فتح المعين - المليباري الهندي ج 1
فتح المعين المليباري الهندي ج 1(1/)
فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد العزيز المليباري الفنانى الجزء الاول(1/3)
جمع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر الطبعة الاولى 1418 ه / 1997 م حارة حربك - شارع عبد النور - برقيا: فكسى حسب 7016 / 11 تلفون: 838305 / 838202 / 838136 فاكس 9611837898..بيروت لبنان دولي: 961186062(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم(1/7)
بسم الله الرحمن الرحيم(1/9)
...(1/10)
الحمد لله(1/11)
الفتاح الجواد، المعين على التفقه في الدين من اختاره من العباد، وأشهد أن لا إله الله، شهادة(1/12)
تدخلنا دار الخلود، وأشهد أن سيدنا محمدا ورسوله، صاحب المقام المحموم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه(1/13)
الامجاد صلاة وسلاما أفوز بهما يوم المعاد.
(وبعد) فهذا شرح مفيد على كتاب المسمى بقرة العين بمهمات الدين، يبين المراد ويتمم المفاد، ويحصل المقاصد ويبرز الفوائد.
(وسميته): بفتح بشرح قرة العين بمهمات الدين.
وأنا أسأل الله الكريم المنان أن يعم الانتفاع به للخاصة والعامة من الاخوان، وأن يسكنني به الفرودس في دار الامامان، إنه أكرم كريم وأرحم رحيم.(1/14)
(بسم الله الرحمن الرحيم) أولف: والاسم مشتق من السمو وهو العلو، لا من الوسم وهو العلامة والله(1/15)
علم للذات الواجب الوجود، وهو اسم جنس لكل معبود، ثم عرف بأل وحذفت الهمزة، ثم استعمل في المعبود بحق، وهو الاسم الاعظم عند الاكثر، ولم يسم به غيره ولو تعنتا.
والرحمن الرحيم(1/16)
صفتان بنيتا للمبالغة من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، ولقولهم:(1/17)
رحمن الدنيا والاخرة، ورحيم الاخرة: (الحمد الله الذى هدانا) أي دلنا (لهذا) التأليف (وما كنا لنهتدي لولا(1/18)
أن هدانا الله) إليه والحمد هو الوصف بالجميل (والصلاة وهي من الله الرحمة المقرونة بالتعظيم (والسلام) أي التسليم من كل آفة ونقض (على سيدنا محمد رسول الله) لكافة الثقلين، الجن والانس(1/19)
إجماعا - وكذا الملائكة، على ما قاله جمع محققون.
ومحمد، علم منقول من اسم المفعول المضعف
موضوع لمن كثرت خصاله الحميدة، سمى به نبينا صلى الله عليه واله وسلم بإلهام من الله لجده.
والرسول من البشر ذكر حر، أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه، وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ كيوشع عليه السلام، فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي.
والرسول أفضل من النبي إجماعا.
وصح خبر أن عدد الانبياء عليهم الصلاة والسلام مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وأن عدد الرسل ثلثمائة وخمسة عشر.
(وعلى آله) أي أقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب.
وقيل هم كل مؤمن، أي في مقام الدعاء ونحو، واختير لخبر ضعيف فيه، وجزم به النووي في شرح(1/20)
مسلم.
(وصحبه) وهو اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع مؤمنات بنبينا صلى الله عليه واله وسلم ولو أعمى وغير مميز.
(الفائزين برضا الله) تعالى، صفة لمن ذكر.
(وبعد) أي بعدما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر، (فهذا) المؤلف الحاضر ذهنا (مختصر) قل لفظه وكثر معناه من الاختصار (في الفقه) هو لغة: الفهم.
واصطلاحا: العلم بالاحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
واستمداده من الكتاب والسنة والاجماع والقياس.
وفائدته(1/21)
...(1/22)
امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.
(على مذهب الامام) المجتهد أبي عبد الله محمد بن إدريس (الشافعي رحمه الله تعالى) ورضى عنه أي ما ذهب إليه من الاحكام في المسائل.
إدريس والده، هو ابن عباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف.
وشافع، وهو الذي ينسب إليه الامام.
وأسلم هو وأبوه السائب يوم بدر.
وولد إمامنا رضى الله عنه سنة خمسين(1/23)
ومائة، وتوفي يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين.
(وسميته بقرة العين) ببيان (مهمات) أحكام (الدين)(1/24)
انتخبته.
وهذا الشرح من الكتب المعتمدة لشيخنا، خاتمة المحققين، شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى،(1/25)
وبقية المجتهدين مثل وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد الزبيدى رضى الله عنهما، وشيخي مشايخنا: شيخ الاسلام المجدد زكريا الانصاري، الامام الامجد أحمد المزجد الزبيدى رحمهما الله تعالى.
وغير هم من محققي المتأخرين معتمدا على ما جزم به شيخا المذهب: النووي والرافعي فالنووي فمحققو المتأخرين.(1/26)
رضى الله عنهم، (راجيا من) ربنا (الرحمن أن ينتفع به الاذكياء) أي العلاء، (وأن تقر به) بسببه (عيني غدا) أي اليوم الاخر (بالنظر إلى وجهه الكريم بكرة وعشيا) آمين.(1/27)
...(1/28)
باب الصلاة هي شرعا: أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وسميت بذلك لاشتمالها على الصلاة لغة، وهي الدعاء.
والمفروضات العينية خمس في كل يوم وليلة، معلومة من الدين بالضرورة،(1/29)
فيكفر جاحدها.
ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد (ص)، وفرضت ليلة الاسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر، ليلة سبع وعشرين من رجب، ولم تجب صبح يوم تلك الليلة لعدم العلم بكيفيتها.
(إنما تجب المكتوبة) أي الصلوات الخمس (على) كل (مسلم مكلف) أي بالغ عاقل، ذكر أو غيره، (طاهر) فلا تجب على كافر أصلي وصبي ومجنون ومغمى عليه وسكران بلا تعد، لعدم تكليفهم، ولا على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما، ولا قضاء عليهما.
بل تجب على مرتد ومتعد بسكر (ويقتل) أي (المسلم)(1/30)
المكلف الطاهر حدا بضرب عنقه (إن أخرجها) أي المكتوبة، عامدا (عن وقت جمع) لها، إن كان كسلا مع اعتقاد وجوبها (إن لم يتب) بعد الاستتابة، وعلى ندب الاستتابة لا يضمن من قتله قبل التوبة لكنه يأثم.
ويقتل كفرا إن تركها جاحدا وجوبها، فلا يغسل ولا يصلى عليه.
(ويبادر) من مر (بفائت) وجوبا، إن فات بلا عذر، فيلزمه القضاء فورا.
قال شيخنا أحمد بن حجر رحمه الله تعالى: والذي يظهر أنه يلزمه صرف(1/31)
جميع زمنه للقضاء ما عدا ما يحتاج لصرفه فيما لا بد منه، وأنه يحرم عليه التطوع، ويبادر به - ندبا - إن فات بعذر كنوم لم يتعد به ونسيان كذلك.
(ويسن ترتيبه) أي الفائت، فيقضي الصبح قبل الظهر، وهكذا.
(وتقديمه على حاضرة لا يخاف فوتها) إن فات بعذر، وإن خشي فوت جماعتها - على المعتمد -.
وإذا فات بلا عذر فيجب تقديمه عليها.
أما إذا خاف فوت الحاضرة بأن يقع بعضها - وإن قل - خارج الوقت فيلزمه البدء بها.
ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر.
وإن فقد الترتيب لانه سنة والبدار واجب.(1/32)
ويندب تأخير الرواتب عن الفوائت بعذر، ويجب تأخيرها عن الفوائت بغير عذر.
(تنبيه) من مات وعليه صلاة فرض لم تقض ولم تفد عنه، وفي قول أنها تفعل عنه - أوصى بها أم لا ما حكاه العبادي عن الشافعي لخبر فيه، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه.
(ويؤمر) ذو صبا ذكر أو انثى (مميز) بأن صار يأكل ويشرب ويستنجي وحده.
أي يجب على كل من أبويه وإن علا، ثم الوصي.
وعلى مالك الرقيق أن يأمر (بها) أي الصلاة، ولو قضاء، وبجميع شروطها (لسبع) أي بعد سبع من السنين، أي عند تمامها، وإن ميز قبلها.
وينبغي مع صيغة الامر التهديد.
(ويضرب) ضربا غير مبرح - وجوبا - ممن ذكر (عليها) أي على تركها - ولو قضاء - أو ترك شرط من شروطها (لعشر) أي بعد استكمالها، للحديث الصحيح: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها.
(كصوم أطاقه) فإنه يؤمر به لسبع ويضرب عليه لعشر كالصلاة.
وحكمة ذلك التمرين على العبادة ليتعودها فلا يتركها.(1/33)
وبحث الاذرعي في قن صغير كافر نطق بالشهادتين أنه يؤمر ندبا بالصلاة والصوم، يحث عليهما من غير ضرب ليألف الخير بعد بلوغه، وإن أبى القياس ذلك.
انتهى.
ويجب أيضا على من مر نهيه عن المحرمات وتعليمه الواجبات، ونحوها من سائر الشرائع الظاهرة، ولو سنة كسواك، وأمره بذلك.
ولا ينتهي وجوب ما مر
على من مر إلا ببلوغه رشيدا، وأجرة تعليمه ذلك - كالقرآن والآداب - في ماله ثم على أبيه ثم على أمه.
(تنبيه) ذكر السمعاني في زوجة صغيرة ذات أبوين أن وجوب ما مر عليهما فالزوج، وقضيته وجوب ضربها.
وبه - ولو في الكبيرة - صرح جمال الاسلام البزري.
قال شيخنا: وهو ظاهر إن لم يخش نشوزا.
وأطلق الزركشي الندب.(1/34)
(وأول واجب) حتى على الامر بالصلاة كما قالوا (على الآباء) ثم على مر من (تعليمه) أي المميز (أن نبينا محمدا (ص) بعث بمكة) وولد بها (ودفن بالمدينة) ومات بها.(1/35)
(فصل) في شروط الصلاة.
الشرط ما يتوقف عليه صحة الصلاة، وليس منها.
وقدمت الشروط على الاركان لانها أولى بالتقديم، إذ الشرط ما يجب تقديمه على الصلاة واستمراره فيها.
(شروط الصلاة خمسة: أحدها: طهارة عن حدث وجنابة الطهارة: لغة)، النظافة والخلوص من الدنس.
وشرعا: رفع المنع المترتب على الحدث أو النجس.
(فالاولى) أي الطهارة عن الحدث: (الوضوء) هو - بضم الواو - استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بنية.
وبفتحها: ما يتوضأ به.
وكان ابتداء وجوبه مع ابتداء وجو ب المكتوبة ليلة الاسراء.
(وشروطه) أي الوضوء كشروط الغسل خمسة.
أحدها: (ماء مطلق)،(1/36)
فلا يرفع الحدث ولا يزيل النجس ولا يحصل سائر الطهارة - ولو مسنونة - إلا الماء المطلق، وهو ما يقع عليه اسم الماء بلا قيد، وإن رشح من بخار الماء الطهور المغلى، أو استهلك فيه الخليط، أو قيد بموافقة الواقع كماء البحر.
بخلاف ما لا يذكر إلا مقيدا كماء الورد، (غير مستعمل في) فرض طهارة، من (رفع حدث)(1/37)
أصغر أو أكبر، ولو من طهر حنفي لم ينو، أو صبي لم يميز لطواف.
(و) إزالة (نجس) ولو معفوا عنه.
(قليلا) أي حال كون المستعمل قليلا، أي دون القلتين.
فإن جمع المستعمل فبلغ قلتين فمطهر، كما لو جمع المتنجس فبلغ قلتين ولم يتغير، وإن قل بعد بتفريقه.
فعلم أن الاستعمال لا يثبت إلا مع قلة الماء، أي
وبعد فصله عن المحل المستعمل ولو حكما، كأن جاوز منكب المتوضئ أو ركبته، وإن عاد لمحله أو انتقل من يد لاخرى.
نعم، لا يضر في المحدث انفصال الماء من الكف إلى الساعد، ولا في الجنب انفصاله من الرأس إلى نحو الصدر، مما يغلب فيه التقاذف.(1/38)
(فرع) لو أدخل المتوضئ يده بقصد الغسل عن الحدث أولا بقصد بعد نية الجنب، أو تثليث وجه المحدث، أو بعد الغسلة الاولى، إن قصد الاقتصار عليها، بلا نية اغتراف ولا قصد أخذ الماء لغرض آخر صار مستعملا بالنسبة لغير يده فله أن يغسل بما فيها باقي ساعدها.
(و) غير (متغير) تغيرا (كثيرا) بحيث يمنع إطلاق اسم الماء عليه، بأن تغير أحد صفاته من طعم أو لون أو ريح، ولو تقديريا أو كان التغير بما على عضو المتطهر في الاصح، وإنما يؤثر التغير إن كان (بخليط) أي مخالطا(1/39)
للماء، وهو ما لا يتميز في رأي العين (طاهر) وقد (غني) الماء (عنه) كزعفران، وثمر شجر نبت قرب الماء، وورق طرح ثم تفتت، لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه.
ولا يضر تغير لا يمنع الاسم لقلته ولو احتمالا، بأن شك أهو كثير أو قليل.
وخرج بقولي بخليط المجاور، وهو ما يتميز للناظر، كعود ودهن ولو مطيبين، ومنه البخور وإن كثر وظهر نحو ريحه، خلافا لجمع.
ومنه أيضا ماء أغلي فيه نحو بر وتمر حيث لم يعلم انفصال عين فيه مخالطة، بأن لم يصل إلى حد بحيث له اسم آخر كالمرقة، ولو شك في شئ أمخالط هو أم مجاور، له حكم(1/40)
المجاور.
وبقولي غني عنه ما لا يستغنى عنه، كما في مقرة وممره، من نحو طين وطحلب متفتت وكبريت، وكالتغير بطول المكث أو بأوراق متناثرة بنفسها وإن تفتتت وبعدت الشجرة عن الماء.
(أو بنجس) وأن قل التغير.
(ولو كان) الماء (كثيرا) أي قلتين أو أكثر في صورتي التغيير بالطاهر والنجس.
والقلتان بالوزن: خمسمائة رطل بغدادي تقريبا، وبالمساحة في المربع: ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا، بذراع اليد المعتدلة.(1/41)
وفي المدور: ذراع من سائر الجوانب بذراع الآدمي، وذراعان عمقا بذراع النجار، وهو ذراع وربع.
ولا تنجس
قلتا ماء ولو احتمالا، كأن شك في ماء أبلغهما أم لا، وإن تيقنت قلته قبل بملاقاة نجس ما لم يتغير به، وإن استهلكت النجاسة فيه.
ولا يجب التباعد من نجس في ماء كثير.
ولو بال في البحر مثلا فارتفعت منه رغوة فهي نجسة إن تحقق أنها من عين النجاسة، أو من المتغير أحد أوصافه بها، وإلا فلا.
ولو طرحت فيه بعرة، فوقعت(1/42)
من أجل الطرح قطرة على شئ لم تنجسه، وينجس قليل الماء - وهو ما دون القلتين - حيث لم يكن واردا بوصول نجس إليه يرى بالبصر المعتدل، غير معفو عنه في الماء، ولو معفوا عنه في الصلاة، كغيره من رطب ومائع، وإن كثر.
لا بوصول ميتة لا دم لجنسها سائل عند شق عضو منها، كعقرب ووزع، إلا إن تغير ما أصابته(1/43)
- ولو يسيرا - فحينئذ ينجس.
لا سرطان وضفدع فينجس بهما، خلافا لجمع، ولا بميتة كان نشؤها من الماء كالعلق، ولو طرح فيه ميتة من ذلك نجس، وإن كان الطارح غير مكلف، ولا أثر لطرح الحي مطلقا.
واختار كثيرون من أئمتنا مذهب مالك: أن الماء لا ينجس مطلقا إلا بالتغير، والجاري كراكد وفي القديم: لا ينجس قليله بلا تغير، وهو مذهب مالك.
قال في المجموع: سواء كانت النجاسة مائعة أو جامدة.
والماء القليل إذا تنجس يطهر ببلوغه قلتين - ولو بماء متنجس - حيث لا تغير به، والكثير يطهر بزوال تغيره بنفسه أو بماء زيد عليه(1/44)
أو نقص عنه وكان الباقي كثيرا.
(و) ثانيها: (جري ماء على عضو) مغسول، فلا يكفي أن يمسه الماء بلا جريان لانه لا يسمى غسلا.
(و) ثالثها: (أن لا يكون عليه) أي على العضو (مغير للماء تغيرا ضارا) كزعفران وصندل، خلافا لجمع.
(و) رابعها: (أن لا يكون على العضو حائل) بين الماء والمغسول، (كنورة) وشمع(1/45)
ودهن جامد وعين حبر وحناء، بخلاف دهن جار أي مائع - وإن لم يثبت الماء عليه - وأثر حبر وحناء.
وكذا يشترط - على ما جزم به كثيرون - أن لا يكون وسخ تحت ظفر يمنع وصول الماء لما تحته، خلافا لجمع منهم الغزالي والزركشي وغيرهما، وأطالوا في ترجيحه وصرحوا بالمسامحة عما تحتها من الوسخ دون نحو العجين.
وأشار الاذرعي وغيره إلى ضعف مقالتهم.
وقد صرح في التتمة وغيرها، بما في الروضة وغيرها، من عدم
المسامحة بشئ مما تحتها حيث منع وصول الماء بمحله.
وأفتى البغوي في وسخ حصل من غبار بأنه يمنع صحة الوضوء، بخلاف ما نشأ من بدنه وهو العرق المتجمد.
وجزم به في الانوار.
(و) خامسها: (دخول وقت(1/46)
لدائم حدث) كسلس ومستحاضة.
ويشترط له أيضا ظن دخوله، فلا يتوضأ - كالمتيمم - لفرض أو نفل مؤقت قبل وقت فعله، ولصلاة جنازة قبل الغسل، وتحية قبل دخول المسجد، وللرواتب المتأخرة قبل فعل الفرض، ولزم وضوآن أو تيممان على خطيب دائم الحدث، أحدهما: للخطبتين والآخر بعدهما لصلاة جمعة، ويكفي واحد لهما لغيره، ويجب عليه الوضوء لكل فرض - كالتيمم وكذا غسل الفرج وإبدال القطنة التي بفمه والعصابة، وإن لم تزل عن موضعها.
وعلى نحو سلس مبادرة بالصلاة، فلو أخر لمصلحتها كانتظار(1/47)
جماعة أو جمعة وإن أخرت عن أول الوقت وكذهاب إلى مسجد لم يضره.
(وفروضه ستة) أحدها: (نية) وضوء أو أداء (فرض وضوء) أو رفع حدث لغير دائم حدث، حتى في الوضوء المجدد أو الطهارة عنه، أو الطهارة لنحو الصلاة، مما لا يباح إلا بالوضوء، أو استباحة مفتقر إلى وضوء كالصلاة ومس المصحف.
ولا تكفي نية استباحة ما يندب له الوضوء، كقراءة القرآن أو الحديث، وكدخول مسجد وزيارة قبر.
والاصل في(1/48)
وجوب النية خبر، إنما الاعمال بالنيات.
أي إنما صحتها لاكمالها.
ويجب قرنها (عند) أول (غسل) جزء من (وجه)، فلو قرنها بأثنائه كفى ووجب إعادة غسل ما سبقها.
ولا يكفي قرنها بما قبله حيث لم يستصحبها إلى غسل شئ منه، وما قارنها هو أوله، فتفوت سنة المضمضة إن انغسل معها شئ من الوجه - كحمرة الشفة - بعد النية فالاولى أن يفرق النية بأن ينوي عند كل من غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق سنة الوضوء، ثم فرض الوضوء عند غسل الوجه، حتى لا تفوت فضيلة استصحاب النية من أوله.
وفضيلة المضمضة والاستنشاق مع انغسال حمرة الشفة.
(و) ثانيها: (غسل) ظاهر (وجهه) لآ ية: * (فاغسلوا وجوهكم) * (وهو) طولا (ما بين(1/49)
منابت) شعر (رأسه) غالبا (و) تحت (منتهى لحييه) - بفتح اللام - فهو من الوجه دون ما تحته، والشعر النابت
على ما تحته، (و) عرضا (ما بين أذنيه).
ويجب غسل شعر الوجه من هدب وحاجب وشارب وعنفقة ولحية - وهي ما نبت على الذقن - وهو مجتمع اللحيين - وعذار - هو ما نبت على العظم المحاذي للاذن - وعارض - وهو ما انحط عنه إلى اللحية -.
ومن الوجه حمرة الشفتين وموضع الغمم - وهو ما نبت عليه الشعر من الجبهة دون محل التحذيف على الاصح، وهو ما نبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة - ودون وتد الاذن والنزعتين - وهما بياضان يكتنفان الناصية - وموضع الصلع - وهو ما بينهما إذا انحسر عنه الشعر -.
ويسن غسل(1/50)
كل ما قيل إنه ليس من الوجه.
ويجب غسل ظاهر وباطن كل من الشعور السابقة - وإن كثف - لندرة الكثافة فيها، لا باطن كثيف لحية وعارض - والكثيف ما لم تر البشرة من خلاله في مجلس التخاطب عرفا - ويجب غسل ما لا يتحقق غسل جميعه إلا بغسله، لان ما لا يتم الواجب إلا به واجب.
(و) ثالثها: (غسل يديه) من كفيه وذراعيه (بكل مرفق) للآية.
ويجب غسل جميع ما في محل الفرض من شعر وظفر، وإن طال.
(فرع) لو نسي لمعة فانغسلت في تثليث، أو إعادة وضوء لنسيان له، لا تجديد واحتياط، أجزأه.(1/51)
(و) رابعها: (مسح بعض رأسه) كالنزعة والبياض الذي وراء الاذن بشر أو شعر في حده، ولو بعض شعرة واحدة، للآية.
قال البغوي: ينبغي أن لا يجزئ أقل من قدر الناصية، وهي ما بين النزعتين، لانه (ص) لم يمسح أقل منها، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، والمشهور عنه وجوب مسح الربع.
(و) خامسها: (غسل رجليه) بكل كعب من كل رجل، للآية.
أو مسح خفيهما بشروطه.
ويجب غسل باطن ثقب وشق.(1/52)
(فرع) لو دخلت شوكة في رجله وظهر بعضها، وجب قلعها وغسل محلها لانه صار في حكم الطاهر، فإن استترت كلها صارت في حكم الباطن فيصح وضوؤه.
ولو تنفط في رجل أو غيره لم يجب غسل باطنه ما لم يتشقق، فإن تشقق وجب غسل باطنه ما لم يرتتق.
(تنبيه) ذكروا في الغسل أنه يعفى عن باطن عقد الشعر أي إذا انعقد بنفسه وألحق بها من ابتلي بنحو طبوع لصق بأصول شعره حتى منع وصول الماء إليها ولم يمكن إزالته.
وقد صرح شيخ شيوخنا زكريا الانصاري
بأنه لا يلحق بها، بل عليه التيمم.
لكن قال تلميذه - شيخنا -: والذي يتجه العفو للضرورة.(1/53)
(و) سادسها: (ترتيب) كما ذكر من تقديم غسل الوجه فاليدين فالرأس فالرجلين للاتباع.
ولو انغمس محدث، ولو في ماء قليل بنية معتبرة مما مر أجزأه عن الوضوء، ولو لم يمكث في الانغماس زمنا يمكن فيه الترتيب.
نعم، لو اغتسل بنيته فيشترط فيه الترتيب حقيقة، ولا يضر نسيان لمعة أو لمع في غير أعضاء الوضوء، بل لو كان على ما عدا أعضائه، مانع كشمع لم يضر - كما استظهره شيخنا -.
ولو أحدث وأجنب أجزأه الغسل عنهما بنيته.
ولا يجب تيقن عموم الماء جميع العضو بل يكفي غلبة الظن به.
(فرع) لو شك المتوضئ أو المغتسل في تطهير عضو قبل الفراغ من وضوئه أو غسله طهره، وكذا ما بعده في الوضوء، أو بعد الفراغ من طهره، لم يؤثر.
ولو كان الشك في النية لم يؤثر أيضا على الاوجه، كما في شرح(1/54)
المنهاج لشيخنا، وقال: فيه قياس ما يأتي في الشك بعد الفاتحة وقبل الركوع: أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته، أو بعضه لم تلزمه.
فليحمل كلامهم الاول على الشك في أصل العضو لا بعضه.
(وسن) للمتوضئ - ولو بماء مغصوب على الاوجه - (تسمية أوله) أي أول الوضوء - للاتباع - وأقلها باسم الله، وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم.
وتجب عند أحمد، ويسن قبلها التعوذ وبعدها الشهادتان والحمد لله الذي جعل الماء طهورا.
ويسن لمن تركها أوله أن يأتي بها أثناءه قائلا: باسم الله أوله وآخره.
لا بعد فراغه.
وكذا في نحو الاكل والشرب والتأليف، والاكتحال مما يسن له التسمية.
والمنقول عن الشافعي وكثير من الاصحاب أن أول السنن التسمية، وبه جزم النووي في المجموع وغيره.
فينوي معها عند غسل اليدين.
وقال جمع متقدمون: إن أولها السواك ثم بعده التسمية.(1/55)
(فرع) تسن التسمية لتلاوة القرآن، ولو من أثناء سورة في صلاة أو خارجها، ولغسل وتيمم وذبح.
(فغسل الكفين) معا إلى الكوعين مع التسمية المقترنة بالنية، وإن توضأ من نحو إبريق أو علم طهرهما - للاتباع - (فسواك) عرضا في الاسنان ظاهرا وباطنا وطولا في اللسان، للخبر الصحيح: لولا أن أشق على(1/56)
أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء.
أي أمر إيجاب.
ويحصل (بكل خشن) ولو بنحو خرقة أو أشنان، والعود أفضل من غيره، وأولاه ذو الريح الطيب، وأفضله الاراك.
لا بأصبعه ولو خشنة، خلافا لما اختاره النووي.(1/57)
وإنما يتأكد السواك - ولو لمن لا أسنان له - لكل وضوء.
(ولكل صلاة) فرضها ونفلها وإن سلم من كل ركعتين أو استاك لوضوئها، وإن لم يفصل بينهما فاصل حيث لم يخش تنجس فمه، وذلك لخبر الحميدي بإسناد جيد: ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك.
ولو تركه أولها تداركه أثناءها بفعل قليل، كالتعمم، ويتأكد أيضا لتلاوة قرآن أو حديث أو علم شرعي، أو تغير فم - ريحا أو لونا - بنحو نوم أو أكل كريه، أو سن بنحو صفرة، أو استيقاظ من نوم وإرادته، ودخول مسجد ومنزل، وفي السحر وعند الاحتضار، كما دل عليه خبر(1/58)
الصحيحين.
ويقال: إنه يسهل خروج الروح.
وأخذ بعضهم من ذلك تأكده للمريض.
وينبغي أن ينوي بالسواك السنة ليثاب عليه، ويبلع ريقه أول استياكه، وأن لا يمصه.
ويندب التخليل قبل السواك أو بعده من أثر الطعام، والسواك أفضل منه، خلافا لمن عكس.
ولا يكره بسواك غير أذن أو علم رضاه، وإلا حرم، كأخذه من ملك الغير، ما لم تجر عادة بالاعراض عنه.
ويكره للصائم بعد الزوال، إن لم يتغير فمه بنحو نوم(1/59)
(فمضمضة فاستنشاق) للاتباع، وأقلهما إيصال الماء إلى الفم والانف.
ولا يشترط في حصول أصل السنة إدارته في الفم ومجه منه ونثره من الانف، بل تسن كالمبالغة فيهما لمفطر للامر بها.
(و) يسن جمعهما (بثلاث غرف) يتمضمض ثم يستنشق من كل منها.
(ومسح كل رأس) للاتباع وخروجا من خلاف مالك وأحمد، فإن(1/60)
اقتصر على البعض فالاولى أن يكون هو الناصية، والاولى في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه، ملصقا مسبحته بالاخرى وإبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما مع بقية أصابعه غير الابهامين لقفاه، ثم يردهما إلى المبدأ إن كان له شعر ينقلب، وإلا فليقتصر على الذهاب.
وإن كان على رأسه عمامة أو قلنسوة تمم عليها بعد
مسح الناصية - للاتباع - (و) مسح كل (الاذنين) ظاهرا وباطنا وصماخيه - للاتباع -، ولا يسن مسح الرقبة إذ لم(1/61)
يثبت فيه شئ.
قال النووي: بل هو بدعة، وحديثه موضوع.
(ودلك أعضاء) وهو إمرار اليد عليها عقب ملاقاتها للماء، خروجا من خلاف من أوجبه.
(وتخليل لحية كثة) والافضل كونه بأصابع يمناه ومن أسفل، مع تفريقها، وبغرفة مستقلة - للاتباع - ويكره تركه.
(و) تخليل (أصابع) اليدين بالتشبيك، والرجلين بأي كيفية كان.
والافضل أن يخللها من أسفل بخنصر يده اليسرى، مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى ومختتما بخنصر اليسرى.(1/62)
(وإطالة الغرة) بأن يغسل مع الوجه مقدم رأسه وأذنيه وصفحتي عنقه.
(و) إطالة (تحجيل) بأن يغسل مع اليدين بعض العضدين ومع الرجلين بعض الساقين، وغايته استيعاب العضد والساق، وذلك لخبر الشيخين: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء.
فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل.
زاد مسلم: وتحجيله: أي يدعون بيض الوجوه والايدي والارجل.
ويحصل أقل الاطالة بغسل أدنى زيادة على الواجب وكمالها باستيعاب ما مر (وتثليث كل) من مغسول وممسوح، ودلك وتخليل وسواك وبسملة، وذكر عقبه،(1/63)
- للاتباع - في أكثر ذلك.
ويحصل التثليث بغمس اليد مثلا ولو في ماء قليل إذا حركها مرتين، ولو ردد ماء الغسلة الثانية حصل له أصل سنة التثليث - كما استظهره شيخنا - ولا يجزئ تثليث عضو قبل إتمام واجب غسله ولا بعد تمام الوضوء.
ويكره النقص عن الثلاث كالزيادة عليها، أي بنية الوضوء، كما بحثه جمع.
وتحرم من ماء موقوف على التطهر.(1/64)
(فرع) يأخذ الشاك أثناء الوضوء في استيعاب أو عدد باليقين، وجوبا في الواجب وندبا في المندوب، ولو في الماء الموقوف.
أما الشك بعد الفراغ فلا يؤثر.
(وتيامن) أي تقديم يمين على يسار في اليدين والرجلين، ولنحو أقطع في جميع أعضاء وضوئه، وذلك لانه (ص) كان يحب التيمن في تطهره وشأنه كله، أي مما هو من باب التكريم، كاكتحال ولبس نحو قميص ونعل، وتقليم ظفر، وحلق نحو رأس، وأخذ وعطاء، وسواك(1/65)
وتخليل، ويكره تركه، ويسن التياسر في ضده - وهو ما كان من باب الاهانة والاذى - كاستنجاء وامتخاط، وخلع لباس ونعل.
ويسن البداءة بغسل أعلى وجهه وأطراف يديه ورجليه، وإن صب عليه غيره.
وأخذ الماء إلى الوجه بكفيه معا، ووضع ما يغترف منه عن يمينه وما يصب منه عن يساره.
(وولاء) بين أفعال وضوء السليم بأن يشرع في تطهير كل عضو قبل جفاف ما قبله، وذلك - للاتباع - وخروجا من خلاف من أوجبه، ويجب لسلس.
(وتعهد) عقب و (موق) - وهو طرف العين الذي يلي الانف - ولحاظ - وهو الطرف الآخر - بسبابتي شقيهما.
ومحل ندب تعهدهما إذا لم يكن فيهما رمص يمنع وصول الماء إلى محله وإلا فتعهدهما واجب - كما في(1/66)
المجموع -.
ولا يسن غسل باطن العين، بل قال بعضهم: يكره للضرر، وإنما يغسل إذا تنجس لغلظ أمر النجاسة.
(واستقبال) القبلة في كل وضوئه.
(وترك تكلم) في أثناء وضوئه بلا حاجة بغير ذكر، ولا يكره سلام عليه ولا منه ولا رده.
(و) ترك (تنشيف) بلا عذر للاتباع (والشهادتان عقبه) أي الوضوء، بحيث لا يطول فاصل عنه عرفا، فيقول مستقبلا للقبلة، رافعا يديه وبصره إلى السماء - ولو أعمى -: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
لما روى مسلم عن رسول الله (ص): من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله - الخ - فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء.
زاد الترمذي: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
وروى الحاكم وصححه: من توضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك،(1/67)
أشهد أن لا إله إلا أنت.
أستغفرك وأتوب إليك.
كتب في رق، ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة.
أي لم يتطرق إليه إبطال كما صح حتى يرى ثوابه العظيم.
ثم يصلي ويسلم على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد، ويقرأ * (إنا أنزلناه) * ثلاثا، كذلك بلا رفع يد.
وأما دعاء الاعضاء المشهور فلا أصل له يعتد به فلذلك حذفته، تبعا لشيخ المذهب النووي رضي الله عنه.
وقيل: يستحب أن يقول عند كل عضو: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
لخبر رواه المستغفري وقال: حسن غريب.
(وشربه) من (فضل(1/68)
وضوئه) لخبر: إن فيه شفاء من كل داء ويسن رش إزاره به، أي إن توهم حصول مقذر له، كما استظهره شيخنا.
وعليه يحمل رشه (ص) لازاره به.
وركعتان بعد الوضوء أي بحيث تنسبان إليه عرفا، فتفوتان بطول الفصل عرفا على الاوجه، وعند بعضهم بالاعراض، وبعضهم بجفاف الاعضاء، وقيل: بالحدث.
ويقرأ ندبا في أولى ركعتيه بعد الفاتحة: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * إلى * (رحيما) *، وفي الثانية: * (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) * إلى * (رحيما) *.
(فائدة) يحرم التطهر بالمسبل للشرب، وكذا بماء جهل حاله على الاوجه، وكذا حمل شئ من المسبل إلى غير محله.
(وليقتصر) أي المتوضئ، (حتما) أي وجوبا، (على) غسل أو مسح (واجب) أي فلا يجوز تثليث ولا(1/69)
إتيان سائر السنن (لضيق وقت) عن إدراك الصلاة كلها فيه، كما صرح به البغوي وغيره، وتبعه المتأخرون.
لكن أفتى في فوات الصلاة لو أكمل سننها بأن يأتيها، ولو لم يدرك ركعة.
وقد يفرق بأنه ثم اشتغل بالمقصود، فكان كما لو مد في القراءة.
(أو قلة ماء) بحيث لا يكفي إلا الفرض فلو كان معه ماء لا يكفيه لتتمة طهره.
إن ثلث أو أتى السنن أو احتاج إلى الفاضل لعطش محترم، حرم استعماله في شئ من السنن.
وكذا يقال في الغسل.
(وندبا) على الواجب بترك السنن، (لادراك جماعة) لم يرج غيرها.
نعم، ما قيل بوجوبه - كالدلك - ينبغي تقديمه عليها، نظير ما مر من ندب تقديم الفائت بعذر على الحاضرة، وإن فاتت الجماعة.
(تتمة) يتيمم عن الحدثين لفقد ماء أو خوف محذور من استعماله بتراب طهور له غبار.
وأركانه نية(1/70)
استباحة الصلاة المفروضة مقرونة بنقل التراب، ومسح وجهه ثم يديه.
ولو تيقن ماء آخر الوقت فانتظاره أفضل،(1/71)
وإلا فتعجيل تيمم.
وإذا امتنع استعماله في عضو وجب تيمم وغسل صحيح ومسح كل الساتر الضار نزعه بماء، ولا ترتيب بينهما لجنب.
أو عضوين فتيممان، ولا يصلي به إلا فرضا واحدا ولو نذرا.
وصح جنائز مع فرض.(1/72)
(ونواقضه) أي أسباب نواقض الوضوء أربعة: أحدها: (تيقن خروج شئ) غير منيه، عينا كان أو ريحا، رطبا أو جافا، معتادا كبول أو نادرا كدم باسور أو غيره، انفصل أو لا - كدودة أخرجت رأسها ثم رجعت - (من أحد(1/73)
سبيلي) المتوضئ (الحي) دبرا كان أو قبلا.
(ولو) كان الخارج (باسورا) نابتا داخل الدبر فخرج أو زاد خروجه.
لكن أفتى العلامة الكمال الرداد بعدم النقض بخروج الباسور نفسه بل بالخارج منه كالدم.
وعن مالك: لا ينتقض الوضوء بالنادر.
(و) ثانيها: (زوال عقل) أي تمييز، بسكر أو جنون أو إغماء أو نوم، للخبر(1/74)
الصحيح: فمن نام فليتوضأ.
وخرج بزوال العقل النعاس وأوائل نشوة السكر، فلا نقض بهما، كما إذا شك هل نام أو نعس ؟ ومن علامة النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه، (لا) زواله (بنوم) قاعد (ممكن مقعده) أي ألييه من مقره، وإن استند لما لو زال سقط أو احتبى، وليس بين مقعده ومقره تجاف.
وينتقض وضوء ممكن انتبه بعد زوال أليته عن مقره، لا وضوء شاك هل كان ممكنا أو لا ؟ أو هل زالت أليته قبل اليقظة أو بعدها ؟..وتيقن الرؤيا مع عدم تذكر نوم لا أثر له بخلافه مع الشك فيه لانها مرجحة لاحد طرفيه.
(و) ثالثها:(1/75)
(مس فرج آدمي) أو محل قطعه، ولو لميت أو صغير، قبلا كان الفرج أو دبر ا متصلا أو مقطوعا، إلا ما قطع في الختان.
والناقض من الدبر ملتقى المنفذ، ومن قبل المرأة ملتقى شفريها على المنفذ لا ما وراءهما كمحل ختانها.
نعم، يندب الوضوء من مس نحو العانة، وباطن الالية، والانثيين، وشعر نبت فوق ذكر، وأصل فخذ،(1/76)
ولمس صغيرة وأمرد وأبرص ويهودي، ومن نحو فصد، ونظر بشهوة ولو إلى محرم، وتلفظ بمعصية، وغضب،(1/77)
وحمل ميت ومسه، وقص ظفر وشارب، وحلق رأسه.
وخرج بآدمي فرج البهيمة إذ لا يشتهى، ومن ثم جاز النظر إليه.
(ببطن كف) لقوله (ص): من مس فرجه، وفي رواية: من مس ذكرا فليتوضأ.
وبطن الكف هو بطن الراحتين وبطن الاصابع والمنحرف إليهما عند انطباقهما، مع يسير تحامل دون رؤوس الاصابع وما بينها
وحرف الكف.
(و) رابعها: (تلاقي بشرتي ذكر وأنثى) ولو بلا شهوة، وإن كان أحدهما مكرها أو ميتا، لكن(1/78)
لا ينقض وضوء الميت.
والمراد بالبشرة هنا غير الشعر والسن والظفر - قاله شيخنا - وغير باطن العين، وذلك لقوله تعالى: * (أو لامستم النساء) * أي لمستم.
ولو شك هل ما لمسه شعر أو بشرة، لم ينتقض، كما لو وقعت يده على بشرة لا يعلم أهي بشرة رجل أو امرأة، أو شك: هل لمس محرما أو أجنبية ؟ وقال شيخنا في شرح العباب: ولو أخبره عدل بلمسها له، أو بنحو خروج ريح منه في حال نومه ممكنا، وجب عليه الاخذ بقوله.
(بكبر) فيهما، فلا نقض بتلاقيهما مع صغر فيهما، أو في أحدهما، لانتفاء مظنة الشهوة.
والمراد بذي الصغر: من لا يشتهى عرفا غالبا.
(لا) تلاقي بشرتيهما) (مع محرمية) بينهما، بنسب أو رضاع أو مصاهرة، لانتفاء مظنة الشهوة.
ولو اشتبهت محرمه بأجنبيات محصورات فلمس واحدة منهن لم ينتقض، وكذا بغير محصورات على(1/79)
الاوجه.
(ولا يرتفع يقين وضوء أو حدث بظن ضده) ولا بالشك فيه المفهوم بالاولى فيأخذ باليقين استصحابا له.
(خاتمة) يحرم بالحدث: صلاة وطواف وسجود، وحمل مصحف، وما كتب لدرس قرآن ولو بعض آية(1/80)
كلوح.
والعبرة في قصد الدراسة والتبرك بحالة الكتابة دون ما بعدها، وبالكاتب لنفسه أو لغيره تبرعا، وإلا فأمره لا حمله مع متاع، والمصحف غير مقصود بالحمل ومس ورقه، ولو لبياض أو نحو ظرف أعد له وهو فيه،(1/81)
لا قلب ورقه بعود إذا لم ينفصل عليه، ولا مع تفسير زاد ولو احتمالا.
ولا يمنع صبي مميز - محدث ولو جنبا -(1/82)
حمل ومس نحو مصحف لحاجة تعلمه ودرسه ووسيلتهما، كحمله للمكتب والاتيان به للمعلم ليعلمه منه.
ويحرم تمكين غير المميز من نحو مصحف، ولو بعض آية، وكتابته بالعجمية، ووضع نحو درهم في مكتوبه،(1/83)
وعلم شرعي.
وكذا جعله بين أوراقه - خلافا لشيخنا - وتمزيقه عبثا، وبلع ما كتب عليه لا شرب محوه، ومد الرجل للمصحف ما لم يكن على مرتفع.
ويسن القيام له كالعالم بل أولى، ويكره حرق ما كتب عليه إلا(1/84)
لغرض نحو صيانة، فغسله أولى منه.
ويحرم بالجنابة المكث في المسجد وقراءة قرآن بقصده، ولو بعض آية، بحيث يسمع نفسه ولو صبيا - خلافا لما أفتى به النووي -.
وبنحو حيض، لا بخروج طلق، صلاة وقراءة وصوم.
ويجب قضاؤه لا الصلاة، بل يحرم قضاؤها على الاوجه.
(و) الطهارة (الثانية: الغسل) هو لغة: سيلان الماء على الشئ.
وشرعا: سيلانه على جميع البدن(1/85)
بالنية.
ولا يجب فورا وإن عصى بسببه، بخلاف نجس عصى بسببه.
والاشهر في كلام الفقهاء ضم غينه، لكن الفتح أفصح، وبضمها مشترك بين الفعل وماء الغسل.
(وموجبه) أربعة: أحدها: (خروج منيه أولا) ويعرف بأحد خواصه الثلاث: من تلذذ بخروجه، أو تدفق، أو ريح عجين رطبا وبياض بيض جافا.
فإن فقدت هذه(1/86)
الخواص فلا غسل.
نعم، لو شك في شئ أمني هو أو مذي ؟ تخير ولو بالتشهي.
فإن شاء جعله منيا واغتسل، أو مذيا وغسله وتوضأ.
ولو رأى منيا مجففا في نحو ثوبه لزمه الغسل وإعادة كل صلاة تيقنها بعده، ما لم يحتمل عادة كونه من غيره.
(و) ثانيها: (دخول حشفة) أو قدرها من فاقدها، ولو كانت من ذكر مقطوع أو من بهيمة أو ميت.
(فرجا) قبلا أو دبرا، (ولو لبهيمة) كسمكة أو ميت، ولا يعاد غسله لانقطاع تكليفه.
(و) ثالثها: (حيض)(1/87)
أي انقطاعه، وهو دم يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة.
(وأقل سنة تسع سنين قمرية) أي استكمالها.
نعم، إن رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يوما فهو حيض، وأقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوما، كأقل طهر بين الحيضتين.
ويحرم به ما يحرم بالجنابة، ومباشرة ما بين سرتها وركبتها.
وقيل: لا يحرم غير الوطئ.
واختاره النووي في التحقيق، لخبر مسلم: اصنعوا كل شئ إلا النكاح.
وإذا انقطع دمها حل لها قبل(1/88)
الغسل صوم لا وطئ، خلافا لما بحثه العلامة الجلال السيوطي رحمه الله.
(و) رابعها: (نفاس) أي انقطاعه، وهو دم حيض مجتمع يخرج بعد فراغ جميع الرحم، وأقله لحظة، وغالبه أربعون يوما، وأكثره ستون يوما.(1/89)
ويحرم به ما يحرم بالحبض، ويجب الغسل أيضا بولادة ولو بلا بلل، وإلقاء علقة ومضغة، وبموت مسلم غير شهيد.
(وفرضه) - أي الغسل - شيئان: أحدهما: (نية رفع الجنابة) للجنب، أو الحيض للحائض.
أي رفع حكمه.
(أو) نية (أداء فرض الغسل) أو رفع حدث، أو الطهارة عنه، أو أداء الغسل.
وكذا الغسل للصلاة لا(1/90)
الغسل فقط.
ويجب أن تكون النية (مقرونة بأوله) - أي الغسل - يعني بأول مغسول من البدن، ولو من أسفله.
فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله.
ولو نوى رفع الجنابة وغسل بعض البدن ثم نام فاستيقظ وأراد غسل الباقي لم يحتج إلى إعادة النية.
(و) ثانيهما: (تعميم) ظاهر (بدن حتى) الاظفار وما تحتها، و (الشعر) ظاهرا وباطنا وإن كثف، وما ظهر من نحو منبت شعرة زالت قبل غسلها، وصماخ وفرج امرأة عند جلوسها على قدميها، وشقوق (وباطن جدري) انفتح رأسه لا باطن قرحة برئت وارتفع قشرها ولم يظهر شئ مما تحته.(1/91)
ويحرم فتق الملتحم (وما تحت قلفة) من الاقلف فيجب غسل باطنها لانها مستحقة الازالة، لا باطن شعر انعقد بنفسه وإن كثر، ولا يجب مضمضة واستنشاق بل يكره تركهما.
(بماء طهور) ومر أنه يضر تغير الماء تغيرا ضارا ولو بما على العضو، خلافا لجمع.
(ويكفي ظن عمومه) - أي الماء - على البشرة والشعر وإن لم يتيقنه، فلا يجب تيقن عمومه بل يكفي غلبة الظن به فيه كالوضوء.
(وسن) للغسل الواجب والمندوب (تسمية) أوله، (وإزالة قذر طاهر) كمني ومخاط، ونجس كمذي، وإن كفى لهما غسلة واحدة، وأن يبول من أنزل قبل أن(1/92)
يغتسل ليخرج ما بقي بمجراه.
(ف) - بعد إزالة القذر (مضمضة واستنشاق ثم وضوء) كاملا - للاتباع -، رواه الشيخان.
ويسن له استصحابه إلى الفراغ، حتى لو أحدث، سن له إعادته.
وزعم المحاملي اختصاصه(1/93)
بالغسل الواجب ضعيف، والافضل عدم تأخير غسل قدميه عن الغسل، كما صرح به في الروضة، وإن ثبت تأخيرهما في البخاري.
ولو توضأ أثناء الغسل أو بعده حصل له أصل السنة، لكن الافضل تقديمه، ويكره تركه.
وينوي به سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الاصغر، وإلا نوى به رفع الحدث الاصغر أو نحوه، خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم الاندراج.
ولو أحدث بعد ارتفاع جنابة أعضاء الوضوء لزمه الوضوء مرتبا بالنية.
(فتعهد معاطف) كالاذن والابط والسرة والموق ومحل شق، وتعهد أصول شعر، ثم غسل رأس بالافاضة بعد تخليله إن كان عليه شعر، ولا تيامن فيه لغير أقطع.
ثم غسل شق أيمن ثم أيسر، ودلك لما تصله يده من بدنه،(1/94)
خروجا من خلاف من أوجبه.
(وتثليث) لغسل جميع البدن، والدلك والتسمية والذكر عقبه، ويحصل في راكد بتحرك جميع البدن ثلاثا، وإن لم ينقل قدميه إلى موضع آخر، على الاوجه (واستقبال) للقبلة وموالاة، وترك تكلم بلا حاجة، وتنشيف بلا عذر.
وتسن الشهادتان المتقدمتان في الوضوء مع ما معهما عقب الغسل، وأن لا يغتسل لجنابة أو غيرها، كالوضوء في ماء راكد لم يستبحر كنابع من عين غير جار.(1/95)
(فرع) لو اغتسل لجنابة ونحو جمعة بنيتهما حصلا، وإن كان الافضل إفراد كل بغسل، أو لاحدهما حصل فقط.
(ولو أحدث ثم أجنب كفى غسل واحد) وإن لم ينو معه الوضوء ولا رتب أعضاءه..(فرع) يسن لجنب وحائض ونفساء بعد انقطاع دمهما غسل فرج ووضوء لنوم وأكل وشرب، ويكره فعل شئ من ذلك بلا وضوء.
وينبغي أن لا يزيلوا قبل الغسل شعرا أو ظفرا، وكذا دما، لان ذلك يرد في الآخرة جنبا.
(وجاز تكشف له) أي للغسل، (في خلوة) أو بحضرة من يجوز نظره إلى عورته كزوجة وأمة، والستر(1/96)
أفضل.
وحرم إن كان ثم من يحرم نظره إليها، كما حرم في الخلوة بلا حاجة وحل فيها لادنى غرض، كما يأتي.
(وثانيها) أي ثاني شروط الصلاة.
(طهارة بدن) ومنه داخل الفم والانف والعين.
(وملبوس) وغيره من كل محمول له، وإن لم يتحرك بحركته.
(ومكان) يصلى فيه (عن نجس) غير معفو عنه، فلا تصح الصلاة معه، ولو(1/97)
ناسيا أو جاهلا بوجوده، أو بكونه مبطلا، لقوله تعالى: * (وثيابك فطهر) * ولخبر الشيخين.
ولا يضر محاذاة نجس لبدنه، لكن تكره مع محاذاته، كاستقبال نجس أو متنجس.
والسقف كذلك إن قرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفا.
(ولا يجب اجتناب النجس) في غير الصلاة، ومحله في غير التضمخ به في بدن أو ثوب، فهو حرام بلا حاجة، وهو شرعا مستقذر، يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، فهو (كروث وبول ولو) كانا من طائر(1/98)
وسمك وجراد وما لا نفس له سائلة، أو (من مأكول) لحمه على الاصح.
قال الاصطخري والروياني من أئمتنا، كمالك وأحمد: إنهما طاهران من المأكول.
ولو راثت أو قاءت بهيمة حيا، فإن كان صلبا بحيث لو زرع نبت، فمتنجس يغسل ويؤكل، وإلا فنجس.
ولم يبينوا حكم غير الحب.
قال شيخنا: والذي يظهر أنه إن تغير عن حاله(1/99)
قبل البلع ولو يسيرا فنجس، وإلا فمتنجس.
وفي المجموع عن شيخ نصر: العفو عن بول بقر الدياسة على الحب.
وعن الجويني: تشديد النكير على البحث عنه وتطهيره.
وبحث الفزاري العفو عن بعر الفأرة إذا وقع في مائع وعمت البلوى به.
وأما ما يوجد على ورق بعض الشجر كالرغوة فنجس، لانه يخرج من باطن بعض الديدان، كما شوهد ذلك وليس العنبر روثا، خلافا لمن زعمه، بل هو نبات في البحر.
(ومذي) بمعجمة، للامر بغسل الذكر منه، وهو ماء أبيض أو أصفر رقيق، يخرج غالبا عند ثوران الشهوة بغير شهوة قوية.
(وودي) بمهملة، وهو ماء أبيض كدر ثخين، يخرج غالبا عقب البول أو عند حمل شئ ثقيل.
(ودم) حتى ما بقي على نحو عظم، لكنه معفو عنه.
واستثنوا منه الكبد والطحال والمسك، أي ولو من ميت، إن انعقد.
والعلقة(1/100)
والمضغة، ولبنا خرج بلون دم، ودم بيضة لم تفسد.
(وقيح) لانه دم مستحيل، وصديد: وهو ماء رقيق يخالطه دم، وكذا ماء جرح.
وجدري ونفط إن تغير، وإلا فماؤها طاهر (وقئ معدة) وإن لم يتغير، وهو الراجع بعد الوصول للمعدة ولو ماء، أما الراجع قبل الوصول إليها يقينا أو احتمالا فلا يكون نجسا ولا متنجسا، خلافا(1/101)
للقفال.
وأفتى شيخنا أن الصبي إذا ابتلي بتتابع القئ عفي عن ثدي أمه الداخل في فيه، لا عن مقبله أو مماسه، وكمرة ولبن غير مأكول إلا الآدمي، وجرة نحو بعير.
أما المني فطاهر، خلافا لمالك.
وكذا بلغم غير(1/102)
معدة من رأس أو صدر وماء سائل من فم نائم، ولو نتنا أو أصفر، ما لم يتحقق أنه من معدة، إلا ممن ابتلي به فيعفى عنه وإن كثر.
ورطوبة فرج، أي قبل على الاصح.
وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق، يخرج(1/103)
من باطن الفرج الذي لا يجب غسله، بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا، وما يخرج من وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا، ككل خارج من الباطن، وكالماء الخارج مع الولد أو قبله، ولا فرق بين انفصالها وعدمه على المعتمد.
قال بعضهم: الفرق بين الرطوبة الطاهرة والنجسة الاتصال والانفصال.
فلو انفصلت، ففي الكفاية عن الامام أنها نجسة، ولا يجب غسل ذكر المجامع والبيض والولد.
وأفتى شيخنا بالعفو عن رطوبة الباسور لمبتلى بها، وكذا بيض غير مأكول، ويحل أكله على الاصح.
وشعر مأكول وريشه إذا أبين في(1/104)
حياته.
ولو شك في شعر أو نحوه، أهو من مأكول أو غيره ؟ أو هل انفصل من حي أو ميت ؟ فهو طاهر، وقياسه أن العظم كذلك.
وبه صرح في الجواهر.
وبيض الميتة إن تصلب طاهر وإلا فنجس.
وسؤر كل حيوان طاهر طاهر، فلو تنجس فمه ثم ولغ في ماء قليل أو مائع، فإن كان بعد غيبة يمكن فيها طهارته بولوغه في ماء كثير أو جار لم ينجسه ولو هرا وإلا نجسه.
قال شيخنا - كالسيوطي، تبعا لبعض المتأخرين - إنه يعفى عن يسير عرفا،(1/105)
من شعر نجس من غير مغلظ، ومن دخان نجاسة، وما على رجل ذباب، وإن رؤي، وما على منفذ غير آدمي مما خرج منه، وذرق طير وما على فمه، وروث ما نشؤه من الماء أو بين أوراق شجر النارجيل التي تستر بها(1/106)
البيوت عن المفطر حيث يعسر صون الماء عنه.
قال جمع: وكذا ما تلقيه الفئران من الروث في حياض الا خلية إذا عم الابتلاء به، ويؤيده بحث الفزاري، وشرط ذلك كله إذا كان في الماء أن لا يغير.
انتهى.
والزباد طاهر،
ويعفى عن قليل شعره كالثلاث.
كذا أطلقوه ولم يبينوا أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال أو في الاناء المأخوذ منه.
قال شيخنا: والذي يتجه الاول إن كان جامدا، لان العبرة فيه بمحل النجاسة فقط، فإن كثرت في محل واحد لم يعف عنه، وإلا عفي، بخلاف المائع فإن جميعه كالشئ الواحد.
فإن قل الشعر فيه عفي عنه وإلا فلا، ولا نظر للمأخوذ حينئذ.
ونقل المحب الطبري عن ابن الصباغ واعتمده، أنه يعفى عن جرة البعير ونحوه فلا ينجس ما شرب منه، وألحق به فم ما يجتر من ولد البقرة والضأن إذا التقم أخلاف أمه.
وقال ابن(1/107)
الصلاح: يعفى عما اتصل به شئ من أفواه الصبيان مع تحقق نجاستها، وألحق غيره بهم أفواه المجانين.
وجزم به الزركشي.
(وكميتة) ولو نحو ذباب مما لا نفس له سائلة، خلافا للقفال ومن تبعه في قوله بطهارته لعدم الدم المتعفن، كمالك وأبي حنيفة.
فالميتة نجسة وإن لم يسل دمها، وكذا شعرها وعظمها وقرنها، خلافا لابي حنيفة، إذا لم يكن عليها دسم.
وأفتى الحافظ ابن حجر العسقلاني بصحة الصلاة إذا حمل المصلي ميتة ذباب إن كان في محل يشق الاحتراز عنه.
(غير بشر وسمك وجراد) لحل تناول الاخيرين.
وأما الآدمي فلقوله تعالى:(1/108)
* (ولقد كرمنا بني آدم) * وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاستهم بالموت.
وغير صيد لم تدرك ذكاته، وجنين مذكاة مات بذكاتها.
ويحل أكل دود مأكول معه، ولا يجب غسل نحو الفم منه.
ونقل في الجواهر عن الاصحاب: لا يجوز أكل سمك ملح ولم ينزع ما في جوفه، أي من المستقذرات.
وظاهره: لا فرق بين كبيره وصغيره.
لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير مع ما في جوفه لعسر تنقية ما فيه.
(وكمسكر) أي صالح للاسكار، فدخلت القطرة من المسكر.
(مائع) كخمر، وهي المتخذة من العنب، ونبيذ، وهو المتخذ من غيره.(1/109)
وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش.
وتطهر خمر تخللت بنفسها من غير مصاحبة عين أجنبية لها وإن لم تؤثر في التخليل كحصاة.
ويتبعها في الطهارة الدن، وإن تشرب منها أو غلت فيه وارتفعت بسبب الغليان ثم نزلت، أما إذا ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل فلا تطهر، وإن غمر المرتفع قبل جفافه أو بعده بخمر أخرى - على الاوجه.
كما جزم به شيخنا.
والذي اعتمده شيخنا المحقق عبد الرحمن بن زياد أنها تطهر إن غمر المرتفع قبل الجفاف
لا بعده.
ثم قال: لو صب خمر في إناء ثم أخرجت منه، وصب فيه خمر أخرى بعد جفاف الاناء وقبل غسله لم(1/110)
تطهر، وإن تخللت بعد نقلها منه في إناء آخر.
انتهى.
والدليل على كون الخمر خلا.
الحموضة في طعمها، وإن لم توجد نهاية الحموضة، وإن قذفت بالزبد.
ويطهر جلد نجس بالموت باندباغ نقاه بحيث لا يعود إليه نتن ولا فساد لو نقع في الماء.
(وككلب وخنزير) وفرع كل منهما مع الآخر أو مع غيره، ودود ميتتهما طاهر، وكذا نسج عنكبوت على المشهور.
كما قاله(1/111)
...(1/112)
السبكي والاذرعي، وجزم صاحب العدة والحاوي بنجاسته.
وما يخرج من جلد نحو حية في حياتها كالعرق، على ما أفتى به بعضهم.
لكن قال شيخنا: فيه نظر، بل الاقرب أنه نجس لانه جزء متجسد منفصل من حي، فهو كميتته.
وقال أيضا: لو نزا كلب أو خنزير على آدمية فولدت آدميا كان الولد نجسا، ومع ذلك هو مكلف بالصلاة وغيرها.
وظاهر أنه يعفى عما يضطر إلى ملامسته، وأنه تجوز إمامته إذ لا إعادة عليه، ودخوله المسجد حيث لا رطوبة للجماعة ونحوها.
ويطهر متنجس بعينية بغسل مزيل لصفاتها، من طعم ولون وريح.
ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله(1/113)
ولو من مغلظ، فإن بقيا معا لم يطهر.
ومتنجس بحكمية كبول جف لم يدرك له صفة بجري الماء عليه مرة، وإن كان حبا أو لحما طبخ بنجس، أو ثوبا صبغ بنجس، فيطهر باطنها بصب الماء على ظاهرها، كسيف سقي وهو محمى بنجس.
ويشترط في طهر المحل ورود الماء القليل على المحل المتنجس، فإن ورد متنجس على ماء قليل لا كثير تنجس، وإن لم يتغير فلا يطهر غيره.
وفارق الوارد غيره بقوته لكونه عاملا، فلو تنجس فمه كفى(1/114)
أخذ الماء بيده إليه وإن لم يعلها عليه - كما قال شيخنا - ويجب غسل كل ما في حد الظاهر منه ولو بالادارة،
كصب ماء في إناء متنجس وإدارته بجوانبه.
ولا يجوز له ابتلاع شئ قبل تطهير فمه، حتى بالغرغرة.
(فرع) لو أصاب الارض نحو بول وجف، فصب على موضعه ماء فغمره، طهر، ولو لم ينضب - أي يغور - سواء كانت الارض صلبة أم رخوة.
وإذا كانت الارض لم تتشرب ما تنجست به فلا بد من إزالة العين قبل صب الماء القليل عليها، كما لو كانت في إناء.
ولو كانت النجاسة جامدة فتفتتت واختلطت بالتراب لم يطهر،(1/115)
كالمختلط بنحو صديد، بإفاضة الماء عليه.
بل لا بد من إزالة جميع التراب المختلط بها.
وأفتى بعضهم في مصحف تنجس بغير معفو عنه بوجوب غسله وإن أدى إلى تلفه، وإن كان ليتيم.
قال شيخنا: ويتعين فرضه فيما إذا مست النجاسة شيئا من القرآن، بخلاف ما إذا كانت في نحو الجلد أو الحواشي.
(فرع) غسالة المتنجس - ولو معفوا عنه كدم قليل - إن انفصلت وقد زالت العين وصفاتها، ولم تتغير ولم يزد وزنها - بعد اعتبار ما يأخذه الثوب من الماء والماء من الوسخ - وقد طهر المحل: طاهرة.
قال شيخنا: ويظهر الاكتفاء فيهما بالظن.(1/116)
(فرع) إذا وقع في طعام جامد كسمن فأرة مثلا فماتت، ألقيت وما حولها مما ماسها فقط، والباقي طاهر.
والجامد هو الذي إذا غرف منه لا يتراد على قرب.
(فرع) إذا تنجس ماء البئر القليل بملاقاة نجس لم يطهر بالنزح، بل ينبغي أن لا ينزح ليكثر الماء بنبع أو صب ماء فيه، أو الكثير بتغير به لم يطهر إلا بزواله.
فإن بقيت فيه نجاسة كشعر فأرة ولم يتغير فطهور تعذر استعماله إذ لا يخلو منه دلو فلينزح كله.
فإن اغترف قبل النزح ولم يتيقن فيما اغترفه شعرا لم يضر وإن ظنه،(1/117)
عملا بتقديم الاصل على الظاهر.
ولا يطهر متنجس بنحو كلب إلا بسبع غسلات بعد زوال العين ولو بمرات، فمزيلها مرة واحدة، إحداهن بتراب تيمم ممزوج بالماء، بأن يكدر الماء حتى يظهر أثره فيه ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل المتنجس.
ويكفي في الراكد تحريكه سبعا.
قال شيخنا: يظهر أن الذهاب مرة والعود(1/118)
أ خرى.
وفي الجاري مرور سبع جريات، ولا تتريب في أرض ترابية.
(فرع) لو مس كلبا داخل ماء كثير لم تنجس يده، ولو رفع كلب رأسه من ماء وفمه مترطب، ولم يعلم مماسته له، لم ينجس.
قال مالك وداود: الكلب طاهر ولا ينجس الماء القليل بولوغه، وإنما يجب غسل الاناء بولوغه تعبدا.
(ويعفى عن دم نحو برغوث) مما لا نفس له سائلة كبعوض وقمل، لا عن جلده.
(و) دم نحو (دمل)(1/119)
كبثرة وجرح، وعن قيحه وصديده، (وإن كثر) الدم فيهما وانتشر بعرق، أو فحش الاول بحيث طبق الثوب - على النقول المعتمدة - (بغير فعله) فإن كثر بفعله قصدا، كأن قتل نحو برغوث في ثوبه، أو عصر نحو دمل أو(1/120)
حمل ثوبا فيه دم براغيث مثلا، وصلى فيه أو فرشه وصلى عليه، أو زاد على ملبوسه لا لغرض كتجمل، فلا يعفى إلا عن القليل على الاصح - كما في التحقيق والمجموع - وإن اقتضى كلام الروضة العفو عن كثير دم نحو الدمل وإن عصر.
واعتمده ابن النقيب والاذرعي.
ومحل العفو - هنا وفيما يأتي - بالنسبة للصلاة لا لنحو ماء قليل، فينجس به وإن قل، ولا أثر لملاقاة البدن له رطبا، ولا يكلف تنشيف البدن لعسره.
(و) عن (قليل)(1/121)
نحو دم (غيره) - أي أجنبي - غير مغلظ، بخلاف كثيره.
ومنه كما قال الاذرعي: دم انفصل من بدنه ثم أصابه.
(و) عن قليل (نحو دم حيض ورعاف) كما في المجموع.
ويقاس بهما دم سائر المنافذ، إلا الخارج من معدن النجاسة كمحل الغائط.
والمرجع في القلة والكثرة العرف، وما شك في كثرته له حكم القليل.
ولو تفرق النجس في محال - ولو جمع كثر - كان له حكم القليل عند الامام، والكثير عند المتولي والغزالي وغيرهما، ورجحه بعضهم.
ويعفى عن دم نحو فصد وحجم بمحلهما وإن كثر.
وتصح صلاة من أدمى لثته قبل غسل(1/122)
الفم، إذا لم يبتلع ريقه فيها، لان دم اللثة معفو عنه بالنسبة إلى الريق.
ولو رعف قبل الصلاة ودام فإن رجا انقطاعه والوقت متسع انتظره، وإلا تحفظ - كالسلس - خلافا لمن زعم انتظاره، وإن خرج الوقت.
كما تؤخر لغسل ثوبه المتنجس وإن خرج.
ويفرق بقدرة هذا على إزالة النجس من أصله فلزمته، بخلافه في مسألتنا.
وعن قليل طين محل مرور متيقن نجاسته ولو بمغلظ، للمشقة، ما لم تبق عينها متميزة.
ويختلف ذلك بالوقت(1/123)
ومحله من الثوب والبدن.
وإذا تعين عين النجاسة في الطريق، ولو مواطئ كلب، فلا يعفى عنها، (وإن عمت الطريق على الاوجه).
(وأفتى شيخنا) في طريق لا طين بها بل فيها قذر الادمي وروث الكلاب والبهائم وقد أصابها المطر، بالعفو عند مشقة الاحتراز.
(قاعدة مهمة): وهي أن ما أصله الطهارة وغلب على الظن تنجسه لغلبة النجاسة في مثله، فيه قولان معروفان بقولي الاصل.
والظاهر أو الغالب أرجحهما أنه طاهر، عملا بالاصل المتيقن، لانه أضبط من الغالب(1/124)
المختلف بالاحوال والازمان، (وذلك كثياب خمار وحائض وصبيان)، وأواني متدينين بالنجاسة، وورق يغلب نثره على نجس، ولعاب صبي، وجوخ اشتهر عمله بشحم الخنزير، وجبن شامي اشتهر عمله بإنفحة الخنزير.
وقد جاءه (ص) جبنة من عندهم فأكل منها ولم يسأل عن ذلك.
ذكره شيخنا في شرح المنهاج.
(و) يعفى عن(1/125)
(محل استجماره و) عن (ونيم ذباب) وبول (وروث خفاش) في المكان، وكذا الثوب والبدن، وإن كثرت، لعسر الاحتراز عنها.
ويعفى عما جف من ذرق سائر الطيور في المكان إذا عمت البلوى به.
وقضية كلام المجموع العفو عنه في الثوب والبدن أيضا، ولا يعفى عن بعر الفأر - ولو يابسا - على الاوجه.
لكن أفتى شيخنا ابن زياد - كبعض المتأخرين - بالعفو عنه إذا عمت البلوى به، كعمومها في ذرق الطيور.
ولا تصح صلاة من(1/126)
حمل مستجمرا أو حيوانا بمنفذه نجس، أو مذكى غسل مذبحه دون جوفه، أو ميتا طاهرا كآدمي وسمك يغسل باطنه، أو بيضة مذرة في باطنها دم.
ولا صلاة قابض طرف متصل بنجس وإن لم يتحرك بحركته.
فرع: لو رأى من يريد صلاة وبثوبه نجس غير معفو عنه لزمه إعلامه.
وكذا يلزم تعليم من رآه يخل بواجب عبادة في رأي مقلده.(1/127)
تتمة: يجب الاستنجاء من كل خارج ملوث بماء.
ويكفي فيه غلبة ظن زوال النجاسة، ولا يسن حينئذ شم يده، وينبغي الاسترخاء لئلا يبقى أثرها في تضاعيف شرج المقعدة، أو بثلاث مسحات تعم المحل في كل(1/128)
مرة، مع تنقية بجامد قالع.
ويندب لداخل الخلاء أن يقدم يساره، ويمينه لانصرافه، بعكس المسجد.
وينحي ما عليه معظم، من قرآن واسم نبي أو ملك، ولو مشتركا كعزيز وأحمد إن قصد به معظم.
ويسكت حال خروج(1/129)
خارج ولو عن غير ذكر وفي غير حال الخروج عن ذكر.
ويبعد ويستتر.
وأن لا يقضي حاجته في ماء مباح راكد ما لم يستبحر.
ومتحدث غير مملوك لاحد، وطريق.
وقيل: يحرم التغوط فيها.
وتحت مثمر بملكه، أو مملوك(1/130)
علم رضا مالكه، وإلا حرم.
ولا يستقبل عين القبلة ولا يستدبرها، ويحرمان في غير المعد وحيث لا ساتر.
فلو(1/131)
استقبلها بصدره وحول فرجه عنها ثم بال، لم يضر، بخلاف عكسه.
ولا يستاك ولا يبزق في بوله.
وأن يقول عند دخوله: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
والخروج: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني.
وبعد الاستنجاء: اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش.
قال البغوي: لو شك بعد الاستنجاء هل غسل ذكره لم تلزمه إعادته.(1/132)
(ثالثها): (أي شروط الصلاة) (ستر رجل) ولو صبيا، (وأمة) ولو مكاتبة وأم ولد.
(ما بين سرة وركبة) لهما، ولو خاليا في ظلمة.
للخبر الصحيح: لا يقبل الله صلاة حائض - أي بالغ - إلا بخمار.
ويجب ستر جزء منهما ليتحقق به ستر العورة.
(و) ستر (حرة) ولو صغيرة (غير وجه وكفين) ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين(1/133)
(بما لا يصف لونا) أي لون البشرة في مجلس التخاطب.
كذا ضبطه بذلك أحمد بن موسى بن عجيل.
ويكفي ما يحكي لحجم الاعضاء، لكنه خلاف الاولى، ويجب الستر من الاعلى والجوانب لا من الاسفل (إن قدر) أي
كل من الرجل والحرة والامة.
(عليه) أي الستر.
أما العاجز عما يستر العورة فيصلي وجوبا عاريا بلا إعادة، ولو مع وجود ساتر متنجس تعذر غسله، لا من أمكنه تطهيره، وإن خرج الوقت، ولو قدر على ساتر بعض العورة لزمه الستر بما وجد، وقدم السوأتين فالقبل فالدبر، ولا يصلي عاريا مع وجود حرير بل لابسا له، لانه يباح(1/134)
للحاجة.
ويلزم التطيين لو عدم الثوب أو نحوه.
ويجوز لمكتس اقتداء بعار، وليس للعاري غصب الثوب.
ويسن للمصلي أن يلبس أحسن ثيابه ويرتدي ويتعمم ويتقمص ويتطيلس، ولو كان عنده ثوبان فقط لبس أحدهما وارتدى بالآخر إن كان ثم سترة، وإلا جعله مصلى.
كما أفتى به شيخنا.
(فرع) يجب هذا الستر خارج الصلاة أيضا، ولو بثوب نجس أو حرير لم يجد غيره، حتى في الخلوة، لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل، وما بين سرة وركبة غيره.
ويجوز كشفها في الخلوة، ولو من المسجد، لادنى غرض كتبريد وصيانة ثوب من الدنس، والغبار عند كنس البيت، وكغسل.(1/135)
(ورابعها: معرفة دخول وقت) يقينا أو ظنا.
فمن صلى بدونها لم تصح صلاته وإن وقعت في الوقت، لان الاعتبار في العبادات بما في ظن المكلف، وبما في نفس الامر، وفي العقود بما في نفس الامر فقط.
(فوقت ظهر من زوال) الشمس (إلى مصير ظل كل شئ مثله، غير ظل استواء) أي الظل الموجود عنده، إن(1/136)
وجد.
وسميت بذلك لانها أول صلاة ظهرت.
(ف) - وقت (عصر) من آخر وقت الظهر (إلى غروب) جميع(1/137)
قرص شمس، (ف) - وقت (مغرب) من الغروب (إلى مغيب الشفق الاحمر، ف) - وقت (عشاء) من مغيب الشفق.
قال شيخنا: وينبغي ندب تأخيرها لزوال الاصفر والابيض، خروجا من خلاف من أوجب ذلك.
ويمتد (إلى طلوع (فجر) صادق، (ف) - وقت (صبح) من طلوع الفجر الصادق لا الكاذب (إلى طلوع) بعض(1/138)
(الشمس)، والعصر هي الصلاة الوسطى، لصحة الحديث به.
فهي أفضل الصلوات، ويليها الصبح، ثم
العشاء، ثم الظهر، ثم المغرب، كما استظهره شيخنا من الادلة.
وإنما فضلوا جماعة الصبح والعشاء لانها فيهما أشق.
قال الرافعي: كانت الصبح صلاة آدم، والظهر صلاة داود، والعصر صلاة سليمان، والمغرب صلاة يعقوب، والعشاء صلاة يونس، عليهم الصلاة والسلام.
انتهى.
واعلم أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا، فله التأخير عن أوله إلى وقت يسعها بشرط أن يعزم(1/139)
على فعلها فيه، ولو أدرك في الوقت ركعة لا دونها فالكل أداء وإلا فقضاء.
ويأثم بإخراج بعضها عن الوقت وإن أدرك ركعة.
نعم، لو شرع في غير الجمعة وقد بقي ما يسعها جاز له - بلا كراهة - أن يطولها بالقراءة أو الذكر حتى يخرج الوقت، وإن لم يوقع منها ركعة فيه - على المعتمد - فإن لم يبق من الوقت ما يسعها، أو كانت جمعة، لم يجز المد، ولا يسن الاقتصار على أركان الصلاة لادراك كلها في الوقت.
(فرع) يندب تعجيل صلاة - ولو عشاء - لاول وقتها، لخبر: أفضل الاعمال الصلاة لاول وقتها.(1/140)
وتأخيرها عن أوله لتيقن جماعة أثناءه، وإن فحش التأخير ما لم يضق الوقت، ولظنها إذا لم يفحش عرفا، لا لشك فيها مطلقا.
والجماعة القليلة أول الوقت أفضل من الكثيرة آخره.
ويؤخر المحرم صلاة العشاء - وجوبا - لاجل خوف فوات حج بفوت الوقوف بعرفة لو صلاها متمكنا، لان قضاءه صعب.
والصلاة تؤخر لانها أسهل من مشقته، ولا يصليها صلاة شدة الخوف.
ويؤخر أيضا - وجوبا - من رأى نحو غريق أو أسير لو أنقذه خرج الوقت.(1/141)
(فرع) يكره النوم بعد دخول وقت الصلاة وقبل فعلها، حيث ظن الاستيقاظ قبل ضيقه، لعادة أو لايقاظ غيره له، وإلا حرم النوم الذي لم يغلب في الوقت.
(فرع) يكره تحريما صلاة لا سبب لها، كالنفل المطلق ومنه صلاة التسابيح، أو لها سبب متأخر كركعتي(1/142)
استخارة وإحرام بعد أداء صبح حتى ترتفع الشمس كرمح، وعصر حتى تغرب، وعند استواء غير يوم الجمعة.
لا ما له سبب متقدم كركعتي وضوء وطواف وتحية وكسوف، وصلاة جنازة ولو على غائب، وإعادة مع(1/143)
جماعة ولو إماما، وكفائتة فرض أو نفل لم يقصد تأخيرها للوقت المكروه ليقضيها فيه أو يداوم عليه.
فلو تحرى إيقاع صلاة غير صاحبة الوقت في الوقت المكروه من حيث كونه مكروها فتحرم مطلقا ولا تنعقد، ولو فائتة يجب قضاؤها فورا لانه معاند للشرع.(1/144)
(وخامسها: استقبال) عين (القبلة) أي الكعبة، بالصدر.
فلا يكفي استقبال جهتها، خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى، (إلا في) حق العاجز عنه، وفي صلاة (شدة خوف) ولو فرضا، فيصلي كيف أمكنه ماشيا وراكبا(1/145)
مستقبلا أو مستدبرا، كهارب من حريق وسيل وسبع وحية، ومن دائن عند إعسار، وخوف حبس.
(و) لا في (نفل سفر مباح) لقاصد محل معين، فيجوز النفل راكبا وماشيا فيه ولو قصيرا.
نعم، يشترط أن يكون مقصده على مسافة لا يسمع النداء من بلده، بشروطه المقررة في الجمعة.
وخرج بالمباح سفر المعصية فلا يجوز ترك القبلة في النفل لابق، ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه.
(و) يجب (على ماش إتمام ركوع وسجود) لسهولة ذلك عليه، وعلى راكب إيماء بهما.
(واستقبال فيهما وفي تحرم) وجلوس بين السجدتين، فلا(1/146)
يمشي إلا في القيام والاعتدال والتشهد والسلام، ويحرم انحرافه عن استقبال صوب مقصده عامدا عالما مختارا إلا إلى القبلة.
ويشترط ترك فعل كثير - كعدو وتحريك رجل بلا حاجة - وترك تعمد وطئ نجس - ولو يابسا - وإن عم الطريق، ولا يضر وطئ يابس خطأ، ولا يكلف ماش التحفظ عنه.
ويجب الاستقبال في النفل لراكب سفينة غير ملاح.
واعلم أيضا أنه يشترط في صحة الصلاة العلم بفرضية الصلاة.
فلو جهل فرضية أصل الصلاة، أو صلاته(1/147)
التي شرع فيها، لم تصح، كما في المجموع والروضة.
وتمييز فروضها من سننها.
نعم، إن اعتقد العامي، أو العالم على الاوجه، الكل فرضا صحت، أو سنة فلا.
والعلم بكيفيتها الآتي
بيانها قريبا إن شاء الله تعالى.
فصل في صفة الصلاة (أركان الصلاة) أي فروضها: أربعة عشر، بجعل الطمأنينة في محالها ركنا واحدا.(1/148)
أحدها: (نية) وهي القصد بالقلب، لخبر: إنما الاعمال بالنيات.
(فيجب فيها) أي النية (قصد فعلها) أي الصلاة، لتتميز عن بقية الافعال (وتعيينها) من ظهر أو غيرها، لتتميز عن غيرها، فلا يكفي نية فرض الوقت.
(ولو) كانت الصلاة المفعولة (نفلا) غير مطلق، كالرواتب والسنن المؤقتة أو ذات السبب، فيجب فيها التعيين(1/149)
بالاضافة إلى ما يعينها كسنة الظهر القبلية أو البعدية، وإن لم يؤخر القبلية.
ومثلها كل صلاة لها سنة قبلها وسنة بعدها، وكعيد الاضحى أو الاكبر أو الفطر أو الاصغر، فلا يكفي صلاة العيد والوتر سواء الواحدة والزائدة عليها، ويكفي نية الوتر من غير عدد.
ويحمل على ما يريده على الاوجه، ولا يكفي فيه نية سنة العشاء أو راتبتها، والتراويح والضحى، وكاستسقاء وكسوف شمس أو قمر.
أما النفل المطلق فلا يجب فيه تعيين بل يكفي فيه نية(1/150)
فعل الصلاة، كما في ركعتي التحية والوضوء والاستخارة، وكذا صلاة الاوابين، على ما قاله شيخنا ابن زياد والعلامة السيوطي رحمهما الله تعالى.
والذي جزم به شيخنا في فتاويه أنه لا بد فيها من التعين كالضحى.
(و) تجب (نية فرض فيه) أي في الفرض، ولو كفاية أو نذرا، وإن كان الناوي صبيا، ليتميز عن النفل.
(كأصلي فرض الظهر) مثلا، أو فرض الجمعة، وإن أدرك الامام في تشهدها.
(وسن) في النية (إضافة إلى الله) (تعالى)، خروجا من خلاف من أوجبها، وليتحقق معنى الاخلاص.
(وتعرض لاداء أو قضاء) ولا يجب وإن(1/151)
كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة، خلافا لما اعتمده الاذرعي.
والاصح صحة الاداء بنية القضاء، وعكسه إن عذر بنحو غيم، وإلا بطلت قطعا لتلاعبه، (و) تعرض (لاستقبال وعدد ركعات) للخروج من خلاف من أوجب التعرض لهما.
(و) سن (نطق بمنوي) قبل التكبير، ليساعد اللسان القلب، وخروجا من خلاف من أوجبه.
ولو
شك: هل أتى بكمال النية أو لا ؟ أو هل نوى ظهرا أو عصرا ؟ فإن ذكر بعد طول زمان، أو بعد إتيانه بركن - ولو قوليا كالقراءة - بطلت صلاته، أو قبلهما فلا.(1/152)
(و) ثانيها: (تكبير تحرم) للخبر المتفق عليه: إذا قمت إلى الصلاة فكبر.
سمي بذلك لان المصلي يحرم عليه به ما كان حلالا له قبله من مفسدات الصلاة، وجعل فاتحة الصلاة ليستحضر المصلي معناه الدال على عظمة من تهيأ لخدمته حتى تتم له الهيبة والخشوع، ومن ثم زيد في تكراره ليدوم استصحاب ذينك في جميع صلاته.
(مقرونا به) أي بالتكبير، (النية) لان التكبير أول أركان الصلاة فتجب مقارنتها به، بل لا بد أن(1/153)
يستحضر كل معتبر فيها مما مر وغيره.
كالقصر للقاصر، وكونه إماما أو مأموما في الجمعة، والقدوة لمأموم في غيرها، مع ابتدائه.
ثم يستمر مستصحبا لذلك كله إلى الراء.
وفي قول صححه الرافعي، يكفي قرنها بأوله.
وفي المجموع والتنقيح المختار ما اختاره الامام والغزالي: أنه يكفي فيها المقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضرا للصلاة.
وقال ابن الرفعة: إنه الحق الذي لا يجوز سواه.
وصوبه السبكي، وقال: من لم يقل به وقع في الوسواس المذموم.
وعند الائمة الثلاثة: يجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير.
(ويتعين) فيه على(1/154)
القادر لفظ: (الله أكبر) للاتباع، أو الله الاكبر.
ولا يكفي أكبر الله، ولا الله كبير، أو أعظم، ولا الرحمن أكبر.(1/155)
ويضر إخلال بحرف من الله أكبر.
وزيادة حرف يغير المعنى، كمد همزة الله، وكألف بعد الباء، وزيادة واو قبل الجلالة، وتخلل واو ساكنة ومتحركة بين الكلمتين، وكذا زيادة مد الالف التي بين اللام والهاء إلى حد لا يراه أحد من القراء.
ولا يضر وقفة يسيرة بين كلمتيه، وهي سكتة التنفس، ولا ضم الراء.
(فرع) لو كبر مرات ناويا الافتتاح بكل: دخل فيها بالوتر وخرج منها بالشفع، لانه لما دخل بالاولى خرج بالثانية، لان نية الافتتاح بها متضمنة لقطع الاولى.
وهكذا، فإن لم ينو ذلك، ولا تخلل مبطل كإعادة لفظ النية، فما بعد الاولى ذكر لا يؤثر.(1/156)
(ويجب إسماعه) أي التكبير، (نفسه) إن كان صحيح السمع، ولا عارض من نحو لغط.
(كسائر ركن قولي) من الفاتحة والتشهد والسلام.
ويعتبر إسماع المندوب القولي لحصول السنة.
(وسن جزم رائه) أي التكبير، خروجا من خلاف من أوجبه وجهر به لامام كسائر تكبيرات الانتقالات، (ورفع كفيه) أو إحداهما إن تعسر رفع الاخرى، (بكشف) أي مع كشفهما، ويكره خلافه.
ومع تفريق أصابعهما تفريقا وسطا، (خذو) أي(1/157)
مقابل (منكبيه) بحيث يحاذي أطراف أصابعه على أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، للاتباع.
وهذه الكيفية تسن (مع) جميع تكبير (تحرم) بأن يقرنه به ابتداء وينهيهما معا.
(و) مع (ركوع) للاتباع الواردد من طرق كثيرة.
(ورفع منه) أي من الركوع.
(و) رفع (من تشهد أول) للاتباع فيهما.
(ووضعهما تحت صدره) وفوق سرته، للاتباع.
(آخذا بيمينه) كوع (يساره) وردهما من الرفع إلى تحت الصدر أولى من إرسالهما بالكلية، ثم استئناف رفعهما إلى تحت الصدر.
قال المتولي، - واعتمده غيره -: ينبغي أن ينظر قبل(1/158)
الرفع والتكبير إلى موضع سجوده ويطرق رأسه قليلا ثم يرفع.
(و) ثالثها: (قيام قادر) عليه بنفسه أو بغيره (في فرض) ولو مندورا أو معادا.
ويحصل القيام بنصب فقار ظهره - أي عظامه التي هي مفاصله - ولو باستناد إلى شئ بحيث لو زال لسقط.
ويكره الاستناد - لا بانحناء - إن كان أقرب إلى أقل الركوع، إن لم يعجز عن تمام الانتصاب.
(ولعاجز شق عليه قيام) بأن لحقه به مشقة شديدة بحيث لا تحتمل عادة - وضبطها الامام بأن تكون بحيث يذهب معها خشوعه - (صلاة قاعدا) كراكب سفينة خاف نحو دوران رأس إن قام، وسلس لا يستمسك حدثه إلا بالقعود.
وينحني القاعد للركوع بحيث تحاذي جبهته ما قدام ركبتيه.(1/159)
(فرع) قال شيخنا: يجوز لمريض أمكنه القيام بلا مشقة لو انفرد، لا إن صلى في جماعة إلا مع جلوس في بعضها، الصلاة معهم مع الجلوس في بعضها، وإن كان الافضل الانفراد.
وكذا إذا قرأ الفاتحة فقط لم
يقعد، أو والسورة قعد فيها جاز له قراءتها مع القعود، وإن كان الافضل تركها.
انتهى.
والافضل للقاعد الافتراش، ثم التربع، ثم التورك، فإن عجز عن الصلاة قاعدا صلى مضطجعا على جنبه، مستقبلا للقبلة بوجهه ومقدم بدنه، ويكره على الجنب الايسر بلا عذر.
فمستلقيا على ظهره وأخمصاه(1/160)
إلى القبلة، ويجب أن يضع تحت رأسه نحو مخدة ليستقبل بوجهه القبلة، وأن يومئ إلى صوب القبلة راكعا وساجدا، وبالسجود أخفض من الايماء إلى الركوع، إن عجز عنهما.
فإن عجز عن الايماء برأسه أومأ بأجفانه.
فإن عجز، أجرى أفعال الصلاة على قلبه، فلا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا.
وإنما أخروا القيام عن سابقيه - مع تقدمه عليهما - لانهما ركنان حتى في النفل، وهو ركن في الفريضة فقط.
(كمتنفل) فيجوز له أن يصلي النفل قاعدا ومضطجعا، مع القدرة على القيام أو القعود.
ويلزم المضطجع القعود للركوع والسجود، أما مستلقيا فلا يصح مع إمكان الاضطجاع.
وفي المجموع: إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات.
وفي الروضة: تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع.(1/161)
(و) رابعها: (قراءة فاتحة كل ركعة) في قيامها، لخبر الشيخين: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
أي في كل ركعة.
(إلا ركعة مسبوق) فلا تجب عليه فيها حيث لم يدرك زمنا يسع الفاتحة من قيام الامام، ولو في كل الركعات لسبقه في الاولى وتخلف المأموم عنه بزحمة أو نسيان أو بطء حركة، فلم يقم من السجود في كل مما بعدها إلا والامام راكع، فيتحمل الامام المتطهر في غير الركعة الزائدة الفاتحة أو بقيتها عنه.
ولو تأخر مسبوق لم يشتغل بسنة لاتمام الفاتحة فلم يدرك الامام إلا وهو معتدل لغت ركعته.
(مع بسملة) أي مع قراءة(1/162)
البسملة فإنها آية منها، لانه (ص) قرأها ثم الفاتحة وعدها آية منها.
وكذا من كل سورة غير براءة.
(و) مع (تشديدات) فيها، وهي أربع عشرة، لان الحرف المشدد بحرفين.
فإذا خفف بطل منها حرف.
(و) مع (رعاية حروف) فيها، وهي على قراءة ملك - بلا ألف - مائة وواحد وأربعون حرفا، وهي مع تشديداتها مائة وخمسة(1/163)
.
وخمسون من أمكنه التعلم - حرفا بآخر، ولو ضادا بظاء، أو لحن لحنا يغير المعنى، ككسر تاء أنعمت أو ضمها وكسر كاف إياك لا ضمها، فإن تعمد ذلك وعلم تحريمه بطلت صلاته، وإلا فقراءته.
نعم.
إن أعاده الصواب قبل طول الفصل كمل عليها.
أما عاجز لم يمكنه التعلم فلا تبطل قراءته مطلقا، وكذا لاحن لحنا لا يغير المعنى، كفتح دال نعبد، لكنه إن تعمد حرم، وإلا كره.(1/164)
ووقع خلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الهمد لله - بالهاء - وفي النطق بالقاف المترددة بينها وبين الكاف.
وجزم شيخنا في شرح المنهاج بالبطلان فيهما إلا إن تعذر عليه التعلم قبل خروج الوقت.
لكن جزم بالصحة في الثانية شيخه زكريا، وفي الاولى القاضي وابن الرفعة.
ولو خفف قادر - أو عاجز مقصر - مشددا - كأن قرأ ال رحمن بفك الادغام بطلت صلاته إن تعمد وعلم، وإلا فقراءته لتلك الكلمة.
ولو خفف إياك، عامدا عالما معناه، كفر لانه ضوء الشمس، وإلا سجد للسهو.
ولو شدد مخففا صح، ويحرم تعمده كوقفة لطيفة بين السين والتاء من نستعين.
(و) مع رعاية (موالاة) فيها بأن يأتي بكلماتها على الولاء بأن لا يفصل بين شئ منها وما بعده بأكثر من سكتة التنفس أو العي، (فيعيد) قراءة الفاتحة، (بتخلل ذكر أجنبي) لا يتعلق بالصلاة فيها، وإن قل، كبعض آية من غيرها، وكحمد عاطس - وإن سن فيها كخارجها - لاشعاره بالاعراض.
(لا) يعيد(1/165)
الفاتحة (ب) - تخلل ما له تعلق بالصلاة، ك (- تأمين وسجود) لتلاوة إمامه معه، (ودعاء) من سؤال رحمة، واستعاذة من عذاب، وقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين (لقراءة إمامه) الفاتحة أو آية السجدة، أو الآية التي يسن فيها ما ذكر لكل من القارئ والسامع، مأموما أو غيره، في صلاة وخارجها.
فلو قرأ المصلي - آية - أو سمع آية - فيها اسم محمد (ص) لم تندب الصلاة عليه، كما أفتى به النووي.
(و) لا (بفتح عليه) أي الامام إذا توقف فيها بقصد القراءة، ولو مع الفتح، ومحله - كما قال شيخنا - إن سكت، وإلا قطع الموالاة.
وتقديم نحو(1/166)
سبحان الله قبل الفتح يقطعها على الاوجه، لانه حينئذ بمعنى تنبه.
(و) يعيد الفاتحة بتخلل (سكوت طال) فيها
بحيث زاد على سكتة الاستراحة (بلا عذر فيهما)، من جهل وسهو.
فلو كان تخلل الذكر الاجنبي، أو السكوت الطويل، سهوا أو جهلا، أو كان السكوت لتذكر آية، لم يضر، كما لو كرر آية منها في محلها ولو لغير عذر، أو عاد إلى ما قرأه قبل واستمر، على الاوجه.
(فرع) لو شك في أثناء الفاتحة هل بسمل، فأتمها ثم ذكر أنه بسمل أعاد كلها على الاوجه.
(ولا أثر لشك(1/167)
في ترك حرف) فأكثر من الفاتحة، أو آية فأكثر منها.
(بعد تمامها) أي الفاتحة، لان الظاهر حينئذ مضيها تامة.
(واستأنف) وجوبا إن شك فيه (قبله) أي التمام.
كما لو شك هل قرأها أو لا ؟ لان الاصل عدم قراءتها.
وكالفاتحة في ذلك سائر الاركان.
فلو شك في أصل السجود مثلا أتى به، أو بعده في نحو وضع اليد، لم يلزمه شئ.
ولو قرأها غافلا ففطن عند * (صراط الذين) * ولم يتيقن قراءتها لزمه استئنافها.
ويجب الترتيب في الفاتحة بأن يأتي بها على نظمها المعروف لا في التشهد ما لم يخل بالمعنى.
لكن يشترط فيه رعاية تشديدات وموالاة كالفاتحة.(1/168)
ومن جهل جميع الفاتحة ولم يمكنه تعلمها قبل ضيق الوقت، ولا قراءتها في نحو مصحف، لزمه قراءة سبع آيات - ولو متفرقة - لا ينقض حروفها عن حروف الفاتحة، وهي بالبسملة بالتشديدات مائة وستة وخمسون حرفا - بإثبات ألف مالك - ولو قدر على بعض الفاتحة كرره ليبلغ قدرها، وإن لم يقدر على بدل فسبعة أنواع من ذكر كذلك، فوقوف بقدرها.
(وسن) وقيل: يجب (بعد تحرم) بفرض أو نفل، ما عدا صلاة جنازة.
(افتتاح) أي دعاؤه سرا إن أمن(1/169)
فوت الوقت وغلب على ظن المأموم إدراك ركوع الامام، (ما لم يشرع) في تعوذ أو قراءة ولو سهوا.
(أو يجلس مأموم) مع إمامه، وإن أمن مع تأمينه.
(وإن خاف) أي المأموم، (فوت سورة) حيث تسن له.
كما ذكر شيخنا في شرح العباب وقال: لان إدراك الافتتاح محقق، وفوات السورة موهوم، وقد لا يقع.
وورد فيه أدعية كثيرة.
وأفضلها ما رواه مسلم، وهي: وجهت وجهي - أي ذاتي - للذي فطر السموات والارض حنيفا - أي مائلا عن الاديان إلى الدين الحق - مسلما، وما أنا من المشركين.
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين.
ويسن لمأموم يسمع قراءة إمامه الاسراع به، ويزيد -(1/170)
ندبا - المنفرد، وإمام محصورين - غير أرقاء ولا نساء متزوجات - رضوا بالتطويل لفظا ولم يطرأ غيرهم، وإن قل حضوره.
ولم يكن المسجد مطروقا.
ما ورد في دعاء الافتتاح، ومنه ما رواه الشيخان: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب.
اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس.
اللهم اغسلني من خطاياي كما يغسل الثوب بالماء والثلج والبرد.
(ف) - بعد افتتاح وتكبير صلاة عيد - إن أتى بهما - يسن (تعوذ) ولو في صلاة الجنازة، سرا ولو في الجهرية.
وإن جلس مع إمامه (كل ركعة) ما لم يشرع في قراءة ولو سهوا.
وهو في الاولى آكد، ويكره تركه.(1/171)
(و) يسن (وقف على رأس كل آية) حتى على آخر البسملة، خلافا لجمع (منها) أي من الفاتحة، وإن تعلقت بما بعدها، للاتباع.
والاولى أن لا يقف على * (أنعمت عليهم) * لانه ليس بوقف ولا منتهى آية عندنا، فإن وقف على هذا لم تسن الاعادة من أول الآية.
(و) يسن (تأمين) أي قوله: آمين.
بالتخفيف والمد.
وحسن زيادة: رب العالمين، (عقبها) أي الفاتحة - ولو خارج الصلاة - بعد سكتة لطيفة، ما لم يتلفظ بشئ سوى رب(1/172)
اغفر لي.
ويسن الجهر به في الجهرية، - حتى للمأموم - لقراءة إمام تبعا له.
(و) سن لمأموم في الجهرية تأمين (مع) تأمين (إمامه إن سمع) قراءته، لخبر الشيخين: إذا أمن الامام - أي أراد التأمين - فأمنوا.
فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.
وليس لنا ما يسن فيه تحري مقارنة الامام إلا هذا.
وإذا لم يتفق له موافقته أمن عقب تأمينه.
وإن أخر إمامه عن الزمن المسنون فيه التأمين أمن المأموم جهرا.
وآمين اسم فعل بمعنى استجب، مبني على الفتح، ويسكن عند الوقف.(1/173)
(فرع) يسن للامام أن يسكت في الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة - إن علم أنه يقرؤها في سكتة - كما
هو ظاهر، وأن يشتغل في هذه السكتة بدعاء أو قراءة، وهي أولى.
قال شيخنا: وحينئذ فيظهر أنه يراعي الترتيب والموالاة بينها وبين ما يقرؤها وبعدها..(فائدة) يسن سكتة لطيفة بقدر سبحان الله، بين آمين والسورة، وبين آخرها وتكبيرة الركوع، وبين التحرم ودعاء الافتتاح وبينه وبين التعوذ وبينه وبين البسملة.
(و) سن آية فأكثر، والاولى ثلاث (بعدها) أي بعد الفاتحة.
ويسن لمن قرأها من أثناء سورة البسملة.
نص عليه الشافعي.
ويحصل أصل السنة بتكرير سورة واحدة في الركعتين، وبإعادة الفاتحة إن لم يحفظ غيرها، وبقراءة البسملة لا بقصد أنها التي هي أول الفاتحة، وسورة كاملة - حيث لم يرد البعض، كما في التراويح - أفضل من(1/174)
بعض طويلة وإن طال.
ويكره تركها رعاية لمن أوجبها.
وخرج ببعدها ما لو قدمها عليها فلا تحسب، بل يكره ذلك.
وينبغي أن لا يقرأ غير الفاتحة من يلحن فيه لحنا يغير المعنى.
وإن عجز عن التعلم، لانه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة.
وترك السورة جائز.
ومقتضى كلام الامام: الحرمة.
(و) تسن (في) الركعتين (الاوليين) من رباعية أو ثلاثية، ولا تسن في الاخيرتين إلا لمسبوق بأن لم يدرك الاوليين مع إمامه فيقرؤها في باقي صلاته إذا تداركه ولم يكن قرأها فيما أدركه، ما لم تسقط عنه لكونه مسبوقا(1/175)
فيما أدركه، لان الامام إذا تحمل عنه الفاتحة فالسورة أولى.
ويسن أن يطول قراءة الاولى على الثانية، ما لم يرد نص بتطويل الثانية.
وأن يقرأ على ترتيب المصحف، وعلى التوالي، ما لم تكن التي تليها أطول ولو تعارض الترتيب، وتطويل الاولى كأن قرأ الاخلاص، فهل يقرأ الفلق نظرا للترتيب ؟ أو الكوثر نظرا لتطويل الاولى ؟ كل محتمل، والاقرب الاول.
قاله شيخنا في شرح المنهاج.
وإنما تسن قراءة الآية (ل) - لامام ومنفرد و (غير مأموم سمع) قراءة إمامه في الجهرية فتكره له.
وقيل: تحرم.
أما مأموم لم يسمعها، أو سمع صوتا لا يميز حروفه،(1/176)
فيقرأ سرا.
لكن يسن له كما في أوليي السرية تأخير فاتحته عن فاتحة إمامه إن ظن إدراكها قبل ركوعه، وحينئذ يشتغل بالدعاء لا القراءة.
وقال المتولي، وأقره ابن الرفعة: يكره الشروع فيها قبله ولو في السرقة، للخلاف في
الاعتداد بها حينئذ، ولجريان قول بالبطلان إن فرغ منها قبله.
(فرع) يسن لمأموم فرغ من الفاتحة في الثالثة أو الرابعة، أو من التشهد الاول قبل الامام، أن يشتغل بدعاء فيهما، أو قراءة في الاولى وهي أولى.
(و) يسن للحاضر (في) صلاته (جمعة وعشائها) سورة (الجمعة والمنافقون أو سبح وهل أتاك و) في (صبحها) - أي الجمعة - إذا اتسع الوقت (آلم تنزيل) السجدة (وهل أتى.(1/177)
و) في مغربها (الكافرون والاخلاص).
ويسن قراءتهما في صبح الجمعة وغيرها للمسافر، وفي ركعتي الفجر والمغرب والطواف والتحية والاستخارة والاحرام، للاتباع في الكل.
(فرع) لو ترك إحدى المعينتين في الاولى أتى بهما في الثانية، أو قرأ في الاولى ما في الثانية قرأ فيها ما في الاولى.
ولو شرع في غير السورة المعينة، ولو سهوا، قطعها وقرأ المعينة ندبا.
وعند ضيق وقت: سورتان قصيرتان أفضل من بعض الطويلتين المعينتين، خلافا للفارقي.
ولو لم يحفظ إلا إحدى المعينتين قرأها ويبدل الاخرى بسورة حفظها وإن فاته الولاء.
ولو اقتدى في ثانية صبح الجمعة مثلا، وسمع قراءة الامام * (هل أتى) *(1/178)
فيقرأ في ثانيته - إذا قام بعد سلام الامام - الم تنزيل.
كما أفتى به الكمال الرداد وتبعه شيخنا في فتاويه.
لكن قضية كلامه في شرح المنهاج أنه يقرأ في ثانيته إذا قام هل أتى، وإذا قرأ الامام غيرها قرأهما المأموم في ثانيته.
وإن أدرك الامام في ركوع الثانية فكما لو لم يقرأ شيئا فيقرأ السجدة وهل أتى في ثانيته.
كما أفتى به شيخنا.
(تنبيه) يسن الجهر بالقراءة لغير مأموم في صبح وأوليي العشاءين وجمعة، وفيما يقضي بين غروب(1/179)
الشمس وطلوعها، وفي العيدين - قال شيخنا: ولو قضاء - والتراويح ووتر رمضان وخسوف القمر.
ويكره للمأموم الجهر، للنهي عنه.
ولا يجهر مصل - وغيره - إن شوش على نحو نائم أو مصل، فيكره.
كما في المجموع.
وبحث بعضهم المنع من الجهر بقرآن أو غيره بحضرة المصلي مطلقا، لان المسجد وقف على المصلين - أي أصالة - دون الوعاظ والقراء، ويتوسط بين الجهر والاسرار في النوافل المطلقة ليلا (و) سن لمنفرد وإمام ومأموم (تكبير في كل خفض ورفع) للاتباع، (لا) في رفع (من ركوع)، بل يرفع منه قائلا:
سمع الله لمن حمده، (و) سن (مده) - أي التكبير - إلى أن يصل إلى المنتقل إليه، وإن فصل بجلسة(1/180)
الاستراحة.
(و) سن (جهر به) - أي بالتكبير - للانتقال كالتحرم (لامام) وكذا مبلغ احتيج إليه، لكن إن نوى الذكر أو والاسماع، وإلا بطلت صلاته.
كما قال شيخنا في شرح المنهاج.
قال بعضهم: إن التبليغ بدعة منكرة، باتفاق الائمة الاربعة، حيث بلغ المأمومين صوت الامام.
(وكره) أي الجهر به.
(لغيره) من منفرد ومأموم.
(و) خامسها: (ركوع بانحناء بحيث تنال راحتاه) وهما ما عدا الاصابع من الكفين، فلا يكفي وصول(1/181)
الاصابع (ركبتيه) لو أراد وضعهما عليهما عند اعتدال الخلقة.
هذا أقل الركوع.
(وسن) في الركوع (تسوية ظهر وعنق) بأن يمدهما حتى يصيرا كالصفيحة الواحدة، للاتباع.
(وأخذ ركبتيه) مع نصبهما وتفريقهما (بكفيه) مع كشفهما وتفرقة أصابعهما تفريقا وسطا (وقول سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاثا) للاتباع.
وأقل التسبيح فيه وفي السجود مرة، ولو بنحو سبحان الله، وأكثره إحدى عشرة.
ويزيد من مر ندبا: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت.
خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري، وما استقلت به قدمي - أي جميع جسدي - لله رب العالمين.
ويسن فيه وفي السجود: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر(1/182)
لي.
ولو اقتصر على التسبيح أو الذكر فالتسبيح أفضل، وثلاث تسبيحات مع اللهم لك ركعت إلى آخره أفضل من زيادة التسبيح إلى إحدى عشرة.
ويكره الاقتصار على أقل الركوع والمبالغة في خفض الرأس عن الظهر فيه.
ويسن لذكر أن يجافي مرفقيه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، في الركوع والسجود.
ولغيره أن يضم فيهما بعضه لبعض.
(تنبيه) يجب أن لا يقصد بالهوي للركوع غيره، فلو هوي لسجود تلاوة فلما بلغ حد الركوع جعله ركوعا لم يكف، بل يلزمه أن ينتصب ثم يركع، كنظيره من الاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين.
ولو شك غير مأموم وهو ساجد هل ركع ؟ لزمه الانتصاب فورا ثم الركوع، ولا يجوز له القيام راكعا.(1/183)
(و) سادسها (اعتدال) ولو في نفل، على المعتمد.
ويتحقق (بعود) بعد الركوع (لبدء) بأن يعود لما كان عليه قبل ركوعه، قائما كان أو قاعدا.
ولو شك في إتمامه عاد إليه غير المأموم فورا وجوبا وإلا بطلت صلاته.
والمأموم يأتي بركعة بعد سلام إمامه.
(ويسن أن يقول في رفعه) من الركوع (سمع الله لمن حمده) أي تقبل منه حمده، والجهر به لامام ومبلغ لانه ذكر انتقال.
(و) أن يقول (بعد انتصاب) للاعتدال: (ربنا لك الحمد مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد) أي بعدهما، كالكرسي والعرش.
ومل ء بالرفع صفة، وبالنصب حال.
أي مالئا بتقدير كونه جسما، وأن يزيد من مر: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك(1/184)
عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
(و) سن (قنوت بصبح) أي في اعتدال ركعته الثانية، بعد الذكر الراتب على الاوجه، وهو إلى من شئ بعد (و) اعتدال آخره (وتر نصف أخير من رمضان) للاتباع، ويكره في النصف الاول، كبقية السنة.
(وبسائر مكتوبة) من الخمس في اعتدال الركعة الاخيرة، ولو مسبوقا قنت مع إمامه (لنازلة) نزلت بالمسلمين.
ولو واحدا تعدى نفعه - كأسر العالم أو الشجاع -(1/185)
وذلك للاتباع، وسواء فيها الخوف ولو من عدو مسلم، والقحط والوباء.
وخرج بالمكتوبة النفل - ولو عيدا - والمنذورة، فلا يسن فيهما.
(رافعا يديه) حذو منكبيه ولو حال الثناء، كسائر الادعية، للاتباع، وحيث دعا لتحصيل شئ، كدفع بلاء عنه في بقية عمره، جعل بطن كفيه إلى السماء.
أو لرفع بلاء وقع به جعل ظهرهما إليها.
ويكره الرفع لخطيب حالة الدعاء، (بنحو: اللهم اهدني فيمن هديت، إلى آخره) أي وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، أي معهم لا ندرج في سلكهم.
وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك(1/186)
تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت.
تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك.
وتسن آخره الصلاة والسلام على النبي (ص) وعلى آله، ولا تسن أوله.
ويزيد فيه - من مر - قنوت عمر الذي كان يقنت به في الصبح، وهو: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك، ونؤمن بك
ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك.
اللهم إياك نعبد، ولك(1/187)
نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد - أي نسرع - نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
ولما كان قنوت الصبح المذكور أولا ثابتا عن النبي (ص) قدم على هذا، فمن ثم لو أراد أحدهما فقط اقتصر على الاول، ولا يتعين كلمات القنوت، فيجزئ عنها آية تضمنت دعاء إن قصده - كآخر البقرة - وكذا دعاء محض ولو غير مأثور.
قال شيخنا: والذي يتجه أن القانت لنازلة يأتي بقنوت الصبح ثم يختم بسؤال رفع(1/188)
تلك النازلة.
(وجهر به) أي القنوت، ندبا، (إمام) ولو في السرية، لا مأموم لم يسمعه ومنفرد فيسران به مطلقا، (وأمن) جهرا (مأموم) سمع قنوت إمامه للدعاء منه.
ومن الدعاء: الصلاة على النبي (ص)، فيؤمن لها على الاوجه.
أما الثناء وهو: فإنك تقضي - إلى آخره - فيقوله سرا.
أما مأموم لم يسمعه أو سمع صوتا لا يفهمه فيقنت سرا.
(وكره لامام تخصيص نفسه بدعاء) أي بدعاء القنوت، للنهي عن تخصيص نفسه بالدعاء.
فيقول الامام: اهدنا، وما عطف عليه بلفظ الجمع.
وقضيته أن سائر الادعية كذلك، ويتعين حمله على ما لم يرد(1/189)
عنه (ص) وهو إمام بلفظ الافراد وهو كثير.
قال بعض الحفاظ: إن أدعيته كلها بلفظ الافراد، ومن ثم جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت.
(و) سابعها: (سجود مرتين) كل ركعة، (على غير محمول) له، (وإن تحرك بحركته) ولو نحو سرير يتحرك بحركته لانه ليس بمحمول له فلا يضر السجود عليه، كما إذا سجد على محمول لم يتحرك بحركته كطرف من ردائه الطويل.
وخرج بقولي: على غير محمول له، ما لو سجد على محمول يتحرك بحركته، كطرف من عمامته، فلا يصح، فإن سجد عليه بطلت الصلاة إن تعمد وعلم تحريمه، وإلا أعاد السجود.
ويصح(1/190)
على يد غيره، وعلى نحو منديل بيده لانه في حكم المنفصل، ولو سجد على شئ فالتصق بجبهته صح، ووجب إزالته للسجود الثاني.
(مع تنكيس) بأن ترتفع عجيزته وما حولها على رأسه ومنكبيه، للاتباع.
فلو
انعكس أو تساويا لم يجزئه.
نعم، إن كان به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك أجزأه، (بوضع بعض جبهته(1/191)
بكشف) أي مع كشف.
فإن كان عليها حائل كعصابة لم يصح، إلا أن يكون لجراحة وشق عليه إزالته مشقة شديدة، فيصح.
(و) مع (تحامل) بجبهته فقط على مصلاه، بأن ينال ثقل رأسه، خلافا للامام.
(و) وضع بعض (ركبتيه و) بعض (بطن كفيه) من الراحة وبطون الاصابع (و) بعض بطن (أصابع قدميه) دون ما عدا ذلك، كالحرف وأطراف الاصابع وظهرهما.
ولو قطعت أصابع قدميه وقدر على وضع شئ من بطنهما لم يجب، كما اقتضاه كلام الشيخين.
ولا يجب التحامل عليها بل يسن، ككشف غير الركبتين.
(وسن) في السجود (وضع أنف) بل يتأكد لخبر صحيح، ومن ثم اختير وجوبه.
ويسن وضع الركبتين أولا متفرقتين قدر(1/192)
شبر، ثم كفيه حذو منكبيه، رافعا ذراعيه عن الارض وناشرا أصابعه مضمومة للقبلة، ثم جبهته وأنفه معا، وتفريق قدميه قدر شبر ونصبهما موجها أصابعهما للقبلة، وإبرازهما من ذيله.
ويسن فتح عينيه حالة السجود - كما قاله ابن عبد السلام، وأقره الزركشي -.
ويكره مخالفة الترتيب المذكور وعدم وضع الانف، (وقول: سبحان ربي الاعلى وبحمده ثلاثا) في السجود للاتباع.
ويزيد من مر ندبا: اللهم لك سجدت، وبك آمنت،(1/193)
ولك أسلمت.
سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين.
ويسن إكثار الدعاء فيه.
ومما ورد فيه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك.
وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره.
قال في الروضة: تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع.
(و) ثامنها: (جلوس بينهما) أي السجدتين، ولو في نفل على المعتمد.
ويجب أن لا يقصد برفعه غيره،(1/194)
فلو رفع فزعا - من نحو لسع عقرب - أعاد السجود.
ولا يضر إدامة وضع يديه على الارض إلى السجدة الثانية اتفاقا، خلافا لمن وهم 2 فيه.
(ولا يطوله، ولا اعتدالا) لانهما غير مقصودين لذاتهما بل شرعا للفصل، فكانا
قصيرين.
فإن طول أحدهما فوق ذكره المشروع فيه - قدر الفاتحة في الاعتدال أقل التشهد في الجلوس - عامدا عالما بطلت صلاته.
(وسن فيه) الجلوس بين السجدتين، (و) في (تشهد أول) وجلسة استراحة، وكذا في تشهد أخير إن تعقبه سجود سهو.
(افتراش) بأن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي ظهرها الارض، (واضعا كفيه) على فخذيه قريبا من ركبتيه بحيث تسامتهما رؤوس الاصابع، ناشرا أصابعه، (قائلا: رب اغفر لي، إلى(1/195)
آخره) تتمته: وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني، وعافني.
للاتباع.
ويكره: اغفر لي، ثلاثا.
(و) سن (جلسة استراحة) بقدر الجلوس بين السجدتين - للاتباع -، ولو في نفل، وإن تركها الامام - خلافا لشيخنا - (لقيام) أي لاجله، عن سجود لغير تلاوة.
ويسن اعتماد على بطن كفيه في قيام من سجود وقعود.
(و) تاسعها: (طمأنينة في كل) من الركوع والسجودين، والجلوس بينهما، والاعتدال، ولو كانا في(1/196)
نفل، خلافا للانوار.
وضابطها أن تستقر أعضاوه بحيث ينفصل ما انتقل إليه عما انتقل عنه..(و) عاشرها: (تشهد أخير، وأقله) ما رواه الشافعي والترمذي: (التيحات لله إلى آخره) تتمته: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا(1/197)
رسول الله.
ويسن لكل زيادة: المباركات الصلوات الطيبات، وأشهد الثاني، وتعريف السلام في الموضعين، لا البسملة قبله، ولا يجوز إبدال لفظ من هذا الاقل ولو بمرادفه، كالنبي بالرسول وعكسه، ومحمد بأحمد وغيره، ويكفي: وأن محمدا عبده ورسوله، لا وأن محمدا رسوله.
ويجب أن يراعي هنا التشديدات، وعدم إبدال حرف بآخر،(1/198)
والموالاة لا الترتيب إن لم يخل بالمعنى.
فلو أظهر النون المدغمة في اللام في أن لا إله إلا الله أبطل لتركه شدة منه، كما لو ترك إدغام دال محمد في راء رسول الله.
ويجوز في النبي الهمزة والتشديد.
(و) حادي عشرها: (صلاة على النبي) (ص) (بعده) أي بعد تشهد أخير، فلا تجزئ قبله.
(وأقلها: اللهم(1/199)
صل) أي ارحمه رحمة مقرونة بالتعظيم، أو صلى الله (على محمد)، أو على رسوله، أو على النبي، دون أحمد.
(وسن في) تشهد (أخير) وقيل: يجب.
(صلاة على آله) فيحصل أقل الصلاة على الآل بزيادة وآله، مع أقل الصلاة لا في الاول على الاصح، لبنائه على التخفيف، ولان فيها نقل ركن قولي على قول، وهو مبطل على قول.
واختير مقابله لصحة أحاديث فيه.
(ويسن أكملها في تشهد) أخير، وهو: اللهم صل على محمد(1/200)
وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
والسلام تقدم في التشهد فليس هنا إفراد الصلاة عنه، ولا بأس بزيادة سيدنا قبل محمد.
(و) سن في تشهد أخير (دعاء) بعد ما ذكر كله.
وأما التشهد الاول فيكره فيه الدعاء لبنائه على التخفيف، إلا إن فرغ قبل إمامه فيدعو حينئذ.
ومأثوره أفضل، وآكده ما أوجبه بعض العلماء، وهو:(1/201)
اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
ويكره تركه.
ومنه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني.
أنعت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
رواهما مسلم.
ومنه أيضا: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، إنك أنت الغفور الرحيم.
رواه البخاري.
ويسن أن ينقص دعاء الامام عن قدر أقل التشهد، والصلاة على النبي (ص).
قال شيخنا: تكره الصلاة على النبي (ص) بعد أدعية التشهد.(1/202)
(و) ثاني عشرها: (قعود لهما) أي للتشهد والصلاة، وكذا للسلام.
(وسن تورك فيه) أي في قعود التشهد الاخير، وهو ما يعقبه سلام.
فلا يتورك مسبوق في تشهد إمامه الاخير، ولا من يسجد لسهو.
وهو كالافتراش، لكن يخرج يسراه من جهة يمناه ويلصق وركه بالارض.
(ووضع يديه في) قعود (تشهديه على طرف ركبتيه) بحيث تسامته رؤوس الاصابع، (ناشرا أصابع يسراه) مع ضم لها، (وقابضا) أصابع (يمناه إلا المسبحة) - بكسر الباء، وهي التي تلي الابهام - فيرسلها.
(و) سن (رفعها) - أي المسبحة - مع إمالتها قليلا
(عند) همزة (إلا الله) للاتباع.
(وإدامته) أي الرفع.
فلا يضعها بل تبقى مرفوعة إلى القيام أو السلام، والافضل(1/203)
قبض الابهام بجنبها، بأن يضع رأس الابهام عند أسفلها على حرف الراحة، كعاقد ثلاثة وخمسين.
ولو وضع اليمنى على غير الركبة يشير بسبابتها حينئذ، ولا يسن رفعها خارج الصلاة عند إلا الله.
(و) سن (نظر إليها) أي(1/204)
قصر النظر إلى المسبحة حال رفعها، ولو مستورة بنحو كم، كما قال شيخنا.
(و) ثالث عشرها: تسليمة أولى، (وأقلها: السلام عليكم) للاتباع، ويكره عليكم السلام، ولا يجزئ(1/205)
سلام عليكم - بالتنكير - ولا سلام الله - أو سلامي - عليكم.
بل تبطل الصلاة إن تعمد وعلم.
كما في شرح الارشاد لشيخنا.
(وسن) تسليمة (ثانية) وإن تركها إمامه، وتحرم إن عرض بعد الاولى مناف، كحدث وخروج وقت جمعة ووجود عار سترة.
(و) يسن أن يقرن كلا من التسليمتين (برحمة الله) أي معها، دون: وبركاته، على المنقول في غير الجنازة.
لكن اختير ندبها لثبوتها من عدة طرق.
(و) مع (التفات فيهما) حتى يرى خده الايمن في الاولى والايسر في الثانية.
(تنبيه) يسن لكل من الامام والمأموم والمنفرد أن ينوي السلام على من التفت هو إليه ممن عن يمينه(1/206)
بالتسليمة الاولى، وعن يساره بالتسليمة الثانية، من ملائكة ومؤمني إنس وجن، وبأيتهما شاء على من خلفه وأمامه وبالاولى أفضل.
وللمأموم أن ينوي الرد على الامام بأي سلاميه شاء إن كان خلفه، وبالثانية إن كان عن يمينه، وبالاولى إن كان عن يساره.
ويسن أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض، فينويه من على يمين المسلم بالتسليمة الثانية ومن على يساره بالاولى، ومن خلفه وأمامه بأيتهما شاء، وبالاولى أولى.
(فروع) يسن نية الخروج من الصلاة بالتسليمة الاولى خروجا من الخلاف في وجوبها، وأن يدرج(1/207)
السلام، وأن يبتدئة مستقبلا بوجهه القبلة، وأن ينهيه مع تمام الالتفات، وأن يسلم المأموم بعد تسليمتي الامام.
(و) رابع عشرها: (ترتيب بين أركانها) المتقدمة كما ذكر.
فإن تعمد الاخلال بالترتيب بتقديم ركن فعلي، كأن سجد قبل الركوع، بطلت صلاته.
أما تقديم الركن القولي فلا يضر إلا السلام.
والترتيب بين السنن كالسورة بعد الفاتحة، والدعاء بعد التشهد والصلاة، شرط للاعتداد بسنيتها، (ولو سها غير مأموم) في الترتيب (بترك ركن) كأن سجد قبل الركوع، أو ركع قبل الفاتحة، لغا ما فعله حتى يأتي بالمتروك.
فإن تذكر قبل بلوغ مثله أتى به، وإلا فسيأتي بيانه.
(أو شك) هو - أي غير(1/208)
المأموم - في ركن هل فعل أم لا، كأن شك راكعا هل قرأ الفاتحة، أو ساجدا هل ركع أو اعتدل، (أتى به) فورا وجوبا (إن كان) الشك (قبل فعله مثله) أي مثل المشكوك فيه من ركعة أخرى (وإلا) أي وإن لم يتذكر حتى فعل مثله في ركعة أخرى (أجزأه) عن متروكه، ولغا ما بينهما.
هذا كله إن علم عين المتروك ومحله، فإن جهل عينه وجوز أنه النية أو تكبيرة الاحرام بطلت صلاته.
ولم يشترط هنا طول فصل ولا مضي ركن، أو أنه السلام يسلم، وإن طال الفصل على الاوجه.
أو أنه غيرهما أخذ بالاسوأ وبنى على ما فعله، (وتدارك) الباقي من صلاته.
نعم،(1/209)
إن لم يكن المثل من الصلاة كسجود تلاوة لم يجزئه.
أما مأموم علم أو شك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة فيقرؤها ويسعى خلفه، وبعد ركوعهما لم يعد إلى القيام لقراءته الفاتحة بل يتبع إمامه ويصلي ركعة بعد سلام الامام.
(فرع) (سن دخول صلاة بنشاط) لانه تعالى ذم تاركيه بقوله: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) *(1/210)
والكسل: الفتور والتواني.
(وفراغ قلب) من الشواغل لانه أقرب إلى الخشوع.
(و) سن (فيها) أي في صلاته كلها، (خشوع بقلبه) بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه وإن تعلق بالآخرة.
(وبجوارحه) بأن لا يعبث بأحدها،(1/211)
وذلك لثناء الله تعالى في كتابه العزيز على فاعليه بقوله: * (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) * ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه، كما دلت عليه الاحاديث الصحيحة.
ولان لنا وجها اختاره جمع أنه
شرط للصحة.
ومما يحصل الخشوع استحضاره أنه بين يدي ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى.
يناجيه،(1/212)
وأنك ربما تجلى عليه بالقهر لعدم القيام بحق ربوبيته فرد عليه صلاته.
وقال سيدي القطب العارف بالله محمد البكري رضي الله عنه: إن مما يورث الخشوع إطالة الركوع والسجود (وتدبر قراءة) أي تأمل معانيها.
قال تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن) * ولان به يكمل مقصود(1/213)
الخشوع.
(و) تدبر (ذكر) قياسا على القراءة، (و) سن (إدامة نظر محل سجوده) لان ذلك أقرب إلى الخشوع، ولو أعمى، وإن كان عند الكعبة أو في الظلمة، أو في صلاة الجنازة.
نعم، السنة أن يقصر نظره على مسبحته عند رفعها في التشهد لخبر صحيح فيه، ولا يكره تغميض عينيه إن لم يخف ضررا.
(فائدة) يكره للمصلي الذكر وغيره ترك شئ من سنن الصلاة.
قال شيخنا: وفي عمومه نظر.
والذي يتجه تخصيصه بما ورد فيه نهي أو خلاف في الوجوب.(1/214)
(و) سن (ذكر ودعاء سرا عقبها) أي الصلاة.
أي يسن الاسرار بهما لمنفرد ومأموم وإمام لم يرد تعليم(1/215)
الحاضرين ولا تأمينهم لدعائه بسماعه.
وورد فيهما أحاديث كثيرة ذكرت جملة منها في كتابي إرشاد العباد فاطلبه فإنه مهم.
وروى الترمذي عن أبي أمامة قال: قيل لرسول الله (ص): أي الدعاء أسمع ؟ أي أقرب إلى الاجابة ؟ قال: جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات.
وروى الشيخان عن أبي موسى قال: كنا مع النبي (ص) فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي (ص): يأيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه حكيم سميع قريب.
احتج به البيهقي وغيره للاسرار بالذكر والدعاء.
وقال الشافعي في الام: أختار للامام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد السلام من الصلاة، ويخفيا الذكر، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه ثم يسر، فإن الله تعالى يقول: * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) * يعني - والله أعلم - الدعاء، ولا تجهر حتى تسمع غيرك، ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك.
انتهى.(1/216)
(فائدة) قال شيخنا: أما المبالغة في الجهر بهما في المسجد بحيث يحصل تشويش على مصل فينبغي حرمتها.
(فروع) يسن افتتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة على النبي (ص)، والختم بهما وبآمين.
وتأمين مأموم سمع دعاء الامام، وإن حفظ ذلك.
ورفع يديه الطاهرتين حذو منكبيه، ومسح الوجه بهما بعده.
واستقبال القبلة حالة(1/217)
الذكر أو الدعاء، إن كان منفردا أو مأموما.
أما الامام إذا ترك القيام من مصلاه الذي هو أفضل له فالافضل جعل يمينه إلى المأمومين ويساره إلى القبلة.
قال شيخنا: ولو في الدعاء.
وانصرافه لا ينافي ندب الذكر له عقبها لانه يأتي به في محله الذي ينصرف إليه، ولا يفوت بفعل الراتبة، وإنما الفائت به كماله لا غيره.
وقضية كلامهم حصول ثواب الذكر وإن جهل معناه، ونظر فيه الاسنوي.
ولا يأتي هذا في القرآن للتعبد بلفظه فأثيب قارئه وإن(1/218)
لم يعرف معناه، بخلاف الذكر لا بد أن يعرفه ولو بوجه.
انتهى.
ويندب أن ينتقل لفرض أو نفل من موضع صلاته ليشهد له الموضع حيث لم تعارضه فضيلة، نحو صف أول، فإن لم ينتقل فصل بكلام إنسان.
والنفل لغير المعتكف في بيته أفضل إن أمن فوته، أو تهاونا به، إلا في نافلة المبكر للجمعة، أو ما سن فيه الجماعة، أو ورد في المسجد كالضحى، وأن يكون انتقال المأموم بعد(1/219)
انتقال إمامه.
(وندب) لمصل (توجه لنحو جدار) أو عمود من كل شاخص طول ارتفاعه ثلثا ذراع فأكثر.
وما بينه وبين عقب المصلي ثلاثة أذرع فأقل، ثم إن عجز عنه (ف) - لنحو (عصا مغروزة) كمتاع، (ف) - إن لم يجده ندب (بسط مصلى) كسجادة، ثم إن عجز عنه خط أمامه خطا في ثلاثة أذرع عرضا أو طولا، وهو أولى، لخبر أبي داود: إذا صلى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ثم لا يضره ما مر أمامه.
وقيس بالخط المصلى، وقدم على الخط لانه أظهر في المراد.
والترتيب(1/220)
المذكور هو المعتمد، خلافا لما يوهمه كلام ابن المقري.
فمتى عدل عن رتبة إلى ما دونها مع القدرة عليها كانت كالعدم.
ويسن أن لا يجعل السترة تلقاء وجهه بل عن يمينه أو يساره، وكل صف سترة لمن خلفه إن قرب منه.
قال البغوي: سترة الامام سترة من خلفه.
انتهى.
ولو تعارضت السترة والقرب من الامام أو الصف الاول فما الذي يقدم ؟ قال شيخنا: كل محتمل وظاهر قولهم يقدم الصف الاول في مسجده (ص) وإن كان خارج مسجده المختص بالمضاعفة تقديم نحو الصف الاول.
انتهى.(1/221)
وإذا صلى إلى شئ منها فيسن له ولغيره دفع مار بينه وبين السترة المستوفية للشروط، وقد تعدى بمروره لكونه مكلفا.
ويحرم المرور بينه وبين السترة حين يسن له الدفع، وإن لم يجد المار سبيلا ما لم يقصر بوقوف في طريق أو في صف مع فرجة في صف آخر بين يديه فلداخل خرق الصفوف وإن كثرت حتى يسدها.
(وكره فيها) أي الصلاة، (التفات) بوجه بلا حاجة.
وقيل: يحرم.
واختير للخبر الصحيح: لا يزال الله مقبلا على العبد في مصلاه - أي برحمته ورضاه - ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه.
فلا يكره لحاجة، كما لا يكره مجرد لمح العين (ونظر نحو سماء) مما يلهي، كثوب له أعلام، لخبر البخاري: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم(1/222)
إلى السماء في صلاتهم.
فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم.
ومن ثم كرهت أيضا في مخطط أو إليه أو عليه لانه يخل بالخشوع.
(وبصق) في صلاته، وكذا خارجها، (أماما) أي قبل وجهه، وإن لم يكن من هو خارجها مستقبلا، كما أطلقه النووي (ويمينا) لا يسارا، لخبر الشيخين: إذا كان(1/223)
أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه عزوجل، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه، بل عن يساره أو تحت قدمه اليسرى أو في ثوب من جهة يساره.
وهو أولى.
قال شيخنا: ولا بعد في مراعاة ملك اليمين دون ملك اليسار إظهارا لشرف الاول، ولو كان على يساره فقط إنسان بصق عن يمينه، إذا لم يمكنه أن يطأطئ رأسه، ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار.
وإنما يحرم البصاق في المسجد إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة
وأصاب جزءا من أجزائه دون هوائه.
وزعم حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزائه بعيد غير معول عليه،(1/224)
ودون تراب لم يدخل في وقفه.
قيل: ودون حصره، لكن يحرم عليها من جهة تقذيرها كما هو ظاهر.
اه.
ويجب إخراج نجس منه فورا عينيا على من علم به، وإن أرصد لازالته من يقوم بها بمعلوم، كما اقتضاه إطلاقهم.
ويحرم بول فيه ولو في نحو طشت.
وإدخال نعل متنجسة لم يأمن التلويث.
ورمي نحو قملة فيه ميتة وقتلها في أرضه وإن قل دمها، وأما إلقاؤها أو دفنها فيه حية، فظاهر فتاوي النووي حله، وظاهر كلام الجواهر تحريمه، وبه صرح ابن يونس.
ويكره فصد وحجامة فيه بإناء، ورفع صوت، ونحو بيع وعمل صناعة فيه.(1/225)
(وكشف رأس ومنكب) واضطباع ولو من فوق القميص.
قال الغزالي في الاحياء: لا يرد رداءه إذا سقط، أي إلا لعذر، ومثله العمامة ونحوها.
(و) كره (صلاة بمدافعة حدث) كبول وغائط وريح، للخبر الآتي، ولانها تخل بالخشوع.
بل قال جمع: إن ذهب بها بطلت.
ويسن له تفريغ نفسه قبل الصلاة وإن فاتت الجماعة، وليس له الخروج من الفرض إذا طرأت له فيه، ولا تأخيره إذا ضاق وقته.
والعبرة في كراهة ذلك بوجودها عند التحرم.
وينبغي أن يلحق به ما لو عرضت له قبل التحرم فزالت وعلم من عادته أنها تعود إليه في الصلاة.
وتكره بحضرة طعام أو شراب يشتاق إليه، لخبر مسلم: لا صلاة - أي كاملة - بحضرة طعام، ولا صلاة وهو يدافعه الاخبثان(1/226)
- أي البول والغائط -.
(و) كره صلاة في طريق بنيان لا برية، وموضع مكس، و (بمقبرة) إن لم يتحقق نبشها، سواء صلى إلى القبر أم عليه أم بجانبه، كما نص عليه في الام.
وتحرم الصلاة لقبر نبي أو نحو ولي تبركا أو إعظاما.
وبحث الزين العراقي عدم كراهة الصلاة في مسجد طرأ دفن الناس حوله، وفي أرض مغصوبة.
وتصح بلا ثوب كما في ثوب مغصوب، وكذا إن شك في رضا مالكه لا إن ظنه بقرينة.
وفي الجيلي: لو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة أحرم ماشيا.
ورجحه الغزي.
قال شيخنا: والذي يتجه أنه لا يجوز له صلاة شدة(1/227)
الخوف وأنه يلزمه الترك حتى يخرج منها، كما له تركها لتخليص ماله لو أخذ منه، بل أولى.
(فصل) في أبعاض الصلاة ومقتضي سجود السهو.
(تسن سجدتان قبيل سلام) وإن كثر السهو، وهما(1/228)
والجلوس بينهما كسجود الصلاة والجلوس بين سجدتيها في واجباتها الثلاثة ومندوباتها السابقة، كالذكر فيها.
وقيل: يقول فيهما: سبحان من لا ينام ولا يسهو.
وهو لائق بالحال.
وتجب نية سجود السهو بأن يقصده عن السهو عند شروعه فيه، (لترك بعض) واحد من أبعاض ولو عمدا.
فإن سجد لترك غير بعض عالما عامدا(1/229)
بطلت صلاته.
(وهو تشهد أول) أي الواجب منه في التشهد الاخير، أو بعضه، ولو كلمة.
(وقعوده) وصورة تركه وحده كقيام القنوت أن لا يحسنهما، إذ يسن أن يجلس ويقف بقدرهما.
فإذا ترك أحدهما سجد، (وقنوت راتب) أو بعضه، وهو قنوت الصبح.
ووتر نصف رمضان، دون قنوت النازلة.
(وقيامه) ويسجد تارك القنوت تبعا لامامه الحنفي، أو لاقتدائه في صبح بمصلي سنتها على الاوجه فيهما.
(وصلاة على النبي) (ص) (بعدهما)(1/230)
أي بعد التشهد الاول والقنوت.
(وصلاة على آل بعد) تشهد (أخير وقنوت).
وصورة السجود لترك الصلاة على الآل في التشهد الاخير أن يتيقن ترك إمامه لها، بعد أن سلم إمامه وقبل أن يسلم هو، أو بعد أن سلم وقرب الفصل.
وسميت هذه السنن أبعاضا لقربها بالجبر بالسجود من الاركان، (ولشك فيه) أي في ترك بعض مما مر معين، كالقنوت هل فعله ؟ لان الاصل عدم فعله.
(ولو نسي) منفرد أو إمام (بعضا) كتشهد أول أو قنوت،(1/231)
(وتلبس بفرض) من قيام أو سجود، لم يجز له العود إليه.
(فإن عاد) له بعد انتصاب، أو وضع جبهته عامدا عالما بتحريمه (بطلت) صلاته، لقطعه فرضا لنفل.
(لا) إن عاد له (جاهلا) بتحريمه.
وإن كان مخالطا لنا لان هذا مما يخفى على العوام، وكذا ناسيا أنه فيها فلا تبطل لعذره، ويلزمه العود عند تعلمه أو تذكره.
(لكن يسجد) للسهو لزيادة قعود أو اعتدال في غير محله.
(ولا) إن عاد (مأموما) فلا تبطل صلاته إذا انتصب أو سجد وحده (سهوا، بل عليه) أو على المأموم الناسي (عود) لوجوب متابعة الامام.
فإن لم يعد بطلت صلاته إن لم(1/232)
ينو مفارقته، أما إذا تعمد ذلك فلا يلزمه العود بل يسن له.
كما إذا ركع مثلا قبل إمامه، ولو لم يعلم الساهي حتى قام إمامه لم يعد.
قال البغوي: ولم يحسب ما قرأه قبل قيامه.
وتبعه الشيخ زكريا، قال شيخنا في شرح المنهاج: وبذلك يعلم أن من سجد سهوا أو جهلا وإمامه في القنوت لا يعتد له بما فعله، فيلزمه العود للاعتدال، وإن فارق الامام، أخذا من قولهم: لو ظن سلام الامام فقام ثم علم في قيامه أنه لم يسلم لزمه القعود ليقوم منه، ولا يسقط عنه بنية المفارقة وإن جازت، لان قيامه وقع لغوا، ومن ثم لو أتم جاهلا لغا ما أتى به فيعيده ويسجد للسهو.
وفيما إذا لم يفارقه إن تذكر أو علم وإمامه في القنوت فواضح أنه يعود إليه، أو وهو في(1/233)
السجدة الاولى عاد للاعتدال وسجد مع الامام، أو فيما بعدها.
فالذي يظهر أنه يتابعه ويأتي بركعة بعد سلام الامام.
انتهى.
قال القاضي: ومما لا خلاف فيه قولهم: لو رفع رأسه من السجدة الاولى قبل إمامه ظانا أنه رفع، وأتى بالثانية ظانا أن الامام فيها، ثم بان أنه في الاولى لم يحسب له جلوسه ولا سجدته الثانية ويتابع الامام.
أي فإن لم يعلم بذلك إلا والامام قائم أو جالس أتى بركعة بعد سلام الامام.
وخرج بقولي، وتلبس بفرض ما إذا لم يتلبس به غير مأموم، فيعود الناسي ندبا قبل الانتصاب أو وضع الجبهة، ويسجد للسهو، إن(1/234)
قارب القيام في صورة ترك التشهد، أو بلغ حد الركوع في صورة ترك القنوت.
ولو تعمد غير مأموم تركه فعاد عالما عامدا بطلت صلاته إن قارب أو بلغ ما مر، بخلاف المأموم.
(ولنقل) مطلوب (قولي غير مبطل) نقله إلى غير محله - ولو سهوا - ركنا كان كفاتحة وتشهد أو بعض أحدهما، أو غير ركن كسورة إلى غير القيام وقنوت إلى(1/235)
ما قبل الركوع أو بعده في الوتر في غير نصف رمضان الثاني، فيسجد له.
أما نقل الفعلي فيبطل تعمده.
وخرج بقولي غير مبطل ما يبطل، كالسلام وتكبير التحرم بأن كبر بقصده.
(ولسهو ما يبطل عمده لا هو) أي السهو.
كتطويل ركن قصير، وقليل كلام، وأكل، وزيادة ركن فعلي، لانه (ص) صلى الظهر خمسا وسجد للسهو.(1/236)
وقيس به غيره، وخرج بما يبطل عمده ما يبطل سهوه أيضا، ككلام كثير.
وما لا يبطل سهوه ولا عمده، كالفعل
القليل والالتفات، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده.
(ولشك فيما صلاه واحتمل زيادة) لانه إن كان زائدا فالسجود للزيادة وإلا فلتردد الموجب لضعف النية.
فلو شك أصلى ثلاثا أم أربعا مثلا أتى بركعة لان الاصل عدم فعلها، ويسجد للسهو، وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر قبله أنها رابعة، للتردد في زيادتها.
ولا يرجع في فعلها إلى ظنه ولا إلى قول غيره أو فعله، وإن كانوا جمعا كثيرا ما لم يبلغوا عدد التواتر.
وأما لا يحتمل زيادة، كأن شك(1/237)
في ركعة من رباعية أهي ثالثة أم رابعة ؟ فتذكر قبل القيام للرابعة أنها ثالثة فلا يسجد، لان ما فعله منها مع التردد لا بد منه بكل تقدير، فإن تذكر بعد القيام لها سجد لتردده حال القيام إليها في زيادتها.
(و) سن للمأموم سجدتان (لسهو إمام) متطهر وإمامه، ولو كان سهوه قبل قدوته، (وإن فارقه) أو بطلت صلاة الامام بعد وقوع السهو منه، (أو ترك) الامام السجود جبرا للخلل الحاصل في صلاته، فيسجد بعد سلام الامام وعند سجوده يلزم المسبوق والموافق متابعته، وإن لم يعرف أنه سها، وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد ويعيده المسبوق(1/238)
- ندبا - آخر صلاة نفسه، (لا لسهوه) أي سهو المأموم (حال القدوة خلف إمام) فيتحمله عند الامام المتطهر، لا المحدث ولا ذو خبث خفي، بخلاف سهوه بعد سلام الامام فلا يتحمله لانقضاء القدوة.
ولو ظن المأموم سلام الامام فسلم فبان خلاف ظنه سلم معه ولا سجود، لانه سهو في حال القدوة.(1/239)
(فرع) لو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن غير نية وتكبيرة، أو شك فيه، أتى بعد سلام إمامه بركعة ولا يسجد في التذكر لوقوع سهوه حال القدوة.
بخلا ف الشك لفعله بعدها زائدا بتقدير.
ومن ثم لو شك في إدراك ركوع الامام، أو في أنه أدرك الصلاة معه كاملة أو ناقصة ركعة، أتى بركعة وسجد فيها لوجود شكه المقتضي للسجود بعد القدوة أيضا.
ويفوت سجود السهو إن سلم عمدا، وإن قرب الفصل، أو سهوا وطال عرفا.
وإذا سجد صار عائدا إلى الصلاة فيجب أن يعيد السلام، وإذا عاد الامام لزم المأموم الساهي العود، وإلا بطلت(1/240)
صلاته إن تعمد وعلم.
ولو قام المسبوق ليتم فيلزمه العود لمتابعة إمامه إذا عاد.
(تنبيه) لو سجد الامام بعد فراغ المأموم الموافق من أقل التشهد وافقه وجوبا في السجود، أو قبل أقله تابعه وجوبا، ثم يتم تشهده.
(ولو شك بعد سلام في) إخلال شرط أو ترك (فرض غير نية و) تكبير (تحرم لم يؤثر) وإلا لعسر وشق،(1/241)
ولان الظاهر مضيها على الصحة.
أما الشك في النية وتكبيرة الاحرام فيؤثر على المعتمد، خلافا لمن أطال في عدم الفرق.
وخرج بالشك ما لو تيقن ترك فرض بعد سلام فيجب البناء ما لم يطل الفصل، أو يطأ نجسا، وإن استدبر القبلة أو تكلم أو مشى قليلا.
قال الشيخ زكريا في شرح الروض: وإن خرج من والمسجد.
والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف.
وقيل: يعتبر القصر بالقدر الذي نقل عن النبي (ص) في خبر ذي اليدين،(1/242)
والطول بما زاد عليه.
والمنقول في الخبر أنه قام ومضى إلى ناحية المسجد، وراجع ذا اليدين، وسأل الصحابة.
انتهى.
وحكى الرافعي عن البويطي أن الفصل الطويل ما يزيد على قدر ركعة، وبه قال أبو إسحاق.
وعن أبي هريرة أن الطويل قدر الصلاة التي كان فيها.
(قاعدة): وهي أن ما شك في تغيره عن أصله يرجع به إلى الاصل، وجودا كان أو عدما، ويطرح الشك، فلذا قالوا: كمعدوم مشكوك فيه.
(تتمة) تسن سجدة التلاوة لقارئ وسامع جميع آية سجدة، ويسجد مصل لقراءته، إلا مأموما فيسجد هو(1/243)
لسجدة إمامه فإن سجد إمامه وتخلف هو عنه، أو سجد هو دونه، بطلت صلاته، ولو لم يعلم المأموم سجوده بعد رفع رأسه من السجود لم تبطل صلاته ولا يسجد، بل ينتظر قائما.
أو قبله هوى، فإذا رفع قبل سجوده رفع معه(1/244)
ولا يسجد.
ويسن للامام في السرية تأخير السجود إلى فراغه.
بل بحث ندب تأخيره في الجهرية أيضا في الجوامع العظام، لانه يخلط على المأمومين.
ولو قرأ آيتها فركع بأن بلغ أقل الركوع ثم بدا له السجود لم يجز لفوات محله.
ولو هوي للسجود فلما بلغ حد الركوع صرفه له لم يكفه عنه.
وفروضها لغير مصل: نية سجود التلاوة، وتكبير تحرم، وسجود كسجود الصلاة، وسلام.
ويقول فيها(1/245)
ندبا: سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين.
(فائدة) تحرم القراءة بقصد السجود فقط في صلاة أو وقت مكروه، وتبطل الصلاة به.
بخلافها بقصد السجود وغيره مما يتعلق بالقراءة فلا كراهة مطلقا.
ولا يحل التقرب إلى الله تعالى بسجدة بلا سبب، ولو بعد الصلاة.
وسجود الجهلة بين يدي مشايخهم حرام اتفاقا.(1/246)
فصل في مبطلات الصلاة (تبطل الصلاة) فرضها ونفلها لا صوم واعتكاف (بنية قطعها) وتعليقه بحصول شئ ولو محالا عاديا.
(وتردد فيه) أي القطع، ولا مؤاخذة بوسواس قهري في الصلاة كالايمان وغيره، (وبفعل كثير) يقينا من غير(1/247)
جنس أفعالها إن صدر ممن علم تحريمه أو جهله ولم يعذر حال كونه (ولاء) عرفا في غير شدة الخوف ونفل السفر، بخلاف القليل كخطوتين وإن اتسعتا حيث لا وثبة، والضربتين.
نعم، لو قصد ثلاثا متوالية ثم فعل واحدة أو شرع فيها بطلت صلاته، والكثير المتفرق بحيث يعد كل منقطعا عما قبله.
وحد البغوي بأن يكون بينهما قدر ركعة ضعيف، كما في المجموع.
(ولو) كان الفعل الكثير (سهوا) والكثير (كثلاث) مضغات(1/248)
و (خطوات توالت) وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة، وكتحريك رأسه ويديه ولو معا والخطوة - بفتح الخاء - المرة، وهي هنا نقل رجل الامام أو غيره، فإن نقل معها الاخرى ولو بلا تعاقب فخطوتان.
كما اعتمده شيخنا في شرح المنهاج.
لكن الذي جزم به في شرح الارشاد وغيره أن نقل رجل مع نقل الاخرى إلى محاذاتها ولاء خطوة(1/249)
فقط، فإن نقل كلا على التعاقب فخطوتان بلا نزاع.
ولو شك في فعل أقليل أو كثير فلا بطلان.
وتبطل بالوثبة وإن لم تتعدد.
(لا) تبطل (بحركات خفيفة) وإن كثرت وتوالت، بل تكره، (كتحريك) أصبع أو (أصابع) في حك أو سبحة مع قرار كفه، (أو جفن) أو شفة أو ذكر أو لسان، لانها تابعة لمحالها المستقرة كالاصابع.
ولذلك
بحث أن حركة اللسان إن كانت مع تحويله عن محله أبطل ثلاث منها.
قال شيخنا: وهو محتمل.
وخرج(1/250)
بالاصابع الكف، فتحريكها ثلاثا ولاء مبطل، إلا أن يكون به جرب لا يصبر معه عادة على عدم الحك فلا تبطل للضرورة.
قال شيخنا: ويؤخذ منه أن من ابتلي بحركة اضطرارية ينشأ عنها عمل كثير سومح فيه.
وإمرار اليد وردها على التوالي بالحك مرة واحدة، وكذا رفعها عن صدره ووضعها على موضع الحك مرة واحدة.
أي إن اتصل أحدهما بالآخر، وإلا فكل مرة، على ما استظهره شيخنا.
(وبنطق) عمدا ولو بإكراه (بحرفين) إن تواليا(1/251)
- كما استظهره شيخنا - من غير قرآن وذكر أو دعاء لم يقصد بها مجرد التفهيم، كقوله لمن استأذنوه في الدخول: * (ادخلوها بسلام آمنين) * فإن قصد القراءة أو الذكر وحده أو مع التنبيه لم تبطل، وكذا إن أطلق.
على ما قاله جمع متقدمون.
لكن الذي في التحقيق والدقائق البطلان، وهو المعتمد.
وتأتي هذه الصور الاربعة في الفتح على الامام بالقرآن أو الذكر، وفي الجهر بتكبير الانتقال من الامام والمبلغ.
وتبطل بحرفين، (ولو) ظهرا (في(1/252)
تنحنح لغير تعذر قراءة واجبة) كفاتحة، ومثلها كل واجب قولي كتشهد أخير وصلاة فيه فلا تبطل بظهور حرفين في تنحنح لتعذر ركن قولي، (أو) ظهرا في (نحوه) كسعال وبكاء وعطاس وضحك.
وخرج بقولي لغير تعذر قراءة واجبة، ما إذا ظهر حرفان في تنحنح لتعذر قراءة مسنونة، كالسورة أو القنوت أو الجهر بالفاتحة، فتبطل.
وبحث الزركشي جواز التنحنح للصائم لاخراج نخامة تبطل صومه.
قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا(1/253)
لاخراج نخامة تبطل صومه.
قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا لاخراج نخامة تبطل صلاته بأن نزلت لحد الظاهر ولم يمكنه إخراجها إلا به.
ولو تنحنح إمامه فبان منه حرفان لم يجب مفارقته لان الظاهر تحرزه عن المبطل نعم، إن دلت قرينة حاله على عدم عذره وجبت مفارقته، كما بحثه السبكي.
ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم بحيث لم يخل زمن من الوقت يسع الصلاة بلا سعال مبطل.
قال شيخنا: الذي يظهر العفو عنه، ولا قضاء عليه لو شفي.
(أو) بنطق (بحرف مفهم) ك: ف وع وف، أو بحرف ممدود، لان الممدود في الحقيقة حرفان.
ولا تبطل الصلاة بتلفظه بالعربية بقربة توقفت على اللفظ كنذر وعتق،(1/254)
كأن قال: نذرت لزيد بألف أو أعتقت فلانا.
وليس مثله التلفظ بنية صوم أو اعتكاف لانها لا تتوقف على اللفظ فلم تحتج إليه، ولا بدعاء جائز ولو لغيره بلا تعليق، ولا خطاب لمخلوق فيهما، فتبطل بهما عند التعليق كإن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة، أو اللهم اغفر لي إن شئت.
وكذا عند خطاب مخلوق غير النبي (ص) ولو عند(1/255)
سماعه لذكره على الاوجه، نحو نذرت لك بكذا، أو رحمك الله، ولو لميت.
ويسن لمصل سلم عليه الرد بالاشارة باليد أو الرأس ولو ناطقا، ثم بعد الفراغ منها باللفظ.
ويجوز الرد بقوله: عليه السلام، كالتشميت برحمة الله.
ولغير مصل رد سلام تحلل مصل، ولمن عطس فيها أن يحمد ويسمع نفسه.
(لا) تبطل (بيسير نحو تنحنح) عرفا (لغلبة) عليه، (و) لا بيسير (كلام) عرفا كالكلمتين والثلاث.
قال شيخنا: ويظهر ضبط الكلمة هنا(1/256)
بالعرف (بسهو)، أي مع سهوه عن كونه في الصلاة بأن نسي أنه فيها، لانه (ص) لما سلم من ركعتين تكلم بقليل معتقدا الفراغ وأجابوه به مجوزين النسخ، ثم بنى هو وهم عليها.
ولو ظن بطلانه بكلامه القليل سهوا فتكلم كثيرا لم يعذر.
وخرج بيسير تنحنح لغلبة وكلام بسهو كثيرهما فتبطل بكثرتهما، ولو مع غلبة وسهو وغيره، (أو) مع (سبق لسان) إليه، (أو)(1/257)
مع (جهل تحريمه) أي الكلام فيها (لقرب إسلام) وإن كان بين المسلمين، (أو بعد عن العلماء) أي عمن يعرف ذلك.
ولو سلم ناسيا ثم تكلم عامدا - أي يسيرا - أو جهل تحريم ما أتى به مع علمه بتحريم جنس الكلام أو كون التنحنح مبطلا مع علمه بتحريم الكلام، لم تبطل لخفاء ذلك على العوام.(1/258)
(و) تبطل (بمفطر) وصل لجوفه وإن قل، وأكل كثير سهوا وإن لم يبطل به الصوم، فلو ابتلع نخامة نزلت من رأسه لحد الظاهر من فمه، أو ريقا متنجسا بنحو دم لثته، وإن ابيض، أو متغيرا بحمرة نحو تنبل، بطلت.
أما الاكل القليل عرفا - ولا يتقيد بنحو سمسمة - من ناس، أو جاهل معذور، ومن مغلوب، كأن نزلت نخامته لحد الظاهر وعجز عن مجها، أو جرى ريقه بطعام بين أسنانه وقد عجز عن تمييزه ومجه، فلا يضر للعذر.
(و) تبطل(1/259)
(بزيادة ركن فعلي عمدا) لغير متابعة، كزيادة ركوع أو سجود وإن لم يطمئن فيه.
ومنه - كما قال شيخنا -: أن ينحني الجالس إلى أن تحاذي جبهته ما أمام ركبتيه ولو لتحصيل توركه، أو افتراشه المندوب، لان المبطل لا يغتفر للمندوب.
ويغتفر القعود اليسير بقدر جلسة الاستراحة قبل السجود، وبعد سجد التلاوة، وبعد سلام إمام مسبوق في غير محل تشهده.
أما وقوع الزيادة سهوا أو جهلا عذر به فلا يضر، كزيادة سنة نحو رفع اليدين(1/260)
في غير محله، أو ركن قولي كالفاتحة، أو فعلي للمتابعة، كأن ركع أو سجد قبل إمامه ثم عاد إليه.
(و) تبطل (باعتقاد) أو ظن (فرض) معين من فروضها (نفلا) لتلاعبه، لا إن اعتقد العامي نفلا من أفعالها فرضا، أو علم أن فيها فرضا ونفلا ولم يميز بينهما، ولا قصد بفرض معين النفلية، ولا إن اعتقد أن الكل فروض.(1/261)
(تنبيه) ومن المبطل أيضا حدث ولو بلا قصد، واتصال نجس لا يعفى عنه إلا إن دفعه حالا، وانكشاف عورة إلا إن كشفها ريح فستر حالا، وترك ركن عمدا، وشك في نية التحرم أو شرط لها مع مضي ركن قولي أو فعلي أو طول زمن.
وبعض القولي ككله مع طول زمن شك، أو مع قصره، ولم يعد ما قرأه فيه.(1/262)
(فرع) لو أخبره عدل رواية بنحو نجس أو كشف عورة مبطل لزمه قبوله، أو بنحو كلام مبطل فلا.
(وندب لمنفرد رأى جماعة) مشروعة (أن يقلب فرضه) الحاضر لا الفائت (نفلا) مطلقا، (ويسلم من ركعتين) إذا لم يقم لثالثة، ثم يدخل في الجماعة.
نعم، إن خشي فوت الجماعة إن تمم ركعتين استحب له قطع الصلاة واستئنافها جماعة.
ذكره في المجموع.
وبحث البلقيني أنه يسلم ولو من ركعة، أما إذا قام لثالثة أتمها(1/263)
ندبا إن لم يخش فوت الجماعة، ثم يدخل في الجماعة.(1/264)
فصل في الاذان والاقامة
هما لغة: الاعلام.
وشرعا: ما عرف من الالفاظ المشهورة فيهما.
والاصل فيهما الاجماع المسبوق برؤية(1/265)
عبد الله بن زيد المشهورة ليلة تشاوروا فيما يجمع الناس، وهي كما في سنن أبي داود: عن عبد الله أنه قال: (لما أمر النبي (ص) بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ فقال: وما تصنع به ؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة.
قال: أو لا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت له: بلى.
فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر، إلا آخر الاذان.
ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر، إلى آخر الاقامة...فلما أصبحت أتيت النبي (ص) فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله.
قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك.(1/266)
فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به.
فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى.
فقال (ص): فلله الحمد.
قيل: رآها بضعة عشر صحابيا.
وقد يسن الاذان لغير الصلاة، كما في أذن المهموم والمصروع والغضبان، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وعند الحريق، وعند تغول الغيلان - أي تمرد الجن -.
وهو والاقامة في أذني المولود وخلف المسافر(1/267)
(يسن) على الكفاية.
ويحصل بفعل البعض (أذان وإقامة) لخبر الصحيحين: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم.
(لذكر ولو) صبيا، و (منفردا وإن سمع أذانا) من غيره على المعتمد، خلافا لما في شرح مسلم.
نعم، إن سمع أذان الجماعة وأراد الصلاة معهم لم يسن له على الاوجه (لمكتوبة) ولو فائتة دون غيرها، كالسنن(1/268)
وصلاة الجنازة والمنذورة.
ولو اقتصر على أحدهما لنحو ضيق وقت فالاذان أولى به.
ويسن أذانان لصبح واحد قبل الفجر، وآخر بعده، فإن اقتصر فالاولى بعده.
وأذانان للجمعة، أحدهما بعد صعود الخطيب المنبر.
والآخر الذي قبله إنما أحدثه عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس، فاستحبابه عند الحاجة كأن توقف حضورهم عليه، وإلا لكان الاقتصار على الاتباع أفضل.
(و) سن (أن يؤذن للاولى) فقط (من صلوات توالت) كفوائت وصلاتي(1/269)
جمع وفائتة، وحاضرة دخل وقتها قبل شروعه في الاذان.
(ويقيم لكل) منها للاتباع.
(و) سن (إقامة لانثى) سرا، وخنثى فإن أذنت للنساء سرا لم يكره، أو جهرا حرم.
(وينادي لجماعة) مشروعة (في نفل) كعيد وتراويح(1/270)
ووتر أفرد عنها برمضان وكسوف.
(الصلاة) بنصبه إغراء، ورفعه مبتدأ، (جامعة) بنصبه حالا، ورفعه خبرا للمذكور.
ويجزئ: الصلاة الصلاة، وهلموا إلى الصلاة.
ويكره: حي على الصلاة.
وينبغي ندبه عند دخول الوقت وعند الصلاة ليكون نائبا عن الاذان والاقامة وخرج بقولي لجماعة ما لا يسن فيه الجماعة، وما فعل(1/271)
فرادى، وبنفل منذورة وصلاة جنازة.
(وشرط فيهما) أي في الاذان والاقامة.
(ترتيب) أي الترتيب المعروف فيهما، للاتباع.
فإن عكس ولو ناسيا لم يصح وله البناء على المنتظم منهما.
ولو ترك بعضهما أتى به مع إعادة ما بعده.
(وولاء) بين كلماتهما.
نعم، لا يضر يسير كلام وسكوت ولو عمدا.
ويسن أن يحمد سرا إذا عطس، وأن يؤخر رد السلام وتشميت العاطس إلى الفراغ.
(وجهر) إن أذن أو أقام (لجماعة)، فينبغي إسماع واحد(1/272)
جميع كلماته.
أما المؤذن أو المقيم لنفسه فيكفيه إسماع نفسه فقط.
(ووقت) أي دخوله (لغير أذان صبح) لان ذلك للاعلام، فلا يجوز ولا يصح قبله.
أما أذان الصبح فيصح من نصف ليل.
(وسن تثويب) لاذاني (صبح، وهو أن يقول بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم، مرتين).
ويثوب لاذان فائتة صبح، وكره لغير صبح.(1/273)
(وترجيع) بأن يأتي بكلمتي الشهادتين مرتين سرا، أي بحيث يسمع من قرب منه عرفا قبل الجهر بهما للاتباع، ويصح بدونه.
(وجعل مسبحتيه بصماخيه) في الاذان دون الاقامة، لانه أجمع للصوت.
قال شيخنا: إن أراد رفع الصوت به، وإن تعذرت يد جعل الاخرى، أو سبابة سن جعل غيرها من بقية الاصابع.
(و) سن (فيهما) أي في الاذان والاقامة (قيام) وأن يؤذن على موضع عال، ولو لم يكن للمسجد منارة سن بسطحه ثم ببابه.
(واستقبال) للقبلة، وكره تركه.
(وتحويل وجهه) لا الصدر (فيهما يمينا) مرة (في حي على الصلاة) في المرتين،(1/274)
ثم يرد وجهه للقبلة (وشمالا) مرة (في حي على الفلاح) في المرتين، ثم يرد وجهه للقبلة.
ولو لاذان الخطبة أو لمن يؤذن لنفسه.
ولا يلتفت في التثويب، على نزاع فيه.
(تنبيه) يسن رفع الصوت بالاذان لمنفرد فوق ما يسمع نفسه، ولمن يؤذن لجماعة فوق ما يسمع واحدا منهم، وأن يبالغ كل في جهر به للامر به، وخفضه به في مصلى أقيمت فيه جماعة وانصرفوا، وترتيله، وإدراج(1/275)
الاقامة، وتسكين راء التكبير الاولى.
فإن لم يفعل فالافصح الضم.
وإدغام دال محمد في راء رسول الله لان تركه من اللحن الخفي.
وينبغي النطق بهاء الصلاة، ويكرهان من محد ث وصبي وفاسق.
ولا يصح نصبه، وهما(1/276)
أفضل من الامامة لقوله تعالى: * (ومن أحسن قو ممن دعا إلى الله) * قالت عائشة رضي الله عنها: هم المؤذنون.
وقيل: هي أفضل منهما، وفضلت من أحدهما بلا نزاع.
(و) سن (لسامعهما) سماعا يميز الحروف، وإلا لم يعتد بسماعه - كما قال شيخنا -.
آخرا (أن يقول ولو(1/277)
غير متوضئ) أو جنبا أو حائضا - خلافا للسبكي فيهما - أو مستنجيا فيما يظهر، (مثل قولهما إن لم يلحنا لحنا يغير المعنى).
فيأتي بكل كلمة عقب فراغه منها، حتى في الترجيع وإن لم يسمعه.
ولو سمع بعض الاذان أجاب فيه وفيما لم يسمعه.
ولو ترتب المؤذنون أجاب الكل ولو بعد صلاته.
ويكره ترك إجابة الاول.
ويقطع(1/278)
للاجابة القراءة والذكر والدعاء.
وتكره لمجامع وقاضي حاجة، بل يجيبان بعد الفراغ، كمصل إن قرب الفصل، لا لمن بحمام، ومن بدنه ما عدا فمه نجس وإن وجد ما يتطهر به.
(إلا في حيعلات فيحوقل) المجيب، أي يقول فيها: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أي لا تحول عن معصية الله إلا به ولا قوة على طاعته إلا بمعونته.
(ويصدق) أي يقول: صدقت وبررت، مرتين.
أي صرت ذا بر، أي خير كثير.
(إن ثوب) أي(1/279)
أتى بالتثويب في الصبح.
ويقول في كلمتي الاقامة: أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها.
(و) سن (لكل) من مؤذن ومقيم وسامعهما (أن يصلي) ويسلم (على النبي) (ص) (بعد فراغهما)، أي بعد فراغ كل منهما إن طال فصل بينهما، وإلا فيكفي لهما دعاء واحد.
(ثم) يقول كل منهم رافعا يديه: (اللهم رب هذه الدعوة) أي الاذان والاقامة، (إلى آخره).
تتمته: التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته.
والوسيلة هي أعلى درجة في الجنة.
والمقام المحمود مقام الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة.
ويسن أن يقول بعد أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي.
وتسن الصلاة على النبي (ص) قبل الاقامة، على ما قاله النووي في شرح الوسيط، واعتمده شيخنا ابن زياد، وقال: أما قبل الاذان فلم أر في ذلك شيئا.
وقال الشيخ الكبير البكري أنها تسن قبلهما، ولا يسن محمد رسول الله بعدهما.
قال الروياني في البحر: يستحب أن يقرأ بين الاذان والاقامة آية الكرسي لخبر: إن من قرأ ذلك بين الاذان والاقامة لم يكتب عليه ما بين الصلاتين.(1/280)
(فرع) أفتى البلقيني فيمن وافق فراغه من الوضوء فراغ المؤذن، بأنه يأتي بذكر الوضوء لانه للعبادة التي فرغ منها، ثم بذكر الاذان.
قال: وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء ثم بدعاء الاذان لتعلقه بالنبي (ص)، ثم بالدعاء لنفسه.(1/281)
فصل في صلاة النفل وهو لغة: الزيادة.
وشرعا: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
ويعبر عنه بالتطوع والسنة والمستحب والمندوب.
وثواب الفرض يفضله بسبعين درجة، كما في حديث صححه ابن خزيمة.
وشرع ليكمل نقص الفرائض بل وليقوم في الآخرة لا في الدنيا مقام ما ترك منها لعذر، كنسيان، كما نص عليه.(1/282)
والصلاة أفضل عبادات البدن بعد الشهادتين، ففرضها أفضل الفروض، ونفلها أفضل النوافل.
ويليها الصوم،
فالحج، فالزكاة، على ما جزم به بعضهم، وقيل: أفضلها الزكاة.
وقيل: الصوم.
وقيل: الحج.
وقيل غير ذلك.(1/283)
والخلاف في الاكثار من واحد - أي عرفا - مع الاقتصار على الآكد من الآخر، وإلا فصوم يوم أفضل من ركعتين.
وصلاة النفل قسمان: قسم لا تسن له جماعة كالرواتب التابعة للفرائض، وهي ما تأتي آنفا.
(يسن) للاخبار الصحيحة الثابتة في السنن (أربع ركعات قبل عصر، و) أربع قبل (ظهر و) أربع (بعده، وركعتان بعد(1/284)
مغرب) وندب وصلهما بالفرض.
ولا يفوت فضيلة الوصل بإتيانه قبلهما الذكر المأثور بعد المكتوبة.
(و) بعد (عشاء) ركعتان خفيفتان (وقبلهما)، إن لم يشتغل بهما عن إجابة المؤذن.
فإن كان بين الاذان والاقامة ما يسعهما فعلهما، وإلا أخرهما.
(و) ركعتان قبل (صبح)، ويسن تخفيفهما.
وقراءة الكافرون والاخلاص فيهما، لخبر مسلم وغيره، وورد أيضا فيهما ألم نشرح لك وألم تر كيف، وأن من داوم على قراءتهما فيهما زالت عنه علة(1/285)
البواسير، فيسن الجمع فيهما بينهن لتتحقق الاتيان بالوارد، أخذا مما قاله النووي في: إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا.
ولم يكن بذلك مطولا لهما تطويلا يخرج عن حد السنة والاتباع، كما قاله شيخنا ابن حجر وزياد.
ويندب الاضطجاع بينهما وبين الفرض إن لم يؤخرهما عنه، ولو غير متهجد.
والاولى كونه على الشق الايمن، فإن لم يرد ذلك فصل بنحو كلام أو تحول.(1/286)
(تنبيه) يجوز تأخير الرواتب القبلية عن الفرض وتكون أداء.
وقد يسن كأن حضر والصلاة تقام أو قربت إقامتها بحيث لو اشتغل بها يفوته تحرم الامام فيكره الشروع فيها، لا تقديم البعدية عليه لعدم دخول وقتها، وكذا بعد خروج الوقت على الاوجه.
والمؤكد من الرواتب عشر، وهو ركعتان قبل صبح وظهر وبعده وبعد مغرب وعشاء.(1/287)
(وتر) (و) يسن أي صلاته، بعد العشاء، لخبر: الوتر حق على كل مسلم.
وهو أفضل من جميع
الرواتب للخلاف في وجوبه.
(وأقله ركعة)، وإن لم يتقدمها نفل من سنة العشاء أو غيرها.
قال في المجموع: وأدنى الكمال ثلاث، وأكمل منه خمس فسبع فتسع.
(وأكثره إحدى عشرة) ركعة.
فلا يجوز الزيادة عليها بنية الوتر، وإنما يفعل الوتر أوتارا.
ولو أحرم بالوتر ولم ينو عددا صح، واقتصر على ما شاء منه على الاوجه.
قال شيخنا: وكأن بحث بعضهم إلحاقه بالنفل المطلق من أن له إذا نوى عددا أن يزيد وينقص توهمه من ذلك، وهو(1/288)
غلط صريح.
وقوله: إن في كلام الغزالي عن الفوراني ما يؤخذ منه ذلك، وهم أيضا، كما يعلم من البسيط.
ويجري ذلك فيمن أحرم بسنة الظهر الاربع بنية الوصل فلا يجوز له الفصل بأن يسلم من ركعتين، وإن نواه قبل النقص، خلافا لمن وهم فيه أيضا.
انتهى.
ويجوز لمن زاد على ركعة الفصل بين كل ركعتين بالسلام - وهو أفضل من الوصل - بتشهد أو تشهدين في الركعتين الاخيرتين، ولا يجوز الوصل بأكثر من تشهدين.
والوصل خلاف الاولى، فيما عدا الثلاث، وفيها مكروه للنهي عنه في خبر: ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب.
ويسن(1/289)
لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الاولى سبح، وفي الثانية الكافرون، وفي الثالثة الاخلاص والمعوذتين للاتباع.
فلو أوتر بأكثر من ثلاث فيسن له ذلك في الثلاثة الاخيرة إن فصل عما قبلها، وإلا فلا.
كما أفتى به البلقيني.
ولمن أوتر بأكثر من ثلاث قراءة الاخلاص في أولييه، فصل أو وصل.
وأن يقول بعد الوتر ثلاثا سبحان الملك(1/290)
القدوس، ويرفع صوته بالثالثة، ثم يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
ووقت الوتر كالتراويح بين صلاة العشاء، ولو بعد المغرب في جمع التقديم وطلوع الفجر، ولو خرج الوقت لم يجز قضاؤها قبل العشاء كالرواتب البعدية، خلافا لما رجحه بعضهم.
ولو بان بطلان عشائه بعد فعل الوتر أو التراويح وقع نفلا مطلقا.
(فرع) يسن لمن وثق بيقطته قبل الفجر بنفسه أو غيره أن يؤخر الوتر كله لا التراويح عن أول الليل وإن(1/291)
فاتت الجماعة فيه بالتأخير في رمضان، لخبر الشيخين: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا.
وتأخيره عن صلاة
الليل الواقعة فيه، ولمن لم يثق بها أن يعجله قبل النوم.
ولا يندب إعادته.
ثم إن فعل الوتر بعد النوم حصل له به سنة التهجد أيضا وإلا كان وترا لا تهجدا.
وقيل: الاولى أن يوتر قبل أن ينام مطلقا، ثم يقوم ويتهجد، لقول أبي هريرة رضي الله عنه: أمرني رسول الله (ص) أن أوتر قبل أن أنام.
رواه الشيخان.
وقد كان أبو بكر رضي عنه يوتر قبل أن ينام ثم يقوم ويتهجد، وعمر رضي الله عنه ينام قبل أن يوتر ويقوم ويتهجد ويوتر.
فترافعا إلى رسول الله (ص) فقال: هذا أخذ بالحزم - يعني أبا بكر - وهذا أخذ بالقوة - يعني عمر -.
وقد روي عن عثمان مثل فعل أبي بكر، وعن علي مثل فعل عمر، رضي الله عنهم.
قال في الوسيط: واختار الشافعي فعل أبي بكر رضي الله عنه.
وأما الركعتان اللتان يصليهما الناس جلوسا بعد الوتر فليستا من السنة، كما صرح به الجوجري والشيخ زكريا.
قال في المجموع: ولا تغتر بمن يعتقد سنية ذلك ويدعو إليه لجهالته.(1/292)
(و) يسن (الضحى) لقوله تعالى: * (يسبحن بالعشي والاشراق) * قال ابن عباس: صلاة الاشراق صلاة الضحى.
روى الشيخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي (ص) بثلاث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام.
وروى أبو داود أنه (ص) صلى سبحة الضحى - أي صلاتها -(1/293)
ثماني ركعات، وسلم من كل ركعتين.
(وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان) كما في التحقيق والمجموع، وعليه الاكثرون.
فتحرم الزيادة عليها بنية الضحى، وهي أفضلها على ما في الروضة، وأصلها: فيجوز الزيادة عليها بنيتها إلى ثنتي عشرة، ويندب أن يسلم من كل ركعتين.
ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال،(1/294)
والاختيار فعلها عند مضي ربع النهار لحديث صحيح فيه، فإن ترادفت فضيلة التأخير إلى ربع النهار وفضيلة أدائها في المسجد إن لم يوءخرها، فالاولى تأخيرها إلى ربع النهار وإن فات به فعلها في المسجد، لان الفضيلة المتعلقة بالوقت أولى بالمراعاة من المتعلقة بالمكان.
ويسن أن يقرأ سورتي والشمس والضحى.
وورد أيضا
قراءة الكافرون والاخلاص.
والاوجه أن ركعتي الاشراق من الضحى، خلافا للغزالي ومن تبعه.
(و) يسن (ركعتا تحية) لداخل مسجد وإن تكرر دخوله أو لم يرد الجلوس، خلافا للشيخ نصر.
وتبعه(1/295)
الشيخ زكريا في شرحي المنهج والتحرير بقوله: إن أراد الجلوس، لخبر الشيخين: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين.
وتفوت التحية بالجلوس الطويل، وكذا القصير إن لم يسه أو يجهل.
ويلحق بهما على الاوجه ما لو احتاج للشرب فيقعد له قليلا ثم يأتي بها، لا بطول قيام أو إعراض عنها.
ولمن أحرم بها قائما القعود لا تمامها.
وكره تركها من غير عذر.
نعم، إن قرب قيام مكتوبة جمعة أو غيرها، وخشي لو اشتغل(1/296)
بالتحية فوات فضيلة التحرم انتظره قائما.
ويسن لمن لم يتمكن منها ولو بحدث أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أربعا.
وتكره لخطيب دخل وقت الخطبة، ولمريد طواف دخل المسجد، لا لمدرس، خلافا لبعضهم.
(و) ركعتا (استخارة) وإحرام وطواف ووضوء.(1/297)
وتتأدى ركعتا التحية وما بعدها بركعتين فأكثر من فرض أو نفل آخر، وإن لم ينوها معه، أي يسقط طلبها بذلك.
أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية، لخبر: إنما الاعمال بالنيات.
كما قاله جمع متأخرون، واعتمده شيخنا.
لكن ظاهر كلام الاصحاب حصول ثوابها وإن لم ينوها معه، وهو مقتضى كلام المجموع.
ويقرأ ندبا في أولى ركعتي الوضوء بعد الفاتحة: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * إلى * (رحيما) * والثانية: * (ومن يعمل سوءا(1/298)
أو يظلم نفسه) * إلى * (رحيما) *.
ومنه صلاة الاوابين، وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، ورويت ستا وأربعا، وركعتين، وهما الاقل.
وتتأدى بفوائت وغيرها، خلافا لشيخنا، والاولى فعلها بعد الفراغ من أذكار المغرب.
وصلاة التسبيح وهي أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين.
وحديثها حسن لكثرة طرقه، وفيها ثواب(1/299)
لا يتناهى.
ومن ثم قال بعض المحققين: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين.
ويقول في كل
ركعة منها خمسة وسبعين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمسة عشر بعد القراءة وعشرا في كل من الركوع، والاعتدال، والسجودين، والجلوس بينهما بعد الذكر الوارد فيها، وجلسة الاستراحة.
ويكبر عند ابتدائها دون القيام منها، ويأتي بها في محل التشهد قبله.
ويجوز جعل الخمسة عشر قبل القراءة، وحينئذ(1/300)
يكون عشر الاستراحة بعد القراءة.
ولو تذكر في الاعتدال ترك تسبيحات الركوع لم يجز العود إليه ولا فعلها في بالاعتدال لانه ركن قصير، بل يأتي بها في السجود.
ويسن أن لا يخلي الاسبوع منها أو الشهر.
والقسم الثاني ما تسن فيه الجماعة، (و) هو: (صلاة العيدين) أ العيد الاكبر والاصغر، بين طلوع شمس وزوالها.
وهي ركعتان، ويكبر ندبا في أولى ركعتي العيدين - ولو مقضية على الاوجه بعد افتتاح(1/301)
- سبعا، وفي الثانية خمسا، قبل تعوذ فيهما، رافعا يديه مع كل تكبيرة ما لم يشرع في قراءة.
ولا يتدارك في الثانية إن تركه في الاولى.
وفي ليلتهما من غروب الشمس إلى أن يحرم الامام مع رفع صوت، وعقب كل صلاة، ولو(1/302)
جنازة، من صبح عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وفي عشر ذي الحجة حين يرى شيئا من بهيمة الانعام أو يسمع صوتها.
(و) صلاة (الكسوفين) أي كسوف الشمس والقمر.
وأقلها ركعتان كسنة الظهر، وأدنى كمالها زيادة قيام وقراءة وركوع في كل ركعة، والاكمل أن يقرأ بعد الفاتحة في القيام الاول البقرة أو قدرها، وفي الثاني كمائتي آية منها، والثالث كمائة وخمسين، والرابع كمائة.
وأن يسبح في أول ركوع وسجود كمائة من(1/303)
البقرة، وفي الثاني من كل منهما كثمانين، والثالث منهما كسبعين، والرابع كخمسين.
(بخطبتين) أي معهما (بعدهما) أي يسن خطبتان بعد فعل صلاة العيدين - ولو في غد فيما يظهر والكسوفين ويفتتح أولى خطبتي العيدين لا الكسوف - بتسع تكبيرات، والثانية بسبع ولاء.
وينبغي أن يفصل بين الخطبتين بالتكبير، ويكثر منه في فصول الخطبة.
قاله السبكي.
ولا تسن هذه التكبيرات للحاضرين.
(و) صلاة (استسقاء) عند الحاجة للماء(1/304)
لفقده أو ملوحته أو قلته بحيث لا يكفي.
وهي كصلاة العيد، لكن يستغفر الخطيب بدل التكبير في الخطبة، ويستقبل القبلة حالة الدعاء بعد صدر الخطبة الثانية، أي نحو ثلثها.
(و) صلاة (التراويح)، وهي عشرون ركعة(1/305)
بعشر تسليمات، في كل ليلة من رمضان، لخبر: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ويجب التسليم من كل ركعتين، فلو صلى أربعا منها بتسليمة لم تصح، بخلاف سنة الظهر والعصر والضحى والوتر.
وينوي بها التراويح أو قيام رمضان، وفعلها أول الوقت أفضل من فعلها أثناءه بعد النوم، خلافا لما وهمه الحليمي.
وسميت تروايح لانهم كانوا يستريحون لطول قيامهم بعد كل تسليمتين، وسر العشرين أن الرواتب(1/306)
المؤكدة في غير رمضان عشر فضوعفت فيه لانه وقت جد وتشمير.
وتكرير قل هو الله أحد ثلاثا ثلاثا في الركعات الاخيرة من ركعاتها بدعة غير حسنة لان فيه إخلالا بالسنة، كما أفتى به شيخنا.(1/307)
ويسن التهجد إجماعا، وهو التنفل ليلا بعد النوم.
قال الله تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * وورد في فضله أحاديث كثيرة، وكره لمعتاده تركه بلا ضرورة.
ويتأكد أن لا يخل بصلاة في الليل بعد النوم ولو(1/308)
ركعتين لعظم فضل ذلك.
ولا حد لعدد ركعاته، وقيل: حدها ثنتا عشرة، وأن يكثر فيه من الدعاء والاستغفار.
ونصفه الاخير آكد، وأفضله عند السحر لقوله تعالى: * (وبالاسحار هم يستغفرون) * وأن يوقظ من يطمع في تهجده.
ويندب قضاء نفل مؤقت إذا فات كالعيد والرواتب والضحى، لا ذي سبب ككسوف وتحية وسنة(1/309)
وضوء.
ومن فاته ورده - أي من النفل المطلق - ندب له قضاؤه، وكذا غير الصلاة، ولا حصر للنفل المطلق، وله أن يقتصر على ركعة بتشهد مع سلام بلا كراهة، فإن نوى فوق ركعة فله التشهد في كل ركعتين وفي ثلاث وأربع فأكثر، أو نوى قدرا فله زيادة ونقص إن نويا قبلهما وإلا بطلت صلاته.
فلو نوى ركعتين فقام إلى ثالثة(1/310)
سهوا ثم تذكر فيقعد وجوبا، ثم يقوم للزيادة إن شاء ثم يسجد للسهو آخر صلاته.
وإن لم يشأ قعد وتشهد وسجد للسهو وسلم.
ويسن للمتنفل ليلا أو نهارا أن يسلم من كل ركعتين، للخبر المتفق عليه: صلاة الليل مثنى مثنى.
وفي رواية صحيحة: والنهار.
قال في المجموع: إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات.
وقال فيه أيضا: أفضل النفل عيد أكبر، فأصغر، فكسوف.
فخسوف، فاستسقاء، فوتر، فركعتا فجر، فبقية الرواتب، فجميعها في مرتبة واحدة.
فالتراويح، فالضحى، فركعتا الطواف والتحية والاحرام، فالوضوء.(1/311)
(فائدة) أما الصلاة المعروفة ليلة الرغائب ونصف شعبان ويوم عاشوراء فبدعة قبيحة، وأحاديثها موضوعة.(1/312)
قال شيخنا: كابن شبهة وغيره.
وأقبح منها ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمس في الجمعة الاخيرة من رمضان عقب صلاتها زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة، وذلك حرام.
(والله أعلم).
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الامي وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(1/313)
فتح المعين - المليباري الهندي ج 2
فتح المعين المليباري الهندي ج 2(2/)
فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد العزيز المليباري الفناني الجزء الثاني دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(2/3)
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر الطبعة الاولى 1418 ه / 1997 م حارة حربك - شارع عبدالنور - برقيا: فكسي - صحب 7061 / 11 تلفون: 838305 / 838202 / 838136 فاكس 009611837898 دولي: 009611860962(2/4)
" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " " حديث شريف " بسم الله الرحمن الرحيم فصل في صلاة بالجماعة (1)(2/5)
وشرعت بالمدينة.
وأقلها إمام ومأموم، وهي في الجمعة، ثم في صبحها، ثم الصبح، ثم العشاء، ثم العصر، ثم الظهر، ثم المغرب أفضل.
(صلاة الجماعة في أداء مكتوبة) لا جمعة (سنة مؤكدة) للخبر المتفق عليه: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.
والافضلية تقتضي الندبية فقط، وحكمة(2/6)
السبع والعشرين: أن فيها فوائد تزيد على صلاة الفذ بنحو ذلك.
وخرج بالاداء القضاء.
نعم، إن اتفقت مقضية الامام والمأموم سنت الجماعة، وإلا فخلاف الاولى، كأداء خلف قضاء، وعكسه، وفرض خلف نفل، وعكسه، وتراويح خلف وتر، وعكسه.
وبالمكتوبة: المنذورة، والنافلة، فلا تسن فيهما الجماعة، ولا تكره.
قال النووي: والاصح أنها فرض كفاية للرجال البالغين الاحرار المقيمين في المؤاداة فقط، بحيث يظهر شعارها(2/7)
بمحل إقامتها، وقيل إنها فرض عين - وهو مذهب أحمد - وقيل شرط لصحة الصلاة، ولا يتأكد الندب للنساء تأكده للرجال، فلذلك يكره تركها لهم، لا لهن.
والجماعة في مكتوبة - لذكر - بمسجد أفضل، نعم، إن وجدت في بيته فقط فهو أفضل، وكذا لو كانت فيه أكثر منها في المسجد - على ما اعتمده الاذرعي وغيره -.
قال شيخنا: والاوجه خلافه، ولو تعارضت فضيلة الصلاة في المسجد والحضور خارجه: قدم - فيما يظهر - لان الفضيلة(2/8)
المتعلقة بذات العبادة أولى من الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها، والمتعلقة بزمانها أولى من المتعلقة بمكانها.
وتسن إعادة المكتوبة بشرط أن تكون في الوقت، وأن لا تزاد في إعادتها على مرة - خلافا لشيخ شيوخنا أبي(2/9)
الحسن البكري رحمه الله تعالى - ولو صليت الاولى جماعة مع آخر ولو واحدا، إماما كان أو مأموما، في الاولى أو الثانية، بنية فرض.
وإن وقعت نفلا فينوي إعادة الصلاة المفروضة.
واختار الامام أن ينوي الظهر أو العصر(2/10)
مثلا ولا يتعرض للفرض، ورجحه في الروضة، لكن الاول مرجح الاكثرين، والفرض الاولى، ولو بان فساد الاولى لم تجزئه الثانية - على ما اعتمده النووي وشيخنا، خلافا لما قاله شيخه زكريا، تبعا للغزالي وابن العماد - أي إذا نوي بالثانية الفرض (وهي بجمع كثير أفضل) منها في جمع قليل، للخبر الصحيح: وما كان أكثر، فهو أحب إلى الله تعالى (إلا لنحو بدعة إمامه) أي الكثير: كرافضي، وفاسق، ولو بمجرد التهمة.
فالاقل جماعة(2/11)
- بل الانفراد - أفضل، كذا قاله شيخنا تبعا لشيخه زكريا - رحمهما الله تعالى -.
وكذا لو كان لا يعتقد وجوب بعض الاركان أو الشروط، وإن أتى بها، لانه يقصد بها النفلية، وهو مبطل عندنا.
(أو) كون القليل بمسجد متيقن حل أرضه، أو مال بانيه، أو (تعطل مسجد) قريب أو بعيد (منها) - أي الجماعة - بغيبته عنه لكونه إمامه، أو يحضر الناس بحضوره، فقليل الجمع في ذلك أفضل من كثيره في غيره.
بل بحث بعضهم أن الانفراد بالمتعطل عن الصلاة فيه بغيبته أفضل، والاوجه خلافه.
ولو كان إمام القليل أولى بالامامة - لنحو علم - كان(2/12)
الحضور عنده أولى.
ولو تعارض الخشوع والجماعة فهي أولى.
كما أطبقوا عليه حيث قالوا: إن فرض الكفاية أفضل من السنة.
وأفتى الغزالي، وتبعه أبو الحسن البكري في شرحه الكبير على المنهاج بأولوية الانفراد لمن لا يخشع مع الجماعة في أكثر صلاته.
قال شيخنا: وهو كذلك، إن فات في جميعها.
وإفتاء ابن عبد السلام بأن الخشوع أولى مطلقا إنما يأتي على قول أن الجماعة سنة.
ولو تعارض فضيلة سماع القرآن من الامام مع قلة الجماعة وعدم سماعه مع كثرتها، كان الاول أفضل.
ويجوز لمنفرد أن ينوي اقتداء بإمام أثناء صلاته، وإن اختلفت ركعتهما لكن يكره ذلك له، دون مأموم خرج من الجماعة لنحو حدث إمامه فلا يكره له الدخول في(2/13)
جماعة أخرى.
فإذا اقتدى في الاثناء لزمه موافقة الامام.
ثم إن فرغ أولا كمسبوق، وإلا فانتظاره أفضل.
وتجوز المفارقة بلا عذر، مع الكراهة، فتفوت فضيلة الجماعة.
والمفارقة بعذر: كمرخص ترك جماعة، وتركه سنة مقصودة كتشهد أول، وقنوت، وسورة، وتطويله وبالمأموم ضعف أو شغل لا تفوت فضيلتها.
وقد تجب المفارقة، كأن عرض مبطل لصلاة إمامه وقد علمه فيلزمه نيتها فورا وإلا بطلت، وإن لم يتابعه اتفاقا، كما في المجموع.
(وتدرك جماعة) في غير جمعة، أي فضيلتها، للمصلي (ما لم يسلم إمام) أي لم ينطق بميم عليكم(2/14)
في التسليمة الاولى، وإن لم يقعد معه بأن سلم عقب تحرمه لادراكه ركنا معه، فيحصل له جميع ثوابها وفضلها، لكنه دون فضل من أدركها كلها.
ومن أدرك جزءا من أولها، ثم فارق بعذر أو خرج الامام بنحو حدث، حصل له فضل الجماعة.
أما الجمعة، فلا تدرك إلا بركعة - كما يأتي - ويسن لجمع حضروا والامام قد فرغ من الركوع
الاخير أن يصبروا إلى أن يسلم ثم يحرموا - ما لم يضق الوقت -.
وكذا لمن سبق ببعض الصلاة ورجا جماعة(2/15)
يدرك معهم الكل.
لكن قال شيخنا إن محله ما لم يفت بانتظارهم فضيلة أول الوقت، أو وقت الاختيار، سواء في ذلك الرجاء واليقين.
وأفتى بعضهم بأنه لو قصدها فلم يدركها كتب له أجرها، لحديث فيه.
(و) تدرك فضيلة (تحرم) مع إمام (بحضوره) - أي المأموم - التحرم (واشتغال به عقب تحرم إمامه) من غير تراخ، فإن لم يحضره أو تراخى فاتته فضيلته.
نعم، يغتفر له وسوسة خفيفة وإدراك تحرم الامام فضيلة مستقلة مأمور بها لكونه صفوة الصلاة، ولان ملازمه أربعين يوما يكتب له براءة من النار وبراءة من النفاق - كما في الحديث - وقيل: يحصل فضيلة التحرم بإدراك بعض القيام.
ويندب ترك الاسراع وإن خاف فوت التحرم، وكذا الجماعة(2/16)
- على الاصح - إلا في الجمعة، فيجب طاقته إن رجا إدراك التحرم قبل سلام الامام.
ويسن لامام ومنفرد انتظار داخل محل الصلاة مريدا الاقتداء به في الركوع والتشهد الاخير لله تعالى - بلا تطويل -، وتمييز بين الداخلين،(2/17)
ولو لنحو علم.
وكذا في السجدة الثانية ليلحق موافق تخلف لاتمام فاتحة، لا خارج عن محلها، وأن صغر المسجد، ولاداخل يعتاد البطء.
وتأخير الاحرام إلى الركوع، بل يسن عدمه زجرا له.
قال الفوراني: يحرم الانتظار للتودد، ويسن للامام تخفيف الصلاة مع أبعاض وهيئات بحيث لا يقتصر على الاقل، ولا يستوفي الاكمل، إلا أن رضي بتطويله محصورون.
وكره له تطويل، وإن قصد لحوق آخرين.
ولو رأى مصل نحو(2/18)
حريق خفف، وهل يلزم أم لا ؟ وجهان، والذي يتجه أنه يلزمه لانقاذ حيوان محترم، ويجوز له لانقاذ نحو مال كذلك، ومن رأى حيوانا محترما يقصده ظالم أو يغرق لزمه تخليصه وتأخير صلاة، أو إبطالها إن كان فيها، أو مالا جاز له ذلك.
وكره له تركه.
وكره ابتداء نفل بعد شروع المقيم في الاقامة، ولو بغير إذن الامام، فإن كان فيه(2/19)
أتمه، إن لم يخش بإتمامه فوت جماعة، وإلا قطعه ندبا ودخل فيها، ما لم يرج جماعة أخرى.
(و) تدرك (ركعة)
لمسبوق أدرك الامام راكعا بأمرين: (بتكبيرة) الاحرام، ثم أخرى لهوي، فإن اقتصر على تكبيرة اشترط أن يأتي بها (لاحرام) فقط، وأن يتمها قبل أن يصير إلى أقل الركوع، وإلا لم تنعقد إلا لجاهل فتنعقد له نفلا، بخلاف ما لو نوى الركوع وحده، لخلوها عن التحرم، أو مع التحرم للتشريك، أو أطلق لتعارض قرينتي الافتتاح(2/20)
والهوي، فوجبت نية التحرم لتمتاز عما عارضها من تكبيرة الهوي.
(و) بإدراك (ركوع محسوب) للامام وإن قصر المأموم فلم يحرم إلا وهو راكع.
وخرج بالركوع غيره، كالاعتدال وبالمحسوب غيره كركوع محدث، ومن في ركعة زائدة.
ووقع للزركشي في قواعده، ونقله العلامة أبو المسعود وابن ظهيرة في حاشية المنهاج: أنه يشترط أيضا أن يكون الامام أهلا للتحمل، فلو كان الامام صبيا لم يكن مدركا للركعة، لانه ليس أهلا للتحمل.
(تام) بأن يطمئن قبل ارتفاع الامام عن أقل الركوع، وهو بلوغ راحتيه ركبتيه (يقينا)، فلو لم يطمئن فيه قبل(2/21)
ارتفاع الامام منه، أو شك في حصول الطمأنينة، فلا يدرك الركعة، ويسجد الشاك للسهو - كما في المجموع - لانه شاك بعد سلام الامام في عدد ركعاته، فلا يتحمل عنه.
وبحث الاسنوي وجوب ركوع أدرك به ركعة في الوقت.
(ويكبر) ندبا (مسبوق انتقل معه) لانتقاله، فلو أدركه معتدلا كبر للهوي وما بعده، أو ساجدا مثلا - غير سجدة تلاوة - لم يكبر للهوي إليه، ويوافقه - ندبا - في ذكر ما أدركه فيه من تحميد، وتسبيح، وتشهد، ودعاء، وكذا صلاة على الآل، ولو في تشهد المأموم الاول.
قاله شيخنا.
(و) يكبر مسبوق للقيام (بعد سلاميه إن كان)(2/22)
المحل الذي جلس معه فيه (موضع جلوسه) لو انفرد، كأن أدركه في ثالثة رباعية، أو ثانية مغرب، وإلا لم يكبر للقيام، ويرفع يديه تبعا لامامه القائم من تشهده الاول، وإن لم يكن محل تشهده، ولا يتورك في غير تشهده الاخير.
ويسن له أن لا يقوم إلا بعد تسليمتي الامام.
وحرم مكث بعد تسليمتيه - إن لم يكن محل جلوسه - فتبطل صلاته به إن تعمد وعلم تحريمه.
ولا يقوم قبل سلام الامام، فإن تعمده بلا نية مفارقة بطلت.
والمراد مفارقة حد القعود، فإن سها أو جهل لم يعتد بجميع ما أتى به حتى يجلس، ثم يقوم بعد سلام الامام.
ومتى(2/23)
علم ولم يجلس بطلت صلاته.
وبه فارق من قام عن إمامه في التشهد الاول عامدا، فإنه يعتد بقراءته قبل قيام الامام لانه لا يلزمه العود إليه، (وشرط لقدوة) شروط منها: (نية اقتداء، أو جماعة)، أو ائتمام بالامام الحاضر،(2/24)
أو الصلاة معه، أو كونه مأموما (مع تحرم) أي يجب أن تكون هذه النية مقترنة مع التحرم.
وإذا لم تقترن نية نحو الاقتداء بالتحرم لم تنعقد الجمعة، لاشتراط الجماعة فيها، وتنعقد غيرها فرادى.
فلو ترك هذه النية، أو شك فيها، وتابع مصليا في فعل، كأن هوى للركوع متابعا له، أو في سلام بأن قصد ذلك من غير اقتداء به وطال عرفا انتظاره له، بطلت صلاته.
(ونية إمامة) أو جماعة (سنة لامام في غير جمعة) لينال فضل الجماعة،(2/25)
وللخروج من خلاف من أوجبها.
وتصح نيتها مع تحرمه وإن لم يكن خلفه أحد، إن وثق بالجماعة على الاوجه، لانه سيصير إماما، فإن لم ينو، ولو لعدم علمه بالمقتدين، حصل لهم الفضل دونه، وإن نواه في الاثناء، حصل له الفضل من حينئذ، أما في الجمعة فتلزمه مع التحرم.
(و) منها: (عدم تقدم) في المكان يقينا(2/26)
(على إمام - بعقب) وإن تقدمت أصابعه.
أما الشك في التقدم فلا يؤثر ولا يضر مساواته، لكنها مكروهة.
(وندب وقوف ذكر) ولو صبيا لم يحضر غيره، (عن يمين الامام) وإلا سن له تحويله - للاتباع - (متأخر) عنه (قليلا)، بأن تتأخر أصابعه عن عقب إمامه.
وخرج بالذكر الانثى، فتقف خلفه، مع مزيد تأخر.
(فإن جاء) ذكر(2/27)
(آخر، أحرم عن يساره)، ويتأخر قليلا، (ثم) بعد إحرامه (تأخرا) عنه ندبا، في قيام أو ركوع، حتى يصيرا صفا وراءه.
(و) وقوف (رجلين) جاءا معا (أو رجال) قصدوا الاقتداء بمصل (خلفه) صفا، (و) ندب وقوف (في صف أول) وهو ما يلي الامام، وإن تخلله منبر أو عمود، (ثم ما يليه) وهكذا.
وأفضل كل صف يمينه.
ولو ترادف(2/28)
يمين الامام والصف الاول قدم - فيما يظهر - ويمينه أولى من القرب إليه في يساره، وإدراك الصف الاول أولى من إدراك ركوع غير الركعة الاخيرة.
أما هي: فإن فوتها قصد الصف الاول فإدراكها أولى من الصف الاول.
(وكره) لمأموم (انفراد) عن الصف الذي من جنسه إن وجد فيه سعة، بل يدخله.
(وشروع في صف قبل إتمام(2/30)
ما قبله) من الصف، ووقوف الذكر الفرد عن يساره، ووراءه، ومحاذيا له، ومتأخرا كثيرا.
وكل هذه تفوت فضيلة الجماعة - كما صرحوا به -.
ويسن أن لا يزيد ما بين كل صفين والاول والامام على ثلاثة أذرع.
ويقف خلف(2/31)
الامام الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء.
ولا يؤخر الصبيان للبالغين، لاتحاد جنسهم، (و) منها: (علم بانتقال إمام) برؤية له، أو لبعض صف، أو سماع لصوته، أو صوت مبلغ ثقة، (و) منها (اجتماعهما) أي الامام(2/32)
والمأموم (بمكان) كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية، (فإن كانا بمسجد) ومنه جداره ورحبته، وهي ما خرج عنه، لكن حجر لاجله، سواء أعلم وقفيتها مسجد أو جهل أمرها، عملا بالظاهر، وهو التحويط، لكن ما لم(2/33)
يتيقن حدوثها بعده، وأنها غير مسجد لا حريمه، وهو موضع اتصل به وهيئ لمصلحته، كانصباب ماء، ووضع نعال - (صح الاقتداء) وإن زادت المسافة بينهما على ثلثمائة ذراع، أو اختلفت الابنية، بخلاف من ببناء فيه لا ينفذ بابه إليه: سمر، أو كان سطحا لا مرقى له منه، فلا تصح القدوة، إذ لا اجتماع حينئذ - كما لو وقف من وراء شباك بجدار المسجد ولا يصل إليه إلا بازورار أو انعطاف بأن ينحرف عن جهة القبلة لو أراد الدخول إلى(2/34)
الامام.
(ولو كان أحدهما فيه) أي المسجد (والآخر خارجه شرط) مع قرب المسافة بأن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع تقريبا (عدم حائل) بينهما يمنع مرورا أو رؤية، (أو وقوف واحد) من المأمومين (حذاء منفذ) في الحائل إن كان، كما إذا كانا ببناءين، كصحن وصفة من دار، أو كان أحدهما ببناء والآخر بفضاء، فيشترط أيضا هنا ما مر.
فإن حال ما يمنع مرورا كشباك، أو رؤية كباب مردود وإن لم تغلق ضبته، لمنعه المشاهدة، وإن لم يمنع الاستطراق.
ومثله الستر المرخى.
أو لم يقف أحد حذاء منفذ، لم يصح الاقتداء فيهما.
وإذا وقف واحد(2/35)
من المأمومين حذاء المنفذ حتى يرى الامام أو بعض من معه في بنائه، فحينئذ تصح صلاة من بالمكان الآخر، تبعا لهذا المشاهد، فهو في حقهم كالامام، حتى لا يجوز عليه في الموقف والاحرام، ولا بأس بالتقدم عليه في الافعال، ولا يضرهم بطلان صلاته بعد إحرامهم على الاوجه، كرد الريح الباب أثناءها، لانه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
(فرع) لو وقف أحدهما في علو والآخر في سفل، اشترط عدم الحيلولة، لا محاذاة قدم الاعلى رأس(2/36)
الاسفل، وإن كانا في غير مسجد.
على ما دل عليه كلام الروضة وأصلها والمجموع - خلافا لجمع متأخيرين.
ويكره ارتفاع أحدهما على الآخر بلا حاجة، ولو في المسجد.
(و) منها (موافقة في سنن تفحش مخالفة فيها) فعلا أو تركا، فتبطل صلاة من وقعت بينه وبين الامام مخالفة في سنة، كسجدة تلاوة فعلها الامام وتركها المأموم عامدا عالما بالتحريم، وتشهد أول فعله الامام وتركه المأموم، أو تركه الامام، وفعله المأموم عامدا عالما، وإن لحقه على القرب، حيث لم يجلس الامام للاستراحة لعدوله عن فرض المتابعة إلى سنة.
أما إذا لم تفحش المخالفة فيها فلا يضر الاتيان بالسنة، كقنوت أدرك - مع(2/37)
الاتيان به - الامام في سجدته الاولى.
وفارق التشهد الاول بأنه فيه أحدث قعودا لم يفعله الامام، وهذا إنما طول ما كان فيه الامام، فلا فحش، وكذا لا يضر الاتيان بالتشهد الاول إن جلس إمامه للاستراحة، لان الضار إنما هو إحداث جلوس لم يفعله الامام، وإلا لم يجز، وأبطل صلاة العالم العامد، ما لم ينو مفارقته، وهو فراق بعذر، فيكون أولى.
وإذا لم يفرغ المأموم منه مع فراغ الامام جاز له التخلف لاتمامه، بل ندب إن علم أنه يدرك الفاتحة بكمالها قبل ركوع الامام، لا التخلف لاتمام سورة، بل يكره، إذا لم يلحق الامام في الركوع.
(و) منها (عدم تخلف عن إمام بركنين فعليين) متواليين تامين (بلا عذر مع تعمد وعلم) بالتحريم، وإن لم يكونا طويلين.
فإن تخلف بهما بطلت صلاته لفحش المخالفة، كأن ركع الامام، واعتدل وهوي للسجود - أي(2/38)
زال من حد القيام - والمأموم قائم.
وخرج بالفعليين القوليان، والقولي والفعلي (و) عدم تخلف عنه معهما
(بأكثر من ثلاثة أركان طويلة)، فلا يحسب منها الاعتدال والجلوس بين السجدتين (بعذر أوجبه) أي اقتضى(2/39)
وجوب ذلك التخلف، (كإسراع إمام قراءة) والمأموم بطئ القراءة لعجز خلقي، لا لوسوسة أو الحركات.
(وانتظام مأموم سكتته) أي سكتة الامام ليقرأ فيها الفاتحة، فركع عقبها، وسهوه عنها حتى ركع الامام.
وشكه فيها قبل ركوعه.
أما التخلف لوسوسة، بأن كان يردد الكلمات من غير موجب فليس بعذر.
قال شيخنا: ينبغي في ذي وسوسة صارت كالخلقية - بحيث يقطع كل من رآه أنه لا يمكنه تركها - أن يأتي فيه ما في بطئ الحركة،(2/40)
فيلزم المأموم في الصور المذكورة إتمام الفاتحة، ما لم يتخلف بأكثر من ثلاثة أركان طويلة، وإن تخلف مع عذر بأكثر من الثلاثة بأن لا يفرغ من الفاتحة إلا والامام قائم عن السجود أو جالس للتشهد (فليوافق) إمامه، وجوبا (في) الركن (الرابع) وهو القيام، أو الجلوس للتشهد، ويترك ترتيب نفسه، (ثم يتدارك) بعد سلام الامام ما بقي عليه، فإن لم يوافقه في الرابع، مع علمه بوجوب المتابعة ولم ينو المفارقة بطلت صلاته، إن علم وتعمد.
وإن(2/41)
ركع المأموم مع الامام فشك هل قرأ الفاتحة، أو تذكر أنه لم يقرأها ؟ لم يجز له العود إلى القيام، وتدارك بعد سلام الامام ركعة.
فإن عاد عالما عامدا بطلت صلاته، وإلا فلا.
فلو تيقن القراءة وشك في إكمالها فإنه لا يؤثر.
(ولو اشتغل مسبوق) وهو من لم يدرك من قيام الامام، قدرا يسع الفاتحة بالنسبة إلى القراءة المعتدلة وهو ضد الموافق.
ولو شك هل أدرك زمنا يسعها ؟ تخلف لا تمامها، ولا يدرك الركعة ما لم يدركه في الركوع (بسنة) كتعوذ، وافتتاح، أو لم يشتغل بشئ، بأن سكت زمنا بعد تحرمه وقبل قراءته، وهو عالم بأن واجبه الفاتحة.
أو(2/42)
استمع قراءة الامام (قرأ) - وجوبا - من الفاتحة بعد ركوع الامام، سواء أعلم أنه يدرك الامام قبل رفعه من سجوده أم لا - على الاوجه.
(قدرها) حروفا في ظنه، أو قدر زمن من سكوته لتقصيره بعدوله عن فرض إلى غيره.
(وعذر) من تخلف لسنة، كبطء القراءة - على ما قاله الشيخان، كالبغوي - لوجوب التخلف، فيتخلف ويدرك الركعة، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان، خلافا لما اعتمده جمع محققون من كونه غير معذور لتقصيره(2/43)
بالعدول المذكور.
وجزم به شيخنا في شرح المنهاج وفتاويه، ثم قال: من عبر بعذره فعبارته مؤولة.
وعليه: إن لم يدرك الامام في الركوع فاتته الركعة، ولا يركع، لانه لا يحسب له، بل يتابعه في هويه للسجود، إلا بطلت صلاته، إن علم وتعمد.
ثم قال: والذي يتجه أنه يتخلف لقراءة ما لزمه حتى يريد الامام الهوي للسجود، فإن(2/44)
كمل وافقه فيه، ولا يركع، وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد، وإلا فارقه بالنية.
قال شيخنا في شرح الارشاد: والاقرب للمنقول الاول، وعليه أكثر المتأخرين.
أما إذا ركع بدون قراءة قدرها فتبطل صلاته.
وفي شرح المنهاج - له - عن معظم الاصحاب: أنه يركع ويسقط عنه بقية الفاتحة.
واختير، بل رجحه جمع متأخرون، وأطالوا في الاستدلال له، وأن كلام الشيخين يقتضيه.
أما إذا جهل أن واجبه ذلك فهو تخلفه لما لزمه متخلف بعذر.
قاله القاضي.
وخرج بالمسبوق الموافق، فإنه إذا لم يتم الفاتحة لاشتغاله بسنة، كدعاء افتتاح، وإن لم يظن إدراك الفاتحة معه، يكون كبطئ القراءة فيما مر، بلا نزاع.
(وسبقه) أي المأموم، (على إمام) عامدا عالما(2/45)
(ب) - تمام (ركنين فعليين) وإن لم يكونا طويلين (مبطل) للصلاة، لفحش المخالفة.
وصورة التقدم بهما: أن يركع ويعتدل ثم يهوي للسجود مثلا والامام قائم، أو كأن يركع قبل الامام، فلما أراد الامام أن يركع رفع، فلما أراد الامام أن يركع سجد، فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال.
ولو سبق بهما سهوا أو جهلا لم يضر، لكن لا يعتد له بهما.
فإذا لم يعد للاتيان بهما مع الامام سهوا أو جهلا أتى بعد سلام إمامه بركعة، وإلا أعاد(2/46)
الصلاة.
(و) سبقه عليه عامدا عالما (ب) - تمام (ركن فعلي) كأن ركع ورفع والامام قائم (حرام) بخلاف التخلف به فإنه مكروه كما يأتي، ومن تقدم بركن سن له العود ليوافقه إن تعمد، وإلا تخير بين العود والدوام.
(ومقارنته) أي مقارنة المأموم الامام (في أفعال)، وكذا أقوال غير تحرم (مكروهة: كتخلف عنه) أي الامام (إلى فراغ ركن) وتقدم عليه بابتدائه، وعند تعمد أحد هذه الثلاثة تفوته فضيلة الجماعة.
فهي جماعة صحيحة، لكن لا ثواب(2/47)
عليها، فيسقط إثم تركها أو كراهته.
فقول جمع انتفاء الفضيلة، يلزمه الخروج عن المتابعة حتى يصير كالمنفرد ولا تصح له الجمعة، وهم، كما بينه الزركشي وغيره.
ويجري ذلك في كل مكروه من حيث الجماعة بأن لم يتصور وجوده في غيرها.
فالسنة للمأموم أن يتأخر ابتداء فعله عن ابتداء فعل الامام، ويتقدم على فراغه منه، والاكمل من هذا أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن جميع حركة الامام، ولا يشرع حتى يصل الامام لحقيقة المنتقل إليه، فلا يهوي للركوع والسجود حتى يستوي الامام راكعا، أو تصل جبهته إلى المسجد.
ولو قارنه بالتحرم أو تبين تأخر تحرم الامام لم تنعقد صلاته ولا بأس بإعادته التكبير سرا بنية ثانية إن لم يشعروا، ولا بالمقارنة في السلام، وإن سبقه بالفاتحة أو التشهد، بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الامام فيه لم يضر.
وقيل:(2/48)
تجب الاعادة مع فعل الامام أو بعده، وهو أولى.
فعليه إن لم يعده بطلت.
ويسن مراعاة هذا الخلاف كما يسن تأخير جميع فاتحته عن فاتحة الامام، ولو في أوليي السرية إن ظن أنه يقرأ السورة.
ولو علم أن إمامه يقتصر على الفاتحة لزمه أن يقرأها مع قراءة الامام.
(ولا يصح قدوة بمن اعتقد بطلان صلاته) بإن ارتكب مبطلا في اعتقاد المأموم، كشافعي اقتدى بحنفي مس فرجه، دون ما إذا افتصد نظرا لاعتقاد المقتدي، لان الامام محدث(2/49)
عنده بالمس دون الفصد، فيتعذر ربط صلاته بصلاة الامام، لانه عنده ليس في صلاة.
ولو شك شافعي في إتيان المخالف بالواجبات عند المأموم لم يؤثر في صحة الاقتداء به، تحسينا للظن به في توقي الخلاف، فلا يضر عدم اعتقاده الوجوب.
(فرع) لو قام إمامه لزيادة، كخامسة، ولو سهوا، لم يجز له متابعته، ولو مسبوقا أو شاكا في ركعة، بل يفارقه، ويسلم، أو ينتظره - على المعتمد -.
(ولا) قدوة (بمقتد) ولو احتمالا، وإن بان إماما.
وخرج بمقتد من(2/50)
انقطعت قدوته، كأن سلم الامام فقام مسبوق فاقتدى به آخر صحت، أو قام مسبوقون فاقتدى بعضهم ببعض صحت أيضا - على المعتمد - لكن مع الكراهة.
(ولا) قدوة (قارئ بأمي) وهو من يخل بالفاتحة أو بعضها، ولو بحرف منها، بأن يعجز عنه بالكلية، أو عن إخراجه عن مخرجه، أو عن أصل تشديدة، وإن لم يمكنه التعلم ولا(2/51)
علم بحاله، لانه لا يصلح لتحمل القراءة عنه لو أدركه راكعا.
ويصح الاقتداء بمن يجوز كونه أميا إلا إذا لم يجهر في جهرية فيلزمه مفارقته، فإن استمر جاهلا حتى سلم لزمته الاعادة، ما لم يتبين أنه قارئ.
ومحل عدم صحة الاقتداء بالامي: إن لم يستو الامام والمأموم في الحرف المعجوز عنه، بأن أحسنه المأموم فقط، أو أحسن كل منهما غير ما أحسنه الآخر.
ومنه أرت يدغم في غير محله بإبدال، وألثغ يبدل حرفا بآخر.
فإن أمكنه التعلم(2/52)
ولم يتعلم لم تصح صلاته، وإلا صحت كاقتدائه بمثله، وكره اقتداء بنحو تأتاء، وفأفاء، ولاحن بما لا يغير معنى، كضم هاء لله وفتح دال نعبد، فإن لحن لحنا يغير المعنى في الفاتحة ك أنعمت بكسر أو ضم، أبطل صلاة من أمكنه التعلم ولم يتعلم، لانه ليس بقرآن.
نعم، إن ضاق الوقت صلى لحرمته، وأعاد لتقصيره.
قال شيخنا: ويظهر أنه لا يأتي بتلك الكلمة، لانه غير قرآن قطعا، فلم تتوقف صحة الصلاة حينئذ عليها، بل تعمدها - ولو من مثل هذا - مبطل.
انتهى.
أو في غيرها: صحت صلاته، والقدوة به، إلا إذا قدر وعلم وتعمد، لانه حينئذ كلام أجنبي.
وحيث(2/53)
بطلت صلاته هنا يبطل الاقتداء به.
لكن للعالم بحاله - كما قاله الماوردي - واختار السبكي ما اقتضاه قول الامام ليس لهذا قراءة غير الفاتحة، لانه يتكلم بما ليس بقرآن، بلا ضرورة من البطلان مطلقا.
(ولو اقتدى بمن ظنه أهلا) للامامة (فبان خلافه) كأن ظنه قارئا، أو غير مأموم، أو رجلا، أو عاقلا فبان أميا، أو مأموما، أو امرأة، أو مجنونا، أعاد الصلاة وجوبا لتقصيره بترك البحث في ذلك (لا) إن اقتدى بمن ظنه متطهرا فبان (ذا حدث) ولو(2/54)
حدثا أكبر، (أو) ذا (خبث) خفي، ولو في جمعة إن زاد على الاربعين: فلا تجب الاعادة، وإن كان الامام عالما لانتفاء تقصير المأموم، إذ لا أمارة عليهما، ومن ثم حصل له فضل الجماعة.
أما إذا بان ذا خبث ظاهر فيلزمه الاعادة على غير الاعمى لتقصيره، وهو ما بظاهر الثوب، وإن حال بين الامام والمأموم حائل.
والاوجه في ضبطه أن يكون بحيث لو تأمله المأموم رآه، والخفي بخلافه.
وصحح النووي في التحقيق عدم وجوب الاعادة
مطلقا.
(وصح اقتداء سليم بسلس) للبول أو المذي أو الضراط، وقائم بقاعد، ومتوضئ بمتيمم لا تلزمه(2/55)
إعادة.
(وكره) اقتداء (بفاسق ومبتدع) كرافضي، وإن لم يوجد أحد سواهما - ما لم يخش فتنة - وقيل: لا يصح الاقتداء بهما.
وكره أيضا اقتداء بموسوس وأقلف، لا بولد الزنا، لكنه خلاف الاولى.
واختار السبكي ومن تبعه(2/56)
انتقاء الكراهة إذا تعذرت الجماعة إلا خلف من تكره خلفه، بل هي أفضل من الانفراد.
وجزم شيخنا بأنها لا تزول حينئذ، بل الانفراد أفضل منها.
وقال بعض أصحابنا: والاوجه عندي ما قاله السبكي - رحمه الله تعالى -.
(تتمة) وعذر الجماعة كالجمعة، مطر يبل ثوبه للخبر الصحيح: أنه (ص) أمر بالصلاة في الرحال يوم مطر يبل أسفل النعال بخلاف ما لا يبله.
نعم، قطر الماء من سقوف الطريق عذر، وإن لم يبله، لغلبة نجاسته أو استقذاره.
ووحل لم يأمن معه التلوث بالمشي فيه أو الزلق، وحر شديد، وإن وجد ظلا يمشي فيه، وبرد شديد،(2/57)
وظلمة شديدة بالليل، ومشقة مرض وإن لم تبح الجلوس في الفرض، لا صداع يسير ومدافعة حدث من بول أو غائط أو ريح، فتكره الصلاة معها.
وإن خاف فوت الجماعة لو فرغ نفسه - كما صرح به جمع - وحدوثها في الفرض لا يجوز قطعه، ومحل ما ذكر في هذه: إن اتسع الوقت، بحيث لو فرغ نفسه أدرك الصلاة كاملة، وإلا(2/58)
حرم التأخير لذلك.
وفقد لباس لائق به وإن وجد ساتر العورة، وسير رفقة، لمريد سفر مباح وإن أمن، لمشقة استيحاشه وخوف ظالم على معصوم من عرض أو نفس أو مال، وخوف من حبس غريم معسر، وحضور مريض وإن لم يكن نحو قريب بلا متعهد له، أو كان نحو قريب محتضرا، أو لم يكن محتضرا، لكن يأنس به،(2/59)
وغلبة نعاس عند انتظاره للجماعة، وشدة جوع، وعطش، وعمى حيث لم يجد قائدا بأجرة المثل.
وإن أحسن المشي بالعصا.(2/60)
(تنبيه) إن هذه الاعذار تمنع كراهة تركها حيث سنت، وإثمه حيث وجبت، ولا تحصل فضيلة الجماعة - كما قال النووي في المجموع، واختار غيره ما عليه جمع متقدمون - من حصولها إن قصدها لولا العذر قال في المجموع: يستحب - لمن ترك الجمعة بلا عذر - أن يتصدق بدينار، أو نصفه، لخبر أبي داود وغيره.(2/61)
فصل (في صلاة الجمعة) هي فرض عين عند اجتماع شرائطها.
وفرضت بمكة، ولم تقم بها لفقد العدد، أو لان شعارها الاظهار، وكان (ص) مستخفيا فيها.
وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة، بقرية على ميل من المدينة.(2/62)
وصلاتها أفضل الصلوات.
وسميت بذلك: لاجتماع الناس لها، أو لان آدم اجتمع فيها مع حواء من مزدلفة، فلذلك سميت جمعا.
(تجب جمعة على) كل (مكلف) أي بالغ عاقل، (ذكر، حر)، فلا تلزم على أنثى، وخنثى، ومن به رق - إن كوتب - لنقصه، (متوطن) بمحل الجمعة لا يسافر من محل إقامتها - صيفا ولا شتاء -(2/63)
إلا لحاجة، كتجارة، وزيارة، (غير معذور) بنحو مرض، من الاعذار التي مرت في الجماعة، فلا تلزم على مريض إن لم يحضر بعد الزوال محل إقامتها، وتنعقد بمعذور، (و) تجب (على مقيم) بمحل إقامتها غير متوطن، كمن أقام بمحل جمعة أربعة أيام فأكثر، وهو على عزم العود إلى وطنه، ولو بعد مدة طويلة.
وعلى مقيم متوطن بمحل يسمع منه النداء ولا يبلغ أهله أربعين، فتلزمهما الجمعة (و) لكن (لا تنعقد) الجمعة (به)(2/64)
أي بمقيم غير متوطن، ولا بمتوطن خارج بلد إقامتها، وإن وجبت عليه بسماعه النداء منها.
(ولا بمن به رق وصبا)، بل تصح منهم، لكن ينبغي تأخر إحرامهم عن إحرام أربعين ممن تنعقد به الجمعة - على ما اشترطه جمع محققون، وإن خالف فيه كثيرون.
(وشرط) لصحة الجمعة - مع شروط غيرها - ستة: احدها: (وقوعها جماعة) بنية إمامة واقتداء، مقترنة(2/65)
بتحرم (في الركعة الاولى)، فلا تصح الجمعة بالعدد فرادى، ولا تشترط الجماعة في الركعة الثانية.
فلو صلى الامام بالاربعين ركعة ثم أحدث فأتم كل منهم ركعة واحدة، أو لم يحدث بل فارقوه في الثانية، وأتموا منفردين، أجزأتهم الجمعة.
نعم، يشترط بقاء العدد إلى سلام الجميع، حتى لو أحدث واحد من الاربعين قبل سلامه، ولو بعد سلام من عداه منهم، بطلت جمعة الكل.
ولو أدرك المسبوق ركوع الثانية واستمر معه إلى أن سلم، أتى بركعة بعد سلامه جهرا وتمت جمعته إن صحت جمعة الامام وكذا من اقتدى به وأدرك ركعة معه - كما قاله(2/66)
شيخنا -.
وتجب على من جاء بعد ركوع.
الثانية: نية الجمعة - على الاصح - وإن كانت الظهر هي اللازمة له -.
وقيل: تجوز نية الظهر.
وأفتى به البلقيني وأطال الكلام فيه.
(و) ثانيها: وقوعها (بأربعين) ممن تنعقد بهم الجمعة، ولو مرضى، ومنهم الامام.
ولو كانوا أربعين فقط(2/67)
وفيهم أمي واحد أو أكثر قصر في التعلم، لم تصح جمعتهم، لبطلان صلاته فينقصون.
أما إذا لم يقصر الامي في التعلم فتصح الجمعة به - كما جزم به شيخنا في شرحي العباب والارشاد، تبعا لما جزم به شيخه في شرح الروض - ثم قال في شرح المنهاج: لا فرق هنا بين أن يقصر الامي في التعلم، وأن لا يقصر.
والفرق بينهما غير قوي.
انتهى.
ولو نقصوا فيها بطلت، أو في خطبة لم يحسب ركن فعل حال نقصهم، لعدم سماعهم له.
فإن(2/68)
عادوا قريبا عرفا جاز البناء على ما مضى، وإلا وجب الاستئناف، كنقصهم بين الخطبة والصلاة، لانتفاء الموالاة فيهما.
(فرع) من له مسكنان ببلدين، فالعبر بما كثرت فيه إقامته، فيما فيه أهله وماله.
وإن كان بواحد أهل وبآخر مال، فبما فيه أهله، فإن استويا في الكل، فبالمحل الذي هو فيه حالة إقامة الجمعة.
ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين، خلافا لابي حنيفة - رحمه الله تعالى - فتنعقد عنده بأربعة، ولو عبيدا أو مسافرين.
ولا يشترط
عندنا إذن السلطان لاقامتها ولا كون محلها مصرا، خلافا له فيهما.
وسئل البلقيني عن أهل قرية لا يبلغ عددهم(2/69)
أربعين، هل يصلون الجمعة أو الظهر ؟ فأجاب - رحمه الله -: يصلون الظهر على مذهب الشافعي.
وقد أجاز جمع من العلماء أن يصلوا الجمعة، وهو قوي، فإذا قلدوا - أي جميعهم - من قال هذه المقالة، فإنهم يصلون الجمعة.
وإن احتاطوا فصلوا الجمعة ثم الظهر كان حسنا.
(و) ثالثها: وقوعها (بمحل معدود من البلد) ولو بفضاء الظهر كان حسنا معدود منها، بأن كان في محل لا تقصر فيه(2/70)
الصلاة، وإن لم يتصل بالابنية، بخلاف محل غير معدود منها، وهو ما يجوز السفر القصر منه.
(فرع) لو كان في قرية أربعون كاملون لزمتهم الجمعة، بل يحرم عليهم - على المعتمد - تعطيل محلهم من إقامتها، والذهاب إليها في بلد أخرى، وإن سمعوا النداء.
قال ابن الرفعة وغيره: إنهم إذا سمعوا النداء من مصر، فهم مخيرون بين أن يحضروا البلد للجمعة، وبين أن يقيموها في قريتهم، وإذا حضروا البلد لا يكمل بهم العدد لانهم في حكم المسافرين، وإذا لم يكن في القرية جمع تنعقد بهم الجمعة - ولو بامتناع بعضهم(2/71)
منها - يلزمهم السعي إلى بلد يسمعون من جانبه النداء.
قال ابن عجيل: ولو تعددت مواضع متقاربة وتميز كل باسم، فلكل حكمه.
قال شيخنا: إنما يتجه ذلك إن عد كل مع ذلك قرية مستقلة عرفا.
(فرع) لو أكره السلطان أهل قرية إن ينتقلوا منها ويبنوا في موضع آخر، فسكنوا فيه وقصدهم العود إلى البلد الاول إذا فرج الله عنهم، لا تلزمهم الجمعة، بل لا تصح منهم، لعدم الاستيطان.(2/72)
(و) رابعها: وقوعها (في وقت ظهر) فلو ضاق الوقت عنها وعن خطبتيها، أو شك في ذلك، صلوا ظهرا، ولو خرج الوقت يقينا، أو ظنا، وهم فيها، ولو قبيل السلام، وإن كان ذلك بإخبار عدل، على الاوجه، وجب الظهر، بناء على ما مضى، وفاتت الجمعة، بخلاف ما لو شك في خروجه، لان الاصل بقاؤء.
ومن شروطهما أن لا يسبقها بتحرم، ولا يقارنها فيه جمعة بمحلها، إلا أن كثر أهله، وعسر اجتماعهم بمكان واحد منه - ولو غير(2/73)
مسجد - من غير لحوق مؤذ فيه، كحر وبرد شديدين، فيجوز حينئذ تعددها للحاجة بحسبها.(2/74)
(فرع) لا يصح ظهر من لا عذر له قبل سلام الامام، فإن صلاها جاهلا انعقدت نفلا، ولو تركها أهل بلد فصلوا الظهر لم يصح، ما لم يضق الوقت عن أقل واجب الخطبتين والصلاة، وإن علم من عادتهم أنهم لا يقيمون الجمعة.
(و) خامسها: (وقوعها) أي الجمعة، (بعد خطبتين) بعد زوال، لما في الصحيحين: أنه (ص) لم يصل(2/75)
الجمعة إلا بخطبتين (بأركانهما) أي يشترط وقوع صلاة الجمعة بعد خطبتين مع إتيان أركانهما الآتية، (وهي) خمسة.
أحدها: (حمد الله تعالى).(2/76)
(و) ثانيها: (صلاة على النبي) (ص) (بلفظهما): أي حمد الله والصلاة على رسول الله (ص)، كالحمد لله، أو أحمد الله، فلا يكفي: الشكر لله، أو الثناء لله، ولا: الحمد للرحمن، أو للرحيم، وكاللهم صل، أو صلى الله، أو أصلي على محمد، أو أحمد، أو الرسول، أو النبي أو الحاشر أو نحوه فلا يكفي: اللهم سلم على محمد وارحم محمدا، ولا صلى الله عليه، بالضمير.
وإن تقدم له ذكر يرجع إليه الضمير، كما صرح به جمع محققون.
وقال الكمال الدميري: وكثيرا ما يسهو الخطباء في ذلك.
انتهى.
فلا تغتر بما تجده مسطورا في بعض الخطب النباتية على خلاف ما عليه محققو المتأخرين.
(و) ثالثها: (وصية بتقوى الله) ولا يتعين لفظها ولا تطويلها، بل يكفي نحو أطيعوا الله - مما فيه حث على(2/77)
طاعة الله، أو زجر عن معصية، لانها المقصود من الخطبة، فلا يكفي مجرد التحذير من غرور الدنيا، وذكر الموت وما فيه من الفظاعة والالم.
قال ابن الرفعة: يكفي فيها ما اشتملت على الامر بالاستعداد للموت.
ويشترط أن يأتي بكل من الاركان الثلاثة (فيهما)، أي في كل واحدة من الخطبتين.
ويندب أن يرتب الخطيب
الاركان الثلاثة، وما بعدها، بأن يأتي أولا بالحمد، فالصلاة، فالوصية، فبالقراءة، فبالدعاء.
(و) رابعها: (قراءة آية) مفهمة (في إحداهما)، وفي الاولى أولى.
وتسن - بعد فراغها - قراءة ق أو بعضها في كل جمعة، للاتباع.(2/78)
(و) خامسها: (دعاء) أخروي للمؤمنين إن لم يتعرض للمؤمنات، خلافا للاذرعي، (ولو) بقوله: (رحمكم الله)، وكذا بنحو: اللهم أجرنا من النار - إن قصد تخصيص الحاضرين (في) خطبة (ثانة) لاتباع السلف والخلف.
والدعاء للسلطان بخصوصه لا يسن اتفاقا، إلا مع خشية فتنة، فيجب، ومع عدمها لا بأس(2/79)
به، حيث لا مجازفة في وصفه، ولا يجوز وصفه بصفة كاذبة إلا لضرورة.
ويسن الدعاء لولاة الصحابة قطعا، وكذا لولاة المسلمين وجيوشهم، بالصلاح، والنصر، والقيام بالعدل.
وذكر المناقب لا يقطع الولاة، ما لم يعد به معرضا عن الخطبة.
وفي التوسط يشترط أن لا يطيله إطالة تقطع الموالاة، كما يفعله كثير من الخطباء الجهال.
قال شيخنا: ولو شك في ترك فرض من الخطبة بعد فراغها لم يؤثر كما لا يؤثر الشك في ترك فرض(2/80)
بعد الصلاة، أو الوضوء.
(وشرط فيهما)، الخطبتين، (إسماع أربعين) أي تسعة وثلاثين سواه، ممن تنعقد بهم الجمعة (الاركان) لا جميع الخطبة.
قال شيخنا: لا تجب الجمعة على أربعين بعضهم أصم، ولا تصح مع وجود لغط يمنع سماع ركن الخطبة على المعتمد فيهما، وإن خالف فيه جمع كثيرون، فلم يشترطوا إلا الحضور فقط.
وعليه يدل كلام الشيخين في بعض المواضع، ولا يشترط كونهم بمحل الصلاة، ولا فهمهم لما(2/81)
يسمعونه.
(و) شرط فيهما (عربية) لاتباع السلف والخلف.
وفائدتها بالعربية - مع عدم معرفتهم لها - العلم بالوعظ في الجملة.
قاله القاضي.
وإن لم يمكن تعلمها بالعربية قبل ضيق الوقت خطب منهم واحد بلسانهم، وإن أمكن تعلمها وجب كل على الكفاية، (وقيام قادر عليه، وطهر) من حدث أكبر وأصغر، وعن نجس غير معفو عنه، في ثوبه، وبدنه، ومكانه.
(وستر) للعورة.
(و) شرط (جلوس بينهما) بطمأنينة فيه، وسن أن يكون(2/82)
بقدر سورة الاخلاص، وأن يقرأها فيه.
ومن خطب قاعدا لعذر فصل بينهما بسكتة وجوبا.
وفي الجواهر: لو لم يجلس حسبتا واحدة، فيجلس ويأتي بثالثة.
(وولاء) بينهما وبين أركانهما، وبينهما وبين الصلاة، بأن لا يفصل طويلا عرفا.
وسيأتي أن اختلال الموالاة بين المجموعتين بفعل ركعتين، بل بأقل مجزئ، فلا يبعد الضبط(2/83)
بهذا هنا، ويكون بيانا للعرف.
(وسن لمريدها) أي الجمعة، وإن لم تلزمه، (غسل) بتعميم البدن والرأس بالماء، فإن عجز، سن تيمم بنية الغسل، (بعد) طلوع (فجر).
وينبغي لصائم خشي منه مفطرا تركه، وكذا(2/84)
سائر الاغسال المسنونة، وقربه من ذهابه إليها أفضل.
ولو تعارض الغسل والتبكير، فمراعاة الغسل أولى، للخلاف في وجوبه، ومن ثم كره تركه.
ومن الاغسال المسنونة: غسل العيدين، والكسوفين، والاستسقاء، وأغسال الحج، وغسل غاسل الميت، والغسل للاعتكاف، ولكل ليلة من رمضان، ولحجامة، ولتغير الجسد،(2/85)
وغسل الكافر إذا أسلم - للامر به - ولم يجب، لان كثيرين أسلموا ولم يؤمروا به.
وهذا إذا لم يعرض له في الكفر ما يوجب الغسل - من جنابة أو نحوها - وإلا وجب الغسل.
وإن اغتسل في الكفر، لبطلان نيته.
وآكدها غسل الجمعة ثم من غسل الميت.
(تنبيه) قال شيخنا: يسن قضاء غسل الجمعة - كسائر الاغسال المسنونة - وإنما طلب قضاؤه لانه إذا علم(2/86)
أنه يقضى داوم على أدائه، واجتنب تفويته.
(وبكور) - لغير خطيب - إلى المصلى من طلوع الفجر، لما في الخبر الصحيح: إن للجائي بعد اغتساله غسل الجنابة - أي كغسلها، وقيل حقيقة بأن يكون جامع، لانه يسن(2/87)
ليلة الجمعة أو يومها - في الساعة الاولى بدنة، وفي الثانية: بقرة، وفي الثالثة: كبشا أقرن، والرابعة: دجاجة، والخامسة: عصفورا، والسادسة: بيضة.
والمراد أن ما بين الفجر وخروج الخطيب ينقسم ستة أجزاء
متساوية، سواء أطال اليوم، أم قصر.
أما الامام فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة، للاتباع.
ويسن الذهاب إلى(2/88)
المصلى في طريق طويل، ماشيا بسكينة، والرجوع في طريق آخر قصير، وكذا في كل عبادة.
ويكره عدو إليها، كسائر العبادات، إلا لضيق وقت، فيجب، إذا لم يدركها إلا به.
(وتزين بأحسن ثيابه) وأفضلها الابيض، ويلي(2/89)
الابيض ما صبغ قبل نسجه.
قال شيخنا: ويكره ما صبغ بعده، ولو بغير الحمرة.
اه.
ويحرم التزين بالحرير،(2/90)
ولو قزا، وهو نوع منه كمد اللون، وما أكثره وزنا - من الحرير، لا ما أقله منه، ولا ما استوى فيه الامران.
ولو شك في الاكثر، فالاصل الحل، على الاوجه.
(فرع) يحل الحرير لقتال، إن لم يجد غيره، أو لم يقم مقامه في دفع السلاح.
وصحح في الكفاية قول جمع: يجوز القباء وغيره مما يصلح للقتال وإن وجد غيره، إرهابا للكفار، كتحلية السيف بفضة.
ولحاجة كجرب إن آذاه غيره، أو كان فيه نفع لا يوجد في غيره، وقمل لم يندفع بغيره، ولامرأة ولو بافتراش، لا له، بلا(2/91)
حائل.
ويحل منه - حتى للرجل - خيط السبحة، وزر الجيب، وكيس المصحف والدراهم، وغطاء العمامة، وعلم الرمح، لا الشرابة التي برأس السبحة.
ويجب لرجل لبسه حيث لم يجد ساتر العورة غيره، حتى في(2/92)
الخلوة.
ويجوز لبس الثوب المصبوغ بأي لون كان، إلا المزعفر.
ولبس الثوب المتنجس في غير نحو الصلاة، حيث لا رطوبة، لا جلد ميتة، بلا ضرورة، كافتراش جلد سبع كأسد، وله إطعام ميتة لنحو طير، لا كافر،(2/93)
ومتنجس لدابة، ويحل مع الكراهة، استعمال العاج في الرأس واللحية حيث لا رطوبة، وإسراج بمتنجس بغير مغلظ إلا في مسجد، وإن قل دخانه - خلافا لجمع -.
وتسميد أرض بنجس، لا اقتناء كلب - إلا لصيد أو حفظ(2/94)
مال - ويكره - ولو لامرأة - تزيين غير الكعبة، كمشهد صالح بغير حرير، ويحرم به.
(وتعمم) لخبر: إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة، ويسن لسائر الصلوات.
وورد في حديث ضعيف ما يدل على أفضلية كبرها.
وينبغي ضبط طولها وعرضها بما يليق بلابسها عادة، في زمانه، فإن زاد فيها على ذلك كره، وتنخرم مروأة فقيه بلبس عمامة سوقي لا تليق به، وعكسه.
قال الحفاظ: لم يتحرر شئ في طول عمامته (ص)(2/95)
وعرضها.
قال الشيخان: من تعمم فله فعل العذبة، وتركها، ولا كراهة في واحد منهما.
زاد النووي: لانه لم يصح في النهي عن ترك العذبة شئ.
انتهى.
لكن قد ورد في العذبة أحاديث صحيحة وحسنة، وقد صرحوا بأن أصلها سنة.
قال شيخنا: وإرسالها بين الكتفين أفضل منه على الايمن.
ولا أصل في اختيار إرسالها على الايسر.
وأقل ما ورد في طولها أربعة أصابع، وأكثره ذراع.
قال ابن الحاج المالكي: عليك أن تتعمم قائما، وتتسرول قاعدا.
قال في المجموع: ويكره أن يمشي في نعل واحدة، ولبسها قائما، وتعليق جرس فيها.(2/96)
ولمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله تعالى فيه.
(وتطيب) لغير صائم - على الاوجه - لما في الخبر الصحيح: أن الجمع بين الغسل، ولبس الاحسن، والتطيب، والانصات، وترك التخطي، يكفر ما بين الجمعتين.
والتطيب بالمسك أفضل، ولا تسن الصلاة عليه (ص) عند شمه، بل حسن الاستغفار عنده - كما قال شيخنا -، وندب تزين بإزالة ظفر من يديه، ورجليه، لا إحداهما، فيكره.
وشعر نحو إبطه وعانته لغير مريد التضحية في عشر ذي الحجة، وذلك للاتباع.
وبقص شاربه حتى تبدو حمرة الشفة وإزالة ريح كريه، ووسخ.(2/97)
والمعتمد في كيفية تقليم اليدين: أن يبتدئ بمسبحة يمينه إلى خنصرها، ثم إبهامها، ثم خنصر يسارها إلى إبهامها على التوالي، والرجلين: أن يبتدئ بخنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى على التوالي، وينبغي البدار بغسل محل القلم، ويسن فعل ذلك يوم الخميس أو بكرة الجمعة.
وكره المحب الطبري نتف شعر الانف، قال: بل يقصه، لحديث فيه.
قال الشافعي - رضي الله عنه -: من نظف ثوبه قل همه، ومن طاب ريحه زاد(2/98)
عقله.
(و) سن (إنصات) أي سكوت مع إصغاء (لخطبة)، ويسن ذلك، وإن لم يسمع الخطبة، نعم، الاولى - لغير السامع - أن يشتغل بالتلاوة والذكر سرا، ويكره الكلام، ولا يحرم، خلافا للائمة الثلاثة: حالة الخطبة،(2/99)
لاقبلها، ولو بعد الجلوس على المنبر، ولا بعدها، ولا بين الخطبتين، ولا حال الدعاء للمملوك، ولا لداخل مسجد، إلا إن اتخذ له مكانا واستقر فيه.
ويكره للداخل السلام، وإن لم يأخذ لنفسه مكانا، لاشتغال المسلم عليهم، فإن سلم لزمهم الرد، ويسن تشميت العاطس، والرد عليه، ورفع الصوت - من غير مبالغة - بالصلاة والسلام عليه (ص) عند ذكر الخطيب اسمه أو وصفه (ص).
قال شيخنا: ولا يبعد ندب الترضي عن الصحابة، بلا(2/100)
رفع صوت.
وكذا التأمين لدعاء الخطيب.
اه.
وتكره تحريما - ولو لمن لم تلزمه الجمعة بعد جلوس الخطيب على المنبر: وإن لم يسمع الخطبة - صلاة فرض، ولو فائتة تذكرها الآن، وإن لزمته فورا، أو نفل، ولو في حال الدعاء للسلطان.
والاوجه أنها لا تنعقد كالصلاة بالوقت المكروه، بل أولى.
ويجب على من بصلاة تخفيفها، بأن يقتصر على أقل مجزئ عند جلوسه على المنبر.
وكره لداخل تحية فوتت تكبيرة الاحرام إن(2/101)
صلاها، إلا فلا تكره، بل تسن، لكن يلزمه تخفيفها بأن يقتصر على الواجبات - كما قاله شيخنا - وكره احتباء حالة الخطبة للنهي عنه، وكتب أوراق حالتها في آخر جمعة من رمضان، بل وإن كتب فيها نحو اسماء سريانية يجهل معنا حرم.
(و) سن (قراءة) سورة (كهف) يوم الجمعة وليلتها، لاحاديث فيها.
وقراءتها نهارا آكد،(2/102)
وأولاه بعد الصبح، مسارعة للخير، وأن يكثر منها، ومن سائر القرآن فيهما.
ويكره الجهر بقراءة الكهف وغيره إن حصل به تأذ لمصل أو نائم - كما صرح النووي في كتبه - وقال شيخنا في شرح العباب: ينبغي حرمة الجهر بالقراءة في المسجد.
وحمل كلام النووي بالكراهة: على ما إذا خف التأذي، وعلى كون القراءة في غير المسجد، وإكثار صلاة على النبي (ص) (يومها وليلتها) للاخبار الصحيحة الآمرة بذلك، فالاكثار منها أفضل من(2/103)
إكثار ذكر لم يرد بخصوصه.
قاله شيخنا.
(ودعاء) في يومها، رجاء أن يصادف ساعة الاجابة، وأرجاها، من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة.
وهي لحظة لطيفة.
وصح أنها آخر ساعة بعد العصر، وفي ليلتها لما جاء عن(2/104)
الشافعي - رضي الله عنه - أنه بلغه أن الدعاء يستجاب فيها، وأنه استحبه فيها.
وسن إكثار فعل الخير فيهما - كالصدقة وغيرها - وأن يشتغل - في طريقه وحضوره محل الصلاة - بقراءة، أو ذكر، أفضله الصلاة على النبي (ص) قبل الخطبة، وكذا حالة الخطبة إن لم يسمعها - كما مر - للاخبار المرغبة في ذلك.
وأن يقرأ عقب سلامه من الجمعة - قبل أن يثني رجليه، وفي رواية: قبل أن يتكلم - الفاتحة، والاخلاص، والمعوذتين، سبعا(2/105)
سبعا، لما ورد أن من قرأها غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطي من الاجر بعدد من آمن بالله ورسوله..(مهمة) يسن أن يقرأها، وآية الكرسي، و * (شهد الله) *، بعد كل مكتوبة وحين يأوي إلى فراشه، مع(2/106)
أواخر البقرة، والكافرون، ويقرأ خواتيم الحشر وأول غافر - إلى إليه المصير و * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) * إلى آخرها، صباحا ومساء، مع أذكارهما، وأن يواظب كل يوم على قراءة آلم، السجدة، ويس، والدخان، والواقعة، وتبارك، والزلزلة، والتكاثر وعلى الاخلاص مائتي مرة، والفجر في عشر ذي الحجة، ويس، والرعد عند المحتضر.
ووردت في كلها أحاديث غير موضوعة.(2/107)
(وحرم تخط) رقاب الناس، للاحاديث الصحيحة فيه، والجزم بالحرمة ما نقله الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي، واختارها في الروضة، وعليها كثيرون.
لكن قضية كلام الشيخين: الكراهة، وصرح بها في المجموع (لا لمن وجد فرجة قدامه) فله - بلا كراهة - تخطي صف واحد أو اثنين، ولا لامام لم يجد طريقا إلى المحراب إلا بتخطي، ولا لغيره إذا أذنوا له فيه لا حياء على الاوجه، ولا لمعظم ألف موضعا.
ويكره(2/108)
تخطي المجتمعين لغير الصلاة، ويحرم أن يقيم أحدا - بغير رضاه - ليجلس مكانه.
ويكره إيثار غيره بمحله،
إلا إن انتقل لمثله أو أقرب منه إلى الامام.
وكذا الايثار بسائر القرب.
وله تنحية سجادة غيره - بنحو رجله - والصلاة في محلها، ولا يرفعها - ولو بغير يده - لدخولها في ضمانه.
(و) حرم على من تلزمه الجمعة (نحو مبايعة) كاشتغال بصنعة (بعد) شروع في (أذان خطبة)، فإن عقد صح العقد، ويكره قبل الاذان بعد(2/109)
الزوال.
(و) حرم على من تلزمه الجمعة - وإن لم تنعقد به - (سفر) تفوت به الجمعة، كأن ظن أنه لا يدركها في طريقه أو مقصده، ولو كان السفر طاعة مندوبا، أو واجبا، (بعد فجرها) أي فجر يوم الجمعة، إلا خشي(2/110)
من عدم سفره ضررا، كانقطاعه عن الرفقة، فلا يحرم إن كان غير سفر معصية، ولو بعد الزوال، ويكره السفر ليلة الجمعة، لما روي بسند ضعيف: من سافر ليلتها دعا عليه ملكاه.
أما المسافر لمعصية فلا تسقط عنه الجمعة مطلقا.
قال شيخنا: وحيث حرم عليه السفر هنا لم يترخص ما لم تفت الجمعة، فيحسب ابتداء سفره من وقت فوتها.
(تتمة) يجوز لمسافر سفرا طويلا قصر رباعية، مؤداة، وفائتة سفر قصر فيه، وجمع(2/111)
العصرين والمغربين تقديما وتأخيرا، بفراق سور خاص ببلد سفر، وإن احتوى على خراب ومزارع.
ولو جمع قريتين، فلا يشترط مجاوزته، بل لكل حكمه، فبنيان وإن تخلله خراب أو نهر أو ميدان.
ولا يشترط(2/114)
مجاوزة بساتين وإن حوطت واتصلت بالبلد، والقريتان إن اتصلتا عرفا كقرية، وإن اختلفتا اسما، فلو انفصلتا - ولو يسيرا - كفى مجاوزة قرية المسافر، لا لمسافر لم يبلغ سفره مسيرة يوم وليلة بسير الاثقال مع النزول المعتاد لنحو استراحة وأكل وصلاة، ولا لآبق، ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه، ولا لمن(2/115)
سافر لمجرد رؤية البلاد - على الاصح -.
وينتهي السفر بعوده إلى وطنه، وإن كان مارا به، أو إلى موضع(2/116)
آخر، ونوى إقامته به مطلقا، أو أربعة أيام صحاح، أو علم أن إربه لا ينقضي فيها، ثم إن كان يرجو حصوله
كل وقت: قصر ثمانية عشر يوما.
وشرط لقصر نية قصر في تحرم، وعدم اقتداء - ولو لحظة - بمتم ولو مسافرا(2/117)
وتحرز عن منافيها دواما، ودوام سفره في جميع صلاته، ولجمع تقديم، نية جمع في الاولى - ولو مع التحلل منها - وترتيب، وولاء عرفا، فلا يضر فصل يسير بأن كان دون قدر ركعتين، ولتأخير نية جمع في وقت(2/118)
الاولى ما بقي قدر ركعة، وبقاء سفر إلى آخر الثانية.
(فرع) يجوز الجمع بالمرض تقديما وتأخيرا - على المختار - ويراعي الارفق، فإن كان يزداد مرضه -(2/119)
كأن كان يحم مثلا وقت الثانية قدمها بشروط جمع التقديم، أو وقت الاولى أخرها بنية الجمع في وقت الاولى.
وضبط جمع متأخرون المرض هنا بأنه ما يشق معه فعل كل فرض في وقته، كمشقة المشي في المطر، بحيث تبتل ثيابه.
وقال آخرون: لا بد من مشقة ظاهرة زيادة على ذلك، بحيث تبيح الجلوس في الفرض.
وهو الاوجه.(2/120)
(خاتمة) قال شيخنا في شرح المنهاج: من أدى عبادة مختلفا في صحتها من غير تقليد للقائل بها، لزمه إعادتها، لان إقدامه على فعلها عبث.(2/121)
فصل (في الصلاة على الميت)(2/122)
وشرعت بالمدينة.
وقيل هي من خصائص هذه الامة.
(صلاة الميت) أي الميت المسلم غير الشهيد (فرض كفاية) للاجماع والاخبار، (كغسله، ولو غريقا)(2/123)
لانا مأمورون بغسله، فلا يسقط الفرض عنا إلا بفعلنا، وإن شاهدنا الملائكة تغسله.
ويكفي غسل كافر،(2/124)
ويحصل أقله (بتعميم بدنه بالماء) مرة حتى ما تحت قلفة الاقلف - على الاصح - صبيا كان الاقلف أو بالغا.
قال العبادي وبعض الحنفية: لا يجب غسل ما تحتها.
فعلى المرجح لو تعذر غسل ما تحت القلفة بأنها لا تتقلص إلا بجرح، يمم عما تحتها.
كما قاله شيخنا، وأقره غيره.
وأكمله: تثليثه، وأن يكون في خلوة،(2/125)
وقميص، وعلى مرتفع بماء بارد - إلا لحاجة كوسخ وبرد، فالمسخن حينئذ أولى.
والمالح أولى من العذب.
ويبادر بغسله إذا تيقن موته، ومتى شك في موته وجب تأخيره إلى اليقين، بتغير ريح ونحوه.
فذكرهم العلامات الكثيرة له إنما تفيد، حيث لم يكن هناك شك.
ولو خرج منه بعد الغسل نجس لم ينقض الطهر، بل تجب إزالته فقط إن خرج قبل التكفين، لا بعده.
ومن تعذر غسله - لفقد ماء أو لغيره: كاحتراق، ولو غسل تهرى - يمم وجوبا.(2/126)
(فرع) الرجل أولى بغسل الرجل، والمرأة أولى بغسل المرأة، وله غسل حليلة، ولزوجة لا أمة غسل زوجها، ولو نكحت غيره، بلا مس، بل بلف خرقة على يد.
فإن خالف صح الغسل.
فإن لم يحضر إلا أجنبي في المرأة أو أجنبية في الرجل، يمم الميت.
نعم، لهما غسل من لا يشتهى من صبي أو صبية، لحل(2/127)
نظر كل ومسه.
وأولى الرجال به أولاهم بالصلاة - كما يأتي.
(وتكفينه بساتر عورة) مختلفة بالذكورة والانوثة، دون الرق والحرية، فيجب في المرأة - ولو أمة - ما يستر غير الوجه والكفين.
وفي الرجل ما يستر ما(2/128)
بين السرة والركبة.
والاكتفاء بساتر العورة هو ما صححه النووي في أكثر كتبه، ونقله عن الاكثرين، لانه حق لله تعالى.
وقال آخرون: يجب ستر جميع البدن - ولو رجلا -.
وللغريم منع الزائد على ساتر كل البدن،
لا الزائد على ساتر العورة، لتأكد أمره، وكونه حقا للميت بالنسبة للغرماء، وأكمله للذكر ثلاثة يعم كل منها البدن، وجاز أن يزاد تحتها قميص وعمامة، وللانثى إزار، فقميص، فخمار فلفافتان.
ويكفن الميت بما له(2/129)
لبسه حيا، فيجوز حرير ومزعفر للمرأة والصبي، مع الكراهة.
ومحل تجهيزه: التركة، إلا زوجة وخادمها: فعلى زوج غني عليه نفقتهما، فإن لم يكن له تركة فعلى من عليه نفقته، من قريب، وسيد، فعلى بيت(2/130)
المال، فعلى مياسير المسلمين.
ويحرم التكفين في جلد إن وجد غيره، وكذا الطين، والحشيش، فإن لم يوجد ثوب وجب جلد، ثم حشيش، ثم طين - فيما استظهره شيخنا -.
ويحرم كتابة شئ من القرآن واسماء الله تعالى على الكفن.
ولا بأس بكتابته بالريق، لانه لا يثبت.
وأفتى ابن الصلاح بحرمة ستر الجنازة بحرير(2/131)
- ولو امرأة - كما يحرم تزيين بيتها بحرير.
وخالفه الجلال البلقيني، فجوز الحرير فيها وفي الطفل، واعتمده جمع، مع أن القياس الاول.
(ودفنه في حفرة تمنع) بعد طمها (رائحة) أي ظهورها، (وسبعا) أي نبشه لها، فيأكل الميت.
وخرج بحفرة: وضعه بوجه الارض ويبنى عليه ما يمنع ذينك، حيث لم يتعذر الحفر.
نعم، من مات بسفينة وتعذر البر جاز إلقاؤه في البحر، وتثقيله ليرسب، وإلا فلا.
وبتمنع ذينك ما يمنع أحدهما(2/132)
- كأن اعتادت سباع ذلك المحل الحفر عن موتاه - فيجب بناء القبر، بحيث يمنع وصولها إليه.
وأكمله قبر واسع عمق أربعة أذرع ونصف بذراع اليد.
ويجب اضطجاعه للقبلة.
ويندب الافضاء بخده الايمن - بعد تنحية الكفن عنه - إلى نحو تراب، مبالغة في الاستكانة والذل، ورفع رأسه بنحو لبنة.
وكره صندوق - إلا(2/133)
لنحو نداوة فيجب - ويحرم دفنه بلا شئ يمنع وقوع التراب عليه ويحرم دفن اثنين من جنسين بقبر، إن لم يكن بينهما محرمية، أو زوجية، ومع أحدهما كره - كجمع متحدي جنس فيه بلا حاجة.
ويحرم أيضا: إدخال ميت على آخر، وإن اتحدا جنسا، قبل بلاء جميعه، ويرجع فيه لاهل الخبرة بالارض.
ولو وجد(2/134)
بعض عظمه قبل تمام الحفر وجب رد ترابه، أو بعده فلا.
ويجوز الدفن معه، ولا يكره الدفن ليلا - خلافا للحسن البصري - والنهار أفضل للدفن منه، ويرفع القبر قدر شبر ندبا، وتسطيحه أولى من تسنيمه.
ويندب لمن على شفير القبر أن يحثي ثلاث حثيات بيديه قائلا مع الاولى: * (منها خلقناكم) *.
ومع الثانية: * (وفيها نعيدكم) *.
ومع الثالثة: * (ومنها نخرجكم تارة أخرى) *.
(مهمة) يسن وضع جريدة خضراء على القبر، للاتباع، ولانه يخفف عنه ببركة تسبيحها.
وقيس بها(2/135)
ما اعتيد من طرح نحو الريحان الرطب.
ويحرم أخذ شئ منهما ما لم ييبسا لما في أخذ الاولى من تفويت حظ الميت المأثور عنه (ص)، وفي الثانية من تفويت حق الميت بارتياح الملائكة النازلين لذلك.
قاله شيخانا ابن حجر وزياد.
(وكره بناء له) أي للقبر، (أو عليه) لصحة النهي عنه بلا حاجة، كخوف نبش، أو حفر(2/136)
سبع أو هدم سيل.
ومحل كراهة البناء، إذا كان بملكه، فإن كان بناء نفس القبر بغير حاجة مما مر، أو نحو قبة عليه بمسبلة، وهي ما اعتاد أهل البلد الدفن فيها، عرف أصلها ومسبلها أم لا، أو موقوفة، حرم، وهدم وجوبا، لانه يتأبد بعد انمحاق الميت، ففيه تضييق على المسلمين بما لا غرض فيه.
(تنبيه) وإذا هدم، ترد الحجارة المخرجة إلى أهلها إن عرفوا، أو يخلى بينهما، وإلا فمال ضائع، وحكمه معروف - كما قاله بعض أصحابنا - وقال شيخنا الزمزمي: إذا بلي الميت وأعرض ورثته عن الحجارة، جاز الدفن(2/137)
مع بقائها، إذا جرت العادة بالاعراض عنها، كما في السنابل.
(و) كره (وطئ عليه) أي على قبر مسلم، ولو مهدرا قبل بلاء (إلا لضرورة)، كأن لم يصل لقبر ميته بدونه، وكذا ما يريد زيارته ولو غير قريب.
وجزم شرح مسلم - كآخرين - بحرمة القعود عليه والوطئ، لخبر فيه يرده أن المراد بالجلوس عليه جلوسه لقضاء الحاجة، كما بينته رواية أخرى.
(ونبش) وجوبا قبر من دفن بلا طهارة (لغسل) أو تيمم.
نعم، إن تغير ولو بنتن، حرم.
ولاجل مال غير، كأن دفن في ثوب مغصوب، أو أرض مغصوبة، إن طلب المالك، ووجد ما يكفن أو يدفن
فيه، وإلا لم يجز النبش أو سقط فيه متمول وإن لم يطلبه مالكه، لا للتكفين إن دفن بلا كفن، ولا للصلاة بعد(2/138)
إهالة التراب عليه.
(ولا تدفن امرأة) ماتت (في بطنها جنين حتى يتحقق موته)، أي الجنين.
ويجب شق جوفها والنبش له إن رجي حياته بقول القوابل، لبلوغه ستة أشهر فأكثر، فإن لم يرج حياته حرم الشق، لكن يؤخر(2/139)
الدفن حتى يموت - كما ذكر - وما قيل إنه يوضع على بطنها شئ ليموت غلط فاحش.
(ووري) أي ستر بخرقة (سقط ودفن) وجوبا، كطفل كافر نطق بالشهادتين، ولا يجب غسلهما، بل يجوز.
وخرج بالسقط العلقة والمضغة، فيدفنان ندبا من غير ستر.
ولو انفصل بعد أربعة أشهر غسل، وكفن، ودفن وجوبا.
(فإن اختلج) أو استهل بعد انفصاله (صلي عليه) وجوبا.(2/140)
(وأركانها) أي الصلاة على الميت، سبعة: أحدهما: (نية) كغيرها، ومن ثم وجب فيها ما يجب في نية سائر الفروض، من نحو اقترانها بالتحرم، والتعرض للفرضية، وإن لم يقل فرض كفاية، ولا يجب تعيين الميت، ولا معرفته، بل الواجب أدنى مميز، فيكفي أصلي الفرض على هذا الميت.
قال جمع: يجب تعيين الميت الغائب بنحو اسمه.
(و) ثانيها: (قيام) لقادر عليه، فالعاجز يقعد، ثم يضطجع.
(و) ثالثها: (أربع(2/141)
تكبيرات) مع تكبيرة التحرم - للاتباع، فإن خمس، لم تبطل صلاته.
ويسن رفع يديه في التكبيرات حذو منكبيه، ووضعهما تحت صدره بين كل تكبيرتين.
(و) رابعها: (فاتحة)، فبدلها، فوقوق بقدرها.
والمعتمد أنها تجزئ بعد غير الاولى - خلافا للحاوي، كالمحرر - وإن لزم عليه جمع ركنين في تكبيرة وخلو الاولى عن ذكر.
ويسن(2/142)
إسرار بغير التكبيرات، والسلام، وتعوذ، وترك افتتاح، وسورة، إلا على غائب أو قبر.
(و) خامسها: (صلاة على النبي) (ص) (بعد تكبيرة ثانية) أي عقبها، فلا تجزئ في غيرها.
ويندب ضم السلام للصلاة، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقبها، والحمد قبلها.
(و) سادسها: (دعاء لميت) بخصوصه ولو طفلا، بنحو: اللهم اغفر
له وارحمه، (بعد ثالثة)، فلا يجزئ بعد غيرها قطعا.(2/143)
ويسن أن يكثر من الدعاء له، ومأثوره أفضل، وأولاه ما رواه مسلم عنه (ص) وهو: اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وفتنته ومن عذاب النار.
ويزيد عليه، ندبا: اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخره.
ويقول(2/144)
في الطفل مع هذا: اللهم اجعله فرطا لابويه، وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، ولا تحرمهما أجره.
قال شيخنا: وليس قوله: اللهم اجعله فرطا - إلى آخره - مغنيا عن الدعاء له، لانه دعاء باللازم، وهو لا يكفي، لانه إذا لم يكف الدعاء له بالعموم الشامل كل(2/145)
فرد، فأولى هذا.
ويؤنث الضمائر في الانثى، ويجوز تذكيرها بإرادة الميت أو الشخص، ويقول في ولد الزنا: اللهم اجعله فرطا لامه.
والمراد بالابدال في الاهل والزوجة، إبدال الاوصاف لا الذوات، لقوله تعالى: * (ألحقنا بهم ذريتهم) * ولخبر الطبراني وغيره: إن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين.
انتهى.
(و) سابعها: (سلام) كغيرها (بعد رابعة)، ولا يجب في هذه ذكر غير السلام، لكن يسن: اللهم لا تحرمنا أجره(2/146)
- أي أجر الصلاة عليه، أو أجر المصيبة - ولا تفتنا بعده - أي بارتكاب المعاصي - واغفر لنا وله.
ولو تخلف عن إمامه بلا عذر بتكبيرة حتى شرع إمامه في أخرى بطلت صلاته.
ولو كبر إمامه تكبيرة أخرى قبل قراءة المسبوق الفاتحة تابعه في تكبيره، وسقطت القراءة عنه.
وإذا سلم الامام تدارك المسبوق ما بقي عليه مع الاذكار.
ويقدم في الامامة في صلاة الميت - ولو امرأة -: أب، أو نائبه، فأبوه، ثم ابن فابنه، ثم أخ لابوين فلاب، ثم ابنهما، ثم(2/147)
العم كذلك، ثم سائر العصبات، ثم معتق، ثم ذو رحم، ثم زوج (وشرط لها) أي للصلاة على الميت - مع
شروط سائر الصلوات - (تقدم طهره) - أي الميت - بماء فتراب، فإن وقع بحفرة أو بحر وتعذر إخراجه وطهره لم(2/148)
يصل عليه - على المعتمد (وأن لا يتقدم) المصلى (عليه) - أي الميت -، إن كان حاضرا، ولو في قبر، أما الميت الغائب فلا يضر فيه كونه وراء المصلي.
ويسن جعل صفوفهم ثلاثة فأكثر، للخبر الصحيح: من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب - أي غفر له - ولا يندب تأخيرها لزيادة المصلين، إلا لولي.
واختار بعض(2/149)
المحققين أنه إذا لم يخش تغيره، ينبغي انتظاره مائة أو أربعين رجي حضورهم قريبا، للحديث.
وفي مسلم: ما من مسلم يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه ولو صلي عليه فحضر من لم يصل، ندب له الصلاة عليه، وتقع فرضا، فينويه، ويثاب ثوابه.
والافضل له فعلها بعد الدفن، للاتباع.
ولا يندب لمن صلاها - ولو منفردا - إعادتها مع جماعة.
فإن أعادها وقعت نفلا.
وقال بعضهم: الاعادة خلاف الاولى.
(وتصح) الصلاة (على) ميت (غائب) عن بلد، بأن يكون الميت بمحل بعيد عن البلد بحيث لا ينسب(2/150)
إليها عرفا، أخذا من قول الزركشي: إن خارج السور القريب منه كداخله.
(لا) على غائب عن مجلسه (فيها) وإن كبرت.
نعم، لو تعذر الحضور لها بنحو حبس أو مرض: جازت حينئذ - على الاوجه - (و) تصح على حاضر (مدفون) - ولو بعد بلائه (غير نبي) فلا تصح على قبر نبي، لخبر الشيخين.
(من أهل فرضها وقت موته)(2/151)
فلا تصح من كافر وحائض يومئذ، كمن بلغ أو أفاق بعد الموت، ولو قبل الغسل، كما اقتضاه كلام الشيخين.
(وسقط الفرض) فيها (بذكر) ولو صبيا مميزا، ولو مع وجود بالغ، وإن لم يحفظ الفاتحة، ولا غيرها، بل وقف بقدرها، ولو مع وجود من يحفظها، لا بأنثى مع وجوده.
وتجوز على جنائز صلاة واحدة، فينوي الصلاة عليهم(2/152)
إجمالا.
وحرم تأخيرها عن الدفن، بل يسقط الفرض بالصلاة على القبر.
(وتحرم صلاة) على كافر، لحرمة الدعاء له بالمغفرة.
قال تعالى: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) *.
ومنهم أطفال الكفار، سواء أنطقوا
بالشهادتين أم لا، فتحرم الصلاة عليهم.
و (على شهيد) وهو بوزن فعيل، بمعنى مفعول، لانه مشهود له(2/153)
بالجنة، أو فاعل، لان روحه تشهد الجنة قبل غيره.
ويطلق لفظ الشهيد على من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو شهيد الدنيا والآخرة.
وعلى من قاتل لنحو حمية، فهو شهيد الدنيا.
وعلى مقتول ظلما وغريق، وحريق، ومبطون - أي من قتله بطنه - كاستسقاء أو إسهال.
فهم الشهداء في الآخرة فقط.
(كغسله) أي الشهيد، ولو جنبا، لانه (ص) لم يغسل قتلى أحد.
ويحرم إزالة دم شهيد.
(وهو من مات في قتال كفار) أو كافر(2/154)
واحد، قبل انقضائه، وإن قتل مدبرا (بسببه) أي القتال، كأن أصابه سلاح مسلم آخر خطأ، أو قتله مسلم استعانوا به، أو تردى ببئر حال قتال، أو جهل ما مات به، وإن لم يكن به أثر دم (لا أسير قتل صبرا) فإنه ليس(2/155)
بشهيد على الاصح، لان قتله ليس بمقاتلة.
ولا من مات بعد انقضائه، وقد بقي فيه حياة مستقرة، إن قطع بموته بعد من جرح به.
أما من حركته حركة مذبوح عند انقضائه فشهيد جزما.
والحياة المستقرة ما تجوز أن يبقى يوما أو يومين - على ما قاله النووي والعمراني -.
ولا من وقع بين كفار فهرب منهم فقتلوه، لان ذلك ليس بقتال - كما أفتى به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى -.
ولا من قتله اغتيالا حربي دخل بيننا.
نعم، إن قتله عن مقاتلة كان شهيدا - كما نقله السيد السمهودي عن الخادم - (وكفن) ندبا (شهيد في ثيابه) التي مات فيها، والملطخة بالدم(2/156)
أولى، للاتباع، ولو لم تكفه بأن لم تستر كل بدنه تممت وجوبا، (لا) في (حرير) لبسه لضرورة الحرب، فينزع وجوبا.
(ويندب) أن يلقن محتضر - ولو مميزا على الاوجه - الشهادة: أي لا إله إلا الله، فقط - لخبر مسلم: لقنوا موتاكم - أي من حضره الموت - لا إله إلا الله مع الخبر الصحيح: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة، أي مع الفائزين.
وإلا فكل مسلم - ولو فاسقا - يدخلها، ولو بعد عذاب، وإن طال.
وقول جمع: يلقن محمد رسول الله أيضا، لان القصد موته على الاسلام، ولا يسمى مسلما إلا بهما مردود بأنه مسلم، وإنما القصد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب.
وبحث تلقينه الرفيق الاعلى، لانه آخر ما تكلم به(2/157)
رسول الله (ص)، مردود بأن ذلك لسبب لم يوجد في غيره، وهو أن الله خيره فاختاره.
وأما الكافر فيلقنهما قطعا، مع لفظ أشهد، لوجوبه أيضا - على ما سيأتي فيه - إذ لا يصير مسلما إلا بهما.
وأن يقف جماعة بعد الدفن عند القبر ساعة يسألون له التثبيت ويستغفرون له، و (تلقين بالغ، ولو شهيدا) كما اقتضاه إطلاقهم - خلافا للزركشي(2/158)
- (بعد) تمام (دفن) فيقعد رجل قبالة وجهه ويقول: يا عبد الله ابن أمة الله: اذكر العهد الذي خرجت عليه من(2/159)
الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد (ص) نبيا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا.
ربي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم.
قال شيخنا: ويسن تكراره ثلاثا، والاولى للحاضرين الوقوف، وللملقن القعود.
ونداؤه بالام فيه - أي إن عرفت، وإلا فبحواء - لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم، لان كليهما(2/160)
توقيف، لا مجال للرأي فيه.
والظاهر أنه يبدل العبد بالامة في الانثى، ويؤنث الضمائر.
انتهى.
(و) يندب (زيارة قبور لرجل) لا لانثى، فتكره لها.
نعم، يسن لها زيارة قبر النبي (ص).
قال بعضهم: وكذا سائر الانبياء،(2/161)
والعلماء، والاولياء.
ويسن - كما نص عليه - أن يقرأ من القرآن ما تيسر على القبر، فيدعو له مستقبلا للقبلة.
(وسلام) لزائر على أهل المقبرة عموما، ثم خصوصا، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين - عند أول(2/162)
المقبرة -.
ويقول عند قبر أبيه - مثلا -: السلام عليك يا والدي.
فإن أراد الاقتصار على أحدهما أتى بالثانية، لانه أخص بمقصوده، وذلك لخبر مسلم: أنه (ص) قال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.
والاستثناء للتبرك، أو للدفن بتلك البقعة، أو للموت على الاسلام.
(فائدة) ورد أن من مات يوم الجمعة أو ليلتها أمن من عذاب القبر وفتنته.
وورد أيضا: من قرأ قل هو الله أحد، في مرض موته مائة مرة، لم يفتن في قبره، وأمن من ضغطة القبر،(2/163)
وجاوز الصراط على أكف الملائكة.
وورد أيضا: من قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين - أربعين مرة - في مرضه فمات فيه، أعطي أجر شهيد، وإن برئ برئ مغفورا له.
غفر الله لنا، وأعاذنا من عذاب القبر وفتنته.(2/164)
باب الزكاة هي لغة: التطهير والنماء.
وشرعا: اسم لما يخرج عن مال، أو بدن، على الوجه الآتي.
وفرضت زكاة المال في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر.
ووجبت في ثمانية أصناف من المال: النقدين، والانعام،(2/168)
والقوت، والتمر، والعنب لثمانية أصناف من الناس.
ويكفر جاحد وجوبها، ويقاتل الممتنع عن أدائها، وتؤخذ منه - وإن لم يقاتل - قهرا (تجب على) كل (مسلم) ولو غير مكلف، فعلى الولي إخراجها من ماله.
وخرج(2/169)
بالمسلم الكافر الاصلي، فلا يلزمه إخراجها، ولو بعد الاسلام (حر) معين، فلا تجب على رقيق لعدم ملكه، وكذا المكاتب لضعف ملكه، ولا تلزم سيده، لانه غير مالك في (ذهب) ولو غير مضروب، خلافا لمن زعم(2/170)
اختصاصها بالمضروب (بلغ) قدر خالصه (عشرين مثقالا) بوزن مكة تحديدا.
فلو نقص في ميزان وتم في آخر فلا زكاة، للشك.
والمثقال: اثنان وسبعون حبة شعير متوسطة.
قال الشيخ زكريا: ووزن نصاب الذهب بالاشرفي: خمسة وعشرون وسبعان وتسع.
وقال تلميذه - شيخنا - والمراد بالاشرفي: القايتبايي.
(و) في (فضة بلغت مائتي درهم) بوزن مكة: وهو خمسون حبة وخمسا حبة.
فالعشرة دراهم: سبعة مثاقيل ولا وقص فيهما(2/171)
كالمعشرات، فيجب في العشرين، والمائتين، وفيما زاد على ذلك، ولو ببعض حبة: (ربع عشر) للزكاة، ولا يكمل أحد النقدين بالآخر، ويكمل كل نوع من جنس بآخر منه.
ويجزئ جيد، وصحيح عن ردئ ومكسر، بل هو أفضل، لا عكسهما.
وخرج بالخالص المغشوش، فلا زكاة فيه حتى يبلغ خالصه نصابا.
(ك) - ما يجب(2/172)
ربع عشر قيمة العرض في (مال تجارة) بلغ النصاب في آخر الحول، وإن ملكه بدون نصاب.
ويضم الربح(2/173)
الحاصل في أثناء الحول إلى الاصل في الحول إن لم ينض، أما إذا نض بأن صار ذهبا أو فضة وأمسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الاصل، بل يزكي الاصل بحوله، ويفرد الربح بحول ويصير عرض التجارة للقنية بنيتها، فينقطع الحول بمجرد نية القنية، لا عكسه.
ولا يكفر منكر وجوب زكاة التجارة - للخلاف فيه -.(2/174)
(وشرط) لوجوب الزكاة في الذهب والفضة، لا التجارة (تمام نصاب) لهما (كل الحول) بأن لا ينقص المال عنه في جزء من أجزاء الحول.
أما زكاة التجارة فلا يشترط فيها تمامه، إلا آخره، لانه حالة وجوب.
(وينقطع) الحول (بتخلل زوال ملك) أثناءه بمعاوضة أو غيرها.
نعم، لو ملك نصابا ثم أقرضه آخر بعد ستة أشهر لم ينقطع الحول.
فإن كان مليا أو عاد إليه أخرج الزكاة آخر الحول، لان الملك لم يزل بالكلية، لثبوت بدله في ذمة(2/175)
المقترض.
(وكره) أن يزيل ملكه ببيع أو مبادلة عما تجب فيه الزكاة (لحيلة) بأن يقصد به دفع وجوب الزكاة، لانه فرار من القربة.
وفي الوجيز: يحرم.
وزاد في الاحياء: ولا يبرئ الذمة باطنا، وأن هذا من الفقه الضار.
وقال ابن الصلاح: يأثم بقصده، لا بفعله.
قال شيخنا: أما لو قصده لا لحيلة، بل لحاجة، أو لها وللفرار، فلا كراهة.
(تنبيه) لا زكاة على صيرفي بادل ولو للتجارة في أثناء الحول بما في يده من النقد غيره من جنسه أو غيره.
وكذا لا زكاة على وارث مات مورثه عن عروض التجارة حتى يتصرف فيها بنيتها، فحينئذ يستأنف حولها.
(ولا(2/176)
زكاة في حلي مباح، ولو) اتخذه الرجل بلا قصد لبس أو غيره، أو اتخذه (لاجارة)، أو إعارة لامرأة، (إلا) إذا اتخذه (بنية كنز) فتجب الزكاة فيه.
(فرع) يجوز للرجل تختم بخاتم فضة، بل يسن في خنصر يمينه أو يساره، للاتباع.
ولبسه في اليمين(2/177)
أفضل.
وصوب الاذرعي ما اقتضاه كلام ابن الرفعة من وجوب نقصه عن مثقال للنهي عن اتخاذه مثقالا، وسنده حسن، لكن ضعفه النووي.
فالاوجه أنه لا يضبط بمثقال بل بما لا يعد إسرافا عرفا.
قال شيخنا: وعليه، فالعبرة بعرف أمثال اللابس.
ولا يجوز تعدده، خلافا لجمع، حيث لم يعد إسرافا.
وتحليته آلة حرب، كسيف ورمح، وترس، ومنطقة - وهي ما يشد بها الوسط - وسكين الحرب - دون(2/178)
سكين المهنة - والمقلمة: بفضة، بلا سرف، لان ذلك إرهابا للكفار، لا بذهب، لزيادة الاسراف والخيلاء.
والخبر المبيح له ضعفه ابن القطان، وإن حسنه الترمذي.
وتحليته مصحفا.
قال شيخنا: أي ما فيه قرآن، ولو للتبرك، كغلافه بفضة.
وللمرأة تحليته بذهب إكراما(2/179)
فيهما.
وكتبه بالذهب حسن.
ولو من رجل، لا تحلية كتاب غيره، ولو بفضة.
والتمويه حرام قطعا مطلقا.
ثم إن حصل منه شئ بالعرض على النار حرمت استدامته، وإلا فلا، وإن اتصل بالبدن، خلافا لجمع.
ويحل الذهب والفضة - بلا سرف - لامرأة، وصبي - إجماعا - في نحو السوار، والخلخال، والنعل، والطوق.
وعلى الاصح في المنسوج بهما.
ويحل لهن التاج - وإن لم يعتدنه - وقلادة فيها دنانير معراة قطعا،(2/180)
وكذا مثقوبة، ولا تجب الزكاة فيها.
أما مع السرف: فلا يحل شئ من ذلك، كخلخال وزن مجموع فردتيه مائتا مثقال، فتجب الزكاة فيه.
(و) تجب على من مر (في قوت) اختياري من حبوب (كبر)، وشعير، (وأرز)، وذرة،(2/181)
وحمص، ودخن، وباقلاء، ودقسة.
(و) في (تمر وعنب) من ثمار (بلغ) قدر كل منهما (خمسة أوسق) وهي بالكيل: ثلثمائة صاع.
والصاع: أربعة أمداد.
والمد: رطل وثلث (منقى) من تبن) وقشر لا يؤكل معه غالبا.(2/182)
واعلم أن الارز مما يدخر في قشره ولا يؤكل معه، فتجب فيه إن بلغ عشرة أوسق (عشر) للزكاة.
(إن سقي بلا مؤنة) كمطر، (وإلا) أي وإن سقي بمؤنة كنضح (فنصفه) أي نصف العشر.
وسبب التفرقة: ثقل المؤنة في هذا، وخفتها في الاول، سواء أزرع ذلك قصدا، أم نبت اتفاقا - كما في المجموع - حاكيا فيه الاتفاق، وبه يعلم ضعف قول الشيخ زكريا في تحريره تبعا لاصله: يشترط لوجوبها أن يزرعه مالكه أو نائبه، فلا زكاة فيما(2/183)
انزرع بنفسه، أو زرعه غيره بغير أذنه.
ولا يضم جنس إلى آخر لتكميل النصاب، بخلاف أنواع الجنس، فتضم.
وزرعا العام يضمان إن وقع حصادهما في عام.
(فرع) لا تجب الزكاة في مال بيت المال، ولا في ريع موقوف من نخل أو أرض على جهة عامة(2/184)
- كالفقراء والفقهاء والمساجد - لعدم تعين المالك.
وتجب في موقوف على معين واحد، أو جماعة معينة - كأولاد زيد -، ذكره في المجموع.
وأفتى بعضهم في موقوف على إمام المسجد أو المدرس بأنه يلزمه زكاته - كالمعين -.
قال شيخنا: والاوجه خلافه، لان المقصود بذلك: الجهة: دون شخص معين.
(تنبيه) قال الجلال البلقيني في حاشية الروضة، تبعا للمجموع: إن غلة الارض المملوكة أو الموقوفة على معين، إن كان البذر من مال مالكها أو الموقوف عليه: فتجب عليه الزكاة فيما أخرجته الارض.
فإن كان البذر من مال العامل وجوزنا المخابرة، فتجب الزكاة على العامل، ولا شئ على صاحب الارض، لان الحاصل له أجرة أرضه.
وحيث كان البذر من صاحب الارض، وأعطي منه شئ للعامل، لا شئ على العامل، لانه أجرة عمله.
اه.(2/185)
وتجب الزكاة لنبات الارض المستأجرة مع أجرتها على الزارع.
ومؤنة الحصاد والدياس على المالك.(2/186)
(و) تجب على من مر للزكاة (في كل خمس إبل شاة) جذعة ضأن لها سنة، أو ثنية معز لها سنتان، ويجزئ الذكر، وإن كانت إبله إناثا، لا المريض إن كانت إبله صحاحا (إلى خمس وعشرين) منها.
ففي عشر شاتان، وخمسة عشر ثلاث، وعشرين إلى الخمس والعشرين أربع، فإذا كملت الخمس والعشرون (فبنت مخاض) لها سنة، هي واجبها إلى ست وثلاثين.
سميت بذلك لان أمها آن لها أن تصير من المخاض - أي(2/187)
الحوامل -.
(وفي ست وثلاثين) إلى ست وأربعين (بنت لبون) لها سنتان.
سميت بذلك لان لها أمها آن لها أن تضع ثانيا، وتصير ذات لبن.
(و) في (ست وأربعين) إلى إحدى وستين: (حقة) لها ثلاث سنين، وسميت بذلك لانها استحقت أن تركب، ويحمل عليها، أو أن يطرقها الفحل.
(و) في (إحدى وستين: جذعة) لها أربع سنين.
سميت بذلك لانها يجذع مقدم أسنانها، أي يسقط.
(و) في (ست وسبعين: بنتا لبون.
و) في (إحدى وتسعين: حقتان.
و) في (مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون.
ثم) الواجب (في كل أربعين بنت لبون.
و) في كل (خمسين حقة.
و) يجب (في ثلاثين بقرة - إلى أربعين - تبيع) له سنة، سمي بذلك لانه يتبع أمه.
(و) في(2/188)
(أربعين) إلى ستين: (مسنة) لها سنتان، سميت بذلك لتكامل أسنانها.
(و) في (ستين: تبيعان، ثم في كل ثلاثين: تبيع.
و) في كل (أربيعن: مسنة.
و) يجب (في أربعين غنما) إلى مائة وإحدى وعشرين: (شاة.
و) في (مائة وإحدى وعشرين) إلى مائتين وواحدة (شاتان.
و) في (مائتين وواحدة) إل ثلثمائة (ثلاث) من الشياه.
(و) في (أربعمائة: أربع) منها، (ثم في كل مائة: شاة) جذعة ضأن لها سنة، أو ثنية معز لها سنتان.
وما بين النصابين يسمى وقصا.
ولا يؤخذ خيار كحامل ومسمنة للاكل.
وربى وهي حديثة العهد بالنتاج بأن يمضي لها من ولادتها نصف شهر - إلا برضا مالك.
(وتجب الفطرة) أي زكاة الفطر.
سميت بذلك لان وجوبها به.
وفرضت - كرمضان - في ثاني سني(2/189)
الهجرة.
وقول ابن اللبان بعدم وجوبها غلط - كما في الروضة - قال وكيع: زكاة الفطر لشهر رمضان - كسجدة
السهو للصلاة - تجبر نقص الصوم، كما يجبر السجود نقص الصلاة - ويؤيده ما صح أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث.
(على حر) فلا تلزم على رقيق عن نفسه، بل تلزم سيده عنه، ولا عن زوجته، بل إن كانت أمة فعلى سيدها، وإلا فعليها - كما يأتي -.
ولا على مكاتب لضعف ملكه، ومن ثم لم تلزمه زكاة ماله ولا نفقة أقاربه، ولاستقلاله لم تلزم سيده عنه، (بغروب) شمس (ليلة فطر) من رمضان، أي بإدراك آخر جزء منه وأول(2/190)
جزء من شوال.
فلا تجب بما حدث بعد الغروب من ولد، ونكاح، وملك قن، وغنى، وإسلام.
ولا تسقط بما يحدث بعده من موت، وعتق، وطلاق، ومزيل ملك.
ووقت أدائها من وقت الوجوب إلى غروب شمس يوم الفطر.
فيلزم الحر - المذكور - أن يؤديها قبل غروب شمسه، (عمن) أي عن كل مسلم (تلزمه نفقته) بزوجية،(2/191)
أو ملك، أو قرابة، حين الغروب.
(ولو رجعية) أو حاملا بائنا، ولو أمة، فيلزم فطرتهما كنفقتهما.
ولا تجب عن زوجة ناشزة، لسقوط نفقتها عنه، بل تجب عليها إن كانت غنية.
ولا عن حرة غنية غير ناشزة تحت معسر، فلا تلزم عليه لانتفاء يساره، ولا عليها لكمال تسليمها نفسها له.
ولا عن ولد صغير غني، فتجب من ماله، فإن(2/192)
أخرج الاب عنه من ماله جاز، ورجع إن نوى الرجوع.
وفطرة ولد الزنا على أمه.
ولا عن ولد كبير قادر على كسب.
ولا تجب الفطرة عن قن كافر، ولاعن مرتد، إلا أن عاد للاسلام.
وتلزم على الزوج فطرة خادمة الزوجة، إن كانت أمته، أو أمتها وأخدمها إياها، لا مؤجرة، ومن صحبتها، - ولو بأذنه، على المعتمد -.
وعلى(2/193)
السيد فطرة أمته المزوجة لمعسر، وعلى الحرة الغنية المزوجة لعبد - لا عليه ولو غنيا.
قال في البحر: ولو غاب الزوج، فللزوجة اقتراض نفقتها للضرورة، لا فطرتها، لانه المطالب، وكذا بعضه المحتاج.
وتجب الفطرة على من مر، عمن ذكر (إن فضل عن قوت ممون) له تلزمه مؤنتة من نفسه وغيره (يوم عيد وليلته) وعن ملبس،(2/194)
ومسكن، وخادم يحتاج إليهما هو أو ممونه.
(وعن دين) - على المعتمد، خلافا للمجموع - ولو مؤجلا، وإن
رضي صاحبه بالتأخير.
(ما يخرجه فيها) أي الفطرة.
(وهي) أي زكاة الفطر (صاع) وهو أربعة أمداد، والمد، رطل، وثلث - وقدره جماعة بحفنة بكفين معتدلين - عن كل واحد (من غالب قوت بلده) أي بلد المؤدى عنه.(2/195)
فلا تجزئ من غير غالب قوته، أو قوت مؤد، أو بلده، لتشوف النفوس لذلك.
ومن ثم وجب صرفها لفقراء بلده مؤدى عنه.
فإن لم يعرف - كأبق - ففيه آراء: منها: إخراجها حالا.
ومنها: أنها لا تجب إلا إذا عاد.
وفي قول: لا شئ.(2/196)
(فرع) لا تجزئ قيمة ولا معيب ومسوس ومبلول - أي إلا إن جف وعاد لصلاحية الادخار والاقتيات -، ولا اعتبار لاقتياتهم المبلول إلا أن فقدوا غيره، فيجوز.
(وحرم تأخيرها عن يومه) أي العبد - بلا عذر، كغيبة مال أو مستحق.
ويجب القضاء - فورا - لعصيانه.
ويجوز تعجيلها من أول رمضان، ويسن أن لا تؤخر عن الصلاة العيد، بل يكره ذلك.
نعم، يسن تأخيرها(2/197)
لانتظار نحو قريب أو جار ما لم تغرب الشمس.(2/198)
فصل (في أداء الزكاة) (يجب أداءها) أي الزكاة، وإن كان عليه دين مستغرق حال لله أو لآدمي، فلا يمنع الدين وجوب الزكاة - في الاظهر - (فورا) ولو في مال صبي ومجنون، حاجة المستحقين إليها (بتمكن) من الاداء.
فإن أخر أثم، وضمن، إن تلف بعده.
نعم، إن أخر لانتظار قريب، أو جار، أو أحوج، أو أصلح، لم يأثم، لكنه يضمنه إن(2/199)
تلف، كمن أتلفه، أو قصر في دفع متلف عنه، كأن وضعه في غير حرزه بعد الحول، وقبل التمكن.
ويحصل التمكن (بحضور مال) غائب سائر أو قار بمحل عسر الوصول إليه، فإن لم يحضر لم يلزمه الاداء من محل
آخر، وإن جوزنا نقل الزكاة (و) حضور (مستحقيها) أي الزكاة، أو بعضهم، فهو متمكن بالنسبة لحصته، حتى لو تلفت ضمنها.
ومع فراغ من مهم ديني أو دنيوي - كأكل، وحمام - (وحلول دين) من نقد، أو عرض تجارة(2/200)
(مع قدرة) على استيفائه، بأن كان على ملئ حاضر باذل، أو جاحد عليه بينة، أو يعلمه القاضي، أو قدر هو على خلاصه، فيجب إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه، لانه قادر على قبضه.
أما إذا تعذر استيفاؤه بإعسار، أو مطل، أو غيبة، أو جحود ولا بينة، فكمغصوب فلا يلزمه الاخراج إلا إن قبضه.
وتجب الزكاة في مغصوب وضال، لكن لا يجب دفعها إلا بعد تمكن بعوده إليه.
(ولو أصدقها نصاب نقد) وإن كان في الذمة، أو(2/201)
سائمة معينة (زكته) وجوبا، إذا تم حول من الاصداق، وإن لم تقبضه ولا وطئها.
لكن يشترط - إن كان النقد في الذمة - إمكان قبضه، بكونه موسرا حاضرا.
(تنبيه) الاظهر أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة.
وفي قول قديم - اختاره الريمي -: لانها تتعلق بالذمة، لا بالعين.
فعلى الاول أن المستحق للزكاة شريك بقدر الواجب، وذلك لانه لو امتنع من إخراجها أخذها الامام منه قهرا.
كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته.
ولم يفرقوا في الشركة بين(2/202)
العين والدين، فلا يجوز لربه أن يدعي ملك جميعه، بل إنه يستحق قبضه.
ولو قال: بعد حول إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق، فأبرأته منه لم تطلق، لانه لم يبرأ من جميعه، بل مما عدا قدر الزكاة، فطريقها أن يعطيها ثم تبرئه.
ويبطل البيع، والرهن في قدر الزكاة فقط، فإن فعل أحدهما بالنصاب، أو ببعضه بعد الحول صح لا في قدر الزكاة - كسائر الاموال المشتركة على الاظهر -.
نعم، يصح في قدرها في مال التجارة، لا الهبة في قدرها فيه.
(فرع) تقدم الزكاة ونحوها من تركة مديون ضاقت عن وفاء ما عليه من حقوقه الآدمي وحقوق الله(2/203)
- كالكفارة، والحج والنذر والزكاة -.
كما إذا اجتمعتا على حي لم يحجر عليه.
ولو اجمتعت فيها حقوق الله
فقط قدمت الزكاة إن تعلقت بالعين، بأن بقي النصاب، وإلا بأن تلف بعد الوجوب والتمكن استوت مع غيرها، فيوزع عليها.
(وشرط له) أي أداء الزكاة، شرطان.
أحدهما: (نية) بقلب، لا نطق (كهذا زكاة) مالي.
ولو بدون(2/204)
فرض، إذ لا تكون إلا فرضا (أو صدقة مفروضة).
أو هذا زكاة مالي المفروضة.
ولا يكفي: هذا فرض مالي، لصدقه بالكفارة والنذر.
ولا يجب تعيين المال المخرج عنه في النية.
ولو عين لم يقع عن غيره، وإن بان المعين تالفا، لانه لم ينو ذلك الغير.
ومن ثم لو نوى إن كان تالفا فعن غيره فبان تالفا وقع عن غيره.
بخلاف ما لو قال: هذه زكاة مالي الغائب إن كان باقيا، أو صدقة، لعدم الجزم بقصد الفرض.
وإذا قال فإن كان تالفا(2/205)
فصدقة.
فبان تالفا، وقع صدقة، أو باقيا، وقع زكاة.
ولو كان عليه زكاة وشك في إخراجها، فأخرج شيئا ونوى: إن كان علي شئ من الزكاة فهذا عنه، وإلا فتطوع.
فإن بان عليه زكاة أجزأه عنها، وإلا وقع له تطوعا - كما أفتى به شيخنا -.
ولا يجزئ عن الزكاة قطعا، إعطاء المال للمستحقين بلا نية.
(لا مقارنتها) أي النية (للدفع) فلا يشترط ذلك، (بل تكفي) النية قبل الاداء إن وجدت (عند عزل) قدر الزكاة عن المال (أو إعطاء وكيل) أو إمام، والافضل لهما أن ينويا أيضا عند التفرقة، (أو) وجدت (بعد أحدهما) أي بعد عزل قدر الزكاة أو التوكيل(2/206)
(وقبل التفرقة) لعسر اقترانها بأداء كل مستحق.
ولو قال لغيره: تصدق بهذا.
ثم نوى الزكاة قبل تصدقه بذلك، أجزأه عن الزكاة.
ولو قال لآخر: اقبض ديني من فلان، وهو لك زكاة، لم يكف، حتى ينوي هو بعد قبضه، ثم يأذن له في أخذها وأفتى بعضهم أن التوكيل المطلق في إخراجها يستلزم التوكيل في نيتها.
قال شيخنا: وفيه نظر، بل المتجه أنه لا بد من نية المالك، أو تفويضها للوكيل.
وقال المتولي وغيره: يتعين نية الوكيل إذا وقع(2/207)
الفرض بماله، بأن قال له موكله أد زكاتي من مالك، لينصرف فعله عنه.
وقوله له ذلك متضمن للاذن له في النية.
وقال القفال: لو قال لغيره أقرضني خمسة أؤدها عن زكاتي، ففعل، صح.
قال شيخنا: وهو مبني على رأيه بجواز
اتحاد القابض والمقبض.
(وجاز لكل) من الشريكين (إخراج زكاة) المال (المشترك بغير إذن) الشريك (الآخر) كما قاله الجرجاني، وأقره غيره، لاذن الشرع فيه.
وتكفي نية الدافع منهما عن نية الآخر - على(2/208)
الاوجه.
(و) جاز (توكيل كافر، وصبي في إعطائها المعين) أي إن عين المدفوع إليه، لا مطلقا، ولا تفويض النية إليهما لعدم الاهلية.
وجاز توكيل غيرهما في الاعطاء والنية معا.
وتجب نية الولي في مال الصبي والمجنون، فإن صرف الولي الزكاة بلا نية ضمنها، لتقصيره.
ولو دفعها المزكي للامام بلا نية ولا إذن منه له فيها لم تجزئه نيته.
نعم، تجزئ نية الامام عند أخذها قهرا من الممتنع، وإن لم ينو صاحب المال.
(و) جاز(2/209)
للمالك - دون الولي - (تعجيلها) أي الزكاة (قبل) تمام (حول)، لا قبل تمام نصاب في غير التجارة، و (لا) تعجيلها (لعامين) في الاصح.
وله تعجيل الفطرة من أول رمضان.
أما في مال التجارة فيجزئ(2/210)
التعجيل، وإن لم يملك نصابا.
وينوي عند التعجيل: كهذه زكاتي المعجلة.
(وحرم) تأخيرها - أي الزكاة - (بعد تمام الحول والتملك) وضمن إن تلف بعد تمكن، بحضور المال والمستحق، أو أتلفه بعد حول ولو قبل التمكن.
كما مر بيانه.
(و) ثانيهما: (إعطاؤها لمستحقيها) أي الزكاة.
يعني من وجد من الاصناف الثمانية المذكورة في آية: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله، وابن السبيل) *.(2/211)
والفقير: من ليس له مال ولا كسب لائق، يقع موقعا من كفايته وكفاية ممونه، ولا يمنع الفقر، مسكنه وثيابه - ولو للتجمل في بعض أيام السنة - وكتب يحتاجها، وعبده الذي يحتاج إليه للخدمة، وماله الغائب(2/212)
بمرحلتين، أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه والدين المؤجل والكسب الذي لا يليق به.
وأفتى بعضهم أن حلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها.
وصوبه شيخنا.
والمسكين: من قدر على مال أو كسب يقع موقعا من حاجته ولا يكفيه كمن يحتاج لعشرة وعنده ثمانية ولا(2/213)
يكفيه الكفاية السابقة، وإن ملك أكثر من نصاب، حتى أن للامام، أن يأخذ زكاته ويدفعها إليه فيعطى كل منهما - إن تعود تجارة - رأس مال يكفيه ربحه غالبا، أو حرفة آلتها.
ومن لم يحسن حرفة ولا تجارة يعطى كفاية العمر الغالب.
وصدق مدعي فقر، ومسكنة، وعجز عن كسب - ولو قويا جلدا - بلا يمين، لا مدعي تلف مال عرف بلا بينة.(2/214)
والعامل - كساع -: وهو من يبعثه الامام لاخذ الزكاة، وقاسم وحاشر، لا قاض.
والمؤلفة: من أسلم ونيته ضعيفة، أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره.
والرقاب: المكاتبون كتابة صحيحة، فيعطى المكاتب - أو سيده - بإذنه دينه إن عجز عن الوفاء، وإن كان(2/215)
كسوبا، لا من زكاة سيده لبقائه على ملكه.
والغارم: من استدان لنفسه لغير معصية، فيعطي له إن عجز عن وفاء الدين، وإن كان كسوبا، إذ الكسب لا يدفع حاجته لوفائه إن حل الدين.
ثم إن لم يكن معه شئ أعطي الكل، وإلا فإن كان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن، ترك له مما معه ما يكفيه - أي العمر الغالب -.
كما استظهره شيخنا.
وأعطي ما يقضي به باقي(2/216)
دينه، أو لاصلاح ذات البين، فيعطى ما استدانه لذلك ولو غنيا.
أما إذا لم يستدن بل أعطي ذلك من ماله، فإنه لا يعطاه.
ويعطى المستدين لمصلحة عامة كقري ضيف، وفك أسير، وعمارة نحو مسجد، وإن غنيا.
أو للضمان.
فإن كان الضامن والاصيل معسرين أعطي الضامن وفاءه.
أو الاصيل موسرا دون الضامن، أعطي إن ضمن بلا إذن، أو عكسه أعطي الاصيل، لا الضامن، وإذا وفى من سهم الغارم لم يرجع على الاصيل وإن(2/217)
ضمن بإذنه.
ولا يصرف من الزكاة شئ لكفن ميت، أو بناء مسجد.
ويصدق مدعي كتابة أو غرم بإخبار عدل
وتصديق سيد، أو رب دين، أو اشتهار حال بين الناس.
(فرع) من دفع زكاته لمدينه بشرط أن يردها له عن دينه، لم يجز، ولا يصح قضاء الدين بها.
فإن نويا ذلك بلا شرط، جاز وصح، وكذا إن وعده المدين بلا شرط، فلا يلزمه الوفاء بالوعد.
ولو قال لغريمه: جعلت ما عليك زكاة، لم يجزئ - على الاوجه - إلا إن قبضه ثم رده إليه.
ولو قال: اكتل من طعامي عندك كذا.
ونوى(2/218)
به الزكاة، ففعل - فهل يجزئ ؟ وجهان، وظاهر كلام شيخنا ترجيح عدم الاجزاء.
وسبيل الله: وهو القائم بالجهاد متطوعا، ولو غنيا.
ويعطى المجاهد النفقة والكسوة له ولعياله ذهابا وإيابا، وثمن آلة الحرب.
وابن السبيل: وهو مسافر مجتاز ببلد الزكاة، أو منشئ سفر مباح منها، ولو لنزهة، أو(2/219)
كان كسوبا بخلاف المسافر لمعصية إلا إن تاب، والمسافر لغير مقصد صحيح - كالهائم - ويعطى كفايته، وكفاية من معه من ممونه - أي جميعها - نفقة، وكسوة، ذهابا، وإيابا، إن لم يكن له بطريقه - أو مقصده - مال، ويصدق في دعوى السفر، وكذا في دعوى الغزو، بلا يمين.
ويسترد منه ما أخذه إن لم يخرج.
ولا يعطى أحد بوصفين.
نعم إن أخذ فقير بالغرم فأعطاه غريمه، أعطي بالفقر، لانه الآن محتاج.(2/220)
(تنبيه) ولو فرق المالك الزكاة سقط سهم العامل، ثم إن انحصر المستحقون، ووفى بهم المال، لزم تعميمهم، وإلا لم يجب، ولم يندب.
لكن يلزمه إعطاء ثلاثة من كل صنف، وإن لم يكونوا بالبلد وقت الوجوب، ومن المتوطنين أولى.
ولو أعطى اثنين من كل صنف، والثالث موجود، لزمه أقل متمول غرما له من(2/221)
ماله، ولو فقد بعض الثلاثة رد حصته على باقي صنفه، إن احتاجه، وإلا فعلى باقي الاصناف.
ويلزم التسوية بين الاصناف، وإن كانت حاجة بعضهم أشد، لا التسوية بين آحاد الصنف، بل تندب.
واختار جماعة - من أئمتنا - جواز صرف الفطرة إلى ثلاثة مساكين، أو غيرهم من المستحقين، ولو كان كل صنف - أو بعض الاصناف - وقت الوجوب محصورا في ثلاثة فأقل، استحقوها في الاولى.
وما يخص(2/222)
المحصورين في الثانية من وقت الوجوب، فلا يضر حدوث غنى أو موت أحدهم، بل حقه باق بحاله، فيدفع نصيب الميت لوارثه، وإن كان هو المزكي.
ولا يشاركهم قادم عليهم ولا غائب عنهم وقت الوجوب.
فإن زادوا على ثلاثة، لم يملكوا إلا بالقسمة.
ولا يجوز لمالك نقل الزكاة عن بلد المال، ولو إلى مسافة قريبة، ولا(2/223)
تجزئ، ولا دفع القيمة في غير مال التجارة، ولا دفع عينه فيه.
ونقل عن عمر وابن عباس وحذيفة - رضي الله عنهم - جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد، وبه قال أبو حنيفة، ويجوز عنده نقل الزكاة - مع الكراهة - ودفع قيمتها.
وعين مال التجارة.
(ولو أعطاها) أي الزكاة - ولو الفطرة - (لكافر، أو من به رق) ولو مبعضا غير مكاتب (أو هاشمي، أو(2/224)
مطلبي)، أو مولى لهما، لم يقع عن الزكاة، لان شرط الآخذ الاسلام، وتمام الحرية، وعدم كونه هاشميا، ولا مطلبيا، وإن انقطع عنهم خمس الخمس لخبر: إن هذه الصدقات - أي الزكوات - إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآله.
قال شيخنا: وكالزكاة: كل واجب - كالنذر، والكفارة بخلاف التطوع(2/225)
والهدية.
(أو غني) وهو من له كفاية العمر الغالب - على الاصح -.
وقيل: من له كفاية سنة.
أو الكسب الحلال اللائق (أو مكفي بنفقة قريب) من أصل، أو فرع، أو زوج، بخلاف المكفي بنفقة متبرع (لم يجزئ) ذلك عن الزكاة، ولا تتأدى بذلك إن كان الدافع المالك وإن ظن استحقاقهم.
ثم إن كان الدافع يظن الاستحقاق الامام: برئ المالك، ولا يضمن الامام، بل يسترد المدفوع، وما استرده صرفه للمستحقين.
أما من لم يكتف(2/226)
بالنفقة الواجبة له - من زوج، أو قريب - فيعطيه المنفق وغيره، حتى بالفقر.
ويجوز للمكفي بها الاخذ بغير المسكنة والفقر إن وجد فيه، حتى ممن تلزمه نفقته.
ويندب للزوجة إعطاء زوجها من زكاتها، حتى بالفقر والمسكنة وإن أنفقها عليها.
قال شيخنا: والذي
يظهر أن قريبه الموسر لو امتنع من الانفاق عليه وعجز عنه بالحاكم، أعطي حينئذ، لتحقق فقره أو مسكنته الآن.(2/227)
(فائدة) أفتى النووي في بالغ تاركا للصلاة كسلا أنه لا يقبضها له إلا وليه - أي كصبي ومجنون - فلا تعطى له، وإن غاب وليه، خلافا لمن زعمه: بخلاف ما لو طرأ تركه لها أو تبذيره ولم يحجر عليه: فإنه يقبضها.
ويجوز دفعها لفاسق - إلا إن علم أنه يستعين بها على معصية فيحرم وإن أجزأ.
(تتمة) في قسمة الغنيمة.
ما أخذناه من أهل حرب قهرا: فهو غنيمة، وإلا فهو فئ، ومن الاول:(2/228)
ما أخذناه من دارهم اختلاسا، أو سرقة - على الاصح - خلافا للغزالي وإمامه: حيث قالا إنه مختص بالآخذ بلا تخميس، وادعى ابن الرفعة الاجماع عليه، ومن الثاني: جزية وعشر تجارة وتركة مرتد، ويبدأ في الغنيمة(2/229)
بالسلب للقاتل المسلم بلا تخميس، وهو ملبوس القتيل، وسلاحه، ومركوبه، وكذا سوار، ومنطقة، وخاتم، وطوق.
وبالمؤن: كأجرة حمال.
ثم يخمس باقيها، فأربعة أخماسها، ولو عقارا، لمن حضر الوقعة، وإن لم(2/230)
يقاتل، فما أحد أولى به من أحد - لا لمن لحقهم بعد انقضائها، ولو قبل جمع المال، ولا لمن مات في أثناء القتال قبل الحيازة على المذهب.
وأربعة أخماس الفئ للمرصدين للجهاد وخمسهما يخمس: سهم(2/231)
للمصالح: كسد ثغر، وعمارة حصن، ومسجد، وأرزاق القضاة، والمشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها - ولو مبتدئين - وحفاظ القرآن، والائمة، والمؤذنين.
ويعطى هؤلاء مع الغنى ما رآه الامام.
ويجب تقديم الاهم - مما ذكر - وأهمها: الاول.
ولو منع هؤلاء حقوقهم من بيت المال وأعطي أحدهم منه شيئا: جاز له الاخذ، ما لم يزد على كفايته - على المعتمد - وسهم للهاشمي والمطلبي: للذكر منهما مثل حظ الانثيين، ولو أغنياء.
وسهم(2/232)
للفقراء، اليتامى، وسهم للمسكين، وسهم لابن السبيل الفقير.
ويجب تعميم الاصناف الاربعة بالعطاء
- حاضرهم، وغائبهم عن المحل - نعم، يجوز التفاوت بين آحاد الصنف غير ذوي القربى، لا بين الاصناف، ولو قل الحاصل، بحيث لو عم لم يسد مسدا: خص به الاحوج، ولا يعم - للضرورة.
ولو فقد بعضهم: وزع سهمه على الباقين.
ويجوز - عند الائمة الثلاثة - صرف جميع خمس الفئ إلى المصالح.
ولا يصح شرط(2/233)
الامام: من أخذ شيئا فهو له.
وفي قول: يصح.
وعليه الائمة الثلاثة.
وعند أبي حنيفة ومالك: يجوز للامام أن يفضل بعضا.
(فرع) لو حصل لاحد من الغانمين شئ مما غنموا قبل التخميس والقسمة الشرعية: لا يجوز التصرف فيه، لانه مشترك بينهم وبين أهل الخمس.
والشريك لا يجوز له التصرف في المشترك بغير إذن شريكه (ويسن(2/234)
صدقة تطوع) لآية: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * وللاحاديث الكثيرة الشهيرة.
وقد تجب: كأن يجد(2/235)
مضطرا ومعه ما يطعمه، فاضلا عنه، ويكره بردئ، وليس منه: التصدق بالفلوس، والثوب الخلق، ونحوهما(2/236)
- بل ينبغي أن لا يأنف من التصدق بالقليل.
والتصدق بالماء أفضل: حيث كثر الاحتياج إليه - وإلا فالطعام.
ولو تعارض الصدقة حالا، والوقف.
فإن كان الوقت وقت حاجة وشدة: فالاول أولى، وإلا فالثاني لكثرة جدواه.
قاله ابن عبد السلام وتبعه الزركشي، وأطلق ابن الرفعة ترجيح الاول، لانه قطع حظه من المتصدق به حالا وينبغي - للراغب في الخير - أن لا يخلي (كل يوم) من الايام من الصدقة (بما تيسر) وإن قل، وإعطاؤها (سرا) أفضل منه جهرا.
أما الزكاة: فإظهارها أفضل - إجماعا - (و) إعطاؤها (برمضان): أي فيه - لا سيما في عشره(2/237)
الاواخر - أفضل، ويتأكد أيضا: في سائر الازمنة، والامكنة، الفاضلة: كعشر ذي الحجة، والعيدين، والجمعة.
وكمكة، والمدينة (و) إعطاؤها (لقريب) لا تلزمه نفقته أولى، الاقرب فالاقرب من المحارم، ثم الزوج أو الزوجة، ثم غير المحرم والرحم من جهة الاب ومن جهة الام سواء، ثم محرم الرضاع، ثم المصاهرة أفضل.(2/238)
(و) صرفها بعد القريب إلى (جار، أفضل) منه لغيره.
فعلم أن القريب البعيد الدار في البلد: أفضل من الجار الاجنبي، (لا) يسن التصدق (بما يحتاجه)، بل يحرم بما يحتاج إليه: لنفقة، ومؤنة.
من تلزمه نفقته يومه وليلته، أو لوفاء دينه - ولو مؤجلا، وإن لم يطلب منه - ما لم يغلب على ظنه حصوله من جهة أخرى ظاهرة لان الواجب(2/239)
لا يجوز تركه لسنة، وحيث حرمت الصدقة بشئ لم يملكه المتصدق عليه - على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى.
لكن الذي جزم به شيخنا في شرح المنهاج أنه يملكه.
والمن بالصدقة حرام محبط للاجر كالاذى.(2/240)
(فائدة) قال في المجموع: يكره الاخذ ممن بيده حلال وحرام - كالسلطان الجائز.
وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها، ولا يحرم إلا إن تيقن أن هذا من الحرام.
وقول الغزالي: يحرم الاخذ ممن أكثر ماله حرام وكذا معاملته: شاذ.(2/241)
باب الصوم وهو لغة: الامساك.
وشرعا: إمساك عن مفطر بشروطه الآتية.
وفرض في شعبان، في السنة الثانية من الهجرة.
وهو من خصائصنا، ومن المعلوم من الدين بالضرورة (يجب صوم) شهر (رمضان) إجماعا، بكمال(2/242)
شعبان ثلاثين يوما، أو رؤية عدل واحد، ولو مستورا هلاله بعد الغروب، إذا شهد بها عند القاضي، ولو مع إطباق غيم، بلفظ: أشهد أني رأيت الهلال، أو أنه هل.
ولا يكفي: قوله: أشهد أن غدا من رمضان.
ولا يقبل(2/243)
على شهادته إلا بشهادة عدلين، وبثبوت رؤية هلال رمضان عند القاضي بشهادة عدل بين يديه - كما مر - ومع قوله ثبت عندي: يجب الصوم على جميع أهل البلد المرئي فيه، وكالثبوت عند القاضي: الخبر المتواتر
برؤيته، ولو من كفار، لافادته العلم الضروري، وظن دخوله بالامارة الظاهرة التي لا تتخلف عادة: - كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر - ويلزم الفاسق والعبد والانثى: العمل برؤية نفسه، وكذا من اعتقد صدق نحو فاسق(2/244)
ومراهق في أخباره برؤية نفسه، أو ثبوتها في بلد متحد مطلعه: - سواء أول رمضان وآخره على الاصح - والمعتمد: أن له - بل عليه - اعتماد العلامات بدخول شوال، إذا حصل له اعتقاد جازم بصدقها - كما أفتى به شيخانا: ابن زياد وحجر، كجمع محققين - وإذا صاموا - ولو برؤية عدل - أفطروا بعد ثلاثين، وإن لم يروا الهلال ولم يكن غيم، لكمال العدة بحجة شرعية.
ولو صام بقول من يثق، ثم لم ير الهلال بعد ثلاثين مع الصحو: لم يجز له الفطر، ولو رجع الشاهد بعد شروعهم في الصوم: لم يجز لهم الفطر.
وإذا ثبت رؤيته ببلد(2/245)
لزم حكمه البلد القريب - دون البعيد - ويثبت البعد باختلاف المطالع - على الاصح - والمراد باختلافها: أن يتباعد المحلان - بحيث لو رؤي في أحدهما: لم ير في الآخر غالبا، قاله في الانوار.
وقال التاج التبريزي - وأقره(2/246)
غيره -: لا يمكن اختلافها في أقل من أربعة وعشرين فرسخا.
ونبه السبكي - وتبعه غيره -: على أنه يلزم من الرؤية في البلد الغربي من غير عكس، إذ الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل.
وقضية كلامهم أنه متى رؤي في شرقي: لزم كل غربي - بالنسبة إليه - العمل بتلك الرؤية، وإن اختلفت المطالع.
وإنما يجب صوم رمضان(2/247)
(على) كل مكلف - أي بالغ - عاقل، (مطيق له) أي للصوم حسا، وشرعا، فلا يجب على صبي، ومجنون، ولا على من لا يطيقه - لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه، ويلزمه مد لكل يوم: ولا على حائض، ونفساء، لانهما لا تطيقان شرعا.
(وفرضه) أي الصوم (نية) بالقلب، ولا يشترط التلفظ بها، بل يندب، ولا يجزئ عنها التسحر(2/248)
- وإن قصد به التقوي على الصوم - ولا الامتناع من تناول مفطر، خوف الفجر، ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات التي يجب التعرض له في النية (لكل يوم): فلو نوى أول ليلة رمضان صوم جميعه: لم يكف لغير اليوم
الاول.
قال شيخنا: لكن ينبغي ذلك، ليحصل له صوم اليوم الذي نسي النية فيه عند مالك، كما تسن له أول اليوم الذي نسيها فيه، ليحصل له صومه عند أبي حنيفة.
وواضح أن محله: إن قلد، وإلا كان متلبسا بعبادة(2/249)
فاسدة في اعتقاده (وشرط لفرضه) أي الصوم - ولو نذرا، أو كفارة، أو صوم استسقاء أمر به الامام - (تبييت) أي إيقاع النية ليلا: أي فيما غروب الشمس وطلوع الفجر، ولو في صوم المميز.
قال شيخنا: ولو شك - هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده ؟ لم تصح، لان الاصل عدم وقوعها ليلا، إذ الاصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن - بخلاف ما لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر أو لا ؟ لان الاصل عدم طلوعه، للاصل المذكور أيضا.(2/250)
انتهى.
ولا يبطلها نحو أكل وجماع بعدها وقبل الفجر.
نعم، لو قطعها قبله، احتاج لتجديدها قطعا.
(وتعيين) لمنوي في الفرض كرمضان، أو نذر أو كفارة - بأن ينوي كل ليلة أنه صائم غدا عن رمضان، أو النذر، أو الكفارة - وإن لم يعين سببها.
فلو نوى الصوم عن فرضه، أو فرض وقته: لم يكف.
نعم، من عليه قضاء رمضانين، أو نذر، أو كفار من جهات مختلفة: لم يشترط التعيين لاتحاد الجنس.
واحترز باشتراط التبييت في الفرض عن النفل، فتصح فيه - ولو مؤقتا - النية قبل الزوال: للخبر الصحيح، وبالتعيين فيه النفل أيضا، فيصح(2/251)
- ولو مؤقتا - بنية مطلقة - كما اعتمده غير واحد.
نعم، بحث في المجموع اشتراط التعيين في الرواتب كعرفة وما معها فلا يحصل غيرها معها، وإن نوى، بل مقتضى القياس - كما قال الاسنوي - أن نيتهما مبطلة، كما لو نوى الظهر وسنته، أو سنة الظهر وسنة العصر - فأقل النية المجزئة: نويت صوم رمضان، ولو بدون الفرض على المعتمد - كما صححه في المجموع، تبعا للاكثرين، لان صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا.
ومقتضى(2/252)
كلام الروضة والمنهاج وجوبه، أو بلا غد - كما قال الشيخان - لان لفظ الغد، اشتهر في كلامهم في تفسير التعيين وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين، فلا يجب التعرض له بخصوصه، بل يكفي دخوله في صوم الشهر المنوي لحصول التعيين حينئذ، لكن قضية كلام شيخنا - كالمزجد -: وجوبه (وأكملها) أي النية: (نويت صوم
غد عن أداء فرض رمضان) بالجر لاضافته لما بعده (هذه السنة لله تعالى) لصحة النية حينئذ اتفاقا، وبحث(2/253)
الاذرعي أنه لو كان عليه مثل الاداء كقضاء رمضان قبله: لزمه التعرض للاداء، أو تعيين السنة (ويفطر عامد) لاناس للصوم، وإن كثر منه نحو جماع وأكل (عالم) لا جاهل، بأن ما تعاطاه مفطر لقرب إسلامه، أو نشئه(2/254)
ببادية بعيدة عمن يعرف ذلك (مختار)، لا مكره لم يحصل منه قصد، ولا فكر، ولا تلذذ (بجماع) وإن لم ينزل (واستمناء) ولو بيده أو بيد حليلته، أو بلمس لما ينقض لمسه بلا حائل (لا ب) - قبلة و (ضم) لامرأة (بحائل): أي معه، وإن تكرر بشهوة، أو كان الحائل رقيقا، فلو ضم امرأة أو قبلها بلا ملامسة بدن بلا بحائل بينهما فأنزل:(2/255)
لم يفطر، لانتفاء المباشرة - كالاحتلام.
والانزال بنظر وفكر، ولو لمس محرما أو شعر امرأة فأنزل: لم يفطر - لعدم النقض به.
ولا يفطر بخروج مذي: خلافا للمالكية (واستقاءة) أي استدعاء قئ وإن لم يعد منه شئ لجوفه: بأن تقيأ منكسا أو عاد بغير اختياره، فهو مفطر لعينه، أما إذا غلبه ولم يعد منه - أو من ريقه المتنجس به -(2/256)
شئ إلى جوفه بعد وصوله لحد الظاهر، أو عاد بغير اختياره: فلا يفطر به - للخبر الصحيح بذلك (لا بقلع نخامة) من الباطن أو الدماغ إلى الظاهر، فلا يفطر به إن لقطها لتكرر الحاجة إليه، أما لو ابتلعها مع القدرة على لفظها بعد وصولها لحد الظاهر - وهو مخرج الحاء المهملة - فيفطر قطعا.
ولو دخلت ذبابة جوفه: أفطر بإخراجها(2/257)
مطلقا، وجاز له - إن ضره - بقاوها مع القضاء: كما أفتى به شيخنا (و) يفطر (بدخول عين) وإن قلت إلى ما يسمى (جوفا): أي جوف من مر: كباطن أذن، وإحليل، - وهو مخرج بول - ولبن - وإن لم يجاوز الحشفة أو الحلمة ووصول أصبع المستنجية إلى وراء ما يظهر من فرجها عند جلوسها على قدميها: مفطر، وكذا وصول بعض الانملة إلى المسربة، كذا أطلقه القاضي، وقيده السبكي بما إذا وصل شئ منها إلى المحل المجوف(2/258)
منها، بخلاف أولها المنطبق فإنه لا يسمى جوفا، وألحق به أول الاحليل الذي يظهر عند تحريكه، بل أولى.
قال ولده: وقول القاضي: الاحتياط أن يتغوط بالليل: مراده أن إيقاعه فيه خير منه في النهار، لئلا يصل شئ إلى جوف مسربته، لا أنه يؤمر بتأخيره إلى الليل، لان أحدا لا يؤمر بمضرة في بدنه، ولو خرجت مقعدة مبسور: لم يفطر بعودها، وكذا إن أعادها بأصبعه، لاضطراره إليه.
ومنه يؤخذ - كما قال شيخنا - أنه لو اضطر لدخول الاصبع إلى الباطن لم يفطر، وإلا أفطر وصول الاصبع إليه.
وخرج بالعين: الاثر - كوصول الطعم بالذوق إلى(2/259)
حلقه -.
وخرج بمن مر - أي العامد العالم المختار - الناسي للصوم، والجاهل المعذور بتحريم إيصال شئ إلى الباطن، وبكونه مفطرا والمكره، فلا يفطر كل منهم بدخول عين جوفه، وإن كثر أكله، ولو ظن أن أكله ناسيا مفطر فأكل جاهلا بوجوب الامساك: أفطر.
ولو تعمد فتح فمه في الماء فدخل جوفه أو وضعه فيه فسبقه أفطر.
أو(2/260)
وضع في فيه شيئا عمدا وابتلعه ناسيا، فلا.
ولا يفطر بوصول شئ إلى باطن قصبة أنف حتى يجاوز منتهى الخيشوم، وهو أقصى الانف.
و (لا) يفطر (بريق طاهر صرف) أي خالص ابتلعه (من معدنه) وهو جميع الفم، ولو بعد جمعه على الاصح، وإن كان بنحو مصطكى.
أما لو ابتلع ريقا اجتمع بلا فعل، فلا يضر قطعا.
وخرج بالطاهر: المتنجس بنحو دم لثته فيفطر بابتلاعه، وإن صفا، ولم يبق فيه أثر مطلقا، لانه لما حرم ابتلاعه لتنجسه صار بمنزلة عين أجنبية.
قال شيخنا: ويظهر العفو عمن ابتلي بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه.
وقال(2/261)
بعضهم: متى ابتلعه المبتلى به مع علمه به وليس له عنده بد، فصومه صحيح، وبالصرف المختلط بطاهر آخر، فيفطر من ابتلع ريقا متغيرا بحمرة نحو تنبل، وإن تعسر إزالتها، أو بصبغ خيط فتله بفمه، وبمن معدنه ما إذا خرج من الفم لا على لسانه ولو إلى ظاهر الشفة ثم رده بلسانه وابتلعه، أو بل خيطا أو سواكا بريقه أو بماء فرده إلى فمه وعليه رطوبة تنفصل وابتلعها: فيفطر.
بخلاف ما لو لم يكن على الخيط ما ينفصل لقلته أو لعصره أو(2/262)
لجفافه، فإنه لا يضر، كأثر ماء المضمضة، وإن أمكن مجه لعسر التحرز عنه، فلا يكلف تنشيف الفم عنه.
(فرع) لو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه بطبعه لا بقصده: لم يفطر إن عجز عن تمييزه ومجه، وإن ترك التخلل ليلا مع علمه ببقائه وبجريان ريقه به نهارا، لانه إنما يخاطب بهما إن قدر عليهما حال الصوم، لكن يتأكد التخلل بعد التسحر، أما إذا لم يعجز أو ابتلعه قصدا: فإنه مفطر جزما، وقول بعضهم يجب غسل الفم مما أكل ليلا وإلا أفطر: رده شيخنا.
(ولا يفطر بسبق ماء جوف مغتسل عن) نحو (جنابة) كحيض، ونفاس إذا كان(2/263)
الاغتسال (بلا انغماس) في الماء، فلو غسل أذنيه في الجنابة فسبق الماء من إحداهما لجوفه: لم يفطر، وإن أمكنه إمالة رأسه أو الغسل قبل الفجر.
كما إذا سبق الماء إلى الداخل للمبالغة في غسل الفم المتنجس لوجوبها: بخلاف ما إذا اغتسل منغمسا فسبق الماء إلى باطن الاذن أو الانف، فإنه يفطر، ولو في الغسل الواجب، لكراهة الانغماس: كسبق ماء المضمضة بالمبالغة إلى الجوف مع تذكره للصوم، وعلمه بعدم مشروعيتها، بخلافه بلا مبالغة.
وخرج بقولي عن نحو جنابة: الغسل المسنون، وغسل التبرد، فيفطر بسبق ماء فيه، ولو بلا انغماس.(2/264)
(فروع) يجوز للصائم، الافطار بخبر عدل بالغروب، وكذا بسماع أذانه، ويحرم للشاك الاكل آخر النهار حتى يجتهد ويظن انقضاءه، ومع ذلك الاحوط: الصبر لليقين.
ويجوز الاكل إذا ظن بقاء الليل، باجتهاد أو إخبار، وكذا لو شك، لان الاصل بقاء الليل، لكن يكره، ولو أخبره عدل طلوع الفجر: اعتمده، وكذا فاسق(2/265)
ظن صدقه.
ولو أكل باجتهاد أولا وآخرا فبان أنه أكل نهارا، بطل صومه، إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه، فإن لم يبن شئ: صح.
ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فلفظه قبل أن ينزل منه شئ لجوفه: صح صومه، وكذا لو كان مجامعا عند ابتداء طلوع الفجر فنزع في الحال - أي عقب طلوعه - فلا يفطر وإن أنزل، لان النزع ترك للجماع.
فإن لم ينزع حالا: لم ينعقد الصوم، وعليه القضاء والكفارة (ويباح فطر) في صوم واجب (بمرض مضر) ضررا(2/266)
يبيح التيمم، كأن خشي من الصوم بطء برء، (وفي سفر قصر) دون قصير وسفر معصية.
وصوم المسافر
بلا ضرر.
أحب من الفطر (ولخوف هلاك) بالصوم من عطش أو جوع وإن كان صحيحا مقيما.
وأفتى الاذرعي(2/267)
بأنه يلزم الحصادين - أي ونحوهم - تبييت النية كل ليلة، ثم من لحقه منهم مشقة شديدة - أفطر، وإلا فلا.
(ويجب قضاء) ما فات ولو بعذر من الصوم الواجب، ك (- رمضان) ونذر وكفارة بمرض أو سفر، أو ترك نية أو بحيض أو نفاس، لا بجنون وسكر لم يتعد به.
وفي المجموع أن قضاء يوم الشك على الفور، لوجوب إمساكه.
ونظر فيه جمع بأن تارك النية يلزمه الامساك مع أن قضاءه على التراخي قطعا.
(و) يجب (إمساك) عن مفطر (فيه)(2/268)
أي رمضان فقط، دون نحو نذر وقضاء، (إن أفطر بغير عذر) من مرض أو سفر، (أو بغلط) كمن أكل ظانا بقاء الليل، أو نسي تبييت النية، أو أفطر يوم الشك وبان من رمضان، لحرمة الوقت.
وليس الممسك في صوم شرعي، لكنه يثاب عليه، فيأثم بجماع، ولا كفارة.
وندب إمساك لمريض شفي، ومسافر قدم أثناء النهار مفطرا، وحائض طهرت أثناءه (و) يجب (على من أفسده) أي صوم رمضان (بجماع) أثم به لاجل الصوم،(2/269)
لا باستمناء وأكل: (كفارة) متكررة بتكرر الافساد، وإن لم يكفر عن السابق (معه) أي مع قضاء ذلك الصوم.(2/270)
والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فصوم شهرين مع التتابع إن عجز عنه، فإطعام ستين مسكينا أو فقيرا إن عجز عن الصوم - لهرم أو مرض - بنية كفارة، ويعطى لكل واحد مد من غالب القوت، ولا يجوز صرف الكفارة لمن تلزمه مؤنته (و) يجب (على من أفطر) في رمضان (لعذر لا يرجى زواله) - ككبر ومرض لا يرجى برؤه: (مد)(2/271)
لكل يوم منه إن كان موسرا حينئذ (بلا قضاء) وإن قدر عليه بعد، لانه غير مخاطب بالصوم، فالفدية في حقه واجبة ابتداء، لا بدلا، ويجب المد - مع القضاء - على: حامل، ومرضع، أفطرتا للخوف على الولد،(2/272)
(و) يجب (على مؤخر قضاء) لشئ من رمضان حتى دخل رمضان آخر (بلا عذر) في التأخير: بأن خلا عن(2/273)
السفر والمرض قدر ما عليه (مد لكل سنة) فيتكرر بتكرر السنين، على المعتمد -.
وخرج بقولي بلا عذر: ما إذا كان التأخير بعذر - كأن استمر سفره أو مرضه، أو إرضاعها إلى قابل - فلا شئ عليه ما بقي العذر، وإن استمر سنين.
ومتى أخر قضاء رمضان - مع تمكنه - حتى دخل آخر فمات: أخرج من تركته لكل يوم مدان: مد للفوات، ومد للتأخير إن لم يصم عنه قريبه أو مأذونه، وإلا وجب مد واحد للتأخير.
والجديد: عدم جواز الصوم(2/274)
عنه مطلقا، بل يخرج من تركته لكل يوم مد طعام، وكذا صوم النذر والكفارة، وذهب النووي - كجمع محققين - إلى تصحيح القديم القائل: بأنه لا يتعين الاطعام فيمن مات، بل يجوز للولي أن يصوم عنه ثم إن خلف تركة، وجب أحدهما، وإلا ندب.
ومصرف الامداد: فقير، ومسكين، وله صرف أمداد لواحد.(2/275)
(فائدة) من مات وعليه صلاة، فلا قضاء، ولا فدية.
وفي قول - كجمع مجتهدين - أنها تقضى عنه، لخبر البخاري وغيره، ومن ثم اختاره جمع من أئمتنا، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه، ونقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي - إن خلف تركه - أن يصلي عنه، كالصوم.
وفي وجه - عليه كثيرون من أصحابنا - أنه يطعم عن كل صلاة مدا.
وقال المحب الطبري: يصل للميت كل عبادة تفعل عنه: واجبة أو مندوبة.
وفي شرح المختار لمؤلفه: مذهب أهل السنة أن للانسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله.
(وسن) لصائم رمضان وغيره (تسحر)، وتأخيره، ما لم يقع في شك، وكونه على تمر لخبر فيه، ويحصل ولو بجرعة ماء، ويدخل وقته بنصف(2/276)
الليل.
وحكمته: التقوي، أو مخالفة أهل الكتاب ؟ وجهان.
وسن تطيب وقت سحر، (و) سن (تعجيل فطر) إذا تيقن الغروب.
ويعرف في العمران والصحارى التي بها جبال بزوال الشعاع من أعالي الحيطان والجبال، وتقديمه على الصلاة، إن لم يخش من تعجيله فوات الجماعة أو تكبيرة الاحرام.
(و) كونه (بتمر) للامر به،(2/277)
والاكمل أن يكون بثلاث، (ف) - إن لم يجده فعلى حسوات (ماء)، ولو من زمزم، فلو تعارض التعجيل على
الماء، والتأخير على التمر، قدم الاول، فيما استظهره شيخنا، وقال أيضا: يظهر في تمر قويت شبهته وماء حفت شبهته، أن الماء أفضل.
قال الشيخان: لا شئ أفضل بعد التمر غير الماء، فقول الروياني: الحلو أفضل من(2/278)
الماء - ضعيف، كقول الاذرعي: الزبيب أخو التمر، وإنما ذكره لتيسره غالبا بالمدينة.
ويسن أن يقول عقب الفطر: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت ويزيد - من أفطر بالماء -: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الاجر إن شاء الله تعالى.
(و) سن (غسل عن نحو جنابة قبل فجر) لئلا يصل الماء إلى باطن نحو أذنه أو دبره.
قال شيخنا: وقضيته أن وصوله لذلك مفطر، وليس عمومه مرادا - كما هو ظاهر أخذا مما مر: إن سبق ماء نحو المضمضة المشروع، أو غسل الفم المتنجس: لا يفطر، لعذره، فليحمل هذا على مبالغة منهي عنها.(2/279)
(و) سن (كف) نفس عن طعام فيه شبهة، و (شهوة) مباحة.
من مسموع، ومبصر، ومس طيب، وشمه.
ولو(2/280)
تعارضت كراهة مس الطيب للصائم، ورد الطيب: فاجتناب المس أولى، لان كراهته تؤدي إلى نقصان العبادة.
قال في الحلية: الاولى للصائم ترك الاكتحال.
ويكره سواك بعد الزوال، وقت غروب، وإن نام أو أكل كريها ناسيا.
وقال جمع: لم يكره، بل يسن إن تغير الفم بنحو نوم.
ومما يتأكد للصائم: كف اللسان عن كل محرم(2/281)
- ككذب وغيبة، ومشاتمة - لانه محبط للاجر، كما صرحوا به، ودلت عليه الاخبار الصحيحة، ونص عليه الشافعي والاصحاب، وأقرهم في المجموع، وبه يرد بحث الاذرعي حصوله وعليه إثم معصيته.
وقال بعضهم: يبطل أصل صومه، وهو قياس مذهب أحمد في الصلاة في المغصوب.
ولو شتمه أحد فليقل - ولو في نفل - إني صائم، مرتين أو ثلاثا - في نفسه - تذكيرا لها، وبلسانه: حيث لم يظن رياء، فإن اقتصر على أحدهما: فالاولى(2/282)
بلسانه (و) سن مع التأكيد (برمضان)، وعشره الاخير آكد، (إكثار صدقة)، وتوسعة على عيال، وإحسان على الاقارب والجيران - للاتباع - وأن يفطر الصائمين - أي يعشيهم - إن قدر، وإلا فعلى نحو شربة، (و) إكثار
(تلاوة) للقرآن في غير نحو الحش، ولو نحو طريق، وأفضل الاوقات للقراءة من النهار: بعد الصبح، ومن(2/283)
الليل: في السحر،.
فبين العشاءين.
وقراءة الليل أولى.
وينبغي أن يكون شأن القارئ: التدبر.
قال أبو الليث(2/284)
في البستان: ينبغي للقارئ أن يختم القرآن في السنة مرتين - إن لم يقدر على الزيادة -.
وقال أبو حنيفة: من قرأ(2/285)
القرآن في كل سنة مرتين: فقد أدى حقه، وقال أحمد: يكره تأخير ختمة أكثر من أربعين يوما - بلا عذر - لحديث ابن عمر.
(و) إكثار عبادة و (اعتكاف) للاتباع (سيما) بتشديد الياء، وقد يخفف، والافصح جر ما بعدها،(2/288)
وتقديم لا عليها.
وما زائدة وهي دالة على أن ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها (عشر آخره) فيتأكد له إكثار الثلاثة المذكورة للاتباع - ويسن أن يمكث معتكفا إلى صلاة العيد، وأن يعتكف قبل دخول العشر، ويتأكد إكثار العبادات المذكورة فيه رجاء مصادفة ليلة القدر، أي الحكم والفصل - أو الشرف، والعمل فيها خير من العمل(2/289)
في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي منحصرة عندنا فيه، فأرجاها: أو تاره، وأرجى أوتاره عند الشافعي: ليلة الحادي أو الثالث والعشرين، واختار النووي - وغيره - انتقالها.
وهي أفضل ليالي السنة، وصح: من قام ليلة(2/290)
القدر إيمانا - أي تصديقا بأنها حق وطاعة - واحتسابا - أي طلبا لرضا الله تعالى وثوابه - غفر له ما تقدم من ذنبه وفي رواية: وما تأخر.
وروى البيهقي خبر من صلى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان:(2/291)
فقد أخذ من ليلة القدر بحظ وافر.
وروى أيضا: من شهد العشاء الاخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر.
وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان.
(تتمة) يسن اعتكاف كل وقت، وهو لبث فوق قدر طمأنينة الصلاة، ولو مترددا في مسجد أو رحبته التي لم(2/292)
يتيقن حدوثها بعده، وأنها غير مسجد بنية اعتكاف.
ولو خرج - ولو لخلاء - من لم يقدر الاعتكاف - المندوب أو(2/293)
المنذور - بمدة بلا عزم عود جدد النية وجوبا - إن أراده -.
وكذا إذا عاد بعد الخروج لغير نحو خلاء من قيده بها، كيوم.
فلو خرج عازما لعود فعاد لم يجب تجديد النية.
ولا يضر الخروج في اعتكاف نوى تتابعه، كأن نوى(2/294)
اعتكاف أسبوع، أو شهر متتابع، وخرج لقضاء حاجة - ولو بلا شدتها - وغسل جنابة، وإزالة نجس وإن أمكنهما في المسجد، لانه أصون لمروءته ولحرمة المسجد، أكل طعام، لانه يستحيا منه في المسجد، وله الوضوء بعد قضاء الحاجة تبعا له.
لا الخروج له قصدا، ولا لغسل مسنون، ولا يضر بعد موضعها، إلا أن يكون لذلك موضع أقرب منه، أو يفحش البعد، فيضر، ما لم يكن الاقرب غير لائق به، ولا يكلف المشي على غير سجيته،(2/295)
وله صلاة على جنازة إن لم ينتظر.
ويخرج جوازا في إعتكاف متتابع لما استثناه من غرض دنيوي: - كلقاء أمير - أو أخروي - كوضوء، وغسل مسنون، وعيادة مريض، وتعزية مصاب، وزيارة قادم من سفر - ويبطل بجماع -(2/296)
وإن استثناه - أو كان في طريق قضاء الحاجة، وإنزال مني بمباشرة بشهوة - كقبلة - وللمعتكف الخروج من التطوع لنحو عيادة مريض.
وهل هو أفضل، أو تركه، أو سواء ؟ وجوه، والاوجه - كما بحث البلقيني - أن الخروج لعيادة نحو رحم وجار وصديق، أفضل.
واختار ابن الصلاح الترك، لانه (ص) كان يعتكف ولم يخرج لذلك.(2/297)
(مهمة) قال في الانوار: يبطل ثواب الاعكتاف بشتم، أو غيبة.
أو أكل حرام.(2/298)
فصل
(في صوم التطوع) وله من الفضائل والمثوبة ما لا يحصيه إلا الله تعالى، ومن ثم، أضافه تعالى إليه دون غيره من العبادات، فقال: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به.
وفي الصحيحين: من صام يوما في سبيل(2/299)
الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا.
(ويسن) متأكدا (صوم يوم عرفة) لغير حاج، لانه يكفر السنة التي هو فيها والتي بعدها - كما في خبر مسلم - وهو تاسع ذي الحجة، والاحوط صوم الثامن مع عرفة.
والمكفر: الصغائر التي لا تتعلق بحق الآدمي، إذ الكبائر لا يكفرها إلا التوبة الصحيحة.
وحقوق الآدمي متوقفة على رضاه، فإن لم تكن له صغائر زيد في حسناته.
ويتأكد صوم الثمانية قبله: للخبر الصحيح فيها، المقتضي(2/300)
لافضلية عشرها على عشر رمضان الاخير.
(و) يوم (عاشوراء): وهو عاشر المحرم، لانه يكفر السنة الماضية - كما في مسلم -.
(وتاسوعاء): وهو تاسعه، لخبر مسلم: لئن بقيت إلى قابل لاصومن التاسع.
فمات قبله.
والحكمة: مخالفة اليهود، ومن ثم سن لمن لم يصمه: صوم الحادي عشر، بل إن صامه، لخبر فيه.
وفي الام: لا بأس أن يفرده.
وأما أحاديث الاكتحال والغسل، والتطيب في يوم عاشوراء، فمن وضع الكذابين (و) صوم(2/301)
(ستة) أيام (من شوال) لما في الخبر الصحيح أن صومها مع صوم رمضان كصيام الدهر.
واتصالها بيوم العيد(2/303)
أفضل: مبادرة للعبادة، (وأيام) الليالي (البيض) وهي: الثالث عشر وتالياه، لصحة الامر بصومها، لان صوم الثلاثة كصوم الشهر، إذ لحسنة بعشر أمثالها، ومن ثم تحصل السنة بثلاثة وغيرها، لكنها أفضل، ويبدل - على الاوجه - ثالث عشر ذي الحجة بسادس عشره، وقال الجلال البلقيني: لا بل يسقط.
ويسن صوم أيام السود:(2/304)
وهي الثامن والعشرون وتالياه، (و) صوم (الاثنين والخميس) للخبر الحسن أنه (ص) كان يتحرى صومهما وقال: تعرض فيهما الاعمال، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم والمراد عرضها على الله تعالى.
وأما رفع الملائكة
لها: فإنه مرة بالليل ومرة بالنهار، ورفعها في شعبان محمول، على رفع أعمال العام مجملة.
وصوم الاثنين أفضل من صوم الخميس - لخصوصيات ذكروها فيه، وعد الحليمي اعتياد صومهما مكروه: شاذ.(2/305)
(فرع) أفتى جمع متأخرون بحصول ثواب عرفة وما بعده بوقوع صوم فرض فيها، خلاف للمجموع.
وتبعه الاسنوي فقال: إن نواهما لم يحصل له شئ منهما.
قال شيخنا - كشيخه - والذي يتجه أن القصد وجود(2/306)
صوم فيها، فهي كالتحية، فإن نوى التطوع أيضا، حصلا، وإلا سقط عنه الطلب.
(فرع) أفضل الشهور للصوم بعد رمضان: الاشهر الحرم.
وأفضلها المحرم، ثم رجب، ثم الحجة، ثم القعدة، ثم شهر شعبان.
وصوم تسع ذي الحجة أفضل من صوم عشر المحرم اللذين يندب صومهما.(2/307)
(فائدة) من تلبس بصوم تطوع أو صلاته، فله قطعهما - لا نسك تطوع - ومن تلبس بقضاء واجب، حرم قطعه ولو موسعا، ويحرم على الزوجة أن تصوم، تطوعا أو قضاء موسعا وزوجها حاضر إلا بإذنه أو علم رضاه.
(تتمة) يحرم الصوم في أيام التشريق والعيدين، وكذا يوم الشك لغير ورد، وهو يوم ثلاثي شعبان، وقد(2/308)
شاع الخبر بين الناس برؤية الهلال ولم يثبت، وكذ بعد نصف شعبان، ما لم يصله بما قبله، أو لم يوافق عادته، أو لم يكن عن نذر أو قضاء، ولو عن نفل.(2/309)
باب الحج(2/310)
وهو: بفتح أوله وكسره - لغة: القصد، أو كثرته إلى من يعظم.
وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي.
وهو من الشرائع القديمة.
وروي أن آدم عليه السلام حج أربعين حجة من الهند ماشيا، وأن جبريل قال له: إن(2/311)
الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة.
قاب ابن إسحاق: لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم عليه(2/312)
الصلاة والسلام إلا حج.
والذي صرح به غيره: أنه ما من نبي إلا حج، خلافا لمن استثنى هودا وصالحا.(2/313)
والصلاة أفضل منه، خلافا للقاضي.
وفرض في السنة السادسة على الاصح، حج (ص) قبل النبوة وبعدها وقبل الهجرة حججا لا يدرى عددها،(2/314)
وبعدها حجة الوداع لا غير.
وورد: من حج هذا البيت، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه قال شيخنا في حاشية(2/315)
الايضاح: قوله: كيوم ولدته أمه - يشمل التبعات.
وورد التصريح به في رواية، وأفتى به بعض مشايخنا، لكن ظاهر كلامهم يخالفه، والاول أوفق بظواهر السنة، والثاني أوفق بالقواعد.
ثم رأيت بعض المحققين نقل(2/316)
الاجماع عليه، وبه يندفع الافتاء المذكور تمسكا بالظواهر.
(والعمرة) وهي لغة: زيادة مكان عامر.
وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي.
(يجبان) أي الحج والعمرة - ولا يغني عنها الحج وإن اشتمل عليها.
وخبر: سئل (ص) عن العمرة، أواجبة هي ؟ قال: لا ضعيف اتفاقا، وإن صححه الترمذي.
(على) كل مسلم، (مكلف) أي بالغ، عاقل، (حر): فلا يجبان على صبي ومجنون،(2/317)
ولا على رقيق.
فنسك غير المكلف - ومن فيه رق - يقع نفلا - لا فرضا (مستطيع) للحج، بوجدان الزاد ذهابا(2/318)
وإيابا، وأجرة خفير - أي مجير يأمن معه - والراحلة - أو ثمنها: إن كان بينه وبين مكة مرحلتان أو دونهما وضعف عن المشي - مع نفقة من يجب عليه نفقته وكسوته إلى الرجوع.
ويشترط أيضا للوجوب: أمن الطريق على(2/319)
النفس والمال، ولو من رصدي، وإن قل ما يأخذه، وغلبة السلامة لراكب البحر، فإن غلب الهلاك - لهيجان الامواج في بعض الاحوال - أو استويا: لم يجب، بل يحرم الركوب فيه له ولغيره.
وشرط للوجوب على المرأة - مع ما ذكر - أن يخرج معها محرم، أو زوج، أو نسوة ثقات، ولو إماء، وذلك(2/320)
لحرمة سفرها وحدها، وإن قصر، أو كانت في قافلة عظيمة، ولها - بلا وجوب - أن تخرج مع امرأة ثقة لاداء فرض الاسلام، وليس لها الخروج لتطوع، ولو مع نسوة كثيرة، وإن قصر السفر، أو كانت شوهاء.
وقد صرحوا بأنه يحرم على المكية التطوع بالعمرة من التنعيم مع النساء، خلافا لمن نازع فيه (مرة) واحدة في العمر (بتراخ) لا على الفور.
نعم، إنما يجوز التأخير بشرط العزم على الفعل في المستقبل، وأن لا يتضيقا عليه(2/321)
بنذر، أو قضاء، أو خوف عضب، أو تلف مال بقرينة، ولو ضعيفة.
وقيل يجب - على القادر - أن لا يترك الحج في كل خمس سنين - لخبر فيه.
(فرع) تجب إنابة عن ميت عليه نسك من تركته - كما تقضى منه ديونه - فلو لم تكن له تركة، سن لوارثه أن(2/322)
يفعله عنه، فلو فعله أجنبي، جاز، ولو بلا إذن، وعن آفاقي معضوب عاجز عن النسك بنفسه: لنحو زمانة، أو مرض لا يرجى برؤه - بأجرة مثل فضلت عما يحتاجه المعضوب يوم الاستئجار، وعما عدا مؤنة نفسه وعياله(2/323)
بعده، ولا يصح أن يحج عن معضوب بغير إذنه، لان الحج يفتقر للنية، والمعضوب أهل لها وللاذن.
(أركانه) أي الحج: ستة.
أحدها: (إحرام) به، أي بنية دخول فيه، لخبر: إنما الاعمال بالنيات.
ولا يجب تلفظ بها، وتلبية، بل يسنان فيقول بقلبه ولسانه: نويت الحج، وأحرمت به لله تعالى - لبيك اللهم لبيك إلى آخره.(2/324)
(و) ثانيها: (وقوف بعرفة) أي حضوره بأي جزء منها ولو لحظة، وإن كان نائما، أو مارا، لخبر الترمذي:
الحج عرفة وليس منها: مسجد إبراهيم عليه السلام، ولا نمرة.
والافضل للذكر تحري موقفه (ص)، وهو عند الصخرات المعروفة.
وسميت عرفة، قيل: لان آدم وحواء تعارفا بها، وقيل غير ذلك.
ووقته (بين زوال)(2/325)
للشمس يوم عرفة، وهو تاسع ذي الحجة، (و) بين طلوع (فجر) يوم (نحر).
وسن له الجمع بين الليل والنهار، وإلا أراق دم تمتع - ندبا.
(و) ثالثها: (طواف إفاضة) ويدخل وقته بانتصاف ليلة النحر، وهو أفضل الاركان، حتى من الوقوف، خلافا للزركشي.(2/326)
(و) رابعها: (سعي) بين الصفا والمروة (سبعا) - يقينا - بعد طواف قدوم ما لم يقف بعرفة، أو بعد طواف إفاضة.
فلو اقتصر على ما دون السبع لم يجزه، ولو شك في عددها قبل فراغه أخذ بالاقل، لانه المتيقن.
ومن(2/327)
سعى بعد طواف القدوم لم يندب له إعادة السعي بعد طواف الافاضة، بل يكره.
ويجب أن يبدأ فيه في المرة الاولى بالصفا ويختم بالمروة - للاتباع - فإن بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا وذهابه من الصفا إلى المروة مرة وعوده منها إليه مرة أخرى.
ويسن - للذكر - أن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة.
وأن يمشي أول(2/328)
السعي وآخره، ويعدو - الذكر - في الوسط، ومحلهما معروف.
(و) خامسها: (إزالة شعر) من الرأس، بحلق أو تقصير، لتوقف التحلل عليه - وأقل ما يجزئ ثلاث شعرات، فتعميمه (ص) لبيان الافضل، خلافا لمن أخذ منه وجوب التعميم.
وتقصير المرأة أولى من حلقها، ثم(2/329)
يدخل مكة بعد رمي جمرة العقبة والحلق، ويطوف للركن فيسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم - كما هو الافضل - والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها.
ويكره تأخيرها عن يوم النحر، وأشد منه: تأخيرها عن أيام التشريق، ثم عن خروجه من مكة.(2/330)
(و) سادسها: (ترتيب) بين معظم أركانه - بأن يقدم الاحرام على الجميع، والوقوف على طواف الركن والحلق والطواف على السعي - إن لم يسع بعد طواف القدوم - ودليله الاتباع.
(ولا تجبر) أي الاركان، (بدم).
وسيأتي ما يجبر بالدم.
(وغير وقوف) من الاركان الستة (أركان العمرة) لشمول الادلة لها، وظاهر أن الحلق يجب تأخيره عن سعيها، فالترتيب فيها في جميع الاركان.
(تنبيه) يؤديان بثلاثة أوجة: إفراد: بأن يحج ثم يعتمر.
وتمتع: بأن يعتمر ثم يحج.
وقران: بأن يحرم بهما(2/331)
معا.
وأفضلها: إفراد - إن اعتمر عامه - ثم تمتع.
وعلى كل من المتمتع والقارن: دم - إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام - وهم من دون مرحلتين.(2/332)
(وشروط الطواف) ستة: أحدها: (طهر) عن حدث وخبث.
(و) ثانيها: (ستر) لعورة قادر، فلو زالا فيه جدد، وبنى على طوافه، وإن تعمد ذلك، وطال الفصل.(2/333)
(و) ثالثها: (نيته): أي الطواف، (إن استقل) بأن لم يشمله نسك كسائر العبادات، وإلا فهي سنة.
(و) رابعها: (بدؤه بالحجر الاسود محاذيا له) في مروره (ببدنه): أي بجميع شقه الايسر.
وصفة(2/334)
المحاذاة: أن يقف بجانبه من جهة اليماني - بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه - ثم ينوي، ثم يمشي مستقبلة حتى يجاوزه، فحينئذ ينفتل ويجعل يساره للبيت، ولا يجوز استقبال البيت إلا في هذا.(2/335)
(و) خامسها: (جعل البيت عن يساره) مارا تلقاء وجهه، فيجب كونه خارجا بكل بدنه حتى بيده عن
شاذروانه وحجره - للاتباع - فإن خالف شيئا من ذلك لم يصح طوافه، وإذا استقبل الطائف - لنحو دعاء - فليحترز عن أن يمر منه أدنى جزء قبل عوده إلى جعل البيت عن يساره.
ويلزم من قبل الحجر أن يقر قدميه في(2/336)
محلهما حتى يعتدل قائما، فإن رأسه - حال التقبيل - في جزء من البيت.
(و) سادسها: (كونه سبعا) يقينا، ولو في الوقت المكروه، فإن ترك منها شيئا - وإن قل - لم يجزئه.
(وسن أن يفتتح) الطائف (باستلام الحجر) الاسود بيده، (و) أن (يستلمه في كل طوفة)، وفي الاوتار(2/337)
آكد، وأن يقبله، ويضع جبهته عليه، (و) يستلم (الركن) اليماني، ويقبل يده بعد استلامه، (و) أن (يرمل(2/338)
- ذكر) في الطوفات (الثلاث الاول من طواف بعده سعي) بإسراع مشيه مقاربا خطاه، وأن يمشي في الاربعة الاخيرة على هيئته - للاتباع - ولو ترك الرمل في الثلاث الاول: لا يقضيه في البقية.
ويسن أن يقرب - الذكر - من البيت، ما لم يؤذ أو يتأذ بزحمة، فلو تعارض القرب منه والرمل: قدم، لان ما يتعلق بنفس العبادة، أولى من المتعلق بمكانها، وأن يضطبع في طواف يرمل فيه، وكذا في السعي: وهو جعل وسط ردائه تحت منكبه الايمن،(2/339)
وطرفيه على الايسر - للاتباع - وأن يصلي بعده ركعتين خلف المقام، ففي الحجر.
(فرع) يسن أن يبدأ كل من الذكر والانثى بالطواف عند دخول المسجد للاتباع، رواه الشيخان - إلا أن(2/340)
يجد الامام في مكتوبة، أو يخاف فوت فرض، أو راتبة مؤكدة فيبدأ بها - لا بالطواف.
(وواجباته) أي الحج خمسة، وهو ما يجب بتركه الفدية (إحرام من ميقات) فميقات الحج لمن بمكة: هي.
وهو للحج والعمرة للمتوجه من المدينة: ذو الحليفة المسماة ببئر علي.
ومن الشام ومصر والمغرب: الجحفة.
ومن تهامة اليمن:(2/341)
يلملم، ومن نجد اليمن والحجاز: قرن.
ومن المشرق: ذات عرق.
وميقات العمرة لمن بالحرم الحل،(2/342)
وأفضله الجعرانة، فالتنعيم، فالحديبية.
وميقات من لا ميقات له في طريقه: محاذاة الميقات الوارد إن حاذاه في بر أو بحر، وإلا فمرحلتان من مكة، فيحرم الجائي في البحر من جهة اليمين من الشعب المحرم الذي يحاذي يلملم، ولا يجوز له تأخير إحرامه إلى الوصول إلى جدة، خلافا لما أفتى به شيخنا من جواز تأخيره إليها، وعلل(2/343)
بأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم إليها.
ولو أحرم من دون الميقات لزمه دم - ولو ناسيا، أو جاهلا - ما لم يعد إليه قبل تلبسه بنسك، ولو طواف قدوم، وأثم غيرهما (ومبيت بمزدلفة) ولو ساعة من نصف ثان من ليلة النحر،(2/344)
(و) مبيت (بمنى) معظم ليالي أيام التشريق.
نعم، إن نفر قبل غروب شمس اليوم الثاني، جاز وسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها، وإنما يجب المبيت في لياليها لغير الرعاء وأهل السقاية (وطواف الوداع) لغير(2/345)
حائض، ومكي - إن لم يفارق مكة بعد حجه - (ورمي) إلى جمرة العقبة بعد انتصاف ليلة النحر، سبعا، وإلى(2/346)
الجمرات الثلاث بعد زوال كل يوم من أيام التشريق سبعا سبعا، مع ترتيب بين الجمرات (بحجر) أي بما(2/347)
يسمى به، ولو عقيقا وبلورا.
ولو ترك رمي يوم، تداركه في باقي أيام التشريق، وإلا لزمه دم، بترك ثلاث رميات فأكثر.
(وتجبر) أي الواجبات بدم، وتسمى هذه أبعاضا.
(وسننه) أي الحج (غسل)، فتيمم (لاحرام ودخول مكة) ولو حلالا - بذي طوى، (وقوف) بعرفة(2/348)
عشيتها، وبمزدلفة، ولرمي أيام التشريق، (وتطيب) البدن، والثوب ولو بما له جرم (قبيله) أي الاحرام وبعد الغسل، ولا يضر استدامته بعد الاحرام، ولا انتقاله بعرق (وتلبية) وهي: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك(2/349)
لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك.
ومعنى لبيك: أنا مقيم على طاعتك.
ويسن الاكثار منها، والصلاة على النبي (ص) وسؤال الجنة، والاستعاذة من النار، بعد تكرير التلبية ثلاثا.
وتستمر التلبية إلى(2/350)
رمي جمرة العقبة.
لكن لا تسن في طواف القدوم، والسعي بعده، لورود أذكار خاصة فيهما، (وطواف قدوم)(2/351)
لانه تحية البيت، وإنما يسن لحاج أو قارن دخل مكة قبل الوقوف.
ولا يفوت بالجلوس، ولا بالتأخير.
نعم، يفوت بالوقوف بعرفة (ومبيت بمنى ليلة عرفة، ووقوف بجمع) المسمى الآن بالمشعر الحرام وهو جبل في آخر مزدلفة، فيذكرون في وقوفهم، ويدعون إلى الاسفار مستقبلين القبلة - للاتباع -.
(وأذكار)، وأدعية مخصوصة(2/352)
بأوقات وأمكنة معينة، وقد استوعبها الجلال السيوطي في وظائف اليوم والليلة - فليطلبه.
(فائدة) يسن - متأكدا - زيارة قبر النبي (ص)، ولو لغير حاج ومعتمر، لاحاديث وردت في فضلها.
وشرب(2/354)
ماء زمزم مستحب، ولو لغيرهما.
وورد أنه أفضل المياه، حتى من الكوثر.(2/357)
فصل (في محرمات الاحرام) (يحرم بإحرام) على رجل وأنثى (وطئ) آية: * (فلا رفث) * أي لا ترفثوا.
والرفث مفسر بالوطئ.
ويفسد(2/359)
به الحج والعمرة.
(وقبلة)، ومباشرة بشهوة.
(واستمناء بيد) - بخلاف الانزال بنظر أو فكر - (ونكاح)، لخبر(2/360)
مسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح (وتطيب) في بدن أو ثوب بما يسمى طيبا، كمسك وعنبر، وكافور حي أو(2/361)
ميت، وورد ومائه، ولو بشد نحو مسك بطرف ثوبه، أو بجعله في جيبه.
ولو خفيت رائحة الطيب، كالكاذي والفاغية - وهي تمر الحناء - فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت، حرم، وإلا فلا، (ودهن) بفتح أوله (شعر) رأس، أو لحية بدهن، ولو غير مطيب، كزيت وسمن.
(وإزالته) أي الشعر ولو واحدة من رأسه أو لحيته أو بدنه،(2/362)
نعم، إن احتاج إلى حلق شعر - بكثرة قمل أو جراحة - فلا حرمة، وعليه الفدية، فلو نبت شعر، بعينه أو غطاها فأزال ذلك، فلا حرمة، وفلا فدية.
(وقلم) لظفر، ولو بعضه من يد أو رجل.
نعم، له قطع ما انكسر من ظفره إن(2/363)
تأذى به ولو أدنى تأذ.
(ويحرم ستر رجل) - لا امرأة - (بعض رأس بما يعد ساترا) عرقا من مخيط أو غير - كقلنسوة، وخرقة - إما ما لا يعد ساترا - كخيط رقيق، وتوسد نحو عمامة، ووضع يد لم يقصد بها الستر - فلا يحرم، بخلاف ما إذا قصده على نزاع فيه، وكحمل نحو زنبيل لم يقصد به ذلك أيضا، واستظلال بمحمل وإن(2/364)
مس رأسه، (ولبسه) أي الرجل (مخيطا) بخياطة: كقميص، وقباء، أو نسج، أو عقد في سائر بدنه، (بلا عذر)(2/365)
فلا يحرم على الرجل ستر رأس لعذر - كحر وبرد، ويظهر ضبطه هنا بما لا يطيق الصبر عليه، وإن لم يبح التيمم، فيحل مع الفدية، قياسا على وجوبها في الحلق مع العذر.
ولا لبس مخيط إن لم يجد غيره، ولا قدر(2/366)
على تحصيله، ولو بنحو استعارة.
بخلاف الهبة - لعظم المنة - فيحل ستر العورة بالمخيط بلا فدية، ولبسه في باقي بدنه لحاجة نحو حر وبرد مع فدية.
ويحل الارتداء والالتحاف بالقميص والقباء، وعقد الازار، وشد خيط عليه ليثبت: لا وضع طوق القباء على رقبته، وإن لم يدخل يده (و) يحرم (ستر امرأة - لا رجل - بعض وجه) بما(2/367)
يعد ساترا (وفدية) ارتكاب واحد م (- ما يحرم) بالاحرام غير الجماع (ذبح شاة) مجزئة في الاضحية، وهي(2/368)
جذعة ضأن، أو ثنية معز، (أو تصدق بثلاثة آصع لستة) من مساكين الحرم الشاملين للفقراء، لكل واحد نصف(2/369)
صاع، (أو صوم ثلاثة) أيام.
فمرتكب المحرم مخير في الفدية بين الثلاثة المذكورة.
(فرع) لو فعل شيئا من المحرمات ناسيا أو جاهلا بتحريمه، وجبت الفدية إن كان إتلافا - كحلق شعر، وقلم ظفر، وقتل صيد - ولا تجب إن كان تمتعا - كلبس، وتطيب - والواجب في إزالة ثلاث شعرات أو أظفار ولا اتحاد زمان ومكان عرفا فدية كاملة، وفي واحدة: مد طعام.
وفي اثنتين: مدان (ودم ترك مأمور) كإحرام(2/370)
من الميقات، ومبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الاحجار، وطواف الوداع، كدم التمتع والقران.
(ذبح) أي ذبح شاة تجزئ أضحية في الحرم، (ف) - الواجب على العاجز عن الذبح فيه ولو لغيبة ماله - وإن وجد من يقرضه، أو وجده بأكثر من ثمن المثل - (صوم) أيام (ثلاثة) فورا بعد إحرام، (وقبل) يوم (نحر) - ولو مسافرا - فلا يجوز(2/371)
تأخير شئ منها عنه، لانها تصير قضاء.
ولا تقديمه على الاحرام بالحج، الآية.
(و) يلزمه أيضا صوم (سبعة بوطنه) أي إذا رجع إلى أهله.
ويسن تواليها - كالثلاثة - قال تعالى: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج،(2/372)
وسبعة إذا رجعتم) *.
(ويجب على مفسد نسك) من حج وعمرة (بوطئ: بدنة) بصفة الاضحية، وإن كان النسك، نفلا، والبدنة المرادة الواحد من الابل - ذكرا كان أو أنثى - فإن عجز عن البدنة فبقرة، فإن عجز عنها فسبع شياه، ثم يقوم البدنة، ويتصدق بقيمتها طعاما.
ثم يصوم عن كل مد يوما.
ولا يجب شئ على المرأة، بل(2/373)
تأثم.
وعلم من قولي بمسد نسك: أنه يبطل بوطئ، ومع ذلك يجب مضي في فاسده.
(وقضاء فورا)، وإن كان نسكه نفلا، لانه - وإن كان وقته موسعا - تضيق عليه بالشروع فيه.
والنفل من ذلك يصير بالشروع فيه فرضا: أي(2/374)
واجب الاتمام كالفرض، بخلاف غيره من النفل.
(تتمة) يسن لقاصد مكة، وللحاج - آكد - أن يهدي شيئا من النعم يسوقه من بلده، وإلا فيشتريه من الطريق ثم من مكة، ثم من عرفة، ثم من منى.
وكونه سمينا حسنا، ولا يجب إلا بالنذر.
(مهمات) يسن - متأكدا - لحر قادر، تضحية بذبح جذع ضأن له سنة، أو سقط سنه - ولو قبل تمامها - أو(2/375)
ثني معز أو بقر لهما سنتان، أو إبل له خمس سنين بنية أضحية عند ذبح أو تعيين.
وهي أفضل من الصدقة.(2/376)
ووقتها من راتفاع شمس نحر إلى آخر أيام التشريق.
ويجزئ سبع بقر أو إبل عن واحد، ولا يجزئ عجفاء ومقطوعة بعض ذنب أو أذن أبين - وإن قل - وذات عرج وعور ومرض بين، ولا يضر شق أذن، أو خرقها.(2/377)
والمعتمد عدم إجزاء التضحية بالحامل - خلافا لما صححه ابن الرفعة -.
ولو نذر التضحية بمعيبة أو صغيرة، أو قال: جعلتها أضحية، فإنه يلزم ذبحها، ولا تجزئ أضحية، وإن اختص ذبحها بوقت الاضحية، وجرت مجراها في الصرف.
ويحرم الاكل من أضحية أو هدي وجبا بنذره.
ويجب التصدق - ولو على فقير واحد - بشئ نيئا(2/378)
- ولو يسيرا - من المتطوع بها.
والافضل: التصدق بكله إلا لقما يتبرك بأكلها، وأن تكون من الكبد، وأن لا يأكل فوق ثلاث، والتصدق بجلدها.
وله إطعام أغنياء - لا تمليكهم - ويسن أن يذبح الرجل بنفسه.
وأن يشهدها من(2/379)
وكل به.
وكره - لمريدها - إزالة نحو شعر في عشر ذي الحجة وأيام التشريق حتى يضحي.
ويندب لمن تلزمه(2/380)
نفقة فرعه: أن يعق عنه من وضع إلى بلوغ، وهي كضحية، ولا يكسر عظم.
والتصدق بمطبوخ يبعثه إلى(2/381)
الفقراء: أحب من ندائهم إليها ومن التصدق نيئا.
وأن يذبح سابع ولادته، ويسمى فيه، وإن مات قبله، بل يسن تسمية سقط بلغ زمن نفخ الروح.
وأفضل الاسماء: عبد الله، وعبد الرحمن.
ولا يكره اسم نبي، أو ملك، بل(2/382)
جاء في التسمية بمحمد فضائل علية.
ويحرم التسمية بملك الملوك، وقاضي القضاة، وحاكم الحكام.
وكذا عبد النبي، وجار الله، والتكني بأبي القاسم.(2/383)
وسن أن يحلق رأسه - ولو أنثى - في السابع، ويتصدق بزنته ذهبا، أو فضة، وأن يؤذن، ويقرأ سورة الاخلاص، وآية: * (إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * بتأنيث الضمير - ولو في الذكر - في أذنه(2/384)
اليمنى، ويقام في اليسرى عقب الوضع.
وأن يحنكه رجل، فامرأة - من أهل الخير - بتمر، فحلو - لم تمسه النار - حين يولد.
ويقرأ عندها - وهي تطلق - آية الكرسي و * (إن ربكم الله) * الآية، والمعوذتان، والاكثار من دعاء الكرب.
قال شيخنا: أما قراءة سورة الانعام، إلى: * (رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) * يوم يعق عن المولود، فمن مبتدعات العوام الجهلة، فينبغي الانكفاف عنها، وتحذير الناس منها - ما أمكن -.
انتهى.(2/385)
(فرع) يسن لكل أحد، الادهان غبا، والاكتحال بالاثمد وترا عند نومه، وخضب شيب رأسه ولحيته: بحمرة أو صفرة.
ويحرم حلق لحية، وخضب يدي الرجل ورجليه بحناء، خلافا لجمع فيهما.
وبحث الاذرعي(2/386)
كراهة حلق ما فوق الحلقوم من الشعر.
وقال غيره إنه مباح.
ويسن الخضب للمفترشة، ويكره للخلية.
ويحرم وشر الاسنان ووصل الشعر بشعر نجس، أو شعر آدمي، وربطه به - لا بخيوط الحرير، أو الصوف - ويستحب أن يكف الصبيان أول ساعة من الليل، وأن يغطي الاواني - ولو بنحو عود يعرض عليها - وأن يغلق الابواب مسميا الله فيهما، وأن يطفى المصابيح عند النوم.(2/387)
(واعلم) أن ذبح الحيوان البري المقدور عليه بقطع كل حلقوم - وهو مخرج النفس - وكل مرئ - وهو مجرى الطعام تحت الحلقوم - بكل محدد يجرح غير عظم، وسن، وظفر - كحديد - وقصب، وزجاج،(2/388)
وذهب، وفضة - يحرم ما مات بثقل ما أصابه من محدد أو غيره - كبندقة - وإن أنهر الدم وأبان الرأس أو ذبح بكال لا يقطع إلا بقوة الذابح، فلذا ينبغي الاسراع بقطع الحلقوم بحيث لا ينتهي إلى حركة المذبوح قبل تمام القطع.
ويحل الجنين بذبح أمه إن مات في بطنها، أو خرج في حركة مذبوح، ومات حالا.
أما غير المقدور عليه(2/389)
بطيرانه أو شدة عدوه، وحشيا كان أو إنسيا كجمل، أو جدي - نفر شاردا، ولم يتيسر لحوقه حالا - وإن كان لو صبر سكن وقدر عليه - وإن لم يخف عليه نحو سارق - فيحل بالجرح المزهق بنحو سهم أو سيف في أي محل كان، ثم إن أدركه وبه حياة مستقرة، ذبحه - فإن تعذر ذبحه من غير تقصير منه حتى مات - كأن اشتغل بتوجيهه(2/390)
للقبلة، أو سل السكين فمات قبل الامكان، حل، وإلا كأن لم يكن معه سكين، أو علق في الغمد بحيث تعسر إخراجه، فلا.
ويحرم قطعا رمي الصيد بالبندق المعتاد الآن - وهو ما يصنع بالحديد ويرمى بالنار - لانه محرق مذفف سريعا غالبا.
قال شيخنا: نعم، إن علم حاذق أنه إنما يصيب نحو جناح كبير: فيشقه فقط، احتمل الجواز.
والرمي بالبندق المعتاد قديما - وهو ما يصنع من الطين - جائز - على المعتمد - خلافا لبعض المحقين.(2/391)
وشرط الذابح أن يكون مسلما - أو كتابيا ينكح.
ويسن أن يقطع الودجين - وهما عرقا صفحتي عنق وأن يحد شفرته، ويوجه ذبيحته لقبلة، وأن يكون الذابح رجلا عاقلا، فامرأة، فصبيا.
ويقول - ندبا - عند الذبح،(2/392)
وكذا عند رمي الصيد - ولو سمكا - وإرسال الجارحة: بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد.(2/393)
ويشترط في الذبيح - غير المريض - شيآن.
أحدهما: أن يكون فيه حياة مستقرة أول ذبحه ولو ظنا، بنحو(2/394)
شدة حركة بعده، ولو وحدها - على المعتمد - وانفجار دم، وتدفقه إذا غلب على الظن بقاؤها فيهما - فإن شك في استقرارها لفقد العلامات حرم.
ولو جرح حيوان، أو سقط عليه نحو سيف أو عضه نحو هرة - فإن بقيت فيه حياة مستقرة فذبحه، حل.
وإن تيقن هلاكه بعد ساعة، وإلا لم يحل - كما لو قطع بعد رفع السكين ولو لعذر،(2/395)
ما بقي بعد انتهائها إلى حركة مذبوح.
قال شيخنا في شرح المنهاج: وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابه فأعادها فورا وأتم الذبح، حل، وقول بعضهم: لو رفع يده ثم أعادها لم يحل، مفرع على عدم الحياة المستقرة، عند إعادتها، أو محمول على ما إذا لم يعدها على الفور.
ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انفلتت شفرته فردها حالا، أنه يحل.
انتهى.
ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض، وإن كان سببه أكل نبات مضر، كفى ذبحه في(2/396)
آخر رمقه، إذ لم يوجد ما يحال عليه الهلاك من جرح أو نحوه.
فإن وجد، كأن أكل نباتا يؤدي إلى الهلاك، اشترط فيه وجود الحياة المستقرة فيه عند ابتداء الذبح، ولو بالظن، بالعلامة المذكورة بعده.
(فائدة) من ذبح تقريا لله تعالى لدفع شر الجن عنه لم يحرم، أو بقصدهم حرم.
وثانيهما: كونه مأكولا - وهو من الحيوان البري: الانعام، والخيل، وبقر وحش، وحماره، وظبي،(2/397)
وضبع، وضب، وأرنب، وثعلب، وسنجاب، وكل لقاط للحب.
لا أسد، وقرد، وصقر، وطاوس، وحدأة،(2/398)
وبوم، ودرة، وكذا غراب أسود ورمادي اللون، خلافا لبعضهم.
ويكره جلالة - ولو من غير نعم - كدجاج إن(2/399)
وجد فيها ريح النجاسة.
ويحل أكل بيض غير المأكول، خلافا لجمع.
ويحرم من الحيوان البحري: ضفدع، وتمساح، وسلحفاة، وسرطان.
لا قرش، ودنليس على الاصح فيهما.
قال في المجموع: الصحيح المعتمد أن(2/400)
جميع ما في البحر يحل ميتته إلا الضفدع، ويؤيده نقل ابن الصباغ عن الاصحاب حل جميع ما فيه، إلا الضفدع.(2/401)
ويحل أكل ميتة الجراد والسمك - إلا ما تغير في جوف غيره، ولو في صورة كلب أو خنزير.
ويسن ذبح(2/402)
كبيرهما الذي يطول بقاؤه.
ويكره ذبح صغيرهما، وأكل مشوي سمك قبل تطييب جوفه، وما أنتن منه - كاللحم - وقلي حي في دهن مغلي.
وحل أكل دود نحو الفاكهة - حيا كان أو ميتا - بشرط أن لا ينفرد عنه، وإلا لم يحل أكله، ولو معه - كنمل السمن - لعدم تولده منه - على ما قاله الرداد - خلافا لبعض أصحابنا.(2/403)
ويحرم كل جماد مضر لبدن أو عقل - كحجر، وتراب، وسم - وإن قل، إلا لمن لا يضره - ومسكر، ككثير أفيون، وحشيش، وبنج.
(فائدة) أفضل المكاسب الزراعة، ثم الصناعة، ثم التجارة.
قال جمع: هي أفضلها - ولا تحرم معاملة(2/404)
من أكثر ماله حرام، ولا الاكل منها - كما صححه في المجموع -.
وأنكر النووي قول الغزالي بالحرمة، مع أنه تبعه في شرح مسلم.
ولو عم الحرام الارض جاز أن يستعمل منه ما تمس حاجته إليه، دون ما زاد.
هذا إن توقع معرفة أربابه.
وإلا صار لبيت المال، فيأخذ منه بقدر ما يستحقه فيه - كما قاله شيخنا.
(فرع) نذكر فيه ما يجب على المكلف بالنذر.
وهو قربة - على ما اقتضاه كلام الشيخين، وعليه كثيرون -(2/405)
بل بالغ بعضهم، فقال: دل على ندبه الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس.
وقيل مكروه، للنهي عنه.
وحمل الاكثرون النهي على نذر اللجاج، فإنه تعليق قربة بفعل شئ أو تركه - كإن دخلت الدار، أو إن لم أخرج منها،(2/406)
فلله علي صوم أو صدقة بكذا.
فيتخير - من دخلها أو لم يخرج - بين ما التزمه وكفارة يمين.
ولا يتعين الملتزم - ولو حجا -.
والفرع: ما اندرج تحت أصل كلي.
(النذر: التزام) مسلم، (مكلف) رشيد: (قربة لم تتعين) - نفلا كانت أو فرض كفاية - كإدامة وتر، وعيادة مريض، وزيادة رجل قبرا، وتزوج حيث سن - خلافا لجمع - وصوم أيام البيض، والاثانين.
فلو وقعت في(2/407)
أيام التشريق أو الحيض، أو النفاس، أو المرض، لم يجب القضاء - وكصلاة جنازة، وتجهيز ميت.
ولو نذر صوم يوم بعينه، لم يصم قبله، فإن فعل أثم - كتقديم الصلاة على وقتها المعين - ولا يجوز تأخيره عنه - كهي - بلا عذر، فإن فعل صح، وكان قضاء.
ولو نذر صوم يوم خميس ولم يعين، كفاه أي خميس.
ولو نذر صلاة: فيجب ركعتان بقيام قادر.
أو صوما: فصوم يوم أو صوم أيام فثلاثة.
أو صدقة، فمتمول،(2/408)
ويجب صرفه لحر مسكين - ما لم يعين شخصا أو أهل بلد - وإلا تعين صرفه له.
ولا يتعين لصوم وصلاة مكان عينه، ولا لصدقة زمان عينه.
وخرج بالمسلم، المكلف: الكافر والصبي، والمجنون - فلا يصح نذرهم - كنذر السفيه -، وقيل يصح من الكافر.
وبالقربة: المعصية - كصوم أيام التشريق(2/409)
وصلاة لا سبب لها في وقت مكروه - فلا ينعقدان -.
وكالمعصية: المكروه - كالصلاة عند القبر.
والنذر لاحد أبويه أو أولاده فقط.
وكذا المباح: كلله علي أن آكل أو أنام.
وإن قصد تقوية على العبادة، أو النشاط لها - ولا(2/410)
كفارة في المباح، على الاصح.
وبلم تتعين: ما تعين عليه من فعل واجب عيني كمكتوبة وأداء ربع عشر مال تجارة وكترك محرم وإنما ينعقد النذر من المكلف (بلفظ منجز) بأن يلتزم قربة به من غير تعليق بشأ - وهذا نذر تبرر (كلله على كذا) من صلاة أو صوم أو نسك أو صدقة أو قراء أو اعتكاف (أو علي كذا) وإن لم يقل لله (أو نذرت كذا) وإن لم يذكر معها لله على المعتمد الذي صرح به البغوي وغيره من اضطراب
طويل (أو) بلفظ (معلق) ويسمى نذر مجازاة وهو أن يلتزم قربة في مقابلة ما يرغب في حصوله من حدوث(2/411)
نعمة أو اندفاع نقمة (كان شفاني الله أو سلمني الله فعلى كذا) أو ألزمت نفسي أو واجب على كذا وخرج بلفظ النية فلا يصح بمجرد النية كسائر العقود إلا باللفظ.
وقيل يصح بالنية وحدها، (فيلزم) عليه (ما التزمه حالا في منجز وعند وجود صفة في معلق).
وظاهر كلامهم أنه يلزمه الفور بأدائه عقب وجود المعلق عليه - خلافا لقضية كلام ابن عبد السلام - ولا يشترط قبول المنذور له في قسمي النذر ولا القبض، بل يشترط عدم رده.(2/412)
ويصح النذر بما في ذمة المدين - ولو مجهولا - فيبرأ حالا، وإن لم يقبل - خلافا للجلال البلقيني - ولو نذر لغير أحد أصليه أو فروعه من ورثته بماله قبل مرض موته بيوم ملكه كله من غير مشارك، لزوال ملكه عنه، ولا يجوز للاصل الرجوع فيه.
وينعقد معلقا في نحو: إذا مرضت فهو نذر قبل مرضي بيوم، وله التصرف قبل حصول المعلق عليه.(2/413)
ويلغو قوله: متى حصل لي الامر الفلاني أجئ لك بكذا - ما لم يقترن به لفظ التزام، أو نذر.
وأفتى جمع فيمن أراد أن يتبايعا فاتفقا على أن ينذر كل للآخر بمتاعه، ففعلا، صح، وإن زاد المبتدئ: إن نذرت لي بمتاعك.
وكثيرا ما يفعل ذلك فيما لا يصح بيعه ويصح نذره.
ويصح إبراء المنذور له الناذر - عما في ذمته.
قال القاضي: ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به - كخمس ما(2/414)
يخرج له مع معشر، وككل ولد، أو ثمرة يخرج من أمتي أو شجرتي هذه -.
وذكر أيضا أنه لا زكاة في الخمس المنذور.
وقال غيره: محله إن نذر قبل الاشتداد، ويصح النذر للجنين - كالوصية له، بل أولى، لا للميت - إلا لقبر الشيخ الفلاني، وأراد به قربة.
ثم: كإسراج ينتفع به، أو اطرد عرف - فيحمل النذر له على ذلك.
ويقع لبعض العوام: جعلت هذا للنبي (ص) فيصح - كما بحث - لانه اشتهر في عرفهم للنذر، ويصرف لمصالح الحجرة النبوية.
قال السبكي: والاقرب عندي في الكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة، أن من خرج من ماله عن شئ لها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها: صرف إليها واختصت به.
اه.
قال(2/415)
شيخنا: فإن لم يقتض العرف شيئا، فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف رأي ناظرها.
قال: وظاهر أن الحكم كذلك في النذر لمسجد غيرها.
انتهى.
وأفتى بعضهم في، إن قضى الله حاجتي فعلي للكعبة كذا، بأنه غيرها.
انتهى يتعين لمصالحها، ولا يصرف لفقراء الحرم - كما دل عليه كلام المهذب وصرح به جمع متأخرون.
ولو نذر شيئا للكعبة ونوى صرفه لقربة معينة - كالاسراج - تعين صرفه فيها، إن احتيج لذلك، وإلا بيع، وصرف لمصالحها - كما استظهره شيخنا -.
ولو نذر(2/416)
إسراج نحو شمع أو زيت بسمجد، صح - إن كان ثم من ينتفع به، ولو على ندور - وإلا فلا.
ولو نذر إهداء منقول إلى مكة، لزمه نقله، والتصدق بعينه على فقراء الحرم ما لم يعين قربة أخرى - كتطييب الكعبة - فيصرفه إليها.
وعلى الناذر مؤنة إيصال الهدي إلى الحرم - فإن كان معسرا، باع بعضه لنقل الباقي.
فإن(2/417)
تعسر نقله - كعقار، أو حجر رحى - باعه، ولو بغير إذن حاكم، ونقل ثمنه، وتصدق به على فقراء الحرم.
وهل له إمساكه بقيمته أو لا ؟ وجهان.
ولو نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة، أجزأ بعضها عن بعض - كالاعتكاف - ولا يجزئ ألف صلاة في غير مسجد المدينة عن صلاة نذرها فيه، كعكسه - كما لا يجزئ قراءة الاخلاص عن ثلث القرآن المنذور.
ومن نذر إتيان سائر المساجد وصلاة التطوع فيه، صلى حيث شاء، ولو في بيته.(2/418)
ولو نذر التصدق بدرهم لم يجزئ عنه جنس آخر.
ولو نذر التصدق بمال بعينه، زال عن ملكه.
فلو قال: علي أن أتصدق بعشرين دينارا وعينها على فلان، أو إن شفي مريضي فعلي ذلك: ملكها - وإن لم يقبضها ولا قبلها، بل وإن رد، فله التصرف فيها، وينعقد حول زكاتها من حين النذر.
وكذا إن لم يعينها ولم يردها المنذور له فتصير دينا له عليه ويثبت لها أحكام الديون من زكاة وغيرها.
ولو تلف المعين لم يضمنه، إلا أن قصر - على ما استظهره شيخنا -.
ولو نذر أن يعمر مسجدا معينا أو في موضع معين، لم يجز له أن يعمر غيره بدلا عنه، ولا(2/419)
في موضع آخر.
كما لو نذر التصدق بدرهم فضة لم يجز التصدق بدله بدينار لاختلاف الاغراض.
(تتمة) اختلف جمع من مشايخ شيوخنا في نذر مقترض مالا معينا لمقرضه ما دام دينه في ذمته فقال بعضهم لا يصح، لانه على هذا الوجه الخاص غير قربة، بل يتوصل به إلى ربا النسيئة.
وقال بعضهم يصح، لانه في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إن اتجر به، أو فيه اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في ذمته لاعسار أو(2/420)
إنفاق، ولانه يسن للمقترض أن يرد زيادة عما اقترضه فإذا التزمها بنذر انعقد، ولزمته، فهو حينئذ مكافأة إحسان، لا وصلة للربا، إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع، ومن ثم لو شرط عليه النذر في عقد القرض، كان ربا.
وقال شيخ مشايخنا العلامة المحقق الطنبداوي، فيما إذا نذر المديون للدائن منفعة الارض المرهونة مدة بقاء الدين في ذمته: والذي رأيته لمتأخري أصحابنا اليمنيين ما هو صريح في الصحة، وممن أفتى بذلك شيخ الاسلام محمد بن حسين القماط والعلامة الحسين بن عبد الرحمن الاهدل.
(والله أعلم).(2/421)
فتح المعين - المليباري الهندي ج 3
فتح المعين المليباري الهندي ج 3(3/)
فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد العزيز المليباري الفناني الجزء الثالث دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(3/3)
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر الطبعة الاولى 1418 ه / 1997 م حارة حربك - شارع عبدالنور - برقيا: فكسي - صحب 7061 / 11 تلفون: 838305 / 838202 / 838136 فاكس 009611837898 دولي: 009611860962(3/4)
بسم الله الرحمن الرحيم باب البيع هو لغة: مقابلة شئ بشئ.
وشرعا: مقابلة مال بمال.
على وجه مخصوص.(3/5)
والاصل فيه قبل الاجماع آيات - كقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * - وأخبار كخبر: سئل النبي (ص): أي الكسب أطيب ؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور أي لا غش فيه ولا خيانة.
(يصح) البيع (بإيجاب) من البائع - ولو هزلا - وهو ما دل على التمليك دلالة ظاهرة: (كبعتك) ذا بكذا، أو هو لك بكذا، (وملكتك)، أو وهبتك (ذا بكذا)، وكذا جعلته لك بكذا.
إن نوى به البيع.
(وقبول) من المشتري(3/6)
- ولو هزلا - وهو ما دل على التملك كذلك: (كاشتريت) هذا بكذا، (وقبلت)، أو رضيت، أو أخذت، أو تملكت (هذا بكذا).
وذلك لتتم الصيغة، الدال على اشتراطها قوله (ص): إنما البيع عن تراض، والرضا خفي، فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ، فلا ينعقد بالمعاطاة، لكن اختير الانعقاد بكل ما يتعارف البيع بها فيه: كالخبز، واللحم، دون نحو الدواب، والاراضي.
فعلى الاول: المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد، أي(3/7)
في أحكام الدنيا.
أما في الآخرة فلا مطالبة بها.
ويجري خلافها في سائر العقود.
وصورتها: أن يتفقا على ثمن ومثمن - وإن لم يوجد لفظ من واحد - ولو قال متوسط للبائع: بعت ؟ فقال: نعم، أو إي، وقال للمشتري، إشتريت ؟ فقال: نعم.
صح.
ويصح أيضا بنعم منهما، لجواب قول المشتري بعت، والبائع اشتريت.
ولو قرن بالايجاب أو القبول حرف استقبال - كأبيعك - لم يصح.
قال شيخنا: ويظهر أنه يغتفر من العامي - نحو فتح تاء المتكلم.(3/8)
وشرط صحة الايجاب والقبول كونهما (بلا فصل) بسكوت طويل يقع بينهما - بخلاف اليسير، (و) لا (تخلل لفظ) وإن قل - (أجنبي) عن العقد بأن لم يكن من مقتضاه ولا من مصالحه.
ويشترط أيضا أن يتوافقا معنى(3/9)
- لا لفظا - فلو قال بعتك بألف، فزاد أو نقص - أو بألف حالة فأجل، أو عكسه، أو مؤجلة بشهر، فزاد، لم يصح، للمخالفة.
(و) بلا (تعليق) - فلا يصح معه - كإن مات أبي فقد بعتك هذا، (و) لا (تأقيت) كبعتك هذا شهرا.
(وشرط في عاقد) - بائعا كان أن مشتريا - (تكليف) فلا يصح عقد صبي ومجنون، وكذا من مكره بغير حق(3/10)
- لعدم رضاه - (وإسلام لتملك) رقيق (مسلم) لا يعتق عليه وكذا يشترط أيضا: إسلام لتملك مرتد - على المعتمد -.
لكن الذي في الروضة وأصلها: صحة بيع المرتد للكافر.
(و) لتملك شئ من (مصحف) - يعني ما كتب فيه قرآن، ولو آية وإن أثبت لغير الدراسة، كما قاله شيخنا.
ويشترط أيضا عدم حرابة من يشتري آلة حرب،(3/11)
كسيف، ورمح، ونشاب، وترس، ودرع، وخيل، بخلاف غير آلة الحرب، ولو مما تتأتى منه، كالحديد، إذ لا يتعين جعله عدة حرب، ويصح بيعها للذمي، أي في دارنا، (و) شرط (في معقود) عليه، مثمنا كان أو ثمنا، (ملك له) أي للعاقد (عليه) فلا يصح بيع فضولي، ويصح بيع مال غيره ظاهرا، إن بان بعد البيع أنه له، كأن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا حينئذ لتبين أنه ملكه.
ولا أثر لظن خطأ بأن صحته، لان الاعتبار في العقود بما في نفس الامر، لا بما في ظن المكلف.(3/12)
(فائدة) لو أخذ من غيره بطريق جائز ما ظن حله، وهو حرام باطنا، فإن كان ظاهر المأخوذ منه الخير لم يطالب في الآخرة، وإلا طولب.
قاله البغوي.
ولو اشترى طعامه في الذمة وقضى من حرام، فإن أقبضه له البائع برضاه قبل توفية الثمن حل له أكله، أو بعدها مع علمه أنه حرام حل أيضا، وإلا حرم إلى أن يبرئه أو يوفيه من حل.
قاله شيخنا.
(وطهره) أو إمكان طهره بغسل، فلا يصح بيع نجس - كخمر وجلد ميتة، وإن أمكن طهرها بتخلل أو دباغ - ولا متنجس لا يمكن طهره، ولو دهنا تنجس، بل يصح هبته.
(ورؤيته) أي المعقود عليه إن كان معينا.(3/13)
فلا يصح بيع معين لم يره العاقدان أو أحدهما: كرهنه، وإجارته، للغرر المنهي عنه، وإن بالغ في وصفه.
وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد، وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه،(3/14)
كظاهر صبرة نحو بر، وأعلى المائع، ومثل أنموج متساوي الاجزاء كالحبوب أو لم يدل على باقيه بل كان صوانا للباقي لبقائه، كقشر رمان وبيض، وقشرة سفلى لنحو جوز، فيكفي رؤيته، لان صلاح باطنه في إبقائه، وإن لم يدل هو عليه، ولا يكفي رؤية القشرة العليا إذا انعقدت السفلى.
ويشترط أيضا قدرة تسليمه، فلا يصح بيع آبق،(3/15)
وضال، ومغصوب، لغير قادر على انتزاعه، وكذا سمك بركة شق تحصيله.
(مهمة) من تصرف في مال غير ببيع أو غيره ظانا تعديه فبان أن له عليه ولاية، كأن كان مال مورثه فبان موته، أو مال أجنبي فبان إذنه له، أو ظانا فقد شرط فبان مستوفيا للشروط، صح تصرفه، لان العبرة في العقود بما في نفس الامر، وفي العبادات بذلك، وبما في ظن المكلف.
ومن ثم لو توضأ ولم يظن أنه مطلق: بطل طهوره، وإن بان مطلقا، لان المدار فيها على ظن المكلف.
وشمل قولنا ببيع أو غيره: التزويج، والابراء، وغيرهما.
فلو أبرأ من حق ظانا أنه لا حق له فبان له حق،(3/16)
صح - على المعتمد - ولو تصرف في إنكاح، فإن كان مع الشك في ولاية نفسه فبان وليا لها حينئذ: صح - اعتبارا بما في نفس الامر.
(وشرط في بيع) ربوي، وهو محصور في شيئين: (مطعوم) كالبر، والشعير، والتمر، والزبيب، والملح، والارز، والذرة، والفول، (ونقد) أي ذهب وفضة، ولو غير مضروبين - كحلي، وتبر (بجنسه) كبر ببر، وذهب بذهب (حلول) للعوضين (وتقابض قبل تفرق).
ولو تقابضا البعض: صح فيه فقط، (ومماثلة) بين العوضين يقينا: بكيل في مكيل، ووزن في موزون، وذلك لقوله (ص): لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا(3/17)
البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقابضة.
قال الرافعي: ومن لازمه الحلول - أي غالبا - فيبطل بيع الربوي بجنسه جزافا، أو مع ظن مماثلة، وإن خرجتا سواء (و) شرط في بيع أحدهما (بغير جنسه) واتحدا في علة الربا - كبر بشعير، وذهب بفضة.
(حلول، وتقابض) قبل تفرق - لا مماثلة - فيبطل بيع(3/20)
الربوي بغير جنسه إن لم يقبضا في المجلس، بل يحرم البيع في الصورتين إن اختل شرط من الشروط.
واتفقوا على أنه من الكبائر، لورود اللعن لآكل الربا، وموكله، وكاتبه.
وعلم بما تقرر أنه لو بيع طعام بغيره كنقد، أو ثوب، أو غير طعام بطعام: لم يشترط شئ من الثلاثة.
(و) شرط (في بيع موصوف في ذمة) ويقال له السلم، مع الشروط المذكورة للبيع غير الرؤية.
(قبض(3/21)
رأس مال) معين، أو في الذمة، في مجلس خيار وهو (قبل تفرق) من مجلس العقد، ولو كان رأس المال منفعة.
وإنما يتصور تسليم المنفعة بتسليم العين، كدار وحيوان، ولمسلم إليه قبضه ورده لمسلم، ولو عن دينه.
(وكون مسلم فيه دينا) في الذمة: حالا كان أو مؤجلا، لانه الذي وضع له لفظ السلم - فأسلمت إليك ألفا في(3/22)
هذا العين، أو هذا في هذا: ليس سلما، لانتفاء الشرط، ولا بيعا، لاختلال لفظه - ولو قال إشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال بعتك.
كان بيعا، عند الشيخين، نظرا للفظ.
وقيل سلم - نظرا للمعنى - واختاره جمع محققون.
(و) كون المسلم فيه (مقدورا) على تسليمه (في محله) بكسر الحاء: أي وقت حلوله فلا يصح السلم في منقطع عند المحل: كالرطب في الشتاء، (و) كونه (معلوم قدر) بكيل في مكيل، أو وزن في موزون، أو ذرع في مذروع، أو عد في معدود.
وصح في نحو جوز ولوز، بوزن وموزون بكيل يعد فيه ضابطا،(3/23)
ومكيل بوزن، ولا يجوز فيه بيضة ونحوها، لانه يحتاج إلى ذكر جرمها مع وزنها، فيورث عزة الوجود.
ويشترط أيضا بيان محل تسليم للمسلم فيه إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم، أو لحمله إليه مؤنة.
ولو ظفر المسلم بالمسلم إليه بعد المحل في غير محل التسليم ولنقله إلى محل الظفر مؤنة، لم يلزمه أداء، ولا يطالبه بقيمته.(3/24)
ويصح السلم حالا ومؤجلا بأجل معلوم، لا مجهول ومطلقه حال، ومطلق المسلم فيه جيد.(3/25)
(وحرم ربا) مر بيانه قربيا، وهو أنواع: ربا فضل، بأن يزيد أحد العوضين، ومنه ربا القرض: بأن يشترط فيه ما فيه نفع للمقرض، وربا يد: بأن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض، وربا نساء: بأن يشترط أجل في أحد العوضين، وكلها مجمع عليها، ثم العوضان أن اتفقا جنسا: اشترط ثلاثة شروط، تقدمت، أو علة: وهي الطعم والنقدية، اشترط شرطان، تقدما.
قال شيخنا ابن زياد: لا يندفع إثم إعطاء الربا عند الاقتراض للضرورة، بحيث أنه إن لم يعط الربا لا يحصل له القرض.
إذ له طريق إلى إعطاء الزائد بطريق النذر أو
التمليك، لاسيما إذا قلنا النذر لا يحتاج إلى قبول لفظا على المعتمد.
وقال شيخنا: يندفع الاثم للضرورة.(3/26)
(فائدة): وطريق الخلاص من عقد الربا لمن يبيع ذهبا بذهب، أو فضة بفضة، أو برا ببر، أو أرزا بأرز متفاضلا، بأن يهب كل من البائعين حقه للآخر، أو يقرض كل صاحبه ثم يبرئه ويتخلص منه بالقرض في بيع الفضة بالذهب أو الارز بالبر بلا قبض قبل تفرق، (و) حرم (تفريق بين أمة) وإن رضيت، أو كانت كافرة، (وفرع(3/27)
لم يميز) ولو من زنا المملوكين لواحد (بنحو بيع) كهبة وقسمة وهدية لغير من يعتق عليه، لخبر: من فرق بين الوالدة وولدها: فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وبطل العقد (فيهما) أي الربا والتفريق بين الامة والولد، وألحق الغزالي في فتاويه وأقره غيره، التفريق بالسفر بالتفريق بنحو البيع وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها، وإن كانت حرة، بخلاف المطلقة والاب وإن علا، والجدة وإن علت ولو من الاب، كالام إذا عدمت.
أما بعد(3/28)
التمييز فلا يحرم، لاستغناء المميز عن الحضانة: كالتفريق بوصية وعتق ورهن ويجوز تفريق ولد البهيمة إن استغنى عن أمه بلبن أو غيره، لكن يكره في الرضيع: كتفريق الآدمي المميز قبل البلوغ عن الام، فإن لم يستغن عن اللبن، حرم وبطل، إلا إن كان لغرض الذبح، لكن بحث السبكي حرمة ذبح أمه مع بقائه.
(و) حرم أيضا: (بيع نحو عنب ممن) علم أو (ظن أنه يتخذه مسكرا) للشرب والامرد ممن عرف بالفجور به، والديك للمهارشة،(3/29)
والكبش، للمناطحة، والحرير لرجل يلبسه، وكذا بيع نحو المسك لكافر يشتري لتطييب الصنم، والحيوان لكافر علم أنه يأكله بلا ذبح، لان الاصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين عندنا، خلافا لابي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فلا يجوز الاعانة عليهما، ونحو ذلك من كل تصرف يفضي إلى معصية يقينا أو ظنا، ومع ذلك يصح البيع.
ويكره بيع ما ذكر ممن توهم منه ذلك، وبيع السلاح لنحو بغاة وقطاع طريق، ومعاملة من بيده(3/30)
حلال وحرام - وإن غلب الحرام الحلال.
نعم: إن علم تحريم ما عقد به: حرم، وبطل.
(و) حرم (احتكار
قوت) كتمر، وزبيب، وكل مجزئ في الفطرة - وهو إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء - لا الرخص - ليبيعه بأكثر عند اشتداد حاجة أهل محله أو غيرهم إليه، وإن لم يشتره بقصد ذلك.
لا ليمسكه لنفسه أو عياله أو ليبيعه بثمن مثله، ولا إمساك غلة أرضه، وألحق الغزالي بالقوت: كل ما يعين عليه، كاللحم، وصرح القاضي بالكراهة في الثوب.
(وسوم علي سوم) أي سوم غيره (بعد تقرر ثمن) بالتراضي به، وإن فحش نقص الثمن عن القيمة،(3/31)
للنهي عنه، وهو أن يزيد على آخر في ثمن ما يريد شراءه أو يخرج له أرخص منه، أو يرغب المالك في استرداده ليشتريه بأغلى، وتحريمه بعد البيع.
وقبل لزومه لبقاء الخيار أشد (ونجش) للنهي عنه، وللايذاء: وهو أن يزيد في الثمن، لا لرغبته، بل ليخدع غيره، وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه، ولو عند نقص القيمة على الاوجه.
ولا خيار للمشتري إن غبن فيه، وإن واطأ البائع الناجش لتفريط المشتري حيث لم يتأمل ويسأل، ومدح(3/32)
السلعة، ليرغب فيها بالكذب كالنجش، وشرط التحريم في الكل: علم النهي، حتى في النجش.
ويصح البيع مع التحريم في هذه المواضع.
فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب يثبت خيار مجلس في كل بيع حتى في الربوي، والسلم.
وكذا في هبة ذات ثواب على المعتمد.
وخرج بفئ: كل بيع غير البيع: كالابراء، والهبة بلا ثواب، وشركة وقراض، ورهن وحوالة، وكتابة، وإجارة، ولو في(3/33)
الذمة، أو مقدرة بمدة، فلا خيار في جميع ذلك، لانها لا تسمى بيعا.
(وسقط خيار من اختار لزومه) أي البيع من بائع ومشتر: كأن يقولا اخترنا لزومه، أو أجزناه، فيسقط خيارهما، أو من أحدهما: كأن يقول اخترت لزومه: فيسقط خياره، ويبقى خيار الآخر، ولو مشتريا (و) سقط خيار (كل) منهما (بفرقة بدن) منهما، أو من أحدهما، ولو ناسيا، أو جاهلا، عن مجلس العقد (عرفا) فما يعده الناس فرقة: يلزم به العقد، وما لا: فلا.
فإن كانا في(3/34)
دار صغيرة، فالفرقة بأن يخرج أحدهما منها، أو في كبيرة: فبأن ينتقل أحدهما إلى بيت من بيوتها، أو في
صحراء أو سوق: فبأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلا وإن سمع الخطاب فيبقى خيار المجلس ما لم يتفرقا، ولو طال مكثهما في محل، وإن بلغ سنين أو تماشيا منازل.
ولا يسقط بموت أحدهما: فينتقل الخيار للوارث المتأهل، (وحلف نافي فرقة أو فسخ قبلها) أي قبل الفرقة: بأن جاءآ معا وادعى أحدهما فرقة وأنكرها الآخر ليفسخ أو اتفقا عليها وادعى أحدهما فسخا قبلها وأنكر الآخر: فيصدق النافي، لموافقته للاصل.
(و) يجوز (لهما) أي للعاقدين (شرط خيار) لهما أو لاحدهما في كل بيع فيه خيار مجلس إلا فيما يعتق فيه المبيع، فلا(3/35)
يجوز شرطه لمشتر للمنافاة، وفي ربوي وسلم: فلا يجوز شرط فيهما لاحد، لاشتراطه القبض فيهما في المجلس (ثلاثة أيام فأقل)، بخلاف ما لو أطلق أو أكثر من ثلاثة أيام.
فإن زاد عليها: لم يصح العقد (من) حين (الشرط للخيار)، سواء أشرط في العقد أم في مجلسه والملك في المبيع مع توابعه في مدة الخيار لمن انفرد(3/36)
بخيار من بائع ومشتر، ثم إن كان لهما: فموقوف، فإن تم البيع: بان أنه لمشتر من حين العقد، وإلا فلبائع.
(ويحصل فسخ) للعقد في مدة الخيار (بنحو فسخت البيع) كاسترجعت المبيع.
(وإجازة) فيها بنحو: أجزت البيع، كأمضيته، والتصرف في مدة الخيار بوطئ، وإعتاق، وبيع، وإجارة، وتزويج، من بائع: فسخ، ومن مشتر: إجازة للشراء (و) يثبت (لمشتر جاهل) بما يأتي (خيار) في رد المبيع (ب) - ظهور (عيب قديم) منقص(3/37)
قيمة في المبيع، وكذا للبائع بظهور عيب قديم في الثمن.
وآثروا لاول: لان الغالب في الثمن الانضباط، فقيل: فيه ظهور العيب.
والقديم ما قارن العقد، أو حدث قبل القبض، وقد بقي إلى الفسخ، ولو حدث بعض القبض فلا خيار للمشتري، وهو (كاستحاضة)، ونكاح لامة، (وسرقة، وإباق، وزنا) من رقيق، أي بكل منها، وإن لم(3/38)
يتكرر وتاب، ذكرا كان أو أنثى (وبول بفراش) إن اعتاده وبلغ سبع سنين وبخر وصنان مستحكمين.
ومن عيوب الرقيق: كونه نماما، أو شتاما، أو كذابا، أو آكلا لطين، أو شاربا لنحو خمر، أو تاركا للصلاة، ما لم يتب عنها، أو أصم، أو أبله، أو مصطك الركبتين، أو رتقاء، أو حاملا في آدمية، لا بهيمة، أو لا تحيض من بلغت عشرين(3/39)
سنة، أو أحد ثدييها أكبر من الآخر، (وجماح) لحيوان، (وعض)، ورمح، وكون الدار منزل الجند.
أو كون الجن مسلطين على ساكنها بالرجم، أو القردة مثلا يرعون زرع الارض.
(و) يثبت بتغرير فعلي.
وهو حرام للتدليس والضرر (كتصرية) له: وهي أن يترك حلبه مدة قبل بيعه ليوهم المشتري كثرة اللبن وتجعيد شعر الجارية، (لا) خيار (بغبن فاحش: كظن) مشتر نحو (زجاجة: جوهرة) لتقصيره بعمله بقضية وهمه، من غير(3/40)
بحث.
(والخيار) بالعيب، ولو بتصرية (فوري) فيبطل بالتأخير بلا عذر، ويعتبر الفور عادة، فلا يضر صلاة وأكل دخل وقتهما، وقضاء حاجة ولا سلامة على البائع، بخلاف محادثته، ولو عليه ليلا: فله التأخير حتى يصبح،(3/41)
ويعذر في تأخيره بجهله جواز الرد بالعيب، إن قرب عهده بالاسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء، وبجهل فوريته إن خفي عليه، ثم إن كان البائع في البلد: رده المشتري بنفسه، أو وكليه على البائع أو وكيله، ولو كان البائع غائبا عن البلد، ولا وكيل له بها: رفع الامر إلى الحاكم وجوبا، ولا يوءخر لحضوره.
فإذا عجز عن الانهاء، لنحو مرض، أشهد على الفسخ، فإن عجز عن الاشهاد: لم يلزمه تلفظ، وعلى المشتري ترك استعمال، فلو(3/42)
استخدم رقيقا، ولو بقوله اسقني، أو ناولني الثوب، أو أغلق الباب، فلا رد قهرا، وإن يفعل الرقيق ما أمر به، فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب: لم يضر.
(فرع) لو باع حيوانا أو غيره بشرط براءته من العيوب في المبيع أو أن لا يرد بها: صح العقد، وبرئ من عيب باطن بالحيوان موجود حال العقد لم يعلمه البائع، لا عن عيب باطن في غير الحيوان، ولا ظاهر فيه.
ولو(3/43)
اختلفا في قدم العيب، واحتمل صدق كل: صدق البائع بيمينه في دعواه حدوثه، لان الاصل: لزوم العقد.
وقيل لان الاصل عدم العيب في يده.
ولو حدث عيب لا يعرف القديم بدونه ككسر بيض، وجوز، وتقوير بطيخ مدود، رد ولا أرش عليه للحادث، ويتبع في الرد بالعيب: الزيادة المتصلة، كالسمن، وتعلم الصنعة، ولو(3/44)
بأجرة، وحمل قارن بيعا، لا المنفصلة: كالولد، والثمر، وكذا الحمل الحادث في ملك المشتري، فلا تتبع في الرد، بل هي للمشتري.
صل في حكم المبيع قبل القبض (المبيع قبل قبضه من ضمان بائع) بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع، وثبوت الخيار بتعيبه أو(3/45)
تعييب بائع، أو أجنبي، وبإتلاف أجنبي.
فلو تلف بآفة، أو أتلفه البائع: انفسخ البيع (وإتلاف مشتر قبض) وإن جهل أنه للبيع (ويبطل تصرف) ولو مع بائع (بنحو بيع) كهبة، وصدقة، وإجارة ورهن، وإقراض: (فيما لم يقبض، لا بنحو إعتاق) وتزويج، ووقف: لتشوف الشارع إلى العتق، ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاق الآبق، ويكون به المشتري قابضا ولا يكون قابضا بالتزويج (وقبض غير منقول) من أرض ودار وشجر (بتخلية لمشتر) بأن يمكنه منه البائع مع تسليمه المفتاح وإفراغه من أمتعة غير المشتري (و) قبض (منقول) من(3/46)
سفينة أو حيوان (بنقله) من محله إلى محل آخر مع تفريغ السفينة، ويحصل القبض أيضا بوضع البائع للمنقول بين يدي المشتري بحيث لو مد إليه يده لناله.
وإن قال: لا أريده وشرط في غائب عن محل العقد، مع إذن البائع في القبض، مضى زمن يمكن فيه المضي إليه عادة.
ويجوز لمشتر استقلال بقبض للمبيع إن كان الثمن(3/47)
مؤجلا، أو سلم الحال.
(وجاز استبدال) في غير ربوي بيع بمثله من جنسه (عن ثمن) نقد أو غيره: لخبر ابن عمر رضي الله عنه: كنت أبيع الابل بالدنانير، وآخذ مكانها الدارهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ مكانها الدنانير، فأتيت رسول الله (ص)، فسألته عن ذلك، فقال: لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ (و) عن (دين)(3/48)
قرض، وأجرة، وصداق، لا عن مسلم فيه، لعدم استقراره.
ولو استبدل موافقا في علة الربا، كدرهم عن دينار، اشترط قبض البدل في المجلس، حذرا من الربا، لا إن استبدل ما لا يوافقه في العلة، كطعام عن درهم
، ولا يبدل نوع أسلم فيه، أو مبيع في الذمة عقد بغير لفظ السلم بنوع آخر، ولو من جنسه: كحنظة سمراء عن بيضاء، لان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل قبضه، فمع كونه في الذمة.
أولى.
نعم، يجوز إبداله بنوعه الاجود، وكذا الاردأ بالتراضي.(3/49)
فصل في بيع الاصول والثمار (يدخل في بيع أرض) وهبتها ووقفها، والوصية بها مطلقا، لا في رهنها والاقرار بها (ما فيها) من بناء وشجر رطب وثمره الذي لم يظهر عند البيع، وأصول بقل تجز مرة بعد أخرى، كقثاء، وبطيخ، لا ما يوءخذ دفعة، كبر وفجل لانه ليس للدوام والثبات، فهو كالمنقولات في الدار.
(و) يدخل (في) بيع (بستان)، وقرية(3/50)
(أرض، وشجر، وبناء) فيهما، لا مزارع حولهما، لانها ليست منهما.
(و) في بيع (دار هذه الثلاثة) أي الارض المملوكة للبائع بحملتها، حتى تخومها إلى الارض السابعة، والشجر المغروس فيها، وإن كثر، والبناء فيها بأنواعه، (وأبواب منصوبة) وأغلاقها المثبتة، لا الابواب المقلوعة، والسرر والحجارة المدفونة بلا بناء، (لا في)(3/51)
بيع (قن) ذكر أو غيره (حلقة) بأذنه، أو خاتم، أو نعل، (و) كذا (ثوب) عليه خلافا للحاوي، كالمحرر، وإن كان ساتر عورته.
(وفي) بيع (شجر) رطب بلا أرض عند الاطلاق (عرق) ولو يابسا إن لم يشرط قطع الشجر، بأن شرط إبقاوه أو أطلق، لوجوب بقاء الشجر الرطب.
ويلزم المشتري قلع اليابس عند الاطلاق، للعادة، فإن شرط قطعه أو قلعه: عمل به، أو إبقاؤه: بطل البيع ولا ينتفع المشتري بمغرسها (وغصن رطب)، لا يابس، والشجر رطب، لان العادة قطعه، وكذا ورق رطب، لا ورق حناء على الاوجه، (لا) يدخل في بيع الشجر(3/52)
(مغرسه)، فلا يتبعه في بيعه، لان اسم الشجر لا يتناوله (و) لا ثمر (ظهر): كطلع نخل بتشقق، وثمر نحو عنب: ببروز، وجوز: بانعقاد، فما ظهر منه: للبائع، وما لم يظهر: للمشتري.
ولو شرط الثمر لاحدهما: فهو له، عملا بالشرط: سواء أظهر الثمر أم لا، (ويبقيان) أي الثمر الظاهر والشجر عند الاطلاق، فيستحق البائع تبقية الثمر
إلى أوان الجداد، فيأخذه دفعة، لا تدريجا، وللمشتري تبقية الشجر ما دام حيا، فإن انقلع، فله غرسه إن نفع لا بد له (و) يدخل (في) بيع (دابة حملها) المملوك لمالكها، فإن لم يكن مملوكا لمالكها، لم يصح البيع، كبيعها دون حملها، وكذا عكسه.(3/53)
فصل في اختلاف المتعاقدين (ولو اختلف متعاقدان) - ولو وكيلين، أو وارثين - (في صفة عقد) معاوضة كبيع، وسلم، وقراض، وإجارة، وصداق، (و) الحال أنه قد (صح) العقد باتفاقهما، أو يمين البائع: (كقدر عوض) من نحو مبيع، أو ثمن، أو جنسه، أو صفته، أو أجل، أو قدره، (ولا بينة لاحدهما) بما ادعاه، أو كان لكل منهما بينة، ولكن قد(3/54)
تعارضتا بأن أطلقتا، أو أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى، أو أرختا بتاريخ واحد، وإلا حكم بمقدمة التاريخ.
(حلف كل) منهما يمينا واحدة، تجمع نفيا لقول صاحبه، وإثباتا لقوله، فيقول البائع مثلا: ما بعت بكذا، ولقد بعت بكذا.
ويقول المشتري: ما اشتريت بكذا، ولقد اشتريت بكذا، لان كلا: من المدعي والمدعى عليه.
والاوجه: عدم الاكتفاء بما بعت إلا بكذا، لان النفي فيه: صريح والاثبات: مفهوم، (فإن) رضي أحدهما بدون ما ادعاه، أو سمح للآخر بما ادعاه، لزم العقد، ولا رجوع، فإن (أصرا) على الاختلاف: (فلكل) منهما (أو) للحاكم (فسخه) أي العقد، وإن لم يسألاه، قطعا، للنزاع.
ولا تجب الفورية هنا.
ثم بعد الفسخ: يرد المبيع(3/55)
بزيادته المتصلة، فإن تلف حسا أو شرعا، كأن وقفه أو باعه، رد مثله إن كان مثليا، أو قيمته إن كان متقوما.
ويرد على البائع قيمة آبق فسخ العقد، وهو آبق من عند المشتري، والظاهر اعتبارها بيوم الهرب.
(ولو ادعى) أحدهما (بيعا، والآخر رهنا، أو هبة): كأن قال أحدهما بعتكه بألف، فقال الآخر: بل رهنتنيه، أو وهبتنيه، فلا تخالف إذا لم يتفقا على عقد واحد، بل (حلف كل) منهما للآخر (نفيا)، أي يمينا نافية لدعوى الآخر لان الاصل: عدمه، ثم يرد مدعى البيع الالف، لانه مقر بها، ويسترد العين بزوائدها المتصلة والمنفصلة.
(و) إذا(3/56)
اختلف العاقدان: فادعى أحدهما اشتمال العقد على مفسد من إخلال ركن أو شرط، كأن ادعى أحدهما رؤيته، وأنكرها الآخر: (حلف مدعي صحة) العقد غالبا، تقديما للظاهر من حال المكلف، وهو اجتنابه للفاسد، على أصل عدمها لتشوف الشارع إلى إمضاء العقود، وقد يصدق مدعي الفساد، كأن قال البائع: لم أكن بالغا حين البيع، وأنكر المشتري، واحتمل ما قاله البائع: صدق بيمينه، لان الاصل: عدم البلوغ.
وإن اختلفا: هل وقع الصلح على الانكار أو الاعتراف ؟ فيصدق مدعي الانكار: لانه الغالب.
ومن وهب في مرضه شيئا، فادعت ورثته غيبة عقله حال الهبة: لم يقبلوا، إلا إن علم له غيبة قبل الهبة، وادعوا استمرارها إليها.
ويصدق منكر أصل نحو البيع.(3/57)
(فروع) لورد المشتري مبيعا معينا معيبا.
فأنكر البائع أنه المبيع.
فيصدق بيمينه، لان الاصل مضي العقد على السلامة.
ولو أتى المشتري بما فيه فأرة، وقال قبضته كذلك، فأنكر المقبض صدق بيمينه.
ولو أفرغه في ظرف المشتري، فظهرت فيه فأرة، فادعى كل أنها من عند الآخر: صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه، لانه مدع للصحة، ولان الاصل في كل حادث: تقديره بأقرب زمن.
والاصل براءة البائع.
وإن دفع لدائنه دينه فرده بعيب، فقال الدافع ليس هو الذي دفعته: صدق الدائن - لان الاصل: بقاء الذمة.
ويصدق غاصب رد عينا، وقال هي المغصوبة، وكذا وديع.
فصل في القرض والرهن (الاقراض) وهو تمليك شئ على أن يرد مثله (سنة)، لان فيه إعانة على كشف كربة، فهو من السنن(3/58)
الاكيدة، للاحاديث الشهيرة كخبر مسلم من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
والله في عون العبد، ما دام العبد في عون أخيه وصح خبر من أقرض الله مرتين: كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به والصدقة أفضل منه، خلافا لبعضهم.
ومحل ندبه: إن لم يكن المقترض مضطرا، وإلا وجب.
ويحرم الاقتراض على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال، وعند الحلول في(3/59)
المؤجل، كالاقراض عند العلم، أو الظن من آخذه أنه ينفقه في معصية.
ويحصل (بإيجاب: كأقرضتك) هذا، أو ملكتكه على أن ترد مثله، أو خذه ورد بدله، أو إصرفه في حوائجك ورد بدله، فإن حذف ورد بدله: فكناية.
وخذه فقط: لغو، إلا إن سبقه أقرضني هذا، فيكون قرضا، أو أعطني، فيكون هبة.
ولو اقتصر على ملكتكه، ولم ينو البدل: فهبة، وإلا فكناية.
ولو اختلفا في نية البدل: صدق الدافع، لانه أعرف بقصده.
أو في ذكر البدل: صدق الآخذ في عدم الذكر، لانه الاصل.
والصيغة ظاهرة فيما ادعاه.
ولو قال لمضطر أطعمتك بعوض،(3/60)
فأنكر، صدق المطعم، حملا للناس على هذه المكرمة ولو قال وهبتك بعوض، فقال مجانا: صدق المتهب.
ولو قال اشتر لي بدرهمك خبز، فاشتري له: كان الدرهم قرضا، لا هبة، على المعتمد، (وقبول) متصل به: كأقرضته، وقبلت قرضه.
نعم: القرض الحكمي - كالانفاق على اللقيط المحتاج، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، لا يفتقر إلى إيجاب وقبول.
ومنه أمر غيره بإعطاء ماله غرض فيه: كإعطاء شاعر، أو ظالم، أو إطعام فقير، أو فداء أسير - وعمر داري.
وقال جمع: لا يشترط في القرض: الايجاب والقبول واختاره الاذرعي.
وقال قياس جواز المعاطاة في البيع: جوازها هنا، وإنما يجوز القرض من أهل تبرع: فيما يسلم فيه من حيوان وغيره(3/61)
ولو نقدا مغشوشا.
نعم.
يجوز قرض الخبز، والعجين، والخمير الحامض، لا الروبة، على الاوجه، وهي خميرة لبن حامض، تلقى على اللبن ليروب، لاختلاف حموضتها المقصودة.
ولو قال أقرضني عشرة، فقال خذها من فلان، فإن كانت له تحت يده: جاز، وإلا فهو وكيل في قبضها، فلا بد من تجديد قرضها.
ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة.
نعم: يجوز للقاضي إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة، لكثرة أشغاله:(3/62)
إن كان المقترض أمينا موسرا، (وملك مقترض بقبض) بإذن مقرض، وإن لم يتصرف فيه، كالموهوب.
قال شيخنا: والاوجه في النقوط المعتاد في الافراح أنه هبة، لا قرض، وإن اعتيد رد مثله.
ولو أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت: لا يرجع به، على الاوجه، (و) جاز (لمقرض استرداد) حيث بقي ذلك المقترض، وإن(3/63)
زال عن ملكه ثم عاد على الاوجه، بخلاف ما لو تعلق به حق لازم، كرهن، وكتابة، فلا يرجع فيه حينئذ.
نعم: لو آجره رجع فيه، ويجب على المقترض رد المثل في المثلى، وهو النقد والحبوب، ولو نقدا أبطله السلطان، لانه أقرب إلى حقه، ورد المثل صورة في المتقوم، وهو الحيوان، والثياب والجواهر، ولا يجب قبول الردئ عن الجيد، ولا قبول المثل في غير محل الاقراض إن كان له غرض صحيح، كأن كان لنقله مؤنة، ولم يتحملها المقترض، أو كان الموضع مخوفا.
ولا يلزم المقترض الدفع في غير محل الاقراض إلا إذا لم يكن لحملة مؤنة، أو له مؤنة وتحملها المقرض، لكن له مطالبة في غير محل الاقراض بقيمة بمحل الاقراض وقت المطالبة فيما لنقله مؤنة ولم يتحلمها المقرض لجوزا الاعتياض عنه.
(و) جاز لمقرض (نفع) يصل له من مقترض، كرد الزائد(3/64)
قدرا أو صفة، والاجود في الردئ (بلا شرط) في العقد، بل يسن ذلك لمقترض، لقوله (ص): إن خياركم: أحسنكم قضاء ولا يكره للمقرض أخذه، كقبول هديته، ولو في الربوي.
والاوجه أن المقرض يملك الزائد من غير لفظ، لانه وقع تبعا، وأيضا فهو يشبه الهدية، وأن المقترض إذا دفع أكثر مما عليه، وادعى أنه إنما دفع ذلك ظنا أنه الذي عليه: حلف، ورجع فيه.
وأما القرض بشرط جر نفع لمقرض ففاسد، لخبر كل قرض جر منفعة، فهو ربا وجبر ضعفه: مجئ معناه عن جمع من الصحابة.
ومنه القرض لمن يستأجر ملكه، أي مثلا بأكثر من قيمته لاجل القرض.
إن وقع ذلك شرطا، إذ هو حينئذ حرام إجماعا، وإلا كره عندنا، وحرام عند كثير من(3/65)
العلماء، قاله السبكي، ويجوز الاقراض بشرط الرهن أو الكفيل.
ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن، فأقرضه المائة - أو بعضها - كان ضامنا، على الاوجه، للحاجة: كألق متاعك في البحر وعلي ضمانهم وقال البغوي: لو ادعى المالك القرض، والآخذ الوديعة: صدق الآخذ لان الاصل: عدم الضمان، خلافا للانوار.
(ويصح رهن) وهو جعل عين يجوز بيعها وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه، فلا يصح رهن وقف(3/66)
وأم ولد (بإيجاب وقبول) كرهنت، وأرتهنت ويشترط ما مر في البيع، من اتصال اللفظين، وتوافقهما معنى، ويأتي هنا خلاف المعاطاة (من أهل تبرع)، فلا يرهن ولي - أبا كان، أو جدا، أو وصيا، أو حاكما - مال صبي
ومجنون، كما لا يرتهن لهما - إلا لضرورة، أو غطبة ظاهرة، فيجوز له الرهن والارتهان - كأن يرهن على ما(3/67)
يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من الغلة أو حلول الدين، وكأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه، للزوم الارتهان حينئذ (ولو) كان العين المرهونة جزءا مشاعا، أو (عارية)، وإن لم يصرح بلفظها، كأن قال له مالكها: ارهنها بدينك لحصول التوثق بها.
ويصح إعارة النقد لذلك، على الاوجه، وإن(3/68)
منعنا إعارته لغير ذلك، فيصح رهن معار بإذن مالك بشرط معرفته المرتهن، وجنس الدين وقدره.
نعم، في الجواهر لو قال له ارهن عبدي بما شئت: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته.
ولو عين قدرا فرهن بدونه: جاز، ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن العارية، فلو تلف في يد الراهن، ضمن لانه مستعير الآن، اتفاقا، أو في يد المرتهن: فلا ضمان عليهما، إذ المرتهن أمين، ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن.
نعم: إن رهن فاسدا: ضمن بالتسليم، على ما قاله غير واحد، ويباع المعار بمراجعة مالكه عند حلول الدين، ثم يرجع المالك على الراهن(3/69)
بثمنه الذي بيع به (لا) يصح (بشرط ما يضر) الراهن، أو المرتهن: (كأن لا يباع) أي المرهون، عند المحل، أي وقت حلول الدين، أو إلا بأكثر من ثمن المثل، (وكشرط منفعته) أي المرهون (لمرتهن) كأن يشرطا أن الزوائد الحادثة - كثمر الشجر - (مرهونة) فيبطل الرهن في الصور الثلاث، (ولا يلزم) الرهن كالهبة (إلا بقبض)(3/70)
بما مر في قبض المبيع (بإذن) من راهن يصح تبرعه، ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك كالهبة، والرهن لآخر، ولا بوطئ، وتزويج، وموت عاقد، وهرب مرهون.
(واليد) في المرهون (لمرتهن) بعد لزوم الرهن غالبا (وهي) على الرهن (أمانة) أي يد أمانة، ولو بعد البراءة من الدين، فلا يضمنه المرتهن إلا(3/71)
بالتعدي: كأن امتنع من الرد بعد سقوط الدين (وصدق) أي المرتهن (كالمستأجر في) دعوى (تلف) بيمينه (لا في رد) لانهما قبضا لغرض أنفسهما، فكانا كالمستعير، بخلاف الوديع، والوكيل، ولا يسقط بتلفه شئ من
الدين.
ولو غفل عن نحو كتاب، فأكلته الارضة، أو جعله في محل هو مظنتها، ضمنه لتفريطه.
(قاعدة) وحكم فساد العقود إذا صدر من رشيد، حكم صحيحها في الضمان وعدمه، لان صحيح العقد(3/72)
إذا اقتضى الضمان بعد القبض - كالبيع والقرض - ففاسده أولى، أو عدمه - كالمرهون، والمستأجر والموهوب، ففاسده كذلك.
(فرع) لو رهن شيئا وجعله مبيعا من المرتهن بعد شهر، أو عارية له بعده، بأن شرطا في عقد الرهن ثم قبضه المرتهن: لم يضمنه قبل مضي الشهر، وإن علم فساده - على المعتمد - وضمنه بعده لانه يصير بيعا، أو(3/73)
عارية فاسدين لتعليقهما بانقضاء الشهر.
فإن قال رهنتك، فإن لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك: فسد البيع، لا الرهن، على الاوجه، لانه لم يشترط فيه شيئا.
(وله) أي للمرتهن (طلب بيعه) أي المرهون، أو طلب قضاء دينه إن لم يبع.
ولا يلزم الراهن البيع بخصوصه، بل إنما يطلب المرتهن أحد الامرين (إن حل دين)، وإنما يبيع الراهن بإذن المرتهن عند الحاجة، لان له فيه حقا ويقدم المرتهن بثمنه على سائر الغرماء.
فإن أبى المرتهن الاذن.
قال له الحاكم ائذن في بيعه، أو أبرئه من الدين.
(ويجبر راهن) أي يجبره الحاكم على أحد الامرين إذا امتنع بالحبس، وغيره، (فإن أصر) على الامتناع، أو كان غائبا وليس له ما يوفى منه غير الرهن.
(باعه) عليه(3/74)
(قاض) بعد ثبوت الدين، وملك الراهن والرهن، وكونه بمحل ولايته وقضى الدين من ثمنه، دفعا لضرر المرتهن، ويجوز للمرتهن بيعه في دين حال بإذن الراهن وحضرته، بخلافه في غيبته.
نعم، إن قدر له الثمن: صح مطلقا، لانتفاء التهمة ولو شرطا أن يبيعه ثالث عند المحل: جاز بيعه بثمن مثل حال: ولا يشترط مراجعة الراهن في البيع، لان الاصل بقاء إذنه، بل المرتهن، لانه قد يمهل، أو يبرئ (وعلى مالكه) من راهن، أو معير له: (مؤنة) للمرهون - كنفقة رقيق، وكسوته، وعلف دابة، وأجرة رد آبق، ومكان حفظ، وإعادة ما يهدم(3/75)
إجماعا، خلافا لما شذ به الحسن.
فإن غاب أو أعسر.
راجع المرتهن الحاكم، وله الانفاق بإذنه ليكون رهنا
بالنفقة أيضا.
فإن تعذر استئذانه، وأشهد بالانفاق ليرجع، رجع، وإلا فلا، (وليس له) أي للمالك بعد لزوم الرهن: بيع، ووقف، و (رهن لآخر)، لئلا يزاحم المرتهن (ووطئ) للمرهونة بلا إذنه، وإن لم تحبل، حسما للباب، بخلاف سائر التمتعات، فتحل، إن أمن الوطئ، (وتزويج) الامة مرهونة، لنقصه القيمة، (لا) إن كان التزويج (منه): أي المرتهن، أو بإذنه، فلا يمتنع على الراهن، وكذا لا تجوز الاجارة لغير المرتهن بلا إذن إن(3/76)
جاوزت مدتها المحل.
ويجوز له الانتفاع بالركوب والسكنى، لا بالبناء والغرس.
نعم، لو كان الدين مؤجلا، وقال: أنا أقلع عند الاجل، فله ذلك.
وأما وطئ المرتهن الجارية المرهونة، ولو بإذن المالك، فزنا، حيث علم التحريم، فعليه الحد، ويلزمه المهر، ما لم تطاوعه، عالمة بالتحريم، وما نسب إلى عطاء، من تجويزه الوطئ بإذن المالك، ضعيف جدا، بل قيل إنه مكذوب عليه.
(وسئل) القاضي الطيب الناشري عن الحكم فيما اعتاده النساء من ارتهان الحلى مع الاذن في لبسها.
(فأجاب) لا ضمان على المرتهنة مع اللبس، لان ذلك في حكم إجارة فاسدة معللا ذلك: بأن المقرضة،(3/77)
لا تقرض مالها إلا لاجل الارتهان واللبس، فجعل ذلك عوضا فاسدا في مقابلة اللبس.
(ولو اختلفا) أي الراهن، والمرتهن (في أصل رهن)، كأن قال رهنتني كذا، فأنكر الآخر، (أو) في (قدره): أي المرهون كرهنتني الارض مع شجرها، فقال: بل وحدها، أو قدر المرهون به: كبألفين، فقال بل بألف: (صدق راهن) بيمينه.
وإن كان المرهون بيد المرتهن لان الاصل عدم ما يدعيه المرتهن.
ولو ادعى مرتهن هو بيده أنه قبضه بالاذن، وأنكره الراهن، وقال بل غصبته، أو أعرتكه، أو آجرتكه: صدق في جحده بيمينه.
(فرع) من عليه ألفان بأحدهما رهن أو كفيل، فأدي ألفا وقال أديته عن ألف الرهن: صدق بيمينه، لان المؤدي أعرف بقصده وكيفيته.
ومن ثم لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه وقع عنه، وإن ظنه الدائن هدية،(3/78)
كذا قالوه، ثم إن لم ينو الدافع، شيئا حالة الدفع: جعله عما شاء منهما، لان التعيين إليه.
(تتمة) المفلس من عليه دين لآدامي حال زائد على ماله: يحجر عليه، بطلبه الحجر على نفسه، أو طلب غرمائه وبالحجر: يتعلق حق الغرماء بماله، فلا يصح تصرفه فيه بما يضرهم.
كوقف، وهبة، ولا بيعه، ولو(3/79)
لغرمائه بدينهم، بغير إذن القاضي.
ويصح إقراره بعين أو دين أسند وجوبه لما قبل الحجر.
ويبادر قاض يبيع ماله، ولو مسكنه، وخادمه، بحضرته مع غرمائه، وقسم ثمنه بين غرمائه كبيع مال ممتنع عن أداء حق وجب عليه أداوه.
ولقاض إكراه ممتنع من الاداء بالحبس وغيره من أنواع التعزير.
ويحبس مدين مكلف عهد له المال(3/80)
لا أصل وإن علا من جهة أب أو أم بدين فرعه، خلافا للحاوي، كالغزالي، وإذا ثبت إعسار مدين: لم يجز حبسه، ولا ملازمته - بل يمهل حتى يوسر.
وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره، ما لم يختر المدين الحبس، فيجاب إليه، وأجرة الحبس، وكذا الملازم على المدين.
وللحاكم منع المحبوس: الاستئناس بالمحادثة، وحضور الجمعة، وعمل الصنعة - إن رأى المصلحة فيه - ولا يجوز للدائن تجويع المدين بمنع الطعام - كما أفتى به شيخنا الزمزمي، رحمه الله تعالى - ويجوز لغريم المفلس المحجور عليه أو الميت: الرجوع فورا إلى(3/81)
متاعه، إن وجد في ملكه ولم يتعلق به حق لازم، والعوض حال، وإن تفرخ البيض المبيع، ونبث البذر واشتد حب الزرع، لانها حدثت من عين ماله.
ويحصل الرجوع من البائع، ولو بلا قاض، بنحو فسخت، ورجعت في المبيع - لا بنحو بيع وعتق فيه.
فصل(3/82)
(يحجز بجنون إلى إفاقة وصبا إلى بلوغ) بكمال خمس عشرة سنة قمرية، تحديدا، بشهادة عدلين خبيرين، أو خروج مني، أو حيض، وإمكانهما(3/83)
كمال تسع سنين.
ويصدق مدعي بلوغ: بإمناء، أو حيض، ولو في خصومة، بلا يمين.
إذ لا يعرف إلا منه.
ونبت العانة الخشنة، بحيث تحتاج إلى الحلق في حق كافر: ذكر أو أنثى، أمارة على بلوغه بالسن أو الاحتلام.
ومثله: ولد من جهل إسلامه، لا من عدم من يعرف سنه: على الاوجه، وقيل يكون علامة في حق المسلم أيضا.
وألحقوا، بالعانة: الشعر الخشن في الابط، وإذا بلغ الصبي رشيدا: أعطى ماله والرشد: صلاح الدين،
والمال، بأن لا يفعل محرما يبطل عدالة: من ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة مع عدم غلبة طاعاته معاصيه،(3/84)
وبأن لا يبذر بتضييع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة، وإنفاقه، ولو فلسا في محرم.
وأما صرفه في الصدقة، ووجوه الخير، والمطاعم، والملابس، والهدايا التي لا تليق به، فليس بتبذير.
وبعد إفاقة المجنون وبلوغ الصبي - ولو بلا رشد - يصح الاسلام، والطلاق، والخلع، وكذا التصرف المالي بعد الرشد.
وولي(3/85)
الصبي: أب عدل، فأبوه وإن علا، فوصي فقاضي بلد المولى، إن كان عدلا أمينا، فإن كان ماله ببلد آخر: فولي ماله قاضي بلد المال - في حفظه، وبيعه، وإجارته عند خوف هلاكه - فصلحاء بلده ويتصرف الولي بالمصلحة ويلزمه حفظ ماله، واستنماؤه قدر النفقة، والزكاة، والمؤن، إن أمكنه، وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برا، لا بحرا، وشراء عقار يكفيه غلته أولى من التجارة، ولا يبيع عقاره إلا لحاجة أو غبطة ظاهرة وأفتى بعضهم(3/86)
بأن للولي الصلح على بعض دين المولي إذا تعين ذلك طريقا لتخليص ذلك البعض، كما أن له، بل يلزمه، دفع بعض ماله لسلامة باقية.
انتهى.
وله بيع ماله نسيئة لمصلحة، وعليه أن يرتهن بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا.
ولولي إقراض مال محجور لضرورة.
ولقاض ذلك مطلقا، بشرط كون المقترض مليئا أمينا،(3/87)
ولا ولاية لام على الاصح، ومن أدلى بها، ولا لعصبة.
نعم، لهم الانفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه، لانه قليل، فسومح به عند فقد الولي الخاص.
ويصدق أب أو جد في أنه تصرف لمصلحة بيمينه، وقاض بلا يمين، إن كان ثقة عدلا، مشهور العفة، وحسن السيرة، لا وصي، وقيم، وحاكم، وفاسق، بل المصدق بيمينه هو المحجور، حيث لا بينة، لانهم قد يتهمون.
ومن ثم: لو كانت الام وصية كانت كالاولين، وكذا آباؤها.
(فرع) ليس لولي أخذ شئ من مال موليه إن كان غنيا مطلقا، فإن كان فقيرا وانقطع بسببه عن كسبه: أخذ قدر نفقته، وإذا أيسر: لم يلزمه بدل ما أخذه.
قال الاسنوي: هذا في وصي وأمين، أما أب أو جد، فيأخذ قدر كفايته - اتفاقا - سواء الصحيح وغيره.
وقيس بولي اليتيم فيما ذكر: من جمع مالا لفك أسير، أي مثلا، فله
إن كان فقيرا الاكل منه.
وللاب والجد: استخدام محجوره فيما لا يقابل بأجرة ولا يضربه على ذلك، خلافا لمن(3/88)
جزم بأن له ضربه عليه، وأفتى النووي بأنه لو استخدم ابن ابنته: لزمه أجرته إلى بلوغه ورشد، وإن لم يكرهه.
ولا يجب أجرة الرشيد إلا إن أكره.
ويجري هذا في غير الجد للام، وقال الجلال البلقيني: لو كان للصبي مال غائب فأنفق وليه عليه من مال نفسه بنية الرجوع، إذا حضر ماله رجع، إن كان أبا أو جدا، لانه يتولى الطرفين، بخلاف غيرهما: أي حتى الحاكم، بل يأذن لمن ينفق، ثم يوفيه وأفتى جمع فيمن ثبت له على أبيه دين فادعى إنفاقه عليه: بأنه يصدق هو أو وارثه باليمين.
فصل في الحوالة(3/89)
(تصح حوالة بصيغة) وهي إيجاب من المحيل: كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي، أو نقلت حقك إلى فلان، أو جعلت مالي عليه لك، وقبول من المحتال بلا تعليق، ويصح بأحلني، (وبرضا محيل، ومحتال) ولا يشترط رضا المحال عليه.
(ويلزم بها) أي الحوالة (دين محتال محالا عليه) فيبرأ المحيل بالحوالة عن دين المحتال، والمحال عليه عن دين المحيل، ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه إجماعا، (فإن تعذر أخذه منه بفلس) حصل للمحال عليه، وإن قارن الفلس الحوالة، (أو جحد) أي إنكار منه للحوالة، أو دين المحيل وحلف عليه، أو بغير ذلك: كتعزز المحال عليه، وموت شهود الحوالة: (لم يرجع) المحتال (على(3/90)
محيل) بشئ، وإن جهل ذلك، ولا يتخير لو بان المحال عليه معسرا وإن شرط يساره.
ولو طلب المحتال المحال عليه فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة، وأقام بذلك بينة: سمعت، وإن كان المحيل في البلد.
ثم المتجه أن للمتحال: الرجوع بدينه على المحيل، إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه.
ولو باع عبدا وأحال بثمنه، ثم اتفق المتبايعان على حريته وقت البيع، أو ثبتت حريته حينئذ ببينة شهدت حسبة، أو أقامها العبد: لم تصح الحوالة، وإن كذبهما المحتال في الحرية ولا بينة فلكل منهما تحليفه على نفي العلم بها، وبقيت الحوالة.
(ولو اختلفا) أي الدائن والمدين في أنه (هل وكل أو أحال ؟) بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي،(3/91)
فقال الدائن: بل أحلتني، وقال المدين: أحلتك، فقال الدائن: بل وكلتني، (صدق منكر حوالة) بيمينه، فيصدق المدين في الاولى، والدائن في الاخيرة.
لان الاصل بقاء الحق في ذمة المستحق عليه.
(تتمة) يصح من مكلف رشيد: ضمان بدين واجب، سواء استقر في ذمة المضمون له: كنفقة اليوم وما(3/92)
قبله للزوجة، أو لم يستقر، كثمن مبيع لم يقبض، وصداق قبل وطئ، لا بما سيجب، كدين قرض، ونفقة غد للزوجة، ولا بنفقة القريب مطلقا.
ولا يشترط رضا الدائن والمدين.
وصح ضمان الرقيق بإذن سيده.
وتصح منه كفالة بعين مضمونة، كمغصوبة، ومستعارة، وببدن من يستحق حضوره مجلس حكم بإذنه، ويبرأ الكفيل(3/93)
بإحضار مكفول، شخصا كان أو عينا، إلى المكفول له، وإن لم يطالبه، وبحضوره عن جهة الكفيل بلا حائل: كمتغلب بالمكان الذي شرط في الكفالة الاحضار إليه، وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه.
فإن غاب لزمه إحضاره، إن عرف محله، وأمن الطريق، وإلا فلا.
ولا يطالب كفيل بمال، وإن فات التسليم بموت أو غيره.
فلو شرط أنه(3/94)
يغرم المال، ولو مع قوله إن فات التسليم للمكفول، لم تصح.
وصيغة الالتزام فيهما: كضمنت دينك على فلان، أو تحملته، أو تكفلت ببدنه، أو أنا بالمال، أو بإحضار الشخص ضامن، أو كفيل.
ولو قال أوءدي المال، أو أحضر الشخص، فهو وعد بالتزام، كما هو صريح الصيغة، نعم: إن حفت به قرينة تصرفه إلى الانشاء: انعقد به، كما بحثه ابن الرفعة، واعتمده السبكي، ولا يصحان بشرط براءة أصيل، ولا بتعلق وتوقيت.
وللمستحق مطالبة الضامن والاصيل.
ولو برئ: برئ الضامن.
ولا عكس في الابراء، دون الاداء، ولو مات(3/95)
أحدهما والدين مؤجل: حل عليه.
ولضامن رجوع على أصيل، إن غرم.
ولو صالح عن الدين بما دونه: لم يرجع إلا بما غرم ولو أدى دين غيره بإذن: رجع، وإن لم يشرط له الرجوع، لا إن أداه بقصد التبرع.
(فرع) أفتى جمع محققون بأنه لو قال رجلان لآخر: ضمنا مالك على فلان: طالب كلا بجميع الدين.
وقال جمع متقدمون: طالب كلا بنصف الدين، ومال إليه الاذرعي.
قال شيخنا: إنما تقسط الضمان في:(3/96)
متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون، لانه ليس ضمانا حقيقة، بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع، لئلا ينفر الناس عنها.
(واعلم) أن الصلح جائز مع الاقرار، وهو على شئ غير المدعي معاوضة - كما لو قال: صالحتك عما(3/97)
تدعيه على هذا الثوب، فله حكم البيع، وعلى بعض المدعى إبراء إن كان دينا، فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك: لم يضر، ويلغى الصلح حيث لا حجة للمدعي مع الانكار، أو السكوت من المدعى عليه، فلا يصح(3/98)
الصلح على الانكار، وإن فرض صدق المدعي، خلافا للائمة الثلاثة.
نعم، يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل له في الصلح على الانكار، ثم إن وقع بغير مدعى به كان ظافرا وسيأتي حكم الظفر.
(فرع) يحرم على كل أحد غرس شجر في شارع، ولو لعموم النفع للمسلمين، كبناء دكة، وإن لم يضر فيه، ولو لذلك أيضا، وإن انتفى الضرر حالا، أو كانت الدكة بفناء داره.
ويحل الغرس بالمسجد للمسلمين أو ليصرف ريعه بل يكره.(3/99)
باب في الوكالة والقراض (تصح وكالة) شخص متمكن لنفسه كعبد، وفاسق في قبول نكاح، ولو بلا إذن سيد، لا في إيجابه،(3/100)
وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته، فتصح (في كل عقد): كبيع، ونكاح، وهبة، ورهن، وطلاق منجز، (و) في كل (فسخ) كإقالة، ورد بعيب.
وفي قبض، وإقباض للدين أو العين، وفي إستيفاء عقوبة آدمي، والدعوى والجواب، وإن كره الخصم، وإنما تصح الوكالة فيما ذكر، إن كان (عليه ولاية لموكل) بملكه التصرف فيه حين التوكيل، فلا يصح في بيع ما سيملكه وطلاق من سينكحها، لانه لا ولاية له عليه حينئذ، وكذا لو وكل من يزوج موليته إذا طلقت أو انقضت عدتها، على ما قاله الشيخان هنا، لكن رجح(3/101)
في الروضة، في النكاح، الصحة.
وكذا لو قالت له، وهي في نكاح أو عدة، أذنت لك في تزويجي إذا حللت، ولو علق ذلك على الانقضاء أو الطلاق، فسدت الوكالة، ونفذ التزويج للاذن، (لا) في (إقرار) أي لا يصح التوكيل فيه، بأن يقول لغيره: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا، فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا، لانه إخبار عن حق، فلا يقبل التوكيل، لكن يكون الموكل مقرا بالتوكيل، (و) لا في (يمين)، لان القصد بها تعظيم الله تعالى،(3/102)
فأشبهت العبادة.
ومثلها: النذر، وتعليق العتق والطلاق بصفة، ولا في الشهادة، إلحاقا لها بالعبادة، والشهادة على الشهادة ليست توكيلا، بل الحاجة جعلت الشاهد المتحمل عنه، كحاكم أدى عنه عند حاكم آخر، (و) لا في (عبادة)، إلا في حج، وعمرة، وذبح نحو أضحية، ولا تصح الوكالة إلا (بإيجاب) وهو ما يشعر برضا الموكل الذي يصح مباشرته الموكل فيه في التصرف: (كوكلتك) في كذا، أو فوضت إليك، أو أنبتك، أو أقمتك مقامي فيه، (أو بع) كذا، أو زوج فلانة، أو طلقها، أو أعطيت بيدك طلاقها وأعتق فلانا.
قال السبكي: يوءخذ من(3/103)
كلامهم صحة قول من لا ولي لها: أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجني.
قال الاذرعي: وهذا، إذا صح محله، إن عينت الزوج ولم تفوض إلا صيغة فقط.
وبنحو ذلك.
أفتى ابن الصلاح، ولا يشترط في الوكالة: القبول لفظا، لكن يشترط عدم الرد فقط.
ولو تصرف غير عالم بالوكالة: صح، إن تبين وكالته حين التصرف، كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا.
ولا يصح تعليق الوكالة بشرط: كإذا جاء رمضان فقد وكلتك في كذا، فلو تصرف بعد وجود الشرط المعلق، كأن وكله بطلاق زوجة سينكحها، أو ببيع عبد سيملكه، أو بتزويج بنته إذا طلقت واعتدت: فطلق بعد أن نكح، أو باع بعد أن ملك، أو زوج بعد العدة نفذ عملا بعموم الاذن.
وإن قلنا بفساد الوكالة بالنسبة إلى سقوط الجعل المسمى إن كان ووجوب أجرة المثل، وصح تعليق التصرف فقط، كبعه لكن(3/104)
بعد شهر، وتأقيتها: كوكلتك إلى شهر رمضان.
ويشترط في الوكالة أن يكون الموكل فيه معلوما للوكيل، ولو بوجه، كوكلتك في بيع جميع أموالي، وعتق أرقائي، وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة، لقلة الغرر فيه، بخلاف
بع هذا أو ذاك، وفارق إحدى عبيدي، بأن الاحد صادق على كل، وبخلاف بع بعض مالي.
نعم: يصح بع، أو هب منه ما شئت.
وتبطل في المجهول، كوكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، أو تصرف في أموري كيف شئت لكثرة الغرور فيه (وباع) كالشريك (وكيل) صح مباشرته التصرف لنفسه (بثمن مثل) فأكثر (حالا)،(3/105)
فلا يبيع نسيئة، ولا بغير نقد البلد، ولا بغبن فاحش، بأن لا يحتمل غالبا، فبيع ما يساوي عشرة بتسعة: محتمل، وبثمانية: غير محتمل.
ومتى خالف شيئا مما ذكر فسد تصرفه، وضمن قيمته يوم التسليم، ولو مثليا، إن أقبض المشتري، فإن بقي: استرده، وله حينئذ بيعه بالاذن السابق، وقبض الثمن، ولا يضمنه.
وإن تلف، غرم الموكل(3/106)
بدله الوكيل أو المشتري والقرار عليه.
وهذا كله، (إذا أطلق الموكل) الوكالة في البيع، بأن لم يقيد بثمن، ولا حلول، ولا تأجيل، ولا نقد، وإن قيد بشئ، اتبع.
فرع: لو قال لوكيله بعه بكم شئت، فله بيعه بغبن فاحش، لا بنسيئة، ولا بغير نقد البلد، أو بما شئت، أو بما تراه، فله بيعه بغير نقد البلد، لا بغبن، ولا بنسيئة، أو بكيف شئت فله بيعة بنسيئة، لا بغبن، ولا بغير نقد البلد، أو بما عز وهان، فله بيعه بعرض وغبن، لا بنسيئة، (ولا يبيع) الوكيل لنفسه وموليه، وإن أذن له في ذلك، وقدر له بالثمن، خلافا لابن الرفعة، لامتناع اتحاد الموجب والقابل، وإن انتفت التهمة، بخلاف أبيه وولده(3/107)
الرشيد، ولا يصح البيع بثمن المثل مع وجود راغب بزيادة لا يتغابن بمثلها إن وثق به، قال الاذرعي: ولم يكن مماطلا، ولا ماله أو كسبه حراما، أي هو كله، أو أكثره، فإن وجد راغب بالزيادة في ثمن خيار المجلس أو الشرط ولو للمشتري وحده ولم يرض بالزيادة فسخ الوكيل العقد، وجوبا، بالبيع، للراغب بالزيادة، وإلا انفسخ بنفسه ولا يسلم الوكيل بالبيع بحال المبيع حتى يقبض الثمن الحال، وإلا ضمن للموكل قيمة البيع، ولو مثليا، (وليس له) أي للوكيل بالشراء (شراء معيب) لاقتضاء الاطلاق عرفا السليم (ووقع) الشراء (له) أي للوكيل (إن علم) العيب واشتراه بثمن في الذمة، وإن ساوى المبيع الثمن إلا إذا عينه الموكل، وعلم بعيبه، فيقع له، كما إذا(3/108)
اشتراه بثمن في الذمة، أو بعين ماله جاهلا بعيبه، وإن لم يساو المبيع الثمن، وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للموكل، فإن كان الثمن عين ماله، بطل الشراء، وإلا وقع للوكيل.
ويجوز لعامل القراض شراؤه، لان القصد ثم الربح، وقضيته أنه لو كان القصد هنا الربح جاز، وهو كذلك، ولكل من الموكل والوكيل، في صورة الجهل، رد بعيب، لا لوكيل إن رضي به موكل.
ولو دفع موكله إليه مالا للشراء، وأمره بتسليمه في الثمن، فسلم من عنده، فمتبرع، حتى ولو تعذر مال الموكل، لنحو غيبة مفتاح، إذ يمكنه الاشهاد على أنه أدى عنه ليرجع أو إخبار الحاكم بذلك، فإن لم يدفع له شيئا، أو لم يأمره بالتسليم فيه، رجع للقرينة الدالة على إذنه له في التسليم عنه، (ولا) له (توكيل بلا إذن) من الموكل (فيما يتأتى منه) لانه لم يرض بغيره.
نعم، لو وكله في قبض دين فقبضه(3/109)
، وأرسله مع أحد من عياله، لم يضمن كما قاله الجوري، قال شيخنا: والذي يظهر أن المراد بهم، أولاده ومماليكه، وزوجاته، بخلاف غيرهم، ومثله، إرسال نحو ما اشتراه له مع أحدهم، وخرج بقولي فيما يتأتى منه: ما لم يتأت منه، لكونه يتعسر عليه الاتيان به لكثرته، أو لكونه لا يحسنه، أو لا يليق به، فله التوكيل عن موكله، لا عن نفسه، وقضية التعليل المذكور امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله.
ولو طرأ له العجز لطرو نحو مرض أو سفر، لم يجز له أن يوكل، وإذا وكل الوكيل بإذن الموكل، فالثاني وكيل الموكل، فلا يعزله الوكيل.
فإن قال الموكل، وكل عنك، ففعل، فالثاني وكيل الوكيل، لانه مقتضي الاذن، فينعزل بعزله، ويلزم الوكيل أن لا يوكل إلا أمينا، ما لم يعين له غيره مع علم الموكل بحاله، أو لم يقل له وكل من شئت، على الاوجه، كما لو قالت(3/110)
لوليها: زوجني ممن شئت، فله تزويجها من غير الكف ء أيضا، وقوله لوكيله في شئ، افعل فيه ما شئت، أو كل ما تفعله جائز، ليس إذنا في التوكيل.
فرع: لو قال بع لشخص معين كزيد، لم بيع من غيره، ولو وكيل زيد، أو بشئ معين من المال، كالدينار، لم يبع بالدراهم، على المعتمد، أو في مكان معين، تعين، أو في زمان معين، كشهر كذا، أو يوم كذا، تعين ذلك، فلا يجوز قبله، ولا بعده، ولو في الطلاق، وإن لم يتعلق به غرض، عملا بالاذن، وفارق إذا(3/111)
جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، ولم يرد التقييد برأسه، فله إيقاعه بعده، بخلاف طلقها يوم الجمعة، فإنه يقتضي حصر الفعل فيه، دون غيره، وليلة اليوم، مثله إن استوى الراغبون فيهما.
ولو قال يوم الجمعة، أو العيد مثلا، تعين أول جمعة أو عيد يلقاه، وإنما يتعين المكان، إذا لم يقدر الثمن، أو نهاه عن غيره، وإلا جاز البيع في غيره.
(وهو) أي الوكيل ولو بجعل (أمين) فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد، ويصدق بيمينه في دعوى التلف والرد على الموكل، لانه ائتمنه بخلاف الرد على غير الموكل كرسوله، فيصدق الرسول بيمينه، ولوكله بقضاء دين فقال قضيته، وأنكر المستحق دفعه إليه صدق المستحق بيمينه، لان الاصل عدم القضاء، فيحلف، ويطالب(3/112)
الموكل فقط.
(فإن تعدى) كأن ركب الدابة ولبس الثوب تعديا: (ضمن) كسائر الامناء، ومن التعدي، أن يضيع منه المال ولا يدري كيف ضاع، أو وضعه بمحل ثم نسيه ولا ينعزل بتعديه بغير إتلاف الموكل فيه.
ولو أرسل إلى بزاز ليأخذ منه ثوبا سوما فتلف في الطريق: ضمنه المرسل، لا الرسول.
فرع: لو اختلفا في أصل الوكالة بعد التصرف، كوكلتني في كذا، فقال ما وكلتك.
أو في صفتها، بأن قال وكلتني بالبيع نسيئة، أو بالشراء بعشرين، فقال: بل نقدا، أو بعشرة، صدق الموكل بيمينه في الكل لان الاصل(3/113)
معه (وينعزل) الوكيل (بعزل أحدهما) أي بأن يعزل الوكيل نفسه، أو يعزله الموكل، سواء كان بلفظ العزل أم لا، كفسخت الوكالة، أو أبطلتها، أو أزلتها، وإن لم يعلم المعزول.
(و) ينعزل أيضا، بخروج أحدهما عن أهلية التصرف (بموت، أو جنون) حصلا لاحدهما، وإن لم يعلم الآخر به، ولو قصرت مدة الجنون، وزوال ملك الموكل عما وكل فيه أو منفعته، كأن باع أو وقف أو آجر أو رهن أو زوج أمة.
ولا يصدق الموكل (بعد(3/114)
تصرف) أي تصرف الوكيل في قوله كنت عزلته (إلا ببينة) يقيمها على العزل.
قال الاسنوي: وصورته إذا أنكر الوكيل العزل، فإن وافقه على العزل لكن ادعى أنه بعد التصرف فهو كدعوى الزوج تقدم الرجعة على انقضاء العدة، وفيه تفصيل معروف، انتهى.
ولو تصرف وكيل أو عامل بعد انعزاله جاهلا في عين مال موكله، بطل، وضمنها إن سلمها، أو في ذمته انعقد له.
فروع: لو قال لمدينه إشتر لي عبدا بما في ذمتك، ففعل، صح للموكل، وبرئ المدين، وإن تلف، على الاوجه، ولو قال لمدينه: أنفق على اليتيم الفلاني كل يوم درهما من ديني الذي عليك، ففعل، صح،(3/115)
وبرئ على ما قاله بعضهم: يوافقه قول القاضي لو أمر مدينه أن يشتري له بدينه طعاما، ففعل، ودفع الثمن وقبض الطعام، فتلف في يده: برئ من الدين.
ولو قال لوكيله: بع هذه ببلد كذا، واشتر لي بثمنها قنا، جاز له إيداعها في الطريق، أو المقصد، عند أمين، من حاكم فعيره، إذ العمل غير لازم له، ولا تغرير منه، بل المالك هو المخاطر بماله، ومن ثم لو باعها، لم يلزمه شراء القن، ولو اشتراه، لم يلزمه رده، بل له إيداعه عند من ذكر، وليس له رد الثمن، حيث لا قرينة قوية تدل على رده، كما استظهره شيخنا، لان المالك لم يأذن فيه فإن فعل فهو في ضمانه، حتى يصل لمالكه ومن ادعى أنه وكيل لقبض ما على زيد من عين أو دين، لم يلزمه الدفع إليه، إلا ببينة بوكالته.
ولكن يجوز الدفع له إن صدقه في دعواه، أو ادعى أنه محتال به وصدقه، وجب الدفع له، لاعترافه بانتقال المال إليه، وإذا دفع إلى مدعي الوكالة فأنكر المستحق وحلف أنه لم يوكل، فإن كان المدفوع هينا، استردها إن بقيت، وإلا غرم من شاء منهما، ولا رجوع للغارم على الآخر، لانه مظلوم بزعمه، أو دينا، طالب(3/116)
الدافع فقط، أو إلى مدعي الحوالة فأنكر الدائن الحوالة وحلف، أخذ دينه ممن كان عليه ولا يرجع المؤدي على من دفع إليه، لانه اعترف بالملك له.
قال الكمال الدميري، لو قال أنا وكيل في بيع أو نكاح وصدقه من يعامله، صح العقد، فلو قال بعد العقد لم يكن وكيلا: لم يلتفت إليه.
(ويصح قراض: وهو) أن يعقد على مال يدفعه(3/117)
لغيره ليتجر فيه، على أن يكون الربح مشتركا بينهما (في نقد خالص مضروب) لانه عقد غرر، لعدم انضباط العمل والوثوق بالربح وإنما جوز: للحاجة، فاختص بما يروج غالبا، وهو النقد المضروب.
ويجوز عليه، وإن أبطله السلطان، وخرج بالنقد، العرض، ولو فلوسا، وبالخالص، المغشوش وإن علم قدر غشه، أو استهلك،(3/118)
وجاز التعامل به.
وبالمضروب التبر، وهو ذهب أو فضة لم يضرب، والحلي فلا يصح في شئ منها، وقيل يجوز
على المغشوش إن استهلك غشه.
وجزم به الجرجاني.
وقيل إن راج.
واختاره السبكي وغيره.
وفي وجه ثالث في زوائد الرضة أنه يجوز على كل مثلي، وإنما يصح القراض (بصيغة) من إيجاب من جهة رب المال: كقارضتك، أو عاملتك في كذا، أو خذ هذه الدراهم واتجر فيها، أو بع، أو اشتر على أن الربح بيننا، وقبول فورا من جهة العامل لفظا، وقيل يكفي في صيغة الامر، كخذ هذه واتجر فيها القبول بالفعل، كما في الوكالة، وشرط المالك والعامل، كالموكل والوكيل، صحة مباشرتهما التصرف (مع شرط ربح لهما) أي للمالك والعامل،(3/119)
فلا يصح على أن لاحدهما الربح (ويشترط كونه) أي الربح (معلوما بالجزئية) كنصف، وثلث.
ولو قال قارضتك على أن الربح بيننا، صح مناصفة، أو على أن لك ربع سدس العشر، صح، وإن لم يعلماه عند العقد، لسهولة معرفته، وهو جزء من مائتين وأربعين جزءا.
ولو شرط لاحدهما عشرة، أو ربح صنف، كالرقيق، فسد القراض.
(ولعامل في) عقد قراض (فاسد: أجرة مثل) وإن لم يكن ربح، لانه عمل طامعا في المسمى، ومن القراض الفاسد، على ما أفتي به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى، ما اعتاده بعض الناس من دفع مال إلى آخر بشرط أن يرد له لكل عشرة اثني عشر إن ربح أو خسر، فلا يستحق العامل إلا أجرة المثل، وجميع الربح أو الخسران على المالك، ويده على المال يد أمانة.
فإن قصر، بأن جاوز المكان الذي أذن له فيه، ضمن المال.
انتهى.
ولا أجرة للعامل في الفاسد إن شرط الربح كله للمالك لانه لم يطمع في شئ.
ويتجه أنه لا يستحق شيئا(3/120)
أيضا إذا علم الفساد، وأنه لا أجرة له.
ويصح تصرف العامل مع فساد القراض، لكي لا يحل له الاقدام عليه بعد علمه بالفساد.
ويتصرف العامل، ولو بعرض، لمصلحة، لا بغبن فاحش، ولا بنسيئة، بلا إذن فيهما، ولا يسافر بالمال بلا إذن، وإن قرب السفر، وانتفى الخوف والموءنة، فيضمن به، ويأثم، ومع ذلك القراض باق على حاله، أما بالاذن، فيجوز، لكن لا يجوز ركوب في البحر إلا بنص عليه (ولا يمون) أي لا ينفق منه على نفسه حضرا ولا سفرا، لان له نصيبا من الربح، فلا يستحق شيئا آخر، فلو شرط المؤنة في العقد، فسد (وصدق) عامل بيمينه (في) دعوى (تلف) في كل المال أو بعضه، لانه مأمون، نعم، نص في البويطي،(3/121)
واعتمده جمع متقدمون، أنه لو أخذ ما لا يمكنه القيام به، فتلف بعضه ضمنه، لانه فرط بأخذه، ويطرد ذلك في الوكيل، والوديع، والوصي، ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض، والعامل أنه قراض، حلف العامل، كما أفتى به ابن الصلاح، كالبغوي، لان الاصل عدم الضمان، خلافا لما رجحه الزركشي وغيره، من تصديق المالك، فإن أقاما بينة، قدمت بينة المالك، على الاوجه، لان معها زيادة علم.
(و) في (عدم ربح)، أصلا (و) في (قدره) عملا بالاصل فيهما، (و) في (خسر) ممكن، لانه أمين.
ولو قال ربحت كذا، ثم قال غلطت في(3/122)
الحساب، أو كذبت، لم يقبل، لانه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه، ويقبل قوله بعد خسرت، إن احتمل، كأن عرض كساد.
(و) في (رد) للمال على المالك، لانه ائتمنه كالمودع.
ويصدق العامل أيضا في قدر رأس المال، لان الاصل عدم الزائد، وفي قوله اشتريت هذا لي أو للقراض والعقد في الذمة لانه أعلم بقصده، أما لو كان الشراء بعين مال القراض، فإنه يقع للقراض، وإن نوى نفسه، كما قاله الامام، وجزم به في المطلب.
وعليه فتسمع بينة المالك أنه اشتراه بمال القراض.
وفي قوله لم تنهني عن شراء كذا، لان الاصل عدم النهي، ولو اختلفا في القدر المشروط له، أهو النصف، أو الثلث، مثلا ؟ تحالف.
وللعامل بعد الفسخ أجرة المثل، والربح جميعه للمالك، أو في أنه وكيل أو مقارض، صدق المالك بيمينه، ولا أجرة عليه للعامل.
(تتمة) الشركة نوعان: أحدهما فيما ملك اثنان مشتركا بإرث أو شراء.
والثاني أربعة أقسام: منها قسم(3/123)
صحيح، وهو أن يشترط اثنان في مال لهما ليتجرا فيه، وسائر الاقسام باطلة، كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما بتساو، أو تفاوت، أو ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما بمؤجل، أو حال، أو ليكون بينهما كسبهما(3/124)
وربحهما ببدنهما، أو مالهما، وعليهما ما يعرض من غرم، وشرط فيها لفظ يدل على الاذن في التصرف بالبيع والشراء، فلو اقتصر على اشتراكنا: لم يكف عن الاذن فيه ويتسلط كل واحد منهما على التصرف بلا ضرر أصلا، بأن يكون فيه مصلحة، فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد.
ولا يسافر به حيث لم يضطر إليه لنحو قحط وخوف، ولا يبضعه بغير إذنه، فإن سافر به، ضمن، وصح تصرفه، أو أبضعه بدفعه لمن يعمل لهما فيه، ولو(3/125)
تبرعا بلا إذن، ضمن أيضا والربح والخسران بقدر المالين، فإن شرطا خلافه، فسد العقد، فلكل على الآخر أجرة عمله له، ونقد التصرف منهما مع ذلك للاذن، وتنفسخ بموت أحدهما وجنونه، ويصدق في دعوى الرد إلى شريكه في الخسران والتلف، في قوله اشتريته لي أو للشركة، لا في قوله اقتسمنا وصار ما بيدي لي مع قول الآخر: لا، بل هو مشترك، فالمصدق المنكر، لان الاصل عدم القسمة، ولو قبض وارث حصته من دين مورثه، شاركه الآخر ولو باع شريكان عبدهما صفقة، وقبض أحدهما حصته، لم يشاركه الآخر.
(فائدة) أفتى النووي، كابن الصلاح، فيمن غصب نحو نقد أو بر وخلطه بماله، ولم يتميز، بأن له إفراز قدر المغصوب، ويحل له التصرف في الباقي.(3/126)
فصل في أحكام الشفعة(3/127)
إنما تثبت الشفعة لشريك لا جار في بيع أرض مع تابعها كبناء، وشجر وثمر غير مؤبر فلا شفعة في شجر أفرد بالبيع، أو بيع مع مغرسه فقط، ولا في بئر، ولا يملك الشفيع لا بلفظ، كأخذت بالشفعة مع بذل الثمن للمشتري.(3/128)
باب في الاجارة هي لغة: اسم للاجرة، وشرعا، تمليك منفعة بعوض بشروط آتية.
(تصح إجارة بإيجاب، كآجرتك)(3/129)
هذا، أو أكريتك، أو ملكتك منافعه سنة: (بكذا، وقبول، كاستأجرته)، واكتريت، وقبلت.
قال النووي في شرح المهذب، إن خلاف المعاطاة يجري في الاجارة والرهن والهبة، وإنما تصح الاجارة، (بأجر) صح كونه ثمنا (معلوم) للعاقدين، قدرا، وجنسا، وصفة، إن كان في الذمة، وإلا كفت معاينته في إجارة العين أو الذمة، فلا يصح إجارة دار ودابة بعمارة لها وعلف، ولا استئجار لسلخ شاة بجلد، ولطحن نحو بر ببعض دقيق (في(3/130)
منفعة متقومة) أي لها قيمة (معلومة)، عينا، وقدرا، وصفة (واقعة للمكتري غير متضمن، لاستيفاء عين قصدا) بأن لا يتضمنه العقد.
وخرج بمتقومة ما ليس لها قيمة، فلا يصح اكتراء بياع للتلفظ بمحض كلمة أو كلمات يسيرة على الاوجه، ولو إيجابا وقبولا، وإن روجت السلعة، إذ لا قيمة لها.
ومن ثم اختص هذا بمبيع مستقر القيمة في البلد، كالخبز، بخلاف نحو عبد وثوب مما يختلف ثمنه باختلاف متعاطيه، فيختص بيعه، من البياع(3/131)
بمزيد نفع، فيصح استئجاره عليه.
وحيث لم يصح، فإن تعب بكثرة تردد أو كلام، فله أجرة المثل، وإلا فلا.
وأفتى شيخنا المحقق ابن زياد بحرمة أخذ القاضي الاجرة على مجرد تليقن الايجاب، إذ لا كلفة في ذلك، وسبقة العلامة عمر الفتى، بالافتاء بالجواز إن لم يكن ولي المرأة فقال إذا لقن الولي والزوج صيغة النكاح، فله أن يأخذ ما اتفقا عليه بالرضا، وإن كثر، وإن لم يكن لها ولي غيره فليس له أخذ شئ على إيجاب النكاح، لوجوبه عليه حينئذ، انتهى.
وفيه نظر لما تقرر آنفا، ولا استئجار دراهم ودنانير غير المعراة للتزين، لان منفعة نحو التزيين بها لا تقابل بمال، وأما المعراة: فيصح استئجارها، على ما بحثه الاذرعي لانها حينئذ حلى، واستئجار الحلى صحيح قطعا.
وبمعلومة، استئجار المجهول، فأجرتك إحدى الدارين باطل، وبواقعة للمكتري، ما يقع نفعها للاجير، فلا يصح الاستئجار لعبادة تجب فيها نية غير نسك، كالصلاة، لان المنعة في(3/132)
ذلك للاجير لا المستأجر والامامة، ولو نقل كالتراويح، لان الامام مصل لنفسه، فمن أراد، اقتدي به، وإن لم ينو الامامة أما ما لا يحتاج إلى نية، كالاذان والاقامة فيصح الاستئجار عليه، والاجرة مقابلة لجميعه، مع نحو رعاية الوقت، وتجهيز الميت، وتعليم القرآن كله أو بعضه، وإن تعين على المعلم، للخبر الصحيح: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا: كتاب الله قال شيخنا في شرح المنهاج: يصح الاستئجار لقراءة القرآن عند القبر أو مع(3/133)
الدعاء بمثل ما حصل له من الاجر له أو لغيره عقبها، عين زمانا أو مكانا أو لا، ونية الثواب له غير دعاء لغو، خلافا لجمع، وإن اختار السبكي ما قالوه، وكذا أهديت قراءتي أو ثوابها له خلافا لجمع أيضا، أو بحضرة
المستأجر، أي أو نحو ولده، فيما يظهر، ومع ذكره في القلب حالتها، كما ذكره بعضهم، وذلك لان موضعها موضع بركة وتنزل رحمة، والدعاء بعدها أقرب إجابة، وإحضار المستأجر في القلب سبب لشمول الرحمة له إذا نزلت على قلب القارئ، وألحق بها الاستئجار لمحض الذكر، والدعاء عقبه، وأفتى بعضهم، بأنه لو ترك من القراءة المستأجر عليها آيات، لزمه قراءة ما تركه، ولا يلزمه استئناف ما بعده.
وبأن من استوءجر لقراءة على قبر، لا يلزمه عند الشروع أن ينوي أن ذلك عما استؤجر عنه، أي بل الشرط عدم الصارف.(3/134)
فإن قلت: صرحوا في النذر بأنه لا بد أن ينوي أنها عنه.
قلت: هنا قرينة صارفة لوقوعها عما استؤجر له، ولا كذلك ثم، ومن ثم لو استؤجر هنا لمطلق القراءة وصححناه: احتاج للنية فيما يظهر أولا لمطلقها، كالقراءة بحضرته لم يحتج لها، فذكر القبر مثال، انتهى ملخصا.
وبغير متضمن لاستيفاء عين ما تضمن استيفاءها، فلا يصح اكتراء بستان لثمرته، لان الاعيان لا تملك بعقد الاجارة قصدا، ونقل التاج السبكي في توشيحه اختيار والده التقي السبكي في آخر عمره، صحة إجارة(3/135)
الاشجار لثمرها، وصرحوا بصحة استئجار قناة أو بئر للانتفاع بمائها للحاجة.
قال في العباب: لا يجوز إجارة الارض لدفن الميت لحرمة نبشه قبل بلائه، وجهالة وقت البلى (و) يجب (على مكر تسليم مفتاح دار) لمكتر، ولو ضاع من المكتري، وجب على المكري تجديده.
والمراد بالمفتاح، مفتاح الغلق المثبت.
أما غيره، فلا يجب تسليمه، بل ولا قفله، كسائر المنقولات.
(وعمارتها)، كبناء وتطيين سطح، ووضع باب، وإصلاح منكسر.
وليس المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري أنه يأثم بتركه، أو أنه يجبر عليه، بل إنه إن تركه، ثبت للمكتري الخيار، كما بينته بقولي: (فإن بادر) وفعل ما عليه، فذاك (وإلا فللمكتري خيار) إن نقصته المنفعة،(3/136)
(وعلى مكتر.
تنظيف عرصتها) أي الدار، (من كناسة)، وثلج، والعرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شئ من بناء، وجمعها: عرصات، (وهو) أي المكتري (أمين) على العين المكتراة (مدة الاجارة) إن قدرت بزمن، أو مدة إمكان الاستيفاء إن قدرت بمحل عمل، (وكذا بعدها) ما لم يستعملها، استصحابا لما كان، ولانه
لا يلزمه الرد ولا مؤنته، بل لو شرط أحدهما عليه، فسد العقد.
وإنما الذي عليه، التخلية، كالوديع، ورجح السبكي أنه كالامانة الشرعية، فيلزمه إعلام مالكها بها أو الرد فورا، وإلا ضمن.
والمعتمد خلافه.
وإذا قلنا(3/137)
بالاصح أنه ليس عليه إلا التخلية، فقضيته أنه لا يلزم إعلام المؤجر بتفريغ العين، بل الشرط أن لا يستعملها، ولا يحبسها لو طلبها.
وحينئذ يلزم من ذلك أنه لا فرق بين أن يقفل باب نحو الحانوت بعد تفريغه أو لا.
لكن قال البغوي: لو استأجر حانوتا شهرا، فأغلق بابه، وغاب شهرين، لزمه المسمى للشهر الاول، وأجرة المثل للشهر الثاني.
قال شيخنا في شرح المنهاج: وما ذكره البغوي، في مسألة الغيبة، متجه، ولو استعمل العين بعد المدة لزمه أجرة المثل، (كأجير) فإنه أمين، ولو بعد المدة أيضا، (فلا ضمان على واحد منهما) فلو اكترى دابة، ولم ينتفع بها فتلفت، أو اكتراه لخياطة ثوب أو صبغه فتلف، فلا يضمن، سواء انفرد الاجير باليد أم لا، كأن قعد(3/138)
المكتري معه حتى يعمل، أو أحضره منزله ليعمل، (إلا بتقصير) كأن ترك المكتري الانتفاع بالدابة فتلفت بسبب، كانهدام سقف اصطبلها عليها في وقت لو انتفع بها فيه عادة سلمت، وكأن ضربها، أو أركبها أثقل منه.
ولا يضمن أجير لحفظ دكان مثلا إذا أخذ غيره ما فيها.
قال الزركشي: إنه لا ضمان أيضا على الخفير، وكأن استأجره ليرعى دابته فأعطاها آخر يرعاها فيضمنها كل منهما، والقرار على من تلفت بيده.
وكأن أسرف خباز في الوقود، أو مات المتعلم من ضرب المعلم، فإنه يضمن، ويصدق الاجير في أنه لم يقصر، ما لم يشهد خبيران(3/139)
بخلافه.
ولو اكترى دابة ليركبها اليوم ويرجع غدا، فأقام بها ورجع في الثالث، ضمنها فيه فقط، لانه استعملها فيه تعديا.
ولو اكترى عبدا لعمل معلوم، ولم يبين موضعه، فذهب به من بلد العقد إلى آخر، فأبق: ضمنه مع الاجرة.
فرع: يجوز لنحو القصار حبس الثوب، كرهنه، بأجرته حتى يستوفيها.
(ولا أجرة) لعمل: كحلق رأس،(3/140)
وخياطة ثوب، وقصارته، وصبغه بصبغ مالكه (بلا شرط) الاجرة.
فلو دفع ثوبه إلى خياط ليخيط، أو قصار
ليقصره، أو صباغ ليصبغه، ففعل، ولم يذكر أحدهما أجرة، ولا ما يفهمها، فلا أجرة له، لانه متبرع.
قال في البحر: ولانه لو قال اسكني دارك شهرا، فأسكنه، لا يستحق عليه أجرة إجماعا، وإن عرف بذلك العمل بها، لعدم التزامها.
ولا يستثنى وجوبها على داخل حمام، أو راكب سفينة مثلا بلا إذن، لاستيفائه المنفعة من غير أن يصرفها صاحبها إليه بخلافه بإذنه.
أما إذا ذكر أجرة، فيستحقها قطعا إن صح العقد، وإلا فأجرة المثل.
وأما إذا(3/141)
عرض بها، كأرضيك، أو لا أخيبك، أو ترى ما يسرك، فيجب أجرة المثل (وتقررت) أي الاجرة التي سميت في العقد (عليه) أي المكتري (بمضي مدة) في الاجارة المقدرة بوقت أو مضي مدة إمكان الاستيفاء في المقدرة بعمل (وإن لم يستوف) المستأجر المنفعة، لان المنافع تلفت تحت يده، وإن ترك لنحو مريض، أو خوف طريق، إذ ليس على المكري إلا التمكين من الاستيفاء، وليس له، بسبب ذلك، فسخ ولا رد إلى تيسير العمل (وتنفسخ) الاجارة (بتلف مستوفى منه معين) في العقد، كموت نحو دابة وأجير معينين، وانهدام دار، ولو بفعل المستأجر (في) زمان (مستقبل) لفوات محل المنفعة فيه، لا في ماض بعد القبض إذا كان لمثله أجرة،(3/142)
لاستقراره.
بالقبض، فيستقر قسطه من المسمى باعتبار أجرة المثل، وخرج بالمستوفى منه، غيره مما يأتي وبالمعين في العقد، المعين عما في الذمة، فإن تلفهما: لا يوجب انفساخا، يل يبدلان، ويثبت الخيار على التراخي، على المعتمد، بعيب نحو الدابة المقارن إذا جهله، والحادث لتضرره، وهو ما أثر في المنفعة تأثيرا(3/143)
يظهر به تفاوت أجرتها، ولا خيار في إجارة الذمة بعيب الدابة، بل يلزمه الابدال.
ويجوز في إجارة عين وذمة استبدال المستوفي، كالراكب، والساكن، والمستوفى به كالمحمول، والمستوفى فيه كالطريق بمثلها، أو بدون مثلها، ما لم يشترط عدم الابدال في الآخرين.
فرع: لو استأجر ثوبا للبس المطلق، لا يلبسه وقت النوم ليلا، وإن اطردت عادتهم بذلك، ويجوز لمستأجر الدابة مثلا منع المؤجر من حمل شئ عليها.
فائدة: قال شيخنا: إن الطبيب الماهر، أي بأن كان خطوه نادرا، لو شرطت له أجرة، وأعطي ثمن
الادوية، فعالجه بها، فلم يبرأ، استحق المسمى، إن صحت الاجارة، وإلا فأجرة المثل.
وليس للعليل الرجوع(3/144)
عليه بشئ، لان المستأجر عليه المعالجة لا الشفاء، بل إن شرط، بطلت الاجارة، لانه بيد الله تعالى لا غير.
أما غير الماهر، فلا يستحق أجرة ويرجع عليه بثمن الادوية، لتقصيره بمباشرته بما ليس له بأهل.
ولو اختلفا: أي المكري والمكتري (في أجرة أو مدة) أو قدر منفعة، هل هي عشرة فراسخ، أو خمسة ؟ أو في قدر المستأجر: هل هو كل الدار، أو بيت منها ؟ (تحالفا، وفسخت)، أي الاجارة، ووجب على المكتري أجرة المثل لما استوفاه.
فرع: لو وجد المحمول على الدابة مثلا ناقصا نقصا يؤثر، وقد كاله المؤجر، حط قسطه من الاجرة، إن(3/145)
كانت الاجارة في الذمة وإلا لم يحط شئ من الاجرة.
ولو استأجر سفينة فدخلها سمك، فهل هو له، أو للمؤجر ؟ وجهان.(3/146)
تتمة: تجوز المساقاة وهي أن يعامل المالك غيره على نخل أو شجر عنب مغروس معين في العقد مرئي(3/147)
لهما عنده ليتعهده بالسقي والتربية، على أن الثمرة الحادثة أو الموجودة لهما.
وإلا تجوز في غير نخل وعنب لا تبعا لهما.
وجوزها القديم في سائر الاشجار، وبه قال مالك وأحمد، واختاره جمع من أصحابنا، ولو ساقاه على ودي غير مغروس ليغرسه ويكون الشجر أو ثمرته إذا أثمر لهما، لم تجز، لكن قضية كلام جمع من السلف، جوازها، والشجر لمالكه، وعليه لذي الارض أجرة مثلها، والمزارعة: هي أن يعامل المالك غيره على أرض(3/148)
ليزرعها بجزء معلوم مما يخرج منها، والبذر من المالك، فإن كان البذر من العامل، فهي مخابرة، وهما باطلان، للنهي عنهما، واختار السبكي، كجمع آخرين، جوازهما، واستدلوا بعمل عمر رضي الله عنه وأهل المدية، وعلى المرجح، فلو أفردت الارض بالمزارعة، فالمغل للمالك، وعليه للعامل أجرة عمله ودوابه وآلاته، وإن
أفردت الارض بالمخابرة، فالمغل للعامل، وعليه لمالك الارض أجرة مثلها وطريق جعل الغلة لهما ولا أجرة أن(3/149)
يكتري العامل نصف الارض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع آلاته، أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع إن كان البذر منه، فإن كان من المالك استأجرة بنصف البذر ليزرع له النصف الآخر من البذر في نصف الارض، ويعيره نصفها.(3/150)
باب في العارية بتشديد الياء وتخفيفها: وهي اسم لما يعار للعقد المتضمن لاباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليرده.
من عار: ذهب، وجاء بسرعة، لا من العار.
وهي مستحبة أصالة لشدة الحاجة إليها، وقد تجب، كإعارة ثوب توقفت صحة الصلاة عليه، وما ينقذ غريقا، أو يذبح به حيون محترم يخشى موته.
(صح) من ذي(3/151)
تبرع.
(إعارة عن) غير مستعارة (لانتفاع) مع بقاء عينه (مملوك) ذلك الانتفاع، ولو بوصية أو إجارة أو وقف، وإن لم يملك العين، لان العارية ترد على المنفعة فقط.
وقيد ابن الرفعة صحتها من الموقوف عليه، بما إذا كان ناظرا.
قال الاسنوي: يجوز للامام إعارة مال بيت المال (مباح) فلا يصح إعارة ما يحرم الانتفاع به كآلة لهو،(3/152)
وفرس، وسلاح لحربي، وكأمة مشتهاة لخدمة أجنبي، وإنما تصح الاعارة من أهل تبرع.
(بلفظ يشعر بإذن فيه) أي الانتفاع.
(كأعرتك، وأبحتك) منفعة، وكاركب، وخذه لتنتفع به.
ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر.
ولا يجوز لمستعير إعارة عين مستعارة بلا إذن معير، وله إنابة من يستوفي المنفعة له، كأن يركب دابة استعارها للركوب من هو مثله أو دونه لحاجته، ولا يصح إعارة ما لا ينتفع به مع بقاء عينه، كالشمع للوقود، لاستهلاكه.(3/153)
ومن ثم، صحت للتزين به، كالنقد، وحيث لم تصح العارية فجرت، ضمنت، لان للفاسد حكم صحيحه، وقيل لا ضمان، لان ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة، ولا فاسدة، ولو قال احفر في أرضي بئرا لنفسك،
فحفر، لم يملكها، ولا أجرة له على الآمر، فإن قال أمرتني بأجرة، فقال مجانا، صدق الآمر، ووارثه.
ولو أرسل(3/154)
صبيا ليستعير له شيئا، لم يصح، فلو تلف في يده، أو أتلفه لم يضمنه هو، ولا مرسله، كذا في الجواهر.
(و) يجب (على مستعير ضمان قيمة يوم تلف) للمعار إن تلف كله أو بعضه في يده، ولو بآفة من غير تقصير، بدلا أو أرشا، وإن شرطا عدم ضمانه، لخبر أبي داود وغيره: العارية مضمونة، أي بالقيمة، يوم التلف، لا يوم القبض في المتقوم، وبالمثل في المثلي على الاوجه.
وجزم في الانوار بلزوم القيمة، ولو في المثلي: كخشب،(3/155)
وحجر.
وشرط التلف المضمن، أن يحصل (لا باستعمال)، وإن حصل معه، فإن تلف هو، أو جزؤه باستعمال مأذون فيه: كركوب، أو حمل، أو لبس اعتيد، فلا ضمان للاذن فيه، وكذا لا ضمان على مستعير من نحو مستأجر إجارة صحيحة، فلا ضمان عليه، لانه نائب عنه، وهو لا يضمن، فكذا هو.
وفي معنى المستأجر، الموصى له بالمنفعة، والموقوف عليه، وكذا مستعار لرهن تلف في يد مرتهن لا ضمان عليه، كالراهن، وكتاب موقوف على المسلمين مثلا استعاره فقيه فتلف في يده من غير تفريط، لانه من جملة الموقوف عليهم.
فرع: لو اختلفا في أن التلف بالاستعمال المأذون فيه، أو بغيره: صدق المعير، كما قاله الجلال(3/156)
البلقيني، لان الاصل في العارية، الضمان، حتى يثبت مسقطه.
(و) يجب (عليه) أي على المستعير (مؤنة رد) للمعار على المالك، وخرج بمؤنة الرد، مؤنة المعار، فتلزم المالك، لانها من حقوق الملك.
وخالف القاضي، فقال إنها على المستعير.
(و) جاز (لكل) من المعير والمستعير (رجوع) في العارية، مطلقة كانت أو مؤقتة، حتى(3/157)
في الاعارة لدفن ميت قبل مواراته بالتراب، ولو بعد وضعه في القبر، لا بعد المواراة، حتى يبلى، ولا رجوع لمستعير حيث تلزمه الاستعارة، كإسكان معتدة، ولا لمعير في سفينة صارت في اللجة وفيها متاع المستعير.
وبحث ابن الرفعة أن له الاجرة.
ولا في جذع لدعم جدار مائل بعد استناده، وله الاجرة من الرجوع.
ولو استعار(3/158)
للبناء أو الغراس، لم يجز له ذلك إلا مرة واحدة.
فلو قلع ما بناه أو غرسه، لم يجز له إعادة إلا بإذن جديد، إلا إذا صرح له بالتجديد مرة أخرى.
فروع: لو اختلف مالك عين والمتصرف فيه، كأن قال المتصرف أعرتني، فقال المالك بل آجرتك بكذا.
صدق المتصرف بيمينه، إن بقيت العين، ولم يمض مدة لها أجرة، وإلا حلف المالك واستحقها، كما لو أكل طعام غيره وقال كنت أبحت لي، وأنكر المالك، أو عكسه، بأن قال المتصرف آجرتني بكذا، وقال المالك بل(3/159)
أعرتك والعين باقية، صدق المالك بيمينه، ولو أعطى رجلا حانوتا ودراهم، أو أرضا وبذرا، وقال اتجر، أو ازرعه فيها لنفسك، فالعقار عارية، وغيره قرض، على الاوجه، لا هبة خلافا لبعضهم، ويصدق في قصده، ولو أخذ كوزا من سقاء ليشرب منه، فوقع من يده وانكسر قبل شربه أو بعده، فإن طلبه مجانا، ضمنه، دون الماء، أو بعوض والماء قدر كفايته، فعكسه.
ولو استعار حليا، وألبسه بنته الصغيرة، ثم أمر غيره بحفظه في بيته،(3/160)
ففعل، فسرق غرم المالك المستعير، ويرجع على الثاني، إن علم أنه عارية، وإن لم يكن يعلم أنه عارية، بل ظنه للآمر، لم يضمن.
ومن سكن دارا مدة بإذن مالك أهل، ولم يذكر له أجرة، لم تلزمه.
مهمة قال العبادي وغيره في كتاب مستعار رأى فيه خطأ لا يصلحه إلا المصحف فيجب.
قال شيخنا: والذي يتجه أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شئ، إلا إن ظن رضا مالكه به، وأنه يجب إصلاح المصحف، لكن إن لم ينقصه خطه، لرداءته، وأن الوقف يجب إصلاحه، إن تيقن الخطأ فيه.(3/161)
فصل في بيان أحكام الغصب الغصب: استيلاء على حق غير، ولو منفعة، كإقامة من قعد بمسجد أو سوق بلا حق، كجلوسه على(3/162)
فراش غيره، وإن لم ينقله، وإزعاجه عن داره، وإن لم يدخلها، وكركوب دابة غيره، واستخدام عبده.
(وعلى الغاصب: رد وضمان متمول تلف بأقصى قيمه من حين غصب إلى تلف ويضمن) مثلي، وهو ما حصره كيل، أو
وزن.
وجاز السلم فيه كقطن، ودقيق، وماء ومسك، ونحاس ودراهم ودنانير، ولو مغشوشا، وتمر، وزبيب،(3/163)
وحب جاف، ودهن، وسمن (بمثله) في أي مكان حل به المثلي، فإن فقد المثل، فيضمن بأقصى قيم من غصب إلى فقد.
ولو تلف المثلي: فله مطالبته بمثله في غير المكان الذي حل به المثلي، إن لم يكن لنقله مؤنة، وأمن الطريق وإلا فبأقصى قيم المكان.
ويضمن متقوم أتلف، كالمنافع والحيوان، بالقيمة.
ويجوز أخذ القيمة(3/164)
عن المثلي بالتراضي.
وإذا أخذ منه القيمة، فاجتمعا ببلد التلف، لم يرجعا إلى المثل، وحيث وجب مثل، فلا أثر لغلاء، أو رخص.(3/165)
(فروع) لوحل رباط سفينة فغرقت بسببه ضمنها، أو بحادث ريح، فلا.
وكذا إن لم يظهر سبب، ولو حل وثاق بهيمة، أو عبد لا يميز، أو فتح قفصا عن طير، فخرجوا، ضمن إن كان بتهييجه وتنفيره.
وكذا إن اقتصر على الفتح، إن كان الخروج حالا لا عبدا عاقلا حل قيده فأبق، ولو معتادا للاباق.
ولو ضرب ظالم عبد غيره فأبق، لم يضمن.
ويبرأ الغاصب برد العين إلى المالك، ويكفي وضعها عنده ولو نسيه برئ بالرد إلى القاضي.
ولو خلط مثليا أو متقوما بما لا يتميز: كدهن، أو حب، وكذا درهم، على الاوجه، بجنسه، أو غيره، وتعذر(3/166)
التمييز، صار هالكا، لا مشتركا فيملكه الغاصب، لكن الاوجه أنه محجور عليه في التصرف فيه حتى يعطى بدله.(3/167)
باب في الهبة أي مطلقها: الشامل للصدقة والهدية.
(الهبة: تمليك عين) يصح بيعها غالبا، أو دين من أهل تبرع،(3/168)
(بلا عوض).
واحترز بقولنا بلا عوض، عن البيع والهبة بثواب، فإنها بيع حقيقة (بإيجاب: كوهبتك) هذا،
وملكتكه، ومنحتكه.
(وقبول) متصل به، (كقبلت) ورضيت وتنعقد بالكتابة: كلك هذا، أو كسوتك هذا.
وبالمعاطاة على المختار.
قال: قال شيخنا في شرح المنهاج: وقد لا تشترط الصيغة، كما لو كانت ضمنية، كأعتق عبدك عني، فأعتقه، وإن لم يقل مجانا، وكما لو زين ولده الصغير بحلى، بخلاف زوجته، لانه قادر على(3/169)
تمليكه بتولي الطرفين.
قاله القفال، وأقره جمع، لكن اعترض بأن كلام الشيخين يخالفه، حيث اشترطا في هبة الاصل، تولي الطرفين بإيجاب وقبول.
وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم أو نائبه.
ونقلوا عن العبادي وأقره: أنه لو غرس أشجارا، وقال عند الغرس أغرسها لابني مثلا، لم يكن إقرارا، بخلاف ما لو قال لعين في يده اشتريتها لابني، أو لفلان الاجنبي، فإنه إقرار.
ولو قال جعلت هذا لابني، لم يملكه إلا إن قبض له، وضعف السبكي والاذرعي وغيرهما قول الخوارزمي وغيره، أن إلباس الاب الصغير حليا يملكه إياه.
ونقل جماعة عن فتاوى القفال نفسه أنه لو جهز بنته مع أمتعة بلا تمليك، يصدق بيمينه في أنه لم يملكها، إن ادعته، وهذا صريح في رد(3/170)
ما سبق عنه، وأفتى القاضي فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج، بأنه إن قال هذا جهاز بنتي، فهو مالك لها، وإلا فهو عارية، ويصدق بيمينه.
وكخلع الملوك، لاعتياد عدم اللفظ فيها، انتهى.
ونقل شيخنا ابن زياد عن فتاوى ابن الخياط: إذا أهدى الزوج للزوجة بعد العقد بسببه، فإنها تملكه، ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول ومن ذلك، ما يدفعه الرجل إلى المرأة صبح الزواج مما يسمى صبحية في عرفنا، وما يدفعه إليها إذا غضبت، أو تزوج عليها، فإن ذلك تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها.
انتهى.
ولا يشترط الايجاب والقبول قطعا في الصدقة، وهي ما أعطاه محتاجا، وإن لم يقصد الثواب أو غنيا لاجل ثواب الآخرة، بل يكفي فيها الاعطاء والاخذ ولا في الهدية(3/171)
ولو غير مأكول، وهي ما نقله إلى مكان الموهوب له إكراما، بل يكفي فيها البعث من هذا، والقبض من ذاك، وكلها مسنونة، وأفضلها الصدقة، وأما كتاب الرسالة الذي لم تدل قرينة على عوده، فقد قال المتولي إنه ملك المكتوب إليه، وقال غيره: هو باق بملك الكاتب، وللمكتوب إليه الانتفاع به على سبيل الاباحة.
وتصح الهبة(3/172)
باللفظ المذكور: (بلا تعليق)، فلا تصح مع تعليق كإذا جاء رأس الشهر فقد وهبتك، أو أبرأتك، ولا مع تأقيت بغير عمرى ورقبى فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب، كوهبت لك هذا عمرعك، أو ما عشت، صحت، وإن لم يقل فإذا مت فهي لورثتك، وكذا إن شرط عودها إلى الواهب أو وارثه بعد موت المتهب فلا تعود إليه ولا إلى وارثه للخبر الصحيح، وتصح ويلغو الشرط.
فإذا أقت بعمر الواهب أو الاجنبي، كأعمرتك هذا عمري، أو عمر فلان.
لم تصح.
ولو قال لغيره أنت في حل مما تأخذ أو تعطي أو تأكل من مالي، فله الاكل فقط، لانه إباحة، وهي تصح بمجهول، بخلاف الاخذ والاعطاء، قاله العبادي، ولو قال وهبت لك جميع ما لي، أو نصف ما لي، صحت إن كان المال أو نصفه معلوما لهما، وإلا فلا.
وفي الانوار: لو قال أبحت لك ما في داري، أو ما في(3/173)
كرمي، من العنب، فله أكله دون بيعه، وحمله، وإطعامه لغيره، وتقتصر الاباحة على الموجود، أي عندها في الدار أو الكرم.
ولو قال أبحت لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا، ولم يعلم المبيح الجميع، لم تحصل الاباحة.
اه.
وجزم بعضهم أن الاباحة لا ترتد بالرد.
وشرط الموهوب كونه عينا يصح بيعها، فلا تصح هبة المجهول كبيعه، وقد مر آنفا بيانه، بخلاف هديته وصدقته، فتصحان، فيما استظهره شيخنا، وتصح هبة المشاع، كبيعه، ولو قبل القسمة: سواء وهبه للشريك أو غيره.
وقد تصح الهبة دون البيع، كهبة حبتي بر ونحوهما من المحقرات، وجلد نجس، على تناقض فيه في الروضة، وكذا دهن متنجس (وتلزم) أي الهبة(3/174)
بأنواعها الثلاثة: (بقبض)، فلا تلزم بالعقد، بل بالقبض على الجديد، لخبر أنه (ص) أهدى للنجاشي ثلاثين أوقية مسكا، فمات قبل أن يصل إليه، فقسمه (ص) بين نسائه، ويقاس بالهدية.
الباقي، وإنما يعتد بالقبض إن كان بإقباض الواهب أو بإذنه أو إذن وكيله فيه، ويحتاج إلى إذنه فيه وإن كان الموهوب في يد المتهب.
ولا يكفي هنا الوضع بين يدي المتهب بلا إذن فيه، لان قبضه غير مستحق له، فاعتبر تحققه، بخلافه في المبيع، فلو مات(3/175)
أحدهما قبل القبض، قام مقامه وارثه في القبض والاقباض.
ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الاذن قبله، وقال المتهب بعد صدق الواهب على ما استظهره الاذرعي، لكن ميل شيخنا إلى تصديق المتهب، لان الاصل
عدم الرجوع قبله، وهو قريب.
ويكفي الاقرار بالقبض، كأن قيل له وهبت كذا من فلان وأقبضته، فقال نعم، وأما الاقرار، أو الشهادة بمجرد الهبة.
فلا يستلزم القبض.
نعم، يكفي عنه قول الواهب ملكها المتهب ملكا لازما.
قال بعضهم: وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه، لئلا يتنبه له، (ولاصل) ذكر أو أنثى من جهة الاب أو الام وإن علا (رجوع فيما وهب)، أو تصدق، أو أهدى، لا فيما أبرأ (لفرع) وإن سفل، إن بقي الموهوب (في(3/176)
سلطنتة بلا استهلاك) وإن غرس الارض، أو بنى فيها، أو تخلل عصير موهوب، أو آجره، أو علق عتقه، أو رهنه، أو وهبه بلا قبض فيهما لبقائه في سلطنته، فلا رجوع إن زال ملكه بهبة مع قبض، وإن كانت الهبة من الابن لابنه أو لاخيه لابيه، أو ببيع، ولو من الواهب، على الاوجه، أو بوقف.
ويمتنع الرجوع بزوال الملك، وإن عاد إليه، ولو بإقالة أو رد بعيب، لان الملك غير مستفاد منه حينئذ.
ولو وهبه الفرع لفرعه وأقبضه ثم رجع فيه:(3/177)
ففي رجوع الاب وجهان، والاوجه منهما: عدم الرجوع، لزوال ملكه، ثم عوده، ويمتنع أيضا إن تعلق به حق لازم، كأن رهنه لغير أصل وأقبضه ولم ينفك، وكذا إن استهلك، كأن تفرخ البيض، أو نبت الحب، لان الموهوب صار مستهلكا.
ويحصل الرجوع (بنحو رجعت) في الهبة، كنقضتها، أو أبطلتها، أو رددت الموهوب إلى ملكي.
وكذا بكناية، كأخذته، وقبضته، مع النية، لا بنحو بيع وإعتاق وهبة لغيره ووقف، لكمال ملك الفرع.
ولا يصح تعليق الرجوع بشرط، ولو زاد الموهوب رجع بزيادته المتصلة، كتعلم الصنعة، لا(3/178)
المنفصلة، كالاجرة والولد والحمل الحادث على ملك فرعه.
ويكره للاصل، الرجوع في عطية الفرع، إلا لعذر، كأن كان الولد عاقا، أو يصرفه في معصية، وبحث البلقيني امتناعه في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه، وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه، كما أفتى به النووي، واعتمده جمع متأخرون، قال الجلال البلقيني عن أبيه، وفرض ذلك فيما إذا فسره بالهبة، وهو فرض لا بد منه.
انتهى.
وقال النووي: لو وهب وأقبض ومات فادعى الوارث كونه في المرض، والمتهب كونه في الصحة،(3/179)
صدق.
انتهى ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث، لان معها زيادة علم (وهبة دين للمدين إبراء) له عنه، فلا يحتاج إلى قبول، نظرا للمعنى.
(ولغيره) أي المدين هبة (صحيحة) إن علما قدره، كما صححه جمع، تبعا للنص، خلافا لما صححه المنهاج.
(تنبيه) لا يصح الابراء من المجهول للدائن أو المدين، لكن فيما فيه معاوضة، كأن أبرأتني فأنت طالق، لا فيما عدا ذلك: على المعتمد، وفي القديم: يصح من المجهول مطلقا.
ولو أبرأ، ثم ادعى الجهل: لم يقبل(3/180)
ظاهرا، بل باطنا.
ذكره الرافعي.
وفي الجواهر عن الزبيلي: تصدق الصغيرة المزوجة إجبارا بيمينها في جهلها بمهرها.
قال الغزي: وكذا الكبيرة المجبرة إن دل الحال على جهلها، وطريق الابراء من المجهول، أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين، كألف شك هل دينه يبلغها أو ينقص عنها ؟ ولو أبرأ من معين معتقدا أنه لا يستحقه، فبان أنه يستحقه، برئ، ويكره لمعط: تفضيل في عطية فروع، وإن سفلوا، ولو الاحفاد مع وجود الاولاد، على الاوجه، سواء كانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا.
أو أصول، وإن بعدوا، سواء الذكر وغيره إلا لتفاوت حاجة، أو فضل، على الاوجه، قال جمع: يحرم، ونقل في الروضة عن الدارمي: فإن(3/181)
فضل في الاصل فليفضل الام، وأقره لما في الحديث أن لها ثلثي البر، بل في شرح مسلم عن المحاسبي، الاجماع على تفصيلها في البر على الاب.(3/182)
(فروع) الهدايا المحمولة عند الختان ملك للاب، وقال جمع: للابن.
فعليه يلزم الاب قبولها، ومحل الخلاف إذا أطلق المهدي فلم يقصد واحدا منهما، وإلا فهي لمن قصده، اتفاقا، ويجري ذلك فيما يعطاه خادم الصوفية فهو له فقط عند الاطلاق، أو قصده.
ولهم عند قصدهم وله ولهم عند قصدهما، أي يكون له النصف فيما يظهر، وقضية ذلك أن ما اعتيد في بعض النواحي من وضع طاسة بين يدي صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم، ثم يقسم على الحالق أو الخاتن أو نحوهما، يجري فيه ذلك التفصيل، فإن قصد ذلك وحده، أو مع نظرائه المعاونين له، عمل بالقصد.
وإن أطلق، كان ملكا لصاحب الفرح، يعطيه لمن يشاء.
وبهذا يعلم أنه لا
نظر هنا للعرف، أما مع قصد خلافه، فواضح، وأما مع الاطلاق، فلان حمله على من ذكر، من الاب والخادم(3/183)
وصاحب الفرح، نظرا للغالب أن كلا من هؤلاء هو المقصود هو عرف الشرع، فيقدم على العرف المخالف له، بخلاف ما ليس للشرع فيه عرف، فإنه تحكم فيه العادة.
ومن ثم لو نذر لولي ميت بمال، فإن قصد أنه يملكه، لغا، وإن أطلق، فإن كان على قبره ما يحتاج للصرف في مصالحه، صرف له، وإلا فإن كان عنده قوم اعتيد قصدهم بالنذر للولي، صرف لهم، ولو أهدي لمن خلصه من ظالم لئلا ينقص ما فعله لم يحل له قبوله، وإلا حل، أي وإن تعين عليه تخليصه، ولو قال خذ هذا واشتر لك به كذا، تعين ما لم يرد التبسط، أي أو تدل(3/184)
قرينة حاله عليه.
ومن دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد، رجع على من أقبضه، ولو بعث هدية إلى شخص فمات المهدي إليه قبل وصولها، بقيت على ملك المهدي، فإن مات المهدى، لم يكن للرسول حملها إلى المهدى إليه.(3/185)
باب في الوقف هو لغة: الحبس.
وشرعا: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح وجهة والاصل فيه: خبر مسلم: إذا مات المسلم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو(3/186)
علم ينتفع به، أو ولد صالح أي مسلم يدعو له، وحمل العلماء: الصدقة الجارية على الوقف دون نحو الوصية بالمنافع المباحة.
ووقف عمر رضي الله عنه أرضا أصابها بخيبر بأمره (ص) وشرط فيها شروط: منها أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب، وأن من وليها يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقا غير متمول.
رواه الشيخان.
وهو(3/187)
أول من وقف في الاسلام.
وعن أبي يوسف أنه لما سمع خبر عمر أنه لا يباع أصلها رجع عن قول أبي حنيفة ببيع الوقف، وقال لو سمعه لقال به.
(صح وقف عين) معينة (مملوكة) ملكا يقبل النقل (تفيد) فائدة حالا أو مآلا:
كثمرة، أو منفعة يستأجر لها غالبا (وهي باقية) لانه شرع ليكون صدقة جارية وذلك كوقف شجر لريعه وحلى للبس ونحو مسك لشم وريحان مزروع بخلاف عود البخور، لانه لا ينتفع به إلا باستهلاكه.
والمطعوم، لان(3/188)
نفعه في إهلاكه.
وزعم ابن الصلاح: صحة وقف الماء اختيار له ويصح وقف المغصوب وإن عجز عن تخليصه ووقف العلو دون السفل مسجدا.
والاوجه صحة وقف المشاع، وإن قل، مسجدا.
ويحرم المكث فيه على الجنب، تغليبا للمنع، ويمنع إعتكاف وصلاة به من غير إذن ما لك المنفعة (بوقفت وسبلت)، وحبست (كذا(3/189)
على كذا) أو أرضي موقوفة، أو وقف عليه.
ولو قال تصدقت بكذا على كذا صدقة محرمة أو مؤبدة، أو صدقة لاتباع أو لا توهب أو لا تورث: فصريح - في الاصح - (و) من الصرائح قوله: (جعلت هذا) المكان (مسجدا) فيصير به مسجدا، وإن لم يقل لله، ولا أتى بشئ مما مر: لان المسجد لا يكون إلا وقفا.
ووقفته للصلاة: صريح في الوقفية، وكناية في خصوص المسجدية.
فلا بد من نيتها في غير الموات.
نقل القامولي عن الرواياني وأقره من أنه لو عمر مسجدا خرابا ولم يقف آلاته: كانت عارية له، يرجع فيها متى شاء.
انتهى.
ولا يثبت حكم المسجد من صحة الاعتكاف وحرمة المكث للجنب لما أضيف من الارض الموقوفة حوله إذا احتيج(3/190)
إلى توسعته على ما أفتى به شيخنا ابن زياد وغيره.
وعلم مما مر أن الوقف لا يصح إلا بلفظ، ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة.
فلو بنى بناء علي هيئة مسجد وأذن في إقامة الصلاة فيه: لم يخرج بذلك عن ملكه، كما إذا جعل مكانا على هيئة المقبرة، وأذن في الدفن - بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف فيه فإنه يصير بذلك مسجدا.
قال البغوي في فتاويه.
لو قال لقيم المسجد اضرب اللبن من أرضي للمسجد، فضربه، وبنى به المسجد، صار له حكم المسجد، وليس له نقضه، وله استرداده قبل أن يبنى به.
انتهى.
وألحق البلقيني بالمسجد في ذلك: البئر المحفورة للسبيل.
والاسنوي: المدارس والربط.
وقال الشيخ أبو محمد: وكذا لو أخذ من الناس ليبنى به زاوية أو رباطا فيصير كذلك بمجرد بنائه.
و 2 ضعفه بعضهم.
ويصح وقف بقرة على رباط ليشرب لبنها من نزله أو ليباع نسلها لمصالحه.
(وشرط له) أي للوقف (تأبيد) فلا يصح تأقيته.
كوقفته على زيد سنة.
(وتنجيز)، فلا يصح(3/191)
تعليقه: كوقفته على زيد إذا جاء رأس الشهر.
نعم: يصح تعليقه بالموت: كوقفت داري بعد موتي على الفقراء.
قال الشيخان: وكأنه وصية، لقول القفال إنه عرضها للبيع كان رجوعا.
(وإمكان تمليك) للموقوف عليه العين الموقوفة إن وقف على معين واحد، أو جمع: بأن يوجد خارجا متأهلا للملك.
فلا يصح الوقف على(3/192)
معدوم: كعلى مسجد سيبني، أو على ولده - ولا ولد له - أو على من سيولد لي ثم الفقراء.
لانقطاع أوله.
أو على فقراء أولاده ولا فقير فيهم، أو على أن يطعم المساكين ريعه على رأس قبره - بخلاف قبر أبيه الميت.
وأفتى ابن الصلاح بأنه لو وقف على من يقرأ على قبره بعد موته فمات ولم يعرف له قبر: بطل.
انتهى.
ويصح على المعدوم تبعا للموجود: كوقفته على ولدي ثم على ولد ولدي، ولا على أحد هذين، ولا على عمارة مسجد - إن لم يبينه - ولا على نفسه: لتعذر تمليك الانسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه.
ومنه أن يشرط نحو قضاء(3/193)
دينه مما وقفه أو انتفاعه به، لا شرط نحو شربه أو مطالعته من بئر وكتاب وقفهما على نحو الفقراء.
كذا قاله بعض شراح المنهاج.
ولو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا: جاز له الاخذ منه، وكذا لو كان فقيرا حال الوقف.
ويصح شرط النظر لنفسه ولو بمقابل - إن كان بقدر أجرة مثل فأقل - ومن حيل صحة الوقف على نفسه: أن يقف(3/194)
على أولاد أبيه ويذكر صفات نفسه، فيصح، كما قاله جمع متأخرون، واعتمده ابن الرفعة، وعمل به في حق نفسه، فوقف على الافقه من بني الرفعة، وكان يتناوله.
ويبطل الوقف في جهة معصية: كعمارة الكنائس، وكوقف سلاح على قطاع طريق، ووقف على عمارة قبور غير الانبياء والعلماء والصالحين.
(فرع) يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم، وقد تكرر، - من غير واحد - الافتاء ببطلان الوقف حينئذ.
قال شيخنا - كالطنبداوي - فيه نظر ظاهر، بل الوجه الصحة.
(لا قبول) فلا يشترط (ولو من معين) نظرا إلى أنه قربة، بل الشرط عدم الرد.
وما ذكرته في المعين هو(3/195)
المنقول عن الاكثرين.
واختاره في الروضة ونقله في شرح الوسيط عن نص الشافعي.
وقيل يشترط من المعين القبول، نظرا إلى أنه تمليك، وهو ما رجحه في المنهاج كأصله.
فإذا رد المعين: بطل حقه - سوءاء شرطنا قبوله أم لا - نعم: لو وقف على وارثه الحائز شيئا يخرج من الثلث: لزم، وإن رده.
وخرج بالمعين: الجهة العامة وجهة التحرير - كالمسجد - فلا قبول فيه جزما: ولو وقف على اثنين معينين ثم الفقراء فمات أحدهما فنصيبه(3/196)
يصرف للآخر، لانه شرط في الانتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعا، ولم يوجد (ولو انقرض) أي الموقوف عليه المعين (في منقطع آخر) كأن قال وقفت على أولادي - ولم يذكر أحدا بعد - أو على زيد ثم نسله ونحوهما مما لا يدوم: (فمصرفه) الفقير (الاقرب) رحما - لا إرثا - (إلى الواقف) يوم انقراضهم: كابن البنت وإن كان هناك ابن أخ مثلا، لان الصدقة على الاقارب أفضل، وأفضل منه الصدقة على أقربهم فأفقرهم.
ومن ثم يجب أن يخص(3/197)
به فقراءهم فإن لم يعرف أرباب الوقف أو عرف ولم يكن له أقارب فقراء بل كانوا أغنياء - وهم من حرمت عليه الزكاة - صرفه الامام في مصالح المسلمين.
وقال جمع يصرف إلى الفقراء والمساكين: أي ببلد الموقوف.
ولا يبطل الوقف على كل حال بل يكون مستمرا عليه إلا فيما لم يذكر المصرف كوقفت هذا وإن قال لله، لان الوقف يقتضي تمليك المنافع، فإذا لم يعين متملكا بطل.
وإنما صح أوصيت بثلثي وصرف للمساكين، لان غالب الوصايا لهم، فحمل الاطلاق عليهم، وإلا في منقطع الاول: كوقفته على من يقرأ على قبري بعد موتي، أو(3/198)
على قبر أبي وهو حي: فيبطل - بخلاف وقفته الآن، أو بعد موتي على من يقرأ على قبري بعد موتي، فإنه وصية.
فإن خرج من الثلث أو أجيز وعرف قبره: صحت، وإلا فلا.
وحيث صحت، وإلا فلا.
وحيث صححنا الوقف أو الوصية: كفي قراءة شئ من القرآن بلا تعيين بسورة يس، وإن كان غالب قصد الواقف ذلك - كما أفتى به شيخنا الزمزمي - وقال بعض أصحابنا: هذا إذا لم يطرد عرف في البلد بقراءة قدر معلوم أو سورة معينة وعلمه الواقف، وإلا فلا بد منه: إذ عرف البلد المطرد في زمنه بمنزلة شرطه (ولو شرط) أي الواقف (شيئا) يقصد(3/199)
كشرط أن لا يؤجر مطلقا، أو إلا كذا: كسنة، أو أن يفضل بعض الموقوف عليهم على بعض - أو أنثى على ذكر - أو يسوى بينهم، أو اختصاص نحو مسجد - كمدرسة ومقبرة - بطائفة كشافعية: (اتبع) شرطه - في غير حالة الضرورة - كسائر شروطه التي لم تخالف الشرع.
وذلك لما فيه من وجوه المصلحة: أما ما خالف الشرع: كشرط العزوبة في سكان المدرسة - أي مثلا - فلا يصح - كما أفتى به البلقيني - وخرج بغير حالة الضرورة، ما لم يوجد غير المستأجر الاول وقد شرط أن لا يوءجر لانسان أكثر من سنة أو أن الطالب لا يقيم أكثر من سنة ولم(3/200)
يوجد غيره في السنة الثانية: فيهمل شرطه حينئذ - كما قاله ابن عبد السلام.
(فائدة) الواو العاطفة للتسوية بين المتعاطفات: كوقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي وثم والفاء للترتيب ويدخل أولاد بنات في ذرية ونسل وعقب وأولاد أولاد، إلا إن قال على من ينسب إلي منهم، فلا(3/201)
يدخلون حينئذ، والمولى يشمل معتقا وعتيقا.
تنبيه حيث أجمل الواقف شرطه، اتبع فيه العرف المطرد في زمنه - لانه بمنزلة شرطه - ثم ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين - كما يدل عليه كلامهم - ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة على الطرق غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب.
وبحث بعضهم حرمة نحو بصاق وعسل وسخ في ماء مطهرة المسجد، وإن كثر.(3/202)
(وسئل) العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار التي عند المساجد فيها الماء إذا لم يعلم أنها موقوفة للشرب، أو الوضوء أو الغسل الواجب، أو المسنون، أو غسل النجاسة ؟ (فأجاب) إنه إذا دلت قرينة على أن الماء موضوع لتعميم الانتفاع: جاز جميع ما ذكر من الشرب وغسل النجاسة وغسل الجنابة وغيرها.
ومثال القرينة: جريان الناس على تعميم لانتفاع من غير نكير من فقيه وغيره، إذا الظاهر من عدم النكير: أنهم أقدموا على تعميم الانتفاع بالماء بغسل وشرب ووضوء وغسل نجاسة.
فمثل هذا إيقاع يقال بالجواز.
وقال إن فتوى العلامة عبد الله بامخرمة يوافق ما ذكره.
انتهى.
قال القفال وتبعوه: ويجوز شرط رهن من مستعير كتاب وقف يأخذه الناظر منه ليحمله على رده وألحق به شرط ضامن.
وأفتى بعضهم
في الوقف على النبي (ص) أو النذر له بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط، أو على أهل بلد أعطي مقيم بها أو غائب عنها لحاجة غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا.(3/203)
(فروع) قال التاج الفزاري والبرهان المراغي وغيرهما: من شرط قراءة جزء من القرآن كل يوم كفاه قدر جزء، ولو مفرقا ونظرا، وفي المفرق نظر.
ولو قال ليتصدق بغلته في رمضان أو عاشوراء ففات: تصدق بعده، ولا ينتظر مثله.
نعم: إن قال فطرا لصوامه انتظره.
وأفتى غير واحد بأنه لو قال على من يقرأ على قبر أبي كل جمعة يس بأنه إن حد القراء بمدة معينة، أو عين لكل سنة غلة: اتبع، وإلا بطل - نظير ما قالوه من بطلان الوصية لزيد كل شهر بدينار إلا في دينار واحد.
انتهى.
وإنما يتجه إلحاق الوقف بالوصية: إن علق بالموت، لانه حينئذ(3/204)
وصية.
وأما الوقف الذي ليس كالوصية: فالذي يتجه صحته، إذ لا يترتب عليه محذور بوجه - لان الناظر إذا قرر من يقرأ كذلك: استحق ما شرط ما دام يقرأه فإذا مات مثلا: قرر الناظر غيره، وهكذا.
ولو قال الواقف وقفت هذا على فلان ليعمل كذا: قال ابن الصلاح: احتمل أن يكون شرطا للاستحقاق، وأن يكون توصية له لاجل وقفه.
فإن علم مراده: اتبع، وإن شك: لم يمنع الاستحقاق.
وإنما يتجه فيما لا يقصد عرفا صرف الغلة في مقابلته، وإلا كلتقرأ أو تتعلم كذا: فهو شرط للاستحقاق - فيما استظهره شيخنا - ولوقف وأوصى للضيف: صرف للوارد على ما يقتضيه العرف ولا يزاد على ثلاثة أيام مطلقا، ولا يدفع له حب إلا إن شرطه الواقف.
وهل يشترط فيه الفقر ؟ قال شيخنا: الظاهر لا.
(وسئل) شيخنا الزمزمي عمال وقف ليصرف غلته للاطعام عن رسول الله (ص): فهل يجوز للناظر أن(3/205)
يطعمها من نزل به من الضيفان في غير شهر المولد بذلك القصد أو لا ؟ وهل يجوز للقاضي أن يأكل من ذلك إذا لم يكن له رزق من بيت المال ولا من مياسير المسلمين ؟ (فأجاب) بأنه يجوز للناظر أن يصرف الغلة المذكورة في إطعام من ذكر، ويجوز للقاضي الاكل منها أيضا - لانها صدقة - والقاضي إذا لم يعرفه المتصدق ولم يكن القاضي عارفا به.
قال السبكي لا شك في جواز الاخذ
له.
وبقوله أقول: لانتفاء المعنى المانع، وإلا يحتمل أن يكون كالهدية.
ويحتمل الفرق بأن المتصدق إنما قصد ثواب الآخرة.
انتهى.
وقال ابن عبد السلام: ولا يستحق ذو وظيفة كقراءة أخل بها في بعض الايام.
وقال النووي: وإن أخل استناب لعذر - كمرض، أو حبس - بقي استحقاقه، وإلا لم يستحق لمدة الاستنابة.
فأفهم(3/206)
بقاء أثر أستحقاقه لغير مدة الاخلال، وهو ما اعتمده السبكي - كابن الصلاح - في كل وظيفة تقبل الانابة: كالتدريس والامامة.
(ولموقوف عليه) عين مطلقا أو لاستغلال ريعها لغير نفع خاص منها (ريع) وهو فوائد الموقوف جميعها: كأجرة ودر وولد حادث بعد الوقف، وثمر وغصن يعتاد قطعه، أو شرط ولم يوءد قطعه لموت أصله فيتصرف في فوائده تصرف الملاك بنفسه وبغيره - ما لم يخالف شرط الواقف - لان ذلك هو المقصود من(3/207)
الوقف.
وأما الحمل المقارن: فوقف تبعا لامة.
أما إذا وقفت عليه عين لنفع خاص - كدابة للركوب - ففوائدها من در ونحوه للواقف.
ولا يجوز وطئ أمة موقوفة - ولو من واقف أو موقوف عليه - لعدم ملكها، بل يحدان، ويزوجها قاض بإذن الموقوف عليه - لا له، ولا للواقف.
(واعلم) أن الملك في رقبة الموقوف على معين أو جهة ينتقل إلى الله تعالى: أي ينفك عن اختصاص الآدميين.
فلو شغل المسجد بأمتعة وجبت الاجرة له فتصرف لمصالحه على الاوجه.(3/208)
(فائدة) ومن سبق إلى محل من مسجد لاقراء قرآن أو حديث أو علم شرعي أو آلة له أو لتعلم ما ذكر أو كسماع درس بين يدي مدرس وفارقه ليعود إليه ولم تطل مفارقته بحيث انقطع عنه الالفة: فحقه باق، لان له غرضا في ملازمة ذلك الموضع ليألفه الناس.
وقيل يبطل حقه بقيامه.
وأطالوا في ترجيحه نقلا ومعنى أو للصلاة(3/209)
ولو قبل دخول وقتها أو قراءة أو ذكر وفارقه بعذر: كقضاء حاجة وإجابة داع، فحقه باق - ولو صبيا - في الصف الاول في تلك الصلاة، وإن لم يترك رداءه فيه.
فيحرم - على غير العالم - الجلوس فيه بغير إذنه، أو ظن رضاه.
نعم: إن أقيمت الصلاة في غيبته واتصلت الصفوف: فالوجه سد الصف مكانه، لحاجة إتمام الصفوف.
ذكره(3/210)
الاذرعي وغيره.
فلو كان له سجادة فيه فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الارض، لئلا تدخل في ضمانه.
أما جلوسه لاعتكاف فإن لم ينو مدة بطل حقه بخروجه - ولو لحاجة - وإلا لم يبطل حقه بخروجه أثناءها لحاجة.
وأفتى القفال بمنع تعليم الصبيان في المساجد (ولا يباع موقوف وإن خرب) فلو انهدم مسجد وتعذرت إعادته: لم يبع، ولا يعود ملكا بحال - لامكان الصلاة والاعتكاف في أرضه - أو جف الشجر الموقوف أو قلعه ريح لم(3/211)
يبطل الوقف، فلا يباع ولا يوهب، بل ينتفع الموقوف عليه - ولو بجعله أبوابا، إن لم يمكنه إجارته خشبا بحاله - فإن تعذر الانتفاع به إلا باستهلاكه: كأن صار لا ينتفع به إلا بالاحراق: انقطع الوقف - أي ويملكه الموقوف عليه حينئذ - على المعتمد فينتفع بعينه ولا يبيعه.
ويجوز بيع حصر المسجد الموقوفة عليه إذا بليت، بأن ذهب جمالها ونفعها وكانت المصلحة في بيعها، وكذا جذوعه المنكسرة - خلافا لجمع فيهما - ويصرف ثمنها لمصالح(3/212)
المسجد إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به.
والخلاف في الموقوفة - ولو بأن اشتراها الناظر ووقفها - بخلاف الموهوبة والمشتراة للمسجد، فتباع جزما، لمجرد الحاجة: أي المصلحة - وإن لم تبل - وكذا نحو القناديل.
ولا يجوز استعمال حصر المسجد ولا فراشه في غير فرشه مطلقا - سواء كانت لحاجة أم لا - كما أفتى به شيخنا.
ولو اشترى الناظر أخشابا للمسجد، أو وهبت له وقبلها الناظر: جاز بيعها لمصلحة - كأن خاف عليها نحو سرقة - لا إن كانت موقوفة من أجزاء المسجد، بل تحفظ له وجوبا.
ذكره الكمال الرداد في فتاويه.
ولا ينقض المسجد إلا إذا خيف على نقضه فينقض يحفظ، أو يعمر به مسجد آخر إن رآه الحاكم.
والاقرب إليه أولى، ولا يعمر به(3/213)
غير جنسه كرباط وبئر - كالعكس - إلا إذا تعذر جنسه.
والذي يتجه ترجيحه في ريع وقف المنهدم، أنه إن توقع عوده: حفظ له، وإلا صرف لمسجد آخر.
فإن تعذر: صرف للفقراء، كما يصرف النقض لنحو رباط.
(وسئل) شيخنا عما إذا عمر مسجد بآلات جدد، وبقيت آلاته القديمة: فهل يجوز عمارة مسجد آخر قديم بها أو تباع ويحفظ ثمنها ؟
(فأجاب) بأنه يجوز عمارة مسجد قديم وحادث بها حيث قطع بعدم احتياج ما هي منه إليها قبل فنائها،(3/214)
ولا يجوز بيعه بوجه من الوجوه.
انتهى.
ونقل نحو حصير المسجد وقناديله كنقل آلته.
ويصرف ريع الموقوف على المسجد مطلقا، أو على عمارته في البناء - ولو لمنارته - وفي التجصيص المحكم والسلم، وفي أجرة القيم - لا المؤذن والامام والحصر والدهن، إلا إن كان الوقف لمصالحه، فيصرف في ذلك - لا في التزويق والنقش - وما ذكرته - من أنه لا يصرف للمؤذن والامام في الوقف المطلق - هو مقتضى ما نقله النووي في الروضة عن البغوي، لكنه نقل بعده عن فتاوي الغزالي أنه يصرف لهما، وهو الاوجه - كما في الوقف على مصالحه - ولو وقف على دهن لاسراج المسجد به أسرج كل الليل إن لم يكن مغلقا مهجورا.
وأفتى ابن عبد السلام بجواز إيقاد اليسير من المصابيح فيه ليلا - احتراما - مع خلوه من الناس، واعتمده جمع.
وجزم في الروضة بحرمة إسراج الخالي.
قال في المجموع: يحرم أخذ شئ من زيته وشمعه - كحصاه وترابه -.(3/215)
(فرع) ثمر الشجر النابت بالمقبرة المباحة مباح وصرفه لمصالحها أولى، وثمر المغروس في المسجد ملكه إن غرس له، فيصرف لمصالحه.
وإن غرس ليوءكل أو جهل الحال فمباح.
وفي الانوار: ليس للامام إذا اندرست مقبرة ولم يبق بها أثر: إجارتها للزراعة - أي مثلا - وصرف غلتها للمصالح وحمل على الموقوفة: فالمملوكة لمالكها إن عرف، وإلا فمال ضائع: أي إن أيس من معرفته يعمل فيه الامام بالمصلحة، وكذا المجهولة.
(وسئل) العلامة الطنبداوي في شجرة نبتت بمقبرة مسبلة ولم يكن لها ثمر ينتفع به إلا أن بها أخشابا كثيرة(3/216)
تصلح للبناء، ولم يكن لها ناظر خاص، فهل للناظر العام - أي القاضي - بيعها وقطعها وصرف قيمتها إلى مصالح المسلمين ؟.
(فأجاب) نعم: للقاضي في المقبرة العامة المسبلة بيعها وصرف ثمنها في مصالح المسلمين، كثمر الشجرة التي لها ثمر، فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى.
هذا عند سقوطها بنحو ريح.
وأما قطعها مع
سلامتها فيظهر إبقاوها للرفق بالزائر والمشيع.
(ولو شرط واقف نظرا له) أي لنفسه (أو لغيره اتبع) كسائر شروطه.
وقبول من شرط له النظر: كقبول الوكيل - على الاوجه - وليس له عزل من شرط نظره حال الوقف - ولو(3/217)
لمصلحة - (وإلا) يشرط لاحد (فهو لقاض) أي قاضي بلد الموقوف بالنسبة لحفظه وإجارته، وقاضي بلد الموقوف عليه بالنسبة لما عدا ذلك على المذهب: لانه صاحب النظر العام، فكان أولى من غيره، ولو واقفا أو موقوفا عليه.
وجزم الخوارزمي بثبوته للواقف وذريته بلا شرط ضعيف.
قال السبكي: ليس للقاضي أخذ ما شرط للناظر إلا أن صرح الواقف بنظره كما أنه ليس له أخذ شئ من سهم عامل الزكاة قال ابنه التاج: ومحله في قاض له قدر كفايته.
وبحث بعضهم أنه لو خشي من القاضي أكل الوقف لجوره جاز لمن هو بيده صرفه في مصارفه: أي إن عرفها، وإلافوضه لفقيه عارف بها أو سأله وصرفها.
وشرط الناظر - واقفا كان أو غيره - العدالة،(3/218)
والاهتداء إلى التصرف المفوض إليه.
ويجوز للناظر ما شرط له من الاجرة وإن زاد على أجرة مثله، ما لم يكن الواقف.
فإن لم يشرط له شئ فلا أجرة له.
نعم: له رفع الامر إلى الحاكم ليقرر له الاقل من نفقته وأجرة مثله - كولي اليتيم - وأفتى ابن الصباغ بأن له الاستقلال بذلك من غير حاكم وينعزل الناظر بالفسق، فيكون النظر للحاكم.
وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره، إلا إن شرط نظره حال الوقف.(3/219)
(تتمة) لو طلب المستحقون من الناظر كتاب الوقف ليكتبوا منه نسخة حفظا لاستحقاقهم: لزمه تمكينهم - كما أفتى به بعضهم.(3/220)
باب في الاقرار هو لغة الاثبات، وشرعا إخبار الشخص بحق عليه.
ويسمى اعترافا (يؤاخذ بإقرار مكلف مختار) فلا(3/221)
يؤاخذ بإقرار صبي ومجنون ومكره بغير حق على الاقرار بأن ضرب ليقر، إما مكره على الصدق: كأن ضرب
ليصدق في قضية اتهم فيها فيصح حال الضرب وبعده على إشكال قوي فيه، سيما إن علم أنهم لا يرفعون الضرب إلا بأخذت مثلا.
ولو ادعى صبا أمكن أو نحو جنون عهد أو إكراها، وثم أمارة كحبس أو ترسيم وثبت ببينة أو بإقرار المقر له أو بيمين مردودة: صدق بيمينه، ما لم تقم بينة بخلافه.
وأما إذا ادعى الصبي بلوغا بإمناء(3/222)
ممكن، فيصدق في ذلك ولا يحلف عليه، أو بسن: كلف ببنة عليه وإن كان غريبا لا يعرف - وهي رجلان - نعم: إن شهد أربع نسوة بولادته يوم كذا: قبلن ويثبت بهن السن تبعا - كما قاله شيخنا (وشرط فيه) أي الاقرار (لفظ) يشعر بالتزام بحق (كعلي) أو (عندي كذا) لزيد، ولو زاد: فيما أظن أو أحسب: لغا.
ثم إن كان المقر به(3/223)
معينا: كلزيد هذا الثوب، أو خذ به أو غيره كله ثوب أو ألف: اشترط أن يضم إليه شئ مما يأتي: كعندي، أو علي.
وقوله علي أو في ذمتي للدين، ومعي أو عندي للعين ويحمل العين على أدنى المراتب، وهو الوديعة، فيقبل قوله بيمينه في الرد والتلف (و) ك (- نعم)، وبلى وصدقت، (وأبرأتني) منه، أو أبرئني منه.
(وقضيته لجواب أليس لي) عليك كذا ؟ (أو) قال له (لي عليك كذا) من غير استفهام، لان المفهوم من ذلك: الاقرار.
ولو(3/224)
قال اقض الالف الذي لي عليك، أو أخبرت أن لي عليك ألفا فقال نعم، أو أمهلني، أو لا أنكر ما تدعيه، أو حتى أفتح الكيس، أو أجد المفتاح أو الدراهم مثلا: فإقرار - حيث لا استهزاء - فإن اقترن بواحد مما ذكر قرينة استهزاء: كإيراد كلامه بنحو ضحك وهز رأسه مما يدل على التعجب والانكار: أي وثبت ذلك - كما هو ظاهر - لم يكن به مقرا على المعتمد.
وطلب البيع إقرار بالملك والعارية والاجارة بملك المنفعة، لكن تعينها إلى(3/225)
المقر.
وأما قوله ليس لك علي أكثب من ألف، جوابا لقوله لي عليك ألف أو نتحاسب أو اكتبوا لزيد علي ألف درهم أو اشهدوا علي بكذا أو بما في هذا الكتاب، فليس بإقرار - بخلاف أشهدكم، مضافا لنفسه.
وقوله - لمن شهد عليه - هو عدل فيما شهد به إقرار: كإذا شهد علي فلان بمائة أو قال ذلك فهو صادق، فإنه إقرار - وإن لم يشهد - (و) شرط (في مقر به أن لا يكون) ملكا (لمقر) حين يقر، لان الاقرار ليس إزالة عن الملك، وإنما هو
إخبار عن كونه ملكا للمقر له إذا لم يكذبه.
فقوله داري أو ثوبي أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد، أو ديني(3/226)
الذي على زيد لعمرو: لغو - لان الاضافة إليه تقتضي الملك له، فتنافى الاقرار به لغيره: إذ هو إقرار بحق سابق.
ولو قال مسكني أو ملبوسي لزيد، فهو إقرار، لانه قد يسكن ويلبس ملك غيره.
ولو قال: الدين الذي كتبته أو باسمي على زيد لعمرو: صح، أو الدين الذي لي على زيد لعمرو: لم يصح، إلا إن قال: واسمي في الكتاب عارية.
ولو أقر بحرية عبد معين في يد غيره أو شهد بها ثم اشتراه لنفسه أو ملكه بوجه آخر: حكم بحريته.
ولو(3/227)
أشهد أنه سيقر بما ليس عليه، فأقر أن عليه لفلان كذا: لزمه، ولم ينفعه ذلك الاشهاد.
(وصح إقرار من مريض) مرض موت (ولو لوارث) بدين أو عين، فيخرج من رأس المال - وإن كذبه بقية الورثة - لانه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر، فالظاهر صدقه.
لكن للوارث تحليف المقر له على الاستحقاق - فيما استظهره شيخنا - خلافا للقفال.
ولو أقر بنحو هبة مع قبض في الصحة قبل، وإن أطلق أو قال في عين عرف أنها ملكه هذه ملك لوراثي نزل على حالة المرض.
قاله القاضي.
فيتوقف على إجازة بقية الورثة: كما لو قال وهبته(3/228)
في مرضي.
واختار جمع عدم قبوله إن اتهم لفساد الزمان، بل قد تقطع القرائن بكذبه، فلا ينبغي لمن يخشى الله أن يقضي أو يفتي بالصحة، ولا شك فيه إذا علم أن قصده الحرمان.
وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ، وأنه لا يحل للمقر له أخذه، ولا يقدم إقرار صحة على إقرار مرض (و) صح إقرار (بمجهول) كشئ أو كذا، فيطلب من المقر تفسيره - فلو قال له علي شئ أو كذا قبل تفسيره بغير عيادة المريض ورد سلام ونجس لا يقتنى(3/229)
كخنزير.
ولو قال له علي مال قبل تفسيره بمتمول وإن قال - لا بنجس - ولو قال هذه الدار وما فيها لفلان صح، واستحق جميع ما فيها وقت الاقرار.
فإن اختلفا في شئ أهو بها وقته ؟ صدق المقر، وعلى المقر له البينة.
(و) صح إقرار (بنسب ألحقه بنفسه): كأن قال هذا ابني (بشرط إمكان) فيه بأن لا يكذبه الشرع والحس - بأن يكون دونه في السن بزمن يمكن فيه كونه ابنه، وبأن لا يكون معروف النسب بغيره (و) مع (تصديق مستلحق) أهل له(3/230)
فإن لم يصدقه أو سكت: لم يثبت نسبه إلا ببينة.
(ولو أقر ببيع أو هبة وقبض وإقباض) بعدها (فادعى فساده لم يقبل) في دعواه فساده.
وإن قال أقررت لظني الصحة، لان الاسم عند الاطلاق يحمل على الصحيح.
نعم: إن قطع ظاهر الحال بصدقه - كبدوي جلف فينبغي قبول قوله.
- كما قاله شيخنا - وخرج بإقباض: ما لو اقتصر على الهبة، فلا يكون مقرا بإقباض.
فإن قال ملكها ملكا لازما وهو يعرف معنى ذلك: كان مقرا بالاقباض، وله تحليف المقر له أنه ليس فاسدا لامكان ما يدعيه، ولا تقبل ببيته، لانه كذبها بإقراره فإن نكل حلف المقر أنه كان فاسدا وبطل البيع أو الهبة، لان اليمين المردودة كالاقرار.
ولو قال هذا لزيد بل لعمرو، أو غصبت من زيد بل من(3/231)
عمرو: سلم لزيد - سواء قال ذلك متصلا بما قبله أم منفصلا عنه، وإن طال الزمن، لامتناع الرجوع عن الاقرار بحق آدمي وغرم بدله لعمرو.
ولو أقر بشئ ثم أقر ببعضه دخل الاقل في الاكثر.
ولو أقر بدين لآخر ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة الاقرار: سمعت دعواه للتحليف فقط.
فإن أقام بينة بالاداء: قبلت - على ما أفتى به بعضهم - لاحتمال ما قاله كما لو قال لا بينة لي ثم أتى ببينة تسمع.
ولو قال لا حق لي على فلان ففيه خلاف.
والراجح منه أنه إن قال فيما أظن أو فيما أعلم ثم أقام بينة بأن له عليه حقا قبلت، وإن لم يقل ذلك لم تقبل ببينته إلا إن اعتذر بنحو نسيان أو غلط ظاهر.(3/232)
باب في الوصية هي لغة الايصال: من وصى الشئ بكذا وصله به، لان الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه.
وشرعا تبرع بحق مضاف لما بعد الموت.
وهي سنة مؤكدة إجماعا.
وإن كانت الصدقة بصحة فمرض أفضل، فينبغي أن لا(3/234)
يغفل عنها ساعة: كما صرح به الخبر الصحيح ما حق أمرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه أي ما الحزم أو المعروف شرعا إلا ذلك، لان الانسان لا يدري متى يفجؤه الموت.
وتكره الزيادة على الثلث إن لم يقصد حرمان ورثته، وإلا حرمت (تصح وصية مكلف حر) مختار عند، الوصية،(3/235)
فلا تصح من صبي ومجنون ورقيق ولو مكاتبا لم يأذن له السيد ولا من مكره والسكران كالمكلف.
وفي قول تصح من صبي مميز (لجهة حل): كعمارة مسجد ومصالحه، وتحمل عليهما عند الاطلاق: بأن قال أوصيت به للمسجد - ولو غير ضرورية - عملا بالعرف.
ويصرفه الناظر للاهم والاصلح باجتهاده.
وهي للكعبة وللضريح(3/236)
النبوي تصرف لمصالحهما الخاصة بهما كترميم ما، وهي من الكعبة دون بقية الحرم، وقيل في الاولى لمساكين مكة.
قال شيخنا: يظهر أخذا مما قالوه في النذر للقبر المعروف بجرجان صحة الوصية كالوقف لضريح الشيخ الفلاني، وتصرف في مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرأون عليه.
أما إذا قال للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه ونحوه: فهي باطلة.
ولو أوصى لمسجد سيبني: لم تصح، وإن بني قبل موته إلا تبعا، وقيل تبطل فيما لو قال أردت تمليكه وكعمارة نحو قبة على قبر نحو عالم في غير مسبلة.
ووقع في زيادات العبادي: ولو(3/237)
أوصى بأن يدفن في بيته بطلت الوصية.
وخرج بجهة حل: جهة المعصية - كعمارة كنيسة وإسراج فيها وكتابة نحو توراة وعلم محرم (و) تصح (لحمل) موجود حال الوصية يقينا، فتصح لحمل انفصل وبه حياة مستقرة لدون ستة أشهر من الوصية أو لاربع سنين فأقل ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد وأمكن كون الحمل منه، لان(3/238)
الظاهر وجوده عندها لندرة وطئ الشبهة وفي تقدير الزنا إساءة ظن بها.
نعم: لو لم تكن فراشا قط لم تصح الوصية قطعا لا لحمل سيحدث وإن حدث قبل موت الموصي: لانها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع، فأشبهت الوقف على من سيولد له.
نعم، إن جعل المعدوم تبعا للموجود - كأن أوصى لاولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الاولاد - صحت لهم تبعا، ولا لغير معين فلا تصح لاحد هذين.
هذا إذا كان بلفظ الوصية، فإن كان بلفظ أعطوا هذا لاحدهما: صح، لانه وصية بالتمليك من الموصى إليه.
(و) تصح (لوارث) للموصي (مع(3/239)
إجازة) بقية (ورثته) بعد موت الموصي وإن كانت الوصية ببعض الثلث ولا أثر لاجازتهم في حياة الموصي: إذ لا
حق لهم حينئذ، والحيلة في أخذه من غير توقف على إجازة أن يوصي لفلان بألف: أي وهو ثلثه فأقل إن تبرع لولده بخمسمائة، أو بألفين كما هو ظاهر.
فإذا قبل وأدى للابن ما شرط عليه.
أخذ الوصية، ولم يشارك بقية الورثة الابن فيما حصل له.
ومن الوصية له إبراؤه وهبته والوقف عليه.
نعم، لو وقف عليهم ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم نفذ من غير إجازة، فليس لهم نقضه.
والوصية لكل وارث بقدر حصته - كنصف وثلث - لغو،(3/240)
لانه يستحقه بغير وصية، ولا يأثم بذلك.
وبعين هي قدر حصته: كأن ترك ابنين وقنا ودارا قيمتهما سواء، فخص كلا بواحد صحيحة إن أجازا.
ولو أوصى للفقراء بشئ لم يجز للوصي أن يعطى منه شيئا لورثة الميت، ولو فقراء - كما نص عليه في الام - وإنما تصح الوصية (بأعطوه كذا)، وإن لم يقل من ما لي أو وهبته له أو جعلته له (أو هو له بعد موتي) في الاربعة، وذلك لان إضافة كل منها للموت صيرتها بمعنى الوصية (وبأوصيت له) بكذا وإن لم يقل بعد موتي لوضعها شرعا لذلك.
فلو اقتصر على نحو وهبته له: فهو هبة ناجزة، أو على نحو ادفعوا(3/241)
إليه من مالي كذا أو أعطوا فلانا من مالي كذا: فتوكيل يرتفع بنحو الموت وليست كناية وصية، أو على جعلته له: احتمل الوصية والهبة، فإن علمت نيته لاحدهما، وإلا بطل، أو على ثلث مالي للفقراء لم يكن إقرارا ولا وصية للفقراء.
قال شيخنا: ويظهر أنه كناية وصية، أو على هو له فإقرار، فإن زاد من مالي فكناية وصية.
وصرح جمع متأخرون بصحة قوله لمدينة إن مت فأعط فلانا ديني الذي عليك أو ففرقه على الفقراء، ولا يقبل قوله في ذلك، بل لا بد من بينة به.
وتنعقد بالكناية: كقوله عينت هذا له، أو ميزته له، أو عبدي هذا له.
والكتابة كناية فتنعقد بها(3/242)
مع النية، ولو من ناطق - إن اعترف نطقا هو أو وارثه بنية الوصية بها - ولا يكفي هذا خطي وما فيه وصيتي، وتصح بالالفاظ المذكورة من الموصي (مع قبول) موصى له (معين) محصور إن تأهل، وإلا فنحو وليه (بعد موت موص) ولو بتراخ، فلا يصح القبول كالرد قبل موت الموصي، لان للموصي أن يرجع فيها.
فلمن رد قبل الموت(3/243)
القبول بعده، ولا يصح الرد بعد القبول.
ومن صريح الرد: رددتها، أو لا أقبلها.
ومن كنايته: لا حاجة لي بها،
وأنا غني عنها ولا يشترط القبول في غير معين كالفقراء، بل تلزم بالموت، ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم، ولا يجب التسوية بينهم.
وإذا قبل الموصى له بعد الموت بأن به - أي بالقبول - الملك له في الموصي به من(3/244)
الموت: فيحكم بترتب أحكام الملك حينئذ من وجوب نفقة وفطرة والفوز بالفوائد الحاصلة وغير ذلك.
(لا) تصح الوصية (في زائد على ثلث في) وصية وقعت في (مرض مخوف) لتولد الموت عن جنسه كثيرا (إن رده وارث) خاص مطلق التصرف، لانه حقه، فإن كان غير مطلق التصرف - فإن توقعت أهليته عن قرب: وقف إليها، وإلا بطلت، ولو أجار بعض الورثة فقط: صح في قدر حصته من الزائد وإن أجاز الوارث الاهل فإجازته تنفيذ للوصية بالزائد والمخوف: كإسهال متتابع، وخروج الطعام بشدة ووجع، أو مع دم من عضو شريف،(3/245)
كالكبد، دون البواسير، أو بلا استحالة، وحمى مطبقة، وكطلق حامل، وإن تكررت ولادتها، لعظم خطره، ومن ثم كان موتها منه شهادة وبقاء مشيمة والتحام قتال بين متكافئين واضطراب ريح في حق راكب سفينة، وإن(3/246)
أحسن السباحة وقرب من البر - وأما زمن الوباء والطاعون فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث.
وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على ثلث، والاحسن أن ينقص منه شيئا.
(ويعتبر منه) أي الثلث(3/247)
أيضا (عتق علق بالموت) في الصحة أو المرض (و) تبرع نجز في مرضه.
(كوقف وهبة) وإبراء.
ولو اختلف الوارث والمتهب: هل الهبة في الصحة أو المرض ؟ صدق المتهب بيمينه، لان العين في يده.
ولو وهب في(3/248)
الصحة وأقبض في المرض، اعتبر من الثلث.
أما المنجز في صحته فيحسب من رأس المال، كحجة الاسلام، وعتق المستولدة، ولو ادعى الوارث موته في مرض تبرعه والمتبرع عليه شفاءه وموته من مرض آخر أو فجأة، فإن كان مخوفا صدق الوارث وإلا فالآخر.
ولو اختلفا في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض، صدق المتبرع عليه، لان الاصل دوام الصحة، فإن أقاما بينتين قدمت بينة المرض.
(فرع) لو أوصى لجيرانه فلاربعين دارا من كل جانب فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها، أو للعلماء(3/249)
فلمحدث يعرف حال الراوي قوة أو ضدها والمروي صحة وضدها، ومفسر يعرف معنى كل آية وما أريد بها، وفقيه يعرف الاحكام الشرعية نصا واستنباطا.
والمراد هنا من حصل شيئا من الفقه، بحيث يتأهل به لفهم باقيه،(3/250)
وليس منهم نحوي وصرفي ولغوي ومتكلم ويكفي ثلاثة من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها.
ولو أوصى لاعلم الناس اختص بالفقهاء، أو للقراء لم يعط إلا من يحفظ كل القرآن عن ظهر قلب، أو لاجهل الناس صرف لعباد(3/251)
الوثن، فإن قال من المسلمين فمن يسب الصحابة ويدخل في وصية الفقراء والمساكين وعكسه، ويدخل في أقارب زيد كل قريب، وإن كان بعد، لا أصل وفرع، ولا تدخل في أقارب نفسه ورثته (وتبطل الوصية المعلقة بالموت) ومثلها تبرع علق بالموت، سواء كان التعليق في الصحة أو المرض، فللموصي الرجوع فيها، كالهبة، قبل القبض، بل أولى.
ومن ثم لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه، وإن اعتبر من الثلث (برجوع) عن الوصية(3/252)
(بنحو نقضتها)، كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها.
والاوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط لجواز التعليق فيها، فأولى في الرجوع عنها (و) بنحو (هذا لوارثي) أو ميراث عني، سواء أنسي الوصية أم ذكرها.
(وسئل) شيخنا عما لو أوصى له بثلث ماله إلا كتبه، ثم بعد مدة أوصى له بثلث ماله ولم يستثن: هل يعمل بالاولى أو بالثانية ؟.
(فأجاب) بأن الذي يظهر العمل بالاولى، لانها نص في إخراج الكتب، والثانية محتملة إنه ترك الاستثناء فيها لتصريحه به في الاولى، وأنه تركه إبطالا له، والنصب مقدم على المحتمل (و) بنحو (بيع ورهن) ولو بلا قبول (وعرض عليه) وتوكيل فيه (و) نحو (غراس) في أرض أوصى بها، بخلاف زرعه بها.
ولو اختص نحو(3/253)
الغراس ببعض الارض، اختص الرجوع بمحله.
وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية إن كان لغرض.
ولو أوصى بشئ لزيد ثم أوصى به لعمرو، فليس رجوعا، بل يكون بينهما نصفين.
ولو أوصى به لثالث كان بينهم أثلاثا، وهكذا.
قاله الشيخ زكريا في شرح المنهج.
ولو أوصى لزيد بمائة ثم بخمسين فليس له إلا خمسون، لتضمن الثانية الرجوع عن بعض الاولى، قاله النووي.(3/254)
مطلب في الايصاء(3/255)
(وتنفع ميتا) من وارث وغيره (صدقة) عنه، ومنها وقف لمصحف وغيره، وبناء مسجد، وحفر بئر، وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته (ودعاء) له إجماعا.
وصح في الخبر أن الله تعالى يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له وقوله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * عام مخصوص(3/256)
بذلك، وقيل منسوخ.
ومعنى نفعه بالصدقة أنه يصير كأنه تصدق.
قال الشافعي - رضي الله عنه - وواسع فضل الله أن يثيب المتصدق أيضا.
ومن ثم قال أصحابنا: يسن له نية الصدقة عن أبويه مثلا، فإنه تعالى يثيبهما ولا ينقص من أجره شيئا.
ومعنى نفعه بالدعاء، حصول المدعو به له إذا استجيب، واستجابته محض فضل من الله تعالى.
أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي، لانه شفاعة أجرها للشافع، ومقصودها للمشفوع له.
نعم، دعاء الولد يحصل ثوابه، نفسه للوالد الميت، لان عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله، كما صرح به خبر ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث ثم قال: أو ولد صالح، أي مسلم، يدعو له حمل دعاءه من عمل الوالد.(3/257)
أما القراءة فقد قال النووي في شرح مسلم: المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت.
وقال بعض أصحابنا يصل ثوابها للميت بمجرد قصده بها، ولو بعدها، وعليه الائمة الثلاثة واختاره كثيرون من أئمتنا، واعتمده السبكي وغيره، فقال: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه وبين ذلك، وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو القارئ ثواب(3/258)
قراءته له أو نواه ولم يدع.
وقد نص الشافعي والاصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها، أي لانه حينئذ أرجى للاجابة، ولان الميت تناله بركة القراءة: كالحي الحاضر قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع:(3/259)
اللهم أوصل ثواب ما قرأته أي مثله، فهو المراد، وإن لم يصرح به لفلان، لانه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فماله أولى.
ويجري هذا في سائر الاعمال من صلاة وصوم وغيرهما.(3/260)
باب الفرائض(3/261)
أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة، بمعنى مفروضه.
والفرض لغة التقدير، وشرعا هنا نصيب مقدر للوارث، وهو من الرجال عشرة: ابن، وابنه، وأب، وأبوه، وأخ مطلقا، وابنه، إلا من الام، وعم، وابنه، إلا(3/262)
للام، وزوج وذو ولاء.
من النساء تسع: بنت، وبنت ابن، وأم، وجدة، وأخت، وزوجة وذات ولاء، ولو فقد الورثة كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الارحام، ولا يرد على أهل الفرض فيما إذا وجد بعضهم، بل(3/263)
المال لبيت المال، ثم إن لم ينتظم المال رد ما فضل عنهم عليهم غير الزوجين بنسبة الفروض، ثم ذوي الارحام، وهم أحد عشر: ولد بنت، وأخت، وبنت أخ، وعم وعم لام، وخال، وخالة، وعمة، وأبو أم، وأم أبي(3/264)
أم، وولد أخ لام.
(الفروض) المقدرة (في كتاب الله) ستة: ثلثان، ونصف، وربع، وثمن وثلث، وسدس.
فال (- ثلثان) فرض أربعة (لاثنين) فأكثر، (من بنت، وبنت ابن، وأخت لابوين، ولاب، وعصب كلا) من البنت(3/265)
وبنت الابوين، والاخت لابويه أو لاب (أخ ساوى) له في الرتبة والادلاء، فلا يعصب ابن الابن البنت ولا ابن ابن الابن بنت ابن لعدم المساواة في الرتبة.
ولا يعصب الاخ لابوين الاخت لاب ولا الاخ لاب الاخت لابوين لعدم
المساواة في الادلاء، وإن تساويا في الرتبة، (و) عصب (الاخريين) أي الاخت لابوين أو لاب (الاوليان) وهما(3/266)
البنت وبنت الابن.
والمعنى أن الاخت لابوين أو لاب مع البنت أو بنت الابن تكون عصبة، فتسقط أخت لابوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لاب، كما يسقط الاخ لاب (ونصف) فرض خمسة (لهن) أي لمن ذكرنا حال كونهن (منفردات) عن أخواتهن وعن معصبهن، (ولزوج ليس لزوجته فرع) وارث، ذكرا كان أو أنثى (وربع) فرض اثنين (له) أي للزوج (معه) أي مع فرعها، (و) ربع (لها) أي لزوجة فأكثر (دونه) أي دون فرع له، (وثمن(3/267)
لها) أي للزوجة (معه) أي مع فرع لزوجها، (وثلث فرض اثنين لام ليس لميتها فرع) وارث (ولا عدد) اثنان فأكثر (من إخوة) ذكرا كان أو أنثى، (ولولديها) أي ولدي أم فأكثر يستوي فيه الذكر والانثى (وسدس) فرض سبعة (لاب وجد لميتهما فرع) وارث (وأم لميتها ذلك أو عدد من إخوة) وأخوات اثنان فأكثر (وجدة) أم أب وأم أم،(3/268)
وإن علتا سواء كان معها ولد أم لا.
هذا إ لم تدل بذكر بين أنثيين، فإن أدلت به كأم أبي أم لم ترث بخصوص القرابة، لانها من ذوي الارحام (وبنت ابن فأكثر مع بنت أو بنت ابن أعلى) منها (وأخت فأكثر لاب مع أخت(3/269)
لابوين، وواحد من ولد أم) ذكرا كان أو غيره (وثلث باق) بعد فرض الزوج أو الزوجة (لام مع أحد زوجين وأب)، لا ثلث الجميع ليأخذ الاب مثلي ما تأخذه الام.
فإن كانت مع زوج وأب فالمسألة من ستة، للزوج ثلاثة، وللاب اثنان، وللام واحد.
وإن كانت مع زوجة وأب فالمسألة من أربعة، للزوجة واحد، وللام واحد،(3/270)
وللاب اثنان.
واستبقوا فيهما لفظ الثلث محافظة على الادب في موافقة قوله تعالى: * (وورثه أبواه فلامه الثلث) * وإلا فما تأخذه الام في الاولى سدس وفي الثانية ربع.
(ويحجب ولد ابن بابن أو ابن ابن أقرب منه،(3/271)
و) يحجب (جد بأب، و) تحجب (جدة لام بأم) لانها أدلت بها، (و) جدة (لاب بأب) لانها أدلت به، (وأم
بالاجماع.
(و) يحجب (أخ لابوين بأب وابن وابنه) وإن نزل (و) يحجب (أخ لاب بهما) أي بأب وابن (وبأخ لابوين) وبأخت لابوين معها بنت أو بنت ابن، كما سيأتي، (و) يحجب أخ (لام بأب) وأبيه، وإن علا، (وفرع)(3/272)
وارث للميت، وإن نزل، ذكرا كان أو غيره، (و) يحجب (إبن أخ لابوين بأب وجد وابن) وابنه، وإن نزل، (وأخ) لابوين أو لاب (و) يحجب (ابن أخ لاب بهؤلاء) الستة، (وبابن أخ لابوين) لانه أقوى منه، ويحجب عم لابوين بهولاء السبعة، وبابن أخ لاب وعم لاب بهؤلاء الثمانية، وبعم لابوين وابن عم لابوين بهؤلاء التسعة، وبعم لاب وابن عم لاب بهؤلاء العشرة، وبابن عم لابوين.
ويحجب ابن ابن أخ لابوين بابن أخ لاب لانه أقرب منه، وبنات الابن بابن أو بنتين فأكثر للميت إن لم يعصب أخ أو ابن عم، فإن عصبت به أخذت معه الباقي بعد ثلثي البنتين بالتعصيب والاخوات لاب بأختين لابوين فأكثر، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن.
ويحجبن أيضا بأخت لابوين معها بنت أو بنت ابن.
(واعلم) أن إبن الابن كالابن إلا أنه ليس له مع البنت مثلاها، والجدة كالام إلا أنها لا ترث الثلث ولا ثلث(3/273)
الباقي، بل فرضها دائما السدس.
والجد كالاب إلا أنه لا يحجب الاخوة لابوين أو لاب، وبنت الابن كالبنت إلا(3/274)
أنها تحجب بالابن والاخ لاب كالاخ لابوين إلا أنه ليس له مع الاخت لابوين مثلاها، (وما فضل) من التركة عمن له فرض من أصحاب الفروض (أو الكل) أي كل التركة إن لم يكن له ذو فرض (لعصبة).
وتسقط عند الاستغراق (وهي ابن ف) - بعده (ابنه) وإن سفل (فأب فأبوه) وإن علا (فأخ لابوين و) أخ (لاب فبنوهما) كذلك (فعم لابوين فلاب فبنوهما) كذلك، ثم عم الاب ثم بنوه ثم عم الجد ثم بنوه.
وهكذا (ف) - بعد عصبة النسب(3/275)
عصبة الولاء، وهو (معتق) ذكرا كان أو أنثى، (ف) - بعد المعتق (ذكور عصبته) دون إناثهم ويؤخر هنا الجد عن الاخ وابنه فمعتق المعتق فعصبته.
فلو اجتمع بنون وبنات أو إخوة وأخوات فالتركة لهم (للذكر مثل حظ الانثين)(3/276)
وفضل الذكر بذلك لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الانثى من الجهاد وغيره.
وولد ابن كولد وأخ لاب كأخ لابوين فيما ذكر.(3/277)
فصل في بيان أصول المسائل (أصل المسألة عدد الرؤوس إن كانت الورثة عصبات) كثلاثة بنين أو أعمام فأصلها ثلاثة (وقدر الذكر أنثيين إن اجتمعا) أي الصنفان من نسب.
ففي ابن وبنت يقسم المتروك على ثلاثة: للابن اثنان، وللبنت واحد، ومخارج الفروض اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون.
فإن كان في المسألة فرضان(3/278)
فأكثر اكتفى عند تماثل المخرجين بأحدهما، كنصفين في مسألة زوج وأخت فهي من الاثنين، وعند تداخلهما بأكثرهما كسدس وثلث في مسألة أم وولديها وأخ لابوين أو لاب فهي من ستة، وكذا يكتفي في زوجة وأبوين.(3/279)
وعند توافقهما بمضروب وفق أحدهما في الآخر، كسدس وثمن في مسألة أم وزوجة وابن، فهي من أربعة وعشرين، حاصل ضرب وفق أحدهما، وهو نصف الستة أو الثمانية، في الآخر، وعند تباينهما بمضروب أحدهما في الآخر، كثلث وربع في مسألة أم وزوجة أخ لابوين أو لاب، فهي من اثني عشر حاصل ضرب ثلاثة في أربعة (وأصل) مسألة (كل فريضة فيها نصفان) كزوج وأخت لاب (أو نصف وما بقي)، كزوج وأخ لاب (اثنان) مخرج النصف (أو) فيها (ثلثان وثلث) كأختين لاب وأختين لام (أو ثلثان وما بقي) كبنتين وأخ لاب (أو(3/280)
ثلث وما بقي) كأم وعم (ثلاثة) مخرج الثلث (أو) فيها (ربع وما بقي) كزوجه وعم (أربعة) مخرج الربع (أو) فيها (سدس، وما بقي) كأم وابن (أو سدس وثلث) كأم وأخوين لام (أو) سدس (وثلثان) كأم وأختين لاب (أو) سدس ونصف كأم وبنت (ستة) مخرج السدس (أو) فيها (ثمن وما بقي) كزوجة وابن (أو) ثمن (ونصف ما بقي) كزوجة وبنت وأخ لاب (ثمانية) مخرج الثمن (أو) فيها (ربع وسدس) كزوجة وأخ لام (اثنا عشر) مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر (أو) فيها (ثمن وسدس) كزوجة وجدة وابن (أربعة وعشرون) مضروب وفق أحدهما في(3/281)
الآخر (وتعول) من أصول مسائل الفرائض ثلاثة (ستة إلى عشرة) وترا وشفعا.
فعولها إلى سبعة كزوج وأختين لغير أم، وإلى ثمانية كهم وأم، وإلى تسعة كهم وأخ لام، وإلى عشرة كهم وأخ آخر لام (و) تعول اثنا عشر إلى(3/282)
سبعة عشر وترا فعولها إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين لغير أم، وإلى خمسة عشر كهم وأخ لام، وإلى سبعة عشر كهم وأخ آخر لام (و) تعول (أربعة وعشرون لسبعة وعشرين) فقط كبنتين وأبوين وزوجة، للبنتين ستة عشر وللابوين ثمانية وللزوجة ثلاثة، وتسمى بالمنبرية، لان عليا رضي الله عنه كان يخطب على منبر الكوفة قائلا: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآل والرجعى، فسئل حينئذ عن هذه المسألة فقال ارتجالا: صار ثمن المرأة تسعا، ومضى في خطبته.
وإنما عالوا ليدخل النقص على الجميع كأرباب الديون والوصايا إذا ضاق المال عن قدر حصتهم.(3/283)
فصل في بيان أحكام الوديعة صح إيداع محترم بأودعتك هذا أو استحفظتكه، وبخذه مع نية.
وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها، وكره على غير واثق بأمانته.
ويضمن وديع بإيداع غيره - ولو قاضيا - بلا إذن من المالك، لا إن كان لعذر(3/284)
كمرض وسفر وخوف حرق وإشراف حرز على خراب، وبوضع في غير حرز مثلها، وبنقلها إلى دون حرز مثلها، وبترك دفع متلفاتها كتهوية ثياب صوف أو ترك لبسها عند حاجتها، وبعدول عن الحفظ المأمور به من(3/286)
المالك، وبجحدها وتأخير تسليمها لمالك بلا عذر بعد طلب مالكها، وبانتفاع بها كلبس وركوب بلا غرض المالك، وبأخذ درهم مثلا من كيس فيه دراهم مودعة عنده وإن رد إليه مثله فيضمن الجميع إذا لم يتميز الدرهم المردود عن البقية، لانه خلطها بمال نفسه بلا تمييز، فهو متعد، فإن تميز بنحو سكة أو رد إليه عين الدرهم ضمنه(3/287)
فقط.
وصدق وديع - كوكيل وشريك وعامل قراض - بيمين في دعوى ردها على مؤتمنه، لا على وارثه.
وفي قوله ما لك عندي وديعة، وفي تلفها مطلقا، أو بسبب خفي كسرقة، أو بظاهر كحريق عرف - دون عمومه - فإن عرف عمومه لم يحلف حيث لا تهمة.
(فائدة) الكذب حرام، وقد يجب: كما إذا سأل ظالم عن وديعة يريد أخذها فيجب إنكارها وإن كذب، وله الحلف عليه مع التورية.
وإذا لم ينكرها ولم يمتنع من إعلامه بها جهده ضمن، وكذا لو رأى معصوما اختفى(3/288)
من ظالم يريد قتله.
وقد يجوز كما إذا كان لا يتم مقصود حرب وإصلاح ذات البين وإرضاء زوجته إلا بالكذب فمباح، ولو كان تحت يده وديعة لم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام صرفها فيما يجب على الامام الصرف فيه، وهو أهم مصالح المسلمين مقدما أهل الضرورة وشدة الحاجة - لا في بناء نحو مسجد - فإن جهل ما ذكر دفعه لثقة عالم بالمصالح الواجبة التقديم، والاروع الاعلم أولى.
فصل في بيان أحاكم اللقطة(3/289)
لو التقط شيئا لا يخشى فساده - كنقد ونحاس بعمارة أو مفازة عرفه سنة في الاسواق وأبواب المساجد فإن(3/290)
ظهر مالكه، وإلا تملكه بلفظ تملكت، وإن شاء باعه وحفظ ثمنه.
أو ما يخشى فساده - كهريسة وبقل وفاكهة ورطب لا يتتمر - فيتخير ملتقطة بين أكله متملكا له ويغرم قيمته، وبين بيعه، ويعرفه بعد بيعه - ليتملك ثمنه بعد(3/291)
التعريف - فإن ظهر مالكه أعطاه قيمته إن أكله، أو ثمنه إن باعه.
وفي التعريف بعد الاكل وجهان: أصحهما في العمارة وجوبه، وفي المفازة قال الامام: والظاهر أنه لا يجب، لانه لا فائدة فيه.
ولو وجد ببيته درهما مثلا وجوز أنه لمن يدخلونه عرفه لهم - كاللقطة - قاله القفال.
ويعرف حقير لا يعرض عنه غالبا، وقيل هو درهم زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه بعده غالبا ويختلف ذلك باختلاف المال: فدانق الفضة حالا، والذهب نحو ثلاثة أيام.
أما ما يعرض عنه غالبا - كحبة زبيب - استبد به واجده بلا تعريف.
ومن رأي لقطة فرفعها برجله ليعرفها وتركها لم
يضمنها.
ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الاعراض عنها، ولو مما فيه زكاة - خلافا للزركشي -(3/292)
وكذا برادة الحدادين وكسرة الخبز من رشيد ونحو ذلك مما يعرض عنه عادة، فيملكه آخذه، وينفذ تصرفه فيه أخذا بظاهر أحوال السلف.
ويحرم أخذ ثمر تساقط إن حوط عليه وسقط داخل الجدار.
قال في المجموع: ما سقط خارج الجدار إن لم يعتد إباحته حرم، وإن اعتيدت حل، عملا بالعادة المستمرة المغلبة على الظن إباحتهم له.(3/293)
باب النكاح(3/295)
وهو لغة الضم والاجتماع.
ومنه قولهم تناكحت الاشجار: إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض.
وشرعا عقد يتضمن إباحة وطئ بلفظ إنكاح أو تزويج، وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطئ على الصحيح (سن) أي(3/296)
النكاح (لتائق) أي محتاج للوطئ - وإن اشتغل بالعبادة - (قادر) على مؤنة - من مهر، وكسوة فصل تمكين، ونفقة يومه - للاخبار الثابتة في السنن - وقد أوردت جملة منها في كتابي (إحكام أحكام النكاح) - ولما فيه من حفظ الدين وبقاء النسل.
وأما التائق العاجز عن المؤن فالاولى له تركه وكسر حاجته بالصوم - لا بالدواء - وكره(3/297)
لعاجز عن المؤن غير تائق.
ويجب بالنذر، حيث ندب.
(و) سن (نظر كل) من الزوجين بعد العزم على النكاح وقبل الخطبة (الآخر غير عورة) مقررة في شروط الصلاة.
فينظر من الحرة وجهها ليعرف جمالها، وكفيها ظهرا(3/298)
وبطنا ليعرف خصوبة بدنها.
وممن بها رق - ما عدا ما بين السرة والركبة - وهما ينظران منه ذلك.
ولا بد في حل النظر من تيقنه خلوها من نكاح وعدة، وأن لا يغلب على ظنه أنه لا يجاب.
وندب لمن لا يتيسر له النظر أن يرسل نحو امرأة لتتأملها وتصفها له.
وخرج بالنظر: المس، فيحرم - إذ لا حاجة إليه.
(مهمة) يحرم على الرجل - ولو شيخا هما - تعمد نظر شئ من بدن أجنبية - حرة أو أمة - بلغت حدا(3/299)
تشتهى فيه - ولو شوهاء أو عجوزا - وعكسه، خلافا للحاوي - كالرافعي - وإن نظر بغير شهوة أو مع أمن الفتنة(3/300)
على المعتمد، لا في نحو مرآة، كما أفتى به غير واحد وقول الاسنوي، تبعا للروضة، الصواب حل النظر إلى الوجه والكفين عند أمن الفتنة: ضعيف، وكذا اختيار الاذرعي قول جمع يحل نظر وجه وكف عجوز يؤمن من نظرهما الفتنة ولا يحل النظر إلى عنق الحرة ورأسها قطعا.
وقيل يحل مع الكراهة النظر بلا شهوة وخوف فتنة إلى(3/301)
الامة إلا ما بين السرة والركبة لانه عورتها في الصلاة.
وليس من العورة الصوت فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة أو التذ به - كما بحثه الزركشي - وأفتى بعض المتأخرين بجواز نظر الصغير للنساء في الولائم والافراح، والمعتمد عند الشيخين عدم جواز نظر فرج صغيرة لا تشتهى، وقيل يكره ذلك.
وصحح المتولي حل نظر فرج الصغير إلى التمييز، وجزم به غيره، وقيل يحرم.
ويجوز لنحو الام نظر فرجيهما ومسه زمن الرضاع والتربية - للضرورة - وللعبد العدل النظر إلى سيدته المتصفة بالعدالة ما عدا ما بين السرة والركبة كهي.
ولمحرم - ولو(3/302)
فاسقا أو كافرا - نظر ما وراء سرة وركبة منها، كنظرها إليه، ولمحرم ومماثل مس ما وراء السرة والركبة.
نعم: مس ظهر أو ساق محرمة كأمه وبنته وعكسه لا يحل إلا لحاجة أو شفقة.
وحيث حرم نظره حرم مسه بلا حائل لانه أبلغ في اللذة.
نعم: يحرم مس وجه الاجنبية مطلقا، وكل ما حرم نظره منه أو منها متصلا حرم نظره منفصلا: كقلامة يد أو رجل، وشعر امرأة وعانة رجل، فيجب مواراتهما وتحتجب - وجوبا مسلمة عن كافرة، وكذا عفيفة(3/303)
عن فاسقة - أي بسحاق، أو زنا، أو قيادة، ويحرم مضاجعة رجلين أو امرأتين عاريين في ثوب واحد، وإن لم يتماسكا أو تباعدا مع اتحاد الفراش، خلافا للسبكي، وبحث استثناء الاب أو الام لخبر فيه بعيد جدا ويجب التفريق بين ابن عشر سنين وأبويه وإخوته في المضجع، وإن نظر فيه بعضهم بالنسبة للاب أو الام.
ويستحب(3/304)
تصافح الرجلين أو المرأتين إذا تلاقيا.
ويحرم مصافحة الامرد الجميل كنظره بشهوة، ويكره مصافحة من به عاهة(3/305)
كالابرص والاجذم - ويجوز نظر وجه المرأة عند المعاملة ببيع وغيره للحاجة إلى معرفتها، وتعليم ما يجب تعلمه - كالفاتحة - دون ما يسن على الاوجه والشهادة تحملا وأداء لها أو عليها.
وتعمد النظر للشهادة لا يضر، وإن تيسر وجود نساء أو محارم يشهدن على الاوجه (و) يسن (خطبة) - بضم الخاء - من الولي (له) أي للنكاح الذي هو(3/306)
العقد بأن تكون قبل إيجابه، فلا تندب أخرى من المخاطب قبل قبوله - كما صححه في المنهاج - بل يستحب تركها خروجا من خلاف من أبطل بها، كما صرح به شيخنا وشيخه زكريا رحمهما الله - لكن الذي في الروضة وأصلها ندبها.
وتسن خطبة أيضا قبل الخطبة، وكذا قبل الاجابة، فيبدأ كل بالحمد والثناء على الله تعالى، ثم(3/307)
بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يوصي بالتقوى، ثم يقول في خطبة الخطبة: جئتكم راغبا في كريمتكم - أو فتاتكم - وإن كان وكيلا: قال: جاءكم موكلي، أو جئتكم عنه خاطبا كريمتكم، فيخطب الولي أو نائبه كذلك، ثم يقول لست بمرغوب عنك.
ويستحب أن يقول قبل العقد أزوجك على ما أمر الله به عز وجل من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.(3/309)
(فروع) يحرم التصريح بخطبة المعتدة من غيره رجعية كانت أو بائنا بطلاق أو فسخ أو موت.
ويجوز التعريض بها في عدة غير رجعية، وهو: كأنت جميلة، ورب راغب فيك.
ولا يحل خطبة المطلقة منه ثلاثا حتى تتحلل وتنقضي عدة المحلل إن طلق رجعيا، وإلا جاز التعريض في عدة المحلل.
ويحرم على عالم بخطبة(3/310)
الغير والاجابة له خطبة على خطبة من جازت خطبته وإن كرهت - وقد صرح لفظا بإجابته إلا بإذنه له من غير خوف ولا حياء، أو بإعراضه: كأن طال الزمن بعد إجابته، ومنه سفره البعيد.
ومن استشير في خاطب أو نحو
عالم يريد الاجتماع به ذكر - وجوبا - مساويه بصدق: بذلا للنصيحة الواجبة (ودينة) أي نكاح المرأة الدينة التي(3/311)
وجدت فيها صفة العدالة أولى من نكاح الفاسقة ولو بغير نحو زنا، للخبر المتفق عليه فاظفر بذات الدين (ونسيبة) أي معروفة الاصل وطيبته لنسبتها إلى العلماء والصلحاء أولى من غيرها: لخبر: تخيروا لنطفكم(3/312)
ولا تضعوها في غير الاكفاء وتكره بنت الزنا والفاسق، (وجميلة) أولى: لخبر: خير النساء من تسر إذا نظرت (و) قرابة (بعيدة) عنه ممن في نسبه أولى من قرابة قريبة وأجنبية لضعف الشهوة في القريبة، فيجئ الولد نحيفا.
والقريبة من هي في أول درجات العمومة والخوولة، والاجنبية أولى من القرابة القريبة.
ولا يشكل ما ذكر بتزوج النبي (ص) زينب مع أنها بنت عمته لانه تزوجها بيانا للجواز، ولا بتزوج علي فاطمة رضي الله عنهما لانها بعيدة إذ(3/313)
هي بنت ابن عمه، لا بنت عمه، (وبكر) أولى من الثيب، للامر به في الاخبار الصحيحة.
إلا لعذر: كضعف آلته عن الاقتضاض، (وولود) وودود (أولى) للامر بهما.
ويعرف ذلك في البكر بأقاربها، والاولى أيضا أن تكون وافرة الععل وحسنة الخلق، وأن لا تكون ذات ولد من غيره إلا لمصلحة، وأن لا تكون شقراء ولا طويلة مهزولة(3/314)
للنهي عن نكاحها.
ومحل رعاية جميع ما مر حيث لم تتوقف العفة على غير متصفه بها، وإلا فهي أولى.
قال شيخنا في شرح المنهاج: ولو تعارضت تلك الصفات فالذي يظهر أنه يقدم الدين مطلقا، ثم العقل وحسن الخلق، ثم الولادة، ثم النسب، ثم البكارة، ثم الجمال، ثم ما المصلحة فيه أظهر - بحسب اجتهاده.
انتهى.
وجزم في شرح الارشاد بتقديم الولادة على العقل.
وندب للولي عرض موليته على ذوي الصلاح.
ويسن أن ينوي بالنكاح السنة وصون دينه.
وإنما يثاب عليه إن قصد به طاعة من نحو عفة أو ولد صالح.
وأن يكون العقد(3/315)
في المسجد ويوم الجمعة وأول النهار وفي شوال، وأن يدخل فيه أيضا.
(أركانه) أي النكاح خمسة: (زوجة، وزوج، وولي، وشاهدان، وصيغة.
وشرط فيها) أي الصيغة (إيجاب من الولي) وهو (كزوجتك أو أنكحتك)(3/316)
موليتي فلانة، فلا يصح الايجاب إلا بأحد هذين اللفظين، لخبر مسلم: إتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله وهي ما ورد في كتابه، ولم يرد فيه غيرهما.
ولا يصح بأزوجك أو أنكحك على الاوجه، ولا بكناية كأحللتك ابنتي أو عقدتها لك (وقبول متصل به) أي بالايجاب من الزوج وهو (كتزوجتها أو نكحتها) فلا بد من دال عليها من نحو اسم أو ضمير أو إشارة (أو قبلت أو رضيت) على الاصح(3/317)
- خلافا للسبكي - لا فعلت (نكاحها) أو تزويجها أو قبلت النكاح أو التزويج - على المعتمد - لا قبلت ولا قبلتها مطلقا - أي المنكوحة - ولا قبلته - أي النكاح - والاولى في القبول: قبلت نكاحها لانه القبول الحقيقي (وصح) النكاح (بترجمة) أي ترجمة أحد اللفظين بأي لغة ولو ممن يحسن العربية لكن يشترط أن يأتي بما يعده أهل تلك اللغة صريحا في لغتهم.
هذا إن فهم كل كلام نفسه وكلام الآخر والشاهدان.
وقال العلامة التقي السبكي في(3/318)
شرح المنهاج: ولو تواطأ أهل قطر على لفظ في إرادة النكاح من غير صريح ترجمته لم ينعقد النكاح به.
انتهى.
والمراد بالترجمة ترجمة معناه اللغوي كالضم، فلا ينعقد بألفاظ اشتهرت في بعض الاقطار للانكاح - كما أفتى به شيخنا المحقق الزمزمي - ولو عقد القاضي النكاح بالصيغة العربية لعجمي لا يعرف معناها الاصلي بل يعرف أنها موضوعة لعقد النكاح صح - كذا أفتى به شيخنا، والشيخ عطية - وقال في شرحي الارشاد والمنهاج: أنه لا يضر لحن العامي - كفتح تاء المتكلم، وإبدال الجيم زايا، أو عكسه.
وينعقد بإشارة أخرس مفهمة وقيل(3/319)
لا ينعقد النكاح إلا بالصيغة العربية.
فعليه يصبر عند العجز إلى أن يتعلم أو يوكل.
وحكي هذا عن أحمد.
وخرج بقولي متصل ما إذا تخلل لفظ أجنبي عن العقد وإن قل: كأنكحتك ابنتي فاستوص بها خيرا.
ولا يضر تخلل خطبة خفيفة من الزوج، وإن قلنا بعدم استحبابها - خلافا للسبكي وابن أبي الشريف - ولا فقل قبلت نكاحها لانه من مقتضى العقد.
فلو أوجب ثم رجع عن إيجابه أو رجعت الآذنة في إذنها قبل القبول أو جنت أو ارتدت امتنع القبول.
(فرع) لو قال الولي زوجتكها بمهر كذا، فقال الزوج قبلت نكاحها ولم يقل على هذا الصداق: صح النكاح بمهر المثل - خلافا للبارزي - (لا) يصح النكاح مع (تعليق) كالبيع بل أولى لاختصاصه بمزيد(3/320)
الاحتياط: كأن يقول الاب للآخر إن كانت بنتي طلقت أو اعتدت فقد زوجتكها فقبل ثم بان انقضاء عدتها وأنها أذنت له: فلا يصح لفساد الصيغة بالتعليق.
وبحث بعضهم الصحة في إن كانت فلانة موليتي فقد زوجتكها وفي زوجتك إن شئت كالبيع: إذ لا تعليق في الحقيقة، (و) لا مع (تأقيت) للنكاح بمدة معلومة أو مجهولة فيفسد لصحة النهي عن نكاح المتعة - وهو المؤقت ولو بألف سنة - وليس منه ما لو قال زوجتكها مدة حياتك أو حياتها(3/321)
لانه مقتضى العقد، بل يبقى أثره بعد الموت، ويلزمه في نكاح المتعة المهر والنسب والعدة، ويسقط الحد إن عقد بولي وشاهدين فإن عقد بينه وبين المرأة وجب الحمد إن وطئ: وحيث وجب الحد لم يثبت المهر ولا ما(3/322)
بعده وينعقد النكاح بلا ذكر مهر في العقد بل يسن ذكره فيه.
وكره إخلاؤه عنه.
نعم، لو زوج أمته بعيده لم يستحب (و) شرط (في الزوجة) أي المنكوحة (خلو من نكاح وعدة) من غيره (وتعيين) لها.
فزوجتك إحدى(3/323)
بناتي باطل ولو مع الاشارة، ويكفي التعيين بوصف أو إشارة كزوجتك بنتي وليس له غيرها أو التي في الدار وليس فيها غيرها أو هذه وإن سماها بغير اسمها في الكل - بخلاف زوجتك فاطمة وإن كان اسم بنته إلا إن نوياها.
ولو(3/325)
قال زوجتك بنتي الكبرى وسماها باسم الصغرى صح في الكبرى لان الكبر صفة قائمة بذاتها، بخلاف الاسم فقدم عليه: ولو قال: زوجتك بنتي خديجة فبانت بنت ابنه صح إن نوياها أو عينها بإشارة أو لم يعرف لصلبه غيرها، وإلا فلا (و) شرط فيها أيضا (عدم محرمية) بينها وبين الخاطب (بنسب فيحرم) به آخر لآية: * (حرمت عليكم) * (نساء قرابة غير) ما دخل في (ولد عمومة وخؤولة) فحينئذ يحرم نكاح أم وهي من ولدتك، أو ولدت(3/326)
من ولدك ذكرا كان أو أنثى وهي الجدة من الجهتين، وبنت وهي من ولدتها أو ولدت من ولدها ذكرا كان أو أنثى - لا مخلوقة من ماء زناه - وأخت، وبنت أخ، وأخت، وعمة وهي أخت ذكر ولدك، وخالة وهي أخت أنثى ولدتك.
(فرع) لو تزوج مجهولة النسب فاستلحقها أبوه ثبت نسبها ولا ينفسخ النكاح إن كذبه الزوج، ومثله عكسه(3/327)
بأن تزوجت مجهولا فاستلحقه أبوها ولم تصدقه (أو رضاع فيحرم به) أي بالرضاع (من يحرم بنسب) للخبر المتفق عليه: ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فمرضعتك ومرضعتها ومرضعة من ولدك من نسب أو رضاع وكل من ولدت مرضعتك أو ذا لبنها، أمك من رضاع، والمرتضعة بلبنك ولبن فرعك نسبا أو رضاعا(3/328)
وبنتها كذلك وإن سفلت بنتك، والمرتضعة بلبن أحد أبويك نسبا أو رضاعا أختك.
وقس على هذا بقية الاصناف المتقدمة.
ولا يحرم عليك برضاع من أرضعت أخاك أو ولد ولدك ولا أم مرضعة ولدك وبنتها، وكذا أخت أخيك لابيك أو لامك من نسب أو رضاع.
(تنبيه) الرضاع المحرم وصول لبن آدمية بلغت سن حيض، ولو قطرة، أو مختلطا بغيره - وإن قل - جوف(3/329)
رضيع لم يبلغ حولين يقينا خمس مرات يقينا عرفا، فإن قطع الرضيع إعراضا وإن لم يشتغل بشئ آخر أو قطعته(3/330)
المرضعة ثم عاد إليه فيهما فورا فرضعتان، أو قطعه لنحو لهو كنوم خفيف وعاد حالا أو طال والثدي بفمه أو تحول ولو بتحويلها من ثدي لآخر أو قطعته لشغل خفيف ثم عادت إليه فلا تعدد في جميع ذلك، وتصير المرضعة أمه، وذو اللبن أباه.
وتسري الحرمة من الرضيع إلى أصولهما وفروعهما وحواشيهما نسبا ورضاعا،(3/331)
وإلى فروع الرضيع - لا إلى أصوله وحواشيه - ولو أقر رجل وامرأة قبل العقد أن بينهما أخوة رضاع وأمكن حرم تناكحهما، وإن رجعا عن الاقرار أو بعده فهو باطل، فيفرق بينهما.
وإن أقر به فأنكرت صدق في حقه، ويفرق
بينهما أو أقرت به دونه.
فإن كان بعد أن عينته في الاذن للتزويج أو مكنته من وطئه إياها لم يقبل قولها، وإلا(3/332)
صدقت بيمينها ولا تسمع دعوى نحو أب محرمية بالرضاع بين الزوجين.
ويثبت الرضاع برجل وامرأتين، وبأربع نسوة ولو فيهن أم المرضعة إن شهدت حسبة بلا سبق دعوى كشهادة أب امرأة وابنها بطلاقها كذلك.
وتقبل شهادة مرضعة مع غيرها لم تطلب أجرة الرضاع وإن ذكرت فعلها كأشهد أني أرضعتها.
وشرط شهادة الرضاع ذكر وقت(3/333)
الرضاع، وعدده، وتفرق المرات، ووصول اللبن إلى جوفه في كل رضعة.
ويعرف بنظر حلب وإيجار وازدراد، وبقرائن كامتصاص ثدي وحركة حلقة بعد علمه أنها ذات لبن وإلا لم يحل له أن يشهد لان الاصل عدم اللبن.
ولا يكفي في أداء الشهادة ذكره القرائن بل يعتمدها ويجزم بالشهادة.
ولو شهد به دون النصاب أو وقع شك في تمام الرضعات أو الحولين أو وصول اللبن إلى جوف الرضيع لم يحرم النكاح، لكن الورع الاجتناب وإن لم تخبره إلا واحدة.
نعم إن صدقها يوم الاخذ بقولها ولا يثبت الاقرار بالرضاع إلا برجلين عدلين (أو مصاهرة) محرم زوجة أصل من أب أو جد لاب أو أم وإن علا من نسب أو رضاع، (وفصل) من ابن وابنه وإن سفل منهما،(3/334)
(وأصل زوجة) أي أمهاتها بنسب أو رضاع وإن علت وإن لم يدخل بها للآية.
وحكمته ابتلاء الزوج بمكالمتها والخلوة لترتيب أمر الزوجة فحرمت كسابقتيها بنفس العقد ليتمكن من ذلك.
(واعلم) أنه يعتبر في زوجتي الاب والابن وفي أم الزوجة عند عدم الدخول بهن أن يكون العقد صحيحا (وكذا فصلها) أي الزوجة بنسب أو رضاع ولو بواسطة سواء بنت ابنها وبنت ابنتها وإن سفلت (إن دخل بها) بأن(3/335)
وطئها ولو في الدبر وإن كان العقد فاسدا، وإن لم يطأها لم تحرم بنتها - بخلاف أمها.
ولا تحرم بنت زوج الام ولا أم زوجة الاب والابن.
ومن وطئ امرأة بملك أو شبهة منه كأنه وطئ بفاسد نكاح أو شراء أو بظن زوجة(3/336)
حرم عليه أمهاتها وبناتها وحرمت على آبائه وأبنائه لان الوطئ بملك اليمين نازل بمنزلة عقد النكاح وبشبهة يثبت
النسب والعدة لاحتمال حملها منه سواء أوجد منها شبهة أيضا أم لا، لكن يحرم على الواطئ بشبهة نظر أم الموطوءة وبنتها ومسهما.
(فرع) لو اختطلت محرمة بنسوة غير محصورات بأن يعسر عدهن على الآحاد كألف امرأة نكح من شاء(3/337)
منهن إلى أن تبقى واحدة على الارجح وإن قدر ولو بسهولة على متيقنة الحل أو بمحصورات كعشرين بل مائة لم ينكح منهن شيئا.
نعم إن قطع بتميزها كسوداء اختلطت بمن لا سواد فيهن لم يحرم غيرها - كما استظهره شيخنا.
(تنبيه) اعلم أنه يشترط أيضا في المنكوحة كونها مسلمة أو كتابية خالصة ذمية كانت أو حربية، فيحل مع(3/338)
الكراهة نكاح الاسرائيلية بشرط أن لا يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة عيسى عليه السلام وإن علم دخوله فيه بعد التحري، ونكاح غيرها بشرط أن يعلم دخول أول آبائها فيه قبلها ولو بعد التحريف إن تجنبوا(3/339)
المحرف، ولو أسلم كتابي وتحته كتابية دام نكاحه وإن كان قبل الدخول أو وثني وتحته وثنية فتخلفت قبل الدخول تنجزت الفرقة أو بعده وأسلمت في العدة دام نكاحه، وإلا فالفرقة من إسلامه.
ولو أسلمت وأصر على الكفر: فإن دخل بها وأسلم في العدة دام النكاح، وإلا فالفرقة من إسلامها.
وحيث أدمنا لا يضر مقارنة مفسد هو زائل عند الاسلام فتقر على نكاح في عدة هي منقضية عند الاسلام وعلى غصب حربي لحربية إن اعتقدوه(3/340)
نكاحا.
وكالغصب المطاوعة.
قاله شيخنا.
ونكاح الكفار صحيح، على الصحيح، ولا يصح نكاح الجنية كعكسه على ما عليه أكثر المتأخرين.
(و) شرط (في الزوج تعيين) فزوجت بنتي أحدكما باطل ولو مع الاشارة (وعدم محرمة) كأخت أو عمة أو خالة (للمخطوبة) بنسب أو رضاع (تحته) أي الزوج ولو في العدة الرجعية لان الرجعية كالزوجة بدليل التوارث.
فإن نكح محرمين في عقد بطل فيهما: إذ لا مرجح، أو في عقدين بطل(3/341)
الثاني.
وضابط من يحرم الجمع بينهما كل امرأتين بينهما نسب أو رضاع يحرم تناكحهما إن فرضت إحداهما ذكرا ويشترط أيضا أن لا تكون تحته أربع من الزوجات سوى المخطوبة ولو كان بعضهن في العدة الرجعية لان الرجعية في حكم الزوجة، فلو نكح الحر خمسا مرتبا بطل في الخامسة أو في عقد بطل في الجميع أو زاد العبد على الثنتين بطل كذلك.
أما إذا كانت المحرمة للمخطوبة أو إحدى الزوجات الاربعة في العدة البائن فيصح(3/342)
نكاح محرمتها والخامسة لان البائنة أجنبية (و) شرط (في الشاهدين أهلية شهادة) تأتي شروطها في باب الشهادة وهي حرية كاملة وذكورة محققة وعدالة ومن لازمها الاسلام والتكليف وسمع ونطق وبصر لما يأتي أن الاقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع.
وفي الاعمى وجه لانه أهل للشهادة في الجملة، الاصح لا وإن عرف الزوجين، ومثله من بظلمة شديدة ومعرفة لسان المتعاقدين.
(وعدم تعينهما) أو أحدهما (للولاية) فلا يصح النكاح بحضرة(3/343)
عبدين أو امرأتين أو فاسقين أو أصمين أو أخرسين أو أعميين أو من لم يفهم لسان المتعاقدين ولا بحضرة متعين للولاية.
فلو وكل الاب أو الاخ المنفرد في النكاح وحضر مع الآخر لم يصح لانه ولي عاقد فلا يكون شاهدا.
ومن ثم لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد الثالث بغير وكالة من أحدهما صح، وإلا فلا.
(تنبيه) لا يشترط الاشهاد على إذن معتبرة الاذن لانه ليس ركنا للعقد، بل هو شرط فيه، فلم يجب الاشهاد(3/344)
عليه إن كان الولي غير حاكم وكذا إن كان حاكما على الاوجه.
ونقل في البحر عن الاصحاب أنه يجوز اعتماد صبي أرسله الولي إلى غيره ليزوج موليته: أي إن وقع في قلبه صدق الخبر.
(فرع) لو زوجها وليها قبل بلوغ إذنها إليه صح على الاوجه إن كان الاذن سابقا على حالة التزويج، لان العبرة في العقود بما في نفس الامر - لا بما في ظن المكلف - (وصح) النكاح (بمستوري عدالة) وهما من لم(3/345)
يعرف لهما مفسق، كما نص عليه، واعتمده جمع، وأطالوا فيه.
وبطل الستر بتجريح عدل وإذا تاب الفاسق لم يلتحق بالمستور.
ويسن استتابة المستور عند العقد.
ولو علم الحاكم فسق الشاهدين لزمه التفريق بين الزوجين
ولو قبل الترافع إليه على الاوجه.
ويصح أيضا بابني الزوجين أو عدويهما.
وقد يصح كون الاب شاهدا أيضا: كأن تكون بنته قنة.
وظاهر كلام الحناطي - بل صريحه - أنه لا يلزم الزوج البحث عن حال الولي والشهود.
قال شيخنا: وهو كذلك إن لم يظن وجود مفسد للعقد (وبان بطلانه) أي النكاح (بحجة فيه) أي في النكاح من بينة أو(3/346)
علم حاكم (أو بإقرار الزوجين في حقهما بما يمنع صحته) كفسق الشاهد أو الولي عند العقد والرق والصبا لهما وكوقوعه في العدة.
وخرج بفي حقهما حق الله تعالى كأن طلقها ثلاثا ثم اتفقا على فساد النكاح بشئ مما ذكر وأراد نكاحا جديدا فلا يقيل إقرارهما، بل لا بد من محلل للتهمة، ولانه حق الله، ولو أقاما عليه بينة لم تسمع.(3/347)
أما بينة الحسبة فتسمع.
نعم محل عدم قبول إقرارهما في الظاهر، أما في الباطن فالنظر لما في نفس الامر ولا يتبين البطلان بإقرار الشاهدين بما يمنع الصحة فلا يؤثر في الابطال، كما لا يؤثر فيه بعد الحكم بشهادتهما، ولان الحق ليس لهما فلا يقبل قولهما.
أما إذا أقر به الزوج دون الزوجة فيفرق بينهما مؤاخذة له بإقراره وعليه نصف المهر إن لم يدخل بها وإلا فكله: إذ لا يقبل قوله عليها في المهر بخلاف ما إذا أقرت به دونه فيصدق هو(3/348)
بيمينه لان العصمة بيده وهي تريد رفعها فلا تطالبه بمهر إن طلقت قبل وطئ، وعليه إن وطئ الاقل من المسمى ومهر المثل.
ولو أقرت بالاذن ثم ادعت أنها إنما أذنت بشرط صفة في الزوج ولم توجد ونفى الزوج ذلك صدقت بيمينها فيما استظهره شيخنا (و) إذا اختلفا فادعت أنها محرمة بنحو رضاع وأنكر (حلفت مدعية محرمية) وصدقت وبان بطلان النكاح فيفرق بينهما إن (لم ترضه) أي الزوج حال العقد ولا عقبه لاجبارها أو أذنها في غير معين ولم ترض بعد العقد بنطق ولا تمكين لاحتمال ما تدعيه مع عدم سبق مناقضه، فهو كقولها ابتداء فلان أخي من الرضاع فلا تزوج منه.
فإن رضيت ولم تعتذر بنحو نسيان أو غلط لم تسمع دعواها (و) إن اعتذرت(3/349)
سمعت دعواها للعذر ولكن (حلف) هو أي الزوج (لراضية اعتذرت) بنسيان أو غلط (و) شرط (في الولي عدالة وحرية وتكليف) فلا ولاية لفاسق غير الامام الاعظم لان الفسق نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية كالرق.
هذا هو المذهب للخبر الصحيح لا نكاح إلا بولي مرشد أي عدل.
وقال بعضهم: إنه يلي.
والذي اختاره(3/350)
النووي - كابن الصلاح والسبكي - ما أفتى به الغزالي من بقاء الولاية للفاسق حيث تنتقل لحاكم فاسق.
ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا على ما اعتمده شيخنا كغيره، لكن الذي قاله الشيخان إنه لا يزوج إلا بعد الاستبراء، - واعتمده السبكي - ولا لرقيق كله أو بعضه لنقصه ولا لصبي ومجنون لنقصهما أيضا وإن تقطع الجنون تغليبا لزمنه المقتضي لسلب العبارة فيزوج الابعد زمنه فقط ولا تنتظر إفاقته.
نعم: إن قصر زمن الجنون(3/351)
كيوم في سنة انتظرت إفاقته، وكذي الجنون ذو ألم يشغله عن النظر بالمصلحة ومختل النظر بنحو هرم ومن به بعد الافاقة آثار خبل توجب حدة في الخلق (وينقل ضد كل) من الفسق والرق والصبا والجنون (ولاية لابعد) لا لحاكم - ولو في باب الولاء - حتى لو أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير وأخ كبير كانت الولاية للاخ لا للحاكم على المعتمد.
ولا ولاية أيضا لانثى فلا تزوج امرأة نفسها - ولو بإذن من وليها - ولا بناتها خلافا لابي(3/352)
حنيفة فيهما.
ويقبل إقرار مكلفة به لصدقها وإن كذبها وليها لان النكاح حق الزوجين فيثبت بتصادقهما (وهو) أي الولي (أب ف) - عند عدمه حسا أو شرعا (أبوه) وإن علا (فيزوجان) أي الاب والجد حيث لا عداوة ظاهرة (بكرا(3/353)
أو ثيبا بلا وطئ) لمن زالت بكارتها بنحو إصبع (بغير إذنها) فلا يشترط الاذن منها بالغة كانت أو غير بالغة لكمال شفقته ولخبر الدارقطني: الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها (لكف ء) موسر بمهر المثل، فإن زوجها المجبر - أي الاب أو الجد - لغير كف ء لم يصح النكاح، وكذا إن زوجها لغير موسر بالمهر على ما اعتمده الشيخان، لكن الذي اختاره جمع محققون الصحة في الثانية، واعتمده شيخنا ابن زياد.
ويشترط لجواز مباشرته لذلك - لا لصحته - كونه بمهر المثل الحال من نقد البلد فإن انتفيا صح بمهر المثل من نقد البلد.(3/354)
(فرع) لو أقر مجبر بالنكاح لكف ء قبل إقراره وإن أنكرته لان من ملك الانشاء ملك الاقرار، بخلاف غيره
(لا) يزوجان (ثيبا بوطئ) ولو زنا وإن كانت ثيوبتها بقولها إن حلفت (إلا بإذنها نطقا) للخبر السابق (بالغة) فلا تزوج الثيب الصغيرة العاقلة الحرة حتى تبلغ لعدم اعتبار إذنها، خلافا لابي حنيفة رضي الله عنه.
(وتصدق)(3/355)
المرأة البالغة (في) دعوى (بكارة) بلا يمين وفي ثيوبة قبل عقد عليها (بيمينها) وإن لم تتزوج ولم تذكر سببا، فلا تسئل عن السبب الذي صارت به ثيبا.
وخرج بقولي قبل عقد دعواها الثيوبة بعد أن يزوجها الاب بغير إذنها بظنه بكرا فلا تصدق هي لما في تصديقها من إبطال النكاح مع أن الاصل بقاء البكارة، بل لو شهدت أربع نسوة بثيوبتها عند العقد لم يبطل لاحتمال إزالتها بنحو أصبع أو خلقت بدونها.
وفي فتاوى الكمال الرداد: يجوز للاب تزويج صغيرة أخبرته أن الزوج الذي طلقها لم يطأها: أي إذا غلب على ظنه صدق قولها وإن عاشرها الزوج أياما، ولا ينتظر بلوغه للتزويج.
(ثم) بعد الاصل (عصبتها وهو) من على حاشية النسب فيقدم (أخ(3/356)
لابوين فأخ لاب فبنوهما) كذلك فيقدم بنو الاخوة لابوين ثم بنو الاخوة لاب (ف) - بعد ابن الاخ (عم) لابوين ثم لاب ثم بنوهما كذلك ثم عم الاب ثم بنوه كذلك وهكذا.
(ثم) بعد فقد عصبة النسب من كان عصبة بولاء كترتيب إرثهم فيقدم (معتق فعصباته) ثم معتق المعتق ثم عصباته وهكذا، (فيزوجون) أي الاولياء المذكورين على ترتيب ولا (يتهم بالغة) لا صغيرة - خلافا لابي حنيفة (بإذن ثيب بوطئ نطقا) لخبر الدارقطني السابق، ويجوز الاذن منها بلفظ الوكالة كوكلتك في تزويجي ورضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما يفعله أبي لا بما تفعله(3/357)
أمي لانها لا تعقد ولا إن رضي أبي أو أمي للتعليق وبرضيت فلانا زوجا أو رضيت أن أزوج.
وكذا بأذنت له أن يعقد لي وإن لم تذكر نكاحا - على ما بحث - ولو قيل لها أرضيت بالتزويج ؟ فقالت رضيت كفى (وصمت بكر) ولو عتيقة (استوءذنت) في كف ء وغيره وإن بكت، لكن من غير صياح أو ضرب حد: لخبر: والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها وخرج بثيب بوطئ مزالة البكارة بنحو إصبع فحكمها حكم البكر في الاكتفاء بالسكوت بعد(3/358)
الاستئذان.
ويندب للاب والجد استئذان البكر البالغة تطييبا لخاطرها، أما الصغيرة فلا إذن لها وبحث ندبه في
المميزة ولغيرهما الاشهاد على الاذن.
(فرع) لو أعتق جماعة أمة اشترط رضا كلهم فيوكلون واحدا منهم أو من غيرهم.
ولو أراد أحدهم أن يتزوجها زوجه الباقون مع القاضي: فإن مات جميعهم كفى رضا كل واحد من عصبة كل واحد، ولو اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة جاز أن يزوجها أحدهم برضاها وإن لم يرض الباقون (ثم) بعد فقد عصبة النسب والولاء (قاض) أو نائبه لقوله (ص): السلطان ولي من لا ولي لها والمراد من له ولاية من الامام والقضاة ونوابهم(3/359)
(فيزوج) أي القاضي (بكف ء) لا بغيره (بالغة) كائنة في محل ولايته حالة العقد ولو مجتازة به وإن كان إذنها له وهي خارجة، أما إذا كانت خارجة عن محل ولايته حالته فلا يزوجها وإن أذنت له قبل خروجها منه أو كان هو فيه لان الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب.
وخرج بالبالغة اليتيمة فلا يزوجها القاضي ولو حنفيا لم يأذن له سلطان حنفي فيه.
وتصدق المرأة في دعوى البلوغ بحيض أو إمناء بلا يمين: إذ لا يعرف إلا منها في دعوى البلوغ بالسن إلا ببينة خبيرة تذكر عدد السنين (وعدم وليها) الخاص بنسب أو ولاء (أو غاب) أي أقرب أوليائها(3/360)
(مرحلتين) وليس له وكيل حاضر في التزويج وتصدق المرأة في دعوى غيبة الولي وخلوها من النكاح والعدة وإن لم تقم بينة بذلك.
ويسن طلب بينة بذلك منها، وإلا فتحليفها.
ولو زوجها لغيبة الولي فبان أنه قريب من بلد(3/361)
العقد وقت النكاح لم ينعقد إن ثبت قربه.
فلا يقدح في صحة النكاح مجر قوله كنت قريبا من البلد، بل لا بد من بينة على الاوجه، خلافا لما نقله الزركشي والشيخ زكريا عن فتاوي البغوي (أو) غاب إلى دونهما لكن (تعذر وصول إليه) أي إلى الولي (لخوف) في الطريق من القتل أو الضرب أو أخذ المال (أو فقد) أي الولي بأن لم يعرف مكانه ولا موته ولا حياته بعد غيبة أو حضور قتال أو انكسار سفينة أو أسر عدو.
هذا إن لم يحكم بموته، وإلا زوجها الابعد.
(أو عضل) الولي ولو مجبر أي منع (مكلفة) أي بالغة عاقلة (دعت إلى) تزويجها من (كف ء) ولو بدون مهر المثل من تزويجها به.(3/362)
(فروع) لا يزوج القاضي إن عضل مجبر من تزويجها بكف ء عينته وقد عين هو كفؤ آخر غير معينها وإن كان معينة دون معينها كفاءة.
ولا يزوج غير المجبر ولو أبا أو جدا بأن كانت ثيبا إلا ممن عينته وإلا كان عاضلا.
ولو ثبت تواري الولي أو تعززه زوجها الحاكم.
وكذا يزوج القاضي إذا أحرم الولي أو أراد نكاحها كابن عم فقد من يساويه في الدرجة ومعتق فلا يزوج الابعد في الصور المذكورة لبقاء الاقرب على ولايته.
وإنما يزوج(3/363)
للقاضي أو طفله إذا أراد نكاح من ليس لها ولي قاض آخر بمحل ولايته إذا كانت المرأة في عمله أو نائب القاضي الذي يتزوج هو أو طفله (ثم) إن لم يوجد ولي ممن مر فيزوجها (محكم عدل) حر ولته مع خاطبها أمرها ليزوجها منه وإن لم يكن مجتهدا إذا لم يكن ثم قاض ولو غير أهل، وإلا فيشترط كون المحكم مجتهدا.
قال(3/364)
شيخنا: نعم إن كان الحاكم لا يزوج إلا بدراهم، كما حدث الآن - فيتجه أن لها أن تولي عدلا مع وجوده وإن سلمنا أنه لا ينعزل بذلك بأن علم موليه ذلك منه حال التولية.
انتهى.
ولو وطئ في نكاح بلا ولي كأن زوجت نفسها ولم يحكم حاكم بصحته ولا ببطلانه لزمه مهر المثل دون المسمى لفساد النكاح ويعزر به معتقد تحريمه ويسقط عند الحد.
(و) يجوز (لقاض تزويج من قالت أنا خلية عن نكاح وعدة) أو طلقني زوجي واعتددت (ما لم يعرف لها زوجا) معينا (وإلا) أي وإن عرف لها زوجا باسمه أو شخصه أو عينته (شرط) في صحة تزويج(3/365)
الحاكم لها دون الولي الخاص (إثبات لفراقه) بنحو طلاق أو موت - سواء أغاب أم حضر - وإنما فرقوا بين المعين وغيره - مع أن المدار والعلم يسبق الزوجية أو بعدمه حتى يعمل بالاصل في كل منهما - لان القاضي لما تعين الزوج عنده باسمه أو شخصه تأكد له الاحتياط والعمل بأصل بقاء الزوجية فاشترط الثبوت، ولانها لما ذكرت معينا باسم العلم كأنها ادعت عليه، بل صرحوا بأنها دعوى عليه فلا بد من إثبات ذلك - بخلاف ما إذا عرف مطلق الزوجية من غير تعيين بما ذكر فاكتفي بإخبارها بالخلو عن الموانع.
لقول الاصحاب: إن العبرة في العقود بقول أربابها.
وأما الولي الخاص فيزوجها إن صدقها وإن عرف زوجها الاول من غير إثبات طلاق ولا يمين، لكن يسن له - كقاض لم يعرف زوجها - طلبت إثبات ذلك، ولا فرق بين القاضي والولي حيث فصل بين(3/366)
المعين وغيره في ذلك دون هذا لان القاضي يجب عليه الاحتياط أكثر من الولي (و) يجوز (لمجبر) وهو الاب والجد - في البكر (توكيل) معين صح تزوجه في تزويج موليته بغير إذنها وإن لم يعين المجبر الزوج في توكيله (وعلى وكيل) إن لم يعين الولي الزوج (رعاية حظ) واحتياط في أمرها، فإن زوجها بغير كف ء أو بكف ء وقد خطبها أكفأ منه لم يصح التزويج لمخالفته الاحتياط الواجب عليه (و) يجوز التوكيل (لغيره) أي غير المجبر بأن(3/367)
لم يكن أبا ولا جدا في البكر أن كانت موليته ثيبا فليوكل (بعد إذن) حصل منها (له فيه) أي التزويج إن لم تنهه عن التوكيل.
وإذا عينت للولي رجلا فليعينه للوكيل وإلا لم يصح تزيجه.
ولو لمن عينته لان الاذن المطلق مع أن المطلوب معين فاسد.
وخرج بقولي بعد إذنها للولي في التزويج ما لو وكله قبل إذنها له فيه فلا يصح التوكيل ولا النكاح.
نعم: لو وكل قبل أن يعلم إذنها له ظانا جواز التوكيل قبل الاذن فزوجها الوكيل صح إن تبين أنها كانت أذنت قبل التوكيل لان العبرة في العقود بما في نفس الامر لا بما في ظن المكلف وإلا فلا.(3/368)
(فروع) لو زوج القاضي امرأة قبل ثبوت توكيله بل بخبر عدل نفذ وصح، لكنه غير جائز لانه تعاطى عقدا فاسدا في الظاهر - كما قاله بعض أصحابنا - ولو بلغت الولي امرأة إذن موليته فيه فصدقها ووكل القاضي فزوجها صح التوكيل والتزويج.
ولو قالت امرأة لوليها أذنت لك في تزويجي لمن أراد تزويجي الآن وبعد طلاقي وانقضاء عدتي صح تزويجه بهذا الاذن ثانيا، فلو وكل الولي أجنبيا بهذه الصفة صح تزويجه ثانيا أيضا لانه وإن لم يملكه حال الاذن لكنه تابع لما ملكه حال الاذن - كما أفتى به الطيب الناشري، وأقره بعض أصحابنا.
ولو أمر القاضي(3/369)
رجلا بتزويج من لا ولي لها قبل استئذانها فيه فزوجها بإذنها جاز بناء على الاصح إن استنابته في شغل معين استخلاف لا توكيل.
(فرع) لو استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة لم يكف استخلاف لا توكيل الكتاب فقط بل يشترط اللفظ عليه منه، وليس للمكتوب إليه الاعتماد على الخط.
هذا ما في أصل الروضة.
وتضعيف البلقيني له مردود بتصريحهم بأن الكتابة
وحدها لا تفيد في الاستخلاف، بل لا بد من إشهاد شاهدين على ذلك: قاله شيخنا في شرحه الكبير.
(و) يجوز (لزوج توكيل في قبوله) أي النكاح فيقول وكيل الولي للزوج زوجتك فلانة بنت فلان ابن فلان ثم يقول موكلي أو وكالة عنه إن جهل الزوج أو الشاهدان وكالته وإلا لم يشترط ذلك وإن حصل العلم بأخبار الوكيل.
ويقول الولي(3/370)
لوكيل الزوج زوجت بنتي لفلان بن فلان، فيقول وكيله كما يقول ولي الصبي حين يقبل النكاح له قبلت نكاحها له.
فإن ترك لفظة له فيهما لم يصح النكاح وإن نوى الموكل أو الطفل كما لو قال زوجتك بدل فلان لعدم التوافق، فإن ترك لفظة له في هذه انعقد للوكيل وإن نوى موكله.
(فروع) من قال أنا وكيل في تزويج فلانة فلمن صدقه قبول النكاح منه ويجوز لمن أخبره عدل بطلاق فلان أو موته أو توكيله أن يعمل به بالنسبة لما يتعلق بنفسه وكذا خطه الموثوق به، وأما بالنسبة لحق الغير أو لما(3/371)
يتعلق بالحاكم فلا يجوز اعتماد عدل ولا خط قاض من كل ما ليس بحجة شرعية (فرع: يزوج عتيقة امرأة حية) عدم ولي عتيقتها نسبا (وليها) أي المعتقة تبعا لولايته عليها فيزوجها أبو المعتقة ثم جدها بترتيب الاولياء ولا يزوجها ابن المعتقة ما دامت حية (بإذن عتيقة) ولو لم ترض المعتقة: إذ لا ولاية لها، فإذا ماتت المعتقة، زوجها(3/372)
ابنها (و) يزوج (أمة) امرأة (بالغة) رشيدة (وليها) أي ولي السيدة (بإذنها وحدها) لانها المالكة لها، فلا يعتبر إذن الامة لان لسيدتها إجبارها على النكاح.
ويشترط أن يكون إذن السيدة نطقا وإن كانت بكرا (و) يزوج (أمة صغيرة بكر أو صغير أب) فأبوه (لغبطة) وجدت كتحصيل مهر أو نفقة (لا يزوج عبدهما) لانقطاع كسبه عنهما - خلافا لمالك - إن ظهرت مصلحة ولا أمة ثيب صغيرة لانه لا يلي نكاح مالكتها.
ولا يجوز للقاضي أن يزوج أمة الغائب(3/373)
وإن احتاجت إلى النكاح وتضررت بعدم النفقة.
نعم: إن رأى القاضي بيعها لان الحظ فيه للغائب من الانفاق عليها باعها (و) يزوج (سيد) بالملك ولو فاسقا (أمته) المملوكة كلها له لا المشتركة ولو باغتنام بينه وبين جماعة أخرى بغير رضا جميعهم (ولو) بكرا (صغيرة) أو ثيبا غير بالغة أو كبيرة بلا إذن منها لان النكاح يرد على منافع
البضع وهي مملوكة له وله إجبارها عليه لكن لا يزوجها لغير كف ء بعيب مثبت للخيار أو فسق أو حرفة دنيئة إلا برضاها، وله تزويجها برقيق ودنئ نسب لعدم النسب لها.
وللمكتب لا لسيده تزويج أمته إن أذن له سيده فيه.(3/374)
ولو طلبت الامة تزويجها لم يلزم السيد لانه ينقص قيمتها قال شيخنا: يزوج الحاكم أمة كافر أسلمت بإذنه والموقوفة بإذن الموقوف عليهم - أي إن انحصروا وإلا لم تزوج فيما يظهر (ولا ينكح عبد) ولو مكاتبا (إلا بإذن سيده) ولو كان السيد أنثى سواء أطلق الاذن أم قيد بامرأة معينة أو قبيلة فينكح بحسب إذنه.
ولا يعدل عما أذن له(3/375)
فيه مراعاة لحقه.
فإن عدل عنه لم يصح النكاح ولو نكح العبد بلا إذن سيده بطل النكاح.
ويفرق بينهما خلافا لمالك فإن وطئ فلا شئ عليه لرشيدة مختارة.
أما السفيهة والصغيرة فيلزم فيهما مهر المثل.
ولا يجوز للعبد ولو مأذونا في التجارة أو مكاتبا أن يتسرى وإن جاز له النكاح بالاذن لان المأذون له لا يملك ولضعف الملك في(3/376)
المكاتب.
ولو طلب العبد النكاح لا يجب على السيد إجابته ولو مكاتبا: ولا يصدق مدعي عتق من عبد أو أمة إلا بالبينة المعتبرة الآتي بيانها في باب الشهادة وصدق مدعي حرية أصالة بيمين ما لم يسبق إقرار برق أو لم يثبت لان الاصل الحرية.
فصل في الكفاءة وهي معتبرة في النكاح لا لصحته، بل لانها حق للمرأة والولي فلهما إسقاطها.
(لا يكافئ حرة) أصلية أو(3/377)
عتيقة ولا من لم يمسها الرق أو آباءها أو الاقرب إليها منهم غيرها بأن لا يكون مثلها في ذلك ولا أثر لمس الرق في الامهات (ولا عفيفة) وسنية وغيرهما من فاسق ومبتدع، فالفاسق كف ء للفاسقة: أي إن استوى فسقهما (و) لا (نسيبة) من عربية وقرشية وهاشمية أو مطلبية غيرها يعني لا يكافئ عربية أبا غيرها من العجم وإن كانت أمة(3/378)
عربية، ولا قرشية غيرها من بقية العرب، ولا هاشمية أو مطلبية غيرهما من بقية قريش.
وصح: نحن وبنو
المطلب شئ واحد فهما متكافئان.
ولا يكافئ من أسلم بنفسه من لها أب أو أكثر في الاسلام، ومن له أبوان لمن لها ثلاثة آباء فيه على ما صرحوا به، لكن حكى القاضي أبو الطيب وغيره فيه وجها أنهما كفآن واختاره(3/379)
الروياني.
وجزم به صاحب العباب.
(و) لا (سليمة من حرف دنيئة)، وهي ما دلت ملابسته على انحطاط المروءة، غيرها، فلا يكافئ من هو أو أبوه حجام أو كناس أو راع بنت خياط ولا هو بنت تاجر، وهو من يجلب البضائع من غير تقييد بجنس، أو بزاز، وهو بائع البز ولا هما بنت عالم أو قاض عادل.
قال الروياني: وصوبه، الاذرعي ولا يكافئ عالمة جاهل، خلافا للروضة والاصح أن اليسار لا يعتبر في الكفاءة لان المال ظل زائل ولا(3/380)
يفتخر أهل المروءات والبصائر (و) لا سليمة حال العقد (من عيب) مثبت لخيار (نكاح) لجاهل به حالته كجنون(3/381)
ولو متقطعا، وإن قل، وهو مرض يزول به الشعور من القلب (وجذام) مستحكم وهي علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع (وبرص) مستحكم وهو بياض شديد يذهب دموية الجلد، وإن قلا، وعلامة الاستحكام في الاول اسوداد العضو.
وفي الثاني عدم احمراره عند عصره (غير) ممن به عيب لان النفس تعاف صحبة من به ذلك ولو كان بها عيب أيضا فلا كفاءة وإن اتفقا أو كان ما بها أقبح.
أما العيوب التي لا تثبت الخيار فلا تؤثر، كالعمى وقطع الطرف وتشوه الصورة، خلافا لجمع متقدمين.(3/382)
(تتمة) ومن عيوب النكاح رتق وقرن فيها وجب وعنة فيه فلكل من الزوجين الخيار فورا في فسخ النكاح بما وجد من العيوب المذكورة في الآخر بشرط أن يكون بحضور الحاكم.
وليس منها استحاضة وبخر وصنان(3/383)
وقروح سيالة وضيق منفذ.
ويجوز لكل من الزوجين خيار بخلف شرط وقع في العقد لا قبله كأن شرط في أحد الزوجين حرية أو نسب أو جمال أو يسار أو بكارة أو شباب أو سلامة من عيوب كزوجتك بشرط أنها بكر أو حرة مثلا، فإن بان أدنى مما شرط فله فسخ ولو بلا قاض ولو شرطت بكارة فوجدت ثيبا وادعت ذهابها عنده فأنكر(3/384)
صدقت بيمينها لدفع الفسخ أو ادعت افتضاضه لها فأنكر فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ أيضا، لكن يصدق هو بيمينه لتشطير المهر إن طلق قبل الدخول (ولا يقابل بعضها) أي بعض خصال الكفاءة (ببعض) من تلك الخصال فلا تزوج حرة عجمية برقيق عربي ولا حرة فاسقة بعبد عفيف.
قال المتولي: وليس من الحرف الدنيئة خبازة.
ولو اطرد عرف بلد بتفضيل بعض الحرف الدنيئة التي نصوا عليها لم يعتبر، ويعتبر عرف بلدها فيما لم ينصوا عليه.
وليس للاب تزويج ابنه الصغير أمة لانه مأمون العنت (ويزوجها بغير كف ء ولي) بنسب وولاء (لا(3/385)
قاض برضا كل) منها ومن وليها أو أوليائها المستوين الكاملين لزوال المانع برضاهم، أما القاضي فلا يصح له تزويجها لغير كف ء وإن رضيت به على المعتمد إن كان لها ولي غائب أو مفقود لانه كالنائب عنه فلا يترك الحظ له.
وبحث جمع متأخرون أنها لو لم تجد كفؤا وخافت الفتنة لزم القاضي إجابتها للضرورة.
قال شيخنا وهو(3/386)
متحه.
مدركا، أما من ليس لها ولي أصلا فتزويجها القاضي لغير كف ء بطلبها التزويج منه صحيح على المختار - خلافا للشيخين.
(فرع) لو زوجت من غير كف ء بالاجبار أو بالاذن المطلق عند التقييد بكف ء أو بغيره لم يصح التزويج لعدم رضاها به، فإن أذنت في تزويجها بمن ظنته كفؤا فبان خلافه صح النكاح ولا خيار لها لتقصيرها بترك البحث نعم، لها خيار إن بان معيبا أو رقيقا وهي حرة.
(تتمة) يجوز للزوج كل تمتع منها بما سوى حلقة دبرها ولو بمص بظرها أو استمناء بيدها، لا بيده، وإن(3/387)
خاف الزنا، خلافا لاحمد، ولا افتضاض بأصبع.
ويسن ملاعبة الزوجة إيناسا، وأن لا يخليها عن الجماع كل أربع ليال مرة بلا عذر، وأن يتحرى بالجماع وقت السحر، وأن يمهل لتنزل إذا تقدم إنزاله، وأن يجامعها عند القدوم من سفره، وأن يتطيبا للغشيان، وأن يقول كل، ولو مع اليأس من الولد، بسم الله اللهم جنبنا الشيطان.
وجنب الشيطان ما رزقتنا.
وأن يناما في فراش واحد والتقوي له بأدوية مباحة بقصد صالح: كعفة ونسل وسيلة
لمحبوب فليكن محبوبا فيما يظهر.
قاله شيخنا: ويحرم عليها منعه من استمتاع جائز.
ويكره لها أن تصف(3/388)
لزوجها أو غيره امرأة أخرى لغير حاجة.
وله الوطئ في زمن يعلم دخول وقت المكتوبة فيه وخروجه قبل وجود الماء وأنها لا تغتسل عقبه وتفوت الصلاة.
فصل في نكاح الامة (حرم لحر) ولو عقيما أو آيسا من الولد (نكاح أمة) لغيره ولو مبعضة (إلا) بثلاثة شروط: أحدها (بعجز عمن تصلح لتمتع) ولو أمة أو رجعية لانها في حكم الزوجية ما لم تنقض عدتها بدليل التوارث بأن لا يكون تحته(3/389)
شئ من ذلك ولا قادرا على نكاح حرة لعدمها أو فقره أو التسري بعدم وجود أمة في ملكه أو ثمن لشرائها.
ولو وجد من يقرض أو يهب مالا أو جارية لم يلزمه القبول، بل يحل مع ذلك نكاح الامة لا لمن له ولد موسر.
أما إذا كان تحته صغيرة لا تحتمل الوطئ أو هرمة أو مجنونة أو مجذومة أو برصاء أو رتقاء أو قرناء فتحل الامة.
وكذا إن كان تحته زانية على ما أفتى به غير واحدة.
ولو قدر على غائبة في مكان قريب لم يشق قصدها وأمكن انتقالها(3/390)
لبلده لم تحل الامة، أما لو كان تحته غائبة في مكان بعيد عن بلده ولحقه مشقة ظاهرة بأن ينسب متحملها في طلب الزوجة إلى مجاوزة الحد في قصدها أو يخاف الزنا مدة قصدها فهي كالعدم كالتي لا يمكن انتقالها إلى وطئة لمشقة الغربة له.
(و) ثانيها (بخوفه زنا) بغلبة شهوة وضعف تقواه فتحل - للآية - فإن ضعفت شهوته وله تقوى أو مروءة أو حياء يستقبح معه الزنا أو قويت شهوته وتقواه لم تحل له الامة لانه لا يخاف الزنا.
ولو خاف الزنا(3/391)
من أمة بعينها لقوة ميله إليها لم تحل له - كما صرحوا به - والشرط الثالث: أن تكون الامة مسلمة يمكن وطوها فلا تحل له الامة الكتابية.
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يجوز للحر نكاح أمة غيره إن لم يكن تحته حرة.
(فروع) لو نكح الحر الامة بشروطه ثم أيسر أو نكح الحرة لم ينفسخ نكاح الامة.
وولد الامة من نكاح أو غيره كزنا أو شبهة بأن نكحها وهو موسر قن لمالكها.
ولو غر واحد بحرية أمة وتزوجها فأولادها الحاصلون منه(3/392)
أحرار ما لم يعلم برقها وإن كان عبدا ويلزمه قيمتهم يوم الولادة (وحل لمسلم) حر (وطئ) أمته (الكتابية) لا الوثنية والمجوسية.
(تتمة) لا يضمن سيد بإذنه في نكاح عبده مهرا ولا مؤنة وإن شرط في إذنه ضمان، بل يكونان في كسبه وفي مال تجارة أذن له فيها.
ثم إن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا فهما في ذمته فقط كزائد على مقدر له ومهر وجب بوطئ في نكاح فاسد لم يأذن فيه سيده ولا يثبت مهر أصلا بتزويج أمته لعبده وإن سماه، وقيل يجب ثم يسقط.(3/393)
فصل في الصداق وهو ما وجب بنكاح أو وطئ.
وسمي بذلك لاشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الاصل في(3/394)
إيجابه، ويقال له أيضا مهر.
وقيل الصداق ما وجب بتسميته في العقد.
والمهر ما وجب بغير ذلك (سن) ولو في تزويج أمته بعبده ذكر صداق في عقد) وكونه من فضة، للاتباع فيهما، وعدم زيادة على خمسمائة درهم أصدقة(3/395)
بناته (ص) أو نقصان عن عشرة دراهم خالصة: وكره إخلاوه عن ذكره.
وقد يجب لعارض: كأن كانت المرأة غير جائزة التصرف.
(وما صح) كونه (ثمنا صح) كونه (صداقا) وإن قل لصحة كونه عوضا فإن عقد بما لا يتمول،(3/396)
كنواة وحصاة وقمع باذنجان وترك حد قذف، فسدت التسمية لخروجه عن العوضية (ولها) كولي ناقصة بصغر أو جنون وسيد أمة (حبس نفسها لتقبض غير مؤجل) من المهر المعين أو الحال سواء كان بعضه أم كله، أما لو كان مؤجلا فلا حبس لها وإن حل قبل تسليمها نفسها له، ويسقط حق الحبس بوطئه إياها طائعة كاملة فلغيرها الحبس بعد الكمال إلا أن يسلمها الولي بمصلحة، وتمهل وجوبا النحو تنظف بالطلب منها أو من وليها ما يراه قاض من(3/397)
ثلاثة أيام فأقل، لا لانقطاع حيض ونفاس.
نعم، لو خشيت أنه يطؤها سلمت نفسها وعليها الامتناع، فإن
علمت أن امتناعها لا يفيد واقتضت القرائن بالقطع بأنه يطوها لم يبعد أن لها، بل عليها، الامتناع حينئذ، على ما قاله شيخنا، (ولو أنكح) الولي (صغيرة) أو مجنونة (أو رشيدة بكرا بلا إذن بدون مهر مثل أو عينت له قدرا(3/398)
فنقص عنه) أو أطلقت الاذن ولم تتعرض لمهر فنقص عن مهر مثل.
(صح) النكاح على الاصح (بمهر مثل) لفساد المسمى كما إذا قبل النكاح لطفله بفوق مهر مثل من ماله.
ولو ذكروا مهرا سرا وأكثر منه جهرا لزمه ما عقد به اعتبارا بالعقد.
وإذا عقد سرا بألف ثم أعيد جهرا بألفين تجملا لزم ألف (وفي وطئ نكاح) أو شراء (فاسد) كما في وطئ شبهة يجب (مهر مثل) لاستيفائه منفعة البضع، ولا يتعدد بتعدد الوطئ إن اتحدت الشبهة.
(ويتقرر كله)(3/399)
أي كل الصداق (بموت) لاحدهما، ولو قبل الوطئ، لاجماع الصحابة على ذلك (أو وطئ) أي بغيبة الحشفة وإن بقيت البكارة (ويسقط) أي كله (بفراق) وقع منها (قبله) أي قبل وطئ (كفسخها) بعيبه أو بإعساره وكردتها أو(3/400)
بسببها كفسخه بعيبها (ويتشطر) المهر: أي يجب نصفه فقط (بطلاق) ولو باختيارها: كأن فوض الطلاق إليها فطلقت نفسها أو علقه بفعلها ففعلت أو فورقت بالخلع وبإنفساخ نكاح بردته وحده (قبله) أي الوطئ.
(وصدق نافي وطئ) من الزوجين بيمينه لان الاصل عدمه إلا إذا نكحها بشرط البكارة ثم قال وجدتها ثيبا ولم أطأها فقالت(3/401)
بل زالت بوطئك فتصدق بيمينها لدفع الفسخ، ويصدق هو لتشطيره إن طلق قبل وطئ (وإذا اختلفا) أي الزوجان (في قدره) أي المهر المسمى وكان ما يدعيه الزوج أقل (أو) في (صفته) من نحو جنس كدنانير وحلول وقدر أجل وصحة وضدها.
(ولا بينة) لاحدهما أو تعارضت بيناتهما (تحالفا) كما في البيع، (ثم) بعد التحالف (يفسخ(3/402)
المسمى ويجب مهر المثل) وإن زاد على ما ادعته الزوجة وهو ما يرغب به عادة في مثلها نسبا وصفة من نساء عصباتها، فتقدم أخت لابوين فلاب فبنت أخ فعمة كذلك فإن جهل مهرهن فيعتبر مهر رحم لها كجدة وخالة.
قال الماوردي والروياني: تقدم الام فالاخت للام فالجدات فالخالة فبنت الاخت، أي للام، فبنت الخالة.
ولو
اجتمع أم أب وأم أم فالذي يتجه استواوهما، فإن تعذرت اعتبر بمثلها في الشبه من الاجنبيات.
ويعتبر مع ذلك ما يختلف به غرض كسن ويسار وبكارة وجمال وفصاحة، فإن اختصت عنهن بفضل أو نقص زيد عليه أو نقص منه(3/403)
لائق بالحال بحسب ما يراه قاض.
ولو سامحت واحدة لم يجب موافقتها (وليس لولي عفو عن مهر) لموليته كسائر ديونها وحقوقها.
ووجدت من خط العلامة الطنبداوي أن الحيلة في براءة الزوج عن المهر حيث كانت المرأة صغيرة أو مجنونة أو سفيهة أن يقول الولي مثلا طلق موليتي على خمسمائة درهم مثلا علي فيطلق ثم يقول الزوج أحلت عليك موليتك بالصداق الذي لها علي فيقول الولي قبلت فيبرأ الزوج حينئذ من الصداق اه.
ويصح التبرع بالمهر من مكلفة بلفظ الابراء والعفو والاسقاط والاحلال والتحليل والاباحة والهبة وإن لم يحصل قبول.(3/404)
(مهمات) لو خطب امرأة ثم أرسل أو دفع بلا لفظ إليها مالا قبل العقد: أي ولم يقصد التبرع ثم وقع الاعراض منها أو منه رجع بما وصلها منه، كما صرح به جمع محققون، ولو أعطاها مالا فقالت هدية وقال صداقا صدق بيمينه وإن كان من غير جنسه، ولو دفع لمخطوبته وقال جعلته من الصداق الذي سيجب بالعقد أو من الكسوة التي ستجب بالعقد والتمكين وقالت بل هي هدية فالذي يتجه تصديقها، إذ لا قرينة هنا على صدقه في قصده، ولو طلق في مسألتنا بعد العقد لم يرجع بشئ، كما رجحه الاذرعي، خلافا للبغوي، لانه إنما أعطى لاجل العقد وقد وجد.(3/405)
(تتمة) تجب عليه لزوجة موطوءة ولو أمة متعة بفراق بغير سببها وبغير موت أحدهما وهي ما يتراضى الزوجان عليه وقيل أقل مال يجوز جعله صداقا.
ويسن أن لا ينقص عن ثلاثين درهما، فإن تنازعا قدرها القاضي بقدر حالهما من يساره وإعساره ونسبها وصفتها.(3/406)
(خاتمة) الوليمة لعرس سنة مؤكدة للزوج الرشيد وولي غيره من مال نفسه ولا حد لاقلها، لكن الافضل
للقادر شاة.
ووقتها الافضل بعد الدخول، للاتباع، وقبله بعد العقد يحصل بها أصل السنة.
والمتجه استمرار طلبها بعد الدخول وإن طال الزمن كالعقيقة أو طلقها وهي ليلا أولى.
وتجب على غير معذور بأعذار الجمعة(3/407)
وقاض الاجابة إلى وليمة عرس عملت بعد عقد، لا قبله، إن دعاه مسلم إليها بنفسه أو نائبة الثقة، وكذا مميز لم يعهد منه كذب وعم بالدعاء الموصوفين يوصف قصده كجيرانه وعشيرته أو أصدقائه أو أهل حرفته فلو كثر نحو عشيرته أو عجز عن الاستيعاب لفقره لم يشترط عموم الدعوة على الاوجه، بل الشرط أن لا يظهر منه قصد تخصيص لغني أو غيره وأن يعين المدعو بعينه أو وصفه فلا يكفي من أراد فليحضر أو ادع من شئت أو لقيت، بل(3/408)
لا تسن الاجابة حينئذ.
وأن لا يترتب على إجابته خلوة محرمة فالمرأة تجيبها المرأة إن أذن زوجها أو سيدها لا الرجل إلا إن كان هناك مانع خلوة محرمة كمحرم لها أو له أو امرأة.
أما مع الخلوة فلا يجيبها مطلقا، وكذا مع(3/409)
عدمها إن كان الطعام خاصا به: كأن جلست ببيت وبعثت له الطعام إلى بيت آخر من دارها خوف الفتنة.
بخلاف إذا لم تخف، فقد كان شعبان وأضرابه رابعة العدوية ويسمعون كلامها: فإن وجد رجل كسفيان وامرأة كرابعة لم تحرم الاجابة، بل لا تكره.
وأن لا يدعي لنحو خوف منه أو طمع في جاهه أو لاعانته على باطل ولا إلى شبهة بأن لا يعلم حرام في ماله.
أما إذا كان فيه شبهة بأن علم اختلاطه أو طعام الوليمة بحرام، وإن قل، فلا تجب إجابة، بل تكره إن كان أكثر ماله حراما، فإن علم أن عين الطعام حرام حرمت الاجابة وإن لم يرد الاكل منه، كما استظهره شيخنا، ولا إلى محل فيه منكر لا يزول بحضوره.
ومن المنكر ستر جدار بحرير وفرش(3/410)
مغصوبة أو مسروقة ووجود من يضحك الحاضرين بالفحش والكذب، فإن كان حرمت الاجابة، ومنه صورة حيوان مشتملة على ما لا يمكن بقاؤه بدونه وإن لم يكن لها نظير كفرس بأجنحة وطير بوجه إنسان على سقف أو جدار أو ستر علق لزينة أو ثياب ملبوسة أو وسادة منصوبة لانها تشبه الاصنام فلا تجب الاجابة في شئ من الصور(3/411)
المذكورة بل تحرم، ولا أثر بحمل النقد الذي عليه صورة كاملة لانه للحاجة ولانها ممتهنة بالمعاملة بها.
ويجوز حضور محل فيه صورة تمتهن كالصور ببساط يداس ومخدة ينام أو يتكأ عليها وطبق وخوان وقصعة وإبريق، وكذا إن قطع رأسها لزوال ما به الحياة.
ويحرم - ولو على نحو أرض - تصوير حيوان وإن لم يكن له نظير.
نعم: يجوز(3/412)
تصوير لعب البنات لان عائشة رضي الله عنه كانت تلعب بها عنده (ص)، كما في مسلم.
وحكمته تدريبهن أمر التربية.
ولا يحرم أيضا تصوير حيوان بلا رأس، خلافا للمتولي، ويحل صوغ حلي ونسج حرير لانه يحل للنساء.
نعم: صنعته لمن لا يحل له استعماله حرام.
ولو دعاه اثنان أجاب أسبقهما دعوة فإن دعواه معا أجاب الاقرب رحما فدارا ثم بالقرعة.
وتسن إجابة سائر الولائم كما عمل للختان والولادة وسلامة المرأة الطلق وقدوم المسافر وختم القرآن، وهي مستحبة في كلها.(3/413)
(فروع) يندب الاكل في صوم نفل ولو مؤكدا لارضاء ذي الطعام بأن شق عليه إمساكه ولو آخر النهار(3/415)
للامر بالفطر ويثاب على ما مضى وقضى ندبا يوما مكانه، فإن لم يشق عليه إمساكه لم يندب الافطار، بل الامساك أولى.
قال الغزالي: يندب أن ينوي بفطره إدخال السرور عليه، ويجوز للضيف أن يأكل مما قدم له بلا لفظ من المضيف.
نعم.
إن انتظر غيره لم يجز قبل حضوره إلا بلفظ منه.
وصرح الشيخان بكراهة الاكل فوق(3/416)
الشبع وآخرون بحرمته.
وورد بسند ضعيف زجر النبي (ص) أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الاكل.
قال مالك: هو نوع من الاتكاء، فالسنة للاكل أن يجلس جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى.
ويكره الاكل متكئا، وهو المعتمد، على وطاء تحته ومضطجعا إلا فيما يتنقل به لا قائما والشرب قائما خلاف الاولى ويسن للآكل أن يغسل اليدين والفم قبل الاكل وبعده ويقرأ سورتي الاخلاص(3/417)
وقريش بعده ولا يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلال بل يرميه، بخلاف ما يجمعه بلسانه من بينها فإنه يبتلعه.
ويحرم أن يكبر اللقم مسرعا حتى يستوفي أكثر الطعام ويحرم غيره.
ولو دخل على آكلين فأذنوا له لم يجز له الاكل معهم إلا إن ظن أنه عن طيب نفس، لا لنحو حياء، ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو هرة إلا إن علم رضا الداعي.
ويكره للداعي تخصيص بعض الضيفان بطعام نفيس.
ويحرم للاراذل أكل ما قدم للاماثل.
ولو تناول ضيف إناء طعام فانكسر منه ضمنه، كما بحثه الزركشي، لانه في يده في حكم العارية.
ويجوز للانسان(3/418)
أخذ من نحو طعام صديقه مع ظن رضا مالكه بذلك، ويختلف بقدر المأخوذ وجنسه وبحال المضيف.
ومع ذلك ينبغي له مراعاة نصفة أصحابه فلا يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به عن طيب نفس لا عن حياء.
وكذا يقال في قران نحو تمرتين أما عند الشك في الرضا فيحرم الاخذ كالتطفل ما لم يعم: كأن فتح الباب ليدخل من شاء ولزم مالك طعام إطعام مضطر قدر سد رمقه إن كان معصوما مسلما أو ذميا وإن احتاجه مالكه مآلا، وكذا بهيمة الغير المحترمة، بخلاف حربي ومرتد وزان محصن وتارك صلاة وكلب عقور، فإن منع فله أخذه قهرا بعوض إن(3/419)
حضر، وإلا فنسيئة.
ولو أطعمه ولم يذكر عوضا فلا عوض له لتقصيره ولو اختلفا في ذكر العوض صدق المالك بيمينه.
ويجوز نثر نحو سكر وتنبل وتركه أولى.
ويحل التقاطه للعلم برضا مالكه.
ويكره أخذه لانه دناءة ويحرم أخذ فرخ طير عشش بملك الغير وسمك دخل مع الماء في حوضه.
فصل في القسم والنشوز(3/420)
(يجب قسم لزوجات) إن بات عند بعضهن بقرعة أو غيرها فيلزمه قسم لمن بقي منهن ولو قام بهن عذر كمرض وحيض.
وتسن التسوية بينهن في سائر أنواع الاستمتاع، ولا يوءاخذ بميل القلب إلى بعضهن، وأن لا يعطلهن بأن يبيت عندهن، ولا قسم بين إماء ولا إماء وزوجة.
ويجب على الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف، بأن يمتنع كل عما يكره صاحبه ويؤدي إليه حقه مع الرضا وطلاقة الوجه من غير أن يحوجه إلى مؤنة وكلفة في ذلك(3/421)
(غير) معتدة عن وطئ شبهة لتحريم الخلوة بها وصغيرة لا تطيق الوطئ، و (ناشزة) أي خارجة عن طاعته بأن تخرج
بغير إذنه من منزله، أو تمنعه من التمتع بها، أو تغلق الباب في وجهه، ولو مجنونة، وغير مسافرة وحدها لحاجتها ولو بإذنه فلا قسم لهن كما لا نفقة لهن.
(فرع) قال الاذرعي نقلا عن تجزئة الروياني: ولو ظهر زناها حل له منع قسمها وحقوقها لتفتدي منه.
نص عليه في الام.
وهو أصح القولين.
انتهى.
قال شيخنا: وهو ظاهر إن أراد أنه يحل له ذلك باطنا معاقبة له لتلطيخ فراشه، أما في الظاهر فدعواه عليها ذلك غير مقبولة، بل ولو ثبت زناها لا يجوز للقاضي أن يمكنه من ذلك فيما(3/422)
يظهر.
(وله) أي للزوج (دخول في ليل) لواحدة (على) زوجة (أخرى لضرورة) لا لغيرها كمرضها المخوف، ولو ظنا، (وله) دخول (في نهار لحاجة) كوضع متاع أو أخذه وعيادة وتسليم نفقة وتعرف خبر (بلا إطالة) في مكث عرفا على قدر الحاجة، وإن أطال فوق الحاجة عصى لجوره وقضى وجوبا لذات النوبة بقدر ما مكث من نوبة المدخول عليها.
هذا ما في المهذب وغيره.
وقضية كلام المنهاج والروضة وأصليهما خلافه فيما إذا دخل(3/423)
في النهار لحاجة وإن طال فلا تجب تسوية في الاقامة في غير الاصل كأن كان نهارا، أي في قدرها، لانه وقت التردد وهو يقل ويكثر عند حل الدخول، يجوز له أن يتمتع.
ويحرم الجماع، لا لذاته، بل لامر خارج ولا يلزمه قضاء الوطئ لتعلقه بالنشاط بل يقضي زمنه إن طال عرفا.
(واعلم) أن أقل القسم ليلة لكل واحدة وهي من الغروب إلى الفجر (وأكثره ثلاث) فلا يجوز أكثر منها(3/424)
وإن تفرقن في البلاد إلا برضاهن.
وعليه يحمل قول الام: يقسم مشاهرة ومسانهة.
والاصل فيه لمن عمله نهارا الليل والنهار قبله أو بعده وهو أولى تبع.
ولحرة ليلتان ولامة سلمت له ليلا ونهارا ليلة.
ويبدأ وجوبا في القسم بقرعة (ولجديدة) نكحها وفي عصمته زوجة فأكثر (بكر سبع) من الايام يقيمها عندها متوالية وجوبا (و) لجديدة(3/425)
(ثيب ثلاث) ولاء بلا قضاء ولو أمة فيهما لقوله (ص): سبع للبكر وثلاث للثيب ويسن تخيير الثيب بين ثلاث بلا قضاء وسبع بقضاء: للاتباع.
(تنبيه) يجب عند الشيخين، وإن أطال الاذرعي: كالزركشي في رده، أن يتخلف ليالي مدة الزفاف عن نحو الخروج للجماعة وتشييع الجنائز، وأن يسوي ليالي القسم بينهن في الخروج لذلك أو عدمه، فيأثم(3/426)
بتخصيص ليلة واحدة بالخروج لذلك (و) وعظ زوجته ندبا لاجل خوف وقوع نشوز منها كالاعراض والعبوس بعد الاقبال وطلاقة الوجه والكلام الخشن بعد لينه و (هجر) إن شاء (مضجعا)، مع وعظها لا في الكلام، بل يكره فيه، ويحرم الهجر به ولو لغير الزوجة فوق ثلاثة أيام: للخبر الصحيح.
نعم إن قصد به ردها عن المعصية(3/427)
وإصلاح دينها جاز (وضربها) جوازا ضربا غير مبرح ولا مدم على غير وجه ومقتل إن أفاد الضرب في ظنه ولو بسوط وعصا.
لكن نقل الروياني تعيينه بيده أو بمنديل (بنشوز) أي بسببه وإن لم يتكرر، خلافا للمحرر، ويسقط بذلك القسم.
ومنه امتناعهن إذا دعاهن إلى بيته ولو لاشتغالها بحاجتها لمخالفتها.
نعم، إن عذرت لنحو مرض(3/428)
أو كانت ذات قدر وخفر لم تعتد البروز لم تلزمها إجابته، وعليه أن يقسم لها في بيتها.
ويجوز له أن يؤدبها على شتمها له.
(تتمة) يعصى بطلاق من لم تستوف حقها بعد حضور وقته وإن كان الطلاق رجعيا.
قال ابن الرفعة: ما لم يكن بسؤالها.(3/429)
فصل في الخلع بضم الخاء من الخلع بفتحها وهو النزع لان كلا من الزوجين لباس للآخر كما في الآية، وأصله مكروه.(3/430)
وقد يستحب كالطلاق ويزيد هذا بندبه لمن حلف بالطلاق الثلاث على شئ لا بد له من فعله قال شيخنا: وفيه نظر لكثرة القائلين بعود الصفة.
فالاوجه أنه مباح لذلك، لا مندوب، وفي شرحي المنهاج والارشاد له: لو منعها(3/431)
نحو نفقة لتختلع منه بمال ففعلت بطل الخلع ووقع رجعيا - كما نقله جمع متقدمون عن الشيخ أبي حامد - أولا بقصد ذلك وقع بائنا.
وعليه يحمل ما نقله الشيخان عنه أنه يصح ويأثم بفعله في الحالين وإن تحقق زناها، لكن لا يكره الخلع حينئذ.
(الخلع) شرعا (فرقة بعوض) كميته مقصود من زوجة أو غيرها راجع (لزوج) أو سيدة (بلفظ طلاق أو خلع) أو مفاداة ولو كان الخلع في رجعية لانها كالزوجة في كثير من الاحكام.
(فلو جرى) الخلع(3/432)
(بلا) ذكر (عوض) معها (بنية التماس قبول) منها: كأن قال خالعتك أو فاديتك ونوى التماس قبولها فقبلت (فمهر مثل) يجب عليها لاطراد العرف بجريان ذلك بعوض، فإن جرى مع أجنبي طلقت مجانا، كما لو كان معه(3/433)
والعوض فاسد.
ولو أطلق فقال خالعتك ولم ينو التماس قبولها وقع رجعيا وإن قبلت (وإذا بدأ) الزوج (ب) - صيغة (معاوضة: كطلقتك) أو خالعتك (بألف فمعاوضة) لاخذه عوضا في مقابلة البضع المستحق له وبها شوب تعليق لتوقف وقوع الطلاق بها على القبول (فله رجوع قبل قبولها) لان هذا شأن المعاوضات (وشرط قبولها فورا) أي(3/434)
في مجلس التواجب بلفظ كقبلت أو ضمنت أو يفعل كإعطائها الالف على ما قاله جمع محققون فلو تحلل بين لفظه وقبولها زمن أو كلام طويل لم ينفذ.
ولو قال طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بألف فتقع الثلاث وتجب الالف.
فإذا بدأت الزوجة بطلب طلاق كطلقني بألف أو إن طلقتني فلك علي كذا فأجابها الزوج فمعاوضة من جانبها فلها رجوع قبل جوابه لان ذلك حكم المعاوضة.
ويشترط الطلاق بعد سؤالها فورا فإن لم يطلقها فورا كان(3/435)
تطليقه لها ابتداء للطلاق.
قال الشيخ زكريا: لو ادعى أنه جواب وكان جاهلا معذورا صدق بيمينه (أو بدأ ب) - صيغة (تعليق) في إثبات (كمتى) أو أي حين (أعطيتني كذا فأنت طالق فتعليق) لاقتضاء الصيغة له (فلا) طلاق إلا بعد تحقق الصفة ولا (رجوع) له عنه قبل الصفة كسائر التعليقات (ولا يشترط) فيه (قبول) لفظا (ولا إعطاء فورا) بل يكفي الاعطاء ولو بعد أن تفرقا عن المجلس لدلالته على استغراق كل الازمنة منه صريحا، وإنما وجب الفور في قولها متى طلقتني فلك كذا لان الغالب على جانبها المعاوضة فإن لم يطلقها فورا حمل على
الابتداء لقدرته عليه أما إذا كان التعليق في النفي كمتى لم تعطني ألفا فأنت طالق فللفور فتطلق بمضي زمن يمكن فيه الاعطاء فلم تعطه (وشرط فور) أي الاعطاء في مجلس التواجب بأن لا يتخلل كلام أو سكوت طويل(3/436)
عرفا من حرة حاضرة أو غائبة علمته (في إن) أو إذا (أعطيتني) كذا فأنت طالق لانه مقتضى اللفظ مع العوض وخولف في نحو متى لصراحتها في جواز التأخير لكن لا رجوع له عنه قبله.
ولا يشترط القبول لفظا.
(تنبيه) الابراء فيما ذكر كالاعطاء ففي إن أبرأتني لا بد من إبرائها فورا براءة صحيحة عقب علمها وإلا لم يقع.
وإفتاء بعضهم بأنه يقع في الغائبة مطلقا لانه لم يخاطبها بالعوض بعيد مخالف لكلامهم.
ولو قال إن أبرأتني(3/437)
فأنت وكيل في طلاقها فأبرأته برئ ثم الوكيل مخير، فإن طلق وقع رجعيا لان الابراء وقع في مقابلة التوكيل، ومن علق طلاق زوجته بإبرائها إياه من صداقها لم يقع عليه.
إلا إن وجدت براءة صحيحة من جميعه فيقع بائنا بأن تكون رشيدة وكل منهما يعلم قدره ولم تتعلق به زكاة خلافا لما أطال به الريمي أنه لا فرق بين تعلقها به وعدمه وإن نقله عن المحققين وذلك لان الابراء لا يصح من قدرها وقد علق بالابراء من جميعه فلم توجد الصفة المعلق عليها وقيل يقع بائنا بمهر المثل.
ولو أبرأته ثم ادعت الجهل بقدره.
فإن زوجت صغيرة صدقت بيمينها أو بالغة ودل الحال على جهلها به لكونها مجبرة لم تستأذن فكذلك وإلا صدق بيمينه: ولو قال إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق بعد شهر فأبرأته، برئ مطلقا.
ثم إن عاش إلى مضي الشهر طلقت وإلا فلا.
وفي الانوار في أبرأتك من(3/438)
مهري بشرط أن تطلقني فطلق وقع ولا يبرأ، لكن الذي في الكافي وأقره البلقيني وغيره في أبرأتك من صداقي بشرط الطلاق أو على أن تطلقني تبين ويبرأ، بخلاف إن طلقت ضرتي فأنت برئ من صداقي فطلق الضرة وقع الطلاق ولا براءة.
قال شيخنا: والمتجه ما في الانوار لان الشرط المذكور متضمن للتعليق.
(فروع) لو قال إن أبرأتني من صداقك أطلقك فأبرأت فطلق برئ وطلقت ولم تكن مخالعة ولو قالت طلقني وأنت برئ من مهري فطلقها بانت به لانها صيغة التزام، أو قالت إن طلقتني فقد أبرأتك أو فأنت برئ(3/439)
من صداقي فطلقها بانت بمهر المثل، على المعتمد، لفساد العوض بتعليق الابراء.
وأفتى أبو زرعة فيمن سأل زوج بنته قبل الوطئ أن يطلقها على جميع صداقها والتزم به والدها فطلقها واحتال من نفسه على نفسه لها وهي محجورته بأنه خلع على نظير صداقها في ذمة الاب.
نعم، شرط صحة هذه الحوالة أن يحيله الزوج به لبنته.
إذ لا بد فيها من إيجاب وقبول ومع ذلك لا تصح إلا في نصف ذلك لسقوط نصف صداقها عليه ببينونتها منه فيبقى(3/440)
للزوج على الاب نصفه لانه لما سأله بنظير الجميع فذمته فاستحقه والمستحق على الزوج النصف لا غير فطريقه أن يسأله الخلع بنظير النصف الباقي لمحجورته لبراءته حينئذ بالحوالة عن جميع دين الزوج.
اه.
قال شيخنا: وسيعلم مما يأتي أن الضمان يلزمه به مهر المثل، فالالتزام المذكور مثله وإن لم توجد الحوالة.
ولو اختلع الاب أو غيره بصداقها أو قال طلقها وأنت برئ منه وقع رجعيا، ولا يبرأ من شئ منه.
نعم، إن ضمن له الاب أو الاجنبي الدرك أو قال علي ضمان ذلك وقع بائنا بمهر المثل على الاب أو الاجنبي.
ولو قال لاجنبي سل فلانا أن يطلق زوجته بألف، اشترط في لزوم الالف أن يقول علي.
بخلاف سل زوجتي أن يطلقني على كذا فإنه(3/441)
توكيل وإن لم تقل علي.
ولو قال طلق زوجتك على أن أطلق زوجتي ففعلا، بانتا، لانه خلع غير فاسد: لان العوض فيه مقصود، خلافا لبعضهم، فلكل على الآخر مهر مثل زوجته.
(تنبيه) الفرقة بلفظ الخلع طلاق ينقص العدد.
وفي قول نص عليه في القديم والجديد الفرقة بلفظ الخلع إذا لم يقصد به طلاقا فسخ لا ينقص عددا، فيجوز تجديد النكاح بعد تكرره من غير حصر، واختاره كثيرون من(3/442)
أصحابنا المتقدمين والمتأخرين، بل تكرر من البلقيني الافتاء به.
أما الفرقة بلفظ الطلاق بعوض فطلاق ينقص قطعا، كما لو قصد بلفظ الخلع الطلاق، لكن نقل الامام عن المحققين القطع بأنه لا يصير طلاقا بالنية.(3/443)
فتح المعين - المليباري الهندي ج 4
فتح المعين المليباري الهندي ج 4(4/)
فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد العزيز المليباري الفناني الجزء الرابع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(4/3)
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر الطبعة الاولى 1418 ه / 1997 م حارة حربك - شارع عبدالنور - برقيا: فكسي - صحب 7061 / 11 تلفون: 838305 / 838202 / 838136 فاكس 009611837898 دولي: 009611860962(4/4)
بسم الله الرحمن الرحيم فصل في الطلاق وهو لغة: حل القيد.
وشرعا حل عقد النكاح باللفظ الآتي وهو إما واجب: كطلاق مول لم يرد الوطئ، أو(4/5)
مندوب: كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها، أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها أو سيئة الخلق: أي بحيث لا يصبر على عشرتها عادة، فيما استظهره شيخنا، وإلا فمتى توجد امرأة غير سيئة الخلق.
وفي الحديث: المرأة الصالحة في النساء كالغراب الاعصم كناية عن ندرة وجودها: إذ الاعصم هو أبيض الجناحين، أو يأمره به أحد والديه: أي من غير تعنت أو حرام كالبدعي، وهو طلاق مدخول بها في نحو(4/6)
حيض بلا عوض منها أو في طهر جامعها فيه، وكطلاق من لم يستوف دورها من القسم، وكطلاق المريض بقصد الحرمان من الارث، ولا يحرم جمع ثلاث طلقات، بل يسن الاقتصار على واحدة أو مكروه بأن سلم الحال من ذلك كله، للخبر الصحيح: أبغض الحلال إلى الله الطلاق وإثبات بغضه تعالى له المقصود منه زيادة التنفير عنه لا حقيقته لمنافاتها لحله إنما (يقع لغير بائن) ولو رجعية لم تنقض عدتها فلا يقع لمختلعة(4/7)
ورجعية انقضت عدتها (طلاق) مختار (مكلف) أي بالغ عاقل، فلا يقع طلاق صبي ومجنون (ومتعد بسكر) أي بشرب خمر وأكل بنج أو حشيش لعصيانه بإزالة عقل، بخلاف سكران لم يتعد بتناول مسكر كأن أكره عليه أو لم يعلم أنه مسكر فلا يقع طلاقه إذا صار بحيث لا يميز لعدم تعديه وصدق مدعي إكراه في تناوله بيمينه إن وجدت قرينة عليه، كحبس وإلا فلا بد من البينة، ويقع طلاق الهازل به بأن قصد لفظه دون معناه أو لعب به بأن(4/8)
لم يقصد شيئا ولا أثر لحكاية طلاق الغير وتصوير الفقيه وللتلفظ به بحيث لا يسمع نفسه.
واتفقوا على وقوع طلاق الغضبان، وإن ادعى زوال شعوره بالغضب، (لا) طلاق (مكره) بغير حق (بمحذور) مناسب كحبس طويل، وكذا قليل لذي مروءه وصفعة له في الملا وكإتلاف مال يضيق عليه، بخلاف نحو خمسة دراهم في حق(4/9)
موسر وشرط الاكراه قدرة المكره على تحقيق ما هدد به عاجلا بولاية أو تغلب وعجز المكره عن دفعه بفرار أو استغاثة وظنه أنه إن امتنع فعل ما خوفه به ناجزا فلا يتحقق العجز بدون اجتماع ذلك كله، ولا يشترط التورية بأن ينوي غير زوجته أو يقول سرا عقبه إن شاء الله، فإذا قصد المكره الايقاع للطلاق وقع، كما إذا أكره بحق: كأن(4/10)
قال مستحق القود طلق زوجتك وإلا قتلتك بقتلك أبي، أو قال رجل لآخر طلقها أو لاقتلنك غدا فطلق فيقع فيهما (ب) - صريح وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق ك (- مشتق طلاق) ولو من عجمي عرف أنه موضوع لحل عصمة(4/11)
النكاح أو بعده عنها وإن لم يعرف معناه الاصلي، كما أفتى به شيخنا، (وفراق وسراح) لتكررها في القرآن كطلقتك وفارقتك وسرحتك أو زوجتي، وكأنت طالق أو مطلقة، بتشديد اللام، المفتوحة ومفارقة ومسرحة أما مصادرها فكناية كأنت طلاق أو فراق أو سراح.
تنبيه: ويشترط ذكر مفعول مع نحو طلقت ومبتدأ مع نحو طالق فلو نوى أحدهما لم يوءثر كما لو قال: طالق ونوى أنت أو امرأتي ونوي لفظ طالق إلا إن سبق ذكرها في سؤال في نحو طلق امرأتك فقال: طلقت بلا مفعول(4/12)
أو فوض إليها بطلقي نفسك فقالت: طلقت ولم تقل: نفسي فيقع فيهما (وترجمته) أي مشتق ما ذكر بالعجمية فترجمة الطلاق صريح على المذهب وترجمة صاحبيه صريح أيضا على المعتمد، ونقل الاذرعي عن جمع الجزم به (و) منه (أعطيت) أو قلت (طلاقك وأوقعت) أو ألقيت أو وضعت (عليك الطلاق) أو طلاقي ويا طالق ويا مطلقة - بتشديد اللام - لا أنت طلاق ولك الطلاق بل هما كنايتان: كإن فعلت كذا ففيه طلاقك أو فهو طلاقك - فيما استظهر شيخنا - لان المصدر لا يستعمل في العين إلا توسعا، ولا يضر الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى كالخطإ في الاعراب.
فروع: لو قالت له طلقني فقال: هي مطلقة فلا يقبل إرادة غيرها لان تقدم سؤالها يصرف اللفظ إليها، ومن(4/13)
ثم لو لم يتقدم لها ذكر رجع لنيته في نحو أنت طالق وهي غائبة أو هي طالق وهي حاضرة.
قال البغوي: ولو قال ما كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق انتهى.
ولو قال لوليها زوجها فمقر بالطلاق، قال المزجد: لو قال: هذه زوجة فلان حكم بارتفاع نكاحه وأفتى ابن الصلاح فيما لو قال رجل: إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج بأنه إقرار في الظاهر بزوال الزوجية بعد غيبته السنة فلها بعدها ثم بعد انقضاء عدتها تزوج لغيره.
ولو قال لآخر: أطلقت زوجتك ملتمسا الانشاء ؟ فقال: نعم أو إي وقع وكان صريحا، فإذا قال: طلقت فقط كان كناية لان نعم متعينة للجواب، وطلقت مستقلة، فاحتملت الجواب والابتداء.
أما إذا قال له ذلك(4/14)
مستخبرا فأجاب بنعم فإقرار بالطلاق ويقع عليه ظاهرا إن كذب ويدين وكذا لو جهل حال السؤال.
فإن قال:
أردت طلاقا ماضيا وراجعت صدق بيمينه لاحتماله، ولو قيل: لمطلق أطلقت زوجتك ثلاثا ؟ فقال طلقت وأراد واحدة صدق بيمينه لان طلقت محتمل للجواب والابتداء، ومن ثم لو قالت: طلقني ثلاثا فقال طلقتك ولم ينو عددا فواحدة ولو قال لام زوجته: ابنتك طالق وقال: أردت بنتها الاخرى صدق بيمنه، كما لو قال لزوجته: وأجنبية إحداكما طالق وقال: قصدت الاجنبية لتردد اللفظ بينهما فصحت إرادتها - بخلاف ما لو قال: زينب(4/15)
طالق واسم زوجته زينب وقصد أجنبية اسمها زينب فلا يقبل قوله ظاهرا بل يدين ولو قال عامي أعطيت تلاق فلانة بالتاء أو طلاكها - بالكاف - أو دلاقها - بالدال - وقع به الطلاق وكان صريحا في حقه إن لم يطاوعه لسانه إلا على هذا اللفظ المبدل أو كان ممن لغته كذلك - كما صرح به الجلال البلقيني - واعتمده جمع متأخرون، وأفتى به جمع من مشايخنا، وإلا فهو كناية لان ذلك الابدال له أصل في اللغة (و) يقع (بكناية) وهي(4/16)
ما يحتمل الطلاق وغيره إن كانت (مع نية) لايقاع الطلاق (مقترنة بأولها) أي الكناية وتعبيري بمقترنة بأولها هو ما رجحه كثيرون، واعتمده الاسنوي والشيخ زكريا تبعا لجمع محققين ورجح في أصل الروضة الاكتفاء بالمقارنة لبعض اللفظ ولو لآخره وهي (كأنت علي حرام) أو حرمتك أو حلال الله علي حرام ولو تعارفوه طلاقا - خلافا للرافعي - ولو نوى تحريم عينها أو نحو فرجها أو وطئها لم تحرم، وعليه مثل كفارة يمين وإن لم يطأ.
ولو قال:(4/17)
هذا الثوب أو الطعام حرام علي فلغو لا شئ فيه (و) أنت (خلية) أي من الزوج فعيلة بمعنى فاعلة أو بريئة منه (وبائن) أي مفارقة، (و) كأنت (حرة) ومطلقة بتخفيف اللام أو أطلقتك، (و) أنت (كأمي) أو بنتي أو أختي (و) ك (- بنتي) لممكنة كونها بنته باحتمال السن وإن كانت معلومة النسب، (و) ك (- أعتقتك وتركتك) وقطعت(4/18)
نكاحك (وأزلتك وأحللتك) أي للازواج، وأشركتك مع فلانة وقد طلقت منه أو من غيره (و) ك (- تزوجي) أي لاني طلقتك وأنت حلال لغيري بخلاف قوله للولي: زوجها فإنه صريح (واعتدي) أي لاني طلقتك وودعيني من الوداع: أي لاني طلقتك (و) ك (- خذي طلاقك، ولا حاجة لي فيك) أي لاني طلقتك ولست زوجتي إن لم يقع
في جواب دعوى، وإلا فإقرار (و) ك (- ذهب طلاقك أو سقط طلاقك) إن فعلت كذا (و) ك (- طلاقك واحد) وثنتان فإن قصد به الايقاع وقع، وإلا فلا، وكلك الطلاق أو طلقة، وكذا سلام عليك على ما قاله ابن صلاح، ونقله شيخنا في شرح المنهاج، (لا) منها (كطلاقك عيب أو نقص ولا قلت) أو أعطيت (كلمتك أو حكمك) فلا(4/19)
يقع به الطلاق وإن نوى بها المتلفظ الطلاق لانها ليست من الكنايات التي تحتمل الطلاق بلا تعسف ولا أثر لاشتهارها في الطلاق في بعض القطر، كما أفتى به جمع من محققي مشايخ عصرنا، ولو نطق بلفظ من هذه الالفاظ الملغاة عند إرادة الفراق فقال له الآخر: مستخبرا أطلقت زوجتك ؟ فقال: نعم ظانا وقوع الطلاق باللفظ الاول لم يقع، كما أفتى به شيخنا.
وسئل البلقيني عما لو قال لها: أنت علي حرام وظن أنها طلقت به ثلاثا فقال لها: أنت طالق ثلاثا ظانا وقوع الثلاث بالعبارة الاولى.
فأجاب بأنه لا يقع عليه طلاق، بما أخبر به ثانيا على الظن المذكور.
اه.
ويجوز لمن ظن صدقه أن لا يشهد عليه.
فرع لو كتب صريح طلاق أو كنايته ولم ينو إيقاع الطلاق فلغو ما لم يتلفظ حال الكتابة أو بعدها بصريح ما(4/20)
كتبه نعم: يقبل قوله أردت قراءة المكتوب لا الطلاق لاحتماله، ولا يلحق الكناية بالصريح طلب المرأة الطلاق ولا قرينة غضب ولا اشتهار بعض ألفاظ الكنايات فيه (وصدق منكر نية) في الكناية (بيمينه) في أنه ما نوى بها طلاقا، فالقول في النية: إثباتا ونفيا قول: الناوي إذ لا تعرف إلا منه، فإن لم تمكن مراجعة نيته بموت أو فقد لم يحكم بوقوع الطلاق لان الاصل بقاء العصمة.(4/21)
فروع قال في العباب: من اسم زوجته فاطمة مثلا فقال: ابتداء أو جوابا لطلبها الطلاق فاطمة طالق وأراد غيرها لم يقبل، ومن قال لامرأته: يا زينب، أنت طالق واسمها عمرة طلقت للاشارة، ولو أشار إلى أجنبية وقال: يا عمرة أنت طالق واسم زوجته عمرة لم تطلق، ومن قال: امرأتي طالق مشيرا لاحدى امرأتيه وأراد الاخرى قبل
بيمينه، ومن له زوجتان اسم كل واحدة منهما فاطمة بنت محمد وعرف أحدهما بزيد فقال: فاطمة بنت محمد طالق ونوى بنت زيد قبل.
انتهى.
قال شيخنا: لم يقبل في المسألة الاولى أي ظاهرا بل يدين.
نعم: يتجه قبول إرادته لمطلقة له اسمها فاطمة اه.
ولو قال: زوجتي عائشة بنت محمد طالق وزوجته خديجة بنت محمد طلقت(4/22)
لانه لا يضر الخطأ في الاسم، ولو قال لابنه المكلف قل لامك: أنت طالق ولم يرد التوكيل يحتمل التوكيل فإذا قاله لها: طلقت كما تطلق به لو أراد التوكيل، ويحتمل أنها تطلق وكون الابن مخبرا لها بالحال قال الاسنوي: ومدرك التردد أن الامر بالامر بالشئ إن جعلناه كصدور الامر من الاول كان الامر بالاخبار بمنزلة الاخبار من الاب فيقع وإلا فلا.
اه.
قال الشيخ زكريا: وبالجملة فينبغي أن يستفسر فإن تعذر استفساره عمل بالاحتمال الاول حتى لا يقع الطلاق بقوله: بل بقول الابن لامه: لان الطلاق لا يقع بالشك.
(ولو قال: طلقتك ونوى(4/23)
عددا) اثنتين أو واحدة (وقع منوي) ولو في غير موطوءة فإن لم ينوه وقع طلقة واحدة ولو شك في العدد الملفوظ أو المنوي فيأخذ بالاقل ولا يخفى الورع.
فرع لو قال: طلقتك واحدة وثنتين فيقع به الثلاث - كما هو ظاهر - وبه أفتى بعض محققي علماء عصرنا.
ولو قال للمدخول بها: أنت طالق طلقة بل طلقتين فيقع ثلاث، كما صرح به الشيخ زكريا في شرح الروض،(4/24)
(ويقع طلاق الوكيل) في الطلاق (بطلقت) فلانة ونحوه وإن لم ينو عند الطلاق أنه مطلق لموكله (ولو قال لآخر: أعطيت) أو جعلت بيدك (طلاق زوجتي) أو قال له: رح بطلاقها وأعظها (فهو توكيل) يقع الطلاق بتطليق الوكيل لا بقول الزوج هذا اللفظ بل تحصل الفرقة من حين قول الوكيل: متى شاء طلقت فلانة لا بإعلامها الخبر بأن فلانا أرسل بيدي طلاقك ولا بإعلامها أن زوجك طلق، وإذا قال له: لا تعطه إلا في يوم كذا فيطلق في اليوم الذي عينه أو بعده لا قبله، ثم إن قصد التقييد بيوم طلق فيه لا بعده.
(ولو قال لها) أي الزوجة المكلفة منجزا(4/25)
(طلقي نفسك إن شئت فهو تمليك) للطلاق لا توكيل بذلك وبحث أن منه قوله: طلقيني فقالت: أنت طالق
ثلاثا، لكنه كناية، فإن نوى التفويض إليها طلقت وإلا فلا.
وخرج بتقييدي بالمكلفة غيرها لفساد عبارتها، وبمنجز المعلق، فلو قال: إذا جاء رمضان فطلقي نفسك لغا، وإذا قلنا أنه تمليك (فيشترط) لوقوع الطلاق المفوض إليها (تطليقها) ولو بكناية (فورا) بأن لا يتخلل فاصل بين تفويضه وإيقاعها نعم، لو قال: طلقي نفسك فقالت: كيف يكون تطليق نفسي ؟ ثم قالت: طلقت وقع لانه فصل يسير (بطلقت) نفسي أو طلقت فقط لا بقبلت، وقال بعضهم: - كمختصري الروضة - لا يشترط الفور في متى شئت فتطلق متى شاءت.
وجزم به(4/26)
صاحبا التنبيه والكفاية، لكن المعتمد، كما قال شيخنا: أنه يشترط الفورية وإن أتى بنحو متى، ويجوز له الرجوع قبل تطليقها كسائر العقود.
فائدة: يجوز تعليق الطلاق كالعتق بالشروط ولا يجوز الرجوع فيه قبل وجود الصفة.
ولا يقع قبل وجود(4/27)
الشرط.
ولو علقه بفعله شيئا ففعله ناسيا للتعلق أو جاهلا بأنه المعلق عليه لم تطلق.
ولو علق الطلاق على ضرب زوجته بغير ذنب فشتمته فضربها لم يحنث إن ثبت ذلك، وإلا صدقت فتحلف.
مهمة: يجوز الاستثناء بنحو إلا بشرط أن يسمع نفسه، وأن يتصل بالعدد الملفوظ: كطلقتك ثلاثا إلا(4/28)
اثنتين فيقع طلقه أو إلا واحدة فطلقتان ولو قال: أنت طالق إن شاء الله لم تطلق.
(وصدق مدعي إكراه) على طلاق (أو إغماء) حالته (أو سبق لسان) إلى لفظ الطلاق (بيمينه إن كان ثم قرينة) كحبس وغيره في دعوى كونه مكرها وكمرض واعتياد صرع في دعوى كونه مغشيا عليه وككون اسمها طالعا أو طالبا في دعوى سبق اللسان (وإلا) تكن هناك قرينة (فلا) يصدق إلا بيمينه.
تتمة من قال لزوجته: يا كافرة مريدا حقيقة الكفر جرى فيها ما تقرر في الردة أو الشتم فلا طلاق وكذا إن لم(4/29)
يرد شيئا لاصل بقاء العصمة، وجريان ذلك الشتم كثيرا مرادا به كفر النعمة.
(فرع في حكم المطلقة بالثلاث، حرم لحر من طلقها) ولو قبل الوطئ (ثلاثا ولعبد من طلقها ثنتين) في
نكاح أو أنكحة (حتى تنكح) زوج غيره بنكاح صحيح ثم يطلقها وتنقض عدتها منه كما هو معلوم (ويولج) بقبلها (حشفة) منه أو قدرها من فاقدها مع افتضاض لبكر، وشرط كون الايلاج (بانتشار) للذكر، أي معه وإن قل أو(4/30)
أعين بنحو إصبع، ولا يشترط إنزال، وذلك للآية.
والحكمة في اشتراط التحليل التنفير من استيفاء ما يملكه من الطلاق (ويقبل قولها) أي المطلقة (في تحليل) وانقضاء عدة عند إمكان (وإن كذبها الثاني) في وطئه لها لعسر إثباته (و) إذا ادعت نكاحا وانقضاء عدة وحلفت عليهما جاز (ل) - لزوج (الاول نكاحها) وإن ظن كذبها لان العبرة(4/31)
في العقود بقول أربابها ولا عبرة بظن لا مستند له.
ولو ادعى الثاني الوطئ وأنكرته لم تحل للاول ولو قالت: لم أنكح ثم كذبت نفسها وادعت نكاحا بشرطه جاز للاول نكاحها إن صدقها (ولو أخبرته) أي المطلقة زوجها الاول (أنها تحللت ثم رجعت) وكذبت نفسها (قبلت) دعواها (قبل عقد) عليها للاول فلا يجوز له نكاحها (لا بعده): أي لا يقبل إنكارها التحليل بعد عقد الاول، لان رضاها بنكاحه يتضمن الاعتراف بوجود التحليل فلا يقبل منها خلافه (وإن صدقها الثاني) في عدم الاصابة لان الحق تعلق بالاول فلم تقدر هي ولا مصدقها على رفعه كما أفتى به جمع من مشايخنا المحققين.
تتمة إنما يثبت الطلاق كالاقرار به بشهادة رجلين حرين عدلين فلا يحكم بوقوعه بشهادة الاناث ولو مع(4/32)
رجل أو كن أربعا ولا بالعبيد ولو صلحاء ولا بالفساق، ولو كان الفسق، بإخراج مكتوبة عن وقتها بلا عذر ويشترط للاداء والقبول أن يسمعاه ويبصر المطلق حين النطق به فلا يصح تحملها الشهادة اعتمادا على الصوت من غير أن يريا المطلق لجواز اشتباه الاصوات وأن يبينا لفظ الزوج من صريح أو كناية ويقبل فيه شهادة أبي المطلقة وابنها إن شهدا حسبة.
ولو تعارضت بينتا تعليق وتنجيز قدمت الاولى لان معها زيادة علم بسماع التعليق.(4/33)
فصل في الرجعة
هي لغة المرة من الرجوع وشرعا رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة (صح رجوع مفارقة(4/34)
بطلاق دون أكثره) فهو ثلاث لحر وثنتان لعبد (مجانا) بلا عوض (بعد وطئ) أي في عدة وطئ (قبل انقضاء عدة) فلا يصح رجوع مفارقة بغير طلاق كفسخ ولا مفارقة بدون ثلاث مع عوض كخلع لبينونتها ومفارقة قبل وطئ: إذ لا عدة عليها ولا من انقضت عدتها لانها صارت أجنبية.
ويصح تجديد نكاحهن بإذن جديد وولي وشهود ومهر آخر ولا مفارقة بالطلاق الثلاث فلا يصح نكاحها إلا بعد التحليل، وإنما يصح الرجوع (براجعت) أو رجعت(4/35)
(زوجتي) أو فلانة وإن لم يقل: إلي نكاحي أو إلي لكن يسن أن يزيد أحدهما مع الصيغة: ويصح برددتها إلى نكاحي وبأمسكتها، وأما عقد النكاح عليها بإيجاب وقبول فكناية تحتاج إلى نية.
ولا يصح تعليقها كراجعتك إن شئت.
ولا يشترط الاشهاد عليها بل يسن.
فروع يحرم التمتع برجعية ولو بمجرد نظر ولاحد إن وطئ، بل يعزر وتصدق بيمينها في انقضاء العدة(4/36)
بغير الاشهر من أقراء أو وضع إذا أمكن وإذا أنكره الزوج أو خالفت عادتها لان النساء مؤتمنات على أرحامهن ولو(4/37)
ادعى رجعة العدة وهي منقضية ولم تنكح، فإن اتفقا على وقت الانقضاء كيوم الجمعة وقال: راجعت قبله فقالت بل بعده حلفت أنها لا تعلم أنه راجع فتصدق لان الاصل عدم الرجعة قبله، فلو اتفقتا على وقت الرجعة كيوم الجمعة وقالت: انقضت يوم الخميس وقال: بل انقضت يوم السبت صدق بيمينه أنها ما انقضت يوم الخميس لاتفاقهما على وقت الرجعة والاصل عدم انقضاء العدة قبله.
(ولو تزوج) رجل (مفارقته) ولو بخلع (بدون ثلاث ولو بعد) أن نكحت ل (- زوج آخر) ودخوله بها (عادت) إليه (ببقيته): أي بقية الثلاث فقط من ثنتين أو واحدة.(4/38)
فصل الايلاء خلف زوج يتصور وطوه على امتناعه من وطؤه زوجته مطلقا أو فوق أربعة أشهر كأن يقول: لا أطوك(4/39)
أو لا أطوك خمسة أشهر أو حتى يموت فلان، فإذا مضت أربعة أشهر من الايلاء بلا وطئ فلها مطالبته بالفيئة وهي(4/40)
الوطئ أو بالطلاق، فإن أبى طلق عليه القاضي وينعقد الايلاء بالحلف بالله تعالى وبتعليق طلاق أو عتق أو التزام قربة، وإذا وطئ مختارا بمطالبة أو دونها لزمته كفارة يمين إن حلف بالله.(4/41)
فصل(4/42)
إنما يصح الظهار ممن يصح طلاقه وهو أن يقول لزوجته أنت كظهر أمي ولو بدون علي.
وقوله أنت كأمي كناية وكالام محرم لم يطرأ تحريمها.
وتلزمه كفارة ظهار بالعود وهو أن يمسكها زمنا يمكن فراقها فيه.(4/43)
فصل في العدة هي مأخوذة من العدد لاشتمالها على عدد أقراء وأشهر غالبا وهي شرعا مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها من الحمل أو للتعبد.
وهو إصطلاحا ما لا يعقل معناه عبادة كان أو غيرها ولتفجعها على زوج مات.(4/45)
وشرعت أصالة صونا للنسب عن الاختلاط (تجب عدة لفرقة زوج حي) بطلاق أو فسخ نكاح حاضر أو غائب مدة طويلة (وطئ) في قبل أو دبر، بخلاف ما إذا لم يكن وطئ وإن وجدت خلوة (وإن تيقن براءة رحم) كما في صغيرة وصغير.
(ولوطئ) حصل مع (شبهة) في حله كما في نكاح فاسد وهو كل ما لم يوجب حدا على الواطئ.(4/46)
فرع: لا يستمتع بموطوءة بشبهة مطلقا ما دامت في عدة شبهة حملا كانت أو غيره حتى تنقضي بوضع أو غيره لاختلال النكاح بتعلق حق الغير.
قال شيخنا: ومنه يوءخذ أنه يحرم عليه نظرها ولو بلا شهوة والخلوة بها،
وإنما يجب لما ذكر عدة (بثلاثة قروء) والقرء هنا طهريين دمي حيضتين أو حيض ونفاس فلو طلق من لم تحض(4/47)
أولا ثم حاضت لم يحسب الزمن الذي طلق فيه قرءا: إذ لم يكن بين دمين، بل لا بد من ثلاثة أطهار بعد الحيضة المتصلة بالطلاق ويحسب بقية الطهر طهرا في غيرها، وتجب العدة بثلاثة أقراء (على حرة تحيض) لقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * فمن طلقت طاهرا وقد بقي من الطهر لحظة انقضت عدتها بالطعن في الحيضة الثالثة لاطلاق القرء على أقل لحظة من الطهر وإن وطئ فيه أو حائضا وإن لم يبق من زمن الحيض إلا لحظة فتنقضي عدتها بالطعن في الحيضة الرابعة وزمن الطعن في الحيضة ليس من العدة بل يتبين به انقضاؤها.
(و) تجب عدة (بثلاثة أشهر) هلالية ما لم تطلق أثناء شهر، وإلا تمم المنكسر ثلاثين (إن لم(4/48)
تحض) أي الحرة أصلا (أو) حاضت أولا ثم انقطع و (يئست) من الحيض ببلوغها إلى سن تيأس فيه النساء من الحيض غالبا، وهو اثنتان وستون سنة، وقيل خمسون ولو حاضت من لم تحض قط في أثناء العدة بالاشهر اعتدت بالاطهار أو بعدها أو تستأنف العدة بالاطهار، بخلاف الآيسة (ومن انقطع حيضها) بعد أن كانت تحيض (بلا علة) تعرف (لم تتزوج حتى تحيض أو تيأس) ثم تعتد بالاقراء أو الاشهر وفي القديم وهو مذهب مالك(4/49)
وأحمد أنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر ليعرف فراغ الدم: إذ هي غالب مدة الحمل، وانتصر له الشافعي بأن عمر رضي الله عنه قضى به بين المهاجرين والانصار ولم ينكر عليه، ومن ثم أفتى به سلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام والبارزي والريمي وإسماعيل الحضرمي واختاره البلقيني وشيخنا ابن زياد رحمهم الله تعالى.
أما من انقطع حيضها بعلة تعرف كرضاع ومرض فلا تتزوج اتفاقا حتى تحيض أو تيأس وإن طالت المدة (و) تجب العدة (لوفاة) زوج حتى (على) حرة (رجعية وغير موطوءة) لصغر أو غيره، وإن كانت ذات أقراء(4/50)
(بأربعة أشهر وعشرة أيام) ولياليها للكتاب والسنة.
وتجب على المتوفي عنها زوجها العدة بما ذكر (مع إحداد) يعني يجب الاحداد عليها أيضا بأي صفة كانت، للخبر المتفق عليه: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن
تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا أي فإنه يحل لها الاحداد عليه هذه المدة: أي يجب(4/51)
لان ما جاز بعد امتناعه واجب وللاجماع على إرادته إلا ما حكي عن الحسن البصري، وذكر الايمان للغالب أو لانه أبعث على الامتثال، وإلا فمن لها أمان يلزمها ذلك أيضا ويلزم الولي أمر موليته به.
تنبيه: الاحداد الواجب على المتوفي عنها زوجها ولو صغيرة ترك لبس مصبوع لزينة وإن خشن.
ويباح إبريسم لم يصبغ، وترك التطيب ولو ليلا، والتحلي نهارا بحلي ذهب أو فضة.
ولو نحو خاتم أو قرط أو تحت الثياب للنهي عنه، ومنه مموه بأحدهما ولؤلؤ ونحوه من الجواهر التي تتحلى بها، ومنها العقيق وكذا نحو نحاس(4/52)
وعاج إن كانت من قوم يتحلون بهما وترك الاكتحال بإثمد إلا لحاجة وإن كانت سوداء، ودهن شعر رأسها لا سائر البدن وحل تنظف بغسل، وإزالة وسخ وأكل تنبل وندب إحداد لبائن بخلع أو فسخ أو طلاق ثلاث لئلا يفضي تزيينها لفسادها، وكذا الرجعية إن لم ترج عودة بالتزين فيندب.
وتجب على المعتدة بالوفاة وبطلاق بائن(4/53)
أو فسخ ملازمة مسكن كانت فيه عند الموت أو الفرقة إلى انقضاء عدة ولها الخروج نهارا لشراء نحو طعام وبيع غزل ولنحو احتطاب لا ليلا ولو أوله، خلافا لبعضهم لكن لها خروج ليلا إلى دار جاره الملاصق لغزل وحديث(4/54)
ونحوهما لكن بشرط أن يكون ذلك بقدر العادة وأن لا يكون عندها من يحدثها ويؤنسها على الاوجه وأن ترجع وتبيت في بيتها.
أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه أو لضرورة لان عليه القيام بجميع مؤنها كالزوجة، ومثلها بائن حامل وتنتقل من المسكن لخوف على نفسها أو ولدها أو على المال ولو لغيرها كوديعة وإن قل وخوف هدم أو حرق أو سارق.
أو تأذت بالجيران أذى شديدا، وعلى الزوج سكنى المفارقة ولو بأجرة ما لم تكن ناشزة وليس له(4/55)
مساكنتها ولا دخول محل هي فيه مع انتفاء نحو المحرم فيحرم عليه ذلك ولو أعمى وإن كان الطلاق رجعيا لان ذلك يجر إلى الخلوة المحرمة بها، ومن ثم لزمها منعه إن قدرت عليه (و) كما تعتد حرة بما ذكر (تعتد غيرها) أي
غير الحرة (بنصف) من عدة الحرة لانها على النصف في كثير من الاحكام (وكمل الطهر الثاني) إذ لا يظهر(4/56)
نصفه إلا بظهور كله فلا بد من الانتظار إلى أن يعود الدم (وتعتدان) أي الحرة والامة لوفاة أو غيرها وإن كانتا تحيضان (بوضع حمل) حملتا لصاحب العدة ولو مضغة تتصور لو بقيت لا بوضع علقة.
فرع: يلحق ذا العدة الولد إلى أربع سنين موقت طلاقه لا إن أتت به بعد نكاح لغير ذي العدة وإمكان(4/57)
لان يكون منه بأن أتت به لستة أشهر بعد نكاحه.
(وتصدق) المرأة (في) دعوى (انقضاء عدة) بغير أشهر إن (أمكن) انقضاوها وإن خالفت عدتها أو كذبها الزوج، إذ يعسر عليها إقامة البينة بذلك ولانها مؤتمنة على ما في رحمها وإمكان الانقضاء بالولادة ستة أشهر ولحظتان وبالاقراء لحرة طلقت في طهر اثنان وثلاثون يوما ولحظتان وفي حيض سبعة وأربعون يوما ولحظة.
فائدة: ينبغي تحليف المرأة على انقضاء العدة (ولا يقبل دعواها) أي المرأة (عدم انقضائها) أي العدة (بعد تزوج الآخر) لان رضاها بالنكاح يتضمن الاعتراف بانقضاء العدة، فلو ادعت بعد الطلاق الدخول فأنكر(4/58)
صدق بيمينه لان الاصل عدمه وعليها العدة مؤاخذة لها بإقرارها وإن رجعت وكذبت نفسها في دعوى الدخول لان الانكار بعد الاقرار غير مقبول.
فرع: لو انقضت عدة الرجعية ثم نكحت آخر فادعى مطلقها عليها أو على الزوج الثاني الرجعية قبل انقضاء العدة فأثبت ذلك ببينة أو لم يثبت لكن أقرا: أي الزوجة، والثاني له به أخذها لانه قد ثبت بالبينة أو الاقرار ما يستلزم فساد النكاح ولها عليه بالوطئ مهر المثل، فلو أنكر الثاني الرجعة صدق بيمينه في إنكارها لان النكاح وقع صحيحا والاصل عدم الرجعة أو أقرت هي دون الثاني فلا يأخذها لتعلق حق الثاني حتى تبين من الثاني، إذ لا يقبل إقرارها عليه بالرجعة ما دامت في عصمته لتعلق حقه بها، أما إذا بانت منه فتسلم للاول بلا عقد وأعطت وجوبا الاول قبل بينونتها مهر المثل للحيلولة الصادرة منها بينه وبين حقه بالنكاح الثاني حتى لو زال أخذت المهر لارتفاع الحيلولة، ولو تزوجت امرأة كانت في حيالة زوج بأن ثبت ذلك ولو بإقرارها به قبل نكاح الثاني(4/59)
فادعى عليها الاول بقاء نكاحه وأنه لم يطلقها وهي تدعي أنه طلقها وانقضت عدتها منه قبل أن تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف أنه لم يطلقها أخذها من الثاني لانها أقرت له بالزوجية وهو إقرار صحيح، إذ لم يتفقا على الطلاق (وتنقطع عدة) بغير حمل (بمخالطة) مفارق لمفارقة (رجعية فيها) لا بائن ولو بخلع كمخالطة الزوج زوجته بأن كان يختلي بها، ويتمكن عليها ولو في الزمن اليسير سواء أحصل وطئ أم لا فلا تنقضي العدة لكن إذا زالت المعاشرة بأن نوى أنه لا يعود إليها كملت على ما مضى، وذلك لشبهة الفراش كما لو نكحها حائلا في(4/60)
العدة فلا يحسب زمن استفراشه عنها بل تنقطع من حين الخلوة ولا يبطل بها ما مضى فتبني عليه إذا زالت ولا يحسب الاوقات المتخللة بين الخلوات، (و) لكن (لا رجعة) له عليها (بعدها) أي بعد العدة بالاقراء أو الاشهر على المعتمد وإن لم تنقض عدتها لكن يلحقها الطلاق إلى انقضائها، والذي رجحه البلقيني أنه لا مؤنة لها(4/61)
بعدها.
وجزم به غيره فقال: لا توارث بينهما ولا يحد بوطئها.
تتمة: لو اجمتع عدتا شخص على امرأة بأن وطئ مطلقته الرجعية مطلقا أو البائن بشبهة تكفي عدة أخيرة منهما فتعتد هي من فراغ الوطئ وتندرج فيها بقية الاولى فإن كرر الوطئ استأنفت أيضا لكن لا رجعة حيث لم يبق من الاولى بقية.
فرع: في حكم الاستبراء وهو شرعا تربص بمن فيها رق عند وجود سبب مما يأتي للعلم ببراءة رحمها أو(4/62)
للتعبد.
(يجب استبراء) لحل تمتع أو تزويج (بملك أمة) ولو معتدة بشراء أو إرث أو وصية أو هبة مع قبض أو(4/63)
سبي بشرطه من القسمة أو اختيار تملك (وإن تيقن براءة رحم) كصغيرة وبكر وسواء أملكها من صبي أم امرأة أم من بائع استبرأها قبل البيع فيجب فيما ذكر بالنسبة لحل التمتع (وبزوال فراش) له (عن أمة موطوءة) غير مستولدة (أو مستولدة بعتقها): أي بإعتاق السيد كل واحدة منهما أو موته لا إن استبرأ قبيل إعتاق غير مستولدة(4/64)
ممن زال عنها الفراش فلا يجب بل تتزوج حالا.
إذ لا تشبه هذه منكوحة بخلاف المستولدة.
(و) يحرم بل (لا يصح تزويج موطوءته) أي المالك (قبل) مضي (إستبراء) حذر من اختلاط الماءين، أما غير موطوءته فإن كانت غير موطوءة لاحد فله تزويجها مطلقا أو موطوءة غيره فله تزويجها ممن الماء منه وكذا من غيره إن كان الماء غير محترم أو مضت مدة الاستبراء منه.
ولو أعتق موطوءته فله نكاحها بلا استبراء (وهو) أي الاستبراء (لذات أقراء حيضة) كاملة فلا تكفي بقيتها الموجودة حالة وجوب الاستبراء ولو وطئها في الحيض فحبلت منه، فإن كان قبل(4/65)
مضي أقل الحيض انقطع الاستبراء وبقي التحريم إلى الوضع كما حبلت من وطئه وهي طاهرة وإن حبلت بعد مضي أقله كفى في الاستبراء لمضي حيض كامل لها قبل الحمل (ولذات أشهر) من صغيرة أو آيسة (شهر ولحامل لا تعتد بالوضع) أي بوضع الحمل وهي التي حملها من الزنا أو المسبية الحامل أو التي هي حامل من السيد وزال عنها فراشه بعتق سواء الحامل المستولدة وغيرها (وضعه) أي الحمل.(4/66)
فرع: لو اشترى نحو وثنية أو مرتدة فحاضت ثم بعد فراغ الحيض أو في أثنائه ومثله الشهر في ذات الاشهر أسلمت لم يكف حيضها أو نحوه في الاستبراء لانه لا يستعقب حل التمتع الذي هو القصد في الاستبراء (وتصدق) المملوكة بلا يمين (في قولها) حضت لانه لا يعلم إلا منها (وحرم في غير مسبية تمتع) ولو بنحو نظر بشهوة ومس (قبل) تمام (استبراء) لادائه إلى الوطئ المحرم ولاحتمال أنها حامل بحر فلا يصح نحو بيعها نعم(4/67)
تحل له الخلوة بها، أما في المسبية فيحرم الوطئ لا الاستمتاع بغيره من تقبيل ومس لانه (ص) لم يحرم منها غيره مع غلبة امتداد الاعين والايدي إلى مس الاماء سيما الحسان، ولان ابن عمر رضي الله عنه قبل أمة وقعت في سهمه من سبايا أوطاس، وألحق الماوردي وغيره بالمسبية في حل الاستمتاع بغير الوطئ كل من لا يمكن حملها كصبية وآيسة وحامل من زنا.
فرع: لا تصير أمة فراشا لسيدها إلا بوطئ منه في قبلها ويعلم ذلك بإقراره به أو ببينة، فإذا ولدت للامكان
من وطئه ولدا لحقه وإن لم يعترف به.(4/68)
فصل في النفقة من الانفاق وهو الاخراج (يجب) المد الآتي وما عطف عليه (لزوجة) أو أمة ومريضة (مكنت) من الاستمتاع بها ومن نقلها إلى حيث شاء عند أمن الطريق والمقصد ولو بركوب بحر غلبت فيه السلامة، فلا تجب(4/70)
بالعقد خلافا للقديم وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما ويصدق هو بيمينه في عدم التمكين وهي في عدم النشوز والانفاق عليها، وإذا مكنت من يمكن التمتع بها ولو من بعض الوجوه وجبت مؤنها ولو كان الزوج طفلا لا يمكن جماعه: إذ لا منع من جهتها وإن عجزت عن وطئ بسبب غير الصغر كرتق أو مرض أو جنون، لا إن عجزت بالصغر، بأن كانت طفلة لا تحتمل الوطئ فلا نفقة لها وإن سلمها الولي إلى الزوج.
إذ لا يمكن التمتع بها(4/71)
كالناشزة، بخلاف من تحتمله ويثبت ذلك بإقراره وبشهادة البينة به أو بأنها في غيبته باذلة للطاعة ملازمة للمسكن ونحو ذلك ولها مطالبته بها إن أراد سفرا طويلا (ولو رجعية) وإن كانت حائلا أي يجب لها ما ذكر ما عدا آلة التنظيف لبقاء حبسه لها وقدرته على التمتع بها بالرجعة ولامتناعه عنها لم يجب لها آلة التنظيف ويسقط مؤنتها ما يسقط مؤنة الزوجة كالنشوز، وتصدق في قدر أقرائها بيمين إن كذبها وإلا فلا يمين، وتجب النفقة أيضا لمطلقة(4/72)
حامل بائن بالطلاق الثلاث أو الخلع أو الفسخ بغير مقارن وإن مات الزوج قبل الوضع ما لم تنشز ولو أنفق بظنه فبان عدمه رجع عليها أما إذا بانت الحامل بموته فلا نفقة، وكذا لا نفقة لزوجة تلبست بعدة شبهة بأن وطئت بشبهة وإن لم تحبل لانتفاء التمكين.
إذ يحال بينه وبينها إلى انقضاء العدة، ثم الواجب لنحو زوجة ممن مر (مد طعام) من غالب قوت محل إقامتها لا إقامته ويكفي دفعه من غير إيجاب وقبول كالدين في الذمة.
قال شيخنا:(4/73)
ومنه يؤخذ أن الواجب هنا عدم الصارف لا قصد الاداء، خلافا لابن المقري ومن تبعه (على معسر) ولو بقوله ما
لم يتحقق له مال وهو من لا يملك ما يخرجه عن المسكنة (ولو مكتسبا) وإن قدر على كسب واسع (و) على (رقيق) ولو مكاتبا وإن كثر ماله (ومدان على موسر) وهو من لا يرجع بتكليفه مدين معسرا (ومد ونصف على(4/74)
متوسط) وهو من يرجع بذلك معسر، وإنما تجب النفقة وقت طلوع فجر كل يوم فيوم (إن لم تؤاكله) على العادة برضاها وهي رشيدة، فلو أكلت معه دون الكفاية وجب لها تمام الكفاية على الاوجه، وتصدق هي في قدر(4/75)
ما أكلته ولو كلفها مؤاكلته من غير رضاها أو واكلته غير رشيدة بلا إذن ولي فلا تسقط نفقتها به، وحينئذ هو متطوع فلا رجوع له بما أكلته، خلافا للبلقيني ومن تبعه، ولو زعمت أنه متطوع وزعم أنه مؤد عن النفقة صدق بيمينه على الاوجه.
وفي شرح المنهاج: لو أضافها رجل إكراما له سقطت نفقتها ويكلف من أراد سفرا طويلا طلاقها وتوكيل من ينفق عليها من مال حاضر ويجب ما ذكر (بأدم) أي مع أدم اعتيد وإن لم تأكله كسمن وزيت وتمر ولو(4/76)
تنازعا فيه أو في اللحم الآتي قدره قاض باجتهاده مفاوتا في قدر ذلك بين الموسر وغيره، وتقدير الحاوي كالنص بأوقية زيت أو سمن تقريب ويجب أيضا لحم اعتيد قدرا ووقتا بحسب يساره وإعساره وإن لم تأكله أيضا، فإن اعتيد مر في الاسبوع فالاولى كونه يوم الجمعة أو مرتين فالجمعة والثلاثاء والنص أيضا رطل لحم في الاسبوع على المعسر ورطلان على الموسر محمول على قلة اللحم في أيامه بمصر فيزاد بقدر الحاجة بحسب عادة المحل، والاوجه أنه لا أدم يوم اللحم إن كفاها غذاء وعشاء وإلا وجب (و) مع (ملح) وحطب (وماء شرب)(4/77)
لتوقف الحياة عليه (و) مع (مؤنة) كأجرة طحن وعجن وخبز وطبخ ما لم تكن من قوم اعتادوا ذلك بأنفسهم، كما جزم به ابن الرفعة والاذرعي، وجزم غيرهما بأنه لا فرق (و) مع (آلة) لطبخ وأكل وشرب كقصعة وكوز وجرة وقدر ومغرفة وإبريق من خشب أو خزف أو حجر، ولا يجب من نحاس وصيني وإن كانت شريفة (و) يجب لها على الزوج ولو معسرا أول كل ستة أشهر كسوة تكفيها طولا وضخامة.
فالواجب (قميص) ما لم تكن ممن اعتدن(4/78)
الازار والرداء فيجبان دونه على الاوجه (وإزار) وسراويل (وخمار) أي مقنعة ولو لامة (ومكعب) أي ما يلبس في رجلها ويعتبر في نوعه عرف بلدها.
نعم قال الماوردي إن كانت ممن يعتدن أن لا يلبسن في أرجلهن شيئا في البيوت لا يجب لارجلها شئ ويجب ذلك لها (مع لحاف للشتاء) يعني وقت البرد ولو في غير الشتاء ويزيد في الشتاء جبة محشوة.
أما في غير وقت البرد ولو في وقت الشتاء في البلاد الحارة فيجب لها رداء أو نحوه إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء غير لباسهم أو ينامون عرايا كما هو السنة، فإن لم يعتادوا لنومهم غطاء لم يجب ذلك ولو(4/79)
اعتادوا ثوبا للنوم وجب، كما جزم به بعضهم، ويختلف جودة الكسوة وضدها بيساره وضده ويجب عليه توابع ذلك من نحو تكة سراويل وزر نحو قميص وخيط وأجرة خياط وعليه فراش لنومها ومخدة ولو اعتادوا على السرير وجب.(4/80)
فرع: يجب تجديد الكسوة التي لا تدوم سنة بأن تعطاها كل ستة أشهر من كل سنة، ولو تلفت أثناء الفصل ولو بلا تقصير لم يجب تجديدها، ويجب كونها جديدة (و) لها عليه (آلة تنظف) لبدنها وثوبها وإن غاب عنها، لاحتياجها إليه كالادم، فمنها سدر ونحوه (كمشط) وسواك وخلال (و) عليه (دهن) لرأسها وكذا لبدنها إن اعتيد من شيرج أو سمن فيجب الدهن كل أسبوع مرة فأكثر بحسب العادة، وكذا دهن لسراجها وليس لحامل بائن ومن(4/81)
زوجها غائب إلا ما يزيل الشعث والوسخ على المذهب ويجب عليه الماء للغسل الواجب بسببه كغسل جماع ونفاس لا حيض واحتلام وغسل نجس ولا ماء وضوء إلا إذا نقضه بلمسه (لا) عليه (طيب) إلا لقطع ريح كريه ولا كحل (ودواء) لمرضها وأجرة طبيب، ولها طعام أيام المرض وأدمها وكسوتها وآلة تنظفها وتصرفه للدواء وغيره.(4/82)
تنبيه: يجب لها في جميع ما ذكر من الطعام والادم وآلة ذلك والكسوة والفرش وآلة التنظيف أن يكون تمليكا بالدفع دون إيجاب وقبول وتملكه هي بالقبض فلا يجوز أخذه منها إلا برضاها أما المسكن فيكون إمتاعا
حتى يسقط بمضي الزمان لانه لمجرد الانتفاع كالخادم وما جعل تمليكا يصير دينا بمضي الزمان ويعتاض عنه(4/83)
ولا يسقط بموت أثناء الفصل، (و) لها (عليه مسكن) تأمن فيه لو خرج عنها على نفسها ومالها - وإن قل - للحاجة بل للضرورة إليه (يليق بها) عادة وإن كانت ممن لا يعتادون السكنى (ولو معارا) ومكترى.
ولو سكن معها في منزلها بإذنها أو لامتناعها من النقلة معه أو في منزل منحو أبيها بإذنها لم يلزمه أجرة لان الاذن العرى عن ذكر(4/84)
العوض ينزل على الاعارة والاباحة، (و) عليه ولو معسرا، خلافا لجمع، أو قنا (إخدام حرة) بواحدة لا أكثر لانه من المعاشرة بالمعروف، بخلاف الامة وإن كان جميلة (تخدم) أي يخدم مثلها عادة عند أهلها، فلا عبرة بترفهها في بيت زوجها، وإنما يجب عليه الاخدام ولو بحرة صحبتها أو مستأجرة أو بمحرم أو مملوك لها ولو عبدا أو(4/85)
بصبي غير مراهق، فالواجب للخادم الذي عينه الزوج مد وثلث على موسر، ومد على معسر ومتوسط مع كسوة أمثال الخادم من قيمص وإزار ومقنعة، ويراد للخادمة خف وملحفة إذا كانت تخرج وإن كانت قنة اعتادت كشف الرأس، وإنما لم يجب الخف والملحفة للمخدومة، على المعتمد، لان له منعها من الخروج والاحتياج إليه لنحو الحمام نادر.
تنبيه: ليس على خادمها إلا ما يخصها وتحتاج إليه.
كحمل الماء للمستحم والشرب وصبه على بدنها(4/86)
وغسل خرق الحيض والطبخ لاكلها أما ما لا يخصها كالطبخ لاكله وغسل ثيابه فلا يجب على واحد منهما بل هو على الزوج، فيوفيه بنفسه أو بغيره.
مهمات: من شرح المنهاج لشيخنا: لو اشترى حليا أو ديباجا لزوجته وزينها به لا يصير ملكا لها بذلك، ولو اختلفت هي والزوج في الاهداء والعارية صدق ومثله وارثه، ولو جهز بنته بجهاز لم تملكه إلا بإيجاب وقبول والقول قوله في أنه لم يملكها.
ويؤخذ مما تقرر أن ما يعطيه الزوج صلحة أو صباحية، كما اعتيد ببعض البلاد، لا تملكه إلا بلفظ أو قصد إهداء، خلافا لما مر عن فتاوى الحناطي وإفتاء غير واحد بأنه لو أعطاها مصروفا(4/87)
للعرس ودفعا وصباحية فنشزت استرد الجميع غير صحيح، إذ التقييد بالنشوز لا يتأتى في الصباحية لما قررته فيها أنها كالصلحة لانه إن تلفط بإهداء أو قصده ملكته من غير جهة الزوجية، وإلا فهو ملكه وأما مصروف العرس فليس بواجب فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه، وأما الدفع، أي المهر، فإن كان قبل الدخول استرده، وإلا فلا لتقرره به فلا يسترد بالنشوز.
(وتسقط) المؤن كلها (بنشوز) منها إجماعا: أي بخروج عن طاعة الزوج وإن لم تأثم(4/88)
كصغيرة ومجنونة ومكرهة (ولو ساعة) أو ولو لحظة فتسقط نفقة ذلك اليوهم وكسوة ذلك الفصل ولا توزع على زماني الطاعة والنشوز، ولو جهل سقوطها بالنشوز فأنفق رجع عليها إن كان ممن يخفى عليه ذلك، وإنما لم يرجع من أنفق في نكاح أو شراء فاسد وإن جهل ذلك لانه شرع في عقدهما على أن يضمن المؤن بوضع اليد ولا كذلك ههنا، وكذا من وقع عليه طلاق باطنا ولم يعلم به فأنفق مدة ثم علم فلا يرجع بما أنفقه - على الاوجه -(4/89)
ويحصل النشوز (بمنع) الزوجة الزوو (من تمتع) ولو بنحو لمس أو بموضع عينه (لا) إن منعته عنه (لعذر) ككبر آلته بحيث لا تحتمله ومرض بها يضر معه الوطئ وقرح في فرجها وكنحو حيض، ويثبت كبر آلته بإقراره أو برجلين من رجال الختان ويحتالان لانتشار ذكره بأي حيلة، غير إيلاج ذكره في فرج محرم أو دبر أو بأربع نسوة فإن لم يمكن معرفته إلا بنظرهن إليهما مكشوفي الفرجين حال انتشار عضوه جاز ليشهدن.
فرع: لها منع التمتع لقبض الصداق الحال أصالة قبل الوطئ بالغة مختارة.
إذ لها الامتناع حينئذ فلا(4/90)
يحصل النشوز ولا تسقط النفقة بذلك، فإن منعت لقبض الصداق المؤجل أو بعد الوطئ طائعة فتسقط فلو منعته لذلك بعد وطئها مكرهة أو صغيرة ولو بتسليم الولي فلا.
ولو ادعى وطأها بتمكينها وطلب تسليمها إليه فأنكرته وامتنعت من التسليم صدقت (وخروج من مسكن) أي المحل الذي رضي بإقامتها فيه ولو بيتها أو بيت أبيها ولو لعيادة وإن كان الزوج غائبا بتفصيله الآتي (بلا إذن) منه ولا ظن لرضاه فخروجها بغير رضاه ولو لزيارة صالح أو عيادة غير محرم أو إلى مجلس ذكر عصيان ونشوز، وأخذ الاذرعي وغيره من كلام الامام أن لها اعتماد العرف
الدال على رضا أمثاله بمثل الخروج الذي تريده قال شيخنا: وهو محتمل ما لم تعلم منه غيره تقطعه عن أمثاله في ذلك.(4/91)
تنبيه: يجوز لها الخروج في مواضع منها إذا أشرف البيت على الانهدام، وهل يكفي قولها خشيت انهدامه أو لا بد من قرينة تدل عليه عادة ؟ قال شيخنا: كل محتمل، والاقرب الثاني.
ومنها إذا خافت على نفسها أو مالها من فاسق أو سارق، ومنها إذا خرجت إلى القاضي لطلب حقها منه، ومنها خروجها لتعلم العلوم العينية أو للاستفتاء حيث لم يغنها الزوج الثقة أو نحو محرمها، فيما استظهره شيخنا، ومنها إذا خرجت لاكتساب نفقة بتجارة، أو سؤال أو كسب إذا أعسر الزوج، ومنها إذا خرجت على غير وجه النشوز في غيبة الزوج عن البلد بلا(4/92)
إذنه لزيارة أو عيادة قريب لا أجنبي أو أجنبية على الاوجه لان الخروج لذلك لا يعد نشوزا عرفا.
قال شيخنا: وظاهر أن محل ذلك إن لم يمنعها من الخروج أو يرسل إليها بالمنع (وبسفرها) أي بخروجها وحدها إلى محل يجوز القصر منه للمسافر ولو لزيارة أبويها أو للحج (بلا إذن) منه ولو لغرضه ما لم تضطر كأن جلا جميع أهل البلد وبقي من لا تأمن معه (أو) بإذنه ولكن (لغرضها) أو لغرض أجنبي فتسقط المؤن على الاظهر لعدم التمكين، ولو سافرت بإذنه لغرضهما معا فمقتضى المرجح في الايمان فيما إذا قال لزوجته إن خرجت لغير(4/93)
الحمام فأنت طالق فخرجت لها ولغيرها أنها لا تطلق عدم السقوط هنا لكن نص الام والمختصر يقتضي السقوط (لا) بسفرها (معه) أي الزوج بإذنه ولو في حاجتها ولا بسفرها بإذنه لحاجته ولو مع حاجة غيره فلا تسقط المؤن لانها ممكنة وهو المفوت لحقه في الثانية.
وفي الجواهر وغيرها عن الماوردي وغيره لو امتنعت من النقلة معه لم تجب النفقة إلا إن كان يتمتع بها في زمن الامتناع فتجب ويصير تمتعه بها عفوا عن النقلة حينئذ.
انتهى.
قال شيخنا: وقضيته جريان ذلك في سائر صور النشوز وهو محتمل.
وتسقط المؤن أيضا بإغلاقها الباب في وجهه وبدعواها طلاقا بائنا كذبا، وليس من النشوز شتمه وإيذاؤه باللسان، وإن استحقت التأديب.(4/94)
مهمة: لو تزوجت زوجة المفقود غيره قبل الحكم بموته سقطت نفقتها ولا تعود إلا بعلمه عودها إلى طاعته بعد التفريق بينهما.
فائدة: يجوز للزوج منعها من الخروج من المنزل ولو لموت أحد أبويها أو شهود جنازته، ومن أن تمكن من دخول غير خادمة واحدة لمنزله ولو أبويها أو ابنها من غيره، لكن يكره منع أبويها حيث لا عذر، فإن كان المسكن ملكها لم يمنع شيئا من ذلك إلا عند الريبة.(4/95)
تتمة: لو نشزت بالخروج من المنزل فغاب وأطاعت في غيبته بنحو عودها للمنزل لم تجب مؤنها ما دام غائبا في الاصح لخروجها عن قبضته فلا بد من تجديد تسليم وتسلم ولا يحصلان مع الغيبة، فالطريق في عود الاستحقاق أن يكتب الحاكم إلى قاضي بلده ليثبت عودها للطاعة عنده.
فإذا علم وعاد أو أرسل من يتسلمها له أو ترك ذلك لغير عذر عاد الاستحقاق، وقضية قول الشافعي في القديم أن النفقة تعود عند عودها للطاعة لان الموجب في القديم العقد لا التمكين.
وبه قال مالك.
وصرحوا أن نشوزها بالردة يزول بإسلامها مطلقا لزوال(4/96)
المسقط، وأخذ منه الاذرعي أنها لو نشزت في المنزل ولم تخرج منه كأن منعته نفسها فغاب عنها ثم عادت للطاعة عادت نفقتها من غير قاض وهو كذلك على الاصح، ولو التمست زوجة غائب من القاضي أن يفرض لها فرضا عليه اشترط ثبوت النكاح وإقامتها في مسكنه وحلفها على استحقاق النفقة وأنها لم تقبض منه نفقة مدة مستقبلة فحينئذ يفرض لها عليه نفقة المعسر إلا إن ثبت يساره.(4/97)
فرع في فسخ النكاح: وشرع دفعا لضرر المرأة يجوز (لزوجة مكلفة) أي بالغة عاقلة لا لولي غير مكلفة (فسخ نكاح من) أي زوح (أعسر) مالا وكسبا لائقا به حلالا (بأقل نفقة) تجب وهو مد (أو) أقل (كسوة) تجب كقميص وخمار وجبة شتاء، بخلاف نحو سراويل ونعل وفرش ومخدة والاواني لعدم بقاء النفس بدونهما فلا(4/98)
فسخ بالاعسار بالادم وإن لم يسغ القوت ولا بنفقة الخادم ولا بالعجز عن النفقة الماضية كنفقة الامس وما قبله
لتنزيلها منزلة دين آخر (أو) أعسر (بمسكن) وإن لم يعتادوه (أو) أعسر (بمهر) واجب حال لم تقبض منه شيئا حال كون الاعسار به (قبل وطئ) طائعة فلها الفسخ للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض بحاله وخيارها(4/99)
حينئذ عقب الرفع إلى القاضي فوري فيسقط الفسخ بتأخيره بلا عذر كجهل ولا فسخ بعد الوطئ لتلف المعوض به وصيرورة العوض دينا في الذمة، فلو وطئها مكرهة فلها الفسخ بعده أيضا.
قال بعضهم: إلا إن سلمها الولي له وهي صغيرة بغير مصلحة فتحبس نفسها بمجرد بلوغها فلها الفسخ حينئذ إن عجز عنه ولو بعد الوطئ لان وجوده هنا كعدمه.
أما إذا قبضت بعضه فلا فسخ لها على ما أفتى به ابن الصلاح واعتمده الاسنوي والزركشي وشيخنا، وقال البارزي كالجوهري لها الفسخ أيضا واعتمده الاذرعي.
تنبيه: يتحقق العجز عما مر بغيبة ماله لمسافة القصر، فلا يلزمها الصبر إلا إن قال أحضر مدة الامهال أو(4/100)
بتأجيل دينه بقدر مدة إحضار ماله الغائب بمسافة القصر أو بحلوله مع إعسار المدين ولو الزوجة لانها في حالة الاعسار لا تصل لحقها والعسر منظر وبعدم وجدان المكتسب من يستعمله إن غلب ذلك أو بعروض ما يمنعه عن الكسب.
فائدة: إذا كان للمرأة على زوجها الغائب دين حال من صداق أو غيره وكان عندها بعض ماله وديعة فهل لها أن تستقل بأخذه لدينها بلا رفع إلى القاضي ثم تفسخ به أو لا ؟ فأجاب بعض أصحابنا ليس للمرأة المذكورة الاستقلال بأخذ حقها بل ترفع الامر إلى القاضي لان النظر في مال الغائبين للقاضي.
نعم.
إن علمت أنه لا يأذن لها إلا بشئ يأخذه منها جاز لها الاستقلال بالاخذ وإذا فرغ المال وأرادت الفسخ بإعسار الغائب، فإن لم يعلم(4/101)
المال أحد ادعت إعساره وأنه لا مال له حاضر ولا ترك نفقة وأثبتت الاعسار وحلفت على الاخيرين ناوية بعدم ترك النفقة عدم وجودها الآن وفسخت بشروطه وإن علم المال فلا بد من بينة بفراغه أيضا.
انتهى.
(فلا فسخ) على المعتمد (بامتناع غيره) موسرا أو متوسطا من الانفاق حضر أو غاب (إن لم ينقطع خبره) فإن انقطع خبره ولا مال له حاضر جاز لها الفسخ لان تعذر واجبها بانقطاع خبره كتعذر ربالاعسار، كما جزم به الشيخ زكريا، وخالفه(4/102)
تلميذه شيخنا.
واختار جمع كثيرون من محققي المتأخرين في غائب تعذر تحصيل النفقة منه الفسخ، وقواه ابن الصلاح، وقال في فتاويه: إذا تعذرت النفقة لعدم مال حاضر مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو بكتاب حكمي وغيره لكونه لم يعرف موضعه أو عرف ولكن تعذرت مطالبته عرف حاله في اليسار والاعسار أو لم يعرف فلها الفسخ بالحاكم والافتاء بالفسخ هو الصحيح.
انتهى ونقل شيخنا كلامه في الشرح الكبير، وقال في آخره وأفتى بما قاله جمع من متأخري اليمن.
وقال العلامة المحقق الطنبداوي في فتاويه، والذي نختاره، تبعا للائمة المحققين، أنه إذا لم يكن له مال، كما سبق، لها الفسخ وإن كان ظاهر المذهب خلافه لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * ولقوله (ص): بعثت بالحنيفية السمحة ولان مدار الفسخ على الاضرار ولا شك أن الضرر موجود فيها إذا لم يمكن الوصول إلى النفقة منه وإن كان موسرا.
إذ سر الفسخ هو تضرر المرأة وهو موجود، لاسيما مع إعسارها فيكون تعذر وصولها إلى النفقة حكمه حكم الاعسار.
انتهى.
وقال تلميذه شيخنا خاتمة المحققين ابن زياد في فتاويه: وبالجملة فالمذهب الذي جرى عليه الرافعي والنووي عدم جواز الفسخ،(4/103)
كما سبق، والمختار الجواز، وجزم في فتيا له أخرى بالجواز و (لا) فسخ بإعسار بنفقة ونحوها أو بمهر (قبل ثبوت إعساره) أي الزوج بإقرارة أو بينة تذكر إعساره الآن، ولا تكفي بينة ذكرت أنه غاب معسرا.
ويجوز للبينة اعتماد في الشهادة على استصحاب حالته التي غاب عليها من إعسار أو يسار، ولا تسئل من أين لك أنه معسر الآن، فلو صرح بمستنده بطلت الشهادة (عند قاض) أو محكم فلا بد من الرفع إليه فلا ينفذ ظاهرا ولا باطنا قبل ذلك ولا يحسب عدتها إلا من الفسخ.
قال شيخنا: فإن فقد قاض ومحكم بمحلها أو عجزت عن الرفع إلى القاضي.
كأن قال لا أفسخ حتى تعطيني مالا استقلت بالفسخ للضرورة وينفذ ظاهرا وكذا باطنا، كما هو ظاهر، خلافا(4/104)
لمن قيد بالاول لان الفسخ مبني على أصل صحيح وهو مستلزم للنفوذ باطنا ثم رأيت غير واحد جزموا بذلك.
انتهى.
وفي فتاوي شيخنا ابن زياد: لو عجزت المرأة عن بينة الاعسار جاز لها الاستقلال بالفسخ.
انتهى.
وقال الشيخ عطية المكي في فتاويه: إذا تعذر القاضي أو تعذر الاثبات عنده لفقد الشهود أو غيبتهم فلها أن تشهد
بالفسخ، وتفسخ بنفسها - كما قالوا - في المرتهن إذا غاب الراهن وتعذر إثبات الرهن عند القاضي أن له بيع الرهن دون مراجعة قاض، بل هذا أهم.
وأهم وقوعا.
اه.
(ف) - إذا توفرت شروط الفسخ من ملازمتها المسكن الذي غاب عنها وهي فيه وعدم صدور نشوز منها وحلفت عليهما وعلى أن لا مال له حاضر ولا ترك نفقة(4/105)
وأثبتت الاعسار بنحو النفقة على المعتمد أو تعذر تحصيلها على المختار (يمهل) القاضي أو المحكم وجوبا (ثلاثة) من الايام وإن لم يستمهله الزوج ولم يرج حصول شئ في المستقبل ليتحقق إعساره في فسخ لغير إعساره بمهر فإنه على الفور، وأفتى شيخنا أنه لا إمهال في فسخ نكاح الغائب، (ثم) بعد إمهال الثلاث بلياليها (يفسخ هو) أي القاضي أو المحكم أثناء الرابع، لخبر الدارقطني والبيهقي في الرجل لا يجد شيئا ينفق على امرأته يفرق بينهما وقضى به عمر وعلي وأبو هريرة رضي الله عنهم.
قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أعلم أحدا من الصحابة خالفهم.
ولو فسخت بالحاكم على غائب فعاد وادعى أن له مالا بالبلد لم يبطل، كما أفتى به(4/106)
الغزالي، إلا إن ثبت أنها تعلمه ويسهل عليها أخذ النفقة منه بخلاف نحو عقار وعرض لا يتيسر بيعه فإنه كالعدم (أو) تفسخ (هي بإذنه) أي القاضي بلفظ فسخت النكاح فلو سلم نفقة الرابع فلا تفسخ بما مضى لانه صار دينا.
ولو أعسر بعد أن سلم نفقة الرابع بنفقة الخامس بنت على المدة ولم تستأنفها.
وظاهر قولهم أنهم لو أعسر بنفقة السادس استأنفتها وهو محتمل، ويحتمل أنه إن تخللت ثلاثة وجب الاستئناف، أو أقل فلا كما قاله شيخنا ولو تبرع رجل بنفقتها لم يلزمها القبول بل لها الفسخ.
فرع: لهافي مدة الامهال والرضا بإعساره الخروج نهارا قهرا عليه لسؤال نفقة أو اكتسابها وإن كان لها(4/107)
مال وأمكن كسبها في بيتها وليس له منعها لان حبسه لها إنما هو في مقابلة إنفاقه عليها، وعليها رجوع إلى مسكنها ليلا لانه وقت الايواء دون العمل، ولها منعه من التمتع بها نهارا وكذلك ليلا لكن تسقط نفقتها عن ذمته مدة المنع في الليل.
قال شيخنا: وقياسه أنه لا نفقة لها زمن خروجها للكسب اه.
فرع: لا فسخ في غير مهر لسيد أمة وليس له منعها من الفسخ بغيره ولا الفسخ به عند رضاها بإعساره أو(4/108)
عدم تكليفها لان النفقة في الاصل لها بل له إلجاؤها إليه بأن لا ينفق عليها ويقول لها إفسخي أو جوعي دفعا للضرر عنه، ولو زوج أمته بعبده واستخدمه فلا فسخ لها ولا له إذ مؤنتها عليه، ولو أعسر سيد المستولدة عن نفقتها قال أبو زيد: أجبر على عتقها أو تزويجها.
فائدة: لو فقد الزوج قبل التمكين فظاهر كلامهم أنه لا فسخ ومذهب مالك رحمه الله تعالى لا فرق بين(4/109)
الممكنة وغيرها إذا تعذرت النفقة وضربت المدة وهي عنده شهر للتفحص عنه ثم يجوز الفسخ.
تتمة: يجب على موسر ذكر أو أنثى ولو بكسب يليق به بما فضل عن قوته وقوت ممونة يومه وليلته وإن لم يفضل عن دينه كفاية نفقة وكسوة مع أدم ودواء لاصل وإن علا ذكر أو أنثى وفرع وإن نزل.
كذلك إذا لم يملكاها(4/110)
وإن اختلفا دينا لا إن كان أحدهما حربيا أو مرتدا.
قال شيخنا في شرح الارشاد: ولا إن كان زانيا محصنا أو تاركا للصلاة، خلافا لما قاله في شرح المنهاج، ولا إن بلغ فرع وترك كسبا لائقا ولا أثر لقدرة أم أو بنت على النكاح(4/111)
لكن تسقط نفقتها بالعقد، وفيه نظر، لان نفقتها على الزوج إنما تجب بالتمكين، كما مر، وإن كان الزوج معسرا ما لم تفسخ ولا تصير مؤن القريب بفوتها دينا عليه إلا باقتراض قاض لغيبة منفق أو منع صدر منه لا بإذن منه ولو منع الزوج أو القريب الانفاق أخذها المستحق ولو بغير إذن قاض.
فرع: من له أب وأم فنفقته على أب، وقيل هي عليهما لبالغ، ومن له أصل وفرع فعلى الفرع وإن نزل، أو(4/112)
له محتاجون من أصول وفروع ولم يقدر على كفايتهم قدم نفسه ثم زوجته وإن تعددت، ثم الاقرب فالاقرب.
نعم، لو كان له أب وأم وابن قدم الابن الصغير ثم الام ثم الاب ثم الولد الكبير.
ويجب على أم إرضاع ولدها اللبأ وهو اللبن أول الولادة ومدته يسيرة، وقيل يقدر بثلاثة أيام وقيل سبعة.
ثم بعده إن لم توجد إلا هي أو أجنبية وجب إرضاعه على من وجدت ولها طلب الاجرة ممن تلزمه مؤنته، وإن وجدتا لم تجبر الام خلية كانت أو في
نكاح أبيه، فإن رغبت في إرضاعه فليس لابيه منعها إلا إن طلبت فوق أجرة المثل، وعلى أب أجرة مثل لام(4/113)
لارضاع ولدها حيث لا متبرع بالرضاع، وكمتبرع راض بما رضيت.(4/114)
فصل الحضانة والاولى بالحضانة وهي تربية من لا يستقل إلى التمييز أم لم تتزوج بآخر، فأمهاتها وإن علت، فأب فأمهاته(4/115)
فأخت فخالة فبنت أخت فبنت أخ فعمة والمميز إن افترق أبواه من النكاح كان عند من اختاره منهما ولاب اختير(4/116)
منع الانثى لا الذكر زيارة الام ولا تمنع الام عن زيارتها على العادة والام أولى بتمريضهما عند الاب إن رضي وإلا فعندها وإن اختارها ذكر فعندها ليلا وعنده نهارا أو اختارتها أنثى فعندها أبدا ويزورها الاب على العادة ولا(4/117)
يطلب إحضارها عنده ثم إن لم يختر واحدا منهما فالام أولى وليس لاحدهما فطمه قبل حولين من غير رضا الآخر ولهما فطمه قبلهما إن لم يضره، ولاحدهما بعد حولين ولهما الزيادة في الرضاع على الحولين حيث لا ضرر، لكن أفتى الحناطي بأنه يسن عدمها إلا لحاجة ويجب على مال كفاية رقيقة إلا مكاتبا ولو أعمى أو زمنا ولو غنيا أو(4/118)
أكولا نفقة وكسوة من جنس المعتاد لمثله من أرقاء البلد ولا يكفي ساتر العورة وإن لم يتأذ به، نعم، إن اعتيد ولو ببلاد العرب على الاوجه، كفى: إذ لا تحقير حينئذ، وعلى السيد ثمن دوائه وأجرة الطبيب عند الحاجة، وكسب الرقيق لسيده ينفقه منه إن شاء، ويسقط ذلك بمضي الزمان كنفقة القريب.
ويسن أن يناوله مما يتنعم به من طعام وأدم وكسوة، والافضل إجلاسه معه للاكل، ولا يجوز أن يكلفه كالدواب على الدوام عملا لا يطيقه وإن رضي.(4/119)
إذ يحرم عليه إضرار نفسه فإن أبى السيد إلا ذلك بيع عليه: أي إن تعين البيع طريقا، وإلا أوجر عليه.
أما في
بعض الاوقات فيجوز أن يكلفه عملا شاقا ويتبع العادة في إراحته وقت القيلولة والاستمتاع وله منعه من نفل صوم وصلاة، وعلى مالك علف دابته المحترمة، ولو كلبا محترما، وسقيها إن لم تألف الرعي ويكفها وإلا كفى(4/120)
إرسالها للرعي والشرب حيث لا مانع، فإن لم يكفها الرعي لزمه التكميل، فإن امتنع من علفها أو إرسالها أجبر على إزالة ملكه أو ذبح المأكولة، فإن أبى فعل الحاكم الاصلح من ذلك ورقيق كدابة في ذلك كله، ولا يجب علف غير المحترمة، وهي الفواسق الخمس، ويحلب مالك الدواب ما لا يضر بها ولا بولدها، وحرم ما ضر أحدهما، ولو لقلة العلف، والظاهر ضبط الضرر بما يمنع من نمو أمثالهما، وضبطه فيه بما يحفظه عن الموت(4/121)
توقف فيه الرافعي، فالواجب الترك له قدر ما يقيمه حتى لا يموت، ويسن أن لا يبالغ الحالب في الحلب بل يبقى في الضرع شيئا، وأن يقص أظفار يديه، ويجوز الحلب إن مات الولد بأي حيلة كانت.
ويحرم التهريش بين البهائم ولا يجب عمارة داره أو قناته، بل يكره تركه إلى أن تخرب بغير عذر كترك سقي زرع وشجر دون ترك(4/122)
زارعة الارض وغرسها ولا يكره عمارة لحاجة وإن طالت، والاخبار الدالة على منع ما زاد على سبعة أذرع محمولة على من فعل ذلك للخيلاء والتفاخر على الناس.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/123)
باب الجناية من قتل وقطع وغيرهما.
والقتل ظلما أكبر الكبائر بعد الكفر وبالقود أو العفو لا تبقى مطالبة أخروية.(4/124)
والفعل المزهق ثلاثة: عمد، وشبه عمد، وخطأ (لا قصاص إلا في عمد) بخلاف شبهه والخطأ (وهو قصد فعل) ظلما (و) عين (شخص) يعني الانسان: إذ لو قصد شخصا ظنه ظبيا فبان إنسانا كان خطأ (بما يقتل) غالبا جارحا(4/125)
كان كغرز إبرة بمقتل كدماغ وعين وخاصرة وإحليل ومثانة وعجان وهو ما بين الخصية والدبر أو لا: كتجويع
وسحر (وقصدهما) أي الفعل والشخص (بغيره) أي غير ما يقتل غالبا (شبه عمد) سواء أقتل كثيرا أم نادرا كضربة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها، بخلافها بنحو قلم أو مع خفتها جدا فهدر ولو غرز إبرة بغير مقتل، كألية وفخذ،(4/126)
وتألم حتى مات فعمد وإن لم يظهر أثر ومات حالا فشبه عمد ولو حبسه كأن أغلق بابا عليه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما والطلب لذلك حتى مات جوعا أو عطشا، فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد لظهور قصد الاهلاك به.
ويختلف ذلك باختلاف حال المحبوس والزمن قوة وحرا، وحد الاطباء الجوع المهلك غالبا باثنين وسبعين ساعة متصلة، فإم لم تمض المدة المذكورة ومات بالجوع: فإن لم يكن به جوع أو عطش سابق فشبه عمد فيجب نصف ديته لحصول الهلاك بالامرين، ومال ابن العماد فيمن أشار لانسان بسكين تخويفا(4/127)
له فسقطت عليه من غير قصد إلى أنه عمد موجب للقود.
قال شيخنا: وفيه نظر، لانه لم يقصد عينه بالآلة فالوجه أنه غير عمد.
انتهى.
تنبيه: يجب قصاص بسبب كمباشرة فيجب على مكره بغير حق بأن قال اقتل هذا وإلا لاقتلنك فقتله، وعلى مكره أيضا، وعلى من ضيف بمسموم يقتل غالبا غير مميز، فإن ضيف به مميزا أو دسه في طعامه الغالب(4/128)
أكله منه فأكله جاهلا فشبه عمد فيلزمه ديته ولا قود لتناوله الطعام باختياره وفي قول قصاص لتغريره وفي قول لا شئتغليبا للمباشرة، وعلى من ألقى في ماء مغرق لا يمكنه التخلص منه بعوم أو غيره وإن التقمه حوت ولو قبل وصوله الماء، فإن أمكنه تخلص بعوم أو غيره ومنعه منه عارض كموج وريح فهلك فشبه عمد ففيه ديته، وإن أمكنه فتركه خوفا أو عنادا فلا دية.(4/129)
فرع: لو أمسكه شخص ولو للقتل فقتله آخر فالقصاص على القاتل دون الممسك، ولا قصاص على من أكره على صعود شجرة فزلق ومات، بل هو شبه عمد إن كانت مما يزلق على مثلها غالبا وإلا فخطأ (وعدم قصد أحدهما) بأن لم يقصد الفعل كأن زلق فوقع على غيره فقتله أو قصده فقط، كأن رمى لهدف فأصاب إنسانا ومات
(فخطأ.
ولو وجد) بشخص (من شخصين معا) أي حال كونهما مقترنين في زمن الجناية بأن تقارنا في الاصابة (فعلان مزهقان) للروح (مذففان) أي مسرعان للقتل (كحز) للرقبة (وقد) للجثة (أو لا) أي غير مذففين (كقطع(4/130)
عضوين) أي جرحين أو جرح من واحد وعشرة مثلا من آخر فمات منهما (فقاتلان) فيقتلان: إذ رب جرح له نكاية باطنا أكثر من جروح، فإن ذفف أي أسرع للقتل أحدهما فقط فهو القاتل فلا يقتل الآخر، وإن شككنا في تذفيف جرحه، لان الاصل عدمه، والقود لا يجب بالشك (أو) وجدا به منهما (مرتبا ف) - القاتل (الاول إن أنهاه إلى حركة مذبوح) بأن لم يبق فيه إدراك وإبصار ونطق وحركة اختياريات ويعزر الثاني وإن جنى الثاني قبل إنهاء الاول إليها وذفف كحز به بعد جرح فالقاتل الثاني، وعلى الاول قصاص العضو أو مال بحسب الحال وإن لم(4/131)
يذفف الثاني أيضا ومات المجني بالجنايتين كأن قطع واحد من الكوع والآخر من المرفق فقاتلان لوجود السراية منهما.
فرع: لو اندملت الجراحة واستمرت الحمى حتى مات فإن قال عدلا طب إنها من الجرح فالقود، وإلا فلا ضمان (وشرط) أي للقصاص في النفس في القتل كونه عمدا ظلما فلا قود في الخطأ وشبه العمد وغير الظلم و (في قتيل عصمة) بإيمان أو أمان يحقن دمه بعقد ذمة أو عهد فيهدر الحربي والمرتد وزان محصن قتله مسلم(4/132)
ليس زانيا محصنا سواء أثبت زناه ببينة أم بإقرار لم يرجع عنه.
وخرج بقولي ليس زانيا محصنا الزاني المحصن فيقتل به ما لم يأمره الامام بقتله.
قال شيخنا: ويظهر أن يلحق بالزاني المحصن في ذلك كل مهدر كتارك صلاة وقاطع طريق متحتم قتله.
(والحاصل) أن المهدر معصوم على مثله في الاهدار وإن اختلفا في سببه ويد السارق مهدرة إلا على مثله سواء المسروق منه وغيره، ومن عليه قصاص كغيره في العصمة في حق غير المستحق.
فيقتل قاتله ولا قصاص على حربي وإن عصم بعد لعدم التزامه ولما تواتر عنه (ص) عن أصحابه من عدم الاقادة ممن أسلم كوحشي قاتل حمزة رضي الله عنهما، بخلاف الذمي فعليه القود وإن أسلم (و) شرط في قاتل تكليف فلا يقتل صبي ومجنون(4/133)
حال القتل والمذهب وجوبه على السكران المتعدي بتناول مسكر فلا قود على غير متعد به، ولو قال كنت وقت القتل صبيا وأمكن صباه فيه أو مجنونا وعهد جنونه فيصدق بيمينه (ومكافأة) أي مساواة حال جناية بأن لا يفضل قتيله حال الجناية (بإسلام أو حرية أو أصالة) أو سيادة فلا يقتل مسلم ولو مهدرا بنحو زنا بكافر ولا حر بمن فيه(4/134)
رق وإن قل ولا أصل بفرعه وإن سفل، ويقتل الفرع بأصله، (ويقتل جمع بواحد) كأن جرحوه جراحات لها دخل في الزهوق وإن فحش بعضها أو تفاوتوا في عددها وإن لم يتواطأوا أو كأن ألقوه من عال أو في بحر لما روى الشافعي رضي الله عنه وغيره أن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة قتلوا رجلا غيلة أي خديعة بموضع خال وقال ولو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعا، ولم ينكر عليه فصار إجماعا.
وللولي العفو عن بعضهم على(4/135)
حصته من الدية باعتبار عدد الرؤوس دون الجراحات ومن قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم.
فرع: لو تصارعا مثلا ضمن بقود أو دية كل منهما ما تولد في الآخر من الصراعة لان كلا لم يأذن فيما يوءدي إلى نحو قتل أو تلف عضو، قال شيخنا: ويظهر أنه لا أثر لاعتياد أن لا مطالبة في ذلك بل لا بد في انتفائها من صريح الاذن.
تنبيه: يجب قصاص في أعضاء حيث أمكن من غيره ظلم كيد ورجل وأصابع وأنامل وذكر وأنثيين وأذن(4/136)
وسن ولسان وشفة وعين وجفن ومارن أنف - وهو ما لان منه - ويشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس، ولا يؤخذ يمين بيسار وأعلى بأسفل وعكسه، ولا قصاص في كسر عظم، ولو قطعت يد من وسط ذراع اقتص في الكف، وفي الباقي حكومة، ويقطع جمع بيد تحاملوا عليها دفعة واحدة بمحدد فأبانوها، ومن قتل بمحدد أو خنق أو تجويع أو تغريق بماء اقتص إن شاء بمثله، أو بسحر فبسيف (موجب العمد قود) أي قصاص،(4/137)
سمي ذلك قودا لانهم يقودون الجاني بحبل وغيره.
قاله الازهري.
(والدية) عند سقوطه بعفو عنه عليه أو بغير
عفو (بدل) عنه.
فلو عفا المستحق عنه مجانا أو مطلقا فلا شئ (وهي) أي الدية لقتل حر مسلم ذكر معصوم(4/138)
(مائة بعير مثلثة في عمد وشبهه) أي ثلاثة أقسام، فلا نظر لتفاوتها عددا (ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة) أي حاملا بقول خبيرين (ومخمسة في خطأ من بنات مخاض و) بنات (لبون وبني لبون وحقاق وجذاع) من كل منها عشرون، لخبر الترمذي وغيره، (إلا) إن وقع الخطأ (في) حرم (مكة أو) في (أشهر حرم) ذي القعدة(4/139)
وذي الحجة والمحرم ورجب (أو محرم رحم) بالاضافة كأم وأخت (فمثلثة) كما فعله جمع من الصحابة رضي الله عنهم وأقرهم الباقون ولعظم حرمة الثلاثة زجر عنها بالتغليظ من هذا الوجه ولا يلحق بها حرم المدينة ولا الاحرام ولا رمضان ولا أثر لمحرم رضاع ومصاهرة.
وخرج بالخطأ ضداه فلا يزيد واجبهما بهذه الثلاثة اكتفاء بما فيهما من التغليظ وأما دية الانثى والخنثى فنصف دية الذكر (ودية عمد على جان معجلة) كسائر أبدال(4/140)
المتلفات (و) دية (غيره) من شبه عمد وخطأ وإن تثلثت (على عاقلة) للجاني (مؤجلة بثلاث سنين) على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع كل سنة، فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني لخبر الصحيحين، والمعنى في كون الدية على العاقلة فيهما أن القبائل في الجاهلية كانوا يقومون بنصرة الجاني منهم ويمنعون أولياء الدم أخذ حقهم، فأبدل الشرع تلك النصرة ببذل المال وخص تحملهم بالخطأ وشبه العمد لانهما مما يكثر لاسيما في متعاطي الاسلحة فحسنت إعانته لئلا يتضرر بما هو معذور فيه وأجلت الدية عليهم رفقا بهم.
وعاقلة الجاني عصباته المجمع على إرثهم بنسب أو ولاء إذا كانوا ذكورا مكلفين غير أصل وفرع، ويقدم منهم(4/141)
الاقرب فالاقرب، ولا يعقل فقير، ولو كسوبا، وامرأة خنثى وغير مكلف (ولو عدمت إبل) في المحل الذي يجب تحصيلها منه حسا أو شرعا بأن وجدت فيه بأكثر من ثمن المثل أو بعدت وعظمت المونة والمشقة (ف) - الواجب (قيمتها) وقت وجوب التسليم من غالب نقد البلد وفي القديم الواجب عند عدمها في النفس الكاملة ألف مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم فضة.
نبيه: وكل عضو مفرد فيه جمال ومنفعة إذا قطعه وجبت فيه دية كاملة مثل دية صاحب العضو إذا قتله،(4/142)
وكذا كل عضوين من جنس إذا قطعهما ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها، ففي قطع الاذنين الدية، وفي إحداهما النصف، ومثلهما العينان والشفتان والكفان بأصبعهما والقدمان بأصبعهما، وفي كل إصبع عشر من الابل، وفي كل سن خمس (و) يثبت (القود للورثة) العصبة وذي الفروض بحسب إرثهم المال ولو مع بعد(4/143)
القرابة كذي رحم إن ورثناه أو مع عدمها كأحد الزوحين والمعتق وعصبته.
تنبيه: يحبس الجاني إلى كمال الصبي من الورثة بالبلوغ وحضور الغائب أو إذنه، فلا يخلي بكفيل لانه(4/144)
قد يهرب فيقوت الحق والكلام في غير قاطع الطريق، أما هو إذا تحتم قتله فيقتله الامام مطلقا ولا يستوفي القود إلا واحد من الورثة أو من غيرهم بتراض منهم أو من باقيهم، أو بقرعة بينهم إذا لم يتراضوا.
ولو بادر أحد المستحقين فقتله عالما تحريم المبادرة فلا قصاص عليه إن كان قبل عفو منه أو من غيره، وإلا فعليه القصاص، ولو قتله أجنبي أخذ الورثة الدية من تركة الجاني لا من الاجنبي ولا يستوفي المستحق القود في نفس أو غيرها إلا بإذن الامام أو نائبه فإن استقل به عزر.(4/145)
تتمة: يجب عند هيجان البحر وخوف الغرق إلقاء غير الحيوان من المتاع لسلامة حيوان محترم وإلقاء الدواب لسلامة الآدمي المحترم إن تعين لدفع الغرق وإن لم يأذن المالك.
أما المهدر، كحربي وزان محصن، فلا يلقى لاجله مال مطلقا، بل ينبغي أن يلقى هو لاجل المال، كما قاله شيخنا، ويحرم إلقاء العبيد للاحرار والدواب لما لا روح له، ويضمن ما ألقاه بلا إذن مالكه، ولو قال لرجل ألق متاع زيد وعلي ضمانه إن طالبك ففعل ضمنه الملقى - لا الآمر -.(4/146)
فرع: أفتى أبو إسحاق المروزي بحل سقى أمته دواء ليسقط ولدها ما دام علقة أو مضغة، وبالغ الحنفية
فقالوا يجوز مطلقا.
وكلام الاحياء يد على التحريم مطلقا قال شيخنا وهو الاوجه.
خاتمة: تجب الكفارة على من قتل من يحرم قتله خطأ كان أو عمدا وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.(4/147)
باب في الردة (الردة) لغة الرجوع، وهي أفحش أنواع الكفار ويحبط بها العمل إن اتصلت بالموت فلا يجب إعادة(4/149)
عباداته التي قبل الردة.
وقال أبو حنيفة تجب، وشرعا: (قطع مكلف) مختار، فتلغو من صبي ومجنون ومكره عليها إذا كان قلبه مؤمنا (إسلاما بكفر عزما) حالا أو مآلا فيكفر به حالا (أو قولا أو فعلا باعتقاد) لذلك الفعل أو القول أي معه (أو) مع (عناد) من القائل أو الفاعل (أو) مع (استهزاء) أي استخفاف، بخلاف ما لو اقترن به ما(4/150)
يخرجه عن الردة كسبق لسان أو حكاية كفر أو خوف قال شيخنا كشيخه وكذا قول الولي حال غيبته أنا الله ونحوه مما وقع لائمة من العارفين كابن عربي وأتباعه بحق وما وقع في عبارتهم مما يوهم كفرا غير مراد به ظاهره كما لا يخفى على الموفقين.
نعم، يحرم على من لم يعرف حقيقة اصطلاحهم وطريقتهم مطالعة كتبهم فإنها مزلة قدم(4/151)
له، ومن ثم ضل كثيرون اغتروا بظواهرها.
وقول ابن عبد السلام: يعزر ولي قال أنا الله ؟ فيه نظر، لانه إن قاله وهو مكلف فهو كافر لا محالة، وإن قاله حال الغيبة المانعة للتكليف فأي وجه للتعزير.
اه.
وذلك (كنفي صانع و) نفي (نبي) أو تكذيبه (وجحد مجمع عليه) معلوم من الدين بالضرورة من غير تأويل وإن لم يكن فيه نص(4/152)
كوجوب نحو الصلاة المكتوبة وتحليل نحو البيع والنكاح وتحريم شرب الخمر واللواط والزنا والمكس وندب الرواتب والعيد بخلاف مجمع عليه لا يعرفه إلا الخواص ولو كان فيه نص كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت وكحرمة نكاح المعتدة للغير، كما قاله النووي وغيره، وبخلاف المعذور كمن قرب عهده بالاسلام
(وسجود لمخلوق) اختيارا من غير خوف ولو نبيا وإن أنكر الاستحقاق أو لم يطابق قلبه جوارحه لان ظاهر حاله يكذبه وفي الروضة عن التهذيب من دخل دار الحرب فسجد لصنم أو تلفظ بكفر ثم ادعى إكراها فإن فعله في خلوته لم يقبل أو بين أيديهم وهو أسير قبل قوله أو تاجر فلا وخرج بالسجود الركوع لان صورته تقع في العادة(4/153)
للمخلوق كثيرا، بخلاف السجود.
قال شيخنا: نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الاطلاق، بخلاف ما لو قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله تعالى به فإنه لا شك في الكفر حينئذ.
اه.
وكمشي إلى الكنائس بزيهم من زنار وغيره وكإلقاء ما فيه قرآن في مستقذر، قال الروياني أو علم شرعي، ومثله بالاولى ما فيه اسم معظم (وتردد في كفر) أيفعله أو لا، وكتكفير مسلم لذنبه بلا تأويل لانه سمي الاسلام كفرا، وكالرضا بالكفر:(4/154)
كأن قال لمن طلب منه تلقين الاسلام اصبر ساعة فيكفر في الحال في كل ما مر لمنافاته الاسلام، وكذا يكفر من أنكر إعجاز القرآن أو حرفا منه أو صحبة أبي بكر أو قذف عائشة رضي الله عنها، ويكفر في وجه حكاه القاضي من(4/155)
سب الشيخين أو الحسن والحسين رضي الله عنهم، لا من قال لمن أراد تحليفه لا أريد الحلف بالله بل بالطلاق مثلا أو قال رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت.
تنبيه: ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام، وما زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا.
(ويستتاب) وجوبا (مرتد) ذكرا كان أو أنثى لانه كان محترما بالاسلام وربما عرضت له شبهة فتزال (ثم) إن لم يتب بعد الاستتابة (قتل) أي قتله الحاكم ولو بنائبه بضرب الرقبة لا بغيره (بلا(4/156)
إمهال) أي تكون الاستتابة والقتل حالا لخبر البخاري: من بدل دينه فاقتلوه، فإذا أسلم صح إسلامه وترك وإن تكررت ردته لاطلاق النصوص.
نعم يعزر من تكررت ردته لا في أول مرة إذا تاب، خلافا لما زعمه جهلة القضاة.
تتمة: إنما يحصل إسلام كل كافر أصلي أو مرتد بالتلفظ بالشهادتين من الناطق فلا يكفي ما بقلبه من
الايمان، وإن قال به الغزالي وجمع محققون ولو بالعجمية، وإن أحسن العربية على المنقول المعتمد، لا بلغة(4/157)
لقنها بلا فهم ثم بالاعتراف برسالته (ص) إلى غير العرب ممن ينكرها فيزيد العيسوي من اليهود محمد رسول الله إلى جميع الخلق أو البراءة من كل دين يخالف دين الاسلام، فيزيد المشرك كفرت بما كنت أشركت به وبرجوعه عن الاعتقاد الذي ارتد بسببه ومن جهل القضاة أن من ادعى عليه عندهم بردة أو جاءهم يطلب الحكم بإسلامه يقولون له تلفظ بما قلت وهذا غلط فاحش، فقد قال الشافعي رضي الله عنه إذا ادعى على رجل أنه ارتد وهو مسلم لم اكشف عن الحال وقلت له قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأنك برئ من كل دين يخالف دين الاسلام.
اه.
قال شيخنا: ويؤخذ من تكريره رضي الله عنه لفظ أشهد أنه لا بد منه في صحة(4/158)
الاسلام وهو ما يدل عليه كلام الشيخين في الكفارة وغيرها، لكن خالف فيه جمع، وفي الاحاديث ما يدل لكل.
اه.
ويندب أمر كل من أسلم بالايمان بالبعث ويشترط لنفع الاسلام في الآخرة، مع ما مر تصديق القلب بواحدانية الله تعالى.
ورسله وكتبه واليوم الآخر، فإن اعتقد هذا ولم يأت بما مر لم يكن مؤمنا وإن أتى به بلا اعتقاد ترتب عليه الحكم الدنيوي ظاهرا.(4/159)
باب الحدود أو أولها حد الزنا، وهو أكبر الكبائر، بعد القتل، وقيل هو مقدم عليه.
(يجلد) وجوبا (إمام) أو نائبه دون غيرهما خلافا للقفال (حرا مكلفا زنى) بإيلاج حشفة أو قدرها من فاقدها في فرج آدمي حي قبل أو دبر ذكر أو(4/161)
أنثى مع علم تحريمه، فلا حد بمفاخذة ومساحقة واستمناء بيد نفسه أو غير حليلته، بل يعزر فاعل ذلك.
ويكره بنحو يدها كتمكينها من العبث بذكره حتى ينزل لانه في معنى العزل، ولا بإيلاج في فرج بهيمة أو ميت، ولا يجب ذبح البهيمة المأكولة، خلافا لمن وهم فيه، وإنما يجلد من ذكر (مائة) من الجلدات (ويغرب عاما) ولاء(4/162)
لمسافة قصر فأكثر (إن كان) الواطئ أو الموطوءة حرا (بكرا) وهو من لم يطأ أو توطأ في نكاح صحيح (لا) إن زنى (مع ظن حل) بأن ادعاه وقد قرب عهده بالاسلام أو بعد عن أهله (أو مع تحليل عالم) يعتد بخلافه لشبهة إباحته وإن لم يقلده الفاعل كنكاح بلا ولي كمذهب أبي حنيفة، أو بلا شهود، كمذهب مالك، بخلاف الخالي(4/163)
عنهما، وإن نقل عن داود.
وكنكاح متعة نظرا لخلاف ابن عباس ولو من معتقد تحريمه.
نعم: إن حكم حاكم بإبطال النكاح المختلف فيه حد لارتفاع الشبهة حينئذ قاله الماوردي، ويحد في مستأجرة للزنا بها إذ لا شبهة(4/164)
لعدم الاعتداد بالعقد الباطل بوجه، وقول أبي حنيفة أنه شبهة ينافيه الاجماع على عدم ثبوت النسب بذلك، ومن ثم ضعف مدركه ولم يراع خلافه، وكذا في مبيحة لان الاباحة هنا لغو ومحرمة عليه لتوثن أو لنحو بينونة كبرى وإن كان قد تزوجها خلافا لابي حنيفة لانه لا عبرة بالعقد الفاسد، أما مجوسية تزوجها فلا يحد بوطئها للاختلاف في حل نكاحها، ولا يحد بإيلاج في قبل مملوكة حرمت عليه بنحو محرمية أو شرب لغيره فيها أو ثوثن أو تمجس ولا بإيلاج في أمة فرع ولو مستولدة لشبهة الملك فيما عدا الاخيرة وشبهة الاعفاف فيها، وأما حد ذي(4/165)
رق محصن أو بكر ولو مبعضا فنصف حد الحر وتغريبه فيجلد خمسين ويغرب نصف عام، ويحد الرقيق الامام أو السيد (ويرجم) أي الامام أو نائبه بأن يأمر الناس ليحيطوا به فيرموه من الجوانب بحجارة معتدلة إن كان (محصنا) رجلا أو امرأة حتى يموت إجماعا لانه (ص) رجم ماعزا والغامدية.
ولا يجلد مع الرجم عند جماهير العلماء، وتعرض عليه توبة لتكون خاتمة أمره، ويؤمر بصلاة دخل وقتها، ويجاب لشرب، لا أكل، ولصلاة(4/166)
ركعتين، ويعتد بقتله بالسيف، لكن فات الواجب والمحصن مكلف حر وطئ أو وطئت بقبل في نكاح صحيح ولو في حيض فلا إحصان لصبي أو مجنون أوقن وطئ في نكاح ولا لمن وطئ في ملك يمين أو نكاح فاسد ثم زنى (وأخر) وجوبا (رجم) كقود (لوضع حمل وفطام) لا لمرض يرجى بروه منه وحر وبرد مفرطين.
نعم، يؤخر الجلد لهما ولمرض يرجى بروه منه أو لكونه حاملا لان القصد الردع لا القتل (ويثبت) الزنا (بإقرار)(4/167)
حقيقي مفصل نظير ما في الشهادة ولو بإشارة أخرس إن فهمها كل أحد ولو مرة ولا يشترط تكرره أربعا، خلافا لابي حنيفة، (وبينة) فصلت بذكر المزني بها وكيفية الادخال ومكانه ووقته كاشهد أنه أدخل حشفته في فرج فلانة بمحل كذا وقت كذا على سبيل الزنا (ولو أقر) بالزنا (ثم رجع) عن ذلك قبل الشروع في الحد أو بعده بنحو كذبت أو ما زنيت.
وإن قال بعد كذبت في رجوعي أو كنت فاخذت فظننته زنا وإن شهد حاله بكذبه فيما استظهره شيخنا بخلاف ما أقررت به لانه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به (سقط) الحد لانه (ص) عرض لماعز بالرجوع(4/168)
فلولا أنه لا يفيد لما عرض له به، ومن ثم سن له الرجوع.
وكالزنا في قبول الرجوع عنه كل حد لله تعالى كشرب وسرقة بالنسبة للقطع.
وأفهم كلامهم أنه إذا ثبت بالبينة لا يتطرق إليه رجوع وهو كذلك لكنه يتطرق إليه السقوط بغيره كدعوى زوجية وملك أمة وظن كونها حليلة، وثانيها حد القذف وهو من السبع الموبقات (وحد قاذف) مكلف مختار ملتزم للاحكام عالم بالتحريم (محصنا) وهو هنا مكلف حر مسلم عفيف من زنا ووطئ دبر حليلته(4/169)
(ثمانين) جلدة إن كان القاذف حرا وإلا فأربعين.
ويحصل القذف بزنيت أو يا زاني أو يا مخنث أو بلطت أو لاط بك فلان أو يا لائط أو يا لوطي، وكذا بياقحبة، لامرأة، ومن صريح قذف المرأة أن يقول لابنها من زيد مثلا لست ابنه أو لست منه لا قوله لابنه لست ابني ولو قال لولده أو ولد غيره يا ولد الزنا كان قذفا لامه (ولا يحد أصل) لقذف(4/170)
فرع بل يعزر كقاذف غير مكلف.
ولو شهد بزنا دون أربعة من الرجال أو نساء أو عبيد حدوا ولو تقاذفا لم يتقاصا، ولقاذف تحليف مقذوفه أنه ما زنى قط.
وسقط بعفو من مقذوف أو ووارثه الحائز ولا يستقل المقذوف باستيفاء الحد، ولزوج قذف زوجته التي علم زناها وهي في نكاحه ولو بظن ظنا مؤكدا مع قرينة، كأن رآها وأجنبيا في(4/171)
خلوة، أو رآه خارجا من عندها مع شيوع بين الناس بأنه زنى بها، أو مع خبر ثقة أنه رآه يزني بها أو مع تكرر رؤيته لهما كذلك مرات، ووجب نفي الولد إن تيقن أنه ليس منه وحيث لا ولد ينفيه فالاولى له الستر وعليها، وأن(4/172)
يطلقها إن كرهها، فإن أحبها أمسكها، لما صح: أن رجلا أتى النبي (ص) فقال امرأتي لا ترد يد لامس، فقال طلقها، قال: إني أحبها، قال أمسكها.
فرع: إذا سب شخص آخر فللآخر أن يسبه بقدر ما سبه مما لا كذب فيه ولا قذف: كيا ظالم ويا أحمق.
ولا يجوز سب أبيه وأمه وثالثها حد الشرب (ويجلد) أي الامام أو نائبه (مكلفا) مختارا (عالما) بتحريم الخمر(4/173)
(شرب) لغير تداو (خمرا) وحقيتها عند أكثر أصحابنا المسكر من عصير العنب وإن لم يقذف بالزبد فتحريم غيرها قياسي: أي بفرض عدم ورود ما يأتي، وإلا فسيعلم منه أن تحريم الكل منصوص عليه، وعند أقلهم كل مسكر، ولكن لا يكفر مستحل المسكر من عصير غير العنب للخلاف فيه، أي من حيث الجنس، لحل قليله على قول جماعة.
أما المسكر بالفعل فهو حرام إجماعا، كما حكاه الحنفية فضلا عن غيرهم - بخلاف مستحله من عصير العنب الصرف الذي لم يطبخ ولو قطرة لانه مجمع عليه ضروري، وخرج بالقيود المذكورة فيه(4/175)
أضدادها فلا حد على من اتصف بشئ منها من صبي ومجنون ومكره وجاهل بتحريمه أو بكونه خمرا إن قرب إسلامه أو بعد عن العلماء.
ولا على من شرب لتداو، وإن وجد غيرها، كما نقله الشيخان عن جماعة، وإن حرم التداوي بها.
فائدة: كل شراب أسكر كثيره من خمر أو غيرها حرم قليله وكثيره، لخبر الصحيحين: كل شراب أسكر فهو حرام وخبر مسلم: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام ويحد شاربه وإن لم يسكر: أي متعاطيه.
وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات فلا حد فيها، وإن حرمت وأسكرت، بل التعزير: ككثير البنج والحشيشة(4/176)
والافيون ويكره أكل يسير منها من غير قصد المداومة، ويباح لحاجة التداوي (أربعين) جلدة (إن كان حرا) ففي مسلم عن أنس: كان (ص) يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين جلدة وخرج بالحر الرقيق ولو مبعضا، فيجلد عشرين جلدة، وإنما يجلد الامام شارب الخمر إن ثبت (بإقراره أو شهادة رجلين) لا بريح خمر وهيئة
سكر وقئ وحد عثمان رضي الله عنه بالقئ اجتهاد له.
ويحد الرقيق أيضا بعلم السيد دون غيره.(4/177)
تتمة: جزم صاحب الاستقصاء بحل إسقائها للبهائم، وللزركشي احتمال أنها كالآدمي في حرمة إسقائها لها، ورابعها قطع السرقة.
(ويقطع) أي الامام وجوبا بعد طلب المالك وثبوت السرقة (كوع يمين بالغ) ذكرا(4/178)
كان أو أنثى (سرق) أي أخذ خفية (ربع دينار) أي مثقال ذهبا مضروبا خالصا وإن تحصل من مغشوش (أو(4/179)
قيمته) بالذهب المضروب الخالص وإن كان الربع لجماعة فلا يقطع بكونه ربع دينار سبيكة أو حليا لا يساوي ربعا مضروبا (من حرز) أي موضع يحرز فيه مثل ذلك المسروق عرفا ولا قطع بما للسارق فيه شركة ولا بملكه وإن تعلق به نحو رهن، ولو اشترك اثنان في إخراج نصاب فقط لم يقطع واحد منهما.
وخرج بسرق ما لو اختلس معتمدا الهرب أو انتهب معتمدا القوة فلا يقطع بهما لخبر الصحيح به ولامكان دفعهم بالسلطان وغيره، بخلاف السارق لاخذه خفية فشرع قطعه زجرا (لا) حال كون المال (مغصوبا) فلا يقطع سارقه من حرز الغاصب وإن لم(4/180)
يعلم أنه مغصوب لان مالكه لم يرض بإحرازه به (أو) حال كونه (فيه) أي في مكان مغصوب فلا قطع أيضا بسرقة من حرز مغصوب لان الغاصب ممنوع من الاحراز به بخلاف نحو مستأجر ومعار ويختلف الحرز باختلاف الاموال والاحوال والاوقات فحرز الثوب والنقد الصندوق المقفل والامتعة الدكاكين وثم حارس ونوم بمسجد أو شارع على متاع ولو بتوسده حرز له لا إن وضعه بقربه بلا ملاحظ قوي يمنع السارق بقوة أو استغاثة أو انقلب عنه(4/181)
ولو بقلب السارق فليس حرزا له (ويقطع بمال وقف) أي بسرقة مال موقوف على غيره (و) مال (مسجد) كبابه وساريته وقنديل زينة (لا) بنحو (حصره) وقناديل تسرج وهو مسلم لانها أعدت للانتفاع بها (ولا بمال صدقة) أي زكاة (وهو مستحق لها) بوصف فقر أو غيره ولو لم يكن له فيه حق كغني أخذ مال صدقة وليس غارما لاصلاح ذات البين ولا غازيا قطع لانتفاء الشبهة (و) لا بمال (مصالح) كبيت المال وإن كان غنيا لان له فيه حقا لان ذلك(4/182)
قد يصرف في عمارة المساجد والرباطات فينتفع به الغني والفقير من المسلمين (و) لا بمال (بعض) من أصل أو فرع (وسيد) لشبهة استحقاق النفقة في الجملة (والاظهر قطع أحد الزوجين بالآخر) أي بسرقة ماله المحرز عنه (فإن عاد) بعد قطع يمناه إلى السرقة ثانيا (ف) - تقطع (رجله اليسرى) من مفصل الساق والقدم (ف) - إن عاد ثالثا فتقطع (يده اليسرى) من كوعها (ف) - إن عاد رابعا فتقطع (رجله اليمنى ثم) إن سرق بعد قطع ما ذكر (عزر) ولا(4/183)
يقتل، وما روي من أنه (ص) قتله منسوخ أو مؤول بقتله لاستحلال بل ضعفه الدارقطني وغيره، وقال ابن عبد البر أنه منكر لا أصل له.
ومن سرق مرارا بلا قطع لم يلزمه إلا حد واحد - على المعتمد - فتكفي يمينه عن الكل لاتحاد السبب فتداخلت (وتثبت) السرقة (برجلين) كسائر العقوبات غير الزنا وإقرار من سارق بعد دعوى عليه مع تفصيل في الشهادة والاقرار بأن تبين السرقة والمسروق منه وقدر المسروق والحرز بتعيينه (و) تثبت السرقة أيضا خلافا لما اعتمده جمع (بيمين رد) من المدعى عليه على المدعي لانها كإقرار المدعى عليه (وقبل رجوع مقر) بالنسبة لقطع بخلاف المال فلا يقبل رجوعه فيه لانه حق آدمي (ومن أقر بقعوبة لله تعالى) أي بموجبها كزنا(4/184)
وسرقة وشرب خمر ولو بعد دعوى (فلقاض) أي يجوز له، كما في الروضة وأصلها، لكن نقل في شرح مسلم الاجماع على ندبه، وحكاه في البحر عن الاصحاب وقضية تخصيصهم القاضي بالجواز حرمته على غيره.
قال شيخنا: وهو محتمل، ويحتمل أن غير القاضي أولى منه لامتناع التلقين عليه (تعريض) له (برجوع) عن الاقرار أو بالانكار فيقول لعلك فأخذت أو أخذت من غير حرز أو ما علمته خمرا لانه (ص) عرض لماعز وقال لمن أقر عنده بالسرقة ما إخالك سرقت وخرج بالتعريض التصريح كارجع عنه أو اجحده فيأثم به لانه أمر بالكذب ويحرم(4/185)
التعريض عند قيام البينة.
ويجوز للقاضي أيضا التعريض للشهود بالتوقف في حد الله تعالى إن رأى المصلحة في الستر، وإلا فلا، وبه يعلم أنه لا يجوز له التعرض ولا لهم التوقف إن ترتب على ذلك ضياع المسروق أو حد الغير كحد القذف.
خاتمة: في قاطع الطريق لو علم الامام قوما يخيفون الطريق ولم يأخذوا مالا ولا قتلوا نفسا عزرهم وجوبا(4/186)
بحبس وغيره وإن أخذ القاطع المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، فإن عاد فرجله اليمنى ويده اليسرى، وإن قتل قتل حتما - وإن عفا مستحق القود - وإن قتل وأخذ نصابا قتل ثم صلب بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه ثلاثة أيام حتما ثم ينزل، وقيل يبقى وجوبا حتى يتهرى ويسيل صديده، وفي قول يصلب حيا قليلا ثم ينزل فيقتل.(4/187)
فصل في التعزير (ويعزر) أي الامام أو نائبه (لمعصية لا حد لها ولا كفارة) سواء كانت حقا لله تعالى أم لآدمي كمباشرة أجنبية في غير فرج وست ليس بقذف وضرب لغير حق (غالبا) وقد يشرع التعزير بلا معصية كمن يكتسب باللهو الذي لا معصية فيه، وقد ينتفي مع انتفاء الحد والكفارة: كصغيرة صدرت ممن لا يعرف بالشر لحديث صححه ابن حبان: أقيلوا ذوي الهيئات عثرايهم إلا الحدود وفي رواية: زلاتهم وفسرهم الشافعي رضي الله عنه بمن(4/188)
ذكر، وقيل: هم أصحاب الصغائر، وقيل: من يندم على الذنب ويتوب منه.
وكقتل من رآه يزني بأهله على ما حكاه ابن الرفعة لاجل الحمية والغضب، ويحل قتله باطنا.
وقد يجامع التعزير الكفارة كمجامع حليلته في نهار رمضان ويحصل التعزير (بضرب) غير مبرح أو صفع وهو الضرب بجمع الكف (أو حبس) حتى عن الجمعة أو(4/189)
توبيخ بكلام أو تغريب أو إقامة من مجلس ونحوها مما يراها المعزر جنسا وقدار لا بحلق لحية.
قال شيخنا: وظاهر حرمة حلقها وهو إنما يجئ على حرمته التي عليها أكثر المتأخرين أما على كراهته التي عليها الشيخان وآخرون فلا وجه للمنع إذا رآه الامام.
انتهى.
ويجب أن ينقص التعزير عن أربعين ضربة في الحر وعن عشرين في غيره (وعزر أب) وإن علا وألحق به الرافعي الام وإن علت (ومأذونه) أي من أذن له في التعزير كالمعلم(4/190)
(صغيرا) وسفيها بارتكابهما ما لا يليق زجرا لهما عن سئ الاخلاق وللمعلم تعزير المتعلم منه (و) عزر (زوج) زوجته (لحقه) كنشوزها لا لحق الله تعالى وقضيته أنه لا يضر بها على ترك الصلاة.
وأفتى بعضهم بوجوبه.
والاوجه - كما قال شيخنا - جوازه، وللسيد تعزير رقيقه لحقه، وحق الله تعالى وإنما يعزر من مر بضرب غير مبرح، فإن يفد تعزيره إلا بمبرح ترك لانه مهلك وغيره لا يفيد.
(وسئل) شيخنا عبد الرحمن بن زياد رحمه الله(4/191)
تعالى عن عبد مملوك عصى سيده وخالف أمره ولم يخدمه خدمة مثله.
هل لسيده أن يضربه ضربا غير مبرح أم ليس له ذلك ؟ وإذا ضربه سيده ضربا مبرحا، ورفع به إلى أحد حكام الشريعة، فهل للحاكم أن يمنعه عن الضرب المبرح أم ليس له ذلك ؟ وإذا منعه الحاكم مثلا ولم يمتنع، فهل للحاكم أن يبيع العبد ويسلم ثمنه إلى سيده أم ليس له ذلك ؟ وبماذا يبيعه، بمثل الثمن الذي اشتراه به سيده، أو بما قاله المقومون، أو بما انتهت إليه الرغبات في الوقت ؟ (فأجاب) إذا امتنع العبد من خدمة سيده الخدمة الواجبة عليه شرعا فللسيد أن يضربه على الامتناع ضربا غير مبرح إن أفاد الضرب المذكور، وليس له أن يضربه ضربا مبرحا، ويمنعه الحاكم من ذلك، فإن لم يمتنع من الضرب المذكور فهو كما لو كلفه من العمل ما لا يطيق، بل أولى إذ الضرب المبرح ربما يؤدي إلى الزهوق بجامع التحريم.
وقد أفتى القاضي حسين بأنه إذا كلف مملوكه ما لا يطيق أنه يباع عليه بثمن(4/192)
المثل، وهو ما انتهت إليه الرغبات في ذلك الزمان والمكان.
انتهى.(4/193)
فصل في الصيال وهو الاستطالة والوثوب على الغير (يجوز) للشخص (دفع) كل (صائل)، مسلم وكافر، مكلف وغيره (على معصوم) من نفس أو طرف أو منفعة أو بضع ومقدماته كتقبيل ومعانقة، أو مال وإن لم يتمول على ما(4/194)
اقتضاه إطلاقهم كحبة بر، أو اختصاص كجلد ميتة سواء كانت للدافع أم لغيره وذلك للحديث الصحيح أن: من قتل دون دمه أو ماله أو أهله فهو شهيد ويلزم منه أن له القتل والقتال: أي وما يسيري إليهما كالجرح (بل
يجب) عليه إن لم يخف على نفسه أو عضوه الدفع (عن بضع) ومقدماته ولو من غير أقاربه (ونفس) ولو مملوكة (قصدها كافر) أو بهيمة أو مسلم غير محقون الدم كزان محصن، وتارك صلاة، وقاطع طريق تحتم قتله، فيحرم الاستسلام لهم فإن قصدها مسلم محقون الدم لم يجب الدفع، بل يجوز الاستسلام له، بل يسن للامر به ولا(4/195)
يجب الدفع عن مال لا روح فيه لنفسه (وليدفع) الصائل المعصوم (بالاخف) فالاخف (إن أمكن) كهرب فزجر بكلام فاستغاثة أو تحصن بحصانة فضرب بيده فبسوط فبعصا فقطع فقتل لان ذلك جوز للضرورة ولا ضرورة للاثقل مع إمكان الاخف، فمتى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بدونها ضمن بالقود وغيره.
نعم: لو التحم القتال بينهما واشتد الامر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب، ومحل رعاية الترتيب أيضا في غير الفاحشة فلو رآه قد أولج في أجنبية فله أن يبدأه بالقتل وإن اندفع بدونه لانه في كل لحظة مواقع لا يستدرك بالاناة قاله(4/196)
الماوردي والروياني والشيخ زكريا.
وقال شيخنا: وهو ظاهر في المحصن، أما غيره فالمتجه أنه لا يجوز قتله إلا إن أدى الدفع بغيره إلى مضي زمن وهو متلبس بالفاحشة.
انتهى.
وإذا لم يمكن الدفع بالاخف كأن لم يجد إلا نحو سيف فيضرب به، أما إذا كان الصائل غير معصوم فله قتله بلا دفع بالاخف لعدم حرمته.
فرع: يجب الدفع عن منكر كشرب مسكر وضرب آلة لهو وقتل حيوان ولو للقاتل.
(ووجب ختان) للمرأة والرجل حيث لم يولدا مختونين لقوله تعالى: * (أن اتبع ملة إبراهيم) * ومنها الختان، إختتن وهو إبن(4/197)
ثمانين سنة، وقيل واجب على الرجال، وسنة للنساء.
ونقل عن أكثر العلماء.
(ببلوغ) وعقل إذ لا تكليف قبلهما فيجب بعدهما فورا.
وبحث الزركشي وجوبه على ولي مميز وفيه نظر.
فالواجب في ختان الرجل قطع ما يغطي حشفته حتى تنكشف كلها، والمرأة قطع جزء يقع عليه الاسم من اللحمة الموجودة بأعلى الفرج فوق ثقبة البول تشبه عرف الديك وتسمى البظر بموحدة مفتوحة فمعجمة ساكنة ونقل الاردبيلي عن الامام ولو كان ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه لم يختن إلا أن يغلب على الظن سلامته، ويندب تعجيله سابع يوم(4/198)
الولادة للاتباع، فإن أخر عنه ففي الاربعين، وإلا ففي السنة السابعة لانها وقت أمره بالصلاة ومن مات بغير ختان لن يختن في الاصح.
ويسن إظهار ختان الذكر وإخفاء ختان الانثى، وأما مؤنة الختان في مال المختون ولو غير ملف، ثم على من تلزمه نفقته.
ويجب أيضا قطع سرة المولود بعد ولادته بعد نحو ربطها لتوقف إمساك الطعام عليه.
(وحرم تثقيب) أنف مطلقا (وأذن) صبي قطعا، وصبية على الاوجه لتعليق الحلق - كما صرح به الغزالي وغيره - لانه إيلام لم تدع إليه حاجة وجوزه الزركشي واستدل بما في حديث أم زرع في الصحيح، وفي فتاوى(4/199)
قاضيخان من الحنفية أنه لا بأس به لانهم كانوا يفعلونه في الجاهلية فلم ينكر عليهم رسول الله (ص)، وفي الرعاية للحنابلة يجوز في الصبية لغرض الزينة.
ويكره في الصبي.
انتهى.
ومقتضى كلام شيخنا في شرح المنهاج جوازه في الصبية لا الصبي لما عرف أنه زينة مطلوبة في حقهن قديما وحديثا في كل محل.
وقد جوز (ص) اللعب لهن بما فيه صورة للمصلحة، فكذا هذا أيضا.
والتعذيب في مثل هذه الزينة الداعية لرغبة الازواج إليهن سهل محتمل ومغتفر لتلك المصلحة.
فتأمل ذلك فإنه مهم.
تتمة: من كان مع دابة يضمن ما أتلفته ليلا ونهارا.
وإن كانت وحدها فأتلفت زرعا أو غيره نهارا لم يضمن(4/202)
صاحبها.
أو ليلا ضمن إلا أن لا يفرط في ربطها.
وإتلاف نحو هرة طيرا أو طعاما عهد إتلافها ضمن مالكها ليلا ونهارا إن قصر في ربطه، وتدفع الهرة الضارية على نحو طير أو طعام لتأكله كصائل برعاية الترتيب السابق.
ولا(4/203)
تقتل ضارية ساكنة - خلافا لجمع لامكان التحرز عن شرها.(4/204)
باب الجهاد(4/205)
(هو فرض كفاية كل عام) ولو مرة إذا كان الكفار ببلادهم، ويتعين إذا دخلوا بلادنا كما يأتي: وحكم فرض الكفاية أنه إذا فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عنه وعن الباقين.
ويأثم كل من لا عذر له من المسلمين إن
تركوه وإن جهلوا.
وفروضها كثيرة (كقيام بحجج دينية) وهي البراهين على إثبات الصانع سبحانه وما يجب له(4/206)
من الصفات ويستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات وما ورد به الشرع من المعاد والحساب وغير ذلك.
(وعلوم شرعية) كتفسير وحديث وفقه زائد على ما لا بد منه وما يتعلق بها بحيث يصلح للقضاء والافتاء للحاجة إليهما (ودفع ضرر معصوم) من مسلم وذمي ومستأمن جائع لم يصل لحالة الاضطرار أو عار أو نحوهما.
والمخاطب به كل موسر بما زاد على كفاية سنة له ولممونة عند احتلال بيت المال وعدم وفاء زكاة (وأمر بمعروف) أي(4/207)
واجبات الشرع والكف عن محرماته فشمل النهي عن منكر - ي المحرم - لكن محله في واجب أو حرام مجمع عليه، أو في اعتقاد الفاعل والمخاطب به كل مكلف لم يخف على نحو عضو ومال وإن قل ولم يغلب على ظنه أن فاعله يزيد فيه عنادا وإن علم عادة أنه لا يفيده بأن يغيره بكل طريق أمكنه من يد فلسان فاستغاثة بالغير فإن عجز أنكره بقلبه.
وليس لاحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون.
نعم: إن أخبره ثقة بمن(4/208)
اختفى بمنكر لا يتدارك كالقتل والزنا لزمه ذلك.
ولو توقف الانكار على الرفع للسلطان لم يجب لما فيه من هتك حرمة وتغريم مال.
قاله ابن القشيري.
قال شيخنا: وله احتمال بوجوبه إذا لم ينزحر إلا به هو الاوجه، وكلام الروضة وغيرها صريح فيه.
انتهى.
(وتحمل شهادة) على أهل له حضر إليه المشهود عليه أو طلبه إن عذر(4/209)
بعذر جمعة (وأدائها) على من يحملها إن كان أكثر من نصاب وإلا فهو فرض عين (وكإحياء كعبة) بحج وعمرة كل عام وتشييع جنازة (ورد سلام) مسنون (عن جمع) أي إثنين فأكثر، فيسقط الفرض عن الباقين ويختص(4/210)
بالثواب، فإن ردوا كلهم - ولو مرتبا - أثيبوا ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة.
ولو سلم جمع مرتبون على واحد فرد مرة قاصدا جميعهم، وكذا لو أطلق على الاوجه أجزأه ما لم يحصل فصل ضار.
ودخل في قولي مسنون سلام امرأة على امرأة أو نحو محرم أو سيد أو زوج وكذا على أجنبي وهي عجوز لا تشتهى.
ويلزمها في
هذه الصورة رد سلام الرجل.
أما مشتهاة ليس معها امرأة أخرى فيحرم عليها رد سلام أجنبي، ومثله ابتداؤه ويكره رد سلامها، ومثله ابتداؤه أيضا.
والفرق أن ردها وابتداءها يطمعه لطمعه فيها أكثر - بخلاف ابتدائه ورده.
قاله شيخنا.
ولو سلم على جمع نسوة وجب رد إحداهن إذ لا يخشى فتنة حينئذ.
وخرج بقولي عن جمع الواحد(4/211)
فالرد فرض عين عليه ولو كان المسلم صبيا مميزا.
ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع المحقق ولو في ثقيل السمع.
نعم: إن مر عليه سريعا بحيث لم يبلغه صوته فالذي يظهر - كما قاله شيخنا - أنه يلزمه الرفع وسعيه دون العدو خلفه.
ويجب اتصال الرد بالسلام كاتصال قبول البيع بإيجابه.
ولا بأس بتقديم عليك في رد سلام الغائب لان الفصل ليس بأجنبي.
وحيث زالت الفورية فلا قضاء - خلافا لما يوهمه كلام الروياني.
ويجب في الرد على الاصم أن يجمع بين اللفظ والاشارة ولا يلزمه الرد إلا إن جمع له(4/212)
المسلم عليه بين اللفظ والاشارة (وابتداؤه) أي السلام عند إقباله أو انصرافه على مسلم غير نحو فاسق أو مبتدع حتى الصبي المميز وإن ظن عدم الرد (سنة) عينا للواحد وكفاية للجماعة كالتمسية للاكل لخبر: أن أولى(4/213)
الناس بالله من بدأهم بالسلام.
وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره وصيغة ابتدائه السلام عليكم أو سلام عليكم، وكذا عليكم السلام أو سلام، لكنه مكروه للنهي عنه ومع ذلك يجب الرد فيه - بخلاف وعليكم السلام بالواو - إذ لا يصلح للابتداء والافضل في الابتداء والرد الاتيان بصيغة الجمع حتى في الواحد لاجل الملائكة والتعظيم وزيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته.
ولا يكفي الافراد(4/214)
للجماعة ولو سلم كل على الآخر فإن ترتبا كان الثاني جوابا: أي ما لم يقصد به الابتداء وحده كما بحثه بعضهم وإلا لزم كلا الرد.
فروع: يسن إرسال السلام للغائب ويلزم الرسول التبيلغ لانه أمانة ويجب أداؤها.
ومحله ما إذا رضي بتحمل تلك الامانة.
أما لو ردها فلا وكذا إن سكت.
وقال بعضهم: يجب على الموصى به تبليغه ومحله - كما
قال شيخنا - إن قبل الوصية بلفظ يدل على التحمل ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ في الارسال وبه أو بالكتابة فيها.
ويندب الرد أيضا على المبلغ والبداءة به فيقول عليك وعليه السلام، للخبر المشهور فيه.
وحكى(4/215)
بعضهم ندب البداءة بالمرسل.
ويحرم أن يبدأ به ذميا ويستثنيه وجوبا بقلبه إن كان مع مسلم.
ويسن لمن دخل محلا خاليا أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ولا يندب السلام على قاضي حاجة بول أو غائط أو جماع أو استنجاء ولا على شارب وآكل في فمه اللقمة لشغله ولا على فاسق بل يسن تركه على مجاهر بفسقه(4/216)
ومرتكب ذنب عظيم لم يتب منه ومبتدع إلا لعذر أو خوف مفسدة ولا على مصل وساجد ومؤذن ومقيم وخطيب ومستمعه ولا رد عليهم إلا مستمع الخطيب فإنه يجب عليه ذلك بل يكره الرد لقاضي الحاجة والجامع والمستنجي ويسن للآكل وإن كانت اللقمة بفيه.
نعم: يسن السلام عليه بعد البلع وقبل وضع اللقمة بفيه، ويلزمه الرد ويسن الرد لمن في الحمام وملب باللفظ ولمصل ومؤذن ومقيم بالاشارة، وإلا فبعد الفراغ أي إن(4/217)
قرب الفصل، ولا يجب عليهم.
ويسن عند التلاقي سلام صغير على كبير وماش على واقف وراكب عليهم وقليلين على كثيرين.
فوائد: وحتى الظهر مكروه.
وقال كثيرون حرام.
وأفتى النووي بكراهة الانحناء بالرأس وتقبيل نحو رأس أو يد أو رجل لا سيما لنحو غني لحديث: من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه.
ويندب ذلك لنحو صلاح أو(4/218)
علم أو شرف لان أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما.
ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة من نحو صلاح أو علم أو ولادة أو ولاية مصحوبة بصيانة.
قال ابن عبد السلام أو لمن يرجى خيره أو يخشى شره ولو كافرا خشي منه ضررا عظيما.
ويحرم على الرجل أن يحب قيامهم له.
ويسن تقبيل قادم من سفر ومعانقته للاتباع (كتشميت عاطس) بالغ (حمد الله تعالى) بيرحمك الله أو رحمكم الله وصغير مميز حمد الله بنحو أصلحك الله فإنه سنة على الكفاية إن سمع جماعة وسنة عين إن سمع واحد إذا حمد الله العاطس المميز عقب عطاسه بأن لم يتخلل(4/219)
بينهما فوق سكتة تنفس أوعى فإنه يسن له أن يقول عقبه الحمد لله وأفضل منه الحمد لله رب العالمين، وأفضل منه الحمد لله على كل حال.
وخرج بقولي حمد الله من لم يحمده عقبه فلا يسن التشميت له.
فإن شك قال يرحم الله من حمده.
ويسن تذكيره الحمد وعند توالي العطاس يشمته لثلاث ثم يدعو له بالشفاء ويسر به(4/220)
المصلي ويحمد في نفسه إن كان مشغولا بنحو بول أو جماع ويشترط رفع بكل بحيث يسمعه صاحبه.
ويسن للعاطس وضع شئ على وجهه وخفض صوته ما أمكنه، وإجابة مشمته بنحو يهديكم الله ويصلح بالكم أو يغفر الله لكم للامر به ويسن للمتثائب رد التثاؤب طاقته وستر فيه - ولو في الصلاة - بيده اليسرى.
ويسن إجابة الداعي بلبيك.
(والجهاد) فرض كفاية (على) كل مسلم (مكلف) أي بالغ عاقل لرفع القلم عن غيرهما (ذكر)(4/221)
لضعف المرأة عنه غالبا (حر) فلا يجب على ذي رق ولو مكاتبا ومبعضا وإن أذن له سيده لنقصه (مستطيع له سلاح) فلا يجب على غير مستطيع كأقطع وأعمى وفاقد معظم أصابع يده، ومن به عرج بين أو مرض تعظم مشقته، وكعادم مؤن ومركب في سفر قصر فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه مؤنته - كما في الحج - ولا على من ليس له سلاح لان عادم ذلك لا نصرة به (وحرم) على مدين موسر عليه دين حال لم يوكل من يقضي عنه من ماله(4/222)
الحاضر (سفر) لجهاد وغيره، وإن قصر وإن لم يكن مخوفا أو كان لطلب علم رعاية لحق الغير، ومن ثم جاء في مسلم: القتل في سبيل الله يكفر كل شئ إلا الدين.
(بلا إذن غريم) أو ظن رضاه وهو من أهل الاذن.
ولو كان الغريم ذميا أو كان بالدين رهن وثيق أو كفيل موسر.
قال الاسنوي في المهمات: أن سكوت رب الدين ليس بكاف في جواز السفر، معتمدا في ذلك على ما فهم من كلام الشيخين هنا.
وقال ابن الرفعة والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والقزويني: لا بد في الحرمة من التصريح بالمنع، ونقله القاضي إبراهيم بن ظهيرة ولا يحرم السفر، بل ولا يمنع منه إن كان معسرا أو كان الدين مؤجلا وإن قرب حلوله بشرط وصوله لما يحل له فيه القصر وهو مؤجل (و) حرم السفر لجهاد وحج تطوع بلا إذن (أصل) مسلم أب وأم وإن عليا ولو أذن من هو(4/223)
أقرب منه، وكذا يحرم بلا إذن أصل سفر لم تغلب فيه السلامة لتجارة (لا) سفر (لتعلم فرض) ولو كفاية كطلب النحو ودرجة الفتوى فلا يحرم عليه وإن لم يأذن أصله (وإن دخلوا) أي الكفار (بلدة لنا تعين) الجهاد (على أهلها) أي يتعين على أهلها الدفع بما أمكنهم وللدفع مرتبتان.
إحداهما أن يحتمل الحال اجتماعهم وتأهبهم للحرب فوجب الدفع على كل منهم بما يقدر عليه حتى على من لا يلزمه الجهاد نحو فقير وولد ومدين وعبد وامرأة فيها قوة بلا إذن ممن مر.
ويغتفر ذلك لهذا الخطب العظيم الذي لا سبيل لاهماله.
وثانيتهما أن يغشاهم(4/224)
الكفار ولا يتمكنون من اجتاع وتأهب فمن قصده كافر أو كفار وعلم أنه يقتل إن أخذه فعليه أن يدفع عن نفسه بما أمكن وإن كان ممن لا جهاد عليه لامتناع الاستسلام لكافر.
فروع: وإذا لم يمكن تأهب لقتال وجوز أسرا وقتلا فله قتال واستسلام إن علم أنه إن امتنع منه قتل وأمنت المرأة فاحشة إن أخذت وإلا تعين الجهاد، فمن علم أو ظن أنه إن أخذ قتل عينا امتنع عليه الاستسلام كما مر آنفا.
ولو أسروا مسلما يجب النهوض إليهم فورا على كل قادرر لخلاصه إن رجى.
ولو قال لكافر أطلق أسيرك وعلي كذا فأطلقه لزمه ولا يرجع به على الاسير إلا إن أذن له في مفاداته فيرجع عليه وإن لم يشترط له الرجوع (و) تعين على (من دون مسافة قصر منها) أي من البلدة التي دخلوا فيها وإن كان في أهلهم كفاية لانهم في حكمهم،(4/225)
وكذا من كان على مسافة القصر إن لم يكف أهلها ومن يليهم، فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد.
(وحرم) على من هو من أهل فرض الجهاد (انصراف عن صف) بعد التلاقي وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت قتل لعده (ص) الفرار من الزحف من السبع الموبقات.
ولو ذهب سلاحه وأمكن الرمي بالحجارة لم يجز له الانصراف على تناقض فيه.
وجزم بعضهم بأنه إذا غلب ظن الهلاك بالثبات من غير نكاية فيهم وجب الفرار (إذا لم يزيدوا) أي الكفار (على مثلينا) للآية.
وحكمة وجوب مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على(4/226)
إحدى الحسنيين: الشهادة والفوز بالغنيمة مع الاجر، والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط.
أما إذا زادوا
على المثلين كمائتين وواحد عن مائة فيجوز الانصراف مطلقا.
وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا إذا بلغ المسلمون اثني عشر ألفا لخبر: لن يغلب إثنا عشر ألفا من قلة وبه خصت الآية.
ويجاب بأن المراد من الحديث أن الغالب على هذا العدد الظفر فلا تعرض فيه لحرمة فرار ولا لعدمها - كما هو واضح - وإنما يحرم الانصراف إن قاومناهم إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة يستنجد بها على العدو ولو بعيدة (ويرق ذراري كفار) وعبيدهم ولو مسلمين كاملين (بأسر) كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر أي يصيرون بنفس الاسر أرقاء لنا ويكونون كسائر أموال الغنيمة.
ودخل في الذراري الصبيان والمجانين والنسوان ولا حد إن وطئ غانم أو أبوه أو(4/227)
سيده أمة في الغنيمة ولو قبل اختيار التملك لان فيها شبهة ملك ويعزر عالم بالتحريم لا جاهل به إن عذر لقرب إسلامه أو بعد محله عن العلماء.
فرع: يحكم بإسلام غير بالغ ظاهرا وباطنا: إما تبعا للسابي المسلم ولو شاركه كافر في سبيه، وإما تبعا لاحد أصوله وإن كان إسلامه قبل علوقه فلو أقر أحدهما بالكفر بعد البلوغ فهو مرتد من الآن (ولامام) أو أمير(4/228)
(خيار في) أسير (كامل) ببلوغ وعقل وذكورة وحرية (بين) أربع خصال من (قتل) بضرب الرقبة لا غير (ومن) عليه بتخلية سبيله (وفداء) بأسرى منا أو مال فيخمس وجوبا أو بنحو سلاحا ويفادى سلاحهم بأسرانا على الاوجه لا بمال (واسترقاق) فيفعل الامام أو نائبه وجوبا الاحظ للمسلمين لاجتهاده، ومن قتل أسيرا غير كامل(4/229)
لزمته قيمته أو كاملا قبل التخيير فيه عزر فقط (وإسلام كافر) كامل (بعد أسر يعصم دمه) من القتل لخبر الصحيحين: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ولم يذكر هنا وماله لانه لا يعصمه.
إذا اختار الامام رقه ولا صغار أولاده للعلم بإسلامهم تبعا له وإن كانوا(4/230)
بدار الحرب أو أرقاء وإذا تبعوه في الاسلام وهم أحرار لم يرقوا لامتناع طرو الرق على من قارن إسلامه حريته.
ومن ثم أجمعوا على أن الحر المسلم لا يسبى ولا يسترق أو أرقاء لم ينقص رقهم.
ومن ثم لو ملك حربي صغيرا
ثم حكم بإسلامه تبعا لاصله جاز سبيه واسترقاقه ويبقى الخيار في باقي الخصال السابقة من المن أو الفداء أو الرق.
ومحل جواز المفاداة مع إرادة الاقامة في دار الكفر إن كان له ثم عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه (و) إسلامه (قبله) أي قبل أسر بوضع أيدينا عليه (يعصم دما) أي نفسا عن كل ما مر (ومالا) أي جميعه بدارنا أو دارهم وكذا فرعه الحر الصغير والمجنون عند السبي عن الاسترقاق لا زوجته فإذا سبيت ولو بعد الدخول انقطع(4/231)
نكاحه حالا.
وإذا سبي زوجان أو أحدهما انفسخ النكاح بينهما لما في خبر مسلم أنهم لما امتنعوا يوم أوطاس من وطئ المسبيات المتزوجات نزل * (والمحصنات) * أي المتزوجات * (من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) *.
(1) فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات.
فرع: لو ادعى أسير قد أرق إسلامه قبل أسره لم يقبل في الرق ويجعل مسلما من الآن ويثبت بشاهد وامرأتين ولو ادعى أسير أنه مسلم، فإن أخذ من دارنا صدق بيمينه أو من دار الحرب فلا (وإذا أرق) الحربي(4/232)
(وعليه دين) لمسلم أو ذمي (لم يسقط) وسقط إن كان لحربي، ولو اقترض حربي من حربي أو غيره أو اشترى منه شيئا ثم أسلما أو أحدهما يسقط لالتزامه بعقد صحيح.
ولو أتلف حربي على حربكي شيئا أو غصبه منه فأسلما أو أسلم المتلف فلا ضمان لانه لم يلتزم شيئا بعقد حتى يستدام حكمه ولان الحربي لو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه فأولى مال الحربي.(4/233)
فرع: لو قهر حربي دائنه أو سيده أو زوجه ملكه ارتفع الدين والرق والنكاح وإن كان المقهور كاملا، وكذا إن كان القاهر بعضا للمقهور ولكن ليس للقاهر بيع مقهوره البعض لعتقه عليه خلافا للسمهودي.
مهمة: قال شيخنا في شرح المنهاج: قد كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والارقاء المجلوبين من الروم والهند.
وحاصل معتمد مذهبنا فيهم أن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم يحل شراوه وسائر التصرفات فيه لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي فإنه لا يخمس عليه وهذا كثير لا نادر، فإن تحقق أن آخذه مسلم بنحو سرقة أو اختلاس لم يجز شراوه إلا على الوجه الضعيف أنه لا يخمس عليه فقول جمع متقدمين ظاهر الكتاب والسنة والاجماع على منع وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند إلا أن ينصب(4/234)
من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغانم له المسلمون وإنه لم يسبق من أميرهم قبل الاغتنام من أخذ شيئا فهو له لجوازه عند الائمة الثلاثة.
وفي قول الشافعي بل زعم التاج الفزاري أنه لا يلزم الامام قسمة الغنائم ولا تخميسها، وله أن يحرم بعض الغانمين، لكن رده المصنف وغيره بأنه مخالف للاجماع وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس ردها لمستحق علم، وإلا فللقاضي كالمال الضائع - أي الذي لم يقع اليأس من صاحبه - وإلا كان ملك بيت المال فلمن له فيه حق الظفر به على المعتمد.
ومن ثم كان المعتمد كما مر أن من وصل له شئ يستحقه منه حل له أخذه وإن ظلم الباقون.
نعم: الورع لمريد التسري أن يشتري ثانيا(4/235)
من وكيل بيت المال لان الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة مالكها فيكون ملكا لبيت المال.
انتهى.
تتمة: يعتق رقيق حربي إذا هرب ثم أسلم ولو بعد الهدنة أو أسلم ثم هرب قبلها وإن لم يهاجر إلينا لا عكسه بأن أسلم بعد هدنة ثم هرب فلا يعتق لكن لا يرد إلى سيده فإن لم يعتقه باعه الامام من مسلم أو دفع(4/236)
لسيده قيمته من مال المصالح وأعتقه عن المسلمين والولاء لهم وإن أتانا بعد الهدنة.
وشرط رد من جاء منهم إلينا حر ذكر مكلف مسلما، فإن لم تكن له ثم عشيرة تحميه لم يرد وإلا رد عليهم بطلبهم بالتخلية بينه وبين طالبه بلا إجبار على الرجوع مع طالبه.
وكذا لا يرد صبي ومجنون وصفا الاسلام أم لا وامرأة وخنثى أسلمتا: أي لا يجوز ردهم ولو لنحو الاب لضعفهم ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد دون الحر المرتد.(4/237)
باب القضاء بالمد: أي الحكم بين الناس.
والاصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * وقوله: * (فاحكم بينهم بالقسط) * وأخبار كخبر الصحيحين: إذا حكم حاكم - أي أراد الحكم - فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.
وفي رواية بدل الاولى: فله عشرة أجور قال في شرح مسلم: أجمع المسلمون على أن هذا في حاكم عالم مجتهد.
أما غيره فآثم بجميع أحكامه،
وإن وافق الصواب لان إصابته إتفاقية.
وصح خبر: القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، وقاضيان في النار وفسر(4/239)
الاول بأنه عرف الحق وقضى به، والاخيران بمن عرف وجار في الحكم ومن قضى على جهل.
وما جاء في التحذير عنه كخبر: من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين محمول على عظم الخطر فيه، أو على من يكره له القضاء، أو يحرم (هو) أي قبوله من متعددين صالحين له (فرض كفاية) في الناحية بل أسنى فروض الكفايات(4/240)
حتى قال الغزالي: أنه أفضل من الجهاد، فإن امتنع الصالحون له منه أثموا.
أما تولية الامام أو نائبه لاحدهم في إقليم ففرض عين عليه، ثم على ذي شوكة.
ولا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض.
فرع: لا بد من تولية من الامام أو مأذونه ولو لمن تعين للقضاء، فإن فقد الامام فتولية أهل الحل والعقد في البلد أو بعضهم مع رضا الباقين ولو ولاه أهل جانب من البلد صح فيه دون الآخر.
ومن صريح التولية وليتك(4/241)
أو قلدتك القضاء.
ومن كفايتها عولت واعتمدت عليك فيه.
ويشترط القبول لفظا وكذا فورا في الحاضر.
وعند بلوغ الخبر في غيره.
وقال جمع محققون: الشرط عدم الرد ومن تعين في ناحية لزمه قبوله وكذا طلبه ولو ببذل مال وإن خاف من نفسه الميل فإن لم يتعين فيها كره للمفضول القبول والطلب إن لم يمتنع الافضل، ويحرم طلبه بعزل صالح له ولو مفضولا (وشرط قاض كونه أهلا للشهادات) كلها بأن يكون مسلما مكلفا حرا ذكرا(4/242)
عدلا سميعا ولو بالصياح بصيرا، فلا يولي من ليس كذلك ولا أعمى وهو من يرى الشبح ولا يميز الصورة وإن قربت - بخلاف من يميزها إذا قربت بحيث يعرفها ولو بتكلف ومزيد تأمل، وإن عجز عن قراءة المكتوب.
واختير صحة ولاية الاعمى (كافيا) للقيام بمنصب القضاء، فلا يولى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض (مجتهدا) فلا يصح تولية جاهل ومقلد وإن حفظ مذهب إمامه لعجزه عن إدراك غوامضه.
والمجتهد من يعرف بأحكام(4/243)
القرآن من العام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ والمحكم
والمتشابه وبأحكام السنة من المتواتر - وهو ما تعددت طرقه - والآحاد - وهو بخلافه - والمتصل باتصال رواته إليه صلى الله عليه وسلم ويسمى المرفوع، أو إلى الصحابي فقط ويسمى الموقوف.
والمرسل وهو قول التابعي(4/244)
قال رسول الله (ص) كذا، أو فعل كذا، أو بحال الرواة قوة وضعفا وما تواتر ناقلوه.
وأجمع السلف على قبوله.
لا يبحث عن عدالة ناقليه وله الاكتفاء بتعديل إمام عرف صحة مذهبه في الجرح والتعديل ويقدم عند التعارض الخاص على العام، والمقيد على المطلق، والنص على الظاهر، والمحكم على المتشابه، والناسخ والمتصل والقوي على مقابلها.
ولا تنحصر الاحكام في خمسمائة آية ولا خمسمائة حديث خلافا لزاعمهما وبالقياس بأنواعه الثلاثة من الجلي وهو ما يقطع فيه بنفي الفارق كقياس ضرب الولد على تأفيفه، أو المساوي وهو ما يبعد فيه إنتفاء الفارق كقياس إحراق مال اليتيم على أكله، أو الادون وهو ما لا يبعد فيه إنتفاء الفارق كقياس الذرة(4/245)
على البر في الربا بجامع الطعم وبلسان العرب لغة ونحوا وصرفا وبلاغة وبأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولو فيما يتكلم فيه فقط لئلا يخالفهم.
قال ابن الصلاح: إجتماع ذلك كله إنما هو شرط للمجتهد المطلق الذي يفتي في جميع أبواب الفقه، أما مقيد لا يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه وليراع فيها ما يراعيه المطلق في قوانين الشرع فإنه مع المجتهد كالمجتهد مع نصوص الشرع، ومن ثم لم يكن له عدول عن نص إمامه كما لا يجوز الاجتهاد مع النص.
انتهى.
(فإن ولى سلطان) ولو كافرا أو (ذو شوكة) غيره في بلد بأن انحصرت قوتها فيه (غير أهل) للقضاء كمقلد وجاهل وفاسق، أي مع علمه بنحو فسقه(4/246)
وإلا بأن ظن عدالته مثلا، ولو علم فسقه لم يوله فالظاهر - كما جزم به شيخنا - لا ينفذ حكمه وكذا لو زاد فسقه أو ارتكب مفسقا آخر على تردد فيه.
انتهى.
وجزم بعضهم بنفوذ توليته وإن ولاه غير عالم بفسقه وكعبد وامرأة وأعمى (نفذ) ما فعله من التولية وإن كان هناك مجتهد عدل على المعتمد فينفذ قضاء من ولاه للضروة ولئلا تتعطل مصالح الناس وإن نازع كثيرون فيما ذكر في الفاسق وأطالوا وصوبه الزركشي.
قال شيخنا: وما ذكر في المقلد محله إن كان ثم مجتهد وإلا نفذت تولية المقلد ولو من غير ذي شوكة، وكذا الفاسق.
فإن كان هناك عدل
أشترطت شوكة وإلا فلا - كما يفيد ذلك قول ابن الرفعة - الحق أنه إذا لم يكن ثم من يصلح للقضاء نفذت تولية(4/247)
غير الصالح قطعا، والاوجه أن قاضي الضرورة يقضي بعلمه ويحفظ مال اليتيم ويكتب لقاض آخر خلافا للحضرمي وصرح جمع متأخرون بأن قاضي الضرورة يلزمه بيان مستنده في سائر أحكامه ولا يقبل قول حكمت بكذا من غير بيان مستنده فيه ولو طلب الخصم من القاضي الفاسق تبيين الشهود التي ثبت فيها الامر لزم القاضي بيانهم وإلا لم ينفذ حكمه.
فرع: يندب للامام إذا ولى قاضيا أن يأذن له في الاستخلاف وإن أطلق التولية إستخلف فيما لا يقدر عليه لا غيره في الاصح.
(مهمة) يحكم القاضي باجتهاده إن كان مجتهدا أو باجتهاد مقلده إن كان مقلدا.
وقضية كلام الشيخين أن المقلد لا يحكم بغير مذهب مقلده.
وقال الماوردي وغيره: يجوز.
وجمع ابن عبد السلام(4/248)
والاذرعي وغيرهما بحمل الاول على من لم ينته لرتبة الاجتهاد في مذهب إمامه وهو المقلد الصرف الذي لم يتأهل للنظر ولا للترجيح والثاني على من له أهلية.
لذلك.
ونقل ابن الرفعة عن الاصحاب أن الحاكم المقلد إذا بان حكمه على خلاف نص مقلده نقض حكمه ووافقه النووي في الروضة والسبكي، وقال الغزالي: لا ينقض، وتبعه الرافعي بحثا في موضع.
وشيخنا في بعض كتبه.
فائدة: إذا تمسك العامي بمذهب لزمه موافقته، وإلا لزمه التمذهب بمذهب معين من الاربعة لا غيرها ثم(4/249)
له وإن عمل بالاول الانتقال إلى غيره بالكلية، أو في المسائل بشرط أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالاسهل منه فيفسق به على الاوجه.
وفي الخادم عن بعض المحتاطين.
الاولى لمن ابتلي بوسواس الاخذ بالاخف والرخص لئلا يزداد فيخرج عن الشرع، ولضده الاخذ بالاثقل لئلا يخرج عن الاباحة.
وأن لا يلفق بين قولين يتولد منهما حقيقة مركبة لا يقول بها كل منهما.
وفي فتاوي شيخنا: من قلد إماما في مسألة لزمه أن يجري على قضية مذهبه في تلك المسألة وجميع ما يتعلق بها، فيلزم من انحرف عن عين الكعبة وصلى إلى(4/250)
جهتها مقلدا لابي حنيفة مثلا أن يمسح في وضوئه من الرأس قدر الناصية وأن لا يسيل من بدنه بعد الوضوء دم وما أشبه ذلك، وإلا كانت صلاته باطلة باتفاق المذهبين فليتفطن لذلك.
انتهى.
ووافقه العلامة عبد الله أبو مخرمة العدني وزاد فقال: قد صرح بهذا الشرط الذي ذكرناه غير واحد من المحققين من أهل الاصول والفقه: منهم ابن دقيق العيد والسبكي، ونقله الاسنوي في التمهيد عن العراقي.
قلت: بل نقله الرافعي في العزيز عن القاضي حسين.
انتهى.
وقال شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى في فتاويه: إن الذي فهمناه من أمثلتهم أن التركيب القادح إنما يمتنع إذا كان في قضية واحدة.
فمن أمثلتهم.
إذا توضأ ولمس تقليدا لابي حنيفة واقتصد تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الامامين على بطلان ذلك.
وكذلك إذا توضأ ومس بلا شهوة تقليدا للامام مالك ولم يدلك تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الامامين على بطلان طهارته - بخلاف ما إذا كان التركيب من قضيتين، فالذي يظهر أن ذلك غير قادح في التقليد، كما إذا توضأ ومسح بعض رأسه ثم صلى إلى الجهة تقليدا لابي حنيفة فالذي يظهر صحة صلاته لان الامامين لم يتفقا على بطلان طهارته، فإن الخلاف فيها بحاله، لا يقال اتفقا على بطلان صلاته لانا نقول هذا الاتفاق ينشأ من التركيب في قضيتين.(4/251)
والذي فهمناه أنه غير قادح في التقليد ومثله ما إذا قلد الامام أحمد في أن العورة السوأتان وكأن ترك المضمضة والاستنشاق أو التسمية الذي يقول الامام أحمد بوجوب ذلك، فالذي يظهر صحة صلاته إذا قلده في قدر العورة لانهما لم يتفقا على بطلان طهارته التي هي قضية واحدة، ولا يقدح في ذلك إتفاقهما على بطلان صلاته فإنه تركيب من قضيتين وهو غير قادح في التقليد كما يفهمه تمثيلهم.
وقد رأيت في فتاوي البلقيني ما يقتضي أن التركيب بين القضيتين غير قادح.
انتهى.
ملخصا.
تتمة: يلزم محتاجا إستفتاء عالم عدل عرف أهليته ثم إن وجد مفتيين فإن اعتقد أحدهما أعلم تعين تقديمه.
قال في الروضة: ليس لمفت وعامل على مذهبنا في مسألة ذات وجهين أو قولين أن يعتمد أحدهما بلا(4/252)
نظر فيه فلا خلاف، بل يبحث عن أرجحهما بنحو تأخره وإن كانا لواحد.
انتهى.
(ويجوز تحكيم اثنين) ولو من غير خصومة كما في النكاح (رجلا أهلا لقضاء) أي من له أهلية القضاء المطلقة لا في خصوص تلك الواقعة
فقط.
خلافا لجمع متأخرين ولو مع وجود قاض أهل خلافا للروضة.
أما غير الاهل فلا يجوز تحكيمه - أي مع وجود الاهل - وإلا جاز، ولو في النكاح، وإن كان ثم مجتهد، كما جزم به شيخنا في شرح المنهاج تبعا لشيخه(4/253)
زكريا.
لكن الذي أفتاه أن المحكم العدل لا يزوج إلا مع فقد القاضي ولو غير أهل.
ولا يجوز تحكيم غير العدل مطلقا ولا يفيد حكم المحكم إلا برضاهما به لفظا لا سكوتا فيعتبر رضا الزوجين معا في النكاح، نعم: يكفي سكوت البكر إذا استؤذنت في التحكيم ولا يجوز التحكيم مع غيبة الولي ولو إلى مسافة القصر إن كان ثم قاض - خلافا لابن العماد - لانه ينوب عن الغائب بخلاف المحكم: ويجوز له أن يحكم بعلمه على الاوجه.
(وينعزل القاضي) أي يحكم بانعزاله ببلوغ خبر العزل له ولو من عدل (و) ينعزل (نائبه) في عام أو خاص بأن(4/254)
يبلغه خبر عزل مستخلفه له أو الامام لمستخلفه إن أذن له أن يستخلف عن نفسه أو أطلق (لا) حال كون النائب نائبا (عن إمام) في عام أو خاص بأن قال للقاضي إستخلف عني فلا ينعزل بذلك وإنما انعزل القاضي ونائبه (بخبره) أي ببلوغ خبر العزل المفهوم من ينعزل لا قبل بلوغه ذلك لعظم الضرر في نقض أقضيته لو انعزل، بخلاف الوكيل فإنه ينعزل من حين العزل ولو قبل بلوغ خبره.
ومن علم عزله لم ينفذ حكمه له إلا أن يرضى بحكمه فيما يجوز التحكيم فيه (و) ينعزل أيضا كل منهما بأحد أمور (عزل نفسه) كالوكيل (وجنون) وإغماء وإن قل زمنهما (وفسق) أي ينعزل بفسق من لم يعلم موليه بفسقه الاصلي أو الزائد على ما كان حال توليته وإذا زالت(4/255)
هذه الاحوال لم تعد ولايته إلا بتولية جديدة في الاصح.
ويجوز للامام عزل قاض لم يتعين بظهور خلل لا يقتضي إنعزاله ككثرة الشكاوي فيه وبأفضل منه وبمصلحة كتسكين فتنة سواء أعزله بمثله أو بدونه وإن لم يكن شئ من ذلك لم يجز عزله لانه عبث ولكن ينفذ العزل.
أما إذا تعين بأن لم يكن ثم من يصلح غيره فيحرم على موليه عزله ولا ينفذ، وكذا عزله لنفسه حينئذ بخلافه في غير هذه الحالة فينفذ عزله لنفسه وإن لم يعلم موليه (ولا ينعزل قاض بموت إمام) أعظم ولا بانعزاله لعظم شدة الضرر بتعطيل الحوادث وخرج بالامام القاضي(4/256)
فينعزل نوابه بموته (ولا يقبل قول متول في غير محل ولايته) وهو خارج عمله (حكمت بكذا) لانه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا ينفذ إقراره به وأخذ الزركشي من ظاهر كلامهم أنه إذا ولي ببلد لم يتناول مزارعها وبساتينها فلو زوج وهو بأحدهما من هي بالبلد أو عكسه لم يصح، قيل، وفيه نظر قال شيخنا والنظر واضح بل الذي يتجه أنه إن علمت عادة بتبعية أو عدمها فذلك وإلا اتجه ما ذكره اقتصارا على ما نص له عليه وأفهم قول المنهاج أنه في غير محل ولايته كمعزول أن لا ينفذ منه فيه تصرف استباحه بالولاية كإيجار وقف نظره للقاضي وبيع مال يتيم وتقرير في وظيفة.
قال شيخنا وهو ظاهر (ك) - ما لا يقبل قول (معزول) بعد انعزاله ومحكم بعد(4/257)
مفارقة مجلس حكمه حكمت بكذا لانه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا يقبل إقراره به ولا يقبل أيضا شهادة كل منهما بحكمه لانه يشهد بفعل نفسه إلا إن شهد بحكم حاكم ولا يعلم القاضي أنه حكمه فتقبل شهادته إن لم يكن فاسقا، فإن علم القاضي أنه حكمه لم تقبل شهادته كما لو صرح به ويقبل قوله بمحل حكمه قبل عزله حكمت بكذا، وإن قال بعلمي لقدرته على الانشاء حينئذ حتى لو قال على سبيل الحكم نساء هذه القرية: أي المحصورات طوالق من أزواجهن قبل إن كان مجتهدا ولو في مذهب إمامه ولا يجوز لقاض أن يتبع حكم قاض(4/258)
قبله صالح للقضاء (وليسو القاضي بين الخصمين) وجوبا في إكرامهما وإن اختلفا شرفا وجواب سلامهما والنظر إليهما والاستماع للكلام وطلاقة الوجه والقيام فلا يخص أحدهما بشئ مما ذكر.
ولو سلم أحدهما انتظر الآخر ويغتفر طول الفصل للضرورة أو قال له سلم ليجيبهما معا ولا يمزح معه وإن شرف بعلم أو حرية والاولى أن يجلسهما بين يديه.(4/259)
فرع: لو ازدحم مدعون قدم الاسبق فالاسبق وجوبا كمفت ومدرس فيقدمان وجوبا بسبق، فإن استووا أو جهل سابق أقرع وقال شيخنا، وظاهر أن طالب فرض العين مع ضيق الوقت يقدم كالمسافر.
ويستحب كون مجلسه الذي يقضي فيه فسيحا بارزا ويكره أن يتخذ المسجد مجلسا للحكم صونا له عن اللغط وارتفاع(4/260)
الاصوات.
نعم إن اتفق عند جلوسه فيه قضية أو قضيتان فلا بأس بفصلها (وحرم قبوله) أي القاضي (هدية من لا(4/261)
عادة له بها قبل ولاية) أو كان له عادة بها لكنه زاد في القدر أو الوصف (إن كان في محله) أي محل ولايته (و) هدية (من له خصومة) عنده أو من أحس منه بأنه سيخاصم وإن اعتادها قبل ولايته لانها في الاخيرة تدعو إلى الميل إليه وفي الاولى سببها الولاية وقد صحت الاخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال (وإلا) بأن كان من عادته أنه يهدى إليه قبل الولاية ولو مرة فقط أو كان في غير محل ولايته أو لم يزد المهدي على عادته ولا خصومة(4/262)
له حاضرة ولا مترقبة جاز قبوله ولو جهزها له مع رسوله وليس له محاكمة ففي جواز قبوله وجهان: رجح بعض شراح المنهاج الحرمة وعلم مما مر أنه لا يحرم عليه قبولها في غير عمله وإن كان المهدي من أهل عمله ما لم يستشعر بأنها مقدمة لخصومة.
ولو أهدى له بعد الحكم حرم القبول أيضا إن كان مجازاة له وإلا فلا.
كذا أطلقه بعض شراح المنهاج.
قال شيخنا: ويتعين حمله على مهد معتاد أهدى إليه بعد الحكم وحيث حرم القبول أو الاخذ لم يملك ما أخذه فيرده لمالكه إن وجد وإلا فلبيت المال وكالهدية الهبة والضيافة وكذا الصدقة على(4/263)
الاوجه وجوز له السبكي في حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة وخصه في تفسيره بما إذا لم يعرف المتصدق أنه القاضي، وبحث غيره القطع بحل أخذه الزكاة.
قال شيخنا: وينبغي تقييده بما ذكر.
وتردد السبكي في الوقف عليه من أهل عمله والذي يتجه فيه، وفي النذر أنه إن عينه باسمه وشرطنا القبول كان كالهدية له.
ويصح إبراؤه عن دينه إذ لا يشترط فيه قبول.
ويكره للقاضي حضور الوليمة التي خص بها وحده وقال جمع: يحرم أو مع جماعة آخرين ولم يعتد ذلك قبل الولاية بخلاف ما إذا لم يقصد بها خصوصا كما لو اتخذت للجيران أو العلماء وهو منهم أو لعموم الناس.
قال في العباب: يجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح إن(4/264)
لم يشترط، وكذا القاضي حيث جاز له الحضور ولم يشترط ولا طلب.
اه.
وفيه نظر.
تنبيه: يجوز لمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين للقضاء وكان عمله مما يقابل بأجرة
أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق على ما قاله جمع وقال آخرون يحرم وهو الاحوط لكن الاول أقرب(4/265)
(ونقض) القاضي وجوبا (حكما) لنفسه أو غيره إن كان ذلك الحكم (بخلاف نص) كتاب أو سنة أو نص مقلده أو قياس جلي وهو ما قطع فيه بإلحاق الفرع للاصل (أو إجماع) ومنه ما خالف شرط الواقف.
قال السبكي:(4/266)
وما خالف المذاهب الاربعة كالمخالف للاجماع (أو بمرجوح) من مذهبه فيظهر القاضي بطلان ما خالف ما ذكر وإن لم يرفع إليه بنحو نقضته أو أبطلته.
تنبيه: نقل العراقي وابن الصلاح الاجماع على أنه لا يجوز الحكم، بخلاف الراجح في المذهب، وصرح السبكي بذلك في مواضع من فتاويه وأطال وجعل ذلك من الحكم - بخلاف ما أنزل الله - لان الله تعالى أوجب على المجتهدين أن يأخذوا بالراجح وأوجب على غيرهم تقليدهم فيما يجب عليهم العمل به.
ونقل الجلال البلقيني عن والده أنه كان يفتي أن الحاكم إذا حكم بغير الصحيح من مذهبه نقض.
وقال البرهان بن ظهيرة: وقضيته والحالة هذه أنه لا فرق بين أن يعضده اختيار لبعض المتأخرين أو بحث.
تنبيه ثان: إعلم أن المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان، كما جزم به النووي(4/267)
فالرافعي فما رجحه الاكثر فالاعلم فالاورع.
قال شيخنا: هذا ما أطلق عليه محققو المتأخرين والذي أوصى باعتماده مشايخنا، وقال السمهودي: ما زال مشايخنا يوصوننا بالافتاء بما عليه الشيخان وأن نعرض عن أكثر ما خولفا به.
وقال شيخنا ابن زياد: يجب علينا في الغالب ما رجحه الشيخان وإن نقل عن الاكثرين خلافه (ولا يقضي) القاضي أي لا يجوز له القضاء (بخلاف علمه) وإن قامت به بينة كما إذا شهدت برق أو نكاح أو ملك من يعلم حريته أو بينونتها أو عدم ملكه لانه قاطع ببطلان الحكم به حينئذ والحكم بالباطل محرم (ويقضي) أي(4/268)
القاضي ولو قاضي ضرورة على الاوجه (بعلمه) إن شاء: أي بظنه المؤكد الذي يجوز له الشهادة مستندا إليه وإن استفاد قبل ولايته.
نعم لا يقضي به في حدود أو تعزير لله تعالى كحد الزنا أو سرقة أو شرب لندب الستر في
أسبابها.
أما حدود الآدميين فيقضي فيها به سواء المال والقود وحد القذف.
وإذا حكم بعلمه لا بد أن يصرح بمستنده فيقول علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمي.
فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه كما قاله الماوردي وتبعوه.
(ولا) يقضي لنفسه ولا (لبعض) من أصله وفرعه ولا لشريكه في المشترك(4/269)
ويقضي لكل منهم غيره من إمام وقاض آخر ولو نائبا عنه دفعا للتهمة (ولو رأى) قاض وكذا شاهد (ورقة فيها حكمه) أو شهادته (لم يعمل به) في إمضاء حكم ولا أداء شهادة (حتى يتذكر) ما حكم أو شهد به لامكان التزوير ومشابهة الخط ولا يكفي تذكره أن هذا خطه فقط.
وفيهما وجه إن كان الحكم والشهادة مكتوبين في ورقة مصونة عندهما ووثق بأنه خطه ولم يداخله فيه ريبة أنه يعمل به (وله) أي الشخص (حلف على استحقاق) حق له على(4/270)
غيره أو أدائه لغيره (إعتمادا) على إخبار عدل و (على خط) نفسه على المتعمد وعلى خط مأذونه ووكيله وشريكه و (مورثه إن وثق بأمانته) بأن علم منه أنه لا يتساهل في شئ من حقوق الناس إعتضادا بالقرينة.
تنبيه: والقضاء الحاصل على أصل كاذب ينفذ ظاهرا لا باطنا فلا يحل حراما ولا عكسه.
فلو حكم(4/271)
بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا سواء المال والنكاح.
أما المرتب على أصل صادق فينفذ القضاء فيه باطنا أيضا قطعا.
وجاء في الخبر: أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
وفي شرح المنهاج لشيخنا: ويلزم المرأة المحكوم عليها بنكاح كاذب الهرب بل والقتل وإن قدرت عليه كالصائل على البضع ولا نظر لكونه يعتقد الاباحة، فإن أكرهت فلا إثم (والقضاء على غائب) عن البلد وإن كان في غير عمله(4/272)
أو عن المجلس بتوار أو تعزز (جائز) في غير عقوبة الله تعالى (إن كان لمدع حجة ولم يقل هو) أي الغائب (مقر) بالحق بل ادعى جحوده وأنه يلزمه تسليمه له الآن وأنه مطالبه بذلك فإن قال هو مقر وأنا أقيم الحجة استظهارا مخافة أن ينكر أو ليكتب بها القاضي إلى قاضي بلد الغائب لم تسمع حجته لتصريحه بالمنافي لسماعها، إذ لا فائدة فيها مع الاقرار نعم لو كان للغائب مال حضر وأقام البينة على دينه لا ليكتب القاضي به إلى
حاكم بلد الغائب، بل ليوفيه منه فتسمع وإن قال هو مقر وتسمع أيضا إن أطلق (ووجب) إن كانت الدعوى بدين(4/273)
أو عين أو بصحة عقد أو إبراء كأن أحال الغائب على مدين له حاضر فادعى إبراءه (تحليفه) أي المدعي يمين الاستظهار إن لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا (بعد) إقامة (بنية أن الحق) في الصورة الاولى ثابت (في ذمته) إلى الآن احتياطا للمحكوم عليه لانه لو حضر لربما ادعى بما يبرئه.
ويشترط مع ذلك أن يقول أنه يلزمه تسليمه إلي وأنه لا يعلم في شهوده قادحا كفسق وعداوة.
قال شيخنا في شرح المنهاج، وظاهر كما قال البلقيني أن هذا لا يأتي في الدعوى بعين بل يحلف فيها على ما يليق بها وكذا نحو الابراء، أما لو كان الغائب متواريا أو متعززا فيقضي عليهما بلا يمين لتقصيرهما قال بعضهم: لو كان للغائب وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم يجب(4/274)
يمين (كما لو ادعى) شخص (على) نحو (صبي) لا ولي له (وميت) ليس له وارث خاص حاضر فإنه يحلف لما مر.
أما لو كان لنحو الصبي ولي خاص أو للميت وارث خاص حاضر كامل إعتبر في وجوب التحليف طلبه، فإن سكت عن طلبها لجهل عرفه الحاكم ثم إن لم يطلبها قضى عليه بدونها.
فرع: لو ادعى وكيل الغائب على غائب أو نحو صبي أو ميت فلا تحليف بل يحكم بالبينة لان الوكيل لا(4/275)
يتصور حلفه على استحقاقه ولا على أن موكله يستحقه ولو وقف الامر إلى حضور الموكل لتعذر استيفاء الحقوق بالوكلاء.
ولو حضر الغائب وقال للوكيل أبرأني موكلك أو وفيته فأخر الطلب إلى حضوره ليحلف لي أنه ما أبرأني لم يجب.
وأمر بالتسليم له ثم يثبت الابراء بعد إن كان له به حجة لانه لو وقف لتعذر الاستيفاء بالوكلاء.
نعم.
له تحليف الوكيل إذا ادعى عليه علمه بنحو الابراء أنه لا يعلم أن موكله أبرأه مثلا لصحة هذه الدعوى عليه (وإذا ثبت) عند حاكم (مال على الغائب) أو الميت وحكم به (وله مال) حاضر في عمله أو دين ثابت على حاضر(4/276)
في عمله (قضاه) الحاكم (منه إذا طلبه المدعي) لان الحاكم يقوم مقامه ولو باع قاض مال غائب في دينه فقدم وأبطل الدين بإثبات إيفائه أو بنحو فسق شاهد إسترد من الخصم ما أخذه وبطل البيع للدين على الاوجه خلافا
للروياني (وإلا) يكن له مال في عمله ولم يحكم (فإن سأل المدعي إنهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب أجابه) وجوبا وإن كان المكتوب إليه قاضي ضرورة مسارعة بقضاء حقه (فينهي إليه سماع بينته) ثم إن عدلها لم يحتج المكتوب إليه إلى تعديلها وإلا احتاج إليه ليحكم بها ثم يستوفي الحق وخرج بها علمه فلا يكتب به لانه شاهد(4/277)
الآن لا قاض.
ذكره في العدة وخالفه السرخسي واعتمده البلقيني لان علمه كقيام البينة وله على الاوجه أن يكتب سماع شاهد واحد ليسمع المكتوب إليه شاهدا آخر أو يحلفه ويحكم له (أو) ينهي إليه (حكما) إن حكم (ليستوفي) الحق لان الحاجة تدعو إلى ذلك (والانهاء أن يشهد) ذكرين (عدلين بذلك) أي بما جرى عنده من ثبوت أو حكم ولا يكفي غير رجلين ولو في مال أو هلال رمضان.
ويستحب كتاب به يذكر فيه ما يتميز به(4/278)
المحكوم عليه من إسم أو نسب وأسماء الشهود وتاريخه والانهاء بالحكم من الحاكم يمضي مع قرب المسافة وبعدها وسماع البينة لا يقبل إلا فوق مسافة العدوى.
إذ يسهل إحضارها مع القرب وهي التي يرجع منها مبكرا إلى محله ليلا فلو تعسر إحضار البينة مع القرب بنحو مرض قبل الانهاء.
فرع: قال القاضي وأقره لو حضر الغريم وامتنع من بيع ماله الغائب لوفاء دينه به عند الطلب ساغ للقاضي(4/279)
بيعه لقضاء الدين وإن لم يكن المال بمحل ولايته، وكذا إن غاب بمحل ولايته كما ذكره التاج السبكي والغزي وقالا بخلاف ما لو كان بغير محل ولايته لانه لا يمكن نيابته عنه في وفاء الدين حينئذ وحاصل كلامهما جواز البيع إذا كان هو أو ماله في محل ولايته ومنعه إذا خرجا عنها.
مهمة: لو غاب إنسان من غير وكيل وله مال حاضر فأنهى إلى الحاكم أنه إن لم يبعه اختل معظمه لزمه بيعه إن تعين طريقا لسلامته وقد صرح الاصحاب بأن القاضي إنما يتسلط على أموال الغائبين إذا أشرفت على(4/280)
الضياع أو مست الحاجة إليها في استيفاء حقوق ثبتت على الغائب وقالوا ثم في الضياع تفصيل فإن امتدت الغيبة وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع ساغ التصرف وليس من الضياع اختلال لا يؤدي لتلف المعظم ولم
يكن ساريا لامتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة والاختلال المؤدي لتلف المعظم ضياع، نعم الحيوان يباع لمجرد تطرق اختلال إليه.
لحرمة الروح ولانه يباع على مالكه بحضرته إذا لم ينفق عليه ولو نهي عن التصرف في ماله امتنع إلا في الحيوان.
فرع: يحبس الحاكم الآبق إذا وجده انتظارا لسيده فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن.(4/281)
باب الدعوى والبينات الدعوى لغة، الطلب وألفها للتأنيث وشرعا: إخبار عن وجوب حق على غيره عند حاكم.
وجمعها دعاوي بفتح الواو وكسرها كفتاوى.
والبينة شهود سموا بها لان بهم يتبين الحق وجمعوا لاختلاف أنواعهم.
والاصل فيها خبر الصحيحين: ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم لكن اليمين على(4/283)
المدعى عليه.
وفي رواية: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (المدعي من خالف قوله الظاهر) وهو براءة الذمة (والمدعى عليه من وافقه) أي الظاهر.
وشرطهما تكليف والتزام للاحكام فليس الحربي ملتزما للاحكام بخلاف الذمي.
ثم إن كانت الدعوى قودا أو حد قذف أو تعزيرا وجب رفعها إلى القاضي ولا يجوز للمستحق(4/284)
الاستقلال باستيفائها لعظم الخطر فيها وكذا سائر العقود والفسوخ كالنكاح والرجعة وعيب النكاح والبيع.
واستثنى الماوردي من بعد عن السلطان فله استيفاء حد قذف أو تعزير (وله) أي للشخص (بلا خوف فتنة) عليه أو على غيره (أخذ ماله) إستقلالا للضرورة (من) مال مدين له مقر (مماطل) به أو جاحد له أو متوار أو متعزز وإن(4/285)
كان على الجاحد بينة أو رجا إقراره لو رفعه للقاضي لاذنه (ص) لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف ولان في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة وإنما يجوز له الاخذ من جنس حقه ثم عند تعذر جنسه يأخذ غيره.
ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد على غيره ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله يتملكه
ويتصرف فيه بدلا عن حقه فإن كان من غير جنسه فيبيعه الظافر بنفسه أو مأذونه للغير لا لنفسه إتفاقا ولا لمحجوره لامتناع تولي الطرفين وللتهمة.
هذا إن لم يتيسر علم القاضي به لعدم علمه ولا بينة أو مع أحدهما لكنه يحتاج لمؤنة ومشقة وإلا اشترط إذنه ولا ببيعه إلا بنقد البلد (ثم إن كان جنس حقه تملكه) وإلا اشترط جنس حقه وملكه(4/286)
ولو كان المدين محجورا عليه بفلس أو ميتا وعليه دين لم يأخذ إذ قدر حصته بالمضاربة إن علمها وإلا احتاط وله الاخذ من مال غريم غريمه إن لم يظفر بمال الغريم وجحد غريم الغريم أو ماطل وإذا جاز الاخذ ظفرا جاز له كسر باب أو قفل ونقب جدار للمدين إن تعين طريقا للوصول إلى الاخذ وإن كان معه بينة فلا يضمنه كالصائل وإن خاف فتنة أي مفسدة تفضي إلى محرم كأخذ ماله لو اطلع عليه وجب الرفع إلى القاضي أو نحوه لتمكنه من الخلاص به ولو كان الدين على غير ممتنع من الاداء طالبه ليؤدي ما عليه فلا يحل أخذ شئ له لان له الدفع من(4/287)
أي ماله شاء فإن أخذ شيئا لزمه رده وضمنه إن تلف ما لم يوجد شرط التقاص.
فرع: له استيفاء دين له على آخر جاحد له بشهود دين آخر له عليه قضى من غير علمهم وله جحد من جحده إذا كان له على الجاحد مثل ماله عليه أو أكثر فيحصل التقاص للضرورة فإن كان له دون ما للآخر عليه جحد من حقه بقدره (وشرط للدعوى) أي لصحتها حتى تسمع وتحوج إلى جواب (بنقد) خالص أو مغشوش(4/288)
(أو دين) مثلي أو متقوم (ذكر جنس) من ذهب أو فضة (ونوع) وصحة وتكسر إن اختلف بهما غرض (وقدر) كمائة درهم فضة خالصة أو مغشوشة أشرفية أطالبه بها الآن لان شرط الدعوى أن تكون معلومة وما علم وزنه كالدينار لا يشترط التعرض لوزنه ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش ولا تسمع دعوى دائن مفلس ثبت فلسه أنه وجد مالا حتى يبين سببه كإرث واكتساب وقدره (و) في الدعوى (بعين) تنضبط بالصفات كحبوب وحيوان(4/289)
ذكر (صفة) بأن يصفها المدعي بصفات سلم ولا يجب ذكر القيمة فإن تلفت العين وهي متقومة وجب ذكر القيمة مع الجنس كعبد قيمته كذا (و) في الدعوى (بعقار) ذكر (جهة) ومحلة (وحدود) أربعة فلا يكفي ذكر ثلاثة منها
إذا لم يعلم إلا بأربعة فإن علم بواحد منها كفى بل لو أغنت شهرته عن تحديده لم يجب (و) في الدعوى (بنكاح) على امرأة ذكر صحته وشروطه من نحو (ولي وشاهدين عدول) ورضاها إن شرط بأن كانت غير مجبرة فلا يكفي(4/290)
فيه الاطلاق فإن كانت الزوجة أمة وجب ذكر العجز عن مهر حرة وخوف العنت وأنه ليس تحته حرة (و) في الدعوى (بعقد مالي) كبيع وهبة ذكر صحته ولا يحتاج إلى تفصيل كما في النكاح لانه أحوط حكما منه (وتلغو) الدعوى (بتناقض) فلا يطلب من المدعى عليه جوابها (كشهادة خالفت) الدعوى كأن ادعى ملكا بسبب فذكر الشاهد سببا آخر فلا تسمع لمنافاتها الدعوى وقضيته أنه لو أعادها على وفق الدعوى قبلت وبه صرح الحضرمي(4/291)
واقتضاه كلام غيره ولا تبطل الدعوى بقوله شهودي فسقة أو مبطلون فله إقامة بينة أخرى والحلف (ومن قامت عليه بينة) بحق (ليس له تحليف المدعي) على استحقاق ما ادعاه بحق لانه تكليف حجة بعد حجة فهو كالطعن في الشهود نعم له تحليف المدين مع البينة بإعساره لجواز أن له مالا باطنا ولو ادعى خصمه مسقطا له كأداء له أو إبراء منه أو شرائه منه فيحلف على نفي ما ادعاه الخصم لاحتمال ما يدعيه وكذا لو ادعى خصمه عليه علمه بفسق(4/292)
شاهده أو كذبه ولا يتوجه حلف على شاهد أو قاض ادعى كذبه قطعا لانه يؤدي إلى فساد عام.
ولو نكل عن هذه اليمين حلف المدعى عليه وبطلت الشهادة (وإذا) طلب الامهال من قامت عليه البينة (أمهله) القاضي وجوبا لكن بكفيل وإلا فبالترسيم عليه إن خيف هربه (ثلاثة) من الايام (ليأتي بدافع) من نحو أداء أو إبراء ومكن من سفره ليحضره إن لم تزد المدة على الثلاث لانها لا يعظم الضرر فيها (ولو ادعى رق بالغ) عاقل مجهول النسب(4/293)
(فقال أنا حر أصالة) ولم يكن قد أقر له بالملك قبل وهو رشيد (حلف) فيصدق بيمينه وإن استخدمه قبل إنكاره وجرى عليه البيع مرارا أو تداولته الايدي لموافقته الاصل وهو الحرية ومن ثم قدمت بينة الرق على بينة الحرية لان الاولى معها زيادة علم بنقلها عن الاصل وخرج بقولي أصالة ما لو قال أعتقتني، أو أعتقني من باعني لك فلا يصدق إلا ببينة وإذا ثبتت حريته الاصلية بقوله رجع مشتريه على بائعه بثمنه وإن أقر له بالملك لانه بناه على ظاهر(4/294)
اليد (أو) ادعى رق (صبي) أو مجنون كبير (ليس في يده) وكذبه صاحب اليد (لم يصدق إلا بحجة) من بينة أو علم قاض أو يمين مردودة لان الاصل عدم الملك.
فلو كان الصبي بيده أو بيد غيره وصدقه صاحب اليد حلف لخطر شأن لحرية ما لم يعرف لقطه ولا أثر لانكاره إذا بلغ لان اليد حجة فإن عرف لقطه لم يصدق إلا ببينة.
فرع: لا تسمع الدعوى بدين مؤجل إذ لم يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال ويسمع قول البائع المبيع وقف وكذا ببينة.
إن لم يصرح حال البيع بملكه وإلا سمعت دعواه لتحليف المشتري أنه باعه وهو ملكه.(4/295)
فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به (إذا أقر المدعى عليه ثبت الحق) بلا حكم (وإن سكت عن الجواب أمره القاضي به) وإن لم يسأل المدعي (فإن سكت فكمنكر) فتعرض عليه اليمين، (فإن سكت) أيضا ولم يظهر سببه (فنأكل) فيحلف المدعي وإن أنكر اشترط إنكار ما ادعى عليه وأجزائه إن تجزأ (فإن ادعى) عليه (عشرة) مثلا (لم يكف) في الجواب (لا تلزمني) العشرة (حتى يقول ولا بعضها وكذا يحلف) إن توجهت اليمين عليه لان مدعيها مدع لكل جزء منها فلا(4/297)
بد أن يطابق الانكار واليمين دعواه، فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه فنأكل عما دونها فيحلف المدعي على استحقاق ما دون العشرة ويأخذه لان النكول عن اليمين كالاقرار (أو) ادعى (مالا) مضافا لسبب كأقرضتك كذا (كفاه) في الجواب (لا تستحق) أنت (علي شيئا) أو لا يلزمني تسليم شئ إليك، ولو اعترف به وادعى مسقطا طولب بالبينة.
ولو ادعى عليه وديعة فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم بل لا تستحق علي شيئا ويحلف كما أجاب ليطابق الحلف الجواب.
ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطى المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار وله تحليفه.(4/298)
فرع: لو ادعى عليه عينا فقال ليست لي أو هي لرجل لا أعرفه أو لابني الطفل أو وقف على الفقراء أو مسجد كذا وهو ناظر فيه فالاصح أنه لا تنصرف الخصومة عنه ولا تنزع العين منه بل يحلفه المدعي أنه لا يلزمه
التسليم للعين رجاء أن يقر أو ينكل فيحلف المدعي وتثبت له العين في الاولين والبدل للحيلولة في البقية أو يقيم(4/299)
المدعي بينة أنها له.
ولو أصر المدعى عليه على سكوت عن جواب للدعوى فنأكل إن حكم القاضي بنكوله (وإذا ادعيا) أي إثنان أي كل منهما (شيئا في يد ثالث) لم يسنده إلى أحدهما قبل البينة ولا بعدها (وأقاما) أي كل منهما (بينة) به (سقطتا) لتعارضهما ولا مرجح فكان كما لا بينة فإن أقر ذو اليد لاحدهما قبل البينة أو بعدها رجحت بينته (أو) ادعيا شيئا (بيدهما) وأقاما بينتين (فهو لهما) إذ ليس أحدهما أولى به من الآخر أما إذا لم يكن(4/300)
بيد أحد وشهدت بينة كل له بالكل فيجعل بينهما.
ومحل التساقط إذا وقع تعارض حيث لم يتميز أحدهما بمرجح وإلا قدم وهو بيان نقل الملك ثم اليد فيه للمدعي أو لمن أقر له به أو انتقل له منه ثم شاهدان مثلا على شاهد ويمين ثم سبق ملك أحدهما بذكر زمن أو بيان أنه ولد في ملكه مثلا ثم بذكر سبب الملك (أو) ادعيا شيئا (بيد أحدهما) تصرفا أو إمساكا (قدمت بينته) من غير يمين وإن تأخر تاريخها أو كانت شاهدا ويمينا وبينة(4/301)
الخارج شاهدين أو لم تبين سبب الملك من شراء وغيره ترجيحا لبينة صاحب اليد بيده ويسمى الداخل وإن حكم بالاولى قبل قيام الثانية أو بينت بينة الخارج سبب ملكه.
نعم لو شهدت بينة الخارج بأنه أشتراه منه أو من بائعه مثلا قدمت لبطلان اليد حينئذ ولو أقام الخارج بينة بأن الداخل أقر له بالملك قدمت ولم تنفعه بينته بالملك إلا إن ذكرت إنتقالا ممكنا من المقر له إليه (هذا إن أقامها بعد بينة الخارج) بخلاف ما لو أقامها قبلها لانها إنما تسمع بعدها لان الاصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية.(4/302)
فروع: لو أزيلت يده ببينة ثم أقام بينة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبة شهوده أو جهله بهم سمعت وقدمت إذ لم تزل إلا لعدم الحجة وقد ظهرت فينقض القضاء، لكن لو قال الخارج هو ملكي اشتريته منك فقال الداخل بل هو ملكي وأقاما بينتين بما قالا قدم الخارج لزيادة علم بينته بانتقال الملك وكذا قدمت بينته لو شهدت أنه ملكه وإنما أودعه أو أجره أو أعاره للداخل أو أنه أو بائعه غصبه منه وأطلقت بينة الداخل.
ولو
تداعيا دابة أو أرضا أو دارا لاحدهما متاع فيها أو الحمل أو الزرع قدمت بينته على البينة الشاهدة بالملك المطلق(4/303)
لانفراده بالانتفاع فاليد له فإن اختص المتاع ببيت فاليد له فيه فقط.
ولو اختلف الزوجان في أمتعة البيت ولو بعد الفرقة ولا بينة ولا اختصاص لاحدهما بيد فلكل تحليف الآخر، فإذا حلفا جعل بينهما وإن صلح لاحدهما فقط أو حلف أحدهما قضى له كما لو اختص باليد وحلف (وترجح) البينة (بتاريخ سابق) فلو شهدت البينة لاحد المتنازعين في عين بيدهما أو يد ثالث أو لا بيد أحد بملك من سنة إلى الآن وشهدت بينة أخرى للآخر بملك لها(4/304)
من أكثر من سنة إلى الآن كسنتين فترجع بينة ذي الاكثر لانها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الاخرى ولصاحب التاريخ السابق أجرة وزيادة حادثة من يوم ملكه بالشهادة لانها فوائد ملكه وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ يد لم يعلم أنها عادية قدمت على الاصح.
ولو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة قدمت بينة الخارج لانها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد ما زال ملكه عنه ولو اتحد تاريخهما أو أطلقتا أو إحداهما قدم ذو اليد ولو شهدت بينة بملك أمس ولم تتعرض للحال لم تسمع كما لا تسمع دعواه بذلك حتى نقول ولم يزل ملكه أولا نعلم له مزيلا أو تبين سببه كأن تقول(4/305)
اشتراها من خصمه أو أقر له به أمس لان دعوى الملك السابق لا تسمع فكذا البينة.
ولو قال من بيده عين اشتريتها من فلان من منذ شهر وأقام به بينة فقالت زوجة البائع منه هي ملكي تعوضتها منه من منذ شهرين وأقامت به بينة، فإن ثبت أنها بيد الزوج حال التعويض حكم بها لها وإلا بقيت بيد من هي بيده الآن (و) ترجح (بشاهدين) وشاهد وامرأتين وأربع نسوة فيما يقبلن فيه (على شاهد مع يمين) للاجماع على قبول من ذكر دون الشاهد واليمين (لا) ترجح (بزيادة) نحو عدالة أو عدد (شهود) بل تتعارضان لان ما قدره الشرع لا يختلف بالزيادة(4/306)
والنقص ولا برجلين على رجل وامرأتين ولا على أربع نسوة (ولا) بينة (مؤرخة على) بينة (مطلقة) لم تتعرض لزمن الملك حيث لا يد لاحدهما واستويا في أن لكل شاهدين ولم تبين الثانية سبب الملك فتتعارضان.
نعم لو
شهدت إحداهما بدين والاخرى بالابراء رجحت بينة الابراء لانها إنما تكون بعد الوجوب.
والاصل عدم تعدد الدين ولو شهدت بينة بألف وبينة بألفين يجب ألفان ولو أثبت إقرار زيد له بدين فأثبت زيد إقراره بأنه لا شئ له عليه لم يؤثر لاحتمال حدوث الدين بعد.(4/307)
فروع: لو أقام بينة بملك دابة أو شجرة من غير تعرض بملك سابق بتاريخ لم يستحق ثمرة ظاهرة ولا ولدا منفصلا عند الشهادة ويستحق الحمل والثمر غير الظاهر عندها تبعا للام والاصل، فإذا تعرضت لملك سابق على حدوث ما ذكر فيستحقه ولو اشترى شيئا فأخذ منه بحجة غير إقرار رجع على بائعه الذي لم يصدقه ولا أقام بينة بأنه اشتراه من المدعي ولو بعد الحكم به بالثمن بخلاف ما لو أخذ منه بإقراره أو بحلف المدعي بعد(4/308)
نكوله لانه المقصر ولو اشترى قنا وأقر بأنه قن ثم ادعى بحرية الاصل وحكم له بها رجع بثمنه على بائعه ولم يضر اعترافه برقه لانه معتمد فيه على الظاهر.
ولو ادعى شراء عين فشهدت بينة بملك مطلق قبلت لانها شهدت بالمقصود ولا تناقض على الاصح.
وكذا لو ادعى ملكا مطلقا فشهدت له به مع سببه لم يضر وإن ذكر سببا وهم سببا آخر ضر ذلك للتناقض بين الدعوى والشهادة.
فرع: لو باع دارا ثم قامت بينة حسبة أن أباه وقفها عليه ثم على أولاده انتزعت من المشتري ورجع بثمنه على البائع ويصرف له ما حصل في حياته من الغلة إن صدق البائع الشهود وإلا وقفت، فإن مات مصرا صرفت(4/309)
لاقرب الناس إلى الواقف.
قاله الرافعي كالقفال.
فرع: تجوز الشهادة بل تجب إن انحصر الامر فيه بملك الآن للعين المدعاة استصحابا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما إعتمادا علي الاستصحاب لان الاصل البقاء وللحاجة لذلك وإلا لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة إذا تطاول الزمن ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب وإلا لم تسمع عند الاكثرين (ولو ادعيا) أي كل من اثنين (شيئا بيد ثالث) فإن أقر به لاحدهما سلم إليه وللآخر تحليفه (و) إن ادعيا شيئا على ثالث و (أقام كل) منهما (بينة أنه اشتراه) منه وسلم ثمنه (فإن اختلف تاريخهما حكم للاسبق) منهما تاريخا لان معها زيادة علم(4/310)
(وإلا) يختلف تاريخهما بأن أطلقتا أو إحداهما أو أرختا بتاريخ متحد (سقطتا) لاستحالة أعمالهما ثم إن أقر لهما أو لاحدهما فواضح، وإلا حلف لكل يمينا ويرجعان عليه بالثمن لثبوته بالبينة ولو قال كل منهما والمبيع في يد المدعى عليه بعتكه بكذا وهو ملكي وإلا لم تسمع الدعوى فأنكر وأقاما بينتن بما قالاه وطلباه بالثمن فإن اتحد تاريخهما سقطتا وإن اختلف لزمه الثمنان.
ولو قال أجرتك البيت بعشرة مثلا فقال بل أجرتني جميع الدار بعشرة وأقاما بينتين تساقطتا فيتحالفان ثم يفسخ العقد.
تنبيه: لا يكفي في الدعوى كالشهادة ذكر الشراء إلا مع ذكر ملك البائع إذا كان غير ذي يد أو مع ذكر يده(4/311)
إذا كانت اليد له ونزعت منه تعديا (ولو ادعوا) أي الورثة كلهم أو بعضهم (مالا) عينا أو دينا أو منفعة (لمورثهم) الذي مات (وأقاموا شاهدا) بالمال (وحلف) معه بعضهم على استحقاق مورثه الكل (أخذ نصيبه ولا يشارك فيه) من جهة البقية لان الحجة تمت في حقه وحده وغيره قادر عليها بالحلف وأن يمين الانسان لا يعطى بها غيره فلو كان بعض الورثة صبيا أو غائبا حلف إذا بلغ أو حضر وأخذ نصيبه بلا إعادة دعوى وشهادة ولو أقر بدين لميت فأخذ بعض ورثته قدر حصته ولو بغير دعوى ولا إذن من حاكم فللبقية مشاركته ولو أخذ أحد شركائه في دار أو منفعتها ما يخصه من أجرتها لم يشاركه فيه بقية الورثة كما قاله شيخنا.(4/312)
فصل في الشهادات جمع شهادة.
وهي إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ خاص.
(الشهادة لرمضان) أي لثبوته بالنسبة للصوم فقط.
(رجل) واحد لا امرأة وخنثى (ولزنا) ولواط (أربعة) من الرجال يشهدون أنهم رأوه أدخل ملكفا(4/313)
مختارا حشفته في فرجها بالزنا.
قال شيخنا: والذي يتجه أنه لا يشترط ذكر زمان ومكان إلا ن ذكره أحدهم فيجب سؤال الباقين لاحتمال وقوع تناقض يسقط الشهادة ولا ذكر رأينا كالمرود في المكحلة بل يسن ويكفي للاقرار به إثنان كغيره (ولمال) عينا كان أو دينا أو منفعة (وما قصد به مال) من عقد مالي أو حق مالي (كبيع) وحوالة
وضمان ووقف وقرض وإبراء (ورهن) وصلح وخيار وأجل (رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين) ولا يثبت(4/314)
شئ بامرأتين ويمين (ولغير ذلك) أي ما ليس بمال ولا يقصد منه مال من عقوبة لله تعالى كحد شرب وسرقة أو لآدمي كقود وحد قدف ومنع إرث بأن ادعى بقية الورثة على الزوجة أن الزوج خالعها حتى لا ترث منه (ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح) ورجعة (وطلاق) منجز أو معلق وفسخ نكاح وبلوغ (وعتق) وموت وإعسار(4/315)
وقراض ووكالة وكفالة وشركة ووديعة ووصاية وردة وانقضاء عدة بأشهر ورؤية هلال غير رمضان وشهادة على شهادة وإقرار بما لا يثبت إلا برجلين (رجلان) لا رجل وامرأتان لما روى مالك عن الزهري: مضت السنة من رسول الله (ص) أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق وقيس بالمذكورات غيرها مما يشاركها في المعنى (ولما يظهر للنساء) غالبا (كولادة وحيض) وبكارة وثيابة ورضاع وعيب امرأة تحت(4/316)
ثيابها (أربع) من النساء (أو رجلان أو رجل وامرأتان) لما روى ابن أبي شيبة عن الزهري: مضت السنة بأنه يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادة النساء وعيوبهن وقيس بذلك غيره ولا يثبت ذلك برجل ويمين.
(وسئل) بعض أصحابنا عما إذا شهد رجلان أن فلانا بلغ عمره ست عشرة سنة فشهدت أربع نسوة أن فلانة يتيمة ولدت شهر مولده أو قبله أو بعده بشهر مثلا فهل يجوز تزويجها إعتمادا على قولهن أو لا يجوز إلا بعد ثبوت بلوغ نفسها برجلين.(4/317)
(فأجاب) نفعنا الله به: نعم يثبت ضمنا بلوغ من شهدن بولادتها كما يثبت النسب ضمنا بشهادة النساء بالولادة فيجوز تزويجها بإذنها للحكم ببلوغها شرعا.
اه.
فرع: لو أقامت شاهدا بإقرار زوجها بالدخول كفى حلفها معه ويثبت المهر أو أقامه هو على إقرارها به لم يكف الحلف معه لان قصده ثبوت العدة والرجعة وليسا بمال (وشرط في شاهد تكليف وحرية ومروءة وعدالة) وتيقظ فلا تقبل من صبي ومجنون ولا ممن به رق لنقصه ولا من غير ذي مروءة لانه لا حياء له ومن لا حياء له يقول
ما شاء وهي توقى الادناس عرفا فيسقطها الاكل والشرب في السوق والمشي فيه كاشفا رأسه أو بدنه لغير سوقي(4/318)
وقبلة الحلية بحضرة الناس وإكثار ما يضحك بينهم أو لعب شطرنج أو رقص بخلاف قليل الثلاثة ولا من فاسق واختار جمع منهم الاذرعي والغزي وآخرون قول بعض المالكية إذا فقدت العدالة وعم الفسق قضى الحاكم(4/319)
بشهادة الامثل فالامثل للضرورة والعدالة تتحقق (باجتناب) كل (كبيرة) من أنواع الكبائر كالقتل والزنا والقذف به وأكل الربا ومال اليتيم واليمين الغموس وشهادة الزور وبخس الكيل أو الوزن وقطع الرحم والفرار من الزحف بلا عذروعقوق الوالدين وغصب قدر ربع دينار وتفويت مكتوبة وتأخير زكاة عدوانا ونميمة(4/320)
وغيرها من كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة (و) اجتناب (إصرار على صغيرة) أو صغائر(4/321)
بأن لا تغلب طاعاته صغائره فمتى ارتكب كبيرة بطلت عدالته مطلقا.
أو صغيرة أو صغائر داوم عليها أولا خلافا لمن فرق.
فإن غلبت طاعته صغائره فهو عدل، ومتى استويا أو غلبت صغائره طاعاته فهو فاسق.
والصغيرة كنظر(4/322)
الاجنبية ولمسها ووطئ رجعية وهجر المسلم فوق ثلاث وبيع خمر ولبس رجل ثوب حرير وكذب لا حد فيه ولعن ولو لبهيمة أو كافر وبيع معيب لا ذكر عيب وبيع رقيق مسلم لكافر ومحاذاة قاضي الحاجهة الكعبة بفرجه(4/323)
وكشف العورة في الخلوة عبثا ولعب بنرد لحصة النهي عنه وغيبة وسكوت عليها.
ونقل بعضهم الاجماع على أنها كبيرة لما فيها من الوعيد الشديد محمول على غيبة أهل العلم وحملة القرآن لعموم البلوى بها، وهي ذكرك(4/324)
- ولو نحو إشارة - غيرك المحصور المعين ولو عند بعض المخاطبين بما يكره عرفا.
واللعب بالشطرنج بكسر(4/325)
أوله وفتحه معجما ومهملا - مكروه إن لم يكن فيه شرط مال من الجانبين أو أحدهما أو تفويت صلاة ولو بنسيان بالاشتغال به أو لعب مع معتقد تحريمه وإلا فحرام، ويحمل ما جاء في ذمه من الاحاديث والآثار على ما ذكر(4/326)
وتسقط مروءة من يداومه فترد شهادته وهو حرام عند الائمة الثلاثة مطلقا.
ولا تقبل الشهادة من مغفل ومختل نظر ولا أصم في مسموع ولا أعمى في مبصر كما يأتي.
ومن التيقظ ضبط ألفاظ المشهود عليه بحروفها من غير زيادة فيها ولا نقص.
قال شيخنا: ومن ثم لا تجوز الشهادة بالمعنى.
نعم: لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إبهام (و) شرط في الشاهد أيضا (عدم تهمة) بجر نفع إليه أو إلى من لا تقبل شهادته له أو دفع(4/327)
ضر عنه بها (فترد) الشهادة (لرقيقه) ولو مكاتبا ولغريم له مات وإن لم تسغرق تركته الديون بخلاف شهادته لغريمه الموسر وكذا المعسر قبل موته فتقبل لهما (و) ترد (لبعضه) من أصل وإن علا أو فرع له وإن سفل.
(لا) ترد الشهادة (عليه) أي لا على أحدهما بشئ إذ لا تهمة.
ولا على أبيه بطلاق ضرة أمه طلاقا بائنا وأمه تحته، أما(4/328)
رجعي فتقبل قطعا.
هذا كله في شهادة حسبة أو بعد دعوى الضرة.
فإن ادعاه الاب لعدم نفقة لم تقبل شهادته للتهمة وكذا لو ادعته أمه.
قال ابن الصلاح: لو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله فأنكر فشهد به أبو الوكيل قبل وإن كان فيه تصديق ابنه.
وتقبل شهادة كل من الزوجين والاخوين والصديقين للآخر (و) ترد الشهادة (بما هو محل تصرفه) كأن وكل أو أوصى فيه لانه يثبت بشهادته ولاية له على المشهود به نعم: لو شهد به بعد عزله ولم يكن خاصم قبله قبلت، وكذا لا تقبل شهادة وديع لمودعه ومرتهن لراهنه لتهمة بقاء يدهما.
أما ما ليس وكيلا أو(4/329)
وصيا فيه فتقبل.
ومن حيل شهادة الوكيل ما لو باع فأنكر المشتري الثمنن أو اشترى فادعى أجنبي بالمبيع فله أن يشهد لموكله بأن له عليه كذا أو بأن هذا ملكه إن جاز له أن يشهد به للبائع ولا يذكر أنه وكيل وصوب الاذرعي حله باطنا لان فيه توصلا للحق بطريق مباح.
وكذا لا تقبل ببراءة من ضمنه الشاهد أو أصله أو فرعه أو عبده لانه يدفع به الغرم عن نفسه أو عمن لا تقبل شهادة له (و) ترد الشهادة (من عدو) على عدوه عدواة دنيوية لا له.
وهو(4/330)
من يحزن بفرحه وعكسه.
فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه.
تنبيه: قال شيخنا ظاهر كلامه قبولها من ولد العدو ويوجه بأنه لا يلزم من عداوة الاب عداوة الابن.
فائدة: حاصل كلام الروضة وأصلها أن من قذف آخر لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر وإن لم يطلب المقذوف حده وكذا من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر.
قال شيخنا: يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر إلى فسق اقتضى وقوع عداوة بينهما فلا تقبل الشهادة من أحدهما(4/331)
على الآخر.
نعم يتردد النظر فيمن اغتاب آخر بمفسق يجوز له غيبته به وإن أثبت السبب المجوز لذلك.
فرع: تقبل شهادة كل مبتدع لا نكفره ببدعته وإن سب الصحابة رضوان الله عليهم كما في الروضة(4/332)
وادعى السبكي والاذرعي أنه غلط.
(و) ترد (من مبادر) بشهادته قبل أن يسألها بعد الدعوى لانه متهم نعم لو أعادها في المجلس ولو بعد الاستشهاد قبلت (إلا) في شهادة حسبة وهي ما قصد بها وجه الله فتقبل قبل الاستشهاد ولو بلا دعوى (في حق مؤكد لله) تعالى وهو ما لا يتأثر برضا الآدمي (كطلاق) رجعي أو بائن (وعتق) واستيلاد ونسب وعفو عن قود وبقاء عدة وانقضائها وبلوغ وإسلام وكفر ووصية ووقف لنحو جهة عامة وحق(4/333)
لمسجد وترك صلاة وصوم وزكاة بأن يشهد بتركها وتحريم رضاع ومصاهرة.
تنبيه: إنما تسمع شهادة الحسبة عند الحاجة إليها فلو شهد إثنان أن فلانا أعتق عبده أو أنه أخو فلانة من الرضاع لم يكف حتى يقولا أنه يسترقه أو أنه يريد نكاحها.
وخرج بقولي في حق لله تعالى حق الآدمي كقود وحد قذف وبيع فلا تقبل فيه شهادة الحسبة وتقبل في حد الزنا وقطع الطريق والسرقة (وتقبل) الشهادة (من فاسق بعد توبة) حاصلة قبل الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها (وهي ندم) على معصية من حيث أنها معصية لا(4/334)
لخوف عقاب ولو اطلع عليه أو لغرامة مال (ب) - شرط (إقلاع) عنها حالا إن كان متلبسا أو مصرا على معاودتها.
ومن الاقلاع رد المغصوب (وعزم أن لا يعود) إليها ما عاش (وخروج عن ظلامة آدمي) من مال أو غيره فيؤدي الزكاة لمستحقيها ويرد المغصوب إن بقي وبدله إن تلف لمستحقه ويمكن مستحق القود وحد القذف من الاستيفاء أو يبرئه منه المستحق للخبر الصحيح: من كانت لاخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله(4/335)
اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، فإن كان له عمل يؤخذ منه بقدر مظلمته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وشمل العمل الصوم كما صرح به حديث مسلم خلافا لمن استثناه، فإذا تعذر رد الظلامة على المالك أو وارثه سلمها لقاض ثقة، فإن تعذر صرفها فيما شاء من المصالح عند انقطاع خبره بنية الغرم له إذا وجده فإن أعسر عزم على الاداء إذا أيسر فإن مات قبله انقطع الطلب عنه في الآخرة إن لم يعص بالتزامه.
فالمرجو من فضل الله الواسع تعويض المستحق.
ويشترط أيضا في صحة التوبة عن إخراج صلاة أو صوم أو وقتهما(4/336)
قضاوهما وإن كثر وعن القذف أن يقول القاذف قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه وعن الغيبة أن يستحلها من المغتاب إن بلغته ولم يتعذر بموت أو غيبة طويلة وإلا كفى الندم والاستغفار له كالحاسد واشترط جمع متقدمون أنه لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار أيضا واعتمده البلقيني.
وقال بعضهم يتوقف في التوبة في الزنا على استحلال زوج المزني بها إن لم يخف فتنة، وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائه عنه.
وجعل بعضهم(4/337)
الزنا مما ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى الاستحلال والاوجه الاول.
ويسن للزاني - ككل مرتكب معصية - الستر على نفسه بأن لا يظهرها ليحد أو يعزر لا أن يتحدث بها تفكها أو مجاهرة فإن هذا حرام قطعا، وكذا يسن لمن أقر بشئ من ذلك الرجوع عن إقراره به قال شيخنا: من مات وله دين لم يستوفه ورثته يكون هو(4/338)
المطالب في الآخرة على الاصح (و) بعد (استبراء سنة) من حين توبة فاسق ظهر فسقه لانها قلبية وهو متهم لقبول شهادتهم وعود ولايته فاعتبر ذلك لتقوي دعواه، وإنما قدرها الاكثرون بسنة لان الفصول الاربعة في تهييج النفوس بشواتها أثرا بينا فإذا مضت وهو على حاله أشعر بذلك بحسن سريرته، وكذا لا بد في التوبة من خارم
المروءة الاستبراء كما ذكره الاصحاب.
فروع: لا يقدح في الشهادة جهله بفروض نحو الصلاة والوضوء اللذين يوءديهما ولا توقفه في المشهود به(4/339)
إن عاد وجزم به فيعيد الشهادة ولا قوله لا شهادة لي في هذا إن قال نسيت أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله وقد اشتهرت ديانته ولا يلزم القاضي استفساره إن اشتهر ضبطه وديانته بل يسن كتفرقة الشهود وإلا لزم الاستفسار (وشرط لشهادة بفعل كزنا) وغصب ورضاع وولادة (إبصار) له مع فاعله فلا يكفي فيه السماع من الغير، ويجوز تعمد نظر فرج الزانيين لتحمل شهادة، وكذا امرأة تلد لاجلها (و) لشهادة (بقول كعقد) وفسخ وإقرار (هو) أي(4/340)
إبصار (وسمع) لقائله حال صدوره فلا يقبل فيه أصم لا يسمع شيئا ولا أعمى في مرئي لانسداد طرق التمييز مع اشتباه الاصوات ولا يكفي سماع شاهد من وراء حجاب وإن علم صوته لان ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا(4/341)
يجوز أن يعمل فيه بغلبة ظن لجواز اشتباه الاصوات قال شيخنا: نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن في البيت جاز اعتماد صوته وإن لم يره وكذا لو علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل لعلمه بمالك المبيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما.
اه.
ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة إعتمادا على صوتها كما لا يتحمل بصير في ظلمة اعتمادا عليه لاشتباه الاصوات.
نعم، لو سمعها(4/342)
فتعلق بها إلى القاضي وشهد عليها جاز كالاعمى بشرط أن تكشف نقابها ليعرف القاضي صورتها.
وقال جمع لا ينعقد نكاح منقبة إلا إن عرفها الشاهدان إسما ونسبا وصورة (وله) أي للشخص (بلا معارض شهادة على نسب) ولو من أم أو قبيلة (وعتق) ووقف وموت ونكاح (وملك بتسامع) أي استفاضة (من جمع يؤمن كذبهم) أي(4/343)
تواطؤهم عليه لكثرتهم فيقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ولا يشترط حريتهم ولا ذكورتهم ولا يكفي أن يقول سمعت الناس يقولون كذا بل يقول أشهد أنه ابنه مثلا (و) له الشهادة بلا معارض (على ملك به) أي بالتسامخ
ممن ذكر (أو بيد وتصرف تصرف ملاك) كالسكنى والبناء والبيع والرهن والاجارة (مدة طويلة) عرفا فلا تكفي الشهادة بمجرد اليد لانها لا تستلزمه ولا بمجرد التصرف لانه قد يكون بنيابة ولا تصرف بمدة قصيرة نعم إن انضم(4/344)
للتصرف استفاضة أن الملك له جازت الشهادة به وإن قصرت المدة ولا يكفي قول الشاهد رأيت ذلك سنين.
واستثنوا من ذلك الرقيق فلا تجوز الشهادة بمجرد اليد والتصرف في المدة الطويلة إلا إن انضم لذلك السماع من ذي اليد أنه له كما في الروضة للاحتياط في الحرية وكثرة استخدام الاحرار واستصحاب لما سبق من نحو إرث وشراء وإن احتمل زواله للحاجة الداعية إلى ذلك ولان الاصل بقاء الملك، وشرط ابن أبي الدم في الشهادة بالتسامع أن لا يصرح بأن مستنده الاستفاضة، ومثلها الاستصحاب ثم اختار وتبعه السبكي وغيره أنه إن ذكره(4/345)
تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة.
ثم قال مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سمعت شهادته وإلا كأن قال شهدت بالاستفاضة بكذا فلا، خلافا للرافعي واحترز بقولي بلا معارض عما إذا كان في النسب مثلا طعن من بعض الناس لم تجز الشهادة بالتسامع لوجود معارض.
تنبيه: يتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كأعلم لانه أبلغ في الظهور ولو عرف الشاهد السبب كالاقرار هل له أن يشهد بالاستحقاق ؟ وجهان أشهرهما لا، كما نقله ابن الرفعة عن ابن أبي الدم.
وقال ابن الصباغ كغيره تسمع وهو مقتضى كلام الشيخين (وتقبل شهادة على شهادة) مقبول شهادته (في غير عقوبة لله)(4/346)
تعالى مالا كان أو غيره كعقد وفسخ وإقرار وطلاق ورجعة ورضاع وهلال رمضان ووقف على مسجد أو جهة عامة وقود وقذف بخلاف عقوبة لله تعالى.
كحد زنا وشرب وسرقة وإنما يجوز التحمل (ب) - شروط (تعسر أداء أصل) بغيبة فوق مسافة العدوى أو خوف حبس من غريم وهو معسر أو مرض يشق معه حضوره وكذا بتعذره بموت أو جنون (و) ب (- استرعائه) أي الاصل أي التماسه منه رعاية شهادته وضبطها حتى يؤديها عنه لان الشهادة(4/347)
على الشهادة نيابة فاعتبر فيها إذن المنوب عنه أو ما يقوم مقامه (فيقول أنا شاهد بكذا) فلا يكفي أنا عالم به
(وأشهدك) أو أشهدتك أو أشهد (على شهادتي) به فلو أهمل الاصل لفظ الشهادة فقال أخبرك أو أعلمك بكذا فلا يكفي كما لا يكفي ذلك في أداء الشهادة عند القاضي، ولا يكفي في التحمل سماع قوله لفلان على فلان كذا أو عندي شهادة بكذا (و) ب (- تبيين فرع) عند الاداء (جهة تحمل) كأشهد أن فلانا شهد بكذا وأشهدني على شهادته(4/348)
أو سمعته يشهد به عند قاض، فإذا لم يبين جهة التحمل ووثق الحاكم بعلمه لم يحب البيان فيكفي أشهد على شهادة فلان بكذا لحصول الغرض (وبتسميته) أي الفرع (إياه) أي الاصل تسمية تميزه وإن كان عدلا لتعرف عدالته، فإن لم يسمه لم يكف لان الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه.
وفي وجوب تسمية قاض شهد عليه وجهان، وصوب الاذرعي الوجوب في هذه الازمنة لما غلب على القضاة من الجهل والفسق.
ولو حدث بالاصل عداوة أو فسق لم يشهد الفرع.
فلو زالت هذه الموانع احتيج إلى تحمل جديد.(4/349)
فرع: لا يصح تحمل النسوة ولو على مثلهن في نحو ولادة لان الشهادة مما يطلع عليه الرجال غالبا (ويكفي فرعان لاصلين) أي لكل منهما فلا يشترط لكل منهما فرعان، ولا تكفي شهادة واحد على هذا وواحد على آخر، ولا واحد على واحد في هلال رمضان.
فرع: لو رجعوا عن الشهادة قبل الحكم منع الحكم أو بعده لم ينقض ولو شهدوا بطلاق بائن أو رضاع(4/350)
محرم.
وفرق القاضي بين الزوجين فرجعوا عن شهادتهم دام الفراق لان قولهما في الرجوع محتمل والقضاء لا يرد بمحتمل ويجب على الشهود حيث لم يصدقهم الزوج مهر مثل ولو قبل وطئ أو بعد إبراء الزوجة زوجها عن المهر لانه بدل البضع الذي فوتوه عليه بالشهادة إلا أن ثبت أن لا نكاح بينهما بنحو رضاع فلا غرم إذ لم يفوتوا شيئا ولو رجع شهود مال غرموا للمحكوم عليه البدل بعد غرمه لا قبله وإن قالوا أخطأنا موزعا عليهم بالسوية.(4/351)
تتمة: قال شيخ مشايخنا زكريا كالغزي في تلفيق الشهادة لو شهد واحد بإقراره بأنه وكله في كذا وآخر بأنه أذن له في التصرف فيه أو فوضه إليه لفقت الشهادتان لان النقل بالمعنى كالنقل باللفظ، وبخلاف ما لو شهد
واحد بأنه قال وكلتك في كذا وآخر قال بأنه قال فوضته إليك أو شهد واحد باستيفاء الدين والآخر بالابراء منه فلا يلفقان.
انتهى.
قال شيخ مشايخنا أحمد المزجد: لو شهد واحد ببيع والآخر بإقرار به أو واحد بملك ما ادعاه وآخر بإقرار الداخل به لم تلفق شهادتهما، فلو رجع أحدهما وشهد كالآخر قبل لانه يجوز أن يحضر الامرين.
ومن ادعى ألفين وأطلق فشهد له واحد وأطلق وآخر أنه من قرض ثبت أو فشهد له واحد بألف ثمن مبيع وآخر(4/352)
بألف قرضا لم تلفق وله الحلف مع كل منهما.
ولو شهد واحد بالاقرار وآخر بالاستفاضة حيث تقبل لفقا.
انتهى.
(وسئل) الشيخ عطية المكي نفعنا الله به عن رجلين سمع أحدهما تطليق شخص ثلاثا والآخر الاقرار به فهل يلفقان أو لا ؟.
(فأجاب) بأنه يجب على سامعي الطلاق والاقرار به أن يشهدا عليه بالطلاق الثلاث بتا ولا يتعرضا لانشاء ولا إقرار وليس هذا من تلفيق الشهادة من كل وجه، بل صورة إنشاء الطلاق والاقرار به واحدة في الجملة والحكم يثبت بذلك كيف كان وللقاضي بل عليه سماعها.
انتهى.(4/353)
خاتمة في الايمان(4/354)
لا ينعقد اليمن إلا باسم خاص بالله تعالى أو صفة من صفاته: كوالله والرحمن والاله ورب العالمين(4/355)
وخالق الخلق.
ولو قال وكلام الله أو وكتاب الله أو وقرآن الله أو والتوارة أو والانجيل فيمين.
وكذا والمصحف إن لم ينو بالمصحف الورق والجلد.
وإن قال وربي وكان عرفهم تسمية السيد ربا فكناية، وإلا فيمين ظاهرا إن لم يرد غير الله ولا ينعقد بمخلوق كالنبي والكعبة للنهي الصحيح عن الحلف بالآباء وللامر بالحلف بالله وروى الحاكم خبرا: من حلف بغير الله فقد كفر وحملوه على ما إذا قصد تعظيمه كتعظيم الله تعالى، فإن لم يقصد ذلك أثم عند أكثر العلماء - أي تبعا لنص الشافعي الصريح فيه - كذا قاله بعض شراح المنهاج.
والذي في(4/356)
شرح مسلم عن أكثر الاصحاب الكراهة، وهو المعتد، وإن كان الدليل ظاهرا في الاثم.
قال بعضهم وهو الذي ينبغي العمل به في غالب الاعصار لقصد غالبهم به إعظام المخلوق به ومضاهاته لله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وإذا حلف بما ينعقد به اليمين ثم قال لم أرد به اليمين لم يقبل، ولو قال بعد يمينه إن شاء الله وقصد اللفظ والاستثناء قبل فراغ اليمين واتصل الاستثناء بها لم تنعقد اليمين فلا حنث ولا كفارة.
وإن لم يتلفظ بالاستثناء بل نواه لم يندفع الحنث ولا الكفارة ظاهرا بل يدين.
ولو قال لغيره أقسمت عليك بالله(4/357)
أو أسألك بالله لتفعلن كذا وأراد يمين نفسه فيمين ومتى لم يقصد يمين نفسه بل الشفاعة أو يمين المخاطب أو أطلق فلا تنعقد لانه لم يحلف هو ولا المخاطب ويكره رد السائل بالله تعالى أو بوجهه في غير المكروه وكذا السؤال بذلك ولو(4/358)
قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني فليس بيمين لانتفاء إسم الله أو صفته ولا كفارة وإن حنث نعم يحرم ذلك كغيره ولا يكفر بل إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف أو أطلق حرم ويلزمه التوبة فإن علق أو أراد الرضا بذلك إن فعل كفر حالا وحيث لم يكفر سن له أن يستغفر الله تعالى ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأوجب صاحب الاستقصاء ذلك ومن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد كلا والله وبلا والله في نحو غضب أو صلة(4/359)
كلام لم ينعقد والحلف مكروه إلا في بيعة الجهاد والحث على الخير والصادق في الدعوى ولو حلف في ترك واجب أو فعل حرام عصى ولزمه حنث وكفارة أو ترك مستحب أو فعل مكروه سن حنثه وعليه كفارة أو على ترك(4/360)
مباح أو فعله كدخول دار وأكل طعام كلا آكله أنا فالافضل ترك الحنث إبقاءا لتعظيم الاسم.(4/361)
فرع: يسن تغليظ يمين من المدعي والمدعى عليه وإن لم يطلبه الخصم في نكاح وطلاق ورجعة وعتق(4/362)
ووكالة وفي مال بلغ عشرين دينارا لا فيما دون ذلك لانه حقير في نظر الشرع نعم لو رآه الحاكم لنحو جراءة
الحالف فعله.
والتغليظ يكون بالزمان وهو بعد العصر وعصر الجمعة أولى وبالمكان وهو للمسلمين عند المنبر وصعودهما عليه أولى وبزيادة الاسماء والصفات ويسن أن يقرأ على الحالف آية آل عمران: * (إن الذين يشترون(4/363)
بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *.
وأن يوضع المصحف في حجره ولو اقتصر على قوله والله كفى.
ويعتبر في الحلف نية الحاكم المستحلف فلا يدفع إثم اليمين الفاجرة بنحو تورية كاستثناء لا يسمعه الحاكم إن لم يظلمه خصمه كما بحثه البلقيني أما من ظلمه خصمه في نفس الامر كأن ادعى على معسر فيحلف لا تستحق علي شيئا أي تسليمه الآن فتنفعه التورية والتأويل لان خصمه ظالم إن علم أو مخطئ إن جهل فلو حلف إنسان ابتداء أو(4/364)
حلفه غير الحاكم اعتبر نية الحالف ونفعته التورية وإن كانت حراما حيث يبطل بها حق المستحق واليمين يقطع الخصومة حالا لا الحق فلا تبرأ ذمته إن كان كاذبا فلو حلفه ثم أقام بينة بما ادعاه حكم بها كما لو أقر الخصم بعد حلفه والنكول أن يقول أنا ناكل أو يقول له القاضي إحلف فيقول لا أحلف.
واليمين المردودة وهي يمين المدعي بعد النكول كإقرار المدعى عليه لا كالبينة فلو أقام المدعى عليه بعدها بينة بأداء أو إبراء لم تسمع لتكذيبه لها بإقراره وقال الشيخان في محل تسمع وصحح الاسنوي الاول والبلقيني الثاني وقال شيخنا والمتحه الاول.
فرع: يتخير في كفارة اليمين بين عتق رقبة كاملة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل أو الكسب ولو نحو(4/365)
غائب علمت حياته.
أو إطعام عشرة مساكين كل مسكين مد حب من غالب قوت البلد.
أو كسوتهم بما يسمى كسوة(4/366)
كقميص أو إزار أو مقنعة أو منديل يحمل في اليد أو الكم لا خف فإن عجز عن الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام ولا يجب تتابعها خلافا لكثيرين.(4/367)
باب في الاعتاق هو إزالة الرق عن الآدمي والاصل فيه قوله تعالى: * (فك رقبة) * وخبر الصحيحين أنه (ص) قال: من
أعتق رقبة مؤمنة - وفي رواية امرأ مسلما - أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى الفرج بالفرج(4/368)
وعتق الذكر أفضل.
وروي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أعتق ثلاثين ألف نسمة أي رقبة وختمنا كالاصحاب بباب العتق تفاؤلا (صح عتق مطلق تصرف) له ولاية ولو كافرا فلا يصح من صبي ومجنون ومحجور بسفه أو فلس ولا من غير مالك بغير نيابة: (بنحو أعتقتك أو حررتك) كفككتك وأنت حر أو عتيق(4/369)
وبكناية مع نية كلا ملك أو لا سبيل لي عليك أو أزلت ملكي عنك وأنت مولاي وكذا يا سيدي على المرجح وقوله أنت إبني أو هذا أو هو إبني أو أبي أو أمي إعتاق إن أمكن من حيث السن وإن عرف نسبه مؤاخذة له بإقراره أو يا ابني كناية فلا يعتق في النداء إلا إن قصد به العتق لاختصاصه بأنه يستعمل في العادة كثير الملاطفة وحسن المعاشرة كما صرح به شيخنا في شرح المنهاج والارشاد وليس من لفظ الاقرار به قوله لا عتق لعبد فلان لانه لا(4/370)
يصلح موضوعه لاقرار ولا إنشاء وإن استعمل عرفا في العتق كما أفتى به شيخنا رحمه الله تعالى (ولو بعوض) أي معه فلو قال أعتقتك على ألف أو بعتك نفسك بألف فقبل فورا عتق ولزمه الالف في الصورتين والولاء للسيد فيهما (ولو أعتق حاملا) مملوكة له هي وحملها (تبعها) أي الحمل في العتق وإن استثناه لانه كالجزء منها، ولو أعتق الحمل عتق إن نفخت فيه الروح دونها، ولو كانت لرجل والحمل لآخر بنحو وصية لم يعتق أحدهما بعتق(4/371)
الآخر (أو) أعتق (مشتركا) بينه وبين غيره أي كله (أو) أعتق (نصيبه) منه كنصيبي منك حر (عتق نصيبه) مطلقا (وسرى الاعتاق) من موسر لا معسر لما أيسر به من نصيب الشريك أو بعضه ولا يمنع السراية دين مستغرق بدون حجر واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري إلى حصة شريكه كالعتق وعليه قيمة نصيب شريكه وحصته من مهر المثل لا قيمة الولد أي حصته ولا يسري التدبير (ولو ملك) شخص (بعضه) من أصل أو فرع وإن بعد (عتق(4/372)
عليه) لخبر مسلم.
وخرج بالبعض غيره كالاخ فلا يعتق بملك (ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي) أو إذا مت(4/373)
فأنت حر أو أعتقتك بعد موتي وكذا إذا مت فأنت حرام أو مسيب مع نية (فهو مدبر يعتق بعد وفاته) من ثلث ماله بعد الدين (وبطل) أي التدبير (بنحو بيع) للمدبر فلا يعود وإن ملكه ثانيا ويصح بيعه (لا برجوع) عنه (لفظا)(4/374)
كفسخته أو عقصته ولا بإنكار للتدبير ويجوز له وطئ المدبرة ولو ولدت مدبرة ولدا من نكاح أو زنا لا يثبت للولد حكم التدبير.
فلو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما، ولو دبر حاملا ثبت التدبير للحمل تبعا لها إن لم يستثنه وإن انفصل قبل موت سيدها لا إن أبطل قبل انفصاله تدبيرها والمدبر كعبد في حياة السيد.
ويصح تدبير مكاتب وعكسه، كما يصح تعليق عتق مكاتب ويصدق المدبر بيمين فيما وجد معه وقال كسبته بعد الموت وقال الوارث بل قبله لان اليد له (الكتابة) شرعا عقد عتق بلفظها معلق بمال منجم بنجمين فأكثر وهي (سنة) لا واجبة(4/375)
وإن طلبها الرقيق كالتدبير (بطلب عبد أمين مكتسب) بما يفي مؤنته ونجومه فإن فقدت الشروط أو أحدها فمباحة (وشرط في صحتها لفظ يشعر بها) أي بالكتابة (إيجابا ككاتبتك) أو أنت مكاتب (على كذا) كمائة (منجما مع)(4/376)
قوله (إذا أديته فأنت حر وقبولا كقبلت) ذلك (و) شرط فيها (عوض) من دين أو منفعة.
(مؤجل) هنا ليحصله(4/377)
ويؤديه (منجم بنجمين فأكثر) كما جرى عليه أكثر الصحابة رضوان الله عليهم ولو في مبعض (مع بيان قدره) أي العوض (وصفته) وعدد النجوم وقسط كل نجم (ولزم سيدا) في كتابة صحيحة قبل عتق (حط متمول منه) أي العوض لقوله تعالى: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * فسر الايتاء بما ذكر لان القصد منه الاعانة على(4/378)
العتق وكونه ربعا فسبعا أولى (ولا يفسخها) أي يجوز فسخ السيد الكتابة (إلا إن عجز مكاتب عن أداء) عند المحل لنجم أو بعضه (أو امتنع عنه) عند ذلك مع القدرة عليه (أو) غاب عند ذلك وإن حضر ماله أو كانت غيبة المكاتب دون مسافة القصر فله فسخها بنفسه وبحاكم متى شاء لتعذر العوض عليه وليس للحاكم الاداء من(4/379)
مال المكاتب الغائب (وله) أي للمكاتب (فسخ) كالرهن بالنسبة للمرتهن فله ترك الاداء والفسخ وإن كان معه وفاء (وحرم عليه تمتع بمكاتبة) لاختلال ملكه ويجب بوطئه لها مهر لا حد والولد حر (وله) أي للمكاتب (شراء إماء لتجارة لا تزوج إلا بإذن سيده ولا تسر) ولو بإذنه يعني لا يجوز وطئ مملوكته وما وقع للشيخين في موضع مما يقتضي جوازه بالاذن مبني على الضعيف أن القن غير المكاتب يملك بتمليك السيد.
قال شيخنا: ويظهر أنه ليس له الاستمتاع بما دون الوطئ أيضا ويجوز للمكاتب بيع وشراء وإجارة لا هبة وصدقة وقرض بلا إذن سيده.(4/380)
فرع: لو قال السيد بعد قبضه المال كنت فسخت الكتابة فأنكر المكاتب صدق بيمينه لان الاصل عدم الفسخ وعلى السيد البينة.
ولو قال كاتبتك وأنا صبي أو مجنون أو محجور علي فأنكر المكاتب حلف السيد إن عرف له ذلك وإلا فالمكاتب لان الاصل عدم ما ادعاه السيد (إذا أحبل حر أمته) أي من له فيها ملك وإن قل ولو(4/381)
كانت مزوجة أو محرمة لا إن أحبل أمة تركة مدين وارث معسر (فولدت) حيا أو ميتا أو مضغة مصورة بشئ من خلق الآدميين (عتقت بموته) أي السيد من رأس المال مقدما على الديون والوصايا وإن حبلت في مرض موته(4/382)
(كولدها) الحاصل (بنكاح أو زنا بعد وضعها) ولدا للسيد فإنه يعتق من رأس المال بموت السيد وإن كانت أمه قبل ذلك (وله وطئ أم ولد) إجماعا واستخدامها وإجارتها وكذا تزويجها بغير إذنها (لا تمليكها) لغيره ببيع أو هبة فيحرم ذلك ولا يصح وكذا رهنها (كولدها متابع لها) في العتق بموت السيد فلا يصح تمليكه من غيره كالام(4/383)
بل لو حكم به قاض نقض على ما حكاه الروياني عن الاصحاب وتصح كتابتها وبيعها من نفسها ولو ادعى ورثة سيدها مالا له بيدها قبل موته فادعت تلفه أي قبل الموت صدقت بيمينها كما نقله الاذرعي فإن ادعت تلفه بعده لم تصدق فيه كما قاله شيخنا رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأفتى القاضي فيمن أقر بوطئ أمته فادعت أنها أسقطت منه ما تصير به أم ولد بأنها تصدق إن أمكن ذلك بيمينها فإذا مات عتقت أعتقنا الله تعالى من النار،(4/384)
وحشرنا في زمرة المقربين الاخيار الابرار وأسكننا الفردوس من دار القرار، ومن علي في هذا التأليف وغيره(4/385)
بقبوله وعموم النفع به وبالاخلاص فيه ليكون ذخيرة لي إذا جاءت الطامة وسببا لرحمة الله الخاصة والعامة.(4/386)
الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.
وصلى الله وسلم أفضل صلاة وأكمل سلام على أشرف مخلوقاته محمد وآله وأصحابه وأزواجه عدد معلوماته ومداد كلماته وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله(4/387)
العلي العظيم.
يقول المؤلف عفا الله عنه وعن آبائه ومشايخه: فرغت من تبييض هذا الشرح ضحوة يوم(4/388)
الجمعة الرابع والعشرين من شهر رمضان المعظم قدره سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يقبله وأن يعم النفع به ويرزقنا الاخلاص فيه ويعيذنا به من الهاوية، ويدخلنا به في جنة عالية، وأن يرحم امرءا(4/389)
نظر بعين الانصاف إليه، ووقف على خطأ فأطلعني عليه أو أصلحه الحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون.
وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.(4/390)