو ذمى، وإنما ينزع من يده الحر والحرة من المسلمين. وأما أم الولد فلترد إلى سيدها ويتبع بقيمتها . وأما الحر الذمى فقد اختلف فيه كما ذكرنا.
ومن العتبية روى سحنون عن ابن القاسم فى العدو يغلبون على مدينة للمسلمين فاسترقوا الأحرار ، ثم راسلونا على أن يسلموا أو يؤدوا الجزية على أن لا يعرض لهم فيما ملكوا من الأحرار من مسلم ومسلمة وذرية، ومال، قال: إن قوى عليهم المسلمون فلا يجيبوهم إلى هذا إلا أن يرضوا بالأموال فقط، فهو سهل إذا كان لا ينالونهم إلا بقتل من المسلمين. وإن علم أنهم لا يقوون عليهم فذلك لهم. وهم كالروم لو طلبوا الإسلام على هذا فإنا نجيبهم. وكذلك من لا يطمع بهم. فأما إذا جابوا إلى الإسلام وهو بأيديهم فليعتقوا عليهم لإسلامهم . وان لم يسلموا وصالحوا على الجزية، لم تؤخذ منهم إلأموال، ولكن يباع عليهم العبيد المسلمون كمن أسلم بيد الذمى. وأما الأحرار فليدفع إليهم قيمتهم من بيت المال ويخرجوا أحراراً.
وذكر ابن سحنون عن أصبغ فى أمير الجيش إذا صالح حصناً أن يخرجوا إلى أرض الإسلام على اداء الجزية على ان يسترقوا من بأيديهم من أحرار المسلمين، وفعل هذا جهلاً، قال قد أخطأ وللإمام ان يعطيهم قيمتهم من بيت المال ويطلقهم أحراراً.
[3/337]
***(1/320)
[3/338]
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وكل من أسلم من الحرب وقد غلب قبل إسلامه على شىء من مال مسلم أو معاهد أو محارب فهو له،كان قائماً أو مستهلكاً.
وإما الدين فمن كان له ربا فلا يأخذ إلا رأس ماله. وما كان له من خمر أو خنزير فلا شىء له، يريد: كان لمن أسلم ديناً يربى على نصراني أو كان خمراً. وان كان الدين عليه لم يلزمه كما لو كان بيده مال مسلم.
وقال سحنون فى المكاتبين فى كتابة يغلب العدو على احدهما، ثم يسلمون عليه، فلتقض الكتابة عليهما،ثم يقال لهما اجمعا بينهما فى ملك، يبيع احدهما ما صار على عبده من الكتابة، أو بيعا كتابتهما من رجل واحد ثم يقسم الثمن بين السيدين بقدر ما ثبت من كتابة كل واحد.
فى أهل الحرب يسلمون
ثم يطالب بعضهم بعضاً بالحقوق
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا أسلم قوم من أهل الحرب وقد نال بعضهم من بعض ، ثم تخاصموا فى ذلك بعد الإسلام، فكل ما تقدم بينهم من غضب أو استهلاك فساقط عنهم، أسلموا طوعاً أو كرهاً. وكل معاوضة بينهم بفساد من نكاح أو بيع خمر أو خنزير ونحوه وتقايضوا فيه فلا يراجع بينهم بسببه.
قال ابن حبيب: وإذا أسلم قوم من الحربيين، فإن كانوا إنما سبوا، فإن ما كان لبعضهم على بعض قبل السبى من حق ودين وجناية وغضب وكل تباعه فهدر، وإن أسلموا بعد ذلك وعتقوا. وإما إن دخلوا إلينا بغير سبى لكن متطوعين، إما مسلمين أو ليقيموا على ذمة، فلهم اتباع بعضهم بعضاً بذلك إذا كانوا هم ألزموها انفسهم يومئذ، وسواء بقوا على ذمة أو أسلموا، كان فى ذلك
[3/338]
***(1/321)
[3/339]
من ثمن خمر أو ربا أو بيع أو قرض أو مهر أو غيره. وأما ما غضب بعضهم بعضاً بدار الحرب أو جناية لبعضهم على بعض فذلك هدر كله.
فى عبد نصرانى لمسلم أحرزه العدو
ثم أسلم العبد وخرج إلينا
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا احرز العدو عبداً نصرانياً لمسلم فأسلم ثم خرج إلينا، فأنه يرد إلى سيده كما لو غنمه المسلمون لرد إليه، وليس كما أسلموا عليه. فإن لم يعرف سيده بعينه وعرف أنه لمسلم، فقال أصبغ: يصير كالفىء فى مثل من وجد بساحلنا من العدو. وقال سحنون: لا حق لأحد فيه، وهو كعبد يعرف ربه، لا سبيل لأحد عليه حتى يأتى سيده.
وقا أصبغ فى المسألة الأولى:إن كان العبد عندهم بمحل الأسر والقهر فالأمر على ما قلنا. وان كان حارب معهم الإسلام وصار منهم ومن أعدادهم لا يبالى كان عندهم على الملك أو على الحرية ثم أسلم(وخرج،فهذا حر لا يأخذه ربه لأنه لحق بالحرب وصار من أهله وصار كعبيدهم، سواء أبق أو أسر. وقال) سحنون: هذا غلط ولا أراه حراً.
فيمن أسلم وله دين من ربا أو عليه
أو له دين من خمر من بيع أو نكاح
من العتبية روى عيسى عن ابن القاسم قال: وإن تسلف نصراني من نصرانى خمراً أو خنزير ثم أسلم الذى عليه الدين فليغرم قيمة الخمر والخنازير. وإذا أسلمت النصرانية وقد قبضت فى صداقها خمراً أو خنازير، فإن فات ذلك عندها ردت قيمته. ولو لم يفت ذلك لردت القيمة وكسر عليها الخمر ويقتل
[3/339]
***(1/322)
[3/340]
الخنازير. وإذا أسلم نصرانى وعليه خمر وخنازير من سلم فليرد رأس المال إلى ربه. ولو أسلم الطالب فإنه يؤخذ الخمر والخنازير من الآخر ويهراق الخمر على المسلم ويقتل الخنازير وتغيب بموضع لا يصل إليها النصرانى. ولو رضى المطلوب ان يرد عليه رأس ماله عيناً فذلك جائز. وإن أسلم إليه ديناراً فى دينارين ثم أسلم فليس على المطلوب غير دينار. وإن أسلم الطالب فلا يأخذ إلا ديناراً. ولو أسلم المطلوب لودى دينارين. وإذا أسلما وقد أسلفه خمراً أو خنازير فلا شىء له عليه. وان تزوجت بخمر و خنازير وقبضت ذلك، ثم أسلما قبل البناء، فأحب إلينا أن يعطيها ما يستحلها به قبل أن يبنى بها.
قال عيسى: وقد اختلف فيه وأحب إلى أن يعطيها ربع دينار. وإذا لم تكن قبضت شيئاً فليعطها صداق(المثل ان لم يكن بنى بها والنكاح لازم. ولو بنى بها وقد قبضت ذلك ثم أسلم فلا شىء عليه). ولو كان بنى بها ولم يدفع إليها ذلك ثم أسلم فليدفع إليها صداق المثل.
فى الصلح والهدنة بيننا وبين أهل الحرب
على الجزية أو على غير الجزية
من كتاب ابن المواز: وإذا طلب منا أهل الحرب الهدنة على قطع الحرب (بيننا وبينهم على مال يعطوناه فى كل عام ونؤمنهم براً وبحراًن فإن علماءنا يكرهون ذلك).
ولقد طلب الطاغية ذلك إلى عبد الله بن هارون، وبذلوا مائة الف دينار كل عام . فشاور الفقهاء فقالوا له : إن الثغور اليوم عامرة، فيها أهل البصائر ، وأكثرهم نازعون من البلدان، فمتى قطع عنهم الجهاد تفرقوا وخلت الثغور للعدو، والذى يصيب أهل الثغور منهم أكثر من مائة الف، فصوب ذلك ورجع إلى رأيهم.
[3/340]
***(1/323)
[3/341]
وقال عبد الملك فيما كان من هدنة الروم وما ضرب عليهم المهدى من الجزية، قال : فكره ذلك علماؤنا وقالوا: لم يكن هذا فيما مضى.
قا ابن المواز: ولا تقبل الجزية إلاممن (يجرى عليه حكمنا وسلطاننا. فأما وهم فى عزهم وسلطانهم ،فلا) ينبغى ذلك ، ولعلهم إنما يريدون سد ما انثلم من حصونهم وعورتهم نحو هذا. قال عبد الملك واحتج عليه بمهادنة النبى صلى الله عليه وسلم لأهل مكة فقال: كان ذلك أصلح فى وقته لقلة أهل الإسلام ليكثر العدد والعدة حتى أعلى الله الإسلام.
قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: وإذا كان الإمام على رجاء من فتح حصن لم ينبغ ان يصالهم على مال. وإن كان إياس منه لضعفه أو لأمتناعهم أو لما يخاف أن يدهمه من العدو فليفعل، وليس يحرم عليه أن يصبر عليهم إن كان ذا قوة. وإذا بذلوا الجزية فإن كانوا بحيث ينالهم سلطاننا وإلا لم تقبل منهم إلا ان ينتقلوا إلى بلد الإسلام ،أو يكون المسلمون قد حازوا ما خلفهم وما حولهم واستحوذوا عليهم فلتقبل منهم. وقاله مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وهو قال مالك. وقال نحوه ربيعة : أنهم إن كانوا بموضع لا يقدر على أخذها منهم إن منعوها فالمسلمون بالخيار: إن شاءوا قبلوها منهم أو قاتلوهم.
قال ابن حبيب: ولا بأس أن يصالحوا على غير شىء يؤخذ منهم، وقد صالح النبى صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية على غير شىء. قال ابن حبيب: وما صولح به أهل الحصن من مال أعطوه إلى الجيش الذى نزل عليهم، فإنما هو مثل مال الجزية لا خمس فيه لأنه ليس بمغنم لأهل الجيش. قاله لى أهل العلم وقاله ابن القاسم.
[3/341]
***(1/324)
[3/342]
قال ابن سحنون: ولا بأس أن يصالح أهل الحرب على أن يبيعوا فى الجزية من شاءوا من أولادهم ونسائهم وصغارهم ومن قهروه من كبارهم ان كان شرط فى العهد مع بطارقتهم، وإن لم يكن شرط فى العقد فلأولادهم من العهد مثل ما لهم وكذلك لضعفائهم ولجميعهم، وقاله مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالك.
ورووه عن مالك فيمن قدم إلينا منهم: فلا بأس أن يبتاع منهم أبناءهم ونساءهم إلا أن يكون بيننا وبينهم هدنة فلا يجوز ذلك، كانت الهدنة إلى عام أو إلى عام ين أو إلى غير مدة، إلا أن يكون شرطوا ذلك وعقدوا عليه هدنتهم. قال ابن حبيب: سواء علم أهل مملكة البطريق بما شرط أو لم يعلموا.
وذكر ما ذكر ابن سحنون من صلح أبى موسى لأهل مدينة ملكها على أن يؤمن ثمانين رجلاً ولم يذكر نفسه. وذكر سحنون الإختلاف فى هذا، واختار ان مجرى القول فى هذا أنه أمن مع الثمانين.
وهذا مذكور فى الجزء الأول، وفيه ذكر بذل الجزية مستوعباً.
وإذا صالحوا على جزية تؤخذ منهم كل سنة أو كانت سنين مسماه، فأسلموا بعد تمام سنة وقبل أن يؤدوا ما عليهم فيها فإنه يسقط عنهم ما مضى وما بقى. وكذلك من أسلم من أهل الجزية بعد تمام سنته وقبل أن يؤديها، قاله مالك وأصحابه.
ذكر ما يبيح دم الذمى مما يشبه النكث
من كتاب ابن حبيب: روى عن عمر فى ذمى اغتصب مسلمة أنه يقتل، وهو كنقض العهد. وروى عنه يهودى دهس ناقةً عليها امرأة فوقعت فإنكشفت، فضربه ابنها بالسيف فقتله فأهدر عمر دمه. وروى عنه أن نصرانياً
[3/342]
***(1/325)
[3/343]
نخس بغلاً عليه امرأة يعنى: مسلمة ، فوقعت فإنكشفت (عورتها ،فكتب ان يصلب فى ذلك الموضع. وقال إنما عاهدناهم على اعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون.)
قال ابن حبيب: فإذا غصب ذمى مسلمة قتل ولها الصداق من ماله، والولد على دين أمه، والولد مجذوذ النسب. ولو أسلم الاب لم يقتل لأنه إنما كان يقتل لنقض العهد لا للزنا، ولا يلحق به
الولد وعليه الصداق. وقاله كله أصبغ.
فى أهل الذمة ينكثون العهد وفى سبى ذراريهم.
من كتاب ابن حبيب قال الأوزاعى فى الذمى يهرب إلى أرض الحرب ويدع ذريته: أنه لا سبيل عليهم. ولو خرج بهم وحارب عليهم فهم فىء.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم فى أهل الذمة ينزع رجالهم فيحاربونا فيظفر بهم، هل يسبى نساؤهم وذراريهم ومن زعم من ضعفاء رجالهم مكره ومن يرى أنه مغلوب على أمره؟ قال إن كان الإمام عدلاً قوتلوا وقتلوا وسبى ذراريهم ونساؤهم وأبناؤهم المراهقون والأبكار وهم تبع لهم . وأما من يرى أنه مغلوب على أمره مثل الكبير والضعيف والزمن فلا يعرض لهم بقتل ولا رق ولا غيره. وإذا قاتلونا وظفرنا بالذرية قبل ظفرنا بهم فلا بأس أن نسبيهم إذا كان الإمام عدلاً ولم ينقموا ظلماً. قال : ولو نقضوا ومضوا إلى بلد الحرب وتركوا الذرية لم يجز سباؤهم. ولو تحملوا معهم ثم ظفرنا بهم جاز سباؤهم. وهذا فى الإمام العادل. فأما إن لم يكن عادلاً ونقموا شيئاً يعرف فلا يقاتلوا. ولو ظهر عليهم فى تلك الحال لم يسترقوا ولم تسب لهم نساء ولا ذرية وردوا إلى ذمتهم. وكذلك لو تحملوا بذراريهم إلى أرض العدو، ولم يستحل منهم شىء على هذا إلا أن يعينوا علينا المشركين بعد دخولهم إليهم ويقاتلوا معهم فيسلك بهم مسلك الحربيين فيهم وفى ذراريهم ونسائهم.
[3/343]
***(1/326)
[3/344]
وقال عنه يحيى بن يحيى فى ناس من أهل الذمة هربوا ليلاً ، فأدركتهم خيل المسلمين وقد دخلوا أرض العدو فقسموا وخمسوا، ثم ادعوا أن ما فعلوا خوفاً من البيع والظلم، وكان بجوارهم قوم من العرب أهل استطالة وظلم وقهر لأمثالهم، ومن مثلهم من يهرب ويخاف، ولكن لا يعرف ما خافوا منهم وهل أريد ذلك منهم، قال : إن عرف تصديق دعواهم فى ناحية ما شكوا الظلم من جيرانهم وقدرتهم على ما يخاف منهم وسوء حالهم وما يرتكبون به من جاورهم، آخرجوهم كرهاً أو كانوا بأيديهم على قهرة وظلم، فأرى أن يصدقوا ولا يستحلوا ولا يسبوا، ويردهم الإمام إلى ذمتهم إن كان الذى يلى ذلك يقوى على دفع الظلم عنهم من هؤلاء ومن غيرهم والوفاء لهم بعهدهم، وإلا فليدعهم يذهبوا حيث شاءوا من أرض العدو وغيرها. قال أصبغ: وكذلك إن أشكل أمرهم لا يستحلوا حتى يظهر نكثهم تحت إمام عادل.
ومن كتاب ابن سحنون: وعن العدو يحل بمرسى لنا فيخرج إليهم المسلمون فيهرب إليهم علوج عندنا، منهم من أسلم ومنهم من لا يسلم ، فظفرنا بهم وقد علمنا أنهم ارادوا عونهم علينا، قال لا يقتلوا وليحبسوا.
قيل: فإن لم يصلوا إلى حبسهم إلا بأن يثخنوا بالجراح؟ قال فلا ينبغى ان يجرحوا، ولا ينال منهم جرح ولا قتل إلا فى محاربة. وكذلك من هرب من أحرار ذمتنا. ولو خفنا أن يطلعوا منا على عورة فيها هلاكنا لم ينبغ أن نثخنهم بالجراح ولكن نحتال فى حبسهم إن أمكن ذلك.
قال يحيى ابن يحيى فى قوم من أهل الذمة كانوا فى ربض مدينة للمسلمين، فلما نزل بها العدو مع رجل من المسلمين قادهم إليها هربوا إلى العدو طائعين ثم ظفرنا بهم. قال: إن كان ذلك عن ظلم ركب منهم فلا يباح منهم دم ولا مال، وإن لم ينل منهم ظلم ولا خافوا ذلك من ناحية من عرف بالظلم، فأنهم إن أصيبوا بعد أن وصلوا إلى أرض الحرب فقد حلوا.
[3/344]
***(1/327)
[3/345]
وقال : ولو وجدوا عند هذا المسلم الذى ساق العدو إلى المسلمين وقالوا نحن لم نأو إلى العدو ولا إلى أرضهم ولكن صرنا إلى هذا المسلم وإن أحدث خلافاً وبغياً، قال لا يستحلون بهذا ولهم بذلك شبهة ما كانوا ببلد الإسلام.
وقال ابن القاسم فى أهل الذمة ببلد المسلمين، فظفر بها العدو وأقام بها أهل الذمة وتليهم مدينة آخرى للمسلمين يغزونهم ويغيرون عليهم،فذكروا أن أولئك الذميين يتجسسون عليهم يطلبونهم مع العدو فيستنقذوا ويقتلوا، فإذا ظفرنا بأحدهم قالوا نؤمر بهذا ونقهر عليه ونخاف القتل إن لم نفعل،ولا يعلم ما ادعوا من القهرة والخوف إلا بقولهم، فما ترى فيمن ظفرنا به منهم؟ قال: إما من قتل منهم مسلماً فليقتل. ومن لم يقتل ولكن يطلب مع العدو ويستنقذ الغنيمة ونحو هذا، فلا يقتل ويطال سجنه.
قال وإن وجل لهم أجلاً فى الرحيل من عند العدو فجاوزوه وأغاروا معهم علينا وسبوا وأسروا وزعموا أنهم منعوا من الرحيل وأمروا بما فعلوا ولا يعرف ذلك إلا بقولهم، قال: إن تبين ما قالوا لم يستحلوا.
قال : ولو أن أهل ذمتنا سرقوا لنا سرقات فأخفوها حتى نكثوا وحاربونا، ثم صالحناهم على أن رجعوا إلى ذمتهم من غير الجزية التى كانت عليهم وتلك السرقات فى أيديهم، قال :فلا يؤخذ منهم ما وقع الصلح وهو بأيديهم، إلا أن للإمام أن يخيرهم فى ردها طوعاً أو نقض الصلح والحرب، إلا أن يشترطوها فى صلحهم فلا كلام له. وأما ما أخذوا فى حال حربهم فلا خيار للإمام فيه بعد الصلح.
قال ابن القاسم فى ناس من أهل الذمة ركبوا البحر بأموالهم وذراريهم أو بأبدأنهم فقط مع عبيد استألفوهم أو بغير عبيد، وذلك بغير إذن الإمام، وتساحلوا فى البحر يرتادوا طيب ريح لغير ذلك فظفر بهم، أيستباحون بذلك ؟ قال: لا هم ولا أموالهم، وقد يقولون أردنا انتجاعاً إلى بلد لمير أو لمرفق. قال ولو لججوا
[3/345]
***(1/328)
[3/346]
فى البحر حتى ينقطع عنهم مثل هذا العذر ما استحلوا بهذا حتى يلحقوا بدار الحرب ويصيروا فى منعهم فحينئذ.
قال ابن المواز عن ابن القاسم فى قوم من أهل الذمة: إذا قطعوا الطريق وقاتلوا على العصبية قظفر بهم فليحكم فيهم بحكم المحاربين من المسلمين.وأما إن خرجوا نقضاً للعهد ومنعاً للجزية من غير ظلم ظلموا به، فإن كان الإمام عدلاً قوتلوا ويكونون فيئاً.
وقال أشهب: لا يكونون فيئاً ويردون إلى ذمتهم، ويقتل منهم من قتل ويجرح من جرح.
ومن كتاب ابن المواز ذكر نحو ما تقدم وقال: وقف ابن القاسم عن القتل فيما كانوا قتلوا أن يستقاد منهم وقال فيه: لا أدرى . قال أحمد بن ميسر: لا يؤخذ منهم أحد بما قتل فى مصاف ولا غيره.
ومن كتاب ابن حبيب: روى أن قوماً من المسلمين لجأوا إلى حصن لأهل الذمة، وهم شاتون فلم يفتحوا لهم فباتوا فمات بعضهم من البرد، فاستبحاهم عمر ورآه نقضاً للعهد.
قال ابن القاسم: إذا حارب أهل الذمة والإمام عدل فليستحل بذلك نساؤهم وذراريهم. وإما من يرى أنه مغلوب منهم أو من زعم من ضعفاء رجالهم من شيخ كبير وذوى زمانة أنه استكره فلا يستباحوا بذلك ولا يسترقوا.
وقال أصبغ: كلهم مستباحون لنقض أكابرهم كما صلحهم صلح عليهم، وقاله الأوزاعى وابن الماجشون، وهو أحب إلى. قال ابن الماجشون: وكذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى قريظة وغيرها: إنما يقوم بالأمر رجالهم وأكابرهم من حرب وعقد وصلح، فيجرى ذلك على الجميع. قال ابن القاسم ولو ظهر على الذرية قبل أن يظهر على الأباء لا يستحلوا أيضاً.
[3/346]
***(1/329)
[3/347]
قال : وإن كان الإمام غير عدل أو نقموا ظلماً به يعرف فلا يقاتلوا. وإن قوتلوا وظفر بهم لم يستباحوا بسبى ولا أخذ مال، ولم يسترقوا ويردوا إلى ذمتهم، وصلوا إلى دار الحرب أو لم يصلوا. قال أصبغ: وكذلك إن لم يعرف أنهم ظلموا بشىء إلا الإمام جائر والظلم الغالب فى البلد ، كما أن بيع المضغوط عندى عند الإمام الجائر لا يلزمه. وإن كان قبل أن تحل به عقوبته. وقول أشهب لا يسترق الذمى بنقض العهد ويرد إلى ذمته، وانفرد بهذا أشهب.
قال ابن القاسم عن مالك: إن خرجوا عن ظلم فلا يقاتلوا وإن قتلوا المسلمين فى مدافعتهم. قال ابن الماجشون وذلك ما احتجروا فى دارهم فلا يقاتلوا ما لم يخرج ذلك منهم إلى الغياثة والخروج على المسلمين والفساد فى الارض. فإن فعلوا هذا جوهدوا وصاروا فيئاً. وقال مثله مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وغيره.
قا ل مطرف وابن الماجشون فى بلد صولح أهلها على اداء الجزية، فجعل الإمام عليهم ولاةً لجباية ذلك، فيستحلون نساءهم ويظلمونهم ويبيعون أولادهم، فيقومون من العمال فيقاتلونهم وينقضون العهد ويمنعون بلادهم: فلا ينبغى أن يقاتلوا ولا يجاهدوا ولا يسبوا (إذا لم يخرجوا على المسلمين ولا قتلوهم. وأما إن خرجوا ودخلوا بلد الإسلام وقتلوا وسبوا فليجاهدوا ويستباحوا ويسبوا).
ووقف مالك فى قتال الحبشة حين خرجوا بدهلك وقال: إنى أخاف أن يكونوا ظلموا بشىء، ولم يزل المسلمون يغزون الروم وقد ترك هؤلاء، فلا أدرى أتركوا عن شىء كان منهم، فلا ينبغى أن يقاتلوا حين خرجوا حتى يكشف الأمر. فإن كان عن ظلم ركب منهم تركوا. وإن لم يكن عن ظلم حل قتالهم.
قا مطرف وابن الماجشون: وان دفعوا عن انفسهم لظلم نيل منهم ثم تعدوا وغزوا المسلمين فليقاتلوا ويستباحوا. وقاله ابن وهب وابن نافع وابن عبد الحكم وأصبغ وغيره.
[3/347]
***(1/330)
[3/348]
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا نقض أهل الذمة العهد بعد ان سرقوا لنا أموالاً وعيبداً فحاربونا، وذلك فى أيديهم ثم صالحونا على أن يعودوا ذمة، قال : يوفى لهم. فإذا لم يطلعوا على تلك السرقات إلا بعد الصلح، فللإمام أن يخيرهم: أما ردوها أو يرجعوا إلى حالهم من الحرب ، إلا أن يشترطوها فى الصلح. وهذا بخلاف ما أخذوا فى حين حربهم: هذا لهم ولا خيار للإمام فى نقض الصلح بهذا.
القول فى المرتدين
وهل يسبون ويغنمون فى الردة أو فى النكث؟
وإذا تأبوا هل يؤخذون بما جنوا؟
وشىء من ذكر المحاربين
وشىء من نكث المعاهدين
من كتاب ابن حبيب قال: وبلغنى عن ربيعة أنه قال فى قوم اتونا بأولادهم ونسائهم فأسلموا، ثم تركوا الإسلام ورجعوا إلى بلدهم فأدركناهم فأسرنا منهم وقتلنا: أنه يستتاب كبار من نفى. فإن تأبوا وإلا قتلوا. وكذلك من كان قدم صغيراً فبلغ بدار الإسلام وأسلم. ومن لم يبلغ إلان منهم ورجعوا به فأنه يسترق ولا يقتل ولا يستتاب. وإما من ولد وأبواه مسلمان ولم يبلغ إلان فأنه إذا بلغ يستتاب، فإن أبى قتل. وقاله ابن الماجشون. وقال ابن القاسم: هم كالمرتدين فى المال والدم، ويجبر صغارهم على الإسلام إذا بلغوا من غير استتابة.
وقال أصبغ: ليسوا كالمرتدين، وهم كالمحاربين لأنهم جماعة، فهم كأهل النكث (لأن المرتد انما هو كالواحد وشبهه.
[3/348]
***(1/331)
[3/349]
قا ابن حبيب: ليس قول أصبغ بحسن، وانما أهل النكث) أهل الذمة، ونحن نسترقهم إذا ظفرنا بهم، ولعمرى أنه أمر خالف فيه عمر ابا بكر فى أهل الردة من العرب: جعلهم أبو بكر كاناقضين، فقتل الكبار وسبى النساء والصغار، وجرت فيهم المقاسم وفى أموالهم. وسار فيهم عمر السيرة فى المرتدين/، فرد النساءوالصغار من الرق إلى عشائرهم كذرية من ارتد، فلهم حكم الإسلام إلا من تمادى بعد بلوغه، والذين كانوا أيام عمر لم ياب احد منهم الإسلام. وعلى هذا جماعة العلماءوأئمة السلف إلا القليل منهم، فأنهم أخذوا فى ذلك برأى أبى بكر أنهم كالناقضين، وبه قال أصبغ. وذهب ربيعة وابن الماجشون وابن القاسم إلى فعل عمر فى ذلك ، وبه نقول وعليه جماعة أهل العلم .
(ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم وإذا نزل عندنا من تجار الحربيين احد بأمان فذهبوا بعبيد لنا ابقوا إليهم أو غلبوا عليهم ثم عادوا إلينا بأمان أخذناهم منهم ولو قدم بهم غيرهم لم نأخذهم).
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن لحق بأرض الحرب، فتنصر واصاب دماء المسلمين وأموالهم فى ردته ثم أسلم: فإن ذلك يزيل عنه القتل وكل ما اصاب. ولو اصاب ذلك قبل يرتد، أقيد به . وروى مثله سحنون.
وروى يحيى ابن يحيى عن ابن القاسم أنه يقتله الإمام ولا ينظر إلى أولياء من ثتل لأنه كالمحارب، ولا عفو فيه لولى الدم، ولا يستتاب استتابة المرتد فى دار الإسلام، وذكر مثله كتاب ابن المواز.
وروى سحنون عن ابن القاسم فى حصن ارتد أهله عن الإسلام: فليقاتلوا ويقتلوا ولا تسبى ذراريهم ولا تكون أموالهم فيئاً.
قال فى كتاب ابن المواز: وتجبر ذراريهم على الإسلام، وما ولد لهم بعد الكفر فليردوا إلى الإسلام ما لم يكبروا على الكفر.
[3/349]
***(1/332)
[3/350]
قال محمد بن المواز: ولو خلعت قرية من أهل الذمة ونكثت وقاتلوا وقتلوا ، فأنه يستباح نساؤهم وذراريهم وأمولهم بنقض رجالهم وأكابرهم.
قال عبد الملك: إذا ارتدت قرية من المسلمين فقوتلوا فظفر بهم فلا سبيل/على نسائهم وذراريهم وأموالهم لأنهم يقولون: لم نرتد نحن. ولو كانوا أهل الذمة نكثوا وقاتلوا فظفر بهم، فنساؤهم وذراريهم وأموالهم لهم تبع: يستباح ذلك بنقض رجالهم. وكذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى بنى قريظة وغيرهم، فنساؤهم وذراريهم وحاشيتهم فى العهد معهم. فلو باعوا منا نساء منهم لم يجز لنا ذلك إلا ان يكون عهدهم السنتين والثلاثة.
ومن العتبية قال أشهب: ومن نقض من أهل الذمة أو ارتد من المسلمين سواء فى إلا تسبى ذرارايهم ولا تؤخذ أموالهم ولا يعودوا إلى رق، وترجع عليهم الجزية.
وروى يحيى عن ابن القاسم فى رسول جاء من قبل الروم للهدنة فإذا هو مرتد قد نزع إليهم ممن كان قد أسلم ، قال: ان كان قد أمن وفى له ورد. ان جاء بغير عهد ولا أمان استتيب. فإن تاب وإلا قتل . وان كان أبواه مسلمين أصابهما العدو فولد لهما فى ارض الشرك فتنصر وترك دين أبيه، فإن هذا بخلاف ما ولد لهما فى دار الإسلام، وهذا فىء ان استحيى. وان رأى الإمام قتله قتله. وان كان ولد بدار الإسلام فأصابه العدو مع أبويه أو دونهما فتنصر ، فهذا يكره على الإسلام بالضرب ولا يقتل، وهو حر لا يسترق، وليس لمن اصابه فيه شىء لأنه فى ارض الإسلام فهو من ابناء المسلمين الأحرار .
ومن كتاب ابن حبيب: والسنة فى المرتد يلحق بدار الحرب فيقتل المسلمين ويزنى ويسرق ثم يتوب أنه لا يؤخذ بشىء من ذلك. وان فعل ذلك فى دار الإسلام بعد ردته فليؤخذ بذلك وان أسلم. وإذا مجن مسلم فى دار الإسلام ولحق بأرض الحرب على مجونة فحارب معهم وقتل منا أو لم يقتل: أنه يحكم
[3/350]
***(1/333)
[3/351]
فيه بحكم المحارب فى بلد الإسلام من القتل والصلب ، ويؤخذ فيه بأعظم عقوبة الله فى المحارب، قتل أو لم يقتل، ولا تقبل توبته ولا عفو فيه. وان ادعى أنه كان فى فعله ذلك مرتداً لم يصدق إلا ببينة،فحينئذ يسن به سنة المرتد فى قبول التوبة وهدر ما كان فعل. وليس تركه الصلاة بدار الحرب وشربه الخمر بردة حتى يفصح بالردة. وقاله لى ابن الماجشون وقاله أصبغ عن ابن القاسم.
قال أبو محمد هذا خلاف ما قال ابن حبيب فى موضع آخر ان ترك الصلاة واحدة فهو بذلك كافر.
(ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه فى المرتد) يلحق بدار الحرب فيولد له بها أولاد ويولد لهم أولاد ثم ظفرنا بجميعهم، قال سبيله وسبيل ولده وابنائهم سبيله، لا يسلط عليهم السبى، ويستتاب هو ومن بلغ من ذريته. فمن لم يتب منهم اجمع قتل، ويكره الصغار منهم على الإسلام. ومن وقعوا فى سهمه نزعوا منه بغير ثمن ، ثم رجع سحنون فقال: من بغ من ولده وولد ولده فإن السبى يأخذهم.
وقيل لسحنون: ربما أخذنا اسارى فيسلمون فيباعون ثم يهربون إلى العدو فينكثون ويقاتلون، فنغنمهم فيسلمون فيباعون، ثم يأبقون فيحاربونا فنغنمهم فيعمل على ربط أفواههم لئلا يسلموا فنمتنع من قتلهم.، وقد صار لهم هذا عادةً. قال: لا ينبغى هذا ويقبل منهم الإسلام، ويباعون بشرط ممن يخرجهم من ذلك البلد ويبعدهم عنه، فإن لم يجد من يشتريهم على ذلك فليبعث بهم الإمام إلى بلد قاص عن موضعهم. فإن جاء الثمن وقد تفرق الجيش تصدق به.
ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم: وإذا نزل عندنا من تجار الحربيين احد بأمان ، فذهبوا بعبيد لنا ابقوا إليهم أو غلبوا عليهم، ثم عادوا إلينا بأمان فأصبناهم معهم فلنا أخذهم منهم. ولو قدم بهم غيرهم لم نأخذهم.
وبقية القول فى المرتد فى كتاب المرتد.
[3/351]
***(1/334)
[3/352]
فيمن تخلف ببلد الحرب وحارب المسلمين لم يرتد
من العتبية قال يحيى بن يحيى: قلت لأبن القاسم فيمن تخلف من أهلبرشلونة من المسلمين على إلارتحال عنهم بعد السنة التى اجلت لهم يوم فتحت، فأغار على المسلمين واخاف وقتل وسبى أو لم يقتل وأخذ إلأموال وانما أقامته هناك على الإسلام تعوذاً مما يخاف من القتل إذا ظفر به. قالوهو كالمحارب من المسلمين فى دار الإسلام .فإن اصيب فأمره إلى الإمام يحكم فيه بما يحكم فى المحارب. وإما ماله فلا يحل لأحد، قال: وان كان ما صنع مما يكره عليه ويؤمر به فلا يستطيع ان يعصى خوفاً على دمه فلا اراه محارباً، ولا يقتل ان ظفر به ولا يعاقب إذا تبين أنه يؤمر ويخاف على نفسه.
فى الجاسوس من مسلم أو حربى أو معاهد
وشى من معانى النكث
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا وجدنا بأرض الإسلام عيناً لأهل الشرك، وهو حربى دخل بغير أمان ، أو كان ذمياً أو مسلماً يكاتبهم بعورات المسلمين: فإنا الحربى فللإمام/قتله ول هاستحياؤه كمحارب ظفرنا به، وللإمام أخذ ماله ولا خمس فيه وهو فىء. فإن أسلم قبل ان يقتل فأنه لا يقتل ويبقى رقيقاً كأسير أسلم. وإما المسلم يكاتبهم فأنه يقتل ولا يستتاب وماله لورثته، وهو كالمحارب والساعى فى الارض فساداً. وقال بعض أصحابنا: يجلد جلداً منكلاً ويطال حبسه وينفى من موضع كان فيه بقرب المشركين. قال : وان كان ذمياً قتل ليكون نكإلا لغيره.
ومنه ومن العتبية قال ابن القاسم: يقتل الجاسوس ولا تعرف لهذا توبة.
[3/352]
***(1/335)
[3/353]
وقا انب وهب عن مالك فى الجاسوس المسلم على الإسلام: ما سمعت فيه بشىء وليجتهد فيه الإمام، ورواه ابن القاسم عن مالك فى العتبية.
قال ابن سحنون قال ابن وهب: إذا ثبت ذلك عليه قتل إلا ان يتوب.
قال ابن المواز قال ابن القاسمك ان ظاهر على أمور المسلمين بأمر دل به على عوراتهم قتل. وان لم يكن فيما كان منه مظاهرة على عوراتهم سجن حتى
تعرف توبته. وقال ابن الماجشون: ينظر فيه، فإن ظن به الجهل وعرف بالغفلة وان مثله لا عور عنده وكان منه المرة ولم يكن عادةً وليس من أهل الطعن على الإسلام فلينكل لغيره. وان كان معتاداً وتوطأ عليه فليقتل.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وان كان حربى قدم لتجارة فظهر لنا أنه عين للعدو ويكتب باخبارنا فللإمام قتله وأخذ ماله. وان شاء استحياه ولا أمان له فى نفس ولا مال ،لأنه لو طلب المقام/لم يكن له إلا بأمان جديد. وان قدم للمقأم فأنه يقتل ويرث ماله ورثته. وكذلك ان كان ذمياً لأن الذمة انعقدت لهم ولأولادهم ، فليس غدر احدهم يازم باقيهم. وكذلك من حارب من اله الذمة يرثه ورثته إذا قتل. وكذلك ان غصب مسلمة فوطئها قتل.
وإذا عاهدنا قوماً من أهل الحرب على مال أو على غير مال عهداً إلى وقت أو إلى غير وقت، ثم تبين لنا أنهم يدولون المشركين على عوراتنا واخبارنا ويأوون عيونهم وثبت ذلك بالبينة فهذا نكث ، ولينبذ إليهم لقول الله تعالى :(وإما تخافن من قوم خيانة ً فإنبذ إليهم على سواء)،فالخيانة دون ما فعلوا.
فإما من صالح من المستأمنين، ثم ان احدهم قتل مسلماً من غير ملاء منهم فلا يؤخذون بفعله. وذلك كمن فعل هذا من أهل الذمة فليقتل القاتل. قال: ولو وجدنا قتيلاً منا فى قرية من قرى أهل الصلح لا يدرون من قتله فإن لم يكثر
[3/353]
***(1/336)
[3/354]
ذلك منهم ولم يمتنعوا من الحكم عليهم فيه فليس ذلك ناقضاً للصلح، ويطلبون بذلك كما يطلب غيرهم من أهل الذمة. وفى هذا ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارثين إلى القسأمة فأبوا فوداه من عنده.
فيمن قتل مؤمناً أو معاهداً خطأ وهو مع أهل الحرب
من العتبية: روى ابن القاسم عن مالك فى قول الله تعالى:(فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) لم يذكر/فيه دية. قال : هذا فى حرب النبى صلى الله عليه وسلم لأهل مكة ، وفيهم المؤمن لم يهاجر فيصيبه المسلمون، والله سبحانه يقول:(ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا)، وإما قوله: (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق)، فهذا فى الهدنة التى كانت بين النبى صلى الله عليه وسلم ويبن المشركين أنه ان اصيب مسلم خطأ لم يهاجر فديته على المسلمين إلى قومه. وقد رد النبى صلى الله عليه وسلم أبا جندل ، فكذلك ترد ديته لو قتل خطأ .
وقوله تعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، يقول : ان حبسوا عنكم مهر امرأة ثم حبستم عنهم مهر امرأة آخرى فادفعوا إلى هذا المسلم ما كان انفق على أمرأته التى هربت إلى الكفر، وذلك قوله سبحانه :(وان فاتكم شىء من ازواجكم إلى الكفار) إلاية. وكان فى تلك الهدنة ان من جاءهم من الرجال مسلماً ردوه إليهم. وان جاءت امرأة ترغب فى الإسلام لم ترد إليهم. وكان علينا ان نعطى زوجها الكافر ما كان ساق إليها. وان فاتت منا إليهم امرأة كان عليهم ان يعطونا مثل ما انفق عليها زوجها، وهو قوله سبحانه : (وسئلوا ما أنفقتم)، وحرم إلأمساك بعضهم الكوافر .
[3/354]
***(1/337)
[3/355]
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أوقف الكفار فى صفهم مسلماً فى وثاق فقتله رجل منا ولم يعلم قال: على عاقلته الدية ويعتق رقبة.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه/ومن ضرب علجاً فى القتال فأخطأ فأصاب نفسه فهو شهيد، ولكن يصلى عليه، وروى ان رجلاً اخطأ فاصاب مرتداً فأزال جلدة وجهه، فودى ذلك عثمان من بيت المال.
وقال سحنون فى سرية لقيت سرية ببلد العدو فاقتتلا وكل سرية تظن ان الآخرى من الروم: ان كل سرية تحمل عواقلهم دية من اصأبوا من قتل أصحابهم، ومن الجراح الثلث فاكثر. وما كان دون ذلك ففى أموالهم، والكفارة عليهم فى كل نفس. وخالفنا فى ذلك غيرنا، وقد اجمعنا أنه ان قتل مسلماً فى الصف يظنه مشركاً أو رمى مشركاً فرجع إليهم فاصاب مسلماً: ان فيه الدية والكفارة.
ذكر فرض الجزية
وعلى من تجب من اصناف أهل الكفر ومقدارها
وجزية أهل الصلح وأهل العنوة
(قال مالك رحمه الله فى الموطأ: ان السنة عندنا إلا جزية على نساء أهلكتاب ولا صبيأنهم، وان الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الذين بلغوا الحلم منهم صغاراً لهم).
قال ابن حبيب: أول ما بعث الله عز وجل نبيه عليه السلام بعثه بالدعوة بغير قتال ولا جزية، فأقام على ذلك عشر سنين بمكة بعد نبوته يؤمر بالكف عنهم، ثم أنزل عليه : (إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا)، إلاية، ةأمره بالقتال
[3/355]
***(1/338)
[3/356]
من قاتله والكف عن من لم يقاتله، فقال عز وجل: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً).
ونسخ الكف فأقام على هذا ختى نزل براءة لثمان سنين من الهجرة، فأمره بقتال جميع من لم يسلم من العرب من قاتله أو كف عنه إلا من عاهده، فقال : (واقتلوهم/حيث وجدتموهم)، إلى قوله: (فإن تأبوا وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة) إلاية فلم يسن على العرب الذين لم يتعلقوا بكتاب إلا الإسلام ولم يقبل منهم غيره. وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية ، فقال: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) ، إلى قوله: (وهم صاغرون)، فدخل فى ذلك من تعلق من العرب بدين أهل الكتاب فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم الجزية من أهلنجران وأهل ايلة، وهم نصارى من العرب، ومن أهل اذرح وأهل اذرعات وأهلدومة الجندل، وهم نصارى واكثرهم عرب. ولم يسم أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب. وأمره بقتال غيرهم من مشركى العرب ومن مجوس إلأمم حتى يدخلوا الإسلام، ولم يستن فيهم الجزية، ثم نسخ الله تعالى من ذلك المجوس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فيما سن لهم من سنة بغير تنزيل القرآن، فأحل له أخذ الجزية من مجوس العجم إذا رضوا بها، وأقر مشركى العرب، وهم عبدة إلاوثان، على ان يقاتلهم حتى يدخلوا الإسلام بلا جزية، استثناها فيهم اكرإما للعرب وعلماً منه أنهم يدخلون الإسلام، فدخلوا فيه اجمعون إلا من تعلق منهم بكتاب، ولم يكن فى العرب مجوس لكن عبدة إلاوثان.
وأخذ النبى صلى الله عليه وسلم من نصارى هجر ومجوسها الجزية وكتب المنذر ابن سأوى وهو رئيسها، ان يقبل ذلك منهم. ومجوس هجر هم مجوس البحرين، وهى حاضرة البحرين، ومجوس السواد هم مجوس فارس.
قال ابن حبيب: والسأمرة هم صنف من يهود والصابئون صنف من النصارى فى جزيتهم ونكاح نسائهم واكل ذبائحهم،/وهم يقرأون الزبور ويعبدون
[3/356]
***(1/339)
[3/357]
الملائكة .وكل جزية أخذها النبى صلى الله عليه وسلم فإنما هى جزية صالحهم عليها وليست جزية عنوة.
وصالح خالد بن الوليد نصارى بنى تغلب بالشام على ان يأخذ منهم الضعف مما يأخذ من المسلمين من مواشيهم، وكتب به إلى عمر فاجازه. وهم عثمان ان يأخذ منهم الذهب والورق حتى صح عنده ان عمر فعله، فأمضاه بتلك جزيتهم، وليست بصدقة ولكنها جزية صولحوا عليها.
قال أبو محمد: وتقدم فى الجزء الأول ذكر هذا المعنى والإختلاف فى أخذ الجزية من مجوس العرب مستوعباً.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب عمر فى السأمرة يسبتون ويقرأون التوراة ولا يؤمنون بالبعث: أنهم صنف من أهل الكتاب. قال سحنون وبهذا نقول فى ذبائحهم وغيرها. وقال فى طائفة من السودان يسبتون ويختتنون لم يعتقلوا من إليهودية إلا بهذا، قال : ان كان لهم كتاب وإلا فلهم حكم المجوس.
قال سحنون: حق على المسلمين ان يجاهدوا من كفر بالله،أهل الكتاب كانوا أو أوثان أو مجوس أو عبدة نار أو غيرهم من انواع الكفر، ولايهيجوهم حتى يدعوهم إلى عبادة الله وإلاخلاص له وإلايمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويشرعون لهم شريعة الإسلام، فإن اجابوا فاخوان، وان أبوا دعوا إلى الجزية. فإن قبلوها فرضت عليهم ان كانوا فى قرب منا. وان بعدوا عرض عليهم إلانتقال إلى حيث ينالهم سلطاننا وإلا حوربوا. فإن اجابوا فرضت عليهم/الجزية كما فرض عمر: اربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهماً على أهل الورق. وان لم يكونوا إلا أهل ابل فما راضاهم عليه الإمام ورآه نظراً. ولا ينقص أهل الذهب والورق مما ذكرنا إلا ان يحضر الإمام أمر يراه بمشورة أهل الرأى لما يرونه صالحاً للمسلمين فيفعله.
وكان عمر لا يأخذها إلا ممن جرت عليه المواسى، ولا يأخذ من النساء والعبيد شيئاً. وكان قد فرض عليهم ارزاق المسلمين من الحنطة مدان على كل
[3/357]
***(1/340)
[3/358]
نفس فى الشهر مع ثلاثة اقساط زيت ممن كان من أهل الشام والجزيرة. وإما أهلمصر ، فاردب من حنطة كل شهر، ولا ادرى كم من الودك والعسل، وعليهم من الكسوة التى كان عمر يكسوها للناس، وعلى ان يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام.وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعاً كل شهر على كل رجل، ومع هذا كسوة معروفة لا اعرف قدرها كان عمر يكسوها للناس.
ومن كتاب ابن حبيب قال: ولا حد لجزية الصلح، وانما ما صولحوا عليه.وإما جزية العنوة، فذكر مثل ما يقدم ذكره من عمر على أهل الذهب والورق. قال: وقال أسلم مولى عمر: مع ارزاق المسلمين من الطعام يحمل إلى عمر وضيافة ثلاثة أيام. فمن كان منهم من أهل الشام والجزيرة، فذكر مثل ما ذكرلا سحنون وزاد: وشىء من عسل لا اعرف قدره كل شهر. ومن كان من أهلمصر فاردب من حنطة كل شهر يعنى: كل رجل منهم. ومن كان من أهل العراق فخمسة الف صاعاً كل شهر على كل رجل،ومع هذا كسوة معروفة لا اعرف قدرها كان عمر يكسوها للناس، وعلى ان يصيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام.
قال ابن حبيب: وإلاردب بمصر قدر قفيز قرطبة، وخمسة عشر صاعاً اكثر من قفيز قرطبة شيئاً،والضيافة هى على قدر ما استيسر بالعلج مما ينفق على نفسه وعياله، ليس عليه ذبح الغنم أو الدجاج، ولا يكلف إلا ما طاع به وتيسر له. وكذلك أمر عمر ورأى مالك ان يوضع اليوم عنهم ما جعل عمر عليهم من إلارزاق والضيافة لما احدث عليهم من الجور، وقاله النخعى. قال الثورى: أوفوا لهم يوفوا لكم. قال ابن حبيب: ومعنى حديث مالك ان عمر كان يؤتى بنعم تؤخذ فى الجزية: أنه انما أخذها بالقيمة فى الجزية رفقاً بهم. قال ابن حبيب: ولا يزاد فى الجزية العنوية أو الصلحية على الغنى ولا ينقص منها الفقير إذا كان فيه قوة على احتمالها. قال ابن الماجشون: ولا تؤخذ من إلاصاغر
[3/358]
***(1/341)
[3/359]
ولأمن النساء ولا إلارقاء، وقاله مالك فى المحتصر وغيره وروى عن عمر. قال ابن الماجشون: ولا تؤخذ من العديم من الرجال.
قال ابن حبيب قال مالك: ولا تؤخذ من الرهبان المنهى عن قتلهم ممن اعتزل فى الصوأمع والديارات، وقاله سفيان. قال مطرف وابن الماجشون: وهذا فى مبتدأ حملها. فإما من ترهب بعد ان ضربت عليه وأخذت منه فأنها لا تزول عنه. وكذلك قال مالك. وإما رهبان الكنائس فلم ينه عن قتلهم ولا توضع الجزية عليهم، وهم الشماسة وهم الذين قال فيهم الصديق: وستجد قوماً قد فحصوا عن أوساط رؤسهم،/فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف.
قال ابن القاسم وابن وهب: وإذا عنق عبيد أهل الذمة أخذت منهم من يومئذ. قال ابن حبيب: فإما العبد النصرانى يعتقه المسلم فاختلف فيه: فروى ابن شهاب ان معأوية أخذ منهم دون ما يأخذ من أهل الارض، فيأخذ منهم الدينار والدينارين والثلاثة بقدر قوتهم وقال مالك وعبد العزيز واصحاب مالك: لا جزية عليهم. وقال ابن حبيب: وأحب إلى ان تؤخذ منهم صغاراً لهم.
وأول من فرض الجزية على أهل العنوة عمر حين فتح مصر إذ بعث إليها عمرو بن العاص، ثم اتبعه بالزبير فى اثنى عشر الفاً فافتتحها عنوة. وشأور عمر فى قسم الارض فكتب إليه ان يقسم ما سواها وتبقى الارض وعمالها. وتأول قول الله تعالى : (والذين جاءوا من بعدهم) ، فابقى خراجها نفعاً لمن يأتى من بعدهم، وجعل عمر على كل علج منهم اربعة دنانير من غير خراج ارضهم. وجعل على الارض على حدة. وقال غير ابن حبيب: أنه أقرهم فى الارض وجعل عليهم خراجاً واحداً على الارض والجماجم.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم قال مالك: لا يزاد على أهل الذمة(فى جزية جماجمهم وان أيسروا على ما فرض عمر على أهل) الذهب:
[3/359]
***(1/342)
[3/360]
اربعة دنانير ، وعلى أهل الورق اربعون درهماً. قال ويطرح عنهم ضيافة ثلاثة أيام إذ لم يوف لهم. قال عبد الملك بن الحسن فى الرهبان فى ارض الإسلام فى صوأمع أو غيرها: فلا جزية عليهم.
ومن كتاب ابن المواز: ذكر عن مالك فى جزية جماجم أهل العنوة مثل ما ذكر ابن القاسم عنه فى العتبية إلى آخره، ويسقط/الضيافة عنهم لما قصر عنهم فى حق ذمتهم . قال أبو محمد: وفى الباب الذى يلى هذا شىء من ذكر جزية الارض ، وبعد هذا باب فيما ينبغى ان يلزموه أهل الذمة فى لباسهم وشكلهم .
جامع القول فى أرض العنوة والصلح
وذكر خراج الارض وكيف تقسم
والحكم فى أهل العنوة ومن أسلم منهم أو من أهل الصلح
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وفى كتاب ابن المواز ونحوه، قال مالك: والعمل فى ارض العنوة على فعل عمر ان لا تقسم وتقر بحالها. وقد ألح بلال واصحاب له على عمر فى قسم الارض بالشام فقال اللهم أكفنيهم، فما أتى الحول وبقى منهم احد.
ومن كتاب ابن المواز قال: وما كان من ارض منقطعة عن بلد الإسلام لا يقسم. وما كان يصل إليه سلطان الإسلام ويقدر على احيائه، فليقر ولا يقسم كما تأول عمر قول الله عز وجل (والذين جاءوا من بعدهم). ومكة مما فتح عنوة ولم تقسم. وجرى بذلك فعل عمر وعثمان وغيره ، فلم يقسم بذلك دار ولا أرض.
ومن العتبية من سماع أشهب، قال مالك فى خيبر افتتحت بقتال يسير،
[3/360]
***(1/343)
[3/361]
قال: وقد خمست إلا ما كان منها عنوة أو صلحاً وهو يسير فأنه لم يخمس. فقلت: فالعنوة والقتال ليس واحد؟ قال : انما اردت الصلح.
وسمعت ابن شهاب يقول: افتتحت خيبر عنوة ومنها بقتال، وما ادرى ما اراد بذلك/. قال مالك: قسمت خيبر ثمانية عشر سهماً على الف وثمانمائة رجل لكل رجل سهم، قال: وصدقات النبى صلى الله عليه وسلم كلها من أموال بنى النضير، ولم تخمس لأنها كانت صافية، وخمس قريظة لأنها كانت بقتال. واجلى عمر أهلخيبر.
وإما فدك فصواحوا على النصف، صالحهم النبى صلى الله عليه وسلم ، ولم يوجف عليها إلا أنها كانت عنوة بلا قتال، ثم اجلاها عمر وقوم لهم نصفهم، فأعطاهم به جمالا وأقتاباً وذهباً، واخبر الناس أنه اشتراه من بيت مال المسلمين، فلم يخمس فدك لأنه لم يوجف عليها. وما افتتح من خيبر بغير قتال فلم يكن فيها خمس، وأقطع منها ازواجه. وما كان منها بقتال خمسه وقسم باقيه على من افتتحها وهم الف وثمانمائة. قال مالك: ومن العنوة مثل الصلح يطيعون لهم بغير قتال ولا ايجاف بخيل ولا ركاب.
ومن كتاب ابن المواز عن مالك وذكر ارض العنوة أنها لا تقسم، قال: ويكون أهلها ذمة للمسلمين وتقسم غلة ذلك وخراجه قسم الفىء، يبدأ فيه بإصلاح بلدهم من سد ثغورهم وتحرزهم من عدوهم. وما بقى منهم قسم: يبدأ فيه بالفقراء من الرجال والنساء وتعطى الذرية ايضاً .وما فضل قسم إلاغنياء. وقا أشهب: لا شىء للنساء فيما يقسم من غنيمة الجيش . وإما الخمس فلهم فيه سهم بقدر الحاجة.
قال : وأراه، يعنى مالكاً، قال: ويقر أهل الذمة فى دورهم لعمارة البلد وخراج جماجمهم. قال : نعم،/ويكونون احراراً ويكتفى منهم بما يؤخذ من خراج جماجمهم. ومن أسلم منهم سقط الخراج عن جمجمته وأخذ ما كان بيده
[3/361]
***(1/344)
[3/362]
من ذلك . وكذلك من هلك منهم ولم يدع من يخلفه من عصبته وورثته فيما ترك من ارض ودار. وما كان يملك من ماله فلأهل الإسلام، وتبقى تلك الارض موقوفة ابداً ما بقيت الدنيا. وما كان من مال يعلم أنه كان بيده يوم الفتح فيكون كالفىء.
قال مالك: وارض مصر عنوة. فمن أسلم منهم فلا يكون له ارضه ولا داره. وإما الصلح فذلك لهم وان أسلموا، ويسقط عنهم خراج جماجمهم وأرضهم.
ومن كتاب ابن حبيب، قال: ومن أسلم من أهل العنوة احرز نفسه وماله، وإما الارض فللمسلمين، وإما ماله وكل ما كسب فهو له، ولأن من أسلم على شىء فى يديه كان له .وان مات العنوى ولم يسلم فذلك كله لورثته إلا الارض فهى للمسلمين وتسقط جزية رأسه، يريد: ان أسلم. قال: وإذا مات ولا وارث له فكل ما ترك للمسلمين فى بيت المال، وتبقى الارض على ما كانت عليه.
قال والجزية الصلحية جزيتان: فجزية محملة على البلد (وجزية على جماجمهم. فإذا كانت محملة على البلد) فهى موقوفة لا تباع ولا تورث ولا تقسم، ولا يملكها ان أسلم وانما له ماله. وإما الارض فموقوفة ابداً لما عليها من الخراج، وذلك بأسره باق على من بقى من النصارى. فإما ان صولحوا على الجزية على جماجمهم فلهم بيع الارض، وهى لهم ملك يصنعون بها ما يشاءوا وتورث عنهم، وتسقط الجزية بموته عن ذمته وتبقى الارض ملكاً لورثته./وان لم يدع وارثاً فأرضه للمسلمين كميت لا وارث له. وان أسلم هذا فارضه له وماله لا حق به ولا جزية عليه ولا على ارضه. وكذلك فسر لى من كاشفته من اصحاب مالك وغيرهم، وجاءت به إلاثار.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا باع الصلحى ارضه من مسلم: فإن كان على ان الخراج على المبتاع لم يجز، يريد: وان ثبت ذلك على البائع فجائز.
[3/362]
***(1/345)
[3/363]
ومن المدونة قا أشهب: يكون الخراج على المبتاع ويزول عنه باسلأم البائع. قال ابن المواز: وأهل العنوة كالأحرار لا يسترقون.
قال ابن مزين قال عيسى بن دينار: والفرض الذى يفرض عليهم فعلى جماجمهم، وتترك الارض بايديهم عوناً لهم كما فعل عمر. ومن أسلم منهم كان حراً وماله للمسلمين. قا ابن المواز: ما كان له قبل الفتح.
قا عيسى فى كتاب ابن مزين وفى العتبية عن ابن القاسم: ونساؤهم كالحرائر لا ينظر إلى شعورهن، ودية المرأة منهن كدية حرة ذمية.
ومن العتبية روى يحيى ابن يحيى عن ابن القاسم قال : ومن مات من أهل الصلح ولا وارث له من أقاربه فميراثه لأهلخراجه ولا يضع موته عنهم شيئاً من خراجه، وما صولوا عليه قائم عليهم. وان مات احد من أهل العنوة لا وارث له فيمراثه للمسلمين. قيل: وكيف علمنا من وارثه ولا علم لنا بمن يرث عندهم ممن لا يرث ؟ :قال: يرد ذلك إلى أهلدينهم واساقفتهم. فإن قالوا يرثه من يذكرون من ذى رحم أو غيره من رجل أو امرأة سلم إليه. وان قالوا لا وارث له كان للمسلمين. قا سحنون عن ابن القاسم: وإذا/أسلم أهل العنوة أخذ منهم أموالهم من عين ورقيق وغيرها. قا ابن المواز: مما كان بايديهم يوم الفتح.
قا سحنون قال ابن القاسم: ويجوز شراء رقيقهم منهم، وكأنهم على ذلك تركوا كالمإذون له فى التجارة. وانما يمنعون ان يهبوا أو يتصدقوا أو يفسدوا أموالهم. قيل: قتزوج بناتهم؟ قا ل: انى لأتقيه وما اراه حرإما. قال عنه عيسى: ولهن حكم الحرائر فى النظر إلى شعورهن وفى دياتهن. وان أسلمن فهن احرار.
قلت: فأهل الصلح إذا صولحوا على ان عليهم الف دينار كل عام أو على ان على جماجمهم دينارين على كل رجل منهم أو على ارضهم على مبذر كذا
[3/363]
***(1/346)
[3/364]
شىء سموه وعلى كل زيتونة كذا؟ قال: ذلك سواء ولهم بيعها. فإذا أسلموا وضع عنهم ذلك الخراج كله.
القول فى كراء أرض الجزية
وذكر الحكم فى الارض إلاندلس التى قسمت ولم تخمس
من كتاب ابن حبيب: وقد روى التغليظ فى النهى عن أخذ المسلمين مالك كراءها ، وكره ان يزرعها ايضاً عاريةً. ونهى ابن عباس عمن يتقبل أرض أهل الذمة وقال : يجعل صغار الكافر فى عنقه.
قال ابن عمر: لا يحل ان يكتب على نفسه الذلة والصغار فى أخذه أرض الجزية بما عليها من الخراج. وقد كانوا يكرهون الشغل عن الجهاد بالحرث اصلاً، فكيف بكراء ارض الذمة؟ وكان عمر ينهى عن الحرث وكتب/ان يمحى من الديوان من زرع.
قا ابن حبيب: وسألت مطرفاً وابن الماجشون عن ارض إلاندلس التى اختطت وقسمت على وجه المغانم، فقإلا: كان ينبغى ان تقر أولاً خراجاً للمسلمين، كما فعل عمر بأرض العنوة. فإذا لم يكن ذلك أو كان لا يقدر على ذلك لقربها من العدو، فينبغى لإمامكم ان كان عدلاً ان يعزل خمسها يكون للمسلمين، إذا ايقن أنه لم يوخذعند الفتح من الغنيمة عوضاً عن خمس الارض، ثم لا يعرض للناس فى باقيها على ما توارثوا عليه من المغنم والخطط. قلت: فمن يجرى ماء الزرع وبيده منها شىء بميراث ان ابتياع وهى لم تخمس؟ قال : يخمسها ويجعل سهم الخمس لجميع المسلمين كما لو حبسه، ثم
[3/364]
***(1/347)
[3/365]
يسوغ له ما بقى بيعهوملكه. وإذا لم يفعل ذلك فهو فى خرج من إلانتفاع بها وكرائها، (ولا ينبغى ان يمنع منها احداً من المواساة بقدر الخمس فيها. قلا: وهذا كله إذا علم أنها قسمت بوجه التسأوى والعدل) إلا أنها لم تخمس.
قلت: فلو كا نكل رجل قعد على ما فتتح وغلب عليه ولم يعدل بينهم بالقسم، أو لعله خرج بعد من حضر الفتح ولم يأخذ منها شيئاً حين خرج موسى بن نصير وطارق مولاه اللذان قد فتحاها، أو لعل الرجل قد غلب على قرية أو بعض قرية وغلب اقوى منه على اكثر منها ثم توارثوا على هذا؟ قا هذا كله غلول ولا ينتفع بشىء منه، وحق عليهم اجتنابها والشراء من أهل الصلح منهم، وقاله كله أصبغ.
ذكر قسم ما يؤخذ فى الجزية وخراج الارض/
وشبه ذلك من الفىء
وهذا الباب مستوعب فى كتاب الزكاة وخزء منه فى هذا الكتاب فى باب فرض الجزية.
من كتاب ابن المواز قا ملك فيما يؤخذ من خراج الارض والجزية: يسلك بذلك مسلك الفىء، ويبدأ فى قسم الفىء وسبهه بأهل البلد الذى جبى فيه ويؤثر الفقراء، ثم ان فضل شىء دفع إلى غيرهم. وان بلغه عن أهلبلد حاجة وشدة بعث اكثر ذلك إليهم.
قا ابن القاسم: ولا يعمل فيه للحسب لكن للفقر. وهذا كله فيما جبى من عنوة أو صلح مما أوجف عليه.
قال ابن عبد الحكم عن مالك: وما افاء الله مما لم يوجف عليه ، فقد كان ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم خاصةً، من ذلك أموال بنى النضير وغيرها . وإما النضير خاصةً
[3/365]
***(1/348)
[3/366]
فقد قسمها النبى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين وثلاثة من إلانصار: أبو دجانة والحارث ابن الصمة وسهل ابن حنيف.
ومن المجموعة قال ابن غانم عن مالك: ان النضير لم يوجف عليها ، فصالحت النبى صلى الله عليه وسلم على ان لهم الصفراء والبيضاء والحلقة، يريد: السلاح. قال:وما اقلت إلابل. قال : فتحملوا إلى خيبر وبقيت الارض والنخل، فقسمها النبى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين لحاجتهم وخروجهم من ديارهم وأموالهم، ولتخف مؤنتهم عن إلانصار، ولم يقسم منها للأنصار شيئاً إلا لثلاثة كانوا ذوى مسكنة وحاجة: أبو دجانة والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف/
ومن كتاب ابن المواز قا ابن عبد الحكم: والنضير ما سوى النضير مما يشبهها، فكان عليه السلام يأخذ منها نفقته على أهله سنةً، وما فضل جعله فى الكراع والسلاح. وكذلك فعل فى ذلك من ولى الأمر بعده: ينفذه فى الخيل والسلاح ومصالح المسلمين، ولك يكن ينفق منه على نفسه وأهله. وانما كانت النفقة للنبى صلى الله عليه وسلم خاصةً.
قال ابن القاسم: ومما يقسم الفىء ما جبى من خراج أرض وجزية وعشور أهل الذمة إذا تجروا من افق إلى افق والركاز وما أخذ من الحربيين إذا نزلوا. وإما المعدن فما كان منه فيه الزكاة قسم قسم الزكاة. وما كان فيه الخمس قسم قسم الفىء. قال: ولا يرتزق العمال من الزكاة ولكن من الفىء. وانما يرتزق الزكاة، يريد: على غير الفقير، العام ل عليها يأخذ بقدر سعيه وبعد سفره وقربه فيها.
قال أشهب: ان كان من ولاه يضع الأمر فى وجهه وإلا فإنا نكره له ان يرتزق منه.
قال مالك: ولا باس ان يجيز الوالى من الفىء رجلاص يراه لذلك أهل ا، ويجوز للرجل أخذها. قال أصبغ: ان كان الإمام عدلاً.
[3/366]
***(1/349)
[3/367]
قال ابن القاسم: ويعطى من الفىء القضاة ولاعمال الذين يلون اعمال المسلمين وما بهم الحاجة إليه، ومستخرجى جبايتهم والقائمين بأمرهم واسواقهم ويفرض لهم فيه، ويعطى منه الغزاة، وذلك على الإجتهاد لا على جزء معلوم. وإما العام ل على الزكاة فيأخذ منها بقدر/عمله، لا ينظر إلى كثرة عياله وولده، وأولئك يعطون من الفىء. ولا سهم للمؤلفة قلوبهم اليوم، ولا يقسم ذلك بين بقية إلاصناف الثمانية إلا على الإجتهاد، واسعدهم به احوجهم إليه. وربما انتقلت الحاجة فى عام آخر إلى الصنف الآخر فيصرف إليه . قال أصبغ: وأحب إلى ان يرضخ المستغنى من إلاصناف لئلا يندرس اسمه من ذلك .
وبعد هذا الباب فى سيرة الإمام فى مال الله، فيه معانى هذاالباب.
آخر الخأمس من الجهاد من النوادر
والحمد لله وصلواته على نبيه وعبده
وعلى آله وصحبه وسلم
[3/367]
***(1/350)
[3/369]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ومولأنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الجهاد السادس
ذكر ما يؤخذ من أهل الذمة إذا تجروا من بلد إلى بلد
وما يؤخذ من الحربيين إذا نزلوا
وهذا الباب مستوعب فى كتاب الزكاة الأول إلا ما كان لابن حبيب، وكتبنا ها هنا شيئاً منه لتعلق احكأمه باحكأم الفىء.
من كتاب ابن حبيب قال ابن شهاب: كان يؤخذ من النبط العشر إذا تجروا إلى المدينة، وكان يؤخذ ذلك منهم فى الجأهلية، فألزمهم اياه عمر، وأخذ منهم فى الحنطة والزيت نصف العشر ليكثر حملهم ذلك إلى المدينة، وأخذ منهم فى القطنية العشر.
قال مالك: وذلك إذا تجروا من بلدهم إلى بلد آخر، فإن تجروا إليها مراراً فى السنة أخذ منهم كلما رجعوا، ولم يؤخذ بما روى عن عمر بن عبد العزيز فى الكتاب لهم براءة إلى الحول فى تحديد ما يتجرون به من مال.
قال ابن القاسم :ولا يؤخذ منه حتى يبيع، وله ان يرجع بمتاعه ولا يؤخذ منه شىء.
قال ابن حبيب: ب يجب عليه العشر بالنزول، ويصير المسلمون شركاءه فيما بيده/من رقيق وغيرهم، ويحال بينهم وبين وطء إلإماء. ويبين ذلك ان عمر
[3/369]
***(1/351)
[3/370]
انما كان يأخذ منهم الحنطة والزيت نصف العشر ومن القطنية العشر، ولم يأخذ عشر الثمن. وكذلك قال مالك والمدنيون من أصحابه: فيؤخذ منه عشر ما معه من العين. وفى قول ابن القاسم: حتى يشترى به فيؤخذ منه عشر المشترى. وإما ان باع واشترى مراراً قبل ان يرجع إلى بلده فلا يزاد عليه شىء عند جمعيهم.
قال ابن حبيب: وإذا أخذ منه عشر ما قدم به وكره البيع لبوار سلعته فرحل إلى بلد آخر، فليؤخذ ايضاً منه بالبلد الآخر عشرما معه لحركتهم يتقلبون بالتجارة فى غير بلدهم أمنين. وإذا اكرى منهم الشامى ابله إلى المدينة أخذ منه لأنه انما تم له بالمدينة، وابن القاسم لا يرى عليه شيئاً حتى يكريها من المدينة، ونحن لا نرى عليه شيئاً كما لو تجر مراراً قبل ان يرجع، واجمع مالك وأصحابه أنه يؤخذ من عبيدهم إذا تجروا إلى غير بلدهم.
قال : وإما الحربيون فإنما يؤخذ منهم ما صولحوا عليه. وان كان فيهم يهود من بلدهم معهم فإن نزلوا إلى خمس أو عسر ثم طلبوا الرجوع قبل البيع فقد لزمهم ذلك والمسلمون شركاؤهم بذلك الجزء، ويحال بينهم وبين ذلك وبين وطء إلإماء حتى يقاسموا ما ينقسم يبع وقسموا الثمن.
ومن المجموعة قال ابن نافع: لهم الرجوع ولا يؤخذ منهم حتى يبيعوا ونحوه لأشهب. وهذا مذكور فى كتاب الزكاة.
قا ابن حبيب: وان نزل/الحربيون على أمر مبهم انزلهم الوالى كذلك وجهل، فإن نزلوا قبل ذلك على أمر فهم عليه. وان كان أول ما نزلوا فعليهم العشر لأنه الأمر الفاشى.
وما كان معهم من خمر وخنازير فليرق الوالى الخمر ويقتل الخنازير ويغيب جيفها. وان طلبوا النزول على بقاء خمرهم وخنازيرهم فلا يمكنهم من ذلك . وان
[3/370]
***(1/352)
[3/371]
جهل فشرط لهم ذلك فإن عثر على ذلك بحدثأنه وقبل ان يبيعوا قيل لهم: إما نزلتم على اراقه الخمر وقتل الخنازير وإلا فإنصرفوا. وان لم يعثر على ذلك حتى باعوا بعض متاعهم وطال لبثهم جبروا على اراقه الخمر وقتل الخنازير، ولا عهد فيما خالف الكتاب والسنة. وكذلك ان شرطوا ان من أسلم من رقيقهم ترك فى ايديهم فلا يوفى لهم بهذا، وليبع عليهم من أسلم من عيبدهم. وكذلك لو شرطوا إلا ينزع منهم من معهم من أسير مسلم ومسلمة فأنهم يؤخذون منهم بالقيمة، ولا يكون رضى الوالى بما لا يجوز فى الكتاب والسنة بمانع من أقامة الحق عليهم فيه. وكذلك قال ابن الماجشون ورواه عن مالك.
ومن المجموعة روى ابن نافع عن مالك فى أهل الذمة: إذا تجروا بالخمر تركوا حتى يبيعوه فيؤخذ منهم عشر الثمن. وان خيف من خيانتهم جعل معهم أمين.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولا باس ان يراض تجار الحربيين على النزول ببلدنا على دينار واحد إذا كان على الإجتهاد. قال ابن المواز: وأحب إلى إلا ينزلوا على اقل من العشر، ولا باس ان ينزلوا على اكثر منه من نصف أو ثلث أو اكثر.
ومن العتبية قال أشهب عن مالك فيما/يؤخذ من الربانيين إذا نزلوا قال: يؤخذ منهم ما صولحوا عليه من ربع أو خمس أو ثلث أو عشر أو ما صالهم الإمام عليه.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا نزلوا على العشر أو غيره ثم بدا لهم ان يرجعوا قبل ان يبيعوا أو قد باعوا البعض فقد اختلف فيه: فابن القاسم لا يرى لهم ذلك حتى يعطوا ما قد صولحوا عليه، ثم ان وقعوا إلى بلد آخر لم يكن عليهم شىء حتى يردوا بلادهم. فإن بلغوها ونزلوا ثم رجعوا بذلك المتاع بعينه أخذ منهم مرةً آخرى. وقال أشهب: لهم الرجوع قبل البيع ولا يؤخذ منهم شىء حتى يبيعوا حيث ما باعوا ، إلا ان يكون اشترط عليهم ذلك حين نزلوا فيلزمهم.
[3/371]
***(1/353)
[3/372]
وذكر عيسى عن ابن القاسم فى العتبية مثل ما ذكر عنه ابن المواز. قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا نزلوا إلى العشر فإنما هو عشر الثمن، وليس للوإلى ان يقاسمهم الرقيق ولا غيرها حتى يبيعوا إلا ان يبدو لهم فى البيع فيؤدوا عشر القيمة. فإن نزلوا على بيان ان يقاسموا فى اعطاء العشر فليس لهم وطء الرقيق ولا البيع حتى يقاسمونا، ثم لهم الوطء والبيع.
وقال سحنون فى كتاب ابنه: إذا نزلوا على العشر ومعهم رقيق ثم ارادوا إلانصراف به فلا بد ان يقاسموا الرقيق، ولم يذكر: نزلوا على بيان القسم أو على العشر مبهماً.
ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: ولو اشتروا من بلدنا عبيداً مسلمين لبيعوا عليهم بخلاف من/قدموا به مسلماً أو أسلم بعد قدومهم به.
قال أبو محمد عبد الله: وقد ذكرنا قول غير ابن القاسم فى اسلأم من معهم.
قال ابن المواز قال ابن القاسم: وإما أهل الذمة يرديون الرجوع قبل البيع، قال ذلك لهم ولا شىء عليهم، واين ما نزلوا أخذ منهم. (زإما ان أسلم من رقيقهم شىء فلابد ان يباعوا عليهم ويؤخذ منهم) عشر الثمن. وكذلك فيمن جاءوا به مسلماً من عبيدهم. ولو قدم الذميون بخمر جاز لنا أخذ عشر ما بيع به، ولا يقال انا ملنا العشر فيراق علينا ذلك. قال ابن الموازك وقد ذكرنا اختلاف ابن القاسم وأشهب فى الحربيين ينزلون بتجارة ثم يريدون الرجوع قبل البيع. قال أصبغ: ولا ينبغى ان يتركوا يدورون بساحلنا فيطلعون على عوره. قال ابن القاسم: فإذا انصرفوا فلهم الأمان حتى يفارقوا بلد الإسلام. قال ابن المواز: بل حتى يصلوا إلى مأمنهم من بلدهم.
[3/372]
***(1/354)
[3/373]
ومن العتبية قال مالك: إذا انصرفوا فالأمان لهم حتى يصلوا إلى موضع يأمنون فيه. فإذا صاروا إلى ذلك حلوا لمن قدر عليهم من المسلمين. قيل أنهم اليوم لا يأمنون حتى يبلغوا بلدهم ويخرجوا من البحر لأن مراكب المسلمين قد كثرت عليهم. قال فلا يحلون حتى يخرجوا من البحر على ما ذكر، ثم قال : وإذا نزلوا على غير تسمية فلا يجبروا على اداء اكثر من العشر، ولكن ان رضوا على شىء بعد نزولهم أو قبل فذلك وإلا ردوا إلى مأمنهم.
قا أشهب: وإذا باعوا واشتروا فردتهم/الريح، فهم على أمنهم حتى يردوا سلطانهم ، ثم ان رجعوا فالإمام مخير بين انزالهم أو ردهم، ولا يؤسروا ولا يباعوا. وان لم يبلغوا مأمنهم فلا يمنعهم النزول ان شاءوا.
ومن أشهب قيل لمالك: ان الروم عندنا إذا قدموا بالرقيق جعلوا من كل صنف عشرة فيختار الروم (من احد إلاصناف رأساً من عشرة ثم يختار المسلمون من التسعة الباقية رأساً)، ثم يبدأ فى الصنف الثانى باختيارباختيار المسلمين ثم فى الثالث باختيار الروم، هكذا حتى يفرغ قد احكموا ذلك. قال : بئس ما احكموا. قال : وروى أصبغ وسحنون وابن القاسم قال: ويمنعون من الوطء للشرك الذى للمسلمين معهم باعوا أو لم يبيعوا، وفيما مات أو نقص إلا ان يكونوا صولحوا على مال فلا يمنعوا من الوطء. وان رحلوا من ذلك الموضع إلى موضع آخر من سواحل الإسلام لم يؤخذ منهم غير عشر واحد.
وروى سحنون عن ابن القاسم فى الروم ينزلون على العشر ومعهم رقيق مجوس فارادوا إلانصراف قال: يقاسمون ويذهبون بما بقى. ولو أسلم الرقيق لقوسموا وذهبوا بما بقى . واحتج برد النبى صلى الله عليه وسلم ابا جندل.
[3/373]
***(1/355)
[3/374]
فى أهل الذمة ولأنهى عن ظلمهم
وما ينبغى ان يلزموه فى لباسهم وشكلهم
وهل يستعان بهم فى أمور المسلمين
وما يؤكل من طعام هم ومخالطتهم والسلام عليهم
ومن كتاب ابن سحنون، قال: وقد أمر الله سبحانه بالوفاء بالعهد. وقال النبى صلى الله عليه وسلم : لا تدخلوا بيوت المعاهدين إلا بإذن ، وتواترت إلاحاديث فى النهى عن ظلم أهل الذمة أو أخذ/شىء من أموالهم إلا بحق.
قال سحنون: لا يجوز ان يؤخذ شىء من أموالهم إلا عن طيب نفس إلا الضيافة التى وضعها عمر رضى الله عنه، ولا يدخل كافر المسجد من ذمى أو غير ذمى، ولا يتشبه احد منهم بالمسلمين فى الزى ، ويؤدبوا على ترك الزنانير.
من كتاب ابن حبيب وابن سحنون: وكتب عمر بن عبد العزيز ان يختم فى رقاب رجال أهل الجزية بالرصاص ويظهروا مناطقهم وتجز نواصيهم ويركبوا على إلاكف عرضاً. قال ابن حبيب: وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم :إلا تبدأوهم بالسلام ، وإذا لقيتموهم فى طريق، فألجئوهم إلى أضيقها. وقال عمر: سموهم ولا تكنوهم وإذلوهم ولا تظلموهم ولا تبدأوهم بالسلام . وقال النخعى: إذا كانت لك إليه حاجة فلا بأس ان تبدأه بالسلام . وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى المشركين كتب: السلام على من اتبع الهدى . ونهى عمر ان يتخذ احد منهم كاتباً لقول الله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم)، ونهى عنه عثمان.
وقال عمر بن عبد العزيز: كان المسلمون إذا فتحوا البلاد لم يكن لهم علم بأمر الخراج حتى استعانوا بالعجم، ثم ان المسلمين ع
رفوا من ذلك ما يحتاجون
[3/374]
***(1/356)
[3/375]
إليه وكثروا ، فلا ينبغى ان يستعملوا فى شىء من أمور المسلمين. وكتب عمر ان يقأموا من اسواقنا، وقاله مالك.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك:سئل عن الحزم للأقباط، أيلزمون ذلك؟ قال: انى أحب لهم الذلة الصغار، وقد كانوا ألزموا ذلك فيما مضى. (قيل: أفيلزمون ذلك؟ قال : نعم) قيل: أفيكنون؟ قال/(انى لأكره ان يرفع بهم، وقد رخص فيه قبل ذلك. قال ابن القاسم) : وأرجوا ان يكون خفيفاً. قال غيره: وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لصفوان: انزل ابا وهب.
قال سحنون فى أهل الكتاب: ولا يؤكل فى آنيتهم حتى تغسل. قال وقال مالك: يكره اكل طعام هم وذبائحهم، أهل الذمة أو أهل الحرب، من غير تحريم. قال سحنون: ولا بأس بأكل ما وجد ببلد الحرب من ذبائحهم وخبزهم وجنبهم، ولا يؤكل ما وجد بأرض المجوس من اللحم، ويؤكل خبزهم.
وكره مالك جبنهم مرةً وأجازه مرةً، ولا بأس به عندى. وأجازه ابن عمر وعائشة وزيد ابن أسلم. قالت عائشة: ان لم تأكله فأعطه آكله. وقال ابن شهاب: ان لم تعلم ان المجوس صنعوه. فكله. وكان ابن كنانة لا يجيز ان يؤكل فى بلد المجوس شىء من طعام هم مما صنعوه فى آنيتهم. وإما اكل الثمر وشبهه فجائز.
ومن كتاب آخر: ان بعض اصحاب مالك كره الأشياء المائعة من طعام هم، وهو نحو ابن كنانة. وكان ابن سيرين يكره فى نفسه الجبن الرومى.
وقال سحنون فى قلال أو زقاق كان فيها الخمر فغسلت فلم تذهب الرائحة، فلا يضر ذلك ولينتفع بها.
[3/375]
***(1/357)
[3/376]
وفى مختصر ابن عبد الحكم: إما الزقاق فلا ينتفع بها. قال أبو محمد: يريد: زقاق الخمر التى قد كثر استعمالها. قال : وإما القلال, فليطبخ فيها الماء مرتين وثلاثة وتغسل وينتفع بها. وهذا المعنى فى كتاب الذبائح مستوعب.
ذكر ما ينهى عنه من احداثهم الكنائس
واظهارهم الصليب والخمر والخنازير/
من كتاب ابن حبيب: روى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا ترفع فيكم يهودية ولا نصرانية، يعنى: البيع والكنائس. قال ابن الماجشون:ولا تحدث كنيسة فى بلد الإسلام. وإما ان كانوا أهلذمة منقطعين عن بلد الإسلام ليس بينهم مسلمون، فذلك لهم، ولهم ادخال الخمر وكسب الخنازير. وإما بين المسلمين فيمنعون من رم كنائسهم القديمة إذا رثت، إلا ان يكون ذلك شرطاً فى عهدهم فيوفى لهم، ويمنعون من الزيادة الظاهرة والباطنة.
وان صولحوا على ان يحدثوا الكنائس ان شاءوا، قال ابن الماجشون: فلا يجوز هذا الشرط ويمنعون منه لأنه ما قال النبى صلى الله عليه وسلم إلا فى بلدهم التى لا يسكنها المسلمون معهم فلهم ذلك وان لم يشترطوه.
قال ابن الماجشون: وهذا فى أهل الصلح. فإما فى أهل العنوة فلا يترك لهم عند ضرب الجزية عليهم كنيسة إلا هدمت، ثم لا يحدثوا كنيسة وان كانوا معتزلين عن بلد الإسلام.
ويمنع أهل الذمة الذين يسكنون مع المسلمين من اظهار الخمر وحملها إليهم من قرية إلى قرية، وتكسر عليهم ان ظهرنا عليها وان قالوا لا نبيعها من مسلم، وكذلك لا يدخلون الخنازير إليهم، ويضرب من فعل ذلك منهم، ومن أخذ سكران منهم أدب. وكذلك لا يظهرون صلبهم فى أعيادهم واستسقائهم وتكسر ان فعلوا ويأدبوا. وقال مثله مطرف وأصبغ وغيره. وكتب به عمر رضى الله عنه./
[3/376]
***(1/358)
[3/377]
ذكر ما يمنع الداخلون إلينا بأمان من حمله إلى بلدهم
وما نهى عن بيعه منهم والمفاداة به
من كتاب ابن حبيب: وقال فى أهل العهد وتجار الحربيين إذا انصرفوا من عندنا منعوا من حمل السلاح والحرير والحديد والصفر وإلادم معمولة أو غير معمولة، ومن الخيل والبغال والحمير والغرائر والآخرجة، ولا يترك لهم حمل كل شىء فيه قوة فى المغازى ولا الزفت ولا قطران الشمع واللجم والسروج والمهأمز والسياط ولا شقق الكتان والصوف ولا الطعام من القمح والشعير، ولا كا ما لهم فيه قوة حربهم. وليأخذ الإمام فى منع ذلك والتغليظ فيه وينذر ان من فعل ذلك فهو نقض للعهد، ويتقدم للمسلمين ان لا يبيعوه منهم وينادى بذلك، ويفتش عليهم فى انصرافهم، وكذلك جرى عمل أهل العدل. قال الحسن: فمن حمل إليهم الطعام فهو فاسق. ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن.
وكره الأوزاعى بيع الطعام والسلاح منهم. وقال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ: إما فى الهدنة فيجوز. وإما فى غير الهدنة فلا يباع منهم طعام ولا شىء مما فيه قوة، فيبيعونه فى دار حربهم. وإما الكراع والسلاح والحديد والنحاس واللجم والسروح والحرير والجلود وما يستعان به فى الحرب فحرأم بيعه منهم فى الهدنة وغيرها.
ومن دخل إلينا منهم بأمان فلا يترك يبتاع ذلك عندنا . وان دخل بسلاحه فله الرجوع به،وله من عندنا من غير بيع بمثله أو بادنى منه./فإما بأرفع أو بنصف غيره من السلاح فلا يترك يخرج به. (فإما ان باع سلاحاً بثمن ثم اشترى به سلاحاً فلا يترك يخرج به) كان مثله أو خلافه.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم قيل: أيباع الديباج من الروم؟ قال : ا ن لم يتخذوه عدةً للقتال فلا بأس بذلك، وذكره ابن سحنون من رواية ابن وهب
[3/377]
***(1/359)
[3/378]
عن مالك ، وقاله الأوزاعى : ومن اشترى من المغانم صليباً من ذهب فكسره أحب إلى من بيعه من النصارى. قال سحنون: لا يجوز بيعه منهم.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك فى التجارة فى النبل والسلاح والسيوف ، قال: لا بأس بذلك لم يزل الناس يجيزونه إلا ان يخاف ان يصل إلى العدو. قال سحنون: ومن اهدى للمشركين سلاحاً فقد شرك فى دماء المسلمين. وكذلك فى بيعه ذلك منهم، وهو كمن أخذ رشوة فى دماء المسلمين، ولا ينزع ممن قدم من الرسل سلاحاً ويمنعون من شراء السلاح.
ومن كتاب ابن المواز: وعن الحربى يبيع عندنا تجارته فله شراء ما شاء إلا (ما فيه ضرر علينا مما يدخل فى السلاح والنفط ونحوه، ويمنعون من شراء) الخيل والسلاح، ولا يمكن من شراء علج منهم أو غلأم بثمن، ولكن ان كان بمسلم فنعم ما لم يكن المفدى منهم من أهل الذكر بالشجاعة وإلاقدام فلا يفدى إلا بمثله من المسلمين المذكورين بمثل ذلك . فإن لم يجد ذلك اجتهد فيه الإمام. قال ابن القاسم: وإذا قدموا بأمان فى شراء من قد سبى منهم فلا يمكنوا من شراء الذكور بثمن وان كان/صغيراً، ولهم شراء النساء ما لم تكن صغيرة، ويشترى الزمنى وأهل البلاء من الرجال والشيخ إلا من يخاف كيده وشدة رأيه فلا يفدى إلا برجل مسلم. وبقية هذا فى أبواب الفداء. وبعد هذا باب الفداء بصغار الكتابيين
وسأل حبيب سحنون عن الناقلين: هل يمنعون من شراء الخفاف؟ قال : ما اعلم أنهم يمنعون من شراء السلاح ، وكأنه رأى الخفاف بمنزلة الثياب.
[3/378]
***(1/360)
[3/379]
فى بيع المجوس من الصقالبة والسودان من أهل الكتابين
وكيف ان وجدوا فى ملكهم
وفى بيع الكتابيين بعضهم من بعض
من العتبية من سماع ابن القاسم: وعمن ابتاع رقيقاً من السودان والصقالبة أيبيعهم من النصارى قبل ان يسلموا؟ يريد الكبار، قال: ما اعلم حرإما . وإما الصغار فلا . ويفسخ البيع ان فعل لأن صغارهم يجبرون على الإسلام ولا يجبر كبارهم.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى الروم يقدمون بعبيد من مجوس الصقالبة ،قال: يمنعهم الإمام من بيعهم من إليهود والنصارى والمجوس ، لا صغير منهم ولا كبير، لأنمه يصيرون إلى دين ملكهم ، ولا يبيعون إلا من المسلمين . فإن وجدوهم فى ايدى إليهود والنصارى قد اشتروا منهم ، قال: يباعون عليهم إلا ان يوجدوا قد صأورا على دين من ملكهم من نصارى أو يهود أو مجوس فلا يباعوا عليهم لأنهم لم يكونوا يجبرون على الإسلام إذا ملكهم المسلمون . ولو كان قد تقدم اليمه إلا يشتروهم، ففعلوا/وردوهم على دينهم، عوقبوا لئلا يعودوا إلى مثل ذلك.
قال عبد الملك بن الحسن قال ابن وهب: ولا يجوز ان يباع النصارى من إليهود ولا إليهود من النصارى. قال سحنون: يكره ذلك للعدأوة التى بينهم.
قال أصبغ قيل لأبن القاسم: أيباع العبد من أهلدينه النصارى؟ قال: لا، واخاف ان يكون عورةً للمسلمين. ولولا ذلك لم أكرهه ان ثبت على دينه.
ومن كتاب ابن سحنون: وأجاز ابن القاسم ان يباع من الروم من سبينا منهم من النساء والأولاد بعد ان صاروا بأيدينا ببلد العدو وبعد ان بلغوا المصيصة.
[3/379]
***(1/361)
[3/380]
قال: وانى لأتقيه فى الصغار لأنهم على دين من اشتراهم. وإما المجوس فلا يباعون منهم لأنهم يجبرون على الإسلام، ولا بأس ان اشترى أهل البيت ا ن يعتق العجائز منهم ببلد الروم.
فى المجوس وصغار الكتابيين
هل يجبرون على الإسلام إذا ملكوا؟
وهذا الباب مستوعب فى كتاب الجنائز من العتبية، قال أصبغ فى المسلم يشترى عبداً مجوسياً من المجوس الذين بالعراق قد أقروا بين المسلمين على مجوسيتهم، فليس عليه ان يجبره على الإسلام. وانما ذلك فيما يشترى من السبى من الصقالبة ونحوهم من المجوس.
ومن كتاب ابن المواز قال أشهب: لا يجبر صغار الكتابيين إذا ملكوا على الإسلام وا نلم يكن معهم احد أبويهم. قال ابن القاسم وأشهب فيمن/سبى صغيراً ونيته ان يدخله الإسلام مثل ابن سنتين أو ثلاثة ثم مات ، فلا يصلى عليه حتى يبلغ فيعرف الإسلام ويجيب إليه.
وقال عبد الملك فى صبيان من أهل الكتاب سبوا بغير أب ولا أم فملكهم المسلم: ان سبيلهم سبيل المسلم إذا لم يكن معهم أبوهم. وان أعتق فقتل أو جرح فسبيله سبيل المسلم ويصلى عليه ان مات ويقبر ويواريه المسلمون. وإما ان كان مع أبيه فهو على دين أبيه، وكان مملوكاً أو حراً، ولا ينبغى ان يفرق بينه وبين أبيه فى البيع إذا عرف ذلك إذا كانوا صغاراً. فإن استيحى أبوهم فهم على دينه. وان أسلم فهم مسلمون كالمعاهد.
قال عبد الملك وقال قائل: وروى ان الإسلام أولى بهم ان أسلمت أمهم، وليس على ذلك الأمر ببلد الرسول ولا عند أصحابه والتابعين ، والأمر الماضى
[3/380]
***(1/362)
[3/381]
عندهم على ان يكون على دين أبيه. وقال عبد الله بن عبد الحكم: لا يباع الصغير مع أمه من نصرانى. قال ابن المواز: إما إذا ملكه مسلم فاستحسن ذلك من غير ان ألزمه ذلك. وإما ما كان ببلد الحرب فلا بأس ببيعه ما لم يكن لللصغير اب قد أسلم وعرف ذلك.
وفى كتاب الجنائز شىء من هذا ، وقول ابن وهب: ان لم يكطن معه إلا إلأم.
فى الفداء بصغار الكتابيين
وبيعهم منهم أو بالنساء وبرجال أو بيع رجال منهم
وذكر ولد الحربى من مسلمة
من كتاب ابن المواز قال أشهب: ولا بأس ان يفادى بصغار الروم الذين لم يثغروا، كانوا ذوى آباء وأمهات أو لم يكن لهم آباء ولا أمهات، ولا يجبروا على الإسلام كان لهم وإلان أو لم يكونا. قال ابن المواز: ويجوز/ان يفادى بهم مسلمين. وإما بغير مسلمين فأكره ذلك .
قال أشهب: ولو سبوا حرةً فظفرنا بها وهى حأمل، فإن حملها وولدها فىء أرقاء للمسلمين وهى حرة. قال ابن المواز: وان سبى أولادها الصغار معها فهم أحرار ويكونون مسلمين كما لو زنت وولدت. وإما الكبار فهم فىء.
قال ابن القاسم: لا يباع من الروم شىء تعدوا به على المسلمين، وكان عبد الملك يشدد فى ذلك ويقول: لا يباع منهم النساء ولا شيخ ولا غيره إلا من يعلم ان عليه فيه الضرر من الزمنى ومن لا رأى ولا عون، يريد من الزمنى. وإذاجاء علج بمسلم يفدى به أمرأته فوجدها قد ولدت من سيدها المسلم، فإن كانت على شركها فذلك جائز. قال ابن المواز: والمسلم أفضل منها.
قال ابن القاسم: لا يفديها اتلا ان يعتقها سيدها فلا بأس ان يدفعها حينئذ فى الفداء بعد ان يستبرئها. وكان أشهب اسهلهم فى ذلك، وأجاز الفداء
[3/381]
***(1/363)
[3/382]
بالصبيان ممن معه أبوه أو لا أبوين معه، إلا ان تكون معه أمه فلا يفدى إلا معها، يعنى من اجل التفرقة. وهذه المسائل مكررة فى باب تقدم فى الفداء.
وقا أشهب فى علج أسرناه فأرغبونا الروم فى ثمنه أيباع منهم؟ قال: نعم ان كان ذلك نظراً للمسلمين. وسحنون لا يرى ان يفدى بالمال.
قال أشهب فى الرومى المعتق يريد الخروج إلى بلد العدو فأنه يمنع . قال ابن المواز : وان أعتقه نصرانى لأنه قد لحقته ذمته مولاه.
فى شراء الكنيسة أو بعضها من إلاسقف أو شىء مما جعل لمصالحها
والقول فيما يحكم فيه بين أهل الذمة
من العتبية:/روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم فيمن اشترى عرصةً من الكنيسة أو حائطاً منها من أسقف ذلك البلد القائم عليها فإن كانت البلد عنوةً لم يجز ذلك ورد. وان كانت صلحاً فذلك جائز.
قال أصبغ عن ابن القاسم فى نصرانى دفع إلى نصرانى طائراً ليبيعه ويجعل ثمنه فى الكنيسة أيشتريه المسلم؟ فرآه خفيفاً. وقال أصبغ: لا يفعل، وهو بذلك آثم وهذا فى ايمأنه مرض.
قال أصبغ فى بيع إلاسقف لشىء من الديارات فى الخراج أو في شىء من مصالح الكنيسة، وذلك حبس عليها، قال لا يشتريها المسلم ولا يجوز من ذلك فى أحباسهم إلا ما يجوز فى أحباس المسلمين، وقاله أصبغ.ولا يحكم حاكم المسلمين فى منع بيع حبس الكنائس ولا رده ولا انفإذ حبسها ولا اجازته ولا الأمر فيه.
قال عيسى عن ابن القاسم قيل له: أيحكم حاكم المسلمين بين أهل الذمة فيما تظالموا فيه من أموال البيوع والرهون والغضب؟ قال: ذلك الذى يحق عليه، وانما الذى لايحكم فيه يبنهم فى حدودهم وعتقهم وطلاقهم والربا من
[3/382]
***(1/364)
[3/383]
بيعهم الدرهم بالدرهمين ونحوه ونكاحهم وغير وجه . وما القتل والجراح والغصب وتظالمهم إلأموال فعليه ان ينظر فيه بينهم.
فى دخول بلد الحرب والتجارة فيها
وإلاجتماع فى أعياد أهل الكتاب
من كتاب ابن حبيب قال: ومن قول مالك وأصحابه أنه لا يجوز دخول دار الحرب تاجراً ولا غير تاجر إلا ان يدخل لمفاداة ، وينبغى ان يمنع الإمام من ذلك ويجعل الرصد فيه ويشدد فى ذلك. قال/الحسن: من تجر إلى بلد الحرب فهو فاسق. وقاله الأوزاعى.
قال سحنون: من ركب البحر إلى بلد الروم فى طلب الدنيا فهى جرحة، ونهى عن التجارة إلى ارض السودان لجرى أحكأم أهل الكفر عليه.قال ابن حبيب: وكره مالك ان يشترى من أهل الذمة بدارهم وفيها اسم الله تبارك وتعالى. وكره ان يعطى لحبى أو ذمى. قال مطرف وابن الماجشون: ولا يباع من الحربيين الطعام وان جاؤوا بأمان إلا فى الهدنة فليبع منهم الطعام فقط.
قال ابن القاسم فى قوم دخلوا دار الحرب فشهد عليهم بينة مسلمون أنهم كانوا بأرض الحرب نصارى: فلا يقتلون بذلك لأنهم يقولون خفناهم على أنفسنا وأموالنا ، ولكن يمنعون من الدخول إليهم.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: سئل مالك عن اعياد الكتابيين يحمل إليها المسلمون المتاع والثياب وغيرها للبيع، قال : لا بأس بذلك. وكره الخروج إلى أرض الحرب فى البر والبحر تجرى عليه أحكأمهم.
[3/383]
***(1/365)
[3/384]
باب سيرة الإمام العدل فى مال الله عز وجل
وهذا الباب كثير منه فى كتاب الزكاة وفى غير باب من الجهاد. وفى الثالث من كتابالجهاد باب فى الغنائم والخمس وسهم ذى القربى.
قال ابن حبيب: مال الله سبحانه الذى جعله رزقاً وقوةً لعباده المؤمنين على ايدى ولاة الأمر من عباده مالا ن: فمالا جعله للفقراء وحرمه على إلاغنياء، ومال آسى فيه بين إلاغنياء والفقراء.
فالمال الذى خص به الفقراء: ما أخذ من الزكاة من عين وحرث وماشية وزكاة معدن وزكاة فطر. فقال الله سبحانه :(انما الصدقات/للفقراء والمساكين والعام لين عليها)، إلى قوله: (وابن السبيل) إلاية، فسمعت محمد بن السلام البصرى يقول : الفقير الذى له علقة مال، والمسكين المدقع الذى لا شىء له. قال ابن حبيب: والعام لون: السعاة، لهم بقدر العمل وقربه وبعده إذا عدلوا فى أخذها وصرفها فى حقها، وانقطع سهم المؤلفة. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستألفهم بكثرة العطاء ليسلم من قومهم بأسلأمهم، وهو من إلاستيلاف لا من إلالفة. فكان يعطيهم من الزكاة ومن الفىء، فكان ذلك أيام النبى صلى الله عليه وسلم وأيام أبى بكر. ثم قطعه عمر وتأول ان الإسلام قد كثر وعز واستغنى عن ذلك. وقال ذلك لأبى سفيان وهو منهم، وأبقى حقهم فى الفىء كخق سائر الناس. وقوله: (وفى الرقاب)، الرقبة تعتق من الزكاة وقد اجيز ان يعتق فيها سهم يتم به عتقها لا على ان يبقى منها شيئ رقيقاً. وكذلك ما يعتق به المكاتب (الغارمين) منعليه دين فى غير سرف ولا فساد ولا شىء له أو له مال احاط به الدين، فليعط منه، ويعطى من الفىء ايضاً. وكذلك على الإمام ان يقضى عنه.
[3/384]
***(1/366)
[3/385]
وروى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ديناً فإلى . وقاله ابن شهاب وعمر بن عبد العزيز: ان على الأمير قضاءه عنه من مال الله .وقوله سبحانه : (وفى سبيل الله): فى الجهاد(وابن السبيل) :هو المسافر يحتاج فى غربته وهو غنى ببلده. وانما هى فى إلاصناف على الإجتهاد لا على يسأوى القسم فى هذه إلاصناف. وكذلك قال على بن أبى طلب وابن عباس.
قال انب الماجشون: ولافقراء والمساكين أولادهم إلا ان يكون عدو قد اظل. قال مالك: ولا يحمل منها إلى الإمام شىء/ولتقسم فى مواضعها إلا ان يرى الإمام حمل شىء منها إلى فقراء موضعه أو إلى بعض عمله من حاجة وفاقة هم بها فله ذلك ويكرى على نقلها منها، ورواه مطرف وابن وهب عن مالك.
قال مالك: ونصيب من هو اشد فاقة وتعففاً عن المسألة وصلاحاً أجزل من نصيب أهل السؤال وفساد المال ولكل فيها نصيب. قال ابن حبيب: ولا بأس ان يعطى المسكين المتعفف العشرين درهماً وإلاربعين إلى مائة درهم، وقاله عروة ابن الزبير.
قال ابن حبيب: ومن الطعام المدين ونحوهما، ويعطى من له العيال اكثر من ذلك بالإجتهاد، ويعطى من له مسكن وخادم لا فضل فيها عن كفايته. وإما من له غير ذلك من غنيمة أو مزروعة أو شجر، فإن كان فى ثمن ذلك ما يغنيه عن الصدقة لم يعط ولا يجزى من اعطاه. وأم كان لو باعه لم يسد عنه مسداً مثل الدريهمات والدنانير القليلة فليعط. ولا يقوى منها الحاج الغنى بخلاف الغازى، ولا يشترى منها مصحف ليسبل. ولا بأس ان يفك منها أسارى المسلمين، وذلك داخل فى عموم ذكر الرقاب.
وذكر حديث مالك: لا تحل الصدقة لغنى إلا لخمسة، ولا يرتزق منها الإمام ولا عماله وقضاته. وكره مالك للرجل الصالح ان يعمل على الصدقة ان
[3/385]
***(1/367)
[3/386]
كان الإمام لايعدل. فإن اكره فلا ياكل منها ولا يأخذ شيئاً.وما جاء ان لا تحل الصدقة لآل محمد، فهم نبوا هاشم فمن دونهم، لا يدخل فى ذلك من فوقهم من بنى عبد مناف وغيرهم، قاله مطرف وابن الماجشون. وكذلك عندهما الموإلى.وقال ابن القاسم: تجوز/لموإليهم.واجاز ذلك للجميع فى التطوع، وخالفاه. وقد جاء فى الحديث وعن السلف ما شد قولهما، فإما الهبة والعطية فمجتمع على اجازتهما لهم حتى تسمى صدقة.
قال ابن حبيب وإما المال الذى آسى فيه بين إلاغنياء والفقراء فهو فىء من خمس وجزية أهل العنوة وأهل الصلح وخراج ارضهم، وما صولح عليه الحربيون من هدنة، وما يؤخذ من تجار الحربيين وتجار أهل الذمة وخمس الركاز. قال عمر بن عبد العزيز: آية الفىء وآية الخمس سواء، وهو قول مالك وأصحابه.
قال ابن حبيب: وقول الله تبارك وتعالى فى إلايتين: (فلله)، فهو مفتاح كلام فيما أمرنا ان نجعله فيه وقوله :(وللرسول)،يقول ،يجعله فى مواضعه لقول النبى صلى الله عليه وسلم :ما لى مما افاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم. وكذلك قوله فى إلانفال: أنها لله وللرسول، يقول: الحكم فيها.وقوله (ولذى القربى) قرابة النبى صلى الله عليه وسلم ،بنو هاشم فمن دونهم وهم آل محمد، فوسع عليهم من الخمس لا على سهم لهم معلوم، وبذلك عمل العمران. وليس على ان يقسم ما ذكر فى إلايتين على خمسة أجزاء ، بل هو اعلم بوجوهه كما ذكر فى ثمانية اصناف فى الزكاة. وكذلك عمل الخلفاء وأئمة العدل فى ذلك كله. وتأول قوم ان خمس الخمس للرسول صلى الله عليه وسلم يضعه حيث اراه الله تعالى وان منه اعطى المؤلفة قلوبهم وما/أكثر من العطاء يوم حنين. وان ذلك كل من ولى الأمر بعده: له خمس الخمس يضعه فيما يخص به الإسلام وأهله.
[3/386]
***(1/368)
[3/387]
وخمس آخر من الخمس لذى القربى غنيهم وفقيرهم سواء، للذكر سهمان وللأنثى سهم، والثلاثة إلاخماس الباقية لليتأمى والمساكين وابن السبيل. وهذا ما قال بنو هاشم فيه: وأبى ذلك عليهم قومهم من قريش. قال ابن عباس: وأبى ذلك علينا قومنا. قال ابن حبيب: وانما كانوا يرون ذلك فى خمس الغنائم دون مال الفىء وشبهه. وقد أبى ذلك بقية قريش والخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان، وقاله عمر بن عبد العزيز.
قال غير ابن حبيب: ولما ولى على عمل فى ذلك عمل أبى بكر وعمر حتى عاتبه ابن عباس ،فقال على: تأولا وتأولنا ولسنا بتأويلنا أولى منهما، وقد كان رشيدين وما أحب ان يؤثر عنى خلافهما.
قال ابن حبيب قال عمر بن عبد العزيز: آية الخمس كآية الفىء، أخبر الله سبحانه ان الله ولرسوله الحكم فى ذلك، فأجرى ذلك فى الخمس كما أجراه فى الفىء ، ثم اخبر بمواضعها التى يجرى ذلك فيها على الإجتهاد لا على قسم معلوم. ولو كان كذلك لكان على معنى المواريث وتجريتها، ويسأوى فيه الغنى والفقير. ولو كان أمراً مرتباً للأول لورثت عنه ورثته، ولكان لهم حق فيما غنم النبى صلى الله عليه وسلم من صأمت وعرض وحيوان وعقار، فلم يعرف أنه كان منه عليه السلام فى ذلك فرض يعلم.
وقد/قسم لهم يوم حنين مقسماً لم يعم به عام تهم ولا خص به قريباً دون احوج منه. وقد أعطى منه من لا قرابة له منه لما شكوا من الحاجة، وأعطى حلفاءهم. ولو كان حقاً ثابتاً لقرابته لكان أخواله وأخوال أبيه وجده ذوى قربى منه وكل من ضربه برحم. ولو كان ذلك لأعطاهم ذلك أبو بكر وعمر وعثمان . ولهم يفعل ذلك على حين ولى. ولو كان هذا وجهه لكان قد أعلمهم من ذلك ما يعمل به فيهم، ولكنه كما قال الله سبحانه : (كيلا يكون دولة بين إلاغنياء منكم). فلو كان ذلك السهم جارياً لم يكن دولةً ولكن كان توراثاً يورث،
[3/387]
***(1/369)
[3/388]
ولكن كان يقوم لهم بحقهم فى ذلك قرابتهم وحاجتهم كما يقوم بحق المسكين واليتيم لحاجته. فإذا استغنى زال حقه. ولم يكن الخلفاء الراشدون يصنعون هذا من حكم الله سبحانه ، وهم القائمون بكل حق الله تعالى.
وقد قال النبى عليه السلام : ما لى مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأين ما قال هؤلاء من هذا؟
قال ابن حبيب فى قوله فى اليتيم والمسكين يزول حقه بغنائه، يريد : لزوال إلاسم الذى به أخذوا وهو الفقير، والقرابة لذى القربى لا تزول بالغنى، ولكن خمس الخمس مرتباً لهم فرضاً، ولكن لهم منه ما رآه الإمام باجتهاده، يعطى فقيرهم وغيرهم من الفقراء والمساكين.وهذا فعل الخلفاء فيهم، وإنما لم يروا لهم سهماً مرتباً كالمواريث. وإما حق القرابة فقد كانوا يرعونها منهم ويؤثرونهم بها. وكذلك/استحب فى إلادنى، قإلادنى من قريش ممن هو اقرب بالنبى صلى الله عليه وسلم نسباً ورحماً يؤثر بقدر ذلك .
قال مطرف قال مالك: ويعطى الإمام أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس كل عام بقدر ما يرى من قتله وكثرته. وبلغنى ان عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك. وكان عمر بن عبد العزيز يخص ولد فاطمة رضى الله عنها، يعطيهم كل عام اثنى عشر ألف دينار سوى ما كان يعطى غيرهم من ذوى القربى.
وقد سأل عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن حزم أن يكشف عن الكتيبة من خيبر هل هى خمس النبى صلى الله عليه وسلم من خيبر، فسأل عمرة فقالت: كانت هى الخمس الذى خرج للنبى صلى الله عليه وسلم من خيبر حين جزأها خمسة أجزاء، وأقرع بين ذلك وقسم ما بقى على ثمانية سهماً.
[3/388]
***(1/370)
[3/389]
قال ابن حبيب: فما افاء الله على المسلمين بغير إيجاف فليسلك به مسلك الفىء ولا يستأثر به ولى الأمر. ومما أفاء الله على نبيه مما لا يوجف عليه أموال بنى النضير وفدك وبعض خيبر، فلم يجز فيها مغنماً ولا خمساً فكان القضاء فيه له خالصاً، فلم يصرفها صلى الله عليه وسلم ولا حازها لنفسه ولا لقربته ولا خصهم منها بسهم، ونظر فيها بما أراه الله، فكانت لنوائبه ونفقة نسائه وما يعدوه من أمور غير معتقد لشىء منها ولا مستأثر لنفسه ولا لمن بعده، فكان يخرج من غلتها نفقة نفسه وعياله سنةً، ويجعل ما بقى فى الكراع والسلاح ، فكان هذا عمله فى غلة قريظة والنضير.
وإما فدك، فجعلها لأبناء السبيل. وإما خيبر فجزأها على ثلاثة، ثلثاً للمهاجرين الذين آخرجوا من ديارهم/وثلثاً لرجال من إلانصار، وثلثاً لفقراء المسلمين. وأراد نساؤه أن يطلبن بعده ميراثهن من ذلك، وظنن أنه ملك له فقالت لهن عائشة:ألم يقل: لا نورث ما تركنا صدقة؟ وقاله لهن أبو بكر فأمسكن. ثم وليها أبو بكر بمثل ذلك، فكان يخرج منها نفقة عمالها، ثم نفقة أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ، ثم يفرق سائرها فى المسلمين.
ثم وليها عمر بمثل ذلك حتى سأله على والعباس ان يوليها إليهما ففعل على ان يفعلا فيها كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، ففعلا. فكان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يرتزقن منها حتى متن، فمضت صدقةً للمسلمين إلى اليوم ولم يرث أحد منها من ورثة من كان يجرى عليه النفقة منها، ولم يكن لأحد ممن ولى الأمر بعد النبى صلى الله عليه وسلم منها ما كان له، بل كانوا أسوةً للمسلمين. وكذلك ما أفاء الله بعده بغير إيجاف فهو لجميع المسلمين. وكطذلك قال عمر بن عبد العزيز ومالك وأصحابه.
قال ابن حبيب: والسيرة التى مضى عليها أئمة العدل فى قسم الفىء وشبهه أن يبدأ فيسد خلل تلك البلد التى جبى فيها أو أفىء فيه ، ويسد حصونه ويزيد فى كراعه وسلاحه، ويقطع منه رزق عمال ذلك البلد وقضاته والمؤذنين ومن يلى شيئاً من مصالح المسلمين، ثم يخرج عطاء المقاتلة الذين دونهم من أهلذلك البلد لجهاد عدوهم، ثم للعيال والذرية وسائر المسلمين على قدر المال، ويبدأ بالفقراء.
[3/389]
***(1/371)
[3/390]
فما فضل حمله إلى بيت المال يقسمه على من عنده من المسلمين، فيبدأ فيه بمثل ما بدأ فيه فى البلد الذى أخذ فيه. وإن لم يكن فيه/ما يعم الفقراء وإلاغنياء آثر الفقراء كما بدأ الله بهم فقال: (كيلا يكون دولة بين إلاغنياء منكم) . إلا ان تنزل ببلد سنة وشدة وليس عندهم ما يحملهم، فليعطف عليهم من غيرها بقدر ما يراه. وإذا اتسع المال فليبق منه فى بيت المال لما يعرو من نوائبهم وبناء مساجد وقناطر وغزو وفك أسير وقضاء دين ومعونة فى عقل جراج وتزويج عازب وإعانة حاج وإرزاق من يلى مصالهم ويدبر أمورهم.
قال عبد الله بن عبد الحكم فى قسم الفىء الذى يصير فى بيت المال: أن يبدأ فيعطى الرجال المقاتلة من جميع البلدان، ويعد فيهم من بلغ خمس عشرة سنةً ،ويحصى ذرية المسلمين ممن بلغ دون السن أو دون المحتلم من ذكر أو أنثى، ويحصى النساء، ويعلم ما يحتاج الجميع إليه فى عام هم ويبدأ بالمقاتلة فيسد بهم الثغور وإلاطراف وعورات المسلمين، ويفاضل بينهم فى العطاء على قدر قرب المغزى وبعده مؤنته، ثم يعطى النساء والذرية والمنفوس لقوأم عام هم، ولا يعطى المماليك، وليعط إلاعراب وأهل البوادى ممن له قرار أو لا قرار له، كما يعطى النساء والذرية والزمنى، لا كما يعطى المقاتلة لأنهم حشوا الإسلام وبقدر المؤنة. وكذلك الزمنى من أهل الحاضرة، وإنما العطاء للمقاتلة من أهل المدائن ممن تضرب عليهم البعوث، فليس هؤلاء كإلاعراب: أولئك إنما يعطون لحرمة الإسلام كالذرية.
قال عمر بن عبد العزيز: إلا من انتقل من دار أعرابية إلى دار الهجرة وجهاد العدو، فهو أسوة المجاهدين فيما أفاء الله عليهم.
قال ابن عبد الحكم:/وما فضل عم به المسلمين فقيرهم وغنيهم، الرجال والنساء والذرية بقدر ما يرى. وإن قل ذلك آثر الفقراء به بعد أن يقيم منه ما يحتاج إليه من مصالح المسلمين وما يقوم به أمورهم. وإذا أصاب إلاعراب سنة فلا بأس ان يعينهم منه، وقد فعله عمر.
[3/390]
***(1/372)
[3/391]
ذكر بعض ما روى من السيرة فى مال الله عز وجل
عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء بعده
من الواضحة قال ابن حبيب قال ابن شهاب: قدم أبو عبيدة على النبى صلى الله عليه وسلم من البحرين بجزية مجوس أهل البحرين. قا قتادة وهو ثمانون ألفاً. قال ابن حبيب وهو أكثر مال قدم به عليه صلى الله عليه وسلم .قال ابن شهاب: وقدم ليلاً، قعد إلانصار فصلوا مع النبى صلى الله عليه وسلم . فلما سلم تبسم فقال :(أظن أنه بلغكم قوم أبى عبيدة بالمال، فأبشروا بما يسركم الله، فوالله ما أخاف عليكم الفقر ولكن أخاف عليكم الغنى أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت لمن كان قبلكم فتنافسوا فيها، فتهلككم كما أهلكتكم). قال قتادة: فصب المال على حصير ففرقه وما حرم منه سائلاً. وجاء العباس فقال: خذ، فجعل يحثى فى حجره حتى عجز عن حمله وقال: هذا خير مما أخذ منا. ورأيت فى غير كتاب ابن حبيب: فاستعان بمن يعينه على القيأم به، فنهاهم النبى صلى الله عليه وسلم حتى نقص منه حتى قوى على النهوض به.
قال ابن حبيب: وسأله حكيم بن حزأم أن يعطيه من فىء الفتح فأطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فقال: خير/لأحدكم إلا يأخذ من أحد شيئاً. قيل : ولا منك يا رسول الله؟ قال: ولا منى. وكا نعمر يعرض عليه العطاء فلا يأخذه.
وقدم على أبى بكر حملأن من مال اليمأمة فما أمسى حتى فرقه، وجمع المهاجرين وإلانصار وأبناء السبيل والمساكين، وكان يحثى بيديه ويجعل فى ثوب أحدهم حتى يفرغ. ولما ولى أبو بكر قال: من كان له من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد فليأتنى، فأتاه جابر بن عبد الله، فقال: سألته فقال: إن جاء مال اليمن
[3/391]
***(1/373)
[3/392]
أعطيتك هكذا وهكذا، فحفن بيديه. قال : فلما جاء المال من اليمن أعطاه أبو بكر فحفن له ملأ يديه فقال: عدها، فوجدها خمسمائة فزاده عليها ألفاً.
وكان أبو بكر قد سأوى بين الناس فى القسم. قال غير ابن حبيب (ولم يكن يكثر المال فى أيامه.
قال ابن حبيب) :وفضل عمر بين الناس فى العطاء . قال يحيى بن سعيد: بلغت الغنائم يوم جلولاء ثلاثين ألف ألف، فبعث سعد بن أبى وقاص خمسها إلى عمر، فاستكثره هو والمسلمون، فصب فى المسجد وغطاه بالمسوح وإلانطاع وبات عليه جماعة منهم على بن أبى طالب وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمان بن عوف وعبد الله بن أرقم، وكان خازن عمر على مال المسلمين. فلما أصبح عمر دعا بالناس ثم كشف عنه. فإذا فيه حلى وجوهر وتيجان، فلما أضحى، أصابتها الشمس فائتلقت، فحمد عمر والمسلمون الله حمداً كثيراً، وفرح المسلمون وبكى عمر واشتد بكاؤه، فقال له عبد الرحمان بن عوف: يا أمير المؤمنين ليس هذا حين بكاء إنما هذا حين شكر الله، فقال عمر : والله ما فتح هذا على قوم إلا قطعوا أرحأمهم وسفكوا دماءهم ووقعت/العدأوة بينهم.
وكان فى المال تاج كسرى وسواراه وفروه، فدعا عمر سراقة بن جعشم، وكان رجلاً طوإلا طويل الشعر، فألبسه فرو كسرى ووضع تاجه على رأسه وسواريه فى يديه، ثم قال: اللهم لك الحمد، أنت سلبت هذا كسرى وألبسته سراقة، فلك الحمد كثيراً، ثم أمره أن ينبذ ذلك فى المال ففعل ،ثم قال: اللهم منعت هذا نبيك إكرإما له وفتحته على لتسألنى عنه، اللهم فقنى شره واجعلنى أنفقته فى حقه. فما برح حتى لم يبق منه شىء.
قال مالك: كان عمر لا يأتيه مال إلا أظهره ولا رسول إلا أنزله، وكا ن يقسم للنساء مع الرجال حتى كان يعطيهن المسك والورس. قال حذيفة: لم يزل أمركم ينمو صعداً ما كان عليكم خياركم. وكان عمر يستجيد الحلل الرفيعة باليمن،
[3/392]
***(1/374)
[3/393]
ثمن ألفين وألف وخمسمائة يكسوها الصحابة، ويلبس هو الخشن والمرقوع يأخذ فى نفسه بالقصد. قال: فخرج الحسن والحسين إلى المسجد، وعمر جالس، ولم يلبساها، فقال عمر: لما لم تلبساها، فقإلا: كبرت علينا يا أمير المؤمنين، فاغتنم وأسرع بكتاب إلى عام ل اليمن يستحثه فى حلتين على قدرهما، فبعث بهما فكساهما ذلك عمر وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما.
قال ابن حبيب: ولا تكون الحلة ثوباً واحداً ولكن رداء مئزراً ورداء وجبة. يدل على ذلك قول أسيد بن حضير الذى كان يبيع حلته ويعتق بها الرقاب، فقال وقد أعتق بثمنها خمسة أرؤس: إن رجلاً آثر قشرتين يلبسهما على عتق هؤلاء أنه لغبى الرأى./
قال ابن حبيب: ولما كثر المال أيام عمر، فرض العطاء ودون لهم ديواناً فاضل فيه بينهم. وأمر شباب قريش بتدوينه، فكتبوا بنى هاشم، ثم الصديق وقومه، ثم عمر وقومه. فلما نظره، قال: ابدأوا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إلاقرب فإلاقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله. وابدأوا من إلانصار بسعد بن معإذ ثم إلاقرب فإلاقرب منه، فقال العباس : أنه وصلتك رحم يا أمير المؤمنين. فقال له : يا أبا الفضل لولا رسول الله ومكأنه الذى وضعه الله به كنا كغيرنا من العرب، وإنما تقدمنا بمكاننا منه.فإن لم يعرف لأهل القرابة منه قرابتهم لم تعرف لنل قرابتنا.
وقال لأهلمشورته: أشيروا على فإنى أريد أن أفاضل بين الناس، فقالوا : إذكر ما تريد، فإن كان حسناً تابعناك، وإلا أعلمناك برأينا. فقال : أريد أن أبدأ بإزواج النبى صلى الله عليه وسلم فأفرض لكل واحدة اثنى عشر ألف درهم إلا صفية وجويرية، فأفرض لكل واحدة ستة إلافز وأفرض لآل الرسول لكل رجل اثنى عشر ألفاً، فذكر علياً والعباس والحسن والحسين. قال: وأفرض للمهاجرين صليبهم وحليفهم ومولاهم لكل رجل منهم خمسة إلاف، (وأنا رجل منهم فى الفرض. وأفرض لأهلبدر من قريش وغيرهم صليباً وحليفاً ومولى مثل ذلك . وأفرض للأنصار صليبهم
[3/393]
***(1/375)
[3/394]
وحليفهم ومولاهم لكل رجل أربعة إلاف) ثم أفرض للناس بقدر منازلهم فى الإسلام ، وأعطى (أكثر حظاً من كان) أكثرهم قرآناً وعلماً وأحسنهم حإلا، فلم ينكروا من رأيه شيئاً.
وفرض لصهيب خمسة إلاف ولسلمان أربعة إلاف لإبنه عبد الله ثلاثة إلاف ولأسأمة بن زيد ثلاثة إلاف وخمسة مائة. فقال ابنه:/ليس أسأمة أقدم منى إسلإما ولا شهد ما شهدت. فقال عمر: كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وأبوه أحب إليه من أبيك. وفرض لأبناء شهداء بدر وأحد لكل واحد ثلاثة إلاف ولمهاجرة الفتح ألفين ألفين، وفرض للقبائل بعد عل ىقدر منازلهم فى الإسلام حتى فرض لربيعة العراق ثلاثمائة لعربهم ومائتين وخمسين لموإليهم، لأن عربهم سبقوا إلى الإسلام.
قال: فقال ربيعة: جعلتنا أوضع العرب فريضةً . فقال : كنتم آخر العرب إسلإما وأسلمتم فى دياركم ولم تهاجروا. وفرض للمنفوس مائة درهم فى السنة، وفرض للعيإلات لكل عيل من ذكر وأنثى من بر من كل شهر وقسطين من زيت وقسطين من خل ومائة درهم فى كل سنة.
قال ابن حبيب: الجريب قدر قفيز بالقرطبى، والقسط ثمن ربع الزيت بالقرطبى. قال: وقال عمر: لئن بقيت لأجعلن عطاء الغازى أربعة إلاف. وقال أيضاً: لئن بقيت لأعطين المهاجرين فى السنة (خمسة أعطيات، وفى حديث آخر: لجعلن عطاء كل مسلم) ثلاثة إلاف.
وجعل عمر على بيت مال المسلمين وخزائنهم عبد الله بن أرقم، ثم جعله عثمان بن عفإن، فأقام عليها ست سنين، ثم استعفى فعفاه وأمر له بعمالته ثلاثمائة ألف درهم، فلم يأخذها وقال: إنما عملت لله.
[3/394]
***(1/376)
[3/395]
قال الحسن: وكان عثمان لما ولى يقيم للناس إلاعطية كما فعل عمر، ويعطى الحلل والسمن والعسل، فكان العطاء داراً والعدو منفياً وذات البين حسناً والخير كثيراً، وما عىلى الارض مؤمناً يخاف مؤمناً أن يسل عليه سيفاً حتى زعموا أنهم رأوا ثرةً. فلو صبروا لوسعهم/ماكانوا فيه من العطاء والتكمين ونفى العدو. وقال ابن سيرينك كثر المال أيام عثمان حتى بيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم ونخلة بألف درهم. قال: ولما ولى عمر على بن أبى طالب سار فى قسم المال بالعراق سيرة عمر غير أنه لم يفاضل فيه بينهم. قال: وأخبره صأحب بيت ماله بما قد اجتمع فيه قال: قد أمتلأ من صفراء وبيضاء،ففتحه وقال: (هذا جبائى وخيارةً فيه وكل خار يده فيه)، ثم قسمه بن الناس كله وأمر بكنسه ونضحه وقال فيه قا ل محمد بن على بن حسين: وصنع فى الخمس ما صنع أبو بكر وعمر كان يكره خلافهما.
قال ابن حبيب: وولى عمر بن عبد العزيز بعد أن حال الأمر عن طريقة العدل فى دين الله وسيرة الخلفاء فى مال الله، فغير البدع ورد المظالم سار بالعدل ورفض الدنيا وسار فى المال سيرة جده حتى مات رحمه الله. وقال عمر بن عبد العزيز: ما من أحد إلا وله فى هذا المال حق من الفىء والخراج وشبهه، من المقاتلة وغيرهم، من غنى وفقير. وقد قسم الصديق ما جاءه من الخراج من مجوس البحرين ومن عمان، ولاخمس الذى بعث به خالد بن الوليد من قرايات العراق التى صالح عليها، ولم يكن يومئذ ديوان ، وسأوى بين الناس ، وأعطى من يغزو ومن لا يغزو والغنى والمحتاج عطاءً واحداً.
وقد قال عمر بن الخطاب بعد أن قسم للمقاتلة وغيرهم: ما من أحد إلا وله فى هذا المال حق أعطيه أو منعه إلا المملوك/. وكان معأوية من دونه يدرون العطاء لأهل المدينةرولا يضربون عليهم البعث، ويقولون: لا بعث عليهم. فلو كان
[3/395]
***(1/377)
[3/396]
لا يصلح لهم لم يأخذوه. وكان القاسم بن محمد وابن المسيب وشبههما يأخذون وهم لا يغزون.
وكان عمر بن عبد العزيز يفرض لمن يغزو ولمن لا يغزو، ويسوى بين الناس فى العطاء الرجل والمرأة والصغير والكبير والغنى والفقير. وكتب إلى أبى بكر بن حزم: افرض للناس إلا للتاجر الموسر الموسع عليه ، وفرض للمنفوس وقال: لو بقيت خمسين سنةً لظننت أنى لا آتى على الحق كله. وأمر أن ينفق على أبناء السبيل من مرض منهم، ومن هلكت دابته أخلفت له. ومن ضعف فليقو. ومن عليه دين فى غير سرف ولا فساد قضى عنه. وكذلك بعد موته ولم يجد قضاء. وكذلك من لم يجد ما يتزوج به فزوجوه.
قال: وكان يكثر العطاء، وربما طلب الرجل من يعطى صدقته فلا يجد أحداً إلا وقد أعطاه عمر من مال الله.
وفرض عمر بن عبد العزيز لأهل المدينة، ففرض لزيد بن أسلم ولأبى حازم وصفوان بن سليم وغيرهم ممن يشبههم، لكل رجل منهم فى كل شهر ستين صاعاً من بر وثلاثين صاعاً من تمر وفرق زيت ونصف فرق سمن ودرهم لحم كل يوم.
قال: وأرسل إلى القاسم بن مخيمرة، وقد ذكر له فضله، فجاءه فوجد له فضلاً فقال: سل حاجتك، فقال: قد علمت ما يقال فى المسألة، فقال: ليس سؤإلى من ذلك، أنا قاسم بينكم حقاً لكم. قال: تلحقنى فى العطاء. قال: قد ألحقتك فى خمسين، سل حاجتك. قال: وتلحق بناتى فى العيال. قال: قد فعلت، سل. قال: (تحملنى على دابة . قال قد فعلت، سل. قال) وما الذى بقى؟ قال: قد أمرنا لك بخادم./
قال ابن حبيب: اختلف أئمة العدل فى التسوية والتفضل فى القسم بين الناس ، فسأوى بينهم الصديق، فقال له عمر: أتجعل الفقراء المهاجرين الذين
[3/396]
***(1/378)
[3/397]
آخرجوا من ديارهم وأموالهم كمن دخل فى الإسلام كرهاً؟ فقال أبو بكر: تلك فضائل عملوها لله، ثوابهم فيها على الله، وهذا المعاش الناس فيه أسوة والدنيا بلاغ.
فلما ولى عمر فاضل بين الناس بقدر البلاء والسابقة والفضل فى الإسلام ونحوه. وفعل عثمان مثله.
وفعل على كفعل أبى بكر وأعطى المولى ومعتقه عطاءً واحداً ولمولاه سابقةً وكان أنصارياً فتكلم، فقال على: أسابقته مثل سابقتى؟ ما أنا أحق بهذا المال من وكيلى هذا . وولى عمر بن عبد العزيز ففعل بالوجهين:ففضل بقدر السابقة والحال، وقسم قسمين على العام ة بغير ديوان العطاء فسأوى فيه بين الناس.
قال ابن حبيب: وذلك سائغ للإمام العدل، فضل أو سأوى. وأحب إلى أن يفضل ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وذرية أهل السوابق فى الإسلام، ويلحقوا بآبائهم وإن لم يلحقوا بهم فى ذروة الفضل، كما ألحق الله تعالى ذرية أهل الدرجات بهم فى جنته وإن لم يكونوا مثلهم فى الفضل، فقال(الحقنا بهم ذرياتهم).
قال: ويفضل أهل العلم والفضل فى القسم وإن لم يكن لهم قدم ولا سابقة فى آبائهم على من لا فضل فيه ولا علم. ويفضل المجاهدون وأهل النكاية، ولعل علياً لم يكن بين الذين لحضرته بالعراق كثير تفاضل فى الحال، وقد كان عنهم غير راض. ولا بأس إذا حضره مال أراد تعجيل قسمه لكثرة فىء أتاه وشبهه أن يقسمه على غير ديوان وعلى المسأواة. وقد فعل مثله عمر وقسمه غرفاً/باليدين سأوى فيه، وإن شاء فاضل فيه بالإجتهاد. قال: وقول عمر: لئن بقيت إلى قابل لألحقن أسفل الناس بأعلائهم لم يرد به التسوية، إنما أراد التوسعة أن يكثر عطاءه حتى يصير نصيب أدناهم حينئذ مثل نصيب أعلائهم إلان لكثرة عطائه.
قال ابن حبيب: ومن التفضيل إكرأم أهل العلم والفضل وتفضيلهم فى العطاء، كما كان عمر يكسو الصحابة الحلل دون غيرهم، وما خص به عمر بن عبد العزيز أهل المدينةرفى التوسعة، وما خص به المهدى وهارون مالكاً من سعة
[3/397]
***(1/379)
[3/398]
العطاء دون غيره لفضله وعلمه وعنائه فى فقهه فتياه والنفع به، وهذا سائغ للإمام.
وإن أراد أن يقسم على غير ديوان فليبدأ بالفقراء، ثم ما بقى يسأوى فيه بين الناس شريفهم ووضيعهم. وإن شاء فضل . وإن شاء حبس ذلك للنوائب بقدر اجتهاده، وقاله مالك. قال: ومعنى قوله: يسأوى فيه بين الناس بعد الفقراء، هو أن يعطى كل واحد ما يغنيه، الصغير ما يغنيه والمرأة ما يغنيها والرجل ما يغنيه، وما فضل اجتهد فيه.
قال ابن حبيب: وهذا التفضيل بعينه، ولم ير مالك لمن سب السلف فى الفىء حقاً لقول الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بإلايمان) إلاية، فهذه صفة من له فيه حق.
فى نفقة الإمام من مال الله
قال ابن حبيب قال مالك قال ابن شهاب: كان النبى صلى الله عليه وسلم يأخذ مما أفاء الله عليه نفقته ونقفة أهله سنةً ويسلم/ما بقى للمسلمين.
قال مالك: ولما ولى أبو بكر حضر السوق بقلائصه فقالوا له: بالناس إلى نظرك حاجة. قال: فمن يسعى على عيإلى؟ فقالوا: تأخذ من بيت المال، فاجتمعوا ففرضوا له درهمين كل يوم فرضى ، ثم وضع ماله فى بيت المال فمات ولم يستوعبه. قال ابن حبيب: وفى رواية أسد: فإنفق من ماله الذى أدخل أربعة إلاف درهم فى عام ين وبعض عام ، ولم ينفذه، وقال لعائشة: وديها عنى للخليفة من بعدى. وفى حديث آخر: إن ماله الذى جعل فى بيت المال سبعة إلاف درهم. فقالت عائشة: فربح المسلمون على أبى ولم يربحوا على أحد من بعده.
قال ابن حبيب فى روايته: ولما ولى لم يكفه درهمان فزاده درهمين، فكان يرتزق أربعة دراهم فى كل يوم. فلما فرض للناس لكل عيل جريبين وما
[3/398]
***(1/380)
[3/399]
يصلحه من الخل والزيت، فرض لعياله كذلك وترك الأربعة دراهم. وكان يكتسى من بيت المال ويأخذ عطاءه كما يأخذ أصحابه من المهاجرين، ويأكل مع الناس من بيت المال، ثم ترك ذلك وجعل طعام ه من خالص ماله.
فلما احتضر ، أمر أن يحسب ما وصل إليه من بيت المال من ذلك كله، فوجده أربعة وثمانين ألفاً فأمر ابنه عبد الله أن يقضيها عنه من صلب ماله، فإن لم يف فليستعن فيها ببنى عدى، ففعل فباع من ماله بعده بمثل ذلك وأتى بها إلى عثمان، فقال: قد قبلناها منك ووصلناك بها، فقال: لا حاجة لى أن تصلنى بأمان ة عمر.
قال: ثم ولى عثمان فكان على منهاج من قبله فى النفقة من ماله قصداً وتنزها. قال: وولى على بن أبى طالب بالعراق فتنزه أن ينفق من مال الله شيئاً وقال: قال النبى صلى الله عليه وسلم :/ليس للخليفة من مال الله إلا قطعتان: قطعة يأكل منها هو وأهله وقطعة للمسلمين، فترك على رضى الله عنه القطعة التى له ولأهله ، وكان ينفق من عطائه الذى كان يأخذ من مال الله كرجل من المسلمين، واشترى قميصاً يثلاثة دراهم، وهو الخليفة، فلبسه وقطع من الكم ما فضل عن أصابعه. وقال الحسن بن على : لقد مات وما ترك إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن بتاع بها خادماً .
قال :وولى عمر بن عبد العزيز وقد استؤثر بالفىء كله، فسار فيها بالعدل وتنزه أن ينفق منه لا على نفسه ولا على عياله ولا أخذ منه لنفسه ولا لولده عطاءً، وكان ينفق من غلة نخل له بالسويداء حتى خلصت الحاجة إليه وإلى عياله وقيل له: إن العام ل من عمالك يرتزق المائة دينار فى الشهر والمائتين وأكثر، فقال: ذلك لهم يسير إن عملوا بكتاب الله وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأحب أن أفرغ قلوبهم من الهم بمعاشهم وأهليهم.
فقيل له: فإنت أعظمهم عملاً، وقد وصل الضر إليك وإلى أهلك فارتزق مثل ما تراه حلإلا لرجل منهم، فوضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى وقال: إنما
[3/399]
***(1/381)
[3/400]
نبت هذا العظم واللحم من مال الله ،فوالله لئن استطعت إلا أغير فيه شيئاً لأفعلن.
فى أرزاق العمال
قال ابن حبيب :قال زيد بن أسلم :ولما فتح النبى صلى الله عليه وسلم مكة ،ولى عتاب بن أسد عليها ، ففرض له كل يوم درهمين.
قال مطرف عن عبد الله بن عمر العمرى:إن عمر أمر على الكوفة عمار ابن يأسر وبعث معه عبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف،فجعل عماراً على جيوشهم وصلاتهم وابن مسعود على قضائهم وبيت مالهم وعثمان على خراجهم، وفرض لهم كل شاة لطعام هم، وشطرها لعمار شطرها بين ابن مسعود وعثمان.
قال ابن حبيب :سوى ما كان يرزقهم من البر والدنانير والدراهم،وذلك كله من الفىء وما ضارعه . وكذلك يقول مالك فى أرزاق العمال والحكأم والكتاب وكل من ولى مصلحةً للمسلمين:ولا يرتزق من الصدقات إلا السعاةالعام لون عليها كما أمر الله تعالى.
قال مالك: وكانت أرزاق العمال أيام بنى أمية من الصدقات، وكان أبو بكر بن محمد ابن عمر بن حزم يرتزق منها. فلما ولي عمر بن عبدالعزيز، ولاه وكتب إليه أن يرتزق أولأمن الصدقات ويقول: كانت غفلةً. وفرض له من فدك فى كل شهر سبعة وثمانين ديناراً وثلثاً.
قال ابن حبيب: وكان عمر بن عبد العزيز يوسع فى إلارزاق. وقال الليث: كان يفرض للعام ل المائة دينار فى الشهر والمائتين ويقول : ذلك لهم قليل إذا عملوا .
[3/400]
***(1/382)
[3/401]
بكتاب الله وسنة رسوله . قال مالك :وإنما ذلك على قدر عمالتهم وما يستحقونه من كفايتهم، وليس فيه حد. قال ا بن حبيب : إلا أن التوسعة فيه أحب إلينا إذا كانوا أهلعدل.
فى الهدايا إلى الأمراء والعمال والحكأم وغير ذلك
قال ابن الحبيب:/ولم يختلف العلماء فى كراهية الهدية إلى السلطان الإمام إلاكبر أوإلى العمال وجباة المال أوالحكأم، أهداها إليهم مسلم أوذمى من أهلعملهم،ويكره قبولها للقاضى ممن كان يهديها إليه قبل أن يلى،أومن قريب أوصديق أوغيره ولو كافأه بأضعافه،إلا من الصديق الملاطف ومن الاب وإلابن وشبهه من خاصة القرابة التى تجمع من خاصة القربى ما هو أخص من الهدية، قال مطرف وابن الماجشون، وهوقول مالك ومن قبله من أهل السنة.
وقد رد علي خروفاً أهدى إليه. وقال ربيعة: الهدية ذريعة للرشوة وعلة الظلمة. وأهدى سلمة بن قيس من الفىء سفط جوهر بإذن الجيش إلى عمر فرده وتواعده،وتواعدرسوله إن افترق المسلمون قبل أن يقسمه بينهم.
وأهدى أبوموسى،وهوعام له على العراق،وسادتين إلى أهلعمر، فلما رآهما آخرجهما من بيت أهله وتصدق بهما،وذلك أنهما ليسا من الفىء.
قال ابن حبيب:وللإمام أن يأخذ ما أفاد العمال ويضمه إلى ما جبوا.وقد فعله النبى صلى الله عليه وسلم فى عام ل له قال:هذا أهدى إلى،فأخذه منه وقال:هلا جلس فى بيت أبيه أو أمه حتى ينظر أيهدى إليه وفعله الصديق. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هدايا العمال غلول.
[3/401]
***(1/383)
[3/402]
قال ابن حبيب : فكل ما أفاد الوالي فى ولايته من مال سوى زرقه أو قاض فى قضائه أو متولى أمر للمسلمين فللإمام أخذه منه للمسلمين. وكان عمر إذا ولى أحداًأحصى ماله لينظر ما يتزيد.ولذلك شاطر عمر العمال حين كثرت ولم يقدر على تمييز ما ازدادوه بعد الولاية،قال مالك.قال:وشاطر أباهريرة/وأبأموسى وغيرهما.
وقال مطرف عن مالك:إن معأوية لما احتضر أمر أن يدخل شطر ماله في بيت مال المسلمين تأسياً بفعل عمر بعماله ورجا أن يكون ذلك تطهيراً له.
قال سفيان: ولما قدم معإذ بعد النبى صلى الله عليه وسلم على أبى بكر،وكان والياً على اليمن، فقدم بوصائف ووصفاء وأشياء قدم بها معه،فاجتمع مع عمر بمكة،فقال له:ماهذا؟فقال: هدايا أهديت إلى. قال: إنى أرغب بك عن هذا فادفعها إلى أبى بكر.قال:لم،وإنما وصلت بها على إلاخاء في الله، فرأى معإذ فى تلك الليلة وكأنه يجر إلى النار وعمر يأخذ بحجزته يجره عنها، فتأول قول عمر ودفع ذلك كله إلى أبى بكر ، وذكر له قول عمر ورؤياه فقبض ذلك أبو بكر ثم قال لمعإذ ما أرى له موضعاًغيرك، قال معإذ: اشهدوا أن الوصائف والوصفاء أحرار.
وإما هدايا الحربى إلى أمير الجيش أو بعض أهله فتقدم فى باب مستوعباًفى الجزء الثانى، وذكرنا منه ها هنا بعض الذكر لابن حبيب.
قال ابن حبيب: وما أهداه الحربى إلى وإلى الجيش فهو مغنم. وما أهداه الطاغية إلى وإلى ثغر أو الوالى إلاعظم فهو للمسلمين يضم إلى بيت المال لأنه نيل سلطانهم فهو فيه كرجل منهم. وقد فعله عمر فى جوهر أهدته امرأة ملك الروم إلى زوجته مكافأة لها فى ربعة طيب أهدتها إليها، فأخذ عمر الجوهر للمسلمين وأعطى زوجته ثمن الطيب.
[3/402]
***(1/384)
[3/403]
فإن قيل: قد أهدى المقوقس جارتين وحماراً، فقبله النبى صلى الله عليه وسلم، قيل: النبى صلى الله عليه وسلم ليس كغيره، لأنه إنما يهدى إليه قربة إلى الله ورسوله لأنه/بمحل نبوة ولمكأنه من الله تعالى، وكان يأخذ مما أفاء الله عليه قوته وقوت أهله سنةً ويجعل ما بقى للمسلمين. وقد أباحه الله جميعه، وهذا من خصائصه. وكذلك ما يهدى إليه أهل الحرب وأهل الإسلام.
قال : وما أهدى للوإلى، فلم يقصد به إلا السلطان الذى وليه، وذلك السلطان للمسلمين. وما أهدى للنبى صلى الله عليه وسلم، قصد به النبى صلى الله عليه وسلم عينه. وقد قال عمر فيما أهدى إليه راهب: كانت الهدية يومئذ هدية وهى اليوم رشوة، وأخشى أن له عندنا حاجةً .
وسحنون يخالفه فى الهدية إلى أمير المؤمنين ، وهذا مفرد بباب فى الجزء الثانى.
فى رد الإمام العدل ما استأثر به من قبله من مال الله تعالى وفى رده المظالم
قال ابن حبيب قال أبو الزناد: ولما ولى عمر بن عبد العزيز نظر فيما كان بيد سليمان. فما رأى أنه لم يكن يجوز لسليمان رده عمر إلى بيت المال. وقال غيرأبي الزناد:ورد كل شىءأخذ من أهله إليهم من جارية أو أرض أوغير ذلك، ونظر فيما كان بيد بنى أمية من القطائع فردها إلى مال المسلمين. ومن شكا أن شيئاً ظلم فيه رده إليه.
قال مالك : ورد ما كان بيده من القطائع وإلأموال، فقيل له: كيف يعيش ولدك من بعدك ؟ قال : أكلهم إلى الله.
قال يحيى بن سعيد: وكلمه رجال من بنى أمية فيما بأيديهم وقال بعضهم: دع ما مضى عليه أولوك واعمل بما يوفقك الله له واترك ما عملوا ،
[3/403]
***(1/385)
[3/404]
فقال: كيف ألقى الله وفى يديك ويد أصحابك مظالم أقدر على ردها ؟ فقال بعضهم: إنا لا نعيب آباءنا ولا نضع شرفنا . فقال عمر: وأى عيب أعيب مما عابه القرآن ؟ وتلا : (ومن لم يحكم بما أنزل الله).
قال أبو الزناد : وكتب فى رد المظالم ، فكتب إلى العراق إلى عبد الحميد بن عبد الرحمان بن زيد بن الخطاب برد المظالم فإنفذ ما فى بيت مال العراق حتى حمل عمر إليهم المال من الشام، وكان عمر يرد المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة ويكتفى بأيسر ذلك. فإذا عرف وجهاً من مظلمة الرجل ردها عليه ولم يكلفه تحقيق ذلك لما كان يعرف من غشم الولاة .
فى الأخذ من الأمراء بعد ما أحدثوا من الجور
روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : خذوا العطاء ما كان عطاءً ، فإذا كان رشوة عن دينكم ، فلا تأخذوه ،ولستم بتاركيه ، يمنعكم الفقر والحاجة. وفى حديث آخر ذكر ما يكون من ظلم الأمراء وقال : فأدنى الحق عليكم إلا تأخذوا منهم العطاء ولاتحضروهم فى الملاء .
قال ابن حبيب : ونهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أخذ العطاء منهم وإن كان مجباهم غير خبيث، لاستعانتهم بأهل الديوان على معصية الله وتعديتهم أهل الديوان إلى المسلمين . قال ابن حبيب : فإذا كانوا هكذا لم يجز لأحد أن يكتب فى ديوأنهم لأخذ أعطياتهم وإن كان مجباهم صحيحاً،خيفةً مما خوف منه الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال : لن يدع الديوان صاحبه حتى يقوده إلى النار كما تقاد الراحلة بزمأمها .
[3/404]
***(1/386)
[3/405]
ولا بأس بقبول ما أعطوا من المال على غير الديوان إذا طاب المجبى. فإذا خبث المجبى فلا يؤخذ منهم على كل حال، على ديوان أو بغير ديوان لاعطاء ولأمبايعة ولاغيرها، إلا أن يعرف صحة ما يعطى من الفىء وما ضارعه مما لم يختلط، فعلى هذا من مضى من أهل الفقه والسنة ومن يقتدى به فى الدين والورع.
والناس فى الأخذ من الأمراء على أصناف: فإما الأمراء الذين اختصوا بالمال ولم يقسموه فى الناس والمجبى صحيح فإن العلماء فيه على فريقين: فريق كرهوا الأخذ حتى يواسى فيه بين الناس وذلك منهم احتياط، فمنهم أبو ذر وابن المسيب والقاسم وبسرابن سعيد وربيعة وابن هرمز.
وفريق آخر أخذ لما لهم فيه من الحق والنصيب. قال ابن حبيب: والأخذ منهم وإن لم يواس فيه بين الناس كافة حلال جائز إذا طاب المجبى. فإماإذا خبث المجبى فيجتمع على النهى عنه والعيب له، وافترقوا فى الأخذ له منهم على ثلاثة أصناف:
صنف أخذ حين أعطوا وهم له عائبون والناس عنه ناهون، والله أعلم بما كانوا فيه وما تأولوا فى أخذه منهم مالك بن أنس والليث بن سعد.
وقال مطرف قال مالك: لاتقبل أموال الظلمة أمراء كانوا أو غير أمراء، إذا أخذوا المال بغير حقه، ولا يحل أخذه لقاض ولا عالم ولا غيره. قيل له: فإنت تأخذه؟ قال: إنى أكره أن أبوءبإثمى وإثمك. وإما الليث فكان كثير الصدقة وكان يعطى أكثر مما يأخذ.
وصنف أخذوا وفرقوا ما أخذوه، منهم عائشة وعبد الله بن عمر والحسن، وبعث معأوية إلى عائشة بمائتى ألف فقسمتها فى ساعتها. وأخذ ابن عمر عشرين
[3/405]
***(1/387)
[3/406]
ألفاً ففرقها وتصدق بألف من عنده. وأجاز عمر بن هبيرة الحسن بألف فأمر ابنه فقسمها.
وصنف لم يأخذوا ما أعطوا وكرهوا ان يأخذوه ويفرقوه، منهم أبو ذر، أرسل إليه بعض الولاة بجائزة فلم يقبضها. وأرسل عبد الملك إلى ابن المسيب بخمسمائة دينار فلم يقبلها.
وأرسل الوليد إلى بسر بن سعيد (خصياً بمال فوجده يصلى فى المسجد، فلما سلم قال له: أتعرفنى؟ قال: نعم أنت بسر بن سعيد). قال: لعله أراد غيرى، فخذ المال وعأوده، فإن قال أنا فارجع إلى هنا. ففعل ذلك الخادم وذهب، فإنصرف بسر هارباً. فلما جاء الخصى لم يجده، فأعلم الوليد فاستشاط غضباً وقال لعمر بن عبد العزيز: دللتنى على حرورى وحلف ليقتلنه، فقال عمر: لعله كان غنياً عنه وأنت تجد مثله وأفضل منه يقبل ذلك. قال: من هو؟ قال: فلأن، فذكر رحلاً صالحاً، فأرسلها إليه فقبلها فسري عن الوليد.
وبعث عمر بن عبيد الله بن معمر بألف دينار إلى القاسم فلم يقبلها. وبعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة بمال فلم يقبله.وبعث خالد بن أسيد إلى مسروق بثلاثة إلاف فلم يقبلها وهو محتاج.
وبعث عمر بن هبيرة إلى بن سيرين بألفى دينار فلم يقبلها، ودخل عليه فسلم سلإما عام ا ولم يخصه فأجازه فلم يقبلها.فلما ألح عليه ولم يقبل، فقال: ردوا علي أرضى أحب إلي، قال نعم، قال: وأزيلوا عنها الخراج قال نعم، قال: فما تصنعون فيه؟ نفضه على أهل البلد. قال: إن رفعتموه من إلاصل وإلا فلا حاجة لى فيها، فأبى ابن هبيرة فتركها ابن سيرين فلم يقبلها.
ودخل ابن محيرز على سليمان بن عبد الملك فقال له سليمان: بلغنا أنك أنكحت ابنك/قال نعم، قال قد أصدقنا عنه. قال بن محيريز: إما العاجل فقد نقده. وإما إلاجل فهو عليه.
[3/406]
***(1/388)
[3/407]
ودخل طاؤس ووهب بن منبه على محمد بن يوسف أخى الحجاج ، وهو إذ ذاك وال باليمن، فى يوم بارد وطاؤس يقفقف من البرد، فأمر بطليسان به من الجودة ما الله أعلم، فألقى على كتفيه، فجعل طاؤس يحرك منكبيه حتى سقط عنه، فغضب محمد. فلما خرج قال له وهب: ما كان عليك لو أخذته وتصدقت به؟ فقال له: ما أحسن ما تقول لولا أنهم يقولون:أخذ طاؤس ثم يأخذولا يتصدقون.
وبعث خالد بن أسيد إلى طأوس ثلاثين ألفا فلم يقبلها، فقيل له: لو تصدقت بها؟ فقال: أرأيت لو أن لصاً نقب بيتاً فنهبه ثم أهدى إليك هدية أكنت تقبلها؟ قال ابن حبيب وما روى: إذا جاءك شيء عن غير مسألة فإنما هو رزق ساقه الله إليك، إنما ذلك فيما صح أصله لأن من أخذ من سارق ما سرق أو اشتراه منه فقد شاركه فى إثمها، وكذلك فى بعض الحديث ما يوهن العالم بأخذه ذلك من الحق ويعين به الظالم على الظلم.
ومن العتبية،وهو فى الشهادات مذكور، وسئل سحنون عمن يقبل جوائز السلطان، قال: إما من يقبل ذلك من العمال عمال أمير المؤ منين المضروب على أيديهم فهو ساقط الشهادة. وإما إلاكل عندهم فمن كان منه الزلة والفلتة لم ترد بذلك شهادته. وإما المدمن على ذلك فساقط الشهادة.
وإما قبول مالك للجائزة وقبول ابن شهاب، فإنما قبلا وقبول/من ذكرت ممن تجرى على يديه الدوأوين، وهو أمير المؤمنين، فجوائز الخلفاء عندنا جائزة على ما شرطت لك لاجتماع الناس على قبول العطاء من الخلفاء، من يرضى به منهم ومن لا يرضى، وجل ما يدخل فى بيوتات إلأموال بالأمر المستقيم، والذى يظلمون فيه قليل فى كثير، ولم نعلم أحداً من أهل العلم أنكر أخذ العطاء من زمان معأوية إلى اليوم. وإما قولك: إن ابن عمر أخذ جوائز الحجاج فسمعت على بن زياد ينكر ذلك ويدفعه.
[3/407]
***(1/389)
[3/408]
فى الإنفاق فى سبيل الله
وهل يأخذ الغازى ما أعطى؟
والمال يجعل فى السبيل كيف ينفذ ؟
وهل ينفق منه المعطى على أهله ؟
وكيف إن مات أو رجع وفضلت منه فضلة ؟
أو كان أعطاه فرساً وما يصنع بما فضل؟
قال ابن حبيب : وجاءت الرغائب فيمن أنفق فى سبيل الله أو أعان بماله. قال: ونفقة الخارج أفضل. قال زيد بن أسلم فى نفقة الخارجين. (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) إلاية. وقال فى الذين يقوون من خرج ولا يخرجون،(ثم لا يتبعون ما أنفقوا منأولا إذى لهم أجرهم عند ربهم) .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم فيمن أعطى فرساً أوسلاحاً فى سبيل الله أيقبله؟ قال: لابأس به إن كان محتاجاً.
ومن كتاب ابن المواز فى المال يعطى فى السبيل (قال: لا بأس أن يأخذ منه من يأخذ من العطاء إن كان محتاجاً وكان لذلك أهل ا، ولا بأس أن) يعطى منه من لا سلاح له. وإما من يعطى مالا يقسمه من الزكاة فلا يقسمه إلا فى إلاصناف التى ذكر الله سبحانه أو فى بعضها على الإجتهاد.
ومن كتاب ابن سحنون :وأجاز/ابن عمر وحكيم بن حزأم أن يعطى مثل ذلك للغنى الغازى. وكان أبوه عبيدة بن عقبة يؤتى فى سبيل الله بالكبة من الشعر وبالمسلة وبالثوب قيمته ثلاثة دنانير فيأخذه. فيقال له قد أغناك الله عن ذلك
[3/408]
***(1/390)
[3/409]
فيقول : أجل، نأخذه منه فيؤجر عليه ونعطيه نحن فنؤجر عليه. قال سحنون: أحب إلي إلا يأخذه المستغنى.
قيل لمالك فى السلاح أوصى به فى السبيل: أيعطى لأهل الديوان؟ قال: أحب إلى ان يعطى للمحتاج منهم ولا أحب للغنى قبول ذلك، ولابأس به للمحتاج .وكان ابن عمر يقبل ما أعطى. قال بكر بن سوادة: ما رأيت من ينكر ذلك،وروى عن كثير من السلف فى قبول ما يعطى فى الغزو وهو غنى.وأعطى مكحول رجلاً شيئاً فى الغزو فلم يأخذه،ولم يدعه حتى أخذه منه،
وقال: تنتفع به وتقوى غيرك.وكان مكحول إذا بعث إليه شىء فى السبيل قسمه ولم يأخذ منه شيئاًإلا أن يسمى له أن يأخذ منه كذا.ولو سمى له كله لقبله. قال ابن حبيب:ولم يختلف فى كراهية المسألة للغازى، غنياً كان أو فقيراً، والفقير يجلس ولا يتكلف مالا يطيق. قال جابر بن عبد الله: دخل رجل المسجد بسهم فى يده يقول: من يعين فى سبيل الله؟ فقأم إليه عمر فلببه، ثم آجره سنةً من رجل أنصارى فعزل له نفقته،(ثم أعطاه الفضل فقال أحرز هذا. قال ابن حبيب: وإما أعطى الغازى من غير مسألة فأكثر) العلماء لا يرى بأخذه بأساً أن يأخذه. فإن احتاج إليه أنفقه وإلا فرقه فى السبيل.وقالت طائفة: أفضل له إلا يأخذه/إن كان له عنه غنى. وقبول الفقير الغازى ما أعطى أفضل من تركه، ولا يتأثل منه مالا فى غير السبيل ولا ينفقه فى أهله، ولا بأس ان ينفقه فى قفله إلى أهله.(وما كان فيه عن ذلك فضل فليفرقه فى أهلسبيل الله قبل قفله) أو يرده إلى معطيه، إلا أن يبقى اليسير فلا بأس أن ينفقه فى أهله. قال: ومعنى قول ابن عمر لمن كان يعطيه شيئاً فى السبيل: إذا بلغت وادى القرى فشأنك به، إنما ذلك فيما كان يعطى هو عن نفسه، ويبتله
[3/409]
***(1/391)
[3/410]
للمعطى إذا بلغ رأس مغزاه لأنه قد استعمله.فإما أن يكون ذلك لكل من أعطى شيئاً فى السبيل على غير هذا الشروط فلا.
ولم يكن مالك وأصحابه يتأولون ذلك إلا لمن تطوع بإبتال ذلك عن نفسه. فإما عن نذر أو أعطى ذلك تطوعاً ولم يشترط هذا الشرط أو أوصى إليه بإنفإذ ذلك ،أو أمره به أحد أن يفرقه فى السبيل أو يحمل عليه فى السبيل ، فليس فى هذا إبتال ولا يتأثله المعطى ولكن يغزو به أو عليه. فما استغنى عنه رده على غيره فى السبيل أو يرده إلى معطيه لينفذه أيضاً فى مثل ذلك حتى لا يبقى منه شىء، هذا قول مالك وأصحابه. وللمعطى أن ينفق منه منذ يخرج وفى قفله حتى يصل إلى بيته لأن ذلك كله غزو. والذى يبتل له ليس له أن يتعجل ياثله حتى يستعمله استعمالا له آثار ومعتمد.
ومن كتاب ابن المواز قيل لمحمد : ومن أنفق فى السبيل أو أعطى فيه أو تصدق أو أنفق فيه على نفسه وعياله سواء فى الثواب؟ قال: لا بل النفقه فيه والصدقة فيه وعلى الغزاة أفضل. قال: والرباط فى أرض العدو متقارب وإن كان قد قال مالك فى السير فى أرض العدو أفضل. وقد قال عمر فى أهل الشام : إن لهم التضعيف فيما أنفقوا فى أهليهم أو إذا فصلوا، وقاله عثمان. وقال بالمدينة على المنبر: عليكم بإلاجناد المجندة والجنود العام رة، فإن لهم التضعيف. وذكر عنه سحنون أن لهم التضعيف فى النفقة أقاموا أو خرجوا.
ومن كتاب ابن المواز:ولا يجوز أن يعطى الرجل لرجل شيئاً على ان يرابط أو يرابط عنه وإن ضرب أجلاً. ولكن إن أعطى خارجاًعن نفسه شيئاً لينفقه فى رباطه فجائز. وقال ابن عمر: إن أجمع على الغزو فجائز أن يعطى. وإما ان كان إن أعطى غزا وإن منع ترك فلا خير فيه. قال ابن المواز: ولا بأس أن يقبل ما
[3/410]
***(1/392)
[3/411]
أعطى. وكان ابن عمر يقبل ما أعطى. قال ابن لهيمة: يعنى: فى السبيل وغيره وهو ملىء.
ومنه ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن جعل مالا فى سبيل الله ثم مات، قال مالك : فلا يبعث به إلى الثغور ولكن يعطيه ها هنا لمن يخرج إليها، فذلك خير إما أن يخرج مرابطاً أو يخرج إلى موضع القتال إن لم يسم موضعاً. قال ابن المواز:إنما يدفعه إلى من عزم الخروج لا لمن لا يخرج إلا لما يعطى.
قال مالك: وإن سمى فقال إلى المصيصة فليعطه من يخرج إليها من المدينة ولا يبعث به إليها.فإن لم يجد فليحبسه حتى يجد وإن كان قريباً لأن طريقها سافل.
قال: وإن كان موضع لايكاد يجد من يخرج إليه فليبعث به إلى غيرها، وله حبسه مثل الثلاثة شهور والأربعة وشبه ذلك.
قيل لمالك: فالذى يأخذه كيف يصنع؟قال: إن قال ربه: خذ هذا الفرس فى سبيل الله،أو : هذا المال خذه فى سبيل الله،أو :أنفقه في سبيل الله، فليس له من المال إلا انتفاعه به ما كان فى سبيل الله وفى سيره، ولا يخلف منه لأهله ولا ينفق منه فى روجوعه، وليدفع ما فضل منه إلى غيره ممن فى السبيل إلا لمن يرجع. قال ابن المواز: وليس الراجع بغاز فيمن هو من أبناء السبيل. وإن كان فرساً رده إلى ربه.ولو قال:خذه فى سبيل الله ثم هو لك فله بيع الفرس إذا بلغ رأس مغزاه وبان أثره، وينفق ثمنه فى غزاته ولا ينفق منه فى رجعته،إلا أن يقول هو لك فآصنع به ما شئت، فله تأثل ثمنه وينفق منه فى أهله وحيث شاء بعد أن يأثر منه فى السبيل ولو شىء.
[3/411]
***(1/393)
[3/412]
قال محمد: إذا قال هو لك آصنع به ما شئت فقد أبتله له. قال ابن القاسم: إذا قال:هو لك فى السبيل فله بيعه إذا أثر به فى السبيل. وإن قال هو فى سبيل الله أو أعطاه إياه فى سبيل الله فليرده إلى ربه بعد قفوله.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن أعطى رجلاً فرساً أو ذهباً فى سبيل الله فقال: آصنع به ما شئت هو لك ، فهذا تمليك، فليصنع به فى غزوه إذا هو بلغه ما يعمل فى ماله. فإن كان وصى قال له ذلك ، فليس قول الوصى بجائز فيه أن يصرفه فى غير سبيل الله.
ومن كتاب ابن المواز ومن العتبية:من سماع ابن القاسم : وإن مات المعطى قبل أن يخرج به أخذه ربه إن قال لم أبتله، وليس لورثة الميت أن يقولوا نحن نغزو به، ولربه أخذه ويصرفه فى الوجه الذى يرى. وكذلك فى الدنانير ترجع إلى ربها. قال ابن المواز:وأحب إلينا أن ينفذها فى مثل ذلك . وقال ابن حبيب: يأخذه ربه فيصرفه فى مثل ذلك.
قال ابن المواز قال ابن وهب،قيل لابن شهاب فيمن أعطى شيئاً فى سبيل الله أينفق منه؟ قال : يجعله تلك السنة فى السبيل. فإن بقى منه شىء صنع به ما شاء إلا أن يستثنى فيه بشىء.قال ابن المواز. بل يرد ما بقى إلى ربه أو يعطيه لغاز، ما لم يقل: ثم شأنك به تصنع به ما شئت.
ومن العتبية:روى أشهب عن مالك فيمن أعطى دراهم يقسمها فى السبيل أيعطى منها من قد قضى رباطه وهو منصرف إلى أهله ولا يجد ما يتحمل به إلى أهله ؟ قال:لا يعطى منه المنصرف وليعط غيره.
[3/412]
***(1/394)
[3/413]
وعن من أعطى شيئاً فى السبيل فقضى رباطه وأراد إلانصراف إلى أهله وقد بقى معه منه فضل،قال يعطيه لغيره من أهل السبيل أو يرده إلى من أعطاه إياه،(ولا ينفعه فى انصرافه.
ومن كتاب ابن سحنون قال مالك فذكر مثله:أنه يرد ما بقى إلى من أعطاه إياه).فيجعله فى مثل ذلك أو يعطيه لرجل من أهل السبيل،كل ذلك واسع.وقال فى باب آخر:أو يعطيه لأهلسبيل الله.
قال مالك:وإن أعطى رجلاً فرساً فى السبيل،فقال : تغزو به فغزا عليه ثم مات المعطى،فإن قال ربه:لم أبتله له فله أخذه منه،قال الوليد قال مكحول فيمن أوصى لفلأن بمال فى سبيل الله فمات فلأن قبل أن يأخذه،فليضعه ورثة الموصى فى السبيل،وقاله لى مالك والأوزاعى.قال سحنون:لا أعرف هذا، وهى ميراث لهم. قال سحنون فى مال جعل فى السبيل فإن خص به قوماً معينين قسم بينهم الرجال والنساء سواء، يريد : وإن لم يخص قسم على الإجتهاد ويؤثر إلاحوج.وقال فيمن أوصى بمال فى سبيل الله أو لأهلسبيل الله،أيعطى منه من هو ساكن بموضع الجهاد من النساء والصبيان وإلاعمى ومقطوع اليدين والشيخ الزمن؟قال: نعم إلا أن يكون فى الوصية دليل أنه أريد به الرجال المقاتلة. قال الأوزاعى:ومن أعطى فرساً فى السبيل وشرط عليه إنى إن عدت غازياً كنت أحق به.قال هو نافذ لايورث. وإن غزا هذا ثانيةً فهو أحق به.وإن قال:إن شئت فبعه واستبدل واجعل ثمنه إن شئت فى سكين ونعل ونحوه ولا تأكل منه فله شرطه. قال سحنون :إلا أن يبتله حبساً فلا يباع إلا فى تغيره ويرد ثمنه فى مثله.قال الوليد عن مالك والأوزاعى فى نال جعل فى سبيل الله: فليعط فى السبيل.قيل له: فإن لم يكن فى زمأنه غزو ، أيعطى للحاج؟قال :لا،ويطى ذلك فى سبيل الله،وأجاز ذلك غيرهما.
[3/413]
***(1/395)
[3/414]
قال مالك:ولا يعطى منه حاج منقطع به بالمدينة وهو حاج من أهل الثغور حتى يرجع إلى ثغره.قيل: فهو إلى ثغره راجع؟ قال: لا حتى يرجع إليه.
ومن العتبية: قال مالك من رواية ابن القاسم فى المال يعطى فى السبيل: فلا بأس ان يعطى منه المرضى، يريد من أهل السبيل. قيل :أنها وصية؟ قال:الله اعلم وكأنه خففه ولم يثبته.قال ابن القاسم: لا باس به إلا مريضاًقد ايس منه، ومن تعطل من القتال من مفلوجواعمى وشبهه فلا يعطى منه.
ومن كتاب ابن سحنون: ابن وهب عن مالك لا بأس ان يعطى منه المريض، واعطاء الصحيح احب الي.
ومن العتبية : قال ابن القاسم عن مالك: وإذا كان فى الثغر غلمان يعطوا. ومن أوصى بسلاح فى سبيل الله أيعطاه أهل الديوان؟ قال: ما أحب ان يعطى أهل الغنى ولكن أهل الحاجة.
ومن كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب ان ابن عمر كان إذا حمل على البعير أو الدابة فى سبيل الله يقول لصاحبه : لاتبعه ولا تملكه حتى تبلغ وادى القرى من طريق الشام أو جدة من طريق مصر ثم شأنك به.قال سحنون: كأنه متعتها وثوابها إلى ذلك الموضع، ثم للمعطى عمل الدابة لا الدابة بعينها، وانما تجب الدابة عندنا للمعطى إذا بلغ اقصى مغزاه ثم تصير ملكاًله يصنع بها ما يشاء،وان لم يلق عليه العدو. قال ابن المسيب : إذا بلغ بها رأس مغزاه فهى له. وقاله القاسم وسالم فى المال فيما فضل منه.
وكذلك ما فضل من متاع وثياب ودواب ، وقاله ابن عمر وقاله القاسم: ولا يدع منها لأهله شيئاً.
[3/414]
***(1/396)
[3/415]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قيل: فالرجل يعطى الفرس فى سبيل الله يحمل عليه أو الدنانير؟ قال: إما من الوالى فلا بأس به. قال ابن القاسم ، يريد:من الخلفاء. وإما من غيره، يريد من الولاة، فلا يجوز. وإما من الناس بعضهم لبعض، فإما الغنى فتركه أحب إلى وكذلك السلاح .
وروى ابن وهب عن مالك فيمن اعطى مالا يقسمه فى السبيل فيأتيه رجل جلد لا سلاح له فلا بأس ان يعطيه ما يبتاع به سلاحاً إذا كان يؤمن ان يجعله فى غير ذلك، ولا بأس ان يعطى منه المريض، واعطاء الصحيح احب إلينا. قال سحنون اراه عن الوليد: وأعطى مكحول عشرة إلاف دينار فى السبيل،فكان يعطى الرجل خمسين ديناراًثمن فرس، عندى فرس فيقول: بعه وانفقه على عيالك.
قال سحنون : يبدأ عندنا بالضعفاء. وإذا دفع إلى المستحق فينفقها فى السبيل، ولا يأمره ببيع فرس قد أوقفها للجهاد ولكن يستعين بما أعطى. قال: وأوصى عبد الرحمان بن عوف بخمسين ألفاً فكان يعطى للرجل ألف دينار.
قال الأوزاعى: ومن أعطى شيئاً فى السبيل فلا بأس ان يتجهز منها بثياب وغيرها ولا يخلف منها لأهله. قال مالك لا يخلف لهم منها ولايرسل إليهم منها ولا يرد ما فضل إليهم. قال: وأرخص الأوزاعى ان يكرى منها إلى الثغر. ولا بأس ان يعقب رب الدابة عقبه بلا شرط. قال سحنون: إما الثغر البعيد فلا يكرى إليه لأن ذلك يذخب بالمال. قال سحنون: ولايحدث فى الدابة التى يعطاها فى الغزو حدثاً حتى يبلغ بها اصى مغزاه الذى قصد إليه فى البر والبحر.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم قيل لمالك: من أعطى فرساً فى سبيل الله أيبيعه؟ قال:ان كان ليبتاع بثمنه فرساًغيره أو يتكارى به فى سبيل الله فجائز. وإما ان يبيعه ويأكل ثمنه فى أهله فلا.
[3/415]
***(1/397)
[3/416]
ومن كتاب ابن سحنون: (روى ابن وهب عن ابن عمر كان إذا قيل) قال فى المعطى فرساً فى السبيل أيبيعه؟ قال: على أى وجه أعطيه؟ قيل: بتل له. قال: ان أقام عنده أقامة يستعمله فيها، كأنه يقول يبالغ فى العمل، فذلك له. وان كان شيئاً يسيراً فليس ذلك له. ومن أعطى فرساً فله بيعها قبل ان يخرج ليتقوى بها ولا يخلف من ذلك شيئاً لأهله، ولا ينتفع بذلك فى غير سبيل الله إلا ان يقول له: شأنك به آفعل به ما شئت.
قال مروان ابن الحكم: لا يقضى منه دينه ولا يتزوج منه ولا يعقد منه مالا . قال مالك: وما فضل من/المال الذى يعطى فى السبيل فليفرقه فى السبيل أو يرده إلى معطيه.
قال سحنون: ان أعطى ليفرق فى السبيل فلا يرد ما فضل وليفرقه فى السبيل .وان كان أعطيه لينفقه على نفسه فليرد الفاضل إلى معطيه فيكون هو يعطيها.ولو مات كان ما فضل فى ثلثه والعطية التى أعطى فى السبيل قد نفدت لا ترد. ولو كان أشهد فيها حين أعطاها كان أقوى. وليس اعطاء المال مثل اعطاء الخيل والسلاح التى تصير ملكاً للمعطى لأنه ينتفع بذلك بغير اتلاف عينه، والمال يذهب عينه.
قيل لمالك فيمن أعطى شيئاً فى السبيل وهو غنى عنه : أيعطيه لجيرأنه؟ قال :بل يرده على صاحبه . قال سحنون :هذا ان أعطاه ذلك لينفقه على نفسه. فإما ان أعطاه ليفرقه فى السبيل فلا يرده وليفرقه على أهل السبيل. قال مالك: ومن بعث معه بمال فى غزو أو حج يعطيه لمن قطع به فاحتاج هو فله ان يأخذ منه بالمعروف. ولو تسلف إلى ان يرجع إلى بلده كان أحب الي. وله ان يأخذ وقد يحتاج وهو ملىء ببلده فهو ابن السبيل. وله ان يأخذ من الصدقة ويسع ذلك معطيه وان لم يعرف صدقه إذا كان عليه هيئة السفر. وانى لا أكره للذين لا يجدون ما ينفقون إلا بالمسألة ان يخرجوا فى حج أو غزو. ولا يأخذ الغنى
[3/416]
***(1/398)
[3/417]
مما يجعل فى السبيل من العلف والطعام . فإن أخذ منه فلا يجب عليه رده. وكذلك لو أخذ فرساً أو سلاحاً وهو غنى عنه.
ومن العتبية روى أشهب عن مالك فيمن أعطى مالا ص يقسمه فى سبيل الله على المجاهدين وهو أحدهم: أيأخذ منه؟ قال: أحب إلى ان يعلم رب المال بذلك. قيل: فمن أعطى له دنانير يقسمها فى السبيل وقيل له: ان احتجت فخذ منها/فاحتاج إلى دينار فقضاه فى دينه ، وانما يعطى الناس منها نصفاً نصفاً؟ قال: ان كان المعطى أراد هذا فلا بأس. وأخاف ان يكون آخر عليه ثلاثين. فإن كان رب المال أراد هذا فلا بأس.
قال ابن حبيب: ومن اعطى مالا يقسمه فى السبيل فلا يعطى منه إلا غنياء ولكن الفقراء، ولا يأخذ هو منه إلا ان يسمى له شىء. وذكر ابن وهب عن مالك فيمن خرج بعياله إلى الثغر، وبه دور السبيل. قال يسكن بكراء أحب الي. وكذلك السلاح المحبس ان استغنى عنه فهو أفضل. قال سحنون: لا يجوز ان تكرى دور السبيل. (ومن سماع: ابن القاسم عن مالك نحوه. قال: ان كان غنياً عن دار السبيل) فأحب إلى ان يسكن غيرها . وان سكنها لم أرى بذلك بأساً.
وكره مالك ان يحمل على الفرس العقوق فى السبيل ويشترط ما فى بطنها . قال سحنون: فإن فعل وقبضت مضت فى السبيل وبطل الشرط. وان لم تقبض بقيت فى يد ربها كما كانت . ومن حمل رجلاً على فرس فى السبيل فلا يعود فيشتريه. قال سحنون: فإن فعل رد البيع ورجع إلى بائعه. قال مالك : ولو وجده بيد غير المعطى فاشتراه فلا بأس بذلك. وفى موضع آخر أنه كرهه.
[3/417]
***(1/399)
[3/418]
قال مالك فى التى جعلت حلخالين فى السبيل: أرى مثل ذلك ان يباعاً ويقسم ثمنها فى السبيل.قال. وفرق ابن قاسم بين عطية الخيل والسلاح فى سبيل الله فى حياته أو يوصى بها، فيرى فى الوصية ان ذلك حبس فى السبيل ، ينتفع به من غير استهلاك بخلاف العطية، وغيره يراهما سواءً ولا يكون ذلك عنده حبساً موقوفاً.
قال ابن القاسم: والوصية بالمال فى سبيل الله فالوجه فيه ان يفرق بأجزاء. قال سحنون فيمن حبس سلاحاً أو فرساً، يعنى: فى المرض والثلث يحمله على بعض ورثته، ولم يجزه الباقون وفيهم أم وزوجة، قال: يؤاجر ذلك وتقسم بينهم الإجارة على المواريث. وان شاء أحدهم غزا به باجارة.
قال الأوزاعى : ومن أوصى بمال فى السبيل فلا يجعله الوصى فى خيل ولا سلاح ولكن ينفق فى السبيل. ومن أوصى بخيل فى السبيل فلا يجعل حبساً إلا ان يوصى بذلك ، قاله بعض أصحابنا. وابن القاسم يرى الوصية بهذا لا تكون إلا حبساً، وبه أقول. قال الأوزاعى: ومن أوصى بسيف محلى فى السبيل، قال: تنزع الحلية فيشترى بها سلاح فى السبيل، وقال سحنون: لا يغير ولا ينزع منه شىء. وكذلك حلية المصحف الحبس.
قال الأوزاعى: ومن دفع إليه حبس فى سبيل الله فى ثغر بعينه ولم يشترط إلا يخرج منه فأراد ان يتحول به إلى غيره فذلك له. وقاله سحنون : حيث كان الجهاد فله ان يمضى به فيه. قإلا: وان اشترط إلا يخرج منه فلا يزال به إلى غيره.
قال الأوزاعى: ولو أعطى الرجل لرجلين لكل واحد منهما فرساً فى سبيل الله حبساً فتبادلا بزيادة من عند احدهما فلا بأس به، ولم يجزه سحنون.
[3/418]
***(1/400)
[3/419]
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وكره مالك ان يقول رجل لرجل اشتر هذا الفرس وأحملك عليه ولايدرى ما يبلغ من ثمن، حتى يوقت فيه ثمناً. قال سحنون: ذلك جائز ، وليس لها معنى. قال عيسى عن ابن القاسم فيمن حمل على فرس فى السبيل على أنه ان أسلم فهو رد إليه، فيصاب فيجعل أمير الجيش لمن أصيب فرسه خلفاً ،قال: فالخلف لرب الفرس الأول.
ومن سماع ابن القاسم، وعن القوم يتراحلون فى الغزو والرباط، وقد/أعطى أحدهم رجلاً ذهبا فى سبيل الله، فيتخارجون النفقة فيخرج معهم المعطى والمعطى، أيكره ذلك للمعطى؟ قال: لا وليس هذا مما يتقى. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى بريرة: هو لها صدقة ولنا هدية.
(وهذااكثر معانيه فى كتاب الصدقات والهبة وإلاحباس)
فى الدواب الحبس هل تباع لكبر أوضعف أو ترد بعيب على بائعها؟
وهل يعمل بها غير ما حبست له؟
ومن تجهز للغزو ثم بدا له
ومن حبس بعض فرسه
من كتاب ابن سحنون قال مجاهد ويحيى بن سعيد والأوزاعى ومالك فيما ضعف وكبر من الدواب فى السبيل: فلا باس ان يباع ويرد فى مثل ذلك. قال مالك: فإن لم يكن فى ثمنه ثمن فرس أو هجين أعين له فى مثله. وكذلك الثياب
[3/419]
***(1/401)
[3/420]
ان لم تبق فيها منفعة بيعت واشترى بثمنها ما ينتفع به. فإن لم يكن فى ثمنها ذلك تصدق به فى السبيل. وقال غيره لا يباع شىء من ذلك لا دواب ولا ثياب. وذلك كالربع الخرب.
قال مكحول: لا تعيروا الدواب ولا تركبوها إلا فى الغوطة من حول دمشق إلا الذى حبسها نفسه فله ان يركبها ويسافر عليها ويعيرها، وقاله الأوزاعى. قال سحنون: لا يركب الفرس إلا فى مصلحة الفرس. وإما ان لم يخرج عن يده فهذا يورث عنه ان مات. وكره الأوزاعى عارية الفرس.
ومن أعطى فرساً حبساً فى ثغر آخر ضمن، وقاله سحنون. قال الأوزاعى: لتصن دواب السبيل عن السفر عليها فى غير ما جعلت له، وللذى هى فى يديه أن يتنأول عليها حوائجه من طعام وعلف مما حول الثغر/وقربه ولا يسافر عليها. وقال سحنون: انما يركبه فى مصلحة الفرس لا فى حوائج نفسه.
قال الأوزاعى: ومن أعطى نبلاً فى السبيل فلا يرم بها بين إلاغراض ويتعلم بها الرمى، وقاله سحنون. قال الأوزاعى فى السبى يؤمرون بسوقه، يكرى عليه فلا بأس أن يحمل السبى على الفرس الحبس (ان لم يقسم السبى . وان قسم فأكره حمل ما اشتراه لنفسه.
قال سحنون: لا يحمل الفرس الحبس) بكراء قسمت أو لم تقسم، لأنه غير ما حبس فيه .
قال الأوزاعى : إذا دعا الإمام أهل الديوان لعرض عليهم فطلبه رجل ان يعيره هذا الفرس الحبس ، فإن كان مقلاً فلا بأس به، وإما الموسر فلا. وهذا إذا عرض قبل أن يصل إلى أهل الروم. وإما بأرض الروم فلا يعيره بعد القسمة أو قبلها،قال: والذى بيده الفرس يأخذ له فى الثغر رزقاً فيضعف عن الغزو فيدفعه إلى غيره، ويبقى بيده فضل من ذلك الرزق فلا بأس ان ينفقه على نفسه.
[3/420]
***(1/402)
[3/421]
(ومن كتاب ابن المواز والعتبية: من سماع أصبغ، ومن أعطى فرساً فى السبيل، أيحرث به ؟قال: وإما اليسير وهو فى رباطه ممل يكون لعلفه ونفقته مما لا يضره فلا بأس به. فإما ان يكريه لنفسه أو لغيره فلا خير فيه. ولا يعجبنى ان يسافر به فى حوائجه، إلا ان ابتل له ليكون مالا من ماله فليصنع به ما يشاء).
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: لا يحرث عليه لنفسه ولا للفرس، وانما يأخذه من يضمن مؤنته. ولو جاز ان يحرث عليه لقوته جاز ان يكريه ممن يقضى عليه حوائجه لقوته. قال أشهب: ومن عنده دابة حبس فلا يحج عليها ولا يعتمر ولا يركبها إلا لحلجة من أمر الجهاد، وقاله سحنون. ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع أصبغ : قال ابن القاسم فى فرس حبس أبدله ربه بفرس حبس، فوجد باحدهما عيب وأصيب الآخر،فليرد المعيب ويأخذ قيمة فرسه الفائت. وقد أخطأ حين تبادلا ، وليترادا وان لم يجدا عيباً. قال ابن القاسم :ولو حدث/عضاض أو حطم أو ضعف، فها هنا يجوز بيعه. وما لم يجز بيعه لم تجز فيه المبادلة .ولو كان ذلك فى احدهما والآخر سليم فليرد السليم إلى صاحبه . قال فى كتاب ابن المواز: يرد الحاضر ويرجع بقيمة الغائب. ومن سماع ابن قاسمك ومن ابتاع فرساً ثم حمل عليه فى سبيل الله ثم وجد به عيباً: فإن كان قد مضى وخرج فله ان يرجع بقيمة العيب على بائعه. وان كان حاضراً بيده رده على بائعه وجعل عيره فى مكان ما أنفذه فيه. ورواها ابن وهب عن مالك.
كذلك فى كتاب ابن سحنون . قال سحنون فى فرس بين رجلين، حبس أحدهما نصيبه منه فى السبيل: فإن طلب الآخر البيع قيل للمحبس: بع معه أو خذه بما بلغ. فإن باع جعل نصيبه (فى فرس فى سبيل الله. وان لم يبغ أعان به فى فرس. وان اشتراه بما بلغ) لم يكن منه حبس إلا نصفه، ولا يجبر على تحبيس
[3/421]
***(1/403)
[3/422]
باقية . ولو بقى بيده حتى يموت بطل جميعه، ولا يجبره السلطان على آخراجه من يديه فى مثل هذا ، ولو أوصى بان نصفه حبس فى سبيل الله ثم مات فطلب شريكه البيع فليبع ويجعل ثمن حصة الميت فى فرس. فإن لم يحمل اعان به فى فرس.
(قال ابن وهب عن مالك فيمن حمل رجلاً على فرس) فى السبيل على ان يحبسه سنين ينفق عليه ثم هو له فأجازه. ثم كرهه ابن وهب عن مالك. ومن أعطى فرساً فى السبيل، فحبس فى فخذه حبساً أيبيعه؟ قال: لا. قيل: أفيمنعه ممن اراد أن يتنزه؟ قال: نعم، لأن ذلك يضعفه عما حبس له. وكذلك إلابل.
ومن كتاب ابن سحنون،مما كتب به سحنون/إلى شجرة فى قوم نزلت بهم فتنة،وبأيديهم دواب محبسبة فى السبيل وقد نهوا عن ركوبها، ولا يقدرون على بيعها إلى ان يجدوا إلى الشراء سبيلاً، ولا يجدون من بأخذها ممن يرضى حاله، فكتب إليه : تدفع إلى من يخرج إلى الثغر مثل المصيصة وغيرها من ثغور الشام ولاتباع.
وفى كتاب إلاحباس شىء ن معانى هذا الباب.
فى المطأواة فى البعوث والمجاعلة فى أهل الديوان
فى غيبة بعض أهل الديوانلحج أو غيره
ومن العتبية:روى أشهب ان مالكاً سئل عن البعوث المكروهة تقطع عليهم إلى المغرب ونحوها فيجعل القاعدون للخارجين، وللوإلى هوىً فى بعضهم من ذوى الصلاح، فيكتبهم فى رفعة ليعافو من الغرم الذى غرمه القاعدون لمن خرج.
قال : لاادرى ما هذا يخرجهم من الغرم ويغرم غيرهم ولا يغرم عنهم ، فكأنه كرهه. قيل له: ان الوالى يكون له رفع على كل حال، فإن احتاج إليهم استعان
[3/422]
***(1/404)
[3/423]
بهم. فإذا وقع البعث المكروه الذى يكون فى العزم جاء الرجل الذى له الفضل يطلب ان يكون فى رفع الوالى ليسلم من الغرم. قال ليس هذا الذى سأل عنه الرجل، هذا قد جعل إلى السلطان فهو أخف.
ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك فى الذى يرتفع من أهل الديوان عن الغزو لحاجة من حج أو غيره، قال: لا بأس بذلك. قيل : أنه نهى عن ذلك قوم وقالوا: أنه يأخذ العطاء إذا جاء. قالك ليس كما قالوا:(وما كان المؤمنون لينفروا كافة).
باب جامع لمعان مختلفة/
من كتاب ابن سحنون قال مالك: لا بأس بالكراء فى الغزو إلى القفل من بلد العدو، وفيه للناس توسعة. وكذلك على أزوادهم إلى القفل، ولأن وجه غزوهم معروف. (قيل: وقد تختلف الطرق ويكون المقام نحو الشهر وأقل وأكثر. قال: وجه ذلك معروف)
ومن العتبية: سئل سحنون عن أشجار بينهم وبين أهل الشرك، فغلبهم عليها العدو، ثم تمر بها الجيوش: هل يؤكد منها؟ فأباح ذلك فى الواحد وإلاثنين والنفر ومن لا ثمن لتلك الثمار عندهم فجائز. وإما الجيوش التى تكون لها فيها قيمة فلا إلا بقيمة ذلك، ويتصدقون بالقيمة كاللقطة. وكذلك الشاة بالفلاة، فأنه ان وجدها الجيش ولا ثمن لها فلا بأس ان يأكلوها.
وقيل لسحنون فيما غلب عليه الروم من بلد المسلمين من شجر ثم دخلنا بلدهم، أنأكل منها وأهلها معروفون أولا يعرفون؟ قال: جائز ان تأكلوا منها، وهى إذا تركت تفسد. قال: وإذا كانت بموضع يرجو المسلمون الظهور عليه، فلا يحرقوها ولا يغرقوها. وان لم يرجو ذلك فلا بأس بخرابها.
[3/423]
***(1/405)
[3/424]
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون: وإذا اتى الإمام ما سره من فتح من الكفار أو قتل عظيم أو سلأمة سرية ونحوه فليشكر الله تعالى وليكثر من حمده، ولا أحب له ان يخر لذلك ساجداً، ولم يره مالك.
قال سحنون: وللجريح مدأواة جرحه بعظم إلانعام ان كان ذكياً، ولا يدأويه بخمر أو عظم انسان أو عظم خنزير أو ميتة أو روث أو مالا يحل أكله. وإذا وجد عظماً بالياً ولم يدر عظم شاة هو أو أعظم انسان أو خنزير، فلا بأس/به إلا ان يكون معترك عرف بكثرة عظأم الناس أو موضع عرف بكثرة عظأم الخنازير فلا يصلح حتى يعرف العظأم بعضها من بعض. وإما جهله هل هو ذكى أم لا فهذا ليس هو عليه وهو على التذكية. وقد قيل: دأوى النبى صلى الله عليه وسلم وجهه يوم أحد بعظم بال. ولا بأس ان تضبب إلاسنان بالذهب ان اضطربت أو طرحت .
ومن كتاب ابن سحنون: قيل لمالك فى هذا النفط الذى يلقى على الرجال وعليهم الطلاء: فإن كان أمراًان قد عرفوه فلا بأس به. قال ابن وهب: هذا خطر عظيم ان ينتصب لنار تلقى عليه. قال سحنون: مالك اعلم بما قال.
ومن سماع ابن القاسم: وقال فى بقر الروم لا يقدرون على أخذها حتى تعقر وتطعن وهى انسية ثم تذبح قال: لا ارى ذلك . أرأيت البدنة إذا لم يقدر على نحرها أتعقر ثم تنحر، هذا باطل؟ وقال فى البقر لا تعرقب ثم تذبح: ولا أحب اكلها. وقال أصبغ فى قوم كانوا كميناً فى ناحية العدو، فغشيهم العدو فبادروا إلى خيلهم فركب بعضهم خيل بعضهم عمداً أو خطأ فعطب تحته ، قال: يضمن فى العمد والخطا.
وسئل سحنون عن مفاز كان بين المسلمين والعدو وفيه شجر كان للمسلمين فأقفروه، وفيه ثمار تمر بها الجيوش والوصائف والسرايا أياكلونها؟ قال: إما الجيوش الكثيفة فلا يأكلوها لأنه يصير لذلك فيهم ثمن. وإما السرية والنفر
[3/424]
***(1/406)
[3/425]
فذلك لهم، ويصير كالشاة الضالة بالفلاة. وفى العسكر الكبير كالشاة توجد بقرب العمران./
وروى عبد الملك بن الحسن عن أشهب فيمن له أم نصرانية عمياء فتسأله المضى بها إلى الكنيسة: فلا بأس أن يسير معها حتى يبلغها ولا يدخل معها الكنيسة. ولا بأس ان يعطيها لنفقة عيدها فى طعام ها وشرابها، ولا يعطيها ما تعطى فى الكنيسة.
ومن سماع ابن القاسم، وعن القوم يخرجون إلى الغزو بأموال يشترون المغانم الرقيق والخرثى، قال لا بأس بذلك . وقال فى الأمة تباع ومعها ابن صغير حر لا يستغنى عنها، قال: يشترط على مبتاعها إلا يفرق بينه وبينها وان مؤنته عليه. وان بيعت بغير أرضها فذلك جائز.
(آخر السادس من النوادر والزيادات
والحمد لله وحده
[3/425]
***(1/407)
[3/427]
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب السبق والرمى
باب فى السبق والرمى
(قال أبو محمد عبد الله بن أبى زيد: ومن كتاب محمد بن عبد الحكم روى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال ،فى قوله تعالى : (وأعدوا لهم ما استعطم من قوة) إلا ان القوة الرمى . قال ذلك ثلاثاً، وكان يعجبه ان يكون الرجل سابحاً رأمياً. وكتب عمر ان يعلم الصبيان السباحة والرمى والفروسية: (وقال عليه السلام : تعلموا القرآن والرمى، وخير ساعات المؤمن حين يذكر الله) وقال صلى الله عليه وسلم ، لا سبق إلا فى نصل أوخف أو حافر. فدل على إلا يجوز السبق فى غير ذلك.
[3/427]
***(1/408)
[3/428]
قال محمد بن عبد الحكم: وليس على الملمتنا ضلين ان يصفا السهم ولا الوتر بدقة ولا غلظ، وذلك للرأمى يرمى بما يشاء ويبدل من ذلك ما يشاء من سهم طويل بقصير وثقيل بخفيف، وكذلك إلاوتار، وقوساً بآخر من جنسه، مالم يبدل قوساً عربيةً بفارسيةً أو بدونانيةً بصقلية أو رومية أو حبشية إذا تعاقد على جنس غير ذلك/ولا باس بالمناضلة بهذه القصى كلها وبقوس الرجل وغيره.
وإذا تعاقد على فارسية لهذا وعربية لهذا فذلك جائز ثم لكل واحد منها بدل قوسه بأى صنف شاء من إلاقواس.
ولا بأس ان يسابق رجل رجلين أو أكثر، كان الواحد المسبق أو المسبق، فإذا بدأ الواحد رمى إلاثنان بعده، وكذلك أكثر من اثنين، فإذا رموارعاد الأول فرمى، وكذلك ان بدأ إلاثنان أو الثلاثة رمى الواحد بعدهم، ولا بأس ان يرمى اثنان واثنان، وكذلك ثلاثة ثلاثة.
ولا بأس ان يرأمى من يجهل رميه، كما يجوز فى الخيل مع من لا يعرف جريه، ولا بأس ان يشترطوا ان مرض واحد ان يكون مكأنه رجل من أهلذلك الغرض، كما يجوز فى الخيل وان لم يعرف جريها، ولابأس ان يرمى رجلان مع رجل على ان يرمى مع كل واحد بمثل سهأمه، وكذلك خمسة مع أربعة على أن يدير واحد من الأربعة على الخأمس يرمى مكان رميه ، يقوم ما يدير به من النبل مقأم رجل ، وان اشترط الأربعة ان من يشاء منهم ادار أو يدير كل واحد منهم رشقاً فما احبه ولا أفسخه ان وقع ، والذى أحب ان يعرف الذى يدير بعينه.
[3/428]
***(1/409)
[3/429]
قال محمد وإلاغراض كلها سواء جائز التناضل فيها، وكان عقبة بن عام ر يرمى فى غرض ذرعه أربعمائة ذراع.
ولا بأس ان يشترط ان يعلق الجلد فى الهدف أو يجعل على الارض تعمده إلاعواد، وان رميا على شىء من ذلك ثم طلب احدهما خفضه أو رفعه فليس ذلك لهما حتى يجتمعا.
وليس لهم بدل جلد صغير بكبير ، أو كبير بصغير ، إلا باجتماعهم/وكذلك ان طأبوا العودة إلى الأول، وإذا قال بعضهم نرمى وناكل . وقال بعضهم لا ناكل الساعة . حملوا على عرف الناس، يستريحون نصف النهار فى الحر، ويقيلون، وفى الشتاء ياكلون ويتوضأون ثم يعودون الرمى ، وليس لاحد منهم ان يطيل الركوع ليقطع وقت الرمى، وليحملوا على عرف الناس، ولأحدهم ان يرمى قاعداً أو قائماً، وكذلك لجميعهم، إلا ان يشترط عليه القيأم. وله إذا رمى فى موضع ان يتحول منه إلى آخر يميناً وشمالا مالم يضيق بذلك على من يرمى منه فيمنع. وليس لأحدهم أن يرمى من فوق الغرض إلا برضى من معه ، ويجوز ان يشترطوا من يرموا فى جلد صغير يوماً، وفى جلد كبير يوماً، وكذلك ان شاقا معلومة فى هذا، ومثلها فى الآخرى، وخلافها من العدد، وإذا لم يسم ذرع العرض يرميان فيه حملاً على عرف الناس فى ذلك البلد، وهو مائتا ذراع بذراع اليد، وان شرطا أقل أو اكثر فجائز، ولا بأس ان يشترط ان يرميا فى رقعة يكون ذرعها ما أراد من قلة أو كثرة.
ولا بأس ان يتناضلا على ان يرمى هذا من الغرض إلى الغرض ، والآخر من نصف الغرض أو أبعد من الغرض بجمسين ذراعاً أو أقل أو أكثر، ولا بأس ان
[3/429]
***(1/410)
[3/430]
يرمى احدهما بعشرة اسهم فى كل وجه ، والآخر بخمسة عشر، ويشترط من يرمى الفضل ان شاء إذا رمى ذلك بسهم رمى هذا سهمين، أو بعد ان يرمى الخمسة الفضل ويفرغ منها، أو يرمى هذا خمسة وهذا خمسة، ثم يرمى من له الفضل ولا بأس ان يرمى واحد منهم وآخر بسهمين.
ولا بأس ان يتناضلا على ان بلغ الواحد عشرة، ويرمى الآخر خمسة ايهما بدر نضل، ان بدر صاحب/الخمسة بإلاصابة إلى الخمسة نضل صاحبه ، وان بدر صاحب العشرة فأصاب بها نضل صاحبه ، ولا بأس ان يرميا إلى خصل مائة أو أقل أو أكثر وعلى ان يحسب لواحد ما أصاب به من سهم سهمين، وللآخر بالسهم الصائب سهم. وان كان هكذا فلا يكون فى ذلك فرد لا يكون الخصل إلى خمسة ولا إلى سبعة، ولا إلى أحد وخمسين وشبه ذلك؛ لأنه لا يكاد يحسب لصاحبه خمسة إلا بثلاثة هى لها بستة ، فيذهب له بواحد باطلاً، ولا بأس ان يكون الخصل إلى عشرة واقل وأكثر.
وقال الشافعى : ولم أرى احداً ممن يحسن الرمى يجيز ان يرميا بعشرة عشرة على ان يحعلا الفرع من تسعة، ومنهم من لا يجيز ان يجعل الفرع من عشرة. ويقول: لا يجوز ان يكون الفرع يوتى به إلا فى إلاكثر من رشق، فإذا كان هذا جاز فيما قل أو كثر.
قال محمد : وليس هذا معنى ، ولا فرق بين عشرة وأحد عشر ، وما رأيت من الرماة من يعرف ما حكاه الشافعى.
قال محمد وقال بعض الرماة: لا يجوز ان يكون السبق إلى واحد مبادرةً، لأنه قد يجوز ان يرمى بسهم فيصيب، فينضل الآخر ولم يرم بشىء، ومنهم من
[3/430]
***(1/411)
[3/431]
يجيزه، ومنهم من يقول: إذا كان الخصل إلى واحد بأول سهم لم يكن باطلاً حتى يرمى الآخر مثله، فإن أصاب كان تهاتراً، وان أخطا كان منضولاً .وكذلك لو كان الخصل من أربعة إلى خمسة، فوإلى الأول إلاصابة إلى منتهى الخصل ، والآخر كذلك وإلى إلاصابة من أول رمية، فلا يكون منضولاً حتى يرمى بمثل ما رمى به الأول من العدد.
وقالوا: لا يكون من لم يحط بشىء مما رمى به مفصولاً ولا منضولاً./قال محمد: وهذاقول حسن إذا اراد التناصف ان لا يفضل احدهما الآخر . ولكن الرماة عندنا يقولون: من سبق ، وان كان بأول سهم، فقد بدر ونضل. وأخبرنى من أثق به من الرماة، عن أشهب، فيمن يرمى ويحسب خاسفة خاسفتين، أو يجعل لاحد المتناضلين سهماً راتباً يحسب له فى كل وجه، فلا بأس بهذا وشبهه مما تراضى به الرماة .
قال محمد: ولا بأس ان يرميا على ان ما اصاب به أحدهما فى دوارة الجلد حسب، وما أصاب به فى غيرها لم يحسب، ويحسب للآخر ما أصاب فى الجلد كله أو يحسب لهذا ما اصاب فى الجلد خاصةً وللآخر ما اصاب فى الجلد والهدف . قال: ومن اجاز الخصل على سهم على ان ما بدر باصابته فقد نضل، يقول: أنه إذا سبقه على أنه ان أصاب بهذا السهم فله سهم سبق ، وان لم يصب به رمى الآخر سهمه، فإن اصاب أحرز رشقه ، وان أخطأ رميا ايضاً، وعلى هذا رايت جماعةً من عندنا من الرماة.
قال محمد: ولا باس ان يسبقه سبقاً إلى أجل معلو م، ولا يجوز إلى أجل يختلف فيه مثل قدوم فلأن، ولا يجوز السبق إلا معلوم وإلاجل معلوم، وجائز ان يكون السبق عيناً أو عرضاً ان كان موصوفاً، ولا يجوز على غرر، وإذا نضل فيجوز به الحوالة، لأنه دين ويجوز ان يؤخره ويأخذ به حميلاً أو رهناً. ولا بأس ان
[3/431]
***(1/412)
[3/432]
يسبقه على أنه ان اصاب الغرض بالعشرة إلاسهم فله السبق، وكذلك اقل من عشرة، ويجوز على سكنى منزل يوماً أو أكثر أو ركوب دابة أو عفو عن جرح عمداً أو خطاً.
فى سبق الخيل ورهأنها
من كتاب محمد بن عبد الحكيم/، قال محمد وليس يعرف العرب السباق إلا بين الخيل وإلابل، وكذلك فى الإسلام، وقد سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل وإلابل وليس يعد راكب البغل والحمار فارساً.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا سبق إلا فى حافر أو خف أو نضل دليل إلا يكون ذلك فى البغال والحمير، وهى لا تتخذ فى الحرب. وقد سئل النبى صلى الله عليه وسلم، عن الحمر فقال ما انزل علي فيها إلا هذه إلاية الجأمعة الفإذة (فمن بعمل مثقال ذرة خيراًيره). فدل أنها لا تتخذ فى للحرب ، ولا أعلم ان أحداً سابق بين بغل ولا حمار ولا اجاز ذلك، وروى مالك ان النبى صلى الله غليه وسلم، سابق بين الخيل التى لم تضمر من الثنية إلى مسجد بنى رزيق.
قال محمد: وفى هذا أدلة منها ان الحفر اريد به الخيل ، ومنها اجازة إلاضمار انما يكون ناشئاً من منع بعض العلف واستحلاب عرقها.
[3/432]
***(1/413)
[3/433]
ومنها من اجازه ان يركب عليه من يجريها؛لأن السباق من غاية إلى غاية، ومنتهاه ان لم يشترط فى الراكبين شرطاً من صغر و كبر وقلة لحم وكثرته ولا صفة. وكانت القصوى ناقة النبى صلى الله عليه وسلم لا تدفع فى سباق إلا سبقت فسبقت يوماً فا كتأب الناس لذلك، فقل النبى صلى الله عليه وسلم : ان حقاص على الله إلا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه وسابق يوماً بين الرواحل فسبقت ناقته الجدعاء.
وسابق عمر بين الخيل ، وكتب به وسابق ابن عمر.
وكتب عمر ابن عبد العزيز : لا تحملوا إلا من احتلم.
ولم يزال يراهن بين الخيل منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم،/فلم اسمع عنه أحد منهم أنه لم يجزه حتى يعرف جرى الخيل التى سابق بها، بل يسابق الرجل ويرأميه، وان جهل جرى فرسه ومبلغ رميه، وانما السبق الخيل والركاب، قال الله تعالى:(فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) والركاب إلابل فهى والخيل التى ينتفع بجريها ويولع فى ثمنها، وفيها نكاية العدو. وروى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: خير الخيل إلادهم إلافرح إلارثم المحجل ثلاث طلق اليمين، فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية.
ومن كتاب ابن المواز قيل لابن القاسم:أيجوز السبق والرمى على ان يخرج أحد مما سبقه ان نضلوه وان نضل هو أحرز سبقه؟ قال: ما أحبه، ولا خير فيه إلا ان يكون حظ السبق خارخاً بكل حال نضل أو لم ينضل كسبق الإمام. قال أصبغ : الأول أيضاً قد عمل به الناس، ولكن كرهه مالك، إلا على ان
[3/433]
***(1/414)
[3/434]
يخرج بكل حال. قال : ونحن نقول به ،وبه نأمر ،ولا يحرم الآخر وليس بفساد بين. وسمعت ابن وهب وغيره يجيزه.
ومن كتاب ابن مزين وغيره قال ابن المسيب:لا بأس برهان الخيل إذا كان فيها محلل،ولا بأس ان يتراهن الرجلان، يجعل هذا سبقاً وهذا سبقاً، ويدخل بينها سابق لا يخرج شيئاً، فإن سبق أخذ، وان سبق لم يرد شيئاً. وهذا لا يقول به مالك، وانما يجوز عنده ان يجعل الرجل سبقه خارجاً بكل حال، كسبق الإمام. ومن سبق فهو له، ولا بأس ان يجرى معهم من آخرج السبق،فإن سبق هو كان السبق للمصلى ان كانت خيل كثيرة، فإن لم يكن غير فرسين، فيسبق واضع السبق، فالسبق طعم لمن حضره.
/وروى عنه يحيى أنه أجاز ان يشترط واضع السبق ان سبق أحرز الآخر، وان سبق أخذه الآخر. وكذلك الرمى نضل أو نضل.
والمصلى هو الثانى من السابق سمى بذلك لأنه جحفلته على صلى السابق، وهو أصل ذنبه، ويقال للعاشر السكيت، ومن بعد التاسع إلى الثانى لا يسمى إلا بتسمية العدد.
قال محمد بن عبد الحكم ولا بأس ان يتراهنا بسبق كل واحد منها صاحبه دنانير، وعلى ان يدخلا بينها محللاً، ولا يكون المحلل إلا من يخاف ان ينضلها، وان كان ممن لا يخاف ان ينضلها، فهو كالرهان بلا محلل فلا يجوز.
والمحلل ان نضل أخذ سبق الرجلين، وان نضل احدهما أخذ سبق صاحبه ، وليس على المحلل شىء نضل أو نضل، ولا بأس ان يكون المحلل أدناهما رمياً، ان رمى ممعهما من الغرض إلى الغرض أمناه، وان رمى هو من النصف وهما من الغرض لا يأمناه ولا بأس ان يرمى هو من النصف أو الثلثين وهما من الغرض، وإذا كان أرمى منها فرموا من النصف على ان يرمى المحلل من الغرض
[3/434]
***(1/415)
[3/435]
فلا بأس به إذا كان يخاف من الغرض، ولا بأس ان يرمى أحدهما مع المحلل من النصف و الآخر من الغرض ان شرطا ذلك.
وذكر ابن وهب عن مالك، أنه لا باس ان يسبق الرجل القوم فمن سبق منهم أخذه، وان أجرى معهم فرسه فإن سبق احرز سبقه. وروى عنه أنه استحب إليه شىء مثل ما يسبق الوالى الناس.
قال محمد: وكراهة مالك للمحلل انما هو على قوله أنه يجب آخراج السبق بكل حال. وفى قياس قوله الآخر أنه جائز. وهو قول ابن المسيب وابن شهاب أنه لا بأس/برهان الخيل إذا أدخل الفارسان بينها محللاً.وقال ابن شهاب عن رجال من أهل العلم : إذا أدخلا بينهما محللاً لا يأمنان ان يذهب بالسبق، فإذا لم يدخلا إلا ما يأمنان فذلك الرهان.
ولا بأس ان يسابقب بين الخيل وإلابل، يجرى الفرس مع الجمل مثل الفرسين.
ولا بأس ان يشترط على احدهما من فرس أو جمل حمل خفيف أو ثقيل، وليس على الآخر إلا راكبه، ولا يحمل على الخيل فى الجرى إلا محتلم يضبط. وكره مالك حمل الصبيان عليها. ولا بأس ان يتراهن رجلان على فرسين، على ان يضمراها شهراً أو أكثر أو أقل، فإن مضى الوقت فقال أحدهما: لم يتم اضمار فرسى. وقال الآخر: بل تجرى معى إذ جاء الوقت الذى شرطنا إلاضمار إليه فذلك له، ويجبر ان يجرى معه.
ولو قال: أزيدك ديناراً على ان تزيدنى فى إلاضمار أو فى الغاية التى يجريان منها أو يجريان إليها؛ جاز.
[3/435]
***(1/416)
[3/436]
وان تراهنا بلا شرط، وكان لأهل البلد سنة يجرون منهإذلك السبق حملاً عليها.
وأهلمصر قد عرف عندهم من اين يجرون القارح والرباع، ومن أين يجرون الحولي والثنى، وكذلك الغاية عندهم معروفة، عرف جرى لا يحتاج معها إلى الشرط، وكذلك الغاية إلى موضع معروف يجلس فيه الوالى أو من أقامة الوالى لذلك .وان كانوا ببلد ليس فيه هذا، لم يجز الرهان إلا بشرط من أين يجرون وإلى اى غاية. ولا بأس ان يخرج واحد خمسة، وآخر عشرة ان كان بينهما محلل، وفى الخيل مثل ذلك، وأحبسه أنه كان يكون مثله فى الجأهلية كأن يثق بفرسه، ولم أعلم ان ذلك غير فى الإسلام./
قال بعض الناس هو محدث فى الإسلام، لا أعلمه كان. قال محمد: واجازته احب إلى، لأنه يدعو إلى المعاناة فى الخيل والقيأم عليها. ولا بأس ان يجعلا سرادقا، من دخله أولاً كان سابقاً، أو يخطأ خطأً من جازه أولاً فهو سابق.
وإذا تراهن على الخيل فسقط فارس أو ألقاه فرسه فى الطريق أو زاغ عنها حتى سبق أو سقط الفرس فإنكسر، فاان كانوا خيلاً جماعة فالرهان بين من بقى من الخيل قائمة، فإن كان فارسين، فالذى رأيت أهل الخيل عليه ان يعد الذى بلغ الغاية سابقاً، وما لهذا عندى وجه، وهذه علة لا توجب السبق عندى، ورأيتهم إذا سقط الفارس ثم جرى فرسه عرياً، ثم وثب عليه آخر فأجراه إلى الغاية أنهم يعدونه سابقاً، وقد يحتج من يرى هذا ان هذا يدعوهم إلى التحفظ فيما يستقبل والتثبت، ويقولون : لو جاز هذا كان لمن إذا خاف هذا طرح نفسه على فرسه وقال سقطت، وفى هذا افساد الرهان. وقد يحتج من لا يراه مسبوقاً ان هذه أمور لابد ان ينزل مثلها، فلا يحسب مسبوقاص ولا يحسب له السبق، لأنه جرى خفيفاً والآخر عليه راكبه.
[3/426]
***(1/417)
[3/437]
قال محمد: لا أرى أن يحسب سابقاً، واحسن عندى ان كل ما كان من قبل الفارس من تضييع السوط حتى يسقط أو لجأم ينقطع وفرس يحرن، وان لم يكن حرنه بسبب فارسه، فهذا كله ينبغى ان يكون صاحب الفرس الذى هذا فيه إلا يدخله السباق. وقد يقول له ان فرسك حرون رواغ عن الطريق ويرضى ان يراهنه، فهذا لا يمنع الآخر من السبق إذا أصابه/بعد ذلك إلا ترى لو رأى السرادق فنفر منه فلم يدخل حتى دخل الفرس الآخر أنه قد سبق ، وعلى هذا الجماعة فى أمر الخيل .
قال محمد: ولو عدا عليه رجل فإنتزع سوطه أو ضرب وجهه حتى راع فى الطريق فهو عذر له، ولا يكون بهذا مسبوقاً ،ولا بأس ان يجرى فرسان لرجلين، ويقدم احدهما الآخر غلوة أو غلوتين أو ما تراضيا عليه، أو شرطاً ان يقيم احدهما فرسه فى وسط الطريق أو أقل،فإذا بلغه المرسل فرسه جرى معه إلى الغاية، فأيهما سبق كان سابقاً فذلك جائز، وكذلك لو قدمه ميلاً أو ميلين أو أكثر أو أقل ،وإذا تراهن الثنى فأدخل رجل فرساً رباعياً أو قارحاً، لم يعد سبقه سبقاً، وان ادخل مكان الرباع جذعاً أو ثنياً أو حولياً، كان سبقه سبقاً، وان أدخل هجيناً مع عراب فسبقه سبق، وان أدخل عربياً مع هجين لم يكن سبقه سبقاً، ولا يعد سبق البغل سبقاً، ولا بأس ان يجعل فى صدورها حبل يجمعها، فقإذا أرادوا ارسالها طرحوا الحبل فدفعت. ولا بأس ان تجرى بغير حبل تدفع دفعةً واحدةً، ومن اعتل فرسه علةً بينةً، لم يكن عليه ان يجرى حتى تذهب علته، قال ابراهيم النخحى: كان لعلقمة برذون يراهن عليه.
[3/437]
***(1/418)
[3/438]
باب آخر من مسائل الرمى
من كتاب محمد بن عبد الحكم: ولم ار بين الرماة اختلافاً ان المسبق أولى بان يبدأ بالرمى بسهمه الأول، ثم يرميان سهماً سهماً/حتى يفرغ من الرشق، ثم يبدأ المسبق فى الرشق الثانى هكذا حتى يفرغ الرمى، ومنهم من يشرط من فرغ ان يبدأ احدهما، وهو جائز، وان لم يكن شرط فليبدأ المسبق، وللذى يبدا فى وجهه ان يقوم من المقام حيث شاء ثم يقف الآخربعده حيث شاء، وان كانوا جميعاً بدأ المسبق، ثم آخر من الحزب الآخر، ثم آخر من حزب المسبق، ثم آخر من الحزب الآخر.
وان اختلفوا فقأم رجلان ورجلان، فقأم أحد الحزبين لا يقوم إلارجل واحد ، فإن كان بينهم شرط حملوا عليه، وإلا فذلك إلى المسبق، ان شاء أقام رجلاً مع رجل أو رجلين مع رجلين، لا يكون له ان يقيم أكثر إلا بشرط أو تراض؛ لأن أكثر من أربعة يختلط بين الرمى، وانما له ذلك فى الوجه الذى له ان يبدأ فيه، وإما الوجه الذى للمستبقين ان يبدأوا فيه فلهم فى ذلك ما كان للمسبق فى الوجه الآخر. هذا قول عام ة الرماة عندنا، ورأيتهم إذا رموا إلى خصل معلوم فاستوى الرأميان فى بعضه، فللمسبق ان يزيد فيه الزيادة التى تعرف لا زيادة من يريد الفرار. ومنهم من يشترط مثل الخصل أو أقل أو مثل نصفه، لا يزيد على ذلك، وليحملوا على ما تعارفوه وأجمعوا عليه ويصير ذلك كالشرط حتى يشترط غيره، وليست الزيادة عند احد منهم حتى يستوا فى الخصل، ولا يكون له ان يزيد وهو مفضول، ولولا ما عليه الرماة من ذلك لكان القياس إلا يزيد أحدهما من الخصل إلا برضى الآخر.
[3/438]
***(1/419)
[3/439]
ورأيتهم إذا فضل احدهما الآخر يشترون/مه الفضل بشىء يعطونه، ولا بأس ان يسبق احدهما الآخر على أسها أو أحدهما المسبق وا المسبق بالخيار أياما، فإذا مضت أيام الخيار لزمهما، ولا بأس ان يشترطوا ان يرموا كل يوم أرشاقاً معلومة أو يوماً ويدعوا يوماً أو من غدوة إلى الظهر أو إلى العصر، ولا بأس ان ناضلهعلى أنه ان نضله أعتق عبده عنه أو عن نفسه، أو يخيط له ثوبه أو يعمل له عملاً معروفاً، أو على ان يبنى بالسبق الغرض أو يتصدق به أو يشترى به حصراً يجلسون عليها. ولا احب القرعة من وقعت له سبقه الحزب الآخر، ومن الماة من يجيزه ، والقياس إلا يجوز، وكذلك على ان من خرج سهمه اجاز من احب من الرجلين يكون معه، والآخر مع الحزب الآخر، فإن نزل هذا كله لم أفسخه. وما جاز فى الرمى جاز فى الخيل. ولا بأس ان يتراهن حزب وحزب واحد واحد أو اثنان اثنان أو اكثر ويدخلا بينهما محللاً واحداً ان نضل المحلل أخذ من الحزبين، وان نضل احد الحزبين أخذ من الحزب الآخر.
ولا بأس ان شاء الله ان يخرج هذا ديناراً وهذا دينارين، وهذا بقرة وهذا شاة وبينهما محلل، وقد طعن فيه طاعن فى دينار ودينارين، وهو عندى جائز لدخول المحلل، كما بدخوله جاز فى دينار ودينارين وعنده، ولا أرى ان يسبقه على أنه ان سبق ودى عنه فلأن ديناراً؛ لأنه لم يخرج شيئاً يؤديه ان سبق ويجوزه ان سبق، فإن قال: على ان أضمن لغريمك عنك ديناراً ان نصلتنى لم يجز ان كان/يرجع عليه، لأنه ضمان بعجل، وان كان على ان لا يرجع به عليه فذلك جائز. ولا بأس على ان يسابقه غلى ان يرميا فى الرجاس، ويكون من آخرج منهما فى الحلقة كمصيب القرطاس، ولا بأس ان يسبق واحد واحداً أو حزب حزباً على ان يرموا شيئاً ينصب يسمى الدوبة يرمونه على الخيل يرميه الراكب مقبلاً ومدبراً راكضاً، وليس لمن يرمى هكذا موضع يوقته يرمى فيه، ولا عدد من إلاذرع، وهو
[3/439]
***(1/420)
[3/440]
يرمى من القرب أو البعد والفرس يجرى. ولا يجوز ان يقول اسبقكم على ان تسبقونا أنعم سبقاً آخر أو حزب بحزب على ان لا يزال سبقكم حتى تنضلونا. وقال سالم ابن عبد الله: لا بأس بالسبق مالم يجاره. قال خالد بن نزار، يعنى بقوله اعد على.
قال نافع: كنا نتناضل، فلما أحرزوا السبق قالوا: أعيدوا علينا. فقال عمر بن دينار: وقد حضر :مه مه .
وقال يحيى بن سعيد: لا بأس بالسبق فى الرمى ما لم يكن جزءاً واحدة بواحدة. وقال ابن شهاب يحل من اسباق الخيل ما كان عن طيب نفس لا يتقاضاه صاحبه ولا يلتمس به ثواباً. قال ابن وهب قال مالك: إذا سبق الرجل القوم ولم يرم معهم فلا بأس بذلك. وان رمى معهم ولم يلتمس منهم ان يسبقوه كما يسبقهم فلا بأس به، ولا بأس ان يسبق رجل رجلاً على ان يرميا بسهم سهم، فأيهما كان أبعد سهماً كان الناضل، فإن استويا فلا شىء له . وان جاز احدهما الآخر فهو الناصل، وان/سميا خصلاً عد لمن جاز سهمه سهم الآخر هكذا إلى تمام الخصل.
وإذا رميا فى غرض فلما مر بعض الخصل تراضيا ان يتما بقية ذلك فى غرض آخر أقل من الأول أو أكثر مذا فلا بأس.
وان أبى بعضهم فليس للآخرين ذلك حتى يجتمعوا. وإذا ترأميا، فنضل احدهما الآخر ، فقال صاحبه : اقلنى ولك كذا لأقل من السبق فلا يجوز. ولا يجوز ذلك قبل ان يرميا، وان سبق رجل رجلاً ديناراً, فقال السبق للآخر : أنا أزيدك ديناراً على ان يرمى معى مكانك فلأن لم يجز ،أو يقول
[3/440]
***(1/421)
[3/441]
المسبق أنا أحط عنك نصف دينار على ان يرمى فلأن معى مكانك أو معك مكانى فلا يجوز، ولو فعلاً ذلك من غير نقصان ولا زيادة جاز. وان سبق احدهما الآخر على ان يرميا فى يوم بعينه، فزاد احدهما الآخر على ان يؤخرالرمى إلى يوم آخر فلا بأس. ولا بأس على ان يسابقه على ان يرميا وجهاً أو وجهين، على ان من فضل صاحبه بسم أو سهمين أو أكثر فقد نضله، ولا بأس ان يسبق رجل رجلاً على ان يرمى المسبق عشرة أوجه، ثم يحسب صوابه وخطأه، فإن كان الخطأ أكثر كان منضولاً، وان كان الصواب اكثر كان ناضلاً.
وليس قول الشافعى فى هذا بشىء فى قوله لا يجوز ان يناضل المرء نفسه. وهو قد أجاز ان يقول له ابداً فإن اصبت بسهم فلك كذا. فهذا مثله. ولا باس ان يترأميا مخاطة، وذلك ان يرميا ولا يحسبان شيئاً حتى يفرغ من الوجه، فإذا فرغ فإن كان احدهما اصاب بخمسة والآخر/بأربعة حسب لصاحب الخمسة واحد، ولا يحسب للآخر شىء، ويطرح ما تسأويا فيه. ولو اصاب واحد بخمسة والآخر بسهم حط السهم الخأمس ولا يزإلان كذلك حتى يكون لأحدهما فضل على صاحب الخصل الذى جعلاه له وانما يحسبان بعد فراغ الرشق، هكذا رأينا الرماة يفعلون، وحكاة الشافعى ايضاً. ولولا اتباع الرماة لكان القياس إذا فضل احدهما الآخر بمثل الخصل الذى جعلاه إليه وان كان فى بعض الوجوه فقد نضل، وان كان فيهما بلا شرط حمل على عرف الناس، فكان كالشرط. وان تشارطا على أنه من سبق صاحبه إلى فضل الخصل الذى جعلاه بينهما فقد نضل. فذلك جائز، وهو اقيس القولين. فإما الذى عليه الرماة فلا يتعادون ولا يفضل واحد واحداً حتى يفضله بعد الفراغ من الرشق بالخصل الذى سمياه ، وأنه ان بلغ فضله مثل الخصل ولم يتما الرشق فأنهما يتمان الرشق، فإن
[3/441]
***(1/422)
[3/442]
أصاب المفضول بعد ذلك شيئاً حط من فضل صاحبه ، ولا بأس ان يترأميا محاطة على ان يكون خأسراً منها بعد خاسقين، وما جاز فى المبادرة جاز فى المحاطة، ولا يحسب ما أصاب الخرق وسقط ولم يعلق، ولا ما اصاب الجلد وخرمه حتى يكون الجلد مديراً به من جميع نواحيه.
وإذا اصاب فتعلق وخيف سقوطه، فإن كان هو المبتدىء فى ذلك الوجه قيل للآخر ارم. فإن سقط بعد رميه بالسهم لم يحسب، وان ثبت حسب، وليس فيه قياس يصح انما هذا اتباع لما وجد عليه الرماة.
وان اصاب/فى الجلد خرقاً فدخل فيه، وثبت فى الهدف فإن كان الجلد محيطاً به حسب خاسقاً، وان تعلق بالجلد ونكس ولم يسقط فليحسب، وان اصاب الجلد راجعاً على الارض لم يحسب، وان تعلق بالجلد، ولا يضر الريح باصراف الريح فهو مخطىء، وان طرحت الريح الجلد قبل يقع فيه السهم، ثم وقع فإن وقع فى موضع لو لم يزل الجلد أخطأه لم يحسب، وكذلك لو وقع بموضع لو لم تبتل الجلد كان مصيباً فلا يحسب؛ إذ لعله لو ثبت الجلد لم يثبت فيه السهم. وقال الشافعى: له ان يعود فيرمى به زالت الريح الجلد أو أزالت الجلد. وهو قول حسن، والذى عليه الرماة إلا يعود.
وإذا أزالته الريح عن موضعه من الغرض يميناً وشمالا حسب له إذا اصابه وقال الشافعى: لا يحسب له فإن اصاب السهم الجلد فثبت النضل وبعض السهم ةانكسر اعلاه، فأنه يحسب خاسقاً، ولو اصاب بفوقه ثبت فى الجلد أو سقط لم يحسب، واصاب العرى، فكان ملصقاً بالجلد غير خارج عن استدارته حسب، وإلا لم يحسب. وكذلك ما دخل فى العروة من الجلد، إلا ان يشترط ما
[3/442]
***(1/423)
[3/443]
اصاب العرى فيلزم ذلك، وإذا اصاب الجلد فخسفه ودخل فى الغرض فغاب فيه، أو مرق منه حسب خاسقاً، ولا يحسب ما اصاب به الوتر.
وإذا انكسر قوس المناضل ، فهو عذر ويصبر عليه ليأتى بغيره، وكذلك ان انقطع وتره، أو انكسر سهمه ابدل، وليس له ان يطول عليه، ولكن على ما يتعارف/الناس. وإذا كان معه وتر يبعد من وتره فى الغلظ والرقة لم يلزمه ان يرمى به، إلا ان يقاربه فى المعنى، وكذلك من السهم ، ولو انخرم غشاء اصبع من اصابعه أو مضربه، فليس عليه رمى حتى يصلحه، وأهل الرمى يقولون إذا انقطع وتره وهو يرمى فخرج سهمه، فإن جأوز نصف الغرض كان كسهم أخطأ، وان لم يجأوزه فله ان يرمى بآخر مكأنه. ومنهم من يقول ان جأوز الثلثين، ولا اعلم فيه حجة غير اتباعهم. وقالوا كما لو انقطع واصاب الغرض حسب له، وكذلك ان أخطأ لم يحسب. وأحسنه عندى أنه ان بلغ السهم مبلغاً يعلم أنه من قطع الوتر لا من التضييع لم يحسب، وليرم ثانيةً، وان بلغ مبلغاً يبلغ مثله إذا أخطأ الرأمى عد كسهم أخطأ، وكذلك لو حاد عن الغرض بما يكون مثله فى الرمى فهو كسهم أخطا، وان علم أنه ليس من سوء الرمى ، ولكن من قطع الوتر لم يحسب عليه خطأ.
وإذا سلم احدهما للآخر فقال: قد نضلتنى. فإن كان قبل ان يرميا أو بعد ما رميا ما لا يتبين فيه بمثله فليس على صاحبه قبول ذلك، وكأنه كره ان يسمى منضولاً ويؤدى، ولو كان هذا بعد ان جاء من فضل صاحبه عليه مالا يرجو ان ينضله فهو جائز ان قبله الآخر، ورأيت الرماة لا يسلم احدهم للآخر حتى ييأس ولا يجد حيلةً.
[3/443]
***(1/424)
[3/444]
قال : ولا يجوز ان يشترطا ان من ترك منهما الرمى من غير عذر ، فهو منضول أو يؤدى مثل السبق وعليه ان يرمى، ولا احب ان يشترطاً إلا يرمى إلابقوس بعينها، وليس كذلك الفرس لأن الفرس هو الذى يجارى الفرس، وفى الرمى الرجل/هو الذى يرأمى الرجل.
وإذا وجب السبق كان ديناً يحاص به الغرماء، وان غربت الشمس فليس عليهما رمى وليقطعا، وان كانا فى بعض وجه ان تشاحا.
ولو رمى بعد مغيبها ، فعليهما تمام ذلك الرشق. والمطر والريح العاصف عذر يقطع به الرمى. وإما غير العاصفة فلا، وعلى الرأميين إلا يحبس احدهما الآخر على عمد الضرر به أو لينسيه ما تقدم من احسأنه ان كان محسناً. وللمسبق ان يبدأ من اى وجهى الغرض شاء ، استقبل الريح أو استدبرها.
وان شرطا ان يرميا مع الريح أو عليها جاز ذلك. وان شرطا إلا يرميا إلا من وجه واحد جاز ذلك، وإذا سبق حزب حزباً فعلى أهل الرمى ان يخلو الغرض لهم حتى يفرغوا من رميهم، وكذلك الميدان إذا تراهن رجلان أو جماعة بجماعة، فعلى من حضر من أهل الرهان ان يخلى لهم الميدان، على هذا أهل الرمى.
ولا بأس ان يجعل بين المتناضلين أميناً، يحسب ما رآه مصيباً، ويطرح ما لا يجب ان يحسبه، ويحفظ العدد لئلا يختلفوا فيه، وليس يجوز للذى يرأمى الآخر إذا أخذ رسله فى الرمى ان يتحدث ولا يتكلم، وهذا يودى رسله، ولا بأس ان يشترط إلا يزجر السهم إلا الرأمى وحده، وما شغل الرأمى من الرسيل أو غيرهم بعليهم ان يجيبوا ذلك الرماة.
[3/444]
***(1/425)
[3/445]
ولا بأس ان يرمى الرجل الرجل بأن يقول بسم الله، واسترزق الله، وأخذر موضع كذا من الغرض إذ الريح عليك. فلا يضنع البدع وشبه هذا.
وان شرطا خصلاً معلوماً ثم قال له: ارم هذا السهم فإن اصبت به فقد نضلتنى، فإن كان لو لم يصب/كانا رميهما فجائز، وان كان ان أخطأ فقد نضله فلا خير فيه.
وإذا تقدم فرميا، ثم انقطع وتر احدهما ، فمن الرماة من يقول: ان بعد بدله رمى غيرهما. وقال احدهم إلا ان يعرف الفلج، فلهما إلا يتقدم غيرهما. وإذا شرط ان يبدأ احدهما بوجه أو وجهين، ثم يرميان ويحسب للبادىء ما اصاب فذلك جائز، وان بدأ بالرمى من ليس له ان يبدأ طرح ذلك اصاب أو أخطأ.
وذكر محمد ما حكاه الشافعى عن رماة أهلمكة ما عابد . قال محمد: وأصل الرمى اريد به المعاداة، وان يكون ما هم فيه يحضهم على الرمى والمحإماة فيه يكون أدعى لهم للزومه وإلاحتيال فيه وتجويد اداته، وإذا نضل المسبق فله السبق يصنع به ما شاء، ان شاء أخذه لنفسه، وان شاء صنع به طعام ا لمن حضر ، وهذا احسنه.
وسئل عمرو بن دينار عن إلاسباق فقال كل واطعم معك. وقال ربيعة: لا بأس به؛ يعنى سبق الوالى ولك فى بيت المال حق. قال نافع مولى بن عمر: وكان الناس يسألون الوالى فيسبقهم.
قال محمد: ولا بأس ان تستأجر رجلاً يوماً يعلمك الرمى والفروسية والمطاعنة والضرب بالسيف والوثوب على الخيل، وادارة القناة، وإلاتقاء بالدرقة والنرس، والرمى بالمزاريق والمنجينيقات والعرادات والمقاليع، وكل ما كان عدةً على العدو.
[3/445]
***(1/426)
[3/446]
فى إلافتخار عند الرمى
والتحريض على تعلم الحرب
من كتاب ابن عمر: ولا بأس بإلافتخار عند الرمى وإلانتماء إلى القبائل والرجز. وهكذا إذا رمى بالسهم فظنه مصيباً ان يصيح عليه، وبالذكر/لله احب إلى.
وان قال انا الفلأنى فجائز ذلك كله نستحبه، وفيه اغراء لبعضهم ببعض.
وروى ان النبى صلى الله عليه وسلم ، رمى، فقال: انا ابن العواتك. ورمى ابن عمر بين الهدفين، فقال:انا بها. وقال:انا أبو عبد الرحمن. وقال مكحول انا الغلأم الهذلى.
قال محمد: كان مكحول فارساً، وكانت لغته بالدال.
قال: ورأى حذيفة يسعى بين الهدفين، وعليه قميص حسنة محلول إلازار،.
قال محمد: ولا احب ان يرى الرماة أنه يسهل عليهم النضل، ولينقض كل واحد منه على أصحابه بالحق وكلما ارادوا فيه مغاراة وتحاسداً، وكذلك أمور الحرب بين لأمسلمين وعدوهم وكل ما كان من العدة عليهم فلا بأس بالمفآخرة فيه وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى دجانة حين تبختر فى مشيته فى الحرب: أنها لمشية يبغضها الله إلا فى مثل هذا الموطن. واجاز المسلمون تحلية السيف، وما ذلك إلا لما أجيز من التفآخر فيه، وكرهوا آنية الذهب والفضة، واجازوا ذلك فى
[3/446]
***(1/427)
[3/447]
السلاح. وروى ان النبى صلى الله عليه وسلم اجرى الخيل، فجاء فرسه إلادهم فجثا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال: أنه لبحر.
وقال عمر كذب الخطيئة حيث يقول:
وان جياد الخيل لا تستفزنا ولا جاعلات العاج فوق المضاعد
ولو ترك هذا احد تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان عمر يهرول بين العرضتين من الرمى.
باب فى التداعى والبينات فى الرمى وسبق الخيل/
قال محمد بن عبد الحكم: ولا يجوز فى الشهادة على إلاسباق إلا العدول ، ويجوزفيه شاهد ويمين فى التعاقد فيه، وفى مبلغ السبق المجعول فيه، وفى أنه نضل. ويجوز فيه شاهد وأمرأتان، وان شهد فيه أبناء أحدهما أو أبوه وابنه، فإن كان طالباً لم تجز شهادتها، وان كان مطلوباً جازت لأنها عليه. وكذلك يجوزان عليه فى انكاره لشراء صفقة، فإن أدعى شراها لم يقبلا، وان شهدا ان فلأناً سبق فلأناً ديناراً فحكم عليه ان يراهيه ففعل، فنضل المسبق ثم رجعا فلا شىء عليهما لأنه لم يغرم، وانما ألزإماه الرمى. ولو نضله الآخر غرماً ما ادى. وان شهدا أنه سبقه وجعل الخصل إلى مائة، وقال هو إلى خمسين. فقضى عليه فبلغ إلى مائة، ثم نصل المسبق ثم رجعا فلينظر، فإن كان الناضل هو سبق ايضاً إلى خمسين قيل له: انت منضول بكل حال: ولا غرم على الشاهدين. وان كان المشهود عليه سبق إلى الخمسين ونضله الآخر إلى تمام المائة غرم الشاهدان الدينار الذى غرمه المسبق.
[3/447]
***(1/428)
[3/448]
وان قال احدهما ترأمينا على ان نرمى بقوس عربية. وقال الآخر بفارسية. فشهدا على آحدهما ثم رجعا وقد نضل المشهود عليه، فأنهما يغرمان، بخلاف ما لو شهدا على ان يرميا يوم كذا، والآخر يدعى يوما غيره، فقضى عليه، فلا يغرمان ان رجعا شيئاً. وكذلك لو اختلفا فى عدد السهام، فقال هذا : على ان يرمى فى كل وجه بخمسة. وقال الآخر بعشرة. قشهدا على ذلك، فنضل احدهما الآخر، فلا شىء على الشاهدين فى هذا ان رجعا. ولو شهدا لأحدهما أنه سبقه على خيار، وقال الآخر على غير خيار. فحكم للآخر ، فاختار إلا يرمى، ثم رجعا/فلا شىء عليهما. وكذلك لو شهدا أنه اقاله ثم رجعا.
وإذا قال المسبق سبقتنى ديناراً. وقال المسبق: نصف دينار. تحالفا وتفاسخا.وعلى قول ابن القاسم: ان رميا وأمعنا فى الرمى حلف المسبق وصدق. وفى قول أشهب: يتحالفإن ويتفاسخان أبداً. وإذا فرغا من الرمى ونضل المسبق، فالقول قول المسبق مع يمينه، ما لم يأت بما يتبين فيه كذبه، فمن الرماة من لا يجرى عليهم سبق الدرهم وشبهه؛ كما ول قال رجل: سبقت مثل ابن مهدى بالبصرة، وكبيس بمصر لكان كإذباً، وهذان غاية فى الرمى، كما لو قال: تزوجت فلأنة بثلاثة دراهم. وصداق مثلها مائتان، فيحمل أمرهما على ما يعرف الناس بعد إلايمان.
وان قال: سبقتك على ان ترمى بعشرة فى كل رشق. وقال الآخر بخمسة تحالفا وتفاسخا، وان ترأميا على عدد فهو ما ابتدؤوا عليه الرمى، وان تداعيا فى الغرض فالقول قول المسبق مع يمينه ان كان الذراع واحداً، ولا يفسخ فى مثل هذا لأن إلاغراض ليس فيها تفاضل.
ولو قال قائل: يتحالفإن ويتفاسخان. لكان مذهباً، والأول احب إلى. ولو أنهدم الغرض، أو كان جلداً بعينه فسرق، رمياً فى غرض آخر وجلد آخر على قدره ولم يفسخ. وان قال احدهما: سبقتك على ان يكون الخصل
[3/448]
***(1/429)
[3/449]
إلى مائة. وقال الآخر إلى خمسين. تحالفا وتفاسخا ان لم يرجع واحد إلى آخر. وان قال احدهما: رضينا بفلأن، وقال الآخر بل بفلأن. قيل لهما: ارضياً إلان بمن شئتما. وإلا جعل الحاكم عدلاً بينهما ممن يعرف الرمى.
ومن كتاب ادب القاضى لمحسن بن عبد الحكم: وإذا سبق احدهما الآخر ديناراً أو درهماً، وجعل الخصل إلى شىء مسمى، وقبل منه ما سبقه، وأبى احدهما ان يرمى، فإن القاضى يقضى عليه ان يرمى معه حتى يفرغ، وكذلك ان رميا ثم بدا لأحدهما ان يرمى قضى عليه ان يرمى معه حتى يفرغ، وإذا نضل المسبق أخذ السبق، فإن شاء هيا به طعام ا لمن حضر من الرماة أو غيرهم، وان شاء أخذه لنفسه، وكان مالك يحب ان يجعل السبق خارجاً على كل حال لسبق الرماة غيرهم، فيأخذه المصلى، كما يفعل الركاب فى الخيل، ويخرجه الذى سبقه نضل أو نضل، وقد اجاز ايضاً ذلك على ما قلت لك.
تم كتاب السبق والرمى
بحمد الله وعونه
بعده كتاب النذور وإلايمان
[3/449](1/430)
[4/5]
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على مولانا رسول الله و آله و صحبه / 40/156/ظ
كتاب الأيمان و النذور
في اليمين بغير الله ، و ما يكره من كثرة الحلف ،
و ذكر اليمين بالله ، و ما ينبغي منه
من الواضحة قال ابن حبيب : حدثني الطلحي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه : [و لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم] الآية . قال : نهاهم أن يكثروا الحلف به و إن كانوا بررة مصلحين بين الناس . و في كتاب ابن المواز ، قال : هو أن يحلف على ما لا يصلح ، فينبغي أن يكفر و يأتي ما هو خير .
و من الواضحة و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [شر الفجار من كثرت أيمانه ، و إن كان صادقا] : و قال للتجار : [لا تلفحوا بيوعكم بأيمانكم فإنها ملفحة للمال ممحقة للدين] .
[4/5]
***(1/1)
[4/6]
و قال ابن عمر : اليمين مأثمة أو مندمة . قال ابن حبيب و أنا أقول مأثمة و مندمة و لا يكاد يسلم من حلف من مواقعة الحنث .
4/157/و ومن العتبيَّة [ من سماع أشهب قال مالك قال ابن مسعود ما أحب أن أحلف إلا اعتد هذا ] إن البلاء موكل بالقول .
و روي أن عيسى عليه السلام قال [قال موسى لقومه لا تحلفوا بالله إلا صادقين ، قال و أنا] أنهاكم أن تحلفوا بالله لا صادقين و لا كاذبين ، قولوا لا أو نعم .
قال ابن حبيب و روى أن النبي عليه السلام قال : [لا تحلفوا بذمة الله و لا بعهود الله و بالكعبة و لا بآبائكم و لا بحدود الله و لا بالطواغيت ، و من كان حالفا فليحلف بالله ، و من حلف بالله فليصدق ، و من حلف له بالله فليرض و من لم يرض بالله فليس من الله] .
قال ابن عباس : لأن أحلف بالله فأثم أحب إلي من أن أضاهي فقيل معناه الحلف بغير الله ، و قيل يعني الإلغاز و الخديعة بربه أنه حلف و لم يحلف ، و الأول أولى ، لأنه عظم غير الله في الحلف به ، لقوله عز و جل [يضاهون قول اللذين
[4/6]
***(1/2)
[4/7]
كفروا] أي ما يشبه قولهم وقد بينه ابن عباس فقال [لأن أحلف بالله مائة مرة فأثم] أحب إلي من أن أحلف بغيره واحدة ثم أبر فيها ، وقال ابن مسعود لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا .
وقال ابن وهب ومطرف و ابن الماجشون : وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول "لا ومقلب القلوب" قال ابن حبيب وكان ابن الماجشون يحلف لا والعظيم ، و كان غيره يحلف لا والذي لا شيء أعظم منه .
ومن كتاب آخر وكان عمر 4/157/ظ لا يكره أن يحلف الرجل إذا كان صادقاً . و كان ابن عمر يتوقف أن يحلف وإن كان صادقا .
قال ابن حبيب وروي أن النبي عليه السلام قال : لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق فإنهما من أيمان الفُسَّاق .
قال مطرف وابن الماجشون فمن لزم ذلك واعتاده فذلك السلطان أحداً في دم ولا غيره و لينه عنه الناس ويؤدَّب عليه . قيل لمالك : إن هشام بن عبد الملك كتب أن يجلد من حلف بذلك عشرة أسواط ، قال مالك قد أحسن هشام إذ أمر بالضرب
[4/7]
[4/8]
فيه ، قال ابن عبدوس قال ابن القاسم عن مالك يضرب الناس على ذلك إن نهوا فلم ينتهوا .
وفي كتاب آخر أن عمر بن عبد العزيز كتب أن يجلد في ذلك أربعون سوطا و كذلك روى ابن القاسم عن مالك في العتبية .
قال ابن حبيب : و كره مالك أن يقول الرجل رغم أنفي لله أو يقول الصائم و الذي خاتمه على في . قال ابن حبيب إن عمر بن عبد العزيز لما بلغه موت الحجاج [ابن يوسف] خرَّ ساجداً لله وقال رغم أنفي لله ، الحمد لله الذي قطع مدة الحجاج ، فلا بأس أن يتأسَّاه في مثل هذا .
في اليمين الغموس ولغو اليمين
والإلغاز في اليمين ونية المستحلف
ومعاريض الكلام
من الواضحة قال عمر بن الخطاب : اليمين الغموس تدع الديار بلاقع .
قال ابن حبيب : هي اليمين الكاذبة متعمدا 4/158/ظ ، وهي من الكبائر ، وهي أعظم من أن تكفرها الكفارة ، وليتب إلى الله سبحانه الحالف بها ويتقرب إليه بما قدر من عتق أو صدقة .
قال ابن المواز : وكذلك الحالف على شك أو على الظن فإن صادف ذلك كما حلف فلا شيء عليه إلا أنه كان مخاطراً [قال أبو محمد] قوله على الظن يريد وهو لا يوقنه . وأما قولهم في اللغو أن يحلف على الأمر يظنه كذلك فيعني بالظن ها هنا اليقين به .
[4/8]
***(1/3)
[4/9]
قال ابن حبيب وروي عن ابن عباس وأبي هريرة والنخعي في لغو اليمين أن يحلف على الشيء يظنه كذلك فيكون خلافه كما ذهب إليه مالك .
قال بعض البغداديين : وقول عائشة هو قول الرجل لا والله وبلى والله هو في مثل معناه ، لأنها لا تعني تعمد الكذب لكن على ما يظنه .
قال ابن حبيب : ولا لغو إلا في اليمين بالله أو بعهد الله أو بنذر لا مخرج له قال مالك في العتبية : ولا يكون لغو اليمين في اليمين بالمشي إلى مكة أو بطلاق أو عتاق ، يريد ولا في غيره ، إلا في يمين تكفره .
ومن الواضحة قال مالك والإلغاز في اليمين فما كان مكراً أو خديعة أو ليفرَّ به من حق عليه فهو فيه آثم ولا يكفر ، ولا يأثم فيه في غير ذلك ولا كفارة فيه ، ولا أحب لأحد أن يفعله . قال ابن حبيب : ما كان على وجه العذر أو تنحياً من سخط أخيك لما بلغه عنك ونحوه 4/158/و والليث .
قال أبو محمد : وقد قال ابن حبيب في أول الكلام عن مالك أنه قال لا إثم فيه ولا أحب أن يفعله.
قال النخعي فيمن بلغه عنك شيء قلته فيه فلا بأس أن تقول له والله إن الله ليعلم ما قلت فيك من شيء ، وقال إن في هذه المعاريض لمندوحة عن الكذب فكان النخعي إذا كره أن يخرج إلى رجل جلس في مسجد بيته وقال للخادم قولي له هو في المسجد .
قال ابن حبيب فما كان من هذا في مكر أو خديعة ففيه الإثم والنية نيتك ، وما كان في حق عليك فالنية نية الذي حلفك ، قاله مالك .
[4/9]
***(1/4)
[4/10]
وإذا حلف وهو مظلوم أو تبرع باليمين فالنية نيته ، و كذلك قال النخعي .
في تأكيد اليمين وتكريرها أو تكرير النذور
والعهد والميثاق وشبهه أو يحلف على
أشياء مختلفة أو بأيمان البيعة
وبأشد ما أخذ أحد على أحد
قال ابن حبيب قال مالك : تأكيد اليمين أن يحلف بالله على شيء واحد مرارا فعليه كفارة واحدة ، وكان ابن عمر يعتق إذا وكد اليمين ، وكان يستحب ذلك أن يعتق أو يكسو في التأكيد. قال ابن حبيب : ويضارع التوكيد إن حلف على أشياء مختلفة ألا يفعلها فكفارة واحدة عليه ، فعل جميعها أو أحدها ، ثم لا شيء عليه في باقيها .
ومن كتاب ابن المواز 4/159/و ومن حلف لا باع منك سلعته فقال له آخر فأنا ؟ فقال والله ولا أنت ، فباعها منهما فعليه كفارتان ، وفي الطلاق طلقتان . ولو باعها من أحدهما ثم ردها إليه فباعها من الثاني فعليه كفارتان ، قاله مالك وابن القاسم . قال ولو قال لا بعتها من فلان ولا من فلان فكفارة واحدة باعها منهما أو من أحدهما أو ردها عليه فباعها أيضا من الآخر فهو سواء .
قال ابن القاسم عن مالك في العتبية فيمن حلف لا باع سلعته من فلان ثم حلف لا باعها من فلان فباعها منهما فليكفر كفارتين ، وإن باعها من أحدهما فكفارة [كما ذكر ابن المواز] وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال والله لا كلمتك غدا و والله لا كلمتك بعد غد فإن كلمه في اليومين فعليه كفارتان ، و إن كلمه في أحدهما فكفارة واحدة .
[4/10]
***(1/5)
[4/11]
ومن كتاب ابن المواز : ومن قال والله ثم والله ثم والله لا كلمت فلانا ولا لبست ثوبا فلبسه وكلم فلانا فكفارة واحدة ، إلا أن ينوي لكل يمين كفارة كالنذور ، وكذلك قوله والله و والله و والله قال مالك فيه وفي العتبية وإن حلف بالله فقيل له ستحنث ، فقال والله لا أحنث فكفارتان إن حنث .
ومن كتاب ابن المواز : ومن حلف بالله إن فعلت ثم قال علي نذر إن فعلت فكفارتان . ومن قال علي النذر إن فعلت ثم قال علي النذر إن فعلت فكفارتان ، إلا أن يريد بالنذر الثاني النذر الأول . وإن قال إن فعلت كذا وكذا فعلي عشرة 4/159/ظ نذور ففعله لزمه عشر كفارات ، وكذلك لو قال علي عشر كفارات أو عشرة عهود أو مواثيق أو كفالات فلكل واحدة كفارة ، ولو قال علي نذور فحنث فثلاث كفارات .
وقوله علي عهد أو قال عهد الله سواء يلزمه به الكفارة ، وكذلك قوله عهود أو عهود الله فثلاث كفارات .
و من قال لا وعهد الله فعليه كفارة يمين . ولو قال علي عهد وميثاق فكفارتان . وكذلك كفالته وذمته مع كل واحدة كفارة وإن قال كفالاته فثلاث كفارات ، وقوله والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم العزيز العليم كفارة واحدة .
وإن قال علي عهد الله وغليظ ميثاقه وكفالته وأشد ما أخذ أحد على أحد فعليه في العهد و الميثاق و الكفالة ثلاث كفارات ، وأما في أشد ما أخذ أحد على أحد ، فإن لم تكن له نية فليطلق نساءه ويعتق رقيقه ويتصدق بثلث ماله ويمشي إلى الكعبة ، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقال إلا أن يكون قد عزل الطلاق والعتاق من ذلك فليكفر ثلاث كفارات ولا شيء عليه . قال وإن لم
[4/11]
[4/12]
تكن له نية فذكر مثل ما ذكر ابن المواز في رفع النية ومن كتاب ابن المواز : ومن قال علي أيمان البيعة في 4/160/و يمين ثم حنث وقال نويت بالله وبالمشي وبالعتق وشبهه ولم أرد الطلاق فذلك إلى نيته ، وهذا المعنى في باب آخر بعد هذا .
ومن العتبية وقال سحنون : ومن حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة فعليه كفارة واحدة .
قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فيمن قال في يمينه علي عهد الله وأشد ما أخذ أحد على أحد فعليه في العهد كفارة يمين وفي قوله أشد ما أخذ أحد على أحد كفارة يمين .
ومن كتاب ابن المواز والعتبية قال مالك في امرأة حلفت بعشر نذور لزوجها لا تزوجت إلا أن يغلبها أمر فطلقها واحتاجت ، فإن لم يكن لنذورها مخرج فلتطعم مائة مسكين مدّاً مدّاً ، فإن لم تقدر صامت ثلاثين يوما ولم تجعل الحاجة أمراً عليها .
ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك فيمن حلف بعشرين نذراً فحنث فإن لم يجعل لذلك مخرجا من صيام أو حج أو غيره فليكفر عن يمينه ، يريد بعشرين كفارة . ومن قال علي أربعة أيمان فعليه أربع كفارات .
قال أبو محمد : وأعرف أن ابن المواز قال كفارة واحدة إلا أن ينوي أربع كفارات بقوله أربعة أيمان .
[4/12]
***(1/6)
[4/13]
في العهد أو النذر واليمين الذي لا كفارة له إلا الوفاء
وذكر ما فيه الكفارة من ذلك
من كتاب ابن المواز قال : ومن النذور والعهد ما لا كفارة فيه ، وذلك ما أريد به المعاقدة والمعاهدة لى البيعة والحلف ، وما مخرجه على هذا ليس على اليمين ولا توجيهها .
ومنه ومن العتبية قال مالك في الذي أوصى امرأته أن تلي على ولده على أن أعطته يميناً بصدقة مالها أن لا تتزوج وأن عليها عشرة نذور وأراها ذكرت عهد الله . قال مالك : يلزمها ذلك ولا أرى فيه كفارة لقول الله تعالى [وأوفوا 4/160/ظ بالعهد] وإنما أعطاها الولاية على أن لا تتزوج بالعهد الذي أعطته . قيل وإذا تزوجت انفسخ خلافتها ؟ قال نعم لأنها تركت ما أعطاها الولاية عليه .
ومن كتاب ابن حبيب قال : ومن أعطى مشركا أو خائفاً عهدا أو قوماً في أمر من طاعة الله عز وجل ثم خفر فيه فلا كفارة في هذا ، وهو أعظم من أن تكفره الكفارة وليتب إلى الله وليتقرب إلى الله سبحانه بالخير .
قال ابن شهاب فيمن عاهد امرأته وعاهدته أن لا يتزوج من بقي منهما بعد صاحبه فبقيت بعده فلتف له بالعهد حتى تخشى العنت . قال ابن حبيب وهذا مما لا تكفره كفارة ، وكأنه رأى باب ضرورة بالعنت .
[4/13]
***(1/7)
[4/14]
قال ابن حبيب وقول الرجل للرجل على عهد الله إن فعلت كذا فهذا يكفر ، فأما إن قال قد أعطيتك عهد الله أو لك على عهد الله إن فعلت كذا فلا كفارة في هذا ولا رخصة في تركه إلا فيما أفتى به ابن شهاب من خوف العنت .
ومن قال أعاهد الله أو أبايع الله إلا أفعل كذا فكفارته كفارة اليمين ، وكذلك عاهدت الله أو بايعت الله .
ومن سماع أشهب من العتبية ومن قال أعاهد الله عهدا لا أخيس به ألا أفعل كذا ثم فعله ، قال يكفر بإطعام عشرة مساكين ، وأحب إلي أن يزيد ويتقرب إلى الله سبحانه .
في اليمين بشيء من صفات الله سبحانه
أو بأسمائه أو بالقرآن أو بأمانة الله
وذمته وكفالته ولعمر الله وايم الله
ومعاذ الله وعلم الله ونحو هذا 4/161/و
ومن أقسم على غيره أو حلفه وجامع الأيمان
من الواضحة قال مطرف وابن الماجشون : ومن حلف بالعزة والعظمة والجلال هكذا فهو كقوله وعزة الله وعظمته وجلاله إنما هو حالف بالله ، لأن ذلك لله ومن نعت الله وليكفر .
وكذلك وكتاب الله أو وقرآن الله ، أو قال لا والكتاب ولا والقرآن لا والآيات فليكفر أضاف ذلك إلى الله سبحانه أو لم يضفه ، لأن ذلك لله ومن الله وهي أيمان كثيرة ، غير أن كفارة واحدة تجمعها بمنزلة من حلف بالله مراراً .
[4/14]
***(1/8)
[4/15]
قال ابن الماجشون : وأمانة الله يمين يحلف بها العرب ، فمن قال أمانة الله أن أفعل كذا أو قال وأمانة الله فحنث فليكفر يمينه . وقال أشهب في غير الواضحة من حلف بأمانة الله التي هي صفة من صفاته فهي يمين ، وإن حلف بأمانة الله التي بين العباد فلا شيء عليه أو قال في عزة الله التي هي صفة ذاته وأما بالعزة التي خلقها في خلقه فلا شيء عليه .
وكذلك تكلم ابن سحنون في معنى قول الله سبحانه [سبحان ربك رب العزة] أنها العزة التي هي غير صفته التي خلقها في خلقه .
ومن كتاب ابن المواز ومن حلف بذمة الله فليكفر ، ونحن نكره له اليمين بأمانة الله ، فإن فعل فحنث فليكفر كالعهد والذمة .
قال مالك ومن حلف بكتاب الله فعليه إن حنث كفارة يمين ولم ير عطاء عليه الكفارة . وفي غير كتاب ابن المواز أن الناقل عن عطاء شك فقال : سئل عن اليمين بالكعبة أو بكتاب 4/161/ظ الله ، وهذا أشبه أن يحمل الوهم على الناقل عن عطاء . وذكر علي بن زياد عن مالك في العتبية نحو ما ذكر عن عطاء ، وهي رواية منكرة ، والمعروف عنه غير هذا .
وقال في رواية علي بن زياد فيمن حلف بالمصحف فيحتمل أن يريد إن صح ذلك جسم المصحف دون المفهوم فيه والله أعلم .
قال سحنون في العتبية فيمن حلف بالتوراة والإنجيل ، قال عليه كفارة واحدة إن حنث . ومن كتاب ابن المواز ومن قال على أربعة أيمان فعليه أربع
[4/15]
***(1/9)
[4/16]
كفارات . وأعرف أن ابن المواز قال كفارة واحدة إلا أن ينوي أربع كفارات بقوله أربعة أيمان قال مالك وقوله لعمري ليس بيمين حتى يقول لعمر الله .
وقال في موضع آخر من كتابه : وقوله لعمر الله : وايم الله أخاف أن يكون يمينا .
قال ابن حبيب قال مالك في قوله لعمر الله وايم الله يمين يكفرها .
قال ابن المواز : ويمينه بالمصحف أو بالكتاب أو بالقرآن أو بما أنزل الله يمين وفيها كفارة اليمين .
قال ابن حبيب قال مالك وأصحابه في الحالف بالمصحف أو بالقرآن أو بسورة منه أو بآية فكفارته كفارة اليمين . قال وقال سفيان من قال شهد لا أفعل كذا ولم يقل أشهد أنه كمن قال أشهد ، وإن أراد بالله فهو يمين مثل أحلف أو أعزم أو أقسم . قال ابن حبيب وذلك حسن .
ومن قال لرجل أعزم عليك بالله إن لم تفعل فهو كقوله أسألك بالله فينبغي له أن يجيبه ما لم يكن معصية وكذلك إن كان تعنتاً أو ضرراً أو إجحافاً وهو من قول الله سبحانه [واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام] وكذلك إن سئل بالرحم ، فإن لم يفعل فلا كفارة على واحد منهما.
وأما قوله أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا فهذا يحنث الذي أقسم إن لم يجبه ، وهو كقوله حلفت 4/162/و عليك بالله . وأما إن لم يقل فيهما بالله ولا نواه فلا شيء عليه .
[4/16]
***(1/10)
[4/17]
ومن كتاب ابن المواز : ومن قال لغيره أعزم عليك بالله أن لا تفعل ففعل فلا شيء عليهما .
ومن العتبية من سماع أشهب : ومن قال لغريمه الله يعلم أني لا أضع لك من حقي شيئاً فوضع له ، قال لو كفر بإطعام عشرة مساكين .
قال سحنون في غير العتبية فيمن قال علم الله إن فعلت كذا فإن أراد العلم فهي يمين كالحالف بصفة من صفات الله سبحانه ، وإن لم يرد العلم فليس فيه شيء . وقال بعض أصحابنا في معاذ الله ليست بيمين إلا أن يريد بها اليمين ، وقيل في معاذ الله وحاشى لله ليستا بيمين بحال.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال بايعت الله إن فعلت كذا أنه إن حنث فعليه كفارة يمين قال أصبغ وقوله وحق الله ولا وحق الله سواء عليه كفارة يمين .
ومن كتاب ابن المواز : ومن قال لا وعهد الله فعليه كفارة يمين .
في النذر الذي له مخرج من الأعمال
أو لا مخرج له والحالف بذلك
قال أبو محمد ومن قول مالك وأصحابه أن من نذر شيئا من الطاعات في غير يمين أن ذلك يلزمه ، وإن كان في يمين لزمه ذلك بالحنث .
ومن نذر نذراً لا مخرج له بلفظ ولا بنية فليطعم عشرة مساكين ، وإن كان في يمين فحنث فليكفر كفارة يمين .
[4/17]
***(1/11)
[4/18]
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن قال علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به فليكفر كفارة يمين .
ومن كتاب ابن المواز : وقوله إن فعلت كذا فعلي نذر أو فعلي النذر أو لله علي نذر سواء ، وفيه الكفارة .
وكذلك قوله إن لم أفعل كذا من طاعة أو معصية . وأما إن قال 4/162/ظ علي نذر أن أفعل كذا أو لأفعلن فلا كفارة عليه ، وليف بالطاعة ويكف عن المعصية .
وإن قال إن شفاني الله من مرضي فلله علي ألا أقرب امرأتي حتى أحج أو أغزو أو أصوم فلا شيء عليه من الكف عن امرأته ، وليس كفه عنها بطاعة لله ، وعليه ما قال من حج أو غزو وشبهه .
ومن قال علي نذر لا يكفره صيام ولا صدقة فعليه كفارة يمين ، وكذلك في قوله نذر لا كفارة له . وقاله الليث .
وبعد هذا باب في النذور مستوعب .
في الاستثناء في اليمين بالله
والاستثناء في الفعل في غيرها
وفيمن حلف يجمع على أن يكفر
ومن كتاب ابن المواز قال : ولا استثناء إلا فيما فيه الكفارة من الأيمان إذا نوى بقوله إن شاء الله استثناءً ، فأما إن قالها سهواً أو استهتاراً لم ينفعه .
قال أشهب عن مالك في العتبية وكذلك من قالها لهجاً . وذكر له ما قيل عن عمر : من قال إن شاء الله فقد استثنى ، فقال إنما ذلك إذا نوى به الاستثناء .
[4/18]
***(1/12)
[4/19]
ومن كتاب ابن المواز : وإذا لم يقصد الاستثناء حتى انقضى آخر يمينه ثم أتبعها بالاستثناء من غير صمات ولا نفس قال لاينفعه حتى يبدو له في الاستثناء قبل انقضاء آخر حرف من يمينه فيكون له ذلك إذا لم يكن بين ذلك صمات إلا النفس ، كقوله والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ، فإذا لم يلفظ بالهاء من الشهادة حتى أجمع على الاستثناء نفعه ، وإذا لم يجمع على ذلك حتى لفظ بالهاء لم ينفعه . وكذلك أنت طالق ثلاثاً البتة ، فإن بدا له أن يستثنى قبل يلفظ بالهاء نفعه ، ولو بدا له فيه بعد لفظه بالهاء في الوجهين فوصله بها قبل الصمات م ينفعه . وذكر ابن القاسم في المدونة عن مالك بخلاف ما ذكر ابن المواز من هذا ، وقال إن هذا ينفعه . وقال إن هذا ينفعه . وقال ابن حبيب إذا بدأ في يمينه لا ينوي الاستثناء ثم بدا له وعرض له في قلبه فأتبعه يمينه نسقا قبل يقطع كلامه فذلك له ، قاله مالك وأصحابه .
قال ابن المواز قال مالك ، إذا حلف ولم ينو الاستثناء ثم استثنى قبل يقطع كلامه فإنه ينفعه إذا لم يصمت ، مثل من حلف بالبتة فبعد أن قال البتة بدا له عن اليمين . قال مالك وكذلك إن حلف في وديعة ما هي في بيته فلقنه رجل فقال في علمي فإن كان نسقا فله ثنياه .
ولا بأس أن يحلف الرجل لأهله في الشيء يجمع أن يكفر ولا يفي بيمينه .
قال ابن حبيب ولا ينفع الاستثناء بالقلب دون اللسان ، وإن حرك به شفتيه أجزأه وإن كان مستحلفاً لم يجزئه إلا الجهر به . وإذا ضمن يمينه
[4/19]
***(1/13)
[4/20]
بالطلاق أو بالعتق ففعل وقال إن شاء الله فابن القاسم قال لا ينفعه ولم يذكر في الفعل ولا في اليمين ، وقال ابن الماجشون إن نوى به الفعل أجزأه وقال وهذا لا شك فيه .
وبعد هذا باب في الاستثناء في جميع الأيمان مستوعبا .
في كفارة اليمين بالله سبحانه
قال الله عز وجل في كفارة اليمين بالله وهي التي أذن في اليمين بها [فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم إلى قوله فصيام ثلاثة أيام] فجاز أن يخرج في الكفارة الوسط من الشبع ، ولم يذكر في الظهار وسطا فعملنا فيه على الغاية من الشبع وصرفناه إلى ما أبهم الله عز وجل من إطعام فدية الأذى ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في ذلك مدين لكل مسكين ، فكان الظهار مثله .
ومن كتاب ابن المواز قال ومد بالمد الأصغر وسط من الشبع بالمدينة ، وإن مداً وثلثا بمصر لوسط ، ولو أخرج بها مداً أجزأه ، وإن شاء غذى المساكين وعشاهم عنده الخبز والإدام .
وقد أفتى ابن وهب بمصر بمد ونصف وأشهب بمد وثلث ، وإن مدا وثلثها لوسط من عيش أهل الأمصار في الغداء والعشاء . ومن الواضحة قال ابن حبيب إن شاء جمعهم أو فرقهم . قال ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة مدا لكل مسكين . وقاله كثير من التابعين بالمدينة ، وروي عن عمر مدين .
وقاله الحسن ومجاهد وليس بلازم ولو زاد على مد بغير المدينة كان حسنا ، وقال أصبغ يجزىء مد بكل بلد وإن رخص السعر .
[4/20]
[4/21]
قال ابن حبيب : وإن أطعمهم عنده فيغذيهم ويعشيهم حتى يشبعوا ولا يجزئه الخبز قفاراً ولكن بإدام من زيت أو لبن أو قطنية أو لحم أو بقل . قال ابن عباس أعلاه اللحم وأوسطه اللبن وأدناه الزيت .
قال ابن حبيب ولا يجزئه أن يغذي ويعشي الصغار ، وإن أعطاهم الحنطة أعطاهم المكيلة كاملة ، وإن كساهم فليعط كل صغير مثل كسوة الكبير .
قال أصبغ وله أن يعطي الصغير من الطعام المصنوع ما يأكل الكبير قال ابن المواز إذا كان فطيما قد أكل الطعام .
قال ابن حبيب ولا بأس أن يعطى صغار الإناث ما يعطى الرجال قميصا كبيرا بغير خمار إذ لا صلاة عليهن ، وكذلك ذكر ابن المواز عن أشهب إذا لم يبلغن الصلاة ، فإذا بلغن وحضن فدرع وخمار .
وقال عيسى عن ابن القاسم في العتبية يعطى الصغار من الطعام والكسوة مثل ما يعطى الكبير ، وإن أعطى صغار الإناث فليعط درعا وخمارا ، والكفارة واحدة لاينقص منها لصغير ولا يزاد لكبير . قال ابن المواز ولم يعجب ابن القاسم كسوة الأصاغر بحال ، وكان يقول من أمر منهم بالصلاة فله أن يكسوه قميصاً مما يجزيه . قال محمد يعطيه كسوة رجل .
قال ابن حبيب ويعطى الرجل إن شاء قميصا وإن شاء إزاراً يبلغ أن يلتحف به مشتملاً ، وللمرأة مالها أن تصلي به من درع يستر ظهور قدميها وخمارا وصدارا وإزاراً ولفافة تغطي بذلك شعرها أو رأسها وصدرها وعنقها .
ومن الواضحة قال ولا يخرج في الفطرة ولا قد ربعه فيجزئه .
[4/21]
***(1/14)
[4/22]
وإذا أعطى من الخبز قدر ما يخرج من كيل الطعام أجزأه في الفطرة وفي الكفارات التي يطعم فيها طعاماً مصنوعا ، فأما في الظهار وفدية الأذى فلا يجزئه .
وإذا كان بلده يأكل أهله القمح وهو الشعير فإن كان لضيق وجده أجزأه أن يخرج منه في الظهار وكفارة اليمين وفدية الأذى ، وأما إن كان له سعة فلا يجزئه إلا البر ، وإن كان أهل البد يأكلون الشعير وهو البر لم يجزئه إلا البر ، قاله أصبغ ، وذكره أو أكثره عن ابن القاسم.
ومن كتاب الزكاة قال ابن المواز قال ابن الماجشون : يخرج الفطرة من جل عيش البلد. قال ابن المواز يخرج مما يأكل هو ومما يفرض على مثله .
وإذا كان يأكل الشعير فليطعم منه في الكفارة قدر مبلغ شبع القمح ، ولا تجزئه الذرة إلا أن يكون هو أكله . ومن أخرج أفضل مما يأكل منه فحسن . وإن أطعم خمسة وكسا خمسة فاختلف قول ابن القاسم فيه ، فقال يجزئه وأظنه قول مالك ، وقال لا يجزئه ، وقاله أشهب ، وليضف إلى ما شاء تمام العشرة .
ومن كتاب ابن المواز : ومن عليه ثلاث كفارات فأعتق وكسا وأطعم ، يريد كل صنف عن يمين غير معينة ، أجزأه. ولو كان كل صنف عن جميع الأيمان لم يجزئه العتق وأجزأه من الإطعام عن ثلاثة مساكين ومن الكسوة عن ثلاثة فليطع سبعة ويكسو سبعة ، وليكفر عن اليمين الثالثة بما شاء غير الصوم من عتق أو إطعام أو كسوة. وإن شاء عن اليمينين أن يكسو سبعة عشر أجزأه أو يطعم سبعة عشر .
[4/22]
***(1/15)
[4/23]
وكره مالك لمن عليه كفارتان أن يطعم اليوم عشرة ليمينه ثم يطعمهم في غد أو بعد أيام ليمينه الأخرى. قال ابن القاسم فإن فعل بعد أيام أجزأه ، وكذلك لو كساهم بعد أن عروا من الكسوة الأولى. ومن اشترى صدقته أو زكاته أو كفارته كرهت ذلك ولا يبطل عليه ذلك ما تقدم .
جامع القول في العتق عن كفارة اليمين
من كتاب ابن المواز قال أشهب : وأجاز مالك عتق الرضع في الكفارة ، وقاله أشهب إلا في قتل النفس ، فإن من صلى أحب إليه ، وإلا فهو يجزئه .
قال ابن القاسم : يجزئه في كل كفارة ، وكذلك الأعجمي وإن وجد غيره .
وقال ابن وهب لا يجزىء الأعجمي حتى يجيب إلى الإسلام ، ولا يجزىء عند مالك الأصم وأجازه أشهب ، ولا يجوز الأخرس وأجاز من به البرص الخفيف ، ويجوز أقطع الأنملة أو الجذع من الأذن ، وقيل يجوز أقطع الإبهام ولا يجزىء أقطع الإبهامين. واختلف في الخصي ، ويجوز المريض ما لم ينازع .
ومن كتاب ابن حبيب قال : ولا يجزىء عتق المريض بمرض مفسد للجسد مثل السل والمد والجنون والجذام والبرص والفالج وشبهها ، وقاله مطرف وابن الماجشون ، قالا ولا يجزىء الأجذم ولا الأجدع المصطلم ، ويجزىء الجدع الخفيف والصمم الخفيف والعرج الخفيف وقطع الأنملة وذهاب الضرس ما لم يكن نقصانا فاحشا ينقصه ويعيبه فيما يحتاج إليه من عناية وجزاية . قالا وإن أعتق آبقا لم يجزه إلا أن يجده صحيحا وقد علم أنه كان يوم العتق صحيحا وإن كان يومئذ عليلا لا يجوز لم يجزه وإن صح. وكذلك لو كان يومئذ صحيحاً ثم اعتل في إباقه وقاله ابن القاسم .
[4/23]
***(1/16)
[4/24]
ولا بأس بعتق الرضيع من قصر النفقة إن كان أبواه مؤمنين أو كان من سبي المجوس أو كان من سبي الكتابيين ولم يسب معه أبوه. وأما من ولد في أبناء عبيد المسلمين النصارى الذين في أيديهم فلا يجزىء في رقبة واجبة ولا كفارة حتى يبلغ ويسلم ، قاله مطرف وابن الماجشون .
ومن كتاب ابن المواز : وإن قال إن اشتريت فلاناً فهو حر عن يميني أو عن ظهاري أجزأه إن اشتراه ، يريد لما ذكر ، وإن قال إن ابتعته فهو حر ولم يقل عن كفارته لم يجزه إن اشتراه عتقه عن يمين ولا غيره ، ولا بأس أن يعتق من قرابته ما لم يكن ممن يعتق عليه بالحكم .
ومن أعتق جميع عبد بينه وبين رجل ، يريد في ملائه ، عن ظهار أو يمين لزمه وأجزأه. قاله ابن القاسم. قال ابن القاسم وأشهب ومن أعطى لرجل مالاً على أن يعتق عنه عبده لم يجزه وإن أعطاه أضعاف ثمنه لأنه شرط .
في الصوم عن كفارة اليمين وبقية القول فيها
في كتاب ابن المواز قال مالك : لا يصوم الحانث حتى لا يجد إلا قوته ، أو يكون في بلد لا يعطف عليه فيها . قال ابن مزين قال ابن القاسم إن كان له فضل عن قوت يومه فليطعم إلا أن يخاف الجوع وهو في بلد لا يعطف عليه فيه .
ومن كتاب ابن المواز : ومن صام أيام التشريق ليمينه لم يجزه ووقف فيه مالك. قال محمد : يعيدها ، وقد قيل عسى أن يجزيه في اليوم الرابع. قال ابن القاسم : ومن صام لكفارة يمين أو تمتع ثم أيسر فليتماد في الكفارة وفرق مالك بين ذلك وبين صيام الظهار وقتل النفس فاستحب فيهما إن صام يسيراً أن يرجع إلى العتق ، وقال عبد الله بن عبد الحكم ذلك كله سواء ، واستحب له إن لم يصم إلا يومين من التمتع أن يرجع إلى الهدي .
[4/24]
***(1/17)
[4/25]
وقد قال عبد الملك مثل قول ابن القاسم قال ابن القاسم : وإذا كان يقدر أن يعتق فلم يعتق حتى أعدم فصام ثم أيسر فليعتق ، ولم أسمعه من مالك. وكذلك ذكر في كتاب الظهار. والذي في المدونة فيمن ظاهر وهو معسر ثم أيسر فلم يعتق حتى أعسر فليصم ، وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر .
ومن له مال غائب وليس له إلا دين فليتسلف ويعتق. وقال أشهب وقيل فإن لم يجد سلفا أو كان الدين قريبا انتظره ، ولو كفر بالصيام ولم ينتظر الدين أجزأه.
أشهب : والمتمتع لا يجد الهدي يؤخر إلى أن يكون آخر الثلاثة يوم عرفة ليجد هديا أو يجد من يسلفه ، ولو لم يؤخر أو ترك السلف وهو يجده وصام أجزأه ، والأول أحب إلينا .
ومن كتاب ابن المواز : ويجزيه إن كفر عنه غيره بأمره أو بغير أمره كالميت .
قال ابن القاسم قال أشهب وقيل لا يجزيه وإن كان بأمره بخلاف الميت. قال وليس له أن يعطي من كفارة اليمين المكاتب وأم الولد والعبد ، وله أن يعطي سيدهم إن كان محتاجا ، ولا يقضي منها ديناً عن ميت ولا في كفنه. ومن عليه دين يحيط بماله فليكفر بالصيام. قال ابن حبيب وإذا أذن السيد لعبده أن يكفر بالإطعام والكسوة فترك ذلك وصام لم يجزه لأنه بالإذن خرج من أهل الصيام. وفي المدونة أن ذلك يجزيه. وضعف إذن السيد في ذلك .
جامع القول في النذور
من كتاب ابن المواز : ومن قال علي النذر إن لم أفعل كذا أو إن فعلت كذا ، فإن لم يجعل لنذره مخرجاً لزمه بالحنث كفارة يمين ، ولا ينبغي له أن يبرَّ
[4/25]
***(1/18)
[4/26]
بمعصية إن كان بها بره ، فإن فعل أثم ولم تلزمه الكفارة ، وإن كان بالطاعة بره ففعل بر ، وإن لم يفعل كفر إلا أن يجعل للنذر الذي حلف به مخرجا من طاعة فتلزمه بالحنث فعل تلك الطاعة ، وإن كانت معصية فلا حنث عليه ولا كفارة.
ومن قال علي النذر شرب الخمر أو أن أشربها أو لأشربنها فلا شيء عليه لأنها مخرج نذره. وأما إن قال إن شربت الخمر فعلي نذر فإن شربها كفر وكذلك قوله إن لم يشربها فليكفر ولا يشرب. ولو قال علي النذر صوم شهر أو أن أصومه أو لأصومنه في نذر أو يمين فمخرجه فعله ذلك ، لأنها طاعة تلزمه في النذر وفي الحنث .
وقوله علي نذر أو لله علي نذر في ذلك كله سواء .
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم قال : النذور على خمسة وجوه ، فإذا قال لله علي نذر شرب الخمر أو أن أشربها أو لأشربنها فلا شيء عليه في هذا فعله أو تركه ، وإن قال علي نذر إن شربتها فليكفر إن فعل ، وإن قال إن لم أشربها قيل له لا تشربها وكفر ، فإن شربها أثم ولا يكفر .
وقوله علي نذر إن كلمت أبي أو قال فلاناً فليكفر إذا كلمه. قال عنه أبو زيد فيمن قال لله علي أن لا أكلم فلانا أو لا أدخل المسجد أو لا أصوم غداً فلا شيء عليه فيما فعل من ذلك. ولو قال علي إن فعلت ذلك لزمه بالفعل كفارة يمين .
ومن قال علي نذر عتق رقبة لأصومن غداً ، فإن صام فلا شيء عليه ، وإن لم يصم أعتق رقبة ، هو في ذلك مخير .
[4/26]
***(1/19)
[4/27]
ومن كتاب ابن المواز : ومن جمع في نذره طاعة ومعصية أو مع شيء ليس بطاعة ولا معصية لم يلزمه إلا ما هو طاعة فقط .
ومن العتبية من سماع ابن القاسم : ومن قال علي نذر أن أكلم فلانا أو لا أكلمه فلا شيء عليه ، لأنه جعل نذره في الكلام أو في تركه ، وكذلك قوله أن أحمل هذا الحجر .
قال ابن حبيب : من قال علي نذر أن أفعل كذا في يمين أو في غير يمين ، فهذا فعله هو نذره ، فإن كان طاعة لزمه ، وإن كان معصية فلا يفعل ولا يكفر. ولو قال علي نذر إن لم أفعل كذا فهذا نذره غير فعله ، فإن لم يجعل لنذره مخرجا ولا نواه فيؤمر أن يفعل الطاعة فيبر ولا يفعل المعصية ويكفر كفارة يمين .
ومن كتاب ابن المواز : ومن قال لامرأته علي نذر أن أطلقك فلا شيء عليه. ومن قال علي نذر أن أصوم العام رمضان بالمدينة لزمه ، فإن خلفه مرض فلا شيء عليه ، وإن كان لشغل فليصم في قابل ، وكذلك الحج .
مالك : ومن نذر صوم شهر بعينه فما غلب عليه من الإغماء والحيض في المرأة فلا قضاء فيه ، وأخاف في المرض أن يقضي. قال محمد : والمعروف من قول مالك أن لا يقضي ما مرض منه. وأما الشغل عنه فليقض ، وإن كبر حتى يئس من القضاء أطعم عن كل يوم مداً .
ومن قال علي يمين أو قال نذر أو قال عهد في يمين ولم ينو مخرجاً فعليه كفارة يمين إن حنث ، وإن نوى مخرجا من طاعة لزمه ما نواه ولا شيء عليه فيما ليس بطاعة .
[4/27]
***(1/20)
[4/28]
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن نذر عتق عبده قال ينبغي له الوفاء بذلك باللازم كما يلزمه في الحنث ، وهذا ناذر فليوف بنذره .
ومن كتاب آخر قال أشهب : إن قال أنا أفعل ترك ، وإن قال لست أعتقه قضي عليه بعتقه. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن نذر إن رزقه الله ثلاثة دنانير أن يصوم ثلاثة أيام فرزق دينارين فصام ثلاثة أيام ثم رزق دينارا ثالثا فإنه يبتدىء صيام ثلاثة أيام .
وقال فيمن قال إن قضى الله عني المائة دينار التي تحملت بها فعلي صيام ثلاثة أشهر ، فقضاها إلا دينارا ونصفاً فصام ثلاثة أشهر ثم قضى الدينار والنصف قال أرجو أن تجزئه ، ورأيته عنده ضعيفا .
وقد تقدم باب في النذر الذي لا مخرج له أوله مخرج فيه من معاني هذا الباب من نذر إن شفاه الله أن لا يقرب امرأته حتى يحج .
في ناذر المشي إلى مكة وغيرها في نذر أو يمين
أو أن يحمل شيئا إلى مكة
من كتاب ابن المواز : ومن قال علي المشي إلى الكعبة نذراً أو لم يقل نذراً فذلك سواء ، وكذلك علي أو لله علي في هذا وفي غيره من نذور الطاعات فهو لازم .
قال ابن حبيب : من سمَّى في نذره أو في يمينه المشي إلى الكعبة أو قال مكة أو المسجد أو بيت الله ، يريد ولا نية له ، لزمه المشي. ولو قال إلى الحجر أو
[4/28]
***(1/21)
[4/29]
الحطيم أو زمزم أو الصفا أو المروة والأبطح والحجون وحيادين وقعيقعان وأبي قبيس وشبه ذلك مما هو داخل القرية لزمه عند أصبغ ، ولا شيء عليه في ذلك كله عند ابن القاسم .
قال أبو محمد والذي ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم في الحجر والحطيم خلاف قوله في المدونة .
قال ابن حبيب : وإن سمَّى ما في خارجها من مزدلفة ومنى وعرفات وشبه ذلك لم يلزمه. وأصل ذلك في قول الله تعالى في المتمتع [ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام] واستحسن ابن حبيب أن يلزمه في كل ما تضمنه الحرم ، فإن سمى ما في خارجه لم يلزمه خلا عرفات فإنه يلزمه فيها .
ومن العتبية سحنون عن ابن القاسم فيمن حلف بالمشي ذراعا ويحفر ذراعا ، فليمش ولا هدي عليه ولا حفر .
ومن كتاب ابن المواز : والذي ينذر المشي إلى الحرم فلا شيء عليه إلا أن ينوي ما فيه من البيت وغيره فيلزمه ، وإن قال إلى مكة وقال نويت بيوتها فلا شيء عليه إلا أن يكون ذلك على معنى الرتابق فلا تجزئه النية حتى يسمى البيوت كما يسمي الصفا والمروة وغيرها .
وقال أشهب وأصبغ : كل ما سمَّي من الحرم أو من مواضع مكة فهو له لازم .
[4/29]
***(1/22)
[4/30]
ومن نذر المشي إلى مسجد المدينة أو بيت المقدس فإن نوى الصلاة في مسجديهما أتى ذلك راكبا ، وقيل إن كان قريبا مثل الأميال أتاهما ماشيا ، وهذا خفيف ، وقيل لا يمشي وإن كان ميلا .
وقال ابن وهب في غير كتاب ابن المواز يمشي إليهما وإن بعدا. ومن نذر أن يصلي في مسجد غير الثلاثة مساجد فليصل بموضعه ويجزئه ، إلا أن يكون قريبا جدا فليأته فيصلي فيه. قال ابن حبيب قال مالك إن كان معه في البلد مشى إليه وصلى فيه ، وأوجبه ابن عباس في مسجد قباء من المدينة قال ابن حبيب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه ماشيا وراكبا .
ومن كتاب ابن المواز ومن قال علي الركوب إلى مكة فلا يجزئه أن يأتيها ماشيا ، قاله أشهب ، لأنه يخفف عن نفسه مؤونة أوجبها في ماله وليأتيها في حج أو عمرة .
ومن العتبية من سماع أشهب : وسألت مالكاً سوداء حلفت بالمشي إلى مكة أن ابنها لم يعطها دراهم ولا دفعتها ثم ذكرت أنها فعلت ، فقال لها امشي فإن لم تقدري فاركبي وأهدي وليس عليك عجلة حتى تجدين وتقوين .
قال في كتاب جامع الأحاديث فبكت وارتعدت وقالت والله ما أستطيع يا أبا عبد الله ، فصعد مالك فيها النظر وصوبه وما رأيناه فعل ذلك في امرأة غيرها ثم قال لها : اذهبي لا شيء عليك ، ثم قال : خافت مقام ربها. قال في
[4/30]
***(1/23)