كتاب فتح المعين 1
____________________(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الفتّاحِ، الجواد المعين على التفقه في الدين من اختاره من العباد. وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تدخلنا دار الخلود. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب المقام المحمود صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه الأمجاد، صلاة وسلاما أفوز بهما يوم المعاد.
(وبعد): فهذا شرح مفيد على كتابي المسمى ب"قرة العين بمهمات الدين"، يبين المراد ويتمم المفاد ويحصل المقاصد ويبرز الفوائد، وسميته ب"فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين"، وأنا أسأل الله الكريم المنان أن يعم الإنتفاع به للخاصة والعامة من الإخوان، وأن يسكنني به الفردوس في دار الأمان، إنه أكرم كريم وأرحم رحيم.
(بسم الله الرحمن الرحيم) أي أؤلف. والاسم مشتق من السمو، وهو العلو، لا من الوسم، وهو العلامة. والله علم للذات الواجب الوجود، وأصله إله، وهو اسم جنس لكل معبود، ثم عرّف بأل وحذفت الهمزة ثم استعمل في المعبود بحق. وهو الاسم الأعظم عند الأكثر، ولم يسم به غيره ولو تعنتا. والرحمن الرحيم صفتان بنيتا للمبالغة من رحم. والرحمن أبلغ من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، ولقولهم: "رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الآخرة".
الحمد لله الذي هدانا) أي دلنا (لهذا) التأليف (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) إليه. والحمد هو الوصف بالجميل (والصلاة) وهي من الله الرحمة المقرونة بالتعظيم (والسلام) أي التسليم من كل آفة ونقصٍ (على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) لكافة الثقلين، الجن والإنس إجماعاً، وكذا الملائكة على ما قاله جمعٌ محققون. ومحمدٌ علَمٌ منقول من اسم المفعول المضعف، موضوعٌ لمن كثرت خصاله الحميدة، سمي به نبينا صلى الله عليه وسلم بإلهامٍ من الله لجده. والرسول من البشر ذكر حُرٌّ أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه، وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ، كيوشع عليه السلام، فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي. والرسول أفضل من النبي إجماعا. وصح خبر أن عدد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وأن عدد الرسل ثلاثمائة وخمس عشر. (وعلى آله) أي أقاربه المؤمنين من بنى هاشم والمطلب، وقيل: هم كل مؤمن أي في مقام الدعاء ونحوه، واخْتِيْر لخبر ضعيف فيه، وجزم به النووي به النووي في شرح مسلم. (وصحبه) وهو اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ولو أعمى وغير مميز ( الفائزين برضاالله) تعالى، صفة لمن ذكر.
وبعد): أي بعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر (فهذا) المؤلف الحاضر ذهنا (مختصر) قل لفظه وكثر معناه من الإختصار (في الفقه) هو: لغة الفهم واصطلاحا العلم بالأحكام الشرعية العمليّة المكتسبُ من أدلتها التفصيلية. واستمداده: من الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وفائدته: امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه (على مذهب الإمام) المجتهد أبي عبد الله محمد بن إدريس (الشافعي رحمه الله تعالى) ورضي عنه. أي ما ذهب إليه من الأحكام في المسائل. وإدريس والده هو اب عباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. وشافع هو الذي ينسب إليه الإمام. وأسلم هو وأبوه السائب يوم بدر. وولد إمامنا رضي الله عنه سنة خمسين ومائة، وتوفي يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين. (وسميته بقرة العين ب) بيان (مهمات) أحكام (الدين) انتخبته وهذا الشرحَ من الكتب المعتمدة لشيخنا خاتمة المحققين شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي، وبقيةِ المجتهدين، مثلُ وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد الزبيدي رضي الله عنهما، وشَيْخَيْ مشايخنا شيخ الإسلام المجدد زكريا الأنصاري، والإمام الأمجد أحمد المزجّد الزبيدي رحمهما الله تعالى وغيرَهم من محققى المتأخرين، معتمدا على ما جزم به شيخا المذهب النووي والرافعي، فمحققوا المتأخرين رضي الله عنهم (راجيا من) ربنا ( الرحمن أن ينتفع به الأذكياء) أي العقلاء (وأن تَقِرّ بهِ) أي بسببه (عيني غدًا) أي اليوم الآخر (بالنظر إلى وجهه الكريم بُكْرَةً وَعَشِيًّا) آمين.
باب الصلاة ........
هي شرعا أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم
وسميت بذلك لاشتمالها على الصلاة لغة وهي الدعاء
والمفروضات العينية خمس في كل يوم وليلة معلومة من الدين بالضرورة فيكفر جاحدها
ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفرضت ليلة الإسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب ولم تجب صبح يوم تلك الليلة لعدم العلم بكيفيتها
( إنما تجب المكتوبة ) أي الصلوات الخمس ( على ) كل ( مسلم مكلف ) أي بالغ عاقل ذكر أو غيره ( طاهر ) فلا تجب على كافر أصلي وصبي ومجنون ومغمى عليه وسكران
____________________(1/21)
بلا تعد لعدم تكليفهم ولا على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما ولا قضاء عليهما
بل تجب على مرتد ومتعد بسكر ( ويقتل ) أي ( المسلم ) المكلف الطاهر حدا بضرب عنقه ( إن أخرجها ) أي المكتوبة عامدا ( عن وقت جمع ) لها إن كان كسلا مع اعتقاد وجوبها ( إن لم يتب ) بعد الاستتابة
____________________
(1/22)
وعلى ندب الاستتابة لا يضمن من قتله قبل التوبة لكنه يأثم
ويقتل كفرا إن تركها جاحدا وجوبها فلا يغسل ولا يصلى عليه
( ويبادر ) من مر ( بفائت ) وجوبا إن فات بلا عذر فيلزمه القضاء فورا
قال شيخنا أحمد بن حجر رحمه الله تعالى والذي يظهر أنه يلزمه صرف جميع زمنه للقضاء ما عدا ما يحتاج لصرفه فيما لا بد منه وأنه يحرم عليه التطوع ويبادر به ندبا إن فات بعذر كنوم لم يتعد به ونسيان كذلك
( ويسن ترتيبه ) أي الفائت فيقضي الصبح قبل الظهر وهكذا
( وتقديمه على حاضرة لا يخاف فوتها ) إن فات بعذر وإن خشي فوت جماعتها على المعتمد
وإذا فات بلا عذر فيجب تقديمه عليها
أما إذا خاف فوت الحاضرة بأن يقع بعضها وإن قل خارج الوقت فيلزمه البدء بها
ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر
____________________
(1/23)
وإن فقد الترتيب لأنه سنة والبدار واجب
ويندب تأخير الرواتب عن الفوائت بعذر ويجب تأخيرها عن الفوائت بغير عذر
( تنبيه ) من مات وعليه صلاة فرض لم تقض ولم تفد عنه وفي قول أنها تفعل عنه أوصى بها أم لا حكاه العبادي عن الشافعي لخبر فيه وفعل به السبكي عن بعض أقاربه
( ويؤمر ) ذو صبا ذكر أو انثى ( مميز ) بأن صار يأكل ويشرب ويستنجي وحده
أي يجب على كل من أبويه وإن علا ثم الوصي
وعلى مالك الرقيق أن يأمر ( بها ) أي الصلاة ولو قضاء وبجميع شروطها ( لسبع ) أي بعد سبع من السنين أي عند تمامها وإن ميز قبلها
وينبغي مع صيغة الأمر التهديد
( ويضرب ) ضربا غير مبرح وجوبا ممن ذكر ( عليها ) أي على تركها ولو قضاء أو ترك شرطا من شروطها ( لعشر ) أي بعد استكمالها للحديث الصحيح مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها
( كصوم أطاقه ) فإنه يؤمر به لسبع ويضرب عليه لعشر كالصلاة
وحكمة ذلك التمرين على العبادة ليتعودها فلا يتركها
وبحث الأذرعي في
____________________
(1/24)
قن صغير كافر نطق بالشهادتين أنه يؤمر ندبا بالصلاة والصوم يحث عليهما من غير ضرب ليألف الخير بعد بلوغه وإن أبى القياس ذلك
انتهى
ويجب أيضا على من مر نهيه عن المحرمات وتعليمه الواجبات ونحوها من سائر الشرائع الظاهرة ولو سنة كسواك وأمره بذلك
ولا ينتهي وجوب ما مر على من مر إلا ببلوغه رشيدا وأجرة تعليمه ذلك كالقرآن والآداب في ماله ثم على أبيه ثم على أمه
( تنبيه ) ذكر السمعاني في زوجة صغيرة ذات أبوين أن وجوب ما مر عليهما فالزوج وقضيته وجوب ضربها
وبه ولو في الكبيرة صرح جمال الإسلام البزري
قال شيخنا وهو ظاهر إن لم يخش نشوزا
وأطلق الزركشي الندب
( وأول واجب ) حتى على الأمر بالصلاة كما قالوا ( على الآباء ) ثم على مر من ( تعليمه ) أي المميز ( أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بعث بمكة ) وولد بها ( ودفن بالمدينة ) ومات بها
____________________
(1/25)
فصل في شروط الصلاة
الشرط ما يتوقف عليه صحة الصلاة وليس منها
وقدمت الشروط على الأركان لأنها أولى بالتقديم
____________________
(1/26)
إذ الشرط ما يجب تقديمه على الصلاة واستمراره فيها
( شروط الصلاة خمسة أحدها طهارة عن حدث وجنابة الطهارة لغة ) النظافة والخلوص من الدنس
وشرعا رفع المنع المترتب على الحدث أو النجس
( فالأولى ) أي الطهارة عن الحدث ( الوضوء ) هو بضم الواو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بنية
وبفتحها ما يتوضأ به
وكان ابتداء وجوبه مع ابتداء وجوب المكتوبة ليلة الإسراء
( وشروطه ) أي الوضوء كشروط الغسل خمسة
أحدها ( ماء مطلق ) فلا يرفع الحدث ولا يزيل النجس ولا يحصل سائر الطهارة ولو مسنونة إلا الماء المطلق وهو ما يقع عليه اسم الماء بلا قيد وإن رشح من بخار الماء الطهور المغلى أو استهلك فيه الخليط أو قيد بموافقة الواقع كماء البحر
بخلاف ما لا يذكر إلا مقيدا كماء الورد ( غير مستعمل في ) فرض طهارة من ( رفع حدث ) أصغر أو أكبر ولو من طهر حنفي لم ينو أو صبي لم يميز لطواف
( و ) إزالة ( نجس )
____________________
(1/27)
ولو معفوا عنه
( قليلا ) أي حال كون المستعمل قليلا أي دون القلتين
فإن جمع المستعمل فبلغ قلتين فمطهر كما لو جمع المتنجس فبلغ قلتين ولم يتغير وإن قل بعد بتفريقه
فعلم أن الاستعمال لا يثبت إلا مع قلة الماء أي وبعد فصله عن المحل المستعمل ولو حكما كأن جاوز منكب المتوضىء أو ركبته وإن عاد لمحله أو انتقل من يد لأخرى
نعم لا يضر في المحدث انفصال الماء من الكف إلى الساعد ولا في الجنب انفصاله من الرأس إلى نحو الصدر مما يغلب فيه التقاذف
( فرع ) لو أدخل المتوضىء يده بقصد الغسل عن الحدث أولا بقصد بعد نية الجنب أو تثليث وجه المحدث أو بعد الغسلة الأولى إن قصد الاقتصار عليها بلا نية اغتراف ولا قصد أخذ الماء لغرض آخر
____________________
(1/28)
صار مستعملا بالنسبة لغير يده فله أن يغسل بما فيها باقي ساعدها
( و ) غير ( متغير ) تغيرا ( كثيرا ) بحيث يمنع إطلاق اسم الماء عليه بأن تغير أحد صفاته من طعم أو لون أو ريح ولو تقديريا أو كان التغير بما على عضو المتطهر في الأصح وإنما يؤثر التغير إن كان ( بخليط ) أي مخالطا للماء وهو ما لا يتميز في رأي العين ( طاهر ) وقد ( غني ) الماء ( عنه ) كزعفران وثمر شجر نبت قرب الماء وورق طرح ثم تفتت
____________________
(1/29)
لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه
ولا يضر تغير لا يمنع الاسم لقلته ولو احتمالا بأن شك أهو كثير أو قليل
وخرج بقولي بخليط المجاور وهو ما يتميز للناظر كعود ودهن ولو مطيبين ومنه البخور وإن كثر وظهر نحو ريحه خلافا لجمع
ومنه أيضا ماء أغلي فيه نحو بر وتمر حيث لم يعلم انفصال عين فيه مخالطة بأن لم يصل إلى حد بحيث له اسم آخر كالمرقة ولو شك في شيء أمخالط هو أم مجاور له حكم المجاور
وبقولي غني عنه ما لا يستغنى عنه كما في مقرة وممره من نحو طين وطحلب متفتت وكبريت
____________________
(1/30)
وكالتغير بطول المكث أو بأوراق متناثرة بنفسها وإن تفتتت وبعدت الشجرة عن الماء
( أو بنجس ) وأن قل التغير
( ولو كان ) الماء ( كثيرا ) أي قلتين أو أكثر في صورتي التغيير بالطاهر والنجس
والقلتان بالوزن خمسمائة رطل بغدادي تقريبا وبالمساحة في المربع ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا بذراع اليد المعتدلة
وفي المدور ذراع من سائر الجوانب بذراع الآدمي وذراعان عمقا بذراع النجار وهو ذراع وربع
ولا تنجس قلتا ماء ولو احتمالا كأن شك في ماء أبلغهما أم لا وإن تيقنت قلته قبل بملاقاة نجس ما لم يتغير به
____________________
(1/31)
وإن استهلكت النجاسة فيه
ولا يجب التباعد من نجس في ماء كثير
ولو بال في البحر مثلا فارتفعت منه رغوة فهي نجسة إن تحقق أنها من عين النجاسة أو من المتغير أحد أوصافه بها وإلا فلا
ولو طرحت فيه بعرة فوقعت من أجل الطرح قطرة على شيء لم تنجسه وينجس قليل الماء وهو ما دون القلتين حيث لم يكن واردا بوصول نجس إليه يرى بالبصر المعتدل غير معفو عنه في الماء ولو معفوا عنه في الصلاة كغيره من رطب ومائع وإن كثر
____________________
(1/32)
لا بوصول ميتة لا دم لجنسها سائل عند شق عضو منها كعقرب ووزع إلا إن تغير ما أصابته ولو يسيرا فحينئذ ينجس
لا سرطان وضفدع فينجس بهما خلافا لجمع ولا بميتة كان نشؤها من الماء كالعلق ولو طرح فيه ميتة من ذلك نجس وإن كان الطارح غير مكلف ولا أثر لطرح الحي مطلقا
واختار كثيرون من أئمتنا مذهب مالك أن الماء لا ينجس مطلقا إلا بالتغير والجاري كراكد وفي القديم
____________________
(1/33)
لا ينجس قليله بلا تغير وهو مذهب مالك
قال في المجموع سواء كانت النجاسة مائعة أو جامدة
والماء القليل إذا تنجس يطهر ببلوغه قلتين ولو بماء متنجس حيث لا تغير به والكثير يطهر بزوال تغيره بنفسه أو بماء زيد عليه أو نقص عنه وكان الباقي كثيرا
____________________
(1/34)
( و ) ثانيها ( جري ماء على عضو ) مغسول فلا يكفي أن يمسه الماء بلا جريان لأنه لا يسمى غسلا
( و ) ثالثها ( أن لا يكون عليه ) أي على العضو ( مغير للماء تغيرا ضارا ) كزعفران وصندل خلافا لجمع
( و ) رابعها ( أن لا يكون على العضو حائل ) بين الماء والمغسول ( كنورة ) وشمع ودهن جامد وعين حبر وحناء بخلاف دهن جار أي مائع وإن لم يثبت الماء عليه وأثر حبر وحناء
وكذا يشترط على ما جزم به كثيرون أن لا يكون وسخ تحت ظفر يمنع وصول الماء لما تحته خلافا لجمع منهم الغزالي والزركشي وغيرهما وأطالوا في ترجيحه وصرحوا بالمسامحة عما تحتها من الوسخ دون نحو العجين
وأشار الأذرعي وغيره إلى ضعف مقالتهم
وقد صرح في التتمة وغيرها بما في الروضة وغيرها من عدم المسامحة بشيء مما تحتها حيث منع وصول الماء بمحله
وأفتى البغوي في وسخ حصل من غبار بأنه يمنع صحة الوضوء بخلاف ما نشأ من بدنه وهو العرق المتجمد
وجزم به في الأنوار
( و ) خامسها ( دخول وقت لدائم حدث )
____________________
(1/35)
كسلس ومستحاضة
ويشترط له أيضا ظن دخوله فلا يتوضأ كالمتيمم لفرض أو نفل مؤقت قبل وقت فعله ولصلاة جنازة قبل الغسل وتحية قبل دخول المسجد وللرواتب المتأخرة قبل فعل الفرض ولزم وضوآن أو تيممان على خطيب دائم الحدث أحدهما للخطبتين والآخر بعدهما لصلاة جمعة ويكفي واحد لهما لغيره ويجب عليه الوضوء لكل فرض كالتيمم وكذا غسل الفرج وإبدال القطنة التي بفمه والعصابة وإن لم تزل عن موضعها
وعلى نحو سلس مبادرة بالصلاة فلو أخر لمصلحتها
____________________
(1/36)
كانتظار جماعة أو جمعة وإن أخرت عن أول الوقت وكذهاب إلى مسجد لم يضره
( وفروضه ستة ) أحدها ( نية ) وضوء أو أداء ( فرض وضوء ) أو رفع حدث لغير دائم حدث حتى في الوضوء المجدد أو الطهارة عنه أو الطهارة لنحو الصلاة مما لا يباح إلا بالوضوء أو استباحة مفتقر إلى وضوء كالصلاة ومس المصحف
ولا تكفي نية استباحة ما يندب له الوضوء كقراءة القرآن أو الحديث وكدخول مسجد وزيارة قبر
والأصل في وجوب النية خبر إنما الأعمال بالنيات
أي إنما صحتها لإكمالها
ويجب قرنها ( عند ) أول ( غسل ) جزء من ( وجه ) فلو قرنها
____________________
(1/37)
بأثنائه كفى ووجب إعادة غسل ما سبقها
ولا يكفي قرنها بما قبله حيث لم يستصحبها إلى غسل شيء منه وما قارنها هو أوله فتفوت سنة المضمضة إن انغسل معها شيء من الوجه كحمرة الشفة بعد النية فالأولى أن يفرق النية بأن ينوي عند كل من غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق سنة الوضوء ثم فرض الوضوء عند غسل الوجه حتى لا تفوت فضيلة استصحاب النية من أوله
وفضيلة المضمضة والاستنشاق مع انغسال حمرة الشفة
( و ) ثانيها ( غسل ) ظاهر ( وجهه ) لآية { فاغسلوا وجوهكم } وهو طولا ( ما بين منابت ) شعر ( رأسه ) غالبا ( و ) تحت ( منتهى لحييه ) بفتح اللام فهو من الوجه دون ما تحته والشعر النابت على ما تحته ( و ) عرضا ( ما بين أذنيه )
ويجب
____________________
(1/38)
غسل شعر الوجه من هدب وحاجب وشارب وعنفقة ولحية وهي ما نبت على الذقن وهو مجتمع اللحيين وعذار هو ما نبت على العظم المحاذي للأذن وعارض وهو ما انحط عنه إلى اللحية
ومن الوجه حمرة الشفتين وموضع الغمم وهو ما نبت عليه الشعر من الجبهة دون محل التحذيف على الأصح وهو ما نبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة ودون وتد الأذن والنزعتين وهما بياضان يكتنفان الناصية وموضع الصلع وهو ما بينهما إذا انحسر عنه الشعر
ويسن غسل كل ما قيل إنه ليس من الوجه
ويجب غسل ظاهر وباطن كل من الشعور السابقة وإن كثف لندرة الكثافة فيها لا باطن كثيف لحية وعارض والكثيف ما لم تر البشرة من خلاله في مجلس التخاطب عرفا ويجب غسل ما لا يتحقق غسل جميعه إلا بغسله لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب
( و ) ثالثها ( غسل يديه ) من كفيه
____________________
(1/39)
وذراعيه ( بكل مرفق ) للآية
ويجب غسل جميع ما في محل الفرض من شعر وظفر وإن طال
( فرع ) لو نسي لمعة فانغسلت في تثليث أو إعادة وضوء لنسيان له لا تجديد واحتياط أجزأه
( و ) رابعها ( مسح بعض رأسه ) كالنزعة والبياض الذي وراء الأذن بشر أو شعر في حده ولو بعض شعرة واحدة للآية
____________________
(1/40)
قال البغوي ينبغي أن لا يجزيء أقل من قدر الناصية وهي ما بين النزعتين لأنه صلى الله عليه وسلم لم يمسح أقل منها وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى والمشهور عنه وجوب مسح الربع
( و ) خامسها ( غسل رجليه ) بكل كعب من كل رجل للآية
أو مسح خفيهما بشروطه
ويجب غسل باطن ثقب وشق
( فرع ) لو دخلت شوكة في رجله وظهر بعضها وجب قلعها وغسل محلها لأنه صار في حكم الطاهر فإن استترت كلها صارت في حكم الباطن فيصح وضوؤه
ولو تنفط في رجل أو غيره لم يجب غسل باطنه ما لم يتشقق فإن تشقق وجب غسل باطنه ما لم يرتتق
( تنبيه ) ذكروا في الغسل أنه يعفى عن
____________________
(1/41)
باطن عقد الشعر أي إذا انعقد بنفسه وألحق بها من ابتلي بنحو طبوع لصق بأصول شعره حتى منع وصول الماء إليها ولم يمكن إزالته
وقد صرح شيخ شيوخنا زكريا الأنصاري بأنه لا يلحق بها بل عليه التيمم
لكن قال تلميذه شيخنا والذي يتجه العفو للضرورة
( و ) سادسها ( ترتيب ) كما ذكر من تقديم غسل الوجه فاليدين فالرأس فالرجلين للاتباع
ولو انغمس محدث ولو في ماء قليل بنية معتبرة مما مر أجزأه عن الوضوء ولو لم يمكث في الانغماس زمنا يمكن فيه الترتيب
نعم لو اغتسل بنيته فيشترط فيه الترتيب حقيقة ولا يضر نسيان لمعة أو لمع في غير أعضاء الوضوء بل لو كان على ما عدا أعضائه مانع كشمع لم يضر كما استظهره شيخنا
ولو أحدث وأجنب أجزأه الغسل عنهما بنيته
ولا يجب تيقن عموم الماء جميع العضو بل يكفي غلبة الظن به
( فرع ) لو شك المتوضىء أو المغتسل في تطهير عضو قبل الفراغ من وضوئه أو غسله طهره وكذا ما بعده
____________________
(1/42)
في الوضوء أو بعد الفراغ من طهره لم يؤثر
ولو كان الشك في النية لم يؤثر أيضا على الأوجه كما في شرح المنهاج لشيخنا وقال فيه قياس ما يأتي في الشك بعد الفاتحة وقبل الركوع أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته أو بعضه لم تلزمه
فليحمل كلامهم الأول على الشك في أصل العضو لا بعضه
( وسن ) للمتوضىء ولو بماء مغصوب على الأوجه ( تسمية أوله ) أي أول الوضوء للاتباع وأقلها باسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم
وتجب عند أحمد ويسن قبلها التعوذ وبعدها الشهادتان والحمد لله الذي جعل الماء طهورا
ويسن لمن تركها أوله أن يأتي بها أثناءه قائلا باسم الله أوله وآخره
لا بعد فراغه
وكذا في نحو الأكل والشرب والتأليف والاكتحال مما يسن له التسمية
والمنقول عن الشافعي وكثير من الأصحاب أن أول السنن التسمية وبه جزم النووي في المجموع وغيره
فينوي معها عند غسل اليدين
____________________
(1/43)
وقال جمع متقدمون إن أولها السواك ثم بعده التسمية
( فرع ) تسن التسمية لتلاوة القرآن ولو من أثناء سورة في صلاة أو خارجها ولغسل وتيمم وذبح
( فغسل الكفين ) معا إلى الكوعين مع التسمية المقترنة بالنية وإن توضأ من نحو إبريق أو علم طهرهما للاتباع ( فسواك ) عرضا في الأسنان
____________________
(1/44)
ظاهرا وباطنا وطولا في اللسان للخبر الصحيح لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء
أي أمر إيجاب
ويحصل ( بكل خشن ) ولو بنحو خرقة أو أشنان والعود أفضل من غيره وأولاه ذو الريح الطيب وأفضله الأراك
لا بأصبعه ولو خشنة خلافا لما اختاره النووي
وإنما يتأكد السواك ولو لمن لا أسنان له لكل وضوء
( ولكل صلاة ) فرضها ونفلها وإن سلم من كل ركعتين أو استاك لوضوئها وإن لم يفصل بينهما فاصل حيث لم يخش تنجس فمه وذلك لخبر الحميدي بإسناد جيد ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك
ولو تركه أولها تداركه أثناءها بفعل قليل
____________________
(1/45)
كالتعمم ويتأكد أيضا لتلاوة قرآن أو حديث أو علم شرعي أو تغير ريحا أو لونا بنحو نوم أو أكل كريه أو سن بنحو صفرة أو استيقاظ من نوم وإرادته ودخول مسجد ومنزل وفي السحر وعند الاحتضار كما دل عليه خبر الصحيحين
ويقال إنه يسهل خروج الروح
وأخذ بعضهم من ذلك تأكده للمريض
وينبغي أن ينوي بالسواك السنة ليثاب عليه ويبلع ريقه أول استياكه وأن لا يمصه
____________________
(1/46)
ويندب التخليل قبل السواك أو بعده من أثر الطعام والسواك أفضل منه خلافا لمن عكس
ولا يكره بسواك غير أذن أو علم رضاه وإلا حرم كأخذه من ملك الغير ما لم تجر عادة بالإعراض عنه
ويكره للصائم بعد الزوال إن لم يتغير فمه بنحو نوم ( فمضمضة فاستنشاق ) للاتباع وأقلهما إيصال الماء إلى الفم والأنف
ولا يشترط في حصول أصل السنة إدارته في الفم ومجه منه ونثره من الأنف بل تسن كالمبالغة فيهما لمفطر
____________________
(1/47)
للأمر بها
( و ) يسن جمعهما ( بثلاث غرف ) يتمضمض ثم يستنشق من كل منها
( ومسح كل رأس ) للاتباع وخروجا من خلاف مالك وأحمد فإن اقتصر على البعض فالأولى أن يكون هو الناصية والأولى في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه ملصقا مسبحته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهما مع بقية أصابعه غير الإبهامين لقفاه ثم يردهما إلى المبدأ إن كان له شعر ينقلب وإلا فليقتصر على الذهاب
وإن كان على رأسه عمامة أو قلنسوة تمم عليها بعد مسح الناصية
____________________
(1/48)
للاتباع ( و ) مسح كل ( الأذنين ) ظاهرا وباطنا وصماخيه للاتباع ولا يسن مسح الرقبة إذ لم يثبت فيه شيء
قال النووي بل هو بدعة وحديثه موضوع
( ودلك أعضاء ) وهو إمرار اليد عليها عقب ملاقاتها للماء خروجا من خلاف من أوجبه
( وتخليل لحية كثة ) والأفضل كونه بأصابع يمناه ومن أسفل مع تفريقها وبغرفة مستقلة للاتباع ويكره تركه
( و ) تخليل ( أصابع ) اليدين بالتشبيك
____________________
(1/49)
والرجلين بأي كيفية كان
والأفضل أن يخللها من أسفل بخنصر يده اليسرى مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى ومختتما بخنصر اليسرى
( وإطالة الغرة ) بأن يغسل مع الوجه مقدم رأسه وأذنيه وصفحتي عنقه
( و ) إطالة ( تحجيل ) بأن يغسل مع اليدين بعض العضدين ومع الرجلين بعض الساقين وغايته استيعاب العضد والساق وذلك لخبر الشيخين إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء
فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل
زاد مسلم وتحجيله أي يدعون بيض الوجوه والأيدي والأرجل
ويحصل أقل الإطالة بغسل أدنى زيادة على الواجب وكمالها باستيعاب ما مر ( وتثليث كل ) من مغسول وممسوح ودلك وتخليل وسواك وبسملة وذكر عقبه للاتباع في أكثر ذلك
ويحصل التثليث بغمس اليد
____________________
(1/50)
مثلا ولو في ماء قليل إذا حركها مرتين ولو ردد ماء الغسلة الثانية حصل له أصل سنة التثليث كما استظهره شيخنا ولا يجزىء تثليث عضو قبل إتمام واجب غسله ولا بعد تمام الوضوء
ويكره النقص عن الثلاث كالزيادة عليها
____________________
(1/51)
أي بنية الوضوء كما بحثه جمع
وتحرم من ماء موقوف على التطهر
( فرع ) يأخذ الشاك أثناء الوضوء في استيعاب أو عدد باليقين وجوبا في الواجب وندبا في المندوب ولو في الماء الموقوف
أما الشك بعد الفراغ فلا يؤثر
( وتيامن ) أي تقديم يمين على يسار في اليدين والرجلين ولنحو أقطع في جميع أعضاء وضوئه وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في تطهره وشأنه كله أي مما هو من باب التكريم كاكتحال ولبس نحو قميص ونعل وتقليم ظفر وحلق نحو رأس وأخذ وعطاء وسواك وتخليل ويكره تركه ويسن التياسر في ضده وهو ما كان من باب الإهانة والإذى كاستنجاء وامتخاط وخلع لباس ونعل
ويسن البداءة بغسل أعلى وجهه وأطراف يديه ورجليه وإن صب عليه غيره
وأخذ الماء إلى الوجه بكفيه معا ووضع ما يغترف منه عن يمينه وما يصب منه عن يساره
( وولاء ) بين أفعال وضوء السليم
____________________
(1/52)
بأن يشرع في تطهير كل عضو قبل جفاف ما قبله وذلك للاتباع وخروجا من خلاف من أوجبه ويجب لسلس
( وتعهد ) عقب و ( موق ) وهو طرف العين الذي يلي الأنف ولحاظ وهو الطرف الآخر بسبابتي شقيهما
ومحل ندب تعهدهما إذا لم يكن فيهما رمص يمنع وصول الماء إلى محله وإلا فتعهدهما واجب كما في المجموع
ولا يسن غسل باطن العين بل قال بعضهم يكره للضرر وإنما يغسل إذا تنجس لغلظ أمر النجاسة
( واستقبال ) القبلة في كل وضوئه
( وترك تكلم ) في أثناء وضوئه بلا حاجة بغير ذكر ولا يكره سلام عليه ولا منه ولا رده
____________________
(1/53)
( و ) ترك ( تنشيف ) بلا عذر للاتباع ( والشهادتان عقبه ) أي الوضوء بحيث لا يطول فاصل عنه عرفا فيقول مستقبلا للقبلة رافعا يديه وبصره إلى السماء ولو أعمى أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
لما روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله الخ فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء
زاد الترمذي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين
وروى الحاكم وصححه من توضأ ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك
كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة
أي لم يتطرق إليه إبطال كما صح حتى يرى ثوابه العظيم
ثم يصلي ويسلم على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد ويقرأ { إنا أنزلناه } ثلاثا كذلك بلا رفع يد
وأما دعاء الأعضاء المشهور فلا أصل له يعتد به فلذلك حذفته تبعا لشيخ المذهب النووي رضي الله عنه
وقيل يستحب أن يقول عند كل عضو أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
لخبر رواه المستغفري
____________________
(1/54)
وقال حسن غريب
( وشربه ) من ( فضل وضوئه ) لخبر إن فيه شفاء من كل داء ويسن رش إزاره به أي إن توهم حصول مقذر له كما استظهره شيخنا
وعليه يحمل رشه صلى الله عليه وسلم لإزاره به
وركعتان بعد الوضوء أي بحيث تنسبان إليه عرفا فتفوتان بطول الفصل عرفا على الأوجه وعند بعضهم بالإعراض وبعضهم بجفاف الأعضاء وقيل بالحدث
ويقرأ ندبا في أولى ركعتيه بعد الفاتحة { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } إلى { رحيما } وفي الثانية { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه } إلى { رحيما }
( فائدة ) يحرم التطهر بالمسبل للشرب وكذا بماء جهل حاله على الأوجه وكذا حمل شيء من المسبل إلى غير محله
( وليقتصر ) أي المتوضىء ( حتما ) أي وجوبا ( على ) غسل أو مسح ( واجب ) أي
____________________
(1/55)
فلا يجوز تثليث ولا إتيان سائر السنن ( لضيق وقت ) عن إدراك الصلاة كلها فيه كما صرح به البغوي وغيره وتبعه المتأخرون
لكن أفتى في فوات الصلاة لو أكمل سننها بأن يأتيها ولو لم يدرك ركعة
وقد يفرق بأنه ثم اشتغل بالمقصود فكان كما لو مد في القراءة
( أو قلة ماء ) بحيث لا يكفي إلا الفرض فلو كان معه ماء لا يكفيه لتتمة طهره
إن ثلث أو أتى السنن أو احتاج إلى الفاضل لعطش محترم حرم استعماله في شيء من السنن
وكذا يقال في الغسل
( وندبا ) على الواجب بترك السنن ( لإدراك جماعة ) لم يرج غيرها
نعم ما قيل بوجوبه كالدلك ينبغي تقديمه عليها نظير ما مر من ندب تقديم الفائت بعذر على الحاضرة وإن فاتت الجماعة
( تتمة ) يتيمم عن الحدثين
____________________
(1/56)
لفقد ماء أو خوف محذور من استعماله بتراب طهور له غبار
وأركانه نية استباحة الصلاة المفروضة مقرونة بنقل التراب ومسح وجهه ثم يديه
ولو تيقن ماء آخر الوقت فانتظاره أفضل وإلا فتعجيل تيمم
وإذا امتنع استعماله في عضو
____________________
(1/57)
وجب تيمم وغسل صحيح ومسح كل الساتر الضار نزعه بماء ولا ترتيب بينهما لجنب
أو عضوين فتيممان ولا يصلي به إلا فرضا واحدا ولو نذرا
وصح جنائز مع
____________________
(1/58)
فرض
( ونواقضه ) أي أسباب نواقض الوضوء أربعة أحدها ( تيقن خروج شيء ) غير منيه عينا كان أو ريحا رطبا أو جافا معتادا كبول أو نادرا كدم باسور أو غيره انفصل أو لا كدودة أخرجت رأسها ثم رجعت ( من أحد سبيلي ) المتوضىء ( الحي ) دبرا كان أو قبلا
( ولو ) كان الخارج ( باسورا ) نابتا داخل الدبر
____________________
(1/59)
فخرج أو زاد خروجه
لكن أفتى العلامة الكمال الرداد بعدم النقض بخروج الباسور نفسه بل بالخارج منه كالدم
وعن مالك لا ينتقض الوضوء بالنادر
( و ) ثانيها ( زوال عقل ) أي تمييز بسكر أو جنون أو إغماء أو نوم للخبر الصحيح فمن نام فليتوضأ
وخرج بزوال العقل النعاس وأوائل نشوة السكر فلا نقض بهما كما إذا شك هل نام أو نعس ومن علامة النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه ( لا ) زواله ( بنوم )
____________________
(1/60)
قاعد ( ممكن مقعده ) أي ألييه من مقره وإن استند لما لو زال سقط أو احتبى وليس بين مقعده ومقره تجاف
وينتقض وضوء ممكن انتبه بعد زوال أليته عن مقره لا وضوء شاك هل كان ممكنا أو لا أو هل زالت أليته قبل اليقظة أو بعدها
وتيقن الرؤيا مع عدم تذكر نوم لا أثر له بخلافه مع الشك فيه لأنها مرجحة لأحد طرفيه
( و ) ثالثها ( مس فرج آدمي ) أو محل قطعه ولو لميت أو صغير
____________________
(1/61)
قبلا كان الفرج أو دبرا متصلا أو مقطوعا إلا ما قطع في الختان
والناقض من الدبر ملتقى المنفذ ومن قبل المرأة ملتقى شفريها على المنفذ لا ما وراءهما كمحل ختانها
نعم يندب الوضوء من مس نحو العانة وباطن الألية
____________________
(1/62)
والأنثيين وشعر نبت فوق ذكر وأصل فخذ ولمس صغيرة وأمرد وأبرص ويهودي ومن نحو فصد ونظر بشهوة ولو إلى محرم وتلفظ بمعصية وغضب وحمل ميت ومسه وقص ظفر وشارب وحلق رأسه
وخرج بآدمي فرج البهيمة إذ لا يشتهى ومن ثم جاز النظر إليه
( ببطن كف ) لقوله صلى الله عليه وسلم من مس فرجه وفي رواية من مس ذكرا فليتوضأ
وبطن الكف هو بطن الراحتين وبطن الأصابع والمنحرف إليهما عند انطباقهما مع يسير تحامل دون رؤوس الأصابع وما بينها
____________________
(1/63)
وحرف الكف
( و ) رابعها ( تلاقي بشرتي ذكر وأنثى ) ولو بلا شهوة وإن كان أحدهما مكرها أو ميتا لكن لا ينقض وضوء الميت
والمراد بالبشرة هنا غير الشعر والسن والظفر قاله شيخنا وغير باطن العين وذلك لقوله تعالى { أو لامستم النساء } أي لمستم
ولو شك هل ما لمسه شعر أو بشرة لم ينتقض كما لو وقعت يده على بشرة لا يعلم أهي بشرة رجل أو امرأة أو شك هل لمس محرما أو أجنبية وقال شيخنا في شرح العباب ولو أخبره عدل بلمسها له أو بنحو خروج ريح منه في حال نومه ممكنا وجب عليه الأخذ بقوله
( بكبر ) فيهما فلا نقض بتلاقيهما مع صغر فيهما أو في أحدهما لانتفاء مظنة الشهوة
والمراد بذي الصغر من لا يشتهى عرفا غالبا
( لا ) تلاقي بشرتيهما ) ( مع محرمية ) بينهما بنسب أو رضاع أو مصاهرة لانتفاء مظنة الشهوة
ولو اشتبهت محرمه
____________________
(1/64)
بأجنبيات محصورات فلمس واحدة منهن لم ينتقض وكذا بغير محصورات على الأوجه
( ولا يرتفع يقين وضوء أو حدث بظن ضده ) ولا بالشك فيه المفهوم بالأولى فيأخذ باليقين استصحابا له
( خاتمة ) يحرم بالحدث صلاة وطواف وسجود وحمل مصحف وما كتب لدرس قرآن
____________________
(1/65)
ولو بعض آية كلوح
والعبرة في قصد الدراسة والتبرك بحالة الكتابة دون ما بعدها وبالكاتب لنفسه أو لغيره تبرعا وإلا فآمره لا حمله مع متاع والمصحف غير مقصود بالحمل ومس ورقه ولو لبياض أو نحو ظرف أعد له وهو فيه لا قلب ورقه بعود إذا لم ينفصل عليه ولا مع تفسير زاد ولو
____________________
(1/66)
احتمالا
ولا يمنع صبي مميز محدث ولو جنبا حمل ومس نحو مصحف لحاجة تعلمه ودرسه ووسيلتهما كحمله للمكتب والإتيان به للمعلم ليعلمه منه
ويحرم تمكين غير المميز من نحو مصحف ولو بعض آية وكتابته بالعجمية
____________________
(1/67)
ووضع نحو درهم في مكتوبه وعلم شرعي
وكذا جعله بين أوراقه خلافا لشيخنا وتمزيقه
____________________
(1/68)
عبثا وبلع ما كتب عليه لا شرب محوه ومد الرجل للمصحف ما لم يكن على مرتفع
ويسن القيام له كالعالم بل أولى ويكره حرق ما كتب عليه إلا لغرض نحو صيانة فغسله أولى منه
ويحرم بالجنابة المكث في المسجد وقراءة قرآن بقصده ولو بعض آية بحيث يسمع نفسه ولو صبيا خلافا لما أفتى به النووي
وبنحو حيض لا بخروج طلق صلاة وقراءة وصوم
____________________
(1/69)
ويجب قضاؤه لا الصلاة بل يحرم قضاؤها على الأوجه
( و ) الطهارة ( الثانية الغسل ) هو لغة سيلان الماء على الشيء
وشرعا سيلانه على جميع البدن بالنية
ولا يجب فورا وإن عصى بسببه بخلاف نجس عصى بسببه
والأشهر في كلام الفقهاء ضم غينه لكن الفتح أفصح وبضمها مشترك بين الفعل وماء الغسل
( وموجبه ) أربعة أحدها ( خروج منيه أولا ) ويعرف
____________________
(1/70)
بأحد خواصه الثلاث من تلذذ بخروجه أو تدفق أو ريح عجين رطبا وبياض بيض جافا
فإن فقدت هذه الخواص فلا غسل
نعم لو شك في شيء أمني هو أو مذي تخير ولو بالتشهي
فإن شاء جعله منيا واغتسل أو مذيا وغسله وتوضأ
ولو رأى منيا مجففا في نحو ثوبه لزمه الغسل وإعادة كل صلاة تيقنها بعده ما لم يحتمل عادة كونه من غيره
( و ) ثانيها ( دخول حشفة ) أو قدرها من فاقدها ولو كانت من ذكر مقطوع أو من بهيمة أو ميت
( فرجا ) قبلا أو دبرا ( ولو لبهيمة ) كسمكة أو ميت ولا يعاد غسله لانقطاع تكليفه
( و ) ثالثها ( حيض ) أي انقطاعه
____________________
(1/71)
وهو دم يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة
( وأقل سنة تسع سنين قمرية ) أي استكمالها
نعم إن رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يوما فهو حيض وأقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما كأقل طهر بين الحيضتين
ويحرم به ما يحرم بالجنابة ومباشرة ما بين سرتها وركبتها
وقيل لا يحرم غير الوطء
واختاره النووي في التحقيق لخبر مسلم اصنعوا كل شيء إلا النكاح
وإذا انقطع دمها حل لها قبل الغسل صوم
____________________
(1/72)
لا وطء خلافا لما بحثه العلامة الجلال السيوطي رحمه الله
( و ) رابعها ( نفاس ) أي انقطاعه وهو دم حيض مجتمع يخرج بعد فراغ جميع الرحم وأقله لحظة وغالبه أربعون يوما وأكثره ستون يوما
ويحرم به ما يحرم بالحبض ويجب الغسل أيضا بولادة ولو بلا بلل وإلقاء علقة ومضغة وبموت مسلم غير شهيد
____________________
(1/73)
( وفرضه ) أي الغسل شيئان أحدهما ( نية رفع الجنابة ) للجنب أو الحيض للحائض
أي رفع حكمه
( أو ) نية ( أداء فرض الغسل ) أو رفع حدث أو الطهارة عنه أو أداء الغسل
وكذا الغسل للصلاة لا الغسل فقط
ويجب أن تكون النية ( مقرونة بأوله ) أي الغسل يعني بأول مغسول من البدن ولو
____________________
(1/74)
من أسفله
فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله
ولو نوى رفع الجنابة وغسل بعض البدن ثم نام فاستيقظ وأراد غسل الباقي لم يحتج إلى إعادة النية
( و ) ثانيهما ( تعميم ) ظاهر ( بدن حتى ) الأظفار وما تحتها و ( الشعر ) ظاهرا وباطنا وإن كثف وما ظهر من نحو منبت شعرة زالت قبل غسلها وصماخ وفرج امرأة عند جلوسها على قدميها وشقوق ( وباطن جدري ) انفتح رأسه لا باطن قرحة برئت وارتفع قشرها ولم يظهر شيء مما تحته
ويحرم فتق الملتحم ( وما تحت قلفة ) من الأقلف فيجب غسل باطنها لأنها مستحقة الإزالة
____________________
(1/75)
لا باطن شعر انعقد بنفسه وإن كثر ولا يجب مضمضة واستنشاق بل يكره تركهما
( بماء طهور ) ومر أنه يضر تغير الماء تغيرا ضارا ولو بما على العضو خلافا لجمع
( ويكفي ظن عمومه ) أي الماء على البشرة والشعر وإن لم يتيقنه فلا يجب تيقن عمومه بل يكفي غلبة الظن به فيه كالوضوء
( وسن ) للغسل الواجب والمندوب ( تسمية ) أوله ( وإزالة قذر طاهر ) كمني ومخاط ونجس كمذي وإن كفى لهما غسلة واحدة وأن يبول من أنزل قبل أن يغتسل ليخرج ما بقي بمجراه
( ف ) بعد إزالة القذر ( مضمضة واستنشاق
____________________
(1/76)
ثم وضوء ) كاملا للاتباع رواه الشيخان
ويسن له استصحابه إلى الفراغ حتى لو أحدث سن له إعادته
وزعم المحاملي اختصاصه بالغسل الواجب ضعيف والأفضل عدم تأخير غسل قدميه عن الغسل كما صرح به في الروضة وإن ثبت تأخيرهما في البخاري
ولو توضأ أثناء الغسل أو بعده حصل له أصل السنة لكن الأفضل تقديمه ويكره تركه
وينوي به سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الأصغر وإلا نوى به رفع الحدث
____________________
(1/77)
الأصغر أو نحوه خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم الاندراج
ولو أحدث بعد ارتفاع جنابة أعضاء الوضوء لزمه الوضوء مرتبا بالنية
( فتعهد معاطف ) كالأذن والإبط والسرة والموق ومحل شق وتعهد أصول شعر ثم غسل رأس بالإفاضة بعد تخليله إن كان عليه شعر ولا تيامن فيه لغير أقطع
ثم غسل شق أيمن ثم أيسر ودلك لما تصله يده من بدنه خروجا من خلاف من أوجبه
( وتثليث ) لغسل جميع البدن والدلك والتسمية والذكر عقبه ويحصل في راكد بتحرك جميع البدن ثلاثا وإن لم ينقل قدميه إلى موضع آخر على الأوجه ( واستقبال ) للقبلة وموالاة وترك تكلم بلا حاجة وتنشيف
____________________
(1/78)
بلا عذر
وتسن الشهادتان المتقدمتان في الوضوء مع ما معهما عقب الغسل وأن لا يغتسل لجنابة أو غيرها كالوضوء في ماء راكد لم يستبحر كنابع من عين غير جار
( فرع ) لو اغتسل لجنابة ونحو جمعة بنيتهما حصلا وإن كان الأفضل إفراد كل بغسل أو لأحدهما حصل فقط
( ولو أحدث ثم أجنب كفى غسل واحد ) وإن لم ينو معه الوضوء ولا رتب أعضاءه
( فرع ) يسن لجنب وحائض ونفساء بعد انقطاع دمهما غسل فرج ووضوء لنوم وأكل وشرب ويكره فعل شيء من ذلك بلا وضوء
وينبغي أن لا يزيلوا قبل الغسل شعرا أو ظفرا وكذا دما لأن ذلك يرد في الآخرة
____________________
(1/79)
جنبا
( وجاز تكشف له ) أي للغسل ( في خلوة ) أو بحضرة من يجوز نظره إلى عورته كزوجة وأمة والستر أفضل
وحرم إن كان ثم من يحرم نظره إليها كما حرم في الخلوة بلا حاجة وحل فيها لأدنى غرض كما يأتي
( وثانيها ) أي ثاني شروط الصلاة
( طهارة بدن ) ومنه داخل الفم والأنف والعين
( وملبوس ) وغيره من كل محمول له وإن لم يتحرك بحركته
( ومكان ) يصلى فيه
____________________
(1/80)
( عن نجس ) غير معفو عنه فلا تصح الصلاة معه ولو ناسيا أو جاهلا بوجوده أو بكونه مبطلا لقوله تعالى { وثيابك فطهر } ولخبر الشيخين
ولا يضر محاذاة نجس لبدنه لكن تكره مع محاذاته كاستقبال نجس أو متنجس
والسقف كذلك إن قرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفا
( ولا يجب اجتناب النجس ) في غير الصلاة ومحله في غير التضمخ به في بدن أو ثوب فهو حرام بلا حاجة وهو شرعا مستقذر
____________________
(1/81)
يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص فهو ( كروث وبول ولو ) كانا من طائر وسمك وجراد وما لا نفس له سائلة أو ( من مأكول ) لحمه على الأصح
قال الإصطخري والروياني من أئمتنا كمالك وأحمد إنهما طاهران من المأكول
ولو راثت أو قاءت بهيمة حيا فإن كان صلبا بحيث لو زرع نبت فمتنجس يغسل ويؤكل وإلا فنجس
ولم يبينوا حكم غير الحب
قال شيخنا والذي يظهر أنه إن تغير عن حاله قبل البلع ولو يسيرا فنجس وإلا فمتنجس
وفي المجموع عن شيخ نصر العفو عن بول بقر الدياسة على الحب
وعن الجويني تشديد النكير على البحث عنه وتطهيره
وبحث الفزاري العفو عن
____________________
(1/82)
بعر الفأرة إذا وقع في مائع وعمت البلوى به
وأما ما يوجد على ورق بعض الشجر كالرغوة فنجس لأنه يخرج من باطن بعض الديدان كما شوهد ذلك وليس العنبر روثا خلافا لمن زعمه بل هو نبات في البحر
( ومذي ) بمعجمة للأمر بغسل الذكر منه وهو ماء أبيض أو أصفر رقيق يخرج غالبا عند ثوران الشهوة بغير شهوة قوية
( وودي ) بمهملة وهو ماء أبيض كدر ثخين يخرج غالبا عقب البول أو عند حمل شيء ثقيل
( ودم ) حتى ما بقي على نحو عظم لكنه معفو عنه
واستثنوا منه الكبد والطحال والمسك أي ولو من ميت إن انعقد
والعلقة والمضغة ولبنا خرج بلون دم ودم بيضة لم تفسد
____________________
(1/83)
( وقيح ) لأنه دم مستحيل وصديد وهو ماء رقيق يخالطه دم وكذا ماء جرح
وجدري ونفط إن تغير وإلا فماؤها طاهر ( وقيء معدة ) وإن لم يتغير وهو الراجع بعد الوصول للمعدة ولو ماء أما الراجع قبل الوصول إليها يقينا أو احتمالا فلا يكون نجسا ولا متنجسا خلافا للقفال
وأفتى شيخنا أن الصبي إذا ابتلي بتتابع القيء عفي عن ثدي أمه الداخل في فيه لا عن مقبله أو مماسه
____________________
(1/84)
وكمرة ولبن غير مأكول إلا الآدمي وجرة نحو بعير
أما المني فطاهر خلافا لمالك
وكذا بلغم غير معدة من رأس أو صدر وماء سائل من نائم ولو نتنا أو أصفر ما لم يتحقق أنه من معدة إلا ممن ابتلي به فيعفى عنه وإن كثر
____________________
(1/85)
ورطوبة فرج أي قبل على الأصح
وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق يخرج من باطن الفرج الذي لا يجب غسله بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا وما يخرج من وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا ككل خارج من الباطن وكالماء الخارج مع الولد أو قبله ولا فرق بين انفصالها وعدمه على المعتمد
قال بعضهم الفرق بين الرطوبة الطاهرة والنجسة الاتصال والانفصال
فلو انفصلت ففي الكفاية عن الإمام أنها نجسة ولا يجب غسل ذكر المجامع والبيض والولد
____________________
(1/86)
وأفتى شيخنا بالعفو عن رطوبة الباسور لمبتلى بها وكذا بيض غير مأكول ويحل أكله على الأصح
وشعر مأكول وريشه إذا أبين في حياته
ولو شك في شعر أو نحوه أهو من مأكول أو غيره أو هل انفصل من حي أو ميت فهو طاهر وقياسه أن العظم كذلك
وبه صرح في الجواهر
وبيض الميتة إن تصلب طاهر وإلا فنجس
وسؤر كل حيوان طاهر طاهر فلو تنجس فمه ثم ولغ في ماء قليل أو مائع فإن كان بعد غيبة يمكن فيها طهارته بولوغه في ماء كثير أو جار لم ينجسه ولو هرا وإلا نجسه
قال شيخنا كالسيوطي تبعا لبعض المتأخرين
____________________
(1/87)
إنه يعفى عن يسير عرفا من شعر نجس من غير مغلظ ومن دخان نجاسة وما على رجل ذباب وإن رؤي وما على منفذ غير آدمي مما خرج منه وذرق طير وما على فمه وروث ما نشؤه من الماء أو بين أوراق شجر النارجيل التي تستر بها البيوت عن المفطر حيث يعسر صون الماء عنه
قال جمع وكذا ما تلقيه الفئران من الروث في حياض الأخلية إذا عم الابتلاء
____________________
(1/88)
به ويؤيده بحث الفزاري وشرط ذلك كله إذا كان في الماء أن لا يغير
انتهى
والزباد طاهر ويعفى عن قليل شعره كالثلاث
كذا أطلقوه ولم يبينوا أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال أو في الإناء المأخوذ منه
قال شيخنا والذي يتجه الأول إن كان جامدا لأن العبرة فيه بمحل النجاسة فقط فإن كثرت في محل واحد لم يعف عنه وإلا عفي بخلاف المائع فإن جميعه كالشيء الواحد
فإن قل الشعر فيه عفي عنه وإلا فلا ولا نظر للمأخوذ حينئذ
ونقل المحب الطبري عن ابن الصباغ واعتمده أنه يعفى عن جرة البعير ونحوه فلا ينجس ما شرب منه وألحق به ما يجتر من ولد البقرة والضأن إذا التقم أخلاف أمه
وقال ابن الصلاح يعفى عما اتصل به شيء من أفواه الصبيان مع تحقق نجاستها وألحق غيره بهم أفواه المجانين
وجزم به الزركشي
( وكميتة ) ولو نحو ذباب مما لا نفس له سائلة خلافا للقفال ومن تبعه في قوله بطهارته لعدم الدم المتعفن
____________________
(1/89)
كمالك وأبي حنيفة
فالميتة نجسة وإن لم يسل دمها وكذا شعرها وعظمها وقرنها خلافا لأبي حنيفة إذا لم يكن عليها دسم
وأفتى الحافظ ابن حجر العسقلاني بصحة الصلاة إذا حمل المصلي ميتة ذباب إن كان في محل يشق الاحتراز عنه
( غير بشر وسمك وجراد ) لحل تناول الأخيرين
وأما الآدمي فلقوله تعالى { ولقد كرمنا بني آدم } وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاستهم بالموت
وغير صيد لم تدرك ذكاته وجنين مذكاة مات بذكاتها
ويحل أكل دود مأكول معه ولا يجب غسل نحو الفم منه
ونقل في الجواهر عن الأصحاب لا يجوز أكل سمك ملح ولم ينزع ما في جوفه أي من
____________________
(1/90)
المستقذرات
وظاهره لا فرق بين كبيره وصغيره
لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير مع ما في جوفه لعسر تنقية ما فيه
( وكمسكر ) أي صالح للإسكار فدخلت القطرة من المسكر
( مائع ) كخمر وهي المتخذة من العنب ونبيذ وهو المتخذ من غيره
وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش
وتطهر خمر تخللت بنفسها من غير مصاحبة عين أجنبية لها وإن لم تؤثر في التخليل كحصاة
ويتبعها في الطهارة الدن وإن تشرب منها أو غلت فيه وارتفعت بسبب الغليان ثم نزلت أما إذا ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل فلا تطهر وإن غمر المرتفع قبل جفافه أو بعده بخمر أخرى على الأوجه
كما جزم به
____________________
(1/91)
شيخنا
والذي اعتمده شيخنا المحقق عبد الرحمن بن زياد أنها تطهر إن غمر المرتفع قبل الجفاف لا بعده
ثم قال لو صب خمر في إناء ثم أخرجت منه وصب فيه خمر أخرى بعد جفاف الإناء وقبل غسله لم تطهر وإن تخللت بعد نقلها منه في إناء آخر
انتهى
والدليل على كون الخمر خلا
الحموضة في طعمها وإن لم توجد نهاية الحموضة وإن قذفت بالزبد
ويطهر جلد نجس بالموت باندباغ نقاه بحيث لا يعود إليه نتن ولا فساد لو نقع في الماء
( وككلب وخنزير ) وفرع كل منهما مع الآخر أو مع غيره
____________________
(1/92)
ودود ميتتهما طاهر وكذا نسج عنكبوت على المشهور
كما قاله السبكي والأذرعي وجزم صاحب العدة والحاوي بنجاسته
وما يخرج من جلد نحو حية في حياتها كالعرق على ما أفتى به بعضهم
لكن قال شيخنا فيه نظر بل الأقرب أنه نجس لأنه جزء متجسد منفصل من حي فهو
____________________
(1/93)
كميتته
وقال أيضا لو نزا كلب أو خنزير على آدمية فولدت آدميا كان الولد نجسا ومع ذلك هو مكلف بالصلاة وغيرها
وظاهر أنه يعفى عما يضطر إلى ملامسته وأنه تجوز إمامته إذ لا إعادة عليه ودخوله المسجد حيث لا رطوبة للجماعة ونحوها
ويطهر متنجس بعينية بغسل مزيل لصفاتها من طعم ولون وريح
ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله ولو من مغلظ فإن بقيا معا لم يطهر
ومتنجس بحكمية كبول جف لم يدرك له صفة بجري
____________________
(1/94)
الماء عليه مرة وإن كان حبا أو لحما طبخ بنجس أو ثوبا صبغ بنجس فيطهر باطنها بصب الماء على ظاهرها كسيف سقي وهو محمى بنجس
ويشترط في طهر المحل ورود الماء القليل على المحل المتنجس فإن ورد متنجس على ماء قليل لا كثير تنجس وإن لم يتغير فلا يطهر غيره
وفارق الوارد غيره بقوته لكونه عاملا فلو تنجس فمه كفى أخذ الماء بيده إليه وإن لم يعلها عليه كما قال شيخنا ويجب غسل كل ما في حد الظاهر منه ولو بالإدارة
____________________
(1/95)
كصب ماء في إناء متنجس وإدارته بجوانبه
ولا يجوز له ابتلاع شيء قبل تطهير فمه حتى بالغرغرة
( فرع ) لو أصاب الأرض نحو بول وجف فصب على موضعه ماء فغمره طهر ولو لم ينضب أي يغور سواء كانت الأرض صلبة أم رخوة
وإذا كانت الأرض لم تتشرب ما تنجست به فلا بد من إزالة العين قبل صب الماء القليل عليها كما لو كانت في إناء
ولو كانت النجاسة جامدة فتفتتت واختلطت بالتراب لم يطهر كالمختلط بنحو صديد بإفاضة الماء عليه
بل لا بد من إزالة جميع التراب المختلط بها
وأفتى بعضهم في مصحف تنجس بغير معفو عنه بوجوب غسله وإن أدى إلى تلفه وإن كان ليتيم
قال شيخنا ويتعين فرضه فيما إذا مست النجاسة شيئا من القرآن بخلاف ما إذا كانت في نحو الجلد أو الحواشي
( فرع ) غسالة المتنجس
____________________
(1/96)
ولو معفوا عنه كدم قليل إن انفصلت وقد زالت العين وصفاتها ولم تتغير ولم يزد وزنها بعد اعتبار ما يأخذه الثوب من الماء والماء من الوسخ وقد طهر المحل طاهرة
قال شيخنا ويظهر الاكتفاء فيهما بالظن
( فرع ) إذا وقع في طعام جامد كسمن فأرة مثلا فماتت ألقيت وما حولها مما ماسها فقط والباقي طاهر
والجامد هو الذي إذا غرف منه لا يتراد على قرب
( فرع ) إذا تنجس ماء البئر القليل بملاقاة نجس لم يطهر بالنزح بل ينبغي أن لا ينزح ليكثر الماء بنبع أو صب ماء فيه أو الكثير بتغير به لم يطهر إلا بزواله
فإن بقيت فيه نجاسة
____________________
(1/97)
كشعر فأرة ولم يتغير فطهور تعذر استعماله إذ لا يخلو منه دلو فلينزح كله
فإن اغترف قبل النزح ولم يتيقن فيما اغترفه شعرا لم يضر وإن ظنه عملا بتقديم الأصل على الظاهر
ولا يطهر متنجس بنحو كلب إلا بسبع غسلات بعد زوال العين ولو بمرات فمزيلها مرة واحدة إحداهن بتراب تيمم ممزوج بالماء بأن يكدر الماء
____________________
(1/98)
حتى يظهر أثره فيه ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل المتنجس
ويكفي في الراكد تحريكه سبعا
قال شيخنا يظهر أن الذهاب مرة والعود أخرى
وفي الجاري مرور سبع جريات ولا تتريب في أرض ترابية
( فرع ) لو مس كلبا داخل ماء كثير لم تنجس يده ولو رفع كلب رأسه من ماء وفمه مترطب ولم يعلم مماسته له لم ينجس
قال مالك وداود الكلب طاهر ولا ينجس الماء القليل بولوغه وإنما يجب غسل الإناء بولوغه تعبدا
( ويعفى
____________________
(1/99)
عن دم نحو برغوث ) مما لا نفس له سائلة كبعوض وقمل لا عن جلده
( و ) دم نحو ( دمل ) كبثرة وجرح وعن قيحه وصديده ( وإن كثر ) الدم فيهما وانتشر بعرق أو فحش الأول بحيث طبق الثوب على النقول المعتمدة ( بغير فعله )
____________________
(1/100)
فإن كثر بفعله قصدا كأن قتل نحو برغوث في ثوبه أو عصر نحو دمل أو حمل ثوبا فيه دم براغيث مثلا وصلى فيه أو فرشه وصلى عليه أو زاد على ملبوسه لا لغرض كتجمل فلا يعفى إلا عن القليل على الأصح كما في التحقيق والمجموع وإن اقتضى كلام الروضة العفو عن كثير دم نحو الدمل وإن عصر
واعتمده ابن النقيب والأذرعي
ومحل العفو هنا وفيما يأتي بالنسبة للصلاة لا لنحو ماء قليل فينجس به وإن قل ولا أثر لملاقاة البدن له رطبا ولا يكلف تنشيف البدن لعسره
( و ) عن ( قليل ) نحو دم ( غيره )
____________________
(1/101)
أي أجنبي غير مغلظ بخلاف كثيره
ومنه كما قال الأذرعي دم انفصل من بدنه ثم أصابه
( و ) عن قليل ( نحو دم حيض ورعاف ) كما في المجموع
ويقاس بهما دم سائر المنافذ إلا الخارج من معدن النجاسة كمحل الغائط
والمرجع في القلة والكثرة العرف وما شك في كثرته له حكم القليل
ولو تفرق النجس في محال ولو جمع كثر كان له حكم القليل عند الإمام والكثير عند المتولي والغزالي وغيرهما ورجحه بعضهم
ويعفى عن دم نحو فصد وحجم بمحلهما وإن كثر
وتصح صلاة
____________________
(1/102)
من أدمى لثته قبل غسل الفم إذا لم يبتلع ريقه فيها لأن دم اللثة معفو عنه بالنسبة إلى الريق
ولو رعف قبل الصلاة ودام فإن رجا انقطاعه والوقت متسع انتظره وإلا تحفظ كالسلس خلافا لمن زعم انتظاره وإن خرج الوقت
كما تؤخر لغسل ثوبه المتنجس وإن خرج
ويفرق بقدرة هذا على إزالة النجس من أصله فلزمته بخلافه في مسألتنا
وعن قليل طين محل مرور متيقن نجاسته ولو بمغلظ للمشقة ما لم تبق عينها متميزة
ويختلف ذلك بالوقت ومحله من الثوب والبدن
وإذا تعين عين النجاسة في الطريق ولو مواطىء
____________________
(1/103)
كلب فلا يعفى عنها ( وإن عمت الطريق على الأوجه )
( وأفتى شيخنا ) في طريق لا طين بها بل فيها قذر الأدمي وروث الكلاب والبهائم وقد أصابها المطر بالعفو عند مشقة الاحتراز
( قاعدة مهمة ) وهي أن ما أصله الطهارة وغلب على الظن تنجسه لغلبة النجاسة في مثله فيه قولان معروفان بقولي الأصل
والظاهر أو الغالب أرجحهما أنه طاهر عملا بالأصل المتيقن لأنه أضبط من الغالب المختلف بالأحوال والأزمان ( وذلك كثياب خمار وحائض وصبيان ) وأواني متدينين بالنجاسة وورق يغلب نثره على نجس ولعاب صبي
____________________
(1/104)
وجوخ اشتهر عمله بشحم الخنزير وجبن شامي اشتهر عمله بإنفحة الخنزير
وقد جاءه صلى الله عليه وسلم جبنة من عندهم فأكل منها ولم يسأل عن ذلك
ذكره شيخنا في شرح المنهاج
( و ) يعفى عن ( محل استجماره و ) عن ( ونيم ذباب )
____________________
(1/105)
وبول ( وروث خفاش ) في المكان وكذا الثوب والبدن وإن كثرت لعسر الاحتراز عنها
ويعفى عما جف من ذرق سائر الطيور في المكان إذا عمت البلوى به
وقضية كلام المجموع العفو عنه في الثوب والبدن أيضا ولا يعفى عن بعر الفأر ولو يابسا على الأوجه
لكن أفتى شيخنا ابن زياد كبعض المتأخرين بالعفو عنه إذا عمت البلوى به كعمومها في ذرق الطيور
ولا تصح صلاة من حمل مستجمرا أو حيوانا بمنفذه نجس أو مذكى غسل مذبحه دون جوفه أو ميتا طاهرا كآدمي وسمك يغسل باطنه أو بيضة مذرة في باطنها دم
ولا صلاة قابض طرف متصل بنجس وإن لم يتحرك بحركته
فرع لو رأى من يريد صلاة وبثوبه نجس غير معفو عنه
____________________
(1/106)
لزمه إعلامه
وكذا يلزم تعليم من رآه يخل بواجب عبادة في رأي مقلده
تتمة يجب الاستنجاء من كل خارج ملوث بماء
ويكفي فيه غلبة ظن زوال النجاسة ولا يسن حينئذ شم يده وينبغي الاسترخاء لئلا يبقى أثرها في تضاعيف شرج المقعدة أو بثلاث مسحات
____________________
(1/107)
تعم المحل في كل مرة مع تنقية بجامد قالع
ويندب لداخل الخلاء أن يقدم يساره ويمينه لانصرافه بعكس المسجد
____________________
(1/108)
وينحي ما عليه معظم من قرآن واسم نبي أو ملك ولو مشتركا كعزيز وأحمد إن قصد به معظم
ويسكت حال خروج خارج ولو عن غير ذكر وفي غير حال الخروج عن ذكر
ويبعد ويستتر
وأن لا يقضي حاجته في ماء مباح راكد ما لم يستبحر
____________________
(1/109)
ومتحدث غير مملوك لأحد وطريق
وقيل يحرم التغوط فيها
وتحت مثمر بملكه أو مملوك علم رضا مالكه وإلا حرم
ولا يستقبل عين القبلة ولا يستدبرها ويحرمان
____________________
(1/110)
في غير المعد وحيث لا ساتر
فلو استقبلها بصدره وحول فرجه عنها ثم بال لم يضر بخلاف عكسه
ولا يستاك ولا يبزق في بوله
وأن يقول عند دخوله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث
والخروج غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني
____________________
(1/111)
وبعد الاستنجاء اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش
قال البغوي لو شك بعد الاستنجاء هل غسل ذكره لم تلزمه إعادته
( ثالثها ) ( أي شروط الصلاة ) ( ستر رجل ) ولو صبيا ( وأمة ) ولو مكاتبة وأم ولد
( ما بين سرة وركبة ) لهما ولو خاليا في ظلمة
للخبر الصحيح لا يقبل الله صلاة حائض أي بالغ إلا بخمار
____________________
(1/112)
ويجب ستر جزء منهما ليتحقق به ستر العورة
( و ) ستر ( حرة ) ولو صغيرة ( غير وجه وكفين ) ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين ( بما لا يصف لونا ) أي لون البشرة في مجلس التخاطب
كذا ضبطه بذلك أحمد بن موسى بن عجيل
ويكفي ما يحكي لحجم الأعضاء لكنه خلاف الأولى ويجب الستر من الأعلى والجوانب لا من الأسفل ( إن قدر ) أي كل من الرجل والحرة والأمة
( عليه ) أي الستر
أما العاجز عما يستر العورة فيصلي وجوبا عاريا بلا إعادة ولو مع وجود ساتر متنجس تعذر غسله لا من أمكنه تطهيره وإن خرج الوقت ولو قدر على ساتر بعض العورة لزمه الستر بما وجد وقدم السوأتين فالقبل
____________________
(1/113)
فالدبر ولا يصلي عاريا مع وجود حرير بل لابسا له لأنه يباح للحاجة
ويلزم التطيين لو عدم الثوب أو نحوه
ويجوز لمكتس اقتداء بعار وليس للعاري غصب الثوب
ويسن للمصلي أن يلبس أحسن ثيابه ويرتدي ويتعمم ويتقمص ويتطيلس ولو كان عنده ثوبان فقط لبس أحدهما وارتدى بالآخر إن كان ثم سترة وإلا جعله مصلى
كما أفتى به شيخنا
( فرع ) يجب هذا الستر خارج الصلاة أيضا ولو بثوب نجس أو حرير لم يجد غيره حتى في الخلوة لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل وما بين سرة وركبة غيره
ويجوز كشفها في الخلوة ولو من المسجد لأدنى غرض كتبريد وصيانة ثوب من الدنس والغبار عند كنس البيت وكغسل
____________________
(1/114)
( ورابعها معرفة دخول وقت ) يقينا أو ظنا
فمن صلى بدونها لم تصح صلاته وإن وقعت في الوقت لأن الاعتبار في العبادات بما في ظن المكلف وبما في نفس الأمر وفي العقود بما في نفس الأمر فقط
( فوقت ظهر
____________________
(1/115)
من زوال ) الشمس ( إلى مصير ظل كل شيء مثله غير ظل استواء ) أي الظل الموجود عنده إن وجد
وسميت بذلك لأنها أول صلاة ظهرت
( ف ) وقت ( عصر ) من آخر وقت الظهر ( إلى غروب ) جميع
____________________
(1/116)
قرص شمس ( ف ) وقت ( مغرب ) من الغروب ( إلى مغيب الشفق الأحمر ف ) وقت ( عشاء ) من مغيب الشفق
قال شيخنا وينبغي ندب تأخيرها لزوال الأصفر والأبيض خروجا من خلاف من أوجب ذلك
ويمتد
____________________
(1/117)
( إلى طلوع ( فجر ) صادق ( ف ) وقت ( صبح ) من طلوع الفجر الصادق لا الكاذب ( إلى طلوع ) بعض ( الشمس ) والعصر هي الصلاة الوسطى لصحة الحديث به
فهي أفضل الصلوات ويليها الصبح ثم العشاء ثم الظهر ثم المغرب كما استظهره شيخنا من الأدلة
وإنما فضلوا جماعة الصبح والعشاء لأنها فيهما أشق
قال الرافعي كانت الصبح صلاة آدم والظهر صلاة داود والعصر صلاة سليمان والمغرب صلاة يعقوب والعشاء صلاة يونس عليهم الصلاة والسلام
انتهى
واعلم أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا فله التأخير عن أوله إلى وقت يسعها بشرط أن يعزم على فعلها فيه ولو أدرك في الوقت ركعة لا دونها فالكل أداء وإلا فقضاء
____________________
(1/118)
ويأثم بإخراج بعضها عن الوقت وإن أدرك ركعة
نعم لو شرع في غير الجمعة وقد بقي ما يسعها جاز له بلا كراهة أن يطولها بالقراءة أو الذكر حتى يخرج الوقت وإن لم يوقع منها ركعة فيه على المعتمد فإن لم يبق من الوقت ما يسعها أو كانت جمعة لم يجز المد ولا يسن الاقتصار على أركان الصلاة لإدراك كلها في الوقت
( فرع ) يندب تعجيل صلاة ولو عشاء لأول وقتها لخبر أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها
وتأخيرها عن أوله لتيقن جماعة أثناءه وإن فحش التأخير ما لم يضق الوقت ولظنها إذا لم يفحش عرفا لا لشك فيها مطلقا
والجماعة القليلة أول الوقت أفضل من الكثيرة آخره
ويؤخر المحرم صلاة العشاء وجوبا لأجل خوف فوات حج بفوت الوقوف بعرفة
____________________
(1/119)
لو صلاها متمكنا لأن قضاءه صعب
والصلاة تؤخر لأنها أسهل من مشقته ولا يصليها صلاة شدة الخوف
ويؤخر أيضا وجوبا من رأى نحو غريق أو أسير لو أنقذه خرج الوقت
____________________
(1/120)
( فرع ) يكره النوم بعد دخول وقت الصلاة وقبل فعلها حيث ظن الاستيقاظ قبل ضيقه لعادة أو لإيقاظ غيره له وإلا حرم النوم الذي لم يغلب في الوقت
( فرع ) يكره تحريما صلاة لا سبب لها كالنفل المطلق ومنه صلاة التسابيح أو لها سبب متأخر كركعتي استخارة وإحرام بعد أداء صبح حتى ترتفع الشمس كرمح وعصر حتى تغرب وعند استواء غير يوم الجمعة
لا ما له سبب متقدم كركعتي وضوء
____________________
(1/121)
وطواف وتحية وكسوف وصلاة جنازة ولو على غائب وإعادة مع جماعة ولو إماما وكفائتة فرض أو نفل لم يقصد تأخيرها للوقت المكروه ليقضيها فيه أو يداوم عليه
فلو تحرى إيقاع صلاة غير صاحبة الوقت في الوقت المكروه من حيث كونه مكروها فتحرم مطلقا ولا تنعقد ولو فائتة يجب قضاؤها فورا لأنه معاند للشرع
____________________
(1/122)
( وخامسها استقبال ) عين ( القبلة ) أي الكعبة بالصدر
فلا يكفي استقبال جهتها خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى ( إلا في ) حق العاجز عنه وفي صلاة ( شدة خوف ) ولو فرضا فيصلي كيف أمكنه ماشيا وراكبا مستقبلا
____________________
(1/123)
أو مستدبرا كهارب من حريق وسيل وسبع وحية ومن دائن عند إعسار وخوف حبس
( و ) لا في ( نفل سفر مباح ) لقاصد محل معين فيجوز النفل راكبا وماشيا فيه ولو قصيرا
نعم يشترط أن يكون مقصده على مسافة لا يسمع النداء من بلده بشروطه المقررة في الجمعة
وخرج بالمباح سفر المعصية فلا يجوز ترك القبلة في النفل لأبق ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه
( و ) يجب ( على ماش إتمام ركوع وسجود ) لسهولة ذلك عليه وعلى راكب إيماء بهما
____________________
(1/124)
( واستقبال فيهما وفي تحرم ) وجلوس بين السجدتين فلا يمشي إلا في القيام والاعتدال والتشهد والسلام ويحرم انحرافه عن استقبال صوب مقصده عامدا عالما مختارا إلا إلى القبلة
ويشترط ترك فعل كثير كعدو وتحريك رجل بلا حاجة وترك تعمد وطء نجس ولو يابسا وإن عم الطريق ولا يضر وطء يابس خطأ ولا يكلف ماش التحفظ عنه
ويجب الاستقبال في النفل لراكب سفينة غير ملاح
واعلم أيضا أنه يشترط في صحة الصلاة العلم بفرضية الصلاة
فلو جهل فرضية أصل الصلاة أو صلاته التي شرع فيها لم تصح كما في المجموع والروضة
وتمييز فروضها من سننها
____________________
(1/125)
نعم إن اعتقد العامي أو العالم على الأوجه الكل فرضا صحت أو سنة فلا
والعلم بكيفيتها الآتي بيانها قريبا إن شاء الله تعالى
فصل في صفة الصلاة ( أركان الصلاة ) أي فروضها أربعة عشر بجعل الطمأنينة في محالها ركنا واحدا
أحدها ( نية ) وهي القصد بالقلب لخبر إنما الأعمال بالنيات
( فيجب فيها ) أي النية
____________________
(1/126)
( قصد فعلها ) أي الصلاة لتتميز عن بقية الأفعال ( وتعيينها ) من ظهر أو غيرها لتتميز عن غيرها فلا يكفي نية فرض الوقت
( ولو ) كانت الصلاة المفعولة ( نفلا ) غير مطلق كالرواتب والسنن المؤقتة أو ذات السبب فيجب فيها التعيين بالإضافة إلى ما يعينها كسنة الظهر القبلية أو البعدية وإن لم يؤخر القبلية
ومثلها كل صلاة لها سنة قبلها وسنة بعدها وكعيد الأضحى أو الأكبر أو الفطر أو الأصغر
____________________
(1/127)
فلا يكفي صلاة العيد والوتر سواء الواحدة والزائدة عليها ويكفي نية الوتر من غير عدد
ويحمل على ما يريده على الأوجه ولا يكفي فيه نية سنة العشاء أو راتبتها والتراويح والضحى وكاستسقاء وكسوف شمس أو قمر
أما النفل المطلق فلا يجب فيه تعيين بل يكفي فيه نية فعل الصلاة كما في ركعتي التحية والوضوء والاستخارة وكذا صلاة الأوابين على ما قاله شيخنا ابن زياد والعلامة السيوطي رحمهما الله تعالى
والذي جزم به شيخنا في فتاويه أنه لا بد فيها من التعين كالضحى
( و ) تجب ( نية فرض فيه ) أي في الفرض ولو كفاية أو نذرا وإن كان الناوي صبيا ليتميز عن النفل
____________________
(1/128)
( كأصلي فرض الظهر ) مثلا أو فرض الجمعة وإن أدرك الإمام في تشهدها
( وسن ) في النية ( إضافة إلى الله ) ( تعالى ) خروجا من خلاف من أوجبها وليتحقق معنى الإخلاص
( وتعرض لأداء أو قضاء ) ولا يجب وإن كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة خلافا لما اعتمده الأذرعي
والأصح صحة الأداء بنية القضاء وعكسه إن عذر بنحو غيم
____________________
(1/129)
وإلا بطلت قطعا لتلاعبه ( و ) تعرض ( لاستقبال وعدد ركعات ) للخروج من خلاف من أوجب التعرض لهما
( و ) سن ( نطق بمنوي ) قبل التكبير ليساعد اللسان القلب وخروجا من خلاف من أوجبه
ولو شك هل أتى بكمال النية أو لا أو هل نوى ظهرا أو عصرا فإن ذكر بعد طول زمان أو بعد إتيانه بركن ولو قوليا كالقراءة بطلت صلاته أو قبلهما فلا
( و ) ثانيها ( تكبير تحرم ) للخبر المتفق عليه إذا قمت إلى الصلاة فكبر
سمي بذلك لأن المصلي يحرم عليه به ما كان حلالا له قبله من مفسدات الصلاة وجعل فاتحة الصلاة ليستحضر المصلي معناه الدال على عظمة من تهيأ لخدمته حتى تتم له الهيبة والخشوع ومن ثم زيد في تكراره ليدوم استصحاب ذينك في جميع صلاته
( مقرونا به ) أي بالتكبير ( النية )
____________________
(1/130)
لأن التكبير أول أركان الصلاة فتجب مقارنتها به بل لا بد أن يستحضر كل معتبر فيها مما مر وغيره
كالقصر للقاصر وكونه إماما أو مأموما في الجمعة والقدوة لمأموم في غيرها مع ابتدائه
ثم يستمر مستصحبا لذلك كله إلى الراء
وفي قول صححه الرافعي يكفي قرنها بأوله
وفي المجموع والتنقيح المختار ما اختاره الإمام والغزالي أنه يكفي فيها المقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضرا للصلاة
وقال ابن الرفعة إنه الحق الذي لا يجوز سواه
وصوبه السبكي وقال من لم يقل به وقع في الوسواس المذموم
وعند الأئمة الثلاثة يجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير
____________________
(1/131)
( ويتعين ) فيه على القادر لفظ ( الله أكبر ) للاتباع أو الله الأكبر
____________________
(1/132)
ولا يكفي أكبر الله ولا الله كبير أو أعظم ولا الرحمن أكبر
ويضر إخلال بحرف من الله أكبر
وزيادة حرف يغير المعنى كمد همزة الله وكألف بعد الباء وزيادة واو قبل الجلالة وتخلل واو ساكنة ومتحركة بين الكلمتين وكذا زيادة مد الألف التي بين اللام والهاء إلى حد لا يراه أحد من القراء
ولا يضر وقفة يسيرة بين كلمتيه وهي سكتة التنفس ولا ضم الراء
( فرع ) لو كبر مرات ناويا الافتتاح بكل دخل فيها بالوتر وخرج منها بالشفع لأنه لما دخل بالأولى خرج بالثانية لأن نية الافتتاح بها متضمنة لقطع الأولى
وهكذا فإن لم ينو ذلك
____________________
(1/133)
ولا تخلل مبطل كإعادة لفظ النية فما بعد الأولى ذكر لا يؤثر
( ويجب إسماعه ) أي التكبير ( نفسه ) إن كان صحيح السمع ولا عارض من نحو لغط
( كسائر ركن قولي ) من الفاتحة والتشهد والسلام
ويعتبر إسماع المندوب القولي لحصول السنة
( وسن جزم رائه ) أي التكبير خروجا من خلاف من أوجبه وجهر به لإمام كسائر تكبيرات الانتقالات ( ورفع كفيه ) أو إحداهما إن تعسر رفع الأخرى ( بكشف ) أي مع كشفهما ويكره خلافه
ومع تفريق أصابعهما تفريقا وسطا ( خذو ) أي مقابل ( منكبيه ) بحيث يحاذي أطراف أصابعه على أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه للاتباع
وهذه الكيفية تسن ( مع ) جميع تكبير
____________________
(1/134)
( تحرم ) بأن يقرنه به ابتداء وينهيه معا
( و ) مع ( ركوع ) للاتباع الوارددمن طرق كثيرة
( ورفع منه ) أي من الركوع
( و ) رفع ( من تشهد أول ) للاتباع فيهما
( ووضعهما تحت صدره ) وفوق سرته للاتباع
( آخذا بيمينه ) كوع ( يساره ) وردهما من الرفع إلى تحت الصدر أولى من إرسالهما بالكلية ثم استئناف رفعهما إلى تحت الصدر
قال المتولي واعتمده غيره ينبغي أن ينظر قبل الرفع والتكبير إلى موضع سجوده ويطرق رأسه قليلا ثم يرفع
( و ) ثالثها ( قيام قادر ) عليه بنفسه أو بغيره ( في فرض ) ولو مندورا أو معادا
____________________
(1/135)
ويحصل القيام بنصب فقار ظهره أي عظامه التي هي مفاصله ولو باستناد إلى شيء بحيث لو زال لسقط
ويكره الاستناد لا بانحناء إن كان أقرب إلى أقل الركوع إن لم يعجز عن تمام الانتصاب
( ولعاجز شق عليه قيام ) بأن لحقه به مشقة شديدة بحيث لا تحتمل عادة وضبطها الإمام بأن تكون بحيث يذهب معها خشوعه ( صلاة قاعدا ) كراكب سفينة خاف نحو دوران رأس إن قام وسلس لا يستمسك حدثه إلا بالقعود
وينحني القاعد للركوع بحيث تحاذي جبهته ما قدام ركبتيه
( فرع ) قال شيخنا يجوز لمريض أمكنه القيام بلا مشقة لو انفرد لا إن صلى في جماعة إلا مع جلوس في بعضها الصلاة معهم مع الجلوس في بعضها وإن كان الأفضل الانفراد
وكذا إذا قرأ الفاتحة فقط لم يقعد أو والسورة قعد فيها جاز له قراءتها مع القعود وإن كان الأفضل تركها
انتهى
والأفضل للقاعد الافتراش ثم التربع ثم التورك
____________________
(1/136)
فإن عجز عن الصلاة قاعدا صلى مضطجعا على جنبه مستقبلا للقبلة بوجهه ومقدم بدنه ويكره على الجنب الأيسر بلا عذر
فمستلقيا على ظهره وأخمصاه إلى القبلة ويجب أن يضع تحت رأسه نحو مخدة ليستقبل بوجهه القبلة وأن يومىء إلى صوب القبلة راكعا وساجدا وبالسجود أخفض من الإيماء إلى الركوع إن عجز عنهما
فإن عجز عن الإيماء برأسه أومأ بأجفانه
فإن عجز أجرى أفعال الصلاة على قلبه فلا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا
وإنما أخروا القيام عن سابقيه مع تقدمه عليهما لأنهما ركنان حتى في النفل وهو ركن في الفريضة فقط
( كمتنفل ) فيجوز له أن يصلي النفل قاعدا
____________________
(1/137)
ومضطجعا مع القدرة على القيام أو القعود
ويلزم المضطجع القعود للركوع والسجود أما مستلقيا فلا يصح مع إمكان الاضطجاع
وفي المجموع إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات
وفي الروضة تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع
( و ) رابعها ( قراءة فاتحة كل ركعة ) في قيامها لخبر الشيخين لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب
أي في كل ركعة
( إلا ركعة مسبوق ) فلا تجب عليه فيها حيث لم يدرك زمنا يسع الفاتحة من قيام الإمام ولو في كل الركعات لسبقه في الأولى وتخلف المأموم عنه بزحمة أو نسيان أو بطء حركة فلم يقم من السجود في كل مما بعدها إلا والإمام راكع فيتحمل الإمام المتطهر في غير الركعة الزائدة الفاتحة أو بقيتها
____________________
(1/138)
عنه
ولو تأخر مسبوق لم يشتغل بسنة لإتمام الفاتحة فلم يدرك الإمام إلا وهو معتدل لغت ركعته
( مع بسملة ) أي مع قراءة البسملة فإنها آية منها لأنه صلى الله عليه وسلم قرأها ثم الفاتحة وعدها آية منها
وكذا من كل سورة غير براءة
( و ) مع ( تشديدات ) فيها وهي أربع عشرة لأن الحرف المشدد بحرفين
فإذا خفف بطل منها حرف
( و ) مع ( رعاية حروف ) فيها وهي على قراءة ملك بلا ألف مائة وواحد وأربعون حرفا
____________________
(1/139)
وهي مع تشديداتها مائة وخمسة وخمسون حرفا
( ومخارجها ) أي الحروف كمخرج ضاد وغيرها
فلو أبدل قادر أو من أمكنه التعلم حرفا بآخر ولو ضادا بظاء أو لحن لحنا يغير المعنى ككسر تاء أنعمت أو ضمها وكسر كاف إياك لا ضمها فإن تعمد ذلك وعلم تحريمه بطلت صلاته وإلا فقراءته
نعم
إن أعاده الصواب قبل طول الفصل كمل عليها
أما عاجز لم يمكنه التعلم فلا تبطل قراءته مطلقا وكذا لاحن لحنا لا يغير المعنى كفتح دال نعبد لكنه إن تعمد حرم وإلا كره
____________________
(1/140)
ووقع خلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الهمد لله بالهاء وفي النطق بالقاف المترددة بينها وبين الكاف
وجزم شيخنا في شرح المنهاج بالبطلان فيهما إلا إن تعذر عليه التعلم قبل خروج الوقت
لكن جزم بالصحة في الثانية شيخه زكريا وفي الأولى القاضي وابن الرفعة
ولو خفف قادر أو عاجز مقصر مشددا كأن قرأ ال رحمن بفك الإدغام بطلت صلاته إن تعمد وعلم وإلا فقراءته لتلك الكلمة
ولو خفف إياك عامدا عالما معناه كفر لأنه ضوء الشمس وإلا سجد للسهو
ولو شدد مخففا صح ويحرم تعمده كوقفة لطيفة بين السين والتاء من نستعين
( و ) مع رعاية ( موالاة ) فيها بأن يأتي بكلماتها على الولاء بأن لا يفصل بين شيء منها وما بعده بأكثر من سكتة التنفس أو العي ( فيعيد ) قراءة الفاتحة ( بتخلل ذكر أجنبي ) لا يتعلق بالصلاة فيها وإن قل كبعض آية من غيرها وكحمد عاطس وإن سن فيها كخارجها لإشعاره بالإعراض
( لا ) يعيد الفاتحة ( ب ) تخلل ما له تعلق بالصلاة ك ( تأمين وسجود ) لتلاوة إمامه معه ( ودعاء ) من سؤال رحمة واستعاذة من عذاب وقول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين
____________________
(1/141)
( لقراءة إمامه ) الفاتحة أو آية السجدة أو الآية التي يسن فيها ما ذكر لكل من القارىء والسامع مأموما أو غيره في صلاة وخارجها
فلو قرأ المصلي آية أو سمع آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وسلم لم تندب الصلاة عليه كما أفتى به النووي
( و ) لا ( بفتح عليه ) أي الإمام إذا توقف فيها بقصد القراءة ولو مع الفتح ومحله كما قال شيخنا إن سكت وإلا قطع الموالاة
وتقديم نحو سبحان الله قبل الفتح يقطعها على الأوجه لأنه حينئذ بمعنى تنبه
( و ) يعيد الفاتحة بتخلل ( سكوت طال ) فيها بحيث زاد على سكتة الاستراحة ( بلا عذر فيهما )
____________________
(1/142)
مع جهل وسهو
فلو كان تخلل الذكر الأجنبي أو السكوت الطويل سهوا أو جهلا أو كان السكوت لتذكر آية لم يضر كما لو كرر آية منها في محلها ولو لغير عذر أو عاد إلى ما قرأه قبل واستمر على الأوجه
( فرع ) لو شك في أثناء الفاتحة هل بسمل فأتمها ثم ذكر أنه بسمل أعاد كلها على الأوجه
( ولا أثر لشك في ترك حرف ) فأكثر من الفاتحة أو آية فأكثر منها
( بعد تمامها ) أي الفاتحة لأن الظاهر حينئذ مضيها تامة
( واستأنف ) وجوبا إن شك فيه ( قبله ) أي التمام
كما لو شك هل قرأها أو لا لأن الأصل عدم قراءتها
وكالفاتحة في ذلك سائر الأركان
فلو شك في أصل السجود مثلا أتى به أو بعده في نحو وضع اليد لم يلزمه شيء
____________________
(1/143)
ولو قرأها غافلا ففطن عند { صراط الذين } ولم يتيقن قراءتها لزمه استئنافها
ويجب الترتيب في الفاتحة بأن يأتي بها على نظمها المعروف لا في التشهد ما لم يخل بالمعنى
لكن يشترط فيه رعاية تشديدات وموالاة كالفاتحة
ومن جهل جميع الفاتحة ولم يمكنه تعلمها قبل ضيق الوقت ولا قراءتها في نحو مصحف لزمه قراءة سبع آيات ولو متفرقة لا ينقض حروفها عن حروف الفاتحة وهي بالبسملة بالتشديدات مائة وستة وخمسون حرفا بإثبات ألف مالك ولو قدر على بعض الفاتحة كرره ليبلغ قدرها وإن لم يقدر على بدل فسبعة أنواع من ذكر كذلك
____________________
(1/144)
فوقوف بقدرها
( وسن ) وقيل يجب ( بعد تحرم ) بفرض أو نفل ما عدا صلاة جنازة
( افتتاح ) أي دعاؤه سرا إن أمن فوت الوقت وغلب على ظن المأموم إدراك ركوع الإمام ( ما لم يشرع ) في تعوذ أو قراءة ولو سهوا
( أو يجلس مأموم ) مع إمامه وإن أمن مع تأمينه
( وإن خاف ) أي المأموم ( فوت سورة ) حيث تسن له
كما ذكر شيخنا في شرح العباب وقال لأن إدراك الافتتاح محقق وفوات السورة موهوم وقد لا يقع
وورد فيه أدعية كثيرة
وأفضلها ما رواه مسلم وهي وجهت وجهي أي ذاتي للذي فطر السموات والأرض حنيفا أي مائلا عن الأديان إلى الدين الحق مسلما وما أنا من المشركين
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين
ويسن لمأموم يسمع قراءة إمامه
____________________
(1/145)
الإسراع به ويزيد ندبا المنفرد وإمام محصورين غير أرقاء ولا نساء متزوجات رضوا بالتطويل لفظا ولم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره
ولم يكن المسجد مطروقا
ما ورد في دعاء الافتتاح ومنه ما رواه الشيخان اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب
اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
اللهم اغسلني من خطاياي كما يغسل الثوب بالماء والثلج والبرد
( ف ) بعد افتتاح وتكبير صلاة عيد إن أتى بهما يسن ( تعوذ ) ولو في صلاة الجنازة سرا ولو في الجهرية
وإن جلس مع إمامه ( كل ركعة ) ما لم يشرع في قراءة ولو سهوا
وهو في الأولى آكد
____________________
(1/146)
ويكره تركه
( و ) يسن ( وقف على رأس كل آية ) حتى على آخر البسملة خلافا لجمع ( منها ) أي من الفاتحة وإن تعلقت بما بعدها للاتباع
والأولى أن لا يقف على { أنعمت عليهم } لأنه ليس بوقف ولا منتهى آية عندنا فإن وقف على هذا لم تسن الإعادة من أول الآية
( و ) يسن ( تأمين ) أي قوله آمين
بالتخفيف والمد
وحسن زيادة رب العالمين ( عقبها ) أي الفاتحة ولو خارج الصلاة بعد سكتة لطيفة ما لم يتلفظ بشيء سوى رب اغفر لي
ويسن الجهر به في الجهرية حتى للمأموم لقراءة إمام تبعا له
( و ) سن لمأموم في الجهرية تأمين ( مع ) تأمين ( إمامه إن سمع ) قراءته لخبر الشيخين إذا أمن الإمام
____________________
(1/147)
أي أراد التأمين فأمنوا
فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
وليس لنا ما يسن فيه تحري مقارنة الإمام إلا هذا
وإذا لم يتفق له موافقته أمن عقب تأمينه
وإن أخر إمامه عن الزمن المسنون فيه التأمين أمن المأموم جهرا
وآمين اسم فعل بمعنى استجب مبني على الفتح ويسكن عند الوقف
( فرع ) يسن للإمام أن يسكت في الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة إن علم أنه يقرؤها في سكتة كما هو ظاهر وأن يشتغل في هذه السكتة بدعاء أو قراءة وهي أولى
قال شيخنا وحينئذ فيظهر أنه يراعي الترتيب والموالاة بينها وبين ما يقرؤها وبعدها
( فائدة ) يسن سكتة لطيفة بقدر سبحان الله بين آمين والسورة وبين آخرها وتكبيرة الركوع وبين التحرم ودعاء الافتتاح وبينه وبين التعوذ وبينه وبين البسملة
( و ) سن آية فأكثر والأولى ثلاث ( بعدها ) أي بعد الفاتحة
____________________
(1/148)
ويسن لمن قرأها من أثناء سورة البسملة
نص عليه الشافعي
ويحصل أصل السنة بتكرير سورة واحدة في الركعتين وبإعادة الفاتحة إن لم يحفظ غيرها وبقراءة البسملة لا بقصد أنها التي هي أول الفاتحة وسورة كاملة حيث لم يرد البعض كما في التراويح أفضل من بعض طويلة وإن طال
ويكره تركها رعاية لمن أوجبها
وخرج ببعدها ما لو قدمها عليها فلا تحسب بل يكره ذلك
وينبغي أن لا يقرأ غير الفاتحة من يلحن فيه لحنا يغير المعنى
وإن عجز عن التعلم لأنه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة
وترك السورة جائز
ومقتضى كلام الإمام الحرمة
( و ) تسن ( في ) الركعتين ( الأوليين ) من رباعية أو ثلاثية ولا تسن في الأخيرتين إلا لمسبوق بأن لم يدرك الأوليين مع إمامه فيقرؤها في باقي صلاته
____________________
(1/149)
إذا تداركه ولم يكن قرأها فيما أدركه ما لم تسقط عنه لكونه مسبوقا فيما أدركه لأن الإمام إذا تحمل عنه الفاتحة فالسورة أولى
ويسن أن يطول قراءة الأولى على الثانية ما لم يرد نص بتطويل الثانية
وأن يقرأ على ترتيب المصحف وعلى التوالي ما لم تكن التي تليها أطول ولو تعارض الترتيب وتطويل الأولى كأن قرأ الإخلاص فهل يقرأ الفلق نظرا للترتيب أو الكوثر نظرا لتطويل الأولى كل محتمل والأقرب الأول
قاله شيخنا في شرح المنهاج
وإنما تسن قراءة الآية ( ل ) لإمام ومنفرد و ( غير مأموم سمع ) قراءة إمامه في الجهرية فتكره له
وقيل تحرم
أما مأموم لم يسمعها أو سمع صوتا لا يميز حروفه فيقرأ سرا
لكن يسن له
____________________
(1/150)
كما في أوليي السرية تأخير فاتحته عن فاتحة إمامه إن ظن إدراكها قبل ركوعه وحينئذ يشتغل بالدعاء لا القراءة
وقال المتولي وأقره ابن الرفعة يكره الشروع فيها قبله ولو في السرقة للخلاف في الاعتداد بها حينئذ ولجريان قول بالبطلان إن فرغ منها قبله
( فرع ) يسن لمأموم فرغ من الفاتحة في الثالثة أو الرابعة أو من التشهد الأول قبل الإمام أن يشتغل بدعاء فيهما أو قراءة في الأولى وهي أولى
( و ) يسن للحاضر ( في ) صلاته ( جمعة وعشائها ) سورة ( الجمعة والمنافقون أو سبح وهل أتاك و ) في ( صبحها ) أي الجمعة إذا اتسع الوقت ( آلم تنزيل ) السجدة ( وهل أتى
و ) في مغربها ( الكافرون والإخلاص )
ويسن قراءتهما في صبح الجمعة وغيرها للمسافر
____________________
(1/151)
وفي ركعتي الفجر والمغرب والطواف والتحية والاستخارة والإحرام للاتباع في الكل
( فرع ) لو ترك إحدى المعينتين في الأولى أتى بهما في الثانية أو قرأ في الأولى ما في الثانية قرأ فيها ما في الأولى
ولو شرع في غير السورة المعينة ولو سهوا قطعها وقرأ المعينة ندبا
وعند ضيق وقت سورتان قصيرتان أفضل من بعض الطويلتين المعينتين خلافا للفارقي
ولو لم يحفظ إلا إحدى المعينتين قرأها ويبدل الاخرى بسورة حفظها وإن فاته الولاء
ولو اقتدى في ثانية صبح الجمعة مثلا وسمع قراءة الإمام { هل أتى } فيقرأ في ثانيته إذا قام بعد سلام الإمام الم تنزيل
كما أفتى به الكمال الرداد وتبعه شيخنا في فتاويه
لكن قضية
____________________
(1/152)
كلامه في شرح المنهاج أنه يقرأ في ثانيته إذا قام هل أتى وإذا قرأ الإمام غيرها قرأهما المأموم في ثانيته
وإن أدرك الإمام في ركوع الثانية فكما لو لم يقرأ شيئا فيقرأ السجدة وهل أتى في ثانيته
كما أفتى به شيخنا
( تنبيه ) يسن الجهر بالقراءة لغير مأموم في صبح وأوليي العشاءين وجمعة وفيما يقضي بين غروب الشمس وطلوعها وفي العيدين قال شيخنا ولو قضاء والتراويح ووتر رمضان وخسوف القمر
ويكره للمأموم الجهر للنهي عنه
ولا يجهر مصل وغيره إن شوش على نحو نائم أو مصل فيكره
كما في المجموع
وبحث بعضهم المنع من الجهر بقرآن أو غيره بحضرة المصلي مطلقا لأن المسجد وقف على المصلين أي أصالة دون الوعاظ والقراء ويتوسط بين الجهر والإسرار في النوافل المطلقة ليلا ( و ) سن لمنفرد وإمام ومأموم
____________________
(1/153)
( تكبير في كل خفض ورفع ) للاتباع ( لا ) في رفع ( من ركوع ) بل يرفع منه قائلا سمع الله لمن حمده ( و ) سن ( مده ) أي التكبير إلى أن يصل إلى المنتقل إليه وإن فصل بجلسة الاستراحة
( و ) سن ( جهر به ) أي بالتكبير للانتقال كالتحرم ( لإمام ) وكذا مبلغ احتيج إليه لكن إن نوى الذكر أو والإسماع وإلا بطلت صلاته
كما قال شيخنا في شرح المنهاج
قال بعضهم إن التبليغ بدعة منكرة باتفاق الأئمة الأربعة حيث بلغ المأمومين صوت الإمام
( وكره ) أي الجهر به
( لغيره ) من منفرد ومأموم
( و ) خامسها ( ركوع
____________________
(1/154)
بانحناء بحيث تنال راحتاه ) وهما ما عدا الأصابع من الكفين فلا يكفي وصول الأصابع ( ركبتيه ) لو أراد وضعهما عليهما عند اعتدال الخلقة
هذا أقل الركوع
( وسن ) في الركوع ( تسوية ظهر وعنق ) بأن يمدهما حتى يصيرا كالصفيحة الواحدة للاتباع
( وأخذ ركبتيه ) مع نصبهما وتفريقهما ( بكفيه ) مع كشفهما وتفرقة أصابعهما تفريقا وسطا ( وقول سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا ) للاتباع
وأقل التسبيح فيه وفي السجود مرة ولو بنحو سبحان الله وأكثره إحدى عشرة
ويزيد من مر ندبا اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت
خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري
____________________
(1/155)
وما استقلت به قدمي أي جميع جسدي لله رب العالمين
ويسن فيه وفي السجود سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي
ولو اقتصر على التسبيح أو الذكر فالتسبيح أفضل وثلاث تسبيحات مع اللهم لك ركعت إلى آخره أفضل من زيادة التسبيح إلى إحدى عشرة
ويكره الاقتصار على أقل الركوع والمبالغة في خفض الرأس عن الظهر فيه
ويسن لذكر أن يجافي مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه في الركوع والسجود
ولغيره أن يضم فيهما بعضه لبعض
( تنبيه ) يجب أن لا يقصد بالهوي للركوع غيره فلو هوي لسجود تلاوة فلما بلغ حد الركوع جعله ركوعا لم يكف بل يلزمه أن ينتصب ثم يركع كنظيره من الاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين
ولو شك غير مأموم وهو ساجد هل ركع لزمه الانتصاب فورا ثم الركوع ولا يجوز له القيام راكعا
( و ) سادسها ( اعتدال ) ولو في نفل على المعتمد
ويتحقق ( بعود ) بعد الركوع ( لبدء )
____________________
(1/156)
بأن يعود لما كان عليه قبل ركوعه قائما كان أو قاعدا
ولو شك في إتمامه عاد إليه غير المأموم فورا وجوبا وإلا بطلت صلاته
والمأموم يأتي بركعة بعد سلام إمامه
( ويسن أن يقول في رفعه ) من الركوع ( سمع الله لمن حمده ) أي تقبل منه حمده والجهر به لإمام ومبلغ لأنه ذكر انتقال
( و ) أن يقول ( بعد انتصاب ) للاعتدال ( ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ) أي بعدهما كالكرسي والعرش
وملء بالرفع صفة وبالنصب حال
أي مالئا بتقدير كونه جسما وأن يزيد من مر أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد
____________________
(1/157)
( و ) سن ( قنوت بصبح ) أي في اعتدال ركعته الثانية بعد الذكر الراتب على الأوجه وهو إلى من شيء بعد ( و ) اعتدال آخره ( وتر نصف أخير من رمضان ) للاتباع ويكره في النصف الأول كبقية السنة
( وبسائر مكتوبة ) من الخمس في اعتدال الركعة الأخيرة ولو مسبوقا قنت مع إمامه ( لنازلة ) نزلت بالمسلمين
ولو واحدا تعدى نفعه كأسر العالم أو الشجاع وذلك للاتباع وسواء فيها الخوف ولو من عدو مسلم والقحط والوباء
وخرج بالمكتوبة النفل ولو عيدا والمنذورة فلا يسن فيهما
( رافعا يديه ) حذو منكبيه ولو حال الثناء كسائر الأدعية للاتباع وحيث دعا لتحصيل شيء كدفع بلاء عنه في بقية عمره
____________________
(1/158)
جعل بطن كفيه إلى السماء
أو لرفع بلاء وقع به جعل ظهرهما إليها
ويكره الرفع لخطيب حالة الدعاء ( بنحو اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره ) أي وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت أي معهم لأندرج في سلكهم
وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت
تباركت ربنا وتعاليت فلك الحمد على
____________________
(1/159)
ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك
وتسن آخره الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله ولا تسن أوله
ويزيد فيه من مر قنوت عمر الذي كان يقنت به في الصبح وهو اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك
اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد أي نسرع نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق
ولما كان قنوت الصبح المذكور أولا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم قدم على هذا فمن ثم لو أراد أحدهما فقط اقتصر على الأول ولا يتعين كلمات القنوت فيجزىء عنها آية تضمنت دعاء إن قصده كآخر البقرة وكذا دعاء محض
____________________
(1/160)
ولو غير مأثور
قال شيخنا والذي يتجه أن القانت لنازلة يأتي بقنوت الصبح ثم يختم بسؤال رفع تلك النازلة
( وجهر به ) أي القنوت ندبا ( إمام ) ولو في السرية لا مأموم لم يسمعه ومنفرد فيسران به مطلقا ( وأمن ) جهرا ( مأموم ) سمع قنوت إمامه للدعاء منه
ومن الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيؤمن لها على الأوجه
أما الثناء وهو فإنك تقضي إلى آخره فيقوله سرا
أما مأموم لم يسمعه أو سمع صوتا لا يفهمه فيقنت سرا
( وكره لإمام تخصيص نفسه بدعاء ) أي بدعاء القنوت للنهي عن تخصيص نفسه بالدعاء
____________________
(1/161)
فيقول الإمام اهدنا وما عطف عليه بلفظ الجمع
وقضيته أن سائر الأدعية كذلك ويتعين حمله على ما لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم وهو إمام بلفظ الإفراد وهو كثير
قال بعض الحفاظ إن أدعيته كلها بلفظ الإفراد ومن ثم جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت
( و ) سابعها ( سجود مرتين ) كل ركعة ( على غير محمول ) له ( وإن تحرك بحركته ) ولو نحو سرير يتحرك بحركته لأنه ليس بمحمول له فلا يضر السجود عليه كما إذا سجد على محمول لم يتحرك بحركته كطرف من ردائه الطويل
وخرج بقولي على غير محمول له ما لو سجد على محمول يتحرك بحركته كطرف من عمامته فلا يصح فإن سجد عليه
____________________
(1/162)
بطلت الصلاة إن تعمد وعلم تحريمه وإلا أعاد السجود
ويصح على يد غيره وعلى نحو منديل بيده لأنه في حكم المنفصل ولو سجد على شيء فالتصق بجبهته صح ووجب إزالته للسجود الثاني
( مع تنكيس ) بأن ترتفع عجيزته وما حولها على رأسه ومنكبيه للاتباع
فلو انعكس أو تساويا لم يجزئه
نعم إن كان به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك أجزأه ( بوضع بعض جبهته
____________________
(1/163)
بكشف ) أي مع كشف
فإن كان عليها حائل كعصابة لم يصح إلا أن يكون لجراحة وشق عليه إزالته مشقة شديدة فيصح
( و ) مع ( تحامل ) بجبهته فقط على مصلاه بأن ينال ثقل رأسه خلافا للإمام
( و ) وضع بعض ( ركبتيه و ) بعض ( بطن كفيه ) من الراحة وبطون الأصابع ( و ) بعض بطن ( أصابع قدميه ) دون ما عدا ذلك كالحرف وأطراف الأصابع وظهرهما
ولو قطعت أصابع قدميه وقدر على وضع شيء من بطنهما لم يجب كما اقتضاه كلام الشيخين
ولا يجب التحامل عليها بل يسن ككشف غير الركبتين
( وسن ) في السجود ( وضع أنف ) بل يتأكد لخبر صحيح ومن ثم اختير وجوبه
ويسن وضع الركبتين أولا متفرقتين قدر شبر
____________________
(1/164)
ثم كفيه حذو منكبيه رافعا ذراعيه عن الأرض وناشرا أصابعه مضمومة للقبلة ثم جبهته وأنفه معا وتفريق قدميه قدر شبر ونصبهما موجها أصابعهما للقبلة وإبرازهما من ذيله
ويسن فتح عينيه حالة السجود كما قاله ابن عبد السلام وأقره الزركشي
ويكره مخالفة الترتيب المذكور وعدم وضع الأنف ( وقول سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا ) في السجود للاتباع
ويزيد من مر ندبا اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت
سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين
____________________
(1/165)
ويسن إكثار الدعاء فيه
ومما ورد فيه اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك
وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره
قال في الروضة تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع
( و ) ثامنها ( جلوس بينهما ) أي السجدتين ولو في نفل على المعتمد
ويجب أن لا يقصد برفعه غيره فلو رفع فزعا من نحو لسع عقرب أعاد السجود
ولا يضر إدامة وضع يديه على الأرض إلى السجدة الثانية اتفاقا خلافا لمن وهم 2 فيه
( ولا يطوله ولا اعتدالا ) لأنهما غير مقصودين لذاتهما بل شرعا للفصل فكانا
____________________
(1/166)
قصيرين
فإن طول أحدهما فوق ذكره المشروع فيه قدر الفاتحة في الاعتدال أقل التشهد في الجلوس عامدا عالما بطلت صلاته
( وسن فيه ) الجلوس بين السجدتين ( و ) في ( تشهد أول ) وجلسة استراحة وكذا في تشهد أخير إن تعقبه سجود سهو
( افتراش ) بأن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي ظهرها الأرض ( واضعا كفيه ) على فخذيه قريبا من ركبتيه بحيث تسامتهما رؤوس الأصابع ناشرا أصابعه ( قائلا رب اغفر لي إلى آخره ) تتمته وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني
للاتباع
ويكره اغفر لي ثلاثا
( و ) سن ( جلسة استراحة ) بقدر الجلوس بين السجدتين للاتباع
____________________
(1/167)
ولو في نفل وإن تركها الإمام خلافا لشيخنا ( لقيام ) أي لأجله عن سجود لغير تلاوة
ويسن اعتماد على بطن كفيه في قيام من سجود وقعود
( و ) تاسعها ( طمأنينة في كل ) من الركوع والسجودين والجلوس بينهما والاعتدال ولو كانا في نفل خلافا للأنوار
وضابطها أن تستقر أعضاوه بحيث ينفصل ما انتقل إليه عما انتقل عنه
( و ) عاشرها ( تشهد أخير
____________________
(1/168)
وأقله ) ما رواه الشافعي والترمذي ( التحيات لله إلى آخره ) تتمته سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
ويسن لكل زيادة المباركات الصلوات الطيبات وأشهد الثاني
____________________
(1/169)
وتعريف السلام في الموضعين لا البسملة قبله ولا يجوز إبدال لفظ من هذا الأقل ولو بمرادفه كالنبي بالرسول وعكسه ومحمد بأحمد وغيره ويكفي وأن محمدا عبده ورسوله لا وأن محمدا رسوله
ويجب أن يراعي هنا التشديدات وعدم إبدال حرف بآخر والموالاة لا الترتيب إن لم يخل بالمعنى
فلو أظهر النون المدغمة في اللام في أن لا إله إلا الله أبطل لتركه شدة منه
____________________
(1/170)
كما لو ترك إدغام دال محمد في راء رسول الله
ويجوز في النبي الهمزة والتشديد
( و ) حادي عشرها ( صلاة على النبي ) صلى الله عليه وسلم ( بعده ) أي بعد تشهد أخير فلا تجزىء قبله
( وأقلها اللهم صل ) أي ارحمه رحمة مقرونة بالتعظيم أو صلى الله ( على محمد ) أو على رسوله أو على النبي دون أحمد
( وسن في ) تشهد ( أخير ) وقيل يجب
____________________
(1/171)
( صلاة على آله ) فيحصل أقل الصلاة على الآل بزيادة وآله مع أقل الصلاة لا في الأول على الأصح لبنائه على التخفيف ولأن فيها نقل ركن قولي على قول وهو مبطل على قول
واختير مقابله لصحة أحاديث فيه
( ويسن أكملها في تشهد ) أخير وهو اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
والسلام تقدم في التشهد فليس هنا إفراد الصلاة عنه ولا بأس بزيادة سيدنا قبل محمد
( و ) سن في تشهد أخير ( دعاء ) بعد ما ذكر كله
وأما التشهد الأول فيكره فيه الدعاء لبنائه على التخفيف إلا إن فرغ
____________________
(1/172)
قبل إمامه فيدعو حينئذ
ومأثوره أفضل وآكده ما أوجبه بعض العلماء وهو اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال
ويكره تركه
ومنه اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني
أنعت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت
رواهما مسلم
ومنه أيضا اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك إنك أنت الغفور الرحيم
رواه البخاري
ويسن أن ينقص دعاء الإمام عن قدر أقل التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/173)
قال شيخنا تكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أدعية التشهد
( و ) ثاني عشرها ( قعود لهما ) أي للتشهد والصلاة وكذا للسلام
( وسن تورك فيه ) أي في قعود التشهد الأخير وهو ما يعقبه سلام
فلا يتورك مسبوق في تشهد إمامه الأخير ولا من يسجد لسهو
وهو كالافتراش لكن يخرج يسراه من جهة يمناه ويلصق وركه بالأرض
( ووضع يديه في ) قعود ( تشهديه على طرف ركبتيه ) بحيث تسامته رؤوس الأصابع ( ناشرا أصابع يسراه ) مع ضم لها ( وقابضا ) أصابع ( يمناه إلا المسبحة ) بكسر الباء وهي التي تلي الإبهام فيرسلها
( و ) سن ( رفعها ) أي المسبحة مع إمالتها قليلا ( عند ) همزة ( إلا الله ) للاتباع
____________________
(1/174)
( وإدامته ) أي الرفع
فلا يضعها بل تبقى مرفوعة إلى القيام أو السلام والأفضل قبض الإبهام بجنبها بأن يضع رأس الإبهام عند أسفلها على حرف الراحة كعاقد ثلاثة وخمسين
ولو وضع اليمنى على غير الركبة يشير بسبابتها حينئذ ولا يسن رفعها خارج الصلاة عند إلا الله
( و ) سن ( نظر إليها ) أي قصر النظر إلى المسبحة حال رفعها ولو مستورة بنحو كم كما قال شيخنا
( و ) ثالث عشرها تسليمة أولى
____________________
(1/175)
( وأقلها السلام عليكم ) للاتباع ويكره عليكم السلام ولا يجزىء سلام عليكم بالتنكير ولا سلام الله أو سلامي عليكم
بل تبطل الصلاة إن تعمد وعلم
كما في شرح الإرشاد لشيخنا
( وسن ) تسليمة ( ثانية ) وإن تركها إمامه وتحرم إن عرض بعد الأولى مناف كحدث وخروج وقت جمعة ووجود عار سترة
( و ) يسن أن يقرن كلا من التسليمتين ( برحمة الله ) أي معها دون وبركاته على المنقول
____________________
(1/176)
في غير الجنازة
لكن اختير ندبها لثبوتها من عدة طرق
( و ) مع ( التفات فيهما ) حتى يرى خده الأيمن في الأولى والأيسر في الثانية
( تنبيه ) يسن لكل من الإمام والمأموم والمنفرد أن ينوي السلام على من التفت هو إليه ممن عن يمينه بالتسليمة الأولى وعن يساره بالتسليمة الثانية من ملائكة ومؤمني إنس وجن وبأيتهما شاء على من خلفه وأمامه وبالأولى أفضل
وللمأموم أن ينوي الرد على الإمام بأي سلاميه شاء إن كان خلفه وبالثانية إن كان عن يمينه وبالأولى إن كان عن يساره
ويسن أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض فينويه من على يمين المسلم بالتسليمة الثانية ومن على يساره بالأولى ومن خلفه وأمامه بأيتهما شاء وبالأولى أولى
____________________
(1/177)
( فروع ) يسن نية الخروج من الصلاة بالتسليمة الأولى خروجا من الخلاف في وجوبها وأن يدرج السلام وأن يبتدئة مستقبلا بوجهه القبلة وأن ينهيه مع تمام الالتفات وأن يسلم المأموم بعد تسليمتي الإمام
( و ) رابع عشرها ( ترتيب بين أركانها ) المتقدمة كما ذكر
فإن تعمد الإخلال بالترتيب بتقديم ركن فعلي كأن سجد قبل الركوع بطلت صلاته
أما تقديم الركن القولي فلا يضر إلا السلام
والترتيب بين السنن كالسورة بعد الفاتحة والدعاء بعد التشهد والصلاة شرط للاعتداد بسنيتها ( ولو سها غير مأموم ) في الترتيب
____________________
(1/178)
( بترك ركن ) كأن سجد قبل الركوع أو ركع قبل الفاتحة لغا ما فعله حتى يأتي بالمتروك
فإن تذكر قبل بلوغ مثله أتى به وإلا فسيأتي بيانه
( أو شك ) هو أي غير المأموم في ركن هل فعل أم لا كأن شك راكعا هل قرأ الفاتحة أو ساجدا هل ركع أو اعتدل ( أتى به ) فورا وجوبا ( إن كان ) الشك ( قبل فعله مثله ) أي مثل المشكوك فيه من ركعة أخرى ( وإلا ) أي وإن لم يتذكر حتى فعل مثله في ركعة أخرى ( أجزأه ) عن متروكه ولغا ما بينهما
هذا كله إن علم عين المتروك ومحله فإن جهل عينه وجوز أنه النية أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته
ولم يشترط هنا طول فصل ولا مضي ركن أو أنه السلام يسلم وإن طال الفصل على الأوجه
أو أنه غيرهما
____________________
(1/179)
أخذ بالأسوأ وبنى على ما فعله ( وتدارك ) الباقي من صلاته
نعم إن لم يكن المثل من الصلاة كسجود تلاوة لم يجزئه
أما مأموم علم أو شك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة فيقرؤها ويسعى خلفه وبعد ركوعهما لم يعد إلى القيام لقراءته الفاتحة بل يتبع إمامه ويصلي ركعة بعد سلام الإمام
( فرع ) ( سن دخول صلاة
____________________
(1/180)
بنشاط ) لأنه تعالى ذم تاركيه بقوله { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } والكسل الفتور والتواني
( وفراغ قلب ) من الشواغل لأنه أقرب إلى الخشوع
( و ) سن ( فيها ) أي في صلاته كلها ( خشوع بقلبه ) بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه وإن تعلق بالآخرة
( وبجوارحه ) بأن لا يعبث بأحدها وذلك لثناء الله تعالى في كتابه العزيز على فاعليه بقوله { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة
ولأن لنا وجها اختاره جمع أنه شرط للصحة
____________________
(1/181)
ومما يحصل الخشوع استحضاره أنه بين يدي ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى
____________________
(1/182)
يناجيه وأنه ربما تجلى عليه بالقهر لعدم القيام بحق ربوبيته فرد عليه صلاته
وقال سيدي القطب العارف بالله محمد البكري رضي الله عنه إن مما يورث الخشوع إطالة الركوع والسجود ( وتدبر قراءة ) أي تأمل معانيها
قال تعالى { أفلا يتدبرون القرآن } ولأن به يكمل مقصود الخشوع
( و ) تدبر ( ذكر ) قياسا على القراءة ( و ) سن ( إدامة نظر محل سجوده ) لأن ذلك أقرب إلى الخشوع ولو أعمى وإن كان عند الكعبة أو في الظلمة أو في صلاة الجنازة
نعم السنة أن يقصر نظره على مسبحته عند رفعها في التشهد لخبر صحيح فيه ولا يكره تغميض عينيه إن لم يخف ضررا
( فائدة ) يكره للمصلي الذكر وغيره ترك شيء من سنن الصلاة
قال شيخنا وفي عمومه نظر
____________________
(1/183)
والذي يتجه تخصيصه بما ورد فيه نهي أو خلاف في الوجوب
( و ) سن ( ذكر ودعاء سرا عقبها )
____________________
(1/184)
أي الصلاة
أي يسن الإسرار بهما لمنفرد ومأموم وإمام لم يرد تعليم الحاضرين ولا تأمينهم لدعائه بسماعه
وورد فيهما أحاديث كثيرة ذكرت جملة منها في كتابي إرشاد العباد فاطلبه فإنه مهم
وروى الترمذي عن أبي أمامة قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الدعاء أسمع أي أقرب إلى الإجابة قال جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات
وروى الشيخان عن أبي موسى قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يأيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه حكيم سميع قريب
احتج به البيهقي وغيره للإسرار بالذكر والدعاء
وقال الشافعي في الأم أختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد السلام من الصلاة ويخفيا الذكر إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه ثم يسر فإن الله تعالى يقول { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها }
____________________
(1/185)
يعني والله أعلم الدعاء ولا تجهر حتى تسمع غيرك ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك
انتهى
( فائدة ) قال شيخنا أما المبالغة في الجهر بهما في المسجد بحيث يحصل تشويش على مصل فينبغي حرمتها
( فروع ) يسن افتتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والختم بهما وبآمين
وتأمين مأموم سمع دعاء الإمام وإن حفظ ذلك
ورفع يديه الطاهرتين حذو منكبيه ومسح الوجه بهما بعده
واستقبال القبلة حالة الذكر أو الدعاء إن كان منفردا أو مأموما
أما الإمام إذا ترك القيام من مصلاه
____________________
(1/186)
الذي هو أفضل له فالأفضل جعل يمينه إلى المأمومين ويساره إلى القبلة
قال شيخنا ولو في الدعاء
وانصرافه لا ينافي ندب الذكر له عقبها لأنه يأتي به في محله الذي ينصرف إليه ولا يفوت بفعل الراتبة وإنما الفائت به كماله لا غيره
وقضية كلامهم حصول ثواب الذكر وإن جهل معناه ونظر فيه الأسنوي
ولا يأتي هذا في القرآن للتعبد بلفظه فأثيب قارئه وإن لم يعرف معناه بخلاف الذكر لا بد أن يعرفه ولو بوجه
انتهى
ويندب أن ينتقل لفرض أو نفل من موضع صلاته
____________________
(1/187)
ليشهد له الموضع حيث لم تعارضه فضيلة نحو صف أول فإن لم ينتقل فصل بكلام إنسان
والنفل لغير المعتكف في بيته أفضل إن أمن فوته أو تهاونا به إلا في نافلة المبكر للجمعة أو ما سن فيه الجماعة أو ورد في المسجد كالضحى وأن يكون انتقال المأموم بعد انتقال إمامه
( وندب ) لمصل ( توجه لنحو جدار ) أو عمود من كل شاخص طول ارتفاعه ثلثا ذراع فأكثر
وما بينه وبين عقب المصلي ثلاثة أذرع
____________________
(1/188)
فأقل ثم إن عجز عنه ( ف ) لنحو ( عصا مغروزة ) كمتاع ( ف ) إن لم يجده ندب ( بسط مصلى ) كسجادة ثم إن عجز عنه خط أمامه خطا في ثلاثة أذرع عرضا أو طولا وهو أولى لخبر أبي داود إذا صلى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه
وقيس بالخط المصلى وقدم على الخط لأنه أظهر في المراد
والترتيب المذكور هو المعتمد خلافا لما يوهمه كلام ابن المقري
فمتى عدل عن رتبة إلى ما دونها مع القدرة عليها كانت كالعدم
ويسن أن لا يجعل السترة تلقاء وجهه بل عن يمينه أو يساره وكل صف سترة لمن خلفه إن قرب منه
قال البغوي سترة الإمام سترة من خلفه
____________________
(1/189)
انتهى
ولو تعارضت السترة والقرب من الإمام أو الصف الأول فما الذي يقدم قال شيخنا كل محتمل وظاهر قولهم يقدم الصف الأول في مسجده صلى الله عليه وسلم وإن كان خارج مسجده المختص بالمضاعفة تقديم نحو الصف الأول
انتهى
وإذا صلى إلى شيء منها فيسن له ولغيره دفع مار بينه وبين السترة المستوفية للشروط وقد تعدى بمروره لكونه مكلفا
ويحرم المرور بينه وبين السترة حين يسن له الدفع وإن لم يجد المار سبيلا ما لم يقصر بوقوف في طريق أو في صف مع فرجة في صف آخر بين يديه فلداخل خرق الصفوف وإن كثرت حتى يسدها
( وكره فيها ) أي الصلاة ( التفات ) بوجه بلا حاجة
وقيل يحرم
واختير للخبر الصحيح لا يزال الله
____________________
(1/190)
مقبلا على العبد في مصلاه أي برحمته ورضاه ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض عنه
فلا يكره لحاجة كما لا يكره مجرد لمح العين ( ونظر نحو سماء ) مما يلهي كثوب له أعلام لخبر البخاري ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم
فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم
ومن ثم كرهت أيضا في مخطط أو إليه أو عليه لأنه يخل بالخشوع
( وبصق ) في صلاته
____________________
(1/191)
وكذا خارجها ( أماما ) أي قبل وجهه وإن لم يكن من هو خارجها مستقبلا كما أطلقه النووي ( ويمينا ) لا يسارا لخبر الشيخين إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه عز وجل فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه بل عن يساره أو تحت قدمه اليسرى أو في ثوب من جهة يساره
وهو أولى
قال شيخنا ولا بعد في مراعاة ملك اليمين دون ملك اليسار إظهارا لشرف الأول ولو كان على يساره فقط إنسان بصق عن يمينه إذا لم يمكنه أن يطأطىء رأسه ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار
وإنما يحرم البصاق في المسجد إن بقي جرمه
____________________
(1/192)
لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة وأصاب جزءا من أجزائه دون هوائه
وزعم حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزائه بعيد غير معول عليه ودون تراب لم يدخل في وقفه
قيل ودون حصره لكن يحرم عليها من جهة تقذيرها كما هو ظاهر
اه
ويجب إخراج نجس منه فورا عينيا على من علم به وإن أرصد لإزالته من يقوم بها بمعلوم كما اقتضاه إطلاقهم
ويحرم بول فيه ولو في نحو طشت
وإدخال نعل متنجسة لم يأمن التلويث
ورمي نحو قملة فيه ميتة وقتلها في أرضه وإن قل دمها وأما إلقاؤها أو دفنها فيه حية فظاهر فتاوي النووي حله وظاهر كلام الجواهر تحريمه وبه صرح ابن يونس
ويكره فصد وحجامة فيه بإناء ورفع صوت ونحو بيع
____________________
(1/193)
وعمل صناعة فيه
( وكشف رأس ومنكب ) واضطباع ولو من فوق القميص
قال الغزالي في الإحياء لا يرد رداءه إذا سقط أي إلا لعذر ومثله العمامة ونحوها
( و ) كره ( صلاة بمدافعة حدث ) كبول وغائط وريح للخبر الآتي ولأنها تخل بالخشوع
بل قال جمع إن ذهب بها بطلت
ويسن له تفريغ نفسه قبل الصلاة وإن فاتت الجماعة وليس له الخروج من الفرض إذا طرأت له فيه ولا تأخيره إذا ضاق وقته
والعبرة في كراهة ذلك بوجودها عند التحرم
وينبغي أن يلحق به ما لو عرضت له قبل التحرم فزالت وعلم من عادته أنها تعود إليه في الصلاة
وتكره بحضرة طعام أو شراب يشتاق إليه لخبر مسلم لا صلاة أي كاملة بحضرة طعام ولا صلاة وهو يدافعه الأخبثان أي البول والغائط
( و ) كره صلاة في طريق بنيان
____________________
(1/194)
لا برية وموضع مكس و ( بمقبرة ) إن لم يتحقق نبشها سواء صلى إلى القبر أم عليه أم بجانبه كما نص عليه في الأم
وتحرم الصلاة لقبر نبي أو نحو ولي تبركا أو إعظاما
وبحث الزين العراقي عدم كراهة الصلاة في مسجد طرأ دفن الناس حوله وفي أرض مغصوبة
وتصح بلا ثوب كما في ثوب مغصوب وكذا إن شك في رضا مالكه لا إن ظنه بقرينة
وفي الجيلي لو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة أحرم ماشيا
ورجحه الغزي
قال شيخنا والذي يتجه أنه لا يجوز له صلاة شدة الخوف وأنه يلزمه الترك حتى يخرج منها كما له تركها لتخليص ماله لو أخذ منه بل أولى
____________________
(1/195)
فصل في أبعاض الصلاة ومقتضي سجود السهو
( تسن سجدتان قبيل سلام ) وإن كثر السهو وهما والجلوس بينهما كسجود الصلاة والجلوس بين سجدتيها في واجباتها الثلاثة ومندوباتها السابقة
____________________
(1/196)
كالذكر فيها
وقيل يقول فيهما سبحان من لا ينام ولا يسهو
وهو لائق بالحال
وتجب نية سجود السهو بأن يقصده عن السهو عند شروعه فيه ( لترك بعض ) واحد من أبعاض ولو عمدا
فإن سجد لترك غير بعض عالما عامدا بطلت صلاته
( وهو تشهد أول ) أي الواجب منه في التشهد الأخير أو بعضه ولو كلمة
( وقعوده ) وصورة
____________________
(1/197)
تركه وحده كقيام القنوت أن لا يحسنهما إذ يسن أن يجلس ويقف بقدرهما
فإذا ترك أحدهما سجد ( وقنوت راتب ) أو بعضه وهو قنوت الصبح
ووتر نصف رمضان دون قنوت النازلة
( وقيامه ) ويسجد تارك القنوت تبعا لإمامه الحنفي أو لاقتدائه في صبح بمصلي سنتها على الأوجه فيهما
( وصلاة على النبي ) صلى الله عليه وسلم ( بعدهما ) أي بعد التشهد الأول والقنوت
( وصلاة على آل بعد ) تشهد ( أخير وقنوت )
وصورة السجود لترك الصلاة على الآل في التشهد الأخير أن يتيقن ترك إمامه لها بعد أن سلم إمامه وقبل أن يسلم هو
____________________
(1/198)
أو بعد أن سلم وقرب الفصل
وسميت هذه السنن أبعاضا لقربها بالجبر بالسجود من الأركان ( ولشك فيه ) أي في ترك بعض مما مر معين كالقنوت هل فعله لأن الأصل عدم فعله
( ولو نسي ) منفرد أو إمام ( بعضا ) كتشهد أول أو قنوت ( وتلبس بفرض ) من قيام أو سجود لم يجز له العود إليه
( فإن عاد ) له بعد انتصاب أو وضع جبهته عامدا عالما بتحريمه ( بطلت ) صلاته لقطعه فرضا لنفل
( لا ) إن عاد له ( جاهلا ) بتحريمه
وإن كان مخالطا لنا لأن هذا مما يخفى على العوام وكذا ناسيا أنه فيها فلا تبطل لعذره ويلزمه العود عند تعلمه أو تذكره
( لكن يسجد )
____________________
(1/199)
للسهو لزيادة قعود أو اعتدال في غير محله
( ولا ) إن عاد ( مأموما ) فلا تبطل صلاته إذا انتصب أو سجد وحده ( سهوا بل عليه ) أو على المأموم الناسي ( عود ) لوجوب متابعة الإمام
فإن لم يعد بطلت صلاته إن لم ينو مفارقته أما إذا تعمد ذلك فلا يلزمه العود بل يسن له
كما إذا ركع مثلا قبل إمامه ولو لم يعلم الساهي حتى قام إمامه لم يعد
قال البغوي ولم يحسب ما قرأه قبل قيامه
وتبعه الشيخ زكريا قال شيخنا في شرح المنهاج وبذلك يعلم أن من سجد سهوا أو جهلا وإمامه في القنوت لا يعتد له بما فعله فيلزمه العود للاعتدال وإن فارق الإمام أخذا من قولهم لو ظن سلام الإمام فقام ثم علم في قيامه أنه لم يسلم لزمه القعود ليقوم منه ولا يسقط عنه بنية المفارقة وإن جازت لأن قيامه وقع لغوا ومن ثم لو أتم جاهلا لغا ما أتى به فيعيده ويسجد
____________________
(1/200)
للسهو
وفيما إذا لم يفارقه إن تذكر أو علم وإمامه في القنوت فواضح أنه يعود إليه أو وهو في السجدة الأولى عاد للاعتدال وسجد مع الإمام أو فيما بعدها
فالذي يظهر أنه يتابعه ويأتي بركعة بعد سلام الإمام
انتهى
قال القاضي ومما لا خلاف فيه قولهم لو رفع رأسه من السجدة الأولى قبل إمامه ظانا أنه رفع وأتى بالثانية ظانا أن الإمام فيها ثم بان أنه في الأولى لم يحسب له جلوسه ولا سجدته الثانية ويتابع الإمام
أي فإن لم يعلم بذلك إلا والإمام قائم أو جالس أتى بركعة بعد سلام الإمام
وخرج بقولي وتلبس بفرض ما إذا لم يتلبس به غير مأموم
____________________
(1/201)
فيعود الناسي ندبا قبل الانتصاب أو وضع الجبهة ويسجد للسهو إن قارب القيام في صورة ترك التشهد أو بلغ حد الركوع في صورة ترك القنوت
ولو تعمد غير مأموم تركه فعاد عالما عامدا بطلت صلاته إن قارب أو بلغ ما مر بخلاف المأموم
( ولنقل ) مطلوب ( قولي غير مبطل ) نقله إلى غير محله ولو سهوا ركنا كان كفاتحة وتشهد أو بعض أحدهما
____________________
(1/202)
أو غير ركن كسورة إلى غير القيام وقنوت إلى ما قبل الركوع أو بعده في الوتر في غير نصف رمضان الثاني فيسجد له
أما نقل الفعلي فيبطل تعمده
وخرج بقولي غير مبطل ما يبطل كالسلام وتكبير التحرم بأن كبر بقصده
( ولسهو ما يبطل عمده لا هو ) أي السهو
كتطويل ركن قصير وقليل كلام وأكل وزيادة ركن فعلي لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا وسجد للسهو
وقيس به غيره وخرج بما يبطل عمده ما يبطل سهوه أيضا ككلام كثير
____________________
(1/203)
وما لا يبطل سهوه ولا عمده كالفعل القليل والالتفات فلا يسجد لسهوه ولا لعمده
( ولشك فيما صلاه واحتمل زيادة ) لأنه إن كان زائدا فالسجود للزيادة وإلا فلتردد الموجب لضعف النية
فلو شك أصلى ثلاثا أم أربعا مثلا أتى بركعة لأن الأصل عدم فعلها ويسجد للسهو وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر قبله أنها رابعة للتردد في زيادتها
ولا يرجع في فعلها إلى ظنه ولا إلى قول غيره أو فعله وإن كانوا جمعا كثيرا ما لم يبلغوا عدد التواتر
وأما لا يحتمل زيادة كأن شك في ركعة من رباعية أهي ثالثة أم رابعة فتذكر قبل القيام للرابعة أنها ثالثة فلا يسجد لأن ما فعله منها مع التردد لا بد منه بكل تقدير فإن تذكر بعد القيام لها
____________________
(1/204)
سجد لتردده حال القيام إليها في زيادتها
( و ) سن للمأموم سجدتان ( لسهو إمام ) متطهر وإمامه ولو كان سهوه قبل قدوته ( وإن فارقه ) أو بطلت صلاة الإمام بعد وقوع السهو منه ( أو ترك ) الإمام السجود جبرا للخلل الحاصل في صلاته فيسجد بعد سلام الإمام وعند سجوده يلزم المسبوق والموافق متابعته وإن لم يعرف أنه سها وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد ويعيده المسبوق ندبا آخر صلاة نفسه ( لا لسهوه ) أي سهو المأموم
____________________
(1/205)
( حال القدوة خلف إمام ) فيتحمله عند الإمام المتطهر لا المحدث ولا ذو خبث خفي بخلاف سهوه بعد سلام الإمام فلا يتحمله لانقضاء القدوة
ولو ظن المأموم سلام الإمام فسلم فبان خلاف ظنه سلم معه ولا سجود لأنه سهو في حال القدوة
( فرع ) لو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن غير نية وتكبيرة أو شك فيه أتى بعد سلام إمامه بركعة ولا يسجد في التذكر لوقوع سهوه حال القدوة
____________________
(1/206)
بخلاف الشك لفعله بعدها زائدا بتقدير
ومن ثم لو شك في إدراك ركوع الإمام أو في أنه أدرك الصلاة معه كاملة أو ناقصة ركعة أتى بركعة وسجد فيها لوجود شكه المقتضي للسجود بعد القدوة أيضا
ويفوت سجود السهو إن سلم عمدا وإن قرب الفصل أو سهوا وطال عرفا
وإذا سجد صار عائدا إلى الصلاة فيجب أن يعيد السلام وإذا عاد الإمام لزم المأموم الساهي العود وإلا بطلت صلاته إن تعمد وعلم
ولو قام المسبوق ليتم فيلزمه العود لمتابعة إمامه إذا عاد
( تنبيه ) لو سجد الإمام بعد فراغ المأموم الموافق من أقل التشهد وافقه وجوبا
____________________
(1/207)
في السجود أو قبل أقله تابعه وجوبا ثم يتم تشهده
( ولو شك بعد سلام في ) إخلال شرط أو ترك ( فرض غير نية و ) تكبير ( تحرم لم يؤثر ) وإلا لعسر وشق ولأن الظاهر مضيها على الصحة
أما الشك في النية وتكبيرة الإحرام فيؤثر على المعتمد
____________________
(1/208)
خلافا لمن أطال في عدم الفرق
وخرج بالشك ما لو تيقن ترك فرض بعد سلام فيجب البناء ما لم يطل الفصل أو يطأ نجسا وإن استدبر القبلة أو تكلم أو مشى قليلا
قال الشيخ زكريا في شرح الروض وإن خرج من والمسجد
والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف
وقيل يعتبر القصر بالقدر الذي نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين والطول بما زاد عليه
والمنقول في الخبر أنه قام ومضى إلى ناحية المسجد وراجع ذا اليدين وسأل الصحابة
انتهى
وحكى الرافعي عن البويطي أن الفصل الطويل ما يزيد على قدر ركعة وبه قال أبو إسحاق
وعن أبي هريرة أن الطويل قدر الصلاة التي كان فيها
( قاعدة ) وهي أن ما شك في تغيره عن أصله يرجع به إلى الأصل وجودا كان أو عدما ويطرح الشك فلذا قالوا كمعدوم مشكوك فيه
( تتمة ) تسن سجدة التلاوة
____________________
(1/209)
لقارىء وسامع جميع آية سجدة ويسجد مصل لقراءته إلا مأموما فيسجد هو لسجدة إمامه فإن سجد إمامه وتخلف هو عنه أو سجد هو دونه بطلت صلاته ولو لم يعلم المأموم سجوده بعد رفع رأسه من السجود لم تبطل صلاته ولا يسجد
____________________
(1/210)
بل ينتظر قائما
أو قبله هوى فإذا رفع قبل سجوده رفع معه ولا يسجد
ويسن للإمام في السرية تأخير السجود إلى فراغه
بل بحث ندب تأخيره في الجهرية أيضا في الجوامع العظام لأنه يخلط على المأمومين
ولو قرأ آيتها فركع بأن بلغ أقل الركوع ثم بدا له السجود لم يجز لفوات محله
ولو هوي للسجود فلما بلغ حد الركوع صرفه له لم يكفه عنه
وفروضها لغير مصل نية سجود التلاوة وتكبير تحرم وسجود كسجود الصلاة وسلام
____________________
(1/211)
ويقول فيها ندبا سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين
( فائدة ) تحرم القراءة بقصد السجود فقط في صلاة أو وقت مكروه وتبطل الصلاة به
بخلافها بقصد السجود وغيره مما يتعلق بالقراءة فلا كراهة مطلقا
ولا يحل التقرب إلى الله تعالى بسجدة بلا سبب ولو بعد الصلاة
وسجود الجهلة بين يدي مشايخهم حرام اتفاقا
فصل في مبطلات الصلاة ( تبطل الصلاة ) فرضها ونفلها لا صوم واعتكاف ( بنية قطعها ) وتعليقه بحصول شيء
____________________
(1/212)
ولو محالا عاديا
( وتردد فيه ) أي القطع ولا مؤاخذة بوسواس قهري في الصلاة كالإيمان وغيره ( وبفعل كثير ) يقينا من غير جنس أفعالها إن صدر ممن علم تحريمه أو جهله ولم يعذر حال كونه ( ولاء ) عرفا في غير شدة الخوف ونفل السفر بخلاف القليل
____________________
(1/213)
كخطوتين وإن اتسعتا حيث لا وثبة والضربتين
نعم لو قصد ثلاثا متوالية ثم فعل واحدة أو شرع فيها بطلت صلاته والكثير المتفرق بحيث يعد كل منقطعا عما قبله
وحد البغوي بأن يكون بينهما قدر ركعة ضعيف كما في المجموع
( ولو ) كان الفعل الكثير ( سهوا ) والكثير ( كثلاث ) مضغات و ( خطوات توالت ) وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة وكتحريك رأسه ويديه ولو معا والخطوة بفتح الخاء المرة وهي هنا نقل رجل
____________________
(1/214)
الإمام أو غيره فإن نقل معها الأخرى ولو بلا تعاقب فخطوتان
كما اعتمده شيخنا في شرح المنهاج
لكن الذي جزم به في شرح الإرشاد وغيره أن نقل رجل مع نقل الأخرى إلى محاذاتها ولاء خطوة فقط فإن نقل كلا على التعاقب فخطوتان بلا نزاع
ولو شك في فعل أقليل أو كثير فلا بطلان
وتبطل بالوثبة وإن لم تتعدد
( لا ) تبطل ( بحركات خفيفة )
____________________
(1/215)
وإن كثرت وتوالت بل تكره ( كتحريك ) أصبع أو ( أصابع ) في حك أو سبحة مع قرار كفه ( أو جفن ) أو شفة أو ذكر أو لسان لأنها تابعة لمحالها المستقرة كالأصابع
ولذلك بحث أن حركة اللسان إن كانت مع تحويله عن محله أبطل ثلاث منها
قال شيخنا وهو محتمل
وخرج بالأصابع الكف فتحريكها ثلاثا ولاء مبطل إلا أن يكون به جرب لا يصبر معه عادة على عدم الحك فلا تبطل للضرورة
قال شيخنا ويؤخذ منه أن من ابتلي بحركة اضطرارية ينشأ عنها عمل كثير سومح فيه
وإمرار اليد وردها على التوالي بالحك مرة واحدة وكذا رفعها عن صدره ووضعها على موضع الحك مرة واحدة
____________________
(1/216)
أي إن اتصل أحدهما بالآخر وإلا فكل مرة على ما استظهره شيخنا
( وبنطق ) عمدا ولو بإكراه ( بحرفين ) إن تواليا كما استظهره شيخنا من غير قرآن وذكر أو دعاء لم يقصد بها مجرد التفهيم كقوله لمن استأذنوه في الدخول { ادخلوها بسلام آمنين } فإن قصد القراءة أو الذكر وحده أو مع التنبيه لم تبطل وكذا إن أطلق
على ما قاله جمع متقدمون
لكن الذي في التحقيق والدقائق البطلان
____________________
(1/217)
وهو المعتمد
وتأتي هذه الصور الأربعة في الفتح على الإمام بالقرآن أو الذكر وفي الجهر بتكبير الانتقال من الإمام والمبلغ
وتبطل بحرفين ( ولو ) ظهرا ( في تنحنح لغير تعذر قراءة واجبة ) كفاتحة ومثلها كل واجب قولي كتشهد أخير وصلاة فيه فلا تبطل بظهور حرفين في تنحنح لتعذر ركن قولي ( أو ) ظهرا في ( نحوه ) كسعال وبكاء وعطاس وضحك
وخرج بقولي لغير تعذر قراءة واجبة ما إذا ظهر حرفان في تنحنح لتعذر قراءة مسنونة
____________________
(1/218)
كالسورة أو القنوت أو الجهر بالفاتحة فتبطل
وبحث الزركشي جواز التنحنح للصائم لإخراج نخامة تبطل صومه
قال شيخنا ويتجه جوازه للمفطر أيضا لإخراج نخامة تبطل صومه
قال شيخنا ويتجه جوازه للمفطر أيضا لإخراج نخامة تبطل صلاته بأن نزلت لحد الظاهر ولم يمكنه إخراجها إلا به
ولو تنحنح إمامه فبان منه حرفان لم يجب مفارقته لأن الظاهر تحرزه عن المبطل نعم إن دلت قرينة حاله على عدم عذره وجبت مفارقته كما بحثه السبكي
ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم بحيث لم يخل زمن من الوقت يسع الصلاة بلا سعال مبطل
قال شيخنا الذي يظهر العفو عنه ولا قضاء عليه لو شفي
( أو ) بنطق ( بحرف مفهم ) ك ف و ع و ف أو بحرف ممدود
____________________
(1/219)
لأن الممدود في الحقيقة حرفان
ولا تبطل الصلاة بتلفظه بالعربية بقربة توقفت على اللفظ كنذر وعتق كأن قال نذرت لزيد بألف أو أعتقت فلانا
وليس مثله التلفظ بنية صوم أو اعتكاف لأنها لا تتوقف على اللفظ فلم تحتج إليه ولا بدعاء جائز ولو لغيره بلا تعليق ولا خطاب لمخلوق فيهما فتبطل بهما عند التعليق كإن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة أو اللهم اغفر لي إن شئت
وكذا عند خطاب مخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم ولو عند سماعه لذكره على الأوجه
____________________
(1/220)
نحو نذرت لك بكذا أو رحمك الله ولو لميت
ويسن لمصل سلم عليه الرد بالإشارة باليد أو الرأس ولو ناطقا ثم بعد الفراغ منها باللفظ
ويجوز الرد بقوله عليه السلام كالتشميت برحمة الله
ولغير مصل رد سلام تحلل مصل ولمن عطس فيها أن يحمد ويسمع نفسه
( لا ) تبطل ( بيسير نحو تنحنح ) عرفا ( لغلبة ) عليه
____________________
(1/221)
( و ) لا بيسير ( ك عرفا كالكلمتين والثلاث
قال شيخنا ويظهر ضبط الكلمة هنا بالعرف ( بسهو ) أي مع سهوه عن كونه في الصلاة بأن نسي أنه فيها لأنه صلى الله عليه وسلم لما سلم من ركعتين تكلم بقليل معتقدا الفراغ وأجابوه به مجوزين النسخ ثم بنى هو وهم عليها
ولو ظن بطلانه بكلامه القليل سهوا فتكلم كثيرا لم يعذر
وخرج بيسير تنحنح لغلبة وكلام بسهو كثيرهما فتبطل بكثرتهما ولو مع غلبة وسهو وغيره
____________________
(1/222)
( أو ) مع ( سبق لسان ) إليه ( أو ) مع ( جهل تحريمه أي الكلام فيها ( لقرب إسلام ) وإن كان بين المسلمين ( أو بعد عن العلماء ) أي عمن يعرف ذلك
ولو سلم ناسيا ثم تكلم عامدا أي يسيرا أو جهل تحريم ما أتى به مع علمه بتحريم جنس الكلام أو كون التنحنح مبطلا مع علمه بتحريم الكلام لم تبطل لخفاء ذلك على العوام
____________________
(1/223)
( و ) تبطل ( بمفطر ) وصل لجوفه وإن قل وأكل كثير سهوا وإن لم يبطل به الصوم فلو ابتلع نخامة نزلت من رأسه لحد الظاهر من فمه أو ريقا متنجسا بنحو دم لثته وإن ابيض أو متغيرا بحمرة نحو تنبل بطلت
أما الأكل القليل عرفا ولا يتقيد بنحو سمسمة من ناس أو جاهل معذور ومن مغلوب كأن نزلت نخامته لحد الظاهر وعجز عن مجها أو جرى ريقه بطعام بين أسنانه وقد عجز عن تمييزه ومجه فلا يضر للعذر
( و ) تبطل ( بزيادة ركن فعلي
____________________
(1/224)
عمدا ) لغير متابعة كزيادة ركوع أو سجود وإن لم يطمئن فيه
ومنه كما قال شيخنا أن ينحني الجالس إلى أن تحاذي جبهته ما أمام ركبتيه ولو لتحصيل توركه أو افتراشه المندوب لأن المبطل لا يغتفر للمندوب
ويغتفر القعود اليسير بقدر جلسة الاستراحة قبل السجود وبعد سجد التلاوة وبعد سلام إمام مسبوق في غير محل تشهده
أما وقوع الزيادة سهوا أو جهلا
____________________
(1/225)
عذر به فلا يضر كزيادة سنة نحو رفع اليدين في غير محله أو ركن قولي كالفاتحة أو فعلي للمتابعة كأن ركع أو سجد قبل إمامه ثم عاد إليه
( و ) تبطل ( باعتقاد ) أو ظن ( فرض ) معين من فروضها ( نفلا ) لتلاعبه لا إن اعتقد العامي نفلا من أفعالها فرضا أو علم أن فيها فرضا ونفلا ولم يميز بينهما ولا قصد بفرض معين النفلية ولا إن اعتقد أن الكل فروض
( تنبيه ) ومن المبطل أيضا حدث ولو بلا قصد واتصال نجس لا يعفى
____________________
(1/226)
عنه إلا إن دفعه حالا وانكشاف عورة إلا إن كشفها ريح فستر حالا وترك ركن عمدا وشك في نية التحرم أو شرط لها مع مضي ركن قولي أو فعلي أو طول زمن
وبعض القولي ككله مع طول زمن شك أو مع قصره ولم يعد ما قرأه فيه
( فرع ) لو أخبره عدل رواية بنحو نجس أو كشف عورة مبطل لزمه قبوله أو بنحو كلام مبطل فلا
( وندب لمنفرد رأى جماعة ) مشروعة ( أن يقلب فرضه ) الحاضر
____________________
(1/227)
لا الفائت ( نفلا ) مطلقا ( ويسلم من ركعتين ) إذا لم يقم لثالثة ثم يدخل في الجماعة
نعم إن خشي فوت الجماعة إن تمم ركعتين استحب له قطع الصلاة واستئنافها جماعة
ذكره في المجموع
وبحث البلقيني أنه يسلم ولو من ركعة أما إذا قام لثالثة أتمها ندبا إن لم يخش فوت الجماعة ثم يدخل في الجماعة
فصل في الأذان والإقامة هما لغة الإعلام
وشرعا ما عرف من الألفاظ المشهورة فيهما
والأصل
____________________
(1/228)
فيهما الإجماع المسبوق برؤية عبد الله بن زيد المشهورة ليلة تشاوروا فيما يجمع الناس وهي كما في سنن أبي داود عن عبد الله أنه قال لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس فقال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة
قال أو لا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت له بلى
فقال تقول الله أكبر الله أكبر إلا آخر الأذان
ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال وتقول إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر إلى آخر الإقامة
فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال إنها لرؤيا حق إن شاء الله
قم مع بلال
____________________
(1/229)
فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك
فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به
فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى
فقال صلى الله عليه وسلم فلله الحمد
قيل رآها بضعة عشر صحابيا
وقد يسن الأذان لغير الصلاة كما في أذن المهموم والمصروع والغضبان ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة وعند الحريق وعند تغول الغيلان أي تمرد الجن
وهو والإقامة في أذني المولود وخلف المسافر ( يسن ) على الكفاية
____________________
(1/230)
ويحصل بفعل البعض ( أذان وإقامة ) لخبر الصحيحين إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم
( لذكر ولو ) صبيا و ( منفردا وإن سمع أذانا ) من غيره على المعتمد خلافا لما في شرح مسلم
نعم إن سمع أذان الجماعة وأراد الصلاة معهم لم يسن له على الأوجه ( لمكتوبة ) ولو فائتة
____________________
(1/231)
دون غيرها كالسنن وصلاة الجنازة والمنذورة
ولو اقتصر على أحدهما لنحو ضيق وقت فالأذان أولى به
ويسن أذانان لصبح واحد قبل الفجر وآخر بعده فإن اقتصر فالأولى بعده
وأذانان للجمعة أحدهما بعد صعود الخطيب المنبر
والآخر الذي قبله إنما أحدثه عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس فاستحبابه عند الحاجة كأن توقف حضورهم عليه وإلا لكان الاقتصار على الاتباع أفضل
( و ) سن ( أن يؤذن للأولى ) فقط ( من صلوات توالت )
____________________
(1/232)
كفوائت وصلاتي جمع وفائتة وحاضرة دخل وقتها قبل شروعه في الأذان
( ويقيم لكل ) منها للاتباع
( و ) سن ( إقامة لأنثى ) سرا وخنثى فإن أذنت للنساء سرا لم يكره أو جهرا حرم
( وينادي لجماعة ) مشروعة ( في نفل )
____________________
(1/233)
كعيد وتراويح ووتر أفرد عنها برمضان وكسوف
( الصلاة ) بنصبه إغراء ورفعه مبتدأ ( جامعة ) بنصبه حالا ورفعه خبرا للمذكور
ويجزىء الصلاة الصلاة وهلموا إلى الصلاة
ويكره حي على الصلاة
وينبغي ندبه عند دخول الوقت وعند الصلاة ليكون نائبا عن الأذان والإقامة وخرج بقولي لجماعة ما لا يسن فيه الجماعة وما فعل فرادى وبنفل منذورة وصلاة جنازة
( وشرط فيهما ) أي في الأذان والإقامة
( ترتيب ) أي الترتيب المعروف فيهما
____________________
(1/234)
للاتباع
فإن عكس ولو ناسيا لم يصح وله البناء على المنتظم منهما
ولو ترك بعضهما أتى به مع إعادة ما بعده
( وولاء ) بين كلماتهما
نعم لا يضر يسير كلام وسكوت ولو عمدا
ويسن أن يحمد سرا إذا عطس وأن يؤخر رد السلام وتشميت العاطس إلى الفراغ
( وجهر ) إن أذن أو أقام ( لجماعة ) فينبغي إسماع واحد جميع كلماته
أما المؤذن أو المقيم لنفسه فيكفيه إسماع نفسه فقط
( ووقت ) أي دخوله ( لغير أذان صبح ) لأن ذلك للإعلام
____________________
(1/235)
فلا يجوز ولا يصح قبله
أما أذان الصبح فيصح من نصف ليل
( وسن تثويب ) لأذاني ( صبح وهو أن يقول بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم مرتين )
ويثوب لأذان فائتة صبح وكره لغير صبح
( وترجيع ) بأن يأتي بكلمتي الشهادتين مرتين سرا أي بحيث يسمع من قرب منه عرفا قبل الجهر بهما للاتباع ويصح بدونه
( وجعل مسبحتيه بصماخيه ) في الأذان دون الإقامة لأنه أجمع للصوت
____________________
(1/236)
قال شيخنا إن أراد رفع الصوت به وإن تعذرت يد جعل الأخرى أو سبابة سن جعل غيرها من بقية الأصابع
( و ) سن ( فيهما ) أي في الأذان والإقامة ( قيام ) وأن يؤذن على موضع عال ولو لم يكن للمسجد منارة سن بسطحه ثم ببابه
( واستقبال ) للقبلة وكره تركه
( وتحويل وجهه ) لا الصدر ( فيهما يمينا ) مرة ( في حي على الصلاة ) في المرتين ثم يرد وجهه للقبلة ( وشمالا ) مرة ( في حي على الفلاح ) في المرتين ثم يرد وجهه للقبلة
ولو لأذان الخطبة أو لمن يؤذن لنفسه
____________________
(1/237)
ولا يلتفت في التثويب على نزاع فيه
( تنبيه ) يسن رفع الصوت بالأذان لمنفرد فوق ما يسمع نفسه ولمن يؤذن لجماعة فوق ما يسمع واحدا منهم وأن يبالغ كل في جهر به للأمر به وخفضه به في مصلى أقيمت فيه جماعة وانصرفوا وترتيله وإدراج الإقامة وتسكين راء التكبير الأولى
فإن لم يفعل فالأفصح الضم
وإدغام دال محمد في راء رسول الله لأن تركه من
____________________
(1/238)
اللحن الخفي
وينبغي النطق بهاء الصلاة ويكرهان من محدث وصبي وفاسق
ولا يصح نصبه وهما أفضل من الإمامة لقوله تعالى { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله } قالت عائشة رضي الله عنها هم المؤذنون
وقيل هي أفضل منهما وفضلت من أحدهما بلا نزاع
( و ) سن ( لسامعهما )
____________________
(1/239)
سماعا يميز الحروف وإلا لم يعتد بسماعه كما قال شيخنا
آخرا ( أن يقول ولو غير متوضىء ) أو جنبا أو حائضا خلافا للسبكي فيهما أو مستنجيا فيما يظهر ( مثل قولهما إن لم يلحنا لحنا يغير المعنى )
فيأتي بكل كلمة عقب فراغه منها حتى في
____________________
(1/240)
الترجيع وإن لم يسمعه
ولو سمع بعض الأذان أجاب فيه وفيما لم يسمعه
ولو ترتب المؤذنون أجاب الكل ولو بعد صلاته
ويكره ترك إجابة الأول
ويقطع للإجابة القراءة والذكر والدعاء
وتكره لمجامع وقاضي حاجة بل يجيبان بعد الفراغ كمصل إن قرب الفصل لا لمن بحمام ومن بدنه ما عدا فمه نجس وإن وجد ما يتطهر به
( إلا في حيعلات
____________________
(1/241)
فيحوقل ) المجيب أي يقول فيها لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أي لا تحول عن معصية الله إلا به ولا قوة على طاعته إلا بمعونته
( ويصدق ) أي يقول صدقت وبررت مرتين
أي صرت ذا بر أي خير كثير
( إن ثوب ) أي أتى بالتثويب في الصبح
ويقول في كلمتي الإقامة أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها
( و ) سن ( لكل ) من مؤذن ومقيم وسامعهما ( أن يصلي ) ويسلم ( على النبي ) صلى الله عليه وسلم ( بعد فراغهما ) أي بعد فراغ كل منهما إن طال فصل بينهما وإلا فيكفي لهما دعاء واحد
( ثم ) يقول كل منهم رافعا يديه ( اللهم رب هذه الدعوة ) أي الأذان والإقامة ( إلى آخره )
تتمته التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته
والوسيلة هي أعلى درجة في الجنة
والمقام المحمود مقام الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة
ويسن أن يقول بعد أذان المغرب اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي
وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة على ما قاله النووي في شرح الوسيط واعتمده شيخنا ابن زياد وقال أما قبل الأذان فلم أر في ذلك شيئا
وقال الشيخ الكبير البكري أنها تسن قبلهما ولا يسن محمد رسول الله بعدهما
قال الروياني في البحر يستحب أن يقرأ بين الأذان والإقامة آية الكرسي لخبر إن من قرأ ذلك بين الأذان والإقامة لم يكتب عليه ما بين الصلاتين
( فرع ) أفتى البلقيني فيمن وافق فراغه من الوضوء فراغ المؤذن
____________________
(1/242)
بأنه يأتي بذكر الوضوء لأنه للعبادة التي فرغ منها ثم بذكر الأذان
قال وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء ثم بدعاء الأذان لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم بالدعاء لنفسه
فصل في صلاة النفل وهو لغة الزيادة
وشرعا ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه
ويعبر عنه بالتطوع والسنة والمستحب والمندوب
وثواب الفرض يفضله بسبعين درجة كما في حديث صححه ابن خزيمة
وشرع ليكمل نقص الفرائض
____________________
(1/243)
بل وليقوم في الآخرة لا في الدنيا مقام ما ترك منها لعذر كنسيان كما نص عليه
والصلاة أفضل عبادات البدن بعد الشهادتين ففرضها أفضل الفروض ونفلها أفضل النوافل
ويليها الصوم فالحج فالزكاة على ما جزم به بعضهم وقيل أفضلها الزكاة
وقيل الصوم
وقيل الحج
____________________
(1/244)
وقيل غير ذلك
والخلاف في الإكثار من واحد أي عرفا مع الاقتصار على الآكد من الآخر وإلا فصوم يوم أفضل من ركعتين
وصلاة النفل قسمان قسم لا تسن له جماعة كالرواتب التابعة للفرائض وهي ما تأتي آنفا
( يسن ) للأخبار الصحيحة الثابتة في السنن ( أربع ركعات قبل عصر و )
____________________
(1/245)
أربع قبل ( ظهر و ) أربع ( بعده وركعتان بعد مغرب ) وندب وصلهما بالفرض
ولا يفوت فضيلة الوصل بإتيانه قبلهما الذكر المأثور بعد المكتوبة
( و ) بعد ( عشاء ) ركعتان خفيفتان ( وقبلهما ) إن لم يشتغل بهما عن إجابة المؤذن
فإن كان بين الأذان والإقامة ما يسعهما فعلهما وإلا أخرهما
( و ) ركعتان قبل ( صبح ) ويسن تخفيفهما
وقراءة الكافرون والإخلاص فيهما لخبر مسلم وغيره وورد أيضا فيهما ألم نشرح لك وألم تر كيف وأن من داوم على قراءتهما فيهما زالت عنه علة
____________________
(1/246)
البواسير فيسن الجمع فيهما بينهن لتتحقق الإتيان بالوارد أخذا مما قاله النووي في إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا
ولم يكن بذلك مطولا لهما تطويلا يخرج عن حد السنة والاتباع كما قاله شيخنا ابن حجر وزياد
ويندب الاضطجاع بينهما وبين الفرض إن لم يؤخرهما عنه
____________________
(1/247)
ولو غير متهجد
والأولى كونه على الشق الأيمن فإن لم يرد ذلك فصل بنحو كلام أو تحول
( تنبيه ) يجوز تأخير الرواتب القبلية عن الفرض وتكون أداء
وقد يسن كأن حضر والصلاة تقام أو قربت إقامتها بحيث لو اشتغل بها يفوته تحرم الإمام فيكره الشروع فيها لا تقديم البعدية عليه لعدم دخول وقتها وكذا بعد خروج الوقت على الأوجه
والمؤكد من الرواتب عشر وهو ركعتان قبل صبح وظهر وبعده وبعد مغرب وعشاء
( وتر ) ( و ) يسن أي صلاته بعد العشاء لخبر الوتر حق
____________________
(1/248)
على كل مسلم
وهو أفضل من جميع الرواتب للخلاف في وجوبه
( وأقله ركعة ) وإن لم يتقدمها نفل من سنة العشاء أو غيرها
قال في المجموع وأدنى الكمال ثلاث وأكمل منه خمس فسبع فتسع
( وأكثره إحدى عشرة ) ركعة
فلا يجوز الزيادة عليها بنية الوتر وإنما يفعل الوتر أوتارا
ولو أحرم بالوتر ولم ينو عددا صح واقتصر على ما شاء منه على الأوجه
قال شيخنا وكأن بحث بعضهم إلحاقه بالنفل المطلق من أن له إذا نوى عددا أن يزيد وينقص توهمه من ذلك وهو غلط صريح
وقوله إن في كلام الغزالي عن الفوراني ما يؤخذ منه ذلك وهم أيضا كما يعلم من البسيط
ويجري ذلك فيمن أحرم بسنة الظهر الأربع بنية الوصل فلا يجوز له الفصل بأن يسلم من ركعتين
____________________
(1/249)
وإن نواه قبل النقص خلافا لمن وهم فيه أيضا
انتهى
ويجوز لمن زاد على ركعة الفصل بين كل ركعتين بالسلام وهو أفضل من الوصل بتشهد أو تشهدين في الركعتين الأخيرتين ولا يجوز الوصل بأكثر من تشهدين
والوصل خلاف الأولى فيما عدا الثلاث وفيها مكروه للنهي عنه في خبر ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب
ويسن لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى سبح وفي الثانية الكافرون وفي الثالثة الإخلاص والمعوذتين للاتباع
فلو أوتر بأكثر من ثلاث فيسن له ذلك في الثلاثة الأخيرة إن فصل عما قبلها
____________________
(1/250)
وإلا فلا
كما أفتى به البلقيني
ولمن أوتر بأكثر من ثلاث قراءة الإخلاص في أولييه فصل أو وصل
وأن يقول بعد الوتر ثلاثا سبحان الملك القدوس ويرفع صوته بالثالثة ثم يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
ووقت الوتر كالتراويح بين صلاة العشاء ولو بعد المغرب في جمع التقديم وطلوع الفجر ولو خرج الوقت لم يجز قضاؤها قبل العشاء كالرواتب البعدية
____________________
(1/251)
خلافا لما رجحه بعضهم
ولو بان بطلان عشائه بعد فعل الوتر أو التراويح وقع نفلا مطلقا
( فرع ) يسن لمن وثق بيقطته قبل الفجر بنفسه أو غيره أن يؤخر الوتر كله لا التراويح عن أول الليل وإن فاتت الجماعة فيه بالتأخير في رمضان لخبر الشيخين اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا
وتأخيره عن صلاة الليل الواقعة فيه ولمن لم يثق بها أن يعجله قبل النوم
ولا يندب إعادته
ثم إن فعل الوتر بعد النوم حصل له به سنة التهجد أيضا وإلا كان وترا لا تهجدا
وقيل الأولى أن يوتر قبل أن ينام مطلقا ثم يقوم ويتهجد لقول أبي هريرة رضي الله عنه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتر قبل أن أنام
رواه الشيخان
وقد كان أبو بكر رضي عنه يوتر قبل أن ينام ثم يقوم ويتهجد وعمر رضي الله عنه ينام قبل أن يوتر ويقوم ويتهجد ويوتر
فترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا أخذ بالحزم يعني أبا بكر
____________________
(1/252)
وهذا أخذ بالقوة يعني عمر
وقد روي عن عثمان مثل فعل أبي بكر وعن علي مثل فعل عمر رضي الله عنهم
قال في الوسيط واختار الشافعي فعل أبي بكر رضي الله عنه
وأما الركعتان اللتان يصليهما الناس جلوسا بعد الوتر فليستا من السنة كما صرح به الجوجري والشيخ زكريا
قال في المجموع ولا تغتر بمن يعتقد سنية ذلك ويدعو إليه لجهالته
( و ) يسن ( الضحى ) لقوله تعالى { يسبحن بالعشي والإشراق } قال ابن عباس صلاة الإشراق صلاة الضحى
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث
____________________
(1/253)
صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام
وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم صلى سبحة الضحى أي صلاتها ثماني ركعات وسلم من كل ركعتين
( وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان ) كما في التحقيق والمجموع وعليه الأكثرون
فتحرم الزيادة عليها بنية الضحى وهي أفضلها على ما في الروضة وأصلها فيجوز الزيادة عليها بنيتها إلى ثنتي عشرة ويندب أن يسلم من كل ركعتين
____________________
(1/254)
ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال والاختيار فعلها عند مضي ربع النهار لحديث صحيح فيه فإن ترادفت فضيلة التأخير إلى ربع النهار وفضيلة أدائها في المسجد إن لم يوءخرها فالأولى تأخيرها إلى ربع النهار وإن فات به فعلها في المسجد لأن الفضيلة المتعلقة بالوقت أولى بالمراعاة من المتعلقة بالمكان
ويسن أن يقرأ سورتي والشمس والضحى
وورد أيضا قراءة الكافرون والإخلاص
والأوجه أن ركعتي الإشراق من الضحى خلافا للغزالي ومن تبعه
( و ) يسن ( ركعتا تحية ) لداخل مسجد
____________________
(1/255)
وإن تكرر دخوله أو لم يرد الجلوس خلافا للشيخ نصر
وتبعه الشيخ زكريا في شرحي المنهج والتحرير بقوله إن أراد الجلوس لخبر الشيخين إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين
وتفوت التحية بالجلوس الطويل وكذا القصير إن لم يسه أو يجهل
ويلحق بهما على الأوجه ما لو احتاج للشرب فيقعد له قليلا ثم يأتي بها لا بطول قيام أو إعراض عنها
ولمن أحرم بها قائما القعود لإتمامها
وكره تركها من غير عذر
نعم إن قرب قيام مكتوبة جمعة أو غيرها وخشي لو اشتغل بالتحية فوات فضيلة التحرم انتظره قائما
ويسن لمن لم يتمكن منها ولو بحدث
____________________
(1/256)
أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربعا
وتكره لخطيب دخل وقت الخطبة ولمريد طواف دخل المسجد لا لمدرس خلافا لبعضهم
( و ) ركعتا ( استخارة ) وإحرام وطواف ووضوء
____________________
(1/257)
وتتأدى ركعتا التحية وما بعدها بركعتين فأكثر من فرض أو نفل آخر وإن لم ينوها معه أي يسقط طلبها بذلك
أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية لخبر إنما الأعمال بالنيات
كما قاله جمع متأخرون واعتمده شيخنا
لكن ظاهر كلام الأصحاب حصول ثوابها وإن لم ينوها معه وهو مقتضى كلام المجموع
ويقرأ ندبا في أولى ركعتي الوضوء بعد الفاتحة { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } إلى { رحيما } والثانية { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه } إلى { رحيما }
ومنه صلاة الأوابين وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء ورويت ستا وأربعا وركعتين وهما
____________________
(1/258)
الأقل
وتتأدى بفوائت وغيرها خلافا لشيخنا والأولى فعلها بعد الفراغ من أذكار المغرب
وصلاة التسبيح وهي أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين
____________________
(1/259)
وحديثها حسن لكثرة طرقه وفيها ثواب لا يتناهى
ومن ثم قال بعض المحققين لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين
ويقول في كل ركعة منها خمسة وسبعين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسة عشر بعد القراءة وعشرا في كل من الركوع والاعتدال والسجودين والجلوس بينهما بعد الذكر الوارد فيها وجلسة الاستراحة
ويكبر عند ابتدائها دون القيام منها ويأتي بها في محل التشهد قبله
ويجوز جعل الخمسة عشر قبل القراءة وحينئذ يكون عشر الاستراحة بعد القراءة
ولو تذكر في الاعتدال ترك تسبيحات الركوع لم يجز العود إليه ولا فعلها في الاعتدال لأنه ركن قصير بل يأتي بها في السجود
ويسن أن لا يخلي الأسبوع منها أو الشهر
والقسم الثاني ما تسن فيه الجماعة
____________________
(1/260)
( و ) هو ( صلاة العيدين ) أي العيد الأكبر والأصغر بين طلوع شمس وزوالها
وهي ركعتان ويكبر ندبا في أولى ركعتي العيدين ولو مقضية على الأوجه بعد افتتاح سبعا وفي الثانية خمسا قبل تعوذ فيهما رافعا يديه مع كل تكبيرة
____________________
(1/261)
ما لم يشرع في قراءة
ولا يتدارك في الثانية إن تركه في الأولى
وفي ليلتهما من غروب الشمس إلى أن يحرم الإمام مع رفع صوت وعقب كل صلاة ولو جنازة من صبح عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وفي عشر ذي الحجة حين يرى شيئا من بهيمة الأنعام أو يسمع صوتها
( و ) صلاة ( الكسوفين ) أي كسوف الشمس والقمر
____________________
(1/262)
وأقلها ركعتان كسنة الظهر وأدنى كمالها زيادة قيام وقراءة وركوع في كل ركعة والأكمل أن يقرأ بعد الفاتحة في القيام الأول البقرة أو قدرها وفي الثاني كمائتي آية منها والثالث كمائة وخمسين والرابع كمائة
وأن يسبح في أول ركوع وسجود كمائة من البقرة وفي الثاني من كل منهما كثمانين والثالث منهما كسبعين والرابع كخمسين
( بخطبتين ) أي معهما ( بعدهما ) أي يسن خطبتان بعد فعل صلاة العيدين ولو في غد فيما يظهر والكسوفين ويفتتح أولى خطبتي العيدين لا الكسوف بتسع تكبيرات والثانية بسبع ولاء
وينبغي أن يفصل بين الخطبتين بالتكبير ويكثر منه في فصول الخطبة
قاله السبكي
ولا تسن هذه التكبيرات للحاضرين
( و ) صلاة ( استسقاء )
____________________
(1/263)
عند الحاجة للماء لفقده أو ملوحته أو قلته بحيث لا يكفي
وهي كصلاة العيد لكن يستغفر الخطيب بدل التكبير في الخطبة ويستقبل القبلة حالة الدعاء بعد صدر الخطبة الثانية أي نحو ثلثها
____________________
(1/264)
( و ) صلاة ( التراويح ) وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان لخبر من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
ويجب التسليم من كل ركعتين فلو صلى أربعا منها بتسليمة لم تصح بخلاف سنة الظهر والعصر والضحى والوتر
وينوي بها التراويح أو قيام رمضان وفعلها أول الوقت أفضل من فعلها أثناءه بعد النوم خلافا لما وهمه الحليمي
وسميت تروايح لأنهم كانوا يستريحون لطول قيامهم
____________________
(1/265)
بعد كل تسليمتين وسر العشرين أن الرواتب المؤكدة في غير رمضان عشر فضوعفت فيه لأنه وقت جد وتشمير
وتكرير قل هو الله أحد ثلاثا ثلاثا في الركعات الأخيرة من ركعاتها بدعة غير حسنة لأن فيه إخلالا بالسنة كما أفتى به شيخنا
____________________
(1/266)
التهجد إجماعا وهو التنفل ليلا بعد النوم
قال الله تعالى { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } وورد في فضله أحاديث كثيرة وكره لمعتاده تركه
____________________
(1/267)
بلا ضرورة
ويتأكد أن لا يخل بصلاة في الليل بعد النوم ولو ركعتين لعظم فضل ذلك
ولا حد لعدد ركعاته وقيل حدها ثنتا عشرة وأن يكثر فيه من الدعاء والاستغفار
ونصفه الأخير آكد وأفضله عند السحر لقوله تعالى { وبالأسحار هم يستغفرون } وأن يوقظ من يطمع في تهجده
ويندب قضاء نفل مؤقت إذا فات كالعيد والرواتب والضحى لا ذي سبب ككسوف وتحية وسنة وضوء
ومن فاته ورده أي من النفل المطلق ندب له قضاؤه وكذا غير الصلاة ولا حصر للنفل المطلق
____________________
(1/268)
وله أن يقتصر على ركعة بتشهد مع سلام بلا كراهة فإن نوى فوق ركعة فله التشهد في كل ركعتين وفي ثلاث وأربع فأكثر أو نوى قدرا فله زيادة ونقص إن نويا قبلهما وإلا بطلت صلاته
فلو نوى ركعتين فقام إلى ثالثة سهوا ثم تذكر فيقعد وجوبا ثم يقوم للزيادة إن شاء ثم يسجد للسهو آخر صلاته
وإن لم يشأ قعد وتشهد وسجد للسهو وسلم
ويسن للمتنفل ليلا أو نهارا أن يسلم من كل ركعتين للخبر المتفق عليه صلاة الليل مثنى مثنى
وفي رواية صحيحة والنهار
قال في المجموع إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات
____________________
(1/269)
وقال فيه أيضا أفضل النفل عيد أكبر فأصغر فكسوف
فخسوف فاستسقاء فوتر فركعتا فجر فبقية الرواتب فجميعها في مرتبة واحدة
فالتراويح فالضحى فركعتا الطواف والتحية والإحرام فالوضوء
( فائدة ) أما الصلاة المعروفة ليلة الرغائب ونصف شعبان ويوم عاشوراء
____________________
(1/270)
فبدعة قبيحة وأحاديثها موضوعة
قال شيخنا كابن شبهة وغيره
وأقبح منها ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمس في الجمعة الأخيرة من رمضان عقب صلاتها زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة وذلك حرام
( والله أعلم )
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
2
____________________
(1/271)
فصل في صلاة الجماعة وشرعت بالمدينة
____________________
(2/2)
وأقلها إمام ومأموم وهي في الجمعة ثم في صبحها ثم الصبح ثم العشاء ثم العصر ثم الظهر ثم المغرب أفضل
( صلاة الجماعة في أداء مكتوبة ) لا جمعة ( سنة مؤكدة ) للخبر المتفق عليه صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة
والأفضلية تقتضي الندبية فقط وحكمة السبع والعشرين أن فيها فوائد تزيد على صلاة الفذ بنحو ذلك
____________________
(2/3)
وخرج بالأداء القضاء
نعم إن اتفقت مقضية الإمام والمأموم سنت الجماعة وإلا فخلاف الأولى كأداء خلف قضاء وعكسه وفرض خلف نفل وعكسه وتراويح خلف وتر وعكسه
وبالمكتوبة المنذورة والنافلة فلا تسن فيهما الجماعة ولا تكره
قال النووي والأصح أنها فرض كفاية للرجال البالغين الأحرار المقيمين في المؤاداة فقط بحيث يظهر شعارها بمحل إقامتها وقيل إنها فرض عين وهو مذهب أحمد وقيل شرط لصحة الصلاة ولا يتأكد الندب للنساء تأكده للرجال فلذلك يكره تركها لهم لا لهن
____________________
(2/4)
والجماعة في مكتوبة لذكر بمسجد أفضل نعم إن وجدت في بيته فقط فهو أفضل وكذا لو كانت فيه أكثر منها في المسجد على ما اعتمده الأذرعي وغيره
قال شيخنا والأوجه خلافه ولو تعارضت فضيلة الصلاة في المسجد والحضور خارجه قدم فيما يظهر لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها والمتعلقة بزمانها أولى من المتعلقة بمكانها
وتسن إعادة
____________________
(2/5)
المكتوبة بشرط أن تكون في الوقت وأن لا تزاد في إعادتها على مرة خلافا لشيخ شيوخنا أبي الحسن البكري رحمه الله تعالى ولو صليت الأولى جماعة مع آخر ولو واحدا
____________________
(2/6)
إماما كان أو مأموما في الأولى أو الثانية بنية فرض
وإن وقعت نفلا فينوي إعادة الصلاة المفروضة
واختار الإمام أن ينوي الظهر أو العصر مثلا ولا يتعرض للفرض ورجحه في الروضة لكن الأول مرجح الأكثرين والفرض الأولى ولو بان فساد الأولى لم تجزئه الثانية على ما اعتمده النووي وشيخنا خلافا لما قاله شيخه زكريا تبعا للغزالي وابن العماد أي إذا نوي بالثانية الفرض ( وهي بجمع كثير أفضل ) منها في جمع قليل للخبر الصحيح وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى ( إلا لنحو بدعة إمامه )
____________________
(2/7)
أي الكثير كرافضي وفاسق ولو بمجرد التهمة
فالأقل جماعة بل الانفراد أفضل كذا قاله شيخنا تبعا لشيخه زكريا رحمهما الله تعالى
وكذا لو كان لا يعتقد وجوب بعض الأركان أو الشروط وإن أتى بها لأنه يقصد بها النفلية وهو مبطل عندنا
( أو ) كون القليل بمسجد متيقن حل أرضه أو مال بانيه أو ( تعطل مسجد ) قريب أو بعيد ( منها ) أي الجماعة بغيبته عنه لكونه إمامه أو يحضر الناس بحضوره فقليل الجمع في ذلك أفضل من كثيره في غيره
بل بحث بعضهم
____________________
(2/8)
أن الانفراد بالمتعطل عن الصلاة فيه بغيبته أفضل والأوجه خلافه
ولو كان إمام القليل أولى بالإمامة لنحو علم كان الحضور عنده أولى
ولو تعارض الخشوع والجماعة فهي أولى
كما أطبقوا عليه حيث قالوا إن فرض الكفاية أفضل من السنة
وأفتى الغزالي وتبعه أبو الحسن البكري في شرحه الكبير على المنهاج بأولوية الانفراد لمن لا يخشع مع الجماعة في أكثر صلاته
قال شيخنا وهو كذلك إن فات في جميعها
وإفتاء ابن عبد السلام بأن الخشوع أولى مطلقا إنما يأتي على قول أن الجماعة سنة
ولو تعارض فضيلة سماع القرآن من الإمام مع قلة الجماعة وعدم سماعه مع كثرتها كان الأول أفضل
ويجوز لمنفرد أن ينوي اقتداء بإمام أثناء صلاته وإن اختلفت ركعتهما لكن يكره ذلك له دون مأموم خرج من الجماعة لنحو حدث إمامه فلا يكره له الدخول في جماعة أخرى
____________________
(2/9)
فإذا اقتدى في الأثناء لزمه موافقة الإمام
ثم إن فرغ أولا كمسبوق وإلا فانتظاره أفضل
وتجوز المفارقة بلا عذر مع الكراهة فتفوت فضيلة الجماعة
والمفارقة بعذر كمرخص ترك جماعة وتركه سنة مقصودة كتشهد أول وقنوت وسورة وتطويله وبالمأموم ضعف أو شغل لا تفوت فضيلتها
وقد تجب المفارقة كأن عرض مبطل لصلاة إمامه وقد علمه فيلزمه نيتها فورا وإلا بطلت وإن لم يتابعه اتفاقا كما في المجموع
( وتدرك جماعة ) في غير جمعة أي فضيلتها للمصلي ( ما لم يسلم إمام ) أي لم ينطق بميم عليكم في التسليمة الأولى وإن لم يقعد معه بأن سلم عقب تحرمه
____________________
(2/10)
لإدراكه ركنا معه فيحصل له جميع ثوابها وفضلها لكنه دون فضل من أدركها كلها
ومن أدرك جزءا من أولها ثم فارق بعذر أو خرج الإمام بنحو حدث حصل له فضل الجماعة
أما الجمعة فلا تدرك إلا بركعة كما يأتي ويسن لجمع حضروا والإمام قد فرغ من الركوع الأخير أن يصبروا إلى أن يسلم ثم يحرموا ما لم يضق الوقت
وكذا لمن سبق ببعض الصلاة ورجا جماعة يدرك معهم الكل
لكن قال شيخنا إن محله ما لم يفت بانتظارهم فضيلة أول الوقت أو وقت الاختيار سواء في ذلك الرجاء واليقين
وأفتى بعضهم بأنه لو قصدها فلم يدركها كتب له أجرها لحديث فيه
____________________
(2/11)
( و ) تدرك فضيلة ( تحرم ) مع إمام ( بحضوره ) أي المأموم التحرم ( واشتغال به عقب تحرم إمامه ) من غير تراخ فإن لم يحضره أو تراخى فاتته فضيلته
نعم يغتفر له وسوسة خفيفة وإدراك تحرم الإمام فضيلة مستقلة مأمور بها لكونه صفوة الصلاة ولأن ملازمه أربعين يوما يكتب له براءة من النار وبراءة من النفاق كما في الحديث وقيل يحصل فضيلة التحرم بإدراك بعض القيام
ويندب ترك الإسراع وإن خاف فوت التحرم وكذا الجماعة على الأصح إلا في الجمعة فيجب طاقته إن رجا إدراك التحرم قبل سلام الإمام
ويسن لإمام ومنفرد انتظار
____________________
(2/12)
داخل محل الصلاة مريدا الاقتداء به في الركوع والتشهد الأخير لله تعالى بلا تطويل وتمييز بين الداخلين ولو لنحو علم
وكذا في السجدة الثانية ليلحق موافق تخلف لإتمام فاتحة لا خارج عن محلها وأن صغر المسجد ولا داخل يعتاد البطء
وتأخير الإحرام إلى الركوع بل يسن عدمه
____________________
(2/13)
زجرا له
قال الفوراني يحرم الانتظار للتودد ويسن للإمام تخفيف الصلاة مع أبعاض وهيئات بحيث لا يقتصر على الأقل ولا يستوفي الأكمل إلا أن رضي بتطويله محصورون
وكره له تطويل وإن قصد لحوق آخرين
ولو رأى مصل نحو حريق خفف وهل يلزم أم لا وجهان والذي يتجه أنه يلزمه لإنقاذ حيوان محترم ويجوز له لإنقاذ نحو مال كذلك ومن رأى
____________________
(2/14)
حيوانا محترما يقصده ظالم أو يغرق لزمه تخليصه وتأخير صلاة أو إبطالها إن كان فيها أو مالا جاز له ذلك
وكره له تركه
وكره ابتداء نفل بعد شروع المقيم في الإقامة ولو بغير إذن الإمام فإن كان فيه أتمه إن لم يخش بإتمامه فوت جماعة وإلا قطعه ندبا ودخل فيها ما لم يرج جماعة أخرى
( و ) تدرك ( ركعة ) لمسبوق أدرك الإمام راكعا بأمرين ( بتكبيرة ) الإحرام ثم أخرى لهوي فإن اقتصر على تكبيرة اشترط أن يأتي بها ( لإحرام ) فقط وأن يتمها قبل أن يصير إلى أقل الركوع وإلا لم تنعقد إلا لجاهل
____________________
(2/15)
فتنعقد له نفلا بخلاف ما لو نوى الركوع وحده لخلوها عن التحرم أو مع التحرم للتشريك أو أطلق لتعارض قرينتي الافتتاح والهوي فوجبت نية التحرم لتمتاز عما عارضها من تكبيرة الهوي
( و ) بإدراك ( ركوع محسوب ) للإمام وإن قصر المأموم فلم يحرم إلا وهو راكع
وخرج بالركوع غيره كالاعتدال وبالمحسوب غيره كركوع محدث ومن في ركعة زائدة
ووقع للزركشي في قواعده ونقله العلامة أبو المسعود وابن ظهيرة في حاشية المنهاج أنه يشترط أيضا أن يكون الإمام أهلا للتحمل فلو كان الإمام صبيا لم يكن مدركا للركعة لأنه ليس أهلا للتحمل
( تام ) بأن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع وهو بلوغ راحتيه ركبتيه ( يقينا )
____________________
(2/16)
فلو لم يطمئن فيه قبل ارتفاع الإمام منه أو شك في حصول الطمأنينة فلا يدرك الركعة ويسجد الشاك للسهو كما في المجموع لأنه شاك بعد سلام الإمام في عدد ركعاته فلا يتحمل عنه
وبحث الأسنوي وجوب ركوع أدرك به ركعة في الوقت
( ويكبر ) ندبا ( مسبوق انتقل معه ) لانتقاله فلو أدركه معتدلا كبر للهوي وما بعده أو ساجدا مثلا غير سجدة تلاوة لم يكبر للهوي إليه ويوافقه ندبا في ذكر ما أدركه فيه من تحميد وتسبيح وتشهد ودعاء وكذا صلاة على الآل ولو في تشهد المأموم الأول
قاله شيخنا
____________________
(2/17)
( و ) يكبر مسبوق للقيام ( بعد سلاميه إن كان ) المحل الذي جلس معه فيه ( موضع جلوسه ) لو انفرد كأن أدركه في ثالثة رباعية أو ثانية مغرب وإلا لم يكبر للقيام ويرفع يديه تبعا لإمامه القائم من تشهده الأول وإن لم يكن محل تشهده ولا يتورك في غير تشهده الأخير
ويسن له أن لا يقوم إلا بعد تسليمتي الإمام
وحرم مكث بعد تسليمتيه إن لم يكن محل جلوسه فتبطل صلاته به إن تعمد وعلم تحريمه
ولا يقوم قبل سلام الإمام فإن تعمده بلا نية مفارقة بطلت
والمراد مفارقة حد القعود فإن سها أو جهل لم يعتد بجميع ما أتى به حتى يجلس ثم يقوم بعد سلام الإمام
____________________
(2/18)
ومتى علم ولم يجلس بطلت صلاته
وبه فارق من قام عن إمامه في التشهد الأول عامدا فإنه يعتد بقراءته قبل قيام الإمام لأنه لا يلزمه العود إليه ( وشرط لقدوة ) شروط منها ( نية اقتداء أو جماعة ) أو ائتمام بالإمام الحاضر أو الصلاة معه أو كونه مأموما ( مع تحرم ) أي يجب أن تكون هذه النية مقترنة مع التحرم
وإذا لم تقترن نية نحو الاقتداء بالتحرم لم تنعقد الجمعة
____________________
(2/19)
لاشتراط الجماعة فيها وتنعقد غيرها فرادى
فلو ترك هذه النية أو شك فيها وتابع مصليا في فعل كأن هوى للركوع متابعا له أو في سلام بأن قصد ذلك من غير اقتداء به وطال عرفا انتظاره له بطلت صلاته
( ونية إمامة ) أو جماعة ( سنة لإمام في غير جمعة ) لينال فضل الجماعة وللخروج من خلاف من أوجبها
وتصح نيتها مع تحرمه وإن لم يكن خلفه أحد إن وثق بالجماعة على الأوجه لأنه سيصير إماما فإن لم ينو ولو لعدم علمه بالمقتدين حصل لهم الفضل دونه وإن نواه في الأثناء حصل له الفضل من حينئذ
____________________
(2/20)
أما في الجمعة فتلزمه مع التحرم
( و ) منها ( عدم تقدم ) في المكان يقينا ( على إمام بعقب ) وإن تقدمت أصابعه
أما الشك في التقدم فلا يؤثر ولا يضر مساواته لكنها مكروهة
( وندب وقوف ذكر ) ولو صبيا لم يحضر غيره ( عن يمين الإمام ) وإلا سن له تحويله للاتباع
____________________
(2/21)
( متأخر ) عنه ( قليلا ) بأن تتأخر أصابعه عن عقب إمامه
وخرج بالذكر الأنثى فتقف خلفه مع مزيد تأخر
( فإن جاء ) ذكر ( آخر أحرم عن يساره ) ويتأخر قليلا ( ثم ) بعد إحرامه ( تأخرا ) عنه ندبا في قيام أو ركوع حتى يصيرا صفا وراءه
( و ) وقوف ( رجلين ) جاءا معا ( أو رجال ) قصدوا الاقتداء بمصل ( خلفه ) صفا ( و ) ندب وقوف ( في صف أول )
____________________
(2/22)
وهو ما يلي الإمام وإن تخلله منبر أو عمود
____________________
(2/23)
( ثم ما يليه ) وهكذا
وأفضل كل صف يمينه
ولو ترادف يمين الإمام والصف الأول قدم فيما يظهر ويمينه أولى من القرب إليه في يساره وإدراك الصف الأول أولى من إدراك ركوع غير الركعة الأخيرة
أما هي فإن فوتها قصد الصف الأول فإدراكها أولى من الصف الأول
( وكره ) لمأموم ( انفراد ) عن الصف الذي من جنسه إن وجد فيه سعة بل يدخله
____________________
(2/24)
( وشروع في صف قبل إتمام ما قبله ) من الصف ووقوف الذكر الفرد عن يساره ووراءه ومحاذيا له ومتأخرا كثيرا
وكل هذه تفوت فضيلة الجماعة كما صرحوا به
ويسن أن لا يزيد ما بين كل صفين والأول والإمام على ثلاثة أذرع
ويقف خلف الإمام الرجال ثم الصبيان ثم النساء
ولا يؤخر الصبيان للبالغين لاتحاد جنسهم ( و ) منها ( علم بانتقال إمام ) برؤية له
____________________
(2/25)
أو لبعض صف أو سماع لصوته أو صوت مبلغ ثقة ( و ) منها ( اجتماعهما ) أي الإمام والمأموم ( بمكان ) كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية ( فإن كانا بمسجد ) ومنه جداره ورحبته
____________________
(2/26)
وهي ما خرج عنه لكن حجر لأجله سواء أعلم وقفيتها مسجد أو جهل أمرها عملا بالظاهر وهو التحويط لكن ما لم يتيقن حدوثها بعده وأنها غير مسجد لا حريمه وهو موضع اتصل به وهيىء لمصلحته كانصباب ماء ووضع نعال ( صح الاقتداء ) وإن زادت المسافة بينهما على ثلثمائة ذراع أو اختلفت الأبنية بخلاف من ببناء فيه لا ينفذ بابه إليه سمر أو كان سطحا
____________________
(2/27)
لا مرقى له منه فلا تصح القدوة إذ لا اجتماع حينئذ كما لو وقف من وراء شباك بجدار المسجد ولا يصل إليه إلا بازورار أو انعطاف بأن ينحرف عن جهة القبلة لو أراد الدخول إلى الإمام
( ولو كان أحدهما فيه ) أي المسجد ( والآخر خارجه شرط ) مع قرب المسافة بأن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع تقريبا ( عدم حائل ) بينهما يمنع مرورا أو رؤية ( أو وقوف واحد ) من المأمومين ( حذاء منفذ ) في الحائل إن كان كما إذا كانا ببناءين كصحن وصفة من دار أو كان أحدهما ببناء والآخر بفضاء فيشترط أيضا هنا ما مر
فإن حال ما يمنع مرورا كشباك أو رؤية كباب مردود وإن لم تغلق ضبته
____________________
(2/28)
لمنعه المشاهدة وإن لم يمنع الاستطراق
ومثله الستر المرخى
أو لم يقف أحد حذاء منفذ لم يصح الاقتداء فيهما
وإذا وقف واحد من المأمومين حذاء المنفذ حتى يرى الإمام أو بعض من معه في بنائه فحينئذ تصح صلاة من بالمكان الآخر تبعا لهذا المشاهد فهو في حقهم كالإمام حتى لا يجوز عليه في الموقف والإحرام ولا بأس بالتقدم عليه في الأفعال ولا يضرهم بطلان صلاته بعد إحرامهم على الأوجه كرد الريح الباب أثناءها لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء
____________________
(2/29)
( فرع ) لو وقف أحدهما في علو والآخر في سفل اشترط عدم الحيلولة لا محاذاة قدم الأعلى رأس الأسفل وإن كانا في غير مسجد
على ما دل عليه كلام الروضة وأصلها والمجموع خلافا لجمع متأخيرين
ويكره ارتفاع أحدهما على الآخر بلا حاجة ولو في المسجد
( و ) منها ( موافقة في سنن تفحش مخالفة فيها ) فعلا أو تركا فتبطل صلاة من وقعت بينه وبين الإمام مخالفة في سنة كسجدة تلاوة فعلها الإمام وتركها المأموم عامدا عالما بالتحريم وتشهد أول فعله الإمام وتركه المأموم أو تركه الإمام وفعله المأموم عامدا عالما وإن لحقه على القرب حيث لم يجلس الإمام للاستراحة
____________________
(2/30)
لعدوله عن فرض المتابعة إلى سنة
أما إذا لم تفحش المخالفة فيها فلا يضر الإتيان بالسنة كقنوت أدرك مع الإتيان به الإمام في سجدته الأولى
وفارق التشهد الأول بأنه فيه أحدث قعودا لم يفعله الإمام وهذا إنما طول ما كان فيه الإمام فلا فحش وكذا لا يضر الإتيان بالتشهد الأول إن جلس إمامه للاستراحة لأن الضار إنما هو إحداث جلوس لم يفعله الإمام وإلا لم يجز وأبطل صلاة العالم العامد ما لم ينو مفارقته وهو فراق بعذر فيكون أولى
وإذا لم يفرغ المأموم منه مع فراغ الإمام جاز له التخلف لإتمامه بل ندب إن علم أنه يدرك الفاتحة بكمالها قبل ركوع الإمام لا التخلف لإتمام سورة بل يكره إذا لم يلحق الإمام في الركوع
( و ) منها ( عدم تخلف عن إمام بركنين فعليين ) متواليين تامين ( بلا عذر مع تعمد وعلم ) بالتحريم وإن لم يكونا طويلين
فإن تخلف بهما بطلت صلاته لفحش المخالفة كأن ركع الإمام واعتدل وهوي للسجود أي زال من حد القيام والمأموم قائم
وخرج بالفعليين القوليان والقولي والفعلي
____________________
(2/31)
( و ) عدم تخلف عنه معهما ( بأكثر من ثلاثة أركان طويلة ) فلا يحسب منها الاعتدال والجلوس بين السجدتين ( بعذر أوجبه ) أي اقتضى وجوب ذلك التخلف
____________________
(2/32)
( كإسراع إمام قراءة ) والمأموم بطيء القراءة لعجز خلقي لا لوسوسة أو الحركات
( وانتظام مأموم سكتته ) أي سكتة الإمام ليقرأ فيها الفاتحة فركع عقبها وسهوه عنها حتى ركع الإمام
وشكه فيها قبل ركوعه
أما التخلف لوسوسة بأن كان يردد الكلمات من غير موجب فليس بعذر
قال شيخنا ينبغي في ذي وسوسة صارت كالخلقية بحيث يقطع كل من رآه أنه لا يمكنه تركها أن يأتي فيه ما في بطيء الحركة فيلزم المأموم في الصور المذكورة إتمام الفاتحة ما لم يتخلف بأكثر من ثلاثة أركان طويلة وإن تخلف مع عذر بأكثر من الثلاثة
____________________
(2/33)
بأن لا يفرغ من الفاتحة إلا والإمام قائم عن السجود أو جالس للتشهد ( فليوافق ) إمامه وجوبا ( في ) الركن ( الرابع ) وهو القيام أو الجلوس للتشهد ويترك ترتيب نفسه ( ثم يتدارك ) بعد سلام الإمام ما بقي عليه فإن لم يوافقه في الرابع مع علمه بوجوب المتابعة ولم ينو المفارقة بطلت صلاته إن علم وتعمد
وإن ركع المأموم مع الإمام فشك هل قرأ الفاتحة أو تذكر أنه لم يقرأها لم يجز له العود إلى القيام وتدارك بعد سلام الإمام ركعة
فإن عاد عالما عامدا بطلت صلاته وإلا فلا
فلو تيقن القراءة وشك في إكمالها فإنه لا يؤثر
( ولو اشتغل مسبوق ) وهو من لم يدرك من قيام الإمام قدرا يسع الفاتحة
____________________
(2/34)
بالنسبة إلى القراءة المعتدلة وهو ضد الموافق
ولو شك هل أدرك زمنا يسعها تخلف لإتمامها ولا يدرك الركعة ما لم يدركه في الركوع ( بسنة ) كتعوذ وافتتاح أو لم يشتغل بشيء بأن سكت زمنا بعد تحرمه وقبل قراءته وهو عالم بأن واجبه الفاتحة
أو استمع قراءة الإمام ( قرأ ) وجوبا من الفاتحة بعد ركوع الإمام سواء أعلم أنه يدرك الإمام قبل رفعه من سجوده أم لا على الأوجه
( قدرها ) حروفا في ظنه أو قدر زمن من سكوته لتقصيره بعدوله عن فرض إلى غيره
____________________
(2/35)
( وعذر ) من تخلف لسنة كبطء القراءة على ما قاله الشيخان كالبغوي لوجوب التخلف فيتخلف ويدرك الركعة ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان خلافا لما اعتمده جمع محققون من كونه غير معذور لتقصيره بالعدول المذكور
وجزم به شيخنا في شرح المنهاج وفتاويه ثم قال من عبر بعذره فعبارته مؤولة
وعليه إن لم يدرك الإمام في الركوع فاتته الركعة ولا يركع لأنه لا يحسب له بل يتابعه في هويه للسجود
____________________
(2/36)
وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد
ثم قال والذي يتجه أنه يتخلف لقراءة ما لزمه حتى يريد الإمام الهوي للسجود فإن كمل وافقه فيه ولا يركع وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد وإلا فارقه بالنية
قال شيخنا في شرح الإرشاد والأقرب للمنقول الأول وعليه أكثر المتأخرين
أما إذا ركع بدون قراءة قدرها فتبطل صلاته
وفي شرح المنهاج له عن معظم الأصحاب أنه يركع ويسقط عنه بقية الفاتحة
واختير بل رجحه جمع متأخرون وأطالوا في الاستدلال له وأن كلام الشيخين يقتضيه
أما إذا جهل أن واجبه ذلك فهو تخلفه لما لزمه متخلف بعذر
قاله القاضي
وخرج بالمسبوق الموافق فإنه إذا لم يتم الفاتحة لاشتغاله بسنة
____________________
(2/37)
كدعاء افتتاح وإن لم يظن إدراك الفاتحة معه يكون كبطيء القراءة فيما مر بلا نزاع
( وسبقه ) أي المأموم ( على إمام ) عامدا عالما ( ب ) تمام ( ركنين فعليين ) وإن لم يكونا طويلين ( مبطل ) للصلاة لفحش المخالفة
وصورة التقدم بهما أن يركع ويعتدل ثم يهوي للسجود مثلا والإمام قائم أو كأن يركع قبل الإمام فلما أراد الإمام أن يركع رفع فلما أراد الإمام أن يركع سجد فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال
ولو سبق بهما سهوا أو جهلا لم يضر لكن لا يعتد له بهما
فإذا لم يعد للإتيان بهما مع الإمام سهوا أو جهلا أتى بعد سلام إمامه بركعة وإلا أعاد الصلاة
( و ) سبقه عليه
____________________
(2/38)
عامدا عالما ( ب ) تمام ( ركن فعلي ) كأن ركع ورفع والإما قائم ( حرام ) بخلاف التخلف به فإنه مكروه كما يأتي ومن تقدم بركن سن له العود ليوافقه إن تعمد وإلا تخير بين العود والدوام
( ومقارنته ) أي مقارنة المأموم الإمام ( في أفعال ) وكذا أقوال غير تحرم ( مكروهة كتخلف عنه ) أي الإمام ( إلى فراغ ركن ) وتقدم عليه بابتدائه وعند تعمد أحد هذه الثلاثة تفوته فضيلة الجماعة
فهي جماعة صحيحة لكن لا ثواب عليها فيسقط إثم تركها أو كراهته
فقول جمع انتفاء الفضيلة يلزمه الخروج عن المتابعة حتى يصير كالمنفرد ولا تصح له الجمعة وهم كما بينه الزركشي وغيره
ويجري ذلك في كل مكروه من حيث الجماعة بأن لم يتصور وجوده في غيرها
____________________
(2/39)
فالسنة للمأموم أن يتأخر ابتداء فعله عن ابتداء فعل الإمام ويتقدم على فراغه منه والأكمل من هذا أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن جميع حركة الإمام ولا يشرع حتى يصل الإمام لحقيقة المنتقل إليه فلا يهوي للركوع والسجود حتى يستوي الإمام راكعا أو تصل جبهته إلى المسجد
ولو قارنه بالتحرم أو تبين تأخر تحرم الإمام لم تنعقد صلاته ولا بأس بإعادته التكبير سرا بنية ثانية إن لم يشعروا ولا بالمقارنة في السلام وإن سبقه بالفاتحة أو التشهد بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الإمام فيه لم يضر
وقيل تجب الإعادة مع فعل الإمام أو بعده وهو أولى
فعليه إن لم يعده بطلت
ويسن مراعاة هذا الخلاف كما يسن تأخير جميع فاتحته عن فاتحة الإمام ولو في أوليي السرية إن ظن أنه يقرأ السورة
ولو علم أن إمامه يقتصر على الفاتحة
____________________
(2/40)
لزمه أن يقرأها مع قراءة الإمام
( ولا يصح قدوة بمن اعتقد بطلان صلاته ) بإن ارتكب مبطلا في اعتقاد المأموم كشافعي اقتدى بحنفي مس فرجه دون ما إذا افتصد نظرا لاعتقاد المقتدي لأن الإمام محدث عنده بالمس دون الفصد فيتعذر ربط صلاته بصلاة الإمام لأنه عنده ليس في صلاة
ولو شك شافعي في إتيان المخالف بالواجبات عند المأموم لم يؤثر في صحة الاقتداء به تحسينا للظن به في توقي الخلاف
____________________
(2/41)
فلا يضر عدم اعتقاده الوجوب
( فرع ) لو قام إمامه لزيادة كخامسة ولو سهوا لم يجز له متابعته ولو مسبوقا أو شاكا في ركعة بل يفارقه ويسلم أو ينتظره على المعتمد
( ولا ) قدوة ( بمقتد ) ولو احتمالا وإن بان إماما
وخرج بمقتد من انقطعت قدوته كأن سلم الإمام فقام مسبوق فاقتدى به آخر صحت أو قام مسبوقون فاقتدى بعضهم ببعض صحت أيضا على المعتمد لكن مع الكراهة
____________________
(2/42)
( ولا ) قدوة ( قارىء بأمي ) وهو من يخل بالفاتحة أو بعضها ولو بحرف منها بأن يعجز عنه بالكلية أو عن إخراجه عن مخرجه أو عن أصل تشديدة وإن لم يمكنه التعلم ولا علم بحاله لأنه لا يصلح لتحمل القراءة عنه لو أدركه راكعا
ويصح الاقتداء بمن يجوز كونه أميا إلا إذا لم يجهر في جهرية فيلزمه مفارقته فإن استمر جاهلا حتى سلم لزمته الإعادة ما لم يتبين أنه قارىء
ومحل عدم صحة الإقتداء بالأمي
____________________
(2/43)
إن لم يستو الإمام والمأموم في الحرف المعجوز عنه بأن أحسنه المأموم فقط أو أحسن كل منهما غير ما أحسنه الآخر
ومنه أرت يدغم في غير محله بإبدال وألثغ يبدل حرفا بآخر
فإن أمكنه التعلم ولم يتعلم لم تصح صلاته وإلا صحت كاقتدائه بمثله وكره اقتداء بنحو تأتاء وفأفاء ولاحن بما لا يغير معنى كضم هاء لله وفتح دال نعبد فإن لحن لحنا يغير المعنى في الفاتحة ك أنعمت بكسر أو ضم أبطل صلاة من أمكنه التعلم ولم يتعلم لأنه ليس بقرآن
نعم إن ضاق الوقت صلى لحرمته
____________________
(2/44)
وأعاد لتقصيره
قال شيخنا ويظهر أنه لا يأتي بتلك الكلمة لأنه غير قرآن قطعا فلم تتوقف صحة الصلاة حينئذ عليها بل تعمدها ولو من مثل هذا مبطل
انتهى
أو في غيرها صحت صلاته والقدوة به إلا إذا قدر وعلم وتعمد لأنه حينئذ كلام أجنبي
وحيث بطلت صلاته هنا يبطل الاقتداء به
لكن للعالم بحاله كما قاله الماوردي واختار السبكي ما اقتضاه قول الإمام ليس لهذا قراءة غير الفاتحة لأنه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة من البطلان مطلقا
( ولو اقتدى بمن ظنه أهلا ) للإمامة ( فبان خلافه ) كأن ظنه قارئا أو غير مأموم أو رجلا أو عاقلا فبان أميا أو مأموما أو امرأة أو مجنونا أعاد الصلاة وجوبا لتقصيره بترك البحث في ذلك
____________________
(2/45)
( لا ) إن اقتدى بمن ظنه متطهرا فبان ( ذا حدث ) ولو حدثا أكبر ( أو ) ذا ( خبث ) خفي ولو في جمعة إن زاد على الأربعين فلا تجب الإعادة وإن كان الإمام عالما لانتفاء تقصير المأموم إذ لا أمارة عليهما ومن ثم حصل له فضل الجماعة
أما إذا بان ذا خبث ظاهر فيلزمه الإعادة على غير الأعمى لتقصيره وهو ما بظاهر الثوب وإن حال بين الإمام والمأموم حائل
والأوجه في ضبطه أن يكون بحيث لو تأمله المأموم رآه والخفي بخلافه
وصحح النووي في التحقيق عدم وجوب الإعادة مطلقا
( وصح اقتداء سليم بسلس ) للبول أو المذي أو الضراط وقائم بقاعد ومتوضىء بمتيمم لا تلزمه إعادة
____________________
(2/46)
( وكره ) اقتداء ( بفاسق ومبتدع ) كرافضي وإن لم يوجد أحد سواهما ما لم يخش فتنة وقيل لا يصح الاقتداء بهما
وكره أيضا اقتداء بموسوس وأقلف لا بولد الزنا
____________________
(2/47)
لكنه خلاف الأولى
واختار السبكي ومن تبعه انتقاء الكراهة إذا تعذرت الجماعة إلا خلف من تكره خلفه بل هي أفضل من الانفراد
وجزم شيخنا بأنها لا تزول حينئذ بل الانفراد أفضل منها
وقال بعض أصحابنا والأوجه عندي ما قاله السبكي رحمه الله تعالى
( تتمة ) وعذر الجماعة كالجمعة مطر يبل ثوبه للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة في الرحال يوم مطر يبل أسفل النعال بخلاف ما لا يبله
نعم قطر الماء من سقوف الطريق عذر وإن لم يبله لغلبة نجاسته أو استقذاره
ووحل لم يأمن معه التلوث بالمشي فيه أو الزلق وحر شديد
____________________
(2/48)
وإن وجد ظلا يمشي فيه وبرد شديد وظلمة شديدة بالليل ومشقة مرض وإن لم تبح الجلوس في الفرض لا صداع يسير ومدافعة حدث من بول أو غائط أو ريح فتكره الصلاة معها
وإن خاف فوت الجماعة لو فرغ نفسه كما صرح به جمع وحدوثها في الفرض لا يجوز قطعه ومحل ما ذكر في هذه إن اتسع الوقت بحيث لو فرغ نفسه أدرك الصلاة كاملة وإلا حرم التأخير لذلك
وفقد لباس لائق به
____________________
(2/49)
وإن وجد ساتر العورة وسير رفقة لمريد سفر مباح وإن أمن لمشقة استيحاشه وخوف ظالم على معصوم من عرض أو نفس أو مال وخوف من حبس غريم معسر وحضور مريض وإن لم يكن نحو قريب بلا متعهد له أو كان نحو قريب محتضرا أو لم يكن محتضرا
____________________
(2/50)
لكن يأنس به وغلبة نعاس عند انتظاره للجماعة وشدة جوع وعطش وعمى حيث لم يجد قائدا بأجرة المثل
وإن أحسن المشي بالعصا
( تنبيه ) إن هذه الأعذار تمنع كراهة تركها حيث سنت وإثمه حيث وجبت ولا تحصل فضيلة الجماعة كما قال النووي في المجموع واختار غيره ما عليه جمع متقدمون من حصولها إن قصدها لولا العذر
____________________
(2/51)
قال في المجموع يستحب لمن ترك الجمعة بلا عذر أن يتصدق بدينار أو نصفه لخبر أبي داود وغيره
فصل ( في صلاة الجمعة ) هي فرض عين عند اجتماع شرائطها
وفرضت بمكة ولم تقم بها لفقد العدد أو لأن شعارها الإظهار وكان صلى الله عليه وسلم مستخفيا فيها
وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة بقرية على ميل من المدينة
وصلاتها أفضل الصلوات
____________________
(2/52)
وسميت بذلك لاجتماع الناس لها أو لأن آدم اجتمع فيها مع حواء من مزدلفة فلذلك سميت جمعا
( تجب جمعة على ) كل ( مكلف ) أي بالغ عاقل ( ذكر حر ) فلا تلزم على أنثى وخنثى ومن به رق إن كوتب لنقصه ( متوطن ) بمحل الجمعة لا يسافر من محل إقامتها صيفا ولا شتاء إلا لحاجة كتجارة وزيارة ( غير معذور ) بنحو مرض من الأعذار التي مرت في الجماعة فلا تلزم على مريض إن لم يحضر بعد الزوال محل إقامتها
____________________
(2/53)
وتنعقد بمعذور ( و ) تجب ( على مقيم ) بمحل إقامتها غير متوطن كمن أقام بمحل جمعة أربعة أيام فأكثر وهو على عزم العود إلى وطنه ولو بعد مدة طويلة
وعلى مقيم متوطن بمحل يسمع منه النداء ولا يبلغ أهله أربعين فتلزمهما الجمعة ( و ) لكن ( لا تنعقد ) الجمعة ( به ) أي بمقيم غير متوطن ولا بمتوطن خارج بلد إقامتها وإن وجبت عليه بسماعه النداء منها
( ولا بمن به رق وصبا ) بل تصح منهم
____________________
(2/54)
لكن ينبغي تأخر إحرامهم عن إحرام أربعين ممن تنعقد به الجمعة على ما اشترطه جمع محققون وإن خالف فيه كثيرون
( وشرط ) لصحة الجمعة مع شروط غيرها ستة احدها ( وقوعها جماعة ) بنية إمامة واقتداء مقترنة بتحرم ( في الركعة الأولى ) فلا تصح الجمعة بالعدد فرادى ولا تشترط الجماعة في الركعة الثانية
فلو صلى الإمام بالأربعين ركعة ثم أحدث فأتم كل منهم ركعة واحدة أو لم يحدث بل فارقوه في الثانية وأتموا منفردين أجزأتهم الجمعة
نعم يشترط بقاء العدد إلى سلام الجميع حتى لو أحدث واحد من الأربعين قبل سلامه ولو بعد سلام من عداه منهم بطلت جمعة الكل
____________________
(2/55)
ولو أدرك المسبوق ركوع الثانية واستمر معه إلى أن سلم أتى بركعة بعد سلامه جهرا وتمت جمعته إن صحت جمعة الإمام وكذا من اقتدى به وأدرك ركعة معه كما قاله شيخنا
وتجب على من جاء بعد ركوع
الثانية نية الجمعة على الأصح وإن كانت الظهر هي اللازمة له
وقيل تجوز نية الظهر
وأفتى به البلقيني وأطال الكلام فيه
( و ) ثانيها وقوعها ( بأربعين )
____________________
(2/56)
ممن تنعقد بهم الجمعة ولو مرضى ومنهم الأمام
ولو كانوا أربعين فقط وفيهم أمي واحد أو أكثر قصر في التعلم لم تصح جمعتهم لبطلان صلاته فينقصون
أما إذا لم يقصر الأمي في التعلم فتصح الجمعة به كما جزم به شيخنا في شرحي العباب والإرشاد تبعا لما جزم به شيخه في شرح الروض ثم قال في شرح المنهاج لا فرق هنا بين أن يقصر الأمي في التعلم وأن لا يقصر
والفرق بينهما غير قوي
انتهى
ولو نقصوا فيها بطلت أو في خطبة
____________________
(2/57)
لم يحسب ركن فعل حال نقصهم لعدم سماعهم له
فإن عادوا قريبا عرفا جاز البناء على ما مضى وإلا وجب الاستئناف كنقصهم بين الخطبة والصلاة لانتفاء الموالاة فيهما
( فرع ) من له مسكنان ببلدين فالعبرة بما كثرت فيه إقامته فيما فيه أهله وماله
وإن كان بواحد أهل وبآخر مال فبما فيه أهله فإن استويا في الكل فبالمحل الذي هو فيه حالة إقامة الجمعة
ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى فتنعقد عنده بأربعة ولو عبيدا أو مسافرين
ولا يشترط عندنا إذن السلطان لإقامتها ولا كون محلها مصرا خلافا له فيهما
وسئل البلقيني عن أهل قرية لا يبلغ عددهم أربعين هل يصلون الجمعة أو الظهر فأجاب رحمه الله يصلون الظهر على مذهب الشافعي
وقد أجاز جمع من العلماء أن يصلوا الجمعة
____________________
(2/58)
وهو قوي فإذا قلدوا أي جميعهم من قال هذه المقالة فإنهم يصلون الجمعة
وإن احتاطوا فصلوا الجمعة ثم الظهر كان حسنا
( و ) ثالثها وقوعها ( بمحل معدود من البلد ) ولو بفضاء معدود منها بأن كان في محل لا تقصر فيه الصلاة وإن لم يتصل بالأبنية بخلاف محل غير معدود منها وهو ما يجوز السفر القصر منه
( فرع ) لو كان في قرية أربعون كاملون
____________________
(2/59)
لزمتهم الجمعة بل يحرم عليهم على المعتمد تعطيل محلهم من إقامتها والذهاب إليها في بلد أخرى وإن سمعوا النداء
قال ابن الرفعة وغيره إنهم إذا سمعوا النداء من مصر فهم مخيرون بين أن يحضروا البلد للجمعة وبين أن يقيموها في قريتهم وإذا حضروا البلد لا يكمل بهم العدد لأنهم في حكم المسافرين وإذا لم يكن في القرية جمع تنعقد بهم الجمعة ولو بامتناع بعضهم منها يلزمهم السعي إلى بلد يسمعون من جانبه النداء
قال ابن عجيل ولو تعددت مواضع متقاربة وتميز كل باسم فلكل حكمه
قال شيخنا إنما يتجه ذلك إن عد كل مع ذلك قرية مستقلة عرفا
____________________
(2/60)
( فرع ) لو أكره السلطان أهل قرية إن ينتقلوا منها ويبنوا في موضع آخر فسكنوا فيه وقصدهم العود إلى البلد الأول إذا فرج الله عنهم لا تلزمهم الجمعة بل لا تصح منهم لعدم الاستيطان
( و ) رابعها وقوعها ( في وقت ظهر ) فلو ضاق الوقت عنها وعن خطبتيها أو شك في ذلك صلوا ظهرا ولو خرج الوقت يقينا أو ظنا وهم فيها ولو قبيل السلام وإن كان ذلك بإخبار عدل على الأوجه وجب الظهر بناء على ما مضى وفاتت الجمعة بخلاف ما لو شك في خروجه لأن الأصل بقاؤء
ومن شروطهما أن لا يسبقها بتحرم ولا يقارنها فيه جمعة بمحلها
____________________
(2/61)
إلا أن كثر أهله وعسر اجتماعهم بمكان واحد منه ولو غير مسجد من غير لحوق مؤذ فيه كحر وبرد شديدين فيجوز حينئذ تعددها للحاجة بحسبها
____________________
(2/62)
( فرع ) لا يصح ظهر من لا عذر له قبل سلام الإمام فإن صلاها جاهلا انعقدت نفلا ولو تركها أهل بلد فصلوا الظهر لم يصح ما لم يضق الوقت عن أقل واجب الخطبتين والصلاة وإن علم من عادتهم أنهم لا يقيمون الجمعة
( و ) خامسها ( وقوعها ) أي الجمعة ( بعد خطبتين ) بعد زوال لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة إلا بخطبتين
____________________
(2/63)
( بأركانهما ) أي يشترط وقوع صلاة الجمعة بعد خطبتين مع إتيان أركانهما الآتية ( وهي ) خمسة
أحدها ( حمد الله تعالى )
( و ) ثانيها ( صلاة على النبي ) صلى الله عليه وسلم ( بلفظهما ) أي حمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كالحمد لله أو أحمد الله فلا يكفي الشكر لله أو الثناء لله ولا الحمد للرحمن أو للرحيم
____________________
(2/64)
وكاللهم صل أو صلى الله أو أصلي على محمد أو أحمد أو الرسول أو النبي أو الحاشر أو نحوه فلا يكفي اللهم سلم على محمد وارحم محمدا ولا صلى الله عليه بالضمير
وإن تقدم له ذكر يرجع إليه الضمير كما صرح به جمع محققون
وقال الكمال الدميري وكثيرا ما يسهو الخطباء في ذلك
انتهى
فلا تغتر بما تجده مسطورا في بعض الخطب النباتية على خلاف ما عليه محققو المتأخرين
( و ) ثالثها ( وصية بتقوى الله ) ولا يتعين لفظها ولا تطويلها بل يكفي نحو أطيعوا الله مما فيه حث على طاعة الله أو زجر عن معصية لأنها المقصود من الخطبة فلا يكفي مجرد التحذير من غرور الدنيا وذكر الموت وما فيه من الفظاعة والألم
قال ابن الرفعة يكفي فيها ما اشتملت على الأمر بالاستعداد للموت
ويشترط أن يأتي بكل من الأركان الثلاثة ( فيهما ) أي في كل واحدة من الخطبتين
____________________
(2/65)
ويندب أن يرتب الخطيب الأركان الثلاثة وما بعدها بأن يأتي أولا بالحمد فالصلاة فالوصية فبالقراءة فبالدعاء
( و ) رابعها ( قراءة آية ) مفهمة ( في إحداهما ) وفي الأولى أولى
وتسن بعد فراغها قراءة ق أو بعضها في كل جمعة للاتباع
( و ) خامسها ( دعاء ) أخروي للمؤمنين إن لم يتعرض للمؤمنات خلافا للأذرعي ( ولو ) بقوله ( رحمكم الله ) وكذا بنحو اللهم أجرنا من النار إن قصد تخصيص الحاضرين
____________________
(2/66)
( في ) خطبة ( ثانة ) لاتباع السلف والخلف
والدعاء للسلطان بخصوصه لا يسن اتفاقا إلا مع خشية فتنة فيجب ومع عدمها لا بأس به حيث لا مجازفة في وصفه ولا يجوز وصفه بصفة كاذبة إلا لضرورة
ويسن الدعاء لولاة الصحابة قطعا وكذا لولاة المسلمين وجيوشهم بالصلاح والنصر والقيام بالعدل
وذكر المناقب لا يقطع الولاة ما لم يعد به معرضا عن الخطبة
وفي التوسط يشترط أن لا يطيله إطالة تقطع الموالاة كما يفعله كثير من الخطباء الجهال
قال شيخنا
____________________
(2/67)
ولو شك في ترك فرض من الخطبة بعد فراغها لم يؤثر كما لا يؤثر الشك في ترك فرض بعد الصلاة أو الوضوء
( وشرط فيهما ) الخطبتين ( إسماع أربعين ) أي تسعة وثلاثين سواه ممن تنعقد بهم الجمعة ( الأركان ) لا جميع الخطبة
قال شيخنا لا تجب الجمعة على أربعين بعضهم أصم ولا تصح مع وجود لغط يمنع سماع ركن الخطبة على المعتمد فيهما
____________________
(2/68)
وإن خالف فيه جمع كثيرون فلم يشترطوا إلا الحضور فقط
وعليه يدل كلام الشيخين في بعض المواضع ولا يشترط كونهم بمحل الصلاة ولا فهمهم لما يسمعونه
( و ) شرط فيهما ( عربية ) لاتباع السلف والخلف
وفائدتها بالعربية مع عدم معرفتهم لها العلم بالوعظ في الجملة
قاله القاضي
وإن لم يمكن تعلمها بالعربية قبل ضيق الوقت خطب منهم واحد بلسانهم وإن أمكن تعلمها وجب كل على الكفاية ( وقيام قادر عليه وطهر ) من حدث أكبر وأصغر وعن نجس غير معفو عنه
____________________
(2/69)
في ثوبه وبدنه ومكانه
( وستر ) للعورة
( و ) شرط ( جلوس بينهما ) بطمأنينة فيه وسن أن يكون بقدر سورة الإخلاص وأن يقرأها فيه
ومن خطب قاعدا لعذر فصل بينهما بسكتة وجوبا
وفي الجواهر لو لم يجلس حسبتا واحدة فيجلس ويأتي بثالثة
( وولاء ) بينهما وبين أركانهما وبينهما وبين الصلاة بأن لا يفصل طويلا عرفا
وسيأتي أن اختلال الموالاة
____________________
(2/70)
بين المجموعتين بفعل ركعتين بل بأقل مجزىء فلا يبعد الضبط بهذا هنا ويكون بيانا للعرف
( وسن لمريدها ) أي الجمعة وإن لم تلزمه ( غسل ) بتعميم البدن والرأس بالماء فإن عجز سن تيمم بنية الغسل ( بعد ) طلوع ( فجر )
وينبغي لصائم
____________________
(2/71)
خشي منه مفطرا تركه وكذا سائر الأغسال المسنونة وقربه من ذهابه إليها أفضل
ولو تعارض الغسل والتبكير فمراعاة الغسل أولى للخلاف في وجوبه ومن ثم كره تركه
ومن الأغسال المسنونة غسل العيدين والكسوفين والاستسقاء وأغسال الحج وغسل غاسل الميت والغسل للاعتكاف ولكل ليلة من رمضان
____________________
(2/72)
ولحجامة ولتغير الجسد وغسل الكافر إذا أسلم للأمر به ولم يجب لأن كثيرين أسلموا ولم يؤمروا به
وهذا إذا لم يعرض له في الكفر ما يوجب الغسل من جنابة أو نحوها وإلا وجب الغسل
وإن اغتسل في الكفر لبطلان نيته
وآكدها غسل الجمعة ثم من غسل الميت
( تنبيه ) قال شيخنا يسن قضاء غسل الجمعة كسائر الأغسال المسنونة
____________________
(2/73)
وإنما طلب قضاؤه لأنه إذا علم أنه يقضى داوم على أدائه واجتنب تفويته
( وبكور ) لغير خطيب إلى المصلى من طلوع الفجر لما في الخبر الصحيح إن للجائي بعد اغتساله غسل الجنابة أي كغسلها
____________________
(2/74)
وقيل حقيقة بأن يكون جامع لأنه يسن ليلة الجمعة أو يومها في الساعة الأولى بدنة وفي الثانية بقرة وفي الثالثة كبشا أقرن والرابعة دجاجة والخامسة عصفورا والسادسة بيضة
والمراد أن ما بين الفجر وخروج الخطيب ينقسم ستة أجزاء متساوية سواء أطال اليوم أم قصر
أما الإمام فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة للاتباع
ويسن الذهاب إلى المصلى في طريق طويل ماشيا بسكينة
____________________
(2/75)
والرجوع في طريق آخر قصير وكذا في كل عبادة
ويكره عدو إليها كسائر العبادات إلا لضيق وقت فيجب إذا لم يدركها إلا به
( وتزين بأحسن ثيابه ) وأفضلها الأبيض
____________________
(2/76)
ويلي الأبيض ما صبغ قبل نسجه
قال شيخنا ويكره ما صبغ بعده ولو بغير الحمرة
اه
ويحرم التزين بالحرير ولو قزا وهو نوع منه كمد اللون وما أكثره وزنا من الحرير لا ما أقله منه ولا ما استوى فيه الأمران
____________________
(2/77)
ولو شك في الأكثر فالأصل الحل على الأوجه
( فرع ) يحل الحرير لقتال إن لم يجد غيره أو لم يقم مقامه في دفع السلاح
وصحح في الكفاية قول جمع يجوز القباء وغيره مما يصلح للقتال وإن وجد غيره إرهابا للكفار كتحلية السيف بفضة
ولحاجة كجرب إن آذاه غيره أو كان فيه نفع لا يوجد في غيره وقمل لم يندفع بغيره ولامرأة ولو بافتراش لا له بلا حائل
____________________
(2/78)
ويحل منه حتى للرجل خيط السبحة وزر الجيب وكيس المصحف والدراهم وغطاء العمامة وعلم الرمح لا الشرابة التي برأس السبحة
ويجب لرجل لبسه حيث لم يجد ساتر العورة غيره حتى في الخلوة
ويجوز لبس الثوب المصبوغ بأي لون كان إلا المزعفر
____________________
(2/79)
ولبس الثوب المتنجس في غير نحو الصلاة حيث لا رطوبة لا جلد ميتة بلا ضرورة كافتراش جلد سبع كأسد وله إطعام ميتة لنحو طير لا كافر ومتنجس لدابة ويحل مع الكراهة استعمال العاج
____________________
(2/80)
في الرأس واللحية حيث لا رطوبة وإسراج بمتنجس بغير مغلظ إلا في مسجد وإن قل دخانه خلافا لجمع
وتسميد أرض بنجس لا اقتناء كلب إلا لصيد أو حفظ مال ويكره ولو لامرأة تزيين غير الكعبة كمشهد صالح
____________________
(2/81)
بغير حرير ويحرم به
( وتعمم ) لخبر إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة ويسن لسائر الصلوات
وورد في حديث ضعيف ما يدل على أفضلية كبرها
وينبغي ضبط طولها وعرضها بما يليق بلابسها عادة في زمانه فإن زاد فيها على ذلك كره وتنخرم مروأة فقيه بلبس عمامة سوقي لا تليق به وعكسه
قال الحفاظ لم يتحرر شيء في طول عمامته صلى الله عليه وسلم وعرضها
قال الشيخان من تعمم فله فعل العذبة وتركها ولا كراهة في واحد منهما
زاد النووي لأنه لم يصح في النهي عن ترك العذبة شيء
____________________
(2/82)
انتهى
لكن قد ورد في العذبة أحاديث صحيحة وحسنة وقد صرحوا بأن أصلها سنة
قال شيخنا وإرسالها بين الكتفين أفضل منه على الأيمن
ولا أصل في اختيار إرسالها على الأيسر
وأقل ما ورد في طولها أربعة أصابع وأكثره ذراع
قال ابن الحاج المالكي عليك أن تتعمم قائما وتتسرول قاعدا
قال في المجموع ويكره أن يمشي في نعل واحدة ولبسها قائما وتعليق جرس فيها
ولمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله تعالى فيه
____________________
(2/83)
( وتطيب ) لغير صائم على الأوجه لما في الخبر الصحيح أن الجمع بين الغسل ولبس الأحسن والتطيب والإنصات وترك التخطي يكفر ما بين الجمعتين
والتطيب بالمسك أفضل ولا تسن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند شمه بل حسن الاستغفار عنده كما قال شيخنا وندب تزين بإزالة ظفر من يديه ورجليه لا إحداهما فيكره
وشعر نحو إبطه وعانته لغير مريد التضحية في عشر ذي الحجة وذلك للاتباع
وبقص شاربه حتى تبدو حمرة الشفة وإزالة ريح كريه ووسخ
والمعتمد في كيفية تقليم اليدين أن يبتدىء بمسبحة يمينه إلى خنصرها ثم إبهامها ثم خنصر يسارها إلى إبهامها على التوالي والرجلين أن يبتدىء بخنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى على التوالي وينبغي البدار بغسل محل القلم ويسن فعل ذلك يوم الخميس أو بكرة الجمعة
____________________
(2/84)
وكره المحب الطبري نتف شعر الأنف قال بل يقصه لحديث فيه
قال الشافعي رضي الله عنه من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله
( و ) سن ( إنصات ) أي سكوت مع إصغاء ( لخطبة ) ويسن ذلك وإن لم يسمع الخطبة نعم الأولى لغير السامع أن يشتغل بالتلاوة والذكر سرا ويكره الكلام
____________________
(2/85)
ولا يحرم خلافا للأئمة الثلاثة حالة الخطبة لا قبلها ولو بعد الجلوس على المنبر ولا بعدها ولا بين الخطبتين ولا حال الدعاء للمملوك ولا لداخل مسجد إلا إن اتخذ له مكانا واستقر فيه
ويكره للداخل السلام وإن لم يأخذ لنفسه مكانا لاشتغال المسلم عليهم فإن سلم لزمهم الرد ويسن تشميت العاطس
____________________
(2/86)
والرد عليه ورفع الصوت من غير مبالغة بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكر الخطيب اسمه أو وصفه صلى الله عليه وسلم
قال شيخنا ولا يبعد ندب الترضي عن الصحابة بلا رفع صوت
وكذا التأمين لدعاء الخطيب
اه
وتكره تحريما ولو لمن لم تلزمه الجمعة بعد جلوس الخطيب على المنبر وإن لم يسمع الخطبة صلاة فرض ولو فائتة تذكرها الآن وإن لزمته فورا
____________________
(2/87)
أو نفل ولو في حال الدعاء للسلطان
والأوجه أنها لا تنعقد كالصلاة بالوقت المكروه بل أولى
ويجب على من بصلاة تخفيفها بأن يقتصر على أقل مجزىء عند جلوسه على المنبر
وكره لداخل تحية فوتت تكبيرة الإحرام إن صلاها إلا فلا تكره بل تسن لكن يلزمه تخفيفها بأن يقتصر على الواجبات كما قاله شيخنا وكره احتباء حالة الخطبة للنهي عنه وكتب أوراق حالتها في آخر جمعة من رمضان
____________________
(2/88)
بل وإن كتب فيها نحو اسماء سريانية يجهل معنا حرم
( و ) سن ( قراءة ) سورة ( كهف ) يوم الجمعة وليلتها لأحاديث فيها
وقراءتها نهارا آكد وأولاه بعد الصبح مسارعة للخير وأن يكثر منها ومن سائر القرآن فيهما
ويكره الجهر بقراءة الكهف وغيره إن حصل به تأذ لمصل أو نائم كما صرح النووي في كتبه وقال شيخنا في شرح العباب ينبغي حرمة الجهر بالقراءة في المسجد
وحمل كلام النووي بالكراهة على ما إذا خف التأذي وعلى كون القراءة في غير المسجد
____________________
(2/89)
وإكثار صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ( يومها وليلتها ) للأخبار الصحيحة الآمرة بذلك فالإكثار منها أفضل من إكثار ذكر لم يرد بخصوصه
قاله شيخنا
( ودعاء ) في يومها رجاء أن يصادف ساعة الإجابة وأرجاها من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة
____________________
(2/90)
وهي لحظة لطيفة
وصح أنها آخر ساعة بعد العصر وفي ليلتها لما جاء عن الشافعي رضي الله عنه أنه بلغه أن الدعاء يستجاب فيها وأنه استحبه فيها
وسن إكثار فعل الخير فيهما كالصدقة وغيرها وأن يشتغل في طريقه وحضوره محل الصلاة بقراءة أو ذكر أفضله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة وكذا حالة الخطبة إن لم يسمعها كما مر للأخبار المرغبة في ذلك
____________________
(2/91)
وأن يقرأ عقب سلامه من الجمعة قبل أن يثني رجليه وفي رواية قبل أن يتكلم الفاتحة والإخلاص والمعوذتين سبعا سبعا لما ورد أن من قرأها غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعطي من الأجر بعدد من آمن بالله ورسوله
( مهمة ) يسن أن يقرأها وآية الكرسي و { شهد الله } بعد كل مكتوبة وحين يأوي إلى فراشه مع أواخر البقرة والكافرون ويقرأ خواتيم الحشر وأول غافر إلى إليه المصير و { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } إلى آخرها
____________________
(2/92)
صباحا ومساء مع أذكارهما وأن يواظب كل يوم على قراءة آلم السجدة ويس والدخان والواقعة وتبارك والزلزلة والتكاثر وعلى الإخلاص مائتي مرة و الفجر في عشر ذي الحجة و يس والرعد عند المحتضر
ووردت في كلها أحاديث غير موضوعة
( وحرم تخط ) رقاب الناس
____________________
(2/93)
للأحاديث الصحيحة فيه والجزم بالحرمة ما نقله الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي واختارها في الروضة وعليها كثيرون
لكن قضية كلام الشيخين الكراهة وصرح بها في المجموع ( لا لمن وجد فرجة قدامه ) فله بلا كراهة تخطي صف واحد أو اثنين ولا لإمام لم يجد طريقا إلى المحراب إلا بتخطي ولا لغيره إذا أذنوا له فيه لا حياء على الأوجه ولا لمعظم ألف موضعا
ويكره تخطي المجتمعين لغير الصلاة ويحرم أن يقيم أحدا بغير رضاه ليجلس مكانه
____________________
(2/94)
ويكره إيثار غيره بمحله إلا إن انتقل لمثله أو أقرب منه إلى الإمام
وكذا الإيثار بسائر القرب
وله تنحية سجادة غيره بنحو رجله والصلاة في محلها ولا يرفعها ولو بغير يده لدخولها في ضمانه
( و ) حرم على من تلزمه الجمعة ( نحو مبايعة ) كاشتغال بصنعة ( بعد ) شروع في ( أذان خطبة ) فإن عقد صح العقد ويكره قبل الأذان بعد الزوال
____________________
(2/95)
( و ) حرم على من تلزمه الجمعة وإن لم تنعقد به ( سفر ) تفوت به الجمعة كأن ظن أنه لا يدركها في طريقه أو مقصده ولو كان السفر طاعة مندوبا أو واجبا ( بعد فجرها ) أي فجر يوم الجمعة إلا خشي من عدم سفره ضررا كانقطاعه عن الرفقة فلا يحرم إن كان غير سفر معصية ولو بعد الزوال ويكره السفر ليلة الجمعة لما روي بسند ضعيف من سافر ليلتها دعا عليه ملكاه
أما المسافر لمعصية فلا تسقط عنه الجمعة مطلقا
قال شيخنا وحيث حرم عليه السفر هنا لم يترخص ما لم تفت الجمعة
____________________
(2/96)
فيحسب ابتداء سفره من وقت فوتها
( تتمة )
____________________
(2/97)
يجوز لمسافر سفرا طويلا قصر رباعية
____________________
(2/98)
99 مؤداة وفائتة سفر قصر فيه وجمع العصرين والمغربين تقديما وتأخيرا بفراق سور خاص ببلد سفر وإن احتوى على خراب ومزارع
ولو جمع قريتين فلا يشترط مجاوزته بل لكل حكمه فبنيان
____________________
(2/99)
وإن تخلله خراب أو نهر أو ميدان
ولا يشترط مجاوزة بساتين وإن حوطت واتصلت بالبلد والقريتان إن اتصلتا عرفا كقرية وإن اختلفتا اسما فلو انفصلتا ولو يسيرا كفى مجاوزة قرية المسافر لا لمسافر لم يبلغ سفره مسيرة يوم وليلة بسير الأثقال مع النزول المعتاد لنحو استراحة وأكل وصلاة ولا لآبق
____________________
(2/100)
ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه ولا لمن سافر لمجرد رؤية البلاد على الأصح
وينتهي السفر بعوده إلى وطنه
____________________
(2/101)
وإن كان مارا به أو إلى موضع آخر ونوى إقامته به مطلقا أو أربعة أيام صحاح أو علم أن إربه لا ينقضي فيها ثم إن كان يرجو حصوله كل وقت قصر ثمانية عشر يوما
وشرط لقصر نية قصر في تحرم وعدم اقتداء ولو لحظة بمتم ولو مسافرا
____________________
(2/102)
وتحرز عن منافيها دواما ودوام سفره في جميع صلاته ولجمع تقديم نية جمع في الأولى ولو مع التحلل منها وترتيب وولاء عرفا فلا يضر فصل يسير بأن كان دون قدر
____________________
(2/103)
ركعتين ولتأخير نية جمع في وقت الأولى ما بقي قدر ركعة وبقاء سفر إلى آخر الثانية
( فرع ) يجوز الجمع بالمرض تقديما وتأخيرا على المختار
____________________
(2/104)
ويراعي الأرفق فإن كان يزداد مرضه كأن كان يحم مثلا وقت الثانية قدمها بشروط جمع التقديم أو وقت الأولى أخرها بنية الجمع في وقت الأولى
وضبط جمع متأخرون المرض هنا بأنه ما يشق معه فعل كل فرض في وقته كمشقة المشي في المطر بحيث تبتل ثيابه
وقال آخرون لا بد من مشقة ظاهرة زيادة على ذلك بحيث تبيح الجلوس في الفرض
وهو الأوجه
____________________
(2/105)
( خاتمة ) قال شيخنا في شرح المنهاج من أدى عبادة مختلفا في صحتها من غير تقليد للقائل بها لزمه إعادتها لأن إقدامه على فعلها عبث
فصل ( في الصلاة على الميت )
____________________
(2/106)
وشرعت بالمدينة
وقيل هي من خصائص هذه الأمة
____________________
(2/107)
( صلاة الميت ) أي الميت المسلم غير الشهيد ( فرض كفاية ) للإجماع والأخبار ( كغسله ولو غريقا ) لأنا مأمورون بغسله فلا يسقط الفرض عنا إلا بفعلنا وإن شاهدنا الملائكة تغسله
____________________
(2/108)
ويكفي غسل كافر ويحصل أقله ( بتعميم بدنه بالماء ) مرة حتى ما تحت قلفة الأقلف على الأصح صبيا كان الأقلف أو بالغا
قال العبادي وبعض الحنفية لا يجب غسل ما تحتها
فعلى المرجح لو تعذر غسل ما تحت القلفة بأنها لا تتقلص إلا بجرح يمم عما تحتها
كما قاله شيخنا وأقره غيره
وأكمله تثليثه وأن يكون في خلوة
____________________
(2/109)
وقميص وعلى مرتفع بماء بارد إلا لحاجة كوسخ وبرد فالمسخن حينئذ أولى
والمالح أولى من العذب
ويبادر بغسله إذا تيقن موته ومتى شك في موته وجب تأخيره إلى اليقين بتغير ريح ونحوه
فذكرهم العلامات الكثيرة له إنما تفيد حيث لم يكن هناك شك
ولو خرج منه بعد الغسل نجس لم ينقض الطهر بل تجب إزالته فقط إن خرج قبل التكفين لا بعده
____________________
(2/110)
ومن تعذر غسله لفقد ماء أو لغيره كاحتراق ولو غسل تهرى يمم وجوبا
( فرع ) الرجل أولى بغسل الرجل والمرأة أولى بغسل المرأة وله غسل حليلة ولزوجة لا أمة غسل زوجها ولو نكحت غيره بلا مس بل بلف خرقة على يد
فإن خالف صح الغسل
فإن لم يحضر إلا أجنبي في المرأة أو أجنبية في الرجل يمم الميت
____________________
(2/111)
نعم لهما غسل من لا يشتهى من صبي أو صبية لحل نظر كل ومسه
وأولى الرجال به أولاهم بالصلاة كما يأتي
( وتكفينه بساتر عورة ) مختلفة بالذكورة والأنوثة دون الرق والحرية فيجب في المرأة ولو أمة ما يستر غير الوجه والكفين
وفي الرجل ما يستر ما بين السرة والركبة
والاكتفاء بساتر العورة هو ما صححه النووي في أكثر كتبه ونقله عن الأكثرين لأنه حق لله تعالى
____________________
(2/112)
وقال آخرون يجب ستر جميع البدن ولو رجلا
وللغريم منع الزائد على ساتر كل البدن لا الزائد على ساتر العورة لتأكد أمره وكونه حقا للميت بالنسبة للغرماء وأكمله للذكر ثلاثة يعم كل منها البدن وجاز أن يزاد تحتها قميص وعمامة وللأنثى إزار فقميص فخمار فلفافتان
____________________
(2/113)
ويكفن الميت بما له لبسه حيا فيجوز حرير ومزعفر للمرأة والصبي مع الكراهة
ومحل تجهيزه التركة إلا زوجة وخادمها فعلى زوج غني عليه نفقتهما فإن لم يكن له تركة فعلى من عليه نفقته من قريب وسيد
____________________
(2/114)
فعلى بيت المال فعلى مياسير المسلمين
ويحرم التكفين في جلد إن وجد غيره وكذا الطين والحشيش فإن لم يوجد ثوب وجب جلد ثم حشيش ثم طين فيما استظهره شيخنا
ويحرم كتابة شيء من القرآن واسماء الله تعالى على الكفن
ولا بأس بكتابته بالريق لأنه لا يثبت
وأفتى ابن الصلاح بحرمة ستر الجنازة بحرير ولو امرأة كما يحرم تزيين بيتها بحرير
وخالفه الجلال البلقيني فجوز الحرير فيها وفي الطفل واعتمده جمع مع أن القياس الأول
____________________
(2/115)
( ودفنه في حفرة تمنع ) بعد طمها ( رائحة ) أي ظهورها ( وسبعا ) أي نبشه لها فيأكل الميت
وخرج بحفرة وضعه بوجه الأرض ويبنى عليه ما يمنع ذينك حيث لم يتعذر الحفر
نعم من مات بسفينة وتعذر البر جاز إلقاؤه في البحر وتثقيله ليرسب وإلا فلا
وبتمنع ذينك ما يمنع أحدهما كأن اعتادت سباع ذلك المحل الحفر عن موتاه
____________________
(2/116)
فيجب بناء القبر بحيث يمنع وصولها إليه
وأكمله قبر واسع عمق أربعة أذرع ونصف بذراع اليد
ويجب اضطجاعه للقبلة
ويندب الإفضاء بخده الأيمن بعد تنحية الكفن عنه إلى نحو تراب مبالغة في الاستكانة والذل ورفع رأسه بنحو لبنة
وكره صندوق إلا لنحو نداوة فيجب ويحرم دفنه بلا شيء يمنع وقوع التراب عليه
____________________
(2/117)
ويحرم دفن اثنين من جنسين بقبر إن لم يكن بينهما محرمية أو زوجية ومع أحدهما كره كجمع متحدي جنس فيه بلا حاجة
ويحرم أيضا إدخال ميت على آخر وإن اتحدا جنسا قبل بلاء جميعه ويرجع فيه لأهل الخبرة بالأرض
ولو وجد بعض عظمه قبل تمام الحفر وجب رد ترابه أو بعده فلا
ويجوز الدفن معه ولا يكره الدفن ليلا خلافا للحسن البصري والنهار أفضل للدفن منه ويرفع القبر قدر شبر ندبا وتسطيحه أولى من تسنيمه
____________________
(2/118)
ويندب لمن على شفير القبر أن يحثي ثلاث حثيات بيديه قائلا مع الأولى { منها خلقناكم }
ومع الثانية { وفيها نعيدكم }
ومع الثالثة { ومنها نخرجكم تارة أخرى }
( مهمة ) يسن وضع جريدة خضراء على القبر للاتباع ولأنه يخفف عنه ببركة تسبيحها
وقيس بها ما اعتيد من طرح نحو الريحان الرطب
ويحرم أخذ شيء منهما ما لم ييبسا
____________________
(2/119)
لما في أخذ الأولى من تفويت حظ الميت المأثور عنه صلى الله عليه وسلم وفي الثانية من تفويت حق الميت بارتياح الملائكة النازلين لذلك
قاله شيخانا ابن حجر وزياد
( وكره بناء له ) أي للقبر ( أو عليه ) لصحة النهي عنه بلا حاجة كخوف نبش أو حفر سبع أو هدم سيل
ومحل كراهة البناء إذا كان بملكه فإن كان بناء نفس القبر بغير حاجة مما مر أو نحو قبة عليه بمسبلة وهي ما اعتاد أهل البلد الدفن فيها عرف أصلها ومسبلها أم لا أو موقوفة حرم وهدم وجوبا لأنه يتأبد بعد انمحاق الميت ففيه تضييق على المسلمين بما لا غرض فيه
____________________
(2/120)
( تنبيه ) وإذا هدم ترد الحجارة المخرجة إلى أهلها إن عرفوا أو يخلى بينهما وإلا فمال ضائع وحكمه معروف كما قاله بعض أصحابنا وقال شيخنا الزمزمي إذا بلي الميت وأعرض ورثته عن الحجارة جاز الدفن مع بقائها إذا جرت العادة بالإعراض عنها كما في السنابل
( و ) كره ( وطء عليه ) أي على قبر مسلم ولو مهدرا قبل بلاء ( إلا لضرورة ) كأن لم يصل لقبر ميته بدونه وكذا ما يريد زيارته ولو غير قريب
وجزم شرح مسلم كآخرين بحرمة القعود عليه والوطء لخبر فيه يرده أن المراد بالجلوس عليه جلوسه لقضاء الحاجة كما بينته رواية أخرى
( ونبش ) وجوبا قبر من دفن بلا طهارة ( لغسل ) أو تيمم
نعم إن تغير ولو بنتن حرم
ولأجل مال غير كأن دفن في ثوب مغصوب أو أرض مغصوبة إن طلب المالك ووجد ما يكفن أو يدفن فيه وإلا لم يجز النبش
____________________
(2/121)
أو سقط فيه متمول وإن لم يطلبه مالكه لا للتكفين إن دفن بلا كفن ولا للصلاة بعد إهالة التراب عليه
( ولا تدفن امرأة ) ماتت ( في بطنها جنين حتى يتحقق موته ) أي الجنين
ويجب شق جوفها
____________________
(2/122)
والنبش له إن رجي حياته بقول القوابل لبلوغه ستة أشهر فأكثر فإن لم يرج حياته حرم الشق لكن يؤخر الدفن حتى يموت كما ذكر وما قيل إنه يوضع على بطنها شيء ليموت غلط فاحش
( ووري ) أي ستر بخرقة ( سقط ودفن ) وجوبا كطفل كافر نطق بالشهادتين ولا يجب غسلهما بل يجوز
وخرج بالسقط العلقة والمضغة فيدفنان ندبا من غير ستر
ولو انفصل بعد أربعة أشهر غسل وكفن ودفن وجوبا
( فإن اختلج ) أو استهل
____________________
(2/123)
بعد انفصاله ( صلي عليه ) وجوبا
( وأركانها ) أي الصلاة على الميت سبعة أحدهما ( نية ) كغيرها ومن ثم وجب فيها ما يجب في نية سائر الفروض من نحو اقترانها بالتحرم والتعرض للفرضية وإن لم يقل فرض كفاية ولا يجب تعيين الميت ولا معرفته بل الواجب أدنى مميز فيكفي أصلي الفرض على هذا الميت
قال جمع يجب تعيين الميت الغائب بنحو اسمه
( و ) ثانيها ( قيام ) لقادر عليه فالعاجز يقعد ثم يضطجع
____________________
(2/124)
( و ) ثالثها ( أربع تكبيرات ) مع تكبيرة التحرم للاتباع فإن خمس لم تبطل صلاته
ويسن رفع يديه في التكبيرات حذو منكبيه ووضعهما تحت صدره بين كل تكبيرتين
( و ) رابعها ( فاتحة ) فبدلها فوقوق بقدرها
والمعتمد أنها تجزىء بعد غير الأولى خلافا للحاوي كالمحرر وإن لزم عليه جمع ركنين في تكبيرة وخلو الأولى عن ذكر
ويسن إسرار
____________________
(2/125)
بغير التكبيرات والسلام وتعوذ وترك افتتاح وسورة إلا على غائب أو قبر
( و ) خامسها ( صلاة على النبي ) صلى الله عليه وسلم ( بعد تكبيرة ثانية ) أي عقبها فلا تجزىء في غيرها
ويندب ضم السلام للصلاة والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقبها والحمد قبلها
( و ) سادسها ( دعاء لميت ) بخصوصه ولو طفلا بنحو اللهم اغفر له وارحمه ( بعد ثالثة ) فلا يجزىء بعد غيرها قطعا
____________________
(2/126)
ويسن أن يكثر من الدعاء له ومأثوره أفضل وأولاه ما رواه مسلم عنه صلى الله عليه وسلم وهو اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وفتنته ومن عذاب النار
ويزيد عليه ندبا اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخره
ويقول في الطفل مع هذا اللهم اجعله فرطا لأبويه وسلفا وذخرا
____________________
(2/127)
وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره
قال شيخنا وليس قوله اللهم اجعله فرطا إلى آخره مغنيا عن الدعاء له لأنه دعاء باللازم وهو لا يكفي لأنه إذا لم يكف الدعاء له بالعموم الشامل كل فرد فأولى هذا
ويؤنث الضمائر في الأنثى ويجوز تذكيرها بإرادة الميت أو الشخص ويقول في ولد الزنا اللهم اجعله فرطا لأمه
والمراد بالإبدال في الأهل والزوجة إبدال الأوصاف لا الذوات لقوله تعالى { ألحقنا بهم ذريتهم } ولخبر الطبراني وغيره إن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين
انتهى
____________________
(2/128)
( و ) سابعها ( سلام ) كغيرها ( بعد رابعة ) ولا يجب في هذه ذكر غير السلام لكن يسن اللهم لا تحرمنا أجره أي أجر الصلاة عليه أو أجر المصيبة ولا تفتنا بعده أي بارتكاب المعاصي واغفر لنا وله
ولو تخلف عن إمامه بلا عذر بتكبيرة حتى شرع إمامه في أخرى بطلت صلاته
ولو كبر إمامه تكبيرة أخرى قبل قراءة المسبوق الفاتحة تابعه في تكبيره وسقطت القراءة عنه
وإذا سلم الإمام تدارك المسبوق ما بقي عليه مع الأذكار
____________________
(2/129)
ويقدم في الإمامة في صلاة الميت ولو امرأة أب أو نائبه فأبوه ثم ابن فابنه ثم أخ لأبوين فلأب ثم ابنهما ثم العم كذلك ثم سائر العصبات ثم معتق ثم ذو رحم ثم زوج ( وشرط لها ) أي للصلاة على الميت مع شروط سائر الصلوات
____________________
(2/130)
( تقدم طهره ) أي الميت بماء فتراب فإن وقع بحفرة أو بحر وتعذر إخراجه وطهره لم يصل عليه على المعتمد ( وأن لا يتقدم ) المصلى ( عليه ) أي الميت إن كان حاضرا ولو في قبر أما الميت الغائب فلا يضر فيه كونه وراء المصلي
ويسن جعل صفوفهم ثلاثة فأكثر للخبر الصحيح من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب أي غفر له ولا يندب تأخيرها لزيادة المصلين إلا لولي
____________________
(2/131)
واختار بعض المحققين أنه إذا لم يخش تغيره ينبغي انتظاره مائة أو أربعين رجي حضورهم قريبا للحديث
وفي مسلم ما من مسلم يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه ولو صلي عليه فحضر من لم يصل ندب له الصلاة عليه وتقع فرضا فينويه ويثاب ثوابه
والأفضل له فعلها بعد الدفن للاتباع
ولا يندب لمن صلاها ولو منفردا إعادتها مع جماعة
فإن أعادها وقعت نفلا
وقال بعضهم الإعادة خلاف الأولى
( وتصح ) الصلاة ( على ) ميت ( غائب )
____________________
(2/132)
عن بلد بأن يكون الميت بمحل بعيد عن البلد بحيث لا ينسب إليها عرفا أخذا من قول الزركشي إن خارج السور القريب منه كداخله
( لا ) على غائب عن مجلسه ( فيها ) وإن كبرت
نعم لو تعذر الحضور لها بنحو حبس أو مرض جازت حينئذ على الأوجه ( و ) تصح على حاضر ( مدفون ) ولو بعد بلائه ( غير نبي ) فلا تصح على قبر نبي لخبر الشيخين
( من أهل فرضها وقت موته )
____________________
(2/133)
فلا تصح من كافر وحائض يومئذ كمن بلغ أو أفاق بعد الموت ولو قبل الغسل كما اقتضاه كلام الشيخين
( وسقط الفرض ) فيها ( بذكر ) ولو صبيا مميزا ولو مع وجود بالغ وإن لم يحفظ الفاتحة ولا غيرها بل وقف بقدرها ولو مع وجود من يحفظها لا بأنثى مع وجوده
وتجوز على جنائز صلاة واحدة
____________________
(2/134)
فينوي الصلاة عليهم إجمالا
وحرم تأخيرها عن الدفن بل يسقط الفرض بالصلاة على القبر
( وتحرم صلاة ) على كافر لحرمة الدعاء له بالمغفرة
قال تعالى { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا }
ومنهم أطفال الكفار سواء أنطقوا بالشهادتين أم لا فتحرم الصلاة عليهم
و ( على شهيد ) وهو بوزن فعيل بمعنى مفعول لأنه مشهود له بالجنة أو فاعل لأن روحه تشهد الجنة قبل غيره
____________________
(2/135)
ويطلق لفظ الشهيد على من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد الدنيا والآخرة
وعلى من قاتل لنحو حمية فهو شهيد الدنيا
وعلى مقتول ظلما وغريق وحريق ومبطون أي من قتله بطنه كاستسقاء أو إسهال
فهم الشهداء في الآخرة فقط
( كغسله ) أي الشهيد ولو جنبا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يغسل قتلى أحد
ويحرم إزالة دم شهيد
( وهو من مات في قتال كفار ) أو كافر واحد
____________________
(2/136)
قبل انقضائه وإن قتل مدبرا ( بسببه ) أي القتال كأن أصابه سلاح مسلم آخر خطأ أو قتله مسلم استعانوا به أو تردى ببئر حال قتال أو جهل ما مات به وإن لم يكن به أثر دم ( لا أسير قتل صبرا ) فإنه ليس بشهيد على الأصح لأن قتله ليس بمقاتلة
ولا من مات بعد انقضائه وقد بقي فيه حياة مستقرة إن قطع بموته بعد من جرح به
أما من حركته حركة مذبوح عند انقضائه فشهيد جزما
____________________
(2/137)
والحياة المستقرة ما تجوز أن يبقى يوما أو يومين على ما قاله النووي والعمراني
ولا من وقع بين كفار فهرب منهم فقتلوه لأن ذلك ليس بقتال كما أفتى به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى
ولا من قتله اغتيالا حربي دخل بيننا
نعم إن قتله عن مقاتلة كان شهيدا كما نقله السيد السمهودي عن الخادم ( وكفن ) ندبا ( شهيد في ثيابه ) التي مات فيها والملطخة بالدم أولى للاتباع ولو لم تكفه بأن لم تستر كل بدنه تممت وجوبا ( لا ) في ( حرير ) لبسه لضرورة الحرب فينزع وجوبا
( ويندب ) أن يلقن محتضر ولو مميزا على الأوجه الشهادة
____________________
(2/138)
أي لا إله إلا الله فقط لخبر مسلم لقنوا موتاكم أي من حضره الموت لا إله إلا الله مع الخبر الصحيح من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة أي مع الفائزين
وإلا فكل مسلم ولو فاسقا يدخلها ولو بعد عذاب وإن طال
وقول جمع يلقن محمد رسول الله أيضا لأن القصد موته على الإسلام ولا يسمى مسلما إلا بهما مردود بأنه مسلم وإنما القصد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب
وبحث تلقينه الرفيق الأعلى لأنه آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود بأن ذلك لسبب لم يوجد في غيره وهو أن الله خيره فاختاره
وأما الكافر فيلقنهما قطعا مع لفظ أشهد لوجوبه أيضا على ما سيأتي فيه إذ لا يصير مسلما إلا بهما
وأن يقف جماعة بعد الدفن عند القبر
____________________
(2/139)
ساعة يسألون له التثبيت ويستغفرون له و ( تلقين بالغ ولو شهيدا ) كما اقتضاه إطلاقهم خلافا للزركشي ( بعد ) تمام ( دفن ) فيقعد رجل قبالة وجهه ويقول يا عبد الله ابن أمة الله اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا
ربي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
قال شيخنا
____________________
(2/140)
ويسن تكراره ثلاثا والأولى للحاضرين الوقوف وللملقن القعود
ونداؤه بالأم فيه أي إن عرفت وإلا فبحواء لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم لأن كليهما توقيف لا مجال للرأي فيه
والظاهر أنه يبدل العبد بالأمة في الأنثى ويؤنث الضمائر
____________________
(2/141)
انتهى
( و ) يندب ( زيارة قبور لرجل ) لا لأنثى فتكره لها
نعم يسن لها زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
قال بعضهم وكذا سائر الأنبياء والعلماء والأولياء
____________________
(2/142)
ويسن كما نص عليه أن يقرأ من القرآن ما تيسر على القبر فيدعو له مستقبلا للقبلة
( وسلام ) لزائر على أهل المقبرة عموما ثم خصوصا فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين عند أول المقبرة
ويقول عند قبر أبيه مثلا السلام عليك يا والدي
فإن أراد الاقتصار على أحدهما أتى بالثانية لأنه أخص بمقصوده وذلك لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون
____________________
(2/143)
والاستثناء للتبرك أو للدفن بتلك البقعة أو للموت على الإسلام
( فائدة ) ورد أن من مات يوم الجمعة أو ليلتها أمن من عذاب القبر وفتنته
وورد أيضا من قرأ قل هو الله أحد في مرض موته مائة مرة لم يفتن في قبره وأمن من ضغطة القبر وجاوز الصراط على أكف الملائكة
وورد أيضا من قال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أربعين مرة في مرضه فمات فيه أعطي أجر شهيد وإن برىء برىء مغفورا له
غفر الله لنا وأعاذنا من عذاب القبر وفتنته
____________________
(2/144)
____________________
(2/145)
____________________
(2/146)
باب الزكاة هي لغة التطهير والنماء
وشرعا اسم لما يخرج عن مال أو بدن على الوجه الآتي
____________________
(2/147)
وفرضت زكاة المال في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر
ووجبت في ثمانية أصناف من المال النقدين والأنعام والقوت والتمر والعنب لثمانية أصناف من الناس
ويكفر جاحد وجوبها ويقاتل الممتنع عن أدائها وتؤخذ منه وإن لم يقاتل قهرا ( تجب على ) كل ( مسلم ) ولو غير مكلف فعلى الولي إخراجها من ماله
____________________
(2/148)
وخرج بالمسلم الكافر الأصلي فلا يلزمه إخراجها ولو بعد الإسلام ( حر ) معين فلا تجب على رقيق لعدم ملكه وكذا المكاتب لضعف ملكه ولا تلزم سيده لأنه غير مالك في ( ذهب )
____________________
(2/149)
ولو غير مضروب خلافا لمن زعم اختصاصها بالمضروب ( بلغ ) قدر خالصه ( عشرين مثقالا ) بوزن مكة تحديدا
فلو نقص في ميزان وتم في آخر فلا زكاة للشك
والمثقال اثنان وسبعون حبة شعير متوسطة
قال الشيخ زكريا ووزن نصاب الذهب بالأشرفي خمسة وعشرون وسبعان وتسع
وقال تلميذه شيخنا والمراد بالأشرفي القايتبايي
( و ) في ( فضة بلغت مائتي درهم ) بوزن مكة وهو خمسون حبة
____________________
(2/150)
وخمسا حبة
فالعشرة دراهم سبعة مثاقيل ولا وقص فيهما كالمعشرات فيجب في العشرين والمائتين وفيما زاد على ذلك ولو ببعض حبة ( ربع عشر ) للزكاة ولا يكمل أحد النقدين بالآخر ويكمل كل نوع من جنس بآخر منه
ويجزىء جيد وصحيح عن رديء ومكسر بل هو أفضل لا عكسهما
____________________
(2/151)
وخرج بالخالص المغشوش فلا زكاة فيه حتى يبلغ خالصه نصابا
( ك ) ما يجب ربع عشر قيمة العرض في ( مال تجارة ) بلغ النصاب في آخر الحول وإن ملكه بدون نصاب
ويضم الربح الحاصل في أثناء الحول إلى الأصل في الحول إن لم ينض
____________________
(2/152)
أما إذا نض بأن صار ذهبا أو فضة وأمسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الأصل بل يزكي الأصل بحوله ويفرد الربح بحول ويصير عرض التجارة للقنية بنيتها فينقطع الحول بمجرد نية القنية لا عكسه
ولا يكفر منكر وجوب زكاة التجارة للخلاف فيه
( وشرط ) لوجوب الزكاة في الذهب والفضة لا التجارة ( تمام نصاب ) لهما ( كل الحول ) بأن لا ينقص المال عنه في جزء من أجزاء الحول
أما زكاة التجارة فلا يشترط فيها تمامه إلا آخره لأنه حالة وجوب
____________________
(2/153)
( وينقطع ) الحول ( بتخلل زوال ملك ) أثناءه بمعاوضة أو غيرها
نعم لو ملك نصابا ثم أقرضه آخر بعد ستة أشهر لم ينقطع الحول
فإن كان مليا أو عاد إليه أخرج الزكاة آخر الحول لأن الملك لم يزل بالكلية لثبوت بدله في ذمة المقترض
( وكره ) أن يزيل ملكه ببيع أو مبادلة عما تجب فيه الزكاة ( لحيلة ) بأن يقصد به دفع وجوب الزكاة لأنه فرار من القربة
وفي الوجيز يحرم
وزاد في الإحياء ولا يبرىء الذمة باطنا وأن هذا من الفقه الضار
وقال ابن الصلاح يأثم
____________________
(2/154)
بقصده لا بفعله
قال شيخنا أما لو قصده لا لحيلة بل لحاجة أو لها وللفرار فلا كراهة
( تنبيه ) لا زكاة على صيرفي بادل ولو للتجارة في أثناء الحول بما في يده من النقد غيره من جنسه أو غيره
وكذا لا زكاة على وارث مات مورثه عن عروض التجارة حتى يتصرف فيها بنيتها فحينئذ يستأنف حولها
( ولا زكاة في حلي مباح ولو ) اتخذه الرجل بلا قصد لبس أو غيره أو اتخذه ( لإجارة ) أو إعارة لامرأة ( إلا ) إذا اتخذه ( بنية كنز )
____________________
(2/155)
فتجب الزكاة فيه
( فرع ) يجوز للرجل تختم بخاتم فضة بل يسن في خنصر يمينه أو يساره للاتباع
ولبسه في اليمين أفضل
وصوب الأذرعي ما اقتضاه كلام ابن الرفعة من وجوب نقصه عن مثقال للنهي عن اتخاذه مثقالا وسنده حسن لكن ضعفه النووي
فالأوجه أنه لا يضبط بمثقال بل بما لا يعد إسرافا عرفا
قال شيخنا وعليه فالعبرة بعرف أمثال اللابس
ولا يجوز تعدده خلافا لجمع حيث لم يعد إسرافا
____________________
(2/156)
وتحليته آلة حرب كسيف ورمح وترس ومنطقة وهي ما يشد بها الوسط وسكين الحرب دون سكين المهنة والمقلمة بفضة بلا سرف لأن ذلك إرهابا للكفار لا بذهب لزيادة الإسراف والخيلاء
والخبر المبيح له ضعفه ابن القطان وإن حسنه الترمذي
وتحليته مصحفا
قال شيخنا
____________________
(2/157)
أي ما فيه قرآن ولو للتبرك كغلافه بفضة
وللمرأة تحليته بذهب إكراما فيهما
وكتبه بالذهب حسن
ولو من رجل لا تحلية كتاب غيره ولو بفضة
والتمويه حرام قطعا مطلقا
ثم إن حصل منه شيء بالعرض على النار حرمت استدامته وإلا فلا وإن اتصل بالبدن خلافا لجمع
ويحل الذهب والفضة بلا سرف لامرأة وصبي إجماعا في نحو السوار والخلخال والنعل
____________________
(2/158)
والطوق
وعلى الأصح في المنسوج بهما
ويحل لهن التاج وإن لم يعتدنه وقلادة فيها دنانير معراة قطعا وكذا مثقوبة ولا تجب الزكاة فيها
أما مع السرف فلا يحل شيء من ذلك كخلخال وزن مجموع فردتيه مائتا مثقال فتجب الزكاة فيه
( و ) تجب على من مر ( في قوت ) اختياري
____________________
(2/159)
من حبوب ( كبر ) وشعير ( وأرز ) وذرة وحمص ودخن وباقلاء ودقسة
( و ) في ( تمر وعنب ) من ثمار ( بلغ ) قدر كل منهما ( خمسة أوسق ) وهي بالكيل ثلثمائة صاع
والصاع أربعة أمداد
والمد رطل وثلث ( منقى ) من تبن ) وقشر لا يؤكل معه غالبا
____________________
(2/160)
واعلم أن الأرز مما يدخر في قشره ولا يؤكل معه فتجب فيه إن بلغ عشرة أوسق ( عشر ) للزكاة
( إن سقي بلا مؤنة ) كمطر ( وإلا ) أي وإن سقي بمؤنة كنضح ( فنصفه ) أي نصف العشر
وسبب التفرقة ثقل المؤنة في هذا وخفتها في الأول سواء أزرع ذلك قصدا أم نبت اتفاقا كما في المجموع حاكيا فيه الاتفاق وبه يعلم ضعف قول الشيخ زكريا في تحريره تبعا لأصله يشترط لوجوبها أن يزرعه مالكه أو نائبه فلا زكاة فيما انزرع بنفسه أو زرعه غيره بغير أذنه
____________________
(2/161)
ولا يضم جنس إلى آخر لتكميل النصاب بخلاف أنواع الجنس فتضم
وزرعا العام يضمان إن وقع حصادهما في عام
( فرع ) لا تجب الزكاة في مال بيت المال ولا في ريع موقوف من نخل أو أرض على جهة عامة كالفقراء والفقهاء والمساجد لعدم تعين المالك
____________________
(2/162)
وتجب في موقوف على معين واحد أو جماعة معينة كأولاد زيد ذكره في المجموع
وأفتى بعضهم في موقوف على إمام المسجد أو المدرس بأنه يلزمه زكاته كالمعين
قال شيخنا والأوجه خلافه لأن المقصود بذلك الجهة دون شخص معين
( تنبيه ) قال الجلال البلقيني في حاشية الروضة تبعا للمجموع إن غلة الأرض المملوكة أو الموقوفة على معين إن كان البذر من مال مالكها أو الموقوف عليه فتجب عليه الزكاة فيما أخرجته الأرض
فإن كان البذر من مال العامل وجوزنا المخابرة فتجب الزكاة على العامل ولا شيء على صاحب الأرض لأن الحاصل له أجرة أرضه
وحيث كان البذر من صاحب الأرض وأعطي منه شيء للعامل لا شيء على العامل لأنه أجرة عمله
اه
وتجب الزكاة لنبات الأرض المستأجرة مع أجرتها على الزارع
____________________
(2/163)
ومؤنة الحصاد والدياس على المالك
( و ) تجب على من مر للزكاة ( في كل خمس إبل شاة )
____________________
(2/164)
جذعة ضأن لها سنة أو ثنية معز لها سنتان ويجزىء الذكر وإن كانت إبله إناثا لا المريض إن كانت إبله صحاحا ( إلى خمس وعشرين ) منها
ففي عشر شاتان وخمسة عشر ثلاث وعشرين إلى الخمس والعشرين أربع فإذا كملت الخمس والعشرون ( فبنت مخاض ) لها سنة هي واجبها إلى ست وثلاثين
سميت بذلك لأن أمها آن لها أن تصير من المخاض أي الحوامل
( وفي ست وثلاثين ) إلى ست وأربعين ( بنت لبون ) لها سنتان
سميت بذلك لأن لها أمها آن لها أن تضع ثانيا وتصير ذات لبن
( و ) في ( ست وأربعين ) إلى إحدى وستين ( حقة ) لها ثلاث سنين وسميت بذلك لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها أو أن يطرقها الفحل
____________________
(2/165)
( و ) في ( إحدى وستين جذعة ) لها أربع سنين
سميت بذلك لأنها يجذع مقدم أسنانها أي يسقط
( و ) في ( ست وسبعين بنتا لبون
و ) في ( إحدى وتسعين حقتان
و ) في ( مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون
ثم ) الواجب ( في كل أربعين بنت لبون
و ) في كل ( خمسين حقة
و ) يجب ( في ثلاثين بقرة إلى أربعين تبيع ) له سنة سمي بذلك لأنه يتبع أمه
( و ) في ( أربعين ) إلى ستين ( مسنة ) لها سنتان سميت بذلك لتكامل أسنانها
( و ) في ( ستين تبيعان ثم في كل ثلاثين تبيع
و ) في كل ( أربيعن مسنة
و ) يجب ( في أربعين غنما ) إلى مائة وإحدى وعشرين ( شاة
و ) في ( مائة وإحدى وعشرين ) إلى مائتين وواحدة ( شاتان
و ) في ( مائتين وواحدة ) إل ثلثمائة ( ثلاث ) من الشياه
( و ) في ( أربعمائة أربع ) منها ( ثم في كل مائة شاة ) جذعة ضأن لها سنة أو ثنية معز لها سنتان
وما بين النصابين يسمى وقصا
ولا يؤخذ خيار
____________________
(2/166)
كحامل ومسمنة للأكل
وربى وهي حديثة العهد بالنتاج بأن يمضي لها من ولادتها نصف شهر إلا برضا مالك
( وتجب الفطرة ) أي زكاة الفطر
سميت بذلك لأن وجوبها به
وفرضت كرمضان في ثاني سني الهجرة
وقول ابن اللبان بعدم وجوبها غلط كما في الروضة قال وكيع زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة تجبر نقص الصوم كما يجبر السجود نقص الصلاة ويؤيده ما صح أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث
( على حر ) فلا تلزم على رقيق عن نفسه بل تلزم سيده عنه ولا عن زوجته بل إن كانت أمة فعلى سيدها وإلا فعليها كما يأتي
ولا على مكاتب
____________________
(2/167)
لضعف ملكه ومن ثم لم تلزمه زكاة ماله ولا نفقة أقاربه ولاستقلاله لم تلزم سيده عنه ( بغروب ) شمس ( ليلة فطر ) من رمضان أي بإدراك آخر جزء منه وأول جزء من شوال
فلا تجب بما حدث بعد الغروب من ولد ونكاح وملك قن وغنى وإسلام
ولا تسقط بما يحدث بعده من موت وعتق وطلاق ومزيل ملك
ووقت أدائها من وقت الوجوب إلى غروب شمس يوم الفطر
فيلزم الحر المذكور أن يؤديها قبل غروب شمسه ( عمن ) أي عن كل مسلم ( تلزمه نفقته )
____________________
(2/168)
بزوجية أو ملك أو قرابة حين الغروب
( ولو رجعية ) أو حاملا بائنا ولو أمة فيلزم فطرتهما كنفقتهما
ولا تجب عن زوجة ناشزة لسقوط نفقتها عنه بل تجب عليها إن كانت غنية
ولا عن حرة غنية غير ناشزة تحت معسر فلا تلزم عليه لانتفاء يساره ولا عليها لكمال تسليمها نفسها له
____________________
(2/169)
ولا عن ولد صغير غني فتجب من ماله فإن أخرج الأب عنه من ماله جاز ورجع إن نوى الرجوع
وفطرة ولد الزنا على أمه
ولا عن ولد كبير قادر على كسب
ولا تجب الفطرة عن قن كافر ولا عن مرتد إلا أن عاد للإسلام
وتلزم على الزوج فطرة خادمة الزوجة إن كانت أمته أو أمتها وأخدمها إياها لا مؤجرة ومن صحبتها
____________________
(2/170)
ولو بأذنه على المعتمد
وعلى السيد فطرة أمته المزوجة لمعسر وعلى الحرة الغنية المزوجة لعبد لا عليه ولو غنيا
قال في البحر ولو غاب الزوج فللزوجة اقتراض نفقتها للضرورة لا فطرتها لأنه المطالب وكذا بعضه المحتاج
وتجب الفطرة على من مر عمن ذكر ( إن فضل عن قوت ممون ) له تلزمه مؤنتة من نفسه وغيره ( يوم عيد وليلته )
____________________
(2/171)
وعن ملبس ومسكن وخادم يحتاج إليهما هو أو ممونه
( وعن دين ) على المعتمد خلافا للمجموع ولو مؤجلا وإن رضي صاحبه بالتأخير
( ما يخرجه فيها ) أي الفطرة
( وهي ) أي زكاة الفطر ( صاع ) وهو أربعة أمداد والمد رطل وثلث وقدره جماعة بحفنة بكفين معتدلين عن كل واحد ( من غالب قوت بلده )
____________________
(2/172)
أي بلد المؤدى عنه
فلا تجزىء من غير غالب قوته أو قوت مؤد أو بلده لتشوف النفوس لذلك
ومن ثم وجب صرفها لفقراء بلده مؤدى عنه
فإن لم يعرف كآبق ففيه آراء منها إخراجها حالا
ومنها أنها لا تجب إلا إذا عاد
وفي قول لا شيء
____________________
(2/173)
( فرع ) لا تجزىء قيمة ولا معيب ومسوس ومبلول أي إلا إن جف وعاد لصلاحية الادخار والاقتيات ولا اعتبار لاقتياتهم المبلول إلا أن فقدوا غيره فيجوز
( وحرم تأخيرها عن يومه ) أي العبد بلا عذر كغيبة مال أو مستحق
ويجب القضاء فورا لعصيانه
ويجوز تعجيلها من أول رمضان ويسن أن لا تؤخر عن الصلاة العيد بل يكره ذلك
نعم يسن تأخيرها لانتظار نحو قريب أو جار
____________________
(2/174)
ما لم تغرب الشمس
فصل ( في أداء الزكاة ) ( يجب أداءها ) أي الزكاة وإن كان عليه دين مستغرق حال لله أو لآدمي فلا يمنع الدين وجوب الزكاة في الأظهر ( فورا ) ولو في مال صبي ومجنون حاجة المستحقين إليها ( بتمكن ) من الأداء
فإن أخر أثم وضمن
____________________
(2/175)
إن تلف بعده
نعم إن أخر لانتظار قريب أو جار أو أحوج أو أصلح لم يأثم لكنه يضمنه إن تلف كمن أتلفه أو قصر في دفع متلف عنه كأن وضعه في غير حرزه بعد الحول وقبل التمكن
ويحصل التمكن ( بحضور مال ) غائب سائر أو قار بمحل عسر الوصول إليه فإن لم يحضر لم يلزمه الأداء من محل آخر وإن جوزنا نقل الزكاة ( و ) حضور ( مستحقيها ) أي الزكاة أو بعضهم فهو متمكن بالنسبة لحصته حتى لو تلفت ضمنها
ومع فراغ من مهم ديني أو دنيوي كأكل وحمام ( وحلول دين ) من نقد أو عرض تجارة
____________________
(2/176)
( مع قدرة ) على استيفائه بأن كان على ملىء حاضر باذل أو جاحد عليه بينة أو يعلمه القاضي أو قدر هو على خلاصه فيجب إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على قبضه
أما إذا تعذر استيفاؤه بإعسار أو مطل أو غيبة أو جحود ولا بينة فكمغصوب فلا يلزمه الإخراج إلا إن قبضه
وتجب الزكاة في مغصوب وضال لكن لا يجب دفعها إلا بعد تمكن بعوده إليه
( ولو أصدقها نصاب نقد ) وإن كان في الذمة أو سائمة معينة
____________________
(2/177)
( زكته ) وجوبا إذا تم حول من الإصداق وإن لم تقبضه ولا وطئها
لكن يشترط إن كان النقد في الذمة إمكان قبضه بكونه موسرا حاضرا
( تنبيه ) الأظهر أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة
وفي قول قديم اختاره الريمي لأنها تتعلق بالذمة لا بالعين
فعلى الأول أن المستحق للزكاة شريك بقدر الواجب وذلك لأنه لو امتنع من إخراجها أخذها الإمام منه قهرا
كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته
ولم يفرقوا في الشركة بين العين والدين فلا يجوز لربه أن يدعي ملك جميعه بل إنه يستحق قبضه
ولو قال بعد حول إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق فأبرأته منه
____________________
(2/178)
لم تطلق لأنه لم يبرأ من جميعه بل مما عدا قدر الزكاة فطريقها أن يعطيها ثم تبرئه
ويبطل البيع والرهن في قدر الزكاة فقط فإن فعل أحدهما بالنصاب أو ببعضه بعد الحول صح لا في قدر الزكاة كسائر الأموال المشتركة على الأظهر
نعم يصح في قدرها في مال التجارة لا الهبة في قدرها فيه
( فرع ) تقدم الزكاة ونحوها من تركة مديون ضاقت عن وفاء ما عليه من حقوقه الآدمي وحقوق الله كالكفارة والحج والنذر والزكاة
كما إذا اجتمعتا على حي لم يحجر عليه
ولو اجمتعت فيها حقوق الله فقط قدمت الزكاة إن تعلقت بالعين بأن بقي النصاب وإلا بأن تلف بعد الوجوب والتمكن
____________________
(2/179)
استوت مع غيرها فيوزع عليها
( وشرط له ) أي أداء الزكاة شرطان
أحدهما ( نية ) بقلب لا نطق ( كهذا زكاة ) مالي
ولو بدون فرض إذ لا تكون إلا فرضا ( أو صدقة مفروضة )
أو هذا زكاة مالي المفروضة
ولا يكفي هذا فرض مالي لصدقه بالكفارة والنذر
ولا يجب تعيين المال المخرج عنه في النية
____________________
(2/180)
ولو عين لم يقع عن غيره وإن بان المعين تالفا لأنه لم ينو ذلك الغير
ومن ثم لو نوى إن كان تالفا فعن غيره فبان تالفا وقع عن غيره
بخلاف ما لو قال هذه زكاة مالي الغائب إن كان باقيا أو صدقة لعدم الجزم بقصد الفرض
وإذا قال فإن كان تالفا فصدقة
فبان تالفا وقع صدقة أو باقيا وقع زكاة
ولو كان عليه زكاة وشك في إخراجها فأخرج شيئا ونوى إن كان علي شيء من الزكاة فهذا عنه وإلا فتطوع
فإن بان عليه زكاة أجزأه عنها وإلا وقع له تطوعا كما أفتى به شيخنا
ولا يجزىء عن الزكاة قطعا إعطاء المال للمستحقين بلا نية
( لا مقارنتها ) أي النية ( للدفع ) فلا يشترط ذلك
____________________
(2/181)
( بل تكفي ) النية قبل الأداء إن وجدت ( عند عزل ) قدر الزكاة عن المال ( أو إعطاء وكيل ) أو إمام والأفضل لهما أن ينويا أيضا عند التفرقة ( أو ) وجدت ( بعد أحدهما ) أي بعد عزل قدر الزكاة أو التوكيل ( وقبل التفرقة ) لعسر اقترانها بأداء كل مستحق
ولو قال لغيره تصدق بهذا
ثم نوى الزكاة قبل تصدقه بذلك أجزأه عن الزكاة
ولو قال لآخر اقبض ديني من فلان وهو لك زكاة لم يكف حتى ينوي هو بعد قبضه ثم يأذن له في أخذها
____________________
(2/182)
وأفتى بعضهم أن التوكيل المطلق في إخراجها يستلزم التوكيل في نيتها
قال شيخنا وفيه نظر بل المتجه أنه لا بد من نية المالك أو تفويضها للوكيل
وقال المتولي وغيره يتعين نية الوكيل إذا وقع الفرض بماله بأن قال له موكله أد زكاتي من مالك لينصرف فعله عنه
وقوله له ذلك متضمن للإذن له في النية
وقال القفال لو قال لغيره أقرضني خمسة أؤدها عن زكاتي ففعل صح
قال شيخنا وهو مبني على رأيه بجواز اتحاد القابض والمقبض
( وجاز لكل ) من الشريكين
____________________
(2/183)
( إخراج زكاة ) المال ( المشترك بغير إذن ) الشريك ( الآخر ) كما قاله الجرجاني وأقره غيره لإذن الشرع فيه
وتكفي نية الدافع منهما عن نية الآخر على الأوجه
( و ) جاز ( توكيل كافر وصبي في إعطائها المعين ) أي إن عين المدفوع إليه لا مطلقا ولا تفويض النية إليهما لعدم الأهلية
وجاز توكيل غيرهما في الإعطاء والنية معا
وتجب نية الولي
____________________
(2/184)
في مال الصبي والمجنون فإن صرف الولي الزكاة بلا نية ضمنها لتقصيره
ولو دفعها المزكي للإمام بلا نية ولا إذن منه له فيها لم تجزئه نيته
نعم تجزىء نية الإمام عند أخذها قهرا من الممتنع وإن لم ينو صاحب المال
( و ) جاز للمالك دون الولي ( تعجيلها ) أي الزكاة ( قبل ) تمام ( حول ) لا قبل تمام نصاب في غير التجارة
____________________
(2/185)
و ( لا ) تعجيلها ( لعامين ) في الأصح
وله تعجيل الفطرة من أول رمضان
أما في مال التجارة فيجزىء التعجيل وإن لم يملك نصابا
وينوي عند التعجيل كهذه زكاتي المعجلة
( وحرم ) تأخيرها أي الزكاة ( بعد تمام الحول والتملك ) وضمن إن تلف بعد تمكن بحضور المال والمستحق أو أتلفه بعد حول ولو قبل التمكن
كما مر بيانه
( و ) ثانيهما ( إعطاؤها لمستحقيها ) أي الزكاة
يعني من وجد من الأصناف الثمانية المذكورة
____________________
(2/186)
في آية { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل }
والفقير من ليس له مال ولا كسب لائق يقع موقعا من كفايته وكفاية ممونه ولا يمنع الفقر مسكنه وثيابه ولو للتجمل في بعض أيام السنة
____________________
(2/187)
وكتب يحتاجها وعبده الذي يحتاج إليه للخدمة وماله الغائب بمرحلتين أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه والدين المؤجل والكسب الذي لا يليق به
وأفتى بعضهم أن حلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها
وصوبه شيخنا
والمسكين من قدر على مال أو كسب يقع موقعا من حاجته ولا يكفيه
____________________
(2/188)
كمن يحتاج لعشرة وعنده ثمانية ولا يكفيه الكفاية السابقة وإن ملك أكثر من نصاب حتى أن للإمام أن يأخذ زكاته ويدفعها إليه فيعطى كل منهما إن تعود تجارة رأس مال يكفيه ربحه غالبا أو حرفة آلتها
ومن لم يحسن حرفة ولا تجارة يعطى كفاية العمر الغالب
وصدق مدعي فقر ومسكنة وعجز عن كسب ولو قويا جلدا بلا يمين لا مدعي تلف مال عرف بلا بينة
____________________
(2/189)
والعامل كساع وهو من يبعثه الإمام لأخذ الزكاة وقاسم وحاشر لا قاض
والمؤلفة من أسلم ونيته ضعيفة أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره
والرقاب المكاتبون كتابة صحيحة فيعطى المكاتب أو سيده بإذنه دينه
____________________
(2/190)
إن عجز عن الوفاء وإن كان كسوبا لا من زكاة سيده لبقائه على ملكه
والغارم من استدان لنفسه لغير معصية فيعطي له إن عجز عن وفاء الدين وإن كان كسوبا إذ الكسب لا يدفع حاجته لوفائه إن حل الدين
ثم إن لم يكن معه شيء أعطي الكل وإلا فإن كان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن ترك له مما معه ما يكفيه أي العمر الغالب
كما استظهره شيخنا
وأعطي ما يقضي به باقي دينه أو لإصلاح ذات البين فيعطى ما استدانه لذلك ولو غنيا
أما إذا لم يستدن بل أعطي ذلك من ماله فإنه لا يعطاه
ويعطى المستدين لمصلحة عامة
____________________
(2/191)
كقري ضيف وفك أسير وعمارة نحو مسجد وإن غنيا
أو للضمان
فإن كان الضامن والأصيل معسرين أعطي الضامن وفاءه
أو الأصيل موسرا دون الضامن أعطي إن ضمن بلا إذن أو عكسه أعطي الأصيل لا الضامن وإذا وفى من سهم الغارم لم يرجع على الأصيل وإن ضمن بإذنه
ولا يصرف من الزكاة شيء لكفن ميت أو بناء مسجد
ويصدق مدعي كتابة أو غرم بإخبار عدل
____________________
(2/192)
وتصديق سيد أو رب دين أو اشتهار حال بين الناس
( فرع ) من دفع زكاته لمدينه بشرط أن يردها له عن دينه لم يجز ولا يصح قضاء الدين بها
فإن نويا ذلك بلا شرط جاز وصح وكذا إن وعده المدين بلا شرط فلا يلزمه الوفاء بالوعد
ولو قال لغريمه جعلت ما عليك زكاة لم يجزىء على الأوجه إلا إن قبضه ثم رده إليه
ولو قال اكتل من طعامي عندك كذا
ونوى به الزكاة ففعل فهل يجزىء وجهان وظاهر كلام شيخنا ترجيح عدم الإجزاء
وسبيل الله وهو القائم بالجهاد متطوعا
____________________
(2/193)
ولو غنيا
ويعطى المجاهد النفقة والكسوة له ولعياله ذهابا وإيابا وثمن آلة الحرب
وابن السبيل وهو مسافر مجتاز ببلد الزكاة أو منشىء سفر مباح منها ولو لنزهة أو كان كسوبا بخلاف المسافر لمعصية إلا إن تاب والمسافر لغير مقصد صحيح كالهائم ويعطى كفايته وكفاية من معه من ممونه أي جميعها نفقة وكسوة ذهابا وإيابا
____________________
(2/194)
إن لم يكن له بطريقه أو مقصده مال ويصدق في دعوى السفر وكذا في دعوى الغزو بلا يمين
ويسترد منه ما أخذه إن لم يخرج
ولا يعطى أحد بوصفين
نعم إن أخذ فقير بالغرم فأعطاه غريمه أعطي بالفقر لأنه الآن محتاج
( تنبيه ) ولو فرق المالك الزكاة سقط سهم العامل ثم إن انحصر المستحقون ووفى بهم المال
____________________
(2/195)
لزم تعميمهم وإلا لم يجب ولم يندب
لكن يلزمه إعطاء ثلاثة من كل صنف وإن لم يكونوا بالبلد وقت الوجوب ومن المتوطنين أولى
ولو أعطى اثنين من كل صنف والثالث موجود لزمه أقل متمول غرما له من ماله ولو فقد بعض الثلاثة رد حصته على باقي صنفه إن احتاجه وإلا فعلى باقي الأصناف
ويلزم التسوية بين الأصناف وإن كانت حاجة بعضهم أشد لا التسوية بين آحاد الصنف بل تندب
واختار جماعة من أئمتنا جواز صرف الفطرة إلى ثلاثة مساكين أو غيرهم من المستحقين
____________________
(2/196)
ولو كان كل صنف أو بعض الأصناف وقت الوجوب محصورا في ثلاثة فأقل استحقوها في الأولى
وما يخص المحصورين في الثانية من وقت الوجوب فلا يضر حدوث غنى أو موت أحدهم بل حقه باق بحاله فيدفع نصيب الميت لوارثه وإن كان هو المزكي
ولا يشاركهم قادم عليهم ولا غائب عنهم وقت الوجوب
فإن زادوا على ثلاثة
____________________
(2/197)
لم يملكوا إلا بالقسمة
ولا يجوز لمالك نقل الزكاة عن بلد المال ولو إلى مسافة قريبة ولا تجزىء ولا دفع القيمة في غير مال التجارة ولا دفع عينه فيه
ونقل عن عمر وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد وبه قال أبو حنيفة ويجوز عنده نقل الزكاة مع الكراهة ودفع قيمتها
وعين مال التجارة
____________________
(2/198)
( ولو أعطاها ) أي الزكاة ولو الفطرة ( لكافر أو من به رق ) ولو مبعضا غير مكاتب ( أو هاشمي أو مطلبي ) أو مولى لهما لم يقع عن الزكاة لأن شرط الآخذ الإسلام وتمام الحرية وعدم كونه هاشميا ولا مطلبيا وإن انقطع عنهم خمس الخمس
____________________
(2/199)
لخبر إن هذه الصدقات أي الزكوات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآله
قال شيخنا وكالزكاة كل واجب كالنذر والكفارة بخلاف التطوع والهدية
( أو غني ) وهو من له كفاية العمر الغالب على الأصح
وقيل من له كفاية سنة
أو الكسب الحلال اللائق ( أو مكفي بنفقة قريب ) من أصل أو فرع أو زوج بخلاف المكفي بنفقة متبرع ( لم يجزىء ) ذلك عن الزكاة ولا تتأدى بذلك إن كان الدافع المالك وإن ظن استحقاقهم
ثم إن كان الدافع يظن الاستحقاق الإمام برىء المالك
____________________
(2/200)
ولا يضمن الإمام بل يسترد المدفوع وما استرده صرفه للمستحقين
أما من لم يكتف بالنفقة الواجبة له من زوج أو قريب فيعطيه المنفق وغيره حتى بالفقر
ويجوز للمكفي بها الأخذ بغير المسكنة والفقر إن وجد فيه حتى ممن تلزمه نفقته
ويندب للزوجة إعطاء زوجها من زكاتها حتى بالفقر والمسكنة وإن أنفقها عليها
قال شيخنا والذي يظهر أن قريبه الموسر لو امتنع من الإنفاق عليه وعجز عنه بالحاكم
____________________
(2/201)
أعطي حينئذ لتحقق فقره أو مسكنته الآن
( فائدة ) أفتى النووي في بالغ تاركا للصلاة كسلا أنه لا يقبضها له إلا وليه أي كصبي ومجنون فلا تعطى له وإن غاب وليه خلافا لمن زعمه بخلاف ما لو طرأ تركه لها أو تبذيره ولم يحجر عليه فإنه يقبضها
ويجوز دفعها لفاسق إلا إن علم أنه يستعين بها على معصية فيحرم وإن أجزأ
____________________
(2/202)
( تتمة ) في قسمة الغنيمة
ما أخذناه من أهل حرب قهرا فهو غنيمة وإلا فهو فيء ومن الأول ما أخذناه من دارهم اختلاسا أو سرقة على الأصح خلافا للغزالي وإمامه حيث قالا إنه مختص بالآخذ بلا تخميس وادعى ابن الرفعة الإجماع عليه ومن الثاني جزية
____________________
(2/203)
وعشر تجارة وتركة مرتد ويبدأ في الغنيمة بالسلب للقاتل المسلم بلا تخميس وهو ملبوس القتيل وسلاحه ومركوبه وكذا سوار ومنطقة وخاتم وطوق
وبالمؤن كأجرة حمال
ثم يخمس باقيها فأربعة أخماسها
____________________
(2/204)
ولو عقارا لمن حضر الوقعة وإن لم يقاتل فما أحد أولى به من أحد لا لمن لحقهم بعد انقضائها ولو قبل جمع المال ولا لمن مات في أثناء القتال قبل الحيازة على المذهب
وأربعة أخماس الفيء للمرصدين للجهاد
____________________
(2/205)
وخمسهما يخمس سهم للمصالح كسد ثغر وعمارة حصن ومسجد وأرزاق القضاة والمشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها ولو مبتدئين وحفاظ القرآن والأئمة والمؤذنين
ويعطى هؤلاء مع الغنى ما رآه الإمام
ويجب تقديم الأهم مما ذكر وأهمها الأول
ولو منع هؤلاء حقوقهم من بيت المال وأعطي أحدهم منه شيئا جاز له الأخذ ما لم يزد على كفايته على المعتمد وسهم للهاشمي والمطلبي للذكر منهما مثل حظ الانثيين
____________________
(2/206)
ولو أغنياء
وسهم للفقراء اليتامى وسهم للمسكين وسهم لابن السبيل الفقير
ويجب تعميم الأصناف الأربعة بالعطاء حاضرهم وغائبهم عن المحل نعم يجوز التفاوت بين آحاد الصنف غير ذوي القربى لا بين الأصناف ولو قل الحاصل بحيث لو عم لم يسد مسدا خص به الأحوج ولا يعم للضرورة
ولو فقد بعضهم وزع سهمه على الباقين
ويجوز عند الأئمة الثلاثة صرف جميع خمس الفيء إلى المصالح
ولا يصح شرط الإمام من أخذ شيئا فهو له
____________________
(2/207)
وفي قول يصح
وعليه الأئمة الثلاثة
وعند أبي حنيفة ومالك يجوز للإمام أن يفضل بعضا
( فرع ) لو حصل لأحد من الغانمين شيء مما غنموا قبل التخميس والقسمة الشرعية لا يجوز التصرف فيه لأنه مشترك بينهم وبين أهل الخمس
والشريك لا يجوز له التصرف في المشترك بغير إذن شريكه ( ويسن صدقة تطوع ) لآية { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا }
____________________
(2/208)
وللأحاديث الكثيرة الشهيرة
____________________
(2/209)
وقد تجب كأن يجد مضطرا ومعه ما يطعمه فاضلا عنه ويكره برديء وليس منه التصدق بالفلوس والثوب الخلق ونحوهما بل ينبغي أن لا يأنف من التصدق بالقليل
والتصدق بالماء أفضل حيث كثر الاحتياج إليه وإلا فالطعام
ولو تعارض الصدقة حالا والوقف
فإن كان الوقت وقت حاجة وشدة فالأول أولى وإلا فالثاني لكثرة جدواه
قاله ابن عبد السلام وتبعه الزركشي وأطلق ابن الرفعة ترجيح الأول لأنه قطع حظه من المتصدق به حالا
____________________
(2/210)
وينبغي للراغب في الخير أن لا يخلي ( كل يوم ) من الأيام من الصدقة ( بما تيسر ) وإن قل وإعطاؤها ( سرا ) أفضل منه جهرا
أما الزكاة فإظهارها أفضل إجماعا ( و ) إعطاؤها ( برمضان ) أي فيه لا سيما في عشره الأواخر أفضل ويتأكد أيضا في سائر الأزمنة والأمكنة الفاضلة كعشر ذي الحجة والعيدين والجمعة
وكمكة والمدينة ( و ) إعطاؤها ( لقريب )
____________________
(2/211)
لا تلزمه نفقته أولى الأقرب فالأقرب من المحارم ثم الزوج أو الزوجة ثم غير المحرم والرحم من جهة الأب ومن جهة الأم سواء ثم محرم الرضاع ثم المصاهرة أفضل
( و ) صرفها بعد القريب إلى ( جار أفضل ) منه لغيره
فعلم أن القريب البعيد الدار في البلد أفضل من الجار الأجنبي ( لا ) يسن التصدق ( بما يحتاجه ) بل يحرم بما يحتاج إليه لنفقة ومؤنة
من تلزمه نفقته يومه وليلته أو لوفاء دينه ولومؤجلا وإن لم يطلب منه ما لم يغلب على ظنه حصوله من جهة أخرى ظاهرة
____________________
(2/212)
لأن الواجب لا يجوز تركه لسنة وحيث حرمت الصدقة بشيء لم يملكه المتصدق عليه على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى
لكن الذي جزم به شيخنا في شرح المنهاج أنه يملكه
والمن بالصدقة حرام
____________________
(2/213)
محبط للأجر كالأذى
( فائدة ) قال في المجموع يكره الأخذ ممن بيده حلال وحرام كالسلطان الجائز
وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها ولا يحرم إلا إن تيقن أن هذا من الحرام
وقول الغزالي يحرم الأخذ ممن أكثر ماله حرام وكذا معاملته شاذ
باب الصوم وهو لغة الإمساك
____________________
(2/214)
وشرعا إمساك عن مفطر بشروطه الآتية
وفرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة
وهو من خصائصنا ومن المعلوم من الدين بالضرورة ( يجب صوم ) شهر ( رمضان ) إجماعا بكمال شعبان ثلاثين يوما أو رؤية عدل واحد
____________________
(2/215)
ولو مستورا هلاله بعد الغروب إذا شهد بها عند القاضي ولو مع إطباق غيم بلفظ أشهد أني رأيت الهلال أو أنه هل
ولا يكفي قوله أشهد أن غدا من رمضان
ولا يقبل على شهادته إلا بشهادة عدلين وبثبوت رؤية هلال رمضان عند القاضي بشهادة عدل بين يديه كما مر ومع قوله ثبت عندي يجب
____________________
(2/216)
الصوم على جميع أهل البلد المرئي فيه وكالثبوت عند القاضي الخبر المتواتر برؤيته ولو من كفار لإفادته العلم الضروري وظن دخوله بالأمارة الظاهرة التي لا تتخلف عادة كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر ويلزم الفاسق والعبد والأنثى العمل برؤية نفسه وكذا من اعتقد صدق نحو فاسق ومراهق في أخباره برؤية نفسه أو ثبوتها في بلد متحد مطلعه سواء أول رمضان وآخره على الأصح والمعتمد أن له بل عليه اعتماد العلامات بدخول شوال إذا حصل له اعتقاد جازم بصدقها كما أفتى به شيخانا ابن زياد وحجر كجمع محققين
____________________
(2/217)
وإذا صاموا ولو برؤية عدل أفطروا بعد ثلاثين وإن لم يروا الهلال ولم يكن غيم لكمال العدة بحجة شرعية
ولو صام بقول من يثق ثم لم ير الهلال بعد ثلاثين مع الصحو لم يجز له الفطر ولو رجع الشاهد بعد شروعهم في الصوم لم يجز لهم الفطر
وإذا ثبت رؤيته ببلد لزم حكمه البلد القريب
____________________
(2/218)
دون البعيد ويثبت البعد باختلاف المطالع على الأصح والمراد باختلافها أن يتباعد المحلان بحيث لو رؤي في أحدهما لم ير في الآخر غالبا قاله في الأنوار
وقال التاج التبريزي وأقره غيره لا يمكن اختلافها في أقل من أربعة وعشرين فرسخا
ونبه السبكي وتبعه غيره على أنه يلزم من الرؤية في البلد الغربي من غير عكس إذ الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل
وقضية كلامهم أنه متى رؤي في شرقي لزم كل غربي بالنسبة إليه العمل بتلك الرؤية وإن اختلفت المطالع
____________________
(2/219)
وإنما يجب صوم رمضان ( على ) كل مكلف أي بالغ عاقل ( مطيق له ) أي للصوم حسا وشرعا فلا يجب على صبي ومجنون ولا على من لا يطيقه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه
____________________
(2/220)
ويلزمه مد لكل يوم ولا على حائض ونفساء لأنهما لا تطيقان شرعا
( وفرضه ) أي الصوم ( نية ) بالقلب ولا يشترط التلفظ بها بل يندب ولا يجزىء عنها التسحر وإن قصد به التقوي على الصوم ولا الامتناع من تناول مفطر خوف الفجر ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات التي يجب التعرض له في النية ( لكل يوم ) فلو نوى أول ليلة رمضان صوم جميعه لم يكف لغير اليوم الأول
قال شيخنا لكن ينبغي ذلك ليحصل له صوم اليوم الذي نسي النية فيه عند مالك كما تسن له أول اليوم الذي نسيها فيه ليحصل له صومه عند أبي حنيفة
وواضح أن محله إن قلد
____________________
(2/221)
وإلا كان متلبسا بعبادة فاسدة في اعتقاده ( وشرط لفرضه ) أي الصوم ولو نذرا أو كفارة أو صوم استسقاء أمر به الإمام ( تبييت ) أي إيقاع النية ليلا أي فيما غروب الشمس وطلوع الفجر ولو في صوم المميز
قال شيخنا ولو شك هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده لم تصح لأن الأصل عدم وقوعها ليلا إذ الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن بخلاف ما لو نوى ثم شك هل طلع الفجر أو لا لأن الأصل عدم طلوعه للأصل المذكور أيضا
انتهى
ولا يبطلها نحو أكل وجماع بعدها وقبل الفجر
نعم لو قطعها قبله احتاج لتجديدها قطعا
____________________
(2/222)
( وتعيين ) لمنوي في الفرض كرمضان أو نذر أو كفارة بأن ينوي كل ليلة أنه صائم غدا عن رمضان أو النذر أو الكفارة وإن لم يعين سببها
فلو نوى الصوم عن فرضه أو فرض وقته لم يكف
نعم من عليه قضاء رمضانين أو نذر أو كفار من جهات مختلفة لم يشترط التعيين لاتحاد الجنس
واحترز باشتراط التبييت في الفرض عن النفل فتصح فيه ولو مؤقتا النية قبل الزوال للخبر الصحيح وبالتعيين فيه النفل أيضا فيصح ولو مؤقتا
____________________
(2/223)
بنية مطلقة كما اعتمده غير واحد
نعم بحث في المجموع اشتراط التعيين في الرواتب كعرفة وما معها فلا يحصل غيرها معها وإن نوى بل مقتضى القياس كما قال الإسنوي أن نيتهما مبطلة كما لو نوى الظهر وسنته أو سنة الظهر وسنة العصر فأقل النية المجزئة نويت صوم رمضان ولو بدون الفرض على المعتمد كما صححه في المجموع تبعا للأكثرين لأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا
ومقتضى كلام الروضة والمنهاج وجوبه أو بلا غد كما قال الشيخان لأن لفظ الغد اشتهر في كلامهم في تفسير التعيين
____________________
(2/224)
وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين فلا يجب التعرض له بخصوصه بل يكفي دخوله في صوم الشهر المنوي لحصول التعيين حينئذ لكن قضية كلام شيخنا كالمزجد وجوبه ( وأكملها ) أي النية ( نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان ) بالجر لإضافته لما بعده ( هذه السنة لله تعالى ) لصحة النية حينئذ اتفاقا وبحث الأذرعي أنه لو كان عليه مثل الأداء كقضاء رمضان قبله لزمه التعرض للأداء أو تعيين السنة ( ويفطر عامد )
____________________
(2/225)
لا ناس للصوم وإن كثر منه نحو جماع وأكل ( عالم ) لا جاهل بأن ما تعاطاه مفطر لقرب إسلامه أو نشئه ببادية بعيدة عمن يعرف ذلك ( مختار ) لا مكره لم يحصل منه قصد ولا فكر ولا تلذذ ( بجماع ) وإن لم ينزل ( واستمناء ) ولو بيده أو بيد حليلته أو بلمس
____________________
(2/226)
لما ينقض لمسه بلا حائل ( لا ب ) قبلة و ( ضم ) لامرأة ( بحائل ) أي معه وإن تكرر بشهوة أو كان الحائل رقيقا فلو ضم امرأة أو قبلها بلا ملامسة بدن بلا بحائل بينهما فأنزل لم يفطر لانتفاء المباشرة كالاحتلام
والإنزال بنظر وفكر ولو لمس محرما أو شعر امرأة فأنزل لم يفطر لعدم النقض به
ولا يفطر بخروج مذي خلافا للمالكية ( واستقاءة ) أي استدعاء قيء وإن لم يعد منه شيء لجوفه
____________________
(2/227)
بأن تقيأ منكسا أو عاد بغير اختياره فهو مفطر لعينه أما إذا غلبه ولم يعد منه أو من ريقه المتنجس به شيء إلى جوفه بعد وصوله لحد الظاهر أو عاد بغير اختياره فلا يفطر به للخبر الصحيح بذلك ( لا بقلع نخامة ) من الباطن أو الدماغ إلى الظاهر فلا يفطر به إن لقطها لتكرر الحاجة إليه أما لو ابتلعها مع القدرة على لفظها بعد وصولها لحد الظاهر وهو مخرج الحاء المهملة
____________________
(2/228)
فيفطر قطعا
ولو دخلت ذبابة جوفه أفطر بإخراجها مطلقا وجاز له إن ضره بقاوها مع القضاء كما أفتى به شيخنا ( و ) يفطر ( بدخول عين ) وإن قلت إلى ما يسمى ( جوفا ) أي جوف من مر كباطن أذن وإحليل وهو مخرج بول ولبن وإن لم يجاوز الحشفة أو الحلمة ووصول أصبع المستنجية إلى وراء ما يظهر من فرجها عند جلوسها على قدميها مفطر وكذا وصول بعض الأنملة إلى المسربة كذا أطلقه القاضي وقيده السبكي بما إذا وصل شيء منها إلى المحل المجوف منها بخلاف أولها المنطبق فإنه لا يسمى جوفا وألحق به أول الإحليل الذي يظهر عند تحريكه بل أولى
قال ولده وقول القاضي الاحتياط أن يتغوط بالليل
____________________
(2/229)
مراده أن إيقاعه فيه خير منه في النهار لئلا يصل شيء إلى جوف مسربته لا أنه يؤمر بتأخيره إلى الليل لأن أحدا لا يؤمر بمضرة في بدنه ولو خرجت مقعدة مبسور لم يفطر بعودها وكذا إن أعادها بأصبعه لاضطراره إليه
ومنه يؤخذ كما قال شيخنا أنه لو اضطر لدخول الأصبع إلى الباطن لم يفطر وإلا أفطر وصول الأصبع إليه
وخرج بالعين الأثر كوصول الطعم بالذوق إلى حلقه
وخرج بمن مر أي العامد العالم المختار الناسي للصوم والجاهل المعذور بتحريم إيصال شيء إلى الباطن وبكونه مفطرا
____________________
(2/230)
والمكره فلا يفطر كل منهم بدخول عين جوفه وإن كثر أكله ولو ظن أن أكله ناسيا مفطر فأكل جاهلا بوجوب الإمساك أفطر
ولو تعمد فتح فمه في الماء فدخل جوفه أو وضعه فيه فسبقه أفطر
أو وضع في فيه شيئا عمدا وابتلعه ناسيا فلا
ولا يفطر بوصول شيء إلى باطن قصبة أنف حتى يجاوز منتهى الخيشوم وهو أقصى الأنف
و ( لا ) يفطر ( بريق طاهر صرف ) أي خالص ابتلعه ( من معدنه ) وهو جميع الفم ولو بعد جمعه على الأصح وإن كان بنحو مصطكى
أما لو ابتلع ريقا اجتمع بلا فعل فلا يضر قطعا
وخرج بالطاهر المتنجس بنحو دم لثته
____________________
(2/231)
فيفطر بابتلاعه وإن صفا ولم يبق فيه أثر مطلقا لأنه لما حرم ابتلاعه لتنجسه صار بمنزلة عين أجنبية
قال شيخنا ويظهر العفو عمن ابتلي بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه
وقال بعضهم متى ابتلعه المبتلى به مع علمه به وليس له عنده بد فصومه صحيح وبالصرف المختلط بطاهر آخر فيفطر من ابتلع ريقا متغيرا بحمرة نحو تنبل وإن تعسر إزالتها أو بصبغ خيط فتله بفمه وبمن معدنه ما إذا خرج من الفم لا على لسانه ولو إلى ظاهر الشفة ثم رده بلسانه وابتلعه أو بل خيطا أو سواكا بريقه أو بماء فرده إلى فمه وعليه رطوبة تنفصل
____________________
(2/232)
وابتلعها فيفطر
بخلاف ما لو لم يكن على الخيط ما ينفصل لقلته أو لعصره أو لجفافه فإنه لا يضر كأثر ماء المضمضة وإن أمكن مجه لعسر التحرز عنه فلا يكلف تنشيف الفم عنه
( فرع ) لو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه بطبعه لا بقصده لم يفطر إن عجز عن تمييزه ومجه وإن ترك التخلل ليلا مع علمه ببقائه وبجريان ريقه به نهارا لأنه إنما يخاطب بهما إن قدر عليهما حال الصوم لكن يتأكد التخلل بعد التسحر أما إذا لم يعجز أو ابتلعه قصدا فإنه مفطر جزما وقول بعضهم يجب غسل الفم مما أكل ليلا وإلا أفطر رده شيخنا
( ولا يفطر بسبق ماء جوف مغتسل عن ) نحو ( جنابة ) كحيض ونفاس إذا كان
____________________
(2/233)
ال ( بلا انغماس ) في الماء فلو غسل أذنيه في الجنابة فسبق الماء من إحداهما لجوفه لم يفطر وإن أمكنه إمالة رأسه أو الغسل قبل الفجر
كما إذا سبق الماء إلى الداخل للمبالغة في غسل الفم المتنجس لوجوبها بخلاف ما إذا اغتسل منغمسا فسبق الماء إلى باطن الأذن أو الأنف فإنه يفطر ولو في الغسل الواجب لكراهة الانغماس كسبق ماء المضمضة بالمبالغة إلى الجوف مع تذكره للصوم وعلمه بعدم مشروعيتها بخلافه بلا مبالغة
وخرج بقولي عن نحو جنابة الغسل المسنون وغسل التبرد فيفطر بسبق ماء فيه
____________________
(2/234)
ولو بلا انغماس
( فروع ) يجوز للصائم الإفطار بخبر عدل بالغروب وكذا بسماع أذانه ويحرم للشاك الأكل آخر النهار حتى يجتهد ويظن انقضاءه ومع ذلك الأحوط الصبر لليقين
ويجوز الأكل إذا ظن بقاء الليل باجتهاد أو إخبار وكذا لو شك لأن الأصل بقاء الليل لكن يكره ولو أخبره عدل طلوع الفجر اعتمده وكذا فاسق ظن صدقه
ولو أكل باجتهاد أولا وآخرا فبان أنه أكل نهارا بطل صومه إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه فإن لم يبن شيء صح
ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فلفظه قبل أن ينزل منه شيء لجوفه صح صومه وكذا لو كان مجامعا عند ابتداء طلوع الفجر فنزع في الحال أي عقب طلوعه فلا يفطر وإن أنزل لأن النزع ترك للجماع
____________________
(2/235)
فإن لم ينزع حالا لم ينعقد الصوم وعليه القضاء والكفارة ( ويباح فطر ) في صوم واجب ( بمرض مضر ) ضررا يبيح التيمم كأن خشي من الصوم بطء برء ( وفي سفر قصر ) دون قصير وسفر معصية
وصوم المسافر بلا ضرر
أحب من الفطر
____________________
(2/236)
( ولخوف هلاك ) بالصوم من عطش أو جوع وإن كان صحيحا مقيما
وأفتى الأذرعي بأنه يلزم الحصادين أي ونحوهم تبييت النية كل ليلة ثم من لحقه منهم مشقة شديدة أفطر وإلا فلا
( ويجب قضاء ) ما فات ولو بعذر من الصوم الواجب ك ( رمضان ) ونذر وكفارة بمرض أو سفر أو ترك نية أو بحيض أو نفاس لا بجنون وسكر
____________________
(2/237)
لم يتعد به
وفي المجموع أن قضاء يوم الشك على الفور لوجوب إمساكه
ونظر فيه جمع بأن تارك النية يلزمه الإمساك مع أن قضاءه على التراخي قطعا
( و ) يجب ( إمساك ) عن مفطر ( فيه ) أي رمضان فقط دون نحو نذر وقضاء ( إن أفطر بغير عذر ) من مرض أو سفر ( أو بغلط ) كمن أكل ظانا بقاء الليل أو نسي تبييت النية أو أفطر يوم الشك وبان من رمضان لحرمة الوقت
وليس الممسك في صوم شرعي لكنه يثاب عليه فيأثم بجماع ولا كفارة
وندب إمساك لمريض شفي ومسافر قدم أثناء النهار مفطرا وحائض طهرت أثناءه ( و ) يجب ( على من أفسده )
____________________
(2/238)
أي صوم رمضان ( بجماع ) أثم به لأجل الصوم لا باستمناء وأكل ( كفارة ) متكررة بتكرر الإفساد وإن لم يكفر عن السابق ( معه )
____________________
(2/239)
أي مع قضاء ذلك الصوم
والكفارة عتق رقبة مؤمنة فصوم شهرين مع التتابع إن عجز عنه فإطعام ستين مسكينا أو فقيرا إن عجز عن الصوم لهرم أو مرض بنية كفارة ويعطى لكل واحد مد من غالب القوت ولا يجوز صرف الكفارة لمن تلزمه مؤنته ( و ) يجب ( على من أفطر )
____________________
(2/240)
في رمضان ( لعذر لا يرجى زواله ) ككبر ومرض لا يرجى برؤه ( مد ) لكل يوم منه إن كان موسرا حينئذ ( بلا قضاء ) وإن قدر عليه بعد لأنه غير مخاطب بالصوم فالفدية في حقه واجبة ابتداء لا بدلا ويجب المد مع القضاء على حامل ومرضع أفطرتا للخوف على الولد
____________________
(2/241)
( و ) يجب ( على مؤخر قضاء ) لشيء من رمضان حتى دخل رمضان آخر ( بلا عذر ) في التأخير بأن خلا عن السفر والمرض قدر ما عليه ( مد لكل سنة ) فيتكرر بتكرر السنين على المعتمد
وخرج بقولي بلا عذر ما إذا كان التأخير بعذر كأن استمر سفره أو مرضه أو إرضاعها إلى قابل فلا شيء عليه ما بقي العذر وإن استمر سنين
ومتى أخر قضاء رمضان
____________________
(2/242)
مع تمكنه حتى دخل آخر فمات أخرج من تركته لكل يوم مدان مد للفوات ومد للتأخير إن لم يصم عنه قريبه أو مأذونه وإلا وجب مد واحد للتأخير
والجديد عدم جواز الصوم عنه مطلقا بل يخرج من تركته لكل يوم مد طعام وكذا صوم النذر والكفارة وذهب النووي كجمع
____________________
(2/243)
محققين إلى تصحيح القديم القائل بأنه لا يتعين الإطعام فيمن مات بل يجوز للولي أن يصوم عنه ثم إن خلف تركة وجب أحدهما وإلا ندب
ومصرف الأمداد فقير ومسكين وله صرف أمداد لواحد
( فائدة ) من مات وعليه صلاة فلا قضاء ولا فدية
وفي قول كجمع مجتهدين أنها تقضى عنه لخبر البخاري وغيره ومن ثم اختاره جمع من أئمتنا وفعل به السبكي عن بعض أقاربه ونقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي إن خلف تركه أن يصلي عنه كالصوم
وفي وجه عليه كثيرون من أصحابنا أنه يطعم عن كل صلاة مدا
وقال المحب الطبري يصل للميت كل عبادة تفعل عنه واجبة أو مندوبة
وفي شرح المختار لمؤلفه مذهب أهل السنة أن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره
____________________
(2/244)
ويصله
( وسن ) لصائم رمضان وغيره ( تسحر ) وتأخيره ما لم يقع في شك وكونه على تمر لخبر فيه ويحصل ولو بجرعة ماء ويدخل وقته بنصف الليل
وحكمته التقوي أو مخالفة أهل الكتاب وجهان
وسن تطيب وقت سحر ( و ) سن ( تعجيل فطر )
____________________
(2/245)
إذا تيقن الغروب
ويعرف في العمران والصحارى التي بها جبال بزوال الشعاع من أعالي الحيطان والجبال وتقديمه على الصلاة إن لم يخش من تعجيله فوات الجماعة أو تكبيرة الإحرام
( و ) كونه ( بتمر ) للأمر به والأكمل أن يكون بثلاث ( ف ) إن لم يجده فعلى حسوات ( ماء ) ولو من زمزم فلو تعارض التعجيل على الماء والتأخير على التمر قدم الأول فيما استظهره شيخنا وقال أيضا يظهر في تمر قويت شبهته وماء حفت شبهته أن الماء أفضل
قال الشيخان لا شيء أفضل بعد التمر غير الماء فقول الروياني الحلو أفضل من
____________________
(2/246)
الماء ضعيف كقول الأذرعي الزبيب أخو التمر وإنما ذكره لتيسره غالبا بالمدينة
ويسن أن يقول عقب الفطر اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ويزيد من أفطر بالماء ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى
( و ) سن ( غسل عن نحو جنابة قبل فجر ) لئلا يصل الماء إلى باطن نحو أذنه أو دبره
قال شيخنا وقضيته أن وصوله لذلك مفطر وليس عمومه مرادا كما هو ظاهر أخذا مما مر إن سبق ماء نحو المضمضة المشروع
____________________
(2/247)
أو غسل الفم المتنجس لا يفطر لعذره فليحمل هذا على مبالغة منهي عنها
( و ) سن ( كف ) نفس عن طعام فيه شبهة و ( شهوة ) مباحة
من مسموع ومبصر
____________________
(2/248)
ومس طيب وشمه
ولو تعارضت كراهة مس الطيب للصائم ورد الطيب فاجتناب المس أولى لأن كراهته تؤدي إلى نقصان العبادة
قال في الحلية الأولى للصائم ترك الاكتحال
ويكره سواك بعد الزوال وقت غروب وإن نام أو أكل كريها ناسيا
وقال جمع لم يكره بل يسن إن تغير الفم بنحو نوم
____________________
(2/249)
ومما يتأكد للصائم كف اللسان عن كل محرم ككذب وغيبة ومشاتمة لأنه محبط للأجر كما صرحوا به ودلت عليه الأخبار الصحيحة ونص عليه الشافعي والأصحاب وأقرهم في المجموع وبه يرد بحث الأذرعي حصوله وعليه إثم معصيته
وقال بعضهم يبطل أصل صومه وهو قياس مذهب أحمد في الصلاة في المغصوب
ولو شتمه أحد فليقل ولو في نفل إني صائم مرتين أو ثلاثا في نفسه تذكيرا لها وبلسانه حيث لم يظن رياء فإن اقتصر على أحدهما فالأولى بلسانه
____________________
(2/250)
( و ) سن مع التأكيد ( برمضان ) وعشره الأخير آكد ( إكثار صدقة ) وتوسعة على عيال وإحسان على الأقارب والجيران للاتباع وأن يفطر الصائمين أي يعشيهم إن قدر وإلا فعلى نحو شربة ( و ) إكثار ( تلاوة ) للقرآن
____________________
(2/251)
في غير نحو الحش ولو نحو طريق وأفضل الأوقات للقراءة من النهار بعد الصبح ومن الليل في السحر
فبين العشاءين
وقراءة الليل أولى
وينبغي أن يكون شأن القاريء التدبر
قال أبو الليث في البستان ينبغي للقارىء أن يختم القرآن في السنة مرتين إن لم يقدر على الزيادة
وقال أبو حنيفة من قرأ القرآن في كل سنة مرتين فقد أدى حقه وقال أحمد يكره تأخير ختمة أكثر من أربعين يوما بلا عذر لحديث ابن عمر
____________________
(2/252)
____________________
(2/253)
____________________
(2/254)
( و ) إكثار عبادة
____________________
(2/255)
و ( اعتكاف ) للاتباع ( سيما ) بتشديد الياء وقد يخفف والأفصح جر ما بعدها وتقديم لا عليها
وما زائدة وهي دالة على أن ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها ( عشر آخره ) فيتأكد له إكثار الثلاثة المذكورة للاتباع ويسن أن يمكث معتكفا إلى صلاة العيد وأن يعتكف قبل دخول العشر ويتأكد إكثار العبادات المذكورة فيه رجاء مصادفة ليلة القدر أي الحكم والفصل
____________________
(2/256)
أو الشرف والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي منحصرة عندنا فيه فأرجاها أو تاره وأرجى أوتاره عند الشافعي ليلة الحادي أو الثالث والعشرين واختار النووي وغيره انتقالها
____________________
(2/257)
وهي أفضل ليالي السنة وصح من قام ليلة القدر إيمانا أي تصديقا بأنها حق وطاعة واحتسابا أي طلبا لرضا الله تعالى وثوابه غفر له ما تقدم من ذنبه وفي رواية وما تأخر
وروى البيهقي خبر من صلى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان فقد أخذ من ليلة القدر بحظ وافر
وروى أيضا من شهد العشاء الأخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر
وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان
( تتمة )
____________________
(2/258)
يسن اعتكاف كل وقت وهو لبث فوق قدر طمأنينة الصلاة ولو مترددا في مسجد
____________________
(2/259)
أو رحبته التي لم يتيقن حدوثها بعده وأنها غير مسجد بنية اعتكاف
ولو خرج ولو لخلاء من لم يقدر الاعتكاف المندوب أو المنذور بمدة بلا عزم عود جدد النية وجوبا إن أراده
وكذا إذا عاد بعد الخروج لغير نحو خلاء من قيده بها كيوم
فلو خرج عازما لعود فعاد
____________________
(2/260)
لم يجب تجديد النية
ولا يضر الخروج في اعتكاف نوى تتابعه كأن نوى اعتكاف أسبوع أو شهر متتابع وخرج لقضاء حاجة ولو بلا شدتها وغسل جنابة وإزالة نجس وإن أمكنهما في المسجد لأنه أصون لمروءته ولحرمة المسجد أكل طعام لأنه يستحيا منه في المسجد وله الوضوء بعد قضاء الحاجة تبعا له
____________________
(2/261)
لا الخروج له قصدا ولا لغسل مسنون ولا يضر بعد موضعها إلا أن يكون لذلك موضع أقرب منه أو يفحش البعد فيضر ما لم يكن الأقرب غير لائق به ولا يكلف المشي على غير سجيته وله صلاة على جنازة إن لم ينتظر
ويخرج جوازا في إعتكاف متتابع لما استثناه من غرض دنيوي كلقاء أمير
____________________
(2/262)
أو أخروي كوضوء وغسل مسنون وعيادة مريض وتعزية مصاب وزيارة قادم من سفر ويبطل بحماع وإن استثناه أو كان في طريق قضاء الحاجة وإنزال مني بمباشرة بشهوة كقبلة وللمعتكف الخروج من التطوع لنحو عيادة مريض
وهل هو أفضل أو تركه أو سواء وجوه والأوجه كما بحث البلقيني أن الخروج لعيادة نحو رحم وجار وصديق أفضل
____________________
(2/263)
واختار ابن الصلاح الترك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف ولم يخرج لذلك
( مهمة ) قال في الأنوار يبطل ثواب الاعكتاف بشتم أو غيبة
أو أكل حرام
فصل ( في صوم التطوع ) وله من الفضائل والمثوبة ما لا يحصيه إلا الله تعالى ومن ثم أضافه تعالى إليه دون غيره من العبادات فقال كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به
وفي الصحيحين من صام يوما
____________________
(2/264)
في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا
( ويسن ) متأكدا ( صوم يوم عرفة ) لغير حاج لأنه يكفر السنة التي هو فيها والتي بعدها كما في خبر مسلم وهو تاسع ذي الحجة والأحوط صوم الثامن مع عرفة
والمكفر الصغائر التي لا تتعلق بحق الآدمي إذ الكبائر لا يكفرها إلا التوبة الصحيحة
وحقوق الآدمي متوقفة على رضاه فإن لم تكن له صغائر زيد في حسناته
____________________
(2/265)
ويتأكد صوم الثمانية قبله للخبر الصحيح فيها المقتضي لأفضلية عشرها على عشر رمضان الأخير
( و ) يوم ( عاشوراء ) وهو عاشر المحرم لأنه يكفر السنة الماضية كما في مسلم
( وتاسوعاء ) وهو تاسعه لخبر مسلم لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع
فمات قبله
والحكمة مخالفة اليهود ومن ثم سن لمن لم يصمه صوم الحادي عشر بل إن صامه لخبر فيه
وفي الأم لا بأس أن يفرده
وأما أحاديث الاكتحال والغسل والتطيب في يوم عاشوراء فمن وضع الكذابين
____________________
(2/266)
قوله وأخرج نوحا من السفينة وذلك أن عليه السلام لما نزل من السفينة هو ومن معه شكو الجوع وقد فرغت أزوادهم فأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فجاء هذا بكف حنطة وهذا بكف عدس وهذا بكف فول وهذا بكف حمص إلى أن بلغت سبع حبوب وكان يوم عاشوراء فسمى نوح عليها وطبخها لهم فأكلوا جميعا وشبعوا ببركات نوح عليه السلام فذلك قوله تعالى { قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك } وكان ذلك أول طعام طبخ على وجه الأرض بعد الطوفان فاتخذه الناس سنة يوم عاشوراء وفيه أجر عظيم لمن يفعل ذلك ويطعم الفقراء والمساكين من الروض الفائق ومما يعزي للحافظ ابن حجر فيما يطبخ من الحبوب في يوم عاشوراء في يوم عاشوراء سبع تمترس بر ورز ثم ماش وعدس وحمص ولوبيا والفول هذا هو الصحيح والمنقول وقال في فتح الباري كلمات من قالها في يوم عاشوراء لم يمت قلبه وهي سبحان الله ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش والحمد لله ملء الميزان ومنتى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش والله أكبر ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه سبحان الله عدد الشفع والوتر وعدد كلمات الله التامات كلها والحمد لله عدد الشفع والوتر وعدد كلمات الله التامات كلها والله أكبر عدد الشفع والوتر وعدد كلمات الله التامات كلها أسألك السلامة برحمتك يا أرحم الراحمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين وقال الأجهوري إن من قال يوم عاشوراء حسبي الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير سبعين مرة كفاه الله تعالى شر ذلك العام وبالله التوفيق
____________________
(2/267)
( و ) صوم ( ستة ) أيام ( من شوال ) لما في الخبر الصحيح أن صومها مع صوم رمضان كصيام الدهر
____________________
(2/268)
واتصالها بيوم العيد أفضل مبادرة للعبادة ( وأيام ) الليالي ( البيض ) وهي الثالث عشر وتالياه لصحة الأمر بصومها لأن صوم الثلاثة كصوم الشهر إذ لحسنة بعشر أمثالها ومن ثم تحصل السنة بثلاثة وغيرها لكنها أفضل ويبدل على الأوجه ثالث عشر ذي الحجة بسادس عشره وقال الجلال البلقيني لا بل يسقط
ويسن صوم أيام السود وهي الثامن والعشرون وتالياه
____________________
(2/269)
( و ) صوم ( الاثنين والخميس ) للخبر الحسن أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما وقال تعرض فيهما الأعمال فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم والمراد عرضها على الله تعالى
وأما رفع الملائكة لها فإنه مرة بالليل ومرة بالنهار ورفعها في شعبان محمول على رفع أعمال العام مجملة
وصوم الاثنين أفضل من صوم الخميس لخصوصيات ذكروها فيه وعد الحليمي اعتياد صومهما مكروه شاذ
____________________
(2/270)
( فرع ) أفتى جمع متأخرون بحصول ثواب عرفة وما بعده بوقوع صوم فرض فيها خلاف للمجموع
وتبعه الأسنوي فقال إن نواهما لم يحصل له شيء منهما
قال شيخنا كشيخه والذي يتجه أن القصد وجود صوم فيها فهي كالتحية فإن نوى التطوع أيضا حصلا وإلا سقط عنه الطلب
( فرع ) أفضل الشهور للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم
____________________
(2/271)
وأفضلها المحرم ثم رجب ثم الحجة ثم القعدة ثم شهر شعبان
وصوم تسع ذي الحجة أفضل من صوم عشر المحرم اللذين يندب صومهما
( فائدة ) من تلبس بصوم تطوع أو صلاته فله قطعهما لا نسك تطوع ومن تلبس بقضاء واجب حرم قطعه
____________________
(2/272)
ولو موسعا ويحرم على الزوجة أن تصوم تطوعا أو قضاء موسعا وزوجها حاضر إلا بإذنه أو علم رضاه
( تتمة ) يحرم الصوم في أيام التشريق والعيدين وكذا يوم الشك لغير ورد وهو يوم ثلاثي شعبان وقد شاع الخبر بين الناس برؤية الهلال ولم يثبت وكذا بعد نصف شعبان ما لم يصله بما قبله أو لم يوافق عادته أو لم
____________________
(2/273)
يكن عن نذر أو قضاء ولو عن نفل
باب الحج
____________________
(2/274)
وهو بفتح أوله وكسره لغة القصد أو كثرته إلى من يعظم
وشرعا قصد الكعبة للنسك الآتي
وهو من الشرائع القديمة
وروي أن آدم عليه السلام حج أربعين حجة من الهند ماشيا وأن جبريل قال له إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة
قال ابن إسحاق
____________________
(2/275)
____________________
(2/276)
لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا حج
والذي صرح به غيره أنه ما من نبي إلا حج خلافا لمن استثنى هودا وصالحا
والصلاة أفضل منه خلافا للقاضي
____________________
(2/277)
وفرض في السنة السادسة على الأصح حج صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها وقبل الهجرة حججا لا يدرى عددها وبعدها حجة الوداع لا غير
وورد من حج هذا البيت خرج من ذنوبه
____________________
(2/278)
كيوم ولدته أمه قال شيخنا في حاشية الإيضاح قوله كيوم ولدته أمه يشمل التبعات
____________________
(2/279)
وورد التصريح به في رواية وأفتى به بعض مشايخنا لكن ظاهر كلامهم يخالفه والأول أوفق بظواهر السنة والثاني أوفق بالقواعد
ثم رأيت بعض المحققين نقل الإجماع عليه وبه يندفع الإفتاء المذكور تمسكا بالظواهر
( والعمرة ) وهي لغة زيادة مكان عامر
وشرعا قصد الكعبة للنسك الآتي
( يجبان ) أي الحج والعمرة ولا يغني عنها الحج وإن اشتمل عليها
وخبر سئل صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي قال لا ضعيف اتفاقا وإن صححه الترمذي
( على ) كل مسلم
____________________
(2/280)
( مكلف ) أي بالغ عاقل ( حر ) فلا يجبان على صبي ومجنون ولا على رقيق
فنسك غير المكلف ومن فيه رق يقع نفلا لا فرضا ( مستطيع )
____________________
(2/281)
للحج بوجدان الزاد ذهابا وإيابا وأجرة خفير أي مجير يأمن معه والراحلة أو ثمنها إن كان بينه وبين مكة مرحلتان أو دونهما وضعف عن المشي مع نفقة من يجب عليه نفقته وكسوته إلى الرجوع
ويشترط أيضا للوجوب
____________________
(2/282)
أمن الطريق على النفس والمال ولو من رصدي وإن قل ما يأخذه وغلبة السلامة لراكب البحر فإن غلب الهلاك لهيجان الأمواج في بعض الأحوال أو استويا لم يجب بل يحرم الركوب فيه له ولغيره
وشرط للوجوب على المرأة مع ما ذكر أن يخرج معها محرم أو زوج أو نسوة ثقات ولو إماء وذلك لحرمة سفرها
____________________
(2/283)
وحدها وإن قصر أو كانت في قافلة عظيمة ولها بلا وجوب أن تخرج مع امرأة ثقة لأداء فرض الإسلام وليس لها الخروج لتطوع ولو مع نسوة كثيرة وإن قصر السفر أو كانت شوهاء
وقد صرحوا بأنه يحرم على المكية التطوع بالعمرة من التنعيم مع النساء خلافا لمن نازع فيه ( مرة ) واحدة في العمر ( بتراخ ) لا على الفور
نعم إنما يجوز التأخير بشرط العزم على الفعل في المستقبل وأن لا يتضيقا عليه بنذر
____________________
(2/284)
أو قضاء أو خوف عضب أو تلف مال بقرينة ولو ضعيفة
وقيل يجب على القادر أن لا يترك الحج في كل خمس سنين لخبر فيه
( فرع ) تجب إنابة عن ميت عليه نسك من تركته كما تقضى منه ديونه فلو لم تكن له تركة سن لوارثه أن يفعله عنه فلو فعله أجنبي جاز ولو بلا إذن وعن آفاقي معضوب
____________________
(2/285)
عاجز عن النسك بنفسه لنحو زمانة أو مرض لا يرجى برؤه بأجرة مثل فضلت عما يحتاجه المعضوب يوم الاستئجار وعما عدا مؤنة نفسه وعياله بعده
____________________
(2/286)
ولا يصح أن يحج عن معضوب بغير إذنه لأن الحج يفتقر للنية والمعضوب أهل لها وللإذن
( أركانه ) أي الحج ستة
أحدها ( إحرام ) به أي بنية دخول فيه لخبر إنما الأعمال بالنيات
ولا يجب تلفظ بها وتلبية بل يسنان فيقول بقلبه ولسانه نويت الحج وأحرمت به لله تعالى لبيك اللهم لبيك إلى آخره
( و ) ثانيها ( وقوف بعرفة ) أي حضوره بأي جزء منها ولو لحظة وإن كان نائما أو مارا لخبر الترمذي الحج عرفة وليس منها مسجد إبراهيم عليه السلام ولا نمرة
____________________
(2/287)
والأفضل للذكر تحري موقفه صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرات المعروفة
وسميت عرفة قيل لأن آدم وحواء تعارفا بها وقيل غير ذلك
ووقته ( بين زوال ) للشمس يوم عرفة وهو تاسع ذي الحجة ( و ) بين طلوع ( فجر ) يوم ( نحر )
وسن له الجمع بين الليل والنهار وإلا أراق دم تمتع ندبا
( و ) ثالثها ( طواف إفاضة )
____________________
(2/288)
ويدخل وقته بانتصاف ليلة النحر وهو أفضل الأركان حتى من الوقوف خلافا للزركشي
( و ) رابعها ( سعي ) بين الصفا والمروة ( سبعا ) يقينا بعد طواف قدوم ما لم يقف بعرفة أو بعد طواف إفاضة
فلو اقتصر على ما دون السبع لم يجزه ولو شك في عددها قبل فراغه
____________________
(2/289)
أخذ بالأقل لأنه المتيقن
ومن سعى بعد طواف القدوم لم يندب له إعادة السعي بعد طواف الإفاضة بل يكره
ويجب أن يبدأ فيه في المرة الأولى بالصفا ويختم بالمروة للاتباع فإن بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا وذهابه من الصفا إلى المروة مرة وعوده منها إليه مرة أخرى
ويسن للذكر أن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة
____________________
(2/290)
وأن يمشي أول السعي وآخره ويعدو الذكر في الوسط ومحلهما معروف
( و ) خامسها ( إزالة شعر ) من الرأس بحلق أو تقصير لتوقف التحلل عليه وأقل ما يجزىء ثلاث شعرات فتعميمه صلى الله عليه وسلم لبيان الأفضل خلافا لمن أخذ منه وجوب التعميم
وتقصير المرأة أولى من حلقها
____________________
(2/291)
ثم يدخل مكة بعد رمي جمرة العقبة والحلق ويطوف للركن فيسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم كما هو الأفضل والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها
ويكره تأخيرها عن يوم النحر وأشد منه تأخيرها عن أيام التشريق ثم عن خروجه من مكة
( و ) سادسها ( ترتيب ) بين معظم أركانه بأن يقدم الإحرام على الجميع والوقوف على طواف الركن والحلق والطواف على السعي إن لم يسع بعد طواف القدوم ودليله الاتباع
( ولا تجبر ) أي الأركان ( بدم )
____________________
(2/292)
وسيأتي ما يجبر بالدم
( وغير وقوف ) من الأركان الستة ( أركان العمرة ) لشمول الأدلة لها وظاهر أن الحلق يجب تأخيره عن سعيها فالترتيب فيها في جميع الأركان
( تنبيه ) يؤديان بثلاثة أوجة إفراد بأن يحج ثم يعتمر
وتمتع بأن يعتمر ثم يحج
وقران بأن يحرم بهما معا
وأفضلها إفراد إن اعتمر عامه ثم تمتع
وعلى كل من المتمتع والقارن دم إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام
____________________
(2/293)
وهم من دون مرحلتين
( وشروط الطواف ) ستة أحدها ( طهر ) عن حدث وخبث
( و ) ثانيها ( ستر ) لعورة قادر فلو زالا فيه جدد
____________________
(2/294)
وبنى على طوافه وإن تعمد ذلك وطال الفصل
( و ) ثالثها ( نيته ) أي الطواف ( إن استقل ) بأن لم يشمله نسك كسائر العبادات وإلا فهي سنة
( و ) رابعها ( بدؤه بالحجر الأسود
____________________
(2/295)
محاذيا له ) في مروره ( ببدنه ) أي بجميع شقه الأيسر
وصفة المحاذاة أن يقف بجانبه من جهة اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ثم ينوي ثم يمشي مستقبلة حتى يجاوزه فحينئذ ينفتل ويجعل يساره للبيت ولا يجوز استقبال البيت إلا في هذا
( و ) خامسها ( جعل البيت عن يساره ) مارا تلقاء وجهه فيجب كونه خارجا بكل بدنه
____________________
(2/296)
حتى بيده عن شاذروانه وحجره للاتباع فإن خالف شيئا من ذلك لم يصح طوافه وإذا استقبل الطائف لنحو دعاء فليحترز عن أن يمر منه أدنى جزء قبل عوده إلى جعل البيت عن يساره
ويلزم من قبل الحجر أن يقر قدميه في محلهما حتى يعتدل قائما فإن رأسه حال التقبيل في جزء من البيت
( و ) سادسها ( كونه سبعا ) يقينا ولو في الوقت المكروه فإن ترك منها شيئا وإن قل لم يجزئه
( وسن أن يفتتح ) الطائف
____________________
(2/297)
( باستلام الحجر ) الأسود بيده ( و ) أن ( يستلم في كل طوفة ) وفي الأوتار آكد وأن يقبله ويضع جبهته عليه ( و ) يستلم ( الركن ) اليماني
____________________
(2/298)
ويقبل يده بعد استلامه ( و ) أن ( يرمل ذكر ) في الطوف ( الثلاث الأول من طواف بعده سعي ) بإسراع مشيه مقاربا خطاه وأن يمشي في الأربعة الأخيرة على هيئته للاتباع ولو ترك الرمل في الثلاث الأول لا يقضيه في البقية
ويسن أن يقرب الذكر من البيت ما لم يؤذ أو يتأذ بزحمة
____________________
(2/299)
فلو تعارض القرب منه والرمل قدم لأن ما يتعلق بنفس العبادة أولى من المتعلق بمكانها وأن يضطبع في طواف يرمل فيه وكذا في السعي وهو جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على الأيسر للاتباع وأن يصلي بعده ركعتين خلف المقام ففي الحجر
( فرع )
____________________
(2/300)
يسن أن يبدأ كل من الذكر والأنثى بالطواف عند دخول المسجد للاتباع رواه الشيخان إلا أن يجد الإمام في مكتوبة أو يخاف فوت فرض أو راتبة مؤكدة فيبدأ بها لا بالطواف
( وواجباته ) أي الحج خمسة وهو ما يجب بتركه الفدية ( إحرام من ميقات ) فميقات الحج لمن بمكة هي
وهو للحج والعمرة للمتوجه من المدينة ذو الحليفة المسماة ببئر علي
____________________
(2/301)
ومن الشام ومصر والمغرب الجحفة
ومن تهامة اليمن يلملم ومن نجد اليمن والحجاز قرن
ومن المشرق ذات عرق
وميقات العمرة لمن
____________________
(2/302)
بالحرم الحل وأفضله الجعرانة فالتنعيم فالحديبية
وميقات من لا ميقات له في طريقه محاذاة الميقات الوارد إن حاذاه في بر أو بحر وإلا فمرحلتان من مكة فيحرم الجائي في البحر من جهة اليمين من الشعب المحرم الذي يحاذي يلملم ولا يجوز له تأخير إحرامه إلى الوصول إلى جدة خلافا لما أفتى به شيخنا
____________________
(2/303)
من جواز تأخيره إليها وعلل بأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم إليها
ولو أحرم من دون الميقات لزمه دم ولو ناسيا أو جاهلا ما لم يعد إليه قبل تلبسه بنسك ولو طواف قدوم وأثم غيرهما ( ومبيت بمزدلفة ) ولو ساعة من نصف ثان من ليلة النحر ( و ) مبيت ( بمنى ) معظم ليالي أيام التشريق
نعم إن نفر قبل غروب شمس اليوم الثاني جاز
____________________
(2/304)
وسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها وإنما يجب المبيت في لياليها لغير الرعاء وأهل السقاية ( وطواف الوداع ) لغير حائض
____________________
(2/305)
ومكي إن لم يفارق مكة بعد حجه ( ورمي ) إلى جمرة العقبة بعد انتصاف ليلة النحر سبعا وإلى الجمرات الثلاث بعد زوال كل يوم من أيام التشريق
____________________
(2/306)
سبعا سبعا مع ترتيب بين الجمرات ( بحجر ) أي بما يسمى به ولو عقيقا وبلورا
ولو ترك رمي يوم تداركه في باقي أيام التشريق وإلا لزمه دم بترك ثلاث رميات فأكثر
( وتجبر ) أي الواجبات بدم وتسمى هذه أبعاضا
( وسننه ) أي الحج
____________________
(2/307)
( غسل ) فتيمم ( لإحرام ودخول مكة ) ولو حلالا بذي طوى ( وقوف ) بعرفة عشيتها وبمزدلفة ولرمي أيام التشريق ( وتطيب ) البدن والثوب ولو بما له جرم ( قبيله ) أي الإحرام
____________________
(2/308)
وبعد الغسل ولا يضر استدامته بعد الإحرام ولا انتقاله بعرق ( وتلبية ) وهي لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
ومعنى لبيك أنا مقيم على طاعتك
ويسن الإكثار منها والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الجنة والاستعاذة من النار
____________________
(2/309)
بعد تكرير التلبية ثلاثا
وتستمر التلبية إلى رمي جمرة العقبة
لكن لا تسن في طواف القدوم والسعي بعده لورود أذكار خاصة فيهما ( وطواف قدوم ) لأنه تحية البيت وإنما يسن لحاج أو قارن دخل مكة قبل
____________________
(2/310)
الوقوف
ولا يفوت بالجلوس ولا بالتأخير
نعم يفوت بالوقوف بعرفة ( ومبيت بمنى ليلة عرفة ووقوف بجمع ) المسمى الآن بالمشعر الحرام وهو جبل في آخر مزدلفة فيذكرون في وقوفهم ويدعون إلى الإسفار مستقبلين القبلة للاتباع
( وأذكار ) وأدعية مخصوصة بأوقات وأمكنة معينة
____________________
(2/311)
وقد استوعبها الجلال السيوطي في وظائف اليوم والليلة فليطلبه
( فائدة ) يسن متأكدا زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولو لغير حاج ومعتمر لأحاديث وردت في فضلها
____________________
(2/312)
____________________
(2/313)
____________________
(2/314)
____________________
(2/315)
وشرب ماء زمزم مستحب ولو لغيرهما
وورد أنه أفضل المياه حتى من الكوثر
فصل ( في محرمات الإحرام ) ( يحرم بإحرام )
____________________
(2/316)
على رجل وأنثى ( وطء ) آية { فلا رفث } أي لا ترفثوا
والرفث مفسر بالوطء
ويفسد به الحج والعمرة
( وقبلة ) ومباشرة بشهوة
( واستمناء بيد ) بخلاف الإنزال بنظر أو فكر ( ونكاح ) لخبر مسلم
____________________
(2/317)
لا ينكح المحرم ولا ينكح ( وتطيب ) في بدن أو ثوب بما يسمى طيبا كمسك وعنبر وكافور حي أو ميت وورد
____________________
(2/318)
ومائه ولو بشد نحو مسك بطرف ثوبه أو بجعله في جيبه
ولو خفيت رائحة الطيب كالكاذي والفاغية وهي تمر الحناء فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت حرم وإلا فلا ( ودهن ) بفتح أوله ( شعر ) رأس أو لحية بدهن ولو غير مطيب كزيت وسمن
( وإزالته ) أي الشعر
____________________
(2/319)
ولو واحدة من رأسه أو لحيته أو بدنه نعم إن احتاج إلى حلق شعر بكثرة قمل أو جراحة فلا حرمة وعليه الفدية فلو نبت شعر بعينه أو غطاها فأزال ذلك فلا حرمة وفلا فدية
( وقلم ) لظفر ولو بعضه من يد أو رجل
نعم له قطع ما انكسر من ظفره إن تأذى به ولو أدنى تأذ
( ويحرم ستر رجل ) لا امرأة ( بعض رأس بما يعد ساترا ) عرقا من مخيط أو غير كقلنسوة وخرقة
____________________
(2/320)
أما ما لا يعد ساترا كخيط رقيق وتوسد نحو عمامة ووضع يد لم يقصد بها الستر فلا يحرم بخلاف ما إذا قصده على نزاع فيه وكحمل نحو زنبيل لم يقصد به ذلك أيضا واستظلال بمحمل وإن مس رأسه ( ولبسه ) أي الرجل ( مخيطا ) بخياطة كقميص وقباء
____________________
(2/321)
أو نسج أو عقد في سائر بدنه ( بلا عذر ) فلا يحرم على الرجل ستر رأس لعذر كحر وبرد ويظهر ضبطه هنا بما لا يطيق الصبر عليه وإن لم يبح التيمم فيحل مع الفدية قياسا على وجوبها في الحلق مع العذر
ولا لبس مخيط إن لم يجد غيره ولا قدر على تحصيله
____________________
(2/322)
ولو بنحو استعارة
بخلاف الهبة لعظم المنة فيحل ستر العورة بالمخيط بلا فدية ولبسه في باقي بدنه لحاجة نحو حر وبرد مع فدية
ويحل الارتداء والالتحاف بالقميص والقباء وعقد الإزار وشد خيط عليه ليثبت لا وضع طوق القباء على رقبته وإن لم يدخل يده ( و ) يحرم ( ستر امرأة لا رجل بعض وجه ) بما يعد ساترا
____________________
(2/323)
( وفدية ) ارتكاب واحد
____________________
(2/324)
325 م ( ما يحرم ) بالإحرام غير الجماع ( ذبح شاة ) مجزئة في الأضحية وهي جذعة ضأن أو ثنية معز ( أو تصدق بثلاثة آصع لستة ) من مساكين الحرم الشاملين للفقراء لكل واحد نصف صاع ( أو صوم ثلاثة ) أيام
فمرتكب المحرم مخير في الفدية بين الثلاثة المذكورة
____________________
(2/325)
( فرع ) لو فعل شيئا من المحرمات ناسيا أو جاهلا بتحريمه وجبت الفدية إن كان إتلافا كحلق شعر وقلم ظفر وقتل صيد ولا تجب إن كان تمتعا كلبس وتطيب والواجب في إزالة ثلاث شعرات أو أظفار ولأ اتحاد زمان ومكان عرفا فدية كاملة وفي واحدة مد طعام
وفي اثنتين مدان ( ودم ترك مأمور ) كإحرام من الميقات ومبيت بمزدلفة ومنى ورمي الأحجار وطواف الوداع كدم التمتع والقران
( ذبح ) أي ذبح شاة تجزىء أضحية في الحرم ( ف ) الواجب على العاجز عن الذبح فيه ولو لغيبة ماله
____________________
(2/326)
وإن وجد من يقرضه أو وجده بأكثر من ثمن المثل ( صوم ) أيام ( ثلاثة ) فورا بعد إحرام ( وقبل ) يوم ( نحر ) ولو مسافرا فلا يجوز تأخير شيء منها عنه لأنها تصير قضاء
____________________
(2/327)
ولا تقديمه على الإحرام بالحج الآية
( و ) يلزمه أيضا صوم ( سبعة بوطنه ) أي إذا رجع إلى أهله
ويسن تواليها كالثلاثة قال تعالى { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم }
( ويجب على مفسد نسك ) من حج وعمرة ( بوطء بدنة ) بصفة الأضحية وإن كان النسك نفلا والبدنة المرادة الواحد من الإبل ذكرا كان أو أنثى فإن عجز عن البدنة فبقرة فإن عجز عنها فسبع شياه ثم يقوم البدنة ويتصدق بقيمتها طعاما
____________________
(2/328)
ثم يصوم عن كل مد يوما
ولا يجب شيء على المرأة بل تأثم
وعلم من قولي بمسد نسك أنه يبطل بوطء ومع ذلك يجب مضي في فاسده
( وقضاء فورا ) وإن كان نسكه نفلا لأنه وإن كان وقته موسعا تضيق عليه بالشروع فيه
____________________
(2/329)
والنفل من ذلك يصير بالشروع فيه فرضا أي واجب الإتمام كالفرض بخلاف غيره من النفل
( تتمة ) يسن لقاصد مكة وللحاج آكد أن يهدي شيئا من النعم يسوقه من بلده وإلا فيشتريه من الطريق ثم من مكة ثم من عرفة ثم من منى
وكونه سمينا حسنا ولا يجب إلا بالنذر
( مهمات ) يسن متأكدا لحر قادر
____________________
(2/330)
تضحية بذبح جذع ضأن له سنة أو سقط سنه ولو قبل تمامها أو ثني معز أو بقر لهما سنتان أو إبل له خمس سنين بنية أضحية عند ذبح أو تعيين
وهي أفضل من الصدقة
ووقتها من راتفاع شمس نحر إلى آخر أيام التشريق
ويجزىء سبع بقر أو إبل عن
____________________
(2/331)
واحد ولا يجزىء عجفاء ومقطوعة بعض ذنب أو أذن أبين وإن قل وذات عرج وعور ومرض بين ولا يضر شق أذن أو خرقها
والمعتمد عدم إجزاء التضحية بالحامل خلافا لما صححه ابن الرفعة
ولو نذر التضحية بمعيبة أو صغيرة
____________________
(2/332)
أو قال جعلتها أضحية فإنه يلزم ذبحها ولا تجزىء أضحية وإن اختص ذبحها بوقت الأضحية وجرت مجراها في الصرف
ويحرم الأكل من أضحية أو هدي وجبا بنذره
ويجب التصدق ولو على فقير واحد بشيء نيئا ولو يسيرا من المتطوع بها
والأفضل التصدق بكله إلا لقما يتبرك بأكلها وأن تكون من الكبد وأن لا يأكل فوق ثلاث والتصدق بجلدها
وله إطعام أغنياء
____________________
(2/333)
لا تمليكهم ويسن أن يذبح الرجل بنفسه
وأن يشهدها من وكل به
وكره لمريدها إزالة نحو شعر في عشر ذي الحجة وأيام التشريق حتى يضحي
____________________
(2/334)
ويندب لمن تلزمه نفقة فرعه أن يعق
____________________
(2/335)
عنه من وضع إلى بلوغ وهي كضحية ولا يكسر عظم
والتصدق بمطبوخ يبعثه إلى الفقراء أحب من ندائهم إليها ومن التصدق نيئا
وأن يذبح سابع ولادته ويسمى فيه وإن مات قبله
____________________
(2/336)
بل يسن تسمية سقط بلغ زمن نفخ الروح
وأفضل الاسماء عبد الله وعبد الرحمن
ولا يكره اسم نبي أو ملك بل جاء في التسمية بمحمد فضائل علية
ويحرم التسمية بملك الملوك وقاضي القضاة وحاكم الحكام
وكذا عبد النبي وجار الله والتكني بأبي القاسم
____________________
(2/337)
وسن أن يحلق رأسه ولو أنثى في السابع ويتصدق بزنته ذهبا أو فضة وأن يؤذن ويقرأ سورة الإخلاص وآية { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } بتأنيث الضمير ولو في الذكر في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى عقب الوضع
وأن يحنكه رجل فامرأة من أهل الخير بتمر فحلو لم تمسه النار حين يولد ويقرأ عندها وهي تطلق آية الكرسي و { إن ربكم الله } الآية والمعوذتان
____________________
(2/338)
والإكثار من دعاء الكرب
قال شيخنا أما قراءة سورة الأنعام إلى { رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } يوم يعق عن المولود فمن مبتدعات العوام الجهلة فينبغي الانكفاف عنها وتحذير الناس منها ما أمكن
انتهى
( فرع ) يسن لكل أحد الادهان غبا والاكتحال بالإثمد وترا عند نومه وخضب شيب رأسه ولحيته بحمرة أو صفرة
____________________
(2/339)
ويحرم حلق لحية وخضب يدي الرجل ورجليه بحناء خلافا لجمع فيهما
وبحث الأذرعي كراهة حلق ما فوق الحلقوم من الشعر
وقال غيره إنه مباح
ويسن الخضب للمفترشة ويكره للخلية
ويحرم وشر الأسنان ووصل الشعر بشعر نجس أو شعر آدمي وربطه به لا بخيوط الحرير أو الصوف ويستحب أن يكف الصبيان أول ساعة من الليل
____________________
(2/340)
وأن يغطي الأواني ولو بنحو عود يعرض عليها وأن يغلق الأبواب مسميا الله فيهما وأن يطفى المصابيح عند النوم
( واعلم ) أن ذبح الحيوان البري المقدور عليه بقطع كل حلقوم وهو مخرج النفس وكل مريء وهو مجرى الطعام تحت الحلقوم بكل محدد
____________________
(2/341)
يجرح غير عظم وسن وظفر كحديد وقصب وزجاج وذهب وفضة يحرم ما مات بثقل ما أصابه من محدد أو غيره كبندقة وإن أنهر الدم وأبان الرأس أو ذبح بكال لا يقطع إلا بقوة الذابح فلذا ينبغي الإسراع بقطع الحلقوم بحيث لا ينتهي إلى حركة المذبوح قبل تمام القطع
ويحل الجنين بذبح أمه إن مات في بطنها أو خرج في حركة مذبوح ومات حالا
أما غير المقدور عليه بطيرانه أو شدة
____________________
(2/342)
عدوه وحشيا كان أو إنسيا كجمل أو جدي نفر شاردا ولم يتيسر لحوقه حالا وإن كان لو صبر سكن وقدر عليه وإن لم يخف عليه نحو سارق فيحل بالجرح المزهق بنحو سهم أو سيف في أي محل كان ثم إن أدركه وبه حياة مستقرة ذبحه فإن تعذر ذبحه من غير تقصير منه حتى مات كأن اشتغل بتوجيهه للقبلة أو سل السكين فمات قبل الإمكان حل وإلا كأن لم يكن
____________________
(2/343)
معه سكين أو علق في الغمد بحيث تعسر إخراجه فلا
ويحرم قطعا رمي الصيد بالبندق المعتاد الآن وهو ما يصنع بالحديد ويرمى بالنار لأنه محرق مذفف سريعا غالبا
قال شيخنا نعم إن علم حاذق أنه إنما يصيب نحو جناح كبير فيشقه فقط احتمل الجواز
والرمي بالبندق المعتاد قديما وهو ما يصنع من الطين جائز على المعتمد خلافا لبعض المحقين
وشرط الذابح أن يكون مسلما أو كتابيا ينكح
____________________
(2/344)
ويسن أن يقطع الودجين وهما عرقا صفحتي عنق وأن يحد شفرته ويوجه ذبيحته لقبلة وأن يكون الذابح رجلا عاقلا فامرأة فصبيا
ويقول ندبا عند الذبح وكذا عند رمي الصيد ولو سمكا وإرسال الجارحة بسم الله الرحمن الرحيم
____________________
(2/345)
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد
ويشترط في الذبيح غير المريض شيآن
أحدهما أن يكون فيه حياة مستقرة أول ذبحه
____________________
(2/346)
ولو ظنا بنحو شدة حركة بعده ولو وحدها على المعتمد وانفجار دم وتدفقه إذا غلب على الظن بقاؤها فيهما فإن شك في استقرارها لفقد العلامات حرم
ولو جرح حيوان أو سقط عليه نحو سيف أو عضه نحو هرة فإن بقيت فيه حياة مستقرة فذبحه حل
وإن تيقن هلاكه بعد ساعة وإلا لم يحل كما لو قطع بعد رفع السكين ولو لعذر ما بقي بعد انتهائها إلى حركة مذبوح
____________________
(2/347)
قال شيخنا في شرح المنهاج وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابه فأعادها فورا وأتم الذبح حل وقول بعضهم لو رفع يده ثم أعادها لم يحل مفرع على عدم الحياة المستقرة عند إعادتها أو محمول على ما إذا لم يعدها على الفور
ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انفلتت شفرته فردها حالا أنه يحل
انتهى
ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض وإن كان سببه أكل نبات مضر كفى ذبحه في آخر رمقه إذ لم يوجد ما يحال عليه الهلاك من جرح أو نحوه
فإن وجد كأن أكل نباتا يؤدي إلى الهلاك اشترط فيه وجود الحياة المستقرة فيه عند ابتداء الذبح
____________________
(2/348)
ولو بالظن بالعلامة المذكورة بعده
( فائدة ) من ذبح تقريا لله تعالى لدفع شر الجن عنه لم يحرم أو بقصدهم حرم
وثانيهما كونه مأكولا وهو من الحيوان البري الأنعام والخيل وبقر وحش وحماره وظبي وضبع وضب
____________________
(2/349)
وأرنب وثعلب وسنجاب وكل لقاط للحب
لا أسد وقرد وصقر وطاوس وحدأة
____________________
(2/350)
وبوم ودرة وكذا غراب أسود ورمادي اللون خلافا لبعضهم
ويكره جلالة ولو من غير نعم كدجاج إن وجد فيها ريح النجاسة
ويحل أكل بيض غير المأكول خلافا لجمع
____________________
(2/351)
ويحرم من الحيوان البحري ضفدع وتمساح وسلحفاة وسرطان
لا قرش ودنليس على الأصح فيهما
قال في المجموع الصحيح المعتمد
____________________
(2/352)
أن جميع ما في البحر يحل ميتته إلا الضفدع ويؤيده نقل ابن الصباغ عن الأصحاب حل جميع ما فيه إلا الضفدع
ويحل أكل ميتة الجراد والسمك إلا ما تغير في جوف غيره ولو في صورة كلب أو خنزير
ويسن ذبح كبيرهما الذي يطول بقاؤه
ويكره ذبح صغيرهما
____________________
(2/353)
وأكل مشوي سمك قبل تطييب جوفه وما أنتن منه كاللحم وقلي حي في دهن مغلي
وحل أكل دود نحو الفاكهة حيا كان أو ميتا بشرط أن لا ينفرد عنه وإلا لم يحل أكله ولو معه كنمل السمن لعدم تولده منه على ما قاله الرداد خلافا لبعض أصحابنا
ويحرم كل جماد مضر لبدن أوعقل كحجر وتراب وسم وإن قل إلا لمن
____________________
(2/354)
لا يضره ومسكر ككثير أفيون وحشيش وبنج
( فائدة ) أفضل المكاسب الزراعة ثم الصناعة ثم التجارة
قال جمع هي أفضلها ولا تحرم معاملة من أكثر ماله حرام ولا الأكل منها كما صححه في المجموع
وأنكر النووي قول الغزالي بالحرمة مع أنه تبعه في شرح مسلم
____________________
(2/355)
ولو عم الحرام الأرض جاز أن يستعمل منه ما تمس حاجته إليه دون ما زاد
هذا إن توقع معرفة أربابه
وإلا صار لبيت المال فيأخذ منه بقدر ما يستحقه فيه كما قاله شيخنا
( فرع ) نذكر فيه ما يجب على المكلف بالنذر
وهو قربة على ما اقتضاه كلام الشيخين
____________________
(2/356)
وعليه كثيرون بل بالغ بعضهم فقال دل على ندبه الكتاب والسنة والإجماع والقياس
وقيل مكروه للنهي عنه
وحمل الأكثرون النهي على نذر اللجاج فإنه تعليق قربة بفعل شيء أو تركه كإن دخلت الدار أو إن لم أخرج منها فلله علي صوم أو صدقة بكذا
فيتخير من دخلها أو لم يخرج بين ما التزمه وكفارة يمين
ولا يتعين الملتزم ولو حجا
والفرع ما اندرج تحت أصل كلي
( النذر التزام ) مسلم ( مكلف ) رشيد ( قربة لم تتعين )
____________________
(2/357)
نفلا كانت أو فرض كفاية كإدامة وتر وعيادة مريض وزيادة رجل قبرا وتزوج حيث سن خلافا لجمع وصوم أيام البيض والأثانين
فلو وقعت في أيام التشريق أو الحيض أو النفاس أو المرض لم يجب القضاء وكصلاة جنازة وتجهيز ميت
ولو نذر صوم يوم بعينه لم يصم قبله فإن فعل أثم كتقديم الصلاة على وقتها المعين ولا يجوز تأخيره عنه كهي بلا عذر فإن فعل صح وكان قضاء
ولو نذر صوم يوم خميس ولم يعين كفاه أي خميس
____________________
(2/358)
ولو نذر صلاة فيجب ركعتان بقيام قادر
أو صوما فصوم يوم أو صوم أيام فثلاثة
أو صدقة فمتمول ويجب صرفه لحر مسكين ما لم يعين شخصا أو أهل بلد وإلا تعين صرفه له
ولا يتعين لصوم وصلاة مكان عينه ولا لصدقة زمان عينه
وخرج بالمسلم المكلف الكافر والصبي والمجنون
____________________
(2/359)
فلا يصح نذرهم كنذر السفيه وقيل يصح من الكافر
وبالقربة المعصية كصوم أيام التشريق وصلاة لا سبب لها في وقت مكروه فلا ينعقدان
وكالمعصية المكروه كالصلاة عند القبر
والنذر لأحد أبويه أو أولاده فقط
وكذا المباح كلله علي أن آكل أو أنام
وإن قصد تقوية على العبادة أو النشاط لها ولا كفارة في المباح على الأصح
وبلم تتعين ما تعين عليه
____________________
(2/360)
من فعل واجب عيني كمكتوبة وأداء ربع عشر مال تجارة وكترك محرم وإنما ينعقد النذر من المكلف ( بلفظ منجز ) بأن يلتزم قربة به من غير تعليق بشأ وهذا نذر تبرر ( كلله على كذا ) من صلاة أو صوم أو نسك أو صدقة أو قراء أو اعتكاف ( أو علي كذا ) وإن لم يقل لله ( أو نذرت كذا ) وإن لم يذكر معها لله على المعتمد الذي صرح به البغوي وغيره من اضطراب طويل ( أو ) بلفظ ( معلق ) ويسمى نذر مجازاة وهو أن يلتزم قربة في مقابلة ما يرغب في حصوله من حدوث نعمة أو اندفاع نقمة
____________________
(2/361)
( كإن شفاني الله أو سلمني الله فعلى كذا ) أو ألزمت نفسي أو واجب على كذا وخرج بلفظ النية فلا يصح بمجرد النية كسائر العقود إلا باللفظ
وقيل يصح بالنية وحدها ( فيلزم ) عليه ( ما التزمه حالا في منجز وعند وجود صفة في معلق )
وظاهر كلامهم أنه يلزمه الفور بأدائه عقب وجود المعلق عليه خلافا لقضية كلام ابن عبد السلام ولا يشترط قبول المنذور له في قسمي النذر ولا القبض بل يشترط
____________________
(2/362)
عدم رده
ويصح النذر بما في ذمة المدين ولو مجهولا فيبرأ حالا وإن لم يقبل خلافا للجلال البلقيني ولو نذر لغير أحد أصليه أو فروعه من ورثته بماله قبل مرض موته بيوم ملكه كله من غير مشارك لزوال ملكه عنه ولا يجوز للأصل الرجوع فيه
وينعقد معلقا في نحو إذا مرضت فهو نذر قبل مرضي بيوم وله التصرف قبل حصول المعلق عليه
ويلغو قوله متى حصل لي الأمر الفلاني أجيء لك بكذا ما لم يقترن به لفظ التزام أو نذر
وأفتى
____________________
(2/363)
جمع فيمن أراد أن يتبايعا فاتفقا على أن ينذر كل للآخر بمتاعه ففعلا صح وإن زاد المبتدىء إن نذرت لي بمتاعك
وكثيرا ما يفعل ذلك فيما لا يصح بيعه ويصح نذره
ويصح إبراء المنذور له الناذر عما في ذمته
قال القاضي ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به كخمس ما يخرج له مع معشر وككل ولد أو ثمرة يخرج من أمتي أو شجرتي هذه
وذكر أيضا أنه لا زكاة في الخمس المنذور
وقال غيره محله إن نذر قبل الاشتداد ويصح النذر للجنين كالوصية له بل أولى لا للميت إلا لقبر الشيخ الفلاني
____________________
(2/364)
وأراد به قربة
ثم كإسراج ينتفع به أو اطرد عرف فيحمل النذر له على ذلك
ويقع لبعض العوام جعلت هذا للنبي صلى الله عليه وسلم فيصح كما بحث لأنه اشتهر في عرفهم للنذر ويصرف لمصالح الحجرة النبوية
قال السبكي والأقرب عندي في الكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة أن من خرج من ماله عن شيء لها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها صرف إليها واختصت به
اه
قال شيخنا فإن لم يقتض العرف شيئا فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف رأي ناظرها
قال وظاهر أن الحكم كذلك في النذر لمسجد غيرها
انتهى
وأفتى بعضهم في إن قضى الله حاجتي فعلي للكعبة كذا بأنه يتعين لمصالحها ولا يصرف لفقراء الحرم كما دل عليه كلام المهذب وصرح به جمع متأخرون
ولو نذر شيئا للكعبة
____________________
(2/365)
ونوى صرفه لقربة معينة كالإسراج تعين صرفه فيها إن احتيج لذلك وإلا بيع وصرف لمصالحها كما استظهره شيخنا
ولو نذر إسراج نحو شمع أو زيت بسمجد صح إن كان ثم من ينتفع به ولو على ندور وإلا فلا
ولو نذر إهداء منقول إلى مكة لزمه نقله والتصدق بعينه على فقراء الحرم ما لم يعين قربة أخرى كتطييب الكعبة فيصرفه إليها
وعلى الناذر مؤنة إيصال الهدي إلى الحرم فإن كان معسرا باع بعضه
____________________
(2/366)
لنقل الباقي
فإن تعسر نقله كعقار أو حجر رحى باعه ولو بغير إذن حاكم ونقل ثمنه وتصدق به على فقراء الحرم
وهل له إمساكه بقيمته أو لا وجهان
ولو نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة أجزأ بعضها عن بعض كالاعتكاف ولا يجزىء ألف صلاة في غير مسجد المدينة عن صلاة نذرها فيه كعكسه كما لا يجزىء قراءة الإخلاص عن ثلث القرآن المنذور
ومن نذر إتيان سائر المساجد وصلاة التطوع فيه صلى حيث شاء ولو في بيته
ولو نذر التصدق بدرهم لم يجزىء عنه
____________________
(2/367)
جنس آخر
ولو نذر التصدق بمال بعينه زال عن ملكه
فلو قال علي أن أتصدق بعشرين دينارا وعينها على فلان أو إن شفي مريضي فعلي ذلك ملكها وإن لم يقبضها ولا قبلها بل وإن رد فله التصرف فيها وينعقد حول زكاتها من حين النذر
وكذا إن لم يعينها ولم يردها المنذور له فتصير دينا له عليه ويثبت لها أحكام الديون من زكاة وغيرها
ولو تلف المعين لم يضمنه إلا أن قصر على ما استظهره شيخنا
ولو نذر أن يعمر مسجدا معينا أو في موضع معين لم يجز له أن يعمر غيره بدلا عنه ولا في موضع آخر
كما لو نذر التصدق بدرهم فضة لم يجز التصدق بدله بدينار
____________________
(2/368)
لاختلاف الأغراض
( تتمة ) اختلف جمع من مشايخ شيوخنا في نذر مقترض مالا معينا لمقرضه ما دام دينه في ذمته فقال بعضهم لا يصح لأنه على هذا الوجه الخاص غير قربة بل يتوصل به إلى ربا النسيئة
وقال بعضهم يصح لأنه في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إن اتجر به أو فيه اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في ذمته لإعسار أو إنفاق ولأنه يسن للمقترض أن يرد زيادة عما اقترضه
____________________
(2/369)
فإذا التزمها بنذر انعقد ولزمته فهو حينئذ مكافأة إحسان لا وصلة للربا إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع ومن ثم لو شرط عليه النذر في عقد القرض كان ربا
وقال شيخ مشايخنا العلامة المحقق الطنبداوي فيما إذا نذر المديون للدائن منفعة الأرض المرهونة مدة بقاء الدين في ذمته والذي رأيته لمتأخري أصحابنا اليمنيين ما هو صريح في الصحة وممن أفتى بذلك شيخ الإسلام محمد بن حسين القماط والعلامة الحسين بن عبد الرحمن الأهدل
( والله أعلم )
3
____________________
(2/370)
باب البيع هو لغة مقابلة شيء بشيء
وشرعا مقابلة مال بمال
____________________
(3/2)
على وجه مخصوص
والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى { وأحل الله البيع } وأخبار كخبر سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب فقال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور أي لا غش فيه ولا خيانة
( يصح ) البيع ( بإيجاب ) من البائع ولو هزلا وهو ما دل على التمليك دلالة ظاهرة ( كبعتك ) ذا بكذا أو هو لك بكذا ( وملكتك ) أو وهبتك ( ذا بكذا ) وكذا جعلته لك بكذا
إن نوى به البيع
____________________
(3/3)
( وقبول ) من المشتري ولو هزلا وهو ما دل على التملك كذلك ( كاشتريت ) هذا بكذا ( وقبلت ) أو رضيت أو أخذت أو تملكت ( هذا بكذا )
وذلك لتتم الصيغة الدال على اشتراطها قوله صلى الله عليه وسلم إنما البيع عن تراض والرضا خفي فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ فلا ينعقد بالمعاطاة لكن اختير الإنعقاد بكل ما يتعارف البيع بها فيه كالخبز واللحم دون نحو الدواب والأراضي
فعلى الأول المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد أي في أحكام الدنيا
أما في الآخرة فلا مطالبة بها
ويجري خلافها في سائر العقود
وصورتها أن يتفقا على ثمن ومثمن وإن لم يوجد لفظ من واحد
____________________
(3/4)
ولو قال متوسط للبائع بعت فقال نعم أو إي وقال للمشتري إشتريت فقال نعم
صح
ويصح أيضا بنعم منهما لجواب قول المشتري بعت والبائع اشتريت
ولو قرن بالإيجاب أو القبول حرف استقبال كأبيعك لم يصح
قال شيخنا ويظهر أنه يغتفر من العامي نحو فتح تاء المتكلم
وشرط صحة الإيجاب والقبول كونهما ( بلا فصل )
____________________
(3/5)
بسكوت طويل يقع بينهما بخلاف اليسير ( و ) لا ( تخلل لفظ ) وإن قل ( أجنبي ) عن العقد بأن لم يكن من مقتضاه ولا من مصالحه
ويشترط أيضا أن يتوافقا معنى لا لفظا فلو قال بعتك بألف فزاد أو نقص أو بألف حالة فأجل أو عكسه أو مؤجلة بشهر فزاد لم يصح للمخالفة
( و ) بلا ( تعليق ) فلا يصح معه كإن مات أبي فقد بعتك هذا ( و ) لا ( تأقيت ) كبعتك
____________________
(3/6)
هذا شهرا
( وشرط في عاقد ) بائعا كان أن مشتريا ( تكليف ) فلا يصح عقد صبي ومجنون وكذا من مكره بغير حق لعدم رضاه ( وإسلام لتملك ) رقيق ( مسلم ) لا يعتق عليه وكذا يشترط أيضا إسلام لتملك مرتد على المعتمد
لكن الذي في الروضة وأصلها صحة بيع المرتد للكافر
( و ) لتملك شيء من ( مصحف ) يعني ما كتب فيه قرآن
____________________
(3/7)
ولو آية وإن أثبت لغير الدراسة كما قاله شيخنا
ويشترط أيضا عدم حرابة من يشتري آلة حرب كسيف ورمح ونشاب وترس ودرع وخيل بخلاف غير آلة الحرب ولو مما تتأتى منه كالحديد إذ لا يتعين جعله عدة حرب ويصح بيعها للذمي أي في دارنا ( و ) شرط ( في معقود ) عليه مثمنا كان أو ثمنا ( ملك له ) أي للعاقد ( عليه ) فلا يصح بيع فضولي ويصح بيع مال غيره ظاهرا إن بان بعد البيع أنه له كأن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا حينئذ لتبين أنه ملكه
ولا أثر لظن خطأ بأن صحته لأن الاعتبار في العقود بما في نفس الأمر
____________________
(3/8)
لا بما في ظن المكلف
( فائدة ) لو أخذ من غيره بطريق جائز ما ظن حله وهو حرام باطنا فإن كان ظاهر المأخوذ منه الخير لم يطالب في الآخرة وإلا طولب
قاله البغوي
ولو اشترى طعامه في الذمة وقضى من حرام فإن أقبضه له البائع برضاه قبل توفية الثمن حل له أكله أو بعدها مع علمه أنه حرام حل أيضا وإلا حرم إلى أن يبرئه أو يوفيه من حل
قاله شيئخنا
( وطهره ) أو إمكان طهره بغسل فلا يصح بيع نجس كخمر وجلد ميتة وإن أمكن طهرها بتخلل أو دباغ ولا متنجس لا يمكن طهره ولو دهنا تنجس بل يصح هبته
( ورؤيته ) أي المعقود عليه إن كان معينا
____________________
(3/9)
فلا يصح بيع معين لم يره العاقدان أو أحدهما كرهنه وإجارته للغرر المنهي عنه وإن بالغ في وصفه
وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه كظاهر صبرة نحو بر وأعلى المائع ومثل أنموج متساوي
____________________
(3/10)
الأجزاء كالحبوب أو لم يدل على باقيه بل كان صوانا للباقي لبقائه كقشر رمان وبيض وقشرة سفلى لنحو جوز فيكفي رؤيته لأن صلاح باطنه في إبقائه وإن لم يدل هو عليه ولا يكفي رؤية القشرة العليا إذا انعقدت السفلى
ويشترط أيضا قدرة تسليمه فلا يصح بيع آبق وضال ومغصوب لغير قادر على انتزاعه وكذا سمك بركة شق تحصيله
( مهمة ) من تصرف في مال غير ببيع أو غيره ظانا تعديه فبان أن له عليه ولاية كأن كان مال مورثه فبان موته أو مال أجنبي فبان إذنه له أو ظانا فقد
____________________
(3/11)
شرط فبان مستوفيا للشروط صح تصرفه لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر وفي العبادات بذلك وبما في ظن المكلف
ومن ثم لو توضأ ولم يظن أنه مطلق بطل طهوره وإن بان مطلقا لأن المدار فيها على ظن المكلف
وشمل قولنا ببيع أو غيره التزويج والإبراء وغيرهما
فلو أبرأ من حق ظانا أنه لا حق له فبان له حق صح على المعتمد ولو تصرف في إنكاح فإن كان مع الشك في ولاية نفسه فبان وليا لها حينئذ صح اعتبارا بما في نفس الأمر
( وشرط في بيع ) ربوي وهو محصور في شيئين ( مطعوم ) كالبر والشعير والتمر والزبيب والملح والأرز والذرة والفول ( ونقد ) أي ذهب وفضة ولو غير مضروبين كحلي وتبر ( بجنسه ) كبر ببر وذهب بذهب ( حلول ) للعوضين ( وتقابض قبل تفرق )
ولو تقابضا البعض صح فيه فقط ( ومماثلة ) بين العوضين يقينا بكيل في مكيل ووزن في موزون
____________________
(3/12)
____________________
(3/13)
____________________
(3/14)
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقابضة
قال الرافعي ومن لازمه الحلول أي غالبا
____________________
(3/15)
فيبطل بيع الربوي بجنسه جزافا أو مع ظن مماثلة وإن خرجتا سواء ( و ) شرط في بيع أحدهما ( بغير جنسه ) واتحدا في علة الربا كبر بشعير وذهب بفضة
( حلول وتقابض ) قبل تفرق لا مماثلة فيبطل بيع الربوي بغير جنسه إن لم يقبضا في المجلس بل يحرم البيع في الصورتين إن اختل شرط من الشروط
واتفقوا على أنه من الكبائر لورود اللعن لآكل الربا وموكله وكاتبه
وعلم بما تقرر أنه لو بيع طعام بغيره كنقد أو ثوب أو غير طعام بطعام لم يشترط شيء من الثلاثة
( و ) شرط ( في بيع موصوف في ذمة ) ويقال له السلم مع الشروط المذكورة للبيع غير الروءية
( قبض رأس مال ) معين أو في الذمة
____________________
(3/16)
في مجلس خيار وهو ( قبل تفرق ) من مجلس العقد ولو كان رأس المال منفعة
وإنما يتصور تسليم المنفعة بتسليم العين كدار وحيوان ولمسلم إليه قبضه ورده لمسلم ولو عن دينه
( وكون مسلم فيه دينا ) في الذمة حالا كان أو مؤجلا لأنه الذي وضع له لفظ السلم فأسلمت إليك ألفا في هذا العين أو هذا في هذا ليس سلما لانتفاء الشرط ولا بيعا لاختلال لفظه ولو قال إشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعتك
كان بيعا عند الشيخين نظرا للفظ
وقيل سلم نظرا للمعنى
____________________
(3/17)
واختاره جمع محققون
( و ) كون المسلم فيه ( مقدورا ) على تسليمه ( في محله ) بكسر الحاء أي وقت حلوله فلا يصح السلم في منقطع عند المحل كالرطب في الشتاء ( و ) كونه ( معلوم قدر ) بكيل في مكيل أو وزن في موزون أو ذرع في مذروع أو عد في معدود
وصح في نحو جوز ولوز بوزن وموزون بكيل يعد فيه ضابطا ومكيل بوزن ولا يجوز فيه بيضة ونحوها لأنه يحتاج إلى ذكر جرمها مع وزنها فيورث عزة الوجود
ويشترط
____________________
(3/18)
أيضا بيان محل تسليم للمسلم فيه إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم أو لحمله إليه مؤنة
ولو ظفر المسلم بالمسلم إليه بعد المحل في غير محل التسليم ولنقله إلى محل الظفر مؤنة لم يلزمه أداء ولا يطالبه بقيمته
ويصح السلم حالا ومؤجلا بأجل معلوم لا مجهول ومطلقه حال ومطلق المسلم فيه جيد
( وحرم ربا )
____________________
(3/19)
مر بيانه قربيا وهو أنواع ربا فضل بأن يزيد أحد العوضين ومنه ربا القرض بأن يشترط فيه ما فيه نفع للمقرض وربا يد بأن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض وربا نساء بأن يشترط أجل في أحد العوضين وكلها مجمع عليها ثم العوضان أن اتفقا جنسا اشترط ثلاثة شروط تقدمت أو علة وهي الطعم والنقدية اشترط شرطان تقدما
قال شيخنا ابن زياد لا يندفع إثم إعطاء الربا عند الإقتراض للضرورة بحيث أنه إن لم يعط الربا لا يحصل له القرض
____________________
(3/20)
إذ له طريق إلى إعطاء الزائد بطريق النذر أو التمليك لاسيما إذا قلنا النذر لا يحتاج إلى قبول لفظا على المعتمد
وقال شيخنا يندفع الإثم للضرورة
( فائدة ) وطريق الخلاص من عقد الربا لمن يبيع ذهبا بذهب أو فضة بفضة أو برا ببر أو أرزا بأرز متفاضلا بأن يهب كل من البائعين حقه للآخر أو يقرض كل صاحبه ثم يبرئه ويتخلص منه بالقرض في بيع الفضة بالذهب أو الأرز بالبر بلا قبض قبل تفرق ( و ) حرم ( تفريق بين أمة ) وإن رضيت أو كانت كافرة ( وفرع لم يميز ) ولو من زنا المملوكين لواحد
____________________
(3/21)
( بنحو بيع ) كهبة وقسمة وهدية لغير من يعتق عليه لخبر من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وبطل العقد ( فيهما ) أي الربا والتفريق بين الأمة والولد وألحق الغزالي في فتاويه وأقره غيره التفريق بالسفر بالتفريق بنحو البيع وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها وإن كانت حرة بخلاف المطلقة والأب وإن علا والجدة وإن علت ولو من الأب كالأم إذا عدمت
أما بعد التمييز فلا يحرم
____________________
(3/22)
لإستغناء المميز عن الحضانة كالتفريق بوصية وعتق ورهن ويجوز تفريق ولد البهيمة إن استغنى عن أمه بلبن أو غيره لكن يكره في الرضيع كتفريق الآدمي المميز قبل البلوغ عن الأم فإن لم يستغن عن اللبن حرم وبطل إلا إن كان لغرض الذبح لكن بحث السبكي حرمة ذبح أمه مع بقائه
( و ) حرم أيضا ( بيع نحو عنب ممن ) علم أو ( ظن أنه يتخذه مسكرا ) للشرب والأمرد ممن عرف بالفجور به والديك للمهارشة والكبش للمناطحة والحرير لرجل يلبسه وكذا بيع نحو المسك لكافر يشتري لتطييب الصنم والحيوان لكافر علم أنه يأكله بلا ذبح
____________________
(3/23)
لأن الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين عندنا خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فلا يجوز الإعانة عليهما ونحو ذلك من كل تصرف يفضي إلى معصية يقينا أو ظنا ومع ذلك يصح البيع
ويكره بيع ما ذكر ممن توهم منه ذلك وبيع السلاح لنحو بغاة وقطاع طريق ومعاملة من بيده حلال وحرام وإن غلب الحرام الحلال
نعم إن علم تحريم ما عقد به حرم وبطل
( و ) حرم ( احتكار قوت ) كتمر وزبيب وكل مجزىء في الفطرة وهو إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء لا الرخص ليبيعه بأكثر عند اشتداد حاجة أهل محله أو غيرهم إليه وإن لم يشتره بقصد ذلك
____________________
(3/24)
لا ليمسكه لنفسه أو عياله أو ليبيعه بثمن مثله ولا إمساك غلة أرضه وألحق الغزالي بالقوت كل ما يعين عليه كاللحم وصرح القاضي بالكراهة في الثوب
( وسوم علي سوم ) أي سوم غيره ( بعد تقرر ثمن ) بالتراضي به وإن فحش نقص الثمن عن القيمة للنهي عنه وهو أن يزيد على آخر في ثمن ما يريد شراءه أو يخرج له أرخص منه أو يرغب المالك في استرداده ليشتريه بأغلى وتحريمه بعد البيع
وقبل لزومه لبقاء
____________________
(3/25)
لخيار أشد ( ونجش ) للنهي عنه وللإيذاء وهو أن يزيد في الثمن لا لرغبته بل ليخدع غيره وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه ولو عند نقص القيمة على الأوجه
ولا خيار للمشتري إن غبن فيه وإن واطأ البائع الناجش لتفريط المشتري حيث لم يتأمل ويسأل ومدح السلعة ليرغب فيها بالكذب كالنجش وشرط التحريم في الكل علم النهي حتى في النجش
ويصح البيع مع التحريم في هذه المواضع
فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب يثبت خيار مجلس في كل بيع حتى في الربوي والسلم
وكذا في هبة ذات ثواب على المعتمد
وخرج بفيء كل بيع غير البيع كالإبراء والهبة بلا ثواب وشركة وقراض ورهن وحوالة
____________________
(3/26)
وكتابة وإجارة ولو في الذمة أو مقدرة بمدة فلا خيار في جميع ذلك لأنها لا تسمى بيعا
( وسقط خيار من اختار لزومه ) أي البيع من بائع ومشتر كأن يقولا اخترنا لزومه أو أجزناه فيسقط خيارهما أو من أحدهما كأن يقول اخترت لزومه فيسقط خياره ويبقى خيار الآخر ولو مشتريا ( و ) سقط خيار ( كل ) منهما ( بفرقة بدن ) منهما أو من أحدهما ولو ناسيا أو جاهلا عن مجلس العقد ( عرفا ) فما يعده الناس فرقة يلزم به العقد وما لا فلا
فإن كانا في دار صغيرة فالفرقة بأن يخرج أحدهما منها
____________________
(3/27)
أو في كبيرة فبأن ينتقل أحدهما إلى بيت من بيوتها أو في صحراء أو سوق فبأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلا وإن سمع الخطاب فيبقى خيار المجلس ما لم يتفرقا ولو طال مكثهما في محل وإن بلغ سنين أو تماشيا منازل
ولا يسقط بموت أحدهما فينتقل الخيار للوارث المتأهل ( وحلف نافي فرقة أو فسخ قبلها ) أي قبل الفرقة بأن جاءآ معا وادعى أحدهما فرقة وأنكرها الآخر ليفسخ أو اتفقا عليها وادعى أحدهما فسخا قبلها وأنكر الآخر فيصدق النافي لموافقته للأصل
( و ) يجوز ( لهما ) أي للعاقدين ( شرط خيار ) لهما أو لأحدهما في كل بيع فيه خيار مجلس إلا فيما يعتق فيه المبيع فلا يجوز شرطه لمشتر للمنافاة
____________________
(3/28)
وفي ربوي وسلم فلا يجوز شرط فيهما لأحد لاشتراطه القبض فيهما في المجلس ( ثلاثة أيام فأقل ) بخلاف ما لو أطلق أو أكثر من ثلاثة أيام
فإن زاد عليها لم يصح العقد ( من ) حين ( الشرط للخيار ) سواء أشرط في العقد أم في مجلسه والملك في المبيع مع توابعه في مدة الخيار لمن انفرد بخيار من بائع ومشتر ثم إن كان
____________________
(3/29)
لهما فموقوف فإن تم البيع بان أنه لمشتر من حين العقد وإلا فلبائع
( ويحصل فسخ ) للعقد في مدة الخيار ( بنحو فسخت البيع ) كاسترجعت المبيع
( وإجازة ) فيها بنحو أجزت البيع كأمضيته والتصرف في مدة الخيار بوطء وإعتاق وبيع وإجارة وتزويج من بائع فسخ ومن مشتر إجازة للشراء ( و ) يثبت ( لمشتر جاهل ) بما يأتي ( خيار ) في رد المبيع ( ب ) ظهور ( عيب قديم ) منقص قيمة في المبيع وكذا للبائع بظهور عيب قديم في الثمن
وآثروا لأول لأن الغالب في الثمن الانضباط فقيل فيه ظهور العيب
والقديم ما قارن العقد أو حدث قبل القبض
____________________
(3/30)
وقد بقي إلى الفسخ ولو حدث بعض القبض فلا خيار للمشتري وهو ( كاستحاضة ) ونكاح لأمة ( وسرقة وإباق وزنا ) من رقيق أي بكل منها وإن لم يتكرر وتاب ذكرا كان أو أنثى ( وبول بفراش ) إن اعتاده وبلغ سبع سنين
____________________
(3/31)
وبخر وصنان مستحكمين
ومن عيوب الرقيق كونه نماما أو شتاما أو كذابا أو آكلا لطين أو شاربا لنحو خمر أو تاركا للصلاة ما لم يتب عنها أو أصم أو أبله أو مصطك الركبتين أو رتقاء أو حاملا في آدمية لا بهيمة أو لا تحيض من بلغت عشرين سنة أو أحد ثدييها أكبر من الآخر ( وجماح ) لحيوان ( وعض ) ورمح وكون الدار منزل الجند
أو كون الجن مسلطين على ساكنها بالرجم أو القردة مثلا يرعون زرع الأرض
( و ) يثبت بتغرير فعلي
____________________
(3/32)
وهو حرام للتدليس والضرر ( كتصرية ) له وهي أن يترك حلبه مدة قبل بيعه ليوهم المشتري كثرة اللبن وتجعيد شعر الجارية ( لا ) خيار ( بغبن فاحش كظن ) مشتر نحو ( زجاجة جوهرة ) لتقصيره بعمله بقضية وهمه من غير بحث
( والخيار ) بالعيب ولو بتصرية ( فوري ) فيبطل بالتأخير بلا عذر ويعتبر الفور عادة فلا يضر صلاة وأكل
____________________
(3/33)
دخل وقتهما وقضاء حاجة ولا سلامة على البائع بخلاف محادثته ولو عليه ليلا فله التأخير حتى يصبح ويعذر في تأخيره بجهله جواز الرد بالعيب إن قرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء وبجهل فوريته إن خفي عليه ثم إن كان البائع في البلد رده المشتري بنفسه أو وكليه على البائع أو وكيله ولو كان البائع غائبا عن البلد ولا وكيل له بها رفع الأمر إلى الحاكم وجوبا ولا يوءخر لحضوره
____________________
(3/34)
فإذا عجز عن الإنهاء لنحو مرض أشهد على الفسخ فإن عجز عن الإشهاد لم يلزمه تلفظ وعلى المشتري ترك استعمال فلو استخدم رقيقا ولو بقوله اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب فلا رد قهرا وإن يفعل الرقيق ما أمر به فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب لم يضر
( فرع ) لو باع حيوانا أو غيره بشرط براءته من العيوب في المبيع أو أن لا يرد بها صح العقد وبريء من عيب باطن بالحيوان
____________________
(3/35)
موجود حال العقد لم يعلمه البائع لا عن عيب باطن في غير الحيوان ولا ظاهر فيه
ولو اختلفا في قدم العيب واحتمل صدق كل صدق البائع بيمينه في دعواه حدوثه لأن الأصل لزوم العقد
وقيل لأن الأصل عدم العيب في يده
ولو حدث عيب لا يعرف القديم بدونه ككسر بيض وجوز وتقوير بطيخ مدود رد ولا أرش عليه
____________________
(3/36)
للحادث ويتبع في الرد بالعيب الزيادة المتصلة كالسمن وتعلم الصنعة ولو بأجرة وحمل قارن بيعا لا المنفصلة كالولد والثمر وكذا الحمل الحادث في ملك المشتري فلا تتبع في الرد بل هي للمشتري
صل في حكم المبيع قبل القبض ( المبيع قبل قبضه من ضمان بائع ) بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع وثبوت الخيار بتعيبه أو تعييب بائع أو أجنبي وبإتلاف أجنبي
فلو تلف بآفة أو أتلفه البائع انفسخ البيع
____________________
(3/37)
( وإتلاف مشتر قبض ) وإن جهل أنه للبيع ( ويبطل تصرف ) ولو مع بائع ( بنحو بيع ) كهبة وصدقة وإجارة ورهن وإقراض ( فيما لم يقبض لا بنحو إعتاق ) وتزويج ووقف لتشوف الشارع إلى العتق ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاق الآبق ويكون به المشتري قابضا ولا يكون قابضا بالتزويج ( وقبض غير منقول ) من أرض ودار وشجر ( بتخلية لمشتر ) بأن يمكنه منه البائع مع تسليمه المفتاح وإفراغه من أمتعة غير المشتري ( و ) قبض ( منقول ) من سفينة أو حيوان
____________________
(3/38)
( بنقله ) من محله إلى محل آخر مع تفريغ السفينة ويحصل القبض أيضا بوضع البائع للمنقول بين يدي المشتري بحيث لو مد إليه يده لناله
وإن قال لا أريده وشرط في غائب عن محل العقد مع إذن البائع في القبض مضى زمن يمكن فيه المضي إليه عادة
ويجوز لمشتر استقلال بقبض للمبيع إن كان الثمن مؤجلا أو سلم الحال
( وجاز استبدال ) في غير ربوي
____________________
(3/39)
بيع بمثله من جنسه ( عن ثمن ) نقد أو غيره لخبر ابن عمر رضي الله عنه كنت أبيع الإبل بالدنانير وآخذ مكانها الدارهم وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء ( و ) عن ( دين ) قرض وأجرة وصداق لا عن مسلم فيه لعدم استقراره
ولو استبدل موافقا في علة الربا كدرهم عن دينار اشترط قبض البدل في المجلس حذرا من الربا لا إن استبدل ما لا يوافقه في العلة كطعام عن درهم ولا يبدل نوع أسلم فيه أو مبيع في الذمة عقد بغير لفظ السلم بنوع آخر ولو من جنسه كحنظة سمراء عن بيضاء لأن المبيع مع
____________________
(3/40)
تعينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع كونه في الذمة
أولى
نعم يجوز إبداله بنوعه الأجود وكذا الأردأ بالتراضي
فصل في بيع الأصول والثمار ( يدخل في بيع أرض ) وهبتها ووقفها والوصية بها مطلقا لا في رهنها والإقرار بها ( ما فيها ) من بناء وشجر رطب وثمره الذي لم يظهر عند البيع وأصول بقل تجز مرة بعد أخرى كقثاء وبطيخ لا ما يوءخذ دفعة كبر وفجل لأنه ليس للدوام والثبات فهو كالمنقولات في الدار
( و ) يدخل ( في ) بيع ( بستان ) وقرية ( أرض وشجر
____________________
(3/41)
وبناء ) فيهما لا مزارع حولهما لأنها ليست منهما
( و ) في بيع ( دار هذه الثلاثة ) أي الأرض المملوكة للبائع بحملتها حتى تخومها إلى الأرض السابعة والشجر المغروس فيها وإن كثر والبناء فيها بأنواعه ( وأبواب منصوبة ) وأغلاقها المثبتة لا الأبواب المقلوعة والسرر والحجارة المدفونة بلا بناء ( لا في ) بيع ( قن ) ذكر أو غيره ( حلقة ) بأذنه أو خاتم أو نعل ( و ) كذا ( ثوب ) عليه خلافا للحاوي كالمحرر وإن كان ساتر عورته
( وفي ) بيع ( شجر ) رطب بلا أرض
____________________
(3/42)
عند الإطلاق ( عرق ) ولو يابسا إن لم يشرط قطع الشجر بأن شرط إبقاوه أو أطلق لوجوب بقاء الشجر الرطب
ويلزم المشتري قلع اليابس عند الإطلاق للعادة فإن شرط قطعه أو قلعه عمل به أو إبقاؤه بطل البيع ولا ينتفع المشتري بمغرسها ( وغصن رطب ) لا يابس والشجر رطب لأن العادة قطعه وكذا ورق رطب لا ورق حناء على الأوجه ( لا ) يدخل في بيع الشجر ( مغرسه ) فلا يتبعه في بيعه لأن اسم الشجر لا يتناوله ( و ) لا ثمر ( ظهر ) كطلع نخل بتشقق وثمر نحو عنب ببروز وجوز بانعقاد فما ظهر منه للبائع وما لم يظهر للمشتري
ولو شرط الثمر لأحدهما
____________________
(3/43)
فهو له عملا بالشرط سواء أظهر الثمر أم لا ( ويبقيان ) أي الثمر الظاهر والشجر عند الإطلاق فيستحق البائع تبقية الثمر إلى أوان الجداد فيأخذه دفعة لا تدريجا وللمشتري تبقية الشجر ما دام حيا فإن انقلع فله غرسه إن نفع لا بد له ( و ) يدخل ( في ) بيع ( دابة حملها ) المملوك لمالكها فإن لم يكن مملوكا لمالكها لم يصح البيع كبيعها دون حملها وكذا عكسه
فصل في اختلاف المتعاقدين ( ولو اختلف متعاقدان ) ولو وكيلين أو وارثين ( في صفة عقد ) معاوضة كبيع وسلم وقراض وإجارة وصداق ( و ) الحال أنه قد ( صح ) العقد باتفاقهما أو يمين البائع ( كقدر عوض ) من نحو مبيع
____________________
(3/44)
أو ثمن أو جنسه أو صفته أو أجل أو قدره ( ولا بينة لأحدهما ) بما ادعاه أو كان لكل منهما بينة ولكن قد تعارضتا بأن أطلقتا أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى أو أرختا بتاريخ واحد وإلا حكم بمقدمة التاريخ
( حلف كل ) منهما يمينا واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله فيقول البائع مثلا ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا
ويقول المشتري ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا لأن كلا من المدعي والمدعى عليه
والأوجه عدم الإكتفاء بما بعت إلا بكذا لأن النفي فيه صريح والإثبات مفهوم ( فإن ) رضي أحدهما بدون ما ادعاه أو سمح للآخر بما ادعاه لزم العقد ولا رجوع فإن ( أصرا ) على الإختلاف ( فلكل ) منهما ( أو ) للحاكم
____________________
(3/45)
( فسخه ) أي العقد وإن لم يسألاه قطعا للنزاع
ولا تجب الفورية هنا
ثم بعد الفسخ يرد المبيع بزيادته المتصلة فإن تلف حسا أو شرعا كأن وقفه أو باعه رد مثله إن كان مثليا أو قيمته إن كان متقوما
ويرد على البائع قيمة آبق فسخ العقد وهو آبق من عند المشتري والظاهر اعتبارها بيوم الهرب
( ولو ادعى ) أحدهما ( بيعا والآخر رهنا أو هبة ) كأن قال أحدهما بعتكه بألف فقال الآخر بل رهنتنيه أو وهبتنيه فلا تخالف إذا لم يتفقا على عقد واحد بل ( حلف كل ) منهما للآخر ( نفيا ) أي يمينا نافية لدعوى الآخر لأن الأصل عدمه ثم يرد مدعى البيع الألف لأنه مقر بها ويسترد العين بزوائدها المتصلة والمنفصلة
( و ) إذا اختلف العاقدان فادعى أحدهما اشتمال العقد على مفسد من إخلال ركن أو شرط كأن ادعى أحدهما رؤيته وأنكرها الآخر
____________________
(3/46)
( حلف مدعي صحة ) العقد غالبا تقديما للظاهر من حال المكلف وهو اجتنابه للفاسد على أصل عدمها لتشوف الشارع إلى إمضاء العقود وقد يصدق مدعي الفساد كأن قال البائع لم أكن بالغا حين البيع وأنكر المشتري واحتمل ما قاله البائع صدق بيمينه لأن الأصل عدم البلوغ
وإن اختلفا هل وقع الصلح على الإنكار أو الاعتراف فيصدق مدعي الإنكار لأنه الغالب
ومن وهب في مرضه شيئا فادعت ورثته غيبة عقله حال الهبة لم يقبلوا إلا إن علم له غيبة قبل الهبة وادعوا استمرارها إليها
ويصدق منكر أصل نحو البيع
( فروع ) لورد المشتري مبيعا معينا معيبا
فأنكر البائع أنه المبيع
فيصدق بيمينه لأن الأصل مضي العقد على السلامة
ولو أتى المشتري بما فيه فأرة وقال قبضته كذلك فأنكر المقبض صدق بيمينه
ولو أفرغه في ظرف المشتري فظهرت فيه فأرة فادعى كل أنها من عند الآخر صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه لأنه مدع للصحة ولأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن
والأصل براءة البائع
____________________
(3/47)
وإن دفع لدائنه دينه فرده بعيب فقال الدافع ليس هو الذي دفعته صدق الدائن لأن الأصل بقاء الذمة
ويصدق غاصب رد عينا وقال هي المغصوبة وكذا وديع
فصل في القرض والرهن ( الإقراض ) وهو تمليك شيء على أن يرد مثله ( سنة ) لأن فيه إعانة على كشف كربة فهو من السنن الأكيدة للأحاديث الشهيرة كخبر مسلم من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة
والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه وصح خبر من أقرض الله مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به والصدقة أفضل منه خلافا لبعضهم
____________________
(3/48)
ومحل ندبه إن لم يكن المقترض مضطرا وإلا وجب
ويحرم الإقتراض على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال وعند الحلول في المؤجل كالإقراض عند العلم أو الظن من آخذه أنه ينفقه في معصية
ويحصل ( بإيجاب كأقرضتك ) هذا أو ملكتكه على أن ترد مثله أو خذه ورد بدله أو إصرفه في حوائجك ورد بدله فإن حذف ورد بدله فكناية
وخذه فقط لغو إلا إن سبقه أقرضني هذا فيكون قرضا أو أعطني فيكون هبة
ولو اقتصر على ملكتكه ولم ينو البدل فهبة وإلا فكناية
ولو اختلفا في نية البدل صدق الدافع لأنه أعرف بقصده
أو في ذكر البدل صدق الآخذ في عدم الذكر لأنه الأصل
والصيغة ظاهرة فيما ادعاه
ولو قال لمضطر أطعمتك بعوض فأنكر صدق المطعم حملا للناس على هذه المكرمة
____________________
(3/49)
ولو قال وهبتك بعوض فقال مجانا صدق المتهب
ولو قال اشتر لي بدرهمك خبز فاشتري له كان الدرهم قرضا لا هبة على المعتمد ( وقبول ) متصل به كأقرضته وقبلت قرضه
نعم القرض الحكمي كالإنفاق على اللقيط المحتاج وإطعام الجائع وكسوة العاري لا يفتقر إلى إيجاب وقبول
ومنه أمر غيره بإعطاء ماله غرض فيه كإعطاء شاعر أو ظالم أو إطعام فقير أو فداء أسير وعمر داري
وقال جمع لا يشترط في القرض الإيجاب والقبول واختاره الأذرعي
وقال قياس جواز المعاطاة في البيع جوازها هنا وإنما يجوز القرض من أهل تبرع فيما يسلم فيه من حيوان وغيره ولو نقدا مغشوشا
____________________
(3/50)
نعم
يجوز قرض الخبز والعجين والخمير الحامض لا الروبة على الأوجه وهي خميرة لبن حامض تلقى على اللبن ليروب لاختلاف حموضتها المقصودة
ولو قال أقرضني عشرة فقال خذها من فلان فإن كانت له تحت يده جاز وإلا فهو وكيل في قبضها فلا بد من تجديد قرضها
ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة
نعم يجوز للقاضي إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة لكثرة أشغاله إن كان المقترض أمينا موسرا ( وملك مقترض بقبض ) بإذن مقرض وإن لم يتصرف فيه كالموهوب
قال شيخنا والأوجه في النقوط المعتاد في الأفراح أنه هبة لا قرض وإن اعتيد رد مثله
____________________
(3/51)
ولو أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت لا يرجع به على الأوجه ( و ) جاز ( لمقرض استرداد ) حيث بقي ذلك المقترض وإن زال عن ملكه ثم عاد على الأوجه بخلاف ما لو تعلق به حق لازم كرهن وكتابة فلا يرجع فيه حينئذ
نعم لو آجره رجع فيه ويجب على المقترض رد المثل في المثلى وهو النقد والحبوب ولو نقدا أبطله السلطان لأنه أقرب إلى حقه ورد المثل صورة في المتقوم وهو الحيوان والثياب والجواهر ولا يجب قبول الرديء عن الجيد ولا قبول المثل في غير محل الإقراض إن كان له غرض صحيح كأن كان لنقله موءنة ولم يتحملها المقترض أو كان الموضع مخوفا
____________________
(3/52)
ولا يلزم المقترض الدفع في غير محل الإقراض إلا إذا لم يكن لحملة مؤنة أو له مؤنة وتحملها المقرض لكن له مطالبة في غير محل الإقراض بقيمة بمحل الإقراض وقت المطالبة فيما لنقله مؤنة ولم يتحلمها المقرض لجوزا الإعتياض عنه
( و ) جاز لمقرض ( نفع ) يصل له من مقترض كرد الزائد قدرا أو صفة والأجود في الرديء ( بلا شرط ) في العقد بل يسن ذلك لمقترض لقوله صلى الله عليه وسلم إن خياركم أحسنكم قضاء ولا يكره للمقرض أخذه كقبول هديته ولو في الربوي
والأوجه أن المقرض يملك الزائد من غير لفظ لأنه وقع تبعا وأيضا فهو يشبه الهدية وأن المقترض إذا دفع أكثر مما عليه وادعى أنه إنما دفع ذلك ظنا أنه الذي عليه حلف ورجع فيه
وأما القرض بشرط جر نفع لمقرض ففاسد لخبر كل قرض جر منفعة فهو ربا وجبر ضعفه مجيء معناه عن جمع من الصحابة
ومنه القرض لمن يستأجر ملكه أي مثلا بأكثر من قيمته لأجل القرض
____________________
(3/53)
إن وقع ذلك شرطا إذ هو حينئذ حرام إجماعا وإلا كره عندنا وحرام عند كثير من العلماء قاله السبكي ويجوز الإقراض بشرط الرهن أو الكفيل
ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن فأقرضه المائة أو بعضها كان ضامنا على الأوجه للحاجة كألق متاعك في البحر وعلي ضمانهم وقال البغوي لو ادعى المالك القرض والآخذ الوديعة صدق الآخذ لأن الأصل عدم الضمان خلافا للأنوار
( ويصح رهن ) وهو جعل عين يجوز بيعها وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه
____________________
(3/54)
فلا يصح رهن وقف وأم ولد ( بإيجاب وقبول ) كرهنت وأرتهنت ويشترط ما مر في البيع من اتصال اللفظين وتوافقهما معنى ويأتي هنا خلاف المعاطاة ( من أهل تبرع ) فلا يرهن ولي أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما مال صبي ومجنون كما لا يرتهن لهما إلا لضرورة أو غطبة ظاهرة فيجوز له الرهن والارتهان كأن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من الغلة أو حلول الدين
____________________
(3/55)
وكأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه للزوم الإرتهان حينئذ ( ولو ) كان العين المرهونة جزءا مشاعا أو ( عارية ) وإن لم يصرح بلفظها كأن قال له مالكها ارهنها بدينك لحصول التوثق بها
ويصح إعارة النقد لذلك على الأوجه وإن منعنا إعارته لغير ذلك فيصح رهن معار بإذن مالك بشرط معرفته المرتهن وجنس الدين وقدره
نعم د في الجواهر لو قال له ارهن عبدي بما شئت صح أن يرهنه بأكثر من قيمته
____________________
(3/56)
ولو عين قدرا فرهن بدونه جاز ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن العارية فلو تلف في يد الراهن ضمن لأنه مستعير الآن اتفاقا أو في يد المرتهن فلا ضمان عليهما إذ المرتهن أمين ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن
نعم إن رهن فاسدا ضمن بالتسليم على ما قاله غير واحد ويباع المعار بمراجعة مالكه عند حلول الدين ثم يرجع المالك على الراهن بثمنه الذي بيع به ( لا ) يصح ( بشرط ما يضر ) الراهن أو المرتهن ( كأن لا يباع ) أي المرهون عند المحل أي وقت حلول الدين أو إلا بأكثر من ثمن المثل ( وكشرط منفعته ) أي المرهون ( لمرتهن ) كأن يشرطا أن الزوائد الحادثة كثمر الشجر ( مرهونة )
____________________
(3/57)
فيبطل الرهن في الصور الثلاث ( ولا يلزم ) الرهن كالهبة ( إلا بقبض ) بما مر في قبض المبيع ( بإذن ) من راهن يصح تبرعه ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك كالهبة والرهن لآخر ولا بوطء وتزويج وموت عاقد وهرب مرهون
( واليد ) في المرهون ( لمرتهن ) بعد لزوم الرهن غالبا
____________________
(3/58)
( وهي ) على الرهن ( أمانة ) أي يد أمانة ولو بعد البراءة من الدين فلا يضمنه المرتهن لإ بالتعدي كأن امتنع من الرد بعد سقوط الدين ( وصدق ) أي المرتهن ( كالمستأجر في ) دعوى ( تلف ) بيمينه ( لا في رد ) لأنهما قبضا لغرض أنفسهما فكانا كالمستعير بخلاف الوديع والوكيل ولا يسقط بتلفه شيء من الدين
ولو غفل عن نحو كتاب فأكلته الأرضة أو جعله في محل هو مظنتها ضمنه لتفريطه
( قاعدة ) وحكم فساد العقود إذا صدر من رشيد حكم صحيحها في الضمان وعدمه
____________________
(3/59)
لأن صحيح العقد إذا اقتضى الضمان بعد القبض كالبيع والقرض ففاسده أولى أو عدمه كالمرهون والمستأجر والموهوب ففاسده كذلك
( فرع ) لو رهن شيئا وجعله مبيعا من المرتهن بعد شهر أو عارية له بعده بأن شرطا في عقد الرهن ثم قبضه المرتهن لم يضمنه قبل مضي الشهر وإن علم فساده على المعتمد وضمنه بعده
____________________
(3/60)
لأنه يصير بيعا أو عارية فاسدين لتعليقهما بانقضاء الشهر
فإن قال رهنتك فإن لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك فسد البيع لا الرهن على الأوجه لأنه لم يشترط فيه شيئا
( وله ) أي للمرتهن ( طلب بيعه ) أي المرهون أو طلب قضاء دينه إن لم يبع
ولا يلزم الراهن البيع بخصوصه بل إنما يطلب المرتهن أحد الأمرين ( إن حل دين ) وإنما يبيع الراهن بإذن المرتهن عند الحاجة لأن له فيه حقا ويقدم المرتهن بثمنه على سائر الغرماء
فإن أبى المرتهن الإذن
قال له الحاكم ائذن في بيعه أو أبرئه من الدين
( ويجبر راهن ) أي يجبره الحاكم على أحد الأمرين إذا امتنع بالحبس وغيره ( فإن أصر ) على الامتناع أو كان غائبا وليس له ما يوفى منه غير الرهن
____________________
(3/61)
( باعه ) عليه ( قاض ) بعد ثبوت الدين وملك الراهن والرهن وكونه بمحل ولايته وقضى الدين من ثمنه دفعا لضرر المرتهن ويجوز للمرتهن بيعه في دين حال بإذن الراهن وحضرته بخلافه في غيبته
نعم إن قدر له الثمن صح مطلقا لانتفاء التهمة ولو شرطا أن يبيعه ثالث عند المحل جاز بيعه بثمن مثل حال ولا يشترط مراجعة الراهن في البيع لأن الأصل بقاء إذنه بل المرتهن لأنه قد يمهل أو يبرىء ( وعلى مالكه ) من راهن أو معير له ( مؤنة ) للمرهون كنفقة رقيق وكسوته وعلف دابة وأجرة رد آبق ومكان حفظ وإعادة ما يهدم إجماعا خلافا لما شذ به الحسن
فإن غاب أو أعسر
راجع المرتهن الحاكم وله الإنفاق بإذنه ليكون رهنا بالنفقة أيضا
فإن تعذر استئذانه وأشهد بالإنفاق ليرجع
____________________
(3/62)
رجع وإلا فلا ( وليس له ) أي للمالك بعد لزوم الرهن بيع ووقف و ( رهن لآخر ) لئلا يزاحم المرتهن ( ووطء ) للمرهونة بلا إذنه وإن لم تحبل حسما للباب بخلاف سائر التمتعات فتحل إن أمن الوطء ( وتزويج ) الأمة مرهونة لنقصه القيمة ( لا ) إن كان التزويج ( منه ) أي المرتهن أو بإذنه فلا يمتنع على الراهن وكذا لا تجوز الإجارة لغير المرتهن بلا إذن إن جاوزت مدتها المحل
ويجوز له الإنتفاع بالركوب والسكنى لا بالبناء والغرس
نعم لو كان الدين مؤجلا
____________________
(3/63)
وقال أنا أقلع عند الأجل فله ذلك
وأما وطء المرتهن الجارية المرهونة ولو بإذن المالك فزنا حيث علم التحريم فعليه الحد ويلزمه المهر ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم وما نسب إلى عطاء من تجويزه الوطء بإذن المالك ضعيف جدا بل قيل إنه مكذوب عليه
( وسئل ) القاضي الطيب الناشري عن الحكم فيما اعتاده النساء من ارتهان الحلى مع الإذن في لبسها
( فأجاب ) لا ضمان على المرتهنة مع اللبس لأن ذلك في حكم إجارة فاسدة معللا ذلك بأن المقرضة لا تقرض مالها إلا لأجل الإرتهان واللبس فجعل ذلك عوضا فاسدا في مقابلة اللبس
( ولو اختلفا ) أي الراهن والمرتهن ( في أصل رهن ) كأن قال رهنتني كذا فأنكر الآخر ( أو ) في ( قدره ) أي المرهون كرهنتني الأرض مع شجرها فقال بل وحدها أو قدر المرهون به كبألفين فقال بل بألف ( صدق راهن ) بيمينه
وإن كان المرهون بيد المرتهن
____________________
(3/64)
لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن
ولو ادعى مرتهن هو بيده أنه قبضه بالإذن وأنكره الراهن وقال بل غصبته أو أعرتكه أو آجرتكه صدق في جحده بيمينه
( فرع ) من عليه ألفان بأحدهما رهن أو كفيل فأدي ألفا وقال أديته عن ألف الرهن صدق بيمينه لأن المؤدي أعرف بقصده وكيفيته
ومن ثم لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه وقع عنه وإن ظنه الدائن هدية كذا قالوه ثم إن لم ينو الدافع شيئا حالة الدفع جعله عما شاء منهما لأن التعيين إليه
( تتمة ) المفلس من عليه دين لآدامي حال زائد على ماله
____________________
(3/65)
يحجر عليه بطلبه الحجر على نفسه أو طلب غرمائه وبالحجر يتعلق حق الغرماء بماله فلا يصح تصرفه فيه بما يضرهم
كوقف وهبة ولا بيعه ولو لغرمائه بدينهم بغير إذن القاضي
ويصح إقراره بعين أو دين أسند وجوبه لما قبل الحجر
ويبادر قاض يبيع ماله ولو مسكنه وخادمه بحضرته مع غرمائه وقسم ثمنه بين غرمائه
____________________
(3/66)
كبيع مال ممتنع عن أداء حق وجب عليه أداوه
ولقاض إكراه ممتنع من الأداء بالحبس وغيره من أنواع التعزير
ويحبس مدين مكلف عهد له المال لا أصل وإن علا من جهة أب أو أم بدين فرعه خلافا للحاوي كالغزالي وإذا ثبت إعسار مدين لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل حتى يوسر
وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره ما لم يختر المدين الحبس فيجاب إليه وأجرة الحبس وكذا الملازم على المدين
وللحاكم منع المحبوس الإستئناس بالمحادثة وحضور الجمعة وعمل الصنعة إن رأى المصلحة فيه ولا يجوز للدائن تجويع المدين بمنع الطعام كما أفتى به شيخنا الزمزمي رحمه الله تعالى ويجوز لغريم المفلس المحجور عليه أو الميت الرجوع
____________________
(3/67)
فورا إلى متاعه إن وجد في ملكه ولم يتعلق به حق لازم والعوض حال وإن تفرخ البيض المبيع ونبث البذر واشتد حب الزرع لأنها حدثت من عين ماله
ويحصل الرجوع من البائع ولو بلا قاض بنحو فسخت ورجعت في المبيع لا بنحو بيع وعتق فيه
____________________
(3/68)
فصل ( يحجز بجنون إلى إفاقة وصبا إلى بلوغ )
بكمال خمس عشرة سنة قمرية تحديدا بشهادة عدلين خبيرين أو خروج مني أو حيض وإمكانهما كمال تسع سنين
ويصدق مدعي بلوغ بإمناء أو حيض ولو في خصومة بلا يمين
إذ لا يعرف إلا منه
ونبت العانة الخشنة بحيث تحتاج إلى الحلق في حق كافر ذكر أو أنثى أمارة على بلوغه بالسن أو
____________________
(3/69)
الإحتلام
ومثله ولد من جهل إسلامه لا من عدم من يعرف سنه على الأوجه وقيل يكون علامة في حق المسلم أيضا
وألحقوا بالعانة الشعر الخشن في الإبط وإذا بلغ الصبي رشيدا أعطى ماله والرشد صلاح الدين والمال بأن لا يفعل محرما يبطل عدالة من ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة مع عدم غلبة طاعاته معاصيه وبأن لا يبذر بتضييع المال باحتمال
____________________
(3/70)
غبن فاحش في المعاملة وإنفاقه ولو فلسا في محرم
وأما صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس والهدايا التي لا تليق به فليس بتبذير
وبعد إفاقة المجنون وبلوغ الصبي ولو بلا رشد يصح الإسلام والطلاق والخلع وكذا التصرف المالي بعد الرشد
وولي الصبي أب عدل فأبوه وإن علا فوصي فقاضي بلد المولى إن كان عدلا أمينا فإن كان ماله ببلد آخر فولي ماله قاضي بلد المال في حفظه وبيعه وإجارته عند خوف هلاكه فصلحاء بلده
____________________
(3/71)
ويتصرف الولي بالمصلحة ويلزمه حفظ ماله واستنماؤه قدر النفقة والزكاة والمؤن إن أمكنه وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برا لا بحرا وشراء عقار يكفيه غلته أولى من التجارة ولا يبيع عقاره إلا لحاجة أو غبطة ظاهرة وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح على بعض دين المولي إذا تعين ذلك طريقا لتخليص ذلك
____________________
(3/72)
البعض كما أن له بل يلزمه دفع بعض ماله لسلامة باقية
انتهى
وله بيع ماله نسيئة لمصلحة وعليه أن يرتهن بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا
ولولي إقراض مال محجور لضرورة
ولقاض ذلك مطلقا بشرط كون المقترض مليئا أمينا ولا ولاية لأم على الأصح ومن أدلى بها ولا لعصبة
نعم لهم الإنفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه لأنه قليل فسومح به عند فقد الولي الخاص
ويصدق أب أو جد في أنه تصرف لمصلحة بيمينه وقاض بلا يمين إن كان ثقة عدلا مشهور العفة وحسن السيرة لا وصي وقيم وحاكم وفاسق بل المصدق بيمينه هو المحجور حيث لا بينة لأنهم قد يتهمون
ومن ثم لو كانت الأم وصية كانت كالأولين وكذا آباؤها
( فرع ) ليس لولي أخذ شيء من مال موليه إن كان غنيا مطلقا فإن كان فقيرا وانقطع بسببه عن كسبه أخذ قدر نفقته وإذا أيسر لم يلزمه بدل ما أخذه
قال الأسنوي هذا في وصي وأمين أما أب أو جد فيأخذ قدر كفايته اتفاقا سواء الصحيح وغيره
وقيس بولي اليتيم
____________________
(3/73)
فيما ذكر من جمع مالا لفك أسير أي مثلا فله إن كان فقيرا الأكل منه
وللأب والجد استخدام محجوره فيما لا يقابل بأجرة ولا يضربه على ذلك خلافا لمن جزم بأن له ضربه عليه وأفتى النووي بأنه لو استخدم ابن ابنته لزمه أجرته إلى بلوغه ورشد وإن لم يكرهه
ولا يجب أجرة الرشيد إلا إن أكره
ويجري هذا في غير الجد للأم وقال الجلال البلقيني لو كان للصبي مال غائب فأنفق وليه عليه من مال نفسه بنية الرجوع إذا حضر ماله رجع إن كان أبا أو جدا لأنه يتولى الطرفين بخلاف غيرهما أي حتى الحاكم بل يأذن لمن ينفق ثم يوفيه وأفتى جمع فيمن ثبت له على أبيه دين فادعى إنفاقه عليه بأنه يصدق هو أو وارثه باليمين
فصل في الحوالة
____________________
(3/74)
( تصح حوالة بصيغة ) وهي إيجاب من المحيل كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي أو نقلت حقك إلى فلان أو جعلت مالي عليه لك وقبول من المحتال بلا تعليق ويصح بأحلني ( وبرضا محيل ومحتال ) ولا يشترط رضا المحال عليه
( ويلزم بها ) أي الحوالة ( دين محتال محالا عليه ) فيبرأ المحيل بالحوالة عن دين المحتال والمحال عليه عن دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه إجماعا ( فإن تعذر أخذه منه بفلس ) حصل للمحال عليه وإن قارن الفلس الحوالة ( أو جحد ) أي إنكار منه للحوالة أو دين المحيل وحلف عليه أو بغير ذلك كتعزز المحال عليه وموت شهود الحوالة ( لم يرجع ) المحتال ( على محيل ) بشيء وإن جهل ذلك ولا يتخير لو بان المحال
____________________
(3/75)
عليه معسرا وإن شرط يساره
ولو طلب المحتال المحال عليه فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة وأقام بذلك بينة سمعت وإن كان المحيل في البلد
ثم المتجه أن للمتحال الرجوع بدينه على المحيل إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه
ولو باع عبدا وأحال بثمنه ثم اتفق المتبايعان على حريته وقت البيع أو ثبتت حريته حينئذ ببينة شهدت حسبة أو أقامها العبد لم تصح الحوالة وإن كذبهما المحتال في الحرية ولا بينة فلكل منهما تحليفه على نفي العلم بها وبقيت الحوالة
( ولو اختلفا ) أي الدائن والمدين في أنه ( هل وكل أو أحال ) بأن قال المدين وكلتك لتقبض لي فقال الدائن بل أحلتني وقال المدين أحلتك فقال الدائن بل وكلتني ( صدق منكر حوالة ) بيمينه فيصدق المدين في الأولى والدائن في الأخيرة
لأن الأصل بقاء الحق في ذمة المستحق عليه
تتمة )
____________________
(3/76)
يصح من مكلف رشيد ضمان بدين واجب سواء استقر في ذمة المضمون له كنفقة اليوم وما قبله للزوجة أو لم يستقر كثمن مبيع لم يقبض وصداق قبل وطء لا بما سيجب كدين
____________________
(3/77)
قرض ونفقة غد للزوجة ولا بنفقة القريب مطلقا
ولا يشترط رضا الدائن والمدين
وصح ضمان الرقيق بإذن سيده
وتصح منه كفالة بعين مضمونة كمغصوبة ومستعارة وببدن من يستحق حضوره مجلس حكم بإذنه ويبرأ الكفيل بإحضار مكفول شخصا كان أو عينا إلى المكفول له وإن لم يطالبه وبحضوره عن جهة
____________________
(3/78)
الكفيل بلا حائل كمتغلب بالمكان الذي شرط في الكفالة الإحضار إليه وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه
فإن غاب لزمه إحضاره إن عرف محله وأمن الطريق وإلا فلا
ولا يطالب كفيل بمال وإن فات التسليم بموت أو غيره
لو شرط أنه يغرم المال ولو مع قوله إن فات التسليم للمكفول لم تصح
وصيغة الالتزام فيهما كضمنت دينك على فلان أو تحملته أو تكفلت ببدنه أو أنا بالمال أو بإحضار الشخص ضامن أو كفيل
ولو قال أوءدي المال أو أحضر الشخص فهو وعد بالتزام كما هو صريح الصيغة نعم إن حفت به قرينة تصرفه إلى الإنشاء انعقد به كما بحثه ابن الرفعة واعتمده السبكي
____________________
(3/79)
ولا يصحان بشرط براءة أصيل ولا بتعلق وتوقيت
وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل
ولو بريء بريء الضامن
ولا عكس في الإبراء دون الأداء ولو مات أحدهما والدين موءجل حل عليه
ولضامن رجوع على أصيل إن غرم
ولو صالح عن الدين بما دونه لم يرجع إلا بما غرم
____________________
(3/80)
ولو أدى دين غيره بإذن رجع وإن لم يشرط له الرجوع لا إن أداه بقصد التبرع
( فرع ) أفتى جمع محققون بأنه لو قال رجلان لآخر ضمنا مالك على فلان طالب كلا بجميع الدين
وقال جمع متقدمون طالب كلا بنصف الدين ومال إليه الأذرعي
قال شيخنا إنما تقسط الضمان في ألق متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون لأنه ليس ضمانا حقيقة بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع لئلا ينفر الناس عنها
( واعلم ) أن الصلح جائز مع الإقرار
____________________
(3/81)
وهو على شيء غير المدعي معاوضة كما لو قال صالحتك عما تدعيه على هذا الثوب فله حكم البيع وعلى بعض المدعى إبراء إن كان دينا فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك لم يضر ويلغى الصلح
____________________
(3/82)
حيث لا حجة للمدعي مع الإنكار أو السكوت من المدعى عليه فلا يصح الصلح على الإنكار وإن فرض صدق المدعي خلافا للأئمة الثلاثة
نعم يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل له في الصلح على الإنكار ثم إن وقع بغير مدعى به كان ظافرا وسيأتي حكم الظفر
( فرع ) يحرم على كل أحد غرس شجر في شارع ولو لعموم النفع للمسلمين كبناء دكة وإن لم يضر فيه ولو لذلك أيضا وإن انتفى الضرر حالا أو كانت الدكة بفناء داره
____________________
(3/83)
ويحل الغرس بالمسجد للمسلمين أو ليصرف ريعه بل يكره
باب في الوكالة والقراض ( تصح وكالة ) شخص متمكن لنفسه كعبد وفاسق في قبول نكاح ولو بلا إذن سيد لا في إيجابه
____________________
(3/84)
وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته فتصح ( في كل عقد ) كبيع ونكاح وهبة ورهن وطلاق منجز ( و ) في كل ( فسخ ) كإقالة ورد بعيب
وفي قبض وإقباض للدين أو العين وفي إستيفاء عقوبة آدمي والدعوى والجواب وإن كره الخصم وإنما تصح الوكالة فيما ذكر إن كان ( عليه ولاية لموكل ) بملكه التصرف فيه حين التوكيل فلا يصح في بيع ما سيملكه وطلاق من سينكحها لأنه لا ولاية له عليه حينئذ وكذا لو وكل من يزوج موليته إذا طلقت أو انقضت عدتها على ما قاله الشيخان هنا لكن رجح في الروضة في النكاح الصحة
وكذا لو قالت له وهي في نكاح أو عدة أذنت لك في
____________________
(3/85)
تزويجي إذا حللت ولو علق ذلك على الإنقضاء أو الطلاق فسدت الوكالة ونفذ التزويج للإذن ( لا ) في ( إقرار ) أي لا يصح التوكيل فيه بأن يقول لغيره وكلتك لتقر عني لفلان بكذا فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل لكن يكون الموكل مقرا بالتوكيل ( و ) لا في ( يمين ) لأن القصد بها تعظيم الله تعالى فأشبهت العبادة
ومثلها النذر وتعليق العتق والطلاق بصفة ولا في الشهادة إلحاقا لها بالعبادة والشهادة على الشهادة ليست توكيلا بل الحاجة جعلت الشاهد المتحمل عنه كحاكم أدى عنه عند حاكم آخر
____________________
(3/86)
( و ) لا في ( عبادة ) إلا في حج وعمرة وذبح نحو أضحية ولا تصح الوكالة إلا ( بإيجاب ) وهو ما يشعر برضا الموكل الذي يصح مباشرته الموكل فيه في التصرف ( كوكلتك ) في كذا أو فوضت إليك أو أنبتك أو أقمتك مقامي فيه ( أو بع ) كذا أو زوج فلانة أو طلقها أو أعطيت بيدك طلاقها وأعتق فلانا
قال السبكي يوءخذ من كلامهم صحة قول من لا ولي لها أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجني
قال الأذرعي وهذا إذا صح محله إن عينت الزوج ولم تفوض إلا صيغة فقط
وبنحو ذلك
أفتى ابن الصلاح ولا يشترط في الوكالة القبول لفظا لكن يشترط عدم الرد فقط
ولو تصرف غير عالم بالوكالة صح إن تبين وكالته حين التصرف كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا
ولا يصح تعليق الوكالة بشرط كإذا جاء رمضان فقد وكلتك في كذا فلو تصرف بعد وجود الشرط المعلق
____________________
(3/87)
كأن وكله بطلاق زوجة سينكحها أو ببيع عبد سيملكه أو بتزويج بنته إذا طلقت واعتدت فطلق بعد أن نكح أو باع بعد أن ملك أو زوج بعد العدة نفذ عملا بعموم الإذن
وإن قلنا بفساد الوكالة بالنسبة إلى سقوط الجعل المسمى إن كان ووجوب أجرة المثل وصح تعليق التصرف فقط كبعه لكن بعد شهر وتأقيتها كوكلتك إلى شهر رمضان
ويشترط في الوكالة أن يكون الموكل فيه معلوما للوكيل ولو بوجه كوكلتك في بيع جميع أموالي وعتق أرقائي وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة لقلة الغرر فيه بخلاف بع هذا أو ذاك وفارق إحدى عبيدي بأن الأحد صادق على كل وبخلاف بع بعض مالي
نعم يصح بع أو هب منه ما شئت
____________________
(3/88)
وتبطل في المجهول كوكلتك في كل قليل وكثير أو في كل أموري أو تصرف في أموري كيف شئت لكثرة الغرور فيه ( وباع ) كالشريك ( وكيل ) صح مباشرته التصرف لنفسه ( بثمن مثل ) فأكثر ( حالا ) فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا بغبن فاحش بأن لا يحتمل غالبا فبيع ما يساوي عشرة بتسعة محتمل وبثمانية غير محتمل
ومتى خالف شيئا مما ذكر فسد تصرفه وضمن قيمته يوم التسليم ولو مثليا إن أقبض المشتري فإن بقي استرده وله حينئذ بيعه بالإذن السابق وقبض الثمن ولا يضمنه
____________________
(3/89)
وإن تلف غرم الموكل بدله الوكيل أو المشتري والقرار عليه
وهذا كله ( إذا أطلق الموكل ) الوكالة في البيع بأن لم يقيد بثمن ولا حلول ولا تأجيل ولا نقد وإن قيد بشيء اتبع
فرع لو قال لوكيله بعه بكم شئت فله بيعه بغبن فاحش لا بنسيئة ولا بغير نقد البلد أو بما شئت أو بما تراه فله بيعه بغير نقد البلد لا بغبن ولا بنسيئة أو بكيف شئت فله بيعة بنسيئة لا بغبن ولا بغير نقد البلد أو بما عز وهان فله بيعه بعرض وغبن لا بنسيئة ( ولا يبيع ) الوكيل لنفسه وموليه وإن أذن له في ذلك وقدر له بالثمن خلافا لابن الرفعة لامتناع اتحاد الموجب والقابل وإن انتفت التهمة بخلاف أبيه وولده الرشيد ولا يصح البيع بثمن المثل مع وجود راغب بزيادة لا يتغابن بمثلها
____________________
(3/90)
إن وثق به قال الأذرعي ولم يكن مماطلا ولا ماله أو كسبه حراما أي هو كله أو أكثره فإن وجد راغب بالزيادة في ثمن خيار المجلس أو الشرط ولو للمشتري وحده ولم يرض بالزيادة فسخ الوكيل العقد وجوبا بالبيع للراغب بالزيادة وإلا انفسخ بنفسه ولا يسلم الوكيل بالبيع بحال المبيع حتى يقبض الثمن الحال وإلا ضمن للموكل قيمة البيع ولو مثليا ( وليس له ) أي للوكيل بالشراء ( شراء معيب ) لاقتضاء الإطلاق عرفا السليم ( ووقع ) الشراء ( له ) أي للوكيل ( إن علم ) العيب واشتراه بثمن في الذمة وإن ساوى المبيع الثمن إلا إذا عينه الموكل وعلم بعيبه فيقع له كما إذا اشتراه بثمن في الذمة أو بعين ماله جاهلا بعيبه وإن لم يساو المبيع الثمن وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للموكل فإن كان الثمن عين ماله بطل الشراء وإلا وقع للوكيل
ويجوز لعامل القراض شراؤه لأن القصد ثم الربح وقضيته أنه لو كان القصد هنا الربح جاز وهو كذلك ولكل من الموكل والوكيل
____________________
(3/91)
في صورة الجهل رد بعيب لا لوكيل إن رضي به موكل
ولو دفع موكله إليه مالا للشراء وأمره بتسليمه في الثمن فسلم من عنده فمتبرع حتى ولو تعذر مال الموكل لنحو غيبة مفتاح إذ يمكنه الإشهاد على أنه أدى عنه ليرجع أو إخبار الحاكم بذلك فإن لم يدفع له شيئا أو لم يأمره بالتسليم فيه رجع للقرينة الدالة على إذنه له في التسليم عنه ( ولا ) له ( توكيل بلا إذن ) من الموكل ( فيما يتأتى منه ) لأنه لم يرض بغيره
نعم لو وكله في قبض دين فقبضه وأرسله مع أحد من عياله لم يضمن كما قاله الجوري قال شيخنا والذي يظهر أن المراد بهم أولاده ومماليكه وزوجاته بخلاف غيرهم ومثله إرسال نحو ما اشتراه له مع أحدهم وخرج بقولي فيما يتأتى منه ما لم يتأت منه لكونه يتعسر عليه الإتيان به لكثرته أو لكونه لا يحسنه أو لا يليق به فله التوكيل عن موكله لا عن نفسه وقضية التعليل المذكور امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله
ولو طرأ له
____________________
(3/92)
العجز لطرو نحو مرض أو سفر لم يجز له أن يوكل وإذا وكل الوكيل بإذن الموكل فالثاني وكيل الموكل فلا يعزله الوكيل
فإن قال الموكل وكل عنك ففعل فالثاني وكيل الوكيل لأنه مقتضي الإذن فينعزل بعزله ويلزم الوكيل أن لا يوكل إلا أمينا ما لم يعين له غيره مع علم الموكل بحاله أو لم يقل له وكل من شئت على الأوجه كما لو قالت لوليها زوجني ممن شئت فله تزويجها من غير الكفء أيضا وقوله لوكيله في شيء افعل فيه ما شئت أو كل ما تفعله جائز ليس إذنا في التوكيل
فرع لو قال بع لشخص معين كزيد لم بيع من غيره ولو وكيل زيد أو بشيء معين من المال كالدينار لم يبع بالدراهم على المعتمد
____________________
(3/93)
أو في مكان معين تعين أو في زمان معين كشهر كذا أو يوم كذا تعين ذلك فلا يجوز قبله ولا بعده ولو في الطلاق وإن لم يتعلق به غرض عملا بالإذن وفارق إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك ولم يرد التقييد برأسه فله إيقاعه بعده بخلاف طلقها يوم الجمعة فإنه يقتضي حصر الفعل فيه دون غيره وليلة اليوم مثله إن استوى الراغبون فيهما
ولو قال يوم الجمعة أو العيد مثلا تعين أول جمعة أو عيد يلقاه وإنما يتعين المكان إذا لم يقدر الثمن أو نهاه عن غيره وإلا جاز البيع في غيره
( وهو ) أي الوكيل ولو بجعل ( أمين ) فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد ويصدق بيمينه في دعوى التلف والرد على الموكل لأنه ائتمنه بخلاف الرد على غير الموكل كرسوله فيصدق
____________________
(3/94)
الرسول بيمينه ولوكله بقضاء دين فقال قضيته وأنكر المستحق دفعه إليه صدق المستحق بيمينه لأن الأصل عدم القضاء فيحلف ويطالب الموكل فقط
( فإن تعدى ) كأن ركب الدابة ولبس الثوب تعديا ( ضمن ) كسائر الأمناء ومن التعدي أن يضيع منه المال ولا يدري كيف ضاع أو وضعه بمحل ثم نسيه ولا ينعزل بتعديه بغير إتلاف الموكل فيه
ولو أرسل إلى بزاز ليأخذ منه ثوبا سوما فتلف في الطريق ضمنه المرسل لا الرسول
فرع لو اختلفا في أصل الوكالة بعد التصرف كوكلتني في كذا فقال ما وكلتك
أو في صفتها بأن قال وكلتني بالبيع نسيئة أو بالشراء بعشرين فقال بل نقدا أو بعشرة صدق الموكل بيمينه في الكل
____________________
(3/95)
لأن الأصل معه ( وينعزل ) الوكيل ( بعزل أحدهما ) أي بأن يعزل الوكيل نفسه أو يعزله الموكل سواء كان بلفظ العزل أم لا كفسخت الوكالة أو أبطلتها أو أزلتها وإن لم يعلم المعزول
( و ) ينعزل أيضا بخروج أحدهما عن أهلية التصرف ( بموت أو جنون ) حصلا لأحدهما وإن لم يعلم الآخر به ولو قصرت مدة الجنون وزوال ملك الموكل عما وكل فيه أو منفعته كأن باع أو وقف أو آجر أو رهن أو زوج أمة
ولا يصدق الموكل ( بعد تصرف ) أي تصرف الوكيل في قوله كنت عزلته ( إلا ببينة ) يقيمها على العزل
قال الأسنوي وصورته إذا أنكر الوكيل العزل فإن وافقه على العزل لكن ادعى أنه بعد التصرف فهو كدعوى الزوج تقدم الرجعة
____________________
(3/96)
على انقضاء العدة وفيه تفصيل معروف انتهى
ولو تصرف وكيل أو عامل بعد انعزاله جاهلا في عين مال موكله بطل وضمنها إن سلمها أو في ذمته انعقد له
فروع لو قال لمدينه إشتر لي عبدا بما في ذمتك ففعل صح للموكل وبرىء المدين وإن تلف على الأوجه ولو قال لمدينه أنفق على اليتيم الفلاني كل يوم درهما من ديني الذي عليك ففعل صح وبرىء على ما قاله بعضهم يوافقه قول القاضي لو أمر مدينه أن يشتري له بدينه طعاما ففعل ودفع الثمن وقبض الطعام فتلف في يده بريء من الدين
ولو قال لوكيله بع هذه ببلد كذا واشتر لي بثمنها قنا جاز له إيداعها في الطريق أو المقصد عند أمين من حاكم فعيره إذ العمل غير لازم له ولا تغرير منه بل المالك هو المخاطر بماله ومن ثم لو باعها لم يلزمه شراء القن ولو اشتراه لم يلزمه رده بل له إيداعه عند من ذكر وليس له رد الثمن حيث لا قرينة قوية تدل على رده كما استظهره شيخنا لأن المالك لم يأذن فيه
____________________
(3/97)
فإن فعل فهو في ضمانه حتى يصل لمالكه ومن ادعى أنه وكيل لقبض ما على زيد من عين أو دين لم يلزمه الدفع إليه إلا ببينة بوكالته
ولكن يجوز الدفع له إن صدقه في دعواه أو ادعى أنه محتال به وصدقه وجب الدفع له لاعترافه بانتقال المال إليه وإذا دفع إلى مدعي الوكالة فأنكر المستحق وحلف أنه لم يوكل فإن كان المدفوع هينا استردها إن بقيت وإلا غرم من شاء منهما ولا رجوع للغارم على الآخر لأنه مظلوم بزعمه أو دينا طالب الدافع فقط أو إلى مدعي الحوالة فأنكر الدائن الحوالة وحلف أخذ دينه ممن كان عليه ولا يرجع المؤدي على من دفع إليه لأنه اعترف بالملك له
قال الكمال الدميري لو قال أنا وكيل في بيع أو نكاح وصدقه من يعامله صح العقد فلو قال بعد العقد لم يكن وكيلا لم يلتفت إليه
____________________
(3/98)
( ويصح قراض وهو ) أن يعقد على مال يدفعه لغيره ليتجر فيه على أن يكون الربح مشتركا بينهما ( في نقد خالص مضروب ) لأنه عقد غرر لعدم انضباط العمل والوثوق بالربح وإنما جوز للحاجة فاختص بما يروج غالبا
____________________
(3/99)
وهو النقد المضروب
ويجوز عليه وإن أبطله السلطان وخرج بالنقد العرض ولو فلوسا وبالخالص المغشوش وإن علم قدر غشه أو استهلك وجاز التعامل به
وبالمضروب التبر وهو ذهب أو فضة لم يضرب والحلي فلا يصح في شيء منها وقيل يجوز على المغشوش إن استهلك غشه
وجزم به الجرجاني
وقيل إن راج
واختاره السبكي وغيره
وفي وجه ثالث في زوائد الرضة أنه يجوز على كل مثلي وإنما يصح القراض ( بصيغة ) من إيجاب من جهة رب المال كقارضتك أو عاملتك في كذا أو خذ هذه الدراهم واتجر فيها أو بع أو اشتر على أن الربح بيننا وقبول فورا من جهة العامل لفظا وقيل يكفي في صيغة الأمر كخذ هذه واتجر فيها القبول بالفعل كما في الوكالة وشرط المالك والعامل كالموكل والوكيل صحة مباشرتهما التصرف ( مع شرط ربح لهما ) أي للمالك والعامل
____________________
(3/100)
فلا يصح على أن لأحدهما الربح ( ويشترط كونه ) أي الربح ( معلوما بالجزئي كنصف وثلث
ولو قال قارضتك على أن الربح بيننا صح مناصفة أو على أن لك ربع سدس العشر صح وإن لم يعلماه عند العقد لسهولة معرفته وهو جزء من مائتين وأربعين جزءا
ولو شرط لأحدهما عشرة أو ربح صنف كالرقيق فسد القراض
( ولعامل في ) عقد قراض ( فاسد أجرة مثل ) وإن لم يكن ربح لأنه عمل طامعا في المسمى ومن القراض الفاسد على ما أفتي به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى ما اعتاده بعض الناس من دفع مال إلى آخر بشرط أن يرد له لكل عشرة اثني عشر إن ربح أو خسر فلا يستحق العامل إلا أجرة المثل وجميع الربح أو الخسران على المالك ويده على المال يد أمانة
فإن قصر بأن جاوز المكان الذي أذن له فيه ضمن المال
انتهى
ولا أجرة للعامل في الفاسد إن شرط الربح كله للمالك لأنه لم يطمع في شيء
ويتجه أنه لا يستحق شيئا أيضا إذا علم الفساد وأنه لا أجرة له
ويصح تصرف العامل مع فساد القراض لكي
____________________
(3/101)
لا يحل له الإقدام عليه بعد علمه بالفساد
ويتصرف العامل ولو بعرض لمصلحة لا بغبن فاحش ولا بنسيئة بلا إذن فيهما ولا يسافر بالمال بلا إذن وإن قرب السفر وانتفى الخوف والموءنة فيضمن به ويأثم ومع ذلك القراض باق على حاله أما بالإذن فيجوز لكن لا يجوز ركوب في البحر إلا بنص عليه ( ولا يمون ) أي لا ينفق منه على نفسه حضرا ولا سفرا لأن له نصيبا من الربح فلا يستحق شيئا آخر فلو شرط الموءنة في العقد فسد ( وصدق ) عامل بيمينه ( في ) دعوى ( تلف ) في كل المال أو بعضه لأنه مأمون نعم نص في البويطي واعتمده جمع متقدمون أنه لو أخذ ما لا يمكنه القيام به فتلف بعضه ضمنه لأنه فرط بأخذه ويطرد ذلك في الوكيل
____________________
(3/102)
والوديع والوصي ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض والعامل أنه قراض حلف العامل كما أفتى به ابن الصلاح كالبغوي لأن الأصل عدم الضمان خلافا لما رجحه الزركشي وغيره من تصديق المالك فإن أقاما بينة قدمت بينة المالك على الأوجه لأن معها زيادة علم
( و ) في ( عدم ربح ) أصلا ( و ) في ( قدره ) عملا بالأصل فيهما ( و ) في ( خسر ) ممكن لأنه أمين
ولو قال ربحت كذا ثم قال غلطت في الحساب أو كذبت لم يقبل لأنه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه ويقبل قوله بعد خسرت إن احتمل كأن عرض كساد
( و ) في ( رد ) للمال على المالك لأنه ائتمنه كالمودع
ويصدق العامل أيضا في قدر رأس المال لأن الأصل عدم الزائد وفي قوله اشتريت هذا لي أو للقراض والعقد في الذمة لأنه أعلم بقصده أما لو كان الشراء بعين مال القراض فإنه يقع للقراض وإن نوى نفسه كما قاله الإمام وجزم به في المطلب
وعليه فتسمع بينة المالك أنه اشتراه
____________________
(3/103)
بمال القراض
وفي قوله لم تنهني عن شراء كذا لأن الأصل عدم النهي ولو اختلفا في القدر المشروط له أهو النصف أو الثلث مثلا تحالف
وللعامل بعد الفسخ أجرة المثل والربح جميعه للمالك أو في أنه وكيل أو مقارض صدق المالك بيمينه ولا أجرة عليه للعامل
( تتمة ) الشركة نوعان أحدهما فيما ملك اثنان مشتركا بإرث أو شراء
والثاني أربعة أقسام منها قسم صحيح
____________________
(3/104)
وهو أن يشترط اثنان في مال لهما ليتجرا فيه وسائر الأقسام باطلة كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما بتساو أو تفاوت أو ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما بمؤجل أو حال أو ليكون بينهما كسبهما وربحهما ببدنهما أو مالهما وعليهما ما يعرض من غرم وشرط فيها لفظ يدل على الإذن في التصرف بالبيع والشراء فلو اقتصر على اشتراكنا لم يكف عن الإذن فيه ويتسلط كل واحد منهما على التصرف بلا ضرر أصلا بأن يكون فيه مصلحة فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد
____________________
(3/105)
ولا يسافر به حيث لم يضطر إليه لنحو قحط وخوف ولا يبضعه بغير إذنه فإن سافر به ضمن وصح تصرفه أو أبضعه بدفعه لمن يعمل لهما فيه ولو تبرعا بلا إذن ضمن أيضا والربح والخسران بقدر المالين فإن شرطا خلافه فسد العقد فلكل على الآخر أجرة عمله له ونقد التصرف منهما مع ذلك للإذن وتنفسخ بموت أحدهما وجنونه ويصدق في دعوى الرد إلى شريكه في الخسران والتلف في قوله اشتريته لي أو للشركة لا في قوله اقتسمنا وصار ما بيدي لي مع قول الآخر لا بل هو مشترك فالمصدق المنكر لأن الأصل عدم القسمة ولو قبض وارث حصته من دين مورثه شاركه الآخر ولو باع شريكان عبدهما صفقة وقبض أحدهما حصته لم يشاركه الآخر
____________________
(3/106)
( فائدة ) أفتى النووي كابن الصلاح فيمن غصب نحو نقد أو بر وخلطه بماله ولم يتميز بأن له إفراز قدر المغصوب ويحل له التصرف في الباقي
فصل في أحكام الشفعة
____________________
(3/107)
إنما تثبت الشفعة لشريك لا جار في بيع أرض مع تابعها كبناء وشجر وثمر غير مؤبر فلا شفعة في شجر أفرد بالبيع أو بيع مع مغرسه فقط ولا في بئر ولا يملك الشفيع لإ بلفظ كأخذت بالشفعة مع بذل الثمن للمشتري
باب في الإجارة
____________________
(3/108)
هي لغة اسم للأجرة وشرعا تمليك منفعة بعوض بشروط آتية
( تصح إجارة بإيجاب كآجرتك ) هذا أو أكريتك أو ملكتك منافعه سنة ( بكذا وقبول كاستأجرته ) واكتريت وقبلت
قال النووي في شرح المهذب إن خلاف المعاطاة يجري في الإجارة والرهن والهبة وإنما تصح الإجارة ( بأجر ) صح كونه ثمنا ( معلوم ) للعاقدين قدرا وجنسا وصفة إن كان في الذمة
____________________
(3/109)
وإلا كفت معاينته في إجارة العين أو الذمة فلا يصح إجارة دار ودابة بعمارة لها وعلف ولا استئجار لسلخ شاة بجلد ولطحن نحو بر ببعض دقيق ( في منفعة متقومة ) أي لها قيمة ( معلومة ) عينا وقدرا وصفة ( واقعة للمكتري غير متضمن لاستيفاء عين قصدا ) بأن لا يتضمنه العقد
وخرج بمتقومة ما ليس لها قيمة فلا يصح اكتراء بياع للتلفظ بمحض كلمة أو كلمات يسيرة على الأوجه ولو إيجابا وقبولا وإن روجت السلعة إذ لا قيمة لها
____________________
(3/110)
ومن ثم اختص هذا بمبيع مستقر القيمة في البلد كالخبز بخلاف نحو عبد وثوب مما يختلف ثمنه باختلاف متعاطيه فيختص بيعه من البياع بمزيد نفع فيصح استئجاره عليه
وحيث لم يصح فإن تعب بكثرة تردد أو كلام فله أجرة المثل وإلا فلا
وأفتى شيخنا المحقق ابن زياد بحرمة أخذ القاضي الأجرة على مجرد تليقن الإيجاب إذ لا كلفة في ذلك وسبقة العلامة عمر الفتى بالإفتاء بالجواز إن لم يكن ولي المرأة فقال إذا لقن الولي والزوج صيغة النكاح فله أن يأخذ ما اتفقا عليه بالرضا وإن كثر وإن لم يكن لها ولي غيره فليس له أخذ شيء على إيجاب النكاح لوجوبه عليه حينئذ انتهى
وفيه نظر لما تقرر آنفا ولا استئجار دراهم ودنانير غير المعراة للتزين لأن منفعة نحو التزيين بها لا تقابل بمال وأما المعراة فيصح استئجارها على ما بحثه الأذرعي لأنها حينئذ حلى واستئجار الحلى صحيح قطعا
وبمعلومة استئجار المجهول فآجرتك إحدى الدارين باطل وبواقعة للمكتري ما يقع نفعها للأجير فلا يصح الاستئجار لعبادة
____________________
(3/111)
تجب فيها نية غير نسك كالصلاة لأن المنعة في ذلك للأجير لا المستأجر والإمامة ولو نقل كالتراويح لأن الإمام مصل لنفسه فمن أراد اقتدي به وإن لم ينو الإمامة أما ما لا يحتاج إلى نية كالأذان والإقامة فيصح الاستئجار عليه والأجرة مقابلة لجميعه مع نحو رعاية الوقت وتجهيز الميت وتعليم القرآن كله أو بعضه وإن تعين على المعلم للخبر الصحيح إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله قال شيخنا في شرح المنهاج يصح الاستئجار لقراءة القرآن عند القبر
____________________
(3/112)
أو مع الدعاء بمثل ما حصل له من الأجر له أو لغيره عقبها عين زمانا أو مكانا أو لا ونية الثواب له غير دعاء لغو خلافا لجمع وإن اختار السبكي ما قالوه وكذا أهديت قراءتي أو ثوابها له خلافا لجمع أيضا أو بحضرة المستأجر أي أو نحو ولده فيما يظهر ومع ذكره في القلب حالتها كما ذكره بعضهم وذلك لأن موضعها موضع بركة وتنزل رحمة والدعاء بعدها أقرب إجابة وإحضار المستأجر في القلب سبب لشمول الرحمة له إذا نزلت على قلب القاريء وألحق بها الاستئجار لمحض الذكر والدعاء عقبه وأفتى بعضهم بأنه لو ترك من القراءة المستأجر عليها آيات لزمه قراءة ما تركه ولا يلزمه استئناف ما بعده
وبأن من استوءجر لقراءة على قبر لا يلزمه عند الشروع أن ينوي أن ذلك عما استؤجر عنه أي بل الشرط عدم الصارف
فإن قلت صرحوا في النذر بأنه لا بد أن ينوي أنها عنه
قلت هنا قرينة صارفة لوقوعها عما استؤجر له ولا كذلك ثم ومن ثم لو استؤجر هنا لمطلق القراءة
____________________
(3/113)
وصححناه احتاج للنية فيما يظهر أولا لمطلقها كالقراءة بحضرته لم يحتج لها فذكر القبر مثال انتهى ملخصا
وبغير متضمن لاستيفاء عين ما تضمن استيفاءها فلا يصح اكتراء بستان لثمرته لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة قصدا ونقل التاج السبكي في توشيحه اختيار والده التقي السبكي في آخر عمره صحة إجارة الأشجار لثمرها وصرحوا بصحة استئجار قناة أو بئر للإنتفاع بمائها للحاجة
قال في العباب لا يجوز إجارة الأرض لدفن الميت لحرمة نبشه قبل بلائه وجهالة وقت البلى ( و ) يجب ( على مكر تسليم مفتاح دار ) لمكتر ولو ضاع من المكتري وجب على المكري تجديده
والمراد بالمفتاح مفتاح
____________________
(3/114)
الغلق المثبت
أما غيره فلا يجب تسليمه بل ولا قفله كسائر المنقولات
( وعمارتها ) كبناء وتطيين سطح ووضع باب وإصلاح منكسر
وليس المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري أنه يأثم بتركه أو أنه يجبر عليه بل إنه إن تركه ثبت للمكتري الخيار كما بينته بقولي ( فإن بادر ) وفعل ما عليه فذاك ( وإلا فللمكتري خيار ) إن نقصته المنفعة ( وعلى مكتر
تنظيف عرصتها ) أي الدار ( من كناسة ) وثلج والعرصة كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شيء من بناء وجمعها عرصات ( وهو ) أي المكتري ( أمين ) على العين المكتراة ( مدة الإجارة ) إن قدرت بزمن أو مدة إمكان الإستيفاء إن قدرت بمحل عمل ( وكذا بعدها ) ما لم يستعملها استصحابا لما كان
____________________
(3/115)
ولأنه لا يلزمه الرد ولا موءنته بل لو شرط أحدهما عليه فسد العقد
وإنما الذي عليه التخلية كالوديع ورجح السبكي أنه كالأمانة الشرعية فيلزمه إعلام مالكها بها أو الرد فورا وإلا ضمن
والمعتمد خلافه
وإذا قلنا بالأصح أنه ليس عليه إلا التخلية فقضيته أنه لا يلزم إعلام المؤجر بتفريغ العين بل الشرط أن لا يستعملها ولا يحبسها لو طلبها
وحينئذ يلزم من ذلك أنه لا فرق بين أن يقفل باب نحو الحانوت بعد تفريغه أو لا
لكن قال البغوي لو استأجر حانوتا شهرا فأغلق بابه وغاب شهرين لزمه المسمى للشهر الأول وأجرة المثل للشهر الثاني
قال شيخنا في شرح المنهاج وما ذكره البغوي في مسألة الغيبة متجه ولو استعمل العين بعد المدة لزمه أجرة المثل ( كأجير ) فإنه أمين ولو بعد المدة أيضا ( فلا ضمان على واحد منهما )
____________________
(3/116)
فلو اكترى دابة ولم ينتفع بها فتلفت أو اكتراه لخياطة ثوب أو صبغه فتلف فلا يضمن سواء انفرد الأجير باليد أم لا كأن قعد المكتري معه حتى يعمل أو أحضره منزله ليعمل ( إلا بتقصير ) كأن ترك المكتري الإنتفاع بالدابة فتلفت بسبب كانهدام سقف اصطبلها عليها في وقت لو انتفع بها فيه عادة سلمت وكأن ضربها أو أركبها أثقل منه
ولا يضمن أجير لحفظ دكان مثلا إذا أخذ غيره ما فيها
قال الزركشي إنه لا ضمان أيضا على الخفير وكأن استأجره ليرعى دابته فأعطاها آخر يرعاها فيضمنها كل منهما والقرار على من تلفت بيده
____________________
(3/117)
وكأن أسرف خباز في الوقود أو مات المتعلم من ضرب المعلم فإنه يضمن ويصدق الأجير في أنه لم يقصر ما لم يشهد خبيران بخلافه
ولو اكترى دابة ليركبها اليوم ويرجع غدا فأقام بها ورجع في الثالث ضمنها فيه فقط لأنه استعملها فيه تعديا
ولو اكترى عبدا لعمل معلوم ولم يبين موضعه فذهب به من بلد العقد إلى آخر فأبق ضمنه مع الأجرة
فرع يجوز لنحو القصار حبس الثوب كرهنه بأجرته حتى يستوفيها
( ولا أجرة ) لعمل
____________________
(3/118)
كحلق رأس وخياطة ثوب وقصارته وصبغه بصبغ مالكه ( بلا شرط ) الأجرة
فلو دفع ثوبه إلى خياط ليخيط أو قصار ليقصره أو صباغ ليصبغه ففعل ولم يذكر أحدهما أجرة ولا ما يفهمها فلا أجرة له لأنه متبرع
قال في البحر ولأنه لو قال اسكني دارك شهرا فأسكنه لا يستحق عليه أجرة إجماعا وإن عرف بذلك العمل بها لعدم التزامها
ولا يستثنى وجوبها على داخل حمام أو راكب سفينة مثلا بلا إذن لاستيفائه المنفعة من غير أن يصرفها صاحبها إليه بخلافه بإذنه
أما إذا ذكر أجرة
____________________
(3/119)
فيستحقها قطعا إن صح العقد وإلا فأجرة المثل
وأما إذا عرض بها كأرضيك أو لا أخيبك أو ترى ما يسرك فيجب أجرة المثل ( وتقررت ) أي الأجرة التي سميت في العقد ( عليه ) أي المكتري ( بمضي مدة ) في الإجارة المقدرة بوقت أو مضي مدة إمكان الاستيفاء في المقدرة بعمل ( وإن لم يستوف ) المستأجر المنفعة لأن المنافع تلفت تحت يده وإن ترك لنحو مريض أو خوف طريق إذ ليس على المكري إلا التمكين من الإستيفاء وليس له بسبب ذلك فسخ ولا رد إلى تيسير العمل ( وتنفسخ ) الإجارة ( بتلف مستوفى منه معين ) في العقد كموت نحو دابة وأجير معينين وانهدام دار ولو بفعل المستأجر ( في ) زمان ( مستقبل ) لفوات محل المنفعة فيه لا في ماض بعد القبض إذا كان لمثله أجرة لاستقراره
بالقبض فيستقر قسطه من المسمى باعتبار أجرة
____________________
(3/120)
المثل وخرج بالمستوفى منه غيره مما يأتي وبالمعين في العقد المعين عما في الذمة فإن تلفهما لا يوجب انفساخا يل يبدلان ويثبت الخيار على التراخي على المعتمد بعيب نحو الدابة المقارن إذا جهله والحادث لتضرره وهو ما أثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت أجرتها ولا خيار في إجارة الذمة بعيب الدابة بل يلزمه الإبدال
ويجوز في إجارة عين وذمة استبدال المستوفي كالراكب والساكن والمستوفى به كالمحمول والمستوفى فيه كالطريق بمثلها أو بدون مثلها ما لم يشترط عدم الإبدال في الآخرين
فرع
____________________
(3/121)
لو استأجر ثوبا للبس المطلق لا يلبسه وقت النوم ليلا وإن اطردت عادتهم بذلك ويجوز لمستأجر الدابة مثلا منع المؤجر من حمل شيء عليها
فائدة قال شيخنا إن الطبيب الماهر أي بأن كان خطوه نادرا لو شرطت له أجرة وأعطي ثمن الأدوية فعالجه بها فلم يبرأ استحق المسمى إن صحت الإجارة وإلا فأجرة المثل
وليس للعليل الرجوع عليه بشيء لأن المستأجر عليه المعالجة لا الشفاء بل إن شرط بطلت الإجارة لأنه بيد الله تعالى لا غير
أما غير الماهر فلا يستحق أجرة ويرجع عليه بثمن الأدوية لتقصيره بمباشرته بما ليس له بأهل
ولو اختلفا أي المكري والمكتري ( في أجرة أو مدة ) أو قدر منفعة هل هي عشرة فراسخ أو خمسة أو في قدر المستأجر هل هو كل الدار أو بيت منها ( تحالفا وفسخت ) أي الإجارة ووجب على المكتري أجرة المثل لما استوفاه
فرع لو وجد المحمول على الدابة مثلا ناقصا نقصا يؤثر وقد كاله المؤجر حط قسطه من الأجرة إن كانت الإجارة في الذمة وإلا لم يحط شيء من الأجرة
____________________
(3/122)
ولو استأجر سفينة فدخلها سمك فهل هو له أو للمؤجر وجهان
____________________
(3/123)
تتمة تجوز المساقاة وهي أن يعامل المالك غيره على نخل أو شجر عنب مغروس معين في العقد مرئي لهما عنده ليتعهده بالسقي والتربية على أن الثمرة الحادثة أو الموجودة لهما
____________________
(3/124)
وإلا تجوز في غير نخل وعنب لا تبعا لهما
وجوزها القديم في سائر الأشجار وبه قال مالك وأحمد واختاره جمع من أصحابنا ولو ساقاه على ودي غير مغروس ليغرسه ويكون الشجر أو ثمرته إذا أثمر لهما لم تجز لكن قضية كلام جمع من السلف جوازها والشجر لمالكه وعليه لذي الأرض أجرة مثلها والمزارعة هي أن يعامل المالك غيره على أرض ليزرعها بجزء معلوم
____________________
(3/125)
مما يخرج منها والبذر من المالك فإن كان البذر من العامل فهي مخابرة وهما باطلان للنهي عنهما واختار السبكي كجمع آخرين جوازهما واستدلوا بعمل عمر رضي الله عنه وأهل المدية وعلى المرجح فلو أفردت الأرض بالمزارعة فالمغل للمالك وعليه للعامل أجرة عمله ودوابه وآلاته وإن أفردت الأرض بالمخابرة فالمغل للعامل وعليه لمالك الأرض أجرة مثلها وطريق جعل الغلة لهما ولا أجرة أن يكتري العامل نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع آلاته أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع إن كان البذر منه فإن كان من المالك استأجرة بنصف البذر ليزرع له النصف الآخر من البذر في نصف الأرض ويعيره نصفها
____________________
(3/126)
باب في العارية بتشديد الياء وتخفيفها وهي اسم لما يعار للعقد المتضمن لإباحة الإنتفاع بما يحل الإنتفاع به مع بقاء عينه ليرده
من عار ذهب وجاء بسرعة لا من العار
وهي مستحبة أصالة لشدة الحاجة إليها وقد تجب كإعارة ثوب توقفت صحة الصلاة عليه وما ينقذ غريقا أو يذبح به حيون محترم يخشى موته
( صح ) من ذي تبرع
____________________
(3/127)
( إعارة عن ) غير مستعارة ( لانتفاع ) مع بقاء عينه ( مملوك ) ذلك الإنتف ولو بوصية أو إجارة أو وقف وإن لم يملك العين لأن العارية ترد على المنفعة فقط
وقيد ابن الرفعة صحتها من الموقوف عليه بما إذا كان ناظرا
قال الإسنوي يجوز للإمام إعارة مال بيت المال ( مباح ) فلا يصح إعارة ما يحرم الإنتفاع به كآلة لهو وفرس وسلاح لحربي وكأمة مشتهاة لخدمة أجنبي وإنما تصح الإعارة من أهل تبرع
( بلفظ يشعر بإذن فيه ) أي الإنتفاع
____________________
(3/128)
( كأعرتك وأبحتك ) منفعة وكاركب وخذه لتنتفع به
ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر
ولا يجوز لمستعير إعارة عين مستعارة بلا إذن معير وله إنابة من يستوفي المنفعة له كأن يركب دابة استعارها للركوب من هو مثله أو دونه لحاجته ولا يصح إعارة ما لا ينتفع به مع بقاء عينه كالشمع للوقود
____________________
(3/129)
لاستهلاكه
ومن ثم صحت للتزين به كالنقد وحيث لم تصح العارية فجرت ضمنت لأن للفاسد حكم صحيحه وقيل لا ضمان لأن ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة ولا فاسدة ولو قال احفر في أرضي بئرا لنفسك فحفر لم يملكها ولا أجرة له على الآمر فإن قال أمرتني بأجرة فقال مجانا صدق الآمر ووارثه
ولو أرسل صبيا ليستعير له شيئا لم يصح فلو تلف في يده أو أتلفه لم يضمنه هو ولا مرسله كذا في الجواهر
( و ) يجب ( على مستعير ضمان قيمة يوم تلف )
____________________
(3/130)
للمعار إن تلف كله أو بعضه في يده ولو بآفة من غير تقصير بدلا أو أرشا وإن شرطا عدم ضمانه لخبر أبي داود وغيره العارية مضمونة أي بالقيمة يوم التلف لا يوم القبض في المتقوم وبالمثل في المثلي على الأوجه
وجزم في الأنوار بلزوم القيمة ولو في المثلي كخشب وحجر
وشرط التلف المضمن أن يحصل ( لا باستعمال ) وإن حصل معه فإن تلف هو أو جزؤه باستعمال مأذون فيه كركوب أو حمل أو لبس اعتيد فلا ضمان للإذن فيه وكذا لا ضمان على مستعير من نحو مستأجر إجارة صحيحة فلا ضمان عليه لأنه نائب عنه وهو لا يضمن فكذا هو
وفي معنى المستأجر الموصى له بالمنفعة والموقوف عليه
____________________
(3/131)
وكذا مستعار لرهن تلف في يد مرتهن لا ضمان عليه كالراهن وكتاب موقوف على المسلمين مثلا استعاره فقيه فتلف في يده من غير تفريط لأنه من جملة الموقوف عليهم
فرع لو اختلفا في أن التلف بالاستعمال المأذون فيه أو بغيره صدق المعير كما قاله الجلال البلقيني لأن الأصل في العارية الضمان حتى يثبت مسقطه
( و ) يجب ( عليه ) أي على المستعير ( مؤنة رد ) للمعار على المالك وخرج بمؤنة الرد مؤنة المعار فتلزم المالك لأنها من حقوق الملك
وخالف القاضي فقال إنها على المستعير
( و ) جاز ( لكل ) من المعير والمستعير ( رجوع ) في العارية مطلقة كانت أو مؤقتة
____________________
(3/132)
حتى في الإعارة لدفن ميت قبل مواراته بالتراب ولو بعد وضعه في القبر لا بعد المواراة حتى يبلى ولا رجوع لمستعير حيث تلزمه الإستعارة كإسكان معتدة ولا لمعير في سفينة صارت في اللجة وفيها متاع المستعير
وبحث ابن الرفعة أن له الأجرة
____________________
(3/133)
ولا في جذع لدعم جدار مائل بعد استناده وله الأجرة من الرجوع
ولو استعار للبناء أو الغراس لم يجز له ذلك إلا مرة واحدة
فلو قلع ما بناه أو غرسه لم يجز له إعادة إلا بإذن جديد إلا إذا صرح له بالتجديد مرة أخرى
فروع لو اختلف مالك عين والمتصرف فيه كأن قال المتصرف أعرتني فقال المالك بل آجرتك بكذا
صدق المتصرف بيمينه إن بقيت العين ولم يمض مدة لها أجرة وإلا حلف المالك واستحقها كما لو أكل طعام غيره وقال كنت أبحت لي وأنكر المالك
____________________
(3/134)
136 المالك المستعير ويرجع على الثاني إن علم أنه عارية وإن لم يكن يعلم أنه عارية بل ظنه للآمر لم يضمن
ومن سكن دارا مدة بإذن مالك أهل ولم يذكر له أجرة لم تلزمه
مهمة قال العبادي وغيره في كتاب مستعار رأى فيه خطأ لا يصلحه إلا المصحف فيجب
قال شيخنا والذي يتجه أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شيء إلا إن ظن رضا مالكه به وأنه يجب إصلاح المصحف لكن إن لم ينقصه خطه لرداءته وأن الوقف يجب إصلاحه إن تيقن الخطأ فيه
فصل في بيان أحكام الغصب الغصب استيلاء على حق غير ولو منفعة كإقامة من قعد بمسجد أو سوق
____________________
(3/135)
المالك المستعير ويرجع على الثاني إن علم أنه عارية وإن لم يكن يعلم أنه عارية بل ظنه للآمر لم يضمن
ومن سكن دارا مدة بإذن مالك أهل ولم يذكر له أجرة لم تلزمه
مهمة قال العبادي وغيره في كتاب مستعار رأى فيه خطأ لا يصلحه إلا المصحف فيجب
قال شيخنا والذي يتجه أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شيء إلا إن ظن رضا مالكه به وأنه يجب إصلاح المصحف لكن إن لم ينقصه خطه لرداءته وأن الوقف يجب إصلاحه إن تيقن الخطأ فيه
فصل في بيان أحكام الغصب الغصب استيلاء على حق غير ولو منفعة كإقامة من قعد بمسجد أو سوق
____________________
(3/136)
بلا حق كجلوسه على فراش غيره وإن لم ينقله وإزعاجه عن داره وإن لم يدخلها وكركوب دابة غيره واستخدام عبده
( وعلى الغاصب رد وضمان متمول تلف بأقصى قيمه من حين غصب إلى تلف
____________________
(3/137)
ويضمن ) مثلي وهو ما حصره كيل أو وزن
وجاز السلم فيه كقطن ودقيق وماء ومسك ونحاس ودراهم ودنانير ولو مغشوشا وتمر وزبيب وحب جاف ودهن وسمن ( بمثله ) في أي مكان حل به المثلي فإن فقد المثل فيضمن بأقصى قيم من غصب إلى فقد
____________________
(3/138)
ولو تلف المثلي فله مطالبته بمثله في غير المكان الذي حل به المثلي إن لم يكن لنقله موءنة وأمن الطريق وإلا فبأقصى قيم المكان
ويضمن متقوم أتلف كالمنافع والحيوان بالقيمة
____________________
(3/139)
ويجوز أخذ القيمة عن المثلي بالتراضي
وإذا أخذ منه القيمة فاجتمعا ببلد التلف لم يرجعا إلى المثل وحيث وجب مثل فلا أثر لغلاء أو رخص
( فروع ) لو حل رباط سفينة فغرقت بسببه ضمنها أو بحادث ريح فلا
وكذا إن لم يظهر سبب ولو حل وثاق بهيمة أو عبد لا يميز أو فتح قفصا عن طير فخرجوا ضمن إن كان بتهييجه وتنفيره
وكذا إن اقتصر على الفتح إن كان الخروج حالا لا عبدا عاقلا حل قيده فأبق ولو معتادا للإباق
ولو ضرب ظالم عبد غيره فأبق لم يضمن
ويبرأ الغاصب برد العين إلى المالك ويكفي وضعها عنده ولو نسيه برىء بالرد إلى القاضي
ولو خلط مثليا أو متقوما بما لا يتميز
____________________
(3/140)
كدهن أو حب وكذا درهم على الأوجه بجنسه أو غيره وتعذر التمييز صار هالكا لا مشتركا فيملكه الغاصب لكن الأوجه أنه محجور عليه في التصرف فيه حتى يعطى بدله
باب في الهبة
____________________
(3/141)
أي مطلقها الشامل للصدقة والهدية
( الهبة تمليك عين ) يصح بيعها غالبا أو دين من أهل تبرع ( بلا عوض )
واحترز بقولنا بلا عوض عن البيع والهبة بثواب فإنها بيع حقيقة ( بإيجاب كوهبتك ) هذا وملكتكه ومنحتكه
( وقبول ) متصل به ( كقبلت ) ورضيت وتنعقد بالكتابة كلك هذا أو كسوتك هذا
____________________
(3/142)
وبالمعاطاة على المختار
قال قال شيخنا في شرح المنهاج وقد لا تشترط الصيغة كما لو كانت ضمنية كأعتق عبدك عني فأعتقه وإن لم يقل مجانا وكما لو زين ولده الصغير بحلى بخلاف زوجته لأنه قادر على تمليكه بتولي الطرفين
قاله القفال وأقره جمع لكن اعترض بأن كلام الشيخين يخالفه حيث اشترطا في هبة الأصل تولي الطرفين بإيجاب وقبول
وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم أو نائبه
ونقلوا عن العبادي وأقره أنه لو غرس أشجارا وقال عند الغرس أغرسها لابني مثلا لم يكن إقرارا بخلاف ما لو قال لعين في يده اشتريتها لابني أو لفلان الأجنبي فإنه إقرار
ولو قال جعلت هذا لابني لم يملكه إلا إن قبض له وضعف السبكي والأذرعي وغيرهما قول الخوارزمي وغيره
____________________
(3/143)
أن إلباس الأب الصغير حليا يملكه إياه
ونقل جماعة عن فتاوى القفال نفسه أنه لو جهز بنته مع أمتعة بلا تمليك يصدق بيمينه في أنه لم يملكها إن ادعته وهذا صريح في رد ما سبق عنه وأفتى القاضي فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج بأنه إن قال هذا جهاز بنتي فهو مالك لها وإلا فهو عارية ويصدق بيمينه
وكخلع الملوك لاعتياد عدم اللفظ فيها انتهى
ونقل شيخنا ابن زياد عن فتاوى ابن الخياط إذا أهدى الزوج للزوجة بعد العقد بسببه فإنها تملكه ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول ومن ذلك ما يدفعه الرجل إلى المرأة صبح الزواج مما يسمى صبحية في عرفنا وما يدفعه إليها إذا غضبت أو تزوج عليها فإن ذلك تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها
انتهى
ولا يشترط الإيجاب والقبول قطعا في الصدقة وهي ما أعطاه محتاجا وإن لم يقصد الثواب أو غنيا لأجل ثواب الآخرة بل يكفي فيها الإعطاء والأخذ ولا في الهدية
____________________
(3/144)
ولو غير مأكول وهي ما نقله إلى مكان الموهوب له إكراما بل يكفي فيها البعث من هذا والقبض من ذاك وكلها مسنونة وأفضلها الصدقة وأما كتاب الرسالة الذي لم تدل قرينة على عوده فقد قال المتولي إنه ملك المكتوب إليه وقال غيره هو باق بملك الكاتب وللمكتوب إليه الإنتفاع به على سبيل الإباحة
وتصح الهبة باللفظ المذكور ( بلا تعليق ) فلا تصح مع تعليق كإذا جاء رأس الشهر فقد وهبتك أو أبرأتك ولا مع تأقيت بغير عمرى ورقبى
____________________
(3/145)
فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب كوهبت لك هذا عمرعك أو ما عشت صحت وإن لم يقل فإذا مت فهي لورثتك وكذا إن شرط عودها إلى الواهب أو وارثه بعد موت المتهب فلا تعود إليه ولا إلى وارثه للخبر الصحيح وتصح ويلغو الشرط
فإذا أقت بعمر الواهب أو الأجنبي كأعمرتك هذا عمري أو عمر فلان
لم تصح
ولو قال لغيره أنت في حل مما تأخذ أو تعطي أو تأكل من مالي فله الأكل فقط لأنه إباحة وهي تصح بمجهول بخلاف الأخذ والإعطاء قاله العبادي ولو قال وهبت لك جميع ما لي أو نصف ما لي صحت إن كان المال أو نصفه معلوما لهما وإلا فلا
وفي الأنوار لو قال أبحت لك ما في داري أو ما في كرمي من العنب فله أكله دون بيعه وحمله وإطعامه لغيره وتقتصر الإباحة على الموجود أي عندها في الدار أو الكرم
ولو قال أبحت لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا ولم يعلم المبيح الجميع لم تحصل الإباحة
اه
وجزم بعضهم أن الإباحة لا ترتد بالرد
____________________
(3/146)
وشرط الموهوب كونه عينا يصح بيعها فلا تصح هبة المجهول كبيعه وقد مر آنفا بيانه بخلاف هديته وصدقته فتصحان فيما استظهره شيخنا وتصح هبة المشاع كبيعه ولو قبل القسمة سواء وهبه للشريك أو غيره
وقد تصح الهبة دون البيع كهبة حبتي بر ونحوهما من المحقرات وجلد نجس على تناقض فيه في الروضة وكذا دهن متنجس ( وتلزم ) أي الهبة بأنواعها الثلاثة ( بقبض ) فلا تلزم بالعقد بل بالقبض على الجديد لخبر أنه صلى الله عليه وسلم أهدى للنجاشي ثلاثين أوقية مسكا
____________________
(3/147)
فمات قبل أن يصل إليه فقسمه صلى الله عليه وسلم بين نسائه ويقاس بالهدية
الباقي وإنما يعتد بالقبض إن كان بإقباض الواهب أو بإذنه أو إذن وكيله فيه ويحتاج إلى إذنه فيه وإن كان الموهوب في يد المتهب
ولا يكفي هنا الوضع بين يدي المتهب بلا إذن فيه لأن قبضه غير مستحق له فاعتبر تحققه بخلافه في المبيع فلو مات أحدهما قبل القبض قام مقامه وارثه في القبض والإقباض
ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الإذن قبله وقال المتهب بعد صدق الواهب على ما استظهره الأذرعي لكن ميل شيخنا إلى تصديق المتهب لأن الأصل عدم الرجوع قبله وهو قريب
ويكفي الإقرار بالقبض كأن قيل له وهبت كذا من فلان وأقبضته فقال نعم وأما الإقرار أو الشهادة بمجرد الهبة
____________________
(3/148)
فلا يستلزم القبض
نعم يكفي عنه قول الواهب ملكها المتهب ملكا لازما
قال بعضهم وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه لئلا يتنبه له ( ولأصل ) ذكر أو أنثى من جهة الأب أو الأم وإن علا ( رجوع فيما وهب ) أو تصدق أو أهدى لا فيما أبرأ ( لفرع ) وإن سفل إن بقي الموهوب ( في سلطنتة بلا استهلاك ) وإن غرس الأرض أو بنى فيها أو تخلل عصير موهوب أو آجره أو علق عتقه أو رهنه أو وهبه بلا قبض فيهما لبقائه في سلطنته فلا رجوع إن زال ملكه بهبة مع قبض وإن كانت الهبة من الإبن لإبنه أو لأخيه لأبيه
____________________
(3/149)
أو ببيع ولو من الواهب على الأوجه أو بوقف
ويمتنع الرجوع بزوال الملك وإن عاد إليه ولو بإقالة أو رد بعيب لأن الملك غير مستفاد منه حينئذ
ولو وهبه الفرع لفرعه وأقبضه ثم رجع فيه ففي رجوع الأب وجهان والأوجه منهما عدم الرجوع لزوال ملكه ثم عوده ويمتنع أيضا إن تعلق به حق لازم كأن رهنه لغير أصل وأقبضه ولم ينفك وكذا إن استهلك كأن تفرخ البيض أو نبت الحب لأن الموهوب صار مستهلكا
ويحصل الرجوع ( بنحو رجعت ) في الهبة كنقضتها أو أبطلتها أو رددت الموهوب إلى ملكي
وكذا بكناية كأخذته وقبضته مع النية لا بنحو بيع
____________________
(3/150)
وإعتاق وهبة لغيره ووقف لكمال ملك الفرع
ولا يصح تعليق الرجوع بشرط ولو زاد الموهوب رجع بزيادته المتصلة كتعلم الصنعة لا المنفصلة كالأجرة والولد والحمل الحادث على ملك فرعه
ويكره للأصل الرجوع في عطية الفرع إلا لعذر كأن كان الولد عاقا أو يصرفه في معصية وبحث البلقيني امتناعه في صدقة واجبة كزكاة ونذر وكفارة وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه كما أفتى به النووي واعتمده جمع متأخرون قال الجلال البلقيني عن أبيه وفرض ذلك فيما إذا فسره بالهبة وهو فرض لا بد منه
انتهى
وقال النووي لو وهب وأقبض ومات
____________________
(3/151)
فادعى الوارث كونه في المرض والمتهب كونه في الصحة صدق
انتهى ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث لأن معها زيادة علم ( وهبة دين للمدين إبراء ) له عنه فلا يحتاج إلى قبول نظرا للمعنى
( ولغيره ) أي المدين هبة ( صحيحة ) إن علما قدره كما صححه جمع تبعا للنص خلافا لما صححه المنهاج
( تنبيه ) لا يصح الإبراء من المجهول للدائن أو المدين لكن فيما فيه معاوضة كأن أبرأتني فأنت طالق لا فيما عدا ذلك على المعتمد وفي القديم يصح من المجهول مطلقا
ولو أبرأ ثم ادعى الجهل لم يقبل ظاهرا بل باطنا
ذكره الرافعي
وفي الجواهر عن الزبيلي
____________________
(3/152)
تصدق الصغيرة المزوجة إجبارا بيمينها في جهلها بمهرها
قال الغزي وكذا الكبيرة المجبرة إن دل الحال على جهلها وطريق الإبراء من المجهول أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين كألف شك هل دينه يبلغها أو ينقص عنها ولو أبرأ من معين معتقدا أنه لا يستحقه فبان أنه يستحقه برىء ويكره لمعط تفضيل في عطية فروع وإن سفلوا ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه سواء كانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا
أو أصول وإن بعدوا سواء الذكر وغيره إلا لتفاوت حاجة أو فضل على الأوجه قال جمع يحرم ونقل في الروضة عن الدارمي
____________________
(3/153)
فإن فضل في الأصل فليفضل الأم وأقره لما في الحديث أن لها ثلثي البر بل في شرح مسلم عن المحاسبي الإجماع على تفصيلها في البر على الأب
( فروع ) الهدايا المحمولة عند الختان ملك للأب وقال جمع للإبن
فعليه يلزم الأب قبولها ومحل الخلاف إذا أطلق المهدي فلم يقصد واحدا منهما وإلا فهي لمن قصده اتفاقا ويجري ذلك فيما يعطاه خادم الصوفيه فهو له فقط عند الإطلاق أو قصده
ولهم عند قصدهم وله
____________________
(3/154)
ولهم عند قصدهما أي يكون له النصف فيما يظهر وقضية ذلك أن ما اعتيد في بعض النواحي من وضع طاسة بين يدي صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم ثم يقسم على الحالق أو الخاتن أو نحوهما يجري فيه ذلك التفصيل فإن قصد ذلك وحده أو مع نظرائه المعاونين له عمل بالقصد
وإن أطلق كان ملكا لصاحب الفرح يعطيه لمن يشاء
وبهذا يعلم أنه لا نظر هنا للعرف أما مع قصد خلافه فواضح وأما مع الإطلاق فلأن حمله على من ذكر من الأب والخادم وصاحب الفرح نظرا للغالب أن كلا من هؤلاء هو المقصود هو عرف الشرع فيقدم على العرف المخالف له بخلاف ما ليس للشرع فيه عرف فإنه تحكم فيه العادة
ومن ثم لو نذر لولي ميت بمال فإن قصد أنه يملكه لغا وإن أطلق فإن كان على قبره ما يحتاج للصرف في مصالحه صرف له وإلا فإن كان عنده قوم اعتيد قصدهم بالنذر للولي صرف لهم ولو أهدي لمن خلصه من ظالم
____________________
(3/155)
لئلا ينقص ما فعله لم يحل له قبوله وإلا حل أي وإن تعين عليه تخليصه ولو قال خذ هذا واشتر لك به كذا تعين ما لم يرد التبسط أي أو تدل قرينة حاله عليه
ومن دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد رجع على من أقبضه ولو بعث هدية إلى شخص فمات المهدي إليه قبل وصولها بقيت على ملك المهدي فإن مات المهدى لم يكن للرسول حملها إلى المهدى إليه
باب في الوقف
____________________
(3/156)
هو لغة الحبس
وشرعا حبس مال يمكن الإنتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح وجهة والأصل فيه خبر مسلم إذا مات المسلم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح أي مسلم يدعو له وحمل العلماء الصدقة الجارية على الوقف
____________________
(3/157)
دون نحو الوصية بالمنافع المباحة
ووقف عمر رضي الله عنه أرضا أصابها بخيبر بأمره صلى الله عليه وسلم وشرط فيها شروط منها أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب وأن من وليها يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول
رواه الشيخان
وهو أول من وقف في الإسلام
وعن أبي يوسف أنه لما سمع خبر عمر أنه لا يباع أصلها رجع عن قول أبي حنيفة ببيع الوقف وقال لو سمعه لقال به
( صح وقف عين ) معينة ( مملوكة ) ملكا يقبل النقل ( تفيد ) فائدة حالا أو مآلا كثمرة أو منفعة يستأجر لها غالبا ( وهي باقية ) لأنه شرع ليكون صدقة جارية
____________________
(3/158)
وذلك كوقف شجر لريعه وحلى للبس ونحو مسك لشم وريحان مزروع بخلاف عود البخور لأنه لا ينتفع به إلا باستهلاكه
والمطعوم لأن نفعه في إهلاكه
وزعم ابن الصلاح صحة وقف الماء اختيار له ويصح وقف المغصوب وإن عجز عن تخليصه ووقف العلو دون السفل مسجدا
والأوجه صحة وقف المشاع وإن قل مسجدا
ويحرم المكث فيه على الجنب تغليبا
____________________
(3/159)
للمنع ويمنع إعتكاف وصلاة به من غير إذن ما لك المنفعة ( بوقفت وسبلت ) وحبست ( كذا على كذا ) أو أرضي موقوفة أو وقف عليه
ولو قال تصدقت بكذا على كذا صدقة محرمة أو موءبدة أو صدقة لأتباع أو لا توهب أو لا تورث فصريح في الأصح ( و ) من الصرائح قوله ( جعلت هذا ) المكان ( مسجدا ) فيصير به مسجدا وإن لم يقل لله ولا أتى بشيء مما مر لأن المسجد لا يكون إلا وقفا
ووقفته للصلاة صريح في الوقفية وكناية في خصوص المسجدية
فلا بد من نيتها في غير الموات
نقل القامولي عن الرواياني وأقره من أنه لو عمر مسجدا خرابا ولم يقف آلاته كانت عارية له يرجع فيها متى شاء
انتهى
ولا يثبت حكم المسجد من صحة الإعتكاف وحرمة المكث للجنب
____________________
(3/160)
لما أضيف من الأرض الموقوفة حوله إذا احتيج إلى توسعته على ما أفتى به شيخنا ابن زياد وغيره
وعلم مما مر أن الوقف لا يصح إلا بلفظ ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة
فلو بنى بناء علي هيئة مسجد وأذن في إقامة الصلاة فيه لم يخرج بذلك عن ملكه كما إذا جعل مكانا على هيئة المقبرة وأذن في الدفن بخلاف ما لو أذن في الإعتكاف فيه فإنه يصير بذلك مسجدا
قال البغوي في فتاويه
لو قال لقيم المسجد اضرب اللبن من أرضي للمسجد فضربه وبنى به المسجد صار له حكم المسجد وليس له نقضه وله استرداده قبل أن يبنى به
انتهى
وألحق البلقيني بالمسجد في ذلك البئر المحفورة للسبيل
والأسنوي المدارس والربط
وقال الشيخ أبو محمد وكذا لو أخذ من الناس ليبنى به زاوية أو رباطا فيصير كذلك بمجرد بنائه
و 2 ضعفه بعضهم
ويصح وقف بقرة على رباط ليشرب لبنها من نزله أو ليباع نسلها لمصالحه
( وشرط له ) أي للوقف ( تأبيد ) فلا يصح تأقيته
____________________
(3/161)
كوقفته على زيد سنة
( وتنجيز ) فلا يصح تعليقه كوقفته على زيد إذا جاء رأس الشهر
نعم يصح تعليقه بالموت كوقفت داري بعد موتي على الفقراء
قال الشيخان وكأنه وصية لقول القفال إنه عرضها للبيع كان رجوعا
( وإمكان تمليك ) للموقوف عليه العين الموقوفه إن وقف على معين واحد أو جمع بأن يوجد خارجا متأهلا للملك
فلا يصح الوقف على معدوم كعلى مسجد سيبنى أو على ولده ولا ولد له أو على من سيولد لي ثم الفقراء
____________________
(3/162)
لانقطاع أوله
أو على فقراء أولاده ولا فقير فيهم أو على أن يطعم المساكين ريعه على رأس قبره بخلاف قبر أبيه الميت
وأفتى ابن الصلاح بأنه لو وقف على من يقرأ على قبره بعد موته فمات ولم يعرف له قبر بطل
انتهى
ويصح على المعدوم تبعا للموجود كوقفته على ولدي ثم على ولد ولدي ولا على أحد هذين ولا على عمارة مسجد إن لم يبينه ولا على نفسه لتعذر تمليك الإنسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه
____________________
(3/163)
ومنه أن يشرط نحو قضاء دينه مما وقفه أو انتفاعه به لا شرط نحو شربه أو مطالعته من بئر وكتاب وقفهما على نحو الفقراء
كذا قاله بعض شراح المنهاج
ولو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا جاز له الأخذ منه وكذا لو كان فقيرا حال الوقف
ويصح شرط النظر لنفسه ولو بمقابل إن كان بقدر أجرة مثل فأقل ومن حيل صحة الوقف على نفسه أن يقف على أولاد أبيه ويذكر صفات نفسه فيصح كما قاله جمع متأخرون واعتمده ابن الرفعة وعمل به في حق نفسه فوقف على الأفقه من بني الرفعة وكان يتناوله
ويبطل الوقف في جهة معصية كعمارة الكنائس وكوقف سلاح على قطاع طريق ووقف على عمارة قبور غير الأنبياء والعلماء والصالحين
( فرع ) يقع لكثيرين أنهم
____________________
(3/164)
يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم وقد تكرر من غير واحد الإفتاء ببطلان الوقف حينئذ
قال شيخنا كالطنبداوي فيه نظر ظاهر بل الوجه الصحة
( لا قبول ) فلا يشترط ( ولو من معين ) نظرا إلى أنه قربة بل الشرط عدم الرد
وما ذكرته في المعين هو المنقول عن الأكثرين
واختاره في الروضة ونقله في شرح الوسيط عن نص الشافعي
وقيل يشترط من المعين القبول نظرا إلى أنه تمليك وهو ما رجحه في المنهاج كأصله
فإذا رد المعين بطل حقه سوءاء شرطنا قبوله أم لا
____________________
(3/165)
نعم لو وقف على وارثه الحائز شيئا يخرج من الثلث لزم وإن رده
وخرج بالمعين الجهة العامة وجهة التحرير كالمسجد فلا قبول فيه جزما ولو وقف على اثنين معينين ثم الفقراء فمات أحدهما فنصيبه يصرف للآخر لأنه شرط في الإنتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعا ولم يوجد ( ولو انقرض ) أي الموقوف عليه المعين ( في منقطع آخر ) كأن قال وقفت على أولادي ولم يذكر أحدا بعد أو على زيد ثم نسله ونحوهما مما لا يدوم ( فمصرفه ) الفقير ( الأقرب ) رحما لا إرثا
____________________
(3/166)
( إلى الواقف ) يوم انقراضهم كابن البنت وإن كان هناك ابن أخ مثلا لأن الصدقة على الأقارب أفضل وأفضل منه الصدقة على أقربهم فأفقرهم
ومن ثم يجب أن يخص به فقراءهم فإن لم يعرف أرباب الوقف أو عرف ولم يكن له أقارب فقراء بل كانوا أغنياء وهم من حرمت عليه الزكاة صرفه الإمام في مصالح المسلمين
وقال جمع يصرف إلى الفقراء والمساكين أي ببلد الموقوف
ولا يبطل الوقف على كل حال بل يكون مستمرا عليه إلا فيما لم يذكر المصرف كوقفت هذا وإن قال لله لأن الوقف يقتضي تمليك المنافع فإذا لم يعين متملكا بطل
____________________
(3/167)
وإنما صح أوصيت بثلثي وصرف للمساكين لأن غالب الوصايا لهم فحمل الإطلاق عليهم وإلا في منقطع الأول كوقفته على من يقرأ على قبري بعد موتي أو على قبر أبي وهو حي فيبطل بخلاف وقفته الآن أو بعد موتي على من يقرأ على قبري بعد موتي فإنه وصية
فإن خرج من الثلث أو أجيز وعرف قبره صحت وإلا فلا
وحيث صحت وإلا فلا
وحيث صححنا الوقف أو الوصية كفي قراءة شيء من القرآن بلا تعيين بسورة يس وإن كان غالب قصد الواقف ذلك كما أفتى به شيخنا الزمزمي وقال بعض أصحابنا هذا إذا لم يطرد عرف في البلد بقراءة قدر معلوم أو سورة معينة وعلمه
____________________
(3/168)
الواقف وإلا فلا بد منه إذ عرف البلد المطرد في زمنه بمنزلة شرطه ( ولو شرط ) أي الواقف ( شيئا ) يقصد كشرط أن لا يؤجر مطلقا أو إلا كذا كسنة أو أن يفضل بعض الموقوف عليهم على بعض أو أنثى على ذكر أو يسوى بينهم أو اختصاص نحو مسجد كمدرسة ومقبرة بطائفة كشافعية ( اتبع ) شرطه في غير حالة الضرورة كسائر شروطه التي لم تخالف الشرع
وذلك لما فيه من وجوه المصلحة أما ما خالف الشرع كشرط العزوبة في سكان المدرسة أي مثلا فلا يصح كما أفتى به البلقيني وخرج بغير حالة الضرورة ما لم يوجد غير المستأجر الأول وقد شرط أن لا يوءجر لإنسان أكثر من سنة
____________________
(3/169)
أو أن الطالب لا يقيم أكثر من سنة ولم يوجد غيره في السنة الثانية فيهمل شرطه حينئذ كما قاله ابن عبد السلام
( فائدة ) الواو العاطفة للتسوية بين المتعاطفات كوقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي وثم والفاء للترتيب ويدخل أولاد بنات في ذرية ونسل وعقب وأولاد أولاد إلا إن قال على من ينسب إلي منهم فلا يدخلون حينئذ
____________________
(3/170)
والمولى يشمل معتقا وعتيقا
تنبيه حيث أجمل الواقف شرطه اتبع فيه العرف المطرد في زمنه لأنه بمنزلة شرطه ثم ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين كما يدل عليه كلامهم ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة على الطرق غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب
وبحث بعضهم حرمة نحو بصاق وعسل وسخ في ماء مطهرة المسجد وإن كثر
( وسئل ) العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار التي عند المساجد فيها الماء إذا لم يعلم أنها موقوفة للشرب أو الوضوء أو الغسل الواجب أو المسنون أو غسل النجاسة ( فأجاب ) إنه إذا دلت قرينة على أن الماء موضوع لتعميم الإنتفاع جاز جميع
____________________
(3/171)
ما ذكر من الشرب وغسل النجاسة وغسل الجنابة وغيرها
ومثال القرينة جريان الناس على تعميم لإنتفاع من غير نكير من فقيه وغيره إذا الظاهر من عدم النكير أنهم أقدموا على تعميم الإنتفاع بالماء بغسل وشرب ووضوء وغسل نجاسة
فمثل هذا إيقاع يقال بالجواز
وقال إن فتوى العلامة عبد الله بامخرمة يوافق ما ذكره
انتهى
قال القفال وتبعوه ويجوز شرط رهن من مستعير كتاب وقف يأخذه الناظر منه ليحمله على رده وألحق به شرط ضامن
وأفتى بعضهم في الوقف على النبي صلى الله عليه وسلم أو النذر له بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط أو على أهل بلد أعطي مقيم بها أو غائب عنها لحاجة غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا
( فروع ) قال التاج الفزاري والبرهان المراغي وغيرهما من شرط قراءة جزء من القرآن كل يوم كفاه قدر جزء ولو مفرقا
____________________
(3/172)
ونظرا وفي المفرق نظر
ولو قال ليتصدق بغلته في رمضان أو عاشوراء ففات تصدق بعده ولا ينتظر مثله
نعم إن قال فطرا لصوامه انتظره
وأفتى غير واحد بأنه لو قال على من يقرأ على قبر أبي كل جمعة يس بأنه إن حد القراء بمدة معينة أو عين لكل سنة غلة اتبع وإلا بطل نظير ما قالوه من بطلان الوصية لزيد كل شهر بدينار إلا في دينار واحد
انتهى
وإنما يتجه إلحاق الوقف بالوصية إن علق بالموت لأنه حينئذ وصية
وأما الوقف الذي ليس كالوصية فالذي يتجه صحته إذ لا يترتب عليه محذور بوجه لأن الناظر إذا قرر من يقرأ كذلك استحق ما شرط ما دام يقرأه فإذا مات مثلا قرر الناظر غيره وهكذا
ولو قال الواقف وقفت هذا على فلان ليعمل كذا قال ابن الصلاح احتمل أن يكون شرطا للإستحقاق وأن يكون توصية له لأجل وقفه
فإن علم مراده اتبع وإن شك لم يمنع الإستحقاق
وإنما يتجه فيما لا يقصد عرفا صرف الغلة في مقابلته وإلا كلتقرأ أو تتعلم كذا فهو شرط للإستحقاق فيما استظهره شيخنا ولوقف وأوصى للضيف صرف
____________________
(3/173)
للوارد على ما يقتضيه العرف ولا يزاد على ثلاثة أيام مطلقا ولا يدفع له حب إلا إن شرطه الواقف
وهل يشترط فيه الفقر قال شيخنا الظاهر لا
( وسئل ) شيخنا الزمزمي عمال وقف ليصرف غلته للإطعام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يجوز للناظر أن يطعمها من نزل به من الضيفان في غير شهر المولد بذلك القصد أو لا وهل يجوز للقاضي أن يأكل من ذلك إذا لم يكن له رزق من بيت المال ولا من مياسير المسلمين ( فأجاب ) بأنه يجوز للناظر أن يصرف الغلة المذكورة في إطعام من ذكر ويجوز للقاضي الأكل منها أيضا لأنها صدقة والقاضي إذا لم يعرفه المتصدق ولم يكن القاضي عارفا به
قال السبكي لا شك في جواز الأخذ له
وبقوله أقول لانتفاء المعنى المانع وإلا يحتمل أن يكون كالهدية
ويحتمل الفرق بأن المتصدق إنما قصد ثواب الآخرة
انتهى
وقال ابن عبد السلام ولا يستحق ذو وظيفة كقراءة أخل بها في بعض الأيام
وقال النووي وإن أخل استناب
____________________
(3/174)
لعذر كمرض أو حبس بقي استحقاقه وإلا لم يستحق لمدة الإستنابة
فأفهم بقاء أثر أستحقاقه لغير مدة الإخلال وهو ما اعتمده السبكي كابن الصلاح في كل وظيفة تقبل الإنابة كالتدريس والإمامة
( ولموقوف عليه ) عين مطلقا أو لإستغلال ريعها لغير نفع خاص منها ( ريع ) وهو فوائد الموقوف جميعها كأجرة ودر وولد حادث بعد الوقف وثمر وغصن يعتاد قطعه أو شرط ولم يوءد قطعه لموت أصله فيتصرف في فوائده تصرف الملاك بنفسه وبغيره ما لم يخالف شرط الواقف
____________________
(3/175)
لأن ذلك هو المقصود من الوقف
وأما الحمل المقارن فوقف تبعا لأمة
أما إذا وقفت عليه عين لنفع خاص كدابة للركوب ففوائدها من در ونحوه للواقف
ولا يجوز وطء أمة موقوفة ولو من واقف أو موقوف عليه لعدم ملكها بل يحدان ويزوجها قاض بإذن الموقوف عليه لا له ولا للواقف
( واعلم ) أن الملك في رقبة الموقوف على معين أو جهة ينتقل إلى الله تعالى أي ينفك عن اختصاص الآدميين
فلو شغل المسجد
____________________
(3/176)
بأمتعة وجبت الأجرة له فتصرف لمصالحه على الأوجه
( فائدة ) ومن سبق إلى محل من مسجد لإقراء قرآن أو حديث أو علم شرعي أو آلة له أو لتعلم ما ذكر أو كسماع درس بين يدي مدرس وفارقه ليعود إليه ولم تطل مفارقته بحيث انقطع عنه الألفة فحقه باق لأن له غرضا في ملازمة ذلك الموضع ليألفه الناس
وقيل يبطل حقه بقيامه
وأطالوا في ترجيحه نقلا ومعنى
____________________
(3/177)
أو للصلاة ولو قبل دخول وقتها أو قراءة أو ذكر وفارقه بعذر كقضاء حاجة وإجابة داع فحقه باق ولو صبيا في الصف الأول في تلك الصلاة وإن لم يترك رداءه فيه
فيحرم على غير العالم الجلوس فيه بغير إذنه أو ظن رضاه
نعم إن أقيمت الصلاة في غيبته واتصلت الصفوف فالوجه سد الصف مكانه لحاجة إتمام الصفوف
ذكره الأذرعي وغيره
فلو كان له سجادة فيه فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الأرض لئلا تدخل في ضمانه
____________________
(3/178)
أما جلوسه لاعتكاف فإن لم ينو مدة بطل حقه بخروجه ولو لحاجة وإلا لم يبطل حقه بخروجه أثناءها لحاجة
وأفتى القفال بمنع تعليم الصبيان في المساجد ( ولا يباع موقوف وإن خرب ) فلو انهدم مسجد وتعذرت إعادته لم يبع ولا يعود ملكا بحال لإمكان الصلاة والاعتكاف في أرضه أو جف الشجر الموقوف أو قلعه ريح لم يبطل الوقف فلا يباع ولا يوهب بل ينتفع الموقوف عليه ولو بجعله أبوابا إن لم يمكنه إجارته خشبا بحاله فإن تعذر الإنتفاع به إلا باستهلاكه
____________________
(3/179)
كأن صار لا ينتفع به إلا بالإحراق انقطع الوقف أي ويملكه الموقوف عليه حينئذ على المعتمد فينتفع بعينه ولا يبيعه
ويجوز بيع حصر المسجد الموقوفة عليه إذا بليت بأن ذهب جمالها ونفعها وكانت المصلحة في بيعها وكذا جذوعه المنكسرة خلافا لجمع فيهما ويصرف ثمنها لمصالح المسجد إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به
والخلاف في الموقوفة ولو بأن اشتراها الناظر ووقفها
____________________
(3/180)
بخلاف الموهوبة والمشتراة للمسجد فتباع جزما لمجرد الحاجة أي المصلحة وإن لم تبل وكذا نحو القناديل
ولا يجوز استعمال حصر المسجد ولا فراشه في غير فرشه مطلقا سواء كانت لحاجة أم لا كما أفتى به شيخنا
ولو اشترى الناظر أخشابا للمسجد أو وهبت له وقبلها الناظر جاز بيعها لمصلحة كأن خاف عليها نحو سرقة لا إن كانت موقوفة من أجزاء المسجد بل تحفظ له وجوبا
ذكره الكمال الرداد في فتاويه
ولا ينقض المسجد إلا إذا خيف على نقضه فينقض يحفظ أو يعمر به مسجد آخر إن رآه الحاكم
والأقرب إليه أولى ولا يعمر به غير جنسه كرباط وبئر كالعكس إلا إذا تعذر جنسه
والذي يتجه ترجيحه في ريع وقف المنهدم أنه إن توقع عوده حفظ له
____________________
(3/181)
وإلا صرف لمسجد آخر
فإن تعذر صرف للفقراء كما يصرف النقض لنحو رباط
( وسئل ) شيخنا عما إذا عمر مسجد بآلات جدد وبقيت آلاته القديمة فهل يجوز عمارة مسجد آخر قديم بها أو تباع ويحفظ ثمنها ( فأجاب ) بأنه يجوز عمارة مسجد قديم وحادث بها حيث قطع بعدم احتياج ما هي منه إليها قبل فنائها ولا يجوز بيعه بوجه من الوجوه
انتهى
ونقل نحو حصير المسجد وقناديله كنقل آلته
ويصرف ريع الموقوف على المسجد مطلقا أو على عمارته في البناء ولو لمنارته وفي التجصيص المحكم والسلم وفي أجرة القيم لا المؤذن والإمام والحصر والدهن إلا إن كان الوقف لمصالحه فيصرف في ذلك لا في التزويق والنقش وما ذكرته من أنه لا يصرف للموءذن والإمام في الوقف المطلق هو مقتضى ما نقله النووي في الروضة عن البغوي لكنه نقل بعده عن فتاوي الغزالي أنه يصرف لهما وهو الأوجه كما في الوقف على مصالحه
____________________
(3/182)
ولو وقف على دهن لإسراج المسجد به أسرج كل الليل إن لم يكن مغلقا مهجورا
وأفتى ابن عبد السلام بجواز إيقاد اليسير من المصابيح فيه ليلا احتراما مع خلوه من الناس واعتمده جمع
وجزم في الروضة بحرمة إسراج الخالي
قال في المجموع يحرم أخذ شيء من زيته وشمعه كحصاه وترابه
( فرع ) ثمر الشجر النابت بالمقبرة المباحة مباح وصرفه لمصالحها أولى وثمر المغروس في المسجد ملكه إن غرس له فيصرف لمصالحه
وإن غرس ليوءكل أو جهل الحال فمباح
وفي الأنوار ليس للإمام إذا اندرست مقبرة ولم يبق بها أثر إجارتها للزراعة أي مثلا وصرف غلتها للمصالح وحمل على الموقوفة فالمملوكة لمالكها إن عرف وإلا فمال ضائع أي إن أيس من معرفته يعمل فيه الإمام بالمصلحة وكذا المجهولة
( وسئل ) العلامة
____________________
(3/183)
الطنبداوي في شجرة نبتت بمقبرة مسبلة ولم يكن لها ثمر ينتفع به إلا أن بها أخشابا كثيرة تصلح للبناء ولم يكن لها ناظر خاص فهل للناظر العام أي القاضي بيعها وقطعها وصرف قيمتها إلى مصالح المسلمين
( فأجاب ) نعم للقاضي في المقبرة العامة المسبلة بيعها وصرف ثمنها في مصالح المسلمين كثمر الشجرة التي لها ثمر فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى
هذا عند سقوطها بنحو ريح
وأما قطعها مع سلامتها فيظهر إبقاوها للرفق بالزائر والمشيع
( ولو شرط واقف نظرا له ) أي لنفسه ( أو لغيره اتبع ) كسائر شروطه
وقبول من شرط له النظر كقبول الوكيل على الأوجه
____________________
(3/184)
وليس له عزل من شرط نظره حال الوقف ولو لمصلحة ( وإلا ) يشرط لأحد ( فهو لقاض ) أي قاضي بلد الموقوف بالنسبة لحفظه وإجارته وقاضي بلد الموقوف عليه بالنسبة لما عدا ذلك على المذهب لأنه صاحب النظر العام فكان أولى من غيره ولو واقفا أو موقوفا عليه
وجزم الخوارزمي بثبوته للواقف وذريته بلا شرط ضعيف
قال السبكي ليس للقاضي أخذ ما شرط للناظر إلا أن صرح الواقف بنظره كما أنه ليس له أخذ شيء من سهم عامل الزكاة قال ابنه التاج ومحله في قاض له قدر كفايته
وبحث بعضهم أنه لو خشي من القاضي أكل الوقف لجوره جاز لمن هو بيده صرفه في مصارفه أي إن عرفها وإلا فوضه لفقيه عارف بها أو سأله وصرفها
وشرط الناظر واقفا كان أو غيره العدالة
____________________
(3/185)
والإهتداء إلى التصرف المفوض إليه
ويجوز للناظر ما شرط له من الأجرة وإن زاد على أجرة مثله ما لم يكن الواقف
فإن لم يشرط له شيء فلا أجرة له
نعم له رفع الأمر إلى الحاكم ليقرر له الأقل من نفقته وأجرة مثله كولي اليتيم وأفتى ابن الصباغ بأن له الإستقلال بذلك من غير حاكم وينعزل الناظر بالفسق فيكون النظر للحاكم
وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره إلا إن شرط نظره حال الوقف
( تتمة ) لو طلب المستحقون من الناظر كتاب الوقف ليكتبوا منه نسخة حفظا لاستحقاقهم لزمه تمكينهم كما أفتى به بعضهم
____________________
(3/186)
باب في الإقرار هو لغة الإثبات وشرعا إخبار الشخص بحق عليه
ويسمى اعترافا ( يؤاخذ بإقرار مكلف مختار ) فلا يؤاخذ بإقرار صبي ومجنون ومكره بغير حق على الإقرار
____________________
(3/187)
بأن ضرب ليقر إما مكره على الصدق كأن ضرب ليصدق في قضية اتهم فيها فيصح حال الضرب وبعده على إشكال قوي فيه سيما إن علم أنهم لا يرفعون الضرب إلا بأخذت مثلا
ولو ادعى صبا أمكن أو نحو جنون عهد أو إكراها وثم أمارة كحبس أو ترسيم وثبت ببينة أو بإقرار المقر له أو بيمين مردودة صدق بيمينه ما لم تقم بينة بخلافه
وأما إذا ادعى الصبي بلوغا بإمناء ممكن فيصدق في ذلك ولا يحلف عليه
____________________
(3/188)
أو بسن كلف ببنة عليه وإن كان غريبا لا يعرف وهي رجلان نعم إن شهد أربع نسوة بولادته يوم كذا قبلن ويثبت بهن السن تبعا كما قاله شيخنا ( وشرط فيه ) أي الإقرار ( لفظ ) يشعر بالتزام بحق ( كعلي ) أو ( عندي كذا ) لزيد ولو زاد فيما أظن أو أحسب لغا
ثم إن كان المقر به معينا كلزيد هذا الثوب أو خذ به أو غيره كله ثوب أو ألف اشترط أن يضم إليه شيء مما يأتي كعندي أو علي
وقوله علي أو في ذمتي للدين ومعي أو عندي للعين
____________________
(3/189)
ويحمل العين على أدنى المراتب وهو الوديعة فيقبل قوله بيمينه في الرد والتلف ( و ) ك ( نعم ) وبلى وصدقت ( وأبرأتني ) منه أو أبرئني منه
( وقضيته لجواب أليس لي ) عليك كذا ( أو ) قال له ( لي عليك كذا ) من غير استفهام لأن المفهوم من ذلك الإقرار
ولو قال اقض الألف الذي لي عليك أو أخبرت أن لي عليك ألفا فقال نعم أو أمهلني أو لا أنكر ما تدعيه أو حتى أفتح الكيس أو أجد المفتاح أو الدراهم مثلا فإقرار
____________________
(3/190)
حيث لا استهزاء فإن اقترن بواحد مما ذكر قرينة استهزاء كإيراد كلامه بنحو ضحك وهز رأسه مما يدل على التعجب والإنكار أي وثبت ذلك كما هو ظاهر لم يكن به مقرا على المعتمد
وطلب البيع إقرار بالملك والعارية والإجارة بملك المنفعة لكن تعينها إلى المقر
وأما قوله ليس لك علي أكثب من ألف جوابا لقوله لي عليك ألف أو نتحاسب أو اكتبوا لزيد علي ألف درهم أو اشهدوا علي بكذا أو بما في هذا الكتاب فليس بإقرار بخلاف أشهدكم مضافا لنفسه
وقوله لمن شهد عليه هو عدل فيما شهد به إقرار كإذا شهد علي فلان بمائة أو قال ذلك فهو صادق فإنه إقرار وإن لم يشهد ( و ) شرط ( في مقر به أن لا يكون ) ملكا ( لمقر ) حين يقر
____________________
(3/191)
لأن الإقرار ليس إزالة عن الملك وإنما هو إخبار عن كونه ملكا للمقر له إذا لم يكذبه
فقوله داري أو ثوبي أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد أو ديني الذي على زيد لعمرو لغو لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له فتنافى الإقرار به لغيره إذ هو إقرار بحق سابق
ولو قال مسكني أو ملبوسي لزيد فهو إقرار لأنه قد يسكن ويلبس ملك غيره
ولو قال الدين الذي كتبته أو باسمي على زيد لعمرو صح أو الدين الذي لي على زيد لعمرو لم يصح إلا إن قال واسمي في الكتاب
____________________
(3/192)
عارية
ولو أقر بحرية عبد معين في يد غيره أو شهد بها ثم اشتراه لنفسه أو ملكه بوجه آخر حكم بحريته
ولو أشهد أنه سيقر بما ليس عليه فأقر أن عليه لفلان كذا لزمه ولم ينفعه ذلك الإشهاد
( وصح إقرار من مريض ) مرض موت ( ولو لوارث ) بدين أو عين فيخرج من رأس المال وإن كذبه بقية الورثة لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر فالظاهر صدقه
لكن للوارث تحليف المقر له على الاستحقاق فيما استظهره شيخنا خلافا للقفال
ولو أقر بنحو هبة مع قبض في الصحة
____________________
(3/193)
قبل وإن أطلق أو قال في عين عرف أنها ملكه هذه ملك لوراثي نزل على حالة المرض
قاله القاضي
فيتوقف على إجازة بقية الورثة كما لو قال وهبته في مرضي
واختار جمع عدم قبوله إن اتهم لفساد الزمان بل قد تقطع القرائن بكذبه فلا ينبغي لمن يخشى الله أن يقضي أو يفتي بالصحة ولا شك فيه إذا علم أن قصده الحرمان
وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ وأنه لا يحل للمقر له أخذه ولا يقدم إقرار صحة على إقرار مرض ( و ) صح إقرار ( بمجهول ) كشيء أو كذا فيطلب من المقر تفسيره فلو قال له علي شيء أو كذا قبل تفسيره بغير عيادة المريض ورد سلام ونجس لا يقتنى كخنزير
____________________
(3/194)
ولو قال له علي مال قبل تفسيره بمتمول وإن قال لا بنجس ولو قال هذه الدار وما فيها لفلان صح واستحق جميع ما فيها وقت الإقرار
فإن اختلفا في شيء أهو بها وقته صدق المقر وعلى المقر له البينة
( و ) صح إقرار ( بنسب ألحقه بنفسه ) كأن قال هذا ابني ( بشرط إمكان ) فيه بأن لا يكذبه الشرع والحس بأن يكون دونه في السن بزمن يمكن فيه كونه ابنه وبأن لا يكون معروف النسب بغيره ( و ) مع ( تصديق مستلحق ) أهل له
____________________
(3/195)
فإن لم يصدقه أو سكت لم يثبت نسبه إلا ببينة
( ولو أقر ببيع أو هبة وقبض وإقباض ) بعدها ( فادعى فساده لم يقبل ) في دعواه فساده
وإن قال أقررت لظني الصحة لأن الاسم عند الإطلاق يحمل على الصحيح
نعم إن قطع ظاهر الحال بصدقه كبدوي جلف فينبغي قبول قوله
كما قاله شيخنا وخرج بإقباض ما لو اقتصر على الهبة فلا يكون مقرا بإقباض
فإن قال ملكها ملكا لازما وهو يعرف معنى ذلك كان مقرا بالإقباض وله تحليف المقر له أنه ليس فاسدا لإمكان ما يدعيه ولا تقبل ببيته لأنه كذبها بإقراره فإن نكل حلف المقر أنه كان فاسدا وبطل البيع أو الهبة لأن اليمين المردودة كالإقرار
ولو قال هذا لزيد بل لعمرو أو غصبت من زيد بل من عمرو سلم لزيد سواء قال ذلك متصلا بما قبله أم منفصلا عنه وإن طال الزمن لامتناع الرجوع
____________________
(3/196)
عن الإقرار بحق آدمي وغرم بدله لعمرو
ولو أقر بشيء ثم أقر ببعضه دخل الأقل في الأكثر
ولو أقر بدين لآخر ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة الإقرار سمعت دعواه للتحليف فقط
فإن أقام بينة بالأداء قبلت على ما أفتى به بعضهم لاحتمال ما قاله كما لو قال لا بينة لي ثم أتى ببينة تسمع
ولو قال لا حق لي على فلان ففيه خلاف
والراجح منه أنه إن قال فيما أظن أو فيما أعلم ثم أقام بينة بأن له عليه حقا قبلت وإن لم يقل ذلك لم تقبل ببينته إلا إن اعتذر بنحو نسيان أو غلط ظاهر
____________________
(3/197)
باب في الوصية هي لغة الإيصال من وصى الشيء بكذا وصله به لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه
____________________
(3/198)
وشرعا تبرع بحق مضاف لما بعد الموت
وهي سنة موءكدة إجماعا
وإن كانت الصدقة بصحة فمرض أفضل فينبغي أن لا يغفل عنها ساعة كما صرح به الخبر الصحيح ما حق أمرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه أي ما الحزم أو المعروف شرعا إلا ذلك لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت
وتكره الزيادة على الثلث إن لم يقصد حرمان ورثته
____________________
(3/199)
وإلا حرمت ( تصح وصية مكلف حر ) مختار عند الوصية فلا تصح من صبي ومجنون ورقيق ولو مكاتبا لم يأذن له السيد ولا من مكره والسكران كالمكلف
وفي قول تصح من صبي مميز ( لجهة حل ) كعمارة مسجد ومصالحه وتحمل عليهما عند الإطلاق بأن قال أوصيت به للمسجد ولو غير ضرورية عملا بالعرف
ويصرفه الناظر للأهم والأصلح
____________________
(3/200)
باجتهاده
وهي للكعبة وللضريح النبوي تصرف لمصالحهما الخاصة بهما كترميم ما وهي من الكعبة دون بقية الحرم وقيل في الأولى لمساكين مكة
قال شيخنا يظهر أخذا مما قالوه في النذر للقبر المعروف بجرجان صحة الوصية كالوقف لضريح الشيخ الفلاني وتصرف في مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرأون عليه
أما إذا قال للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه ونحوه فهي باطلة
ولو أوصى لمسجد سيبنى لم تصح وإن بني قبل موته إلا تبعا وقيل تبطل فيما لو قال أردت تمليكه
____________________
(3/201)
وكعمارة نحو قبة على قبر نحو عالم في غير مسبلة
ووقع في زيادات العبادي ولو أوصى بأن يدفن في بيته بطلت الوصية
وخرج بجهة حل جهة المعصية كعمارة كنيسة وإسراج فيها وكتابة نحو توراة وعلم محرم ( و ) تصح ( لحمل ) موجود حال الوصية يقينا فتصح لحمل انفصل وبه حياة مستقرة لدون ستة أشهر من الوصية أو لأربع سنين فأقل ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد
____________________
(3/202)
وأمكن كون الحمل منه لأن الظاهر وجوده عندها لندرة وطء الشبهة وفي تقدير الزنا إساءة ظن بها
نعم لو لم تكن فراشا قط لم تصح الوصية قطعا لا لحمل سيحدث وإن حدث قبل موت الموصي لأنها تمليك وتمليك المعدوم ممتنع فأشبهت الوقف على من سيولد له
نعم إن جعل المعدوم تبعا للموجود كأن أوصى لأولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الأولاد صحت لهم تبعا ولا لغير معين فلا تصح لأحد هذين
هذا إذا كان بلفظ الوصية فإن كان بلفظ أعطوا هذا لأحدهما صح لأنه وصية بالتمليك من الموصى إليه
( و ) تصح ( لوارث ) للموصي ( مع إجازة ) بقية ( ورثته )
____________________
(3/203)
بعد موت الموصي وإن كانت الوصية ببعض الثلث ولا أثر لإجازتهم في حياة الموصي إذ لا حق لهم حينئذ والحيلة في أخذه من غير توقف على إجازة أن يوصي لفلان بألف أي وهو ثلثه فأقل إن تبرع لولده بخمسمائة أو بألفين كما هو ظاهر
فإذا قبل وأدى للإبن ما شرط عليه
أخذ الوصية ولم يشارك بقية الورثة الإبن فيما حصل له
ومن الوصية له إبراؤه وهبته والوقف عليه
نعم لو وقف عليهم ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم نفذ من غير إجازة فليس لهم نقضه
والوصية لكل وارث بقدر حصته كنصف وثلث لغو لأنه يستحقه بغير وصية ولا يأثم بذلك
____________________
(3/204)
وبعين هي قدر حصته كأن ترك ابنين وقنا ودارا قيمتهما سواء فخص كلا بواحد صحيحة إن أجازا
ولو أوصى للفقراء بشيء لم يجز للوصي أن يعطى منه شيئا لورثة الميت ولو فقراء كما نص عليه في الأم وإنما تصح الوصية ( بأعطوه كذا ) وإن لم يقل من ما لي أو وهبته له أو جعلته له ( أو هو له بعد موتي ) في الأربعة وذلك لأن إضافة كل منها للموت صيرتها بمعنى الوصية ( وبأوصيت له ) بكذا وإن لم يقل بعد موتي لوضعها شرعا لذلك
فلو اقتصر على نحو وهبته له فهو هبة ناجزة أو على نحو ادفعوا إليه من مالي كذا أو أعطوا فلانا من مالي كذا فتوكيل يرتفع بنحو الموت وليست كناية وصية أو على جعلته له
____________________
(3/205)
احتمل الوصية والهبة فإن علمت نيته لأحدهما وإلا بطل أو على ثلث مالي للفقراء لم يكن إقرارا ولا وصية للفقراء
قال شيخنا ويظهر أنه كناية وصية أو على هو له فإقرار فإن زاد من مالي فكناية وصية
وصرح جمع متأخرون بصحة قوله لمدينة إن مت فأعط فلانا ديني الذي عليك أو ففرقه على الفقراء ولا يقبل قوله في ذلك بل لا بد من بينة به
وتنعقد بالكناية كقوله عينت هذا له أو ميزته له أو عبدي هذا له
والكتابة كناية فتنعقد بها مع النية
____________________
(3/206)
ولو من ناطق إن اعترف نطقا هو أو وارثه بنية الوصية بها ولا يكفي هذا خطي وما فيه وصيتي وتصح بالألفاظ المذكورة من الموصي ( مع قبول ) موصى له ( معين ) محصور إن تأهل وإلا فنحو وليه ( بعد موت موص ) ولو بتراخ فلا يصح القبول كالرد قبل موت الموصي لأن للموصي أن يرجع فيها
فلمن رد قبل الموت القبول بعده ولا يصح الرد بعد القبول
ومن صريح الرد رددتها أو لا أقبلها
ومن كنايته لا حاجة لي بها وأنا غني عنها
____________________
(3/207)
ولا يشترط القبول في غير معين كالفقراء بل تلزم بالموت ويجوز الإقتصار على ثلاثة منهم ولا يجب التسوية بينهم
وإذا قبل الموصى له بعد الموت بأن به أي بالقبول الملك له في الموصي به من الموت فيحكم بترتب أحكام الملك حينئذ من وجوب نفقة وفطرة والفوز بالفوائد الحاصلة وغير ذلك
( لا ) تصح الوصية ( في زائد على ثلث في ) وصية وقعت في ( مرض مخوف ) لتولد الموت عن جنسه كثيرا ( إن رده وارث ) خاص مطلق التصرف لأنه
____________________
(3/208)
حقه فإن كان غير مطلق التصرف فإن توقعت أهليته عن قرب وقف إليها وإلا بطلت ولو أجار بعض الورثة فقط صح في قدر حصته من الزائد وإن أجاز الوارث الأهل فإجازته تنفيذ للوصية بالزائد والمخوف كإسهال متتابع
____________________
(3/209)
وخروج الطعام بشدة ووجع أو مع دم من عضو شريف كالكبد دون البواسير أو بلا استحالة وحمى مطبقة وكطلق حامل وإن تكررت ولادتها لعظم خطره ومن ثم كان موتها منه شهادة وبقاء مشيمة والتحام قتال بين متكافئين واضطراب ريح في حق راكب سفينة وإن أحسن السباحة وقرب من البر وأما زمن الوباء والطاعون فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث
____________________
(3/210)
وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على ثلث والأحسن أن ينقص منه شيئا
( ويعتبر منه ) أي الثلث أيضا
____________________
(3/211)
( عتق علق بالموت ) في الصحة أو المرض ( و ) تبرع نجز في مرضه
( كوقف وهبة ) وإبراء
ولو اختلف الوارث والمتهب هل الهبة في الصحة أو المرض صدق المتهب بيمينه لأن العين في يده
ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض اعتبر من الثلث
أما المنجز في صحته فيحسب من رأس المال كحجة الإسلام وعتق المستولدة
____________________
(3/212)
ولو ادعى الوارث موته في مرض تبرعه والمتبرع عليه شفاءه وموته من مرض آخر أو فجأة فإن كان مخوفا صدق الوارث وإلا فالآخر
ولو اختلفا في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض صدق المتبرع عليه لأن الأصل دوام الصحة فإن أقاما بينتين قدمت بينة المرض
( فرع ) لو أوصى لجيرانه فلأربعين دارا من كل جانب فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها أو للعلماء فلمحدث يعرف حال الراوي قوة أو ضدها والمروي صحة وضدها ومفسر
____________________
(3/213)
يعرف معنى كل آية وما أريد بها وفقيه يعرف الأحكام الشرعية نصا واستنباطا
والمراد هنا من حصل شيئا من الفقه بحيث يتأهل به لفهم باقيه وليس منهم نحوي وصرفي ولغوي ومتكلم ويكفي ثلاثة من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها
ولو أوصى لأعلم الناس
____________________
(3/214)
اختص بالفقهاء أو للقراء لم يعط إلا من يحفظ كل القرآن عن ظهر قلب أو لأجهل الناس صرف لعباد الوثن فإن قال من المسلمين فمن يسب الصحابة ويدخل في وصية الفقراء والمساكين وعكسه ويدخل في أقارب زيد كل قريب وإن كان بعد لا أصل وفرع ولا تدخل في أقارب نفسه ورثته ( وتبطل الوصية المعلقة بالموت ) ومثلها تبرع علق بالموت سواء كان التعليق في الصحة أو المرض فللموصي الرجوع فيها كالهبة قبل القبض بل أولى
ومن ثم لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه وإن اعتبر من الثلث
____________________
(3/215)
( برجوع ) عن الوصية ( بنحو نقضتها ) كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها
والأوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط لجواز التعليق فيها فأولى في الرجوع عنها ( و ) بنحو ( هذا لوارثي ) أو ميراث عني سواء أنسي الوصية أم ذكرها
( وسئل ) شيخنا عما لو أوصى له بثلث ماله إلا كتبه ثم بعد مدة أوصى له بثلث ماله ولم يستثن هل يعمل بالأولى أو بالثانية
( فأجاب ) بأن الذي يظهر العمل بالأولى لأنها نص في إخراج الكتب والثانية محتملة إنه ترك الإستثناء فيها لتصريحه به في الأولى وأنه تركه إبطالا له والنصب مقدم على المحتمل ( و ) بنحو ( بيع ورهن ) ولو بلا قبول ( وعرض عليه ) وتوكيل فيه ( و ) نحو ( غراس ) في أرض أوصى بها بخلاف زرعه
____________________
(3/216)
بها
ولو اختص نحو الغراس ببعض الأرض اختص الرجوع بمحله
وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية إن كان لغرض
ولو أوصى بشيء لزيد ثم أوصى به لعمرو فليس رجوعا بل يكون بينهما نصفين
ولو أوصى به لثالث كان بينهم أثلاثا وهكذا
قاله الشيخ زكريا في شرح المنهج
ولو أوصى لزيد بمائة ثم بخمسين فليس له إلا خمسون لتضمن الثانية الرجوع عن بعض الأولى قاله النووي
مطلب في الإيصاء
____________________
(3/217)
( وتنفع ميتا ) من وارث وغيره
____________________
(3/218)
219 ( صدقة ) عنه ومنها و لمصحف وغيره وبناء مسجد وحفر بئر وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته ( ودعاء ) له إجماعا
وصح في الخبر أن الله تعالى يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له وقوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } عام مخصوص بذلك وقيل منسوخ
ومعنى نفعه بالصدقة أنه يصير كأنه تصدق
قال الشافعي رضي الله عنه وواسع فضل الله أن يثيب المتصدق أيضا
ومن ثم قال أصحابنا يسن له نية الصدقة عن أبويه مثلا
____________________
(3/219)
فإنه تعالى يثيبهما ولا ينقص من أجره شيئا
ومعنى نفعه بالدعاء حصول المدعو به له إذا استجيب واستجابته محض فضل من الله تعالى
أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي لأنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها للمشفوع له
نعم دعاء الولد يحصل ثوابه نفسه للوالد الميت لأن عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله كما صرح به خبر ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث ثم قال أو ولد صالح أي مسلم يدعو له حمل دعاءه من عمل الوالد
أما القراءة فقد قال النووي في شرح مسلم المشهور من مذهب الشافعي أنه
____________________
(3/220)
لا يصل ثوابها إلى الميت
وقال بعض أصحابنا يصل ثوابها للميت بمجرد قصده بها ولو بعدها وعليه الأئمة الثلاثة واختاره كثيرون من أئمتنا واعتمده السبكي وغيره فقال والذي دل عليه الخبر بالإستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه وبين ذلك وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو القاريء ثواب قراءته له أو نواه ولم يدع
وقد نص الشافعي والأصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها أي لأنه حينئذ أرجى للإجابة ولأن الميت تناله بركة القراءة كالحي الحاضر
____________________
(3/221)
قال ابن الصلاح وينبغي الجزم بنفع اللهم أوصل ثواب ما قرأته أي مثله فهو المراد وإن لم يصرح به لفلان لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فماله أولى
ويجري هذا في سائر الأعمال من صلاة وصوم وغيرهما
باب الفرائض
____________________
(3/222)
____________________
(3/223)
أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة بمعنى مفروضه
والفرض لغة التقدير وشرعا هنا نصيب مقدر للوارث وهو من الرجال عشرة ابن وابنه وأب وأبوه وأخ مطلقا وابنه إلا من الأم وعم وابنه إلا للأم وزوج وذو ولاء
من النساء تسع بنت وبنت ابن وأم وجدة وأخت
____________________
(3/224)
وزوجة وذات ولاء ولو فقد الورثة كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الأرحام ولا يرد على أهل الفرض فيما إذا وجد بعضهم بل المال لبيت المال ثم إن لم ينتظم المال رد ما فضل عنهم عليهم غير الزوجين بنسبة الفروض ثم ذوي الأرحام وهم أحد عشر ولد بنت وأخت وبنت أخ وعم وعم لأم وخال وخالة وعمة وأبو أم وأم أبي أم وولد أخ لأم
____________________
(3/225)
( الفروض ) المقدرة ( في كتاب الله ) ستة ثلثان ونصف وربع وثمن وثلث وسدس
____________________
(3/226)
فال ( ثلثان ) فرض أربعة ( لاثنين ) فأكثر ( من بنت وبنت ابن وأخت لأبوين ولأب وعصب كلا ) من البنت وبنت الأبوين والأخت لأبويه أو لأب ( أخ ساوى ) له في الرتبة والإدلاء فلا يعصب ابن الإبن البنت
____________________
(3/227)
ولا ابن ابن الابن بنت ابن لعدم المساواة في الرتبة
ولا يعصب الأخ لأبوين الأخت لأب ولا الأخ لأب الأخت لأبوين لعدم المساواة في الإدلاء وإن تساويا في الرتبة ( و ) عصب ( الأخريين ) أي الأخت لأبوين أو لأب ( الأوليان ) وهما البنت وبنت الابن
والمعنى أن الأخت لأبوين أو لأب مع البنت أو بنت الابن تكون عصبة فتسقط أخت لأبوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لأب كما يسقط الأخ لأب ( ونصف ) فرض خمسة ( لهن ) أي لمن ذكرنا حال كونهن ( منفردات ) عن أخواتهن وعن معصبهن ( ولزوج ليس لزوجته فرع ) وارث ذكرا كان أو أنثى
____________________
(3/228)
( وربع ) فرض اثنين ( له ) أي للزوج ( معه ) أي مع فرعها ( و ) ربع ( لها أي لزوجة فأكثر ( دونه ) أي دون فرع له ( وثمن لها ) أي للزوجة ( معه ) أي مع فرع لزوجها ( وثلث فرض اثنين لأم ليس لميتها فرع ) وارث ( ولا عدد ) اثنان فأكثر ( من إخوة ) ذكرا كان أو أنثى ( ولولديها ) أي ولدي أم فأكثر يستوي فيه الذكر والأنثى
____________________
(3/229)
( وسدس ) فرض سبعة ( لأب وجد لميتهما فرع ) وارث ( وأم لميتها ذلك أو عدد من إخوة ) وأخوات اثنان فأكثر ( وجدة ) أم أب وأم أم وإن علتا سواء كان معها ولد أم لا
هذا إن لم تدل بذكر بين أنثيين فإن أدلت به كأم أبي أم لم ترث بخصوص القرابة لأنها من ذوي الأرحام ( وبنت ابن فأكثر مع بنت
____________________
(3/230)
أو بنت ابن أعلى ) منها ( وأخت فأكثر لأب مع أخت لأبوين وواحد من ولد أم ) ذكرا كان أو غيره ( وثلث باق ) بعد فرض الزوج أو الزوجة ( لأم مع أحد زوجين وأب ) لا ثلث الجميع ليأخذ الأب مثلي ما تأخذه الأم
فإن كانت مع زوج وأب فالمسألة من ستة للزوج ثلاثة وللأب اثنان وللأم واحد
وإن كانت مع زوجة وأب فالمسألة من أربعة للزوجة واحد وللأم واحد وللأب اثنان
واستبقوا فيهما لفظ الثلث محافظة على الأدب في موافقة قوله تعالى { وورثه أبواه فلأمه الثلث } وإلا فما تأخذه الأم في الأولى سدس وفي الثانية ربع
____________________
(3/231)
( ويحجب
____________________
(3/232)
233 ولد ابن بابن أو ابن ابن أقرب منه و ) يحجب ( جد بأب و ) تح ( جدة لأم بأم ) لأنها أدلت بها ( و ) جدة ( لأب بأب ) لأنها أدلت به ( وأم بالإجماع
( و ) يحجب ( أخ لأبوين بأب وابن وابنه ) وإن نزل ( و ) يحجب ( أخ لأب بهما ) أي بأب وابن ( وبأخ لأبوين ) وبأخت لأبوين معها بنت أو بنت ابن كما سيأتي ( و ) يحجب أخ ( لأم بأب ) وأبيه وإن علا ( وفرع ) وارث للميت وإن نزل ذكرا كان أو غيره ( و ) يحجب ( إبن أخ لأبوين بأب وجد وابن ) وابنه وإن نزل ( وأخ ) لأبوين أو لأب ( و ) يحجب ( ابن أخ لأب بهؤلاء ) الستة ( وبابن أخ لأبوين ) لأنه أقوى منه ويحجب عم لأبوين بهولاء السبعة وبابن أخ لأب
____________________
(3/233)
وعم لأب بهؤلاء الثمانية وبعم لأبوين وابن عم لأبوين بهؤلاء التسعة وبعم لأب وابن عم لأب بهؤلاء العشرة وبابن عم لأبوين
ويحجب ابن ابن أخ لأبوين بابن أخ لأب لأنه أقرب منه وبنات الإبن بابن أو بنتين فأكثر للميت إن لم يعصب أخ أو ابن عم فإن عصبت به أخذت معه الباقي بعد ثلثي البنتين بالتعصيب والأخوات لأب بأختين لأبوين فأكثر إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن
ويحجبن أيضا بأخت لأبوين معها بنت أو بنت ابن
( واعلم ) أن إبن الإبن كالإبن إلا أنه ليس له مع البنت مثلاها والجدة كالأم إلا أنها لا ترث الثلث ولا ثلث الباقي بل فرضها دائما السدس
والجد كالأب
____________________
(3/234)
إلا أنه لا يحجب الإخوة لأبوين أو لأب وبنت الإبن كالبنت إلا أنها تحجب بالإبن والأخ لأب كالأخ لأبوين إلا أنه ليس له مع الأخت لأبوين مثلاها ( وما فضل ) من التركة عمن له فرض من أصحاب الفروض ( أو الكل ) أي كل التركة إن لم يكن له ذو فرض ( لعصبة )
وتسقط عند الاستغراق ( وهي ابن ف ) بعده ( ابنه ) وإن سفل ( فأب فأبوه ) وإن علا ( فأخ لأبوين و ) أخ ( لأب
____________________
(3/235)
فبنوهما ) كذلك ( فعم لأبوين فلأب فبنوهما ) كذلك ثم عم الأب ثم بنوه ثم عم الجد ثم بنوه
وهكذا ( ف ) بعد عصبة النسب عصبة الولاء وهو ( معتق ) ذكرا كان أو أنثى ( ف ) بعد المعتق ( ذكور عصبته ) دون إناثهم
____________________
(3/236)
ويؤخر هنا الجد عن الأخ وابنه فمعتق المعتق فعصبته
فلو اجتمع بنون وبنات أو إخوة وأخوات فالتركة لهم ( للذكر مثل حظ الأنثين ) وفضل الذكر بذلك لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الأنثى من الجهاد وغيره
وولد ابن كولد وأخ لأب كأخ لأبوين فيما ذكر
____________________
(3/237)
فصل في بيان أصول المسائل ( أصل المسألة عدد الرؤوس إن كانت الورثة عصبات ) كثلاثة بنين أو أعمام فأصلها ثلاثة ( وقدر الذكر أنثيين إن اجتمعا ) أي الصنفان من نسب
ففي ابن وبنت يقسم المتروك على ثلاثة للإبن اثنان وللبنت واحد ومخارج الفروض اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون
____________________
(3/238)
فإن كان في المسألة فرضان فأكثر اكتفى عند تماثل المخرجين بأحدهما كنصفين في مسألة زوج وأخت
____________________
(3/239)
فهي من الإثنين وعند تداخلهما بأكثرهما كسدس وثلث في مسألة أم وولديها وأخ لأبوين أو لأب فهي من ستة وكذا يكتفي في زوجة وأبوين
وعند توافقهما بمضروب وفق أحدهما في الآخر كسدس وثمن في مسألة أم وزوجة وابن فهي من أربعة وعشرين حاصل ضرب وفق أحدهما وهو نصف الستة أو الثمانية في الآخر وعند تباينهما بمضروب أحدهما في الآخر كثلث وربع في مسألة أم وزوجة أخ لأبوين أو لأب فهي من اثني عشر حاصل ضرب ثلاثة في أربعة ( وأصل ) مسألة ( كل فريضة فيها نصفان ) كزوج وأخت لأب ( أو نصف وما بقي ) كزوج وأخ لأب ( اثنان ) مخرج النصف ( أو ) فيها ( ثلثان وثلث ) كأختين لأب وأختين لأم ( أو ثلثان وما بقي ) كبنتين وأخ لأب ( أو ثلث وما بقي ) كأم وعم ( ثلاثة )
____________________
(3/240)
مخرج الثلث ( أو ) فيها ( ربع وما بقي ) كزوجه وعم ( أربعة ) مخرج الربع ( أو ) فيها ( سدس وما بقي ) كأم وابن ( أو سدس وثلث ) كأم وأخوين لأم ( أو ) سدس ( وثلثان ) كأم وأختين لأب ( أو ) سدس ونصف كأم وبنت ( ستة ) مخرج السدس ( أو ) فيها ( ثمن وما بقي ) كزوجة وابن ( أو ) ثمن ( ونصف ما بقي ) كزوجة وبنت وأخ لأب ( ثمانية ) مخرج الثمن ( أو ) فيها ( ربع وسدس ) كزوجة وأخ لأم ( اثنا عشر ) مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر ( أو ) فيها ( ثمن وسدس ) كزوجة وجدة وابن ( أربعة وعشرون ) مضروب وفق أحدهما في الآخر
____________________
(3/241)
( وتعول ) من أصول مسائل الفرائض ثلاثة ( ستة إلى عشرة ) وترا وشفعا
فعولها إلى سبعة كزوج وأختين لغير أم وإلى ثمانية كهم وأم وإلى تسعة كهم وأخ لأم
____________________
(3/242)
وإلى عشرة كهم وأخ آخر لأم ( و ) تعول اثنا عشر إلى سبعة عشر وترا فعولها إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين لغير أم وإلى خمسة عشر كهم وأخ لأم وإلى سبعة عشر كهم وأخ آخر لأم ( و ) تعول ( أربعة وعشرون لسبعة وعشرين ) فقط كبنتين وأبوين وزوجة للبنتين ستة عشر وللأبوين ثمانية وللزوجة ثلاثة وتسمى بالمنبرية لأن عليا رضي الله عنه كان يخطب على منبر الكوفة قائلا الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآل والرجعى فسئل حينئذ عن هذه المسألة فقال ارتجالا صار ثمن المرأة تسعا ومضى في خطبته
وإنما عالوا ليدخل النقص على الجميع كأرباب الديون والوصايا إذا ضاق المال عن قدر حصتهم
فصل في بيان أحكام الوديعة
____________________
(3/243)
صح إيداع محترم بأودعتك هذا أو استحفظتكه وبخذه مع نية
وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها وكره على غير واثق بأمانته
ويضمن وديع
____________________
(3/244)
بإيداع غيره ولو قاضيا بلا إذن من المالك لا إن كان لعذر كمرض وسفر وخوف حرق وإشراف حرز على خراب وبوضع في غير حرز مثلها وبنقلها إلى دون حرز مثلها وبترك دفع متلفاتها كتهوية ثياب صوف أو ترك لبسها عند حاجتها
____________________
(3/245)
وبعدول عن الحفظ المأمور به من المالك وبجحدها وتأخير تسليمها لمالك بلا عذر بعد طلب مالكها وبانتفاع بها كلبس وركوب بلا غرض المالك وبأخذ درهم مثلا من كيس فيه دراهم مودعة عنده وإن رد إليه مثله
____________________
(3/246)
فيضمن الجميع إذا لم يتميز الدرهم المردود عن البقية لأنه خلطها بمال نفسه بلا تمييز فهو متعد فإن تميز بنحو سكة أو رد إليه عين الدرهم ضمنه فقط
وصدق وديع كوكيل وشريك وعامل قراض بيمين في دعوى ردها على موءتمنه لا على وارثه
وفي قوله ما لك عندي وديعة وفي تلفها مطلقا أو بسبب خفي كسرقة أو بظاهر كحريق عرف دون عمومه فإن عرف عمومه لم يحلف حيث لا تهمة
( فائدة ) الكذب حرام وقد يجب كما إذا سأل ظالم عن وديعة يريد أخذها فيجب إنكارها وإن
____________________
(3/247)
كذب وله الحلف عليه مع التورية
وإذا لم ينكرها ولم يمتنع من إعلامه بها جهده ضمن وكذا لو رأى معصوما اختفى من ظالم يريد قتله
وقد يجوز كما إذا كان لا يتم مقصود حرب وإصلاح ذات البين وإرضاء زوجته إلا بالكذب فمباح ولو كان تحت يده وديعة لم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام صرفها فيما يجب على الإمام الصرف فيه وهو أهم مصالح المسلمين مقدما أهل الضرورة وشدة الحاجة لا في بناء نحو مسجد فإن جهل ما ذكر دفعه لثقة عالم بالمصالح الواجبة التقديم والأروع الأعلم أولى
فصل في بيان أحاكم اللقطة
____________________
(3/248)
لو التقط شيئا لا يخشى فساده كنقد ونحاس
____________________
(3/249)
بعمارة أو مفازة عرفه سنة في الأسواق وأبواب المساجد فإن ظهر مالكه وإلا تملكه بلفظ تملكت وإن شاء باعه وحفظ ثمنه
أو ما يخشى فساده كهريسة وبقل وفاكهة ورطب لا يتتمر فيتخير ملتقطة بين أكله متملكا له ويغرم قيمته
____________________
(3/250)
وبين بيعه ويعرفه بعد بيعه ليتملك ثمنه بعد التعريف فإن ظهر مالكه أعطاه قيمته إن أكله أو ثمنه إن باعه
وفي التعريف بعد الأكل وجهان أصحهما في العمارة وجوبه وفي المفازة قال الإمام والظاهر أنه لا يجب لأنه لا فائدة فيه
ولو وجد ببيته درهما مثلا وجوز أنه لمن يدخلونه عرفه لهم كاللقطة قاله القفال
ويعرف حقير لا يعرض عنه غالبا وقيل هو درهم زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه بعده غالبا ويختلف ذلك باختلاف المال فدانق الفضة حالا والذهب نحو ثلاثة أيام
أما ما يعرض عنه غالبا كحبة زبيب استبد به واجده بلا تعريف
ومن رأي لقطة فرفعها برجله ليعرفها وتركها لم يضمنها
____________________
(3/251)
ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الإعراض عنها ولو مما فيه زكاة خلافا للزركشي وكذا برادة الحدادين وكسرة الخبز من رشيد ونحو ذلك مما يعرض عنه عادة فيملكه آخذه وينفذ تصرفه فيه أخذا بظاهر أحوال السلف
ويحرم أخذ ثمر تساقط إن حوط عليه وسقط داخل الجدار
قال في المجموع ما سقط خارج الجدار إن لم يعتد إباحته حرم وإن اعتيدت حل عملا بالعادة المستمرة المغلبة على الظن إباحتهم له
____________________
(3/252)
باب النكاح
____________________
(3/253)
245 وهو لغة الضم والإجتماع
ومنه قولهم تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض
____________________
(3/254)
وشرعا عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء على الصحيح ( سن ) أي النكاح ( لتائق ) أي محتاج للوطء وإن اشتغل بالعبادة
____________________
(3/255)
( قادر ) على موءنة من مهر وكسوة فصل تمكين ونفقة يومه للأخبار الثابتة في السنن وقد أوردت جملة منها في كتابي ( إحكام أحكام النكاح ) ولما فيه من حفظ الدين وبقاء النسل
وأما التائق العاجز عن الموءن فالأولى له تركه وكسر حاجته بالصوم لا بالدواء وكره لعاجز عن المؤن غير تائق
ويجب بالنذر حيث ندب
( و ) سن ( نظر كل ) من الزوجين
____________________
(3/256)
بعد العزم على النكاح وقبل الخطبة ( الآخ غير عورة ) مقررة في شروط الصلاة
فينظر من الحرة وجهها ليعرف جمالها وكفيها ظهرا وبطنا ليعرف خصوبة بدنها
وممن بها رق ما عدا ما بين السرة والركبة وهما ينظران منه ذلك
ولا بد في حل النظر من تيقنه خلوها من نكاح
____________________
(3/257)
وعدة وأن لا يغلب على ظنه أنه لا يجاب
وندب لمن لا يتيسر له النظر أن يرسل نحو امرأة لتتأملها وتصفها له
وخرج بالنظر المس فيحرم إذ لا حاجة إليه
( مهمة ) يحرم على الرجل ولو شيخا هما تعمد نظر شيء من بدن أجنبية
____________________
(3/258)
حرة أو أمة بلغت حدا تشتهى فيه ولو شوهاء أو عجوزا وعكسه خلافا للحاوي كالرافعي وإن نظر بغير شهوة أو مع أمن الفتنة على المعتمد لا في نحو مرآة كما أفتى به غير واحد وقول الأسنوي تبعا للروضة الصواب حل النظر إلى الوجه والكفين عند أمن الفتنة ضعيف وكذا اختيار الأذرعي قول جمع يحل نظر وجه وكف عجوز يؤمن من نظرهما الفتنة
____________________
(3/259)
ولا يحل النظر إلى عنق الحرة ورأسها قطعا
وقيل يحل مع الكراهة النظر بلا شهوة وخوف فتنة إلى الأمة إلا ما بين السرة والركبة لأنه عورتها في الصلاة
وليس من العورة الصوت فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة أو التذ به كما بحثه الزركشي وأفتى بعض المتأخرين بجواز نظر الصغير للنساء في الولائم والأفراح والمعتمد عند الشيخين عدم جواز نظر فرج صغيرة لا تشتهى وقيل يكره ذلك
وصحح المتولي حل نظر فرج الصغير إلى التمييز وجزم به غيره وقيل يحرم
ويجوز لنحو الام نظر فرجيهما ومسه زمن الرضاع والتربية للضرورة وللعبد العدل النظر إلى سيدته
____________________
(3/260)
المتصفة بالعدالة ما عدا ما بين السرة والركبة كهي
ولمحرم ولو فاسقا أو كافرا نظر ما وراء سرة وركبة منها كنظرها إليه ولمحرم ومماثل مس ما وراء السرة والركبة
نعم مس ظهر أو ساق محرمة كأمه وبنته وعكسه لا يحل إلا لحاجة أو شفقة
وحيث حرم نظره حرم مسه بلا حائل لأنه أبلغ في اللذة
نعم يحرم مس وجه الأجنبية مطلقا وكل ما حرم نظره منه أو منها متصلا حرم نظره منفصلا
____________________
(3/261)
كقلامة يد أو رجل وشعر امرأة وعانة رجل فيجب مواراتهما وتحتجب وجوبا مسلمة عن كافرة وكذا عفيفة عن فاسقة أي بسحاق أو زنا أو قيادة ويحرم مضاجعة رجلين أو امرأتين عاريين في ثوب واحد وإن لم يتماسكا أو تباعدا مع اتحاد الفراش خلافا للسبكي وبحث استثناء الأب أو الأم لخبر فيه بعيد جدا ويجب التفريق بين ابن عشر سنين وأبويه وإخوته في المضجع وإن نظر فيه بعضهم بالنسبة للأب أو الأم
____________________
(3/262)
ويستحب تصافح الرجلين أو المرأتين إذا تلاقيا
ويحرم مصافحة الأمرد الجميل كنظره بشهوة ويكره مصافحة من به عاهة كالأبرص والأجذم ويجوز نظر وجه المرأة عند المعاملة ببيع وغيره للحاجة إلى معرفتها
____________________
(3/263)
وتعليم ما يجب تعلمه كالفاتحة دون ما يسن على الأوجه والشهادة تحملا وأداء لها أو عليها
وتعمد النظر للشهادة لا يضر وإن تيسر وجود نساء أو محارم يشهدن على الأوجه ( و ) يسن ( خطبة )
____________________
(3/264)
بضم الخاء من الولي ( له ) أي للنكاح الذي هو العقد بأن تكون قبل إيجابه فلا تندب أخرى من المخاطب قبل قبوله كما صححه في المنهاج بل يستحب تركها خروجا من خلاف من أبطل بها كما صرح به شيخنا وشيخه زكريا رحمهما الله لكن الذي في الروضة وأصلها ندبها
وتسن خطبة أيضا
____________________
(3/265)
____________________
(3/266)
قبل الخطبة وكذا قبل الإجابة فيبدأ كل بالحمد والثناء على الله تعالى ثم بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يوصي بالتقوى ثم يقول في خطبة الخطبة جئتكم راغبا في كريمتكم أو فتاتكم وإن كان وكيلا قال جاءكم موكلي أو جئتكم عنه خاطبا كريمتكم فيخطب الولي أو نائبه كذلك ثم يقول لست بمرغوب عنك
ويستحب أن يقول قبل العقد أزوجك على ما أمر الله به عز وجل من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
( فروع ) يحرم التصريح بخطبة المعتدة من غيره رجعية كانت أو بائنا بطلاق أو فسخ أو موت
____________________
(3/267)
ويجوز التعريض بها في عدة غير رجعية وهو كأنت جميلة ورب راغب فيك
ولا يحل خطبة المطلقة منه ثلاثا حتى تتحلل وتنقضي عدة المحلل إن طلق رجعيا وإلا جاز التعريض في عدة المحلل
ويحرم على عالم بخطبة الغير والإجابة له خطبة على خطبة من جازت خطبته وإن كرهت وقد صرح
____________________
(3/268)
لفظا بإجابته إلا بإذنه له من غير خوف ولا حياء أو بإعراضه كأن طال الزمن بعد إجابته ومنه سفره البعيد
ومن استشير في خاطب أو نحو عالم يريد الاجتماع به ذكر وجوبا مساويه
____________________
(3/269)
بصدق بذلا للنصيحة الواجبة ( ودينة ) أي نكاح المرأة الدينة التي وجدت فيها صفة العدالة أولى من نكاح الفاسقة ولو بغير نحو زنا للخبر المتفق عليه فاظفر بذات الدين ( ونسيبة ) أي معروفة الأصل وطيبته لنسبتها إلى العلماء والصلحاء أولى من غيرها لخبر تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الأكفاء وتكره بنت الزنا والفاسق ( وجميلة ) أولى لخبر خير النساء من تسر إذا نظرت ( و ) قرابة ( بعيدة ) عنه ممن في نسبه أولى من قرابة قريبة وأجنبية
____________________
(3/270)
لضعف الشهوة في القريبة فيجيء الولد نحيفا
والقريبة من هي في أول درجات العمومة والخوولة والأجنبية أولى من القرابة القريبة
ولا يشكل ما ذكر بتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب مع أنها بنت عمته لأنه تزوجها بيانا للجواز ولا بتزوج علي فاطمة رضي الله عنهما لأنها بعيدة إذ هي بنت ابن عمه لا بنت عمه ( وبكر ) أولى من الثيب للأمر به في الأخبار الصحيحة
____________________
(3/271)
إلا لعذر كضعف آلته عن الإقتضاض ( وولود ) وودود ( أولى ) للأمر بهما
ويعرف ذلك في البكر بأقاربها والأولى أيضا أن تكون وافرة الععل وحسنة الخلق وأن لا تكون ذات ولد من غيره إلا لمصلحة وأن لا تكون شقراء ولا طويلة مهزولة للنهي عن نكاحها
ومحل رعاية جميع ما مر حيث لم تتوقف العفة على غير متصفه بها وإلا فهي أولى
قال شيخنا في شرح المنهاج ولو تعارضت تلك الصفات فالذي يظهر أنه يقدم الدين مطلقا ثم العقل وحسن الخلق ثم الولادة ثم النسب ثم البكارة ثم الجمال ثم ما المصلحة فيه أظهر بحسب اجتهاده
____________________
(3/272)
انتهى
وجزم في شرح الإرشاد بتقديم الولادة على العقل
وندب للولي عرض موليته على ذوي الصلاح
ويسن أن ينوي بالنكاح السنة وصون دينه
وإنما يثاب عليه إن قصد به طاعة من نحو عفة أو ولد صالح
وأن يكون العقد في المسجد ويوم الجمعة وأول النهار وفي شوال وأن يدخل فيه أيضا
____________________
(3/273)
( أركانه ) أي النكاح خمسة ( زوجة وزوج وولي وشاهدان وصيغة
وشرط فيها ) أي الصيغة ( إيجاب من الولي ) وهو ( كزوجتك أو أنكحتك ) موليتي فلانة فلا يصح الإيجاب إلا بأحد هذين اللفظين لخبر مسلم إتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وهي ما ورد في كتابه ولم يرد فيه غيرهما
ولا يصح بأزوجك أو أنكحك على الأوجه ولا بكناية
____________________
(3/274)
كأحللتك ابنتي أو عقدتها لك ( وقبول متصل به ) أي بالإيجاب من الزوج وهو ( كتزوجتها أو نكحتها ) فلا بد من دال عليها من نحو اسم أو ضمير أو إشارة ( أو قبلت أو رضيت ) على الأصح خلافا للسبكي لا فعلت ( نكاحها ) أو تزويجها أو قبلت النكاح أو التزويج على المعتمد لا قبلت ولا قبلتها مطلقا أي المنكوحة ولا قبلته أي النكاح والأولى في القبول قبلت نكاحها لأنه القبول الحقيقي
____________________
(3/275)
( وصح ) النكاح ( بترجمة ) أي ترجمة أحد اللفظين بأي لغة ولو ممن يحسن العربية لكن يشترط أن يأتي بما يعده أهل تلك اللغة صريحا في لغتهم
هذا إن فهم كل كلام نفسه وكلام الآخر والشاهدان
وقال العلامة التقي السبكي في شرح المنهاج ولو تواطأ أهل قطر على لفظ في إرادة النكاح من غير صريح ترجمته لم ينعقد النكاح به
انتهى
والمراد بالترجمة ترجمة معناه اللغوي كالضم فلا ينعقد بألفاظ اشتهرت في بعض الأقطار للإنكاح كما أفتى به شيخنا المحقق الزمزمي ولو عقد القاضي النكاح بالصيغة العربية لعجمي لا يعرف معناها الأصلي بل يعرف أنها موضوعة لعقد النكاح صح كذا أفتى به شيخنا والشيخ عطية وقال في شرحي الإرشاد والمنهاج أنه لا يضر لحن العامي كفتح تاء المتكلم وإبدال الجيم زايا أو عكسه
____________________
(3/276)
وينعقد بإشارة أخرس مفهمة وقيل لا ينعقد النكاح إلا بالصيغة العربية
فعليه يصبر عند العجز إلى أن يتعلم أو يوكل
وحكي هذا عن أحمد
وخرج بقولي متصل ما إذا تخلل لفظ أجنبي عن العقد وإن قل كأنكحتك ابنتي فاستوص بها خيرا
ولا يضر تخلل خطبة خفيفة من الزوج وإن قلنا بعدم استحبابها خلافا للسبكي وابن أبي الشريف ولا فقل قبلت نكاحها لأنه من مقتضى العقد
فلو أوجب ثم رجع عن إيجابه أو رجعت الآذنة في إذنها قبل القبول أو جنت أو ارتدت امتنع القبول
( فرع ) لو قال الولي زوجتكها بمهر كذا
____________________
(3/277)
فقال الزوج قبلت نكاحها ولم يقل على هذا الصداق صح النكاح بمهر المثل خلافا للبارزي ( لا ) يصح النكاح مع ( تعليق ) كالبيع بل أولى لاختصاصه بمزيد الاحتياط كأن يقول الأب للآخر إن كانت بنتي طلقت أو اعتدت فقد زوجتكها فقبل ثم بان انقضاء عدتها وأنها أذنت له فلا يصح لفساد الصيغة بالتعليق
وبحث بعضهم الصحة في إن كانت فلانة موليتي فقد زوجتكها وفي زوجتك إن شئت كالبيع إذ لا تعليق في الحقيقة ( و ) لا مع ( تأقيت ) للنكاح بمدة معلومة أو مجهولة فيفسد لصحة النهي عن نكاح المتعة
____________________
(3/278)
وهو المؤقت ولو بألف سنة وليس منه ما لو قال زوجتكها مدة حياتك أو حياتها لأنه مقتضى العقد بل يبقى أثره بعد الموت ويلزمه في نكاح المتعة المهر والنسب والعدة ويسقط الحد إن عقد بولي وشاهدين فإن عقد بينه وبين المرأة وجب الحمد إن وطىء وحيث وجب الحد لم يثبت المهر ولا ما بعده
____________________
(3/279)
وينعقد النكاح بلا ذكر مهر في العقد بل يسن ذكره فيه
وكره إخلاؤه عنه
نعم لو زوج أمته بعيده لم يستحب ( و ) شرط ( في الزوجة ) أي المنكوحة ( خلو من نكاح وعدة ) من غيره ( وتعيين ) لها
فزوجتك إحدى بناتي باطل ولو مع الإشارة ويكفي التعيين بوصف أو إشارة كزوجتك بنتي وليس له غيرها أو التي في الدار وليس فيها غيرها أو هذه
____________________
(3/280)
وإن سماها بغير اسمها في الكل بخلاف زوجتك فاطمة وإن كان اسم بنته إلا إن نوياها
ولو قال زوجتك بنتي الكبرى وسماها باسم الصغرى صح في الكبرى لأن الكبر صفة قائمة بذاتها بخلاف الإسم فقدم عليه ولو قال زوجتك بنتي خديجة فبانت بنت ابنه صح إن نوياها أو عينها بإشارة أو لم يعرف لصلبه غيرها وإلا فلا ( و ) شرط فيها أيضا ( عدم محرمية ) بينها وبين الخاطب ( بنسب فيحرم ) به
____________________
(3/281)
آخر لآية { حرمت عليكم } نساء قرابة غير ما دخل في ( ولد عمومة وخؤولة ) فحينئذ يحرم نكاح أم وهي من ولدتك أو ولدت من ولدك ذكرا كان أو أنثى وهي الجدة من الجهتين وبنت وهي من ولدتها أو ولدت من ولدها ذكرا كان أو أنثى لا مخلوقة من ماء زناه وأخت
____________________
(3/282)
وبنت أخ وأخت وعمة وهي أخت ذكر ولدك وخالة وهي أخت أنثى ولدتك
( فرع ) لو تزوج مجهولة النسب فاستلحقها أبوه ثبت نسبها ولا ينفسخ النكاح إن كذبه الزوج ومثله عكسه بأن تزوجت مجهولا فاستلحقه أبوها ولم تصدقه ( أو رضاع
____________________
(3/283)
فيحرم به ) أي بالرضاع ( من يحرم بنسب ) للخبر المتفق عليه ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فمرضعتك ومرضعتها ومرضعة من ولدك من نسب أو رضاع وكل من ولدت مرضعتك أو ذا لبنها
____________________
(3/284)
أمك من رضاع والمرتضعة بلبنك ولبن فرعك نسبا أو رضاعا وبنتها كذلك وإن سفلت بنتك والمرتضعة بلبن أحد أبويك نسبا أو رضاعا أختك
وقس على هذا بقية الأصناف المتقدمة
ولا يحرم عليك برضاع من أرضعت أخاك أو ولد ولدك ولا أم مرضعة ولدك وبنتها وكذا أخت أخيك لأبيك أو لأمك من نسب أو رضاع
( تنبيه ) الرضاع المحرم
____________________
(3/285)
وصول لبن آدمية بلغت سن حيض ولو قطرة أو مختلطا بغيره وإن قل جوف رضيع لم يبلغ حولين يقينا خمس مرات يقينا عرفا
____________________
(3/286)
فإن قطع الرضيع إعراضا وإن لم يشتغل بشيء آخر أو قطعته المرضعة ثم عاد إليه فيهما فورا فرضعتان أو قطعه لنحو لهو كنوم خفيف وعاد حالا أو طال والثدي بفمه أو تحول ولو بتحويلها من ثدي لآخر أو قطعته لشغل خفيف ثم عادت إليه فلا تعدد في جميع ذلك
____________________
(3/287)
وتصير المرضعة أمه وذو اللبن أباه
وتسري الحرمة من الرضيع إلى أصولهما وفروعهما وحواشيهما نسبا ورضاعا وإلى فروع الرضيع لا إلى أصوله وحواشيه ولو أقر رجل وامرأة قبل العقد أن بينهما أخوة رضاع وأمكن حرم تناكحهما وإن رجعا عن الإقرار أو بعده فهو باطل فيفرق بينهما
وإن أقر به فأنكرت صدق في حقه ويفرق بينهما
____________________
(3/288)
أو أقرت به دونه
فإن كان بعد أن عينته في الإذن للتزويج أو مكنته من وطئه إياها لم يقبل قولها وإلا صدقت بيمينها ولا تسمع دعوى نحو أب محرمية بالرضاع بين الزوجين
ويثبت الرضاع برجل وامرأتين وبأربع نسوة ولو فيهن أم المرضعة إن شهدت حسبة بلا سبق دعوى كشهادة أب امرأة وابنها بطلاقها كذلك
وتقبل شهادة مرضعة مع غيرها لم تطلب أجرة الرضاع وإن ذكرت فعلها كأشهد أني أرضعتها
____________________
(3/289)
وشرط شهادة الرضاع ذكر وقت الرضاع وعدده وتفرق المرات ووصول اللبن إلى جوفه في كل رضعة
ويعرف بنظر حلب وإيجار وازدراد وبقرائن كامتصاص ثدي وحركة حلقة بعد علمه أنها ذات لبن وإلا لم يحل له أن يشهد لأن الأصل عدم اللبن
ولا يكفي في أداء الشهادة ذكره القرائن بل يعتمدها ويجزم بالشهادة
ولو شهد به دون النصاب أو وقع شك في تمام الرضعات أو الحولين أو وصول اللبن إلى جوف الرضيع لم يحرم النكاح لكن الورع الإجتناب وإن لم تخبره إلا واحدة
نعم إن صدقها يوم الأخذ بقولها ولا يثبت الإقرار بالرضاع إلا برجلين عدلين ( أو مصاهرة ) محرم زوجة أصل
____________________
(3/290)
من أب أو جد لأب أو أم وإن علا من نسب أو رضاع ( وفصل ) من ابن وابنه وإن سفل منهما ( وأصل زوجة ) أي أمهاتها بنسب أو رضاع وإن علت وإن لم يدخل بها للآية
وحكمته ابتلاء الزوج بمكالمتها والخلوة لترتيب أمر الزوجة فحرمت كسابقتيها بنفس العقد ليتمكن من ذلك
( واعلم ) أنه يعتبر في زوجتي الأب والابن وفي أم الزوجة عند عدم الدخول بهن أن يكون العقد صحيحا ( وكذا فصلها ) أي الزوجة بنسب أو رضاع ولو بواسطة سواء بنت ابنها وبنت ابنتها وإن سفلت
____________________
(3/291)
( إن دخل بها ) بأن وطئها ولو في الدبر وإن كان العقد فاسدا وإن لم يطأها لم تحرم بنتها بخلاف أمها
ولا تحرم بنت زوج الأم ولا أم زوجة الأب والابن
ومن وطىء امرأة بملك أو شبهة منه كأنه وطىء بفاسد نكاح أو شراء أو بظن زوجة حرم عليه أمهاتها وبناتها وحرمت على آبائه وأبنائه
____________________
(3/292)
لأن الوطء بملك اليمين نازل بمنزلة عقد النكاح وبشبهة يثبت النسب والعدة لاحتمال حملها منه سواء أوجد منها شبهة أيضا أم لا لكن يحرم على الواطىء بشبهة نظر أم الموطوءة وبنتها ومسهما
( فرع ) لو اختطلت محرمة بنسوة غير محصورات بأن يعسر عدهن على الآحاد كألف امرأة نكح من شاء منهن
____________________
(3/293)
إلى أن تبقى واحدة على الأرجح وإن قدر ولو بسهولة على متيقنة الحل أو بمحصورات كعشرين بل مائة لم ينكح منهن شيئا
نعم إن قطع بتميزها كسوداء اختلطت بمن لا سواد فيهن لم يحرم غيرها كما استظهره شيخنا
( تنبيه ) اعلم أنه يشترط أيضا في المنكوحة كونها مسلمة أو كتابية خالصة ذمية كانت أو حربية فيحل مع الكراهة
____________________
(3/294)
نكاح الاسرائيلية بشرط أن لا يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة عيسى عليه السلام وإن علم دخوله فيه بعد التحري ونكاح غيرها بشرط أن يعلم دخول أول آبائها فيه قبلها ولو بعد التحريف إن تجنبوا المحرف ولو أسلم كتابي وتحته كتابية دام نكاحه وإن كان قبل الدخول أو وثني وتحته وثنية فتخلفت قبل الدخول تنجزت الفرقة أو بعده وأسلمت في العدة دام نكاحه
____________________
(3/295)
وإلا فالفرقة من إسلامه
ولو أسلمت وأصر على الكفر فإن دخل بها وأسلم في العدة دام النكاح وإلا فالفرقة من إسلامها
وحيث أدمنا لا يضر مقارنة مفسد هو زائل عند الإسلام فتقر على نكاح في عدة هي منقضية عند الإسلام وعلى غصب حربي لحربية إن اعتقدوه نكاحا
وكالغصب المطاوعة
قاله شيخنا
ونكاح الكفار صحيح على الصحيح ولا يصح نكاح الجنية كعكسه على ما عليه أكثر المتأخرين
( و ) شرط ( في الزوج تعيين ) فزوجت بنتي أحدكما باطل ولو مع الإشارة
____________________
(3/296)
( وعدم محرمة ) كأخت أو عمة أو خالة ( للمخطوبة ) بنسب أو رضاع ( تحته ) أي الزوج ولو في العدة الرجعية لأن الرجعية كالزوجة بدليل التوارث
فإن نكح محرمين في عقد بطل فيهما إذ لا مرجح أو في عقدين بطل الثاني
وضابط من يحرم الجمع بينهما كل امرأتين بينهما نسب أو رضاع يحرم تناكحهما إن فرضت إحداهما
____________________
(3/297)
ذكراويشترط أيضا أن لا تكون تحته أربع من الزوجات سوى المخطوبة ولو كان بعضهن في العدة الرجعية لأن الرجعية في حكم الزوجة فلو نكح الحر خمسا مرتبا بطل في الخامسة أو في عقد بطل في الجميع أو زاد العبد على الثنتين بطل كذلك
أما إذا كانت المحرمة للمخطوبة أو إحدى الزوجات الأربعة في العدة البائن فيصح نكاح محرمتها والخامسة لأن البائنة أجنبية ( و ) شرط ( في الشاهدين أهلية شهادة ) تأتي شروطها في باب الشهادة وهي حرية كاملة وذكورة محققة وعدالة
____________________
(3/298)
ومن لازمها الإسلام والتكليف وسمع ونطق وبصر لما يأتي أن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع
وفي الأعمى وجه لأنه أهل للشهادة في الجملة الأصح لا وإن عرف الزوجين ومثله من بظلمة شديدة ومعرفة لسان المتعاقدين
( وعدم تعينهما ) أو أحدهما ( للولاية ) فلا يصح النكاح بحضرة عبدين أو امرأتين أو فاسقين أو أصمين أو أخرسين أو أعميين أو من لم يفهم لسان المتعاقدين ولا بحضرة متعين للولاية
فلو وكل الأب أو الأخ المنفرد في النكاح وحضر مع الآخر لم يصح لأنه ولي عاقد فلا يكون شاهدا
ومن ثم لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد الثالث بغير وكالة من أحدهما صح وإلا فلا
____________________
(3/299)
( تنبيه ) لا يشترط الإشهاد على إذن معتبرة الإذن لأنه ليس ركنا للعقد بل هو شرط فيه فلم يجب الإشهاد عليه إن كان الولي غير حاكم وكذا إن كان حاكما على الأوجه
ونقل في البحر عن الأصحاب أنه يجوز اعتماد صبي أرسله الولي إلى غيره ليزوج موليته أي إن وقع في قلبه صدق الخبر
( فرع ) لو زوجها وليها قبل بلوغ إذنها إليه صح على الأوجه إن كان الإذن سابقا على حالة التزويج لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف ( وصح ) النكاح ( بمستوري عدالة )
____________________
(3/300)
وهما من لم يعرف لهما مفسق كما نص عليه واعتمده جمع وأطالوا فيه
وبطل الستر بتجريح عدل وإذا تاب الفاسق لم يلتحق بالمستور
ويسن استتابة المستور عند العقد
ولو علم الحاكم فسق الشاهدين لزمه التفريق بين الزوجين ولو قبل الترافع إليه على الأوجه
ويصح أيضا بابني الزوجين أو عدويهما
وقد يصح كون الأب شاهدا أيضا كأن تكون بنته قنة
وظاهر كلام الحناطي بل صريحه أنه لا يلزم الزوج البحث عن حال الولي والشهود
قال شيخنا وهو كذلك إن لم يظن وجود مفسد للعقد
____________________
(3/301)
( وبان بطلانه ) أي النكاح ( بحجة فيه ) أي في النكاح من بينة أو علم حاكم ( أو بإقرار الزوجين في حقهما بما يمنع صحته ) كفسق الشاهد أو الولي عند العقد والرق والصبا لهما وكوقوعه في العدة
وخرج بفي حقهما حق الله تعالى كأن طلقها ثلاثا ثم اتفقا على فساد النكاح
____________________
(3/302)
بشيء مما ذكر وأراد نكاحا جديدا فلا يقيل إقرارهما بل لا بد من محلل للتهمة ولأنه حق الله ولو أقاما عليه بينة لم تسمع
أما بينة الحسبة فتسمع
نعم محل عدم قبول إقرارهما في الظاهر أما في الباطن فالنظر لما في نفس الأمر ولا يتبين البطلان بإقرار الشاهدين بما يمنع الصحة فلا يؤثر في الإبطال كما لا يؤثر فيه بعد الحكم بشهادتهما ولأن الحق ليس لهما فلا يقبل قولهما
أما إذا أقر به الزوج دون الزوجة فيفرق بينهما مؤاخذة له بإقراره وعليه نصف المهر إن لم يدخل بها وإلا فكله إذ لا يقبل قوله عليها في المهر
____________________
(3/303)
بخلاف ما إذا أقرت به دونه فيصدق هو بيمينه لأن العصمة بيده وهي تريد رفعها فلا تطالبه بمهر إن طلقت قبل وطء وعليه إن وطىء الأقل من المسمى ومهر المثل
ولو أقرت بالإذن ثم ادعت أنها إنما أذنت بشرط صفة في الزوج ولم توجد ونفى الزوج ذلك صدقت بيمينها فيما استظهره شيخنا ( و ) إذا اختلفا فادعت أنها محرمة بنحو رضاع وأنكر ( حلفت مدعية محرمية ) وصدقت وبان بطلان النكاح فيفرق بينهما إن ( لم ترضه ) أي الزوج حال العقد ولا عقبه لإجبارها أو أذنها في غير معين ولم ترض بعد العقد بنطق ولا تمكين لاحتمال ما تدعيه مع عدم سبق مناقضه فهو كقولها ابتداء فلان أخي من الرضاع فلا تزوج منه
فإن رضيت ولم تعتذر بنحو نسيان أو غلط لم تسمع دعواها ( و ) إن اعتذرت سمعت دعواها للعذر
____________________
(3/304)
ولكن ( حلف ) هو أي الزوج ( لراضية اعتذرت ) بنسيان أو غلط ( و ) شرط ( في الولي عدالة وحرية وتكليف ) فلا ولاية لفاسق غير الإمام الأعظم لأن الفسق نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية كالرق
هذا هو المذهب للخبر الصحيح لا نكاح إلا بولي مرشد أي عدل
وقال بعضهم إنه يلي
والذي اختاره النووي كابن الصلاح والسبكي ما أفتى به الغزالي
____________________
(3/305)
من بقاء الولاية للفاسق حيث تنتقل لحاكم فاسق
ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا على ما اعتمده شيخنا كغيره لكن الذي قاله الشيخان إنه لا يزوج إلا بعد الإستبراء واعتمده السبكي ولا لرقيق كله أو بعضه لنقصه ولا لصبي ومجنون لنقصهما أيضا وإن تقطع الجنون تغليبا لزمنه المقتضي لسلب العبارة فيزوج الأبعد زمنه فقط ولا تنتظر إفاقته
نعم إن قصر زمن الجنون كيوم في سنة انتظرت إفاقته
____________________
(3/306)
وكذي الجنون ذو ألم يشغله عن النظر بالمصلحة ومختل النظر بنحو هرم ومن به بعد الإفاقة آثار خبل توجب حدة في الخلق ( وينقل ضد كل ) من الفسق والرق والصبا والجنون ( ولاية لأبعد ) لا لحاكم ولو في باب الولاء حتى لو أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير وأخ كبير كانت الولاية للأخ لا للحاكم على المعتمد
ولا ولاية أيضا لأنثى فلا تزوج امرأة نفسها ولو بإذن من وليها ولا بناتها
____________________
(3/307)
خلافا لأبي حنيفة فيهما
ويقبل إقرار مكلفة به لصدقها وإن كذبها وليها لأن النكاح حق الزوجين فيثبت بتصادقهما ( وهو ) أي الولي ( أب ف ) عند عدمه حسا أو شرعا ( أبوه ) وإن علا ( فيزوجان ) أي الأب والجد حيث لا عداوة ظاهرة ( بكرا أو ثيبا بلا وطء ) لمن زالت بكارتها بنحو إصبع
____________________
(3/308)
( بغير إذنها ) فلا يشترط الإذن منها بالغة كانت أو غير بالغة لكمال شفقته ولخبر الدارقطني الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها ( لكفء ) موسر بمهر المثل فإن زوجها المجبر أي الأب أو الجد لغير كفء لم يصح النكاح وكذا إن زوجها لغير موسر بالمهر على ما اعتمده الشيخان لكن الذي اختاره جمع محققون الصحة في الثانية واعتمده شيخنا ابن زياد
ويشترط لجواز مباشرته لذلك لا لصحته كونه بمهر المثل الحال من نقد البلد
____________________
(3/309)
فإن انتفيا صح بمهر المثل من نقد البلد
( فرع ) لو أقر مجبر بالنكاح لكفء قبل إقراره وإن أنكرته لأن من ملك الإنشاء ملك الإقرار بخلاف غيره ( لا ) يزوجان ( ثيبا بوطء ) ولو زنا وإن كانت ثيوبتها بقولها إن حلفت ( إلا بإذنها نطقا ) للخبر السابق ( بالغة ) فلا تزوج الثيب الصغيرة العاقلة الحرة حتى تبلغ لعدم اعتبار إذنها خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه
( وتصدق ) المرأة البالغة ( في ) دعوى ( بكارة ) بلا يمين وفي ثيوبة قبل عقد عليها ( بيمينها ) وإن لم تتزوج ولم تذكر سببا فلا تسئل عن السبب الذي صارت به ثيبا
____________________
(3/310)
وخرج بقولي قبل عقد دعواها الثيوبة بعد أن يزوجها الأب بغير إذنها بظنه بكرا فلا تصدق هي لما في تصديقها من إبطال النكاح مع أن الأصل بقاء البكارة بل لو شهدت أربع نسوة بثيوبتها عند العقد لم يبطل لاحتمال إزالتها بنحو أصبع أو خلقت بدونها
وفي فتاوى الكمال الرداد يجوز للأب تزويج صغيرة أخبرته أن الزوج الذي طلقها لم يطأها أي إذا غلب على ظنه صدق قولها وإن عاشرها الزوج أياما ولا ينتظر بلوغه للتزويج
( ثم ) بعد الأصل ( عصبتها وهو ) من على حاشية النسب فيقدم ( أخ لأبوين فأخ لأب فبنوهما ) كذلك فيقدم بنو الإخوة لأبوين ثم بنو الإخوة لأب ( ف ) بعد ابن الأخ ( عم ) لأبوين ثم لأب ثم بنوهما كذلك ثم عم الأب ثم بنوه كذلك وهكذا
( ثم ) بعد فقد عصبة النسب من كان عصبة بولاء
____________________
(3/311)
كترتيب إرثهم فيقدم ( معتق فعصباته ) ثم معتق المعتق ثم عصباته وهكذا ( فيزوجون ) أي الأولياء المذكورين على ترتيب ولا ( يتهم بالغة ) لا صغيرة خلافا لأبي حنيفة ( بإذن ثيب بوطء نطقا ) لخبر الدارقطني السابق ويجوز الإذن منها بلفظ الوكالة كوكلتك في تزويجي ورضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما يفعله أبي لا بما تفعله أمي لأنها لا تعقد ولا إن رضي أبي أو أمي للتعليق وبرضيت فلانا زوجا أو رضيت أن أزوج
____________________
(3/312)
وكذا بأذنت له أن يعقد لي وإن لم تذكر نكاحا على ما بحث ولو قيل لها أرضيت بالتزويج فقالت رضيت كفى ( وصمت بكر ) ولو عتيقة ( استوءذنت ) في كفء وغيره وإن بكت لكن من غير صياح أو ضرب حد لخبر والبكر تستأمر وإذنها سكوتها وخرج بثيب بوطء مزالة البكارة بنحو إصبع فحكمها حكم البكر في الإكتفاء بالسكوت بعد الإستئذان
ويندب للأب والجد استئذان البكر البالغة تطييبا لخاطرها أما الصغيرة فلا إذن لها وبحث ندبه في المميزة ولغيرهما الإشهاد على الإذن
( فرع ) لو أعتق جماعة أمة اشترط رضا كلهم فيوكلون واحدا منهم أو من غيرهم
ولو أراد أحدهم أن يتزوجها زوجه الباقون مع القاضي فإن مات جميعهم كفى رضا كل واحد من عصبة كل واحد
____________________
(3/313)
ولو اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة جاز أن يزوجها أحدهم برضاها وإن لم يرض الباقون ( ثم ) بعد فقد عصبة النسب والولاء ( قاض ) أو نائبه لقوله صلى الله عليه وسلم السلطان ولي من لا ولي لها والمراد من له ولاية من الإمام والقضاة ونوابهم ( فيزوج ) أي القاضي ( بكفء ) لا بغيره ( بالغة ) كائنة في محل ولايته حالة العقد ولو مجتازة به وإن كان إذنها له وهي خارجة أما إذا كانت خارجة عن محل ولايته حالته فلا يزوجها وإن أذنت له قبل خروجها منه أو كان هو فيه لأن الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب
وخرج بالبالغة اليتيمة فلا يزوجها القاضي ولو حنفيا لم يأذن له سلطان حنفي فيه
وتصدق المرأة في دعوى البلوغ بحيض أو إمناء بلا يمين إذ لا يعرف إلا منها في دعوى البلوغ بالسن إلا ببينة خبيرة تذكر عدد السنين
____________________
(3/314)
( وعدم وليها ) الخاص بنسب أو ولاء ( أو غاب ) أي أقرب أوليائها ( مرحلتي وليس له وكيل حاضر في التزويج وتصدق المرأة في دعوى غيبة الولي
____________________
(3/315)
وخلوها من النكاح والعدة وإن لم تقم بينة بذلك
ويسن طلب بينة بذلك منها وإلا فتحليفها
ولو زوجها لغيبة الولي فبان أنه قريب من بلد العقد وقت النكاح لم ينعقد إن ثبت قربه
فلا يقدح في صحة النكاح مجر قوله كنت قريبا من البلد بل لا بد من بينة على الأوجه خلافا لما نقله الزركشي والشيخ زكريا عن فتاوي البغوي ( أو ) غاب إلى دونهما لكن ( تعذر وصول إليه ) أي إلى الولي ( لخوف ) في الطريق من القتل أو الضرب أو أخذ المال ( أو فقد ) أي الولي بأن لم يعرف مكانه ولا موته ولا حياته بعد غيبة أو حضور قتال أو انكسار سفينة أو أسر عدو
هذا إن لم يحكم بموته وإلا زوجها الأبعد
( أو عضل ) الولي
____________________
(3/316)
ولو مجبر أي منع ( مكلفة ) أي بالغة عاقلة ( دعت إلى ) تزويجها من ( كفء ) ولو بدون مهر المثل من تزويجها به
( فروع ) لا يزوج القاضي إن عضل مجبر من تزويجها بكفء عينته وقد عين هو كفؤ آخر غير معينها وإن كان معينة دون معينها كفاءة
ولا يزوج غير المجبر ولو أبا أو جدا بأن كانت ثيبا إلا ممن عينته وإلا كان عاضلا
ولو ثبت تواري الولي أو تعززه زوجها الحاكم
وكذا يزوج القاضي إذا أحرم الولي أو أراد نكاحها كابن عم فقد من يساويه في الدرجة ومعتق فلا يزوج الأبعد في الصور المذكورة لبقاء الأقرب على ولايته
____________________
(3/317)
وإنما يزوج للقاضي أو طفله إذا أراد نكاح من ليس لها ولي قاض آخر بمحل ولايته إذا كانت المرأة في عمله أو نائب القاضي الذي يتزوج هو أو طفله ( ثم ) إن لم يوجد ولي ممن مر فيزوجها ( محكم عدل ) حر ولته مع خاطبها أمرها
____________________
(3/318)
ليزوجها منه وإن لم يكن مجتهدا إذا لم يكن ثم قاض ولو غير أهل وإلا فيشترط كون المحكم مجتهدا
قال شيخنا نعم إن كان الحاكم لا يزوج إلا بدراهم كما حدث الآن فيتجه أن لها أن تولي عدلا مع وجوده وإن سلمنا أنه لا ينعزل بذلك بأن علم موليه ذلك منه حال التولية
انتهى
ولو وطىء في نكاح بلا ولي كأن زوجت نفسها ولم يحكم حاكم بصحته ولا ببطلانه لزمه مهر المثل دون المسمى لفساد النكاح ويعزر به معتقد تحريمه ويسقط عند الحد
( و ) يجوز ( لقاض تزويج من قالت أنا خلية عن نكاح وعدة ) أو طلقني زوجي واعتددت ( ما لم يعرف لها زوجا ) معينا ( وإلا ) أي وإن عرف لها زوجا باسمه أو شخصه أو عينته ( شرط ) في صحة تزويج الحاكم لها دون الولي الخاص
____________________
(3/319)
( إثبات لفراقه ) بنحو طلاق أو موت سواء أغاب أم حضر وإنما فرقوا بين المعين وغيره مع أن المدار والعلم يسبق الزوجية أو بعدمه حتى يعمل بالأصل في كل منهما لأن القاضي لما تعين الزوج عنده باسمه أو شخصه تأكد له الإحتياط والعمل بأصل بقاء الزوجية فاشترط الثبوت ولأنها لما ذكرت معينا باسم العلم كأنها ادعت عليه بل صرحوا بأنها دعوى عليه فلا بد من إثبات ذلك بخلاف ما إذا عرف مطلق الزوجية من غير تعيين بما ذكر فاكتفي بإخبارها بالخلو عن الموانع
لقول الأصحاب إن العبرة في العقود بقول أربابها
وأما الولي الخاص فيزوجها إن صدقها وإن عرف زوجها الأول من غير إثبات طلاق ولا يمين لكن يسن له كقاض لم يعرف زوجها طلبت إثبات ذلك ولا فرق بين القاضي والولي حيث فصل بين المعين وغيره في ذلك دون هذا لأن القاضي يجب عليه الإحتياط أكثر من الولي ( و ) يجوز ( لمجبر ) وهو الأب والجد في البكر ( توكيل ) معين صح تزوجه في تزويج موليته
____________________
(3/320)
بغير إذنها وإن لم يعين المجبر الزوج في توكيله ( وعلى وكيل ) إن لم يعين الولي الزوج ( رعاية حظ ) واحتياط في أمرها فإن زوجها بغير كفء أو بكفء وقد خطبها أكفأ منه لم يصح التزويج لمخالفته الإحتياط الواجب عليه ( و ) يجوز التوكيل ( لغيره ) أي غير المجبر بأن لم يكن أبا ولا جدا في البكر أن كانت موليته ثيبا فليوكل ( بعد إذن ) حصل منها ( له فيه ) أي التزويج
____________________
(3/321)
إن لم تنهه عن التوكيل
وإذا عينت للولي رجلا فليعينه للوكيل وإلا لم يصح تزيجه
ولو لمن عينته لأن الإذن المطلق مع أن المطلوب معين فاسد
وخرج بقولي بعد إذنها للولي في التزويج ما لو وكله قبل إذنها له فيه فلا يصح التوكيل ولا النكاح
نعم لو وكل قبل أن يعلم إذنها له ظانا جواز التوكيل قبل الإذن فزوجها الوكيل صح إن تبين أنها كانت أذنت قبل التوكيل لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف وإلا فلا
( فروع ) لو زوج القاضي امرأة قبل ثبوت توكيله بل بخبر عدل نفذ وصح لكنه غير جائز لأنه تعاطى عقدا فاسدا في الظاهر كما قاله بعض أصحابنا ولو بلغت الولي امرأة إذن موليته فيه فصدقها ووكل القاضي فزوجها صح التوكيل والتزويج
____________________
(3/322)
ولو قالت امرأة لوليها أذنت لك في تزويجي لمن أراد تزويجي الآن وبعد طلاقي وانقضاء عدتي صح تزويجه بهذا الإذن ثانيا فلو وكل الولي أجنبيا بهذه الصفة صح تزويجه ثانيا أيضا لأنه وإن لم يملكه حال الإذن لكنه تابع لما ملكه حال الإذن كما أفتى به الطيب الناشري وأقره بعض أصحابنا
ولو أمر القاضي رجلا بتزويج من لا ولي لها قبل استئذانها فيه فزوجها بإذنها جاز بناء على الأصح إن استنابته في شغل معين استخلاف لا توكيل
( فرع ) لو استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة لم يكف الكتاب فقط بل يشترط اللفظ عليه منه وليس للمكتوب إليه الإعتماد على الخط
هذا ما في أصل الروضة
وتضعيف البلقيني له مردود بتصريحهم بأن الكتابة وحدها لا تفيد في الإستخلاف بل لا بد من إشهاد شاهدين على ذلك قاله شيخنا في شرحه الكبير
( و ) يجوز ( لزوج توكيل في قبوله ) أي النكاح فيقول وكيل الولي للزوج زوجتك فلانة بنت فلان ابن فلان
____________________
(3/323)
ثم يقول موكلي أو وكالة عنه إن جهل الزوج أو الشاهدان وكالته وإلا لم يشترط ذلك وإن حصل العلم بأخبار الوكيل
ويقول الولي لوكيل الزوج زوجت بنتي لفلان بن فلان فيقول وكيله كما يقول ولي الصبي حين يقبل النكاح له قبلت نكاحها له
فإن ترك لفظة له فيهما لم يصح النكاح وإن نوى الموكل أو الطفل كما لو قال زوجتك بدل فلان لعدم التوافق فإن ترك لفظة له في هذه
____________________
(3/324)
انعقد للوكيل وإن نوى موكله
( فروع ) من قال أنا وكيل في تزويج فلانة فلمن صدقه قبول النكاح منه ويجوز لمن أخبره عدل بطلاق فلان أو موته أو توكيله أن يعمل به بالنسبة لما يتعلق بنفسه وكذا خطه الموثوق به وأما بالنسبة لحق الغير أو لما يتعلق بالحاكم فلا يجوز اعتماد عدل ولا خط قاض من كل ما ليس بحجة شرعية ( فرع يزوج عتيقة امرأة حية ) عدم ولي عتيقتها نسبا ( وليها ) أي المعتقة
____________________
(3/325)
تبعا لولايته عليها فيزوجها أبو المعتقة ثم جدها بترتيب الأولياء ولا يزوجها ابن المعتقة ما دامت حية ( بإذن عتيقة ) ولو لم ترض المعتقة إذ لا ولاية لها فإذا ماتت المعتقة زوجها ابنها ( و ) يزوج ( أمة ) امرأة ( بالغة ) رشيدة ( وليها ) أي ولي السيدة ( بإذنها وحدها ) لأنها المالكة لها فلا يعتبر إذن الأمة لأن لسيدتها إجبارها على النكاح
ويشترط أن يكون إذن السيدة نطقا وإن كانت بكرا ( و ) يزوج ( أمة صغيرة بكر أو صغير أب ) فأبوه ( لغبطة )
____________________
(3/326)
وجدت كتحصيل مهر أو نفقة ( لا يزوج عبدهما لانقطاع كسبه عنهما خلافا لمالك إن ظهرت مصلحة ولا أمة ثيب صغيرة لأنه لا يلي نكاح مالكتها
ولا يجوز للقاضي أن يزوج أمة الغائب وإن احتاجت إلى النكاح وتضررت بعدم النفقة
نعم إن رأى القاضي بيعها لأن الحظ فيه للغائب من الإنفاق عليها باعها ( و ) يزوج ( سيد ) بالملك ولو فاسقا ( أمته ) المملوكة كلها له لا المشتركة ولو باغتنام بينه وبين جماعة أخرى بغير رضا جميعهم ( ولو ) بكرا ( صغيرة ) أو ثيبا غير بالغة أو كبيرة بلا إذن منها لأن النكاح يرد على منافع البضع وهي مملوكة له وله إجبارها عليه لكن لا يزوجها لغير كفء
____________________
(3/327)
بعيب مثبت للخيار أو فسق أو حرفة دنيئة إلا برضاها وله تزويجها برقيق ودنيء نسب لعدم النسب لها
وللمكتب لا لسيده تزويج أمته إن أذن له سيده فيه
ولو طلبت الأمة تزويجها لم يلزم السيد لأنه ينقص قيمتها قال شيخنا يزوج الحاكم أمة كافر أسلمت بإذنه والموقوفة بإذن الموقوف عليهم أي إن انحصروا وإلا لم تزوج فيما يظهر ( ولا ينكح عبد ) ولو مكاتبا ( إلا بإذن سيده ) ولو كان السيد أنثى سواء أطلق الإذن
____________________
(3/328)
أم قيد بامرأة معينة أو قبيلة فينكح بحسب إذنه
ولا يعدل عما أذن له فيه مراعاة لحقه
فإن عدل عنه لم يصح النكاح ولو نكح العبد بلا إذن سيده بطل النكاح
ويفرق بينهما خلافا لمالك فإن وطىء فلا شيء عليه لرشيدة مختارة
أما السفيهة والصغيرة فيلزم فيهما مهر المثل
ولا يجوز للعبد ولو مأذونا في التجارة أو مكاتبا أن يتسرى وإن جاز له النكاح بالإذن لأن المأذون له لا يملك
____________________
(3/329)
ولضعف الملك في المكاتب
ولو طلب العبد النكاح لا يجب على السيد إجابته ولو مكاتبا ولا يصدق مدعي عتق من عبد أو أمة إلا بالبينة المعتبرة الآتي بيانها في باب الشهادة وصدق مدعي حرية أصالة بيمين ما لم يسبق إقرار برق أو لم يثبت لأن الأصل الحرية
فصل في الكفاءة وهي معتبرة في النكاح لا لصحته بل لأنها حق للمرأة والولي فلهما إسقاطها
( لا يكافىء
____________________
(3/330)
حرة ) أصلية أو عتيقة ولا من لم يمسها الرق أو آباءها أو الأقرب إليها منهم غيرها بأن لا يكون مثلها في ذلك ولا أثر لمس الرق في الأمهات ( ولا عفيفة ) وسنية وغيرهما من فاسق ومبتدع فالفاسق كفء للفاسقة أي إن استوى فسقهما ( و ) لا ( نسيبة ) من عربية وقرشية وهاشمية أو مطلبية غيرها
____________________
(3/331)
يعني لا يكافيء عربية أبا غيرها من العجم وإن كانت أمة عربية ولا قرشية غيرها من بقية العرب ولا هاشمية أو مطلبية غيرهما من بقية قريش
وصح نحن وبنو المطلب شيء واحد فهما متكافئان
ولا يكافىء من أسلم بنفسه من لها أب أو أكثر في الإسلام ومن له أبوان لمن لها ثلاثة آباء فيه على ما صرحوا به لكن حكى القاضي أبو الطيب وغيره فيه وجها أنهما كفآن واختاره الروياني
وجزم به صاحب العباب
( و ) لا ( سليمة من حرف دنيئة ) وهي ما دلت ملابسته على انحطاط المروءة غيرها
____________________
(3/332)
فلا يكافىء من هو أو أبوه حجام أو كناس أو راع بنت خياط ولا هو بنت تاجر وهو من يجلب البضائع من غير تقييد بجنس أو بزاز وهو بائع البز ولا هما بنت عالم أو قاض عادل
قال الروياني وصوبه الأذرعي ولا يكافىء عالمة جاهل خلافا للروضة والأصح أن اليسار لا يعتبر في الكفاءة لأن المال ظل زائل ولا يفتخر أهل المروءات والبصائر
____________________
(3/333)
( و ) لا سليمة حال العقد ( من عيب ) مثبت لخيار ( نكاح ) لجاهل به حالته كجنون ولو متقطعا وإن قل وهو مرض يزول به الشعور من القلب ( وجذام ) مستحكم وهي علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع ( وبرص ) مستحكم وهو بياض شديد يذهب دموية الجلد وإن قلا وعلامة الإستحكام في الأول اسوداد العضو
____________________
(3/334)
وفي الثاني عدم احمراره عند عصره ( غير ) ممن به عيب لأن النفس تعاف صحبة من به ذلك ولو كان بها عيب أيضا فلا كفاءة وإن اتفقا أو كان ما بها أقبح
أما العيوب التي لا تثبت الخيار فلا تؤثر كالعمى وقطع الطرف وتشوه الصورة خلافا لجمع متقدمين
( تتمة ) ومن عيوب النكاح رتق وقرن فيها وجب وعنة فيه
____________________
(3/335)
فلكل من الزوجين الخيار فورا في فسخ النكاح بما وجد من العيوب المذكورة في الآخر بشرط أن يكون بحضور الحاكم
وليس منها استحاضة وبخر وصنان وقروح سيالة وضيق منفذ
ويجوز لكل من الزوجين خيار
____________________
(3/336)
بخلف شرط وقع في العقد لا قبله كأن شرط في أحد الزوجين حرية أو نسب أو جمال أو يسار أو بكارة أو شباب أو سلامة من عيوب كزوجتك بشرط أنها بكر أو حرة مثلا فإن بان أدنى مما شرط فله فسخ ولو بلا قاض ولو شرطت بكارة فوجدت ثيبا وادعت ذهابها عنده فأنكر صدقت بيمينها لدفع الفسخ أو ادعت افتضاضه لها فأنكر فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ أيضا لكن يصدق هو بيمينه لتشطير المهر إن طلق قبل الدخول ( ولا يقابل بعضها ) أي بعض خصال الكفاءة ( ببعض ) من تلك الخصال فلا تزوج حرة عجمية برقيق عربي ولا حرة فاسقة بعبد عفيف
____________________
(3/337)
قال المتولي وليس من الحرف الدنيئة خبازة
ولو اطرد عرف بلد بتفضيل بعض الحرف الدنيئة التي نصوا عليها لم يعتبر ويعتبر عرف بلدها فيما لم ينصوا عليه
وليس للأب تزويج ابنه الصغير أمة لأنه مأمون العنت ( ويزوجها بغير كفء ولي ) بنسب وولاء ( لا قاض برضا كل ) منها ومن وليها أو أوليائها المستوين
____________________
(3/338)
الكاملين لزوال المانع برضاهم أما القاضي فلا يصح له تزويجها لغير كفء وإن رضيت به على المعتمد إن كان لها ولي غائب أو مفقود لأنه كالنائب عنه فلا يترك الحظ له
وبحث جمع متأخرون أنها لو لم تجد كفؤا وخافت الفتنة لزم القاضي إجابتها للضرورة
قال شيخنا وهو متحه
مدركا أما من ليس لها ولي أصلا فتزويجها القاضي لغير كفء بطلبها التزويج منه صحيح على المختار خلافا للشيخين
( فرع ) لو زوجت من غير كفء بالإجبار أو بالإذن المطلق عند التقييد بكفء أو بغيره
____________________
(3/339)
لم يصح التزويج لعدم رضاها به فإن أذنت في تزويجها بمن ظنته كفؤا فبان خلافه صح النكاح ولا خيار لها لتقصيرها بترك البحث نعم لها خيار إن بان معيبا أو رقيقا وهي حرة
( تتمة ) يجوز للزوج كل تمتع منها بما سوى حلقة دبرها ولو بمص بظرها أو استمناء بيدها لا بيده وإن خاف الزنا خلافا لأحمد ولا افتضاض بأصبع
ويسن ملاعبة الزوجة إيناسا وأن لا يخليها عن الجماع كل أربع ليال مرة بلا عذر وأن يتحرى بالجماع وقت السحر وأن يمهل لتنزل إذا تقدم إنزاله وأن يجامعها عند القدوم من سفره وأن يتطيبا للغشيان وأن يقول كل ولو مع اليأس من الولد بسم الله اللهم جنبنا الشيطان
وجنب الشيطان ما رزقتنا
وأن يناما في فراش واحد
____________________
(3/340)
والتقوي له بأدوية مباحة بقصد صالح كعفة ونسل وسيلة لمحبوب فليكن محبوبا فيما يظهر
قاله شيخنا ويحرم عليها منعه من استمتاع جائز
ويكره لها أن تصف لزوجها أو غيره امرأة أخرى لغير حاجة
وله الوطء في زمن يعلم دخول وقت المكتوبة فيه وخروجه قبل وجود الماء وأنها لا تغتسل عقبه وتفوت الصلاة
فصل في نكاح الأمة ( حرم لحر ) ولو عقيما أو آيسا من الولد ( نكاح أمة ) لغيره ولو مبعضة ( إلا ) بثلاثة شروط أحدها ( بعجز عمن تصلح لتمتع ) ولو أمة
____________________
(3/341)
أو رجعية لأنها في حكم الزوجية ما لم تنقض عدتها بدليل التوارث بأن لا يكون تحته شيء من ذلك ولا قادرا على نكاح حرة لعدمها أو فقره أو التسري بعدم وجود أمة في ملكه أو ثمن لشرائها
ولو وجد من يقرض أو يهب مالا أو جارية لم يلزمه القبول بل يحل مع ذلك نكاح الأمة لا لمن له ولد موسر
أما إذا كان تحته صغيرة لا تحتمل الوطء أو هرمة أو مجنونة أو مجذومة أو برصاء أو رتقاء أو قرناء فتحل الأمة
وكذا إن كان تحته زانية على ما أفتى به غير واحدة
ولو قدر على غائبة في مكان قريب لم يشق قصدها وأمكن انتقالها لبلده لم تحل الأمة أما لو كان تحته غائبة في مكان بعيد عن بلده
____________________
(3/342)
ولحقه مشقة ظاهرة بأن ينسب متحملها في طلب الزوجة إلى مجاوزة الحد في قصدها أو يخاف الزنا مدة قصدها فهي كالعدم كالتي لا يمكن انتقالها إلى وطئة لمشقة الغربة له
( و ) ثانيها ( بخوفه زنا ) بغلبة شهوة وضعف تقواه فتحل للآية فإن ضعفت شهوته وله تقوى أو مروءة أو حياء يستقبح معه الزنا أو قويت شهوته وتقواه لم تحل له الأمة لأنه لا يخاف الزنا
ولو خاف الزنا من أمة بعينها لقوة ميله إليها لم تحل له كما صرحوا به والشرط الثالث
____________________
(3/343)
أن تكون الأمة مسلمة يمكن وطوها فلا تحل له الأمة الكتابية
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يجوز للحر نكاح أمة غيره إن لم يكن تحته حرة
( فروع ) لو نكح الحر الأمة بشروطه ثم أيسر أو نكح الحرة لم ينفسخ نكاح الأمة
وولد الأمة من نكاح أو غيره كزنا أو شبهة بأن نكحها وهو موسر قن لمالكها
ولو غر واحد بحرية أمة وتزوجها فأولادها الحاصلون منه أحرار ما لم يعلم برقها وإن كان عبدا ويلزمه قيمتهم يوم الولادة ( وحل لمسلم ) حر ( وطء ) أمته ( الكتابية ) لا الوثنية والمجوسية
( تتمة ) لا يضمن سيد
____________________
(3/344)
بإذنه في نكاح عبده مهرا ولا مؤنة وإن شرط في إذنه ضمان بل يكونان في كسبه وفي مال تجارة أذن له فيها
ثم إن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا فهما في ذمته فقط كزائد على مقدر له ومهر وجب بوطء في نكاح فاسد لم يأذن فيه سيده ولا يثبت مهر أصلا بتزويج أمته لعبده وإن سماه وقيل يجب ثم يسقط
فصل في الصداق وهو
____________________
(3/345)
ما وجب بنكاح أو وطء
وسمي بذلك لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجابه ويقال له أيضا مهر
وقيل الصداق ما وجب بتسميته في العقد
والمهر ما وجب بغير ذلك ( سن ) ولو في تزويج أمته بعبده ( ذكر صداق في عقد )
____________________
(3/346)
وكونه من فضة للإتباع فيهما وعدم زيادة على خمسمائة درهم أصدقة بناته صلى الله عليه وسلم أو نقصان عن عشرة دراهم خالصة وكره إخلاوه عن ذكره
وقد يجب لعارض كأن كانت المرأة غير جائزة التصرف
( وما صح ) كونه ( ثمنا صح ) كونه ( صداقا ) وإن قل
____________________
(3/347)
لصحة كونه عوضا فإن عقد بما لا يتمول كنواة وحصاة وقمع باذنجان وترك حد قذف فسدت التسمية لخروجه عن العوضية ( ولها ) كولي ناقصة بصغر أو جنون وسيد أمة ( حبس نفسها لتقبض غير مؤجل ) من المهر المعين أو الحال سواء كان بعضه أم كله أما لو كان مؤجلا فلا حبس لها وإن حل قبل تسليمها نفسها له ويسقط حق الحبس بوطئه إياها طائعة كاملة فلغيرها الحبس بعد الكمال
____________________
(3/348)
إلا أن يسلمها الولي بمصلحة وتمهل وجوبا النحو تنظف بالطلب منها أو من وليها ما يراه قاض من ثلاثة أيام فأقل لا لانقطاع حيض ونفاس
نعم لو خشيت أنه يطؤها سلمت نفسها وعليها الإمتناع فإن علمت أن امتناعها لا يفيد واقتضت القرائن بالقطع بأنه يطوها لم يبعد أن لها بل عليها الإمتناع حينئذ على ما قاله شيخنا ( ولو أنكح ) الولي ( صغيرة ) أو مجنونة ( أو رشيدة بكرا بلا إذن بدون مهر مثل أو عينت له قدرا فنقص عنه )
____________________
(3/349)
أو أطلقت الإذن ولم تتعرض لمهر فنقص عن مهر مثل
( صح ) النكاح على الأصح ( بمهر مثل ) لفساد المسمى كما إذا قبل النكاح لطفله بفوق مهر مثل من ماله
ولو ذكروا مهرا سرا وأكثر منه جهرا لزمه ما عقد به اعتبارا بالعقد
وإذا عقد سرا بألف ثم أعيد جهرا بألفين تجملا لزم ألف ( وفي وطء نكاح ) أو شراء ( فاسد ) كما في وطء شبهة
____________________
(3/350)
يجب ( مهر مثل ) لاستيفائه منفعة البضع ولا يتعدد بتعدد الوطء إن اتحدت الشبهة
( ويتقرر كله ) أي كل الصداق ( بموت ) لأحدهما ولو قبل الوطء لإجماع الصحابة على ذلك ( أو وطء ) أي بغيبة الحشفة وإن بقيت البكارة ( ويسقط ) أي كله ( بفراق ) وقع منها ( قبله ) أي قبل وطء ( كفسخها ) بعيبه أو بإعساره وكردتها
____________________
(3/351)
أو بسببها كفسخه بعيبها ( ويتشطر ) المهر أي يجب نصفه فقط ( بطلاق ) ولو باختيارها كأن فوض الطلاق إليها فطلقت نفسها أو علقه بفعلها ففعلت أو فورقت بالخلع وبإنفساخ نكاح بردته وحده ( قبله ) أي الوطء
( وصدق نافي وطء ) من الزوجين
____________________
(3/352)
بيمينه لأن الأصل عدمه إلا إذا نكحها بشرط البكارة ثم قال وجدتها ثيبا ولم أطأها فقالت بل زالت بوطئك فتصدق بيمينها لدفع الفسخ ويصدق هو لتشطيره إن طلق قبل وطء ( وإذا اختلفا ) أي الزوجان ( في قدره ) أي المهر المسمى وكان ما يدعيه الزوج أقل ( أو ) في ( صفته ) من نحو جنس كدنانير وحلول وقدر أجل وصحة وضدها
( ولا بينة ) لأحدهما أو تعارضت بيناتهما ( تحالفا ) كما في البيع ( ثم ) بعد التحالف ( يفسخ المسمى ويجب مهر المثل ) وإن زاد على ما ادعته الزوجة وهو ما يرغب به عادة في مثلها نسبا وصفة من نساء عصباتها فتقدم أخت لأبوين فلأب فبنت أخ فعمة كذلك
____________________
(3/353)
فإن جهل مهرهن فيعتبر مهر رحم لها كجدة وخالة
قال الماوردي والروياني تقدم الأم فالأخت للأم فالجدات فالخالة فبنت الأخت أي للأم فبنت الخالة
ولو اجتمع أم أب وأم أم فالذي يتجه استواوهما فإن تعذرت اعتبر بمثلها في الشبه من الأجنبيات
ويعتبر مع ذلك ما يختلف به غرض كسن ويسار وبكارة وجمال وفصاحة فإن اختصت عنهن بفضل أو نقص زيد عليه أو نقص منه لائق بالحال بحسب ما يراه قاض
ولو سامحت واحدة لم يجب موافقتها
____________________
(3/354)
( وليس لولي عفو عن مهر ) لموليته كسائر ديونها وحقوقها
ووجدت من خط العلامة الطنبداوي أن الحيلة في براءة الزوج عن المهر حيث كانت المرأة صغيرة أو مجنونة أو سفيهة أن يقول الولي مثلا طلق موليتي على خمسمائة درهم مثلا علي فيطلق ثم يقول الزوج أحلت عليك موليتك بالصداق الذي لها علي فيقول الولي قبلت فيبرأ الزوج حينئذ من الصداق اه
ويصح التبرع بالمهر من مكلفة بلفظ الإبراء والعفو والإسقاط والإحلال والتحليل والإباحة والهبة وإن لم يحصل قبول
( مهمات ) لو خطب امرأة ثم أرسل أو دفع بلا لفظ إليها مالا قبل العقد أي ولم يقصد التبرع ثم وقع الإعراض منها أو منه رجع بما وصلها منه كما صرح به جمع محققون ولو أعطاها مالا فقالت هدية وقال صداقا صدق بيمينه
____________________
(3/355)
وإن كان من غير جنسه ولو دفع لمخطوبته وقال جعلته من الصداق الذي سيجب بالعقد أو من الكسوة التي ستجب بالعقد والتمكين وقالت بل هي هدية فالذي يتجه تصديقها إذ لا قرينة هنا على صدقه في قصده ولو طلق في مسألتنا بعد العقد لم يرجع بشيء كما رجحه الأذرعي خلافا للبغوي لأنه إنما أعطى لأجل العقد وقد وجد
( تتمة ) تجب عليه لزوجة موطوءة ولو أمة متعة بفراق بغير سببها وبغير موت أحدهما وهي ما يتراضى الزوجان عليه وقيل أقل مال يجوز جعله صداقا
____________________
(3/356)
ويسن أن لا ينقص عن ثلاثين درهما فإن تنازعا قدرها القاضي بقدر حالهما من يساره وإعساره ونسبها وصفتها
( خاتمة ) الوليمة لعرس سنة مؤكدة للزوج الرشيد وولي غيره من مال نفسه ولا حد لأقلها لكن الأفضل للقادر شاة
ووقتها الأفضل بعد الدخول للإتباع وقبله بعد العقد يحصل بها أصل السنة
والمتجه استمرار طلبها بعد الدخول وإن طال الزمن كالعقيقة
____________________
(3/357)
أو طلقها وهي ليلا أولى
وتجب على غير معذور بأعذار الجمعة وقاض الإجابة إلى وليمة عرس عملت بعد عقد لا قبله إن دعاه مسلم إليها بنفسه أو نائبة الثقة وكذا مميز لم يعهد منه كذب وعم بالدعاء الموصوفين يوصف قصده كجيرانه وعشيرته أو أصدقائه أو أهل حرفته فلو كثر نحو عشيرته أو عجز عن الإستيعاب لفقره لم يشترط عموم الدعوة على الأوجه بل الشرط أن لا يظهر منه قصد
____________________
(3/358)
تخصيص لغني أو غيره وأن يعين المدعو بعينه أو وصفه فلا يكفي من أراد فليحضر أو ادع من شئت أو لقيت بل لا تسن الإجابة حينئذ
وأن لا يترتب على إجابته خلوة محرمة فالمرأة تجيبها المرأة إن أذن زوجها أو سيدها لا الرجل
____________________
(3/359)
إلا إن كان هناك مانع خلوة محرمة كمحرم لها أو له أو امرأة
أما مع الخلوة فلا يجيبها مطلقا وكذا مع عدمها إن كان الطعام خاصا به كأن جلست ببيت وبعثت له الطعام إلى بيت آخر من دارها خوف الفتنة
بخلاف إذا لم تخف فقد كان شعبان وأضرابه رابعة العدوية ويسمعون كلامها فإن وجد رجل كسفيان وامرأة كرابعة لم تحرم الإجابة بل لا تكره
وأن لا يدعي لنحو خوف منه أو طمع في جاهه أو لإعانته على باطل ولا إلى شبهة بأن لا يعلم حرام في ماله
أما إذا كان فيه شبهة بأن علم اختلاطه أو طعام الوليمة بحرام وإن قل فلا تجب إجابة بل تكره إن كان أكثر ماله حراما فإن علم أن عين الطعام حرام حرمت الإجابة وإن لم يرد الأكل منه كما استظهره شيخنا ولا إلى محل فيه منكر لا يزول بحضوره
____________________
(3/360)
ومن المنكر ستر جدار بحرير وفرش مغصوبة أو مسروقة ووجود من يضحك الحاضرين بالفحش والكذب فإن كان حرمت الإجابة ومنه صورة حيوان مشتملة على ما لا يمكن بقاؤه بدونه وإن لم يكن لها نظير كفرس بأجنحة وطير بوجه إنسان على سقف أو جدار أو ستر علق لزينة أو ثياب ملبوسة أو وسادة منصوبة
____________________
(3/361)
لأنها تشبه الأصنام فلا تجب الإجابة في شيء من الصور المذكورة بل تحرم ولا أثر بحمل النقد الذي عليه صورة كاملة لأنه للحاجة ولأنها ممتهنة بالمعاملة بها
ويجوز حضور محل فيه صورة تمتهن كالصور ببساط يداس ومخدة ينام أو يتكأ عليها وطبق وخوان وقصعة وإبريق وكذا إن قطع رأسها لزوال ما به الحياة
ويحرم ولو على نحو أرض تصوير حيوان وإن لم يكن له نظير
____________________
(3/362)
نعم يجوز تصوير لعب البنات لأن عائشة رضي الله عنه كانت تلعب بها عنده صلى الله عليه وسلم كما في مسلم
وحكمته تدريبهن أمر التربية
ولا يحرم أيضا تصوير حيوان بلا رأس خلافا للمتولي ويحل صوغ حلي ونسج حرير لأنه يحل للنساء
نعم صنعته لمن لا يحل له استعماله حرام
ولو دعاه اثنان أجاب أسبقهما دعوة فإن دعواه معا أجاب الأقرب رحما فدارا ثم بالقرعة
وتسن إجابة سائر الولائم كما عمل للختان والولادة وسلامة المرأة الطلق وقدوم المسافر وختم القرآن وهي مستحبة في كلها
____________________
(3/363)
____________________
(3/364)
( فروع ) يندب الأكل في صوم نفل ولو موءكدا
____________________
(3/365)
لإرضاء ذي الطعام بأن شق عليه إمساكه ولو آخر النهار للأمر بالفطر ويثاب على ما مضى وقضى ندبا يوما مكانه فإن لم يشق عليه إمساكه لم يندب الإفطار بل الإمساك أولى
قال الغزالي يندب أن ينوي بفطره إدخال السرور عليه ويجوز للضيف أن يأكل مما قدم له بلا لفظ من المضيف
نعم
إن انتظر غيره لم يجز قبل حضوره إلا بلفظ منه
____________________
(3/366)
وصرح الشيخان بكراهة الأكل فوق الشبع وآخرون بحرمته
وورد بسند ضعيف زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل
قال مالك هو نوع من الإتكاء فالسنة للأكل أن يجلس جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى
ويكره الأكل متكئا وهو المعتمد على وطاء تحته ومضطجعا إلا فيما يتنقل به لا قائما والشرب قائما خلاف الأولى ويسن للآكل أن يغسل اليدين والفم قبل الأكل وبعده
____________________
(3/367)
ويقرأ سورتي الإخلاص وقريش بعده ولا يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلال بل يرميه بخلاف ما يجمعه بلسانه من بينها فإنه يبتلعه
ويحرم أن يكبر اللقم مسرعا حتى يستوفي أكثر الطعام ويحرم غيره
ولو دخل على آكلين فأذنوا له لم يجز له الأكل معهم إلا إن ظن أنه عن طيب نفس لا لنحو حياء ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو هرة إلا إن علم رضا الداعي
ويكره للداعي تخصيص بعض الضيفان بطعام نفيس
ويحرم للأراذل أكل ما قدم للأماثل
ولو تناول ضيف إناء طعام فانكسر منه ضمنه كما بحثه الزركشي لأنه في يده في حكم العارية
ويجوز للإنسان أخذ من نحو طعام صديقه مع ظن رضا مالكه بذلك ويختلف بقدر المأخوذ وجنسه
____________________
(3/368)
وبحال المضيف
ومع ذلك ينبغي له مراعاة نصفة أصحابه فلا يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به عن طيب نفس لا عن حياء
وكذا يقال في قران نحو تمرتين أما عند الشك في الرضا فيحرم الأخذ كالتطفل ما لم يعم كأن فتح الباب ليدخل من شاء ولزم مالك طعام إطعام مضطر قدر سد رمقه إن كان معصوما مسلما أو ذميا وإن احتاجه مالكه مآلا وكذا بهيمة الغير المحترمة بخلاف حربي ومرتد وزان محصن وتارك صلاة وكلب عقور فإن منع فله أخذه قهرا بعوض إن حضر وإلا فنسيئة
ولو أطعمه ولم يذكر عوضا فلا عوض له لتقصيره ولو اختلفا في ذكر العوض صدق المالك بيمينه
ويجوز نثر نحو سكر وتنبل وتركه أولى
ويحل التقاطه للعلم برضا مالكه
ويكره أخذه لأنه دناءة
____________________
(3/369)
ويحرم أخذ فرخ طير عشش بملك الغير وسمك دخل مع الماء في حوضه
فصل في القسم والنشوز ( يجب قسم لزوجات ) إن بات عند بعضهن بقرعة أو غيرها فيلزمه قسم لمن بقي منهن
____________________
(3/370)
ولو قام بهن عذر كمرض وحيض
وتسن التسوية بينهن في سائر أنواع الإستمتاع ولا يوءاخذ بميل القلب إلى بعضهن وأن لا يعطلهن بأن يبيت عندهن ولا قسم بين إماء ولا إماء وزوجة
ويجب على الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف بأن يمتنع كل عما يكره صاحبه ويؤدي إليه حقه مع الرضا وطلاقة الوجه من غير أن يحوجه إلى مؤنة وكلفة في ذلك ( غير ) معتدة عن وطء شبهة لتحريم الخلوة بها وصغيرة لا تطيق الوطء و ( ناشزة ) أي خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير إذنه من منزله أو تمنعه من التمتع بها أو تغلق الباب في وجهه ولو مجنونة وغير مسافرة وحدها لحاجتها ولو بإذنه فلا قسم لهن كما لا نفقة لهن
( فرع ) قال الأذرعي نقلا عن تجزئة الروياني
____________________
(3/371)
ولو ظهر زناها حل له منع قسمها وحقوقها لتفتدي منه
نص عليه في الأم
وهو أصح القولين
انتهى
قال شيخنا وهو ظاهر إن أراد أنه يحل له ذلك باطنا معاقبة له لتلطيخ فراشه أما في الظاهر فدعواه عليها ذلك غير مقبولة بل ولو ثبت زناها لا يجوز للقاضي أن يمكنه من ذلك فيما يظهر
( وله ) أي للزوج ( دخول في ليل ) لواحدة ( على ) زوجة ( أخرى لضرورة ) لا لغيرها كمرضها المخوف ولو ظنا ( وله ) دخول ( في نهار لحاجة ) كوضع متاع أو أخذه وعيادة وتسليم نفقة وتعرف خبر ( بلا إطالة ) في مكث عرفا على قدر الحاجة وإن أطال فوق الحاجة عصى لجوره وقضى وجوبا لذات النوبة بقدر ما مكث من نوبة المدخول عليها
____________________
(3/372)
هذا ما في المهذب وغيره
وقضية كلام المنهاج والروضة وأصليهما خلافه فيما إذا دخل في النهار لحاجة وإن طال فلا تجب تسوية في الإقامة في غير الأصل كأن كان نهارا أي في قدرها لأنه وقت التردد وهو يقل ويكثر عند حل الدخول يجوز له أن يتمتع
ويحرم الجماع لا لذاته بل لأمر
____________________
(3/373)
خارج ولا يلزمه قضاء الوطء لتعلقه بالنشاط بل يقضي زمنه إن طال عرفا
( واعلم ) أن أقل القسم ليلة لكل واحدة وهي من الغروب إلى الفجر ( وأكثره ثلاث ) فلا يجوز أكثر منها وإن تفرقن في البلاد إلا برضاهن
وعليه يحمل قول الأم يقسم مشاهرة ومسانهة
والأصل فيه لمن عمله نهارا الليل والنهار قبله أو بعده وهو أولى تبع
ولحرة ليلتان ولأمة سلمت له ليلا ونهارا ليلة
____________________
(3/374)
ويبدأ وجوبا في القسم بقرعة ( ولجديدة ) نكحها وفي عصمته زوجة فأكثر ( بكر سبع ) من الأيام يقيمها عندها متوالية وجوبا ( و ) لجديدة ( ثيب ثلاث ) ولاء بلا قضاء ولو أمة فيهما لقوله صلى الله عليه وسلم سبع للبكر وثلاث للثيب ويسن تخيير الثيب بين ثلاث بلا قضاء وسبع بقضاء للإتباع
( تنبيه ) يجب عند الشيخين وإن أطال الأذرعي كالزركشي في رده أن يتخلف ليالي مدة الزفاف
____________________
(3/375)
عن نحو الخروج للجماعة وتشييع الجنائز وأن يسوي ليالي القسم بينهن في الخروج لذلك أو عدمه فيأثم بتخصيص ليلة واحدة بالخروج لذلك ( و ) وعظ زوجته ندبا لأجل خوف وقوع نشوز منها كالإعراض والعبوس بعد الإقبال وطلاقة الوجه والكلام الخشن بعد لينه و ( هجر ) إن شاء ( مضجعا ) مع وعظها لا في الكلام بل يكره فيه ويحرم الهجر به ولو لغير الزوجة فوق ثلاثة أيام للخبر الصحيح
____________________
(3/376)
نعم إن قصد به ردها عن المعصية وإصلاح دينها جاز ( وضربها ) جوازا ضربا غير مبرح ولا مدم على غير وجه ومقتل إن أفاد الضرب في ظنه ولو بسوط وعصا
لكن نقل الروياني تعيينه بيده أو بمنديل ( بنشوز ) أي بسببه وإن لم يتكرر خلافا للمحرر ويسقط بذلك القسم
ومنه امتناعهن إذا دعاهن إلى بيته ولو لاشتغالها بحاجتها لمخالفتها
نعم إن عذرت لنحو مرض أو كانت
____________________
(3/377)
ذات قدر وخفر لم تعتد البروز لم تلزمها إجابته وعليه أن يقسم لها في بيتها
ويجوز له أن يؤدبها على شتمها له
( تتمة ) يعصى بطلاق من لم تستوف حقها بعد حضور وقته وإن كان الطلاق رجعيا
قال ابن الرفعة ما لم يكن بسؤالها
فصل في الخلع
____________________
(3/378)
بضم الخاء من الخلع بفتحها وهو النزع لأن كلا من الزوجين لباس للآخر كما في الآية وأصله مكروه
وقد يستحب كالطلاق ويزيد هذا بندبه لمن حلف بالطلاق الثلاث على شيء لا بد له من فعله
____________________
(3/379)
قال شيخنا وفيه نظر لكثرة القائلين بعود الصفة
فالأوجه أنه مباح لذلك لا مندوب وفي شرحي المنهاج والإرشاد له لو منعها نحو نفقة لتختلع منه بمال ففعلت بطل الخلع ووقع رجعيا كما نقله جمع متقدمون عن الشيخ أبي حامد أولا بقصد ذلك وقع بائنا
____________________
(3/380)
وعليه يحمل ما نقله الشيخان عنه أنه يصح ويأثم بفعله في الحالين وإن تحقق زناها لكن لا يكره الخلع حينئذ
( الخلع ) شرعا ( فرقة بعوض ) كميته مقصود من زوجة أو غيرها راجع ( لزوج ) أو سيدة ( بلفظ طلاق أو خلع ) أو مفاداة ولو كان الخلع في رجعية لأنها كالزوجة في كثير من الأحكام
( فلو جرى ) الخلع ( بلا ) ذكر ( عوض ) معها ( بنية التماس قبول ) منها
____________________
(3/381)
كأن قال خالعتك أو فاديتك ونوى التماس قبولها فقبلت ( فمهر مثل ) يجب عليها لاطراد العرف بجريان ذلك بعوض فإن جرى مع أجنبي طلقت مجانا كما لو كان معه والعوض فاسد
ولو أطلق فقال خالعتك ولم ينو التماس قبولها وقع رجعيا وإن قبلت ( وإذا بدأ ) الزوج ( ب ) صيغة ( معاوضة كطلقتك ) أو خالعتك
____________________
(3/382)
( بألف فمعاو لأخذه عوضا في مقابلة البضع المستحق له وبها شوب تعليق لتوقف وقوع الطلاق بها على القبول ( فله رجوع قبل قبولها ) لأن هذا شأن المعاوضات ( وشرط قبولها فورا ) أي في مجلس التواجب بلفظ كقبلت أو ضمنت أو يفعل كإعطائها الألف على ما قاله جمع محققون فلو تحلل بين لفظه وقبولها زمن أو كلام طويل لم ينفذ
ولو قال طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بألف فتقع الثلاث وتجب الألف
____________________
(3/383)
فإذا بدأت الزوجة بطلب طلاق كطلقني بألف أو إن طلقتني فلك علي كذا فأجابها الزوج فمعاوضة من جانبها فلها رجوع قبل جوابه لأن ذلك حكم المعاوضة
ويشترط الطلاق بعد سؤالها فورا
____________________
(3/384)
فإن لم يطلقها فورا كان تطليقه لها ابتداء للطلاق
قال الشيخ زكريا لو ادعى أنه جواب وكان جاهلا معذورا صدق بيمينه ( أو بدأ ب ) صيغة ( تعليق ) في إثبات ( كمتى ) أو أي حين ( أعطيتني كذا فأنت طالق فتعليق ) لاقتضاء الصيغة له ( فلا ) طلاق إلا بعد تحقق الصفة ولا ( رجوع ) له عنه قبل الصفة كسائر التعليقات ( ولا يشترط ) فيه ( قبول ) لفظا ( ولا إعطاء فورا ) بل يكفي الإعطاء ولو بعد أن تفرقا عن المجلس لدلالته على استغراق كل الأزمنة منه صريحا وإنما وجب الفور في قولها متى طلقتني فلك كذا لأن الغالب على جانبها المعاوضة فإن لم يطلقها فورا حمل على الابتداء لقدرته عليه أما إذا كان التعليق في النفي كمتى لم تعطني ألفا فأنت طالق فللفور فتطلق بمضي زمن يمكن فيه الإعطاء فلم تعطه ( وشرط فور ) أي الإعطاء في مجلس التواجب بأن لا يتخلل كلام أو سكوت طويل عرفا من حرة حاضرة أو غائبة علمته ( في إن ) أو إذا ( أعطيتني ) كذا فأنت طالق لأنه مقتضى اللفظ مع العوض وخولف في نحو متى لصراحتها في جواز التأخير لكن لا رجوع له عنه قبله
ولا يشترط القبول لفظا
( تنبيه ) الإبراء فيما ذكر كالإعطاء ففي إن أبرأتني لا بد من إبرائها فورا براءة صحيحة عقب علمها وإلا لم يقع
____________________
(3/385)
وإفتاء بعضهم بأنه يقع في الغائبة مطلقا لأنه لم يخاطبها بالعوض بعيد مخالف لكلامهم
ولو قال إن أبرأتني فأنت وكيل في طلاقها فأبرأته برىء ثم الوكيل مخير فإن طلق وقع رجعيا لأن الإبراء وقع في مقابلة التوكيل ومن علق طلاق زوجته بإبرائها إياه من صداقها لم يقع عليه
إلا إن وجدت براءة صحيحة من جميعه فيقع بائنا بأن تكون رشيدة وكل منهما يعلم قدره ولم تتعلق به زكاة خلافا لما أطال به الريمي أنه لا فرق بين تعلقها به وعدمه وإن نقله عن المحققين وذلك لأن الإبراء لا يصح من قدرها وقد علق بالإبراء من جميعه فلم توجد الصفة المعلق عليها وقيل يقع بائنا بمهر المثل
ولو أبرأته ثم ادعت الجهل بقدره
فإن زوجت صغيرة صدقت بيمينها أو بالغة ودل الحال على جهلها به لكونها مجبرة لم تستأذن فكذلك
____________________
(3/386)
وإلا صدق بيمينه ولو قال إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق بعد شهر فأبرأته برىء مطلقا
ثم إن عاش إلى مضي الشهر طلقت وإلا فلا
وفي الأنوار في أبرأتك من مهري بشرط أن تطلقني فطلق وقع ولا يبرأ لكن الذي في الكافي وأقره البلقيني وغيره في أبرأتك من صداقي بشرط الطلاق أو على أن تطلقني تبين ويبرأ بخلاف إن طلقت ضرتي فأنت بريء من صداقي فطلق الضرة وقع الطلاق ولا براءة
قال شيخنا والمتجه ما في الأنوار لأن الشرط المذكور متضمن للتعليق
( فروع ) لو قال إن أبرأتني من صداقك أطلقك فأبرأت فطلق برىء وطلقت ولم تكن مخالعة ولو قالت طلقني وأنت بريء من مهري فطلقها بانت به لأنها صيغة التزام أو قالت إن طلقتني فقد أبرأتك أو فأنت بريء من صداقي فطلقها بانت بمهر المثل على المعتمد
____________________
(3/387)
لفساد العوض بتعليق الإبراء
وأفتى أبو زرعة فيمن سأل زوج بنته قبل الوطء أن يطلقها على جميع صداقها والتزم به والدها فطلقها واحتال من نفسه على نفسه لها وهي محجورته بأنه خلع على نظير صداقها في ذمة الأب
نعم شرط صحة هذه الحوالة أن يحيله الزوج به لبنته
إذ لا بد فيها من إيجاب وقبول ومع ذلك لا تصح إلا في نصف ذلك لسقوط نصف صداقها عليه ببينونتها منه فيبقى للزوج على الأب نصفه
____________________
(3/388)
لأنه لما سأله بنظير الجميع في ذمته فاستحقه والمستحق على الزوج النصف لا غير فطريقه أن يسأله الخلع بنظير النصف الباقي لمحجورته لبراءته حينئذ بالحوالة عن جميع دين الزوج
اه
قال شيخنا وسيعلم مما يأتي أن الضمان يلزمه به مهر المثل فالالتزام المذكور مثله وإن لم توجد الحوالة
ولو اختلع الأب أو غيره بصداقها أو قال طلقها وأنت بريء منه وقع رجعيا ولا يبرأ من شيء منه
نعم إن ضمن له الأب أو الأجنبي الدرك أو قال علي ضمان ذلك وقع بائنا بمهر المثل على الأب أو الأجنبي
ولو قال لأجنبي سل فلانا أن يطلق زوجته بألف اشترط في لزوم الألف أن يقول علي
بخلاف سل زوجتي أن يطلقني على كذا فإنه توكيل وإن لم تقل علي
ولو قال طلق زوجتك على أن أطلق زوجتي
____________________
(3/389)
ففعلا بانتا لأنه خلع غير فاسد لأن العوض فيه مقصود خلافا لبعضهم فلكل على الآخر مهر مثل زوجته
( تنبيه ) الفرقة بلفظ الخلع طلاق ينقص العدد
وفي قول نص عليه في القديم والجديد الفرقة بلفظ الخلع إذا لم يقصد به طلاقا فسخ لا ينقص عددا فيجوز تجديد النكاح بعد تكرره من غير حصر واختاره كثيرون من أصحابنا المتقدمين والمتأخرين بل تكرر من البلقيني الإفتاء به
أما الفرقة بلفظ الطلاق بعوض فطلاق ينقص قطعا كما لو قصد بلفظ الخلع الطلاق لكن نقل الإمام عن المحققين القطع بأنه لا يصير طلاقا بالنية 4
____________________
(3/390)
فصل في الطلاق وهو لغة حل القيد
وشرعا حل عقد النكاح
____________________
(4/2)
باللفظ الآتي وهو إما واجب كطلاق مول لم يرد الوطء أو مندوب كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها أو سيئة الخلق أي بحيث لا يصبر على عشرتها عادة فيما استظهره شيخنا وإلا فمتى توجد امرأة غير سيئة الخلق
وفي الحديث المرأة الصالحة في النساء كالغراب الأعصم كناية عن ندرة وجودها إذ الأعصم هو أبيض الجناحين أو يأمره به أحد والديه أي من غير تعنت أو حرام كالبدعي وهو طلاق مدخول بها في نحو حيض بلا عوض منها أو في طهر جامعها فيه
____________________
(4/3)
وكطلاق من لم يستوف دورها من القسم وكطلاق المريض بقصد الحرمان من الإرث ولا يحرم جمع ثلاث طلقات بل يسن الإقتصار على واحدة أو مكروه بأن سلم الحال من ذلك كله للخبر الصحيح أبغض الحلال إلى الله الطلاق وإثبات بغضه تعالى له المقصود منه زيادة التنفير عنه لا حقيقته لمنافاتها لحله إنما ( يقع لغير بائن ) ولو رجعية لم تنقض عدتها فلا يقع لمختلعة ورجعية انقضت عدتها ( طلاق ) مختار ( مكلف ) أي بالغ عاقل فلا يقع طلاق صبي ومجنون
____________________
(4/4)
( ومتعد بسكر ) أي بشرب خمر وأكل بنج أو حشيش لعصيانه بإزالة عقل بخلاف سكران لم يتعد بتناول مسكر كأن أكره عليه أو لم يعلم أنه مسكر فلا يقع طلاقه إذا صار بحيث لا يميز لعدم تعديه وصدق مدعي إكراه في تناوله بيمينه إن وجدت قرينة عليه كحبس وإلا فلا بد من البينة ويقع طلاق الهازل به بأن قصد لفظه دون معناه أو لعب به بأن لم يقصد شيئا ولا أثر لحكاية طلاق الغير وتصوير الفقيه وللتلفظ به بحيث لا يسمع نفسه
واتفقوا على وقوع طلاق الغضبان وإن ادعى زوال شعوره بالغضب ( لا ) طلاق ( مكره ) بغير حق
____________________
(4/5)
( بمحذور ) مناسب كحبس طويل وكذا قليل لذي مروءه وصفعة له في الملأ وكإتلاف مال يضيق عليه بخلاف نحو خمسة دراهم في حق موسر وشرط الإكراه قدرة المكره على تحقيق ما هدد به عاجلا بولاية أو تغلب وعجز المكره عن دفعه بفرار أو استغاثة
____________________
(4/6)
وظنه أنه إن امتنع فعل ما خوفه به ناجزا فلا يتحقق العجز بدون اجتماع ذلك كله ولا يشترط التورية بأن ينوي غير زوجته أو يقول سرا عقبه إن شاء الله فإذا قصد المكره الإيقاع للطلاق وقع كما إذا أكره بحق كأن قال مستحق القود طلق زوجتك وإلا قتلتك بقتلك أبي أو قال رجل لآخر طلقها أو لأقتلنك غدا فطلق فيقع فيهما ( ب ) صريح
____________________
(4/7)
وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق ك ( مشتق طلاق ) ولو من عجمي عرف أنه موضوع لحل عصمة النكاح أو بعده عنها وإن لم يعرف معناه الأصلي كما أفتى به شيخنا ( وفراق وسراح ) لتكررها في القرآن كطلقتك وفارقتك وسرحتك أو زوجتي وكأنت طالق أو مطلقة بتشديد اللام المفتوحة ومفارقة ومسرحة أما مصادرها فكناية كأنت طلاق أو فراق أو سراح
ويشترط ذكر مفعول مع نحو طلقت ومبتدأ مع نحو طالق
____________________
(4/8)
فلو نوى أحدهما لم يوءثر كما لو قال طالق ونوى أنت أو امرأتي ونوي لفظ طالق إلا إن سبق ذكرها في سؤال في نحو طلق امرأتك فقال طلقت بلا مفعول أو فوض إليها بطلقي نفسك فقالت طلقت ولم تقل نفسي فيقع فيهما ( وترجمته ) أي مشتق ما ذكر بالعجمية فترجمة الطلاق صريح على المذهب وترجمة صاحبيه صريح أيضا على المعتمد ونقل الأذرعي عن جمع الجزم به ( و ) منه ( أعطيت ) أو قلت ( طلاقك وأوقعت ) أو ألقيت أو وضعت ( عليك الطلاق ) أو طلاقي ويا طالق ويا مطلقة بتشديد اللام لا أنت طلاق ولك الطلاق بل هما كنايتان كإن فعلت كذا ففيه طلاقك أو فهو طلاقك فيما استظهر شيخنا لأن المصدر لا يستعمل في العين إلا توسعا ولا يضر الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى
____________________
(4/9)
كالخطإ في الإعراب
فروع لو قالت له طلقني فقال هي مطلقة فلا يقبل إرادة غيرها لأن تقدم سؤالها يصرف اللفظ إليها ومن ثم لو لم يتقدم لها ذكر رجع لنيته في نحو أنت طالق وهي غائبة أو هي طالق وهي حاضرة
قال البغوي ولو قال ما كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق انتهى
ولو قال لوليها زوجها فمقر بالطلاق قال المزجد لو قال هذه زوجة فلان حكم بارتفاع نكاحه وأفتى ابن الصلاح فيما لو قال رجل إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج بأنه إقرار في الظاهر بزوال الزوجية بعد غيبته السنة فلها بعدها ثم بعد انقضاء عدتها تزوج لغيره
ولو قال لآخر أطلقت زوجتك ملتمسا الإنشاء فقال نعم أو إي وقع وكان صريحا فإذا قال طلقت فقط كان كناية لأن نعم متعينة للجواب وطلقت مستقلة فاحتملت الجواب والإبتداء
أما إذا قال له ذلك مستخبرا فأجاب بنعم فإقرار بالطلاق
____________________
(4/10)
ويقع عليه ظاهرا إن كذب ويدين وكذا لو جهل حال السؤال
فإن قال أردت طلاقا ماضيا وراجعت صدق بيمينه لاحتماله ولو قيل لمطلق أطلقت زوجتك ثلاثا فقال طلقت وأراد واحدة صدق بيمينه لأن طلقت محتمل للجواب والإبتداء ومن ثم لو قالت طلقني ثلاثا فقال طلقتك ولم ينو عددا فواحدة ولو قال لأم زوجته ابنتك طالق وقال أردت بنتها الأخرى صدق بيمنه كما لو قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق وقال قصدت الأجنبية لتردد اللفظ بينهما فصحت إرادتها بخلاف ما لو قال زينب طالق واسم زوجته زينب وقصد أجنبية اسمها زينب فلا يقبل قوله ظاهرا
____________________
(4/11)
بل يدين ولو قال عامي أعطيت تلاق فلانة بالتاء أو طلاكها بالكاف أو دلاقها بالدال وقع به الطلاق وكان صريحا في حقه إن لم يطاوعه لسانه إلا على هذا اللفظ المبدل أو كان ممن لغته كذلك كما صرح به الجلال البلقيني واعتمده جمع متأخرون وأفتى به جمع من مشايخنا وإلا فهو كناية لأن ذلك الإبدال له أصل في اللغة ( و ) يقع ( بكناية ) وهي ما يحتمل الطلاق وغيره إن كانت ( مع نية ) لإيقاع الطلاق
____________________
(4/12)
( مقترنة بأولها ) أي الكناية وتعبيري بمقترنة بأولها هو ما رجحه كثيرون واعتمده الأسنوي والشيخ زكريا تبعا لجمع محققين ورجح في أصل الروضة الإكتفاء بالمقارنة لبعض اللفظ ولو لآخره وهي ( كأنت علي حرام ) أو حرمتك أو حلال الله علي حرام ولو تعارفوه طلاقا خلافا للرافعي ولو نوى تحريم عينها أو نحو فرجها أو وطئها لم تحرم وعليه مثل كفارة يمين وإن لم يطأ
ولو قال هذا الثوب أو الطعام حرام علي فلغو لا شيء فيه
____________________
(4/13)
( و ) أنت ( خلية ) أي من الزوج فعيلة بمعنى فاعلة أو بريئة منه ( وبائن ) أي مفارقة ( و ) كأنت ( حرة ) ومطلقة بتخفيف اللام أو أطلقتك ( و ) أنت ( كأمي ) أو بنتي أو أختي ( و ) ك ( بنتي ) لممكنة كونها بنته باحتمال السن وإن كانت معلومة النسب ( و ) ك ( أعتقتك وتركتك ) وقطعت نكاحك ( وأزلتك وأحللتك ) أي للأزواج وأشركتك مع فلانة وقد طلقت منه أو من غيره ( و ) ك ( تزوجي ) أي لأني طلقتك وأنت حلال لغيري بخلاف قوله للولي زوجها فإنه صريح ( واعتدي ) أي لأني طلقتك وودعيني من الوداع أي لأني طلقتك ( و ) ك ( خذي طلاقك ولا حاجة لي فيك ) أي لأني طلقتك ولست زوجتي إن لم يقع في جواب دعوى وإلا فإقرار
____________________
(4/14)
( و ) ك ( ذهب طلاقك أو سقط طلاقك ) إن فعلت كذا ( و ) ك ( طلاقك واحد ) وثنتان فإن قصد به الإيقاع وقع وإلا فلا وكلك الطلاق أو طلقة وكذا سلام عليك على ما قاله ابن صلاح ونقله شيخنا في شرح المنهاج ( لا ) منها ( كطلاقك عيب أو نقص ولا قلت ) أو أعطيت ( كلمتك أو حكمك ) فلا يقع به الطلاق وإن نوى بها المتلفظ الطلاق لأنها ليست من الكنايات التي تحتمل الطلاق بلا تعسف ولا أثر لاشتهارها في الطلاق في بعض القطر كما أفتى به جمع من محققي مشايخ عصرنا ولو نطق بلفظ من هذه الألفاظ الملغاة عند إرادة الفراق فقال له الآخر مستخبرا أطلقت زوجتك فقال نعم ظانا وقوع الطلاق باللفظ الأول لم يقع كما أفتى به شيخنا
وسئل البلقيني عما لو قال لها أنت علي حرام وظن أنها طلقت به ثلاثا
____________________
(4/15)
فقال لها أنت طالق ثلاثا ظانا وقوع الثلاث بالعبارة الأولى
فأجاب بأنه لا يقع عليه طلاق بما أخبر به ثانيا على الظن المذكور
اه
ويجوز لمن ظن صدقه أن لا يشهد عليه
فرع لو كتب صريح طلاق أو كنايته ولم ينو إيقاع الطلاق فلغو ما لم يتلفظ حال الكتابة أو بعدها بصريح ما كتبه نعم يقبل قوله أردت قراءة المكتوب لا الطلاق
____________________
(4/16)
لإحتماله ولا يلحق الكناية بالصريح طلب المرأة الطلاق ولا قرينة غضب ولا اشتهار بعض ألفاظ الكنايات فيه ( وصدق منكر نية ) في الكناية ( بيمينه ) في أنه ما نوى بها طلاقا فالقول في النية إثباتا ونفيا قول الناوي إذ لا تعرف إلا منه فإن لم تمكن مراجعة نيته بموت أو فقد لم يحكم بوقوع الطلاق لأن الأصل بقاء العصمة
فروع قال في العباب من اسم زوجته فاطمة مثلا فقال ابتداء أو جوابا لطلبها الطلاق فاطمة طالق وأراد غيرها لم يقبل ومن قال لامرأته يا زينب أنت طالق واسمها عمرة طلقت للإشارة ولو أشار إلى أجنبية وقال يا عمرة أنت طالق واسم زوجته عمرة لم تطلق ومن قال امرأتي طالق مشيرا لأحدى امرأتيه وأراد الأخرى قبل بيمينه ومن له زوجتان اسم كل واحدة منهما فاطمة بنت محمد وعرف أحدهما بزيد فقال فاطمة بنت محمد طالق ونوى بنت زيد قبل
انتهى
____________________
(4/17)
قال شيخنا لم يقبل في المسألة الأولى أي ظاهرا بل يدين
نعم يتجه قبول إرادته لمطلقة له اسمها فاطمة اه
ولو قال زوجتي عائشة بنت محمد طالق وزوجته خديجة بنت محمد طلقت لأنه لا يضر الخطأ في الإسم ولو قال لإبنه المكلف قل لأمك أنت طالق ولم يرد التوكيل يحتمل التوكيل فإذا قاله لها طلقت كما تطلق به لو أراد التوكيل ويحتمل أنها تطلق وكون الإبن مخبرا لها بالحال قال الأسنوي ومدرك التردد أن الأمر بالأمر بالشيء إن جعلناه كصدور الأمر من الأول كان الأمر بالإخبار بمنزلة الإخبار من الأب فيقع وإلا فلا
اه
قال الشيخ زكريا وبالجملة فينبغي أن يستفسر
____________________
(4/18)
فإن تعذر استفساره عمل بالإحتمال الأول حتى لا يقع الطلاق بقوله بل بقول الإبن لأمه لأن الطلاق لا يقع بالشك
( ولو قال طلقتك ونوى عدا ) اثنتين أو واحدة ( وقع منوي ) ولو في غير موطوءة فإن لم ينوه وقع طلقة واحدة ولو شك في العدد الملفوظ أو المنوي فيأخذ بالأقل ولا يخفى الورع
فرع لو قال طلقتك واحدة وثنتين فيقع به الثلاث كما هو ظاهر وبه أفتى بعض محققي علماء عصرنا
____________________
(4/19)
ولو قال للمدخول بها أنت طالق طلقة بل طلقتين فيقع ثلاث كما صرح به الشيخ زكريا في شرح الروض ( ويقع طلاق الوكيل ) في الطلاق ( بطلقت ) فلانة ونحوه وإن لم ينو عند الطلاق أنه مطلق لموكله ( ولو قال لآخر أعطيت ) أو جعلت بيدك ( طلاق زوجتي ) أو قال له رح بطلاقها وأعظها ( فهو توكيل ) يقع الطلاق بتطليق الوكيل لا بقول الزوج هذا اللفظ بل تحصل الفرقة من حين قول الوكيل متى شاء طلقت فلانة لا بإعلامها الخبر بأن فلانا أرسل بيدي طلاقك ولا بإعلامها أن زوجك طلق وإذا قال له لا تعطه إلا في يوم كذا فيطلق في اليوم الذي عينه أو بعده لا قبله ثم إن قصد التقييد بيوم طلق فيه لا بعده
( ولو قال لها ) أي الزوجة المكلفة منجزا ( طلقي نفسك
____________________
(4/20)
إن شئت فهو تمليك ) للطلاق لا توكيل بذلك وبحث أن منه قوله طلقيني فقالت أنت طالق ثلاثا لكنه كناية فإن نوى التفويض إليها طلقت وإلا فلا
وخرج بتقييدي بالمكلفة غيرها لفساد عبارتها وبمنجز المعلق فلو قال إذا جاء رمضان فطلقي نفسك لغا وإذا قلنا أنه تمليك ( فيشترط ) لوقوع الطلاق المفوض إليها ( تطليقها ) ولو بكناية ( فورا ) بأن لا يتخلل فاصل بين تفويضه وإيقاعها نعم لو قال طلقي نفسك فقالت كيف يكون تطليق نفسي ثم قالت طلقت وقع لأنه فصل يسير ( بطلقت ) نفسي أو طلقت فقط لا بقبلت وقال بعضهم كمختصري الروضة لا يشترط الفور
____________________
(4/21)
في متى شئت فتطلق متى شاءت
وجزم به صاحبا التنبيه والكفاية لكن المعتمد كما قال شيخنا أنه يشترط الفورية وإن أتى بنحو متى ويجوز له الرجوع قبل تطليقها كسائر العقود
فائدة يجوز تعليق الطلاق كالعتق بالشروط
____________________
(4/22)
ولا يجوز الرجوع فيه قبل وجود الصفة
ولا يقع قبل وجود الشرط
ولو علقه بفعله شيئا ففعله ناسيا للتعلق أو جاهلا بأنه المعلق عليه لم تطلق
ولو علق الطلاق على ضرب زوجته بغير ذنب فشتمته فضربها لم يحنث إن ثبت ذلك وإلا صدقت فتحلف
مهمة يجوز الإستثناء بنحو إلا بشرط أن يسمع نفسه وأن يتصل بالعدد الملفوظ كطلقتك ثلاثا إلا اثنتين فيقع طلقه
____________________
(4/23)
أو إلا واحدة فطلقتان ولو قال أنت طالق إن شاء الله لم تطلق
( وصدق مدعي إكراه ) على طلاق ( أو إغماء ) حالته ( أو سبق لسان ) إلى لفظ الطلاق ( بيمينه إن كان ثم قرينة ) كحبس وغيره في دعوى كونه مكرها وكمرض واعتياد صرع في دعوى كونه مغشيا عليه وككون اسمها طالعا أو طالبا في دعوى سبق اللسان ( وإلا ) تكن هناك قرينة ( فلا ) يصدق إلا بيمينه
تتمة من قال لزوجته يا كافرة مريدا حقيقة الكفر جرى فيها ما تقرر في الردة أو الشتم فلا طلاق وكذا إن لم يرد شيئا لأصل بقاء العصمة وجريان ذلك الشتم كثيرا مرادا به كفر النعمة
( فرع في حكم المطلقة بالثلاث حرم لحر من طلقها ) ولو قبل الوطء ( ثلاثا ولعبد من طلقها ثنتين )
____________________
(4/24)
في نكاح أو أنكحة ( حتى تنكح ) زوج غيره بنكاح صحيح ثم يطلقها وتنقض عدتها منه كما هو معلوم ( ويولج ) بقبلها ( حشفة ) منه أو قدرها من فاقدها مع افتضاض لبكر وشرط كون الإيلاج ( بانتشار ) للذكر أي معه وإن قل أو أعين بنحو إصبع ولا يشترط إنزال وذلك للآية
والحكمة في اشتراط التحليل
____________________
(4/25)
التنفير من استيفاء ما يملكه من الطلاق ( ويقبل قولها ) أي المطلقة ( في تحليل ) وانقضاء عدة عند إمكان ( وإن كذبها الثاني ) في وطئه لها لعسر إثباته ( و ) إذا ادعت نكاحا وانقضاء عدة وحلفت عليهما جاز ( ل ) لزوج ( الأول نكاحها ) وإن ظن كذبها لأن العبرة في العقود بقول أربابها ولا عبرة بظن لا مستند له
ولو ادعى الثاني الوطء وأنكرته لم تحل للأول ولو قالت لم أنكح ثم كذبت نفسها وادعت نكاحا بشرطه جاز للأول نكاحها إن صدقها ( ولو أخبرته )
____________________
(4/26)
أي المطلقة زوجها الأول ( أنها تحللت ثم رجعت ) وكذبت نفسها ( قبلت ) دعواها ( قبل عقد ) عليها لللأول فلا يجوز له نكاحها ( لا بعده ) أي لا يقبل إنكارها التحليل بعد عقد الأول لأن رضاها بنكاحه يتضمن الإعتراف بوجود التحليل فلا يقبل منها خلافه ( وإن صدقها الثاني ) في عدم الإصابة لأن الحق تعلق بالأول فلم تقدر هي ولا مصدقها على رفعه كما أفتى به جمع من مشايخنا المحققين
تتمة إنما يثبت الطلاق كالإقرار به بشهادة رجلين حرين عدلين فلا يحكم بوقوعه بشهادة الإناث ولو مع رجل أو كن أربعا ولا بالعبيد ولو صلحاء ولا بالفساق ولو كان الفسق بإخراج مكتوبة عن وقتها بلا عذر ويشترط للأداء والقبول أن يسمعاه ويبصر المطلق حين النطق به فلا يصح تحملها الشهادة اعتمادا على الصوت من غير أن يريا المطلق لجواز اشتباه الأصوات
____________________
(4/27)
وأن يبينا لفظ الزوج من صريح أو كناية ويقبل فيه شهادة أبي المطلقة وابنها إن شهدا حسبة
ولو تعارضت بينتا تعليق وتنجيز قدمت الأولى لأن معها زيادة علم بسماع التعليق
فصل في الرجعة
____________________
(4/28)
هي لغة المرة من الرجوع وشرعا رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة ( صح رجوع مفارقة بطلاق دون أكثره ) فهو ثلاث لحر وثنتان لعبد ( مجانا ) بلا عوض ( بعد وطء ) أي في عدة وطء ( قبل انقضاء عدة ) فلا يصح رجوع مفارقة بغير طلاق كفسخ ولا مفارقة بدون ثلاث مع عوض كخلع لبينونتها ومفارقة قبل وطء إذ لا عدة عليها ولا من انقضت عدتها لأنها صارت أجنبية
____________________
(4/29)
ويصح تجديد نكاحهن بإذن جديد وولي وشهود ومهر آخر ولا مفارقة بالطلاق الثلاث فلا يصح نكاحها إلا بعد التحليل وإنما يصح الرجوع ( براجعت ) أو رجعت ( زوجتي ) أو فلانة وإن لم يقل إلي نكاحي أو إلي لكن يسن أن يزيد أحدهما مع الصيغة ويصح برددتها إلى نكاحي وبأمسكتها وأما عقد النكاح عليها بإيجاب وقبول فكناية تحتاج إلى نية
ولا يصح تعليقها كراجعتك إن شئت
ولا يشترط الإشهاد عليها بل يسن
فروع يحرم التمتع برجعية
____________________
(4/30)
ولو بمجرد نظر ولاحد إن وطىء بل يعزر وتصدق بيمينها في انقضاء العدة بغير الأشهر من أقراء أو وضع إذا أمكن وإذا أنكره الزوج أو خالفت عادتها لأن النساء مؤتمنات على أرحامهن
____________________
(4/31)
ولو ادعى رجعة العدة وهي منقضية ولم تنكح فإن اتفقا على وقت الإنقضاء كيوم الجمعة وقال راجعت قبله فقالت بل بعده حلفت أنها لا تعلم أنه راجع فتصدق لأن الأصل عدم الرجعة قبله فلو اتفقتا على وقت الرجعة كيوم الجمعة وقالت انقضت يوم الخميس وقال بل انقضت يوم السبت صدق بيمينه أنها ما انقضت يوم الخميس لاتفاقهما على وقت الرجعة والأصل عدم انقضاء العدة قبله
( ولو تزوج ) رجل ( مفارقته ) ولو بخلع ( بدون ثلاث ولو بعد ) أن نكحت ل ( زوج آخر ) ودخوله بها ( عادت ) إليه ( ببقيته ) أي بقية الثلاث فقط من ثنتين أو واحدة
____________________
(4/32)
فصل الإيلاء خلف زوج يتصور وطوه على امتناعه من وطؤه زوجته مطلقا أو فوق أربعة أشهر
____________________
(4/33)
كأن يقول لا أطوك أو لا أطوك خمسة أشهر أو حتى يموت فلان فإذا مضت أربعة أشهر من الإيلاء بلا وطء فلها مطالبته بالفيئة وهي الوطء أو بالطلاق فإن أبى طلق عليه القاضي وينعقد الإيلاء بالحلف بالله تعالى وبتعليق طلاق أو عتق أو التزام قربة وإذا وطىء مختارا
____________________
(4/34)
بمطالبة أو دونها لزمته كفارة يمين إن حلف بالله
____________________
(4/35)
فصل إنما يصح الظهار ممن يصح طلاقه وهو أن يقول لزوجته أنت كظهر أمي ولو بدون علي
وقوله أنت كأمي كناية وكالأم محرم لم يطرأ تحريمها
وتلزمه كفارة ظهار بالعود
____________________
(4/36)
وهو أن يمسكها زمنا يمكن فراقها فيه
فصل في العدة هي مأخوذة من العدد لإشتمالها على عدد أقراء وأشهر غالبا وهي شرعا مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها من الحمل أو للتعبد
____________________
(4/37)
وهو إصطلاحا ما لا يعقل معناه عبادة كان أو غيرها ولتفجعها على زوج مات
وشرعت أصالة صونا للنسب عن الإختلاط ( تجب عدة لفرقة زوج حي ) بطلاق أو فسخ نكاح حاضر أو غائب مدة طويلة ( وطيء ) في قبل أو دبر بخلاف ما إذا لم يكن وطىء وإن وجدت خلوة ( وإن تيقن براءة رحم ) كما في صغيرة وصغير
____________________
(4/38)
( ولوطء ) حصل مع ( شبهة ) في حله كما في نكاح فاسد وهو كل ما لم يوجب حدا على الواطيء
فرع لا يستمتع بموطوءة بشبهة مطلقا ما دامت في عدة شبهة حملا كانت أو غيره حتى تنقضي بوضع أو غيره لإختلال النكاح بتعلق حق الغير
قال شيخنا ومنه يوءخذ أنه يحرم عليه نظرها ولو بلا شهوة والخلوة بها وإنما يجب لما ذكر عدة ( بثلاثة قروء ) والقرء هنا طهريين دمي حيضتين أو حيض ونفاس
____________________
(4/39)
فلو طلق من لم تحض أولا ثم حاضت لم يحسب الزمن الذي طلق فيه قرءا إذ لم يكن بين دمين بل لا بد من ثلاثة أطهار بعد الحيضة المتصلة بالطلاق ويحسب بقية الطهر طهرا في غيرها وتجب العدة بثلاثة أقراء ( على حرة تحيض ) لقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فمن طلقت طاهرا وقد بقي من الطهر لحظة انقضت عدتها بالطعن في الحيضة الثالثة لإطلاق القرء على أقل لحظة من الطهر وإن وطىء فيه أو حائضا وإن لم يبق من زمن الحيض إلا لحظة فتنقضي عدتها بالطعن في الحيضة الرابعة وزمن الطعن في الحيضة ليس من العدة بل يتبين به انقضاؤها
( و ) تجب عدة ( بثلاثة أشهر ) هلالية ما لم تطلق أثناء
____________________
(4/40)
شهر وإلا تمم المنكسر ثلاثين ( إن لم تحض ) أي الحرة أصلا ( أو ) حاضت أولا ثم انقطع و ( يئست ) من الحيض ببلوغها إلى سن تيأس فيه النساء من الحيض غالبا وهو اثنتان وستون سنة وقيل خمسون ولو حاضت من لم تحض قط في أثناء العدة بالأشهر اعتدت بالأطهار أو بعدها أو تستأنف العدة بالأطهار بخلاف الآيسة ( ومن انقطع حيضها ) بعد أن كانت تحيض ( بلا علة ) تعرف ( لم تتزوج حتى تحيض أو تيأس ) ثم تعتد بالأقراء أو الأشهر وفي القديم وهو مذهب مالك وأحمد أنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر ليعرف فراغ الدم إذ هي غالب مدة الحمل وانتصر له الشافعي بأن عمر رضي الله عنه قضى به بين المهاجرين والأنصار
____________________
(4/41)
ولم ينكر عليه ومن ثم أفتى به سلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام والبارزي والريمي وإسماعيل الحضرمي واختاره البلقيني وشيخنا ابن زياد رحمهم الله تعالى
أما من انقطع حيضها بعلة تعرف كرضاع ومرض فلا تتزوج اتفاقا حتى تحيض أو تيأس وإن طالت المدة ( و ) تجب العدة ( لوفاة ) زوج حتى ( على ) حرة ( رجعية وغير موطوءة ) لصغر أو غيره وإن كانت ذات أقراء ( بأربعة أشهر وعشرة أيام ) ولياليها للكتاب والسنة
____________________
(4/42)
وتجب على المتوفي عنها زوجها العدة بما ذكر ( مع إحداد ) يعني يجب الإحداد عليها أيضا بأي صفة كانت للخبر المتفق عليه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا أي فإنه يحل لها الإحداد عليه هذه المدة أي يجب لأن ما جاز بعد امتناعه واجب وللإجماع على إرادته إلا ما حكي عن الحسن البصري وذكر الإيمان للغالب أو لأنه أبعث على الإمتثال وإلا فمن لها أمان يلزمها ذلك أيضا ويلزم الولي أمر موليته به
تنبيه الإحداد الواجب على المتوفي عنها زوجها ولو صغيرة ترك لبس مصبوع لزينة وإن خشن
ويباح إبريسم لم يصبغ وترك التطيب ولو ليلا والتحلي نهارا بحلي ذهب أو فضة
____________________
(4/43)
ولو نحو خاتم أو قرط أو تحت الثياب للنهي عنه ومنه مموه بأحدهما ولؤلؤ ونحوه من الجواهر التي تتحلى بها ومنها العقيق وكذا نحو نحاس وعاج إن كانت من قوم يتحلون بهما وترك الإكتحال بإثمد إلا لحاجة وإن كانت سوداء ودهن شعر رأسها لا سائر البدن وحل تنظف بغسل
____________________
(4/44)
وإزالة وسخ وأكل تنبل وندب إحداد لبائن بخلع أو فسخ أو طلاق ثلاث لئلا يفضي تزيينها لفسادها وكذا الرجعية إن لم ترج عودة بالتزين فيندب
وتجب على المعتدة بالوفاة وبطلاق بائن أو فسخ ملازمة مسكن كانت فيه عند الموت أو الفرقة إلى انقضاء عدة ولها الخروج نهارا لشراء نحو طعام وبيع غزل ولنحو احتطاب
____________________
(4/45)
لا ليلا ولو أوله خلافا لبعضهم لكن لها خروج ليلا إلى دار جاره الملاصق لغزل وحديث ونحوهما لكن بشرط أن يكون ذلك بقدر العادة وأن لا يكون عندها من يحدثها ويؤنسها على الأوجه وأن ترجع وتبيت في بيتها
أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه أو لضرورة لأن عليه القيام بجميع مؤنها كالزوجة ومثلها بائن حامل وتنتقل من المسكن لخوف على نفسها أو ولدها أو على المال ولو لغيرها كوديعة وإن قل وخوف هدم أو حرق أو سارق
____________________
(4/46)
أو تأذت بالجيران أذى شديدا وعلى الزوج سكنى المفارقة ولو بأجرة ما لم تكن ناشزة وليس له مساكنتها ولا دخول محل هي فيه مع انتفاء نحو المحرم فيحرم عليه ذلك ولو أعمى وإن كان الطلاق رجعيا لأن ذلك يجر إلى الخلوة المحرمة بها ومن ثم لزمها منعه إن قدرت عليه ( و ) كما تعتد حرة بما ذكر ( تعتد غيرها ) أي غير الحرة ( بنصف ) من عدة الحرة
____________________
(4/47)
لأنها على النصف في كثير من الأحكام ( وكمل الطهر الثاني ) إذ لا يظهر نصفه إلا بظهور كله فلا بد من الإنتظار إلى أن يعود الدم ( وتعتدان ) أي الحرة والأمة لوفاة أو غيرها وإن كانتا تحيضان ( بوضع حمل ) حملتا لصاحب العدة ولو مضغة تتصور لو بقيت
____________________
(4/48)
لا بوضع علقة
فرع يلحق ذا العدة الولد إلى أربع سنين من وقت طلاقه لا إن أتت به بعد نكاح لغير ذي العدة وإمكان لأن يكون منه بأن أتت به لستة أشهر بعد نكاحه
( وتصدق ) المرأة ( في ) دعوى ( انقضاء عدة ) بغير أشهر إن ( أمكن ) انقضاوها وإن خالفت عدتها أو كذبها الزوج إذ يعسر عليها إقامة البينة بذلك ولأنها مؤتمنة على ما في رحمها وإمكان الإنقضاء بالولادة ستة أشهر ولحظتان وبالأقراء لحرة طلقت في طهر اثنان وثلاثون يوما ولحظتان وفي حيض سبعة وأربعون يوما ولحظة
فائدة ينبغي تحليف المرأة على انقضاء العدة
____________________
(4/49)
( ولا يقبل دعواها ) أي المرأة ( عدم انقضائها ) أي العدة ( بعد تزوج الآخر ) لأن رضاها بالنكاح يتضمن الإعتراف بانقضاء العدة فلو ادعت بعد الطلاق الدخول فأنكر صدق بيمينه لأن الأصل عدمه وعليها العدة مؤاخذة لها بإقرارها وإن رجعت وكذبت نفسها في دعوى الدخول لأن الإنكار بعد الإقرار غير مقبول
فرع لو انقضت عدة الرجعية ثم نكحت آخر فادعى مطلقها عليها أو على الزوج الثاني الرجعية قبل انقضاء العدة فأثبت ذلك ببينة أو لم يثبت لكن أقرا أي الزوجة والثاني له به أخذها لأنه قد ثبت بالبينة أو الإقرار ما يستلزم فساد النكاح ولها عليه بالوطء مهر المثل فلو أنكر الثاني الرجعة صدق بيمينه في إنكارها لأن النكاح وقع صحيحا والأصل عدم الرجعة أو أقرت هي دون الثاني فلا يأخذها لتعلق حق الثاني حتى تبين من الثاني إذ لا يقبل إقرارها عليه بالرجعة ما دامت في عصمته لتعلق حقه بها أما إذا بانت منه فتسلم للأول بلا عقد وأعطت وجوبا الأول قبل بينونتها مهر المثل للحيلولة الصادرة منها بينه وبين حقه بالنكاح الثاني حتى لو زال أخذت المهر لارتفاع الحيلولة ولو تزوجت امرأة كانت في حيالة زوج بأن ثبت ذلك ولو بإقرارها به قبل نكاح الثاني
____________________
(4/50)
فادعى عليها الأول بقاء نكاحه وأنه لم يطلقها وهي تدعي أنه طلقها وانقضت عدتها منه قبل أن تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف أنه لم يطلقها أخذها من الثاني لأنها أقرت له بالزوجية وهو إقرار صحيح إذ لم يتفقا على الطلاق ( وتنقطع عدة ) بغير حمل ( بمخالطة ) مفارق لمفارقة ( رجعية فيها ) لا بائن ولو بخلع كمخالطة الزوج زوجته بأن كان يختلي بها ويتمكن عليها ولو في الزمن اليسير سواء أحصل وطء أم لا فلا تنقضي العدة لكن إذا زالت المعاشرة بأن نوى أنه لا يعود إليها كملت على ما مضى وذلك لشبهة الفراش
____________________
(4/51)
كما لو نكحها حائلا في العدة فلا يحسب زمن استفراشه عنها بل تنقطع من حين الخلوة ولا يبطل بها ما مضى فتبني عليه إذا زالت ولا يحسب الأوقات المتخللة بين الخلوات ( و ) لكن ( لا رجعة ) له عليها ( بعدها ) أي بعد العدة بالأقراء أو الأشهر على المعتمد وإن لم تنقض عدتها لكن يلحقها الطلاق إلى انقضائها والذي رجحه البلقيني أنه لا مؤنة لها بعدها
وجزم به غيره فقال لا توارث بينهما
____________________
(4/52)
ولا يحد بوطئها
تتمة لو اجمتع عدتا شخص على امرأة بأن وطىء مطلقته الرجعية مطلقا أو البائن بشبهة تكفي عدة أخيرة منهما فتعتد هي من فراغ الوطء وتندرج فيها بقية الأولى فإن كرر الوطء استأنفت أيضا لكن لا رجعة حيث لم يبق من الأولى بقية
فرع في حكم الإستبراء وهو
____________________
(4/53)
شرعا تربص بمن فيها رق عند وجود سبب مما يأتي للعلم ببراءة رحمها أو للتعبد
( يجب استبراء ) لحل تمتع أو تزويج ( بملك أمة ) ولو معتدة بشراء أو إرث أو وصية أو هبة مع قبض أو سبي بشرطه من القسمة أو اختيار تملك
____________________
(4/54)
( وإن تيقن براءة رحم ) كصغيرة وبكر وسواء أملكها من صبي أم امرأة أم من بائع استبرأها قبل البيع فيجب فيما ذكر بالنسبة لحل التمتع ( وبزوال فراش ) له ( عن أمة موطوءة ) غير مستولدة ( أو مستولدة بعتقها ) أي بإعتاق السيد كل واحدة منهما أو موته لا إن استبرأ قبيل إعتاق غير مستولدة ممن زال عنها الفراش فلا يجب
____________________
(4/55)
بل تتزوج حالا
إذ لا تشبه هذه منكوحة بخلاف المستولدة
( و ) يحرم بل ( لا يصح تزويج موطوءته ) أي المالك ( قبل ) مضي ( إستبراء ) حذر من اختلاط الماءين أما غير موطوءته فإن كانت غير موطوءة لإحد فله تزويجها مطلقا أو موطوءة غيره فله تزويجها ممن الماء منه وكذا من غيره إن كان الماء غير محترم أو مضت مدة الإستبراء منه
ولو أعتق موطوءته فله نكاحها بلا استبراء ( وهو ) أي الإستبراء ( لذات أقراء حيضة ) كاملة فلا تكفي بقيتها الموجودة حالة وجوب الإستبراء ولو وطئها في
____________________
(4/56)
الحيض فحبلت منه فإن كان قبل مضي أقل الحيض انقطع الإستبراء وبقي التحريم إلى الوضع كما حبلت من وطئه وهي طاهرة وإن حبلت بعد مضي أقله كفى في الإستبراء لمضي حيض كامل لها قبل الحمل ( ولذات أشهر ) من صغيرة أو آيسة ( شهر ولحامل لا تعتد بالوضع ) أي بوضع الحمل وهي التي حملها من الزنا أو المسبية الحامل أو التي هي حامل من السيد وزال عنها فراشه بعتق سواء الحامل المستولدة وغيرها ( وضعه ) أي الحمل
فرع لو اشترى نحو وثنية أو مرتدة فحاضت ثم بعد فراغ الحيض أو في أثنائه ومثله الشهر في ذات الأشهر أسلمت لم يكف حيضها أو نحوه في الإستبراء لأنه لا يستعقب حل التمتع
____________________
(4/57)
الذي هو القصد في الإستبراء ( وتصدق ) المملوكة بلا يمين ( في قولها ) حضت لأنه لا يعلم إلا منها ( وحرم في غير مسبية تمتع ) ولو بنحو نظر بشهوة ومس ( قبل ) تمام ( استبراء ) لأدائه إلى الوطء المحرم ولاحتمال أنها حامل بحر فلا يصح نحو بيعها نعم تحل له الخلوة بها أما في المسبية فيحرم الوطء لا الاستمتاع بغيره من تقبيل ومس لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم منها غيره مع غلبة امتداد الأعين والأيدي إلى مس الإماء سيما
____________________
(4/58)
الحسان ولأن ابن عمر رضي الله عنه قبل أمة وقعت في سهمه من سبايا أوطاس وألحق الماوردي وغيره بالمسبية في حل الإستمتاع بغير الوطء كل من لا يمكن حملها كصبية وآيسة وحامل من زنا
فرع لا تصير أمة فراشا لسيدها إلا بوطء منه في قبلها ويعلم ذلك بإقراره به أو ببينة فإذا ولدت للإمكان من وطئه ولدا لحقه وإن لم يعترف به
فصل في النفقة من الإنفاق
____________________
(4/59)
وهو الإخراج ( يجب ) المد الآتي وما عطف عليه ( لزوجة ) أو أمة ومريضة ( مكنت ) من الإستمتاع بها ومن نقلها إلى حيث شاء عند أمن الطريق والمقصد ولو بركوب بحر غلبت فيه السلامة فلا تجب بالعقد خلافا للقديم وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما ويصدق هو بيمينه في عدم التمكين
____________________
(4/60)
وهي في عدم النشوز والإنفاق عليها وإذا مكنت من يمكن التمتع بها ولو من بعض الوجوه وجبت مؤنها ولو كان الزوج طفلا لا يمكن جماعه إذ لا منع من جهتها وإن عجزت عن وطء بسبب غير الصغر كرتق أو مرض أو جنون لا إن عجزت بالصغر بأن كانت طفلة لا تحتمل الوطء فلا نفقة لها وإن سلمها الولي إلى الزوج
إذ لا يمكن التمتع بها كالناشزة بخلاف من تحتمله ويثبت ذلك بإقراره وبشهادة البينة به أو بأنها في غيبته باذلة للطاعة ملازمة للمسكن ونحو ذلك ولها مطالبته بها إن أراد سفرا طويلا ( ولو رجعية ) وإن كانت حائلا
____________________
(4/61)
أي يجب لها ما ذكر ما عدا آلة التنظيف لبقاء حبسه لها وقدرته على التمتع بها بالرجعة ولإمتناعه عنها لم يجب لها آلة التنظيف ويسقط موءنتها ما يسقط موءنة الزوجة كالنشوز وتصدق في قدر أقرائها بيمين إن كذبها وإلا فلا يمين وتجب النفقة أيضا لمطلقة حامل بائن بالطلاق الثلاث أو الخلع أو الفسخ بغير مقارن وإن مات الزوج قبل الوضع ما لم تنشز ولو أنفق بظنه فبان عدمه رجع عليها أما إذا بانت الحامل بموته فلا نفقة وكذا لا نفقة لزوجة تلبست بعدة شبهة
____________________
(4/62)
بأن وطئت بشبهة وإن لم تحبل لإنتفاء التمكين
إذ يحال بينه وبينها إلى انقضاء العدة ثم الواجب لنحو زوجة ممن مر ( مد طعام ) من غالب قوت محل إقامتها لا إقامته ويكفي دفعه من غير إيجاب وقبول كالدين في الذمة
قال شيخنا ومنه يؤخذ أن الواجب هنا عدم الصارف لا قصد الأداء خلافا لابن المقري ومن تبعه ( على معسر ) ولو بقوله ما لم يتحقق له مال وهو من لا يملك ما يخرجه عن المسكنة ( ولو مكتسبا ) وإن قدر على كسب واسع
____________________
(4/63)
( و ) على ( رقيق ) ولو مكاتبا وإن كثر ماله ( ومدان على موسر ) وهو من لا يرجع بتكليفه مدين معسرا ( ومد ونصف على متوسط ) وهو من يرجع بذلك معسر وإنما تجب النفقة وقت طلوع فجر كل يوم
____________________
(4/64)
فيوم ( إن لم تؤاكله ) على العادة برضاها وهي رشيدة فلو أكلت معه دون الكفاية وجب لها تمام الكفاية على الأوجه وتصدق هي في قدر ما أكلته ولو كلفها مؤاكلته من غير رضاها أو واكلته غير رشيدة بلا إذن ولي فلا تسقط نفقتها به وحينئذ هو متطوع فلا رجوع له بما أكلته خلافا للبلقيني ومن تبعه ولو زعمت أنه متطوع وزعم أنه مؤد عن النفقة صدق بيمينه على الأوجه
وفي شرح المنهاج لو
____________________
(4/65)
أضافها رجل إكراما له سقطت نفقتها ويكلف من أراد سفرا طويلا طلاقها وتوكيل من ينفق عليها من مال حاضر ويجب ما ذكر ( بأدم ) أي مع أدم اعتيد وإن لم تأكله كسمن وزيت وتمر ولو تنازعا فيه أو في اللحم الآتي قدره قاض باجتهاده مفاوتا في قدر ذلك بين الموسر وغيره وتقدير الحاوي كالنص بأوقية زيت أو سمن تقريب ويجب أيضا لحم اعتيد قدرا ووقتا بحسب يساره وإعساره وإن لم تأكله أيضا فإن اعتيد مر في الأسبوع فالأولى كونه يوم الجمعة
____________________
(4/66)
أو مرتين فالجمعة والثلاثاء والنص أيضا رطل لحم في الأسبوع على المعسر ورطلان على الموسر محمول على قلة اللحم في أيامه بمصر فيزاد بقدر الحاجة بحسب عادة المحل والأوجه أنه لا أدم يوم اللحم إن كفاها غذاء وعشاء وإلا وجب ( و ) مع ( ملح ) وحطب ( وماء شرب ) لتوقف الحياة عليه ( و ) مع ( موءنة ) كأجرة طحن وعجن وخبز وطبخ ما لم تكن من قوم اعتادوا ذلك بأنفسهم كما جزم به ابن الرفعة والأذرعي وجزم غيرهما بأنه لا فرق ( و ) مع ( آلة ) لطبخ وأكل وشرب كقصعة وكوز وجرة وقدر ومغرفة وإبريق من خشب أو خزف أو حجر ولا يجب من نحاس وصيني وإن كانت شريفة ( و ) يجب لها على الزوج
____________________
(4/67)
ولو معسرا أول كل ستة أشهر كسوة تكفيها طولا وضخامة
فالواجب ( قميص ) ما لم تكن ممن اعتدن الإزار والرداء فيجبان دونه على الأوجه ( وإزار ) وسراويل ( وخمار ) أي مقنعة ولو لأمة ( ومكعب ) أي ما يلبس في رجلها ويعتبر في نوعه عرف بلدها
نعم قال الماوردي إن كانت ممن يعتدن أن لا يلبسن في أرجلهن شيئا في البيوت لا يجب لأرجلها شيء ويجب ذلك لها ( مع لحاف للشتاء ) يعني وقت البرد ولو في غير الشتاء ويزيد في الشتاء جبة محشوة
____________________
(4/68)
أما في غير وقت البرد ولو في وقت الشتاء في البلاد الحارة فيجب لها رداء أو نحوه إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء غير لباسهم أو ينامون عرايا كما هو السنة فإن لم يعتادوا لنومهم غطاء لم يجب ذلك ولو اعتادوا ثوبا للنوم وجب كما جزم به بعضهم ويختلف جودة الكسوة
____________________
(4/69)
وضدها بيساره وضده ويجب عليه توابع ذلك من نحو تكة سراويل وزر نحو قميص وخيط وأجرة خياط وعليه فراش لنومها ومخدة ولو اعتادوا على السرير وجب
فرع يجب تجديد الكسوة التي لا تدوم سنة بأن تعطاها كل ستة أشهر من كل سنة ولو تلفت أثناء الفصل ولو بلا تقصير لم يجب تجديدها ويجب كونها جديدة ( و ) لها عليه ( آلة تنظف ) لبدنها وثوبها وإن غاب عنها لاحتياجها إليه كالأدم فمنها سدر ونحوه ( كمشط )
____________________
(4/70)
وسواك وخلال ( و ) عليه ( دهن ) لرأسها وكذا لبدنها إن اعتيد من شيرج أو سمن فيجب الدهن كل أسبوع مرة فأكثر بحسب العادة وكذا دهن لسراجها وليس لحامل بائن ومن زوجها غائب إلا ما يزيل الشعث والوسخ على المذهب ويجب عليه الماء للغسل الواجب بسببه كغسل جماع ونفاس لا حيض واحتلام وغسل نجس ولا ماء وضوء إلا إذا نقضه بلمسه
____________________
(4/71)
( لا ) عليه ( طيب ) إلا لقطع ريح كريه ولا كحل ( ودواء ) لمرضها وأجرة طبيب ولها طعام أيام المرض وأدمها وكسوتها وآلة تنظفها وتصرفه للدواء وغيره
تنبيه يجب لها في جميع ما ذكر من الطعام والادم وآلة ذلك والكسوة والفرش وآلة التنظيف أن يكون تمليكا بالدفع دون إيجاب وقبول وتملكه هي بالقبض فلا يجوز أخذه منها إلا برضاها أما المسكن فيكون إمتاعا حتى يسقط بمضي الزمان لأنه لمجرد الإنتفاع
____________________
(4/72)
كالخادم وما جعل تمليكا يصير دينا بمضي الزمان ويعتاض عنه ولا يسقط بموت أثناء الفصل ( و ) لها ( عليه مسكن ) تأمن فيه لو خرج عنها على نفسها ومالها وإن قل للحاجة بل للضرورة إليه ( يليق بها ) عادة وإن كانت ممن لا يعتادون السكنى
____________________
(4/73)
( ولو معارا ) ومكترى
ولو سكن معها في منزلها بإذنها أو لامتناعها من النقلة معه أو في منزل منحو أبيها بإذنها لم يلزمه أجرة لأن الإذن العرى عن ذكر العوض ينزل على الإعارة والإباحة ( و ) عليه ولو معسرا خلافا لجمع أو قنا ( إخدام حرة ) بواحدة لا أكثر لأنه من المعاشرة بالمعروف بخلاف الأمة وإن كان جميلة ( تخدم ) أي يخدم مثلها عادة عند أهلها فلا عبرة بترفهها في بيت زوجها وإنما يجب عليه الإخدام ولو بحرة صحبتها
____________________
(4/74)
أو مستأجرة أو بمحرم أو مملوك لها ولو عبدا أو بصبي غير مراهق فالواجب للخادم الذي عينه الزوج مد وثلث على موسر ومد على معسر ومتوسط مع كسوة أمثال الخادم من قيمص وإزار ومقنعة ويراد للخادمة خف وملحفة إذا كانت تخرج وإن كانت قنة اعتادت كشف الرأس وإنما لم يجب الخف والملحفة للمخدومة على المعتمد لأن له منعها من الخروج والاحتياج إليه لنحو الحمام نادر
تنبيه ليس على خادمها إلا ما يخصها وتحتاج إليه
____________________
(4/75)
كحمل الماء للمستحم والشرب وصبه على بدنها وغسل خرق الحيض والطبخ لأكلها أما ما لا يخصها كالطبخ لأكله وغسل ثيابه فلا يجب على واحد منهما بل هو على الزوج فيوفيه بنفسه أو بغيره
مهمات من شرح المنهاج لشيخنا لو اشترى حليا أو ديباجا لزوجته وزينها به لا يصير ملكا لها بذلك ولو اختلفت هي والزوج في الإهداء والعارية صدق ومثله وارثه ولو جهز بنته بجهاز لم تملكه إلا بإيجاب وقبول والقول قوله في أنه لم يملكها
ويؤخذ مما تقرر أن ما يعطيه الزوج صلحة أو صباحية كما اعتيد ببعض البلاد لا تملكه إلا بلفظ أو قصد إهداء خلافا لما مر عن فتاوى الحناطي
____________________
(4/76)
وإفتاء غير واحد بأنه لو أعطاها مصروفا للعرس ودفعا وصباحية فنشزت استرد الجميع غير صحيح إذ التقييد بالنشوز لا يتأتى في الصباحية لما قررته فيها أنها كالصلحة لأنه إن تلفط بإهداء أو قصده ملكته من غير جهة الزوجية وإلا فهو ملكه وأما مصروف العرس فليس بواجب فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه وأما الدفع أي المهر فإن كان قبل الدخول استرده وإلا فلا لتقرره به فلا يسترد بالنشوز
( وتسقط ) المؤن كلها ( بنشوز ) منها إجماعا أي بخروج عن طاعة الزوج وإن لم تأثم
____________________
(4/77)
كصغيرة ومجنونة ومكرهة ( ولو ساعة ) أو ولو لحظة فتسقط نفقة ذلك اليوهم وكسوة ذلك الفصل ولا توزع على زماني الطاعة والنشوز ولو جهل سقوطها بالنشوز فأنفق رجع عليها إن كان ممن يخفى عليه ذلك وإنما لم يرجع من أنفق في نكاح أو شراء فاسد وإن جهل ذلك لأنه شرع في عقدهما على أن يضمن الموءن بوضع اليد ولا كذلك ههنا وكذا من وقع عليه طلاق باطنا ولم يعلم به فأنفق مدة ثم علم فلا يرجع بما أنفقه على الأوجه ويحصل النشوز ( بمنع ) الزوجة الزوج ( من تمتع )
____________________
(4/78)
ولو بنحو لمس أو بموضع عينه ( لا ) إن منعته عنه ( لعذر ) ككبر آلته بحيث لا تحتمله ومرض بها يضر معه الوطء وقرح في فرجها وكنحو حيض ويثبت كبر آلته بإقراره أو برجلين من رجال الختان ويحتالان لانتشار ذكره بأي حيلة غير إيلاج ذكره في فرج محرم أو دبر أو بأربع نسوة فإن لم يمكن معرفته إلا بنظرهن إليهما مكشوفي الفرجين حال انتشار عضوه جاز ليشهدن
فرع لها منع التمتع لقبض الصداق الحال أصالة قبل الوطء بالغة مختارة
إذ لها الإمتناع حينئذ فلا يحصل النشوز ولا تسقط النفقة بذلك فإن منعت لقبض الصداق المؤجل أو بعد الوطء طائعة فتسقط فلو منعته لذلك بعد وطئها مكرهة أو صغيرة ولو بتسليم الولي فلا
____________________
(4/79)
ولو ادعى وطأها بتمكينها وطلب تسليمها إليه فأنكرته وامتنعت من التسليم صدقت ( وخروج من مسكن ) أي المحل الذي رضي بإقامتها فيه ولو بيتها أو بيت أبيها ولو لعيادة وإن كان الزوج غائبا بتفصيله الآتي ( بلا إذن ) منه ولا ظن لرضاه فخروجها بغير رضاه ولو لزيارة صالح أو عيادة غير محرم أو إلى مجلس ذكر عصيان ونشوز وأخذ الأذرعي وغيره من كلام الإمام أن لها اعتماد العرف الدال على رضا أمثاله بمثل الخروج الذي تريده قال شيخنا وهو محتمل ما لم تعلم منه غيره تقطعه عن أمثاله في ذلك
تنبيه يجوز لها الخروج في مواضع منها إذا أشرف البيت على الإنهدام وهل يكفي قولها خشيت انهدامه أو لا بد من قرينة تدل عليه عادة قال شيخنا كل محتمل والأقرب الثاني
ومنها إذا خافت على نفسها أو مالها من فاسق أو سارق ومنها إذا خرجت إلى القاضي لطلب حقها منه ومنها خروجها لتعلم العلوم العينية أو للإستفتاء
____________________
(4/80)
حيث لم يغنها الزوج الثقة أو نحو محرمها فيما استظهره شيخنا ومنها إذا خرجت لاكتساب نفقة بتجارة أو سؤال أو كسب إذا أعسر الزوج ومنها إذا خرجت على غير وجه النشوز في غيبة الزوج عن البلد بلا إذنه لزيارة أو عيادة قريب لا أجنبي أو أجنبية على الأوجه لأن الخروج لذلك لا يعد نشوزا عرفا
قال شيخنا وظاهر أن محل ذلك إن لم يمنعها من الخروج أو يرسل إليها بالمنع ( وبسفرها ) أي بخروجها وحدها إلى محل يجوز القصر منه للمسافر ولو لزيارة أبويها أو للحج ( بلا إذن ) منه
____________________
(4/81)
ولو لغرضه ما لم تضطر كأن جلا جميع أهل البلد وبقي من لا تأمن معه ( أو ) بإذنه ولكن ( لغرضها ) أو لغرض أجنبي فتسقط الموءن على الأظهر لعدم التمكين ولو سافرت بإذنه لغرضهما معا فمقتضى المرجح في الأيمان فيما إذا قال لزوجته إن خرجت لغير الحمام فأنت طالق فخرجت لها ولغيرها أنها لا تطلق عدم السقوط هنا لكن نص الأم والمختصر يقتضي السقوط ( لا ) بسفرها ( معه ) أي الزوج بإذنه ولو في حاجتها ولا بسفرها بإذنه لحاجته ولو مع حاجة غيره فلا تسقط المؤن لأنها ممكنة وهو المفوت لحقه في الثانية
وفي الجواهر وغيرها عن الماوردي وغيره لو امتنعت من النقلة معه لم تجب النفقة إلا إن كان يتمتع بها في زمن الإمتناع فتجب ويصير تمتعه بها عفوا عن النقلة حينئذ
انتهى
قال شيخنا وقضيته جريان ذلك في سائر صور النشوز
____________________
(4/82)
وهو محتمل
وتسقط المؤن أيضا بإغلاقها الباب في وجهه وبدعواها طلاقا بائنا كذبا وليس من النشوز شتمه وإيذاؤه باللسان وإن استحقت التأديب
مهمة لو تزوجت زوجة المفقود غيره قبل الحكم بموته سقطت نفقتها ولا تعود إلا بعلمه عودها إلى طاعته بعد التفريق بينهما
فائدة يجوز للزوج منعها من الخروج من المنزل ولو لموت أحد أبويها أو شهود جنازته ومن أن تمكن من دخول غير خادمة واحدة لمنزله ولو أبويها أو ابنها من غيره لكن يكره منع أبويها حيث لا عذر فإن كان المسكن ملكها لم يمنع شيئا من ذلك إلا عند الريبة
____________________
(4/83)
تتمة لو نشزت بالخروج من المنزل فغاب وأطاعت في غيبته بنحو عودها للمنزل لم تجب موءنها ما دام غائبا في الأصح لخروجها عن قبضته فلا بد من تجديد تسليم وتسلم ولا يحصلان مع الغيبة فالطريق في عود الاستحقاق أن يكتب الحاكم إلى قاضي بلده ليثبت عودها للطاعة عنده
فإذا علم وعاد أو أرسل من يتسلمها له أو ترك ذلك لغير عذر عاد الاستحقاق وقضية قول الشافعي في القديم أن النفقة تعود عند عودها للطاعة
____________________
(4/84)
لأن الموجب في القديم العقد لا التمكين
وبه قال مالك
وصرحوا أن نشوزها بالردة يزول بإسلامها مطلقا لزوال المسقط وأخذ منه الأذرعي أنها لو نشزت في المنزل ولم تخرج منه كأن منعته نفسها فغاب عنها ثم عادت للطاعة عادت نفقتها من غير قاض وهو كذلك على الأصح ولو التمست زوجة غائب من القاضي أن يفرض لها فرضا عليه اشترط ثبوت النكاح وإقامتها في مسكنه وحلفها على استحقاق النفقة وأنها لم تقبض منه نفقة مدة مستقبلة فحينئذ يفرض لها عليه نفقة المعسر إلا إن ثبت يساره
____________________
(4/85)
فرع في فسخ النكاح وشرع دفعا لضرر المرأة يجوز ( لزوجة مكلفة ) أي بالغة عاقلة لا لولي غير مكلفة ( فسخ نكاح من ) أي زوح ( أعسر ) مالا وكسبا لائقا به حلالا ( بأقل نفقة ) تجب وهو مد ( أو ) أقل ( كسوة ) تجب كقميص وخمار وجبة شتاء بخلاف نحو سراويل ونعل وفرش ومخدة والأواني
____________________
(4/86)
لعدم بقاء النفس بدونهما فلا فسخ بالإعسار بالأدم وإن لم يسغ القوت ولا بنفقة الخادم ولا بالعجز عن النفقة الماضية كنفقة الأمس وما قبله لتنزيلها منزلة دين آخر ( أو ) أعسر ( بمسكن ) وإن لم يعتادوه ( أو ) أعسر ( بمهر ) واجب حال لم تقبض منه شيئا حال كون الإعسار به ( قبل وطء ) طائعة فلها الفسخ للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض بحاله وخيارها حينئذ عقب الرفع إلى القاضي فوري
____________________
(4/87)
فيسقط الفسخ بتأخيره بلا عذر كجهل ولا فسخ بعد الوطء لتلف المعوض به وصيرورة العوض دينا في الذمة فلو وطئها مكرهة فلها الفسخ بعده أيضا
قال بعضهم إلا إن سلمها الولي له وهي صغيرة بغير مصلحة فتحبس نفسها بمجرد بلوغها فلها الفسخ حينئذ إن عجز عنه ولو بعد الوطء لأن وجوده هنا كعدمه
أما إذا قبضت بعضه فلا فسخ لها على ما أفتى به ابن الصلاح واعتمده الأسنوي والزركشي وشيخنا وقال البارزي كالجوهري لها الفسخ أيضا واعتمده الأذرعي
تنبيه يتحقق العجز عما مر بغيبة ماله لمسافة القصر فلا يلزمها الصبر إلا إن قال أحضر مدة الإمهال
____________________
(4/88)
أو بتأجيل دينه بقدر مدة إحضار ماله الغائب بمسافة القصر أو بحلوله مع إعسار المدين ولو الزوجة لأنها في حالة الإعسار لا تصل لحقها والعسر منظر وبعدم وجدان المكتسب من يستعمله إن غلب ذلك أو بعروض ما يمنعه عن الكسب
فائدة إذا كان للمرأة على زوجها الغائب دين حال من صداق أو غيره وكان عندها بعض ماله وديعة فهل لها أن تستقل بأخذه لدينها بلا رفع إلى القاضي ثم تفسخ به أو لا فأجاب بعض أصحابنا ليس للمرأة المذكورة الاستقلال بأخذ حقها بل ترفع الأمر إلى القاضي لأن النظر في مال الغائبين للقاضي
نعم
إن علمت أنه لا يأذن لها إلا بشيء يأخذه منها جاز لها الاستقلال بالأخذ وإذا فرغ المال وأرادت الفسخ بإعسار الغائب فإن لم يعلم المال أحد ادعت إعساره وأنه لا مال له حاضر ولا ترك نفقة وأثبتت الإعسار وحلفت على الأخيرين ناوية بعدم ترك النفقة عدم وجودها الآن
____________________
(4/89)
وفسخت بشروطه وإن علم المال فلا بد من بينة بفراغه أيضا
انتهى
( فلا فسخ ) على المعتمد ( بامتناع غيره ) موسرا أو متوسطا من الإنفاق حضر أو غاب ( إن لم ينقطع خبره ) فإن انقطع خبره ولا مال له حاضر جاز لها الفسخ لأن تعذر واجبها بانقطاع خبره كتعذرر بالإعسار كما جزم به الشيخ زكريا وخالفه تلميذه شيخنا
واختار جمع كثيرون من محققي المتأخرين في غائب تعذر تحصيل النفقة منه الفسخ وقواه ابن الصلاح وقال في فتاويه إذا تعذرت النفقة لعدم مال حاضر مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو بكتاب حكمي
____________________
(4/90)
وغيره لكونه لم يعرف موضعه أو عرف ولكن تعذرت مطالبته عرف حاله في اليسار والإعسار أو لم يعرف فلها الفسخ بالحاكم والإفتاء بالفسخ هو الصحيح
انتهى ونقل شيخنا كلامه في الشرح الكبير وقال في آخره وأفتى بما قاله جمع من متأخري اليمن
وقال العلامة المحقق الطنبداوي في فتاويه والذي نختاره تبعا للأئمة المحققين أنه إذا لم يكن له مال كما سبق لها الفسخ وإن كان ظاهر المذهب خلافه لقوله تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ولقوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة ولأن مدار الفسخ على الإضرار ولا شك أن الضرر موجود فيها إذا لم يمكن الوصول إلى النفقة منه وإن كان موسرا
إذ سر الفسخ هو تضرر المرأة وهو موجود لاسيما مع إعسارها فيكون تعذر وصولها إلى النفقة حكمه حكم الإعسار
انتهى
وقال تلميذه شيخنا خاتمة المحققين ابن زياد في فتاويه وبالجملة فالمذهب الذي جرى عليه الرافعي والنووي عدم جواز الفسخ كما سبق والمختار الجواز وجزم في فتيا له أخرى بالجواز و ( لا ) فسخ بإعسار بنفقة ونحوها أو بمهر ( قبل ثبوت إعساره ) أي الزوج بإقرارة أو بينة تذكر إعساره الآن ولا تكفي بينة ذكرت أنه غاب معسرا
ويجوز للبينة اعتماد في الشهادة على استصحاب حالته التي غاب عليها من إعسار أو يسار ولا تسئل من أين لك أنه معسر الآن فلو صرح بمستنده بطلت
____________________
(4/91)
الشهادة ( عند قاض ) أو محكم فلا بد من الرفع إليه فلا ينفذ ظاهرا ولا باطنا قبل ذلك ولا يحسب عدتها إلا من الفسخ
قال شيخنا فإن فقد قاض ومحكم بمحلها أو عجزت عن الرفع إلى القاضي
كأن قال لا أفسخ حتى تعطيني مالا استقلت بالفسخ للضرورة وينفذ ظاهرا وكذا باطنا كما هو ظاهر خلافا لمن قيد بالأول لأن الفسخ مبني على أصل صحيح وهو مستلزم للنفوذ باطنا ثم رأيت غير واحد جزموا بذلك
انتهى
وفي فتاوي شيخنا ابن زياد لو عجزت المرأة عن بينة الإعسار جاز لها الإستقلال بالفسخ
انتهى
وقال الشيخ عطية المكي في فتاويه إذا تعذر القاضي أو تعذر الإثبات عنده لفقد الشهود أو غيبتهم فلها أن تشهد بالفسخ وتفسخ بنفسها كما قالوا في المرتهن إذا غاب الراهن
____________________
(4/92)
وتعذر إثبات الرهن عند القاضي أن له بيع الرهن دون مراجعة قاض بل هذا أهم
وأهم وقوعا
اه
( ف ) إذا توفرت شروط الفسخ من ملازمتها المسكن الذي غاب عنها وهي فيه وعدم صدور نشوز منها وحلفت عليهما وعلى أن لا مال له حاضر ولا ترك نفقة وأثبتت الإعسار بنحو النفقة على المعتمد أو تعذر تحصيلها على المختار ( يمهل ) القاضي أو المحكم وجوبا ( ثلاثة ) من الأيام وإن لم يستمهله الزوج ولم يرج حصول شيء في المستقبل ليتحقق إعساره في فسخ لغير إعساره بمهر فإنه على الفور وأفتى شيخنا أنه لا إمهال في فسخ نكاح الغائب ( ثم ) بعد إمهال الثلاث بلياليها ( يفسخ هو ) أي القاضي أو المحكم أثناء الرابع لخبر الدارقطني والبيهقي في الرجل لا يجد شيئا ينفق على امرأته يفرق بينهما
____________________
(4/93)
وقضى به عمر وعلي وأبو هريرة رضي الله عنهم
قال الشافعي رضي الله عنه ولا أعلم أحدا من الصحابة خالفهم
ولو فسخت بالحاكم على غائب فعاد وادعى أن له مالا بالبلد لم يبطل كما أفتى به الغزالي إلا إن ثبت أنها تعلمه ويسهل عليها أخذ النفقة منه بخلاف نحو عقار وعرض لا يتيسر بيعه فإنه كالعدم ( أو ) تفسخ ( هي بإذنه ) أي القاضي بلفظ فسخت النكاح فلو سلم نفقة الرابع فلا تفسخ بما مضى لأنه صار دينا
ولو أعسر بعد أن سلم نفقة الرابع بنفقة الخامس بنت على المدة ولم تستأنفها
وظاهر قولهم أنهم لو أعسر بنفقة السادس استأنفتها وهو محتمل ويحتمل أنه إن تخللت ثلاثة وجب الإستئناف أو أقل فلا كما قاله شيخنا ولو تبرع رجل بنفقتها لم يلزمها القبول
____________________
(4/94)
بل لها الفسخ
فرع لها في مدة الإمهال والرضا بإعساره الخروج نهارا قهرا عليه لسؤال نفقة أو اكتسابها وإن كان لها مال وأمكن كسبها في بيتها وليس له منعها لأن حبسه لها إنما هو في مقابلة إنفاقه عليها وعليها رجوع إلى مسكنها ليلا لأنه وقت الإيواء دون العمل ولها منعه من التمتع بها نهارا وكذلك ليلا لكن تسقط نفقتها عن ذمته مدة المنع في الليل
قال شيخنا وقياسه أنه لا نفقة لها زمن خروجها للكسب اه
فرع لا فسخ في غير مهر لسيد أمة وليس له منعها من الفسخ بغيره ولا الفسخ به
____________________
(4/95)
عند رضاها بإعساره أو عدم تكليفها لأن النفقة في الأصل لها بل له إلجاؤها إليه بأن لا ينفق عليها ويقول لها إفسخي أو جوعي دفعا للضرر عنه ولو زوج أمته بعبده واستخدمه فلا فسخ لها ولا له إذ موءنتها عليه ولو أعسر سيد المستولدة عن نفقتها قال أبو زيد أجبر على عتقها أو تزويجها
فائدة لو فقد الزوج قبل التمكين فظاهر كلامهم أنه لا فسخ ومذهب مالك رحمه الله تعالى لا فرق بين الممكنة وغيرها إذا تعذرت النفقة وضربت المدة وهي عنده شهر
____________________
(4/96)
للتفحص عنه ثم يجوز الفسخ
تتمة يجب على موسر ذكر أو أنثى ولو بكسب يليق به بما فضل عن قوته وقوت ممونة يومه وليلته وإن لم يفضل عن دينه كفاية نفقة وكسوة مع أدم ودواء لأصل وإن علا ذكر أو أنثى وفرع وإن نزل
____________________
(4/97)
كذلك إذا لم يملكاها وإن اختلفا دينا لا إن كان أحدهما حربيا أو مرتدا
قال شيخنا في شرح الإرشاد ولا إن كان زانيا محصنا أو تاركا للصلاة خلافا لما قاله في شرح المنهاج ولا إن بلغ فرع وترك كسبا لائقا ولا أثر لقدرة أم أو بنت على النكاح
____________________
(4/98)
لكن تسقط نفقتها بالعقد وفيه نظر لأن نفقتها على الزوج إنما تجب بالتمكين كما مر وإن كان الزوج معسرا ما لم تفسخ ولا تصير مؤن القريب بفوتها دينا عليه إلا باقتراض قاض لغيبة منفق أو منع صدر منه لا بإذن منه ولو منع الزوج أو القريب الإنفاق أخذها المستحق ولو بغير إذن قاض
فرع من له أب وأم فنفقته على أب وقيل هي عليهما لبالغ ومن له أصل وفرع فعلى الفرع وإن نزل أو له محتاجون من أصول وفروع ولم يقدر على كفايتهم قدم نفسه ثم زوجته وإن
____________________
(4/99)
تعددت ثم الأقرب فالأقرب
نعم لو كان له أب وأم وابن قدم الإبن الصغير ثم الأم ثم الأب ثم الولد الكبير
ويجب على أم إرضاع ولدها اللبأ وهو اللبن أول الولادة ومدته يسيرة وقيل يقدر بثلاثة أيام وقيل سبعة
ثم بعده إن لم توجد إلا هي أو أجنبية وجب إرضاعه على من وجدت ولها طلب الأجرة ممن تلزمه موءنته وإن وجدتا لم تجبر الأم خلية كانت أو في نكاح أبيه فإن رغبت في إرضاعه فليس لأبيه منعها إلا إن طلبت فوق أجرة المثل وعلى أب أجرة مثل لأم لإرضاع ولدها حيث لا متبرع بالرضاع وكمتبرع راض بما رضيت
____________________
(4/100)
فصل الحضانة والأولى بالحضانة وهي تربية من لا يستقل إلى التمييز أم لم تتزوج بآخر
____________________
(4/101)
فأمهاتها وإن علت فأب فأمهاته فأخت فخالة فبنت أخت فبنت أخ فعمة والمميز إن افترق أبواه من النكاح كان عند من اختاره منهما
____________________
(4/102)
ولأب اختير منع الأنثى لا الذكر زيارة الأم ولا تمنع الأم عن زيارتها على العادة والأم أولى بتمريضهما عند الأب إن رضي وإلا فعندها وإن اختارها ذكر فعندها ليلا وعنده نهارا أو اختارتها أنثى فعندها أبدا ويزورها الأب على العادة
____________________
(4/103)
ولا يطلب إحضارها عنده ثم إن لم يختر واحدا منهما فالأم أولى وليس لأحدهما فطمه قبل حولين من غير رضا الآخر ولهما فطمه قبلهما إن لم يضره ولأحدهما بعد حولين ولهما الزيادة في الرضاع على الحولين حيث لا ضرر لكن أفتى الحناطي بأنه يسن عدمها إلا لحاجة ويجب على مال كفاية رقيقة إلا مكاتبا ولو أعمى أو زمنا ولو غنيا أو أكولا نفقة وكسوة من جنس المعتاد لمثله من أرقاء البلد
____________________
(4/104)
ولا يكفي ساتر العورة وإن لم يتأذ به نعم إن اعتيد ولو ببلاد العرب على الأوجه كفى إذ لا تحقير حينئذ وعلى السيد ثمن دوائه وأجرة الطبيب عند الحاجة وكسب الرقيق لسيده ينفقه منه إن شاء ويسقط ذلك بمضي الزمان كنفقة القريب
ويسن أن يناوله مما يتنعم به من طعام وأدم وكسوة والأفضل إجلاسه معه للأكل ولا يجوز أن يكلفه كالدواب على الدوام عملا لا يطيقه وإن رضي
إذ يحرم عليه إضرار نفسه فإن أبى السيد إلا ذلك بيع عليه أي إن تعين البيع طريقا وإلا أوجر عليه
أما في بعض الأوقات فيجوز أن يكلفه عملا شاقا
____________________
(4/105)
ويتبع العادة في إراحته وقت القيلولة والإستمتاع وله منعه من نفل صوم وصلاة وعلى مالك علف دابته المحترمة ولو كلبا محترما وسقيها إن لم تألف الرعي ويكفها وإلا كفى إرسالها للرعي والشرب حيث لا مانع فإن لم يكفها الرعي لزمه التكميل فإن امتنع من علفها أو إرسالها أجبر على إزالة ملكه أو ذبح المأكولة
____________________
(4/106)
فإن أبى فعل الحاكم الأصلح من ذلك ورقيق كدابة في ذلك كله ولا يجب علف غير المحترمة وهي الفواسق الخمس ويحلب مالك الدواب ما لا يضر بها ولا بولدها وحرم ما ضر أحدهما ولو لقلة العلف والظاهر ضبط الضرر بما يمنع من نمو أمثالهما وضبطه فيه بما يحفظه عن الموت توقف فيه الرافعي فالواجب الترك له قدر ما يقيمه حتى لا يموت ويسن أن لا يبالغ الحالب في الحلب بل يبقى في الضرع شيئا وأن يقص أظفار يديه ويجوز الحلب إن مات الولد بأي حيلة كانت
____________________
(4/107)
ويحرم التهريش بين البهائم ولا يجب عمارة داره أو قناته بل يكره تركه إلى أن تخرب بغير عذر كترك سقي زرع وشجر دون ترك زارعة الأرض وغرسها ولا يكره عمارة لحاجة وإن طالت والأخبار الدالة على منع ما زاد على سبعة أذرع محمولة
____________________
(4/108)
على من فعل ذلك للخيلاء والتفاخر على الناس
والله سبحانه وتعالى أعلم
باب الجناية من قتل وقطع وغيرهما
والقتل ظلما أكبر الكبائر بعد الكفر
____________________
(4/109)
وبالقود أو العفو لا تبقى مطالبة أخروية
والفعل المزهق ثلاثة عمد وشبه عمد وخطأ ( لا قصاص إلا في عمد ) بخلاف شبهه والخطأ ( وهو قصد فعل ) ظلما ( و ) عين ( شخص ) يعني الإنسان إذ لو قصد شخصا ظنه ظبيا فبان إنسانا كان خطأ ( بما يقتل ) غالبا
____________________
(4/110)
جارحا كان كغرز إبرة بمقتل كدماغ وعين وخاصرة وإحليل ومثانة وعجان وهو ما بين الخصية والدبر أو لا كتجويع وسحر ( وقصدهما ) أي الفعل والشخص ( بغيره ) أي غير ما يقتل غالبا ( شبه عمد ) سواء أقتل كثيرا أم نادرا كضربة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها بخلافها بنحو قلم أو مع خفتها جدا فهدر ولو غرز إبرة بغير مقتل كألية وفخذ
____________________
(4/111)
وتألم حتى مات فعمد وإن لم يظهر أثر ومات حالا فشبه عمد ولو حبسه كأن أغلق بابا عليه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما والطلب لذلك حتى مات جوعا أو عطشا فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد لظهور قصد الإهلاك به
ويختلف ذلك باختلاف حال المحبوس والزمن قوة وحرا وحد الأطباء الجوع المهلك غالبا باثنين وسبعين ساعة متصلة فإم لم تمض المدة المذكورة ومات بالجوع فإن لم يكن به جوع أو عطش سابق فشبه عمد فيجب نصف ديته لحصول الهلاك بالأمرين ومال ابن العماد فيمن أشار لإنسان بسكين
____________________
(4/112)
تخويفا له فسقطت عليه من غير قصد إلى أنه عمد موجب للقود
قال شيخنا وفيه نظر لأنه لم يقصد عينه بالآلة فالوجه أنه غير عمد
انتهى
تنبيه يجب قصاص بسبب كمباشرة فيجب على مكره بغير حق بأن قال اقتل هذا وإلا لأقتلنك فقتله وعلى مكره أيضا وعلى من ضيف بمسموم يقتل غالبا غير مميز
____________________
(4/113)
فإن ضيف به مميزا أو دسه في طعامه الغالب أكله منه فأكله جاهلا فشبه عمد فيلزمه ديته ولا قود لتناوله الطعام باختياره وفي قول قصاص لتغريره وفي قول لا شيء تغليبا للمباشرة وعلى من ألقى في ماء مغرق لا يمكنه التخلص منه بعوم أو غيره وإن التقمه حوت ولو قبل وصوله الماء فإن أمكنه تخلص بعوم أو غيره ومنعه منه عارض كموج وريح فهلك فشبه عمد ففيه ديته وإن أمكنه فتركه خوفا أو عنادا فلا دية
فرع لو أمسكه شخص ولو للقتل فقتله آخر فالقصاص على القاتل دون الممسك
____________________
(4/114)
ولا قصاص على من أكره على صعود شجرة فزلق ومات بل هو شبه عمد إن كانت مما يزلق على مثلها غالبا وإلا فخطأ ( وعدم قصد أحدهما ) بأن لم يقصد الفعل كأن زلق فوقع على غيره فقتله أو قصده فقط كأن رمى لهدف فأصاب إنسانا ومات ( فخطأ
ولو وجد ) بشخص ( من شخصين معا ) أي حال كونهما مقترنين في زمن الجناية بأن تقارنا في الإصابة ( فعلان مزهقان ) للروح ( مذففان ) أي مسرعان للقتل ( كحز ) للرقبة ( وقد ) للجثة ( أو لا ) أي غير مذففين ( كقطع عضوين ) أي جرحين أو جرح من واحد وعشرة مثلا من آخر فمات منهما ( فقاتلان ) فيقتلان إذ رب جرح له نكاية باطنا أكثر من جروح فإن ذفف أي أسرع للقتل أحدهما فقط
____________________
(4/115)
فهو القاتل فلا يقتل الآخر وإن شككنا في تذفيف جرحه لأن الأصل عدمه والقود لا يجب بالشك ( أو ) وجدا به منهما ( مرتبا ف ) القاتل ( الأول إن أنهاه إلى حركة مذبوح ) بأن لم يبق فيه إدراك وإبصار ونطق وحركة اختياريات ويعزر الثاني وإن جنى الثاني قبل إنهاء الأول إليها وذفف كحز به بعد جرح فالقاتل الثاني وعلى الأول قصاص العضو أو مال بحسب الحال وإن لم يذفف الثاني أيضا ومات المجني بالجنايتين كأن قطع واحد من الكوع والآخر من المرفق فقاتلان لوجود السراية منهما
فرع لو اندملت الجراحة واستمرت الحمى حتى مات فإن قال عدلا طب إنها من الجرح فالقود وإلا فلا ضمان ( وشرط )
____________________
(4/116)
أي للقصاص في النفس في القتل كونه عمدا ظلما فلا قود في الخطأ وشبه العمد وغير الظلم و ( في قتيل عصمة ) بإيمان أو أمان يحقن دمه بعقد ذمة أو عهد فيهدر الحربي والمرتد وزان محصن قتله مسلم ليس زانيا محصنا سواء أثبت زناه ببينة أم بإقرار لم يرجع عنه
وخرج بقولي ليس زانيا محصنا الزاني المحصن فيقتل به ما لم يأمره الإمام بقتله
قال شيخنا ويظهر أن يلحق بالزاني المحصن في ذلك كل مهدر كتارك صلاة وقاطع طريق متحتم قتله
( والحاصل ) أن المهدر معصوم على مثله في الإهدار وإن اختلفا في سببه ويد السارق مهدرة إلا على مثله سواء المسروق منه وغيره ومن عليه قصاص كغيره في العصمة في حق غير المستحق
____________________
(4/117)
فيقتل قاتله ولا قصاص على حربي وإن عصم بعد لعدم التزامه ولما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم عن أصحابه من عدم الإقادة ممن أسلم كوحشي قاتل حمزة رضي الله عنهما بخلاف الذمي فعليه القود وإن أسلم ( و ) شرط في قاتل تكليف فلا يقتل صبي ومجنون حال القتل والمذهب وجوبه على السكران المتعدي بتناول مسكر فلا قود على غير متعد به ولو قال كنت وقت القتل صبيا وأمكن صباه فيه أو مجنونا وعهد جنونه فيصدق بيمينه ( ومكافأة ) أي مساواة حال جناية بأن لا يفضل قتيله حال الجناية ( بإسلام أو حرية أو أصالة ) أو سيادة فلا يقتل مسلم ولو مهدرا
____________________
(4/118)
بنحو زنا بكافر ولا حر بمن فيه رق وإن قل ولا أصل بفرعه وإن سفل ويقتل الفرع بأصله ( ويقتل جمع بواحد ) كأن جرحوه جراحات لها دخل في الزهوق وإن فحش بعضها أو تفاوتوا في عددها وإن لم يتواطأوا أو كأن ألقوه من عال أو في بحر لما روى الشافعي رضي الله عنه وغيره أن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة قتلوا رجلا
____________________
(4/119)
غيلة أي خديعة بموضع خال وقال ولو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعا ولم ينكر عليه فصار إجماعا
وللولي العفو عن بعضهم على حصته من الدية باعتبار عدد الرؤوس دون الجراحات ومن قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم
فرع لو تصارعا مثلا ضمن بقود أو دية كل منهما ما تولد في الآخر من الصراعة لأن كلا لم يأذن فيما يوءدي إلى نحو قتل أو تلف عضو قال شيخنا ويظهر أنه لا أثر لاعتياد أن لا مطالبة في ذلك بل لا بد في انتفائها من صريح الإذن
تنبيه يجب قصاص في أعضاء
____________________
(4/120)
حيث أمكن من غيره ظلم كيد ورجل وأصابع وأنامل وذكر وأنثيين وأذن وسن ولسان وشفة وعين وجفن ومارن أنف وهو ما لان منه ويشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس ولا يؤخذ يمين بيسار وأعلى بأسفل وعكسه ولا قصاص في كسر عظم ولو قطعت يد من وسط ذراع اقتص في الكف وفي الباقي حكومة ويقطع جمع بيد تحاملوا عليها دفعة واحدة بمحدد فأبانوها ومن قتل بمحدد أو خنق أو تجويع أو تغريق بماء اقتص إن شاء بمثله
____________________
(4/121)
أو بسحر فبسيف ( موجب العمد قود ) أي قصاص سمي ذلك قودا لأنهم يقودون الجاني بحبل وغيره
قاله الأزهري
( والدية ) عند سقوطه بعفو عنه عليه أو بغير عفو ( بدل ) عنه
فلو عفا المستحق عنه مجانا أو مطلقا فلا شيء ( وهي ) أي الدية لقتل حر مسلم ذكر معصوم
____________________
(4/122)
( مائة بعير مثلثة في عمد وشبهه ) أي ثلاثة أقسام فلا نظر لتفاوتها عددا ( ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ) أي حاملا بقول خبيرين ( ومخمسة في خطأ من بنات مخاض و ) بنات ( لبون وبني لبون وحقاق وجذاع ) من كل منها عشرون لخبر الترمذي وغيره ( إلا ) إن وقع الخطأ ( في ) حرم ( مكة أو ) في ( أشهر حرم ) ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب
____________________
(4/123)
( أو محرم رحم ) بالإضافة كأم وأخت ( فمثلثة ) كما فعله جمع من الصحابة رضي الله عنهم وأقرهم الباقون ولعظم حرمة الثلاثة زجر عنها بالتغليظ من هذا الوجه ولا يلحق بها حرم المدينة ولا الإحرام ولا رمضان ولا أثر لمحرم رضاع ومصاهرة
وخرج بالخطأ ضداه فلا يزيد واجبهما بهذه الثلاثة اكتفاء بما فيهما من التغليظ وأما دية الأنثى والخنثى فنصف دية الذكر ( ودية عمد على جان معجلة ) كسائر أبدال المتلفات ( و ) دية ( غيره ) من شبه عمد وخطأ وإن تثلثت ( على عاقلة ) للجاني ( مؤجلة بثلاث سنين )
____________________
(4/124)
على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع كل سنة فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني لخبر الصحيحين والمعنى في كون الدية على العاقلة فيهما أن القبائل في الجاهلية كانوا يقومون بنصرة الجاني منهم ويمنعون أولياء الدم أخذ حقهم فأبدل الشرع تلك النصرة ببذل المال وخص تحملهم بالخطأ وشبه العمد لأنهما مما يكثر لاسيما في متعاطي الأسلحة فحسنت إعانته لئلا يتضرر بما هو معذور فيه وأجلت الدية عليهم رفقا بهم
وعاقلة الجاني عصباته المجمع على إرثهم بنسب أو ولاء إذا كانوا ذكورا مكلفين غير أصل وفرع ويقدم منهم الأقرب فالأقرب ولا يعقل فقير ولو كسوبا وامرأة خنثى وغير مكلف
____________________
(4/125)
( ولو عدمت إبل ) في المحل الذي يجب تحصيلها منه حسا أو شرعا بأن وجدت فيه بأكثر من ثمن المثل أو بعدت وعظمت المونة والمشقة ( ف ) الواجب ( قيمتها ) وقت وجوب التسليم من غالب نقد البلد وفي القديم الواجب عند عدمها في النفس الكاملة ألف مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم فضة
نبيه وكل عضو مفرد فيه جمال ومنفعة إذا قطعه وجبت فيه دية كاملة مثل دية صاحب العضو إذا قتله وكذا كل عضوين من جنس إذا قطعهما ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها ففي قطع الأذنين الدية وفي إحداهما النصف ومثلهما العينان
____________________
(4/126)
والشفتان والكفان بأصبعهما والقدمان بأصبعهما وفي كل إصبع عشر من الإبل وفي كل سن خمس
____________________
(4/127)
( و ) يثبت ( القود للورثة ) العصبة وذي الفروض بحسب إرثهم المال ولو مع بعد القرابة كذي رحم إن ورثناه أو مع عدمها كأحد الزوحين والمعتق وعصبته
تنبيه يحبس الجاني إلى كمال الصبي من الورثة بالبلوغ وحضور الغائب أو إذنه فلا يخلي بكفيل لأنه قد يهرب فيقوت الحق والكلام في غير قاطع الطريق أما هو إذا تحتم قتله فيقتله الإمام مطلقا ولا يستوفي القود إلا واحد من الورثة أو من غيرهم بتراض منهم أو من باقيهم أو بقرعة بينهم إذا لم يتراضوا
____________________
(4/128)
ولو بادر أحد المستحقين فقتله عالما تحريم المبادرة فلا قصاص عليه إن كان قبل عفو منه أو من غيره وإلا فعليه القصاص ولو قتله أجنبي أخذ الورثة الدية من تركة الجاني لا من الأجنبي ولا يستوفي المستحق القود في نفس أو غيرها إلا بإذن الإمام أو نائبه فإن استقل به عزر
تتمة يجب عند هيجان البحر وخوف الغرق إلقاء غير الحيوان من المتاع لسلامة حيوان محترم وإلقاء الدواب لسلامة الآدمي المحترم إن تعين لدفع الغرق وإن لم يأذن المالك
أما المهدر كحربي وزان محصن فلا يلقى لأجله مال مطلقا بل ينبغي أن يلقى هو
____________________
(4/129)
لأجل المال كما قاله شيخنا ويحرم إلقاء العبيد للأحرار والدواب لما لا روح له ويضمن ما ألقاه بلا إذن مالكه ولو قال لرجل ألق متاع زيد وعلي ضمانه إن طالبك ففعل ضمنه الملقى لا الآمر
فرع أفتى أبو إسحاق المروزي بحل سقى أمته دواء ليسقط ولدها ما دام علقة أو مضغة وبالغ الحنفية فقالوا يجوز مطلقا
وكلام الإحياء يد على التحريم مطلقا
____________________
(4/130)
قال شيخنا وهو الأوجه
خاتمة تجب الكفارة على من قتل من يحرم قتله خطأ كان أو عمدا وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين
____________________
(4/131)
باب في الردة ( الردة ) لغة الرجوع وهي أفحش أنواع الكفار ويحبط بها العمل
____________________
(4/132)
إن اتصلت بالموت فلا يجب إعادة عباداته التي قبل الردة
وقال أبو حنيفة تجب وشرعا ( قطع مكلف ) مختار فتلغو من صبي ومجنون ومكره عليها إذا كان قلبه موءمنا ( إسلاما بكفر عزما ) حالا أو مآلا فيكفر به حالا ( أو قولا أو فعلا باعتقاد ) لذلك الفعل أو القول أي معه ( أو ) مع ( عناد ) من القائل أو الفاعل ( أو ) مع ( استهزاء ) أي استخفاف بخلاف ما لو اقترن به ما يخرجه عن الردة كسبق لسان أو حكاية كفر أو خوف قال شيخنا كشيخه
____________________
(4/133)
وكذا قول الولي حال غيبته أنا الله ونحوه مما وقع لأئمة من العارفين كابن عربي وأتباعه بحق وما وقع في عبارتهم مما يوهم كفرا غير مراد به ظاهره كما لا يخفى على الموفقين
نعم يحرم على من لم يعرف حقيقة اصطلاحهم وطريقتهم مطالعة كتبهم فإنها مزلة قدم له ومن ثم ضل كثيرون اغتروا بظواهرها
وقول ابن عبد السلام يعزر ولي قال أنا الله فيه نظر لأنه إن قاله وهو مكلف فهو كافر لا محالة وإن قاله حال الغيبة المانعة للتكليف فأي وجه للتعزير
اه
____________________
(4/134)
وذلك ( كنفي صانع و ) نفي ( نبي ) أو تكذيبه ( وجحد مجمع عليه ) معلوم من الدين بالضرورة من غير تأويل وإن لم يكن فيه نص كوجوب نحو الصلاة المكتوبة وتحليل نحو البيع والنكاح وتحريم شرب الخمر واللواط والزنا والمكس وندب الرواتب والعيد
____________________
(4/135)
بخلاف مجمع عليه لا يعرفه إلا الخواص ولو كان فيه نص كاستحقاق بنت الإبن السدس مع البنت وكحرمة نكاح المعتدة للغير كما قاله النووي وغيره وبخلاف المعذور كمن قرب عهده بالإسلام ( وسجود لمخلوق ) اختيارا من غير خوف ولو نبيا وإن أنكر الإستحقاق أو لم يطابق قلبه جوارحه لأن ظاهر حاله يكذبه وفي الروضة عن التهذيب من دخل دار الحرب فسجد لصنم أو تلفظ بكفر ثم ادعى إكراها فإن فعله في خلوته لم يقبل أو بين أيديهم وهو أسير قبل قوله أو تاجر فلا وخرج بالسجود الركوع لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرا بخلاف السجود
قال شيخنا نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الإطلاق بخلاف ما لو قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله تعالى به فإنه لا شك في الكفر حينئذ
اه
وكمشي إلى الكنائس بزيهم من زنار وغيره
____________________
(4/136)
وكإلقاء ما فيه قرآن في مستقذر قال الروياني أو علم شرعي ومثله بالأولى ما فيه اسم معظم ( وتردد في كفر ) أيفعله أو لا وكتكفير مسلم لذنبه بلا تأويل لأنه سمي الإسلام كفرا وكالرضا بالكفر كأن قال لمن طلب منه تلقين الإسلام اصبر ساعة فيكفر في الحال في كل ما مر لمنافاته الإسلام وكذا يكفر من أنكر إعجاز القرآن أو حرفا منه أو صحبة أبي بكر
____________________
(4/137)
أو قذف عائشة رضي الله عنها ويكفر في وجه حكاه القاضي من سب الشيخين أو الحسن والحسين رضي الله عنهم لا من قال لمن أراد تحليفه لا أريد الحلف بالله بل بالطلاق مثلا أو قال رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت
تنبيه ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام وما زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا
____________________
(4/138)
( ويستتاب ) وجوبا ( مرتد ) ذكرا كان أو أنثى لأنه كان محترما بالإسلام وربما عرضت له شبهة فتزال ( ثم ) إن لم يتب بعد الإستتابة ( قتل ) أي قتله الحاكم ولو بنائبه بضرب الرقبة لا بغيره ( بلا إمهال ) أي تكون الإستتابة والقتل حالا لخبر البخاري من بدل دينه فاقتلوه فإذا أسلم صح إسلامه وترك وإن تكررت ردته لإطلاق النصوص
نعم يعزر من تكررت ردته لا في أول مرة إذا تاب خلافا لما زعمه جهلة القضاة
تتمة إنما يحصل إسلام كل كافر أصلي أو مرتد بالتلفظ بالشهادتين من الناطق
____________________
(4/139)
فلا يكفي ما بقلبه من الإيمان وإن قال به الغزالي وجمع محققون ولو بالعجمية وإن أحسن العربية على المنقول المعتمد لا بلغة لقنها بلا فهم ثم بالاعتراف برسالته صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب ممن ينكرها فيزيد العيسوي من اليهود محمد رسول الله إلى جميع الخلق أو البراءة من كل دين يخالف دين الإسلام فيزيد المشرك كفرت بما كنت أشركت به وبرجوعه عن الاعتقاد الذي ارتد بسببه ومن جهل القضاة أن من ادعى عليه عندهم بردة أو جاءهم يطلب الحكم بإسلامه يقولون له تلفظ بما قلت وهذا غلط فاحش فقد قال الشافعي رضي الله عنه إذا ادعى على رجل أنه ارتد وهو مسلم لم اكشف عن الحال وقلت له قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأنك بريء من كل دين يخالف دين الإسلام
اه
قال شيخنا ويؤخذ من تكريره رضي الله عنه لفظ أشهد أنه لا بد منه في صحة
____________________
(4/140)
الإسلام وهو ما يدل عليه كلام الشيخين في الكفارة وغيرها لكن خالف فيه جمع وفي الأحاديث ما يدل لكل
اه
ويندب أمر كل من أسلم بالإيمان بالبعث ويشترط لنفع الإسلام في الآخرة مع ما مر تصديق القلب بواحدانية الله تعالى
ورسله وكتبه واليوم الآخر فإن اعتقد هذا ولم يأت بما مر لم يكن موءمنا
____________________
(4/141)
وإن أتى به بلا اعتقاد ترتب عليه الحكم الدنيوي ظاهرا
باب الحدود أو أولها حد الزنا وهو أكبر الكبائر بعد القتل وقيل هو مقدم عليه
( يجلد ) وجوبا ( إمام ) أو نائبه دون غيرهما خلافا للقفال ( حرا مكلفا زنى ) بإيلاج حشفة أو قدرها من فاقدها
____________________
(4/142)
في فرج آدمي حي قبل أو دبر ذكر أو أنثى مع علم تحريمه فلا حد بمفاخذة ومساحقة واستمناء بيد نفسه أو غير حليلته بل يعزر فاعل ذلك
ويكره بنحو يدها كتمكينها من العبث بذكره حتى ينزل لأنه في معنى العزل ولا بإيلاج في فرج بهيمة أو ميت ولا يجب ذبح البهيمة المأكولة خلافا لمن وهم فيه وإنما يجلد من ذكر ( مائة ) من الجلدات ( ويغرب عاما )
____________________
(4/143)
ولاء لمسافة قصر فأكثر ( إن كان ) الواطىء أو الموطوءة حرا ( بكرا ) وهو من لم يطأ أو توطأ في نكاح صحيح ( لا ) إن زنى ( مع ظن حل ) بأن ادعاه وقد قرب عهده بالإسلام أو بعد عن أهله ( أو مع تحليل عالم ) يعتد بخلافه لشبهة إباحته وإن لم يقلده الفاعل كنكاح بلا ولي كمذهب أبي حنيفة أو بلا شهود كمذهب مالك بخلاف الخالي عنهما وإن نقل عن داود
وكنكاح متعة نظرا لخلاف ابن عباس
____________________
(4/144)
ولو من معتقد تحريمه
نعم إن حكم حاكم بإبطال النكاح المختلف فيه حد لارتفاع الشبهة حينئذ قاله الماوردي ويحد في مستأجرة للزنا بها إذ لا شبهة لعدم الإعتداد بالعقد الباطل بوجه وقول أبي حنيفة أنه شبهة ينافيه الإجماع على عدم ثبوت النسب بذلك ومن ثم ضعف مدركه ولم يراع خلافه
____________________
(4/145)
وكذا في مبيحة لأن الإباحة هنا لغو ومحرمة عليه لتوثن أو لنحو بينونة كبرى وإن كان قد تزوجها خلافا لأبي حنيفة لأنه لا عبرة بالعقد الفاسد أما مجوسية تزوجها فلا يحد بوطئها للإختلاف في حل نكاحها ولا يحد بإيلاج في قبل مملوكة حرمت عليه بنحو محرمية أو شرب لغيره فيها أو ثوثن أو تمجس ولا بإيلاج في أمة فرع ولو مستولدة لشبهة الملك فيما عدا الأخيرة وشبهة الإعفاف فيها وأما حد ذي رق محصن أو بكر ولو مبعضا فنصف حد الحر وتغريبه فيجلد خمسين ويغرب نصف عام ويحد الرقيق الإمام أو السيد ( ويرجم ) أي الإمام أو نائبه بأن يأمر الناس ليحيطوا به فيرموه من الجوانب بحجارة معتدلة إن كان ( محصنا ) رجلا أو امرأة حتى يموت
____________________
(4/146)
إجماعا لأنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية
ولا يجلد مع الرجم عند جماهير العلماء وتعرض عليه توبة لتكون خاتمة أمره ويؤمر بصلاة دخل وقتها ويجاب لشرب لا أكل ولصلاة ركعتين ويعتد بقتله بالسيف لكن فات الواجب والمحصن مكلف حر وطىء أو وطئت بقبل في نكاح صحيح ولو في حيض فلا إحصان لصبي أو مجنون أو قن وطىء في نكاح
____________________
(4/147)
ولا لمن وطىء في ملك يمين أو نكاح فاسد ثم زنى ( وأخر ) وجوبا ( رجم ) كقود ( لوضع حمل وفطام ) لا لمرض يرجى بروه منه وحر وبرد مفرطين
نعم يؤخر الجلد لهما ولمرض يرجى بروه منه أو لكونه حاملا لأن القصد الردع لا القتل ( ويثبت ) الزنا ( بإقرار ) حقيقي مفصل نظير ما في الشهادة ولو بإشارة أخرس إن فهمها كل أحد ولو مرة ولا يشترط تكرره أربعا خلافا لأبي حنيفة ( وبينة ) فصلت بذكر المزني بها وكيفية الإدخال ومكانه ووقته كاشهد أنه أدخل حشفته في فرج فلانة بمحل كذا وقت كذا على سبيل الزنا ( ولو أقر ) بالزنا
____________________
(4/148)
( ثم رجع ) عن ذلك قبل الشروع في الحد أو بعده بنحو كذبت أو ما زنيت
وإن قال بعد كذبت في رجوعي أو كنت فاخذت فظننته زنا وإن شهد حاله بكذبه فيما استظهره شيخنا بخلاف ما أقررت به لأنه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به ( سقط ) الحد لأنه صلى الله عليه وسلم عرض لماعز بالرجوع فلولا أنه لا يفيد لما عرض له به ومن ثم سن له الرجوع
وكالزنا في قبول الرجوع عنه كل حد لله تعالى كشرب وسرقة بالنسبة للقطع
وأفهم كلامهم أنه إذا ثبت بالبينة لا يتطرق إليه رجوع وهو كذلك لكنه يتطرق إليه السقوط بغيره كدعوى زوجية وملك أمة وظن كونها حليلة وثانيها حد القذف
____________________
(4/149)
وهو من السبع الموبقات ( وحد قاذف ) مكلف مختار ملتزم للأحكام عالم بالتحريم ( محصنا ) وهو هنا مكلف حر مسلم عفيف من زنا ووطء دبر حليلته ( ثمانين ) جلدة إن كان القاذف حرا وإلا فأربعين
ويحصل القذف بزنيت أو يا زاني أو يا مخنث أو بلطت أو لاط بك فلان أو يا لائط أو يا لوطي وكذا بياقحبة لامرأة ومن صريح قذف المرأة أن يقول لابنها من زيد مثلا لست ابنه أو لست منه
____________________
(4/150)
لا قوله لابنه لست ابني ولو قال لولده أو ولد غيره يا ولد الزنا كان قذفا لأمه ( ولا يحد أصل ) لقذف فرع بل يعزر كقاذف غير مكلف
ولو شهد بزنا دون أربعة من الرجال أو نساء أو عبيد حدوا ولو تقاذفا لم يتقاصا ولقاذف تحليف مقذوفه أنه ما زنى قط
وسقط بعفو من مقذوف أو ووارثه الحائز ولا يستقل المقذوف باستيفاء الحد ولزوج قذف زوجته
____________________
(4/151)
التي علم زناها وهي في نكاحه ولو بظن ظنا مؤكدا مع قرينة كأن رآها وأجنبيا في خلوة أو رآه خارجا من عندها مع شيوع بين الناس بأنه زنى بها أو مع خبر ثقة أنه رآه يزني بها أو مع تكرر رؤيته لهما كذلك مرات ووجب نفي الولد إن تيقن أنه ليس منه
____________________
(4/152)
وحيث لا ولد ينفيه فالأولى له الستر وعليها وأن يطلقها إن كرهها فإن أحبها أمسكها لما صح أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال امرأتي لا ترد يد لامس فقال طلقها قال إني أحبها قال أمسكها
فرع إذا سب شخص آخر فللآخر أن يسبه بقدر ما سبه مما لا كذب فيه ولا قذف كيا ظالم ويا أحمق
ولا يجوز سب أبيه وأمه وثالثها حد الشرب
____________________
(4/153)
( ويجلد ) أي الإمام أو نائبه ( مكلفا ) مختارا ( عالما ) بتحريم الخمر ( شرب ) لغير تداو ( خمرا )
____________________
(4/154)
وحق عند أكثر أصحابنا المسكر من عصير العنب وإن لم يقذف بالزبد فتحريم غيرها قياسي أي بفرض عدم ورود ما يأتي وإلا فسيعلم منه أن تحريم الكل منصوص عليه وعند أقلهم كل مسكر ولكن لا يكفر مستحل المسكر من عصير غير العنب للخلاف فيه أي من حيث الجنس لحل قليله على قول جماعة
أما المسكر بالفعل فهو حرام إجماعا كما حكاه الحنفية فضلا عن غيرهم بخلاف مستحله من عصير العنب الصرف الذي لم يطبخ ولو قطرة لأنه مجمع عليه ضروري وخرج بالقيود المذكورة فيه أضدادها فلا حد على من اتصف بشيء منها من صبي ومجنون ومكره وجاهل بتحريمه أو بكونه خمرا إن قرب إسلامه أو بعد عن العلماء
____________________
(4/155)
ولا على من شرب لتداو وإن وجد غيرها كما نقله الشيخان عن جماعة وإن حرم التداوي بها
فائدة كل شراب أسكر كثيره من خمر أو غيرها حرم قليله وكثيره لخبر الصحيحين كل شراب أسكر فهو حرام وخبر مسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام ويحد شاربه وإن لم يسكر أي متعاطيه
وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات فلا حد فيها وإن حرمت وأسكرت بل التعزير ككثير البنج والحشيشة والأفيون ويكره أكل يسير منها من غير قصد المداومة ويباح لحاجة التداوي ( أربعين ) جلدة
____________________
(4/156)
( إن كان حرا ) ففي مسلم عن أنس كان صلى الله عليه وسلم يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين جلدة وخرج بالحر الرقيق ولو مبعضا فيجلد عشرين جلدة وإنما يجلد الإمام شارب الخمر إن ثبت ( بإقراره أو شهادة رجلين ) لا بريح خمر وهيئة سكر وقيء وحد عثمان رضي الله عنه بالقيء اجتهاد له
ويحد الرقيق أيضا بعلم السيد دون غيره
تتمة جزم صاحب الإستقصاء بحل إسقائها للبهائم وللزركشي احتمال أنها كالآدمي في حرمة إسقائها لها ورابعها قطع السرقة
____________________
(4/157)
( ويقطع ) أي الإمام وجوبا بعد طلب المالك وثبوت السرقة ( كوع يمين بالغ ) ذكرا كان أو أنثى ( سرق ) أي أخذ خفية ( ربع دينار )
____________________
(4/158)
أي مثقال ذهبا مضروبا خالصا وإن تحصل من مغشوش ( أو قيمته ) بالذهب المضروب الخالص وإن كان الربع لجماعة فلا يقطع بكونه ربع دينار سبيكة أو حليا لا يساوي ربعا مضروبا ( من حرز ) أي موضع يحرز فيه مثل ذلك المسروق عرفا ولا قطع بما للسارق فيه شركة ولا بملكه وإن تعلق به نحو رهن ولو اشترك اثنان في إخراج نصاب فقط لم يقطع واحد منهما
وخرج بسرق ما لو اختلس
____________________
(4/159)
معتمدا الهرب أو انتهب معتمدا القوة فلا يقطع بهما لخبر الصحيح به ولإمكان دفعهم بالسلطان وغيره بخلاف السارق لأخذه خفية فشرع قطعه زجرا ( لا ) حال كون المال ( مغصوبا ) فلا يقطع سارقه من حرز الغاصب وإن لم يعلم أنه مغصوب لأن مالكه لم يرض بإحرازه به ( أو ) حال كونه ( فيه ) أي في مكان مغصوب فلا قطع أيضا بسرقة من حرز مغصوب لأن الغاصب ممنوع من الإحراز به بخلاف نحو مستأجر ومعار ويختلف الحرز باختلاف الأموال والأحوال والأوقات فحرز الثوب والنقد الصندوق المقفل والأمتعة الدكاكين وثم حارس
____________________
(4/160)
ونوم بمسجد أو شارع على متاع ولو بتوسده حرز له لا إن وضعه بقربه بلا ملاحظ قوي يمنع السارق بقوة أو استغاثة أو انقلب عنه ولو بقلب السارق فليس حرزا له ( ويقطع بمال وقف ) أي بسرقة مال موقوف على غيره ( و ) مال ( مسجد ) كبابه وساريته وقنديل زينة ( لا ) بنحو ( حصره ) وقناديل تسرج وهو مسلم لأنها أعدت للإنتفاع بها ( ولا بمال صدقة ) أي زكاة ( وهو مستحق لها ) بوصف فقر أو غيره ولو لم يكن له فيه حق كغني أخذ مال صدقة
____________________
(4/161)
وليس غارما لإصلاح ذات البين ولا غازيا قطع لانتفاء الشبهة ( و ) لا بمال ( مصالح ) كبيت المال وإن كان غنيا لأن له فيه حقا لأن ذلك قد يصرف في عمارة المساجد والرباطات فينتفع به الغني والفقير من المسلمين ( و ) لا بمال ( بعض ) من أصل أو فرع ( وسيد ) لشبهة استحقاق النفقة في الجملة ( والأظهر قطع أحد الزوجين بالآخر ) أي بسرقة ماله المحرز عنه ( فإن عاد ) بعد قطع يمناه إلى السرقة ثانيا ( ف ) تقطع ( رجله اليسرى ) من مفصل الساق والقدم ( ف ) إن عاد ثالثا فتقطع ( يده اليسرى ) من كوعها
____________________
(4/162)
( ف ) إن عاد رابعا فتقطع ( رجله اليمنى ثم ) إن سرق بعد قطع ما ذكر ( عزر ) ولا يقتل وما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قتله منسوخ أو مؤول بقتله لاستحلال بل ضعفه الدارقطني وغيره وقال ابن عبد البر أنه منكر لا أصل له
ومن سرق مرارا بلا قطع لم يلزمه إلا حد واحد على المعتمد فتكفي يمينه عن الكل لاتحاد السبب فتداخلت ( وتثبت ) السرقة ( برجلين ) كسائر العقوبات غير الزنا وإقرار من سارق بعد دعوى عليه مع تفصيل في الشهادة والإقرار بأن تبين السرقة والمسروق منه وقدر المسروق والحرز بتعيينه ( و ) تثبت السرقة أيضا خلافا لما اعتمده جمع ( بيمين رد ) من المدعى عليه على المدعي لأنها كإقرار المدعى عليه
____________________
(4/163)
( وقبل رجوع مقر ) بالنسبة لقطع بخلاف المال فلا يقبل رجوعه فيه لأنه حق آدمي ( ومن أقر بقعوبة لله تعالى ) أي بموجبها كزنا وسرقة وشرب خمر ولو بعد دعوى ( فلقاض ) أي يجوز له كما في الروضة وأصلها لكن نقل في شرح مسلم الإجماع على ندبه وحكاه في البحر عن الأصحاب وقضية تخصيصهم القاضي بالجواز حرمته على غيره
قال شيخنا وهو محتمل ويحتمل أن غير القاضي أولى منه لامتناع التلقين عليه ( تعريض ) له ( برجوع ) عن الإقرار أو بالإنكار فيقول لعلك فأخذت أو أخذت من غير حرز أو ما علمته خمرا لأنه صلى الله عليه وسلم عرض لماعز وقال لمن أقر عنده بالسرقة ما إخالك سرقت وخرج بالتعريض التصريح كارجع عنه أو اجحده
____________________
(4/164)
فيأثم به لأنه أمر بالكذب ويحرم التعريض عند قيام البينة
ويجوز للقاضي أيضا التعريض للشهود بالتوقف في حد الله تعالى إن رأى المصلحة في الستر وإلا فلا وبه يعلم أنه لا يجوز له التعرض ولا لهم التوقف إن ترتب على ذلك ضياع المسروق أو حد الغير كحد القذف
خاتمة في قاطع الطريق لو علم الإمام قوما يخيفون الطريق ولم يأخذوا مالا ولا قتلوا نفسا عزرهم وجوبا بحبس وغيره وإن أخذ القاطع المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى
____________________
(4/165)
فإن عاد فرجله اليمنى ويده اليسرى وإن قتل قتل حتما وإن عفا مستحق القود وإن قتل وأخذ نصابا قتل ثم صلب بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه ثلاثة أيام حتما ثم ينزل وقيل يبقى وجوبا حتى يتهرى ويسيل صديده وفي قول يصلب حيا قليلا ثم ينزل فيقتل
فصل في التعزير ( ويعزر ) أي الإمام أو نائبه ( لمعصية لا حد لها ولا كفارة ) سواء كانت حقا لله تعالى أم لآدمي كمباشرة أجنبية في غير فرج وست ليس بقذف وضرب لغير حق ( غالبا ) وقد يشرع التعزير بلا معصية
____________________
(4/166)
كمن يكتسب باللهو الذي لا معصية فيه وقد ينتفي مع انتفاء الحد والكفارة كصغيرة صدرت ممن لا يعرف بالشر لحديث صححه ابن حبان أقيلوا ذوي الهيئات عثرايهم إلا الحدود وفي رواية زلاتهم وفسرهم الشافعي رضي الله عنه بمن ذكر وقيل هم أصحاب الصغائر وقيل من يندم على الذنب ويتوب منه
وكقتل من رآه يزني بأهله على ما حكاه ابن الرفعة لأجل الحمية والغضب ويحل قتله باطنا
وقد يجامع التعزير الكفارة كمجامع حليلته في نهار رمضان
____________________
(4/167)
ويحصل التعزير ( بضرب ) غير مبرح أو صفع وهو الضرب بجمع الكف ( أو حبس ) حتى عن الجمعة أو توبيخ بكلام أو تغريب أو إقامة من مجلس ونحوها مما يراها المعزر جنسا وقدار لا بحلق لحية
قال شيخنا وظاهر حرمة حلقها وهو إنما يجيء على حرمته التي عليها أكثر المتأخرين أما على كراهته التي عليها الشيخان وآخرون فلا وجه للمنع إذا رآه الإمام
انتهى
ويجب أن ينقص التعزير عن أربعين ضربة في الحر وعن عشرين في غيره ( وعزر أب ) وإن علا
____________________
(4/168)
وألحق به الرافعي الأم وإن علت ( ومأذونه ) أي من أذن له في التعزير كالمعلم ( صغيرا ) وسفيها بارتكابهما ما لا يليق زجرا لهما عن سيء الأخلاق وللمعلم تعزير المتعلم منه ( و ) عزر ( زوج ) زوجته ( لحقه ) كنشوزها لا لحق الله تعالى وقضيته أنه لا يضر بها على ترك الصلاة
وأفتى بعضهم بوجوبه
والأوجه كما قال شيخنا جوازه وللسيد تعزير رقيقه لحقه وحق الله تعالى وإنما يعزر من مر بضرب غير مبرح فإن يفد تعزيره إلا بمبرح ترك لأنه مهلك وغيره لا يفيد
( وسئل ) شيخنا عبد الرحمن بن زياد رحمه الله تعالى عن عبد مملوك عصى سيده وخالف أمره ولم يخدمه خدمة مثله
هل لسيده أن يضربه ضربا غير مبرح أم ليس له ذلك
____________________
(4/169)
وإذا ضربه سيده ضربا مبرحا ورفع به إلى أحد حكام الشريعة فهل للحاكم أن يمنعه عن الضرب المبرح أم ليس له ذلك وإذا منعه الحاكم مثلا ولم يمتنع فهل للحاكم أن يبيع العبد ويسلم ثمنه إلى سيده أم ليس له ذلك وبماذا يبيعه بمثل الثمن الذي اشتراه به سيده أو بما قاله المقومون أو بما انتهت إليه الرغبات في الوقت ( فأجاب ) إذا امتنع العبد من خدمة سيده الخدمة الواجبة عليه شرعا فللسيد أن يضربه على الإمتناع ضربا غير مبرح إن أفاد الضرب المذكور وليس له أن يضربه ضربا مبرحا ويمنعه الحاكم من ذلك فإن لم يمتنع من الضرب المذكور فهو كما لو كلفه من العمل ما لا يطيق بل أولى إذ الضرب المبرح ربما يؤدي إلى الزهوق بجامع التحريم
وقد أفتى القاضي حسين بأنه إذا كلف مملوكه ما لا يطيق أنه يباع عليه بثمن المثل وهو ما انتهت إليه الرغبات في ذلك الزمان والمكان
انتهى
فصل في الصيال وهو الإستطالة والوثوب على الغير
____________________
(4/170)
( يجوز ) للشخص ( دفع ) كل ( صائل ) مسلم وكافر مكلف وغيره ( على معصوم ) من نفس أو طرف أو منفعة أو بضع ومقدماته كتقبيل ومعانقة أو مال وإن لم يتمول على ما اقتضاه إطلاقهم كحبة بر أو اختصاص كجلد ميتة سواء كانت للدافع أم لغيره وذلك للحديث الصحيح أن من قتل دون دمه أو ماله أو أهله فهو شهيد ويلزم منه أن له القتل والقتال أي وما يسيري إليهما كالجرح
____________________
(4/171)
( بل يجب ) عليه إن لم يخف على نفسه أو عضوه الدفع ( عن بضع ) ومقدماته ولو من غير أقاربه ( ونفس ) ولو مملوكة ( قصدها كافر ) أو بهيمة أو مسلم غير محقون الدم كزان محصن وتارك صلاة وقاطع طريق تحتم قتله فيحرم الإستسلام لهم فإن قصدها مسلم محقون الدم لم يجب الدفع بل يجوز الإستسلام له بل يسن للأمر به ولا يجب الدفع عن مال لا روح فيه لنفسه ( وليدفع ) الصائل المعصوم ( بالأخف ) فالأخف ( إن أمكن ) كهرب فزجر بكلام فاستغاثة أو تحصن بحصانة فضرب بيده فبسوط فبعصا فقطع فقتل لأن ذلك جوز للضرورة ولا ضرورة للأثقل مع إمكان الأخف فمتى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الإكتفاء بدونها ضمن بالقود وغيره
نعم لو التحم القتال بينهما واشتد الأمر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب ومحل رعاية الترتيب أيضا في غير الفاحشة
____________________
(4/172)
فلو رآه قد أولج في أجنبية فله أن يبدأه بالقتل وإن اندفع بدونه لأنه في كل لحظة مواقع لا يستدرك بالأناة قاله الماوردي والروياني والشيخ زكريا
وقال شيخنا وهو ظاهر في المحصن أما غيره فالمتجه أنه لا يجوز قتله إلا إن أدى الدفع بغيره إلى مضي زمن وهو متلبس بالفاحشة
انتهى
وإذا لم يمكن الدفع بالأخف كأن لم يجد إلا نحو سيف فيضرب به أما إذا كان الصائل غير معصوم فله قتله بلا دفع بالأخف لعدم حرمته
فرع يجب الدفع عن منكر كشرب مسكر وضرب آلة لهو وقتل حيوان ولو للقاتل
( ووجب ختان ) للمرأة والرجل حيث لم يولدا مختونين
____________________
(4/173)
لقوله تعالى { أن اتبع ملة إبراهيم } ومنها الختان إختتن وهو إبن ثمانين سنة وقيل واجب على الرجال وسنة للنساء
ونقل عن أكثر العلماء
( ببلوغ ) وعقل إذ لا تكليف قبلهما فيجب بعدهما فورا
وبحث الزركشي وجوبه على ولي مميز وفيه نظر
فالواجب في ختان الرجل قطع ما يغطي حشفته حتى تنكشف كلها والمرأة قطع جزء يقع عليه الإسم من اللحمة الموجودة بأعلى الفرج فوق ثقبة البول تشبه عرف الديك وتسمى البظر بموحدة مفتوحة فمعجمة ساكنة ونقل الأردبيلي عن الإمام ولو كان ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه لم يختن إلا أن يغلب على الظن سلامته ويندب تعجيله سابع يوم الولادة للإتباع فإن أخر عنه ففي الأربعين وإلا ففي السنة السابعة لأنها وقت أمره بالصلاة ومن مات بغير ختان لن يختن في الأصح
____________________
(4/174)
ويسن إظهار ختان الذكر وإخفاء ختان الأنثى وأما مؤنة الختان في مال المختون ولو غير ملف ثم على من تلزمه نفقته
ويجب أيضا قطع سرة المولود بعد ولادته بعد نحو ربطها لتوقف إمساك الطعام عليه
( وحرم تثقيب ) أنف مطلقا ( وأذن ) صبي قطعا وصبية على الأوجه لتعليق الحلق كما صرح به الغزالي وغيره لأنه إيلام لم تدع إليه حاجة وجوزه الزركشي واستدل بما في حديث أم زرع في الصحيح وفي فتاوى قاضيخان من الحنفية
____________________
(4/175)
____________________
(4/176)
____________________
(4/177)
أنه لا بأس به لأنهم كانوا يفعلونه في الجاهلية فلم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الرعاية للحنابلة يجوز في الصبية لغرض الزينة
ويكره في الصبي
انتهى
ومقتضى كلام شيخنا في شرح المنهاج جوازه في الصبية لا الصبي لما عرف أنه زينة مطلوبة في حقهن قديما وحديثا في كل محل
وقد جوز صلى الله عليه وسلم اللعب لهن بما فيه صورة للمصلحة فكذا هذا أيضا
والتعذيب في مثل هذه الزينة الداعية لرغبة الأزواج إليهن سهل محتمل ومغتفر لتلك المصلحة
فتأمل ذلك فإنه مهم
تتمة من كان مع دابة يضمن ما أتلفته ليلا ونهارا
____________________
(4/178)
وإن كانت وحدها فأتلفت زرعا أو غيره نهارا لم يضمن صاحبها
أو ليلا ضمن إلا أن لا يفرط في ربطها
وإتلاف نحو هرة طيرا أو طعاما عهد إتلافها ضمن مالكها ليلا ونهارا إن قصر في ربطه وتدفع الهرة الضارية على نحو طير أو طعام لتأكله كصائل برعاية الترتيب السابق
ولا تقتل ضارية ساكنة خلافا لجمع لإمكان التحرز عن شرها
____________________
(4/179)
باب الجهاد ( هو فرض كفاية كل عام ) ولو مرة
____________________
(4/180)
إذا كان الكفار ببلادهم ويتعين إذا دخلوا بلادنا كما يأتي وحكم فرض الكفاية أنه إذا فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عنه وعن الباقين
ويأثم كل من لا عذر له من المسلمين إن تركوه وإن جهلوا
وفروضها كثيرة ( كقيام بحجج دينية ) وهي البراهين على إثبات الصانع سبحانه وما يجب له من الصفات ويستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات وما ورد به الشرع من المعاد والحساب وغير ذلك
( وعلوم شرعية ) كتفسير وحديث وفقه زائد على ما لا بد منه وما يتعلق بها بحيث يصلح للقضاء والإفتاء
____________________
(4/181)
للحاجة إليهما ( ودفع ضرر معصوم ) من مسلم وذمي ومستأمن جائع لم يصل لحالة الإضطرار أو عار أو نحوهما
والمخاطب به كل موسر بما زاد على كفاية سنة له ولممونة عند احتلال بيت المال وعدم وفاء زكاة ( وأمر بمعروف ) أي واجبات الشرع والكف عن محرماته فشمل النهي عن منكر ي المحرم لكن محله في واجب أو حرام مجمع عليه أو في اعتقاد الفاعل والمخاطب به كل مكلف لم يخف على نحو عضو ومال وإن قل ولم يغلب على ظنه أن فاعله يزيد فيه عنادا
____________________
(4/182)
وإن علم عادة أنه لا يفيده بأن يغيره بكل طريق أمكنه من يد فلسان فاستغاثة بالغير فإن عجز أنكره بقلبه
وليس لأحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون
نعم إن أخبره ثقة بمن اختفى بمنكر لا يتدارك كالقتل والزنا لزمه ذلك
ولو توقف الإنكار على الرفع للسلطان لم يجب لما فيه من هتك حرمة وتغريم مال
قاله ابن القشيري
قال شيخنا وله احتمال بوجوبه إذا لم ينزجر إلا به
____________________
(4/183)
هو الأوجه وكلام الروضة وغيرها صريح فيه
انتهى
( وتحمل شهادة ) على أهل له حضر إليه المشهود عليه أو طلبه إن عذر بعذر جمعة ( وأدائها ) على من يحملها إن كان أكثر من نصاب وإلا فهو فرض عين ( وكإحياء كعبة ) بحج وعمرة كل عام وتشييع جنازة ( ورد سلام ) مسنون
____________________
(4/184)
( عن جمع ) أي إثنين فأكثر فيسقط الفرض عن الباقين ويختص بالثواب فإن ردوا كلهم ولو مرتبا أثيبوا ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة
ولو سلم جمع مرتبون على واحد فرد مرة قاصدا جميعهم وكذا لو أطلق على الأوجه أجزأه ما لم يحصل فصل ضار
ودخل في قولي مسنون سلام امرأة على امرأة أو نحو محرم أو سيد أو زوج وكذا على أجنبي وهي عجوز لا تشتهى
ويلزمها في هذه الصورة رد سلام الرجل
أما مشتهاة ليس معها امرأة أخرى فيحرم عليها رد سلام أجنبي ومثله ابتداؤه ويكره رد سلامها ومثله ابتداؤه أيضا
والفرق أن ردها وابتداءها يطمعه لطمعه فيها أكثر بخلاف ابتدائه ورده
قاله شيخنا
ولو سلم على جمع نسوة وجب رد إحداهن إذ لا يخشى فتنة حينئذ
وخرج بقولي عن جمع الواحد فالرد فرض عين عليه
____________________
(4/185)
ولو كان المسلم صبيا مميزا
ولا بد في الإبتداء والرد من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع المحقق ولو في ثقيل السمع
نعم إن مر عليه سريعا بحيث لم يبلغه صوته فالذي يظهر كما قاله شيخنا أنه يلزمه الرفع وسعيه دون العدو خلفه
ويجب اتصال الرد بالسلام كاتصال قبول البيع بإيجابه
ولا بأس بتقديم عليك في رد سلام الغائب لأن الفصل ليس بأجنبي
وحيث زالت الفورية فلا قضاء خلافا لما يوهمه كلام الروياني
ويجب في الرد على الأصم أن يجمع بين اللفظ والإشارة ولا يلزمه الرد إلا إن جمع له المسلم عليه بين اللفظ والإشارة ( وابتداؤه ) أي السلام عند إقباله أو انصرافه على مسلم غير نحو فاسق أو مبتدع حتى الصبي المميز وإن ظن عدم الرد ( سنة )
____________________
(4/186)
عينا للواحد وكفاية للجماعة كالتمسية للأكل لخبر أن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام
وأفتى القاضي بأن الإبتداء أفضل كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره وصيغة ابتدائه السلام عليكم أو سلام عليكم وكذا عليكم السلام أو سلام لكنه مكروه للنهي عنه ومع ذلك يجب الرد فيه بخلاف وعليكم السلام بالواو إذ لا يصلح للإبتداء والأفضل في الإبتداء والرد الإتيان بصيغة الجمع
____________________
(4/187)
حتى في الواحد لأجل الملائكة والتعظيم وزيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته
ولا يكفي الإفراد للجماعة ولو سلم كل على الآخر فإن ترتبا كان الثاني جوابا أي ما لم يقصد به الإبتداء وحده كما بحثه بعضهم وإلا لزم كلا الرد
فروع يسن إرسال السلام للغائب ويلزم الرسول التبيلغ لأنه أمانة ويجب أداؤها
ومحله ما إذا رضي بتحمل تلك الأمانة
أما لو ردها فلا وكذا إن سكت
وقال بعضهم يجب على الموصى به تبليغه ومحله كما قال شيخنا إن قبل الوصية بلفظ يدل على التحمل
____________________
(4/188)
ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ في الإرسال وبه أو بالكتابة فيها
ويندب الرد أيضا على المبلغ والبداءة به فيقول عليك وعليه السلام للخبر المشهور فيه
وحكى بعضهم ندب البداءة بالمرسل
ويحرم أن يبدأ به ذميا ويستثنيه وجوبا بقلبه إن كان مع مسلم
ويسن لمن دخل محلا خاليا أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
ولا يندب السلام على قاضي حاجة بول أو غائط أو جماع أو استنجاء ولا على شارب وآكل في فمه اللقمة
____________________
(4/189)
لشغله ولا على فاسق بل يسن تركه على مجاهر بفسقه ومرتكب ذنب عظيم لم يتب منه ومبتدع إلا لعذر أو خوف مفسدة ولا على مصل وساجد ومؤذن ومقيم وخطيب ومستمعه ولا رد عليهم إلا مستمع الخطيب فإنه يجب عليه ذلك بل يكره الرد لقاضي الحاجة والجامع والمستنجي ويسن للآكل وإن كانت اللقمة بفيه
نعم يسن السلام عليه بعد البلع وقبل وضع اللقمة بفيه ويلزمه الرد ويسن الرد لمن في الحمام وملب باللفظ ولمصل ومؤذن ومقيم بالإشارة وإلا فبعد الفراغ
____________________
(4/190)
أي إن قرب الفصل ولا يجب عليهم
ويسن عند التلاقي سلام صغير على كبير وماش على واقف وراكب عليهم وقليلين على كثيرين
فوائد وحتى الظهر مكروه
وقال كثيرون حرام
وأفتى النووي بكراهة الإنحناء بالرأس وتقبيل نحو رأس أو يد أو رجل لا سيما لنحو غني لحديث من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه
ويندب ذلك لنحو صلاح أو علم أو شرف لأن أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما
____________________
(4/191)
ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة من نحو صلاح أو علم أو ولادة أو ولاية مصحوبة بصيانة
قال ابن عبد السلام أو لمن يرجى خيره أو يخشى شره ولو كافرا خشي منه ضررا عظيما
ويحرم على الرجل أن يحب قيامهم له
ويسن تقبيل قادم من سفر ومعانقته للإتباع ( كتشميت عاطس ) بالغ ( حمد الله تعالى ) بيرحمك الله أو رحمكم الله وصغير مميز حمد الله بنحو أصلحك الله فإنه سنة على الكفاية إن سمع جماعة وسنة عين إن سمع واحد إذا حمد الله العاطس المميز عقب عطاسه بأن لم يتخلل بينهما فوق سكتة تنفس أوعى
____________________
(4/192)
فإنه يسن له أن يقول عقبه الحمد لله وأفضل منه الحمد لله رب العالمين وأفضل منه الحمد لله على كل حال
وخرج بقولي حمد الله من لم يحمده عقبه فلا يسن التشميت له
فإن شك قال يرحم الله من حمده
ويسن تذكيره الحمد وعند توالي العطاس يشمته لثلاث ثم يدعو له بالشفاء ويسر به المصلي ويحمد في نفسه إن كان مشغولا بنحو بول أو جماع ويشترط رفع بكل بحيث يسمعه صاحبه
ويسن للعاطس وضع شيء على وجهه وخفض صوته ما أمكنه وإجابة مشمته بنحو يهديكم الله ويصلح بالكم أو يغفر الله لكم
____________________
(4/193)
للأمر به ويسن للمتثائب رد التثاؤب طاقته وستر فيه ولو في الصلاة بيده اليسرى
ويسن إجابة الداعي بلبيك
( والجهاد ) فرض كفاية ( على ) كل مسلم ( مكلف ) أي بالغ عاقل لرفع القلم عن غيرهما ( ذكر ) لضعف المرأة عنه غالبا ( حر ) فلا يجب على ذي رق ولو مكاتبا ومبعضا وإن أذن له سيده لنقصه ( مستطيع له سلاح ) فلا يجب على غير مستطيع كأقطع وأعمى وفاقد معظم أصابع يده ومن به عرج بين أو مرض تعظم مشقته وكعادم مؤن ومركب في سفر قصر
____________________
(4/194)
فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه مؤنته كما في الحج ولا على من ليس له سلاح لأن عادم ذلك لا نصرة به ( وحرم ) على مدين موسر عليه دين حال لم يوكل من يقضي عنه من ماله الحاضر ( سفر ) لجهاد وغيره وإن قصر وإن لم يكن مخوفا أو كان لطلب علم رعاية لحق الغير ومن ثم جاء في مسلم القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين
( بلا إذن غريم ) أو ظن رضاه وهو من أهل الإذن
ولو كان الغريم ذميا أو كان بالدين رهن وثيق أو كفيل موسر
قال الأسنوي في المهمات أن سكوت رب الدين ليس بكاف في جواز السفر معتمدا في ذلك على ما فهم من كلام الشيخين هنا
وقال ابن الرفعة والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والقزويني لا بد في الحرمة من التصريح بالمنع ونقله القاضي إبراهيم بن ظهيرة ولا يحرم السفر بل ولا يمنع منه إن كان معسرا أو كان الدين مؤجلا وإن قرب حلوله بشرط وصوله لما يحل له فيه القصر وهو مؤجل ( و ) حرم السفر لجهاد وحج تطوع
____________________
(4/195)
بلا إذن ( أصل ) مسلم أب وأم وإن عليا ولو أذن من هو أقرب منه وكذا يحرم بلا إذن أصل سفر لم تغلب فيه السلامة لتجارة ( لا ) سفر ( لتعلم فرض ) ولو كفاية كطلب النحو ودرجة الفتوى فلا يحرم عليه وإن لم يأذن أصله ( وإن دخلوا ) أي الكفار ( بلدة لنا تعين ) الجهاد ( على أهلها ) أي يتعين على أهلها الدفع بما أمكنهم وللدفع مرتبتان
إحداهما أن يحتمل الحال اجتماعهم وتأهبهم للحرب فوجب الدفع على كل منهم بما يقدر عليه حتى على من لا يلزمه الجهاد نحو فقير وولد ومدين وعبد وامرأة فيها قوة بلا إذن ممن مر
ويغتفر ذلك لهذا الخطب العظيم الذي لا سبيل لإهماله
وثانيتهما أن يغشاهم الكفار ولا يتمكنون من اجتاع وتأهب فمن قصده كافر أو كفار
____________________
(4/196)
وعلم أنه يقتل إن أخذه فعليه أن يدفع عن نفسه بما أمكن وإن كان ممن لا جهاد عليه لإمتناع الإستسلام لكافر
فروع وإذا لم يمكن تأهب لقتال وجوز أسرا وقتلا فله قتال واستسلام إن علم أنه إن امتنع منه قتل وأمنت المرأة فاحشة إن أخذت وإلا تعين الجهاد فمن علم أو ظن أنه إن أخذ قتل عينا امتنع عليه الإستسلام كما مر آنفا
ولو أسروا مسلما يجب النهوض إليهم فورا على كل قادرر لخلاصه إن رجى
ولو قال لكافر أطلق أسيرك وعلي كذا فأطلقه لزمه ولا يرجع به على الأسير إلا إن أذن له في مفاداته فيرجع عليه وإن لم يشترط له الرجوع ( و ) تعين على ( من دون مسافة قصر منها ) أي من البلدة التي دخلوا فيها وإن كان في أهلهم كفاية لأنهم في حكمهم وكذا من كان على مسافة القصر إن لم يكف أهلها ومن يليهم فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد
( وحرم ) على من هو من أهل فرض الجهاد ( انصراف عن صف ) بعد التلاقي وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت قتل
____________________
(4/197)
لعده صلى الله عليه وسلم الفرار من الزحف من السبع الموبقات
ولو ذهب سلاحه وأمكن الرمي بالحجارة لم يجز له الإنصراف على تناقض فيه
وجزم بعضهم بأنه إذا غلب ظن الهلاك بالثبات من غير نكاية فيهم وجب الفرار ( إذا لم يزيدوا ) أي الكفار ( على مثلينا ) للآية
وحكمة وجوب مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيين الشهادة والفوز بالغنيمة مع الأجر والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط
أما إذا زادوا على المثلين كمائتين وواحد عن مائة فيجوز الإنصراف مطلقا
وحرم جمع مجتهدون الإنصراف مطلقا إذا بلغ المسلمون اثني عشر ألفا لخبر لن يغلب إثنا عشر ألفا من قلة وبه خصت الآية
ويجاب بأن المراد من الحديث أن الغالب على هذا العدد الظفر فلا تعرض فيه لحرمة فرار ولا لعدمها كما هو واضح وإنما يحرم الإنصراف إن قاومناهم إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة يستنجد بها على العدو
____________________
(4/198)
ولو بعيدة ( ويرق ذراري كفار ) وعبيدهم ولو مسلمين كاملين ( بأسر ) كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر أي يصيرون بنفس الأسر أرقاء لنا ويكونون كسائر أموال الغنيمة
ودخل في الذراري الصبيان والمجانين والنسوان ولا حد إن وطىء غانم أو أبوه أو سيده أمة في الغنيمة ولو قبل اختيار التملك لأن فيها شبهة ملك ويعزر عالم بالتحريم لا جاهل به إن عذر لقرب إسلامه أو بعد محله عن العلماء
فرع يحكم بإسلام غير بالغ ظاهرا وباطنا إما تبعا للسابي المسلم ولو شاركه كافر في سبيه وإما تبعا لأحد أصوله
____________________
(4/199)
وإن كان إسلامه قبل علوقه فلو أقر أحدهما بالكفر بعد البلوغ فهو مرتد من الآن ( ولإمام ) أو أمير ( خيار في ) أسير ( كامل ) ببلوغ وعقل وذكورة وحرية ( بين ) أربع خصال من ( قتل ) بضرب الرقبة لا غير ( ومن ) عليه بتخلية سبيله ( وفداء ) بأسرى منا أو مال فيخمس وجوبا أو بنحو سلاحا ويفادى سلاحهم بأسرانا على الأوجه لا بمال ( واسترقاق ) فيفعل الإمام أو نائبه وجوبا الأحظ للمسلمين
____________________
(4/200)
لاجتهاده ومن قتل أسيرا غير كامل لزمته قيمته أو كاملا قبل التخيير فيه عزر فقط ( وإسلام كافر ) كامل ( بعد أسر يعصم دمه ) من القتل لخبر الصحيحين أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ولم يذكر هنا وماله لأنه لا يعصمه
____________________
(4/201)
إذا اختار الإمام رقه ولا صغار أولاده للعلم بإسلامهم تبعا له وإن كانوا بدار الحرب أو أرقاء وإذا تبعوه في الإسلام وهم أحرار لم يرقوا لامتناع طرو الرق على من قارن إسلامه حريته
ومن ثم أجمعوا على أن الحر المسلم لا يسبى ولا يسترق أو أرقاء لم ينقص رقهم
ومن ثم لو ملك حربي صغيرا ثم حكم بإسلامه تبعا لأصله جاز سبيه واسترقاقه ويبقى الخيار في باقي الخصال السابقة من المن أو الفداء أو الرق
ومحل جواز المفاداة مع إرادة الإقامة في دار الكفر إن كان له ثم عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه ( و ) إسلامه ( قبله ) أي قبل أسر بوضع أيدينا عليه ( يعصم دما ) أي نفسا عن كل ما مر ( ومالا ) أي جميعه بدارنا أو دارهم وكذا فرعه الحر الصغير والمجنون عند السبي عن الإسترقاق لا زوجته
____________________
(4/202)
فإذا سبيت ولو بعد الدخول انقطع نكاحه حالا
وإذا سبي زوجان أو أحدهما انفسخ النكاح بينهما لما في خبر مسلم أنهم لما امتنعوا يوم أوطاس من وطء المسبيات المتزوجات نزل { والمحصنات } أي المتزوجات { من النساء إلا ما ملكت أيمانكم }
فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات
فرع لو ادعى أسير قد أرق إسلامه قبل أسره لم يقبل في الرق ويجعل مسلما من الآن ويثبت بشاهد وامرأتين ولو ادعى أسير أنه مسلم فإن أخذ من دارنا صدق بيمينه أو من دار الحرب فلا ( وإذا أرق ) الحربي ( وعليه دين ) لمسلم أو ذمي
____________________
(4/203)
( لم يسقط ) وسقط إن كان لحربي ولو اقترض حربي من حربي أو غيره أو اشترى منه شيئا ثم أسلما أو أحدهما يسقط لإلتزامه بعقد صحيح
ولو أتلف حربي على حربكي شيئا أو غصبه منه فأسلما أو أسلم المتلف فلا ضمان لأنه لم يلتزم شيئا بعقد حتى يستدام حكمه ولأن الحربي لو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه فأولى مال الحربي
فرع لو قهر حربي دائنه أو سيده أو زوجه ملكه ارتفع الدين والرق والنكاح وإن كان المقهور كاملا وكذا إن كان القاهر بعضا للمقهور ولكن ليس للقاهر بيع مقهوره البعض لعتقه عليه خلافا للسمهودي
مهمة قال شيخنا في شرح المنهاج قد كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والأرقاء المجلوبين
____________________
(4/204)
من الروم والهند
وحاصل معتمد مذهبنا فيهم أن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم يحل شراوه وسائر التصرفات فيه لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي فإنه لا يخمس عليه وهذا كثير لا نادر فإن تحقق أن آخذه مسلم بنحو سرقة أو اختلاس لم يجز شراوه إلا على الوجه الضعيف أنه لا يخمس عليه فقول جمع متقدمين ظاهر الكتاب والسنة والإجماع على منع وطء السراري المجلوبة من الروم والهند إلا أن ينصب من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغانم له المسلمون وإنه لم يسبق من أميرهم قبل الإغتنام من أخذ شيئا فهو له لجوازه عند الأئمة الثلاثة
وفي قول الشافعي بل زعم التاج الفزاري أنه لا يلزم الإمام قسمة الغنائم ولا تخميسها وله أن يحرم بعض الغانمين لكن رده المصنف وغيره بأنه مخالف للإجماع وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس ردها لمستحق علم وإلا فللقاضي كالمال الضائع أي الذي لم يقع اليأس من صاحبه وإلا كان ملك بيت المال فلمن له فيه حق الظفر به على المعتمد
____________________
(4/205)
ومن ثم كان المعتمد كما مر أن من وصل له شيء يستحقه منه حل له أخذه وإن ظلم الباقون
نعم الورع لمريد التسري أن يشتري ثانيا من وكيل بيت المال لأن الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة مالكها فيكون ملكا لبيت المال
انتهى
تتمة يعتق رقيق حربي إذا هرب ثم أسلم ولو بعد الهدنة أو أسلم ثم هرب قبلها وإن لم يهاجر إلينا لا عكسه بأن أسلم بعد هدنة ثم هرب فلا يعتق لكن لا يرد إلى سيده
____________________
(4/206)
فإن لم يعتقه باعه الإمام من مسلم أو دفع لسيده قيمته من مال المصالح وأعتقه عن المسلمين والولاء لهم وإن أتانا بعد الهدنة
وشرط رد من جاء منهم إلينا حر ذكر مكلف مسلما فإن لم تكن له ثم عشيرة تحميه لم يرد وإلا رد عليهم بطلبهم بالتخلية بينه وبين طالبه بلا إجبار على الرجوع مع طالبه
وكذا لا يرد صبي ومجنون وصفا الإسلام أم لا وامرأة وخنثى أسلمتا أي لا يجوز ردهم ولو لنحو الأب لضعفهم ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد دون الحر المرتد
____________________
(4/207)
باب القضاء بالمد أي الحكم بين الناس
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وقوله { فاحكم بينهم بالقسط } وأخبار كخبر الصحيحين إذا حكم حاكم أي أراد الحكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر
____________________
(4/208)
وفي رواية بدل الأولى فله عشرة أجور قال في شرح مسلم أجمع المسلمون على أن هذا في حاكم عالم مجتهد
أما غيره فآثم بجميع أحكامه وإن وافق الصواب لأن إصابته إتفاقية
وصح خبر القضاة ثلاثة قاض في الجنة وقاضيان في النار وفسر الأول بأنه عرف الحق وقضى به والأخيران بمن عرف وجار في الحكم ومن قضى على جهل
وما جاء في التحذير عنه كخبر من جعل قاضيا
____________________
(4/209)
فقد ذبح بغير سكين محمول على عظم الخطر فيه أو على من يكره له القضاء أو يحرم ( هو ) أي قبوله من متعددين صالحين له ( فرض كفاية ) في الناحية بل أسنى فروض الكفايات حتى قال الغزالي أنه أفضل من الجهاد فإن امتنع الصالحون له منه أثموا
أما تولية الإمام أو نائبه لأحدهم في إقليم ففرض عين عليه ثم على ذي شوكة
ولا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض
فرع لا بد من تولية من الإمام أو مأذونه ولو لمن تعين للقضاء فإن فقد الإمام فتولية أهل الحل والعقد في البلد أو بعضهم مع رضا الباقين ولو ولاه أهل جانب من البلد
____________________
(4/210)
صح فيه دون الآخر
ومن صريح التولية وليتك أو قلدتك القضاء
ومن كفايتها عولت واعتمدت عليك فيه
ويشترط القبول لفظا وكذا فورا في الحاضر
وعند بلوغ الخبر في غيره
وقال جمع محققون الشرط عدم الرد ومن تعين في ناحية لزمه قبوله وكذا طلبه ولو ببذل مال وإن خاف من نفسه الميل فإن لم يتعين فيها كره للمفضول القبول والطلب إن لم يمتنع الأفضل ويحرم طلبه بعزل صالح له ولو مفضولا ( وشرط قاض كونه أهلا للشهادات ) كلها بأن يكون مسلما مكلفا حرا ذكرا عدلا
____________________
(4/211)
سميعا ولو بالصياح بصيرا فلا يولي من ليس كذلك ولا أعمى وهو من يرى الشبح ولا يميز الصورة وإن قربت بخلاف من يميزها إذا قربت بحيث يعرفها ولو بتكلف ومزيد تأمل وإن عجز عن قراءة المكتوب
واختير صحة ولاية الأعمى ( كافيا ) للقيام بمنصب القضاء فلا يولى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض ( مجتهدا ) فلا يصح تولية جاهل ومقلد وإن حفظ مذهب إمامه لعجزه عن إدراك غوامضه
والمجتهد من يعرف بأحكام القرآن من العام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه
____________________
(4/212)
وبأحكام السنة من المتواتر وهو ما تعددت طرقه والآحاد وهو بخلافه والمتصل باتصال رواته إليه صلى الله عليه وسلم ويسمى المرفوع أو إلى الصحابي فقط ويسمى الموقوف
والمرسل وهو قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا أو بحال الرواة قوة وضعفا وما تواتر ناقلوه
وأجمع السلف على قبوله
لا يبحث عن عدالة ناقليه وله الإكتفاء بتعديل إمام عرف صحة مذهبه في الجرح والتعديل ويقدم عند التعارض الخاص على العام والمقيد على المطلق والنص على الظاهر والمحكم على المتشابه والناسخ والمتصل والقوي على مقابلها
____________________
(4/213)
ولا تنحصر الأحكام في خمسمائة آية ولا خمسمائة حديث خلافا لزاعمهما وبالقياس بأنواعه الثلاثة من الجلي وهو ما يقطع فيه بنفي الفارق كقياس ضرب الولد على تأفيفه أو المساوي وهو ما يبعد فيه إنتفاء الفارق كقياس إحراق مال اليتيم على أكله أو الأدون وهو ما لا يبعد فيه إنتفاء الفارق كقياس الذرة على البر في الربا بجامع الطعم وبلسان العرب لغة ونحوا وصرفا وبلاغة وبأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولو فيما يتكلم فيه فقط لئلا يخالفهم
قال ابن الصلاح إجتماع ذلك كله إنما هو شرط للمجتهد المطلق الذي يفتي في جميع أبواب الفقه أما مقيد لا يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه وليراع فيها ما يراعيه المطلق في قوانين الشرع فإنه مع المجتهد كالمجتهد مع نصوص الشرع ومن ثم
____________________
(4/214)
لم يكن له عدول عن نص إمامه كما لا يجوز الإجتهاد مع النص
انتهى
( فإن ولى سلطان ) ولو كافرا أو ( ذو شوكة ) غيره في بلد بأن انحصرت قوتها فيه ( غير أهل ) للقضاء كمقلد وجاهل وفاسق أي مع علمه بنحو فسقه وإلا بأن ظن عدالته مثلا ولو علم فسقه لم يوله فالظاهر كما جزم به شيخنا لا ينفذ حكمه وكذا لو زاد فسقه أو ارتكب مفسقا آخر على تردد فيه
انتهى
وجزم بعضهم بنفوذ توليته وإن ولاه غير عالم بفسقه وكعبد وامرأة وأعمى ( نفذ ) ما فعله من التولية وإن كان هناك مجتهد عدل على المعتمد فينفذ قضاء من ولاه للضروة ولئلا تتعطل مصالح الناس وإن نازع كثيرون فيما ذكر في الفاسق وأطالوا وصوبه الزركشي
قال شيخنا وما ذكر في المقلد محله إن كان ثم مجتهد
____________________
(4/215)
وإلا نفذت تولية المقلد ولو من غير ذي شوكة وكذا الفاسق
فإن كان هناك عدل أشترطت شوكة وإلا فلا كما يفيد ذلك قول ابن الرفعة الحق أنه إذا لم يكن ثم من يصلح للقضاء نفذت تولية غير الصالح قطعا والأوجه أن قاضي الضرورة يقضي بعلمه ويحفظ مال اليتيم ويكتب لقاض آخر خلافا للحضرمي وصرح جمع متأخرون بأن قاضي الضرورة يلزمه بيان مستنده في سائر أحكامه ولا يقبل قول حكمت بكذا من غير بيان مستنده فيه ولو طلب الخصم من القاضي الفاسق تبيين الشهود التي ثبت فيها الأمر لزم القاضي بيانهم وإلا لم ينفذ حكمه
فرع يندب للإمام إذا ولى قاضيا أن يأذن له في الإستخلاف وإن أطلق التولية إستخلف فيما لا يقدر عليه لا غيره في الأصح
( مهمة ) يحكم القاضي باجتهاده إن كان مجتهدا أو باجتهاد مقلده إن كان مقلدا
وقضية كلام الشيخين أن المقلد لا يحكم بغير مذهب مقلده
وقال الماوردي وغيره يجوز
وجمع ابن عبد السلام والأذرعي وغيرهما بحمل الأول على من لم ينته لرتبة الإجتهاد في مذهب إمامه وهو المقلد الصرف الذي لم يتأهل للنظر ولا للترجيح
____________________
(4/216)
والثاني على من له أهلية
لذلك
ونقل ابن الرفعة عن الأصحاب أن الحاكم المقلد إذا بان حكمه على خلاف نص مقلده نقض حكمه ووافقه النووي في الروضة والسبكي وقال الغزالي لا ينقض وتبعه الرافعي بحثا في موضع
وشيخنا في بعض كتبه
فائدة إذا تمسك العامي بمذهب لزمه موافقته وإلا لزمه التمذهب بمذهب معين من الأربعة لا غيرها ثم له
____________________
(4/217)
وإن عمل بالأول الإنتقال إلى غيره بالكلية أو في المسائل بشرط أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالأسهل منه فيفسق به على الأوجه
وفي الخادم عن بعض المحتاطين
الأولى لمن ابتلي بوسواس الأخذ بالأخف والرخص لئلا يزداد فيخرج عن الشرع ولضده الأخذ بالأثقل لئلا يخرج عن الإباحة
وأن لا يلفق بين قولين يتولد منهما حقيقة مركبة لا يقول بها كل منهما
وفي فتاوي شيخنا من قلد إماما في مسألة لزمه أن يجري على قضية مذهبه في تلك المسألة وجميع ما يتعلق بها فيلزم من انحرف عن عين الكعبة وصلى إلى جهتها مقلدا لأبي حنيفة مثلا أن يمسح في وضوئه من الرأس قدر الناصية وأن لا يسيل من بدنه بعد الوضوء دم وما أشبه ذلك وإلا كانت صلاته باطلة باتفاق المذهبين فليتفطن لذلك
انتهى
ووافقه العلامة عبد الله أبو مخرمة العدني وزاد فقال قد صرح بهذا الشرط الذي ذكرناه غير واحد من المحققين من أهل الأصول والفقه منهم ابن دقيق العيد والسبكي ونقله الأسنوي في التمهيد عن العراقي
قلت بل نقله الرافعي في العزيز عن القاضي حسين
انتهى
وقال شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى في فتاويه إن الذي فهمناه من أمثلتهم أن التركيب القادح إنما يمتنع إذا كان في قضية واحدة
____________________
(4/218)
فمن أمثلتهم
إذا توضأ ولمس تقليدا لأبي حنيفة واقتصد تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لإتفاق الإمامين على بطلان ذلك
وكذلك إذا توضأ ومس بلا شهوة تقليدا للإمام مالك ولم يدلك تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لإتفاق الإمامين على بطلان طهارته بخلاف ما إذا كان التركيب من قضيتين فالذي يظهر أن ذلك غير قادح في التقليد كما إذا توضأ ومسح بعض رأسه ثم صلى إلى الجهة تقليدا لأبي حنيفة فالذي يظهر صحة صلاته لأن الإمامين لم يتفقا على بطلان طهارته فإن الخلاف فيها بحاله لا يقال اتفقا على بطلان صلاته لأنا نقول هذا الإتفاق ينشأ من التركيب في قضيتين
والذي فهمناه أنه غير قادح في التقليد ومثله ما إذا قلد الإمام أحمد في أن العورة السوأتان وكأن ترك المضمضة والإستنشاق أو التسمية الذي يقول الإمام أحمد بوجوب ذلك فالذي يظهر صحة صلاته إذا قلده في قدر العورة لأنهما لم يتفقا على بطلان طهارته التي هي قضية واحدة ولا يقدح في ذلك إتفاقهما على بطلان صلاته فإنه تركيب من قضيتين وهو غير قادح في التقليد كما يفهمه تمثيلهم
وقد رأيت في فتاوي البلقيني ما يقتضي أن التركيب بين القضيتين غير قادح
انتهى
ملخصا
تتمة يلزم محتاجا إستفتاء عالم عدل عرف أهليته
____________________
(4/219)
ثم إن وجد مفتيين فإن اعتقد أحدهما أعلم تعين تقديمه
قال في الروضة ليس لمفت وعامل على مذهبنا في مسألة ذات وجهين أو قولين أن يعتمد أحدهما بلا نظر فيه فلا خلاف بل يبحث عن أرجحهما بنحو تأخره وإن كانا لواحد
انتهى
( ويجوز تحكيم اثنين ) ولو من غير خصومة كما في النكاح ( رجلا أهلا لقضاء ) أي من له أهلية القضاء المطلقة لا في خصوص تلك الواقعة فقط
خلافا لجمع متأخرين ولو مع وجود قاض أهل
____________________
(4/220)
خلافا للروضة
أما غير الأهل فلا يجوز تحكيمه أي مع وجود الأهل وإلا جاز ولو في النكاح وإن كان ثم مجتهد كما جزم به شيخنا في شرح المنهاج تبعا لشيخه زكريا
لكن الذي أفتاه أن المحكم العدل لا يزوج إلا مع فقد القاضي ولو غير أهل
ولا يجوز تحكيم غير العدل مطلقا ولا يفيد حكم المحكم إلا برضاهما به لفظا لا سكوتا فيعتبر رضا الزوجين معا في النكاح نعم يكفي سكوت البكر إذا استؤذنت في التحكيم ولا يجوز التحكيم مع غيبة الولي ولو إلى مسافة القصر إن كان ثم قاض خلافا لابن العماد لأنه ينوب عن الغائب بخلاف المحكم ويجوز له أن يحكم بعلمه على الأوجه
( وينعزل القاضي ) أي يحكم بانعزاله ببلوغ خبر العزل له ولو من عدل
____________________
(4/221)
( و ) ينعزل ( نائبه ) في عام أو خاص بأن يبلغه خبر عزل مستخلفه له أو الإمام لمستخلفه إن أذن له أن يستخلف عن نفسه أو أطلق ( لا ) حال كون النائب نائبا ( عن إمام ) في عام أو خاص بأن قال للقاضي إستخلف عني فلا ينعزل بذلك وإنما انعزل القاضي ونائبه ( بخبره ) أي ببلوغ خبر العزل المفهوم من ينعزل لا قبل بلوغه ذلك لعظم الضرر في نقض أقضيته لو انعزل بخلاف الوكيل فإنه ينعزل من حين العزل ولو قبل بلوغ خبره
ومن علم عزله لم ينفذ حكمه له إلا أن يرضى بحكمه فيما يجوز التحكيم فيه ( و ) ينعزل أيضا كل منهما بأحد أمور ( عزل نفسه ) كالوكيل ( وجنون ) وإغماء وإن قل زمنهما ( وفسق ) أي ينعزل بفسق
____________________
(4/222)
من لم يعلم موليه بفسقه الأصلي أو الزائد على ما كان حال توليته وإذا زالت هذه الأحوال لم تعد ولايته إلا بتولية جديدة في الأصح
ويجوز للإمام عزل قاض لم يتعين بظهور خلل لا يقتضي إنعزاله ككثرة الشكاوي فيه وبأفضل منه وبمصلحة كتسكين فتنة سواء أعزله بمثله أو بدونه وإن لم يكن شيء من ذلك لم يجز عزله لأنه عبث ولكن ينفذ العزل
أما إذا تعين بأن لم يكن ثم من يصلح غيره فيحرم على موليه عزله ولا ينفذ وكذا عزله لنفسه حينئذ بخلافه في غير هذه الحالة فينفذ عزله لنفسه وإن لم يعلم موليه ( ولا ينعزل قاض بموت إمام ) أعظم ولا بانعزاله لعظم شدة الضرر بتعطيل الحوادث وخرج بالإمام القاضي
____________________
(4/223)
فينعزل نوابه بموته ( ولا يقبل قول متول في غير محل ولايته ) وهو خارج عمله ( حكمت بكذا ) لأنه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا ينفذ إقراره به وأخذ الزركشي من ظاهر كلامهم أنه إذا ولي ببلد لم يتناول مزارعها وبساتينها فلو زوج وهو بأحدهما من هي بالبلد أو عكسه لم يصح قيل وفيه نظر قال شيخنا والنظر واضح بل الذي يتجه أنه إن علمت عادة بتبعية أو عدمها فذلك وإلا اتجه ما ذكره اقتصارا على ما نص له عليه وأفهم قول المنهاج أنه في غير محل ولايته كمعزول أن لا ينفذ منه فيه تصرف استباحه بالولاية كإيجار وقف نظره للقاضي وبيع مال يتيم وتقرير في وظيفة
قال شيخنا وهو ظاهر ( ك ) ما لا يقبل قول ( معزول ) بعد انعزاله ومحكم بعد مفارقة مجلس حكمه حكمت بكذا لأنه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا يقبل إقراره به ولا يقبل أيضا شهادة كل منهما
____________________
(4/224)
بحكمه لأنه يشهد بفعل نفسه إلا إن شهد بحكم حاكم ولا يعلم القاضي أنه حكمه فتقبل شهادته إن لم يكن فاسقا فإن علم القاضي أنه حكمه لم تقبل شهادته كما لو صرح به ويقبل قوله بمحل حكمه قبل عزله حكمت بكذا وإن قال بعلمي لقدرته على الإنشاء حينئذ حتى لو قال على سبيل الحكم نساء هذه القرية أي المحصورات طوالق من أزواجهن قبل إن كان مجتهدا ولو في مذهب إمامه ولا يجوز لقاض أن يتبع حكم قاض قبله صالح للقضاء ( وليسو القاضي
____________________
(4/225)
بين الخصمين ) وجوبا في إكرامهما وإن اختلفا شرفا وجواب سلامهما والنظر إليهما والإستماع للكلام وطلاقة الوجه والقيام فلا يخص أحدهما بشيء مما ذكر
ولو سلم أحدهما انتظر الآخر ويغتفر طول الفصل للضرورة أو قال له سلم ليجيبهما معا ولا يمزح معه وإن شرف بعلم أو حرية والأولى أن يجلسهما بين يديه
فرع لو ازدحم مدعون قدم الأسبق فالأسبق وجوبا كمفت ومدرس
____________________
(4/226)
فيقدمان وجوبا بسبق فإن استووا أو جهل سابق أقرع وقال شيخنا وظاهر أن طالب فرض العين مع ضيق الوقت يقدم كالمسافر
ويستحب كون مجلسه الذي يقضي فيه فسيحا بارزا
____________________
(4/227)
ويكره أن يتخذ المسجد مجلسا للحكم صونا له عن اللغط وارتفاع الأصوات
نعم إن اتفق عند جلوسه فيه قضية أو قضيتان فلا بأس بفصلها ( وحرم قبوله ) أي القاضي ( هدية من لا عادة له بها قبل ولاية ) أو كان له عادة بها لكنه زاد في القدر أو الوصف ( إن كان في محله ) أي محل ولايته ( و ) هدية ( من له خصومة ) عنده أو من أحس منه بأنه سيخاصم
____________________
(4/228)
وإن اعتادها قبل ولايته لأنها في الأخيرة تدعو إلى الميل إليه وفي الأولى سببها الولاية وقد صحت الأخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال ( وإلا ) بأن كان من عادته أنه يهدى إليه قبل الولاية ولو مرة فقط أو كان في غير محل ولايته أو لم يزد المهدي على عادته ولا خصومة له حاضرة ولا مترقبة جاز قبوله ولو جهزها له مع رسوله وليس له محاكمة ففي جواز قبوله وجهان رجح بعض شراح المنهاج الحرمة وعلم مما مر أنه لا يحرم عليه قبولها في غير عمله وإن كان المهدي من أهل عمله
____________________
(4/229)
ما لم يستشعر بأنها مقدمة لخصومة
ولو أهدى له بعد الحكم حرم القبول أيضا إن كان مجازاة له وإلا فلا
كذا أطلقه بعض شراح المنهاج
قال شيخنا ويتعين حمله على مهد معتاد أهدى إليه بعد الحكم وحيث حرم القبول أو الأخذ لم يملك ما أخذه فيرده لمالكه إن وجد وإلا فلبيت المال وكالهدية الهبة والضيافة وكذا الصدقة على الأوجه وجوز له السبكي في حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة وخصه في تفسيره بما إذا لم يعرف المتصدق أنه القاضي وبحث غيره القطع بحل أخذه الزكاة
قال شيخنا وينبغي تقييده بما ذكر
وتردد السبكي في الوقف عليه من أهل عمله والذي يتجه فيه وفي النذر أنه إن عينه باسمه وشرطنا القبول كان كالهدية له
____________________
(4/230)
ويصح إبراؤه عن دينه
إذ لا يشترط فيه قبول
ويكره للقاضي حضور الوليمة التي خص بها وحده وقال جمع يحرم أو مع جماعة آخرين ولم يعتد ذلك قبل الولاية بخلاف ما إذا لم يقصد بها خصوصا كما لو اتخذت للجيران أو العلماء وهو منهم أو لعموم الناس
قال في العباب يجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح إن لم يشترط وكذا القاضي حيث جاز له الحضور ولم يشترط ولا طلب
اه
وفيه نظر
تنبيه يجوز لمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين للقضاء
____________________
(4/231)
وكان عمله مما يقابل بأجرة أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق على ما قاله جمع وقال آخرون يحرم وهو الأحوط لكن الأول أقرب ( ونقض ) القاضي وجوبا ( حكما ) لنفسه أو غيره إن كان ذلك الحكم ( بخلاف نص ) كتاب أو سنة أو نص مقلده
____________________
(4/232)
أو قياس جلي وهو ما قطع فيه بإلحاق الفرع للأصل ( أو إجماع ) ومنه ما خالف شرط الواقف
قال السبكي وما خالف المذاهب الأربعة كالمخالف للإجماع ( أو بمرجوح ) من مذهبه فيظهر القاضي بطلان ما خالف ما ذكر وإن لم يرفع إليه بنحو نقضته أو أبطلته
تنبيه نقل العراقي وابن الصلاح الإجماع على أنه لا يجوز الحكم بخلاف الراجح في المذهب وصرح السبكي بذلك في مواضع من فتاويه وأطال وجعل ذلك من الحكم بخلاف ما أنزل الله لأن الله تعالى أوجب على المجتهدين أن يأخذوا بالراجح وأوجب على غيرهم تقليدهم فيما يجب عليهم العمل به
ونقل الجلال البلقيني عن والده أنه كان يفتي أن الحاكم إذا حكم بغير الصحيح من مذهبه نقض
وقال البرهان بن ظهيرة وقضيته والحالة هذه أنه لا فرق بين أن يعضده اختيار لبعض المتأخرين أو بحث
تنبيه ثان إعلم أن المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان كما جزم به النووي
____________________
(4/233)
فالرافعي فما رجحه الأكثر فالأعلم فالأورع
قال شيخنا هذا ما أطلق عليه محققو المتأخرين والذي أوصى باعتماده مشايخنا وقال السمهودي ما زال مشايخنا يوصوننا بالإفتاء بما عليه الشيخان وأن نعرض عن أكثر ما خولفا به
وقال شيخنا ابن زياد يجب علينا في الغالب ما رجحه الشيخان وإن نقل عن الأكثرين خلافه ( ولا يقضي ) القاضي أي لا يجوز له القضاء ( بخلاف علمه ) وإن قامت به بينة كما إذا شهدت برق أو نكاح أو ملك من يعلم حريته أو بينونتها أو عدم ملكه لأنه قاطع ببطلان الحكم به حينئذ والحكم بالباطل محرم ( ويقضي ) أي القاضي ولو قاضي ضرورة على الأوجه ( بعلمه ) إن شاء أي بظنه المؤكد الذي يجوز
____________________
(4/234)
له الشهادة مستندا إليه وإن استفاد قبل ولايته
نعم لا يقضي به في حدود أو تعزير لله تعالى كحد الزنا أو سرقة أو شرب لندب الستر في أسبابها
أما حدود الآدميين فيقضي فيها به سواء المال والقود وحد القذف
وإذا حكم بعلمه لا بد أن يصرح بمستنده فيقول علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمي
فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه كما قاله الماوردي وتبعوه
( ولا ) يقضي لنفسه ولا ( لبعض ) من أصله وفرعه ولا لشريكه في المشترك ويقضي لكل منهم غيره من إمام وقاض آخر ولو نائبا عنه دفعا للتهمة ( ولو رأى ) قاض وكذا شاهد
____________________
(4/235)
( ورقة فيها حكمه ) أو شهادته ( لم يعمل به ) في إمضاء حكم ولا أداء شهادة ( حتى يتذكر ) ما حكم أو شهد به لإمكان التزوير ومشابهة الخط ولا يكفي تذكره أن هذا خطه فقط
وفيهما وجه إن كان الحكم والشهادة مكتوبين في ورقة مصونة عندهما ووثق بأنه خطه ولم يداخله فيه ريبة أنه يعمل به ( وله ) أي الشخص ( حلف على استحقاق ) حق له على غيره أو أدائه لغيره ( إعتمادا ) على إخبار عدل و ( على خط ) نفسه على المتعمد وعلى خط مأذونه ووكيله
____________________
(4/236)
وشريكه و ( مورثه إن وثق بأمانته ) بأن علم منه أنه لا يتساهل في شيء من حقوق الناس إعتضادا بالقرينة
تنبيه والقضاء الحاصل على أصل كاذب ينفذ ظاهرا لا باطنا فلا يحل حراما ولا عكسه
فلو حكم بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا سواء المال والنكاح
أما المرتب على أصل صادق فينفذ القضاء فيه باطنا أيضا قطعا
وجاء في الخبر أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر
وفي شرح المنهاج لشيخنا ويلزم المرأة المحكوم عليها بنكاح كاذب
____________________
(4/237)
الهرب بل والقتل وإن قدرت عليه كالصائل على البضع ولا نظر لكونه يعتقد الإباحة فإن أكرهت فلا إثم ( والقضاء على غائب ) عن البلد وإن كان في غير عمله أو عن المجلس بتوار أو تعزز ( جائز ) في غير عقوبة الله تعالى ( إن كان لمدع حجة ولم يقل هو ) أي الغائب ( مقر ) بالحق بل ادعى جحوده وأنه يلزمه تسليمه له الآن وأنه مطالبه بذلك فإن قال هو مقر وأنا أقيم الحجة استظهارا مخافة أن ينكر أو ليكتب
____________________
(4/238)
بها القاضي إلى قاضي بلد الغائب لم تسمع حجته لتصريحه بالمنافي لسماعها إذ لا فائدة فيها مع الإقرار نعم لو كان للغائب مال حضر وأقام البينة على دينه لا ليكتب القاضي به إلى حاكم بلد الغائب بل ليوفيه منه فتسمع وإن قال هو مقر وتسمع أيضا إن أطلق ( ووجب ) إن كانت الدعوى بدين أو عين أو بصحة عقد أو إبراء كأن أحال الغائب على مدين له حاضر فادعى إبراءه ( تحليفه ) أي المدعي يمين الإستظهار إن لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا ( بعد ) إقامة ( بنية أن الحق ) في الصورة الأولى ثابت ( في ذمته ) إلى الآن احتياطا للمحكوم عليه لأنه لو حضر لربما ادعى بما يبرئه
ويشترط مع ذلك أن يقول أنه يلزمه تسليمه إلي وأنه لا يعلم في شهوده قادحا كفسق وعداوة
قال شيخنا في شرح المنهاج وظاهر كما قال البلقيني أن هذا لا يأتي
____________________
(4/239)
في الدعوى بعين بل يحلف فيها على ما يليق بها وكذا نحو الإبراء أما لو كان الغائب متواريا أو متعززا فيقضي عليهما بلا يمين لتقصيرهما قال بعضهم لو كان للغائب وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم يجب يمين ( كما لو ادعى ) شخص ( على ) نحو ( صبي ) لا ولي له ( وميت ) ليس له وارث خاص حاضر فإنه يحلف لما مر
أما لو كان لنحو الصبي ولي خاص أو للميت وارث خاص حاضر كامل إعتبر في وجوب التحليف طلبه فإن سكت عن طلبها لجهل عرفه الحاكم ثم إن لم يطلبها قضى عليه بدونها
فرع لو ادعى وكيل الغائب
____________________
(4/240)
على غائب أو نحو صبي أو ميت فلا تحليف بل يحكم بالبينة لأن الوكيل لا يتصور حلفه على استحقاقه ولا على أن موكله يستحقه ولو وقف الأمر إلى حضور الموكل لتعذر استيفاء الحقوق بالوكلاء
ولو حضر الغائب وقال للوكيل أبرأني موكلك أو وفيته فأخر الطلب إلى حضوره ليحلف لي أنه ما أبرأني لم يجب
وأمر بالتسليم له ثم يثبت الإبراء بعد إن كان له به حجة لأنه لو وقف لتعذر الإستيفاء بالوكلاء
نعم
له تحليف الوكيل إذا ادعى عليه علمه بنحو الإبراء أنه لا يعلم أن موكله أبرأه مثلا لصحة هذه الدعوى عليه ( وإذا ثبت ) عند حاكم ( مال على الغائب ) أو الميت وحكم به ( وله مال ) حاضر في عمله أو دين ثابت على حاضر في عمله ( قضاه ) الحاكم ( منه
____________________
(4/241)
إذا طلبه المدعي ) لأن الحاكم يقوم مقامه ولو باع قاض مال غائب في دينه فقدم وأبطل الدين بإثبات إيفائه أو بنحو فسق شاهد إسترد من الخصم ما أخذه وبطل البيع للدين على الأوجه خلافا للروياني ( وإلا ) يكن له مال في عمله ولم يحكم ( فإن سأل المدعي إنهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب أجابه ) وجوبا وإن كان المكتوب إليه قاضي ضرورة مسارعة بقضاء حقه ( فينهي إليه سماع بينته ) ثم إن عدلها لم يحتج المكتوب إليه إلى تعديلها وإلا احتاج إليه ليحكم بها ثم يستوفي الحق وخرج بها علمه فلا يكتب به لأنه شاهد الآن لا قاض
ذكره في العدة وخالفه السرخسي واعتمده البلقيني لأن علمه كقيام البينة وله على الأوجه أن يكتب سماع شاهد واحد
____________________
(4/242)
ليسمع المكتوب إليه شاهدا آخر أو يحلفه ويحكم له ( أو ) ينهي إليه ( حكما ) إن حكم ( ليستوفي ) الحق لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ( والإنهاء أن يشهد ) ذكرين ( عدلين بذلك ) أي بما جرى عنده من ثبوت أو حكم ولا يكفي غير رجلين ولو في مال أو هلال رمضان
ويستحب كتاب به يذكر فيه ما يتميز به المحكوم عليه من إسم أو نسب وأسماء الشهود وتاريخه
____________________
(4/243)
والإنهاء بالحكم من الحاكم يمضي مع قرب المسافة وبعدها وسماع البينة لا يقبل إلا فوق مسافة العدوى
إذ يسهل إحضارها مع القرب وهي التي يرجع منها مبكرا إلى محله ليلا فلو تعسر إحضار البينة مع القرب بنحو مرض قبل الإنهاء
فرع قال القاضي وأقره لو حضر الغريم وامتنع من بيع ماله الغائب لوفاء دينه به عند الطلب ساغ للقاضي بيعه لقضاء الدين وإن لم يكن المال بمحل ولايته وكذا إن غاب بمحل ولايته كما ذكره التاج السبكي والغزي وقالا بخلاف ما لو كان بغير محل ولايته لأنه لا يمكن نيابته عنه في وفاء الدين حينئذ
____________________
(4/244)
وحاصل كلامهما جواز البيع إذا كان هو أو ماله في محل ولايته ومنعه إذا خرجا عنها
مهمة لو غاب إنسان من غير وكيل وله مال حاضر فأنهى إلى الحاكم أنه إن لم يبعه اختل معظمه لزمه بيعه إن تعين طريقا لسلامته وقد صرح الأصحاب بأن القاضي إنما يتسلط على أموال الغائبين إذا أشرفت على الضياع أو مست الحاجة إليها في استيفاء حقوق ثبتت على الغائب وقالوا ثم في الضياع تفصيل فإن امتدت الغيبة وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع ساغ التصرف وليس من الضياع اختلال لا يؤدي لتلف المعظم ولم يكن ساريا لإمتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة والإختلال المؤدي لتلف المعظم ضياع نعم الحيوان يباع لمجرد تطرق اختلال إليه
____________________
(4/245)
لحرمة الروح ولأنه يباع على مالكه بحضرته إذا لم ينفق عليه ولو نهي عن التصرف في ماله امتنع إلا في الحيوان
فرع يحبس الحاكم الآبق إذا وجده انتظارا لسيده فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن
____________________
(4/246)
باب الدعوى والبينات الدعوى لغة الطلب وألفها للتأنيث وشرعا إخبار عن وجوب حق على غيره عند حاكم
وجمعها دعاوي بفتح الواو وكسرها كفتاوى
والبينة شهود سموا بها لأن بهم يتبين الحق وجمعوا لاختلاف أنواعهم
والأصل فيها خبر الصحيحين ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم لكن اليمين على المدعى عليه
وفي رواية البينة على المدعي واليمين على من أنكر ( المدعي من خالف قوله الظاهر ) وهو براءة الذمة
____________________
(4/247)
( والمدعى عليه من وافقه ) أي الظاهر
وشرطهما تكليف والتزام للأحكام فليس الحربي ملتزما للأحكام بخلاف الذمي
ثم إن كانت الدعوى قودا أو حد قذف أو تعزيرا وجب رفعها إلى القاضي ولا يجوز للمستحق الاستقلال باستيفائها لعظم الخطر فيها وكذا سائر العقود والفسوخ كالنكاح والرجعة وعيب النكاح
____________________
(4/248)
والبيع
واستثنى الماوردي من بعد عن السلطان فله استيفاء حد قذف أو تعزير ( وله ) أي للشخص ( بلا خوف فتنة ) عليه أو على غيره ( أخذ ماله ) إستقلالا للضرورة ( من ) مال مدين له مقر ( مماطل ) به أو جاحد له أو متوار أو متعزز وإن كان على الجاحد بينة أو رجا إقراره لو رفعه للقاضي لإذنه صلى الله عليه وسلم لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف ولأن في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة وإنما يجوز له الأخذ من جنس حقه ثم عند تعذر جنسه يأخذ غيره
ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد على غيره ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله يتملكه ويتصرف فيه بدلا عن حقه فإن كان
____________________
(4/249)
من غير جنسه فيبيعه الظافر بنفسه أو مأذونه للغير لا لنفسه إتفاقا ولا لمحجوره لإمتناع تولي الطرفين وللتهمة
هذا إن لم يتيسر علم القاضي به لعدم علمه ولا بينة أو مع أحدهما لكنه يحتاج لمؤنة ومشقة وإلا اشترط إذنه ولاببيعه إلا بنقد البلد ( ثم إن كان جنس حقه تملكه ) وإلا اشترط جنس حقه وملكه ولو كان المدين محجورا عليه بفلس أو ميتا وعليه دين لم يأخذ إذ قدر حصته بالمضاربة إن علمها وإلا احتاط وله الأخذ من مال غريم غريمه إن لم يظفر بمال الغريم وجحد غريم الغريم أو ماطل وإذا جاز الأخذ ظفرا جاز له كسر باب أو قفل ونقب جدار للمدين
____________________
(4/250)
إن تعين طريقا للوصول إلى الأخذ وإن كان معه بينة فلا يضمنه كالصائل وإن خاف فتنة أي مفسدة تفضي إلى محرم كأخذ ماله لو اطلع عليه وجب الرفع إلى القاضي أو نحوه لتمكنه من الخلاص به ولو كان الدين على غير ممتنع من الأداء طالبه ليؤدي ما عليه فلا يحل أخذ شيء له لأن له الدفع من أي ماله شاء فإن أخذ شيئا لزمه رده وضمنه إن تلف ما لم يوجد شرط التقاص
فرع له استيفاء دين له على آخر جاحد له بشهود دين آخر له عليه قضى من غير علمهم وله جحد من جحده إذا كان له على الجاحد مثل ماله عليه أو أكثر فيحصل التقاص للضرورة فإن كان له دون ما للآخر عليه جحد من حقه بقدره ( وشرط للدعوى ) أي لصحتها
____________________
(4/251)
حتى تسمع وتحوج إلى جواب ( بنقد ) خالص أو مغشوش ( أو دين ) مثلي أو متقوم ( ذكر جنس ) من ذهب أو فضة ( ونوع ) وصحة وتكسر إن اختلف بهما غرض ( وقدر ) كمائة درهم فضة خالصة أو مغشوشة أشرفية أطالبه بها الآن لأن شرط الدعوى أن تكون معلومة وما علم وزنه كالدينار لا يشترط التعرض لوزنه ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش ولا تسمع دعوى دائن مفلس ثبت فلسه
____________________
(4/252)
أنه وجد مالا حتى يبين سببه كإرث واكتساب وقدره ( و ) في الدعوى ( بعين ) تنضبط بالصفات كحبوب وحيوان ذكر ( صفة ) بأن يصفها المدعي بصفات سلم ولا يجب ذكر القيمة فإن تلفت العين وهي متقومة وجب ذكر القيمة مع الجنس كعبد قيمته كذا ( و ) في الدعوى ( بعقار ) ذكر ( جهة ) ومحلة ( وحدود ) أربعة فلا يكفي ذكر ثلاثة منها إذا لم يعلم إلا بأربعة فإن علم بواحد منها كفى بل لو أغنت شهرته عن تحديده لم يجب ( و ) في الدعوى ( بنكاح ) على امرأة
____________________
(4/253)
ذكر صحته وشروطه من نحو ( ولي وشاهدين عدول ) ورضاها إن شرط بأن كانت غير مجبرة فلا يكفي فيه الإطلاق فإن كانت الزوجة أمة وجب ذكر العجز عن مهر حرة وخوف العنت وأنه ليس تحته حرة ( و ) في الدعوى ( بعقد مالي ) كبيع وهبة ذكر صحته ولا يحتاج إلى تفصيل كما في النكاح لأنه أحوط حكما منه ( وتلغو ) الدعوى ( بتناقض ) فلا يطلب من المدعى عليه جوابها ( كشهادة خالفت ) الدعوى كأن ادعى ملكا بسبب فذكر الشاهد سببا آخر فلا تسمع لمنافاتها الدعوى وقضيته أنه لو أعادها على وفق الدعوى قبلت وبه صرح الحضرمي واقتضاه كلام غيره ولا تبطل الدعوى بقوله شهودي
____________________
(4/254)
فسقة أو مبطلون فله إقامة بينة أخرى والحلف ( ومن قامت عليه بينة ) بحق ( ليس له تحليف المدعي ) على استحقاق ما ادعاه بحق لأنه تكليف حجة بعد حجة فهو كالطعن في الشهود نعم له تحليف المدين مع البينة بإعساره لجواز أن له مالا باطنا ولو ادعى خصمه مسقطا له كأداء له أو إبراء منه أو شرائه منه فيحلف على نفي ما ادعاه الخصم لاحتمال ما يدعيه وكذا لو ادعى خصمه عليه علمه بفسق شاهده
____________________
(4/255)
أو كذبه ولا يتوجه حلف على شاهد أو قاض ادعى كذبه قطعا لأنه يؤدي إلى فساد عام
ولو نكل عن هذه اليمين حلف المدعى عليه وبطلت الشهادة ( وإذا ) طلب الإمهال من قامت عليه البينة ( أمهله ) القاضي وجوبا لكن بكفيل وإلا فبالترسيم عليه إن خيف هربه ( ثلاثة ) من الأيام ( ليأتي بدافع ) من نحو أداء أو إبراء ومكن من سفره ليحضره إن لم تزد المدة على الثلاث لأنها لا يعظم الضرر فيها ( ولو ادعى رق بالغ ) عاقل مجهول النسب ( فقال أنا حر أصالة )
____________________
(4/256)
ولم يكن قد أقر له بالملك قبل وهو رشيد ( حلف ) فيصدق بيمينه وإن استخدمه قبل إنكاره وجرى عليه البيع مرارا أو تداولته الأيدي لموافقته الأصل وهو الحرية ومن ثم قدمت بينة الرق على بينة الحرية لأن الأولى معها زيادة علم بنقلها عن الأصل وخرج بقولي أصالة ما لو قال أعتقتني أو أعتقني من باعني لك فلا يصدق إلا ببينة وإذا ثبتت حريته الأصلية بقوله رجع مشتريه على بائعه بثمنه وإن أقر له بالملك لأنه بناه على ظاهر اليد ( أو ) ادعى رق ( صبي ) أو مجنون كبير ( ليس في يده ) وكذبه صاحب اليد ( لم يصدق إلا بحجة ) من بينة أو علم قاض أو يمين مردودة
____________________
(4/257)
لأن الأصل عدم الملك
فلو كان الصبي بيده أو بيد غيره وصدقه صاحب اليد حلف لخطر شأن لحرية ما لم يعرف لقطه ولا أثر لإنكاره إذا بلغ لأن اليد حجة فإن عرف لقطه لم يصدق إلا ببينة
فرع لا تسمع الدعوى بدين مؤجل إذ لم يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال ويسمع قول البائع المبيع وقف وكذا ببينة
إن لم يصرح حال البيع بملكه وإلا سمعت دعواه لتحليف المشتري أنه باعه وهو ملكه
فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به ( إذا أقر المدعى عليه
____________________
(4/258)
ثبت الحق ) بلا حكم ( وإن سكت عن الجواب أمره القاضي به ) وإن لم يسأل المدعي ( فإن سكت فكمنكر ) فتعرض عليه اليمين ( فإن سكت ) أيضا ولم يظهر سببه ( فناكل ) فيحلف المدعي وإن أنكر اشترط إنكار ما ادعى عليه وأجزائه إن تجزأ ( فإن ادعى ) عليه ( عشرة ) مثلا ( لم يكف ) في الجواب ( لا تلزمني ) العشرة ( حتى يقول ولا بعضها وكذا يحلف ) إن توجهت اليمين عليه لأن مدعيها مدع لكل جزء منها فلا بد أن يطابق الإنكار واليمين دعواه فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه فناكل عما دونها فيحلف المدعي على استحقاق ما دون العشرة ويأخذه لأن النكول عن اليمين كالإقرار ( أو ) ادعى ( مالا ) مضافا لسبب كأقرضتك كذا ( كفاه ) في الجواب ( لا تستحق ) أنت
____________________
(4/259)
( علي شيئا ) أو لا يلزمني تسليم شيء إليك ولو اعترف به وادعى مسقطا طولب بالبينة
ولو ادعى عليه وديعة فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم بل لا تستحق علي شيئا ويحلف كما أجاب ليطابق الحلف الجواب
ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطى المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار وله تحليفه
فرع لو ادعى عليه عينا فقال ليست لي أو هي لرجل لا أعرفه أو لإبني الطفل أو وقف على الفقراء أو مسجد
____________________
(4/260)
كذا وهو ناظر فيه فالأصح أنه لا تنصرف الخصومة عنه ولا تنزع العين منه بل يحلفه المدعي أنه لا يلزمه التسليم للعين رجاء أن يقر أو ينكل فيحلف المدعي وتثبت له العين في الأولين والبدل للحيلولة في البقية أو يقيم المدعي بينة أنها له
ولو أصر المدعى عليه على سكوت عن جواب للدعوى فناكل إن حكم القاضي بنكوله ( وإذا ادعيا ) أي إثنان أي كل منهما ( شيئا في يد ثالث ) لم يسنده إلى أحدهما قبل البينة ولا بعدها ( وأقاما ) أي كل منهما ( بينة ) به ( سقطتا ) لتعارضهما ولا مرجح فكان كما لا بينة
____________________
(4/261)
فإن أقر ذو اليد لأحدهما قبل البينة أو بعدها رجحت بينته ( أو ) ادعيا شيئا ( بيدهما ) وأقاما بينتين ( فهو لهما ) إذ ليس أحدهما أولى به من الآخر أما إذا لم يكن بيد أحد وشهدت بينة كل له بالكل فيجعل بينهما
ومحل التساقط إذا وقع تعارض حيث لم يتميز أحدهما بمرجح وإلا قدم وهو بيان نقل الملك ثم اليد فيه للمدعي أو لمن أقر له به أو انتقل له منه ثم شاهدان مثلا على شاهد ويمين ثم سبق ملك أحدهما بذكر زمن أو بيان أنه ولد في ملكه مثلا
____________________
(4/262)
ثم بذكر سبب الملك ( أو ) ادعيا شيئا ( بيد أحدهما ) تصرفا أو إمساكا ( قدمت بينته ) من غير يمين وإن تأخر تاريخها أو كانت شاهدا ويمينا وبينة الخارج شاهدين أو لم تبين سبب الملك من شراء وغيره ترجيحا لبينة صاحب اليد بيده ويسمى الداخل وإن حكم بالأولى قبل قيام الثانية أو بينت بينة الخارج سبب ملكه
نعم لو شهدت بينة الخارج بأنه أشتراه منه أو من بائعه مثلا قدمت لبطلان اليد حينئذ ولو أقام الخارج بينة بأن الداخل أقر له بالملك قدمت ولم تنفعه بينته بالملك
____________________
(4/263)
إلا إن ذكرت إنتقالا ممكنا من المقر له إليه ( هذا إن أقامها بعد بينة الخارج ) بخلاف ما لو أقامها قبلها لأنها إنما تسمع بعدها لأن الأصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية
فروع لو أزيلت يده ببينة ثم أقام بينة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبة شهوده أو جهله بهم سمعت وقدمت إذ لم تزل إلا لعدم الحجة وقد ظهرت فينقض القضاء لكن لو قال الخارج هو ملكي اشتريته منك فقال الداخل بل هو ملكي وأقاما بينتين بما قالا قدم الخارج لزيادة علم بينته بانتقال الملك وكذا قدمت بينته لو شهدت أنه ملكه وإنما أودعه
____________________
(4/264)
أو آجره أو أعاره للداخل أو أنه أو بائعه غصبه منه وأطلقت بينة الداخل
ولو تداعيا دابة أو أرضا أو دارا لأحدهما متاع فيها أو الحمل أو الزرع قدمت بينته على البينة الشاهدة بالملك المطلق لإنفراده بالإنتفاع فاليد له فإن اختص المتاع ببيت فاليد له فيه فقط
ولو اختلف الزوجان في أمتعة البيت ولو بعد الفرقة ولا بينة ولا اختصاص لأحدهما بيد فلكل تحليف الآخر فإذا حلفا جعل بينهما وإن صلح لأحدهما فقط أو حلف أحدهما قضى له كما لو اختص باليد وحلف
____________________
(4/265)
( وترجح ) البينة ( بتاريخ سابق ) فلو شهدت البينة لأحد المتنازعين في عين بيدهما أو يد ثالث أو لا بيد أحد بملك من سنة إلى الآن وشهدت بينة أخرى للآخر بملك لها من أكثر من سنة إلى الآن كسنتين فترجع بينة ذي الأكثر لأنها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الأخرى ولصاحب التاريخ السابق أجرة وزيادة حادثة من يوم ملكه بالشهادة لأنها فوائد ملكه وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ يد لم يعلم أنها عادية قدمت على الأصح
ولو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة قدمت بينة الخارج لأنها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد ما زال ملكه عنه ولو اتحد تاريخهما أو أطلقتا أو إحداهما قدم ذو اليد ولو شهدت بينة بملك أمس ولم تتعرض للحال لم تسمع
____________________
(4/266)
كما لا تسمع دعواه بذلك حتى نقول ولم يزل ملكه أو لا نعلم له مزيلا أو تبين سببه كأن تقول اشتراها من خصمه أو أقر له به أمس لأن دعوى الملك السابق لا تسمع فكذا البينة
ولو قال من بيده عين اشتريتها من فلان من منذ شهر وأقام به بينة فقالت زوجة البائع منه هي ملكي تعوضتها منه من منذ شهرين وأقامت به بينة فإن ثبت أنها بيد الزوج حال التعويض حكم بها لها وإلا بقيت بيد من هي بيده الآن ( و ) ترجح ( بشاهدين ) وشاهد وامرأتين وأربع نسوة فيما يقبلن فيه ( على شاهد مع يمين ) للإجماع على قبول من ذكر دون الشاهد واليمين ( لا ) ترجح ( بزيادة ) نحو عدالة أو عدد ( شهود ) بل تتعارضان
____________________
(4/267)
لأن ما قدره الشرع لا يختلف بالزيادة والنقص ولا برجلين على رجل وامرأتين ولا على أربع نسوة ( ولا ) بينة ( مؤرخة على ) بينة ( مطلقة ) لم تتعرض لزمن الملك حيث لا يد لأحدهما واستويا في أن لكل شاهدين ولم تبين الثانية سبب الملك فتتعارضان
نعم لو شهدت إحداهما بدين والأخرى بالإبراء رجحت بينة الإبراء لأنها إنما تكون بعد الوجوب
والأصل عدم تعدد الدين ولو شهدت بينة بألف وبينة بألفين يجب ألفان ولو أثبت إقرار زيد له بدين فأثبت زيد إقراره بأنه لا شيء له عليه لم يؤثر لإحتمال حدوث الدين بعد
فروع لو أقام بينة بملك دابة أو شجرة من غير تعرض بملك سابق بتاريخ لم يستحق ثمرة ظاهرة ولا ولدا منفصلا عند الشهادة ويستحق الحمل والثمر غير الظاهر عندها
____________________
(4/268)
تبعا للأم والأصل فإذا تعرضت لملك سابق على حدوث ما ذكر فيستحقه ولو اشترى شيئا فأخذ منه بحجة غير إقرار رجع على بائعه الذي لم يصدقه ولا أقام بينة بأنه اشتراه من المدعي ولو بعد الحكم به بالثمن بخلاف ما لو أخذ منه بإقراره أو بحلف المدعي بعد نكوله لأنه المقصر ولو اشترى قنا وأقر بأنه قن ثم ادعى بحرية الأصل وحكم له بها رجع بثمنه على بائعه ولم يضر اعترافه برقه لأنه معتمد فيه على الظاهر
ولو ادعى شراء عين فشهدت بينة بملك مطلق قبلت لأنها شهدت بالمقصود ولا تناقض على الأصح
____________________
(4/269)
وكذا لو ادعى ملكا مطلقا فشهدت له به مع سببه لم يضر وإن ذكر سببا وهم سببا آخر ضر ذلك للتناقض بين الدعوى والشهادة
فرع لو باع دارا ثم قامت بينة حسبة أن أباه وقفها عليه ثم على أولاده انتزعت من المشتري ورجع بثمنه على البائع ويصرف له ما حصل في حياته من الغلة إن صدق البائع الشهود وإلا وقفت فإن مات مصرا صرفت لأقرب الناس إلى الواقف
قاله الرافعي كالقفال
فرع تجوز الشهادة بل تجب إن انحصر الأمر فيه بملك الآن للعين المدعاة استصحابا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما إعتمادا علي الإستصحاب لأن الأصل البقاء وللحاجة لذلك وإلا لتعسرت الشهادة على الأملاك السابقة إذا تطاول الزمن ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الإستصحاب
____________________
(4/270)
وإلا لم تسمع عند الأكثرين ( ولو ادعيا ) أي كل من اثنين ( شيئا بيد ثالث ) فإن أقر به لأحدهما سلم إليه وللآخر تحليفه ( و ) إن ادعيا شيئا على ثالث و ( أقام كل ) منهما ( بينة أنه اشتراه ) منه وسلم ثمنه ( فإن اختلف تاريخهما حكم للأسبق ) منهما تاريخا لأن معها زيادة علم ( وإلا ) يختلف تاريخهما بأن أطلقتا أو إحداهما أو أرختا بتاريخ متحد ( سقطتا ) لإستحالة أعمالهما ثم إن أقر لهما أو لأحدهما فواضح وإلا حلف لكل يمينا ويرجعان عليه بالثمن لثبوته بالبينة ولو قال كل منهما والمبيع في يد المدعى عليه بعتكه بكذا وهو ملكي وإلا لم تسمع الدعوى فأنكر وأقاما بينتن بما قالاه وطلباه بالثمن فإن اتحد تاريخهما سقطتا وإن اختلف لزمه الثمنان
ولو قال أجرتك البيت بعشرة مثلا فقال بل أجرتني جميع الدار بعشرة
____________________
(4/271)
وأقاما بينتين تساقطتا فيتحالفان ثم يفسخ العقد
تنبيه لا يكفي في الدعوى كالشهادة ذكر الشراء إلا مع ذكر ملك البائع إذا كان غير ذي يد أو مع ذكر يده إذا كانت اليد له ونزعت منه تعديا ( ولو ادعوا ) أي الورثة كلهم أو بعضهم ( مالا ) عينا أو دينا أو منفعة ( لمورثهم ) الذي مات ( وأقاموا شاهدا ) بالمال ( وحلف ) معه بعضهم على استحقاق مورثه الكل ( أخذ نصيبه ولا يشارك فيه ) من جهة البقية لأن الحجة تمت في حقه وحده وغيره قادر عليها بالحلف وأن يمين الإنسان لا يعطى بها غيره فلو كان بعض الورثة صبيا أو غائبا حلف إذا بلغ أو حضر وأخذ نصيبه بلا إعادة دعوى وشهادة ولو أقر بدين لميت فأخذ بعض ورثته قدر حصته ولو بغير دعوى ولا إذن من حاكم فللبقية مشاركته ولو أخذ أحد شركائه في دار أو منفعتها ما يخصه من أجرتها لم يشاركه فيه بقية الورثة كما قاله شيخنا
____________________
(4/272)
فصل في الشهادات جمع شهادة
وهي إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ خاص
( الشهادة لرمضان ) أي لثبوته بالنسبة للصوم فقط
( رجل ) واحد لا امرأة وخنثى ( ولزنا ) ولواط ( أربعة ) من الرجال يشهدون أنهم رأوه أدخل ملكفا مختارا حشفته في فرجها بالزنا
قال شيخنا والذي يتجه أنه
____________________
(4/273)
لا يشترط ذكر زمان ومكان إلا ن ذكره أحدهم فيجب سؤال الباقين لإحتمال وقوع تناقض يسقط الشهادة ولا ذكر رأينا كالمرود في المكحلة بل يسن ويكفي للإقرار به إثنان كغيره ( ولمال ) عينا كان أو دينا أو منفعة ( وما قصد به مال ) من عقد مالي أو حق مالي ( كبيع ) وحوالة وضمان ووقف وقرض وإبراء ( ورهن ) وصلح وخيار وأجل ( رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين ) ولا يثبت شيء بامرأتين ويمين ( ولغير ذلك ) أي ما ليس بمال ولا يقصد منه مال من عقوبة لله تعالى كحد شرب وسرقة أو لآدمي كقود وحد قدف ومنع إرث
____________________
(4/274)
بأن ادعى بقية الورثة على الزوجة أن الزوج خالعها حتى لا ترث منه ( ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح ) ورجعة ( وطلاق ) منجز أو معلق وفسخ نكاح وبلوغ ( وعتق ) وموت وإعسار وقراض ووكالة وكفالة وشركة ووديعة ووصاية وردة وانقضاء عدة بأشهر ورؤية هلال غير رمضان وشهادة على شهادة وإقرار بما لا يثبت إلا برجلين ( رجلان ) لا رجل وامرأتان لما روى مالك عن الزهري مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق
____________________
(4/275)
وقيس بالمذكورات غيرها مما يشاركها في المعنى ( ولما يظهر للنساء ) غالبا ( كولادة وحيض ) وبكارة وثيابة ورضاع وعيب امرأة تحت ثيابها ( أربع ) من النساء ( أو رجلان أو رجل وامرأتان ) لما روى ابن أبي شيبة عن الزهري مضت السنة بأنه يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادة النساء وعيوبهن وقيس بذلك غيره ولا يثبت ذلك برجل ويمين
( وسئل ) بعض أصحابنا عما إذا شهد رجلان أن فلانا بلغ عمره ست عشرة سنة فشهدت أربع نسوة أن فلانة يتيمة ولدت شهر مولده أو قبله
____________________
(4/276)
أو بعده بشهر مثلا فهل يجوز تزويجها إعتمادا على قولهن أو لا يجوز إلا بعد ثبوت بلوغ نفسها برجلين
( فأجاب ) نفعنا الله به نعم يثبت ضمنا بلوغ من شهدن بولادتها كما يثبت النسب ضمنا بشهادة النساء بالولادة فيجوز تزويجها بإذنها للحكم ببلوغها شرعا
اه
فرع لو أقامت شاهدا بإقرار زوجها بالدخول كفى حلفها معه ويثبت المهر أو أقامه هو على إقرارها به لم يكف الحلف معه لأن قصده ثبوت العدة والرجعة وليسا بمال ( وشرط في شاهد تكليف وحرية ومروءة وعدالة ) وتيقظ فلا تقبل من صبي ومجنون ولا ممن به رق لنقصه ولا من غير ذي مروءة لأنه لا حياء له ومن لا حياء له يقول ما شاء وهي توقى الأدناس عرفا
____________________
(4/277)
فيسقطها الأكل والشرب في السوق والمشي فيه كاشفا رأسه أو بدنه لغير سوقي وقبلة الحلية بحضرة الناس وإكثار ما يضحك بينهم أو لعب شطرنج أو رقص بخلاف قليل الثلاثة ولا من فاسق واختار جمع منهم الأذرعي والغزي وآخرون قول بعض المالكية إذا فقدت العدالة وعم الفسق قضى الحاكم بشهادة الأمثل فالأمثل للضرورة والعدالة تتحقق ( باجتناب ) كل ( كبيرة ) من أنواع الكبائر كالقتل والزنا والقذف به وأكل
____________________
(4/278)
الربا ومال اليتيم واليمين الغموس وشهادة الزور وبخس الكيل أو الوزن وقطع الرحم والفرار من الزحف بلا عذر وعقوق الوالدين وغصب قدر ربع دينار وتفويت مكتوبة
____________________
(4/279)
وتأخير زكاة عدوانا ونميمة وغيرها من كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة ( و ) اجتناب ( إصرار على صغيرة ) أو صغائر بأن لا تغلب طاعاته صغائره
____________________
(4/280)
فمتى ارتكب كبيرة بطلت عدالته مطلقا
أو صغيرة أو صغائر داوم عليها أولا خلافا لمن فرق
فإن غلبت طاعته صغائره فهو عدل ومتى استويا أو غلبت صغائره طاعاته فهو فاسق
والصغيرة كنظر الأجنبية ولمسها ووطء رجعية وهجر المسلم فوق ثلاث وبيع خمر
____________________
(4/281)
ولبس رجل ثوب حرير وكذب لا حد فيه ولعن ولو لبهيمة أو كافر وبيع معيب لا ذكر عيب وبيع رقيق مسلم لكافر ومحاذاة قاضي الحاجة الكعبة بفرجه
____________________
(4/282)
وكشف العورة في الخلوة عبثا ولعب بنرد لحصة النهي عنه وغيبة وسكوت عليها
ونقل بعضهم الإجماع على أنها كبيرة لما فيها من الوعيد الشديد محمول على غيبة أهل العلم وحملة القرآن لعموم البلوى بها وهي
____________________
(4/283)
ذكرك ولو نحو إشارة غيرك المحصور المعين ولو عند بعض المخاطبين بما يكره
____________________
(4/284)
عرفا
واللعب بالشطرنج بكسر أوله وفتحه معجما ومهملا مكروه إن لم يكن فيه شرط مال من الجانبين أو أحدهما أو تفويت صلاة ولو بنسيان بالاشتغال به أو لعب مع معتقد تحريمه وإلا فحرام ويحمل ما جاء في ذمه من الأحاديث والآثار على ما ذكر وتسقط مروءة من يداومه فترد
____________________
(4/285)
شهادته وهو حرام عند الأئمة الثلاثة مطلقا
ولا تقبل الشهادة من مغفل ومختل نظر ولا أصم في مسموع ولا أعمى في مبصر كما يأتي
ومن التيقظ ضبط ألفاظ المشهود عليه بحروفها من غير زيادة فيها ولا نقص
قال شيخنا ومن ثم لا تجوز الشهادة بالمعنى
نعم لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إبهام ( و ) شرط في الشاهد أيضا ( عدم تهمة ) بجر نفع إليه أو إلى من لا تقبل شهادته له أو دفع ضر عنه بها ( فترد ) الشهادة ( لرقيقه ) ولو مكاتبا ولغريم له مات
____________________
(4/286)
وإن لم تسغرق تركته الديون بخلاف شهادته لغريمه الموسر وكذا المعسر قبل موته فتقبل لهما ( و ) ترد ( لبعضه ) من أصل وإن علا أو فرع له وإن سفل
( لا ) ترد الشهادة ( عليه ) أي لا على أحدهما بشيء إذ لا تهمة
ولا على أبيه بطلاق ضرة أمه طلاقا بائنا وأمه تحته أما رجعي فتقبل قطعا
هذا كله في شهادة حسبة أو بعد دعوى الضرة
فإن ادعاه الأب لعدم نفقة لم تقبل شهادته للتهمة وكذا لو ادعته أمه
قال ابن الصلاح لو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله فأنكر فشهد به أبو الوكيل قبل وإن كان فيه تصديق ابنه
وتقبل شهادة كل من الزوجين والأخوين والصديقين للآخر
____________________
(4/287)
( و ) ترد الشهادة ( بما هو محل تصرفه ) كأن وكل أو أوصى فيه لأنه يثبت بشهادته ولاية له على المشهود به نعم لو شهد به بعد عزله ولم يكن خاصم قبله قبلت وكذا لا تقبل شهادة وديع لمودعه ومرتهن لراهنه لتهمة بقاء يدهما
أما ما ليس وكيلا أو وصيا فيه فتقبل
ومن حيل شهادة الوكيل ما لو باع فأنكر المشتري الثمنن أو اشترى فادعى أجنبي بالمبيع فله أن يشهد لموكله بأن له عليه كذا أو بأن هذا ملكه إن جاز له أن يشهد به للبائع ولا يذكر أنه وكيل وصوب الأذرعي حله باطنا لأن فيه توصلا للحق بطريق مباح
وكذا لا تقبل ببراءة من ضمنه الشاهد أو أصله أو فرعه
____________________
(4/288)
أو عبده لأنه يدفع به الغرم عن نفسه أو عمن لا تقبل شهادة له ( و ) ترد الشهادة ( من عدو ) على عدوه عدواة دنيوية لا له
وهو من يحزن بفرحه وعكسه
فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه
تنبيه قال شيخنا ظاهر كلامه قبولها من ولد العدو ويوجه بأنه لا يلزم من عداوة الأب عداوة الإبن
فائدة حاصل كلام الروضة وأصلها أن من قذف آخر لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر وإن لم
____________________
(4/289)
يطلب المقذوف حده وكذا من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر
قال شيخنا يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر إلى فسق اقتضى وقوع عداوة بينهما فلا تقبل الشهادة من أحدهما على الآخر
نعم يتردد النظر فيمن اغتاب آخر بمفسق يجوز له غيبته به وإن أثبت السبب المجوز لذلك
فرع تقبل شهادة كل مبتدع لا نكفره ببدعته
____________________
(4/290)
وإن سب الصحابة رضوان الله عليهم كما في الروضة وادعى السبكي والأذرعي أنه غلط
( و ) ترد ( من مبادر ) بشهادته قبل أن يسألها بعد الدعوى لأنه متهم نعم لو أعادها في المجلس ولو بعد الإستشهاد قبلت ( إلا ) في شهادة حسبة وهي ما قصد بها وجه الله فتقبل قبل الإستشهاد ولو بلا دعوى ( في حق مؤكد لله ) تعالى وهو ما لا يتأثر برضا الآدمي ( كطلاق ) رجعي أو بائن ( وعتق ) واستيلاد ونسب وعفو عن قود وبقاء عدة
____________________
(4/291)
وانقضائها وبلوغ وإسلام وكفر ووصية ووقف لنحو جهة عامة وحق لمسجد وترك صلاة وصوم وزكاة بأن يشهد بتركها وتحريم رضاع ومصاهرة
تنبيه إنما تسمع شهادة الحسبة عند الحاجة إليها فلو شهد إثنان أن فلانا أعتق عبده أو أنه أخو فلانة من الرضاع لم يكف حتى يقولا أنه يسترقه أو أنه يريد نكاحها
وخرج بقولي في حق لله تعالى حق الآدمي كقود وحد قذف وبيع فلا تقبل فيه شهادة الحسبة وتقبل في حد الزنا وقطع الطريق والسرقة ( وتقبل ) الشهادة ( من فاسق بعد توبة ) حاصلة قبل الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها
____________________
(4/292)
( وهي ندم ) على معصية من حيث أنها معصية لا لخوف عقاب ولو اطلع عليه أو لغرامة مال ( ب ) شرط ( إقلاع ) عنها حالا إن كان متلبسا أو مصرا على معاودتها
ومن الإقلاع رد المغصوب ( وعزم أن لا يعود ) إليها ما عاش ( وخروج عن ظلامة آدمي ) من مال أو غيره فيؤدي الزكاة لمستحقيها ويرد المغصوب إن بقي وبدله إن تلف لمستحقه ويمكن مستحق القود وحد القذف من الإستيفاء أو يبرئه منه المستحق للخبر الصحيح من كانت لأخيه عنده مظلمة
____________________
(4/293)
في عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم فإن كان له عمل يؤخذ منه بقدر مظلمته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وشمل العمل الصوم كما صرح به حديث مسلم خلافا لمن استثناه فإذا تعذر رد الظلامة على المالك أو وارثه سلمها لقاض ثقة فإن تعذر صرفها فيما شاء من المصالح عند انقطاع خبره بنية الغرم له إذا وجده فإن أعسر عزم على الأداء إذا أيسر فإن مات قبله انقطع الطلب عنه في الآخرة إن لم يعص بالتزامه
فالمرجو من فضل الله الواسع تعويض المستحق
ويشترط أيضا في صحة التوبة عن إخراج صلاة أو صوم أو وقتهما قضاوهما وإن كثر وعن القذف أن يقول القاذف قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه وعن الغيبة أن يستحلها من المغتاب إن بلغته
____________________
(4/294)
ولم يتعذر بموت أو غيبة طويلة وإلا كفى الندم والإستغفار له كالحاسد واشترط جمع متقدمون أنه لا بد في التوبة من كل معصية من الإستغفار أيضا واعتمده البلقيني
وقال بعضهم يتوقف في التوبة في الزنا على استحلال زوج المزني بها إن لم يخف فتنة وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائه عنه
وجعل بعضهم الزنا مما ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى الإستحلال والأوجه الأول
ويسن للزاني ككل مرتكب معصية الستر على نفسه بأن لا يظهرها ليحد أو يعزر لا أن يتحدث بها
____________________
(4/295)
تفكها أو مجاهرة فإن هذا حرام قطعا وكذا يسن لمن أقر بشيء من ذلك الرجوع عن إقراره به قال شيخنا من مات وله دين لم يستوفه ورثته يكون هو المطالب في الآخرة على الأصح ( و ) بعد ( استبراء سنة ) من حين توبة فاسق ظهر فسقه لأنها قلبية وهو متهم لقبول شهادتهم وعود ولايته
____________________
(4/296)
فاعتبر ذلك لتقوي دعواه وإنما قدرها الأكثرون بسنة لأن الفصول الأربعة في تهييج النفوس بشواتها أثرا بينا فإذا مضت وهو على حاله أشعر بذلك بحسن سريرته وكذا لا بد في التوبة من خارم المروءة الإستبراء كما ذكره الأصحاب
فروع لا يقدح في الشهادة جهله بفروض نحو الصلاة والوضوء اللذين يوءديهما ولا توقفه في المشهود به إن عاد وجزم به فيعيد الشهادة ولا قوله لا شهادة لي في هذا إن قال نسيت أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله وقد اشتهرت ديانته ولا يلزم القاضي استفساره إن اشتهر ضبطه وديانته
____________________
(4/297)
بل يسن كتفرقة الشهود وإلا لزم الإستفسار ( وشرط لشهادة بفعل كزنا ) وغصب ورضاع وولادة ( إبصار ) له مع فاعله فلا يكفي فيه السماع من الغير ويجوز تعمد نظر فرج الزانيين لتحمل شهادة وكذا امرأة تلد لأجلها ( و ) لشهادة ( بقول كعقد ) وفسخ وإقرار ( هو ) أي إبصار ( وسمع ) لقائله حال صدوره فلا يقبل فيه أصم لا يسمع شيئا ولا أعمى في مرئي
____________________
(4/298)
لانسداد طرق التمييز مع اشتباه الأصوات ولا يكفي سماع شاهد من وراء حجاب وإن علم صوته لأن ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا يجوز أن يعمل فيه بغلبة ظن لجواز اشتباه الأصوات قال شيخنا نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن في البيت جاز اعتماد صوته وإن لم يره وكذا لو علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل لعلمه بمالك المبيع
____________________
(4/299)
أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما
اه
ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة إعتمادا على صوتها كما لا يتحمل بصير في ظلمة اعتمادا عليه لاشتباه الأصوات
نعم لو سمعها فتعلق بها إلى القاضي وشهد عليها جاز كالأعمى بشرط أن تكشف نقابها ليعرف القاضي صورتها
وقال جمع لا ينعقد نكاح منقبة إلا إن عرفها الشاهدان إسما ونسبا وصورة ( وله ) أي للشخص ( بلا معارض شهادة على نسب ) ولو من أم أو قبيلة
____________________
(4/300)
( وعتق ) ووقف وموت ونكاح ( وملك بتسامع ) أي استفاضة ( من جمع يؤمن كذبهم ) أي تواطؤهم عليه لكثرتهم فيقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ولا يشترط حريتهم ولا ذكورتهم ولا يكفي أن يقول سمعت الناس يقولون كذا بل يقول أشهد أنه ابنه مثلا ( و ) له الشهادة بلا معارض ( على ملك به ) أي بالتسامخ ممن ذكر ( أو بيد وتصرف تصرف ملاك ) كالسكنى والبناء والبيع والرهن والإجارة ( مدة طويلة ) عرفا فلا تكفي الشهادة بمجرد اليد لأنها لا تستلزمه
____________________
(4/301)
ولا بمجرد التصرف لأنه قد يكون بنيابة ولا تصرف بمدة قصيرة نعم إن انضم للتصرف استفاضة أن الملك له جازت الشهادة به وإن قصرت المدة ولا يكفي قول الشاهد رأيت ذلك سنين
واستثنوا من ذلك الرقيق فلا تجوز الشهادة بمجرد اليد والتصرف في المدة الطويلة إلا إن انضم لذلك السماع من ذي اليد أنه له كما في الروضة للإحتياط في الحرية وكثرة استخدام الأحرار واستصحاب لما سبق من نحو إرث وشراء وإن احتمل زواله للحاجة الداعية إلى ذلك ولأن الأصل بقاء الملك وشرط ابن أبي الدم في الشهادة بالتسامع أن لا يصرح بأن مستنده الإستفاضة ومثلها الإستصحاب ثم اختار وتبعه السبكي وغيره أنه إن ذكره تقوية لعلمه
____________________
(4/302)
بأن جزم بالشهادة
ثم قال مستندي الإستفاضة أو الإستصحاب سمعت شهادته وإلا كأن قال شهدت بالإستفاضة بكذا فلا خلافا للرافعي واحترز بقولي بلا معارض عما إذا كان في النسب مثلا طعن من بعض الناس لم تجز الشهادة بالتسامع لوجود معارض
تنبيه يتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كأعلم لأنه أبلغ في الظهور ولو عرف الشاهد السبب كالإقرار هل له أن يشهد بالإستحقاق وجهان أشهرهما لا كما نقله ابن الرفعة عن ابن أبي الدم
وقال ابن الصباغ كغيره تسمع وهو مقتضى كلام الشيخين ( وتقبل شهادة على شهادة ) مقبول شهادته ( في غير عقوبة لله ) تعالى مالا كان أو غيره كعقد وفسخ وإقرار وطلاق ورجعة ورضاع وهلال رمضان ووقف على مسجد أو جهة عامة وقود وقذف بخلاف عقوبة لله تعالى
____________________
(4/303)
كحد زنا وشرب وسرقة وإنما يجوز التحمل ( ب ) شروط ( تعسر أداء أصل ) بغيبة فوق مسافة العدوى أو خوف حبس من غريم وهو معسر أو مرض يشق معه حضوره وكذا بتعذره بموت أو جنون ( و ) ب ( استرعائه ) أي الأصل أي التماسه منه رعاية شهادته وضبطها حتى يؤديها عنه لأن الشهادة على الشهادة نيابة
____________________
(4/304)
فاعتبر فيها إذن المنوب عنه أو ما يقوم مقامه ( فيقول أنا شاهد بكذا ) فلا يكفي أنا عالم به ( وأشهدك ) أو أشهدتك أو أشهد ( على شهادتي ) به فلو أهمل الأصل لفظ الشهادة فقال أخبرك أو أعلمك بكذا فلا يكفي كما لا يكفي ذلك في أداء الشهادة عند القاضي ولا يكفي في التحمل سماع قوله لفلان على فلان كذا أو عندي شهادة بكذا ( و ) ب ( تبيين فرع ) عند الأداء ( جهة تحمل ) كأشهد أن فلانا شهد بكذا وأشهدني على شهادته أو سمعته يشهد به عند قاض فإذا لم يبين جهة التحمل ووثق الحاكم بعلمه لم يحب البيان فيكفي أشهد على شهادة فلان بكذا لحصول الغرض ( وبتسميته ) أي الفرع ( إياه ) أي الأصل تسمية تميزه وإن كان عدلا لتعرف عدالته فإن لم يسمه
____________________
(4/305)
لم يكف لأن الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه
وفي وجوب تسمية قاض شهد عليه وجهان وصوب الأذرعي الوجوب في هذه الأزمنة لما غلب على القضاة من الجهل والفسق
ولو حدث بالأصل عداوة أو فسق لم يشهد الفرع
فلو زالت هذه الموانع احتيج إلى تحمل جديد
فرع لا يصح تحمل النسوة ولو على مثلهن في نحو ولادة لأن الشهادة مما يطلع عليه الرجال غالبا ( ويكفي فرعان لأصلين ) أي لكل منهما فلا يشترط لكل منهما فرعان ولا تكفي شهادة واحد على هذا وواحد على آخر ولا واحد على واحد في هلال رمضان
فرع لو رجعوا عن الشهادة قبل الحكم منع الحكم
____________________
(4/306)
أو بعده لم ينقض ولو شهدوا بطلاق بائن أو رضاع محرم
وفرق القاضي بين الزوجين فرجعوا عن شهادتهم دام الفراق لأن قولهما في الرجوع محتمل والقضاء لا يرد بمحتمل ويجب على الشهود حيث لم يصدقهم الزوج مهر مثل ولو قبل وطء أو بعد إبراء الزوجة زوجها عن المهر لأنه بدل البضع الذي فوتوه عليه بالشهادة إلا أن ثبت أن لا نكاح بينهما
____________________
(4/307)
بنحو رضاع فلا غرم إذ لم يفوتوا شيئا ولو رجع شهود مال غرموا للمحكوم عليه البدل بعد غرمه لا قبله وإن قالوا أخطأنا موزعا عليهم بالسوية
تتمة قال شيخ مشايخنا زكريا كالغزي في تلفيق الشهادة لو شهد واحد بإقراره بأنه وكله في كذا وآخر بأنه أذن له في التصرف فيه أو فوضه إليه لفقت الشهادتان لأن النقل بالمعنى كالنقل باللفظ وبخلاف ما لو شهد واحد بأنه قال وكلتك في كذا وآخر قال بأنه قال فوضته إليك أو شهد واحد باستيفاء الدين والآخر بالإبراء منه فلا يلفقان
انتهى
قال شيخ مشايخنا أحمد المزجد لو شهد واحد ببيع والآخر بإقرار به أو واحد بملك ما ادعاه وآخر بإقرار الداخل به لم تلفق شهادتهما
____________________
(4/308)
فلو رجع أحدهما وشهد كالآخر قبل لأنه يجوز أن يحضر الأمرين
ومن ادعى ألفين وأطلق فشهد له واحد وأطلق وآخر أنه من قرض ثبت أو فشهد له واحد بألف ثمن مبيع وآخر بألف قرضا لم تلفق وله الحلف مع كل منهما
ولو شهد واحد بالإقرار وآخر بالإستفاضة حيث تقبل لفقا
انتهى
( وسئل ) الشيخ عطية المكي نفعنا الله به عن رجلين سمع أحدهما تطليق شخص ثلاثا والآخر الإقرار به فهل يلفقان أو لا
( فأجاب ) بأنه يجب على سامعي الطلاق والإقرار به أن يشهدا عليه بالطلاق الثلاث بتا ولا يتعرضا لإنشاء ولا إقرار وليس هذا من تلفيق الشهادة من كل وجه بل صورة إنشاء الطلاق والإقرار به واحدة في الجملة والحكم يثبت بذلك كيف كان وللقاضي بل عليه سماعها
انتهى
خاتمة في الأيمان
____________________
(4/309)
لا ينعقد اليمن إلا باسم خاص بالله تعالى
____________________
(4/310)
أو صفة من صفاته كوالله والرحمن والإله ورب العالمين وخالق الخلق
ولو قال وكلام الله أو وكتاب الله أو وقرآن الله أو والتوارة أو والإنجيل فيمين
وكذا والمصحف إن لم ينو بالمصحف الورق والجلد
وإن قال وربي وكان عرفهم تسمية السيد ربا فكناية وإلا فيمين ظاهرا إن لم يرد غير الله ولا ينعقد بمخلوق كالنبي والكعبة للنهي الصحيح عن الحلف بالآباء وللأمر بالحلف بالله وروى الحاكم خبرا من حلف
____________________
(4/311)
بغير الله فقد كفر وحملوه على ما إذا قصد تعظيمه كتعظيم الله تعالى فإن لم يقصد ذلك أثم عند أكثر العلماء أي تبعا لنص الشافعي الصريح فيه كذا قاله بعض شراح المنهاج
والذي في شرح مسلم عن أكثر الأصحاب الكراهة وهو المعتد وإن كان الدليل ظاهرا في الإثم
قال بعضهم وهو الذي ينبغي العمل به في غالب الأعصار لقصد غالبهم به إعظام المخلوق به ومضاهاته لله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وإذا حلف بما ينعقد به اليمين ثم قال لم أرد به اليمين لم يقبل ولو قال بعد يمينه إن شاء الله وقصد اللفظ والإستثناء قبل فراغ اليمين واتصل الإستثناء بها لم تنعقد اليمين فلا حنث ولا كفارة
وإن لم يتلفظ بالإستثناء بل نواه لم يندفع الحنث ولا الكفارة ظاهرا بل يدين
ولو قال لغيره أقسمت عليك بالله أو أسألك بالله لتفعلن
____________________
(4/312)
كذا وأراد يمين نفسه فيمين ومتى لم يقصد يمين نفسه بل الشفاعة أو يمين المخاطب أو أطلق فلا تنعقد لأنه لم يحلف هو ولا المخاطب ويكره رد السائل بالله تعالى
____________________
(4/313)
أو بوجهه في غير المكروه وكذا السؤال بذلك ولو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني فليس بيمين لإنتفاء إسم الله أو صفته ولا كفارة وإن حنث نعم يحرم ذلك كغيره ولا يكفر بل إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف أو أطلق حرم ويلزمه التوبة فإن علق أو أراد الرضا بذلك إن فعل كفر حالا وحيث لم يكفر سن له أن يستغفر الله تعالى ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأوجب صاحب الإستقصاء ذلك ومن سبق لسانه إلى لفظ اليمين
____________________
(4/314)
بلا قصد كلا والله وبلا والله في نحو غضب أو صلة كلام لم ينعقد والحلف مكروه إلا في بيعة الجهاد والحث على الخير والصادق في الدعوى ولو حلف في ترك واجب أو فعل حرام عصى ولزمه حنث وكفارة أو ترك مستحب أو فعل مكروه سن حنثه وعليه كفارة
____________________
(4/315)
أو على ترك مباح أو فعله كدخول دار وأكل طعام كلا آكله أنا فالأفضل ترك الحنث إبقاءا لتعظيم الإسم
____________________
(4/316)
فرع يسن تغليظ يمين من المدعي والمدعى عليه وإن لم يطلبه الخصم في نكاح وطلاق ورجعة وعتق ووكالة وفي مال بلغ عشرين دينارا لا فيما دون ذلك لأنه حقير في نظر الشرع نعم لو رآه الحاكم لنحو جراءة الحالف فعله
والتغليظ يكون بالزمان وهو بعد العصر وعصر الجمعة أولى وبالمكان وهو للمسلمين عند المنبر
____________________
(4/317)
وصعودهما عليه أولى وبزيادة الأسماء والصفات ويسن أن يقرأ على الحالف آية آل عمران { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا }
وأن يوضع المصحف في حجره ولو اقتصر على قوله والله كفى
ويعتبر في الحلف نية الحاكم المستحلف فلا يدفع إثم اليمين الفاجرة بنحو تورية
____________________
(4/318)
كاستثناء لا يسمعه الحاكم إن لم يظلمه خصمه كما بحثه البلقيني أما من ظلمه خصمه في نفس الأمر كأن ادعى على معسر فيحلف لا تستحق علي شيئا أي تسليمه الآن فتنفعه التورية والتأويل لأن خصمه ظالم إن علم أو مخطيء إن جهل فلو حلف إنسان ابتداء أو حلفه غير الحاكم اعتبر نية الحالف ونفعته التورية وإن كانت حراما حيث يبطل بها حق المستحق واليمين يقطع الخصومة حالا لا الحق فلا تبرأ ذمته إن كان كاذبا فلو حلفه ثم أقام بينة بما ادعاه حكم بها كما لو أقر الخصم بعد حلفه والنكول أن يقول أنا ناكل أو يقول له القاضي إحلف فيقول لا أحلف
واليمين المردودة وهي يمين المدعي بعد النكول كإقرار المدعى عليه لا كالبينة فلو أقام المدعى عليه بعدها بينة بأداء أو إبراء لم تسمع لتكذيبه لها بإقراره وقال الشيخان في محل تسمع وصحح الإسنوي الأول والبلقيني الثاني
____________________
(4/319)
وقال شيخنا والمتجهه الأول
فرع يتخير في كفارة اليمين بين عتق رقبة كاملة مؤمنة بلا عيب
____________________
(4/320)
يخل بالعمل أو الكسب ولو نحو غائب علمت حياته
أو إطعام عشرة مساكين كل مسكين مد حب من غالب قوت البلد
أو كسوتهم بما يسمى كسوة كقميص أو إزار أو مقنعة أو منديل يحمل في اليد أو الكم لا خف فإن عجز عن الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام ولا يجب تتابعها خلافا لكثيرين
____________________
(4/321)
باب في الإعتاق هو إزالة الرق عن الآدمي والأصل فيه قوله تعالى { فك رقبة } وخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال من أعتق رقبة مؤمنة وفي رواية امرأ مسلما أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى الفرج بالفرج وعتق الذكر أفضل
وروي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أعتق ثلاثين ألف نسمة أي رقبة
____________________
(4/322)
وختمنا كالأصحاب بباب العتق تفاؤلا ( صح عتق مطلق تصرف ) له ولاية ولو كافرا فلا يصح من صبي ومجنون ومحجور بسفه أو فلس ولا من غير مالك بغير نيابة ( بنحو أعتقتك أو حررتك ) كفككتك وأنت حر أو عتيق وبكناية مع نية كلا ملك أو لا سبيل لي عليك أو أزلت ملكي عنك وأنت مولاي
____________________
(4/323)
وكذا يا سيدي على المرجح وقوله أنت إبني أو هذا أو هو إبني أو أبي أو أمي إعتاق إن أمكن من حيث السن وإن عرف نسبه مؤاخذة له بإقراره أو يا ابني كناية فلا يعتق في النداء إلا إن قصد به العتق لاختصاصه بأنه يستعمل في العادة كثير الملاطفة وحسن المعاشرة كما صرح به شيخنا في شرح المنهاج والإرشاد وليس من لفظ الإقرار به قوله لا عتق لعبد فلان لأنه لا يصلح موضوعه لإقرار ولا إنشاء وإن استعمل عرفا في العتق كما أفتى به شيخنا رحمه الله تعالى ( ولو بعوض ) أي معه فلو قال أعتقتك على ألف أو بعتك نفسك بألف فقبل فورا عتق ولزمه الألف في الصورتين والولاء للسيد فيهما
____________________
(4/324)
( ولو أعتق حاملا ) مملوكة له هي وحملها ( تبعها ) أي الحمل في العتق وإن استثناه لأنه كالجزء منها ولو أعتق الحمل عتق إن نفخت فيه الروح دونها ولو كانت لرجل والحمل لآخر بنحو وصية لم يعتق أحدهما بعتق الآخر ( أو ) أعتق ( مشتركا ) بينه وبين غيره أي كله ( أو ) أعتق ( نصيبه ) منه كنصيبي منك حر ( عتق نصيبه ) مطلقا ( وسرى الإعتاق ) من موسر لا معسر لما أيسر به من نصيب الشريك أو بعضه ولا يمنع السراية دين مستغرق بدون حجر واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري إلى حصة شريكه كالعتق
____________________
(4/325)
وعليه قيمة نصيب شريكه وحصته من مهر المثل لا قيمة الولد أي حصته ولا يسري التدبير ( ولو ملك ) شخص ( بعضه ) من أصل أو فرع وإن بعد ( عتق عليه ) لخبر مسلم
____________________
(4/326)
وخرج بالبعض غيره كالأخ فلا يعتق بملك ( ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي ) أو إذا مت فأنت حر أو أعتقتك بعد موتي وكذا إذا مت فأنت حرام أو مسيب مع نية ( فهو مدبر يعتق بعد وفاته ) من ثلث ماله بعد الدين ( وبطل ) أي التدبير ( بنحو بيع ) للمدبر
____________________
(4/327)
فلا يعود وإن ملكه ثانيا ويصح بيعه ( لا برجوع ) عنه ( لفظا ) كفسخته أو عقصته ولا بإنكار للتدبير ويجوز له وطء المدبرة ولو ولدت مدبرة ولدا من نكاح أو زنا لا يثبت للولد حكم التدبير
فلو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما ولو دبر حاملا ثبت التدبير للحمل تبعا لها إن لم يستثنه وإن انفصل قبل موت سيدها لا إن أبطل قبل انفصاله تدبيرها والمدبر كعبد في حياة السيد
ويصح تدبير مكاتب وعكسه كما يصح تعليق عتق مكاتب ويصدق المدبر بيمين فيما وجد معه وقال كسبته بعد الموت وقال الوارث بل قبله
____________________
(4/328)
لأن اليد له ( الكتابة ) شرعا عقد عتق بلفظها معلق بمال منجم بنجمين فأكثر وهي ( سنة ) لا واجبة وإن طلبها الرقيق كالتدبير ( بطلب عبد أمين مكتسب ) بما يفي مؤنته ونجومه فإن فقدت الشروط أو أحدها فمباحة
____________________
(4/329)
( وشرط في صحتها لفظ يشعر بها ) أي بالكتابة ( إيجابا ككاتبتك ) أو أنت مكاتب ( على كذا ) كمائة ( منجما مع ) قوله ( إذا أديته فأنت حر وقبولا كقبلت ) ذلك ( و ) شرط فيها ( عوض ) من دين أو منفعة
( مؤجل )
____________________
(4/330)
هنا ليحصله ويؤديه ( منجم بنجمين فأكثر ) كما جرى عليه أكثر الصحابة رضوان الله عليهم ولو في مبعض ( مع بيان قدره ) أي العوض ( وصفته ) وعدد النجوم وقسط كل نجم ( ولزم سيدا ) في كتابة صحيحة قبل عتق ( حط متمول منه ) أي العوض لقوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم }
____________________
(4/331)
فسر الإيتاء بما ذكر لأن القصد منه الإعانة على العتق وكونه ربعا فسبعا أولى ( ولا يفسخها ) أي يجوز فسخ السيد الكتابة ( إلا إن عجز مكاتب عن أداء ) عند المحل لنجم أو بعضه ( أو امتنع عنه ) عند ذلك مع القدرة عليه ( أو ) غاب عند ذلك وإن حضر ماله أو كانت غيبة المكاتب دون مسافة القصر فله فسخها بنفسه وبحاكم متى شاء لتعذر العوض عليه وليس للحاكم الأداء من مال
____________________
(4/332)
المكاتب الغائب ( وله ) أي للمكاتب ( فسخ ) كالرهن بالنسبة للمرتهن فله ترك الأداء والفسخ وإن كان معه وفاء ( وحرم عليه تمتع بمكاتبة ) لإختلال ملكه ويجب بوطئه لها مهر لا حد والولد حر ( وله ) أي للمكاتب ( شراء إماء لتجارة لا تزوج إلا بإذن سيده ولا تسر ) ولو بإذنه يعني لا يجوز وطء مملوكته وما وقع للشيخين في موضع مما يقتضي جوازه بالإذن مبني على الضعيف أن القن غير المكاتب يملك بتمليك السيد
قال شيخنا ويظهر أنه ليس له الإستمتاع بما دون الوطء أيضا ويجوز للمكاتب بيع وشراء وإجارة لا هبة وصدقة وقرض بلا إذن سيده
فرع لو قال السيد بعد قبضه المال كنت فسخت الكتابة فأنكر المكاتب صدق بيمينه
____________________
(4/333)
لأن الأصل عدم الفسخ وعلى السيد البينة
ولو قال كاتبتك وأنا صبي أو مجنون أو محجور علي فأنكر المكاتب حلف السيد إن عرف له ذلك وإلا فالمكاتب لأن الأصل عدم ما ادعاه السيد ( إذا أحبل حر
____________________
(4/334)
أمته ) أي من له فيها ملك وإن قل ولو كانت مزوجة أو محرمة لا إن أحبل أمة تركة مدين وارث معسر ( فولدت ) حيا أو ميتا أو مضغة مصورة بشيء من خلق الآدميين ( عتقت بموته ) أي السيد من رأس المال مقدما على الديون والوصايا وإن حبلت في مرض موته ( كولدها ) الحاصل ( بنكاح أو زنا بعد وضعها )
____________________
(4/335)
ولدا للسيد فإنه يعتق من رأس المال بموت السيد وإن كانت أمه قبل ذلك ( وله وطء أم ولد ) إجماعا واستخدامها وإجارتها وكذا تزويجها بغير إذنها ( لا تمليكها ) لغيره ببيع أو هبة فيحرم ذلك ولا يصح وكذا رهنها ( كولدها متابع لها ) في العتق بموت السيد فلا يصح تمليكه من غيره كالأم بل لو حكم به قاض نقض على ما حكاه الروياني عن الأصحاب وتصح كتابتها وبيعها من نفسها ولو ادعى ورثة سيدها مالا له بيدها قبل موته فادعت تلفه أي قبل الموت صدقت بيمينها كما نقله الأذرعي فإن ادعت تلفه بعده لم تصدق فيه كما قاله شيخنا رحمه الله تعالى رحمة واسعة
____________________
(4/336)
وأفتى القاضي فيمن أقر بوطء أمته فادعت أنها أسقطت منه ما تصير به أم ولد بأنها تصدق إن أمكن ذلك بيمينها فإذا مات عتقت أعتقنا الله تعالى من النار وحشرنا في زمرة المقربين الأخيار الأبرار
____________________
(4/337)
وأسكننا الفردوس من دار القرار ومن علي في هذا التأليف وغيره بقبوله وعموم النفع به وبالإخلاص فيه
____________________
(4/338)
ليكون ذخيرة لي إذا جاءت الطامة وسببا لرحمة الله الخاصة والعامة
الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده
وصلى الله وسلم أفضل صلاة وأكمل سلام
____________________
(4/339)
على أشرف مخلوقاته محمد وآله وأصحابه وأزواجه عدد معلوماته ومداد كلماته وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله
____________________
(4/340)
العلي العظيم
يقول المؤلف عفا الله عنه وعن آبائه ومشايخه فرغت من تبييض هذا الشرح ضحوة يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر رمضان المعظم قدره سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يقبله وأن يعم النفع به
____________________
(4/341)
ويرزقنا الإخلاص فيه ويعيذنا به من الهاوية ويدخلنا به في جنة عالية وأن يرحم امرءا نظر بعين الإنصاف إليه ووقف على خطأ فأطلعني عليه أو أصلحه الحمد لله رب العالمين
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون
____________________
(4/342)
وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين
____________________
(4/343)