في أغراضها وملاذها بخلاف السفيهة كما للمريض أن ينكح أبكارا بمهور أمثالهن من غير حاجة
( ولا يحسب من الثلث إلا ) قدر ( زائد على مهر مثل ) بخلاف مهر المثل وأقل منه فمن رأس المال لأن التبرع إنما هو بالزائد فهو كالوصية للأجنبي ولا يكون كالوصية للوارث لخروجه بالخلع عن الإرث إلا أن يكون وارثا بجهة أخرى غير الزوجية كابن عم أو معتق
فإن قيل قد جعلوا خلع المكاتب تبرعا وإن كان بمهر المثل أو أقل فهلا كان المريض كذلك أجيب بأن تصرف المريض أتم ولهذا وجب عليه نفقة الموسرين بخلاف المكاتب
ويصح خلع المريض مرض الموت بدون مهر المثل لأن البضع لا يبقى للوارث لو لم يخالع
ثم شرع في الركن الثالث وهو البضع وشرطه أن يملكه الزوج فقال ( و ) يصح اختلاع ( رجعية في الأظهر ) لأنها في حكم الزوجات في كثير من الأحكام
والثاني لا لعدم الحاجة إلى الافتداء لجريانها إلى البينونة
ويستثنى كما قال الزركشي ما لو عاشر الرجعية معاشرة الأزواج بلا وطء وانقضت الأقراء أو الأشهر وقلنا يلحقها الطلاق ولا يراجعها وهو الأصح كما سيأتي فينبغي أن لا يصح خلعها لأنها بائن إلا في الطلاق
( لا بائن ) بخلع أو غيره فلا يصح خلعها إذ لا يملك بضعها حتى يزيله وحكى الماوردي فيه إجماع الصحابة قال ولو قالت طلقني واحدة بألف فقال أنت طالق واحدة وطالق ثالثها فإن أراد بالعوهما الأولى وقعت دون الأخيرتين أو الثانية وقعت الأوليان دون الثالثة أو الثالثة وقعت الثلاث
والخلع في الردة من الزوجين أو أحدهما وفي إسلام أحد الزوجين الوثنيين بعد الدخول موقوف
ثم شرع في الركن الرابع وهو العوض فقال ( ويصح عوضه ) أي الخلع ( قليلا وكثيرا دينا وعينا ومنفعة ) لعموم قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ولأنه عقد على منفعة البضع فجاز بما ذكر كالصداق
ويستثنى من إطلاقه المنفعة صورتان إحداهما الخلع على أنه بريء من سكناها ففي البحر يقع الطلاق ولا يجوز البدل لأن إخراجها من المسكن حرام فلها السكنى وعليها مهر المثل
ثانيتهما الخلع على تعليم شيء من القرآن فقضية قولهم في الصداق حيث قالوا بالتعذر أنه لا يصح
( و ) يشترط في العوض شروط الثمن من كونه متمولا معلوما مقدورا على تسليمه فعلى هذا ( لو خلع بمجهول ) كأحد العبدين ( أو خمر ) معلومة أو نحوها مما لا يتملك ( بانت بمهر مثل ) لأنه المراد عند فساد العوض ( وفي قول ببدل الخمر ) وهو قدرها من العصير كالقولين في إصداقها
تنبيه أشار بالتمثيل بالخمر إلى النجس المقصود فخرج ما لا يقصد كالدم فإنه يقع رجعيا لأنه لم يطمع في شيء قال الرافعي
وقد يتوقف في هذا فإن الدم قد يقصد لأغراض
ورده ابن الرفعة بأغراض تافهة كالعدم
ولا يخفى أن خلع الكفار بعوض غير مال صحيح كما أنكحتهم فإن وقع إسلام بعد قبضه كله فلا شيء له عليها أو قيل قبض شيء منه فله مهر المثل أو بعد قبض بعضه فالقسط
ولو خلعها على عين فتلفت قبل القبض أو خرجت مستحقة أو معيبة فردها أو فاتت منها صفة مشروطة فردها رجع عليها بمهر المثل والعوض في يدها كالمهر في يده في أنه مضمون ضمان عقد وقيل ضمان يد
ومحل البينونة بالمجهول إذا لم يكن فيه تعليق أو علق بإعطاء مجهول يمكن إعطاؤه مع الجهالة
أما إذا قال إن أبرأتني من صداقك أو من دينك فأنت طالق فأبرأته وهي جاهلة به لم تطلق لأن الإبراء لم يصح فلم يوجد ما علق عليه الطلاق قاله السبكي وهو المعتمد وكلام الماوردي يوافقه وفي كلام القفال ما يدل عليه وفي كلام ابن الصلاح ما يخالفه وجرى عليه في الأنور فقال لو قال إن أبرأت فأنت طالق فابرأته جاهلة به لم تطلق بخلاف إن أبرأتني
ومحل وقوع الطلاق عند التعليق بالبراءة من الصداق أو الدين إذا كان معلوما أما إذا لم يتعلق بذلك الدين زكاة فإن تعلقت به الزكاة وأبرأته لم يقع الطلاق لأن الطلاق معلق على البراءة من جميع الدفن والدين قد استحق بعضه الفقراء فلا تصح البراءة من ذلك البعض فلم توجد الصفة كما لو باع المال الذي تعلقت به الزكاة بعد الحول فإنه يبطل في قدرها نبه عليه ابن العماد وهو حسن وإن نظر فيه بعضهم
فائدة الإبراء من جهة المبرىء تمليك ومن وجهة المبرإ إسقاطه فيشترط على الأول دون الثاني هذا إذا لم يؤل
____________________
(3/265)
الأمر فيه إلى معارضة كما هنا وإلا فيشترط علمهما
قال الزركشي في قواعده أما في الخلع فلا بد من علم الزوج بمقدار ما أبرأته منه قطعا لأنه يؤول إلى المعارضة قال وقد غلط في هذه المسألة جماعة وأخذوا بظاهر كلام الأصحاب أنه لا يشترط علم المبرأ على إطلاقه
ويستثنى من البينونة بالخمر ما لو خالع مع غير الزوجة من أب أو أجنبي على هذا الخمر أو المغصوب أو عبدها هذا أو على صداقها ولم يصرح بنيابة ولا استقلال بل أطلق فيقع رجعيا وليس لنا صورة تقع بسبب ذلك رجعيا ولا مهر سواها
فرع لو خالعها بما في كفها ولم يكن فيه شيء ففي الرافعي عن الوسيط وقوع الطلاق رجعيا وعن غيره وقوعه بائنا ثم قال ويشبه أن يكون الأول فيما إذا كان عالما بالحال والثاني فيما إذا ظن أن في كفها شيئا
وقال المصنف المعروف الذي أطلقه الجمهور وقوعه بائنا بمهر المثل وصوبه في فتاويه وهذا موافق لما نقلاه في فتاوى البغوي وأقراه من ترجيح أنها تبين بمهر المثل فيما لو خالعها ببقية مهرها ولم يكن بقي منه شيء ووجه ما جرى عليه المصنف الجوجري بأن ما في بما في كفها نكرة أو موصولة وكلاهما بمعنى شيء وإسناده إلى كفها يشبه إسناد الإقرار بشيء يرفعه فيلغو
فإن قيل هذا يشكل بوقوعه رجعيا في خلع بدم
أجيب بأن الدم لا يقصد كما مر فذكره صارف للفظ عن العوض بخلاف خلعها على ما في كفها ولو مع علمه بأنه لا شيء فيه إذ غايته إنه كالسكوت عن ذكر العوض وهو لا يمنع البينونة ووجوب مهر المثل
ولو خالعها بمعلوم ومجهول فسد المسمى ووجب مهر المثل بخلاف الخلع على صحيح وفاسد معلوم نشأ فاسده من غير الجهالة فيصح في الصحيح ويجب في الفاسد ما يقابله من مهر المثل
( و ) يجوز ( لهما ) أي الزوجين ( التوكيل ) في الخلع لأنه عقد معاوضة كالبيع وهذا واضح وإنما ذكر توطئة لبيان مخالفة الوكيل
( فلو قال ) الزوج ( لوكيله خالعها بمائة ) من دراهم مثلا معلومة ( لم ينقص ) وكيله ( منها ) لأنه مأذون فيه
وأفهم جواز الزيادة عليها وهو كذلك إن كانت من جنسها قطعا كمائة وعشرة وكذا من غيره على الأصح كمائة ثوب
فإن قيل ينبغي أن لا يصلح فيما إذا زاد كما لو قال بعه من زيد بكذا فباعه بأكثر لأنه قد يقصد محاباته
أجيب بأن الخلع إنما يقع غالبا عند الشقاق ومع ذلك يبعد قصد المحاباة
( وإن أطلق ) الإذن لوكيله كخلعها بمال أو سكت عنه ( لم ينقص عن مهر المثل ) لأنه المرد وله أن يزيد عليه من جنسه وغيره كما مر
( فإن نقص فيهما ) بأن خالع بدون المائة في الأولى وبدون مهر المثل في الثانية نقصا فاحشا وهو ما لا يحتمل غالبا ( لم تطلق ) للمخالفة كما لا ينفذ بيعه في مثل هذا
( وفي قول يقع ) الطلاق ( بمهر مثل ) لفساد المسمى بنقصه عن المأذون فيه والمراد ورجحه في أصل الروضة وتصحيح التنبيه في الثانية ونقله الرافعي عن الأكثرين بخلاف الأولى للمخالفة فيها لصريح الإذن وهذا هو المعتمد كما قال الإسنوي إن الفتوى عليه
تنبيه يلتحق بنقصانه عن المسمى أو مهر المثل ما لو خالع بمؤجل أو بغير نقد البلد
( ولو قالت لوكيلها اختلع بألف ) من الدراهم مثلا ( فامتثل نفذ ) لوقوعه كما أمرته وكذا إن اختلع بأقل من ألف كما في المحرر وحذفه المصنف لأنه يفهم من باب أولى
وفي تسليم الوكيل الألف بغير إذن جديد وجهان أوجبهما كما قاله بعض المتأخرين المنع
( وإن زاد ) وكيلها على ما سمعته له ( فقال اختلعها بألفين ) مثلا ( من مالها بوكالتها بانت ) على النص ( ويلزمها مهر مثل ) لفساد المسمى بزيادته على المأذون فيه سواء أكان زائدا على ما سمعت للوكيل أم ناقصا
( وفي قول ) يلزمها ( الأكثر منه ) أي مهر المثل ( ومما سمته ) للوكيل لأن مهر المثل إن كان أكثر فهو المرجوع إليه عند فساد المسمى فإن كان الذي سمته أكثر فقد رضيت به
تنبيه ما ذكره المصنف في حكاية هذا القول تبع فيه المحرر والصواب فيه ما جوازه في الشرح والروضة أنه
____________________
(3/266)
الأكثر مما سمته هي ومن أقل الأمرين من مهر المثل ومما سماه الوكيل
ولو قال المصنف ما لم يزد مهر المثل على مسمى الوكيل فإن زاد وجب ما سماه لاستقام فلو كان مهر المثل ألفين وسمعت ألفا فسمى الوكيل ألفا وخمسمائة لزمها على قضية ما في الكتاب وعلى القول الثاني ألفان وعلى ما في الشرح والروضة ألف وخمسمائة ولا يطالب وكيلها بما لزمها إلا إن ضمن كأن يقول على أني ضامن فيطالب بما سمي وإن زاد على مهر المثل
( وإن ) لم يقل الوكيل في الصورة المتقدمة بوكالتها بل ( أضاف الوكيل الخلع إلى نفسه فخلع أجنبي ) وهو صحيح كما سيأتي
( والمال عليه ) ولا شيء عليها منه لأن إضافته إلى نفسه إعراض عن التوكيل واستبداد بالخلع مع الزوج
( وإن أطلق ) الوكيل الخلع بأن لم يضفه إليه ولا إليها وقد نواها ( فالأظهر أن عليها ما سمت ) لالتزامها إياه ( وعليه الزيادة ) لأنها لم ترض بأكثر مما سمته فعلى كل منها في الصورة المذكورة ألف
لكن يطالب بما سماه لأنه التزمه بعقده ثم يرجع بما سمته إذا غرمه وللزوج مطالبتها بما لزمها
والثاني عليها أكثر الأمرين مما سمته ومنه مهر المثل ما لم يزد على مسمى الوكيل كما مر وعليه التكملة إن نقص عنه
ولو أضاف الوكيل ما سمته إليها والزيادة إلى نفسه ثبت المال كذلك
ولو أطلقت التوكيل بالاختلاع فكأنها قدرت مهر المثل فلا يزيد الوكيل عليه فإن زاد عليه وجب مهر مثل وعليه ما زاد كما لو زاد على المقدر
واو خالع وكيلها الزوج بنحو خمر كخنزير ولو بإذنها فيه نفذ لأنه وقع بعوض مقصود لزمها مهر المثل لفساد العوض
وإن خالع وكيل الزوج بنحو خمر كان قد وكله بذلك نفذ أيضا بمهر المثل لما مر نعم إن خالف وكيله فأبدل خمرا وكله بالخلع بها بخنزير لغا لأنه غير مأذون فيه
( ويجوز توكيله ) أي الزوج في الخلع ولو من مسلمة ( ذميا ) أو غيره ولو عبر بالكافر كان أولى لأنه قد يخالع المسلمة أو يطلقها ولو كان وثنيا ألا ترى أنها لو أسلمت وتخلف وخالعها في العدة أو طلقها ثم أسلم حكم بصحة الخلع والطلاق ( و ) يجوز توكيله ( عبدا ) وإن لم يأذن السيد ( ومحجورا عليه بسفه ) وإن لم يأذن الولي إذ لا يتعلق بالوكيل هنا عهدة
( ولا يجوز ) بمعنى لا يصح ( توكيل محجور عليه ) بسفه ( في قبض العوض ) لأنه ليس أهلا له فإن وكله وقبض كان الزوج مضيعا لما له ويبرأ المخالع بالدفع قاله في التتمة وأقراه وحمله السبكي وغيره على عوض معين أو غير معين وعلق الطلاق بدفعه
فإن كان في الذمة لم يصح القبض لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فإذا تلف كان على الملتزم وبقي حق الزوج في ذمته
تنبيه كلام المصنف يفهم امتناع توكيل الزوجة لهؤلاء وليس على إطلاقه بل يجوز توكيلها الكافر والعبد وإن لم يأذن له السيد فإن أضاف المال إليها فهي المطالبة به وإن أطلق ولم يأذن السيد في الوكالة طولب بالمال بعد العتق وإذا غرمه رجع به على الزوجة إذا قصد الرجوع وإن أذن السيد في الوكالة تعلق المال بكسب العبد ونحوه فإذا أدى من ذلك رجع به عليها
وأما المحجور عليه بسفه فلا يصح أن يكون وكيلا عنها وإن أذن له الولي إلا إذا أضاف المال إليها فتبين ويلزمها إذ لا ضرر عليه في ذلك فإن أطلق وقع الطلاق رجعيا كاختلاع السفيهة
( والأصح ) المنصوص ( صحة توكيله ) أي الزوج ( امرأة بخلع ) أي في خلع ( زوجته أو طلاقها ) لأنه يصح أن تطلق المرأة نفسها فيما إذا فوض طلاق نفسها إليها وهو توكيل أو تمليك كما سيأتي فإن كان توكيلا فهو ما نحن فيه وإن كان تمليكا فمن صح أن يملك شيئا صح توكيله فيه
والثاني لا يصح لأنها لا تستقل بالطلاق
تنبيه أفهم كلامه أن توكيل الزوجة امرأة في خلعها صحيح قطعا وهو كذلك
ويستثنى من إطلاقه ما لو أسلم على أكثر من أربع ثم وكل امرأة في طلاق بعضهن فإنه لا يصح لتضمنه الاختيار للنكاح ولا يصح توكيلها للاختيار في النكاح فكذا اختيار الفراق
( ولو وكلا ) أي الزوجان معا ( رجلا ) في الخلع ( تولى طرقا ) منه أي أيهما شاء
____________________
(3/267)
والطرف الآخر يتولاه أحد الزوجين أو وكيله ولا يتولى الطرفين كما في البيع وغيره
( وقيل ) يتولى ( الطرفين ) لأن الخلع يكفي فيه اللفظ من أحد الجانبين كما لو قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ذلك يقع الطلاق خلعا
ثم شرع في الركن الخامس وهو الصيغة وتنقسم إلى صريح وكناية معبرا عنه بفصل فقال فصل ( الفرقة بلفظ الخلع طلاق ) ينقص العدد كلفظ الطلاق لأن الله تعالى ذكره بين طلاقين في قوله { الطلاق مرتان } الآية فدل على أنه ملحق بهما ولأنه لو كان فسخا لما جاز على غير الصداق إذ الفسخ يوجب استرجاع البدل كما أن الإقالة لا تجوز بغير الثمن
( وفي قول فسخ لا ينقص عددا ) ويجوز تجديد النكاح بعد تكرره من غير حصر لأنها فرقة حصلت بمعاوضة فتكون فسخا كشراء زوجته وهذا القول منسوب إلى القديم وفي قول نص عليه في الأم أنه لا يحصل به شيء لا فرقة طلاق ولا فسخ
وخرج بلفظ الخلع الفرقة بلفظ الطلاق إذا كان بعوض فإنه يكون طلاقا قاطعا وكذا إن قصد بلفظ الخلع الطلاق أو اقترن بلفظ الخلع طلاقا ك خالعتك على طلقة بألف
قال الفوراني وإذا نوى بالخلع عددا إن جعلناه طلاقا وقع ما نواه أو فسخا فلا لأنه لا يتعدد
( فعلى الأول ) وهو أن الخلع طلاق ( لفظ الفسخ ) ك فسخت نكاحك بكذا فقبلت ( كناية ) فيه لأنه لم يرد في القرآن ولم يستعمل عرفا فيه فلا يكون صريحا فلا يقع الطلاق فيه بلا نية
تنبيه ليس المراد أن لفظ الفسخ كناية في لفظ الخلع إذ اللفظ لا يكنى به عن لفظ آخر بل المراد أنه كناية في الفرقة بعوض التي يعبر عنها بلفظ الخلع ويحكم عليها بأنها طلاق
( والمفاداة ) ك فاديتك بكذا حكمها ( كخلع ) في صراحته الآتية ( في الأصح ) لورود لفظة المفاداة في القرآن ولم يشتهر على لسان حملة الشريعة
( ولفظ الخلع صريح ) في الطلاق فلا يحتاج معه لنية لأنه تكرر على لسان حملة الشرع لإرادة الفراق فكان كالتكرر في القرآن وهذا ما صرح به البغوي والنسائي وصاحب الأنوار والإسنوي والبلقيني وظاهره أنه لا فرق بين أن يذكر معه مال أم لا
( وفي قول ) هو ( كناية ) فيه يحتاج لنية الطلاق حظا له عن لفظ الطلاق المتكرر في القرآن ولسان حملة الشريعة ولأن صرائح الطلاق منحصرة في ألفاظ ليس هذا منها
وهذا ما نص عليه في مواضع من الأم وقال القاضي الحسين وغيره إنه ظاهر المذهب وظاهره أنه لا فرق بين أن يذكر معه مال أم لا والأصح كما في الروضة أن الخلع والمفاداة أن ذكر معهما المال فهما صريحان في الطلاق لأن ذكره يشعر بالبينونة وإلا فكنايتان ( فعلى الأول ) وهو صراحة الخلع ( لو جرى بغير ذكر ماله ) مع زوجته بنية التماس قبولها ولم ينف العوض كأن قال خالعتك أو فاديتك ونوى التماس قبولها فقبلت بانت و ( وجب مهر مثل في الأصح ) لاطراد العرف بجريان ذلك بعوض فيرجع عند الإطلاق إلى مهر المثل لأنه المرد كالخلع بمجهول فإن جرى مع أجنبي طلقت مجانا كما لو كان معه العوض فاسد ولو نفى العوض فقال خالعتك بلا عوض وقع رجعيا وإن قبلت ونوى التماس قبولها فإن لم تقبل لم تطلق وإن قبلت ولم يضمر التماس جوابها ونوى الطلاق وقع رجعيا ولا مال
تنبيه قضية كلام المصنف وقوع الطلاق جزما وهو مخالف لما مر عن الروضة من كونه كناية على الأصح كذا نبه عليه ابن النقيب وغيره
قال الجلال البلقيني والحق أنه منافاة بينهما فإنه ليس في المنهاج صريح مع عدم ذكر المال فلعل مراده أنه جرى بغير ذكر مال مع وجود مصحح له وهو اقتران النية اه
وهو جمع حسن
____________________
(3/268)
لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من تضعيف أحد الجانبين مع أن ظاهر إطلاق الكتاب ليس مرادا قطعا إذ لا بد من هذه القيود المذكورة التي قيدت بها كلامه
( ويصح ) الخلع على قول الطلاق والفسخ ( بكنايات الطلاق ) أي بكل منها وسيأتي معظمها في بابه ( مع النية ) للطلاق من الزوجين معا فإن لم ينويا أو أحدهما لم يصح
( و ) يصح الخلع أيضا بالترجمة عنه ( بالعجمية ) وغيرها من اللغات نظرا للمعنى
( ولو قال ) الزوج لزوجته ( بعتك نفسك بكذا ) كألف ( فقالت ) فورا ( اشتريت ) أو نحوه كقبلت ( فكناية خلع ) سواء جعلناه خلعا أم فسخا بخلاف ما لم يذكر كذا أو لم يكن القبول على الفور
قال الزركشي و الدميري وهو مستثنى من قاعدة ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون كناية في غيره اه
وهذا ممنوع بل هو من جزئيات القاعدة فإنه لم يوجد نفاذه في موضوعه إذ موضوعه المحل المخاطب
ولو قال بعتك طلاقك بكذا أو قالت بعتك ثوبي مثلا بطلاق كناية أيضا
ثم شرع فيما اشتمل عليه الخلع من شوائب العقود بقوله ( وإذا بدأ ) الزوج بالهمز بمعنى ابتدأ ( بصيغة معاوضة كطلقتك أو خالعتك بكذا ) كألف فقبلت ( وقلنا الخلع ) في الصورة الثانية ( طلاق ) وهو الراجح كما مر ( فهو معاوضة ) لأخذه عوضا في مقابلة ما يخرجه عن ملكه ( فيها شوب تعليق ) لتوقف وقوع الطلاق فيه على قبول المال أما إذا قلنا الخلع فسخ فهو معاوضة محضة من الجانبين إذ لا مدخل للتعليق فيها بل هو كابتداء البيع
( و ) على المعاوضة ( له الرجوع قبل قبولها ) لأن هذا شأن المعاوضات ( يشترط قبولها ) أي المختلعة الناطقة ( بلفظ غير منفصل ) بكلام أجنبي أو زمن طويل كما في سائر العقود فتقول قبلت أو اختلعت أو نحوه فلا يصح القبول بالفعل بأن تعطيه القدر
أما الخرساء فتكفي إشارتها المفهمة
ويشترط كون القبول على وفق الإيجاب ( فلو اختلف إيجاب وقبول كطلقتك بألف فقبلت بألفين وعكسه ) كطلقتك بألفين فقبلت بألف ( أو طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بثلث ألف فلغو ) في المسائل الثلاث للمخالفة كما في البيع ويفارق ما لو قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفين حيث يقع الطلاق بأن القبول جواب الإيجاب فإذا خالفه في المعنى لم يكن جوابا والإعطاء ليس جوابا وإنما هو فعل فإذا أتت بألفين فقد أتت بألف ولا اعتبار بالزيادة قاله الإمام
( ولو قال طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة فالأصح وقوع الثلاث و ) الأصح أيضا ( وجوب ألف ) لأن الزوج مستقل بالطلاق والزوجة إنما يعتبر قبولها بسبب المال فإذا قبلت المال اعتبر في الطلاق جانب الزوج
وهذا بخلاف ما لو باع عبدين بألف فقبل أحدهما بألف فإنه لا يصح لأن مقصود المشتري الملك ولم يحصل والطلاق لا يدخل في ملك المرأة
والثاني يقع واحدة بألف نظرا إلى قبولها والثالث لا يقع شيء لاختلاف الإيجاب والقبول
( وإن بدأ ) الزوج ( بصيغة تعليق ) في الإثبات ( كمتى أو متى ما ) بزيادة ما للتأكيد أو أي حين أو زمان أو وقت ( أعطيتني ) كذا فأنت طالق ( فتعليق ) محض من جانبه ولا نظر فيه إلى شبهة المعاوضة لأنه من صرائح ألفاظ التعليق فيقع الطلاق عند تحقق الصفة كسائر التعليقات وحينئذ ( فلا رجوع له ) قبل الإعطاء كالتعليق الخالي عن العوض في نحو إن دخلت الدار فأنت طالق
( ولا يشترط ) فيه ( القبول لفظا ) لأن الصيغة لا تقتضيه ( ولا الإعطاء ) فورا ( في المجلس ) أي مجلس التواجب وهو كما في المحرر وأهمله
____________________
(3/269)
المصنف ما يرتبط به الإيجاب بالقبول دون مكان العقد فمتى وجد الإعطاء طلقت وإن زادت على ما ذكره لدلالة اللفظ على الزمان وعمومه في سائر الأوقات ولو قيد في هذه بزمان أو مكان تعين وخرج بالإثبات ما إذا بدأ بصيغة تعليق بمتى ونحوها في النفي كقوله متى لم تعطني كذا فأنت طالق فهو للفور لأن متى ونحوها في النفي تقتضي الفور وبالزوج المرأة فإنها لو قالت متى طلقتني فلك علي ألف اختص الجواب بمجلس التواجب
وفرق الغزالي بينهما بأن الغالب على جانبه التعليق وعلى جانبها المعاوضة
( وإن قال إن ) بكسر الهمزة ( أو إذا أعطيتني ) كذا فأنت طالق ( فكذلك ) أي فتعليق لا رجوع له فيه قبل الإعطاء ولا يشترط القبول لفظا ولا الإعطاء في المجلس لأنهما من حروف التعليق كمتى
وخرج ب إن المكسورة المفتوحة فإن بها يقع الطلاق في الحال بائنا لأنها للتعليل قاله الماوردي قال وكذلك الحكم في إذ لأنها لماضي الزمان ولكن قياس ما رجحه المصنف في تعليق الطلاق الفرق بين النحوي وغيره كما سيأتي تحريره
( لكن يشترط ) في التعليق المذكور ( إعطاء على الفور ) في مجلس التواجب لأنه قضية العوض في المعاوضات وإنما تركت هذه القضية في متى ونحوها لأنها صريحة في جواز التأخير مع كون المغلب في ذلك من جهة الزوج معنى التعليق بخلاف جانب الزوجة كما مر
تنبيه محل الفور في الحرة أما إذا كانت الزوجة أمة والمشروط غير خمر كأن قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فلا يشترط الإعطاء فورا لأنها لا تقدر على الإعطاء إلا من كسبها وهو متعذر في المجلس غالبا فإن أعطته ألفا ولو من غير كسبها ومال السيد طلقت بائنا لوجود الصفة ورد الزوج الألف لمالكها وتعلق مهر المثل بذمتها تطالب به إذا عتقت
فإن قيل نقل الرافعي عن البغوي أنه لو قال لزوجته الأمة إن أعطيتيني ثوبا فأنت طالق لم تطلق إذا أعطته ثوبا لأنها لا تملكه فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك
أجيب بأن الثوب مبهم لا يمكن تمليكه بخلاف الألف درهم مثلا فإنه يمكن تمليكها في الجملة لغيرها فقوي الإبهام في الأول وهذا أولى من تضعيف أحد الجانبين
وقضية التعليل إلحاق المبعضة والمكاتبة بالحرة وهو ظاهر فإن كان المشروط خمرا اشترط الإعطاء فورا وإن لم تملك الخمر لأن يدها ويد الحرة عليه سواء وقد تشتمل يدها عليه
( وإن بدأت ) أي الزوجة ( بطلب طلاق ) سواء أكان على جهة التعليق نحو إن أو متى أو لم يكن على جهته ك طلقني على كذا ( فأجاب ) الزوج قولها فورا ( فمعاوضة ) من جانبها لأنها تملك البضع بما تبذله من العوض ( فيها شوب جعالة ) لأنها تبذل المال في مقابلة ما يستقل به الزوج وهو الطلاق فإذا أتى به وقع الموقع وحصل غرضها كالعامل في الجعالة ( فلها الرجوع قبل جوابه ) لأن هذا حكم المعاوضات والجعالات جميعا
( ويشترط فور لجوابه ) في محل التواجب في الصيغ السابقة المقتضية فورا وغيرها كالتعليق ب متى تغليبا للمعاوضة من جانبها بخلاف جانب الزوج وقد تقدم الفرق بينهما فإن طلق متراخيا كان مبتدئا لا يستحق عوضا ويقع الطلاق حينئذ رجعيا
نعم لو صرحت بالتراخي لم يشترط الفور كما قاله الزركشي قال ولم يذكروه ونقل عن البيان أنها لو قالت خالعتك بكذا فقال قبلت لم تطلق لأن الإيقاع إليه
تنبيه سكوت المصنف عن تطابق الإيجاب والقبول هنا يدل على أنه لا يشترط وهو كذلك فلو قالت طلقني بألف فطلقها بخمسمائة وقع بها على الصحيح لأنه سامح ببعض ما طلبت أن يطلقها عليه
( ولو طلبت ) من الزوج ( ثلاثا ) يملكها عليها ( بألف فطلق طلقة بثلثه فواحدة ) تقع ( بثلثه ) تغليبا لشوب الجعالة كما لو قال إن رددت عبيدي الثلاث فلك ألف فرد واحدا استحق ثلث الألف ولو طلق طلقتين استحق ثلثي الألف ولو طلقها طلقة
____________________
(3/270)
ونصفا استحق نصف الألف كما في زيادة الروضة
قال الأذرعي ولو قال أنت طالق ولم يذكر عددا ولا نواه فالظاهر أنه يحمل على الواحدة ولو لم يملك عليها إلا طلقة استحق الألف لأنه أفادها البينونة الكبرى
تنبيه لو حذف المصنف ب ثلثه كان أولى فإنه لو اقتصر على قوله طلقتك واحدة استحق الثلث وكان يعلم حكم التقييد من باب أولى وأيضا فيه إبهام أنه إذا لم يعد ذكر المال يقع رجعيا وهو وجه ضعيف
( وإذا خالع أو طلق ) زوجته ( بعوض ) صحيح أو فاسد سواء جعلنا الخلع طلاقا أم فسخا ( فلا رجعة ) له عليها لأنها بذلت المال لتملك بعضها فلا يملك الزوج ولاية بالرجوع إليه
( فإن شرطها عليها ) كخالعتك أو طلقتك بدينار على أن لي عليك الرجعة ( فرجعي ) يقع في المسألتين لأن شرط الرجعة والمال متنافيان فيسقطان ويبقى مجرد الطلاق وقضيته ثبوت الرجعة ولا حاجة بعد رجعي لقوله ( ولا مال ) ولو عبر بالمذهب لكان أولى لنقله في الروضة القطع به عن الجمهور
( وفي قول ) يقع الطلاق ( بائن بمهر مثل ) لأن الخلع لا يفسد بفساد العوض كالنكاح
وكلامه يشعر بأن هذا القول منصوص وقال الشيخ أبو حامد وغيره إنه مخرج
تنبيه قد يدخل في كلامه ما لو خالعها بعوض على أنه متى شاء رده وكان له الرجعة وقد نص الشافعي فيه على البينونة بمهر المثل لأنه رضي بسقوط الرجعة هنا ومتى سقطت لا تعود
( ولو قالت ) له ( طلقني بكذا وارتدت ) عقب هذا القول ( فأجاب ) قولها فورا نظرت ( إن كان ) الارتداد ( قبل دخول أو بعده وأصرت ) على الردة ( حتى انقضت العدة بانت بالردة ولا مال ) ولا طلاق لانقطاع النكاح بالردة في الحالتين ( وإن أسلمت فيها ) أي العدة بان صحة الخلع ( وطلقت بالمال ) المسمى وقت جوابه لبيان صحة الخلع وتحسب العدة من وقت الطلاق فلو تراخت الردة أو الجواب اختلفت الصيغة
تنبيه لو وقعت الردة مع الجواب قال السبكي الذي يظهر على بينونتها بالردة ولم أر للأصحاب كلاما في ذلك
وقال شيخنا في منهجه إذا أجاب قبل الردة أو معها طلقت ووجب المال وهذا أوجه
ولو ارتد الزوج بعد سؤالها فحكمه كردتها بعد سؤالها
( ولا يضر ) في الخلع ( تخلل كلام يسير ) عرفا ( بين إيجاب وقبول ) فيه قال الشارح كما في مسألة الارتداد اه
وهذا بخلاف البيع وتقدم الفرق بينهما أنه هناك بخلاف الكثير فيضر لإشعاره بالإعراض
تنبيه محل كون الكثير مضر إذا صدر من المخاطب المطلوب منه الجواب فإن صدر من المتكلم ففيه وجهان كالإيجاب والقبول في النكاح اقتضى إيراد الرافعي أن المشهور أنه لا يضر ثم حكى عن البغوي التسوية بينهما واعتمد هذا شيخي واستدل له بتمثيل الشارح لليسير بالارتداد فإنه من جانب المتكلم فمفهومه أنه لو كان كثيرا أضر
فصل في الألفاظ الملزمة للعوض إذا ( قال ) لزوجته أنت ( طالق ) أو طلقتك ( وعليك ) كذا ( أو ولي عليك كذا ) كألف ( ولم يسبق طلبها ) للطلاق ( بمال وقع ) عليه الطلاق ( رجعيا قبلت أم لا ولا مال ) عليها للزوج لأنه أوقع الطلاق مجانا لأنه لم يذكر عوضا ولا شرطا بل ذكر جملة معطوفة على الطلاق فلا يتأثر بها وتلغو في نفسها وهذا بخلاف قولها طلقني وعلي أو لك علي ألف فأجابها فإنه يقع بائنا بألف لأن الزوجة يتعلق بها التزام المال فيحمل اللفظ منها على الالتزام والزوج ينفرد بالطلاق
____________________
(3/271)
تنبيه محل ما ذكره إذا لم يشع في العرف استعمال هذا اللفظ في طلب العوض وإلزامه فإن شاع فهو كقوله طلقتك على كذا حكاه الشيخان عن المتولي وأقراه
فإن قيل نقل الرافعي في تعليق الطلاق عن المتولي والأكثرين أنه إذا تعارض مدلولان لغوي وعرفي قدم اللغوي وقضية ذلك عدم اللزوم هنا
أجيب بأن الكلام هنا فيما إذا اشتهر في العرف استعمال لفظ في إرادة شيء ولم يعارضه مدلول لغوي والكلام هناك فيما إذا تعارض مدلولان لغوي وعرفي
وخرج بقوله ولم يسبق طلبها بمال ما إذا سبق فإن الصيغة تكون مقتضية للالتزام سواء أكان ما طلبته معينا أم لا كقولها طلقني بمال وسيأتي
ثم استثنى من وقوع ما ذكره رجعيا ما تضمنه قوله ( فإن قال أردت ) به ما يراد بطلقتك بكذا وصدقته الزوجة ( فكهو ) أي فكقوله طلقتك الخ ( في الأصح ) فتبين منه بذلك المسمى إن قبلت لأنه يصلح أن يكون كناية في اقتضاء العوض فإن لم تقبل لم يقع
والثاني المنع إذ لا أثر للتوافق في ذلك لأن اللفظ لا يصلح للالزام فكأن لا إرادة
وعلى الأول فإن لم تصدقه لم يلزمها المال قطعا إن حلفت أنها لا تعلم أنه أراد ذلك إن كانت قبلت فإن نكلت وحلفت بانت بالمسمى فإن لم تقبل ولا حلفت فكأنه لا إرادة وحيث انتفت الإرادة يقع الطلاق ظاهرا أما فيما بينه وبين الله تعالى فقال السبكي يقطع بعدم الوقوع وعلى الوجه الثاني لا حلف لأنها وإن صدقته لم يؤثر
تنبيه قول المصنف فكهو فيه جر الضمير بالكاف وهو شاذ
( وإن سبق ) طلبها بمال معين ك طلقني بألف فقال أنت طالق وعليك أولى أو ولي عليك ألف ( بانت بالمذكور ) لتوافقهما عليه قوله وعليك ألف إن لم يكن مؤكدا لا يكون مانعا
أما إذا سبق طلبها بمال مبهم ك طلقني بمال فإن عينه في جوابه كأن قال طلقتك على ألف فهو كما لو ابتدأ
فإن قبلت بانت بالألف وإلا فلا طلاق وإن أبهم الجواب فقال طلقتك بمال أو اقتصر على طلقتك بانت بمهر المثل
تنبيه محل البينونة فيما إذا سبق طلبها إذا قصد جوابها فإن قال قصدت ابتداء الطلاق وقع رجعيا كما قاله الإمام وأقراه قال والقول قوله في ذلك بيمينه ولو سكت التفسير فالظاهر أنه يجعل جوابا
( وإن ) شرط شرطا إلزاميا كأن ( قال أنت طالق ) أو طلقتك ( على أن لي عليك كذا ) كألف ( فالمذهب ) المنصوص وعبر في الروضة بالصواب المعتمد ( بانت ووجب المال ) لأن على للشرط فجعل كونه عليها شرطا فإذا ضمنته طلقت هذا هو المنصوص في الأم وقطع به العراقيون وغيرهم ومقابله قول الغزالي يقع الطلاق رجعيا ولا مال لأن الصيغة شرط والشرط في الطلاق يلغوا إذا لم يكن من قضاياه كما لو قال أنت طالق على أن لك علي كذا فإذا تعبير المصنف بالمذهب ليس بظاهر لأن المسألة ليس فيها خلاف محقق لأن الغزالي ليس من أصحاب الوجوه
قال الأذرعي فكأنه غره قول المحرر والظاهر ولم يرد نقل خلاف بل إرادته المنقول كما دل عليه كلامه في مواضع اه
أما الشرط التعليقي كقوله أنت طالق إن أعطيتني ألفا فلا خلاف في توقفه على الإعطاء
( وإن قال إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق ) أو أنت طالق إن ضمنت لي ألفا ( فضمنت ) له التزمت له الألف ( في الفور بانت ولزمها الألف ) لوجود الشرط في العقد المقتضى للإلزام إيجابا وقبولا
والمراد بالفور هنا وفيما مر مجلس التواجب كما عبر به في المحرر بخلاف ما لو أعطته الألف أو قالت رضيت أو شئت أو قبلت بدل ضمنت لأن المعلق عليه الضمان لا غيره
وليس المراد بالضمان هنا وفيما يأتي في الباب الضمان المحتاج إلى أصل فذاك عقد مستقل مذكور في بابه ولا الالتزام المبتدأ لأن ذاك لا يصح إلا بالنذر بل المراد التزام بقبول على سبيل العوض فلذلك لزم لأنه في ضمن عقد
____________________
(3/272)
تنبيه هل يكفي مرادف الضمان كالالتزام أو لا المتجه الأول
قال شيخنا وفي كلامهم ما يدل له ولو كان القدر المعلق على ضمانه للزوج على غيره وقالت ضمنت لك وقع رجعيا كما بحثه بعض المتأخرين
( وإن قال متى ضمنت ) لي ألفا فأنت طالق فلا يشترط فور ( فمتى ضمنت ) أي وقت ( طلقت ) لأن متى للتراخي كما سبق وتقدم الفرق بين إن و متى
تنبيه أفهم كلامه أنه ليس للزوج الرجوع قبل الضمان وهو كذلك
( وإن ضمنت دون الألف لم تطلق ) لعدم وجود الصفة المعلق عليها
( ولو ضمنت ألفين ) مثلا ( طلقت ) لوجود المعلق عليه مع زيادة وهذا بخلاف ما مر في طلقتك بألف فقبلت بألفين لاشتراط التوافق في صيغة المعاوضة ثم المزيد يلغو ضمانه وإذا قبض الزائد فهو أمانة عنده
تنبيه لو نقصت أو زادت في التعليق بالإعطاء كان الحكم كما ذكر هنا
( ولو قال طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا فقالت ) فورا كما يشعر به التعبير بالتعبير بالفاء ( طلقت وضمنت أو ) قالت ( عكسه ) أي ضمنت وطلقت ( بانت في ) الصورتين ( بألف ) وإن تأخر تسليم المال عن المجلس لأن أحدهما شرط في الآخر يعتبر اتصاله به فهما قبول واحد فاستوى تقديم أحدهما وتأخيره
( فإن اقتصرت على أحدهما ) بأن ضمنت ولم تطلق أو عكسه ( فلا ) تبين فيهما ولا مال لأنه فوض إليها التطليق وجعل له شرطا فلا بد من التطليق والشرط
( وإذا علق ) الطلاق ( بإعطاء مال فوضعته ) فورا ( بين يديه ) بنية الدفع عن جهة التعليق ( طلقت ) بفتح اللام أفصح من ضمها لأنه إعطاء عرفا ولهذا يقال أعطيت فلم يأخذ لكن لا بد من تمكنه من أخذه وإن لم يأخذه لأن تمكينها إياه من الأخذ إعطاء منها وهو بالامتناع مفوت لحقه
فإن قالت لم أقصد الدفع من جهة التعليق أو تعذر عليه الأخذ بحبس أو جنون أو نحوه لم تطلق كما قاله السبكي وينبغي كما قال الأذرعي وغيره أن يعتبر علمه بوضعه بين يديه
( والأصح دخوله ) أي المعطي ( في ملكه ) قهرا وإن لم يأخذه لأن التعليق يقتضي وقوع الطلاق عند الإعطاء ولا يمكن إيقاعه مجانا مع قصد العوض وقد ملكت زوجته بعضها فيملك الآخر العوض عنه ويقع بإعطاء وكيلها إن أمرته بالإعطاء وأعطى بحضورها ويملكه تنزيلا لحضورها مع إعطاء وكيلها منزلة إعطائها بخلاف ما إذا أعطاه له في غيبتها لأنه لم تعطه حقيقة ولا تنزيلا وبخلاف ما إذا أعطته عن المعلق عليه عوضا أو كان عليه مثلا فتقاصا لعدم وجود المعلق عليه
والثاني لا يدخل في ملكه فيرده ويرجع لمهر المثل وكالإعطاء الإيتاء والمجيء
( وإن قال إن أقبضتني ) كذا فأنت طالق ( فقيل ) حكمه ( كالإعطاء ) في اشتراط الفورية وملك المقبوض
( والأصح ) أنه ( كسائر ) صور ( التعليق ) التي لا معاوضة فيها لأن الإقباض لا يقتضي التمليك فيكون صفة محضة بخلاف الإعطاء لأنه إذا قيل أعطاه عطية فهم منه التمليك وإذا قيل أقبضه لم يفهم منه ذلك
وحينئذ ( فلا يملكه ) أي المقبوض وخصه المتولي بما إذا لم تسبق قرينة تدل على التمليك
فأن سبق منه ما يدل على ذلك كقوله إن أقبضتني كذا لأقضي به ديني أو لأصرفه في حوائجي فتمليك كالإعطاء قال في زيادة الروضة وهو متعين
( ولا يشترط للإقباض ) في صورة التعليق به ( مجلس ) أي إقباض في مجلس التواجب كسائر التعليقات
( قلت ويقع ) الطلاق ( رجعيا ) في الصورة المذكورة لأن الإقباض لا يقتضي التمليك
( ويشترط لتحقق الصفة ) وهي الإقباض ( أخذ بيده منها ) فلا يكفي الوضع بين يديه لأنه لا يسمى قبضا وهذا الشرط ذكراه في الشرح والروضة في صيغة
____________________
(3/273)
فإن قبضت منك لا في إن أقبضتني وكذا قوله ( ولو مكرهة والله أعلم ) إنما ذكراه في الشرح والروضة في صيغة إن قبضت منك فذكره في إن أقبضتني قال السبكي سهو لأن الإقباض بالإكراه الملغى شرعا لا اعتبار به وقال الأذرعي الأصح أن الإكراه يرفع حكم الحنث قال ابن شهبة وحينئذ فما وقع في المنهاج سهو حصل من انتقاله من قوله إن قبضت إلى قوله إن أقبضتنياه
وجرى على ذلك شيخنا في منهجه وقال في شرحه فذكر الأصل له في مسألة الإقباض سبق قلم اه
وبالجملة فما في الروضة وأصلها أوجه مما في الكتاب وإن قال الشارح إن القبض متضمن للإقباض
( ولو علق ) طلاقها ( بإعطاء ) نحو ( عبد ) كثوب ( ووصفه بصفة سلم ) وهي التي يصح بها ثبوته في الذمة أو وصفه بصفة دون صفة السلم بأن لم يستوفها ( فأعطته ) عبدا ( لا بالصفة ) التي وصفها ( لم تطلق ) لعدم وجود الصفة
( أو ) أعطته عبدا ( بها ) طلقت به في الأولى ومهر مثل في الثانية لفساد العوض فيها بعدم استيفاء صفة السلم
وإن أعطته عبدا في الأولى ( معيبا فله رده ) لأن الإطلاق يقتضي السلامة فإذا اطلع فيه على عيب تخير فإن شاء أمسكه ولا شيء له وإن شار رده ( و ) له ( مهر مثل ) لفساد العوض ( وفي قول قيمته سليما ) الخلاف مبني على أن بدل الخلع في يد الزوجة مضمون ضمان عقد أو ضمان يد ومر أن الراجح الأول
وليس له أن يطالب بعبد بتلك الصفة سليم لوقوع الطلاق بالمعطى بخلاف غير التعليق كما لو قال طلقتك على عبد صفته كذا فقبلت وأعطته عبدا بتلك الصفة معيبا له رده والمطالبة بعبد سليم لأن الطلاق وقع قبل الإعطاء بالقبول على عبد في الذمة
تنبيه لو كان قيمة العبد مع العيب أكثر من مهر المثل وكان الزوج محجورا عليه بسفه أو فلس فلا رد لأنه يفوت القدر الزائد على السفيه وعلى الغرماء
ولو كان الزوج عبدا فالرد للسيد أي المطلق التصرف كما قاله الزركشي وإلا فوليه
( ولو قال ) في تعليقه بالإعطاء إن أعطيتني ( عبدا ) ولم يصفه ( طلقت بعبد ) أي بكل عبد على أي صفة صغيرا كان أو كبيرا سليما أو معيبا ولو مدبرا أو معلقا عتقه بصفة
وأفهم كلامه أنها لا تطلق بإعطاء خنثى وأمة وهو كذلك لعدم وجود الصفة وإن قال ابن حزم إن العبد يطلق على الأمة لأنه غير مشهور
وكان الأولى للمصنف أن يقول طلقت بكل عبد كما قدرته في كلامه ليصح قوله ( إلا مغصوبا في الأصح ) فإن الاستثناء لا يكون إلا من عام ولو قال إلا عبدا لا يصح بيعه ليشمل المكاتب والمشترك والمرهون ونحو ذلك لكان أولى لأن الإعطاء يقتضي التمليك كما مر ولا يمكن تمليك ما لا يصح بيعه
والثاني تطلق بمن ذكر كالمملوك لأن الزوج لا يملك المعطى ولو كان مملوكا لها كما مر
تنبيه دخل في المغصوب ما لو كان عبدا لها وهو مغصوب فأعطته للزوج فإنها لا تطلق به كما قاله الشيخ أبو حامد وإن بحث الماوردي الوقوع نعم لو خرج بالدفع عن المغصوب فلا شك في الطلاق كما قاله الأذرعي
( وله ) في غير المغصوب ونحوه ( مهر مثل ) بدل المعطى لتعذر ملكه له لأنه مجهول عند التعليق والمجهول لا يصح عوضا
فإن قيل تصوير مسألة المتن مشكل لأن التعليق بإعطاء العبد فيها محتمل للتمليك والإقباض فإن أريد التمليك فينبغي أن لا يقع وإن أريد الإقباض فيقع رجعيا والعبد في يد الزوج أمانة وهو وجه
أجيب بأن المراد الأول لكنه لما تعذر ملكه لجهله رجع فيه إلى بدله وحيثما ثبت البدل ثبت الطلاق بائنا
ثم شرع في سؤال المرأة الطلاق فقال ( ولو ملك طلقة فقط فقالت طلقني ثلاثا بألف فطلق الطلقة ) التي يملكها ( فله ألف ) على الأصح المنصوص علمت الحال أم لا لأنه حصل بها مقصود الثلاث وهو البينونة الكبرى
( وقيل ) له ( ثلثه ) أي الألف توزيعا للمسمى على العدد وهذا من تخريج المزني
( وقيل إن علمت الحال ) وهو ملكه لطلقة واحدة فقط ( فألف ) لأن المراد والحالة
____________________
(3/274)
هذه كمل لي الثلاث ( وإلا ) بأن جهلت الحال ( فثلثه ) وهذا توسط لابن سريج وأبي إسحاق حملا للأول على حالة العلم والثاني على حالة الجهل
وعلى الأول لو طلقها ثلاثا ولو مع قوله إحداهن بألف ونوى به الطلقة الأولى أي الباقية لزمها الألف لأن مقصودها من البينونة الكبرى حصل بذلك وكذا لو لم ينو شيئا لمطابقة الجواب السؤال وإن نوى به غيرها أي غير ما يملكها وقعت الأولى أي التي يملكها مجانا
فإن قالت له طلقني ثلاثا بألف واحدة منهن تكملة الثلاث وثنتان يقعان علي إذا تزوجتني بعد زوج أو يكونان في ذمتك تنجزهما حينئذ فطلقها ثلاثا أو ثنتين أو الخيار في العوض لتبعيض الصفة فإن أجازت فبثلث الألف عملا بالتقسيط كما في البيع وإن فسخت فبمهر المثل
قال الزركشي وليس لنا صورة تفيد البينونة الكبرى ولا تستحق المسمى غير هذه
فروع لو قالت طلقني نصف طلقة بألف أو طلق بعضي كيدي بألف ففعل وقعت طلقة تكميلا للبعض بمهر المثل لفساد صيغة المعارضة ويقع أيضا طلقة بمهر المثل إذا ابتدأها بقوله أنت طالق نصف طلقة أو نصفك مثلا طالق بألف فقبلت أو قالت طلقني بألف فطلق يدها مثلا لفساد الصيغة في الأولى وعدم إمكان التقسيط في الثانية
وإن طلق فيها نصفها وجب نصف المسمى لإمكان التقسيط كما لو قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة ونصفا ولو طلبت عشرا بألف وهو لا يملك عليها إلا طلقة استحقه بواحدة أو ببعضها تكمل الثلاث وإن كان لا يملك عليها الاثنتين استحق بواحدة عشرة وبالثنتين الجميع أو الثلاث استحق بواحدة عشرة وبثنتين خمسة وبثلاثة جميعه وبواحدة ونصف عشر ونصف عشر وإن وقع بذلك طلقتان لأن العبرة بما أوقع لا بما وقع
فإن قيل قد مر أنه لو طلقها نصف طلقة وهو لا يملك غيرها أنه يستحق الجميع فقد اعتبرتم ما وقع
أجيب بأنه هناك أفادها البينونة الكبرى
ولو قالت له وهو يملك عليها الثلاث طلقني ثلاثا بألف وثنتين مجانا لم تقع الواحدة لعدم التوافق ووقع الثنتان مجانا لاستقلاله بالطلاق مجانا وإن طلق واحدة بثلث الألف وثنتين مجانا وقعت الأولى فقط بثلثه لموافقته ما اقتضاه طلبها من التوزيع دون ما عداها لبينونتها وإن طلقها ثنتين مجانا وواحدة بثلث الألف وقع الثلاث إن كان مدخولا بها وإلا فالثنتان دون الثالثة للبينونة
( ولو طلبت طلقة بألف فطلق ) طلقة ( بمائة وقع بمائة ) لأنه قادر على الطلاق بغير عوض فكذا على بعضه
( وقيل بألف ) لأنها بانت بقوله طلقتك فاستحق الألف ولغا قوله بمائة
( وقيل لا تقع ) بمثناة فوقية أوله بخطه للمخالفة لأنه لم يطابق السؤال كما لو خالفته في قبولها
تنبيه أهمل المصنف من المحرر مسألة وهي ما لو قالت طلقني واحدة بألف فقال أنت طالق ثلاثا فيقع الثلاث بالألف ولو أعاد ذكر الألف فقال أنت طالق ثلاثا بألف فكذا على الأظهر
قال ابن شهبة وكأن ذلك سقط من نسخة المصنف بالمحرر وهو ثابت في النسخ الصحيحة وحكي عن نسخة المصنف
( ولو قالت طلقني غدا بألف ) أو ولك علي ألف كما في المحرر أو إن طلقتني غدا فلك علي أو أخذ هذا الألف على أن تطلقني غدا كما في الروضة وأصلها ( فطلق غدا أو قبله ) فسد الخلع ( بانت ) لأنه إن طلق في الغد فقد حصل مقصودها وإن طلق قبله فقد حصله مع زيادة ولكن ( بمهر مثل ) لا بالمسمى سواء أعلم فساد الخلع أم لا لأن هذا الخلع دخله شرط تأخير الطلاق وهو فاسد لا يعتد به فيسقط من العوض ما يقابله وهو مجهول فيكون الباقي مجهولا والمجهول يتعين الرجوع فيه إلى مهر المثل
( وقيل في قول ) من طريق حاكيه لقولين بانت ( بالمسمى ) واعترض بأن هذا القول مبني على فساد الخلع ولزوم المسمى مبني على صحته
وأجيب بأن المراد بانت بمثل المسمى كما قاله العراقيون ولو عبر به كان أولى
ولو قصد بطلاقه في الغد ابتداء الطلاق وقع رجعيا فإن اتهمته حلف كما قاله ابن الرفعة ولو طلقها بعد الغد وقع رجعيا لأنه خالف قولها فكان مبتدئا فإن ذكر مالا فلا بد من القبول
( وإن ) قالت طلقني شهرا بألف ففعل وقع مؤبدا
____________________
(3/275)
لأن الطلاق لا يؤقت بمهر المثل لفساد الصيغة بالتأقيت
أو علق الزوج الطلاق بصفة كأن ( قال إذا دخلت الدار ) مثلا ( فأنت طالق بألف فقبلت ) فورا ( ودخلت ) بعد قبولها ولو بعد زمن ( طلقت على الصحيح ) لوجود المعلق عليه مع القبول
والثاني لا تطلق لأن المعارضة لا تقبل التعليق فيمتنع معه ثبوت المال فينتفي الطلاق المربوط به ويقع الطلاق ( بالمسمى ) كما في الطلاق المنجز ولا يتوقف وجوبه على الطلاق بل يجب تسليمه في الحال كما في أصل الروضة وإن كان ظاهر عبارة المصنف أنه لا يجب إلا عند وجود المعلق عليه لأن الأعواض المطلقة يلزمها تسليمها في الحال والمعوض تأخر بالتراضي لوقوعه في التعليق بخلاف من خلع وغيره يجب فيه تقارن العوضين في الملك
( و ) طلقت ( في وجه أو قول بمهر المثل ) لأن المعاوضة لا تقبل التعليق فيؤثر فساد العوض دون الطلاق لقبوله التعليق وإذا فسد العوض وجب مهر المثل
تنبيه تبع المحرر في التردد في أن الخلاف وجهان أو قولان والذي اقتضاه كلام الروضة وأصلها ترجيح أنه وجه حيث قالا وجهان ويقال قولان
ويستثنى من صحة تعليق الخلع بالمسمى ما لو قال إن كنت حاملا فأنت طالق على مائة وهي حامل في غالب الظن فتطلق إذا أعطته وله عليها مهر مثل كما حكاه الرافعي عن نص الإملاء
ثم شرع في خلع الأجنبي سواء أكان وليا لها أم غيره فقال ( ويصح اختلاع أجنبي ) مطلق التصرف بلفظ خلع أو طلاق ( وإن كرهت الزوجة ) ذلك لأن الطلاق مما يستقل به الزوج والأجنبي مستقل بالالتزام وله بذل المال والتزامه فداء لأن الله تعالى سمى الخلع فداء فجاز كفداء الأسير وكما يبذل المال في عتق عبد لسيده تخليصا له من الرق
وقد يكون للأجنبي فيه غرض ديني بأن يراهما لا يقيمان حدود الله أو يجتمعان على محرم والتفريق بينهما ينقذهما من ذلك فيفعل طلبا للثواب أو دنيوي لغرض مباح
( وهو ) أي اختلاع الأجنبي مع الزوج ( كاختلاعها ) أي الزوجة ( لفظا ) أي في ألفاظ الالتزام ( وحكما ) في جميع ما مر فهو من جانب الزوج ابتداء معاوضة فيها شوب تعليق ومن جانب الأجنبي ابتداء معاوضة فيها شوب جعالة فإذا قال الزوج للأجنبي طلقت امرأتي على ألف في ذمتك فقبل أو قال الأجنبي للزوج طلق امرأتك على ألف في ذمتك فأجابه بانت بالمسمى وللزوج أن يرجع قبل قبول الأجنبي نظرا للمعاوضة
ووقع للشارح أنه قال نظرا لشوب التعليق وهو سبق قلم
وللأجنبي أن يرجع قبل إجابة الزوج نظرا لشوب الجعالة إلى غير ذلك من الأحكام
تنبيه يستثنى من قوله وحكما صور إحداها ما لو كان له امرأتان فخالع الأجنبي عنهما بألف مثلا من ماله صح بألف قطعا وإن لم يفصل حصة كل منهما لأن الألف تجب للزوج على الأجنبي وحده بخلاف الزوجتين إذا اختلفتا فإنه يجب أن يفصل ما يلتزمه كل منهما قاله الماوردي
والثانية لو اختلعت المريضة بما يزيد على مهر المثل فالزيادة من الثلث والمهر من رأس المال وفي الأجنبي الجميع من الثلث
والثالثة لو قال الأجنبي طلقها على هذا المغصوب
أو على هذا الخمر أو نحو ذلك وطلق وقع رجعيا بخلاف ما إذا التمست المرأة ذلك فإنه يقع بائنا لأن البضع يقع للمرأة فيلزمها بدله بخلاف الأجنبي
الرابعة لو سألت الخلع بمال في الحيض فلا يحرم بخلاف الأجنبي
فائدة أخذ السبكي من صحة خلع الأجنبي جواز بذل مال لمن بيده وظيفة يستنزله عنها لنفسه أو غيره ويحل له حينئذ أخذ العوض
ويسقط حقه منها ويبقى الأمر بعد ذلك لناظر الوظيفة يفعل ما تقتضيه المصلحة شرعا وقد مرت الإشارة إلى ذلك وإنما كررته لأن الناس كثر منهم الوقوع في ذلك
( ولوكيلها ) في الاختلاع ( أن يختلع له ) أي لنفسه بالتصريح أو بالنية فيكون خلع أجنبي والمال عليه كما لو لم توكله
وإن صرح بالوكالة أو نواها فلها وإن أطلق وقع لها كما قاله الغزالي وفي كلام الشافعي والأصحاب ما يدل له وإن بحث الرافعي وقوع الخلع له لعود المنفعة
____________________
(3/276)
إليها
( وللأجنبي توكيلها ) في الاختلاع عنه ( فتتخير هي ) بين اختلاعها لنفسها وبين اختلاعها له بأن تصرح أو تنوي كما مر فإن أطلقت وقع لها على قياس ما مر عن الغزالي
تنبيه حيث صرح الأجنبي أو الزوجة بالوكالة فالمطالب بالعوض الموكل وإلا فالمطالب المباشر ثم يرجع إذا غرم على الموكل حيث نوى الخلع له أو أطلق في الأولى كما اقتضاه كلام الروض
( ولو اختلع رجل ) أجنبي مثلا ( وصرح بوكالتها ) أي الزوجة حالة كونه ( كاذبا ) فيها ( لم تطلق ) لارتباط الطلاق بلزوم المال عليها وهي لم تلتزمه
وهذا حيث لم يعترف الزوج بالوكالة فإن اعترف بها أو ادعاها بانت بمقتضى قوله ولا شيء له ( وأبوها كأجنبي ) فيما ذكر ( فيختلع ) لها ( بماله ) أي يجوز له ذلك صغيرة كانت أو كبيرة
( فإن اختلع بمالها وصرح بوكالة ) كاذبا ( أو ولاية لم تطلق ) لأنه ليس بوكيل ولا ولي في ذلك إذ الولاية لا تثبت له التبرع في مالها
واستثنى الزركشي مالها العام كالوقف على من يختلع لأنها لم تملكه قبل الخلع اه
وهذا الاستثناء ممنوع لأنه قبل الخلع ليس بمالها كما يؤخذ من تعليله
( أو ) صرح ( باستقلال ) ك اختلعت لنفسي أو عن نفسي ( فخلع بمغصوب ) لأنه حينئذ غاصب لما لها فيقع بمهر المثل في الأظهر لفساد العوض فإن لم يصرح بشيء مما ذكر كأن قال طلقها على عبدها أو على هذا المغصوب أو الخمر مقتصرا على ذلك وقع الطلاق رجعيا للحجر عليه في مالها بما ذكر كما في خلع السفيه
فلو أشار الأب أو الأجنبي إلى عبدها وقال طلقها بهذا العبد ولم يذكر أنه من مالها ولا أنه مغصوب وقع الطلاق بائنا بمهر المثل ولو علم الزوج أنه عبدها
تنبيه محل ما ذكره المصنف في غير الصداق أما لو اختلع الأب بصداقها كأن قال طلقها وأنت بريء من صداقها ففعل وقع رجعيا ولا يبرأ من صداقها ولا شيء على الأب إذ ليس له الإبراء ولم يلتزم في نفسه شيئا فلو التزم مع ذلك درك براءة الزوج كأن قال وضمنت براءتك من الصداق أو قال هو أو أجنبي طلقها على عبدها هذا وعلي ضمانه بانت ولزمه مهر المثل لأنه التزام المال في نفسه فكان كخلعها بمغصوب
فإن كان جواب الزوج بعد ضمان الدرك إن برئت من صداقها فهي طالق لم تطلق لأن الصفة المعلق عليها لم توجد
ولو اختلعت المرأة بمال في ذمتها ولها على الزوج صداق لم يسقط بالخلع وقد يقع التقاص إذا اتفقا جنسا وقدرا وصفة
فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه إذا ( ادعت ) أي الزوجة ( خلعا فأنكره ) الزوج ولا بينة ( صدق بيمينه ) إذ الأصل بقاء النكاح وعدم الخلع فإن أقامت بذلك بينة فلا بد من رجلين وإذا ثبت فلا مطالبة له بالمال لأنه ينكره إلا أن يعود ويعترف بالخلع فيستحقه قاله الماوردي وغيره
( وإن قال طلقتك بكذا ) كألف ( فقالت ) بل طلقتني ( مجانا ) أو لم تطلقني ( بانت ) بقوله ( ولا عوض ) عليها للزوج إن حلفت على نفيه
أما البينونة فلإقراره وأما عدم العوض فلأن الأصل براءة ذمتها فإن أقام بالعوض بينة أو رجلا وامرأتين أو حلف معه أو عادت واعترفت بعد يمينها بما ادعاه لزمها العوض
تنبيه قوله بانت يقتضي أنه لا نفقة ولا كسوة لها في العدة وليس مرادا بل عليه ذلك إلى انقضاء العدة ولا يرثها ولو مات هو في عدتها ورثت هي منه كما قاله الأذرعي
وصورة المسألة أن يقر بأن المال مما يتم الخلع بدون قبضه فإن أقر بأنه خالعها على تعجيل شيء لا يتم الخلع إلا بقبضه لم يلزمه شيء إلا بعد قبضه نص عليه في البويطي وهو ظاهر
ولو قال سألت الطلاق بألف فأنكرت السؤال أو ادعت طول الفصل بين الإيجاب والقبول صدقت بيمينها في نفي العوض لأن الأصل براءة ذمتها وعدم الطلاق في الوقت الذي يدعيه
( وإن اختلفا في جنس عوضه ) أدراهم
____________________
(3/277)
أو دنانير أو صفته كصحاح أو مكسرة ( أو ) في ( قدره ) كألف فقالت بل بخمسمائة أو في عدد الطلاق الذي وقع به الخلع كقولها سألتك ثلاث طلقات بألف فقال بل واحدة بألف ( ولا بينة ) لواحد منهما ( تحالفا ) كما في البيع ( ووجب ) لبينونتها بفسخ العوض منهما أو من أحدهما أو الحاكم ( مهر مثل ) لأنه المرد وكيفية اليمين ومن يبدأ به على ما تقدم في البيع فإن كان لأحدهما بينة عمل بها أو لكل منهما بينة واستويا تاريخا سقطتا فإن اختلف تاريخهما قدمت السابقة
( ولو خالع بألف ) مثلا وفي البلد نوعان مثلا من الدراهم لا غالب فيهما ( ونويا نوعا ) منهما ( لزم ) المنوي إلحاقا له بالملفوظ بخلاف البيع لأنه يحتمل في الخلع ما لا يحتمل في البيع ولهذا يملك العوض فيه بالإعطاء بخلاف البيع
( وقيل ) يفسد المنوي ويلزم ( مهر مثل ) بالجهالة في اللفظ ولا عبرة بالنية
تنبيه أفهم كلامه أنهما لو لم ينويا شيئا فسدت التسمية ولزم مهر المثل وهو كذلك
( ولو ) اختلفت نيتاهما بأن أراد كل منهما جنسا وتصادقا على ذلك فلا فرقة لعدم صحة العقد وإن تكاذبا كأن ( قال أردنا ) بالألف التي أطلقناها ( دنانير فقالت بل ) أردنا ( دراهم ) فضة ( أو فلوسا تحالفا على الأول ) وهو لزوم المنوي كالملفوظ لأنه يرجع إلى الاختلاف في جنس العوض وبانت بمهر مثل بعد الفسخ
( ووجب مهر مثل بلا تحالف في الثاني ) وهو لزوم مهر مثل لما مر فيه
خاتمة لو قالت له طلقني وأنت بريء من صداقي أو ولك علي ألف فطلقها بانت به لأنها صيغة التزام أو إن طلقتني فأنت بريء أو فقد أبرأتك من صداقي فطلقها لم يبرأ منه ووقع الطلاق رجعيا لأن الإبراء لا يعلق وطلاق الزوج طمعا في البراءة من غير لفظ صحيح في الالتزام لا يوجب عوضا
قال في الروضة ولا يبعد أن يقال طلق طمعا في شيء ورغبت هي في الطلاق بالبراءة فيكون فاسدا كالخمر أي فيقع بائنا بمهر المثل إذ لا فرق بين ذلك وبين قولها إن طلقتني فلك ألف فإن كان ذاك تعليقا للإبراء فهذا تعليق للتمليك وجزم بهذا ابن المقري في روضه تبعا لأصله في أواخر الباب
وقال الزركشي تبعا للبلقيني التحقيق المعتمد أنه إن علم الزوج عدم صحة تعليق الإبراء وقع الطلاق رجعيا أو ظن صحته وقع بائنا بمهر المثل اه
وهو جمع حسن
واعتمد السبكي الثاني وقال ابن الرفعة إنه الحق
وفي فتاوى القفال لو قال لزوجته إن أبرأتني فأنت طالق فقالت قد أبرأتك لم يكن شيئا لأنه لم يقل إن أبرأتني من مهرك أو دينك
وإن أراد الإبراء من المهر صح إن كانت عالمة بمقداره بخلاف ما إذا كانت جاهلة لأنه إبراء عن مجهول وإذا كانت عالمة به هل يقع الطلاق رجعيا كما قال به القفال أو بائنا كما هو أحد جوابي القاضي وجهان أصحهما الثاني كما صرح به جماعة
ولو طلب منها البراءة على الطلاق فقالت أبرأك الله تعني بذلك أبرأتك فقال لها أنت طالق ثم قال أردت الإيقاع بشرط صحة البراءة قبل منه ظاهرا فلو تبين جهلها بما أبرأت لم يقع الطلاق كما قاله بعض المتأخرين
فائدة ضابط مسائل الخلع أن منها ما يقع فيه الطلاق بالمسمى ومنها ما يقع فيه بمهر المثل ومنها ما يقع رجعيا ومنها ما لا يقع أصلا فالذي يقع فيه الطلاق بالمسمى أن تكون الصيغة صحيحة والعوض صحيحا والذي يقع فيه بمهر المثل هو الذي تكون الصيغة فيه صحيحة والفساد في العوض والذي يقع فيه رجعيا هو الذي يكون الفساد فيه من جهة الصيغة ويكون الطلاق فيه من جهة الزوج منجزا غير معلق والذي لا يقع أصلا هو الذي يكون الطلاق فيه معلقا ولم يوجد شرطه ( والله أعلم )
____________________
(3/278)
كتاب الطلاق هو لغة حل القيد والإطلاق ومنه ناقة طالق أي مرسلة بلا قيد
وشرعا حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه وعرفه المصنف في تهذيبه بأنه تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح
والأصل فيه قبل الإجماع الكتاب كقوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقوله تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } والسنة كقوله صلى الله عليه وسلم ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق رواه أبو داود بإسناد صحيح والحاكم وصححه وقوله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل فقال لي راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن
وأركانه خمسة مطلق وصيغة ومحل وولاية وقصد وقد شرع في شرط الركن الأول وهو المطلق فقال ( يشترط لنفوذه ) أي الطلاق من المطلق منجزا كان أو معلقا ( التكليف ) أي أن يكون مكلفا فيصح من السفيه والمريض أي ولو كان هازلا ولا يصح من غير مكلف كصبي ومجنون ومغمى عليه ونائم ولا تنجيزا ولا تعليقا وإن وجدت الصفة بعد الأهلية في المعلق لفساد عبارته ولخبر رفع القلم عن ثلاث نعم لو تولد جنون من سكر تعدى فيه نفذ طلاقه في جنونه وقد يتصور طلاق المجنون بغير سكر تعدى فيه والمغمى عليه والنائم بما إذا علق الطلاق في حال التكليف على صفة فوجدت وهو غير مكلف
فإن قيل أهمل المصنف شرطين آخرين أحدهما كونه من زوج أو وكيله فلا يقع طلاق غيره إلا فيما سيأتي في المولى يطلق عليه الحاكم ثانيهما الاختيار ليخرج المكره بغير حق
أجيب عن إهماله الأول بأنه أحاله على ما صرح به في الخلع وعلى ما سيذكره من أنه لا يصح تعليقه قبل ملك النكاح وعن الثاني بأنه أهمله لذكره حكم المكره بعد ذلك قال المصنف زيادة على الرافعي وغيره ( إلا السكران ) المتعدي بسكره كأن شرب خمرا أو دواء مجننا بلا حاجة فيصح منه ولو كان السكر طافحا عليه بحيث يسقط كالمغمى عليه مع أنه غير مكلف كما نقله في الروضة عن أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول تغليظا عليه لعصيانه بإزالة عقله فجعل كأنه لم يزل
قال ولكن مراد أهل الأصول أنه غير مخاطب حال السكر ومرادنا هنا أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد
قال الغزالي في المستصفى ولأن صحته من قبيل ربط الأحكام بالأسباب أجاب عن قوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } الذي استند إليه الجويني وغيره في تكليف السكران بأن المراد به من هو في أوائل السكر وهو المنتشي لبقاء عقله ولذا يصح منه سائر أفعاله وأقواله مما له معا وعليه كالبيع والإجارة أو منفردين كالإسلام والطلاق ويصح طلاقه بالكناية خلافا لابن الرفعة
وشمل ذلك الكافر وإن لم يعتقد حرمة شرب الخمر لأنه مخاطب بفروع الشريعة
وخرج بالمتعدي غيره كمن أكره على شرب مسكر أو لم يعلم أنه مسكر أو شرب دواء مجننا لحاجة فلا يقع طلاقه لعدم تعديه
والرجوع في معرفة السكران إلى العرف وقيل أدنى السكر أن يختل كلامه المنظوم وينكشف سره المكتوم كما عبر به الشافعي رضي الله تعالى عنه وإن لم يجعله أدنى قال ابن المقري ولا يحتاج على الوجه الصحيح إلى معرفة السكر لأنه إما صاح وإما سكران زائل العقل وحكمه حكم الصاحي سواء بل يحتاج إلى معرفة السكر في غير المتعدى به وفيما إذا قال إن سكرت فأنت طالق اه
أي فيحد حينئذ بما ذكر وهو حسن
ولو قال السكران بعدما طلق إنما شربت الخمر مكرها وتم قرينة أو لم أعلم أن ما شربته مسكر صدق بيمينه نعم من يعرف حكم الإكراه فإنه يستفسر كما قاله بعض المتأخرين أما إذا شرب أو أكل ما يزيل العقل لحاجة كالتداوي فإنه كالمجنون كما صرح به في المهذب والوجيز وأصل الروضة
ثم شرع في الركن الثاني وهو الصيغة فقال ( ويقع ) الطلاق من مسلم أو كافر ( بصريحه ) وهو ما يحتمل ظاهره غير الطلاق ( بلا نية ) لإيقاع الطلاق
____________________
(3/279)
ولو قال لم أنو به الطلاق لم يقبل وحكى الخطابي فيه الإجماع
( و ) يقع أيضا ( بكناية ) وهي ما يحتمل الطلاق وغيره لكن ( بنية ) لإيقاعه
فإن قيل سيأتي أنه يشترط قصد لفظ الطلاق لمعناه ولا يكفي قصد حروف الطلاق من غير قصده معناه فكيف يقال إن الصريح لا يحتاج إلى نية بخلاف الكناية أجيب بأن كلا منهما يشترط فيه قصد اللفظ لمعناه حتى يخرج العجمي إذا لقن كلمة الطلاق وهو لا يعرف معناها فلا يقع طلاقه
والمراد بالنية في الكناية أن يقصد الإيقاع وليس بشرط لمن عرف معناه وحينئذ فقول المصنف بلا نية أي بلا نية الإيقاع أما قصد التلفظ به فيشترط
نعم المكره إن نوى مع الصريح الوقوع وقع وإلا فلا
تنبيه أفهم كلامه أنه لا يقع طلاق بنية من غير لفظ وهو كذلك ولا بتحريك لسانه بكلمة الطلاق إذا لم يرفع صوته بقدر ما يسمع نفسه مع اعتدال سمعه وعدم المانع لأن هذا ليس بكلام
تنبيه لو أتى بكناية من كناية الطلاق وضم إليها من الألفاظ ما يدل على المراد ك أنت بائن بينونة محرمة لا تحلي لي أبدا لم تخرج عن كونها كناية
واستشكل بما ذكروه في الوقف من أنه لو قال تصدقت بكذا كان كناية فلو أضاف إليه لا يباع ولا يوهب فالأصح صراحته
( فصريحه ) جزما ( الطلاق ) أي ما اشتق منه كما سيأتي لاشتهاره فيه لغة وعرفا ( وكذا الفراق والسراح ) بفتح السين أي ما أشتق منهما ( على المشهور ) فيهما لورودهما في القرآن بمعناه والثاني أنهما كنايتان لأنهما لم يشتهرا اشتهار الطلاق ويستعملان فيه وفي غيره
تنبيه جملة قوله وكذا الخ معطوف على الطلاق لا على صريحه وإلا يلزم حصر الصريح في الطلاق مع أن من صريحة ما مر في باب الخلع من أن الخلع صريح في الأصح إن ذكر المال وكذا المفاداة
وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر والظاهر ما قاله الماوردي في نكاح المشرك أن كل ما كان عند المشركين صريحا في الطلاق أجري عليه حكم الصريح وإن كان كناية عندنا وكل ما كان عندهم كناية أجري عليه حكم الكناية وإن كان صريحا عندنا لأنا نعتبر عقودهم في شراكتهم فكذا طلاقهم
وأمثلة المشتق من الطلاق ( كطلقتك وأنت طالق ومطلقة ) بالتشديد ويا مطلقة ( ويا طالق ) إن كان لم يكن اسمها ذلك وإلا فكناية كما جزم به المصنف وغيره ولو حذف المفعول كأن قال طلقت أو المبتدأ وحرف النداء كأن قال طالق لم يقع الطلاق كما هو ظاهر كلامهم وصرح به القفال في الأولى ( لا أنت طلاق ) فليسا بصريحين ( في الأصح ) بل كنايتان لأن المصادر إنما تستعمل في الأعيان توسعا
والثاني أنهما صريحان كقوله يا طالق
ويقاس بما ذكر فارقتك و سرحتك فهما صريحان وكذا أنت مفارقة ومسرحة و يا مفارقة ويا مسرحة و أنت فراق والفراق وسراح والسراح كنايات
ولو قال أردت بالطلاق إطلاقها من وثاق أو بالفراق مفارقة المنزل أو فراقا بالقلب أو بالسراح تسريحها إلى منزل أهلها أو أردت غير هذه الألفاظ فسبق لساني إليها ولم يكن قرينة تدل على ذلك لم يقبل في الظاهر لأنه خلاف ما يقتضيه اللفظ عرفا ودين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمل ما ادعاه
فإن كانت قرينة كما لو قال ذلك وهو يحلها من وثاق قبل ظاهرا لوجود القرينة الدالة على ذلك
فإن صرح بما ذكر كأن قال أنت طالق من وثاق أو من العمل أو سرحتك إلى كذا كان كناية إن قصد أن يأتي بهذه الزيادة قبل فراغه من الحلف وإلا فصريح ويجري ذلك فيمن يحلف بالطلاق من ذراعه أو فرسه أو رأسه أو نحو ذلك
ولو أتى بالتاء المثناة من فوق بدل الطاء كأن يقول أنت تالق كانت كناية كما أفاده شيخي قال سواء كانت لغته كذلك أم لا ولو قال نساء المسلمين طوالق لم تطلق زوجته إن لم ينو طلاقها بناء على الأصح من أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه وليس قوله بانت مني امرأتي أو حرمت علي إقرار بالطلاق لأنه كناية فيتوقف على النية
( وترجمة ) لفظ ( الطلاق بالعجمية صريح على المذهب ) لشهرة استعمالها في معناها عند أهلها شهرة استعمال العربية عند أهلها ويفرق بينها وبين عدم صراحة نحو حلال الله علي حرام عند المصنف كما سيأتي بأنها موضوعة للطلاق بخصوصه
____________________
(3/280)
بخلاف ذلك وإن اشتهر فيه
والطريق الثاني وجهان أحدهما أنه كناية اقتصارا في الصريح على العربي لوروده في القرآن وتكرره على لسان حملة الشرع
تنبيه اقتصار المصنف على الطلاق قد يفهم أن ترجمة الفراق والسراح كناية وهو كذلك كما صححه في أصل الروضة وجزء به ابن المقري في روضه للاختلاف في صراحتهما بالعربية فضعفا بالترجمة فإن قيل تخصيص المصنف الترجمة بالعجمية قاصر فإن غير العجمية من اللغات كذلك ولهذا عبر في المحرر بسائر اللغات
أجيب بأن مراده بالعجمية ما عدا العربية من سائر اللغات
( و ) كل من ( أطلقتك وأنت مطلقة ) بسكون الطاء ( كناية ) لعدم اشتهاره في معنى الطلاق
تنبيه قول المصنف كناية أولى من قول المحرر ليس بصريح إذ لا يلزم من نفي صراحته إثبات كنايته
( ولو اشتهر ) عرفا ( لفظ للطلاق كالحلال ) بضم اللام علي حرام ( أو حلال الله علي حرام ) أو أنت علي حرام وكذا الحرام يلزمني أو علي الحرام كما بحثه الزركشي ( فصريح في الأصح ) عند من اشتهر عندهم كما قاله الرافعي تبعا للمراوزة لغلبة الاستعمال وحصول التفاهم عندهم
( قلت الأصح ) المنصوص وعليه الأكثرون ( أنه كناية ) مطلقا ( والله أعلم ) لأن الصريح إنما يؤخذ من ورود القرآن به وتكرره على لسان حملة الشرع وليس المذكور كذلك أما من لم يشتهر عندهم فكناية في حقهم جزما
تنبيه قول الزوج لزوجته ألقيت عليك طلقة كناية في الثانية كما قاله شيخنا وإن كان كلام الرافعي يميل إلى الصراحة
وقوله لها لم يبق بيني وبينك شيء وبيعه لها بصيغة البيع بلا عوض أو به أو أبرأتك أو عفوت عنك أو برئت من نكاحك أو برئت إليك من طلاقك كناية ومعناه في الأخيرة برئت منك بواسطة إيقاع الطلاق عليك وهذا بخلاف قوله لها برئت من طلاقك فليس بكناية فلا يقع به طلاق وإن نواه وإن قال الأذرعي لا يبعد إيقاعه به
وقوله الطلاق لازم لي أو واجب علي صريح بخلاف قوله فرض علي للعرف في ذلك
قال في البحر عن المزني ولو قال علي الطلاق فهو كناية وقال الصيمري إنه صريح وهو كما قال شيخنا أوجه بل قال الزركشي وغيره إنه الحق في هذا الزمن لاشتهاره في معنى التطليق
فقول ابن الصلاح في فتاويه أنه لا يقع به شيء محمول على أنه لم يشتهر في زمنه ولم ينو به الطلاق
وقوله لها طلقك الله ولغريمه أبرأك الله وقوله لأمته أعتقك الله صريح في الطلاق والإبراء والعتق إذ لا يطلق الله ولا يبرىء ولا يعتق إلا والزوجة طالق والغريم بريء والأمة معتقة
فإن قيل قد تقدم في البيع أن باعك الله و أقالك الله كناية فهلا كان ما ذكر كذلك أجيب بأن الصيغ هنا قوية لاستقلالها بالمقصود بخلاف صيغتي البيع والإقالة
وقوله لها طلاقك علي أو لست زوجتي كناية وفارق الأول منهما على الطلاق على قول الصيمري باحتماله طلاقك فرض علي مع عدم اشتهاره بخلاف علي الطلاق
( وكنايته ) أي الطلاق ( كأنت خلية ) أي خالية مني وكذا يقدر الجار والمجرور فيما بعده ( برية ) بهمز وتركه بخطه وحيث قلت بخطه المراد المصنف أي منفصلة ( بتة ) بمثناة قبل آخره أي مقطوعة الوصلة مأخوذة من البت وهو القطع
تنبيه تنكير البتة جوزه الفراء والأصح وهو مذهب سيبويه أنه لا يستعمل إلا معرفا باللام
( بتلة ) أي متروكة النكاح ومنه نهى عن التبتل
( بائن ) من البين وهو الفراق
تنبيه قوله بائن هو اللغة الفصحى والقليل بائنة
( اعتدي استبرئي رحمك ) أي لأني طلقتك وسواء في ذلك المدخول بها وغيرها ( إلحقي بأهلك ) بكسر الهمزة وفتح الحاء وقيل بالعكس وجعله المطرزي خطأ أي لأني
____________________
(3/281)
طلقتك سواء أكان لها أهل أم لا
( حبلك على غاربك ) أي خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء وزمامه على غاربه وهو ما تقدم من الظهر وارتفع من العتق ليرعى كيف شاء
( لا أنده سربك ) من النده وهو الزجر أي لا أهتم بشأنك لأني طلقتك والسرب بفتح السين وسكون الراء المهملتين الإبل وما يرعى من المال أما بكسر السين فالجماعة من الظباء والبقر ويجوز كسر السين هنا
( اعزبي ) بمهملة ثم زاي أي تباعدي عني ( اغربي ) بمعجمة ثم راء أي صيري غريبة بلا زوج
( دعيني ) أي اتركيني لأني طلقتك
( ودعيني ) بتشديد الدال المكسورة من الوداع فواوه أصلية لا عاطفة أي لأني طلقتك
( ونحوها ) كقوله لا حاجة لي فيك أي لأني طلقتك أي مرارة الفراق
وتزودي أي استعدي للحوق بأهلك
وتقنعي واستتري أي لأني طلقتك فأنت محرمة علي فلا تحل لي رؤيتك
وتجرعي أي كأس الفراق
وابعدي لأنك أجنبية مني
واذهبي أي إلى أهلك لأني طلقتك لا اذهبي إلى بيت أبوي إن نوى الطلاق بمجموعه لأن قوله إلى بيت أبوي لا يحتمل الطلاق فإن نواه بقوله اذهبي وقع إذ ضابط الكناية كل لفظ له إشعار قريب بالفراق ولم يشع استعماله فيه شرعا ولا عرفا كسافري واخرجي ويا بنتي إن أمكن كونها بنته وإن كانت معلومة النسب من غيره كما إذا قاله لأمته وإنما لم يكن صريحا لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة
وتزوجي وانكحي أي لأني طلقتك
وأحللتك أي للأزواج لأني طلقتك وفتحت عليك الطلاق أي أوقعته
ولعل الله يسوق إليك الخير أي بالطلاق
وبارك الله لك أي في الفراق لا إن قال بارك الله فيك فليس بكناية لأن معناه بارك الله لي فيك وهو يشعر برغبته فيها
ووهبتك لأهلك أو للناس أو للأزواج أو للأجانب
ولا حاجة لي فيك أنت وشأنك وسلام عليك قاله ابن الصلاح لأنه يقال عند الفراق
قال في المحرر ولا تكاد تنحصر
( والإعتاق ) صريحه وكنايته ( كناية طلاق ) لاشتراكهما في إزالة الملك فقوله لزوجته أعتقتك أو لا ملك لي عليك إن نوى به الطلاق طلقت وإلا فلا
( وعكسه ) أي صريح الطلاق وكنايته كناية إعتاق لما مر
فقوله لرقيقه طلقتك أو أنت خلي أو نحو ذلك إن نوى به العتق عتق وإلا فلا
نعم قوله لعبده اعتد أو استبرىء رحمك لغو لا يعتق به وإن نواه لاستحالة ذلك في حقه ومثله كما بحثه شيخنا الخنثى وكناية في الأمة
وقوله لعبده أو أمته أنا منك حر أو أعتقت نفسي لغو لا يعتق به وإن نواه بخلاف الزوجة لأن الزوجية تشمل الجانبين بخلاف الرق فإنه يختص بالمملوك
( وليس الطلاق كناية ظهار وعكسه ) وإن اشتركا في إفادة التحريم لأن تنفيذ كل منهما في موضوعه ممكن فهذه المسألة من فروع قاعدة ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون كناية في غيره فلو قال لزوجته أنت علي كظهر أمي ونوى الطلاق أو أنت طالق ونوى الظهار لم يقع ما نواه بل يقع مقتضى الصريح
واستثنى من هذه القاعدة مسائل منها ما لو قال المستحق عليه للمستحق أردت بقولي أحلتك الوكالة وقال المستحق بل أردت الحوالة وصدق المستحق عليه بيمينه ومنها ما لو قال تصدقت فإنه صريح في بابه وكناية في الوقف
ومنها ما لو قال لزوجته فسخت نكاحك وهو متمكن من الفسخ بعيبها ونوى الطلاق فهو طلاق مع أن الفسخ صريح في رفع نكاح المعيبة بحيث تبين به من غير طلاق فقد وجد نفاذا في موضوعه حينئذ وهو كناية في الطلاق
ومنها ما لو أسلم على أكثر من أربع فقال لإحداهن فارقتك فإنه فسخ وإن كان لفظه صريحا في الطلاق
ومنها ما لو قال لزوجته أنت علي حرام كظهر أمي فالمجموع كناية في الطلاق مع أنه إذا أطلق كان ظهارا
( ولو قال ) لزوجته رأسك أو فرجك أو ( أنت علي حرام أو حرمتك ونوى ) بذلك ( طلاقا ) رجعيا أو بائنا وإن تعدد ( أو ) نوى به ( ظهارا ) أي أنها عليه كظهر أمه ( حصل ) ما نواه لأن كلا منهما يقتضي التحريم فجاز أن يكنى عنه بالحرام
( أو نواهما ) أي الطلاق والظهار معا وكذا متعاقبين كما قاله الشيخ أبو علي أي قبل الفراغ من اللفظ كأن أراد
____________________
(3/282)
أحدهما في أوله والآخر في آخره ( تخير وثبت ما اختاره ) منهما ولا يثبتان جميعا لأن الطلاق يزيل النكاح والظهار يستدعي بقاءه
( وقيل ) الواقع ( طلاق ) لأنه أقوى لإزالته الملك
( وقيل ظهار ) لأن الأصل بقاء النكاح
تنبيه هذان الوجهان مزيدان على المحرر
( أو ) نوى بذلك ( تحريم عينها ) أو فرجها أو وطئها قال الماوردي أو رأسها ( لم تحرم ) عليه وإن كره له ذلك لما روى النسائي أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنهما قال إني جعلت امرأتي علي حراما فقال كذبت ليست عليك بحرام ثم قرأ قوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآية
( و ) لكن ( عليه كفارة يمين ) أي مثلها لأن ذلك ليس بيمين لأن اليمين إنما تنعقد باسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته
ولا يتوقف وجوبها على الوطء كما لو قال ذلك لأمته أخذا من قصة مارية لما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي علي حرام نزل قوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى قوله { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أي أوجب عليكم كفارة ككفارة أيمانكم ( وكذا ) لا تحرم عليه وإن كره له ذلك وعليه كفارة يمين في الحال أي مثلها كما مر
( إن لم تكن ) له ( نية ) في قوله أنت علي حرام ( في الأظهر ) لعموم ما مر
( والثاني ) أن هذا القول ( لغو ) فلا كفارة عليه فيه
وعلى الأول لو قال أردت به اليمين على ترك الوطء لم تسقط عنه الكفارة إذ لا يقبل قوله لما مر أن اليمين إنما تنعقد باسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته
( وإن قاله ) أي أنت علي حرام أو نحوه مما مر ( لأمته ونوى عتقا ثبت ) لأنه كناية فيه أو طلاقا أو ظهارا لغا إذ لا مجال له في الأمة
( أو تحريم عينها ) أو نحوها مما مر وهي حلال له
( أو لا نية ) له ( فكالزوجة ) فيما مر فلا تحرم عليه بذلك
ويلزمه كفارة يمين قطعا في الأولى وعلى الأظهر في الثانية
أما إذا كانت الأمة غير حلال له فإن كانت محرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا كفارة عليه لصدقه في وصفها بتحريمها عليه وفي وجوب الكفارة بقوله ذلك لأمته المزوجة والمعتدة والمجوسية ونحوها كالمرتدة والوثنية والمستبرأة وجهان يجريان في زوجة أحرمت أو اعتدت بشبهة أوجههما لا كما جزم به الروياني في أمته المعتدة والمجوسية والقاضي في المعتدة عن شبهة والمجوسية والمرتدة ولا كفارة بذلك في رجعية لصدقه في وصفها وتجب في حائض ونفساء وصائمة ونحوها كمصلية لأنها عوارض سريعة الزوال
( ولو ) حرم الشخص غير الأبضاع كأن ( قال هذا الثوب أو الطعام أو العبد حرام علي فلغو ) لا كفارة فيه بخلاف الأبضاع لاختصاصها بالاحتياط ولشدة قبولها التحريم بدليل تأثير الظهار فيها دون الأموال وكالأموال قول الشخص لآخر ليس بزوجة ولا أمة له أنت علي حرام كما بحثه شيخنا رحمه الله
تنبيهات لو حرم كل ما يملك وله نساء وإماء لزمته الكفارة كما علم مما مر ويكفيه كفارة واحدة لو حلف لا يكلم جماعة وكلمهم ومثله ما لو قال لأربع زوجات أنتن علي حرام كما صرح به في الروضة هنا وما نقله في الظهار عن الإمام من تعددها ضعيف
ولو حرم زوجته مرات في مجلس أو مجالس ونوى التأكيد وكذا إن طلق سواء أكان في مجلس أو مجالس كما في الروضة في الأولى وبحثه شيخنا في الثانية كفاه كفارة واحدة
وإن نوى الاستئناف تعددت بعدد المرات كما الروضة في الثانية وبحثه الزركشي في الأولى وإن أفهم كلامها خلافه
فإن قيل لو نوى الاستئناف في نظيره من الأيمان لا تتعدد الكفارة فكان القياس أن يكون هنا كذلك
أجيب بأن الحرام لما كان يصلح للطلاق نزل منزلته والطلاق إذا نوى به الاستئناف يتعدد لأنه محصور في عدد فقصد الاستئناف يقتضي استيفاءه بخلاف الكفارة ولأن الكفارة تشبه الحدود المتحدة الجنس فتتداخل بخلاف الطلاق
ولو قال أنت علي كالميتة
____________________
(3/283)
أو الخمر أو الخنزير أو الدم فكقوله أنت حرام علي فيما مر
نعم إن قصد به الاستقذار فلا شيء عليه ولا تلحق الكناية بالصريح مواطأة كالتواطؤ على جعل قوله أنت علي حرام كطلقتك كما تكون كما لو ابتدأ به ولا سؤال المرأة الطلاق ولا قرينة من غضب ونحوه
( وشرط نية الكناية اقترانها بكل اللفظ ) كما في المحرر وجرى عليه البلقيني فلو قارنت أوله وعزبت قبل آخره لم يقع طلاق
( وقيل يكفي ) اقترانها ( بأوله ) فقط وينسحب ما بعده عليه ورجحه الرافعي في الشرح الصغير ونقل في الكبير ترجيحه عن الإمام وغيره وصوبه الزركشي
والذي رجحه ابن المقري وهو المعتمد أنه يكفي اقترانها ببعض اللفظ سواء أكان من أوله أو وسطه أو آخره لأن اليمين إنما تعتبر بتمامها
تنبيه اللفظ الذي يعتبر قرن النية به هو لفظ الكناية كما صرح به الماوردي والروياني والبندنيجي ومثل له الرافعي تبعا لجماعة بقرنها بأنت من أنت بائن مثلا وصوب في المهمات الأول لأن الكلام في الكناية
والأوجه كما قال شيخنا الاكتفاء بما قاله الرافعي لأن أنت وإن لم يكن جزءا من الكناية فهو كالجزء منها لأن معناها المقصود لا يتأدى بدونه
( وإشارة ناطق ) وإن فهمها كل أحد ( بطلاق ) كأن قالت له زوجته طلقني فأشار بيده أن اذهبي ( لغو ) لا يقع بها شيء لأن عدوله عن العبارة إلى الإشارة يفهم أنه غير قاصد الطلاق وإن قصده بها فهي لا تقصد للإفهام إلا نادرا
( وقيل ) هي ( كناية ) لحصول الإفهام بها في الجملة
تنبيه خرج بإشارة الناطق بالطلاق إشارة لمحل الطلاق كقول من له زوجتان امرأتي طالق مشيرا لإحداهما وقال أردت الأخرى فإنه يقبل كما رجحه في زيادة الروضة آخر المسائل المنثورة قبيل الباب السادس في تعليق الطلاق وإشارته بأمان ونحوه مما يلتحق بعبارته فليست لغوا ومما لم يلحقوه بالعبارة إشارته في الصلاة وإشارته إلى من حلف لا يكلمه فأشار إليه فإن صلاته لا تبطل ولا يحنث
( ويعتد بإشارة أخرس ) ولو قدر على الكناية كما صرح به الإمام ( في العقود ) كالبيع والنكاح وفي الأقارير والدعاوى ( و ) في ( الحلول ) كالطلاق والعتق
واستثنى في الدقائق شهادته وإشارته في الصلاة فلا يعتد بها ولا يحنث بها في الحلف على عدم الكلام
( فإن فهم طلاقه ) مثلا ( بها ) أي الإشارة ( كل أحد ) من فطن وغيره ( فصريحة إشارته لا تحتاج لنية كأن قيل له كم طلقت زوجتك فأشار بأصابعه الثلاث
( وإن اختص بفهمه ) أي بفهم طلاقه بإشارته ( فطنون ) بكسر الطاء بخطه ويجوز ضمها أي أهل الفطنة والذكاء ضد الغبي ( فكناية ) يحتاج للنية
تنبيه تفسير الأخرس صريح إشارته في الطلاق بغير طلاق كتفسير اللفظ الشائع في الطلاق بغيره فلا يقبل منه ظاهرا إلا بقرينة
( لو كتب ناطق ) على ما يثبت عليه الخط كرق وثوب وحجر وخشب لا على نحو ماء كهواء ( طلاقا ) أو نحوه مما لا يغتفر إلى قبول كالإعتاق والإبراء والعفو عن القصاص كأن كتب زوجتي أو كل زوجة لي طالق أو عبدي حر ( ولم ينوه ) أي الطلاق أو نحوه ( فلغو ) لا يعتد به على الصحيح
( وإن نواه ) ولم يتلفط به ( فالأظهر وقوعه ) لأن الكناية طريق في إفهام المراد وقد اقترنت بالنية ولأنها أحد الخطابين فجاز أن يقع بها الطلاق كاللفظ
والثاني لا لأنه فعل من قادر على القول فلم يقع به الطلاق كالإشارة من الناطق
فإن قرأ ما كتبه حال الكتابة أو بعدها فصريح فإن قال قرأته حاكيا ما كتبته بلا نية طلاق صدق بيمينه وفائدة قوله هذا إذا لم تقارن الكتب النية وإلا فلا معنى لقوله
ولو كتب الأخرس أن زوجته طالق كان كناية على الصحيح فيقع إن نوى وإن لم يشر معها أما إذا رسم صورة على ماء أو في هواء فليس بكناية في المذهب
وفرع المصنف على وقوع الطلاق بالكناية ما تضمنه قوله ( فإن كتب ) شخص في كتاب طلاق زوجته صريحا أو كناية كما في الروضة وأصلها ونوى وعلق
____________________
(3/284)
الطلاق ببلوغ الكتاب كقوله ( إذا بلغك كتابي ) أو وصل إليك أو أتاك ( فأنت طالق فإنما تطلق ببلوغه ) لها مكتوبا كله مراعاة للشرط فإن انمحى كله قبل وصوله لم تطلق كما لو ضاع ولو بقي أثره بعد المحو وأمكن قراءته طلقت
ولو ذهب سوابقه ولواحقه كالبسملة والحمدلة وبقيت مقاصده وقع بخلاف ما لو ذهب موضع الطلاق أو انمحق لأنه لم يبلغها جميع الكتاب ولا ما هو المقصود الأصلي منه
تنبيه احترز بقوله كتب عما لو أمر أجنبيا فكتب لم تطلق وإن نوى الزوج كما لو أمر أجنبيا أن يقول لزوجته أنت بائن ونوى الزوج كما جزما به خلافا للصيمري في قوله إنه لا فرق بين أن يكتب بيده وبين أن يملي على غيره
وبقوله طالق عما لو كتب كناية من كنايات الطلاق كما لو كتب زوجتي بائن ونوى الطلاق فإنه لا يقع كما اقتضاه كلام المهذب لأن الكناية كناية فلا تصح بكناية إذ لا يكون للكناية كناية كما قاله بعض الشراح وهو مردود بما تقدم عن الروضة وأصلها
فرع لو كتب إذا بلغك نصف كتابي هذا فأنت طالق فبلغها كله طلقت كما قاله المصنف فإن ادعت وصول كتابه بالطلاق فأنكر صدق بيمينه فإن أقامت بينة بأنه خطه لم تسمع إلا برؤية الشاهد بكتابه وحفظه عنده لوقت الشهادة
( وإن كتب إذا قرأت كتابي ) فأنت طالق ( وهي قارئة فقرأته طلقت ) لوجود المعلق عليه
تنبيه عبارته تقتضي أمرين أحدهما اشتراط اللفظ به إذ القراءة تعطي ذلك لكن نقل الإمام الاتفاق على أنها لو طالعته وفهمت ما فيه طلقت وإن لم تتلفظ بشيء
الثاني اشتراط قراءة جميعه
والظاهر الاكتفاء بقراءة المقاصد كما بحثه الأذرعي فحكم قراءة بعض الكتاب كوصول بعضه كما مر حكمه
( وإن قرىء عليها فلا ) تطلق ( في الأصح ) لعدم قراءتها مع الإمكان
والثاني تطلق لأن المقصود إطلاعها على ما في الكتاب وقد وجد فإن قيل يشكل على الأول ما إذا كتب للقاضي من ولاه إذا قرأت كتابي فأنت معزول وهو قارىء فقرىء عليه فإنه ينعزل فهلا سوى بينهما كما صوبه الإسنوي أجيب بأن عادة الحكام قراءة الكتب عليهم والمقصود إعلامه بالحال وليس المراد تعليق العزل لأن العزل لا يجوز تعليقه فلم يبق إلا مجرد العلم بالعزل وهو حاصل بقراءة غيره عليه وأما الطلاق فيقبل التعليق وإنما يتحقق وقوعه بوجود الصفة
( وإن لم تكن قارئة ) أي والزوج يعلم ذلك ( فقرىء عليها طلقت ) لأن القراءة في حق الأمي محمولة على الاطلاع على ما في الكتاب وقد وجد بخلاف القارئة أما إذا لم يعلم الزوج حالها فإنها لا تطلق على الأقرب في الروضة وأصلها فترد هذه الصورة على إطلاق المتن
ولو علق بوصول الكتاب ثم علق بوصول الطلاق ووصل إليها طلقت طلقتين
فصل في جواز تفويض الطلاق للزوجة
وهو جائز بالإجماع واحتجوا له أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم خير نساءه بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قوله تعالى { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } الخ فلو لم يكن لاختيارهن الفرقة أثر لم يكن لتخييرهن معنى
فإن قيل لا دليل في ذلك لما صححوه من أنه لا يقع الطلاق باختيارهن الدنيا بل لا بد من إيقاعه بدليل
{ فتعالين أمتعكن وأسرحكن } 2
أجيب بأنه لما فوض إليهن سبب الفراق وهو اختيار الدنيا جاز أن يفوض إليهن المسبب الذي هو الفراق
( له ) أي الزوج ( تفويض طلاقها ) المنجز صريحا كان أو كناية كطلقي أو أبيني نفسك ( إليها ) أي زوجته البالغة العاقلة فلا يصح تعليقه كقوله إذا جاء الغد أو زيد فطلقي نفسك ولا التفويض لصغيرة أو حكم مجنونة كسائر التمليكات في جميع ذلك
( وهو ) أي تفويض الطلاق ( تمليك ) للطلاق أي يعطى حكم التمليك ( في الجديد ) لأنه يتعلق بغرضها كغيره من التمليكات فنزلت منزلة قوله ملكتك طلاقك ( فيشترط ) عليه ( لوقوعه ) تكليفه وتكليفها و ( تطليقها على الفور ) لأن التطليق هنا جواب للتمليك فكان
____________________
(3/285)
كقبوله وقبوله فور فإن أخرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب أو تخلل كلام أجنبي كثير بين تفويضه وتطليقها ثم طلقت نفسها لم تطلق
فلو قالت كيف أطلق نفسي ثم طلقت وقع والفصل بذلك لا يؤثر لقصره ولا يصح من غير مكلف ولا يقع على غير مكلفة كما علم مما مر لفساد العبارة
نعم لو قال وكلتك في طلاق نفسك لم يشترط الفور وكذا إن قال طلقي نفسك متى أو متى ما شئت لم يشترط الفور وإن اقتضى التمليك اشتراطه قال ابن الرفعة لأن الطلاق لما قبل التعليق سومح في تمليكه وهذا ما جزم به صاحب التنبيه ووجهه ابن الرفعة بما ذكره وجرى عليه ابن المقري في روضه وقيل لا يصح إلا على القول بأنه توكيل والمعتمد الأول ووجهه ما مر
( وإن قال لها طلقي ) نفسك ( بألف فطلقت ) فورا وهي جائزة التصرف بانت ( ولزمها ألف ) ويكون تمليكها بعوض كالبيع فإن لم يذكر عوض فهو كالهبة ( وفي قول ) نسب للقديم أن التفويض ( توكيل ) كما لو فوض طلاقها لأجنبي وأجاب الأول بأن لها فيه غرضا وله بها اتصالا
وإذا قلنا بأنه توكيل ( فلا يشترط ) في تطليقها ( فور في الأصح ) كما في توكيل الأجنبي
والثاني يشترط لما فيه من شائبة التمليك ( و ) على قول التوكيل ( في اشتراط قبولها ) لفظا ( خلاف الوكيل ) الذي سبق في بابه والمرجح منه عدم القبول لفظا
تنبيه لو قال كالمحرر ففي اشتراط لأفهم التفريع على ما قبله
( وعلى القولين ) لتمليك والتوكيل ( له الرجوع ) عن التفويض ( قبل تطليقها ) لأن التمليك والتوكيل يجوز الرجوع فيهما قبل القبول فإذا رجع ثم طلقت لم يقع علمت برجوعه أم لا ( ولو ) علق التفويض كأن قال لها ( إذا جاء رمضان ) مثلا فطلقي نفسك ( لغا على ) قول ( التمليك ) لأن التعليق لا يصح تعليقه
ولو قال ملكتك هذا العبد إذا جاء رأس الشهر قال في الروضة وجاز على قول التوكيل كما في توكيل الأجنبي اه
فإن قيل تقدم في الوكالة أنه لا يصح تعليقها بشرط في الأصح ولذا قال الشارح فليتأمل الجمع بين ما هنا وما هناك أجيب بأن أصل هذا مبني على صحة تصرف الوكيل بالوكالة الفاسدة مستندا إلى الإذن فيها فلا يشكل بما مر في الوكالة
واعلم أن ما تقدم من صور التفويض بالصريح ( و ) أما بالكناية فهو كما ( لو قال ) لها ( أبيني نفسك فقالت أبنت ونويا ) أي الزوج تفويض الطلاق إليها بأبيني ونوت هي تطليق نفسها بأبنت ( وقع ) الطلاق لأن الكناية مع النية كالصريح
( وإلا ) بأن لم ينويا أو أحدهما ( فلا ) يقع لأنه إن لم ينو هو فلا تفويض وإن لم تنو هي فلا تطليق إذ الطلاق لا يقع بهذا اللفظ وحده
( ولو ) صرح فكنت أو عكسه كأن ( قال ) لها ( طلقي ) نفسك ( فقالت أبنت ونوت أو ) قال ( أبيني ) نفسك ( ونوى فقالت طلقت وقع ) الطلاق لأنها أمرت بالطلاق وقد فعلته في الحالين ولا يضر اختلاف لفظهما
وأفهم كلام المصنف أن التخالف في الكناية أو الصريح كاختاري نفسك فقالت ابنتها أو طلقي نفسك فقالت سرحتها لا يضر من باب أولى نعم إن قال لها طلقي نفسك بصريح الطلاق أو بكنايته أو بالتسريح أو نحو ذلك فعدلت عن المأذون فيه إلى غيره لم تطلق لمخالفتها صريح كلامه
تنبيه عبر في الروضة والشرح ب طلقي نفسك وفي الثانية ب أبيني نفسك وذلك يشعر باعتبار قوله نفسك وحذف المصنف لفظة نفسك منهما وزدتها في الشرح فأفهم أنه لا يشترط وفيه وجهان أحدهما لا يقع وإن نوت نفسها إذ ليس في كلام أحدهما ما يشعر بالفراق وبه قال القاضي و البغوي في تهذيبه
وثانيهما يقع إذا نوت نفسها وبه قال البوشنجي والبغوي في تعليقه وهذا كما قال الأذرعي هو المذهب الصحيح وهي قضية كلام جماعة من
____________________
(3/286)
العراقيين وغيرهم وجرى عليه شيخنا في شرح البهجة
( ولو قال ) لها ( طلقي ) نفسك ( ونوى ثلاثا فقالت طلقت ونوتهن ) وقد علمت نيته أو وقع ذلك اتفاقا كما يؤخذ من قول أصل الروضة ( فثلاث ) لأن اللفظ يحتمل العدد وقد نوياه ( وإلا فواحدة في الأصح ) لأن صريح الطلاق كناية في العدد
والثاني ثلاث حملا على منويه
تنبيه قوله وإلا صادق بما إذا نوى هو ثلاثا ولم تنو هي عددا وبما إذا لم ينويا أو نوى أحدهما فقط
وظاهر كلامه أن الخلاف جار في البيع لكن الثانية والثالثة تقع فيهما واحدة بلا خلاف
( ولو قال ) طلقي نفسك ( ثلاثا فوحدت ) أي قالت طلقت نفسي واحدة ( أو عكسه ) كقوله طلقي نفسك واحدة فثلثت أي قالت طلقت نفسي ثلاثا ( فواحدة ) تقع في الصورتين أما في الأولى فلأن ما أوقعته داخل في المفوض إليها وأما في الثانية فلأن المفوض إليها واحدة الزائد غير مأذون فيه فيقع ما تملكه
تنبيهات لها في الأولى بعد أن وحدت وراجعها الزوج أو لم يراجعها أن تزيد الثنتين الباقيتين على الواحدة التي أوقعتها فورا إذ لا فرق بين أن تطلق الثلاث دفعة وبين قولها طلقت واحدة وواحدة ولا يقدح تخلل الرجعة من الزوج
ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فقالت بلا نية طلقت وقع الثلاث لأن قولها جواب لكلامه فهو كالمعاد في الجواب بخلاف ما إذا لم يتلفظ هو بالثلاث ونواها لأن المنوي لا يمكن تقدير عوده في الجواب إذ التخاطب باللفظ لا بالنية
ولو طلقت نفسها عبثا ونوت فصادفت التفويض لها ولم يطل الفصل بينهما طلقت كما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا
ولو فوض طلاق زوجته إلى اثنين وطلق أحدهما طلقة والآخر ثلاثا وقعت واحدة فقط كما قال البندنيجي إنه مقتضى المذهب لاتفاقهما عليها
وإن جعل طلاقها بيد الله ويد زيد لغا إن قصد الشركة فليس لزيد أن يطلقها فإن قصد التبرك أو أن الأمور كلها بيد الله فلا
قال الأذرعي وكذا إن أطلق فيما يظهر والأوجه كما قال شيخنا أنه كما لو قصد الشركة لأنه الظاهر من العطف
ولو قال جعلت كل أمر لي عليك بيدك كان كناية في التفويض إليها وليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا ما لم ينوها
ولو قال طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فطلقت واحدة أو طلقي نفسك واحدة إن شئت فطلقت ثلاثا طلقت واحدة كما لو لم يذكر المشيئة وإن قدم المشيئة على العدد فقال طلقي نفسك إن شئت واحدة فطلقت ثلاثا أو عكسه لغا لصيرورة المشيئة شرطا في أصل الطلاق والمعنى طلقي إن اخترت الثلاث فإذا اختارت غيرهن لم يوجد الشرط بخلاف ما إذا أخرها فإنها ترجع إلى تفويض المعنى والمعنى فوضت إليك أن تطلقي نفسك ثلاثا فإن شئت فافعلي ما فوضت إليك وذلك لا يمنع نفوذ ذلك المعين ولا نفوذ ما يدخل فيه
والظاهر كما قال شيخنا أنه لو قدمها على الطلاق أيضا فقال إن شئت طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة كان كما لو أخرها عن العدد
فصل في اشتراط القصد في الطلاق وهذا شروع منه في الركن الثالث وهو القصد
إذا ( مر بلسان نائم ) أو من زال عقله بسبب لم يعص به ( طلاق لغا ) وإن قال بعد استيقاظه أو إفاقته أجزته أو أوقعته لحديث رفع القلم عن ثلاث وذكر منها النائم حتى يستيقظ ولانتفاء القصد
تنبيه كان المصنف مستغنيا عن هذا باشتراط التكلف أول الباب
ولو تلفظ بالطلاق ثم قال كنت حينئذ صبيا أو نائما وأمكن ذلك صدق بيمينه كما قاله الروياني وإن قال في الروضة في تصديق النائم نظر فإنه لا إمارة عليه بخلاف الصبي
( ولو سبق لسانه بطلاق بلا قصد ) لحروف الطلاق لمعناه ( لغا ) ما سبق لسانه إليه لما مر وكذا إذا تلفظ بالطلاق حاكيا كلام غيره وكذلك الفقيه إذا تكرر لفظ الطلاق في درسه وتصويره
تنبيه لا حاجة لقوله بلا قصد مع قوله سبق ولو قال لا بقصد كان أعم
( ولا يصدق ظاهرا ) في دعواه سبق
____________________
(3/287)
لسانه بالطلاق لتعلق حق الغير به ولأن الظاهر الغالب أن البالغ العاقل لا يتكلم بكلام إلا ويقصده
( إلا بقرينة ) كأن دعاها بعد طهرها من الحيض إلى فراشه وأراد أن يقول أنت الآن ظاهرة فسبق لسانه فقال أنت اليوم طالقة
تنبيه لو ظنت صدقه في دعواه السبق فلها قبول قوله وكذا للشهود أن لا يشهدوا عليه بالطلاق كما ذكره في أصل الروضة هنا وذكر أواخر الطلاق أنه لو سمع لفظ رجل بالطلاق وتحقق أنه سبق لسانه إليه لم يكن له أن يشهد عليه بمطلق الطلاق وكان ما هنا فيما إذا ظنوا وما هناك فيما إذا تحققوا كما يفهمه كلامه
قال شيخنا ومع ذلك فيما هنا نظر اه
والأولى إلحاق ما هنا بما هناك كما قاله بعض المتأخرين
( ولو كان اسمها طالقا فقال ) لها ( يا طالق ) بضم القاف بخطه ( وقصد النداء لم تطلق ) جزما لأنه صرفه عن معناه وكونها اسمها كذلك قرينة تسوغ تصديقه
تنبيه المراد قصد ندائها باسمها وإلا فنداؤها مقصود وإن أراد الطلاق ( وكذا إن أطلق ) بأن لم يقصد شيئا وكان اسمها ذلك عند النداء لم تطلق أيضا ( في الأصح ) حملا على النداء ولأنه لم يقصد الطلاق واللفظ هنا مشترك والأصل دوام النكاح
أما إذا كان اسمها ذلك ثم غير إلى غيره ثم خطابها به بعد التغيير طلقت عند الإطلاق كما ذكره الرافعي في نظير المسألة من العتق في نداء عبده المسمى بحر يا حر
( وإن كان اسمها طارقا أو طالبا ) أو طالعا أو نحوها من الأسماء التي تقارب حروف طالق ( فقال ) لها يا طالق وقال أردت ( النداء ) لها باسمها ( فالتف ) بلساني ( الحرف صدق ) ظاهرا لظهور القرينة
( ولو خاطبها بطلاق ) لها ( هازلا ) وهو قصد اللفظ دون معناه ( أو لاعبا ) بأن لم يقصد شيئا لقولها له في معرض دلال أو ملاعبة أو استهزاء طلقني فيقول لها لاعبا أو مستهزئا طلقتك
( أو ) خاطبها بطلاق ( وهو يظنها أجنبية ) ويصدق ذلك بصور إما ( بأن كانت في ظلمة ) أو من وراء حجاب ( أو ) بأن ( نكحها ) له ( وليه أو وكيله ولم يعلم ) بالنكاح أو نسيه أو نحو ذلك ( وقع الطلاق )
أما في الأوليين فلأنه أتى باللفظ عن قصد واختيار وعدم رضاه بوقوعه لظنه أنه لا يقع لا أثر له لخطأ ظنه وفي حديث حسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح الإسناد ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة
قال البغوي وخص في الحديث الثلاث لتأكد أمر الفرج وإن كان البيع وسائر التصرفات تنعقد بالهزل على الأصح اه
وأما فيما بعدهما فلأنه أوقع الطلاق في محله وظن غير الواقع لا يدفعه
تنبيه عطف المصنف اللعب على الهزل يقتضي تغايرهما وكلام أهل اللغة يقتضي ترادفهما قال الزمخشري في الفائق الهزل واللعب من وادي الاضطراب
وعبارة المحرر على سبيل اللعب والهزل وهي تقتضي اتحادهما والذي يشهد له الاستعمال أن الهزل يختص بالكلام واللعب أعم وظاهر إطلاق المصنف الوقوع أنه يقع ظاهرا وباطنا لكن قضية كلام الروضة أنه لا يقع في مسألة الظن باطنا وهو الظاهر وإن قال الأذرعي قضية كلام الروياني أن المذهب الوقوع باطنا
ولو نسي أن له زوجة فقال زوجتي طالق طلقت كما نقلاه عن النص وأقراه
وما جزم به المصنف من وقوع الطلاق فيما إذا ظنها أجنبية يتشكل عليه مسألة ذكرها الخوارزمي في الكافي فقال رجل تزوج امرأة في الرستاق فذهبت إلى البلد وهو لا يعلم فقيل له ألك زوجة في البلد وهو لا يعلم فقال إن كان لي زوجة في البلد فهي طالق وكانت هي في البلد فعلى قول حنث الناسي
قال البلقيني وأكثر ما يلمح في الفرق بينهما صورة التعليق
ولو كان واعظا مثلا وطلب من الحاضرين شيئا فلم يعطوه فقال متضجرا منهم طلقتكم وفيهم امرأته ولم يعلم بها لم تطلق كما بحثه في أصل الروضة بعد نقله عن الإمام أنه أفتى بخلافه قال المصنف لأنه لم يقصد معنى الطلاق ولأن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال إلا بدليل واعترض عليه بمنع أنه لم يقصد معنى الطلاق إذ معناه الفرقة وقد
____________________
(3/288)
نواها وبأن دليل الدخول هنا موجود وهو مشافهة الحاضرين وعدم علمه بأن زوجته فيهم لا يمنع الإيقاع كمن خاطبها يظنها غيرها
وأجيب عن الأول بأن معنى الطلاق شرعا قطع عصمة النكاح ولم يقصده الواعظ بخلاف من خاطب زوجته يظنها غيرها وعن الثاني بأن ذلك إنما يكون بحسب القصد للتغليب ولا قصد
( ولو لفظ أعجمي ) أو غيره ( به ) أي الطلاق ( بالعربية ) أو غيرها مما لا يعرفه ( ولم يعرف معناه ) سواء ألقنه أم لا ( لم يقع ) لانتفاء قصده وقيده المتولي بمن لم يكن مخالطا لأهل اللسان وإلا لم يقبل ظاهرا ويصدق في أنه لا يعرف معناه لأنه الظاهر من حاله قاله في الاستقصاء
( وقيل إن نوى ) العجمي به ( معناها ) أي العربية عند أهلها ( وقع ) لأنه قصد لفظ الطلاق لمعناه
وأجاب الأول بأنه إذا لم يعرف معناه لا يصح قصده ولو لم يعرف معناه وقصد به قطع النكاح لم تطلق كما لو أراد الطلاق بكلمة لا معنى لها
( ولا يقع طلاق مكره ) بغير حق خلافا لأبي حنيفة كما لا يصح إسلامه لقوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولخبر لا طلاق في إغلاق أي إكراه رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده على شرط مسلم ولأنه قول لو صدر منه باختياره طلقت زوجته وصح إسلامه فإن أكره عليه بباطل لغا كالردة
نعم تقدم في شروط الصلاة أنه لو تكلم فيها مكرها بطلت صلاته لندرة الإكراه فيها فإن كان الإكراه بحق وقع الطلاق وصح الإسلام وصور الطلاق بحق جمع بإكراه القاضي المولى بعد مدة الإيلاء على طلقة واحدة فإن أكره على الثلاث فتلفظ بها لغا الطلاق لأنه يفسق بذلك وينعزل به
فإن قيل المولى لا يؤمر بالطلاق عينا بل به أو بالفيئة ومثل هذا ليس بإكراه يمنع الوقوع كما لو أكره على أن يطلق زوجته أو يعتق عبده فأتى بأحدهما فإنه ينفذ
أجيب بأن الطلاق قد يتعين في بعض صور المولى كما لو آلى وهو غائب فمضت المدة فوكلت بالمطالبة فرفعه وكيلها إلى قاضي البلد الذي فيه الزوج وطالبه فإن القاضي يأمره بالفيئة باللسان في الحال وبالمسير إليها أو بحملها إليه أو الطلاق فإن لم يفعل ذلك حتى مضى مدة إمكانه ذلك ثم قال أسير إليها الآن لم يمكن بل يجبر على الطلاق عينا هكذا أجاب به ابن الرفعة
وهو إنما يأتي تفريعا على مرجوح وهو أن القاضي يكره المولى على الفيئة أو الطلاق والأصح أن الحاكم هو الذي يطلق على المولى الممتنع كما سيأتي في بابه وحينئذ فلا إكراه أصلا حتى يحترز عنه بغير حق
ويستثنى من إطلاق المكره ما لو أكره شخصا على طلاق زوجة نفسه فإنه يقع لأنه إذن وزيادة ولا يستثنى ما إذا أكره على الطلاق فنوى لأن هذا ليس مكرها
ولو أكره غير الزوج الوكيل في الطلاق عليه لغا أو الزوج وقع لأنه أبلغ في الإذن كما مر
وأما الإكراه على الإسلام بحق فإكراه المرتد والحربي عليه بخلاف الذمي فإنه مقر على كفره بالجزية والمعاهد كالذمي كما بحثه ابن الرفعة
( فإن ظهرت ) من مكره بفتح الراء ( قرينة اختيار ) منه للطلاق ( بأن ) أي كأن ( أكره ) بضم الهمزة ( على ثلاث فوحد ) أي طلق واحدة ( أو ) على طلاق ( صريح أو ) على ( تعليق ) له ( فكنى ) ونوى ( أو نجز أو على ) أن يقول ( طلقت ) زوجتي ( فسرح ) بتشديد الراء أي قال سرحتها ( أو ) وقع الإكراه ( بالعكوس ) لهذه الصور بأن أكره على واحدة فثلث أو كناية فصرح أو تنجيز فعلق أو على أن يقول سرحت فقال طلقت ( وقع ) الطلاق في الجميع لأن مخالفته تشعر باختياره فيما أتى به
( وشرط ) حصول ( الإكراه قدرة المكره ) بكسر الراء ( على تحقيق ما هدد به ) المكره بفتحها تهديدا عاجلا ظلما ( بولاية أو تغلب وعجز المكره ) بفتح الراء ( عن دفعه ) أي المكره بكسرها ( بهرب وغيره ) كاستغاثة بغيره ( وظنه أنه إن امتنع ) من فعل ما أكره عليه ( حققه ) أي فعل ما خوفه به لأنه لا يتحقق العجز
____________________
(3/289)
إلا بهذه الأمور الثلاثة
تنبيه تعبيره بالظن يقتضي أنه لا يشترط تحققه وهو الأصح
وخرج بعاجلا ما لو قال لأقتلنك غدا فليس بإكراه وب ظلما ما لو قال ولي القصاص للجاني طلقها وإلا اقتصصت منك لم يكن إكراها
( ويحصل ) الإكراه ( بتخويف بضرب شديد أو ) ب ( حبس ) طويل كما نقله الشامل عن النص ( أو إتلاف مال )
وقوله ( ونحوها ) من زيادته أي مما يؤثر العاقل لأجله الإقدام على ما أكره عليه
ويختلف الإكراه باختلاف الأشخاص والأسباب المكره عليها فقد يكون الشيء إكراها في شخص دون آخر وفي سبب دون آخر فالإكراه بإتلاف مال يضيق على المكره بفتح الراء كخمسة دراهم في حق الموسر ليس بإكراه على الطلاق لأن الإنسان يتحمله ولا يطلق بخلاف المال الذي يضيق عليه
والحبس في الوجيه إكراه وإن قل كما قاله الأذرعي
والضرب اليسير في أهل المروءات إكراه
والتهديد بقتل أصله وإن علا أو فرعه وإن سفل إكراه بخلاف ابن العم ونحوه بل يختلف ذلك باختلاف الناس كما مر
( وقيل يشترط ) في الإكراه ( قتل ) لنفسه لأن ما دونه يدوم معه النظر والاختيار
( وقيل يشترط ) فيه ( قتل ) لنفسه ( أو قطع ) لطرفه ( أو ضرب مخوف ) لإفضائه إلى القتل ولا يحصل الإكراه ب طلق زوجتك وإلا قتلت نفسي أو كفرت أو أبطلت صومي أو صلاتي
قال الأذرعي في وإلا قتلت نفسي كذا أطلقوه ويظهر عدم الوقوع إذا قاله من لو هدد بقتله كان مكرها كالولد اه
وهو حسن
( ولا تشترط ) في عدم وقوع طلاق المكره ( التورية ) وهي من ورى أي جعل البيان وراءه
( بأن ) أي كأن ( ينوي ) بقوله طلقت زينب مثلا ( غيرها ) أي زوجته
أو ينوي بالطلاق حل الوثاق أو يقول عقيب اللفظ إن شاء سرا كما قاله في المحرر
وعبارة الروضة وأصلها أو قال في نفسه إن شاء الله
فإن قيل لا أثر للتعليق بمشيئة الله تعالى بمجرد النية لا ظاهرا ولا باطنا بل لا بد من التلفظ به
أجيب بأن المراد بقوله في نفسه تلفظه بمشيئة الله تعالى سرا بحيث لم يسمعه المكره لا أنه نواه وأن ما ذكره من اشتراط التلفظ بالتعليق بمشيئة الله تعالى محله في غير المكره أما هو فيكتفي بقلبه كما نقله الأذرعي عن القاضي الحسين عن الأصحاب
وهي فائدة حسنة
وضابط التورية أن ينوي ما لو صرح به لقبل ولم يقع الطلاق وهذا لو عبر المصنف بقوله كأن بالكاف كما حولت به عبارته لكان أولى وهذا يقع في كلام الشيخين كثيرا وفيه تساهل
( وقيل إن تركها ) أي التورية ( بلا عذر ) له ( وقع ) لإشعاره بالاختيار فإن تركها لعذر كدهشة لم يقع قطعا كما قاله في المحرر
فرع لو قال له اللصوص لا نخليك حتى تحلف بالطلاق أنك لا تخبر بنا فحلف بذلك فهو إكراه منهم له على الحلف فإذا أخبر بهم لم يقع عليه طلاق
ولو أكره ظالم شخصا أن يدله على زيد مثلا أو ماله وقد أنكر معرفة محله فلم يخله حتى يحلف له بالطلاق فحلف به كاذبا أنه لا يعلمه طلقت لأنه في الحقيقة لم يكره على الطلاق بين خير وبينه وبين الدلالة
ولو قال طلقت مكرها فأنكرت زوجته وهناك قرينة كالحبس فالقول قوله بيمينه وإلا فلا
ولو ادعى الصبا بعد طلاقه وأمكن صدقه صدق بيمينه
فإن قيل قد جزموا في الأيمان بعدم تصديق مدعي عدم قصد الطلاق والعتاق ظاهرا لتعلق حق الغير بهما فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ما ذكر هناك لا يشبه هذا فإن الزوج تلفظ تم بصريح الطلاق ثم ادعى صرفه بعدم القصد والمدعى هنا طلاق مقيد بحاله لا يصح فيها الطلاق فقبل قوله لعدم مخالفته الظاهر
( ومن أثم بمزيل عقله من شراب ) خمر أو غيره ( أو دواء ) بنبيذ أو غيره ( نفذ طلاقه وتصرفه له ) قولا وفعلا ( و ) نفذ أيضا تصرفه ( عليه قولا وفعلا ) كإسلام وردة وقطع وقتل ( على المذهب ) المنصوص
أما السكران
____________________
(3/290)
فاحتج له الشافعي رضي الله عنه بحديث رفع القلم عن ثلاث قال والسكران ليس في معنى واحد من هؤلاء فإنه يجب عليه قضاء الصلاة والصوم وغيرهما فالقلم غير مرفوع عنه بخلاف المجنون
قال الشافعي رضي الله عنه وهو قول أكثر من لقيته من المفتين
وأما المتداوي فإنه في معناه
( وفي قول لا ) ينفذ شيء من تصرفه لأنه ليس له فهم صحيح
( وقيل ) ينفذ تصرفه ( عليه ) كالطلاق والإقرار تغليظا عليه واحترز بقوله أثم عما إذا لم يأثم كما إذا أوجز خمرا أو أكره على شربها أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي فإنه لا يقع طلاقه ولا يصح تصرفه
تنبيه مقتضى إطلاق المصنف أنه لو تعدى بسكره ثم نشأ عن سكره جنونه أن حكمه كالسكران وهو كذلك كما صرح به في البحر
وفيه أيضا لو أوقع السكران الطلاق ثم ادعى الإكراه على الشرب أو الجهل بإسكار ما شربه ورام عدم الوقوع صدق بيمينه قال الأذرعي وينبغي استفساره فإن ذكر إكراها معتبرا فذاك فإن أكثر الناس يظن ما ليس بإكراه إكراها اه
وهذا ظاهر إذا كان ممن يخفى عليه ذلك
ثم في شرع في الركن الرابع وهو المحل أي المرأة فقال ( ولو قال ) شخص لزوجته أنت طالق أو طلقتك فذاك واضح وكذا لو قال جسمك أو جسدك أو روحك أو شخصك أو جثتك أو ذاتك طالق
وإن طلق جزءا منها كقوله يدك أو رجلك أو نحو ذلك من أعضائها المتصلة بها أو ( ربعك أو بعضك أو جزؤك ) سواء أكان معلوما كالمثال الأول أو مبهما كالمثال الثاني والثالث أصليا كان أو زائدا ظاهرا كما مر أو باطنا ومثل له بقوله ( أو كبدك ) أو كان الجزء مما ينفصل منها في الحياة ومثل له بقوله ( أو شعرك أو ظفرك طالق وقع ) الطلاق جزما واحتجوا له بالإجماع ولأنه طلاق صدر من أهله فلا ينبغي أن يلغى وتبعيضه متعذر لأن المرأة لا تتبعض في حكم النكاح فوجب تعميمه وبالقياس على العتق بجامع أن كلا منهما إزالة ملك يحصل بالصريح والكناية
ونظر في القياس بأن العتق محبوب والطلاق مبغوض وبأن العتق يقبل التجزئة فصحت إضافته للبعض بخلاف الطلاق
( وكذا دمك ) طالق يقع به الطلاق ( على المذهب ) لأن به قوام البدن كالروح وفي وجه لا يقع لأنه كفضلة وقطع بعضهم بالأول ( لا فضلة كريق وعرق ) وبول لا يقع بها طلاق لأنها غير متصلة اتصال خلقة بخلاف ما قبلها
( وكذا مني ولبن ) لا يقع بهما ( في الأصح ) لأنهما وإن كان أصلهما دما فقد تهيأ للخروج بالاستحالة كالبول
والثاني الوقوع كالدم لأنه أصل كل واحد منهما وكالفضلات الأخلاط كالبلغم
ولا بالجنين لأنه شخص مستقل بنفسه وليس محلا للطلاق
ولا بالعضو الملتحم بالمرأة بعد الفصل منها لأنه كالمنفصل بدليل وجوب قطعة وعدم تعلق القصاص به قال الزركشي ويؤخذ من عدم الوقوع عدم نقص الوضوء به
ولا بالمعاني القائمة بالذات كالسمع والبصر والحركة وسائر الصفات المعنوية كالحسن والقبح والملاحة لأنها ليست أجزاء من بدنها والشحم والسمن جزءان من البدن فيقع بالإضافة إلى كل منهما الطلاق وإن توزع الأول
ولو قال اسمك طالق لم تطلق إن لم يرد به الذات فإن أرادها به طلقت
وإن قال نفسك بإسكان الفاء طالق طلقت لأنها أصل الآدمي أما بفتح الفاء فلا لأنه أجزاء من الهواء يدخل الرئة ويخرج منها لا جزء من المرأة ولا صفة لها
ولو قال حياتك طالق طلقت إن أراد بها الروح وإن أراد المعنى فلا كسائر المعاني وإن أطلق فهو كالأول كما بحثه بعض المتأخرين
تنبيه الطلاق فيما مر يقع على الجزء ثم يسري إلى باقي البدن كما في العتق فلو قال إن دخلت الدار فيمينك طالق فقطعت ثم دخلت لم تطلق كمن خاطبها بذلك ولا يمين لها كما قال ( ولو قال لمقطوعة يمين ) مثلا ( يمينك ) وذكره على إرادة العضو ولو أنث قال يمناك ( طالق لم يقع على المذهب ) المنصوص لفقدان الذي يسري منه الطلاق إلى الباقي كما في العتق وكما لو قال لها لحيتك أو ذكرك طالق
والطريق الثاني تخريجه على الخلاف فإن جعلناه
____________________
(3/291)
من باب التعبير بالبعض عن الكل وقع أو من باب السراية فلا
وصور الروياني المسألة بما إذا فقدت يمينها من الكتف وهو يقتضي أنها تطلق في المقطوعة من الكف أو من المرفق وهو كذلك لأن اليد حقيقة إلى المنكب كما مر في باب الوضوء
قال في البحر ولو قال حفصة طالق ورأس عمرة برفع رأس طلقتا أو بجره لم تطلق عمرة اه
وهذا ظاهر فيمن يعرف العربية أما غيره فتطلق عمرة مطلقا
ولو قال لأمته يدك أم ولد أو للملتقط يدك ابني لم يثبت به استيلاد ولا نسب لعدم السراية فيهما
( ولو قال أنا منك طالق ونوى تطليقها ) أي إيقاع الطلاق عليها ( طلقت ) لأن عليه حجرا من جهتها حيث لا ينكح معها أختها ولا أربعا ويلزمه صونها ومؤنتها فيصح إضافة الطلاق إليه لحل السبب المقتضي لهذا الحجر ولأن المرأة مقيدة والزوج كالقيد عليها والحل يضاف إلى القيد كما يضاف إلى المقيد فيقال حل فلان المقيد وحل القيد عنه
( وإن لم ينو طلاقا فلا ) تطلق لأن اللفظ خرج عن الصراحة بإضافته إلى غير محله فشرط فيه ما شرط في الكناية من قصد الإيقاع ( وكذا ) لا تطلق ( إن لم ينو ) مع نية الطلاق ( إضافته إليها في الأصح ) لأن محل الطلاق المرأة لا الرجل واللفظ مضاف إليه فلا بد من نية صارفة تجعل الإضافة إليه إضافة إليها
والثاني تطلق لوجود نية الطلاق ولا حاجة للتنصيص على المحل نطقا أو نية
تنبيه عبارته تصدق بصورتين الأولى أن لا ينوي إيقاعه عليها ولا عليه
والثانية أن ينوي تطليق نفسه لكن عبر في الروضة في الأولى بالصحيح وفي الثانية القطع بعدم الوقوع وقيل بجريان الخلاف
والتقييد بقول المصنف منك وقع أيضا في الروضة وأصلها وهو يوهم أنه لو أسقطها لم يقع وكلام القاضي يقتضي عدم اعتبارها وهو الظاهر لانتظام هذا العمل بدونها وجرى عليه في المهمات ولهذا حذفها الدارمي في الاستذكار قال وحينئذ فإن كانت له زوجة واحدة وقصد طلاقها فواضح وإن كان له زوجات وقصد طلاق واحدة منهن وقع على واحدة ويعين
( ولو قال أنا منك بائن ) أو نحوه من الكنايات ( اشترط نية ) أصل ( الطلاق ) قطعا كسائر الكنايات ( وفي ) نية ( الإضافة ) إليها ( الوجهان ) في قوله أنا منك طالق أصحهما اشتراطها فإن نوى الطلاق مضافا إليها وقع وإلا فلا لما مر
تنبيه لا حاجة إلى هذه المسألة بعد ذكر المسألة قبلها لأن النية إذا شرطت في الصريح وهو أنا منك طالق ففي الكناية وهو أنا منك بائن أولى اللهم إلا أن يقال إنما ذكرها تمييزا بين الكناية القريبة والبعيدة وهي استبراء رحمه الذي تضمنه قوله ( ولو قال استبرئي رحمي منك ) أو أنا معتد منك أو نحو ذلك كاستبرئي الرحم التي كانت لي ( فلغو ) وإن نوى به الطلاق لأن اللفظ غير منتظم في نفسه والكناية شرطها احتمال اللفظ المراد
( وقيل إن ) نوى بهذا اللفظ ( طلاقها وقع ) ويكون المعنى عليه استبرئي الرحم التي كانت لي وبه صور المسألة في الشرح الصغير
تنبيه قوله منك ليس بقيد فلو لم يذكره كان الحكم كذلك
ولو قال شخص لآخر طلق امرأتي فقال له طلقتك ونوى وقوعه عليه لم تطلق كما قاله في التتمة لأن النكاح لا تعلق له بالأجنبي بخلاف المرأة مع الزوج
فصل في بيان الولاية على محل الطلاق وهو الزوجة وهذا هو الركن الخامس فخرجت الأجنبية كما قال ( خطاب الأجنبية بطلاق ) كأنت طالق ( وتعليقه ) أي الطلاق ( بنكاح ) كإن تزوجتها فهي طالق ( وغيره ) أي النكاح كأن دخلت الدار فأنت طالق ( لغو ) أي فلا تطلق على زوجها أما المنجز فبالإجماع وأما المعلق فلانتفاء الولاية من القائل على المحل وقد قال صلى الله عليه وسلم لا طلاق إلا بعد نكاح رواه الترمذي وصححه
ولو قال
____________________
(3/292)
كل امرأة تزوجها فهي طالق فرفع إلى قاض شافعي ففسخه قال العبادي انفسخت اليمين وقال الهروي ليس ذلك بفسخ بل هو حكم بإبطال اليمين فإن اليمين الصحيحة لا تنفسخ
تنبيه تعليق العتق بالملك كتعليق الطلاق بالنكاح
( والأصح صحة تعليق العبد ) طلقة ( ثالثة كقوله إن عتقت أو إن دخلت ) الدار مثلا ( فأنت طالق ثلاثا فيقعن إذا عتق ) العبد ( أو دخلت ) زوجته الدار ( بعد عتقه ) وإن لم يكن مالكا للثالثة وقت التعليق لأنه يملك أصل النكاح وهو يفيد الطلقات الثلاث بشرط الحرية وقد وجدت
والثاني لا يصح لأنه لا يملك تنجيزها فلا يملك تعليقها وعلى هذا فيقع عليه طلقتان
قال الرافعي ويجري الوجهان في قوله لأمته الحائل إن ولدت فولدك حر
( ويلحق ) الطلاق ( رجعية ) لأنها في حكم الزوجات لبقاء الولاية عليها بملك الرجعة
قال الشافعي رضي الله عنه الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى يريد بذلك لحوق الطلاق وصحة الظهار واللعان والإيلاء والميراث
( لا مختلعة ) فلا يلحقها طلاق وإن كانت في العدة لانتفاء الولاية عليها
وما روي من أن المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة قال ابن الجوزي هو حديث موضوع
( ولو علقه ) أي الطلاق ( بدخول ) الدار مثلا أو غيره مما يمكن حصوله في البينونة ( فبانت ) بطلاق أو فسخ قبل الدخول بها أو بعده إما بعوض أو بالثلاث ( ثم نكحها ) أي جدد نكاحها ( ثم دخلت لم يقع ) بذلك طلاق ( إن ) كانت ( دخلت في ) حال ( البينونة ) جزما لانحلال اليمين بالدخول فيها
( وكذا ) لا يقع ( إن لم تدخل ) في البينونة بل دخلت في النكاح ( في الأظهر ) لارتفاع النكاح الذي علق فيه
والثاني يقع لقيام النكاح في حالتي التعليق والصفة وتخلل البينونة لا يؤثر لأنه ليس وقت الإيقاع ولا وقت الوقوع
( وفي ) قول ( ثالث يقع إن بانت بدون ثلاث ) لأن العائد في النكاح الثاني ما بقي من الطلقات من الأول فتعود بصفتها وهي التعليق بالفعل المعلق عليه بخلاف ما لو بانت بالثلاث لأنه استوفى ما علق من الطلاق والعائد طلقات جديدة
أما إذا لم يكن حصول الصفة في البينونة كأن قال إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا فأبانها ثم نكحها لم يقع طلاق قطعا كما هو قضية كلام الروضة وأصلها
تنبيه ما ذكر هنا إذا كان التعليق بالدخول المطلق أما لو حلف بالطلاق الثلاث أنها تدخل الدار في هذا الشهر ثم أبانها قبل انقضاء الشهر وبعد تمكنها من الدخول ثم تزوجها ومضى ولم تدخل فنقل السبكي عن ابن الرفعة أنه أفتى بالتخلص وأنها لا تطلق ثم تبين له أنه خطأ
قال السبكي فبحثت معه في ذلك وأنا أجنح إلى التخلص وهو لا يلوي عن كونه خطأ وذكر كلاما طويلا تعرضت له في شرح التنبيه
وقال البلقيني الصواب ما أفتى به ابن الرفعة أولا وهو التخلص اه
وهذا هو المعتمد لأنه ظاهر إطلاق كلام الأصحاب وقد مرت الإشارة إلى بعض ذلك في كتاب الخلع
( ولو طلق ) الزوج الحر ( دون ثلاث وراجع ) من طلقها ( أو جدد ) نكاحها ( ولو بعد زوج ) وإصابة كما في بعض نسخ المحرر ( عادت ببقية الثلاث ) أما إذا لم يكن بعد زوج فبالإجماع وأما بعد الزوج فخالف في ذلك أبو حنيفة وقال تعود بالثلاث لأن الزوج يهدم الثلاث فما دونها
واحتج أصحابنا بأنها إصابة ليست بشرط في الإباحة فلم تؤثر كوطء السيد أمته المطلقة وبهذا قال أكابر الصحابة كما قاله ابن المنذر منهم عمر رضي الله عنه ولم يظهر لهم مخالف ( وإن ثلث ) الطلاق بأن طلقها ثلاثا وجدد نكاحها بعد زوج دخل بها وفارقها وانقضت عدتها منه ( وعادت بثلاث ) بالإجماع لأن دخول الثاني أفاد حل النكاح للأول ولا يمكن بناؤه على العقد الأول فثبت
____________________
(3/293)
نكاح مستفتح بأحكامه
( وللعبد طلقتان فقط ) وإن كانت الزوجة حرة لما روى الدارقطني مرفوعا طلاق العبد اثنتان وروي عن عثمان و زيد بن ثابت ولا مخالف لهما من الصحابة رواه الشافعي
والمكاتب والمبعض والمدبر كالقن وإنما لم تعتبر حرية الزوجة لأن الاعتبار في الطلاق بالزوج لما روى البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطلاق بالرجال والعدة بالنساء
وقد يملك العبد ثالثة كذمي طلق زوجته طلقتين ثم التحق بدار الحرب واسترق ثم أراد نكاحها فإنها تحل له على الأصح ويملك عليها الثالثة لأنها لم تحرم عليه بالطلقتين
وطريان الرق لا يمنع الحل السابق بخلاف ما لو طلقها طلقة ثم استرق فإنها تعود له بطلقة فقط لأنه رق قبل استيفاء عدد العبيد
ومن عتق بعد طلقة بقي له طلقتان لأنه عتق قبل استيفاء عدد العبيد أو بعد طلقتين لم يبق له شيء لاستيفائه عدد العبيد في الرد
ولو أشكل على الزوجين هل وقع الطلقتان قبل العتق أو بعده لم يبق له شيء لأن الرق ووقوع الطلاق معلومان والأصل بقاء الرق حين أوقعهما فإن ادعى تقدم العتق عليهما وأنكرت صدق بيمينه سواء اتفقا على يوم العتق أو لم يتفقا على وقت لأنه أعرف بوقت الطلاق
فإن اتفقا على يوم الطلاق كيوم الجمعة وادعى العتق قبله صدقت بيمينها لأن الأصل دوام الرق قبل يوم الجمعة
( وللحر ثلاث ) وإن كانت زوجته أمة لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى { الطلاق مرتان } فأين الثالثة فقال أو تسريح بإحسان رواه أبو داود وصححه ابن القطان
وإنما لم يعتبر رق الزوجة لما مر
واعتبره أبو حنيفة بالنساء كالعدة
( ويقع ) الطلاق بائنا أو رجعيا ( في مرض موته ) أي المطلق كما يقع في صحته ( ويتوارثان ) أي الزوج المريض وزوجته ( في عدة ) طلاق ( رجعي ) بالإجماع لبقاء آثار الزوجية في الرجعية بلحوق الطلاق لها والإيلاء منها وغير ذلك كما مر
( لا ) في عدة طلاق ( بائن ) لانقطاع آثار الزوجية
( وفي القديم ) ونص عليه أيضا في الإملاء فيكون جديدا ( ترثه ) وبه قال الأئمة الثلاثة لأن تطليقها بغير اختيارها يدل على قصده حرمانها من الإرث فيعاقب بنقيض قصده
تنبيه للقديم شروط أحدها كون الزوجة وارثة فلو أسلمت بعد الطلاق فلا
ثانيها عدم اختيارها فلو اختلعت أو سألت فلا
ثالثها كون البينونة في مرض مخوف ونحوه ومات بسببه فإن برىء منه فلا
رابعها كونها بطلاق لا بلعان وفسخ
خامسها كونه منشأ ليخرج ما إذا أقر به
سادسها كونه منجزا
وإذا قلنا بالجديد فلها حكم بقية البوائن إلا إن قصد بطلاقها فراره من الإرث فيجري في تحريمه خلاف تحريم بيع النصاب قبل الحول فرارا من الزائدة وعبر بقوله ترثه دون يتوارثان تنبيها على أنها لو ماتت لا يرثها وهو كذلك
فصل في تعدد الطلاق بنية العدد فيه وغير ذلك لو ( قال ) شخص لزوجته ولو نائمة أو مجنونة ( طلقتك أو أنت طالق ) أو نحو ذلك من الصريح وإن لم يخاطبها كقوله هذه طالق ( ونوى عددا وقع ) سواء المدخول بها وغيرها لأن اللفظ يحتمل العدد بدليل جواز تفسيره به
وما احتمل إذا نواه وقع كالطلاق بالكناية فيأتي فيه ما مر في أن النية لا بد من مقارنتها لجميع اللفظ أو تكفي مقارنته لبعضه كما قاله المتولي وغيره
( وكذا الكناية ) ك أنت بائن إذا نوى فيها عددا وقع ما نواه لاحتمال اللفظ له فإن نوى واحدة أو لم ينو شيئا وقعت واحدة لأنه المتيقن
( ولو قال أنت طالق واحدة ) بالنصب بخطه ( ونوى عددا فواحدة ) لأن الملفوظ يناقض المنوي واللفظ أقوى فالعمل به أولى
وهذا ما صححه الغزالي وفي المحرر أنه الذي رجح
والرفع والجر والسكون كالنصب في هذا وفيما سيأتي وتقدير الرفع على أنه خبر والنصب على أنه صفة لمفعول محذوف والجر على أنت ذات واحدة فحذف الجار وأبقى المجرور بحاله
____________________
(3/294)
كما قيل لبعضهم كيف أصبحت قال خير أي بخير
أو يكون المتكلم لحن واللحن لا يغير الحكم عندنا
والسكون على الوقف
( وقيل ) يقع ( المنوي ) لا الملفوظ عملا بالنية
ومعنى أنت واحدة أي أنك تتوحدين مني بالعدد الذي أوقعته وهذا ما صححه في أصل الروضة تبعا للبغوي وغيره وهو المعتمد
ولو قال أنت واحدة بالنصف وحذف طالق قال الزركشي وغيره ظاهر كلام المصنف وقوع واحدة أيضا اه
ويؤيده عدم الفرق بين قوله أنت طالق واحدة بالرفع وبين أنت واحدة بالرفع وحذف طالق كما سيأتي
( قلت ولو قال أنت واحدة ) بالرفع ( ونوى عددا فالمنوي ) حملا للتوحد على التفرد عن الزوج بالعدد المنوي لقربه من اللفظ
( وقيل ) يقع ( واحدة والله أعلم ) لأن لفظ الوحدة نص لا يحتمل ما زاد عليها
ويجري الخلاف فيما لو قال أنت طالق واحدة بالرفع
تنبيه حاصل ما ذكر أن المعتمد اعتبار المنوي في جميع الحالات ولو قال أنت طالق اثنتين ونوى به الثلاث قال في التوشيح ويظهر مجيء الخلاف فيه أنه هل يقع ما نوى أو لا يقع الاثنتان والراجح وقوع الثلاث ووجهه أنه لما نوى الثلاث بأنت طالق ثم قال ثنتين فكأنه يريد رفع ما وقع
ولو قال أنت بائن ثلاثا ونوى واحدة فهل ينظر إلى اللفظ أو إلى النية وجهان قضية كلام المتولي الجزم بالثلاث
وحاصل ذلك أن النية إذا اختلفت مع اللفظ فالعبرة بالأكثر منهما
( ولو أراد أن يقول أنت طالق ثلاثا فماتت ) أو أسلمت أو ارتدت قبل دخول بها أو أخذ شخص على فيه ( قبل تمام طالق لم يقع ) طلاق لخروجها عن محل الطلاق قبل تمامه ( أو بعده قبل ) شروعه في قوله ( ثلاثا فثلاث ) لأنه كان قاصدا للثلاث حين قال أنت طالق وقد تم معه لفظ الطلاق في حياتها أو قبل إسلامها أو قبل ردتها أو قبل إمساك فيه
( وقيل ) يقع ( واحدة ) ويلغى قوله ثلاثا لوقوعه بعد موتها
( وقيل لا شيء ) يقع من ثلاث أو واحدة لأن الكلام بآخره وقد ماتت قبل تمامه
وترجيح الأول نقلا تصحيحه في الروضة وأصلها عن البغوي ثم قالا وقال إسماعيل البوشنجي الذي تقتضيه الفتوى أنه إن نوى الثلاث بقوله أنت طالق وقصد أن يحققه باللفظ فثلاث وإلا فواحدة اه
وصحح هذا في الأنوار وقال الزركشي إنه الصواب المنقول عن الماوردي والقفال وغيرهما اه
وهذا هو الظاهر وإن نازع في ذلك الأذرعي
تنبيه قد علم مما تقرر أن ذكر الموت من كلام المصنف مثال
واحترز بقوله ولو أراد أن يقول أنت طالق ثلاثا عما لو قال أنت طالق على عزم الاقتصار عليه فماتت فقال ثلاثا
قال الإمام لا شك أن الثلاث لا تقع بل يقع واحدة
واختلفوا في قوله أنت طالق ثلاثا كيف سبيله فقيل قوله ثلاث منصوب بالتفسير والتمييز قال الإمام وهذا جهل بالعربية وإنما هو صفة لمصدر محذوف أي طالق طلاقا ثلاثا كقوله ضربت زيدا شديدا يعني ضربا شديدا
فروع لو قال أنت طالق أو إن لم وقال قصدت الشرط لم يقبل ظاهرا إلا إن منع الإتمام كأن وضع غيره يده على فمه وحلف فيقبل ظاهرا للقرينة
ولو قال أنت طالق طلقة واحدة ألف مرة أو كألف أو أنت طالق بوزن ألف درهم ولم ينو عددا في الثلاث فطلقة واحدة فقط لأن ذكر الواحدة في الأولين يمنع لحوق العدد وذكر الوزن في الثالثة ملغى لأن الطلاق لا يوزن
ولو قال أنت كمائة طالق وقعت واحدة لأنها المتيقنة في أحد وجهين اختاره البندنيجي وغيره
ولو قال أنت طالق حتى يتم الثلاث أو أكملها ولم ينو الثلاث فواحدة وقيل ثلاث
ولو قال أنت طالق ألوانا من الطلاق فواحدة إن لم ينو عددا بخلاف قوله أنواعا من الطلاق أو أجناسا منه أو أصنافا فإن الظاهر كما قال شيخنا وقوع الثلاث ولو قالت لزوجها طلقني ثلاث فقال أنت طالق ولم ينو عددا فواحدة
فإن قيل الجواب
____________________
(3/295)
منزل على السؤال فينبغي وقوع الثلاث كما قالوا فيما لو قال طلقي نفسك ثلاثا فقالت بلا نية طلقت فإنها تطلق ثلاثا
أجيب بأن السائل في تلك مالك للطلاق بخلافه في هذه
أو طلقها طلقة رجعية
ثم قال جعلتها ثلاثا لم يقع به شيء
ولو قال أنت طالق ملء الدنيا أو مثل الجبل أو أعظم الطلاق أو أكبره بالباء الموحدة أو أطوله أو أعرضه أو أشده أو نحوها وقعت واحدة فقط وكذا لو قال بعدد التراب بناء على قول الجمهور أن التراب اسم جنس لا جمع أو بعدد شعر إبليس لأنه نجز الطلاق وربط عدده بشيء شككنا فيه فنوقع أصل الطلاق ونلغي العدد
ولو قال أنت طالق بعدد أنواع التراب أو أكثر الطلاق بالمثلثة أو كله أو يا مائة طالق أو أنت مائة طالق وقع الثلاث لظهور ذلك فيها
ولو قال أنت طالق أقل من طلقتين وأكثر من طلقة وقع طلقتان كما نقله الإسنوي عن أبي المعالي وصوبه
ثم شرع في تكرير الطلاق فقال ( وإن ) أتى بثلاث جمل تكرر فيها لفظ المبتدأ أو الخبر كأن ( قال ) لمدخول بها ( أنت طالق أنت طالق أنت طالق وتخلل فصل فثلاث ) سواء أقصد التأكيد أم لا لأنه خلاف الظاهر لكن إذا قال قصدت التأكيد فإنه يدين فإن تكرر لفظ الخبر فقط ك أنت طالق طالق طالق فكذا عند الجمهور خلافا للقاضي في قوله يقع واحدة ولو لم يرفع المكرر بل نصبه ك أنت طالق طالقا لم يقع شيء في الحال كما قاله العبادي لكن إذا طلقها وقع طلقتان والتقدير إذا صرت مطلقة فأنت طالق
تنبيه المراد بالفصل أن يسكت فوق سكتة التنفس قال الإمام وهو كالاستثناء في الاتصال لا كالإيجاب والقبول فإنه كلام شخص واحد
وهذا في الطلاق المنجز أما المعلق ك إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فإن الطلاق لا يتعدد إلا إن نوى الاستئناف فإن نواه تعدد بخلاف ما لو نوى الاستئناف في نظيره من الأيمان لا تتعدد الكفارة لأن الطلاق محصور فقصد الاستئناف يقتضي استيفاءه بخلاف الكفارة ولأن الكفارة تشبه الحدود المتحدة الجنس فتتداخل بخلاف الطلاق وقد مرت الإشارة إلى ذلك
( وإلا ) أي وإن لم يتخلل فصل ( فإن قصد تأكيدا ) أي قصد تأكيد الأولى بالأخيرتين ( فواحدة ) أي تقع لأن التأكيد في كلامهم معهود في جميع اللغات وقد ورد به الشرع
تنبيه بحث بعضهم اشتراط نية التأكيد من أول التأسيس أو في أثنائه على الخلاف الآتي في نية الاستثناء وهو حسن
( أو ) قصد ( استئنافا فثلاث ) تقع لأن اللفظ ظاهر فيه وتأكد بالنية
( وكذا إن طلق ) بأن لم يقصد تأكيدا ولا استئنافا يقع ثلاث ( في الأظهر ) عملا بظاهر اللفظ ولأن حمله على فائدة جديدة أولى منه على التأكيد والثاني لا يقع إلا واحدة لأن التأكيد محتمل فيؤخذ باليقين
تنبيه هذا التفصيل يأتي في تكرير الكنايات كقوله اعتدي اعتدي اعتدي كما حكاه الرافعي في الفروع المنثورة في الصريح والكناية
ولو كانت الألفاظ مختلفة ونوى بها الطلاق وقع بكل لفظة طلقة كما في الروضة وأصلها
ولو اختلف ألفاظ الصريح ك أنت مطلقة أنت مسرحة فهو كقوله أنت طالق أنت طالق أنت طالق على الأصح وقيل يقع في هذه الثلاث قطعا حكاه الحناطي
قال الزركشي وينبغي أن يلحق بالإطلاق ما لو تعذرت مراجعته بموت أو جنون أو نحوه قال ولم يتعرضوا له اه
وهو ظاهر وتصوير المصنف وغيره التأكيد بثلاث قد يقتضي أنه لا يصح منه إرادة التأكيد بالرابعة
وقال في التوشيح إنه الذي يتجه
وقال ابن عبد السلام إن العرب لا تؤكد أكثر من ثلاث مرات
وقال البلقيني الحكم عندي في ذلك كالحكم في صورة تكريره ثلاثا ولا ينبغي أن يتخيل أن الرابعة تقع بها طلقة لفراغ العدد لأنه إذا صح التأكيد بما يقع لولا قصد التأكيد فلأن يؤكد بما لا يقع عند قصد التأكيد أولى اه
والمتجه كما قال الإسنوي في التمهيد أنه يقبل التأكيد مطلقا كما أطلقه الأصحاب في الإقرار وغيره
( وإن قصد بالثانية تأكيدا ) للأولى ( وبالثالثة استثناء أو عكس ) بأن قصد بالثانية استئنافا وبالثالثة تأكيدا للثانية
____________________
(3/296)
( فثنتان ) يقعان عملا بقصده
وليس هذا عكس صورة المتن لأنها مذكورة في قوله ( أو ) قصد ( بالثالثة تأكيد الأولى ) وبالثانية الاستئناف ( فثلاث في الأصح ) لتخلل الفاصل بين المؤكد والمؤكد
والثاني طلقتان ويغتفر الفصل اليسير
تنبيه بقي ما لو قصد بالثانية الاستئناف ولم يقصد بالثالثة شيئا أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئا والأظهر وقوع ثلاث فيهما
( وإن ) كرر الخبر بعطف كأن ( قال أنت طالق وطالق وطالق ) بالواو كما مثل أو الفاء أو ثم ( صح قصد تأكيد الثاني بالثالث ) لتساويهما في الصيغة ( لا ) تأكيد ( الأول بالثاني ) لاختصاص الثاني بحرف العطف وموجبه التغاير وهذا في الظاهر أما فيما بينه وبين الله تعالى فيصح كما صرح به الماوردي وقال ابن الرفعة إنه الذي يقتضيه نص الشافعي رضي الله عنه
تنبيه سكت المصنف عن حالة الإطلاق وفيها قولان كما سبق
( وهذه الصورة ) السابقة كلها ( في ) زوجة ( موطوءة ) غير مخالعة ( فلو قالهن لغيرها فطلقة بكل حال ) لأنها تبين بالأولى فلا يقع ما بعدها
( ولو قال لهذه ) أي غير المدخول بها ( إن دخلت الدار ) مثلا ( فأنت طالق وطالق ) أو أنت طالق وطالق إن دخلت الدار ( فدخلت ) ها ( فثنتان ) يقعان ( في الأصح ) لأنهما متعلقان بالدخول ولا ترتيب بينهما وإنما يقعان معا
والثاني لا يقع إلا واحدة كالمنجز
تنبيه لو عطف ب ثم أو نحوها مما يقتضي الترتيب لم يقع بالدخول إلا واحدة لأن ذلك يقتضي الترتيب وسواء قدم الشرط أم أخره كما نقلاه عن المتولي وأقراه
ولو قال لغير المدخول بها أنت طالق أحد عشر طلقة طلقت ثلاثا بخلاف أنت طالق إحدى وعشرين طلقة لا يقع إلا واحدة فقط لأنه معطوف فكأنه قال واحدة وعشرين بخلاف أحد عشر فإنه مركب
ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة وإن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين فدخلت طلقت ثلاثا وإن كانت غير مدخول بها
ولو قال لزوجته أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت ثلاثا إدخالا للطرفين لأنه وجد منه التلفظ بالثلاث فلا سبيل إلى إلغائها
فإن قيل في الإقرار لا يدخل الطرف الأخير فقوله له علي من درهم إلى ثلاثة يلزمه درهمان فهلا كان هنا كذلك كما جرى عليه في التنبيه أجيب بأن الطلاق له عدد محصور فادخلنا الطرفين لأن الظاهر استيفاؤه بخلاف الدراهم المقر بها
ولو قال أنت طالق ما بين واحدة إلى ثلاث طلقت ثلاثا أيضا لأن ما بين بمعنى من بقرينة إلى كما نقله القمولي وغيره عن الروياني وجزم به ابن المقري في روضه
ولو قال أنت طالق ما بين الواحدة والثلاث وقعت طلقة لأنها الصادقة بالبينة بجعل الثلاث بمعنى الثلاثة
( ولو قال لموطوءة أنت طالق طلقة مع ) طلقة ( أو معها طلقة ) أخرى ( فثنتان ) يقعان لقبول المحل وظاهره أنهما يقعان معا وهو الأصح وقيل على الترتيب
وينبني عليهما قوله ( وكذا غير موطوءة ) يقع عليها ثنتان ( في الأصح ) على قول المعية وعلى الترتيب واحدة تبين بها
( ولو قال ) أنت طالق ( طلقة قبل طلقة أو ) طلقة ( بعدها طلقة فثنتان ) يقعان ( في موطوءة ) إذ مقتضاه إيقاع طلقتين إحداهما في الحال وتعقيبها الأخرى فيقعان كذلك
( وطلقة ) فقط ( في غيرها ) لأنها تبين بالأولى فلا تصادف الثانية نكاحا
( ولو قال ) أنت طالق ( طلقة بعد طلقة أو ) طلقة ( قبلها طلقة ) أو تحت طلقة أو تحتها طلقة أو فوق طلقة أو فوقها طلقة ( فكذا ) يقع ثنتان في موطوءة وواحدة فقط في غيرها
____________________
(3/297)
( في الأصح ) فيهما وعبر في الروضة بالصحيح الذي قطع به الجمهور فيقع به أولا المضمنة ثم المنجزة في قوله أنت طالق طلقة قبلها طلقة أو بعد طلقة أو فوق طلقة أو تحتها طلقة وبالعكس في قوله أنت طالق طلقة بعدها طلقة أو قبل طلقة أو فوقها طلقة أو تحت طلقة ومقابل الأصح لا تقع إلا واحدة لجواز أن يكون المعنى قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة
تنبيه هذا إن أطلق فإن قال أردت ذلك صدق بيمينه لا محالة كذا نقلاه عن ابن كج وأقراه فليقيد به إطلاق المصنف
ووقع في تحت و فوق خلاف هل هما كمع كما نقله في الروضة عن الإمام والغزالي وعليه مشى شراح الحاوي الصغير أو هما كبقية الألفاظ المتقدمة كما نقله في الروضة عن مقتضى كلام المتولي وهو مفهوم كلام ابن المقري وهو الأوجه كما يعلم مما مر
ولو قال لها أنت طالق طلقة قبلها وبعدها طلقة طلقت ثلاثا لأن الطلقة توزع قبل وبعد ثم يكمل النصفان
ولو قال لغير المدخول بها أنت طالق طلقة رجعية لم تطلق كذا حكاه البغوي عن فتاوى القاضي وحكاه في التهذيب عن المهذب وفيه نظر
( ولو قال طلقة في طلقة وأراد ) بفي طلقة معنى ( مع ) طلقة ( فطلقتان ) لأن في تستعمل بمعنى مع كما في قوله تعالى { قال ادخلوا في أمم } أو أراد ( الظرف أو الحساب أو ) لم يرد شيئا منهما بأن ( أطلق فطلقة ) في الجميع إذ مقتضى الظرف والحساب ذلك وهو المحقق في الإطلاق
( ولو قال ) أنت طالق ( نصف طلقة في نصف طلقة ) ولم يرد كل نصف من طلقة ( فطلقة بكل حال ) مما ذكر من إرادة المعية أو الظرف أو الحساب أو عدم إرادة شيء لأن الطلاق لا يتجزأ
تنبيه لفظة نصف الثانية مكتوبة في هامش نسخة المصنف بغير خطه وهو صواب كما ذكرت في المحرر والشرح إذ لا يستقيم قوله بكل حال بدونها لأنه يقع عند قصد المعية طلقتان وعلى إثباتها لو أراد نصفا من كل طلقة فطلقتان كما في الاستقصاء ولو قال طلقة في نصف طلقة فطلقة إلا أن يريد المعية فثنتان
( ولو قال ) أنت طالق ( طلقة في طلقتين وقصد ) بفي طلقتين ( معية فثلاث ) لما مر في قوله طلقة في طلقة ( أو ظرفا فواحدة ) لأن مقتضاه وقوع المظروف دون الظرف ومسألة قصد الظرف مزيدة على الروضة والشرحين مع ذكر الوجيز لها
( أو ) قصد ( حسابا وعرفة فثنتان ) لأنهما موجبة عند أهل الحساب
( وإن جعله ) أي الحساب ( وقصد معناه ) عند أهله ( فطلقة ) تقع في الأصح لأن ما لا يعلم لا تصح إرادته
( وقيل ) الواقع ( ثنتان ) لأنه موجبه عند أهل الحساب كما مر وقد قصده وأجاب الأول بما مر
( وإن ) أطلق بأن ( لم ينو شيئا فطلقة )
في الأظهر سواء أعلم الحساب أم جهله لأنه يحتمل الحساب والظرف فلا يزاد على المتيقن وهو طلقة وما زاد مشكوك فيه ( وفي قول ) الواقع ( ثنتان إن عرف حسابا ) حملا عليه
( ولو قال ) أنت طالق ( بعض طلقة ) أو عين البعض كربع طلقة ( فطلقة ) تقع لأن الطلاق لا يتبعض فإيقاع بعضه كإيقاع كله لقوته وقد حكى فيه ابن المنذر الإجماع
وهل وقوع الطلاق هنا من باب التعبير بالبعض عن الكل كما قاله الإمام أو من باب السراية كما قاله الرافعي وتظهر فائدة ذلك في صورتين إحداهما لو قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة فإن جعلناه من باب السراية أوقعنا ثلاثا وهو الأصح لأن السراية في الإيقاع لا في الرفع
الثانية إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها طلقة ونصفا فقيل يستحق ثلثي الألف لأنه أوقع طلقتين بناء على أنه من باب التعبير بالبعض عن الكل وقيل نصف الألف وهو الأصح كما مر في بابه لأنه أوقع نصف الثلاث وهذا صريح في أن الراجح السراية
( أو ) قال أنت طالق ( نصفي طلقة فطلقة ) لأن ذلك طلقة وكذا كل تجزئة لا تزيد أجزاؤها على طلقة
( إلا أن يريد
____________________
(3/298)
كل نصف من طلقة ) فيقع طلقتان عملا بقصده
( والأصح أن قوله أنت طالق نصف طلقتين ) يقع به ( طلقة ) لأن ذلك نصفهما فحمل اللفظ عليه صحيح فلا نوقع ما زاد بالشك والثاني يقع طلقتان نظرا إلى نصف كل طلقة
ومحل الخلاف إذا لم يرد كل نصف من طلقة وإلا وقع عليه طلقتان قطعا ( و ) الأصح أن قوله أنت طالق ( ثلاثة أنصاف طلقة أو نصف طلقة وثلث طلقة ) يقع به ( طلقتان ) في الصورتين على الأصح أما في الأولى فلزيادة النصف الثالث على الطلقة فتحسب من أخرى وأما في الثانية فلتكرير لفظة طلقة مع العطف
وقيل لا يقع فيهما إلا طلقة إلغاء للزيادة في الأولى ونظرا في الثانية إلى أن المضافين من أجزاء الطلقة
وهذا إذا لم يزد المكرر على أجزاء طلقتين كخمسة أثلاث أو سبعة أرباع طلقة فإن زاد كسبعة أثلاث أو تسعة أرباع طلقة فإن زاد كسبعة أثلاث أو تسعة أرباع طلقة كان على الخلاف في وقوع طلقة أو ثلاث كما في زيادة الروضة
( ولو قال ) أنت طالق ( نصف وثلث طلقة فطلقة ) تقع في الأصح لانتفاء تكرر لفظة طلقة ولم يزد مجموع النصف والثلث على طلقة ولو قال أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة لم يقع إلا واحدة لانتفاء العطف
تنبيه حاصل ما ذكر في أجزاء الطلقة أنه إن كرر لفظ طلقة مع العاطف ولم تزد الأجزاء على طلقة كانت طالق نصف طلقة وثلث طلقة كان كل جزء طلقة وإن أسقط لفظ طلقة كانت طالق ربع وسدس طلقة أو أسقط العاطف كانت طالق ثلث طلقة وربع طلقة كان الكل طلقة فإن زادت الأجزاء كنصف وثلث وربع طلقة كمل الزائد من طلقة أخرى ووقع به طلقة ولو قال نصف طلقة ونصفها ونصفها فثلاث إلا إن أراد بالنصف الثالث تأكيد الثاني فطلقتان
( ولو قال لأربع أوقعت عليكن أو بينكن طلقة أو طلقتين أو ثلاثا أو أربعا على كل ) منهن في كل من هذه الصور ( طلقة ) لأن ذلك إذا وزع عليهن أصاب كل واحدة منهن طلقة أو بعض طلقة فتكمل ( فإذا قصد توزيع كل طلقة عليهن وقع ) على كل منهن ( في ثنتين ثنتان وفي ثلاث وأربع ثلاث ) عملا بقصده بخلاف ما إذا أطلق لبعده عن الفهم ولو قال خمسا أو ستا أو سبعا أو ثمانيا فطلقتان إلا أن يريد التوزيع ولو قال تسعا فثلاث مطلقا
( فإن قال أردت ببينكن بعضهن ) مبهما كان ذلك البعض أو معينا كفلانة وفلانة ( لم يقبل ظاهرا في الأصح ) لأن ظاهر اللفظ يقتضي شركتهن ولكن يدين
والثاني يقبل لاحتمال بينكن لما أراده بخلاف عليكن فلا يقبل أن يريد به بعضهن جزما
تنبيه كلام المصنف قد يقتضي أنه لو فضل بعضهن على بعض كما لو أوقع بينهن ثلاثا ثم قال أردت إيقاع طلقتين على هذه وقسمة الأخرى على الباقيات أنه لا يقبل وهو وجه وحكاه الأذرعي عن نص الأم لكن الأصح المنصوص في زيادة الروضة القبول وعلى هذا لو أوقع بين أربع أربعا وقال أردت على ثنتين طلقتين طلقتين دون الأخريين لحق الأولين طلقتان طلقتان عملا بإقراره ولحق الأخريين طلقة طلقة لئلا يتعطل الطلاق في بعضهن
ولو قال أوقعت بينكن سدس طلقة وربع طلقة وثلث طلقة طلقن ثلاثا ثلاثا لأن تغاير الأجزاء وعطفها يشعر بقسمة كل جزء بينهن
وكذا لو قال أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة في أحد وجهين هو الظاهر كما رجحه شيخنا لأن التفصيل يشعر بقسمة كل طلقة عليهن
( ولو طلقها ) أي إحدى زوجاته ( ثم قال للأخرى أشركتك معها ) أو جعلتك شريكتها ( أو أنت ) مثلها أو ( كهي فإن نوى ) بذلك طلاقها المنجز ( طلقت وإلا فلا ) تطلق لاحتمال اللفظ لغير الطلاق
أما لو علق امرأته بدخول الدار مثلا ثم قال لأخرى أشركتك معها روجع فإن قال قصدت أن الأولى لا تطلق حتى تدخل الأخرى لم يقبل منه لأنه رجوع عن التعليق الأول وإن قال أردت
____________________
(3/299)
إذا دخلت الأولى طلقت الثانية قبل وطلقتا بدخولها أو أردت تعليق طلاق الثانية بدخولها نفسها كما في الأولى قبل وتعلق طلاق كل منهما بدخول نفسها وإن أطلق فالظاهر حمله على هذا الأخير
( وكذا لو ) طلق رجل زوجته و ( قال ) رجل ( آخر ذلك لامرأته ) كقوله أشركتك مع مطلقة هذا الرجل أو جعلتك شريكتها فإن نوى طلاقها طلقت وإلا فلا لأنه كناية كما مر
وإن أشركها مع ثلاث طلقهن هو أو غيره ونوى وأراد أنها شريكة كل منهن طلقت ثلاثا أو أنها مثل إحداهن طلقت واحدة وكذا إن أطلق نية الطلاق ولم ينو واحدة ولا عددا لأن جعلها كإحداهن أسبق إلى الفهم وأظهر من تقدير توزيع كل طلقة
وإن أشركها مع امرأة طلقها هو أو غيره ثلاثا ونوى الشركة في عدد الطلاق طلقت طلقتين لأنه أشركها معها في ثلاث فيخصها طلقة ونصف وتكمل وقيل واحدة لأنها المتيقنة وقيل ثلاث لأنه أشركها معها في كل طلقة
أما إذا لم ينو ذلك فيقع واحدة كما جزم به صاحب الأنوار
ولو أوقع بين ثلاث طلقة ثم أشرك الرابعة معهن وقع على الثلاث طلقة طلقة وعلى الرابعة طلقتان إذ يخصها بالشركة طلقة ونصف
ولو طلق إحدى نسائه الثلاث ثلاثا ثم قال للثانية أشركتك معها ثم للثالثة أشركتك مع الثانية طلقت الثانية طلقتين لأن حصتها من الأولى طلقة ونصف والثالثة طلقة لأن حصتها من الثانية طلقة
تنبيه ما ذكره المصنف فيما إذا علم طلاق التي شوركت فإن لم يعلم كما لو قال طلقت امرأتي مثل ما طلق زيد وهو لا يدري كم طلق زيد ونوى عدد طلاق زيد فمقتضى كلام الرافعي أنه لا يقع قاله الزركشي
ومراده العدد لا أصل الطلاق وهو ظاهر
فصل في الاستثناء ( يصح الاستثناء ) لوقوعه في القرآن والسنة وكلام العرب وهو الإخراج ب إلا أو إحدى أخواتها تحقيقا أو تقديرا والأول المتصل ك قام القوم إلا زيدا والثاني المنقطع ك عندي ثوب إلا درهما وليس مرادا هنا وإطلاق الاستثناء عليه مجاز
ثم الاستثناء على ضربين ضرب يرفع العدد لا أصل الطلاق كالاستثناء ب إلا أو إحدى أخواتها وضرب يرفع أصل الطلاق كالتعليق بالمشيئة وهذا يسمى استثناء شرعيا لاشتهاره في عرف الشرع
قال بعض المحققين وسميت كلمة المشيئة استثناء لصرفها الكلام عن الجزاء والثبوت حالا من حيث التعليق بما لا يعلمه إلا الله
ثم شرع في الضرب الأول مبتدئا بشروطه فقال ( بشرط اتصاله ) أي لفظ المستثنى بالمستثنى منه عرفا بحيث يعد كلاما واحدا ( ولا يضر ) في الاتصال ( سكتة تنفس وعي ) أو تذكر أو انقطاع صوت لأن ذلك لا يعد فاصلا بخلاف الكلام الأجنبي ولو يسيرا والاتصال هنا أبلغ من الاتصال بين الإيجاب والقبول في البيع ونحوه إذ يحتمل بين كلام اثنين ما لا يحتمل بين كلام واحد
( قلت ويشترط أن ينوي الاستثناء ) فلا يكفي التلفظ به من غير نية ولا بد أن ينوي ( قبل فراغ اليمين ) لأن اليمين إنما تعتبر بتمامها وهذا صادق بأن ينويه أولها أو آخرها أو ما بينهما ( في الأصح والله أعلم ) فلا يشترط من أوله ولا يكفي بعد الفراغ
والثاني يكفي بعده ورد بأنه لو كفى لزم عليه رفع الطلاق بعد وقوعه
ويشترط أيضا في التلفظ بالاستثناء إسماع نفسه عند اعتدال سمعه فلا يكفي أن ينويه بقلبه ولا أن يتلفظ به من غير أن يسمع نفسه فإن ذلك لا يؤثر ظاهرا قطعا ولا يدين على المشهور
( ويشترط ) أيضا ( عدم استغراقه ) المستثنى منه فالمستغرق باطل بالإجماع كما قاله الإمام والآمدي فلو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا لم يصح الاستثناء وطلقت ثلاثا
تنبيه أشعر كلامه بصحة استثناء الأكثر كقوله أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين وهو كذلك ولا يرد على بطلان المستغرق صحة لو أنت طالق إن شاء الله حيث رفعت المشيئة جميع ما أوقعه الحالف وهو في معنى المستغرق لأن هذا خرج بالنص فيبقى غيره على الأصل
ويصح تقديم المستثنى على المستثنى منه كانت إلا واحدة طالق ثلاثا
____________________
(3/300)
ولا يجمع المعطوف والمعطوف عليه في المستثنى منه لإسقاط الاستغراق ولا في المستثنى لإثباته ولا فيهما كذلك
( و ) على هذا ( لو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وواحدة فواحدة ) تقع ويلغو ما حصل به الاستغراق وهو واحدة المعطوفة على ثنتين لحصول الاستغراق بها بناء على عدم جمع العدد المعطوف بعضه على بعض
( وقيل ) يقع ( ثلاث ) بناء على جمع المستثنى فيكون مستغرقا فيبطل الاستثناء
( أو ) أنت طالق ( اثنتين وواحدة إلا واحدة فثلاث ) تقع ويلغو استثناء الواحدة من الواحدة لاستغراقه
( وقيل ثنتان ) بناء على جمع المستثنى منه فتكون الواحدة مستثنى من الثلاث
تنبيه تعرض المصنف بالمثال الأول لعدم العطف في المستثنى وبالمثال الثاني لعدم العطف في المستثنى منه وسكت عن عدم العطف في المستثنى والمستثنى منه معا ك أنت طالق طلقة وطلقة إلا طلقة وطلقة فيقع ثنتان على الأصح فلو قال وما فرق لا يجمع كان أعم لشموله ذلك
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وواحدة طلقت واحدة لجواز الجمع هنا إذ لا استغراق
هذا إن اتفقت حروف العطف فإن اختلفت ك أنت طالق واحدة ثم واحدة بل واحدة لا واحدة وقع ثلاث جزما لأنه استثنى واحدة من واحدة وهو مستغرق فلا يجمع وإن قيل بالجمع في غير هذه لتغاير الألفاظ كما لو قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة لأنه على الوجه المرجوح استثنى ثلاثة من ثلاثة
ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وقع ثلاث للاستغراق باستثناء الواحدة مما قبلها
( وهو ) أي الاستثناء ( من نفي إثبات وعكسه ) أي من إثبات نفي ( فلو قال ) أنت طالق ( ثلاثا إلا ثنتين إلا طلقة فثنتان ) لأن المستثنى الثاني مستثنى من الأول فيكون المستثنى في الحقيقة واحدة ( أو ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين فثنتان ) لما ذكر ( وقيل ثلاث ) لأن الاستثناء الأول مستغرق فيلغو والثاني مرتب عليه فيلغو أيضا
( وقيل طلقة ) لأن الاستثناء الثاني صحيح فيعود إلى أول الكلام
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة وقع طلقة لأنه بتعقيب الإستثناء الثاني للأول أخرجه عن الاستغراق فكأنه استثنى طلقتين من ثلاث لأنه استثنى منها ثلاثا إلا واحدة وثلاث إلا واحدة ثنتان
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين إلا ثنتين وقع طلقة إلغاء للاستثناء الثاني فقط لحصول الاستغراق به
ولو قال أنت طالق ثنتين إلا واحدة إلا واحدة وقع واحدة لما من إلغاء الاستثناء الثاني وقيل ثنتان لما مر أيضا من أن الاستثناء من الإثبات نفي وبالعكس
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا ثنتين إلا واحدة وقع واحدة إذ المعنى إلا ثلاثا لا تقع إلا ثنتين تقعان إلا واحدة لا تقع فيبقى واحدة واقعة
واعلم أن الاستثناء يعتبر من الملفوظ على الأصح وقيل من المملوك وفرع المصنف عليه قوله ( أو ) أنت طالق ( خمسا إلا ثلاثا فثنتان ) يقعان بناء على الأصح من أن الاستثناء ينصرف إلى الملفوظ به لأنه لفظ فيتبع فيه موجب اللفظ
( وقيل ثلاث ) بناء على مقابل الأصح من أن الاستثناء ينصرف إلى المملوك لأن الزيادة عليه لغو فلا عبرة بها
واعلم أن ما تقدم كان في استثناء طلقة فأكثر ثم أشار إلى استثناء بعضها بقوله ( أو ) أنت طالق ( ثلاثا إلا نصف طلقة فثلاث ) تقع ( على الصحيح ) لأنه إذا استثنى بعض طلقة بقي بعضها ومتى بقي كملت
والثاني يقع ثنتان ويجعل استثناء النصف كاستثناء الكل
ورد بأن التكميل إنما يكون في طرف الإيقاع تغليبا للتحريم
تنبيه صور المصنف الاستثناء بنصف طلقة ليخرج ما لو قال أنت طالق ثلاثا إلا نصفا فإنه يرجع كما في الروضة عن البوشنجي فإن قال أردت نصفها فثنتان أو نصف طلقة فثلاث على الأصح وإن أطلق حمل على نصف الجميع
____________________
(3/301)
قال الزركشي ولو قال أنت طالق طلقة ونصفا إلا طلقة ونصفا
قال بعض فقهاء العصر القياس وقوع طلقة اه
وكأن وجهه أنه وقع عليه بقوله طلقة ونصفا طلقتان واستثنى من ذلك طلقة ونصفا فبقي نصف طلقة فتكمل وهذا مردود لأن الاستثناء مما أوقع لا مما وقع وأيضا لا يجمع بين المتعاطفات كما مر فقوله طلقة ونصفا إلا طلقة ونصفا يرجع الاستثناء للأخير وهو النصف فهو مستغرق فيلغو ويقع طلقتان
فروع لو قال أنت بائن إلا بائنا أو إلا طالقا ونوى بأنت بائن الثلاث وقع طلقتان اعتبارا بنيته فهو كما لو تلفظ بالثلاث واستثنى واحدة
قال الرافعي وفي معناه ما لو قال أنت طالق إلا طالقا ونوى بأنت طالق الثلاث
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا أقله ولا نية له وقع ثلاث قاله في الاستقصاء لأن أقل الطلاق بعض طلقة فتبقى طلقتان والبعض الباقي فيكمل لكن السابق إلى الفهم أن أقله طلقة فتطلق طلقتين وهذا أوجه
ولو قال أنت طالق أو لا أو أنت طالق واحدة أو لا بإسكان الواو فيهما لم يقع به شيء لأنه استفهام لا إيقاع فكان كقوله هل أنت طالق إلا أن يريد بقوله أنت طالق إنشاء الطلاق فتطلق ولا يؤثر قوله بعده أو لا فإن شدد الواو وهو يعرف العربية لأن معناه أنت طالق في أول الطلاق
ولو قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو أنت طالق لا طلقت طلقة لأنه أوقع الطلاق وأراد رفعه بالكلية والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه
وقولنا بالكلية احتراز من قوله أنت طالق إن دخلت الدار فإنه رفعه في الحال لا بالكلية ولو قال لزوجاته الأربع أربعكن طوالق إلا فلانة أو إلا واحدة طلقن جميعا ولم يصح الاستثناء لأن الأربع ليست صيغة عموم وإنما هي اسم خاص فقوله إلا فلانة رفع للطلاق عنها بعد التنصيص عليها فهو كقوله أنت طالق طلاقا لا يقع عليك
فإن قيل قضية هذا التعليل أنه لا يصح الاستثناء من الأعداد في الإقرار وليس كذلك بل يصح منها وإن صرح باسم العدد كقوله هذه الأربعة لك إلا واحدا منها كما صرح به صاحب التنبيه وغيره في باب الإقرار
أجيب بأن الإنشاء أقوى من الإخبار وهذا بخلاف أربعتكن إلا فلانة طوالق فيصح الاستثناء لأن الإخراج في هذه وقع قبل الحكم فلا تناقض بخلاف الأولى وهذا ما جرى عليه ابن المقرى وهو المعتمد وإن نظر فيه الإسنوي أنه لا فرق بين تقدم المستثنى وتأخره
ثم شرع في الضرب الثاني من الاستثناء وهو التعليق بالمشيئة فقال ( ولو قال أنت طالق إن شاء الله ) طلاقك ( أو ) أنت طالق ( إن لم يشأ الله ) طلاقك ( وقصد التعليق ) بالمشيئة في الأول وبعدمها في الثاني قبل فراغ الطلاق ( لم يقع ) أي الطلاق لأن المعلق عليه من مشيئة الله أو عدمها غير معلوم ولأن الوقوع بخلاف مشيئة الله تعالى محال
فإن لم يقصد بالمشيئة التعليق بأن سبقت إلى لسانه لتعوده بها كما هو الأدب أو قصدها بعد الفراغ من الطلاق أو قصد بها التبرك أو إن كل شيء بمشيئة الله تعالى أو لم يعلم قصد التعليق أو لا وقع وكذا لو أطلق كما هو مقتضى كلامهم وليس هذا كالاستثناء المستغرق لأن ذلك كلام متناقض غير منتظم والتعليق بالمشيئة منتظم وأنه يمنع معه الطلاق وقد لا يقع كما تقرر
وكالتعليق بالمشيئة سائر التعليقات في اعتبار اللفظ واقتران القصد
( وكذا يمنع ) التعليق بالمشيئة انعقاد نية وضوء وصلاة وصوم وغيرها عند قصد التعليق و ( انعقاد تعليق ) ك أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله لأن التعليق بالمشيئة يمنع الطلاق المنجز فالمعلق أولى
( و ) انعقاد ( عتق ) منجز أو معلق ك أنت حر إن شاء الله أو أنت حر إن دخلت الدار إن شاء الله
( و ) انعقاد ( يمين ) كقوله والله لأفعلن كذا إن شاء الله
( و ) انعقاد ( نذر ) ك لله علي أن أتصدق بكذا إن شاء الله ( و ) انعقاد ( كل تصرف ) غير ما ذكر مما حقه الجزم كبيع وإقرار وإجارة
تنبيه تقديم التعليق على المعلق به كتأخيره عنها كقوله إن شاء الله أنت طالق ولو فتح همزة أن أو أيد لها ب إذ أو ما كقوله أنت طالق أن شاء الله بفتح الهمزة أو إذ شاء الله أو ما شاء الله طلقت في الحال طلقة واحدة لأن الأولين للتعليل والواحدة هي اليقين في الثالث وسواء في الأول النحوي وغيره كما صرح في الروضة بتصحيحه
____________________
(3/302)
هنا
( ولو قال يا طالق إن شاء الله ) أو أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله ( وقع ) طلقة ( في الأصح ) نظرا لصورة النداء المشعر بحصول الطلاق حالته والحاصل لا يعلق بخلاف أنت طالق فإنه كما قال الرافعي قد يستعمل عند القرب منه وتوقع الحصول كما يقال للقريب من الوصول أنت واصل وللمريض المتوقع شفاؤه قريبا أنت صحيح فينتظم الاستثناء في مثله ومثل ذلك ما لو قال أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله فإنها لا تطلق لرجوع الاستثناء إلى الطلاق خاصة ويحد بقوله يا زانية ولا يضر تخلل يا طالق في الأول ولا يا زانية في الثاني لأنه ليس أجنبيا عن المخاطبة فأشبه قوله أنت طالق ثلاثا يا حفصة إن شاء الله
ولو قال أنت طالق أنت طالق إن شاء الله قاصدا التوكيد لم تطلق كما لو قال أنت طالق إن شاء الله ( أو قال أنت طالق إلا أن يشاء الله تعالى ) طلاقك ( فلا ) يقع ( في الأصح ) لأن معناه إلا أن يشاء الله عدم تطليقك فلا يقع شيء لأن المشيئة لا اطلاع لنا عليها
والثاني يقع لأنه أوقعه وجعل المخلص عنه المشيئة وهي غير معلومة فلا يحصل الخلاص
تتمة لو قال أنت طالق واحدة وثلاثا أو ثنتين إن شاء الله طلقت واحدة لاختصاص التعليق بالمشيئة بالأخير كما في الاستثناء المستغرق كما مر وقوله أنت طالق ثلاثا وواحدة إن شاء الله يقع ثلاثا كذلك
ولو قال أنت طالق واحدة ثلاثا أو ثلاثا ثلاثا إن شاء الله لم تطلق لعود المشيئة إلى الجميع لحذف العاطف
ولو قال حفصة طالق وعمرة طالق إن شاء الله ولم ينو عود الاستثناء إلى كل من المتعاطفين طلقت حفصة دون عمرة لما مر بخلاف قوله حفصة وعمرة طالقتان إن شاء الله لا تطلق واحدة منهما
ولو قال أنت طالق إن شاء زيد فمات زيد أو جن قبل المشيئة لم تطلق لعدم المشيئة وإن خرس فأشار طلقت لأنه عند بيان المشيئة من أهل الإشارة والاعتبار بحال البيان ولهذا لو كان عند التعليق أخرس ثم نطق كانت مشيئته بالنطق
ولو علق بمشيئة الملائكة لم تطلق إذ لهم مشيئة ولم يعلم حصولها وكذا إن علق بمشيئة بهيمة لأنه تعليق بمستحيل
ولو قال أنت طالق إن لم يشأ زيد ولم توجد المشيئة في الحياة طلقت قبيل الموت أو قبيل جنون اتصل بالموت لتحقق عدم المشيئة حينئذ وإن مات زيد وشك في مشيئته لم تطلق للشك في الصفة الموجبة للطلاق
ولو قال أنت طالق إن لم يشأ زيد اليوم ولم يشأ فيه طلقت قبيل الغروب لأن اليوم هنا كالعمر فيما مر
فصل في الشك في الطلاق
وهو كما سيأتي على ثلاثة أقسام شك في أصله وشك في عدده وشك في محله
وهذا كمن طلق معينة ثم نسيها إذا ( شك ) أي تردد برجحان أو غيره ( في ) وقوع ( طلاق ) منه أو في وجود الصفة المعلق بها
كقوله إن كان هذا الطائر غرابا فأنت طالق وشك هل كان غرابا أو لا ( فلا ) نحكم بوقوعه قال المحاملي بالإجماع لأن الأصل عدم الطلاق وبقاء النكاح
( أو ) لم يشك في طلاق بل تحقق وقوعه ولكن شك ( في عدد ) منه هل طلق طلقة أو أكثر ( فالأقل ) يأخذ به ( ولا يخفي الورع ) في الصورتين وهو الأخذ بالأسوإ لخبر دع ما يريبك إلى ما لا يريبك رواه الترمذي وصححه
ففي الأولى يراجع إن كان له الرجعة وإلا فيجدد نكاحها إن كان له فيها رغبة
وإلا فلينجز طلاقها لتحل لغيره يقينا
وفي الثانية إن شك في أنه طلق ثلاثا أم ثنتين لم ينكحها حتى تنكح زوجا غيره ولو شك
هل طلق ثلاثا أو لم يطلق شيئا طلقها ثلاثا قال الرافعي لتحل لغيره يقينا اه
وهذا ليس بظاهر فإنها تحل لغيره يقينا في الصورة الثانية بأي شيء أوقعه ولو طلقة
نعم فائدة إيقاع الثلاث أنه لو تزوجها بعد دخول الثاني بها وتطليقه إياها ملك عليها الثلاث بيقين
( ولو ) علق اثنان بنقيضين كأن ( قال إن كان ذا الطائر غرابا ) مثلا ( فأنت طالق
وقال آخر إن لم يكنه فامرأتي طالق وجهل ) الحال في الطائر ( ولم يحكم بطلاق
____________________
(3/303)
أحد ) لأنه لو انفرد أحدهما بما قال لم يحكم بوقوع طلاقه لجواز أنه غير غراب والأصل بقاء النكاح فتعليق الآخر لا يغير حكمه
تنبيه مشى المصنف في نكته على اختيار شيخه ابن مالك في اتصال الضمير الواقع خبر كان ولكن جمهور النحاة على الانفصال
( فإن قالهما رجل لزوجتيه طلقت إحداهما ) لا بعينها لوجود إحدى الصفتين لأنه لا بد فيه من أحد الوصفين إذ ليس بين النفي والإثبات واسطة
( ولزمه ) مع الاعتزال عنهما إلى تبين الحال لاشتباه المباحة بغيرها ( البحث ) عن الطائر ( والبيان ) لزوجته إن أمكن واتضح له حال الطائر ليعلم المطلقة دون غيرها
فإن طار ولم يعلم حاله لم يلزمه بحث ولا بيان
تنبيه هذا في الطلاق البائن وفي الرجعية إذا انقضت عدتها لما سيأتي من عدم وجوب البيان فيما لو طلق إحدى زوجتيه طلاقا رجعيا لأن الرجعية زوجة
( ولو طلق إحداهما بعينها ) كأن خاطبها بطلاق وحدها أو نواها بقوله إحداكما طالق ( ثم جهلها ) بعد ذلك بنسيان ونحوه ( وقف ) وجوبا أمره عنهما من قربان وغيره ( حتى يذكر ) بتشديد الذال المعجمة كما ضبطه بعضهم أي يتذكر المطلقة بأن يعرفها والجهل المقارن للطلاق كما لو طلق في ظلمة كذلك
تنبيه لو عبر بدل ثم بالواو كان أعم
( ولا يطالب ) الزوج ( ببيان ) للمطلقة ( إن صدقتاه ) أي الزوجتان ( في الجهل ) بها لأن الحق لهما فإن كذبتاه وبادرت واحدة وقالت أنا المطلقة لم يقنع منه بقوله نسيت أو لا أدري وإن كان قوله محتملا بل يطالب بيمين جازمة أنه لم يطلقها فإن نكل حلفت وقضى بطلاقها
قال الأذرعي ولو ادعت كل منهما أو إحداهما أنه يعلم التي عناها بالطلاق وسألت تحليفه أنه لا يعلم ذلك ولم تقل في الدعوى أنه يعلم المطلقة فالوجه قبول هذه الدعوى وتحليفه على ذلك
( ولو قال لها ) أي لزوجته ( ولأجنبية إحداكما طالق وقال قصدت ) بالطلاق ( الأجنبية قبل ) قوله بيمينه ( في الأصح ) وعبر في الروضة بالصحيح المنصوص لأن الكلمة مترددة بينهما محتملة لهذه ولهذه فإذا قال عينتها صار كما لو قال للأجنبية أنت طالق
والثاني لا يقبل وتطلق زوجته لأنها محل الطلاق فلا ينصرف عنها إلى الأجنبية بالقصد
تنبيه أفهم قوله قصدت الأجنبية أنه إذا لم يكن له قصد تطلق زوجته وهو ما في الروضة وأصلها عن فتاوى البغوي وأقراه
قال في المهمات ويتجه أن محل ما قاله البغوي فيما إذا لم يصدر عن الأجنبية طلاق منه أو من غيره فإن كان قد وقع عليها ذلك لم يحكم بطلاق زوجته بما وقع منه لأن الكلام الذي صدر منه صادق عليهما صدقا واحدا والأصل بقاء الزوجية
ويؤيده ما ذكره الرافعي في باب العتق أنه إذا أعتق عبدا ثم قال له ولعبد آخر أحدكما حر لم يقتض ذلك عتق الآخر اه
واحترز بقوله ولأجنبية عما لو قال لزوجته ولرجل أو دابة وقال أردت الرجل أو الدابة فإنه لا يقبل
لأن ذلك ليس محلا للطلاق
وأمته مع زوجته وفاسدة النكاح مع صحيحته كالأجنبية مع الزوجة
فروع لو قال إن فعلت كذا فإحداكما طالق ثم فعله بعد موت إحداهما وقع الطلاق على الباقية لتعين المحل لها
ولو قال لعبديه أحدكما حر فمات أحدهما تعين العتق في الحي لأن العتق ثبت في الذمة بخلاف الطلاق
ولو قال لأم زوجته ابنتك طالق لم تطلق زوجته إن لم ينو طلاقها بناء على الأصح من أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه كما عليه أكثر المتقدمين خلافا لما في المهمات
( ولو ) كان اسم زوجته زينب و ( قال زينب طالق ) ولم يرفع في نسبها
____________________
(3/304)
ما تتميز به ( وقال ) لم أقصد زوجتي بل ( قصدت أجنبية ) اسمها زينب ( فلا ) يقبل ظاهرا ( على الصحيح ) لأنه خلاف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله تعالى
كما لو كان له زوجة قبلها واسمها زينب وطلقها أو ماتت قال أردتها
والثاني يقبل بيمينه لاحتمال اللفظ لذلك كما في الصورة التي قبلها
وفرق الأول بينهما بأن قوله أحدا كما يتناولهما تناولا واحدا ولم يوجد منه تصريح باسم زوجته ولا وصف لها ولا إشارة بالطلاق وهنا صرح باسمها والظاهر أنه أرادها فلذلك لم يقبل قوله فلو نكح امرأة نكاحا صحيحا وأخرى نكاحا فاسدا وكل منهما اسمها زينب وقال زينب طالق وقال أردت فاسدة النكاح قبل كما هو ظاهر كلام ابن المقري لكن ينبغي أن يكون محله إذا لم يعلم فساد نكاحها وإلا فهي أجنبية فلا يقبل منه ظاهر أو يدين
( ولو قال لزوجتيه إحداكما طالق وقصد معينة ) منهما ( طلقت ) لأن اللفظ صالح لكل منهما فإذا صرفه بالنية إلى واحدة انصرف وصار اللفظ كالنص في التعيين ( وإلا ) بأن لم يقصد معينة بل أطلق أو قصد واحدة لا بعينها أو قصدهما كما قاله الإمام ( فإحداهما ) أي زوجتيه تطلق ولا يدري الآن من هي ( ويلزمه ) بعد طلب الزوجتين كما قاله ابن الرفعة أو إحداهما كما قاله غيره ( البيان ) للمطلقة ( في الحالة الأولى ) وهي قصد واحدة معينة ( والتعيين ) فورا ( في ) الحالة ( الثانية ) وهي قصد واحدة مبهمة لتعلم المطلقة منهما فيترتب عليها أحكام الفراق
( وتعزلان ) بمثناة فوقية بخطه فالضمير لزوجتيه ويستمر انعزالهما ( عنه إلى البيان ) في الحالة الأولى ( أو التعيين ) في الحالة الثانية لاختلاط المحظور بالمباح
( وعليه البدار بهما ) أي البيان والتعيين لرفعه حبسه عمن زال ملكه عنها فلو أخر بلا عذر عصى وعزر
قال الإسنوي وقضية ذلك أنه لو استمهل لم يمهل وقال ابن الرفعة يمهل ويمكن حمل الأول على ما إذا عين ولم يدع نسيانا إذ لا وجه للإمهال حينئذ والثاني على ما إذا أبهم أو عين وادعى أنه نسي
تنبيه محل هذا في الطلاق البائن أما الرجعي فلا يلزمه فيه بيان ولا تعيين في الحال على الأصح في أصل الروضة والشرح الصغير لأنها زوجة
ويؤخذ من هذا أنها لو انقضت عدتها لزمه في الحال لحصول البينونة وانتفاء الزوجية كما قاله الإسنوي أما إذا لم تطلب الزوجتان ولا إحداهما فلا وجه لإيجابه قبل الطلب لأنه محض حق الزوجين وحق الله تعالى فيه الانعزال وقد أوجبناه
( و ) عليه أيضا ( نفقتهما في الحال ) إلى البيان أو التعيين لحبسهما عنده حبس الزوجات وسواء أقصر في تأخير ذلك أم لا كأن كان جاهلا أو ناسيا لأنه ورط نفسه ولا يرد المصروف إلى المطلقة إذا بين أو عين قال الإمام وهو من النوادر فإنها نفقة لبائن
تنبيه قوله في الحال تبع فيه المحرر ولم تذكره الروضة وأصلها قال ابن النقيب ولم أفهم ما أراد به وقال غيره أشار به إلى أن النفقة لا تؤخر إلى البيان أو التعيين
( ويقع الطلاق ) في المعينة المبينة ( باللفظ ) جزما وفي المبهمة على الأصح لأنه جزم به ونجزه فلا يجوز تأخيره إلا أن محله غير مبين أو غير معين فيؤمر بالتبيين أو التعيين لكن عدة المعين من اللفظ والمتهم من التعيين لتعيين المحل في الأولى دون الثانية
ويجوز أن تتأخر العدة عن وقت الحكم بالطلاق كما يجب في النكاح الفاسد بالوطء
وتحسب من التفريق
( وقيل إن لم يعين ) المبهمة المطلقة ثم عينها ( فعند التعيين ) يقع الطلاق لأنه لو وقع قبله لوقع لا في محل والطلاق شيء معين فلا يقع إلا في محل معين
ورد هذا بأنه ممنوع منهما إلى التعيين كما مر فلولا وقوع الطلاق قبله لم يمنع منهما ( والوطء ) لإحداهما ( ليس بيانا ) في الحالة الأولى أن المطلقة الأخرى ( ولا تعيينا ) في الحالة الثانية لغير الموطوءة لاحتمال أن يطأ المطلقة ولأن ملك النكاح لا يحصل بالفعل ابتداء فلا يتدارك به
____________________
(3/305)
ولذلك لا تحصل الرجعة بالوطء
( وقيل ) الوطء ( تعيين ) للطلاق في غير الموطوءة وعلله الأكثرون وقال في التنبيه إنه ظاهر المذهب فلا يمنع من وطء أيتهما شاء
والمعتمد الأول وعليه فيطالب بالبيان والتعيين فإن بين الطلاق في الموطوءة وكان الطلاق بائنا لزمه الحد لاعترافه بوطء أجنبية بلا شبهة ولها المهر لجهلها بأنها المطلقة بخلاف الرجعية لا حد بوطئه لها وإن بين في غير الموطوءة قبل فإن ادعت الموطوءة أنه نواها ونكل حلفت وطلقتا ولزمه لهما المهر ولا حد للشبهة لأن الطلاق ثبت بظاهر اليمين وله أن يعين للطلاق غير الموطوءة وعليه مهرما لما مر
وقضية كلام الروض وأصله أنه لا حد عليه وإن كان الطلاق بائنا وهو المعتمد وإن جزم فى الأنوار بأنه يحد كما في الأولى للاختلاف في وقت الطلاق وله أن يعينه للموطوءة
( ولو قال ) فيما إذا طلب منه بيان مطلقة معينة نواها ( مشيرا إلى واحدة ) منهما ( هذه المطلقة فبيان ) لها لأنه إخبار عن الإرادة السابقة المعلقة بمحل معين أو هذه الزوجة أو لم أطلق هذه فبيان أن غيرها المطلقة
( أو ) قال مشيرا لكل منهما ( أردت هذه وهذه ) أو هذه هذه أو هذه مع هذه ( أو هذه بل هذه حكم بطلاقهما ) ظاهرا لإقراره به بما قاله لأنه أقر بطلاق الأولى ثم رجع وأقر بطلاق الثانية فلم يقبل رجوعه عنه وقيل إقراره بطلاق الثانية لأنه أقر بحق غيره عليه
أما في الباطن فالمطلقة من نواها فقط كما قاله الإمام قال فإن نواهما جميعا فالوجه أنهما لا يطلقان إذ لا وجه لحمل إحداهما عليهما جميعا
تنبيه تمثيل المصنف العطف بالواو و بل تنبيها على أنه لا فرق بين كون العاطف للجميع أو للإضراب ولا يسمع منه الإضراب عن الأولى فإن أتى ب ثم أو الفاء ك هذه ثم هذه أو هذه فهذه حكم بطلاق الأولى فقط لفصل الثانية بالترتيب فلم يبق لها شيء ولو قال هذه أو هذه استمر الإشكال أو قال هذه بعدها هذه أو هذه قبل هذه فالمشار إليها أولا أو هذه بعد هذه فالمشار إليها ثانيا هي المطلقة
تنبيه قول المصنف حكم بطلاقهما أشار به إلى أن هذا في ظاهر الحكم أما في الباطن فتطلق المنوية كما مرت الإشارة إليه وهذا في الطلاق المعين كما مرت الإشارة إليه أيضا ويدل عليه قوله فبيان
أما الطلاق المبهم فالمطلقة هي الأولى سواء أعطف بالواو أم بغيرها لأنه إنشاء اختيار وليس بإخبار وليس له إلا اختيار واحدة فيلغو ذكر اختيار غيرها
( ولو ماتتا ) أي الزوجتان ( أو إحداهما قبل بيان ) للمعينة ( وتعيين ) للمبهمة والطلاق بائن ( بقيت مطالبته ) أي المطلق بالبيان جزما والتعيين على المذهب ( لبيان ) حال ( الإرث ) لأنه قد ثبت إرثه في إحداهما بيقين فيوقف من مال كل منهما أو الميتة نصيب زوج حيث لا مانع من الإرث فإذا بين أو عين لم يرث من المطلقة ويرث من الأخرى
ثم إن نوى معينة فبين في واحدة فلورثة الأخرى تحليفه أنه لم يردها بالطلاق فإن نكل حلفوا ولم يرث منها كما لا يرث من الأولى أيضا إذا كانت ميتة لأن اليمين المردودة كالإقرار
وإن حلف طالبوه بمهر المثل إن دخل بها وإلا طالبوه بنصفه في أحد وجهين يظهر ترجيحه لأنهم بزعمهم المذكور ينكرون استحقاق النصف والوجه الآخر يطالبونه بكله لاعترافه أنها زوجته
وإن عين في المبهم فلا اعتراض لورثة الأخرى وإن كذبه ورثة المطلقة فلهم تحليفه وقد أقروا له بإرث لا يدعيه وادعوا عليه مهرا استقر بالموت إن لم يدخل بها
( ولو مات ) المطلق قبل البيان أو التعيين ( فالأظهر قبول بيان وارثه لا ) قبول ( تعيينه ) لأن البيان إخبار وقد يقف على مراد مورثه منه أو من غيره والتعيين اختيار شهوة فلم يخلفه فيه كما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار
والثاني يقوم مقامه فيهما كما يخلفه في حقوق كالرد بالعيب واستلحاق النسب
والثالث المنع فيهما لأن حقوق النكاح لا تورث
تنبيه شمل كلامه ما لو ماتتا قبله أو بعده أو إحداهما قبله والأخرى بعده أو لم تمت واحدة منهما أو ماتت إحداهما دون الأخرى
ولو شهد إثنان من ورثة الزوج أن المطلقة فلانة قبلت شهادتهما إن مات قبل الزوجتين لعدم
____________________
(3/306)
التهمة بخلاف ما لو ماتتا قبله
ولو مات بعدهما فبين الوارث واحدة فلورثة الأخرى تحليفه أنه لا يعلم أن الزوج طلق مورثتهم
ثم شرع في الإبهام بين الطلاق والعتق بقوله ( ولو قال إن كان ) هذا الطائر ( غرابا فامرأتي طالق وإلا ) بأن لم يكنه ( فعبدي حر وجهل ) حال الطائر وصدقاه أو كذباه وحلف ( منع منهما ) أي من الاستمتاع بالزوجة والاستخدام بالعبد والتصرف فيه لزوال ملكه عن أحدهما فأشبه طلاق إحدى زوجتيه ( إلى البيان ) لتوقعه وعليه نفقة الزوجة وكذا العبد حيث لا كسب له
ولو اعترف بطلاق الزوجة فإن صدقه العبد فذاك ولا يمين عليه وإن كذبه وادعى العتق صدق السيد بيمينه فإن نكل حلف العبد وحكم بعتقه والطلاق
وإن اعترف بالعتق فإن صدقته المرأة فلا يمين وإن كذبته حلف فإن نكل حلفت وحكم بطلاقها والعتق
( فإن مات ) قبل بيانه ( لم يقبل بيان الوارث على المذهب ) للتهمة في أخباره بالحنث في الطلاق ليرق العبد ويسقط إرث الزوجة
والطريق الثاني فيه قولا الطلاق المبهم بين الزوجين
تنبيه قال السرخسي محل الخلاف ما إذا قال الوارث حنث في الزوجة فإن عكس قبل قطعا لإضراره بنفسه
قال الرافعي وهو حسن
زاد في الروضة قد قال به غير السرخسي وهو متعين
قال البلقيني ليس ما قاله السرخسي متعينا فإن القرعة داخلة وللعبد بها حق في العتق وللميت حق في رقه إذا كان عليه دين فيوفي منه فلا يقبل قول الوارث
والحال ما ذكر فإن لم يكن هناك ما يمنع من ذلك تعين ما قاله السرخسي وغيره
ثم قرع المصنف على المذهب قوله ( بل يقرع بين العبد والمرأة ) فلعل القرعة تخرج على العبد فإنها مؤثرة في العتق دون الطلاق ( فإن قرع ) العبد بأن خرجت القرعة له ( عتق ) من رأس المال إن كان التعليق في الصحة وإلا فمن الثلث إذ هو فائدة القرعة وترث المرأة إلا إذا ادعت الحنث فيها والطلاق بائن
( أو قرعت ) أي المرأة بأن خرجت القرعة لها ( لم تطلق ) إذ لا مدخل لها في الطلاق بدليل ما لو طلق إحدى امرأتيه لا تدخل القرعة بخلاف العتق فإن النص ورد بها فيه ولكن الورع أن يترك الميراث للورثة
( والأصح أنه ) أي العبد ( لا يرق ) بفتح أوله وكسر ثانية بخطه وصحح عليه بل يبقى على إبهامه لأن القرعة لم تؤثر فيما خرجت عليه ففي غيره أولى
والثاني يرق لأن القرعة تعمل في العتق والرق فكما يعتق إذا خرجت عليه يرق إذا خرجت على عديله
وأجاب الأول بأنها لم تؤثر في عديله فلا تؤثر فيه
فصل في الطلاق السني وغيره وفيه اصطلاحان أحدهما وهو أضبط ينقسم إلى سني وبدعي وجرى عليه المصنف حيث قال ( الطلاق سني وبدعي ) وثانيهما وهو أشهر ينقسم إلى سني وبدعي ولا ولا فإن طلاق الصغيرة والآيسة والمختلعة والتي استبان حملها منه وغير المدخول بها لا سنة فيه ولا بدعة
تنبيه قسم جمع الطلاق إلى واجب كطلاق المولي وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأياه ومندوب كطلاق زوجة حالها غير مستقيم كسيئة الخلق أو كانت غير عفيفة
ومكروه كمستقيمة الحال
وأشار الإمام إلى المباح بطلاق من لا يهواها ولا تسمح نفسه بمؤونتها من غير استمتاع بها
وحرام كطلاق البدعي كما قال ( ويحرم البدعي ) لحصول الضرر به كما سيأتي
( وهو ضربان ) أحدهما ( طلاق ) من شخص ( في حيض ممسوسة ) أي موطوءة ولو في الدبر ومثلها من استدخلت ماءه المحترم بالإجماع كما نقله الماوردي قال شيخنا ولو في عدة طلاق رجعي وهي تعتد بالأقراء
وهذه الغاية إنما تأتي على رأي مرجوح وهو أن الرجعية تستأنف أما على المعتمد فلا لأنه لا تطويل عليها نبه على ذلك البكري في حاشيته
وحرمة هذا لمخالفته لقوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن }
____________________
(3/307)
أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة وزمن الحيض لا يحسب من العدة والمعنى فيه تضررها بطول العدة فإن بقية الحيض لا تحسب منها
والنفاس كالحيض لشمول المعنى المحرم له كما في الروضة وأصلها هنا وإن خالفا ذلك في باب الحيض
تنبيه شمل إطلاقه ما لو ابتدأ طلاقها في حال حيضها ولم يكمله حتى طهرت فيكون بدعيا وبه صرح الصيمري والأوجه أنه ليس ببدعي لما سيأتي من أنه لو قال أنت طالق مع أو في آخر حيضك فسني في الأصح لاستعقابه الشروع في العدة
ويستثنى من الطلاق في الحيض صور منها الحامل إذا حاضت فلا يحرم طلاقها كما يأتي لأن عدتها بالوضع
ومنها ما لو كانت الزوجة أمة وقال سيدها إن طلقك الزوج اليوم فأنت حرة فسألت الزوج الطلاق لأجل العتق فطلقها لم يحرم فإن دوام الرق أضر بها من تطويل العدة وقد لا يسمح به السيد بعد ذلك أو يموت فيدوم أسرها بالرق قاله الأذرعي بحثا وهو حسن
ومنها طلاق المتحيرة فليس بسني ولا بدعي
ومنها طلاق الحكمين في صورة الشقاق ومنها طلاق المولى إذا طولب وإن توقف فيه الرافعي
ومنها ما لو طلقها في الطهر طلقة ثم طلقها في الحيض ثانية والمراد من الطلاق في الحيض المنجز فلو علقه بدخول دار مثلا فليس ببدعي لكن ينظر إلى وقت الدخول فإن وجد في حال الطهر فسني وإلا فبدعي لكن لا إثم فيه قال الرافعي ويمكن أن يقال إن وجدت الصفة باختياره أثم بإيقاعه في الحيض كإنشائه الطلاق فيه قال الأذرعي وهو ظاهر لا شك فيه وليس في كلامهم ما يخالفه
( وقيل إن سألته ) زوجته طلاقها في حيضها ( لم يحرم ) لرضاها بتطويل العدة والأصح التحريم لإطلاق قوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } 1 ولأنه صلى الله عليه وسلم لما أنكر الطلاق في الحيض لم يستفصل
ولو علق الطلاق باختيارها فأتت به في حال الحيض مختارة قال الأذرعي فيمكن أن يقال هو كما لو طلقها بسؤالها أي فيحرم وهو ظاهر
( ويجوز خلعها فيه ) أي الحيض أو النفاس لإطلاق قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ولحاجتها إلى الخلاص بالمفارقة حيث افتدت بالمال وليس هذا بسني ولا بدعي كما مر
( لا أجنبي ) فلا يجوز خلعه في الحيض أو النفاس ( في الأصح ) لأنه لم يعلم فيه وجدان حاجتها إلى الخلاص بالمفارقة
ومقابل الأصح احتمال للإمام لا وجه محقق إلا أن يثبت عمن تقدم الإمام أنه يجوز لأن الظاهر أن الأجنبي إنما بذل لحاجتها إلى الخلاص
تنبيه لو أذنت للأجنبي أن يختلعها يظهر أن يقال إن كان بمالها فكاختلاعها وإلا فهو كاختلاعه
( ولو قال أنت طالق مع ) أو في ( آخر حيضك فسني في الأصح ) لاستعقابه الشروع في العدة والثاني بدعي لمصادفته الحيض ( أو ) أنت طالق ( مع ) أو في ( آخر طهر ) عينه ( لم يطأها فيه فبدعي على المذهب ) المنصوص كما في الروضة والمراد به الراجح لأنه لا يستعقب العدة
والثاني سني لمصادفته الطهر
( و ) الضرب الثاني للبدعي ( طلاق في طهر وطىء فيه ) في قبل وكذا في دبر على الأصح وفي الروضة أن استدخالها ماءه أي المحترم كالوطء
ونائب فاعل وطىء قوله ( من قد تحبل ) لعدم صغرها ويأسها
( و ) الحال أنه ( لم يظهر حمل ) منها لأنه قد يندم لو ظهر حمل فإن الإنسان قد يطلق الحائل دون الحامل وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر الولد وخرج بمن قد تحبل الصغيرة والآيسة فإنه لا سنة ولا بدعة في طلاقهما كما مر وب لم يظهر حمل ما لو ظهر وسيذكره واستدخالها ماءه مع علمه به كما قاله الأذرعي كالوطء لاحتمال حدوث الحمل منه وكذا الوطء في الدبر على الأصح
تنبيه سكت المصنف عن ضرب ثالث للبدعي مذكور في الروضة وهو في حق من له زوجتان وقسم لإحداهما ثم طلق الأخرى قبل المبيت عندها
ولو نكح حاملا من زنا ثم دخل بها ثم طلقها نظر إن لم تحض فبدعي لأنها لا
____________________
(3/308)
تشرع في العدة إلا بعد الوضع والنفاس وإلا فإن طلقها في الطهر فسني أو في الحيض فبدعي كما يؤخذ من كلامهم
وأما الموطوءة بشبهة إذا حبلت منه ثم طلقها طاهرا فإنه بدعي
( فلو وطىء حائضا وطهرت فطلقها فبدعي ) أيضا ( في الأصح ) لاحتمال علوقها بذلك
والثاني ليس ببدعي لأن بقية الحيض تشعر بالبراءة
ودفع باحتمال أن تكون البقية مما دفعته الطبيعة أولا وهيأته للخروج
تنبيه صورة المسألة أن يطلقها قبل أن يمسها في الطهر وأشار المصنف إلى هذا بفاء التعقيب
( و ) الموطوءة في الطهر ( يحل خلعها ) كالحائض على الصحيح فيستثنى حينئذ من تحريم الطلاق في طهر جامع فيه
( و ) يحل ( طلاق من ظهر حملها ) وإن كانت تحيض لأن بأخذ العوض وظهور الحمل ينعدم احتمال الندم
تنبيه قد علم طلاق البدعي وطلاق غير البدعي والسني وأما الطلاق السني فهو طلاق مدخول بها في طهر لم يجامعها فيه ولا في حيض قبله وليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة وهي تعتد بالأقراء وذلك لاستعقابها الشروع في العدة
( ومن طلق ) طلاقا ( بدعيا ) ولم يستوف عدد الطلاق ( سن له الرجعة ) ما لم يدخل الطهر الثاني إن طلقها في طهر جامعها فيه
أما إذا طلقها في الحيض فإلى آخر الحيضة التي طلقها فيها كما قاله ابن قاضي عجلوان في تصحيحه على المنهاج
( ثم ) بعد الرجعة ( إن شاء طلق بعد ) تمام ( طهر ) لخبر الصحيحين أن ابن عمر رضي عنهما طلق زوجته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها ثم يطلقها طاهرا أي قبل أن يمسها إن أراد كما صرح بذلك في بعض رواياتهما
تنبيه إنما لم يقل بوجوب الرجعة كمذهب مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره وإنما أمر أباه أن يأمره والأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء لقوله صلى الله عليه وسلم مروهم بالصلاة لسبع سنين كذا قالوه
فإن قيل قوله فليراجعها أمر منه صلى الله عليه وسلم
أجيب بأن المراد فليراجعها لأجل أمرك فيكون الوجوب لأجل الوالد
وظاهر كلام المصنف أن ترك الرجعة ليس بمكروه وبه صرح الإمام قال في الروضة وفيه نظر وينبغي كراهته لصحة الخبر فيها ولدفع الإيذاء اه
ورد الاستناد إلى الخبر لأنه لا نهي فيه
وإذا راجع فهل يرتفع الإثم حكى المصنف عن جماعة أن الإثم يرتفع واستظهره
وإذا راجع والبدعة لحيض فالسنة أن لا يطلقها في الطهر منه لئلا يكون المقصود من الرجعة مجرد الطلاق وإن كانت البدعة لطهر جامعها فيه أو في حيض قبله ولم يبن حملها ووطىء بعد الرجعة فيه فلا بأس بطلاقها في الثاني وإن لم يراجعها إلا بعد الطهر أو راجعها فيه ولم يطأها سن له أن يطلقها في الطهر الثاني لئلا تكون الرجعة للطلاق وهذا فيمن طلق غير من لم تستوف دورها من القسم بخلاف من طلق هذه للزوم الرجعة له ليوفيها حقها كذا قيل وظاهر كلامهم أنه يستحب لأن الرجعة في معنى النكاح وهو لا يجب
( ولو قال لحائض ) ممسوسة أو نفساء ( أنت طالق للبدعة وقع ) الطلاق ( في الحال ) وإن كانت في ابتداء الحيض لاتصاف طلاقها به
( أو ) قال لحائض لم يطأها في ذلك الحيض أنت طالق ( للسنة فحين ) أي فيقع الطلاق حين ( تطهر ) من الحيض أو النفاس بأن تشرع في الطهر ولا يتوقف على الاغتسال لوجود الصفة قبله
تنبيه لا بد من الانقطاع من شروعها في عدة المطلق فلو وطئها في آخر الحيض واستدام إلى انقطاعه فإنها لا تطلق لاقتران الطهر بالجماع وكذا لو لم يستدم كما يؤخذ من قوله فلو وطىء حائضا وطهرت فطلقها فبدعي في الأصح وكذا لو وطئت بشبهة في دوام زوجتيه وحينئذ لا يقع طلاق فيه لأنه بدعي بل يتأخر وقوعه إلى طهر تشرع فيه في عدته
( أو ) قال ( لمن في طهر لم تمس فيه ) بوطء منه وهي مدخول بها ( أنت طالق للسنة وقع في الحال ) لوجود
____________________
(3/309)
الصفة
( وإن مست ) بوطء منه ( فيه ) ولم يظهر حملها فحين تطهر ( بعد حيض ) يقع الطلاق لشروعها حينئذ في حال السنة ( أو ) قال لمن في طهر أنت طالق ( للبدعة ففي الحال ) يقع الطلاق ( إن مست فيه ) أو في حيض قبله ولم يظهر حملها لوجود الصفة ( وإلا ) بأن لم تمس في هذا الطهر ولو في حيض قبله وهي مدخول بها ( فحين تحيض ) يقع الطلاق
تنبيه قضية كلامه وقوع الطلاق بظهور أول الدم وبه صرح المتولي فإن انقطع لدون يوم وليلة ولم يعد تبين أن طلاقها لم يقع وبما تقرر أنه لو وطئها بعد التعليق في ذلك الطهر أنه يقع الطلاق لصدق الصفة ومعلوم أن هذا فيمن لها حالتا سنة وبدعة فلو قال لصغيرة ممسوسة أو كبيرة غير ممسوسة وقع في الحال على الأصح ولغا الوصف
واللام هنا للتعليل لا للتأقيت لعدم تعاقب الحالين فيكون كقوله لرضا زيد
( ولو ) وصف الطلاق بصفة مدح كأن ( قال ) لزوجته ( أنت طالق طلقة حسنة أو أحسن الطلاق ) أو أفضله أو أعدله أو أكمله ( أو أجمله ) أو نحو ذلك ( فكالسنة ) أي فكقوله أنت طالق للسنة فإن كانت في حيض لم يقع حتى تطهر أو في طهر لم تمس فيه وقع في الحال أو مست فيه وقع حين تطهر بعد حيض
تنبيه لو نوى بذلك طلاق البدعة لأنه في حقها أحسن لسوء خلقها فإن كان في زمن البدعة قبل لأنه غلظ على نفسه أو السنة لم يقبل ظاهرا ويدين
( أو ) وصف الطلاق بصفة ذم كأنت طالق ( طلقة قبيحة أو أقبح الطلاق ) أو أسمجه أو أفضحه أو أفظعه أو أشره ( أو أفحشه ) أو نحو ذلك ( فكالبدعة ) أو فكقوله أنت طالق للبدعة
فإن كانت في حيض أو في طهر مست فيه وقع في الحال وإلا فحين تحيض
ولو نوى بذلك طلاق السنة لقبحه في حقها لحسن خلقها وكانت في زمن البدعة دين ولم يقبل ظاهرا ولا يخالف هذا ما لو قال لذات سنة وبدعة في حال البدعة أنت طالق طلاقا سنيا الآن أو في حال السنة أنت طالق طلاقا بدعيا وقال أردت الوقوع في الحال فإنه لم يقع في الحال لأن النية إنما تعمل فيما يحتمل اللفظ صريحا وإذا تنافيا لغت النية وعمل باللفظ لأنه أقوى
ولو خاطب بقوله للسنة وما ألحق به أو للبدعة وما ألحق به من ليس طلاقها سنيا ولا بدعيا كالحامل والآيسة وقع في الحال ويلغو ذكر السنة والبدعة
تنبيه اللام فيما يعهد انتظاره وتكرره للتوقيت كأنت طالق للسنة أو للبدعة ممن لها سنة وبدعة وفيما لا يعهد انتظاره وتكرره للتعليل كطلقتك لرضا زيد أو لقدومه أو للبدعة وهي صغيرة أو حامل أو نحوها ممن لا سنة لها ولا بدعة طلقت في الحال وإن لم يرض زيدا أو لم يقدم
وإن نوى بها التعليق لم يقبل ظاهرا ويدين
ولو قال في الصغيرة أو نحوها أنت طالق لوقت البدعة أو لوقت السنة ونوى التعليق قبل لتصريحه بالوقت وإن لم ينوه وقع الطلاق في الحال كما مر
فروع لو قال أنت طالق برضا زيد أو بقدومه تعليق كقوله إن رضي أو قدم
ولو قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق لا لسنة كقوله أنت طالق للبدعة وقوله أنت طالق لا للبدعة كقوله أنت طالق للسنة وقوله سنة الطلاق أو طلقة سنة كقوله للسنة وقوله بدعة الطلاق أو طلقة بدعية كقوله للبدعة
ولو قال لمن طلاقها بدعي إن كنت في حال سنة فأنت طالق فلا طلاق ولا تعليق ولو قال لها في حال البدعة أنت طالق طلاقا سنيا الآن أو في حال السنة أنت طالق طلاقا بدعيا الآن وقع في الحال للإشارة إلى الوقت ويلغو اللفظ
ولو قال أنت طالق للسنة إن قدم فلان وأنت طاهر فإن قدم وهي طاهر طلقت للسنة وإلا فلا تطلق إلا في الحال ولا إذا طهرت
( أو ) جمع في الطلاق بين صفتي مدح وذم ولم ينو شيئا كأن قال أنت طالق طلقة ( سنة بدعية أو ) طلقة ( حسنة قبيحة ) وهي ذات أقراء أو أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة ( وقع ) الطلاق ( في الحال ) ويلغو ذكر الصفتين لتضادهما فإن فسر كل صفة بمعنى في قول سنة بدعية أو حسنة قبيحة فقال أردت حسنة من حيث الوقت وقبيحة من حيث العدد حتى يقع الطلاق الثلاث
____________________
(3/310)
قبل وإن تأخر الوقوع لأن ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخر الوقوع
فروع لو قال لزوجته أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة فإن كانت ممن لا سنة لها ولا بدعة كالصغيرة طلقت في الحال ثلاثا كما لو وصفها كلها بالسنة أو البدعة وإن كانت ذات أقراء طلقت طلقتين في الحال وطلقة ثالثة في الحال الثاني لأن التبعيض يقتضي التشطير ثم يسري
فإن قال أردت إيقاع طلقة في الحال وطلقتين في الحال الثاني صدق بيمينه ولو أراد إيقاع بعض كل طلقة في الحال وقع الثلاث في الحال بطريق التكميل
ولو قال أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وسكت وهي في حال السنة أو البدعة وقع في الحال واحدة فقط لأن البعض ليس عبارة عن النصف وإنما حمل فيما مر على التشطير لإضافة البعضين إلى الحالين فيسوى بينهما
ولو قال أنت طالق خمسا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت ثلاثا في الحال أخذا بالتشطير والتكميل
ولو قال أنت طالق طلقتين طلقة للسنة وطلقة للبدعة وقع طلقة في الحال وفي المستقبل طلقة
وإن قال أنت طالق طلقتين للسنة والبدعة وقع الطلقتان في الحال لأن قوله للسنة والبدعة وصف للطلقتين في الظاهر فيلغو للتنافي ويبقى الطلقتان
وقوله لها طلقتك طلاقا كالثلج أو كالنار يقع في الحال ويلغو التشبيه المذكور خلافا لمن قال إن قصد التشبيه بالثلج في البياض وبالنار في الإضاءة طلقت في زمن السنة أو التشبيه بالثلج في البرودة وبالنار في الحرارة والإحراق طلقت في زمن البدعة
( ولا يحرم جمع الطلقات ) لأن عويمر العجلاني لما لاعن امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقها ثلاثا قبل أن يخبره صلى الله عليه وسلم أنها تبين باللعان متفق عليه فلو كان إيقاع الثلاث حراما لنهاه عن ذلك ليعلمه هو ومن حضره ولأن فاطمة بنت قيس شكت للنبي صلى الله عليه وسلم أن زوجها طلقها ألبتة
قال الشافعي رضي الله عنه يعني والله أعلم ثلاثا ولم نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقد فعله جمع من الصحابة وأفتى به آخرون اه
وكما لا يحرم جمعها لا يكره ولكن يسن الاقتصار على طلقتين في القرء لذات الأقراء وفي شهر لذات الأشهر ليتمكن من الرجعة أو التجديد إن ندم فإن لم يقتصر على ذلك فليفرق الطلقات على الأيام ويفرق على الحامل طلقة في الحال ويراجع وأخرى بعد النفاس والثالثة بعد الطهر من الحيض وقيل يطلقها في كل شهر طلقة
تنبيه أفهم كلام المصنف وقوع الثلاث عند جمعهن وعليه اقتصر الائمة وحكي عن الحجاج بن أرطأة وطائفة من الشيعة والظاهرية أنه لا يقع منها إلا واحدة واختاره من المتأخرين من لا يعبأ به فأفتى به واقتدى به من أضله الله تعالى واحتجوا بما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة ثم قال عمر إن الناس قد استعجلوا ما كانوا فيه على أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم
وعلى تقدير صحة هذا الحديث أجيب عنه بجوابين أحدهما وهو محكي عن أبي ذرعة الرازي أن معناه أن الطلاق المعتاد في الزمن الأول كان طلقة واحدة وصار الناس في زمن عمر رضي الله عنه يوقعون الثلاث دفعة واحدة فنفذه عليهم فيكون إخبارا عن اختلاف عادة الناس لا عن تغير حكم في مسألة واحدة ومعناه كان الطلاق الثلاث الذي يوقعونه الآن دفعة إنما كان في الزمن الأول يوقعونه واحدة فقط واعتمد هذا الشيخ علاء الدين النجاري الحنفي وقال إن النص مشير إلى هذا من لفظ الاستعجال يعني أنه كان للناس أناة أي مهلة في الطلاق فلا يوقعون إلا واحدة واحدة فاستعجل الناس وصاروا يوقعون الثلاث دفعة واحدة وإلا إذا كان معنى الحديث أن إيقاع الثلاث دفعة واحدة كان في الزمن الأول إنما يقع واحدة واحدة وهكذا في الزمن الثاني قبل التنفيذ فما الذي استعجلوه
الجواب الثاني أنه محمول على من فرق اللفظ فقال أنت طالق أنت طالق أنت طالق فكانوا أولا يصدقون في إرادة التأكيد لقلة الخيانة فيهم فلما كان زمن عمر رضي الله عنه ورأى تغير الأحوال لم يقبل إرادة التأكيد وأمضاه على الاستئناف
قال المصنف في شرح مسلم وهذا أصح الأجوبة وقال السبكي إنه أحسن محامل الحديث اه
ولا فرق في وقوع الثلاث بين أن يكون ذلك منجزا أو معلقا وقد وجدت صفته حلفا كان أو غير حلف قال السبكي وابتدع بعض
____________________
(3/311)
الناس في زماننا فقال إن كان التعليق على وجه اليمين لا يقع به الطلاق وتجب به كفارة يمين وهذه بدعة في الإسلام لم يقلها أحد منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا
قال الزركشي واللام في الطلقات للعهد الشرعي وهي الثلاث فلو طلق أربعا قال الروياني عزر وظاهر كلام ابن الرفعة أنه يأثم اه
وهذا ليس بظاهر لأن الزيادة ملغاة فلا يترتب عليه بالتلفظ بها شيء
( ولو قال ) لزوجته ( أنت طالق ثلاثا ) واقتصر عليه ( أو ثلاثا للسنة وفسر ) الثلاث في الصورتين ( بتفريقها على أقراء لم يقبل ) ظاهرا على الصحيح المنصوص لأن دعواه تقتضي تأخير الطلاق ويقتضي لفظة تنجيزه في الأولى مطلقا وفي الثانية إن كانت المرأة طاهرة وحين تطهر إن كانت حائضا ولا سنة في التفريق
( إلا ممن يعتقد تحريم الجمع ) للثلاث دفعة كالمالكي فيقبل ظاهرا لأن الظاهر من حاله أن لا يقصد ارتكاب محظور في معتقده
تنبيه قضية كلام المصنف عود الاستثناء إلى الصورتين وهو كذلك وإن كان ما ذكره المتولي وتبعه المحرر إنما هو في الثانية فقط
( والأصح ) على عدم القبول ( أنه يدين ) فيما نواه لأنه لو وصل اللفظ بما يدعيه لانتظم فيعمل به في الباطن إن كان صادقا بأن يراجعها وحينئذ يجوز له وطؤها ولها تمكينه إن ظنت صدقه فإن ظنت كذبه لم تمكنه
وفي ذلك قال الشافعي رضي الله عنه له الطلب وعليها الهرب وإن استوى عندها الطرفان فإن كره لها تمكينه وإذا صدقته ورآهما الحاكم مجتمعين فرق بينهما في أحد وجهين رجحه في الكفاية
والتدين لغة أن يكله إلى دينه وقال الأصحاب هو أن لا تطلق فيما بينه وبين الله إن كان صادقا إلا على الوجه الذي نواه غير أنا لا نصدقه في الظاهر
والوجه الثاني لا يدين لأن اللفظ بمجرده لا يحتمل المراد والنية إنما تعمل فيما يحتمله اللفظ
( ويدين ) أيضا على الأصح ( من قال ) لزوجته ( أنت طالق وقال أردت إن دخلت ) الدار ( أو إن شاء زيد ) طلاقك لأنه لو صرح به لانتظم
تنبيه قد يوهم كلامه أن قوله أردت إن شاء الله أنه كذلك والصحيح أنه لا يدين
قال الرافعي وفرقوا بينه وبين غيره من التعليقات أن التعليق بمشيئة الله تعالى يرفع حكم اليمين جملة فلا بد فيه من اللفظ بخلاف التعليق بالدخول وبمشيئة زيد فإنه لا يرفعه بل يخصصه بحال دون حال فأثرت فيه النية وشبهوه بالفسخ لما كان رافعا للحكم لم يجز إلا باللفظ والتخصيص يجوز بالقياس كما يجوز باللفظ
تنبيه إنما ينفعه قصد هذا الاستثناء باطنا إذا عزم عليه قبل التلفظ بالطلاق فإن حدثت له النية بعد الفراغ من الكلمة فلا حكم لها فإن أحدثها في أثناء الكلمة فوجهان كما في نية الكناية وحدها نقلاه في الباب الأول عن المتولي وأقراه ومر في الكناية أنه يكفي
( ولو ) أتى الزوج بلفظ عام وأراد بعض أفراده كأن ( قال نسائي طوالق أو ) قال ( كل امرأة لي طالق وقال أردت بعضهن ) بالنية كفلانة وفلانة دون فلانة ( فالصحيح ) وعبر في الروضة بالأصح ( أنه لا يقبل ) منه ذلك ( ظاهرا ) لأن اللفظ عام متناول لجميعهن فلا يمكن من صرف مقتضاه بالنية ( إلا بالقرينة ) تشعر بإرادة الاستثناء ( بأن ) أي كأن ( خاصمته ) زوجته ( وقالت ) له ( تزوجت ) علي ( فقال ) لها منكرا لذلك ( كل امرأة لي طالق ) أو نسائي طوالق ( وقال أردت غير المخاصمة ) لي فيقبل في ذلك للقرينة الدالة على صدقه
والثاني يقبل مطلقا لأن استعمال العام في بعض أفراده شائع
والثالث لا يقبل مطلقا ونقلاه عن الأكثرين وحينئذ فما رجحاه هنا مخالف لما التزمه الرافعي من تصحيح ما عليه الأكثر ولا يحسن تعبيره بالصحيح
____________________
(3/312)
وهذا التفصيل يجري في كل موضع قلنا إنه يدين فيه كما صرحوا به فيما إذا قال طالقا من وثاقي إن كان حلها منه قبل وإلا فلا وفي الصور المذكورة آنفا
تنبيه أشعر قوله بعضهن بفرض المسألة فيمن له غير المخاصمة فلو لم يكن له غيرها طلقت كما بحثه بعضهم قياسا على ما لو قال كل امرأة لي طالق إلا عمرة ولا امرأة له غيرها فإنها تطلق كما في الروضة وأصلها عن فتاوى القفال وأقراه بخلاف قوله النساء طوالق إلا عمرة ولا امرأة له غيرها والفرق أنه في هذه الصور لم يضف النساء لنفسه
فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه ( قال أنت طالق في شهر كذا أو في غرته ) أو رأسه ( أو أوله ) أو دخوله أو مجيئه أو ابتدائه أو استقباله أو أول آخر أوله ( وقع ) الطلاق ( بأول جزء ) من الليلة الأولى ( منه ) أي معه لتحقق الاسم بأول جزء منه
ووجهه في شهر كذا أن المعنى إذا جاء شهر كذا ومجيئه يتحقق بمجيء أول جزء منه والاعتبار في دخوله ببلد التعليق فلو علق ببلده وانتقل إلى أخرى ورأى فيها الهلال وتبين أنه لم ير في تلك لم يقع الطلاق بذلك قاله الزركشي وظاهره كما قال شيخنا أن محله إذا اختلفت المطالع
تنبيه لو رأى الهلال قبل غروب الشمس لم تطلق إلا بعد غروبها لأنه لليلة المستقبلة
( أو ) أنت طالق ( في نهاره ) أي شهر كذا ( أو أول يوم منه ) أي شهر كذا ( فبفجر أول يوم ) منه تطلق إذ الفجر أول النهار وأول اليوم كما حكي عن أئمة اللغة فإن أراد وسط الشهر أو آخره وقد قال أنت طالق في شهر كذا أو أراد من الأيام أحد الثلاثة الأول منه وقد قال أنت طالق غرته دين لاحتمال ما قاله فيهما ولأن الثلاثة الأول غرر في الثانية ولا يقبل ظاهرا
فإن قال أردت بغرته أو برأسه النصف مثلا لم يدين لأن غرة الشهر لا تطلق على غير الثلاثة الأول ورأسه لا تطلق على غير أول ليلة منه
وإن قال أنت طالق في رمضان مثلا وهو فيه طلقت في الحال وإن قال وهو فيه إذا جاء رمضان فتطلق في أول رمضان القابل إذ التعليق إنما يكون على مستقبل
( أو ) أنت طالق في ( آخره ) أي شهر كذا أو سلخه ( فبآخر جزء من الشهر ) تطلق في الأصح
( وقيل ) تطلق ( بأول النصف الآخر ) منه إذ كله آخر الشهر فيقع بأوله
ورد بسبق الأول إلى الفهم
فروع لو علق بآخر أول آخره طلقت أيضا بآخر جزء منه لأن آخره اليوم الأخير وأوله طلوع الفجر فآخر أوله الغروب وهو الجزء الأخير هذا ما قاله الشيخان وهو المعتمد إن قال شيخنا الأوجه أنها تطلق قبل زوال اليوم الأخير لأنه آخر أوله ووقت الغروب إنما هو آخر اليوم لا آخر أوله
وإن علق بأول آخره طلقت بأول اليوم الأخير منه لأنه أول آخره
ولو علق بآخر أوله طلقت بآخر اليوم الأول منه لأنه آخر أوله وقيل تطلق بآخر الليلة الأولى منه لأنها أوله بالحقيقة
ولو علق بانتصاف الشهر طلقت بغروب شمس الخامس عشر وإن نقص الشهر لأنه المفهوم من ذلك
ولو علق بنصف نصفه الأول طلقت بطلوع فجر الثامن لأن نصف نصفه سبع ليال ونصف وسبعة أيام ونصف والليل سابق النهار فيقابل نصف ليلة بنصف يوم وتجعل ثمان ليال وسبعة أيام نصفا وسبع ليال وثمانية أيام نصفا
ولو علق بنصف يوم كذا طلقت عند زواله لأنه المفهوم منه وإن كان اليوم يحسب من طلوع الفجر شرعا ونصفه الأول أطول
ولو علق بما بين الليل والنهار طلقت بالغروب إن علق نهارا وإلا فبالفجر إذ كل منهما عبارة عن مجموع جزء من الليل وجزء من النهار إذ لا فاصل بين الزمانين وإن قال البلقيني الأقيس أن يقع الطلاق في الحال كما لو قال أنت طالق لا في زمن
( ولو قال ليلا ) أي فيه ( إذا مضى يوم ) بالتنكير فأنت طالق ( فبغروب شمس غده ) تطلق إذ يتحقق به مضي اليوم ( أو ) قاله ( نهارا ) أي فيه ( ففي مثل وقته من غده ) تطلق لأن اليوم حقيقة في جميعه متواصلا كان أو متفرقا فإن فرض انطباق التعليق على أول النهار وقع بغروب شمسه وهذا كما قال الأذرعي إذا تم
____________________
(3/313)
التعليق واستعقبه أول النهار أما لو ابتدأه أول النهار فقد مضى جزء قبل تمامه فلا يقع بغروب شمسه
( أو ) قال إذا مضى ( اليوم ) بالتعريف فأنت طالق ( فإن قالها نهارا فبغروب شمسه ) تطلق وإن قل زمن الباقي منه لأنه عرفه بلام العهد فانصرف إلى اليوم الحاضر
( وإلا ) بأن قاله ليلا ( لغا ) أي لا يقع به شيء إذ لا نهار حتى يحمل على المعهود قال المتولي ولا يمكن الحمل على الجنس إذ لا يتصور بقاء الزوجين حتى تنقضي أيام الدنيا فكانت صفة مستحيلة
تنبيه قد علم مما تقرر أن صورة مسألة الكتاب أن يقول إذا مضى اليوم فأنت طالق برفع اليوم أما إذا قال أنت طالق اليوم بالنصب أو بغيره أو النهار أو الشهر أو السنة فإنها تطلق في الحال ليلا كان أو نهارا لأنه أوقعه وسمى الزمان بغير اسمه فلغت التسمية
( وبه ) أي اليوم ( يقاس شهر وسنة ) والشهر والسنة فإذا قال ليلا أو نهارا في غير الأخير من الشهر إذا مضى شهر فأنت طالق طلقت بمضي ثلاثين يوما ومن ليلة الحادي والثلاثين أو يومه بقدر ما سبق التعليق من ليلته أو يومه فإن علق في اليوم الأخير أو الليلة الأخيرة من الشهر كفى بعده شهر هلالي كما تقدم في السلم وإذا قال في أثناء الشهر إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت بمضي أحد عشر شهرا بالأهلة مع إكمال الأول من الثالث عشر ثلاثين يوما فإذا أراد بقية الشهر أو السنة فقد غلظ على نفسه
وإن قال إذا مضى الشهر أو قال السنة فأنت طالق طلقت بمضي بقية ذلك الشهر أو تلك السنة والمعتبر السنة العربية
فإن قال أردت غيرها أو أردت بالسنة معرفة سنة كاملة لم يقبل منه ظاهرا لتهمة التأخير ويدين لاحتمال ما قاله الأذرعي
نعم لو كان ببلاد الروم أو الفرس فينبغي قبول قوله قال ولو علق بمضي شهور أو الشهور فبمضي ما بقي من السنة على الأصح عند القاضي وبمضي إثني عشر شهرا عند الجيلي ثم نقل عن الجيلي أنه لو علق بمضي ساعات طلقت بمضي ثلاث ساعات أو الساعات فبمضي أربعة وعشرين ساعة لأنها جملة ساعات اليوم والليلة اه
وكلام الجيلي أوجه
تنبيه لو شك بعد مضي مدة من التعليق هل تم العدد أو لا عمل باليقين وحل له الوطء حال التردد لأن الأصل عدم مضي العدد والطلاق لا يقع بالشك
ولو علق الطلاق بمستحيل عرفا كصعود السماء والطيران وإحياء الموتى إذا أراد به المعنى المراد في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام { وأحيي الموتى بإذن الله } أو عقلا كإحياء الموتى على غير ما تقدم والجمع بين الضدين أو شرعا كنسخ رمضان لم تطلق لأنه لم ينجز الطلاق وإنما علقه على صفة ولم توجد واليمين فيما ذكر منعقدة حتى يحنث بها المعلق على الحلف
ولا يخالف هذا ما قالوه في الأيمان من أنه لو حلف بالله لا يصعد السماء لم ينعقد يمينه لأن عدم انعقادها ثم ليس لتعلقها بالمستحيل بل لأن امتناع الحنث لا يخل بتعظيم اسم الله تعالى ولهذا ينعقد فيما لو حلف ليقتلن فلانا وهو ميت مع تعلقها بمستحيل بل لأن امتناع البر يهتك حرمة الاسم فيحوج إلى التكفير
( أو ) قال ( أنت طالق أمس ) أو الشهر الماضي أو السنة الماضية ( وقصد أن يقع في الحال مستندا إليه وقع في الحال ) على الصحيح ولغا قصد الاستناد إلى أمس لاستحالته
ومثله ما لو قصد إيقاعه أمس أو قال لم أرد شيئا أو تعذر الرجوع إليه بموت أو جنون أو خرس ولا إشارة له مفهمة لكن في صورة قصد إيقاعه أمس يقع في الحال على المذهب المنصوص
( وقيل لغو ) لا يقع به شيء لأنه إنما أوقع طلاقا مستندا فإذا لم يكن استناده وجب أن لا يقع
( أو ) أي ولو لم يقصد الزوج إنشاء طلاق لا حالا ولا ماضيا بل ( قصد ) الإخبار بالطلاق وهو ( أنه طلق أمس ) في هذا النكاح ( وهي الآن معتدة ) من طلاق بائن أو رجعي ( صدق بيمينه ) في ذلك لقرينة الإضافة إلى أمس وتحسب عدتها من الوقت الذي ذكره إن صدقته وإلا بأن كذبته أو قالت لا علم لي كما في الكافي حين الإقرار ( أو ) قصد بما ( قال طلقت ) هذه ( في نكاح آخر ) غير نكاحي هذا وبانت مني ثم جددت نكاحها أو طلقها زوج آخر في نكاح سابق ( فإن عرف ) نكاح سابق وطلاق فيه ببينة أو غيرها ( صدق بيمينه )
____________________
(3/314)
في إرادة ذلك للقرينة
نعم إن صدقته فلا يمين ( وإلا ) أي وإن لم يعرف له ما ذكر ( فلا ) يصدق ويقع في الحال كما في المحرر والشرح الصغير لبعد دعواه
تنبيه نقل في الشرح الصغير عن الإمام ينبغي أن يقبل فيما قاله باحتماله واقتصر في الكبير على بحث الإمام من غير عزو إليه وتبعه في الروضة
والصواب ما في الكتاب وهو ما حكاه الإمام عن الأصحاب
ثم قال وفي القلب منه شيء فذكر هذا البحث
وممن صرح مما في الكتاب القاضي الحسين والبغوي والمتولي والروياني وقد وقع في بعض نسخ الشرح الكبير على الصواب كما ذكره الأذرعي
فروع لو قال أنت طالق قبل أن تخلقي قال الصيمري طلقت إذا لم يكن له إرادة
ولو قال نهارا أنت طالق غد أمس أو أمس غد بالإضافة وقع الطلاق في الحال لأن غد أمس وأمس غد هو اليوم فإن قاله ليلا وقع غدا في الأولى وحالا في الثانية
ولو قال أنت طالق غدا أو غدا أمس بغير إضافة لغا ذكر أمس ووقع الطلاق في الغد لأنه علقه بالغد وبأمس ولا يمكن الوقوع فيهما ولا الوقوع في أمس فيتعين الوقوع في الغد لإمكانه
ولو قال أنت طالق اليوم غدا وقع طلقة فقط في الحال ولا يقع شيء في الغد لأن المطلقة اليوم طالق غدا ويحتمل أنه لم يرد إلا ذلك
ولو أراد بذلك نصفها اليوم ونصفها الآخر غدا وقع أيضا طلقة فقط في الحال لأن ما أخره تعجل فإن أراد نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا وقع طلقتان إلا أن تبين بالأولى
ولو قال أنت طالق غدا اليوم طلقت طلقة غدا فقط ولا تطلق في اليوم لأن الطلاق تعلق بالغد وذكره اليوم بعده لتعديل الطلاق بالمعلق وهو لا يتعجل
ولو قال أنت طالق في اليوم وفي غد أو في الليل وفي النهار وقع في كل طلقتان في الأولى في اليومين وطلقتان في الثانية واحدة بالليل وأخرى بالنهار قال المتولي لأن المظروف يتعدد بتعدد الظرف
قال الرافعي وليس الدليل بواضح فقد يتحد المظروف ويختلف الظرف اه
والأولى كما قال شيخنا تعليل ذلك بإعادة العامل بخلاف ما لو قال أنت طالق اليوم وغدا أو بالليل والنهار فإنه يقع في كل طلقة فقط لعدم إعادة العامل
ولو قال أنت طالق اليوم أو غدا طلقت في الغد فقط لأنه اليقين أو أنت طالق غدا أو بعد غد أو أنت طالق إذا جاء الغد أو بعد غد طلقت فيما ذكر بعد الغد لا في الغد لما ذكر أو قال أنت طالق يوما ويوما لا ولم ينو شيئا طلقت واحدة فقط فإن نوى طلقة تقع في يوم لا في تاليه وهكذا ثلاث مرات وقع ثلاث في ثلاثة أيام متفاصلة وقال أنت طالق اليوم إذا جاء الغد أو أنت طالق الساعة إن دخلت الدار لم تطلق وإن وجدت الصفة لأنه علة بوجودها فلا يقع قبله وإذا وجدت فقد مضى الوقت الذي جعله محلا للإيقاع
ولو قال أنت طالق قبل موتي أو في حياتي طلقت في الحال قال في الروضة فإن ضم القاف فتح الباء من قبل أو قال قبيل بالتصغير طلقت قبيل الموت
قال الإسنوي وما ذكره من فتح باء قبل غلط لم يذكره أحد وإنما فيه ضم الباء وإسكانها
ورد عليه ابن العماد بما فيه نظر
ولو قال أنت طالق بعد قبل موتي طلقت في الحال لأنه بعد قبل موته أو أنت طالق قبل ما بعده رمضان وأراد بما بعده الشهر طلقت آخر جزء من رجب وإن أراد به اليوم فقبيل فجر يوم الثلاثين من شعبان إن كان تاما وإن أراد به اليوم بليلته فقبيل ليلة الثلاثين منه إن كان تاما
أو أنت طالق بعد ما قبله رمضان وأراد بما قبله الشهر طلقت بمستهل ذي القعدة وإن أراد به اليوم بالليلة بعده ففي أول اليوم الثاني من شوال فإن لم يرد الليلة فالقياس أنها تطلق بغروب شمس أول شوال
ولو علق بالطلاق أفضل الأوقات طلقت ليلة القدر وقضية ما مر في الصوم أنها تطلق أول آخر ليلة من العشر الأخير أو بأفضل الأيام طلقت يوم عرفة أو بأفضل أيام الأسبوع طلقت يوم الجمعة إن لم يكن فيه يوم عرفة أو بأفضل الشهور طلقت في شهر رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم سيد الشهور رمضان
ثم شرع المصنف في ذكر أدوات التعليق ويبان حكمها إثباتا ونفيا فقال ( وأدوات التعليق ) وذكر منها سبعة وهي ( من ) بفتح الميم ( كمن دخلت ) من نسائي الدار فهي طالق
( وإن ) وهي أم الباب وكان ينبغي تقديمها نحو إن دخلت الدار فأنت طالق
( وإذا ومتى
____________________
(3/315)
ومتى ما ) بزيادة ما
( وكلما ) دخلت الدار واحدة من نسائي فهي طالق
( وأي كأي وقت دخلت ) الدار فأنت طالق
ويضاف لهذه السبعة عشر أدوات أخرى وهي إذ ما على رأي سيبويه
و مهما وهي بمعنى ما و ما الشرطية
و إذا ما
و أياما كلمة
و أيان
و هي كمتى في تعميم الأزمان وأين وحيثما لتعميم الأمكنة وكيفما للتعليق على الأحوال
تنبيه في فتاوى الغزالي أن التعليق يكون ب لا في بلد عم العرف فيها كقول أهل بغداد أنت طالق لا دخلت الدار ويكون التعليق أيضا ب لو كأنت طالق لو دخلت الدار كما قاله الماوردي
( و ) هذه الأدوات ( لا يقتضين ) بالوضع ( فورا ) في المعلق عليه ولا تراخيا ( إن علق بإثبات ) أي بمثبت كالدخول فيما ذكر ( في غير خلع ) أما فيه فإنها تفيد الفورية في بعض صيغة ك إن و إذا كإن ضمنت أو إذا ضمنت لي مالا فأنت طالق كما تقدم في الخلع بخلاف متى و متى ما و أي فلا يقتضين فورا
وليس اقتضاء الفورية فيه من وضع الصيغة بل إن المعاوضة تقتضي ذلك لأن القبول لا بد أن يكون غير متراخ عن الإيجاب
ثم استثنى من اقتضاء الأدوات الفورية ما تضمنه قوله ( إلا ) في التعليق بالمشيئة نحو ( أنت طالق إن ) أو إذا ( شئت ) فإنه يعتبر الفور في المشيئة لأنه تمليك على الصحيح بخلاف متى شئت
واحترز بقوله علق بإثبات عما إذا علق بنفي وسيذكره
( و ) الأدوات المذكورة ( لا ) تقتضي أيضا بالوضع ( تكرارا ) في المعلق عليه بل إذا وجد مرة واحدة في غير نسيان ولا إكراه انحلت اليمين ولم تؤثر وجودها ثانيا لأن إن تدل على مجرد الفعل الذي بعدها وكذا أسماء الشروط
تنبيه شمل إطلاق المصنف ما لو قيد بالأبد كقوله إذا خرجت أبد الآبدين فأنت طالق وبه صرح الرافعي في كتاب الأيمان وقال لم يلزمه التكرار أيضا بل معناه في أي وقت
( إلا ) في ( كلما ) فإن التعليق بها يقتضي التكرار في المعلق عليه بالوضع والاستعمال وسيأتي التعليق بالنفي
ثم أشار المصنف إلى قاعدة أن تعليق الطلاق مع وجود الصفة تطليق جزما كالتنجيز وإيقاع في الأصح ( و ) ذلك كما ( لو قال ) لمدخول بها يملك عليها أكثر من طلقة كما يشير إليه قوله بعد فثلاث في ممسوسة ولو ذكر التقييد هنا ليفهم منه التقييد في الآتي لكان أولى
( إذا طلقتك ) أو أوقعت عليك طلاقي أو وقع من باب أولى ( فأنت طالق
ثم ) بعد هذا التعليق ( طلق ) أي نجز طلاقها بنفسه كما جزم به الماوردي مجانا بصريح أو كناية مع نية ( أو علق ) طلاقها ( بصفة ) كإن دخلت الدار فأنت طالق ( فوجدت فطلقتان ) واحدة بتطليقها منجزا أو التعليق بصفة وجدت وأخرى بالتعليق به
فإن قال أردت أنها تصير مطلقة بتلك الطلقة لم يقبل ظاهرا ويدين لاحتمال ما قاله
فإن وكل في طلاقها فطلق وكيله لم تطلق إلا بطلقة الوكيل لأنه لم يطلقها هو
وإن خالعها أو كانت غير مدخول بها لم تقع الثانية لأنها قد بانت بالأولى وتنحل اليمين
ولو قال لها ملكتك طلاقك فطلقت نفسها فهل هو كطلاق الوكيل فلا يقع إلا طلقتها لأنه لم يطلقها بنفسه أو كطلاق نفسه فيقع الطلقة المعلقة أيضا رجح الماوردي الثاني واستشكل بالتعليل المتقدم
وأجيب بأن الوكيل يشترط فيه أهليته لما وكل فيه فكان مستقلا والمرأة لا أهلية فيها فكان المفوض هو المطلق
تنبيه أفهم قوله ثم طلق أو علق اشتراط تأخير التعليق فلو علق طلاقها أولا بصفه ثم قال إذا طلقتك فأنت طالق فوجدت الصفة فقط لم يقع الطلاق المعلق لأنه لم يحدث بعد تعليق طلاقها شيئا لأن وجود الصفة وقوع لا تطليق ولا إيقاع والتعليق مع وجود الصفة تطليق وإيقاع أما مجرد التعليق فليس بتطليق ولا إيقاع ولا وقوع
ثم أشار المصنف إلى التعليق بالوقوع لوجود الصفة فقط فإنه وقوع لا إيقاع كما مر بقوله ( أو كلما وقع ) عليك ( طلاق ) فأنت طالق ( فطلق ) بعد هذا التعليق طلقة ( فثلاث ) تقع ( في ممسوسة ) ومستدخلة ماءه المحترم حين وجود الصفة لاقتضاء كلما التكرار واحدة بالتنجيز وثنتان بالتعليق ب كلما واحدة بوقوع المنجز وأخرى بوقوع هذه الواحدة
( وفي غيرها )
____________________
(3/316)
أي غير الممسوسة ( طلقة ) لأنها تبين بالمنجزة فلا يقع المعلق بعدها
تنبيه خرج بقوله كلما وقع ما لو قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلق فثنتان فقط المنجزة وأخرى بحصول التعليق المعلق
والفرق بين الإيقاع والوقوع أن الأول يرجع للزوج والثاني للشرع لأن الزوج لو أراد تعجيل المعلق بصفة لم يملك ذلك لأنه يغير حكما ثابتا بالشرع
( ولو ) علق ب إن أو غيرها مما لا يقتضي التكرار كأن ( قال ) من له عبيد ( وتحته ) نسوة ( أربع إن ) أو متى أو مهما أو إذا ( طلقت واحدة ) منهن ( فعبد ) منهم ( حر وإن ) طلقت ( ثنتين ) منهن ( فعبدان ) منهم حران ( وإن ) طلقت ( ثلاثا ) منهن ( فثلاثة ) منهم أحرار ( وإن ) طلقت ( أربعا ) منهن ( فأربعة ) منهم أحرار ( فطلق أربعا معا أو مرتبا عتق عشرة ) منهم مبهمة وعليه تعيينهم لأنه بطلاق الأولى يعتق واحد وإثنان بطلاق الثانية وثلاثة بطلاق الثالثة وأربعة بطلاق الرابعة ومجموع ذلك عشرة
تنبيه أشعر تقريره المسألة بالعطف بالواو أنه قيد وهو كذلك فلو عطف الزوج ب ثم لم يضم الأول للثاني للفصل ب ثم فلا يعتق بطلاق الثانية والرابعة شيء لأنه لم يطلق بعد الأولى ثنتين ولا بعد الثالثة أربعا ويعتق بطلاق الثالثة إثنان فمجموع العتقاء ثلاثة ذكر ذلك الإسنوى ثم قال ويتجه أن تكون الفاء ك ثم
وظاهر كما قال شيخنا أن ما قاله فيهما إنما يأتي في طلاقهن مرتبا فلو طلقهن معا عتق عبد واحد
( ولو علق بكلما ) كقول من له عبيد وتحته نسوة كلما طلقت واحدة من نسائي الأربع فعبد من عبيدي حر وهكذا إلى آخر التعليقات الأربعة ثم طلق النسوة الأربع معا أو مرتبا ( فخمسة عشر ) عبدا يعتقون عليه ( على الصحيح ) لأنها تقتضي التكرار كما مر والقاعدة في ذلك أن ما عد مرة باعتبار لا يعتق أخرى بذلك الاعتبار فما عد في يمين الثانية ثانية لا يعد بعدها أخرى ثانية وما عد في يمين الثالثة ثالثة لا يعد بعدها ثالثة فيعد واحد بطلاق الأولى وثلاثة بطلاق الثانية لأنه صدق عليه طلاق واحدة وطلاق ثنتين وأربعة بطلاق الثالثة لأنه صدق عليه طلاق واحدة وطلاق ثلاث وسبعة بطلاق الرابعة لأنه صدق عليه طلاق واحدة وطلاق اثنتين غير الأوليين وطلاق أربع فالمجموع خمسة عشر
وإن شئت قلت إنما عتق خمسة عشر لأن فيها أربعة آحاد واثنتين مرتين وثلاثة وأربعة والثاني يعتق سبعة عشر لأن في طلاق الثالثة وراء الصفتين المذكورتين صفة أخرى وهي طلاق اثنتين بعد الأولى فيعتق عبدان آخران
والثالث يعتق عشرون سبعة عشر لما ذكر وثلاثة لأن في طلاق الرابعة صفة أخرى وراء الصفات الثلاث وهي طلاق ثلاث بعد الأولى
والرابع يعتق ثلاثة عشر
وسواء أتى ب كلما في التعليقات كلها أم في الثلاثة الأول أم في الأوليين إذ لا تكرار في الأخيرين وإنما صورها الأصحاب بالإتيان بها في الكل ليتأتى مجيء الأوجه كلها التي منها أنه يعتق عشرون لكن يكفي في ذلك الإتيان بها في الثلاثة الأول كما قاله ابن النقيب ولو أتى بها في الأول وحده أو مع الأخيرين عتق ثلاثة عشر أو في الثاني وحده أو مع الأخيرين فإثنا عشر
تنبيه تعيين العبيد المحكوم بعتقهم إليه قال الزركشي أطلقوا ذلك ويجب أن يعين ما يعتق بالواحدة وبالثنتين وبالثلاث وبالأربع فإن فائدة ذلك تظهر في الأكساب إذا طلق مرتبا لاسيما مع التباعد وكأنهم سكتوا عن ذلك لوضوحه
فرع لو قال كلما صليت ركعة فعبد من عبيدي حر وهكذا إلى العشرة فصلى عشرا عتق سبعة وثمانون عبدا وإن علق ب إن ونحوها فخمسة وخمسون وجميع أدوات التعلق بالنفي مقتضية للفور إلا في كلمة إن فللتراخي كما يشير إليه قوله ( ولو علق ) الطلاق ( بنفي فعل ) كدخول أو نفي تطليق أو ضرب أو غير ذلك ( فالمذهب أنه إن علق
____________________
(3/317)
بإن كإن لم تدخل ) الدار فأنت طالق ( وقع ) الطلاق ( عند اليأس من الدخول ) للدار وذلك بأن يموت أحدهما أو يجن الزوج جنونا متصلا بموته فيقع قبيل الموت أو الجنون بحيث لا يبقى زمن يمكنه أن يطلقها فيه لانتفاء التكليف بكل منهما وإنما لم يحصل اليأس بمجرد جنونه لاحتمال الإفاقة والتطليق بعدها وكالجنون والإغماء والخرس الذي لا كناية لصاحبه ولا إشارة مفهمة
قال الإسنوي والتعبير بقبيل غير محرر والصواب وقوعه إذا بقي ما لا يسع التطليق نبه عليه الماوردي والروياني
فإن فسخ النكاح أو انفسخ أو طلقها وكيله ومات أحد الزوجين قبل تجديد النكاح أو الرجعة أو بعده ولم يطلق تبين وقوعه قبيل الانفساخ إن كان الطلاق المعلق رجعيا إذ لا يمكن وقوعه قبيل الموت لفوات المحل بالانفساخ إن لم يجدد وعدم عود الحنث إن جدد ولم يطلق فتعين وقوعه قبل الانفساخ
فإن كان الطلاق بائنا لم يقع قبيل الانفساخ لأن البينونة تمنع الانفساخ فيقع الدور إذ لو وقع الطلاق لم يقع الانفساخ فلم يحصل اليأس فلم يقع الطلاق
فإن طلقها بعد تجديد النكاح أو علق بنفي فعل غير التطليق كالضرب فضربها وهو مجنون أو وهي مطلقة انحلت اليمين
أما في الأولى فلأن البر لا يختص بحال النكاح ولهذا تنحل اليمين بوجود الصفة حال البينونة
وأما الثاني فلأن ضرب المجنون في تحقق الصفة ونحوها كضرب العاقل والضرب حال البينونة ممكن بخلاف الطلاق
ومقتضى كلام الشيخين حينئذ عدم الوقوع وإن صرح في الوسيط بأنه يقع قبيل البينونة
( أو ) علق الطلاق ( بغيرها ) أي إن ك إذا ( فعند مضي زمن يمكن فيه ذلك للفعل ) المعلق عليه من وقت التعليق ولم يفعل وقع الطلاق هذا هو المنصوص في صورتي إن و إذا والفرق أن إن حرف شرط لا إشعار لها بالزمان و إذا ظرف زمان ك متى في التناول للأوقات بدليل أنه إذا قيل متى ألقاك صح أن يقول إذا أو متى شئت أو نحوهما ولا يصح إن شئت فقوله إن لم أطلقك معناه إن فاتني تطليقك وفواته باليأس وقوله إذا لم أطلقك معناه أي وقت فاتني فيه التطليق وفواته بمضي زمن يتأتى فيه التطليق ولم يطلق
والطريق الثاني في كل من الصورتين قولان بتخريج قول كل منهما إلى الأخرى
أما غير إن و إذا من الأدوات ك متى و متى ما فللفور قطعا كما يفهمه إطلاق المصنف فإن قال أردت بإذا معنى إن قبل باطنا وكذا ظاهرا لأن كلا منهما قد يقوم مقام الآخر وإن أراد ب إن معنى إذا قبل ظاهرا لأنه غلظ على نفسه وإن أراد بغير إن وقتا معينا قريبا أو بعيدا دين لاحتمال ما أراد
فإن قيل قد قلتم إنه إذا أراد ب إذا معنى إن أنه يقبل ظاهرا وهنا ليس كذلك
أجيب بأنه ثم أراد بلفظ معنى لفظ آخر بينهما اجتماع في الشرطية بخلافه هنا
فرع لو قال إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق فمضى اليوم ولم يطلقها طلقت قبيل الغروب لحصول اليأس حينئذ ولو قال إن تركت طلاقك أو إن سكت عنه فأنت طالق اشترط الفور فإن لم يطلقها في الحال طلقت لوجود الصفة بخلاف ما إذا نفاهما فقال إن لم أترك طلاقك أو إن لم أسكت عنه فأنت طالق فلا يقتضي الفور كما علم مما مر فإن طلق فورا واحدة ثم سكت انحلت يمين الترك فلا يقع أخرى لأنه لم يترك طلاقها ولا تنحل يمين السكوت فتقع أخرى لسكوته وانحلت يمينه
والفرق أنه علق في الأولى على الترك ولم يوجد وفي الثانية على السكوت وقد وجد إذ يصدق عليه أن يقال سكت عن طلاقها وإن لم يسكت أولا ولا يصح أن يقال ترك طلاقها إذا لم يتركه أولا
ولو كان التعليق المذكور بصيغة كلما فمضى قدر ما يسع ثلاث تطليقات متفرقات بلا تطليق طلقت ثلاثا إن لم تبن بالأولى وإلا فتطلق واحدة فقط
و حين أو حيث مهما أو كلما لم أطلقك كقوله إذا لم أطلقك فيما مر
( ولو قال أنت طالق ان دخلت ) الدار ( أو أن لم تدخلي ) بفتح همزة ( أن وقع في الحال ) دخلت أم لا لأن أن المفتوحة للتعليل لأن التقدير لأن دخلت وحذف اللام مع أن كثير قال تعالى { أن كان ذا مال وبنين }
قال الزركشي ومحل كونها للتعليل في غير التوقيت فإن كان فيه فلا كما لو قال أنت طالق أن دخلت السنة أو للبدعة لأن ذلك بمنزلة لأن جاءت
____________________
(3/318)
واللام في مثله للتوقيت كقوله أنت طالق للسنة أو للبدعة وهذا متعين وإن سكتوا عنه اه
وما قاله في لأن جاءت ممنوع قال شيخنا ولئن سلم فلهم أن يمنعوا ذلك في أن جاءت فإن المقدر ليس في قوة الملفوظ مطلقا
( قلت إلا في غير نحوي فتعليق في الأصح والله أعلم ) فلا تطلق حتى توجد الصفة لأن الظاهر قصده له وهو لا يميز بين الأدوات
والثاني يقع حالا لأن هذا مقتضى اللفظ فلا يغير بلا قصد
تنبيه لو قال أنت طالق إذ دخلت الدار طلقت في الحال لأن إذ للتعليل أيضا فإن كان القائل لا يميز بين إذ و إذا فيمكن أن يكون الحكم كما لو يميز بين إن و أن وهذا ما نقله صاحب الذخائر عن الشيخ أبي حامد الشيرازي وهو ظاهر
ولو قال أنت طالق أن شاء الله بالفتح أو إذ شاء الله أو ما شاء الله وقع في الحال طلقة واحدة لأن الأولين للتعليل والواحدة هي اليقين في الثالث وظاهره أنه لا فرق بين النحوي وغيره كما صرح في الروضة بتصحيحه هنا وجرى على ذلك ابن المقرى
فإن قيل كان ينبغي التسوية بين إن دخلت الدار وبين أن شاء الله بفتح همزة أن فيهما كما قيل به
أجيب بأن حمل إن شاء الله على التعليق يؤدي إلى رفع الطلاق أصلا بخلاف أن دخلت الدار وأيضا المشيئة لا يغلب فيها التعليق فعند الفتح تنصرف للتعليل مطلقا بخلاف الأول فإنه يغلب فيه التعليق فعند الفتح يفرق بين العالم بالعربية وغيره
ولو قال نحوي أنت طالق أن طلقتك بالفتح طلقت في الحال طلقتين إحداهما بإقراره والأخرى بإيقاعه في الحال لأن المعنى أنت طالق لأني طلقتك
ولو قال أنت طالق طالقا لم يقع عليه شيء حتى يطلقها فتطلق حينئذ طلقتين والتقدير إذا صرت مطلقة فأنت طالق
هذا إن لم تبن بالطلقة المنجزة وإلا فلا يقع غيرها
والأصح في الروضة كأصلها هنا في اعتراض الشرط على الشرط ك إن أكلت إن شربت فأنت طالق تأخر المتقدم منهما فلا تطلق في هذا المثال حتى يتقدم شربها على أكلها لأن الثاني قيد في الأول والمراد بتقدمه عدم تأخيره ومقابل الأصح رجحه في الروضة كأصلها في باب التدبير
فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما إذا ( علق ) الطلاق ( بحمل ) كقوله إن كنت حاملا فأنت طالق ( فإن كان ) بها ( حمل ظاهر وقع ) الطلاق في الحال لوجود الشرط
تنبيه المراد بظهور الحمل أن تدعيه الزوجة ويصدقها الزوج على ذلك أو يشهد به رجلان بناء على أن الحمل يعلم لا بقول أربع نسوة لأن الطلاق لا يقع بذلك كما لو شهدن بولادة امرأة فإنه يثبت النسب ولا يقع الطلاق المعلق على الولادة بقولهن نبه على ذلك الولي العراقي
( وإلا ) أي وإن لم يكن لها حمل ظاهر لم يقع حالا وينظر حينئذ
( فإن ولدت ) ولدا كاملا ( لدون ستة أشهر من ) حين ( التعليق بأن وقوعه ) حينئذ لوجود الحمل حين التعليق إذ لا يمكن أن يمكن أن يأتي به كاملا لأقل من ذلك
أما إذا ألقت لدونها علقة أو مضغة يمكن حدوثها بعد التعليق فلا يقع عليه شيء
( أو ) ولدت ( لأكثر من أربع سنين ) من التعليق ( أو بينهما ) أي الستة أشهر والأربع سنين ( ووطئت ) بعد التعليق ( وأمكن حدوثه ) أي الحمل ( به ) أي الوطء بأن كان بين الوطء والوضع ستة أشهر فأكثر ( فلا ) يقع بالتعليق طلاق للعلم بعلوم وجوده عند التعليق في الصورة الأولى لأن الحمل لا يكون أكثر من أربع سنين ولجواز حدوثه في الصورة الثانية من الوطء استصحاب أصل دوام النكاح
ولا فرق في الصورة الأولى بين أن يطأ أم لا
والتمتع بالوطء وغيره فيهما جائز لأن الأصل عدم الحمل وبقاء النكاح لكن يسن له اجتنابها حتى يستبرئها احتياطا فلو وطئها قبل الاستبراء أو بعده وبانت حاملا كان شبهة والاستبراء هنا كما في الأمة فيكون بحيضة أو بشهر وقيل التعليق كاف لأن المقصود معرفة حالها في الحمل
( وإلا ) بأن لم توطأ أصلا بعد التعليق أو وطئت بعده من زوج أو شبهة أو زنا ولم يمكن حدوث حمل من ذلك الوطء بأن كان بينه وبين الوضع دون ستة أشهر ( فالأصح
____________________
(3/319)
وقوعه ) لتبين الحمل ظاهرا ولهذا حكم بثبوت النسب
والثاني لا يقع لاحتمال حدوث الحمل بعد التعليق باستدخالها منيه والأصل بقاء النكاح
تنبيه لو لم يظهر حمل ولكن ادعته المرأة وصدقها الزوج ففي فتاوى القفال يقع في الحال
ولو قال إن كنت حائلا أو إن لم تكوني حاملا فأنت طالق وهي ممن تحبل حرم وطؤها قبل الاستبراء لأن الأصل والغالب في النساء الحيال والفراغ من الاستبراء موجب للحكم بالطلاق لظاهر الحال فتحسب الحيضة أو الشهر من العدة التي وجبت بالطلاق فتتمها ولا يحسب منها الاستبراء قبل التعليق لتقدمه على موجبها فإن ولدت ولو بعد الاستبراء لم تطلق إن ولدت لدون ستة أشهر أو لدون أربع سنين ولم توطأ لتبين أنها كانت حاملا عند التعليق لا إن وطئت وطئا يمكن كونه منه لأن الظاهر حيالها حينئذ وحدوث الولد من هذا الوطء ولا إن ولدت لأربع سنين فأكثر من التعليق لتحقق الحيال عنده فإن وطئها قبل الاستبراء أو بعده وبانت المطلقة منه لزمه المهر لا الحد للشبهة
أما إذا لم تكن ممن تحبل كأن كانت صغيرة وآيسة فتطلق في الحال
ولو قال إن أحبلتك فأنت طالق فالتعليق بما يحدث من الحمل فلو كانت حاملا لم تطلق بل يتوقف طلاقها على حمل حادث فإن وضعت أو كانت حائلا لم يمنع من الوطء وكلما وطىء وجب استبراؤها
فإن قيل تقدم قريبا أنه لا يجب استبراؤها بل يسن
أجيب بأن ما تقدم فيما إذا كان قبل الوطء وهذا فيما بعده
( وإن قال إن كنت حاملا بذكر ) أو إن كان في بطنك ذكر ( فطلقة ) بالنصب أي فأنت طالق طلقة ( أو أنثى فطلقتين فولدتهما ) معا أو مرتبا وكان بينهما دون ستة أشهر ( وقع ثلاث ) لتحقق الصفتين وإن ولدت أحدهما وقع المعلق به وإن ولدت خنثى وقع طلقة في الحال لأنها محققة وتوقف الثانية إلى بيان حاله وتنقضي العدة في جميع هذه الصور بالولادة ويكون الوقوع من اللفظ
وإن ولدت أنثى وخنثى فطلقتان وتوقف الثالثة حتى يتبين حال الخنثى وتنقضي العدة بالولادة لوقوع الطلاق من حين اللفظ كما مر
تنبيه ما ذكر من التعليق يقتضي أنها إذا ولدت لدون ستة أشهر وكان الحمل حين الحلف علقة أو مضغة أنه يقع الطلاق مع كون الحمل إذ ذاك لا يوصف بكونه ذكرا ولا أنثى
قال في المطلب فإن تخيل في الجواب عنه أن الله تعالى أجرى عليه حكم الذكر والأنثى في قوله { يوصيكم الله في أولادكم } فاليمين لا ينزل على ذلك كما ذكروه في الأيمان
وقال الزركشي قد يقال إنه ذكرا أو أنثى من حين وقوع النطفة في الرحم وبالتخطيط ظهر ذلك اه
و أو في كلام المصنف هنا وفيما بعد بمعنى الواو ولو عبر بها كان أولى لأن الكلام في الجمع بين تعليقين
( أو ) قال ( إن كان حملك ) أو ما في بطنك ( ذكرا فطلقة ) أي فأنت طالق طلقة ( أو أنثى فطلقتين فولدتهما لم يقع شيء ) لأن قضية اللفظ كون جميع الحمل ذكرا أو أنثى ولم يوجد فلو ولدت ذكرين أو أنثيين فكذكر أو أنثى ليقع بالذكر طلقة بالأنثى طلقتان لأن معنى ذلك إن كان حملك أو ما في بطنك من هذا الجنس
وإن ولدت خنثى وذكرا وقف الحكم فإن بان الخنثى ذكرا فواحدة أو أنثى لم يقع شيء
وإن ولدت خنثى وأنثى وقف الحق كما مر فإن بان الخنثى أنثى فطلقتان أو ذكرا لم يقع شيء
( أو ) قال ( إن ولدت فأنت طالق ) طلقت بانفصال ما تم تصويره ولو ميتا وسقطا بخلاف ما لم يتم فإن مات أحد الزوجين قبل خروجه ولو بعد خروج بعضه لم يطلق لأن الولادة لم توجد حال الزوجية وإذا كان التعليق بالولادة ( فولدت اثنين مرتبا طلقت بالأول ) منهما لوجود الصفة ( وانقضت عدتها بالثاني ) إن لحق الزوج ولا يقع به طلاق سواء أكان من حمل الأول بأن كان بين وضعهما دون ستة أشهر أم من حمل آخر بأن وطئها بعد ولادة الأول وأتت بالثاني لأربع سنين فأقل
وخرج ب مرتبا ما لو ولدتهما معا فإنها وإن طلقت واحدة لا تنقضي العدة بهما ولا بواحد منهما بل تشرع في العدة من وضعهما
____________________
(3/320)
فرع لو قال إن ولدت ذكرا فطلقة أو أنثى فثنتان فولدتهما معا فثلاث وإن ولدت ذكرين فواحدة أو قال إن ولدت فطلقة وإن ولدت ذكرا فطلقتين فولدت ذكرا فثلاث أو خنثى فواحدة فإن اتضح حكم بمقتضاه
( وإن قال كلما ولدت ) ولدا فأنت طالق ( فولدت ثلاثة من حمل ) مرتبا
( وقع بالأولين طلقتان ) لاقتضاء كلما التكرار ( وانقضت ) عدتها ( بالثالث ) لتبين براءة الرحم
( ولا يقع به ثالثة على الصحيح ) المنصوص إذ به يتم انفصال الحمل الذي تنقضي به العدة فلا يقارنه طلاق ولهذا لو قال أنت طالق مع موتي لم يقع إذا مات لأنه وقت انتهاء النكاح أو قال لغيره موطوءة إذا طلقتك فأنت طالق فطلق لم يقع أخرى لمصادفتها البينونة
والثاني يقع به طلقة ثالثة وتعتد بعده بالأقراء
أما إذا ولدتهم معا فإنها تطلق ثلاثا إن نوى ولدا وإلا فواحدة كما قاله شيخنا في شرح منهجه وتعتد بالأقراء
فإن ولدت أربعا مرتبا وقع ثلاثا بولادة ثلاث وتنقضي عدتها بالرابع أو ولدت اثنين وقع طلقة وتنقضي عدتها بالثاني ولا يقع به ثانية لما مر
( ولو قال لأربع ) حوامل منه ( كلما ولدت واحدة ) منكن أو أيتكن ولدت ( فصواحبها طوالق فولدن معا طلقن ) أي وقع الطلاق على كل واحدة واحدة ( ثلاثا ثلاثا ) لأن لكل واحدة منهن ثلاث صواحب فيقع بولادتها على كل من الثلاث طلقة ولا يقع بها على نفسها شيء وعدتهن جميعا بالأقراء أو الأشهر
وصواحب جمع صاحبة كضوارب جمع ضاربة
تنبيه تصويره ب كلما تبع فيه المحرر والروضة
وهو يوهم اشتراط أداة التكرار
قال ابن النقيب وليس كذلك فإن التعليق ب إن كذلك فلو مثل بها كان أحسن
وقوله ثلاثا الثاني دافع لاحتمال إرادة طلاق المجموع ثلاثا
( أو ) ولدن ( مرتبا ) بحيث لا تنقضي عدة واحدة بأقرائها قبل ولادة الأخرى ( طلقت الرابعة ثلاثا ) بولادة كل من صواحبها الثلاث طلقة إن بقيت عدتها وانقضت بولادتها
( وكذا الأولى ) تطلق أيضا ثلاثا بولادة كل من صواحبها الثلاث طلقة ( إن بقيت عدتها ) لا عند ولادة الرابعة وتعتد بالأقراء أو الأشهر ولا تستأنف عدة الطلقة الثانية والثالثة بل تبني على ما مضى من عدتها
( و ) طلقت ( الثانية طلقة ) بولادة الأولى ( و ) طلقت ( الثالثة طلقتين ) بولادة الأولى والثانية ( وانقضت عدتهما بولادتهما ) فلا يقع عليهما طلاق بولادة من بعدهما
تنبيه محل ذلك ما إذا لم يتأخر وضع ثاني توأميهما إلى ولادة الرابعة ولا طلقت كل واحدة منهما ثلاثا ثلاثا
( وقيل لا تطلق الأولى ) أصلا ( وتطلق الباقيات طلقة طلقة ) بولادة الأولى لأنهن صواحبها عند ولادتها لاشتراك الجميع في الزوجة حينئذ وبطلاقهن انقضت الصحبة بين الجميع فلا تؤثر ولادتهن في حق الأولى ولا ولادة بعضهن في حق بعض
وأجاب الأول بأن الطلاق الرجعي لا ينفي الصحبة والزوجية فإنه لو حلف بطلاق نسائه دخلت الرجعية فيه
( وإن ولدت ثنتان معا ثم ) ولدت ( ثنتان معا طلقت الأوليان ) بضم الهمزة أي كل منهما ( ثلاثا ثلاثا ) طلقة بولادة من ولدت معها وطلقتين بولادة الأخريين وعدتهما بالأقراء
( وقيل ) طلقت كل منهما ( طلقة ) فقط بولادة رفيقتها وانتفت الصحبة من حينئذ
( والأخريان ) بضم الهمزة أي كل منهما ( طلقتين طلقتين ) بولادة كل من الأولين طلقة ولا يقع عليهما بولادة الأخرى شيء وتنقضي عدتهما بولادتهما
ولو ولدت ثلاثا معا ثم الرابعة طلقت كل منهن ثلاثا ثلاثا وإن ولدت واحدة ثم ثلاثا معا طلقت الأولى ثلاثا وكل من الباقيات طلقة فقط وإن ولدت ثنتان مرتبا ثم ثنتان معا طلقت الأولى ثلاثا والثانية طلقة والأخريان طلقتين طلقتين وإن ولدت ثنتان معا ثم ثنتان مرتبا طلق كل
____________________
(3/321)
من الأولين والرابعة ثلاثا والثالثة طلقتين وإن ولدت واحدة ثم ثنتان معا ثم واحدة طلق كل من الأولى والرابعة ثلاثا وكل من الثانية والثالثة طلقة وتبين كل منهما بولادتها
تنبيه محصل ما ذكر في المتن والشرح ثمان صور وضابطها أن إيقاع الثلاث على كل واحدة هو القاعدة إلا من وضعت عقب واحدة فقط فتطلق طلقة فقط أو عقب ثنتين فقط فتطلق طلقتين فقط
ثم شرع في التعليق بالحيض فقال ( و ) لو قال لزوجته إن حضت فأنت طالق طلقت بأول حيض مقبل فلو علق في حال حيضها لم تطلق حتى تطهر ثم تشرع في الحيض فإن انقطع الدم قبل يوم وليلة تبين أن الطلاق لم يقع أو قال إن حضت حيضة فأنت طالق فبتمام حيضة مقبلة لأنه قضية اللفظ
و ( تصدق بيمينها في حيضها ) سواء وافق عادتها أم لا ( إذا علقه ) أي طلاقها ( به ) أي الحيض وقالت حضت وكذبها الزوج لأنها أعرف منه وكذا الحكم فيما لا يعرف إلا منها كالحب والبغض والنية
وإنما حلفت للتهمة لأنها تتخلص به من النكاح أما إذا صدقها الزوج فلا تحليف ( لا في ولادتها ) إن علق الطلاق بها كإن ولدت فأنت طالق فقالت ولدت وكذبها الزوج وقال هذا الولد مستعار مثلا فالقول قوله ( في الأصح ) لإمكان إقامة البينة عليها بخلاف الحيض فإنه يتعذر أي يتعسر إقامة البينة عليه وإن شوهد الدم لجواز أن يكون دم استحاضة كذا قاله الرافعي هنا لكن المنقول في الشهادات في الشرح والروضة الجزم بقبول الشهادة بالحيض وذكر المصنف في فتاويه أنه لا خلاف فيه
وقد يقال أخذا مما يأتي أنه لا تعارض لأن ما هنا ثبوت حيض يترتب عليه طلاق وذلك لا يثبت بشهادة النسوة بالحيض وما هناك ثبوت حيض بشهادة النسوة فلا تعارض
والثاني وعليه جمع تصدق بيمينها لأنها مؤتمنة في رحمها حيضا وطهرا أو وضع حمل في العدة وقد قال تعالى { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن }
تنبيه محل الخلاف بالنسبة إلى الطلاق المعلق به أما في لحوق الولد به فلا تصدق قطعا كما نقله القاضي أبو الطيب في شرح الفروع عن الأصحاب بل يعتبر تصديقه أو شهادة أربع نسوة ثقات
( ولا تصدق فيه ) أي الحيض ( في تعليق ) طلاق ( غيرها ) على حيضها ك إن حضت فضرتك طالق فقالت حضت وكذبها الزوج فالقول قوله بيمينه لأنه لا سبيل إلى تصديقها بغير يمين وإذا حلفت لزم الحكم للإنسان بيمين غيره وهو ممتنع
تنبيه اعترض على هذا ابن الرفعة بأن الإنسان يقبل قوله فيما لا يعلم إلا من جهته بلا يمين ويقضي بذلك على غيره كما لو قال أنت طالق إن شاء زيد فقال شئت فإنه يصدق في ذلك بغير يمين ويقع الطلاق اه
وفرق بعضهم بإمكان إقامة البينة على الحيض بخلاف المشيئة وهذا الفرق إنما يأتي على القول بقبول الشهادة بالحيض وقد مر الكلام فيه
وأيضا إقامة البينة على المشيئة ممكن فإن المشيئة يشترط فيها اللفظ كما سيأتي فهذا الفرق ممنوع والإشكال أيضا ممنوع فإنه لا بد من تصديق الزوج له أو إقامة البينة فقوله قد وقعت مني المشيئة فإن لم يصدقه الزوج ولم تقم بينة بذلك لم يقع به طلاق
( ولو ) علق طلاق كل من زوجتيه بحيضها معا كأن ( قال ) لهما ( إن حضتما فأنتما طالقتان فزعمتاه ) أي الحيض وصدقهما الزوج فيه طلقتا لوجود الصفة المعلق عليها باعترافه
( و ) إن ( كذبهما ) فيما زعمتاه ( صدق بيمينه ولم يقع ) طلاق واحدة منهما لأن الأصل عدم الحيض وبقاء النكاح
نعم إن أقامت كل واحدة منهما بينة بحيضها وقع صرح به في الشامل وتوقف فيه ابن الرفعة لأن الطلاق لا يثبت بشهادتهن
ويشهد له قول الرافعي أنه لو علق طلاقها بولادتها فشهد بها النسوة لا يقع وقول الأذرعي إن ما قاله ابن الرفعة ضعيف لأن الثابت بشهادتهن الحيض وإذا ثبت ترتب عليه وقوع الطلاق ممنوع إذ لو صح ما ذكره وقع الطلاق المعلق على الولادة إذا ثبت بشهادتهن ولم يقع
( وإن كذب واحدة ) منهما فقط ( طلقت ) أي المكذبة ( فقط ) إن حلفت أنها حاضت لثبوت حيضها بيمينها وحيض ضرتها بتصديق الزوج ولا
____________________
(3/322)
تطلق المصدقة إذ لم يثبت حيض ضرتها إلا بيمينها واليمين لا تؤثر في حق غير الحالف كما مر
وتطلق المكذبة فقط بلا يمين في قوله لهما من حاضت منكما فصاحبتها طالق وادعياه وصدق إحداهما وكذب الأخرى لثبوت حيض المصدقة بتصديق الزوج
تنبيه عطفه زعمتاه بالفاء يشعر بأنهما لو قالتا فورا حضنا يقبلان وليس مرادا بل لا بد من حيض مستأنف وهو يستدعي زمنا ويشعر أيضا باستعمال الزعم في القول الصحيح والأكثر استعماله فيما إذا لم يقم دليل على صحته وأقيم على خلافه كقوله تعالى { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا }
فروع لو قال لزوجتيه إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان فقيل لم يتعلق بهما طلاق لاستحالة أن يحيضا حيضة واحدة والأصح أنهما إذا حاضتا طلقتا بحيضهما لأن الاستحالة نشأت من قوله حيضة فتلغى ويبقى التعليق بمجرد حيضهما فتطلقان برؤية الدم كما مر
ولو قال إن ولدتما ولدا فأنتما طالقتان ففيه هذا الخلاف أما إذا قال ولدا واحدا أو حيضة واحدة فهو محال فلا يقع به طلاق لأن الواحد نص في الوحدة بخلاف الحيضة والولد فإنه يحتمل الجنس
ولو قال لأربع نسوة أيتكن حاضت فصواحبها طوالق فقلن حضنا فإن صدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثا لأنه جعل حيض كل منهن صفة لطلاق البواقي ولكل واحدة ثلاث صواحب وقد حضن وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأن كلا منهن لا تصدق في حق غيرها وإن صدق واحدة طلقت المكذبات طلقة طلقة لأن لكل منهن صاحبة ثبت حيضها إن صدق اثنتين طلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين لأن لكل منهما صاحبتين ثبت حيضهما وطلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة لأن لكل واحدة صاحبة وواحدة ثبت حيضها
وإن كذب واحدة فقط طلقت المكذبة ثلاثا لأن لها ثلاث صواحب ثبت حيضهن وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين لأن لكل واحدة منهن صاحبتين ثبت حيضهما
ولو قال لأربع إن حضتن فأنتن طوالق فقلن حضنا فإن صدقهن طلقهن واحدة واحدة وإن كذبهن لم يطلقهن وإن كذب واحدة وحلفت طلقت طلقة دون الباقيات وإن كذب أكثر من واحدة لم تطلق واحدة منهن
ثم أشار إلى المسألة المشهورة بالسريجية وهي الدورية المنسوبة لابن سريج المذكورة في قوله ( ولو قال إن أو إذا أو متى ) أو نحوه ( طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها ) طلقة أو أكثر كما قاله صاحب التعجيز ( وقع المنجز فقط ) ولا يقع معه المعلق لأنه لو وقع لم يقع المنجز لزيادته المملوك وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق لأنه مشروط به فوقوعه محال بخلاف وقوع المنجز إذ قد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب كما لو علق عتق سالم بعتق غانم في مرض موته ولا يفي ثلث ماله إلا بأحدهما لا يقرع بينهما بل يتعين عتق غانم
وشبه هذا بما لو أقر أخ بابن الميت ثبت النسب دون الإرث ولأن الجمع بين المعلق والمنجز ممتنع ووقوع أحدهما غير ممتنع والمنجز أولى بأن يقع لأنه أقوى من حيث أن المعلق يفتقر إلى المنجز ولا ينعكس
وهذا الوجه قال في المحرر إنه أولى وفي الشرحين والروضة فيشبه أن يكون الفتوى به أولى وصححه المصنف في التنبيه وإليه ذهب الماوردي ونقله عن ابن سريج وقال من نقل عنه غيره فقد وهم ونقله ابن يونس عن أكثر النقلة ( وقيل ) وقع ( ثلاث ) واختاره الإمام ورجحه ابن أبي عصرون وصاحب الاستقصاء
واختلفوا في كيفية وقوع الثلاث على وجهين أصحهما وهو المذكور في المحرر أنه تقع الطلقة المنجزة وطلقتان من الثلاث المعلقة لأنه إذا وقعت المنجزة حصل شرط وقوع الثلاث لأن الطلاق لا يزيد على ثلاث فيقع من المعلق تمام الثلاث وعلى هذا يشترط أن يكون مدخولا بها لأن وقوع طلقتين بعد طلقة لا يتصور إلا في المدخول بها
والثاني يقع الثلاث المعلقة ويجعل كأنه قال متى تلفظت بأنك طالق فأنت طالق قبله ثلاثا
وزيفه الإمام وعلى هذا سواء المدخول بها وغيرها
( وقيل لا شيء ) يقع لا المنجز ولا المعلق لأنه لو وقع المنجز لوقع المعلق قبله بحكم التعليق ولو وقع المعلق لم يقع المنجز وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق وهذا ما صححه
____________________
(3/323)
الأكثرون على ما اقتضاه إيراد الشرح والروضة ونقلاه عن رواية صاحب الإفصاح عن النص ونسبه في البحر إلى جمهور الخراسانيين وحكاه الإمام عن المعظم وهو المشهور عن ابن سريج كما نقله الأكثرون عن كتاب الغنية له وبه اشتهرت المسألة قال الأذرعي ورأيته صرح به في كتاب الودائع لكن في كتاب الزيادات له أنه يقع المنجز وهذان النقلان سبب اضطرابهم في النقل عنه
وممن قال بعدم وقوع شيء المزني وابن الحداد والقفال وغيرهم ونقل في البحر عن القاضي أبي الطيب أن الشافعي رضي الله عنه نص عليه في المسائل المنثورة ونصره السبكي أولا وصنف فيه تصنيفين ثم رجع عنه ونصر القائل بإيقاع الثلاث
وقال الإسنوي في التنقيح إذا كان صاحب المذهب قد نص عليه وقال به أكثر الأصحاب خصوصا الشيخ أبا حامد شيخ العراقيين والقفال شيخ المراوزة كان هو الصحيح
وقال في المهمات فكيف يسوغ الفتوى بما يخالف نص الشافعي وكلام الأكثرين اه
ولما اختار الروياني هذا الوجه قال لا وجه لتعليم العوام هذه المسألة في هذا الزمان
وعن الشيخ عز الدين أنه لا يجوز التقليد في عدم الوقوع
وهو الظاهر وإن نقل عن البلقيني والزركشي الجواز
وقال ابن الصباغ وددت لو محيت هذه المسألة وابن سريج بريء مما نسب إليه فيها
تنبيه إذا قلنا بانحسام الطلاق وأراد أن يطلق فله طرق منها أنه يوكل في طلاقها لأنه لم يطلقها
ومنها أن يضيف الطلاق لبعضها لأنه لم يطلقها وإنما طلق بعضها ومحل هاتين الصورتين كما قال الزركشي فيما إذا كان التعليق بالتطليق فإن كان بالوقوع كأن قال ومتى وقع عليك طلاقي لم يقع في الصورتين وطريقه حينئذ المفارقة بالفسخ إن وجد سببه
( ولو قال إن ظاهرت منك أو آليت أو لاعنت أو فسخت ) نكاحي ( بعيبك ) مثلا ( فأنت طالق قبله ) أي قبل كل ما ذكر ( ثلاثا ثم وجد المعلق به ) من الظهار أو غيره ( ففي صحته ) أي المعلق به وهو الظهار وما بعده ( الخلاف ) فعلى الأول الراجح يصح ويلغو تعليق الطلاق لاستحالة وقوعه وعلى الثالث يلغوان جميعا ولا يأتي الثاني هنا
( ولو قال إن وطئتك ) وطئا ( مباحا فأنت طالق قبله ) واحدة أو أكثر ( ثم وطىء لم يقع ) طلاق ( قطعا ) إذ لو طلقت لم يكن الوطء مباحا وإنما لم يأت الخلاف هنا لأن موضعه إذا انسد بتصحيح الدور يأتي الطلاق أو غيره من التصرفات الشرعية وهنا لم ينسد لأن التعليق هنا وقع بغير الطلاق فلم ينسد عليه باب الطلاق
تنبيه لو قال إن راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم راجعها نفذت الرجعة ولم يقع المعلق للدور
ولو قال لامرأته إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت له وإن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها لم تطلق المرأة لأنه خرج عن كونه مبتدئا بقولها وإن بدأتك ولم يعتق العبد إذا كلمته بعد ذلك لخروجها عن كونها مبتدئة بكلامه فلو كلمته أولا عتق العبد لأنها ابتدأت كلامه
وكذا لا تطلق المرأة ولا يعتق العبد لو قال كل منهما إن بدأتك بالسلام إلى آخر ما مر فسلما معا لعدم ابتداء كل منهما
ولو قال لزوجته متى دخلت الدار وأنت زوجتي فعبدي حر قبله ومتى دخلها وهو عبدي فأنت طالق قبله ثلاثا فدخلا معا لم يعتق العبد ولم تطلق الزوجة للزوم الدور لأنهما لو حصلا لحصلا معا قبل دخولهما ولو كان كذلك لم يكن العبد عبده وقت الدخول ولا المرأة زوجته حينئذ فلا تكون الصفة المعلق عليها حاصلة ولا يأتي في هذه القول ببطلان الدور إذ ليس فيها سد باب التصرف ولو دخلا مرتبا وقع المعلق على المسبوق دون السابق فلو دخلت المرأة أولا ثم العبد عتق ولم تطلق هي لأنه حين دخل لم يكن عبدا فلم تحصل صفة طلاقها وإن دخل العبد أولا ثم المرأة ثم طلقت ولم يعتق العبد وإن لم يذكر في تعليقه المذكور لفظة قبله في الطرفين ودخلا معا عتق وطلقت لأن كلا منهما عند الدخول بالصفة المشروطة وإن دخلا مرتبا فكما سبق في نظيرتها
( ولو علقه ) أي
____________________
(3/324)
الزوج الطلاق ( بمشيئتها خطابا ) أي وهو مخاطب لها كقوله أنت طالق إن أو إذا شئت أو إن أو إذا شئت فأنت طالق ( اشترطت ) مشيئتها لفظا ( على فور ) لتضمن ذلك لتمليكها الطلاق ك طلقي نفسك كما مر ولأنها استبانة لرغبتها فكان جوابها على الفور كالقبول في العقود والمراد بالفور مجلس التواجب كما قالاه هنا وفي الخلع وقيل إذا شاءت في المجلس طلقت لأن حريم العقد يقوم مقامه كما في القبض في التصرف والسلم وقيل أي وقت شاءت طلقت ولا يتقيد ذلك بوقت كما لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق
تنبيه هذا في التعليق بغير نحو متى كأي وقت أما فيه فلا يشترط الفور
( أو ) علق الطلاق بمشيئتها ( غيبة ) ك زوجتي طالق إن شاءت ولو حضرت وسمعته ( أو ) علقه ( بمشيئة أجنبي ) خطابا كقوله لأجنبي إن شئت فزوجتي طالق ( فلا ) يشترط فور ( في الأصح ) لبعد التمليك في الأولى ولانتفائه في الثانية
والثاني يشترط الفور نظرا إلى تضمن التمليك في الأولى وإلى الخطاب في الثانية
أما إذا علقه بمشيئة أجنبي غيبة ك إن شاء زيد لم يشترط الفور جزما ولو علقه بمشيئتها خطابا وبمشيئة زيد كذلك اشترط الفور في مشيئتها فقط دون زيد إعطاء لكل منهما حكمه لو انفرد
( ولو قال المعلق بمشيئته ) من زوجة أو أجنبي ( شئت كارها بقلبه وقع ) الطلاق ظاهرا وباطنا لوجود المعلق عليه وهو لفظ المشيئة وهذا ما في المحرر ونقلاه في الروضة وأصلها عن البغوي وهو المعتمد ( وقيل لا يقع باطنا ) لانتفاء المشيئة في الباطن وهذا ما نقلاه في الروضة وأصلها عن القاضي الحسين ونقلا في أوائل الإقرار ما يوهم ترجيحه وهو قضية كلام القاضي أبي الطيب أيضا
وأجاب الأول بأن ما في الباطن لخفائه لا يقصد التعليق به وإنما يقصد باللفظ الدال عليه وقد وجد
ولو قال المعلق على مشيئته من زوجة أو غيرها شئت إن شئت لم تطلق وإن شاء الزوج لأن التعليق على مشيئة من ذكر ولم توجد وإنما وجد تعليقها والمشيئة خبر عما في النفس من الإرادة وذلك لا يتعلق بالشرط
ثم أشار إلى اعتبار كون المخاطب أهلا للمشيئة بقوله ( ولا يقع طلاق ) علق ( بمشيئة ) كل من ( صبية وصبي ) وإن كان مميزين لأنه لا اعتبار بمشيئتهما في التصرفات ولأنه لو قال لصغيرة طلقي نفسك فطلقت لم يقع فكذا إن علق بمشيئتها
( وقيل يقع ) الطلاق المعلق ( ب ) مشيئة ( مميز ) لأن مشيئته معتبرة في اختيار أحد أبويه
وتقييده بمميز من زوائده على المحرر وقضيته أنه لا يقع بمشيئة غيره جزما وبه صرح في الروضة وأصلها
وكذا لا يقع بمشيئة مجنون علق على مشيئة ولو بالغا جزما لأنا وإن اعتبرنا اللفظ فلا بد من صدوره ممن يتصور أن يكون لفظه معربا عن مشيئته
نعم إن قال له أو لصغير إن قلت شئت فزوجتي طالق فقال شئت طلقت لوجود المعلق عليه
تنبيه لو علق بمشيئة أخرس فأشار إشارة مفهمة وقع أو ناطق فخرس فكذا على الأصح ولو شاء المعلق بمشيئة حال سكره الذي أثم به كان على الخلاف في تصرفه
ولو علق بمشيئة ناقص بصبا أو جنون فشاء فورا بعد كماله لم يقع كما هو ظاهر كلامهم
ولو علق بمشيئة الملائكة لم تطلق إذ لهم مشيئة ولم تعلم حصولها
والتعليق بمشيئة بهيمة تعليق بمستحيل كما قال الماوردي وقد مر أنه لا يقع به
( ولا رجوع له ) أي شخص علق الطلاق بمشيئة غيره ( قبل المشيئة ) من ذلك الغير وإن قلنا إنه تمليك لأنه وإن كان تمليكا ففيه شائبة تعليق الطلاق على صفة فامتنع الرجوع كسائر التعليقات
( ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء زيد ) مثلا ( طلقة فشاء ) زيد ( طلقة ) أو أكثر ( لم تطلق ) شيئا نظرا إلى أن المعنى إلا أن يشاءها فلا تطلقين أصلا كما لو قال إلا أن يدخل زيد الدار فدخل
( وقيل تقع طلقة ) نظرا إلى أن المعنى إلا أن يشاء طلقة فلا يزاد عليها
وقيل يقع طلقتان والتقدير إلا أن يشاء
____________________
(3/325)
عدم واحد فيقع الباقي
وهذا كله عند الإطلاق فإن قال أردت الثاني أو الثالث قبل لأن فيه تغليظا عليه فإن لم يشأ شيئا وقع الثلاث
ولو قال أنت طالق واحدة إلا أن يشاء فلان ثلاثا فشاءها لم تطلق وإن لم يشأ أو شاء واحدة أو ثنتين وقع واحدة
ولو مات زيد وقد علق الطلاق بمشيئته أو جن لم تطلق
( ولو علق ) زوج طلاقا ( بفعله ) كدخوله الدار ( ففعل ) المعلق به ( ناسيا للتعليق أو ) ذاكرا له ( مكرها ) على الفعل أو طائعا جاهلا ( لم تطلق في الأظهر ) لخبر ابن ماجة وغيره إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه أي لا يؤاخذهم بذلك ومقتضاه رفع الحكم فيعم كل حكم إلا ما قام الدليل على استثنائه كقيم المتلفات ولأن المكره على الطلاق لا يقع طلاقه فكذا المكره على الصفة ولا فرق بين الحلف بالله تعالى وبالطلاق وإن قال القاضي حسين يقع في الحلف بالطلاق في النسيان
والثاني تطلق لوجود المعلق به وليس النسيان ونحوه دافعا للوقوع
تنبيه لو حلف لا يفعل كذا عمدا ولا سهوا حنث بفعله سهوا كما في زوائد الروضة وجزم به الرافعي في الأيمان وقال ابن المنذر إنه المشهور من مذهب الشافعي لأنه فعله وقد ضيق على نفسه بخلاف ما لو حلف لا ينسى فنسي فإنه لم ينس بل نسي
( أو ) علق الطلاق ( بفعل غيره ) وقد قصد بذلك منعه أو حثه وهو ( ممن يبالي بتعليقه ) أي يشق عليه حنثه فلا يخالفه لنحو صداقة أو قرابة أو زوجية فيحرص على إبرار قسمه ولو حياء لمكارم الأخلاق وليس المراد خشية العقوبة من مخالفته
( وعلم ) غيره ( به ) أي بتعليقه ( فكذلك ) لا يقع الطلاق في الأظهر إذا فعله ناسيا أو مكرها أو جاهلا ( وإلا ) بأن لم يقصد الزوج منعه أو حثه أو لم يكن يبالي بتعليقه كالسلطان والحجيج أو كان يبالي به ولم يعلم به ( فيقع ) الطلاق بفعله ( قطعا ) وإن اتفق في بعض الصور نسيان ونحوه لأن الغرض حينئذ مجرد تعليق الفعل من غير قصد منع أو حث هذا تقرير المتن لكن يستثنى منه الصورة الأخيرة وهي فيما إذا قصد فيمن يبالي به إعلامه ولم يعلم به فلا تطلق كما أفهمه كلام أصل الروضة وعزاه السبكي للجمهور
تنبيه هذا كله إذا حلف على فعل مستقبل أما إذا حلف على نفي شيء وقع جاهلا به أو ناسيا له كما لو حلف أن زيدا ليس في الدار وكان فيها ولم يعلم به أو علم ونسي فإن حلف أن الأمر كذلك في ظنه أو فيما انتهى إليه علمه أي لم يعلم خلافه ولم يقصد أن الأمر كذلك في الحقيقة لم يحنث لأنه إنما حلف على معتقده وإن قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر أو أطلق ففي الحنث قولان رجح منهما ابن الصلاح وغيره الحنث وصوبه الزركشي لأنه غير معذور إذ لا حنث ولا منع بل تحقيق فكان عليه أن يثبت قبل الحلف بخلافه في التعليق بالمستقبل
ورجح الإسنوي وغيره أخذا من كلام أصل الروضة عدم الحنث ورجح بعض المتأخرين أنه يحنث فيما إذا قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر وعدم الحنث عند الإطلاق وهذا أوجه
تتمة لو علق الطلاق بدخول بهيمة أو نحوها كطفل فدخلت مختارة وقع الطلاق بخلاف ما إذا دخلت مكرهة لم يقع
فإن قيل هذا يشكل بما مر من وقوع الطلاق فيما إذا لم يعلم المعلق بفعله التعليق وكان ممن لا يبالي بتعليقه أو ممن يبالي به ولم يقصد الزوج إعلامه ودخل مكرها
أجيب بأن الآدمي فعله منسوب إليه وإن أتى به مكرها ولهذا يضمن به بخلاف فعل البهيمة فإنها حين الإكراه لم تفعل شيئا
وحكم اليمين فيما ذكر كالطلاق ولا ينحل بفعل الجاهل والناسي والمكره
فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها إذا ( قال ) لزوجته ( أنت طالق وأشار بأصبعين أو بثلاث ) ولم يقل هكذا ( لم يقع عدد إلا بنية ) له عند قوله طالق لأن الطلاق لا يتعدد إلا بلفظ أو نية ولم يوجد واحد منهما ولا اعتبار بالإشارة هنا
____________________
(3/326)
تنبيه أفهم قوله لم يقع عدد وقوع واحدة وهو كذلك لأن الواحد ليس بعدد
( فإن قال مع ذلك ) القول أو الإشارة ( هكذا طلقت في ) إشارة أصبع طلقة وفي إشارة ( أصبعين طلقتين وفي ) إشارة ( ثلاث ) من الأصابع ( ثلاثا ) وإن لم ينو لأن الإشارة بالأصابع في العدد بمنزلة النية وفي الحديث الشهر هكذا وهكذا وأشار بأصابعه الكريمة وخنس إبهامه في الثالثة وأراد تسعة وعشرين
فدل على أن اللفظ مع الإشارة يقوم مقام اللفظ بالعدد
تنبيه لا بد أن تكون الإشارة مفهمة للطلقتين أو الثلاث كالنظر للأصابع أو تحريكها أو ترديدها وإلا فقد يعتاد الإنسان الإشارة بأصابعه الثلاث في الكلام فلا يظهر الحكم بوقوع العدد إلا بقرينة قاله الإمام وأقراه
ولو قال بعد ذلك أردت واحدة لم يقبل
وخرج بقوله مع ذلك ما لو قال أنت هكذا وأشار بأصابعه الثلاث ولم يقل طالق فإنها لا تطلق وإن نوى الطلاق كما في زيادة الروضة لأن اللفظ لا يشعر بطلاق
( فإن قال أردت بالإشارة ) بالثلاث الأصبعين ( المقبوضتين صدق بيمينه ) ولم يقع أكثر من طلقتين لاحتمال الإشارة بهما فإن قال أردت إحداهما لم يصدق لأن الإشارة صريحة في العدد كما مر فلا يقبل خلافها
ولو عكس فأشار بأصبعين وقال أردت بالإشارة الثلاث المقبوضة صدق بطريق الأولى لأنه غلظ على نفسه
ولو كانت الإشارة بيد مجموعة ولم ينو عددا وقع واحدة كما بحثه الزركشي
ولو قال أنت الثلاث ونوى الطلاق لم يكن شيئا ذكره الماوردي وغيره
ولو قال أنت طالق أشار بأصبعه ثم قال أردت بها الأصبع دون الزوجة لم يقبل ظاهرا قطعا ولم يدين على الأصح
ثم أشار بفروع من فروع ابن الحداد ( و ) هو ما ( لو قال عبد ) لزوجته ( إذا مات سيدي فأنت طالق طلقتين وقال ) له ( سيده إذا مت ) أنا ( فأنت حر فعتق ) كله ( به ) أي بموت سيده ( فالأصح أنها لا تحرم ) عليه الحرمة الكبرى ( بل له الرجعة ) في عدتها ( وتجديد ) النكاح بعد انقضائها ( قبل زوج ) آخر لأن وقوع الطلقتين وعتق العبد معلقان معا بالموت فوقعا معا والعتق كما لا يتقدم الطلاق لم يتأخر
فإذا وقعا معا غلب جانب الحرية لتشوف الشارح إليها فكان العتق مقدما
والثاني تحرم فلا تحل له إلا بمحلل لأن العتق لم يتقدم وقوع الطلاق
وخرج ب عتق جميعه ما لو عتق بعضه بأن لم يخرج من الثلث ولم يجز الوارث فإنها تبين بالطلقتين لأن المبعض كالقن في عدد الطلقات
تنبيه لا تختص المسألة بموت السيد بل يجري الخلاف في كل صورة تعلق عتق العبد به
ووقوع طلقتين على زوجته بصفة واحدة كما لو قال العبد إذا جاء الغد فأنت طالق طلقتين وقال السيد إذا جاء الغد فأنت حر فإذا جاء الغد عتق وطلقت طلقتين ولا تحرم عليه قطعا لأن العتق سبق وقوع الطلاق
ولو علق السيد عتقه بموته وعلق العبد الطلقتين بآخر جزء من حياة سيده ثم مات سيده انقطعت الرجعة واشترط المحلل قطعا لتقدم الطلاق على العتق
ولو علق زوج الأمة طلاقها وهي غير مدبرة بموت سيدها وهو وارثه فمات السيد انفسخ النكاح ولم تطلق وإن كانت مكاتبة أو كان على السيد دين لأنها بموته تنتقل إليه كلها أو بعضها فينفسخ النكاح فلا يصادف الطلاق محلا أما المدبرة فتطلق إن عتقت بموت سيدها ولو بإجارة الوارث العتق
( ولو نادى إحدى زوجتيه ) مثلا كحفصة ( فأجابته الأخرى ) كعمرة ( فقال ) لها ( أنت طالق وهو يظنها المناداة لم تطلق المناداة ) جزما لأنها لم تخاطب بالطلاق وظن خطابها به لا يقتضي وقوعه عليها
( وتطلق المجيبة في الأصح ) لخطابها بالطلاق
والثاني لا لانتفاء قصدها وخرج ب يظنها ما لو علم أن المجيبة غير المناداة فإن قصد طلاقها طلقت فقط أو المناداة وحدها حكم بطلاقها أما المناداة فظاهرا وباطنا وأما المخاطبة فظاهرا ويدين
( ولو علق ) طلاقها بغير كلما ( بأكل رمانة ) ك إن أكلت رمانة فأنت طالق ( وعلق )
____________________
(3/327)
ثانيا ( بنصف ) من رمانة كأن أكلت نصفها فأنت طالق ( فأكلت رمانة فطلقتان ) لوجود الصفتين لأنه يصدق أنها أكلت نصف رمانة وأكلت رمانة لكنه يشكل على قاعدة أن النكرة المعادة غير الأولى فإن كان التعليق ب كلما طلقت ثلاثا لأنها أكلت رمانة مرة ونصف رمانة مرتين ولو علق بأكل رمانة فأكلت نصفي رمانتين لم يحنث وكذا لو أكلت ألف حبة مثلا من ألف رمانة وإن زاد ذلك على عدد رمانة لأن ما ذكر ليس رمانة
فروع لو قال أنت طالق إن أكلت هذا الرغيف وأنت طالق إن أكلت نصفه وأنت طالق إن أكلت ربعه فأكلت الرغيف طلقت ثلاثا
ولو قال إن كلمت رجلا فأنت طالق وإن كلمت زيدا فأنت طالق وإن كلمت فقيها فأنت طالق فكلمت زيدا وكان فقيها طلقت ثلاثا
ولو قال إن لم أصل ركعتين قبل زوال شمس اليوم فأنت طالق فصلاهما قبل الزوال وقبل أن يتشهد زالت الشمس وقع الطلاق
( والحلف ) بفتح المهملة وكسر اللام بخطه ويجوز سكونها لغة القسم وهو ( بالطلاق ) أو غيره ( ما تعلق به حث ) على فعل ( أو منع ) منه لنفسه أو غيره ( أو تحقيق خبر ) ذكره الحالف أو غيره ليصدق الحالف فيه
( فإذا قال ) لزوجته ( إن ) أو إذا ( حلفت بطلاق ) منك ( فأنت طالق ) هذا مثال للتعليق على الحلف ( ثم قال ) بعد هذا ( إن لم تخرجي ) فأنت طالق وهذا مثال لحثها على الفعل وهو مزيد على المحرر ( أو إن خرجت ) فأنت طالق وهذا مثال لمنعها من الفعل ( أو إن لم يكن الأمر كما قلت فأنت طالق ) وهذا مثال لتحقيق الخبر ( وقع ) الطلاق ( المعلق بالحلف ) في هذه الأمثلة حالا لأن ما قاله حلف بأقسامه السابقة كما تقرر
( ويقع الآخر ) مآلا ( إن وجدت صفته ) وبقيتكم العدة كما قاله في المحرر
ولا يخفى أن ذلك في المدخول بها فإن غير المدخول بها تبين بوقوع المعلق بالحلف
( ولو قال ) بعد التعليق بالحلف ( إذا طلعت الشمس أو جاء الحجاج ) أو نحوه كإن جاء رأس الشهر ( فأنت طالق لم يقع المعلق بالحلف ) إذ لا حث فيه ولا منع ولا تحقيق خبر بل هو محض تعليق على صفة فإذا وجدت وقع الطلاق المعلق عليها
تنبيه تعبيره بالحجاج مشعر بأنه لو مات واحد منهم أو انقطع لعذر لم يوجد المعلق عليه واستبعده بعضهم وقال الظاهر أن المراد الجنس وهل ينظر في ذلك للأكثر أو لما يطلق عليه اسم الجمع أو إلى جميع من بقي منهم ممن يريد الرجوع احتمالان اه
وأظهرهما الثاني
فروع لو قال إن أو إذا قدم زيد فأنت طالق وقصد منعه وهو ممن يبالي بحلفه فحلف وإن قصد التعليق أو أطلق أو كان التعليق بفعل من لا يبالي بحلفه كالسلطان فتعليق
ولو تنازعا في طلوع الشمس فأنكره وادعته فقال إن طلعت فأنت طالق فحلف ولو قال الزوج طلعت الشمس فقالت لم تطلع فقال إن لم تطلع فأنت طالق طلقت في الحال لأن غرضه التحقيق فهو حلف
ولو قال للمدخول بها إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم أعاده أربعا وقع بالثانية طلقة لأنه قد حلف وتنحل اليمين الأولى وبالثانية طلقة بحكم اليمين الثانية وتنحل اليمين الثانية وبالرابعة طلقة بحكم الثالث وتنحل الثانية
( ولو قيل له استخبارا أطلقتها ) أي زوجتك ( فقال نعم ) أو نحوها مما يرادفها كأجل وجير ( فإقرار ) صريح ( به ) أي الطلاق لأن التقدير نعم طلقتها فإن كان كاذبا فهي زوجته باطنا
( فإن قال أردت ) طلاقا ( ماضيا وراجعت ) بعده ( صدق بيمينه ) في ذلك لاحتماله
واحترز بقوله وراجعت عما إذا قال أبنتها وجددت النكاح فإن حكمه كما مر فيما لو قال أنت طالق أمس وفسر بذلك ( وإن قيل ) له ( ذلك )
____________________
(3/328)
القول المتقدم وهو أطلقت زوجتك ( التماسا لإنشاء فقال نعم ) أو نحوها مما يرادفها ( فصريح ) في الإيقاع حالا لأن نعم ونحوه قائم مقام طلقتها المراد لذكره في السؤال ( وقيل ) هو ( كناية ) يحتاج لنية لأن نعم ليست معدودة من صرائح الطلاق
فإن قيل الأول مشكل لحصرهم صرائح الطلاق في ثلاثة وبقولهم إن الكناية لا تصير صريحا بالتماس طلاق
أجيب بأن السؤال معاد في الجواب فكأنه قال نعم طلقتها ولهذا كان صريحا في الإقرار
هذا إذا اقتصر على نعم فإن قال نعم طلقت فهو صريح قطعا وإن اقتصر على طلقت فقيل هو كناية لأن نعم تتعين للجواب وقوله طلقت مستقل بنفسه فكأنه قال ابتداء طلقت واقتصر عليه وهو لو قال ذلك ابتداء لم يقع عليه شيء وقيل كنعم والأول أوجه كما قاله شيخنا
تنبيه لو جهل حال السؤال فالظاهر أنه استخبار كما قاله الزركشي
فروع لو قال شخص لآخر فعلت كذا فأنكر فقال إن كنت فعلت كذا فامرأتك طالق فقال نعم وكان قد فعله لم يقع الطلاق كما في فتاوى القاضي وجعله البغوي استدعاء طلاق فيكون كما لو قيل له طلقت امرأتك مستدعيا منه طلاقها فقال نعم والأول أوجه
ولو قيل له إن جاء زيد فامرأتك طالق فقال نعم لم يكن تعليقا
ولو قيل له ألك زوجة فقال لا لم تطلق وإن نوى لأنه كذب محض وهذا ما نقله في أصل الروضة عن نص الإملاء وقطع به كثير من الأصحاب
ثم ذكر تفقها ما حاصله أنه كناية على الأصح وبه صرح المصنف في تصحيحه وأن لها تحليفه أنه لم يرد طلاقها وعليه جرى الأصفوني والحجازي في اختصارهما كلام الروضة والأول أوجه كما جرى عليه ابن المقري في روضه
ولو قيل له أطلقت ثلاثا فقال قد كان بعض ذلك فليس إقرارا بالطلاق لاحتمال جريان تعليق أو وعد أو مخاصمة تؤول إليه فلو فسر بشيء من ذلك قبل
ولو قال لزوجته ما أنت لي بشيء كان لغوا لا يقع به طلاق وإن نوى
ولو قال امرأتي طلقها زوجها ولم تتزوج غيره طلقت
فصل في أنواع من التعليق إذا ( علق ) طلاق زوجته ( بأكل رغيف أو رمانة ) عين كلا منهما أم لا ك إن أكلت هذا الرغيف أو هذه الرمانة أو رغيفا أو رمانة فأنت طالق ( فبقي ) من ذلك بعد أكلها له ( لبابة ) من الرغيف تقع موقعا كما قاله الإمام ( أو حبة ) من الرمانة ( لم يقع ) طلاق لأنه يصدق أنها لم تأكل الرغيف أو الرمانة وإن تسامح أهل العرف في إطلاق أكل الرغيف أو الرمانة في ذلك
أما اللبابة التي لا تقع موقعا كفتات الخبز الذي يدق مدركه لا يظهر له أثر في بر ولا حنث ولهذا عبر في المحرر بكسرة ومثل ذلك يأتي في الرمانة فيما إذ بقي بعض حبة وفي التمرة المعلق بأكلها إذا بقي قمعها أو شيء مما جرت العادة بتركه
فروع لو قال لها إن أكلت أكثر من رغيف فأنت طالق حنث بأكلها رغيفا وأدما أو قال إن أكلت اليوم إلا رغيفا فأنت طالق فأكلت رغيفا وفاكهة حنث
ولو قال لها إن لبست قميصين فأنت طالق طلقت بلبسهما ولو متواليين
ولو قال لها نصف الليل مثلا إن بت عندك فأنت طالق فبات عندها بقية الليل حنث للقرينة وإن اقتضى المبيت أكثر الليل ولو قال لها إن نمت على ثوب لك فأنت طالق فتوسد مخدتها مثلا لم يحنث كما لو وضع عليها يديه أو رجليه
ولو قال لها إن قتلت زيدا غدا فأنت طالق فضربه اليوم ومات عنه غدا لم يحنث لأن القتل هو الفعل المفوت للروح ولم يوجد
ولو قال لها إن كان عندك نار فأنت طالق حنث بوجود السراج عندها
ولو قال لها إن جعت يوما في بيتي فأنت طالق فجاعت يوما بصوم لم تطلق بخلاف ما لو جاعت يوما بلا صوم فإنها تطلق
ولو قال لها إن لم يكن وجهك أحسن من القمر فأنت طالق لم تطلق وإن كانت زنجية لقوله تعالى { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } نعم إن أراد بالحسن الجمال وكانت قبيحة الشكل حنث كما قاله الأذرعي
ولو قال لها إن قصدتك بالجماع فأنت طالق فقصدته هي فجامعها لم يحنث فإن قال لها إن قصدت جماعك فأنت طالق فقصدته فجامعها حنث
____________________
(3/329)
( ولو أكلا ) أي الزوجان ( تمرا ) مثلا ( وخلطا نواهما فقال ) الزوج لها فورا أم لا ( إن لم تميزي نواك ) أي نوى ما أكلته عن نوى ما أكلته ( فأنت طالق فجعلت كل نواة وحدها ) بحيث لا تجتمع مع أخرى ( لم يقع ) طلاق لأن ذلك يتميز نوى أحدهما
( إلا أن يقصد تعيينا ) لنواها عن نواه فلا يتخلص من اليمين بما فعلت بل يقع عليه الطلاق حينئذ كما صرح به ابن الملقن وقال الأذرعي ويحتمل أن يكون من التعليق بالمستحيل عادة لتعذره
وفي الكافي لو قال إن لم تخبريني بنواي أو إن لم تشيري إلى نواي فأنت طالق فالطريق في الخلاص أن تعد النوى عليه واحدة واحدة وتقول في كل واحدة هذه نواتك
( ولو كان بفمها تمرة ) مثلا ( فعلق ) طلاقها ( ببلعها ثم برميها ثم بإمساكها ) كقوله إن بلعتها فأنت طالق وإن رمينها فأنت طالق وإن أمسكتها فأنت طالق ( فبادرت مع ) أي عقب ( فراغه ) من التعليق ( بأكل بعض ) منها ( ورمي بعض ) منها ( لم يقع ) طلاق لأن أكل البعض ورمي البعض مغاير لهذه الثلاثة
تنبيه أشعر كلامه باشتراط الأمرين وليس مرادا بل الشرط المبادرة بأحدهما وأشار ب ثم إلى اشتراط تأخير يمين الإمساك فإن تقدم أو توسط في الصورة المذكورة حنث ولا حاجة ل ثم في يمين الرمي فإنه يجوز تقديمها على يمين الابتلاع وإنما المحتاج إليه في التخلص من الحنث المبادرة المذكورة لأنها لو لم تبادر كانت ممسكة فيحصل الحنث
وأفهم كلامه الحنث بأكل جميعها وهو يقتضي أن الابتلاع أكل قال ابن النقيب وهو واضح لكن لم أر من ذكره
وقد ينازع فيه إذا ذكر التمرة في يمينه فإن الأكل فيه مضغ يزيل اسم التمرة فلم تبلع تمرة
وأما عكسه وهو قوله إن أكلت فابتلعت فالذي جرى عليه ابن المقري تبعا لأصله في هذا الباب أنه لو علق طلاقها بالأكل فابتلعت لم يحنث لأنه يقال ابتلع ولم يأكل ووقع له كأصله في كتاب الأيمان عكس هذا
واختلف المتأخرون فمنهم من ضعف أحد الموضعين ومنهم من جمع وفرق بأن الطلاق مبني على اللغة والبلع لا يسمى أكلا والأيمان مبناها على العرف والبلع فيه يسمى أكلا وهذا أولى من تضعيف أحد الموضعين
( ولو ) علق طلاقها وهي على سلم بالصعود وبالنزول ثم بالمكث فوثبت أو انتقلت إلى سلم آخر أو اضجطع السلم وهي عليه على الأرض وتقوم من موضعها أو حملت وصعد بها الحامل أو أنزل بغير أمرها فورا في الجميع لم تطلق أما لو حملت بأمرها فيحنث
نعم إن حملها بلا صعود ونزول بأن يكون واقفا على الأرض أو نحوها فلا أثر لأمرها
وإن ( أتهمها ) أي زوجته ( بسرقة فقال ) لها ( إن لم تصدقيني ) في أمر هذه السرقة ( فأنت طالق فقالت ) له قولين أحدهما ( سرقت ) والآخر ( ما سرقت لم تطلق ) لأنها صادقة في أحد القولين
( ولو قال ) لها ( إن لم تخبريني ) صادقة ( بعدد حب هذه الرمانة قبل كسرها ) فأنت طالق
( فالخلاص ) من اليمين ( أن تذكر ) له ( عددا يعلم أنها ) أي الرمانة ( لا تنقص عنه ) كمائة ( ثم تزيد واحدا واحدا ) فتقول مائة وواحد وإثنان وهكذا ( حتى تبلغ ما ) أي عددا للرمانة ( يعلم أنها لا تزيد عليه ) أي ما انتهت إليه من عدد حبها فتكون مخبرة بعددها
( والصورتان ) هذه والتي قبلها ( فيمن لم يقصد تعريفا ) فإن قصده لم تخلص من اليمين بما ذكرته
فإن قيل الشق الأول يشكل بما قالوا من أن الخبر يعم الصدق والكذب
____________________
(3/330)
والسار وغيره فقد قالوا لو قال لنسائه من أخبرتني منكن بقدوم زيد فهي طالق فأخبرته امرأته بذلك وهي كاذبة أو بعد علمه به من غيرهن طلقت
أجيب بأن للرمانة ونحوها عددا خاصا وقد علق به فإذا أخبرته بعدد حبها كاذبة لم تخبر به بخلاف قدوم زيد فيصدق بالخبر الكاذب
وأما البشارة فإنها تختص بالخبر الأول السار الصدق قبل الشعور فإذا قال لنسائه من بشرتني منكن بكذا فهي طالق فأخبرته امرأته بذلك ثانيا بعد إخبار غيرها أو كان غير سار بأن كان بسوء أو وهي كاذبة أو بعد علمه به من غيرهن لم تطلق لعدم وجود الصفة
نعم محل اعتبار كونه سارا إذا أطلق كقوله من بشرتني بخير أو أمر عن زيد فإن قيد كقوله من بشرتني بقدوم زيد فهي طالق اكتفي بصدق الخبر وإن كان كارها كما قاله الماوردي
ولو قال لزوجته إن لم تعدى جوز هذه الشجرة اليوم فأنت طالق فقيل يتخلص من الحنث بأن تفعل ما ذكر آنفا وقيل يجب أن تبتدىء من الواحد وتزيد حتى تنتهي إلى العلم بما ذكر وهذا هو الظاهر لأنها إذا لم تبدأ بالواحد لم تعد جوزها
فروع لو سقط حجر من علو فقال لزوجته إن لم تخبريني الساعة من رماه فأنت طالق ولم يرد تعيينا فقالت مخلوق لا آدمي لم يحنث لأنها صادقة بالإخبار ولم يتخلص من الحنث بقولها رماه آدمي لجواز أن يكون رماه كلب أو ريح أو نحو ذلك لأن سبب الحنث وجد وشككنا في المانع وشبه بما لو قال أنت طالق إلا أن يشاء زيد اليوم فمضى اليوم ولم تعرف مشيئته
ولو قال لها إن لم أقل كما تقولين فأنت طالق فقالت له أنت طالق ثلاثا فخلاصه من الحنث أن يقول أنت طالق ثلاثا إن شاء الله أو أنت طالق ثلاثا من وثاق أو أنت قلت أنت طالق ثلاثا ولو علق طلاقها وهي في ماء جار بالخروج منه وباللبث بأن قال لها إن خرجت منه فأنت طالق وإن لبثت فيه فأنت طالق لم تطلق خرجت أو لبثت لأنه بجريانه يفارقها فإن قال لها ذلك وهي في ماء راكد فخلاصه من الحنث أن تحمل منه فورا
ولو قال لها إن أرقت ماء هذا الكوز فأنت طالق وإن شربته أنت أو غيرك فأنت طالق ثم إن تركته فأنت طالق فبلت به خرقة وضعتها فيه أو بلتها ببعضه أو شربت هي أو غيرها بعضه لم تطلق
ولو قال لها إن خالفت أمري فأنت طالق فخالفت نهيه كأن قال لها لا تقومي فقامت لم تطلق كما جزم به ابن المقري في روضه لأنها خالفت نهيه دون أمره قال في أصل الروضة وفيه نظر بسبب العرف
ولو قال لها إن خالفت نهيي فأنت طالق فخالفت أمره كأن قال قومي فرقدت طلقت كما جزم به ابن المقري في روضه أيضا لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده
قال في أصل الروضة على اللغة والعرف
ولو قال لها زنيت فأنكرت فقال إن كنت زنيت فأنت طالق طلقت حالا بإقراره السابق
ولو قيل لزان ( من لم تخبرني ) منكن ( بعدد ركعات فرائض اليوم والليلة ) فهي طالق ( فقالت واحدة ) منهن عدد ركعات فرائضها ( سبع عشرة ) ركعة بناء على الغالب ( و ) قالت ( أخرى ) أي ثانية منهن ( خمس عشرة أي يوم جمعة و ) قالت ( ثالثة ) منهن ( إحدى عشرة أي لمسافر لم يقع ) على واحدة منهن طلاق لصدق الكل نعم إن أراد أحد هذه الأيام عينا فالحلف على ما أراده
فروع لو قال لزوجته إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق فأذن لها وهي لا تعلم أو كانت مجنونة أو صغيرة فخرجت لم تطلق لأن إن لا تقتضي التكرار فصار كما لو قال إن خرجت مرة بغير إذني فأنت طالق وهذا بخلاف
ما لو قال إن خرجت لابسة ثوب حرير فأنت طالق فخرجت من غير ثوب حرير ثم خرجت لابسة ثوب حرير فإنها تطلق
والفرق أن خروجها بلا ثوب حرير لم تنحل به اليمين لعدم الصفة فحنث في الثاني بخلاف هذه
ولو أذن ثم رجع فخرجت بعد المنع لم يحنث لحصول الإذن وإن قال الشيخ أبو نصر فيه نظر
ولو قال كلما خرجت إلا بإذني فأنت طالق فأي مرة
____________________
(3/331)
خرجت بغير الإذن طلقت لأن كلما تقتضي التكرار كما مر وخلاصه من ذلك أن يقول لها أذنت لك أن تخرجي متى شئت أو كلما شئت
ولو قال لها إن خرجت لغير الحمام فأنت طالق فخرجت إليه ثم عدلت لغيره لم تطلق لأنها لم تخرج إلى غيره بخلاف ما لو خرجت لغيره ثم عدلت إليه
ولو خرجت لهما فوجهان أحدهما وصححه في الروضة هنا أنها تطلق لأنها خرجت لغير الحمام كما لو قال لها إن كلمت زيدا وعمرا والثاني أنها لا تطلق كما في المهمات وهو المعروف المنصوص وقد قال في الروضة في الأيمان الصواب الجزم به وعلله الرافعي بأن المفهوم من اللفظ المذكور الخروج لمقصود أجنبي عن الحمام وهذا الحمام مقصود بالخروج
وقد حاول شيخنا بين ما هنا وما في الأيمان بأن ما هناك محمول على ما إذا قصد بحلفه لهما خروج لغير الحمام فقط وهذا أولى من التناقض
ولو حلف لا يخرج من البلد إلا مع امرأته فخرجا لكنه تقدم عليها بخطوات أو حلف لا يضر بها إلا بموجب فشتمته فضربها بسوط مثلا لم تطلق للعرف في الأولى ولضربه لها بموجب في الثانية إذ المراد فيها بالموجب ما تستحق الضرب عليه تأديبا
ولو حلف لا يأكل من مال زيد فأضافه أو نثر مأكولا فالتقطه أو خلط زاد بهما لم يحنث لأن الضيف يملك الطعام قبيل الازدراد والملتقط يملك الملقوط بالأخذ فالخلط في معنى المعاوضة
ولو حلف لا يدخل دار زيد ما دام فيها فانتقل منها وعاد إليها ثم دخل الحالف وهو فيها لم يحنث لانقطاع الديمومة بالانتقال منها نعم إن أراد كونه فيها فينبغي أن يحنث قاله الأذرعي
ولو قال لها إن لم تخرجي الليلة من داري فأنت طالق ثلاثا فخالعها بنفسها أو أجنبي في الليل وإن تمكنت قبله من الخروج ثم جدد نكاحها أو لم يجدده وإن لم تخرج لم تطلق قال الرافعي لأن الليل كله محل اليمين ولم يمض الليل كله وهي زوجة له
وقد تقدم أن ابن الرفعة أفتى بأنه لا يتخلص بذلك فيما لو حلف لأفعلن كذا في مدة كذا بعد أن أفتى بخلافه وقال تبين لي أنه خطأ ورد عليه البلقيني
وقال إن الصواب ما أفتى به أولا
وهو ظاهر كلام الأصحاب فليكن هو المفتى به
( ولو قال ) لها ( أنت طالق إلى حين أو ) إلى ( زمان ) أي بعد كل منهما ف إلى في كلامه بمعنى بعد ( أو بعد حين ) أو زمان ( طلقت بمضي لحظة ) لأن ذلك يقع على المدة الطويلة والقصيرة قال تعالى { حين تمسون وحين تصبحون } وقال تعالى { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } قيل أراد تسعة أشهر وقيل أربعين سنة وقيل مائة وعشرين سنة وقيل ستمائة سنة وهي التي بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم
فإن قيل لو قال والله لأقضينك حقك إلى حين لم يحنث بمضي لحظة فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الطلاق إنشاء ولأقضين وعد فيرجع فيه إليه
تنبيه العصر والدهر هو الزمن كما قاله الجوهري والوقت والآن والحقب بفتح القاف كالزمان والحين فيما مر كما قاله الأصحاب وإن استبعده الإمام والغزالي أما الحقب بضم القاف فهو ثمانون سنة
فروع لو حلف لا صمت زمانا حنث بالشروع في الصوم كما لو حلف لا صمت
ولو حلف ليصومن أزمنة كفاه صوم يوم لاشتماله على أزمنة
ولو حلف ليصومن الأيام كفاه ثلاثة منها
ولو قال لزوجته إن كان الله يعذب الموحدين فأنت طالق لم تطلق إلا أن يريد إن كان يعذب أحدا منهم
ولو اتهمته زوجته باللواط فحلف لا يأتي حراما حنث بكل محرم
ولو قال إن خرجت من الدار فأنت طالق ثم قال ولا تخرجين من الصفة أيضا لغا الأخير لأنه كلام مبتدأ ليس فيه صيغة تعليق ولا عطف
ولو قال لها أنت طالق في البحر
أو في مكة أو في الظل أو نحو ذلك مما لا ينتظر طلقت في الحال إن لم يقصد التعليق
( ولو علق ) الطلاق ( برؤية زيد ) مثلا ك إن رأيته فأنت طالق ( أو لمسه وقذفه ) ك إن لمسته أو قذفته فأنت طالق ( تناوله ) التعليق ( حيا وميتا ) فيحنث برؤية الميت ومس بشرته لصدق الاسم في الميت كما في الحي ولهذا يحد قاذفه وينتقض وضوء ماسه
وخرج بالبشرة مسه بحائل ومس شعره وظفره وسنه ويكفي
____________________
(3/332)
في الرؤية رؤية شيء من بدنه ولو غير وجهه ولو رأته وهي سكرى أو وهو سكران ولو كان المرئي في ماء صاف وزجاج شفاف لا خيال فيهما طلقت لوجود الوصف بخلاف ما لو رأته وهي نائمة أو وهو متزر بثوب أو ماء كدر أو زجاج كثيف أو نحوه أو برؤيتها خياله في المرآة
نعم لو علق برؤيتها وجهها فرأته في المرآة طلقت إذ لا يمكنها رؤيته إلا كذلك صرح به القاضي في فتاويه فيما لو علق برؤيته وجهه
ويعتبر مع ما ذكر صدق رؤية كله عرفا فقد قال المتولي بعد ذكره ما مر أما لو أخرج يده أو رجله من كوة فرأت ذلك العضو منه لم تطلق لأن الاسم لا يصدق عليه فإن كانت عمياء وأيس من برئها عادة كمن تراكم على عينيها البياض أو عاريا أو ولدت عمياء فتعليق بمستحيل
ولو علق برؤيتها الهلاك حمل على العلم به ولو برؤية غيرها له أو بتمام العدد فتطلق بذلك لأن العرف يحمل ذلك على العلم وعليه حمل خبر صوموا لرؤيته بخلاف رؤية زيد مثلا فقد يكون الغرض زجرها عن رؤيته
وعلى اعتبار العلم يشترط الثبوت عند الحاكم كما في الخبر السابق أو تصديق الزوج كما قاله ابن الصباغ وغيره
ولو أخبره به صبي أو عبد أو امرأة أو فاسق وصدقه فالظاهر كما قال الأذرعي مؤاخذته
ولو قال أردت بالرؤية المعاينة صدق بيمينه
نعم إن كان التعليق برؤية عمياء فلا يصدق لأنه خلاف الظاهر لكن يدين فإذا قبلنا التفسير بالمعاينة ومضى ثلاث ليال ولم تر فيها الهلال من أول شهر تستقبله انحلت يمينه لأنه لا يسمى بعدها هلالا
( بخلاف ضربه ) إذا علق الطلاق به ك إن ضربت زيدا فأنت طالق فضربته وهو ميت لانتفاء الألم أو وهو حي طلقت بضربه بسوط أو وكز أو نحو ذلك إن آلم المضروب كما في الروضة ولو مع حائل
بخلاف ما إذا لم يؤلمه أو عضه أو قطع شعره أو نحو ذلك فإنه لا يسمى ضربا
فإن قيل قد صرحوا في الأيمان بعدم اشتراط الإيلام فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك
أجيب بأن الأيمان مبناها على العرف ويقال في العرف ضربه فلم يؤلمه
فروع لو علق بتكليمها زيدا فكلمته وهو مجنون أو سكران سكرا يسمع معه ويتكلم وكذا إن كلمته وهي سكرى لا السكر الطافح طلقت لوجود الصفة ممن يكلم غيره ويكلم هو عادة فإن كلمته في نوم أو إغماء منه أو منها أو كلمته وهي مجنونة أو كلمته بهمس وهو خفض الصوت بالكلام حيث لا يسمعه المخاطب أو نادته من مكان لا يسمع منه فإن فهمه بقرينة أو حملته ريح إليه وسمع لم تطلق لأن ذلك لا يسمى كلاما عادة
وإن كلمته بحيث يسمع لكنه لا يسمع لذهول منه أو لشغل أو لغط ولو كان لا يفيد معه الإصغاء طلقت لأنها كلمته وعدم السماع لعارض وإن كان أصم فكلمته فلم يسمع لصمم بحيث لو لم يكن أصم لسمع فقيل يقع لأنها كلمته بحيث يسمع وإن تعذر السماع لأمر به فأشبه شغل قلبه وصحح هذا الرافعي في الشرح الصغير وجزم به في أصل الروضة في كتاب الجمعة ونقله المتولي ثم عن النص وقال الزركشي تتعين الفتوى به وقيل لا تطلق لأنها لم تكلمه عادة فهو في حقه كالهمس وبهذا صرح المصنف في تصحيحه وجرى عليه ابن المقري في روضه
هذا والأوجه كما قال شيخنا حمل الأول على من يسمع مع رفع الصوت والثاني على من لم يسمع مع رفعه وهذا أولى من تضعيف أحد الوجهين
ولو قال إن كلمت نائما أو غائبا عن البلد مثلا فأنت طالق لم تطلق لأنه تعليق بمستحيل كما لو قال إن كلمت ميتا أو حمارا
ولو قال إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمت حائطا مثلا وهو يسمع فوجهان أصحهما أنها لا تطلق لأنها لم تكلمه
والثاني تطلق لأنه المقصود بالكلام دون الحائط ولو قال إن كلمت رجلا فأنت طالق فكلمت أباها أو غيره من محارمها أو زوجها طلقت لوجود الصفة فإن قال قصدت منعها من مكالمة الرجال الأجانب قبل منه لأنه الظاهر
ولو قال إن كلمت زيدا أو عمرا فأنت طالق طلقت بتكليم أحدهما وانحلت اليمين فلا يقع بتكليم الآخر شيء أو إن كلمت زيدا وعمرا فأنت طالق لم تطلق إلا بكلامهما معا أو مرتبا أو إن كلمت زيدا ثم عمرا أو زيدا فعمرا اشترط تكليم زيد أولا وتكليم عمرو بعده متراخيا في الأولى وعقب كلام زيد في الثانية
تنبيه الأصحاب إلا الإمام والغزالي يميلون في التعليق إلى تقديم الوضع اللغوي على العرف الغالب لأن العرف
____________________
(3/333)
لا يكاد ينضبط كما مر في إن لم تميزي نواي من نواك فإن معناه الوضعي التفريق ومعناه العرفي التعيين
هذا إن اضطرب العرف فإن اطرد عمل به لقوة دلالته حينئذ وعلى الناظر التأمل والاجتهاد فيما يستفتى فيه نقله الرافعي عن الغزالي وأقره
ولا يختص بقول الغزالي بل يأتي على قول غيره
ومنه ما يأتي في الخسيس على قول المصنف ويشبه الخ
ثم شرع في بيان أوصاف تجري في مخاصمة الزوجين ويعلق عليها الطلاق فقال ( ولو خاطبته ) زوجته ( بمكروه ) من القول ( كيا سفيه يا خسيس فقال ) لها ( إن كنت كذاك ) أي سفيها أو خسيسا ( فأنت طالق إن أراد ) بذلك ( مكافأتها بإسماع ما تكره ) أي إغاظتها بالطلاق كما أغاظته بالشتم المكروه والمعنى إن كنت كذلك في زعمك فأنت طالق ( طلقت ) حالا ( وإن لم يكن سفه ) أو خسة ( أو ) أراد ( التعليق اعتبرت الصفة ) كما هو سبيل التعليقات فإن لم تكن موجودة لم تطلق
( وكذا ) تعتبر الصفة ( إن ) أطلق بأن ( لم يقصد ) شيئا ( في الأصح ) نظرا لوضع اللفظ فلا تطلق عند عدمها
والثاني لا تعتبر الصفة حملا على المكافأة اعتبارا بالعرف
وهذا هو الخلاف في أنه يراعى الوضع أو العرف
( والسفه ) المعلق به كما هو في المحرر ( منافي إطلاق التصرف ) فهو صفة لا يكون الشخص معها مطلق التصرف وقد مر ذلك في بابه
قال الأذرعي والعرف في زمننا جار بأنه ذو اللسان الفاحش المواجه بما يستحيي منه غالب الناس فالوجه الحمل عليه لاسيما في العامي الذي لا يعرف السفه من غيره وقد تدل قرينة على إرادة ذلك بأن خاطبها بما فيه فحش من القول فخاطبته بذلك مشيرة إلى ما صدر منه اه
والمتجه أن السفيه يرجع فيه إلى ما قاله المصنف لا إلى ما قاله الأذرعي إلا إن ادعاه وكان هناك قرينة وأما العاصي فيرجع فيه إلى ما قاله وإن لم توجد قرينة
( والخسيس قيل ) أي قال العبادي معناه أنه ( من باع دينه بدنياه ) أي ترك دينه لاشتغاله بدنياه
قال وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره
وقال الرافعي تفقها من نفسه نظرا للعرف
( ويشبه أن يقال ) في معنى الخسيس ( هو من يتعاطى غير لائق به بخلا ) بما يليق به بخلاف من يتعاطاه تواضعا
والقواد من يجمع بين الرجال والنساء جمعا حراما إن كن غير أهله قال ابن الرفعة وكذا من يجمع بينهم وبين المرد
والقرطبان من يسكت على الزاني بامرأته وفي معناه محارمه ونحوهن والديوث بالمثلثة من لا يمنع الداخل على زوجته من الدخول قال الأذرعي ويشبه أن محارمه وإماءه كزوجته للعرف
وقليل الحمية من لا يغار على أهله ومحارمه ونحوهن
والقلاش الذواق للطعام كمن يريد أن يشتري ولا يريد الشراء
والبخيل مانع الزكاة ومن لا يقري الضيف فكل منهما بخيل
ومن قيل له يا زوج القحبة فقال إن كانت زوجتي كذا فهي طالق طلقت إن قصد التخلص من عارها كما لو قصد المكافأة وإلا اعتبرت الصفة
والقحبة هي البغي
والجهود وري من قام به الذلة والخساسة وقيل من قام به صفرة الوجه فعلى الأول إذا علق الطلاق به المسلم لم تطلق لأنه لا يوصف بها فإن قصد المكافأة بها طلقت في الحال
والكوسج من قل شعر وجهه وعدم شعر عارضيه
والأحمق من يفعل الشيء في غير موضعه مع علمه بقبحه وقيل من لا ينتفع بعقله وقيل من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه
والغوغاء من يخالط الأراذل ويخاصم الناس بلا حاجة
والسفلة من يعتاد دنيء الأفعال لا نادرا
فإذا وصفت زوجها بشيء من ذلك فقال لها إن كنت كذلك فأنت طالق فإن قصد مكافأتها طلقت في الحال وإلا اعتبر موجود الصفة
ولو قالت له كم تحرك لحيتك فقد رأيت مثلها كثيرا فقال لها إن كنت رأيت مثلها كثيرا فأنت طالق فهذه اللفظة في مثل هذا المقام كناية عن الرجولية والفتوة ونحوها وإن حمل اللفظ على المكافأة طلقت وإلا اعتبرت وجود الصفة
ولو قالت له أنا أستنكف منك فقال كل امرأة تستنكف مني
____________________
(3/334)
فهي طالق فظاهره المكافأة فتطلق حالا إن لم يقصد التعليق
فروع لو قالت لزوجها المسلم أنت من أهل النار فقال لها إن كنت من النار فأنت طالق لم تطلق لأنه من أهل الجنة ظاهرا فإن ارتد ومات مرتدا بأن وقوع الطلاق
فإن قالت ذلك لزوجها الكافر فقال لها ذلك طلقت لأنه من أهل النار ظاهرا فإن أسلم بأن عدم الطلاق فإن قصد الزوج في الصورتين المكافأة طلقت في الحال
ولو قال المسلم إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق لم تطلق إن مات مسلما وإن أذنب وإلا تبين وقوعه
ولو حلف شافعي وحنفي كل منهما أن إمامه أفضل من الآخر لم يحنث تشبيها بمسألة الغراب ولأن كلا من الإمامين قد يعلم ما لا يعلمه الآخر
ولو حلف سني إن أبا بكر أفضل من علي وعكس الرافضي حنث لقيام الأدلة على أفضلية أبي بكر
ولو حلف السني أن الخير والشر من الله تعالى وحلف المعتزلي أنهما من العبد حنث لقيام الأدلة أنهما من الله
وسئل بعضهم عن الحنبلي يقول إن لم يكن الله على العرش فامرأتي طالق وعكس الأشعري فقال أراد الحنبلي المعني الذي ورد به القرآن لم تطلق امرأته
خاتمة لو قال لزوجته إن أبرأتني من دينك فأنت طالق فابرأت براءة صحيحة وقع الطلاق بائنا بخلاف ما لو قال لغيرها إن أبرأتني من دينك فزوجتي طالق فابرأته براءة صحيحة وفع الطلاق رجعيا لأنه تعليق محض ولو قال لزوجته إن فعلت معصية فأنت طالق لم تطلق بترك الطاعة كالصوم والصلاة لأنه ترك وليس بفعل
ولو وطىء زوجته ظانا أنها أمته فقال إن لم تكوني أحلى من زوجتي فأنت طالق طلقت في أحد وجهين يظهر ترجيحه تبعا لميل الإسنوي له لوجود الصفة لأنها هي الزوجة فلا تكون أحلى من نفسها والوجه الثاني أنها لا تطلق لظنه أنه يخاطب غيرها
ولو قال إن وطئت أمتي بغير إذن زوجتي فهي طالق فاستأذنها فقالت له طأها في عينها لم يكن إذنا قال الأذرعي إلا إن دل الحال على الإذن في الوطء كان إذنا وقولها عينها يكون توسعا له في الإذن لا تخصيصا
ولو قال لزوجته إن دخلت البيت ووجدت فيه شيء من متاعك ولم أكسره على رأسك فأنت طالق فوجد في البيت هاونا لم تطلق كما جزم به الخوارزمي ورجحه الزركشي للاستحالة وقيل تطلق قبل موته أو موتها لليأس
ولو قال لها إن غسلت ثوبي فأنت طالق فغسله غيرها ثم غمسته هي في الماء تنظيفا له لم تطلق لأن الغرض في مثل ذلك الغسل بالصابون ونحوه كالأشنان وإزالة الوسخ
ولو قال لها إن قبلت ضرتك فأنت طالق فقبلها ميتة لم تطلق بخلاف تعليقه بتقبيل أمه فإنها تطلق بتقبيلها ميتة إذ قبلة الزوجة قبلة شهوة ولا شهوة بعد الموت والأم لا فرق فيها بين الموت والحياة لأن قبلتها قبلة شفقة وكرامة
أكرمنا الله سبحانه وتعالى وجميع أهلنا ومشايخنا وأصحابنا بالنظر إلى وجهه الكريم
كتاب الرجعة بفتح الراء أفصح من كسرها عند الجوهري والكسر أكثر عند الأزهري
وهي لغة المرة من الرجوع وشرعا رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة على وجه مخصوص كما يؤخذ مما سيأتي
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } أي في العدة { إن أرادوا إصلاحا } أي رجعة كما قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه وقوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } والرد والإمساك مفسرا بأنه الرجعة وقوله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل فقال راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر مره فليراجعها كما مر
وأركانها ثلاثة مرتجع وصيغة وزوجة فأما الطلاق فهو سبب لا ركن من أركانها
وقد شرع في بيان الركن الأول فقال و ( شرط المرتجع أهلية
____________________
(3/335)
النكاح بنفسه ) بأن يكون بالغا عاقلا مختارا غير مرتد لأن الرجعة كإنشاء النكاح فلا تصح الرجعة في الردة والصبا والجنون ولا من مكره كما لا يصح النكاح فيها
تنبيه الاحتراز عن الصبي فيه تجوز فإنه لا يتصور وقوع طلاقه حتى يقال لا تصح رجعته وتصح من السكران المتعدي بسكره
فإن قيل يرد على هذا المحرم فإنه تصح رجعته ولا يصح نكاحه
أجيب بأن فيه الأهلية وإنما الإحرام مانع ولهذا لو طلق من تحته حرة وأمة الأمة صحت رجعته لها مع أنه ليس أهلا لنكاحها لأنه أهل للنكاح في الجملة وتصح مراجعة العبد والسفيه بلا إذن وإن احتاجا في النكاح إليه إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء
قال الزركشي لو عتقت الرجعية تحت عبد كان له الرجعة قبل اختيارها
( ولو طلق فجن فللولي الرجعة على الصحيح حيث له ابتداء النكاح ) بناء على جواز التوكيل في الرجعة وهو الصحيح
فإن قيل مقتضى تعبيره أن في المسألة وجهين للأصحاب مع أن ما صححه المصنف منهما ليس بوجه بل هو بحث للرافعي جزم به الجيلي
أجيب باحتمال وقوف المصنف على نقل الوجهين
ثم شرع في الركن الثاني وهو الصيغة وفي انقسامها إلى صريح وكناية فقال ( وتحصل ) الرجعة من ناطق ( براجعتك ورجعتك وارتجعتك ) وهذه الثلاثة صريحة لشيوعها وورود الأخبار بها
ويلحق بها كما في التتمة ما اشتق من لفظها كقوله أنت مراجعة أو مرتجعة أو مسترجعة أو نحو ذلك
وتحصل الرجعة بمعنى هذه الألفاظ وما بعدها من سائر اللغات سواء أعرف العربية أم لا وسواء أضاف إليه أو إلى نكاحه كقوله إلى أو إلى نكاحي أم لا لكنه يستحب
تنبيه لا يكفي مجرد راجعت أو ارتجعت أو نحو ذلك بل لا بد من إضافة ذلك إلى مظهر كراجعت فلانة أو مضمر كراجعتك أو مشار إليه كراجعت هذه
( والأصح أن الرد والإمساك ) كرددتك أو أمسكتك وفي لغة قليلة مسكتك ( صريحان ) في الرجعة أيضا لورودهما في القرآن قال تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } أي في العدة { إن أرادوا إصلاحا } 1 أي رجعة كما قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه
وقال تعالى { فأمسكوهن بمعروف }
والثاني أنهما كنايتان لعدم اشتهارهما في الرجعة
( و ) الأصح ( أن التزويج والنكاح ) في قول المرتجع تزوجتك أو نكحتك ( كنايتان ) وإن جوز العقد على صورة الإيجاب والقبول كما صرح به في البيان وغيره لعدم اشتهارهما في الرجعة ولأن ما كان صريحا في بابه لا يكون صريحا في غيره كالطلاق والظهار
والثاني هما صريحان لأنهما صالحان للابتداء فلأن يصلحا للتدارك أولى
( وليقل ) أي المرتجع ( رددتها إلي أو إلى نكاحي ) حتى يكون صريحا
وظاهر كلامه أن هذا شرط وهو كذلك كما في الروضة كأصلها وجرى عليه ابن المقري خلافا لابن الرفعة في عدم اشتراطه لأن المتبادر منه إلى الفهم ضد القبول
وقد يفهم منه الرد إلى الأبوين بسبب الفراق فلزم تقييده بذلك بخلاف البقية
( والجديد ) وعبر في الروضة بالأظهر ( أنه لا يشترط ) في الرجعة ( الإشهاد ) بها لأنها في حكم استدامة النكاح السابق ولذلك لا يحتاج إلى الولي ورضا المرأة والقديم المنصوص عليه في الجديد أنه يشترط لا لكونها بمنزلة ابتداء النكاح بل لظاهر قوله تعالى { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم } أي على الإمساك الذي هو بمعنى الرجعة
وأجاب الأول يحمل ذلك على الاستحباب كما في قوله تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } للأمن من الجحود
وإنما وجب الاشهاد على النكاح لإثبات الفراش وهو ثابت هنا فإن لم يشهد استحب الإشهاد عند إقرارها بالرجعة خوف جحودها فإن إقراره بها في العدة مقبول لقدرته على الإنشاء
وعلى الجديد ( فتصح ) الرجعة ( بكناية ) ولهذا أتى بقاء التفريع لأنه مستقل بها كالطلاق
وعلى مقابله لا بناء على أنها في حكم الابتداء
____________________
(3/336)
تنبيه هل الكتابة بالتاء الفوقية كالكناية أو لا مقتضى كلام الشيخين الأول وهو المعتمد والذي جرى عليه الجمهور أنها لا تصح إلا باللفظ من القادر نبه على ذلك الزركشي
ولعل ذلك جرى على الغالب فإن قولهم يصح بالصريح وبالكناية صريح في الأول أما الأخرس فتصح منه بالإشارة المفهمة فإن فهمها كل أحد فصريحة أو فطنون فقط فكناية وبالكتابة بالفوقية لعجزه فلا يتأتى فيه الخلاف المتقدم
ولا يشترط رضا الزوجة ولا رضا وليها ولا سيدها إذا كانت أمة ويسن إعلام سيدها
( و ) لا تسقط الرجعة بالإسقاط و ( لا تقبل تعليقا ) ولا تأقيتا كالنكاح فلو قال راجعتك إن شئت لم يصح بخلاف نظيره في البيع لأن ذلك مقتضاه بخلافه هنا ولا يضر راجعتك إن شئت أو أن شئت بفتح الهمزة لأن ذلك تعليل لا تعليق فينبغي كما قاله الأذرعي أن يفرق بين النحوي وغيره ويستفسر الجاهل بالعربية وإن قال راجعتك شهرا أو زمنا لم يصح لما مر
تنبيه لو قال لرجعية متى راجعتك فأنت طالق أو قال لمن في نكاحه متى طلقتك وراجعتك فأنت طالق وراجعها صح الارتجاع وطلقت ولو قال راجعتك للضرب أو للإكرام أو نحو ذلك لم يضر في صحة الرجعة إن قصدهما أو أطلق لا إن قصد ذلك دون الرجعة فيضر فيسئل احتياطا لأنه قد يتبين ما لا تحصل به الرجعة فإن مات قبل السؤال حصلت الرجعة لأن اللفظ صريح
( ولا تحصل ) الرجعة بإنكار الزوج طلاقها لعدم دلالته عليها ولا ( بفعل كوطء ) ومقدماته وإن نوى بذلك الرجعة لتقدم دلالته عليها كما لا يحصل به النكاح ولأن الوطء يوجب العدة فكيف يقطعها نعم وطء الكافر ومقدماته إذا كان ذلك عندهم رجعة وأسلموا وترافعوا إلينا فنقرهم كما نقرهم على الأنكحة الفاسدة بل أولى وقد يرد على المصنف الكتابة فإنها من جملة الكنايات كما مر وهي فعل
ثم شرع في الركن الثالث وهي الزوجة فقال ( وتختص الرجعة بموطوءة ) لأنه لا عدة على غيرها والرجعة إنما تثبت في العدة قال تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } أي في التربص المفهوم من قوله { يتربصن } 1
تنبيه شمل إطلاقه الوطء في القبل وكذا في الدبر بناء على أنه يوجب العدة وهو الأصح لكن يخرج منه من استدخلت ماء الزوج المحترم مع أن الأصح أنه يوجب العدة وتثبت به الرجعة كما جزم به في الروضة في باب مثبتات الخيار في الكلام على العنة وإن صحح فيها في باب موانع النكاح عدم ثبوتها وقال الأذرعي إنه الصحيح
وتخرج الخلوة أيضا وهو كذلك بناء على المذهب من أنه لا عدة بها
( طلقت ) فالمفسوخ نكاحها لا رجعة فيها لأن الله تعالى أناطها بالطلاق فاختصت به
ولا بد أن يكون ( بلا عوض ) لأن المطلقة به قد ملكت نفسها ( لم يستوف عدد طلاقها ) بخلاف ما إذا استوفى فإنه لا سلطنة له عليها ( باقية في العدة ) لقوله تعالى { فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } ولو كان حق الرجعة باقيا لما كان يباح لهن النكاح
تنبيه يدخل في كلامه ما إذا خالط الرجعية مخالطة الأزواج بلا وطء فإن العدة لا تنقضي ولا رجعة له بعد الأقراء أو الأشهر وأما إذا وطئها الزوج في العدة فإنها تستأنف ويدخل فيها البقية ولا يراجع إلا في البقية كما سيأتي
ويخرج منه ما إذا وطئت بشبهة فحملت ثم طلقها فإن له الرجعة في عدة الحمل على الأصح مع أنها ليست في عدته وسيأتي في هذه خلاف في العدد
ولو قال بدل قوله باقية لم تنقض عدتها لشمل هذه الصور اللهم إلا أن يحمل البقاء في كلامه على بقاء أصل العدة
( محل لحل ) أي قابلة للحل للمراجع فلو أسلمت الكافرة واستمر زوجها وراجعها في كفره لم يصح
( لا مرتدة ) فلا تصح رجعتها لأن مقصود الرجعة الحل والرد ينافيه وكذا لو ارتد الزوج أو ارتدا معا وضابط ذلك انتقال أحد الزوجين إلى دين يمنع دوام النكاح
تنبيه لا يرد على المصنف رجعة المحرمة فإنها صحيحة مع عدم إفادة رجعتها حل الوطء لأن المراد قبول نوع من الحل وقد أفادت حل الخلوة
وبقي من شروط المرتجعة كونها معينة فلو طلق إحدى زوجتيه وأبهم ثم راجع
____________________
(3/337)
أو طلقهما جميعا ثم راجع إحداهما لم تصح الرجعة إذ ليست الرجعة في احتمال الإبهام كالطلاق لشبهها بالنكاح وهو لا يصح مع الإبهام ولو تعينت ونسيت لم تصح
ولو علق طلاقها على شيء وشك في حصوله فراجع ثم علم أنه كان حاصلا ففي صحة الرجعة وجهان أصحهما كما قاله شيخ المصنف الكمال سلار في مختصر البحر أنها تصح رجعتها أيضا في الأصح
( وإذا ادعت ) المعتدة البالغة العاقلة ( انقضاء عدة أشهر ) كأن تكون آيسة ( وأنكر ) زوجها ذلك ( صدق بيمينه ) لرجوع ذلك إلى الاختلاف في وقت طلاقه والقول قوله فيه فكذا في وقته لأن القاعدة أن من قبل قوله في شيء قبل قوله في صفته
ولو انعكست الصورة بأن ادعى الانقضاء وأنكرت صدقت بيمينها كما في الروضة وأصلها لأنها غلظت على نفسها كذا قالاه قال الإسنوي وهذا بالنسبة لتطويل العدة خاصة وأما النفقة في المدة الزائدة على ما يقوله الزوج فلا تستحقها كما قاله صاحب الشامل والكافي وحكاه في البحر عن نص الإملاء أما الصغيرة والمجنونة فلا يقع الاختلاف معهما لأنه لا حكم لقولهما
( أو ) لم تدع انقضاء أشهر بل ادعت ( وضع حمل ) حي أو ميت كامل أو ناقص ولو مضغة ( لمدة إمكان ) وسيأتي بيانها قريبا
( وهي ممن يحيض لا آيسة فالأصح تصديقها بيمين ) منها في وضع الحمل المذكور فيما يرجع لانقضاء العدة فقط لأن النساء مؤتمنات على ما في أرحامهن ولأن البينة على الولادة قد تتعسر أو تتعذر
والثاني لا وتطالب بالبينة لأنها مدعية والغالب أن القوابل يشهدن بالولادة أما النسب والاستيلاد كما في الأمة تدعي وضع الولد من سيدها فلا يثبت الوضع بالنسبة لذلك إلا ببينة كما قاله الرافعي وغيره وفرق بأن المرأة غير مؤتمنة في النسب وبأن الأمة تدعي بالولادة زوال ملك متيقن ولا بد من انفصال كل الحمل حتى لو خرج بعضه فراجعهما صحت الرجعة
ولو ولدت ثم راجعها ثم ولدت آخر لدون ستة أشهر صحت الرجعة وإلا فلا
واحترز بقوله مدة إمكان عما إذا لم يكن كما سيأتي وبقوله وهي ممن تحيض عن الآيسة والصغيرة كما صرح بها المصنف فلا يصدقان في دعوى الوضع كما صرح بها في المحرر وأسقطها المصنف لأنه لا يقع الاختلاف معها كما مر كذا قال الرافعي
ومن لم تحض لأن من لا تحيض لا تحبل كذا قاله هنا لكنه ذكر في العدد ما يفهم إمكان الحبل فيها وهو المعتمد فيحمل كلامه هنا على الغالب
وأما مدة الإمكان فبينها بقوله ( وإن ادعت ولادة تام فإمكانه ) أي أقل مدة تمكن فيها ولادته ( ستة أشهر ولحظتان من وقت ) إمكان اجتماع الزوجين بعد ( النكاح ) كما قاله في الروضة لأن النسب يثب بالإمكان
واعتبرت الستة لأنها أقل مدة الحمل كما استنبطه الإمام علي رضي الله تعالى عنه من قوله تعالى { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وقال { وفصاله في عامين } واللحظتان لحظة للوطء ولحظة للولادة
( أو ) ولادة ( سقط مصور فمائة ) أي فأقل إمكانه مائة ( وعشرين يوما ولحظتان ) من وقت إمكان اجتماع الزوجين بعد العقد ( أو ) لم تدع المعتدة وضع حمل بل ادعت إلقاء ( مضغة بلا صورة ) وشهد القوابل بأنها أصل آدمي ( فثمانون ) أي فأقل إمكانه ثمانون ( يوما ولحظتان ) من وقت إمكان الاجتماع
ودليل هذين القسمين خبر الصحيحين إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد واستشكل هذا الحديث بخبر انفرد به مسلم وهو إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها الحديث وأجيب بأجوبة منها إن الخبر الأول أصح ومنها أن هذا من الترتيب الإخباري وهو أن يخبر بالمتوسط أو المؤخر أولى فلا يشترط فيه الترتيب فكأنه قال أخبركم بكذا ثم أخبركم بكذا
ومنها أن يحمل التصوير في الثاني على غير التام وفي الأول على التام
ومنها أن يحمل الثاني على التصوير بعد المدة المعتادة من الأول ولا يمنع منه فاء فصورها إذ التقدير فمضت مدة فصورها كما في قوله تعالى { فجعله غثاء أحوى } فإن ادعت الوضع أي في أي قسم لأقل مما ذكر فيه لم تصدق وكان للزوج رجعتها
____________________
(3/338)
فائدة لا ولد في الجنة أما ما رواه الترمذي من أن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان وضعه وحمله في ساعة كما يشتهي فمحمول على أنه لو اشتهاه لكان لكنه لم يشتهه
( أو ) ادعت المعتدة ( انقضاء ) مدة ( أقراء ) نظر فيها ( فإن كانت حرة وطلقت في طهر ) وهي معتادة ( فأقل الإمكان ) لانقضاء أقرائها ( إثنان وثلاثون يوما ولحظتان ) وذلك بأن تطلق وقد بقي لحظة من الطهر وهي قرء ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما وذلك قرءان ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر وذلك قرء ثالث ثم تطعن في الحيضة وهذه الحيضة ليست من العدة بل لاستيقان انقضائها فلا تصلح لرجعة ولا لغيرها من أثر النكاح المطلق كإرث وإن أوهم كلام المصنف خلافه
أما المبتدأة فأقل الإمكان فيها ثمانية وأربعون يوما ولحظة للطعن فإن الطهر الذي طلقت فيه ليس بقرء لأنه ليس بمحتوش بدمين ولا تعتبر لحظة أخرى لاحتمال طلاقها في آخر جزء من ذلك الطهر
( أو ) طلقت حرة ( في حيض ) وهي معتادة أو مبتدأة ( فسبعة ) أي فأقل إمكان انقضاء أقرائها سبعة ( وأربعون ) يوما ( ولحظة ) وذلك كأن يعلق طلاقها بآخر جزء من حيضها ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تطعن في الحيض وفي لحظة الطعن ما ذكرناه في المطلقة في الطهر ولا يحتاج هنا إلى تقدير لحظة في الأول لأن اللحظة هناك تحسب قرءا
( أو ) كانت ( أمة ) ولو مبعضة ( وطلقت في طهر ) وهي معتادة ( فسنة ) أي فأقل إمكان انقضاء أقرائها سنة ( عشر يوما ولحظتان ) وذلك بأن تطلق وقد بقي لحظة من الطهر فتحسب قرءا ثم تحيض بعدها يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تطعن في الدم لحظة يتبين بها تمام الطهر أما المبتدأة فأقل الإمكان فيها إثنان وثلاثون يوما ولحظة بناء على اشتراط الاحتواش وهو الراجح
( أو ) طلقت أمة ولو مبعضة في ( حيض ) وهي معتادة أو مبتدأة ( فأحد ) أي فأقل إمكان انقضاء أقرائها أحد ( وثلاثون ) يوما ( ولحظة ) وذلك كأن يعلق طلاقها بآخر جزء من حيضها ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تشرع في الحيض
والطلاق في النفاس كالطلاق في الحيض
تنبيه هذا كله في الذاكرة فلو لم تذكر هل كان طلاقها في حيض أو طهر قال الماوردي أخذت بالأقل وهو أنه طلقها في الطهر وقال شيخه الصيمري أخذت بالأكثر لأنها لا تخرج من عدتها إلا بيقين وهذا كما قال الأذرعي والزركشي هو الاحتياط والصواب
( وتصدق ) المرأة حرة كانت أو غيرها في دعوى انقضاء عدتها بأقل مدة الإمكان ( إن لم تخالف ) فيما ادعته ( عادة ) لها ( دائرة ) بأن لم يكن لها عادة مستقيمة في طهر وحيض أو كانت مستقيمة فيهما أو لم يكن لها عادة أصلا وذلك لقوله تعالى { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } ولأنه لا يعرف إلا من جهتها فصدقت عند الإمكان
فإن كذبها الزوج حلفت فإن نكلت حلف وثبت له الرجعة ( وكذا إن خالفت ) بأن كانت عادتها الدائرة أكثر من ذلك فادعت مخالفتها لما دونها مع الإمكان فتصدق ( في الأصح ) لأن العادة قد تتغير فإن كذبها الزوج حلفت ويأتي فيه ما مر
والثاني لا تصدق للتهمة وقال الروياني أنه المختار في هذا الزمان ولو مضى زمن العادة فادعت زائدا عليها فنقلا في أواخر العدة عن الإمام أن الذي يدل عليه كلام الأصحاب تصديقها وجها واحدا وعلى الزوج السكنى ثم أبديا فيه احتمالا لأنا لو صدقناها لربما تمادى في دعواها إلى سن اليأس وفيه إجحاف الزوج
( ولو وطىء ) الزوج ( رجعيته ) بهاء الضمير بخطه بشبهة أو غيرها ( واستأنفت الأقراء ) أو الأشهر ( من وقت ) فراغه من ( الوطء ) كما نقلاه في باب تداخل العدتين عن المتولي وأقراه وإن
____________________
(3/339)
اقتضى كلام المصنف أنه من ابتداء الوطء فإذا فرغ منه ( راجع فيما كان بقي ) من عدة الطلاق فإن وقع الوطء بعد قرءين ثبتت الرجعة في قرء واحد وإن كان بعد قرء فله الرجعة في قرءين لأن الرجعة تختص بعدة الطلاق فلا يراجع فيما زاد عليها بالوطء ولو قال واستأنفت العدة لكان أعم يشمل ما قدرته في كلامه
تنبيه لو أحبلها بالوطء راجعها ما لم تلد لوقوع عدة الوطء عن الجهتين كالباقي من الأقراء إلا أن ذلك يتبعض وعدة الحمل لا تتبعض وإن ولدت فلا رجعة لانقضاء العدة واعلم أن للرجعية حكم الزوجات في أشياء وتخالفهن في أشياء وقد شرع في القسم الثاني فقال ( ويحرم الاستمتاع بها ) بوطء وغيره حتى بالنظر ولو بلا شهوة كما يقتضيه كلام الروضة لأنها مفارقة كالبائن وإن اقتضى كلام الرافعي خلافه ولأن النكاح يبيح الاستمتاع فيحرمه الطلاق لأنه ضده
واحتجاج الحنفية على جواز الاستمتاع بها بتسميته بعلا وأنه يطلق منقوض بالمظاهر وزوج الحائض
( فإن وطىء ) الرجعية ( فلا حد ) عليه وإن كان عالما بالتحريم لاختلاف العلماء في إباحته ( ولا يعزر إلا معتقد تحريمه ) إذا كان عالما بالتحريم لإقدامه على معصية عنده بخلاف معتقد حله والجاهل بتحريمه لعذره ومثله في ذلك المرأة وكالوطء في التعزير سائر التمتعات
( ويجب ) بوطء الرجعية ( مهر مثل ) جزما ( إن لم يراجع ) لأنها في تحريم الوطء كالمتخلفة في الكفر فكذا في المهر
تنبيه ظاهر كلامهم وجوب مهر واحد ولو تكرر قال البلقيني لم نر من تعرض له
والقياس على ما ذكروه في الوطء في النكاح الفاسد ووطء الأب والشرك والمكاتب أنه لا يجب إلا مهر واحد
( وكذا ) يجب المهر ( إن راجع ) بعده ( على المذهب ) المنصوص
واستشكل إيجاب المهر بالوطء بأنه يؤدي إلى إيجاب مهرين في عقد واحد
وأجيب بأن المهر الثاني بوطء الشبهة لا بالعقد
والطريق الثاني لا يجب في قول مخرج من نفيه فيما إذا ارتدت بعد الدخول فوطئها الزوج ثم أسلمت في العدة أنه لا يجب مهر وخرج قول وجوبه من النص في وطء الرجعية والراجح تقرير النصين
والفرق أن أثر الردة يرتفع بالإسلام وأثر الطلاق لا يرتفع بالرجعة والحل بعدها كالمستفاد بعقد آخر
ثم شرع في القسم الأول فقال ( ويصح ) من الرجعية ( إيلاء فظهار ) إن حصلت الرجعة بعدهما كما سيأتي في بابهما ( وطلاق ) ولو بخلع معين أو مرسل ك زوجاتي طوالق فتدخل الرجعية فيهن على الأصح
( ولعان ) لبقاء الولاية عليها بملك الرجعية
( و ) الزوج والرجعية ( يتوارثان ) فيرث منهما الآخر
وتقدم مسألتنا التوارث والطلاق في الطلاق في فصل الأجنبية به وذكرها المصنف هنا تتميما لأحكام الرجعية وإشارة إلى قول الشافعي رضي الله عنه الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى أي آيات المسائل الخمس المذكورة
وسكت هنا عن وجوب نفقتها لذكره له في كتاب النفقات
تنبيه الرجعية على المختار في أصل الروضة مترددة بين الزوجة والأجنبية والترجيح بحسب ظهور دليل لأحدهما تارة وللآخر أخرى
قال في الروضة ونظيره القولان في أن النذر يملك به مسلك واجب الشرع أو جائزه في أن الإبراء إسقاط أو تمليك
ثم شرع في بيان الاختلاف في الرجعة فقال ( وإذا ادعى ) على رجعية ( والعدة منقضية ) هي جملة حالية ( رجعة فيها ) أي العدة ولم تنكح غيره ( فأنكرت ) نظرت ( فإن اتفقا على وقت الانقضاء ) لعدتها كيوم الجمعة ( وقال ) هو ( راجعت يوم الخميس فقالت ) هي ( بل السبت ) راجعتني فيه ( صدقت ) على الصحيح ( بيمينها ) أنها لا تعلمه راجع يوم الخميس لأن الأصل عدم الرجعة إلى يوم السبت
____________________
(3/340)
تنبيه مراد المصنف أنهما اتفقا على عدة ينقضي مثلها بأشهر أو أقراء أو حمل ولم يرد الاتفاق في حقيقة الانقضاء لأن دعوى الزوج الرجعة يوم الخميس مانع من إرادة حقيقة الاتفاق
( أو ) لم يتفقا على وقت الانقضاء بل ( على وقت الرجعة كيوم الجمعة وقالت ) هي ( انقضت الخميس وقال ) هو بل انقضت ( السبت صدق ) في الأصح ( بيمينه ) أنها ما انقضت الخميس لأن الأصل عدم انقضائها قبله وقيل هي المصدقة وقيل المصدق السابق بالدعوى
فإن تداعيا معا سقط هذا الوجه
( وإن تنازعا في السبق بلا اتفاق ) وعلى وقت رجعة أو انقضاء عدة ( فالأصح ترجيح سبق الدعوى ) لاستقرار الحكم بقول السابق
ثم بين السبق بقوله ( فإن ادعت ) أي سبقت وادعت ( الانقضاء ) لعدتها ( ثم ادعى رجعة ) لها ( قبله ) أي الانقضاء ( صدقت بيمينها ) أن عدتها انقضت قبل الرجعة وسقط دعوى الزوج لأنهما اتفقا على الانقضاء واختلفا في الرجعة والأصل عدمها واعتضد دعواها بالأصل
( أو ادعاها ) أي سبق وادعى رجعتها ( قبل انقضاء ) لعدتها ( فقالت ) بل راجعتني ( بعده ) أي انقضاء العدة ( صدق ) بيمينه أنه راجعها قبل انقضائها لأنهما اتفقا على الرجعة واختلفا في الانقضاء واعتضد دعواه بالاتفاق والأصل عدم الانقضاء
تنبيه ما ذكر من إطلاق تصديق الزوج جرى عليه في الروضة كالشرح الصغير وقيده الرافعي في الشرح الكبير عن جمع بما إذا تراخى كلامها عنه فإن اتصل به فهي المصدقة وما نقله البلقيني عن النص واعتمده من أن القول قولها فيما إذا سبقها الزوج محمول على ما إذا لم يتراخ كلامها عن كلامه فلا ينافي ما مر
فإن قيل قد ذكرا في الروضة وأصلها في العدد ما يخالف ما ذكر في المتن وهو فيما إذا ولدت وطلقها واختلفا في المتقدم منهما فقال ولدت قبل الطلاق فلي الرجعة وقالت بعده نظر إن اتفقا على وقت الولادة صدق الزوج بيمينه وإن اتفقا على وقت الطلاق صدقت بيمينها وإن لم يتفقا على شيء بل قال كانت الولادة قبل الطلاق وادعت العكس صدق بيمينه مع أن مدرك البابين واحد وهو التمسك بالأصل
أجيب عن الشق الأول بأنه لا مخالفة فيه بل عمل بالأصل في الموضعين وإن كان المصدق في أحدهما غيره في الآخر وعن الثاني بأنهما هنا اتفقا على انحلال العصمة قبل انقضاء العدة وثم لم يتفقا عليه قبل الولادة فتقوى فيه جانب الزوج
وهل المراد سبق الدعوى عند حاكم أو لا قال ابن عجيل نعم وقال إسماعيل الحضرمي يظهر من كلامهم أنهم لا يريدونه وهذا هو الظاهر كما قاله الزركشي
( قلت ) كالرافعي في الشرح
( فإن ادعيا معا ) كأن قال راجعتك فقالت في زمن هذا القول انقضت عدتي ( صدقت ) بيمينها ( والله أعلم ) لأن الانقضاء غالبا لا يعلم إلا منها
فإن اعترفا بترتيبهما وأشكل السابق صدق الزوج بيمينه لأن الأصل بقاء العدة وولاية الرجعة والورع تركها
أما إذا نكحت غيره وادعى مطلقها تقدم الرجعة على انقضاء العدة فله الدعوى بها عليها
وهل له الدعوى على الزوج لأنها في حياله وفراشه أولا لما مر فيما إذا زوجها وليان من اثنين فادعى أحد الزوجين على الآخر سبق نكاحه فإن دعواه لا تسمع عليه الأوجه الأول كما جرى عليه ابن المقري وأجيب عن القياس بأنهما هنا متفقان على أنها كانت زوجة للأول بخلافهما ثم وعلى هذا تارة يبدأ بالدعوى عليها وتارة عليه فإن أقام بينة بمدعاه انتزعها سواء بدأ بها أم به وإن لم يكن معه بينة وبدأ بها في الدعوى فأنكرت فله تحليفها فإن حلفت سقطت دعواه وإن أقرت له لم يقبل إقرارها على الثاني ما دامت في عصمته لتعلق حقه بها فإن زال حقه بنحو موت سلمت للأول وقبل زوال حق الثاني يجب عليها للأول مهر مثلها للحيلولة بخلاف ما لو كانت في حيال رجل فادعى زوجيتها آخر فأقرت له به وقالت كنت طلقتني فإنه يقبل إقرارها له وتنزع له إن حلف أنه لم يطلقها
والفرق اتفاق الزوجين في الأولى على الطلاق والأصل عدم الرجعة بخلاف الثانية
نعم إن أقرت أولا بالنكاح للثاني
____________________
(3/341)
أو أذنت فيه لم تنزع منه كما لو نكحت رجلا بإذنها ثم أقرت برضاع محرم بينهما لا يقبل إقرارها
وإن بدأ بالزوج في الدعوى فأنكر صدق بيمينه لأن العدة قد انقضت والنكاح وقع صحيحا في الظاهر والأصل عدم الرجعة
وإن أقر له أو نكل عن اليمين وحلف الأول اليمين المردودة بطل نكاح الثاني ولا يستحقها الأول حينئذ إلا بإقرارها له أو حلفه بعد نكولها ولها على الثاني بالوطء مهر المثل إن استحقها الأول وإلا فالمسمى إن كان بعد الدخول ونصفه إن كان قبله
( ومتى ادعاها ) أي الرجعة ( والعدة باقية ) باتفاقهما وأنكرت ( صدق ) بيمينه لقدرته على إنشائها وهل دعواه إنشاء للرجعة أو إقرار بها وجهان رجح ابن المقري الأول تبعا للإسنوي ورجح الأذرعي الثاني وقال الإمام لا وجه لكونه إنشاء وهذا هو الظاهر
( ومتى أنكرتها ) أي الرجعة ( وصدقت ) كما تقدم ( ثم اعترفت ) بها ( قبل اعترافها ) لأنها جحدت حقا ثم اعترفت به لأن الرجعة حق الزوج
فإن قيل إنها لو أقرت بنسب أو رضاع محرم بينها وبين آخر ثم رجعت وكذبت نفسها لا يقبل رجوعها فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك
أجيب بأن هذا رجوع عن إثبات والإثبات لا يكون إلا عن علم ففي الرجوع عنه تناقض بخلاف الرجعة فإنه رجوع عن نفي والنفي لا يلزم أن يكون عن علم
نعم لو قال ما أتلف فلان مالي ثم رجع وادعى أنه أتلفه لم تسمع دعواه لأن قوله ما أتلفه يتضمن الإقرار على نفسه ببراءة المدعي عليه
فإن قيل يرد على هذا الجواب ما لو أنكرت غير المجبرة الإذن في النكاح وكان إنكارها قبل الدخول بها أو بعده بغير رضاها ثم اعترفت بأنها كانت أذنت لم يقبل منها مع أنه نفي
أجيب بأن النفي إذا تعلق بها كان كالإثبات بدليل أن الإنسان يحلف على نفي فعله على البت كالإثبات وجدد النكاح بينهما فلا تحل له بدون تجديد
( وإذا طلق ) الزوج ( دون ثلاث وقال وطئت ) زوجتي قبل الطلاق ( فلي ) عليها ( رجعة وأنكرت ) وطأه قبل الطلاق ( صدقت بيمين ) أنه ما وطئها لأن الأصل عدم الوطء
فإن قيل إذا ادعى العنين أو المولى الوطء فإن القول قوله بيمينه مع أن الأصل عدم الوطء
أجيب بأن المرأة في ذلك تدعي ما يثبت لها حق الفسخ والأصل صحة النكاح وسلامته وهنا الطلاق قد وقع والزوج يدعي ما يثبت له الرجعة والأصل عدمه فإن حلفت لا عدة عليها وتتزوج حالا ويحرم عليه أختها وأربع سواها إلى أن تنقضي عدتها
( وهو ) بدعواه وطأها ( مقر لها بالمهر ) وهي لا تدعي إلا نصفه ( فإن ) كانت ( قبضته فلا رجوع له ) عليها بشيء منه عملا بإقراره ( وإلا فلا تطالبه إلا بنصف ) فقط عملا بإنكارها وإذا كانت أخذت النصف ثم اعترفت بوطئه هل تأخذ النصف الآخر أو لا بد من إقرار جديد من الزوج فيه وجهان أوجههما كما هو مقتضى كلامهم في الإقرار الثاني
تنبيه ترك المصنف ذكر اليمين في بعض صور التصديق للعلم بوجوبه من البعض الآخر
تنبيه لو كانت الزوجة المطلقة رجعيا أمة واختلف في الرجعة كان القول قولها بيمينها حيث صدقت الحرة بيمينها لا قول سيدها على المذهب المنصوص عليه في الأم والبويطي وغيرهما
ولو قال أخبرتني مطلقتي بانقضاء عدتها فراجعتها مكذبا لها أو لا مصدقا ولا مكذبا لها ثم اعترفت بالكذب بأن قالت ما كانت انقضت فالرجعة صحيحة لأنه لم يقر بانقضاء العدة وإنما أخبر عنها
ولو سأل الرجعية الزوج ولو بنائبه عن انقضاء العدة لزمها إخباره قاله في الاستقصاء
وفي سؤال الأجنبي قولان
والظاهر عدم اللزوم
____________________
(3/342)
كتاب الإيلاء هو لغة الحلف
قال الشاعر وأكذب ما يكون أبو المثنى إذا آلى يمينا بالطلاق وكان طلاقا في الجاهلية فغير الشرع حكمه مع عدم استعماله أول الإسلام وخصه بالحلف على الامتناع من وطء الزوجة مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر كما سيأتي
والأصل فيه قوله تعالى { للذين يؤلون من نسائهم } الآية
وإنما عدي فيها ب من وهو إنما يعدى ب على لأنه ضمن معنى البعد كأنه قال يؤلون مبعدين أنفسهم من نسائهم
وهو حرام للإيذاء وليس منه إيلاؤه صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من نسائه شهرا
وأركانه كما قال الشيخان أربعة حالف ومدة ومحلوف به ومحلوف عليه زاد في الأنوار وصيغة وزوجة
وقد شرع المصنف في الركن الأول فقال ( هو حلف زوج ) خرج بذلك السيد والأجنبي كما سيأتي
ويصح من عجمي بالعربية ومن عربي بالعجمية إن عرف المعنى كما في الطلاق وغيره
وقوله ( يصح طلاقه ) خرج به الصبي والمجنون والمكره ودخل فيه العبد والحر والمسلم والكافر والخصي والسكران المتعدي بسكره
والمراد أنه يصح طلاقه في الجملة ليدخل ما لو قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا وفرعنا على إنسداد باب الطلاق فإنه زوج لا يصح طلاقه في هذه الصورة ومع ذلك يصح إيلاؤه
وقوله ( ليمتنعن من وطئها ) أي وأطلق فلو حلف على الامتناع من وطئها في الدبر أو الحيض أو النفاس أو فيما دون الفرج لم يكن موليا بل هو محسن لا تتضرر بذلك ولا تطمع في الوطء فيما ذكر ولأنه ممنوع من الوطء في غير الأخيرة شرعا فأكدا الممنوع منه بالحلف
فإن قال والله لا أجامعك إلا في الدبر فمول أو إلا في الحيض أو في النفاس أو في نهار رمضان أو في المسجد وجهان أحدهما وهو الأوجه أنه مول قال الإسنوي وهو ما جزم به في الذخائر ولا يتجه غيره وقال الزركشي أنه الراجح فقد جزم به في الذخائر وقال في المطلب إنه الأشبه
وبه أفتى البغوي في غير صورة النفاس لأن الوطء حرام في هذه الأحوال فهو ممنوع من وطئها
ويجب عليها الامتناع وتضرب المدة ثم تطالب بعدها بالفيئة أو الطلاق فإن فاء إليها في هذه الأحوال سقطت المطالبة في الحال لزوال المضارة به وتضرب المدة ثانيا لبقاء اليمين كما لو طلق المولى بعد المدة ثم راجع تضرب المدة ثانيا لبقاء اليمين
والوجه الثاني لا يكون موليا وبه جزم السرخسي في صورتي الحيض والنفاس لأنه لو جامع فيها حصلت الفيئة فاستثناؤه يمنع انعقاد الإيلاء
وقوله ( مطلقا ) نعت لمصدر محذوف أي امتناعا مطلقا غير مقيد بمدة وفي معناه ما إذا أكد بقوله أبدا
وقوله ( أو فوق أربعة أشهر ) هو الركن الثاني وهو المدة خرج به الأربعة فما دونها روي عن عمر رضي الله عنه أنه سأل كم تصبر المرأة فقيل شهرين وفي الثالث يقل الصبر وفي الرابع ينفذ الصبر
أي إذا نفذ صبرها طالبت فلا بد من الزيادة على ذلك
وظاهره أنه يكفي زيادة لحظة لا تسع المطالبة
وهو ما نقله في أصل الروضة عن الإمام وجرى عليه ابن المقري في روضه وفي كلام الروياني ما يوافقه
قال البلقيني وهو عجيب لا يوافق عليه والذي يقتضيه نص الشافعي في الأم والمختصر أنه لا يكون موليا إلا بالحلف على فوق أربعة أشهر بزمان يتأتى فيه المطالبة
وصرح به الماوردي وسبقه إلى نحو ذلك ابن الرفعة
والأولى أن يقال إن كلام الإمام محمول على إثم الإيذاء وكلام الماوردي على إثم الإيلاء ألا ترى أنه لو قال والله لا أطؤك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا أطؤك أربعة أشهر فإنه ليس بمول كما سيأتي مع أنه يأثم بذلك إثم الإيلاء على الراجح في الروضة تنبيه ليس هذا الحد مجامع لعدم شموله ما لو قال ولله لا أطؤك حتى أموت أو تموتي فإنه يكون موليا
____________________
(3/343)
لحصول اليأس أنه لم يطلق ولم يذكر فوق أربعة أشهر ولا مانع أيضا لشموله العاجز عن الوطء بنحو جب فإنه يصح طلاقه ولا يصح طلاقه ولا يصح إيلاؤه كما سيأتي لأنه لا يتحقق منه قصد الإيذاء بالامتناع فلو قال يصح طلاقه مع إمكان وطئه لكان أولى
ثم شرع في الركن الثالث وهو المحلوف به فقال ( والجديد ) ووصفه في الروضة بالأظهر ( أنه ) أي الإيلاء ( لا يختص بالحلف بالله تعالى وصفاته ) تعالى ( بل لو علق به ) أي الوطء ( طلاقا أو عتقا ) ك إن وطئتك فأنت أو ضرتك طالق أو فعبدي حر ( أو ) نحو ذلك مما لا ينحل اليمين منه إلا بعد أربعة أشهر كأن ( قال إن وطئتك فالله علي صلاة أو صوم أو حج أو عتق كان موليا ) لأن ما بلزمه في ذلك بالوطء يمنعه منه فيتحقق في الإقرار ولأن ذلك يسمى حلفا فتناولته الآية لأن الإيلاء هو الحلف ويشمل الحلف بالله تعالى وغيره وفي الحديث لا تحلفوا بآبائكم
تنبيه أشار المصنف بما ذكره إلى أنه لا فرق بين كون المعلق غير قربة كما سبق في تعليق الإيلاء بالطلاق أو قربة كهذه الأمثلة
وكلامه هنا وفيما سبق مشعر بأن الإيلاء لا يكون بغير الحلف لكن سيأتي في الظهار أنه لو قال أنت علي كظهر أمي سنة مثلا أنه إيلاء مع انتفاء الحلف في هذه الصورة والقديم أنه يختص بالحلف بالله تعالى أو صفة من صفاته لأنه المعهود لأهل الجاهلية الحاكمين بأن الإيلاء طلاق وقد أبطل الله الحكم دون الصفة بقوله { للذين يؤلون من نسائهم } الآية واليمين المذكورة يمين لجاج
واليمين بصوم شهر الوطء إيلاء ك إن وطئتك فالله علي صوم الشهر الذي أطأ فيه فإذا وطىء في أثناء الشهر لزمه مقتضى اليمين ويجزيه صوم بقيته ويقضي يوم الوطء وليس اليمين بصوم هذا الشهر إيلاء ولا يصوم هذه السنة إلا إن بقي منها أكثر من أربعة أشهر
ثم شرع في محترز قوله حلف زوج بقوله ( ولو حلف أجنبي عليه ) أي ترك الوطء كقوله لأجنبية والله لا أطؤك ( فيمين محضة ) أي خالصة من شائبة حكم الإيلاء ( فإن نكحها ) أي الأجنبية بعد الحلف ( فلا إيلاء ) بحلفة المذكور فلا تضرب له مدة فإن وطئها قبل مدة الإيلاء أو بعدها لزمه كفارة يمين في الحلف بالله تعالى وحكم السيد كما تقدم كالأجنبي فلو قال كالمحرر ولو حلف غير الزوج لشمل ذلك
ثم شرع في شرط الزوجة بقوله ( ولو آلى من رتقاء أو قرناء ) وتقدم معناهما في خيار النكاح لم يصح الإيلاء على المذهب لأنه لا يتحقق منه قصد الإيذاء والإضرار لامتناع الأمر في نفسه
تنبيه أفهم تمثيله بالمانع الحسي صحة الإيلاء من الصغير والمضناة وهو صحيح ولكن لا نضرب المدة إلا بعد احتمالها الوطء
ثم شرع في محترز كون الزوج يمكن وطؤه بقوله ( أو آلى مجبوب ) أي مقطوع الذكر كله وكذا إن بقي منه دون الحشفة ( لم يصح ) إيلاؤه ( على المذهب ) لما مر وقيل يصح فيهما لعموم الآية ومجموع ما في المسألة طرق أصحهما قولان
والثانية القطع بالبطلان
والثالثة القطع بالصحة
وأما من جب ذكره وبقي منه قدر الحشفة فيصح إيلاؤه لإمكان وطئه
والأشل كالمجبوب أما العاجز عن الوطء لمرض قال في التتمة ومنه العنين فيصح أيلاؤه لأن وطأه مرجؤ
تنبيه صورة مسألة الكتاب فيما إذا كان المانع من الوطء موجودا عند الإيلاء فلو طرأ بعده لم يبطل على المذهب لأن العجز عارض وكان قد قصد الإيلاء
( ولو قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر و ) سواء اقتصر على هذا أم قال ( هكذا مرارا فليس بمول في الأصح ) لانتفاء فائدة الإيلاء من المالبة بموجبه في ذلك إذ بعد مدة أربعة أشهر لا تمكن المطالبة بموجب اليمين الأولى لانحلالها ولا بموجب الثانية لأنه لم تمض مدة المهلة من وقت انعقادها وبعد مضي الأربعة الثانية يقال فيه كذلك وهكذا لآخر حلفه
والثاني هو
____________________
(3/344)
مول لتحقق الضرر وعلى الأول يأثم كما في زيادة الروضة لكن إثم الإيذاء لا إثم الإيلاء قال في المطلب فكأنه دون إثم المولى ويجوز أن يكون فوقه لأن ذاك يقدر فيه على دفع الضرر بخلاف هذا فإنه لا دفع له إلا من جهة الزوج بالوطء
تنبيه أفهم قوله فإذا مضت فوالله أن محل الوجهين إذا أعاد حرف القسم فإذا قال والله لا أطؤك أربعة أشهر فإذا مضت فلا أطؤك أربعة أشهر كان موليا قطعا وهو كذلك كما قاله في المطلب لأنها يمين واحدة اشتملت على أكثر من أربعة أشهر
وأفهم كلامه أيضا أن محل الخلاف إذا وصل اليمين باليمين فإن قال ذلك مرة ثم لما مضت تلك المدة أعاد اليمين وهكذا مرارا فلا يكون موليا قطعا
وقوله وهكذا مرارا ليس بقيد لإجراء الخلاف كما يفهم مما قدرته فإن الخلاف جار وإن لم يقل مرارا ولو قال وإن قاله مرارا كان أولى ليكون نص على الصورتين
( ولو قال والله لا وطئتك خمسة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك سنة ) بالنون ( فإيلاءان لكل ) منهما ( حكمه ) فلها المطالبة في الشهر الخامس بموجب الإيلاء الأول من الفيئة أو الطلاق فإن فاء انحلت فإن أخرت حتى مضى الخامس دخل مدة الإيلاء الثاني فلها المطالبة بعد أربعة أشهر منها بموجبه كما مر فإن لم تطالب في الإيلاء الأول حتى مضى الشهر الخامس منه فلا مطالبة به سواء أتركت حقها أم لم تعلم به لانحلاله كما لو أخرت المطالبة في الثاني حتى مضت سنة
تنبيه قوله سنة موافق للشرح والروضة وفي المحرر ستة أشهر وكل صحيح ولكن كان الأولى موافقة أصله
ويصح أن يقرأ المتن بالمثناة من فوق فيوافق أصله لكن نسخة المصنف بالنون
ولو أتى باليمينين ولم يقل فإن مضت تداخلتا وانحلتا بوطء واحد
( ولو قيد ) الامتناع من الوطء ( بمستبعد الحصول ) في الاعتقادات ( في الأربعة ) أشهر ( تزول عيسى عليه السلام ) وخروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ( فمول ) لأن الظاهر تأخير ذلك عن الأربعة الأشهر
تنبيه فهم من كلامه بطريق الأولى أنه لو علق بمحقق المنع كصعود السماء كان موليا وهو ما قطع به الرافعي وغيره
ومحل التعليق بنزول عيسى عليه السلام إذا كان قبل خروج الدجال فإن كان بعد خروجه فإن كان في اليوم الأول من أيامه وكان بقي أكثر من أربعة أشهر باعتبار الأيام المعهودة فمول والإ فلا لأن بين خروجه ونزول عيسى عليه السلام أربعين يوما وأخبر عليه السلام بأن اليوم الأول من أيامه كسنة والثاني كشهر والثالث كجمعة والباقي كالأيام المعهودة فسئل عن ذلك اليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة يوم فقال لا اقدروا له قدره والحديث رواه مسلم وتقدم الكلام عليه في المواقيت
( وإن ظن حصوله ) أي المقيد به ( قبلها ) أي مضى الأربعة الأشهر كقوله في وقت غلبة الأمطار
والله لا أطؤك حتى ينزل المطر ( فلا ) يكون موليا وإنما هو عقد يمين
تنبيه أفهم كلامه أن محقق الحصول كذبول النقل وجفاف الثوب أولى بعدم الإيلاء وبه صرح في المحرر
( وكذا لو شك في الأصح ) في حصول المستبعد قبل أو بعد مضي الأربعة أشهر فلا يكون موليا في الحال فلو مضت الأربعة ولم يوجد المعلق به فوجهان أصحهما في الروضة وأصلها لا يكون موليا أيضا لأنه لم يحقق قصد المضارة أولا وأحكام الإيلاء منوطة به لا بمجرد الضرر ولهذا لو امتنع بلا يمين لم يكن موليا ولو قيد بموت أحدهما كان موليا كما مر وكذا بموت أجنبي خلافا لصاحب التنبيه
ولو قيد بقدوم زيد والمسافة بعيدة وقال ظننت قربها صدق بيمينه وكذا لو قال لا أجامعك وقال أردت شهرا أو نحوه كما في الروضة وأصلها خلافا للبلقيني
ثم شرع في الركن الرابع المحلوف عليه وهو ترك الجماع لا غير فقال ( ولفظه ) أي الدال عليه قسمان ( صريح وكناية فمن صريحه ) مهجو ال ن ي ك و ( تغييب ) أي إدخال
____________________
(3/345)
( ذكر ) أو حشفته ( بفرج ) أي فيه ( ووطء وجماع وإصابة ( وافتضاض بكر ) وهي إزالة قصتها بكسر القاف أي بكارتها كقوله والله لا أغيب ولا أدخل أو لا أولج ذكري أو حشفتي في فرجك أو لا أطؤك أو لا أجامعك أو لا أصبتك أو لا أفتضك بالقاف أو بالفاء وهي بكر وبحث ابن الرفعة تقييد هذه بمن لم تكن غوراء بغين معجمة فإن كانت وهي التي بكارتها في صدر فرجها وعلم حالها فإنه لا يكون موليا لإمكان تغييب الحشفة بغير افتضاض وحقها إنما هو في ذلك قال إلا أن يقال الفينة في حق البكر تخالفها في حق الثيب كما يفهمه إيراد القاضي والنص وهذا هو الراجح كما سيأتي ويدين في الأربعة الأخيرة إن ذكر محتملا ولم يقل بذكري أو بحشفتي كأن يريد بالوطء الوطء بالقدم وبالجماع الاجتماع وبالأخيرين الإصابة والافتضاض بغير الذكر
تنبيه كان الأولى التعبير بتغييب الحشفة لأنه لو حلف على تغييب الذكر وغيبها فقط لم يحنث مع تحصيل المقصود ولهذا لو حلف لا يغيب كل الذكر أو لا يستوفي الإيلاج لم يكن موليا بخلاف لا أغيب كل الحشفة
( والجديد أن ملامسته ومباضعة ومباشرة وإتيانا وغشيانا وقربانا ) بكسر القاف ويجوز ضمها ( ونحوها ) كإفضاض ومس ودخول كوالله لا أفضي إليك أو لا أمسك أو لا أدخل بك ( كنايات ) تفتقر لنية الوطء لأن لها حقائق غير الوطء ولم تشتهر فيه اشتهار الألفاظ السابقة والقديم أنها صرائح لكثرة استعمالها فيه
فروع لو قال والله لا أجامع إلا جماع سوء وأراد الجماع في الدبر أو فيما دون الفرج أو بدون الحشفة كان موليا وإن أراد الجماع الضعيف أو لم يرد شيئا لم يكن موليا لأن ضعيف الجماع كقوله في الحكم والأصل فيما إذا لم يرد شيئا عدم الحلف على الحال الذي يكون فيه موليا
ولو قال والله لا أغتسل عنك وأراد ترك الغسل دون الجماع أو ذكر أمرا محتملا كأن لا يمكث بعد الوطء حتى ينزل واعتقد أن الوطء بلا إنزال لا يوجب الغسل أو أراد أني أجامعها بعد جماع غيرها ليكون الغسل عن الأولى لحصول الجنابة بها قبل منه ولم يكن موليا
ولو قال والله لا أجامع فرجك أو لا أجامع نصفك الأسفل كان موليا بخلاف باقي الأعضاء ك لا أجامع يدك أو رجلك أو نصفك الأعلى أو بعضك أو نصفك لم يكن موليا إلا أن يريد بالبعض الفرج وبالنصف النصف الأسفل
ولو قال والله لأبعدن أو لأغيبن عنك أو لأغيظنك أو لأسوأنك كان كناية في الجماع والمدة لاحتمال اللفظ لهما ولغيرهما
ولو قال والله لأطلبن تركي لجماعك أو لأسوأنك فيه كان صريحا في الجماع كناية في المدة
ولو قال والله لا تجتمع رأسانا على وسادة أو تحت سقف كان كناية إذ ليس من ضرورة الجماع اجتماع رأسيهما على وسادة أو تحت سقف
( ولو قال ) على الجديد كما في المحرر وأغفله المصنف لوضوحه من أن الحلف لا يختص بالله تعالى وصفاته ( إن وطئتك فعبدي حر فزال ملكه عنه ) بموت أو عتق أو بيع ونحو ذلك ( زال الإيلاء ) لعدم ترتب شيء على وطئه حينئذ
تنبيه ظاهر كلامه أنه لا يعود الإيلاء إذا عاد إلى ملكه وهو قضية قولهما فيه قولا عود الحنث ولو دبره أو كاتبه أو قال فأمتي حرة ثم استولدها لم يزل الإيلاء
( ولو قال ) على الجديد إن وطئتك ( فعبدي حر عن ظهاري وكان ) قد ( ظاهر ) وعاد قبل ذلك ( فمول ) لأنه وإن لزمته كفارة الظهار فعتق ذلك العبد بعينه وتعجيل العتق زيادة التزمها بالوطء وذلك مشتق فصار كالتزام أصل العتق
ثم إذا وطىء في مدة الإيلاء أو بعدها عتق العبد عن ظهاره ( وإلا ) بأن لم يكن ظاهر قبل ذلك ( فلا ظهار ولا إيلاء باطنا ) أي فيما بينه وبين الله تعالى أما عدم الظهار فلكذبه في كونه مظاهرا وأما عدم الإيلاء فلأنه علق على الوطء عتقا عن الظهار والفرض أنه لا ظهار فلا عتق إذا لم توجد الصفة المعلق عليها العتق
( و ) لكن ( يحكم بهما ظاهرا ) لإقراره بالظهار فإذا وطىء عتق العبد عن الظهار
____________________
(3/346)
( ولو قال ) على الجديد أيضا إن وطئتك فعبدي حر ( عن ظهاري إن ظاهرت فليس بمول ) في الحال بل ( حتى يظاهر ) فإذا ظاهر صار موليا لأن العبد لا يعتق لو وطئها قبل الظهار لتعلق العتق بالظهار مع الوطء فلا يناله محذور فإذا ظاهر صار موليا لأن العتق يحصل حينئذ لو وطىء فإن وطىء في مدة الإيلاء أو بعدها عتق لوجود المعلق عليه ولا يقع العتق عن الظهار لتقدم تعليق العتق عليه والعتق إنما يقع عن الظهار بلفظ يوجد بعده
تنبيه قال الرافعي وقد تقدم في الطلاق إنه إذا علق بشرطين بغير عطف فإن قدم الجزاء عليهما أو أخره عنهما اعتبر في حصول المعلق وجود الشرط الثاني قبل الأول وإن توسط بينهما كما صوروا هنا فينبغي أن يراجع كما مر فإن أراد إنه إذا حصل الثاني تعلق بالأول فلا يعتق العبد إذا تقدم الوطء أو أنه إذا حصل الأول تعلق بالثاني عتق اه
فإن تعذرت مراجعته أو قال ما أردت شيئا فالظاهر كما قال شيخنا أنه لا إيلاء مطلقا
وكتقدم الثاني على الأول فيما قاله الرافعي مقارنته له كما نبه عليه السبكي
( أو ) قال على الجديد ( إن وطئتك فضرتك طالق فمول ) من المخاطبة لأنه يلحقه ضرر من طلاق الضرة عند الوطء
نعم لو عبر بصيغة التزام كقوله إن وطئتك فعلي طلاق ضرتك أو طلاقك لا يكون موليا قاله الرافعي آخر الكلام على انعقاد الإيلاء بغير الحلف بالله وهو جار على ظاهر المذهب في أنه لا يلزمه في مثل هذه الصيغة شيء
( فإن وطىء ) المخاطبة قبل مضي مدة الإيلاء أو بعدها ( فطلقت الضرة ) لوجود المعلق عليه طلاقها ( وزال ) أي انحل ( الإيلاء ) إذ لا يترتب عليه شيء بوطئها بعد ذلك
فروع لو قال إن وطئتك فأنت طالق فله وطؤها وعليه النزع بتغييب الحشفة في الفرج لوقوع الطلاق حينئذ ولا يمنع من الوطء بتعليق الطلاق لأنه يقع في النكاح والنزع بعد الطلاق ترك للوطء وهو غير محرم لكونه واجبا
وظاهر كلام الأصحاب وجوب النزع عينا وهو ظاهر إذا كان بائنا فإن كان رجعيا فالواجب النزع أو الرجعة كما في الأنوار
ولو استدام الوطء ولو عالم بالتحريم فلا حد عليه لإباحة الوطء ابتداء ولا مهر عليه أيضا لأن وطأه وقع في النكاح
وإن نزع ثم أولج فإن كان تعليق الوطء بطلاق بائن نظر فإن جهل التحريم فوطء شبهة كما لو كانت رجعية فلها المهر ولا حد عليهما وإن علماه فزنا وإن أكرهها على الوطء أو علم التحريم دونها فعليه الحد والمهر ولا حد عليها أو هي دونه وقدرت على الدفع فعليها الحد ولا مهر لها
( والأظهر ) وعبر في الروضة بالمذهب ( أنه لو قال لأربع والله لا أجامعكن فليس بمول في الحال ) لأن الكفارة لا تجب إلا بوطء الجميع كما لو حلف لا يكلم جماعة فهو متمكن من وطء ثلاث بلا شيء يلحقه
( فإن جامع ثلاثا ) منهن ولو في الدبر أو بعد البينونة ( فمول من الرابعة ) لتعلق الحنث بوطئها
( فلو مات بعضهن قبل وطء زال ) أي أنحل ( الإيلاء ) لتعذر الحنث بوطء من بقي ولا نظر إلى تصور الإيلاج بعد الموت لأن اسم الوطء يقع مطلقه على ما في الحياة
وخرج بقوله قبل وطء ما لو ماتت بعد وطئها وقبل وطء الأخريات فلا يزول الإيلاء
ومقابل الأظهر أنه مول من الأربع في الحال لأنه بوطء واحدة بقرب من الحنث المحذور والقريب من المحذور محذور
( ولو قال ) لأربع والله ( لا أجامع كل واحدة منكن فمول ) حالا ( من كل واحدة ) منهن بمفردها كما لو أفردها بالإيلاء فإذا مضت المدة فلكل مطالبته
تنبيه ظاهر كلامه أنه لو وطىء واحدة لا يرتفع الإيلاء في حق الباقيات وهو وجه رجحه الإمام والأصح عند الأكثرين كما ذكره الشيخان انحلال اليمين وزوال الإيلاء لأنه حلف أن لا يطأ واحدة وقد وطىء
وبحث فيه بأنه
____________________
(3/347)
إن أراد تخصيص كل منهن بالإيلاء فالوجه عدم الانحلال وإلا فليكن كقوله لا أجامعكن فلا يحنث إلا بوطء الجميع
وأجيب عنه بأن الحلف الواحد على متعدد يوجب تعلق الحنث بأي واحد كما وقع لا تعدد الكفارة باليمين الواحدة ولا يتبعض فيها الحنث ومتى حصل فيها حصل حنث الانحلال
وبقي من صور المسألة لا أجامع واحدة منكن فإن أراد الامتناع عن كل واحدة فمول منهن أو من واحدة منهن معينة فمول منها فقط ويؤمر بالبيان كما في الطلاق ويصدق بيمينه في إرادتها
وإن أراد واحدة مبهمة كان موليا من إحداهن ويؤمر بالتعيين
فإن عين كان ابتداء المدة من وقت اليمين على الأصح وإن أطلق اللفظ ولم ينو تعميما ولا تخصيصا على التعميم على الأصح
( ولو قال ) والله لا ( أجامعك ) سنة أو ( إلى سنة إلا مرة ) أو يوما أو نحو ذلك ( فليس بمول في الحال في الأظهر ) الجديد لأنه لا يلزمه الوطء بما ذكر شيء لاستثنائه
( فإن وطىء و ) قد ( بقي منها ) أي السنة ( أكثر من أربعة أشهر فمول ) من حينئذ لحصول الحنث بالوطء بعد ذلك فإن بقي أربعة أشهر فما دونها فليس بمول بل حالف فقط
والثاني هو مول في الحال لأنه بالوطء مرة بقرب من الحنث وعلى هذا يطالب بعد مضي المدة فإن وطىء فلا شيء عليه لأن الوطأة الواحدة مستثناة وتضرب المدة ثانيا إن بقي من السنة مدة الإيلاء
تنبيه أفهم كلامه أنه لو مضت سنة ولم يطأ انحلال الإيلاء وهو كذلك وهل يلزمه كفارة لأن اللفظ يقتضي أن يفعل مرة أو لا لأن المقصود منع الزيادة وجهان أصحهما كما في زوائد الروضة الثاني
ولو قال السنة بالتعريف اقتضى الحاصرة فإن بقي منها فوق أربعة أشهر بعد وطئه العدد الذي استثناه كان موليا وإلا فلا
فروع لو قال والله لا أصبتك إن شئت وأراد إن شئت الجماع أو الإيلاء فقالت في الحال شئت صار موليا لوجود الشرط وإن أخرت فلا لأن هذا الخطاب يستدعي جوابها فورا بخلاف ما لو قال متى شئت أو نحوها فإنه يقتضي الفور وإن أراد إن شئت أن لا أجامعك فلا إيلاء إذ معناه لا أجامعك إلا برضاك وهي إذا رضيت فوطئها لم يلزمه شيء وكذا لو أطلق المشيئة حملا على مشيئة عدم لأنه السابق إلى الفهم
ولو قال والله لأصبتك إلا أن تشائي أو ما لم تشائي وأراد التعليق للإيلاء أو الاستثناء عنه فمول لأنه حلف وعلق رفع اليمين بالمشيئة فإن شاءت الإصابة فورا انحل الإيلاء وإلا فلا ينحل كنظيره في الطلاق
ولو قال والله لا أصبتك حتى يشاء فلان فإن شاءت الإصابة ولو متراخيا انحلت اليمين وإن لم يشأ صار موليا بموته قبل المشيئة لليأس منها لا بمضي مدة الإيلاء لعدم اليأس من المشيئة ولو قال إن وطئتك فعبدي حر قبله لشهر ومضى شهر صار موليا إذ لو جامعها قبل مضيه لم يحصل العتق لتعذر تقدمه على اللفظ وينحل الإيلاء بذلك الوطء فإن وطىء بعد مضي شهر في مدة الإيلاء أو بعدها وقد باع العبد قبله بشهر انحل الإيلاء لعدم لزوم شيء بالوطء حينئذ لتقدم البيع على وقت العتق أو مقارنته له وإن باعه قبل أن يجامع بدون شهر من البيع تبين عتقه قبل الوطء بشهر فيتبين بطلان بيعه وفي معنى بيعه كل ما يزيل الملك من موت وهبة وغيرهما
فصل في أحكام الإيلاء من ضرب مدة وغيره ( يمهل ) المولي وجوبا ( أربعة أشهر ) سواء الحر والرقيق في الزوج والزوجة كما صرح به في المحرر لأن المدة شرعت لأمر جبلي وهو قلة الصبر عن الزوج وما يتعلق بالجبلة والطبع لا يختلف بالرق والحرية كما في مدة العنة قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وهذه المدة حق الزوج كالأجل في الدين المؤجل حق المدين
وابتداؤها ( من ) حين ( الإيلاء ) في غيرها ما يأتي لا من وقت الرفع إلى القاضي لأنه مول من وقت الحلف و ( بلا قاض ) لثبوته بالآية السابقة بخلاف مدة العنين لأنها مجتهد فيها
تنبيه يستثنى من كلامه ما لو قال إن وطئتك فعبدي حر قبل وطيء بشهر فإن المدة لا تحسب من الإيلاء بل إن مضى شهر ولم يطأ ضربت وطولب في الشهر السادس من اليمين على الأصح وإنما كان كذلك لأنه لو وطىء قبل
____________________
(3/348)
مضي شهر لم يعتق
( و ) ابتداؤها ( في رجعية ) آلى منها ( من ) حين ( الرجعة ) لا من حين الإيلاء لأن المدة شرعت للمهملة في وقت يحل له الوطء وفي العدة لا يحل له الوطء وكذا الحكم لو آلى من زوجته ثم طلقها رجعيا فإن المدة تنقطع لجريانها إلى البينونة فإذا راجعها في العدة حسبت المدة من الرجعة لأن الاضرار إنما يحصل بالامتناع المتوالي في نكاح سليم ولا تنحل اليمين بالطلاق الرجعي
( ولو ارتد ) الزوجان أو ( أحدهما بعد دخول ) وبعد المدة لغت أو ( في المدة ) أي الأشهر الأربعة ( انقطعت ) فلا يحسب زمن الردة منها لاختلال النكاح بها
( فإذا أسلم ) المرتد في الصورتين ( استؤنفت ) أي المدة لوجوب الموالاة فيها لأن وطأها منوط بتوالي الضرر أربعة أشهر ولم توجد
تنبيه محل الاستئناف إذا كانت اليمين على الامتناع من الوطء مطلقا أو كان قد بقي من مدة اليمين ما يزيد على أربعة أشهر فإن كان أقل من ذلك فلا معنى للاستئناف
واحترز بقوله بعد دخول أي أو استدخال مني الزوج المحترم عما قبل ذلك فإن النكاح ينقطع لا محالة
وألحق البغوي العدة بوطء الشبهة بالطلاق الرجعي وبالردة في منع الاحتساب ووجوب الاستئناف عند انقضائها
( و ) كل ( ما يمنع الوطء ولم يخل بنكاح إن وجد فيه ) أي الزوج ( لم يمنع المدة ) أي لا يقطع مدة الإيلاء ( كصوم وإحرام ) واعتكاف فرضا أو نفلا ( ومرض وجنون ) وحبس ونحوه فيحسب زمن كل منها من المدة سواء قارنها أم حدث فيها كما صرح به في المحرر لأنها ممكنة والمانع منه ولهذا استحقت النفقة وهو المقصود بالإيلاء وقصده المضارة
تنبيه أشار بالأمثلة المذكورة إلى أنه لا فرق فيه بين المانع الشرعي والحسي واحترز بقوله ولم يخل بمقصوده عن الردة والطلاق الرجعي وقد سبقا
( أو ) أي وإن وجد مانع الوطء ( فيها ) أي الزوجة ( وهو حسي كصغر ومرض ) يمنع كل منهما الوطء ( منع ) ابتداء المدة فإذا زال استؤنفت
( وإن حدث ) مانع لوطء ( في ) أثناء ( المدة ) كنشوزها فيه ( قطعها ) لامتناع الوطء معه ( فإذا زال ) الحادث ( استؤنفت ) المدة إذ المطالبة مشروطة بالإضرار أربعة أشهر متوالية ولم توجد
( وقيل تبنى ) بضم أوله على مضي ورجحه الإمام والغزالي
( أو ) وجد مانع الوطء في الزوجة وهو ( شرعي كحيض وصوم نفل فلا ) يمنع الحيض جزما ولا صوم النفل على الصحيح ولا يقطعها ذلك لو حدث فيها لأن الحيض لا يخلو عنه الشهر غالبا فلو منع لامتنع ضرب المدة غالبا
وأما صوم النفل فهو متمكن من وطئها وتحليلها منه
تنبيه قد يفهم اقتصاره على الحيض أن النفاس يمنع وهو ما رجحه الشيخ في التنبيه والماوردي والروياني وغيرهم ولكن الذي صححه المصنف في تصحيح التنبيه وأصل الروضة وصححه الرافعي في الشرح الصغير ونقل تصحيحه في الكبير عن البغوي أنه كالحيض وهذا هو المعتمد لمشاركته للحيض في أكثر الأحكام وإن كان الأول له وجه
( ويمنع فرض في الأصح ) أي صومه بنذر أو غيره كرمضان وقضائه لعدم تمكنه فيه من الوطء
والثاني لا لتمكنه ليلا
تنبيه ظاهر كلامه أنه لا فرق في فرض الصوم بين أن يكون فوريا أو لا وهو كذلك وإن قال الزركشي الظاهر أن لتخصيص الجرجاني الإحرام بالفرض
( فإن وطىء ) المولي ( في المدة ) انحل الإيلاء ولزمه كفارة يمين في الحلف بالله تعالى ولا يطالب بعد ذلك بشيء
( وإلا ) بأن لم يطأ فيها ( فلها مطالبته ) بعدها ( بأن يفيء ) برجوعه للوطء الذي امتنع منه بالإيلاء
( أو يطلق ) إن لم يفيء لظاهر الآية
وسمي الوطء فيئة من فاء إذا رجع
لأنه امتنع ثم رجع
____________________
(3/349)
تنبيه قضية كلامه أنها تردد الطلب بين الفيئة والطلاق وهو الذي في الروضة وأصلها في موضع وصوب الزركشي وغيره ما ذكره الرافعي تبعا لظاهر النص أنها تطالبه بالفيئة فإن لم يفىء طالبته بالطلاق وهذا أوجه وجرى عليه شيخنا في منهجه
( ولو تركت حقها ) بسكوتها عن مطالبة الزوج أو بإسقاط المطالبة عنه ( فلها المطالبة ) ما لم تنته مدة اليمين ( بعده ) أي الترك لتجدد الضرر كالرضا بإعساره بالنفقة بخلاف الرضا بالعنة أو العيب فإن ضررهما في حكم خصلة واحدة كالرضا بالإعسار بالمهر
تنبيه مقتضى كلامه اختصاص المطالبة بعد المدة بالزوجة وهو كذلك فليس لسيد الأمة مطالبة الزوج بذلك لأن التمتع حقها
وينتظر بلوغ المراهقة وإفاقة المجنونة ولا يطالب وليها بذلك بل يندب تخويف الزوج من الله تعالى
( وتحصل الفيئة ) وهي الرجوع للوطء ( بتغييب حشفة ) فقط أو قدرها من مقطوعها وقوله ( بقبل ) مزيد على المحرر فلا يكفي تغييب ما دونها به ولا تغييبها بدبر لأن ذلك مع حرمة الثاني لا يحصل الغرض
نعم إن لم يصرح في إيلائه بالقبل ولا نواه بل أطلق انحل بالوطء في الدبر لا بد في البكر من زوال بكارتها كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه وبعض الأصحاب أي وإن كانت غوراء
فرع لو استدخلت الحشفة أو أدخلها هو ناسيا أو مكرها أو مجنونا لم يحنث ولم تجب كفارة ولم تنحل اليمين وإن حصلت الفيئة وارتفع الايلاء أما عدم الحنث وعدم انحلال اليمين فلعدم فعله في مسألة الاستدخال واختلاله فيما عداها وأما عدم وجوب الكفارة فلعدم الحنث وأما ارتفاع الايلاء فلوصولها إلى حقها واندفاع ضررها كما لو رد المجنون الوديعة إلى صاحبها ولأن وطء المجنون كالعاقل في تقرير المهر والتحليل وتحريم الريبة وسائر الأحكام
ويفارق ارتفاع الإيلاء عدم الحنث والكفارة بأن رعاية القصد الصحيح في حقوق الله تعالى أشد منه في حقوق الآدمي بدليل صحة غسل الذمية عن الحيض للمسلم دون العبادة إذ ليس لها نية صحيحة في حقوق الله تعالى أشد منه في حقوق الآدمي بدليل صحة غسل الذمية عن الحيض المسلم دون العبادة إذ ليس لها نية صحيحة وتضرب له المدة ثانيا لبقاء اليمين كما لو طلق المولي بعد المدة ثم راجع تضرب المدة ثانيا فلو وطئها في المدة بعد ذلك عالما عامدا عاقلا مختارا حنث ولزمته الكفارة وانحلت اليمين
( ولا مطالبة ) للزوج بالفيئة لا قولا ولا فعلا ( إن كان بها ) أي الزوجة ( مانع وطء ) وهو شرعي أو حسي ( كحيض ) ونفاس وإحرام ( ومرض ) لا يمكن معه الوطء لأن الوطء متعذر من جهتها فكيف تطلبه أو تطلب ما يقوم مقامه وهو الطلاق ولأن المطالبة تكون بالمستحق وهي لا تستحق الوطء حينئذ قال في البسيط والعجيب أن الحيض يمنع المطالبة ولا يمنع المدة
فإن قيل قولهم طلاق المولي في الحيض ليس ببدعي يشكل على قولهم هنا يمنع المطالبة
أجيب بحمل المذكور هنا على ما إذا تقدمت المطالبة زمن البقاء من الحيض ولم يفي مع تمكنه حتى طرأ الحيض فإنه لا تبعد مطالبته بالطلاق حينئذ
( وإن كان فيه ) أي الزوج ( مانع ) من الوطء وهو ( طبيعي كمرض ) يمنع الوطء أو يخاف منه زيادة العلة أو بطء البرء ( طولب ) الزوج بالفيئة باللسان أو بالطلاق إن لم يفيء ( بأن يقول إذا قدرت فئت ) أو طلقت لأن به يندفع الأذى الذي حصل باللسان
قال الإمام ولو كان لا يرجى زوال عذره كجب طولب بأن يقول لو قدرت فئت ولا يأتي بإذا وزاد المحاملي على ذلك وندمت على ما كان مني
قال الزركشي والظاهر أن المراد به التأكيد والاستحباب كما صرح به القاضي أبو الطيب ولهذا اقتصر الشافعي على الوعد
( أو ) كان في الزوج مانع ( شرعي كإحرام ) وظهار قيل التكفير وصوم واجب ( فالمذهب أنه يطالب بطلاق ) لأنه هو الذي يمكنه ولا يطالب بالفيئة لحرمة الوطء ويحرم عليها تمكينه
والطريق الثاني أنه لا يطالب بالطلاق بخصوصه ولكن يقال إن فئت عصيت وأفسدت عبادتك وإن طلقت ذهبت زوجتك وإن لم تطلق طلقنا عليك كمن غصب دجاجة ولؤلؤة فابتلعتها يقال له إن ذبحتها غرمتها وإلا غرمت اللؤلؤة وعلى المذهب لو زال الضرر بعد
____________________
(3/350)
فيئة اللسان طولب بالوطء
تنبيه محل الخلاف إذا امتنع امتناعا كليا فإن استمهل في الصوم إلى الليل أو كان يتحلل من إحرامه عن قرب أمهلناه كما ذكره الرافعي بعد ذلك
ولو قال في صورة الظهار أمهلوني حتى أكفر لم يمهل إن كان يكفر بالصوم لطول مدته وإن كان يكفر بالعتق أو الإطعام أمهل ثلاثة أيام كما قاله أبو إسحاق وقيل يمهل يوما ونصف يوم كما في التهذيب
( فإن عصى بوطء ) في القبل وكذا في الدبر إذا لم يقيد إيلاءه به ولا بالقبل ( سقطت المطالبة ) لحصول مقصودها وانحلت اليمين
تنبيه فهم من تصريحه بالعصيان امتناع الزوجة من تمكينه وهو كذلك وحينئذ يؤمر بالطلاق ليس إلا كما صححه المصنف
( وإن أبى الفيئة والطلاق فالأظهر ) الجديد ( أن القاضي ) إذا رفعته إليه ( يطلق عليه طلقة ) نيابة عنه لأنه لا سبيل إلى دوام إضرارها ولا إجباره على الفيئة لأنها لا تدخل تحت الإجبار والطلاق بقبل النيابة فناب الحاكم عنه عند الامتناع كما يزوج عن العاضل ويستوفي الحق من المماطل فيقول أوقعت على فلانة عن فلان طلقة كما حكي عن الإملاء أو حكمت عليه في زوجته بطلقة
فإن قال أنت طالق ولم يقل عن فلان لم يقع قاله الدارمي في الاستذكار ولم يتعرض له الشيخان
تنبيه أفهم قوله طلقة أنه لو زاد عليها لم تقع الزيادة وهو كذلك لأن ذلك هو الواجب عليه وإنما لم يقيدها بالرجعة ليشمل ما لو لم يمكنه ذلك كما لو كانت قبل الدخول أو مستكملة لعدد الطلاق
ولو آلى من إحداهما وأبى الفيئة والطلاق طلق القاضي مبهما ثم يبين الزوج أن عين ويعين إن أبهم
والثاني القديم لا يطلق عليه لأن الطلاق في الآية يضاف إليه بل يفرده بحبس أو غيره ليفيء أو يطلق لحديث الطلاق لمن أخذ بالساق ويشترط حضوره ليثبت إمتناعه كالعضل إلا أن يعذر ولا يشترط للطلاق عليه حضوره عنده
ولا ينفذ طلاق القاضي في مدة إمهاله الآتي بيانها ولا بعد وطئه أو طلاقه وإن طلقا معا وقع الطلاقان وإن طلق القاضي وقع مع الفيئة لم يقع الطلاق كما جرى عليه بعض المتأخرين لأنها المقصود
وإن طلق الزوج بعد طلاق القاضي وقع الطلاق إن كان طلاق القاضي رجعيا وصورة الدعوى أن يدعي عليه بالإيلاء وأن مدته قد انقضت من غير وطء ويطلب منه دفع الضرر بالفيئة أو الطلاق على ما مر
( و ) الأظهر ( إنه ) إذا لم يكن عذر ( لا يمهل ) أياما ( ثلاثة ) ليفيء أو يطلق فيها لأنه زيادة على ما أمهله الله والحق إذا حل لا يؤجل ثانيا
والثاني يمهل ثلاثة أيام لقربها وقد ينشط فيها للوطء
تنبيه أفهم كلامه أنه لا يزاد على ثلاثة قطعا وهو كذلك وجواز إمهاله دون ثلاث
وليس على إطلاقه بل إذا استمهل لشغل أمهل بقدر ما يتهيأ لذلك الشغل فإن كان صائما أمهل حتى يفطر أو جائعا فحتى يشبع أو ثقيلا من الشبع فحتى يخف أو عليه النعاس فحتى يزول
قالا والاستعداد في مثل هذه الأحوال بقدر يوم فما دونه
ولو راجع المولى بعد تطليق القاضي وقد بقي مدة الإيلاء ضربت مدة أخرى
ولو بانت فتزوجها لم يعد الإيلاء فلا تطالب
( و ) الأظهر وعبر في الروضة بالمذهب ( أنه إذا وطىء ) في مدة الإيلاء ( بعد مطالبة ) له بالفيئة ( لزمه كفارة يمين ) إن كانت يمينه بالله تعالى أو صفة من صفاته لحنثه
والثاني لا يلزمه لقوله تعالى { فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم } أي يغفر الحنث بأن لا يؤاخذ بكفارته لدفعه ضرر الزوجة
وأجاب الأول بأن المغفرة والرحمة إنما ينصرفان إلى ما يعصي به والفيئة الموجبة للكفارة مندوب إليها وإذا لزمته الكفارة بالوطء بعد المطالبة فبالوطء قبلها أولى أما إذا كان حلفه بغير الله تعالى وصفاته نظر إن حلف بالتزام ما يلزم فإن كان بقربة لزمه ما التزم
أو كفارة يمين كما سيأتي في باب النذر أو بتعليق طلاق أو عتق وقع بوجود الصفة
خاتمة لو اختلف الزوجان في الإيلاء أو في انقضاء مدته بأن ادعته عليه فأنكر صدق بيمينه لأن الأصل
____________________
(3/351)
عدمه
ولو اعترفت بالوطء بعد المدة وأنكره سقط حقها من الطلب عملا باعترافها ولم يقبل رجوعها عنه لاعترافها بوصول حقها إليها
ولو كرر يمين الإيلاء مرتين فأكثر وأراد بغير الأولى التأكيد لها ولو تعدد المجلس وطال الفصل صدق بيمينه كنظيره في تعليق الطلاق
وفرق بينهما وبين تنجيز الطلاق بأن التنجيز إنشاء وإيقاع والإيلاء والتعليق متعلقان بأمر مستقبل فالتأكيد بهما أليق أو أراد الاستئناف تعددت الأيمان
وإن أطلق بأن لم يرد تأكيدا ولا استئنافا فواحدة إن اتحد المجلس حملا على التأكيد وإلا تعددت لبعد التأكيد مع اختلاف المجلس ونظيرهما جار في تعليق الطلاق وكذا الحكم لو حلف يكفيه يمينا سنة ويمينا سنتين مثلا وعند الحكم بتعدد اليمين يكفيه لانحلالها وطء واحد ويتخلص بالطلاق عن الأيمان كلها ويكفيه كفارة واحدة كما علم مما مر
كتاب الظهار هو لغة مأخوذ من الظهر لأن صورته الأصلية أن يقول لزوجته أنت علي كظهر أمي
وخصوا الظهر دون البطن والفخذ وغيرهما لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج وقيل من العلو قال تعالى { فما اسطاعوا أن يظهروه } أي يعلوه وكان طلاقا في الجاهلية وقيل في أول الإسلام ويقال كانوا في الجاهلية إذا كره أحدهم امرأته ولم يرد أن تتزوج بغيره آلى منها أو ظاهر فتبقى لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره فغير الشارع حكمه إلى تحريمها بعد العود ولزوم الكفارة كما سيأتي
وحقيقته الشرعية تشبيه الزوجة غير البائن بأنثى لم تكن حلا على ما يأتي بيانه وسمي هذا المعنى ظهارا لتشبيه الزوجة بظهر الأم وهو من الكبائر قال تعالى { وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا }
والأصل في الباب قبل الإجماع قوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم } الآية نزلت في أوس بن الصامت لما ظاهر من زوجته فاشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حرمت عليه فقالت انظر في أمري فإني لا أصبر عنه فقال صلى الله عليه وسلم حرمت عليه وكررت وهو يقول حرمت عليه فلما أيست اشتكت إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } الآيات
رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال مريه أن يعتق رقبة فقالت أي رقبة والله لا يجد رقبة وما له خادم غيري فقال مريه فليصم شهرين متتابعين فقالت ما يقدر على ذلك إنه يشرب في اليوم كذا كذا مرة فقال مريه فليطعم ستين مسكينا فقالت أنى له ذلك فائدة سورة المجادلة في كل آية منها اسم الله تعالى مرة أو مرتين أو ثلاثا وليس في القرآن سورة تشابهها في ذلك وهي نصف القرآن عددا وعشرة باعتبار الأجزاء
وله أركان أربعة مظاهر ومظاهر منها وصيغة ومشبه به وقد أخذ في بيانها مبتدءا بأولها فقال ( يصح ) الظهار ( من كل زوج ) فلا تصح مظاهرة السيد من أمته ولو كانت أم ولد لأن الله تعالى أناط حكمه بالنساء ومطلقه ينصرف إلى الزوجات
( مكلف ) بأن يكون بالغا عاقلا فلا يصح من صبي ومجنون ومغمى عليه لما مر في الطلاق
نعم لو علق المكلف الظهار على صفة هو مجنون أو مغمى عليه حصل الظهار قطعا قاله ابن كج
ولا بد أن يكون مختارا فلا يصح ظهار المكره وسيأتي ظهار السكران
فلو قال شرطه زوج يصح طلاقه كما قال في الإيلاء كان أخصر وأعم لدخول ظهار السكران
( ولو ) هو ( ذمي ) لعموم الآية وإنما صرح به مع دخوله فيما سبق لخلاف أبي حنيفة ومالك فيه من جهة أن الله شرط فيه الكفارة وليس هو من أهلها
لنا أنه لفظ يقتضي تحريم الزوجة فيصح منه كالطلاق والكفارة فيه شائبة الغرامة ويتصور منه الإعتاق عن الكفارة كأن يرث عبدا مسلما أو يسلم عبده أو يقول المسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي
____________________
(3/352)
والحربي كالذمي كما صرح به الروياني وغيره فلو عبر المصنف بالكافر لشمله
تنبيه كثيرا ما يرفع المصنف ما بعد لو كما سبق له قوله ولو طين وماء كدر على أنه خبر مبتدأ محذوف كما قدرته ولكن الكثير نصبه على حذف كان واسمها كقوله صلى الله عليه وسلم ولو خاتما
( و ) لو هو ( خصي ) ومجبوب وممسوح وعنين كالطلاق زاد في المحرر وعبد لأجل خلاف مالك فيه إذ لا يتصور منه الإعتاق ونحن نقول هو عاجز فيعدل عنه إلى الصوم
( وظهار سكران كطلاقه ) وتقدم في كتاب الطلاق صحة طلاقه فظهاره كذلك
والركن الثاني المظاهر منها وهي زوجة يصح طلاقها فيدخل في ذلك والمريضة والرتقاء والقرناء والكافرة والرجعية وتخرج الأجنبية ولو مختلعة والأمة كما مر فلو قال لأجنبية إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي أو قال السيد لأمته أنت علي كظهر أمي لم يصح
ثم شرع في الركن الثالث وهو الصيغة فقال ( وصريحه ) أي الظهار ( أن يقول ) الزوج ( لزوجته ) المذكورة ( أنت على أو مني أو معي أو عندي ) أو لدي أو نحو ذلك ( كظهر أمي ) في تحريم ركوب ظهرها وأصله إتيانك علي كركوب ظهر أمي بحذف المضاف وهو إتيان فانقلب الضمير المتصل المجرور ضميرا مرفوعا منفصلا ( وكذا ) قوله ( أنت كظهر أمي ) بحذف الصلة ( صريح على الصحيح ) ولا يضر حذفها كما أن قوله أنت طالق صريح وإن لم يقل مني
والثاني أنه كناية لاحتمال أن يريد أنت على غيري كظهر أمه بخلاف الطلاق
وعلى الأول لو قال أردت به غيري لم يقبل كما صححه في الروضة وأصلها وجزم به الإمام والغزالي وبحث بعضهم قبول هذه الإرادة باطنا
تنبيه المراد بالأم أم المحرمية فلو شبه زوجته بواحدة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإنهن أمهات المؤمنين كان لغوا
( وقوله ) لها ( جسمك أو بدنك ) أو جملتك ( أو نفسك ) أو ذاتك ( كبدن أمي أو جسمها أو جملتها ) أو ذاتها ( صريح ) لتضمنه الظهر وظاهر كلامه الجزم بذلك وإن لم يذكر الصلة وهو مخالف للمحرر والروضة كأصلها من التصريح بالصلة
أما إذا لم يذكرها فيجري فيه الخلاف المتقدم
ولو قال قوله الخ كالتشبيه بالظهر لسلم من ذلك
( والأظهر ) الجديد ( أن قوله ) لها أنت علي ( كبدها أو بطنها أو صدرها ) ونحوها من الأعضاء التي لا تذكر في معرض الكرامة والإعزاز مما سوى الظهر ( ظهار ) لأنه عضو يحرم التلذذ به فكان كالظهر
والثاني أنه ليس بظهار لأنه ليس على صورة الظهار المعهودة في الجاهلية ( وكذا ) قوله أنت علي ( كعينها ) أو رأسها أو نحو ذلك مما يحتمل الكرامة كقوله أنت كأمي أو روحها أو وجهها ظهار ( إن قصد ظهارا ) أي نوى أنها كظهر أمه في التحريم ( وإن قصد كرامة فلا ) يكون ظهارا لأن هذه الألفاظ تستعمل في الكرامة والإعزاز
( وكذا ) لا يكون ظهارا ( إن طلق في الأصح ) وعبر في المحرر بالأشبه وفي الروضة بالأرجح حملا على الكرامة لاحتمالها
والثاني يحمل على الظهار واختاره الإمام الغزالي لأن اللفظ صريح في التشبيه ببعض أجزاء الأمي ( وقوله ) لها ( رأسك أو ظهرك أو يدك ) أو رجلك أو بدنك أو جلدك أو شعرك أو نحو ذلك ( علي كظهر أمي ظهار في الأظهر ) لما مر في قوله كيدها أو بطنها وكان ينبغي أيضا أن يمثل بالجزء الشائع كالصنف والربع
والثاني ليس بظهار لأنه ليس على صورة الظهار المعهودة في الجاهلية ونقله الغزالي قولا قديما وعليه ينبغي التعبير بالجديد لا بالأظهر وإن اشتمل تعبيره على النوع المسمى في البديع بالجناس اللفظي
____________________
(3/353)
تنبيه تخصيص المصنف الأمثلة بالأعضاء الظاهرة من الأم قد يفهم إخراج الأعضاء الباطنة كالكبد والقلب وبه صرح صاحب الرونق واللباب
والأوجه كما اعتمده بعض المتأخرين أنها مثل الظاهرة كما اقتضاه اطلاقهم البعض
( والتشبيه بالجدة ) من الجهتين وإن بعدت كقوله أنت على كظهر جدتي ( ظهار ) لأنها تسمى أما ولها ولادة وتشارك الأم في العتق وسقوط القود ووجوب النفقة
( والمذهب طرده ) أي التشبيه المقتضي للظهار ( في كل محرم ) نسب أو رضاع أو مصاهرة وقع التشبيه بها و ( لم يطرأ تحريمها ) على المظاهر بأن لم تزل محرمة عليه كبنته وأخته من النسب ومرضعة أمه أو أبيه لمساواتهن الأم في التحريم المؤبد
والثاني المنع لورود النص في الأم
تنبيه ظاهر كلامه جريان الطرق في كل المحارم وليس مرادا بل الخلاف في محرم النسب قولان وفي محرم الرضاع والمصاهرة طرق
( لا مرضعة ) للمظاهر ( وزوجة ابن ) له لأنهما كانتا حلالا له في وقت فيحتمل إرادته
وأما بنت مرضعته فإن ولدت بعد ارتضاعه فهي لم تحل له في حالة من الحالات بخلاف المولودة قبله وكالمولودة بعده المولودة معه كما بحثه بعض المتأخرين
تنبيه لو حذف التاء من مرضعة كما مر له في الصوم حيث قال وأما الحامل والمرضع الخ كان أولى
( ولو شبه ) زوجته ( بأجنبية ومطلقة وأخت زوجة وأب ) للمظاهر ( وملاعنة ) له ( فلغو ) هذا التشبيه لأن الثلاثة الأول يشبهن الأم في التحريم المؤبد والأب أو غيره من الرجال كالابن والغلام ليس محلا للاستمتاع والخنثى هنا كالذكر لما ذكر والملاعنة وإن كان تحريمها مؤبدا ليس للمحرمية والوصلة وكذا لو شبهها بمجوسية أو مرتدة
تنبيه تعدية المصنف شبه بالباء جائز كما في المحكم وغيره ومنعه ابن عصفور وجعله لحنا وقال المسموع تعديه بنفسه ورد عليه ابن مالك بقول عائشة رضي الله تعالى عنها شبهتمونا بالحمر
واعلم أن ما سبق حكم تنجيز الظهار وأما حكم تعليقه فذكره بقوله ( ويصح تعليقه ) لأنه يتعلق به التحريم كالطلاق والكفارة وكل منهما يجوز تعليقه وتعليق الظهار ( كقوله ) إذا جاء زيد أو إذا طلعت الشمس فأنت علي كظهر أمي فإذا وجد الشرط صار مظاهر الوجود المعلق عليه
وكذا لو قال ( إن ظاهرت من زوجتي الأخرى فأنت علي كظهر أمي ) وهما في عصمته ( فظاهر ) من الأخرى ( صار مظاهرا منهما ) عملا بموجب التنجيز والتعليق
ولو علق الظهار بدخولها الدار فدخلت وهو مجنون أو ناس فمظاهر منها كنظيره في الطلاق المعلق بدخولها
وإنما يؤثر الجنون والنسيان في فعل المحلوف على فعله ولا عود منه حتى يفيق من جنونه أو يتذكر بعد نسيانه ثم يمسك المظاهر منها زمنا يمكن فيه الطلاق ولم يطلق
( ولو قال إن ظاهرت من فلانة ) فأنت علي كظهر أمي
وقوله ( وفلانة أجنبية ) ليس من بقية كلام المظاهر على جهة الشرط بل إخبار عن الواقع ( فخاطبها ) أي الأجنبية ( بظهار لم يظهر مظاهرا من زوجته ) لانتفاء المعلق عليه شرعا ( إلا أن يريد اللفظ ) أي إن تلفظت بالظهار منها فيصير مظاهرا من زوجته لوجود المعلق عليه
( فلو نكحها ) أي الأجنبية ( وظاهر منها ) بعد نكاحها ( صار مظاهرا ) ) من زوجته الأولى لوجود المعلق عليه
( ولو قال ) إن ظاهرت ( من فلانة الأجنبية ) فزوجتي علي كظهر أمي ( فكذلك ) أي فإن خاطبها بظهار قبل نكاحها لم يصر مظاهرا من زوجته إلا أن يريد اللفظ أو بعد نكاحها صار مظاهرا
( وقيل لا يصير مظاهرا ) منها ( وإن نكحها وظاهر ) منها بعد نكاحها لأنها ليست بأجنبية حين الظهار فلم يوجد المعلق عليه
ورد هذا بأن ذكر الأجنبية في المعلق عليه للتعريف لا للاشتراط قال
____________________
(3/354)
الزركشي ويشهد له قول النحاة إن الصفة في المعرفة للتوضيح نحو زيد العالم وفي النكرة للتخصيص نحو مررت برجل فاضل
( ولو قال إن ظاهرت منها وهي أجنبية ) فأنت علي كظهر أمي ( فلغو ) أي لا يكون مظاهرا من زوجته لأن قوله وهي أجنبية من بقية كلام المظاهر على جهة الشرط وهو تعليق بمستحيل فأشبه قوله إن بعت الخمر فأنت طالق وأتى بلفظ البيع فإنه لا يقع الطلاق ومثل قوله وهي أجنبية ما لو قال إن ظاهرت من فلانة أجنبية لاستحالة اجتماع ما علق به ظهارها من ظهار فلانة حالة كونها أجنبية
فلو أراد اللفظ بظهارها في الصورتين كان مظاهرا كما صرح به ابن المقري
( ولو قال أنت طالق كظهر أمي ولم ينو ) بمجموع كلامه هذا شيئا ( أو نوى ) به ( الطلاق ) فقط ( أو الظهار ) فقط ( أو ) نوى به ( هما ) معا ( أو ) نوى ( الظهار بأنت طالق والطلاق بكظهر أمي طلقت ) في هذه الحالات الخمس ( ولا ظهار ) أما وقوع الطلاق فلإتيانه بصريح لفظه وأما انتفاء الظهار في الأوليين فلعدم استقلال لفظه مع عدم نيته وأما في الباقي فلأنه لم ينوه ولفظ الطلاق لا ينصرف إلى الظهار وعكسه كما مر في الطلاق
وأشار إلى حالة أخرى لهذه المسألة بقوله ( أو ) نوى ( الطلاق بأنت طالق و ) نوى ( الظهار بالباقي ) وهو كظهر أمي ( طلقت ) قطعا ( وحصل الظهار إن كان طلاق رجعة ) لأن الظهار يصح من الرجعية وقد أتى به مع النية
وهو إما على حذف المبتدأ أي أنت طالق كظهر أمي كما قدره القاضي أبو الطيب أو على تعدد الخبر أي يجعل طالق و ظهر أمي خبرين عن أنت
واحترز بقوله طلاق رجعة عن البائن فإنه لا ظهار فيها لأنها أجنبية
ولو قال أنت كظهر أمي طالق عكس ما في المتن وأراد الظهار ب أنت علي كظهر أمي والطلاق ب أنت طالق حصلا ولا عود لأنه عقب الظهار بالطلاق فإن راجع كان عائدا كما سيأتي
وإن أطلق فمظاهر ولا طلاق على قياس ما مر في عكسه فإن أرادهما بجميع اللفظين وقع الظهار فقط وكذا إن أراد به أحدهما أو أراد الطلاق ب أنت كظهر أمي والظهار ب طالق
تتمة لو قال أنت علي حرام كظهر أمي ونوى بمجموعه الظهار فمظاهر لأن لفظ الحرام إظهار مع النية فمع اللفظ والنية أولى
وإن نوى به الطلاق فطلاق لأن لفظة الحرام مع نية الطلاق كصريحه
ولو أرادهما بمجموعه أو بقوله أنت علي حرام اختار أحدهما فيثبت ما اختاره منهما وإنما لم يقعا جمعا لتعذر جعله لهما لاختلاف موجبهما
وإن أراد بالأول الطلاق وبالآخر الظهار والطلاق رجعي حصلا لما مر في نظيره
وإن أراد بالأول الظهار وبالآخر الطلاق وقع الظهار فقط إذ الآخر لا يصلح أن يكون كناية في الطلاق لصراحته في الظهار وإن أطلق وقع الظهار فقط لأن لفظ الحرام ظهار مع النية فمع اللفظ أولى وأما عدم وقوع الطلاق فلعدم صريح لفظه ونيته
وإن أراد بالتحريم تحريم عينها لزمه كفارة يمين لأنها مقتضاه ولا ظهار إلا إن نواه ب كظهر أمي
ولو أخر لفظ التحريم عن لفظ الظهار
فقال أنت علي كظهر أمي حرام فمظاهر لصريح لفظ الظهار ويكون قوله حرام تأكيدا سواء أنوى تحريم عينها فيدخل مقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى في مقتضى الظهار وهو الكفارة العظمى أم أطلق فإن نوى بلفظ التحريم الطلاق وقعا ولا عود لتعقيبه الظهار بالطلاق
ولو قال أنت مثل أمي أو كروحها أو عينها ونوى الطلاق كان طلاقا لما مر أن ذلك ليس صريح ظهار
فصل في أحكام الظهار من وجوب كفارة وتحريم تمتع وما يذكر معهما تجب ( على المظاهر كفارة إذا عاد ) في ظهاره لقوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } الآية وسيأتي تفسير العود
وهل
____________________
(3/355)
وجبت الكفارة بالظهار والعود
أو بالظهار والعود شرط أو بالعود فقط لأنه الجزء الأخير أوجه ذكرها في أصل الروضة بلا ترجيح والأول هو ظاهر الآية الموافق لترجيحهم أن كفارة اليمين تجب باليمين والحنث جميعا
تنبيه تعبير المصنف قد يقتضي أن الكفارة على التراخي وهو قضية كلام الرافعي في باب الكفارة لكنه جزم في باب الصوم بأنها على الفور وحكاه في الحج عن القفال وعبارة القفال كل كفارة سببها معصية على الفور وهذا هو الظاهر قال السبكي وقد يدفع هذا بأن السبب هو العود أو مجموعهما على الخلاف والعود ليس بحرام حكاه في التوشيح
وهو ظاهر فيما إذا قلنا السبب العود العود فقط وليس بظاهر فيما إذا قلناهما لأن الظهار حرام والعود ليس بحرام وقد اجتمع حرام وحلال فيغلب الحرام
وقال في المطلب ظاهر نص الشافعي أنها على التراخي ما لم يطأ أما بعد الوطء فهل هي على الفور أو التراخي فيه الخلاف في قضاء الفائتة بغير عذر اه
وقضيته ترجيح الفور
( وهو ) أي العود في الظهار ( أن يمسكها ) المظاهر ( بعد ظهاره زمن إمكان فرقة ) لأن تشبيهها بالأم يقتضي أن لا يمسكها زوجة فإذا أمسكها زوجة فقد عاد فيما قال لأن العود للقول مخالفته يقال قال فلان قولا ثم عاد له وعاد فيه أي خالفه ونقضه وهو قريب من قولهم عاد في هبته
تنبيه هذا في الظهار المؤبد أو المطلق وفي غير الرجعية لأن الظهار المؤقت إنما يصير عائدا بالوطء في المدة لا بالإمساك كما سيأتي والعود في الرجعية إنما هو بالرجعة
واستثنى من كلامه ما إذا كرر لفظ الظهار وقصد به التأكيد فإنه ليس بعود على الأصح مع تمكنه بالإتيان بلفظ الطلاق بدل التأكيد وكذا لو قال عقب الظهار أنت طالق على ألف مثلا فلم تقبل فقال عقبه أنت طالق بلا عوض فليس بعائد وكذا لو قال يا زانية أنت طالق كقوله يا زينب أنت طالق وما تقدم من حصول العود بما ذكر محله إذا لم يتصل بالظهار فرقة بسبب من أسبابها
( فلو اتصلت به ) أي الظهار ( فرقة بموت ) منهما أو من أحدهما ( أو فسخ ) للنكاح بسببه أو بسببها أو بانفساخ كردة قبل الدخول وملكها له ( أو ) فرقة بسبب ( طلاق بائن أو رجعي ولم يراجع أو جن ) الزوج عقب ظهاره ( فلا عود ) ولا كفارة في جميع ذلك لتعذر الفراق في الأخيرتين وفوات الإمساك في الأولى وانتفائه في غيرها
( وكذا لو ) ظاهر من زوجته الرقيقة ثم ( ملكها ) بشراء ونحوه ( أو لاعنها ) متصلا ذلك بالظهار فإنه لا يكون عائدا ( في الأصح ) أما في الأولى فلأنه لم يمسكها في النكاح زوجه مقابلة أنه لم يحرمها على نفسه وإنما أبدل حلا بحل أقوى منه
وأما في الثانية فوجه الأصح اشتغاله بما يوجب الفراق
ولا فرق في الكلمات الموجبة للفراق بين الطويلة والقصيرة ولهذا لو قال عقب الظهار أنت يا فلانة بنت فلان الفلاني طالق وأطال في ذكر التسمية والنسب فإنه لا يكون عائدا ووجه مقابله تخلل كلمات اللعان ولو اشتغل قبل الشراء بأسبابه كالسوم وتقدير الثمن كان عائدا في الأصح
تنبيه إنما قيدت كلام المصنف بالشراء ونحوه للاحتراز عما لو ملكها عقب ظهاره بإرث فإنه لا يكون عائدا قطعا لعدم تمكنه من الطلاق
ولو أوصى له بها فقبلها متصلا بالظهار لم يكن عائدا وإلا فيصير عائدا إن قلنا إن الوصية تملك بالقبول كما بحثه الأذرعي قال ولو وهبت له متصلا فعائد جزما فيما يظهر إذ لا تملك إلا بالقبض وإنما لم يصر عائدا في اللعان على الأصح
( بشرط سبق القذف ) والمرافعة للقاضي ( ظهاره في الأصح ) لما في تأخير ذلك الظهار من زيادة التطويل
والثاني لا يشترط تقدم ما ذكر لاشتغاله بأسباب الفراق
تنبيه الأصح في مسألة اللعان منصوص عليه فلو قال المصنف ملكها في الأصح أولا عنها على النص كان موافقا لاصطلاحه
( ولو راجع ) من طلقها عقب ظهاره هذا تصريح بمفهوم قوله سابقا لم يراجع
وقوله ( أو ارتد )
____________________
(3/356)
بعد دخول ( متصلا ) هو حال من فاعل ارتد لا من فاعل راجع
( ثم أسلم ) بعد ردته في العدة ( فالمذهب ) بعد الجزم بعود الظهار وحكمه ( أنه عائد بالرجعة ) وإن لم يمسكها عقب الرجعة بل طلقها ( لا بالإسلام بل ) هو عائد ( بعده ) إن مضى بعد الإسلام زمن يسع الفرقة هذا ما نص عليه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في المسألتين فقيل فيهما قولان بالنقل والتخريج والصحيح تقرير النصين والفرق أن مقصود الرجعة الاستباحة ومقصود الإسلام الرجوع إلى الدين الحق فلا يحصل به إمساك وإنما يحصل بعده
( ولا تسقط الكفارة بعد العود بفرقة ) لمن ظاهر منها بطلاق أو غيره لاستقرارها بالإمساك كالدين لا يسقط بعد ثبوته
( ويحرم ) في الظهار المطلق ( قبل التكفير ) بعتق أو غيره ( وطء ) لقوله تعالى في العتق { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } وفي الصوم { فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } ويقدر من قبل أن يتماسا في الإطعام حملا للمطلق على المقيد لاتحاد الواقعة ولقوله صلى الله عليه وسلم لمن ظاهر لا تقربها حتى تكفر كما رواه الترمذي وحسنه
وأيضا فإنه قد منع من الوطء حتى يكفر بالصوم مع طول زمنه فمنعه حتى يكفر بالإطعام أولى لقصر زمنه
( وكذا ) يحرم عليه ( المس ونحوه ) كالقبلة ( بشهوة في الأظهر ) لأن ذلك قد يدعو إلى الوطء ويفضي إليه وحملا للمس في الآية على التقاء البشرتين وهو يشمل الجماع وغيره ( قلت الأظهر الجواز والله أعلم ) وهذا ما نقل الرافعي في الشرحين ترجيحه عن الأكثرين لبقاء الزوجية لأنه وطء محرم لا يخل بالنكاح فأشبه الحيض وحملا للمس في الآية على الجماع كما في قوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن }
تنبيه كلام المصنف يشمل الاستمتاع بما بين السرة والركبة وفيه الخلاف في الحيض والأصح منه التحريم وجزم به القاضي هنا ونقل الرافعي ترجيحه في الشرح الكبير عن الإمام ورجحه في الصغير
وقضية كلام المصنف جواز النظر بشهوة قطعا وتخصيص الخلاف بمباشرة البشرة وهو قضية كلام الجمهور
وأما الظهار المؤقت فقد شرع في صحته وفيما يتعلق به بقوله ( ويصح الظهار المؤقت ) كأنت علي كظهر أمي شهرا ظهارا ( مؤقتا ) في الأظهر عملا بالتأقيت لأنه منكر من القول وزور فصح كالظهار المعلق
( وفي قول ) يصح ظهارا ( مؤبدا ) ويلغو تأقيته تغليبا لشبهه بالطلاق ( وفي قول ) المؤقت ( لغو ) لأنه لم يؤيد التحريم فأشبه ما إذا شبهها بامرأة لا تحرم على التأبيد
تنبيه ظاهر كلامه على هذا القول أنه لا إثم ولا كفارة وهو ظاهر في نفي الكفارة دون الإثم بل يأثم بلا خلاف ( فعلى الأول ) وهو صحته مؤقتا ( الأصح ) بالرفع ( أن عوده ) فيه ( لا يحصل بإمساك ) لزوجة ظاهر منها مؤقتا ( بل ) يحصل ( بوطء في المدة ) لأن الحل منتظر بعد المدة فالإمساك يحتمل أن يكون لانتظار الحل أو للوطء في المدة والأصل براءته من الكفارة فإذا وطىء فقد تحقق الإمساك لأجل الوطء
والثاني أن العود فيه كالعود في الظهار المطلق إلحاقا لأحد نوعي الظهار بالآخر
تنبيه أفهم كلامه أن الوطء نفسه عود وهو الأصح وقيل يتبين به العود بالإمساك عقب الظهار ( و ) على الأصح على الأول لا يحرم الوطء لأن العود الموجب للكفارة لا يحصل إلا به بل ( يجب النزع بمغيب الحشفة ) لحرمة الوطء قبل التكفير أو انقضاء المدة واستمرار الوطء وطء
تنبيه أفهم قوله في المدة أنه لو لم يطأ فيها ووطىء بعدها لا شيء عليه وبه صرح في المحرر لارتفاع الظهار وأنه لو وطىء في المدة ولم يكفر حتى انقضت حل له الوطء لارتفاع الظهار وبقيت الكفارة في ذمته وبه صرح في الروضة وأصلها وقد علم مما تقرر أن الظهار المؤقت يخالف المطلق في ثلاث صور إحداها أن العود فيه بالوطء
ثانيها أن
____________________
(3/357)
الوطء الأول حلال
ثالثها أن التحريم بعد الوطأة الأولى يمتد إلى التكفير أو انقضاء المدة ونازع في ذلك البلقيني وقال إنه بعيد من ظاهر القرآن فإنه حرم المسيس قبل التكفير فمن قال أو انقضت المدة فقد زاد شرطا ليس في القرآن
فروع لو كان الظهار المؤقت بأكثر من أربعة أشهر صار مظاهرا موليا لامتناعه من الوطء فوق أربعة أشهر وإذا وطىء في المدة لم يلزمه كفارة يمين الإيلاء كما صححه في الروضة كأصلها إذ لا يمين وقيل تلزمه مع كفارة الظهار كما جزم به صاحبا التعليقة والأنوار ولعل وجهه أن ذلك منزل منزلة اليمين كما في قوله والله لا أطؤك خمسة أشهر
ولو قيد الظهار بمكان قال البلقيني فالقياس أنه كالظهار المؤقت بزمان ولم أر من تعرض له وإذا قلنا يتقيد بذلك المكان لم يكن عائدا في ذلك الظهار إلا بالوطء في ذلك المكان ومتى وطئها فيه حرم وطؤها مطلقا حتى يكفر اه
قال بعض المتأخرين وما قال إنه القياس مفرع على ما حكاه الرافعي عن البوشنجي أنه إذا قال أنت طالق في الدار لم يقع عند الإطلاق إلا بدخولها الدار أما إذا فرعنا على ما حكاه الرافعي عن البويطي من أنه يقع الطلاق في الحال أي وهو الأصح فهو كالظهار المطلق اه
وهذا هو الظاهر
ولو وقت تحريم عينها ك أنت حرام علي شهرا ونوى تحريم عينها أو أطلق صح ولزمه كفارة يمين
( ولو قال لأربع ) جمعهن في ظهار واحد ( أنتن علي كظهر أمي فمظاهر منهن ) لوجود لفظة الصريح ( فإن أمسكهن ) زمنا يسع طلاقهن فعائد منهن وحينئذ ( فأربع كفارات ) تجب عليه في الجديد لوجود الظهار والعود في حق كل واحدة منهن فإن امتنع العود في بعضهن بموت أو طلاق أو غيره وجبت الكفارة بعدد من عاد فيه منهن ( وفي القديم ) عليه ( كفارة ) واحدة سواء أمسكهن أو بعضهن لاتحاد الكلمة
أما إذا ظاهر من كل واحدة بلفظ مفرد فعليه أربع كفارات قطعا لتعدد الكلمة
( ولو ظاهر منهن ) أي الأربع ( بأربع كلمات متوالية ) أو غير متوالية كما فهم بالأولى ( فعائد ) من كل واحدة ( من الثلاث الأول ) أما في غير المتوالية فظاهر وأما في المتوالية فلعوده في الأولى بظهار الثانية وفي الثانية بظهار الثالثة وفي الثالثة بظهار الرابعة فإن فارق الرابعة عقب ظهارها فعليه ثلاث كفارات وإلا فأربع
( ولو كرر ) لفظ الظهار ( في امرأة ) واحدة تكريرا ( متصلا وقصد ) به ( تأكيدا فظهار واحد ) لأن التأكيد شائع في اللغة فقبل قوله كالطلاق فيلزمه كفارة إن أمسكها عقب المرات وإن فارقها عقبها فلا شيء عليه
وخرج ب متصلا ما لو فصل وقصد تأكيدا فإنه لا يقبل في الأصح تغليبا للطلاق وقيل يقبل تغليبا لشبهة اليمين
والخلاف فيما إذا لم يكفر عن الأول فإن كفر فالثاني ظهار جديد قطعا لانقضاء حكم الأول بالتكفير عنه ( أو ) قصد بتكرير الظهار في امرأة ( استئنافا فالأظهر ) الجديد وقطع به بعضهم ( التعدد ) للظهار بعدد المستأنف كالطلاق
والثاني لا يتعدد كتكرر اليمين على شيء مرات ( و ) الأظهر على التعدد ( أنه بالمرة الثانية عائد في ) الظهار ( الأول ) للإمساك زمنها
والثاني لا لأن الظهار بها من جنس واحد فما لم يفرغ من الجنس لا يجعل عائدا
تنبيه سكت المصنف عما إذا أطلق بأن لم ينو تأكيدا ولا استئنافا والأظهر فيه الاتحاد بخلاف نظيره من الطلاق والفرق أن الطلاق محصور والزوج يملكه فإذا كرر فالظاهر استيفاء المملوك بخلاف الظهار
ولو قصد بالبعض تأكيدا وبالبعض استئنافا أعطي كل منهما حكمه
ولو قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي وكرر هذا اللفظ بنية التأكيد لم يتعدد وإن فرقه في مجالس وإن كرره بنية الاستئناف تعددت الكفارات سواء فرقه أم لا ووجبت الكفارات كلها بعود واحد بعد الدخول فإن طلقها عقب الدخول لم يجب شيء وإن أطلق لم يتعدد في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما جزم به صاحب الأنوار
واستشكل البلقيني التعدد في الاستئناف بمن لو حلف على فعل
____________________
(3/358)
واحدا مرارا بقصد الاستئناف فإن الأصح في المهذب وفتاوى المصنف أنه يلزمه كفارة واحدة وفي القرن بينهما غموض اه
وفرق بينهما بأن المرجح في الظهار شبه الطلاق
خاتمة لو قال إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي وتمكن من التزوج توقف الظهار على موت أحدهما قبل التزوج ليحصل اليأس منه لكن لا عود لوقوع الظهار قبيل الموت فلم يحصل إمساك
فإن قال إذا لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي فإنه يصير مظاهرا بإمكان التزوج عقب التعليق فلا يتوقف على موت أحدهما
والفرق بين إن و إذا مر بيانه في الطلاق
ولو قال إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك وكفر قبل الدخول لم يجزه لتقدمه على السببين جميعا كتقديم الزكاة على الحول والنصاب
ولو علق الظهار بصفة وكفر قبل وجودها أو علق عتق كفارته بوجود الصفة لم يجزه لما مر
وإن ملك من ظاهر منها وأعتقها عن ظهاره صح
ولو ظاهر أو آلى من امرأته الأمة فقال لسيدها ولو قبل العود أعتقها عن ظهاري أو إيلائي ففعل عتقت عنه وانفسخ النكاح لأن إعتاقها عنه يتضمن تمليكها له
كتاب الكفارة أي جنسها لا كفارة الظهار فقط
وهي مأخوذ من الكفرة وهو الستر لسترها الذنب تخفيفا من الله تعالى وسمي الزارع كافرا لأنه يستر البذر
وهل الكفارات بسبب حرام زواجر كالحدود والتعازير للخلل الواقع وجهان أوجههما الثاني كما رجحه ابن عبد السلام لأنها عبادات ولهذا لا تصح إلا بالنية
وافتتح في المحرر هنا الكتاب بقوله تعالى { فتحرير رقبة مؤمنة } وبقوله تعالى { إطعام عشرة مساكين } وصدره المصنف بما يعتبر في أنواع الكفارات ثم ذكره عقب كفارة الظهار فقط مبتدئا باشتراط النية فيها فقال ( يشترط نيتها ) بأن ينوي العتق أو الصوم أو الإطعام عن الكفارة لأنها حق مالي يجب تطهيرا كالزكاة والأعمال بالنيات فلا يكفي الإعتاق أو الصوم أو الكسوة أو الإطعام الواجب عليه لأنه قد يجب بالنذر
نعم لو نوى الواجب بالظهار أو القتل كفى فلو كان عليه رقبة ولم يدر أنها عن ظهار أو نذر أو قتل أجزأه نية العتق الواجب عليه
تنبيه أفهم كلامه أنه لا يشترط التعرض للفرضية وهو كذلك لأنها لا تكون إلا فرضا ولا يشترط اقتران النية بالإعتاق أو الإطعام بل يجوز تقديمها كما نقله في المجموع في باب قسم الصدقات عن الأصحاب وصححه بل صوبه قال إنه ظاهر النص وإن صحح هنا تبعا للرافعي أنه يجب اقترانها بذلك
وإذا قدمها فينبغي كما قال الزركشي وجوب قرنها بعزل المال كما في الزكاة وسيأتي أواخر هذا الكتاب أن التكفير بالصوم يشترط فيه التبيين
( لا تعيينها ) بأن تقيد بظهار أو غيره فلا يشترط كما لا يشترط في زكاة المال تعيين المال المزكى بجامع أن كلا منها عبادة مالية بل تكفي نية أصلها فلو أعتق رقبتين بنية الكفارة وكان عليها كفارة قتل وظهار أجزأه عنهما وإن أعتق واحدة وقعت عن إحداهما
وإنما لم يشترط تعينها في النية كالصلاة لأنها في معظم خصالها نازعة إلى الغرامات فاكتفى فيها بأصل النية نعم لو نوى غير ما عليه ولو خطأ لم يجزه كما لو أخطأ في تعيين الإمام في الصلاة وهذا بخلاف ما لو أخطأ في الحدث حيث يصح والفرق أن بارتفاعه يرتفع غيره وهنا لم يكفر عما عليه
تنبيه الذمي المظاهر كالمسلم يكفر بعد عوده بالعتق والطعام ويتصور إعتاقه عن كفارته بأن يسلم عبده الكافر أو يرث عبدا مسلما أو يقول لمسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي فيجيبه أو نحو ذلك والصوم منه لا يصح ولا يطعم وهو قادر على الصوم فيترك الوطء أو يسلم ويصوم ثم يطأ ويلزمه نية الكفارة عما يكفر به للتمييز لا للتقرب
____________________
(3/359)
كقضاء الدين في ذلك كذا قاله الرافعي
قال بعض المتأخرين ويؤخذ منه اشتراط النية في قضاء الدين فلو دفع مالا لمن له عليه دين لا بنية الوفاء كان هبة قال وفيه وقفة
وكالذمي فيما ذكر مرتد بعد وجوب الكفارة وتجزئة الكفارة بالإعتاق والإطعام فيطأ بعد الإسلام وإن كفر في الردة
وتنقسم الكفارة إلى نوعين مخيرة في أولها ومرتبة في آخرها وسيأتي في باب الإيمان ومرتبة وهي كفارة القتل والجماع في نهار رمضان والظهار
وقد شرع في خصاله فقال
( وخصال كفارة الظهار ) ثلاثة ولو صرح بهذا لسلم من إبهام تفسير الخصال بالعتق الموصوف فإنه لم يقل بعد ذلك الخصلة الثانية ولا الثالثة وإنما ذكر العتق وأحكامه ثم قال فإن عجز عن العتق صام وذكر حكم الصوم ثم قال فإن عجز عن الصوم كفر بالإطعام وقال خصالها مرتبة أحدها ( عتق رقبة ) لكان أحسن
وللرقبة المجزئة في الكفارة أربعة شروط أولها ما ذكره بقوله ( مؤمنة ) ولو بإسلام أحد الأبوين أو للسابي فلا يجزىء كافر قال تعالى في كفارة القتل { فتحرير رقبة مؤمنة } وألحق بها غيرها قياسا عليها أو حملا لمطلق آية الظهار على المقيد في آية القتل كحمل المطلق في قوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } على المقيد في قوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ولأن الزكاة لا يجوز صرفها لكافر فكذا الكفارة به ويشترط الإيمان في باقي الكفارات أيضا
الشرط الثاني أن تكون سالمة ( بلا عيب ) فيها ( يخل ) بأن يضر ( بالعمل والكسب ) إضرارا بينا لأن المقصود تكميل حاله ليتفرع لوظائف الأحرار وإنما يحصل ذلك إذا استقل بكفاية نفسه وإلا فيصير كلا على نفسه وعلى غيره
تنبيه إنما جمع المصنف بين العمل والكسب ولم يقتصر على الثاني لأن الزمن يمكنه الاكتساب مع أنه لا يجزىء لكنه لو اقتصر على العمل كان أخصر أن يجعل الكسب من عطف أعم على أخص
قال الأصحاب وملاحظة الشافعي في العيب هنا بما يضر بالعمل نظير ملاحظته في عيب الأضحية ما ينقص اللحم لأنه المقصود فيها وفي عيب النكاح ما يخل بمقصود الجماع وفي عيب المبيع ما يخل بالمالية فاعتبر في كل باب ما يليق به
ثم فرع المصنف على ما اعتبره في وصف الرقبة من أجزاء ومع الثاني مذكور في قوله بعد لا زمن والأول في قوله ( فيجزىء صغير ) ولو ابن يوم حكم بإسلامه ولو تبعا للسابي لإطلاق الآية ولأنه يرجى كبره فهو كالمريض يرجى برؤه وفارق في الغرة حيث لا يجزىء فيها الصغير لأنها حق آدمي ولأن غرة الشيء خياره ويسن أن يكون من يكفر به مكلفا للخروج من خلاف العلماء قاله الروياني
تنبيه أفهم كلام المصنف أن الجنين ولو انفصل لدون ستة أشهر لا يجزىء وهو كذلك وكذا لو خرج بعضه كما قاله القفال
( و ) يجزىء ( أقرع ) وهو من لا نبات برأسه ( أعرج ) بحذف العاطف ( يمكنه تباع مشي ) بأن يكون عرجه غير شديد
ولو عرف المصنف المشي كما في المحرر كان أولى
( و ) يجزىء ( أعور ) لم يضعف عوره بصر عينه السليمة كما في زيادة الروضة فإن أضعفها وأضر العمل إضرارا بينا لم يجز
تنبيه أفهم كلامه عدم الاكتفاء بالأعمى وهو كذلك وإن أبصر لتحقق اليأس في العمى وعروض البصر نعمة جديدة بخلاف المرض كما سيأتي
فإن قيل هذا يشكل بقولهم لو ذهب بصره بجناية فأخذ ديته ثم عاد استردت لأن العمى المحقق لا يزول
أجيب بأن الأول في العمى الأصلي والثاني في الطارىء
( و ) يجزىء ( أصم ) وهو فاقد السمع ( و ) يجزىء ( أخرس ) قال في التنبيه إذا فهمت إشارته في الروضة يفهم الإشارة وينبغي اعتبارهما
قال في التنبيه فإن جمع بين الصمم والخرس لم يجزه لأن اجتماع ذلك يورث زيادة الضرر
وظاهر كلامه في الروضة تبعا للرافعي ترجيح الإجزاء وهو الظاهر
( و ) يجزىء ( أخشم ) بخاء وشين معجمتين فاقد الشم
( وفاقد أنفه و ) فاقد ( أذنيه و ) فاقد ( أصابع رجليه ) كلها لأن فقد ذلك لا يخل بالعمل والكسب بخلاف فاقد
____________________
(3/360)
أصابع يديه فلا يجزىء
ويجزىء فاقد الأسنان والمجبوب والعنين والأمة الرتقاء والقرناء والأبرص والمجذوم وضعيف البطش ومن لا يحسن صنعه والأحمق وهو من يضع الشيء في غير موضعه مع علمه بقبحه وولد الزنا والفاسق
( لا زمن ) ونحيف لا عمل فيه ( و ) لا ( فاقد رجل أو خنصر وبنصر ) بكسر أولهما وفتح ثانيهما وكسره ( من يد ) وأفهم أن فقد أحدهما أو فقدهما من يدين لا يضر وهو كذلك
( أو ) فاقد ( أنملتين من غيرهما ) كإبهام وسبابة ووسطى لأن فقدهما مضر
تنبيه كلامه يوهم أن فقد أنملتين من خنصر وبنصر من يد لا يضر وإنما يضر فقدهما جملة وليس مرادا وعبارة المحرر وفقد أنملتين من أصبع كفقد تلك الأصبع ( قلت أو ) فاقد ( أنملة إبهام ) فيضر ( والله أعلم ) لتعطل منفعتها إذا فأشبه قطعها
تنبيه علم مما ذكر أنه لا يجزىء فاقد يد وأشلها مثله ولا فاقد أصابعها ولا فاقد أصبع من إبهام أو سبابة أو وسطى وأنه يجزىء فاقد خنصر من يد وبنصر من الأخرى وفاقد أنملة من غير الإبهام فلو فقدت أنامله العليا من الأصابع الأربع أجزأ وفيه تردد للإمام
( ولا ) يجزىء ( هرم عاجز ) عن العمل والكسب لأنه يخل بالمقصود ( و ) لا ( من أكثر وقته مجنون ) لعدم حصول المقصود منه بخلاف ما هو في أكثرها عاقل فيجزىء تغليبا للأكثر في الشقين ومن استوى زمن جنونه وزمن إفاقته يجزىء نعم إن كان في زمن الإفاقة الكثيرة ضعف بمنع العمل زمنا يؤثر بأن يكون مع زمن الجنون أكثر من زمن الإفاقة ضر
تنبيه في عبارته إسناد الجنون إلى الزمن والأصل ولا من هو في أكثر أوقاته مجنون فيكون من المجاز العقلي كنهاره صائم
( و ) لا ( مريض لا يرجى ) برء علته كصاحب السل فإنه كالزمن بخلاف من يرجى برؤه فإنه يجزىء
وإن مات بعد إعتاقه لوجود الرجاء عند الإعتاق وموته يحتمل أن يكون لمرض آخر ( فإن برأ ) بفتح الراء من لا يرجى برؤه بعد إعتاقه ( بأن الإجزاء في الأصح ) لخطأ الظن
والثاني لا لاختلال النية وقت العتق كما لو حج من غير المعضوب ثم بان أنه معضوب فإنه لا يجزىء على الأصح
الشرط الثالث إكمال الرق في الإعتاق عن الكفارة كما أشار إلى ذلك بقوله ( ولا يجزىء شراء قريب ) يعتق بمجرد الشراء بأن كان أصلا أو فرعا ( بنية ) عتقه عن ( كفارة ) لأن عتقه مستحق بجهة القرابة فلا ينصرف عنها إلى الكفارة
تنبيه لو قال تملك قريب لكان أشمل فإن هبته وإرثه وقبول الوصية به كذلك
( ولا ) عتق ( أم ولد ) لاستحقاقها العتق بجهة الاستيلاد ( و ) لا عتق ( ذي كتابة صحيحة ) لأن عتقه يقع بسبب الكتابة بدليل استتباع الكسب فيمنع صرفه إلى غيرها
نعم إن وجد التعجيز جاز على النص
وخرج بالصحيحة الفاسدة فإنه يجزىء على المذهب في الروضة وإن خالف في التنقيح هذا التفصيل ونقل عن الشافعي والجمهور المنع مطلقا فقد اعترض بأن الرافعي حكى في باب الكتابة الإجزاء في الفاسدة عن رواية أبي علي عن النص
تنبيه جر المصنف أم الولد وما بعده على إضافة عتق المقدر كما قدرته فيهما ويجوز رفعهما فاعلين ل يجزىء بلا تقدير مضاف ولا يجوز عطفهما على شراء لعدم صحة شرائهما لاستحقاقهما العتق بالاستيلاد والكتابة كما مر
( ويجزىء مدبر ) وهو المعلق عتقه بموت سيده كقوله إن مت فأنت حر ( ومعلق ) عتقه ( بصفة ) غير التدبير لأن ملكه عليهما تام بدليل صحة جميع تصرفاته هذا إذا نجز عتقه عن الكفارة أو علقه بما يوجد قبل الصفة الأولى وإلا لم يجزه وهذا معنى قوله ( فإن أراد جعل العتق المعلق ) بها ( كفارة ) عند حصولها ( لم يجز ) بفتح أوله بخطه
____________________
(3/361)
وذلك كأن يقول أولا لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ثم يقول له ثانيا إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي فيعتق المعلق بالصفة عند دخولها ولا يجزىء عن كفارته لأنه مستحق العتق بالتعليق الأول
ولا يشترط في العتق عن الكفارة التنجيز
( و ) حينئذ ( له تعليق عتق الكفارة بصفة ) على الأصح كقوله لعبده إن دخلت الدار فأنت حر عن كفارتي فدخلها عتق عن الكفارة لأن المأمور به تحرير رقبة وهو حاصل بالتعليق السابق
ويشترط في المعلق عتقه عنها أن يكون بصفة الإجزاء حال التعليق فلو قال لمكاتبه كتابة صحيحة
إذا عجزت عن النجوم فأنت حر عن كفارتي أو لعبده الكافر إذا أسلمت فأنت حر عن كفارتي أو قال إن خرج الجنين سليما فهو حر عن كفارتي ثم وجدت الصفة عتق ولم يجز عن الكفارة
ولو علق عتق عبده المجزىء عن الكفارة بصفة ثم كاتبه فوجدت الصفة أجزأه إن وجدت الصفة بغير اختيار المعلق كما يؤخذ من كلام الرافعي
ويجزىء مرهون وجان إن نفذنا عتقهما بأن كان المعتق موسرا
ويجزىء آبق ومغصوب ولو لم يقدر على انتزاعه من غصب لقدرته على منافع نفسه هذا إن علم حياتهما ولو بعد الإعتاق لكمال رقمهما سواء أعلما عتق أنفسهما أم لا لأن علمهما ليس بشرط في نفوذ العتق فكذا في الاجزاء فإن لم يعلم حياتهما لم يجز إعتاقهما وبه علم أن من انقطع خبره لا يجزىء لأن الوجوب متيقن والمسقط مشكوك فيه بخلاف الفطرة تجب للاحتياط
وتجزىء حامل وإن استثنى حملها ويتبعها في العتق ويبطل الاستثناء في صورته
وإذا لم يمنع الاستثناء نفوذ العتق لم يمنع سقوط الفرض
ولا يجزىء موصى بمنفعته ولا مستأجر لعجزهما عن الكسب لنفسهما وللحيلولة بينهما وبين منافعها وبهذا فارق المريض الذي يرجى برؤه والصغير
ويجزىء من تحتم قتله بخلاف من قدم للقتل والفرق أن من قدم للقتل يقتل غالبا فإن لم يقتل كان كمريض لا يرجى برؤه والمتحتم قتله قد يتأخر للقتل عنه
وقد ترجع البينة ولا يضر في العتق التشقيص ( و ) حينئذ يجزىء ( إعتاق عبديه عن كفارتيه ) انفق جنسهما أو اختلف ( عن كل ) منهما ( نصف ذا ) العبد ( ونصف ذا ) العبد لتخليص الرقبتين من الرق
وهل يقع العتق مبعضا على ما نواه ثم يسري أو يقع كل عبد عن كفارة وجهان في الروضة كأصلها بلا ترجيح وظاهر كلام المتن الأول ونسبه في الشامل للجمهور
وتظهر فائدة الخلاف فيما لو ظهر أحدهما معيبا أو مستحقا مثلا فعلى التبعيض لم يجز واحد منهما عن كفارته وعلى الثاني يبرأ من كفارة واحدة ويبقى عليه أخرى
تنبيه لو سكت المكفر عن التشقيص بأن أعتق عبديه عن كفارتيه ولم يزد على ذلك صح كما جزم به الإمام وتقع كل رقبة عن كفارة في أحد وجهين يظهر ترجيحه
( ولو أعتق معسر نصفين ) له من عبدين ( عن كفارة ) عليه ( فالأصح الإجزاء إن كان باقيهما حرا ) لحصول المقصود وهو إفادة الاستقلال
والثاني المنع مطلقا كما لا يجزىء شقصان في الأضحية
والثالث الإجزاء مطلقا تنزيلا للأشقاص منزلة الأشخاص
وخرج بالمعسر الموسر فيجزيه ذلك بلا قيد لسريانه إلى باقيهما
تنبيه أفهم كلامه أنه لو كان باقي أحدهما فقط حرا لم يجزه قال الزركشي وليس كذلك بل الظاهر الإجزاء لخلوص رقبة كاملة اه
وهذا ظاهر
ولو أعتق موسر نصف عبده مشترك بينه وبين آخر عن كفارته فإن نوى مع عتق نصيبه صرف عتق نصيب شريك أيضا إليها أجزأه وإلا فينصرف نصيبه فقط إليها فيكمل ما يوفي رقبة
الشرط الرابع خلو الرقبة عن شوب العوض كما نبه على ذلك بقوله ( ولو أعتق ) عبده عن كفارته ( بعوض ) يأخذه ( لم يجز ) ذلك الإعتاق ( عن كفارة ) لعدم تجرده لها
تنبيه أفهم إطلاقه العوض أنه لا فرق بين جعل العوض على العبد ك أعتقتك عن كفارتي على أن ترد علي ألفا أو على أجنبي ك أعتقت عبدي هذا عن كفارتي بألف عليك فقبل
أو يقول له الأجنبي أعتق عبدك عن كفارتك وعلي كذا فيعتقه فورا وهو كذلك
وإذا لم يجز استحق العوض على الملتمس في أصح الوجهين ويقع الولاء للمعتق
____________________
(3/362)
لأنه لم يعتقه عن الباذل ولا هو استدعاه لنفسه
ولما ذكر العتق عن الكفارة بعوض بين حكم ذلك في غير الكفارة استطرادا فقال ( والإعتاق بمال كطلاق به ) فيكون من المالك به معاوضة فيها شوب تعليق ومن المستدعي معاوضة فيها شوب جعالة كما مر في الخلع والجواب عن الاستدعاء على الفور فلو تأخر عتق عن المالك
تنبيه قد عقد في المحرر لهذا فصلا وقال إنه دخيل في الباب ولهذا قلت تبعا للشارح ذكره المصنف استطرادا
( فلو قال ) شخص لسيد مستولدة ( أعتق أم ولدك على ألف ) مثلا ( فأعتق ) فورا ( نفذ ) إعتاقه ( ولزمه ) أي الملتمس ( العوض ) المذكور لاستلزامه إياه ويكون ذلك افتداء من المستدعي نازلا منزلة اختلاع الأجنبي
تنبيه أشار بقوله فأعتق إلى أن عتقها متصل فإن أعتقها بعد فصل طويل وقع العتق عن المالك ولا شيء على المستدعي وكذا لو قال أعتق مستولدتك عني على ألف فقال أعتقتها عنك فإنها تعتق عن المالك ويلغو قوله عنك لأن المستولدة لا تقبل النقل بخلاف ما لو قال طلق زوجتك عني على كذا فطلق حيث يلزمه العوض لأنه لا يتخيل في الطلاق انتقال شيء إليه بخلاف المستولدة فقد يتخيل جواز انتقالها إليه
( وكذا لو قال ) شخص لسيد عبد ( أعتق عبدك على كذا ) كألف ولم يقل عنك ولا عني بل أطلق ( فأعتق ) فورا نفذ قطعا ولزمه العوض ( في الأصح ) لالتزامه إياه فيكون افتداء كأم الولد
والثاني لا يستحق إذ لا افتداء في ذلك لإمكان نقل الملك في العبد بخلاف أم الولد
تنبيه أشعر قوله على كذا أنه لا يشترط كون العوض مالا فلو قال على خمر أو على مغصوب مثلا نفذ ولزم قيمة العبد في الأصح
ولو ظهر بالعبد عيب بعد عتقه لم يبطل عتقه بل يرجع المستدعي العتق بأرش العيب ثم إن كان عيبا يمنع الإجزاء في الكفارة لم تسقط به
( وإن قال أعتقه عني على كذا ) كألف أو زق خمر ( ففعل ) فورا ولم يكن ممن يعتق على الطالب ( عتق عن الطالب ) لأنه إذا عتق عن الغير بغير رضا المالك في السراية فلأن يقع عنه برضا المالك وإعتاقه من باب أولى
تنبيه شمل كلامه ما إذا كان على الطالب كفارة ونواها فإنه يجزئه كما نص عليه الشافعي
( وعليه العوض ) المسمى إن كان مالا عملا بالتزامه وقيمة العبد إن كان غير مال كالخلع كما جزم به الرافعي ومرت الإشارة إليه
فإن قال مجانا فلا شيء عليه وإن لم يشرط عوضا ولا نفاه بأن قال أعتقه عن كفارتي وسكت عن العوض لزمه قيمة العبد كما لو قال له اقض ديني وإن قال أعتقه عني ولا عتق عليه فالذي يقتضيه نص الشافعي في الأم وإيراد الجمهور هنا أنه لا يلزمه قيمة العبد وأن ذلك هبة مقبوضة
تنبيه أشار المصنف بالفاء في قوله ففعل إلى اشتراط اتصال الجواب فإن طال الفصل عتق عن المالك ولا شيء على الطالب فإن كان الطالب ممن يعتق عليه العبد لم يعتق عليه لأنه لو كان أجنبيا لملكناه إياه وجعلنا المسؤول نائبا في الاعتاق والملك في مسألتنا يوجب العتق والتوكيل بعده بالإعتاق لا يصح ويصير دورا قاله القاضي الحسين في فتاويه
( والأصح أنه ) أي الطالب ( يملكه ) أي المطلوب إعتاقه ( عقب لفظ الإعتاق ) الواقع بعد الاستدعاء لأنه المالك للملك
( ثم يعتق عليه ) لتأخر العتق عن الملك فيقعان في زمنين لطيفين متصلين
وهذا بناء على أن الشرط يترتب على المشروط
والثاني يحصل الملك والعتق معا بعد تمام اللفظ بناء على أن الشرط مع المشروط يقعان معا وصححه في الروضة في التعليق بالتعليق
ولو قال إذا جاء الغد فأعتق عبدك عني بألف فأعتقه عنه صح ولزم المسمى لتضمن ذلك البيع لتوقف العتق على الملك فكأنه قال بعنيه وأعتقه عني وقد أجابه
وإن أعتقه عنه مجانا أو بغير الألف وقع عن المعتق دون المستدعي
تنبيه العتق ينفذ بالعوض وإن كان الرقيق مستأجرا أو مغصوبا لا يقدر على انتزاعه لأن البيع في
____________________
(3/363)
ذلك ضمني فيغتفر فيه ما لا يغتفر في المستقبل ولو قال لغيره أطعم ستين مسكينا كل مسكين مدا من حنطة عن كفارتي ونواها بقلبه ففعل أجزأه في الأصح ولا يختص بالمجلس والكسوة مثل الإطعام كما قاله الخوارزمي
( و ) أشار لضابط المعتق في الكفارة بأنه كل ( من ملك عبدا ) لا يحتاج إليه والمراد به الجنس الشامل للأمة
( أو ) ملك ( ثمنه ) من نقد أو عوض حال كون كل منهما ( فاضلا عن كفاية نفسه وعياله ) الذين تلزمه مؤنتهم شرعا ( نفقة وكسوة وسكنى وأثاثا ) وإخداما ( لا بد منه لزمه العتق ) وهذا جواب الشرط أي بخلاف من لم يملك ما ذكر قال تعالى { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد } الآية
أما من ملك عبدا هو محتاج إلى خدمته لمرض أو كبر أو ضخامة مانعة من خدمته نفسه أو منصب يأبى أن يخدم نفسه فهو في حقه كالمعدم بخلاف من هو من أوساط الناس فيلزمه الإعتاق لأنه لا يلحقه بصرف العبد إلى الكفارة ضرر شديد وإنما يفوته نوع رفاهية
واستثنى في المهمات من التكفير بالمال السفيه ولو كان موسرا وإن كان إطلاقهم هنا يشمله فإن الرافعي ذكر في الحجر أنه كالمعسر حتى إذا حلف وحنث كفر بالصوم وأطلق المصنف النفقة والكسوة
قال الرافعي وسكتوا عن تقدير مدة النفقة وبقية المؤن فيجوز أن يقدر ذلك بالعمر الغالب وأن يقدر سنة
وصوب في الروضة منهما الثاني وقضية ذلك أنه لا نقل فيها مع أن منقول الجمهور الأول وهو المعتمد كما مر في قسم الصدقات وجزم البغوي في فتاويه بالثاني على قياس ما صنع في الزكاة
واعلم أن ما ذكر في الحج وفي قسم الصدقات من أن كتب الفقيه لا تباع في الحج ولا تمنع أخذ الزكاة وفي الفلس من أن خيل الجندي المرتزق تبقى له يقال بمثله هنا بل أولى كما ذكره الأذرعي وغيره
( ولا يجب ) على المكفر ( بيع ضيعة ) وهي بفتح الضاد المعجمة العقار قاله الجوهري
( و ) لا بيع ( رأس مال ) للتجارة بحيث ( لا يفضل دخلهما ) من غلة الضيعة وربح مال التجارة ( عن كفايته ) لمعونة لتحيل عبد يعتقه بل يعدل المكفر في الصورتين للصوم فإن فضل دخلهما عن كفايته باعهما قطعا
( ولا ) بيع مسكن وعبد نفيسين ألفهما ( في الأصح ) لعسر مفارقة المألوف ونفاستهما بأن يجد بثمن المسكن مسكنا يكفيه وعبدا يعتقه وبثمن العبد عبدا يخدمه وآخر يعتقه
والثاني يجب بيعهما لتحصيل عبد يعتقه ولا التفات إلى مفارقة المألوف في ذلك
واحترز بقوله ألفهما عما لو لم يألفهما فيجب البيع والاعتاق قطعا
تنبيه كان ينبغي التعبير بالخادم بدل العبد فإن الأمة كذلك لاسيما إن احتاج إليها للوطء
وفي الاستذكار لو كان له أمة للوطء وخادم إن أمكن أن تخدمه الأمة أعتق وإلا فلا وقدمنا أن المراد بالعبد الجنس فيكون المراد هنا كذلك ويجب بيع فاضل داره الواسعة إن أمكن بيعه مع سكنى الباقي إذ لا ضرر ولا عسر وسواء في ذلك المألوفة وغيرها كما يقتضيه كلام كثيرين لأنه لا يفارقها
وبيع ثوب نفيس لا يليق بالمكفر إذا حصل به غرض اللبس وغرض التكفير إلا إذا كان مألوفا كما مر في العبد فلا يلزمه بيع بعضه لعسر مفارقة المألوف فيجزئه الصوم وفي الحج يلزمه بيع المألوف
قال الرافعي وكأن الفرق أن الحج لا بدل له وللإعتاق بدل
والفرق بين ما هنا وما مر في الفلس من أنه لا يبقى للمفلس خادم ولا مسكن أن للكفارة بدلا كما مر وأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة بخلاف حقوق الآدمي
ومن له أجرة تزيد على قدر كفايته لا يلزمه التأخير لجمع الزيادة لتحصل العتق فله الصوم ولو تيسر جمع الزيادة لثلاثة أيام أو ما قاربها فإن اجتمعت الزيادة قبل صيامه وجب العتق إعتبارا بوقت الأداء كما سيأتي
( ولا ) يجب ( شراء بغبن ) وإن قل كماء الطهارة كأن وجد عبدا لا يبيعه مالكه إلا بأكثر من المثل ولا يعدل إلى الصوم بل عليه الصبر إلى أن يجد بثمن المثل من يعتقه
وكذا لو غاب ماله يصبر إلى حضوره ولو كان فوق مسافة القصر وكان التكفير عن ظهار لأنه لو مات لأخذت الرقبة من تركته بخلاف مثله في التيمم لأن الصلاة لا تقضى
____________________
(3/364)
عن الميت
ولا يجب قبول هبة الرقبة لما في ذلك من المنة بل يسن
( وأظهر الأقوال اعتبار اليسار ) الذي يلزم به الإعتاق ( بوقت الأداء ) لأنها عبادة لها بدل من غير جنسها فاعتبر حال أدائها كالصوم والتيمم والقيام والقعود في الصلاة
والثاني بوقت الوجوب لها وجرى على هذا صاحب التنبيه ونبهت على ضعفه في شرحه
والثالث بأي وقت كان من وقتي الوجوب والأداء
تنبيه ما تقدم في الحر أما العبد المظاهر فلا يتأتى تكفيره بعتق ولا إطعام بل يصوم وللسيد تحليله إن لم يأذن له فيه
ثم شرع في الخصلة الثانية من خصال الكفارة فقال ( فإن عجز ) المظاهر حسا أو شرعا ( عن عتق صام شهرين متتابعين ) للآية فلو تكلف الإعتاق بالاستقراض أو غيره أجزأه على الأصح لأنه ترقى إلى الرتبة العليا
تنبيه ولو ملك رقبة فقتلها هل له الصوم إن قلنا إن الاعتبار بحالة الأداء صام كما رجحه الروياني وإلا فلا ولو شرع المعسر في الصوم ثم أيسر لم يلزمه إعتاق
ويعتبر الشهران ( بالهلال ) ولو نقصا ويكون صومهما ( بنية كفارة ) من الليل لكل يوم منهما كما هو معلوم في صوم الفرض ولا يشترط تعيين جهة الكفارة من ظهار أو قتل مثلا كما سبق أول الباب فلو كان عليه كفارتان وصام أربعة أشهر عما عليه من الكفارة أجزأ
واستثنى في المطلب ما لو صام شهرا عن كفارة
ثم آخر عن أخرى ثم آخر عن الأولى ثم آخر عن الأخرى فلا يجزئه عن واحدة منهما بخلاف نظيره من العبدين لأن التتابع شرط
( ولا يشترط نية التتابع في الأصح ) اكتفاء بالتتابع الفعلي ولأن التتابع شرط في العبادة فلا تجب نيته كستر العورة في الصلاة
والثاني يشترط كل ليلة ليكون متعرضا لخاصة هذا الصوم
تنبيه لا يصح من المكفر الصوم إلا بتحقق جوازه بتعذر العتق عليه فلو نوى من الليل الصوم قبل طلب الرقبة ثم طلبها فلم يجدها لم تصح النية
( فإن بدأ ) بهمزة من الابتداء بالصوم ( في أثناء شهر ) كعشرين يوما من المحرم ( حسب الشهر بعده ) وهو صفر ( بالهلال وأتم ) الشهر ( الأول ) وهو المحرم ( من الثالث ثلاثين ) يوما بعشرة من ربيع لتعذر الرجوع فيه إلى الهلال فاعتبر بالعدة ( ويفوت التتابع بفوات يوم بلا عذر ) ولو كان اليوم الأخير كما إذا فسد صومه أو نسي النية في بعض الليالي والنسيان لا يجعل عذرا في ترك المأمورات
وهل يبطل ما مضى أو ينقلب نفلا فيه قولان رجح في الأنوار أولهما وابن المقري ثانيهما
وينبغي حمل الأول على الإفساد بلا عذر والثاني على الإفساد بعذر
ولو شك في نية صوم يوم بعد الفراغ من الصوم ولو من صوم اليوم الذي شك في نيته لم يضر إذ لا أثر للشك بعد الفراغ من اليوم ويفارق نظيره في الصلاة بأنها أضيق من الصوم
تنبيه يستثنى من مفهوم عبارة المصنف ما لو أفطر لسفر أو أفطرت الحامل أو المرضع لأجل الولد أو أفطر لفرط الجوع فإن التتابع يفوت وإن وجد عذر
( وكذا ) يفوت التتابع لعذر ( بمرض ) مسوغ للفطر ( في الجديد ) لأن المرض لا ينافي الصوم وقد أفطر باختياره فأشبه ما لو أجهده الصوم فأفطر
والقديم لا يقطع التتابع لأن التتابع لا يزيد على أصل وجوب رمضان وهو يسقط بالمرض وعلم منه أن خوف المرض قاطع من باب أولى
و ( لا ) يزول التتابع في الصوم ( بحيض ) لأنه ينافي الصوم ولا تخلو عنه ذات الأقراء في الشهر غالبا والتأخير إلى سن اليأس فيه خطر
وهذا إذا لم تعتد الانقطاع شهرين فأكثر فإن اعتادت ذلك فشرعت في الصوم في وقت يتخلله الحيض انقطع كما نقله في زيادة الروضة عن المتولي وأقره وكذا لو ابتدأ المكفر الصوم في وقت يعلم دخول ما يقطعه عن إتيانه كشهر رمضان أو يوم النحر كما صرح به في المحرر وأهمله المصنف
تنبيه النفاس كالحيض لا يقطع التتابع على الصحيح وقيل يقطعه لندرته وهو ظاهر نصوص الشافعي رضي الله عنه
وطرو الحيض والنفاس إنما يتصور في كفارة قتل لا ظهار إذ لا يجب على النساء ومن ثم اعترض على المصنف
____________________
(3/365)
ذكره الحيض هنا وكلامه في كفارة الظهار وأجيب عنه بأن كلامه في مطلق الكفارة وأيضا قد يتصور من المرأة بأن تصوم عن قريبها الميت العاجز في كفارة الظهار بناء على القديم المختار
( وكذا جنون ) لا يزول به التتابع ( على المذهب ) لمنافاته للصوم كالحيض ويأتي في الجنون المتقطع ما سبق عن المتولي كما صرح به في الذخائر والإغماء المستغرق كالجنون كما في الروضة وهو المعتمد وقيل كالمرض وكلام التنقيح يشعر بترجيحه وقال الأذرعي إنه المذهب والمنصوص في الأم
ولو صام رمضان بنية الكفارة أو بنيتهما بطل صومه ويأثم بقطع صوم الشهرين ليستأنف إذ هما كصوم يوم
ولو وطىء المظاهر فيهما ليلا عصى ولم يستأنف
ثم شرع في الخصلة الثالثة من خصال الكفارة فقال ( فإن عجز ) المظاهر ( عن صوم ) أو ولاء ( بهرم أو مرض قال الأكثرون ) من الأصحاب ( لا يرجى زواله ) وقال الأقلون كالإمام و الغزالي لا بد من تقييد المرض بكونه يدوم شهرين إما بظن عادة مطردة في مثله أو بقول الأطباء
وصحح هذا في زوائد الروضة ولو اقتصر المصنف على هذا لفهم منه الأول
وأطلق جمع من الأصحاب المرض من غير تفرقة بين رجاء زواله وعدمه
تنبيه عطف المرض على الهرم من عطف عام على خاص فإن المرض عرض والهرم مرض طبيعي
( أو ) لم يعجز ولكن ( لحقه بالصوم مشقة شديدة ) وضبطها بعضهم بما يبيح التيمم
ودخل في المشقة شدة الشبق على ما رجحه الأكثرون وصرح به المصنف في كفارة الوقاع وهو شدة الغلمة أي شهوة الوطء
وإنما لم يجز ترك صوم رمضان بشدة الشبق لأنه لا بدل له ولأنه يمكنه الوطء فيه ليلا بخلافه في كفارة الظهار لاستمرار حرمته إلى الفراغ منها كما مرت الإشارة إليه
( أو خاف ) من الصوم ( زيادة مرض كفر بإطعام ستين مسكينا ) للآية السابقة ( أو فقيرا ) لأنه أشد حالا منه ويكفي البعض مساكين والبعض فقراء
تنبيه قوله كفر بإطعام تبع فيه لفظ القرآن والمراد تمليكهم فقد جاء أطعم النبي صلى الله عليه وسلم الجدة السدس أي ملكها فلا يكفي التغدية ولا التعشية
وهل يشترط اللفظ أو يكفي الدفع عبارة الروضة تقتضي اللفظ لأنه عبر بالتمليك قال الأذرعي وهو بعيد أي فلا يشترط لفظ
وهذا هو الظاهر كدفع الزكاة
وإنما لم ينتظر زوال المرض المرجو زواله للصوم كما ينتظر المال الغائب للعتق لأنه لا يقال لمن غاب ماله لا يجد رقبة ويقال للعاجز بالمرض لا يستطيع الصوم ولأن حصول المال متعلق باختياره بخلاف زوال المرض
ويشترط في المسكين والفقير أن يكونا من أهل الزكاة وحينئذ ( لا ) يكفي تمليكه ( كافرا ) ولو ذميا ( ولا هاشميا و ) لا ( مطلبيا ) ومن تلزمه نفقته كزوجته وقريبه ولا إلى مكفي بنفقة قريب أو زوج ولا إلى عبد ومكاتب لأنها حق لله تعالى فاعتبر فيها صفات الزكاة
نعم لو دفعها إلى العبد بإذن سيده والسيد بصفة الاستحقاق جاز لأنه صرف لسيده
ويصرف للستين المذكورين ( ستين مدا ) لكل واحد مد كأن يضعها بين أيديهم ويملكها لهم بالسوية أو يطلق فإذا قبلوا ذلك أجزأ على الصحيح فلو فاوت بينهم بتمليك واحد مدين وآخر مدا أو نصف مد لم يجز وإن أوهم كلام المصنف خلافه فلو قال ستين مدا مدا بتكرير المد كان أولى ولو قال خذوه ونوى فأخذوه بالسوية أجزأ فإن تفاوتوا لم يجزىء إلا مد واحد ما لم يتبين معه من أخذ مدا آخر وهكذا
وإن صرف ستين مدا إلى مائة وعشرين بالسوية احتسب له بثلاثين مدا فيصرف ثلاثين أخرى إلى ستين منهم ويسترد من الباقين إن كان ذكر لهم أنها كفارة
وإن صرف ستين إلى ثلاثين بحيث لا ينقص كل منهم عن مد لزمه صرف ثلاثين مدا إلى ثلاثين غيرهم ويسترد كما سبق ولو صرف لمسكين واحد مدين من كفارتين جاز
وإن أعطى رجلا مدا واشتراه منه مثلا ودفعه لآخر وهكذا إلى ستين أجزأه وكره
ولو دفع الطعام
____________________
(3/366)
إلى الإمام فتلف في يده قبل التفرقة لم يجزه بخلاف الزكاة
وبين المصنف جنس الأمداد بقوله ( مما ) أي من جنس الحب الذي ( يكون فطرة ) فتخرج من غالب قوت بلد المكفر فلا يجزىء نحو الدقيق والسويق والخبز
تنبيه أفهم كلامه جواز إخراج الأقط واللبن لتجويزه إخراجهما في صدقة الفطر وهو ظاهر في الأقط وأما اللبن فقد صحح في تصحيح التنبيه منع إجزائه
خاتمة إذا عجز من لزمته الكفارة عن جميع الخصال بقيت الكفارة في ذمته إلى أن يقدر على شيء منها فلا يطؤها المظاهر حتى يكفر
ولا تجزىء كفارة ملفقة من خصلتين كأن يعتق نصف رقبة ويصوم شهرا أو يصوم شهرا ويطعم ثلاثين فإن وجد بعض الرقبة صام لأنه عادم لها بخلاف ما إذا وجد بعض الطعام فإنه يخرجه ولو بعض مد لأنه لا بدل له
والميسور لا يسقط بالمعسور ويبقى الباقي في ذمته في أحد وجهين يظهر ترجيحه لأن الغرض أن العجز عن جميع الخصال لا يسقط الكفارة ولا نظر إلى توهم كونه فعل شيئا
وإذا اجتمع عليه كفارتان ولم يقدر إلا على رقبة أعتقها عن إحداهما وصام عن الآخر إن قدر وإلا أطعم
كتاب اللعان هو لغة المباعدة ومنه لعنة الله أي أبعده وطرده
وسمي بذلك لبعد الزوجين من الرحمة أو لبعد كل منهما عن الآخر فلا يجتمعان أبدا
وشرعا كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد كما سيأتي
وسميت هذه الكلمات لعانا لقول الرجل عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين وإطلاقه في جانب المرأة من مجاز التغليب
واختير لفظه دون لفظ الغضب وإن كانا موجودين في اللعان لكون اللعنة متعدية في الآية الكريمة والواقع ولأن لعانه قد ينفك عن لعانها ولا ينعكس
والأصل قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } الآيات وسبب نزولها ما في البخاري أن هلال بن أمية قذف زوجته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سمحاء فقال له صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا نبي الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكرر ذلك فقال هلال والذي بعثك بالحق نبيا إني لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد فنزلت الآيات
ولا بد أن يسبق اللعان قذف كما قال ( يسبقه قذف ) وهو بالمعجمة لغة الرمي وشرعا الرمي بالزنا على جهة التعبير أو نفي ولد لأن الله ذكر اللعان بعد القذف ولأنه حجة ضرورية لدفع الحد أو نفي الولد ولا ضرورة قبل ذلك
تنبيه لو قال قذف أو نفي ولد كان أولى وأشمل ليشمل ما لو شهد بزناها أربع فإنه يلاعن لنفي الحمل
ويستثنى ما لو وطئها بشبهة أو بنكاح فاسد فإنه يترك القذف بالزنا ويقول ليس هذا الولد مني كما قاله الرافعي
وألفاظ القذف ثلاثة صريح وكناية وتعريض
وبدأ بالأول فقال ( وصريحه ) أي القذف مطلقا ( الزنا كقوله لرجل أو امرأة زنيت أو زنيت ) بفتح التاء وكسرها ( أو يا زاني أو يا زانية ) لتكرر ذلك وشهرته كسائر الصرائح ولو كسر التاء في خطاب الرجل أو فتحها في خطاب المرأة
ولا يضر اللحن بالتذكير للمؤنث وعكسه كما صرح به في المحرر كقوله للرجل يا زانية وللمرأة يا زاني
تنبيه قوله لرجل أو امرأة قد يخرج الخنثى
وقد ذكر الرافعي في حد القذف أنه إذا خاطب خنثى بزانية أو زان يجب الحد لكنه يكون صريحا إن أضاف الزنا إلى فرجيه فإن أضافه إلى أحدهما كان كناية
هذا إذا قال
____________________
(3/367)
لمن يمكن وطؤه في معرض التعبير فلو قال لابنة سنة مثلا زنيت فإنه ليس بقذف كما قاله الماوردي لأن القذف ما احتمل الصدق أو الكذب وهذا مقطوع بكذبه ولهذا يعزر للإيذاء
ولو شهد عليه بالزنا مع تمام النصاب لم يكن قذفا وكذا لو شهد عليه شاهد بحق فقال خصمي يعلم زنا شاهده فحلفه أنه لا يعلمه ومثله أخبرني بأنه زان أو شهد يجرحه فاستفسره الحاكم فأخبره بزناه كما قاله الشيخ أبو حامد وغيره أو قال له اقذفني فقذفه على الصحيح وكذا لو كان اسمها زانية فناداها به
وهذه الصور كلها تخرج بقولنا على جهة التعبير ولا فرق في المرأة بين أن يعلمها أو يظنها زوجته أم لا
( والرمي ) لشخص ( بإيلاج ) ذكره أو ( حشفة ) منه ( في فرج مع وصفه ) أي الإيلاء ( بتحريم ) مطلقا ( أو ) الرمي بإيلاج ذكر أو حشفة في ( دبر صريحان ) وهذا خبر المبتدأ والمعطوف عليه المقدر ب أو التقسيمية كما تقرر
ولو قال صريح كان أولى لأن العطب ب أو
ومن الصريح اللفظ المركب من النون والياء والكاف الموصوف بالحرمة لأنه صريح لا يقبل التأويل وكذا كل صريح في الإيلاج وصف بالتحريم فإنه صريح
وإنما اشترط الوصف بالتحريم في القبل دون الدبر لأن الإيلاج في الدبر لا يكون إلا حراما فإن لم يصف الأول بالتحريم فليس بصريح لصدقه بالحلال بخلاف الثاني فإن قيل الوطء في القبل قد يكون محرما وليس بزنا كوطء حائض ومحرمة بنسب أو رضاع فالوجه أن يضيف إلى وصفه بالتحريم ما يقتضي الزنا
أجيب بأن المتبادر عند الإطلاق الحرام لذاته فهو صريح فإن ادعى شيئا مما ذكر واحتمل الحال قبل منه كما في الطلاق في دعوى إرادة حل الوثاق وسواء خوطب بهما ذكر أم أنثى كقوله للذكر أولجت في فرج محرم أو دبر أو أولج في دبرك ولها أولج في فرجك المحرم أو دبرك
وقوله زنيت في قبلك صريح في المرأة دون الرجل لأن الرجل يزني به لا فيه
ولو قال وطئك في القبل أو الدبر اثنان معا لم يكن قذفا لاستحالته فهو كذب محض فيعزر للإيذاء
فإن أطلق بأن لم يقيد بقبل ولا دبر قال الإسنوي فيحد لإمكان ذلك بوطء واحد في القبل والآخر في الدبر اه
وفي هذا نظر لا يخفى على من يعرف النساء
( وزنأت ) بالهمز ( في الجبل ) أو السلم أو نحوه ( كناية ) لأن الزنا في الجبل ونحوه هو الصعود فيه
واحترز بالتقيد بالجبل عما لو قال زنأت بالهمزة في البيت فإنه صريح لأنه لا يستعمل بمعنى الصعود في البيت ونحوه فإن كان فيه درج يصعد إليه فيها فوجهان أوجههما كما قال شيخنا أنه كناية
( وكذا زنأت فقط ) أي بالهمز وحذف الجبل كناية ( في الأصح ) لأن ظاهره يقتضي الصعود
والثاني أنه صريح والياء قد تبدل همزة
والثالث إن أحسن العربية فكناية وإلا فصريح
( وزنيت ) بالياء ( في الجبل صريح في الأصح ) للظهور فيه كما لو قال في الدار
وذكر الجبل يصلح فيه إرادة محله فلا ينصرف الصريح عن موضوعه فلو قال أردت الصعود صدق بيمينه لاحتمال إرادته
والثاني أنه كناية لأن الياء قد تقام مقام الهمزة ونقله الأذرعي عن نص الأم
والثالث إن أحسن العربية فصريح منه وإلا فكناية
ولو قال يا زانية في الجبل بالياء كان كناية كما قالاه
فإن قيل هلا كان كقوله زنيت في الجبل كما مر أجيب بأنه لما قرن قوله في الجبل الذي هو محل الصعود بالاسم المنادى الذي لم يوضع لإنشاء العقود خرج عن الصراحة بخلاف الفعل
( وقوله ) لرجل ( يا فاجر يا فاسق ) يا خبيث ( ولها ) أي لامرأة يا فاجرة يا فاسقة ( يا خبيثة وأنت تحبين الخلوة ) أي الظلمة أو لا تردين يد لامس ( ولقرشي يا نبطي ) نسبة للأنباط وهم قوم ينزلون البطائح بين العراقين أي أهل الزراعة سموا بذلك لاستنباطهم الماء أي إخراجه من الأرض
( ولزوجته لم أجدك عذراء ) أو بكرا أو وجدت معك رجلا ( كناية ) في القذف هو راجح للمسائل كلها لاحتمالها القذف وغيره والقذف ب يا نبطي لأم المخاطب
ولو عبر بالعربي بدل القرشي لكان أعم
____________________
(3/368)
تنبيه قوله لزوجته قد يوهم أنه لا يكون كناية في الأجنبية وليس مرادا فلا فائدة للتقييد بالزوجة وقوله لم أجدك عذراء ينبغي كما قال الزركشي تصويره فيمن لم يعلم لها تقدم افتضاض مباح فإن علم فليس بشيء قطعا
تنبيه اختلف في قول الشخص لغيره يا لوطي فقيل هو كناية قال المصنف في الروضة وهو المعروف في المذهب وصوبه في تصحيحه لاحتمال أنه يريد أنه على دين قوم لوط لكنه قال في الروضة ما مر قد غلب استعماله في العرف بإرادة الوطء في الدبر بل لا يفهم منه إلا هذا فينبغي أن يقطع بأنه صريح وإلا فيخرج على الخلاف فيما إذا شاع لفظ في العرف كقوله الحلال علي حرام
وأما احتمال كونه أراد أنه على دين قوم لوط فلا يفهمه العوام فالصواب الجزم بأنه صريح وبه جزم صاحب التنبيه اه
قال الأذرعي والصواب أنه كناية كما قاله الأئمة اه
وهذا هو المعتمد
وقال ابن الرفعة إن نسخ التنبيه مختلفة ففي بعضها يا لائط قال والظاهر أن لائط هي الصحيحة
قال ابن القطان ولو قال له يا بغي أو لها يا قحبة فهو كناية
قال شيخنا ومقتضى ما مر أواخر الطلاق أن قوله يا قحبة صريح اه
وهذا أظهر وبه أفتى ابن عبد السلام وأفتى أيضا بصراحة يا مخنث للعرف والظاهر أن هذا كناية
( فإن أنكر ) شخص في الكناية ( إرادة قذف ) بها ( صدق بيمينه ) لأنه أعرف بمراده فيحلف أنه ما أراد قذفه قاله الماوردي
ثم عليه التعزير للإيذاء نص عليه الشافعي وجرى عليه الجمهور وقيده الماوردي بما إذا خرج لفظه مخرج السب والذم وإلا فلا تعزير وهو ظاهر
وإذا عرضت عليه اليمين فليس له الحلف كاذبا دفعا للحد وتحرزا من إتمام الإيذاء بل يلزمه الاعتراف بالقذف ليحد أو يعفى عنه كالقاتل لغيره خفية لأن الخروج من مظالم العباد واجب
قال الأذرعي لكن لو كان صادقا في قذفه يعلم زناه يقينا فهل يكون عذرا في التورية عند تحليف الحاكم له ليدرأ الحد عن نفسه وتجوز التورية أو لا الأقرب عندي جوازه ولما فيه من دفع المعرة عن المقول له بل يقرب إيجاب ذلك إذا علم أنه يحد بذلك وتبطل عدالته وروايته وما تحمله من الشهادات ونحو ذلك اه
وهذا ظاهر
وصيغة الحلف أن يحلف أنه ما أراد قذفه كما صرح به الماوردي قال ولا يحلف أنه ما قذفه
وهل يجب الحد بمجرد اللفظ مع النية أو لا يجب حتى يعترف أنه أراد بالكناية بالقذف تردد فيه الإمام والظاهر كما قاله بعض المتأخرين الأول
( وقوله ) لغيره في خصومة أو غيرها ( يا ابن الحلال وأما أنا فلست بزان ونحوه ) كليست أمي بزانية ولست ابن خباز أو إسكافي وما أحسن اسمك في الجيران ( تعريض ) بغيره و ( ليس بقذف ) له صريح ولا كناية ( وإن طواه ) في الأصح لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي وههنا ليس في اللفظ إشعار به وإنما يفهم بقرائن الأحوال فلا تؤثر فيه كمن حلف لا يشرب ماء من عطش ونوى أن لا يتقلد منه فإنه إن شربه من غير عطش لم يحنث
فاللفظ الذي يقصد به القذف إن لم يحتمل غيره فصريح وإلا فإن فهم منه القذف بوضعه فكناية وإلا فتعريض
وليس الرمي بإتيان البهائم قذفا والنسبة إلى غير الزنا من الكبائر وغيرها مما فيه إيذاء كقوله لها زنيت بفلانة أو أصابتك فلانة يقتضي التعزير للإيذاء لا الحد لعدم ثبوته
( وقوله ) لامرأة أجنبية علوت رجلا حتى دخل ذكره في فرجك صريح
وقوله لغيره ( زنيت بك ) بفتح الكاف أو كسرها ( إقرار بزنا ) على نفسه ( وقذف ) للمخاطب أما كونه إقرارا فلقوله زنيت وأما كونه قذفا فلقوله بك رأى الإمام أنه ليس بصريح في القذف لاحتمال كون المخاطب مكرها أو نائما
قال الرافعي ويؤيده أنه لو قال زنيت مع فلان كان قذفا لها دونه
قال الزركشي ولا يظهر بينهما فرق اه
وفرق في الوسيط بأن إطلاق هذا اللفظ يحصل به الإيذاء التام لتبادر الفهم منه إلى صدوره عن طواعية وإن احتمل غيره ولهذا يحد بالنسبة إلى الزنا مع احتمال إرادة زنا العين والرجل
( ولو قال لزوجته يا زانية ) بنت الزانية وجب حدان لها ولأمها
فإن طلبتا الحطد بدىء
____________________
(3/369)
بحد الأم لوجوبه بالإجماع وحد الزوجة مختلف فيه والزوج ممكن من إسقاطه باللعان بخلاف حد الأم ويمهل للثاني إلى البرء
ولو قال لها يا زانية ( فقالت ) له جوابا ( زنيت بك أو أنت أزنى مني فقاذف ) لها فيحد لإتيانه بلفظ القذف الصريح
( وكانية ) في قذفه فتصدق في إرادة عدم قذفه بيمينها لأن قولها الأول يحتمل نفي الزنا أي لم أفعل كما لم تفعل وهذا مستعمل عرفا كقولك لمن قال تغديت تغديت معك وقولها الثاني يحتمل إرادة ما وطئني غيرك فإن كنت زانية فأنت أزنى مني لأني ممكنة وأنت فاعل
تنبيه قضية كلامه أنها ليست مقرة بالزنا لأنه لم يتعرض لذلك إلا في الصورة الآتية قال البلقيني وهو المنصوص في الأم والمختصر واتفق عليه الأصحاب اه
وهذا ظاهر في قولها الثاني وأما الأول فهي مقرة بالزنا كما صرح به بعض المتأخرين وهو ظاهر لأن قولها إقرار صريح بالزنا
وكانية اسم فاعل من كنيت ويجوز كانونة من كنوت عن كذا إذا لم تصرح به
( فلو قالت ) في جواب الزوج في المثال المتقدم ( زنيت وأنت أزنى مني فمقرة ) على نفسها بالزنا بقولها زنيت ( وقاذفة ) لزوجها باللفظ الآخر صريحا فتحد للقذف والزنا
ويبدأ بحد القذف لأنه حق آدمي فإن رجعت سقط حد الزنا لما سيأتي في بابه دون حد القذف لأنه حق آدمي
ولو قالت لزوجها ابتداء أنت أزنى من فلان كان كناية إلا أن يكون قد ثبت زناه وعلمت بثبوته فيكون صريحا فتكون قاذفة لا إن جهلت فيكون كناية فتصدق بيمينها في جهلها فإذا حلفت عزرت ولم تحد
ولو قالت له ابتداء أنت أزنى مني فهو كهذه الصورة وإن ذكر فيها في أصل الروضة وجهين بلا ترجيح
ولو قالت له يا زاني فقال زنيت بك أو أنت أزنى مني فقاذفة له صريحا وهو كان على وزان ما مر الخ
فلو قال في جوابها زنيت وأنت أزنى فهو مقر بالزنا وقاذف لها على وزان ما مر أيضا
وقوله لأجنبية يا زانية فقالت زنيت بك أو أنت أزنى مني فهو قاذف وهي في الجواب الأول قاذفة له مع إقرارها بالزنا
وفي الجواب الثاني كانية لاحتمال أن تريد أنه أهدى إلى الزنا وأحرص عليه منها
ويقاس بما ذكر قولها لأجنبي يا زاني فيقول زنيت بك أو أنت أزنى مني ولو قالت له ابتداء فلان زان وأنت أزنى منه أو في الناس زناة وأنت أزنى منهم فصريح لا إن قالت الناس زناة أو أهل مصر مثلا زناة وأنت أزنى منهم فليس قذفا لتحقق كذبها إلا إن نوت من زنى منهم فيكون قذفا
( وقوله ) لغيره ( زنى فرجك أو ذكرك ) أو قبلك أو دبرك بفتح الكاف أو كسرها فيما ذكر ( قذف ) لأنه آلة ذلك العمل أو محله
تنبيه قد مر أن ذلك لا يكون قذفا صريحا في الخنثى إلا إذا جمع بين الفرج والذكر وقد نقله الرافعي في باب القذف والمصنف هنا
فرع لو تقاذف شخصان فلا تقاص لأنه إنما يكون إذا اتحد الجنس والقدر والصفة ومواقع السياط وألم الضربات متفاوتة
( والمذهب أن قوله ) زنت ( يدك ) ورجلك ( وعينك و ) أن قوله ( لولده ) اللاحق به ظاهرا ( لست مني أو لست ابني كناية ) في قذف أمه فإن قصد القذف كان قاذفا وإلا فلا
أما في الأولى فلأن المفهوم من زنا هذه الأعضاء اللمس والمشي والنظر كما في خبر الصحيحين العينان تزنيان واليدان تزنيان فلا ينصرف إلى الزنا الحقيقي إلا بالإرادة ولهذا لو نسب ذلك إلى نفسه لم يكن إقرارا بالزنا قطعا
وقيل إنه صريح قياسا على الفرج ولأنه أضاف الزنا إلى عضو من الجملة
وأما في الثانية فلأن الأب يحتاج إلى تأديب ولده إلى مثل هذا الكلام زجرا له فيحمل على التأديب
( و ) أن قوله ( لولد غيره لست ابن فلان صريح ) في قذف أم المخاطب لأنه لا يحتاج إلى تأديب ولد غيره
وقيل إنه كناية كولده
( إلا لمنفي بلعان ) ولم يستلحقه الملاعن فلا يكون صريحا في قذف أمه لجواز إرادة لست ابنه شرعا أو لست تشبهه خلقا أو خلقا
ولها تحليفه أنه لم يرد قذفها فإن نكل وحلفت أنه أراد
____________________
(3/370)
قذفها حد وإن حلف أنه لم يرده فلا حد ويعزر للإيذاء فإن قال أردت القذف رتب عليه موجبه من حد أو تعزير
أما إذا قال له ذلك بعد استلحاق النافي له فهو قذف صريح اللهم إلا أن يدعي احتمالا ممكنا كقوله لم يكن ابنه حين نفاه فإنه يصدق بيمينه كما في زيارة الروضة ويعزر للإيذاء ولا يحد لاحتمال ما أراده
وحاصله أنه قذف عند الإطلاق فيحده من غير أن يسأله ما أراد فإن ادعى محتملا صدق بيمينه ولا حد
والفرق بين هذا وبين ما قبل الاستلحاق أنا لا نحده هناك حتى نسأله لأن لفظه كناية فلا يتعلق به حق إلا بالبينة وهنا ظاهر لفظه القذف فيحد بالظاهر إلا أن يذكر محتملا
ثم شرع في موجب القذف وهو الحد فقال ( ويحد قاذف محصن ) ثمانين جلدة لقوله تعالى { والذين يرمون المحصنات } الآية وسيأتي بيان الحد وشرطه في بابه
( ويعزر غيره ) وهو قاذف غير المحصن كالعبد والذمي والصبي والزاني للإيذاء
تنبيه عبارته قد توهم تعزير من لم يقذف أحدا فلو قال كالمحرر ويعزر قاذف غيره كان أولى وسيأتي بيان التعزير آخر كتاب الأشربة
( والمحصن ) الذي يحد قاذفه ( مكلف ) ومثله السكران المتعدي بسكره
وإنما لم يستثنه مع أنه على رأيه غير مكلف اعتمادا على استثنائه له في باب حد القذف
( حر مسلم عفيف عن وطء يحد به ) فإن لم يطأ أصلا أو وطىء وطئا لا يحد به كوطء الشريك الأمة المشتركة لأن أضداد ذلك نقص
وفي الخبر من اشرك بالله فليس بمحصن وإنما جعل الكافر محصنا في حد الزنا لأن حده إهانة له والحد بقذفه إكرام له واعتبرت العفة لأن من زنى لا يتعير به
تنبيه يرد على ما ذكره وطء زوجته في دبرها فإنه تبطل به حصانته على الأصح مع أنه لا يحد به
ويتصور الحد بقذف الكافر بأن يقذف مرتدا بزنا يضيفه إلى حال إسلامه وبقذف المجنون بأن يقذفه بزنا يضيفه إلى حال إفاقته وبقذف العبد بأن يقذفه بزنا يضيفه إلى حال حريته إذا طرأ عليه الرق وصورته فيما إذا أسلم الأسير ثم اختار الإمام فيه الرق
( وتبطل الصفة ) المعتبرة في الإحصان ( بوطء ) شخص وطئا حراما وإن لم يحد به كوطء ( محرم ) له برضاع أو نسب كأخت ( مملوكة ) له مع علمه بالتحريم ( على المذهب ) لدلالته على قلة مبالاته بالزنا بل غشيان المحارم أشد من غشيان الأجنبيات
وقيل لا تبطل العفة به على نفس الحد لعدم التحاقه بالزنا
تنبيه عبر المصنف في هذا الخلاف المرتب بالمذهب على خلاف اصطلاحه
( ولا ) تبطل العفة بوطء حرام في نكاح صحيح كوطء ( زوجته في عدة شبهة ) لأن التحريم عارض يزول
( و ) لا بوطء ( أمة ولده ) لثبوت النسب حيث حصل علوق من ذلك الوطء مع انتفاء الحد وقيده الأذرعي بما إذا لم تكن موطوءة الولد ولا مستولدته والظاهر إطلاق كلام الأصحاب
( و ) لا بوطء في نكاح فاسد كوطء ( منكوحته ) بهاء الضمير ( بلا ولي ) أو بلا شهود لقوة الشبهة
وقوله ( في الأصح ) راجع للجميع ومقابله تبطل العفة بما ذكر لحرمة الوطء فيه
تنبيه قضية إطلاقه أنه لا فرق بين جريان الخلاف في وطء المنكوحة بلا ولي بين معتقد الحل وغيره لكن قضية نص الأم والمختصر وكلام جماعة من الأصحاب اختصاصه بمعتقد التحريم وهو ظاهر
ولا تبطل العفة بوطء زوجته أو أمته في حيض أو نفاس أو إحرام أو صوم أو اعتكاف ولا بوطء مملوكة له مرتدة أو مزوجة أو قبل الاستبراء أو مكاتبة ولا بوطء زوجته الرجعية ولا بزنا صبي ومجنون ولا بوطء جاهل تحريم الوطء لقرب عهده بالإسلام أو نشأته ببادية بعيدة عن العلماء ولا بوطء مكره ولا بوطء مجوسي محرما له كأمه بنكاح أو ملك لأنه لا يعتقد تحريمه ولا بمقدمات الوطء في الأجنبية
( ولو زنا مقذوف ) قبل أن يحد قاذفه ( سقط الحد ) عن قاذفه لأن الإحصان لا يستيقن بل يظن وظهور الزنا يخلصه كالشاهد ظاهره العدالة شهد بشيء ثم ظهر فسقه قبل الحكم
____________________
(3/371)
تنبيه الوطء المسقط للإحصان كطرو الزنا
( أو ارتد فلا ) يسقط الحد عن قاذفه
والفرق بين الردة والزنا أنه يكتم ما أمكن
فإذا ظهر أشعر بسبق مثله لأن الله تعالى كريم لا يهتك الستر أول مرة كما قاله عمر رضي الله عنه والردة عقيدة والعقائد لا تخفى غالبا فإظهارها لا يدل على سبق الإخفاء
وكالردة السرقة والقتل لأن ما صدر منه ليس من جنس ما قذف به
( ومن زنى ) حال تكليفه ولو ( مرة ثم صلح ) بأن تاب وصلح حاله ( لم يعد محصنا ) أبدا ولو لازم العدالة وصار من أروع خلق الله وأزهدهم فلا يحد قاذفه سواء أقذفه بذلك الزنا أم بزنا بعده أم أطلق لأن العوض إذا انخزم بالزنا لم يزل خلله بما يطرأ من العفة
فإن قيل التائب من الذنب كمن لا ذنب له
أجيب بأن هذا بالنسبة إلى الآخرة
تنبيه دخل في قولنا حال تكليفه العبد والكافر فإنهما إذا زنيا لم يحد قاذفهما بعد الكمال لما ذكر
وخرج به الصبي والمجنون فإن حصانتهما لا تسقط به كما مرت الإشارة إليه فيحد من قذف واحدا منهما بعد الكمال لأن فعلهما ليس بزنا لعدم التكليف
( وحد القذف ) وتعزيره كل منهما ( يورث ) كسائر حقوق الآدميين
ولو مات المقذوف مرتدا قبل استيفاء الحد فالأوجه كما قال شيخنا أنه لا يسقط بل يستوفيه وارثه لولا الردة للتشفي كما في نظيره من قصاص الأطراف
( ويسقط ) إما ( بعفو ) عن جميعه كغيره أو بأن يرث القاذف الحد
فلو عفا عن بعضه لم يسقط منه شيء كما ذكره الرافعي في الشفعة
وألحق في الروضة التعزير بالحد فقال إنه يسقط بعفو أيضا ولم يتعرض له الرافعي هنا فإن قيل قد صحح في باب التعزير جواز استيفاء الإمام له مع العفو فهو مخالف لما هنا
أجيب بأنه لا مخالفة لأن المراد هنا بالسقوط سقوط حق الآدمي وهذا متفق عليه في الحد والتعزير وفائدته أنه لو عفا عن التعزير ثم عاد وطلبه لا يجاب وأن للإمام أن يقيمه للمصلحة لا لكونه حق آدمي وهو المراد هناك
فروع لو عفا وارث المقذوف على مال سقط ولم يجب المال كما في فتاوي الحناطي وفيها أيضا أنه لو اغتاب شخصا لم يؤثر التحليل من ورثته
ولو قذف رجلا بزنا يعلمه المقذوف لم يجب الحد عند جميع العلماء إلا مالكا فإنه قال له طلبه
ولو قذفه فعفا عنه ثم قذفه لم يحد كما بحثه الزركشي بل يعزر
( والأصح أنه ) أي حد القذف إذا مات المقذوف قبل استيفائه ومثله التعزير ( يرثه ) أي جميعه ( كل ) فرد من ( الورثة ) الخاصين حتى الزوجين على سبيل البدل وليس المراد أن كل واحد له حد وإلا لتعدد الحد بتعدد الورثة ثم من بعدهم للسلطان كالمال والقصاص والثاني يرثه جميعهم إلا الزوجين لارتفاع النكاح بالموت
وعلى الأول لو كان المقذوف ميتا هل لأحدهما حق أو لا وجهان أوجههما كما قال شيخنا المنع لانقطاع الوصلة حالة القذف
ولو قذفه أو قذف مورثه شخص كان له تحليفه في الأولى أنه لم يزن وفي الثانية أنه لم يعلم زنا مورثه لأنه ربما يقر فيسقط الحد
قال الأكثرون ولا تسمع الدعوى بالزنا والتحليف إلا في هذه المسألة
( والأصح أنه لو عفا بعضهم ) أي بعض الورثة عن حقه مما ورثه من الحد ( فللباقين ) منهم ( كله ) أي استيفاء جميعه لما مر أنه لكل فرد منهم كولاية التزويج وحق للشفعة ولأنه عار والعار يلزم الواحد كما يلزم الجميع
تنبيه قضية هذا استقلال كل بالاستيفاء وإن لم يعف غيره وهو ما ذكره المحاملي وجعله كولاية النكاح وفي الحاوي ما يقتضيه
والثاني يسقط جميعه كما في القود
وفرق الأول بأن القود له بدل يعدل إليه وهو الدية بخلافه
والثالث يسقط نصيب العافي ويستوفي الباقي لأنه قابل للتقسيط بخلاف القود
فائدة هذه المسألة لا نظير لها
فإن أخواتها من المسائل إما أن يتوقف الحق فيها عند عدم العفو على بقية الشركاء كالشفعة أو يسقط كالقصاص
وهذا كله فيما إذا كان المقذوف حرا فإن كان رقيقا واستحق التعزير على غير سيده ثم مات فهل يستوفيه سيده أو عصبته الأحرار أو السلطان وجوه أصحها أولها
____________________
(3/372)
فصل في قذف الزوج زوجته خاصة والقذف فيها كهو في غيره وإنما أفرده بالذكر لمخالفته غيره في ثلاثة أمور أحدها أنه يباح له القذف أو يجب لضرورة نفي النسب
والثاني أن له إسقاط الحد عنه باللعان
والثالث يجب على المرأة الحد بلعانه إلا أن تدفعه عن نفسها بلعانها
( له ) أي الزوج ( قذف زوجة ) له ( علم ) أي تحقيق ( زناها ) بأن رآها تزني ( أو ظنه ) أي زناها ( ظنا مؤكدا ) أورثه العلم ( كشياع ) بفتح الشين المعجمة بخطه أي ظهور ( زناها بزيد مع قرينة ) أي مصحوبا بها ( بأن رآهما ) أي زوجته وزيدا ولو مرة واحدة ( في خلوة ) مثلا أو رآه يخرج من عندها أو هي تخرج من عنده أو أخبره ثقة بزناها ويقع في قلبه صدقه أو يخبره عن عيان من يثق به وإن لم يكن عدلا أو يرى رجلا معها مرارا في محل ريبة أو مرة تحت شعار في هيئة منكرة
تنبيه قوله مع قرينة يفهم أن مجرد الاستفاضة فقط أو القرينة فقط لا يجوز اعتماد واحد منهما وهو كذلك
أما الاستفاضة فقد يشيعها عدولها أو من طمع فيها فلم يظفر بشيء وأما مجرد القرينة المذكورة فلأنه ربما دخل عليها لخوف أو سرقة أو طمع أو نحو ذلك ويفهم إباحة القذف له بالشروط المذكورة وهو كذلك لكن الأولى له كما في زوائد الروضة أن يستر عليها ويطلقها إن كرهها لما فيه من ستر الفاحشة وإقالة العثرة هذا كله حيث لا ولد ينفيه فإن كان هناك ولد فقد ذكره بقوله ( ولو أتت بولد ) يمكن كونه منه ( وعلم ) أو ظن ظنا مؤكدا ( أنه ليس منه لزمه نفيه ) لأن ترك النفي يتضمن استلحاقه واستلحاق من ليس منه حرام كما يحرم نفي من هو منه
تنبيه سكت المصنف عن القذف وقال البغوي إن تيقن مع ذلك زناها قذفها ولاعن وإلا فلا يجوز لجواز كون الولد من وطء شبهة وطريقه كما قال الزركشي أن يقول هذا الولد ليس مني وإنما هو من غيري
وأطلق وجوب نفي الولد ومحله إذا كان يلحقه ظاهرا ففي قواعد ابن عبد السلام أن زوجته لو أتت بولد يعلم أنه ليس منه فإن أتت به خفية بحيث لا يلحق به في الحكم لم يجب نفيه والأولى به الستر والكف عن القذف والحمل المحقق كالولد فلو ذكره لعلم منه الولد بطريق الأولى
ولا يلزمه في جواز النفي والقذف تبين السبب المجوز للنفي والقذف من رؤية زنا واستبراء ونحوهما السبب المجوز لهما
( وإنما يعلم ) بفتح أوله أن الولد ليس منه ( إذا لم يطأ ) زوجته أصلا ( أو ) وطئها ولكن ( ولدته لدون ستة أشهر من الوطء ) التي هي أقل مدة الحمل ( أو لفوق أربع سنين ) منه التي هي أكثر مدة الحمل وفي معنى الوطء استدخال المني
( فلو ولدته لما بينهما ) أي بين ستة أشهر من وطئه وأربع سنين ( ولم يستبرىء ) بعده ( بحيضه حرم النفي ) للولد باللعان رعاية للفراش ولا عبرة بريبة يجدها في نفسه فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق رواه أبو داود والنسائي وغيرهما
تنبيه جعل البينة بين الستة والأربع كما فعلته تبعا للشارح أولى ممن جعلها تبعا لظاهر المتن بين الدون والفوق لأن يصدق بأربعة أشهر مثلا وهو فاسد
وقد مر أنها لو ولدته لدون الستة يعلم أنه ليس منه فكيف يحرم نفيه حينئذ فتأمل
( وإن ولدته لفوق ستة أشهر من الاستبراء ) بحيضه ولستة أشهر فأكثر من الزنا ( حل النفي ) باللعان ( في الأصح ) ولكن الأولى أن لا ينفيه لأن الحامل قد ترى الدم
تنبيه ما صححه المصنف من الحل تبع فيه المحرر والشرح الصغير ومقابل الأصح وهو الراجح كما رجحه في أصل الروضة ونقله عن قطع العراقيين أنه إن رأى بعد الاستبراء قرينة الزنا المبيحة للقذف جاز النفي بل وجب
____________________
(3/373)
لحصول الظن حينئذ بأنه ليس منه وإن لم ير شيئا لم يجز النفي
وما صححه من اعتبار المدة من الاستبراء تبع فيه المحرر وكذا في الشرح الكبير
قال المصنف في زيادة الروضة وكذا فعل القاضي حسين و الإمام و البغوي و المتولي والصحيح ما قاله المحاملي وصاحب المهذب والعدة وآخرون أن الاعتبار في الستة الأشهر من حين يزني الزاني بها لأن الزنا مستند اللعان فإذا ولدته لدون ستة أشهر منه ولأكثر من دونها من الاستبراء تبينا أنه ليس من ذلك الزنا فيصير وجوده كعدمه فلا يجوز النفي جزما رعاية للفراش فكان ينبغي للمصنف أن يزيد ذلك في الكتاب كما زدته في كلامه ليسلم من التناقض
وهل يحسب ابتداء الأشهر من ابتداء الدم أو من انقطاعه قال ابن النقيب لم أر من ذكره والذي يظهر أنه من طروه لأنه الدال على البراءة اه
وما استظهره ظاهر وجرى عليه الزركشي والدميري
( ولو وطىء ) زوجته في قبلها ( وعزل ) عنها بأن نزع وقت الإنزال ثم أتت بولد ( حرم ) نفيه ( على الصحيح ) لأن الماء قد يسبق من غير أن يحس به
وليس مقابل الصحيح وجها محققا بل احتمالا للغزالي رضي الله عنه أقامه المصنف وجها
أما إذا وطىء في الدبر أو فيما دون الفرج فإن له النفي لأن أمر النسب يتعلق بالوطء الشرعي فلا يثبت بغيره
وهذا ما رجحه في الروضة وأصلها هنا وهو المعتمد وإن رجحها في باب ما يجوز من الاستمتاع أن الوطء في الدبر كالقبل في لحوق النسب ورجحه بعض المتأخرين
( ولو علم ) الزوج ( زناها واحتمل ) على السواء ( كون الولد منه ومن الزنا ) بأن لم يستبرئها بعد وطئه ( حرم النفي ) رعاية للفراش كا مر
وإنما ذكره توطئة لقوله ( وكذا ) يحرم ( القذف واللعان على الصحيح ) لأن اللعان حجة ضرورية إنما يصار إليها لدفع النسب أو قطع النكاح حيث لا ولد على الفراش الملطخ وقد حصل الولد هنا فلم يبق له فائدة والفراق ممكن بالطلاق
والثاني يجوز انتقاما لها كما لو لم يكن ولد وهذا ما ذكر الإمام أنه القياس فأثبته الشيخان وجها
ورد القياس بأن الولد يتضرر بنسبة أمه إلى الزنا وإثباته عليها باللعان إذ يعير بذلك وتطلق فيه الألسنة فلا يحتمل هذا الضرر لغرض الانتقام
تتمة لو أتت امرأة بولد أبيض وأبواه أسودان أو عكسه لم يبح لأبيه بذلك نفيه ولو أشبهه من تتهم به أمه أو انضم إلى ذلك قرينة الزنا لخبر الصحيحين أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن امرأتي ولدت غلاما أسود قال هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال نعم قال فأنى أتاها ذلك قال عسى أن تكون نزعة عرق قال فلعل هذا نزعة عرق والأورق جمل أبيض يخالط بياضه سواد
فصل في كيفية اللعان وشرطه وثمرته المذكورة في قوله ويتعلق بلعانه وفرقة الخ
وبدأ بالأول فقال ( اللعان قوله ) أي الزوج ( أربع مرات أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه ) أي زوجته من ( الزنا ) إذا كانت حاضرة أما اعتبار العدد فللآيات السابقة أول الباب
وكررت الشهادة لتأكيد الأمر لأنها أقيمت مقام أربع شهود من غيره ليقام عليها الحد ولذلك سميت شهادات وهي في الحقيقة أيمان وأما الكلمة الخامسة الآتية فمؤكدة لمفاد الأربع وأما اعتبار تسمية ما رماها به فلأنه المحلوف عليه
تنبيه اقتصاره على قوله هذه تبع فيه المحرر وهو المذكور في المهذب وظاهر عبارة الشرحين والروضة اعتبار زوجتي هذه قال الزركشي وهو المنقول في التتمة وتعليق البندنيجي
وأفهم أنه لا يحتاج مع الإشارة إليها إلى تسميتها وهو الأصح عند الشيخين لأن الكلام فيمن حضرت
وقيل يجب الجمع بين الاسم والإشارة قال الزركشي وهو ظاهر النص وكلام الجمهور
( فإن غابت ) عن البلد أو مجلس اللعان لمرض أو حيض أو نحو ذلك
____________________
(3/374)
( سماها ورفع نسبها بما يميزها ) عن غيرها دفعا للاشتباه
( والخامسة ) من كلمات لعان الزوج هي ( أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماه به من الزنا ) للآية ويشير إليها في الحضور ويميزها في الغيبة كما في الكلمات الأربع
تنبيه إنما أتى المصنف رحمه الله تعالى بضمير الغيبة تأسيا بلفظ الآية وإلا فالذي يقول الملاعن علي لعنة الله كما عبر به في الروضة
( وإن كان ) تم ( ولد ينفيه ) عنه ( ذكره في ) كل من ( الكلمات ) الخمس لينتفي عنه ( فقال ) في كل منهما ( وإن الولد الذي ولدته ) إن كان غائبا ( أو هذا الولد ) إن كان حاضرا ( من زنا ) و ( ليس ) هو ( مني ) لأن كل مرة بمنزلة شاهد فلو أغفل ذكر الولد في بعض الكلمات احتاج إلى إعادة اللعان لنفيه
تنبيه قضية كلامه أنه لو اقتصر على نفي الزنا ولم يقل ليس مني أنه لا يكفي
قال في الشرح الكبير وبه أجاب كثيرون لأنه قد يظن أن وطء النكاح الفاسد والشبهة زنا
ولكن الراجح أنه يكفي كما صححه في أصل الروضة والشرح الصغير حملا للفظ الزنا على حقيقته
وقضيته أيضا أنه لو اقتصر على قوله ليس مني لم يكف وهو الصحيح لاحتمال أن يريد أنه لا يشبهه خلقا وخلقا فلا بد أن يسنده مع ذلك إلى سبب معين كقوله من زنا أو وطء شبهة
( وتقول هي ) أربع مرات بعد تمام لعان الزوج ( أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا و ) الكلمة ( الخامسة ) من لعانها هي ( أن غضب الله عليها إن كان ) الزوج ( من الصادقين فيه ) للآية السابقة
وتشير إليه في الحضور وتميزه في الغيبة كما في جانبها في الشهادات الخمس وإنما قال المصنف عليها تأسيا بالآية وإلا فلا بد أن تأتي بضمير المتكلم فتقول غضب الله علي إن كان الخ
وكان ينبغي أن يقول ثم تقول لأن تأخير لعانها شرط كما سيأتي وأشرت إلى ذلك بقولي بعد واقتصر تبعا للمحرر على قولها فيه وعبارة غيرهمافيما رماني به من الزنا وهو ظاهر لفظ النص ويمكن حمل كلام المصنف عليه بأن يقال قوله فيه أي فيما تقدم وهو قولها من الكاذبين فيما رماني به من الزنا وحينئذ فكلامه موافق لما نقل عن ظاهر النص
تنبيه أفهم سكوته في لعانها عن ذكر الولد أنها لا تحتاج إليه وهو الصحيح لأنه لا يتعلق بذكره في لعانها حكم فلم يحتج إليه ولو تعرضت له لم يضر
وهذا كله إن كان قذف ولم تثبته عليه ببينة وإلا بأن كان اللعان لنفي ولد كأن احتمل كونه من وطء شبهة أو أثبتت قذفه ببينة قال في الأول فيما رميتها به من إصابة غيري لها على فراشي وإن هذا الولد من تلك الإصابة إلى آخر الكلمات وفي الثانية فيما أثبتت على من رمى إياها بالزنا الخ
ولا يلاعن المرأة في الأول إذ لا حد عليها بهذا اللعان حتى تسقطه بلعانها
وإنما خص اللعن بجانبه والغضب بجانبها لأن جريمة الزنا أقبح من جريمة القذف بدليل تفاوت الحدين وغضب الله أغلظ من لعنته لأن غضبه إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم واللعن الطرد والبعد فخصت المرأة بالتزام أغلظ العقوبة
( ولو بدل ) بالبناء للمفعول ( لفظ شهادة يحلف ونحوه ) ك أقسم بالله أو أحلف بالله الخ أو لفظ الله بالرحمن ونحوه ( أو ) لفظ ( غضب بلعن ) أو غيره كالإبعاد ( وعكسه ) بأن ذكر الرجل الغضب والمرأة اللعن ( أو ذكرا ) أي اللعن والغضب ( قبل تمام الشهادات لم يصح ) ذلك ( في الأصح ) اتباعا للنص كما في الشهادة
والثاني يصح ذلك نظرا للمعنى
والثالث لا يصح أن يؤتى بدل لفظ الغضب بلفظ اللعن لأن الغضب أشد من اللعن كما مر بخلاف العكس
____________________
(3/375)
تنبيه قوله ولو بدل لفظ شهادة بحلف قال ابن النقيب عبارة مقلوبة وصوابه حلف بشهادة لأن الباء تدخل على المتروك وأما قوله أو غضب بلعن وعكسه فقريب فإنهما مسألتان في كل مأخوذ ومتروك اه
وقد مر جواب ذلك في صفة الصلاة وقوله وعكسه مزيد على المحرر كما قاله في الدقائق
( ويشترط فيه ) أي اللعان الموالاة بين الكلمات الخمس في الجانبين فيضر الفصل الطويل و ( أمر القاضي ) به أو نائبه كاليمين في سائر الخصومات لأن المغلب على اللعان حكم اليمين كما مر وإن غلب فيه معنى الشهادة فهي لا تؤدي إلا عنده
( ويلقن كلماته ) في الجانبين فيقول له قل كذا وكذا ولها قولي كذا وكذا والمحكم حيث لا ولد كالحاكم ويصح أن يقرأ أو يلقن بالبناء للمفعول فيشمل المحكم لكن يحتاج إلى زيادة حيث لا ولد
وأما إذا كان هناك ولد فلا يصح التحكيم إلا أن يكون مكلفا ويرضى بحكمه لأن له حقا في النسب فلا يؤثر رضاهما في حقه
والسيد في اللعان بين أمته وعبده إذا زوجها منه كالحاكم لا المحكم كما قاله العراقيون وغيرهم لأن له أن يتولى لعان رقيقه
تنبيه عطفه التلقين على الأمر يقتضي أنهما متغايران وليس مرادا بل الأمر هو التلقين ولهذا اقتصر في الروضة على الأمر
ويحتمل التغاير بأن يكون المراد بالأمر قول القاضي قل وبالتلقين أشهد الخ
( و ) يشترط فيه أيضا تمام الكلمات الخمس ( وأن يتأخر لعانها عن لعانه ) لأن لعانها لإسقاط الحد
وإنما يجب عليها الحد بلعانه فلا حاجة إلى لعانها قبله فلو حكم حاكم بالفرقة قبل تمام الخمس أو بابتداء لعانها نقض
تنبيه أفهم كلامه أنه لا يشترط الموالاة بين لعانه ولعانها وهو كذلك كما صرح به الدارمي فقال إنه يجوز أن يلاعن في يوم وهو في يوم آخر
( و ) يقذف و ( يلاعن أخرس ) خلقة ( بإشارة مفهمة أو كتابة ) بمثناة فوقية قبل الألف بخطه لأنهما في حقه كالنطق من الناطق وليس كالشهادة منه لضرورته إليه دونها لأن الناطقين يقومون بها ولأن المغلب في اللعان معنى اليمين كما مر
فإن لم يكن واحد منهما لم يصح قذفه ولا لعانه ولا شيء من تصرفاته لبعد الوقوف على ما يريده
أما إذا عرض له الخرس فإن رجي نطقه في مدة ثلاثة أيام انتظر نطقه فيها فإن لم يرج نطقه أو رجي في أكثر من ثلاثة أيام فهو كالخرس الخلقي
تنبيه أفهم كلامه الاكتفاء بأحدهما وهو ما نقلاه عن مفهوم كلام الأكثرين وتصريح الشامل فإذا لاعن بالإشارة أشار بكلمة الشهادة أربع مرات ثم بكلمة اللعن وإن لاعن بالكتابة كتب كلمة الشهادة أربع مرات ثم كلمة اللعن ولكن لو كتب كلمة الشهادة مرة وأشار إليها أربعا جاز
قال الرافعي وهذا جمع بين الإشارة والكتابة وهو جائز
وقضية إطلاق المصنف أنه لا فرق بين الرجل والمرأة وهو كذلك كما صرح به في الشامل والتتمة وغيرهما وإن كان النص على خلافه
ولو نطق لسان الأخرس من بعد قذفه ولعانه بالإشارة ثم قال لم أرد القذف بإشارتي لم يقبل منه لأن إشارته أثبتت حقا لغيره
أو قال لم أرد اللعان بها قبل منه فيما عليه لا فيما له فيلزمه الحد والنسب ولا ترتفع الفرقة والحرمة المؤبدة ويلاعن إن شاء لإسقاط الحد ولنفي الولد إن لم يفت
( ويصح ) اللعان مع معرفة العربية ( بالعجمية ) وهي ما عدا العربية لأن اللعان يمين أو شهادة وهما باللغات سواء
فيراعي الأعجمي الملاعن ترجمة الشهادة واللعن والغضب ثم إن أحسن القاضي العجمية استحب أن يحضر أربعة ممن يحسبها وإلا فلا بد من مترجم ويكفي اثنان وقيل يشترط من جانب الزوج أربعة
( وفيمن عرف العربية وجه ) أنه لا يصح لعانه بغيرها لأنها التي ورد الشرع بها فليس له العدول عنها مع قدرته عليها
ثم شرع في تغليظ اللعان وهو إما بزمان أو مكان وقد شرع في القسم الأول فقال ( ويغلظ ) لعان مسلم ( بزمان وهو بعد ) صلاة ( عصر ) كل يوم كان إن كان طلبه حثيثا لأن اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبة لخبر الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وعد منهم رجلا حلف يمينا كاذبة بعد العصر يقتطع بها
____________________
(3/376)
مال امرىء مسلم
فإن لم يكن صلب حثيث فبعد صلاة عصر يوم ( جمعة ) أولى لأن ساعة الإجابة فيه كما رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم
وروى مسلم
أنها من مجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة وصوبه في الروضة في آخر باب صلاة الجمعة
وفيه مخالفة لما قاله هنا
وألحق بعضهم بعصر الجمعة الأوقات الشريفة كشهر رجب ورمضان ويومي العيد وعرفة وعاشوراء
( ومكان وهو أشرف ) مواضع ( بلده ) أي اللعان لأن في ذلك تأثيرا في الزجر عن اليمين الفاجرة
وعبارة المحرر أشرف مواضع البلد وهي أحسن لتناسب ما بعده ولهذا زدتها في كلام المصنف
ثم فصل الأشرفية بقوله ( فبمكة ) أي فاللعان بها يكون ( بين الركن ) الذي فيه الحجر الأسود ( و ) بين ( المقام ) لإبراهيم عليه السلام ويسمى ما بينهما بالحطيم
فإن قيل لا شيء في مكة أشرف من البيت فكان القياس التحليف فيه ولكن صين عنه فالوجه أن يكون في الحجر
أجيب بأن عد ولهم عنه صيانة للبيت أيضا
( و ) اللعان في ( المدينة ) يكون ( عند المنبر ) مما يلي القبر الشريف كما صرح به الرافعي قبيل الباب الثالث من جوامع اللعان لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة يمينا آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار رواه ابن ماجه وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين
وهذا هو المنصوص في القديم والبويطي وقال في الأم والمختصر يكون اللعان في المنبر لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف على منبري هذا يمينا آثما تبوأ مقعده من النار رواه النسائي وصححه ابن حبان ( و ) اللعان في ( بيت المقدس ) يكون في المسجد ( عند الصخرة ) لأنها أشرف بقاعه لأنها قبلة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وفي ابن حبان إنها من الجنة
تنبيه التغليظ بالمساجد الثلاثة لمن هو بها فمن لم يكن بها لم يجز نقله إليها أي بغير اختياره كما جزم به الماوردي
( و ) اللعان في ( غيرها ) أي المساجد الثلاثة يكون ( عند منبر الجامع ) لأنه المعظم منه قالا وأورد المتولي في صعود المنبر الخلاف المتقدم في صعود منبر المدينة وقضيته ترجيح صعوده وصححه صاحب الكافي
( و ) تلاعن امرأة ( حائض ) أو نفساء أو متحيرة مسلمة ( بباب المسجد ) الجامع ولو عبر به كان أولى لتحريم مكثها فيه والباب أقرب إلى المواضع الشريفة فيلاعن الزوج في المسجد فإذا فرغ خرج الحاكم أو نائبه إليها قال المتولي وهذا إذا رأى الإمام تعجيل اللعان فلو رأى تأخيره إلى انقطاع الدم وغسلها جاز نقله في الكفاية قال وهو في الجنب أي المسلم أولى
أما الكافر فيغلظ عليه بما يأتي فإن أريد لعانه في مسجد غير المسجد الحرام مكن منه وإن كان به حدث أكبر إذا أمن تلويث المسجد من نحو الحائض
( و ) يلاعن ( ذمي ) ولو عبر بكتابي لكان أولى ليشمل المستأمن والمعاهد إذا ترافعوا إلينا ( في بيعة ) بكسر الموحدة أوله معبد النصارى
( و ) في ( كنيسة ) وهي معبد اليهود وهي وتسمى البيعة أيضا كنيسة بل هو العرف اليوم لأن ذلك عندهم كالمساجد عندنا
تنبيه محل جواز دخول الحاكم إلى ذلك إذا لم يكن فيه صور فإنه يحرم دخول بيت فيه صور كما نقله صاحب البيان عن الأصحاب وقد يعلم هذا مما سيأتي
ويقول اليهودي أشهد بالله الذي أنزل التوراة على موسى والنصراني أشهد بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى
قال الماوردي ولا يحلف اليهودي بموسى أي ولا النصراني بعيسى كما لا يحلف المسلم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل ذلك محظور اه
أي مكروه
ط ( وكذا بيت نار مجوسي ) يكون اللعان فيه ( في الأصح ) لأنهم يعظمونه
والمقصود والزجر عن الكذب فيحضره القاضي رعاية لاعتقادهم لشبهة الكتاب
والثاني لا لأنه ليس له حرمة وشرف فيلاعن في المسجد أو مجلس الحكم
تنبيه ظاهر كلامه أن الذمية والمجوسية تفعل ذلك ولو كان زوجها مسلما وهو ما في الروضة وأصلها فإن قالت ألاعن في المسجد ورضي به الزوج جاز وإلا فلا
( لا بيت أصنام وثني ) لأنه لا حرمة له واعتقادهم فيه غير
____________________
(3/377)
شرعي ولأن دخوله في معصية كما حكاه الماوردي عن الأصحاب بخلاف البيع والكنائس فيلاعن بينهم في مجلس حكمه
وصورة المسألة أن يدخل دارنا بأمان أو هدنة ويترافعون إلينا وإلا فأمكنة الأصنام مستحقة للهدم أما تغليظ الكافر بالزمان فيعتبر بأشرف الأوقات عندهم كما ذكره الماوردي وإن كان قضية كلام المصنف أنه كالمسلم ونقله ابن الرفعة عن البندنيجي وغيره
تنبيه سكت المصنف عمن لا ينتحل ملة كالدهري بفتح الدال كما ضبطه ابن شهبة وبضمها كما ضبطه ابن قاسم والزنديق الذي لا يتدين بدين وعابد الوثن والأصح أنه لا يشرع في حقه تغليظ يلاعن في مجلس الحكم لأنه لا يعظم زمانا ولا مكانا فلا يزجر
قال الشيخان ويحسن أن يحلف بالله الذي خلقه ورزقه لأنه وإن علا في كفره وجد نفسه مذعنة لخالق مدبر
ثم شرع في القسم الثاني من التغليظات فقال ( و ) يغلظ بحضور ( جمع ) من عدول أعيان بلد اللعان وصلحائه لقوله تعالى { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ولأن فيه ردعا عن الكذب
و ( أقله أربعة ) لثبوت الزنا بهم فاستحب أن يحضر ذلك العدد إتيانه باللعان
ولا بد من حضور الحاكم ويكفي السيد في رقيقه ذكرا كان أو أنثى
تنبيه سكت المصنف عن التغليظ باللفظ وسيأتي بيانه في فصل اليمين من كتاب الدعوى
( والتغليظات ) بما ذكر من زمان ومكان وجمع ( سنة ) في مسلم أو كافر كما هو قضية كلام الجمهور ( لا فرض على المذهب ) كتغليظ اليمين بتعدد أسماء الله تعالى وقيل إنه فرض للاتباع وهما قولان في المكان طردا في الزمان والجمع
ومنهم من قطع بالاستحباب فيهما والأصح القطع به في الجمع دون الزمان
( ويسن للقاضي ) ونائبه ومحكم وسيد ( وعظهما ) أي المتلاعنين بالتخويف من عذاب الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ويقرأ عليهما { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية ويقول لهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب
( و ) بعد الفراغ من الكلمات الأربع ( يبالغ ) القاضي ومن في حكمه في وعظهما ندبا ( عند الخامسة ) من لعانهما قبل شروعهما فيها فيقول للزوج اتق الله في قولك علي لعنة الله فإنها موجبة للعن إن كنت كاذبا وللزوجة اتقي في قولك غضب الله علي فإنها موجبة للغضب إن كنت كاذبة لعلهما ينزجران ويتركان
ويأمر رجلا أن يضع يده على فيه وامرأة أن تضع يدها على فيها للأمر به في خبر أبي داود
ويأتي الذي يضع يده من ورائه كما صرح به الإمام والغزالي فإن أبيا إلا إتمام اللعان تركهما على حالهما ولقنهما الخامسة
( و ) يسن لهما ( أن يتلاعنا قائمين ) ليراهما الناس ويشتهر أمرهما فيقوم الرجل عند لعانه والمرأة جالسة ثم تقوم عند لعانها ويقعد الرجل فقوله قائمين حال من مجموعهما لا من كل واحد منهما ولو قال عن قيام كان أوضح
وإذا كان أحدهما لا يقدر على القيام لاعن قاعدا أو مضطجعا إن لم يقدر على الجلوس كما في الأم
( و ) التلاعن ( شرطه زوج ) فلا يصح لعان أجنبي ولا سيد أمة وأم ولد لأن الله تعالى لم يجعل لغير الزوج مخرجا من القذف إلا البينة فقال تعالى { والذين يرمون المحصنات } إلى قوله تعالى { فاجلدوهم } فأوجب سبحانه وتعالى الحد إن لم يأت بالبينة وذلك يشمل الزوج وغيره
ثم خص الزوج بدفع الحد باللعان بقوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } الآية فبقي غيره على الأصل
والفرق بينهما احتياج الزوج للقذف لإفسادها فراشه بخلاف غيره
فإن قيل يصح لعان غير الزوج في صورتين البائن لنفي الولد ولإسقاط الحد بالقذف في النكاح كما سيأتي والموطوءة بنكاح فاسد أو شبهة كأن ظنها زوجته أو أمته ثم قذفها ولاعن لنفي السبب
أجيب بأن المراد بالزوج من له علقة النكاح كما قاله المصنف في التنقيح
وقوله ( يصح طلاقه ) بأن يكون بالغا عاقلا مختارا صادق بالحر والعبد والمسلم والذمي والرشيد والسفيه والسكران والمحدود والمطلق رجعيا وغيرهم فلا يصح من صبي
____________________
(3/378)
ومجنون ولا يقتضي قذفها لعانا بعد كمالها ويعزر المميز منهما على القذف تأديبا
تنبيه المراد يصح طلاقه في الجملة لئلا يرد ما لو قال لزوجته إذا وقع عليك طلاق فأنت طالق قبله ثلاثا وفرعنا على انسداد باب الطلاق فإنه زوج لا يصح طلاقه ومع ذلك يصح لعانه
( ولو ارتد ) زوج ( بعد وطء ) منه لزوجته أو استدخالها منيه ( فقذف ) ها ( وأسلم في العدة لا عن ) لدوام النكاح
( ولو لاعن ) حال الردة ( ثم أسلم فيها ) أي العدة ( صح ) لعانه لتبين وقوعه في صلب النكاح وكفره لا يمنع صحته كالذمي
( أو أصر ) على ردته إلى انقضاء العدة ( صادف ) لعانه ( بينونة ) لتبين انقطاع الزوجية بالردة فإن كان هناك ولد ونفاه باللعان صح كما لو أبانها ثم قذفها بزنا مضاف إلى حال النكاح وهناك ولد وإلا تبينا فساده ولا يندفع بذلك حد القذف في الأصح
هذا إن قذف في حال الردة فإن كان قذفها في حال الإسلام صح اللعان كما لو قذف في حال الزوجية ثم أبانها فإن له الملاعنة
فروع لو امتنع أحد الزوجين من اللعان ثم طلبه مكن منه
ولو قذف أربع نسوة بأربع كلمات لاعن لهن أربع مرات لأنه يمين لجماعة لا يتداخل ويكون اللعان على ترتيب قذفهن فلو أتى بلعان واحد لم يعتد به إلا في حق من سماها أولا فإن لم يسم بل أشار إليهن لم يعتد به عن واحدة منهن وإن رضين بلعان واحد كما لو رضي المدعون بيمين واحدة وإن كان قذفهن بكلمة واحدة لاعن لهن أربع مرات أيضا لأنه يجب لكل واحدة حد على الجديد
ثم إن رضين بتقديم واحدة فذاك ظاهر وإن تشاحن في البداءة أقرع بينهن إذ لا مزية لواحدة على الأخرى
فإن بدأ الحاكم بلعان واحدة من غير قرعة جاز لأن الباقيات يصلن إلى حقهن من غير نقصان وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه رجوت أن لا يأثم
وحملوه على ما إذا لم يقصد تفضيل بعضهن
ولا يتكرر الحد بتكرر القذف ولو صرح فيه بزنا آخر لاتحاد المقذوف
والحد الواحد يظهر الكذب ويدفع العار فلا يقع في النفوس تصديقه ويكفي الزوج في ذلك لعان واحد يذكر فيه الزانيات كلها وكذا الزناة إن سماهم في القذف بأن يقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من الزنا بفلان وفلانة ويسقط الحد عنه بذلك
فإن لم يذكرهم في لعانه لم يسقط عنه حد قذفهم لكن له أن يعيد اللعان ويذكرهم لا إسقاطه عنه
وإن لم يلاعن ولا بينة وحد لقذفها بطلبها فطالبه الرجل المقذوف به بالحد وقلنا بالأصح أنه يجب عليه حدان فله اللعان وتأبدت حرمة الزوجية باللعان لأجل الرجل فقط
ولو ابتدأ الرجل فطالبه بحد قذفه كان له اللعان لإسقاط الحد في أحد وجهين يظهر ترجيحه بناء على أن حقه يثبت أصلا لا تبعا لها كما هو ظاهر كلامهم وإن عفا أحدهما فللآخر المطالبة بحقه
ولو قذف أمرأته أو أجنبية عند الحاكم بزيد فعلى الحاكم إعلام زيد بذلك ليطالب بحقه إن شاء بخلاف ما إذا أقر له عنده بمال لا يلزمه إعلامه لأن استيفاء الحد يتعلق به فيعلمه ليستوفي إن شاء بخلاف المال
ومن قذف شخصا فحد ثم قذفه ثانيا عزر لظهور كذبه بالحد الأول
ومن ذلك يؤخذ ما قاله الزركشي أنه لو قذفه فنفا عنه ثم قذفه ثانيا أنه يعزر كما مرت الإشارة إليه لأن العفو بمثابة استيفاء الحد والزوجة كغيرها في ذلك إن وقع القذفان في حال الزوجية
فإن قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها بالزنا الأول حد حدا واحدا ولا لعان لأنه قذفها بالأول وهي أجنبية فإن قذفها بغيره تعدد الحد لاختلاف موجب القذفين لأن الثاني يسقط باللعان بخلاف الأول
وإن أقام بأحد الزناءين بينة سقط الحدان لأنه ثبت أنها غير محصنة فإن لم يقمها وبدأت بطلب حد قذف الزنا الأول حد له ثم للثاني إن لم يلاعن وإلا سقط عنه حده
وإن بدأت بالثاني فلاعن لم يسقط الحد الأول وسقط الثاني إن لم يلاعن حد للقذف الثاني ثم للأول بعد طلبها بحده وإن طالبته بالحدين معا فكابتدائها بالأول
ولو قذف زوجته ثم أبانها بلعان ثم قذفها بزنا آخر فإن حد للأول قبل القذف عزر للثاني كما لو قذف أجنبية فحد ثم قذفها ثانية
هذا إذا لم يضف الزنا إلى حال البينونة لئلا يشكل بما مر فيما لو قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها بزنا آخر من أن الحد يتعدد فإن لم تطلب حد القذف الأول حتى قذفها
فإن لاعن للأول عزر للثاني للإيذاء وإن لم يلاعن حد حدين
____________________
(3/379)
لاختلاف القذفين في الحكم
ثم شرع في أمور من ثمرات اللعان فقال ( ويتعلق بلعانه ) أي الزوج وإن لم تلاعن الزوجة أو كان كاذبا ( فرقة ) وهي فرقة فسخ كالرضاع لحصولها بغير لفظ وتحصل ظاهرا وباطنا
( وحرمة مؤبدة ) فلا يحل له نكاحها بعد اللعان ولا وطؤها بملك يمين لو كانت أمة واشتراها لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم فرق بينهما ثم قال لا سبيل لك عليها وفي سنن أبي داود المتلاعنان لا يجتمعان أبدا ( وإن أكذب نفسه ) فلا يفيده ذلك عود النكاح ولا رفع تأبيد الحرمة لأنهما حق له وقد بطلا فلا يتمكن من عودهما بخلاف الحد ولحوق النسب فإنهما يعودان لأنهما حق عليه
وأما حدها أي الزوجة فهل يسقط بإكذابه نفسه قال في الكفاية لم أره مصرحا به لكن في كلام الإمام ما يفهم سقوطه في ضمن تعليل وجزم به في المطلب
تنبيه نفسه في المتن بفتح السين بخطه ويجوز رفعها أيضا كما جوز في قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها
( وسقوط الحد عنه ) أي حد قذف الملاعنة إن كانت محصنة وسقوط التعزير عنه إن لم تكن محصنة ولا يسقط حد قذف الزاني عنه إلا إن ذكره في لعانه كما مر
وكان الأولى أن يعبر بالعقوبة بدل الحد ليشمل التعزير
( و ) يتعلق بلعانه أيضا ( وجوب حد زناها ) مسلمة كانت أو كافرة إن لم تلاعن لقوله تعالى { ويدرأ عنها العذاب } الآية فدل على وجوبه عليها بلعانه
ويتشطر به الصداق قبل الدخول وحكمها حكم المطلقة طلاقا بائنا فلا يلحقها طلاق ويستبيح نكاح أربع سواها ومن يحرم جمعه معها كأختها وعمتها وغير ذلك من الأحكام المرتبة على البينونة وإن لم تنقض عدتها
ولا يتوقف ذلك على قضاء القاضي ولا على لعانها بل يحصل بمجرد لعان الزوج
فرع لو قذف زوج زوجته وهي بكر ثم طلقها وتزوجت ثم قذفها الزوج الثاني وهي ثيب ثم لاعنا ولم تلاعن هي جلدت ثم رجمت
( وانتفاء نسب نفاه بلعانه ) أي فيه حيث كان ولد لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم فرق بينها وألحق الولد بالمرأة
( وإنما يحتاج ) الملاعن ( إلى نفي ) نسب ولد ( ممكن ) كونه ( منه ) وتقدم في كتاب الرجعة بيان أقل مدة الإمكان
( فإن تعذر ) كون الولد منه ( بأن ولدته ) الملاعنة ( لستة أشهر ) فأقل ( من العقد ) لانتفاء زمن الوطء والوضع
( أو ) أكثر منهما بقدرهما وأكثر لكنه ( طلق في مجلسه ) أي العقد ( أو نكح وهو بالمشرق ) امرأة ( وهي بالمغرب ) ولم يمض زمن يمكن فيه اجتماعهما ووطء وحمل أقل مدة الحمل ( لم يلحقه ) الولد لاستحالة كونه منه فلا حاجة إلى انتفائه إلى لعان
تنبيه هذا إن كان الولد تاما فإن لم تلده تاما اعتبر مضي المدة المذكورة في باب الرجعة
ومن صور التعذر أيضا ما لو كان الزوج صغيرا أو ممسوحا على المذهب فلو قال كأن ولدته بالكاف كان أولى
ويمكن إحبال الصبي لتسع سنين ويشترط كمال التاسعة ثم يلاعن حتى يثبت بلوغه فإن ادعى الاحتلام ولو عقب إنكاره له صدق
وخرج بالممسوح مجبوب الذكر دون الأنثيين وعكسه فإنه يمكن إحبالهما
( وله نفيه ) أي الولد ( ميتا ) لأن نسبه لا ينقطع بالموت بل يقال مات ولد فلان وهذا قبر ولد فلان
فإن قيل ما فائدة نفيه بعد موته أجيب بأن فائدته إسقاط مؤنة تجهيزه ولو مات الولد بعد النفي جاز له استلحاقه كما في حال الحياة ويستحق إرثه ولا نظر إلى تهمته بذلك ولو استحلقه ثم نفاه لم ينتف عنه جزما
( والنفي ) لنسب ولد يكون ( على الفور ) في الأظهر ( الجديد ) لأنه شرع لدفع ضرر محقق فكان على الفور كالرد بالعيب وخيار الشفعة
وفي القديم قولان أحدهما يجوز إلى ثلاثة أيام والثاني له النفي متى شاء ولا يسقط إلا بإسقاطه
تنبيه المراد بالنفي هنا كما في المطلب أن يحضر عند الحاكم ويذكر أن هذا الولد أو الحمل الموجود ليس مني
____________________
(3/380)
مع الشرائط المعتبرة
وأما اللعان فله تأخيره
( ويعذر ) الملاعن في تأخير النفي على قول الفور ( لعذر ) كأن بلغه الخبر ليلا فأخر حتى يصبح أو كان جائعا فأكل أو عاريا فلبس
فإن كان محبوسا أو مريضا أو خائفا ضياع مال أرسل إلى القاضي ليبعث إليه نائبا يلاعن عنده أو ليعلمه أنه مقيم على النفي فإن لم يفعل بطل حقه فإن تعذر عليه الإرسال أشهد إن أمكنه فإن لم يشهد مع تمكنه منه بطل حقه
وللغائب النفي عند القاضي إن وجده في موضعه وله مع وجوده التأخير إلى الرجوع إن بادر إليه بحسب الإمكان مع الإشهاد وإلا فلا على الأصح في الشرح الصغير
أما إذا لم يكن عذر فإن حقه يبطل من النفي في الأصح ويلحقه الولد
( وله نفي حمل ) لما في الصحيحين أن هلال بن أمية لاعن عن الحمل ( و ) له أيضا ( انتظار وضعه ) ليلاعن على يقين فإن المتوهم حملا قد يكون ريحا فينفش بخلاف انتظار وضعه لرجاء موته كأن قال علمته ولدا وأخرت رجاء وضعه لينزل ميتا فأكفى اللعان فإن حقه يبطل من المنفي لتفريطه مع علمه
( ومن أخر ) نفي نسب ولد ( وقال جهلت الولادة صدق بيمينه إن كان غائبا ) ولم يستفض وينتشر لأن الظاهر يوافقه
فإن استفاض وانتشر لم يصدق كما حكياه عن الشاشي وأقراه
( وكذا الحاضر في مدة يمكن جهله ) بالولادة ( فيها ) كأن كانا في محلتين وأمكن الخفاء عليه لاحتمال صدقه بخلاف ما لا يمكن كأن كانا في دار واحدة ومضت مدة يبعد الخفاء فيها فإنه لا يقبل كما جزم به الرافعي وغيره لأنه خلاف الظاهر
( ولو ) قال لم أصدق من أخبرني بالولادة وقد أخبره من لا تقبل روايته كصبي وفاسق صدق بيمينه أو مقبول الرواية ولو رقيقا أو امرأة لم يقبل منه
ولو ( قيل له ) تهنئة بولد ( متعت بولدك أو جعله الله لك ولدا صالحا فقال ) مجيبا للقائل ( آمين أو نعم ) أو نحو ذلك مما يتضمن إقرارا كاستجاب الله دعاءك ( تعذر ) عليه ( نفيه ) ولحقه الولد لأن ذلك يتضمن الرضا به نعم إن عرف له ولد آخر وادعى حمل التهنئة والتأمين أو نحوه عليه فله نفيه إلا إن كان أشار إليه فقال نفعك الله بهذا الولد فقال آمين أو نحوه فليس له نفيه لما مر
( و ) إن أجاب بما لا يتضمن الإقرار كأن ( قال ) للقائل ( جزاك الله خيرا وبارك ) الله ( عليك فلا ) يتعذر نفيه
لأن الظاهر أنه قصد مكافأة الدعاء بالدعاء
فإن قيل قد مر أن وجوب النفي على الفور وقد زال بذلك
أجيب بأن ذلك وجد في توجهه للقاضي أو قاله في حالة يعذر فيها بالتأخير لنحو ليل
تنبيه سكت المصنف عن حالة ثالثة وهي التصريح بما يشعر بإنكار الولد كأعوذ بالله ونحوه لظهوره في نفي الولد
تتمة لو قال بعد علمه بالولد لم أعلم جواز اللعان أو فوريته وهو عامي وإن لم يكن قريب العهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء صدق كنظيره من خيار المتعة بخلاف ما إذا كان فقيها
( وله ) أي الزوج ( اللعان مع إمكان بينة بزناها ) لأن كلا منهما حجة
فإن قيل ظاهر القرآن يدل على أن تعذر البينة شرط لقوله تعالى { ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } أجيب بأن الإجماع صد عنه أو أن الآية مؤولة بأن لم يرغب في إقامة البينة فليأت باللعان لقوله تعالى { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } و يجوز ( لها ) اللعان في مقابلة لعان زوجها ( لدفع حد الزنا ) المتوجه عليها بلعانه لقوله تعالى { ويدرأ عنها العذاب } الآية ولا يتعلق بلعانها غير ذلك
تنبيه قضية قوله لها أنه لا يلزمها ذلك لكن صرح ابن عبد السلام في قواعده بوجوبه عليها إذا كانت صادقة في نفس الأمر فقال إذا لاعن الزوج امرأته كاذبا فلا يحل لها النكول على اللعان كي لا يكون عونا على جلدها أو رجمها
وفضيحة أهلها
وصوبه الأذرعي والزركشي وغيرهما وهو ظاهر
فإن أثبت الزوج زناها بالبينة امتنع لعانها
____________________
(3/381)
لأن حجة البينة أقوى من حجة اللعان
فصل في المقصود الأصلي من اللعان وهو نفي النسب كما قال ( له ) أي الزوج ( اللعان لنفي ولد ) ولو من وطء شبهة أو نكاح فاسد ( وإن عفت ) أي الزوجة ( عن الحد ) أو أقام بينة بزناها ( و ) إن ( زال النكاح ) بطلاق أو غيره للحاجة إليه لأن نفي النسب آكد من درء الحد
تنبيه قضية قوله له أن لا يجب وإن علم أنه ليس منه وليس مرادا بل يجب في هذه الحالة كما علم مما مر
( و ) له اللعان أيضا ( لدفع حد القذف ) عنه ( وإن زال النكاح ولا ولد ) هناك لحاجته إليه
تنبيه قضية أيضا أنه لا يجب في هذه الحالة وبه صرح الماوردي ولكن الذي صرح به ابن عبد السلام في القواعد وهو أقعد الوجوب دفعا للحد والفسق عنه
وهل وجب الحد في هذه الحالة على الملاعن ثم سقط باللعان أو لم يجب أصلا احتمالان للإمام والأول أوجه
( و ) له اللعان أيضا ( لتعزيره ) أي دفع تعزير القذف الواجب على القاذف كقذف زوجته الأمة أو الذمية وصغيرة يمكن جماعها لأنه غرض صحيح
ويسمى هذا تعزير تكذيب أيضا ولا يستوفي إلا بطلب المقذوف
( لا تعزير تأديب لكذب ) معلوم ( كقذف طفلة لا توطأ ) أي لا يمكن وطؤها فإنه لا يلاعن لإسقاطه وإن بلغت وطالبته للعلم بكذبه فلم يلحق بها عارا بل يعزر تأديبا على الكذب حتى لا يعود للإيذاء
ومثل ذلك ما لو قال زنى بك ممسوح أو ابن شهر مثلا أو قال لرتقاء أو قرناء زنيت فإنه يعزر للإيذاء ولا يلاعن
وهذا ظاهر إذا صرح بالفرج فإن أطلق فينبغي أن يسئل عند دعواها عن إرادته فإن وطأها في الدبر ممكن فيلحق العار بها ويترتب على جوابه حكمه
تنبيه اقتصار المصنف على هذا الاستثناء يقتضي أنه لو قذفها بزنا ثبت بالبينة أو بإقرارها أنه يلاعن لإسقاط تعزيره والأظهر أنه لا يلاعن لأن اللعان لإظهار الصدق وهو ظاهر فلا معنى له ولأن التعزير فيه للسبب والإيذاء فأشبه التعزير بقذف صغيرة لا توطأ
( ولو ) قذف زوجته و ( عفت عن الحد ) أو التعزير ( أو أقام بينة بزناها أو صدقته ) عليه ( ولا ولد ) ولا حمل في الصور الثلاث ينفيه ( أو سكتت عن طلب الحد ) أو التعزير ولم تعف ( أو ) قذفها و ( جنت بعد قذفه ) أو قذفها مجنونة بزنا مضاف للإفاقة ولا ولد أيضا في مسألة السكوت وما بعدها وإن أوهم توسط قوله ولا ولد بين المعطوفات خلافه ( فلا لعان ) في جميع ذلك ( في الأصح ) لعدم الحاجة إليه لسقوط الحد في الصور الثلاث الأول ولانتفاء طلبه في الباقي
والثاني له اللعان في ذلك لغرض الفرقة المؤبدة والانتقام منها بإيجاب حد الزنا عليها
ويستوفي من المجنونة بعد إفاقتها إن لم تلاعن أما إذا كان هناك ولد فإن له اللعان لنفيه قطعا
تنبيه كلامهم يفهم تساوي الكل في عدم اللعان وليس مرادا بل هو في الثلاث الأول مطلق وفيما عداها مقيد بالنفي في الحال خاصة فلو طالبت من سكتت أو المجنونة بعد كمالها لاعن
( ولو أبانها ) بثلاث أو دونها
ولو عبر ب بانت لشمل ما لو انقضت عدة رجعية أو حصل انفساخ ( أو ماتت ثم قذفها ) فإن قذفها ( بزنا مطلق أو مضاف إلى ما ) أي زمن ( بعد النكاح لاعن إن كان ولد يلحقه ) بحكم النكاح يريد نفيه للحاجة إلى النفي كما في صلب النكاح وتسقط عنه العقوبة بلعانه ويجب به على البائن عقوبة الزنا حيث كان مضافا لحالة النكاح بخلاف المطلق ويسقط عنها بلعانها
تنبيه أفهم كلامه أنه إذا لم يكن ولد يلحقه لا لعان وهو الصحيح لأنه كالأجنبي ولأنه لا ضرورة إلى القذف حينئذ فيحد به
وأفهم أنه لا يلاعن للحمل قبل انفصاله وهو الأظهر في الشرح الصغير والذي نقله في
____________________
(3/382)
الكبير عن الأكثرين ترجيح الجواز
وتبعه في الروضة وهو كما قال الزركشي المعتمد لئلا يموت الزوج فيفوت مقصوده بإلزامه التأخير
ولو كان الحمل في الميتة لم يلاعن قطعا فإن شق جوفها وأخرج لاعن لنفيه ولو دفنت به فأولى بالمنع قال الزركشي ولم يذكروه
وأسقط من الروضة كأصلها مسألة الموت
( فإن أضاف ) زناها ( إلى ما ) أي زمن ( قبل نكاحه ) أو إلى ما بعد البينونة ( فلا لعان إن لم يكن ولد ) إذ لا ضرورة إلى القذف فيحد به كقذف الأجنبية
( وكذا إن كان ) ولد فلا لعان ( في الأصح ) لتقصيره بذكر التاريخ وهذا ما نقله في زيادة الروضة عن المحرر وقال إنه أقوى
والثاني له اللعان كما لو أطلق وعزاه في الشرح الصغير للأكثرين لأنه قد يظن الولد من ذلك الزنا فينفيه باللعان
وسكت عليه المصنف في تصحيح التنبيه وقال في المهمات إن الفتوى عليه ومع هذا فالمعتمد ما في المتن إذا كان حقه أن يطلق القذف أو يضيفه إلى النكاح
( لكن له إنشاء قذف ) مطلق أو مضاف إلى حالة النكاح
( ويلاعن ) لنفي النسب للضرورة بل يلزمه ذلك إن علم أنه ليس منه كما علم مما مر
ويسقط عنه بلعانه حد القذف فإن لم ينشىء قذفا حد ولا حد عليها بلعانه إن لم يكن أضاف الزنا إلى نكاحه وتتأبد الحرمة بعد اللعان
( ولا يصح ) جزما من الملاعن ( نفي أحد توءمين ) وهما اسم ولدين في بطن واحد ومجموعهما حمل واحد سواء ولدا معا أم متعاقبين وبينهما أقل من ستة أشهر لأن الله تعالى لم يجر العادة بأن يجتمع في الرحم ولدان من ماء رجلين لأن الرحم إذا اشتمل على المني انسد فمه فلا يتأتى منه قبول مني آخر
ومجيء الولدين إنما هو من كثرة مادة الزرع فإن نفى أحدهما واستلحق الآخر أو سكت عن نفيه مع إمكانه لحقاه ولو نفاهما باللعان ثم استلحق أحدهما أو نفى أولهما باللعان ثم ولدت الثاني فسكت على نفيه أو مات قبل أن تلده لحقه الأول مع الثاني ولم يعكس لقوة اللحوق على النفي لأنه معمول به بعد النفي ولا كذلك النفي بعد الاستلحاق ولأن الولد يلحق بغير استلحاق بعد إمكان كونه منه
ولا ينتفي عند إمكان كونه من غيره إلا بالنفي
أما إذا كان بين وضعي الولدين ستة أشهر فأكثر فهما حملان فيصح نفي أحدهما وما وقع في الوسيط من أنه إذا كان بينهما ستة أشهر فهما توءمان جرى على الغالب من أن العلوق لا يقارن أول المدة كما يؤخذ مما مر في الوصية
خاتمة فيها مسائل منثورة تتعلق بالباب لا ينتفي ولد الأمة باللعان بل بدعوى الاستبراء لأن اللعان من خواص النكاح كالطلاق والظهار
ولو ملك زوجته ثم وطئها ولم يستبرئها ثم أتت بولد واحتمل كونه من النكاح فقط فله نفيه باللعان كما له نفيه بعد البينونة بالطلاق أو احتمل كونه من الملك فقط فلا ينفيه باللعان لأنه ينفى عنه بغيره كما مر
وكذا لو احتمل كونه منهما فلا ينفيه باللعان أيضا لإمكان نفيه بدعوى الاستبراء وتصير أم ولد للحوق الولد به بوطئه في الملك لأنه أقرب مما قبله
ولو قال الزوج بعد قذفه لزوجته قذفتك في النكاح فلي اللعان فقالت بل قبله فلا لعان وعليك الحد صدق بيمينه لأنه القاذف فهو أعلم بوقت القذف
ولو اختلفا بعد الفرقة وقال قذفتك قبلها فقالت بل بعدها صدق بيمينه أيضا إلا أن يكون أصل النكاح فتصدق بيمينها ولو قال قذفتك وأنت صغيرة فقالت بل وأنا بالغة صدق بيمينه إن احتمل أنه قذفها وهي صغيرة بخلاف ما إذا لم يحتمل كأن كان ابن عشرين سنة وهي بنت أربعين
ولو قال قذفتك وأنا نائم فأنكرت نومه لم يقبل منه لبعده أو وأنت مجنونة أو رقيقة أو كافرة وادعت خلاف ذلك صدق بيمينه إن عهد لها ذلك كما مر وإلا فهي المصدقة أو وأنا صبي فقالت بل وأنت بالغ صدق بيمينه إن احتمل ذلك كما مر أو وأنا مجنون فقالت بل وأنت عاقل صدق بيمينه إن عهد له جنون لأن الأصل بقاؤه
وليس لأحد غير صاحب الفراش استلحاق مولود على فراش صحيح وإن نفي عنه باللعان لأن حق الاستلحاق باق له فإن لم يصح الفراش كولد الموطوءة بشبهة كان لكل أحد أن يستلحقه لأنه لو نازعه فيه قبل النفي سمعت دعواه
ولو نفى الذمي ولدا ثم أسلم لم يتبعه في الإسلام فلو مات الولد وقسم ميراثه بين ورثته الكفار ثم استلحقه لحقه في نسبه وإسلامه وورثه
____________________
(3/383)
وانتقضت القسمة
ولو قتل الملاعن من نفاه ثم استلحقه لحقه وسقط عنه القصاص والاعتبار في الحد والتعزير بحالة القذف فلا يتغيران بحدوث عتق أو رق أو إسلام في القاذف أو المقذوف
كتاب العدد جمع عدة مأخوذة من العدد لاشتمالها على العدد من الأقراء أو الأشهر غالبا
وهي في الشرع اسم لمدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها أو للتعبد أو لتفجعها على زوجها كما سيأتي
والأصل فيها قبل الإجماع الآيات والأخبار الآتية في الباب
وشرعت صيانة للأنساب وتحصينا لها من الاختلاط رعاية لحق الزوجين والولد والناكح الثاني والمغلب فيها التعبد بدليل أنها لا تنقضي بقرء واحد مع حصول البراءة به
( عدة النكاح ضربان الأول ) منهما ( متعلق بفرقة حي بطلاق أو فسخ ) بعيب أو رضاع أو لعان لقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } والفسخ في معنى الطلاق
وخرج بعدة النكاح المزني بها فلا عدة عليها بالاتفاق لكن يرد عليه وطء الشبهة وقد يقال إن المفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد
( وإنما تجب ) العدة إذا حصلت الفرقة المذكورة ( بعد وطء ) في نكاح صحيح أو فاسد أو في شبهة سواء أكان الوطء حلالا أم حراما كوطء حائض ومحرمة وسواء أكان في قبل جزما أو دبر على الأصح وسواء أكان عاقلا أم لا مختارا أم لا لف على ذكره خرقة أم لا بالغا أم لا بخلاف فرقة ما قبل ذلك لقوله تعالى { ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة }
وضبط المتولي الوطء الموجب للعدة بكل وطء لا يوجب الحد على الواطىء وإن أوجبه على الموطوءة كما لو زنى مراهق ببالغة أو مجنون بعاقلة أو مكره بطائعة
تنبيه قال الزركشي يشترط في وجوب العدة من وطء الصبي تهيؤه للوطء كما أفتى به الغزالي وكذا يشترط في الصغيرة ذلك كما صرح به المتولي اه
وهو حسن
وتعتد بوطء خصي لا المزوجة من مقطوع الذكر ولو دون الأنثيين لعدم الدخول لكن إن بانت حاملا لحقه الولد لإمكانه إن لم يكن ممسوحا واعتدت بوضعه وإن نفاه بخلاف الممسوح لأن الولد لا يلحقه
قال البغوي ولو استدخلت المرأة ذكرا زائدا وجبت العدة أو أشل فلا كالمبان اه
وهو ظاهر في الأولى إذا كان الزائد على سنن الأصلي وإلا فلا وليس بظاهر في الثانية كما قاله شيخنا
( أو ) الفرقة بعد ( استدخال منيه ) أي الزوج لأنه أقرب إلى العلوق من مجرد الإيلاج وقول الأطباء المني إذا ضربه الهواء لا ينعقد منه الولد غايته ظن وهو لا ينافي الإمكان فلا يلتفت إليه
ولا بد أن يكون المني محترما حال الإنزال وحال الإدخال حكى الماوردي عن الأصحاب أن شرط وجوب العدة بالاستدخال أن يوجد الإنزال والاستدخال معا في الزوجية فلو أنزل ثم تزوجها فاستدخلته أو أنزل وهي زوجة ثم أبانها واستدخلته لم تجب العدة ولم يلحقه الولد اه
والظاهر أن هذا غير معتبر بل الشرط أن لا يكون من زنا كما قالوا أما ماؤه من الزنا فلا عبرة باستدخاله
( و ) تجب العدة بما ذكر و ( إن تيقن براءة الرحم ) كما في الصغير ولو كان التيقن بالتعليق كقوله متى تيقنت براءة رحمك من منيي فأنت طالق ووجدت الصفة لعموم الأدلة مع مفهوم الآية السابقة ولأن الإنزال الذي يحصل به العلوق لما كان خفيا يختلف بالأشخاص والأحوال ولعسر تتبعه أعرض الشارع عنه واكتفى بسببه وهو الوطء أو استدخال المني كما اكتفى في الترخيص بالسفر وأعرض عن المشقة
و ( لا ) تجب العدة ( بخلوة ) مجردة عن وطء ( في الجديد ) لمفهوم الآية السابقة والقديم تقام مقام الوطء
( وعدة حرة ذات أقراء ) بأن كانت تحيض ( ثلاثة ) من أقراء لقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }
ولو ظنها الواطىء أمته أو زوجته الأمة فإنها تعتد بثلاثة أقراء لأن الظن
____________________
(3/384)
إنما يؤثر في الاحتياط لا في التخفيف
ولو طرأ عليها الرق لالتحاقها بدار الحرب واسترقاقها فإنها تعتد بذلك في أحد وجهين يظهر ترجيحه
والثاني ترجع إلى عدة أمة
تنبيه شمل إطلاقه ما لو شربت دواء حتى حاضت وهو كذلك كما تسقط الصلاة عنها
( والقرء ) ضبطه المصنف بالفتح بخطه لكونه اللغة المشهورة وهو لغة مشترك بين الطهر والحيض ومن إطلاقه على الحيض ما في خبر النسائي وغيره تترك الصلاة أيام أقرائها وقيل حقيقة في الأول مجاز في الثاني وقيل عكسه
وفي الاصطلاح ( الطهر ) كما روي عن عمر وعلي وعائشة وغيرهم من الصحابة ولقوله تعالى { فطلقوهن } والطلاق في الحيض محرم كما مر في بابه فيصرف الإذن إلى زمن الطهر وقد قرىء / < فطلقوهن لقبل عدتهن > / وقبل الشيء أوله
ولأن القرء مشتق من الجمع يقال قرأت كذا في كذا إذا جمعته منه وإذا كان الأمر كذلك كان بالطهر أحق من الحيض لأن الطهر اجتماع الدم في الرحم والحيض خروجه منه وما وافق الاشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته ويجمع على أقراء وقروء وأقرؤ
( فإن طلقت طاهرا ) وبقي من زمن طهرها شيء ( انقضت ) عدتها ( بالطعن في حيضة ثالثة ) لأن بعض الطهر وإن قل يصدق عليه اسم قرء قال تعالى { الحج أشهر معلومات } وهو شهران وبعض الثالث
فإن لم يبق من زمن الطهر شيء كأن قال أنت طالق آخر طهرك فإنما تنقضي عدتها بالطعن في حيضة رابعة كما في قوله ( أو ) طلقت ( حائضا ففي ) أي تنقضي عدتها بالطعن في حيضه ( رابعة ) وما بقي من حيضها لا يحسب قرءا جزما لأن الطهر إنما يتبين كماله بالشروع في الحيضة التي بعده وهي الرابعة
( وفي قول يشترط يوم وليلة بعد الطعن ) في الحيضة الثالثة في الأولى وفي الرابعة وفي الثانية ليعلم أنه حيض وقضيته أن اليوم والليلة على هذا القول من نفس العدة وهو وجه والأصح أنه يتبين بذلك الانقضاء
وأجاب الأول بأن الظاهر أنه دم حيض لئلا تزيد العدة على ثلاثة أقراء فإن انقطع دون يوم وليلة ولم يعد قبل مضي خمسة عشر يوما تبين عدم انقضائها
تنبيه ذكر المصنف حكم الطلاق في الطهر والحيض وسكت عن حكم النفاس وظاهر كلام الروضة في الحيض أنه لا يحسب هو العدة وهو قضية كلامه هنا أيضا في الحال الثاني في اجتماع عدتين
( وهل يحسب طهر من ) طلقت و ( لم تحض ) أصلا ثم حاضت في أثناء عدتها بالأشهر ( قرءا ) أولا ( قولان بناء على ) ما قاله القاضي حسين وغيره من ( أن القرء انتقال من طهر إلى حيض ) أو نفاس
( أم ) هو ( طهر محتوش ) بفتح الواو بخطه أي مكتنف ( بدمين ) أي دمي حيض أو حيض ونفاس أو دمي نفاس كما صرح به المتولي إن قلنا بالأول فتحسب وتنقضي عدتها بالطعن في حيضة رابعة
( والثاني ) من البناءين ( أظهر ) فكذا المبني عليه وهو عدم احتساب ما ذكر قرءا
تنبيه قال الرافعي وليس مرادهم بقولهم القرء هو الطهر المحتوش الطهر بتمامه لأنه لا خلاف أن بقية الطهر تحسب قرءا وإنما مرادهم هل يعتبر من الطهر المحتوش شيء أم يكفي الانتقال
( وعدة مستحاضة ) غير متحيرة ( بأقرائها المردودة ) هي ( إليها ) من العادة والتمييز والأقل كما عرف ذلك في باب الحيض
( و ) عدة ( متحيرة ) لم تحفظ قدر دورها ولو متقطعة الدم مبتدأة كانت أو غيرها ( بثلاثة أشهر في الحال ) لاشتمال كل شهر على طهر وحيض غالبا ولعظم مشقة الانتظار إلى سن اليأس
ويخالف الاحتياط في العبادات لأن المشقة فيها لا تعظم ولأنها مريبة فدخلت في قوله تعالى { إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } فإن بقي من الشهر الذي طلقت فيه أكثر من خمسة عشر يوما عد قرءا لاشتمالها على طهر لا محالة وتعتد بعده بهلالين فإن بقي خمسة عشر يوما فأقل لم تحسب تلك البقية لاحتمال
____________________
(3/385)
أنها حيض فتبتدىء العدة من الهلال لأن الأشهر ليست متأصلة في حق المتحيرة وإنما حسب كل شهر في حقها قرءا لاشتماله على حيض وطهر غالبا كما مر بخلاف من لم تحض والآيسة حيث يكملان المنكسر كما سيأتي
أما إذا حفظت الأدوار فإنها تعتد بثلاثة منها سواء أكانت أكثر من ثلاثة أشهر أم أقل لاشتمالها على ثلاثة أطهار وكذا لو شكت في قدر أدوارها ولكن قالت أعلم أنها لا تجاوز سنة مثلا أخذت بالأكثر وتجعل السنة دورها ذكره الدارمي ووافقه المصنف في مجموعه في باب الحيض
( وقيل ) تعتد المتحيرة مما ذكر ( بعد اليأس ) لأنها قبله متوقعة للحيض المستقيم وسيأتي وقت سنه
تنبيه محل الخلاف المذكور في المتحيرة بالنسبة لتحريم نكاحها أما الرجعة وحق السكنى فإلى ثلاثة أشهر فقط قطعا
( و ) عدة غير حرة من ( أم ولد ومكاتبة ) ومدبرة ( ومن فيها رق ) وهي ذات أقراء ( بقرءين ) بفتح القاف سواء أطلقت أم وطئت بشبهة لأنها على النصف من الحرة في كثير من الأحكام
وإنما كملت القرء الثاني لتعذر تبعيضه كما في طلاق العبد إذ لا يظهر نصفه إلا بظهور كله فلا بد من الانتظار إلى أن يعود الدم
وقد علم من كلامه حكم كاملة الرق أنها تعتد بقرءين من باب أولى وسواء أطلقت أم وطئت في نكاح فاسد أم في شبهة
ولو وطىء أمة لغيره ظنها أمته اعتدت بقرء واحد لأنها في نفسها مملوكة والشبهة شبهة ملك اليمين وإن ظنها زوجته الأمة اعتدت بقرءين اعتبارا باعتقاده ولأن أصل الظن يؤثر في أصل العدة فجاز أن يؤثر خصوصه في خصوصها وإن ظنها زوجته الحرة اعتدت بثلاثة أقراء اعتبارا باعتقاده
تنبيه سكت المصنف عن الأمة المستحاضة وحكمها إن كانت غير متحيرة بقرءين من أقرائها المردودة إليها كما مر في الحرة
وإن كانت متحيرة فإن طلقت أول الشهر فبشهرين أوقد وقد بقي أكثره فبباقيه والثاني أو دون أكثره فبشهرين بعد تلك البقية لما مر في الحرة من أن الأشهر ليست متأصلة في حق المتحيرة
( وإن عتقت ) أمة ( في عدة رجعة ) بفتح العين بلفظ المصدر ( كملت عدة حرة في الأظهر ) الجديد لأن الرجعية زوجة في أكثر الأحكام فكأنها عتقت قبل الطلاق
والثاني تتم عدة أمة ونظرا لوقت الوجوب
( أو ) عتقت في عدة ( بينونة فأمة ) أي تكمل عدة أمة ( في الأظهر ) الجديد كما في الروضة لأن البائن كالأجنبية لقطع الميراث وسقوط النفقة فإنها عتقت بعد انقضاء العدة والثاني تتم عدة حرة اعتبارا بوجود العدة الكاملة قبل تمام الناقصة
واحترز بقوله في عدة عما لو عتقت مع الطلاق بأن علق طلاقها وحريتها على شيء واحد فإنها تعتد عدة حرة قطعا كما قاله الماوردي
وبقوله رجعة عما لو عتقت في عدة وفاة فإنها تكمل عدة الإماء
( و ) عدة ( حرة لم تحض ) أصلا لصغر أو غيره وإن ولدت ورأت نفاسا ( أو يئست ) من الحيض ( بثلاثة أشهر ) بالأهلة إن انطبق الطلاق على أول الشهر بتعليق أو غيره لقوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } أي فعدتهن كذلك فحذف المبتدأ أو الخبر من الثاني لدلالة الأول عليه
( فإن ) لم ينطبق على أول شهر بأن ( طلقت في أثناء شهر ) ولو في أثناء أول يوم أو ليلة منه ( فبعده هلالان وتكمل المنكسر ثلاثين ) يوما من شهر رابع ولو المنكسر عن ثلاثين هذا هو المذهب وعن ابن بنت الشافعي أن جميع الأشهر تنكسر وتعتد بتسعين يوما كمذهب أبي حنيفة
( فإن حاضت فيها ) أي أثناء الأشهر ( وجبت الأقراء ) بالإجماع لقدرتها على الأصل قبل الفراغ من البدل كالمتيمم يجد الماء في أثناء تيممه
ولا يحسب ما مضى من الطهر قرءا كما هو قضية البناء المار وصرح بتصحيحه المصنف في تصحيح التنبيه
أما إذا حاضت بعد انقضائها لا يؤثر لأن حيضها حينئذ لا يمنع صحة القول بأنها عند اعتدادها بالأشهر من اللائي لم يحضن
( و ) عدة ( أمة ) ومن فيها رق ولو مكاتبة لم تحض أو يئست ( بشهر ونصف ) الأقراء
( وفي قول ) عدتها ( شهران ) لأنهما بدل عن القرءين
وفي ( قول ) عدتها أشهر ( ثلاثة ) لعموم قوله تعالى { فعدتهن ثلاثة أشهر } لأن
____________________
(3/386)
الأصل فيما ينقص بالرق من الأعداد النصيف والشهر قابل له بخلاف ولأن الماء لا يظهر أثره في الرحم إلا بعد هذه المدة إذ الولد يخلق في ثمانين يوما ثم يتبين الحمل بعد ذلك وما يتعلق بالطبع لا يختلف بالرق والحرية
ولو انتقلت الأمة للحيض فكانتقال الحرة فيما مر
( ومن انقطع دمها ) أي دم حيضها من حرة أو غيرها ( لعلة ) تعرف ( كرضاع ومرض تصبر حتى تحيض ) فتعتد بالأقراء ( أو تيأس ) أي تصل إلى سن اليأس وأقصاه اثنان وستون سنة ( فتعتد ) حينئذ ( بالأشهر ) ولا يبالى بطول مدة الانتظار لما روى البيهقي عن عثمان أنه حكم بذلك في المرضع قال الشيخ أبو محمد وهو كالإجماع من الصحابة رضي الله عنهم
( أو لا ) بأن انقطع دمها لا ( لعلة ) تعرف ( فكذا ) تصبر حتى تحيض فتعتد بالأقراء أو تيأس فتعتد بالأشهر ( في الجديد ) كما لو انقطع لعلة لأن الله تعالى لم يجعل الاعتداد بالأشهر إلا للتي لم تحض والآيسة وهذه ليست واحدة منهما لأنها ترجو عود الدم فأشبهت من انقطع دمها لعارض معروف
( وفي القديم تتربص ) غالب مدة الحمل ( تسعة أشهر ) لتعرف فراغ الرحم لأن الغالب أن الحمل لا يمكث في البطن أكثر من ذلك
قال البيهقي وقد عاب الشافعي في القديم على من خالفه وقال كان يقضي به أمير المؤمنين عمر بين المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم ولم ينكر عليه فكيف تجوز مخالفته ( وفي قول ) من القديم تتربص أكثر مدة الحمل ( أربع سنين ) لتعلم براءة الرحم بيقين وفي قول مخرج على القديم أنها تتربص ستة أشهر أقل مدة الحمل
وحاصل القديم أنها تتربص مدة الحمل لكن غالبه أو أكثره أو أقله
( ثم تعتد بالأشهر ) على كل من أقوال القديم إذا لم يظهر حمل ( فعلى الجديد ) وهو التربص لسن اليأس ( لو حاضت بعد اليأس في الأشهر وجبت الأقراء ) للقدرة على الأصل قبل الفراغ من البدل ويحسب ما مضى قرءا قطعا لأنه طهر محتوش بدمين
( أو بعدها ) أي الأشهر ( فأقوال أظهرها إن نكحت ) بضم أوله بخطه أي من زوج غير صاحب العدة ( فلا شيء ) يجب عليها من الأقراء وصح النكاح لتعلق حق الزوج بها وللشروع في المقصود كالمتيمم يرى الماء بعد الشروع في صلاة يسقط قضاؤها بالتيمم
( وإلا ) بأن لم تنكح من غيره ( فالأقراء ) واجبة في عدتها لأنه بان أنها ليست آيسة ولم يتعلق بها حق زوج آخر
والثاني تنتقل إلى الأقراء مطلقا لما ذكر
والثالث المنع مطلقا لانقضاء العدة ظاهرا كما لو حاضت الصغيرة بعد الأشهر
وما ذكر على الجديد بعد اليأس يأتي مثله على القديم بعد التربص غير أن الخلاف فيه وجوه
ولو حاضت الآيسة المنتقلة إلى الحيض قرءا أو قرءين ثم انقطع حيضها استأنفت ثلاثة أشهر بخلاف ذات أقراء أيست قبل تمامها فإنها لا تستأنف كما هو المنقول كما سيأتي آخر فصللزمها عدتا شخص خلافا لابن المقري في التسوية بينهما في الاستئناف وعليه يطلب الفرق
وقد يفرق بأن الأولى لما كان عدتها بالأشهر ثم انتقلت إلى الأقراء ولم تتم رجعت إلى ما كانت عليه وهو الأشهر فكانت عدتها بها فلا تكمل على الأقراء بخلاف الثانية المنتقلة من حيض إلى أشهر فإنها ليست كذلك
( والمعتبر ) في اليأس على الجديد ( يأس عشيرتها ) أي أقاربها من الأبوين كما نص عليه في الأم لتقاربهن طبعا وخلقا ويعتبر الأقرب فالأقرب إليها
فإن قيل إنما اعتبروا في مهر المثل نساء العصبات فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن زيادة المهر ونقصه لنفاسة النسب وخساسته وهي معتبرة بالآباء والنسب إليهم فكذلك اعتبر بالعصبات وهنا إنما يتعلق بالطبع والجبلة فاعتبر الجانبان ( وفي قول ) يأس ( كل النساء ) للاحتياط وطلبا لليقين وذلك بحسب ما بلغنا خبره لا طوف نساء العالم لأنه غير
____________________
(3/387)
ممكن
( قلت ذا القول أظهر والله أعلم ) وعليه هل المراد نساء زمانها أو النساء مطلقا قال الأذرعي إيراد القاضي وجماعة يقتضي الأول وكلام كثيرين أو الأكثرين يقتضي الثاني انتهى
وهذا الثاني هو الظاهر
واختلفوا في سن اليأس على ستة أقوال أشهرها ما تقدم وهو اثنان وستون سنة وقيل ستون وقيل خمسون وقيل سبعون وقيل خمسة وثمانون وقيل تسعون وقيل غير العربية لا تحيض بعد الخمسين ولا تحيض بعد الستين إلا قرشية
ولو رأت امرأة الدم بعد سن اليأس صار أعلى اليأس آخر ما رأته فيه ويعتبر بعد ذلك بها غيرها
فإن قيل هذا مخالف لما قالوه في سن الحيض من أنه لا عبرة برؤية دم قبله مع أن كلا ثبت بالاستقراء أجيب بأن الاستقراء في السن استقراء تام لتيسره ولهذا لم يقع فيه خلاف فلم يعول على خلافه بخلافه هنا ولهذا كثر الخلاف فيه
فصل في العدة بوضع الحمل ( عدة الحامل ) من حرة وأمة عن فراق حي أو ميت بطلاق رجعي أو بائن ( بوضعه ) أي الحمل لقوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فهو مخصص لقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ولأن المعتبر من العدة براءة الرحم وهي حاصلة بالوضع
( بشرط ) إمكان ( نسبته إلى ذي ) أي صاحب ( العدة ) زوجا كان أو غيره ( ولو احتمالا كمنفي بلعان ) لأنه لا ينافي إمكان كونه منه ولهذا لو استلحقه لحقه
فإن لم يمكن نسبته إليه لم تنقض بوضعه كما إذا مات صبي لا يتصور منه الإنزال أو ممسوح عن زوجة حامل فلا تعتد بوضع الحمل وكذا كل من أتت زوجته الحامل بولد لا يمكن كونه منه كأن وضعته لدون ستة أشهر من النكاح أو لأكثر وكان بين الزوجين مسافة لا تقطع في تلك المدة أو لفوق أربع سنين من الفرقة لم تنقض عدته بوضعه لكن لو ادعت في الأخيرة أنه راجعها أو جدد نكاحها أو وطئها بشبهة وأمكن فهو وإن انتفى عنه تنقضي به عدته
تنبيه يجوز نكاح ووطء الحامل من زنا
إذ لا حرمة له والحمل المجهول قال الروياني يحمل على أنه من زنا وقال الإمام على إنه من وطء شبهة تحسينا للظن وجمع بين كلاميهما بحمل الأول على أنه كالزنا في أنه لا تنقضي به العدة والثاني على أنه من شبهة تجنبا عن تحمل الإثم وهو جمع حسن
( و ) بشرط ( انفصال كله ) أي الحمل فلا أثر لخروج بعضه متصلا أو منفصلا في انقضاء العدة ولا في غيرها من سائر أحكام الجنين لعدم تمام انفصاله والظاهر الآية
واستثنى من ذلك وجوب الغرة بظهور شيء منه لأن المقصود تحقق وجوده ووجوب القود إذا حز جان رقبته وهو حي ووجوب الدية بالجناية على أمه إذا مات بعد صياحه وقد علم بذلك ضعف ما قاله الدارمي من أن أمية الولد تثبت وتعتق بموت السيد بانفصال بعضه
فإن قيل لا حاجة إلى هذا الشرط لأنه لا يقال وضعت إلا عند انفصال كله أجيب بأن الوضع يصدق بالكل والبعض
ثم غيا المصنف انفصال كل الحمل بقوله ( حتى ) انفصال ( ثاني توءمين ) تثنية توءم وهو كل واحد من ولدين مجتمعين في حمل واحد فلا تنقضي بوضع الأول منهما بل له الرجعة بعده قبل وضع الباقي لبقاء العدة ثم بين المدة التي لا تقطع الولد الثاني عن كونه توءما بقوله ( ومتى تخلل ) بين وضعهما ( دون ستة أشهر فتوءمان ) أي يسميان بذلك بخلاف ما إذا تخلل بينهما ستة أشهر فأكثر فالثاني حمل آخر
فإن قيل كونه حملا آخر يتوقف على وطء بعد وضع الأول فإذا وضعت الثاني لستة أشهر من وضع الأول سقط منها ما يسع الوطء فيكون الباقي دون ستة أشهر أجيب بأنه يمكن تصوير ذلك باستدخال المني حال وضع الأول
وتقييدهم بالوطء في قولهم تعتبر لحظة للوطء جرى على الغالب والمراد الوطء أو استدخال المني الذي هو أولى بالحكم هنا بل قد يقال يمكن الوطء حالة الوضع
( وتنقضي ) العدة ( بميت ) أي بوضع ولد ميت كالحي لإطلاق الآية
هل تنقضي عدتها بالأقراء إذا كانت من ذوات الأقراء أو بالأشهر إن لم تكن أو لا تنقضي عدتها ما دام في بطنها اختلف العصريون في ذلك والظاهر الثالث لعموم قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن } فائدة وقع في الإفتاء أن الولد لو مات في بطن المرأة وتعذر نزوله { حملهن }
____________________
(3/388)
( لا ) بوضع ( علقة ) وهي مني يستحيل في الرحم فيصير دما غليظا فلا تنقضي العدة بها لأنها لا تسمى حملا وإنما هي دم
( و ) تنقضي ( بمضغة ) وهي العلقة المستحيلة قطعة لحم قال الزمخشري سميت بذلك لأنها صغيرة كقدر ما يمضغ
( فيها صورة آدمي خفية ) على غير القوابل ( أخبر بها القوابل ) لظهورها عندهن كما لو كانت ظاهرة عند غيرهن أيضا بظهور يد أو أصبع أو ظفر أو غيرها بصب ماء حلو أو غيره فظهرت الصورة
تنبيه قوله وبمضغة معطوف على المثبت كما تقرر لا على المنفي ولهذا أعاد الباء
( فإن لم يكن ) في المضغة ( صورة ) لا ظاهرة ولا خفية أخبر بها القوابل ( و ) لكن ( قلن هي أصل آدمي ) ولو بقيت لتصورت ( انقضت ) أي العدة بوضعها ( على المذهب ) المنصوص لحصول براءة الرحم بذلك
تنبيه هذه المسألة تسمى مسألة النصوص فإنه نص هنا على أن العدة تنقضي بها وعلى أنه لا تجب فيها الغرة ولا يثبت بها الاستيلاد فقيل قولان في الجميع وقيل بتقرر النصين وهو المذهب
والفرق أن العدة تتعلق ببراءة الرحم وقد حصلت والأصل براءة الذمة في الغرة وأمومية الولد إنما ثبتت تبعا للولد وهذا لا يسمى ولدا ولو شكت القوابل في أنها أصل آدمي لم تنقض بوضعها قطعا والقول قول المرأة بيمينها في أنها أسقطت ما تنقضي به العدة سواء أكذبها الزوج أم لا لأنها مؤتمنة فيها ولأنها تصدق في أصل السقط فكذا في صفته
( ولو ظهر في ) أثناء ( عدة أقراء أو ) أثناء عدة ( أشهر ) أو بعدهما كما قاله الصيمري وإن أفهم كلام المصنف خلافه ( حمل للزوج ) متعلق بحمل لا يظهر ( اعتدت بوضعه ) ولغا ما مضى من أقراء أو أشهر لأنه يدل على البراءة قطعا بخلافهما
( ولو ارتابت ) أي شكت ( فيها ) أي العدة بأن لم يظهر لها الحمل بأمارات وإنما ارتابت منه بثقل وحركة تجدهما ( لم تنكح ) آخر بعد تمامها ( حتى تزول الريبة ) بمرور زمن مثلا تزعم النساء أنها لا تلد فيه لأن العدة قد لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلا بيقين كما لو شك هل صلى ثلاثا أو أربعا فإن نكحت فالنكاح باطل كما أفهمه كلامه وصرح به الرافعي للتردد في انقضائها
فإن قيل المراد بالبطلان البطلان ظاهرا فإذا بان عدم الحمل فالقياس الصحة كما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا
أجيب بالاحتياط في الأبضاع ولأن الشك في المعقود عليه يبطل العقد كما لو تزوج خنثى ثم اتضح بخلاف ما لو كان وليا أو شاهدا كما مر
( أو ) ارتابت ( بعدها ) أي العدة ( وبعد نكاح ) لآخر ( استمر ) نكاحها لحكمها بانقضاء العدة ظاهرا أو تعليق حق الزوج الثاني
( إلا أن تلد لدون ستة أشهر من ) وقت ( عقدة ) فإنه يحكم ببطلانه لتحقق كونها حاملا يوم العقد والولد للأول إن أمكن كونه منه بخلاف ما لو ولدته لستة أشهر فأكثر فالولد للثاني وإن أمكن كونه من الأول لأن الفراش للثاني ناجز فهو أقوى ولأن النكاح الثاني قد صح ظاهرا فلو ألحقنا الولد بالأول لبطل النكاح لوقوعه في العدة ولا سبيل إلى إبطاله بالاحتمال
تنبيه وطء الشبهة بعد انقضاء العدة كالنكاح الثاني فلو أتت بولد لستة أشهر من الوطء لحق بالواطىء لانقطاع النكاح والعدة عنه ظاهرا ذكره في الروضة وأصلها
( أو ) ارتابت ( بعدها ) أي العدة ( قبل نكاح ) بآخر ( فلتصبر ) عن النكاح ( لتزول الريبة ) للاحتياط وفي الخبر دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
____________________
(3/389)
تنبيه ظاهر هذه العبارة أن الصبر واجب وبه صرح الجويني في السلسلة وعبارة المحرر والشرحين والروضة فالأولى وهي عبارة الجمهور فكان الأولى للمصنف أن يعبر بها
وفي التنبيه في باب ما يحرم من النكاح ويكره نكاح المرتابة
( فإن نكحت ) آخر قبل زوالها ( فالمذهب ) المنصوص ( عدم إبطاله ) أي النكاح ( في الحال ) لأنا حكمنا بانقضاء العدة ظاهرا فلا نبطله بالشك بل يوقف
( فإن علم مقتضيه ) أي البطلان بأن ولدت لدون ستة أشهر من وقت النكاح ( أبطلناه ) أي حكمنا ببطلانه لتبين فساده وليس هذا كوقف العقد في القديم فإن ذاك وقف في نفس العقد وههنا العقد صحيح غير أنه يرتفع لمعنى يظهر في ثاني الحال
والطريق الثاني في إبطاله قولان للتردد في انتفاء المانع في الحال وإن علم انتفاؤه لم نبطله ولحق الولد بالثاني
تنبيه هذا لا يختص بالنكاح بل لو راجعها الزوج قبل زوال الريبة وقفت الرجعة فإن بان حمل بقيت الرجعة وإلا بطلت نص عليه
قال الشيخ أبو محمد لا يختلف المذهب فيه وإن جرى في النكاح قولان
( ولو أبانها ) بخلع أو غيره ولم ينف حملها ثم اعتدت ( فولدت لأربع سنين ) فأقل من وقت إمكان العلوق قبيل الإبانة ولم تتزوج بغيره ( لحقه ) الولد وإن أقرت بانقضاء العدة بناء على أن أكثر مدة الحمل أربع سنين دليله الاستقراء وحكي عن مالك أنه قال جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة تحمل كل بطن أربع سنين
وقد روي هذا عن غير المرأة المذكورة
وقيل إن أبا حنيفة حملت به أمه ثلاث سنين وفي صحته كما قال ابن شهبة نظر لأن مذهبه أكثر مدة الحمل سنتان فكيف يخالف ما وقع في نفسه قال ابن عبد السلام وهذا مشكل مع كثرة الفساد في هذا الزمان
أما لو تزوجت بغير صاحب العدة واحتمل كون الولد منه فإنه لا يلحق الأول كما سيأتي
( أو ) ولدت ( لأكثر ) من أربع سنين ( فلا ) يلحقه الولد لعدم الإمكان وهذه المسألة تقدمت في باب اللعان
تنبيه ما تقرر من اعتبار المدة في هذه من وقت إمكان العلوق قبيل الإبانة لا من الإبانة التي عبر بها أكثر الأصحاب هو ما اعتمده الشيخان حيث قالا فيما أطلقوه تساهل والقويم ما قاله أبو منصور التميمي معترضا عليهم بأنا لو اعتبرنا المدة من وقت الطلاق لزم أن تكون مدة الحمل أكثر من أربع سنين لتقدم العلوق على الطلاق فينبغي أن يقال من وقت إمكان العلوق قبيل الإبانة
قال ابن الرفعة وما قاله أبو منصور فيه تساهل أيضا فإن الطلاق قد يقع مع الإنزال بالتنجيز اتفاقا أو بالتعليق وفي هذه الصورة يصح ما قالوه دون ما ذكروه فظهر حينئذ أن لما قالوه محملا صحيحا وكذا لما قاله وهو ما عدا ما فرضناه فلينزل كل من العبارتين المطلقتين على ما يقتضي صحته
وأجاب بعضهم بأن مرادهما بأنه قويم أي أوضح مما قالوه وإلا فما قالوه صحيح أيضا بأن يقال ليس مرادهم بالأربع فيها الأربع مع زمن وطء الوضع التي هي مرادهم بأنها أكثر مدة الحمل بل مرادهم الأربع بدون ذلك فلا يلزم الزيادة المذكورة وبهذا يجاب عما يورد من ذلك على نظيرها في الوصية والطلاق اه
وكل من الجوابين حسن
( ولو طلق ) زوجته ( رجعيا ) فولدت لأربع سنين أو أكثر فالحكم كما مر من أنها إن ولدت لأربع سنين فأقل لحقه أو لأكثر فلا كالبائن
وإنما تخالف البائن فيما ذكره بقوله و ( حسبت المدة ) وهي السنين الأربع ( من الطلاق ) لأن الرجعية كالبائن في تحريم الوطء فكذا في أمر الولد الذي هو نتيجته
( و ) حسبت ( في قول من انصرام ) أي فراغ ( العدة ) لأن الرجعية كالمنكوحة في معظم الأحكام من لحوق الطلاق والإيلاء والظهار والإرث فكذا في لحوق الولد
تنبيه عبارة المصنف بدون ما تقرر بعيدة عن المراد ومراده ما ذكرناه
وحيث حكم بلحوق الولد فالمرأة معتدة إلى الوضع حتى يثبت للزوج رجعتها إن كانت رجعية وعليه لها السكنى والنفقة
( ولو نكحت ) زوجا آخر ( بعد )
____________________
(3/390)
انقضاء ( العدة ) نكاحا صحيحا ( فولدت لدو ستة أشهر ) من النكاح الثاني ( فكأنها لم تنكح ) أصلا وحكم هذا الولد كما تقدم إن وضعته لأربع سنين فأقل كما مر لحق الأول أو لأكثر لم يلحقه وحيث لحقه فنكاح الثاني باطل لجريانه في العدة وإذا لم يلحقه كأن كان منفيا عنهما وقد بان أن الثاني نكحها حاملا فهل يحكم بفساد نكاحه حملا على أنه من وطء شبهة من غيره أو لا حملا على أنه من زنا أو أن الشبهة منه وقد جرى النكاح في الظاهر على الصحة الأقرب كما قال الأذرعي الثاني وجزم به في المطلب وهو مأخوذ من كلام الروياني كما ذكرناه في الحمل المجهول بل هو حمل مجهول فيأتي فيه الجمع المتقدم فيه
( وإن كان ) وضعه ( لستة ) من أشهر فأكثر منها ( فالولد ) وإن أمكن كونه من الأول منسوب ( للثاني ) فيلحقه لأن فراشه موجود وهو أقوى لصحة نكاحه ظاهرا
ولو قلنا إنه للأول لأبطلنا ما صح بالاحتمال
( ولو نكحت ) أي الثاني ( في العدة ) التي للأول ( فاسدا ) بأن ظن انقضاء العدة أو أن المعتدة لا يحرم نكاحها بأن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء ووطئها ( فولدت ) بعد ذلك ( للإمكان من الأول ) دون الثاني بأن ولدته لدون ستة أشهر من الوطء الثاني ولأربع سنين فأقل مما مر ( لحقه ) أي لحق الولد الزوج الأول ( وانقضت ) عدته ( بوضعه ثم تعتد ) ثانيا ( للثاني ) لأن وطأه وطء شبهة
أما إذا علم بفسادها ولم يكن كذلك فهو زان
تنبيه لو قال كالمحرر ولو نكحت فاسدا كأن نكحت في العدة لكان أولى لأن النكاح في العدة لا يكون إلا فاسدا وقد يحترز بذلك عن أنكحة الكفار فإنهم إذا اعتقدوا ذلك صحيحا كان محكوما بصحته كما مر في بابه
( أو ) ولدت المنكوحة في العدة ( للإمكان من ) الزوج ( الثاني ) دون الأول بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من الوطء الثاني ولأكثر من أربع سنين من إمكان العلوق قبيل الفراق ( لحقه ) أي الثاني لما مر
تنبيه هذا إذا كان طلاق الأول بائنا فإن كان رجعيا فقولان في الشرحين والروضة بلا ترجيح أحدهما وهو ظاهر كلام المصنف كذلك والثاني يعرض على القائف لأن زمن فراش الأول باق وهذا هو الظاهر كما قال البلقيني أنه الذي ينبغي الفتوى به ونقله عن نص الأم
( أو ) ولدت للإمكان ( منهما ) أي الزوج الأول والثاني بأن ولدته لستة أشهر من وطء الثاني ولدون أربع سنين من طلاق الأول ( عرض ) الولد حينئذ ( على القائف ) وهو كما سيأتي آخر كتاب الدعوى مسلم عدل مجرب ويعمل بقوله في إلحاق الولد حينئذ
( فإن ألحقه بأحدهما ) الأول أو الثاني ( فكالإمكان ) أي حكمه كالإمكان ( منه فقط ) وقد مر حكمه
واحترز بقوله ألحقه بأحدهما عما إذا ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو اشتبه الأمر عليه أو لم يكن قائف فينظر بلوغه وانتسابه بنفسه
تنبيه بقي في الأقسام عدم إمكان الولد منهما بأن كان لدون ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من أربع سنين من طلاق الأول فإنه لا يلحق بواحد منهما
تتمة لو وطىء معتدة عن وفاة بشبهة فأتت بولد يمكن كونه لكل منهما ولا قائف أو هناك قائف وتعذر إلحاقه انقضت بوضعه عدة أحدهما وبقي عليها الأكثر من ثلاثة أقراء ومن بقية عدة الوفاء بالأشهر فإن مضت الأولى قبل تمام الثانية فعليها تمامها لاحتمال كونه من الأول
فصل في تداخل عدتي المرأة إذا ( لزمها عدتا شخص ) ولم يختلفا لكونهما ( من جنس ) واحد ( بأن طلق ) مثلا ( ثم وطىء ) ولم تحبل ( في عدة أقراء أو أشهر جاهلا ) فيما إذا كان الطلاق بائنا كأن نسي طلاقها أو ظنها
____________________
(3/391)
زوجته الأخرى ( أو ) وطىء جاهلا أو ( عالما ) لكن ( في رجعية تداخلتا ) أي العدتان بخلاف البائن فإن وطء العالم بها وطء زنا لا حرمة له
ثم أشار لتفسير التداخل بقوله ( فتبتدىء عدة ) بأقراء أو أشهر ( من ) فراغ ( الوطء ويدخل فيها بقية عدة الطلاق ) لأن مقصود عدة الطلاق والوطء
واحد فلا معنى للتعدد وتكون تلك البقية واقعة عن الجهتين فله الرجعة فيها في الطلاق الرجعي دون ما بعدها
( فإن ) لم تتفق العدتان بأن كانتا من جنسين بأن ( كانت إحداهما حملا ) وجد قبل الطلاق أو بعده بوطء بعده ( و ) كانت ( الأخرى أقراء ) بأن طلقها وهي حامل ثم وطئها قبل الوضع أو طلقها وهي حائل ثم وطئها في الأقراء فأحبلها ( تداخلتا ) أيضا ( في الأصح ) لأنهما لشخص واحد فكانتا كالمتجانستين ( فتنقضيان بوضعه ) وهو واقع عن الجهتين سواء أرأت الدم مع الحمل أم لا وإن لم تتم الأقراء قبل الوضع لأن الأقراء إنما تعتد بها إذا كانت مظنة الدلالة على براءة الرحم وقد انتفى هنا للعلم باشتغال الرحم
وما قيد به البارزي وغيره وتبعهم الشارح على ذلك من أن ذلك محله إذا لم ترى الدم أو رأته وتمت الأقراء قبل الوضع وإلا فتنقضي عدة الطلاق بالأقراء منعه النشائي وغيره قالوا وكأنهم اغتروا بظاهر كلام الروضة من أن ذلك مفرع على قولي التداخل وعدمه والحق أنه مفرع على الضعيف وهو عدم التداخل كما صرح به الماوردي والغزالي والمتولي وصاحبا المهذب والبيان وغيرهم
وكلام الرافعي في الشرح الصغير وتعليله في الكبير انقضاء العدة بالأقراء مع الحمل بأن الحكم بعدم التداخل ليس إلا لرعاية صورة العدتين تعبدا وقد حصلت يدل على ذلك كما قاله النشائي وغيره
( ويراجع ) الزوج في عدة طلاق رجعي ( قبله ) أي الوضع ولو كان الحمل من الوطء في العدة لأنها في عدة الطلاق وإن لزمها عدة أخرى
والثاني لا يتداخلان لأنهما جنسان كما لو زنى بكرا ثم ثيبا
( وقيل إن ) كانت تعتد بالأقراء عن طلاق رجعي و ( كان الحمل من الوطء ) في أثناء الأقراء ( فلا ) يراجع قبل وضعه بناء على أن عدة الطلاق قد سقطت بالوطء
( أو ) لزمها عدتان ( لشخصين بأن كانت عدة زوج أو ) في عدة وطء ( شبهة فوطئت بشبهة ) والواطىء غير صاحب العدة ( أو ) وطئت في ( نكاح فاسد أو كانت زوجة معتدة عن شبهة فطلقت ) بعد وطء الشبهة ( فلا تداخل ) خلافا لأبي حنيفة لأثر عن عمر و علي رواه الشافعي رضي الله تعالى عنهم لتعدد المستحق كما في الديتين
( فإن كان حمل قدمت عدته ) سواء أتقدم سببه أو تأخر كما صرح به في المحرر لأن عدة الحمل لا تقبل التأخير فإن كان من المطلق ثم وطئت بشبهة انقضت عدة الحمل ثم تعتد للشبهة بالأقراء بعد طهرها من النفاس له الرجعة قبل الوضع إلا وقت وطء الشبهة كما قاله الروياني وأقراه فلا يراجعها فيه لخروجها حينئذ من عدته بكونها فراشا للواطىء
وإن كان الحمل من وطء الشبهة أتمت بقية عدة الطلاق أو استأنفتها بعد الوضع وله رجعتها في تلك البقية بعد الوضع ولو في مدة النفاس لأنها من جملة العدة كالحيض الذي يقع فيه الطلاق كذا علل به الرافعي وفي كون مدة النفاس والحمل من جملة العدة تجوز
وهل له الرجعة قبل الوضع إذا كان الطلاق رجعيا وجهان أحدهما لا لأنها في عدة غيره وأصحهما كما صححه البلقيني وابن المقري نعم لأنها وإن لم تكن الآن في عدة الرجعية فهي رجعية حكما ولهذا يثبت التوارث قطعا
وهل له تجديد نكاحها إذا كان الطلاق بائنا وجهان أيضا أصحهما كما جزم به الماوردي المنع
والفرق بينه وبين الرجعة أن التجديد ابتداء نكاح والرجعة شبيهة باستدامة النكاح
وإذا راجع قبل الوضع فليس له التمتع بها حتى تضع كما في الروضة كأصلها
تنبيه لو اشتبه الحمل فلم يدرأ من الزوج هو أم من الشبهة جدد النكاح قبل وضع الحمل وبعده بأن يجدده
____________________
(3/392)
مرتين مرة قبل الوضع ومرة بعده ليصادف التجديد عدته يقينا فلا يكفي تجديده مرة لاحتمال وقوعها في عدة غيره
فإن بان بإلحاق القائف أنها وقعت في عدته اكتفى بذلك وللحامل المشتبه حملها نفقة مدة الحمل على زوجها إن ألحق القائف الولد به ما لم تصر فراشا لغيره بنكاح فاسد فتسقط نفقتها إلى التفريق بينهما لنشوزها وليس لها مطالبته قبل اللحوق إذ النفقة لا تلزم بالشك فإن لم يلحقه به القائف أو لم يكن قائف فلا نفقة عليه ولا للرجعة مدة كونها فراشا للواطىء
( وإلا ) أي وإن لم يكن حمل ( فإن سبق الطلاق ) وطأها بشبهة ( أتمت عدته ) لتقدمها وفوتها لأنها تستند إلى عقد جائز وسبب مسوغ ( ثم استأنفت ) عقب فراغها من عدة الطلاق العدة ( الأخرى ) وهي عدة وطء الشبهة ( وله ) أي المطلق ( الرجعة في عدته ) إن كان الطلاق رجعيا وتجديد النكاح إن كان الطلاق بائنا لأنها في عدة طلاقه
ويأتي في وقت الوطء ما مر عن الروياني
( فإذا راجع ) فيها أو جدد ( انقضت ) عدته ( وشرعت ) حينئذ ( في عدة الشبهة و ) ما دامت في عدتها ( لا يستمتع بها ) الزوج بوطء جزما وبغيره على المذهب لأنها معتدة من غيره فإن وطئها لم تنقطع عدة الشبهة إذ لا عبرة بوطئه كالزنا ( حتى تقضيها وإن سبقت الشبهة ) طلاقها بأن وطئت بشبهة ثم طلقت ( قدمت عدة الطلاق ) في الأصح لقوتها كما مر ( وقيل ) قدمت عدة ( الشبهة ) لسبقها ثم تعتد عن الطلاق
تتمة لو كانت العدتان من شبهة ولا حمل قدمت الأولى لتقدمها
ولو نكح شخص امرأة نكاحا فاسدا ثم وطئها شخص آخر بشبهة قبل وطئه أو بعده ثم فرق بينهما قدمت عدة الواطىء بالشبهة لتوقف عدة النكاح الفاسد على التفريق بخلاف عدة الشبهة فإنها من وقت الوطء وليس للفاسد قوة الصحيح حتى يرجح بها
ولو نكحت فاسدا بعد مضي قرءين ولم يفرق بينهما إلى مضي سن اليأس أتمت العدة الأولى بشهر بدلا عن القرء الباقي وهذا هو المنقول الموعود به فيما مر ثم اعتدت للفاسد بثلاثة أشهر فإن كان ثم حمل فعدة صاحبه مقدمة مطلقا تقدم الحمل أو تأخر لأن عدته لا تقبل التأخير كما مر
وحيث كانت العدتان من وطء الشبهة كان لكل من الواطئين تجديد النكاح في عدته دون عدة الآخر
ولو تزوج حربي حربية معتدة من حربي آخر ووطئها أو وطئها بشبهة ثم أسلمت معه أو ترافعا إلينا بعد دخولهما بأمان كفاها عدة واحدة من وقت وطئه لضعف حقوقهم وعدم احترام مائهم فيراعى أصل العدة ويجعل جميعهم كشخص واحد كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه في الأم والمختصر وقطع به جمع ورجحه آخرون ورجح آخرون خلافه كما في المسلمين وعلى الأول تسقط بقية العدة الأولى فلا رجعة للأول إن أسلم وللثاني أن ينكحها فيها لأنها في عدته دون الأول
فإن حملت من الأول لم تكفها عدة واحدة فتعتد للثاني بعد الوضع وإن حملت من الثاني كفاها وضع الحمل وتسقط بقية الأولى
وإن لم يسلم الثاني معها ولم يترافعا إلينا بعد دخولهما بأمان أتمت عدة الأول واستأنفت عدة للثاني لأن العدة الثانية ليست هنا أقوى حتى يسقط بقية الأولى أو تدخل فيها بخلاف ما لو أسلم معها أو دونها
فصل في معاشرة المطلق المعتدة إذا ( عاشرها كزوج ) بخلوة ولو بدخول دار هي فيها ونوم ولو في الليل فقط وأكل ونحو ذلك ( بلا وطء ) لها ( في عدة أقراء أو أشهر فأوجه أصحها إن كانت بائنا انقضت ) عدتها بما ذكر لأن مخالطتها محرمة بلا شبهة فأشبهت المزني بها فلا أثر للمخالطة
( وإلا ) بأن كانت رجعية ( فلا ) تنقضي
____________________
(3/393)
عدتها وإن طالت المدة لأن الشبهة قائمة وهو بالمخالطة مستفرش لها فلا يحسب زمن الافتراش من العدة كما لو نكحت غيره في العدة وهو جاهل بالحال لا يحسب زمن افتراشه من العدة ولا يضر دخول دار هي فيها بلا خلوة
والثاني لا تنقضي مطلقا لأنها بالمعاشرة كالزوجة
والثالث عكسه لأن هذه المخالطة لا توجب عدة
تنبيه أفهم تعبيره بنفي الوطء أنه لا يضر مع ذلك الاستمتاع بها وهو كذلك وإن ألحقه الإمام بالوطء
( ولا رجعة بعد الأقراء والأشهر ) وإن لم تنقض بها العدة احتياطا وهذا ما نقله في المحرر عن المعتبرين وفي الشرح الصغير عن الأئمة والذي أفتى به البغوي تبعا لشيخه القاضي حسين أن له الرجعة وقال في المهمات إنه المعروف من المذهب المفتي به وقال الأذرعي إنه لا شك فيه قال وقد صار فقهاء العصر وقضاته لا يعرفون غير ما ذكره المصنف ولا يفتى ويحكم إلا به فاعتمد ما حققته لك ترشد إن شاء الله اه
وبالجملة فالمعتمد ما ذكره المصنف
( قلت ويلحقها ) حيث حكم بعدم انقضاء عدتها بما ذكر ( الطلاق ) أي طلقة ثانية وثالثة إن كان طلقها طلقة فقط ( إلى انقضاء العدة ) كما قال الرافعي أنه مقتضى الاحتياط أي فلا يشكل على ما صحح من منع الرجعة
وخرج بقول المصنف بلا وطء ما إذا وطىء فإنه إن كان الطلاق بائنا لم يمنع انقضاء العدة فإنه زنا لا حرمة له وإن كان رجعيا امتنع المضي في العدة ما دام يطؤها لأن العدة لبراءة الرحم وهي مشغولة واحترز بقوله في عدة أقراء وأشهر عن الحمل فإن المعاشرة لا تمنع انقضاء العدة به بحال
( ولو عاشرها أجنبي ) بلا وطء ( انقضت ) عدتها مع معاشرته لها ( والله أعلم ) فإن وطئها عالما بلا شبهة فهو زان أو بها فهو موجب للعدة كما سبق وإن عاشرها بشبهة ففي الروضة كأصلها يجوز أن يمنع الاحتساب كما مر أنها في زمن الوطء بالشبهة خارجة عن العدة
تنبيه يستثنى من إطلاقه ما لو طلق زوجته الأمة وعاشرها سيدها فإن فيه الاختلاف السابق حتى لا تنقضي في الرجعية
فرع لو طلق زوجته ثلاثا ثم تزوجها ووطئها في العدة ظانا انقضاءها وتحللها بزوج آخر لم تنقض العدة كالرجعية ( ولو نكح معتدة بظن الصحة ) لنكاحها ( ووطىء انقطعت ) عدتها بالوطء لحصول الفراش به وتنقطع العدة ( من حين وطىء ) لأن العقد الفاسد لا حرمة له فلا تصير المرأة فراشا إلا بالوطء بخلاف ما إذا لم يطأ فإن العدة لا تنقطع وإن عاشرها لانتفاء الفراش
( وفي قول أو وجه من العقد ) لإعراضها عن الأول بعقد النكاح تنبيه ترديده في الخلاف تبع فيه المحرر ورجح في الشرحين كونها وجها وجزم به في الروضة
فإن قيل هذه المسألة مكررة لذكرها في قول المتن سابقا ولو نكحت في العدة فاسدا
أجيب بأنها ذكرت هنا لبيان وقت انقضاء العدة الأولى وهناك لتصوير عدتين من شخصين
( ولو راجع ) في العدة ( حائلا ) وطئها بعد رجعتها أم لا ( ثم طلق استأنفت ) عدة في الجديد لعودها بالرجعة إلى النكاح الذي وطئت فيه
( وفي القديم ) لا تستأنف بل ( تبني ) على ما سبق من عدتها قبل الرجعة ( إن لم يطأ ) ها بعد الرجعة كما لو أبانها ثم جدد نكاحها وطلقها قبل أن يمسها
واحترز ب راجع عما لو طلقها رجعية قبل مراجعتها فإنها تبني على المذهب لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة فصار كما لو طلقها طلقتين معا
تنبيه تبع في حكاية البناء قولا قديما للروضة تبعا لابن الصباغ لكن الشافعي نص على القولين في الأم
( أو ) راجع في العدة ( حاملا ) ثم طلقها ( فبالوضع ) تنقضي عدتها وطئها بعد رجعتها أم لا لأن البقية إلى الوضع
____________________
(3/394)
تصلح أن تكون عدة مستقلة
( فلو وضعت ثم طلق استأنفت وقيل إن لم يطأ ) ها بعد الوضع أو قبله ( فلا عدة ) عليها ويحكم بانقضاء عدتها بالوضع وإن كان في صلب النكاح
تنبيه التقييد ببعد الوضع لم يذكره في المحرر ولا في الروضة فكان الأولى للمصنف حذفه كما يعلم مما قدرته
( ولو خالع موطوءة ) له ( ثم نكحها ) في أثناء عدته ( ثم ) مات أو ( وطىء ثم طلق ) أو خالع ثانيا ( استأنفت ) عدة لأجل ما ذكر ( ودخل فيها البقية ) من عدتها السابقة وإن اختلف الجنس لأنهما لواحد
تنبيه اقتضى كلامه صحة نكاح المختلعة في عدته وهو المذهب وأن النكاح بقطع العدة الأولى وهو الأصح
واحترز بقوله وطىء عما لو طلق قبل الوطء فإنها تبني على العدة الأولى ولا عدة لهذا الطلاق وعليه فيه نصف المهر فقط لأنه في نكاح جديد طلقها فيه قبل الوطء فلا يتعلق به عدة بخلاف ما مر في الرجعية
واعترض قول المصنف ودخل فيها البقية بأنه لم يبق عدة بعد النكاح والوطء حتى يدخل في غيرها وقد اعترض الفارقي بهذا على عبارة المهذب
تتمة لو أحبل امرأة بشبهة ثم نكحها ومات أو طلقها بعد الدخول بها هل تنقضي عدة الشبهة وعدة الوفاء بالوضع لأنهما من شخص واحد أو بالأكثر منه ومن عدة الوفاة في الأولى وعدة الطلاق في الثانية وجهان أوجههما كما قال شيخنا الأول
ولو طلق زوجته الأمة ثم اشتراها انقطعت العدة في الحال على ظاهر المذهب وحلت له وتبقى بقية العدة عليها حتى يزول ملكه فحينئذ تقضيها حتى ولو باعها أو عتقها لا يجوز تزويجها حتى تنقضي بقية العدة قاله المتولي وغيره
ثم ترجم المصنف للضرب الثاني من ضربي العدة وهو المتعلق بفرقة ميت ويذكر معه المفقود والإحداد بفصل فقال فصل عدة حرة حائل أو حامل بحمل لا يلحق صاحب العدة ( لوفاة وإن لم توطأ ) أو كانت صغيرة أو زوجة صبي أو ممسوح ( أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها ) لقوله تعالى { والذين يتوفون منكم } إلى { وعشرا } وهو محمول على الغالب من الحرائر لما سيأتي وعلى الحائلات بقرينة الآية الآتية وكالحائلات الحاملة من غير الزوج كما مر
وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول }
فإن قيل شرط الناسخ أن يكون متأخرا عن المنسوخ مع أن الآية الأولى متقدمة وهذه متأخرة
أجيب بأنها متقدمة في التلاوة متأخرة في النزول
وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن ويكمل المنكسر بالعدد كنظائره فإن خفيت عليها الأهلة كالمحبوسة اعتدت بمائة وثلاثين يوما
وإنما لم يعتبر هنا الوطء كما في عدة الحياة لأن فرقة الوفاة لا إساءة فيها من الزوج فأمرت بالتفجع عليه وإظهار الحزن بفراقه ولهذا وجب الإحداد كما سيأتي ولأنها قد تنكر الدخول ولا منازع بخلاف المطلقة ولأن مقصودها الأعظم حفظ حق الزوج دون معرفة البراءة ولهذا اعتبرت بالأشهر
تنبيه إنما قال بلياليها لأن الأوزاعي و الأصم قالا تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيام قالا لأن العشر تستعمل في الليالي دون الأيام
ورد بأن العرب تغلب صيغة التأنيث في العدد خاصة فيقولون سرنا عشرا ويريدون به الليالي والأيام
وهذا يقتضي أنه لو مات في أثناء الليل ليلة الحادي والعشرين من الشهر أو مع فجر ذلك اليوم أن هذه العشرة التي هي آخر الشهور لا تكفي مع أربعة أشهر بالهلال بل لا بد من تمام تلك الليلة والذي يظهر أن ذلك يكفي
ويحمل العشر في الآية الكريمة على الأيام لأن المعدود إذا حذف جاز إثبات التاء وحذفها
( و ) عدة ( أمة ) أو حامل بمن لا يلحق صاحب العدة ( نصفها ) أي المذكورة وهو شهران وخمسة أيام بلياليها لأنها على النصف من الحرة
وهو ممكن القسمة كما مر في الاعتداد بالشهور
ويأتي في الانكسار والخفاء ما مر
____________________
(3/395)
تنبيه سكتوا عن المبعضة والظاهر كما قال الأذرعي أنها كالقنة
ولو عتقت الأمة مع موته اعتدت كحرة كما بحثه الأذرعي
( وإن مات عن ) مطلقة ( رجعية انتقلت إلى ) عدة ( وفاة ) بالإجماع كما حكاه ابن المنذر فتلغو أحكام الرجعة وسقطت بقية عدة الطلاق فتسقط نفقتها وتثبت أحكام عدة الوفاة من إحداد وغيره
( أو ) مات عن مطلقة ( بائن فلا ) تنتقل لعدة وفاة لأنها ليست زوجة فتكمل عدة الطلاق ولا تحد ولها النفقة إن كانت حاملا كما في الروضة وأصلها هنا لقوله تعالى { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن }
وذكر في النفقات أنه لا نفقة لها إذا مات عنها وهي حامل وفرق بينهما بأنها هنا وجبت قبل الموت فاعتبر بقاؤها في الدوام لأنه أقوى من الابتداء وعدة الوفاة والإحداد لا يلزمان أم الولد وفاسدة النكاح والموطوءة بشبهة لأن ذلك من خصائص النكاح الصحيح
ولو علق طلاقها البائن بموته فالظاهر كما قال الزركشي أنها تعتد عدة الوفاة وإن أوقعنا الطلاق قبيل الموت وقلنا لا ترث احتياطا في الموضعين
( و ) عدة وفاة ( حامل بوضعه ) أي الحمل ( بشرطه السابق ) وهو انفصال كله حتى ثاني توأمين وإمكان نسبته إلى الميت لقوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فهو مقيد بالآية السابقة ولقوله صلى الله عليه وسلم لسبيعة الأسلمية وقد وضعت بعد موت زوجها بنصف شهر قد حللت فانكحي من شئت متفق عليه
تنبيه لا يأتي هنا قول المصنف فيما سبق ولو احتمالا كمنفي بلعان لما مر أن الملاعنة كالبائن فلا تنتقل إلى عند الوفاة
( فلو مات صبي ) لا يولد لمثله ( عن حامل فبالأشهر ) تعتد بالوضع لأنه منفي عنه يقينا لعدم إنزاله ( وكذا ) لو مات ( ممسوح ) وهو المقطوع جميع ذكره وأنثييه عن حامل فتعتد بالأشهر لا بالوضع وعلل ذلك بقوله ( إذ لا يلحقه ) ولد ( على المذهب ) لأنه لا ينزل فإنه قيل الأنثيين محل المني الذي يتدفق بعد انفصاله من الظهر ولم يعهد لمثله ولادة وقيل يلحقه وبه قال الاصطخري والقاضيان الحسين وأبو الطيب لأن معدن الماء الصلب وهو ينفذ من ثقبة إلى الظاهر وهما باقيان
وحكي أن أبا عبيدة بن حربوية قلد قضاء مصر وقضى به فحمله الممسوح على كتفه وطاف به الأسواق وقال انظروا إلى هذا القاضي يلحق أولاد الزنا بالخدام ( ويلحق ) الولد ( مجبوبا ) قطع جميع ذكره ( وبقي أنثياه فتعتد ) لوفاته أو إطلاقه زوجته الحامل ( به ) أي الوضع كالفحل لبقاء أوعية المني وما فيها من القوة المحيلة للدم
والذكر آلة توصل الماء إلى الرحم بالإيلاج وقد يصل بلا إيلاج ولا يخالف هذا قول الروضة والشرح في أول الباب إن عدة الطلاق لا تجب على زوجة من جب ذكره وبقي أنثياه لأنها إنما تجب بعد الدخول ولا يتصور منه دخول لأن ذاك فيما إذا لم يكن حمل
( وكذا مسلول ) خصيتاه و ( بقي ذكره به ) يلحقه الولد فتنقضي بوضعه عدة الوفاة والطلاق ( على المذهب ) لأن آلة الجماع باقية
وقيل لا يلحقه لأنه لا ماء له
ودفع بأنه قد يبالغ في الإيلاج فيلتذ وينزل ماء رقيقا
وقيل يراجع أهل الخبرة فإن قالوا يولد لمثله لحقه وإلا فلا
( ولو طلق إحدى امرأتيه ) معينة أو مبهمة كقوله إحداكما طالق ونوى معينة أم لا ( ومات قبل بيان ) للمعينة ( أو تعيين ) للمبهمة ( فإن كان ) قبل موته ( لم يطأ ) واحدة منهما ( اعتدتا لوفاة ) بأربعة أشهر وعشرة أيام احتياطا لأن كل واحدة منهما كما يحتمل أن تكون مفارقة بالطلاق يحتمل أن تكون مفارقة بالموت
( وكذا إن وطىء ) كلا منهما ( وهما ذواتا أشهر ) في طلاق بائن أو رجعي ( أو ) هما ذواتا ( أقراء والطلاق رجعي ) هو قيد في الأقراء فتعتد كل منهما عدة وفاة وإن احتمل أن لا يلزمها إلا عدة الطلاق التي هي أقل من عدة الوفاة في ذات الأشهر وكذا ذات الأقراء
____________________
(3/396)
بناء على الغالب من أن كل شهر لا يخلو عن حيض وطهر أخذا بالاحتياط أيضا وقد مر أن الرجعية تنتقل إلى عدة الوفاة أيضا
ولا يلتفت بيان الوارث هنا كما يؤخذ من إطلاقهم وإن بحث ابن الرفعة خلافه
( فإن كان ) الطلاق ( بائنا ) في ذوات الأقراء ( اعتدت كل واحدة ) منهما ( بالأكثر من عدة وفاة وثلاثة من أقرائها ) لأن كل واحدة وجب عليها عدة واشتبهت عليها بعدة أخرى فوجب أن تأتي بذلك لتخرج عما عليها بيقين كمن أشكلت عليه صلاة من صلاتين يلزمه أن يأتي بهما
( وعدة الوفاة من الموت ) تحسب جزما
( والأقراء ) بالرفع بخطه تحسب ( من الطلاق ) على الصحيح في الروضة لأن كلا منهما وقت الوجوب ولو مضى قرء أو قرءان من الطلاق ثم مات الزوج فعليها الأقصى من عدة الوفاة ومن قرء أو قرءين من أقرائها لبينونة إحداهما بالطلاق
فإن قيل إن هذا في الطلاق المبهم أنما يأتي على مرجوح وهو أن العدة من الطلاق وقد مر في الطلاق أن الصحيح أنها إنما تحسب من التعيين
أجيب بأنه لما يئس من التعيين اعتبر السبب وهو الطلاق وتقتصر الحامل منهما على الوضع لأن عدتها لا تختلف بالتقديرين فإن وطىء إحداهما فقط فلكل حكمه
ولو أسلم كافر وتحته أختان مثلا أو أكثر من أربع نسوة ومات قبل اختيار فعلى كل واحدة أن تعتد بأكثر العدتين
ثم شرع في حكم المفقود فقال ( ومن غاب ) عن زوجته أو لم يغب عنها بل فقد في ليل أو نهار أو انكسرت به سفينة أو نحو ذلك ( وانقطع خبره ) بأن لم يعرف حاله ( ليس لزوجته نكاح ) لغيره ( حتى يتيقن موته ) أو يثبت بما مر في الفرائض
( أو ) يتيقن ( طلاقه ) على الجديد لما روي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه عن علي رضي الله عنه أنه قال امرأة المفقود ابتليت فلتصبر ولا تنكح حتى يأتيها يعني موته قال الشافعي وبه نقول
ومثل ذلك لا يقال إلا عن توقيف ولأن الأصل بقاء الحياة
والمراد باليقين الطرف الراجح حتى لو ثبت ما ذكر بعدلين كفى وسيأتي إن شاء الله تعالى في الشهادات الاكتفاء في الموت بالاستفاضة مع عدم إفادتها اليقين
ولو أخبرها عدو ولو عبدا أو امرأة بموت زوجها حل لها فيما بينها وبين الله تعالى أن تتزوج لأن ذلك خبر لا شهادة
تنبيه أطلق في الروضة كأصلها الجديد هنا وقيداه في الفرائض بما إذا لم تمض مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها قالا فإن مضت فمفهوم كلام الأصحاب أن لها التزويج كما يقسم ماله قطعا وهذا يعلم مما قدرته في كلامه
( وفي القديم تربص ) بحذف إحدى التاءين أي تتربص زوجة الغائب المذكور ( أربع سنين ) من وقت انقطاع خبره ( ثم تعتد لوفاة ) بأربعة أشهر وعشرة أيام ( وتنكح ) غيره لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك
قال البيهقي ويروى مثله عن عثمان و ابن عباس رضي الله تعالى عنهم ولأن للمرأة الخروج من النكاح بالجب والعنة لفوات الاستمتاع وهو هنا حاصل
تنبيه ظاهر كلام المصنف الاكتفاء بالأربع من حين موته من غير ضرب قاض وهو أحد وجهين وأصحهما أنه لا بد من ضرب القاضي وإذا ضربها بعد ثبوت الحال ومضت المدة فلا بد من حكمه بوفاته وبحصول الفرقة
وهل ينفذ حكمه بها ظاهرا وباطنا كفسخه بالعنة أو باطنا فقط وجهان قال المصنف في الروضة أصحهما وترك بياضا ولم يصحح شيئا
قال الأذرعي والأشبه بالمذهب ترجيح نفوذه ظاهرا فقط
قال الزركشي والمستولدة كالزوجة وأن الزوجة المنقطعة الخبر كالزوج حتى يجوز له نكاح أختها وأربع سواها
( فلو حكم بالقديم ) أي بما تضمنه من وجوب التربص أربع سنين ومن الحكم بوفاته وبحصول الفرقة بعد هذه المدة ( قاض نقض ) حكمه ( على الجديد في الأصح )
____________________
(3/397)
لمخالفته القياس الجلي فإنه لا يحكم بوفاته في قسمة ميراثه وعتق أم ولده قطعا ولا فارق بينهما وبين فرقة النكاح
قال القاضي والإمام رجع الشافعي عن القديم وقال في الجديد إن حكم به قاض نقض قضاؤه إن بان له أن تقليد الصحابي لا يجوز للمجتهد
والثاني لا ينقض حكمه لشبهة الخلاف
تنبيه حيث قلنا بالجديد نفذ في الزوجة طلاق المفقود وظهاره وإيلاؤه وسائر تصرفات الزوج في زوجته للحكم بحياته سواء أكان قبل الحكم بالفرقة أم بعدها
ويسقط بنكاحها غيره نفقتها عن المفقود لأنها ناشزة به وإن كان فاسدا ويستمر السقوط حتى يعلم المفقود عودها إلى طاعته وأنه فرق بينهما واعتدت وعادت إلى منزله لأن النشوز إنما يزول حينئذ ولا نفقة لها على الزوج الثاني إذ لا زوجية بينهما ولا رجوع له بما أنفقه عليها لأنه متبرع إلا فيما أنفقه بحكم حاكم
( ولو نكحت ) زوجة المفقود ( بعد التربص و ) بعد ( العدة ) وقبل ثبوت موته أو طلاقه ( فبان ) الزوج ( ميتا ) وقت الحكم بالفرقة ( صح ) نكاحها ( على الجديد ) أيضا ( في الأصح ) اعتبارا بما في نفس الأمر فأشبه ما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا
والثاني لا يصح لفقد العلم بالصحة حال العقد
وقياس الأول ممنوع بما تقدم من عدم صحة نكاح المرتابة إذا حصلت الريبة في العدة ثم نكحت بعد مضي الأقراء مع بقاء الريبة وإن بان أن النكاح صادف البينونة وأيضا فقد جعلوا الشك في حال المنكوحة من موانع النكاح
وقد يجاب بأن هذا لما استند إلى حكم حاكم خف أمره
أما إذا بان حيا بعد أن نكحت فالزوج الأول باق على زوجتيه لكن لا يطؤها حتى تعتد من الثاني
ولو أتت بولد ولم يدعه المفقود لحق بالثاني عند الإمكان لتحقق براءة الرحم من المفقود بمضي المدة المذكورة
ولو لم تتزوج وأتت بولد بعد أربع سنين لم يلحق بالمفقود لذلك فإن قدم المفقود وادعاه لم يعرض على القائف حتى يدعي وطئا ممكنا في هذه المدة فإن انتفى عنه ولو بعد الدعوى به والعرض على القائف كان له منعها من ارضاعه غير اللبأ الذي لا يعيش إلا به إن وجد مرضعة غيرها وإلا فلا يمنعها منه
وإذا جاز له المنع ومنعها فخالفت وأرضعته في منزل المفقود ولم تخرج منه ولا وقع خلل في التمكين لم تسقط نفقتها عنه وإلا سقط
ثم شرع في حكم الإحداد فقال ( ويجب الإحداد ) الآتي بيانه ( على معتدة وفاة ) لخبر الصحيحين لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا
قال الرافعي قال الأئمة قوله إلا على زوج مستثنى من قوله لا يحل وظاهره لا يقتضي الجواز لكن أجمعوا على أنه أراد الوجوب وأنه استثنى الواجب من الحرام اه
ونقض دعوى الإجماع بأن في الشامل عن الحسن البصري أنه مستحب لا واجب
تنبيه التقييد بإيمان المرأة جرى على الغالب لأن غيرها ممن لها أمان يلزمها الإحداد وكذا الأربعة أشهر وعشر فإن ذلك في الحائل
وأما الحامل فتحد مدة بقاء حملها كما قاله شيخنا في حاشيته على البخاري وعلى ولي الصغيرة والمجنونة منعهما مما يمنع منه غيرهما
وقول المصنف على معتدة وفاة قال الزركشي أحسن من قول غيره المتوفى عنها لشموله فرعا حسنا وهو ما لو مات عنها وهي حامل بشبهة وقلنا إنها تعتد عنه ثم تنتقل للوفاة لا يجب الإحداد في مدة الحمل وتعبير المصنف يومىء إليه
( لا ) زوجة معتدة ( رجعية ) فلا يجب عليها الإحداد قطعا لبقاء أكثر أحكام النكاح فيها ويسن لها الإحداد كما جرى عليه ابن المقري ونقله الرافعي عن أبي ثور عن الشافعي رضي الله تعالى عنه ثم نقل عن بعض الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين أن الأولى لها أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها وضعف هذا باحتمال أن يظن أنها فعلت ذلك إظهارا للفر بفراقه وعلى تقدير صحته فينبغي تخصيصه بمن ترجو عوده
( ويستحب ) الإحداد ( لبائن ) بخلع أو غيره لئلا تدعو الزينة إلى الفساد
( وفي قول ) قديم وأشار إليه في الأم أيضا ( يجب ) الإحداد كالمتوفى عنها زوجها بجامع الاعتداد عن نكاح
ودفع هذا بأنها إن فورقت بطلاق فهي مجفوة به أو بفسخ فالفسخ منها أو لمعنى فيها فلا يليق بها فيهما إيجاب الإحداد بخلاف المتوفى عنها زوجها
وخرج بالزوجة
____________________
(3/398)
الموطوءة بشبهة وبنكاح فاسد وأم الولد والمفسوخ نكاحها بعيب ونحوه فلا يسن لهن الإحداد كما مر ( وهو ) أي الإحداد بحاء مهملة من أحد ويقال فيه الحداد من حد لغة المنع لأن المحددة تمنع نفسها مما سيأتي
وقيل بالجيم من جددت الشيء قطعته فكأنها انقطعت عن الزينة
و شرعا ( ترك لبس مصبوغ لزينة ) لحديث أبي داود بإسناد حسن المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل
تنبيه قوله لزينة متعلق بمصبوغ أي إن كان المصبوغ مما يقصد للزينة كالأحمر والأصفر وكذا الأخضر والأزرق الصافيين وفي الحديث تنبيه عليه حيث ذكر المعصفر
والممشقة وهي المصبوغة بالمشق وهي بكسر الميم المغرة بفتحها ويقال طين أحمر يشبهها
ولو أراد مطلق الصبغ لم يكن للتقييد بهذين النوعين فائدة ونعته بقوله ( وإن خشن ) أي المصبوغ على أن فيه خلافا والمشهور عدم الجواز
( وقيل يحل ما صبغ غزله ثم نسج ) كالبرود لخبر لا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب وهو بفتح العين وإسكان الصاد المهملتين ضرب من برود اليمن يعصب غزله أي يجمع ثم يشد ثم يصبغ معصوبا ثم ينسج
ورد هذا بأنه معارض برواية ولا ثوب عصب وفي رواية لأبي داود مكان إلا ثوب عصب إلا مغسولا فتعارضت الروايات
أو يؤول بالصبغ الذي لا يحرم كالأسود لأن الذي يصبغ قبل النسج أحسن من الذي يصبغ بعده غالبا لأن الغالب أنه لا يصبغ قبل النسج إلا الرفيع
( ويباح غير مصبوغ من قطن وصوف وكتان ) ولو اختلف لونه الخلقي وكان نفيسا لأن تقييده صلى الله عليه وسلم الثوب بالمصبوغ يفهم أن غير المصبوغ مباح ولأن نفاستها من أصل الخلقة لا من زينة دخلت عليها كالمرأة الحسناء لا يلزمها أن تغير لونها بسواد ونحوه
( وكذا ) يباح لها ( إبريسم ) أي حرير لم يصبغ ( في الأصح ) إذا لم يحدث فيه زينة كالكتان
والثاني يحرم
لأن لبسه تزيين ولها لبس الخز قطعا لاستتار الإبريسم فيه بالصوف ونحوه
( و ) يباح ( مصبوغ لا يقصد لزينة ) كالأسود وكذا الأزرق والأخضر المشبعان المكدران لأن ذلك لا يقصد للزينة بل لنحو حمل وسخ أو مصيبة
تنبيه حاصل ذلك أن ما صبغ لزينة يحرم وما صبغ لا لزينة كالأسود لم يحرم لانتفاء الزينة عنه فإن تردد بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق
فإن كان براقا صافي اللون حرم لأنه مستحسن يتزين به أو كدرا أو مشبعا أو أكهب بأن يضرب إلى الغبرة فلا لأن المشبع من الأخضر والأزرق يقارب الأسود ومن الأزرق يقارب الكحلي ومن الأكهب يقاربهما
( ويحرم ) عليها الطراز على الثوب إن كبر وأما إن صغر فإن ركب على الثوب فكذلك وإن نسج مع الثوب فلا كما جزم به في الأنوار
ويحرم عليها ( حلي ذهب وفضة ) سواء أكان كبيرا كالخلخال والسوار أو صغيرا كالخاتم والقرط لما روى أبو داود والنسائي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المتوفى عنها زوجها لا تلبس الحلي ولا تكتحل ولا تختضب والحلي بفتح الحاء وإسكان اللام جمعه حلي بضم الحاء وكسر اللام ومراد المصنف المفرد وإنما حرم ذلك لأنه يزيد في حسنها كما قيل وما الحلي إلا زينة لنقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا فأما إذا كان الجمال موقرا كحسنك لم يحتج إلا أن يزورا تنبيه أطلق المصنف تحريم الحلي من غير فرق بين ليل ونهار والذي في الشروح والروضة أنه يجوز لها لبسه ليلا لحاجة كالإحراز له بلا كراهة وبكراهة من غير حاجة
فإن قيل لبس المصبوغ يحرم ليلا فهلا كان هناك كذلك أجيب بأن ذلك يحرك الشهوة بخلاف الحلي
وأما لبسه نهارا فحرام إلا إن تعين طريقا لإحرازه فيجوز للضرورة كما قاله الأذرعي
والتقييد بالذهب والفضة يفهم جواز التحلي بغيرهما كنحاس ورصاص وهو كذلك إلا أن تعود
____________________
(3/399)
قومها التحلي بهما أو أشبها الذهب والفضة بحيث لا يعرفان إلا بتأمل أوخموها بهما فإنهما يحرمان قال الأذرعي والتمويه بغير الذهب والفضة أي مما يحرم تزينها به كالتمويه بهما وإنما اقتصروا على ذكرهما اعتبارا بالغالب
( وكذا لؤلؤ ) يحرم عليها التزين به ( في الأصح ) لأن الزينة فيه ظاهرة قال تعالى { يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا } وتردد فيه الإمام لأنه يباح للرجل فمقابل الأصح احتمال للإمام لا وجه للأصحاب
( و ) يحرم عليها ( طيب في بدن وثوب ) لخبر الصحيحين عن أم عطية كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا وأن نكتحل وأن نتطيب وأن نلبس ثوبا مصبوغا
( و ) يحرم أيضا استعمالها الطيب ( في طعام وكحل ) غير محرم قياسا على البدن
وضابط الطيب المحرم عليها كل ما حرم على المحرم وتفصيل ذلك سبق في كتاب الحج لكن يلزمها إزالة الطيب الكائن معها حال الشروع في العدة ولا فدية عليها في استعماله بخلاف المحرم في ذلك
واستثني استعمالها عند الطهر من الحيض وكذا من النفاس كما قاله الأذرعي وغيره قليلا من قسط أو أظفار وهما نوعان من البخور كما ورد به به الخبر في مسلم
ولو احتاجت إلى تطيب جاز كما قاله الإمام قياسا على الاكتحال كما سيأتي
( و ) يحرم عليها دهن شعور رأسها ولحيتها إن كان لها لحية لما فيه من الزينة بخلاف دهن سائر البدن و ( اكتحال باثمد ) وإن لم يكن فيه طيب وهو بكسر الهمزة والميم حجر يتخذ منه الكحل الأسود ويسمى بالأصبهاني وإنما حرم ذلك لحديث أم عطية المار لأن فيه جمالا وزينة للعين سواء في ذلك البيضاء والسوداء وقيل يجوز للسوداء
تنبيه أفهم كلامه جواز الحكم الأبيض كالتوتيا وهو كذلك إذ لا زينة فيه لكنه يوهم جواز الأصفر وهو الصبغ بفتح الصاد وكسرها مع إسكان الباء وبفتح الصاد وكسر الباء وهو محرم على السوداء وكذا على البيضاء على الأصح لأنه يحسن العين
( إلا ) اكتحال بأثمد أو صبر ( لحاجة كرمد ) فيجوز لها للضرورة لحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي حادة على أبي سلمة وقد جعلت على عينها صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقالت هو صبر لا طيب فيه فقال إنه يشب الوجه أي يوقده ويحسنه فلا تجعليه إلا ليلا وامسحيه نهارا وحملوه على أنها كانت محتاجة إليه ليلا فأذن لها فيه ليلا بيانا للجواز عند الحاجة مع أن الأولى تركه
وأما خبر مسلم
جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها قال لا مرتين أو ثلاثة كل ذلك يقول لا فحمل على أنه نهي تنزيه أو أنه صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الخوف على عينها أو أنه يحصل لها البرة بدونه لكن في رواية زادها عبد الحق إني أخشى أن تنفقىء عينها قال لا وإن انفقأت
وأجيب عنها بأن المراد وإن انفقأت عينها في زعمك لأني أعلم أنها لا تنفقىء
وإذا قد علمت ذلك فإطلاق المصنف الجواز عند الحاجة ليس بجيد فإن القائل به خصه بالليل دون النهار كما دل عليه الحديث وصرح به الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم كما نقله الأذرعي وغيره
نعم إن احتاجت إليه نهارا أيضا جاز ويمكن حمل إطلاق المصنف بالجواز على ذلك
( و ) يحرم عليها ( إسفيذاج ) لأنه يزين به الوجه وهو بفاء وذال معجمة ما يتخذ من رصاص يطلى به الوجه ليبيضه قال بعضهم وهو لفظ مولد
( و ) يحرم عليها ( دمام ) لأنه يزين به الوجه أيضا وهو بضم الدال المهملة وكسرها كما في الرقائق وضبطه في الروضة بخطه بالضم فقط المسمى بالحمرة التي يورد بها الخد
ويحرم أيضا طلي الوجه بالصبر لأنه يصفر الوجه فهو كالخضاب
( و ) يحرم ( خضاب حناء ) وهو مذكر ممدود مهموز واحدة حناة ( ونحوه ) أي الحناء كزعفران وورس أي الخضاب بذلك لما في ذلك من الزينة
تنبيه أشعر كلامه بحرمة ذلك في جميع البدن وبه صرح ابن يونس لكن الذي في الروضة كأصلها عن الروياني وأقراه أن حرمته تكون فيما يظهر كالوجه واليدين والرجلين لا فيما تحت الثياب لأنه صلى الله عليه وسلم أذن لأم سلمة في
____________________
(3/400)
الصبر ليلا لخفائه على الأبصار فكذا ما أخفاه ثيابها
قال الرافعي والغالية وإن ذهب ريحها كالخضاب
ويحرم تطريف أصابعها وتصفيف شعر طرتها وتجعيد شعر صدغيها وحشو حاجبيها بالكحل وتدقيقه بالحف
( ويحل ) لها ( تجميل فراش ) وهو ما ترقد أو تقعد عليه من نطع مرتبة ووسادة ونحوها
( و ) تجميل ( أثاث ) وهو بفتح الهمزة وبمثلثتين متاع البيت لأن الإحداد في البدن لا في الفراش ونحوه
وأما الغطاء فالأشبه كما قال ابن الرفعة أنه كالثياب ليلا ونهارا وإن خصه الزركشي بالنهار
( و ) يحل لها ( تنظيف بغسل نحو رأس وقلم ) لأظفار واستحداد ونتف شعر إبط ( وإزالة وسخ ) ولو طاهرا لأن جميع ذلك ليس من الزينة أي الداعية إلى الوطء فلا ينافي اسمها على ذلك في صلاة الجمعة ونحوها
وأما إزالة الشعر المتضمن زينة كأخذ ما حول الحاجبين وأعلى الجبهة فتمنع منه كما بحثه بعض المتأخرين بل صرح الماوردي بامتناع ذلك في حق غير المعتدة
وأما إزالة شعر لحية أو شارب ينبت لها فتسن إزالته كما قاله المصنف في شرح مسلم ومر ذلك في شروط الصلاة خلافا لابن جرير في قوله بالحرمة
( قلت ويحل ) لها ( امتشاط ) بلا ترجل بدهن ونحوه ويجوز بسدر ونحوه للنص فيه في سنن أبي داود وحمل حديث ولا تمتشط على تمشط بطيب ونحوه
( و ) يحل لها ( حمام ) بناء على ما رجحه المصنف من جواز دخولها له بلا ضرورة وسيأتي الكلام على ذلك في باب النفقات إن شاء الله تعالى
ثم قيد الجواز بقيد حسن محذوف في الروضة وهو قوله ( إن لم يكن ) فيه ( خروج محرم ) فإن كان لم يحل
( ولو تركت ) المحدة المكلفة ( الإحداد ) الواجب عليها كل المدة أو بعضها ( عصت ) إن علمت حرمة الترك كما قاله ابن المقري كتركها الواجب وأما الصغيرة أو المجنونة فيعصي وليها إن لم يمنعها
( وانقضت العدة ) مع العصيان
وهذا ( كما لو فارقت المعتدة ) المحدة أو غيرها بلا عذر ( المسكن ) الذي يجب عليها ملازمته بلا عذر كما سيأتي فإنها تعصي وتنقضي عدتها بمضي المدة إذ العبرة في انقضائها بانقضاء العدة
( ولو بلغتها الوفاة ) أي موت زوجها أو طلاقه ( بعد المدة ) للعدة ( كانت منقضية ) ولم يكن عليها غيرها لما مر ( ولها ) أي المرأة ( إحداد على غير زوج ) من الموتي ( ثلاثة أيام ) فأقل ( وتحرم الزيادة ) عليها بقصد الإحداد ( والله أعلم ) فلو تركت ذلك بلا قصد لم تأثم ذكره في أصل الروضة في الشقاق
وذلك مأخوذ من الخبرين السابقين ولأن في تعاطيه إظهار عدم الرضا بالقضاء والأليق بها التقنع بجلباب الصبر
وإنما رخص للمعتدة في عدتها لحبسها على المقصود من العدة ولغيرها من الثلاث لأن النفوس قد لا تستطيع فيها الصبر ولذلك تسن فيها التعزية وبعدها تنكسر أعلام الحزن
قال الأذرعي والأشبه أن المراد بغير الزوج القريب كما أشار إليه القاضي فلا يجوز للأجنبية الإحداد على أجنبي أصلا ولو بعض يوم ولم أر فيه نصا
قال الغزي ويظهر أن الصديق كالقريب وكذا العالم والصالح
وضابطه من يحصل بموته حزن فكل من حزنت بموته لها أن تحد عليه ثلاثة أيام هذا هو الذي يظهر اه
ويمكن حمل إطلاق الحديث وحمل إطلاق كلام الأصحاب على هذا وهذا لا بأس به
تنبيه كلام المصنف يفهم أن الرجل ليس له الإحداد على قريبه ثلاثة أيام وهو كذلك وما قاله الإمام من أن التحزن في المدة لا يختص بالنساء منعه ابن الرفعة فإنه شرع للنساء لنقص عقلهن المقتضي عدم الصبر مع أن الشارع أوجب على النساء الإحداد دون الرجال
فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقها ( تجب سكنى لمعتدة طلاق ) حائل أو حامل ( ولو بائن ) بالجر عطفا على المجرور والأولى نصبه أي ولو كانت بائنا ويجوز رفعه بتقدير مبتدأ محذوف أي ولو وهي بائن
ويستمر
____________________
(3/401)
سكناها إلى انقضاء عدتها لقوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم } وقوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } أي بيوت أزواجهن وأضافها إليهن للسكنى إذ لو كانت إضافة ملك لم تختص بالمطلقات
ولو أسقطت مؤنة المسكن عن الزوج لم تسقط كما في فتاوي المصنف لأنها تجب يوما بيوم ولا يصح إسقاط ما لم يجب
تنبيه أفهم تقييده بالمعتدة عن طلاق أنه لا سكنى لمعتدة عن وطء شبهة ولو في نكاح فاسد ولا لأم ولد إن أعتقت وهو كذلك
ثم استثنى من المعتدة قوله ( إلا ناشزة ) سواء كان ذلك قبل طلاقها كما صرح به القاضي وغيره أم في أثناء العدة كما صرح به المتولي فإنها لا سكنى لها في العدة فإن عادت إلى الطاعة عاد حق السكنى كما صرح به المتولي في مسألته وإلا صغيرة لا تحتمل الجماع فإنه لا سكنى لها بناء على الأصح أنها لا تستحق النفقة حالة النكاح
والأمة لا نفقة لها على زوجها كالمسلمة ليلا فقط أو نهارا كما مر ذلك في فصل نكاح العبد وإلا من وجبت العدة بقولها بأن طلقت ثم أقرت بالإصابة وأنكرها الزوج فلا نفقة لها ولا سكنى وعليها العدة
فإن قيل لا وجه لاستثناء الصغيرة من ذلك إذ الكلام في سكنى المعتدة والصغيرة لا عدة عليها
أجيب بأنه يتصور ذلك باستدخالها ماء الزوج وإن كان فيه بعد
( و ) يجب السكنى أيضا ( لمعتدة وفاة في الأظهر ) لأمره صلى الله عليه وسلم فريعة بضم الفاء بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري لما قتل زوجها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا صححه الترمذي وغيره والثاني لا سكنى لها كما لا نفقة لها وأجاب الأول بأن السكنى لصيانة مائة وهي موجودة بعد الوفاة كالحياة والنفقة لسلطته عليها وقد انقطعت وبأن النفقة حقها فسقطت إلى الميراث والسكنى حق الله تعالى فلم تسقط
تنبيه محل الخلاف ما إذا لم يطلقها قبل الوفاة رجعيا وإلا لم تسقط قطعا لأنها استحقتها بالطلاق فلم تسقط الموت كما حكاه في المطلب عن الأصحاب لكن حكى الجرجاني طرد القولين فيها وعليه يأتي إطلاق المصنف
( و ) يجب أيضا لمعتدة ( فسخ ) بعيب أو ردة أو إسلام أو رضاع ( على المذهب ) لأنها معتدة عن نكاح صحيح بفرقة في الحياة فأشبهت المطلقة تحصينا للماء
والطريق الثاني على قولين كالمعتدة عن وفاة
تنبيه سكت المصنف عن استثناء الناشزة في عدة الوفاة وعدة الفسخ مع أن حكمها كالناشزة في عدة الطلاق كما صرح به القاضي والمتولي فيمت مات عنها ناشزا فلو أخر قوله إلا ناشزة إلى هنا لشمل ذلك وشمل إطلاقه الملاعنة
والذي في الروضة نقلا عن البغوي أنها تستحق قطعا وحيث لا تجب السكنى لمعتدة فللزوج إسكانها حفظا لمائه ويقوم وارثه مقامه وعليها الإجابة وحيث لا تركة للميت لم يجب إسكانها فإن تبرع الوارث بالسكنى لزمتها الإجابة لأن له غرضا في صون ماء مورثه وغير الوارث كالوارث كما قاله الروياني تبعا للماوردي
فإن قيل ينبغي عدم اللزوم كما لو تبرع أجنبي بوفاء دين ميت أو مفلس لم يلزم الدائن قبوله بخلاف الوارث وبأن اللزوم فيه تحمل منة مع كون الأجنبي لا غرض له صحيح في صون ماء الميت
أجيب عن الأول بأن ملازمة المعتدة للمسكن حق الله تعالى لا بدل له فيجب فيه القبول وإلا فيلزم تعطيله وبأن حفظ ماء الإنسان من المهمات المطلوبة بخلاف أداء الدين
وعن الثاني بأنه إنما يصح إذا كان التبرع عليها وليس كذلك وإنما هو على الميت فإذا لم يوجد متبرع سن للإمام حيث لا تركة إسكانها من بيت المال لاسيما إن كانت متهمة بريبة وإن لم يسكنها أحد سكنت حيث شاءت
( و ) إذا وجبت السكنى فإنما ( تسكن ) بضم أوله بخطه أي المعتدة حتما ( في مسكن ) مستحق للزوج لائق بها ( كانت فيه عند الفرقة ) بموت أو غيره للآية وحديث فريعة السابقين
( وليس للزوج وغيره إخراجها ولا لها خروج ) منه وإن رضي به الزوج إلا لعذر كما سيأتي لأن في العدة حق الله تعالى والحق الذي لله تعالى لا يسقط بالتراضي بالضاد وقد قال تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن }
____________________
(3/402)
تنبيه شمل كلامه كأصله الرجعية وبه صرح في النهاية وفي حاوي الماوردي والمهذب وغيرهما من العراقيين أن للزوج أن يسكنها حيث شاء لأنها في حكم الزوجة وبه جزم المصنف في نكته
والأول هو ما نص عليه في الأم كما قال ابن الرفعة وغيره وهو كما قال السبكي أولى لإطلاق الآية وقال الأذرعي إنه المذهب المشهور و الزركشي إنه الصواب ولأنه لا يجوز له الخلوة بها فضلا عن الاستمتاع فليست كالزوجات
( قلت ولها الخروج في عدة وفاة ) وعدة وطء شبهة ونكاح فاسد ( وكذا بائن ) ومفسوخ نكاحها وضابط ذلك كل معتدة لا تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها حاجتها لها الخروج ( في النهار لشراء طعام ) وقطن وكتان ( و ) بيع ( غزل ونحوه ) للحاجة إلى ذلك ولقول جابر رضي الله تعالى عنه طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فنهاها رجل فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال اخرجي فجدي نخلك ولعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرا رواه مسلم وأبو داود واللفظ له
قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وتخل الأنصار قريب من منازلهم والجذاذ لا يكون إلا نهارا أي غالبا
أما من وجبت نفقتها من رجعية أو مستبرأة أو بائن أو حامل فلا تخرج إلا بإذن أو ضرورة كالزوجة لأنهن مكفيات بنفقة أزواجهن ( وكذا ) لها الخروج لذلك ( ليلا ) إن لم يمكنها نهارا وكذا ( إلى دار جارة ) لها ( لغزل وحديث ونحوهما ) للتأنس لكن ( بشرط أن ترجع وتبيت في بيتها ) لما روى الشافعي والبيهقي رضي الله تعالى عنهما أن رجالا استشهدوا بأحد فقالت نساؤهم يا رسول الله إنا نستوحش في بيوتنا فنبيت عند إحدانا فأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها
تنبيه محل ذلك كما قال الأذرعي وغيره إذا أمنت الخروج ولم يكن عندها من يؤنسها وإلا فلا يجوز لها الخروج فقد قالت عائشة رضي الله عنها لو يعلم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد وهذا في زمن السيدة عائشة
ولم يتعرضوا لضابط وقت الرجوع وينبغي كما قال ابن شهبة الرجوع فيه للعادة
( وتنتقل ) المعتدة ( من المسكن ) الذي كانت فيه عند الفرقة لعذر وذلك ( لخوف من هدم أو غرق ) على مالها أو ولدها ( أو ) الخوف ( على نفسها ) تلفا أو فاحشة للضرورة الداعية إلى ذلك ولما روى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت كانت فاطمة بنت قيس في مكان موحش مخيف فلذلك رخص لها النبي صلى الله عليه وسلم أي في الخروج منه
( أو تأذت بالجيران ) بكسر الجيم ( أو هم بها أذى شديدا والله أعلم ) للحاجة إلى ذلك
وفسر ابن عباس وغيره قوله تعالى { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } بالبذاء على الأحماء أو غيرهم وفي رواية لمسلم أن فاطمة بنت قيس كانت تبدو على أحمائها فنقلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت ابن أم مكتوم ووقع للرافعي أنها فاطمة بنت أبي حبيش وعد من سبق القلم
تنبيه أطلق المصنف الانتقال عند هذه الضرورات وهو يفهم أنها تسكن حيث شاءت وليس مرادا بل قال الرافعي الذي أورده الجمهور انتقالها إلى أقرب المواضع إلى ذلك المسكن وقال الزركشي المنصوص في الأم أن الزوج يحصنها حيث رضي لا حيث شاءت
وتقييده الأذى بالشديد يفهم أنها لو تأذت بهم قليلا لا اعتبار به وهو كذلك إذ لا يخلو منه أحد ومن بالجيران الأحماء وهم أقارب الزوج نعم إن اشتد أذاها بهم أو عكسه وكانت الدار ضيقة نقلتهم الزوج عنها وكذا لو كان المسكن لها فإنها لا تنتقل منه لاستطالة ولا غيرها بل ينتقلون عنها وكذا لو كانت ببيت أبويها وبذت عليهم نقلوا دونها لأنها أحق بدار أبويها كذا قالاه
قال الأذرعي وكان المراد أن الأولى نقلهم دونها وهو حسن
وخرج بالجيران ما لو طلقت ببيت أبويها وتأذت بهم أو هم بها فلا نقل لأن الوحشة لا تطول بينهم ولا يختص الانتقال بما ذكر بل لو لزمها حد أو يمين في دعوى وهي برزة خرجت له وإن كانت مخدرة حدت وخلفت في مسكنها بأن
____________________
(3/403)
يحضر إليها الحاكم أو يبعث إليها نائبه
ولو لزمها العدة بدار الحرب هاجرت منها إلى دار الإسلام إلا إن أمنت على نفسها أو غيرها مما مر فلا تهاجر حتى تعتد
أو زنت المعتدة وهي بكر غربت ولا يؤخر تغريبها إلى انقضاء عدتها ويخالف هذا تأخير الحد لشدة الحر والبرد لأنهما يؤثران في الحد ويعينان على الهلاك والعدة لا تؤثر في الحد ولا تعذر في الخروج لتجارة وزيارة وتعجيل حجة إسلام ونحوها من الأغراض التي تعد من الزيادات دون المهمات
( ولو انتقلت إلى مسكن ) في البلد ( بإذن الزوج فوجبت العدة ) في أثناء الطريق بطلاق أو فسخ أو موت ( قبل وصولها إليه ) أي المسكن ( اعتدت فيه ) لا في الأول ( على النص ) في الأم لأنها مأمورة بالمقام فيه ممنوعة من الأول وقيل تعتد في الأول لأنها لم تحصل وقت الفراق في الثاني وقيل تتخير لتعلقها بكل منهما أما إذا وجبت العدة بعد وصولها فيه فتعتد فيه جزما
تنبيه العبرة في النقلة ببدنها وإن لم تنقل الأمتعة والخدم وغيرهما من الأول حتى لو عادت لنقل متاعها أو خدمها فطلقها فيه اعتدت في الثاني
( أو ) كان انتقالها من الأول ( بغير إذن ) من الزوج فوجبت العدة ولو بعد وصولها إلى الثاني ولم يأذن لها في المقام فيه ( ففي الأول ) تعتد لعصيانها بذلك فإن أذن لها بعد الوصول إليه بالمقام فيه كان كالنقلة بإذنه
( وكذا ) تعتد أيضا في الأول و ( لو أذن ) لها في الانتقال منه ( ثم وجبت ) عليها العدة ( قبل الخروج ) منه وإن بعثت أمتعتها وخدمها إلى الثاني لأنه المنزل الذي وجبت فيه العدة
( ولو أذن ) لها ( في الانتقال إلى بلد فكمسكن ) فيما ذكر ( أو ) أذن لها ( في سفر حج أو ) عمرة و ( تجارة ) أو استحلال مظلمة أو نحو ذلك كرد آبق والسفر لحاجتها ( ثم وجبت ) عليها العدة ( في ) أثناء ( الطريق فلها الرجوع ) إلى الأول ( والمضي ) في السفر لأن في قطعها عن السفر مشقة لاسيما إذا بعدت عن البلد وخافت الانقطاع عن الرفقة ولكن الأفضل الرجوع والعود إلى المنزل كما نقلاه عن الشيخ أبي حامد وأقراه ومر في سيرها معتدة
وخرج بالطريق ما لو وجبت قبل الخروج من المنزل فلا تخرج قطعا وما لو وجبت فيه ولم تفارق عمران البلد فإنه يجب العود في الأصح عند الجمهور كما في أصل الروضة لأنها لم تشرع في السفر
( فإن ) لم ترجع فيما إذا خيرت و ( مضت ) لمقصدها أو بلغته ( أقامت ) فيه ( لقضاء حاجتها ) من غير زيادة عملا بحسب الحاجة وإن زادت إقامتها على مدة المسافرين كما شمله كلامه وأفهم أن الحاجة إذا انقضت قبل ثلاثة أيام لم يجز لها استكمالها وهو الأصح كما في زيادة الروضة وقطع به في المحرر وإن كان مقتضى كلام الشيخين استكمالها
( ثم يجب ) عليها بعد قضاء حاجتها ( الرجوع ) في الحال ( لتعتد البقية ) من العدة ( في المسكن ) الذي فارقته لأنه الأصل في ذلك فإن لم تمض اعتدت البقية في مسكنها
تنبيه قوله لتعتد البقية في المسكن يفهم أنها لو لم تتوقع بلوغ المسكن قبل انقضاء عدتها بل تنقضي عدتها في الطريق أنها لا يلزمها العود وهو وجه والأصح كما في الشرح والروضة كأصلها يلزمها العود لأن إقامتها لم يؤذن فيها وعودها مأذون فيه من جهته
أما إذا سافرت لنزهة أو زيارة أو سافر بها الزوج لحاجته فلا تزيد على مدة إقامة المسافرين ثم تعود فإن قدر لها مدة في نقله أو سفر حاجة أو في غيره كاعتكاف استوفتها وعادت لتمام العدة ولو انقضت في الطريق كما مر وتعصي بالتأخير إلا لعذر كخوف في الطريق وعدم رفقة
ولو جهل أمر سفرها بأن أذن لها ولم يذكر حاجة ولا نزهة ولا أقيمي ولا ارجعي حمل على سفر النقلة كما قاله الروياني وغيره
فرع لو أحرمت بحج أو قران بإذن زوجها أو بغير إذنه ثم طلقها أو مات فإن خافت الفوات كضيق الوقت
____________________
(3/404)
وجب عليها الخروج معتدة لتقدم الإحرام وإن لم تخف الفوات لسعة الوقت جاز لها الخروج إلى ذلك لما في تعيين الصبر من مشقة مصابرة الإحرام
وإن أحرمت بعد أن طلقها أو مات بإذن منه قبل ذلك أو بغير إذن بحج أو عمرة أو بهما امتنع عليها الخروج سواء أخافت الفوات أم لا لبطلان الإذن قبل الإحرام بالطلاق أو الموت في الأولى ولعدمه في الثانية فإذا انقضت العدة أتمت عمرتها أو حجها إن بقي وقته وإلا تحللت بأفعال عمرة ولزمها القضاء ودم الفوات
( ولو خرجت إلى غير الدار المألوفة ) لها بالسكنى فيها ( فطلق وقال ما أذنت ) لك ( في الخروج ) وقالت بل أذنت لي ( صدق بيمينه ) لأن الأصل عدم الإذن فيجب عليها الرجوع حالا إلى المألوفة فإن وافقها على الإذن في الخروج لم يجب الرجوع حالا واختلافها في إذنه في الخروج لغير البلدة المألوفة كالدار
( ولو قالت ) له ( نقلتني ) أي أذنت لي في النقلة موضع كذا فيجب علي العدة فيه ( فقال ) لها ( بل أذنت ) لك في الخروج إليه ( لحاجة ) عينها فارجعي فاعتدي في الأول ( صدق ) بيمينه ( على المذهب ) لأنه أعلم بقصده وإرادته لأن القول قوله في أصل الإذن فكذا في صفته
تنبيه لو وقع النزاع بينها وبين الوارث صدقت بيمينها لأن كونها في المنزل الثاني يشهد بصدقها ويرجح جانبها على جانب الورثة ولا يرجح على جانب الزوج لتعلق الحق بهما والوارث أجنبي عنهما ولأنها أعرف بما جرى من الوارث بخلاف الزوج
( ومنزل بدوية ) بفتح الدال نسبة لسكان البادية وهو من شاذ النسب كما قاله سيبويه ( وبيتها من ) نحو ( شعر ) كصوف ( كمنزل حضرية ) في لزوم ملازمته في العدة
ولو ارتحل في أثنائها كل الحي ارتحلت معهم للضرورة وإن ارتحل بعض الحي نظر إن كان أهلها ممن لم يرتحل وفي المقيمين قوة وعدد لم يكن لها الارتحال وإن ارتحل أهلها وفي الباقين قوة وعدد فالأصح أنها تتخير بين أن تقيم وبين أن ترحل لأن مفارقة الأهل عسرة موحشة
وهذا مما تخالف فيه البدوية الحضرية فإن أهلها لو ارتحلوا لم ترتحل معهم مع أن التعليل يقتضي عدم الفرق
قال البلقيني ومحل التخيير في الوفاة والطلاق البائن أما الرجعية إذا كان مطلقها في المقيمين واختار إقامتها فله ذلك وهو ظاهر نص الأم وفيه توقف لتقصيره بترك الرجعة اه
وهذا ينبني على ما مر من أن زوج الرجعية هل يسكنها متى شاء أو لا وتقدم أن المشهور أنها كغيرها وعليه فليس له منعها ولها إذا ارتحلت معهم أن تقيم دونهم في قرية أو نحوها في الطريق لتعتد فإنه أليق بحال المعتدة من السير وإن هرب أهلها خوفا من عدو وأمنت لم يجز أن تهرب معهم لأنهم يعودون إذا أمنوا
تنبيه مقتضى إلحاق البدوية بالحضرية أن يأتي فيها ما سبق من أنه لو أذن لها في الانتقال من بيت في الحلة إلى آخر منها فخرجت منه ولم تصل إلى الآخر هل يجب عليها المضي أو الرجوع أو أذن لها في الانتقال من تلك الحلة إلى حلة أخرى فوجد سبب العدة من طلاق أو موت بين الحلتين أو بعد خروجها من منزل وقبل مفارقة حلتها
فهل تمضي أو ترجع على التفصيل السابق في الحضرية وسكت في الروضة كأصلها عن جميع ذلك
ولو طلقها ملاح سفينة أو مات وكان مسكنها السفينة اعتدت فيها إن انفردت عن الزوج في الأولى بمسكن فيها بمرافقة لاتساعها مع اشتمالها على بيوت متميزة المرافق لأن ذلك كالبيت في الخان وإن لم تنفرد بذلك
فإن صحبها محرم لها يمكنه أن يقوم بتسيير السفينة خرج الزوج معها واعتدت هي فيها فإن لم تجد محرما موصوفا بذلك خرجت إلى أقرب القرى إلى الشط واعتدت فيه فإن تعذر الخروج منه تسترت وتنحت عنه بقدر الإمكان
( وإذا كان المسكن ) ملكا ( له ويليق بها ) بأن يسكن مثلها في مثله ( تعين ) استدامتها فيه وليس لأحد إخراجها منه بغير عذر من الأعذار السابقة
تنبيه لو كان قد رهن المسكن بدين قبل ذلك ثم حل الدين بعد الطلاق ولم يمكنه وفاؤه من موضع آخر جاز
____________________
(3/405)
له بيعه وتنتقل منه إذا لم يرض المشتري بإقامتها فيه بأجرة المثل كما بحثه الأذرعي وقول المصنف يليق بها ظاهره اعتبار المسكن بحالها لا بحال الزوج وهو كذلك كما في حال الزوجية وقول الماوردي يراعي حال الزوجية حال الزوج يخالفه هنا قال الأذرعي لا أعرف التفرقة لغيره
( ولا يصح بيعه ) أي مسكن المعتدة ما لم تنقض عدتها ( إلا في عدة ذات أشهر فكمستأجر ) بفتح الجيم أي كبيعه ومر في الإجارة صحة بيعه في الأظهر فبيع مسكن المعتدة كذلك
وزاد على المحرر قوله ( وقيل ) بيع مسكنها ( باطل ) أي قطعا وفرق بأن المستأجر يملك المنفعة والمعتدة لا تملكها فيصير كأن المطلق باعه واستثنى منفعته لنفسه مدة معلومة وذلك باطل
تنبيه محل الخلاف كما قال ابن شهبة حيث لم تكن المعتدة هي المشترية فإن كانت صح البيع لها جزما أما عدة الحمل والأقراء فلا يصح بيعه فيها للجهل بالمدة
( أو ) كان ( مستعارا لزمتها ) العدة ( فيه ) لأن السكنى ثابتة في المستعار ثبوتها في المملوك فشملتها الآية وليس للزوج نقلها لتعلق حق الله تعالى بذلك ( فإن رجع المعير ) فيه ( ولم يرض بأجرة ) لمثل مسكنها وطلب أكثر منها أو امتنع من الإيجار ( نقلت ) إلى أقرب ما يوجد
تنبيه أفهم كلامه أنه إذا رضي بأجرة المثل امتنع النقل ولزوم الزوج بذلها وهو ما نقلاه عن المتولي وأقراه وإن توقف فيه الأذرعي فيما إذا قدر على المسكن مجانا لعارية أو وصية أو نحو ذلك
ومثل رجوعه خروجه عن أهلية التبرع بجنون أو سفه أو زوال استحقاق بانقضاء إجارة أو موت
قال في المطلب ولم يفرقوا بين كون الإعارة قبل وجوب العدة أو بعدها فإن كان بعد وعلم بالحال فإنها تلزم لما في الرجوع من إبطال حق الله تعالى في ملازمة المسكن كما يلزم العارية في دفن الميت اه
بل صرحوا بذلك في باب العارية
( وكذا مستأجر انقضت مدته ) ولم يرض مالكه بتجديد أجرة مثل تنقل منه لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه رواه ابن حبان في صحيحه بخلاف ما إذا رضي بذلك فلا تنتقل
وفي معنى المستأجر الموصي بسكناها مدة وانقضت
ولو رضي المعير أو المؤجر بأجرة مثل بعد أن نقلت نظرت إن كان المنتقل إليه مستعارا ردت إلى الأول لجواز رجوع المعين أو مستأجرا لم ترد في أحد وجهين يظهر ترجيحه قال الأذرعي أنه الأقرب لأن في دعواها إلى الأول إضاعة مال
أما إذا رضيا بعودها بعارية فلا ترد لأنها لا تأمن من الرجوع لجواز رجوع المعير كما مر
( أو ) ملكا ( لها استمرت ) فيه جوازا ( وطلبت الأجرة ) من المطلق لأن السكنى عليه فيلزمه الأجرة أي أجرة أقل ما يسعها من المسكن على النص في الأم
تنبيه ظاهر كلامه أنه يجب عليها أن تستمر فيه وهو ما جزم به صاحب المهذب والتهذيب والأصح كما في الروضة أنها إن رضيت بالإقامة فيه بإجارة أو إعارة جاز وهو أولى وإن طلبت الانتقال فلها ذلك إذ لا يجب عليها بذل مسكنها لا بالإجارة ولا بإعارة ولا تجب الأجرة إلا بطلبها فإن لم تطلبها ومضت مدة فالأصح القطع بسقوطها بخلاف النفقة لأنها في مقابلة التمكين وقد وجد فلا تسقط بترك الطلب ولأنها عين تملك لو ثبتت في الذمة والمسكن لا تملكه المرأة وإنما تملك الانتفاع به في وقت وقد مضى
وكذا لا تستحق أجرة لو سكنت في منزلها مع الزوج في العصمة على النص إن كانت أذنت له في ذلك لأن الإذن المطلق العاري عن ذكر العوض منزل على الإعارة والإباحة كما في فتاوى ابن الصلاح أي إذا كانت مطلقة التصرف كما هو ظاهر
( فإن كان مسكن النكاح نفيسا فله ) أي الزوج ( النقل إلى ) أقرب موضع من مسكن النكاح بحسب الإمكان ( لائق بها ) لأن النفيس غير واجب عليه وإنما كان سمح به لدوام الصحبة وقد زالت
وهل مراعاة الأقرب واجبة أو مستحبة فيه تردد وظاهر كلام الأصحاب الوجوب وهو الظاهر كنقل الزكاة إذا عدم الأصناف في البلد وجوزنا النقل فإنه يتعين الأقرب وإن رضي ببقائها فيه لزمها ( أو ) كان ( خسيسا )
____________________
(3/406)
لا يليق بها ( فلها الامتناع ) من استمرارها فيه وطلب النقلة إلى لائق بها إذ ليس هو حقها وإنما كانت سمحت به لدوام الصحبة وقد زالت
( وليس له ) أي يحرم عليه ولو أغمي ( مساكنتها ولا مداخلتها ) في الدار التي تعتد فيها لأنه يؤدي إلى الخلوة بها وهي محرمة عليه ولأن في ذلك اضرارا بها وقد قال تعالى { ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن } أي في المسكن وسواء كان الطلاق بائنا أم رجعيا
( فإن كان في الدار ) الواسعة التي زادت على سكنى مثلها ( محرم لها ) ولو برضاع أو مصاهرة ( مميز ) يستحي منه ولو بالغ أو مراهق كما صرح به المصنف في فتاويه حيث قال ويشترط أن يكون بالغا عاقلا أو مراهقا أو مميزا يستحي منه وما نقل عن النص من اشتراط البلوغ وعن الشيخ أبي حامد من المراهقة محمول على الأولى
وقوله ( ذكر ) ليس بقيد بل الأنثى كأختها أو خالتها أو عمتها كذلك إذا كانت ثقة فقد صحح في الروضة أنه يكفي حضور المرأة الأجنبية الثقة فالمحرم أولى
( أو ) محرم ( له ) مميز ( أنثى أو زوجة أخرى أو أمة أو امرأة أجنبية جاز ) ما ذكر لانتقاء المحذور لكن مع الكراهة لاحتمال النظر ولا عبرة لمجنون والصغير الذي لا يميز
ويعبر في الزوجة والأمة أن يكونا ثقتين وقيل لا يشترط ذلك في الزوجة لما عندها من الغيرة
ويشترط في المحرم أن يكون بصيرا كما قاله الزركشي فلا يكفي الأعمى كما لا يكفي في السفر بالمرأة إذا كان محرما لها
تنبيه يجوز للرجل أن يخلو بامرأتين أجنبيتين ثقتين فأكثر كما نقله الرافعي عن الأصحاب وما في الروضة كأصلها في صلاة الجماعة من أنه لا يخلو بالنساء إلا المحرم محمول على غير التفات ليوافق المذكور هنا فإنه المعتمد
ويحرم كما في المجموع خلوة رجلين أو رجال بامرأة ولو بعدت مواطأتهم على الفاحشة لأن استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل
( ولو كان في الدار حجرة ) وهي كل بناء محوط أو نحوها كطبقة ( فسكنها أحدهما ) أي الزوجين ( و ) سكن ( الآخر ) الحجرة ( الأخرى ) من الدار ( فإن اتحدت المرافق ) للدار وهي ما يرتفق به فيها ( كمطبخ ومستراح ) ومصب ماء ومرقى سطح ونحو ذلك ( اشترط محرم ) حذرا من الخلوة فيما ذكر ( وإلا ) بأن لم تتحد المرافق بل اختص كل من الحجرتين بمرافق ( فلا ) يشترط محرم ويجوز له مساكنتها بدونه لأنها تصير حينئذ كالدارين المتجاورتين
نعم لو كانت المرافق خارج الحجرة في الدار لم يجز لأن الخلوة لا تمتنع مع ذلك قاله الزركشي
( وينبغي ) أن يشترط كما عبر به في الشرح الصغير ونقله في الروضة وأصلها عن البغوي ( أن يغلق ما بينهما ) أي الزوجين ( من باب ) وسده أولى ( وأن لا يكون ممر إحداهما ) أي الحجرتين بحيث يمر فيه ( على ) الحجرة ( الأخرى ) من الدار كما اشترطه صاحب التهذيب والتتمة وغيرهما حذرا من الوقوع في الخلوة
( وسفل ) بضم أوله بخطه ويجوز كسره ( وعلو ) بضم أوله بخطه ويجوز فتحه وكسره حكمهما ( كدار وحجرة ) فيما ذكر
قال في التجريد والأولى أن يسكنها العلو حتى لا يمكنه الإطلاع عليها
خاتمة يكتري الحاكم من مال مطلق لا مسكن له مسكنا لمعتدته لتعتد فيه إن فقد متطوع به فإن لم يكن له مال اقترض عليه الحاكم فإن إذن لها الحاكم أن تقترض على زوجها أو تكتري المسكن من مالها جاز وترجع به
فإن فعلته بقصد الرجوع بلا إذن الحاكم نظرت فإن قدرت على استئذانه أو لم تقدر ولم تشهد لم ترجع وإن قدرت وأشهدت رجعت
وإن مات زوج المعتدة فقالت انقضت عدتي في حياته لم تسقط العدة عنها ولم ترث لإقرارها قال الأذرعي وهذا قيده القفال بالرجعية فلو كانت بائنا سقطت عدتها فيما يظهر أخذا من التقييد بذلك
قال فإن لم
____________________
(3/407)
يعلم هل كان الطلاق رجعيا أو بائنا فادعت أنه كان رجعيا وأنها ترث فالأشبه نعم لأن الأصل بقاء حكم الزوجية
باب الاستبراء بالمد وجعله في المحرر فصلا لكونه تابعا لباب العدة وهو لغة طلب البراءة وشرعا تربص الأمة مدة بسبب اليمين حدوثا أو زوالا لمعرفة براءة الرحم أو للتعبد
واقتصروا على ذلك لأنه الأصل وإلا فقد يجب الاستبراء بغير حدوث ملك أو زواله كأن وطىء أمة غيره ظانا أنها أمته
على أن حدوث ملك اليمين ليس بشرط بل الشرط كما سيأتي حدوث حل التمتع به ليوافق ما يأتي في المكاتبة والمرتدة وتزويج موطوءته ونحوها
وخص هذا بهذا الاسم لأنه قدر بأقل ما يدل عليه براءة الرحم من غير تكرر وتعدد وخص التربص بسبب النكاح باسم العدة اشتقاقا من العدد كما مر أول بابها لما يقع فيه من التعدد غالبا
والأصل في الباب ما سيأتي من الأدلة
( يجب ) الاستبراء لحل تمتع أو تزويج ( بسببين أحدهما ) وهو مختص بالأول ( ملك ) حر جميع أمة لم تكن زوجة له كما سيأتي ( بشراء وإرث وهبة ) وقوله ( أو سبي ) أو قسمة عنه وكان الأولى أن يصرح به فإن الغنيمة لا تملك قبل القسمة وصوره بعضهم بمن أخذ جارية من دار الحرب على وجه السرقة وإنما يأتي على رأي الإمام والغزالي من أنه يملكها من غير تخميس والجمهور على خلافه ولهذا قال الجويني و القفال وغيرهما إنه يحرم وطء السراري اللاتي يجلبن من الروم والهند والترك إلا أن ينصب الإمام من يقسم الغنائم من غير ظلم
( أو رد بعيب أو تحالف أو إقالة ) أو قبول وصية أو غيره كفسخ بفلس ورجوع في هبة
تنبيه قوله بسببين يقتضي أنه لا يجب بغيرهما وليس مرادا فإنه لو وطء أمة غيره ظانا أنها أمته وجب استبراؤها كما مر بقرء واحد وليس هنا حدوث ملك ولا زواله ومر الجواب عن ذلك
وقوله ملك أمة يقتضي اعتبار ملك جميعها كما قدرته في كلامه فإنه لو ملك بعضها فإنها لا تباح له حتى يستبرئها ويدخل في ذلك ما لو كان مالكا لبعض أمة ثم اشترى باقيها فإنه يلزمه الاستبراء
وأشار بالأمثلة المذكورة إلى أنه لا فرق بين الملك القهري والاختياري
وخرج المبعض والمكاتب فإنه لا يحل لهما وطء الأمة بملك اليمين وإن أذن لهما السيد
( وسواء بكر ومن استبرأها البائع قبل البيع ومنتقلة من صبي وامرأة وغيرها ) برفع الراء بخطه أي غير المذكورات من صغيرة وآيسة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم على شرط مسلم وقاس الشافعي رضي الله تعالى عنه غير المسبية عليها بجامع حدوث الملك وأخذ في الإطلاق في المسبية أنه لا فرق بين البكر وغيرها وألحق من لم تحض أو أيست بمن تحيض في اعتبار قدر الحيض والطهر غالبا وهو شهر كما سيأتي
( ويجب ) الاستبراء أيضا ( في مكاتبة ) كتابة صحيحة فسختها بلا تعجيز أو ( عجزت ) بضم أوله وتشديد ثانيه المكسور بخطه أي بتعجيز السيد لها عند عجزها عن النجوم لعود ملك التمتع بعد زواله فأشبه ما لو باعها ثم اشتراها
أما الفاسدة فلا يجب الاستبراء فيها كما قاله الرافعي في بابه
تنبيه أمة المكاتب والمكاتبة إذا عجزا أو فسخت كتابتهما كالمكاتبة كما قاله البلقيني
( وكذا ) أمة ( مرتدة ) عادت للإسلام يجب استبراؤها ( في الأصح ) لزوال ملك الاستمتاع ثم أعادته فأشبه تعجيز المكاتبة
والثاني لا يجب لأن الردة لا تنافي الملك بخلاف الكتابة
ولو ارتد السيد ثم أسلم لزمه الاستبراء أيضا
ولو عبر بزوال
____________________
(3/408)
ردة لعم المسألتين
فرع لو زوج السيد أمته ثم طلقها الزوج قبل الدخول وجب الاستبراء لما مر وإن طلقها بعد الدخول فاعتدت من الزوج لم يدخل الاستبراء في العدة بل يلزمه أن يستبرئها بعد انقضاء عدتها منه
تنبيه وقع في الروضة أنه لو أسلم في جارية وقبضها فوجدها بغير الصفة المشروطة فردها لزم المسلم إليه الاستبراء وهو مبني على ضعيف وهو أن الملك في هذه زال ثم عاد بالرد
والأصح أنه لم يزل ولهذا حذفه ابن المقري
( لا من ) أي أمة ( خلت من ) ما لا يتوقف على أذنه كحيض ونفاس و ( صوم واعتكاف ) أو يتوقف وأذن فيه كرهن ( وإحرام ) بعد حرمتها على سيدها بذلك لا يجب استبراؤها بعد حلها مما ذكر لأن حرمتها بذلك لا تحل بالملك بخلاف الكتابة والردة
( وفي الإحرام وجه ) أنه يجب الاستبراء بعد الحل منه كالردة ورد هذا بما مر
تنبيه قد علم مما تقرر أنها فعلت ذلك في ملكه أما لو اشتراها محرمة أو صائمة صوما واجبا أو معتكفة اعتكافا منذورا بإذن سيدها فلا بد من الاستبراء
وهل يكفي ما وقع في زمن العبادات الثلاث أم يجب استبراء جديد قضية كلام العراقيين الأول وهو المعتمد
فإن قيل كيف يتصور الاستبراء في الصوم والاعتكاف أجيب بتصوره في ذات الأشهر والحامل
( ولو اشترى ) حر ( زوجته ) الأمة ( استحب ) له الاستبراء ليتميز ولد الملك من ولد النكاح لأنه بالنكاح ينعقد الولد رقيقا ثم يعتق فلا يكون كفؤا لحرة أصلية ولا تصير به أم ولد
وبملك اليمين ينعكس الحكم
( وقيل يجب ) الاستبراء لتجدد الملك
وأجاب الأول بأن الاستبراء لتجدد الحل ولم يتجدد لكن يحرم عليه وطؤها في مدة الخيار للتردد في أنه يطأ بالملك الضعيف الذي لا يبيح الوطء أو بالزوجية فإن أراد أن يزوجها لغيره وقد وطئها وهي زوجة اعتدت منه بقرءين قبل أن يزوجها لأنه إذا انفسخ النكاح وجب أن تعتد منه فلا تنكح غيره حتى تنقضي عدتها بذلك ولو مات عقب الشراء لم يلزمها عدة الوفاة لأنه مات وهي مملوكته وتعتد منه بقرءين
أما لو ملك المكاتب أو المبعض زوجته فإن النكاح ينفسخ ولا يحل لواحد منهما وطؤها ولو بإذن سيدها
( ولو ملك ) أمة ( مزوجة أو معتدة ) من زوج أو وطء شبهة مع علمه بما ذكر أو جهله وأجاز البيع ( لم يجب ) عليه استبراؤها حالا لأنها مشغولة بحق غيره ( فإن زالا ) أي الزوجية والعدة بأن طلقت الأمة المزوجة قبل الدخول أو بعده وانقضت عدة الزوج أو الشبهة ( وجب ) حينئذ الاستبراء ( في الأظهر ) لزوال المانع ووجود المقتضي
والثاني لا يجب له وطؤها في الحال اكتفاء بالعدة وعليه العراقيون
وقال الماوردي إن مذهب الشافعي لا يجب عليه الاستبراء ويطؤها في الحال
تنبيه محل الخلاف إذا كانت معتدة من غيره أما لو اشترى أمة معتدة منه ولو من طلاق رجعي فإنه يجب عليه الاستبراء قطعا لأنه ملكها وهي محرمة عليه بخلاف زوجته وهذا مما استدل به على أن الطلاق الرجعي يزيل الزوجية وكأنهم ارتكبوه هنا للاحتياط
فروع يسن للمالك استبراء الأمة الموطوءة للبيع قبل بيعه ليكون على بصيرة منها
ولو وطىء أمة شريكان في حيض أو طهر ثم باعها أو أراد تزويجها أو وطىء اثنان أمة رجل كل يظنها أمته وأراد الرجل تزويجها وجب استبراءان كالعدتين من شخصين
ولو باع جارية لم يقر بوطئها فظهر بها حمل وادعاه فالقول قول المشتري بيمينه أنه لا يعلمه منه ويثبت نسب البائع على الأوجه من خلاف فيه إذ لا ضرر على المشتري في المالية والقائل بخلافه علله بأن ثبوته يقطع إرث المشتري بالولاء
فإن أقر بوطئها وباعها نظرت فإن كان ذلك بعد أن استبرأها فأتت بولد لدون ستة أشهر من استبرائها منه لحقه وبطل البيع لثبوت أمية الولد وإن ولدته لستة أشهر فأكثر فالولد مملوك للمشتري إن لم يكن وطئها وإلا فإن أمكن كونه منه بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه لحقه وصارت الأمة مستولدة له
وإن لم يكن
____________________
(3/409)
استبرأها قبل البيع فالولد له إن أمكن كونه منه إلا إن وطئها المشتري وأمكن كونه منهما فيعرض على القائف
السبب ( الثاني زوال فراش عن أمة موطوءة ) بملك اليمين غير مستولدة ( أو مستولدة بعتق ) منجز ( أو موت السيد ) عنها فيجب عليها الاستبراء لزوال فراشها كما تجب العدة على المفارقة عن نكاح واستبراؤها بقرء ثبت ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما كما قاله ابن المنذر ولا يعرف له مخالف
وخرج بموطوءة من لم تطأ فلا استبراء بعتقها جزما كما في الروضة وأصلها وما لو مات السيد عن أمة موطوءة لم يعتقها فإنها تنتقل للوارث وعليه استبراؤها لحدوث ملكه فيكون من السبب الأول
تنبيه لو عتقت الأمة وهي مزوجة أو معتدة عن زوج لا استبراء عليها لأنها ليست فراشا للسيد ولأن الاستبراء لحل التمتع وهي مشغولة بحق الزوج بخلافها في عدة وطء الشبهة لأنها تصير بذلك فراشا لغير السيد
( ولو مضت مدة استبراء على مستولدة ثم أعتقها ) سيدها ( أو مات ) عنها وهي غير مزوجة ( وجب ) عليها الاستبراء ( في الأصح ) ولا تعتد بما مضى كما لا تعتد بما تقدم من الأقراء على الطلاق
والثاني لا يجب لحصول البراءة
( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( ولو استبرأ ) السيد ( أمة موطوءة ) غير مستولدة ( فأعتقها لم يجب ) عليها استبراء ( وتتزوج في الحال ) عقب عتقها ( إذ لا تشبه منكوحة والله أعلم ) لأن فراشها لا يزول بالاستبراء اتفاقا بدليل أنها لو أتت بولد بعده بستة أشهر لم يلحقه بخلاف المستولدة فإن فيها قولين كما حكاه الرافعي عن الأئمة
( ويحرم تزويج أمة موطوءة ) بغير استيلاد سواء وطئها المالك أو ملكها من جهته ولم يكن استبرأها ( ومستولدة قبل الاستبراء لئلا يختلط الماءان ) فإن قيل قد مر أنه يسن للمالك استبراء الأمة الموطوءة للبيع فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن مقصود التزويج الوطء فينبغي أن يستعقب الحال بخلاف البيع نعم لو زوجها ممن وطئها لم يجب استبراء كما لا يجوز لواطىء امرأة أن يتزوجها في عدته
( ولو أعتق مستولدة فله نكاحها بلا استبراء في الأصح ) كما لا يجوز أن ينكح المعتدة منه لأن الماء الواحد
والثاني لا لأن الإعتاق يقتضي الاستبراء فيتوقف نكاحه عليه كتزويجها لغيره
( ولو أعتقها ) سيدها ( أو مات ) عنها ( وهي ) في الصورتين ( مزوجة ) أو معتدة ( فلا استبراء ) يجب عليها لأنها ليست فراشا له بل للزوج فهي كغير الموطوءة ولأن الاستبراء لحل الاستمتاع وهما مشغولتان بحق الزوج بخلافهما في عدة وطء شبهة لقصورها عن دفع الاستبراء الذي هو مقتضى العتق والموت ولأنهما لم يصيرا بذلك فراشا لغير السيد
فرع لو مات سيد المستولدة المزوجة ثم مات زوجها أو ماتا معا اعتدت كالحرة لتأخر سبب العدة في الأولى واحتياطا لها في الثانية ولا استبراء عليها لأنها لم تعد إلى فراش السيد
وإن تقدم موت الزوج موت سيدها اعتدت عدة أمة ولا استبراء عليها إن مات السيد وهي في العدة كما مر فإن مات بعد فراغ العدة لزمها الاستبراء لعودها فراشا له عقب العدة
وإن مات أحدهما قبل الآخر ولم يعلم السابق منهما أو لم يعلم هل ماتا معا أو مرتبا نظرت فإن كان بين موتهما شهران وخمسة أيام بلياليها فما دونها لم يلزمها استبراء لأنها تكون عند موت السيد الذي يجب الاستبراء بسببه زوجة إن مات السيد أولا أو معتدة إن مات الزوج أولا ولا استبراء عليها في الحالين كما مر ويلزمها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر من موت الثاني لاحتمال أن يكون موت السيد أولا فتكون حرة عند موت الزوج وإن كان أكثر من ذلك أو جهل قدره لزمها الأكثر من عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشر ومن حيضه لاحتمال تقدم موت
____________________
(3/410)
الزوج فتكون عند موت السيد فراشا له فيلزمها الاستبراء ويحتمل تقدم موت السيد فتكون عند موت الزوج حرة فيلزمها العدة فوجب أكثرهما لتخرج عما عليها بيقين
( وهو ) أي قدر الاستبراء يحصل لذات أقراء ( بقرء وهو حيضة كاملة ) بعد انتقال الملك إليه ( في الجديد ) للخبر السابق فلا تكفي بقية الحيضة التي وجد السبب في أثنائها
وتنتظر ذات الأقراء الكاملة إلى سن اليأس كالمعتدة وفي القديم وحكي عن الإملاء أيضا وهو من الجديد أنه الطهر كما في العدة
وأجاب الأول بأن العدة تتكرر فيها الأقراء كما مر فتعرف براءة الرحم بالحيض المتخلل بينها وهنا لا يتكرر فيعتمد الحيض الدال على البراءة
وإنما لم يكتف ببقية الحيضة كما اكتفي ببقية الطهر في العدة لأن بقية الطهر تستعقب الحيضة الدالة على البراءة وهذا يستعقب الطهر ولا دلالة على البراءة
( وذات أشهر ) من صغير وغيرها يحصل استبراؤها ( بشهر ) فقط فإنه كقرء في الحرة فكذا في الأمة
( وفي قول ) يحصل استبراؤها بثلاثة من أشهر نظرا لأن الماء لا يظهر أثره في الرحم في أقل من ثلاثة أشهر وجرى على ذلك صاحب التنبيه
والمتحيرة تستبرأ بشهر أيضا على الأول
( و ) أمة ( حامل مسبية ) وهي التي ملكت بالسبي لا بالشراء ( أو ) أمة حائل غير مسبية ولكن ( زال عنها فراش سيد ) لها بعتقه لها أو موته يحصل استبراؤها ( بوضعه ) أي الحمل في الصورتين للخبر السابق
( وإن ملكت ) حامل ( بشراء ) أو نحوه وهي في نكاح أو عدة ( فقد سبق ) عند قوله ولو ملك مزوجة أو معتدة ( أن لا استبراء في الحال ) وأنه يجب بعد زوالها في الأظهر فلا يكون الاستبراء هنا بالوضع لأنه إنما غير واجب أو مؤخر عن الوضع
( قلت يحصل ) الاستبراء ( بوضع حمل ) أمة من ( زنا في الأصح والله أعلم ) لعموم الحديث السابق ولأن المقصود معرفة براءة الرحم وهي حاصلة به
والثاني لا يحصل الاستبراء به كما لا تنقضي به العدة
وأجاب الأول بأن العدة مختصة بالتأكيد بدليل اشتراط التكرار فيها دون الاستبراء ولأن العدة حق الزوج وإن كان فيها حق لله تعالى فلا يكتفي بوضع حمل غيره بخلاف الاستبراء الحق فيه لله تعالى
تنبيه يكتفي بحيضة في الحامل من زنا لأن حمل الزنا لا حرمة له
قال الزركشي أخذا بكلام غيره والظاهر أن الحمل الحادث من الزنا كالمقارن لأنهم اكتفوا بالحيض الحادث لا بالمقارن واكتفوا بالحمل المقارن فبالحادث أولى
قال وقد يفهم من كلامهم أنها لو كانت من ذوات أشهر وحملت من الزنا لم يحصل الاستبراء بمضي شهر والمجزوم به في العدة حصوله بمضي الأشهر لأن حمل الزنا كالعدم اه
وهو كلام جيد وإن قال بعضهم إنه إنما يكون كالعدم في العدة
فإن قيل كيف يصح كلامه بأن الحادث كالمقارن مع قوله إنه يحصل بشهر مع وجوده أجيب بأن ذلك يتصور باستمرار خيار المجلس حتى تضع فيه فإن الاستبراء إنما يعتبر بعد انقضاء الخيار كما سيأتي على الأثر
( ولو مضى زمن استبراء ) على أمة ( بعد الملك وقبل القبض حسب ) زمنه ( إن ملك ) ها ( بإرث ) لأن الملك به مقبوض حكما وإن لم يحصل القبض حسا بدليل صحة بيعه
تنبيه قول ابن الرفعة محله أن تكون مقبوضة للموروث أما لو ابتاعها ثم مات قبل قبضها لم يعتد باستبراء إلا بعد أن يقبضها الوارث مبني على ضعيف كما يعلم من قول المصنف ( وكذا شراء ) ملكت به الأمة ونحوه من المعارضات بعد لزومها فإنه كملك الأمة بإرث ( في الأصح ) لأن الملك لازم فأشبه ما بعد القبض
والثاني لا يحسب لعدم استقرار الملك
أما إذا جرى الاستبراء في زمن الخيار فإنه لا يعتد به إن قلنا الملك للبائع أو موقوف وكذا للمشتري على الأصح لضعف الملك فلو قيد المصنف الملك بالتام لخرجت هذه الصورة
فإن قيل قد سبق في باب الخيار إن الخيار
____________________
(3/411)
إذا كان للمشتري فقط أنه يحل له وطؤها ويلزم من حله الاعتداد بالاستبراء في زمن الخيار
أجيب بأن المراد بالحل هناك ارتفاع التحريم المستند لضعف الملك وانقطاع سلطنة البائع فيما يتعلق بحقه وإن بقي التحريم المستند لضعف الملك وانقطاع التحريم لمعنى آخر وهو الاستبراء وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب الخيار
( لا هبة ) جرى الاستبراء بعد عقدها وقبل قبضها فلا يعتد به لتوقف الملك فيها على القبض كما مر في بابها
فإن قيل إن عبارة المصنف توهم أن هذه الصورة من صور الاستبراء بعد الملك وقبل القبض وقد تقدم أنها لا تملك إلا بالقبض
أجيب بدفع ذلك إذ شرط العطف ب لا أن يكون ما بعدها غير صادق على ما قبلها كما قاله السهيلي وتقدمت الإشارة إلى ذلك في قول المتن في كتاب الطهارة
وقيل طاهر لا طهور
تنبيه الأمة الموصى بها إذا مضى زمن الاستبراء بعد موت الموصي وبعد قبول الموصى له يحسب كما في الإرث وكذا بعد موت الموصي وقبل قبول الموصي له كما قاله الرافعي
فإن قيل هلا كان ذلك كمغيبها في مدة خيار المشتري وهو لا يحصل كما مر أجيب بأن الملك في الموصى بها بعد الموت أقوى من ملك المشتري لها في زمن الخيار
ثم أشار المصنف رحمه الله تعالى لقاعدة وهي أن كل استبراء لا يتعلق به استباحة وطء لا يعتد به بقوله ( ولو اشترى ) أمة ( محبوسة ) أو نحوها كمرتدة
( فحاضت ) أو وجد منها ما يحصل به الاستبراء من وضع حمل أو مضي شهر لغير ذوات الأقراء ( ثم أسلمت ) بعد انقضاء ذلك أو في أثنائه ( لم يكف ) هذا الاستبراء في الأصح لأنه لا يستعقب حل الاستمتاع الذي هو القصد في الاستبراء
والثاني يكتفي بذلك لوقوعه في الملك المستقر
تنبيه يلتحق بشراء المجوسية ونحوها ما لو اشترى العبد المأذون جارية وكان عليه دين فإنه لا يجوز للسيد وطؤها ولو مضت مدة الاستبراء فإذا زال الدين بقضاء أو إبراء لم يكف ما حصل من الاستبراء قبله في الأصح
وهل يعتد باستبراء المرهونة فلا تجب إعادته بعد انفكاك الرهن أو لا جرى ابن المقري على الأول تبعا للروياني وجرى الأذرعي وغيره على الثاني تبعا لابن الصباغ وهو أوجه إذا تعلق الغرماء بما في يد العبد إن لم ينقص عن تعلق حق المرتهن لا يزيد عليه
( ويحرم الاستمتاع بالمستبرأة ) قبل انقضاء الاستبراء بوطء لما مر وغيره كقبلة ونظر بشهوة قياسا عليه لأنه يؤدي إلى الوطء المحرم وإذا طهرت من الحيض على ما عدا الوطء على الصحيح وبقي تحريم الوطء إلى الاغتسال
( إلا ) مستبرأة ( مسبية ) وقعت في سهمه من الغنيمة ( فيخل ) له منها ( غير وطء ) من أنواع الاستمتاعات لمفهوم الخبر السابق ولما روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال وقعت في سهمي جارية من سبي جلولاء فنظرت إليها فإذا عتقها مثل إبريق الفضة فلم أتمالك أن قبلتها والناس ينظرون ولم ينكر علي أحد من الصحابة وجلولاء بفتح الجيم والمد قرية من نواحي فارس والنسبة إليها جلولي على غير قياس فتحت يوم اليرموك سنة سبع عشرة من الهجرة فبلغت غنائمها ثمانية عشر ألف ألف
وفارقت المسبية غيرها بأن غايتها أن تكون مستولدة حربي وذلك لا يمنع الملك وإنما حرم وطؤها صيانة لمائه لئلا يختلط بماء حربي لا لحرمة ماء الحربي
( وقيل لا ) يحل الاستمتاع بالمسبية أيضا كغيرها وهو ما نص عليه في الأم كما حكاه في المهمات
والمشتراة من حربي كالمسبية كما قاله صاحب الاستقصاء إلا أن يعلم أنها انتقلت إليه من مسلم أو ذمي ونحوه والعهد قريب وخرج بالاستمتاع الاستخدام فلا يحرم ولا يفهم من تحريم الاستمتاع تحريم الخلوة بها ويدل له قولهم ولا تزال يد السيد عن أمته المستبرأة مدة الاستبراء وإن كانت حسناء بل هو مؤتمن فيه شرعا لأن سبايا أوطاس لم ينتزعن من أيدي أصحابهن
فإن وطئها السيد قبل الاستبراء أو في أثنائه لم ينقطع الاستبراء وإن أثم به فإن حبلت منه قبل الحيض بقي التحريم حتى تضع أو في أثنائه حلت بانقطاعه لتمامه
قال الإمام هذا إن مضى قبل وطئه أقل الحيض وإلا فلا تحل حتى يضع كما لو أحبلها قبل الحيض اه
وهو حسن
( وإذا قالت ) أمة في زمن استبرائها ( حضت صدقت ) بلا يمين لأنه لا يعلم
____________________
(3/412)
إلا منها غالبا وإنما لم تحلف لأنها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف لأنه لا يطلع عليه
( ولو منعت السيد ) الوطء ( فقال ) لها أنت ( أخبرتني بتمام الاستبراء صدق ) السيد في تمامه لأن الاستبراء مفوض إلى أمانته فيحل له وطؤها قبل غسلها
تنبيه قضية كلامه تصديقه بلا يمين والذي صححه في زيادة الروضة أن لها تحليفه قال وعليها الامتناع باطنا من تمكينه إن تحققت بقاء شيء من زمن الاستبراء وإن أبحناها له في الظاهر
فرعان لو ادعى السيد حيضها فأنكرت صدقت كما جزم به الإمام
ولو ورثت أمة فادعت أنها حرام عليه بوطء مورثه فأنكر صدق بيمينه
( ولا تصير أمة فراشا ) لسيدها ( إلا بوطء ) لا بمجرد الملك بالإجماع كما نقله الشيخ أبو حامد بمجرد الخلوة بها حتى إذا ولدت للإمكان من الخلوة بها لحقه وإن لم يعترف بالوطء لأن مقصود النكاح التمتع والولد فاكتفي فيه بالإمكان من الخلوة وملك اليمين قد يقصد به التجارة والاستخدام فلا يكتفي فيه بالإمكان من الوطء
ويعلم الوطء بإقراره به أو بالبينة على الوطء أو على إقراره
تنبيه شمل إطلاقه الوطء في الدبر وقد اضطرب فيه كلامهما فصححا في آخر هذا الباب أنه لا يلحقه وصححا في الباب التاسع من كتاب النكاح اللحوق وكذا في كتاب الطلاق واللعان والأوجه عدم اللحوق فقد قال الإمام القول باللحوق ضعيف لا أصل له وهو يرد على من جمع بينهما بحمل ما هنا على الأمة وما في النكاح على الحرة
ثم أشار لفائدة كون الأمة فراشا بقوله ( فإذا ولدت للإمكان من وطئه ) أي السيد ( لحقه ) الولد وإن لم يعترف به لثبوت الفراش بالوطء لأنه صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بزمعة من غير إقرار منه ولا من وارثه بالاستيلاد وقال الولد للفراش وللعاهر أي الزاني الحجر أي الرجم إذا كان محصنا كما مر
وفي معنى الوطء ما إذا استدخلت ماءه المحترم
( ولو أقر ) السيد ( بوطء ) لأمته ( ونفى الولد ) منها ( وادعى ) بعد وطئها ( استبراء ) منها بحيضة كاملة وأتى الولد لستة أشهر فأكثر منها إلى أربع سنين ( لم يلحقه ) الولد ( على المذهب ) المنصوص وفي قول يلحقه تخريجا من نصه فيما إذا طلق زوجته ومضت ثلاثة أقراء ثم أتت بولد يمكن أن يكون منه فإنه يلحقه
وأجاب الأول بأن فراش النكاح أقوى من فراش التسري إذ لا بد فيه من الإقرار بالوطء أو بالبينة عليه وقد عارض الوطء هنا الاستبراء فلا يترتب عليه للحوق ولا بد من حلفه مع دعوى الاستبراء لأجل حق الولد
أما إذا أتى الولد لأقل من ستة أشهر من الاستبراء فيلحقه للعلم بأنها كانت حاملا حينئذ
تنبيه وقع في أصل الروضة هنا أن له نفيه حينئذ باللعان قال على الصحيح كما سبق في اللعان اه
ونسب في ذلك للسهو فإن السابق هناك تصحيح المنع وهو كذلك هنا في كلام الرافعي
( فإن أنكرت ) الأمة ( الاستبراء حلف ) بضم أوله بخطه أي السيد على الصحيح ويكفي فيه ( أن الولد ليس منه ) وإن لم يتعرض للاستبراء كما في نفي ولد الحرة
وهل يقول في حلفه استبرأتها قبل ستة أشهر من ولادتها هذا الولد أو يقول ولدته بعد ستة أشهر من استبرائي فيه وجهان ويظهر أنه يكفي كل منهما
( وقيل يجب ) مع حلفه المذكور ( تعرضه للاستبراء ) أيضا ليثبت بذلك دعواه
فرع لو وطىء أمته واستبرأها ثم أعتقها ثم أتت بولد لستة أشهر من العتق لم يلحقه
( ولو ادعت ) الأمة ( استيلادا فأنكر ) السيد ( أصل الوطء وهناك ولد لم يحلف ) سيدها ( على الصحيح ) لموافقته للأصل من عدم
____________________
(3/413)
الوطء وكان الولد منفيا عنه وإنما حلف في الصورة السابقة لأنه سبق منه الإقرار بما يقتضي ثبوت النسب فلا معنى للتحليف
والثاني يحلف أنه ما وطئها لأنه لو اعترف ثبت النسب فإذا أنكر حلف
وخرج بقوله وهناك ولد ما إذا لم يكن فإنه لا يحلف جزما كما قالاه تبعا للإمام
تنبيه أفهم كلامه صحة دعوى الأمة الاستيلاد وهو كذلك في الأصح
( ولو قال ) سيد الأمة ( وطئتها وعزلت ) وقت الإنزال مائي عنها ( لحقه ) الولد ( في الأصح ) لأن الماء سباق لا يدخل تحت
الاختيار فيسبقه إلى الرحم وهو لا يحس به ولأن أحكام الوطء لا يشترط فيها الإنزال
والثاني لا يلحقه كدعوى الاستبراء
خاتمة لو كان السيد مجبوب الذكر باقي الأنثيين وأتت بولد لم يلحقه لانتفاء فراش الأمة لأنه إنما يثبت بما مر وهو منتف هنا
وقول البلقيني الأقرب عندي أنه يلحقه إلا أن ينفيه باليمين ممنوع أو محمول على ما إذا استدخلت ماءه
ولو اشترى زوجته وأتت بولد يمكن كونه من النكاح والملك بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من الوطء بعد الشراء وأقل من أربع سنين من النكاح لم تصر أم ولد لانتفاء لحوقه بملك اليمين إلا إن أقر بوطء بعد الملك بغير دعوى استبراء يمكن حدوث الولد بعده بأن لم يدعه أو ادعاء وولدت لدون ستة أشهر من الاستبراء فتصير أم ولد للحكم بلحوقه بملك اليمين ولا يمنع من ذلك احتمال كونه من النكاح إذ الظاهر في ذلك أنه من ملك اليمين
ولو زوج أمته فطلقت قبل الدخول وأقر السيد بوطئها فولدت ولدا لزمن يحتمل كونه منهما لحق السيد عملا بالظاهر وصارت أم ولد للحكم بلحوق الولد بملك اليمين
كتاب الرضاع هو بفتح الراء ويجوز كسرها وإثبات التاء معهما لغة اسم لمص الثدي وشرب لبنه وشرعا اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في معدة طفل أو دماغه
والأصل في تحريمه قبل الإجماع الآية والخبر الآتيان
وإنما جعل الرضاع سببا للتحريم لأن جزء المرضعة وهو اللبن صار جزءا للرضيع باغتذائه به فأشبه منيها في النسب وتقدمت الحرمة به في باب ما يحرم من النكاح والكلام الآن في بيان ما يحصل به وحكم عروضه بعد النكاح وغيرهما مما سيأتي
وأركانه ثلاثة مرضع ولبن ورضيع
وبدأ بالركن الأول فقال ( إنما يثبت ) بالنسبة لأحكامه الآتية من تحريم النكاح وثبوت المحرمية المفيدة جواز النظر والخلوة وعدم نقض الوضوء بالمس لا بالنسبة لإرث ونفقة وعتق بملك وسقوط قود ورد شهادة وغيرها من أحكام النسب المختصة به
( بلبن امرأة ) آدمية خلية أو مزوجة ( حية ) حياة مستقرة حال انفصاله منها ( بلغت تسع سنين ) قمرية تقريبا وإن لم يحكم ببلوغها بذلك
فخرج باللبن غيره كأن امتص من الثدي دما أو قيحا وبامرأة ثلاثة أمور أحدها الرجل فلا يثبت بلبنه على الصحيح لأنه ليس معدا للتغذية فلم يتعلق به التحريم كغيره من المائعات لكن يكره له ولفرعه نكاح من ارتضعت منه كما نص عليه في الأم والبويطي
ثانيها الخنثى المشكل والمذهب توقفه إلى البيان فإن بانت أنوثته حرم وإلا فلا وإن مات قبله لم يثبت التحريم فللرضيع نكاح أم الخنثى ونحوها كما نقله الأذرعي عن المتولي وأقراه
ثالثها البهيمة فلو ارتضع صغيران من شاة مثلا لم يثبت بينهما أخوة فتحل مناكحتهما لأن الأخوة فرع الأمومة فإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع
وبآدمية ولو عبر بها بدل المرأة كما عبر به الشافعي لكان أولى واستغنى عما قدرته في كلامه الجنية إن تصور رضاعها بناء على عدم صحة تناكحهم وهو الراجح كما مر لأن الرضاع تلو النسب بدليل يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والله قطع
____________________
(3/414)
النسب بين الجن والإنس قاله الزركشي
وب الحية لبن الميتة فإنه لا يحرم لأنه من لبن جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة
وقيل يحرم وبه قال الأئمة الثلاثة لأن المعنى الذي يقع به التحريم هو اللبن ولا يقال مات اللبن بموتها لأن اللبن لا يموت غير أنه في ظرف ميت فهو كابن آدمية حية جعل في سقاء طاهر أو نجس على القول بنجاسته
و بحياة مستقرة من انتهت إلى حركة مذبوح لأنها كالميتة
و ببلغت إلى آخره ما إذا لم تبلغ ذلك فإن لبنها لا يحرم لأنه فرع الحمل والحمل لا يتأتى فيما دون ذلك فكذا فرعه بخلاف من بلغت ذلك وإن لم يحكم ببلوغها كما مر فاحتمال البلوغ قائم والرضاع تلو النسب كما مر فاكتفي فيه بالاحتمال
تنبيه أفهم اقتصاره على ما ذكر أنه لا يشترط الثيوبة وهو الأصح المنصوص وقيل يشترط لأن لبن البكر نادر فأشبه لبن الرجل
( ولو حلبت ) لبنها قبل موتها وفيها حياة مستقرة ( فأوجر ) بضم أوله طفل ( بعد موتها حرم في الأصح ) لانفصاله منها وهو حلال محترم كذا عللوا به وهو يقتضي أنه بعد الموت ليس بحلال لكن معناه أنه لا حرمة له وإلا فهو حلال بعد موتها أيضا كما مر في باب النجاسة
وصورة المسألة أن ترضعه أربع رضعات في الحياة ثم تحلب شيئا فيوجر بعد موتها أو تحلب في خمس آنية ثم يوجر بعد موتها في خمس دفعات فإنه يحرم كما سيأتي
والثاني لا يحرم لبعد إثبات الأمومة بعد الموت
تنبيه قوله حرم بحاء وراء مشددة مفتوحتين هنا وفيما بعد
وقوله في الأصح مخالف لتعبير الروضة بالصحيح المنصوص
ثم شرع في الركن الثاني وهو اللبن ولا يشترط بفاء اسمه لبنا فقال ( ولو جبن ) أو جعل منه أقط ( أو نزع منه زبد ) أو عجن به دقيق وأطعم الطفل من ذلك ( حرم ) لحصول التغذي به
تنبيه عبارته صادقة بإطعام الزبد نفسه وباللبن الذي نزع زبده وكل منهما محرم
( ولو خلط ) اللبن ( بمائع ) طاهر كماء أو نجس كخمر ( حرم إن غلب ) بفتح الغين المعجمة على المائع بظهور أحد صفاته من طعم أو لون أو ريح إذ المغلوب كالمعدوم وسواء أشرب الكل أم البعض
( فإن غلب ) بضم أوله بأن زالت أوصافه الثلاثة حسا وتقديرا ( وشرب ) الرضيع ( الكل ) حرم
( قيل أو ) شرب ( البعض حرم ) أيضا ( في الأظهر ) لوصول اللبن إلى الجوف
وليس كالنجاسة المستهلكة في الماء الكثير حيث لا يؤثر فإنها تجتنب للاستقذار وهو مندرج بالكثرة ولا كالخمر المستهلكة في غيرها حيث لا يتعلق بها حد فإن الحد منوط بالشدة المزيلة للعقل
والثاني لا يحرم لأن المغلوب المستهلك كالمعدوم
والأصح أن شرب البعض لا يحرم لانتفاء تحقق وصول اللبن منه إلى الجوف فإن تحقق كأن بقي من المخلوط أقل من قدر اللبن حرم جزما
تنبيه يشترط كون اللبن قدرا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد كما حكياه عن السرخسي وأقراه
ومحل الخلاف ما إذا شرب من المختلط خمس دفعات أو كان حلب في خمس آنية كما مر أو شرب منه دفعة بعد أن سقي اللبن الصرف أربعا فإن زالت الأوصاف الثلاثة اعتبر قدر اللبن بماء له لون قوي يستولي على الخليط فإن كان ذلك القدر منه يظهر في الخليط ثبت التحريم وإلا فلا
وقد يفهم تقييده بالمائع أن خلطه بالجامد لا يحرم وليس مرادا فقد مر أنه لو عجن به دقيق حرم
وسكت عن استواء الأمرين وحكمه يؤخذ من الثانية بطريق الأولى
ولبن المرأتين المختلط يثبت أمومتهما
وفي المغلوب من اللبنين التفصيل المذكور فيثبت الأمومة الغالبة اللبن وكذا لمغلوبته بشرطه السابق
ولا يضر في التحريم غلبة الريق لقطرة اللبن الموضوعة في الفم إلحاقا بالرطوبات في المعدة
( ويحرم ) براء مشددة مكسورة ( إيجار ) وهو صب اللبن في الحلق لحصول التغذية به كالارتضاع
تنبيه قضية إطلاقه التحريم بمجاوزة اللبن الحلق وإن لم يصل المعدة كما يفطر بمثله الصائم وليس مرادا فقد اعتبر في المحرر الوصول إلى المعدة وجريا عليه في الشرح والروضة فلو تقايأه قبل وصوله إليها لم يحرم
( وكذا إسعاط )
____________________
(3/415)
وهو صب اللبن في الأنف ليصل الدماغ يحرم أيضا ( على المذهب ) لحصول التغذي بذلك لأن الدماغ جوف له كالمعدة
والطريق الثاني فيه قولان كالحقنة المذكورة في قوله ( لا حقنة ) وهي ما يدخل في الدبر أو القبل من دواء فلا يحرم ( في الأظهر ) لانتفاء التغذي لأنها لإسهال ما انعقد في المعدة
والثاني تحرم كما يحصل بها الفطر
ودفع بأن الفطر يتعلق بالوصول إلى جوف وإن لم يكن معدة ولا دماغا بخلافه هنا ولهذا لم يحرم التقطير في الأذن أو الجراحة إذا لم يصل إلى المعدة ولا بد أن يكون من منفذ مفتوح فلا يحرم وصوله إلى جوف أو معدة بصبه في العين بواسطة المسام
ثم شرع في الركن الثالث وهو الرضيع فقال ( وشرطه ) أي ركنه ( رضيع ) وله شروط شرع في ذكرها بقوله ( حي ) حياة مستقرة فلا أثر لوصول اللبن إلى جوف الميت بالاتفاق لخروجه عن التغذية ونبات اللحم وكذا إذا انتهى إلى حركة مذبوح فإن حكمه حكم الميت
تنبيه لو قال المصنف وشرطه حياة رضيع لاستغنى عما قدرته
( لم يبلغ سنتين ) بالأهلة فإن انكسر الشهر الأول ثم عدده ثلاثين من الشهر الخامس والعشرين فإن بلغهما لم يحرم ارتضاعه لقوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } جعل تمام الرضاعة في الحولين فأفهم بأن الحكم بعد الحولين بخلافه ولخبر لا رضاع إلا ما كان في الحولين رواه الدارقطني وغيره وما في مسلم أن امرأة أبي حذيفة قالت يا رسول الله إن سالما يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضعيه أي خمس رضعات حتى يدخل عليك فهو رخصة خاصة بسالم كما قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه
وقال ابن المنذر ليس يخلو أند يكون منسوخا أو خاصا بسالم كما قالت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهن بالخاص والعام والناسخ والمنسوخ أعلم
تنبيه ابتداء الحولين من تمام انفصال الرضيع كما في نظائره فإن ارتضع قبل تمامه لم يؤثر وقول الزركشي والأشبه ترجيح التأثير لوجود الرضاع حقيقة وهو قياس ما صححه فيمن انفصل بعضه فحز جان رقبته وهو حي من أنه يضمن بالقود أو الدية وعليه تحسب المدة من حين ارتضع ممنوع لما فيه من ارتكاب إحداث قول ثالث إذ المحكي في ابتداء المدة وجهان ابتداء الخروج وانتهاؤه وبذلك فارق مسألة الحز مع أنها خارجة عن نظائرها على اضطراب فيها استصحابا للضمان في الجملة إذ الجنين يضمن بالغرة
وكلام المصنف يقتضي أنه لو تم الحولان في الرضعة الأخيرة لا تحريم وهو ظاهر نص الأم وغيره ولكن المذهب كما في التهذيب وجرى عليه ابن المقري أنه لا يحرم لأن ما يصل إلى الجوف في كل رضعة غير مقدر كما لو قالوا لم يحصل في جوفه إلا خمس قطرات في كل رضعة قطرة حرم
( وخمس رضعات ) لما روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن أي يتلى حكمهن أو يقرؤهن من لم يبلغه النسخ لقربه
وقيل يكفي رضعة واحدة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لعموم قوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم }
وأجاب الأول بأن السنة تثبت كآية السرقة
ولم يأخذ الشافعي رضي الله تعالى عنه في هذا بقاعدته وهي الأخذ بأقل ما قيل لأن شرط ذلك عنده أن لا يجد دليلا سواه والسنة ناصة على الخمس لأن عائشة رضي الله عنها لما أخبرت أن التحريم بالعشرة منسوخ بالخمس دل على ثبوت التحريم بالخمس لا بما دونها ولو وقع التحريم بأقل منها بطل أن يكون الخمس ناسخا وصار منسوخا كالعشر
فإن قيل القرآن لا يثبت بخبر الواحد فلا يحتج به
أجيب بأنه وإن لم يثبته قرآنا بخبر الواحد لكن ثبت حكمه والعمل به فالقراءة الشاذة منزل منزلة الخبر
وقيل يكفي ثلاث رضعات لمفهوم خبر مسلم لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان وإنما قدم مفهوم الخبر الأول على هذا لاعتضاده بالأصل وهو عدم التحريم
ولا يشترط اتفاق صفات الرضعات بل لو أوجر مرة وسعط مرة وارتضع مرة وأكل مما صنع منه مرتين ثبت التحريم
قيل الحكمة في كون التحريم بخمس أن الحواس التي هي سبب الإدراك خمس
____________________
(3/416)
تنبيه ضاد رضعات مفتوحة لما تقرر في علم النحو أن فعلة علما كانت أو مصدرا تفتح عينها في الجمع نحو ظبيات وحسرات وإن كانت صفة سكنت عينها كعصبات
( و ) الخمس رضعات ( ضبطهن بالعرف ) إذ لا ضابط لها في اللغة ولا في الشرع فرجع فيه إلى العرف كالحرز في السرقة فما قضي بكونه رضعة أو رضعات اعتبر وإلا فلا
( فلو قطع ) الرضيع الارتضاع بين كل من الخمس ( إعراضا ) عن الثدي ( تعدد ) عملا بالعرف
قال الأذرعي وفي الصدر حكة من قولهم لو طارت قطرة إلى فيه واختلطت بريقه وعبرته عد رضعة ومثله إسعاط قطرة وقد ضبطوا ذلك بالعرف والظاهر أن أهل العرف لا يعدون هذا رضعة وكيف هذا مع ورود الخبر إن الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم اه
وهذا نظير قولهم في بدو الصلاح يكتفي فيه بثمرة واحدة وفي اشتداد الحب بسنبلة واحدة فحيث لم يكن لها ضابط بقلة ولا بكثرة اعتبرنا أقل ما يقع عليه الاسم
وما أجاب به الغزي من أن أقل الرضعة لا حد له والضبط إنما هو لكثرتها ممنوع
تنبيه كلام المصنف يقتضي أنها لو قطعت عليه المرضعة لشغل وأطالته ثم عاد لم يعتد بذلك رضعة وهو ما جرى عليه صاحب التنبيه
كما لو حلف لا يأكل إلا مرة فقطع عليه إنسان الأكل بغير اختياره ثم عاد وأكل بعد تمكنه لم يحنث
والأصح كما في أصل الروضة أنه يعتد به لأن الرضاع يعتبر فيه فعل المرضعة والرضيع على الانفراد بدليل ما لو ارتضع من امرأة نائمة أو أوجرته لبنا وهو نائم وإذا ثبت ذلك وجب أن يعتد بقطعها كما يعتد بقطعه
( أو ) قطعه ( للهو ) أو نحوه كنومة خفيفة أو تنفس أو ازدراد ما جمعه من اللبن في فمه ( وعاد في الحال ) فلا تعدد بل الكل رضعة واحدة
فإن طال لهوه أو نومه فإن كان الثدي في فمه فرضعة وإلا فرضعتان فتقييد الروضة مسألة للهو ببقاء الثدي في فمه محمول على ما إذا لم يطل فلا يشترط أن يكون الثدي في فمه كما نص عليه في المختصر ويفهمه إطلاق المتن
( أو تحول ) الرضيع بنفسه أو بتحويل المرضعة في الحال ( من ثدي إلى ثدي ) آخر أو قطعته المرضعة لشغل خفيف ثم عادت ( فلا ) تتعدد حينئذ فإن لم تتحول في الحال تعدد الإرضاع
تنبيه محل ما ذكر في المرضعة الواحدة أما إذا تحول من ثدي امرأة إلى ثدي أخرى في الحال فإنه يتعدد في الأصح لأن الرضعة أن يترك الثدي ولا يعود إليه إلا بعد مدة طويلة وقد وجد
فائدة الثدي بفتح الثاء يذكر ويؤنث والتذكير أشهر ويكون للرجل والمرأة ولكن استعماله في المرأة أكثر حتى أن بعضهم خصه بها
( ولو حلب منها ) لبن ( دفعة وأوجره ) أي وصل إلى جوف الرضيع أو دماغه بإيجار أو إسعاط أو غير ذلك ( خمسا ) أي في خمس مرات ( أو عكسه ) بأن حلب منها خمسا وأوجر الرضيع دفعة ( فرضعة ) واحدة في الصورتين اعتبارا في الأولى بحالة الانفصال من الثدي وفي الثانية بحالة وصوله إلى جوفه دفعة واحدة ( وفي قول خمس ) فيهما تنزيلا في الأولى للإناء منزلة الثدي ونظرا في الثانية إلى حالة الانفصال من الثدي
أما لو حلب منهما خمس دفعات وأوجره في خمس دفعات من غير خلط فهو خمس قطعا وإن خلط ثم فرق وأوجره خمس دفعات فخمس على الأصح وقيل واحدة لأنه بالخلط صار كالمحلوب دفعة
تنبيه قوله منها فرض الخلاف في الواحدة فلو حلب خمس نسوة في إناء وأوجره لطفل دفعة واحدة حسب من كل واحدة رضعة وإن أوجره في خمس دفعات فكذلك على الأصح وقيل خمس
( و ) لا بد من تيقن الخمس رضعات وتيقن كون الرضيع قبل الحولين فعلى هذا ( لو شك ) في رضيع ( هل ) رضع ( خمسا أم أقل أو هل رضع في حولين أم بعد ) أي بعد الحولين أو في دخول اللبن جوفه أو دماغه أو في أنه لبن امرأة أو بهيمة أو في أنه حلب في حياتها ( فلا تحريم ) لأن الأصل عدم ما ذكر ولا يخفي الورع
( وفي ) المسألة ( الثانية ) في كلام المصنف ( قول
____________________
(3/417)
أو وجه ) بالتحريم لأن الأصل بقاء الحولين ورجح الشرح الصغير أنه قول
تنبيه كلامه يشعر بأنه لا خلاف في الأولى وهو كذلك
( و ) اعلم أن الحرمة تسري من المرضعة والفحل إلى أصولهما وفروعهما وحواشيهما ومن الرضيع إلى فروعه فقط
إذا علمت ذلك ووجدت الشروط المذكورة فنقول ( تصير المرضعة ) بذلك ( أمه ) بنص القرآن ( والذي منه اللبن ) المحترم وهو الفحل ( أباه وتسري ) أي تنتشر ( الحرمة ) من الرضيع ( إلى أولاده ) فقط كما مر سواء كانوا من النسب أم من الرضاع ولذلك احترز المصنف بقوله أولاده عن آبائه وإخوته فلا تسري الحرمة إليهم فلأبيه وأخيه نكاح المرضعة وبناتها ولزوج المرضعة أن يتزوج بأم الطفل وأخته
قال الجرجاني في المعاياة وإنما كانت الحرمة المنتشرة منها أي المرضعة إليه أي الطفل أعم من الحرمة المنتشرة منه إليها لأن التحريم بفعلها أي غالبا فكان التأثير أكثر ولا صنع للطفل فيه أي غالبا فكان تأثير التحريم فيه أخص اه
ولما كان اللبن للفحل كان كالأم
تنبيه جعل الشارح ضمير أولاده للفحل والأولى عوده للرضيع كما تقرر بل قال ابن قاسم إن ما فعله الشارح سهو
( و ) اعلم أنه لا تلازم بين الأبوة والأمومة فقد توجد الأمومة دون الأبوة كبكر در لها لبن أو ثيب لا زوج لها وقد توجد الأبوة دون الأمومة
إذ علمت ذلك فنقول ( لو كان لرجل خمس مستولدات أو ) له ( أربع نسوة ) دخل بهن ( وأم ولد فرضع طفل من كل رضعة ) ولو متواليا ( صار ابنه في الأصح ) لأن لبن الجميع منه ( فيحرمن عليه ) أي على الطفل ( لأنهن موطوءات أبيه ) لا لكونهن أمهات له
والثاني لا يصير ابنه لأن الأبوة تابعة للأمومة ولم تحصل
( ولو كان ) للرجل ( بدل المستولدات بنات أو أخوات ) فرضع طفل من كل رضعة ( فلا حرمة ) بين الرجل والطفل ( في الأصح ) لأن الجدودة للأم في الصورة الأولى والخؤولة في الصورة الثانية إنما يثبتان بتوسط الأمومة ولا أمومة هنا
والثاني تثبت الحرمة تنزيلا للبنات أو الأخوات منزلة الواحدة أي منزلة ما لو كان له بنت أو أخت أرضعت الطفل خمس رضعات
فرع لو ارتضعت صغيرة تحت رجل من كل من موطوءاته الخمس رضعة واللبن لغيره حرمت عليه قال ابن المقري لكونها ربيبته وأقره شيخنا على ذلك في شرحه وقال نقله الأصل عن ابن القاص اه
وفيه نظر واضح لأن الأمومة لم تثبت فلا تكون ربيبة ولعل هذه مقالة لابن القاص
( وآباء المرضعة من نسب أو رضاع أجداد للرضيع ) كما مر من أن الحرمة تسري إلى أصولها فلو كان الرضيع أنثى حرم عليهم نكاحها
( وأمهاتها ) من نسب أو رضاع ( جداته ) لما مر فلو كان الرضيع ذكرا حرم عليه نكاحهن
( وأولادها من نسب أو رضاع إخوته وأخواته ) لما مر من أن الحرمة تسري إلى فروعها
( وإخوتها وأخواتها ) من نسب أو رضاع ( أخواله وخالاته ) لما مر من أن الحرمة تسري إلى حواشيها فيحرم التناكح بينه وبينهم وكذا بينه وبين أولاد الأولاد بخلاف أولاد الإخوة والأخوات لأنهم أولاد أخواله وخالاته
( وأبو ذي ) أي صاحب ( اللبن جده وأخوه عمه ) أي الرضيع ( وكذا الباقي ) من أقارب صاحب اللبن على هذا القياس فأمه جدته وأولاده إخوته وأخواته أعمامه وعماته لما مر من أن الحرمة تسري إلى أصول صاحب اللبن وفروعه وحواشيه
( واللبن لمن نسب إليه ولد ) أو سقط ( نزل ) أي در
____________________
(3/418)
اللبن ( به بنكاح أو وطء شبهة ) كما في الولد إتباعا للرضاع بالنسب والنسب فيه ثابت فقول ابن القاص تشترط في حرمة الرضاع في حق من ينسب إليه الولد إقراره بالوطء فإن لم يكن ولحقه الولد بمجرد الإمكان لم تثبت الحرمة مخالف لما ذكر ولظاهر كلام الجمهور فالمعتمد خلافه
تنبيه قضية كلام المصنف أنه لو ثار للمرأة لبن قبل أن يصيبها الزوج أو بعد الإصابة ولم تحبل ثبوت حرمة الرضاع في حقها دون الزوج وبه جزم القاضي الحسين فيما قبل الإصابة وقال فيها بعد الإصابة وقبل الحمل المذهب ثبوته في حقها دونه
وقال الشافعي في رواية حرملة ثبت في حقه أيضا لأنه ثور أعضاءها بالوطء والأصح هو الأول اه
قال الزركشي وعليه اقتصر في الكافي ونقله الأذرعي عن فروع ابن القطان ولم يذكر كلام القاضي وصاحب الكافي
فإن قيل كان ينبغي للمصنف أن يقول أو ملك يمين فإن الولد منه كالولد بالنكاح
أجيب بأنه استغنى عنه بما ذكره قبل أن المستولدة كالزوجة
( لا ) بوطء ( زنا ) فلا يحرم على الزاني نكاح صغيرة ارتضعت بلبنه لأنه لا حرمة له لكن يكره له نكاحها كنكاح بنته من الزنا
( ولو نفاه ) أي نفى من نسب إليه الولد ( بلعان انتفى اللبن ) النازل به كالنسب ( عنه ) فلو ارتضعت به صغيرة حلت للنافي ولو عاد واستلحق الولد بعد اللعان لحقه الرضيع أيضا
( ولو وطئت منكوحة ) أي وطئها واحد ( بشبهة أو وطىء اثنان ) امرأة ( بشبهة فولدت ) ولدا ( فاللبن ) النازل به ( لمن لحقه الولد ) منهما إما ( بقائف ) وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى آخر كتاب الدعوى والبينات إن أمكن كونه منهما
( أو ) لمن لحقه الولد بسبب ( غيره ) بأن انحصر الإمكان في واحد منهما أو لم يكن قائف أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو أشكل عليه الأمر وانتسب الولد لأحدهما بعد بلوغه أو بعد إفاقته من جنون ونحوه فالرضيع من ذلك اللبن ولد رضاع لمن لحقه ذلك الولد لأن اللبن تابع للولد
فإن مات الولد قبل الانتساب وله ولد قام مقامه أو أولاد وانتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك دام الإشكال فإن ماتوا قبل الانتساب أو بعده فيما إذا انتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك أو لم يكن له ولد ولا ولد أنتسب الرضيع حينئذ أما قبل انقراض ولده وولد ولده فليس له الانتساب بل هو تابع للولد أو ولده
ولا يجبر على الانتساب بخلاف الولد وأولاده فإنهم يجبرون عليه لضرورة النسب
والفرق أن النسب يتعلق به حقوق له وعليه كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القود ورد الشهادة فلا بد من دفع الإشكال
والمتعلق بالرضاع حرمة النكاح وجواز النظر والخلوة وعدم نقض الطهارة كما مر والإمساك عنه سهل فلم يجبر عليه الرضيع ولا يعرض أيضا على القائف
ويفارق ولد النسب بأن معظم اعتماد القائف على الأشباه الظاهرة دون الأخلاق
وإنما جاز انتسابه لأن الإنسان يميل إلى من ارتضع
( ولا تنقطع نسبة اللبن عن ) صاحبه من ( زوج ) أو غيره ( مات أو ) زوج ( طلق ) وله اللبن ( وإن طالت المدة ) كعشر سنين وله لبن ارتضع منه جمع بترتيب ( أو انقطع ) اللبن ( وعاد ) إذ لم يحدث ما يحال اللبن عليه إذ الكلام في الحلية فاستمرت نسبته إليه ( فإن نكحت ) بعد موت أو طلاق من ذكر زوجا ( آخر ) أو وطئت بشبهة ( وولدت منه فاللبن بعد الولادة له ) أي للآخر أو للواطىء بشبهة لأن اللبن يتبع الولد والولد للثاني فكذلك اللبن
( وقبلها ) أي الولادة يكون ( للأول إن لم يدخل وقت ظهور لبن حمل الثاني ) لأن الأصل بقاء الأول ولم يحدث ما يغيره وسواء أزاد على ما كان أم لا انقطع ثم عاد أم لا ويرجع في أول مدة يحدث فيها لبن الحمل للقوابل على النص
وقيل إن أول مدته أربعون يوما وقيل أربعة أشهر
( وكذا إن دخل ) وقت ظهور لبن حمل الثاني يكون اللبن أيضا للأول دون الثاني لأن اللبن غذاء للولد لا
____________________
(3/419)
للحمل فيتبع المنفصل
( وفي قول للثاني ) لأن الحمل ناسخ فقطع حكم ما قبله كالولادة
( وفي قول لهما ) معا لأن احتمال الأمرين يوجب تساويهما
تنبيه أطلق القول الثاني ومحله إذا انقطع اللبن مدة طويلة ثم عاد كما في الشرح والروضة أما إذا لم ينقطع أو انقطع مدة يسيرة فليس فيه قول أنه للثاني فقط بل للأول أو لهما أو للأول إن لم يزد ولهما إن زاد
تتمة لو حملت مرضعة مزوجة من زنا فاللبن للزوج ما لم تضع فإذا وضعت كان اللبن للزنا نظير ما لو حملت بغير زنا
ولو نزل لبكر لبن وتزوجت وحبلت من الزوج فاللبن لها لا للزوج ما لم تلد ولا أب للرضيع فإن ولدت منه فاللبن بعد الولادة له
فصل في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح لو كان ( تحته ) زوجة ( صغيرة فأرضعتها ) الإرضاع المحرم ( أمه ) أي الزوج ( أو أخته ) من نسب أو رضاع ( أو زوجة أخرى ) له أو غيرهن ممن يحرم عليه بنتها كزوجة أبيه أو ابنه أو أخيه بلبنهم ( انفسخ نكاحه ) من الصغيرة وحرمت عليه أبدا لأنها صارت أخته أو بنت أخته أو بنت زوجته أو أخته أيضا أو بنت ابنه أو بنت أخيه لأن ما يوجب الحرمة المؤبدة كما يمنع ابتداء النكاح يمنع استدامته بدليل أن الابن إذا وطىء زوجة أبيه بشبهة انفسخ النكاح وحرمت عليه وليس ذلك كطرو الردة والعدة لعدم إيجابهما التحريم المؤبد
أما إذا كان اللبن من غير الأب والابن والأخ فلا يؤثر لأن غايته أن تصير ربيبة أبيه أو ابنه أو أخيه وليست بحرام عليه وانفسخ نكاح زوجته الأخرى أيضا إذا كانت هي المرضعة لأنها صارت أم زوجته
تنبيه قد علم مما تقرر أنه لو عبر بمن يحرم عليه نكاح بنتها لكان أخصر وأشمل
( وللصغيرة ) على الزوج ( نصف مهرها ) المسمى إن كان صحيحا وإلا فنصف مهر مثلها لأنه فراق حصل قبل الدخول لا بسببها فشطر المهر كالطلاق
( وله على المرضعة نصف مهر مثل ) على النص
أما الغرم فلأنها فوتت عليه ملك النكاح سواء أقصدت بإرضاعها فسخ النكاح أم لا تعين عليها لخوف تلف الصغيرة أم لا لأن غرامة المتلفات لا تختلف بهذه الأسباب
وأما النصف فلأنه الذي يغرمه فاعتبر ما يجب له بما يجب عليه
ولو أوجر الصغيرة أجنبي لبن أم الزوج كان الرجوع عليه
ولو أكره أجنبي الأم على إرضاعها فأرضعتها فالغرم عليها طريقا والقرار على المكره ليوافق قاعدة الإكراه على الإتلاف
والفرق بأن الأبضاع لا تدخل تحت اليد وبأن الغرم هنا للحيلولة وهي منتفية في المكره مردود بأن الحر لا يدخل تحت اليد مع دخول إتلافه في القاعدة والقول بأن الغرم هنا للحيلولة يرده ما سيأتي عن قرب من الفرق بين ما هنا وشهود الطلاق إذا رجعوا
( وفي قول ) مخرج من رجوع شهود الطلاق قبل الدخول للزوج على المرضعة المهر ( كله ) وفرق الأول بأن فرقة الرضاع حقيقة فلا توجب إلا النصف كالمفارقة بالطلاق وفي الشهادة النكاح باق بزعم الزوج والشهود ولكنهم بشهادتهم حالوا بينه وبين البضع فغرموا قيمته كالغاصب الحائل بين المالك والمغصوب
تنبيه ما أطلقه المصنف من تغريمه المرضعة محله كما قيده الماوردي بما إذا لم يأذن الزوج لها في الإرضاع فإن أذن لها فلا غرم وأكرهه لها على الرضاع إذن وزيادة
وما ذكر محله في الزوج الحر فلو كان عبدا فأرضعت أمه مثلا زوجته الصغيرة فإنه يؤخذ من كسبه للصغيرة نصف المسمى إن كان صحيحا وإلا فنصف مهر المثل والغرم على المرضعة للسيد وإن كان النكاح لم يفت إلا على العبد ولا حق للسيد فيه لأن ذلك بدل البضع فكان للسيد كعوض الخلع
ومحله أيضا إذا لم تكن المرضعة مملوكة للزوج فإن كانت مملوكته ولو مدبرة ومستولدة فلا رجوع له عليها وإن كانت مكاتبة رجع عليها بالغرم ما لم تعجز
وسكت المصنف عن مهر الكبيرة وحكمه إن كان مدخولا بها فلها المهر وإلا فلا
____________________
(3/420)
فرع لو نكح عبد أمة صغيرة مفوضة بتفويض سيدها فأرضعتها أمة مثلها فلها المتعة في كسبه ولا يطالب سيده المرضعة إلا بنصف مهر المثل وإنما صوروا ذلك بالأمة لأنه لا يتصور في الحرة لعدم المكافأة
( ولو ) دبت صغيرة و ( رضعت ) خمس رضعات ( من ) كبيرة ( نائمة ) أو مستيقظة ساكنة كما صرح به المصنف في زيادة الروضة ( فلا غرم ) على من رضعت منها لأنها لم تصنع شيئا
( ولا مهر للمرتضعة ) لأن الانفساخ حصل بفعلها وذلك يسقط المهر قبل الدخول
ويرجع الزوج في مالها بنسبة ما غرم للكبيرة لأنها أتلفت عليه بضع الكبيرة ولا فرق في غرامة المتلفات بين الكبيرة والصغيرة
فرع لو حملت الريح اللبن من الكبيرة إلى جوف الصغيرة لم يرجع على واحدة منهما إذ لا صنع منهما ولو دبت الصغيرة فارتضعت من أم الزوج أربعا ثم أرضعتها أم الزوج الخامسة أو عكسه اختص التغريم بالخامسة
( ولو كان تحته ) زوجتان ( كبيرة وصغيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة انفسخت الصغيرة ) أي نكاحها لأنها صارت أختا للكبيرة ولا سبيل إلى الجمع بين الأختين
( وكذا الكبيرة ) ينفسخ نكاحها أيضا ( في الأظهر ) لما مر
والثاني يختص الانفساخ بالصغيرة لأن الجمع حصل بإرضاعها ونسبه الماوردي للجديد والأول للقديم
( و ) على الأظهر ( له نكاح من شاء منهما ) على الانفراد لأنهما أختان والمحرم عليه جمعهما
( وحكم مهر الصغيرة ) على الزوج ( وتغريمه المرضعة ) على ( ما سبق ) في إرضاع أم الزوج ونحوها الصغيرة فعليه نصف المسمى الصحيح أو نصف مهر مثل وله على أمها المرضعة نصف مهر المثل وقيل كله ( وكذا الكبيرة إن لم تكن موطوءة ) حكمها في غرم الزوج مهرها وتغريمه المرضعة ما سبق في الصغيرة لاشتراكهما في عدم الوطء فلها عليه نصف المسمى أو مهر المثل وله على أمها المرضعة نصف المهر وفي قول كله
( فإن كانت موطوءة فله على المرضعة مهر مثل في الأظهر ) كما وجب عليه لبنتها المهر بكماله
والثاني لا شيء عليها لأن البضع بعد الدخول لا يتقدر للزوج فإنه قد استوفى بالمسيس ما يقابل المهر
تنبيه احترز ب أم الكبيرة عما لو أرضعت الكبيرة نفسها الصغيرة والكبيرة موطوءة فلا يرجع الزوج عليها بمهر مثلها كما في الروضة وأصلها عن الأئمة لئلا يخلو نكاحها عن مهر فتصير كالموهوبة وذلك من خصائص النبوة
( ولو أرضعت بنت ) زوجته ( الكبيرة ) زوجته ( الصغيرة حرمت الكبيرة أبدا ) لأنها جدة امرأته ( وكذا الصغيرة ) حرمت أبدا ( إن كانت الكبيرة موطوءة ) لأنه ربيبة فإن لم تكن موطوءة لم تحرم الصغيرة لأن الربيبة لا تحرم إلا بالدخول وفي الغرم للصغيرة والكبيرة ما مر
( ولو كان تحته ) زوجة ( صغيرة فطلقها فأرضعتها امرأة صارت أم امرأته ) فتحرم عليه أبدا ولو نظر إلى حصول الأمومة قبل النكاح أو بعده إلحاقا للطارىء بالمقارن كما هو شأن التحريم المؤبد
( ولو نكحت مطلقته ) الحرة ( صغيرا وأرضعته بلبنه حرمت على المطلق والصغير أبدا ) أما المطلق فلأنها صارت زوجة ابنه وأما الصغير فلأنها صارت أمه أو زوجة أبيه فإن كانت المطلقة أمة لم تحرم على المطلق لبطلان النكاح لأن الصغير لا يصح نكاحه أمة فلم تصر حليلة ابنه
____________________
(3/421)
فرع لو فسخت كبيرة نكاح صغير بعيب فيه مثلا ثم تزوجت كبيرا فارتضع الصغير بلبنه منها أو من غيرها حرمت عليهما أبدا لأن الصغير صار ابنا للكبير فهي زوجة ابن الكبير وزوجة أبي الصغير بل أمه إن كان اللبن منها
( ولو زوج ) السيد ( أم ولده عبده الصغير فأرضعته لبن السيد حرمت عليه ) أي العبد أبدا لأنها أمه وموطوءة أبيه ( وعلى السيد ) كذلك لأنها زوجة ابنه
تنبيه هذه المسألة مبنية على أن السيد يجبر عبده الصغير على النكاح ومر في النكاح أن الأظهر أنه لا يجبر فهذا مبني على مرجوح
واحترز بقوله لبن السيد عما لو أرضعته بلبن غيره فإن النكاح ينفسخ لكونها أما له ولا تحرم على السيد لأن الصغير لم يصر ابنا له فلم تكن هي زوجة الابن
( ولو أرضعت موطوءته الأمة ) زوجة ( صغيرة تحته ) أي السيد ( بلبنه أو لبن غيره ) بأن تزوجت غيره أو وطئها بشبهة ( حرمتا ) أي الموطوءة والصغيرة ( عليه ) أي السيد أبدا لصيرورة الأمة أم زوجته والصغيرة بنته إن رضعت لبنه أو بنت موطوءته إن رضعت لبن غيره
( ولو كان تحته صغيرة وكبيرة فأرضعتها ) أي الكبيرة الصغيرة ( انفسختا ) لصيرورة الصغيرة بنتا للكبيرة وامتنع الجمع بينهما
تنبيه هذه المسألة قد تقدمت أول الفصل وذكرت هناك لأجل الغرم وهنا لتأبيد التحريم وعدمه كما قال ( وحرمت الكبيرة أبدا ) لأنها أم زوجته ( وكذا الصغيرة ) حرمت أبدا ( إن كان الإرضاع بلبنه ) لأنها صارت بنته ( وإلا ) بأن كان الإرضاع بلبن غيره ( فربيبة ) له تحرم عليه أبدا إن دخل بالكبيرة وإلا فلا وفي الغرم للصغيرة والكبيرة ما مر فلو كانت الكبيرة أمه غيره تعلق الغرم برقبتها أو أمته فلا شيء عليها إلا إن كانت مكاتبة فعليها الغرم فإن عجزها سقطت المطالبة بالغرم
( ولو كان تحته كبيرة وثلاث صغائر فأرضعتهن معا ) أو مرتبا بلبنه أو لبن غيره ( حرمت ) أي الكبيرة ( أبدا ) لأنها صارت أم زوجاته ( وكذا الصغائر إن أرضعتهن بلبنه ) لأنهن صرن بناته ( أو لبن غيره وهي ) أي الكبيرة ( موطوءة ) له لأنهن صرن بنات زوجته المدخول بها
( وإلا ) بأن لم يكن اللبن له ولم تكن موطوءة له ( فإن أرضعتهن معا بإيجارهن ) الرضعة ( الخامسة انفسخن ) لصيرورتهن أخوات ولاجتماعهن مع الأم في النكاح
تنبيه في معنى إيجارهن الخامسة أن تلقم اثنتين ثدييها وتوجر الثالثة لبنها المحلوب
( ولا يحرمن ) أي الصغائر ( مؤبدا ) لانتفاء الدخول بأمهن فله تجديد نكاح من شاء منهن بلا جمع في نكاح
( أو ) أرضعتهن ( مرتبا لم يحرمن ) مؤبدا لما ذكر
( وتنفسخ الأولى ) أي نكاحها بإرضاعها مع الكبيرة لاجتماع الأم وبنتها في النكاح ولا ينفسخ نكاح الثانية بمجرد إرضاعها إذ لا موجب له
( والثالثة ) أي وينفسخ نكاح الثالثة بإرضاعها لصيرورتها أختا للثانية الباقية في نكاحه
( وتنفسخ الثانية بإرضاع الثالثة ) لأنهما صارتا أختين معا فأشبه ما لو أرضعتهما معا
( وفي قول لا ينفسخ ) نكاح الثانية بل يختص الانفساخ بالثالثة لأن الجمع إنما حصل بها كما لو نكح امرأة على أختها
تنبيه اقتصر المصنف في الترتيب على ما إذا أرضعتهن متعاقبا وبقي في الترتيب حالان أحدهما ترضع ثنتين معا ثم الثالثة فينفسخ نكاح الأولتين مع الكبيرة لثبوت الأخوة بينهما ولاجتماعهما مع الأم في النكاح ولا ينفسخ نكاح الثالثة لانفرادها ووقوع إرضاعها بعد اندفاع نكاح أمها وأختيها
ثانيهما أن ترضع واحدة أولا ثم ثنتين معا
____________________
(3/422)
فينفسخ نكاح الأربع أما الأولى والكبيرة فلاجتماع الأم والبنت في النكاح وأما الأخريان فلأنهما صارتا أختين معا
( ويجري ) هذان ( القولان فيمن تحته ) زوجتان ( صغيرتان أرضعتهما أجنبية مرتبا أينفسخان أم الثانية ) يختص الانفساخ بها فقط والأظهر منهما انفساخهما لما ذكر
وخرج بقوله مرتبا ما إذا أرضعتهما معا فإنه ينفسخ نكاحهما قولا واحدا لأنهما صارتا أختين معا ولا خلاف في تحريم المرضعة على التأبيد لأنها صارت أم زوجته
فصل في الإقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما إذا ( قال ) رجل ( هند ) بالصرف وتركه ( بنتي أو أختي برضاع أو قالت ) امرأة ( هو ) أي زيد مثلا ( أخي ) أو ابن برضاع وأمكن ( حرم تناكحهما ) مؤاخذة لكل منهما بإقراره فإن لم يمكن بأن قال فلانة بنتي وهي أكبر سنا منه فهو لغو
واستغنى المصنف عن ذكر هذا الشرط لأنه قدمه في كتاب الإقرار
ثم إن صدقا حرم تناكحهما ظاهرا وباطنا وإلا فظاهرا فقط
ولو رجع المقر لم يقبل رجوعه وكذا لو أنكرت المرأة رضاها بالنكاح حيث شرط ثم رجعت فيجدد النكاح
( ولو قال زوجان بيننا رضاع محرم ) بشرطه السابق ( فرق بينهما ) عملا بقولهما ( وسقط المسمى ) إذا أضيف الرضاع إلى ما قبل الوطء لفساده لأنه لم يصادف محلا
( ووجب ) لها ( مهر مثل إن وطئ ) ها وهي معذورة بنوم أو إكراه ونحو ذلك فإن لم يطأ أو وطىء بلا عذر لها يجب شيء
أما إذا أضيف الإرضاع إلى ما بعد الوطء فالواجب المسمى
واحترز المصنف بقوله عما لو قال بيننا رضاع واقتصر عليه فإنه يتوقف التحريم على بيان العدد
( وإن ادعى ) الزوج ( رضاعا ) محرما ( فأنكرت ) زوجته ذلك ( انفسخ ) النكاح وفرق بينهما وإن كذبته المرأة التي نسب الإرضاع إليها مؤاخذة بقوله
( ولها المسمى ) إن كان صحيحا وإلا فمهر المثل ( إن وطىء ) لاستقراره بالدخول ( وإلا ) أي وإن لم يطأ ( فنصفه ) لورود الفرقة منه ولا يقبل قوله عليها وله تحليفها قبل دخول وكذا بعده إن كان المسمى أكثر من مهر المثل وإن نكلت حلف الزوج ولزمه مهر مثل فقط بعد الوطء ولا شيء لها عليه قبله
هذا في غير المفوضة أما فيها فلها المتعة ولا مهر لها
( وإن ادعته ) أي الزوجة الرضاع ( فأنكر ) الزوج ذلك ( صدق بيمينه إن زوجت برضاها ) ممن عرفته بعينه بأن عينته في أذنها أو عين لها فسكتت حيث يكفي سكوتها لتضمن رضاها به الإقرار بحلها له فلا يقبل منها نقيضه
وإذا حلف الزوج على نفي الرضاع استمرت الزوجية ظاهرا وعليها منع نفسها منه ما أمكن إن كانت صادقة
وهل تستحق عليه النفقة مع إقرارها بأن النكاح فاسد قال ابن أبي الدم لم أر فيه نقلا والظاهر وجوبها لأنها محبوسة عنده وهو مستمتع بها والنفقة تجب في مقابلة ذلك اه
وهذا هو الظاهر ويؤخذ منه مسألة حسنة وقعت في إفتاء وهي أن شخصا طلب زوجته لمحل طاعته فامتنعت ثم إنه استمر يستمتع بها في المحل الذي امتنعت فيه هل تستحق عليه نفقة أو لا أفتى بعضهم بالاستحقاق وبعضهم بعدمه والأول أظهر
( وإلا ) بأن زوجت بغير رضاها كأن زوجها المجبر لجنون أو بكارة أو أذنت مطلقا ولم تعين الزوج ( فالأصح تصديقها ) بيمينها كما في المحرر هنا والروضة في باب النكاح لاحتمال ما تدعيه ولم يسبق منها ما يناقضه فأشبه ما لو ذكرته قبل النكاح
والثاني يصدق الزوج بيمينه لاستدامة النكاح الجاري على الصحة ظاهرا
تنبيه محل الخلاف إذا لم تمكنه من وطئها مختارة فإن مكنته لم يقبل قولها
( و ) لها في المسألتين ( مهر مثل إن وطئ ) ها جاهلة بالرضاع ثم علمت وادعته سواء أكان مثل المسمى أم دونه وليس لها طلب المسمى لأنها
____________________
(3/423)
لا تستحقه بزعمها
فإن كان الزوج دفعه إليها لم يكن له طلب رده لزعمه أنه لها فإن كان مهر المثل أكثر من المسمى لم تطلب الزوجة الزيادة إن صدقنا الزوج كما قاله الأذرعي وغيره والورع له أن يطلقها طلقة لتحل لغيره إن كانت كاذبة
وقوله ( وإلا ) بأن لم يكن وطىء ( فلا شيء لها ) وهذا غير محتاج إليه ولهذا حذفه المحرر والروضة كأصلها
تنبيه دعوى الزوجة المصاهرة كقولها كنت زوجة أبيه كدعوى الرضاع
فرع يحرم على السيد وطء أمة أقرت بالمراضعة بينه وبينها قبل أن يشتريها أو بعده وقبل التمكن كما جزم به صاحب الأنوار ورجحه ابن المقري ويخالف ذلك كما قاله البغوي ما لو أقرت بأن بينهما أخوة نسب حيث لا يقبل لأن النسب أصل ينبني عليه أحكام كثيرة بخلاف التحريم بالرضاع
ثم شرع في كيفية يمين الرضاع نفيا وإثباتا فقال ( ويحلف منكر رضاع ) من رجل أو امرأة في يمين ( على نفي علمه ) لأنه ينفي فعل الغير ولا نظر إلى فعلها في الارتضاع لأنه كان صغيرا
تنبيه هذا في اليمين الأصلية أما إذا نكل أحدهما وردت اليمين على الآخر فإنه يحلف على البت لأنها مثبتة خلافا للقفال في كونه يحلف على نفي العلم كما هو ظاهر المتن
( و ) يحلف ( مدعيه ) أي الإرضاع من رجل أو امرأة ( على بت ) لأنه حلف على إثبات فعل الغير
وخالف في هذا القفال أيضا وقال يحلف على نفي العلم
( ويثبت ) الرضاع ( بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ) لأن كل ما يقبل فيه النساء الخلص يقبل فيه الرجال والنوعان وهذا ما يثبت بالنساء الخلص كما قال ( وبأربع نسوة ) لاختصاص النساء بالاطلاع عليه غالبا كالولادة
ولا يثبت بدون أربع نسوة إذ كل امرأتين بمثابة رجل
تنبيه حمل شهادة الرجال ما لم يتعمدوا النظر إلى الثدي لغير الشهادة فإن تعمدوا ذلك قال الرافعي لم تقبل شهادتهم لفسقهم ورده في الروضة بأن مجرد النظر صغيرة لا ترد به الشهادة ما لم يصر فاعل ذلك
وقضيته أنه إذا أصر لا تصح شهادته ومحله ما لم تغلب طاعته معاصيه ومحل قبول شهادة النساء إذا كان النزاع في الارتضاع من الثدي أما إذا كان في الشرب أو الإيجار من ظرف فلا تقبل فيه شهادة النساء المتمحضات لأنهن لا اختصاص لهن بالاطلاع عليه ولكن يقبلن في أن لبن الإناء لبن فلانة لأن الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا
( والإقرار به ) أي الرضاع ( شرطه رجلان ) ولا يثبت بغيرهما لاطلاع الرجال عليه غالبا
تنبيه إنما ذكر المصنف هذه المسألة مع أنه ذكرها في الشهادات التي هي محلها تتميما لما يثبت به الرضاع
( وتقبل ) في الرضاع ( شهادة المرضعة ) مع غيرها ( إن لم تطلب أجرة ) عن رضاعها ( ولا ذكر فعلها ) بل شهدت أن بينهما رضاعا محرما مع بقية الشروط الآتية لأنها لا تجر بهذه الشهادة نفعا ولا تدفع ضررا
ولا نظر إلى ما يتعلق به من ثبوت المحرمية وجواز الخلوة والمسافرة فإن الشهادة لا ترد بمثل هذه الأغراض ألا ترى لو شهد أن فلانا طلق زوجته أو أعتق أمته تقبل وإن استفاد حل المناكحة ( وكذا إن ذكرت ) ه أي فعلها ( فقالت أرضعته ) مع بقية الشروط الآتية فإنها تقبل ( في الأصح ) لما مر بخلاف ما إذا طلبت الأجرة فإنها لا تقبل لأنها متهمة
والثاني لا تقبل لذكرها فعل نفسها كما لو شهدت بولادتها
وأجاب الأول بأن الولادة يتعلق بها حتى النفقة والإرث وسقوط القصاص وغيرها فلم تقبل للتهمة بخلاف الرضاع
وتقبل في ذلك أيضا شهادة أم الزوجة وبنتها مع غيرهما حسبة بلا تقدم دعوى لأن الرضاع تقبل فيه شهادة الحسبة كما لو شهد أبوها وابنها أو ابناها بطلاقها من زوجها حسبة
أما لو ادعى أحد الزوجين الرضاع وشهد بذلك أم الزوجة وبنتها أو ابناها فإن كان الزوج صحت الشهادة لأنها شهادة على الزوجة أو هي لم تصح لأنها شهادة لها
فإن قيل كيف يتصور شهادة بينهما بذلك مع أن
____________________
(3/424)
المعتبر في الشهادة في ذلك المشاهدة أجيب بأنها شهدت بأن الزوج ارتضع من أمها أو نحوها
( والأصح أنه لا يكفي ) في الشهادة بالإرضاع أن يقال ( بينهما رضاع محرم ) لاختلاف المذاهب في شروط التحريم ( بل يجب ) مع ذلك ( ذكر وقت ) وقع فيه الإرضاع وهو قبل الحولين في الرضيع وبعد تسع سنين في المرضعة ( و ) ذكر ( عدد ) وهو خمس رضعات ولا بد أن يقول متفرقات لأن غالب الناس كما قال الأذرعي يجهل أن الانتقال من ثدي إلى ثدي أو قطع الرضيع للهو وتنفس ونحوهما وعود مرضعة واحدة
( و ) كذا يجب ذكر ( وصول اللبن جوفه ) في الأصح في كل رضعة كما يشترط ذكر الإيلاج في شهادة الزنا وقيل لا يجب لأنه لا يشاهد
وأجاب الأول بقوله ( ويعرف ذلك ) أي وصول اللبن إلى جوفه ( بمشاهدة ) أي معاينة ( حلب ) بفتح اللام بخطه كما قاله الدميري ورأيته أيضا وهو اللبن المحلوب
وقال الزركشي بسكون اللام قال ابن شهبة وهو المتجه
وقيد في الأم المشاهدة بغير حائل فإن رآه من تحت الثياب لم يكف
( وإيجار ) للبن في الرضيع ( وازدراد ) مع معاينة ذلك ( أو قرائن ) دالة على وصول اللبن جوفه ( كالتقام ) أي كمشاهدة التقام ( ثدي ) بلا حائل كما صرح به القاضي الحسين وغيره
( ومصه وحركة حلقه ) أي الرضيع ( يتجرع وازدراد ) للبن الذي مصه ( بعد علمه ) أي الشاهد ( بأنها ) أي المرضعة ( لبون ) أي ذات لبن كما صرح به في المحرر لأن مشاهدة القرائن قد تفيد اليقين وبتقدير أن لا تفيده فتفيد الظن القوي وذلك تسلط على الشهادة
وأفهم أنه إذا لم يعلم أنها ذات لبن فلا يحل له أن يشهد وهو الأصح لأن الأصل عدم اللبن
ولا يكفي في أداء الشهادة ذكر القرائن بل يعتمدها ويجزم بالشهادة
والمراد أن يعلم أن في ثديها حالة الإرضاع أو قبله لبنا وإلا فقد يعلم أنها لبون ولا يكون في ثديها حينئذ لبن كأن حلبته أو أرضعت غيره ومقابل الأصح أنه يكفي بينهما رضاع محرم
خاتمة لو شهد الشاهد بالرضاع ومات قبل تفصيل شهادته توقف القاضي وجوبا في أحد وجهين هو المتجه وقال شيخنا إنه الأقرب
والإقرار بالرضاع لا يشترط فيه التعرض للشروط من الفقيه الموثوق بمعرفته دون غيره كما استحسنه الرافعي وفرق بين الشهادة والإقرار بأن المقر يحتاط لنفسه فلا يقر إلا عن تحقيق
ولو شهدت امرأة واحدة أو ثنتان بالرضاع استحب للزوج أن يطلقها ويكره له المقام معها
ويسن أن يعطي المرضعة شيئا عند الفصال والأولى عند أوانه فإن كانت مملوكة استحب للرضيع بعد كماله أن يعتقها لأنها صارت أما له ولن يجزي ولد والده إلا بإعتاقه كما ورد به الخبر
كتاب النفقات جمع نفقة من الإنفاق وهو الإخراج ولا يستعمل إلا في الخير ولهذا ترجم المصنف بالنفقات دون الغرامات وجمعها لاختلاف أنواعها
وهي قسمان نفقة تجب للإنسان على نفسه إذا قدر عليها وعليه أن يقدمها على نفقة غيره لقوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ونفقة تجب على الإنسان لغيره
قالا وأسباب وجوبها ثلاثة النكاح والقرابة والملك فالأول والثالث يوجبانها للزوجة والرقيق على الزوج والسيد ولا عكس والثاني يوجبها لكل من القريبين على الآخر لشمول البعضية
وأورد الأسنوي على الحصر في هذه الثلاثة الهدى والأضحية المنذورين فإن نفقتهما على الناذر والمهدي مع انتقال الملك فيهما للفقراء وكذا لو أشهد صاحب حق جماعة على قاض بشيء وخرج بهم للبادية ليؤديها عند قاضي بلد آخر فامتنعوا في أثناء الطريق حيث لا شهود ولا قاض هناك فليس لهم ذلك ولا أجرة
____________________
(3/425)
لهم لأنهم ورطوه لكن تجب نفقتهم وكراء دوابهم كما في أصل الروضة قبيل القسمة عن البغوي وأقره
ونصيب الفقراء بعد الحول وقبل الإمكان تجب نفقته على المالك
وأما خادم الزوجة فلا يرد لأن نفقته من علق النكاح
وبدأ المصنف بنفقة الزوجة لأنها معاوضة في مقابلة التمكين من الاستمتاع ولا تسقط بمضي الزمان فهي أقوى من غيرها
والأصل في وجوبها مع ما يأتي قوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وخبر اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف رواه مسلم وخبر ما حق زوجة الرجل عليه قال تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتست رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده
واستنبط بعضهم نفقة الزوجة من قوله تعالى { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } ولم يقل فتشقيان فدل على أن آدم صلى الله عليه وسلم يتعب لنفقته ونفقتها وبنوهما على سنتهما
ولما أباح الله تعالى للزوج أن يضر المرأة بثلاث ضرائر ويطلقها ثلاثا جعل لها عليه ثلاثة حقوق مؤكدات النفقة والكسوة والإسكان وهو يتكلفها غالبا فكان له عليها ضعف ما لها عليه من الحقوق لضعف عقلها
والحقوق الواجبة بالزوجية سبعة الطعام والإدام والكسوة وآلة التنظيف ومتاع البيت والسكنى وخادم إن كانت ممن تخدم
ورتبها المصنف على هذا الترتيب الواجب الأول الطعام ولما كان يختلف بحسب حال الزوج بين ذلك بقوله يجب ( على موسر ) حر ( لزوجته ) ولو أمة وكتابية ( كل يوم ) بليلته المتأخرة عليه كما صرح به الرافعي في الفسخ بالإعسا ( مدا طعام و ) على ( معسر مد و ) على ( متوسط ) حر ( مد ونصف ) واحتجوا لأصل التفاوت بقوله تعالى { لينفق ذو سعة من سعته }
واعتبر الأصحاب النفقة بالكفارة بجامع أن كلا منهما مال يجب بالشرع ويستقر في الذمة
وأكثر ما وجب في الكفارة لكل مسكين مدان وذلك كفارة الأذى في الحج وأقل ما وجب له مد في نحو كفارة الظهار فأوجبوا على الموسر الأكثر وهو مدان لأنه قدر الموسع على المعسر الأقل وهو مد لأن المد الواحد يكتفي به الزهيد وينتفع به الرغيب وعلى المتوسط ما بينهما لأنه ألزم المدين لضره
ولو اكتفى منه بمد لضرها فلزمه مد ونصف وقيل ونسب للقديم إنها منوطة بالكفاية كنفقة القريب لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لهند خذي ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف قال المصنف في شرح مسلم وهذا الحديث يرد على أصحابنا تقديرهم نفقة الزوجة بالأمداد
قال الأذرعي لا أعرف لإمامنا رضي الله تعالى عنه سلفا في التقدير بالأمداد ولولا الأدب لقلت الصواب أنها بالمعروف تأسيا واتباعا
وأجيب من جهة الأول بأنا لو اعتبرناها بالكفاية كنفقة القريب لسقطت نفقة المريضة ومن هي مستغنية بالشبع في بعض الأيام وليس كذلك فإذا بطلت الكفاية حسن تقريبها من الكفارة
( والمد ) مختلف فيه فقال الرافعي ( مائة وثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم ) بناء على ما صححه في البيان من أن رطل بغداد مائة وثلاثون درهما
وخالفه المصنف فقال ( قلت الأصح مائة وأحد وسبعون ) درهما ( وثلاثة أسباع درهم والله أعلم ) بناء على ما صححه في زكاة النبات من أن رطل بغداد مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم
( ومسكين الزكاة ) وقد مر في قسم الصدقات أنه من قدر على مال أو كسب يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه ( معسر ) لكن قدرته على الكسب لا تخرجه عن الإعسار في النفقة وإن كانت تخرجه عن استحقاق المساكين في الزكاة وقضية ذلك أن القادر على نفقة الموسر بالكسب لا يلزمه كسبها وهو كذلك
تنبيه في كلامه قلب وكان الأولى أن يقول والمعسر هنا مسكين الزكاة وعلم منه أن فقيرها كذلك بطريق الأولى وبه صرح في المحرر
( ومن فوقه ) أي المسكين ( إن كان لو كلف ) إنفاق ( مدين رجع مسكينا فمتوسط وإلا ) بأن لم يرجع مسكينا ( فموسر ) ويختلف ذلك بالرخص والرخاء وقلة العيال وكثرتهم
ولو ادعت الزوجة يسار
____________________
(3/426)
الزوج وأنكر صدق بيمينه إذا لم يعهد له مال وإلا فلا يصدق فإن ادعى تلفه ففيه التفصيل المذكور في الوديعة
أما من فيه رق ولو مكاتبا ومبعضا وإن كثر ماله فمعسر لضعف ملك المكاتب ونقص حال المبعض وعدم ملك غيرهما
فإن قيل إلحاق المبعض بالمعشر مخالف لما ذكروه في الكفارة من أنه يكلف كفارة الموسر وذكروا في نفقة الأقارب نحوه
أجيب بأنهم لو ألحقوه ثم بالمعسر لما صرف شيئا للمساكين ولا أنفق شيئا للأقارب بخلافه هنا فإنه ينفق نفقة المعسر
( والواجب ) في جنس الطعام المذكور ( غالب قوت البلد ) أي بلدهما من حنطة أو شعير أو تمر أو غيرها حتى يجب الأقط واللحم في حق أهل البوادي الذين يعتادونه لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها وقياسا على الفطرة والكفارة فالتعبير بالبلد جرى الغالب
ولو اختلف قوت بلد الزوج والزوجة قال الماوردي إن نزلت عليه في بلده اعتبر غالب قوت بلده وإن نزل عليها في بلدها اعتبر غالب قوت بلدها وإن نزل ببلدة ولم تألف خلاف قوت بلدها قيل لها هذا حقك فأبدليه قوت بلدك إن شئت ولو انتقلا عن بلدهما لزمه من غالب قوت ما انتقلا إليه دون ما انتقلا عنه سواء كان أعلى أم أدنى فإن كان كل واحد ببلد أو نحوها اعتبر محلها كما قال ذلك بعض المتأخرين
( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( فإن اختلف ) قوت البلد ولا غالب فيه أو اختلف الغالب ( وجب لائق به ) أي الزوج لا بها فلو كان يأكل فوق اللائق تكلفا لم تكلفه ذلك أو دونه بخلا أو زهدا وجب اللائق به
( ويعتبر اليسار وغيره ) من توسط وإعسار ( طلوع الفجر ) في كل يوم ( والله أعلم ) اعتبارا بوقت الوجوب حتى لو أيسر بعده أو أعسر لم يتغير حكم نفقة ذلك اليوم وإنما وجب لها ذلك بفجر اليوم لأنها تحتاج إلى طحنه وعجنه وخبزه
تنبيه هذا إذا كانت تمكنه طلوع الفجر أما الممكنة بعده فيعتبر الحال عقب تمكينها
( وعليه ) أي الزوج لزوجته ( تمليكها ) الطعام ( حبا ) سليما لأنه أكمل في النفع من الخبز والدقيق فتتصرف فيه كيف شاءت قياسا على الكفارة وزكاة الفطر
تنبيه قضية تعبيره بالتمليك اعتبار الإيجاب والقبول وليس مرادا بل يكفي أن يسلمه بقصد أداء ما لزمه كسائر الديون من غير افتقار إلى لفظ
ويكفي الوضع بين يديها وهذا إن كانت حرة أما الزوجة الأمة فالدفع لمالكها إلا أن تكون مكاتبة
ولو قال وعليه دفع الحب لسلم من الاعتراضين
( وكذا ) على الزوج أيضا ( طحنه ) وعجنه ( وخبزه في الأصح ) أي عليه مؤنة ذلك ببذل مال أو يتولاه بنفسه أو بغيره كما صرح به في المحرر وإن باعته أو أكلته حبا كما في الوسيط وغيره لأن الحب غالب قوتهم فإن غلب غير الحب كتمر ولحم وأقط فهو الواجب ليس غير لكن عليه مؤنة اللحم وما يطبخ به كما قاله الرافعي ويقابل الأصح لا يلزمه ذلك كالكفارات
وفرق الأول بأنها في حبسه فعليه أن يكفيها مؤنة ذلك بخلاف الكفارة
ولو دفع إليها شيئا فقالت قصدت التبرع وقال بل قصدت أن يكون عن النفقة قال في الاستقصاء صدق بلا يمين كما لو دفع إليها شيئا وادعت أنه قصد به الهدية وقال بل قصدت المهر
( ولو طلب أحدهما ) أي طلبت الزوجة ( بدل الحب ) خبزا أو قيمة وامتنع الزوج أو طلب الزوج إعطاء ذلك وامتنعت ( لم يجبر الممتنع ) منهما لأنه غير الواجب والاعتياض شرطه التراضي
( فإن اعتاضت ) عما وجب لها نقدا أو غيره من العروض ( جاز ) اعتياضها ( في الأصح ) لأنه طعام مستقر في الذمة لمعين فجاز أخذ العوض عنه بالتراضي كالقرض
والثاني المنع كالمسلم فيه والكفارة فإنه لا يجوز الاعتياض عنهما قبل قبضهما
وأجاب الأول بأن المسلم فيه غير مستقر وطعام الكفارة لا يستقر لمعين
تنبيه قضية إطلاقه أن الأصح أنه يجوز الاعتياض عن النفقة ولو كانت مستقبلة وبه صرح في الكفاية
____________________
(3/427)
والأصح كما في الشرح والروضة منع الاعتياض عن النفقة المستقبلة لأنها معرضة للسقوط بالنشوز وغيره بخلاف الحالية والماضية
ومحل الخلاف في الاعتياض من الزوج
أما من غيره فلا يجوز قطعا كما قاله في الروضة أي في النفقة الحالية فإنها معرضة للسقوط بنحو نشوز
أما الماضية فيصح فيها بناء على صحة بيع الدين لغير من هو عليه
ويجري الخلاف في الاعتياض عن الكسوة إن قلنا تمليك وهو الأصح وفي الاعتياض عن الصداق كما في الشرح والروضة في باب المبيع قبل قبضه وفي باب الصداق
وحيث جوزنا الاعتياض يشترط أن لا يفترقا إلا عن قبض لئلا يصير دينا بدين وأن لا يكون فيه ربا كما ذكره بقوله ( إلا خبزا أو دقيقا ) ونحوهما من الجنس فلا يجوز ( على المذهب ) لما فيه من الربا
والثاني الجواز وقطع به البغوي لأنها تستحق الحب والإصلاح فإذا أخذت ما ذكر فقد أخذت حقها لا عوضه ورجحه الأذرعي وقال الأكثرون على خلاف الأول رفقا ومسامحة ثم قال ولا شك أنا متى جعلناه اعتياضا فالقياس البطلان
والمختار جعله استيفاء وعليه العمل قديما وحديثا
أما لو أخذت غير الجنس كخبز الشعير عن القمح فإنه يجوز كما لو أخذت النقد
تنبيه يدخل في الطعام ماء الشرب قال تعالى { ومن لم يطعمه فإنه مني } فيجب لها
قال الزركشي ولا شك في وجوبه وبه صرح الدارمي وقد يؤخذ من قول المصنف فيما بعد ويجب لها آلة أكل وشرب فإذا وجب الظرف وجب والمظروف
وأما تقديره فالظاهر فيه الكفاية ويكون إمتاعا لا تمليكا حتى لو مضت عليه مدة سقط اه
وفي قوله إمتاعا نظر والظاهر أنه تمليك لأنهم قالوا كل ما تستحقه الزوجة تمليك إلا المسكن والخادم
( ولو أكلت معه ) أي الزوج ( على العادة ) أي من غير تمليك ولا اعتياض ( سقطت نفقتها في الأصح ) قال في زيادة الروضة لجريان العادة به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده من غير نزاع ولا إنكار ولا خلاف ولم ينقل ان امرأة طالبت بنفقة بعده
ولو كان لا يسقط مع علم النبي صلى الله عليه وسلم بإطباقهم عليه لأعلمهم بذلك ولقضاه من تركه من مات ولم يوفه وهذا لا شك فيه
والثاني لا تسقط لأنه لم يؤد الواجب وتطوع بغيره
تنبيه التصوير بالأكل معه على العادة قال الإسنوي يشعر بأنها إذا أتلفت أو أعطته غيرها لم تسقط وبأنها إذا أكلت معه دون الكفاية لم تسقط وبه صرح في النهاية وعليه فهل لها المطالبة بالكل أو بالتفاوت فقط فيه نظر
قال الزركشي والأقرب الثاني
وقال ابن العماد ينبغي القطع به فإن كان الذي أكلته غير معلوم وتنازعا في قدره صدقت فيه بيمينها لأن الأصل عدم قبضها الزائد
وقول المصنف معه ليس بقيد بل لو أرسل إليها الطعام أو أحضره وأكلته كان الحكم كذلك
ولو أضافها رجل فأكلت عنده لم تسقط نفقتها قال الدميري إلا أن يكون المقصود إكرام الزوج فتسقط
( قلت إلا أن تكون ) الزوجة ( غير رشيدة ) كصغيرة أو سفيهة بالغة ( ولم يأذن ) في أكلها معه ( وليها ) فلا تسقط نفقتها جزما بأكلها معه كما قاله في الروضة ( والله أعلم ) ويكون الزوج متطوعا
وأفتى البلقيني بسقوطها بذلك قال وما قيده النووي غير معتمد وقد ذكر الأئمة في الأمة ما يقتضي ذلك وعلى ذلك جرى الناس في الأعصار والأمصار
وعلى الأول قال الأذرعي والظاهر أن ما مر في الحرة أما الأمة إذا أوجبنا نفقتها فيشبه أن يكون المعتبر رضا السيد المطلق التصرف بذلك دون رضاها كالحرة المحجورة
تنبيه يرد على المصنف ما إذا طرأ سفه الزوجة بعد رشدها ولم يعد الحجر عليها فإنه لا يفتقر السقوط بالأكل مع الزوج إلى إذن الولي على المذهب لنفوذ تصرفها ما لم يتصل بها حجر الحاكم
فإن قيل أكل الصغير قبض وهو غير معتد به وإن أذن الولي
أجيب بأن الزوج كالوكيل في شراء الطعام وإنفاقه عليها ويشهد له ما لو خالعها على إرضاع ولده منها وعلى طعام في ذمتها وأذن لها في إنفاقه على الصغيرة فإنها تبرأ على المذهب هذا كما قال الأذرعي إذا كان الحظ للغير فيه أما لو كان الحظ في أخذ المقدر فلا ويكون فقد تؤدي المضايقة إلى المفارقة
ثم شرع في الواجب الثاني وهو الأدم فقال ( ويجب ) للزوجة على زوجها الأدم وجنسه ( أدم غالب البلد كزيت ) وشيرج ( وسمن وجبن وتمر ) وخل لقوله تعالى { وعاشروهن بالمعروف } وليس من المعاشرة بالمعروف تكليفها وجود إذنه كعدمه لبخس حقها إلا إن رأى الولي المصلحة
____________________
(3/428)
في ذلك فيجوز الصبر على الخبز وحده إذ الطعام غالبا لا يساغ إلا بالأدم
وقال ابن عباس في قوله تعالى { من أوسط ما تطعمون أهليكم } الخبز والزيت وقال ابن عمر الخبز والسمن
( ويختلف ) قدر الأدم ( بالفصول ) الأربعة فيجب لها في كل فصل ما يعتاده الناس من الأدم قالا وقد تغلب الفاكهة في أوقاتها فتجب وقال القاضي حسين يجب الرطب في وقته واليابس في وقته
قال الأذرعي ويجب أيضا أن يختلف الأدم باختلاف القوت الواجب فمن قوتها التمر لا يفرض لها التمر أدما ولا ما لا يؤكل مع التمر عادة كالخل ومن قوتها الأقط لا يفرض لها الجبن ولا اللبن أدما وقس على هذا
وقال أيضا إنما يتضح وجوب الأدم حيث يكون القوت الواجب ما لا ينساغ عادة إلا بالأدم كالخبز بأنواعه أما لو كان لحما أو لبنا أو أقطا فيتجه الاكتفاء به إذا جرت عادتهم بالاقتيات به وحده اه
وهذا لا ينافي ما مر عنه من قوله فمن قوتها التمر الخ لأن ذلك إذا لم تجر العادة بالاكتفاء به وحده
( ويقدره ) عند تنازع الزوجين فيه ( قاض باجتهاده ) إذ لا توقيف فيه من جهة الشرع ( ويفاوت ) في قدره ( بين موسر وغيره ) فينظر في جنس الأدم وما يحتاج إليه المد فيفرضه على المعسر ويضاعفه للموسر ويوسطه بينهما للمتوسط وما ذكره الشافعي رضي الله عنه من مكيلة زيت أو سمن أي أوقية فتقريب كما قاله الأصحاب
ولو سئمت من أدم لم يلزمه إبداله وتبدله هي إن شاءت لأنه ملكها
قال الأذرعي ولو كانت سفيهة أو مميزة وليس لها من يقوم بذلك فاللائق بالمعاشرة بالمعروف أن يلزم الزوج إبداله عند إمكانه
( و ) يجب لها عليه ( لحم يليق بيساره ) وتوسطه ( وإعساره كعادة البلد ) فإن أكلوا اللحم في كل يوم مرة فلها كذلك
ولا يتقدر بوزن كرطل بل يعتبر فيه تقدير القاضي كما صرح به في البسيط
ولو أن المصنف أخر عن الأدم واللحم قوله ويقدره الخ لرجع التقدير إليهما وما ذكره الشافعي رضي الله عنه من رطل لحم في الأسبوع الذي حمل على المعسر وجعل باعتبار ذلك على الموسر رطلان وعلى المتوسط رطل ونصف وأن يكون ذلك يوم الجمعة لأنه أولى بالتوسيع فيه محمول عند الأكثرين على ما كان في أيامه بمصر من قلة اللحم فيها ويزاد بعدها بحسب عادة البلد
قال الشيخان ويشبه أن يقال لا يجب الأدم في يوم اللحم ولم يتعرضوا له ويحتمل أي وهو الظاهر أن يقال إذا أوجبنا على الموسر اللحم كل يوم يلزمه الأدم أيضا ليكون أحدهما غذاء والآخر عشاء على العادة وينبغي على هذا كما قال بعضهم أن يكون الأدم يوم إعطاء اللحم على النصف من عادته وتجب مؤنة اللحم وما يطبخ به
( ولو كانت ) عادتها ( تأكل الخبز وحده وجب ) لها ( الأدم ) ولا نظر لعادتها لأنه حقها كما لو كانت تأكل بعض الطعام فإنها تستحق جميعه
ثم شرع في الواجب الثالث وهو الكسوة فقال ( و ) يجب لها ( كسوة ) بكسر الكاف وضمها لقوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } ولما روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن قال حديث حسن صحيح
( ولا بد أن تكون الكسوة تكفيها ) للإجماع على أنه لا يكفي ما ينطلق عليه الاسم
وتختلف كفايتها بطولها وقصرها وسمنها وهزالها وباختلاف البلاد في الحر والبرد ولا يختلف عدد الكسوة باختلاف يسار الزوج وإعساره ولكنهما يؤثران في الجودة والرداءة
ولا فرق بين البدوية والحضرية على المذهب وفي الحاوي لو نكح حضري بدوية وأقاما في بادية أو حاضرة وجب عرفها ويقاس عليه عكسه
فإن قيل لم اعتبرتم الكفاية في الكسوة ولم تعتبروها في الطعام أجيب بأن الكفاية في الكسوة متحققة بالمشاهدة وكفاية الطعام ليست كذلك فلم يعتبروها للجهل بها
( فيجب ) لها عليه في كل ستة أشهر ( قميص ) وهو ثوب مخيط يستر جميع البدن وفي ذلك إشعار
____________________
(3/429)
بوجوب الخياطة على الزوج وبه صرح في الروضة كأصلها
( وسراويل ) وهو ثوب مخيط يستر أسفل البدن ويصون العورة وهو معرب مؤنث عند الجمهور وقيل مذكر وهو مفرد على الصحيح
ويدل له تعبير المصنف بسراويل إذ لا يجب الجمع وقيل هو جمع سروالة
ومحل وجوبه كما قال الماوردي إذا اعتادت لبسه فإن اعتادت لبس مئزر أو فوطة وجب ومحل وجوبه في الشتاء أما في الصيف فلا كما قاله الجويني وإن أفهم كلام المصنف كغيره خلافه
( وخمار ) وهو ما يغطى به الرأس
( ومكعب ) بضم ميمه في الأشهر وقيل بكسرها وإسكان الكاف وفتح العين كمقود وهو مداس الرجل بكسر الراء من نعل أو غيره خلاف ما توهمه عبارة الروضة من جمعه بين المكعب والمداس والنعل
قال ابن الرفعة ويجب لها القبقاب إن اقتضاه العرف
قال الماوردي ولو جرت عادة نساء أهل القرى أن لا يلبسن في أرجلهن شيئا في البيوت لم يجب لأرجلهن شيء
( ويزيد ) الزوج زوجته على ذلك ( في الشتاء جبة ) محشوة قطنا أو فروة بحسب العادة لدفع البرد فإن اشتد البرد فجبتان أو فروتان فأكثر بقدر الحاجة
والتعبير بالشتاء جرى على الغالب وإلا فالعبرة بالبلاد الباردة
وإذا لم تستغن في البلاد الباردة بالثياب عن الوقود وجب لها من الحطب والفحم بقدر العادة قاله السرخسي وأقراه
قال الزركشي وإذا كان المناط العادة فأكثر البوادي لا يوقدون إلا بالبعر ونحوه فيكون هو الواجب اه
وفيه نظر
ويجب لها أيضا توابع ذلك من كوفية للرأس وتكة للباس وزر للقميص والجبة ونحوها
( وجنسها ) أي الكسوة ( قطن ) أي ثوب يتخذ منه لأنه لباس أهل الدين وما زاد عليه ترفه ورعونة
ويختلف ذلك بحال الزوج من يسار وإعسار وتوسط فيجب لامرأة الأول من لينه والثاني من غليظه والثالث مما بينهما
هذا إن اعتدنه ( فإن جرت عادة البلد لمثله ) أي الزوج وهذا يقتضي النظر إلى الزوج دونها قال الزركشي وليس كذلك بل كلام الرافعي وغيره مصرح بأن اللزوم على عادة البلد المراد لمثلها من مثله فقد نص في البويطي على اعتبار كسوة مثلها
وعلق المصنف ب جرت قوله ( بكتان ) بفتح كافه أفصح من كسرها ( أو حرير وجب في الأصح ) مع وجوب التفاوت في مراتب ذلك الجنس بين الموسر وغيره عملا بالعادة
والثاني لا يلزمه ذلك بل يقتصر على القطن لما مر
وتعتبر العادة في الصفاقة ونحوها
نعم لو جرت العادة بلبس الثياب الرفيعة التي لا تستر ولا تصح فيها الصلاة فإنه لا يعطيها منها لكن من الصفيق الذي يقرب منه في الجودة
( ويجب ) لها ( ما ) أي فراش ( تقعد عليه كزلية ) وهو بكسر الزاي وتشديد اللام والياء شيء مضرب صغير وقيل بساط صغير هذا لزوجة المتوسط
( أو لبد ) بكسر اللام في الشتاء ( أو حصير ) في الصيف وهذا لزوجة المعسر
أما زوجة الموسر فيجب لها نطع بفتح النون وكسرها مع إسكان الطاء وفتحها في الصيف وطنفسة وهي بكسر الطاء والفاء وبفتحهما وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء بساط صغير ثخين له وبرة كبيرة وقيل كساء في الشتاء
قال في الروضة كأصلها ويشبه أنهما بعد بسط زلية أو حصير لأنهما لا يبسطان وحدهما
و أو في كلامه للتنويع لا للتخيير
( وكذا فراش للنوم ) غير ما تفرشه نهارا يجب لها عليه ( في الأصح ) للعادة الغالبة به فيجب لها مضربة بقطن وثيرة بالمثلثة أي لينة أو قطيفة
( و ) يجب لها عليه ( مخدة ) بكسر الميم الوسادة للعرف
( ولحاف ) بكسر اللام أو كساء ( في الشتاء ) في بلد بارد
ويجب لها ملحفة بدل اللحاف أو الكساء في الصيف
وكل ذلك بحسب العادة حتى قال الروياني وغيره لو كانوا لا يعتادون في الصيف لنومهم غطاء غير لباسهم لم يجب غيره
تنبيه المعتبر في الفراش وما بعده لامرأة الموسر من المرتفع والمعسر من النازل والمتوسط بما بينهما
ولا يجب ذلك كل سنة وإنما يجدد وقت تجديد عادة
ثم شرع في الواجب الرابع وهو آلة التنظيف فقال ( ويجب ) لها عليه ( آلة تنظيف ) من الأوساخ التي تؤذيها وذلك ( كمشط ) وهو بضم الميم وكسرها مع إسكان الشين وضمها
____________________
(3/430)
اسم للآلة المستعملة في ترجيل الشعر
( ودهن ) يستعمل في ترجيل شعرها وكذا في بدنها كما قاله الماوردي
أما دهن الأكل فتقدم في الأدم
ويتبع فيه عرف بلدها حتى لو اعتدن المطيب بالورد أو البنفسج وجب قال الماوردي ووقته كل أسبوع مرة والأولى الرجوع فيه إلى العرف كما قاله بعض المتأخرين
تنبيه سكت الشيخان عن وجوب الأشنان والصابون لغسل الثياب وصرح القفال والبغوي بوجوبه قال في الكافي ويجب في كل أسبوع أو عشرة أيام وفيه البحث المار
قال القفال حتى لو كانت إذا أكلت احتاجت إلى الخلال فعلى الزوج
وسكتوا عن دهن السراج والظاهر كما قاله بعض المتأخرين وجوبه ويتبع فيه العرف حتى لا يجب على أهل البوادي شيء
( و ) يجب لها عليه ( ما تغسل به الرأس ) من سدر أو خطمي على حسب العادة لاحتياجها إلى ذلك والرجوع في قدره إلى العادة
( ومرتك ) وهو بفتح الميم وكسرها معرب وتشديد كافه خطأ أصله من الرصاص يقطع رائحة الإبط لأنه يحبس العرق وإن طرح في الخل أبدل حموضته حلاوة قاله الدميري
( ونحوه ) أي المرتك ( لدفع ) أي لقطع رائحة ( صنان ) إذا لم يندفع بدونه وتراب لتأذيهما بالرائحة الكريهة
( ولا ) يجب لها عليه ( كحل و ) لا يجب لها عليه ( خضاب ) ولا عطر ( و ) لا ( ما تزين به ) بفتح أوله من آلات الحلي لزيادة التلذذ وكمال الاستعمال وذلك حق له فلا يجب عليه فإن هيأه لها وجب عليها استعماله وعليه حمل ما قيل أنه صلى الله عليه وسلم لعن السلتاء والمرهاء والأولى هي التي لا تختضب والثانية هي التي لا تكتحل
( و ) لا ( دواء ) مرض ( و ) لا ( أجرة طبيب وحاجم ) ونحو ذلك كفاصد وخاتن لأن ذلك لحفظ الأصل فلا يجب على مستحق المنفعة كعمارة الدار المستأجرة وخالف مؤنة التنظيف لأنه في معنى كنس الدار وغسلها
( و ) يجب ( لها ) عليه ( طعام أيام المرض وأدمها ) لأنها محبوسة عليه ولها صرفه في الدواء ونحوه
تنبيه ظاهر كلامه أن غير الطعام والأدم لا تستحقه وليس مرادا بل الكسوة وما يحتاج إليه كالدهن والمرتك ونحوهما كذلك كما قاله الأذرعي
( والأصح وجوب أجرة حمام بحسب العادة ) إن كانت عادتها دخوله للحاجة إليه عملا بالعرف وذلك في كل شهر مرة كما قاله الماوردي وجرى عليه ابن المقري لتخرج من دنس الحيض الذي يكون في كل شهر مرة غالبا وينبغي كما قاله الأذرعي أن ينظر في ذلك لعادة مثلها ويختلف باختلاف البلاد حرا وبردا
والثاني لا تجب لها الأجرة إلا إذا اشتد البرد وعسر الغسل إلا في الحمام أما لو كانت من قوم لا يعتادون دخوله فلا تجب لها أجرته
( و ) الأصح أيضا وجوب ( ثمن ماء غسل جماع ) من الزوج ( ونفاس ) منه ووضوء نقضه هو كأن لمسها إن احتاجت لشرائه ( في الأصح ) لأن ذلك بسببه والثاني لا لأنه تولد من مستحق
تنبيه لو حصل النقض بفعلهما فقياس وجوب نفقتها عليه فيما لو سافرت بإذنه لحاجتهما وجوبه عليه وكالنفاس فيما ذكر الولادة بلا بلل
ولو عبر بالولادة بدل النفاس لشمل ذلك ومحل ذلك ما إذا كان الإحبال بفعل الزوج فلو أدخلت ذكره وهو نائم فحبلت أو وطئت بشبهة فلا يجب لها ذلك لعدم فعله في الأول ولأن عقد النكاح معتبر وهو مفقود في الثاني وبذلك علم أنه لا يجب على من زنى بامرأة أو أجنبي نقض وضوء أجنبية ذلك ولا عليها إذا نقضت وضوء زوجها لأن ذلك إنما وجب على الرجل بفعله مع مراعاة عقد النكاح
و ( لا ) يجب ثمن ماء ( حيض واحتلام في الأصح ) إذ لا صنع منه
والثاني يجب لكثرة وقوع الحيض وفي عدم إيجابه إجحاف بها
تنبيه الخلاف في الاحتلام تبع فيه المحرر ولم يحكياه في الشرحين والروضة بل قطعا بعدم الوجوب
قال ابن شهبة والصواب ما في المنهاج فقد جزم القفال في فتاويه بوجوبه على الزوج وعلله بأنه لحاجتها قال بخلاف ما لو زنت أو وطئت بشبهة اه
وقد مرت الإشارة إليه
قال الزركشي والظاهر طرد الخلاف في ثمن الماء الذي تغسل
____________________
(3/431)
به ما تنجس من بدنها أو ثيابها
ثم شرع في الواجب الخامس وهو متاع البيت فقال ( و ) يجب لها ( آلات أكل وشرب ) بضم الشين ويجوز فتحها كما قيل به في قوله عليه الصلاة والسلام أيام منى أيام أكل وشرب
( و ) آلات ( طبخ كقدر ) هو بكسر القاف مثال لآلة الطبخ
( وقصعة ) وهي بفتحها مثال لآلة الأكل
( وكوز وجرة ) وهما مثالان لآلة الشرب ( ونحوها ) مما لا غنى لها عنه كمغرفة وما تغسل فيه ثيابها لأن المعيشة لا تتم بدون ذلك فكان من المعاشرة بالمعروف
تنبيه سكتوا عن منارة السراج وإبريق الوضوء والظاهر كما قال الأذرعي وجوبه لمن اعتاده حتى لا يجب لأهل البادية
ويكفي كون الآلات من خشب أو حجر أو خزف لحصول المقصود فلا تجب الآلة من النحاس وإن كانت شريفة كما رجح ذلك ابن المقري لأنه رعونة
قال الإمام ويحتمل أن يجب للشريفة ظروف النحاس للعادة
قال الأذرعي وقياس الباب اتباع العرف في الماعون وأن يفرق فيه بين موسر وغيره وأن يفاوت بين مراتب الواجب من كل نوع باختلاف مراتب الزوجات حتى يجب لبدوية قدح وقصعة من خشب وقدر من نحاس ولقروية حرة ونحوها من خزف ولنساء المدن والأمصار ما يعتدنه من خزف عال أو متوسط أو دني أو من نحاس كطست الثياب وطاسة الحمام
ثم شرع في الواجب السادس وهو السكنى فقال ( و ) يجب لها عليه ( مسكن ) أي تهيئته لأن المطلقة يجب لها ذلك لقوله تعالى { أسكنوهن } فالزوجة أولى
ولا بد أن يكون المسكن ( يليق بها ) عادة لأنها لا تملك الانتقال منه فروعي فيه جانبها بخلاف النفقة والكسوة حيث روعي فيهما حال الزوج لأنها تملك إبدالهما
فإن لم تكن ممن يسكن الخان أسكنت دارا أو حجرة وينظر إلى ما يليق بها من سعة أو ضيق قال تعالى { ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن }
( ولا يشترط ) في المسكن ( كونه ملكه ) قطعا بل يجوز إسكانها في موقوف ومستأجر ومستعار قال ابن الصلاح ولو سكنت هي والزوج في منزلها مدة سقط فيها حق السكنى ولا مطالبة لها بأجرة سكنه معها إن كانت أذنت له في ذلك لأن الإذن المطلق العري عن ذكر عوض ينزل على الإعارة والإباحة اه
ومرت الإشارة إلى ذلك في آخر العدد
ثم شرع في الواجب السابع وهو الخادم فقال ( و ) يجب ( عليه لمن ) أي لزوجة حرة ( لا يليق بها خدمة نفسها ) بأن كانت ممن تخدم في بيت أبيها مثلا لكونها لا يليق بها خدمة نفسها في عادة البلد كمن يخدمها أهلها أو تخدم بأمة أو بحرة أو مستأجرة أو نحو ذلك لا بارتفاعها بالانتقال إلى بيت زوجها ( إخدامها ) لأنه من المعاشرة بالمعروف وذلك إما ( بحرة أو أمة له ) أو لها كما قاله ابن المقري
( أو مستأجرة أو بالإنفاق على من صحبتها من حرة أو أمة لخدمة ) لحصول المقصود بجميع ذلك
تنبيه كلامه يقتضي تعيين الإناث للإخدام وليس مرادا فيجوز كون الخادم صبيا مميزا مراهقا أو محرما أو مملوكا لها أو ممسوحا
ولا يجوز بكبير ولو شيخا هما لتحريم النظر
ولا بذمية لمسلمة إذ لا تؤمن عداوتها الدينية ولتحريم النظر
والوجه كما قال الأذرعي عدم جواز عكسه أيضا لما فيه من المهنة
وهذا في الخدمة الباطنة أما الظاهرة كقضاء الحوائج من السوق فيتولاها الرجال وغيرهم
تنبيه قضية كلامهم أن المتبع تعيين الخادم الزوج لا الزوجة وهو الأصح في الابتداء بخلاف ما إذا أخدمها خادم وألفته أو كانت حملت معها خادما وأراد إبداله فلا يجوز لتضررها بقطع المألوف إلا إن ظهرت ريبة أو خيانة فله الإبدال
ولا يلزمه أكثر من خادم ولو أرادت زيادة خادم آخر من مالها كان له منعه من دخول داره ومن استخدامها له وله إخراج ما عدا خادمها من مال وولد لها من غيره
وله منع أبويها من الدخول عليها لكن مع الكراهة
( وسواء في هذا ) أي وجوب الإخدام ( موسر ) ومتوسط ( ومعسر ) ومكاتب ( وعبد ) كسائر المؤن
____________________
(3/432)
لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف المأمور بها
تنبيه أفهم قوله إخدامها أن الزوج لو قال أنا أخدمها بنفسي ليسقط عني مؤنة الخادم لم يلزمها الرضا به ولو فيما لا تستحيي منه كغسل ثوب واستقاء ماء وطبخ لأنها تستحيي منه وتعير به
وأنها لو قالت أخدم نفسي وآخذ أجرة الخادم أو ما يأخذ من نفقة لم يلزمه الرضا بها لأنها أسقطت حقها وله أن لا يرضى به لابتذالها بذلك فإن اتفقا عليه فكاعتياضها عن النفقة حيث لا ربا وقضيته الجواز يوما بيوم
( فإن أخدمها ) الزوج ( بحرة أو أمة بأجرة فليس عليه غيرها ) أي الأجرة
ولو أخدمها أمة مستعارة أو حرة متبرعة بالخدمة قال الماوردي سقط الوجوب عنه وحمله ابن الرفعة على ما إذا رضيت الزوجة به فإن امتنعت فلها ذلك للمنة
( أو ) أخدمها ( بأمته ) أي الزوج ( اتفق عليها بالملك أو ) أخدمها ( بمن صحبتها ) حرة كانت أو أمة ( لزمه نفقتها ) وفطرتها كما مر في بابها
فإن كانت المصحوبة مملوكة للزوجة ملكت نفقتها كما تملك نفقة نفسها وإن كانت حرة فيجوز كما في الروضة وأصلها أن تملك نفقة نفسها كما تملك الزوجة نفقة نفسها ويجوز أن يقال تملكها الزوجة لتدفعها إليها ولها أن تتصرف فيها وتكفيها من مالها
فائدة الخادم يطلق على الذكر والأنثى ولذلك يذكر المصنف الضمائر تارة ويؤنثها أخرى كما يعلم من التقدير في كلامه ويقال في لغة قليلة للأنثى خادمة
تنبيه لزوم نفقة المصحوبة سبق في قوله أو بالانفاق على من صحبتها ولعل ذكره ثانيا لبيان جنس ما تعطاه وقدره كما قال ( وجنس طعامها ) أي خادم الزوجة ( جنس طعام الزوجة ) وقد مر إذ من المعروف أن لا يتخصص عن خادمها
تنبيه سكت عن النوع والأصح أنه يجعل نوع المخدومة أجود للعادة
( وهو ) أي مقدار طعام الخادم ( مد على معسر ) جزما إذ النفس لا تقوم بدونه غالبا فلذلك سارت المخدومة فيه
( وكذا متوسط ) عليه مد ( في الصحيح ) قياسا على المعسر
والثاني مد وثلث كالموسر
والثالث مد وسدس لتفاوت المراتب بين الخادم والمخدومة
( وموسر مد وثلث ) على النص قال الأصحاب ولا ندري من أين أخذ الشافعي رضي الله عنه هذا التقدير
وأقرب ما قيل في توجيهه أن نفقة الخادمة على المتوسط مد وهو ثلثا نفقة المخدومة والمد والثلث على الموسر وهو ثلثا نفقة المخدومة
ووجهوا أيضا التقدير في الموسر بمد وثلث وفي المتوسط بمد بأن للخادمة والمخدومة في النفقة حالة كمال وحالة نقص وهما في الثانية يستويان ففي الأولى يزاد في المفضولة ثلث ما يزاد للفاضلة كما أن للأبوين في الإرث حالة كمال وحالة نقص وهما في الثانية سواء وهي أن يكون للميت ابن يستويان في أن لكل منهما السدس وفي الأولى إذا انفردا يكون المال بينهما أثلاثا فيزاد للأم ثلث ما يزاد للأب ولهذا ألحقوا المتوسط هنا بالمعسر ولم يلحقوه في نفقة الزوجة به
( وله ) أيضا ( كسوة تليق بحالها ) ولو على متوسط ومعسر من قميص ومقنعة وخف ورداء للخروج صيفا وشتاء حرا كان الخادم أو رقيقا اعتاد كشف الرأس أم لا لاحتياجه إلى ذلك بخلاف المخدومة في الخف والرداء لأن له منعها من الخروج
هذا هو المنقول ولكن الأوجه كما قال شيخنا وجوبهما للمخدومة أيضا فإنها قد تحتاج إلى الخروج إلى الحمام أو غيره من الضرورات وإن كان نادرا
ومحل وجوب الخف والرداء للخادم إن كان أنثى أما الخادم الذكر فلا لاستغنائه عنه
ولا يجب للخادم سراويل على أرجح الوجهين في الشرح الكبير بخلاف المخدومة لأنه للزينة وكمال الستر
ويجب للخادم ذكرا كان أو أنثى جبة للشتاء أو فروة بحسب العادة فإن اشتد البرد زيد له على الجبة أو الفروة بحسب العادة
ويجب له ما يفرشه وما يتغطى به كقطعة لبد وكساء في الشتاء وبارية في الصيف ومخدة ويكون
____________________
(3/433)
ذلك دون ما يجب للمخدومة جنسا ونوعا ويفاوت فيه بين الموسر وغيره
( وكذا ) للخادم ( أدم على الصحيح ) لأن العيش لا يتم بدونه وجنسه جنس أدم المخدومة ولكن نوعه دون نوعه على الأصح ويفاوت فيه بين الموسر وغيره
والثاني لا يجب ويكتفي بما فضل عن المخدومة
ولا يجب اللحم في أحد وجهين يؤخذ ترجيحه من كلام الرافعي
و ( لا ) يجب للخادم ( آلة تنظيف ) كمشط ودهن لأنها تراد للتزيين والخادم لا يتزين بل اللائق بحالها عكس ذلك لئلا تمتد إليها العين
( فإن كثر وسخ ) عليها ( وتأذت بقمل وجب أن ترفه ) أي تنعم بأن يعطيها ما يزيل ذلك
فائدة القمل مفردة قملة قال الجوهري ويتولد من العرق والوسخ وقال الحافظ ربما كان الإنسان قمل الطباع وإن تنظف وتعطر وبدل الثياب كما عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما
( ومن تخدم نفسها في العادة ) ليس لها أن تتخذ خادما وتنفق عليه من مالها إلا بإذن زوجها كما في الروضة وأصلها ونظر فيه بعضهم بأنه ليس من المعاشرة بالمعروف
ف ( إن احتاجت ) حرة كانت أو أمة ( إلى خدمة لمرض ) بها ( أو زمانة وجب إخدامها ) لأنها لا تستغني عنه فأشبهت من لا تليق بها خدمة نفسها بل أولى لأن الحاجة أقوى فما نقص من المروءة وإن تعدد بقدر الحاجة
( ولا إخدام ) حال الصحة ( لرقيقة ) أي زوجة كلا أو بعضها لأن العرف أن تخدم نفسها جميلة كانت أم لا
( وفي الجميلة وجه ) يوجب إخدامها لجريان العادة به
( ويجب في المسكن ) والخادم ( إمتاع ) لا تمليك لما مر من أنه لا يشترط كونهما ملكه
( و ) يجب في ( ما يستهلك ) لعدم بقاء عينه ( كطعام ) وأدم ودهن ولحم وزيت ( تمليك ) ولو بلا صيغة فيكفي أن ينوي ذلك عما يستحقه عليه سواء أعلمت نيته أم لا كالكفارة كما مرت الإشارة إلى ذلك
( وتتصرف فيه ) الحرة بما شاءت من بيع وغيره كسائر أموالها أما الأمة فإنما يتصرف في ذلك سيدها
تنبيه كان الأولى أن يأتي بالفاء بدل الواو فإنه مفرع على ما قبله
( فلو قترت ) بعد قبض نفقتها ( بما يضرها ) أي بأن ضيقت على نفسها
( منعها زوجها ) من ذلك وكذا لو لم يضرها ولكن ينفرد عنها لحق الاستمتاع
( وما دام نفعه ) مع بقاء عينه ( ككسوة ) وفرش ( وظروف طعام ) ولو اقتصر على قوله وظروف كان أخصر وأشمل ليتناول ظروف الماء وآلة التنظيف
( ومشط ) بالجر وخبر ما قوله ( تمليك ) في الأصح لأن الله تعالى جعل كسوة الأهل أصلا للكسوة في الكفارة كالطعام والطعام تمليك فيها بالاتفاق وكذا الكسوة فوجب هنا مثله
( وقيل ) هو ( إمتاع ) كالمسكن والخادم بجامع الانتفاع مع بقاء العين بخلاف الطعام
وأجاب الأول بأن هذه الأمور تدفع إليها والمسكن لا يدفع إليها وإنما يسكنها الزوج معه فلا تسقط بمستأجر ومستعار بخلاف المسكن فلو لبست المستعار وتلف بغير الاستعمال فضمانه يلزم الزوج لأنه المستعير وهي نائبة عنه في الاستعمال
قال شيخنا والظاهر أن له عليها في المستأجر أجرة المثل لأنه إنما أعطاها ذلك عن كسوتها اه
والظاهر خلافه
( وتعطى ) الزوجة ( الكسوة أول ) فصل ( شتاء و ) أول فصل ( صيف ) لقضاء العرف بذلك هذا إن وافق النكاح أول الفصل وإلا وجب إعطاؤها في أول كل ستة أشهر من حين الوجوب
تنبيه محل هذا فيما لا يبقى سنة غالبا أما ما يبقى سنة فأكثر كالفرش وجبة الخز والإبر يسم فيجدد في وقته على ما جرت العادة بتحديده وعليه تطريفها على العادة
( فإن ) أعطى الكسوة أول فصل مثلا ثم ( تلفت فيه ) أي
____________________
(3/434)
في أثناء ذلك الفصل ( بلا تقصير ) منها ( لم تبدل إن قلنا ) بالأصح أنها ( تمليك ) لأنه وفاها ما عليه كالنفقة إذا تلفت في يدها وإن قلنا بمقابل الأصح من أنها إمتاع أبدلت
تنبيه قوله بلا تقصير ليس شرطا لعدم الإبدال فإنه مع التقصير أولى ولكن شرط المفهوم قوله إن قلنا تمليك فإنه يفهم الإبدال إن قلنا إمتاع كما تقدم بشرط عدم التقصير
ويمكن أن يقال المراد بلا تقصير من الزوج فلو دفع إليها كسوة سخيفة فبليت لسخافتها وجب عليه إبدالها كما في الكفاية لتقصيره
( فإن ) مات أو أبانها بطلاق أو غيره أو ( ماتت فيه ) أي في أثناء فصل ( لم ترد ) على التمليك لأنه دفعها وهي واجبة عليه كما في نفقة اليوم فإن كسوة الفصل كنفقة اليوم
وترد على الإمتاع وقيل ترد مطلقا لأنها لمدة لم تأت كنفقة المستقبل
وعلى الأول لو أعطاها كسوة سنة أو نفقة يومين مثلا فماتت في أثناء الفصل الأول منهما أو اليوم الأول من اليومين استرد كسوة الفصل الثاني ونفقة اليوم الثاني كالزكاة المعجلة ولو لم تقبض الكسوة حتى ماتت في أثناء فصل أو طلقت فيه استحقت كسوة كل الفصل كنفقة اليوم كما أفتى به المصنف لأن الكسوة تستحق بأول الفصل وقال ابن الرفعة لم أر فيه نقلا والأقرب أنها تجب بالقسط
والفرق أن الوجوب ثم اتصل به القبض وهو المقصود فلم يقطعه ما طرأ بعده ولا كذلك إن لم يتصل به
( ولو لم يكس ) الزوج ( مدة فدين ) عليه إن قلنا تمليك فإن قلنا إمتاع فلا
تنبيه الواجب في الكسوة الثياب لا قيمتها وعليه خياطتها ولها بيعها لأنها ملكها ولو ليست دونها منعها لأن له غرضا في تجملها
فصل في موجب النفقة وموانعها كنشوز أو صغر
وبدأ بالأول فقال ( الجديد أنها ) أي النفقة وتوابعها ( تجب بالتمكين ) التام لأنها سلمت ما ملك عليها فتستحق ما يقابله من الأجرة لها
والمراد بالوجوب استحقاقها يوما بيوم كما صرحوا به
ولو حصل التمكين وقت الغروب قال الإسنوي فالقياس وجوبها بالغروب اه
والظاهر كما قال شيخنا أن المراد وجوبها بالقسط فلو حصل ذلك وقت الظهر فينبغي وجوبها لذلك من حينئذ
وهل التمكين سبب أو شرط فيه وجهان أوجههما الثاني
واستثني من ذلك صورتان إحداهما ما لو منعت نفسها لتسليم المهر المعين أو الحال فإن لها النفقة من حينئذ أما المؤجل فليس لها حبس نفسها له وإن حل خلافا للإسنوي
الصورة الثانية ما لو أراد الزوج سفرا طويلا قال البغوي في فتاويه لامرأته المطالبة بنفقة مدة ذهابه ورجوعه كما لا يخرج للحج حتى يترك لها هذا المقدار أي إذا لم يستنب من يدفع لها ذلك يوما بيوم
فإن قيل يجوز السفر لمن عليه دين مؤجل يعلم أنه يحل قبل رجوعه وإن لم يستأذن غريمه ولم يترك وفاء فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن هذه محبوسة عنده وتتضرر بذلك بخلاف من له الدين
وخرج بالتام المقدر في كلامه ما لو سلمت نفسها في زمن أو محل دون غيره فإنه لا نفقة لها
تنبيه لو تقدم العقد موجب النفقة كالحامل البائن إذا عقد عليها مطلقا هل تحتاج للتمكين أو لا الأقرب كما قال الزركشي أنه لا بد منه لأن ذلك الموجب سقط بالعقد فصار كأن لم يكن
( لا العقد ) فلا تجب به النفقة لأنه يوجب المهر وهو لا يوجب عوضين مختلفين ولأنها مجهولة والعقد لا يوجب مالا مجهولا ولأنه صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين ودخل بها بعد سنتين ولم ينقل أنه أنفق عليها قبل الدخول ولو كان حقا لها لساقه إليها ولو وقع لنقل
والقديم وحكي جديدا أنها تجب بالعقد وتستقر بالتمكين فلو امتنعت منه سقطت
ثم فرع المصنف على القولين قوله ( فإن اختلفا فيه ) أي التمكين فقالت مكنت في وقت كذا وأنكر ولا بينة ( صدق ) بيمينه على الجديد لأن الأصل عدمه وعلى القديم هي المصدقة لأن الأصل بقاء ما وجب بالعقد وهو يدعي سقوطه
فإن توافقا على التمكين ثم ادعى نشوزها وأنكرت صدقت بيمينها على الصحيح لأن الأصل عدم النشوز وقيل هو
____________________
(3/435)
المصدق لأن الأصل براءة ذمته ورجع الأول لأن الأصل بقاء ما وجب وهو يدعي سقوطه
وفرع على القولين أيضا قوله ( فإن لم تعرض عليه ) زوجته ( مدة ) مع سكوته عن طلبها ولم تمتنع ( فلا نفقة ) لها ( فيها ) على الجديد لعدم التمكين وتجب على القديم
( و ) على الجديد ( إن عرضت عليه ) وهي بالغة عاقلة مع حضوره في بلدها كأن بعثت إليه تخبره أني مسلمة نفسي إليك فاختر أن آتيك حيث شئت أو تأتي إلي ( وجبت ) نفقتها ( من ) حين ( بلوغ الخبر ) له لأنه حينئذ مقصر
( فإن غاب ) عن بلدها قبل عرضها إليه ورفعت الأمر إلى الحاكم مظهرة له التسليم ( كتب الحاكم ) المرفوع إليه الأمر ( لحاكم بلده ) أي الزوج ( ليعلمه ) الحال ( فيجيء ) الزوج لها يتسلمها ( أو يوكل ) من يجيء يسلمها له أو يحملها إليه وتجب النفقة في وقت التسليم
تنبيه مجيئه بنفسه أو وكيله حين علمه يكون على الفور
( فإن لم يفعل ) شيئا من الأمرين مع إمكان المجيء أو التوكيل ( ومضى زمن ) إمكان ( وصوله ) إليها ( فرضها القاضي ) في ماله من حين إمكان وصوله وجعل كالمستلم لها لأنه المانع منه
أما إذا لم يمكنه ذلك فلا يفرض عليه شيئا لأنه غير معرض قاله العمراني والجرجاني وغيرهما كذا نقله الأذرعي ومن تبعه وقيدوا به كلام الكتاب
تنبيه هذا إن علم مكان الزوج فإن جهل كتب الحاكم إلى الحكام الذين ترد عليهم القوافل من بلده عادة لينادى باسمه فإن لم يظهر أعطاها القاضي نفقتها من ماله الحاضر وأخذ منها كفيلا بما يصرف إليها لاحتمال موته أو طلاقه
أما إذا غاب بعد عرضها عليه وامتناعه من تسلمها فإن النفقة تقرر عليه ولا تسقط بغيبته
( والمعتبر في ) زوجة ( مجنونة ومراهقة عرض ولي ) لهما على أزواجهما لأنه المخاطب بذلك ولا اعتبار بعرضهما لكن لو عرضت المراهقة نفسها على زوجها فتسلمها ولو بغير إذن وليها وجبت نفقتها
وفي عبارة الشرحين فتسلمها وصار بها إلى منزله وظاهرها أنه لو تسلمها ولم يصر بها لا تستحق
والظاهر كما قال الأذرعي أنه ليس بشرط ولذلك أسقطه ابن المقري ونعم ما فعل
وتسلم الزوج والمراهق زوجته كاف وإن كره الوطء
فإن قيل لو تسلم المراهق المبيع لم يكف فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن القصد ثم أن تصير اليد للمشتري وهي للولي فيما اشتراه للمراهق لا له
تنبيه كان الأحسن للمصنف أن يعبر بالمعصر بدل المراهقة لأنه يقال في اللغة غلام مراهق وجارية معصر ولا يقال مراهقة لأنها من صفات الذكور
ثم شرع في موانع النفقة فقال ( وتسقط ) نفقة كل يوم ( بنشوز ) أي خروج عن طاعة الزوج بعد التمكين والعرض على الجديد وقبله على القديم لأنها تجب بالتسليم فتسقط بالمنع
والمراد بالسقوط عدم الوجوب وإلا فالسقوط حقيقة إنما يكون بعد الوجوب
تنبيه نشوز غير المكلفة كالمكلفة لاستواء الفعلين في التفويت على الزوج وسواء أقدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهرا أم لا لأن له عليها حق الحبس في مقابلة وجوب النفقة فإذا نشزت عليه سقط وجوب النفقة
ولو نشزت نهارا دون الليل أو عكسه أو بعض أحدهما سقطت نفقة جميع اليوم لأنها لا تتجزأ بدليل أنها تسلم دفعة واحدة ولا تفرق غدوة وعشية وقيل تستحق نفقة ما قبل النشوز من زمن الطاعة بالقسط وقطع به السرخسي
( و ) تسقط و ( لو ) كان نشوزها ( بمنع لمس ) أو غيره من مقدمات الوطء ( بلا عذر ) بها إلحاقا لمقدمات الوطء بالوطء فإن كان عذر كمنع لمس من بفرجها قروح وعلمت أنه متى لمسها واقعها لم يكن منعها نشوزا
تنبيه قضية كلامه أنها لو مكنت من الوطء ومنعت بقية الاستمتاعات أنه نشوز وهو الأصح في زوائد الروضة في باب القسم والنشوز
ونبه باللمس على أن ما فوقه بطريق الأولى لكن لا يفهم منه أنها لو منعته النظر بتغطية وجهها أو توليته يكون نشوزا والأصح في زيادة الروضة أنه نشوز
( وعبالة زوج ) وهي بفتح العين كبر آلته بحيث لا تحتملها
____________________
(3/436)
الزوجة ( أو مرض ) بها ( يضر ) ها ( معه الوطء عذر ) في منعها من وطئه فتستحق النفقة مع منع الوطء لعذرها إذا كانت عنده لحصول التسليم الممكن ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه
وتثبت عبالته بأربع نسوة لأنها شهادة يسقط بها حق الزوج ولهن نظر ذكره في حال الجماع للشهادة بذلك وليس لها الامتناع من الزفاف لعبالته ولها ذلك بالمرض لأنه متوقع الزوال
فروع لا يسقط النفقة عذر يمنع الجماع عادة كمرض ورتق وقرن وضنى وهو بالفتح والقصر مرض مدنف وحيض ونفاس وجنون وإن قارنت تسليم الزوجة لأنها أعذار بعضها يطرأ ويزول وبعضها دائم وهي معذورة فيها وقد حصل التسليم الممكن
ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه وفارق ما لو غصبت بخروجها عن قبضة الزوج وفوات التمتع بالكلية وتسقط نفقتها بحبسها ولو ظلما كما لو وطئت بشبهة فاعتدت
ولو حبسها الزوج بدينه هل تسقط نفقتها أو لا لأن المنع من قبله الأقرب كما قال الأذرعي أنها إن منعته منه عنادا سقطت أو لإعسار فلا ولا أثر لزناها وإن حبلت لأنه لا يمنع الاستمتاع بها
( والخروج ) للزوجة ( من بيته ) أي الزوج حاضرا كان أو لا ( بلا إذن ) منه ( نشوز ) منها سواء كان لعبادة كحج أم لا يسقط نفقتها لمخالفتها الواجب عليها
( إلا أن يشرف ) البيت ( على انهدام ) فليس بنشوز لعذرها
تنبيه قد يفهم الاستثناء حصره في هذه الصورة وليس مرادا فإنها تعذر في صور غير ذلك منها ما إذا أكرهت على الخروج من بيته ظلما
ومنها ما إذا خرجت المحلة وبقي البيت منفردا وخافت على نفسها
ومنها ما لو كان المنزل لغير الزوج فأخرجها منه صاحبه
ومنها ما لو خرجت إلى القاضي لطلب حقها منه
ومنها ما إذا أعسر بالنفقة سواء أرضيت بإعساره أم لا
ومنها ما لو خرجت إلى الحمام ونحوه من حوائجها التي يقتضي العرف خروج مثلها له لتعود عن قرب للعرف في رضا مثله بذلك
ومنها ما لو خرجت لاستفتاء لم يغنها الزوج عن خروجها له
ومنها ما لو خرجت لبيت أبيها لزيارة أو عيادة كما سيأتي
فلو قال إلا لعذر لشمل ذلك كله
( وسفرها بإذنه معه ) ولو لحاجتها ( أو ) وحدها بإذنه ( لحاجته لا يسقط ) نفقتها لأنها ممكنة في الأولى وفي غرضه في الثانية فهو المسقط لحقه
تنبيه ظاهر كلامه أنها لو سافرت معه بغير إذنه السقوط وليس مرادا فقد صرحا في قسم الصدقات بعدمه لأنها تحت حكمه لكنها تعصي وهذا ظاهر إذا لم يمنعها الزوج من الخروج فإن منعها فخرجت ولم يقدر على ردها سقطت نفقتها كما بحثه الأذرعي وقال البلقيني إنه التحقيق
( و ) سفرها وحدها بإذنه ( لحاجتها يسقط ) نفقتها ( في الأظهر ) لانتفاء التمكين
والثاني لا لإذنه لها في السفر
تنبيه سكت المصنف عن مسألتين الأولى ما لو خرجت وحدها بإذنه لحاجتهما فمقتضى المرجح في الأيمان فيما إذا قال لزوجته إن خرجت لغيرالحمام فأنت طالق فخرجت له ولغيره أنها لا تطلق عدم السقوط هنا
قال البلقيني وهو ما كتبته أولا ثم ظهر لي من نص الأم والمختصر ما يقتضي السقوط حيث قال وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير إذنه فلا قسم لها ولا نفقة إلا أن يكون هو الذي أشخصها فلا تسقط عنه نفقتها ولا قسمها
قال الولي العراقي وعندي أن أخذ المسألة من نظيرها المشارك لها في المدرك أولى من التمسك بظاهر لفظ النص في قوله هو الذي أشخصها لإمكان تأويله
وقال ابن العماد ينبغي سقوطها أخذا مما رجحوه من عدم وجوب المتعة فيما إذا ارتدا معا قبل الوطء قال وهو ظاهر لأنه قد اجتمع فيه المقتضى والمانع اه
وليس بظاهر كما قال بل الأول كما قال شيخنا أوجه لأن ما احتج به لا ينافي عدم سقوط نفقتها لأن الأصل عدم وجوب المتعة حتى يوجد المقتضي لوجوبها خاليا من المانع ولم يوجد والأصل هنا بعد التمكين عدم سقوط النفقة حتى يوجد المقتضى لسقوطها خاليا من المانع ولم يوجد إذ المقتضي لسقوطها فيما نحن فيه خروجها لغرضها وحده
وإذا قلنا بعدم السقوط في هذه الصورة يستثنى منها ما نقلاه في الصداق
____________________
(3/437)
عن مجرد الحناطي من أنه لو تزوج ببغداد امرأة بالكوفة وقلنا اعتبار التسليم بموضع العقد فتسلم نفسها ببغداد ولا نفقة لها قبل أن تصل بغداد مع أن السفر لبغداد لحاجتهما
الصورة الثانية ما إذا سافرت وحدها بإذنه لحاجة ثالث قال الزركشي ويظهر أنها كحاجة نفسها وهو كما قال بعض المتأخرين ظاهر إذا لم يكن خروجها بسؤال الزوج لها فيه وإلا فينبغي أن يلحق بخروجها لحاجته بإذنه
( ولو نشزت ) في حضور الزوج بأن خرجت من بيته كما قاله الرافعي بغير إذنه ( فغاب ) عنها ( فأطاعت ) بعد غيبته برجوعها إلى بيته ( لم تجب ) نفقتها زمن الطاعة ( في الأصح ) لانتفاء التسلم والتسليم إذ لا يحصلان مع الغيبة والثاني يجب لعودها إلى الطاعة
( و ) على الأول ( طريقها ) في عود استحقاق النفقة لها بعد طاعتها في غيبة زوجها ( أن يكتب الحاكم ) بعد رفعها الأمر إليه ( كما سبق ) في ابتداء التسليم فيكتب لحاكم بلده ليعلمه بالحال فإن عاد أو وكيله واستأنف تسلمها عادت النفقة وإن مضى زمن إمكان العود ولم يعد ولا بعث وكيله عادت النفقة أيضا على ما مر في المقيس عليه
أما إذا كان نشوزها بغير الخروج من بيتها كأن ارتدت أو خالفته من غير خروج من المنزل عادت النفقة بعودها إلى الإسلام أو الطاعة في غيبته وإن أفهم كلام المتن خلافه
( ولو خرجت في غيبته ) لا على وجه النشوز بل ( لزيارة ) لأقاربها أو جيرانها ( ونحوها ) كعيادتهم وتعزيتهم ( لم تسقط ) نفقتها إذ لا يعد ذلك نشوزا عرفا
تنبيه في بعض نسخ المحرر تقييد الزيارة ببيت أبيها ونقلاه في الروضة كأصلها عن البغوي
قال ابن شهبة وحذف المصنف هذا القيد ليشمل غير الأب من المحارم
قال الزركشي وهو ظاهر إلا أن الإطلاق يشمل الأجانب والمتجه خلافه اه
والأوجه ما قاله الدميري من أن المراد خروجها إلى بيت أبيها أو أقاربها أو جيرانها لزيارة أو عيادة أو تعزية ولهذا تبعته في حل المتن
ونقل الزركشي عن الحموي شارح التعجيز أنه ليس لها الخروج لموت أبيها ولا شهود جنازته وأقره والظاهر خلافه أخذا مما مر
( والأظهر أن لا نفقة ) ولا توابعها ( لصغيرة ) لا تحتمل الوطء لتعذره لمعنى فيها
والثاني تجب كالرتقاء والقرناء والمريضة كما مر
وأجاب الأول بأن المرض يطرأ ويزول والرتق والقرن مانع دائم قد رضي به ويشق معه ترك النفقة مع أن التمتع بغير الوطء لا يفوت كما مر
( و ) الأظهر ( أنها تجب لكبيرة ) والمراد من يمكن وطؤها لا البالغة كما قد يتوهم ( على ) زوج ( صغير ) لا يمكن منه جماع إذا سلمت نفسها أو عرضتها على وليه
إذ لا مانع من جهتها فأشبه ما لو سلمت نفسها إلى كبير فهرب
( وإحرامها بحج أو عمرة ) أو مطلقا ( بلا إذن ) من الزوج ( نشوز ) من وقت الإحرام ( إن لم يملك تحليلها ) مما أحرمت به وهو في إحرامها بفرض على قول مرجوح مر في باب الحج لأنها منعته نفسها بذلك فتكون ناشزة من وقت الإحرام وإن لم تخرج سواء أكان الزوج محرما أم حلالا ( فإن ملك ) تخليلها بأن كان ما أحرمت به تطوعا أو فرضا على الأظهر كما مر في باب الإحصار ( فلا ) يكون إحرامها حينئذ نشوزا فتستحق النفقة لأنها في قبضته وهو قادر على التحليل والاستمتاع فإذا لم يفعل فهو المفوت نفسه
تنبيه لو أسقط قوله بحج أو عمرة لكان أخصر وأعم ليشمل ما قدرته في كلامه
وقضية كلامه أنه يحرم الإحرام بغير إذنه لأنه جعله نشوزا والمذكور في بابه استحباب الاستئذان فالمراد هنا بيان ما يسقط النفقة وما لا يسقطها لا بيان الإباحة والتحريم
ويستثنى من كلامه ما لو أفسد حجها المأذون فيه بجماع فإنها تقتضيه على الفور ولها الإحرام بغير إذن وعليه الخروج معها كما ذكره الأذرعي وتجب نفقتها
وحيث قيل بوجوب نفقتها فتستمر ( حتى تخرج ) من بيتها فإذا خرجت ( فمسافرة لحاجتها ) فإن سافرت وحدها بإذنه سقطت نفقتها في الأظهر أو معه استحقت
____________________
(3/438)
أو بغير إذنه فناشزة كما مر
( أو ) أحرمت بما ذكر ( بإذن ) من زوجها ( ففي الأصح لها نفقة ما لم تخرج ) لأنها في قبضته
والثاني لا تجب لفوات الاستمتاع بها
ودفع بأن فواته تولد من إذنه
تنبيه قوله ما لم تخرج أنها لو خرجت سقطت نفقتها وهو كذلك إن خرجت وحدها فإن خرج معها لم تسقط كما مر
( ويمنعها ) أي يجوز لزوجها منعها من ( صوم نفل ) مطلق سواء أمكنه جماعها أو امتنع عليه لعذر حسي كجبة أو رتقها أو شرعي كتلبسه بواجب كصوم وإحرام
وبحث الأذرعي أنه لا يمنع من لا يحل له وطؤها كمتحيرة ومن لا تحتمل الوطء مردود لأن حقه واجب عليها وله قطعه أيضا إذا شرعت فيه
( فإن أبت ) أي امتنعت من الفطر بعد أمره لها به ( فناشزة في الأظهر ) وفي الروضة والشرحين الأصح لامتناعها من التمكين وإعراضها عنه بما ليس بواجب وصومها في هذه الحالة حرام كما في زوائد الروضة في صوم التطوع
وحكي في المجموع هناك وجهين أصحهما هذا والثاني أنه مكروه قال فلو صامت فمقتضى المذهب في نظائره الجزم بعدم الثواب وإن كان صحيحا كما سبق في الصلاة في الدار المغصوبة فكذا هنا
والثاني أنها لا تكون ناشزة لأنها في قبضته وله إخراجها منه متى شاء أما النفل الراتب كعرفة وعشوراء فليس له منعها منه على الصحيح ولا تسقط نفقتها بالامتناع من فطره فهو كرواتب الصلاة
تنبيه لو نكحها صائمة تطوعا لم يجبرها على الفطر كما في الروضة وأصلها عن المروزي
وفي سقوط نفقتها وجهان أوجههما السقوط كما قاله الأذرعي لأن الفطر أفضل عند طلب التمتع
وحيث سقطت بالصوم هل يسقط الكل أو النصف وجهان أصحهما الأول
( والأصح أن قضاءه ) من صوم أو صلاة ( لا يتضيق ) بأن لم يجب فورا كفطرها بعذر في رمضان والوقت متسع أو نامت عن الصلاة حتى خرج وقتها حكمه ( كنفل فيمنعها ) أي فيجوز له منعها منه ومن إتمامه لأنه على التراخي وحقه على الفور
والثاني أنه ليس كالنفل فلا يمنعها منه
وبالأول قطع الأكثرون كما في الروضة فكان الأولى التعبير بالمذهب
أما ما يتضيق كالفطر تعديا أو بعذر ولم يبق من شعبان إلا قدره أو أخرجت الصلاة عن وقتها بلا عذر فليس له المنع منه والنفقة فيه واجبة على الأصح في الروضة وإن أشعر كلام الرافعي بترجيح السقوط
وله منعها من منذور معين نذرته بعد النكاح بلا إذن ومن صوم كفارة إن لم تعص بسببه لأنه على التراخي ومن منذور صوم أو صلاة مطلق سواء أنذرته قبل النكاح أو بعده ولو بإذنه لأنه موسع
( و ) الأصح المنصوص ( أنه لا منع ) له ( من تعجيل مكتوبة أول وقت ) لحيازة فضيلته
وقضية هذا التعليل أن له المنع من التعجيل إذا لم يندب كالإبراد وهو ما بحثه الزركشي
والثاني له المنع لاتساع الوقت كالحج والعمرة
وأجاب الأول بقصر مدة الصلاة
ولو كانا مسافرين لم يمنعها من تعجيل صوم رمضان في السفر كما أفتى به الفزاري وهو متجه كما قال الأذرعي إن لم يكن الفطر أفضل
( و ) لا منع من ( سنن راتبة ) لتأكدها
وظاهر كلامهم أنه يمنعها من تعجيلها مع المكتوبة أول الوقت وكذا من تطويلها كما صرح به الماوردي قال الأذرعي ومن التطويل الزائد في الفرائض بل تأتي بالأكمل من السنن والآداب
تنبيه تسقط نفقتها بالاعتكاف إلا بإذن من زوجها وهو معها أو بغير إذن لكن اعتكفت بنذر معين سابق للنكاح فلا تسقط نفقتها
وأورد على تخصيص المصنف السنن بالرواتب العيدين والكسوفين فليس له منعها من فعلها في المنزل ولكن يمنعها من الخروج لذلك
وأجيب بأن المراد بالراتبة ما لها وقت معين سواء توابع الفرائض وغيرها وقد ذكر الرافعي أن هذا اصطلاح القدماء وحينئذ فيدخل العيد والتراويح والضحى وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب صلاة النفل
فرع لو نكح مستأجرة العين لم تجب نفقتها وقال الماوردي و الروياني له الخيار في فسخ النكاح إن جهل
____________________
(3/439)
الحال لفوات التمنع عليه نهارا مع عذره وإن رضي المستأجر بتمكينه منها فيه لأنه متبرع ووعد لا يلزم
وقضية كلام الجمهور عدم ثبوت الخيار وهو المعتمد كما مرت الإشارة إليه في خيار النكاح وبه صرح صاحب الذخائر وغيره وقال الأذرعي وإن ثبوته غريب ولم أره لغير الماوردي
واستشكل عدم وجوب نفقتها بنذرها الصوم أو الاعتكاف المعين قبل النكاح
وأجيب بأن هنا يدا حائلة بخلاف مسألتي الصوم والاعتكاف
( وتجب لرجعية ) حرة أو أمة حائل أو حامل ( المؤن ) من نفقة وكسوة وغيرهما لبقاء حبس الزوج لها وسلطنته عليها وقدرته على التمتع بها بالرجعة ولا يسقط ما وجب لها إلا بما يسقط به ما يجب للزوجة ويستمر وجوبه لها حتى تقر هي بانقضاء عدتها بوضع الحمل أو بغيره فهي المصدقة في استمرار النفقة كما تصدق في بقاء العدة وثبوت الرجعة
( إلا مؤنة تنظف ) فلا تجب لها لامتناع الزوج عنها إلا إن تأذت بالهوام للوسخ فيجب كما قال الزركشي ما ترفه به كما مر في الخادم
تنبيه يستثنى من وجوب نفقة الرجعية ما لو قال الزوج طلقت بعد الولادة فلي الرجعة وقالت بل قبلها وقد انقضت عدتي فالقول قوله في بقاء العدة وثبوت الرجعة ولا نفقة لها لزعمها كما جزم به الرافعي ومقتضاه أنه لا نفقة لها وإن راجعها لإنكارها استحقاقها
ومثل هذا لو اختلفا في أصل الطلاق البائن وأنكره الزوج وحلف قال في المطلب وهو ما أورده الرافعي في كتاب القسم وجعله أصلا مقيسا عليه قال لكن ظاهر نص الأم الوجوب اه
وهذا أوجه لأنها محبوسة لأجله كما يؤخذ مما مر فيما إذا ادعت الرضاع وأنكر
ولو قال الزوج طلقتك قبل الوضع وانقضت عدتك فلا نفقة لك الآن فقالت بل طلقتني بعده فلي النفقة وجبت العدة عليها في الوقت الذي تزعم أنه طلقها فيه ووجبت لها النفقة وسقطت الرجعة لأنها بائن بزعمه
( فلو ظنت ) بضم أوله مطلقته الرجعية ( حاملا ) بولد يلحقه ( فأنفق ) زوجها عليها ( فبانت ) بعد اتفاقه ( حائلا ) أو أقرت بانقضاء العدة ( استرجع ما دفع ) إليها من النفقة ( بعد ) انقضاء ( عدتها ) لأنه تبين أن ذلك ليس عليه والقول قولها في قدر مدتها بيمينها إن كذبها وبدونه إن صدقها
فإن جهلت وقت انقضائها قدر بعادتها حيضا وطهرا إن لم تختلف فإن اختلفت اعتبر بأقلها فيرجع الزوج بما زاد لأنه المتيقن هي لا تدعي زيادة عليه
فإن نسيتها اعتبرت بثلاثة أشهر فيرجع بما زاد عليه أخذا بغالب العادات وقيل يرجع بما زاد على أقل ما يمكن انقضاء العدة به
تنبيه لو انتفى عنه الولد الذي أتت به لعدم إمكان لحوقه استرد الزوج منها ما أنفقه عليها في مدة الحمل ولكنها تسأل عن الولد فقد تدعي وطء شبهة في أثناء العدة والحمل يقطعها كالنفقة فتتم العدة بعد وضعه وينفق عليها تتميمها
( و ) المعتدة ( الحائل البائن بخلع أو ثلاث ) في الحر وثنتين في العبد ( لا نفقة لها ولا كسوة ) قطعا لزوال الزوجية فأشبهت المتوفى عنها
( ويجبان ) أي النفقة والكسوة ( لحامل ) لقوله تعالى { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن } ولأنها مشغولة بمائه فهو مستمتع برحمها فصار كالاستمتاع بها في حال الزوجية إذ النسل مقصود بالنكاح كما أن الوطء مقصود به
تنبيه اقتصاره على النفقة والكسوة قد يفهم أنه لا يجب غيرهما وليس مرادا بل يجب لها الأدم كما في زوائد الروضة والسكنى كما مر آخر العدد وذكر البغوي في فتاويه أيضا وجوب الخادم للمخدومة
واحترز بالبينونة بالخلع أو الثلاث عن البائن بالفسخ بالعيب وغيره والأصح أنه إن كان بسبب مقارن للعقد كالعيب والغرور فلا نفقة كما ذكره الرافعي في باب الخيار لأن الفسخ به يرفع العقد من أصله ولذلك لا يجب المهر إن لم يكن دخول وإن كان بسبب عارض كالردة والرضاع واللعان إن لم ينف الولد فيجب لأنه قطع للنكاح كالطلاق وقضية كلام الدميري والزركشي إن هذا التفصيل في الحائل وليس مرادا بل إنما هو في الحامل كما تقرر
والواجب فيما ذكر ( لها ) بسبب الحمل على الصحيح أنها تجب مقدرة ولا تسقط بمضي الزمان ولو كانت للحمل لم يكن كذلك
( وفي قول )
____________________
(3/440)
قديم يجب ما ذكر ( للحمل ) فقط لوجوب ما ذكر بوجود الحمل وعدمه بعدم الحمل وإنما صرف لها لتغذيه بغذائها
ثم فرع على الخلاف قوله ( فعلى الأول ) الأصح ( لا تجب ) نفقة ولا غيرها ( لحامل ) عن وطء ( شبهة ) وهي غير مزوجة ( أو ) لحامل عن ( نكاح فاسد ) لأنه لا نفقة لها في حال التمكين فبعده أولى وعلى الثاني تجب كما يلزمه نفقته بعد الانفصال ولو كان زوج الحامل البائن رقيقا إن قلنا النفقة لها وجبت لأنها تجب على المعسر وإلا فلا
أما المنكوحة إذا حبلت من الوطء بالشبهة فإن أوجبنا النفقة على الواطىء سقطت عن الزوج قطعا وإلا فعلى الأصح في أصل الروضة
تنبيه هذا كله ما دام الزوج حيا فلو مات قبل الوضع فقضية كلام الروضة هنا السقوط وفي الشرحين والروضة في عدة الوفاة عدم السقوط وهو المعتمد
فإن قيل مقتضى قول المصنف ( قلت ولا نفقة لمعتدة وفاة وإن كانت حاملا والله أعلم ) ترجيح الأول
أجيب بأنها ثم وجبت قبل الموت فاغتفر بقاؤها في الدوام فإنه أقوى من الابتداء ولما مر من أن البائن لا تنتقل إلى عدة الوفاة بخلاف الرجعية
وإنما سقطت هنا لقوله صلى الله عليه وسلم ليس للحامل المتوفى عنها زوجها نفقة رواه الدارقطني بإسناد صحيح قال الشافعي رضي الله تعالى عنه ولا أعلم مخالفا في ذلك
ولأنها إن كانت حائلا فقد بانت بالموت والحائل البائن لا نفقة لها
وإن كانت حاملا فإن قلنا النفقة للحمل سقطت لأن نفقة القريب تسقط بالموت وإن قلنا لها بسببه فكذلك لأنها كالحاضنة للولد ولا تجب نفقة الحاضنة بعد الموت
تنبيه تسقط النفقة لا السكنى بنفي الحمل فإن استحلقه رجعت عليه بأجرة الرضاع ويبدل الانفاق عليها قبل الوضع وعلى ولدها ولو كان الإنفاق عليه بعد الرضاع
فإن قيل رجوعها بما أنفقته على الولد ينافي إطلاقهم أن نفقة القريب لا تصير دينا إلا بقرض
أجيب بأن الأب هنا تعدى بنفيه ولم يكن لها طلب في ظاهر الشرع فلما أكذب نفسه رجعت حينئذ
( ونفقة العدة مقدرة كزمن ) أي كنفقة زمن ( النكاح ) من غير زيادة ونقص لأنها من توابعه
( وقيل ) لا تقدر بل ( تجب الكفاية ) فتزاد وتنقص بحسب الحاجة
ولعل هذا قول من يقول النفقة للحمل لأنها نفقة قريب والراجح في الروضة وأصلها القطع بالأول
( ولا يجب ) على الزوج ( دفعها ) للحامل ( قبل ظهور حمل ) سواء أجعلناها لها أم للحمل لأنا لم نتحقق سبب الوجوب
( فإذا ظهر ) حملها ببينة أو اعتراف الزوج أو تصديقه لها ( وجب ) دفع النفقة لها ( يوما بيوم ) أي كل يوم لقوله تعالى { فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ولأنها لو أخرت إلى الوضع لتضررت ( وقيل ) لا يجب دفعها كذلك بل ( حتى تضع ) فتدفع لها جملة واحدة لأن الأصل البراءة حتى يتيقن السبب والخلاف مبني على أن الحمل يعلم أم لا والأظهر أنه يعلم وعليه لو ادعت ظهوره فأنكر فعليها البينة وتكفي فيه شهادة النساء فيثبت بأربع نسوة عدول ولهن أن يشهدن بالحمل وإن كان لدون ستة أشهر إذا عرفن
تنبيه لو أنفق بظن الحمل فبان خلافه رجع عليها ومر مثله في الرجعية
( ولا تسقط ) نفقة العدة ( بمضي الزمان ) من غير إنفاق ( على المذهب ) وإن قلنا إن النفقة للحمل لأنها هي التي تنتفع بها فتصير دينا عليه
والطريق الثاني البناء على الخلاف في أن النفقة لها أو للحمل فإن قلنا بالأول لم تسقط كنفقة الزوجة وإن قلنا بالثاني سقطت كنفقة القريب
تنبيه قال المتولي لو أبرأت الزوج من النفقة إن قلنا إنها لها سقطت وإلا فلا
تتمة لا نفقة لحامل مملوكة له أعتقها بناء على أنها للحامل ولا يلزم الجد نفقة زوجة ابنه الحامل منه بناء
____________________
(3/441)
على ما ذكر
ولو نشزت الحامل سقطت نفقتها ولو بائنا
ولو نكح فاسدا واستمتع بها ثم فرق بينهما فليس له الرجوع بما أنفق عليها بل يجمع ذلك في مقابلة استمتاعه بها وإتلافه منافعها
قال الأذرعي وهذا التوجيه يفهم أنه لو لم يستمتع بها وكان قد تسلمها استرد وليس مرادا
فصل في حكم الإعسار بمؤونة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها إذا ( أعسر ) الزوج أو من يقوم مقامه من فرع أو غيره ( بها ) أي نفقة زوجته المستقبلة كتلف ماله ( فإن صبرت ) بها وأنفقت على نفسها من مالها أو مما افترضته ( صارت دينا عليه ) وإن لم يقرضها القاضي كسائر الديون المستقرة
تنبيه هذا إذا لم تمنع نفسها منه فإن منعت لم تصر دينا عليه قاله الرافعي في الكلام على الإمهال
( وإلا ) بأن لم تصبر ( فلها الفسخ ) بالطريق الآتي ( على الأظهر ) وقطع به الأكثرون لقوله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فإذا عجز عن الأول تعين الثاني ولخبر البيهقي بإسناد صحيح
أن سعيد بن المسيب سئل عن رجل لا يجد ما ينفق على أهله فقال يفرق بينهما
فقيل له سنة فقال نعم سنة قال الشافعي رحمه الله تعالى ويشبه أنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم
ولأنها إذا فسخت بالجب والعنة فبالعجز عن النفقة أولى لأن البدن لا يقوم بدونها بخلاف الوطء
والثاني المنع وهو قول أبي حنيفة والمزني لعموم قوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ولأنه إذا لم يثبت له الخيار بنشوزها وعجزها عن التمكين فكذلك لا يثبت لعجزه عن مقابله
أما لو أعسر بنفقة ما مضى فلا فسخ على الأصح ولا فسخ لها أيضا بالاعسار بنفقة الخادم سواء أخدمت نفسها أم استأجرت أم أنفقت على خادمها
نعم تثبت في ذمته على المشهور وينبغي كما قال الأذرعي أن يكون هذا في المخدومة لرتبتها أما من تخدم لمرضها ونحوه فالوجه عدم الثبوت كالقريب
تنبيه ليست هذه الفرقة فرقة طلاق بل فسخ كما فهم من المتن والرجعية كالتي في العصمة قاله إبراهيم المروزي
( والأصح أن لا فسخ ) للزوجة ( بمنع ) أي امتناع ( موسر ) من الإنفاق بأن لم يوفها حقها منه سواء ( أحضر ) زوجها ( أو غاب ) عنها لتمكنها من تحصيل حقها بالحاكم أو بيدها إن قدرت وعند غيبته يبعث الحاكم لحاكم بلده إن كان موضعه معلوما فيلزمه بدفع نفقتها فإن لم يعرف موضعه بأن انقطع خبره فهل لها الفسخ أو لا نقل الزركشي عن صاحبي المهذب والكافي وغيرهما أن لها الفسخ ونقل الروياني في التجربة عن نص الأم أنه لا فسخ ما دام الزوج موسرا وإن غاب غيبة منقطعة وتعذر استيفاء النفقة من ماله اه
قال الأذرعي وغالب ظني الوقوف على هذا النص في الأم فإن ثبت له نص يخالفه فذاك وإلا فمذهبه المنع بالتعذر كما رجحه الشيخان اه
وهذا أحوط والأول أيسر
تنبيه قول المصنف موسر ليس بقيد فإنه لو غاب وجهل حاله في اليسار والإعسار فلا فسخ لأن السبب لم يتحقق
قال الرافعي فلو شهدت البينة أنه غاب معسرا فلا فسخ كما أفتى به ابن الصلاح استصحابا لدوام النكاح
قال فلو شهدت بإعساره الآن بناء على الاستصحاب جاز لها ذلك إذا لم تعلم زواله وجاز الفسخ حينئذ فإن عاد الزوج وادعى أن له مالا بالبلد خفي على بينة الإعسار لم يؤثر إلا أن يثبت أنها تعلمه ويقدر عليه فيتبين بطلان الفسخ قاله الغزالي في فتاويه
( ولو حضر الزوج وغاب ماله فإن كان ) غائبا ( بمسافة القصر ) فأكثر ( فلها الفسخ ) ولا يلزمها الصبر للضرر كما في نظيره من فسخ البائع عند غيبة الثمن
تنبيه هذا إذا لم ينفق عليها بنحو استدانة وإلا فلا فسخ لها ولو قال أنا أحضره مدة الإمهال فالظاهر كما قال الأذرعي إجابته
( وإلا ) بأن كان دون مسافة القصر ( فلا ) فسخ لها ( يؤمر بالإحضار ) بسرعة لأن
____________________
(3/442)
ما دون مسافة القصر كالحاضر في البلد
( ولو تبرع رجل ) مثلا ( بها ) عن زوج معسر ( لم يلزمها القبول ) بل لها الفسخ كما لو كان لها دين على إنسان فتبرع غيره بقضائه لا يلزمه القبول لما فيه من المنة
وحكى ابن كج وجها أنه لا خيار لها وبه أفتى الغزالي لأن المنة على الزوج لا عليها
ولو سلمها المتبرع للزوج ثم سلمه الزوج لها لم يفسخ كما صرح به الخوارزمي
ولو كان المتبرع أبا أو جدا والزوج تحت حجره وجب عليها القبول كما قاله الإسنوي وألحق الأذرعي به ولد الزوج وسيده قال ولا شك فيه إذا أعسر الأب وتبرع ولده الذي يلزمه إعفافه
تنبيه يجوز لها إذا أعسر الزوج وله دين على غيره مؤجل بقدر مدة إحضار مال الغائب من مسافة القصر الفسخ بخلاف تأجيله بدون ذلك ولها الفسخ أيضا لكون ماله عروضا لا يرغب فيها ولكون دينه حالا على معسر ولو كان الدين عليها لأنها في حال الإعسار لا تصل إلى حقها والمعسر ينظر بخلافها في حال اليسار وبخلاف ما إذا كان دينه على موسر حاضر غير مماطل
ولو غاب المديون الموسر وكان ماله بدون مسافة القصر فهل لها الفسخ أو لا وجهان أوجههما الثاني وكلام الرافعي يميل إليه فإن كان المديون حاضرا وماله بمسافة القصر كان لها الفسخ كما لو كان مال الزوج غائبا
ولا يفسخ بكون الزوج مديونا وإن استغرقت الديون ماله حتى يصرفه إليها
ولا تفسخ بضمان غيره له بإذنه نفقة يوم بيوم بأن تجدد ضمان كل يوم وأما ضمانها جملة لا يصح فتنفسخ به
( وقدرته ) أي الزوج ( على الكسب كالمال ) أي كالقدرة عليه فلو كان يكسب كل يوم قدر النفقة لم يفسخ لأنها هكذا تجب وليس عليه أن يدخر للمستقبل فلو كان يكسب في يوم ما يكفي لثلاثة أيام متصلا ثم لا يكسب يومين أو ثلاثة ثم يكسب في يوم ما يكفي للأيام الماضية فلا فسخ فإنه ليس بمعسر ولا تشق الاستدانة لمثل هذا التأخير اليسير
وليس المراد أن يصبرها هذه المدة بلا نفقة بل المراد كما قاله الماوردي والروياني وغيرهما أن هذا في حكم الواجد لنفقتها وتنفق مما استدانه لإمكان القضاء فلو كان يكسب في يوم كفاية أسبوع فتعذر العمل فيه لعارض فسخت لتضررها ويكون قدرته على الكسب بمنزلة دين مؤجل له على غيره بقدر ما مر فيه ولو امتنع من الكسب مع قدرته عليه لم تفسخ كالموسر الممتنع
تنبيه أفهم كلامه أنه لا يلزمه الكسب للإنفاق عليها وهو كذلك كما يلزمه لنفقة نفسه وأنه لو قدر على تكسب نفقة الموسر لزمه تعاطيه ولكن الذي في الروضة وأصلها أوائل هذا الباب أن القدرة على كسب واسع لا يخرجه عن حد الإعسار
وأطلق الشيخان الكسب ومحله إذا كان قادرا على كسب حلال أما إذا كان الكسب بأعيان محرمة كبيع الخمر أو كان الفعل الموصل الكسب محرما ككسب المنجم والكاهن فهو كالعدم وإن خالف الماوردي والروياني في القسم الثاني
( وإنما يفسخ ) للزوجة النكاح ( بعجزه ) أي الزوج ( عن نفقة معسر ) حاضرة لأن الضرر يتحقق بذلك فلو عجز عن نفقة موسر أو متوسط لم ينفسخ لأن نفقته الآن نفقة معسر فلا يصير الزائد دينا عليه بخلاف الموسر أو المتوسط إذا أنفق مدا فإنها لا تفسخ ويصير الباقي دينا عليه
فروع لو وجد الزوج نصف المد بكرة غد وقته ونصفه عشاء كذلك لم تفسخ في الأصح ولو وجد يوما مدا ويوما نصف مد كان لها الفسخ ولو وجد كل يوم أكثر من نصف مد كان لها الفسخ أيضا كما شملته عبارة المصنف وإن زعم الزركشي خلافه
( والإعسار بالكسوة كهو ) أي كالإعسار ( بالنفقة ) على الصحيح إذ لا بد منها ولا يبقى البدن بدونها غالبا وقيل لا لأن الحياة تبقى بدونها
تنبيه سكت الشيخان عن الإعسار ببعض الكسوة وأطلق الفارقي أن لها الفسخ
والتحرير فيها كما قال الأذرعي ما أفتى به ابن الصلاح وهو أن المعجوز عنه إن كان مما لا بد منه كالقميص والخمار وجبة الشتاء فلها الخيار وإن كان منه بد كالسراويل والنعل وبعض ما يفرش والمخدة فلا خيار ولا فسخ بالعجز عن الأواني ونحوها كما جزم به
____________________
(3/443)
المتولي لأنه ليس ضروريا كالسكنى وإن كان يصير دينا في ذمته
( وكذا ) الإعسار ( بالأدم والمسكن ) كهو بالنفقة ( في الأصح ) للحاجة إليهما لأنه يعسر الصبر على الخبز البحت أي الذي بلا أدم ولا بد للإنسان من مسكن يقيه من الحر والبرد
والثاني لا فسخ بذلك أما المسكن فلأن النفس يقوم بدونه فإنه لا يعدم مسجدا أو موضعا مباحا ورد بأن الحوالة على المسجد ونحوه كالحوالة في النفقة على السؤال
وأما الأدم فلأن البدن يقوم بدونه ولذا قال المصنف ( قلت الأصح المنع ) أي منع فسخها ( في ) الإعسار بسبب ( الأدم والله أعلم ) بخلاف القوت وهذا ما صححه الرافعي في الشرح الصغير واقتضى كلام الكبير أن الأكثرين عليه وتوسط الماوردي فقال إن كان القوت مما ينساغ دائما للفقراء بلا أدم فلا فسخ وإلا فسخت وتقدم الكلام على الإعسار بنفقة الخادم
( وفي إعساره بالمهر أقوال أظهرها ) عند الأكثرين ( تفسخ قبل وطء ) للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض فأشبه ما إذا لم يقبض البائع الثمن حتى حجر على المشتري بالفلس والمبيع باق بعينه
وهذا الفسخ على الفور كما صرح به الرافعي وكلام التتمة يقتضي خلافه
( ولا ) تفسخ ( بعده ) لتلف المعوض وصيرورة العوض دينا في الذمة
والثاني لا يثبت الفسخ مطلقا لأن النفس تقوم بدون المهر
والثالث تفسخ مطلقا أما قبل الدخول فلما مر وأما بعده فلأن البضع لا يتلف حقيقة بالوطء
تنبيه محل ما ذكر من التفصيل ما إذا لم تقبض من المهر شيئا فلو قبضت بعضه قبل الدخول كما هو معتاد وأعسر بالباقي أفتى ابن الصلاح بأنه لا فسخ بعجزه عن بقيته لأنه استقر له من البضع بقسطه فلو فسخت لعاد لها البضع بكماله لتعذر الشركة فيه فيؤدي إلى الفسخ فيما استقر للزوج بخلاف نظيره من الفسخ بالفلس لإمكان الشركة في البيع
وأفتى البارزي بأن لها الفسخ وهو مقتضى كلام المصنف لصدق العجز عن المهر بالعجز عن بعضه وبه صرح الماوردي وقال الأذرعي هو الوجه نقلا ومعنى اه
وهذا هو المعتمد كما اعتمده السبكي وغيره إذ يلزم على فتوى ابن الصلاح كما قال ابن شهبة إجبار الزوجة على تسليم نفسها بتسليم بعض الصداق إذ ليس لها منع الزوج مما استقر له من البضع وهو مستبعد
ولو أجبرت لاتخذ الأزواج ذلك ذريعة إلى إبطال حق المرأة من حبس نفسها بتسليم درهم واحد من صداق هو ألف درهم وهو في غاية البعد
وقول ابن الصلاح لو جوزنا للمرأة الفسخ لعاد إليها البضع بكماله معارض بمثله وهو أنه لو لم يجز لها الفسخ للزم إجبارها على تسليم البضع بكماله مع أنه لا محذور في رجوع البضع إليها بكماله لأن الصداق يرد على الزوج بكماله إذ على تقدير الفسخ يجب عليها رد ما قبضه
( ولا فسخ ) بإعسار زوج بشيء مما ذكر ( حتى يثبت عند قاض ) بعد الرفع أو عند محكم ( إعساره ) ببينة أو إقراره فلا بد من الرفع إلى القاضي كما في العنة لأنه محل اجتهاد
ويكفي عن القاضي إذا قلنا يحكم بعلمه وحينئذ ( فيفسخه ) بنفسه أو نائبه بعد الثبوت ( أو يأذن لها فيه ) وليس لها مع علمها بالعجز الفسخ قبل الرفع إلى القاضي ولا بعده قبل الإذن فيه
ولا حاجة كما قال الإمام إلى إيقاعه في مجلس الحكم لأنه الذي يتعلق به إثبات حق الفسخ
تنبيه هذا إذا قدرت على الرفع إلى القاضي فإن استقلت بالفسخ لعدم حاكم ومحكم أو عجزت عن الرفع إلى القاضي نفذ ظاهرا وباطنا للضرورة
أما عند القدرة على ذلك فلا ينفذ ظاهرا وكذا باطنا كما رجحه ابن المقري وصرح به الإسنوي أخذا من نقل الإمام له عن مقتضى كلام الأئمة وقول المصنف فيفسخه بالرفع بخطه ويجوز فيه وفي يأذن النصب عطفا على يثبت
( ثم ) على ثبوت الفسخ بإعسار الزوج بالنفقة لا يمهل بها ( في قول ) ونسب للقديم بل ( ينجز الفسخ ) عند الإعسار وقت وجوب تسليمها لأن سببه الإعسار وقد حصل ولا تلزم الإمهال بالفسخ ( والأظهر إمهاله ثلاثة أيام ) وإن لم يطلب الزوج الإمهال لتحقق عجزه فإنه قد يعجز لعارض ثم يزول وهي مدة قريبة
____________________
(3/444)
يتوقع فيها القدرة بقرض أو غيره
( ولها ) بعد الإمهال ( الفسخ صبيحة الرابع ) بعجزه عن نفقته بلا مهلة إلى بياض النهار لتحقق الإعسار ( إلا أن يسلم نفقته ) أي الرابع فقط فلا تفسخ لما مضى حينئذ لتبين زوال العارض الذي كان الفسخ لأجله وإن عجز بعد أن سلم نفقة الرابع عن نفقة الخامس بنت على المدة ولم تستأنفها كما يعلم من قوله ( ولو مضى ) على زوجها ( يومان بلا نفقة وأنفق الثالث ) بأن سلم زوجته نفقته ( وعجز الرابع ) أي عجز فيه عن تسليم نفقته ( بنت ) على اليومين الأولين ولها الفسخ صبيحة الخامس في الصورتين لتضررها بالاستئناف
( وقيل تستأنف ) مدة كاملة لأن العجز الأول قد زال
وضعفه الإمام بأنه قد يتخذ ذلك عادة فيؤدي إلى ضرر عظيم
تنبيه ليس لها أن تأخذ نفقة يوم قدر فيه عن نفقة يوم قبله عجز فيه عن نفقته لتفسخ عند تمام المدة لأن العبرة في الأداء بقصد المؤدى
فإن تراضيا على ذلك ففيه احتمالان أحدهما لها الفسخ عند تمام الثلاث بالتلفيق
وثانيهما لا وتجعل القدرة عليها مبطلة للمهلة
قال الأذرعي والمتبادر ترجيح الأول ورجح ابن الرفعة الثاني بناء على أنه لا فسخ بنفقة المدة الماضية
وأجيب عنه بأن عدم فسخها بنفقة المدة الماضية قبل أيام المهلة لا فيها
( ولها الخروج ) من بيتها ( زمن المهلة ) نهارا ( لتحصيل النفقة ) بكسب أو تجارة أو سؤال
وليس له منعها سواء كانت فقيرة أم غنية لأن التمكين والطاعة في مقابلة النفقة فإذا لم يوفها ما عليه لم يستحق عليها حجرا
تنبيه قضية كلامه أنه لو أمكنها الإنفاق من مالها أو كسب في بيته امتنع عليها الخروج وهو وجه والصحيح المنصوص الأول
( وعليها الرجوع ) إلى بيتها ( ليلا ) لأنه وقت الإيواء دون العمل والاكتساب ولها منعه من الاستماع بها نهارا ولا تسقط نفقتها بذلك فكذا ليلا لكن تسقط نفقتها عن ذمة الزوج مدة منعها
وظاهر عبارة ابن المقري سقوطها حيث منعته والمعتمد الأول ففي الحاوي أنه يستحق التمتع بها ليلا لا نهارا من المهلة فإن أبت نهاره فليست بناشزة أو ليلا فناشزة ولا نفقة لها وتبعه في الكفاية
( ولو رضيت بإعساره ) العارض ( أو نكحته عالمة بإعساره فلها الفسخ بعده ) أي الرضى في الصورتين لأن الضرر يتجدد كل يوم ولا أثر لقولها رضيت بإعساره أبدا فإنه وعد لا يلزم الوفاء به
تنبيه يستثنى من إطلاقه يوم الرضا فإنه لا خيار لها فيه كما قاله البندنيجي والبغوي
ويتجدد الإمهال إذا طلبت الفسخ بعد الرضى
( ولو رضيت بإعساره بالمهر فلا ) فسخ لها بذلك بعد الرضى لأن الضرر لا يتجدد والحاصل الرضى به
تنبيه سكت المصنف عما لو نكحته عالمة بإعساره بالمهر بل قضيته ثبوت الفسخ لكنهما رجحا عدمه كما لو رضيت به في النكاح ثم بدا لها أن تفسخ بخلاف النفقة
قال الإسنوي وهذا ضعيف والمذهب خلافه فقد حكاه العمراني عن الجديد وذلك عن القديم وقد اغتر في الروضة بما قاله الرافعي من عنده لما لم يقف على غيره وزاد فعبر بالأصح
وقال الزركشي قال ابن الرفعة وعلى الفسخ اقتصر الماوردي والجمهور اه
وبالجملة فالمعتمد عدم الفسخ لما مر
وسكت أيضا عما لو نكحت ثم علمت بإعساره فأمسكت عن المحاكمة والذي نقلاه عن الروياني وأقراه وهو في الحاوي أنه إذا كان ذلك بعد طلبها المهر كأن رضي بالإعسار وسقط خيارها وإن كان قبل المطالبة لم يسقط فقد تؤخر المطالبة لوقت اليسار والخيار بعد الرفع إلى القاضي على الفور فلو أخرت الفسخ سقط لأن الضرر لا يتجدد وقد رضيت بإعساره وقبله على التراخي لأنها قد تؤخر الطلب لتوقع اليسار
وعلم من كونه على الفور بعد الطلب أنه لا يمهل ثلاثة أيام ولا دونها وبه صرح الماوردي والروياني قال الأذرعي وليس بواضح بل قد يقال إن الإمهال هنا أولى لأنها تتضرر بتأخير النفقة بخلاف المهر انتهى وهو ظاهر
____________________
(3/445)
لكن المنقول خلافه
( و ) اعلم أن الفسخ حق الزوجة وحينئذ ( لا فسخ لولي صغيرة ومجنونة ) وإن كان فيه مصلحة لهما ( بإعسار بمهر ونفقة ) كما لا يطلق عليهما وإن كان فيه مصلحتهما لأن الخيار يتعلق بالطبع والشهوة فلا يفوض إلى غير مستحقه
وينفق عليهما من مالهما فإن لم يكن لهما مال أنفق عليهما من عليه نفقتهما كنفقة الخلية وتصير نفقتهما ومهرهما دينا عليه يطالب به إذا أيسر
تنبيه أفهم كلامه أن عدم فسخ ولي البالغة من باب أولى والسفيهة البالغة هنا كالرشيدة
( ولو اعسر زوج أمة ) أو من فيها رق كما فهم بالأولى بالنفقة ( أو الكسوة فلها الفسخ ) بذلك وليس للسيد منعها منه لأنه حقها فإن ضمن لها النفقة بعد طلوع فجر يومها صح كضمان الأجنبي
فإن قيل كيف يضمن السيد وهو رب الدين دينه أجيب بأن النفقة في الأصل لها ثم يتلقاها السيد فصح ضمانه
تنبيه استثني من ثبوت الخيار لها ما لو أنفق السيد عليها من ماله فإنه لا خيار لها حينئذ وما لو كانت زوجة أحد أصول سيدها الموسر الذي يلزمه إعفافه لأن نفقتها على سيدها وحينئذ فلا فسخ له ولا لها
وألحق بها نظائرها كما لو زوج أمته بعده واستخدمه فإن لم يستخدمه وعجز عن الكسب فيظهر أن لها الفسخ إن لم ترض بذمته ولم ينفق عليها السيد أخذا مما مر
( فإن رضيت ) وهي مكلفة بإعساره ( فلا فسخ للسيد في الأصح ) والثاني له الفسخ لأن الملك في النفقة له وضرر فواتها يعود إليه
وأجاب الأول بما مر فيكون الفسخ لها
تنبيه احترز بالنفقة عن المهر فلا يثبت الفسخ لها بإعساره قبل الدخول بل هو للسيد لأنه محض حقه ولا ضرر عليها في فواته
وعلى الأول لا يلزم السيد نفقتها إذا كانت بالغة عاقلة ولكن ( له أن يلجئها إليه ) أي الفسخ ( بأن لا ينفق عليها ويقول ) لها ( افسخي أو جوعي ) دفعا للضرر عنه فإذا فسخت أنفق عليها واستمتع بها أو يزوجها من غيره وكفى نفسه مؤنتها أما الصغيرة والمجنونة فيمتنع عليه إلجاؤهما إذ لا يمكنهما الفسخ
فروع للأمة مطالبة زوجها بالنفقة كما كانت تطالب السيد فإن أعطاها لها برىء منها وملكها السيد دونها لأنها لا تملك لكن لها قبضها وتناولها لأنها كالمأذونة في القبض بحكم النكاح وفي تناولها بحكم العرف وتعلقت الأمة بالنفقة المقبوضة فليس له بيعها قبل إبدالها بغيرها لأن نفقتها وإن كانت له بحق الملك لكن لها فيها حق التوثق فإن أبدلها جاز له التصرف فيها ببيع وغيره
ويجوز لها إبراء زوجها من نفقة اليوم لأنها للحاجة الناجزة فكأن الملك للسيد إلا بعد القبض أما قبله فيتمحض الحق لها ولا يصح إبراؤها من نفقة أمس كما في المهر وأما السيد فيصح إبراؤه من نفقة الأمس
ولو ادعى الزوج تسليم النفقة الماضية أو الحاضرة أو المستقبلة فأنكرت الأمة صدقت بيمينها لأن الأصل عدم التسليم فإن صدقه السيد برىء من النفقة الماضية دون المستقبلة والحاضرة لأن الخصومة للسيد في الماضية كالمهر دون الحاضرة
ومن طولب بنفقة ماضية وادعى الإعسار يوم وجوبها حتى يلزمه نفقة المعسر وادعت هي اليسار فيه صدق بيمينه إن لم يعرف له مال وإلا فلا
ولو عجز العبد عن الكسب الذي كان ينفق منه ولم ترض زوجته بذمته كان لها الفسخ وإن رضيت صارت نفقتها دينا عليه
ولو عجز السيد عن نفقة أم ولده أجبر على تخليتها لتكتسب وتنفق على نفسها أو على إيجارها ولا يجبر على عتقها أو تزويجها كما لا يرفع ملك اليمين بالعجز عن الاستمتاع فإن عجزت عن الكسب فنفقتها في بيت المال
فصل في نفقة القريب والموجب لها قرابة البعضية فقط ( يلزمه ) أي الشخص ذكرا كان أو غيره ( نفقة الوالد ) الحر ( وإن علا ) من ذكر أو أنثى ( والولد ) الحر ( وإن سفل ) من ذكر أو أنثى
والأصل في الأول
____________________
(3/446)
قوله تعالى { وصاحبهما في الدنيا معروفا } ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما وخبر أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وولده من كسبه فكلوا من أموالهم رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه
قال ابن المنذر وأجمعوا على أن نفقة الوالدين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد والأجداد والجدات ملحقون بهما إن لم يدخلوا في عموم ذلك كما ألحقوا بهما في العتق والملك وعدم القود ورد الشهادة وغيرهما
وفي الثاني قوله تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } إذ إيجاب الأجرة لإرضاع الأولاد يقتضي إيجاب مؤنتهم وقوله صلى الله عليه وسلم لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف رواه الشيخان والأحفاد ملحقون بالأولاد إن لم يتناولهم إطلاق ما تقدم
تنبيه استنبط من حديث هند غير وجوب نفقة الزوجة والولد ثلاثة عشر حكما نبه على ذلك ابن النقيب وذكرتها في شرح التنبيه
ولا يضر فيما ذكر اختلاف الدين كما قال ( وإن اختلف دينهما ) فيجب على المسلم منهما نفقة الكافر المعصوم وعكسه لعموم الأدلة ولوجود الموجب وهو البعضية كالعتق ورد الشهادة
فإن قيل هلا كان ذلك كالميراث أجيب بأن الميراث مبني على المناصرة وهي مفقودة عند اختلاف الدين وخرج بالأصول والفروع غيرهما من سائر الأقارب كالأخ والأخت والعمة
وأوجب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه نفقة كل ذي محرم بشرط اتفاق الدين في غير الأبعاض تمسكا بقوله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك } وأجاب الشافعي رضي الله تعالى عنه بأن المراد مثل ذلك نفي المضارة كما قيده ابن عباس وهو أعلم بكتاب الله تعالى
والحر الرقيق فإن لم يكن مبعضا ولا مكاتبا فأن كان منفقا عليه فهي على سيده وإن كان منفقا فهو أسوأ حالا من المعسر والمعسر لا تجب عليه نفقة قريبه
فإن قيل العبد يلزمه نفقة زوجته فهلا كان كذلك هنا أجيب بأن نفقتها معاوضة وتلزم المعسر والعبد من أهلها
ونفقة القريب مواساة ولا تلزم المعسر فلم تلزمه لإعساره
وأما المبعض فإن كان منفقا فعليه نفقة تامة لتمام ملكه فهو كحر الكل وقيل بحسب حريته
وإن كان منفقا عليه فتبعض نفقته على القريب والسيد بالنسبة إلى ما فيه من رق وحرية
وأما المكاتب فإن كان متفقا عليه فلا يلزم قريبه نفقته على الأصح كما في زيادة الروضة هنا لبقاء أحكام عليه وإن وقع في الروضة وأصلها في قسم الصدقات أن عليه نفقته بل نفقته من كسبه فإن عجز نفسه فعلى سيده وإن كان منفقا فلا تجب عليه لأنه ليس أهلا للمواساة لأن ما معه إما غير مملوك له أو مملوك مستحق في كتابه إلا أن يكون له ولد من أمته فيجب عليه نفقته وإن لم يجز له وطؤها لأنه إن عتق فقد أنفق ماله على ولده وإن رق رق الولد أيضا فيكون قد أنفق مال السيد على رقيقه أو ولد من زوجته التي هي أمة سيده فيجب عليه نفقته لأنه ملك السيد فإن عتق أنفق ماله على ملك سيده وإن رق فقد أنفق عليه مال سيده بخلاف ولده من مكاتبة سيده لا ينفق عليه لأنها قد تعتق فيتبعها الولد لكتابته عليها ويعجز المكاتب فيكون قد فوت مال سيده
وبالمعصوم غيره من مرتد وحربي فلا تجب نفقته إذ لا حرمة له لأنه مأمور بقتله
فإن قيل تجب نفقة الرقيق وإن كان غير معصوم كما سيأتي
أجيب بأن الرقيق لما كان السيد مالكا لرقبته وله التصرف فيه خير بين أن ينفق عليه أو يزيل ملكه عنه بخلاف الأصل والفرع
تنبيه كما يلزم الولد نفقة الأب يلزمه نفقة رقيقه المحتاج لخدمته وكذا زوجته وقد ذكرهما المصنف في باب الإعفاف بخلاف زوجة الابن على الأصح
ثم شرع في شرط وجوب نفقة القريب فقال ( بشرط يسار المنفق ) من والد أو ولد لأنها مواساة فاعتبر فيها اليسار وقيل لا يشترط يسار الوالد في نفقة ولده الصغير فيستقرض عليه ويؤمر بوفائه إذا أيسر ( بفاضل عن قوته وقوت عياله في يومه ) وليلته التي تليه سواء أفضل ذلك بكسب أم بغيره فإن لم يفضل شيء فلا شيء عليه لقوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك فلذي قرابتك رواه مسلم
تنبيه في معنى القوت سائر الواجبات من مسكن وملبس فلو عبر بدله بالحاجة كان أولى
وأطلق المصنف
____________________
(3/447)
العيال وخصه الرافعي وغيره بالزوجة ولو عبر بها كان أولى والظاهر كما قال الأذرعي أن خادمها وأم ولده في حكمها ولا يشترط كونه فاضلا عن دينه كما صرح الأصحاب في باب الفلس وإن أوهم كلام الرافعي أول قسم الصدقات خلافه
( ويباع فيها ) أي نفقة القريب ( ما يباع في الدين ) من عقار وغيره لأن نفقة القريب مقدمة على وفاء الدين وإذا بيع ذلك في الدين ففي المقدم عليه أولى
ففي كيفية بيع العقار وجهان أحدهما يباع كل يوم جزء بقدر الحاجة والثاني يستقرض إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له
قال الأذرعي والثاني هو الصحيح أو الصواب اه
وقد رجح المصنف تصحيحه في نظيره من النفقة على العبد قال البلقيني فليرجح هنا
ولو لم يوجد من يشتري إلا الكل وتعذر الإقراض قال الزركشي يبيع الكل كما أشار إليه الرافعي في الصداق في الكلام على التشطير
( ويلزم كسوبا ) إذا لم يكن له مال ( كسبها في الأصح ) إذا وجد مباحا يليق به لخبر كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ولأن القدرة بالكسب كالقدرة بالمال ولهذا يحرم عليه الزكاة وكما يلزمه إحياء نفسه بالكسب فكذا بعضه
والثاني لا كما لا يلزمه الكسب لقضاء دينه
وأجاب الأول بأن النفقة قدرها يسير والدين لا ينضبط قدره وإلا يكلف القريب أن يسأل الناس ولا أن يقبل الهبة والوصية فإن فعل وصار بذلك غنيا لزمه مؤنة قريبه
تنبيه محل وجوب الاكتساب لزوجة الأب إنما هو في نفقة المعسرين فلو قدر على اكتساب متوسط أو موسر لم يجبر على الزيادة كما هو قضية كلام الإمام والغزالي وإن اقتضى كلام الماوردي الإجبار
( ولا تجب ) النفقة ( لمالك كفايته ) ولو زمنا أو صغيرا أو مجنونا لاستغنائه عنها ( ولا لمكتسبها ) بأن يقدر على كسب كفايته من كسب حلال يليق به لانتفاء حاجته إلى غيره وإن كان يكسب دون كفايته استحق القدر المعجوز عنه خاصة
تنبيه لو قدرت الأم أو البنت على النكاح لا تسقط نفقتها كما جزم به ابن الرفعة فإن قيل هلا كان ذلك كالقدرة على الكسب أجيب بأن حبس النكاح لا نهاية له بخلاف سائر أنواع الاكتساب فلو تزوجت سقطت نفقتها بالعقد ولو كان الزوج معسرا إلى أن يفسخ لئلا تجتمع بين نفقتين
( وتجب لفقير غير مكتسب إن كان زمنا ) وألحق به البغوي العاجز بمرض أو عمى وجزم به الرافعي في الشرح الصغير ( أو ) كان ( صغيرا أو مجنونا ) لعجزه عن كفاية نفسه
والولي حمل الصغير على الاكتساب إذا قدر عليه وينفق عليه من كسبه فلو هرب أو ترك الاكتساب في بعض الأيام وجبت نفقته على وليه ولو كان قادرا على كسب حرام كالكسب بآلة الملاهي فهو كالعدم وكذا الكسب الذي لا يليق به
( وإلا ) بأن قدر على الكسب ولم يكتسب ولم يكن كما ذكره ( فأقوال أحسنها تجب ) مطلقا للأصل والفرع لأنه يقبح للإنسان أن يكلف قريبه الكسب مع اتساع ماله
والثاني المنع مطلقا لاستغنائه بكسبه عن غيره ( والثالث ) تجب ( لأصل لا فرع ) ذكر أو أنثى لتأكيد حرمة الأصل
( قلت الثالث أظهر ) لما ذكر ( والله أعلم ) وهذا هو الأصح في أصل الروضة واقتضاه إيراد الشرحين وإن نازع في ذلك الأذرعي لأن الفرع مأمور بمعاشرة أصله بالمعروف وليس منها تكليفه الكسب مع كبر السن
وكما يجب الإعفاف ويمتنع القصاص
( وهي ) أي نفقة القريب ( الكفاية ) لقوله صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ولأنها تجب على سبيل المواساة لدفع الحاجة الناجزة
ويعتبر حاله في سنه وزهادته ورغبته ويجب اشباعه كما صرح به ابن يونس وقول الغزالي لا يجب إشباعه محمول على المبالغة في الشبع
ويجب له الأدم كما يجب له القوت ويجب له مؤنة خادم إن احتاجه مع كسوة وسكنى لائقين به وأجرة طبيب وثمن أدوية
تنبيه لو سلمت النفقة إلى القريب فتلفت في يده وجب إبدالها وكذا لو أتلفها بنفسه
فإن قيل في إبدالها
____________________
(3/448)
إجحاف بالدافع خصوصا مع تكرار الإتلاف
أجيب بأن الدافع مقصر إذ يمكنه أن يطعمه من غير تسليم
لكن ما أتلفه عليه فيه الضمان إذ أيسر كما قالاه وينبغي كما قال الأذرعي أن محل الضمان في الرشيد دون غيره لتقصير الدافع بل سبيله أن يطعمه أو يوكل من يطعمه ولا يسلم إليه شيئا
والنفقة وما ذكر معها إمتاع ولذلك قال المصنف ( وتسقط بفواتها ) بمضي الزمان وإن تعدى المنفق بالمنع لأنها وجبت بدفع الحاجة الناجزة وقد زالت بخلاف نفقة الزوجة فإنها معاوضة
( و ) حينئذ ( لا تصير دينا ) في ذمته ( إلا بفرض ) بالفاء بخطه ( قاض أو إذنه في اقتراض ) بالقاف ( لغيبة أو منع ) فإنها تصير دينا في ذمته لتأكد ذلك بفرض القاضي أو إذنه فيه
تنبيه تبع المصنف في هذا الاستثناء كالمحرر والشرحين الغزالي في الوسيط والوجيز ولا ذكر له في شيء من كتب الطريقين
قال الأذرعي وهذه المسألة مما تعم به البلوى وحكام العصر يحكمون بذلك ظانين أنه المذهب فيجب التنبه لها وتحريرها وبسط الكلام في ذلك ثم قال وألحق أن فرض القاضي بمجرده لا يؤثر عندنا بلا خلاف ومحاولة إثبات خلاف مذهبي فيه تكلف محض اه
فالمعتمد كما عليه الجمهور أنها لا تصير دينا إلا بافتراض قاض بنفسه أو مأذونه ويمكن حمل كلام الغزالي والشيخين كما قاله بعض المتأخرين على ما إذا فرض القاضي النفقة أي قدرها وأذن لإنسان أن ينفق على الطفل مثلا ما قدره في غيبة القريب أو منعه ويرجع على قريبه فإذا أنفق صار في ذمة القريب قال وهي غير مسألة الاستقراض
وقول المصنف أو إذنه في اقتراض يقتضي أنه بمجرد ذلك يصير دينا في الذمة قال السبكي والظاهر أنه لو تأخر الاستقراض بعد إذن القاضي ومضي زمن لم يستقرض فيه أي لم يفت فيجب حمله على أن المراد إذن في الاستقراض فاستقرض اه
وهذا الحمل هو المراد وإلا فيخالف ما عليه الجمهور ويكون الاستثناء حينئذ من اللفظ لا من المعنى لأن الواجب على القريب إنما هو وفاء الدين ولا يسمى هذا الوفاء نفقة
وظاهر كلام المصنف الحصر فيما ذكره وليس مرادا فإن الأب لو نفى الولد ثم استحلقه فإن الأم ترجع عليه بالنفقة كما مر ولو لم يكن هناك حاكم واستقرضت الأم عنه وأشهدت فعليه قضاء ما استقرضته أما إذا لم تشهد فلا رجوع لها
ونفقة الحامل لا تسقط بمضي الزمان وإن جعلنا النفقة له لأن الزوجة لما كانت هي التي تنتفع بها التحقت بنفقتها
وللقريب أخذ نفقته من مال قريبه عند امتناعه إن وجد جنسها وكذا إن لم يجده في الأصح وله الاستقراض إن يجد له مالا وعجز القاضي ويرجع إن أشهد كجد الطفل المحتاج وأبوه غائب مثلا
وللأب والجد أخذ النفقة من مال فرعهما الصغير أو المجنون بحكم الولاية ولهما إيجاره لها لما يطيقه من الأعمال ولا تأخذها الأم من ماله إذا وجبت نفقتها عليه ولا الابن من مال أبيه المجنون إذا وجبت نفقته عليه إلا بالحاكم لعدم ولايتهما فيؤدي القاضي الابن الزمن إجارة أبيه المجنون إذا صلح لنفقته
( وعليها ) أي الأم ( إرضاع ولدها اللبأ ) وهو بهمز وقصر اللبن النازل أول الولادة لأن الولد لا يعيش بدونه غالبا وغيرها لا يغني كما قاله في الكافي والمراد كما قال الرافعي أنه لا يعيش بدونه غالبا أو أنه لا يقوى وتشتد بنيته إلا به قال وإلا فنشاهد من يعيش بلا لبأ
ولها أن تأخذ الأجرة إن كان لمثله أجرة ولا يلزمها التبرع بإرضاعه كما لا يلزم بدل الطعام للمضطر إلا بالبدل
تنبيه لم يتعرضوا لمدة الرضاع به وقال الرافعي مدته يسيرة وقال في البيان وعليها أن تسقي اللبأ حتى يروى وظاهره الاكتفاء بمرة واحدة
وينبغي كما قال الأذرعي الرجوع إلى أهل الخبرة فإن قالوا تكفيه مرة بلا ضرر يلحقه كفت وإلا عمل بقولهم
( ثم بعده ) أي بعد إرضاع اللبأ ( إن لم يوجد إلا هي ) أي الأم ( أو أجنبية وجب ) على الموجود منهما ( إرضاعه ) إبقاء للولد ولهما طلب الأجرة من ماله إن كان وإلا فممن تلزمه نفقته
( وإن وجدتا ) أي الأم والأجنبية ( لم تجبر الأم ) وإن كانت في نكاح أبيه على إرضاعه لقوله تعالى { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى }
____________________
(3/449)
وإذا امتنعت حصل التعاسر
( فإن رغبت ) في إرضاعه ( وهي منكوحة أبيه ) أي الرضيع ( فله منعها ) مع الكراهة من إرضاعه ( في الأصح ) لأنه يستحق الاستمتاع بها في الأوقات المصروفة إلى الرضاع وهذا أقوى الوجهين في الشرحين ( قلت الأصح ليس له منعها ) مع وجود غيرها ( وصححه الأكثرون والله أعلم ) لأن فيه إضرارا بالولد لأنها عليه أشفق ولبنها له أصلح
ولا تزاد نفقتها للإرضاع وإن احتاجت فيه إلى زيادة الغذاء لأن قدر النفقة لا يختلف بحال المرأة وحاجتها
تنبيه أفهم قوله منكوحة أنها لو كانت بائنا أن له المنع جزما وليس مرادا بل إن تبرعت لم ينزع الولد منها وإن طلبت أجرة فهي كالتي في نكاحه إذا توافقا وطلبت الأجرة وقوله أبيه أنها إذا كانت منكوحة غير أبيه أن له منعها وهو كذلك إلا أن تكون مستأجرة للإرضاع قبل نكاحه فليس له منعها كما قاله ابن الرفعة ولا نفقة لها
وهذا كله كما قال الأذرعي في الزوجة والولد الحرين أما لو كان رقيقا والأم حرة فله منعها كما لو كان الولد من غيره
ولو كانت رقيقة والولد حر أو رقيق قال فقد يقال من وافقه السيد منهما فهو المجاب ويحتمل غيره اه
والأول أوجه
( فإن اتفقا ) على أن الأم ترضعه ( وطلبت أجرة مثل ) له ( أجيبت ) لقوله تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وكانت أحق به لما مر فاستئجار الزوج لها لذلك جائز وقال العراقيون لا يجوز لأنه يستحق الاستمتاع بها في تلك الحالة فلا يجوز أن يعقد عليها عقد آخر يمنع استيفاء الحق
وأجاب الأول بأن الاستئجار منه رضى بترك الاستمتاع
وإذا أرضعت بالأجرة فإن كان الإرضاع لا يمنع من الاستمتاع ولا ينقصه فلها مع الأجرة النفقة وإلا فلا
تنبيه ذكر المصنف حكم المنكوحة وسكت عن المفارقة وصرح في المحرر بالتسوية فقال فإن وافقا عليه أو لم تكن في نكاحه وطلبت الأجرة إلى آخره فحذف المصنف له لا وجه له كما قاله ابن شهبة
( أو ) طلبت الأم ( فوقها ) أي أجرة المثل ( فلا ) تلزمه الإجابة لتضرره وله استرضاع أجنبية
( وكذا إن تبرعت أجنبية ) بإرضاعه ( أو رضيت بأقل ) من أجرة المثل ولو بشيء يسير لا يلزمه اجابة الأم إلى أجرة المثل ( في الأظهر ) لأن في تكليفه الأجرة مع المتبرعة أو الزيادة على ما رضيت به إضرارا وقد قال تعالى { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم } والثاني تجاب الأم لوفور شفقتها
تنبيه محل الخلاف إذا استمرأ الولد لبن الأجنبية وإلا أجيبت الأم إلى إرضاعه بأجرة المثل قطعا كما قال بعض المتأخرين لما في العدول عنها من الاضرار بالرضيع
وعلى الأظهر لو ادعى الأب وجود متبرعة أو راضية بأقل من أجرة المثل وأنكرت الأم صدق في ذلك بيمينه لأنها تدعي عليه أجرة والأصل عدمها ولأنه يشق عليه إقامة البينة وتجب الأجرة في مال الطفل فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته
ثم شرع في اجتماع الأقارب من جانب المنفق ومن جانب المحتاج وقد بدأ بالقسم الأول فقال ( ومن استوى فرعاه ) في قرب وارث أو عدمها وإن اختلفا في الذكورة وعدمها كابنين أو بنتين أو ابن وبنت ( أنفقا عليه ) وإن تفاوتا في قدر اليسار أو أيسر أحدهما بالمال والآخر بالكسب لأن علة إيجاب النفقة تشملهما فإن غاب أحدهما أخذ قسطه من ماله فإن لم يكن مال اقترض عليه الحاكم إن أمكن وإلا أمر الحاكم الحاضر بالإنفاق بقصد الرجوع على الغائب أو ماله إذا وجده
هذا إذا كان المأمور أهلا لذلك مؤتمنا كما قاله الأذرعي وإلا اقترض منه الحاكم وأمر عدلا بالصرف إلى المحتاج يوما فيوما
( وإلا ) بأن اختلفا في القرب ( فالأصح أقربهما ) تجب النفقة عليه وارثا كان أو غيره ذكرا كان أو أنثى لأن القرب أولى بالاعتبار
( فإن استوى ) قربهما ( فبالإرث ) تعتبر النفقة ( في الأصح ) لقوله كابن وابن بنت فيجب على الأول دون الثاني لذلك
والثاني لا أثر
____________________
(3/450)
للإرث لعدم توقف وجوب النفقة عليه
( والثاني ) وهو مقابل قوله فالأصح أقربهما أن تعتبر أولا ( بالإرث ثم القرب ) بعده فيقدم الوارث البعيد على غير القريب فإن استويا في الإرث قدم أقربها
تنبيه الخلاف في أصل المسألة طريقان والطريقة الأولى هي المشهورة ولما كانت طرق الأصحاب قد تسمى وجوها صح تعبير المصنف عنها بالأصح
( والوارثان ) على كل من الطريقين كما في المحرر إذا استويا في أصل الإرث دون غيره كابن وبنت هل ( يستويان ) في قدر الإنفاق ( أم يوزع ) الانفاق بينهما ( بحسبه ) أي الإرث ( وجهان ) وجه التوزيع إشعار زيادة الإرث بزيادة قوة القرب ووجه الاستواء اشتراكهما في الإرث ورجح هذا الزركشي وابن المقري
والأول أوجه كما جزم به في الأنوار وهو قياس ما رجحه المصنف فيمن له أبوان وقلنا نفقته عليهما كما سيأتي قريبا
وهذا هو الموضع الثاني بلا ترجيح كما مر التنبيه عليه في صلاة الجماعة ولا ثالث لهما إلا ما كان مفرعا على ضعيف
( ومن له أبوان ) هو من تثنية التغليب أي أب وأم ( فعلى الأب ) نفقته صغيرا كان أو كبيرا أما الأولى فلقوله تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وأما الثاني فاستصحابا لما كان في الصغر ولعموم حديث هند
( وقيل ) النفقة ( عليهما البالغ ) لاستوائهما في القرب وإنما قدم الأب في الصغر لولايته عليه وقد زالت
وهل يسوى بينهما أو يجعل بينهما أثلاثا بحسب الإرث وجهان رجح المصنف منهما الثاني
تنبيه محل الخلاف فيما إذا كان الولد البالغ غير معتوه وإلا فكالصغير وأبو الأب مع الأم كالأب على الأصح
( أو ) كان للفرع ( أجداد وجدات إن أدلى بعضهم ببعض فالأقرب ) منهم فالأقرب تلزمه النفقة لما مر من أن القرب أولى بالاعتبار ( وإلا ) بأن لم يدل بعضهم ببعض ( فبالقرب ) يعتبر لزوم النفقة ( وقيل الإرث ) على الخلاف المتقدم في طرف الفروع ( وقيل بولاية المال ) لأنها تشعر بتفويض التربية
تنبيه المراد بولاية المال كما في الروضة وأصلها الجهة التي تفيدها لا نفس الولاية التي قد يمنع منها مانع مع وجود الجهة وعلى هذا ففي كلام المصنف مضاف محذوف
( ومن له أصل وفروع ففي الأصح ) تجب النفقة ( على الفرع وإن بعد ) كأب وابن ابن لأن عصوبته أقوى وهو أولى بالقيام بشأن أبيه لعظم حرمته
والثاني أنها على الأصل استصحابا لما كان في الصغر
والثالث أنها عليهما لاشتراكهما في البعضية
ثم شرع في القسم الثاني من اجتماع الأقارب فقال ( أو ) له ( محتاجون ) من النوعين أو أحدهما مع زوجة أو زوجات فإن قدر على كفاية كلهم فواضح أو فإنه ( يقدم ) منهم ( زوجته ) بعد نفسه لأن نفقتها آكد لأنها لا تسقط بمضي الزمان كما مر
( ثم ) بعد نفقتها يقدم ( الأقرب ) فالأقرب فيقدم بعد زوجته ولده الصغير لشدة عجزه ومثله البالغ المجنون ثم الأم لذلك ولتأكد حقها بالحمل والوضع والرضاع والتربية ثم الأب ثم الولد الكبير ثم الجد وإن علا ولو كان الولد صغيرا والأب مجنونا أو زمنا فهما سواء كما بحثه البلقيني وتقدم ماله تعلق بذلك في زكاة الفطر
( وقيل ) يقدم ( الوارث ) على الخلاف المتقدم في الأصول وعلى الأول لو كان الأبعد زمنا قدم على الأقرب لشدة احتياجه
ولو استوى اثنان في درجة كابنين أو بنتين أو ابن وبنت صرف إليهما بالسوية
وتقدم بنت ابن على بنت لضعفها وعصوبة أبيها
وإن كان أحدهما في هذه الصور الأربع رضيعا أو مريضا ونحوه قدم لشدة احتياجه
وإن كان أحد الجدين المجتمعين في درجة عصبة كأبي الأب مع أبي الأم قدم منهما العصبة منهما استويا لتعادل القرب والعصوبة ولو اختلفت الدرجة واستويا في العصوبة أو عدمها فالأقرب مقدم ( وقيل الولي )
____________________
(3/451)
تنبيه لو كثر أهل درجة بحيث لا يسد قسط كل منهم إن وزع الموجود عليهم مسدا أقرع بينهم
فروع لو اجتمع جدتان في درجة وزادت إحداهما على الأخرى بولادة أخرى قدمت فإن قربت الأخرى دونها قدمت لقربها
ولو عجز الأب عن نفقة أحد ولديه وله أب موسر لزمت أباه نفقته فإن رضي كل منهما بأخذ ولد لينفق عليه أو انفقا على الاتفاق بالشركة فذاك ظاهر وإن تنازعا أجيب طالب الاشتراك وقال البلقيني يقرع بينهما
ولو عجز الولد عن نفقة أحد والديه وله ابن موسر فعلى الابن نفقة أبي أبيه لاختصاص الأم بالابن لما مر من أن الأصح تقديم الأم على الأب
ولو أعسر الأقرب بالنفقة لزمت الأبعد ولا رجوع له عليه بما أنفق إذا أيسر به
فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون ( الحضانة ) بفتح الحاء لغة مأخوذة من الحضن بكسرها وهو الجنب فإن المحضنة ترد إليه المحضون وتنتهي في الصغير بالتمييز وأما بعده إلى البلوغ فتسمى كفالة قاله الماوردي وقال غيره تسمى حضانة أيضا وشرعا
( حفظ من لا يستقل ) بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل وكبير مجنون ( وتربيته ) أي تنمية المحضون بما يصلحه بتعهده بطعامه وشرابه ونحو ذلك وقد مر في باب الإجارة من الكتابة تفسير الحضانة بما هو أعم من ذلك
ومؤنة الحضانة في مال المحضون فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته لأنها من أسباب الكفاية كالنفقة ولهذا ذكرت عقب النفقات
( و ) الحضانة نوع ولاية وسلطنة لكن ( الإناث أليق بها ) لأنهن أشفق وأهدى إلى التربية وأصبر على القيام بها وأشد ملازمة للاطفال
واعلم أن مستحق الحضانة ثلاثة أقسام لأنهم إما إناث فقط وإما ذكور فقط وإما الفريقان وقد بدأ بالقسم الأول فقال ( وأولاهن ) أي الإناث عند اجتماعهن وتنازعهن في طلبها ( أم ) لوفور شفقتها وفي الخبر أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وإن أباه طلقني وزعم أنه ينزعه مني فقال أنت أحق به ما لم تنكحي رواه البيهقي والحاكم وصحح إسناده
تنبيه محل تقديم الأم ما لم يكن للمحضون زوج ذكرا كان أو أنثى وإلا فيقدم إن كان له بها أو لها به استمتاع
والمراد باستمتاعه بها جماعة فلا بد أن تطيقه وإلا فلا تسلم إليه كما مر في الصداق وصرح به ابن الصلاح هنا في فتاويه وحينئذ فتستثنى هذه الصورة أيضا وله نزعه من أبيه وأمه الحرين بعد التمييز وتسليمه إلى غيرهما بناء على جواز التفريق حينئذ ومن بعضه حر يشترك سيده وقريبه المستحق لحضانته في حضانته بحسب ما فيه من الرق والحرية فإن اتفقا على المهايأة أو على استئجار حاضنة أو رضي أحدهما بالآخر فذاك وإن تمانعا استأجر الحاكم من تحضنه وألزمهما الأجرة
( ثم ) بعد الأم ( أمهات ) لها ( يدلين بإناث ) وارثات لمشاركتهن الأم في الإرث والولادة ( يقدم ) منهن ( أقربهن ) فأقربهن لوفور الشفقة
( والجديد تقدم بعدهن ) أي أمهات الأم ( أم أب ) لمشاركتها أم الأم في المعنى السابق
وإنما قدمت أمهات الأم وإن علون لأن الولادة فيهن محققة وفي أمهات الأب مظنونة ولأنهن أقوى ميراثا من أمهاته فإنهن لا يسقطن بالأب بخلاف أمهاته ( ثم أمهاتها المدليات بإناث ) وارثات لما مر
( ثم أم أبي أب كذلك ) ثم أمهاتها المدليات وارثات
( ثم أم أبي جد كذلك ) ثم أمهاتها المدليات بإناث وارثات وهكذا لأن لهن ولادة ووراثة كالأم وأمهاتها
وتقدم في كل من الأمهات المذكورة القربى فالقربى
( والقديم ) يقدم ( الأخوات والخالات عليهن ) أي المذكورات من أمهات الأب والجد
أما الأخوات فلأنهن اجتمعن معه في الصلب والبطن أوفي أحدهما وشاركته في النسب فهن عليه أشفق وأما الخالات فلقوله صلى الله عليه وسلم الخالة بمنزلة الأم رواه البخاري
وأجاب الأول بأن النظر هنا إلى الشفقة وهي في الجدات أغلب
____________________
(3/452)
( وتقدم ) قطعا ( أخت ) من أي جهة كانت ( على خالة ) لأنها أقرب منها
وتقدم ( و ) ( خالة على بنت أخ و ) بنت ( أخت ) لأنها تدلي بالأم بخلافهما
( و ) تقدم ( بنت أخ و ) بنت ( أخت على عمة ) كما يقدم ابن الأخ في الميراث على العم
تنبيه سكت المصنف عن الترتيب بين بنت الأخت وبنت الأخ والمقدم منهما بنت الأخت
( و ) تقدم ( أخت من أبوين على أخت من أحدهما ) لأن شفقتها أتم لاجتماعها مع المحضون في الصلب والرحم فهي أشفق
( والأصح ) وعبر في الروضة بالصحيح المنصوص في الجديد والقديم لا كما يوهمه كلام المتن من تفريع هذا وما قبله على القديم ( تقديم أخت من أب على أخت من أم ) لاشتراكها معه في النسب ولقوة إرثها فإنها قد تصير عصبة
والثاني عكسه لأنها تدلي بالأم فتقدم على من يدلي بالأب
( و ) الأصح تقديم ( خالة ) لأب ( وعمة لأب عليهما لأم ) لقوة الجهة كالأخت
والثاني عكسه لأن تقديم الأخت للأب على الأخت للأم كان لقوتها في الإرث ولا إرث هنا
( و ) الأصح ( سقوط كل جدة لا ترث ) وهي من تدلي بذكر بين انثيين كأم أبي الأم لأنها أدلت بمن لا حق له في الحضانة فأشبهت الأجانب
والثاني لا تسقط لولادتها لكن تتأخر عن جميع المذكورات لضعفها
تنبيه قال الشيخان وفي معنى الجدة الساقطة كل محرم يدلي بذكر لا يرث كبنت ابن البنت وبنت العم للأم اه
فإن قيل كون بنت العم محرما ذهول
أجيب بأنها معطوفة على كل محرم لأنها معطوفة على بنت ابن البنت كما توهمه من قال إنه ذهول وقال إن هذه ليست بمحرم
( دون أنثى ) هو في حيز الأصح أيضا ومعناه النفي أي والأصح سقوط كل جدة لا ترث لا سقوط كل أنثى
( غير محرم كبنت خالة ) وبنت عمة وبنتي الخال والعم لشفقتهن بالقرابة وهدايتهن إلى التربية بالأنوثة
والثاني لا حق لهن كالجدات الساقطات
وأجاب الرافعي عن الأول بأن الجدة الساقطة تدلي بغير وارث بخلاف هؤلاء
واعترض بأنه ليس في هؤلاء من يدلي بوارث غير بنت العم العصبة ولذلك قال الإسنوي وترجيح استحقاق بنت الخال الحضانة لا يستقيم مع ما تقدم لإدلائها بذكر غير وارث وقد تقرر أن من كان بهذه الصفة لا حضانة لها بخلاف بنت الخالة والعمة فإنها تدلي بأنثى وبخلاف بنت العم أي العصبة فإنها تدلي بذكر وارث اه
وقد يجاب بأن بنت الخال لما كان بينها وبين المحضون محرم قريب وهو الخال ثبت لها الحضانة بخلاف الجدة الساقطة لبعدها والتقرب له شفقة فثبتت لها الحضانة لذلك
ثم رأيت شيخي أجاب بأن في الجدة الساقطة الحضانة ثابتة لا قربا في النسب فانتقلت الحضانة عنها وفي بنت الخال تراخى النسب فلم يؤثر كونها لم تدل بوارث بنسب وتقدم بنت المحضون عند فقد أبويه على الجدات
ثم شرع في القسم الثاني وهو محض الذكور وهم أربعة أصناف محرم وارث ووارث غير محرم ومحرم غير وارث وليس بمحرم ولا وارث مبتدئا بأولها فقال ( وتثبت ) الحضانة ( لكل ذي محرم وارث ) كالأب والجد وإن علا والأخ لأبوين أو لأب والعم كذلك لقوة قرابتهم بالمحرمية والإرث والولاية
( على ترتيب الإرث ) عند الاجتماع فيقدم أب ثم جد وإن علا ثم أخ شقيق ثم لأب وهكذا فالجد هنا مقدم على الأخ فلو قال المصنف ترتيب ولاية النكاح لكان أولى
( وكذا ) ذكر وارث ( غير محرم كابن عم ) فإن له الحضانة ( على الصحيح ) لوفور شفقته بالولاية
والثاني لا لفقد المحرمية وهذا هو الصنف الثاني
فإن قيل كلامه يشمل المعتق فإنه وارث غير محرم مع أنه لا حضانة له
أجيب بأن تمثيله بابن العم فيه إشارة إلى اعتبار القرابة في الحاضن
( ولا تسلم إليه مشتهاة ) حذرا من الخلوة المحرمة ( بل ) تسلم ( إلى ثقة يعينها )
____________________
(3/453)
بضم المثناة التحتية الأولى وتشديد التحتية الثانية من التعيين لا بتخفيفها من المعونة ولو بأجرة من ماله لأن الحق له في ذلك
وإنما كان التعيين إليه لأن الحضانة له
ويفارق ثبوت الحضانة له عليها عدم ثبوتها لبنت العم على الذكر بأن الرجل لا يستغني عن الاستنابة بخلاف المرأة ولاختصاص ابن العم بالعصوبة والولاية والإرث فإن كان له بنت مثلا يستحي منها على ما مر في العدد جعلت عنده مع بنته
نعم إن كان مسافرا وبنته معه لا في رحلة سلمت إليها لا له كما لو كان في الحضر ولم تكن بنته في بيته وبهذا يجمع بين كلامي الكتاب وأصله والروضة وأصلها حيث قالوا في موضع تسلم إليه وفي آخر تسلم إليها
قال الإسنوي ويعتبر كونها ثقة وتبعه الزركشي قال وما يتوهم من أن غيرتها على قرابتها وأبيها تغني عن ذكر مردود ولتفاوت الناس في ذلك فاعتبرت الشفقة حسما للباب
تنبيه أفهم كلامه أنه يتسلم الذكر مطلقا المشتهى وغيره وهو قضية كلام الروضة وصرح به ابن الصباغ وصوب الزركشي عدم تسليم المشتهى إليه
( فإن فقد ) في الذكر الحاضن ( الإرث والمحرمية ) معا كابن خال وابن عمة وهذا هو الصنف الثالث ( أو الإرث ) فقط والمحرمية باقية كأبي أم وخال وهو الصنف الرابع
( فلا ) حضانة لهم ( في الأصح ) لفقد الإرث والمحرمية في الأولى ولضعف قرابته في الثانية لأنه لا يرث بها ولا يلي ولا يعقل
والثاني له الحضانة لشفقته بالقرابة
تنبيه لا حق للمحرم بالرضاع في الحضانة ولا في الكفالة ولا للمولى وعصبته على المذهب لفقد الإرث في الأول وفقد القرابة في الثاني وإن وجد فيه الإرث
ثم شرع في القسم الثالث وهو اجتماع الفريقين فقال ( وإن اجتمع ذكور وإناث ) وتنازعوا في الحضانة ( فالأم ) تقدم للحديث المتقدم ( ثم أمهاتها ) المدليات بأناث كما مر لأنهن في معنى الأم في الشفقة
( ثم ) يقدم بعدهن ( الأب ) على أمهاته لأنه أصلهن
( وقيل تقدم عليه الخالة والأخت من الأم ) لإدلائهما بالأم فيسقط بهما بخلاف الأخت للأب لإدلائها به وهو مقدم على أمهاته كما مر
( ويقدم الأصل ) من ذكر أو أنثى بالترتيب المار ( على الحاشية ) من ذكر أو أنثى كالأخ والأخت لقوة الأصول
تنبيه في جزمه بتقديم الأصل مخالفة لقوله قيل
وقيل تقدم عليه الخالة والأخت من الأم
( فإن فقد ) الأصل من الذكر والأنثى وهناك حواش ( فالأصح ) أنه يقدم منهم ( الأقرب ) فالأقرب كالإرث ذكرا كان أو أنثى ولا يرجح المعتق بالعتق على الأقرب منه فلو كان له عم وعم أب معتق لم يرجح المعتق بل يقدم عليه الأقرب ويشاركه المساوي
( وإلا ) بأن لم يكن فيهم أقرب فإن استووا وفيهم أنثى وذكر ( فالأنثى ) مقدمة على الذكر كأخت على أخ وبنت أخ على ابن أخ لأنها أبصر وأصبر فعلم أنه يقدم بنات كل صنف على ذكوره
والخنثى هنا كالذكر فلا يقدم الذكر في محل لو كان أنثى لقدم لعدم الحكم بالأنوثة فلو ادعى الأنوثة صدق بيمينه لأنها لا تعلم إلا منه غالبا فتستحق الحضانة وإن أبهم تثبت ضمنا لا مقصودا ولأن الأحكام لا تتبعض
( وإلا ) بأن لم يكن فيها أنثى وذكر بأن استوى إثنان من كل وجه كأخوين وأختين وخالتين ( فيقرع ) بينهما قطعا للنزاع فيقدم من خرجت قرعته على غيره
ومقابل الأصح أن نساء القرابة وإن بعدن أحق بالحضانة من الذكور وإن كانوا عصبات لأنهن أصلح للحضانة
ثم اعلم أن للحاضن شروطا ذكر منها المصنف ستة وأنا أذكر باقيها في الشرح أحدها الحرية كما أشار لذلك بقوله ( ولا حضانة لرقيق ) ولو مبعضا وإن أذن له سيده لأنها ولاية وليس من أهلها ولأنه مشغول بخدمة سيده
وإنما لم يؤثر إذنه لأنه قد يرجع فيشوش أمر الولد ويستثنى ما لو أسلمت أم ولد الكافر فإن ولدها يتبعها وحضانته لها ما لم تنكح كما حكاه في الروضة في أمهات الأولاد كما حكاه عن أبي إسحاق المروزي وأقره
قال في المهمات والمعنى فيه فراغها لمنع السيد من قربانها مع وفور شفقتها
وثانيها العقل كما أشار إلى ذلك بقوله ( و ) لا ( مجنون ) فلا حضانة
____________________
(3/454)
له وإن كان جنونه منقطعا لأنها ولاية وليس هو من أهلها ولأنه لا يتأتى منه الحفظ ولا التعهد بل هو في نفسه يحتاج إلى من يحضنه
نعم إن كان يسيرا كيوم في سنة كما في الشرح الصغير وهو أولى من قول الكبير والروضة كيوم في سنين لم تسقط الحضانة به كمرض يطرأ ويزول
وثالثها الأمانة كما أشار إلى ذلك بقوله ( و ) لا ( فاسق ) لأن الفاسق لا يلي ولا يؤتمن ولأن المحضون لاحظ له في حضانته لأنه ينشأ على طريقته وتكفي العدالة الظاهرة كشهود النكاح
نعم إن وقع نزاع في الأهلية فلا بد من ثبوتها عند القاضي كما أفتى به المصنف قال في الترشيح وبه أفتيت فيما إذا تنازعا قبل تسليم الولد فإن تنازعا بعده فلا ينزع ممن تسلمه ويقبل قوله في الأهلية اه وعلى هذا يحمل كما قال شيخنا ماأفتى به المصنف
ورابعها الإسلام فيما إذا كان المحضون مسلما كما أشار إلى ذلك بقوله ( و ) لا ( كافر على مسلم ) إذ لا ولاية له عليه ولأنه ربما فتنه في دينه
فإن قيل إنه صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه المسلم وأمه المشركة فمال إلى الأم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهده فعدل إلى أبيه رواه أبو داود وغيره
أجيب بأنه منسوخ أو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم عرف أنه يستجاب دعاؤه وأنه يختار الأب المسلم
وقصده بتخييره استمالة قلب أمه وبأنه لا دلالة فيه إذ لو كان لأمه حق لأقرها عليه ولما دعا
وحينئذ فيحضنه أقاربه المسلمون على الترتيب المار فإن لم يوجد أحد منهم حضنه المسلمون ومؤنته في ماله كما مر فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته فإن لم يكن فهو من محاويج المسلمين
وينزع ندبا من الأقارب الذميين ولد ذمي وصف الإسلام كما مر في باب اللقيط وإن قال الأذرعي المختار وظاهر النص الوجوب
تنبيه أفهم كلامه ثبوتها للكافر على الكافر وهو كذلك وللمسلم على الكافر بالأولى لأن فيه مصلحة له
وخامسها أن تخلو الحاضنة من زوج أجنبي كما أشار إلى ذلك بقوله ( و ) لا ( ناكحة ) زوج ( غير أبي الطفل ) وإن لم يدخل بها ورضي أن يدخل الولد داره للخبر المار أنت أحق به ما لم تنكحي ولأنها مشغولة عنه بحق الزوج قال الماوردي ولأن على الولد وعصبته عارا في مقامه مع زوج أمه
ولا أثر لرضي الزوج الأجنبي لأنه قد يرجع فيتضرر الولد وإنما تسقط حضانتها وتنتقل من بعدها إذا لم يرض الأب والزوج فإن رضيا بذلك قال في أصل الروضة سقط حق الجدة على الصحيح وظاهره بقاء حق الأم وصححه البغوي والخوارزمي وجرى عليه في الكفاية واستغربه في المطلب إذ كيف يسقط حق الجدة برضى الأب ولذا قال الأذرعي الأقيس عدم السقوط
وقد يرد ذلك بأن الجدة لم ينتقل الحق إليها حينئذ حتى يقال سقط كما يؤخذ مما مر
ويستثنى من سقوط الحضانة بالنكاح ما لو اختلعت بالحضانة وحدها أو مع غيرها مدة معلومة فنكحت في أثنائها لأنها إجارة لازمة ولكن ليس الاستحقاق هنا بالقرابة بل بالإجارة
( إلا ) من نكحت ( عمه ) أي الطفل ( وابن عمه وابن أخيه ) فلا تسقط حضانتها حينئذ في الأصح لأن من نكحته له حق في الحضانة وشفقته تحمله على رعايته فيتعاونان على كفالته كما لو كانت في نكاح الأب ولقضائه صلى الله عليه وسلم بنت حمزة لخالتها لما قال له جعفر إنها بنت عمي وخالتها تحتي بخلاف الأجنبي والثاني يبطل حقها لاشتغالها بالزوج ولا حق له في الحضانة الآن فأشبه الأجنبي
تنبيه محل الخلاف الذي رضي الزوج إذا نكحها بحضانتها وإلا فتسقط جزما لأن له الامتناع منها
وإنما يتصور نكاح ابن الأخ فيما إذا كان المستحق غير الأم وأمهاتها كان تتزوج أخت الطفل لأمه بابن أخيه لأبيه فإنها تقدم على ابن أخيه في الأصح
ولا يختص الاستثناء بما ذكر في المتن بل ضابط ذلك كل من له حق في الحضانة فلو قال المصنف إلا لمن له حق في الحضانة ورضي العم ما ذكر أما من لا حق له فيها كالجد أبي الأم والخال فيسقط حضانة المرأة بتزويجها به
قال ابن شهبة وعد في الروضة وأصلها من مستحقي الحضانة الخال والخال لا حضانة له على الصحيح
قال الأذرعي وأجوز أنه حرف سهوا من قول بعضهم أو نكحت أخا له فأغفلت الألف أول الكلمة ويحتمل غيره
وسادسها أن تكون الحاضنة مرضعا للطفل كما أشار إلى ذلك بقوله ( وإن كان ) المحضون ( رضيعا
____________________
(3/455)
اشترط ) في استحقاق الحاضنة ( أن ترضعه على الصحيح فإن لم يكن لها لبن أو امتنعت من الإرضاع فلا حضانة لها
والثاني لا يشترط وعلى الأب استئجار مرضعة ترضعه عند الحاضنة
وأجاب الأول بأن في تكليف استئجار مرضعة تترك منزلها وتنتقل إلى مسكن الحاضنة عسرا عليه فلا يكلف ذلك
تنبيه هذا ظاهر كلام المصنف وفيه فيما إذا لم يكن لها لبن نظر لأن غايتها أن تكون كالأب ونحوه مما لا لبن له وذلك لا يمنع الحضانة
وكلام الأئمة كما قال الأذرعي وغيره يقتضي الجزم بأنه لا يشترط كونها ذات لبن وقال البلقيني حاصله أنها إن لم يكن لها لبن فلا خلاف في استحقاقها وإن كان لها لبن وامتنعت فالأصح لا حضانة لها اه
وهذا هو الظاهر
وسابعها أن لا يكون به مرض دائم كالسل والفالج إن عاق تألمه عن نظر المحضون بأن كان بحيث يشغله ألمه عن كفالته وتدبر أمره أو عن حركة من يباشر الحضانة فتسقط في حقه دون من يدبر الأمور بنظره ويباشرها غيره
وثامنها أن لا يكون أبرص ولا أجذم كما في قواعد العلائي
وتاسعها أن لا يكون أعمى كما أفتى به عبد الملك بن إبراهيم المقدسي من أئمتنا من أقران ابن الصباغ واستنبطه ابن الرفعة من كلام الإمام ثم قال وقد يقال إن باشر غيره وهو مدبر أموره فلا منع كما في الفالج اه
وهذا هو الظاهر
وعاشرها أن يكون رشيدا فلا حضانة لسفيه لأنه ليس أهلا للحضانة كما قاله الماوردي والقاضي أبو الطيب
وحادي عاشرها أن لا يكون مغفلا كما قاله الجرجاني في الشافي
وثاني عشرها أن لا يكون صغيرا لأنها ولاية وليس هو من أهلها
( فإن ) فقد مقتضى الحضانة ثم وجد كأن ( كملت ناقصة ) بأن أسلمت كافرة أو تابت فاسقة أو أفاقت مجنونة أو عتقت رقيقة ( أو طلقت منكوحة ) بائنا أو رجعيا على المذهب المنصوص ( حضنت ) لزوال المانع وتستحق المطلقة الحضانة في الحال قبل انقضاء العدة على المذهب
ويشترط في استحقاق المطلقة الحضانة رضي الزوج بدخول المحضون بيته إن كان له فإن لم يرض لم تستحق وهذا بخلاف الزوج الأجنبي إذا رضي بذلك في أصل النكاح فإنها لا تستحق
( وإن غابت الأم أو امتنعت ) من الحضانة ( فللجدة ) مثلا أم الأم ( على الصحيح ) كما لو ماتت أوجنت
وضابط ذلك أن القريب إذا امتنع كانت الحضانة لمن يليه
والثاني تكون الولاية للسلطان كما لو غاب الولي في النكاح أو عضل
وأجاب الأول بأن القريب أشفق وأكثر فراغا من السلطان
تنبيه قضية كلامه عدم إجبار الأم عند الامتناع وهو مقيد بما إذا لم تجب النفقة عليها للولد المحضون فإن وجبت كان لم يكن له أب ولا مال أجبرت كما قاله ابن الرفعة لأنها من جملة النفقة فهي حينئذ كالأب
( هذا ) المذكور من أول الفصل إلى هنا ( كله في غير مميز ) وهو كما مر من لا يستقل كطفل ومجنون بالغ
( والمميز ) الصادق بالذكر والأنثى ( إن افترق أبواه ) من النكاح وصلحا للحضانة ولو فضل أحدهما الآخر دينا أو مالا أو محبة ( كان عند من اختار منهما ) لأنه صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه رواه الترمذي وحسنه والغلامة كالغلام في الانتساب ولأن القصد بالكفالة الحفظ للولد والمميز أعرف بحظه فيرجع إليه
وسن التمييز غالبا سبع سنين أو ثمان تقريبا وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر عن الثمان والحكم مداره عليه لا على السن
قال ابن الرفعة ويعتبر في تمييزه أن يكون عارفا بأسباب الاختيار وإلا أخر إلى حصول ذلك وهو موكول إلى اجتهاد القاضي
تنبيه ظاهر كلامه أن الولد يتخير ولو أسقط أحدهما حقه قبل التخيير وهو كذلك وإن قال الماوردي و الروياني إن الآخر كالعدم
ولو اختار أحدهما فامتنع من كفالته كفله الآخر فإن رجع الممتنع أعيد التخيير وإن امتنعا وبعدهما مستحقا لها كجد وجدة خير بينهما وإلا أجبر عليهما من تلزمه نفقته
لأنها من جملة الكفاية
أما إذا صلح أحدهما فقط كما نبه على ذلك بقوله ( فإن كان في أحدهما ) أي الأبوين ( جنون أو كفر أو رق أو فسق
____________________
(3/456)
أو نكحت ) أي الأنثى أجنبيا ( فالحق للآخر ) فقط ولا تخيير لوجود المانع به فإن عاد صلاح الآخر أنشأ التخيير
( ويخير ) المميز أيضا عند فقد الأب أو عدم أهليته ( بين أم وجد ) أبي أب وإن علا لأنه بمنزلة الأب لولادته وولايته
والجدة أم الأم عند فقد الأم أو عدم أهليتها كالأم فيخير الولد بينها وبين الأب
( وكذا أخ أو عم ) أو غيرهما من حاشية النسب مع أم تخير بين كل وبين الأم في الأصح لأن العلة في ذلك العصوبة وهي موجودة في الحواشي كالأصول
( أو أب مع أخت أو خالة في الأصح ) لأن كلا منهما قائم مقام الأم
والثاني تقدم في الأوليين الأم وفي الآخرين الأب
تنبيه سكت المصنف عن ابن العم مع الأم وعبارة الروضة ومثل الأخ والعم وابن العم في حق الذكر والأم أولى منه بالأنثى ونقله الرافعي عن البغوي وأقره
وهو الذي في المهذب وتعليق البندنيجي وجرى عليه ابن المقري في روضه وهو المعتمد وإن أطلق كثير في ذلك وجهين بلا تفصيل بين الذكر والأنثى
واقتضى كلامهم أنه لا فرق بينهما في التخيير وصرح به الروياني وغيره وظاهر إطلاق الكتاب وأصله والروضة وأصلها جريان الخلاف بين الأخت والأب من أي جهة كانت
قال الأذرعي ومن تبعه وهو ظاهر في الشقيقة وفي الأخت من الأم لإدلائها بالأم أما الأخت للأب فلا وصرح به الماوردي
( فإن اختار ) المميز ( أحدهما ) أي الأبوين أو من ألحق بهما كما ذكر ( ثم ) اختار ( الآخر حول إليه ) لأنه قد يظهر له الأمر بخلاف ما ظنه أو يتغير حال من اختاره أولا ولأن المتبع شهوته كما قد يشتهي طعاما في وقت وغيره في آخر لأنه قد يقصد مراعاة الجانبين
تنبيه ظاهر إطلاق المصنف أنه يحول وإن تكرر ذلك منه دائما وهو ما قاله الإمام لكن الذي في الروضة كأصلها إن كثر ذلك منه بحيث يظن أن سببه قلة تمييزه جعل عند الأم كما قبل التمييز وهذا ظاهر
وظاهر كلامهم أن التخيير لا يجري بين ذكرين ولا أنثيين كأخوين وأختين ونقله الأذرعي في الأنثيين عن فتاوى البغوي ونقل عن ابن القطان وعن مقتضى كلام غيره جريان ذلك بينهما
وهو كما قال شيخنا أوجه لأنه إذا خير بين غير المتساويين فبين المتساويين أولى
( فإن اختار الأب ذكر لم يمنعه زيارة أمه ) ولا يكلفها الخروج لزيارته لئلا يكون ساعيا في العقوق وقطع الرحم وهو أولى منها بالخروج لأنه ليس بعورة
تنبيه هل هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب قال في الكفاية الذي صرح به البندنيجي ودل عليه كلام الماوردي الأول
( ويمنع ) الأب ( أنثى ) إذا اختارته من زيارة أمها لتألف الصيانة وعدم البروز والأم أولى منها بالخروج لزيارتها لسنها وخبرتها
تنبيه سكت عن الخنثى والظاهر أنه كالأنثى
وظاهر كلامه أنه لا فرق في الأم بين المخدرة وغيرها وهو كذلك وإن بحث الأذرعي الفرق
وظاهر كلامه أنه لو مكنها من زيارتها لم يحرم عليه وخرج بزيارتها عيادتها فليس له المنع منه لشدة الحاجة إليها
( ولا يمنعها ) أي الأم ( دخولا عليهما ) أي ولديها الذكر والأنثى أو الخنثى وفي بعض النسخ عليها أي الأنثى ( زائرة ) لأن في ذلك قطعا للرحم لكن لا تطيل المكث
وعبر الماوردي بأنه يلزم الأب أن يمكنها من الدخول ولا يولها على ولدها
وفي كلام بعضهم ما يفهم عدم اللزوم
وبه أفتى ابن الصلاح فقال فإن بخل الأب بدخولها إلى منزله أخرجه إليها اه
وهذا هو الظاهر لأن المقصود يحصل بذلك
( والزيارة ) على العادة ( مرة في أيام ) أي يومين فأكثر لا في كل يوم نعم إن كان منزلها قريبا فلا بأس أن يدخل كل يوم كما قاله الماوردي
تنبيه نصب مرة على المصدر وقال الفارسي على الظرف
( فإن مرضا فالأم أولى بتمريضهما ) لأنها
____________________
(3/457)
أهدى إليه وأصبر عليه من الأب ونحوه
( فإن رضي به في بيته ) فذاك ظاهر ( وإلا ففي بيتها ) يكون التمريض ويعودهما ويجب الاحتراز في الحالين من الخلوة بها ولا تمنع الأم من حضور تجهيزهما في بيته
أما إذا ماتا فله منعه من زيارة قبرهما إذا دفنا في ملكه والحكم في العكس كذلك
ولو تنازعا في دفن من مات منهما في تربة أحدهما أجيب الأب كما بحثه بعض المتأخرين
وإن مرضت الأم لزم الأب أن يمكن الأنثى من تمريضها إن أحسنت تمريضها بخلاف الذكر لا يلزمه أن يمكنه من ذلك وإن أحسن التمريض
( وإن اختارها ) أي الأم ( ذكر فعندها ليلا وعند الأب نهارا ) يعلمه الأمور الدينية والدنيوية على ما يليق به ( ويؤدبه ) أي يعلمه أدب النفس والبراعة والظرف فمن أدب ولده صغيرا سر به كبيرا يقال الأدب على الآباء والصلاح على الله
( ويسلمه لمكتب ) بفتح الميم والتاء ويجوز كسر التاء حكاه النحاس اسم للموضع الذي يتعلم فيه
وعبارة الشافعي رضي الله تعالى عنه الكتاب وقال ابن داود الأفصح المكتب لأن الكتاب جمع كاتب
( و ) ذي ( حرفة ) يتعلم من الأول الكتابة والثاني الحرفة على ما يليق بحال الولد
وطاهر كلام الماوردي أنه ليس للأب الشريف أن يعلم ابنه الصنعة إذا كان ذلك يزري به وهو ظاهر
وكذا لا ينبغي لمن له صنعة شريفة أن يعلم ابنه صنعة رديئة لأن عليه رعاية المصلحة وما فيه الحظ له ولا يكله في ذلك إلى أمه لعجز النساء عن القيام بمثل ذلك
تنبيه ظاهر كلامه إيجاب ذلك عليه وبه صرح في زوائد الروضة فقال يجب على الولي تأديب الولد وتعليمه أبا كان أو جدا أو وصيا وأجرة ذلك في مال الصبي فإن لم يكن فعلي من تلزمه نفقته
وما قاله في الليل والنهار قال الأذرعي جرى على الغالب فلو كانت حرفة الأب ليلا كالأتوني فالأقرب أن الليل في حقه كالنهار في حق غيره حتى يكون عند الأب ليلا لأنه وقت التعلم والتعليم وعند الأم نهارا كما قالوا في القسم بين الزوجات
( أو ) كان الذي اختار الأم ( أنثى ) أو خنثى كما بحثه شيخنا ( فعندها ليلا ونهارا ) لاستواء الزمانين في حقها طلبا لسترها
( و ) لا يطلب الأب احضارها بل ( يزورها الأب ) لتألف الستر والصيانة ( على العادة ) مرة في يومين فأكثر لا في كل يوم كما مر
تنبيه قوله على العادة يقتضي منعه من زيارتها ليلا وبه صرح بعضهم لما فيه من التهمة والريبة
وظاهر أنها لو كانت بمسكن زوج لها لم يجز له دخوله إلا بإذن منه فإن لم يأذن أخرجتها إليها ليراها ويتفقد حالها ويلاحظها بقيام تأديبها وتعليمها وتحمل مؤنتها وكذا حكم الصغير غير المميز والمجنون الذي لا تستقل الأم بضبطه فيكونان عند الأم ليلا ونهارا ويزورهما الأب ويلاحظهما بما مر وعليه ضبط المجنون
( وإن اختارهما ) أي اختار الولد المميز أبويه ( أقرع ) بينهما قطعا للنزاع ويكون عند من خرجت قرعته منهما
( فإن لم يختر ) واحدا منهما ( فالأم أولى ) لأن الحضانة لها ولم يختر غيرها ( وقيل يقرع ) بينهما وبه أجاب البغوي لأن الحضانة لكل منهما
ولو اختار غيرهما فالأم أولى أيضا استصحابا لما كان
ثم ما تقدم في أبوين مقيمين في بلد واحدة ( و ) حينئذ ( لو أراد أحدهما سفر حاجة ) كتجارة وحج طويلا كان السفر أم لا ( كان الولد المميز وغيره مع المقيم ) من الأبوين ( حتى يعود ) المسافر منهما لما في السفر من الخطر والضرر
تنبيه لو كان المقيم الأم وكان في مقامه معها مفسدة أو ضياع مصلحة كما لو كان يعلمه القرآن أو الحرفة وهما ببلد لا يقوم غيره مقامه في ذلك فالمتجه كما قاله الزركشي تمكين الأب من السفر به لاسيما إن اختاره الولد وسكت المصنف
____________________
(3/458)
عما لو أراد كل منهما السفر لحاجة واختلف طريقهما ومقصدهما وللرافعي فيه احتمالان أحدهما يدام حق الأم والثاني أن يكون مع الذي مقصده أقرب أو مدة سفره أقصر
قال المصنف والمختار الأول وهو مقتضى كلام الأصحاب انتهى
وينبغي أن يأتي فيه البحث المتقدم
( أو ) أراد أحدهما ( سفر نقلة فالأب أولى ) من الأم بالحضانة سواء انتقل الأب أم الأم أو كل واحد إلى بلد حفظا للنسب فإنه يحفظه الآباء أو رعاية لمصلحة التأديب والتعليم وسهولة الإنفاق
تنبيه لو رافقته الأم في سفره دام حقها ولو عاد من سفر النقلة إلى بلدها عاد حقها وإنما ينقل الأب ولده المميز إلى غير بلد الأم ( بشرط أمن طريقه و ) أمن ( البلد المقصود ) له وإلا فيقر عند أمه
وليس له أن يخرجه إلى دار الحرب كما صرح به المروزي وقال الأذرعي أنه ظاهر وإن كان وقت أمن وألحق به ابن الرفعة بخوف الطريق السفر في الحرب والبرد الشديدين قال الأذرعي وهو ظاهر إذا كان يتضرر به الولد ما إذا حمله فيما يقيه ذلك فلا
وشرط المتولي في البلد المنتقل إليه أن يكون صالحا للإقامة وهل يجوز له أن يسافر به في البحر أو لا تقدم الكلام على ذلك في باب الحجر
( قيل و ) يشترط ( مسافة قصر ) بين البلد المنقول عنده وإليه لأن الانتقال لما دونها كالإقامة في محلة أخرى من البلد المتسع لإمكان مراعاة الولد
والأصح لا فرق
تنبيه لو اختلفا فقال أريد الانتقال وقالت بل أردت التجارة صدق بيمينه فإن نكل حلفت وأمسكت الولد
( ومحارم العصبة ) كجد وأخ وعم ( في هذا ) المذكور في سفر النقلة ( كالأب ) فيكون أولى من الأم احتياطا للنسب أما محرم لا عصوبة له كأبي الأم والخال للأم فليس له النقل لأنه لا حق له في النسب
تنبيه للأب نقله عن الأم كما مر وإن أقام الجد ببلدها وللجد ذلك عند عدم الأب وإن أقام الأخ ببلدها لا الأخ مع إقامة العم أو ابن الأخ فليس له ذلك بخلاف الأب والجد لأنهما أصل في النسب فلا يعتني به غيرهما كاعتنائهما
والحواشي متقاربون فالمقيم منهم يعتني بحفظه هذا ما حكاه في الروضة وأصلها عن المتولي وأقراه
وعليه فيستثنى ذلك من قول المصنف ومحارم العصبة إلى آخره ولكن البلقيني جرى على ظاهر المتن وقال ما قاله المتولي من مفرداته التي هي غير معمول بها
( وكذا ابن عم ) كالأب في انتزاعه ( لذكر ) مميز من أمه عند انتقاله لما مر
( ولا يعطى أنثى ) تشتهى حذرا من الخلوة بها لانتفاء المحرمية بينهما
( فإن رافقته بنته ) أو نحوهما كأخته الثقة ( سلم ) الولد الأنثى ( إليها ) لا له إن لم تكن في رحله كما لو كان في الحضر أما لو كانت بنته أو نحوها في رحله فإنها تسلم إليه وبذلك تؤمن الخلوة وقد مر أن بهذا جمع بين كلامي الروضة والكتاب
وإن لم تبلغ حد الشهوة أعطيت له وإن نازع في ذلك الأذرعي
تنبيه لو قال سلمت لاستغنى عما قدرته وكان أولى فإن الضمير عائد على الأنثى وإنما يثبت حق النقلة للأب أو غيره إذا اجتمع فيه الشروط المعتبرة في الحضانة
تتمة ما مر إذا لم يبلغ المحضون فإن بلغ فإن كان غلاما وبلغ رشيدا ولي أمر نفسه لاستغنائه عمن يكفله فلا يجبر على الإقامة عند أحد أبويه والأولى أن لا يفارقهما ليبرهما قال الماوردي وعند الأب أولى للمجانسة
نعم إن كان أمرد أو خيف من انفراده ففي العدة عن الأصحاب أنه يمنع من مفارقة الأبوين
ولو بلغ عاقلا غير رشيد فأطلق مطلقون أنه كالصبي وقال ابن كج إن كان لعدم إصلاح ما له فكذلك وإن كان لدينه فقيل تدام حضانته إلى ارتفاع الحجر والمذهب أنه يسكن حيث شاء
قال الرافعي وهذا التفصيل حسن اه
وإن كان أنثى فإن بلغت رشيدة فالأولى أن تكون عند أحدهما حتى تتزوج إن كانا مفترقين وبينهما إن كانا مجتمعين لأنه أبعد عن التهمة ولها أن تسكن حيث شاءت ولو بأجرة هذا إذا لم تكن ريبة فإن كانت فللأم إسكانها معها وكذا للولي من العصبة إسكانها معه إذا كان محرما لها وإلا ففي موضع لائق بها يسكنها ويلاحظها دفعا لعار النسب كما يمنعها نكاح غير الكفء ويجبر
____________________
(3/459)
على ذلك
والأمرد مثلها فيما ذكر كما مرت الإشارة إليه
ويصدق الولي بيمينه في دعوى الربيبة ولا يكلف بينة لأن إسكانها في موضع البراءة أهون من الفضيحة لو أقام بينة وإن بلغت غير رشيدة ففيها التفصيل المار
قال المصنف في نواقض الوضوء حضانة الخنثى المشكل وكفالته بعد البلوغ لم أر فيه نقلا وينبغي أن يكون كالبنت البكر حتى يجيء في جواز استقلاله وانفراده عن الأبوين إذا شاء وجهان اه
ويعلم التفصيل مما مر
فصل في مؤنة المملوك وما معها يجب ( عليه ) أي المالك ( كفاية رقيقه نفقة ) طعاما وأدما وتعتبر كفايته في نفسه زهادة ورغبة وإن زادت على كفاية مثله غالبا
( و ) عليه كفاية رقيقه ( كسوة ) وكذا سائره مؤنه لخبر للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق وخبر كفى بالمرء إثما أن يحبس عن مملوكه قوته رواهما مسلم وقيس بما فيهما ما في معناهما
تنبيه اقتصار المصنف على ما ذكر قد يفهم أنه لا يجب على السيد شراء ماء طهارته إذا احتاج إليه ولكن الأصح في زوائد الروضة وجوبه كفطرته وكذا يجب شراء تراب تيممه إن احتاجه
وأفهم تعبيره بالكفاية أنها لا تتقدر كنفقة الزوجة وهو كذلك
ونص في المختصر على وجوب الإشباع
( وإن كان ) رقيقه كسوبا أو مستحقا منافعه بوصية أو غيرها أو ( أعمى زمنا ومدبرا ومستولدة ) ومستأجرا ومعارا وآبقا لبقاء الملك في الجميع ولعموم الخبرين السابقين
نعم المكاتب ولو فاسد الكتابة لا يجب له شيء من ذلك على سيده لاستقلاله بالكسب ولهذا يلزمه نفقة أرقائه
نعم إن عجز نفسه ولم يفسخ السيد الكتابة فعليه نفقته وهي مسألة عزيزة النقل فاستفدها وكذا الأمة المزوجة حيث أوجبنا نفقتها على الزوج
ولا يجب على المالك الكفاية المذكورة من جنس طعامه وكسوته بل ( من غالب قوت رقيق البلد ) من قمح وشعير ونحو ذلك ( و ) من غالب ( أدمهم ) من سمن وزيت وجبن ونحو ذلك ( و ) من غالب ( كسوتهم ) من قطن وصوف ونحو ذلك لخبر الشافعي للمملوك نفقته وكسوته بالمعروف قال والمعروف عندنا المعروف لمثله ببلده ويراعى حال السيد في يساره وإعساره
وينفق عليه الشريكان بقدر ملكيهما ولو تقشف السيد بأن كان يأكل ويشرب ويلبس دون المعتاد غالبا رياضة أو بخلا لزم السيد رعاية الغالب له
( ولا يكفي ستر العورة ) لرقيقه وإن لم يتأذ بحر ولا برد لما فيه من الإذلال والتحقير وهذا ببلادنا كما قاله الغزالي وغيره أما ببلاد السودان ونحوها فله ذلك كما في المطلب وهذا يفهمه قولهم من الغالب فلو كانوا لا يستترون أصلا وجب ستر العورة لحق الله تعالى
( و ) لو تنعم السيد بما هو فوق اللائق به ( سن له أن يناوله ) أي رقيقه ( مما يتنعم ) هو ( به من طعام وأدم وكسوة ) لأنه من مكارم الأخلاق ولا يلزمه بل له الاقتصار على الغالب
وأما قوله صلى الله عليه وسلم إنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه فقال الرافعي حمله الشافعي على الندب أو على الخطاب لقوم مطاعمهم وملابسهم متقاربة أو على أنه جواب سائل علم حاله فأجاب بما اقتضاه الحال
وكسبه ملك السيد إن شاء أنفق عليه منه وإن شاء أخذه وأنفق عليه من غيره
ولو فضل نفيس رقيقه على خسيسه كره في العبيد وسن في الإماء فتفضل أمة التسري مثلا على أمة الخدمة في الكسوة كما في التنبيه وفي الطعام أيضا كما قاله ابن النقيب للعرف في ذلك وقيل لا تفضل لتساويهما في الملك وقيل يسن تفضيل النفيس من العبيد أيضا كما قال الأذرعي وهو قضية العرف فليس كسوة الراعي والسايس ككسوة من قام بالتجارة
ويسن للسيد أن يجلس بضم الياء رقيقه معه للأكل فإن لم يجلسه أو امتنع الرقيق من جلوسه معه توقيرا له روغ له من الدسم لقمة كبيرة تسد مسدا لا صغيرة تهيج الشهوة ولا تقضي النهمة أو لقمتين أو أكثر ثم يناوله ذلك وإجلاسه معه أولى ليتناول القدر الذي يشتهيه
وهو فيمن يعالج الطعام آكد ولاسيما إن حضر المعالج لخبر الصحيحين
____________________
(3/460)
إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه فليناوله لقمة أو لقمتين فإنه ولي حره وعلاجه والمعنى تشوف النفس لما تشاهده وهذا يقطع شهوتها والأمر في الخبر محمول على الندب طلبا للتواضع ومكارم الأخلاق
ولو أعطى السيد رقيقه طعاما لم يكن للسيد تبديله بما يقتضي تأخير الأكل بخلاف تبديله بما لا يقتضي ذلك
( وتسقط ) كفاية الرقيق ( بمضي الزمان ) فلا تصير دينا عليه إلا باقتراض القاضي أو إذنه فيه واقترض كنفقة القريب بجامع وجوبها بالكفاية ( وببيع القاضي ) أو يؤخر ( فيها ماله ) ان امتنع أو غاب لأنه حق وجب عليه تأديته
وكيفية بيعه أو إيجاره أنه إن تيسر بيع ماله أو إيجاره شيئا فشيئا بقدر الحاجة فذاك وإن لم يتيسر كعقار استدان عليه إلى أن يجتمع ما يسهل البيع أو الإيجار ثم باع أو أجر ما يفي به لما في بيعه أو إيجاره شيئا فشيئا من المشقة وعلى هذا يحمل كلام من أطلق أنه يباع بعد الاستدانة فإن لم يمكن بيع بعضه ولا إجارته وتعذرت الاستدانة باع جميعه أو أجره
( فإن فقد المال ) الذي ينفقه على رقيقه ( أمره ) القاضي ( ببيعه ) أو إجارته ( أو إعتاقه ) دفعا للضرر فإن لم يفعل أجره القاضي فإن لم يتيسر إجارته باعه فإن لم يشتره أحد أنفق عليه من بيت المال فإن لم يكن فيه مال فهو من محاويج المسلمين فعليهم القيام به
والدفع هنا يكون للسيد كما قاله ابن الرفعة لأن النفقة عليه وهو المكني عنه بأنه من محاويج المسلمين لا العبد
قال الأذرعي وظاهر كلامهم أنه ينفق عليه من بيت المال أو المسلمين مجانا وهو ظاهر إن كان السيد فقيرا ومحتاجا إلى خدمته الضرورية وإلا فينبغي أن يكون ذلك فرضا عليه اه
تنبيه قد علم مما تقرر أن القاضي إنما يبيعه إذا تعذرت إجارته كما ذكره الجرجاني وصاحب التنبيه وإن كان قضية كلام الروضة وأصلها أن الحاكم مخير بين بيعه وإجارته
وهذا في غير المستولدة أما هي فيخليها للكسب أو يؤخرها ولا يجبر على عتق بخلافه هنا لأنه متمكن من إزالة ملكه فيؤمر بما يزيل الملك ولا ضرر عليه في ذلك لأنه متمكن من البيع ولا كذلك أم الولد
وأيضا هذه ثبت لها حق في العتق وفي غير المبعض أما هو فإن كان بينه وبين سيده مهايأة فالنفقة على صاحب النوبة وإلا فعليهما بحسب الرق والحرية
( ويجبر أمته ) أي يجوز له إجبارها ( على إرضاع ولدها ) منه أو من غيره لأن لبنها ومنافعها له بخلاف الزوجة فإن الزوج لا يملك ذلك منها
تنبيه لو أراد تسليم ولدها منه إلى غيرها وأرادت إرضاعه لم يجز له منعها لما فيه من التفريق بينهما لكن له ضمه في وقت الاستمتاع إلى غيرها إلى الفراغ
أما إذا كان الولد حرا من غيره أو مملوكا لغيره فله منعها من إرضاعه ويسترضعها غيره لأن إرضاعه على والده أو مالكه كما نقله ابن الرفعة وغيره من الماوردي وأقروه
( وكذا غيره ) أي غير ولدها يجبرها على إرضاعه أيضا ( إن فضل ) لبنها ( عنه ) أي عن ري ولدها إما لاجتزائه بغيره وإما لقلة شربه وإما لغزارة لبنها لما مر فإن لم يفضل فلا إجبار لقوله تعالى { لا تضار والدة بولدها } ولأن طعامه اللبن فلا يجوز أن ينقص من كفايته كالقوت
( و ) يجبرها أيضا على ( فطمه قبل ) مضي ( حولين إن لم يضره ) أي الولد الفطم بأن اكتفى بغير لبنها ولم يضرها أيضا ( و ) يجبرها على ( إرضاعه بعدهما ) أي الحولين ( إن لم يضرها ) ولم يضره أيضا فليس لها استقلال برضاع ولا فطم لأنه لا حق لها في التربية بخلاف الحرة كما قال ( وللحرة حق في التربية ) وحينئذ ( فليس لأحدهما ) أي الأبوين الحرين ( فطمه ) أي الولد ( قبل ) مضي ( حولين ) إلا برضى الآخر
لأن مدة الرضاع لم تتم
تنبيه ظاهر كلامهم أنهما لو تنازعا في فطمه أن الداعي إلى تمام الحولين يجاب
قال الأذرعي يشبه إجابة من دعا للأصلح للولد فقد يكون الفطم مصلحة له لمرض أمه أو حملها ولم يوجد غيرها فظهر تعين الفطام هنا وليس هذا مخالفا لقولهم بل إطلاقهم محمول على الغالب
( ولهما ) فطمه قبل حولين ( إن لم يضره ) الفطم لاتفاقهما وعدم
____________________
(3/461)
الضرر بالطفل فإن ضره فلا
( ولأحدهما ) فطمه إن اجتزأ بالطعام ( بعد حولين ) من غير رضى الآخر لأنها مدة الرضاع التام فإن كان ضعيف الخلقة لا يجتزىء بغير الرضاع لم يجز فطامه وعلى الأب بذل الأجرة حتى يبلغ حدا يجتزي فيه بالطعام
وإذا امتنعت الأم من إرضاعه أجبرها الحاكم عليه إن لم يجد غيرها كما قاله المتولي وغيره
تنبيه لو تم الحولان في حر أو برد شديد قال الفارقي يجب على الأب إرضاعه في ذلك الفصل فإن فطامه فيه يفضي إلى الإضرار وذلك لا يجوز بخلاف تمامهما في فصل معتدل ( ولهما الزيادة ) على حولين إن اتفقا عليها ولم تضره الزيادة وإلا فلا يجوز
تنبيه يسن قطع الرضاعة عند الحولين إلا لحاجة كما في فتاوى الحناطي
( ولا يكلف ) المالك ( رقيقه إلا عملا يطيقه ) أي المداومة عليه لخبر مسلم المار فلا يجوز أن يكلفه عملا على الدوام يقدر عليه يوما أو يومين ثم يعجز عنه
ويجوز له أن يكلفه الأعمال الشاقة أي التي لا تضره في بعض الأوقات كما صرح به الرافعي فإن كلفه ما لا يطيق أفتى القاضي حسين بأنه يباع عليه
قال ابن الصباغ وليس هو ببعيد عن قاعدة المذهب اه
وهو كما قال الأذرعي ظاهر إذا تعين طريقا لخلاصه فلو كان يمتنع إذا منع عنه لم يتعين بيعه
ويجب على السيد في تكليفه رقيقه ما يطيقه اتباع العادة فيريحه في وقت القيلولة وهي النوم في نصف النهار وفي وقت الاستمتاع إن كان له امرأة وفي العمل طرفي النهار ومن العمل آناء الليل إن استعمله نهارا أو النهار إن استعمله ليلا وإن سافر به أركبه وقتا فوقتا كالعادة دفعا للضرر عنه وإن اعتاد السادة الخدمة من الأرقاء نهارا مع طرفي الليل لطوله اتبعت عادتهم وعلى الرقيق بذل المجهود وترك الكسل في الخدمة
ويكره أن يقول المملوك لمالكه ربي بل يقول سيدي ومولاي ويكره أن يقول السيد له عبدي أو أمتي بل يقول غلامي أو جاريتي أو فتاي وفتاتي ولا كراهة في إضافة رب إلى غير المكلف كرب الدار ورب الغنم ويكره أن يقال للفاسق والمتهم في دينه يا سيدي
( ويجوز ) للمالك ( مخارجته ) أي ضرب خراج على رقيقه إذا كان مكلفا ( بشرط رضاهما ) أي المالك ورقيقه فليس لأحدهما إجبار الآخر عليها لأنه عقد معاوضة فاعتبر فيه التراضي والأصل فيها خبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أعطى أبا طيبة لما حجمه صاعين أو صاعا من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه
ونقلت عن جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين
روى البيهقي أنه كان للزبير ألف مملوك تؤدي إليه الخراج ولا يدخل بيته من خراجهم شيئا بل يتصدق به
تنبيه يستفيد الرقيق بالمخارجة ما يستفيده الرقيق بالكتابة من بيع وشراء ونحو ذلك
( وهي خراج ) معلوم يضربه السيد على رفيقه ( يؤديه ) مما يكسبه ( كل يوم أو أسبوع ) أو شهر أو سنة أو نحو ذلك عل حسب اتفاقهما
وتشترط قدرته على كسب مباح وأن يكون ذلك فاضلا عن مؤنته إن جعلت في كسبه فلو لم يف كسبه بخراجه لم تصح مخارجته كما صرح به الماوردي وغيره
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم والمختصر ويمنعه الإمام من أن يجعل على أمته خراجا إلا أن يكون لها عمل دائم أو غالب وكذا العبد إذا لم يطق العمل وروى بسنده إلى عثمان في خطبته لا تكلفوا الصغير الكسب فيسرق ولا الجارية غير ذات الصنعة فتكسب بفرجها
قال الإمام وهذا مما تجب مراعاته والأصل فيها الإباحة فكأن السيد أباحه الزائد فيما إذا وفى وزاد كسبه توسعا عليه في النفقة وقد يعرض لها عوارض تخرجها عن ذلك فهي جائزة من الجانبين ومؤنته تجب حيث شرطت من كسبه أو من مال سيده ويجبر النقص في بعض الأيام بالزيادة في بعضها
( وعليه ) أي صاحب دواب ( علف دوابه ) المحترمة ( وسقيها ) أو تخليتها للرعي وورود الماء إن اكتفت به فإن لم تكتف به كجدب الأرض ونحوه أضاف إليه ما يكفيها وذلك لحرمة الروح ولخبر الصحيحين دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض بفتح الخاء وكسرها أي هوامها والمراد بكفاية الدابة وصولها لأول الشبع والري دون غايتهما
____________________
(3/462)
وخرج بالمحترم غيرها كالفواسق الخمس
تنبيه العلف بفتح اللام مطعوم الدواب وبإسكانها المصدر ويجوز هنا الأمران وضبطه المصنف بخطه هنا وفيما يأتي بالإسكان
( فإن امتنع ) أي امتنع المالك من ذلك وله مال ( أجبر في ) الحيوان ( المأكول على ) أحد ثلاثة أمور ( بيع ) له أو نحوه مما يزول ضرره به ( أو علف أو ذبح و ) أجبر ( في غيره على ) أحد أمرين ( بيع أو علف ) ويحرم ذبحه للنهي عن ذبح الحيوان إلا لأكله
وإنما أجبر على ذلك صونا له عن الهلاك فإن لم يفعل ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال فإن لم يكن له مال باع الحاكم الدابة أو جزءا منها أو إكراها عليه
قال الأذرعي ويشبه أن لا يباع ما أمكن إجارته وحكي عن مقتضى كلام الشافعي والجمهور فإن تعذر ذلك فعلى بيت المال كفايتها فإن تعذر فعلى المسلمين كنظيره في الرقيق ويأتي فيه ما مر ثم ولو كانت دابته لا تملك ككلب لزمه أن يكفيها أو يدفعها لمن يحل له الانتفاع بها قال الأذرعي أو يرسلها
ولو كان عنده حيوان يؤكل وآخر لا يؤكل ولم يجد إلا نفقة أحدهما وتعذر بيعهما فهل يقدم نفقة ما لا يؤكل ويذبح ما يؤكل أو يسوى بينهما فيه احتمالان لابن عبد السلام قال فإن كان المأكول يساوي ألفا وغيره يساوي درهما ففيه نظر واحتمال اه
وينبغي أن لا يتردد في ذبح المأكول فقد قالوا في التيمم إنه يذبح شاته لكلبه المحترم فإذا كان يذبح لنفس الكلب فبالأولى أن يذبح ليأكل ويعطي النفقة لغيره
نعم إن اشتدت حاجته للمأكول لم يجز ذبحه كأن كان جملا وهو في برية متى ذبحه انقطع فيها
تنبيه يجوز غصب العلف للدابة وغصب الخيط لجراحتها ولكن بالبدل إن تعينا ولم يباعا كما يجب سقيها الماء والعدول إلى التيمم ويجوز تكليفها على الدوام ما لا تطيق الدوام عليه
( ولا يحلب ) المالك من لبن دابته أي يحرم عليه أن يحلب ( ما ضر ولدها ) لأنه غذاؤه لأنه كولد الأمة وللنهي عنه كما صححه ابن حبان وإنما يحلب ما فضل عن ري ولدها
قال الروياني ويعني بالري ما يقيمه حتى لا يموت
قال الرافعي وقد يتوقف بالاكتفاء بهذا
قال الأذرعي وهذا التوقف هو الصواب الموافق لكلام الشافعي والأصحاب اه
وهذا ظاهر ينبغي الجزم به
وله أن يعدل به إلى لبن غير أمه إن استمرأه وإلا فهو أحق بلبن أمه
ولا يجوز الحلب إذا كان يضر بالبهيمة لقلة علفها كما نقلاه عن التتمة وأقراه ولا ترك الحلب أيضا إذا كان يضرها وإن لم يضرها كره تركه للإضاعة
فروع يسن أن لا يستقصي الحالب في الحلب بل يدع في الضرع شيئا وأن يقص أظفاره لئلا يؤذيها
قال الأذرعي ويظهر أنه إذا تفاحش طول الأظفار وكان يؤذيها لا يجوز له حلبها ما لم يقص ما يؤذيها
ويحرم جز الصوف من أصل الظهر ونحوه وكذا حلقه لما فيهما من تعذيب الحيوان قاله الجويني
ولا ينافيه نص الشافعي في حرملة على الكراهة لجواز أن يراد بها كراهة التحريم كما قاله الزركشي
والظاهر كما قال الدميري أنه يجب أن يلبس الخيل والبغال والحمير ما يقيها الحر والبرد الشديد إذا كان يضر بها
( وما لا روح له كقناة ودار لا تجب ) على مالكها المطلق التصرف ( عمارتها ) أي ما ذكر من القناة والدار فإن ذلك تنمية للمال ولا يجب على الإنسان ذلك
ولا يكره تركها إلا إذا أدى إلى الخراب فيكره هكذا علل الشيخان قال الإسنوي وقضيته عدم تحريم إضاعة المال لكنهما صرحا في مواضع بتحريمها كإلقاء المتاع في البحر بلا خوف
فالصواب أن يقال بتحريمها إن كان سببها أعمالا كإلقاء المتاع في البحر وبعدم تحريمها إن كان سببها ترك أعمال تشق عليه
ومنه ترك سقي الأشجار المرهونة بتوافق المعاندين فلا جائز خلافا للروياني
قال ابن العماد في مسألة ترك سقي الأشجار وصورتها أن يكون لها ثمرات تفي بمؤنة سقيها وإلا فلا كراهة قطعا قال ولو أراد بترك السقي تجفيف الأشجار لأجل قطعها للبناء أو
____________________
(3/463)
الوقود فلا كراهة قطعا
أما المحجور عليه فعلى وليه إصلاح زرعه بسقي وغيره وعمارة داره ويجب على ناظر الأوقاف حفظ رقابها ومستغلاتها
تنبيه احترز المصنف بما لا روح فيه عن كل ذي روح محترمة فإنه يجب على مالكه القيام بمصلحته فمن ذلك النحل بحاء مهملة فيجب أن يبقى له شيئا من العسل في الكوارة بقدر حاجته إن لم يكفه غيره وإلا فلا يجب عليه ذلك
قال الرافعي وقد قيل تشوى له دجاجة ويعلقها بباب الكوارة فيأكل منها
ومن ذلك دود القز يعيش بورق التوت فعلى مالكه علفه منه أو تخليته لأكله إن وجد لئلا يهلك بغير فائدة ويباع فيه ماله كالبهيمة ويجوز تجفيفه بالشمس عند حصول نوله وإن أهلكه لحصول فائدة كذبح الحيوان المأكول
خاتمة الزيادة في العمارة على قدر الحاجة خلاف الأولى
قال في أصل الروضة وربما قيل بكراهتها وصح أن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب قال ابن حبان معناه لا يؤجر إذا أنفق فيها فصلا عما يحتاج إليه من البناء
ويكره للإنسان أن يدعو على نفسه وولده وخادمه وماله لما روى مسلم في آخر كتابه وأبو داود عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسئل فيه عطاء فيستجيب له
وقد ضعف الناس محمد بن الحسن المفسر مع جلالته لروايته عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه وهو ضعيف عند الدارقطني وغيره
وروى أبو موسى عن ابن عباس أن أوس بن ساعدة الأنصاري دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي بنات وأنا أدعو عليهن بالموت فقال يا ابن ساعدة لا تدعو عليهن فإن البركة في البنات هي المجملات عند النعمة والمنعيات عند المصيبة والممرضات عند الشدة ثقلهن على الأرض ورزقهن على الله والله سبحانه وتعالى أعلم | 4
____________________
(3/464)
كتاب الجراح هو بكسر الجيم جمع جراحة وهي إما مزهقة الروح أو مبينة للعضو أو لا تحصل واحد منهما
ولما كانت الجراحة تارة تزهق النفس إما بالمباشرة وإما بالسراية وتارة تبين عضوا وتارة لا تفعل شيئا من ذلك جمعها لاختلاف أنواعها
وكان التبويب بالجنايات أولى لشمولها الجناية بالجرح وغيره كالقتل بمثقل ومسموم وسحر لكن قال الرافعي لما كانت الجراحة أغلب طرق القتل حسنت الترجمة بها
وأما الجرح بضمها فهو الاسم والجمع جروح واجترح بمعنى اكتسب ومنه { ويعلم ما جرحتم بالنهار }
وجوارح الإنسان أعضاؤه وجوانحه أطراف ضلوعه
والأصل في الباب قبل الإجماع آيات كقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص } وأخبار كخبر الصحيحين اجتنبوا السبع الموبقات قيل وما هن يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات
وقتل الآدمي عمدا بغير حق أكبر الكبائر بعد الكفر
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك
قيل ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك رواه الشيخان
قال صلى الله عليه وسلم لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا وما فيها رواه أبو داود بإسناد صحيح وتصح توبة القاتل عمدا لأن الكافر تصح توبته فهذا أولى
ولا يتحتم عذابه بل هو في خطر المشيئة ولا يخلد عذابه إن عذب وإن أصر على ترك التوبة كسائر ذوي الكبائر غير الكفر وأما قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } فالمراد بالخلود المكث الطويل فإن الدلائل متظاهرة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم أو مخصوص بالمستحل لقتله كما ذكره عكرمة وغيره
وإذا اقتص منه الوارث أو عفا على مال أو مجانا فظواهر الشرع تقتضي سقوط المطالبة في الدار الآخرة كما أفتى به المصنف وذكر مثله في شرح مسلم لكن ظاهر تعبير الشرح والروضة يدل على بقاء العقوبة فإنهما قالا ويتعلق بالقتل المحرم وراء العقوبة الأخروية مؤاخذات في الدنيا
وجمع بين الكلامين بأن كلام الروضة وأصلها مفروض فيمن مات مصرا على القتل وكلام الفتاوى وشرح مسلم مفروض فيمن تاب ثم أقيم عليه الحد
ولو قال في الروضة وأصلها ويتعلق بالقتل المحرم وراء استحقاق العقوبة الأخروية بدل قوله وراء العقوبة لكان أولى لأن العقوبة غير مجزوم بها لجواز العفو
ومذهب أهل السنة أن المقتول لا يموت إلا بأجله والقتل لا يقطع الأجل خلافا للمعتزلة فإنهم قالوا القتل يقطعه
ثم شرح المصنف في تقسيم القتل إلى عمد وغيره فقال ( الفعل ) الصادر من شخص مباشرة أو سببا جرحا كان أو غيره ( المزهق ) بكسر الهاء أي القاتل للنفس أقسامه ( ثلاثة عمد وخطأ وشبه عمد ) وجه الحصر في ذلك أن الجاني إن لم يقصد عين المجني عليه فهو الخطأ وإن قصدها فإن كان بما يقتل غالبا فهو العمد وإلا فشبه العمد
روى البيهقي عن محمد بن خزيمة أنه قال حضرت مجلس المزني يوما
____________________
(4/2)
فسأله رجل من العراق عن شبه العمد فقال إن الله وصف القتل في كتابه بصفتين عمد وخطأ فلم قلتم إنه ثلاثة أصناف فاحتج عليه المزني بما روى أبو داود و النسائي و ابن ماجه و ابن حبان عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها
فقال المناظر أتحتج علي بعلي بن زيد بن جدعان فسكت المزني
فقلت للمناظر قد رواه جماعة غيره منهم أيوب السختياني وخالد الحذاء
فقال للمزني أنت تناظر أم هذا فقال إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم به مني ثم أتكلم
تنبيه إنما قيد الفعل بالإزهاق مع أن الجرح والأطراف حكمها كذلك لأنه يذكرها بعد في قوله ويشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس
فإن قيل كان الأحسن التعبير بالأفعال ليطابق المبتدأ الخبر
أجيب بأنه أراد بالفعل الجنس
وشبه بكسر الشين وإسكان الباء ويجوز فتحهما ويقال أيضا شبيه كمثل ومثل ومثيل
فائدة يمكن انقسام القتل إلى الأحكام الخمسة واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح فالأول قتل المرتد إذا لم يتب والحربي إذا لم يسلم أو يعط الجزية
والثاني قتل المعصوم بغير حق
والثالث قتل الغازي قريبه الكافر إذا لم يسب الله أو رسوله
والرابع قتله إذا سب أحدهما
والخامس قتل الإمام الأسير فإنه مخير فيه كما سيأتي
وأما قتل الخطأ فلا يوصف بحرام ولا حلال لأنه غير مكلف فيما أخطأ فهو كفعل المجنون والبهيمة
( ولا قصاص ) في شيء من هذه الثلاثة ( إلا في العمد ) لقوله تعالى { كتب عليكم القصاص في القتلى } الآية سواء مات في الحال أم بعده بسراية جراحة
وأما عدم وجوبه في شبه العمد فللحديث المار وأما في الخطأ فلقوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة } فأوجب الدية ولم يتعرض للقصاص
تنبيه يشترط في العمد أن يكون ظلما من حيث كونه مزهقا للروح بخلاف غير الظلم وبخلاف الظلم لا من تلك الحيثية كأن عدل عن الطريق المستحق في الإتلاف كأن استحق حز رقبته قودا فقده نصفين
والقصاص بكسر القاف المماثلة وهو مأخوذ من القص وهو القطع أو من اقتصاص الأثر وهو تتبعه لأن المقتص يتبع جناية الجاني ليأخذ مثلها
( وهو ) أي العمد في النفس ( قصد للفعل ) العدوان ( و ) عين ( الشخص بما يقتل ) قطعا أو ( غالبا )
وقوله ( جارح أو مثقل ) جرى على الغالب ولو أسقطهما كان أولى ليشمل ذلك القتل بالسحر وشهادة الزور ونحو ذلك وهما مجروران على البدل من ما ويجوز رفعهما على القطع أو لعله قصد بالتصريح بهما التنبيه على خلاف أبي حنيفة فإنه لم يوجبه في المثقل كالحجر والدبوس الثقيلين ودليلنا عليه قوله تعالى { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وهذا قتل مظلوما وخبر الصحيحين أن جارية وجدت وقد رض رأسها بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا أفلان أو فلان حتى سمي يهودي فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فاعترف فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برض رأسه بالحجارة فثبت القصاص في هذا بالنص وقيس عليه الباقي
وقد وافقنا أبو حنيفة على أن القتل بالعمود الحديد موجب للقود وقد ثبت النص في القصاص بغيره في المثقل كما مر فلا خصوصية للعمود الحديد لأن القصاص شرع لصيانة النفوس فلو لم يجب بالمثقل لما حصلت الصيانة
فإن قيل إن أراد بما يقتل غالبا الآلة ورد غرز الإبرة في مقتل أو في غيره مع الورم والألم إلى الموت فإنه عمد والآلة لا تقتل غالبا وإن أراد الفعل ورد إذا قطع أنملة إنسان فسرت الجراحة إلى النفس فالقصاص واجب والفعل لا يقتل غالبا
أجيب بأن المراد الآلة ولا يرد غرز الإبرة لأنه صرح بها لخروجها عن الضابط أو أنها تقتل غالبا في هذا المحل الذي غرزت فيه
____________________
(4/3)
تنبيه ما جزم به المصنف من قصد تعيين الشخص في العمد موافق للروضة هنا ولما سيأتي في موجبات الدية فلو قصد إصابة أحد رجلين فأصاب واحدا منهما يجب عليه القصاص
ولا يخالف هذين الموضعين ما رجحه قبيل الديات من زوائده من وجوب القصاص فيمن رمى شخصا أو جمعا وقصد إصابة أي واحد منهم فأصاب واحدا لأن أي للعموم فكأن كل شخص مقصود بخلاف ما إذا قصد واحدا لا بعينه فلا يكون عمدا فما في الزوائد هو المعتمد وإن خالف في ذلك البلقيني و الإسنوي وغيرهما
ويشترط أيضا مع قصد الشخص أن يعرف أنه إنسان كما قاله البلقيني فلو رمى شخصا اعتقده نخلة فكان إنسانا لم يكن عمدا على الصحيح وبه قطع الشيخ أبو محمد وأورد على المصنف ما إذا قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا بجهة حكم ثم بان الخلل في مستنده ولم يقصر الحاكم كما إذا قبله بشهادة من بانا بعد القتل رقيقين إذ الراجح وجوب الدية مخففة
وما إذا رمى حربي أو مرتد فأسلم ثم أصابه السهم إذ هو خطأ وعلى النص أنها حالة في مال الجاني
وما إذا كان وكيلا في استيفاء القصاص ثم عفا عن الجاني أو عزل ولم يعلم الوكيل ذلك واستوفى القصاص تجب دية مغلظة حالة على الوكيل
وقد يقال إنما سقط القصاص في هذه الصور لعوارض
( فإن فقد قصد ) هما أو فقد قصد ( أحدهما ) أي الفعل أو الشخص ( بأن وقع عليه فمات ) هذا كما قال الرافعي مثال للأولى فكان ينبغي للمصنف أن يزيدها
وأما مثال الثانية فهو قوله ( أو رمى شجرة ) أو نحو ذلك كدابة فأصابه فمات أو رمى آدميا فأصاب غيره فمات ( فخطأ ) لعدم قصد عين الشخص
تنبيه يوزع المصنف في تصوير قصد الشخص دون الفعل فإنه متعذر قيل ويمكن تصويره بما إذا قصد ضربه بصفح السيف فأخطأ وأصاب بحده فهذا لم يقصد الفعل بالحد مع أنه قصد الشخص وبما لو توعده إمام ظالم وهدده فمات بذلك فهذا قصد الشخص بالكلام ولم يقصد الفعل الواقع به لعدم صدوره إذ ذاك منه
ونوزع في المثال أيضا بأن من وقع على شخص لا ينسب إليه فعل أصلا فضلا عن كونه خطأ لأن الخطأ على مقتضى تقسيم المصنف الفعل المزهق لا بد فيه من فعل
وقد يعتذر عنه كما قاله بعض شراح الكتاب بأن المثال المذكور مما يعطى حكم الخطأ وليس بخطأ أو أن الوقوع فيه منسوب إلى الشخص الواقع فيصدق عليه حينئذ الفعل المقسم
وعبارة المحرر ظاهرة في المراد حيث قال الفعل المزهق إن وجد والشخص غير قاصد للفعل بأن صاح على صبي فمات أو غير قاصد لمن أصابه كما إذا رمى شجرة فأصاب إنسانا فهذا خطأ فظهر من كلامه أن المعتبر في الخطأ أحد أمرين أن لا يقصد أصل الفعل أو يقصده دون الشخص
( وإن قصدهما ) أي الفعل والشخص ( بما ) أي شيء له مدخل في الإهلاك ( لا يقتل غالبا ) عدوانا فمات ( فشبه عمد ) سمي بذلك لأنه أشبه العمد في القصد ويسمى أيضا خطأ عمد وعمد خطأ وخطأ شبه عمد
( ومنه الضرب بسوط أو عصا ) للحديث المار لكن بشروط أن يكونا خفيفين وأن يوالي بين الضربات وأن لا يكون الضرب في مقتل أو المضروب صغيرا أو ضعيفا وأن لا يكون حر أو برد معين على الهلاك وأن لا يشتد الألم ويبقى إلى الموت
فإن كان فيه شيء من ذلك فهو عمد لأنه يقتل غالبا كما في الشرح والروضة
ومثل العصا المذكورة الحجر الخفيف وكف مقبوضة الأصابع لمن يحمل الضرب بذلك واحتمل موته به
تنبيه يرد على طرده التعزير ونحوه فإنه قصد الفعل والشخص بما لا يقتل غالبا وليس بشبه عمد بل خطأ وعلى عكسه ما لو قال الشاهدان الراجعان لم نعلم أنه يقتل بقولنا وكانا ممن يخفى عليهما ذلك فحكمه حكم شبه العمد مع وجود قصد الشخص والفعل بما يقتل غالبا
( فلو غرز إبرة بمقتل ) بفتح المثناة الفوقية واحد المقاتل وهي المواضع التي إذا أصيبت قتلت كعين ودماغ وأصل أذن وحلق وثغرة نحر وخاصرة وأخدع بالدال المهملة وهو عرق العنق وإحليل وأنثيين ومثانة بالمثلثة بعد الميم مستقر البول من الآدمي وعجان وهو بكسر العين المهملة ما بين الخصية والدبر
____________________
(4/4)
ويسمى العضرط بفتح العين المهملة فمات به ولو بلا تورم ( فعمد ) ذلك الغرز لخطر المواضع وشدة تأثيره
( وكذا ) لو غرز إبرة ( بغيره ) أي المقتل كفخذ وألية ( إن تورم وتألم ) أي اجتمع الأمران واستمرا ( حتى مات ) فعمد لحصول الهلاك به
وظاهر هذا أنه لا قصاص في الألم بلا ورم
وليس مرادا بل الأصح كما صححه المصنف في شرح الوسيط الوجوب وأما الورم بلا ألم فقط لا يتصور ولهذا قال الرافعي لو لم يتعرض له الغزالي لم يضر لأن الورم لا يخلو عن الألم
فإن لم يظهر للغرز ( أثر ) بأن لم يشتد الألم وليس المراد بأن لا يوجد ألم أصلا فإنه لا بد من ألم ما ( ومات في الحال فشبه عمد ) في الأصح لأنه لا يقتل غالبا فأشبه الضرب بالسوط الخفيف
( وقيل ) هو ( عمد ) لأن في البدن مقاتل خفية وموته حالا يشعر بإصابة بعضها
( وقيل لا شيء ) أي لا قصاص ولا دية إحالة للموت على سبب آخر أما إذا تأخر الموت عن الغرز فلا ضمان قطعا كما قاله الماوردي وغيره
تنبيه ما ذكره من التفصيل بين المقتل وغيره إنما هو في حق المعتدل أما إذا غرز في بدن صغير أو شيخ هرم أو نضو الخلفة في أي موضع كان فإنه يجب القصاص كما نقلاه عن الرقم للعبادي وأقراه
( ولو غرز ) ها ( فيما لا يؤلم كجلدة عقب ) ولم يبالغ في إدخالها فمات ( فلا شيء ) في غرزها ( بحال ) أي سواء أمات في الحال أم بعده للعلم بأنه لم يمت منه وإنما هو موافقة قدر كما ألقى عليه خرقة أو ضربه بقلم فمات
أما إذا بالغ فيجب القود قطعا كما قاله الشيخ أبو حامد و الماوردي و القاضي أبو الطيب
( ولو حبسه ومنعه الطعام والشراب ) أو أحدهما ( و ) منعه أيضا ( الطلب ) لذلك ( حتى مات ) بسبب المنع ( فإن مضت ) عليه ( مدة يموت مثله ) أي المحبوس ( فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد ) لظهور قصد الإهلاك به
وتختلف المدة باختلاف حال المحبوس قوة وضعفا والزمان حر أو برد لأن فقد الماء في الحر ليس كفقده في البرد
واحترز بقوله منعه عما إذا كان ذلك عنده وأمكنه تناوله فلم يتناوله خوفا أو حزنا أو أمكنه طلبه ولو بالسؤال فلم يفعل أو منعه الشراب فترك الأكل خوف العطش أو انهدم السقف عليه أو أمكنه الهرب كما قاله الفوراني من غير مخاطرة فمات بذلك فلا قصاص ولا دية على حابسه لأنه قتل نفسه ومنع الدفاء في البرد كمنع الأكل فيما ذكر
ولو قتله بالدخان بأن حبسه في بيت وسد منافذه فاجتمع عليه الدخان فضاق نفسه فمات وجب القود كما قاله المتولي وكذا لو منع من افتصد من شد فصاده حتى مات كما أفتى به الغزالي
تنبيه قوله حبسه يفهم أنه لو منعه من غير حبس كما لو أخذ زاده أو ماءه في مفازة أو عراة فمات جوعا أو عطشا أو بردا أنه لا ضمان وهو كذلك لأنه لم يحدث فيه صنعا
قال الأذرعي وقضية هذا التوجيه أنه لو أغلق عليه بيتا وهو جالس فيه حتى مات جوعا لم يضمنه وفيه نظر اه
هذه القضية ممنوعة لأنه في أخذ الطعام منه متمكن من أخذ شيء بخلافه في الحبس بل هذه داخلة في كلام الأصحاب
ثم قال وهذا في مفازة يمكنه الخروج منها أما إذا لم يمكنه ذلك لطولها أو لزمانته ولا طارق في ذلك الوقت فالمتجه وجوب القود كالمحبوس اه
وهو بحث قوي لكنه خلاف المنقول
وهذا كله في الحر أما الرقيق فيضمن باليد مطلقا سواء راعاه بالطعام والشراب أم لا كما قالاه
( وإلا ) بأن لم تمض المدة المذكورة ومات المحبوس ( فإن لم يكن به جوع وعطش ) الواو بمعنى أو بدليل إفراد الضمير في قوله ( سابق ) على المنع ( فشبه عمد ) لأنه لا يقتل غالبا
( وإن كان ) به ( بعض جوع وعطش ) الواو أيضا بمعنى أو ( وعلم الحابس الحال ) وكانت مدة حبسه بحيث لو أضيفت لمدة جوعه أو عطشه السابق بلغت المدة القاتلة ( فعمد ) لظهور قصد الإهلاك
أما إذا لم يبلغ مجموع المدتين ذلك فهو كما لو لم يكن به شيء سابق كما قاله ابن النقيب وقال لا بد
____________________
(4/5)
منه وهو مرادهم بلا شك اه
وتبعه الزركشي وهو ظاهر
( وإلا ) بأن لم يعلم الحابس الحال ( فلا ) أي فليس بعمد بل هو شبه عمد ( في الأظهر ) لأنه لم يقصد إهلاكه ولا أتى بما هو مهلك كما لو دفعه دفعا خفيفا فسقط على سكين وراءه وهو جاهل فإنه لا قصاص
والثاني هو عمد فيجب القصاص لحصول الهلاك به كما لو ضرب المريض ضربا يهلكه ولا يهلك الصحيح وهو جاهل بمرضه
وأجاب الأول بأن الضرب ليس من جنس المرض فيمكن إحالة الهلاك عليه والجوع من جنس الجوع والقدر الذي يتعلق منه بصفة لا يمكن إحالة الهلاك عليه حتى لو ضعف من الجوع فضربه ضربا يقتل مثله وجب القصاص
تنبيه مراده بقوله وإلا فلا وجوب نصف دية شبه عمد وإن أوهمت عبارته وجوب دية شبه عمد كاملة لحصول الهلاك بالجوعين أو العطشين والذي منه أحدهما ومسألة الحبس من السبب فكان الأولى ذكرها بعد قوله ( ويجب القصاص بالسبب ) كالمباشرة لأن ماله دخل من الأفعال في الزهوق إما مباشرة وهي ما يؤثر في الهلاك ويحصله كالجرح السابق ففيها القصاص كما مر وإما شرط وهو ما لا يؤثر في الهلاك ولا يحصله بل يحصل التلف عنده بغيره ويتوقف تأثير ذلك الغير عليه كالحفر مع التردي فإنه لا يؤثر في التلف ولا يحصله وإنما يؤثر التخطي في صوب الحفرة والمحصل للتلف التردي فيها ومصادمتها لكن لولا الحفر لما حصل التلف ولهذا سمي شرطا
ومثله الإمساك للقاتل وهذا لا قصاص فيه وإما سبب وهو ما يؤثر في الهلاك ولا يحصله
وجه الحصر في ذلك أن الفاعل لا يخلو إما أن يقصد عين المجني عليه أو لا فإن قصده بالفعل المؤدي إلى الهلاك بلا واسطة فهو المباشرة وإن أدى إليه بواسطة فهو السبب كالشهادة بموجب قصاص وإن لم يقصد عين المجني عليه بالكلية فهو الشرط
والسبب ينقسم إلى ثلاثة أضرب الأول شرعي كالشهادة ويقتص من شهود الزور بشروط تأتي
والثاني عرفي كتقديم مسموم لمن يأكله وسيأتي
والثالث حسي كالإكراه على القتل
وقد شرع في الضرب الأول فقال ( فلو شهدا ) أي رجلان على شخص عند قاض ( بقصاص ) أي بموجبه في نفس أو طرف أو شهدا عليه بردة أو سرقة ( فقتل ) المشهود عليه أو قطع بعد حكم القاضي بشهادتهما ( ثم رجعا ) عنها ( وقالا تعمدنا ) الكذب فيها وعلمنا أنه يقتل أو يقطع بشهادتنا ( لزمهما ) حينئذ ( القصاص ) لأنهما تسببا في إهلاكه بما يقتل غالبا فأشبه ذلك الإكراه الحسي
قال الإمام بل أبلغ من الإكراه لأن المكره قد يؤثر هلاك نفسه على سفك دم محرم والقاضي لا محيص له عن الحكم بشهادتهما
أما إذا قالا لا نعلم أنه يقتل بشهادتنا فإنه ينظر إن كانا ممن يخفى عليهما ذلك لقرب عهدهما بالإسلام أو بعدهما عن العلماء لم يجب عليهما القصاص بل دية شبه عمد كما ذكراه في باب الرجوع عن الشهادة
قال البلقيني وكذا لو قالا لم نعلم أنه يقتل بشهادتنا لظهور أمور فينا تقتضي ردها ولكن الحاكم قصر فتجب دية شبه عمد
قال ولم أر من تعرض له اه
وإن لم يخف عليهما ذلك فلا اعتبار بقولهما كمن رمى سهما إلى شخص واعترف بأنه قصده ولكنه قال لم أعلم أنه يبلغه
تنبيه قد يرد على مفهوم قوله تعمدنا ما لو قال كل منهما تعمدت ولا أعلم حال صاحبي وكذا لو اقتصر على تعمدت فإنه يلزمهما القصاص
واعلم أن المقتضي لوجوب القصاص عليهما هو رجوعهما مع اعترافهما بالتعمد لا كذبهما حتى لو تيقنا كذبهما بأن شاهدنا المشهود بقتله حيا فلا قصاص لجواز أنهما لم يتعمدا ولو رجع أحدهما فقط فإن قال تعمدت أنا وصاحبي فعليه القصاص وإلا فلا
ثم استثنى من وجوب القصاص على الشاهدين قوله ( إلا أن يعترف الولي ) أي ولي المقتول ( بعلمه بكذبهما ) في شهادتهما حين القتل كما صرح به في المحرر فلا قصاص عليهما حينئذ لأنهما لم يلجئا إلى قتله حسا ولا شرعا فصار قولهما شرطا محضا كالمسك مع القاتل فيجب على الولي القصاص
أما لو قال الولي عرفت كذبهما بعد القتل فلا يسقط القصاص عنهما
____________________
(4/6)
تنبيه هذا إذا تمحض القصاص فلو شهدا على قاطع الطريق ثم رجعا لم يسقط القصاص عنهما باعتراف الولي بكذبهما لأن حق الله تعالى باق
وخرج بولي المقتول ولي القاتل فإنه إذا قال أنا أعلم كذبهما في رجوعهما وأن مورثي قتله فلا قصاص على أحدهما
قال البلقيني وهذا واضح
وقد يرد على حصره ما لو اعترف القاضي بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل دون الولي فالقصاص عليه دون الشهود
وسيذكر المصنف رجوع الشهود آخر كتاب الشهادات بأبسط مما هنا
وخرج بالشاهد الراوي كما لو أشكلت حادثة على قاض فروى له فيها إنسان خبرا فقتل الحاكم به شخصا ثم رجع الراوي وقال تعمدت الكذب فلا قصاص عليه كما نقله في الروضة كأصلها قبيل الديات عن الإمام وغيره خلافا للبغوي في فتاويه
وقياسه ما لو استفتى القاضي شخصا فأفتاه بالقتل ثم رجع كما بحثه بعض المتأخرين
ثم شرع في الضرب الثاني وهو السبب العرفي فقال ( ولو ضيف بمسموم ) يقتل غالبا أو ناوله ( صبيا ) غير مميز كما قيده به الإمام وغيره ونقله الشيخ أبو حامد عن النص ( أو مجنونا ) فأكله ( فمات ) منه ( وجب القصاص ) لأنه ألجأه إلى ذلك سواء قال له هو مسموم أم لا
وفي معناهما الأعجمي الذي يعتقد وجوب طاعة أمره
وأما المميز فكالبالغ وكذا المجنون الذي له تمييز كما قاله البغوي
( أو ) ضيف به ( بالغا عاقلا ولم يعلم ) الضيف ( حال الطعام فدية ) ولا قصاص لأنه تناوله باختياره من غير إلجاء
( وفي قول قصاص ) ورجحه البغوي وغيره
واستدل له المتولي بقتله صلى الله عليه وسلم اليهودية التي سمت له الشاة بخيبر لما مات بشر بن البراء بن معرور
قال في البحر والاستدلال بذلك ضعيف لأنها لم تقدم الشاة إلى الأضياف بل بعثتها إليه صلى الله عليه وسلم وهو أضاف أصحابه
وما هذا سبيله لا يلزمه قصاص
ولا ينافي الأول ما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم عفا عنها لأن ذلك كان في الابتداء فلما مات بشر أمر بقتلها
( وفي قول لا شيء ) من قصاص أو دية تغليبا للمباشرة على السبب
أما إذا علم الضيف حال الطعام فلا شيء على المضيف جزما لأنه المهلك نفسه
( ولو دس سما ) بتثليث السين والفتح أفصح وهو شيء يضاد القوة الحيوانية
( في طعام شخص الغالب أكله منه فأكله جاهلا ) بالحال فمات
( فعلى الأقوال ) في المسألة قبلها
وجه الثاني التسبب
والأول قال يكفي فيه الدية
وعلى الثلاثة يجب له قيمة الطعام لأن الداس أتلفه عليه
ومثل الطعام في ذلك ماء على طريق شخص معين والغالب شربه منه
واحترز بقوله في طعام شخص عما إذا دسه في طعام نفسه فأكل منه شخص عادته الدخول عليه فإنه هدر
وقوله الغالب أكله منه زيادة على المحرر وهي في الشرحين ولم يتعرض لها الأكثرون
وقضيته أنه إذا كان أكله منه نادرا يكون هدرا وجرى على ذلك جمع من الشراح
وليس مرادا وإنما هو لأجل الخلاف حتى يأتي القول بالقصاص وإلا فالواجب دية شبه العمد مطلقا نبه على ذلك شيخي فتنبه له فإنه يغفل عنه كثير من الطلبة
فروع لو قال لعاقل كل هذا الطعام وفيه سم فأكله فمات فلا قصاص ولا دية كما نص عليه في الأم وجزم به الماوردي
ولو ادعى القاتل الجهل بكونه سما فقولان والأوجه ما قاله المتولي أنه إن كان ممن يخفى عليه ذلك صدق وإلا فلا
فإن ادعى الجهل بكونه قاتلا فالقصاص
ولو قامت بينة بأن السم الذي أوجره يقتل غالبا وقد ادعى أنه لا يقتل غالبا وجب القصاص فإن لم تقم بينة بذلك صدق بيمينه
ولو أوجر شخصا سما لا يقتل غالبا فشبه عمد أو يقتل مثله غالبا فالقصاص وكذا إكراه جاهل عليه لا عالم
وكلام أصل الروضة هنا محمول على هذا بقرينة ذكره له في الكلام على إكراهه على قتل نفسه
ولا يجب على المجني عليه معالجة الجناية بما يدفعها ( و ) حينئذ ( لو ترك المجروح علاج جرح مهلك ) له ( فمات ) منه ( وجب القصاص ) جزما على الجارح لأن البرء غير موثوق به لو عولج والجراحة في نفسها مهلكة
أما ما لا يهلك كأن فصده فلم يعصب العرق حتى مات فإنه لا ضمان لأنه الذي قتل
____________________
(4/7)
نفسه كما لو حبسه وعنده ما يأكل فلم يفعل
( ولو ألقاه في ماء ) راكد أو جار ( لا يعد مغرقا ) بسكون الغين وبفتحها وتشديد الراء ( كمنبسط فيه مضطجعا ) أو جالسا أو مستلقيا ( حتى هلك فهدر ) لا قصاص فيه ولا دية لأنه المهلك نفسه
فإن ألقاه في الماء المذكور مكتوفا بحيث لا يمكنه التخلص فمات وجب القصاص
( أو ) ألقى رجلا أو صبيا مميزا في ماء ( مغرق ) كنهر ( لا يخلص منه إلا بسباحة ) بكسر السين مصدر سبح في الماء عام ( فإن لم يحسنها أو كان ) مع إحسانها ( مكتوفا أو زمنا ) أو ضعيفا فهلك بذلك ( فعمد ) فيه قصاص
تنبيه أفهم كلامه أن الماء الذي لا يتوقع الخلاص منه بالسباحة كلجة بحر أنه يجب فيه القصاص سواء أكان يحسن السباحة أم لا وهو كذلك
( وإن ) أمكنه التخلص بسباحة مثلا ولكن ( منع منها عارض كريح وموج ) فهلك بسبب ذلك ( فشبه عمد ) تجب ديته
تنبيه تعبيره يقتضي التصوير بطرو العارض وهو يفهم أنه لو كان موجودا عند الإلقاء يجب القود وهو كذلك فهو كمن لا يحسن السباحة
( وإن أمكنته ) سباحة أو غيرها كتعلق بزورق ( فتركها ) باختياره كأن تركها حزنا أو لجاجا ( فلا دية في الأظهر ) كما في المحرر وعبر في الروضة كأصلها بقوله وجهان أو قولان لأنه المهلك نفسه بإعراضه عما ينجيه
والثاني تجب لأنه قد يمنعه من السباحة دهشة أو عارض باطني
تنبيه لو شك في إمكان تخلصه بأن قال الملقي كان يمكنه الخروج مما ألقيته فيه فقصر وقال الولي لم يمكنه صدق الولي بيمينه لأن الظاهر أنه لو أمكنه الخروج لخرج
فرع لو ربطه وطرحه عند ماء يزيد إليه غالبا كالمد بالبصرة فزاد ومات به فعمد أو قد يزيد وقد لا يزيد فزاد ومات به فشبه عمد أو بحيث لا يتوقع زيادة فاتفق سيل نادر فخطأ
( أو ) ألقاه ( في نار يمكن ) معها ( الخلاص منها ) فمكث فيها حتى مات ( ففي الدية القولان ) في الماء والأظهر عدم الوجوب كما مر ويعرف الإمكان بقوله أو بكونه على وجه الأرض وإلى جانبه أرض لا نار عليها
فإن اختلف الملقي والولي في إمكان تخلصه صدق الولي كما مر لأن الظاهر أنه لو أمكنه الخروج لخرج وقيل الملقي لأن الأصل براءة ذمته
( ولا قصاص في الصورتين ) وهما الإلقاء في الماء والإلقاء في النار لأنه الذي قتل نفسه
( وفي ) الإلقاء في ( النار وجه ) بوجوب القصاص بخلاف الماء والفرق أن النار تحرق بأول ملاقاتها وتؤثر قروحات قاتلة بخلاف الماء
على أن في الماء وجها أيضا في الروضة فلا مفهوم لتقييد المتن
وعلى عدم القصاص يجب على الملقي أرش ما أثرت النار فيه من حين الإلقاء إلى الخروج على النص سواء أكان أرش عضو أم حكومة فإن لم يعرف قدر لذلك لم يجب إلا التعزير كما في البحر عن الأصحاب
واحترز بقوله يمكنه الخلاص عما إذا لم يمكنه لعظمها أو لكونها في وحدة أو كونه مكتوفا أو زمنا أو صغيرا أو ضعيفا فعليه القصاص
تنبيه إذا اجتمعت المباشرة مع السبب أو الشرط فقد يغلب السبب المباشرة كما مر في شهود الزور إذا اعترفوا بالتعمد والعلم فإن القصاص عليهم دون الولي والقاضي الجاهلين بكذب الشهود
وقد تغلب المباشرة السبب والشرط كما قال ( ولو أمسكه ) شخص ( فقتله آخر أو حفر بئرا ) ولو عدوانا ( فرداه فيها آخر ) والتردية تقتل غالبا
( أو ألقاه من شاهق ) أي مكان عال ( فتلقاه آخر فقده ) أي قطعه نصفين مثلا قبل وصوله الأرض والقد لغة هو القطع طولا
____________________
(4/8)
والقط عرضا كقط القلم وليس مرادا هنا
( فالقصاص على القاتل ) في الأولى لحديث إذا أمسك الرجل الرجل حتى جاء آخر فقتله قتل القاتل وحبس الممسك رواه الدارقطني وصحح ابن القطان رفعه وقاسه الشافعي على ممسك المرأة للزنا يحد الزاني دونه وكما لا قصاص لا دية بل يعزر لأنه آثم ولهذا قال في الحديث يحبس
نعم لو كان المقتول رقيقا كان للمالك مطالبة الممسك باليد والقرار على القاتل بخلاف ما لو أمسك المحرم صيدا فقتله حلال وهو في يد المحرم فالضمان على المحرم
وفرقوا بأنه ثم ضمان يد وهنا ضمان إتلاف وجعلوا سلب القتيل للقاتل الممسك لاندفاع شر الكافر بهما
تنبيه شرط المسألة المذكورة في المتن أن يكون القاتل مكلفا فلو أمسكه وعرضه لمجنون أو سبع ضار فقتله فالقصاص على الممسك قطعا كما قاله ابن الرفعة لأنه يعد قاتلا عرفا
ويرد على المصنف ما لو وضع صغيرا على هدف بعد الرمي لا قبله فأصابه سهم الرامي فإن القصاص على المقدم لأنه المباشر فهو كالمردي دون الرامي لأنه كالحافر بخلاف ما لو وضعه قبل الرمي فإن القصاص على الرامي لأنه المباشر
( و ) على ( المردي ) في الثانية تقديما للمباشرة لأن الحفر شرط ولا أثر له مع المباشرة
تنبيه كلامه قد يفهم تعلق القصاص بالحافر لو انفرد وليس مرادا لأن الحفر شرط والشرط لا يتعلق به قصاص كما مر ومعلوم أنه لا بد لوجود القصاص من كون التردية يحصل منها القتل غالبا كما قدرته في كلامه
( و ) على ( القاد ) في الثالثة الملتزم للأحكام لأن فعله قطع أثر السبب ولا شيء على الملقي وإن عرف الحال أو كان القاد ممن لا يضمن كحربي
نعم لو كان القاد مجنونا ضاربا فالقصاص على الملقي كما قاله الإمام
وقوله ( فقط ) أي دون الممسك والحافر والملقي على ما تقرر
( ولو ألقاه في ماء مغرق ) لا يمكنه الخلاص منه كلجة البحر ( فالتقمه حوت ) ولو قبل الوصول إلى الماء ( وجب القصاص في الأظهر ) لأنه هلك بسببه ولا نظر إلى جهة الهلاك كما لو ألقاه في بئر مهلكة في أسفلها سكين لم يعلم بها الملقي فهلك بها
والثاني
وهو من تخريج الربيع في صورة الإلقاء من شاهق تجب الدية لأن الهلاك من غير الوجه الذي قصد فانتهض شبهة في نفي القصاص والأصحاب بين راد له ومضعف
تنبيه محل الخلاف ما لم يرفع الحوت رأسه ويلقمه وإلا وجب القصاص قطعا
ومحله أيضا إذا لم يعلم بالحوت الذي في اللجة فإن علم به وجب القود قطعا كما لو ألقاه على أسد في زريبته كما قال صاحب المعين أنه الذي أفهمه كلام الأصحاب
( أو غير مغرق ) فالتقمه حوت ولم يعلم به الملقي ( فلا ) قصاص قطعا لأنه لم يقصد إهلاكه ولم يشعر بسبب الإهلاك كما لو دفعه دفعا خفيفا فوقع على سكين فمات ولم يعلم بها الدافع ويجب في الصورتين دية شبه عمد
تنبيه قضية التعليل أنه إذا علم أن هناك حوتا يجب القود وهو ما صرح به في الوسيط كما لو علم السكين
ثم شرع في الضرب الثالث وهو السبب الحسي فقال ( ولو أكرهه على قتل ) لشخص بغير حق فقتله ( فعليه ) أي المكره بكسر الراء ( القصاص ) لأنه أهلكه بما يقصد به الإهلاك غالبا فأشبه ما لو رماه بسهم فقتله
( وكذا ) يجب القصاص على ( المكره ) أيضا بفتحها ( في الأظهر ) لأنه قتله عمدا عدوانا لاستبقاء نفسه فأشبه ما لو قتله المضطر ليأكله بل أولى لأن المضطر على يقين من التلف إن لم يأكل بخلاف المكره
والثاني لا قصاص عليه لحديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولأنه آلة للمكره فصار كما لو ضربه به
وقيل لا قصاص على المكره بكسر الراء لأنه متسبب بل على المكره بفتحها فقط لأنه مباشر والمباشرة مقدمة
تنبيهات الأول إطلاقه يقتضي أنه لا فرق في جريان الخلاف بين كون المكره الإمام أو غيره وهو الصحيح
ولكن محله فيما إذا كان المكره عليه غير نبي أما إذا كان نبيا فيجب على المكره بفتح الراء القصاص قطعا كما دل عليه كلامهم في المضطر
والثاني لم يبين المصنف ما يحصل به الإكراه اكتفاء بما ذكره في الطلاق ولكن نقل الرافعي
____________________
(4/9)
هنا عن المعتبرين أن الإكراه لا يحصل إلا بالتخويف بالقتل أو بما يخاف منه التلف كالقطع والضرب الشديد وقيل يحصل بما يحصل به الإكراه على الطلاق اه
والأول هو الظاهر
ولو قال اقتل هذا وإلا قتلت ولدك قال في أصل الروضة في كتاب الطلاق إنه ليس بإكراه على الأصح ولكن قال الروياني الصحيح عندي أنه إكراه وهذا هو الظاهر لأن ولده كنفسه في الغالب
الثالث لا يجوز للمكره الإقدام على القتل المحرم لذاته وإن لم نوجب عليه القصاص بل يأثم إذا قتل وكذا لا يباح الزنا بالإكراه ويباح به شرب الخمر والقذف والإفطار في رمضان على القول بإبطال الصوم به والخروج من صلاة الفرض وإتلاف مال الغير وصيد الحرم
ويضمن كل من المكره والمكره والمال والصيد والقرار على المكره بكسر الراء لتعديه وليس لمالك المال دفع المكره عن ماله بل يجب عليه إن بقي روحه بماله ويجب على المكره أيضا إن بقي روحه بإتلافه كما قاله الغزالي في وسيطه ونقل ابن الرفعة الاتفاق عليه وللإتيان بما هو كفر قولا أو فعلا مع طمأنينة القلب بالإيمان
وعلى هذا الأفضل أن يثبت ولا يأتي بلفظة الكفر وقيل يأتي به صيانة لنفسه وقيل إن كان من العلماء المقتدى بهم فالأفضل الثبوت وإلا فلا
ويستثنى من إطلاق المصنف ما إذا كان المكره بفتح الراء أعجميا يرى طاعة كل أحد فإنه لو أمره بقتل كان القصاص على الآمر فقط
الرابع قيد البغوي وجوب القصاص على المكره بالفتح بما إذا لم يظن أن الإكراه يبيح الإقدام فإن ظن ذلك فلا قود عليه جزما
وهو ظاهر إن كان ممن يخفى عليه تحريم ذلك إذ القصاص يسقط بالشبهة
( فإن وجبت الدية ) في صورة الإكراه كأن عفا عن القصاص عليها ( وزعت ) عليهما بالسوية كالشريكين في القتل وللولي أن يقتص من أحدهما ويأخذ نصف الدية من الآخر
وهذا إذا كافأه ( فإن كافأه ) بهمزة أي ساوى المقتول ( أحدهما فقط ) كأن كان المقتول ذميا أو عبدا وأحدهما كذلك والآخر مسلم أو حر ( فالقصاص عليه ) أي المكافىء دون الآخر بل عليه نصف الضمان لأنهما كالشريكين وشريك غير المكافىء يقتص منه كشريك الأب
( ولو أكره بالغ ) عاقل كما في المحرر ( مراهقا ) أو عكسه على قتل شخص فقتله ( فعلى البالغ القصاص ) لوجود مقتضيه وهو القتل المحض العدوان هذا ( إن قلنا عمد الصبي عمد وهو الأظهر ) فإن قلنا خطأ فلا قصاص لأنه شريك مخطىء ولا قصاص على الصبي بحال لعدم تكليفه
تنبيه محل الخلاف في عمد الصبي والمجنون هل هو عمد أو خطأ إذا كان لهما نوع تمييز وإلا فخطأ قطعا كما نقلاه عن القفال وغيره في الكلام على شريك المخطىء وأشار المصنف إلى ذلك بالتمثيل بالمراهق
( ولو أكره ) بفتح الهمزة بخطه مكلفا ( على رمي شاخص علم المكره ) بكسر الراء ( أنه رجل وظنه المكره ) بفتحها ( صيدا ) أو حجرا أو نحو ذلك فرماه فقتله ( فالأصح وجوب القصاص على المكره ) بكسر الراء لأنه قتله قاصدا للقتل بما يقتل غالبا دون المكره بفتحها فإنه جاهل بالحال فكان كالآلة للمكره
والثاني لا قصاص على المكره أيضا لأنه شريك مخطىء
تنبيه هل يجب على من ظن الصيد نصف دية مخففة على عاقلته أو لا وجهان رجع ابن المقري الثاني
ويؤخذ من كلام الأنوار ترجيح الأول وهو كما قال شيخنا الأوجه
( أو ) أكرهه ( على رمي صيد فأصاب ) آدميا ( رجلا ) أو غيره فمات ( فلا قصاص على أحد ) منهما لأنهما لم يتعمداه ويجب على عاقلة كل منهما نصف الدية
( أو ) أكرهه ( على صعود شجرة ) أو على نزول بئر ( فزلق فمات فشبه عمد ) لأنه لا يقصد به القتل غالبا
وقضية هذا وجوب الدية على عاقلة المكره بكسر الراء وهو ما جزم به في التهذيب وهو الظاهر
قال الزركشي لكن حكى
____________________
(4/10)
ابن القطان في فروعه نص الشافعي على أنها في ماله
( وقيل ) هو ( عمد ) وهذا ليس بوجه محقق بل هو رأي للغزالي وعليه فيجب به القصاص لأنه تسبب إلى قتله فأشبه ما لو رماه بسهم
تنبيه حمل هذا القول فيما إذا كانت الشجرة مما يزلق على مثلها غالبا كما ذكره المصنف في نكت الوسيط
أما إذا كانت لا يزلق على مثلها غالبا فلا يأتي هذا القول فالتقييد بذلك لمحل الخلاف لا كما فهمه أكثر الشراح من أنه قيد لشبه العمد فيكون في هذه الحالة خطأ فتنبه لذلك فإنه مما يغفل عنه كثير من الطلبة
وصحح البلقيني أن هذا ليس بشبه عمد بل هو خطأ محض
( أو ) أكرهه ( على قتل نفسه ) بأن قال له اقتل نفسك أو اشرب هذا السم وإلا قتلتك فقتلها ( فلا قصاص ) عليه ( في الأظهر ) لأن هذا ليس بإكراه حقيقة لاتحاد المأمور به والمخوف فصار كأنه مختار له
والثاني يجب كما إذا أكرهه على قتل غيره
وعلى الأول لا شيء على الآمر من الدية كما ذكره الرافعي في باب موجبات الدية وإن جرى ابن المقري على وجوب نصف دية لأن القصاص إنما يسقط لانتفاء الإكراه فينتفي موجبه فلا يجب على فاعله شيء
تنبيه محل الخلاف كما قاله أبو الفرج الرازي ما إذا خوفه بمثل ذلك القتل فإن خوفه بعقوبة فوق القتل كالإحراق والتمثيل فهو إكراه
ويستثنى ما إذا كان المكره بفتح الراء غير مميز لصغر أو جنون فإنه يجب القصاص على المكره بكسر الراء بخلاف البالغ الأعجمي فإنه لا يخفى عليه أنه لا يجوز له قتل نفسه بخلاف ما إذا أمره بقتل غيره فعل
نعم إن أمره ببط جرحه أو بفتح عرقه القاتل فإن كان بمقتل وجهل كونه قاتلا ضمن الآمر لأن الأعجمي حينئذ لا يظنه قاتلا فلا يجوز أن يعتقد وجوب الطاعة
أما إذا علمه قاتلا فلا ضمان على آمره
وخرج بالتقييد بالنفس الطرف فلو قال له اقطع يدك أو رجلك أو نحو ذلك وإلا قتلتك فقطعها اقتص منه لأنه إكراه لأن قطعه ترجى معه الحياة
( ولو قال ) شخص لآخر ( اقتلني وإلا قتلتك فقتله ) ذلك الشخص ( فالمذهب لا قصاص ) عليه لأن الإذن شبهة دارئة للحد
والطريق الثاني ذات قولين ثانيهما يجب عليه القصاص لأن القتل لا يباح بالإذن فأشبه ما لو أذن له في الزنا بأمته
( والأظهر ) على عدم القصاص ( لا دية ) أيضا بناء على أنها تثبت للمقتول في آخر جزء من حياته ثم تنتقل إلى الوارث وهو الأظهر ولهذا تنفذ منها وصاياه وتقضى منها ديونه ولو كانت للورثة ابتداء لم يكن كذلك
والثاني تجب ولا يؤثر إذنه بناء على أنها تثبت للورثة ابتداء عقب هلاك المقتول
تنبيه لو لم يقل وإلا قتلتك كان الحكم كذلك كما سيأتي في قول المصنف في باب كيفية القصاص
ولو قال اقتلني ففعل فهدر
هذا كله في النفس فلو قال له اقطع يدي مثلا فقطعها ولم يمت فلا قود ولا دية قولا واحدا قاله في الروضة
فإن مات فعلى الخلاف
ومحله فيما إذا أمكن دفعه بغير القتل فإن قتله دفعا فلا ضمان عليه جزما كما أشار إليه الشيخان وجزم به ابن الرفعة
فإن قيل إذا أمكنه دفعه بغير القتل فقد انتفى الإكراه فينبغي أن يجب القصاص جزما
أجيب بأن الإذن بلا إكراه مسقط
وقد حكى الرافعي الطريقين في الإذن المجرد ثم قال فإن انضم إلى ذلك إكراه فسقوط القصاص أوجه
ولو قال اقذفني وإلا قتلتك فقذفه فلا حد على الصواب في زوائد الروضة ولو كان الآذن عبدا لم يسقط الضمان
وفي القصاص إذا كان المأذون له عبدا وجهان أظهرهما السقوط
ولو أكرهه على إكراه غيره اقتص منهم وللمأمور بالقتل دفع المكره وللثالث دفعهما وإن أفضى إلى القتل فهدر والمكره هنا هو المحمول على قتل معين لا يجد عنه محيصا
( و ) حينئذ ( لو قال ) لشخص ( اقتل زيدا أو عمرا ) وإلا قتلتك ( فليس بإكراه ) حقيقة فمن قتله منهما فهو مختار لقتله فيلزمه القصاص له ولا شيء على الآمر غير الإثم
وقال القاضي حسين هو إكراه لأنه لا يتخلص إلا بقتل أحدهما فهو ملجأ إليه وصححه البلقيني قال وليس هذا كإكراهه على طلاق إحدى زوجتيه فإن عليه أن يقول إحداهما طالق فإذا طلق معينة كان مختارا
____________________
(4/11)
تتمة لو أمر السلطان شخصا بقتل آخر بغير حق والمأمور لا يعلم ظلم السلطان ولا خطأه وجب القود أو الدية والكفارة على السلطان ولا شيء على المأمور لأنه آلته ولا بد منه في السياسة فلو ضمناه لم يتول الجلد أحد ولأن الظاهر أن الإمام لا يأمر إلا بالحق ولأن طاعته واجبة فيما لا يعلم أنه معصية ويسن للمأمور أن يكفر لمباشرة القتل
وإن علم بظلمه أو خطئه وجب القود على المأمور إن لم يخف قهره بالبطش بما يحصل به الإكراه لأنه لا يجوز طاعته حينئذ كما جاء في الحديث الصحيح فصار كما لو قتله بغير إذن فلا شيء على السلطان إلا الإثم فيما إذا كان ظالما
نعم إن اعتقد وجوب طاعته في المعصية فالضمان على الإمام لا عليه لأن ذلك مما يخفى نقله الأذرعي والزركشي عن صاحب الوافي وأقراه
فإن خاف قهره فكالمكره فالضمان بالقصاص وغيره عليهما
وحكم سيد البغاة حكم الإمام فيما ذكر لأن أحكامه نافذة بل إن أمره بقتله متغلب فعليه القصاص أو الدية والكفارة وليس على الآمر إلا الإثم ولا فرق بين أن يعتقده حقا أو يعرف أنه ظلم لأنه ليس بواجب الطاعة
هذا إن لم يخف قهره كما مر وإلا فكالمكره
ولو أكرهه الإمام على صعود شجرة أو نزول بئر ففعل فإن لم يخف قهره فلا ضمان عليه وإن خافه فالضمان على عاقلته وهي دية شبه عمد كما مر وإن كان ذلك لمصلحة المسلمين
ولو أمر شخص عبده أو عبد غيره المميز الذي لا يعتقد وجوب طاعته في كل أمره بقتل أو إتلاف ظلما ففعل أثم الآمر واقتص من العبد البالغ وتعلق ضمان المال برقبته وإن كان للصبي أو المجنون تمييز فالضمان عليهما دون الآمر وما أتلفه غير المميز بلا أمر خطأ يتعلق بذمته إن كان حرا وبرقبته إن كان رقيقا لأهدر وإن اقتضى كلام أصل الروضة أنه هدر
ولو أكره شخص عبدا مميزا على قتل مثلا ففعل تعلق نصف الدية برقبته بناء على الأصح من أن الحر المكره يلزمه نصف الدية
فصل في الجناية من اثنين وما يذكر معها إذا ( وجد من شخصين ) مثلا حال كونهما ( معا ) أي مجتمعين في زمن واحد ( فعلان ) مثلا ( مزهقان ) للروح لو انفرد كل منهما لأمكن إصالة الإزهاق عليه وهما ( مذففان ) بإعجام الذال بخطه ويجوز إهمالهما أي مسرعان للقتل
( كحز ) للرقبة ( وقد ) للجثة ( أو لا ) أي غير مذففين ( كقطع عضوين ) ومات منهما ( فقاتلان ) يجب عليهما القصاص وكذا الدية إذا وجبت لوجود السبب منهما
وقضية كلامه أنه لو كان أحدهما مذففا دون الآخر كان المذفف هو القاتل وهو كذلك
واحترز بقوله معا عما إذا ترتب فعلهما وسيذكره
تنبيه استعمل المصنف هنا معا للدلالة على الاتحاد في الزمان وفاقا لثعلب وغيره وأما ابن مالك فاختار عدم دلالتها على الاتحاد وأنها تستعمل بمعنى جميعا وهو ظاهر نص الشافعي فيمن قال لامرأتيه إن ولدتما معا فأنتما طالقتان أنه لا يشترط الاتحاد في الزمان وإذا أفردت عن الإضافة كما في الكتاب أعربت حالا ومذففان في كلامه خبر مبتدأ محذوف أي وهما مذففان كما صرح به في المحرر وليس صفة لفعلان لتنويعهما إلى التذفيف وعدمه
والفاء في قوله فقاتلان جواب شرط محذوف كما قدرته في كلامه
( وإن ) لم يوجد الفعلان معا بالوصف السابق بل ترتبا بأن ( أنهاه رجل ) مثلا ( إلى حركة مذبوح ) وهي المفسرة بقوله ( بأن لم يبق ) معها ( إبصار و ) لا ( نطق ) اختياري ( و ) لا ( حركة اختيار ) وهي التي يبقى معها الإدراك وهي المستقرة ويقطع بموته بعد يوم أو أيام وهي التي اشترط وجودها في إيجاب القصاص دون المستمرة وهي التي لو ترك معها لعاش
واحترز بالاختيار عما إذا قطع الإنسان نصفين وبقيت أحشاؤه في النصف الأعلى فإنه ربما يتكلم بكلمات لا تنتظم وإن انتظمت فليست عن روية واختيار بل تجري مجرى الهذيان الذي لا يصدر عن عقل صحيح ولا قلب ثابت
حكى ابن هريرة أن رجلا قطع نصفين فتكلم واستسقى ماء فسقي وقال هكذا يفعل بالجيران
وإن شك في وصوله إلى حركة مذبوح رجع إلى أهل الخبرة كما قال الرافعي أي وعمل بقول عدلين منهم
وحالة المذبوح تسمى حالة اليأس وهي التي لا يصح فيها
____________________
(4/12)
إسلام ولا ردة ولا شيء من التصرفات وينتقل فيها ماله لورثته الحاصلين حينئذ لا لمن حدث ولو مات له قريب لم يرثه
( ثم ) إن ( جنى ) شخص ( آخر ) عليه بعد الانتهاء لحركة مذبوح ( فالأول ) متهما ( قاتل ) لأنه صيره إلى حالة الموت ( ويعزر الثاني ) منهما لهتكه حرمة الميت كما لو قطع عضوا من ميت
( وإن جنى الثاني ) منهما ( قبل الإنهاء إليها ) أي حركة مذبوح ( فإن ذفف ) الثاني ( كحز ) للرقبة ( بعد جرح ) سابق من الأول ( فالثاني قاتل ) فعليه القصاص لأن الجرح إنما يقتل بالسراية وحز الرقبة بقطع أثرها ولا فرق بين أن يتوقع البرء من الجراحة السابقة أن يتيقن الهلاك بها بعد يوم أو أيام لأن له في الحال حياة مستقرة وقد عهد عمر رضي الله تعالى عنه في هذه الحالة وعمل بعهده ووصاياه
( وعلى الأول قصاص العضو أو مال بحسب الحال ) من عمد أو غيره ( وإلا ) أي وإن لم يذفف الثاني أيضا كأن قطع الأول يده من الكوع والثاني من المرفق ومات المجني عليه بسراية القطعين ( فقاتلان ) بطريق السراية ولا يقال إن أثر القطع الثاني أزال أثر القطع الأول
( ولو قتل مريضا في النزع وعيشه عيش مذبوح وجب ) بقتله ( القصاص ) لأنه قد يعيش فإن موته غير محقق قال الإمام ولو انتهى المريض إلى سكرات الموت وبدت مخايله فلا يحكم له بالموت وإن كان يظن أنه في حالة المقدود وفرقوا بأن انتهاء المريض إلى تلك الحالة غير مقطوع به وقد يظن ذلك ثم يشفى بخلاف المقدود ومن في معناه ولأن المريض لم يسبق فيه فعل بحال القتل وأحكامه عليه حتى يهدر الفعل الثاني
تنبيه قضية كلام المصنف أن المريض المذكور يصح إسلامه وردته وليس مرادا بل ما ذكراه هنا من أنه ليس كالميت محمول على أنه ليس كالميت في الجناية وقسمة تركته وتزوج زوجاته أما في غير ذلك من الأحوال فهو فيه كالميت بقرينة ما ذكراه في الوصية من عدم صحة وصيته وإسلامه وتوبته ونحوها
وحاصله أن من وصل إلى تلك الحالة بجناية فهو كالميت مطلقا ومن وصل إليها بغير جناية هو كالميت بالنسبة لأقواله وكالحي بالنسبة لغيرها كما جمع به بعض المتأخرين وهو حسن
فصل في أركان القصاص في النفس
وهي ثلاثة قتل وشرط فيه ما مر من كونه عمدا ظلما
وقتيل وقاتل
وفيما إذا قتل إنسانا يظنه على حال فكان بخلافه
وقد شرع في هذا القسم فقال ( قتل مسلما ظن كفره ) كأن رآه يعظم آلهتهم أو كان عليه زي الكفار ( بدار الحرب ) أو بصفة المحاربين بدارنا كما سيأتي ( لا قصاص ) عليه جزما للعذر الظاهر إن قتله ذمي لم يستعن به المسلمون لزمه القصاص كما قاله البلقيني قال وفي نص الشافعي ما يشهد له
( وكذا لا دية في الأظهر ) لأنه أسقط حرمة نفسه بمقامه في دار الحرب التي هي دار الإباحة وسواء علم في دارهم مسلما أم لا عين شخصا أم لا
والثاني تجب الدية لأنها تثبت مع الشبهة
أما الكفارة فتجب جزما لقوله تعالى { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } فإن من بمعنى في كما نقله الإمام الشافعي وغيره
تنبيه لا يكفي ظن كفره بل لا بد من ظن حرابته
أما إذا ظنه ذميا فسيأتي في كلامه أن المذهب وجوب القصاص
واحترز بقوله ظن كفره عما إذا لم يظنه وفيه تفصيل ذكره الرافعي في الشرحين عن البغوي وجزم به في الروضة فقال إن عرف مكانه وقصده فكقتله بدارنا عمدا وإن قصد غيره فأصابه فدية مخففة على العاقلة وإن لم يعرف مكانه ورمى سهما إلى صف الكفار في دار الحرب سواء أعلم أن في الدار مسلما أم لا نظر إن لم يعين شخصا أو عين كافرا فأخطأ وأصاب مسلما فلا قود ولا دية وكذا لو قتله في بيات أو إغارة ولم يعرفه
وإن عين شخصا فأصابه
____________________
(4/13)
فكان مسلما لا قصاص وفي الدية قولان قالا ويشبه أن يكون هما القولين فيمن ظنه كافرا
ولو أمن القاتل أهل دار الحرب وقتل في دارهم مسلما تزيا بزيهم قال الزركشي فالمتجه وجوب القصاص قياسا على من عهده عبدا وكان قد عتق ولم يعلم القاتل أنه عتق اه
وهو ظاهر إذا قلنا إن التزيي بزيهم ليس بردة وهو الصحيح عند المصنف في باب الردة
أما إذا قلنا إنه ردة كما نقل عن النص فإنه لا قصاص عليه
( أو ) قتل من ( بدار الإسلام وجبا ) أي القصاص والدية لا على الاجتماع كما هو معلوم وإن أوهمته العبارة بل على البدل لأن الظاهر من حال من هو في دار الإسلام العصمة
ويستثنى ما إذا كان في صف أهل الحرب بدارنا فإنه لا قصاص قطعا ولا دية في الأظهر
( وفي القصاص ) في قتل من ذكر بدار الإسلام ( قول ) في الأم بعدم وجوبه إذا عهده حربيا لأنه الذي أبطل حرمة نفسه بخروجه على هيئة الكفار أما إذا ظنه ولم يعهده حربيا فإنه القصاص قطعا بخلاف ما إذا كان بدار الحرب فإنه يكفي ظن كونه حربيا
وإذا لم نوجب القصاص فهل تجب الدية مغلظة أو مخففة على العاقلة قولان بلا ترجيح في الروضة وأصلها أظهرهما عند الإمام الأول
( أو ) قتل ( من عهده مرتدا أو ذميا أو عبدا أو ) قتل من ( ظنه قاتل أبيه فبان خلافه ) أي إسلامه أو حريته أو عدم قتله لأبيه ( فالمذهب وجوب القصاص ) عليه نظرا إلى ما في نفس الأمر لأنه قتله عمدا عدوانا والظن لا يبيح القتل
أما في الذمي ونحوه والعبد فظاهر وأما في المرتد فقال الرافعي لأن قتله إلى الإمام وقضيته أنه لا يجب القصاص على الإمام والمعتمد إطلاق المتن إذ كان من حقه التثبت وأما في الأخيرة فلأن من حقه التثبت وليس معه ما يستصحبه
وفيما عدا الأولى قول بعدم الوجوب طرد في الأولى وفيما عدا الأخيرة طريق قاطع بالوجوب بحث الرافعي مجيئه في الأخيرة
تنبيه قوله عهده يقتضي أنه إذا ظنه مرتدا أو ذميا أو عبدا من غير أن يعهد كذلك وجوب القصاص قطعا وهو كذلك وإن حكى الإمام فيما إذا ظنه ذميا أو عبدا من غير عهد قولين
ومحل الخلاف فيما إذا كان القاتل حرا مسلما أما إذا كان عبدا أو ذميا فإنه يجب القصاص قطعا
( ولو ضرب مريضا جهل مرضه ضربا يقتل ) مثله ( المريض ) لا الصحيح فمات منه ( وجب القصاص ) على الضارب في الأصح لأن جهله لا يبيح له الضرب
تنبيه يؤخذ من التعليل أن كل صورة أبحنا له فيها الضرب كالزوج والمعلم إذا ضرب تأديبا ضربا لا يقتل الصحيح وهو جاهل بالمرض لا يجب القصاص وهو كذلك كما في الوسيط وغيره خلافا لما أطلقه المصنف كالمحرر
( وقيل لا ) يجب قصاص لأن ما أتى به ليس بمهلك عنده
واحترز بقوله جهل عما لو علم فيجب القصاص جزما وبقوله يقتل المريض عما لو كان يقتل الصحيح فيجب قطعا
ثم شرع في القسم الأول وهو الأركان وقد مر شرط القتل وأما القتيل فيشترط كونه معصوما وأما القاتل فيشترط كونه مكلفا وقد بدأ بالأول وهو الركن الثاني فقال ( ويشترط لوجوب القصاص ) أو الدية ( في ) نفس ( القتيل ) أو طرفه العصمة بأن يوجد منه ( إسلام ) لخبر مسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها
( أو أمان ) بعقد ذمة أو عهد أو أمان مجرد لقوله تعالى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } إلى قوله { حتى يعطوا الجزية } ولقوله تعالى { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره } الآية
تنبيه كان الأولى أن يعبر المصنف بوجوب الضمان ليشمل الدية كما قدرتها في كلامه
ويشترط مع الإسلام والأمان كما قال البلقيني أن لا يكون صائلا ولا قاطع طريق لا يندفع شره إلا بالقتل وإلا فهو غير معصوم في تلك الحالة مع أنه مسلم
وأورد في المهمات على الحصر في الإسلام والأمان ضرب الرق على الأسير فإنه يصير معصوما بذلك ورده البلقيني بأنه صار بالرق مالا للمسلمين وما لهم في أمان فهو داخل في قول المصنف أو أمان
قوله تعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وأما الثاني فلقوله وإذا شرطنا الإسلام
____________________
(4/14)
والأمان ( فيهدر الحربي والمرتد ) أما الأول فلعموم صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه والمراد إهداره في حق المسلم
أما في حق ذمي أو مرتد فسيأتي
( ومن عليه قصاص ) فهو معصوم على غير المستحق ( كغيره ) فإذا قتله غير المستحق اقتص منه لقوله تعالى { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } فخص وليه بقتله فدل على أن وليه لا سلطان له عليه
تنبيه محل هذا فيمن لم يتحتم قتله أما إذا تحتم قتله لقطع طريق فإن الصحيح أنه يقتل قصاصا
ولو قتله غير المستحق لا يقتل به إلا إن كان مثله
( والزاني ) المسلم ( المحصن إن قتله ذمي قتل به ) لأنه لا تسلط له على المسلم وإذا كان الذمي يقتل به فالمرتد والمعاهد والمؤمن بالأولى
وخرج بقيد المسلم ما لو كان المحصن ذميا فإن الذمي غير الزاني المحصن لا يقتل به كما قال البلقيني فإن كان مثله قتل به
( أو ) قتله ( مسلم ) غير زان محصن ( فلا ) يقتل به ( في الأصح ) المنصوص في الأم لاستيفائه حد الله تعالى
والثاني يجب القصاص لأن الاستيفاء للأم فأشبه ما لو قتل من عليه القصاص غير مستحقه
وعلى الأول لا فرق بين أن يقتله قبل أمر الإمام بقتله أم لا ولا بين أن يثبت زناه بالبينة أم لا ولا بين أن يكون قبل رجوعه عن الإقرار أم لا
ووقع في تصحيح التنبيه للمصنف أن ذلك فيما إذا ثبت زناه بالبينة فإن ثبت بالإقرار قتل به
أما المسلم الزاني المحصن إذا قتله فإنه يقتل به أو تارك الصلاة عمدا بعد أمر الحاكم بها كالزاني المحصن
ثم شرع في الركن الثالث وهو القاتل فقال ( و ) يشترط ( في القاتل ) تكليف وهو ( بلوغ وعقل ) فلا قصاص على صبي ومجنون لخبر رفع القلم عن ثلاث
تنبيه محله في المجنون إذا كان الجنون مطبقا أما المتقطع فينظر إن كان في زمن إفاقته فهو كالعاقل الذي لا جنون به وإن كان في زمن جنونه فهو كالمجنون الذي لا إفاقة له
( والمذهب وجوبه ) أي القصاص ( على السكران ) المتعدي بسكره لأنه مكلف عند غير المصنف ولئلا يؤدي إلى ترك القصاص لأن من رام القتل لا يعجز أن يسكر حتى لا يقتص منه
وهذا كالمستثنى من شرط العقل وهو من قبيل ربط الأحكام بالأسباب
وألحق به من تعدى بشرب دواء مزيل للعقل
أما غير المتعدي فهو كالمعتوه فلا قصاص عليه
( ولو قال كنت يوم القتل صبيا أو مجنونا ) وكذبه ولي المقتول ( صدق ) القاتل ( بيمينه إن أمكن الصبا ) وقت القتل ( وعهد الجنون ) قبله لأن الأصل بقاؤهما بخلاف ما إذا لم يمكن صباه ولم يعهد جنونه
ولو قامت بينة بجنونه وأخرى بعقله ولم يعلم حاله قبل ذلك أو علم حاله وكانت البينتان مقيدتين بحالة الموت تعارضتا أو لو اتفق ولي المقتول والقاتل على زوال عقله لكن الولي يقول بسكر تعدى فيه والقاتل بجنون صدق القاتل كما أطلقاه
( ولو قال ) القاتل ( أنا ) الآن ( صبي ) وأمكن ( فلا قصاص ) عليه ( ولا يحلف ) أنه صبي لأن التحليف لإثبات صباه ولو ثبت لبطلت يمينه ففي تحليفه إبطال لتحليفه وسيأتي هذا في الدعوى والبينات مع زيادة
( ولا قصاص ) ولا دية ( على حربي ) قتل حال حرابته وإن عصم بعد ذلك بإسلام أو عقد ذمة لما تواتر من فعله صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده من عدم القصاص ممن أسلم كوحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه ولعدم التزامه الأحكام
( ويجب ) القصاص ( على المعصوم ) بإيمان أو أمان من غير تأويل لالتزامه الأحكام أما بالتأويل بأن قتل البغاة من أهل العدل في حال الحرب فلا ضمان عليهم كما سيأتي
تنبيه عبارة المحرر ويجب على الذمي فعدل عنها المصنف إلى المعصوم لعمومها وزاد عليه قوله ( و ) على ( المرتد ) لأجل تعبيره بالمعصوم لئلا يرد على المفهوم فإنه غير معصوم وإنما أوجبنا عليه القصاص لبقاء علقة الإسلام فيه
____________________
(4/15)
تنبيه محله في المرتد إذا لم يكن له شوكة وقوة وإلا ففيه قولان أظهرهما عند البغوي الضمان وهو الظاهر وظاهر تعبير الشرح الصغير يقتضي ترجيح المنع
( و ) يشترط أيضا في القاتل ( مكافأة ) بالهمز وهي مساواته للقتيل بأن لم يفضله بإسلام أو أمان أو حرية أو أصلية أو سيادة ويعتبر حال الجناية وحينئذ ( فلا يقتل مسلم ) ولو زانيا محصنا ( بذمي ) لخبر البخاري ألا لا يقتل مسلم بكافر قال ابن المنذر ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يعارضه ولأنه لا يقاد المسلم بالكافر فيما دون النفس بالإجماع كما قاله ابن عبد البر فالنفس بذلك أولى
تنبيه لو عبر المصنف بالكافر كان أولى لموافقة لفظ الحديث ولشموله من لم تبلغه الدعوة فإن المسلم لا يقتل به على الأصح لكنه إنما ذكر الذمي لينبه على خلاف الحنفية فإنهم يقولون إن المسلم يقتل به وحملوا الكافر في الحديث على الحربي لقوله بعد ولا ذو عهد في عهده وذو العهد يقتل بالمعاهد ولا يقتل بالحربي لتوافق المتعاطفين
وأجيب عن حملهم على ذلك بأن قوله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر يقتضي عموم الكافر فلا يجوز تخصيصه بإضمار وقوله ولا ذو عهد كلام مبتدأ أي لا يقتل ذو العهد لأجل عهده
وبأنه لو كان كما قالوه لخلا عن الفائدة لأنه يصير التقدير لا يقتل المسلم إذا قتل كافرا حربيا ومعلوم أن قتله عبادة فكيف يعقل أنه يقتل به
( ويقتل ذمي به ) أي المسلم لشرفه عليه
( و ) يقتل أيضا ( بذمي وإن اختلفت ملتهما ) فيقتل يهودي بنصراني ومعاهد ومستأمن ومجوسي وعكسه لأن الكفر كله ملة واحدة من حيث أن النسخ شمل الجميع وإن اقتضت عبارة المتن أنه ملل إلا أن يريد اختلاف ملتهما بحسب زعمهما
( فلو أسلم ) الذمي ( القاتل ) كافرا مكافئا له ( لم يسقط القصاص ) لتكافئهما حالة الجناية لأن الاعتبار في العقوبات بحال الجناية ولا نظر لما يحدث بعدها وذلك إذا زنى الرقيق أو قذف ثم عتق يقام عليه حد الأرقاء
فإن قيل في هذا قتل مسلم بكافر وقد منعتم من ذلك
أجيب بالمنع بل هو قتل كافر بكافر إلا أن الموت تأخر عن حال القتل
ومنهم من حمل عليه حديث أنه صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر مسلما بكافر وقال أنا أكرم من وفى بذمته رواه أبو داود في مراسيله
ويقتل رجل بامرأة وخنثى كعكسه وعالم بجاهل كعكسه وشريف بخسيس وشيخ بشاب كعكسهما لأنه صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن أن الذكر يقتل بالأنثى رواه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم
وقيس بما فيه البقية
( ولو جرح ذمي ) أو نحوه ( ذميا ) أو نحوه ( وأسلم الجارح ثم مات المجروح ) بسراية تلك الجراحة ( فكذا ) لا يسقط القصاص في النفس ( في الأصح ) للتكافؤ حالة الجرح المفضي إلى الهلاك
وإنما اعتبرت لأنها حالة الفعل الداخل تحت الاختيار ولهذا لو جرح الجارح ومات المجروح وجب القصاص
والثاني يسقط نظرا في القصاص إلى المكافأة وقت الزهوق
وكما لا يسقط القصاص لا تسقط الكفارة كالديون اللازمة في الكفر
تنبيه قد علم من تعليل الثاني أن محل الخلاف إذا لم يسلم المجروح فإن أسلم ثم مات وجب القصاص قطعا
ومحله أيضا في قصاص النفس أما لو قطع طرفا ثم أسلم القاطع ثم سرى وجب قصاص الطرف قطعا
( وفي الصورتين ) وهما إسلام القاتل بعد قتله أو جرحه لا يقتص له وارثه الكافر بل ( إنما يقتص ) له ( الإمام ) لكن ( بطلب الوارث ) ولا يفوضه إليه تحرزا من تسليط الكافر على المسلم فإن أسلم فوض إليه لزوال المانع
أما إذا لم يطلب فليس للإمام أن يقتص وإن كان هو الوارث فله أن يقتص
( والأظهر قتل مرتد ) انتقل من إسلام إلى كفر ( بذمي ) ومستأمن ومعاهد سواء عاد إلى الإسلام أم لا كما قاله في الأم لاستوائهما في الكفر بل المرتد أسوأ حالا من الذمي لأنه مهدر الدم ولا تحل ذبيحته ولا مناكحته ولا يقر بالجزية فأولى أن يقتل بالذمي الثابت له ذلك أي غالبا وإلا فقد يتخلف عنه بعضها كالمجوسي إذا عقدت له الذمة
والثاني لا يقتل به لبقاء علقة الإسلام في المرتد
ويؤخذ من التعليل
____________________
(4/16)
أن المرتد من التهود إلى التنصر أو عكسه يقتل بالذمي قطعا وهو كذلك كما قاله الزركشي
( و ) الأظهر أيضا قتل مرتد ( بمرتد ) لتساويهما كما لو قتل الذمي ذميا والثاني لا لأن المقتول مباح الدم
تنبيه ما اقتضاه كلامه من أن الخلاف قولان كما قدرته في كلامه هو الصواب فقد نص عليهما في الأم وإن نقلاه في الشرحين والروضة وجهين
( لا ذمي ) بالجر بخطه أي أو نحوه فلا يقتل
( بمرتد ) في الأظهر لما مر والثاني يقتل به لما مر أيضا وحكى الجمهور الخلاف في هذه وجهين ويقتل المرتد بالزاني المسلم المحصن كما يقتل بالذمي ولا يقتل زان محصن به لاختصاصه بفضيلة الإسلام ولخبر لا يقتل مسلم بكافر
تنبيه يقدم قتل المرتد بالقصاص الواجب عليه على قتله بالردة لأنه حق آدمي فإن عفا على مال أخذ من تركته وقتل بالردة ولا دية لمرتد وإن قتله مثله كما جزم به ابن المقري لأنه لا قيمة لدمه وقيل تجب وهل هي دية مسلم لبقاء علقة الإسلام وأخس الديات وجهان أصحهما الثاني ( ولا يقتل حر بمن فيه رق ) وإن قل لقوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد } فاقتضى الحصر أن لا يقتل حر بعبد ولخبر البيهقي لا يقاد حر بعبد وللاتفاق أنه لا يقطع طرف حر بطرف عبد فأولى أن لا يقتل به لأن حرمة النفس أعظم من حرمة الأطراف وسواء في ذلك المكاتب والمدبر وأم الولد وعبده وعبد غيره
وأما خبر من قتل عبده قتلناه ومن جدع أنفه جدعناه ومن خصاه خصيناه الذي استدل به النخعي و أبو حنيفة و داود لقتل السيد بعبده فمنقطع وقال البيهقي إنه منسوخ وابن المنذر ليس بثابت وإن صح فمحمول على ما إذا أعتقه ثم قتله فيفيد أن تقدم الملك لا يمنع ذلك
فائدة حكى الروياني أن بعض فقهاء خراسان سئل في مجلس أميرها عن قتل الحر بالعبد فقال أقدم حكاية ثم قال كنت في أيام تفقهي ببغداد نائما ذات ليلة على شاطىء دجلة فسمعت ملاحا يترنم ويقول خذوا بدمي هذا الغزال فإنه رماني بسهمي مقلتيه على بعد ولا تقتلوه إنني أنا عبده ولم أر حرا قط يقتل العبد فقال الأمير حسبك فقد أغنيت عن الدليل
قال الثعالبي وكان أبو الحسن الماسرخسي ينشد في تدريسه هذين البيتين
تنبيه لو قتل الحر المسلم شخصا لا يعلم أنه مسلم أو كافر ولا أنه حر أو عبد فلا قصاص للشبهة كذا نقلاه عن صاحب البحر وأقراه فإن قيل هذه المسألة مثل مسألة اللقيط سواء وقد صححا فيها وجوب القصاص بقتله قبل البلوغ وعللوه بأن الدار دار حرية وإسلام ولا يظهر بين المسألتين فرق
أجيب بأن محل ما هنا في قتله بدار الحرب وما هناك في قتله بدارنا بقرينة تعليلهم وجوب القصاص فيه بأن الدار دار حرية وإسلام
وأجاب بعضهم بأن ما هنا محله إذا لم يكن له ولي يدعي الكفاءة وإلا فهي مسألة اللقيط وبعضهم بأن صورة اللقيط علم فيها التقاطه فجرى عليه حكم الدار وصورة البحر لم يعلم التقاطه حتى يجري عليه حكم الدار وإنما نص المصنف على البعض ليعلم منه حكم كامل الرق من باب أولى
( ويقتل قن ومدبر ومكاتب وأم ولد بعضهم ببعض ) ولو كان المقتول لكافر والقاتل لمسلم للتساوي في الملك ولا نظر إلى ما انعقد لهؤلاء من سبب الحرية وإنما المؤثر الحرية الناجزة
تنبيه استثنى المكاتب إذا قتل عبده لا يقتل به كما لا يقتل الحر بعبده ولو كان المقتول أباه على الأصح في الروضة خلافا لما في الشرح الصغير لأنه مملوكه والسيد لا يقتل بمملوكه ( ولو قتل عبد عبدا ثم عتق القاتل أو ) جرح عبد عبدا ثم ( عتق ) الجارح ( بين الجرح والموت فكحدوث الإسلام ) لذمي قتل أو جرح
وحكمه كما سبق وهو عدم سقوط القصاص في القتل جزما وكذا في الجرح على الأصح
ولو أسلم الذمي أو عتق الرقيق عقب إرسال المسلم في الأول والحر في الثاني سهما وقبل الإصابة لا قصاص لأنه لم يساوه من أول الفعل
____________________
(4/17)
تنبيه لو قتل شخص عبدا من ثلاثة عتق أحدهم مبهما ثم خرجت قرعة العتق على المقتول بان أنه قتل حرا وكانت ديته لورثته وهل يجب على قاتله قصاص
قال القاضي ظاهر المذهب لا بخلاف ما لو قال لعبده أنت حر قبل جرح فلان إياك بيوم مثلا فإذا جرحه وسرى إلى النفس ومات فالصحيح وجوب القصاص وحكى الرافعي ذلك في باب العتق عن بعض الأصحاب وجزم به في التتمة
( ومن بعضه حر لو قتل مثله ) أي مبعضا سواء ازدادت حرية القاتل على حرية المقتول أم لا حرية بجزء رق وهو ممتنع ( وقيل إن لم تزد حرية القاتل وجب ) القصاص سواء أتساويا أم كانت حرية المقتول أكثر لتساويهما في الحرية والرق في الصورة الأولى ولأنه في الثانية مفضول والمفضول يقتل بالفاضل وأصل الخلاف قولا الحصر والإشاعة
أما إذا كانت حرية القاتل أكثر فلا قصاص قطعا لانتفاء المساواة ولم يرجح في الروضة وأصلها شيئا من الوجهين بل قالا إن الأول أصح عند المتأخرين والثاني أشهر عند المتقدمين وإذا لا يحسن التعبير بقيل بل التعبير بالأصح لقوة الخلاف والفضيلة في شخص لا تجبر النقص فيه ( و ) لهذا قال المصنف ( لا قصاص ) واقع ( بين عبد مسلم وحر ذمي ) لأن المسلم لا يقتل بالذمي والحر لا يقتل بالعبد ولا تجبر فضيلة كل منهما نقيصته ولو قتل ذمي عبدا ثم نقض العهد واسترق لا يجوز قتله وإن صار كفؤا له لأن الاعتبار بوقت الجناية ولم يكن مكافئا له ( ولا ) قصاص ( بقتل ولد ) للقاتل ( وإن سفل ) لخبر الحاكم و البيهقي وصححاه لا يقاد للابن من أبيه ولرعاية حرمته ولأنه كان سببا في وجوده فلا يكون سببا في عدمه
تنبيه لو حكم حاكم بقتل الحر بالعبد أو الأصل بالفرع نقض حكمه في الثاني دون الأول إلا إن أضجع الأصل فرعه وذبحه فلا ينقض حكمه لقول مالك بوجوب القصاص وشمل كلام المصنف الأب والأم والأجداد والجدات وإن علوا من قبل الأم والأب جميعا لأن الحكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه من ذكر كالنفقة وذكره الولد في مسائل الكفاءة يوهم أن الولد لا يكافىء أباه وصرح به بعضهم
لكن قال في البسيط إنه فاسد واستدل بأن الولد يكافىء العم وعمه يكافىء أباه ومكافىء المكافىء مكافىء
قال ابن الرفعة وقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم يدل عليه وهل يقتل بولده المنفي باللعان وجهان ويجريان في القطع بسرقة ماله وقبول شهادته له
قال الأذرعي والأشبه أنه يقتل به ما دام مصرا على النفي اه
والأوجه أنه لا يقتل به مطلقا للشبهة كما قاله غيره
( ولا ) قصاص ( له ) أي الولد على الوالد كأن قتل زوجة نفسه وله منها ولد أو قتل زوجة ابنه أو لزمه قود فورث بعضه ولده كأن قتل أبا زوجته ثم ماتت الزوجة وله منها ولد لأنه إذا لم يقتل بجنايته على ولده فلان لا يقتل بجنايته على من له في قتله حق أولى ( ويقتل ) الولد ( بوالديه ) بكسر الدال بخطه على لفظ الجمع وإن علوا أي بكل واحد منهم كغيرهم بل أولى وتقتل المحارم بعضهم ببعض
وقد صرح به في المحرر وأسقطه المصنف لأنه مفهوم مما ذكر
تنبيه يستثنى من إطلاق المصنف ما إذا قتل المكاتب أباه وهو يملكه كما مر وما إذا ورث القاتل القصاص كما سيأتي ويقتل العبد بعبد لوالده ولا يقتل الولد المسلم بالوالد الكافر
( ولو تداعيا ) قتيلا ( مجهولا ) نسبه ( فقتله أحدهما ) قبل تبين حاله فلا قصاص في الحال لأن أحدهما أبوه وقد اشتبه الأمر فهو كما لو اشتبه طاهر بنجس لا يستعمل أحدهما بغير اجتهاد بل يعرض على القائف ( فإن ألحقه القائف بالآخر اختص ) الآخر لثبوت أبوته وانقطاع نسبه عن القاتل فلو اشتركا في قتله وألحقه القائف بأحدهما اقتص من الآخر لأنه شريك الأب ( وإلا ) بأن لم يلحقه القائف بالآخر ( فلا ) يقتص لعدم ثبوت الأبوة
وأورد على مفهومه ما لو ألحقه بغيرهما فإنه يجب القصاص مع أنه يصدق أنه لم يلحقه بالآخر
وهو ظاهر إن قرىء أقتص بضم الهمزة فإن قرىء بكسرها فلا يرد
____________________
(4/18)
تنبيه كلامه قد يفهم أنه لو رجع القاتل عن الاستلحاق أنه لا يقتص الآخر منه وليس مرادا بل يقتص منه ولو رجعا عن تنازعهما لم يقبل رجوعهما لأنه صار ابنا لأحدهما وفي قبول الرجوع إبطال حقه من النسب هذا إن لم يكن لحوق الولد بأحدهما بالفراش بل بالدعوى كما هو الفرض
أما إذا كان بالفراش كأن وطئت امرأة بنكاح أو شبهة في عدة من نكاح وأتت بولد وأمكن كونه من كل منهما فلا يكفي رجوع أحدهما في لحوق الولد بالآخر وإنما يلحق به بالقائف ثم بانتسابه إليه إذا بلغ
( ولو قتل أحد أخوين ) شقيقين حائزين للميراث ( الأب و ) قتل ( الآخر الأم ) وكان زهوق روحهما ( معا ) سواء أكان بينهما زوجية أم لا ( فلكل ) منهما ( قصاص ) على أخيه الآخر لأنه قتل مورثه هذا يقتص بأبيه وهذا بأمه ولا يرث كل قاتل من قتيله شيئا والمعية والترتيب الآتي بزهوق الروح لا بالجناية وتعبير المصنف بالقتل يشير إليه فلو عفا أحدهما عن الآخر كان للمعفو عنه قتل العافي ( و ) إن لم يعف واحد منهما أو تنازعا في التقديم للقصاص فإنه ( يقدم ) له ( بقرعة ) إذ لا مزية لأحدهما على الآخر ويصح التوكيل في القصاص لمن خرجت قرعته لأنه يقتص له في حياته دون من لم تخرج قرعته لأن الوكالة تبطل بقتله فلو وكل كل منهما وكيلا قبل القرعة ليقتص له صح ثم يقرع بين الوكيلين وحين يقتص من أحدهما ينعزل وكيله لأن الوكيل ينعزل بموت موكله
قال البلقيني فلو اقتص الوكيلان معا فهل يقع الموقع لم أقف فيه على نقل والظاهر أن قتلهما وقع وهما معزولان من الوكالة لأن شرط دوام استحقاق الموكل قتل من وكل في قتله أن يبقى عند قتله حيا وهو مفقود في ذلك
أي فلا يقع الموقع فيجب على كل منهما دية ولا قصاص عليها كالوكيل إذا اقتص جاهلا بعد عفو الموكل فإن لم يتنازعا بل طلب أحدهما القصاص دون الآخر أجيب الطالب
تنبيه استثنى البلقيني من اشتراط القرعة صورتين
إحداهما إذا قطع كل منهما من مقتوله عضوا وماتا بالسراية معا فلكل منهما طلب قطع عضو الآخر حالة قطع عضوه
ثانيتهما لو قتلاهما معا في قطع الطريق فللإمام إن يقتلهما معا لأنه حد وإن غلب فيه معنى القصاص لكنه لا يتوقف على الطلب ( فإن اقتص بها ) أي القرعة ( أو ) اقتص ( مبادرا ) بلا قرعة ( فلوارث المقتص منه قتل المقتص ) بالقرعة أو المبادرة ( إن لم نورث قاتلا بحق ) وهو الأصح كما سبق في كتاب الفرائض أو ورثناه على المرجوح وكان هناك من يحجبه كأن يكون لذلك الأخ ابن فإن ورثناه ولم يكن هناك من يحجبه سقط القصاص عنه لأنه ورث القصاص المستحق على نفسه أو بعضه ( وكذا إن قتلا ) أي الأخوان ( مرتبا ) بأن تأخر زهوق روح أحدهما ( ولا زوجية ) حينئذ بين الأبوين فلكل منهما حق القصاص على الآخر
تنبيه قضية كلامه أنه يقدم بالقرعة وهو ما اعتمده البلقيني
ولكن الراجح كما نقله الإمام عن الأصحاب أنه يبدأ بالقاتل الأول لتقدم سببه مع تعلق الحق بالعين ولا يصح توكيل القاتل الأول في قتل أخيه لأنه إنما يقتل بعد قتله وبقتله تبطل الوكالة هذا ما نقله الروياني عن الأصحاب وهو المعتمد
ثم قال وعندي أن توكيله صحيح ولهذا لو بادر وكيله فقتل لم يلزمه شيء
لكن إذا قتل موكله بطلت الوكالة
فرع لو علم سبق دون عين السابق فمقتضى كلامه التوقف إلى البيان ويحتمل أن يقرع والأول أظهر
( وإلا ) بأن كانت الزوجية باقية بين الأبوين ( فعلى ) أي فالقصاص على القاتل ( الثاني فقط ) أي دون الأول لأنه إذا سبق قتل لم يرث منه قاتله ويرثه أخوه والأم وإذا قتل الآخر الأم ورثها الأول فتنتقل إليه حصتها من القصاص ويسقط باقيه ويستحق القصاص على أخيه ولو سبق قتل الأم سقط القصاص عن قاتلها واستحق قتل أخيه
( فروع الأول ) إخوة أربعة قتل الثاني أكبرهم ثم الثالث أصغرهم ولم يخلف القتيلان غير القاتلين فللثاني أن
____________________
(4/19)
يقتص من الثالث ويسقط القصاص عنه لما ورثه من قصاص نفسه وذلك لأنه لما قتل الأكبر صار القصاص للثالث والأصغر فإذا قتل الثالث الصغير ورث الثاني ما كان الأصغر يستحقه
الثاني من استحق قتل من يستحق قتله كأن قتل زيد ابنا لعمرو وعمرو ابنا لزيد وكل منهما منفرد بالإرث كان لكل منهما القصاص على الآخر لأن التقاص لا يجوز في القصاص
الثالث لو شهد اثنان على أبيهما بقتل قبلت شهادتهما وقتل بها لانتفاء التهمة بل ذلك أبلغ في الحجة وقيل لا تقبل الشهادة لنرتب القتل عليها كما أنه لا يقتل بقتل ولده
( ويقتل الجمع بواحد ) وإن تفاضلت جراحاتهم في العدد والفحش والأرش سواء أقتلوه بمحدد أم بغيره كأن ألقوه من شاهق أو في بحر لما روى مالك أن عمر رضي الله تعالى عنه قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة أي حيلة بأن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد وقال لو تمالأ أي اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا ولم ينكر عليه أحد فصار ذلك إجماعا ولأن القصاص عقوبة تجب على الواحد فيجب للواحد على الجماعة كحد القذف ولأنه شرع لحقن الدماء فلو لم يجب عند الاشتراك لكان كل من أراد أن يقتل شخصا استعان بآخر على قتله واتخذ ذلك ذريعة لسفك الدماء لأنه صار آمنا من القصاص
تنبيه إنما يعتد في ذلك بجراحة كل واحد منهم إذا كان مؤثرة في زهوق الروح فلا عبرة بخدشة خفيفة والولي يستحق دم كل شخص بكماله إذ الروح لا تتجزأ ولو استحق بعض دمه لم يقتل وقيل البعض بدليل أنه لو آل الأمر إلى الدية لم يلزمه شيء إلا بالحصة ولكن لا يمكن استيفاؤه إلا بالجميع فاستوفى لتعذره وأبطل الإمام القياس على الدية بقتل الرجل المرأة فإن دمه مستحق فيها وديتها على النصف ( وللولي العفو عن بعضهم على حصته من الدية ) وعن جميعهم على الدية
ثم إن كان القتل بجراحات وزعت الدية ( باعتبار ) عدد ( الرؤوس ) لأن تأثير الجراحات لا ينضبط وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة وإن كان بالضرب فعلى عدد الضربات لأنها تلاقي الظاهر ولا يعظم فيها التفاوت بخلاف الجراحات
تنبيه من اندملت جراحته قبل الموت لزمه مقتضاها دون قصاص النفس لأن القتل هو الجراحة السارية ولو جرحه اثنان متعاقبان وادعى الأول اندمال جرحه وأنكره الولي ونكل وحلف مدعي الاندمال سقط عنه قصاص النفس فإن عفا الولي عن الآخر لم يلزمه إلا نصف الدية إذ لا يقبل قول الأول عليه إلا أن تقوم بينة بالاندمال فيلزمه كمال الدية
قاعدة لا يقتص من شريك مخطىء أو شبه عمد ويقتص من شريك من امتنع قوده لمعنى فيه إذا تعمدا جميعا
وقد شرع في القسم الأول بقوله ( ولا يقتل شريك مخطىء وشبه عمد ) لأن الزهوق حصل بفعلين أحدهما يوجبه والآخر ينفيه فغلب المسقط كما إذا قتل المبعض رقيقا وفهم من نفيه القتل وجوب الدية فيجب على عاقلة غير المعتمد نصف الدية مخففة أو مثقلة وعلى المعتمد نصفها مغلظة سواء تعدد الجارح كما هنا أم اتحد كما سيأتي واستثنى الزركشي و الدميري و ابن قاسم ما لو قطع شخص طرف رجل عمدا ثم قطع آخر طرفه الثاني خطأ ثم سرى إلى نفسه ومات فعلى المعتمد القصاص وهو ممنوع فإن شريك المخطىء لا قصاص عليه
فإن قيل إنه يقتص من المعتمد في الطرف ولا قصاص على الطرف قاطع الآخر خطأ ولا قصاص عليهما في النفس للسراية إليها بجنايتين إحداهما خطأ والأخرى عمد
أجيب بأن هذا ممنوع أيضا لأنهم استثنوا ذلك من قول المصنف ولا يقتل شريك مخطىء وأما قصاص الطرف فهو ظاهر معلوم من كلامه فيما مر
ثم شرع في القسم الثاني من القاعدة المتقدمة بقوله ( ويقتل شريك الأب ) في قتل ولده وعلى الأب نصف الدية مغلظة وفارق شريك الأب شريك المخطىء بأن الخطأ شبهة في فعل الخاطىء والفعلان مضافان إلى محل واحد فأورث شبهة القصاص كما لو صدر من واحد وشبهة الأبوة في ذات الأب لا في الفعل وذات الأب متميزة عن ذات الأجنبي فلا تورث شبهة في حقه ( و ) يقتل ( عبد شارك حرا في )
____________________
(4/20)
قتل ( عبد و ) يقتل ( ذمي شارك مسلما في ) قتل ( ذمي ) ونحوه لأن كلا من العبد والذمي لو انفرد اقتص منه فإذا شاركه في العمدية من لا يقتص منه لمعنى فيه وجب أيضا كما لو رمى اثنان سهما إلى واحد ومات أحدهما قبل الإصابة فإنه يجب القصاص على الآخر
وكما لو كانا عامدين فعفا الولي عن أحدهما ( وكذا ) يقتل ( شريك حربي ) في قتل مسلم ( و ) كذا شريك ( قاطع قصاصا أو ) قاطع ( حدا ) كأن جرحه بعد القطع المذكور غير القاطع ومات بالقطع والجرح ( و ) كذا يقتل ( شريك ) جارح ( النفس ) كأن جرح الشخص نفسه وجرحه غيره فمات بهما ( و ) كذا شريك ( دافع الصائل ) كأن جرحه بعد دفع الصائل فمات بهما وكذا يقتل شريك صبي ومميز ومجنون له نوع تمييز في قتل من يكافئه وكذا يقتل شريك السبع والحية القاتلين غالبا في قتل من يكافئه وكذا يقتل عبد شارك سيدا في قتل عبده ( في الأظهر ) لحصول الزهوق فيما ذكر بفعلين عمدين وامتناع القصاص على الآخر لمعنى يخصه فصار كشريك الأب والثاني لا يقتل في الصور المذكورة لأنه شريك من لا يضمن فهو أخف حالا من شريك الخاطىء الذي فعله مضمون بالدية فإذا لم توجب القصاص على شريكه فهنا أولى ويفارق شريك الأب بأن فعله مضمون بخلافه هنا
تنبيه ما تقرر في مسألة شريك السبع والحية هو ما في الروضة وأصلها ووقع في تصحيح التنبيه للمصنف أنه لا يقتص منه مطلقا وجرى عليه صاحب الأنوار والأول هو ما نص عليه الشافعي في الأم ولو جرحه شخص خطأ ونهشته حية وسبع ومات من ذلك لزمه ثلث الدية كما لو جرحه ثلاثة نفر وخرج بالخطأ العمد فيقتص من صاحبه كما مر
( ولو جرحه ) أي واحد شخصا ( جرحين عمدا أو خطأ ) بالنصب على البدلية من جرحين ( ومات بهما أو ) جرحه جرحين مضمونا وغير مضمون كمن ( جرح حربيا أو مرتدا ) أو عبد نفسه أو صائلا ( ثم أسلم ) المجروح أو عتق العبد أو رجع الصائل ( وجرحه ) أي من ذكر بعد ذلك ( ثانيا ومات بهما ) بالجرحين أو جرح شخصا بحق كقصاص وسرقة ثم جرحه عدوانا أو جرح حربيا مثلا ثم أسلم في جرحه ثانيا فمات بالسراية ( لم يقتل ) ذلك الواحد أما في الأولى فلأن الزهوق لم يحصل بالعمد المحض فيجب نصف الدية المخففة على عاقلته ونصف الدية المغلظة في ماله وأما في باقي الصور فلأن الموت حصل بمضمون وغير مضمون فغلب مسقط القصاص كما مر ويثبت موجب الجرح الثاني من قصاص وغيره ولو وقعت إحدى الجراحتين بأمره لمن لا يميز كان الحكم كذلك كما قاله الزركشي لأنه كالآلة ( ولو داوى ) المجروح ولو بنائبه ( جرحه بسم مذفف ) أي قاتل في الحال كأن شربه أو وضعه على الجرح ( فلا قصاص ) ولا دية ( على جارحه ) في النفس لأن المجروح قتل نفسه فصار كما لو جرحه إنسان فذبح هو نفسه
أما الجرح فعلى الجارح ضمانه
تنبيه لو قال المصنف فلا ضمان في النفس كان أولى واستغنى عما قدرته في كلامه
وقضية إطلاقه أنه لا فرق بين أن يعلم المجروح حال السم أو لا
وبه صرح الماوردي و الروياني
( وإن لم يقتل ) ذلك ( السم غالبا فشبه ) أي فالمداواة به شبه ( عمد ) فلا قصاص على جارحه في النفس لأنه شريك لصاحب شبه عمد بل عليه نصف الدية المغلظة والقصاص في الطرف إن اقتضاه الجرح ( وإن قتل غالبا وعلم ) المجروح ( حاله فشريك جارح نفسه ) في أصح الطريقين وعليه القود في الأظهر كما سبق تنزيلا لفعل المجروح منزلة العمد ( وقيل ) هو ( شريك مخطىء ) لأنه قصد التداوى فأخطأ فلا قود على شريكه
وهذه الطريقة الثانية فلم يرد المصنف هنا بقيل حكاية وجه بل هو إشارة إلى هذه الطريقة وإن كان في ذلك خفاء
____________________
(4/21)
تنبيه قضية توجيه الثاني أنه لو قصد قتل نفسه ليستريح من الألم مثلا كان شريك قاتل نفسه قطعا وهو كذلك واحترز بقوله وعلم حاله عما إذا لم يعلم فلا قصاص جزما لأنه شريك مخطىء ولو خاط المجروح جرحه في لحم حي ولو تداويا خياطة تقتل غالبا ففي القصاص الطريقان بخلاف ما لو خاطه في لحم ميت فإنه لا أثر له ولا للجلد كما فهم بالأولى لعدم الإيلاء المهلك فعلى الجارح القصاص أو كمال الدية ولو خاطه غيره بلا أمر منه اقتص منه ومن الجارح وإن كان الغير إماما لتعديه مع الجارح فإن خاطه الإمام لصبي أو مجنون لمصلحة فلا قصاص عليه بل تجب دية مغلظة على عاقلته نصفها ونصفها الآخر في مال الجارح ولا قصاص عليه ولو قصد المجروح أو غيره الخياطة في لحم ميت فوقع في لحم حي فالجارح شريك مخطىء وكذا لو قصد الخياطة في الجلد فوقع في اللحم والكي فيما ذكر كالخياطة فيه ولا أثر لدواء لا يضر ولا اعتبار بما على المجروح من قروح ولا بما به من مرض وضنى
قال الرافعي لأن ذلك لا يضاف إلى أحد ولا يدخل تحت الاختيار
( ولو ) ضربوه بسياط مثلا ( فقتلوه وضرب كل واحد ) منهم لو انفرد ( غير قاتل ففي القصاص عليهم أوجه ) أحدها يجب على الجميع القصاص كيلا يصير ذريعة إلى القتل
والثاني لا يجب على واحد منهم لأن فعل كل واحد شبه عمد والثالث وهو ( أصحها يجب ) عليهم ( إن تواطؤوا ) أي اتفقوا على ضربه تلك الضربات وكان ضرب كل واحد يؤثر في الزهوق بخلاف ما إذا وقع اتفاقا بل تجب عليهم الدية باعتبار عدد الضربات لأنها تلاقي ظاهر البدن فلا يعظم فيها التفاوت بخلاف الجراحات ويخالف الجراحات حيث لا يعتبر فيها التواطؤ لأن نفس الجرح يقصد به الإهلاك بخلاف الضرب بالسوط واحترز بقوله وضرب كل واحد غير قاتل عما لو كان قاتلا فإن عليهم القصاص مطلقا ولو ضربه واحد ضربا يقتل كأن ضربه خمسين سوطا ثم ضربه الآخر سوطين أو ثلاثة حال الألم من ضرب الأول عالما بضربه اقتص منهما لظهور قصد الإهلاك منهما أو جاهلا به فلا قصاص على واحد منهما لأنه لم يظهر قصد الإهلاك من الثاني والأول شريك فعلى الأول حصة ضربه من دية العمد وعلى الثاني حصة ضربه من دية شبهه وإن ضرباه بالعكس فلا قصاص على واحد منهما لأن ضرب الأول شبه عمد والثاني شريكه بل يجب على الأول حصة ضربه من دية شبه العمد والثاني حصة ضربه من دية العمد ( ومن قتل جمعا ) أو قطع أطرافهم مثلا ( مرتبا قتل ) أو قطع ( بأولهم ) إن لم يعف لسبق حقه
تنبيه شمل كلامه ما إذا كان القاتل حرا أو عبدا وهو كذلك
وقيل إن كان عبدا قتل بجميعهم فإن عفا الأول قتل بالثاني وهكذا والاعتبار في التقديم والتأخير بوقت الموت لا بوقت الجناية
( أو معا ) أي دفعة كأن جرحهم أو هدم عليهم جدارا فماتوا في وقت واحد أو أشكل أمر المعية والترتيب أو علم سبق ولم يعلم عين السابق فبالقرعة وجوبا
وقيل ندبا قطعا للنزاع فمن خرجت قرعته قتل أو قطع به وليس لولي الثاني أن يجبر ولي الأول على المبادرة إلى القصاص أو العفو بل حقه على التراخي ( وللباقين ) من المستحقين ( الديات ) لتعذر القصاص عليهم كما لو مات الجاني فإن اتسعت التركة لجميعهم فذاك وإلا قسمت بين الجميع بحسب استحقاقهم
تنبيه قضية كلامه تعين القرعة وليس مرادا بل لو تراضوا بتقديم واحد بلا قرعة جاز إذ الحق لا يعدوهم فإن بدا لهم ردوا إليها قاله الإمام وأقراه ولو طلبوا الاشتراك في القصاص والديات لم يجابوا لذلك ولو كان ولي القاتل الأول أو بعض أولياء القتلى صبيا أو مجنونا أو غائبا حبس القاتل إلى بلوغه وإفاقته وقدومه
( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( فلو قتله غير الأول ) من المستحقين في الأولى أو غيره من خرجت قرعته منهم في الثانية ( عصى ) لأنه قتل نفسا منع من قتلها وعزر لإبطال حق غيره ( ووقع ) قتله ( قصاصا ) لأن حقه يتعلق به بدليل ما لو عفا الأول فإنه ينتقل إلى من بعده ( وللأول ) أو من خرجت قرعته ( دية ) يعني وللباقين الديات ( والله أعلم ) لتعذر
____________________
(4/22)
القصاص عليهم بغير اختيارهم ولو قتلوه كلهم أساءوا ووقع القتل موزعا عليهم ورجع كل منهم بالباقي له من الدية فلو كانوا ثلاثة أخذ كل واحد منهم ثلث حقه وله ثلثا الدية ولو قتله أجنبي وعفا الوارث على مال اختص بالدية ولي القتيل الأول وهل المراد دية القتيل أو القاتل وحكى المتولي فيه وجهين وفائدتهما فيما لو اختلف قدر الديتين فعلى الثاني لو كان القتيل رجلا والقاتل امرأة وجب خمسون من الإبل وفي العكس مائة والأوجه الوجه الأول كما دل عليه كلامهم في باب العفو عن القود
فصل في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت بعصمة أو حرية أو إهدار أو بقدر المضمون به إذا ( جرح ) مسلم أو ذمي ( حربيا أو مرتدا ) وزاد على المحرر ( أو عبد نفسه فأسلم ) الحربي أو المرتد أو أمن الحربي ( وعتق ) العبد ( ثم مات بالجرح ) أي بسرايته ( فلا ضمان ) بمال ولا قصاص لأن الجرح السابق غير مضمون ( وقيل تجب دية ) مخففة اعتبارا بحال استقرار الجناية والمراد دية حر مسلم كما سيأتي في المسألة عقبها
قاعدة كل جرح أوله غير مضمون لا ينقلب مضمونا بتغير الحال في الانتهاء وإن كان مضمونا في أوله فقط فالنفس هدر ويجب ضمان تلك الجناية وإن كان مضمونا في الحالين اعتبر في قدر الضمان الانتهاء ويعتبر في القصاص المكافأة من الفعل إلى الانتهاء
( و ) حينئذ ( لو رماهما ) أي نوع المكافر بصفتين من حرابة وردة ونوع عبد نفسه ( فأسلم ) الحربي أو المرتد أو أمن الحربي ( وعتق ) العبد ثم أصابه السهم ( فلا قصاص ) قطعا لعدم المكافأة في أول أجزاء الجناية ( والمذهب وجوب دية مسلم ) اعتبارا بحال الإصابة لأنها حال اتصال الجناية والرمي كالمقدمة التي يتسبب بها إلى الجنابة كما لو حفرا بئرا عدوانا وهناك حربي أو مرتد فأسلم ثم وقع فيها فإنه يضمنه وإن كان السبب مهدرا وقيل لا يجب اعتبارا بحال الرمي وهو مذهب أبي حنيفة فإنه الداخل تحت الاختيار والخلاف مرتب في الشرح على الخلاف فيما إذا أسلم وعتق بعد الجرح وأولى منه بالوجوب وكان تعبير المصنف فيه بالمذهب لذلك وعبد نفسه أولى بالضمان لأنه معصوم مضمون بالكفارة وسكت عنه لأنه زاده على المحرر كما مر فكان ينبغي أن يقول مسلم أو حر وأن يقول رماهم ليعود للثلاثة قبله وكان يستغنى عن التأويل والتقدير السابقين والأصح وجوب الدية ( مخففة ) مضروبة ( على العاقلة ) لأنها دية خطأ كما رمى إلى صيد فأصاب آدميا وهذا ما جزم به في المحرر وقيل دية شبه عمد وقيل عمد وعكس هذا وهو لو جرح حربي مسلما ثم أسلم الجارح أو عقدت له ذمة ثم مات المجروح فلا ضمان على الصحيح في زيادة الروضة ( ولو ارتد ) المسلم ( المجروح ومات بالسراية ) مرتدا وجارحه غير مرتد ( فالنفس هدر ) لا قود فيها ولا دية ولا كفارة سواء أكان الجارح الإمام أم غيره ولأنه لو قتل حينئذ مباشرة لم يجب فيه شيء فكذا بالسراية أما إذا كان جارحه مرتدا فإنه يجب عليه القصاص كما مر ( و ) لكن ( يجب قصاص الجرح ) إن كان مما يوجب القصاص كالموضحة وقطع الطرف ( في الأظهر ) لأن القصاص في الطرف منفرد عن القصاص في النفس فهو كما لو لم يسر والثاني المنع لأن الجراحة صارت نفسا مهدرة فكذا الطرف واحترز بالسراية عما لو قطع يد مسلم فارتد واندملت يده فله القصاص وإن مات قبل استيفائه ( يستوفيه قريبه المسلم ) لأن القصاص للتشفي حتى لو كان القريب ناقصا انتظروا كماله ليستوفي
تنبيه لو عبر بالوارث أو لا الردة بدل القريب الشامل لغير الوارث لكان أولى ( وقيل ) ونسبه ابن كج وغيره للأكثر يستوفيه ( الإمام ) لأن المرتد لا وارث له فيستوفيه الإمام كما يستوفي قصاص من لا وارث له وعلى
____________________
(4/23)
الأول يجوز أن يعفو قريبه عن مال يأخذه الإمام وما تقدم هو فيما إذا اقتضى الجرح قصاصا كما مر ( فإن اقتضى الجرح ) للمرتد ( مالا ) كهاشمة وقطع طرف خطأ ( وجب أقل الأمرين من أرشه ) أي الجرح ( ودية ) النفس لأنه المتيقن فإن كان الأرش أقل كجائفة لم يزد بالسراية في الردة شيء وإن كانت دية النفس أقل كأن قطع يديه ورجليه ثم ارتد ومات لم يجب أكثر منهما لأنه لو مات مسلما بالسراية لم يجب أكثر منهما فههنا أولى ( وقيل ) وجب ( أرشه ) بالغا ما بلغ ولو زاد على الدية ففي قطع يديه ورجليه ديتان
تنبيه الواجب على القول بأنه فيء لا يأخذ الوارث منه شيئا ( وقيل ) هذا الجرح ( هدر ) ضمان لأن الجراحة إذا سرت صارت قتلا وصارت الأطراف تابعة للنفس والنفس مهدرة فكذلك ما يتبعها هذا كله إذا طرأت الردة بعد الجرح فلو طرأت بعد الرمي وقبل الإصابة فلا ضمان باتفاق لأنه حين جنى عليه كان مرتدا ( ولو ارتد ) المجروح ( ثم أسلم فمات بالسراية فلا قصاص ) في الأصح مطلقا لأنه انتهى إلى حالة ومات فيها لم يجب القصاص فصار شبهة دارئة للقصاص ( وقيل ) وهو قول منصوص في الأم ( إن قصرت الردة ) أي زمنها بأن لم يمض في الردة زمن يسري فيه الجرح ( وجب ) القصاص لأنها إذا قصرت لم يظهر فيها أثر السراية فإن طال لم يجب قطعا ( وتجب ) على الأول ( الدية ) بكمالها في ماله لوقوع الجرح والموت وفي حالة العصمة ( وفي قول نصفها ) توزيعا على حالتي العصمة والإهدار وفي ثالث ثلثاها توزيعا على الأحوال الثلاثة حالتي العصمة وحالة الإهدار
تنبيه محل الخلاف عند الجمهور إذا طالت المدة وإلا فيقطع بكمالها ( ولو جرح مسلم ذميا فأسلم أو ) جرح ( حر عبدا ) مسلما لغيره ( فعتق ومات بالسراية فلا قصاص ) على الجارح في الصورتين لأنه لم يقصد بالجناية من يكافئه فكان شبهة ( وتجب دية ) حر ( مسلم ) لأنه كان مضمونا في الابتداء وفي الانتهاء حر مسلم فإن كان العبد كافرا وجب دية حر كافر وخرج بالسراية ما لو اندمل الجرح ثم مات فإنه يجب أرش الجناية ويكون الواجب في العبد لسيده فلو قطع يديه مثلا لزمه كمال قيمته سواء كان العتق قبل الاندمال أم بعده ( وهي ) أي دية العتيق إذا مات سراية ولم يكن لجرحه أرش مقدر ( لسيد العبد ) ساوت قيمته أو نقصت عنها لأنه قد استحق هذا القدر بهذه الجناية الواقعة في ملكه ولا يتعين حقه فيها بل للجاني العدول لقيمتها وإن كانت الدية موجودة فإذا تسلم الدراهم أجبر السيد على قبولها وإن لم يكن له مطالبة إلا بالدية ( فإن زادت ) دية العبد ( على قيمته فالزيادة لورثته ) لأنها وجبت بسبب الحرية ( ولو ) كان لجرحه أرش مقدر كأن ( قطع يد عبد ) أو فقأ عينه ( فعتق ثم مات بسراية ) وأوجبنا كمال الدية كما مر ( فللسيد الأقل من الدية الواجبة و ) من ( نصف قيمته ) وهو أرش العضو الذي تلف في ملكه لو اندملت الجراحة لأن السراية لم تحصل في الرق حتى يعتبر في حق السيد فإن كان كل الدية أقل فلا واجب غيره وإن كان نصف القيمة أقل فهو أرش الجناية الواقعة في ملكه
تنبيه لو عبر بأرش القطع بدو نصف القيمة كان أعم ( وفي قول ) للسيد ( الأقل من الدية و ) من ( قيمته ) لأن السراية حصلت بجناية مضمونة للسيد فلا بد من النظر إليها في حقه فيقدر موته رقيقا وموته حرا ويجب للسيد أقل العوضين فإن كانت الدية أقل فليس على الجاني غيرها ومن إعتاق السيد جاء النقصان وإن كانت القيمة أقل فالزيادة وجبت بسبب الحرية فليس للسيد إلا قدر القيمة الذي يأخذه لو مات رقيقا ( ولو قطع )
____________________
(4/24)
شخص ( يده ) أي العبد ( فعتق فجرحه آخران ) مثلا كأن قطع أحدهما يده الأخرى والآخر إحدى رجليه ( ومات بسرايتهم ) الحاصلة من قطعهم ( فلا قصاص على الأول إن كان حرا ) لعدم المكافأة حال الجناية ( ويجب على الآخرين ) قصاص الطرف قطعا وقصاص النفس على المذهب لأنهما كفاءان وسقوطه عن الأول لمعنى فيه فأشبه شريك الأب
تنبيه سكت المصنف عن الدية فيما إذا عفا عن الآخرين ويجب حينئذ دية حر موزعة على الجنايات الثلاث كل واحد ثلثها لأن جرحهم صار قتلا بالسراية ولا حق للسيد فيما يجب على الآخرين وإنما يتعلق بما يؤخذ من الجاني عليه في الرق لأنه الجاني على ملكه والآخران جنيا على حر وفيما يستحقه منه القولان في الصورة المذكورة قبلها فعلى الأول للسيد أقل الأمرين من ثلث الدية ومن أرش القطع في ملكه وهو نصف القيمة وعلى الثاني أقل الأمرين من ثلث الدية وثلث القيمة
قال ابن شهبة وقد وقع هنا لابن الملقن في شرحيه وهم وجرى عليه الأذرعي فاحذره اه
تتمة لو قطع حر يد عبد فعتق فحز آخر رقبته بطلت السراية فعلى الأول نصف القيمة للسيد وعلى الثاني القصاص أو الدية كاملة للوارث فإن قطع الثاني يده الأخرى بعد العنق ثم حزت رقبته فإن حزها ثالث بطلت سراية القطعين فعلى الأول نصف القيمة للسيد وعلى الثاني القصاص في اليد أو نصف الدية للوارث وعلى الثالث القصاص في النفس أو الدية كاملة للوارث وإن حزه القاطع أولا قبل الإندمال لزمه القصاص في النفس فإن قتل به سقط حق السيد وإن عفا عنه الوارث وجبت الدية وللسيد منها الأقل من نصفها ونصف القيمة أو حزه بعد الاندمال فعليه نصف القيمة للسيد وقصاص النفس أو الدية كاملة للوارث وعلى الثاني نصف الدية وإن حزه الثاني قبل الإندمال أو بعده فلا يخفى الحكم
فصل في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني وفي إسقاط الشجاع وغير ذلك ( يشترط لقصاص الطرف ) وهو بفتح الراء ما له حد ينتهي إليه كأذن ويد ورجل ( و ) لقصاص ( الجرح ) بضم الجيم ولغيرهما مما دون النفس ( ما شرط للنفس ) من كون الجاني مكلفا ملتزما وكونه غير أصل للمجني عليه وكون المجني عليه معصوما ومكافئا للجاني ولا يشترط التساوي في البدل كما لا يتشرط في قصاص النفس فيقطع العبد بالعبد والمرأة بالرجل وبالعكس والذمي بالمسلم والعبد بالحر ولا عكس وكون الجناية عمدا عدوانا ومن أنه لا قصاص إلا في العمد لا في الخطأ وشبه العمد
ومن صور الخطأ أن يقصد أن يصيب حائطا بحجر فيصيب رأس إنسان فيوضحه ومن صور شبه العمد أن يضرب رأسه بلطمة أو بحجر لا يشج غالبا لصغره فيتورم الموضع إلى أن يتضح العظم
تنبيه مراد المصنف إلحاق ذلك بالنفس في الجملة وإلا لو رد عليه بالعصا الخفيفة فإنه عمد في الشجاع لأنه يوضح غالبا وهو شبه عمد في النفس لأنه لا يقتل غالبا كما حكاه الرافعي عن التهذيب وغيره وجزم به في الروضة وما إذا كان الحجر مما يوضح غالبا فأوضح به وجب قصاص الموضحة ولو مات منها لم يجب قصاص النفس كما في الشامل عن الشيخ أبي حامد وقيده الماوردي بما إذا مات في الحال بلا سراية وإلا فيوجبه فيها أيضا وهو حسن
وما إذا قطع السيد طرف مكاتبه فإنه يضمنه ولا يضمنه إذا قتله لأن الكتابة تبطل بالموت فيموت على ملك مكاتبه ولا تبطل بقطع طرفه وأرشه كسب له فيدفع ذلك له وهذه المسألة لا نظير لها وكان ينبغي للمصنف أن يزيد بعد قوله ما شرط للنفس عند التساوي في الصحة لئلا يرد عليه الطرف الأشل فإنه لا يقطع السليم به وإن كان كامل الخلق يقتل بالزمن والمقطوع
( و ) تقطع الأيدي الكثيرة باليد الواحدة كما ( لو ) اشترك جمع في قطع كأن ( وضعوا سيفا ) مثلا ( على يده ) أي المجني عليه ( وتحاملوا عليه دفعة ) أي اليد بتأويل العضو وفي بعض النسخ
____________________
(4/25)
عليها ويدل له قوله ( فأبانوها قطعوا ) كلهم أو تعمدوا كما في النفس
فإن قيل لو سرى رجلان نصابا واحدا لم يقطعا فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن القطع حق الله تعالى والحدود بالمساهلات أحق بخلاف القصاص الذي هو حق آدمي
واحترز بقوله وتحاملوا عليه دفعة عما لو تميز فعل بعضهم عن بعض كأن قطع كل منهم من جانب والتقت الحديدتان
وبقوله وأبانوها عما لو أبان كل منهم بعض الطرف أو تعاونوا على قطعه بمنشار جره بعضهم في الذهاب وبعضهم في العود فإنه لا قود على أحد في الأولى خلافا لصاحب التقريب ولا في الثانية عند الجمهور لتعذر المماثلة لاشتمال المحل على أعصاب ملتفة وعروق ضاربة وساكنة مع اختلاف وضعها في الأعضاء بل على كل منهم حكومة تليق بجنايته بحيث يبلغ مجموع الحكومات دية اليد كما بحثه الرافعي وتبعه المصنف ( وشجاج ) مجموع ( الرأس والوجه ) بكسر المعجمة جمع شجة بفتحها وهي جرح فيهما أما في غيرهما فيسمى جرحا لا شجة ( عشر ) دليله استقراء كلام العرب
ثم بدأ بأول الشجاج بقوله ( حارصة ) بمهملات ( وهي ما شق الجلد قليلا ) كالخدش مأخوذ من قولهم حرص القصار الثوب إذا شقه بالدق
وتسمى أيضا القاشرة بقاف وشين معجمة والحرصة والحريصة ( ودامية ) بمثناة تحتية خفيفة وهي التي ( تدميه ) بضم أوله أي الشق من غير سيلان دم فإن سال فدامعة بعين مهملة
وبهذا الاعتبار تكون الشجاج أحد عشر كما سيأتي ( وباضعة ) بموحدة ومعجمة مكسورة ثم عين مهملة وهي التي ( تقطع ) أي تشق ( اللحم ) الذي بعد الجلد شقا خفيفا من البضع وهو القطع ( ومتلاحمة ) بمهملة وهي التي ( تغوص فيه ) أي اللحم ولا تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم
سميت بذلك تفاؤلا بما تؤول إليه من الالتحام وتسمى أيضا الملاحمة ( وسمحاق ) بسين مكسورة وحاء مهملتين وهي التي ( تبلغ الجلد التي بين اللحم والعظم ) سميت بذلك لأن تلك الجلدة يقال لها سمحاق الرأس مأخوذة من سماحيق البطن وهي الشحم الرقيق وقد تسمى هذه الشحمة الملطاء والملطاة واللاطية ( وموضحة ) وهي التي ( توضح ) أي تكشف ( العظم ) بحيث يقرع بالمرود وإن لم يشاهد العظم من أجل الدم الذي يستره حتى لو غرز إبرة في رأسه ووصلت إلى العظم كان إيضاحا ( وهاشمة ) وهي التي ( تهشمه ) أي تكسره سواء أوضحته أم لا ( ومنقلة ) بكسر القاف المشددة أفصح من فتحها وتسمى أيضا المنقولة وهي التي ( تنقله ) بالتخفيف والتشديد من محل إلى آخر سواء أوضحته وهشمته أو لا ( ومأمومة ) بالهمز جمعها مآميم كمكاسير وتسمى أيضا آمة وهي التي ( تبلغ خريطة الدماغ ) المحيطة به وهي أم الرأس ( ودامغة ) بمعجمة وهي التي ( تخرقها ) أي خريطة الدماغ وتصل إليه وهي مذففة غالبا
تنبيه أفهم كلامه أن جميع هذه الشجاج تتصور في الوجه وهو ظاهر في الجبهة ويتصور ما عدا المأمومة والدامغة في خد وقصبة أنف ولحي أسفل وسائر البدن وهذه العشرة هي المشهورة وزاد أبو عبيد الدامعة بالعين المهملة بعد الدال ولذلك عدها الماوردي أحد عشر
( ويجب القصاص ) من هذه العشرة ( في الموضحة فقط ) لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها
وأما غيرها فلا يؤمن الزيادة والنقصان في طول الجراحة وعرضها ولا يوثق باستيفاء المثل ولذلك لا يجب القصاص في كسر العظام ( وقبل ) يجب في الموضحة ( وفيما قبلها ) من الشجاع أيضا ( سوى الحارصة ) فلا يجب القصاص فيها جزما وهي الدامية والباضعة والمتلاحمة والسمحاق لإمكان الوقوف على نسبة المقطوع في الجملة
تنبيه استثناء الحارصة مما زاده المصنف على المحرر
قال في الدقائق ولا بد منه فإن الحارصة لا قصاص فيها قطعا وإنما الخلاف في غيرها اه
وفي الكفاية أن كلام جماعة يفهم خلافا فيها
وقال في المطلب إن كلام الشافعي في المختصر
____________________
(4/26)
يقتضي القصاص فيها وعلى هذا فلا يحتاج إلى استيفائها ( ولو أوضح في باقي البدن ) كأن كشف عظم الصدر أو العتق أو الساعد أو الأصابع ( أو قطع بعض مارن ) وهو بكسر الراء ما لان من الأنف ( أو ) قطع بعض ( أذن ) أو شفة ولسان أو حشفة ( ولم يبنه وجب القصاص في الأصح ) وفي الروضة كأصلها الأظهر
أما في الإيضاح فلقوله تعالى { والجروح قصاص } ولما مر في الموضحة ووجه عدم الوجوب فيه القياس على الأرش فإنه لا أرش فيه مقدر ونقضه الأول بالأصبع الزائدة فإنه يقتص بمثلها ولا أرش لها مقدر وكذا الساعد بلا كف واليد الشلاء وهذا عكس الجائفة فإن لها أرشا مقدرا ولا قصاص فيها
وأما في القطع فلتيسر اعتبار الممائلة وبقدر المقطوع بالجزئية كالثلث والربع ويستوفي من الجاني مثله لا بالمساحة لأن الأطراف المذكورة تختلف كبرا وصغرا بخلاف الموضحة كما سيأتي
ووجه عدم الوجوب فيما ذكر القياس على المتلاحمة
تنبيه اقتصار المصنف على بعض المارن والأذن يقتضي انتفاء القصاص في بعض الكوع ومفصل الساق من القدم إذا لم يبنه وهو الأظهر لعدم تحقق الممائلة في قطعه لكن يرد عليه بعض الشفة واللسان والحشفة فإن إبانتها كبعض الأذن كما قدرته في كلامه وقد يفهم كلامه أنه إذا أبان ما ذكر لا يكون كذلك وليس مرادا بل الصحيح الوجوب
وقد يفهم أيضا طرد الخلاف فيما إذا بقي المقطوع معلقا بجلدة فقط والمجزوم في الروضة وأصلها أنه يجب القصاص أو كمال الدية لأنه أبطل فائدة العضو ثم إذا انتهى القطع في القصاص إلى تلك الجلدة حصل القصاص ثم يراجع أهل الخبرة في تلك الجلدة ويفعل فيها المصلحة من قطع أو ترك
قال في الروضة ولا قصاص في إطار شفة بكسر الهمزة وتخفيف المهملة وهو المحيط بها إذ ليس له حد مقدر اه
وهذا هو المعتمد كما جرى عليه ابن المقري وإن قال الإسنوي أنه غلط وصوابه هنا السه بمهملة بعدها هاء بلا فاء وهو حلقة الدبر لأن المحيط بها لا حد له
قال وهي كذلك في نسخ الرافعي الصحيحة اه
وعلى الأول هما مسألتان لا قصاص في كل منهما
( ويجب ) القصاص ( في القطع من مفصل ) لانضباطه وهو بفتح ميمه وكسر صاده واحد مفاصل الأعضاء موضع اتصال عضو بآخر على مقطع عظمين برباطات واصلة بينهما إما مع دخول أحدهما في الآخر كالركبة أولا كالكوع ( حتى في أصل فخذ ) وهو ما فوق الورك ( ومنكب ) وهو مجمع ما بين العضد والكتف ( إن أمكن ) القصاص فيهما ( بلا إجافة ) وهي جرح ينفذ إلى جوف كما سيأتي لإمكان المماثلة ( وإلا ) أي وإن لم يمكن إلا بها ( فلا ) يجب القصاص ( على الصحيح ) سواء أجافه الجاني أم لا لأن الجوائف لا تنضبط ضيقا وسعة وتأثيرا ونكاية ولذلك امتنع القصاص فيها والثاني يجب إن أجافه الجاني وقال أهل النظر يمكن أن يقطع ويجاف مثل تلك الجائفة لأن الجائفة هنا نابعة
تنبيه محل الخلاف إذا لم يمت بالقطع فإن مات به قطع الجاني وإن لم يمكن بلا إجافة كما سيأتي إيضاحه ( ويجب ) القصاص ( في فقء عين ) أي تعويرها بعين مهملة ( وقطع أذن وجفن ) وهو بفتح الجيم وحكي كسرها غطاء العين من فوق ومن أسفل ( ومارن ) وتقدم ضبطه ( وشفة ) بفتح الشين سفلى أو عليا وأصلها شفهة بدليل جمعها على شفاه ( ولسان ) ويذكر ويؤنث ( وذكر وأنثيين ) وإن لم يكن لها مفاصل لأن لها نهايات مضبوطة فألحقت بالمفاصل
تنبيه شمل إطلاقه وجوب القصاص بقطع الأذن مالوردها في حرارة الدم والتصقت وهو كذلك لأن الحكم متعلق بالإبانة وقد وجدت والمراد بالأنثيين البيضتان
وأما الخصيتان فالجلدتان اللتان فيهما البيضتان قاله ابن السكيت ( وكذا أليان ) بهمزة مفتوحة ومثناة تحتية تثنية إلية وفي لغة قليلة إليتان بزيادة التاء المثناة من فوق وهم اللحمان الناتئان بين الظهر والفخذ ( وشفران ) وهما بضم الشين المعجمة تثنية شفر وهو حرف الفرج اللحم
____________________
(4/27)
المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم وشفر كل شيء حرفه
وأما شفر العين فمنبت هدبها وحكي فيه الفتح يجب القصاص فيهما ( في الأصح ) لما مر والثاني المنع لأنه لا يمكن استفاؤها إلا بقطع غيرها
تنبيه قد يفهم كلامه أنه لا خلاف فيما قبل الأليين وليس مرادا بل هو جار في الشفة واللسان لكنه ضعيف فيهما ولهذا عبر في الروضة فيهما بالصحيح وفي الأليين والشفرين بالأصح
( ولا قصاص في كسر عظام ) لعدم الوثوق بالمماثلة لأن الكسر لا يدخل تحت الضبط وسيأتي الكلام في السر ( وله ) أي المجني عليه بكسر عظم مع الإبانة ( قطع أقرب مفصل إلى ) أسفل ( موضع الكسر ) لأن فيه تحصيل استيفاء بعض الحق والميسور لا يسقط بالمعسور ( و ) له ( حكومة الباقي ) لأنه لم يأخذ عوضا عنه فلو كسر ذراعه اقتص في الكف وأخذ الحكومة لما زاد وله العفو عن الجناية ويعدل إلى المال كما في الروضة كأصلها
تنبيه في كلامه أمور أحدها قوله أقرب مفصل يفهم اعتبار اتحاد وليس مرادا فلو كسر العظم من نفس الكوع كان له التقاط الأصابع وإن تعددت المفاصل كما جزما به في الروضة وأصلها
ثانيها قضيته أنه إذا كسر عظم العضد لا يمكن من قطع الكوع وسيأتي في كلامه أن له ذلك على الأصح ثالثها أنه لو أطلق ذلك وقيده البلقيني بأن يحصل بالكسر انفصال العضو كما قدرته في كلام المصنف
قال ويدل عليه قوله بعد ولو كسر عضده وأبانه
قال فلو حصل الكسر من غير انفصال فليس له أن يقطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر ( ولو أوضحه وهشم أوضح ) المجني عليه الجاني لإمكان القصاص في الموضحة ( وأخذ ) منه ( خمسة أبعرة ) عن أرش الهشم لتعذر القصاص فيه ( ولو أوضح ونقل ) العظم ( أوضح ) المجني عليه لما مر ( وله عشرة أبعرة ) أرش التنقيل المشتمل على الهشم لتعذر القصاص فيما ذكر
تنبيه لو أوضح وأم أوضح لما مر وأخذ بين الموضحة والمأمومة وهو ثمانية وعشرون بعيرا وثلث لأن في المأمومة ثلث الدية كما سيأتي
( ولو قطعه ) أي كفه ( من الكوع ) وكف الجاني والمجني عليه كاملتان ( فليس له ) ترك الكف و ( التقاط أصابعه ) لأنه قادر على محل الجناية ومهما أمكنه المماثلة لا يعدل عنها بل لو طلب قطع أنملة واحدة لم يمكن من ذلك فإن كانت كف المجني عليه ناقصة أصبعا مثلا لم تقطع السليمة بها وله أن يلتقط أربع أصابع منها كما سيأتي في الباب عقب هذا والكوع بضم الكاف ويقال له أيضا الكاع وهو العظم الذي في مفصل الكف يلي الإبهام وما يلي الخنصر كرسوع وأما البوع فهو العظم الذي عند أصل الإبهام من الرجل بكسر الراء ومنه قولهم لا يعرف كوعه من بوعه أي لا يدري من غباوته ما اسم العظم الذي عند إبهام يده من الذي عند إبهام رجله وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب صفة الصلاة
وأما الباع فهو ما بين طرفي يدي الإنسان إذا مدهما يمينا وشمالا ( فإن فعله ) أي قطع الأصابع ( عزر ) وإن قال لا أطلب للباقي قصاصا ولا أرشا لعدوله عن المستحق
نعم إن كان ممن يخفى عليه ذلك ينبغي أنه لا يعزر ( ولا غرم ) لأنه يستحق إتلاف الجملة فلا يلزمه بإتلاف البعض غرم ( والأصح أن له قطع الكف بعده ) لأنه مستحق كما أن مستحق النفس لو قطع يد الجاني له أن يعود ويحز رقبته فإن قيل قد قالوا أنه لو قطعه من نصف ساعده فلقط أصابعه لا يمكن من قطع كفه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه ثم بالتمكين لا يصل إلى تمام حقه بخلافه هنا والثاني المنع لأن فيه زيادة ألم آخر وعلى الأول لو ترك قطع الكف وطلب حكومتها لم يجب لذلك
لأن حكومة الكف تدخل في دية الأصابع وقد استوفى الأصابع المقابلة بالدية فأشبه ما لو قطع مستحق النفس يدي الجاني ثم عفا عن حز الرقبة وطلب الدية لم يجب إليها لأنه قد استوفى ما يقابلها وقد يشكل هذا على ما يأتي في الباب الآتي من أنه لو قطع كامل الأصابع يدا ناقصة أصبعا فإن المصنف قال هناك فإن شاء المقطوع أخذ دية أصابع الأربع
____________________
(4/28)
وإن شاء لقطها والأصح أن حكومة منابتهن تجب إن لقط لا إن أخذ ديتهن وعلل بأن الحكومة من جنس الدية بخلاف القصاص فإنه ليس من جنسها فدخلت فيها دونه وقد يجاب بأنه هنا متمكن من استيفاء حقه بخلافه فيما سيأتي ولو قطع يده من المرفق فرضي عنها بكف وأصبع لم يجز لعدوله عن محل الجناية مع القدرة عليه فإن قطعها من الكوع عزر ولا غرم عليه لما مر وهدر الباقي فليس له قطعة ولا طلب حكومته لأنه بقطعه من الكوع ترك بعض حقه وقنع ببعضه كما نقله الإمام و البغوي عن الأصحاب وإن قال البغوي عندي له حكومة الساعد ويفارق ما مر في الصورة السابقة من أن له قطع الباقي بأن القاطع من الكوع مستوف لمسمى اليد بخلاف ملتقط الأصابع ( ولو كسر عضده وأبانه ) أي المكسور قطع من الموفق لأنه أقرب مفصل إلى محل الجناية والعضد من مفصل المرفق إلى الكتف ( وله حكومة الباقي ) لتعذر القصاص فيه
فإن قيل هذه المسألة قد علمت من قوله قبل وله قطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر وحكومة الباقي فلا فائدة لذكرها
أجيب بأنه إنما أعادها لأجل التفريع عليها وهو قوله ( فلو طلب الكوع ) للقطع ( مكن ) منه ( في الأصح ) لأنه عاجز عن القطع في محل الجناية وهو بالعدول تارك لبعض حقه فلا يمنع منه وله حكومة الساعد مع حكومة المقطوع من العضد لأنه لم يأخذ عوضا عنه
والثاني ورجحه في الشرح الصغير وصاحب الأنوار لا لعدوله عما هو أقرب إلى محل الجناية
ولم يصرحا في الشرح والروضة بترجيح
قال البلقيني والأرجح ما في المنهاج وتبعه الدميري وعلى ما في الشرح الصغير لو قطع من الكوع ثم أراد القطع من المرفق لم يمكن كما جزما به في الروضة وأصلها
قال الزركشي ويحتاج إلى الفرق بينه وبين مسألة التقاط الأصابع فإن له قطع الكف بعده اه
وفرق بأنه هناك يعود إلى محل الجناية وههنا إلى غير محلها وإنما جوزنا قطع ما دونه للضرورة فإذا قطع مرة لم يكرره
( ولو أوضحه ) مثلا ( فذهب ضوءه ) من عينيه معا ( أوضحه ) طلبا للمماثلة ( فإن ذهب الضوء ) من عيني الجاني فذاك ( وإلا ) بأن لم يذهب بذلك ( أذهبة ) إن أمكن ذهابه مع بقاء الحدقة بقول أهل الخبرة ( بأخف ) أمر ( ممكن ) في إذهاب به كطرح كافور و ( كتقريب حديدة محماة من حدقته ) كما أذهب ضوءه بها شمة ونحوها مما لا يجري فيه القصاص قال لم يمكن إذهاب الضوء أصلا أو لم يمكن إلا بإذهاب الحدقة سقط القصاص ووجبت الدية كما قاله المتولي وغيره
وقال الأذرعي إنه متعين ولو نقص الضوء امتنع القصاص إجماعا ( ولو لطمة ) أي ضربة على وجهه بباطن راحته ( لطمة تذهب ضوءه ) بفتح الضاد وضمها من عينيه ( غالبا فذهب ) ضوءه ( لطمة مثلها ) طلبا للماثلة ليذهب بها ضوءه ( فإن لم يذهب ) باللطمة ( أذهب ) بالطريق المتقدر مع بقاء الحدقة إن أمكن وإلا أخذت الدية وفي وجه رجحه البغوي واستحسنه في الروضة كأصلها لا يقتص في اللطمة لعدم انضباطها ولهذا لو انفردت عن إذهاب الضوء لم يجب فيها قصاص وأما لو ذهب الضوء من إحدى عينيه فإنه لا يلطم لاحتمال أن يذهب منهما بل يذهب بالمعالجة إن أمكن وإلا فالدية واحترز بغالبا عما إذا لم تذهب اللطمة غالبا الضوء فإنه لا قصاص فيها كما صرح به الروياني
( والسمع ) أي إذهابه بجناية على الأذن ( كالبصر يجب القصاص فيه بالسراية ) لأن له محلا مضبطا
وقيل لا قود فيه لأنه في غير محل الجناية فلا يمكن القصاص فيه
قال البلقيني وهو الصواب فقد نص عليه في الأم وقال الأذرعي إنه المذهب المنصوص اه
ومع هذا المعتمد ما في المتن ( وكذا البطش والذوق والشم ) أي إذهابها بجناية على يد أو رجل أو أو رأس يجب القصاص فيها بالسراية ( في الأصح ) في الجميع لأن لها محال مضبوطة ولأهل الخبرة طرق في إبطالها
والثاني المنع إذ لا يمكن القصاص فيها
____________________
(4/29)
تنبيه ذكر المصنف من الحواس أربعة وسكت عن اللمس والكلام والعقل
فأما الأول فلأنه إن زال بزوال البطش فقد ذكر وإن لم يزل لم يتحقق زوال اللمس وإن فرض تخدير ففيه حكومة
وأما الثاني فقال الإمام لا يبعد إلحاقه بالبصر
وأما الثالث فلا قصاص فيه للاختلاف في محله فقيل في القلب
وقيل في الرأس ( و ) لا يجب القصاص في الأجسام بالسراية فعلى هذا ( لو قطع أصبعا ) أو أنملة أو نحو ذلك ( فتأكل ) أو شل ( غيرها ) كأصبع أو كف أو أوضحه فذهب شعر رأسه ( فلا قصاص في المتأكل ) والذاهب بالسراية لعدم تحقق العمدية بل فيه الدية أو الحكومة في مال الجاني لأنه سراية جناية عمد وإن جعلناها خطأ في سقوط القصاص ويطالب بدية المتأكل عقب قطع أصبع الجاني لأنه وإن سرى القطع إلى الكف لم يسقط باقي الدية فلا معنى لانتظار السراية بخلاف ما لو سرت الجناية إلى النفس فاقتص بالجناية لم يطالب في الحال فلعل جراحة القصاص تسري فيحصل التقاص ويفارق هذا إذهاب البصر ونحوه من المعاني فإن ذلك لا يباشر بالجناية بخلاف الأصبع ونحوها من الأجسام فيقصد بمحل البصر مثلا نفسه ولا يقصد بالأصبع غيرها مثلا
فلو اقتص في أصبع من خمسة فسرى لغيرها لم تقع السراية قصاصا بل يجب على الجاني للأصابع الأربع أربعة أخماس الدية ولا حكومة لمنابت الأصابع بل تدخل في ديتها ولو ضرب يده فتورمت ثم سقطت بعد أيام وجب القصاص كما حكاه الشيخان في الفروع المنثورة قبيل الديات عن البغوي وخالف ما نحن فيه لأن الجناية على اليد مقصودة فتأخير السقوط لا يمنع القود
خاتمة لو اقتص من الجاني عليه خطأ أو شبه عمد ففي كونه مستوفيا خلاف والأصح أنه مستوف كما جرى عليه شيخنا في شرح الروض وإن جرى صاحب الحاوي ومن تبعه على عكسه وإن اقتص من قاتل مورثه وهو صبي أو مجنون لم يكن مستوفيا لعدم أهليته للاستيفاء فإن قيل لو أتلف وديعته فإنه يكون مستوفيا لحقه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الوديعة لو تلفت بريء الوديع ولو مات للجاني لم يبرأ وإذا لم يكن مستوفيا فإن الدية تتعلق بتركة الجاني ويلزمه دية عمد بقتله الجاني لأن عمده عمد فإن اقتص بإذن الجاني أو تمكينه بأن أخرج إليه طرفه فقطعه فهدر والطرف كالنفس فيما ذكر
باب كيفية القصاص بكسر القاف من القص وهو القطع وقيل من قص الأثر إذا تبعه لأن المقتص يتبع الجاني إلى أن يقتص منه ( ومستوفيه والاختلاف ) بين الجاني وخصمه ( فيه ) والعفو عن القصاص والمصالحة عليه وقد عقد المصنف لكل واحد مما ذكره فصلا غير أنه خالف ترتيب الترجمة لأنه قدم فصل الاختلاف على فصل من يستوفي القصاص
( لا تقطع يسار ) من يد ورجل وأذن وجفن ومنخر ( بيمين ) لاختلاف المحل والمنفعة والمقصود من القصاص المساواة ولا مساواة بينهما
تنبيه علم من تمثيله العكس من باب أولى ( ولا شفة سفلى بعليا و ) لا ( عكسه ) ولا جفن أعلى بأسفل ولا عكسه لما مر ولو تراضيا بقطع ذلك لم يقع قصاصا ولا يجب في المقطوعة بدلا قصاص بل دية ويسقط قصاص الأولى في الأصح
تنبيه قوله لا تقطع أولى منه لا تؤخذ لشموله للمعاني وفقء العين ونحوه
( ولا ) تقطع ( أنملة ) بفتح همزتها وضم ميمها في أفصح لغاتها التسع وهي فتح الهمزة وضمها وكسرها مع تثليث الميم ( بأخرى ) ولا سن بأخرى لأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن
____________________
(4/30)
تنبيه قد علم من هذا أنه لا يقطع أصبع بأخرى كالسبابة والوسطى كما صرح به في المحرر ( ولا ) عضو ( زائد ) في محل ( بزائد في محل آخر ) كأن تكون زائدة المجني عليه تحت الخنصر وزائدة الجاني بعد الإبهام بل يؤخذ من الزائد الحكومة ولا يؤخذ عضو أصلي بزائد ولا زائد بأصلي إذا كان الزائد ثابتا في غير موضع نبات الأصلي وإلا فيقطع به إذا رضي المجني عليه إلا إذا لم ينقطع الدم كاليد الشلاء تؤخذ بالصحيحة بالشرط المذكور كما سيأتي
تنبيه أفهم كلامه أنه يقطع الزائد بالزائد عند اتحاد المحل وهو كذلك إلا إذا كانت زائدة الجاني أتم كأن كان لأصبعه الزائدة ثلاث مفاصل ولزائدة المجني عليه مفصلا فلا يقطع بها على المنصوص لأن هذا أعظم من تفاوت المحل وكان ينبغي أن يزيد ولا حادث بعد الجناية بأصلي ليشمل ما لو قلع سنا ليس له مثلها فلا قصاص وإن نبت له مثلها بعد لأنها لم تكن موجودة حال الجناية
قاله الرافعي في الكلام على السن ( ولا يضر ) في القصاص عند مساواة المحل ( تفاوت كبر ) وصغر ( وطول ) وقصر ( وقوة بطش ) وضعفه ( في ) عضو ( أصلي ) قطعا لإطلاق قوله تعالى { والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن } فإنه لا يقتضي عدم النظر إلى ذلك كما في للنفس ولأن المماثلة في ذلك لا تكاد تنضبط فلو اعتبرت لتعطل حكم القصاص غالبا
ويستثنى من ذلك ما لو كان للمجني عليه يد أقصر من أختها قطعها الجاني وهو مستوي اليدين فإنه لا قصاص عليه لأنها ناقصة بل فيها ديتها ناقصة حكومة حكاه في أصل الروضة عن البغوي وأقره
تنبيه شمل إطلاق المصنف ما إذا كان النقص بآفة سماوية أو بجناية وهو ما صوبه الزركشي لكن الذي حكاه الإمام هنا وأقراه أنه لا قصاص إذا كان بجناية وأنه لا تجب دية كاملة وهو أوجه ( وكذا ) عضو ( زائد ) لا يضر فيه التفاوت المذكور ( في الأصح ) كالأصلي والثاني يضر لأن القصاص إنما يجب في العضو الزائد بالاجتهاد فإذا كان عضو الجاني أكبر حكومته أكثر فلا يأخذ بالذي هو أنقص منه بخلاف الأصلي فإن القصاص يثبت فيه بالنص فلا يعتبر التساوي فيه ( ويعتبر قدر الموضحة ) بالمساحة ( طولا وعرضا ) في قصاصها لا بالجزئية لأن الرأسين مثلا قد يختلفان صغرا وكبرا فيكون جزء أحدهما قدر جميع الآخر فيقع الحيف بخلاف الأطراف لأن القصاص وجب فيها بالمماثلة في الجملة ولو اعتبرناها بالمساحة أدى إلى أخذ الأنف ببعض الأنف وقد قال تعالى { والأنف بالأنف } ولا كذلك في الموضحة فاعتبرت بالمساحة
وكيفية معرفته أن تذرع موضحة المشجوج بعود أو خيط يحلق ذلك الموضع من رأس الشاج إن كان عليه شعر ويخط عليه بسواد أو غيره ويضبط الشاج كيلا يضطرب ويوضح بحديدة حادة كالموسى لا بسيف وحجر ونحوهما وإن كان أوضح كما قاله القفال وجرى عليه ابن المقري إذ لا تؤمن الزيادة
قال الروياني بعد نقله ذلك عن القفال وفيه نظر وقياس المذهب أنه يقتص بمثل ما فعله إن أمكن ولعل ما قاله القفال إذا لم يمكن
قال الزركشي وهو ما نقله البغوي عن القاضي ولم يذكر غيره وهو الظاهر ثم يفعل المجني عليه بالجاني ما هو أسهل عليه من الشق دفعة واحدة أو شيئا فشيئا وهذا ما قاله الأصحاب
وقال ابن الرفعة الأشبه الإتيان بمثل جنايته إن أوضح دفعة فدفعة أو التدريج فالتدريج اه
وهذا ظاهر عند النزاع ويحمل كلام الأصحاب على غير هذه الحالة
تنبيه ما ذكره من أنه يحلق الشعر عند الاقتصاص محله ما إذا كان على رأس المجني عليه حال الجناية شعر فإن كان برأس الشاج شعر دون المشجوج ففي الروضة وأصلها عن نص الأم أنه لا قود لما فيه من إتلاف شعر لم يتلفه الجاني وظاهر نص المختصر وجوبه بعد إزالة الشعر من موضع الشجة وعزي للماوردي
وحمل ابن الرفعة الأول على فساد منبت المشجوج
والثاني على ما لو حلق
وهو حمل حسن
قال الأذرعي وقضية نص الأم أن الشعر الكثيف تجب إزالته ليسهل الاستيفاء ويبعد عن الغلط
قال والتوجيه يشعر بأنها لا تجب إذا كان الواجب استيعاب الرأس اه
يتعلق بانتهاء الجراحة إلى العظم والتفاوت في قدر العرض قل ما يتفق فيقطع النظر عنه كما يقطع النظر في الصغر والكبر في الأطراف ( ولو أوضح ) شخص آخر في بعض رأسه وقدر الموضحة يستوعب جميع رأس الشاج أوضح جميع رأسه لقوله تعالى { والجروح قصاص } والقصاص المماثلة ولا
____________________
(4/31)
وهو ظاهر ( ولا يضر تفاوت غلظ لحم وجلد ) في قصاصها لأن اسم الموضحة يمكن في الموضحة إلا بالمساحة وقد استوعبت المساحة رأسه فوجب وإن زاد حقه على جميع رأس الشاج أو وضح ( كل رأسه ) أي المشجوج ( ورأس الشاج أصغر ) من رأسه ( استوعبناه ) إيضاحا ولا يكتفي به ( ولا نتممه من الوجه والقفا ) لأنهما غير محل الجناية ولو قال ولا نتممه من غيره كان أولى ليشمل سائر الجوانب فإن الحكم فيها كذلك لو أوضح جبهته وجبهته وجبهة الجاني أضيق لا يرتقي للرأس لما ذكر ( بل يؤخذ قسط الباقي من أرش الموضحة لو وزع على جميعها ) لتعينه طريقا فإن كان الباقي قدر الثلث مثلا فالمتمم به ثلث أرشها وطريق معرفته بالمساحة ( وإن كان رأس الشاج أكبر ) من رأس المشجوج ( أخذ ) منه ( قدر ) موضحة ( رأس المشجوج فقط ) معتبرا بالمساحة لحصول المساواة ( والصحيح ) وبه قطع الأكثرون كما في الروضة ( أن الاختيار في ) تعيين ( موضعه إلى الجاني ) لأن جميع رأسه محل الجناية فأي موضع أدى منه تعين كما في الدين بخلاف ما إذا لم يستوعب رأس المجني عليه فإنه يعتبر ذلك المحل
فقولهم إن الرأس كلها محل الجناية فيما إذا استوعبت رأس المجني عليه وكذا لو أوضح من به موضحة غير منه ملة غيره في موضع موضحته لا يقتص منه وإن اندملت موضحته لأن محل القصاص لم يكن موجودا عند الجناية
والثاني الاختيار في ذلك إلى المجني عليه أن لم يطلب أزيد من حقه وليس هذا كالدين لأنه مسترسل في الذمة وصوبه الأذرعي وغيره
تنبيه محل الخلاف ما إذا أخذ قدر ذلك القدر من مكان واحد فلو أرد أن يأخذ قدر ما أوضحه منه من مواضع من رأسه فالأصح المنع لأنه يؤدي إلى مقابلة موضحة بموضحتين فأكثر ولا تتبعض مع إمكان استيفائها قصاصا وأرشا بخلاف الموضحتين فإن له أن يقتضي في إحداهما ويأخذ أرش الأخرى ( ولو أوضح ناصية ) من شخص ( وناصيته أصغر ) من ناصية المجني عليه ( تمم من باقي الرأس ) من أي محل كان لأن الرأس كله عضو واحد فلا فرق بين مقدمه وغيره بخلاف ما سبق في الوجه والرأس فإنهما عضوان ( ولو زاد المقتص ) عمدا ( في موضحة على حقه لزمه قصاص الزيادة ) لتعمده ولكن إنما يقتص منه بعد اندمال موضحته ( فإن كان ) الزائد ( خطأ ) كأن اضطربت يده أو شبه عمد ( أو ) عمدا ( على مال وجب أرش كامل قسط ) الزيادة فقط بعد توزيع الأرش عليهما
تنبيه محل الضمان في الخطأ ما إذا لم تكن الزيادة باضطراب من الجاني فقط وإلا فلا ضمان فإن كانت بسبب اضطرابهما فالضمان عليهما وإن قال الزركشي فيه نظر ولو قال المقتص تولدت باضطرابك فأنكر ففي المصدر منهما وجهان أوجههما كما استظهره البلقيني تصديق المقتص منه
تنبيه كلام المصنف قد يوهم تمكين المستحق من الاستيفاء وسيأتي أنه لا يمكن في الطرف في الأصح فقيل كلامه هنا مبني على مرجوح أو محمول على ما إذا بادر واستوفى الطرف فزاد على حقه فإنه يلزمه قصاص الزيادة وإن قلنا أنه لا يمكن من استيفاء قصاص الطرف وصوره الزركشي بصورتين إحداهما أن يرضى الجاني باستيفاء المستحق
____________________
(4/32)
وثانيتهما أن يوكل المستحق في الاستيفاء فيستوفي زائدا
قال ابن شهبة وفي الصورة الثانية نظر
( ولو أوضحه جمع ) بتحاملهم على آلة واحدة جروها معا ( أوضح من كل واحد ) منهم موضحة ( مثلها ) إذ ما من جزء إلا وكل واحد جان عليه فأشبه ما إذا اشتركوا في قطع عضو ( وقيل قسطه ) منها لإمكان التجزئية فتوزع عليهم ويوضح من كل واحد بقدر حصته كإتلاف المال بخلاف الطرف وهذا الخلاف إنما هو احتمال للإمام
تنبيه قد يقتضي كلام المصنف ترجيح وجوب دية موضحة كاملة على كل واحد إذا آل الأمر إلى الدية وهو الأقرب عند الإمام وقطع البغوي بإيجاب القسط وصوبه البلقيني كقطع الطرف والأوجه الأول كما جرى عليه في الأنوار لأن الموضحة تعدد بتعدد الفاعل ولا كذلك الطرف
ووقع في الروضة عزو الأول إلى البغوي والثاني إلى الإمام ونسب للسهو وقد ذكره الرافعي على الصواب
( ولا تقطع ) يد أو رجل ( صحيحة بشلاء ) بالمد إن لم يسر القطع إلى النفس والشلل بطلان العمل وإن لم يزل الحس والحركة كما رجحه ابن الرفعة ( وإن رضي ) به ( الجاني ) أو شلت يده أو رجله بعد الجناية وإن لم تفهمه عبارة المصنف لانتفاء المماثلة وقتها ( فلو ) خالف صاحب الشلاء و ( فعل ) القطع بغير إذن الجاني ( لم يقع قصاصا ) لأنه غير مستحق ( بل عليه ديتها ) وله حكومة يده الشلاء ( فلو سرى ) القطع ( فعليه قصاص النفس ) لتوفيتها بغير حق وإن فعله بإذنه فإن قال له اقطعها ولم يقل قصاصا فقطعها كان مستوفيا لحقه ولا شيء عليه وإن مات الجاني بالسراية لأذنه له في القطع وإن قال اقطعها قصاصا فوجهان أحدهما وهو الأوجه كما قطع به البغوي أن ذلك لا يقع قصاصا بل على المجني عليه نص الدية لأنه لم يستحق ما قطعه وعلى الجاني الحكومة لأنه لم يبدل عضوه مجانا
والثاني يقع وكأن الجاني أدى الجيد عن الرديء وقبضه المستحق
أما إذا سرى القطع إلى النفس فإن الصحيحة تقطع بالشلاء كما ذكره الرافعي في الطرف الثالث وكذا لو كانت النفس مستحقة الإزهاق للمجني عليه فإن الصحيحة تؤخذ بالشلاء وعكسه وإن لم تنحسم العروق ويطرد ذلك فيما يعتبر فيه رعاية المماثلة في الأطراف فتؤخذ كاملة الأصابع بناقصتها أو فاقدتها كما في الرافعي في كيفية المماثلة ( وتقطع الشلاء ) من يد أو رجل بشلاء كما اقتضاه قوله ولا تقطع صحيحة بشلاء ولكن محله إذا استويا في الشلل أو كان شلل الجاني أكثر ولم يخف نزف الدم وإلا فلا تقطع وتقطع أيضا ( بالصحيحة ) كما علم بالأولى لأنها دون حقه ( إلا أن يقول أهل الخبرة ) أي عدلان منهم وإن اقتضت عبارته أنه لا بد من جمع ( لا ينقطع الدم ) بل تنفتح أفواه العروق ولا تنسد بحسم النار ولا غيره فلا تقطع بها وإن رضي الجاني كما نص عليه في الأم حذرا من استيفاء النفس بالطرف فإن قالوا ينقطع الدم ( و ) الحال أنه ( يقنع بها مستوفيها ) بأن لا يطلب أرشا للشلل فيقطع حينئذ بالصحيحة لاستوائهما في الجرم وإن اختلفا في الصفة لأن الصفة المجردة لا تقابل بمال ولذا لو قتل الذمي بالمسلم أو العبد بالحر لم يجب لفضيلة الإسلام والحرية شيء ويخالف ما لو نقصت يده أصبعا حيث تؤخذ ديتها لأن الأصبع تفرد بالقصاص
تنبيه لو قدم قوله ويقنع بها مستوفيها على قوله إلا أن يقول إلخ لاستغنى عما قدرته ولو قطع الأشل مثله ثم صح القاطع لم يقطع لوجود الزيادة عند الاستيفاء
فإن قيل إنما تعتبر المماثلة عند الجناية لا عند الاستيفاء بدليل أنه لو جنى ذمي على ذمي ثم أسلم الجاني فإنه يقتص منه
أجيب بأن المنافع إذا عادت يتبين أنها لم تزل ففي الحقيقة ما اعتبرنا إلا حالة الجناية ولو قطع سليم يد أو رجل أشل أو ناقصة أصبع ثم شلت بفتح الشين يده في الأولى ونقصت الأصبع في الثانية لم تقطع في الأولى كما مرت الإشارة إليه لانتفاء المماثلة عند الجناية وتقطع في الثانية خلافا لابن المقري لأن القصاص قد تعلق بها بما عد الأصبع المذكورة عند الجناية
وقد قالوا لو قطع كامل أصبع الوسطى من فاقد عليا تلك الأصبع ثم سقطت
____________________
(4/33)
علياه اقتص منه لأنه صار مماثلا له
( ويقطع ) عضو ( سليم بأعسم وأعرج ) إذ لا خلل في العضو والعسم بمهملتين مفتوحتين وهو كما في الروضة كأصلها تبعا لجمهور أهل اللغة تشنج في المرفق أو قصر في الساعد أو العضد
وقال ابن الصباغ هو ميل واعوجاج في الرسغ
وقال الشيخ أبو حامد الأعسم هو الذي بطشه بيساره أكثر وهو الأعسر في العرف ( ولا أثر ) في القصاص في يد أو رجل ( لخضرة أظفار وسوادها ) لأنه علة ومرض في الظفر وذلك لا يؤثر في وجوب القصاص
تنبيه محل ذلك في علة الظفر كما قاله الأذرعي إذا كان خلقة ولم يكن جافا وإلا فلا قصاص كما جزم به في الأول المتولي ونص عليه الشافعي في الثاني وجرى عليه الإمام وتقطع فاقدة الأظفار بفاقدتها ولو نبتت أظفار القاطع لم يقطع لحدوث الزيادة
ويؤخذ منه أن يد الجاني لو نبت فيها أصبع بعد الجناية لم يقطع ( والصحيح قطع ذاهبة الأظفار بسليمتها ) لأنها دونها ( دون عكسه ) لأن الكامل لا يؤخذ بالناقص
تنبيه اعترض على المصنف من وجهين أحدهما أن عبارته تقتضي طرد وجهين في المسألتين مع أن الأولى لا خلاف فيها والثانية فيها احتمال للإمام لا وجه فجعله وجها وعبر فيها بالصحيح ولو قال ولا تقطع سليمة أظفارها بذاهبتها دون عكسه كان أظهر وأخصر
الثاني تعبيره بذاهبة الأظفار يقتضي زوالها بعد وجودها لكنه في الروضة كأصلها صورها بمن لم يخلق ظفر وعليه ينطبق التعليل السابق مع أن الحكم واحد إذ لا فرق بين ذاهبتها وبين المخلوقة بدونها وإذا قطعت ذاهبة الأظفار بالسليمة كان لصاحب السليمة حكومة الأظفار كما قاله ابن أبي عصرون وبحثه البلقيني وقال لم أر من تعرض له ( والذكر صحة وشللا كاليد ) صحة وشللا فيما مر جميعه إذ لا فرق بينهما ويجب في قطع الذكر وفي قطع الأنثيين وفي إشلالهما القصاص
سواء أقطع الذكر والأنثيين معا أم مرتبا وفي إشلال إحداهما إن علم سلامة الأخرى بقول أهل الخبرة ولو دقهما اقتص بمثله إن أمكن وإلا وجبت الدية كما نقله في الروضة عن التهذيب وجرى عليه ابن المقري وإن قال الرافعي يشبه أن يكون الدق ككسر العظام
تنبيه صحة وشللا منصوبان على الحال من الذكر ولكن مجيء الحال من المبتدأ خلاف مذهب سيبويه
قال الزركشي ويمكن أن يكونا حالين من الضمير في الجار والمجرور بعده أي كاليد صحة وشللا ( و ) الذكر ( الأشل ) كما في تحرير المصنف عن الأصحاب ( منقبض لا ينبسط أو عكسه ) أي منبسط لا ينقبض أي يلزم حالة واحدة من انقباض أو انبساط ولا يتحرك أصلا وقيل هو الذي لا يتقلص في البرد ولا يسترسل في الحر وهو بمعنى الأول ( ولا أثر ) في القصاص في الذكر ( للانتشار وعدمه فيقطع فحل ) أي ذكره ( بخصي ) وهو مقطوع الأنثيين بجلدتيهما ( وعنين ) وهو العاجز عن الوطء خلافا للأئمة الثلاثة
أما الثاني فلأنه لا خلل في نفس عضوه وتعذر الانتشار لضعف في القلب أو الدماغ
وأما الأول فلسلامة ذكره وقدرته على الإيلاج فهو آكد من ذكره الثاني ولا فرق في الذكر بين الأقلف والمختون وذكر الكبير والصغير ( و ) يقطع ( أنف صحيح ) شما وغيره ( بأخشم ) وهو من فقد شمه لأن الشم لا يحل جرم الأنف وبأجذم وإن اسود لبقاء الجمال والمنفعة ويقطع أنف سقط بعضه ولو صحيحا بمثله ولو أجدم فإن لم يسقط بعضه وكان صحيحا قطع من الصحيح مثل ما كان بقي من أنف المجني عليه ولو أجذم إن أمكن ( و ) تقطع ( أذن سميع بأصم ) وهو من لا يسمع وعكسه كما فهم بالأولى لأن السمع ليس في جرم الأذن وكذا صحيحة بمستحشفة بكسر الشين المعجمة أي بغير جناية وبمثقوبة ثقبا غير شائن لبقاء الجمال والمنفعة من جميع الصوت ورد الهوام بخلاف اليد والرجل الشلاوين ولا تقطع صحيحة بمخرومة ومثقوبة لفوات الجمال فيهما والمخرومة ما قطع بعضها بل يقتص فيها بقدر ما بقي منها كما مر وتقطع مخرومة بصحيحة ويؤخذ أرش
____________________
(4/34)
ما نقص منها وثقب الأذن الشائن كالخرم فيما ذكر
تنبيه التصاق الأذن بعد الإبانة لا يسقط القصاص ولا الدية لأن الحكم يتعلق بالإبانة وقد وجدت ولا يوجب قصاصا ولا دية بقطعها ثانيا لأنها مستحقة الإزالة ولا مطالبة للجاني بقطعها وأما التصاقها وقطعها ثانيا قبل الإبانة فيسقط القصاص والدية عن الأول ويواجههما على الثاني وللمجني عليه حكومة على الجاني أولا ويجب قطع الأذن المبانة إذا التصقت إن لم يخف منه محذور التيمم لنجاسة باطن الأذن بالدم الذي ظهر في محل القطع فقد ثبت له حكم النجاسة فلا يزول بالاستبطان بخلاف ما إذا كانت معلقة بجلدة والتصقت فإنه لا يجب قطعها
وإنما أوجبنا القطع ثم الدم لأن المتصل منه بالمبان قد خرج عن البدن بالكلية فصار كالأجنبي وعاد إليه بلا حاجة ولهذا لم يعف عنه وإن قل بخلاف المتصل منه هنا ولو استوفى المجني عليه بعض الأذن والتصق فله قطعه مع باقيها لاستحقاقه الإبانة
و ( لا ) تؤخذ ( عين صحيحة بحدقة عمياء ) ولو مع بقاء سوادها وبياضها لأن العين القائمة كاليد الشلاء فلا تؤخذ بها المبصرة لأنها أكثر من حقه لأن البصر في العين بخلاف السمع والشم وتؤخذ العمياء بالصحيحة إن رضي بها المجني عليه لأنها دون حقه
تنبيه لا يصح عطف عين على ما قبله لأن العامل فيما قبله وهو يقطع لا يصح تقديره هنا ولذلك قدرت في كلامه تؤخذ لأنه أنسب ويقطع جفن البصير بجفن الأعمى لتساوي العضوين في الجرم والصحة والبصر ليس في الجفن لكن لا يؤخذ جفن له أهداب بما لا أهداب له ( ولا ) يقطع ( لسان ناطق ) أي متكلم ( بأخرس ) لأن النطق في جرم اللسان ويجوز عكسه إن رضي المجني عليه لأنه دون حقه ولا يجب معه شيء ويقطع لسان ناطق بلسان رضيع إن ظهر فيه أثر النطق بحيث يحركه عند البكاء وغيره كذا قالاه هنا لكن ذكرا في كتاب الديات ما حاصله أن المذهب وجوب الدية في لسان الرضيع الذي لم يظهر فيه أثر النطق كقطع يده أو رجله لأن الظاهر السلامة ومقتضى ذلك وجوب القصاص فيه ذكره الأسنوي
وأجيب بأنه لا يلزم من وجوب الدية وجوب القصاص لأنه يدرأ بالشبهة والأولى أن يقال إن بلغ أوان النطق ولم يتكلم لم يجب القصاص وإن لم يبلغ ذلك وجب ويحمل عليه قول شيخنا في شرح الروض والأوجه وجوبه كما لو قطع يده عقب الولادة فإنه يجب فيها القصاص
( وفي قلع السن قصاص ) قال تعالى { والسن بالسن } نعم لا تؤخذ التي بطل نفعها أو التي فيها صغر بحيث لم تصلح للمضغ أو كان بها نقص ينقص به أرشها كأن كانت إحدى ثنيتيه أنقص من الأخرى أو كانت مضطربة اضطرابا شديدا إلا بمثلها ولا تؤخذ صحيحة بمكسورة ويجوز عكسه مع أرش الذاهب من المكسورة وتؤخذ العليا بالعليا والسفلى بالسفلى و ( لا ) قصاص ( في كسرها ) بناء على ما سبق من عدم وجوب القصاص في كسر العظام
نعم إن أمكن فيها القصاص فعن النص أنه يجب لأن السن عظم مشاهد من أكثر الجوانب ولأهل الصنعة آلات قطاعة يعتمد عليها في الضبط فلم يكن كسائر العظام واحتج لذلك بحديث البخاري عن أنس بن النضر أن أخته الربيع كسرت ثنية جارية من الأنصار فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص فقال أنس أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال صلى الله عليه وسلم كتاب الله القصاص فرضي القوم وعفوا وبنى على ذلك البلقيني أنها لو قلعت ممن لم يثغر فعادت ناقصة اقتص في الزيادة إن أمكن ( ولو قلع ) شخص مثغور وهو الذي سقطت رواضعه وهي أربع تنبت وقت الرضاع يعتبر سقوطها لا سقوط الكل قاله في الأنوار فتسمية غيرها بالرواضع مجاز علاقته المجاورة أو غير مثغور ( سن ) كبير أو ( صغير لم يثغر ) بضم أوله وسكون ثانيه المثلث وفتح ثالثه المعجم أي لم تسقط أسنانه الرواضع التي من شأنه السقوط ومنها المقلوعة ( فلا ضمان في الحال ) بقصاص ولا دية لأنه لم يتحقق إتلافها لأنها تعود غالبا فأشبه الشعر
____________________
(4/35)
تنبيه لو حذف المصنف صغير لكان أخصر واستغنى عما قدرته ( فإن جاء وقت نباتها بأن سقطت البواقي ) من الأسنان ( وعدن ) أي نبتن ( دونها ) أي المقلوعة ( وقال أهل البصر ) أي الخبرة ( فسد المنبت ) بحيث لا يتوقع نباتها ( وجب القصاص ) فيها حينئذ لليأس من عودها
فإن قالوا يتوقع نباتها إلى وقت كذا انتظر فإن مضى الوقت ولم تعد وجب القصاص ( ولا يستوفى له ) أي للصغير ( في صغره ) بل ينتظر بلوغه ليستوفي لأن القصاص للتشفي وإنما ذكر المصنف هذا وإن استغنى عنه بما سيأتي في قوله وينتظر كمال صبيهم لأن ذاك في الوارث وهذا في المستحق نفسه فإن مات قبل بلوغه اقتص وارثه في الحال أو أخذ الأرش وإن مات قبل حصول اليأس وقبل تبين الحال فلا قصاص لوارثه وكذا لا دية على الأصح كما ذكره الشيخان في الديات
تنبيه سكت المصنف عما إذا نبتت سليمة لوضوحه فإنه لا قصاص فيها ولا دية وإن نبتت سوداء أو معوجة أو بقي شين أو نبتت أطول مما كانت أو نبتت معها سن ثانية فحكومة وإن نبتت أقصر مما كانت وجب تقدير أرش النقص من الأرش أو القصاص إن أمكن كما مر عن البلقيني ( ولو قلع ) مثغور ( سن مثغور فنبتت ) قبل أخذ مثلها من الجاني أو الأرش عنها ( لم يسقط القصاص في الأظهر ) لأن عودها نعمة جديدة من الله تعالى إذ لم تجر العادة به كما لو التحمت الجائفة أو اندملت الموضحة أو نبتت اللسان إذ لا يسقط بذلك دية ما ذكر والثاني يسقط كالصغير إذا عاد سنه لأن ما عاد قام الأول فكأنه لم يسقط وعلى القولين للمجني عليه أن يقتص أو يأخذ الأرش في الحال ولا ينتظر عودها فإن نبتت بعد أخذ مثلها فليس للجاني قطعها ولا أخذ الأرش أو بعد أخذ الأرش فليس له استرداده
تنبيه في قلع سن المثغور النابتة القصاص فإن قلعها منه الجاني وقد اقتص منه وجب عليه الأرش للقلع الثاني لأن ما وجب فيه القصاص وهو سن الجاني قد فات وإن كان قد أخذ أرشها للقلع الأول اقتص منه للقلع الثاني وأخذ منه الأرش وإن لم يأخذ منه شيئا ولم يقتص لزمه قصاص وأرش أو أرشان بلا قصاص
وسكت المصنف عما لو قلع بالغ غير مثغور سن مثغور وحكمه أن المجني عليه مخير بين الأرش والقصاص ولا أرش كما في أخذ اليد الشلاء بدل الصحيحة وانقطع طلبه بذلك فلو عادت السن لم نقلع ثانيا وخرج بالبالغ الصغير فإنه لا قصاص عليه وعما لو قلع غير مثغور سن مثله وحكمه أنه لا قصاص ولا دية في الحال لما مر فإن نبتت سن المجني عليه فلا قصاص ولا دية وإن لم تنبت وقد دخل وقت نباتها اقتص من القالع أو أخذ منه الأرش فإن اقتص ولم تعد سن الجاني فذاك وإن عادت كان له قلعها ثانيا ليفسد منبتها كما أفسد منبته
فإن قيل قياس ما مر في قلع غير المثغور سن المثغور أنها لا تقلع هنا ثانيا
أجيب بأن القصاص ثم إنما توجه لسن مماثلة لسن المجني عليه وهي لم توجد بعد فلما لم يصبر إلى وجودها وقلع الموجودة غير المماثلة سقط حقه كما في الشلاء وهنا توجه إلى الموجودة لمماثلها المقلوعة فإذا قلعها ولم يفسد منبتها قلع المعادة ليفسد منبتها كمنبت المجني عليه وظاهر هذا التعليل أنها تقلع ثالثا وهكذا حتى يفسد منبتها وظاهر ما تقدم أنها إذا طلعت سن المثغور ثانيا أنها نعمة جديدة أنها لا تقلع وهو الظاهر ولذلك اقتصروا على القلع ثانيا ( ولو نقصت يده ) أي شخص ( أصبعا ) مثلا ( فقطع ) يدا ( كاملة ) أصابعها فإن شاء المجني عليه فله أخذ الأرش وإن شاء ( قطع ) يد الجاني ( وعليه ) أي الجاني ( أرش أصبع ) لأنه قطع منه أصبعا لم يستوف قصاصها فيكون له أرشها وعكس هذه الصورة ( و ) هو ( لو قطع كامل ) أصابع اليد يدا ( ناقصة ) أصبعا مثلا ( فإن شاء المقطوع أخذ دية أصابعه الأربع وإن شاء لقطها ) لأنها داخلة في الجناية ويمكن استيفاء
____________________
(4/36)
القصاص فيها وليس له قطع اليد الكاملة لما فيه من استيفاء الزيادة ولا لقط البعض وأخذ أرش الباقي ( والأصح أن حكومة منابتهن تجب إن لقط ) المقطوع الأصابع الأربع و ( لا ) تجب لأنها من جنس الدية ( إن أخذ ديتهن ) بل تندرج الحكومة في ذلك لأنها من جنس الدية فدخلت فيها دون القصاص فإنه ليس من جنسها والثاني تجب إذا لقطهن وتدخل تحت قصاص الأصابع كما تدخل تحت ديتها فإنه أحد موجبي الجناية ( و ) الأصح ( أنه يجب في الحالين ) وهما حالة اللفظ وحالة أخذ الدية ( حكومة خمس الكف ) الباقي وهي ما يقابل منبت أصبعه الباقية
أما حالة لقط الأصابع فجزما كما في الشرح والروضة وإن أوهم كلام المصنف جريان الخلاف فيه وأما في حالة أخذ الدية فعلى الأصح لأنه لم يستوف في مقابلته شيء يتخيل اندراجه فيه والثاني المنع وهو خاص بحالة أخذ الدية كما تقرر لأن كل أصبع يستتبع الكف كما يستتبعها كل الأصابع ويأتي ما ذكر فيما لو كانت يد الجاني زائدة أصبع ويد المجني عليه معتدلة فلقط المجني عليه أصابع الجاني الخمس ( ولو قطع ) شخص ( كفا بلا أصابع ) عليها ( فلا قصاص ) عليه ( إلا أن تكون كفه ) أي القاطع ( مثلها ) لفقد المساواة في الأولى ووجودها في الثانية
تنبيه قوله إلا أن تكون كفه مثلها إن حمل على حالة الجناية اقتضى أن وجود الأصابع مانع من الوجوب وليس مرادا بل إنما هو مانع من الاستيفاء لا الوجوب فإذا سقطت الأصابع حصلت القدرة على القصاص في الكف فيقتص كما صرحوا به فيما إذا قطع سليم اليد الأنملة الوسطى ممن هو فاقد الأنملة العليا كما مرت الإشارة إليه وإن حمل قوله تكون على قصير صح ويؤخذ منه ما لو كان فاقدها عند الجناية بطريق الأولى ( ولو قطع فاقد الأصابع كاملها قطع ) المستحق ( كفه وأخذ دية الأصابع ) لأنه لم يستوف شيئا في مقابلتها
تنبيه هذه المسألة قد علمت مما مر في قوله ولو قطع ناقص اليد أصبع يد كاملة ( ولو شلت ) بفتح الشين المعجمة كما في الصحاح وحكى غيره الضم ( أصبعاه ) مثلا ( فقطع يدا كاملة فإن شاء ) المجني عليه ( لقط ) أصابع الجاني ( الثلاث السليمة لأنها مساوية لأصابعه ( وأخذ دية أصبعين ) لتعذر الوصول إلى تمام حقه مع ثلاثة أخماس حكومة الكف على الأصح وسكت المصنف عن ذلك هنا لفهمه مما سبق فيما لو قطع كامل ناقصة ( وإن شاء ) الممقطوع ( قطع يده وقنع بها ) وليس له طلب أرش الأصبعين الشلاوين كما لو كانت يده شلاء جميعها لا يستحق شيئا مع قطعها ففي البعض أولى
تتمة لو قطع من له ست أصابع أصلية يدا معتدلة لقط المعتدل خمس أصابع وأخذ سدس دية يد وحكومة خمسة أسداس الكف ويحط شيء من الثلث بالاجتهاد ولو التبست الزائدة بالأصلية فلا قطع فإن لقط خمسا كفاه ويعزر ولو قطع ذو الست أصبع معتدل قطعت أصبعه المماثلة للمقطوعة وأخذ منه ما بين خمس دية اليد وسدسها وهو بعير وثلثان لأن خمسها عشرة وسدسها ثمانية وثلث والتفاوت بينهما ما ذكرناه ولو قطع معتدل اليد ذات الست الأصلية قطع يده وأخذ منه شيء للزيادة المشاهدة فإن قطع أصبعا منها فلا قصاص عليه لما فيه من أخذ خمس بسدس بل يجب عليه سدس دية وإن قطع أصبعين منها قطع صاحبها منه أصبعا وأخذ ما بين خمس دية يد وثلثها وهو ستة أبعرة وثلثان وإن قطع منها ثلاثا قطع منه أصبعان وأخذ ما بين نصف دية اليد وخمسيها وهو خمسة أبعرة وتقطع أصبع ذات أربع أنامل أصلية بمعتدلة كما جزم به ابن المقري وجرى عليه البغوي في تعليقه إذ لا تفاوت بين الجملتين بخلاف من له ست أصابع لا تقطع
____________________
(4/37)
بمن له خمس كما مر لوجود الزيادة في منفصلات العدة وقيل لا تقطع بها وجرى عليه البغوي في تهذيبه بل يقطع ثلاث أنامل ويؤخذ التفاوت وتقطع أنملة من له أربع أنامل بأنملة المعتدل مع أخذ ما بين الثلث والربع من دية أصبع وهو خمسة أسداس بعير لأن أنملة المعتدل ثلث أصبع وأنملة القاطع ربع أصبع وإن قطعها المعتدل فلا قصاص ولزمه ربع دية أصبع وإن قطع منه المعتدل أنملتين قطع منه أنملة وأخذ منه ما بين ثلث ديتها ونصفها وهو بعير وثلثان
فصل في اختلاف ولي الدم والجاني
إذا ( قد ) شخص شخصا ( ملفوفا ) في ثوب أو هدم عليه جدارا ( وزعم ) أي ادعى ( موته ) حين الفقد أو الهدم وادعى الولي حياته حينئذ ( صدق الولي بيمينه في الأظهر ) وإن كان ملفوفا على هيئة التكفين لأن الأصل بقاء الحياة فأشبه من قتل من عهده مسلما وادعى ردته والثاني يصدق الجاني وصححه الشيخ في التنبيه وأقره المصنف عليه في تصحيحه لأن الأصل براءة الذمة
وقيل يفرق بين أن يكون ملفوفا على هيئة التمكين أو في ثياب الأحياء قال الإمام وهذا لا أصل له
تنبيه محل الخلاف إذا تحققت حياته قبل ذلك أما إذا لم تحقق فينبغي كما قال البلقيني أن يقطع بتصديق الجاني لأن الأصل براءة الذمة ولم يعارضه أصل آخر وإذا حلف الولي فيحلف يمينا واحدا بخلاف نظيره في القسامة يحلف خمسين يمينا لأن الحلف تم على القتل وهنا على حياة المجني عليه وسوى البلقيني بين البابين والفرق ظاهر والواجب يحلف الولي الدية لا القصاص كما صرح به في الروضة لأنه يدرأ بالشبهة بخلاف ما لو ادعى على الوكيل في القتل عفو الولي ونكل عن اليمين وحلف الولي فإنه يستحق عليه القصاص لأن اليمين المردودة كالبينة أو كالإقرار وكلاهما يثبت به القصاص وللولي أن يقيم بينة بحياة الملفوف ولمن رآه يلتف أو يدخل البيت الشهادة بحياته وإن لم يتيقنها حالة القد أو الهدم استصحابا لما كان ولا تقبل شهادته بأنه رآه يلتف أو يدخل البيت
( ولو ) قتل شخصا ثم ادعى رقه وأنكر الولي صدق الولي بيمينه لأنه الغالب والظاهر الحرية ولهذا حكمنا بحرية اللقيط المجهول وإن ( قطع طرفا ) لغيره أو جنى على عضو ( وزعم ) نقصه كشلل أو خرس أو فقد أصبع وأنكر المجني عليه ( فالمذهب تصديقه ) أي الجاني بيمينه ( إن أنكر أصل السلامة في عضو ظاهر ) كاليد والرجل واللسان والعين ( وإلا ) بأن اعترف بأصل السلامة أو أنكره في عضو باطن كالفخذ ( فلا ) يصدق الجاني بل المجني عليه بيمينه والفرق عسر إقامة البينة في الباطن دون الظاهر والأصل عدم حدوث نقصه
والثاني تصديق الجاني مطلقا لأصل البراءة
والثالث تصديق المجني عليه مطلقا لأصل السلامة وهذه الأقوال الثلاثة مختصرة من طرق
تنبيه لو قال بدل قطع جنى على عضو لكان أولى ليشمل ضوء العين وذهاب السمع والشم ونقصهما والمراد بالباطن كما قاله الرافعي ما يعتاد ستره مروءة وقيل ما يجب وهو العورة وعلى هذا يختلف حكم الرجل والمرأة وإذا صدق المجني عليه قال الشارح فالواجب الدية وهو قياس ما مر في قد الملفوف والذي صرح به الماوردي ونقله ابن الرفعة عن مقتضى كلام البندنيجي والأصحاب وجوب القصاص واستشكله بما مر في الملفوف
وفرق غيره بأن الجاني ثم لم يعترف ببدل أصلا بخلافه هنا وإذا صدقنا الجاني احتاج المجني عليه إلى بينة بالسلامة ثم الأصح أنه يكفي قول الشهود كان صحيحا ولا يشترط تعرضهم لوقت الجناية ولهم الشهادة بسلامة اليد والذكر برؤية الانقباض والانبساط وسلامة البصر برؤية توقيه المهالك وإطالة تأمله لما يراه بخلاف التأمل اليسير لأنه قد يوجد من الأعمى ولو قطع شخص كف آخر مثلا واختلفا في نقص أصبع صدق المنكر الوجود بيمينه
( أو ) قطع ( يديه ورجليه فمات ) المجني عليه ( وزعم ) الجاني ( سراية ) أي أنه مات بالسراية أو قال قتلته قبل الاندمال فتجب دية واحدة ( و ) زعم ( الولي
____________________
(4/38)
اندمالا ممكنا ) قبل موته ( أو ) زعم ( سببا ) آخر للمو عينه كقوله قتل نفسه أو قتله آخر ( فالأصح ) المنصوص ( تصديق الولي ) بيمينه لأن الأصل عدم السراية ولموافقته الظاهر فتجب ديتان
والثاني تصديق الجاني بيمينه لاحتمال السراية فتجب دية واحدة واحترز بممكن عما لا يمكن لقصر زمنه كقوله اندمل الجرح بعد يوم أو يومين فيصدق الجاني في قوله بلا يمين كما صرح به الرافعي أما إذا لم يعين الولي السبب فينظر إن أمكن الاندمال صدق الولي بيمينه أنه مات بسبب آخر وإن لم يمكن الاندمال صدق الجاني أنه مات بالسراية أو بقتله
قال ابن المقري بيمينه وهو كما قال شيخنا ظاهر في دعوى قتله أما في دعوى السراية فيصدق بلا يمين كنظيره في المسألة السابقة
ولو قال الولي للجاني أنت قتلته بعد الاندمال فعليك ثلاث ديات وقال الجاني بل قبل الاندمال فعلي دية وأمكن الاندمال حلف كل منهما على ما ادعاه وسقطت الثالثة بحلف الجاني فحلفه أفاد سقوطها وحلف الولي أفاد دفع النقص عن ديتين فلا يوجب زيادة فإن لم يمكن الاندمال حلف الجاني عملا بالظاهر ( وكذا لو قطع يده ) ومات ( وزعم ) الجاني ( سببا ) آخر للموت غير القطع كشرب سم موح وهو بضم الميم وفتح الواو وتشديد الحاء المهملة الذي يقتل في الحال حتى لا يلزمه إلا نصف دية ( و ) زعم ( الولي سراية ) من قطع الجاني فعليه كل الدية فإن الأصح تصديق الولي بيمينه سواء أعين الجاني السبب أم أبهمه لأن الأصل عدم وجود سبب آخر وقدم هذا الأصل على أصل براءة الذمة لتحقق الجناية فإن قيل قياس ما تقدم في المسألة قبلها من تصحيح تصديق الولي أنه مات بسبب آخر بشرطه السابق تصديق الجاني هنا لأن الأصل عدم وجود سبب آخر
أجيب بأنا إنما صدقنا الولي ثم مع ما ذكر لأن الجاني قد اشتغلت ذمته ظاهرا بديتين ولم يتحقق وجود المسقط لإحداهما وهو السراية فكانت الإحالة على السبب الذي ادعاه الولي أقوى إذ دعواه قد اعتضدت بالأصل وهو شغل ذمة الجاني وإن عاد الجاني بعد قطع يده فقتله وادعى أنه قتله قبل الاندمال حتى تلزمه دية وادعى الولي أنه قتله بعده حتى يلزمه دية ونصف صدق الجاني بيمينه لأن الأصل عدم الاندمال ولو تنازع الولي وقاطع اليدين أو اليد في مضي زمن إمكان الاندمال صدق منكر الإمكان بيمينه لأن الأصل عدمه ولو قطع شخص أصبع آخر فداوى جرحه ثم سقطت الكف فقال المجروح تأكل من الجرح وقال الجاني من الدواء صدق المجروح بيمينه عملا بالظاهر إلا إن قال أهل الخبرة إن هذا الدواء يأكل اللحم الحي والميت فيصدق الجارح بيمينه
( ولو أوضحه موضحتين ورفع الحاجز ) بينهما والجميع عمد أو بشبهة أو خطأ ( وزعمه ) أي الرفع ( قبل اندماله ) أي الإيضاح حتى يجب أرش واحد وزعم الجريح أن الرفع بعد الاندمال حتى يجب أرش ثلاث موضحات ( صدق ) الجاني بيمينه ( إن أمكن ) عدم الاندمال بأن قصر الزمان لأن الظاهر معه ( وإلا ) بأن لم يمكن عدم الاندمال بأن طال الزمان ( حلف الجريح ) أنه بعد الاندمال ( وثبت ) له ( أرشان ) للموضحتين الأولى والثانية عملا بالظاهر في الحالين ( قيل و ) أرش ( ثالث ) لرفع الحاجز بعد الاندمال مال لأنه ثبت رفع الحاجز باعترافه وثبت الاندمال بيمين المجني عليه فحصلت وضحة ثالثة وأجاب الأول بأن حلفه دافع للنقص عن أرشين فلا يوجب أرشا آخر
تتمة لو قال المجني عليه أنا رفعت الحاجز أو رفعه آخر وقال الجاني بل أنا رفعته أو رفع بالسراية صدق المجني عليه بيمينه لأن الموضحتين موجبتان أرشين فالظاهر ثبوتهما واستمرارهما وإن قال الجاني لم أوضح إلا واحدة وقال المجني عليه بل أوضحت موضحتين وأنا رفعت الحاجز بينهما صدق الجاني بيمينه لأن الأصل براءة الذمة ولم يوجد ما يقتضي وجوب الزيادة
فصل في مستحق القصاص ومستوفيه ( الصحيح ) المنصوص ( ثبوته ) أي القصاص في النفس ابتداء لا تلقيا من القتيل ( لكل وارث ) خاص من ذوي الفروض والعصبة أي يرثه جميع الورثة لا كل فرد فرد من الورثة
____________________
(4/39)
كما يوهمه كلامه وإلا لجاز انفراد الواحد منهم بالقصاص وليس مرادا ويقسم القصاص بين الورثة على حسب إرثهم لأنه حق يورث فكان كالمال فلو خلف قتيل زوجته ابنا كان لها الثمن وللابن الباقي والثاني يثبت للعصمة الذكور خاصة لأن القصاص لرفع العار فاختص بهم كولاية النكاح والثالث يستحقه الوارثون بالنسب دون السبب لانقطاعه بالموت فلا حاجة إلى التشفي
أما قصاص الطرف إذا مات مستحقه فإنه يثبت لجميع الورثة قطعا
قال البلقيني ويحتمل جريان الخلاف الذي في النفس فيه لكنهم لم يذكروه
تنبيه قد سبق أن المجروح إذا ارتد ومات بالسراية فنفسه هدر ويستوفي جرحه قريبه المسلم مع أنه غير وارث وخرج بالوارث الخاص العام فإن فيه قولين هل يقتص أو لا وأظهرهما أنه يقتص وعليه فيقتص الإمام مع الوارث غير الحائز وله أن يعفو على مال إن رأى المصلحة في ذلك وقياس توريث ذوي الأرحام في غير القصاص أن يقال به فيه أيضا ومحل ثبوته للورثة في غير قطع الطريق أما فيه فالقصاص حتى يتم بشرطه الآتي في باب قاطع الطريق ويتعلق بالإمام دون الورثة
( وينتظر ) حتما في غير قاطع الطريق ( غائبهم ) إلى حضوره أو إذنه ( وكمال صبيهم ) ببلوغه عاقلا ( و ) كمال ( مجنونهم ) بإفاقته لأن القصاص للتشفي فحقه التفويض إلى خيرة المستحق فلا يحصل باستيفاء غيره من ولي أو حاكم أو بقية الورثة ولو حكم للكبير حاكم باستيفاء القصاص لم ينقض حكمه في أصح الوجهين حكاهما والد الروياني عن جده وإذا كان الصبي والمجنون فقيرين محتاجين للنفقة جاز لولي المجنون غير الوصي العفو على الدية دون ولي الصبي على الأصح في الروضة في كتاب اللقيط لأن الصبي غاية تنتظر بخلاف المجنون
وقيل يجوز للولي في الصبي أيضا وجرى عليه في التنبيه وأقره عليه المصنف في تصحيحه ونبهت في شرحه على ضعفه
أما في قاطع الطريق فلا ينتظر ما ذكر كما قاله الزركشي فإنه لا يصح العفو عنه ( ويحبس القاتل ) أو القاطع حتما كما جزم به الماوردي و الروياني إلى أن يزول المانع حفظا لحق المستحق لأنه استحق قتله وفيه إتلاف نفس ومنفعة فإذا تعذر استيفاء نفسه أتلفنا منفعته بالحبس ولا يحتاج الحاكم في حبسه بعد ثبوت القتل عنده إلى إذن الولي والغائب كما قاله الروياني وغيره ( ولا يخلى بكفيل ) لأنه قد يهرب فيفوت الحق
تنبيه محل الحبس في غير قاطع الطريق أما فيه فالقصاص متحتم بشرطه فلا يؤخر
( ولينفقوا ) أي مستحقو القصاص المكلفون الحاضرون ( على مستوف ) له منهم أو من غيرهم وليس لهم أن يجتمعوا على مباشرة استيفائه لأن فيه زيادة تعذيب للجاني ويؤخذ من العلة أن لهم ذلك إذا كان القصاص بنحو إغراق أو تحريق وهو كذلك كما صرح به البلقيني
تنبيه يشترط في المستوفي الذي يتفقون عليه أن يكون مسلما إذا كان المقتول مسلما وأن لا يكون من المستحقين للقصاص إذا كان القصاص في طرف بل يتعين توكيل أجنبي إذا لم يأذن الجاني كما سيأتي ( وإلا ) بأن لم يتفقوا على مستوف بل أراد كل منهم أو بعضهم أن يستوفيه بنفسه ( فقرعة ) بينهم واجبة كما قاله الروياني لعدم المزية فمن خرجت قرعته تولاه بإذن الباقين بعدها بخلاف نظيره في التزويج فإن من خرجت قرعته من الأولياء يزوج ولا يحتاج إلى إذنهم بعدها لأن القصاص مبني على الدرء والإسقاط ولجميعهم ولبعضهم تأخيره كإسقاطه والنكاح لا يجوز تأخيره عند الطلب
تنبيه محل وجوب القرعة إذا كان القصاص بجارح أو مثقل يحصل به زيادة تعذيب فإن كان بإغراق أو تحريق أو رمي صخرة أو نحو ذلك فللورثة الاجتماع عليه كما مر ولا حاجة للقرعة وعلى وجوب القرعة ( يدخلها العاجز ) عن الاستيفاء كشيخ وامرأة لأنه صاحب كالقادر ( ويستنيب وقيل ) وهو الأصح عند الأكثرين كما في الروضة ( لا يدخل ) وصححه في الشرح الصغير ونص عليه في الأم
وقال البلقيني إنه هو المعتمد في الفتوى
وقال الروياني في
____________________
(4/40)
البحر إن الأول غلط لأنها للاستيفاء فيختص بأهله وعلى هذا لو خرجت لقوي فعجز قبل الاستيفاء أعيدت للباقين
تنبيه ظاهر كلامهم في المرأة تخصيصها بالعاجزة فلو كانت قوية جاز لها الاستيفاء وبه صرح القاضي
( ولو بدر ) أي أسرع ( أحدهم ) أي المستحقين للقصاص ( فقتله ) أي الجاني قبل العفو ( فالأظهر ) أنه ( لا قصاص ) عليه لأن له حقا في قتله فيدفع حقه العقوبة عنه كما إذا وطىء أحد الشريكين الأمة المشتركة لا يلزمه الحد ( وللباقين ) من المستحقين ( قسط الدية ) لفوات القصاص بغير اختيارهم ( من تركته ) أي الجاني لأن المبادر فيما وراء حقه كالأجنبي
ولو قتله أجنبي أخذ الورثة الدية من تركة الجاني لا من الأجنبي فكذا هنا ولو ورث الجاني على المبادر قسط ما زاد على قدر حصته من الدية ( وفي قول من المبادر ) لأنه أتلف ما يستحقه هو وغيره فيلزمه ضمان حق غيره وفي قول مخرج أنهم بالخيار ومقابل الأظهر عليه القصاص لأنه استوفى أكثر من حقه فأشبه ما لو استحق طرفا فاستوفى نفسا وعلى هذا إذا اقتص منه استحق ورثته قسطه من تركة الجاني كالباقين
تنبيه محل الخلاف ما إذا علم تحريم القتل ولم يحكم حاكم له بقصاص ولا منع فإن جهله أو حكم له به حاكم فلا قصاص قطعا أو حكم حاكم بمنعه من القصاص فعليه القصاص جزما وفيمن يحمل الدية إذا قتله المبادر جاهلا بالتحريم قولان أوجههما كما قاله بعض المتأخرين أنها على العاقلة
( وإن بادر بعد عفو غيره ) من المستحقين ( لزمه القصاص ) في الأصح سواء أعلم بعفو غيره أم لا لارتفاع الشبهة لأن حقه من القود سقط بعفو غيره
فإن قيل الوكيل إذا اقتص جاهلا بالعزل لا قصاص عليه فهلا كان هنا كذلك
أجيب بأن الوكيل يجوز له الإقدام بغير إذن ولا يجوز لأحد الورثة الإقدام بعد خروج القرعة إلا بإذن منهم
تنبيه بادر لغة في بدر ( وقيل لا ) قصاص عليه ( إن لم يعلم ) بعفو غيره ( و ) لم ( يحكم قاض به ) أي بنفي القصاص عن المبادر وظاهر عبارته اختصاص جريان هذا الوجه بانتفاء العلم والحكم معا وليس مرادا بل أحدهما كاف إلا أن يحمل على أن الواو في كلامه بمعنى أو فيصح ويوجه عدم القصاص في نفيهما أو العلم فقط بعدم العلم وفي نفي الحكم بشبهة اختلاف العلماء فإن منهم من ذهب إلى أن لكل وارث من الورثة الانفراد باستيفاء القصاص
تنبيه أفهم كلامه أن الخلاف وجهان مع أنه قولان كما صوبه الزركشي وأفهم أيضا لزوم القصاص في صورة الجهل بالعفو وهو الظاهر وإن لم يصرح فيها في الروضة بتصحيح وأفهم أيضا لزوم القصاص جزما بعد العلم بالعفو وحكم الحاكم بالسقوط وبه صرح في الروضة وأصلها وإذا اقتص منه للجاني فنصيبه لورثته في تركة الجاني فإن عفا عنه وارث الجاني عمل بمقتضى العفوين من وجوب المال وعدمه ( ولا يستوفي قصاص ) في نفس أو غيرها ( إلا بإذن الإمام ) فيه لخطره ولأن وجوبه يفتقر إلى اجتهاد لاختلاف الناس في شرائط الوجوب والاستيفاء
تنبيه المراد بالإمام هنا الأعظم أو نائبه وكذا القاضي كما صرح به الماوردي واقتضاه كلام الرافعي في باب أدب القضاء
فإنه ذكر أن القاضي يستفيد بولايته إقامة الحدود وظاهر كلام المصنف أنه لا يشترط حضور الإمام بل يكفي إذنه وهو كذلك لكن يسن حضوره أو نائبه وحضور شاهدين وأعوان السلطان وأمر المقتص منه بما عليه من صلاة يومه وبالوصية بماله وعليه وبالتوبة والرفق في سوقه إلى موضع الاستيفاء وستر عورته وشد عينيه وتركه ممدود العنق وكون السيف صارما إلا إن قتل بكال فيقتص به
ويشترط أن لا يكون السيف مسموما ويستثنى من اعتبار إذن الإمام صور إحداها السيد فإنه يستوفي القصاص من رقيقه على الأصح كما اقتضاه كلام الشيخين
ثانيها إذا انفرد بحيث لا يرى كما بحثه ابن عبد السلام وفي معناه كما قال الزركشي ما إذا كان بمكان لا إمام فيه ويوافقهما قول الماوردي أن من وجب له على شخص حد قذف أو تعزير وكان ببادية بعيدة عن السلطان له استيفاؤه إذا قدر
____________________
(4/41)
عليه بنفسه ثالثها إذا كان المستحق مضطرا فله قتله قصاصا وأكله قال الرافعي في بابه
( فإن استقل ) مستحق القصاص بالاستيفاء في غير ما استثنى اعتد به لأنه استوفى حقه و ( عزر ) لافتياته على الإمام ويؤخذ من ذلك أنه إذا كان جاهلا بالمنع أنه لا يعزر وهو ظاهر كما بحثه الزركشي لأنه مما يخفى
ولو قتل الجاني بكال ولم تكن الجناية بمثله أو بمسموم كذلك عزر وإن استوفى طرفا بمسموم فمات لزمه نصف الدية من ماله فإن كان السم موحيا لزمه القصاص ( ويأذن ) الإمام أو من ذكر معه ( لأهل ) من مستحقي القصاص في استيفائه بنفسه ( في نفس ) إذا طلب ذلك ليكمل له التشفي واحترز بالأهل عن غيره كالشيخ والزمن والمرأة فإن الإمام يأمره أن يستنيب لما في استيفائه بنفسه من التعذيب وعما إذا قتل ذمي ذميا ثم أسلم القاتل فإنه لا يمكن الوارث الذمي من القصاص فإنه غير أهل في الاستيفاء من مسلم لئلا يتسلط كافر على مسلم ويأذن له في الاستنابة ويؤخذ من ذلك أنه لا يصح أن يوكل المسلم ذميا في الاستيفاء من مسلم وبه صرح الرافعي في كتاب البغاة وألحق به الشيخ عز الدين عدو الجاني لما يخشى منه من الحيف و ( لا ) يأذن لأهل ( في طرف في الأصح ) المنصوص لأنه لا يؤمن منه الحيف بترديد الآلة مثلا فيسري أو يزيد في التعذيب والثاني يأذن له كالنفس لأن إبانة الطرف مضبوطة ولا يأذن أيضا في حد قذف فإن تفاوت الضربات كثير وهو حريص على المبالغة فلو فعل لم يجز كما في التعزير
تنبيه سكت المصنف عن المنافع وحكمها حكم الطرف فإذا قلع عينه لم يمكن من الاستيفاء بالقلع بل يؤمر بالتوكيل فيه كما ذكره في التنبيه وأقره المصنف عليه في التصحيح ( فإن أذن ) من مر لأهل في الاستيفاء ( في ضرب رقبة فأصاب غيرها ) كأن ضرب كتفه ( عمدا ) بأن اعترف به ( عزر ) لتعديه ( ولم يعزله ) الإمام في الأصح لوجود الأهلية وإن تعدى بفعله وقيل يعزله لأنه لا يؤمن أن يتعدى ثانيا ( ولو قال أخطأت وأمكن ) الخطأ عادة كأن ضرب رأسه مما يلي الرقبة ( عزله ) لأن حاله يشعر بعجزه فلا يؤمن أن يخطىء ثانيا ( ولم يعزر ) بضم أوله إن حلف أنه أخطأ لعدم تعديه واحترز بأمكن عما إذا ادعى الخطأ فيما لا يقع الخطأ بمثله كما إذا ضرب رجله أو وسطه فإنه يلتحق بالعمد
تنبيه ما أطلقه المصنف من العزل مخصوص كما قال الإمام بمن لم تعرف مهارته في ضرب الرقاب
أما هو فلا يعزل لخطأ اتفق له ( وأجرة الجلاد ) في الحدود والقصاص وهو المنصوب لاستيفائهما وصف بأغلب أوصافه ولو عبر بالمقتص لكان أولى لأن الكلام في استيفاء القصاص لا في جلد محدود ( على الجاني ) الموسر ( على الصحيح ) المنصوص إن لم ينصب الإمام جلادا ويرزقه من مال المصالح لأنها مؤونة حق لزمه أداؤه كأجرة كيال المبيع على البائع ووزن الثمن على المشتري فإن نصبه فلا أجرة على الجاني وإن كان معسرا اقترض له الإمام على بيت المال أو استأجره بأجرة مؤجلة أي على بيت المال أيضا أو سخر من يقوم به على ما يراه والثاني هي في الحد في بيت المال وفي القصاص على المقتص والواجب حينئذ على الجاني التمكين
تنبيه قد يفهم كلام المصنف أنه لو قال الجاني أنا أقتص من نفسي ولا أؤدي الأجرة لا يجاب وهو الأصح لفقد التشفي فإن أجيب وفعل أجزأ في أصح الوجهين كما قاله الأذرعي لحصول الزهوق وإزالة الطرف بخلاف الجلد لا يجزىء لأنه قد لا يؤلم نفسه ويوهم الإيلام فلا يتحقق حصول المقصود ولو أذن الإمام للسارق في قطع يده جاز وإن قال الدميري الصحيح أنه لا يمكن من قطع يد نفسه فقد نسب للسهو ويجزىء عن الحد وإن خالف الرافعي في الباب الثاني من أبواب الوكالة لأن الغرض منه التنكيل وهو يحصل بذلك بخلاف الزاني والقاذف لا يجوز فيه ذلك ولا يجزىء لما مر
( ويقتص ) المستحق ( على الفور ) أي يجوز له ذلك في النفس جزما وفي الطرف على
____________________
(4/42)
المذهب لأن القصاص موجب الإتلاف فيتعجل كقيم المتلفات والتأخير أولى لاحتمال العفو ( و ) يقتص ( في الحرم ) لأنه قتل لو وقع في الحرم لم يضمن فلا يمنع منه كقتل الحية والعقرب وسواء التجأ إليه أم لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح قيل له إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه
وفي الصحيحين إن الحرم لا يعيذ فارا بدم ولأن القصاص على الفور فلا يؤخر
تنبيه يستثنى من قوله على الفور ما لو التجأ إلى الكعبة أو المسجد الحرام أو غيره من المساجد كما قاله الإمام أو ملك إنسان فيخرج منه ويقتل صيانة للمسجد ولأنه يمتنع استعمال ملك الغير بغير إذنه لأن التأخير المذكور يسير
وظاهر كلام الرافعي أن الاستيفاء في المسجد حرام وهو كذلك إن خيف التلويث وإلا فمكروه كما قاله المتولي وكذا لو التجأ إلى مقابر المسلمين ولم يمكن قتله إلا بإراقة الدم عليها كما قال البلقيني ( و ) يقتص في ( الحر والبرد والمرض ) وإن كان مخطرا وكذا لا يؤخر الجلد في القذف
تنبيه شمل إطلاقه قصاص الطرف وهو ما نقلاه عن قطع الغزالي و البغوي وغيرهما وما نقل عن نص الأم من أنه يؤخر محمول على الندب بخلاف قطع السرقة والجلد في حدود الله تعالى لأن حقوق الله تعالى مبنية على التخفيف وللمجني عليه أن يقطع الأطراف متوالية ولو فرقت من الجاني لأنها حقوق واجبة في الحال ( وتحبس الحامل ) عند طلب المستحق حبسها ( في قصاص النفس أو الطرف ) أو المعنى أو حد القذف كما هو مقتضى كلام ابن المقري ( حتى ) تضع ولدها و ( ترضعه اللبأ ) وهو بهمز وقصر اللبن أول الولادة ولا بد من انقضاء النفاس كما قاله ابن الرفعة ( ويستغنى ) ولدها ( بغيرها ) من امرأة أخرى أو بهيمة يحل لبنها ( أو فطام حولين ) إن فقد ما يستغني الولد به هذا كالمستثنى من فورية القصاص
أما تأخيرها إلى الوضع في قصاص النفس فبالإجماع كما قاله القاضي أبو الطيب ولأنه اجتمع فيها حقان حق الجنين وحق الولي في التعجيل ومع الصبر يحصل استيفاء الجنين فهو أولى من تفويت أحدهما
وأما في قصاص الطرف أو المعنى أو حد القذف فلأن في استيفائه قد يحصل إجهاض الجنين وهو متلف له غالبا وهو بريء فلا يهلك بجريمة غيره ولا فرق بين أن يكون الجنين من حلال أو حرام ولا بين أن يحدث بعد وجوب العقوبة أو قبلها حتى أن المرتدة لو حملت من الزنا بعد الردة لا تقتل حتى تضع حملها
وأما تأخيرها لإرضاع اللبأ فلأن الولد لا يعيش إلا به محققا أو غالبا مع أن التأخير يسير
وأما تأخيرها للاستغناء بغيرها فلأجل حياة الولد أيضا فإنه إذا وجب التأخير لوضعه فوجوبه بعد وجوده وتيقن حياته أولى
ويسن صبر الولي بالاستيفاء بعد وجود مرضعات يتناوبنه أو لبن شاة أو نحوه حتى توجد امرأة راتبة مرضعة لئلا يفسد خلقه ونشؤه بالألبان المختلفة ولبن البهيمة وتجبر المرضعة بالأجرة فلو وجد مراضع وامتنعن أجبر الحاكم من يرى منهن بالأجرة
تنبيه قوله أو فطام حولين محله إذا تضرر بفطمه قبلهما ولم يتضرر به عندهما وإلا فعل ما لا يتضرر به من نقص في الأولى مع توافق الأبوين أو رضا السيد في ولد الأمة وزيادة في الثانية فالتقييد بالحولين كما قال ابن الرفعة نظرا للغالب وهذا الحبس متعلق بنظر المستحق فلا يحبسه الحاكم بغير طلب بخلاف الحبس لانتظار الغائب وكمال الصبي والمجنون فإنه متعلق بالحاكم فيحبسه وإن لم يطلب المستحق
فروع لو بادر المستحق وقتلها بعد انفصال الولد قبل وجود ما يغنيه فمات لزمه القود فيه كما لو حبس رجلا ببيت ومنعه الطعام حتى مات فإن قتلها وهي حامل ولم ينفصل حملها أو انفصل سالما ثم مات فلا ضمان عليه لأنه لا يعلم أنه مات بالجناية فإن انفصل ميتا فالواجب فيه غرة وكفارة أو متألما ثم مات فدية وكفارة لأن الظاهر أن تألمه وموته من موتها والدية والغرة على عاقلته لأن الجنين لا يباشر بالجناية ولا تتيقن حياته فيكون هلاكه خطأ أو شبه عمد بخلاف الكفارة فإنها في ماله وإن قتلها الولي بأمر الإمام كان الضمان على الإمام علما بالحمل أو جهلا أو علم الإمام
____________________
(4/43)
وحده لأن البحث عليه وهو الآمر به والمباشر كالآلة لصدور فعله عن رأيه وبحثه وبهذا فارق المكره حيث يقتص منه فإن علم الولي دونه فالضمان عليه لاجتماع العلم مع المباشرة ولو قتلها جلاد الإمام جاهلا فلا ضمان عليه أو عالما فكالولي يضمن إن علم دون الإمام وما ضمنه على عاقلته كالولي وإن قال ابن المقري إنه من ماله فإن علم بالحمل الإمام والجلاد والولي فالقياس على ما مر كما قاله الإسنوي أن الضمان على الإمام هنا أيضا خلافا لما مر في الروضة من أنها عليهم أثلاثا وحيث ضمنا الإمام الغرة فهي على عاقلته كما قاله الرافعي وهو قياس ما مر كما قاله الإسنوي خلافا لما في الروضة من أنها في ماله
وليس المراد بالعلم بالحمل حقيقة الحال بل المراد ظن مؤكد بمخايله ولو ماتت الأم في حد أو نحوه من العقوبة بألم الضرب لم تضمن لأنها تلفت بحد أو عقوبة عليها وإن ماتت بألم الولادة فهي مضمونة بالدية أو بهما فنصفها واقتصاص الولي منها جاهلا برجوع الإمام عن إذنه له في قتلها كوكيل جهل عزل موكله أو عفوه عن القصاص وسيأتي
( والصحيح ) المنصوص في الأم ( تصديقها في حملها ) إذا أمكن حملها عادة ( بغير مخيلة ) لقوله تعالى { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } أي من حمل أو حيض ومن حرم عليه كتمان شيء وجب قبوله إذا أظهره كالشهادة ولقوله صلى الله عليه وسلم قول الغامدية في ذلك بل قال الزركشي ينبغي أن يقال بوجوب الإخبار عليها بذلك لحق الجنين وقد حكى داود وجها فيما إذا لم تخبر به وقتلت أن الضمان يجب على عاقلتها وهو غريب اه
والثاني لا تصدق لأن الأصل عدم الحمل وهي متهمة بتأخير الواجب فلا بد من بينة تقوم على ظهور مخايله أو إقرار المستحق كما صرح به في الروضة وأصلها
وعلى الأول هل تحلف أو لا رأيان أوجههما الأول كما صرح به الماوردي وجزم به ابن قاضي عجلون في تصحيحه على هذا الكتاب لأن لها غرضا في التأخير
وقال الإسنوي المتجه الثاني لأن الحق لغيرها وهو الجنين
قال الإمام ولا أدري الذي يصدقها يقول بالصبر إلى انقضاء مدة الحمل أم إلى ظهور المخايل والأرجح الثاني فإن التأخير أربع سنين من غير ثبت بعيد اه
لا بعد في ذلك فإن الزوج ما دام يغشاها فاحتمال الحمل موجود وإن زادت المدة على أربع سنين
وقال الدميري ينبغي أن يمنع الزوج من الوطء لئلا يقع حمل يمنع استيفاء ولي الدم أما إذا لم يمكن حملها عادة كآيسة فلا تصدق كما نقله البلقيني عن النص فإن الحس يكذبها وخرج بقصاص النفس وما ذكر معه من حدود الله تعالى فلا تحبس لها ولا تستوفي أيضا مع وجود المرضعة بل ترضعه هي ولا بعد الرضاع حتى يوجد له كافل
( ومن قتل بمحدد ) كسيف أو بمثقل كحجر ( أو خنق ) بكسر النون عن الجوهري وبسكونها عن خاله الفارابي وتبعه المصنف في تحريره مع تجويز فتح الخاء وكسرها ومعناه عصر الحلق ( أو تجويع ونحوه ) كتغريق أو تحريق أو إلقاء من شاهق ( اقتص به ) أي اقتص الولي بمثله فإن المماثلة معتبرة في الاستيفاء لقوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقوله تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم رض رأس يهودي بين حجرين وكان قد قتل جارية بذلك وروى البيهقي مرفوعا ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه ولأن المقصود من القصاص التشفي وإنما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل وحديث النهي عن المثلة محمول على من وجب قتله لا على وجه المكافأة
تنبيه قوله اقتص به أي له ذلك لا أنه يتعين فلو عدل إلى السيف جاز جزما كما ذكره بعد وكما تراعى المماثلة في طريق القتل تراعى في الكيفية والمقدار ففي التجويع يحبس مثل تلك المدة ويمنع الطعام وفي الإلقاء في الماء أو النار يلقى في ماء ونار ومثلهما ويترك تلك المدة وتشد قوائمه عند الإلقاء في الماء إن كان يحسن السباحة وفي الخنق يخنق بمثل تلك المدة وفي الإلقاء من الشاهق يلقى من مثله وتراعى صلابة الموضع وفي الضرب بالمثقل يراعى الحجم وعدد الضربات وإذا تعذر الوقوف على قدر الحجر أو النار أو على عدد الضربات أخذ باليقين وقيل يعدل إلى السيف هذا إذا عزم على أنه إن لم يمت بذلك قتله فإن قال فإن لم يمت به عفوت عنه لم يمكن كما قاله المتولي
____________________
(4/44)
وغيره لما فيه من التعذيب
( أو ) قتل ( بسحر فبسيف ) يقتل لأن عموم السحر حرام لا شيء مباح فيشبهه ولا ينضبط وتختلف تأثيراته
وفي الخبر حد الساحر ضربة بالسيف رواه الترمذي
تنبيه هذه المسألة مستثناة من القاعدة المتقدمة لما ذكر وكذا قوله ( وكذا خمر ) يقتل غالبا قتل جان بها كأن أوجرها المجني عليه فبسيف يقتل الجاني ( ولواط ) يقتل غالبا كأن لاط بصغير فبسيف يقتل اللائط ( في الأصح ) فيهما وعبر في الروضة بالصحيح لأن المماثلة ممتنعة لتحريم الفعل فيتعين السيف والثاني في الخمر يوجر مائعا كخل أو ماء وفي اللواط يدس في دبره خشبة قريبة من آلته ويقتل بها وفي معنى اللواط ما لو جامع صغيرة فقتلها كما في المحرر ولكن يتعين في هذه العدول إلى السيف قطعا قاله الزركشي
تنبيه كلام المصنف مشعر باختصاص المماثلة بالنفس وليس مرادا بل يعتبر في الطرف أيضا إن أمكن كما في الروضة وأصلها فإن لم يمكن كأن أبان طرفه بحجر فلا يستوفي إلا بالسيف
فروع لو أوجر بولا فكالخمر فيما ذكر أو ماء نجسا أوجر ماء طاهرا ذكره في أصل الروضة وإن أغرقه بالملح جاز تغريقه في العذب دون عكسه وإن لم تأكل الحيتان الأول ففي جواز إلقاء الثاني لتأكله وجهان أقربهما عدم الجواز ولو قتله بمسموم من طعام أو آلة اقتص منه بمثله إذا لم يكن مهريا يمنع الغسل ولو أنهشه حية فهل يقاد بمثلها وجهان في الحاوي
قال فإن كانت تلك الحية موجودة لم يعدل إلى غيرها أي إذا قلنا تنهشه وهو الظاهر ولو رجع شهود الزنا بعد رجم المشهود عليه اقتص منهم بالرجم كما ذكره الرافعي أو بعد موته بالجلد اقتص منهم بالجلد كما في فتاوى البغوي
( ولو جوع ) أو حرق أو غرق ( كتجويعه ) أو تحريقه أو تغريقه أي كمدة ذلك ( فلم يمت ) من ذلك الجنس ( زيد ) فيه حتى يموت ليكون قتله بالطريق التي قتل به ولا يبالي بزيادة الإيلاء والتعذيب كما لو ضرب رقبة إنسان بضربة واحدة ولم تنحز رقبته إلا بضربتين وهذا ما صححه المصنف هنا وفي تصحيح التنبيه تبعا للمحرر ( وفي قول السيف ) يقتل به وهذا هو الأصح كما نص عليه في الأم والمختصر وقال القاضي الحسين إن الشافعي لم يقل بخلافه ولم يختلف مذهب الشافعي فيه وجرى عليه جمع من الأصحاب
وصوبه البلقيني وغيره لأن المماثلة قد حصلت ولم يبق إلا تفويت الروح فيجب تفويتها بالأسهل ولم يصرحا في الروضة ولا الرافعي في الشرحين بترجيح واحد من القولين ( ومن عدل ) عما تجوز فيه المماثلة ( إلى سيف فله ) سواء أرضي الجاني أم لا لأنه أوحى وأسهل بل هو أولى للخروج من الخلاف
تنبيه المراد بالعدول إلى السيف حيث ذكر حز الرقبة على المعهود فلو عدل إلى ذبحه كالبيهمة لم يجز لهتكه الحرمة وحمله بعضهم على ما إذا لم يكن القاتل قد فعل ذلك
أما عكس ما ذكره المصنف بأن كان الجاني قتل بالسيف ويريد ولي المقتول قتل الجاني بغيره فإنه لا يمكن من ذلك ( ولو ) قتله بجرح ذي قصاص كأن ( قطع ) يده ( فسرى ) قطعه للنفس ( فللولي حز رقبته ) ابتداء لأنه أسهل على الجاني من القطع ثم الحز ( وله القطع ) للمماثلة ( ثم الحز ) للرقبة حالا للسراية ولا يجاب الجاني إذا قال لولي المجني عليه أمهلني مدة بقاء المجني عليه بعد جنايتي لثبوت حق القصاص ناجزا ( وإن شاء ) الولي أخر و ( انتظر السراية ) بعد القطع وليس للجاني أن يقول لولي المقتول أرحني بالقتل أو العفو بل الخيرة إلى المستحق
تنبيه ظاهر إطلاقه كالروضة وأصلها أن للولي في صورة السراية قطع العضو بنفسه وإن منعناه من القتل حيث لا سراية وهو كذلك كما مرت الإشارة إليه عند قول المصنف ويقتص على الفور وأفهم تعبيره بقطع إن محل الحكم المذكور في جراحة سارية يشرع فيها القصاص كما قدرته في كلامه وهو احتراز عن جراحة الجائفة
____________________
(4/45)
المذكور حكمها في قوله ( ولو مات بجائفة أو كسر عضد ) أو نحو ذلك مما لا قصاص فيه ككسر ساعد ( فالحز ) فقط للولي لأن المماثلة لا تتحقق في هذه الحالة بدليل عدم إيجاب القصاص في ذلك عند الاندمال فتعين السيف وهذا ما صححه المصنف هنا تبعا للمحرر ( وفي قول ) أن للولي أن يفعل بالجاني ( كفعله ) تحقيقا للمماثلة في فعله وهذا هو الأصح كما صححه المصنف في تصحيح التنبيه ونقله في الروضة عن ترجيح الأكثرين ووقع في المحرر نسبة الأول إلى الأكثرين فتبعه المصنف
قال ابن شهبة والظاهر أنه سبق قلم وكأنه أراد أن يقول الثاني فقال الأول
تنبيه محل الخلاف عند الإطلاق
أما إذا قال أجيفه وأقتله إن لم يمت فله ذلك قطعا فإن قال أجيفه أو ألقيه من شاهق ثم أعفو لم يمكن من ذلك فإن أجاف بقصد العفو عزر وإن لم يعف لتعديه ولا يجبر على قتله ( فإن لم يمت ) على القول الثاني كما أشار إليه المصنف بعطفه بالفاء ( لم تزد الجوائف في الأظهر ) لاختلاف تأثيرها باختلاف محالها بل تحز رقبته
والثاني تزاد حتى يموت ليكون إزهاق الروح قصاصا بطريق إزهاقها عدوانا
تنبيه كلام الرافعي يفهم أن معنى الزيادة على هذا الرأي أن يجاف بموضع آخر
وفي التتمة وغيرها أن معناه أن توسع الجائفة حتى يموت
( ولو اقتص مقطوع ) أي مقطوع عضو فيه نصف الدية من قاطعه ( ثم مات ) المقطوع الأول ( سراية فلوليه حز ) لرقبة القاطع في مقابلة نفس مورثه ( وله عفو بنصف دية ) واليد المستوفاة مقابلة بالنصف الآخر وإن مات الجاني حتف أنفه أو قتله غير الولي تعين نصف الدية في تركة الجاني ( ولو قطعت يداه فاقتص ) المقطوع ( ثم مات ) سراية ( فلوليه الحز ) لرقبة الجاني في مقابلة نفس مورثه ( فإن عفا ) عن حزها ( فلا شيء له ) لأنه استوفى ما يقابل الدية بقصاص اليدين
تنبيه محل ما ذكر عند استواء الديتين فلو نقصت دية القاطع كأن قطع ذمي يد مسلم أو يديه فاقتص منه ومات المسلم سراية وعفا وليه عن النفس بالبدل فله في الأولى خمسة أسداس دية لأن المستحق استوفى ما يقابل سدسها وفي الثانية ثلثاها لأن المستحق استوفى ما يقابل ثلثها صححه في الروضة وأصلها في باب العفو ولو قطعت امرأة يد رجل أو يديه فاقتص منها ثم مات الرجل فعفا وليه عن النفس بالبدل فله في الأولى ثلاثة أرباع الدية لأن المستحق استوفى ما يقابل ربعها وفي الثانية نصفها لأن المستحق استوفى ما يقابل نصفها
قال ابن النقيب وقياس ذلك في عكس المسألة إذا قطع رجل يد امرأة فاقتصت ثم ماتت سراية فعفا وليها على مال أنه لا شيء له
قال ولم أره مسطورا اه
وهذا ظاهر لأنها استوفت ما يقابل ديتها
ولو قطع عبد يد حر فاقتص منه ثم عتق فمات الحر بالسراية سقط من ديته نصف قيمة العبد ولزم السيد الأقل من القيمة وباقي الدية إذ عنقه اختيار للفداء
( ولو مات جان ) سراية ( من قطع قصاص فهدر ) نفسه لقوله تعالى { ولمن انتصر بعد ظلمه } الآية
وروى البيهقي عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما من مات في حد أو قصاص فلا دية له والحق قتله ولأنه مات من قطع مستحق فلا يتعلق بسرايته ضمان كقطع يد السارق ( وإن ماتا ) أي الجاني بالقصاص منه والمجني عليه بالجناية ( سراية معا أو سبق المجني عليه ) أي سبق موته موت الجاني ( فقد اقتص ) أي حصل قصاص اليد بقطع يد الجاني والسراية بالسراية ولا شيء على الجاني لأن السراية لما كانت كالمباشرة في الجناية وجب أن تكون كذلك في الاستيفاء ( وإن تأخر ) موت المجني عليه من موت الجاني سراية ( فله ) أي لولي المجني عليه ( نصف الدية ) في تركة الجاني ( في الأصح ) إذا استويا
____________________
(4/46)
دية والثاني لا شيء له لأن الجاني مات سراية بفعل المجني عليه فحصلت المقابلة ودفع بأن القصاص لا يسبق الجناية فإن ذلك يكون في معنى السلم في القصاص وهو ممتنع
تنبيه لو كان ذلك في قطع يديه مثلا لم يستحق شيئا لأنه قد استوفى ما يقابل النفس أو في موضحة وجب تسعة أعشار الدية ونصف عشرها وقد أخذ المجني عليه بقصاص الموضحة نصف العشرة وقس على ذلك
ثم اعلم أن هذه المسألة الآتية تسمى مسألة الدهشة وللمخرج فيها أحوال
الحال الأول أن يقصد الإباحة كما نبه على ذلك بقوله ( ولو قال ) مكلف ( مستحق ) قصاص ( يمين ) للجاني ( أخرجها ) أي يمينك ( فأخرج ) له ( يساره ) عالما بها وبعدم إجزائها ( وقصد إباحتها ) فقطعها وهو مكلف حر مستحق قصاص اليمين ( فمهدرة ) لا قصاص فيها ولا دية سواء أعلم القاطع أنها اليسار مع ظن الإجزاء أم لا جعلها عوضا عن اليمين أم لا لأن صاحبها بذلها مجانا وإن لم يتلفظ بالإباحة كما لو قال ناولني متاعك لألقيه في البحر فناوله فلا يجب ضمانه إذا ألقاه في البحر ويبقى قصاص اليمين إلا إذا مات المبيح أو ظن القاطع الإجزاء أو جعلها عوضا فإنه يعدل إلى الدية لأن اليسار وقعت هدرا وخرج بالمكلف المقدر في كلامه المجنون فإنه إذا أخرج يساره وقطعتها المقتص عالما بالحال وجب عليه القصاص وإن كان جاهلا وجب عليه الدية
وصورته أن يجني عاقلا ثم يجن وإلا فالمجنون حالة الجناية لا يجب عليه القصاص وبالحر المقدر في كلامه أيضا الرقيق فإنه لا تهدر يساره بإباحتها قطعا وفي سقوط القصاص إذا كان القاطع رقيقا وجهان في الروضة وأصلها في مسائل الإكراه بلا ترجيح ورجح البلقيني السقوط وهو الظاهر
تنبيه كلام المصنف يشعر بمباشرة المستحق للقطع مع أن الأصح عدم تمكينه من استيفاء القصاص في الطرف كما سبق
وصورها المتولي بما أذن له الإمام في استيفاء القصاص بنفسه
الحال الثاني أن يقصد المخرج جعلها عن اليمين كما نبه على ذلك بقوله ( وإن قال ) المخرج بعد قطعها ( جعلتها ) حالة الإخراج ( عن اليمين وظننت إجزاءها ) عنها ( فكذبه ) القاطع في هذا الظن وقال بل عرفت أنها اليسار وأنها لا تجزىء عن اليمين ( فالأصح لا قصاص في اليسار ) سواء قال القاطع ظننت أنه أباحها أو أنها اليمين أم علمت أنها اليسار وأنها لا تجزىء أو قطعها عن اليمين وظننت أنها تجزىء عنها لشبهة بذلها لأنا أقمنا ذلك مقام إذنه في القطع وهو لو قال لغيره اقطع يدي فقطعها لا قصاص عليه ( وتجب دية ) فيها لأنه لم يبذلها مجانا والثاني يجب القصاص وهو في الأولى احتمال للإمام وعبر في الروضة عن مقابله في الثانية بالمذهب وفي الثالثة بالأصح وفي الرابعة في الصحيح
تنبيه ما ذكره المصنف في هذه الحال الثاني ليس مطابقا لما في المحرر ولا الروضة وأصلها وعبارة المحرر ولو قال قصدت إيقاعها عن اليمين وظننتها تجزىء عنها وقال القاطع عرفت أن المخرج اليسار وأنها لا تجزىء فلا قصاص في الأصح ومراده عرفت بضم التاء للمتكلم
فظن المصنف أنها بفتح التاء للخطاب فعبر عنه بالتكذيب
قال ابن شهبة وهو غير صحيح لأمرين أحدهما أن هذا ليس موضع تنازعهما والذي في الروضة وغيرها في هذا القسم كله ظن القاطع أو علمه
الأمر الثاني أنه يقتضي أنه إذا صدقه يجب قصاص اليسار
والذي في الشرح والروضة في هذه الحالة أنه لا قصاص أيضا على الأصح
( ويبقى قصاص اليمين ) في الأولى قطعا وفي الثانية على المذهب وفي الثالثة على أصح الوجهين لأنه في الثلاثة لم يستوفه ولا عفا عنه
أما الرابعة فيسقط فيها ولكل دية ما قطع الآخر فلو سرى القطع إلى النفس وجب ديتها وتدخل فيها اليسار قاله في التتمة
الحال الثالث للمخرج أن يقول دهشت كما نبه على ذلك بقوله ( وكذا لو قال ) المخرج ( دهشت ) بضم أوله بخطه
ويجوز فتحه وكسر ثانيه من الدهشة وهي الحيرة ( فظننتها اليمين ) أو قال ظننته قال اخرج يسارك ( وقال
____________________
(4/47)
القاطع ) المستحق أيضا ( ظننتها اليمين ) فالمذهب لا قصاص في اليسار وتجب ديتها إلا إذا قال ظننت إباحتها أو دهشت أو علمت أنها لا تجزىء فإنه يلزمه قصاص اليسار
أما في الأولى فهو كمن قتل رجلا وقال ظننت أنه أذن في قتله ويفارق عدم لزومه فيما لو ظن إباحتها مع قصد المخرج جعلها عن اليمين بأن جعلها عن اليمين تسليط بخلاف إخراجها دهشة أو ظنا منه أنه قال أخرج يسارك
وأما في الثانية فلأن الدهشة لا تليق بحال القاطع
وأما في الثالثة فلأنه لم يوجد من المخرج تسليط ولا يسقط قصاص اليمين إلا إن قال ظننت أنها تجزىء عن اليمين أو قطعتها عوضا كما مر
تنبيه حيث أوجبنا الدية في اليسار في الصور المتقدمة فهي في ماله لأنه قطع معتمدا وكذا من قطع أنملتين بأنملة وقال أخطأت وتوهمت أني أقطع أنملة واحدة تجب دية الأنملة الزائدة في ماله لا على عاقلته لأن إقراره لا يسري عليها وإن اعترف بتعمده قطعت منه الأنملة الزائدة ويصدق بيمينه في أنه أخطأ لأنه أتلفها بتسليطه وإن لم يخرجها له وقطع يمينه لم يصح استيفاؤه لعدم أهليته ووجب لكل دية وسقطتا والقول قول المخرج يده فيما نوى لأنه أعرف بقصده
ثم هذا كله في القصاص فإن جرى في السرقة فقال الجلاد للسارق أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها فالمذهب المنصوص أنه يكتفي بما جرى للحد والفرق أن المقصود بالحد التنكيل وتعطيل الآلة الباطشة وقد حصل والقصاص مبني على المماثلة
فصل في موجب العمد في العفو ( موجب ) بفتح الجيم أي مقتضى ( العمد ) في نفس أو غيرها ( القود ) عينا وهو بفتح الواو القصاص لقوله تعالى { كتب عليكم القصاص في القتلى } وفي الحديث من قتل عمدا فهو قود رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بإسناد صحيح وسمي قودا لأنهم يقودون الجاني بحبل أو غيره إلى محل الاستيفاء ولأنه بدل متلف فتعين جنسه كسائر المتلفات ( والدية ) أو الأرش ( بدل عند سقوطه ) بعفو أو غيره كموت الجاني وكان ينبغي أن يزيد الأرش كما قدرته في كلامه ليشمل الجراحات
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن الدية بدل عن القود وبه صرح الدارمي وغيره
وقال الماوردي هي بدل عن النفس لا عن القود بدليل المرأة لو قتلت رجلا وجب عليها دية الرجل فلو كانت بدلا عن القود وجب عليها دية المرأة
وقال المتولي الواجب عند العفو دية المقتول لا دية القاتل
وجمع بعضهم بين الكلامين بأن القود بدل عن نفس المجني عليه وبدل البدل بدل
( وفي قول ) موجب العمد ( أحدهما مبهما ) وفي المحرر لا بعينه وهو القدر المشترك بينهما في ضمن أي معين منهما
وصحح المصنف هذا في تصحيح التنبيه ولا اعتماد عليه في المذهب وإن قال إنه الجديد
تنبيه محل الخلاف كما قاله ابن النقيب فيما إذا كان العمد يوجب القصاص فإن لم يوجبه كقتل الوالد ولده والمسلم الذمي فإن موجبه الدية جزما ومحلهما أيضا في عمد تدخله الدية ليخرج قتل المرتد مرتدا فإن الواجب فيه القود جزما ( وعلى القولين ) معا ( للولي عفو ) عن القود ( على الدية بغير رضا الجاني ) لما روى البيهقي عن مجاهد وغيره كان في شرع موسى صلى الله عليه وسلم تحتم القصاص جزما وفي شرع عيسى صلى الله عليه وسلم الدية فقط فخفف الله تعالى عن هذه الأمة وخيرها بين الأمرين لما في الإلزام بأحدهما من المشقة ولأن الجاني محكوم عليه فلا يعتبر رضاه كالمحال عليه والمضمون عنه ولو عفا عن عضو من أعضاء الجاني سقط كله كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها ولو عفا بعض المستحقين سقط أيضا وإن لم يرض البعض الآخر لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء ولا يؤثر فيه الجهل فلو قطع رقيق فعفا عنه سيده قبل معرفته بالعضو المعفو عنه صح العفو
قال الله تعالى { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } وروى البيهقي وغيره
____________________
(4/48)
لأن العفو مستحب فقد رغب الشارع فيه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ما رفع إليه قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو ( وعلى الأول ) وهو أن موجب العمد القود ( لو أطلق ) الولي ( العفو ) عن القود ولم يتعرض للدية بنفي أو إثبات ( فالمذهب لا دية ) لأن القتل لم يوجب الدية على هذا القول والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم
والثاني تجب لقوله تعالى { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } أي اتباع المال وذلك يشعر بوجوبه بالعفو وأجاب الأول بحمل الآية على ما إذا عفا على الدية
فإن قيل ما الفرق بين عبارة المصنف وعبارة الروضة وهي لو عفا عن القود مطلقا إلخ أجيب بأن الفرق بينهما أن هذه قيدت العفو بالإطلاق بخلاف عبارة المصنف فإنها تقتضيه لا بقيد فهي أعم
تنبيه محل الخلاف ما إذا أمكن ثبوت المال فإن لم يمكن كأن قتل أحد عبدي شخص عبده الآخر فللسيد أن يقتص وأن يعفو ولا يثبت له على عبده مال فإن أعتقه لم يسقط القصاص فإن عفا السيد بعد العتق مطلقا لم يثبت المال جزما أو على مال ثبت كما في الروضة وأصلها آخر الباب
ونفي المصنف الدية قد يفهم أنه لو اختار الدية عقب عفوه المطلق لم تجب والمنقول عن ابن كج وجوبها ويكون اختيارها بعد العفو تنزيلا له منزلة العفو عليها بخلاف ما إذا تراخى اختياره لها عن العفو فلا تجب خلافا لما نقل عن بعض الأصحاب ولم يفرع المصنف على القول المرجوح لطوله وعدم العمل به
( ولو عفا ) الولي على القول الأول ( عن الدية لغا ) عفوه لأنه عفا عما ليس مستحقا له ( وله العفو ) عن القصاص ( بعده عليها ) وإن تراخى لأن اللاغي كالمعدوم ( ولو عفا ) على القولين عن القود ( على غير جنس الدية ) أو صالح غيره عليه ( ثبت ) ذلك الغير أو المصالح عليه وإن كان أكثر من الدية ( إن قبل الجاني ) أو المصالح ذلك وسقط عنه القصاص ( وإلا ) بأن لم يقبل الجاني أو المصالح ذلك ( فلا ) يثبت لأنه اعتياض فاشترط رضاهما كعوض الخلع ( ولا يسقط ) عنه ( القود في الأصح ) لأنه رضي به على عوض ولم يحصل له وليس كالصلح على عوض فاسد لأن الجاني هناك قبل والتزم
والثاني يسقط لرضاه بالصلح عنه وعلى هذا هل تثبت الدية قال البغوي هو كما لو عفا مطلقا وأقراه
تنبيه لو عفا عن القود على نصف الدية قال القاضي حسين هذه معضلة أسهرت الجلة اه
والجلة بكسر الجيم وتشديد اللام الطاعنون في السن قاله الجوهري
وقال غير القاضي هو كعفو عن القود ونصف الدية كذا قاله الشيخان
قال في المهمات وما نقلاه عن غير القاضي صرح به القاضي أيضا فيسقط القود ونصف الدية
( وليس لمحجور فلس ) أو نحوه كوارث المديون استحق قصاصا ( عفو عن مال إن أوجبنا أحدهما ) لا بعينه لأنه ممنوع من التبرع به ( وإلا ) بأن أوجبنا القود عينا ( فإن عفا ) من ذكر عنه ( على الدية ثبتت ) قطعا كغيره ( وإن أطلق ) العفو ( فكما سبق ) من أن المذهب لا دية ( وإن عفا ) من ذكر ( على أن لا مال ) أصلا ( فالمذهب أنه لا يجب شيء ) لأن القتل لم يوجب المال ولو كلفنا المفلس أن يعفو على مال كان ذلك تكليفا بأن يكتسب وليس عليه الاكتساب وقيل تجب الدية بناء على أن إطلاق العفو يوجبها
تنبيه جرى المصنف هنا على طريقة الخلاف لكنه في باب التفليس جزم بالصحة سواء أكان على مال أم لا حيث قال فيه ويصح اقتصاصه وإسقاطه واحترز بمحجور عن المفلس قبل الحجر عليه فإنه كموسر وبمفلس عن المحجور عليه بسلب عبارته كصبي ومجنون فعفوهما لغو ( والمبذر ) بمعجمة حكمه بعد الحجر عليه بالتبذير في
____________________
(4/49)
إسقاط القود واستيفائه كرشيد وعنهما احترز بقوله ( في الدية ) فهو فيها ( كمفلس ) أي كمحجور فلس بل أولى منه لأن الحجر عليه لحق نفسه لا لغيره وحينئذ فلا تجب الدية في صورتي عفوه
قال في الروضة وبه قطع الجمهور
( وقيل ) المبذر ( كصبي ) فلا يصح عفوه عن المال بحال وهذا ما قطع به القفال ويشهد له ما نقله الشيخان في السير عن الإمام وأقراه أنه لا يصح إعراض المحجور عليه بسفه عن الغنيمة بخلاف المفلس أما من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه ثانيا فتصرفه نافذ على المذهب كالرشيد ولو كان السفيه هو القاتل فصالح عن القصاص بأكثر من الدية نفذ ولا حجر للولي فيه كما هو قضية كلام الرافعي في الجزية قال ولو كان المستحق لا يعفو إلا بزيادة ولم يجب السفيه وأجاب الولي
قال الإمام اتبع رأي من يرغب في الحقن
فرع عفو المكاتب عن الدية تبرع فلا يصح بغير إذن سيده وبإذنه فيه القولان ( ولو تصالحا ) أي الولي والجاني ( عن القود على ) أكثر من الدية كالصلح على ( مائتي بغير لغا ) هذا الصلح ( إن أوجبنا أحدهما ) لا بعينه لأنه زيادة على الواجب نازل منزلة الصلح من مائة على مائتين ( وإلا ) بأن أوجبنا القود عينا والدية بدل عنه ( فالأصح الصحة ) لأنه مال يتعلق باختيار المستحق والتزام الجاني فلا معنى لتقديره كبدل الخلع
والثاني المنع لأن الدية خلفه فلا يزاد عليها
تنبيه محل هذا الخلاف كما قاله في المطلب أن يقع الصلح على إبل بالصفة الواجبة في جناية العمد فإن كانت بغير صفتها إما معينة أو في الذمة فينبغي الجزم فيها بالصحة على القولين معا لأن الرافعي جزم في آخر الباب فيما إذا صالح عن القصاص على ثوب أو عبد بالجواز وظاهره جواز ذلك ولو زادت على الدية وجرى عليه في المهمات ولو تصالحا على أقل من الدية صح بلا خلاف كما قاله القاضي
( ولو قال ) حر مكلف ( رشيد ) أو سفيه لآخر ( اقطعني ) أي يدي مثلا ( ففعل فهدر ) لا قصاص فيه ولا دية للإذن فيه
تنبيه اعترض على المصنف من وجهين أحدهما أنه يقتضي أن السفيه ليس كذلك مع أنه كالرشيد
الثاني أنه يقتضي إن أذن الرقيق يسقط المال لأنه رشيد مع أن إذنه لا يسقطه وفي سقوط القصاص بإذنه وجهان مرت الإشارة إليهما مع ترجيح البلقيني السقوط فلو عبر بما قدرته في كلامه لسلم من الاعتراضين وعبارة المحرر والشرحين والروضة المالك لأمره والمراد به الحر الكامل سواء أكان محجورا عليه أم لا ليخرج العبد والصبي والمجنون هذا إن وقف القطع ( فإن سرى ) للنفس ( أو قال ) له ابتداء ( اقتلني ) فقتله ( فهدر ) في الأظهر للإذن ( وفي قول تجب دية ) الخلاف مبني على أن الدية ثبتت للميت ابتداء في آخر جزء من حياته ثم يتلقاها الوارث أو ثبتت للوارث ابتداء عقب هلاك المقتول إن قلنا بالأول وهو الأصح لم تجب وإلا وجبت
تنبيه أطلق وجوب الدية وظاهره أنه على هذا القول تجب دية كاملة في الصورتين وهو ظاهر في صورة اقتلني
وأما في صورة القطع فالواجب نصف الدية لأنه الحادث بالسراية قاله ابن الرفعة وقوله فهدر ليس على عمومه فإن الكفارة تجب على الأصح لحق الله تعالى والإذن لا يؤثر فيها ( ولو قطع ) بضم أوله عضو من شخص يجب فيه قود ( فعفا ) المقطوع ( عن قوده وأرشه فإن لم يسر ) القطع بأن اندمل ( فلا شيء ) من قصاص أو أرش لإسقاطه الحق بعد ثبوته
تنبيه تصوير المصنف هذه المسألة بما إذا عفا عن مجموع الأمرين للاحتراز عما في الروضة من أنه لو قال عفوت عن هذه الجناية ولم يزد كان عفوا عن القود على النص أي وفي الأرش الخلاف المار واحترز بقوله ولو قطع عما إذا كانت الجناية بجرح لا يوجب القصاص كالجائفة فعفا المجني عليه عن القصاص فيها ثم سرت الجناية إلى
____________________
(4/50)
نفسه فلوليه أن يقتص في النفس لأنه عفو عن القود فيما لا قود فيه فلم يؤثر العفو
وحكى الإمام فيه الاتفاق ثم أبدى فيه احتمالا لنفسه
( وإن سرى ) للنفس كما في المحرر ( فلا قصاص ) في نفس ولا طرف لأن السراية تولدت من معفو عنه فصارت شبهة دافعة للقصاص
أما إذا سرى إلى عضو آخر فلا قصاص فيه وإن لم يعف عن الأول كما مر ( وأما أرش العضو ) في صورة سراية القطع للنفس ( فإن جرى ) من المقطوع في لفظ العفو عن الجاني ( لفظ وصية ك ) أن قال بعد عفوه عن القود ( أوصيت له بأرش هذه الجناية فوصية للقاتل ) والأظهر صحتها كما مر في باب الوصية وحينئذ يسقط الأرش إن خرج من الثلث أو أجاز الوارث وإلا سقط منه القدر الذي يحتمله الثلث ( أو ) جرى ( لفظ إبراء أو إسقاط أو ) جرى ( عفو ) عن الجناية ( سقط ) الأرش قطعا ( وقيل ) ما جرى من هذه الثلاثة ( وصية ) لاعتباره من الثلث فيأتي فيها خلاف الوصية للقاتل ودفع بأن ما ذكره إسقاط ناجز والوصية ما تعلق بالموت
تنبيه ما حكاه المصنف وجها هو نص الأم
وقال البلقيني إنه الحق فكان ينبغي أن يقول وفي قول وصية
( وتجب الزيادة عليه ) أي أرش العضو المعفو عنه إن كان ( إلى تمام الدية ) للسراية سواء تعرض في عفوه لما يحدث منها أم لا ( وفي قول إن تعرض في عفوه ) عن الجناية ( لما يحدث منها سقطت ) تلك الزيادة والأظهر عدم السقوط لأن إسقاط الشيء قبل ثبوته غير منتظم
نعم إن قاله بلفظ الوصية كأوصيت له بأرش هذه الجناية وأرش ما يحدث منها أو يتولد منها أو يسري إليه بني على القولين في الوصية للقاتل ويأتي جميع ما سبق في أرش العضو
تنبيه محل ما ذكره من التفصيل في الأرش إذا كان دون الدية أما إذا قطع يديه مثلا فعفا عن أرش الجناية وما يحدث منها سقطت الدية بكمالها في الأظهر إن وفى بها الثلث سواء أصححنا الإبراء عما لم يجب أم لا لأن أرش اليدين دية كاملة فلا يزاد بالسراية شيء
( فلو سرى ) قطع العضو المعفو عن قوده وأرشه كأصبع ( إلى عضو آخر ) كباقي الكف ( فاندمل ) القطع الساري إلى ما ذكر ( ضمن دية السراية ) فقط ( في الأصح ) لأنه إنما عفا عن موجب جناية موجودة فلا يتناول غيرها
والثاني المنع لأنها تولدت من معفو عنه
أما القصاص في العضو المقطوع وديته فساقطان
تنبيه كلام المصنف يفهم أنه لا قصاص في العضو الذي سرى إليه وهو كذلك لأن القصاص لا يجب في الأجسام بالسراية ويفهم أيضا أنه يضمن دية السراية وإن تعرض لما يحدث من الجناية وهو كذلك على الأظهر السابق
فرع لو عفا شخص عن عبد تعلق به قصاص له ثم مات سراية صح العفو لأن القصاص عليه أو تعلق به مال له بجناية وطلق العفو أو أضافه إلى السيد صح العفو أيضا لأنه عفو عن حق لزم السيد في غير ماله وإن أضاف العفو إلى العبد لغا لأن الحق ليس عليه ولو عفا الوارث في جناية الخطأ عن الدية أو عن العاقلة أو طلق صح لأنه تبرع صدر من أهله وإن عفا عن الجاني لم يصح لأن الحق ليس عليه
ويؤخذ من هذا أن الدية لو كانت عليه صح العفو كأن كان ذميا وعاقلته مسلمين أو حربيين وهو كذلك
( ومن له قصاص نفس بسراية ) قطع ( طرف ) كأن قطع يده فمات بسراية ( لو عفا ) وليه ( عن النفس فلا قطع له ) لأن المستحق القتل والقطع طريقه وقد عفا عنه وقيل له ذلك وجزم به في البسيط وقال البلقيني إنه المعتمد ( أو ) عفا وليه ( عن الطرف فله حز الرقبة في الأصح ) لأن كلا منهما حقه
والثاني المنع لأنه استحق القتل بالقطع الساري وقد عفا عنه
وخرج بالسراية
____________________
(4/51)
المباشرة كما لو قطع يده ثم قتله فالقصاص مستحق فيهما أصالة فلو عفا عن النفس لم يسقط قصاص الطرف وبالعكس
أما إذا كان مستحق النفس غير مستحق الطرف كأن قطعت يد رقيق ثم عتق ثم مات بسراية فقصاص النفس لورثة العتيق وقصاص اليد للسيد ولا شك حينئذ أن عفو أحدهما لا يسقط حق الآخر ( ولو قطعه ) الولي ( ثم عفا عن النفس مجانا ) أو بعوض ( فإن سرى القطع ) إلى النفس ( بان بطلان العفو ) ووقعت السراية قصاصا لأن السبب وجد قبل العفو وترتب عليه مقتضاه فلم يؤثر فيه العفو
فإن قيل فما فائدة بطلان العفو أجيب بأن فائدته أنه لو عفا على مال لم يلزم وحينئذ فقوله مجانا ليس بقيد كما علم مما قدرته ( وإلا ) بأن لم يسر قطع الولي بل وقف ( فيصح ) عفوه لأنه أثر في سقوط القصاص ويستقر العوض المعفو عليه إذ لم يستوف بالقطع تمام الدية ولا يلزم الولي بقطع اليد شيء لأنه حين فعله كان مستحقا بحملته التي المقطوع بعضها فهو مستوف لبعض حقه وعفوه منصب على ما وراء ذلك وكذا الحكم فيما لو قتله بغير القطع وقطع الولي يده متعديا ثم عفا عنه لأنه قطع عضو من مباح له دمه فكان كما لو قطع يد مرتد
تنبيه لا يخفى أن قوله ولو قطعه إلخ من تمام حكم قوله ومن له قصاص النفس بسراية طرف فإنه تارة يعفو وتارة يقطع
فذكر الأول ثم الثاني ( ولو وكل ) الولي غيره في استيفاء القصاص ( ثم عفا ) عن القصاص ( فاقتص الوكيل جاهلا ) بذلك ( فلا قصاص عليه ) لعذره بخلاف من قتل من عهده مرتدا فبان مسلما حيث يجب عليه القصاص لأن القاتل هناك مقصر بخلاف الوكيل ( والأظهر وجوب دية ) لأنه بان أنه قتله بغير حق
والثاني لا تجب لأنه عفا بعد خروج الأمر من يده فوقع لغوا ( و ) على الأول الأظهر وعبر في الروضة بالأصح ( أنها عليه ) أي الوكيل حالة مغلظة لورثة الجاني لا للموكل كما لو قتله غيره ولسقوط حق الموكل قبل القتل لا على عاقلته لأنه عامد في فعله وإنما سقط عنه القصاص لشبهة الإذن والثاني عليهم لأنه فعله معتقدا إباحته ( والأصح ) المنصوص في الأم ( أنه ) أي الوكيل ( لا يرجع بها ) أي الدية ( على العافي ) أمكن الموكل إعلام الوكيل بالعفو أم لا لأنه محسن بالعفو و { ما على المحسنين من سبيل }
والثاني يرجع إذا غرم لأنه غره ورجحه البلقيني حيث نسب الموكل إلى تقصير بأن أمكنه إعلامه ولم يعلمه لأن الوكيل لم ينتفع بشيء بخلاف الزوج المغرور لا يرجع بالمهر على من غره لانتفاعه بالوطء
أما الكفارة فتجب على الوكيل على القولين واحترز بقوله جاهلا عما إذا علم بالعفو فعليه القصاص قطعا
تنبيه لو قال الوكيل قتلته بشهوة نفسي لا من جهة الموكل لزمه القصاص وانتقل حق الموكل إلى التركة كما نقلاه عن فتاوى البغوي وأقراه وإن قال القفال في فتاويه بعدم وجوبه ولو عزل الموكل الوكيل ثم اقتص الوكيل بعد عزله جرى فيه التفصيل المذكور
( ولو وجب ) لرجل ( قصاص عليها ) أي امرأة ( فنكحها عليه ) أي القصاص عليه بأن جعله صداقا لها ( جاز ) أي صح النكاح والصداق
أما النكاح فواضح وأما المهر فلأنه عرض مقصود وقيل لا يصح ويجب لها مهر مثل ( وسقط ) القصاص لتضمن ذلك العفو لأنها ملكت قصاص نفسها ( فإن فارق ) ها ( قبل الوطء رجع ) عليها ( بنصف الأرش ) لتلك الجناية لأنه بدل ما وقع العقد به كما لو أصدقها تعليم سورة فعلمها ثم طلقها قبل الدخول فإنه يرجع بنصف أجرة التعليم ( وفي قول ) نص عليه في الأم يرجع عليها ( بنصف مهر مثل ) بناء على القول الثاني واحترز بقوله وجب قصاص عما إذا أوجبت الجناية مالا كالخطأ فنكحها على الأرش فإن
____________________
(4/52)
النكاح يصح دون الصداق للجهل بالدية
خاتمة لو قتل حر عبدا فصالح عن قيمته المعلومة على عين واستحقت أو ردت بعيب أو تلفت قبل القبض رجع السيد بالأرش قطعا فإن كان الجاني فيما ذكر عبدا فالسيد مختارا للفداء بالصلح وليس بمختار له إن صالح على رقبته واستحقت أو ردت بعيب أو تلفت قبل القبض ويتعلق الأرش حينئذ بها كما كان حتى لو مات سقط حق المجني عليه ولو قطع العبد يد الحر فاشتراه بالأرش وهو الواجب لم يصح الشراء للجهل بوصف الإبل وإن كان الواجب القصاص سقط وإن لم يصح الشراء لأنه اختيار للمال وإن كان الشراء بغير الأرش لم يسقط كما لو قطعه وهو في ملكه ولو صالحه عن القصاص على عين فاستحقت أو ردها بعيب أو تلفت قبل قبضها وجب على السيد الأقل من قيمة العبد وأرش الجناية لاختياره الفداء بالصلح
كتاب الديات لما فرغ من القصاص عقبه بالدية لأنها بدل عنه على الصحيح وجمعها باعتبار الأشخاص أو باعتبار النفس والأطراف ومفردها دية وهي المال الواجب بجناية على الحر في نفس أو فيما دونها وأصلها ودية بوزن فعلة والهاء بدل من فاء الكلمة التي هي واو إذ أصلها ودية مشتقة من الودي وهو دفع الدية كالعدة من الوعد تقول وديت القتيل أديه وديا ودية أي أديت ديته
والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع
قال تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية } والأحاديث الصحيحة طافحة بذلك والإجماع منعقد على وجوبها في الجملة
وتعرض المصنف في آخر هذا الكتاب لبيان الحكومة وضمان الرقيق وبدأ بالدية لأن الترجمة لها فقال ( في قتل ) الذكر ( الحر المسلم ) المحقون الدم غير جنين انفصل بجناية ميتا والقاتل له لا رق فيه ( مائة بعير ) لأن الله تعالى أوجب في الآية المذكورة دية وبينها النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم في قوله في النفس مائة من الإبل رواه النسائي وصححه ابن حبان ونقل ابن عبد البر وغيره فيه الإجماع وأن أول من سنها مائة عبد المطلب وقيل أبو سيارة الذي أجار الحجاج أربعين سنة في الجاهلية من المزدلفة إلى منى وجاءت الشريعة مقررة لها
والبعير يطلق على الذكر والأنثى كما مر في باب الوصية ولا تختلف الدية بالفضائل والرذائل وإن اختلفت بالأديان والذكورة والأنوثة بخلاف الجناية على الرقيق فإن فيه القيمة المختلفة
أما إذا كان غير محقون الدم كتارك الصلاة كسلا والزاني المحصن إذا قتل كلا منهما مسلم فلا دية فيه ولا كفارة وإن كان القاتل رقيقا لغير المقتول ولو مكاتبا وأم ولد فالواجب أقل الأمرين من الحصة من الدية والحصة من القيمة وقد يعرض للدية ما يغلظها وهو أحد أسباب خمسة كون القتل عمدا أو شبه عمد أو في الحرم أو الأشهر الحرم أو لذي رحم محرم وقد يعرض لها ما ينقصها وهو أحد أسباب أربعة الأنوثة والرق وقتل الجنين والكفر
فالأول يردها إلى الشطر والثاني إلى القيمة والثالث إلى الغرة والرابع إلى الثلث أو أقل كما سيأتي بيان ذلك وكون الثاني أنقص جرى على الغالب وإلا فقد تزيد القيمة على الدية
وقد بدأ بالقسم الأول بقوله ( مثلثة في ) قتل ( العمد ) سواء أوجب فيه قصاص وعفى عنه أم لا كقتل الوالد ولده والمراد بتثليثها جعلها ثلاثة أقسام وإن كان بعضها أزيد من بعض كما بين ذلك بقوله ( ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة أي حاملا ) لخبر الترمذي بذلك فهي مغلظة من ثلاثة أوجه كونها على الجاني وحالة ومن جهة السن
____________________
(4/53)
تنبيه قد يفهم كلامه اختصاص ذلك بدية النفس وليس مرادا بل بثلث المقدر في العمد في غير النفس كالطرف نص عليه في الأم والمختصر واتفق الأصحاب عليه والخلفة بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبالفاء ولا جمع لها من لفظها عند الجمهور بل من معناها وهو مخض كامرأة ونساء
وقال الجوهري جمعها خلف بكسر اللام وابن سيده خلفات ( ومخمسة في الخطأ عشرون بنت مخاض وكذا بنات لبون وبنو لبون وحقاق وجذاع ) لخبر الترمذي وغيره بذلك
تنبيه كلام المصنف يوهم إجزاء عشرين حقا وعشرين جذعا ولا قائل به فإن الحقاق وإن أطلقت على الذكور والإناث فإن الجذاع مختصة بالذكور وجمع الجذعة جذعات قاله الأذرعي وغيره وهذه مخففة من ثلاثة أوجه كونها على العاقلة ومؤجلة ومن جهة التخميس
ويغلظ الخطأ في ثلاثة أشياء أولها ما ذكره بقوله ( فإن قتل خطأ في حرم مكة ) فإنها تثلث فيه لأن له تأثيرا في الأمن بدليل إيجاب جزاء الصيد المقتول فيه سواء أكان القاتل والمقتول فيه أم أصيب المقتول فيه ورمي من خارجه أم قطع السهم في مروره هواه الحرم وهما بالحل أو كان بعض القاتل أو المقتول في الحل وبعضه في الحرم كما هو قضية الإلحاق بالصيد كما قاله البلقيني
نعم الكافر لا تغلظ ديته في الحرم كما قاله المتولي لأنه ممنوع من دخوله فلو دخله لضرورة اقتضته فهل تغلظ به أو يقال هذا نادر الأوجه الثاني وخرج بالحرم الإحرام لأن حرمته عارضة غير مستمرة وبمكة حرم المدينة بناء على منع الجزاء بقتل صيده وهو الأصح
وثانيها ما ذكره بقوله ( أو ) قتل في ( الأشهر الحرم ذي القعدة ) بفتح القاف ( وذي الحجة ) بكسر الحاء على المشهور فيهما وسميا بذلك لقعودهم عن القتال في الأول ولوقوع الحج في الثاني ( والمحرم ) بتشديد الراء المفتوحة سمي بذلك لتحريم القتال فيه
وقيل لتحريم الجنة فيه على إبليس حكاه صاحب المستعذب ودخلته اللام دون غيره من الشهور لأنه أولها فعرفوه كأنه قيل هذا الشهر الذي يكون ابتداء أول السنة ( ورجب ) ويجمع على أراجب ورجائب ورجوب ورجبات ويقال له الأصم والأصب وفي روضة الفقهاء لم يعذب الله أمة في شهر رجب ورد عليه بأن الله تعالى أغرق قوم نوح فيه كما قاله الثعلبي فمثلثة دية هذا المقتول وهذا الترتيب الذي ذكره المصنف في عدد الأشهر الحرم وجعلها من سنتين هو الصواب كما قاله المصنف في شرح مسلم وعدها الكوفيون من سنة واحدة فقالوا المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة قال ابن دحية وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا نذر صيامها أي مرتبة فعلى الأول يبدأ بذي القعدة وعلى الثاني بالمحرم وينبغي أنه لو رمى في الشهر الحرام وأصاب في غيره أو عكسه أو جرحه فيها ومات في غيرها أو عكسه أن تغلظ الدية كما تقدم في الحرم وغيره كما يؤخذ ذلك من كلام ابن المقري في إرشاده
وثالثها ما ذكره بقوله ( أو ) قتل شخص قريبا له ( محرما ذا رحم ) كالأم والأخت وجواب الشرط السابق وما عطف عليه قوله ( فمثلثة ) أي دية المقتول في هذه الثلاثة أشياء كما تقرر لأن العبادلة وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم غلظوا في هذه الأشياء الثلاثة وإن اختلفوا في كيفية التغليظ
ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكان إجماعا وهذا لا يدرك بالاجتهاد بل بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم واحترز بقوله محرما ذا رحم عن صورتين إحداهما ما إذا انفردت المحرمية عن الرحم كما في المصاهرة والرضاع فلا يغلظ بها القتل قطعا
ثانيتها أن تنفرد الرحمية عن المحرمية كأولاد الأعمام والأخوال فلا تغلظ فيهم على الأصح عند الشيخين لما بينهما من التفاوت في القرابة ورجح البلقيني الاكتفاء بذي الرحم وإن لم يكن محرما
تنبيه يرد عليه ما لو قتل ابن عم هو أخ من الرضاع أو بنت عم هي أم زوجته فإنه لا تغليظ فيه مع أنه رحم محرم لأن المحرمية ليست من الرحم فكان الأولى له تقييد المحرمية بذلك ويدخل التغليظ والتخفيف في دية المرأة والذمي ونحوه ممن له عصمة وقطع الطرف وفي دية الجرح بالنسبة لدية النفس
ولا يدخل قيمة العبد تغليظ ولا تخفيف
____________________
(4/54)
بل الواجب قيمته يوم التلف على قياس سائر قيم المتقومات ولا تغليظ في قتل الجنين بالحرم كما يقتضيه إطلاقهم وصرح به الشيخ أبو حامد وإن كان مقتضى النص خلافه ولا تغليظ في الحكومات كما نقله الزركشي عن تصريح الماوردي وإن كان مقتضى كلام الشيخين خلافه وتقييد المصنف القتل بالخطأ إشارة إلى أن التغليظ إنما يظهر فيه
أما إذا كان عمدا أو شبه عمد فلا يتضاعف بالتغليظ ولا خلاف فيه كما قاله العمراني لأن الشيء إذا انتهى بنهايته في التغليظ لا يقبل التغليظ كالإيمان في القسامة ونظيره المكبر لا يكبر كعدم التثليث في غسلات الكلب قاله الدميري و الزركشي
فرع الصبي والمجنون لو كانا مميزين وقتلا في الأشهر الحرم أو ذا رحم محرم قال ابن الرفعة لم أر في التغليظ عليهما بالتثليث نقلا فيحتمل أن يقال به ويحتمل أن لا يغلظ لأن التغليظ يلحق الخطأ بشبه العمد وليس لهما شبه عمد فالملتحق أولى بالعدم والاحتمال الأول أظهر وقوله ليس لهما شبه عمد ممنوع لأنهما إذا قصد الفعل والشخص بما لا يقتل غالبا يكون شبه عمد
( والخطأ إن تثلث ) كما سبق ( فعلى العاقلة ) ديته ( مؤجلة ) عليها وإذا كانت عليها وهي مثلثة فغير المثلثة أولى
وسيأتي بيان العاقلة والتأجيل والدليل عليه في باب عقب هذا ( والعمد ) ديته ( على الجاني معجلة ) عليه في ماله كسائر أبدال المتلقات ( وشبه العمد ) ديته ( مثلثة على العاقلة مؤجلة ) فهي مخففة من وجهين مغلظة من وجه وهو التثليث
أما التثليث فلما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عقل شبه العمد مثل عقل العمد لا يقتل صاحبه وأما كونها على العاقلة ومؤجلة فلما سيأتي في بابها ولما كان شبه العمد مترددا بين الخطأ والعمد أعطي حكم هذا من وجه
تنبيه يجوز في قوله معجلة ومؤجلة الرفع والنصب ( ولا يقبل ) في إبل الدية ( معيب ) بما يثبت الرد في العيب ( و ) لا ( مريض ) وإن كانت إبل من لزمته معيبة لأن الشرع أطلقها فاقتضت السلامة وخالف ذلك الزكاة لتعلقها بعين المال والكفارة لأن مقصودها تخليص الرقبة من الرق لتستقل فاعتبر فيها السلامة مما يؤثر في العمل والاستقلال
تنبيه عطف المريض على المعيب من عطف الخاص على العام أو لبقي توهم أخذه كما في زكاة المال فإنه قال هناك ولا تؤخذ مريضة ولا معيبة إلا عن مثلهما ( إلا برضاء ) أي المستحق بذلك إذا كان أهلا للتبرع لأن الحق له فله إسقاطه ( ويثبت حمل الخلفة ) المأخوذة من الدية ( بأهل خبرة ) بذلك أي بعدلين منهم عند إنكار المستحق حملها إلحاقا له بالتقويم وإذا أخذها المستحق بقولهما أو بتصديق المستحق على حملها ثم ماتت عند المستحق وشق جوفها فبانت حائلا وغرمها وأخذ بدلها حاملا كما لو خرج المسلم فيه على غير الصفة المشروطة فإن تنازعا في الحمل بعد موتها وقبل شق جوفها شق ليعرف فيترتب عليه ذلك فإن ادعى الدافع إسقاط الحمل كأن قال أسقطت عندك وقال المستحق لم يكن بها حمل وأمكن الإسقاط صدق الدافع أن أخذها المستحق بقول خبيرين لتأيد قوله بأهل الخبرة فإن لم يمكن ذلك أو أمكن وأخذها المستحق بقول الدافع مع تصديقه له صدق المستحق بلا يمين في الأولى وبيمين في الثانية لأن الظاهر معه ( والأصح ) وفي الروضة الأظهر ( إجزاؤها ) أي الخلفة ( قبل خمس سنين ) لصدق الاسم عليها وإن كان الغالب أن الناقة لا تحمل قبلها والثاني اعتبر الغالب
تنبيه محل الخلاف عند عدم الرضا فإن رضى بأخذها جاز قطعا ( ومن لزمته ) دية من جان أو عاقلة ( وله إبل فمنها ) تؤخذ الدية ولا يكلف غيرها لأنها تؤخذ على سبيل المواساة فكانت مما عنده كما تجب الزكاة في نوع النصاب ( وقيل من غالب إبل بلده ) أو قبيلته إن كانت إبله من غير ذلك لأنها عوض متلف واعتباره بملك المتلف بعيد ورجح هذا الإمام
فإن كانت إبله من الغالب أخذت منها قطعا ( وإلا ) بأن لم يكن له إبل ( فغالب )
____________________
(4/55)
أي فتؤخذ من غالب إبل ( قبيلة بدوي ) لأنها بدل متلف فوجب فيها البدل الغالب كما في قيمة المتلفات ( وإلا ) بأن لم يكن في البلدة أو القبيلة إبل بصفة الإجزاء ( فأقرب ) أي فيؤخذ من غالب إبل أقرب ( بلاد ) أي أقرب قبائل إلى موضع المؤدي فيلزمه نقلها كما في زكاة الفطر ما لم تبلغ مؤونة نقلها مع قيمتها أكثر من ثمن المثل ببلد أو قبيلة العدم فإنه لا يجب حينئذ نقلها وهذا ما جرى عليه ابن المقري وهو أحسن من الضبط بمسافة القصر ( و ) إذا وجب نوع من الإبل ( لا يعدل ) عنه ( إلى نوع ) من غير ذلك الواجب ( و ) لا إلى ( قيمة ) عنه ( إلا بتراض ) من المؤدي والمستحق
تنبيه ظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين أن يعدل إلى نوع مثلها أو دونها أو فوقها وهو ما صرحا به في الشرح والروضة وقيل يجبر على الأعلى وجرى عليه الماوردي وغيره وتقدم في الصلح أنه لا يجوز الصلح عن إبل الدية بالتراضي لجهالتها وحمل ابن الرفعة ما هناك على ما إذا كانت مجهولة الصفة وما هنا على ما إذا كانت معلومتها وهو حسن وما تقرر من أنها إنما تؤخذ من غالب إبل محله عند عدم إبله هو ما في المهذب والبيان وغيرهما والذي في الروضة ونقله أصلها عن التهذيب التخيير بينهما وما جرى عليه المصنف هنا أوجه وجرى عليه شيخنا في منهجه وظاهر ما تقرر أن إبله لو كانت معيبة أخذت الدية من غالب إبل محله
قال الزركشي وغيره وليس كذلك بل يتعين نوع إبله سليما كما قطع به الماوردي ونص عليه في الأم ولو اختلفت أنواع إبله أخذ من الأكثر فإن استوت فمما شاء الدافع وكذا لو اختلفت أنواع إبل محله ( ولو عدمت ) إبل الدية حسا بأن لم توجد في موضع يجب تحصيلها منه أو شرعا بأن وجدت فيه بأكثر من ثمن مثلها ( فالقديم ) الواجب ( ألف دينار ) على أهل الدنانير ( أو اثنا عشر ألف درهم ) فضة على أهل الدراهم لحديث على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم صححه ابن حبان والحاكم من حديث عمرو بن حزم
تنبيه قضية كلام المصنف تخيير الجاني بين الذهب والدراهم وهو رأي الإمام والذي عليه الجمهور ما قدرته في كلامه والحديث يدل عليه ولو كان الواجب دية مغلظة كأن قتل في الحرم أو عمدا هل يزاد له التغليظ فيه وجهان أصحهما لا لأن التغليظ في الإبل إنما ورد بالسن والصفة لا بزيادة العدد وذلك لا يوجد في الدراهم والدنانير وهذا أحد ما احتج به على فساد القول القديم ( والجديد ) الواجب ( قيمتها ) أي الإبل وقت وجوب تسليمها بالغة ما بلغت لأنها بدل متلف فيرجع إلى قيمتها عند إعواز أصله وتقوم ( بنقد بلده ) الغالب لأنه أقرب من غيره وأضبط فإن كان فيه نقدان فأكثر لا غالب فيهما تخير الجاني بينهما
تنبيه قوله بنقد بلده قال ابن النقيب لم أدر أي بلد هو أبلد الجاني أم بلد المجني عليه أم الولي القابض أم الذي يجب التحصيل منه لم أر تصريحا بشيء منه
وقال البلقيني كلامه يوهم أن المراد بلد من لزمته كما سبق في قوله وإلا فغالب إبل بلده وليس كذلك فالمراد هنا بلد العدم المفهوم من قوله ولو عدمت اه
والمراد المحل الذي يجب التحصيل منه لو كانت موجودة فيه لأنها بدل متلف ويراعى صفتها في التغليظ ( وإن وجد بعض ) من الإبل الواجبة ( أخذ ) الموجود منها ( وقيمة الباقي ) كما لو وجب له على إنسان مثل ووجد بعض المثل فإنه يأخذه وقيمة الباقي
تنبيه محل ذلك ما إذا لم يمهل المستحق فإن قال أنا أصبر حتى توجد الإبل لزم الدافع امتثاله لأنها الأصل فإن أخذت القيمة ثم وجدت الإبل وأراد رد القيمة ليأخذ الإبل لم يجب لذلك لانفصال الأمر بالأخذ بخلاف ما لو وجدت قبل قبض القيمة فإن الإبل تتعين كما صرح به سليم وغيره تبعا لنص المختصر ( والمرأة والخنثى ) المشكل
____________________
(4/56)
الحر أن دية كل منهما في نفس أو جرح ( كنصف ) دية ( رجل ) حر ممن هما على دينه ( نفسا وجرحا ) بضم الجيم
ولما فرغ من مغلظات الدية شرع في منقصاتها فمنها الأنوثة لما روى البيهقي خبر دية المرأة نصف دية الرجل وألحق بنفسها جرحها وبها الخنثى لأن زيادته عليها مشكوك فيها ففي قتل المرأة أو الخنثى خطأ عشر بنات مخاض وعشر بنات لبون وهكذا وفي قتلها أو قتله عمدا أو شبه عمد خمس عشرة حقة وخمس عشرة جذعة وعشرون خلفة
تنبيه اقتصر المصنف بإلحاقه بالأنثى على النفس والجرح وألحق بهما في المحرر الأطراف ولعل حذف المصنف لذلك أن الخنثى لا يلتحق بالأنثى في الأطراف مطلقا فإن في حلمتيها ديتها وفي حلمتيه أقل الأمرين من دية المرأة والحكومة
وشفريه كذلك بخلافها ( ويهودي ونصراني ) ومعاهد ومستأمن دية كل منهم إذا كان معصوما تحل مناكحته ( ثلث ) دية ( مسلم ) نفسا وغيرها
أما في النفس فروي مرفوعا
قال الشافعي في الأم قضى بذلك عمر و عثمان رضي الله عنهما ولأنه أقل ما أجمع عليه وهذا التقدير لا يعقل بلا توقيف ففي قتله عمدا أو شبه عمد عشر حقاق وعشر جذعات وثلاث عشرة خلفة وثلث وفي قتله خطأ لم تغلظ ستة وثلثان من كل من بنات المخاض وبنات اللبون وبني اللبون والحقاق والجذاع
وقال أبو حنيفة دية مسلم
وقال مالك نصفها
وقال أحمد إن قتل عمدا فدية مسلم أو خطأ فنصفها
أما غير المعصوم من المرتدين ومن لا أمان له فإنه مقتول بكل حال
وأما من لا تحل مناكحته فهو كالمجوسي
وأما الأطراف والجراح فبالقياس على النفس
تنبيه السامرة كاليهود والصابئة كالنصارى إن لم يكفرهما أهل ملتهما وإلا فكمن لا كتاب له ( ومجوسي ) له أمان ديته أخس الديات وهي ( ثلثا عشر ) دية ( مسلم ) كما قال به عمر وعثمان و ابن مسعود رضي الله عنهم ففيه عند التغليظ حقتان وجذعتان وخلفتان وثلثا خلفة وعند التخفيف بعير وثلث من كل سن والمعنى في ذلك أن في اليهودي والنصراني خمس فضائل وهي حصول كتاب ودين كان حقا بالإجماع وتحل مناكحتهم وذبائحهم ويقرون بالجزية وليس للمجوسي من هذه الخمسة إلا التقرير بالجزية فكانت ديته من الخمس من دية اليهودي والنصراني
تنبيه قوله ثلثا عشر أولى منه خمس لأن في الثلثين تكريرا وأيضا فهو الموافق لتصويب أهل الحساب لكونه أخصر ( وكذا وثني ) ونحوه كعابد شمس وقمر وزنديق وهو من لا ينتحل دينا ممن له ( أمان ) كدخوله لنا رسولا أما من لا أمان له فهدر
تنبيه سكت المصنف هنا عن دية المتولد بين كتابي ووثني مثلا
وهي دية الكتابي اعتبارا بالأشرف سواء أكان أبا أم أما لأن المتولد يتبع أشرف الأبوين دينا والضمان يغلب فيه جانب التغليظ ويحرم قتل من له أمان لأمانه
ودية نساء وخناثى من ذكر على النصف من دية رجالهم
ولو أخر المصنف ذكر المرأة والخنثى إلى هنا لشمل الجميع ويراعى في ذلك التغليظ والتخفيف
والوثن هو الصنم
وذكر السهيلي أنه لا يقال وثن إلا لما كان من غير صخرة كنحاس وحديد
( والمذهب ) المنصوص
وعبر في الروضة بالأصح ( أن من ) قتل معصوما
و ( لم يبلغه الإسلام ) أي دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( إن يمسك بدين لم يبدل فدية ) أهل ( دينه ) ديته
فإن كان كتابيا فدية كتابي وإن كان مجوسيا فدية مجوسي
وقيل دية مسلم لأنه ولد على الفطرة ولم يظهر منه عناد
ورد بأنه تمسك بدين منسوخ فلم يثبت له حكم الإسلام ولكن ثبت له نوع عصمة فألحق المستأمن من أهل دينه فإن جهل قدر دية أهل دينه وجب فيه أخس الديات كما قاله ابن الرفعة لأنه المتيقن وأما من لم يعلم هل بلغته الدعوة أو لا ففي ضمانه وجهان بناء على أن الناس قبل ورود الشرع على أصل الإيمان والكفر والأشبه بالمذهب كما قال شيخنا الضمان خلافا للأذرعي لأن الإنسان يولد على الفطرة وعليه ينبغي أن يجب أخس الديات ( وإلا ) بأن تمسك بدين بدل
ولم يبلغه ما يخالفه أو لم يبلغه دعوة نبي أصلا
وهذه المسألة ليست في المحرر وهي التي فيها الطرق
____________________
(4/57)
كما في الروضة وأصلها وكان تعبير المصنف بالمذهب نظرا لمجموع المسألتين والحكم لا يختلف فلذا قال ( فكمجوسي ) ديته وإن اختلفت مراتب الخلاف وقيل تجب دية أهل دينه وقيل لا يجب شيء لأنه ليس على دين حق ولا عهد له ولا ذمة
قال الزركشي وعلى المذهب يجب فيمن تمسك الآن باليهودية أو النصرانية دية مجوسي لأنه لحقه التبديل اه
أي إذا لم تحل مناكحتهم
تتمة لا يجوز قتل من لم تبلغه الدعوة ويقتص لمن أسلم بدار الحرب ولم يهاجر منها بعد إسلامه وإن تمكن لأن العصمة بالإسلام
فصل في موجب ما دون النفس وهو ثلاثة أقسام جرح وإبانة طرف وإزالة منفعة
وقد بدأ بالقسم الأول وهو الجرح فقال و ( في موضحة الرأس ) ولو للعظم الثاني خلف الأذن ( أو الوجه ) وإن صغرت ولو لما تحت المقبل من اللحيين وإن لم يدخل ذلك في غسل الوجه في الوضوء نصف عشر دية صاحبها ففيها ( لحر ) ذكر ( مسلم ) غير جنين ( خمسة أبعرة ) لما رواه الترمذي وحسنه في الموضحة خمس من الإبل فتراعى هذه النسبة في حق غيره من المرأة والكتابي وغيرهما ففي موضحة الكتابي بعير وثلثان وفي موضحة المجوسي ونحوه ثلث بعير فلو عبر المصنف بما ذكرته لكان أشمل وأخصر وكذا يقال في الهاشمة وخرج بالرأس والوجه ما عداهما كالساق والعضد فإن فيهما الحكومة كما سيأتي ( و ) في ( هاشمة على إيضاح ) أو احتياج إليه بشق لإخراج عظم أو تقويمه أو سرت إليه ( عشرة ) من أبعرة وهي عشر دية الكامل بالحرية وغيرها ولو عبر به لكان أولى ليشمل الصور المتقدمة قبل هذا
والأصل في ذلك ما روي عن زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم أوجب في الهاشمة عشرا من الإبل رواه الدارقطني والبيهقي مرفوعا عن زيد ومثل ذلك لا يكون إلا عن توقيف ( و ) هاشمة ( دونه ) أي الإيضاح وما ذكر معه ( خمسة ) من أبعرة على الأصح لأن العشرة في مقابلة الإيضاح والهشم وأرش الموضحة خمسة فتعين أن الخمسة الباقية في مقابلة الهشم فوجبت عند انفراده ( وقيل ) في الهشم إذا خلا عما ذكر ( حكومة ) لأنه كسر عظم بلا إيضاح فأشبه كسر سائر العظام ( ومنقلة ) مع إيضاح وهشم كما صوره الرافعي ( خمسة عشر ) بعيرا روى النسائي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ونقل في الأم فيه الإجماع وكذا ابن المنذر ( و ) في ( مأمومة ثلث الدية ) لخبر عمرو بن حزم بذلك
قال في البحر وهو إجماع
وفي الدامغة ما في المأمومة على الأصح المنصوص وقيل تزاد حكومة لخرق غشاء الدماغ قاله الماوردي وهو قياس ما يأتي في خرق الأمعاء في الجائفة
وقيل يجب تمام الدية لأنها تذفف والأول يمنع ذلك وإنما يجب في المأمومة وما قبلها ما ذكر إن اتحد الجاني فلو تعدد فحكمه مذكور في قوله ( ولو أوضح ) واحدا ذكرا حرا مسلما ( فهشم آخر ) بعد الإيضاح أو قبله وليس تعقيب الهشم للإيضاح بشرط وإن أوهمه كلامه ( ونقل ثالث وأم رابع فعلى كل من الثلاثة خمسة ) من الإبل أما الأول فبسبب الإيضاح وأما الثاني فلأنه الزائد عليهما من دية الهاشمة وأما الثالث فلأنه الزائد عليهما من دية المنقلة ( و ) على ( الرابع تمام الثلث ) وهو ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير وهو ما بين المنقلة والمأمومة وصورة المسألة أن يهشم الآخر في محل الإيضاح كما قيده الإمام وغيره
تنبيه ما أطلقه من أن الواجب على الأول خمسة محله عند العفو أو لم يكن عمدا وإلا فالواجب القصاص كما صرح به في المحرر حتى لو أراد القصاص في الموضحة وأخذ الأرش من الباقين مكن نص عليه في الأم هذا كله إذا لم
____________________
(4/58)
يمت مما ذكر فإن مات منه وجبت ديته عليهم بالسراية لأن القتل لا يفرق فيه بين الجرح الكبير والصغير
قاله الفارقي في فوائده ( والشجاج ) الخمس التي ( قبل الموضحة ) من خارصة ودامية وباضعة ومتلاحمة وسمحاق ( إن عرفت نسبتها منها ) أي الموضحة بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلا عرف أن المقطوع ثلث أو نصف في عمق اللحم ( وجب قسط من أرشها ) بالنسبة فإن شككنا في قدرها من الموضحة أوجبنا اليقين هذا ما جرى عليه المصنف تبعا للمحرر والذي في الروضة وأصلها عن الأصحاب وجوب الأكثر من الحكومة والقسط من الموضحة لأنه وجد سبب كل منهما فإن استويا وجب أحدهما ( وإلا ) بأن لم تعرف نسبته منها ( فحكومة ) لا تبلغ أرش موضحة ( كجرح سائر ) أي باقي ( البدن ) كالإيضاح والهشم والتنقيل فإن فيه الحكومة فقط لأن أدلة ما مر في الإيضاح والهشم والتنقيل لم يشمله لاختصاص أسماء الثلاثة بجراحة الرأس والوجه وليس غيرهما في معناهما لزيادة الخطر والقبح فيهما وأيضا فأرش نفس العضو لا ينبغي أن ينقص عن أرش الجناية على العضو وليس في الأنملة الواحدة إلا ثلاثة أبعرة وثلث فكيف نوجب في إيضاح عظمها خمسا من الإبل ( وفي جائفة ) وإن صغرت ( ثلث دية ) لثبوت ذلك في حديث عمرو بن حزم وهذا كالمستثنى مما قبله إذا لا جرح في البدن يقدر غيرها ( وهي جرح ينفذ ) بالمعجمة أي يصل ( إلى جوف ) فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء كما أشار إلى ذلك بقوله ( كبطن ) أي كداخله ( و ) داخل ( صدر و ) داخل ( ثغرة نحر ) بضم المثلثة وغين معجمة ساكنة وهي نقرة بين الترقوتين ( و ) داخل ( جبين ) بموحدة بعد جيم وهو أحد جانبي الجبهة وفي بعض نسخ المتن بنون ساكنة بعد جيم تثنية جنب وبه عبر المحرر والروضة وأصلها والأول أولى لأن الجنب علم من التمثيل بالبطن ( و ) داخل ( خاصرة ) من الخصر وهو وسط الإسنان ولا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة
وخرج بالجوف المذكور غيره كالفم والأنف والجفن والعين وممر البول إذ لا يعظم فيها الخطر كالأمور المتقدمة ولأنها لا تعد من الأجواف بل فيها حكومة فلو وصلت الجراحة إلى الفم أو داخل الأنف بإيضاح من الوجه أو بكسر قصبة الأنف فأرش موضحة في الأولى أو أرش هاشمة في الثانية مع حكومة فيهما للنفوذ إلى الفم والأنف لأنها جناية أخرى وإن حز بسكين من كتف أو فخذ إلى البطن فأجافه فواجبه أرش جائفة وحكومة لجراحة الكتف أو الفخذ لأنها في غير محل الجائفة أو حز بها من الصدر إلى البطن أو النحر فأرش جائفة بلا حكومة لأن جميعه محل الجائفة ولو أجافه حتى لدغ كبده أو طحاله لزمه مع دية الجائفة حكومة في ذلك ولو كسر ضلعه كانت حكومته معتبرة بنفوذ الجائفة فإن نفذت في غير الضلع لزمه حكومة الدية وإن لم تنفذ إلا بكسره دخلت حكومة كسره في دية الجائفة
تنبيه سيأتي أنه لو نفذ الطعن إلى البطن وخرج من الظهر كان ذلك جائفتين ففيه إطلاق الجائفة على ما خرج من جوف وإن أوهم كلامه هنا تقييد الجائفة بما دخل الجوف ( ولا يختلف أرش موضحة بكبرها ) ولا صغرها لاتباع الاسم كالأطراف ولا بكونها بارزة أو مستورة بالشعر
تنبيه لا يتقيد ذلك بالموضحة الجائفة كذلك كما مرت الإشارة إليه حتى لو غرز فيه إبرة فوصلت إلى الجوف فهي جائفة ولهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه وهكذا كل ما في الرأس من الشجاج فهو على الأسماء
واعلم أن الموضحة تتعدد صورة وحكما ومحلا وفاعلا وذكرها المصنف على هذا الترتيب وبدأ بأولها في قوله ( ولو أوضح ) الجاني مع اتحاد الحكم ( موضعين بينهما لحم وجلد ) معا سواء أوضحهما معا أو مرتبا ( قيل أو ) بينهما ( أحدهما ) أي لحم فقط أو جلد فقط ( فموضحتان ) أما في الأولى فلاختلاف الصورة مع قوة الحاجز وأما في الثانية فوجه القائل بالتعدد وجود حاجز بين الموضعين والأصح أنها واحدة لأن الجناية أتت على الموضع كله كاستيعابه
____________________
(4/59)
بالإيضاح ولو رفع الجاني الحاجز في الصورة الأولى بينهما أو تأكل قبل الاندمال عاد الأرشان إلى واحد على الأصح وكان كما لو أوضح في الابتداء موضحة واسعة ولو أدخل الحديدة ونفذها من إحداهما إلى الأخرى في الداخل ثم سلها ففي تعدد الموضحة وجهان أقربهما عدم التعدد ولو كثرت الموضحات تعدد الأرش بحسبها ولا ضبط وقيل لا يجب أكثر من دية النفس كما قيل به فيما لو استوعب الأسنان قلعا
الثاني من أسباب التعدد ما ذكر بقوله ولو انقسمت موضحته عمدا أو خطأ أو شبه عمد أو قصاصا وعدوانا فموضحتان على الصحيح كما سيأتي لاختلاف الحكم
الثالث من أسباب التعدد ما ذكره بقوله ( أو شملت ) بكسر الميم في الأفصح ( رأسا ووجها فموضحتان ) على الصحيح لاختلاف المحل فقوله فموضحتان راجع لكل من المسألتين وكذا قوله ( وقيل موضحة ) نظرا للصورة
تنبيه نصب عمدا وخطأ إما على نزع الخافض أو على المفعول المطلق نيابة عن المصدر أي موضحة عمدا أو خطأ
واحترز بقوله رأسا ووجها عن شمولها رأسا وقفا فيلزمه مع موضحة الرأس حكومة القفا وعن شمولها الجبهة والوجه فالمذهب الاتحاد وقد يوهم كلامه شمول الموضحة لكل من الرأس والوجه مع أنه ليس بقيد فإن الحكم كذلك لو أوضح بعض الرأس وبعض الوجه ( ولو وسع ) الجاني ( موضحته ) مع اتحاد الحكم ( فواحدة على الصحيح ) كما لو أوضح أولا كذلك والثاني وهو احتمال للإمام لا وجه منقول ثنتان لأن التوسعة إيضاح ثان أما مع اختلاف الحكم فتعدد كما علم من قوله ولو انقسمت موضحته عمدا وخطأ
الرابع من أسباب التعدد ما ذكره بقوله ( أو غيره فثنتان ) لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره كما لو قطع يد رجل وحز آخر رقبته فإن على كل منهما جنايته نعم لو كان الموسع مأمورا للموضح أولا وكان غير مميز فالأوجه عدم التعدد لأنه كالآلة وإن لم يصرحوا به هنا
تنبيه قوله أو غيره يجوز فيه الرفع أي وسعها غيره وهو ما في المحرر
ونقل عن خط المصنف أنه ضبطه بالفتح والكسر فالكسر عطف على الضمير المجرور في موضحته أي وسع موضحة غيره فحذف وبقي المضاف إليه على حاله وهو ماش على ما اختاره شيخه ابن مالك تبعا للكوفيين من أنه لا يحتاج في العطف على مجرور إعادة الجار خلافا للبصريين والفتح على حذف المضاف وإعطاء إعرابه المضاف إليه كقوله تعالى { واسأل القرية } أي أهلها
فرع لو اشترك اثنان في موضحة وعفا على مال هل يلزم كل واحد أرش كامل أو عليهما أرش واحد كما لو اشتركا في قتل النفس فإن عليهما دية واحدة وجهان أوجههما الأول كما جرى عليه صاحب الأنوار ويتفرع على ذلك ما لو أوضحا موضحتين مشتركين فيهما ثم رفع أحدهما الحاجز قبل الاندمال فإن الموضحة تتحد في حقه فإن قلنا بالتعدد فعلى الرافع أرش كامل وعلى غيره أرشان وإن قلنا بعدمه لزم الرافع نصف أرش ولزم صاحبه أرش كامل وجرى على هذا ابن المقري ( والجائفة كموضحة في ) الاتحاد وفي ( التعدد ) المتقدم صورة وحكما ومحلا وفاعلا وفي رفع الحاجز بين الجائفتين
نعم يشترط في وجوب أرش الجائفة على من وسع جائفة غيره أن يوسع الظاهر والباطن بخلاف الموضحة في ذلك فلو أدخل سكينا في جائفة غيره ولم يقطع شيئا فلا ضمان ويعزر وإن زاد في غورها وكان قد ظهر عضو باطن كالكبد فغور السكين فيه فعليه الحكومة وإن قطع شيئا من الظاهر دون الباطن أو بالعكس فعليه حكومة وإن قطع من جانب بعض الظاهر ومن جانب بعض الباطن ففي التتمة أنه ينظر في ثخانة اللحم والجلد ويقسط أرش الجناية على المقطوع من الجانبين وقد يقتضي التقسيط تمام الأرش بأن يقطع نصف الظاهر من جانب ونصف الباطن من جانب وأقره الشيخان ( ولو ) طعنه بآلة طعنة ( نفذت في بطن وخرجت من ظهر ) أو عكسه أو نفذت من جنب وخرجت من جنب ( فجائفتان في الأصح ) المنصوص في الأم اعتبارا للخارجة بالداخلة وقد قضى أبو بكر رضي الله تعالى عنه في رجل رمى رجلا بسهم فأنفذه بثلثي الدية وقضى به عمر رضي الله تعالى عنه وإلا
____________________
(4/60)
مخالف لهما فكان إجماعا كما نقله ابن المنذر والثاني في الخارجة حكومة
تنبيه المراد بالبطن والظهر حقيقتهما لا كل باطن وظاهر لما مر في الفم والذكر وغيرهما ( ولو أوصل جوفه ) بالخرق ( سنانا ) هو طرف الرمح ( له طرفان فثنتان ) إن سلم الحاجز بينهما كما لو أجافه باثنين فإن خرجا من ظهره فأربع جوائف
تنبيه هذه المسألة مكررة فإنها قد علمت من قوله والجائفة كموضحة في التعدد وقد سبق له في الموضحة أنه لو أوضح في موضعين بينهما لحم وجلد تعدد الأرش وكان ينبغي أن يقول ولو طعن جوفه بدل أوصل لأن عبارته تصدق لولا ما قدرته بأن يوصله من منفذ مفتوح كحلقة مع أن هذا لا يسمى جائفة
( ولا يسقط أرش باندمال ولا بالتحام موضحة وجائفة ) لأن مبنى الباب على اتباع الاسم وقد وجد وسواء أبقي شيء أم لا
ثم شرع في القسم الثاني وهو إبانة الطرف ومقدر البدل من الأعضاء ستة عشر عضوا وأنا أسردها لك أذن عين جفن أنف شفة لسان سن لحي يد رجل حلمة ذكر أنثيان أليان شفران جلد ثم ما وجب فيه الدية منها وهو ثنائي كاليدين ففي الواحد منه نصفها أو ثلاثي كالأنف فثلثها أو رباعي كالأجفان فربعها ولا زيادة على ذلك وفي البعض من كل منها بقسطه لأن ما وجب فيه الدية وجب في بعضه بقسطه
العضو الأول هو ما ذكره بقوله ( والمذهب ) المنصوص ( أن في ) قلع أو قطع ( الأذنين ) من أصلهما بغير إيضاح ( دية ) بالنصب اسم أن سواء أكان سميعا أم أصم ( لا حكومة ) لخبر عمرو بن حزم في الأذن خمسون من الإبل رواه الدارقطني والبيهقي ولأنهما عضوان فيهما جمال ومنفعة فوجب أن يكون فيهما الدية كاليدين وفي وجه أو قول مخرج تجب فيهما حكومة كالشعور
تنبيه المراد بالدية هنا وفيما يأتي من نظائره دية من جنى عليه فإن حصل بالجناية إيضاح وجب مع الدية على الأول أرش الإيضاح ( وبعض ) بالرفع مع الأذنين ( بقسطه ) أي المقطوع لما مر ويقدر بالمساحة
تنبيه شمل قوله بعض ما لو قطع إحداهما ما لو وقطع البعض من إحداهما ولهذا لم يحتج أن يقول وفي إحداهما نصف الدية كما قاله المحرر ( ولو أيبسهما ) بالجناية عليهما بحيث لو حركتا لم تتحركا ( فدية ) كما لو ضرب يده فشلت ( وفي قول حكومة ) لأن منفعتهما لا تبطل بذلك وهي جمع الصوت ليتمادى إلى محل السماع بخلاف اليد إذا شلت فإن منفعتها بطلت بالكلية ومال إليه البلقيني وقال نص الأم يقتضيه وأجاب الأول بأن المنفعة الأخرى وهي دفع الهوام بالإحساس قد بطلت ويكفي ذلك في وجوب الدية ( ولو قطع ) أذنين ( يابستين ) بجناية أو غيرها ( فحكومة ) تجب فيهما في الأظهر ( وفي قول ) فيهما ( دية ) تلزمه الأول مبني على الأول والثاني على الثاني كما في المحرر
فإن قيل قد مر أن الأذن الصحيحة تقطع بالمستحشفة والجمع بين جريان القصاص فيها وعدم تكميل الدية مما لا يعقل
أجيب بأنه لا تلازم بين وجوب القصاص ووجوب الدية وعلى الأول هل يشترط أن يبلغ بالحكومتين مقدار الدية حتى لا نكون قد أسقطنا الدية فيهما أو لا فيه طريقان أشار إليهما المارودي أوجههما الثاني
العضو الثاني هو ما ذكره بقوله ( وفي ) قلع ( كل عين ) وهي مؤنثة اسم لحاسة البصر من إنسان وغيره ( نصف دية ) لخبر عمرو بن حزم بذلك صححه ابن حبان والحاكم وحكى ابن المنذر فيه الإجماع ولأنها من أعظم الجوارح نفعا فكانت أولى بإيجاب الدية ( ولو ) هي ( عين أحول ) وهو من في عينه خلل دون بصره ( و ) عين ( أعمش ) وهو من يسيل دمعه غالبا مع ضعف رؤيته ( و ) عين ( أعور ) وهو ذاهب حس إحدى العينين مع بقاء بصره وعين أخفش وهو صغير العين المبصرة وعين أعشى وهو من لا يبصر في الشمس لأن المنفعة باقية بأعين من ذكر أو مقدار المنفعة لا ينظر إليها
____________________
(4/61)
تنبيه قد توهم عبارته أن العين العوراء فيها نصف دية وليس مرادا وإنما هو في العين الأخرى واحترز بذلك عمن يقول ك مالك و أحمد في عين الأعور كل الدية لأن بصر الذاهبة انتقل إليها
( وكذا من بعينه بياض ) على بياضها أو سوادها أو ناظرها وهو رقيق ( لا ينقص الضوء ) الذي فيها يجب في قلعها نصف دية لما مر ( فإن نقص ) الضوء وأمكن ضبط النقص بالاعتبار بالصحيحة التي لا بياض فيها ( فقسط ) ما نقص يسقط من الدية ( فإن لم ينضبط ) أي النقص ( فحكومة ) تجب والفرق بينه وبين عين الأعمش أن البياض ينقص الضوء الذي كان في أصل الحدقة وعين الأعمش لم ينقص ضوؤها عما كان في الأصل
قاله الرافعي ويؤخذ منه كما قاله الأذرعي وغيره أن العمش لو تولد من آفة أو جناية لا تكمل فيه الدية
العضو الثالث هو ما ذكره بقوله ( وفي ) قطع ( كل جفن ) بفتح جيمه وكسرها وإن اقتصر المصنف على الفتح وهو غطاء العين كما مر ( ربع دية ) سواء الأعلى والأسفل ففي الأربعة الدية ( ولو ) كان ( لأعمى ) وبلا هدب لأن فيها جمالا ومنفعة وقد اختصت عن غيرها من الأعضاء بكونها رباعية وتدخل حكومة الأهداب في دية الأجفان بخلاف ما لو انفردت الأهداب فإن فيها حكومة إذا فسد منبتها كسائر الشعور لأن الفائت بقطعها الزينة والجمال دون المقاصد الأصلية وإلا فالتعزير وفي قطع الجفن المستحشف حكومة وفي إحشاف الجفن الصحيح ربع دية جزما بخلاف ما تقدم من الأذن فإن المنفعة هنا تزول أصلا بخلافه هناك وفي بعض الجفن الواحد قسط من الربع فإن قطع بعضه فتقلص باقيه فقضية كلام الرافعي عدم تكميل الدية
العضو الرابع هو ما ذكره بقوله ( و ) في قطع ( مارن ) وهو ما لان من الأنف وخلا من العظم ( دية ) لخبر عمرو بن حزم بذلك ولأن فيه جمالا ومنفعة وهو مشتمل على الطرفين المسميان بالمنخرين وعلى الحاجز بينهما وتندرج حكومة قصبته في ديته كما رجحه في أصل الروضة
وقيل فيها حكومة مع ديته
قال الإسنوي وعليه الفتوى ولا فرق بين الأخشم وغيره لأن الشم ليس فيه ( وفي كل من طرفيه والحاجز ثلث ) توزيعا للدية عليهما ( وقيل في الحاجز ) بينهما ( حكومة ) فقط ( وفيهما ) أي الطرفين ( دية ) لأن الجمال وكمال المنفعة فيهما دون الحاجز
تنبيه ظاهره أن الخلاف وجهان وهو ما صححه في المحرر والراجح أنه قولان ولا تصريح في الروضة كأصلها بترجيح وفي قطع باقي المقطوع من المارن بجناية أو غيرها ولو بجذام قسطه من الدية بالمساحة وفي إشلال المارن الدية وفي شقه إذا لم يذهب منه شيء حكومة وإن يلتئم فإن تأكل بالشق بأن ذهب بعضه وجب قسطه من الدية وفي قطع القصبة وحدها دية منقلة
العضو الخامس هو ما ذكره بقوله ( و ) في قطع ( كل شفة ) وهي في عرض الوجه إلى الشدقين وفي طوله ما يستر اللثة كما قاله في المحرر وفي بعض نسخ المنهاج وفي نسخة المصنف ذكر هذا ثم ضرب عليه ( نصف دية ) علويا أو سفليا رقت أو غلظت صغرت أو كبرت ففي الشفتين الدية لما في كتاب عمرو بن حزم وفي الشفتين الدية
ولما فيهما من الجمال والمنفعة إذ الكلام يتميز بهما ويمسكان الريق والطعام والإشلال كالقطع وفي شقهما بلا إبانة حكومة ولو قطع شفة مشقوقة وجبت ديتها إلا حكومة الشق وإن قطع بعضها فتقلص البعضان الباقيان وبقيا كمقطوع الجميع وزعت الدية على المقطوع والباقي كما اقتضاه نص الأم وصرح به في الأنوار وهل تسقط مع قطعهما حكومة الشارب أو لا وجهان أظهرهما الأول كما في الأهداب مع الأجفان
العضو السادس هو ما ذكره بقوله ( و ) في قطع ( لسان ) لناطق سليم الذوق ( ولو ) كان اللسان ( لألكن ) وهو من في لسانه لكنة أو عجمة ( و ) لو لسان ( أرت ) بمثناة ( و ) لو ( ألثغ ) بمثلثة وسبق تفسيرها في باب صلاة الجماعة ( و ) لو لسان ( طفل ) وإن لم ينطق
وقوله ( دية ) يرجع لكل من الألسنة المذكورة لإطلاق حديث عمرو بن حزم وفي اللسان الدية صححه ابن حبان والحاكم
ونقل في الأم وابن المنذر فيه الإجماع ولأن فيه جمالا ومنفعة يتميز به الإنسان عن البهائم في البيان والعبارة
____________________
(4/62)
عما في الضمير وفيه ثلاث منافع الكلام والذوق والاعتماد في أكل الطعام وإدارته في اللهوات حتى يستكمل طحنه بالأضراس ( وقيل شرط ) الدية في قطع لسان ( الطفل ظهور أثر نطق بتحريكه ) أي اللسان ( لبكاء ومص ) للثدي لأنها أمارات ظاهرة على سلامة اللسان فإن لم يظهر فحكومة لأن سلامته غير متيقنة والأصل براءة الذمة وعلى الأول لو بلغ الطفل أوان النطق والتحريك ولم يوجدا منه فحكومة لا دية لإشعار الحال بعجزه وإن لم يبلغ أوان النطق فدية كما شمله كلام المصنف أخذا بظاهر السلامة كما تجب الدية في يده ورجله إن لم يكن في الحال بطش ولا مشي
تنبيه لو أخذت دية اللسان فنبت لم تسترد
وفارق عود المعاني كما يأتي بأن ذهابها كان مظنونا وقطع اللسان محقق والعائد غيره وهو نعمة جديدة ولو أخذت الحكومة لقطع بعض لسانه لأمر اقتضى إيجابها ثم نطق ببعض الحروف وعرفنا سلامة لسانه وجب تمام قسط ديته
أما إذا كان اللسان عديم الذوق فجزم الماوردي وصاحب المهذب بأن فيه حكومة كالأخرس
قال الأذرعي وهذا بناء على المشهور أن الذوق في اللسان وقد ينازعه قول البغوي وغيره إذا قطع لسانه فذهب ذوقه لزمه ديتان اه
واللسان ذو الطرفين إن استويا خلقة فلسان مشقوق فتجب بقطعهما الدية ويقطع أحدهما قسطه منها وإن كان أحدهما أصليا والآخر زائدا ففي قطع الأصلي الدية وفي قطع الزائد حكومة
( و ) في لسان ( الأخرس حكومة ) ولو كان خرسه عارضا كما في قطع اليد الشلاء قال الرافعي هذا إذا لم يذهب بقطعه الذوق أو كان ذاهب الذوق
فأما إذا قطع لسان أخرس فذهب ذوقه وجبت الدية للذوق وهذا يعلم من قوله إن في الذوق الدية قال الزركشي ك الأذرعي ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو ولد أصم فقطع لسانه الذي ظهر فيه أمارة النطق فإن الأصح عدم وجوب الدية لأن المنفعة المعتبرة في اللسان النطق وهو مأيوس من الأصم والصغير إنما ينطق بما يسمعه وإذا لم يسمع لم ينطق وفي قطع اللهات حكومة
قال الجوهري وهي الهفة المطبقة في أقصى سقف الفم
العضو السابع هو ما ذكره بقوله ( و ) في قلع ( كل سن ) أصلية تامة مثغورة غير مقلقلة صغيرة كانت أو كبيرة بيضاء أو سوداء نصف عشر دية صاحبها ففيها ( لذكر حر مسلم خمسة أبعرة ) لحديث عمرو بن حزم بذلك ولا فرق بين الثنية والناب والضرس وإن انفرد كل منها باسم كالسبابة والوسطى والخنصر في الأصابع وفيها لأنثى حرة مسلمة بعيران ونصف ولذمي بعير وثلثان ولمجوسي ثلث بعير ولرقيق نصف عشر قيمته ولو قال ما قدرته في كلامه لشمل جميع هذه الصور واستفيد منه التغليظ والتخفيف
ويستثنى من إطلاقه صورتان إحداهما لو انتهى صغر السن إلى أن لا يصلح للمضغ فليس فيها إلا حكومة
الثانية أن الغالب طول الثنايا على الرباعيات فلو كانت مثلها أو أقصر فقضية كلام الروضة وأصلها أن الأصح أنه لا يجب الخمس بل ينقص منها بحسب نقصانها
ثم نبه بقوله ( سواء أكسر الظاهر منها دون السنخ ) وهو بكسر المهملة وسكون النون وإعجام الخاء ويقال بالجيم أصلها المستتر باللحم ( أو قلعها به ) أي معه على أنه لا فرق في ديتها بين حالة وجوب القصاص فيها كالقلع أو لا كالكسر لأن السنخ نابع فأشبه الكف مع الأصابع
تنبيه قضية كلامه أنه لو أذهب منفعة السن وهي باقية على حالها عدم وجوب الدية وليس مرادا فقد صرح الماوردي بوجوب الدية بذلك
قال وإن اختلفا فالقول قول المجني عليه لأن ذهاب منافعها لا يعرف إلا من جهته والمراد بالظاهر البادي خلقة
أما لو ظهر بعض السنخ لخلل أصاب اللثة لم يلحق ذلك بالظاهر بل يكمل الدية فيما كان ظاهرا في الأصل وقيل تجب للسنخ حكومة ومحل الخلاف إذا كان القالع لها واحدا وقلعهما معا كما يشعر به تعبير المصنف فلو قلع الظاهر ثم السنخ بعد الاندمال وكذا قبله على الأصح أو قلع واحد السن وآخر السنخ وجب للسنخ حكومة جزما ولو قلع السن فبقيت معلقة بغروقها ثم عادت إلى ما كانت لزمه حكومة لأنها إنما تجب بالإبانة
____________________
(4/63)
ولم توجد وإن كسر سنا مكسورة واختلف هو وصاحبها في قدر الفائت صدق في قدره بيمينه لأن الأصل عدم فوات الزائد وإن كسر منه صحيحة واختلف هو وصاحبها في قدر ما كسر منها صدق الجاني في قدر ما كسر بيمينه لأن الأصل براءة ذمته ( وفي سن زائدة ) وهي الخارجة عن سمت الأسنان الأصلية لمخالفة نباتها ( حكومة ) كالأصبع الزائدة
تنبيه لو عبر بالشاغية كالمحرر كان أولى واستغنى عما قدرته فإن عبارته تشمل الزائد على الغالب على الفطرة وهي اثنان وثلاثون ولو كانت على سمت الأسنان مع أن الراجح أن فيها أرشا ويعزر قالع سن اتخذت من نحو ذهب كفضة من غير أرش ولا حكومة وإن تشبثت باللحم واستعدت للمضغ لأنها ليست جزءا من الشخص ( وحركة السن ) لكبر أو مرض ( إن قلت ) بحيث لا تؤذي القلة لنقص منفعتها من مضغ وغيره ( فكصحيحة ) حكمها في وجوب القصاص والأرش لبقاء الجمال والمنفعة ( وإن بطلت المنفعة ) منها لشدة حركتها ( فحكومة ) تجب فيها للشين الحاصل بزوال المنفعة ولعل المراد كما قال الزركشي منفعة المضغ فإن منفعة الجمال وحبس الطعام والريق موجودة ( أو نقصت ) تلك المنفعة المذكورة ( فالأصح ) وفي الروضة الأظهر أنها ( كصحيحة ) فيجب الأرش لوجود أصل المنفعة من المضغ وحفظ الطعام ورد الريق ولا أثر لضعفها كضعف البطش
تنبيه لو تزلزلت سن صحيحة بجناية ثم سقطت بعد لزمه الأرش وإن ثبتت وعادت كما كانت ففيها حكومة كما لو لم يبق في الجراحة نقص ولا شين وإن عادت ناقصة المنفعة ففيها أرش وكذا في الشرحين والروضة والذي في الأنوار لزمته الحكومة لا الأرش لأن الأرش إنما يجب بقلعهما كما مر
قال وهذا الموضع مزلة القدم في الشرحين والروضة فليتأمل اه
وقد يجاب بأن المراد بنقص المنفعة ذهابها بالكلية فلا مخالفة حينئذ ( ولو قلع سن صغير ) أو غيره ( لم يثغر ) بمثناة تحتية مضمومة ومثلثة ساكنة وغين معجمة مفتوحة لم تسقط أسنانه وهي رواضعه التي من شأنها غالبا عودها بعد سقوطها ( فلم تعد ) وقت أوان عودها ( وبان فساد المنبت ) منها ( وجب ) القصاص فيها كما سبق في باب كيفية القصاص أو ( الأرش ) تاما فإن عادت فلا قصاص ولا دية وتجب الحكومة إن بقي شين وإلا فلا ( والأظهر ) وفي الروضة الأصح ( أنه لو مات قبل البيان ) لحال طلوعها وعدمه ( فلا شيء ) على الجاني لأن الأصل براءة ذمته والظاهر أنه لو عاش لعادت والثاني يجب الأرش لتحقق الجناية والأصل عدم العود
تنبيه ظاهر إطلاقه أنه لا حكومة عليه لكن المجزم به في الروضة كأصلها ونص عليه في الأم وجوبها وظاهره أيضا أنه لو مات قبل تمام نباتها أنه لا حكومة عليه بطريق الأولى والراجح وجوب الحكومة وإنما لم يجب القسط لأنا لم نتيقن أنه لو عاش لم تكمل ولو قلعها قبل تمام نباتها آخر انتظرت فإن لم تنبت فالدية على الآخر وإلا فحكومة أكثر من الحكومة الأولى وإن أفسد منبت غير المثغورة آخر بعد قلع غيره لها فعليه حكومة وعلى الأول كذلك في أحد احتمالين للإمام رجحه في البيان وإن سقطت بلا جناية ثم أفسد شخص منبتها لزمه حكومة على قياس ما مر لأنه لم يقلع سنا
( و ) الأظهر ( أنه لو قلع ) شخص ( سن مثغور فعادت ) تلك المقلوعة ( لا يسقط ) الأرش لأن العود نعمة جديدة كموضحة أو جائفة التحمت بعد أخذ أرشها فإنه لا يسترد كما لا يسقط بالتحامها القصاص والثاني يسقط لأن العائدة قائمة مقام الأولى وإن لم تعد وجب الأرش جزما ( ولو قلعت الأسنان ) كلها وهي اثنان وثلاثون في غالب الفطرة كما مر أربع ثنايا وهي الواقعة في مقدم الفم ثنتان من أعلى وثنتان من أسفل ثم أربع
____________________
(4/64)
رباعيات ثنتان من أعلى وثنتان من أسفل ثم أربع ضواحك
ثم أربعة أنبات وأربعة نواجذ واثنا عشر ضرسا وتسمى الطواحين قاله في أصل الروضة
فإن قيل قضيته أن النواجذ في الاثني عشر وليس كذلك بل هي آخرها أجيب بأن هذا ليس قضيته لأنه عبر في الأول بثم ثم عطف النواجذ والأضراس بالواو وهي لا تقتضي ترتيبا
وأما خبر أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه فالمراد ضواحكه لأن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسما ( فبحسابه ) ففيها مائة وستون بعيرا سواء أقلعها معا أم مرتبا لما مر أن كل سن خمسة أبعرة ( وفي قول ) حكاه الماوردي وغيره وجها ( لا يزيد ) أرش جميع الأسنان ( على دية إن اتحد جان وجناية ) عليها كأن أسقطها بشرب دواء أو بضربة أو بضربات من غير تخلل اندمال لأن الأسنان جنس متعدد فأشبه الأصابع وفرق الأول بأنا إنما اعتبرنا الأسنان في أنفسها وإن زاد أرشها على الدية لأنها مما يختلف نباتها ويتقدم ويتأخر فاحتيج إلى اعتبارها في أنفسها بخلاف الأصابع فإنها متساوية متفقة في النبات فقسطت الدية عليها فإن تخلل الاندمال بين كل سن وأخرى أو تعدد الجاني فإنها تزاد قطعا
تنبيه قضية إطلاقه أنه لو زادت الأسنان على اثنين وثلاثين يجب لكل سن خمس من الإبل وقد مر ما فيه عند قوله وفي سن زائد حكومة هذا كله إن خلقت مفرقة كما هو العادة فإن خلقت صفيحتان كان فيهما دية فقط وفي إحداهما نصفها كما نبه على ذلك الدميري وذكر هنا فائدتين الأولى قال جزم في الجواهر تبعا لابن سيده أن من لا لحية له والكوسج لا تكمل أسنانه العدة المتقدمة
الثانية قال عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس الأمير مات بأسنانه التي ولد بها ولم يثغر وكانت قطعة واحدة من الأسفل وقطعة واحدة من الأعلى وعاش نحوا من ثمانين سنة
العضو الثامن هو ما ذكره بقوله ( و ) في ( كل لحي نصف دية ) وهو بفتح لامه وكسرها واحد اللحيين بالفتح لأن فيهما جمالا ومنفعة فوجب فيهما الدية وفي أحدهما نصفها كالأذنين وهما عظمان تنبت عليهما الأسنان السفلى وملتقاهما الذقن أما العليا فمنبتها عظم الرأس
تنبيه استشكل المتولي إيجاب الدية في اللحيين بأنه لم يرد فيهما خبر والقياس لا يقتضيه لأنهما من العظام الداخلية فيشبهان الترقوة والضلع وأيضا فإنه لا دية في الساعد والعضد والساق والفخذ وهي عظام فيها جمال ومنفعة وقد يجاب بأنهما لما كانا من الوجه كانا أشرف من غيرهما فوجب فيهما الدية
( ولا يدخل أرش الأسنان في دية ) فك ( اللحيين في الأصح ) لأن كلا منهما مستقل برأسه وله بدل مقدر واسم يخصه فلا يدخل أحدهما في الآخر كالأسنان واللسان والثاني يدخل كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع وفرق الأول بأن اسم اليد يشمل الكف والأصابع ولا يشمل اللحيان الأسنان وبأن اللحيين كاملا الخلق قبل الأسنان بدليل الطفل بخلاف الكف مع الأصابع لأنهما كالعضو الواحد
تنبيه ظاهر كلامهم أن سن المثغور وغيره في ذلك سواء ويتصور إفراد اللحيين عن الأسنان في صغير أو كبير سقطت أسنانه بهرم أو غيره ولو فكهما أو ضربهما فيبسا لزمه ديتهما فإن تعطل بذلك منفعة الأسنان لم يجب لها شيء لأنه لم يجن عليها بل على اللحيين نص عليه في الأم كما قاله الأذرعي وغيره
العضو التاسع هو ما ذكره بقوله ( و ) في ( كل يد نصف دية ) لخبر عمرو بن حزم بذلك رواه النسائي وغيره
تنبيه المراد باليد الكف مع الأصابع الخمس هذا ( إن قطع ) اليد بتأويلها بالعضو ( من ) مفصل ( كف ) وهو الكوع
تنبيه قد يفهم قوله إن قطع من الكف أنه لا يجب النصف إذا قطع الأصابع وبقي الكف لكنه متروك بقوله بعد وكل أصبع عشرة وإنما قيد ذلك في اليد دفعا لتوهم احتمال إيجاب الحكومة لأجل الكف لا للنقص إن
____________________
(4/65)
قطع من دونه وهذا إذا حزه من الكف فإن قطع الأصابع ثم قطع الكف هو أو غيره بعد الاندمال أو قبله وجبت الحكومة كما في النسخ مع السن
وأورد على المصنف ما لو كانت أصابع إحدى يديه وكفها أقصر من الأخرى فإنه لا يجب القصيرة نصف دية كاملة بل يجب نصف دية ناقصة حكومة كما نقلاه عن البغوي وأقراه
( فإن قطع من فوقه ) أي الكف ( فحكومة ) تجب ( أيضا ) مع دية الكف ليس بتابع بخلاف الكف مع الأصابع فإنهما كالعضو الواحد بدليل قطعهما في السرقة بقوله تعالى { فاقطعوا أيديهما }
تنبيه قال بعض المتأخرين قد يجب في اليد ثلث الدية وذلك فيما لو قطع إنسان يمين آخر حال صياله ثم يساره حال توليه عنه ثم رجليه حال صياله عليه ثانيا فمات بذلك فعليه ثلث الدية لليد اليسرى اه
وهذا ممنوع لأن الثلث إنما وجب لأجل أن النفس فاتت بثلاث جراحات فوزعت الدية على ذلك لا أن اليد وجب فيها ثلث الدية
ثم قال وقد يجب في اليدين بعض الدية كأن سلخ جلد شخص فبادر آخر وحياته مستقرة فقطع يديه فالسالخ يلزمه دية وقاطع اليدين يلزمه دية ينقص منها ما يخص الجلد الذي كان على اليدين اه
وهذا ممنوع فإنا أوجبنا في اليدين الدية بتمامها وإنما نقصنا منها شيئا لأجل ما فات من اليدين لا أنا أوجبنا دون الدية في يدين تامتين
( وفي كل أصبع ) أصلية من يد أو رجل عشر دية صاحبها ولو عبر به كان أولى ففيها لذكر حر مسلم ( عشرة أبعرة ) كما جاء في خبر عمرو بن حزم
أما الأصبع الزائدة ففيها حكومة ( و ) في كل ( أنملة ) منها من غير إبهام ( ثلث العشرة ) لأن لكل أصبع ثلاث أنامل إلا الإبهام فله أنملتان كما قال ( و ) في ( أنملة الإبهام نصفها ) عملا بقسط واجب الأصبع
تنبيه لو انقسمت أصبع أربع أنامل متساوية ففي كل واحدة ربع العشر كما صرح به في أصل الروضة ويقاس بهذه النسبة الزائدة على الأربع والناقصة عن الثلاث وبه صرح الماوردي
ثم قال فإن قيل لم لم يقسموا دية الأصابع عليها إذا زادت أو نقصت كما في الأنامل بل أوجبوا في الأصبع الزائدة حكومة قلنا الفرق أن الزائدة من الأصابع متميزة ومن الأنامل غير متميزة فلذلك اشتركت الأنامل وتفرقت الأصابع وأيضا أن الأنامل لما اختلفت في أصل الخلقة بالزيادة والنقص كان كذلك في الخلقة النادرة ولما لم تختلف الأصابع في الخلقة المعهودة فارقها حكم الخلقة النادرة ولو لم يكن لأصبعه أنامل ففيه دية تنقص شيئا لأن الانثناء إذا زال سقط معظم منافع اليد
العضو العاشر هو ما ذكره بقوله ( والرجلان ) في قطعهما وأصابعهما وأناملهما ( كاليدين ) في جميع ما ذكر فيهما لحديث عمرو بن حزم بذلك والقدم كالكف والساق كالساعد والفخذ كالعضد والأعرج كالسليم لأن العيب ليس في نفس العضو وإنما العرج نقص في الفخذ والشلل في الرجل كما في اليد وتقدم بيانه
العضو الحادي عشر هو ما ذكره بقوله ( وفي حلمتيها ) أي الأنثى ( ديتها ) لأن منفعة الإرضاع وجمال الثدي بهما كمنفعة اليدين وجمالهما بالأصابع سواء أذهبت منفعة الإرضاع أم لا وفي إحداهما نصفها والحلمة كما في المحرر المجتمع الناتىء على رأس الثدي وهذا التفسير صادق بحلمة الرجل
قال الإمام ولون الحلمة يخالف لون الثدي غالبا وحواليه دائرة على لونها وهي من الثدي لا منها ولو قطع باقي الثدي أو قطعه غيره وجبت فيه حكومة وإن قطعه مع الحلمة دخلت حكومته في ديتها في الأصح كالكف مع الأصابع فإن قطعهما مع جلدة الصدر وجبت حكومة الجلدة مع الدية فإن وصلت الجراحة الباطن وجب أرش الجائفة مع الدية ( و ) في ( حلمتيه ) أي الرجل ومثله الخنثى ( حكومة ) إذ ليس فيها منفعة مقصودة بل مجرد جمال ( وفي قول ديته ) أي الرجل كالمرأة فالخنثى على هذا القول تلحق بالأنثى كما علم من قول المصنف سابقا والمرأة والخنثى كنصف رجل
تنبيه يجب للحلمة التي تحت حلمة الرجل أو الخنثى حكومة أخرى ولا يتداخلان لأن المقطوع منه عضوان ومن المرأة كعضو واحد
قال الروياني وليس للرجل ثدي وإنما هي قطعة لحم من صدره
____________________
(4/66)
فرع لو ضرب ثدي امرأة الله جل ذكره فشل بفتح الشين وجبت ديته وإن استرسل فحكومة لأن الفائت مجرد جمال
وإن ضرب ثدي خنثى فاسترسل لم تجب فيه حكومة حتى يتبين كونه امرأة لاحتمال كونه رجلا فلا يلحقه نقص بالاسترسال ولا يفوته جمال فإن تبين امرأة وجبت الحكومة
العضو الثاني عشر هو ما ذكره بقوله ( وفي أنثيين ) من الذكر ( دية ) لحديث عمرو بن حزم بذلك ولأنهما من تمام الخلقة ومحل التناسل وفي إحداهما نصفها سواء اليمنى واليسرى ولو من عنين ومجبوب وطفل وغيرهم
تنبيه المراد بالأنثيين البيضتان كما صرح بهما في بعض طرق حديث عمرو بن حزم
وأما الخصيتان فالجلدتان اللتان فيهما البيضتان
العضو الثالث عشر هو ما ذكره بقوله ( وكذا ذكر ) سليم في قطعه دية لخبر عمرو بن حزم بذلك ( ولو ) كان ( لصغير وشيخ وعنين ) وخصي لإطلاق الخبر المذكور ولأن ذكر الخصي سليم وهو قادر على الإيلاج وإنما الفائت الإيلاد والعنة عيب في غير الذكر لأن الشهوة في القلب والمني في الصلب وليس الذكر بمحل لواحد منهما فكان سليما من العيب بخلاف الأشل ( وحشفة كذكر ) فيجب في قطعها وحدها الدية لأن ما عداها من الذكر كالتابع لها كالكف مع الأصابع لأن معظم منافع الذكر وهو لذة المباشرة تتعلق بها وأحكام الوطء تدور عليها ( وبعضها ) أي قطعه يجب ( بقسطه ) أي الذكر ( منها ) أي الحشفة لأن الدية تكمل بقطعها فقسطت على أبعاضها ( وقيل ) يجب بقسطه ( من ) كل ا ( الذكر ) لأنه المقصود بكمال الدية وتبع المصنف المحرر في حكاية الخلاف وجهين وهما قولان منصوصان في الأم
تنبيه محل ما ذكر إذا لم يختل مجرى البول فإن اختل فعليه أكثر الأمرين من قسط الدية وحكومة فساد المجرى كما نقلاه عن المتولي وأقراه ولو قطع باقي الذكر بعد قطع الحشفة أو قطعه غيره وجبت فيه حكومة بخلاف ما إذا قطعه معها كما علم مما مر فإن شق الذكر طولا فأبطل منفعته وجبت فيه دية كما لو ضربه فأشله وإن تعذر بضربه الجماع به لا الانقباض والانبساط فحكومة لأنه ومنفعته باقيان والخلل في غيرهما فلو قطعه قاطع بعد ذلك فعليه القصاص أو كمال الدية كما قاله الرافعي
أما الذكر الأشل ففيه حكومة
( وكذا حكم ) قطع ( بعض مارن و ) قطع بعض ( حلمة ) من المرأة هل ينسب المقطوع إلى المارن والحلمة أو إلى الأنف والثدي فيه الخلاف السابق والأصح التوزيع على الحلمة والمارن فقط
العضو الرابع عشر هو ما ذكره بقوله ( وفي الأليين ) وهما الناتئان عن البدن عند استواء الظهر والفخذ ( الدية ) لما فيهما من الجمال والمنفعة في الركوب والقعود وفي أحدهما نصفها وفي بعض بقسطه إن عرف قدره وإلا فالحكومة ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ولا نظر إلى اختلاف البدن الناتىء واختلاف الناس فيه كاختلافهم في سائر الأعضاء ولا يشترط في وجوب الدية بلوغ الحديد إلى العظم ولو نبت ما قطع لم تسقط الدية على ظاهر المذهب كما قاله البغوي
تنبيه اللحم الناتىء على الظهر في جانبي السلسلة فيه حكومة وجرى في التنبيه على أن فيه دية قيل ولا يعرف لغيره
العضو الخامس عشر هو ما ذكره بقوله ( وكذا شفراها ) أي المرأة بضم الشين وهما اللحمان المحيطان بحرفي فرج المرأة إحاطة الشفتين بالفم ففي قطعهما وإشلالهما ديتها وفي أحدهما نصفها لأن فيهما جمالا ومنفعة إذ بهما يقع الالتذاذ بالجماع لا فرق في ذلك بين الرتقاء والقرناء وغيرهما لأن النقصان فيهما ليس في الشفرين بل في داخل الفرج ولا بين البكر وغيرها فلو زالت بقطعهما البكارة وجب أرشها مع الدية وإن قطع العانة معهما أو مع الذكر فدية وحكومة ولو قطعهما فجرح موضعهما آخر بقطع لحم أو غيره لزم الثاني حكومة
العضو السادس عشر هو ما ذكره بقوله ( وكذا سلخ ) جلد فيه دية المسلوخ منه إن لم ينبت لأن في الجلد جمالا ومنفعة ظاهرة وأشار بقوله ( إن
____________________
(4/67)
بقي ) فيه ( حياة مستقرة ) إلا أن إيجاب الدية فيه إنما يظهر إن فرضت الحياة المذكورة بعد سلخه اه
( و ) مات بسبب آخر غير السلخ كأن ( حز غير السالخ رقبته ) بعد السلخ فيجب على الجاني القصاص لأنه أزهق روحه وعلى السالخ الدية ومثل حز غير السالخ ما لو انهدم عليه حائط أو نحوه فإن مات بسبب السلخ أو لم يمت لكن حز السالخ رقبته فالواجب حينئذ دية النفس إن عفا عن القود
تنبيه عبارته توهم أنه لا يتصور حز الرقبة من غيره وليس مرادا بل يتصور منه أيضا بأن تكون إحدى الجنايتين عمدا والأخرى خطأ أو شبه عمد فإن الأصح أنهما لا يتداخلان
تتمة في كسر الترقوة وهو بفتح التاء العظم المتصل بين المنكب وتغرة النحر حكومة كسائر العظام وقيل الواجب فيها جمل لما روي عن عمر أنه قضى بذلك وحمله الأولى على أن الحكومة كانت في الواقعة قدر جمل
ولكل أحد ترقوتان والجمع تراق كما قال تعالى { كلا إذا بلغت التراقي } والضمير في بلغت للنفس وإن لم يجر لها ذكر لأن الكلام يدل عليها كما قال حاتم لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فائدة روي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما احتضر جلست ابنته عائشة رضي الله تعالى عنها عند رأسه تبكيه وتكرر هذا البيت ففتح عينيه وقال لا تقولي هكذا ولكن قولي { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } وكذلك كان يقرأ الآية وهي كذلك في مصحف ابن مسعود
ثم شرع في القسم الثالث وهو إزالة المنافع بالجناية وترجم لذلك بقوله فرع وترجم في المحرر بفصل وهو أولى وهي أربعة عشر شيئا وأنا أسردها لك عقل سمع بصر شم نطق صوت ذوق مضغ إمناء إحبال جماع إفضاء بطش مشي
الشيء الأول هو ما ذكره بقوله ( في العقل ) أي إزالته إن لم يرج عوده بقول أهل الخبرة في مدة يظن أنه يعيش إليها ويجري ذلك في السمع والبصر ونحوهما ( دية ) كما جاء في خبر عمرو بن حزم
وقال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه العلم على ذلك لأنه أشرف المعاني وبه يتميز الإنسان عن البيهمة
قال الماوردي وغيره والمراد العقل الغريزي الذي به التكليف دون المكتسب الذي به حسن التصرف ففيه حكومة
فإن رجي عوده في المدة المذكورة انتظر فإن عاد فلا ضمان كما في سن من لم يثغر
وفي إزالته بعضه بعض الدية بالقسط إن ضبط بزمان كأن كان يجن يوما ويفيق يوما أو يغيره كأن يقابل صواب قوله وفعله بالمحتل منهما وتعرف النسبة بينهما فإن لم ينضبط فحكومة يقدرها الحاكم باجتهاده فإن مات في أثناء المدة المقدر عوده فيها وجبت ديته كما جزم به الجرجاني وغيره وقال في الروضة نقلا عن المتولي فإن توقع عوده فيتوقف في الدية فإن مات قبل الاستقامة ففي الدية وجهان كما لو قلع سن مثغور فمات قبل عودها وقوله سن مثغور صوابه كما قال الأذرعي وغيره سن غير مثغور فإنه الذي ذكره المتولي وإن كان الموافق للمنقول أي من حيث الحكم ما عبر به فالمشاححة إنما هي في نسبة ذلك إلى المتولي لا في الحكم كما توهمه بعضهم
تنبيه اقتصار المصنف على الدية يقتضي عدم وجوب القصاص فيه وهو المذهب للاختلاف في محله وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب أسباب الحدث فقيل القلب وقيل الدماغ وقيل مشترك بينهما والأكثرون على الأول وقيل مسكنه الدماغ وتدبيره في القلب
ويسمى عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك ولا يزاد شيء على دية العقل إن زال بما لا أرش له كأن ضرب رأسه أو لطمه لكن يعزر على الأصح ( فإن زال ) العقل الغريزي ( بجرح له أرش ) مقدر كالموضحة ( أو حكومة ) كالباضعة ( وجبا ) أي الدية والأرش أو هي والحكومة ولا يندرج ذلك في دية العقل لأنها جناية أبطلت منفعة غير حالة في محل الجناية فكانت كما لو أوضحه فذهب سمعه أو بصره وكما لو انفردت الجناية عن زوال العقل فعلى هذا لو قطع يديه ورجليه فزال عقله لزمه ثلاث ديات ( وفي قول ) قديم
____________________
(4/68)
( يدخل الأقل في الأكثر ) فإن كانت دية العقل أكثر كأن أوضحه فذهب عقله دخل فيه أرش الموضحة وإن كان أرش الجناية أكثر كأن قطع يديه ورجليه فزال عقله دخل فيه دية العقل
تنبيه قضية كلامه أنه لو تساويا كأن قطع يديه فزال عقله أنه لا يتأتى القول بالتداخل
وقال البلقيني إن مقتضى نص الإمام على هذا القول التداخل أيضا ( ولو ادعى زواله ) أي العقل وأنكر الجاني ونسبه إلى التجانن اختبر في غفلانه ( فإن لم ينتظم قوله وفعله في خلواته فله دية بلا يمين ) لأن يمينه تثبت جنونه والمجنون لا يحلف
فإن قيل يستدل بحلفه على عقله أجيب بأنه قد يجري انتظام ذلك منه اتفاقا وهذا في الجنون المطبق أما المتقطع فإنه يحلف في زمن إفاقته فإن انتظم قوله وفعله وحلف الجاني لاحتمال صدور المنتظم اتفاقا أو جريا على العادة والاختبار لا يقدر بمدة بل إلى أن يغلب على الظن صدقه أو كذبه ولا بد في سماع دعوى الزوال كما قال البلقيني من كون الجناية تحتمل زوال العقل وإلا لم تسمع الدعوى ويحمل على الاتفاق كحصول الموت بصعقة خفيفة
تنبيه قول المصنف ولو ادعى زواله الخ ينبغي أن يقرأ مبنيا لما لم يسم فاعله أي ادعى ذلك من له ولاية الدعوى من ولي أو منصوب حاكم والشارح قدر بعد ادعى المجني عليه وهو ممنوع وقدره ابن الملقن أيضا إذ كيف يصح دعوى المجنون لكن الشارح قال في آخر القولة واستشكل سماع دعواه لتضمنه لزوال عقله وأول بأن المراد ادعى وليه ومنه منصوب الحاكم اه
ولو قدر هذا أولا كان أولى وظاهره أن كلام المتن يقرأ مبنيا للفاعل ويقدر بما ذكر
الشيء الثاني هو ما ذكره بقوله ( وفي السمع ) أي إزالته ( دية ) لخبر البيهقي وفي السمع الدية ونقل ابن المنذر فيه الإجماع ولأنه من أشرف الحواس فكان كالبصر بل هو أشرف منه عند أكثر الفقهاء لأن به يدرك الفهم ويدرك من الجهات الست وفي النور والظلمة ولا يدرك بالبصر إلا من جهة المقابلة وبواسطة من ضياء أو شعاع وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر عليه لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والبصر يدرك الأجسام والألوان والهيئات فلما كانت تعلقاته أكثر كان أشرف
تنبيه لا بد في وجوب الدية من تحقق زواله فلو قال أهل الخبرة يعود وقدروا له مدة لا يستبعد أن يعيش إليها انتظرت فإن استبعد ذلك أو لم يقدروا مدة أخذت الدية في الحال وإن قالوا لطيفة السمع باقية في مقرها ولكن انسد منفذ السمع والسمع باق وجبت فيه حكومة إن لم يرج فتقه لا دية لبقاء السمع فإن رجى لم يجب شيء ( و ) في إزالته ( من أذن نصف ) من الدية لا لتعدد السمع فإنه واحد وإنما التعدد في منفذه بخلاف ضوء البصر إذ تلك اللطيفة متعددة ومحلها الحدقة بل لأن ضبط نقصانه بالمنفذ أقرب منه بغيره وهذا ما نص عليه في الأم ( وقيل قسط النقص ) منه من الدية فيعتبر ما نقص من السمع بحالة الكمال على ما سيأتي ( ولو أزال أذنيه وسمعه فديتان ) لأن محل السمع غير محل القطع فلم يتداخلا كما لو أوضحه فعمي
فائدة السمع عند الحكماء قوة أودعها الله في العصب المفروش في الصماخ وهو بكسر الصاد خرق الأذن يدرك بها الصوت بطريق وصول الهواء المتكيف بكيفية الصوت إلى الصماخ وعند أهل السنة أن الوصول المذكور بمشيئة الله تعالى على معنى خلق الله الإدراك في النفس عند ذلك الوصول
( ولو ادعى ) المجني عليه ( زواله ) أي السمع من أذنيه وكذبه الجاني ( وانزعج للصياح في نوم وغفلة فكاذب ) لأن ذلك يدل على التصنع
تنبيه مقتضى تعبيره بكاذب أن الجاني لا يحلف وليس مرادا بل لا بد من تحليفه أن سمعه لباق لاحتمال أن يكون انزعاجه اتفاقا ولا يختص الانزعاج بالصياح بل الرعد وطرح شيء له صوت من علو كذلك ويكرر ذلك من جهات وفي أوقات الخلوات حتى يتحقق زوال السمع بها ( وإلا ) بأن لم ينزعج بالصياح ونحوه فصادق في دعواه
____________________
(4/69)
و ( حلف ) حينئذ لاحتمال تجلده ( وأخذ دية ) لسمعه
قال الماوردي ولا بد في يمينه من التعرض لذهاب سمعه بجناية الجاني لجواز ذهابه بغير جنايته ثم إذا ثبت زواله قال الماوردي يراجع عدول الأطباء فإن نفوا عوده وجبت الدية في الحال وإن جوزوا عوده إلى مدة معينة يعيش إليها انتظرت فإن عاد فيها لم تجب الدية وإلا وجبت
تنبيه لو ادعى الزوال من إحدى الأذنين حشيت السليمة وامتحن في الأخرى على ما سبق
( وإن نقص ) سمع المجني عليه ( فقسطه ) أي النقص من الدية ( إن عرف ) قدر ما ذهب بأن كان يسمع من مكان كذا فصار يسمع من قدر نصفه مثلا وطريق معرفة ذلك أن يحدثه شخص ويتباعد إلى أن يقول لا أسمع فيعلي الصوت قليلا فإن قال أسمع عرف صدقه ثم يعمل كذلك من جهة أخرى فإن اتفقت المسافتان ظهر صدقه ثم ينسب ذلك من مسافة سماعه قبل الجناية إن عرف ويجب بقدر من الدية فإن كان التفاوت نصفا وجب نصف الدية ( وإلا ) بأن لم يعرف قدره بالنسبة ( فحكومة ) تجب فيه ( باجتهاد قاض ) في الأصح المنصوص لأنه لا يمكن تقديره ( وقيل يعتبر سمع قرنه ) وهو بفتح القاف وسكون الراء من له مثل سنه ( في صحته ) كأن يجلس القرن بجنبه ويناديهما رفيع الصوت من مسافة لا يسمعه واحد منهما ثم يقرب المنادي شيئا فشيئا إلى أن يقول قرنه سمعت ثم يضبط ذلك الموضع ثم يرفع صوته من هذا الموضع شيئا فشيئا حتى يقول المجني عليه سمعت ( ويضبط التفاوت ) بين سمعيهما ويؤخذ بنسبته من الدية فلو قال المجني عليه أنا أعرف قدر ما ذهب من سمعي
قال الماوردي صدق بيمينه لأنه لا يعرف إلا من جهته كالحيض ولعله فيما إذا لم يمكن معرفته بالطريق المتقدم وأما القرن بكسر القاف فهو الكفء ( وإن نقص ) سمع المجني عليه ( من أذن ) واحدة ( سدت ) هذه الناقصة ( وضبط منتهى سماع الأخرى ثم عكس ) بأن تسد الصحيحة ويضبط منتهى سماع الناقصة ( ووجب قسط التفاوت ) ويؤخذ قسطه من الدية فإن كان بين مسافة السميعة والأخرى النصف فله ربع الدية لأنه أذهب ربع سمعه وإن كان الثلث عليه سدس الدية وهكذا فإن لم ينضبط فالواجب حكومة
قال الرافعي بالاتفاق
الشيء الثالث هو ما ذكره بقوله ( وفي ) إذهاب ( ضوء ) أي بصر ( كل عين ) صغيرة أو كبيرة حادة أو كالة صحيحة أو عليلة عمشاء أو حولاء من شيخ أو طفل حيث البصر سليم ( نصف دية ) وفي العينين الدية لخبر معاذ في البصر الدية وهو غريب ولأنه من المنافع المقصودة
فائدة البصر عند الحكماء قوة أودعها الله في العصبتين المجوفتين الخارجتين من مقدم الدماغ ثم تنعطف معصبة التي من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى والتي من اليسرى إلى اليمنى حتى يتلاقيا ثم تأخذ التي من الجهة اليمنى يمينا والتي من جهة اليسرى يسارا حتى تصل كل واحدة إلى عين تدرك بتلك القوة الألوان وغيرها
وأما عند أهل السنة فإدراك ما ذكر بمشيئة الله تعالى على معنى أن الله تعالى يخلق إدراك ما ذكر في نفس العبد عند استعماله تلك القوة
( فلو فقأها لم يزد ) على نصف الدية كما لو قطع يده بخلاف إزالة الأذن مع السمع لما مر ( وإن ادعى ) المجني عليه ( زواله ) أي الضوء وأنكر الجاني ( سئل أهل الخبرة ) بذلك أي عدلان منهم مطلقا أو رجل وامرأتان إن كان خطأ أو شبه عمد فإنهم إذا أوقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس ونظروا في عينه عرفوا أن الضوء ذاهب أو موجود بخلاف السمع لا يراجعون فيه إذ لا طريق لهم إليه ثم أشار إلى طريق آخر في معرفة زواله بقوله ( أو يمتحن ) المجني عليه ( بتقريب عقرب أو حديدة ) محماة أو نحو ذلك ( من عينيه بغتة ونظر هل ينزعج ) أو لا فإن
____________________
(4/70)
انزعج صدق الجاني بيمينه وإلا فالمجني عليه بيمينه
تنبيه قضية كلامه تبعا للمحرر التخيير بين الأول والثاني وبه قال المتولي وجعل ذلك في أصل الروضة خلافا فقال وجهان أحدهما وهو نصه في الأم يراجع أهل الخبرة إلخ
والثاني يمتحن بتقريب حديدة الخ ورتب في الكفاية فقال يسألون فإن تعذر الأخذ بقولهم امتحن وظاهر كلامه أنه المعتبر وهو كذلك وقال البلقيني إنه متعين وإذا جعلت أو في كلام المصنف للتنويع لا للتخيير أي إذا عجز عن أهل الخبرة فينقل إلى الامتحان وافق ذلك ثم إن قالوا يعود وقدروا مدة انتظر كالسمع فإن مات قبل عوده في المدة وجبت الدية لأن الظاهر عدم عوده لو عاش وهل يجب القصاص أو لا وجهان أحدهما وهو الأوجه كما جرى عليه الرافعي تبعا للبغوي وصاحب المهذب
الثاني للشبهة وصوب الزركشي الأول كما جزم به الماوردي وغيره وإن ادعى الجاني عوده قبل الموت وأنكر الوارث صدق الوارث بيمينه لأن الأصل عدم عوده
( وإن نقص ) ضوء المجني عليه ( فكالسمع ) أي فحكمه كنقص السمع فإن عرف قدر النقص بأن كان يرى الشخص من مسافة فصار لا يراه إلا من نصفها مثلا فقسطه من الدية وإلا فحكومة فإن نقص بعض ضوء عينه عصبت ووقف شخص في موضع يراه ويؤمر أن يتباعد حتى يقول لا أراه فتعرف المسافة ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعا إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين ويجب قسطه من الدية فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع مثلا وبالأخرى من مائة فالنصف
نعم لو قال أهل الخبرة إن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المائة الأولى لقرب الأولى وبعد الثانية وجب ثلثا دية العليلة وإن أعشاه لزمه نصف دية وفي إزالة عين الأعشى بآفة سماوية الدية وإن كان مقتضى كلام التهذيب وجوب نصفها موزعا على إبصارها بالنهار وعدم إبصارها بالليل وإن أعمشه أو أخفشه أو أحوله أو أشخص بصره فالواجب حكومة وإن أذهب أحد شخصين الضوء والآخر الحدقة واختلفا في عود الضوء صدق الثاني بيمينه وإن كذبه المجني عليه لأن الأصل عدم عوده
حادثة سئل ابن الصلاح عن رجل أرمد أتى امرأة لبادية تدعي الطب لتداوي عينه فكحلته فتلفت عينه فهل يلزمها ضمانها
فأجاب إن ثبت أن ذهاب عينه بتداويها فعلى عاقلتها ضمانها فإن لم تكن فعلى بيت المال فإن تعذر فعليها في ما لها إلا أن يكون الأرمد أذن لها في المداواة بهذا الدواء المعين فلا تضمن
قال ونظيره ما إذا أذن البالغ العاقل في قطع سلعته أو فصده فمات لا يضمن أما إذا لم ينص عليه فلا يتناول إذنه ما يكون سببا في إتلافه
الشيء الرابع هو ما ذكره بقوله ( وفي ) إزالة ( الشم ) من المنخرين بجناية على رأس وغيره ( دية على الصحيح ) كما جاء في خبر عمرو بن حزم وهو غريب ولأنه من الحواس النافعة فكملت فيه الدية كالسمع
والثاني لا بل حكومة لأنه ضعيف النفع إذ منفعته إدراك الروائح والأنتان أكثر من الطيبات فيكون التأذي أكثر من التلذذ وعلى الأول ففي إزالة شم كل منخر نصف دية ولو نقص الشم وجب بقسطه من الدية إذا أمكن معرفته وإلا فالحكومة وإن نقص شم أحد المنخرين اعتبر بالجانب الآخر كما في السمع والبصر كما بحثه في أصل الروضة وصرح به سليم
تنبيه لو أنكر الجاني زواله امتحن المجني عليه في غفلاته بالروائح الحادة فإن هش للطيب وعبس لغيره حلف الجاني لظهور كذب المجني عليه وإلا حلف هو لظهور صدقه مع أنه لا يعرف إلا منه
ولو وضع المجني عليه يده على أنفه فقال له الجاني فعلت ذلك لعود شمك فقال بل فعلته اتفاقا أو لغرض آخر كامتخاط ورعاف وتفكر صدق بيمينه لاحتمال ذلك
فإن قطع أنفه فذهب شمه فديتان كما في السمع لأن الشم ليس في الأنف
فائدة الشم عند الحكماء قوة أودعها الله تعالى في الزائدتين الناتئتين من مقدم الدماغ بين العينين عند منتهى قصبة الأنف الشبيهتين بحلمتي الثديين لما فيهما من الثقب يدرك بتلك القوة الروائح بطريق وصول الهواء المتكيف بكيفية ذي الرائحة إلى الخيشوم وعند أهل السنة أن الإدراك المذكور بمشيئة الله تعالى يعني أن الله تعالى
____________________
(4/71)
يخلق في الشخص إدراك ما ذكر عند استعماله تلك القوة
الشيء الخامس هو ما ذكره في قوله ( وفي ) إبطال ( الكلام ) بجناية على اللسان ( الدية ) لخبر البيهقي في اللسان الدية إن منع الكلام
وقال ابن أسلم مضت السنة بذلك ولأن اللسان عضو مضمون بالدية فكذا منفعته العظمى كاليد والرجل وإنما تؤخذ الدية إذا قال أهل الخبرة لا يعود كلامه قاله في أصل الروضة على ما سبق من الفرق بين أن يقدروا مدة يعيش إليها أولا فإن أخذت ثم عاد استردت ولو ادعى زوال نطقه امتحن بأن يروع في أوقات الخلوات وينظر هل يصدر منه ما يعرف به كذبه فإن لم يظهر شيء حلف المجني عليه كما يحلف الأخرس ووجبت الدية هذا في إبطال نطقه بكل الحروف ( و ) أما ( في ) إبطال ( بعض الحروف ) فيعتبر ( قسطه ) من الدية هذا إذا بقي له كلام منتظم مفهوم وإلا فعليه كمال الدية كما جزم به صاحب الأنوار ( و ) الحروف ( الموزع ) أي التي توزع ( عليها ) الدية ( ثمانية وعشرون حرفا في لغة العرب ) أي من كانت لغته بحذف كلمة لا لأنها لام ألف وهما معدوتان ففي إبطال نصف الحروف نصف الدية وفي إبطال حرف منها ربع سبعها وعدها الماوردي تسعة وعشرين بإثبات كلمة لا
قال الزركشي وجمهور النحاة عدوها تسعة وعشرين بالألف والهمزة وأسقط المبرد الهمزة وجعلها ثمانية وعشرين ومن أطلق هذا العدد على رأي الجمهور فهو إما سهو وإما تسامح في العبارة بإطلاق الألف على أعم من الهمزة والألف الساكنة وربما وقع في كلام سيبويه جواز إطلاق الألف على الهمزة تجوزا اه
واحترز بلغة العرب عن غيرها فإن كانت لغته غيرها وزع على حروف لغته وإن كانت أكثر حروفا وقد انفردت لغة العرب بحرف الضاد فلا يوجد في غيرها وفي اللغات حروف ليست في لغة العرب كالحرف المتولد بين الجيم والسين
والحروف المذكورة تسمى حروف الهجاء والتهجي التي أولها في العد عادة ألف أي همزة با تا إلى آخر فالباء اسم ومسماه به وهكذا الخ
تنبيه حروف اللغات مختلفة بعضها أحد عشر وبعضها أحد وثلاثون فلو تكلم بلغتين وحروف إحداهما أكثر وبطل بالجناية بعض حروف كل منهما فهل يوزع على أكثرهما حروفا أو على أقلهما وجهان أرجحهما كما قاله البلقيني وغيره الأول لأن الأصل براءة ذمة الجاني فلا يلزمه إلا اليقين ولا فرق في توزيع الدية على الحروف بين اللسانية وغيرها كالحروف الحلقية ( وقيل لا يوزع على ) غير اللسانية من ( الشفهية ) وهي أربعة الباء والفاء والواو والميم نسبة للشفة على أصلها في الأصح وهو شفهة ولك أن تنسبها على اللفظ فنقول شفي
وقيل أصل شفة شفوة فحذفت الواو وعليه قول المحرر الشفوية ( و ) من ( الحلقية ) أي المنسوبة للحلق وهي ستة الهمزة والهاء والعين والحاء المهملتان والغين والخاء المعجمتان لأن الجناية على اللسان فتوزع الدية على الحروف الخارجة منه وهي ما عدا المذكورات وعلى هذا فيكون الموزع عليه ثمانية عشر لأن منفعة اللسان النطق بها فتكمل الدية فيها
وأجاب الأول بأن الحروف وإن كانت مختلفة المخارج الاعتماد في جميعها على اللسان وبه يستقيم النطق ويكمل
تنبيه لو قطع شفتيه فذهبت الميم والباء فهل يجب أرشهما مع دية الشفتين أو لا
وجهان أوجههما كما قاله شيخنا الأول ويضمن أرش حرف فوتته ضربة أفادته حروفا لم يكن يتمكن من النطق بها ولا ينجبر الفائت بما حدث لأنه نعمة جديدة
وهل يوزع على الحروف وفيها الحروف المفادة أو عليها قبل الجناية قال الإمام هذا موضع نظر وقضية كلام الرافعي ترجيح الثاني وبه صرح صاحب الذخائر ( ولو عجز ) المجني على لسانه ( عن بعضها ) أي الحروف ( خلقة ) كأرت وألثغ وسبق بيانهما في صلاة الجماعة ولم يكن لغته كذلك ( أو بآفة سماوية فدية ) كاملة في إبطال كلام كل منهما لأنه ناطق وله كلام مفهوم إلا أن في نطقه ضعفا وضعف منفعة العضو لا يقدح في كمال الدية كضعف البطش والبصر فعلى هذا لو أبطل بالجناية بعض الحروف فالتوزيع على ما يحسنه لا على جميع الحروف ( وقيل قسط ) من الدية بالنسبة لجميع الحروف
أما من عجز عن بعضها خلقة وكانت لغته كذلك كالفارسي الذي لا ضادفي
____________________
(4/72)
لغته فالمعروف كما قال الزركشي القطع بالتكميل ( أو ) عجز عن بعضها ( بجناية فالمذهب لا تكمل دية ) في إبطال كلامه لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الأول ومقتضى هذا التوجيه تخصيص التصوير بجناية من تضمن جنايته حتى تكون جناية الحربي كالآفة السماوية
قال الأذرعي ولا أحسبه كذلك
تنبيه تعبيره بالمذهب يقتضي إثبات طريقين وليس في الروضة وأصلها غير خلاف مرتب على الوجهين في المسألة قبلها أي فإن قلنا بالقسط هناك فهنا أولى بالتكميل هناك فهنا فيه وجهان
وحاصله طريقان قاطعة وحاكية لخلاف ولو أبطل بعض ما يحسنه في المسائل الثلاث وجب قسطه مما ذكر على الخلاف فيه
( ولو قطع نصف لسانه ) أي المجني عليه ( فذهب ) حروف هي ( ربع كلامه أو عكس ) بأن قطع ربع لسانه فذهب حروف هي نصف كلامه ( فنصف دية ) يجب في المسألتين لأن اللسان مضمون بالدية وكذا الكلام ولو لم تؤثر الجناية إلا في أحدهما لوجبت الدية فإذا أثرت فيهما وجب أن ينظر إلى الأكثر لأنه لو انفرد لوجب قسطه ولو قطع في الصورتين آخر الباقي فثلاثة أرباع الدية لأنه أبطل في الأولى ثلاثة أرباع الكلام وقطع في الثانية ثلاثة أرباع اللسان وفيهما قوة الكلام ولو تساوت نسبة الحرم والكلام بأن قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه وجب نصف الدية ولا يقتص مقطوع نصف ذهب نصف كلامه من مقطوع نصف ذهب ربع كلامه إذا قطع الثاني الباقي من لسان الأول وإن أجرينا القصاص في بعض اللسان لنقص الأول عن الثاني ولو قطع بعض لسان وبقي نطقه فالواجب حكومة لا قسط خلافا للزركشي إذ لو وجب للزم إيجاب الدية الكاملة في لسان الأخرس ولو قطع لسانا ذهب نصف كلامه مثلا بجناية على اللسان من غير قطع شيء منه فالواجب الدية لأنه قطع جميع اللسان مع بقاء المنفعة فيه
تنبيه لو قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه فاقتص من الجاني فلم يذهب إلا ربع كلامه فللمجني عليه ربع الدية ليتم حقه فإن اقتص منه فذهب ثلاثة أرباع كلامه لم يلزمه شيء لأن سراية القصاص مهدرة
الشيء السادس هو ما ذكره بقوله ( وفي ) إبطال ( الصوت ) مع إبقاء اللسان على اعتداله وتمكنه من التقطيع والترديد ( دية ) لما رواه البيهقي عن زيد بن أسلم أنه قال مضت السنة في الصوت إذا انقطع الدية وقول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع ولأنه من المنافع المقصودة في غرض الأعلام والزجر وغيرهما وقال البلقيني وجوب الدية في الصوت يكاد أن يكون خرقا للإجماع
وقال الأذرعي لم أره لغير الإمام وحمل كلام زيد بن أسلم على الكلام وعلى المعتمد في وجوب الدية ( فإن أبطل معه ) أي الصوت ( حركة لسان فعجز عن التقطيع والترديد فديتان ) لأنهما منفعتان في كل واحدة منهما إذا انفردت بالتفويت كمال الدية ( وقيل دية ) لأن المقصود الكلام لكنه يفوت تارة ببطلان الصوت وأخرى بعجز اللسان عن الحركة
قال الزركشي وهذا مقتضى ظاهر كلام الشافعي والأصحاب رضي الله تعالى عنهم أجمعين
تنبيه لو أذهب بإبطال الصوت النطق واللسان سليم الحركة وجبت دية واحدة بناء على أن تعطيل المنفعة ليس كإبطالها وينبغي كما قال شيخنا إيجاب حكومة لتعطيل النطق
الشيء السابع هو ما ذكره بقوله ( وفي ) إبطال ( الذوق ) بجناية على اللسان ( دية ) لأنه أحد الحواس الخمس فأشبه الشم
تنبيه اختلف في محله هل هو في طرف الحلقوم أو في اللسان نقل الرافعي الأول عن المتولي وأقره ويدل له قولهم في قطع لسان الأخرس حكومة محله إذا لم يذهب الذوق فإنه لو كان في اللسان ذهب ولا بد وجزم الرافعي في موضع آخر بالثاني وجزم به جماعة منهم ابن جماعة شارح المفتاح وقال النسائي وغيره أنه المشهور وعليه الحكماء لكنهم يقولون هو قوة منبثة في العصب المفروش على جرم اللسان يدرك بها الطعوم بخالطة اللعابية التي في الفم
____________________
(4/73)
بالمطعوم ووصولها للعصب وعند أهل السنة أن الإدراك المذكور بمشيئة الله تعالى يعني أن الله تعالى يخلق ما ذكر عند المخالطة المذكورة وعلى هذا القول ينبغي كما قال شيخنا أن يكون كالنطق مع اللسان فتجب دية واحدة للسان
ثم ذكر أنواع الطعوم واقتصر كالأصحاب منها على خمسة فقال ( ويدرك به ) أي الذوق ( حلاوة وحموضة ومرارة وملوحة وعذوبة ) قال الماوردي وفرعها أهل الطب إلى ثمانية ولا تعتبرها في الأحكام لدخول بعضها في بعض كالحرافة مع المرارة ( وتوزع ) الدية ( عليهن ) أي الخمسة فإذا أبطل إدراك واحدة منهن وجب فيها خمس الدية وهكذا ( فإن نقص ) الإدراك نقصا لا يتقدر بأن يحس بمذاق الخمس لكن لا يدركها على كمالها ( فحكومة ) تجب في ذلك النقص وتختلف بقوة النقصان وضعفه فإن عرف قدره فقسطه من الدية ولو اختلف الجاني والمجني عليه في ذهاب الذوق امتحن بالأشياء المرة ونحوها كالحامضة الحادة بأن يلقيها له غيره معافصة فإن لم يعبس صدق بيمينه وإلا فالجاني بيمينه
الشيء الثامن هو ما ذكره بقوله ( وتجب الدية في ) إبطال ( المضغ ) كأن يجني على أسنانه فتخدر وتبطل صلاحيتها للمضغ لأنه المنفعة العظمى للإسنان وفيها الدية فكذا منفعتها كالبصر مع العين والبطش مع اليد
تنبيه قال ابن شهبة لم يرد فيه خبر ولا أثر ولم يتعرض له الشافعي ولا جمهور الأصحاب وإنما قاله الفوراني والإمام وتبعهما من بعدهما
الشيء التاسع هو ما ذكره بقوله ( و ) تجب الدية في إبطال ( قوة إمناء بكسر صلب ) لفوات المقصود وهو النسل بخلاف انقطاع اللبن بالجناية على الثدي فإن فيه حكومة فقط لأن الرضاع يطرأ ويزول واستعداد الطبيعة للإمناء صفة لازمة للفحول ونازع البلقيني في ذلك وقال الصحيح بل الصواب عدم وجوب الدية لأن الإمناء الإنزال فإذا أبطل فوته ولم يذهب المني وجبت الحكومة لا الدية لأنه قد يمتنع الإنزال بما يسد طريقه فيشبه إرتتاق الأذن اه
وهو إشكال قوي ولكن لا يدفع المنقول
والصلب الظهر ويقال الصلب بفتحتين كفرس ذكره ابن فارس
الشيء العاشر هو ما ذكره بقوله ( و ) تجب الدية في إبطال ( قوة حبل ) من المرأة لفوات النسل فيكمل فيه ديتها لانقطاع النسل كذا صوره الرافعي
قال في المطلب ويحتمل تصويره بإذهابه من الرجل أيضا بأن يجنى على صلبه فيصير منيه لا يحبل فتجب فيه الدية
قال ويتصور ذلك أيضا بما إذا جنى على الأنثيين فإنه يقال أنهما محل انعقاد المني
قال الأذرعي ويشبه أن يكون محل إيجاب الدية بإذهاب الإحبال في غير من ظهر للأطباء أنه عقيم وإلا فلا تجب
الشيء الحادي عشر هو ما ذكره بقوله ( و ) تجب الدية في ( ذهاب جماع ) من المجني عليه بجناية على صلبه مع بقاء مائه وسلامة ذكره فيبطل التلذذ بالجماع لأن ذلك من المنافع المقصودة وقد ورد الأثر فيه عن الخلفاء الراشدين ولو ادعى المجني عليه ذهابه وأنكر الجاني صدق المجني عليه بيمينه لأنه لا يعرف إلا منه كما إذا قالت المرأة حضت ولو أبطل إمناءه أو لذة جماعه بقطع الإنثيين وجب ديتان كما في إذهاب الصوت مع اللسان
الشيء الثاني عشر هو ما ذكره بقوله ( وفي إفضائها ) أي المرأة بجناية عمدا أو شبهة أو خطأ بوطىء أو بغيره ( من الزوج وغيره دية ) أي ديتها كما عبر به في المحرر لما روي عن زيد بن ثابت ولفوات منفعة الجماع أو اختلالها وعلله الماوردي بأنه يقطع التناسل لأن النطفة لا تستقر في محل العلوق لامتزاجها في البول فأشبه قطع الذكر
تنبيه إنما نص على غير الزوج لأن في كلام بعضهم ما يقتضي الإهدار في الزانية وسواء في ذلك المكرهة والمطاوعة لأن المطاوعة لا تقتضي الإذن في الإفضاء وأصل الإفضاء من الفضاء وهي البرية الواسعة
( وهو ) أي الإفضاء ( رفع ما ) أي حاجز ( بين مدخل ذكر ودبر ) فيصير سبيل جماعها وغائطها واحدا إذ به تفوت المنفعة بالكلية ( وقيل ) وجزم به في الروضة كأصلها في إثبات الخيار فقالا الإفضاء رفع ما بين مدخل ( ذكر و ) مخرج ( بول ) فيصير سبيل جماعها وبولها واحدا لأن ما بين القبل والدبر قوي لا يرفعه الذكر وبينهما عظم لا يتأتى كسره إلا
____________________
(4/74)
بحديدة ونحوها فلا يحمل الإفضاء عليه
قال البلقيني والأصح هو المذكور هنا وأما الذي في الخيار في النكاح فاقتصرا فيه على تفسير الشيخ أبي حامد وأتباعه وإذا قلنا بالثاني فصار بولها لا يستمسك لزم الجاني مع الدية حكومة صرح به في أصل الروضة وقياسه إيجاب الحكومة على الأول أيضا إذا لم يستمسك الغائط وهو ظاهر وفي وجه ثالث صححه المتولي أن كلا منهما إفضاء موجب للدية لأن التمتع يختل بكل منهما فلو أزال الحاجزين لزمه ديتان
تنبيه محل إيجاب الدية إذا لم يلتحم فإن التحم سقطت ديته وتجب حكومة إن بقي أثر كما لو عاد ضوء البصر بخلاف الجائفة لأن الدية لزمت ثم بالاسم وهنا بفقد الحائل وقد سلم فلا معنى للدية ( فإن لم يمكن الوطء ) للزوجة ( إلا بإفضاء ) من زوجها إما لكبر آلته أو ضيق منفذها ( فليس للزوج ) وطؤها لإفضائه إلى الإفضاء المحرم وليس لها أن تمكنه في هذه الحالة
وهل لها الفسخ بكبر آلته أو له الفسخ يضيق منفذها تقدم في باب خيار النكاح التنبيه عليه ( ومن لا يستحق افتضاضها ) أي البكر ( فأزال البكار ) منها ( بغير ذكر ) كأصبع وخشبة ( فأرشها ) يلزمه وهو الحكومة بتقدير الرق كما سيأتي
تنبيه قوله فأرشها قد يفهم أنه لا قصاص فيها وقد يتصور بأن تزيل بكر بكارة أخرى فيفتض منها كما جزم به الرافعي
قال المتولي ولو كان يستحق عليها القود فأزال بكارتها بأصبع ونحوها لا شيء عليه ( أو ) أزالها ( بذكر ) ولو ملفوفا بخرقة ( لشبهة ) كأن ظنها زوجته ( أو ) كانت ( مكرهة ) على ذلك أو صغيرة أو مجنونة كما بحثه بعض المتأخرين ( فمهر مثل ثيبا ) يلزمه ( وأرش البكارة ) زائدة عليه فلا يندرج في المهر لأن المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع
والأرش يجب لإزالة تلك الجلدة وهما جهتان مختلفتان ( وقيل ) يلزمه ( مهر بكر ) ولا أرش لأن القصد من هذا الفعل الاستمتاع إزالة تلك الجلدة تحصل ضمن الاستمتاع وعلى الأول لو أفضاها داخل أرش البكارة في الدية لأنهما وجبا للإتلاف فيدخل الأقل في الأكثر بخلاف المهر لاختلاف الجهة فإن المهر للتمتع والأرش لإزالة الجلدة
واحترز بقوله لشبهة أو مكرهة عما لو أزالها بزنا فإنه ينظر فإن كانت حرة فهدر وإن كانت أمة وجب الأرش
إن قلنا يفرد عن المهر كما مر في كتاب الغصب وقدمت في خيار النقيصة الفرق بين ما وقع في هذا الباب وباب الغصب والبيع الفاسد والنكاح الفاسد وفي إيجاب الزيادة على مهر مثلها وهي ثيب إذا طاوعته وهي عالمة بالحال وجهان رجح البلقيني منهما الوجوب لأن الذي يسقط بمطاوعة الأمة المهر المتمحض للوطء أما ذهاب شيء من الجسد فلا
تنبيه هذا كله في المرأة أما الخنثى إذا أزيلت بكارة فرجه وجبت حكومة الجراحة من حيث هي جراحة ولا تعتبر البكارة من حيث هي لأنه لم يتحقق كونه فرجا قاله الرافعي ( ومستحقه ) أي افتضاضها وهو زوجها ( لا شيء عليه ) في إزالة بكارتها بذكر إن غيره لأنه مأذون له فيه شرعا فلا يضره الخطأ في طريق الاستيفاء
( وقيل إن أزال ) بكارتها ( بغير ذكر ) كأصبع ( فأرش ) يلزمه لعدوله عن الطريق المستحق له فيكون حينئذ كالأجنبي
الشيء الثالث عشر هو ما ذكره بقوله ( وفي ) إبطال ( البطش ) من يدي المجني عليه بجناية عليهما فشلتا ( دية ) لزوال منفعتهما
الشيء الرابع عشر هو ما ذكره بقوله ( وكذا المشي ) أي إبطاله من الرجلين بجناية على صلب فيه دية لفوات المنفعة المقصودة منهما وفي إبطال بطش أو مس يد أو رجل أو أصبع ديتها ولا تؤخذ الدية حتى يندمل فإن انجبر وعاد بطشه أو مسه كما كان فلا دية وإن بقي شين فحكومة ( و ) في ( نقصهما ) أي كل من البطش والمشي
____________________
(4/75)
إن لم ينضبط ( حكومة ) لما فات ويختلف بحسب النقص قلة وكثرة سواء احتاج في مشيه لعصا أم لا فإن انضبط وجب القسط كالسمع ( ولو كسر صلبه ) أي المجني عليه ( فذهب ) مع سلامة الرجل والذكر ( مشيه وجماعة أو ) مشيه ( ومنيه فديتان ) لأن كل واحد منهما مضمون بالدية عند الانفراد فكذا عند الاجتماع ( وقيل دية ) لأن الصلب محل المني ومنه يبتدأ المشي وينشأ الجماع واتحاد المحل يقتضي اتحاد الدية ومنع الأول محلية الصلب لما ذكر وعلى الأول لو شلت رجلاه أيضا وجب عليه ثلاث ديات وإن شل ذكره أيضا وجب عليه أربع ديات قاله الكافي
تنبيه قضية كلامه أنه لا يفرد كسر الصلب بحكومة وهو كذلك فيما إذا كان الذكر والرجلان سليمين فإن شلا وجب مع الدية الحكومة لأن المشي منفعة في الرجل فإذا شلت فاتت المنفعة لشللها فأفرد كسر الصلب الحكومة وإذا كانت سليمة ففوات المشي لخلل الصلب فلا يفرد بالحكومة
ويمتحن من ادعى ذهاب مشيه بأن يفاجأ بمهلك كسيف فإن مشى علمنا كذبه وإلا حلف وأخذ الدية
فرع في اجتماع ديات كثيرة في شخص بجراحات بقطع أطراف وإبطال منافع
قال الغزالي وهي تقرب من عشرين دية
قال الرافعي وإذا تأملت ما سبق وجدتها أكثر من ذلك وسرد ما تقدم ثم قال وقد تضاف إليها المواضح وسائر الشجاج والجوائف والحكومات فيجتمع شيء كثير لا ينحصر واعترضه الأذرعي بأنه كيف يجتمع ديتان لليدين وللبطش وديتان للرجلين وللمشي ودية للحيين ودية للمضغ وثلاث ديات للسان والنطق والصوت وترجم المصنف لذلك بالفرع لتفرعها على ما ذكر من وجوب الدية في المذكورات
إذا ( أزال ) الجاني ( أطرافا ) تقتضي ديات كقطع أذنين ويدين ورجلين ( ولطائف تقتضي ديات ) كإبطال سمع وبصر وشم ( فمات سراية ) منها كما في المحرر وكذا من بعضها ولم يندمل البعض كما اقتضاه نص الشافعي واعتمده البلقيني إذا كان قبل الاندمال للبعض الآخر ( فدية ) واحدة وسقط بدل ما ذكره لأنها صارت نفسا
أما إذا مات بسراية بعضها بعد اندمال بعض آخر منها لم يدخل ما اندمل في دية النفس قطعا وكذا لو جرحه جرحا خفيفا لا مدخل للسراية فيه ثم أجافه فمات بسراية الجائفة قبل اندمال ذلك الجرح فلا يدخل أرشه في دية النفس كما هو مقتضى كلام الروضة وأصلها أما لا يقدر بالدية فيدخل أيضا كما فهم مما تقرر بالأولى ( وكذا لو حزه الجاني ) أي قطع عتق المجني عليه ( قبل اندماله ) من الجراحة يلزمه للنفس دية واحدة ( في الأصح ) المنصوص لأن دية النفس وجبت قبل استقرار ما عداها فيدخل فيها بدله كالسراية
والثاني تجب ديات ما تقدمها لأن السراية قد انقطعت بالقتل فأشبه انقطاعها بالاندمال
فإن قيل لو قطع أطراف حيوان غير آدمي وسرت الجناية إلى النفس أو عاد وقتله قبل الاندمال لم تدخل قيمة أطرافه في قيمته بل أوجبوا قيمته يوم موته فهلا كان كما هنا
أجيب بأن الحيوان مضمون بما نقص من القيمة وهي تختلف بالكمال والنقصان والآدمي مضمون بمقدر وهو لا يختلف بذلك ولأن الغائب في ضمانه التعبد كما قاله الشيخ عز الدين
وما سبق هو عند اتحاد الفعل المجني به ( فإن ) كان مختلفا كأن ( حز ) الرقبة ( عمدا والجناية ) الحاصلة قبل الحز ( خطأ ) أو شبه عمد ( أو عكسه ) كأن حزه خطأ والجنايات عمدا أو شبه عمد ( فلا تداخل ) لشيء مما دون النفس فيها ( في الأصح ) بل يستحق الطرف والنفس لاختلافهما واختلاف من تجب علته فلو قطع يديه ورجليه خطأ أو شبه عمد ثم حز رقبته عمدا أو قطع هذه الأطراف عمدا ثم حز الرقبة خطأ أو شبه عمد وعفا الأول في العمد على ديته وجبت في الأولى دية خطأ أو شبه عمد ودية عمد وفي الثانية ديتا عمد ودية خطأ أو شبه عمد والثاني تسقط الديات فيهما ( ولو حز ) الرقبة ( غيره ) أي الجاني المتقدم ( تعددت ) أي الديات لأن فعل الإنسان
____________________
(4/76)
لا يدخل في فعل غيره فيلزم كلا منهما ما أوجبته جنايته
ولما فرغ مما فيه أرش مقدر من الحر شرع في الجناية التي لا تقدير لأرشها فيه وفي الجناية على الرقيق مترجما لذلك بفصل فقال ( فصل تجب الحكومة فيما ) أي شيء يوجب مالا ليخرج ما يوجب تعزيرا فقط كقلع سن من ذهب وقوله ( لا مقدر فيه ) أي من الدية ولم تعرف نسبته من مقدر فإن عرفت نسبته منه كأن كان بقرب موضحة أو جائفة وجب الأكثر من قسطه وحكومة كما مر
قال ابن قاسم وقد يقال لا حاجة لهذا القيد فإن مثل هذا لا يسمى حكومة فإنها التي يقدر الحر فيها رقيقا ويشير إلى ذلك قول المصنف في الفصل في أول باب الديات والشجاج قبل الموضحة أن عرفت نسبتها منها وجب قسط من أرشها وإلا فحكومة اه
وهذا ظاهر على ما جرى عليه المصنف وإن قلنا بالأصح وهو وجوب الأكثر من قسطه ومن الحكومة فلا بد من هذا القيد فإنه لا بد أن يقدر رقيقا حتى يعرف الأكثر وسميت حكومة لاستقرار بحكم الحاكم حتى لو اجتهد غيره في ذلك لم يكن له أثر وإنما ذكرت الحكومة بعد المقدرات لتأخرها عنها في الرتبة لأنها جزء منها كما سيأتي و الغزالي ذكرها في أول الباب
قال الرافعي وذكرها هنا أحصن ليتم الكلام على الانتظام وكذا صنع في الروضة فذكرها هنا ( وهي جزء ) من الدية ( نسبته إلى دية النفس ) في الأصح ( وقيل ) نسبته ( إلى عضو الجناية نسبه نقصها ) أي الجناية ( من قيمته ) أي المجني عليه ( لو كان رقيقا بصفاته ) التي هو عليها مثاله جرح يده فيقال كم قيمة المجني عليه بصفاته التي هو عليها بغير جناية لو كان رقيقا فإذا قيل مائة فيقال كم قيمته بعد الجناية فإذا قيل تسعون فالتفاوت العشر فيجب عشر دية النفس وهو عشر من الإبل إذا كان المجني عليه حرا ذكرا مسلما لأن الجملة مضمونة بالدية فتضمن الأجزاء بجزء منها كما في نظيره من عيب المبيع
والوجه الثاني أن تنسب إلى عضو الجناية لا إلى دية النفس فيجب عشر دية اليد وهو خمس من الإبل فإن كانت الجناية على أصبع وجب بعير أو على أنملة وجب ثلث بعير في غير الإبهام ويقاس على ذلك ما أشبهه وللحاجة في معرفة الحكومة إلى تقدير الرق قال الأئمة العبد أصل الحر في الجنايات التي لا يتقدر أرشها كما أن الحر أصل العبد في الجنايات التي يتقدر أرشها وتجب الحكومة إبلا كالدية لا نقدا
وأما التقويم فمقتضى كلام المصنف كغيره أنه بالنقد لكن نص الشافعي على أنه بالإبل فقال في إذهاب العذرة فيقال لو كانت أمة تساوي خمسين من الإبل كم ينقصها ذهاب العذرة من القيمة فإن قيل العشر وجب خمس من الإبل وإن قيل أقل أو أكثر وجب حكاه البلقيني ثم قال وهو جار على أصله في الديات أن الإبل اه
والظاهر كما قال شيخنا أن كلا من الأمرين جائز لأنه يوصل إلى الغرض
تنبيه محل الخلاف إذا كانت الجناية على عضو له أرش مقدر فإن كانت على الصدر أو الفخذ أو نحو ذلك مما لا مقدر فيه اعتبرت الحكومة من دية النفس قطعا وتقدر لحية امرأة أزيلت ففسد منبتها لحية عبد كبير يتزين بها ومثلها الخنثى ولو قلع سنا أو قطع أصبعا زائدة ولم ينقص بذلك شيء قدرت زائدة لا أصلية خلفها ويقوم له المجني عليه متصفا بذلك ثم يقوم مقطوع الزائد فيظهر التفاوت بذلك لأن الزائدة تشد الوجه ويحصل بها نوع جمال ويستثنى من اعتبار النسبة لو قطع أنملة لها طرف زائد فيجب فيها مع دية أنملة حكومة يقدرها القاضي باجتهاد ولا تعتبر النسبة لعدم إمكانها
قال الرافعي وكان يجوز أن يقوم له الزائدة بلا أصلية ثم يقوم دونها كما فعل في السن الزائدة أو يعتبر بأصلية كما اعتبرت لحية المرأة بلحية الرجل ولحيتها كالأعضاء الزائدة ولحيته كالأعضاء الأصلية
وأجاب شيخي عن ذلك بأنا لو فعلنا ما ذكر لزاد زيادة تضر بالجاني لأن أرشها يكثر بذلك
( فإن كانت ) أي الحكومة ( بطرف ) أي لأجله ( له ) أرش ( مقدر ) كاليد والرجل ( اشترط أن لا تبلغ ) تلك الحكومة ( مقدره ) أي الطرف لئلا تكون الجناية على العضو مع بقائه مضمونة بما يضمن به العضو نفسه فينقص حكومة الأنملة بجرحها أو
____________________
(4/77)
قطع ظفرها عن يدها وحكومة جراحة الأصبع بطوله عن ديته ولا يبلغ بحكومة ما دون الجائفة من الجراحات على البطن أو نحوه أرش الجائفة ( فإن بلغته نقص القاضي ) منه ( شيئا بإجتهاده ) لئلا يلزم المحذور السابق ولا يكفي أقل متمول كما قاله الإمام وجرى عليه ابن المقري وإن قال ابن الرفعة تبعا للماوردي أقله ما يصلح ثمنا أو صداقا أي فيكفي أقل متمول ( أو ) كانت لطرف ( لا تقدير فيه ) ولا يتبع مقدرا ( كفخذ ) وساعد وظهر وكف ( فإن ) أي فالشرط أن ( لا تبلغ ) حكومته ( دية نفس ) وهو معلوم أنها لا تصل إلى ذلك لأن الكل أكثر من الجزء بل المراد أن لا يصير بلوغها أرش عضو مقدر وإن زادت عليه كما صرح به الرافعي تبعا للبغوي وإن كان النص يقتضي أن يبلغ بها دية العضو فإن تبع مقدرا كالكف فإنه يتبع الأصابع فالشرط أن لا يبلغ ذلك دية المقدر وإن بلغ بحكومة الكف دية أصبع جاز لأن منفعتها دفعا واحتواشا تزيد على منفعة أصبع كما أن حكومة اليد الشلاء لا تبلغ دية اليد ويجوز أن تبلغ دية أصبع وأن تزيد عليها وإنما لم يجعل الساعد كالكف حتى لا يبلغ بحكومة جرحه دية الأصابع لأن الكف هي التي يتبع الأصابع دون الساعد ولهذا لو قطع من الكوع لزمه ما يلزمه في لقط الأصابع ولو قطع من المرفق لزمه مع الدية حكومة الساعد ( ويقوم ) لمعرفة الحكومة المجني عليه بفرض رقه لكن ( بعد اندماله ) لا قبله لأن الجراحة قد تسري إلى النفس أو إلى ما يكون واجبه مقدرا فيكون ذلك هو الواجب لا الحكومة ( فإن لم يبق ) بعد اندماله ( نقص ) في المنفعة ولا الجمال ولا تأثرت به القيمة ( اعتبر ) فيه ( أقرب نقص ) من حالات نقص فيه ( إلى الاندمال ) وهكذا لئلا تحيط الجناية على المعصوم فإن لم يظهر النقص إلا حال سيلان الدم اعتبرنا القيمة حينئذ واعتبرنا الجراحة دامية
تنبيه مقتضى اعتباره أقرب نقص إلى الاندمال أنه لو لم يكن هناك نقص كالسن الزائد ولحية المرأة لم يجب شيء وليس مرادا كما علم فأمر فإن كانت الجراحة خفيفة لا تؤثر في حال سيلان الدم عزر فقط إلحاقا لها كما في الوسيط باللطمة والضربة التي لم يبق لها أثر للضرورة لانسداد باب التقويم الذي هو عمدة الحكومة وفي التتمة الحاكم يوجب شيئا باجتهاده ورجحه البلقيني
( وقيل يقدره ) أي يقدر النقص المذكور ( قاض باجتهاده ) لئلا تخلو الجناية عن غرم ( وقيل لا غرم ) حينئذ بل الواجب التعزير كالضربة والصفعة التي لم يبق لها أثر واختاره ابن سريج وقال الإمام أنه القياس ( والجرح المقدر ) أرشه ( كموضحة ) ومأمومة ( يتبعه الشين ) الكائن ( حواليه ) ولا يفرد بحكومة لأنه لو استوعب بالإيضاح جميع موضع الشين لم يكن فيه إلا أرش موضحة
تنبيه هذا إذا كان الشين في محل الإيضاح فإن تعدى شين موضحة الرأس عن محله إلى القفا أو الوجه لم يتبعه في أحد وجهين يظهر ترجيحه وصححه البارزي لتعديه محل الإيضاح وكلام أصل الروضة يشير إليه
ويستثنى من الاستتباع ما لو أوضح جيبنه فأزال حاجبه فعليه الأكثر من أرش موضحة وحكومة الشين وإزالة الحاجب حكياه عن المتولي وأقراه ولو جرحه على بدنه جراحة وبقربها جائفة قدرت بها ولزمه الأكثر من أرش القسط والحكومة كما لو كان بقربها موضحة ( وما ) أي والجرح الذي ( لا يتقدر ) أرشه كدامية ( يفرد ) الشين حواليه ( بحكومة ) عن حكومة الجرح ( في الأصح ) لضعف الحكومة عن الاستتباع بخلاف المقدر وما ألحق به
والثاني تتبع الجرح كما في الأرش المقدر
تنبيه أورد على المصنف المتلاحمة فإنها ليست مقدرة وهي كالموضحة في استباع الشين إذا قدرنا أرشها بالنسبة إلى الموضحة على الأصح في أصل الروضة هنا فروع لو ضربه أو لطمه ولم يظهر بذلك شين فعليه التعزير فإن ظهر شين كأن اسود محل ذلك أو اخضر
____________________
(4/78)
وبقي الأثر بعد الاندمال وجبت الحكومة والعظم المكسور في غير الرأس والوجه إذا انجبر ولم يبق فيه أثر اعتبر أقرب نقص إلى الاندمال كما مر وإن بقي أثر وهو الغالب وجبت الحكومة ولو انجبر معوجا فكسره الجاني ليستقيم وليس له كسره لذلك حكومة أخرى لأنه جناية جديدة
وفي إفساد منبت الشعور حكومة إذا كان فيه جمال كشعر اللحية وشعر الرأس
أما ما الجمال في إزالته كشعر الإبط فلا حكومة فيه في الأصح وإن كان التعزير واجبا للتعدي كما قاله الماوردي وإن كان ظاهر كلام ابن المقري فيه وجوب الحكومة أيضا
أما إذا لم يفسد منبتها فإنه لا حكومة فيها لأنها تعود غالبا
وضابط ما يوجب الحكومة وما لا يوجبها إن بقي أثر الجناية من ضعف أو شين أوجب الحكومة وكذا إن لم يبق على الأصح بأن يعتبر أقرب نقص إلى الاندمال كما مر
وإن كانت الجناية بغير جرح ولا كسر كإزالة الشعور واللطمة فلا حكومة فيه وفيه التعزير كما علم مما مر
ثم عقب المصنف الحكومة ببيان حكم الجناية على الرقيق لاشتراكهما في أمر تقديري وإن كان استوفى الكلام على ضمان الرقيق وغيره من الحيوان في كتاب الغصب بأبسط مما هنا إلا أنه أعاد الكلام فيه هنا ليبين أن الجناية عليه تارة تكون بإثبات اليد عليه كما سبق في الغصب وتارة بغير ذلك كما هنا فقال ( و ) تجب ( في ) الجناية على ( نفس الرقيق ) المعصوم ذكرا كان أو أنثى ولو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد ( قيمته ) بالغة ما بلغت سواء أكانت الجناية عمدا أم خطأ وإن زادت على دية الحر كسائر الأموال المتلفة ولا يدخل في قيمته التغليظ
أما المرتد فلا ضمان في إتلافه
قال في البيان وليس لناشىء يصح بيعه ولا يجب في إتلافه شيء سواه ( و ) يجب ( في ) إتلاف ( غيرها ) أي نفس الرقيق من أطرافه ولطائفة ( ما نقص من قيمته ) سليما ( إن لم يتقدر ) ذلك الغير ( في الحر ) ولم تبع مقدرا ولا يبلغ بالحكومة قيمة جملة الرقيق المجني عليه أو قيمة عضوه على ما سبق في الحر
( وإلا ) بأن قدرت في الحر كموضحة وقطع عضو ( فنسبته ) أي فيجب مثل نسبته من الدية ( من قيمته ) أي الرقيق لأنا نشبه الحر بالرقيق في الحكومة ليعرف قدر التفاوت ليرجع به ففي المشبه به أولى ولأنه أشبه الحر في أكثر الأحكام بدليل التكليف فألحقناه في التقادير ففي قطع يده نصف قيمته وفي يديه قيمته وفي أصبعه عشرها وفي موضحته نصف عشرها وعلى هذا القياس
تنبيه قوله وإلا فنسبته من قيمته محله في جناية واحدة أو جنايتين بعد اندمال الأولى فإن لم تندمل الأولى كما لو قطع يد عبد قيمته ألف درهم فصار يساوي ثمان مائة درهم فأنا نغرمه على الأظهر خمسمائة درهم لأنها نصف القيمة فإذا قطع آخر يده الأخرى قبل الاندمال ولم يمت منهما لا نغرمه أربعمائة بل نصف ما أوجبناه على الأول وهو مائتان وخمسون لأن الجناية الأولى لم تستقر حتى يضبط النقصان وقد أوجبنا بها نصف القيمة فكأنه أنقص نصفها لأنه قبل الاندمال لا يقوم فيؤخذ منه نصف ما بقي وتظهر فائدة ذلك فيما لو جنى عليه بحز رقبته ( وفي قول ) نسبة المصنف في الغصب القديم يجب ( ما نقص ) من قيمته لأنه مملوك كالبهيمة
ثم فرع على القولين معا قوله ( ولو قطع ذكره وأنثياه ) ونحوهما مما يجب للحر فيه ديتان ( ففي الأظهر ) يجب بقطعهما ( قيمتان ) كما يجب فيهما من الحر ديتان ( و ) في ( الثاني ) يجب ( ما نقص ) من قيمته كالبهيمة ( فإن لم ينقص ) عنها أو زاد عليها لرغبة فيه بكونه خصيا ( فلا شيء ) يجب بقطعهما على هذا القول لعدم النقص وقد اختلف فيه أهو قديم أم مخرج وعلى هذا فالأولى التعبير بالمذهب أو النص أو الجديد
خاتمة قال الماوردي من نصفه حر يجب في طرفه نصف دية طوف الحر ونصف ما في طرف العبد ففي يده ربع الدية وربع القيمة وفي أصبعه نصف عشر الدية ونصف عشر القيمة وعلى هذا القياس فيما زاد من الحرية أو نقص
____________________
(4/79)
باب موجبات الدية غير ما مر في الباب قبله مما تجب فيه الدية ابتداء الرقيق والغرة ( والكفارة ) للقتل يعطف الجميع على موجبات والعاقلة جمع عاقل وسيأتي بيانهم في الفصل الثاني من فصول هذا الباب سموا بذلك لأنهم يعقلون الإبل بفناء دار القتيل وقيل لأنهم يمنعون عنه
والعقل المنع وقيل لإعطائها العقل الذي هو الدية والكفارة تقدم الكلام عليها في بابها وأراد بالكفارة كفارة القتل كما قدرته ولو زاد على ما زدته من جناية الرقيق والغرة لكان أولى لأنهما من فصول الباب
إذا ( صاح على صبي لا يميز ) أصلا أو ضعيف التمييز أو على مجنون أو امرأة ضعيفة العقل وكل ممن ذكر كائن ( على طرف سطح ) أو شفير نهر أو بئر أو غير ذلك صيحة منكرة ( فوقع بذلك ) الصياح بأن ارتعد به ( فمات ) منه كما في الروضة ولو بعد مدة مع وجود الألم ( فدية ) أي فيه فدية ( مغلظة ) بالتثليث السابق في كتاب الديات ( على العاقلة ) لأن هؤلاء كثيرا ما يتأثرون بذلك ( وفي قول ) يجب فيما ذكر ( قصاص ) لأن التأثير به غالب والأول يمنع غلبته ويجعل مؤثره شبه عمد سواء أغافصه من ورائه أم واجهه وسواء أكان في ملك الصائح أم لا
تنبيه التقييد بالارتعاد عبارة الشرح والروضة
قال ابن الرفعة والتقييد به كأنه لو حظ فيه أن يغلب على الظن كون السقوط بالصياح
قال الأذرعي ولعل الارتعاد ملازم لهذه الحالة فكان ينبغي أن يقول فمات منه كما في الروضة اه
ولهذا لم يتعرض له الجمهور وحذفه من الكتاب ولو لم يمت بل اختل بعض أعضائه ضمن أيضا
وخرج بالصياح عليه ما لو صاح على غيره فوقع من الصياح فهل يكون هدرا أو كما لو صاح على صيد
قال الأذرعي الأقرب الثاني وما لو صاح بداية الغير أو هيجها بوثبة فسقطت في ماء أو وهدة فهلكت فإنه يضمنها كالصبي حكاه الرافعي عن فتاوى البغوي قبيل السير وبغير المميز المميز فإنه لا ضمان بوقوعه
لكن قوله بعد ذلك ومراهق متيقظ كالبالغ يقتضي أن غير المراهق ليس كالبالغ وسيأتي التنبيه على ذلك وبطرف سطح ما لو كان على وسطه فإنه يقتضي أنه كالأرض لكن عبارة غيره على سطح وهي أعم
( ولو كان ) المصيح عليه ممن ذكر سابقا ( بأرض ) مستوية أو قريبة منها فمات من الصيحة ( أو صاح على بالغ ) عاقل كما علم مما مر كائن ( بطرف سطح ) فسقط ومات ( فلا دية في الأصح ) المنصوص فيهما لندرة الموت بذلك والثاني في كل منهما الدية لأن الصياح حصل به في الصبي ونحوه الموت وفي البالغ عدم التماسك المفضي إليه وأجاب الأول بأن موت الصبي بمجرد الصياح في غاية البعد وعدم تماسك البالغ به خلاف الغالب من حاله فيكون موتهما موافقة قدر
تنبيه كلامه يقتضي نفي القصاص قطعا وهو ظاهر في البالغ كما صرح به القاضي الحسين وأما في غيره فمقتضى كلام الروضة إثبات الخلاف السابق فيه
وأما المجنون ومن يعتريه وسواس والنائم والمرأة الضعيفة كالصبي الذي لا يميز كما في أصل الروضة ولو صاح على صغير فزال عقله وجبت الدية كما جزم به الإمام ونص في الأم وإن كان بالغا فلا ( وشهر ) أي سل ( سلاح ) لبصير يراه أو تهديد شديد ( كصياح ) فيما ذكر فيه بل هو أولى منه ( ومراهق متيقظ ) ليس كصبي بل هو ( كبالغ ) فلا دية في الأصح لعدم تأثيره بذلك غالبا
تنبيه كلامه في الصبي المميز متدافع وكلام الشارح يدل على أنه كالمراهق لأنه جعل المراهق في مقابلة
____________________
(4/80)
غير المميز فدخل في هذا المميز والأولى أن يقال فيه أخذا مما مر إن كان ضعيف التمييز فهو كغير المميز وإن كان قوي التمييز فهو كالمراهق
وقال الزركشي الأمر منوط بالتمييز وعدمه لا بالبلوغ والمراهقة وعدمها مع أن ظاهر كلام الشافعي والأصحاب أن الصبي لا يضمن ولو كان مراهقا لأنه لم يكمل عقله ( ولو ) لم يقصد الصبي ونحوه ممن ذكر بل ( صاح ) شخص ( على ) نحو ( صيد ) ولو كان الصائح على الصيد محرما أو في الحرم ( فاضطرب ) به ( صبي ) لا يميز وما في معناه ممن سبق وهو كائن على طرف سطح ( وسقط ) ومات منه ( فدية مخففة على العاقلة ) لأنه لم يقصد الشخص
تنبيه أفهم كلامه أنه لو لم يضطرب لم يضمنه وهو كذلك وما ذكره هنا من اشتراط اضطراب الصبي مشعر باشتراطه أيضا في مسألة الصياح المذكورة أول الباب وتقدم ما فيه ( ولو طلب سلطان من ) أي امرأة ( ذكرت ) عنده ( بسوء ) وأمر بإحضارها ( فأجهضت ) أي ألقت جنينا فزعا منه قبل تمامه ( ضمن الجنين ) بضم أوله أي وجب ضمانه بغرة على عاقلة السلطان
تنبيه كان الأولى أن يقول أسقطت لأن الإجهاض مختص بالإبل كما قاله ابن سيده وغيره وتصويرهم المسألة بطلب السلطان قد يقتضي اشتراط كون الطالب مرهوبا فإن كان غير مرهوب فلا ضمان وهو ظاهر والأظهر لحوق القاضي وكذا كل من له سطوة في ذلك بالإمام وقول المصنف بسوء ليس بقيد بل لو كذب شخص وأمرها بالحضور على لسان الإمام كان الحكم كذلك وكذا لو تهددها بلا طلب
قال البلقيني وكذا لو طلبها في دين فأسقطت ضمن إن كانت مخدرة لتعديه أو غير مخدرة لكنها تخاف من سطوته فإن لم تخف من سطوته وهي غير مخدرة فلا ضمان وطلبها أيضا ليس بقيد بل لو طلب سلطان رجلا عندها فأجهضت كان الحكم كذلك على النص
وظاهر كلامه أن الضمان على السلطان لكن سيأتي أن الغرة إنما تحملها العاقلة ولذا قيدت كلامه بذلك
قال البلقيني وينبغي للحاكم أن يسأل هل هي حامل قبل أن يطلبها ولم أر من يفعله وهو حسن واحترز بقوله أجهضت عما لو ماتت فزعا فلا ضمان لأن مثله لا يفضي إلى الموت
نعم لو ماتت بالإجهاض ضمن عاقلته ديتها لأن الإجهاض قد يحصل منه موت الأم قاله البلقيني
ولو فزع إنسانا فأحدث في ثيابه فأفسدها فلا ضمان لأنه لم ينقصه جمالا ولا منفعة
( ولو وضع صبيا ) حرا كما قيده الرافعي ك الغزالي وغيره ( في مسبعة ) بميم وباء موحدة مفتوحتين اسم لأرض كثيرة السباع وجوز في المحكم ضم الميم وكسر الموحدة ( فأكله سبع فلا ضمان ) عليه لأن الوضع ليس بإهلاك ولم يوجد منه ما يلجىء السبع بل الغالب أنه ينفر من الإنسان في المكان الواسع سواء أمكنه الانتقال عن موضع الهلاك أم لا ( وقيل إن لم يمكنه انتقال ) عنه ( ضمن ) لأن الوضع والحال ما ذكر بعد إهلاكا عرفا والأول يمنع ذلك
أما إذا أمكنه فلم ينتقل فلا ضمان عليه قطعا وإن خالف في ذلك البلقيني كما لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى مات وخرج بالصبي البالغ فإنه لا يضمن جزما كما صرح به في أصل الروضة
واحترز بمسبعة عن وضع صبي بمضيعة لا سباع فيها فاتفق افتراس سبع له فلا ضمان جزما وهذا بخلاف ما لو وضع الصبي أو البالغ في زريبة السبع وهو فيها أو ألقى السبع على أحدهما أو ألقاه على السبع في مضيق أو حبسه معه في بيت أو بئر أو قذفه له حتى اضطر إلى قتله والسبع مما يقتل غالبا كأسد ونمر وذئب فقتله في الحال أو جرحه جرحا يقتل غالبا فعليه القود لأنه ألجأ السبع إلى قتله فإن كان جرحه لا يقتل غالبا فشبه عمد وهذا بخلاف ما لو ألقاه على حية أو ألقاها عليه أو قيده وطرحه في مكان فيه حيات ولو ضيقا فإنه لا يضمنه فإن قيل لم لم يفرقوا في إلقاء الحية بين المضيق والمتسع كما في السبع
أجيب بأنها تنفر بطبعها من الآدمي بخلاف السبع فإنه يثب عليه في المضيق دون المتسع فإن
____________________
(4/81)
السبع ينفر فيه من الآدمي كما مر والمجنون الضاري كالسبع المغري في المضيق ولو ألقاه مكتوفا بين يدي السبع في مكان متسع فقتله فلا ضمان ولو ألسعه حية مثلا فقتلته فإن كانت مما يقتل غالبا فعمد وإلا فشبهه ( ولو تبع بسيف ) أو نحوه مكلفا بصيرا أو مميزا ( هاربا منه فرمى نفسه بماء أو نار ) أو نحوه من المهلكات كبئر ( أو من سطح ) عال أو من شاهق جبل فمات أو لقيه لص في طريقه فقتله أو سبع فافترسه ولم يلجئه إليه بمضيق سواء كان المطلوب بصيرا أم أعمى ( فلا ضمان ) له على التابع لأنه فيما عدا الأخيرتين باشر هلاك نفسه قصدا والمباشرة مقدمة على السبب فصار كما لو حفر بئرا فجاء آخر وردى نفسه فيها
وفي الأخيرتين لم يوجد من التابع إهلاك ومباشرة السبع أو اللص العارضة كعروض القتل على إمساك الممسك أما إذا كان المطلوب صبيا أو مجنونا لا تمييز له فإنه يجب الضمان في هذه الصورة لأن عمدهما خطأ بخلاف ما إذا كان لهما تمييز فإن عمدهما عمد كما مر في الكلام على الإكراه على القتل ( فلو وقع ) الهارب فيما ذكر ( جاهلا ) به ( لعمى أو ظلمة ) في نهار أو ليل أو لتغطية بئر ( ضمن ) التابع له لأنه لم يقصد إهلاك نفسه وقد ألجأه المتبع إلى الهرب المفضي إلى الهلاك ( وكذا لو انخسف به ) أي الهارب صبيا كان أو بالغا ( سقف في هربه ) ومات بذلك ضمنه التابع أيضا ( في الأصح ) المنصوص لأنه حمله على الهرب وألجأه إليه فأشبه ما لو وقع في بئر مغطاة والثاني لا لعدم شعوره بالمهلك
تنبيه محل الخلاف ما إذا كان سبب الانخساف ضعف السقف ولم يشعر به المطلوب أما لو ألقى نفسه على السقف من علو فانخسف لثقله لم يضمنه التابع قطعا لأنه باشر ما يفضي إلى الهلاك كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار
وأما من لا تمييز له أصلا لجنون أو صغر فمضمون إذ عمده خطأ كما نبه على ذلك الزركشي ( ولو سلم ) بضم أوله ( صبي إلى سباح ليعلمه ) السباحة وهي العوم ( فغرق ) بتعليمه أو بإلقائه في الماء ( وجبت ديته ) على عاقلة السابح لأنه مات بإهماله وقد التزم بحفظه فتكون ديته شبه عمد على الصحيح كما لو هلك الصبي بضرب المعلم تأديبا
وقول الماوردي وجوب الدية على السابح أول على أنها تلاقيه ابتداء وسواء أخذه السابح بيده وألقاه في الماء أو كان الصبي على الشط فأشار إليه بدخول الماء فدخل باختياره وغرق كما يشعر به إطلاقه وهو موافق لبحث البسيط خلافا للجرجاني من تصحيحه عدم الضمان
فإن قيل قد مر أنه ألقاه في مسبعة لم يضمن مع أن الخطر فيها أكثر وهنا الخطر قليل وقد تدعو الحاجة إليه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الماء مهلك فالتفريط من السباح وليست المسبعة بنفسها مهلكة لاحتمال بقائه
تنبيه محل وجوب الدية كما قال البلقيني إذا لم يقع من السباح تقصير فلو رفع يديه من تحته عمدا فغرق وجب القصاص
وأشعر قوله سلم بأن السباح لو تسلمه بنفسه لا ضمان وقوله إلى سباح بأن الولي لو كان هو المعلم للسباحة فلا ضمان أيضا وليس مرادا بل الأصح فيهما الضمان وأشعر أيضا بأنه لا فرق بين كون المسلم للصبي وليه أو أجنبيا وهو كلك لكن في تسليم الأجنبي يكون هو والسباح شريكين
وخرج بالصبي بالبالغ العاقل فلو سلم نفسه للسباح ليعلمه فغرق هدر لاستقلاله فعليه أن يحتاط لنفسه ولا يغتر بقول السباح
فائدة اختلف في قوله تعالى { والسابحات سبحا } فقيل النجوم لأنها تسبح في الفلك وقيل الملائكة لأنها تتصرف في الأمور بأمر الله تعالى تجيء وتذهب وقيل الشمس والقمر والليل والنهار وقيل السحاب لأنها كالقائمة في الهواء وقيل المنايا تسبح في نفوس الحيوان وقيل جماعة الخيل ولذلك يقال للفرس سابح وقيل حيتان البحر وهي من عظيم المخلوقات
فيروى أن الله تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان منها أربعمائة في البر وستمائة في البحر
( ويضمن ) الشخص ( بحفر بئر عدوان ) كحفرها بملك غيره بغير إذنه أو في مشترك بغير إذن
____________________
(4/82)
شريكه أو في شارع ضيق أو واسع لمصلحة نفسه بغير إذن الإمام فيضمن ما تلف فيها من آدمي حر أو غيره لكن الآدمي يضمن بالدية إن كان حرا وبالقيمة إن كان رقيقا على عاقلة الحافر حيا كان أو ميتا وأما غير الآدمي كبهيمة أو مال آخر فيضمن بالغرم في مال الحافر وكذا القول في الضمان في جميع المسائل الآتية
تنبيه يشترط أن يستمر العدوان إلى السقوط فيها فلو رضي المالك بإبقائها زال الضمان في الأصح وكذا لو ملك البقعة
ويشترط أن لا يوجد هناك مباشرة بأن رداه في البئر غير حافرها وإلا فالضمان على المردي لا الحافر وأن يتجرد التردي للإهلاك فلو تردت بهيمة في بئر ولم تتأثر بالصدمة وبقيت فيها أياما ثم ماتت جوعا أو عطشا فلا ضمان على الحافر وقضية إطلاقه أنه لا فرق في تضمين الحافر بين المتردي فيها بالليل والنهار وهو كذلك ونقله في البسيط عن إطلاق الأصحاب وخصه الإمام بالتردي نهارا
وقوله عدوان هو بالجر صفة حفر ويجوز النصب على الحال
ولو تردى شخص فيها ثم قال المالك حفر بإذني لم يصدق واحتاج الحافر إلى بينة بإذنه ولو تعدى الداخل بدخوله فوقع فيها لم يضمنه الحافر كما رجحه البلقيني وغيره لتعديه
فإن أذن له المالك في دخولها فإن عرفه البئر فلا ضمان وإلا فالضمان على المالك في أحد الوجهين كما رجحه البلقيني لأنه مقصر بعدم إعلامه فإن كان ناسيا فعلى الحافر و ( لا ) يضمن بحفر بئر ( في ملكه ) لعدم تعديه ومحله إذا عرفه المالك أن هناك بئرا أو كانت مكشوفة والداخل متمكن من التحرز فأما إذا لم يعرفه والداخل أعمى فإنه يضمن كما قاله في التتمة وأقراه
وما إذا لم يوسع حفرها فإن وسعه على خلاف العادة أو قربها من جدار جاره خلاف العادة أو وضع في أصل جدار غيره سرجينا أو لم يطو بئره
ومثل أرضها ينهار إذا لم يطو ضمن في الجميع ما هلك بذلك لتقصيره
ولا يضمن المتولد من نار أوقدها في ملكه أو على سطحه إلا إذا أوقدها وأكثر على خلاف العادة أو في ريح شديد فيضمن لا إن اشتد الريح بعد الإيفاد فلا يضمن لعذره إلا إن أمكنه إطفاؤها فتركه
قال الأذرعي ففي تضمينه نظر اه
والأوجه عدم تضمينه كما لو بنى جداره مستويا ثم مال وأمكنه إصلاحه ولم يصلحه حتى وقع على شيء فأتلفه فإنه لا يضمنه كما سيأتي وكالمالك ما في معناه من المستحق منفعته أبدا بوصية أو وقف كما قاله الأذرعي ( و ) لا يضمن بحفر بئر في ( موات ) للتملك أو الارتفاق فإنه كالحفر في ملكه وعليه يحمل خبر مسلم البئر جرحها جبار أي غير مضمون فإن حفر البئر في الموات ولم يخطر بباله تملك ولا ارتفاق فهو كما لو حفرها للارتفاق كما قاله الإمام لأنه فعل جائز
تنبيه قول المصنف لا في ملكه وموات يحتمل أن مراده لا عدوان فيه وهو الموافق لعبارة المحرر أو فلا ضمان فيه وإن كان عدوانا ويرد على كل من الاحتمالين ما إذا حفر حفرة واسعة في ملكه قريبا من أرض جاره بحيث يؤدي إلى إضرار أرض جاره فإنه يكون متعديا ضامنا لمن وقع في موضع التعدي كما قاله البلقيني ويرد على الاحتمال الأول ما لو حفر في ملكه المرهون المقبوض بغير إذن المرتهن أو في ملكه الذي أجره إجارة صحيحة فهو حفر عدوان ولا ضمان فيه لو سقط فيه إنسان غير متعد كالمستأجر ويستثنى من إطلاقه ما لو حفر بالحرم بئرا في ملكه أو موات فإنه يضمن الصيد الواقع فيه في الحرم في الأصح كما في الرافعي في محرمات الإحرام
فروع لو سقى أرضه فخرج الماء من حجر فأهلك شيئا لم يضمنه إلا إن سقى فوق العادة أو علم بالحجر ولم يحتط فيضمن لتقصيره
ولو وضع جرة على طرف سطح فسقطت بريح أو هدم لمحلها فأهلكت شيئا أو أوقف دابة في ملكه فرفست شخصا فأهلكته ولو خارج ملكه أو نجست ثوبه أو كسر حطبا في ملكه فتطاير منه شيء فأهلك شيئا لم يضمن
ثم استثنى في المعنى مما سبق ما تضمنه قوله ( ولو حفر بدهليزه ) بكسر الدال ( بئرا ودعا رجلا ) إلى الدهليز أو إلى بيته ولم يعلمه وكان الغالب أنه يمر عليها فأجابه ( فسقط ) فيها جاهلا بها لنحو ظلمة كتغطية أو كان أعمى فمات ( فالأظهر ضمانة ) لأنه غره ولم يقصد هو إهلاك نفسه فإحالته على السبب الظاهر أولى
والثاني لا يضمنه لأنه غير ملجىء فهو المباشر لإهلاك نفسه باختياره
____________________
(4/83)
تنبيه المراد بالضمان الدية وهي دية شبه عمد
أما القصاص فلا يجب في الأظهر كما ذكره في أول الجراح وخرج بدعاء ما لو دخل بغير إذنه فسقط فيها ومات فلا ضمان وظاهر أنه يضمن فيما لو أكرهه على الدخول وأفهم قوله رجلا اعتبار التكليف في الداخل
أما غير المكلف فيجيء فيه ما سبق في الضيافة بطعام مسموم حتى لو كان غير مميز ضمنه قطعا
قال البلقيني بل يجب القصاص عند التكافؤ ( أو ) حفر ( بملك غيره ) بلا إذنه ( أو ) بملك ( مشترك ) بينه وبين غيره ( بلا إذن ) من شريكه ( فمضمون ) حفره في المسألتين لتعديه ولو ذكر هذا عقب قوله سابقا ويضمن بحفر بئر عدوان لكان أولى لأنه مثال له وقد مثلت له به ( أو ) حفر ( بطريق ضيق يضر المارة فكذا ) يجب ضمان ما تلف بها وإن أذن الإمام إذ ليس له أن يأذن فيما يضر ( أو لا يضر ) المارة لسعة الطريق أو لانحراف البئر عن الجادة ( وأذن الإمام ) في الحفر ( فلا ضمان ) فيه إن حفره لمصلحة المسلمين على المذهب وكذا لمصلحة نفسه على الأصح لعدم التعدي
تنبيه أفهم كلامه كغيره اعتبار إذن الإمام قبل الحفر وليس مرادا بل لو حفر بغير إذن الإمام وأقره عليه فإنه لا يضمن كما لو حفره ابتداء بإذنه كما صرح به الجرجاني ونقله غيره عن الأكثرين وأفهم أيضا أن الإذن خاص بالإمام لكن قال العبادي وغيره أن للقاضي الإذن في بناء مسجد واتخاذ سقاية بطريق واسع حيث لم يضر المارة ( وإلا ) بأن لم يأذن الإمام في الحفر بل استقل هو به ( فإن حفر لمصلحته ) هو فقط ( فالضمان ) إن لم يقره الإمام كما مر لافتياته عليه ( أو ) حفره ( لمصلحة عامة ) كالحفر للاستقاء أو لاجتماع ماء المطر ( فلا ) ضمان فيه ( في الأظهر ) لما فيه من المصلحة العامة وقد تعسر مراجعة الإمام في مثله والثاني يضمن إذ النظر في المصالح العامة للإمام وخص الماوردي الخلاف بما إذا أحكم رأسها فإن لم يحكمها وتركها مفتوحة ضمن مطلقا ومحله أيضا ما إذا لم ينهه عنه الإمام ولم يقصر فإن نهاه فحفر ضمن كما قاله أبو الفرج الزاز لافتياته على الإمام حينئذ أو قصر كأن كان الحفر في أرض خوارة ولم يطؤها ومثلها ينهار إذا لم يطو أو خالف العادة في سعتها ضمن وإن أذن الإمام نبه عليه الرافعي في الكلام على التصرف في الأملاك
تنبيه ولو وقع شخص في بئر أو نحوه فوقع عليه آخر عمدا بغير جذب فقتله اقتص منه إن قتل مثله مثله غالبا لضخامته أو عمق البئر أو نحو ذلك كما لو رماه بحجر فقتله فإن مات الآخر فالضمان في ماله وإن لم يقتل مثله مثله غالبا فشبه عمد وإن سقط عليه خطأ بأن لم يختر الوقوع أو لم يعلم وقوع الأول ومات بثقله عليه وبانصدامه بالبئر فنصف الدية على عاقلته لورثة الأول والنصف الآخر على عاقلة الحافر إن كان الحفر عدوانا لأنه مات بوقوعه في البئر وبوقوع الثاني عليه وإن لم يكن الحفر عدوانا هدر وإذا غرم عاقلة الثاني في صورة الحفر عدوانا رجعوا بما غرموا على عاقلة الحافر لأن الثاني غير مختار في وقوعه عليه بل ألجأه الحافر إليه فهو كالمكره له على إتلاف مال بل أولى لانتفاء قصده هنا بالكلية
ولو نزل الأول البئر ولم ينصدم ووقع عليه آخر فكل ديته على عاقلة الثاني وإن مات الثاني فضمانه على عاقلة الحافر المتعدي بحفره لا إن ألقى نفسه في البئر عمدا فلا ضمان فيه لأنه القاتل لنفسه ( ومسجد ) في الحفر فيه ( كطريق ) في حفر بئر فيه على التفصيل السابق جزما وخلافا
تنبيه قضية إطلاقه أنه يجوز أن يحفر فيه بئرا لمصلحة نفسه خاصة بإذن الإمام وهو كذلك وإن قال البلقيني هذا لا يقوله أحد
ففي زوائد الروضة في آخر باب شروط الصلاة نقلا عن الصيمري أنه يكره حفر البئر في المسجد ولم يفرق فيه بين أن يكون للمصلحة العامة أو لمصلحة نفسه على التفصيل السابق
وإذا قلنا بجوازه لم يضمن ما تلف فيه وإن بحث الزركشي الضمان لعدم تعديه
ومعلوم أنه لا بد أن يكون الحفر لا يمنع الصلاة في تلك البقعة إما لسعة المسجد أو نحوها وأن لا يتشوش الداخلون إلى المسجد بسبب الاستقاء وأن لا يحصل به للمسجد ضرر
ولو بنى
____________________
(4/84)
سقف المسجد أو نصب فيه عمود أو طين جداره أو علق فيه قنديلا فسقط على إنسان أو مال فأهلكه أو فرش فيه حصيرا أو حشيشا فزلق به إنسان فهلك أو دخلت شوكة منه في عينه فذهب بها بصره لم يضمنه وإن لم يأذن له الإمام لأنه فعله لمصلحة المسلمين
ولو بنى مسجدا في ملكه أو موات فهلك به إنسان أو بهيمة أو سقط جداره على إنسان أو مال فلا ضمان إن كان بإذن الإمام وإلا فعلى الخلاف السابق وبناء سقاية على باب داره في الشارع لشرب الناس منها كالحفر في الشارع
( وما تولد من جناح ) بفتح جيمه وهو البارز عن سمت الجدار من خشب أو غيره ( إلى شارع فمضمون ) سواء أكان يضر أم لا أذن الإمام فيه أم لا لأن الارتفاق بالشارع مشروط بسلامة العاقبة ولو تناهى في الاحتياط فجرت حادثة لا تتوقع أو صاعقة سقط بها وإن قال الإمام في هذه الحالة لست أرى إطلاق القول بالضمان في ذلك فإن قيل لو حفر بئرا لمصلحة نفسه بإذن الإمام لم يضمن فهلا كان هنا كذلك
أجيب بأن للإمام الولاية على الشارع مكان إذنه معتبرا حيث لا ضرر بخلاف الهواء لا ولاية له عليه فلم يؤثر إذنه في عدم الضمان والدية في الحر والقيمة في الرقيق على العاقلة إن تلفا بذلك وإن تلف به مال غير رقيق ففي مال المبرز
تنبيه المراد يكون مضمونا على ما سيأتي في الميزاب فيضمن الكل بالخارج فقط والنصب بالجميع وقوله فمضمون يقتضي الضمان ولو تولد التلف منه بغير سقوطه أو سقوط بعضه كما إذا صدمه راكب على شيء عال أو سقط منه حيوان كفأرة فتلف بذلك شيء وهو كذلك وإن قال البلقيني القياس عدم الضمان ولم أر من تعرض له اه
وخرج بالشارع ما لو أخرجه إلى هواء ملكه أو ملك غيره بإذنه فلا ضمان لما تولد منه جزما لعدم تعديه أو إلى درب منسد ليس فيه مسجد أو نحوه أو إلى ملك الغير بلا إذن من أهل الدرب أو المالك فالضمان وإن كان عاليا لتعديه بخلافه بالإذن كما لو كان في ملك المخرج أما إذا كان مسجدا أو نحوه فهو كالشارع كما نبه عليه الأذرعي وغيره ولو أشرعه إلى ملكه ثم سبل ما تحته شارعا استمر عدم الضمان فلا يضمن ما تولد كما لو استمر ملكه عليه ولو سبل أرضه المجاورة لداره شارعا واستثنى لنفسه الإشراع لها ثم أشرع لها فالظاهر كما قال الدميري لا ضمان
( ويحل ) للمسلم ( إخراج الميازيب ) العالية التي لا تضر بالمارة ( إلى شارع ) وإن لم يأذن الإمام كالجناح للحاجة الظاهرة إليها ولما روى الحاكم في مستدركه أن عمر رضي الله تعالى عنه مر تحت ميزاب العباس رضي الله عنه فقطرت عليه قطرات فأمر بقلعه فقلع فخرج العباس فقال أتقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر والله لا ينصبه إلا من يرقى على ظهري وانحنى العباس حتى رقي إليه فأعاده إلى موضعه
أما الذمي فقال البلقيني يمنع كما يمنع إخراج الجناح وقد يفرق بأن الجناح يمشي عليه ويقعد وينام فكان أشد من علاء بنائه بخلاف الميزاب والأرجح أنه لا فرق اه
وهذا هو الظاهر
تنبيه جرى المصنف في جميع الميازيب على لغة ترك الهمزة في مفرده وهو ميزاب وهي لغة قليلة والأفصح في جمعه مآزب بهمزة ومد جمع مئزاب بهمزة ساكنة ويقال فيه مرزاب بتقديم الراء على الزاي وعكسه فلغاته حينئذ أربع ( والتالف بها ) أو بما سال من مائها ( مضمون في الجديد ) لأنه ارتفاق بالشارع فجوازه مشروط بسلامة العاقبة كالجناح وكما لو طرح ترابا بالطريق ليطين به سطحه فزلق به إنسان ضمنه والقديم لا ضمان لأنه ضروري لتصرف المياه بخلاف الجناح لأنه لاتساع المنفعة
ومنع الجديد كونه ضروريا إذ يمكنه أن يتخذ لماء السطح بئرا أو يجري الماء في أخدود الجدار من غير إخراج شيء ( فإن كان بعضه ) أي الميزاب ويصح رجوعه للجناح أيضا بتأويل ما ذكر ( في الجدار ) وبعضه خارجا عنه ( فسقط الخارج ) منه كله أو بعضه فأتلف شيئا ( فكل الضمان ) يجب لأنه تلف بما هو مضمون عليه خاصة ( وإن سقط كله ) أي الميزاب داخله وخارجه بأن قطع من أصله ( فنصفه ) أي الضمان يجب ( في الأصح ) لأن التلف حصل بالداخل في ملكه وهو غير مضمون وبالخارج وهو
____________________
(4/85)
مضمون فوزع على النوعين سواء أكانت الإصابة بالداخل والخارج أم لا استويا في القدر أم لا والثاني يوزع على الداخل والخارج فيجب قسط الخارج ويكون التوزيع بالوزن وقيل بالمساحة
تنبيه يلغز بهذه المسألة فيقال رجل إن قتل إنسانا بخشبة لزمه بعض ديته وإن قتله ببعضها لزمه تمام ديته وقد علم مما تقرر أنه لو كان كله خارج الجدار كأن سمر عليه تعلق الضمان بسقوطه كله أو بعضه ولو كان كله في الجدار فلا ضمان بوقوعه كالجدار وأورد على المصنف ما لو سقط كل الخارج وبعض الداخل أو عكسه فالظاهر أنه كسقوطه كله وما لو سقط كله وانكسر نصفين في الهواء ثم أصاب فإنه ينظر إن أصاب بما كان في الجدار لم يضمن أو بالخارج ضمن الكل كما قاله البغوي في تعليقه ولو أصاب الماء النازل من الميزاب شيئا فأتلفه ضمن نصفها إن كان بعضه في الجدار وبعضه خارجا ولو اتصل ماؤه بالأرض ثم تلف به إنسان قال البغوي فالقياس التضمين أيضا
( وإن بنى ) شخص ( جداره ) كله ( مائلا إلى شارع ) أو ملك غيره بغير إذنه ( فكجناح ) في ضمان ما تلف به وإن أذن فيه الإمام على ما مر لأنه مباح بشرط سلامة العاقبة وخرج بقوله إلى شارع ما لو كان مائلا إلى ملكه فلا ضمان لأن له أن يبني في ملكه ما يشاء
نعم لو كان ملكه مستحقا لغيره بإجارة أو وصية كان كما لو بناه مائلا إلى ملك غيره لأن منفعة الهواء تابعة لمنفعة القرار قاله الأذرعي
والظاهر في هذه عدم الضمان كما مر في حفر البئر في ملكه المستأجر ثم رأيت هذا البحث لشيخي
تنبيه لو أسقط قوله إلى شارع لاستغنى عما قدرته فإن بنى الجدار مائلا والبعض الآخر مستويا فسقط المائل فقط ضمن الكل أو سقط الكل ضمن النصف في الأصح والميل إلى طريق غير نافذ إن كان فيه مسجد أو بئر مسبل فكالشارع وإلا فملك لغير وعلى هذا يحمل قول الزركشي ينبغي أن يكون كالميل للشارع
ولا يبرأ ناصب الميزاب أو الجناح أو باني الجدار المائل من الضمان ببيع الدار لغيره حتى لو تلف بها إنسان ضمنته عاقلة البائع كما نقله عن البغوي وأقراه
نعم لو بنى الجدار إلى ملك الغير عدوانا ثم باعه منه ودفعه إليه فينبغي أن يبرأ بذلك كما يؤخذ مما مر في مسألة البئر إذا حفره عدوانا ثم رضي المالك ببقائها فإن الحافر يبرأ بذلك كما قاله الزركشي وغيره
وقال البلقيني الأصح عندي لزومه المالك أو عاقلته حالة التلف قال ولو تعلق بالواضع أو بعاقلته كما قاله البغوي لتعلق بالصانع له الذي وضعه للمالك اه
فإن قيل ما الفرق على قول الزركشي بين الجدار والميزاب
قلت الفرق أن سبب الضمان هنا هو العدوان وقد زال وثم لم يزل لأن الانتفاع مشروط بسلامة العاقبة فاستمر الحكم على ما هو عليه ولو كانت عاقلته يوم التلف غيرها يوم إخراج الجناح أو نصب الميزاب أو ميل الجدار كان الضمان عليه كما صرح به البغوي في تعليقه ( أو ) بنى جداره ( مستويا فمال ) إلى شارع أو ملك غيره ( وسقط ) على شيء فأتلفه ( فلا ضمان ) به لأنه تصرف في ملكه والميل لم يحصل بفعله فأشبه ما إذا سقط بلا ميل سواء أمكنه هدمه وإصلاحه أم لا ( وقيل إن أمكنه هدمه وإصلاحه ضمن ) لتقصيره بترك النقد والإصلاح
تنبيه لو اختل جداره فصعد السطح فدقه للإصلاح فسقط على إنسان فمات قال البغوي في فتاويه في باب الغصب إن سقط وقت الدق فعلى عاقلته الدية ( ولو سقط ) ما بناه مستويا بعد ميله ( بالطريق فعثر به شخص ) فمات ( أو تلف ) به ( مال فلا ضمان ) عليه ( في الأصح ) لأنه بنى في ملكه بلا ميل والسقوط لم يحصل بفعله سواء أقصر في رفعه أم لا والثاني عليه الضمان لتقصيره بترك رفع ما سقط الممكن له
قال الأذرعي هو المختار وعلى الأول لا فرق أن يطالب بالنقض أو لا ولو استهدم الجدار ولم يمل لم يلزمه نقضه كما في أصل الروضة ولا ضمان ما تولد منه لأنه لم يجاوز ملكه وقضية هذا أنه إذا مال لزمه ذلك وليس مرادا ولصاحب الملك مطالبة من مال جداره إلى ملكه بالنقض كأغصان الشجرة تنتشر إلى هواء ملكه فإن له المطالبة بإزالتها لكن لو تلف بها
____________________
(4/86)
شيء لم يضمن مالكها لأن ذلك لم يكن بصنعه بخلاف الميزاب ونحوه نقله البغوي في تعليقه عن الأصحاب ( ولو طرح ) شخص ( قمامات ) جمع قمامة بضم القاف أي كناسة ( وقشور بطيخ ) بكسر الموحدة أو رمان أو نحو ذلك ( بطريق ) فتلف بذلك شيء ( فمضمون على الصحيح ) وبه قطع الجمهور كما في أصل الروضة سواء أطرحه في متن الطريق أم طرفه لأن الارتفاق الطريق مشروط بسلامة العافية ولأن في ذلك ضررا على المسلمين كوضع الحجر والسكين والثاني لا ضمان الاطراد العادة بالمسامحة به مع الحاجة
تنبيه محل الخلاف كما في الروضة وأصلها في طرحها في غير المزابل والمواضع المعدة لذلك وإلا فشبه القطع بنفي الضمان ومحله أيضا إذا كان المتعثر بها جاهلا فإن مشى عليها قصدا فلا ضمان قطعا كما لو نزل البئر فسقط وخرج بطرحها ما لو وقعت بنفسها بريح أو نحوه فلا ضمان
قال شيخنا في شرح الروض إلا أن قصر في رفعها بعد ذلك ويظهر لي أن هذا بحث والأوجه عدم الضمان أيضا كما لو مال جداره وسقط وأمكنه رفعه فإنه لا يضمن ولو طرحها في ملكه أو موات أو ألقى القمامة في سباطة مباحة فلا ضمان
فروع يضمن برش الماء في الطريق لمصلحة نفسه ما تلف به لا برشه لمصلحة المسلمين كدفع الغبار عن المارة وذلك كحفر البئر للمصلحة العامة هذا إن لم يجاوز العادة وإلا فيضمن كبل الطين في الطريق ولتقصيره
نعم إن مشى على موضع الرش قصدا فلا ضمان كما في الروضة وما ذكر من أنه إذا لم يجاوز العادة فلا ضمان عليه قضيته ولو لم يأذن له الإمام
قال الزركشي لكن الذي صرح به الأصحاب وجوب الضمان إذا لم يأذن الإمام
وقال المتولي إنه الصحيح لأنه ليس إليه مراعاة المصالح ولأن معظم غرضه مصلحة نفسه وهو أن لا يتأذى بالغبار وبهذا فارق ما لو حفر بئرا للمصلحة العامة فإنه لا ضمان عليه كما مر ولو قرص أو ضرب رجلا حاملا لشيء فتحرك وسقط ما هو حامله فكإكراهه على إلقائه فيضمن كل منهما ولو تغذى بإسناد خشبة إلى جدار غيره فسقط على شيء فأتلفه ضمن الجدار وما تلف به وإن تأخر السقوط عن الإسناد بخلاف ما لو فتح قفصا عن طائر فطار حيث يفرق فيه بين طيرانه في الحال وطيرانه بعد مدة كما مر في باب الغصب لأن الطائر مختار والجماد لا اختيار له وإن سندها إلى جداره أو جدار غيره بلا تعد فسقط أو مال ثم سقط بعد حين ضمن ما أتلفه كما لو أسقط جدارا على مال غيره بخلاف ما لو وقع ذلك بعد حين فلا ضمان كما لو حفر بئرا في ملكه ولو بنى دكة على باب داره في الطريق أو وضع متاعه في الطريق لا في طرف حانوته ضمن ما تعثر وتلف به لما مر ولأنه بنى الدكة لمصلحة نفسه وإنما يضمن ما تلف مما وضعه بطرف حانوته لكونه موضوعا فيما يختص به ولو اغتسل شخص في الحمام وترك الصابون والسدر المزلقين بأرضه أو رمى فيها نخامة فزلق بذلك إنسان فمات أو انكسر قال الرافعي فإن ألقى النخامة على الممرضمن وإلا فلا ويقاس بالنخامة ما ذكر معها وهذا كما قال الزركشي ظاهر
وقال الغزالي في الإحياء أنه إن كان بموضع لا يظهر بحيث يتعذر الاحتراز منه فالضمان متردد بين تاركه والحمامي إذ على الحمامي تنظيف الحمام والوجه إيجابه على تاركه في اليوم الأول وعلى الحمامي في اليوم الثاني إذ تنظيف الحمام كل يوم معتاد
وقال في فتاويه إن نهى الحمامي عنه فالضمان على الواضع وإن لم يأذن ولا نهى فالعادة جارية باستعماله فإن جاوز العادة واستكثر منه ضمن وإلا فلا لأن وظيفة تنقية الحمام على الحمامي في العادة لا على المغتسل ثم ما سبق حيث المهلك سبب واحد
ثم شرع فيما إذا تعدد فقال ( ولو تعاقب سببا هلاك ) بحيث لو انفرد كل منهما كان مهلكا ( فعلى الأول ) منهما في التلف لا الوجود بحال الهلاك إذا ترجح بالقوة وذلك ( بأن حفر ) شخص بئرا ( ووضع آخر حجرا ) مثلا على طرف البئر حال كون كل من الحفر والوضع ( عدوانا ) كما يشعر به كلامه وهو أولى من جعل بعضهم العدوان حالا من الوضع فقط وسواء كان الوضع قبل الحفر أم بعده كما اقتضاء التعبير بالواو
وقال في المطلب أنه ظاهر نص المختصر ( فعثر ) بالبناء للمفعول ( به ) أي الحجر ( ووقع
____________________
(4/87)
العاثر ) بغير قصد ( بها ) أي البئر فهلك ( فعلى الواضع الضمان ) لأن التعثر هو الذي ألجأه إلى الوقوع فيها المهلك له فوضع الحجر سبب أول للهلاك وقد ترجح بما ذكر وحفر البئر سبب ثان له فلو ترجح الحفر بالقوة كأن حفر بئرا عدوانا فوضع آخر سكينا فيها ومات المتردي بالسكين فالضمان على الحافر لأن الحفر أقوى السببين لأنه الملجىء له إلى السقوط على السكين فإن لم يتعد الحافر كأن كان مالكا فلا ضمان عليهما
أما المالك فظاهر وأما الآخر فلأن السقوط في البئر هو الذي أفضى إلى السقوط على السكين فكان الحافر كالمباشر والآخر كالمتسبب بل هو غير معتد كما سيأتي فإن استوى السببان كأن حفر شخص بئرا قريبة العمق فعمقها غيره فضمان من تردى فيها عليهما بالسوية ولو تفاضلا في الحفر كأن حفر أحدهما ذراعا والآخر ذراعين كالجراحات ولو طمت بئر حفرت عدوانا فنبشها آخر فالضمان عليه لانقطاع أثر الحفر الأول بالطم سواء كان الطام الحافر أم غيره
تنبيه أطلق المصنف الواضع ولا بد فيه أن يكون من أهل الضمان فلو تعدى بحفر بئر ووضع حربي أو سبع الحجر فلا ضمان على أحد على الصحيح وخرج بقولنا بغير قصد ما لو رأى العاثر الحجر فلا ضمان كما في حفر البئر ذكره الرافعي بعد هذا الموضع ( فإن لم يتعد الواضع ) للحجر كأن وضعه في ملكه ( فالمنقول ) كما عبر به في الروضة وأصلها ( تضمين الحافر ) لأنه المتعدي بخلاف الواضع
قال الرافعي وينبغي أن يقال لا يتعلق بالحافر والواضع ضمان كما لو حفر بئرا عدوانا ووضع السيل أو سبع حجرا فعثر به إنسان وسقط في البئر فهو هدر على الصحيح
قال ويدل عليه أن المتولي قال لو حفر في ملكه بئرا ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات فلا ضمان على واحد منهما أما الحافر فظاهر وأما الآخر فلأن الوقوع في البئر هو الذي أفضى في الوقوع على الحديدة فكان حافر البئر كالمباشر والآخر كالمتسبب اه
وفرق البلقيني بين مسألتنا ومسألة السيل ونحوه بأن الوضع في مسألتنا فعل من يقبل الضمان فإذا سقط عنه لعدم تعديه فلا يسقط عن المتعدي بخلافه في مسألة السيل ونحوه فإن فاعله ليس مهيئا للضمان أصلا فسقط الضمان بالكلية اه
وأما المستدل به فيحمل كما قال شيخنا على ما إذا كان الواقع في البئر متعديا بمروره أو كان الناصب غير متعد فإن لم يتعد الحافر أيضا فلا ضمان على واحد منهما
تنبيه لما كان الحكم في المسألة مشكلا عبر هنا وفي الروضة تبعا للرافعي بالمنقول للتنبيه على ذلك إلا أن قولهما المنقول يقتضي أن لا نقل يخالف ذلك وما نقلاه عن المتولي يخالفه فينبغي أو يحمل قولهما المنقول على المشهور
فروع لو كان بيد شخص سكين فألقى رجل رجلا عليها فهلك ضمن الملقي لا صاحب السكين إلا أن يلقاه بها فيضمن ولو وقع في بئر فأرسل رجل حبلا فشده العبد في وسطه وجره الرجل فسقط العبد فمات ضمنه كما قاله البغوي في فتاويه ولو وقف اثنان على بئر فدفع أحدهما الآخر فلما هوى جذب معه الدافع فسقطا فماتا قال الصيمري فإن جذبه طمعا في التخلص وكانت الحالة توجب ذلك فهو مضمون ولا ضمان عليه وإن جذبه لا لذلك بل لإتلاف المجذوب ولا طريق لخلاص نفسه بمثل ذلك فكل منهما ضامن للآخر لو تجارحا ( ولو وضع ) شخص ( حجرا ) في طريق عدوانا ( وآخران حجرا ) كذلك ( فعثر بهما ) آخر فمات ( فالضمان ) عليهم للعاثر ( أثلاث ) وإن تفاوت فعليهم نظرا إلى عدد رؤوس الجناة كما لو مات بجراحة ثلاثة واختلفت الجراحات ( وقيل ) الضمان ( نصفان ) على الأول نصف وعلى الآخر نصف نظرا إلى عدد الموضوع ورجحه البلقيني إذ ليس هذا كالجراحات التي لها نكاية في الباطن بل هو إلى صورة الضربات أقرب بل أولى في الحكم
تنبيه كلام المصنف يفهم أنه لا فرق في حجر الآخرين بين أن يكون بجنب الأول أو لا لكن المحرر والروضة وأصلها قيدوه بكونه بجنبه فيحتمل أن يكون لنفي الضمان عما لو لم يكن بجنبه ويحتمل خلافه
والظاهر أنه قيد
____________________
(4/88)
لصورة المسألة
( ولو وضع ) شخص ( حجرا ) في طريق سواء كان متعديا أم لا ( فعثر به رجل فدحرجه فعثر به آخر ) فمات ( ضمنه المدحرج ) وهو العاثر الأول لأن الحجر إنما حصل ثم بفعله ( ولو عثر ) بفتح العين والثاء المثلثة في الأشهر وحكي كسرها ماش ( بقاعد أو نائم أو واقف بالطريق وماتا ) أي العاثر والمعثور به ( أو أحدهما فلا ضمان ) على أحد كما في المحرر بل يهدران وهذا ( إن اتسع الطريق ) لأنه غير متعد والعاثر كان يمكنه التحرز
تنبيه تبع في هذا التعبير المحرر وظاهره إهدار العاثر والقاعد والنائم والواقف ولا يعرف هذا لغير المحرر والذي في الروضة كالشرحين إهدار العاثر وأن عاقلته تضمن دية القاعد والنائم والواقف ويمكن أن يؤول قول المصنف فلا ضمان يعني على القاعد والنائم والواقف ليوافق المنقول وإن كان فيه تعسف وسواء في ذلك كان القاعد أو الواقف بصيرا أو أعمى كما لو قصد قتل من يمكنه الاحتراز منه فلم يحترز حتى قتله ( وإلا ) بأن ضاق الطريق ( فالمذهب إهدار قاعد ونائم ) لأن الطريق للطروق وهما بالقعود والنوم مقصران ( لا عاثر بهما ) فلا يهدر لعدم تقصيره بل على عاقلتهما ديته ( وضمان واقف ) لأن الشخص قد يحتاج إلى الوقوف لتعب أو سماع كلام أو انتظار رفيق أو نحو ذلك فالوقوف من مرافق الطريق ( لا عاثر به ) فلا يضمن لتقصيره والطريق الثاني ضمان كل منهما والثالث ضمان العاثر وإهدار المعثور به والرابع عكسه
تنبيه هذا كله إذا لم يوجد من الواقف فعل فإن وجد بأن انحرف إلى الماشي لما قرب منه فأصابه في انحرافه وماتا فهما كماشيين اصطدما
وسيأتي حكمه بخلاف ما إذا انحرف عنه فأصابه في انحرافه أو انحرف إليه فأصابه بعد تمام انحرافه فحكمه كما لو كان واقفا لا يتحرك
والقائم في طريق واسع أو ضيق لغرض فاسد كسرقة أو أذى كالقاعد في ضيق كما قاله الأذرعي
قال الماوردي لو كان الوقوف يضر بالمار كان كالجلوس فيضمن به دية العاثر وإن كان القعود والاضطجاع لا يضرهم فكالقيام فلو عثر الماشي بواقف أو قاعد أو نائم في ملكه أو مستحق منفعته فهلكا أو أحدهما فالماشي ضامن ومهدر لأنه قتل نفسه وغيره دونهم فليسوا بضامنين ولا مهدرين وإنما يهدر الماشي إن دخلا بلا إذن ممن ذكر فإن دخل بإذن لم يهدر ولو وقف أو قعد أو نام في ملك الغير تعديا فعثر به المالك وهو ماش فهو هدر لتعديه
تتمة المسجد لقائم أو قاعد فيه وكذا نائم معتكف به كالملك لهم فعلى عاقلة العاثر ديتهم وهو مهدر ولنائم فيه غير معتكف أو قائم أو قاعد فيه لما ينزه عنه المسجد كالطريق فيفصل فيه بين الواسع والضيق كما مر
وما تقدم من تضمين واضع القمامة والحجر والحافر والمدحرج والعاثر وغيرهم المراد به وجوب الضمان على عاقلتهم بالدية أو بعضها كما مرت الإشارة إليه لا وجوب الضمان عليهم أنفسهم كما نص عليه الشافعي والأصحاب
فصل فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه إذا ( اصطدما ) أي حران كاملان راكبان أو ماشيان أو راكب وماش طويل سواء أكانا مقبلين أو مدبرين أم أحدهما مقبلا والآخر مدبرا كما يشعر به إطلاقه وإن قيد الرافعي بالمدبرين
وقيد المصنف الاصطدام بقوله ( بلا قصد ) كاصطدام أعميين أو غافلين أو كانا في ظلمة ليشمل ما إذا غلبتهما الدابتان وسيأتي محترز في كلامه
واستقيد تقييد الاصطدام بالحرين من قوله ( فعلى عاقلة كل ) منهما ( نصف دية مخففة ) أما كونه نصف دية فلأن كل واحد هلك بفعله وفعل صاحبه فيهدر النصف كما لو جرحه مع جراحة نفسه وأما كونها مخففة على العاقلة فلأنه خطأ محض
ولا فرق في ذلك بين أن يقعا منكبين أو مستلقيين
____________________
(4/89)
أو أحدهما منكبا والآخر مستلقيا اتفق المركوبان كفرسين أو لا كفرس وبعير وبغل اتفق سيرهما أو اختلف كأن أحدهما يعدو والآخر يمشي على هينته ( وإن قصدا ) جميعا الاصطدام ( فنصفها مغلظة ) على عاقلة كل منهما لورثة الآخر أما كونها نصف دية فلما مر وأما كونها مغلظة على العاقلة فلأن القتل حينئذ شبه عمد لأن الغالب أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت فلا يتحقق فيه العمد المحض ولذلك لا يتعلق به القصاص إذا مات أحدهما دون الآخر ( أو ) قصد ( أحدهما ) الاصطدام دون الآخر وماتا ( فلكل ) منهما ( حكمه ) من التخفيف والتغليظ
تنبيه محل ذلك ما إذا لم تكن إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركتها فإن كانت كذلك لم يتعلق بحركتها حكم كغرز الإبرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة نقله في الروضة عن الإمام وأقره وجزم به ابن عبد السلام ولا ينافيه قول الشافعي رضي الله تعالى عنه سواء أكان أحد الراكبين على فيل والآخر على كبش لأنا لا نقطع بأنه لا أثر لحركة الكبش مع حركة الفيل ومثل ذلك يأتي في الماشيين كما قاله ابن الرفعة وغيره ( والصحيح أن على كل ) منهما في تركته ( كفارتين ) إحداهما لقتل نفسه والأخرى لقتل صاحبه لاشتراكهما في إهلاك نفسين بناء على أن الكفارة لا تتجزأ وأن قاتل نفسه عليه كفارة وهو الأظهر
والثاني على كل كفارة بناء على أنها تتجزأ وإن ماتا مع مركوبيهما فكذلك الحكم دية وكفارة ( و ) يزاد على ذلك أن ( في تركة كل ) منهما ( نصف قيمة دابة الآخر ) أي مركوبه لاشتراكهما في الإتلاف مع هدر فعل كل منهما في حق نفسه وقد يجيء التقاص في ذلك ولا يجيء في الدية إلا أن يكون عاقلة كل منهما ورثته وعدمت الإبل
تنبيه هذا إذا كانت الدابتان لهما فإن كانتا لغيرهما كالمعارتين والمستأجرتين لم يهدر منهما شيء لأن المعار ونحوه مضمون وكذا المستأجر ونحوه إذا أتلفه ذو اليد وقد أشار المصنف إلى هذا في السفينتين حيث قال إن كانتا لهما ولا فرق بين الدابتين والسفينتين وكان ينبغي تقييد المقدم وإطلاق المؤخر ليحمل عليه
أما غير الحرين الكاملين فسيأتي حكمهما على الأثر
فروع لو كان مع كل من المصطدمين بيضة وهي ما تجعل على الرأس فكسرت ففي البحر أن الشافعي رضي الله تعالى عنه قال على كل منهما نصف قيمة بيضة الآخر ولو تجاذبا حبلا لهما أو لغيرهما فانقطع وسقطا وماتا فعلى عاقلة كل منهما نصف دية الآخر وهدر الباقي لأن كل منهما مات بفعله وفعل الآخر سواء أسقطا منكبين أم مستلقيين أم أحدهما منكبا والآخر مستلقيا فإن قطعه غيرهما فماتا فديتهما على عاقلته لأنه القاتل لهما وإن مات أحدهما بإرخاء الآخر الحبل فنصف ديته على عاقلته وهدر الباقي لأنه مات بفعلهما وإن كان الحبل لأحدهما والآخر ظالم فالظالم هدر وعلى عاقلته نصف دية المالك ولو كان شخص يمشي فوقع مداسه على مؤخر مداس غيره وتمزق لزمه نصف الضمان لأنه تمزق بفعله وفعل صاحبه ( وصبيان أو مجنونان ) أو صبي ومجنون في اصطدامهما ( ككاملين ) فيما سبق فيهما ومنه التغليظ بناء على أن عمدهما عمد وهو الأصح إن كانا مميزين هذا إن ركبا بأنفسهما وكذا إن أركبهما وليهما لمصلحتهما وكانا ممن يضبط المركوب ( وقيل ) ونص عليه في الأم ( إن أركبهما الولي تعلق به الضمان ) لما فيه من الخطر وجوازه مشروط بسلامة العاقبة والأصح المنع كما لو ركبا بأنفسهما
تنبيه لأن الخلاف كما نقلاه عن الإمام وأقراه إذا أركبهما لزينة أو لحاجة غير مهمة فإن أرهقت إلى إركابهما حاجة كنقلهما من مكان إلى مكان فلا ضمان عليه قطعا قالا ومحله أيضا عند ظن السلامة فإن أركبهما الولي دابة شرسة جموحا ضمن الولي لتعديه
قال الأذرعي ومحله أيضا فيمن يستمسك على الدابة فلو أركبه دابة هادية وهو لا يستمسك عليها تعلق به الضمان
قال ابن الرفعة ويستثنى من عدم تضمين الولي ما إذا كانا غير مميزين كابن
____________________
(4/90)
سنة وسنتين فأركبهما الولي فيجب على عاقلته دية كل منهما
قال البلقيني وينبغي أن يضاف إلى ما ذكره الإمام أن لا ينسب الولي إلى تقصير في ترك من يكون معهما ممن جرت العادة بإرساله معهما
قال والمراد بالولي هنا ولي الحضانة الذكر لا ولي المال وذلك ظاهر من قول الشافعي رضي الله تعالى عنه وبسط بذلك ثم قال ولم أر من تعرض له
وقال الزركشي في التكملة يشبه أن من له ولاية التأديب من أب وغيره خاص وغيره
وقال في الخادم ظاهر كلامهم ولي المال اه
والأوجه كلام البلقيني
( ولو أركبهما أجنبي ) بغير إذن الولي ولو لمصلحتهما ( ضمنهما ودابتيهما ) لتعديه بإركابهما وحكى ابن المنذر فيه الإجماع
تنبيه شمل إطلاقه تضمين الأجنبي ما لو تعمد الصبيان الاصطدام وهو كذلك وإن قال في الوسيط يحتمل إحالة الهلاك عليهما بناء على أن عمدهما عمد واستحسنه الشيخان لأن هذه المباشرة ضعيفة فلا يعول عليها كما قاله شيخي
وقوله ضمنهما ودابتيهما ليس على إطلاقه بل الضمان الأول على عاقلته والثاني عليه وقضية كلام الجمهور أن ضمان المركب بذلك ثابت وإن كان الصبيان ممن يضبطان الركوب وهو كذلك وإن كان قضية نص الأم أنهما إن كانا كذلك فهما كما لو ركبا بأنفسهما وجزم به البلقيني أخذا من النص المشار إليه وإن وقع الصبي فمات ضمنه المركب كما قاله الشيخان وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون إركابه لغرض من فروسية ونحوها أو لا وهو كذلك في الأجنبي بخلاف الولي فإنه إذا أركبه لهذا الغرض وكان ممن يستمسك على الدابة فإنه لا يضمنه وقول المتولي لا فرق فيه بين الولي والأجنبي حمله ابن الرفعة في الأجنبي على ما إذا أركب بإذن معتبر
( أو ) اصطدم ( حاملان وأسقطتا ) بأن ألقتا جنينيهما وماتتا ( فالدية كما سبق ) من وجوب نصفها على عاقلة كل منهما وإهدار النصف الآخر لأن الهلاك منسوب إلى فعلها ( وعلى ) أي ويجب في تركة ( كل ) من الحاملين ( أربع كفارات على الصحيح ) بناء على الصحيح أن الكفارة تجب على قاتل نفسه وأنها لا تتجزأ فيجب كفارة لنفسها وثانية لجنينها وثالثة لصاحبتها ورابعة لجنينها لأنهما اشتركا في إهلاك أربعة أنفس
والثاني تجب كفارتان بناء على عدم الوجوب وعلى التجزي ( و ) يجب ( على عاقلة كل ) منهما ( نصف غرتي جنينيهما ) نصف غرة لجنينها ونصف غرة لجنين الأخرى لأن الحامل إذا جنت على نفسها فألقت جنينا وجبت الغرة على عاقلتها كما لو جنت على حامل أخرى ولا يهدر من الغرة شيء بخلاف الدية فإنه يجب نصفها ويهدر نصفها كما مر لأن الجنين أجنبي عنهما بخلاف أنفسهما
تنبيه كلامه قد يوهم وجوب رقيق واحد نصفه لهذا ونصفه لذاك وعبارة ابن يونس له أن يسلم نصف رقيق عن واحد ونصف رقيق عن الآخر وعلى هذا فكان الأولى للمصنف أن يقول نصف غرة لهذا ونصف غرة للأخرى ( أو ) اصطدم ( عبدان ) وماتا ( فهدر ) سواء ماتا معا بهذا الاصطدام أم أحدهما بعد الآخر قبل إمكان بيعه وسواء اتفقت قيمتهما أم اختلفت لأن جناية العبد تتعلق برقبته وقد فاتت
تنبيه يستثنى من الإهدار مسائل الأولى المغصوبان فعلى الغاصب فداء كل نصف منهما بأقل الأمرين
الثانية إذا أوصى أو وقف على أرش ما يجنيه العبد فإنه يصرف منه لسيد كل عبد نصف قيمة عبده قاله البلقيني
قال ولم أر من تعرض له لكنه فقه واضح
الثالثة ما إذا امتنع بيعهما كأن كانا ابني مستولدتين أو موقوفتين أو منذورا إعتاقهما فلا يهدران لأنهما حينئذ كالمستولدتين وحكم المستولدتين أو على سيد كل واحدة قدر النصف الذي جنت عليه مستولدته للآخر بأقل الأمرين من قيمتها وأرش الجناية لأنه باستيلادها منع بيعها
الرابع المستولدتان أيضا واستثناء هذه إنما يأتي على رأي ابن حزم أن لفظ العبد يشمل الأمة
أما إذا مات أحدهما فقط فنصف قيمته في رقبة الحي وكذا نصف قيمة ما كان معه إن تلف أيضا وإن أثر فعل الميت في الحي نقصا تعلق غرمه بنصف قيمة العبد المتعلق برقبة الحي وجاء التقاص في ذلك المقدار
____________________
(4/91)
وإن اصطدم عبد وحر فمات العبد فنصف قيمته على عاقلة الحر ويهدر الباقي أو مات الحر فنصف ديته تتعلق برقبة العبد وإن ماتا معا فنصف قيمة العبد على عاقلة الحر ويتعلق به نصف دية الحر لأن الرقبة فاتت فتتعلق الدية ببدلها فيأخذ السيد من العاقلة نصف القيمة ويدفع منه أو من غيره للورثة نصف الدية
( أو ) اصطدم ( سفينتان ) وغرفتا ( فكدابتين ) اصطدمتا وماتتا في حكمهما السابق ( والملاحان ) فيهما تثنية ملاح وهو النوتي صاحب السفينة سمي بذلك لإجرائه السفينة على الماء الملح حكمهما ( كراكبين ) ماتا باصطدام في حكمها السابق ( إن كانتا ) أي السفينتان وما فيهما ( لهما ) فيهدر نصف قيمة كل سفينة ونصف بدل ما فيهما فإن ماتا بذلك لزم كل منهما كفارتان كما سبق ولزم عاقلة كل منهما نصف دية الآخر
تنبيه يستثنى من كون الملاحين كالراكبين ما إذا قصد الملاحان الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مهلكا مغرقا فإنه يجب نصف دية كل منهما في تركة الآخر بخلاف المصطدمين فإنهما على العاقلة ولو مات أحدهما بما صدر من المتعمد دون الآخر وجب القصاص على الحي بناء على إيجاب القصاص على شريك جارح نفسه ولو كان في السفينة من يقتلان به فعليهما القصاص إذا مات بذلك فلو تعدد الغرقى قتل بواحد ووجب في مال كل واحد نصف ديات الباقين وضمان الكفارات بعدد من أهلكا وإن كان الاصطدام لا يعد مهلكا غالبا وقد يهلك فشبه عمد فتجب الدية مغلظة على العاقلة ولو كان الملاحان صبيين وأقامهما الولي أو أجنبي فالظاهر كما قاله الزركشي أنه لا يتعلق به ضمان لأن الوضع في السفينة ليس بشرط لأن العمد من الصبيين هنا هو المهلك
( فإن ) كانت السفينتان لهما و ( كان فيهما مال أجنبي لزم كلا ) منهما ( نصف ضمانه ) سواء أكان المال في يد مالكه وهو السفينة أم لا لتعديهما ويتخير الأجنبي بين أخذ جميع بدل ماله من أحد الملاحين ثم هو يرجع على الآخر وبين أن يأخذ نصفه منه ونصفه من الآخر فإن كان الملاحان رقيقين تعلق الضمان برقبتهما ( وإن كانتا لأجنبي ) والملاحان فيهما أمينين أو أجيرين للمالك ( لزم كلا نصف قيمتهما ) لأن مال الأجنبي لا يهدر منه شيء ويتخير كل من المالكين بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من ملاحه ثم يرجع هو بنصفها على الملاح الآخر أو يأخذ نصفها منه ونصفها من الملاح الآخر فلو كان الملاحان رقيقين تعلق الضمان برقبتيهما
تنبيه محل هذا التفصيل إذا كان الاصطدام بفعلهما أو لم يكن وقصرا في الضبط أو سيرا في ريح شديد فإن حصل الاصطدام بغلبة الريح فلا ضمان على الأظهر بخلاف غلبة الدابة فإن الضبط ثم ممكن باللجام ونحوه فالقول قولهما بيمينهما عند التنازع في أنهما غلبا لأن الأصل براءة ذمتهما وإن تعمد أحدهما أو فرط دون الآخر فلكل حكمة وإن كانت إحداهما مربوطة فالضمان على مجرى السائرة
تنبيه لو خرق شخص سفينته عامدا خرقا يهلك غالبا كالخرق الواسع الذي لا مدفع له فغرق به إنسان فالقصاص أو الدية المغلظة على الخارق وإن خرقها لإصلاحها أو لغير إصلاحها لكن لا يهلك غالبا فشبه عمد وإن سقط من يده حجر أو غيره فخرقها أو أصاب بالآلة غير موضع الإصلاح فخطأ محض ولو ثقلت سفينة بتسعة أعدال فألقى إنسان فيها عاشرا عدوانا فغرقت به لم يضمن الكل لأن الغرق حصل بثقل الجميع وهل يضمن النصف أو العشر وجهان كالوجهين في الجلد إذا زاد على الحد المشروع ذكره في أصل الروضة وقضيته ترجيح العشر
( ولو أشرفت سفينة على غرق ) وفيها متاع وراكب ( جاز ) لراكبها ( طرح متاعها ) في البحر حفظا للروح
تنبيه ظاهر كلامه طرح جميع المتاع وهو كذلك إن لم يندفع غرقها إلا به فإن اندفع بطرح بعضه وجب أن يقتصر عليه ( ويجب ) طرحه ( لرجاء نجاة الراكب ) المحترم بخلاف غير المحترم كحربي ومرتد وزان محصن
تنبيهان ( الأول ) تعبيره بالمتاع يقتضي أنه لا يجوز إلقاء الحيوان وليس مرادا بل يجب إلقاء الحيوان ولو محترما
____________________
(4/92)
لسلامة آدمي محترم إن لم يمكن دفع الغرق بغير إلقائه فإن أمكن لم يجز إلقاؤه والظاهر كما قال الأذرعي أنه لو كان هناك أسرى من الكفار وظهر للأمير أن المصلحة في قتلهم فيبدأ بإلقائهم قبل الأمتعة وقبل الحيوان المحترم وينبغي كما قال أيضا أن يراعى في الإلقاء الأخس فالأخس قيمة من المتاع والحيوان إن أمكن حفظا للمال ما أمكن الثاني لا يجوز إلقاء الأرقاء لسلامة الأحرار بل حكمها واحد فيما ذكر وإن لم يلق من لزمه الإلقاء حتى غرقت السفينة فهلك به شيء أثم ولا ضمان عليه كما لو لم يطعم مالك الطعام المضطر حتى مات
الثالث لم يميز المصنف حالة الوجوب من حالة الجواز وقوله لرجاء نجاة الراكب إن كان تعليلا للمسألتين فكيف تصلح هذه العبارة الواحدة للجواز تارة وللوجوب أخرى وإن كان للوجوب فقط فكيف يستقبيم الجواز بدون ذلك والقياس الوجوب لرجاء نجاة الراكب مطلقا لأن القاعدة الأصولية أن ما كان ممنوعا منه إذا جاز وجب
وقال البلقيني والذي يقال في ذلك إن حصل هول خيف منه الهلاك مع غلبة السلامة جاز الإلقاء لرجاء نجاة الراكب وإن غلب الهلاك مع ظن السلامة بالطرح وجب ثم استشكل قولهم إنه يطرح الأخف قيمة ومالا روح فيه لتخليص ذي الروح فإنه إن جعلت الخيرة في عين المطروح للملاح ونحوه فهو غير لائق وإن توقف على إذن صاحبه فقد لا يأذن فيحصل الضرر
ثم قال إنه يحتاج إلى إذن المالك في حال الجواز دون الوجوب فلو كانت لمحجور لم يجز إلقاؤها في محل الجواز ويجب في محل الوجوب
قال ولو كانت مرهونة أو لمحجور عليه بفلس أو لمكاتب أو لعبد مأذون عليه ديون وجب إلقاؤها في محل الوجوب وامتنع في محل الجواز إلا باجتماع الراهن والمرتهن أو السيد والمكاتب أو السيد والمأذون والغرماء في الصورة المذكورة وإن ألقى الولي في محل الجواز بعض أمتعة محجوره ليسلم به باقيها فقياس قول أبي عاصم العبادي فيما لو خاف الولي استيلاء غاصب على المال فله أن يؤدي شيئا لتخليصه جوازه هنا ويحرم على الشخص إلقاء المال ولو ماله بلا خوف لأنه إضاعة مال
( فإن طرح مال غيره بلا إذن ) منه ولو في حال الخوف ( ضمنه ) لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه من غير أن يلجئه إلى إتلافه فصار كما لو أكل المضطر طعام غيره بغير إذنه ( وإلا ) أي بأن طرحه بإذنه أو ألقى مال نفسه ولو اختص الخوف بغيره بأن كان بالشط أو بزورق ( فلا ) ضمان للإذن المبيح في الأولى ولإلقائه مال نفسه في الثانية ويشترط مع الإذن أن لا يتعلق به حق الغير كما مر وفارقت هذه حينئذ مسألة المضطر إذا أطعمه مالك الطعام قهرا بأن المطعم ثم دافع للتلف لا محالة بخلاف الملقى ( ولو قال ) شخص لآخر في سفينة ( ألق متاعك ) في البحر ( وعلي ضمانه أو على أني ضامن ) له أو على أن أضمنه فألقاه فيه ( ضمنه ) وإن لم يكن للملتمس فيها شيء ولم تحصل النجاة لأنه التمس إتلافا لغرض صحيح بعوض فيلزمه كما إذا قال أعتق عبدك وعلي كذا أو طلق زوجتك أو أطلق الأسير أو اعف عن القصاص ولك علي كذا أو على أن أعطيك كذا فأجاب سؤاله فيلزمه ما التزمه
فإن قيل ينبغي أن لا يصح هذا الضمان لأنه ضمان ما لم يجب
أجيب بأن هذا ليس على حقيقة الضمان المعروف وإن سمي به وإنما حقيقته الافتداء من الهلاك فهو كما لو قال أطعم هذا الجائع ولك علي كذا
تنبيه قول البلقيني لا بد أن يشير إلى ما يلقيه أو يكون معلوما له وإلا فلا يضمن إلا ما يلقيه بحضرته ممنوع لأن هذه حالة ضرورة فلا يشترط فيها شيء من ذلك
فرع لو ألقى المتاع شخص أجنبي بعد الضمان لم يضمن المستدعي وكذا لو ألقته الريح ولا بد في الضمان من استمراره على الالتزام فلو رجع قبل الإلقاء لم يضمن ( ولو اقتصر ) الملتمس ( على ) قوله ( ألق ) متاعك في البحر فألقاه ( فلا ) ضمان ( على المذهب ) لعدم الالتزام وفي وجه من الطريق الثاني فيه الضمان كقوله أد ديني فأداه فإنه يرجع عليه في الأصح وفرق الأول بأنه بالقضاء برىء قطعا والإلقاء قد لا ينفعه
تنبيه هل يفترق الحال بين كون المأمور بإلقاء ماله أعجميا يعتقد وجوب طاعة أمره أو لا فرق قال الأذرعي
____________________
(4/93)
لم أر فيه شيئا وقضية إطلاقهم عدم الفرق لكنهم في مواضع فرقوا بينهما كما تقدم اه
والفرق أوجه وسيأتي ما يؤيده
ولو ألقى صاحب المتاع متاعه عند خوف الهلاك بلا استدعاء لم يرجع على الركبان بشيء وإن كان في حالة يجب فيها الإلقاء
( وإنما يضمن ملتمس ) من مالكه طرح متاعه ( لخوف غرق ) للسفينة ففي حالة الأمن لا ضمان سواء أقال وعلي ضمانه أم لا
كما لو قال له أهدم دارك أو احرق متاعك ففعل ولو لم يوجد الخوف ولكنه متوقع
قال الزركشي ينبغي تخريج خلاف فيه من تنزيل المتوقع منزلة الواقع اه
والظاهر عدم الضمان ثم أشار المصنف رحمه الله تعالى لشرط الضمان بقوله ( ولم يختص نفع الإلقاء بالملقى ) وهو مالك المتاع بأن كان معه في السفينة المشرفة على الغرق وغيره وهذا صادق بست صور الأولى أن يختص النفع بالملتمس
الثانية أن يعود له ولمالك المتاع
الثالثة أن يختص بغيرهما
الرابعة أن يختص بمالك المتاع وأجنبي
الخامسة أن يعود للملتمس وأجنبي
السادسة أن يعم الثلاثة وفي جميعها يضمن الملتمس ولم يصرحا في الشرح والروضة بالثانية ولا السادسة أما إذا اختص نفع الإلقاء بالملقى وحده بأن أشرفت سفينته على الغرق وفيها متاعه فقال له آخر من الشط ألق متاعك وعلي ضمانه فألقاه لم يجب شيء لأنه يجب عليه الإلقاء لحفظ نفسه فلا يستحق به عوضا كما لو قال للمضطر كل طعامك وأنا ضامن له فأكله فلا شيء له على الملتمس
فروع لو قال شخص لآخر ألق متاعك في البحر وأنا ضامن له وركاب السفينة أو على أني أضمنه أنا وركابها أو أنا ضامن له وهم ضامنون أو أنا وركاب السفينة ضامنون له كل منا على الكمال أو على أني ضامن وكل منهم ضامن لزمه الجميع لأنه التزمه أو قال أنا وركاب السفينة ضامنون له لزمه قسطه وإن لم يقل معه كل منا بالحصة وإن أراد الإخبار عن ضمان سبق منهم فصدقوه فيه لزمهم وإن أنكروا صدقوا وإن صدقه بعضهم فلكل حكمه وإن قال أنشأت عنهم الضمان ثقة برضاهم لم يلزمهم وإن رضوا لأن العقود لا توقف وإن قال أنا وهم ضمناء وضمنت عنهم بإذنهم طولب بالجميع فإن أنكروا الإذن فهم المصدقون حتى لا يرجع عليهم وإن قال أنا وهم ضامنون له وأصححه وأخلصه من مالهم أو من مالي لزمه الجميع كما لو قال اختلعها على ألف أصححها لك وأضمنها لك من مالها تلزمه الألف وإن قال علي نصف الضمان وعلى فلان ثلثه وعلى فلان سدسه لزمه النصف فقط لأنه الذي التزمه وإن قال أنا وهم ضامنون له ثم باشر الإلقاء بإذن المالك ضمن الجميع في أحد وجهين حكاه الرافعي عن القاضي أبي حامد وقال الأذرعي إنه نص الأم وقيل بالقسط عملا بقضية اللفظ ولو قال شخص لعمرو ألق متاع زيد وعلي ضمانه ففعل ضمن عمرو دون الآخر لأنه المباشر للإتلاف
تنبيه سكت المصنف عن المضمون أهو المثل ولو صورة كالقرض أو المثل في المثلي والقيمة في المتقوم أو القيمة مطلقا وتعتبر قيمة الملقى حيث أوجبناه قبيل هيجان البحر إذا لا قيمة له حينئذ ولا تجعل قيمته في البحر مع الخطر كقيمته في البر وظاهر كلامهم الأخير وإن كان الملقى مثليا ورجحه البلقيني لما في إيجاب المثل من الإجحاف وعلله البلقيني بأنه لا مثل لمشرف على الهلاك إلا مشرف على هلاك وذلك بعيد وجزم في الكفاية بالوسط ورجحه الأذرعي وهو كما قال شيخي أوجه من كلام البلقيني خلافا لبعض المتأخرين نعم إن كان المأمور أعجميا يعتقد وجوب طاعة آمره ضمن الآمر وهذا هو الذي يؤيد ما تقدم ولو لفظ البحر المتاع الملقى فيه على الساحل فظفرنا به أخذه المالك واسترد الضامن منه عين ما أعطى إن كان باقيا وبدله إن كان تالفا ما سوى الأرش الحاصل بالغرق فلا يسترده كما صرح به الإسنوي وقال الأذرعي إنه واضح
( ولو عاد ) أي رجع ( حجر منجنيق ) وهو بفتح الميم والجيم في الأشهر فارسي معرب يذكر ويؤنث آلة ترمى بها الحجارة وحكي كسر الميم ومنجنوق بالواو ومنجليق باللام واختلفوا في زيادة ميمه ونونه فذهب سيبويه إلى أن ميمه أصلية ونونه زائدة ولذلك تثبت في الجمع ( فقتل أحد رماته ) وكانوا عشرة مثلا ( هدر قسطه ) من ديته وهو في هذا المثال عشرها ( وعلى عاقلة ) كل من
____________________
(4/94)
التسعة ( الباقين الباقي ) من ديته وهو تسعة أعشارها على كل منهم عشرها لأنه مات بفعله وفعلهم فسقط ما قابل فعله لأنه غير مضمون
تنبيه صورة المسألة فيمن مد معهم الحبال ورمى بالحجر أما من أمسك خشبة المنجنيق إن احتيج إلى ذلك أو وضع الحجر في الكفة ولم يمد الحبال فلا شيء عليه لأنه متسبب والمباشر غيره قاله الماوردي و المتولي وغيرهما
واستثنى البلقيني من الوجوب على العاقلة ما لو حصل ذلك بأمر صنعه رفقاؤه وقصدوا الرفيق المذكور لسقوطه عليه وغلبت إصابته فهو عمد لا تحمله العاقلة بل هو في أموالهم ولا قصاص عليهم لأنهم شركاء مخطىء قال ولم ينبه عليه أحد وكأنهم تركوه لأنه لا يتصور عندهم ونحن صورناه فلا خلاف بيننا وبينهم ( أو ) قتل حجر المنجنيق ( غيرهم ) أي الرماة ( ولم يقصدوه ) أي الغير ( فخطأ ) قتله يوجب الدية المخففة على العاقلة ( أو قصدوه فعمد في الأصح ) قتله يوجب القصاص عليهم أي الدية المغلظة في مالهم ( إن غلبت الإصابة ) منهم لانطباقه حينئذ على حد العمد
والثاني شبه عمد لأنه لا يتحقق قصد معين بالمنجنيق والأول يمنع هذا واحترز المصنف بقوله إن غلبت الإصابة عما إذا لم تغلب إصابتهم بأن غلب عدمها أو استوى الأمران فإنه شبه عمد
تتمة لو قصدوا غير معين كأحد الجماعة كان شبه عمد وإنما لم يكن عمدا لأن العمد يعتمد قصد العين بدليل أنه لا قصاص على الآمر في قوله اقتل أحد هؤلاء وإلا قتلتك فقتل أحدهم لأنه لم يقصد عينه
فصل في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله وأشار إلى ذلك بقوله ( دية الخطأ وشبه العمد ) في الأطراف ونحوها وكذا في نفس غير القاتل نفسه وكذا الحكومات والغرة ( تلزم العاقلة ) لا الجاني كما مر أول كتاب الديات وذكرها هنا توطئة لما بعده وشبه العمد من زيادة الكتاب على المحرر فإنه ذكر الخطأ فقط ولو عكس كان أولى
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن الوجوب لا يلاقي الجاني أولا بل يلاقي العاقلة ابتداء والأصح المنصوص أنه يلاقيه ابتداء ثم يتحملونها إعانة له كقضاء دين من غرم لإصلاح ذات البين
قال العلماء وتغريم غير الجاني خارج عن القياس لكن الجاهلية كانوا يمنعون من جنى منهم من أولياء القتيل أن يدنو منه ويأخذوا بثأرهم فجعل الشارع بدل تلك النصرة بذل المال وخص ذلك بالخطأ وشبه العمد لكثرتهما سيما في حق من يتعاطى حمل السلاح فأعين كيلا يفتقر بالسبب الذي هو معذور فيه وإنما يلزمهم ذلك إذا كانت بينة بالخطأ أو شبه العمد أو اعترف به فصدقوه وإن كذبوه لم يقبل إقراره عليهم لكن يحلفون على نفي العلم فإذا حلفوا وجب على المقر وهذا حينئذ مستثنى من كلام المصنف ولا يقبل إقراره على بيت المال
أما إذا قتل نفسه فالمشهور أنه لا يجب على العاقلة شيء هذا كله إذا كان القاتل حرا فإن كان مبعضا وقتل خطأ تحملت العاقلة نصف الدية كما ذكره الرافعي في آخر الباب عن فتاوى البغوي وشبه العمد كالخطأ في ذلك
وجهات تحمل الدية ثلاثة قرابة وولاء وبيت مال لا غيرها كزوجية ومحالفة وقرابة ليست بعصبة ولا العديد الذي لا عشيرة له فيدخل نفسه في قبيلة ليعد منها
وقد ذكر المصنف جهات التحمل على هذا الترتيب وقد شرع في أولها بقوله ( وهم عصبته ) أي الجاني الذين يرثونه بالنسب أو الولاء إذا كانوا ذكورا مكلفين لما في خبر المرأتين السابق أوائل كتاب الديات في رواية وأن العقل على عصباتها
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه ولا أعلم مخالفا أن العاقلة العصبة وهم القرابة من قبل الأب
قال ولا أعلم مخالفا في أن المرأة والصبي وإن أيسرا لا يحملان شيئا وكذا المعتوه عندي اه
ثم استثنى المصنف من العصبة أصل الجاني وفرعه فقال ( إلا الأصل ) من أب وإن علا ( و ) إلا ( الفرع ) من ابن وإن سفل لأنهم أبعاضه فكما لا يتحمل الجاني لا يتحمل أبعاضه وروى النسائي لا يؤخذ الرجل بجريرة أي جريمة ابنه وفي رواية لأبي داود في خبر المرأتين
____________________
(4/95)
السابق وبرأ الولد أي من العقل وقيس به غيره من الأبعاض ( وقيل يعقل ) عن المرأة القاتلة ( ابن ) لها ( هو ابن ابن عمها ) أو ابن معتقها كما يلي نكاحها والأصح المنع لعموم الأخبار ولأن البعضية موجودة والفرق بينه وبين النكاح أن البنوة هنا مانعة وهناك غير مقتضية لا مانعة فإذا وجد المقتضى عمل عمله ( ويقدم ) في تحمل الدية من العصبة ( الأقرب ) فالأقرب على الأبعد منهم والأقرب الإخوة ثم بنوهم وإن نزلوا ثم الأعمام ثم بنوهم وإن نزلوا ثم أعمام الأب ثم بنوهم وإن نزلوا ثم أعمام الجد ثم بنوهم وإن نزلوا ( فإن ) لم يوف الأقرب بالواجب بأن ( بقي ) منه ( شيء فمن ) أي فيوزع الباقي على من ( يليه ) الأقرب ثم على من يليه وهكذا ( و ) يقدم ممن ذكر ( مدل بأبوين ) على مدل باب على الجديد كالإرث ( والقديم التسوية ) بينهما لأن الأنوثة لا مدخل لها في تحمل العاقلة فلا تصلح للترجيح ( ثم ) بعد عصبة النسب إن فقدوا أو لم يوف ما عليهم بالواجب في الجناية يقدم ( معتق ) ذكر لخبر الولاء لحمة كلحمة النسب
( ثم ) إن فقد المعتق أو لم يف ما عليه بالواجب تقدم ( عصبته ) من نسب غير أصله وإن علا وفرعه وإن سفل كما مر في أصل الجاني وفرعه يقدم الأقرب فالأقرب لما رواه الشافعي و البيهقي أن عمر قضى على علي رضي الله تعالى عنهما بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب لأنه ابن أخيها دون ابنها الزبير واشتهر ذلك بينهم وقيس بالابن غيره من الأبعاض وصحح البلقيني أنهما يدخلان
قال لأن المعتق يتحمل فهما كالمعتق لا كالجاني ولا نسب بينهما وبين الجاني بأصلية ولا فرعية
وأجاب شيخي عن كلام البلقيني بأن إعتاق المعتق منزل منزلة الجناية ويكفي هذا إسناده للمنقول فإن المنقول مشكل ( ثم معتقه ) أي معتق المعتق ( ثم عصبته ) كذلك وهكذا ما عدا الأصل والفرع على ما مر ( وإلا ) بأن لم يوجد معتق ولا عصبة ( فمعتق أبي الجاني ثم عصبته ) من نسب غير أصله وفرعه ( ثم معتق معتق الأب وعصبته ) غير أصله وفرعه وعبر في المحرر بثم وهو أولى ( وكذا أبدا ) إذا لم يوجد معتق الأب ولا عصبته يتحمل معتق الجد ثم عصبته كذلك إلى حيث ينتهي كالإرث ويفارق الأخذ من البعيد إذا لم يف الأقرب بالواجب الإرث حيث يجوزه الأقرب بأنه لا تقدير لميراث العصبة بخلاف الواجب هنا فإنه مقدر بنصف دينار أو ربعه كما سيأتي
تنبيه حيث ضربنا على المعتق فبقي شيء يضرب على عصبته في حياته كما مرت الإشارة إليه وصرح به صاحب الشامل والتتمة وغيرهما وإن أشعر كلام الصغير برجحان عدم الضرب
وقال الزركشي إنه القياس
( وعتيقها ) أي المرأة الجاني ( يعقله عاقلتها ) ولا يضرب عليها لأن المرأة لا تحمل العقل بالإجماع فيتحمل عنها من يتحمل جنايتها من عصباتها كما يزوج عتيقتها من يزوجها إلحاقا للعقل بالتزويج لعجزها عن الأمرين ( ومعتقون ) في تحملهم جناية عتيقهم ( كمعتق ) واحد فيما عليه كل سنة من نصف دينار أو ربعه لأن الولاء لجميعهم لا لكل منهم ( وكل شخص من عصبة كل معتق يحمل ما كان يحمله ذلك المعتق ) في حياته من نصف أو ربع
فإن قيل هلا وزع عليهم ما كان الميت يحمله
أجيب بأن الولاء لا يتوزع عليهم توزعه على الشركاء ولا يرثون الولاء من الميت بل يرثون به
تنبيه لا يختص هذا بكون المعتق جمعا فلو كان واحدا ومات عن إخوة مثلا ضرب على كل منهم ما كان يحمله الميت من نصف أو ربع ( ولا يعقل عتيق ) عن معتقه ( في الأظهر ) كما لا يرث والثاني يعقل ورجحه البلقيني لأن العقل للنصرة والإعانة والعتيق أولى بهما
أما عصبة العتيق فلا تعمل عن معتقه قطعا ( فإن فقد العاقل ) ممن ذكر ( أو ) وجد و ( لم يف ) ما عليه بالواجب ( عقل ) ذوو الأرحام إن قلنا بتوريثهم وهو ما صححه
____________________
(4/96)
المصنف إذا لم ينتظم أمر بيت المال كما سبق في الفرائض ومعلوم أن محله إذا كان ذكرا غير أصل وفرع فإن انتظم عقل ( بيت المال عن ) الجاني ( المسلم ) كما يرثه ولخبر أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان
والمسلم يرثه المسلمون بخلاف الذمي والمرتد والمعاهد فإنه لا يرثهم وإنما يوضع فيه مالهم فيئا بل تجب الدية في مالهم مؤجلة فإن ماتوا حلت كسائر الديون
تنبيه استثنى من عقل بيت المال اللقيط إذا جنى على نفسه خطأ وفقدت عاقلة قاتله ففي تعليق الشيخ أبي حامد في باب اللقيط لا يعقل عنه بيت المال إذ لا فائدة في أخذها منه لتعاد إليه ومعلوم أن من لا وارث له إلا بيت المال كذلك ( فإن فقد ) بيت المال بأن لم يوجد فيه شيء أو لم ينتظم أمره بحيلولة الظلمة دونه أو لم يف ( فكله ) أي الواجب أو الباقي منه ( على الجاني في الأظهر ) بناء على أنها تلزمه ابتداء ثم تتحملها العاقلة وهو الأصح كما مر والثاني لا بناء على أنها تجب عليهم ابتداء
قال البلقيني وكان ينبغي التعبير بالأصح بدل الأظهر كما في الروضة وأصلها
تنبيه أفهم كلامه أن الجاني لا يحمل مع وجود من ذكر وليس مرادا بل متى وزع الواجب في السنة الأولى على العاقلة أو بيت المال وفضل شيء منه فهو على الجاني مؤجلا عليه كالعاقلة وقد يجب عليه في صور أخر منها ما لو جرح ابن عتيقة أبو رقيق شخصا خطأ أو شبه عمد ثم انجر الولاء إلى موالي الأب بعتقه ثم مات الجريح بالسراية فعلى موالي الأم أرش الجرح ثم إن بقي شيء فعلى الجاني لحصول السراية بعد العتق بجناية قبله لا على موالي أبيه لتقدم سببه على الانجرار ولا على موالي أمه لانتقال الولاء عنهم قبل وجوبه ولا بيت المال لوجود جهة الولاء بكل حال فإن لم يبق شيء إن ساوى أرش الجرح الدية كأن قطع يديه ثم عتق الأب ثم مات الجريح فعلى موالي الأم دية كاملة لأن الجرح حين كان الولاء لهم يوجب هذا القدر ولو جرحه هذا الجارح ثانيا خطأ عتق أبيه ومات الجريح سراية من الجراحتين لزم موالي الأم أرش الجرح الأول ولزم موالي الأب باقي الدية ومنها ما لو جرح ذمي شخصا خطأ ومات الجريح بالسراية بعد إسلام الذمي فعلى عاقلته الذميين ما يخص الجرح وباقي الدية إن كان عليه فإن لم يبق شيء كأن قطع رجليه فعلى عاقلته الذميين دية كاملة لما مر في نظيره ولو جرحه هذا الجارح ثانيا خطأ بعد إسلامه فعلى عاقلته الذميين أرش الجرح الأول وعلى عاقلته المسلمين باقي الدية ومنها ما لو رمى شخص إلى صيد فأصاب رجلا بعد أن تخللت منه ردة أو إسلام كانت الدية في ماله لا على عاقلته لأن شرط تحملها أن تكون صالحة لولاية النكاح من الفعل إلى الفوات
( وتؤجل على العاقلة ) ولو من غير ضرب القاضي ( دية نفس كاملة ) بإسلام وحرية وذكورية ( ثلاث سنين ) بنصب ثلاث ( في ) آخر ( كل سنة ثلث ) من الدية
أما كونها في ثلاث فلما رواه البيهقي من قضاء عمر و علي رضي الله عنهما وعزاه الشافعي في المختصر إلى قضاء النبي صلى الله عليه وسلم
وأما كونها في كل سنة ثلث فتوزيعا لها على السنين الثلاث
وأما كونه في آخر السنة فقال الرافعي كان سببه الفوائد كالزرع والثمار تتكرر كل سنة فاعتبر مضيها ليجتمع عندهم ما يتوقعونه فيواسون عن تمكن
تنبيه قوله تؤجل يقتضي أنه لا بد من تأجيل بضرب الحاكم وليس مرادا قطعا كما بقدرته في كلامه
والتقييد بالعاقلة يخرج بيت المال والجاني وليس مرادا أيضا فقد صرح القفال وغيره بأنها إذا وجبت في بيت المال كانت مؤجلة وصرح الأصحاب بتأجيلها على الجاني إذا وجبت عليه ولا يخالفهم إلا في أمرين أحدهما أنه يؤخذ منه ثلث الدية عند الحوادث وكل واحد منهم لا يطالب إلا بنصف دينار أو ربع
ثانيهما أنه لو مات في أثناء الحول يحل الأجل على الأصح كسائر الديون المؤجلة ولو مات واحد من العاقلة لا يؤخذ من تركته شيء لأنها مواساة فتسقط بالموت والوجوب على الجاني سبيله صيانة الحق من الضياع فلا يسقط كيلا يضيع
ولما كان الأصح عند الأصحاب في
____________________
(4/97)
معنى تأجيلها في ثلاث سنين كونها بدل نفس كاملة وأن مقابله كونها بدل نفس محترمة أشار إلى مسائل تظهر فيها فائدة الخلاف فقال ( و ) تؤجل دية ( ذمي ) على الأصح ( سنة ) لأنها قدر ثلث دية مسلم ( وقيل ) تؤجل ( ثلاثا ) أي في ثلاث سنين لأنها بدل نفس محترمة ( و ) تؤجل دية ( امرأة ) مسلمة ( سنتين ) في آخر ( الأولى ) منهما ( ثلث ) من دية نفس كاملة والباقي آخر السنة الثانية ( وقيل ) تؤجل ديتها ( ثلاثا ) أي في ثلاث سنين لأنها بدل نفس محترمة
تنبيه الخنثى كالمرأة فيما ذكر ( وتحمل العاقلة العبد ) أي الجناية عليه من الحر لكن بقيمته خطأ كانت الجناية أو شبه عمد في نفس أو طرف ( في الأظهر ) الجديد لأنه بدل آدمي وتعلق قصاص وكفارة فأشبه الحر والثاني لا تحمله بل هي على الجاني لأنه مضمون بالقيمة فأشبه البهيمة وعلى الأول إن كانت قيمته قدر ثلث دية كاملة فأقل ضربت في سنة وإن كانت أكثر ( ففي ) آخر ( كل سنة ) يؤخذ من قيمته ( قدر ثلث دية ) كاملة إلى المقدار ( وقيل ) تؤخذ كلها ( في ثلاث ) من السنين لأنها بدل نفس
تنبيه لو اختلف العاقلة والسيد في قيمته صدقوا بأيمانهم لكونهم غارمين
( ولو قتل ) شخص ( رجلين ) مثلا كاملين معا أو مرتبا ( ففي ) أي فتؤجل ديتهما على عاقلته في ( ثلاث ) من السنين لأن الواجب ديتان مختلفتان والمستحق يختلف فلا يؤخر حق واحد باستحقاق آخر كالديون المختلفة إذا اتفق انقضاء آجالها ( وقيل ) تؤجل دية من ذكر في ( ست ) في كل سنة قدر سدس دية لأن بدل النفس الواحدة يضرب في ثلاث سنين فيراد للأخرى مثلها وفي عكس مسألة الكتاب وهي ما لو قتل اثنان واحدا وجهان أحدهما على عاقلة كل منهما نصف دية مؤجلة في سنتين نظرا إلى اتحاد المستحق
والثاني وهو الصحيح على عاقلة كل منهما كل سنة ثلث ما يخصه كجمع الدية عند الانفراد ولو قتل شخص امرأتين أجلت ديتهما على عاقلته في سنتين لما مر ( والأطراف ) كقطع اليدين والحكومات وأرش الجنايات تؤجل ( في كل سنة قدر ثلث دية ) كاملة فإن كان الواجب أكثر من ثلث دية ولم يزد على ثلثيها ضرب في سنتين وأخذ قدر الثلث في آخر السنة الأولى والباقي في آخر الثانية وإن زاد أي الواجب على الثلثين ولم يزد على دية نفس ضرب في ثلاث سنين
وإن زاد على دية نفس كقطع اليدين والرجلين ففي ست سنين ( وقيل ) تؤخذ ( كلها في سنة ) بالغة ما بلغت لأنها ليست بدل نفس حتى تؤجل
تنبيه محل الخلاف إذا كان الأرش زائدا على الثلث فإن كان قدره أو دونه ضرب في سنة قطعا
وهذا كله مبني على أن بدل الأطراف وأروش الجنايات تضرب على العاقلة وهو المشهور كدية النفس كما مرت الإشارة إليه
( وأجل ) دية ( النفس ) يعتبر ابتداؤه ( من الزهوق ) لأنه وقت استقرار الوجوب ( و ) أجل دية ( غيرها ) أي النفس كقطع يد اندمل ( من ) ابتداء ( الجناية ) في الأصح لأنها حالة الوجوب فأنيط الابتداء بها كما نيط بحالة الزهوق في النفس لأنها حالة وجوب ديتها
وإن كان لا يطالب ببدلها إلا بعد الاندمال أما إذا لم يندمل بأن سرى من عضو إلى عضو كأن قطع أصبعه فسرت إلى كفه فأجل أرش الأصبع من قطعها والكف من سقوطها كما جزم به صاحبا الحاوي الصغير والأنوار ورجحه البلقيني ( ومن مات ) من العاقلة ( في بعض ) أي في أثناء ( سنة سقط ) من واجب تلك السنة ولا يؤخر من تركته لأنها مواساة كالزكاة
واحترز بقوله في بعض سنة عما لو مات بعدها وهو موسر فلا يسقط وتؤخذ من تركته
ثم شرع في صفات من يعقل وهي خمس الذكورة وعدم الفقر والحرية والتكليف
____________________
(4/98)
واتفاق الدين
أما الصفة الأولى فقد استغنى المصنف عن ذكرها بقوله سابقا وعتيقها يعقله عاقلتها أي لا هي والخنثى كالمرأة وإنما لم تعقل المرأة أهليتها للنصرة ولعدم الولاية فلو بان الخنثى ذكرا هل يغرم حصته التي أداها غيره أو لا وجهان قال في الروضة لعل أصحهما نعم ورجحه ابن المقري اعتبارا بما في نفس الأمر كما في شاهد النكاح ووليه ورجح البلقيني الثاني قال لبناء التحمل على الموالاة والمناصرة الظاهرة وقد كان هذا في ستر الثوب كالأنثى فلا نصرة به اه
والأول أوجه لأن النصرة موجودة فيه بالقوة وأما الصفة الثانية فمأخوذة من قوله ( ولا يعقل فقير ) ولو كسوبا لأن العقل مواساة وليس الفقير من أهلها كنفقة القريب
فإن قيل الفقير تلزمه الجزية فهلا كان مثل هذا أجيب بأن الجزية موضوعة لحقن الدم ولإقراره في دار الإسلام فصارت عوضا وأما الصفة الثالثة فمأخوذة من قوله ( و ) لا يعقل ( رقيق ) ولو مكاتبا إذ لا ملك له فلا مواساة والمكاتب وإن ملك فملكه ضعيف وليس من أهل المواساة ولهذا لا تجب عليه الزكاة وألحق البلقيني المبعض بالمكاتب لنقصه بالرق وأما الصفة الرابعة فمأخوذة من قوله ( و ) لا يعقل ( صبي و ) لا ( مجنون ) لأن مبنى العقل على النصرة ولا نصرة فيهما لا بالعقل ولا بالرأي بخلاف الزمن والشيخ الهرم والأعمى فإنهم يتحملون لأنهم ينصرون بالقول والرأي
تنبيه ظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين الجنون المتقطع والمطبق ويحتمل كما قال الأذرعي الوجوب فيما إذا كان يجن في العام يوما واحدا وليس هو آخر السنة فإن هذا لا عبرة به
وأما الصفة الخامسة فمأخوذة من قوله ( و ) لا يعقل ( مسلم عن كافر وعكسه ) لأنه لا موالاة بينهما ولا توارث فلا مناصرة ( ويعقل يهودي عن نصراني وعكسه في الأظهر ) كالإرث إذ الكفر كله ملة واحدة والثاني لا لانقطاع الموالاة بينهما
تنبيه يتعاقل ذمي ومعاهد إن زادت مدة عهده على مدة الأجل بخلاف ما إذا نقصت عنها وهو ظاهر أو ساوتها تقديما للمانع على المقتضي ويكفي في تحمل كل حول على انفراده زيادة مدة العهد عليه
قال الأذرعي ومقتضى كلام القاضي وغيره أن ما ذكر من تحمل الذمي ونحوه محله إذا كانوا في دارنا لأنهم تحت حكمنا ولا تعاقل بين ذمي وحربي والمعاهد كالذمي
ثم أخذ المصنف رحمه الله تعالى في كيفية توزيع المضروب على العاقلة فقال ( وعلى الغني ) من العاقلة وهو من يملك فاضلا عما يبقى له في الكفارة عشرين دينارا أو قدرها اعتبارا بالزكاة ( نصف دينار ) على أهل الذهب أو قدره دراهم على أهل الفضة وهو ستة منها لأن ذلك أول درجة المواساة في زكاة النقد والزيادة عليه لا ضابط لها ( و ) على ( المتوسط ) منهم وهو من يملك فاضلا عما ذكره من العشرين دينارا أو قدرها وفوق ربع دينار لئلا يبقى فقيرا
فإن قيل ينبغي أن يقاس به الغني لئلا يبقى متوسطا
أجيب بأن المتوسط من أهل التحمل بخلاف الفقير ( ربع ) من دينار أو ثلاثة دراهم لأنه واسطة بين الفقير الذي لا شيء عليه والغني الذي عليه نصف دينار ولم نجز إلحاقه بأحد الطرفين لأنه إفراط أو تفريط فتوسط فيه بربع دينار لأن الناقص عنه تافه بدليل عدم القطع به
تنبيه ما ضبطنا به الغني والمتوسط هو ما قاله الإمام وتبعه الغزالي وغيره ورجحه ابن المقري وضبطه البغوي تبعا للقاضي بالعرف ولا ترجيح في الروضة
قال الإمام وكون الغني عليه نصف الدينار والمتوسط ربع لا يعرف في ذلك أثر ناص ولا خبر لكنهم راعوا معنى المواساة ويجب النصف والربع ( كل سنة من الثلاث ) لأنها مواساة تتعلق بالحول فتكررت بتكرره كالزكاة فجميع ما يلزم الغني في الثلاث سنين دينار ونصف والمتوسط نصف وربع ( وقيل هو ) أي ما ذكر من نصف أو ربع ( واجب الثلاث ) أخذا من قول الشافعي رضي الله عنه في الأم أن من كثر ماله يحمل إذا قومت الدية نصف دينار ومن كان دونه ربع دينار لا يزاد على هذا ولا ينقص وعلى هذا يؤدي الغني كل سنة سدس دينار والمتوسط نصف سدس وعلى الأول لو كثرت العاقلة أو قل الواجب نقص القسط
____________________
(4/99)
فيؤخذ من كل منهم حصته من غير تخصيص أحد منهم لشمول جهة التحمل لهم وإن قلوا أو كثر الواجب لم يزد القسط لتضررهم بذلك
تنبيه إنما اعتبر مقدار نصف الدينار وربعه لا عينهما لأن الإبل هي الواجبة وما يؤخذ بعد تمام الحول من نصف وربع يصرف إليها وللمستحق أن لا يأخذ غيرها لما مر والدعوى بالدية المأخوذة من العاقلة لا تتوجه عليهم بل على الجاني نفسه ثم هم يدفعونها بعد ثبوتها كما قاله ابن القاص في أدب القضاء وهو مقتضى كلام الرافعي فيه أيضا ( و ) الغني والمتوسط ( يعتبران آخر الحول ) لأنه حق مالي متعلق بالحول على جهة المواساة فاعتبر بآخره كالزكاة فلا يؤثر الغني وضده قبله ولا بعده فلو أيسر آخره ولم يؤد ثم أعسر ثبت دينا في ذمته ( ومن أعسر فيه ) أي آخر الحول ( سقط ) أراد لم يلزمه شيء لأنه ليس أهلا للمواساة بخلاف الجزية لأنها كالأجرة لسكنى دار الإسلام
قال الماوردي ولو ادعى الفقر بعد الغنى حلف ولا يكلف البينة لأنه إنما يتحمل بعد العلم بغناه ومن كان الحول ناقصا برق أو كفر أو جنون أو صبا وصار في آخره بصفة الكمال لم يؤخذ منه شيء في ذلك الحول ولا فيما بعده
قال الرافعي لأنهم ليسوا أهلا للنصرة بالبدن في الابتداء فلا يكلفون النصرة بالمال في الانتهاء والمعسر كامل أهل للنصرة وإنما يعتبر المال ليتمكن في الأداء فيعتبر وقته
ولما فرغ مما يجب الحر شرع فيما يجب بجناية غيره مترجما لذلك بفصل فقال فصل في جناية الرقيق ( مال جناية العبد ) الموجبة للمال بأن كانت غير عمد أو عمد أو عفا الأول مال ( يتعلق برقبته ) بالإجماع كما حكاه البيهقي إذ لا يمكن إلزامه لسيده لأنه إضرار به مع براءته ولا أن يكون في ذمة العبد إلى عتقه للإضرار بالمستحق بخلاف معاملة غيره له لرضاه بذمته فالتعلق برقبته طريق وسط في رعاية الجانبين ولا يجب على عاقلة سيده لأنها وردت في الحر على خلاف الأصل وفارق جناية البهيمة حيث يضمنها مالكها إذا قصر لأن للآدمي اختيار
تنبيه معنى التعلق بالرقبة أن يباع ويصرف ثمنه إلى الجناية ولا يملكه المجني عليه بنفس الجناية وإن كانت قيمته أقل من أرشها لما فيه من إبطال حق السيد من التمكن من الفداء ويستثنى من التعلق بالرقبة جناية غير المميز والأعجمي الذي يعتقد طاعة آمره بأمر سيده أو غيره فإنها تكون على الأمر ولا يتعلق الضمان برقبته على الأصح كما ذكراه في الرهن والمبعض يجب عليه من واجب جنايته بنسبة حريته وباقيه من الرق يتعلق به باقي واجب الجناية فيفديه السيد بأقل الأمرين من حصتي واجبها والقيمة كما يعلم مما يأتي ( ولسيده ) ولو بنائبه ( بيعه لها ) أي الجناية ولا بد من إذن المستحق ولو كان البيع بعد اختيار الفداء وله تسليمه ليباع فيها ولا يباع منه أكثر من أرش الجناية إلا بإذن سيده أو ضرورة كأن لم يجد من يشتري بعضه ويتعلق الأرش بجميع رقبته إن كان بقدر قيمتها أو أكثر وكذا إن كان أقل على ظاهر النص ولو أبرأ المستحق عن بعض الواجب انفك من العبد بقسطه على الأصح كما ذكره الرافعي في دوريات الوصايا
واستشكل بأن تعلق الرهن بالمرهون دون تعلق المجني عليه برقبة العبد ومع ذلك لو أبرأ المرتهن عن بعض الدين لم ينفك شيء من الرهن وقد يفرق بأن التعليق الجعلي أقوى من الشرعي ( و ) أيضا ( فداؤه ) فيتخير بين الأمرين فإن اختار الفداء فيفديه في الجديد ( بالأقل من قيمته وأرشها ) لأن الأقل إن كان القيمة فليس عليه غير تسليم الرقبة وهي بدلها أو الأرش فهو الواجب وتعتبر القيمة يوم الجناية كما حكي عن النص وجرى عليه ابن المقري في روضه لنوجه طلب الفداء فيه ولأنه يوم تعلقها اعتبر القفال يوم الفداء لأن النقص قبله لا يلزم السيد بدليل ما لو مات العبد قبل اختيار الفداء وحمل النص على ما لو منع بيعه حال الجناية ثم نقصت القيمة وجرى على هذا ابن المقري في إرشاده وشرحه وهذا كما قال الزركشي هو المتجه
____________________
(4/100)
( وفي القديم ) يفديه ( بأرشها ) بالغا ما بلغ لأنه لو سلمه ربما بيع بأكثر من قيمته والجديد لا يعتبر هذا الاحتمال ( ولا يتعلق ) مال جناية العبد ( بذمته مع رقبته في الأظهر ) وإن أذن له سيده في الجناية وإلا لما تعلق برقبته كديون المعاملات حتى لو بقي شيء لا يتبع به بعد عتقه
والثاني يتعلق بالذمة والرقبة مرهونة بما في الذمة فإن لم يوف الثمن به طولب العبد بالباقي بعد العتق
تنبيه قد علم من قول المصنف بذمته مع رقبته أن محل الخلاف فيما إذا تعلق الأرش بالرقبة بأن قامت بينة بجناية العبد أو أقر بها السيد
فأما لو تعذر التعلق بالرقبة بأن أقر بها العبد وكذبه السيد قال الإمام فلا وجه إلا القطع بالتعلق بذمة العبد وقد يرد على المصنف ما لو أقر السيد بأن عبده جنى على عبد خطأ قيمته ألف وقال العبد قيمته ألفان لزم العبد بعد العتق القدر الزائد على ما أقر به السيد على النص في الأم
قال البلقيني وقد اجتمع في هذه الصورة التعلق بالرقبة والتعلق بالذمة على المذهب لكن لم يتحد محل التعلق
فرع لو اطلع سيد العبد على لقطة في يده وأقرها عنده أو أهمله وأعرض عنه وفرعنا على الأظهر من أنه لا يصح التقاطه فأتلفها أو تلفت عنده تعلق المال برقبته وسائر أموال السيد كما نبه عليه البلقيني
فرع حمل الجانية للسيد لا يتعلق به الأرش سواء كان موجودا قبل الجناية أم حدث بعدها فلا تباع حتى تضع إذ لا يمكن إجبار السيد على بيع الحمل ولا يمكن استثناؤه فإن لم يفدها بعد وضعها بيعا معا وأخذ السيد حصة الولد وأخذ المجني عليه حصته ( ولو فداه ) السيد ( ثم جنى ) بعد الفداء ( سلمه للبيع ) أي ليباع أو باعه بنفسه ( أو فداه ) كما تقدم ولو تكرر ذلك مرارا لأنه الآن لم يتعلق به غير هذه الجناية ( ولو جنى ثانيا قبل الفداء باعه فيهما ) أي الجنايتين أو سلمه ليباع فيهما ووزع ثمنه عليهما ( أو فداه ) السيد ( بالأقل من قيمته والأرشين ) على الجديد ( وفي القديم بالأرشين ) لما مر
تنبيه محل الخلاف إذا لم يمنع من بيعه مختارا للفداء فإن منع لزمه أن يفدي كلا منهما كما لو كان منفردا كما صرح به الشيخان في الكلام على جناية المستولدة وما جزم به المصنف من البيع في الجنايتين محله أن يتحدا فلو جنى خطأ ثم قتل عمدا ولم يفده السيد ولا عفا صاحب العمد ففي فروع ابن القطان أنه يباع في الخطأ وحده ولصاحب العمد القود كمن جنى خطأ ثم ارتد فإنا نبيعه ثم نقتله بالردة إن لم يتب
قال المعلق عنه فلو لم يجد من يشتريه لتعلق القود به فعندي أن القود يسقط لأنا نقول لصاحبه إن صاحب الخطأ قد منعك فلو أقدناك لأبطلنا حقه فأعدل الأمور أن تشتركا فيه ولا سبيل إليه إلا بترك القود كذا نقله الزركشي وأقره وفيه كما قال ابن شهبة نظر
( ولو أعتقه ) أي العبد الجاني ( أو باعه ) فإن أبطلناهما فظاهر حكمه ( و ) إن ( صححناهما ) أي قلنا بصحتهما بأن كان المعتق موسرا والبائع مختارا للفداء وهو في الأولى راجح وفي الثانية مرجوح ( أو قتله ) السيد ( فداه ) حتما ( بالأقل ) من قيمته والأرش قطعا لأنه فوت محل حقه ثم أشار لطريقة حاكية للجديد والقديم السابقين بقوله ( وقيل ) في فدائه ( القولان ) السابقان وما رجحه من طريقة القطع جرى عليه في الروضة هنا وجزم في كتاب البيع في بيع العبد الجاني بطريقة الخلاف ( ولو هرب ) العبد الجاني ( أو مات ) قبل اختيار السيد الفداء ( برىء سيده ) من عهدته لأن الحق متعلق برقبته وقد فاتت ( إلا إذا طلب ) منه تسليمه ليباع في الجناية ( فمنعه ) فإنه لا يبرأ بل يصير مختارا للفداء لتعديه بالمنع والمستثنى منه صادق بأن لم يطلب منه أو طلب ولم يمنعه
____________________
(4/101)
تنبيه لو علم السيد موضع العبد الهارب وأمكنه رده قال الزركشي يتجه أن يجب لأن التسليم واجب عليه ولو قتل العبد الجاني أجنبي قتلا يوجب مالا بأن قتله خطأ أو شبه عمد أو يوجب قصاصا وعفا السيد على مال تعلقت جناياته بقيمته لأنها بدله فإذا أخذت سلمها السيد أو بدلها من سائر أمواله
فإن لم يعف السيد بل اقتص وهو جائز له
قال البغوي لزمه الفداء للمجني عليه وأقراه وهذا كما قال شيخي مفرع على القول بأن الواجب القصاص أو الدية
أما إذا فرعنا على الأصح من أن الواجب القصاص فلا يلزمه شيء كالمرهون إذا قتل واقتص السيد ( ولو اختار ) السيد ( الفداء فالأصح ) وفي الروضة الصحيح وهو أولى ( أن له الرجوع ) عنه ( و ) أن عليه ( تسليمه ) حينئذ ليباع في الجناية لأنه وعد ولا أثر له واليأس لم يحصل من بيعه
والثاني يلزمه الفداء عملا بالتزامه
تنبيه فهم من قوله وتسليمه بقاء العبد فإن مات أو قتل فلا رجوع له قطعا ومحل الرجوع إذا كان باقيا كما قال البلقيني إذا لم تنقص قيمته بعد اختياره الفداء فإن نقصت لم يمكن من الرجوع ويلزمه الفداء قطعا لأنه فوت باختياره ذلك القدر من قيمته فإن قال أنا أسلمه وأغرم النقص قبل وما إذا لم يحصل بتأخير بيعه تأخير يضر بالمجني عليه بالتأخير فإن حصل وللسيد مال غيره فليس له الرجوع قطعا للضرر الحاصل للمجني عليه بالتأخير ولو باعه بإذن المجني عليه بشرط الفداء لزمه الفداء وشمل كلامه الاختيار الفعلي كأن وطىء الأمة الجانية وليس مرادا فإن الصحيح أنه ليس باختبار وقوله وتسليمه منصوب عطفا على اسم أن والمعنى وأن عليه تسليمه كما قدرته في كلامه ولا يصح رفعه عطفا على ضمير خبر أن لأن التسليم عليه لا له
( ويفدي ) بفتح أوله السيد وجوبا ( أم ولده ) الجانية حتما ( بالأقل ) من قيمتها والأرش قطعا لأنه بالاستيلاد منع من بيعها مع بقاء الرق فيها فأشبه ما إذا جنى القن فلم يسلمه للبيع
وقال الإمام السيد بالاستيلاد مستمتع بحقه متصرف في ملكه فجعله ملتزما للفداء بجناية تحدث من بعد فيه غموض ولكنه متفق عليه بين الأصحاب ( وقيل ) في جناية أم ولده ( القولان ) السابقان في جناية القن ولعل مأخذه جواز بيع أم الولد
تنبيه محل وجوب فدائها على السيد إذا امتنع بيعها كما اقتضاه التعليل السابق فلو كانت تباع لكونه استولدها وهي مرهونة وهو معسر فإنه يقدم حق المجني عليه على حق المرتهن وتباع وتعتبر قيمتها يوم الجناية على الأصح اعتبارا بوقت لزوم فدائها ووقت الحاجة إلى بيعها الممنوع بالإحبال وقيل يوم الاستيلاد لأنه السبب في منع البيع
وشمل كلامه الأمة التي استولدها سيدها بعد الجناية وهو ظاهر لكن الظاهر هنا كما قال شيخنا أن العبرة بقيمة يوم الإحبال إلا أن يمنع بيعها حال الجناية فتعتبر قيمتها حينئذ ( وجناياتها ) حكمها ( كواحدة في الأظهر ) فيلزمه للكل فداء واحد لأن الاستيلاد منزل منزلة الإتلاف وإتلاف الشيء لا يوجب إلا قيمة واحدة كما لو جنى عبده جنايات ثم قتله أو أعتقه فلو كانت قيمتها ألفا وجنت جنايتين وأرش كل منهما ألف فلكل منهما خمسمائة فإن كان الأول قبض ألفا استرد منه الثاني نصفه أو أرش الثانية خمسمائة استرد منه ثلثه أو أرش الثانية ألف والأولى خمسمائة استرد منه ثلثها ومن السيد خمسمائة تمام القيمة ليصير معه ثلثا الألف ومع الأول ثلثه كديون الميت إذا قسمت تركته عليها ثم حدث عليه دين آخر كأن حفر بئرا عدوانا فهلك بها شيء فيزاحم المستحق الغرماء ويسترد منهم حصته واستثنى البلقيني من ذلك أم الولد التي تباع بأن استولدها وهي مرهونة وهو معسر إذا جنت جناية تتعلق برقبتها فإن حق المجني عليه يقدم على المرتهن فلا تكون جناياتها كواحدة لأنه يمكنه بيعها بل هي كالقن يجني جناية بعد أخرى فيأتي فيها التفصيل المار
والثاني يفديها في كل جناية بالأقل من قيمتها وأرش تلك الجناية
تنبيه محل الخلاف أن يكون أرش الجناية الأولى كالقيمة أو أكثر أو أقل والباقي من القيمة لا يفي بالجناية الثانية فإن كان أرش الأولى دون القيمة وفداها به وكان الباقي من قيمتها يفي الجناية الثانية فداها بأرشها قطعا
____________________
(4/102)
قال الزركشي وسكتوا عن التعلق بذمتها ويشبه القطع به لتعذر التعلق برقبتها وهذا ممنوع بل الأشبه كما قال شيخنا القطع بالتعلق بذمة السيد لأنه منع بيعها فلو ماتت عقب الجناية لم يسقط الأرش عن السيد في الأصح بخلاف القن كما قاله الرافعي في كلامه على جناية الموقوف
تتمة حكم الموقوف حكم المستولدة لمنع الواقف بيعه بوقفه والظاهر كما قال شيخنا أن المنذور عتقه كذلك وأما المكاتب فذكر المصنف جنايته في باب الكتابة
فصل في دية ( الجنين ) الحر المسلم ( غرة ) لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة بترك تنوين غرة على الإضافة البيانية وتنوينها على أن ما بعدها بدل منها وأصل الغرة البياض في وجه الفرس ولهذا شرط عمرو بن العلاء أن يكون العبد أبيض والأمة بيضاء وحكاه الفاكهاني في شرح الرسالة عن ابن عبد البر أيضا ولم يشترط الأكثرون ذلك وقالوا النسمة من الرقيق غرة لأنها غرة ما يملك أي أفضله وغرة كل شيء خياره وإنما تجب الغرة فيه ( إن انفصل ميتا بجناية ) على أمه الحية مؤثرة فيه سواء أكانت الجناية بالقول كالتهديد والتخويف المفضي إلى سقوط الجنين أم بالفعل كأن يضربها أو يوجرها دواء أو غيره فتلقي جنينا أم بالترك كأن يمنعها الطعام أو الشراب حتى تلقي الجنين وكانت الأجنة تسقط بذلك ولو دعتها ضرورة إلى شرب دواء فينبغي كما قال الزركشي أنها لا تضمن بسببه وليس من الضرورة الصوم ولو في رمضان إذا خشيت منه الإجهاض فإذا فعلته فأجهضت ضمنته كما قاله الماوردي ولا ترث منه لأنها قاتلة وسواء كان الجنين ذكرا أم غيره لإطلاق الخبر لأن ديتهما لو اختلفت لكثر الاختلاف في كونه ذكرا أو غيره فسوى الشارع بينهما كأصل الصاع من التمر يكون بدل اللبن في المصراة سواء أقل اللبن أم كثر وسواء كان الجنين تام الأعضاء أم ناقصها ثابت النسب أم لا لكن لا بد أن يكون معصوما مضمونا على الجاني عند الجناية وإن لم تكن أمه معصومة أو مضمونة عندها أما الجنين الرقيق والكافر فذكرهما المصنف آخر الفصل ولا أثر لنحو لطمة خفيفة كما لا تؤثر في الدية ولا لضربة قوية أقامت بعدها بلا ألم ثم ألقت جنينا نقله في البحر عن النص
تنبيه سمي الجنين جنينا لاستتاره ومنه الجن
وقوله ( في حياتها أو موتها ) متعلق بانفصل أي انفصل في حياتها بجناية أو انفصل بعد موتها بجناية في حياتها ويحتمل أن يكون في حياتها أو موتها متعلق بجناية
فيشمل ما لو ضرب ميتة فألفت جنينا ميتا وبه صرح القاضي أبو الطيب و الروياني فأوجبنا الغرة لأن الأصل بقاء الحياة وقال البغوي لا شيء عليه وبه قال الماوردي وادعى فيه الإجماع ورجحه البلقيني ولم يرجح الشيخان شيئا ( وكذا إن ظهر ) بعض الجنين ( بلا انفصال ) من أمه كخروج رأسه ميتا تجب فيه الغرة ( في الأصح ) لتحقق وجوده والثاني لا بد من تمام انفصاله لأن ما لم ينفصل كالعضو منها ( وإلا ) بأن لم يكن معصوما عند الجناية كجنين حربية من حربي وإن أسلم أحدهما بعد الجناية أو لم يكن مضمونا كأن كان الجاني مالكا للجنين ولأمه بأن جنى السيد على أمته الحامل وجنينها من غيره وهو ملك له فعتقت ثم ألقت الجنين أو كانت أمه ميتة أو لم ينفصل ولا ظهر بالجناية على أمه ( فلا ) شيء فيه لعدم احترامه في الأولى وعدم ضمان الجاني في الثانية ولظهور موته بموتها في الثالثة ولعدم تحقق وجوده في الأخيرتين
تنبيه تقييد الجنين بالعصمة أولى من تقييد الأم بها لإيهام أنه لو جنى على حربية جنينها معصوم حين الجناية لا شيء فيه وليس كذلك ولو ماتت الأم ولم ينفصل الولد ولم يظهر فلا غرة لأنا لم نتيقن وجود الجنين فلا نوجب شيئا بالشك وكذا لو كانت المرأة منتفخة البطن فضربها ضارب فزال الانتفاخ أو كانت تجد حركة في بطنها فانقطعت بالضربة لجواز أن يكون ريحا فانفشت وسكن
( أو ) انفصل ( حيا وبقي ) بعد انفصاله ( زمانا بلا ألم ) فيه ( ثم مات
____________________
(4/103)
فلا ضمان ) على الجاني سواء أزال ألم الجناية عن أمه قبل إلقائه أم لا لأن الظاهر أنه مات بسبب آخر ( وإن مات حين خرج ) بعد انفصاله أو تحرك تحركا شديدا كقبض يد وبسطها ولو حركة مذبوح لا اختلاجا ( أو دام ألمه ومات ) منه ( فدية نفس ) كاملة على الجاني ولو انفصل الجنين لدون ستة أشهر لأنا تيقنا حياته والظاهر موته بالجناية بخلاف مجرد اختلاجه لاحتمال كونه انتشارا بسبب الخروج من المضيق
تنبيه لو حزه شخص وقد انفصل بلا جناية وإن لم تكن حياته مستقرة أو بجناية وحياته مستقرة وجب عليه القصاص كما لو قتل مريضا مشرفا على الموت وإن كان بجناية وحياته غير مستقرة فالقائل له هو الجاني على أمه ولا شيء على الحاز إلا التعزير ولو خرج رأسه وصاح فحزه شخص لزمه القصاص لأنا تيقنا بالصياح حياته
( ولو ألقت ) أي امرأة بجناية عليها ( جنينين ) ميتين ( فغرتان ) تجبان فيهما أو ثلاثا فثلاثة وهكذا لأن الغرة متعلقة باسم الجنين فتتعدد بتعدده ولو ألقت ميتا وحيا واستمر ألم الحي حتى مات فغرة للأول ودية للثاني ولو اشترك جماعة في الإجهاض اشتركوا في الغرة كما في الدية ( أو ) ألقت ( يدا ) أو رجلا وماتت ( فغرة ) تجب لأن العلم قد حصل بوجود الجنين والغالب على الظن أن اليد بانت بالجناية وخرج بماتت ما لو عاشت ولم تلق جنينا فلا يجب إلا نصف غرة كما أن يد الحي لا يجب فيها إلا نصف دية ولا يضمن باقيه لأنا لم نتحقق تلفه
فروع لو ألقت بدنين ولو ملتصقين فغرتان إذ الواحد لا يكون له بدنان فالبدنان حقيقة يلتزمان رأسين فلو لم يكن إلا رأس فالمجموع بدن واحد حقيقة فلا تجب إلا غرة واحدة ولو ألقت ثلاثا أو أربعا من الأيدي أو الأرجل أو رأسين وجب غرة فقط لإمكان كونها لجنين واحد بعضها أصلي وبعضها زائد وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه أخبر بامرأة لها رأسان فنكحها بمائة دينار ونظر إليها وطلقها وظاهر أنه يجب للعضو الزائد حكومة ولو ألقت يدا ثم جنينا ميتا بلا يد قبل الاندمال وزال الألم من الأم فغرة لأن الظاهر أن اليد مبانة منه بالجناية أو حيا فمات من الجناية فدية ودخل فيها أرش اليد فإن عاش وشهد القوابل أو علم أنها يد من خلقت فيه الحياة فنصف دية لليد وإن لم يشهد القوابل بذلك ولم يعلم فنصف غرة لليد عملا باليقين أو ألقته بعد الاندمال وزال الألم أهدر الجنين لزوال الألم الحاصل بالجناية ووجب لليد الملقاة قبله إن خرج ميتا نصف غرة أو حيا أو مات أو عاش فنصف دية إن شهد القوابل أو علم أنها يد من خلقت فيه الحياة
وإن انفصل بعد إلقاء اليد ميتا كامل الأطراف بعد الاندمال فلا شيء فيه وفي اليد حكومة كما بحثه شيخنا أو قبل الاندمال ميتا فغرة فقط لاحتمال أن اليد التي ألقتها كانت زائدة لهذا الجنين وانمحق أثرها أو حيا ومات فدية لا غرة كما وقع في أصل الروضة وإن عاش فحكومة وتأخر اليد عن الجنين إلقاء كتقدم لذلك فيما ذكره ( وكذا لحم ) ألقته امرأة بجناية عليها يجب فيه غرة إذا ( قال القوابل ) وهن أهل الخبرة ( فيه صورة خفية ) على غيرهن فلا يعرفها سواهن لحذقهم
فائدة تظهر الصورة الخفية بوضعه في الماء الحار ويكفي تصور أصبع أو عين أو ظفر أو ما بان من خلف آدمي
( قيل أو لا ) صورة أي تجب الغرة أيضا في إلقاء لحم لا صورة فيه أصلا تعرفها القوابل ولكن ( قلن ) إنه ( لو بقي ) ذلك اللحم ( لتصور ) أي تخلق كما تنقضي به العدة والمذهب لا غرة كما لا تصير به أم ولد ومر إيضاح هذا في باب العدد
تنبيه أفهم تعبيره باللحم تصوير المسألة بالمضغة فلو ألقت علقة لم يجب فيها شيء قطعا كما لا تنقضي به العدة ( وهي ) أي الغرة الواجبة ( عبد أو أمة ) كما نطق به الخبر والخيرة في ذلك إلى الغارم ويجبر المستحق على قبولها من أي نوع كانت
تنبيه علم من ذلك أنه لا يلزم قبول الخنثى كما قاله الزركشي لأنه ليس بذكر ولا أنثى في الظاهر وأشار لوصف
____________________
(4/104)
الغرة بقوله ( مميز ) فلا يلزمه قبول غيره لأن الغرة هي الخيار كما مر وغير المميز ليس من الخيار لأنه يحتاج إلى من يكفله ولفظ الجنين وإن كان يشمل المميز وغيره يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصه لأن المقصود بالغرة جبر الخلل ولا جبر مع عدم التمييز
تنبيه قضية كلامه اعتبار التمييز من غير نظر إلى السن حتى لو ميز قبل السبع أجزأ وليس مرادا بل لا بد من هذا السن كما قاله البلقيني
قال وقد نص عليه في الأم ( سليم من عيب مبيع ) لأن المعيب ليس من الخيار
فإن قيل قد اكتفى في الكفارة بالمعيب إذا كان العيب لا يخل بالعمل فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الكفارة حق لله تعالى والغرة حق لآدمي وحقوق الله تعالى مبنية على المساهلة فإن رضي المستحق بالمعيب جاز لأن الحق له
تنبيه أفهم كلامه قبول الكافر لكن في الشرح والروضة أنه لا يجبر على قبول خصي وخنثى وكافر وجمع بينهما بأن ما في الشرح والروضة محمول بقرينة ما مر في البيع على كافر ببلد نقل فيه الرغبة أو على مرتد أو كافرة يمتنع وطؤها لتمجس ونحوه
وما هنا على غير ذلك وأفهم امتناع الحامل لجزمهم في كتاب البيع بأنه عيب في الجواري وبه صرح صاحب المعتمد فقال لا يلزمه قبول حامل ولا موطوءة لم يتحقق عدم حملها وما ذكره من عدم قبول الموطوءة التي لم يتحقق عدم حملها ممنوع فقد قال في البحر بقبولها هنا بخلاف الزكاة لأن الغالب من الدواب الحمل بخلاف بنات آدم ( والأصح قبول ) رقيق ( كبير ) من عبد أو أمة ( لم يعجز بهرم ) لأنه من الخيار ما لم تقص منافعه والثاني لا يقبل بعد عشرين سنة عبدا كان أو أمة لأن ثمنه ينقص حينئذ والثالث لا يقبل بعدها في الأمة وبعد خمس عشرة سنة في العبد وضعف الوجهان بأن نقصان الثمن يقابله زيادة المنفعة
أما العاجز بالهرم فلا يقبل لعدم استقلاله وضبطه سليم في المجرد بأن يبلغ إلى حد يصير في معنى الطفل الذي لا يستقل بنفسه
( ويشترط ) في الغرة ( بلوغها ) في القيمة ( نصف عشر دية ) من الأب المسلم وهو عشر دية الأم المسلمة ففي الحر المسلم رقيق قيمته خمسة أبعرة كما روي عن عمر و علي و زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم
قال الماوردي ولم يخالفهم فيه أحد فكان إجماعا ولأنها دية فكانت مقدرة كسائر الديات ولأن الجنين على أقل أحوال الإنسان فاعتبر فيه أقل ما قدره الشرع من الديات وهو دية الموضحة والسن ( فإن فقدت ) تلك الغرة حسا بأن لم توجد أو شرعا بأن وجدت بأكثر من ثمن مثلها ( فخمسة أبعرة ) بدلا عنها لأنها مقدرة بها عند وجودها فعند عدمها يؤخذ ما كانت مقدرة به ولأن الإبل هي الأصل في الديات فوجب الرجوع إليها عند فقد المنصوص عليه فإن فقدت الإبل وجب قيمتها كما في فقد إبل الدية فإن فقد بعضها وجبت قيمته مع الموجود ( وقيل لا يشترط ) بلوغها ما ذكر بل متى وجدت سليمة مميزة وجب قبولها وإن قلت قيمتها لإطلاق لفظ العبد والأمة في الخبر وعلى هذا الوجه المعبر عنه في الروضة بالقول ( فللفقد قيمتها ) أي الغرة بالغة ما بلغت كما لو غصب عبدا فمات
تنبيه الاعتياض عن الغرة لا يصح كالاعتياض عن الدية ( وهي ) أي الغرة ( لورثة الجنين ) على فرائض الله تعالى لأنها دية نفس ويقدر انفصاله حيا ثم موته ( و ) هي أي واجبة ( على عاقلة الجاني ) لحديث أبي هريرة المار ( وقيل إن تعمد ) الجناية بأن قصدها بما يلقي غالبا ( فعليه ) وهذا قد يفهم أن الجناية قد تكون عمدا محضا ومع ذلك يجب على العاقلة في الأصح وليس مرادا بل الخلاف مبني على تصور العمد في الجناية على الجنين والمذهب أنه لا يتصور وإنما يكون خطأ أو شبه عمد سواء أكانت الجناية على أمه خطأ أو عمدا أم شبه عمد لأنه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد بل قيل إنه لا يتصور فيه شبه العمد أيضا وهو قوي ولكن المنقول خلافه لأن حد شبه
____________________
(4/105)
العمد لا ينطبق عليه لأنه يعتبر فيه قصد الشخص كالعمد ومن هذا يؤخذ أنه لا يجب القصاص في الجنين إذا خرج حيا ومات لأن القصاص إنما يجب في العمد ولا يتصور العمد فيه
تنبيه يغلظ في شبه العمد على القول به فيؤخذ عند فقد الغرة حقة ونصف وجذعة ونصف خلقتان
قال الروياني وغيره وينبغي أن يغلظ في الغرة أيضا بأن تبلغ قيمتها نصف عشر الدية المغلظة واستحسناه
واقتصاره على العاقلة يقتضي تحمل عصبانه من النسب ثم الولاء ثم بيت المال على ما مر وبه صرح الإمام فإن لم يكن بيت المال ضربت على الجاني فإن لم تف العاقلة بالواجب وجب على الجاني الباقي
ثم شرع في حكم الجنين الكافر فقال ( والجنين اليهودي أو النصراني ) بالتبع لأبويه ( قيل كمسلم ) في الغرة ( وقيل ) هو ( هدر ) وهذان القولان مبنيان على أن الغرة غير مقدرة بالقيمة ( والأصح ) المنصوص بناء على أن الغرة مقدرة بنصف عشر دية الأب في الجنين المذكور ( غرة كثلث غرة مسلم ) كما في ديته وهو بعير وثلثا بعير وفي الجنين المجوسي ثلث خمس غرة مسلم كما في ديته وهو ثلث بعير وأما الجنين الحربي والجنين المرتد بالتبع لأبويهما فمهدران ثم شرع في حكم الجنين الرقيق فقال ( و ) الجنين ( الرقيق ) ذكرا كان أو غيره فيه ( عشر قيمة أمه ) قنة كانت أو مدبرة أو مكاتبة أو مستولدة قياسا على الجنين الحر فإن الغرة في الجنين معتبرة بعشر ما تضمن به الأم وإنما لم يعتبروا قيمته في نفسه لعدم ثبوت استقلاله بانفصاله ميتا واستثنى ما إذا كانت الأمة هي الجانية على نفسها فإنه لا يجب في جنينها المملوك للسيد شيء إذ لا يجب للسيد على رقيقه شيء وخرج بالرقيق المبعض وحكمه حكم الحر قاله المحامل في اللباب وينبغي أن توزع الغرة على الرق والحرية وتعتبر قيمة الأم ( يوم الجناية ) عليها لأنه وقت الوجوب ( وقيل ) يوم ( الإجهاض ) للجنين لأنه وقت استقرار الجناية
تنبيه إطلاق اعتبار يوم الجناية يقتضي أنه سواء كانت القيمة فيه أكثر من وقت الإجهاض أم أقل وبه صرح القاضي الحسين وغيره لكن الصحيح المنصوص كما في أصل الروضة أنا نعتبر قيمتها أكثر ما كانت من حين الجناية إلى الإجهاض هذا كله إذا انفصل ميتا كما علم من التعليل السابق فإن انفصل حيا ومات من أثر الجناية فإن فيه قيمته يوم الانفصال قطعا وإن نقصت عن عشر قيمة أمه كما نقله في البحر عن النص ويصرف ما ذكر في الرقيق ( لسيدها ) أي أم الجنين وعبارة المحرر والشرح للسيد أي سيد الجنين وهي أولى لأن الجنين قد يكون لشخص وصي له به وتكون الأم لآخر فالبدل لسيده لا لسيدها وقد يعتذر عن المصنف بأنه جرى على الغالب من أن الحمل المملوك لسيد الأم ( فإن كانت ) تلك الأم ( مقطوعة ) أطرافها ( والجنين سليم ) أطرافه ( قومت ) بتقديرها ( سليمة في الأصح ) لسلامته كما لو كانت كافرة والجنين مسلم فإنه يقدر فيها الإسلام وتقوم مسلمة وكذا لو كانت حرة والجنين رقيق فإنها تقدر رقيقة وصورته أن تكون الأمة لشخص والجنين لآخر بوصية فيعتقها مالكها والثاني لا تقدر سليمة لأن نقصان الأعضاء أمر خلقي وفي تقدير خلافه بعد
تنبيه كلام المصنف قد يوهم أنه لو كان الجنين مقطوعا والأم سليمة قومت الأم مقطوعة وليس مرادا بل تقوم سليمة أيضا في الأصح لأن نقصان الجنين قد يكون من أثر الجناية واللائق التغليظ على الجاني لا التخفيف فلو قال وعكسه لشمل هذه الصورة ( وتحمله ) أي العشر المذكور ( العاقلة ) أي عاقلة الجاني ( في الأظهر ) لما مر في الغرة وهذا قد علم من قوله سابقا في الفصل الثاني من هذا الباب وتحمل العاقلة العبد في الأظهر
تتمة سقط جنين ميت فادعى وارثه على إنسان أنه سقط بجنايته فأنكر صدق بيمينه وعلى المدعي البينة ولا يقبل إلا شهادة رجلين فإن أقر بالجناية وأنكر الإسقاط وقال القسط ملتقط فهو المصدق أيضا وعلى المدعي البينة
____________________
(4/106)
ويقبل فيها شهادة النساء لأن الإسقاط ولادة وإن أقر بالجناية والإسقاط وأنكر كون الإسقاط بسبب جناية نظر إن أسقطت عقب الجناية فهي المصدقة باليمين لأن الجناية سبب ظاهر وإن أسقطت بعد مدة من وقت الجناية صدق بيمينه لأن الظاهر معه إلا أن تقوم بينة أنها لم تزل متألمة حتى أسقطت ولا يقبل هنا إلا رجلان وضبط المتولي المدة المتخللة بما يزول فيها ألم الجناية وأثرها غالبا وإن اتفقا على سقوطه بجناية وقال الجاني سقط ميتا فالواجب الغرة وقال الوارث بل حيا ثم مات فالواجب الدية فعلى الوارث البينة بما يدعيه من استهلاك وغيره ويقبل فيه شهادة النساء لأن الاستهلال لا يطلع عليه غالبا إلا النساء ولو أقام كل بينة بما يدعيه فبينة الوارث أولى لأن معها زيادة علم
فصل في كفارة القتل التي هي من موجباته ( يجب بالقتل ) عمدا كان أو شبهه أو خطأ كما سيأتي ( كفارة ) لقوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } وقوله تعالى { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة }
وقوله تعالى { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } وخبر وائلة بن الأسقع قال أتينا النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل
فقال أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار رواه أبو داود وصححه الحاكم وغيره
وخرج بالقتل الأطراف والجروح فلا كفارة فيها لعدم وروده ولا يشترط في وجوب الكفارة تكليف بل تجب ( وإن كان القاتل صبيا أو مجنونا ) لأن الكفارة من باب الضمان فتجب في مالهما فيعتق الولي عنهما من مالهما ولا يصوم عنهما بحال
فإن صام الصبي المميز أجزأه
وألحق الشيخان به المجنون في هذا وهو محمول على أن صومه لا يبطل بطريان جنونه وإلا لم تتصور المسألة ولو أعتق الولي عنهما من مال نفسه فإن كان أبا أو جدا جاز وكأنه ملكه ثم ناب عنهما في الإعتاق
وإن كان قيما أو وصيا لم يجز حتى يقبل القاضي لهما التمليك كما في الروضة وأصلها هنا عن البغوي
وقالا في باب الصداق لو لزم الصبي الكفارة قتل لم يجز لوليه أن يعتق عنه من ماله ولا من مال نفسه لأنه يتضمن دخوله في ملكه وإعتاقه عنه
ولا يجوز إعتاق عبد الطفل
وكلام المتولي يقتضي أن المراد عتق التبرع
وعلى هذا فلا مخالفة بين كلامي الروضة كأصلها
تنبيه سكت المصنف كالروضة وأصلها عن حكم السفيه وذكرا في باب الحجر أنه في كفارة اليمين لا يكفر بالعتق بل بالصوم كالعبد وقد يوهم أن غيرها من الكفارات كذلك لكن صرح الصيمري بوجوب كفارة القتل في ماله وهو القياس وتجب الكفارة أيضا ولا يشترط في وجوبها الحرية بل تجب ( و ) إن كان القاتل ( عبدا ) كما يتعلق بقتله القصاص والضمان لكن يكفر بالصوم لعدم ملكه ( وذميا ) لالتزامه الأحكام ولا فرق بين أن يقتل مسلما وقلنا ينتقض عهده أولا ( أو ذميا ) ويتصور إعتاقه عبدا مسلما في صور منها أن يسلم في ملكه أو يرثه أو يقول لمسلم أعتق عبدك عن كفارتي فإنه يصح على الأصح وإن لم يتيسر له إعتاق عبد مسلم قال القاضي الحسين لا يكفر بالصوم لأنه ليس من أهله ولا يشترط في وجوبها الخطأ بل تجب ( و ) إن كان القاتل ( عامدا ) لحديث وائلة المار أول الفصل فإن فيه في صاحب لنا استوجب النار ولا يستوجب النار إلا في العمد ولأن الكفارة للجبر والعامد أحوج إليها ومثله شبه العمد ولو قال المصنف عامدا أو لا دخل شبه العمد واختار ابن المنذر أنها لا تجب في العمد
وهو قول أبي حنيفة و مالك وإحدى الروايتين عن أحمد لأنها عقوبة لا يدخلها قياس ( و ) أما إذا كان ( مخطئا ) فبالإجماع وللآية السابقة
تنبيه قضية إطلاقه أن من قتل شخصا بإذنه تجب عليه الكفارة وهو الأصح وإن اقتضى كلامه في باب القصاص عدم الوجوب لقوله هدر ويستثنى من إطلاقه الجلاد القاتل بأمر الإمام إذا جرى على يده قتل غير مستحق وهو جاهل به فإنه لا كفارة عليه كما جزم به في الروضة وأصلها في مسألة الاستيفاء من الحائل لأنه سيف الإمام وآلة سياسته ( و ) لا يشترط في وجوبها المباشرة بل تجب وإن كان القاتل ( متسببا ) كالمكره والآمر به
____________________
(4/107)
لمن لا يميز وشاهد الزور وحافر بئر عدوانا ولو حصل التردي بعد موت الحافر على الأصح لأن اسم القاتل يشمل الأمرين فشملتهما الآية وبالقياس على وجوب الدية
تنبيه الشرط كالسبب وإن حمل قوله متسببا على الأعم دخل الشرط في عبارته وتقدم أوائل كتاب الجراح الفرق بين الشرط والسبب والمباشرة وإنما تجب الكفارة على من ذكر ( بقتل مسلم ولو ) كان ( بدار حرب ) وإن لم يجب فيه القصاص ولا الدية للآية الثانية المتقدمة فقد مر فيها أن من قوم بمعنى في قوم كما قاله الشافعي تبعا لابن عباس رضي الله تعالى عنهم ولأن دار الحرب لا تهدر دمه وسبب العصمة وهو الإسلام قائم وسواء ظن كفره أو تترس به العدو أم لا ( و ) بقتل ( ذمي ) ومستأمن للآية الأخيرة فإن الذمة والعهد من المواثيق ( و ) بقتل ( جنين ) مضمون بالغرة أو غيرها لأنه آدمي معصوم وبذلك قضى عمر رضي الله عنه ( و ) بقتل ( عبد نفسه ) لعموم الآية وإن كانت القيمة لا تجب فيها عليه لأنها لو وجبت لوجبت له بخلاف الكفارة فإنها حق الله تعالى وإذا وجبت في عبد نفسه ففي عبد غيره أولى ( و ) بقتل ( نفسه ) لأنه قتل نفس معصومة فتجب فيه كفارة لحق الله تعالى فتخرج من تركته أما إذا لم تكن نفسه معصومة بأن كانت مهدرة فينبغي كما قال الزركشي أن لا تجب الكفارة ( وفي ) قتل ( نفسه وجه ) أنه لا يجب لها الكفارة كما لا يجب ضمانها بالمال و ( لا ) تجب الكفارة بقتل ( امرأة و ) لا بقتل ( صبي حربيين ) وإن كان يحرم قتلهما لأن المنع من قتلهما ليس لحرمتهما بل لمصلحة المسلمين لئلا يفوتهم الارتفاق بهما ( و ) لا يقتل مباح الدم كقتل ( باغ وصائل ) لأنهما لا يضمنان فأشبه الحربي ومرتد وزان محصن بالنسبة لغير المساوي وحربي ولو قتله مثله ( ومقتص منه ) بقتل المستحق له لأنه مباح الدم بالنسبة إليه
تنبيه لو قتله المستحق لبعضه كأن انفرد بعض الأولاد بقتل قاتل أبيهم فلا كفارة عليه قاله المتولي خلافا لابن الرفعة
وقال الزركشي إنه المتجه ويمكن الجمع بينهما بأن كلام المتولي عند إذن الباقين وكلام ابن الرفعة عند عدمه فإن قتله من لا استحقاق له في قتله فعليه الكفارة ( وعلى كل من الشركاء ) في القتل ( كفارة في الأصح ) المنصوص لأنه حق يتعلق بالقتل فلا يتبعض كالقصاص
فإن قيل هلا تبعضت كالدية
أجيب بأن الدية بدل عن النفس وهي واحدة والكفارة لتكفير القتل وكل واحد قاتل ولأن فيها معنى العبادة والعبادة الواجبة على الجماعة لا تتبعض والثاني على الجميع كفارة واحدة كقتل الصيد ( وهي ) أي كفارة القتل ( كظهار ) أي كصفة كفارته في الترتيب فيعتق أولا فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين للآية ( لكن لا إطعام ) فيها عند العجز عن الصوم ( في الأظهر ) اقتصارا على الوارد فيها إذ المنبع في الكفارات النص لا القياس ولم يذكر الله تعالى في كفارة القتل غير العتق والصيام فإن قيل لم لا حمل المطلق على المقيد في الظهار كما فعلوا في قيد الأيمان حيث اعتبروه ثم حملا على المقيد هنا أجيب بأن ذاك إلحاق في وصف وهذا إلحاق في أصل وأحد الأصلين لا يلحق بالآخر بدليل أن اليد المطلقة في التيمم حملت على المقيدة بالمرافق في الوضوء ولم يحمل إهمال الرأس والرجلين في التيمم على ذكرهما في الوضوء وعلى هذا لو مات قبل الصوم أطعم من تركته كفائت صوم رمضان والثاني يطعم ستين مسكينا كالظهار
تنبيه القول في صفة الرقبة والصيام والإطعام على القول به على ما سبق في كتاب الكفارة
خاتمة لا كفارة على من أصاب غيره بالعين واعترف أنه قتله بها وإن كانت العين حقا لأن ذلك لا يفضي إلى القتل غالبا ولا يعد مهلكا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الباب الذي يلي هذا
____________________
(4/108)
كتاب دعوى الدم أي القتل وعبر به للزومه له غالبا ( والقسامة ) وهي بفتح القاف اسم للأيمان التي تقسم على أولياء الدم
مأخوذة من القسم وهو اليمين وقيل اسم للأولياء وذكر في الباب أيضا الشهادة على الدم واستغنى عن الترجمة لها لأن الدعوى بالدم تستبع الشهادة واستفتح الباب في المحرر بحديث البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في القسامة وفي إسناده لين
وأول من قضى بها الوليد بن المغيرة في الجاهلية وأقرها الشارع في الإسلام
( ويشترط ) لكل دعوى بدم أو غيره كغصب أو سرقة وإتلاف ستة شروط أحدها أن تكون معلومة غالبا بأن ( يفصل ما يدعيه من عمد وخطأ ) وشبه عمد ( و ) من ( انفراد وشركة ) وعدد الشركاء في قتل يوجب الدية لاختلاف الأحكام بذلك
نعم إن قال أعلم أنهم لا يزيدون على عشرة مثلا سمعت دعواه وطالب بحصة المدعي عليه فإن كان واحدا طالبه بعشر الدية فإن أوجب القود لم يجب في الأصح بيان عدد الشركاء
تنبيه قال الماوردي يستثنى من وجوب التفصيل السحر فلو ادعى على ساحر أنه قتل أباه مثلا بسحره لم يفصل في الدعوى بل يسأل الساحر ويعمل بمقتضى بيانه وهذا هو الظاهر وإن قال في المطلب إطلاق غيره يخالفه ( فإن أطلق ) المدعي دعواه كقوله هذا قتل أبي ( استفصله القاضي ) ندبا عما ذكر لنصح بتفصيله دعواه وإن اقتضى كلام المصنف الوجوب فيقول له كيف قتله عمدا أم خطأ أم شبه عمد فإن عين نوعا منها سأل عن صفته لأنه نطق عن صفته العمد محضا ( وقيل ) لا يستفصل القاضي بل ( يعرض عنه ) لأنه ضرب من التلقين ومنع الأول كونه تلقينا بل التلقين أن يقول له قل قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد
وثانيها أن تكون ملزمة فلا تسمع دعوى هبة شيء أو بيعه أو إقراره به حتى يقول المدعي وقبضته بإذن الواهب ويلزم البائع أو المقر التسليم إلي
( و ) ثالثها ( أن يعين ) المدعي في دعواه المدعي عليه ) واحدا كان أو جمعا معينا كثلاثة حاضرين ( فلو قال قتله أحدهم ) فأنكروا طلب تحليفهم ( لا يحلفهم القاضي في الأصح ) للإبهام كما لو ادعى دينا على أحد رجلين
والثاني يحلفهم وجزم به الشيخان في مسقطات اللوث
قال الإسنوي وغيره وهو خلاف الصحيح فقد مر أول الباب أنه لو قال قتله أحد هؤلاء وطلب من القاضي تحليف كل واحد لم يجبه للإبهام وسبب ما وقع فيه الرافعي هنا أن الغزالي في الوجيز ذكره هنا كذلك وهو ممن يصحح سماع الدعوى على غير المعين نقله ذاهلا عما مر اه
وجمع شيخي بين الموضعين بأن ما في أول الباب عند عدم اللوث وهو ما جرى عليه المصنف هنا وما في مسقطات اللوث عند وجوب اللوث وعلى هذا فإن نكل واحد منهم عن اليمين فذلك لوث في حقه لأن نكوله يشعر بأنه القاتل فللولي أن يقسم عليه
فلو نكلوا كلهم عن اليمين أو قال عرفته فله تعيينه ويقسم عليه لأن اللوث حاصل في حقهم جميعا وقد يظهر بعد الاشتباه أن القاتل هو الذي عينه ولا يختص الوجهان المذكوران بدعوى الدم ( و ) حينئذ ( يجريان في دعوى غصب وسرقة وإتلاف ) ونحوها إذ السبب ليس لصاحب الحق فيه اختيار والمباشر له يقصد الكتمان فأشبه الدم
تنبيه ضابط محل الخلاف أن يكون سبب الدعوى ينفرد به المدعى عليه فيجهل تعيينه بخلاف دعوى البيع والقرض وسائر المعاملات لأنها لم تنشأ باختيار المتعاقدين وشأنها أن يضبط كل واحد منهما صاحبه
فرع لو نشأت الدعوى عن معاملة وكيله أو عبده المأذون وماتا أو صدرت عن مورثه قال البلقيني احتمل
____________________
(4/109)
إجراء الخلاف للمعنى واحتمل أن لا يجري لأن أصلها معلوم
قال ولم أر من تعرض لذلك اه
وإجراء الخلاف أوجه
( و ) رابعها ما تضمنه قوله ( إنما تسمع ) الدعوى ( من مكلف ) أي بالغ عاقل حالة الدعوى فلا تسمع دعوى صبي ولا مجنون ولا يضركونه صبيا أو مجنونا أو أجنبيا حالة القتل إذا كان بصفة الكمال عند الدعوى لأنه قد يعلم الحال بالتسامع ويمكنه أن يحلف في مظنة الحلف إذا عرف ما يحلف عليه بإقرار الجاني أو سماع كلام من يثق به كما لو اشترى عينا وقبضها فادعى رجل ملكها فله أن يحلف أنه لا يلزمه التسليم إليه اعتمادا على قول البائع
أفهم اشتراطه التكليف أن السكران المتعدي بسكره لا تصح دعواه فإنه عنده ليس بمكلف كما مر في الطلاق وإلا لاستثناه كما استثناه في الطلاق
ويجاب بأنه سكت عنه لما علم من هناك وأنه لا يشترط في المدعي الرشد فتصح دعوى السفيه كما صرح به في المحرر لكن لا يقول في الدعوى واستحق تسليم ذلك بل يقول تسليمه إلى ولي ( ملتزم ) فلا تسمع من حربي لأنه لا يستحق قصاصا ولا غيره قال في المهمات وما ذكره الشيخان من أن دعوى الحربي لا تسمع ذهول عن قواعد مذكورة في السير فقد نصوا هنا على أن الحربي لو دخل بأمان وأودع عندنا مالا ثم عاد للاستيطان لم ينقض الأمان فيه على الصحيح وذكر مسائل من ذلك ولهذا قال الزركشي إن الصواب حذف قيد الالتزام
ويجاب عن قول صاحب المهمات بأن ما هنا في حربي لا أمان له وما في السير في حربي له أمان فلا مخالفة وعن قول الزركشي بأن المراد بالملتزم من له أمان فيدخل المعاهدة فإنه لا توقف في سماع دعواه بماله الذي استحقه على مسلم أو ذمي أو مستأمن مثله ولا في دعواه دم مورثه الذمي أو المستأمن
وخامسها أن تكون الدعوى ( على ) مدعى عليه ( مثله ) أي المدعى عليه في كونه مكلفا فلا تصح الدعوى على صبي ومجنون بل أن توجه على الصبي أو المجنون حق مالي ادعى مستحقه على وليهما فإن لم يكن ولي حاضر فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب فلا تسمع إلا أن يكون هناك بينة ويحتاج معها إلى يمين الاستظهار كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب القضاء على الغائب فعلم من ذلك أن لا تنافي بين البابين فما هنا محله عند حضور وليهما وما هناك عند غيبته
تنبيه دخل في المكلف المحجور عليه بالسفه والفلس والرق فتسمع الدعوى عليهم فيما يصح إقرارهم به فتسمع الدعوى على المحجور عليه بالسفه بالقتل ثم إن كان هنا لوث سمعت مطلقا سواء أكان عمدا أم خطأ أم شبه عمد وإن لم يكن لوث فإن ادعى ما يوجب القصاص سمعت لأن إقراره مقبول وكذلك حد القذف فإن أقر أمضى حكمه وإن نكل حلف المدعى واقتص وإن ادعى خطأ أو شبه عمد لم تسمع إذ لا يقبل إقراره بالإتلاف وتسمع على كل من المحجور عليه بفلس أو رق فيما يقبل إقراره فيه وسيأتي إن شاء الله تعالى تحرير ذلك في الدعاوى وأما كونه ملتزما فليس في المحرر والشرحين والروضة هنا تعرض له وإنما فيها اشتراط التكليف خاصة
لكن إذا شرط الالتزام في المدعي ففي المدعى عليه أولى
قال الزركشي والظاهر أنه ليس بشرط هنا أيضا كما سبق انتهى
ويجاب عنه بما مر فتصح الدعوى على المستأمن وأما الحربي فإن لم يلزمه المدعى به لإتلافه في حال حرابته لم يسمع وإن أتلفه في حال التزامه سمعت وهو إذ ذاك ليس بحربي
( و ) سادسها أن لا تتناقض دعوى المدعى وحينئذ ( لو ادعى ) على شخص ( انفراده بالقتل ثم ادعى على آخر ) أنه شريكه أو منفرد ( لم تسمع ) الدعوى ( الثانية ) لما فيه من تكذيب الأولى ومناقضتها وسواء أقسم على الأولى ومضى الحكم فيه أم لا
تنبيه قد يفهم كلامه بقاء الدعوى الأولى بحالها وفيها تفصيل وهو أنه إن كان قبل الحكم بها لم يمكن من العود إليها كما جزم به في الروضة وأصلها لأن الثانية تكذبها
وإن كان بعده مكن من العود إليها إلا أن يصرح بأنه ليس بقاتل
ومحل عدم سماع الثانية ما إذا لم يصدقه الثاني فإن صدقه فهو مؤاخذة بإقراره وتسمع الدعوى عليه على الأصح في أصل الروضة لأن الحق لا يعدوهما
( أو ) ادعى ( عمدا ووصفه بغيره ) من خطأ أو شبه عمد وعكسه
____________________
(4/110)
بطل الوصف فقط و ( لم يبطل أصل الدعوى ) وهو دعوى القتل ( في الأظهر ) لأنه قد يظن ما ليس بعمد عمدا وعكسه وحينئذ يعتمد تفسيره ويمضي حكمه
والثاني يبطل لأن في دعوى العمد اعترافا ببراءة العاقلة
تنبيه ظاهر كلامه على الأول عدم احتياجه إلى تجديد دعوى لكن جزم بتجديدها ابن داود في شرح المختصر
ولما فرغ المصنف رحمه الله تعالى من شروط دعوى الدم شرع في المترتب عليها وهي القسامة معرضا لمحلها فقال ( وتثبت القسامة ) وسبق تفسيرها ( في القتل ) للنفس لا في غيره من جرح أو إتلاف مال كما سيأتي ويعتبر كون القتل ( بمحل ) أي مكان ( لوث ) بالمثلثة ( وهو ) أي اللوث لغة القوة
ويقال الضعف يقال لاث في كلامه أي تكلم بكلام ضعيف واصطلاحا ( قرينة ) حالية أو مقالية ( لصدق ) أي تدل على صدق ( المدعي ) بأن يغلب على الظن صدقه وفسر القرينة بقوله ( بأن ) أي كأن ( وجد قتيل ) أو بعضه كرأسه إذا تحقق موته ( في محلة ) منفصلة تلك المحلة عن بلد كبير كما في الروضة وأصلها ولا يعرف قاتله ولا بينة بقتله ( أو ) في ( قرية صغيرة لأعدائه ) سواء في ذلك العداوة الدينية والدنيوية إذا كانت تبعث على الانتقام بالقتل ولم يساكنهم في القرية غيرهم لاحتمال أن الغير قتله وهل يشترط أن لا يخالطهم غيرهم حتى لو كانت القرية على قارعة الطريق وكان يطرقها المسافرون والمجتازون فلا لوث أو لا يشترط وجهان أصحهما في الشرح والروضة الثاني لكن المصنف في شرح مسلم حكى الأول عن الشافعي وصوبه في المهمات وقال البلقيني أنه المذهب المعتمد والمراد على كلا القولين بغيرهم من لم تعلم صداقته للقتيل ولا كونه من أهله كما قاله ابن أبي عصرون
تنبيه قول المصنف لأعدائه يقتضي اعتبار عدواتهم للقتيل وليس بشرط بل يكفي أن يكونوا أعداء لقبيلته
فروع لو انفرد أهل المحلة أو القرية بحيث لا يدخلها غيرهم لم يشترط العداوة كما صرح به الغزالي في زوائده واستظهره ابن الرفعة والموجود بقرب القرية كمن هو فيها إذا لم يكن هناك عمارة أخرى ولا من يقيم بالصحراء
قال الأذرعي ويشبه اشتراط أن لا يكون هناك طريق جادة كثيرة الطارقين ولو وجد قتيل بين قريتين أو قبيلتين ولم يعرف بينه وبين إحداهما عداوة لم نجعل قربه من إحداهما لوثا كما نقله الرافعي عن المتولي وأقره ولو وجد بعض قتيل في محلة أعدائه وبعضه في أخرى لأعداء له آخرين فللولي أن يعين ويقسم وله أن يدعى عليهما ويقسم ( أو ) وجد قتيل ( تفرق عنه جمع ) كأن ازدحموا على بئر أو باب الكعبة ثم تفرقوا عن قتيل لقوة الظن أنهم قتلوه ولا يشترط هنا كونهم أعداء لكن يشترط أن يكونوا محصورين بحيث يتصور اجتماعهم على القتيل
قال وإلا لم تسمع الدعوى ولم يقسم فلو ادعى على عدد منهم يتصور اجتماعهم على القتيل قال الرافعي ينبغي أن تسمع ويمكن من القسامة قال الأذرعي وقد صرح الدارمي بمقتضى ما قاله الرافعي ونقله عن النص
ثم قال وقال ابن سريج لا يقبل لأن شرطه أن لا يخالطهم غيرهم فإذا أبرأ البعض خالطوهم اه
وهذا إنما يأتي على ما في شرح مسلم
وأما على ما في الروضة فلا تضر المخالطة
تنبيه لا يشترط في اللوث والقسامة ظهور دم ولا جرح لأن القتل يحصل بالخنق وعسر البيضة ونحوهما فإذا ظهر أثره قام مقام الدم فلو لم يوجد أثرا أصلا فلا قسامة على الصحيح في الروضة وأصلها وإن قال في المهمات إن المذهب المنصوص وقول الجمهور ثبوت القسامة ( ولو تقابل صفان لقتال ) واقتتلوا ( وانكشفوا عن قتيل ) من أحدهما طرى كما قاله بعض المتأخرين ( فإن التحم ) أي اختلط ( قتال ) من بعضهم لبعض أو لم يلتحم ولكن وصل سلاح أحدهما للآخر كما في الروضة وأصلها وكان كل منهما يلزمه ضمان ما أتلفه على الآخر كما قاله الفارقي ( فلوث في حق ) أهل ( الصف الآخر ) لأن الظاهر أن أهل صفه لا يقتلونه سواء أوجد بين الصفين أم في صف نفسه
____________________
(4/111)
أم في صف خصمه ( وإلا ) بأن لم يلتحم قتال ولا وصل سلاح أحدهما للآخر ( ف ) لوث ( في حق ) أهل صفه أي القتيل لأن الظاهر أنهم قتلوه ( وشهادة العدل ) الواحد ( لوث ) لحصول الظن بصدقه
قال في المطلب ولا بد من البيان فقد يظن ما ليس بلوث لوثا
تنبيه قضية كلامه اعتبار صيغة الشهادة عند حاكم بعد دعوى وليس مرادا ففي أصل الروضة سواء تقدمت شهادته على الدعوى أم تأخرت ذكره الرافعي بحثا وقال في لفظ الوجيز إشعار به وقال البلقيني إنه مقتضى كلام الشافعي والأصحاب لكن يشترط في شهادته البيان فقد يظن ما ليس بلوث لوثا
تنبيه إنما تكون شهادة العدل لوثا في القتل العمد الموجب للقصاص فإن كان في خطأ أو شبه عمد لم يكن لوثا بل يحلف معه يمينا واحدة ويستحق المال كما صرح به الماوردي وإن كان عمدا لا يوجب قصاصا كقتل المسلم الذمي فحكمه حكم قتل الخطأ في أصل المال لا في صفته ( وكذا عبيد أو نساء ) أي شهادتهم لوث لأن ذلك يفيد غلبة الظن
تنبيه تعبيره بالجمع يخرج الاثنين وليس مرادا فإن الذي في الشرح والروضة عن التهذيب أن شهادة عبدين أو امرأتين كشهادة الجمع بل في الوجيز أن القياس أن قول واحد منهم لوث وعليه مشى الحاوي الصغير ونقله في الذخائر عن اختيار الإمام وهو الظاهر وسواء في شهادة من ذكر جاءوا مجتمعين أو متفرقين ( وقيل يشترط تفرقهم ) لاحتمال التواطؤ حالة الاجتماع والأصح المنع كما اقتضاه كلامه وصرح بتصحيحه في أصل الروضة لأن احتمال التواطؤ كاحتمال الكذب في شهادة الواحد وقد حكى الرافعي في شهادتهم إذا جاءوا دفعة وجهين أشهرهما المنع وأقواهما أنه لوث واقتصر في الروضة على الأصح بدل الأقوى وهذا كله إذا شرطنا التعدد فإن لم نشرط فلا خلاف في أنه يكتفي بهم متفرقين ومجتمعين هذا فيمن تقبل روايته
وأما غيره فلا بد فيه من جمع كما قال ( وقول ) أي أخبار ( فسقة وصبيان وكفار لوث في الأصح ) لأن الغالب أن اتفاق الجمع على الإخبار عن الشيء كيف كان لا يكون إلا عن حقيقة
والثاني المنع إذ لا اعتبار بقولهم وصححه البلقيني
والثالث خص المنع بالكفار
تنبيه لا فرق على الأول بين أن يخيروا مجتمعين متفرقين على الخلاف المتقدم ويشترط في إخبارهم البيان كما مر ومن اللوث لهج الخاص والعام بأن فلانا قتل فلانا كما نقلاه عن البغوي وأقراه أو رئي في موضعه رجل يحرك من بعده يده كضارب بسيف أو وجد عنده رجل سلاحه ملطخ بدم أو على ثوبه أو بدنه أثره ما لم يكن قرينة تعارضه كأن وجد بقربه سبع أو رجل آخر مول ظهره أو غير مول كما في الأنوار لا يكون لوثا في حقه ومنه إخبار عدل أن فلانا قتله أحد هذين فللولي أن يدعي عليهما وله أن يعين أحدهما ويدعي عليه بخلاف ما لو أخبر أن فلانا قتل أحد هذين فلا يكون لوثا لأنه لا يقع في القلب صدق ولي أحدهما
ويؤخذ من هذه العلة أنه لو كان وليهما واحدا كان لوثا وبه صرح ابن يونس
قال ابن الرفعة ويقوي ما قاله ما لو كانت ديتها متساوية
قال الإسنوي ويؤيده ما لو عجز الشهود عن تعيين الموضحة فإنه يجب الأرش لأنه لا يختلف باختلاف محلها وقدرها بخلاف القصاص لتعذر الممائلة وما لو شهدا أنه قطع يد زيد ولم يعينا وكان زيد مقطوع اليدين فإن الدية تجب لا القصاص لما مر ولو كان مقطوع واحدة نزل على المقطوعة كما صوب المصنف الجزم به وقول المجروح جرحني فلان أو قتلني أو دمي عنده أو نحو ذلك ليس بلوث لأنه مدع فلا يعتمد قوله
وقد يكون بينه وبينه عداوة فيقصد إهلاكه
ثم شرع المصنف في مسقطات اللوث وهي متعددة ذكر منها ثلاثة أمور
الأول تكاذب الورثة كما ذكر ذلك بقوله ( ولو ظهر لوث ) في قتيل ( فقال أحد ابنيه ) مثلا ( قتله
____________________
(4/112)
فلان ) وظهر عليه لوث ( وكذبه الآخر ) فقال لم يقتله ( بطل اللوث ) لأن الله تعالى أجرى العادة بحرص القريب على التشفي من قاتل قريبه وأنه لا يبرئه فعارض هذا اللوث فسقطا فلا يحلف المدعي لانخرام ظن القتل بالتكذيب الدال على أنه لم يقتله
وفرقوا بينه وبين ما لو ادعى أحد وارثين دينا للمورث وأقام به شاهدا وكذبه الآخر حيث لا يمنع تكذيبه حف المدعي مع الشاهد بأن شهادة الشاهد حجة في نفسها وهي محققة وإن كذب الآخر واللوث ليس بحجة وإنما هو مثير للظن فيبطل بالتكذيب
قال البلقيني ومحله إذا لم يثبت اللوث بشهادة واحد في خطأ أو شبه عمد وإلا لم يبطل بتكذيب أحدهما قطعا وفيه كما قال ابن شهبة نظر فقد مر أن شهادة العدل إنما تكون لوثا في قتل العمد ( وفي قول لا ) يبطل حقه من اللوث ورجحه البلقيني كسائر الدعاوى لا يسقط حق المدعي بتكذيب أحد الوارثين
وعليه فيحلف المدعي خمسين يمينا ويأخذ حقه من الدية ( وقيل لا يبطل ) اللوث ( بتكذيب فاسق ) لأن قوله غير معتبر في الشرع والأصح المنصوص أنه لا فرق بينه وبين العدل لأن قبول الفاسق فيما يسقط حقه مقبول لانتفاء التهمة
فإن قيده الشافعي رضي الله تعالى عنه في المختصر بقوله وهو عدل
أجيب بأن مراده بالعدالة كونه من أهل القبول فلا يكون صغيرا ولا مجنونا
تنبيه محل الخلاف بالنسبة إلى المدعي أما بطلان اللوث بالنسبة إلى المكذب فلا خلاف فيه كما صرح به في البيان وغيره
قال البلقيني ومحله أيضا في المعين لا في أهل محلة ونحوهم ثبت في حقهم لوث فعين أحد الوارثين واحدا منهم وكذبه الآخر وعين غيره ولم يكذبه أخوه فيما قال فلا يبطل حق الذي كذب من الذي عينه قطعا لبقاء أصل اللوث وانخرامه إنما هو في ذلك المعين الذي تكاذبا فيه
وأفهم تصوير المصنف بالتكذيب أنه لو قال الآخر لا أعلم أنه قتله لا يبطل اللوث وهو كذلك قطعا كما قاله ابن الرفعة وإن سكت ولم يكذبه ولم يصدقه لم يبطل أيضا كما في المعتمد وغيره
( ولو ) لم يتكاذب ابنا القتيل مثلا بل ( قال أحدهما قتله زيد ومجهول ) عندي ( وقال الآخر ) قتله ( عمرو ومجهول ) عندي ( حلف كل ) منهما ( على من عينه ) منهما إذ لا تكاذب بينهما لاحتمال أن الذي أبهم ذكره هو الذي عينه الآخر وكذلك بالعكس ( وله ) أي لكل منهما ( ربع الدية ) لاعترافه بأن الواجب عليه نصفها وحصته منه نصفه ولو رجعا وقال كل منهما بان لي الذي أبهمته هو الذي عينه أخي فلكل أن يقسم على الآخر ويأخذ ربع الدية وهل يحلف كل منهما في المرة الثانية خمسين يمينا أو نصفها فيه خلاف ويؤخذ مما سيأتي ترجيح الثاني ولو قال المجهول غير من عينه أخي رد كل منهما ما أخذه لتكاذبهما ولكل منهما تحليف من عينه وإن قال ذلك أحدهما رد صاحبه وحده ما أخذه ولصاحبه أن يحلف من عينه ولو قال أحدهما قتله زيد وعمرو وقال الآخر بل زيد وحده أقسما على زيد لاتفاقهما عليه وطالباه بالنصف ولا يقسم الأول على عمرو لأن أخاه كذبه في الشركة وللأول تحليف عمرو فيما بطلت فيه القسامة وللثاني تحليف زيد فيه ثم شرع في الأمر الثاني من مسقطات اللوث وهو إنكار المدعي عليه المشاركة المذكورة بقوله ( ولو أنكر المدعي عليه اللوث في حقه فقال ) قبل أن يقسم المدعي ( لم أكن مع ) القوم ( المتفرقين عنه ) أي القتيل ( صدق بيمينه ) لأن الأصل براءة ذمته من القتل وعلى المدعي البينة على الأسارة التي يدعيها وهي عدلان كما ذكره القاضي الحسين فإن لم يكن بينة حلف المدعى عليه على نفيها وسقط اللوث ويبقى مجرد الدعوى
تنبيه لو قال كنت غائبا وقت القتل فعلى المدعى البينة فإن أقام كل بينة قدمت بينة الغيبة لزيادة علمها كما في التهذيب
قال في الروضة كأصلها هذا عند اتفاقهما على حضوره من قبل ولم يبينا الحكم عند عدم الاتفاق وحكمه التعارض
ثم شرع في الأمر الثالث من مسقطات اللوث وهو ظهور اللوث بأصل القتل بقوله ( ولو ظهر لوث ) في
____________________
(4/113)
قتيل لكن ( بأصل ) أي مطلق ( قتل دون ) تقييده بصفة ( عمد وخطأ ) وشبه عمد ( فلا قسامة ) حينئذ ( في الأصح ) لأن مطلق القتل لا يفيد مطالبته القاتل بل لا بد من ثبوت العمد ولا مطالبة العاقلة بل لا بد أن يثبت كونه خطأ أو شبه عمد والثاني نعم صيانة عن الإهدار ورجحه في المطلب وعلى هذا يحكم بالأخف حكما وهو الخطأ لأنه المحقق لكن تكون الدية في ماله لا على عاقلته
تنبيه أطلق المصنف الخلاف وتصويره مشكل فإن الدعوى لا تسمع إلا مفصلة كما سبق وجعله الرافعي فيما إذا ادعى الولي وفصل وظهرت الأمارة في أصل القتل دون صفته
قال وكذا إذا وقعت الدعوى مطلقة وجوزناه وظهر اللوث في مطلق القتل فيجيء فيه هذا الخلاف أيضا واعلم أن القسامة من خصيصة قتل النفس
( و ) حينئذ ( لا يقسم في ) ما دون النفس من قطع ( طرف ) على الصحيح ولو بلغ دية نفس وجرح ( وإتلاف مال ) بل القول في ذلك قول المدعى عليه بيمينه ولو قال هناك لوث لأن النص ورد في النفس لحرمتها فلا يتعدى إلى ما دونها كما اختصت بالكفارة
تنبيه كلام المصنف ناقص عن عبارة المحرر فإنه قال ولا قسامة في الجراحات وقطع الأطراف والأموال فأسقط المصنف الجراحات ولو قال ولا يقسم فيما دون النفس كما قدرته في كلامه لشملها وكان أخصر وعدم القسامة في المال مجزوم به وفي الأطراف على الصحيح كما قدرته في كلامه أيضا وإن أشعر كلامه بالتسوية بينهما
ثم استثنى من عدم القسامة في المال الرقيق فقال ( إلا في ) قتل ( عبد ) أو أمة مع لوث فيقسم السيد على من قتله من حر أو رقيق ( في الأظهر ) بناء على أن بدل الرقيق تحمله العاقلة ومنهم من قطع به لحرمة النفس كالقصاص والثاني لا قسامة فيه بناء على أن بدله لا تحمله العاقلة فهو ملحق بالبهائم
تنبيه جريان الخلاف لا فرق فيه بين كونه قنا أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد
ثم شرع في صفة القسامة بقوله ( وهي ) أي القسامة أن ( يحلف المدعي ) الوارث ابتداء ( على قتل ) النفس ولو ناقصة كامرأة وذمي ( ادعاه ) مع وجود اللوث ( خمسين يمينا ) لخبر الصحيحين عن سهل بن خثمة قال انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال له صلى الله عليه وسلم كبر كبر وهو أحدث القوم
فسكت فتكلما وأنكر اليهود القتل فقال صلى الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم وفي رواية يحلفون خمسين يمينا ويستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم
قالوا كيف نأخذ بقول كفار فعقله النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مخصص لخبر البيهقي البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه
وقيل إن الخمسين تسقط على الدية الكاملة فيحلف في المرأة خمسة وعشرين يمينا
وفي اليهودي والنصراني سبعة وعشرين
وصورة التعدد أن يأتي الحالف بالقسم خمسين مرة يأتي بعد كل مرة منها بما تقدم اشتراطه لا أنه يأتي به بعد تمامها لأن ذلك تكرير للقسم لا لليمين
ذكره في المطلب عن نص الشافعي وبمثله صرحوا في اللعان وهل يشترط أن يقول في اليمين وقتله وحده أو مع زيد أو عمدا أو خطأ أو شبه عمد أو لا وجهان أوجههما الثاني بل هو مستحب لأنه يذكر ذلك في دعواه
والحلف يتوجه إلى الصفة التي أحلفه الحاكم عليها
فيقول والله لقد قتل هذا
ويشير إليه إن كان حاضرا ويرفع في نسبه إن كان غائبا ويعرفه بما يمتاز به من قبيلة أو حرفة أو لقب
تنبيه احترز بقوله المدعي عن المدعى عليه فإنه لو حلف إما ابتداء حيث لا لوث أو عند نكول المدعى مع اللوث لا يسمى قسامة فإنها عندنا الأيمان التي يحلفها المدعي ولا بد أن يكون اليمين في جهة المدعي ابتداء حتى
____________________
(4/114)
لو كانت اليمين في جهة المدعى عليه ابتداء ثم ردها على المدعي وحلف لا يسمى قسامة أيضا كما قيدت به كلامه وقيدت المدعي أيضا بكونه وارثا احترازا عن صورة هي ما لو أوصى للمستولدة سيدها بقيمة عبد المقتول وهناك لوث ومات السيد فلها الدعوى على النص وليس لها أن تقسم في الأظهر وإنما الذي يقسم هو الوارث وقوله على قتل أورد عليه الجنين فإنه يقسم عليه ولا يسمى قتيلا إذ لم يتحقق حياته وأجيب بأن منعه التهيؤ للحياة في معنى القتل
وأورد عليه أيضا قد الملفوف فإنه يقسم فيه مع أنه لا يتحقق فيه حالة القتل حياة مستقرة
وأجيب بأن المراد تحقق الحياة المستقرة في الجملة وقد تحققت قبل ذلك ويندب للقاضي أن يحذر المدعي إذا أراد أن يحلف ويأمر بتقوى الله عز وجل ويقرأ عليه { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية ويعرفه إثم اليمين الفاجرة والقول في تغليظ اليمين زمانا ومكانا ولفظه فيه ما سبق في اللعان ومنه ما هو مؤخر إلى الدعوى والبينات
( ولا يشترط موالاتها ) أي الأيمان فلو حلفه القاضي خمسين يمينا في خمسين يوما صح ( على المذهب ) لأن الأيمان من جنس الحجج والحجج يجوز تفريقها كما لو شهد الشهود متفرقين وقيل يشترط لأن للموالاة أثرا في الزجر والردع وهذا هو الأشبه في اللعان وفرق الأول بينهما بأن اللعان أولى بالاحتياط لأنه تتعلق به العقوبة البدنية ويختل به النسب وتشيع الفاحشة ( ولو تخللها ) أي الأيمان ( جنون ) من الحالف ( أو إغماء ) منه ( بنى ) إذا أفاق على ما مضى ولا يجب الاستئناف
إما على عدم اشتراط الموالاة فظاهر وإما على اشتراطها فلقيام العذر وهذا بخلاف ما لو عزل القاضي أو مات في خلالها فإنه لا يبني بل يستأنف إلا إن عاد المعزول فيبني المدعي بناء على أن الحاكم يحكم بعلمه وإنما يستأنف فيما إذا ولي غيره تشبيها بما لو عزل القاضي أو مات بعد سماع البينة وقبل الحكم وبما لو أقام شاهدا واحدا وأراد أن يحلف معه فعزل القاضي وولى آخر لا بد من استئناف الدعوى والشهادة ( ولو مات ) الولي المقسم في أثناء الأيمان ( لم يبن وارثه ) بل يستأنف ( على الصحيح ) المنصوص لأن الأيمان كالحجة الواحدة ولا يجوز أن يستحق أحد شيئا بيمين غيره وليس كما لو أقام شطر البينة
ثم مات حيث يضم وارثه إليه الشطر الثاني ولا يستأنف لأن شهادة كل شاهد مستقلة بدليل أنه إذا انضمت اليمين إليها قد يحكم بهما بخلاف أيمان القسامة لا استقلال لبعضها بدليل أنه لو انضم إليه شهادة شاهد لا يحكم بهما والثاني يبني لأنا إذا كنا نبني يمين بعض الورثة في توزيع القسامة عليهم فبناء الوارث على يمين المورث أولى
أما إذا تمت أيمانه قبل موته فلا يستأنف وارثه بل يحكم به كما لو أقام بينة ثم مات
وأما وارث المدعى عليه فيبني على أيمانه إذا تخلل موته الأيمان وكذا يبني المدعى عليه لو عزل القاضي أو مات خلالها وولي غيره والفرق بين المدعي والمدعى عليه أن يمين المدعى عليه للنفي فتنفذ بنفسها ويمين المدعي للإثبات فيتوقف على حكم القاضي والقاضي الثاني لا يحكم بحجة أقيمت عند الأول
تنبيه عزل القاضي وموته بعد تمام الأيمان كهما في أثنائها في طرف المدعي وطرف المدعى عليه فيأتي فيه ما مر ( ولو كان للقتيل ورثة ) خاصة ثنان فأكثر ( وزعت ) أي الأيمان الخمسون عليهم ( بحسب الإرث ) لأن ما ثبت بأيمانهم يقسم بينهم على فرائض الله تعالى فوجب أن يكون اليمين كذلك وخرج بقولنا خاصة ما لو كان هناك وارث غير حائز وشريكه بيت المال فإن الأيمان لم توزع بل يحلف خمسين يمينا كما لو نكل بعض الورثة أو غاب يحلف الحاضر خمسين ففي زوجة وبنت تحلف الزوجة عشرا والبنت أربعين يجعل الأيمان بينهما أخماسا لأن سهامهما خمسة وللزوجة منها واحد ولا يثبت الباقي بذلك بل حكمه كمن مات بلا وارث وسيأتي حكمه
تنبيه قوله بحسب الإرث ليس فيه بيان أنه يحسب أسماء فرائضهم أو سهامهم وذلك يظهر أثره في العول كزوج وأم وأختين لأب وأختين لأم أصلها من ستة وتعول إلى عشرة فهل تقسم الأيمان بينهم على أصل الفريضة أو على الفريضة وعولها وجهان أصحهما كما في الحاوي والثاني فيحلف الزوج على هذا خمس عشرة وكل أخت
____________________
(4/115)
لأب عشرة وكل أخت لأم خمسة والأم خمسة وفي صور الجد مع الإخوة تقسم الأيمان كقسم المال وفي المعادة لا يحلف ولد الأب إن لم يأخذ شيئا وإن أخذ شيئا حلف بقدر حقه
وظاهر عبارته التوزيع بحسب الإرث المحكوم به ناجزا وليس مرادا وإنما هو بحسب الإرث المحتمل فإن كان الورثة ابنا وخنثى فلا توزع الخمسين بحسب الإرث الناجز بل يحلف الابن ثلثي الخمسين ويأخذ النصف ويحلف الخنثى نصف الخمسين ويأخذ الثلث ويوقف الباقي بينهما والضابط الاحتياط في الطرفين الحلف بالأكثر والأخذ بالأقل
( وجبر المنكسر ) إن لم تنقسم صحيحة لأن اليمين لا تتبعض ولا يجوز إسقاطه لئلا ينقص نصاب القسامة فلو كان ثلاثة بنين حلف كل منهم سبعة عشر أو تسعة وأربعين ححلف كل يمينين ( وفي قول ) مخرج ( يحلف كل ) منهم ( خمسين ) لأن العدد في القسامة كاليمين الواحدة في غيرها وأجاب الأول بأن اليمين الواحدة لا يمكن قسمتها بخلاف أيمان القسامة ( ولو نكل ) عن الأيمان ( أحدهما ) أي الوارثين ( حلف ) الوارث ( الآخر خمسين ) يمينا وأخذ حصته لأن الدية لا تستحق بأقل منها وما سبق من توزيع الأيمان مقيد بحضور الوارثين وكمالهم ( و ) حينئذ ( لو غاب ) أحدهما أو كان صبيا أو مجنونا ( حلف الآخر خمسين وأخذ حصته ) في الحال لأن الخمسين هي الحجة فلو كان الوارث ثلاث عصبات كإخوة أحدهم حاضر وأراد أن يحلف حلف خمسين يمينا وأخذ ثلث الدية فإذا حضر الثاني حلف خمسة وعشرين وأخذ الثلث فإذا حضر الثالث حلف سبعة عشر ويقاس بهذا غيره
قال الإسنوي وهذا إنما يتجه إذا قلنا أن تكذيب بعض الورثة لا يمنع القسامة
وهو رأي البغوي فإن قلنا يمنع وهو الصحيح تعين انتظار الغائب أي وكمال الناقص وقد يجاب بأنا تحققنا الاستحقاق
والأصل عدم المانع فإن وجد عمل بمقتضاه
ولو حلف الحاضر أو الكامل ثم مات الغائب أو الناقص وورثه الحالف لم يأخذ نصيبه إلا بعد أن يحلف حصته ولا يحسب ما مضى لأنه لم يكن مستحقا له حينئذ ولو تبين أن الغائب كان ميتا حال الحلف فينبغي كما قال ابن شهبة الاكتفاء بحلفه لأنه كان هو الوارث فأشبه ما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا ( وإلا ) أي وإن لم يحلف الحاضر أو الكامل ( صبر للغائب ) حتى يحضر وللصبي حتى يبلغ وللمجنون حتى يفيق فيحلف ما يخصه من الأيمان ثم ما سبق محله في الأيمان الصادرة من المدعي
أما الصادرة من المدعى عليه فأشار إليها بقوله ( والمذهب أن يمين ) الشخص ( المدعى عليه ) قتل ( بلا لوث ) خمسون ( و ) اليمين ( المردودة ) منه ( على المدعي ) بأن لم يكن لوث أو كان ونكل المدعي عن القسامة فردت على المدعى عليه فنكل فردت على المدعى مرة ثانية خمسون ( أو ) اليمين المردودة ( على المدعى عليه ) بسبب نكول المدعي ( مع لوث ) خمسون ( واليمين ) أيضا ( مع شاهد ) وقوله ( خمسون ) راجع للجميع كما تقرر لأنها فيما ذكر يمين دم حتى لو تعدد المدعى عليه حلف كل خمسين ولا توزع على الأكثر بخلاف تعدد المدعي والفرق أن كل واحد من المدعى عليهم ينفي عن نفسه القتل كما ينفيه من انفرد وكل من المدعين لا يثبت لنفسه ما يثبته الواحد أو انفرد بل يثبت بعض الإرث فيحلف بقدر الحصة والقول الثاني يحلف يمينا واحدة في الجميع لأن ذلك ليس مما ورد فيه النص بالخمسين
تنبيه كلامه مشعر بحكاية المذهب في كل من هذه المسائل ولم يحكه في الروضة إلا في الثالثة وحكى فيما عداها الخلاف قولين أظهرهما أن الحلف خمسون واعتذر عن المصنف بأن حكاية المذهب في مجموع المسائل بالنظر للثالثة
والأحسن في المردودة و اليمين نصبهما عطفا على اسم إن قبل استكمال خبرها ويجوز عند الكسائي الرفع وأطلق الشيخان تعدد اليمين مع الشاهد وينبغي أن يقيد بالعمد
أما قتل الخطأ وشبه العمد فيحلف مع الشاهد يمين واحدة كما مر عن تصريح الماوردي في الكلام على أن شهادة العدل لوث
( ويجب بالقسامة ) من المدعي
____________________
(4/116)
( في قتل الخطأ أو ) قتل ( شبه العمد دية على العاقلة ) مخففة في الأول مغلظة في الثاني لقيام الحجة بذلك كما لو قامت به بينة
فإن قيل كان المصنف مستغنيا عن هذا بما قدمه في فصل العاقلة
أجيب بأنه إنما ذكره هنا لئلا يتوهم أن القسامة ليست كالبينة في ذلك كما أنها ليست كالبينة في العمد فإنه لا يجب بها القصاص بل دية كما قال ( وفي ) قتل ( العمد ) دية حالة ( على المقسم عليه ) ولا قصاص في الجديد لخبر البخاري إما أن تدوا صاحبكم أو تأذنوا بحرب وأطلق صلى الله عليه وسلم إيجاب الدية ولم يفصل ولو صلحت الأيمان للقصاص لذكره ولأن القسامة حجة ضعيفة فلا توجب القصاص احتياطا لأمر الدماء كالشاهد واليمين ( وفي القديم ) عليه ( قصاص ) حيث يجب لو قامت بينة به لخبر الصحيحين أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم أي دم قاتل صاحبكم ولأنها حجة يثبت بها العمد بالاتفاق فيثبت بها القصاص كشهادة الرجلين
وأجاب في الجديد عن الحديث بأن التقدير بدل دم صاحبكم وعبر بالدم عن الدية لأنهم يأخذونها بسبب الدم وعن التعليل بانتقاضه بما إذا ثبتت السرقة برجل وامرأتين فإنه يثبت المال دون القطع واحترز عما لو حلف المدعي عند نكول المدعى عليه وكان القتل عمدا فإنه يثبت القود لأنها كالإفرار أو كالبينة والقود يثبت بكل منهما
( ولو ادعى ) قتلا ( عمدا بلوث ) أي معه ( على ثلاثة حضر أحدهم ) فإن اعترف بالقتل اقتص منه وإن أنكر ( أقسم عليه خمسين وأخذ ) منه ( ثلث الدية ) من ماله على الجديد وله أن يقتص منه على القديم ( فإن حضر آخر ) واعترف اقتص منه وإن أنكر ( أقسم عليه خمسين ) في الأظهر كالأول لأن الأيمان السابقة لم تتناوله وأخذ منه ثلث الدية ( وفي قول ) يقسم ( خمسا وعشرين ) كما لو حضرا معا وقوله ( إن لم يكن ذكره ) أي الغائب ( في الأيمان ) التي حلفها للحاضر قيد لا قسم للقول المرجوح كما توهمه عبارة المصنف ( وإلا ) بأن كان ذكره فيها ( فينبغي ) كما بحثه المحرر ( الاكتفاء بها ) ولا يحلف ( بناء على صحة القسامة في غيبة المدعى عليه وهو الأصح ) كإقامة البينة ووجه مقابله ضعف القسامة
تنبيه قضية كلام المصنف أن هذا التقييد منقول الأصحاب وليس مرادا وإنما هو بحث للرافعي كما قدرته وسكت عن حكم الثالث إذا حضر هو كالثاني فيما مر فيه ثم ذكر ضابط من يحلف في القسامة في قوله ( و ) كل ( من استحق بدل الدم ) من سيد أو وارث ( أقسم ) سواء كان مسلما أم كافرا عدلا أم فاسقا محجورا عليه أم غيره ( ولو ) هو ( مكاتب لقتل عبده ) لأنه المستحق لبدله ولا يقسم سيده بخلاف العبد المأذون له في التجارة إذا قتل العبد الذي تحت يده فإن السيد يقسم دون المأذون لأنه لا حق له ولو عجز المكاتب بعدما أقسم أخذ السيد القيمة كما لو مات الولي بعدما أقسم أو قبله وقبل نكوله حلف السيد أو بعده فلا لبطلان الحق بالنكول كما حكاه الإمام عن الأصحاب وما ذكره عن نص المختصر وجرى عليه الماوردي وغيره من أن السيد يحلف محمول على هذا التفصيل
تنبيه احترز بمن استحق الخ عما لو جرح شخص مسلما فارتد ومات فإنه لا يثبت لوليه القسامة لأنه لا يستحق بدلها بل هو فيء للمسلمين وبقولنامن سيد أو وارث من مسألة المستولدة السابقة وهي ما لو أوصى السيد لمستولدته بقيمة عبده المقتول فإن الوصية تصح فإذا مات السيد قبل القسامة فإن المستولدة تستحق القيمة ومع ذلك لا تقسم بل الوارث لأن العبد يوم القتل كان للسيد والقسامة من الحقوق المعلقة بالقتل فيرثها كسائر الحقوق وإذا ثبتت القيمة صرفها إلى المستولدة بموجب وصيته وتحقيق مراده كأنه يقضي دينه
____________________
(4/117)
( ومن ارتد ) بعد استحقاقه بدل الدم بأن يموت المجروح ثم يرتد وليه قبل أن يقسم ( فالأفضل ) وعبارة المحرر فالأولى ولو عبر به كان أولى ( تأخير أقسامه ليسلم ) لأنه لا يتورع في حال ردته عن الأيمان الكاذبة
فإذا عاد إلى الإسلام أقسم
أما إذا ارتد قبل موته ثم مات المجروح وهو مرتد فلا يقسم لأنه لا يرث بخلاف ما إذا قتل العبد وارتد سيده فإنه لا فرق بين أن يرتد قبل موت العبد أو بعده لأن استحقاقه بالملك لا بالإرث ( فإن أقسم في الردة صح ) إقسامه واستحق الدية ( على المذهب ) لأنه عليه الصلاة والسلام اعتد بأيمان اليهود فدل على أن يمين الكافر صحيحة والقسامة نوع اكتساب للمال فلا يمنع منه الردة كالاحتطاب
قال الرافعي وهو المشهور وعن المزني وحكى قولا مخرجا ومنصوصا أنه لا يصح
تنبيه محل الخلاف إذا مات أو قتل في الردة فإن عاد إلى الإسلام اعتد به قطعا ولو ارتد قبل موت المجروح وأسلم بعد موته لم يقسم لأنه ليس بوارث ( ومن لا وارث له ) خاص ( لا قسامة فيه ) وإن كان هناك لوث لعدم المستحق المعين لأن ديته لعامة المسلمين وتحليفهم غير ممكن لكن ينصب القاضي من يدعي على من نسب القتل إليه ويحلفه فإن نكل فهل يقضي عليه بالنكول أو لا وجهان جزم في الأنوار بالأول ومقتضى ما صححه الشيخان فيمن مات بلا وارث فادعى القاضي أو منصوبه دينا له على آخر فأنكر ونكل أنه لا يقضي له بالنكول بل يحبس ليحلف أو يقر ترجيح الثاني وهو أوجه
فصل فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة ( إنما يثبت موجب القصاص ) بكسر الجيم من قتل أو جرح ( بإقرار أو ) شهادة ( عدلين ) به لما سيأتي في الشهادات إن شاء الله تعالى
تنبيه ورد على حصره علم القاضي ونكول المدعى عليه وحلف المدعي فإنه يثبت بهما
وأجيب عن الثاني برجوعه إلى الإقرار أو البينة ويستثنى من إطلاقه السحر فإنه قد يوجب القصاص ومع ذلك لا يثبت بالبينة بل بالإقرار فقط كما سيأتي ( و ) إنما يثبت موجب ( المال ) من قتل أو جرح خطأ أو شبه عمد ( بذلك ) أي إقراره أو شهادة عدلين أو علم القاضي ( أو برجل وامرأتين أو ) برجل ( ويمين ) لا بامرأتين ويمين لما سيأتي في بابه فإن هذه المسائل من جملة ما يأتي في كتاب الشهادات ذكرت هنا تبعا للشافعي رضي الله تعالى عنه ويأتي ثم الكلام على صفات الشهود والمشهود به مستوفى وفي باب القضاء بيان أن القاضي يقضي بعلمه
تنبيه قوله والمال هو بالجر عطفا على القصاص وحينئذ يرد على حصره القسامة في محل اللوث فإن المال يثبت باليمين فقط والمراد باليمين في كلامه الجنسي لا الأفراد لما مر من تعدد اليمين مع الشاهد وإنما يثبت المال برجل وامرأتين إذا ادعى به عينا
فلو ادعى القصاص فشهد له رجل وامرأتان لم يثبت القصاص ولا الدية
فإن قيل لو أقام في السرقة رجلا وامرأتين ثبت الغرم لا القطع فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الشهادة بالسرقة توجبهما معا وإذا كانت البينة لا يثبت بها القطع بقي الغرم بخلاف الجناية فإنها توجب القود عينا أو أحدهما لا بعينه فلو أجبنا الدية في العمد أوجبنا فيه بخلاف مقتضى الجناية ( ولو عفا ) مستحق قصاص في جناية توجبه ( عن القصاص ليقبل للمال رجل وامرأتان ) أو رجل ويمين ( لم يقبل ) أي لم يحكم له بذلك ( في الأصح ) المنصوص لأن المال إنما يثبت بعد ثبوت القصاص ولم يثبت فينبغي أن يثبت القصاص ليعتبر العفو
والثاني يقبل وصححه الماوردي لأن القصد المال وعلى الأول لو أقام بينة بعد عفوه بالجناية المذكورة هل يثبت القصاص لأن العفو غير معتبر أو لا لأنه أسقط حقه لم أر من تعرض له والظاهر الأول
تنبيه محل الخلاف إن إنشأ الدعوى والشهادة بعد العفو أما لو ادعى العمد وأقام رجلا وامرأتين ثم عفا
____________________
(4/118)
عن القصاص على مال وقصد الحكم له بتلك الشهادة لم يحكم له بها قطعا لأنها غير مقبولة حين أقيمت فلم يجز العمل بها كما لو شهد صبي أو عبد بشيء ثم بلغ الصبي أو عتق العبد
( ولو شهد هو ) أي الرجل ( وهما ) أي المرأتان ( بهاشمة قبلها إيضاح لم يجب أرشها على المذهب ) المنصوص لأن الهشم المشتمل على الإيضاح جناية واحدة وإذا اشتملت الجناية على ما يوجب القصاص احتيط لها فلا يثبت إلا بحجة كاملة وفي قول يجب أرشها وهو مخرج من نص آخر فيما إذا رمى إلى زيد سهما فمرق منه إلى غيره أنه يثبت الخطأ الوارد على الثاني برجل وامرأتين وشاهد ويمين انتهى
والمذهب تقرير النصين والفرق أن الهشم المشتمل على الإيضاح جناية واحدة وفي مسألة مرور السهم حصل جنايتان لا تعلق لإحداهما بالأخرى ومن ذلك يعلم أن صورة مسألة الكتاب إذا كان ذلك من شخص واحد بجناية واحدة فإن كان من جنايتين أو من جان واحد في مرتين ثبت أرش الهاشمة بذلك كما نقله في أصل الروضة في الثانية عن بحث الإمام مع الرجل والمرأتين ومثله الرجل مع اليمين وتؤخذ الأولى من هذه بطريق الأولى فكلام الوسيط يقتضي القطع بما قاله الإمام
( وليصرح الشاهد بالمدعى ) به بفتح العين وجوبا ( فلو قال ) الشاهد ( ضربه ) أي المجني عليه ( بسيف فجرحه فمات لم يثبت ) هذا القتل المدعى به لاحتمال أن يكون مات بسبب آخر ( حتى يقول ) الشاهد ( فمات منه ) أي من جرحه ( أو فقتله ) أو أنهر دمه أو نحو ذلك كضربه فمات مكانه كما نقله الشيخان عن نص المختصر لينتفي الاحتمال المذكور ( ولو قال ) الشاهد ( ضرب ) الجاني ( رأسه ) أي المجني عليه ( فأدماه أو ) ضرب رأسه مثلا ( فأسال ) الضرب ( دمه ثبتت ) بذلك ( دامية ) عملا بقوله بخلاف ما لو قال فسال دمه لم تثبت لاحتمال حصول السيلان بسبب آخر ( ويشترط لموضحة ) أي في الشهادة بها أن يقول الشاهد ( ضربه فأوضح عظم رأسه ) لأنه لا شيء يحتمل بعده ( وقيل يكفي فأوضح رأسه ) من غير تصريح بإيضاح العظم وظاهر الروضة كأصلها الجزم به ونقله البلقيني عن نص الأم والمختصر وهو المعتمد لمفهوم المقصود بذلك عرفا ( ويجب ) على الشاهد ( بيان محلها ) أي الموضحة ( وقدرها ) بالمساحة أو بالإشارة إليها إذا كان على رأسه مواضح ( ليمكن ) فيها ( القصاص ) فإن لم يكن برأسه إلا موضحة واحدة وشهد الشاهد بأنه أوضح رأسه لم يثبت القصاص أيضا لجواز أنه كان على رأسه موضحة صغيرة فوسعها غير الجاني
تنبيه أفهم قوله ليمكن القصاص أنه بالنسبة لوجوب الدية فيه لا يحتاج إلى بيان وهو الأصح المنصوص
( ويثبت القتل بالسحر بإقرار به ) من الساحر فإن قال قتلته بسحري وهو يقتل غالبا فعمد فعليه القود وإن قال يقتل نادرا فشبه عمد وإن قال أخطأت من اسم غيره إلى اسمه فخطأ ويجب في هاتين الصورتين دية في مال الساحر لا على عاقلته لأن إقراره لا يلزمهم إلا أن تصدقه العاقلة فالدية عليهم فقوله في الوجيز والدية على العاقلة محمول على هذا والحمل على هذا أولى من قول الدميري إنه وهم أو سبق فلم ويثبت السحر أيضا باليمين المردودة كأن يدعي عليه القتل بالسحر فينكر وينكل عن اليمين فترد على المدعى بناء على الأصح من أنها كالإقرار وقد يقال إن هذه داخلة في عبارة المصنف ويحمل قوله بإقرار حقيقة أو حكما وإن قال إن سحره كفر قتل به إلا أن يتوب وينبغي كما قال بعض المتأخرين أن يستفسر إذ قد يظن ما ليس بكفر كفرا ولو قال آذيته بسحري ولم أمرضه نهي عنه فإن عاد عزر كذا قالاه ولو قيل بأنه يعزر على قوله الأول كما قال شيخنا لم يبعد وإن قال أمرضته به عزر فإن مرض به وتألم حتى مات كان لوثا إن قامت بينة بأنه تألم به حتى مات ثم يحلف الولي أنه مات بسحره ويأخذ الدية فإن ادعى الساحر برءه
____________________
(4/119)
من ذلك المرض واحتمل برؤه بأن مضت مدة يحتمل برؤه فيها صدق بيمينه وإن قال قتلت بسحري ولم يعين أحدا عزر لارتكابه محرما ولا قصاص عليه ولا حد لأن المستحق غير معين
تنبيه السحر لغة صرف الشيء عن وجهه يقال ما سحرك عن كذا أي صرفك عنه
واصطلاحا مزاولة النفوس الخبيثة لأفعال وأقوال يترتب عليها أمور خارقة للعادة واختلف فيه هل هو تخييل أو حقيقة قال بالأول المعتزلة واستدلوا بقوله { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } وقال بالثاني أهل السنة ويدل لذلك الكتاب والسنة الصحيحة والساحر قد يأتي بفعل أو قول يتغير به حال المسحور فيمرض ويموت منه وقد يكون ذلك بوصول شيء إلى بدنه من دخان أو غيره وقد يكون دونه ويفرق به بين الزوجين ويكفر معتقد إباحته فإن تعمده تعليما أو تعلما أو فعلا أثم فكل منها حرام لخوف الافتتان والإضرار بالناس خلافا لابن أبي هريرة في قوله يجوز تعلمه وتعليمه للوقوف عليه لا للعمل به بل إن احتيج فيها إلى تقديم اعتقاد مكفر كفر
قال إمام الحرمين ولا يظهر السحر إلا على فاسق ولا تظهر الكرامة على فاسق وليس ذلك بمقتضى العقل بل مستفاد من إجماع الأمة
و ( لا ) يثبت السحر ( ببينة ) لأن الشاهد لا يعلم قصد الساحر ولا يشاهد تأثير سحره
تنبيه قد يفهم كلام المصنف أنه لا مدخل للبينة في ذلك أصلا
لكن في الكفاية أن ما ينشأ عن ذلك السحر يثبت بالبينة أيضا كما لو قال سحرته بنوع كذا فشهد عدلان كانا ساحرين ثم تابا بأن هذا النوع يقتل غالبا أو نادرا فيثبت بما يشهدان به
فائدة لم يبلغ أحد من السحر إلى الغاية التي وصل إليها القبط أيام دلوكا ملكة مصر بعد فرعون فإنهم وضعوا السحر على البرابي وصوروا فيها صور عساكر الدنيا أي عسكر قصدهم أتوا إلى ذلك العسكر المصور فما فعلوه به من قلع الأعين وقطع الأعضاء اتفق نظيره للعسكر العامد لهم فيخاف منهم العساكر وأقاموا ستمائة سنة بمصر بعد غرق فرعون وجنوده تهابهم الملوك والأمراء
قال الدميري حكاه القرافي وغيره
وذهب قوم إلى أن الساحر يقلب بسحره الأعيان ويجعل الإنسان حمارا بحسب قوة السحر
قال الدميري وهذا واضح البطلان لأنه لو قدر على هذا لقدر أن يرد بنفسه إلى الشباب بعد الهرم
وأن يمنع نفسه من الموت
ومن جملة أنواعه السيمياء وأما الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل والحصى والشعير والشعبذة فحرام تعليما وتعلما وفعلا وكذا إعطاء العوض أو أخذه عنها بالنص الصحيح في حلوان الكاهن والباقي بمعناه والكاهن من يخبر بواسطة النجم عن المغيبات في المستقبل بخلاف العراف فإنه الذي يخبر عن المغيبات الواقعة كعين السارق ومكان المسروق والضالة
قال في الروضة ولا يغتر بجهالة من يتعاطى الرمل وإن نسب إلى علم
وأما الحديث الصحيح كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك فمعناه من علمتم موافقته له فلا بأس ونحن لا نعلم الموافقة فلا يجوز لنا ذلك
فرع لو اعترف شخص بقتله إنسانا بالعين فلا ضمان ولا كفارة وإن كانت العين حقا لخبر مسلم العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين لأنها لا تفضي إلى القتل غالبا ويسن للعائن أن يدعو للمعين بفتح الميم بالمأثور وهو اللهم بارك فيه ولا تضره وأن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله
قال في الروضة وأن يغسل داخل إزاره مما يلي الجلد بماء وعبارة ابن المقري وأن يغسل جلده مما يلي إزاره بماء ثم يصب على المعين
قيل وينبغي للسلطان منع من عرف بذلك من مخالطة الناس ويأمره بلزوم بيته ويرزقه ما يكفيه إن كان فقيرا فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر رضي الله تعالى عنه من مخالطة الناس
وذكر القاضي حسين أن نبيا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام استكثر قومه ذات يوم فأمات الله منهم مائة ألف في ليلة واحدة فلما أصبح شكا إلى الله تعالى ذلك فقال الله تعالى إنك استكثرتهم فأعنتهم فهلا حصنتهم حين استكثرتهم فقال يا رب كيف أحصنهم فقال تعالى تقول حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنكم السوء بألف لا حول ولا قوة إلا بالله
قال القاضي
____________________
(4/120)
وهكذا السنة في الرجل إذا رأى عينه سليمة وأحواله معتدلة يقول في نفسه ذلك وكان القاضي يحصن تلامذته بذلك إذا استكثرهم
وذكر الإمام فخر الدين في بعض كتبه إن العين تؤثر ممن له نفس شريفة لأنها استعظام الشيء وما رواه القاضي عن بعض الأنبياء يرد ذلك
قال الزركشي وسكتوا عن القتل بالحال ولم أر فيه نقلا وأفتى بعض المتأخرين بأنه يقتل إذا قتل به لأن له فيه اختيارا كالساحر والصواب أنه لا يقتل به ولا بالدعاء عليه كما نقل ذلك عن جماعة من السلف
قال مهدي بن ميمون حدثنا غيلان بن جرير أن مطرف بن عبد الله بن الشخير كان بينه وبين رجل كلام فكذب عليه فقال مطرف اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر ميتا فرفع ذلك إلى زياد فقال قتلت الرجل فقال لا ولكنها دعوة وافقت أجلا
( ولو شهد لمورثه بجرح قبل الاندمال لم تقبل ) للتهمة لأنه لو مات مورثه كان الأرش له فكأنه شهد لنفسه
قال أبو علي الفارقي إلا أن يكون على المجروح دين يستغرق تركته فتقبل شهادته لأنه لا يجر بذلك لنفسه نفعا
وتبعه على ذلك تلميذه أبو سعيد بن أبي عصرون
قال الإسنوي وفيه نظر لأن الدين لا يمنع الإرث وربما يبرأ منه
وقال الأذرعي فيه وقفة وتقوى فيما إذا كانت الديون لا يتصور الإبراء منها كالزكوات والوقوف العامة أو كانت لطفل أو مجنون اه
والظاهر إطلاق كلام الأصحاب لأن التهمة موجودة لاحتمال ظهور مال لمورثه مخفيا
قال الرافعي وشهادتهم بتزكية الشهود كشهادتهم بالجرح
تنبيه أطلق الشيخان الجرح وقيده الإمام بجرح يمكن أن يفضي إلى الهلاك وكلام المصنف قد يوهم اعتبار الإرث حالة الشهادة حتى لو كان محجوبا ثم زال المانع يقبل والمذهب أنه لو مات قبل الحكم بشهادتهما بطلت أو بعده فلا ( وبعده ) أي الاندمال ( يقبل ) جزما لانتفاء التهمة حينئذ
تنبيه أطلق المصنف المورث وهو مقيد بغير أصله وفرعه كما يعلم من باب الشهادات لأن شهادتهما لا تقبل مطلقا للبعضية
( وكذا ) لو شهد لمورثه ( بمال في مرض موته ) تقبل ( في الأصح ) عند الأكثرين لما مر والثاني لا تقبل كالجرح وفرق الفارقي بينهما بأنهما إذا شهدا بالمال لم يحصل لهما نفع حال وجوبه لأن الملك يحصل للمشهود له وينفذ تصرفه فيه في ملاذه وشهواته وإذا شهدا له بالجراحة كان النفع حال الوجوب لهما لأن الدية قبل الموت لم تجب وبعده تجب لهما وفرق الرافعي بأن الجرح سبب الموت الناقل للحق فإذا شهد بالجرح فكأنه شهد بالسبب الذي ثبت به الحق وههنا بخلافه ( ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود قتل ) أو قطع طرف خطأ أو شبه عمد ( يحملونه ) وقت الشهادة لأنهم يدفعون عن أنفسهم الغرم فإن كانوا لا يحملونها وقت الشهادة نظرت فإن كانوا من فقراء العاقلة فالنص ردها أيضا أو من أباعدهم وفي الأقربين وفاء بالواجب فالنص قبولها
والفرق أن المال غاد ورائح والغني غير مستبعد فتحصل التهمة وموت القريب كالمستبعد في الاعتقاد فلا تتحقق التهمة بمثله واحترز المصنف بقوله قتل يحملونه عما لو شهدوا بفسق بينة القتل العمد وبينة الإقرار بالقتل فإنها مقبولة لعدم التهمة إذ لا تحمل
تنبيه لو قال ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود ما تحمله ليدخل ما قدرته في كلامه لكان أولى
واعلم أنه يشترط في الشهادة السلامة من التكاذب
( و ) حينئذ ( لو شهد اثنان على اثنين بقتله ) أي شخص ( فشهدا ) أي المشهود عليهما مبادرة ( على الأولين ) أو غيرهما ( بقتله فإن صدق الولي الأولين حكم بهما ) لسلامة شهادتهما عن التهمة وسقطت شهادة الآخرين لأنهما يدفعان بشهادتهما عن أنفسهما القتل الذي شهد به الأولان والدافع متهم في شهادته
تنبيه قضية كلامه أن الأولين إنما يحكم بشهادتهما إذا صدقهما الولي وليس مرادا بل يشترط عدم
____________________
(4/121)