"""""" صفحة رقم 447 """"""
ليس بينهما مال مشترك ، فكل من اشترى شيئاً فهو له عليه خسره وله ربحه . والثالث : قراض فاسد لاستبداد المالك باليد ، أي استقلاله ؛ شرح م ر وس ل . قوله : ( ربح ما يشتريانه ) أي ما يشتريه كل واحد له ولصاحبه بغير توكيل . ولعل عدم التوكيل هو مانع الصحة ، وأما لو اشترى أحدهما أو كل منهما له ولصاحبه بالإذن فإنها تصح ، اه ح ل . وله صورة أخرى : وهي أن يشتري وجيه في الذمة ويبيع خامل ليكون الربح بينهما ، أو يدفع خامل لوجيه مالاً ليبيعه بزيادة ويكون الربح بينهما . وعبارة ق ل : قوله : ( لهما ) أي أن يتفقا على أن ما يشتريه أحدهما لنفسه يكون لهما ، فإن قصد حالة العقد أنه لهما فهو من شركة العنان ويكون ما يخص الآخر من الثمن ديناً عليه لكن بشرط بيان قدر ما يخص كل واحد من الربح إن لم يعلم قدر المالين على ما يأتي .
قوله : ( على المشهور ) فيجوز فتحها ، لكن الصحيح في فتحها أنه من عنان السماء أي سحابها لعلوّها على بقية الأنواع ق ل . قوله : ( ظهر ) لظهورها بصحتها ، فهي أظهر الأنواع ، أو لأنه ظهر لكل من الشريكين مال الآخر ، أو من عنان الدابة لاستواء الشريكين فيها من نحو الولاية والربح والسلامة من الغرر كاستواء طرفي العنان ، أو لمنع كل منهما الآخر لما يشتهي كمنع العنان الدابة ، اه ز ي قوله : ( وهي الصحيحة ) أي بالإجماع . قوله : ( فباطلة ) تصريح بما علم من قوله دون الثلاثة ، وذكره تحقيقاً لمفهوم الصحيحة ع ش . قوله : ( نعم إن نويا الخ ) أي إن وجد خلط المالين بشرطه ، فيصير لفظ المفاوضة كناية عن شركة العنان ، أي بشرط أن لا يقولا فيها : وعلينا غرم ما يعرض . نعم إن قصدا بقولهما : وعلينا غرم ما يعرض مما يكون بسبب الشركة لم يضر اه . وهذا ، أعني قوله : ( نعم الخ ) استدراك على قوله : ( فباطلة ) وكان الأولى أن يقول : نعم إن وجدت الشروط في شركة المفاوضة صحت إذ النية ليست كافية . قوله : ( وفيها مال ) أي فقط ، أي مع توفر الشروط .
قوله : ( وعمل ) تبع المنهج في جعله من الأركان ، والوجه خلافه لأنه خارج عنها مرتب عليها ق ل . وأجاب ع ش على المنهج بأن العمل الذي يقع بعد العقد هو مباشرة الفعل كالبيع(3/447)
"""""" صفحة رقم 448 """"""
والشراء ، والذي اعتبر ركناً هو تصوّر الفعل وذكر في العقد على وجه يعلم منه ما تعلق به العقد اه . قوله : ( وصيغة ) المراد بها مجموع قوله : اشتركنا وأذنا في التصرف لأجل حصول الشركة المفيدة للتصرف ، وليس المراد بها قوله اشتركنا فقط لأنه لا يترتب على هذا جواز التصرف . قوله : ( بعضها ) لعله المعقود عليه لتضمن قوله : أن يقع على ناض له ، وكذلك قوله الآتي : أن يتفقا في الجنس والنوع ، وكذلك قوله : وأن يخلطا المالين . وكذا العمل داخل في قوله الآتي ، وأن يأذن كل واحد لصاحبه في التصرف فإن التصرف هو العمل ، وسيأتي في كلامه التنبيه على أن الصيغة تعلم من قوله وأن يأذن الخ اه .
والحاصل أنه ذكرها فالمال صريح والعاقدان من قوله : أن يخلطا ، والصيغة والعمل من قوله : أن يأذن الخ ؛ فإنه إشارة إلى الصيغة والعمل .
قوله : ( والخامس منها على وجه ضعيف ) الأولى أن يقول : والأول منها على وجه ضعيف ، ؛ لأن الضعيف هو الأول . ويمكن أنه أطلق عليه خامساً بالنظر لانضمامه للأربعة وإن كان هو أولاً كما قرره شيخنا العشماوي ؛ لكنه بعيد . قوله : ( ضعيف ) ويمكن عدم ضعفه بأن يفصل في المفهوم ، وإذا كان فيه تفصيل فلا اعتراض به كما في الأصول . قوله : ( على ناضّ ) هو الدراهم والدنانير لغة ، فذكرهما بعده بيان ق ل . قوله : ( لا على التبر ) قال ابن فارس : التبر ما كان من الذهب والفضة غير مضروب . قوله : ( ولعل منهم المصنف ) لعله لم يجزم أي مع أن مفهوم كلامه يدل على أنه منهم ، لاحتمال أن يكون المفهوم فيه تفصيل عند المصنف رحمه الله تعالى كأن يقول : وخرج بالناض غيره فإن كان تبراً أو حلياً أو سبائك صحت الشركة فيه وإلا فلا ؛ فتأمل ذلك فإنه نفيس اه م د . قوله : ( على أنه متقوّم ) أي وهو غير صحيح ق ل . قوله : ( وهي لا تصح في المتقوّم الخ ) سيأتي أنه إذا كان مشاعاً صحت الشركة عليه ، وهو مأخوذ من التعليل المذكور فإن المشاع أقوى من المثلي إذا اختلط ؛ لأن كل جزء منه مشترك كما سيأتي ،(3/448)
"""""" صفحة رقم 449 """"""
فقوله : لا تصح في المتقوّم أي في غير ما سيأتي . قوله : ( فلا يمكن قسمة الآخر بينهما ) لعل المراد لا يمكن شرعاً لأنه نصيب أحدهما ، فلا يجوز قسمته ، وإلا فالقسمة ممكنة حسًّا تأمل . قوله : ( إذا علمت ذلك ) أي أن الخامس على وجه ضعيف .
قوله : ( أن يتفقا ) المتن : ( وأن يتفقا ) ففيه حذف الواو ، فالأولى أن يأتي بها الشارح قبل قوله : ( إذا علمت ) بأن يقول : وإذا علمت ذلك ؛ وتكون الواو بقلم الحمرة . أو يقول : ( والأول منها ) بواو حمراء ، تأمل . قوله : ( والنوع ) بمعنى ما يشمل الصفة . قوله : ( أن يخلطا ) هلا قال اختلاط الخ ليشمل ما خلطه الغير أو نحو ريح وحينئذ فخلط الأعمى لا يزيد على ذلك ، فالوجه أنه يكفي اه ع ش . قوله : ( لما مر ) علة لمحذوف تقديره : فلا تصح بدون الخلط المذكور ، لما مر ؛ أي لنظير ما مر . قوله : ( لم يكف ) إذ لا ينقلب الفاسد صحيحاً في مجلس العقد المذكور لأن العبرة بهما اه خ ض . قال ع ش : ومن هذا يعلم بطلان ما جرت به عادة من يريد الاشتراك في زراعة القمح مثلاً من أن أحدهما يبذر يوماً من مال نفسه والآخر يوماً وهكذا إلى تمام الزراعة لعدم الاختلاط ، فيختص كل بما يبذره وعليه أجرة الأرض فيما يقابله . وطريق الصحة أن يخلطا ما يراد بذره ثم يبذر بعد ذلك اه . فلو جمع الزرع بعد الحصاد عند الدياسة كما هو الواقع فإنه يقسم ما حصل منه من قمح وتبن وغيرهما على حسب البذر اه .
قوله : ( قضية كلام المصنف ) أي حيث اقتصر على الاتفاق في الجنس والنوع . قوله : ( قفيزاً ) قال الشاطبي : القفيز مكيال بقدر ثمانية مكاكيك جمع مكوك اه . والمكوك كما في المصباح : مكيال وهو صاعان ونصف . فيؤخذ من هذا أن القفيز عشرون صاعاً . وقد ذكر العلامة الفارضي في شرح الألفية ما يفهم منه أن القفيز هو المعبر عنه في مصرنا بالإردب ، وذكر أن القفيز لغة أهل العراق ؛ لكن أهل مصر اصطلحوا على تجزئة الأشياء أربعة وعشرين(3/449)
"""""" صفحة رقم 450 """"""
وأهل العراق عشرين . قوله : ( بناء ) راجع لقوله : صح الخ . وقوله : ( وإلا فليس الخ ) أي وإن لم يقطع النظر عن تساوي الأجزاء في القيمة بأن قلنا لا تحصل المماثلة إلا إذا تساوت الأجزاء في القيمة بل نظرنا لذلك فالحكم بالصحة مشكل لأنه ليس هذا القفيز الخ ؛ فجواب الشرط محذوف . وقوله : ( فليس ) تعليل له . والحاصل أن معنى العبارة أننا إذا قطعنا النظر عن التساوي في القيمة صحت الشركة في الصورة المذكورة وإلا فلا تصح ، والمعتمد الصحة فلا نظر للقيمة . وهذا من حيث صحة العقد ، وأما من حيث قسمة الربح فهي بالنظر للقيمة ولا بد ، فقوله : ( وإلا ) مركبة من ( إن ) الشرطية ( ولا ) النافية ، وجواب الشرط محذوف ، أي : وإلا انقطع النظر في المثلي عن تساوي الأجزاء في القيمة فيشكل . والفاء في قوله : ( فليس الخ ) واقعة موقع لام التعليل ، أي لأن هذا القفيز ليس مثلاً لذلك القفيز وإن كان مثلياً في نفسه ؛ تأمل .
قوله : ( ولا يتمكن ) أي الغير ، وهو عطف مسبب على سبب . قوله : ( والأوجه عدم الصحة ) فالشرط عدم التمييز عند العاقدين كما نقله سم عن م ر واعتمده أج . وقيل : الشرط عدم التمييز عند العاقدين والناس . قوله : ( أخذاً من عموم كلام الأصحاب ) أي قولهم بحيث لا يتميزان ، فعدم التميز شامل للعاقدين وهذان يتميزان عندهما . قوله : ( ومحل هذا الشرط ) وهو خلط المالين . قوله : ( أو لا ) بأو العاطفة ولا النافية م د . قوله : ( وشراء ) الواو بمعنى : ( أو ) . قوله : ( وأذن كل منهما ) ليس قيداً بل يكفي الإذن من أحدهما ، أي لأن الكلام في الشركة المفيدة للتصرف ولو لأحدهما . قوله : ( بعد التقابض ) إنما اعتبر التقابض ليستقر الملك ، ومثل التقابض غيره مما شرط في البيع كعدّ أو ذرع أو كيل . قوله : ( في التصرف ) متعلق بيأذن . قوله : ( لأن المقصود ) وهو عدم التميز . قوله : ( وهناك ) أي في المثليات .(3/450)
"""""" صفحة رقم 451 """"""
قوله : ( ممتاز ) أي في نفس الأمر وإن لم تتميز عنده . قوله : ( ملكاه على هذه النسبة ) فلو كان لأحدهما ثلاثون نعجة وللثاني ثلاثون من المعز فباع صاحب الغنم ثلثها بثلثي المعز كان له في كل من النعاج والمعز الثلثان وللآخر الثلث ، ولكن الربح والخسران باعتبار القيمة كما يأتي . قوله : ( أن يأذن كل واحد ) أي إن أراد كل منهما التصرف وإلا فيكفي الإذن من غير التصرف لمن يريد أن يتصرف ؛ مرحومي كما يؤخذ مما بعده . قوله : ( بعد الخلط ) هذا علم من قوله فيما مرّ ، ولا بد من الخلط قبل العقد إذ العقد يدل على الإذن الخ . قوله : ( إشارة إلى الصيغة ) يحتمل أن يكون المراد بالصيغة مجموع قوله اشتركنا وأذنا في التصرف ، بدليل قول المنهج : ويشترط في الصيغة لفظ يشعر بإذن في تجارة ، فيقتضي أن الصيغة شيء كثير من جملته الإذن في التجارة ؛ ويحتمل أن يكون المراد بها لفظ قوله أذنت لك في التصرف لأنهم لو اقتصروا على الإذن من غير لفظ اشتركنا كفى ، اه . وعبارة سم : فلو وجد مجرد الإذن مع بقية الشروط بدون صيغة اشتركنا ونحوها كفى ، وهو متجه . قوله : ( من كل منهما ) أو من أحدهما فحذف من الأول لدلالة الثاني . قوله : ( لمن يتصرف ) بدل من قوله للآخر وهو متعلق بالإذن . والمعنى أن المتصرف إما هما أو أحدهما ، لكن إن كان المتصرف هما يكون الإذن من كل منهما ، وإن كان المتصرف أحدهما يكون الإذن من الآخر فقط مع أن ظاهر الشارح أنه لا بد من الإذن من كل منهما في الصورتين لأنه قال الإذن من كل منهما لمن يتصرف من كل منهما أو من أحدهما ؛ إلا أن يقال الأوّل فيه تقدير أي الإذن من كل منهما أو من أحدهما ، فيكون حذف من الأول لدلالة الثاني ، فيكون الأول راجعاً للأول والثاني للثاني كما تقدم . قوله : ( إلا بإذن صاحبه ) أي لأجل صحة تصرفه في نصيب صاحبه ، أما صحة التصرف في قدر ما يخصه من المال المشترك فلا يتوقف على إذن شريكه كما يعلم مما بعده مرحومي . قوله :(3/451)
"""""" صفحة رقم 452 """"""
( لم يكف في الإذن المذكور ) محله كما قاله السبكي ما لم ينويا بقولهما اشتركنا الإذن في التصرف وإلا صحت ، فهو كناية كما في شرح سم ، ونقله المرحومي عن الزيادي وصرح به ق ل . قوله : ( لاحتمال كون الخ ) لا يقال هذا الاحتمال جار في صيغ العقود من البيع وغيرها وجعلوها في غير هذا المحل من الصرائح ، فإذا قال : بعتك ذا بكذا فقبل انعقد بيعاً مع أن قوله : بعتك ذا الخ محتمل للإخبار عن بيع سبق ؛ لأنا نقول لما كانت الشركة مشتركة شرعاً بين مجرد ثبوت الحق وبين العقد المفيد لذلك ، فإذا قال : اشتركنا ولم يزد احتمل الشركة التي هي ثبوت الحق ولو بإرث احتيج إلى الإذن للانصراف إلى العقد اه من ع ش .
قوله : ( ولا يلزم من حصولها الخ ) ) مرتب على محذوف ، أي وبفرض كون ذلك إنشاء لشركة بالفعل لا يدل على جواز التصرف لأنه لا يلزم الخ . قوله : ( وأن يكون الخ ) ليس المراد أن يشترط التصريح بذلك ، بل المراد أنه لا يشترط خلافه سواء صرح به أو أطلق كما قال الشارح شرطا ذلك أم لا .
قوله : ( والخسران ) ومنه ما يدفع للرصدي والمكاس ، ومثله ما لو سرق المال واحتاج في رده إلى مال على الأظهر ؛ لأنه كأنه نشأ عن الشركة فيساوي ما يدفع للمكاس ونحوه ، وليس مثل ذلك ما يقع كثيراً من سرقة الدواب المشتركة ثم إن أحد الشريكين يغرم على عودها من مال نفسه فلا يرجع بما غرمه على شريكه لأنه متبرّع بما دفعه ، ولو استأذن القاضي في ذلك لم يجز له الإذن لأن أخذ المال على ذلك ظلم والحاكم لا يأذن به ، وليس القصد من شركة الدواب غرماً ولا هو معتاد بخلاف الشركة التي الكلام فيها يصرف ما يحتاج إليه كأجرة دلال وحمال ؛ اه ع ش على م ر . قوله : ( لأن ذلك ثمرة المالين ) هذا ظاهر في الربح لأن الخسران لا يقال له ثمرة ، إلا أن يراد بها الأمر المترتب على الشيء . قوله : ( شجرة فأثمرت الخ ) فإن الثمرة والنتاج على قدر المالين . قوله : ( فنتجت ) بالبناء للمفعول ومعناه مبني للفاعل فالضمير المستتر فاعل . قوله : ( فإن شرطا خلافه ) حاصله صور أربعة وكلها باطلة ، اثنان هنا واثنان يأتيان في قوله : ( ولو شرطا زيادة في الربح للأكثر منهما عملاً الخ ) .(3/452)
"""""" صفحة رقم 453 """"""
قوله : ( بطل الشرط ) ظاهره بقاء العقد صحيحاً . وكلامه بعد يدل على فساده ، وهو كذلك ق ل ، فقوله : بطل الشرط ، أي والعقد . قوله : ( فيرجع ) تفريع على قوله ( بطل ) وقوله : ( وتنفذ التصرّفات ) معطوف على ( يرجع ) . قوله : ( بأجرة عمله ) فإذا كان لأحدهما ألفان وللآخر ألف وأجرة عمل كل منهما مائة فثلثا عمل الأوّل في ماله وثلثه على الثاني وعمل الثاني بالعكس ، فللأوّل عليه ثلث المائة وله على الأول ثلثاها فيقع التقاصّ بثلثها ويرجع على الأول بثلثها زي . قوله : ( كالقراض إذا فسد ) قضية التشبيه أنه إذا علم بالفساد وأنه لا أجرة له أنه لا شيء له . وهذا ضعيف ، فالمعتمد استحقاق الأجرة وإن علم بالفساد اه زي . قوله : ( والربح بينهما ) أي في الشركة الفاسدة أيضاً ، أي بعد إخراج أجرة عمل العامل اه م د . وقوله : ( بعد إخراج الخ ) ليس بقيد . قوله : ( ويتسلط الخ ) شروع في شروط العمل ، وهو راجع لأصل الباب وليس مرتبطاً بمسائل الفاسد . قوله : ( بلا ضرر ) تبع فيه المنهاج وهو يقتضي جواز البيع بثمن المثل مع وجود راغب بأزيد ، وليس كذلك كما في شرح المنهج وعبارته : وشرط في العمل مصلحة فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد ، ثم قال : وتعبيري بمصلحة أولى من قوله بلا ضرر لاقتضائه جواز البيع بثمن المثل مع وجود راغب بزيادة ؛ فلو عبر الشارح بالمصلحة لكان أولى . قوله : ( فلا يبيع نسيئة الخ ) وفي هذه الثلاثة يصح البيع في حصته دون حصة شريكه ، إلا في مسألة السفر إذا خالف وسافر وباع يصح في الكل . قوله : ( ولا بغير نقد البلد ) وإن راج على المعتمد . قوله : ( ولا يسافر بالمال المشترك ) أي بلا إذن ، ومجرد الإذن في السفر لا يتناول سفر البحر فلا بد من النص عليه أو تقوم قرينة عليه ؛ شرح م ر . كما إذا أذن له في السفر إلى بلد لا يمكن وصوله لها إلا في البحر . قوله : ( من الخطر ) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة ، أي الإشراف على الهلاك أو خوف التلف ، والجمع أخطار كسبب وأسباب اه مصباح . قوله : ( هذا كله ) أي قوله فلا يبيع نسيئة الخ ق ل . قوله : ( أهلية توكيل ) ويجوز للولي أن يشارك على مال موليه إذا كان الشريك أميناً إن كان يتصرف ، فإن تصرف الولي فلا يشترط في الشريك ذلك ؛ وتصح شركة المكاتب مع غيره إن لم يكن يتصرف ، فإن كان يتصرف فلا بد(3/453)
"""""" صفحة رقم 454 """"""
من إذن السيد لأن في ذلك تبرعاً بعمل . قوله : ( حتى يجوز كونه أعمى ) أي والعاقد وكيله لا هو لعدم صحة عقده ع ش . ويوكل في الخلط والتصرف لكون الإذن منه ، برماوي . قوله : ( بعد التصرف ) أي بعد الشروع فيه وقبل انتهائه ، وإلا فقد انتهت الشركة . قوله : ( وينعزلان عن التصرف بفسخ كل منهما ) أي إذا فسخها أحدهما انعزلا معاً بخلاف العزل ، فإن وجد منهما معاً انعزلا وإلا انعزل المعزول فقط . قوله : ( أو أغمي عليه ) ولو قدراً يسيراً . قوله : ( أو حجر عليه بسفه ) أو فلس . قوله : ( أي انفسخت ) دفع بذلك ما يوهم البطلان من عدم الانعقاد ، فأوله الشارح بذلك لئلا يتوهم بطلانها من أصلها فتبطل التصرفات الماضية وليس كذلك . قوله : ( إغماء لا يسقط الخ ) بأن أفاق وقد بقي من الوقت ما يسع تكبيرة ولو وقت عذر م د . وقال ح ل : أي لا يستغرق وقت فرض الصلاة ، ومنه التقريف المشهور ولو في غير الحمام ، فليتنبه لذلك فإنه مما عمت به البلوى والسكر كذلك ؛ اه برماوي . قوله : ( فلا فسخ به ) المناسب لقول المتن : بطل أن يقول فلا بطلان به ؛ لكن لما كان المراد بالبطلان الفسخ عبر به . قوله : ( وظاهر كلام الأصحاب الخ ) معتمد وبعد الإفاقة إن شاء قسم وأخذ ماله وإن شاء أعاد الشركة ولو بلفظ التقرير بأن يقول : قرّرت الشركة .
قوله : ( يد الشريك يد أمانة الخ ) الحاصل أن الأمين يصدق بيمينه في أربع صور وهي : ما إذا ادعى تلفاً مطلقاً ، أو بسبب خفي كسرقة ، أو بسبب ظاهر عرف دون عمومه ، أو بسبب ظاهر عرف وعمومه واتهم ، فإن لم يتهم صدق بلا يمين . وإذا ادعى سبباً ظاهراً وجهل فلا يصدق إلا ببينة على وجوده ويمين على تلفها به . قوله : ( كحريق ) أي وجهل كما في شرح م ر . ويدل عليه قوله الآتي : ( فإن عرف الحريق الخ ) فيكون مقابلاً لهذا المقدر كما قرّره شيخنا(3/454)
"""""" صفحة رقم 455 """"""
العشماوي . قوله : ( يصدق في التلف ) وكذا في رد المال بالنسبة لحصة الشريك لا لإثبات حصته على الشريك ، شيخنا . قوله : ( دون عمومه ) أي للمحل الذي فيه المال المشترك . قوله : ( صدق بلا يمين ) أي ما لم يتهم وإلا حلف ، اه مرحومي .
فرع : سئل ابن أبي شريف عن الدابة إذا كانت مشتركة بين اثنين وهي تحت يد أحدهما وتلفت بموت أو سرقة أو يد عادية أو بتفريط ، هل يكون ضامناً لحصة شريكه أو يده يد أمانة ؟ فأجاب بما نصه : إذا تلفت الدابة تحت يد أحد الشريكين ، فإن كانت تحت يده بإذن من شريكه وأذن في الاستعمال فهي عارية مضمونة ضمان العواري ، وإن كان استعمالها بغير إذن من شريكه فهي مضمونة ضمان الغصب ، وكذلك إذا كانت تحت يده بغير إذن شريكه ولم يستعملها ، فإن كانت تحت يد الشريك بإذنه من غير إذن في الاستعمال ولم يستعملها فهي أمانة جزماً لا تضمن إلا إذا قصر ، ولو كانت تحت يده وقال اعلفها في نظير ركوبها مثلاً فهي إجارة فاسدة فلا ضمان عليه إذا تلفت من غير تقصير ، ولو كان بين الشريكين مهايأة واستعمل كل في نوبته فلا ضمان لأن هذه تشبه الإجارة ، وينبغي أن مثل شرط علفها عليه ما جرت به العادة من أن أحد الشريكين إذا دفع الدابة المشتركة لشريكه لتكون تحت يده ولم يتعرض للعلف لا إثباتاً ولا نفياً ، فإذا تلفت تحت يد من هي عنده بلا تقصير لم يضمن ولا رجوع له عليه بما علف وإن لم ينتفع بالدابة كأن كانت صغيرة لأنه متبرع بالعلف وإن قال قصدت الرجوع لأنه كان من حقه مراجعة المالك إن تيسر وإلا راجع الحاكم ؛ اه ع ش على م ر .
فرع : إذا باع أحد الشريكين نصيبه وسلم المبيع للمشتري من غير إذن الشريك صارا ضامنين والقرار على من تلفت تحت يده وهو المشتري ، ع ش على م ر .
فرع : جماعة مشتركون في بهائم وحبوب وزرع وغيرها ويتصرّف بعضهم في ذلك ببيع وحج وزواج وبعضهم يكتسب دون بعض . وحاصل ما يقال في ذلك : أنّ تصرف واحد منهم من غير إذن شركائه باطل في نصيبهم نافذ في نصيبه ، فإن كان بإذنهم صحّ تصرفه في الجميع . وإذا تزوج أو حج أحدهم بغير إذنهم حسب عليه حصتهم ، وإذا حصل من أحدهم كسب فهو له وحده ، وإذا حصل من كل واحد منهم كسب وتميز فهو لكاسبه ، فإن لم يتميز قسم ما حصل من الكسب بينهم على السوية حيث تساووا في الكسب ، فلو حصل نتاج من البهائم وحبوب كثيرة من الزرع الذي أصله من الحب المشترك بينهم قسم ذلك بينهم بقدر أنصبائهم ، وإذا حصل من أحدهم زرع ورعي بهائم وحصاد ودراس مثلاً في المال المشترك فإن كان مطلق(3/455)
"""""" صفحة رقم 456 """"""
التصرف فلا شيء له لأنه متبرع بعمله وإن كان غير مطلق التصرف فله مثل أجرة عمله ، وكذلك حكم الولد مع أبيه فإن كان له كسب متميز فهو له ؛ ومثل الإذن ما لو دلت قرينة ظاهرة على الرضا كأن يشتري مع مريد الحج أو الزواج حوائج سفر الحج والزواج اه ع ش بزيادة .
3 ( ( فصل : في الوكالة ) ) 3
مصدر ( وكل ) بالتخفيف ، واسم مصدر ( وكل ) أو ( توكّل ) بالتشديد فيهما . وذكرها بعد الشركة لأن كلاًّ منهما عقد جائز ينفسخ بالموت ونحوه ، والوكيل أمين كالشريك وفي الشركة معنى التوكيل والتوكل . والأصل فيها الندب ، وقد تحرم إن كان فيها إعانة على حرام ، وتكره إن كان فيها إعانة على مكروه ، وتجب إن توقف عليها دفع ضرورة الموكل كتوكيل المضطر غيره في شراء طعام قد عجز المضطر عن شرائه . وقد تتصور فيها الإباحة أيضاً إن لم يكن للموكل حاجة في الوكالة وسأله الوكيل لا لغرض ، اه ع ش .
قوله : ( يقال وكل ) بتخفيف الكاف ق ل . قوله : ( ومنه ) أي من المعنى اللغوي . قوله : ( تفويض شخص ماله فعله الخ ) هذا التعريف لا يشمل الصور المستثناة الآتية ، فهو جري على الغالب . قوله : ( مما يقبل النيابة ) أي شرعاً والمراد بها ما ليس بعبادة ، فلا دور خلافاً لمن زعمه اه ابن حجر . ووجه الدور أن النيابة هي الوكالة ، وقد أخذت في تعريفها فخرج الصلاة والصوم . قوله : ( ليفعله في حياته ) خرج الإيصاء ، وهذه عبارة المنهج . وعبارة التحرير : لا ليفعله بعد موته ، وهي أحسن إذ هي صادقة بما إذا لم يقيد أصلاً كأن قال : وكلتك في بيع كذا ، وبما إذا قيد بحال الحياة كأن قال : وكلتك في كذا حال حياتي ، فليتأمل : لكاتبه أج . وقد اشتمل التعريف على الأركان الأربعة ، ثلاثة صريحة والصيغة بالالتزام لأن التفويض لا بدّ له من صيغة . واشتمل هذا التعريف على قيود ثلاثة ، وهذا التعريف منطوقه هو أن الذي يفعله في حياته يوكل فيه ومفهومه أن الذي لا يجوز له فعله لا يوكل فيه وكل منهما في الغالب ، فهو كالمتن منطوقاً ومفهوماً . قوله : ( فابعثوا حكماً ) وهما وكيلان فصح الاستدلال به .(3/456)
"""""" صفحة رقم 457 """"""
قوله : ( وكل ما جاز ) بالرفع ، وتكتب مفصولة من ( ما ) إذا كانت غير ظرف كما في كلام المصنف ، وتكتب موصولة إن كانت ظرفاً ، أي وتكون حالة الاتصال منصوبة نحو : كلما جاء زيد أكرمته ؛ اه مرحومي بالمعنى . وحاصل ما تضمنه كلامه أربع قواعد : اثنان بالمنطوق ، واثنان بالمفهوم . بيان الأولى : كل ما جاز للإنسان التصرف فيه بنفسه جاز له أن يوكل فيه ، ومفهوم ذلك كل ما لا يجوز للإنسان أن يتصرف فيه بنفسه لا يجوز له أن يوكل فيه . والثالثة كل ما جاز للإنسان أن يتصرف فيه بنفسه جاز له أن يتوكل فيه عن غيره ، ومفهومه كل ما لا يجوز للإنسان أن يتصرف فيه لا يجوز له أن يتوكل فيه عن غيره . قوله : ( لأنه إذا لم يقدر الخ ) المناسب أن يقول بعد قول جاز له أن يوكل فيه غيره وإلا فلا يصح توكيله ؛ لأنه إذا لم يقدر الخ كما شرح في المنهج مرحومي . فهو علة لقوله : ( وإلا فلا ) وعبارة أج : قوله : ( لأنه إذا لم يقدر الخ ) تعليل لمفهوم المتن ، ولم يحتج إلى ذكر هذا المفهوم لأن منطوق المتن قوي الدلالة على المفهوم فأتى بالتعليل دليلاً عليه . قوله : ( وهذا ) أي منطوق المتن ومفهومه .
قوله : ( طرداً ) أي منطوقاً ، وهو التلازم في الثبوت ، وعكساً أي مفهوماً وهو التلازم في الانتفاء ، وقوله : ( فمن الطرد ) أي فالمستثنى من الطرد ، وكذا يقال في قوله : ( ومن العكس ) . وطرداً وعكساً منصوبان على التمييز المحوّل عن المضاف ، أي من طرده وعكسه فحذف المضاف إليه ثم أتى به وجعل تمييزاً . قوله : ( فلا يوكل في كسر الباب ) وإن عجز عن المباشرة ح ل . قوله : ( وكوكيل قادر الخ ) أتى بالكاف على توهم وجود الكاف فيما قبله ، وكأنه قال : يستثنى مسائل ككذا وكوكيل ، وإلا فحقه حذف الكاف ورفعه عطفاً على الظافر ، قوله : ( مأذون له ) أي في التجارة . وقوله : ( وسفيه ) فلا يجوز لهؤلاء أن يوكلوا غيرهم مع جواز التصرف بأنفسهم . قوله : ( في نكاح ) أي في قبوله . قوله : ( ومن العكس كأعمى ) تركيب يحتاج إلى تقدير ، أي ومن العكس مسائل كأعمى الخ . قوله : ( للضرورة ) علة لقوله : ( يوكل ) . قوله : ( بعد التحلل ) أي الثاني ، أو يطلق وعقد الوكيل بعد التحلل . وعبارة سم : أي أو يطلق بخلاف ما إذا قيد بحال الإحرام .(3/457)
"""""" صفحة رقم 458 """"""
قوله : ( فيصح توكيل الخ ) مفرّع على المتن . قوله : ( عن نفسه الخ ) والحال أن المال للمولى عليه . قوله : ( أو موليه ) أي أو عنهما نقله في الروضة عن الماوردي أو يطلق وهو المعتمد . وفائدة وكالته عن الولي أو عن الطفل أو عنهما عدم انعزاله ببلوغ الطفل رشيداً إذا كان وكيلاً عنه ، بخلاف ما إذا كان عن الولي . ولو كان وكيلاً عنهما معاً فالظاهر أنه ينعزل بالنسبة للولي لا بالنسبة للطفل الذي بلغ رشيداً ، شوبري . فإن أطلق التوكيل كان عن المولى عليه ح ل . قوله : ( أن يملكه الموكل ) فيه أن الضمير راجع للموكل فيه ، وهذا قاصر لأنه لا يشمل الولي في مال المولى عليه فإنه ليس مالكاً لعين مال موليه . ويجاب بأن المراد أن يملكه أي يملك التصرف فيه ، ومعنى ملكه للتصرف أن يصح منه ويقدر على إنشائه سواء كان بملك للعين أو ولاية ، فدخل الأب والجد بالنسبة للصبي والمجنون . قوله : ( لأنه لا يباشر الخ ) الذي بخطه : لأنه إذا لم يباشر الخ وهي أنسب . قوله : ( إلا تبعاً ) استثناء من قوله : ( فيما لا يملكه ) وقوله : ( فيما سيملكه ) أي في بيع ما سيملكه . قوله : ( فيصح التوكيل الخ ) تفريع على المنطوق ، وقياس ذلك صحة توكيله بطلاق من سينكحها تبعاً لمنكوحته ، شرح المنهج . ولا يشترط مناسبته لمتبوعه فلو وكله في بيع عبده وطلاق من سينكحها صح كما قاله سم والشوبري . قوله : ( ويشترط أن يقبل نيابة ) ذكر الشارح شروطاً ثلاثة ، والثالث قوله الآتي : ولا بد أن يكون معلوماً ولو من وجه .
قوله : ( وكل فسخ ) لو قال : ( وحل ) لكان أولى ، ليشمل العتق والطلاق . قوله : ( ورد بعيب ) أي إن حصل عذر في الفسخ لا يعدّ به مقصراً في العدول عن الفسخ إلى التوكيل س ل ؛ كأن لم يجد إلا امرأة أو كافراً فيقول لها أو له : وكلتك لترد هذا العبد المعيب ، ولا يقول : فسخت ، ويشهد إذ لا تصح شهادة المرأة والكافر ، بخلاف ما إذا وجد مسلماً فإنه يفسخ ويشهده ويوكله في الرد . قوله : ( وخصومة ) أي وإن لم يرض الخصم ، خلافاً لأبي حنيفة ق ل . قوله : ( وتملك مباح ) أي شيء مباح أي إن قصده الوكيل للموكل ، فإن قصد نفسه فقط أو أطلق فهو له أو قصدهما فهو مشترك ق ل ، ولو قصد واحداً لا بعينه فقال ع ش : يكون القصد لاغياً فيكون للوكيل وحده . قوله : ( واستيفاء عقوبة ) لآدمي أو لله كقود وحد قذف وحد زنا(3/458)
"""""" صفحة رقم 459 """"""
وشرب ولو في غيبة الموكل ، شرح المنهج . والغاية راجعة للاستيفاء ، أي فيستوفي الوكيل العقوبة ولو كان الموكل غائباً بأن أذن نحو السلطان لصاحب الحق بالاستيفاء ، فله حينئذ أن يوكل . فاندفع ما يقال القود لا يستوفيه إلا الإمام أو نائبه لا المستحق ، فكيف يوكل غيره فيه . قوله : ( لا في إقرار فلا يصح التوكيل فيه ) بأن يقول لغيره : وكلتك لتقرّ عني لفلان بكذا ، فيقول الوكيل : أقررت عنه بكذا أو جعلته مقراً بكذا ؛ لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة ، لكن الموكل يكون مقرًّا بالتوكيل على الأصح لإشعاره بثبوت الحق عليه ، شرح المنهج وسيأتي . قوله : ( ولا في التقاط ) أي عام كوكلتك لتلتقط عني ، بخلاف وكلتك لتلتقط عني هذه اللقطة فإنه يصح ؛ ولذا قال بعضهم :
وإن يوكل في التقاط خصَّا
صح وإلا أبطلوه نصَّا
فإن قلت : ما الفرق بينه وبين التوكيل في تملك المباح ؟ قلت : الفرق ما أشار إليه في شرح المنهج بقوله : تغليباً لشائبة الولاية وهي حفظها على شائبة الاكتساب ، أي بخلاف تملك المباح ، فإنه لا ولاية فيه .
قوله : ( إلا في نسك ) ويندرج فيه توابعه كركعتي الطواف ، شرح المنهج . وحاصله أن العبادة على ثلاثة أقسام : إما أن تكون بدنية محضة فيمتنع التوكيل فيها إلا في ركعتي الطواف تبعاً للنسك فيجوز فلو أفردهما بالتوكيل لم يصح ، وإما أن تكون مالية محضة فيجوز التوكيل فيها مطلقاً ، وإما أن تكون مترددة بينهما كالحج بشرط أن تكون عن ميت أو معضوب . وهذه الأقسام الثلاثة مأخوذة من كلام الشيخ الزيادي ، اه م د على التحرير . قوله : ( ولا يصح في شهادة ) وهذا غير تحملها الجائز ، وهو الشهادة على الشهادة . قوله : ( إلحاقاً لها بالعبادة ) أي لأن كلاً منهما مقصود من شخص بعينه . قوله : ( ولا في نحو ظهار ) أي لأن القصد منه التشنيع ، وهو لا يحصل بفعل غير المستحق . قوله : ( كقتل ) أي من غير حق ، بأن يقول : وكلتك في أن تقتل عني فلاناً ظلماً ، بخلاف ما لو كان بحق فإنه يصح التوكيل كما تقدّم ، فإن وكل في القصاص ثم عفا قبل القتل فقتله الوكيل جاهلاً بالعفو فالدية على الوكيل دون الموكل لأنه محسن بالعفو فلا غرم عليه . وقوله فالدية على الوكيل زجراً له في توكله في القتل اه . وصورة الظهار أن يقول : أنت على موكلي كظهر أمه أو جعلت موكلي مظاهراً منك ؛ لأنه معصية بأصل الشرع وهي لا تقبل النيابة . والقاعدة أن ما كان معصية بأصل الشرع لا يقبل النيابة ، وما كان معصية لا بأصل الشرع بل لعارض فإنه يقبل النيابة ؛ فمن الأوّل القتل والقذف والسرقة لأن أحكامها تختص بمرتكبها لأن كل شخص بعينه مقصود بالامتناع منها ، ومن الثاني(3/459)
"""""" صفحة رقم 460 """"""
البيع بعد نداء الجمعة والطلاق في الحيض لأن الإثم فيه لمعنى خارج ؛ اه م د على التحرير . قوله : ( كإيلاء ) ولعان ونذر . ولعلّ صورته أن يقول : موكلي يقول والله لا أطؤك مدة كذا ؛ ونوزع فيه ، اه عبد البر الأجهوري . قوله : ( ولو من وجه ) كوكلتك في بيع أموالي . فالوجه الذي هو معلوم منه خصوص كونه مالاً ، والوجه المجهول منه أنواع المال ، والوجه المعلوم في عتق الأرقاء خصوص كونه عتقاً وجهة الجهل عدم العلم بالعدد وكونها ذكوراً أو إناثاً . قوله : ( بأن التابع ) الأولى حذف الباء كما في بعض النسخ ، إلا أن يقال إنها للتصوير . قوله : ( معين ) أي من حيث البيع ح ل ، أي لا من حيث الشخص . قوله : ( بيان نوعه ) وبيان صفته إن اختلف النوع اختلافاً ظاهراً ، شرح المنهج . ويشترط أيضاً ذكر الذكورة أو الأنوثة ، ولا يشترط استقصاء أوصاف السلم ولا ما يقرب منها اتفاقاً س ل . قوله : ( محلة ) المحلة بكسر الحاء كما في المصباح : الحارة المشتملة على السكك ، والسكة : الزقاق ، أي العطفة ؛ فلو اقتصر على السكة كفى . قوله : ( نفيساً كان الخ ) أي لأنه لو قيد بالنفيس قد لا يجده الوكيل بذلك الثمن الذي ذكره الموكل فيؤدّي إلى الحرج .
قوله : ( فأو هنا تقسيمية ) انظر أي شيء شامل للتوكيل والتوكل هنا حتى تكون أو تقسيمية . وقد يقال المقسم جواز التصرف بالنفس ، أي من يجوز له التصرف بنفسه جاز له أن يوكل غيره وأن يتوكل عن غيره . قوله : ( توكل صبي ) مصدر مضاف لفاعله . قوله : ( ولا توكل امرأة في نكاح ) أي لا إيجاباً ولا قبولاً ، وكذا الرجعة والاختيار للنكاح والفراق إذا أسلم على أكثر من أربعة ، ومثلها الخنثى . قوله : ( ولا محرم ليعقده ) أي النكاح . قوله : ( وهذا في الغالب ) اسم الإشارة راجع إلى العكس المشار إليه بقوله : ( وإلا ) كما تدل له الأمثلة المذكورة ، ولم يذكر ما يستثنى من الطرد ولعله لعلمه من بعض ما تقدم فراجعه ق ل . قوله : ( وإلا فقد استثنى(3/460)
"""""" صفحة رقم 461 """"""
من ذلك ) أي العكس . قوله : ( في طلاق غيرها ) أما توكيلها في طلاق نفسها ، فسيأتي أنه تمليك لا توكيل . قوله : ( لا في إيجابه ) أي مطلقاً بإذن أو غيره ، والفرق بين الإيجاب والقبول أن الإيجاب ولاية وهما ليسا من أهلها ، بخلاف القبول . قوله : ( وإيصال هدية ) حتى لو كانت أمة وقالت لرجل : سيدي أهداني إليك ، وصدقها فله التصرّف فيها ولو بالاستمتاع والوطء ق ل وحج ؛ أي ولو رجعت وكذبت نفسها لاتهامها في إبطال حق غيرها . وخرج بتكذيب نفسها ما لو كذبها السيد ، فيصدق في ذلك بيمينه وعليه فيكون وطء المهدى إليه وطء شبهة ، ولا يجب عليه المهر لأن السيد بدعواه ذلك يدعي زناها والزانية لا مهر لها ، ولا الحدّ أيضاً للشبهة . وينبغي أن لا حدّ عليها أيضاً لزعمها أن السيد أهداها وأن الولد حرّ لظنه أنها ملكه ، ويلزمه قيمته لتفويته رقه على السيد بزعمه ، وأما لو وافقها السيد على الشبهة كأن قال : أهديتها لرجل موافق لك في الاسم فظنت أنه أنت ، فينبغي وجوب المهر . قال بعضهم : ولا يشترط معرفة سيدها الواهب ، وانظر هل يشترط أن تقوم قرينة على إهدائها له كعالم أو صالح ؟ حرره ميداني . قلت : تقدم أنه يشترط .
قوله : ( وكل مسلم ) الظاهر تناول ما ذكر للمسلمين الموجودين والحادثين وأنهم لا ينعزلون إذا عزل الوكيل المذكور ؛ لأنها تبع في صحة الوكالة فقط ، شوبري . قوله : ( وعليه العمل ) أي عمل القضاة وغيرهم ، وهو المعتمد زي ؛ أي فيكون كل مسلم وكيلاً عنه . والفرق بين هذا وبين وكلتك في هذا وكل أموري حيث لا يصح أن الإبهام في الأول في الفاعل وفي الثاني في الموكل فيه ، ويغتفر في الأول ما لا يغتفر في الثاني ح ل . قوله : ( كوكلتك في كذا ) أو فوّضت إليك كذا ، سواء كان مشافهة له أو كتابة أو مراسلة . ولا يشترط العلم بها ، فلو وكله وهو لا يعلم صحت حتى لو تصرف قبل علمه صح كبيع مال أبيه يظنّ حياته ، اه م د على التحرير . قوله : ( الأوّل ) وهو وكلتك في كذا إيجاب ، والثاني وهو بع كذا . قوله : ( فلا يشترط قبوله لفظاً ) قضيته اشتراط الإيجاب . وليس مراداً ، فالأولى ويشترط اللفظ من أحد الطرفين والفعل من الآخر كما في العارية ، شوبري وق ل على التحرير . وعبارة المدابغي عليه : لكن لا(3/461)
"""""" صفحة رقم 462 """"""
يشترط أي في وكالة بغير جعل القبول لفظاً ، بل الشرط أن لايرد ، فالشرط اللفظ من أحد الجانبين والفعل من الآخر ، وقد يشترط القبول لفظاً كما لو كان له عين مؤجرة أو معارة أو مغصوبة فوهبها لآخر وأذن له في قبضها فوكل الموهوب له من هي بيده من المستأجر أو المستعير أو الغاصب في قبضها له لا بد من قبوله لفظاً لتزول يده عنها به ، ولا يكتفي بالفعل وهو الإمساك لأنه استدامة لما سبق فلا دلالة فيه على الرضا بقبضه ؛ اه شرح م ر اه . قوله : ( أو نحوه ) من إشارة الأخرس والكتابة ، ويشترط القبول لفظاً فيما إذا كانت الوكالة بجعل إن كان الإيجاب بصيغة العقد لا الأمر كقوله : بع هذا ولك درهم ، فلا يشترط القبول وكان عمل الوكيل مضبوطاً لأنها إجارة اه س ل . قوله : ( بالإباحة ) كقول شخص لآخر : أبحتك هذا ، فلا يشترط القبول لفظاً من المباح له . قوله : ( ولا يشترط في القبول ) أي المعنويّ وهو عدم الرد بأن يأتي بما وكل فيه فوراً ، أو يقال : لا يشترط أي على القول باشتراط اللفظ ع ش . قوله : ( لكن ينفذ تصرفه الخ ) إن قلت حيث نفذ بعموم الإذن ، فما المعنى الفارق حينئذ بين الصحة والبطلان مع صحة التصرف ؟ قلت : يظهر الفرق فيما لو عين له جعلاً فلا يجب وإنما له أجرة المثل ، بخلاف الصحيحة فإن له المسمى اه م ر . قوله : ( ولو بجعل ) الغاية للرد على القول الضعيف القائل بأنها إذا كانت بجعل تكون لازمة لأنها إجارة في المعنى ، وقد صرّح م ر باشتراط القبول لفظاً فيما إذا كانت الوكالة بجعل وعلى كونها جعالة لا يستحق الجعل إلا بعد تمام العمل . قوله : ( ولو بعد التصرف ) أي في بعض الموكل فيه ، وإلا فقد انتهت الوكالة بالتصرف . قوله : ( حق ثالث ) بالإضافة . قوله : ( كبيع المرهون ) أي إن أذن صاحبه للمرتهن في بيعه كذا قاله ق ل ، والأولى أن يقال : كأن وكل الراهن في بيعه بعد إذن المرتهن له لتعلق الحق بثالث حينئذ وهو المرتهن تأمل . قوله : ( حكماً ) كأن مراده بالحكمي ما لا يتوقف على صيغة ، وبالشرعي ما كان بلفظ وهو اصطلاح غير معروف . ولو فسر الانفساخ بانتهاء حكمها(3/462)
"""""" صفحة رقم 463 """"""
وجعل شاملاً للأمرين لكان أولى ، وينعزل وإن لم يعلم بعزله بخلاف القاضي لأن من شأنه أن تتعلق المصالح الكلية به فاحفظه . وقوله : ( حكماً ) وهو شرعي أيضاً ، إلا أنه لما عري عن اللفظ سمي فسخاً حكماً اه أج . قوله : ( وبإغمائه ) ومنه التقريف في نحو الحمام ، فينفسخ به كل عقد جائز ، وهي مسألة نفيسة ينبغي التنبه لها عميرة مرحومي وق ل . قوله : ( وبتعمده ) أي تعمد أحدهما . قوله : ( وبطروِّ رِقّ ) كأن وكل حربياً فاسترقّ . وقوله : ( عما لا ينفذ ) متعلق بتنفسخ أو بينعزل مقدراً ، أي فينعزل عما لا ينفذ الخ . قوله : ( أو فلس ) بأن وكله إنسان ليشتري له شيئاً بعين ماله أي مال الوكيل ثم حجر على الوكيل قبل الشراء فينعزل لأن شراءه بماله للموكل إما قرض أو هبة وهو ممنوع منهما ، فتأمل هذا التصوير فإن كثيراً من الطلبة عجز عنه زيادي . ولهذا التصوير أشار المؤلف بقوله : عما لا ينفذ ممن اتصف بها ، وهذا في الوكيل . وصورة انعزال الموكل بذلك ، أي بالعكس ، أن يقول : وكلتك لتشتري لي هذه السلعة بهذا الدينار بخلافه في دينار في ذمتك أو ذمتي ، فإنه لا ينعزل بذلك . قوله : ( وبفسقه ) أي سواء كان الوكيل أو الموكل بالنسبة لمسئلة النكاح ، أو الوكيل بالنسبة لمسئلة الإيصاء لأن الوصي وكيل . قوله : ( ومثله ) أي مثل زوال الملك تزويجه عبداً كان أو أمة ، ز ي وعبارة الروض وشرحه : وكذا تزويج الجارية وخرج بالجارية العبد اه . وهو مخالف لكلام الزيادي ، والمعتمد كلام الزيادي . قوله : ( بالندم ) أي ندم الموكل على التصرف الذي كان يصدر من الوكيل ، وفيه أن الندم لا يكون إلا عن شيء وقع والتصرف لم يقع ، فالأولى أن يقول : لإشعارها بالرجوع عن التصرف ، أي عن الإذن فيه تأمل . قوله : ( كسائر الأمناء ) أي في أن من فرّط منهم ضمن ، فلو تنازعا في التفريط صدق منكره لأن الأصل عدمه .(3/463)
"""""" صفحة رقم 464 """"""
قوله : ( لأنه يلزم من التعدّي الخ ) أي لأن التعدي هو الظلم ومجاوزة الحدّ ، وأما التفريط فيطلق على التقصير وتضييع الشيء كما في المصباح . وبهذا تبين صحة كلام المصنف ، واندفع الاعتراض عنه اه ح ف . قوله : ( لاحتمال نسيان ) أي فالناسي مفرط لا متعدّ ، فيقتضي كلامه أي المصنف ضمانه مع النسيان ونحوه وليس كذلك ، هذا تقرير كلامه . وقوله : ( وليس كذلك ) بل هو كذلك كما صرح به م ر بعد ؛ ولذا لم يعترض سم في شرحه على المتن . وعبارة م ر : ومن التعدّي أي يضيع المال منه ولا يعرف كيف ضاع أو وضعه بمحل ثم نسيه . قوله : ( ونحوه ) أي كشغل بقضاء حاجة أو صلاة أو نحو أكل أو بيع أو شراء يتضرر بتركها . قوله : ( ويصدق بيمينه ) ولو قال : قضيت الدين وصدقه المستحق صدق الوكيل بيمينه . فإن قيل : ما فائدة اليمين مع تصديق المستحق ؟ قلنا : فائدتها تظهر إذا كان وكيلاً بجعل فالوكيل يدعي الدفع للمستحق ليأخذ الجعل والموكل ينكره ليمنعه منه ، ففائدتها استحقاق الوكيل الجعل كما تقرر مرحومي . قوله : ( على غير الموكل كرسوله ) أو وارثه أو وكيله ، وكذا دعوى الرد من رسول الوكيل أو وارثه أو وكيله على الموكل ، فلا بد من بينة في ذلك كله . قوله : ( كأن ركب الدابة ) أي حيث كان يليق به سوقها ولم تكن جموحاً ، وإلا لم يكن ركوبها تعدياً . قوله : ( ضمن ) أي صار متسبباً في الضمان ، بمعنى أنه لو تلف بعد ذلك ولو بغير تفريط ضمنه . قوله : ( ولا يلزم من ارتفاعه ) أي الحكم . قوله : ( فإنها محض ائتمان ) فإذا تعدى فيها خرجت عن كونها أمانة . قوله : ( فإذا باع ) مفرّع على قوله : ( ولا ينعزل ) وهو تقييد لقوله : ( ضمن ) . قوله : ( وسلم المبيع ) أي الذي تعدى فيه . قوله : ( ولا يضمن الثمن ) جواب عن سؤال حاصله : أن المبيع كان مضموناً والثمن بدل عنه والبدل عنه يعطى حكم المبدل عنه فيكون مضموناً ، فأجاب بقوله : ولا يضمن الثمن ، أي لا يصير مضموناً بسبب التعدي الذي حصل في المبيع ، فإذا باع شيئاً مضموناً عليه فإن ضمانه لا ينتقل إلى الثمن ، وقوله ولا يضمن أي إذا تلف بغير تقصير . قوله : ( عاد الضمان ) فإن تلف في يده ضمن وإن كان من غير تفريط ولا يتصرف فيه إلا بإذن جديد من الموكل اه ميداني . قال الشيخ سلطان : واستشكل بأن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله ومقتضاه عدم الضمان . وأجيب بأنه وإن رفعه من حينه لا من أصله لا يقطع النظر على أصله بالكلية .(3/464)
"""""" صفحة رقم 465 """"""
قوله : ( بالوكالة المطلقة ) سيأتي محترزه في قول الشارح الآتي : ولو وكله ليبيع مؤجلاً الخ ، مع الفرع الذي بعده اه م د . قوله : ( إذا لم يجد راغباً الخ ) تقييد للمتن ، لأن ظاهره أنه يجوز له البيع بثمن المثل مطلقاً ولو مع وجود الراغب ، وليس كذلك . قوله : ( بزيادة عليه ) أي وإن قلت كما هو ظاهر كلامه أ ج ، فلو وجده في زمن الخيار لزمه الفسخ ، فإن لم يفعل انفسخ البيع شرح المنهج . والباء في قوله ( بالوكالة ) بمعنى ( في ) وهو على تقدير مضاف ، أي في صورة الوكالة المطلقة ، أو أنها زائدة أي الوكيل وكالة مطلقة والمراد بالمطلقة غير المقيدة بثمن أو حلول أجل أو مشتري . قوله : ( فهو كما لو باع بدونه ) فالحاصل أن الصور أربع : أن يوجد راغب ، وأن لا ؛ فإن وجد راغب وباعه بأقل من الزيادة المرغوب فيها بغبن فاحش لا يصح البيع أو بلا غبن فاحش فيصح ، وإن لم يوجد راغب فإن باع بدون ثمن المثل بغبن فاحش لم يصح وإلا صح ، اه م د . وقوله فهو كما لو باع بدونه ، أي ثمن المثل ، وحينئذ يكون في كلام الشارح صورتان : البيع بأقل من ثمن المثل ، والبيع بأقل من المرغوب به . وقوله : فلا يصح إذا كان أي النقصان ، سواء كان نقصاناً عن ثمن المثل أو عن القدر المرغوب به فيه . قوله : ( وهو ما يحتمل غالباً ) ظاهره وإن لم يسمح به الموكل ، حرر شوبري . قوله : ( عشرة ) أي عشرة دراهم أو أنصاف مثلاً لا دنانير . قوله : ( محتمل ) أي مغتفر . قوله : ( فلا يبيع نسيئة ) وإن كان بأكثر من ثمن المثل . وقال الأجهوري : ولو برهن واف ؛ لكن إذا وكله وقت نهب جاز له البيع نسيئة إذا حفظ به عن النهب ، وكذا لو قال بعه ببلد كذا وعلم أن أهله لا يشترون إلا نسيئة اه س ل . قوله : ( بنقد البلد ) أي إن لم يقصد بالبيع التجارة ، وإلا فالظاهر جوازه بغير نقد البلد وبالغرض ، م ر شوبري وح ل . وعبارة س ل : المراد ما يتعامل به أهلها نقداً كان أو عرضاً . وكتب ع ش على قول م ر ( نقداً كان أو عرضاً ) : تقدم في نظيره من الشركة عند الشارح أن الأوجه امتناع البيع بالعرض مطلقاً ، فلينظر الفرق بينهما بناء على ما اعتمده . وقد يجاب بأنه لا يخالف فالمراد بالنقد في باب الشركة ما ذكره هنا وهو ما يغلب التعامل به ولو عرضاً ، وعليه فالعرض الذي يمتنع البيع به ثم ما لا يتعامل به أهلها مثلاً إذا كان أهل البلد يتعاملون بالفلوس فهي نقدها فيبيع الشريك بها دون نحو القماش اه .(3/465)
"""""" صفحة رقم 466 """"""
قوله : ( على أحد هذه الأنواع ) أي باع بيعاً مشتملاً على الخ . ولعل التقدير : على غير أحد هذه الأنواع الخ . والمنهج ذكر هذا بعد قوله : فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد ولا يبيع نسيئة ولا يبيع بغير نقد البلد ولا بغبن فاحش ، فقال عقب هذا : فلو خالف فباع الخ ، وهذا ظاهر . وعبارة الشارح إنما تناسب عبارة شرح المنهج . قوله : ( ضمن بدله ) صوابه قيمته لأن ما يغرمه الوكيل للحيلولة وهو القيمة مطلقاً ، وما يغرمه المشتري للفيصولة وهو البدل مطلقاً ق ل . وعبارة شرح المنهج : ضمن قيمته يوم التسليم ولو مثلياً اه . قال ع ش : قوله ( ضمن ) أي الوكيل قيمته ، أي أقصى قيمه ؛ لأنه مقبوض ببيع فاسد والقيمة المغرومة للحيلولة ويجوز للموكل التصرّف فيما أخذه من الوكيل لأنه يملكها كملك القرض ، وبقي ما لو قبض الوكيل البدل من المشتري بعد التلف وكان البدل مساوياً للقيمة التي غرمها للموكل للحيلولة من كل وجه ، فهل له أن يأخذه بدلاً عن القيمة التي غرمها ويجوز له التصرف فيه بتراضيهما أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول اه . قوله : ( ولا يضمن ثمنه ) أي في البيع الثاني ، وأما الثمن في البيع الأول لو قبضه فيضمنه لتعديه بقبضه لأن العقد فاسد . قوله : ( غرم الموكل بدله ) التعبير بالبدل هنا صحيح ، فالمراد به البدل الشرعي من مثل أو قيمة وهذا بالنسبة للوكيل . وأما المشتري فيضمن المثل إن كان مثلياً وأقصى القيم إن كان متقوّماً ، لأنه مقبوض بعقد فاسد .
قوله : ( لزمه البيع بأغلبهما ) مقابل لمحذوف ، أي إن كان نقد البلد واحداً فظاهر لزوم البيع به فإن تعدّد فهو ما قاله . وحيث خالف ما لزمه لم يصح البيع ، ويجري فيه ما تقدم . قوله : ( بأنفعهما ) أي وجوباً ، فإن خالف فسد البيع وكان ضامناً ، وهذا ظاهر إن تيسر من يشتري بكل منهما فلو لم يجد إلا من يشتري بغير الأنفع فهل له البيع منه أو لا ؟ فيه نظر ، وظاهر كلام الشارح الثاني ، ولو قيل بالأول لم يكن بعيداً لأن الأنفع حينئذ كالمعدوم اه ع ش . قوله : ( ويشترط الإشهاد ) أي أن يشهد الوكيل على المشتري فيما إذا باع مؤجلاً بإذن الموكل ، وهو شرط للصحة ، ويظهر اشتراط كون المشتري ثقة موسراً اه س ل .(3/466)
"""""" صفحة رقم 467 """"""
قوله : ( صحّ البيع ) أي بشروط ثلاثة مذكورة في الشرح . قوله : ( أو مؤنة حفظ ) أي للثمن ، منهج . قوله : ( حمله ) أي ما ذكر من الصحة ، وهو إشارة إلى شرط ثالث وهو ولم يعين مشترياً . قوله : ( لظهور قصد المحاباة ) أي من الموكل وقد فوّتها الوكيل عليه ؛ والمحاباة الإكرام والمسامحة ببعض الثمن .
قوله : ( فرع الخ ) الأولى : ( فروع ) والمعتمد عند م ر أن الحكم فيها ما ذكر وإن لم يعرف معناها العاقدان وترجع لمعانيها الموضوعة لها من أربابها ، وقال حج : إن عرفا معناها المذكور فظاهر وإلا فإن عرف لهما عرف مطرد فيها فظاهر أنها تحمل عليه وإلا فلا يصح للجهل بمراد الكل اه . ومثله الشوبري . والمقصود من هذا تقييد كلام المصنف . وهو قوله ( بثمن المثل بنقد البلد الخ ) أي محل ما ذكر إذا لم يأت بصيغة من هذه الصيغ المذكورة في الفروع . قوله : ( وذلك ) أي وتوجيه المذكورات .
قوله : ( من نفسه ) أي لنفسه . قوله : ( وإن أذن له في ذلك ) وإن قدر له الثمن ونهاه عن الزيادة أيضاً . والتعليل جري على الغالب ، وإلا فمقتضاه أنه إذا قدر له الثمن جاز أن يبيع لنفسه لأنه غير متهم حينئذ ، والعلة المطردة اتحاد الموجب والقابل واتحاد القابض والمقبض . وإنما جاز تولي الجدّ تزويج بنت ابنه ابن ابنه الآخر لأن الولاية له أصالة من الشرع . قوله : ( بخلاف غيرهما ) أي غير نفسه وموليه . قوله : ( كأبيه وولده الرشيد الخ ) لانتفاء التهمة بوجوب البيع بثمن المثل عليه ، بخلاف ما لو فوّض إليه أمر القضاء فولى أباه أو ابنه فلا يصح للتهمة . قوله : ( وله قبض ثمن حالّ ) بل عليه ذلك . قوله : ( ثم يسلم ) منصوب بأن مضمرة ، وهو في تأويل مصدر معطوف على القبض .(3/467)
"""""" صفحة رقم 468 """"""
قوله : ( ضمن قيمته ) أي للحيلولة ، سواء كان مثلياً أو متقوّماً . قوله : ( واستردّ ما غرم ) أشار بذلك إلى أن غرامتها للحيلولة . قوله : ( وليس لوكيل الخ ) أي لا ينبغي له ذلك ، فلا ينافي أنه قد يصح شراؤه كما سيأتي ؛ فإن اشتراه جاهلاً بالعيب فإن رضي الموكل به صح وإن لم يرض فإن اشترى بعين مال الموكل تبين بطلان الشراء ، وإن اشترى في الذمة وقع للوكيل . قوله : ( أو كونه عاجزاً عنه ) بأن شقّ عليه تعاطيه مشقة لا تحتمل عادة كما هو واضح م ر اه ع ش . وقوله أيضاً أو كونه عاجزاً عنه ، أي حين التوكيل ؛ فلو طرأ عجزه لمرض أو نحوه وكان قادراً عند التوكيل لم يوكل كما في شرح المنهج . قوله : ( لأن التفويض لمثل هذا ) يشعر بعلم الموكل بحاله ، فإن كان جاهلاً بحاله امتنع التوكيل . قوله : ( على موكله ) أي عنه . قوله : ( ومحل الخلاف ) أي في كونه يكون مقرّاً بالتوكيل أو لا . وقوله ( لتقرّ عني لفلان ) حاصله أن الموكل إن أتى بلفظ ( عني ) مع المضارع كان إقراراً على الأصح ، أو مع ( عليّ ) مع الأمر كان إقراراً قطعاً ، وإن لم يأت بهما أو أتى بعليّ فقط لم يكن إقراراً قطعاً ، تأمل سم . قوله : ( وتقابض فيه ) أي حيث يشترط ذلك كما في الربويات . قوله : ( لأنه العاقد حقيقة ) حتى إن له الفسخ بالخيار وإن أجاز الموكل ، لكون العقد معه ؛ شرح المنهج . قوله : ( مطالبة الوكيل ) بأن كان وكيلاً في الشراء . قوله : ( إن قبضه ) أي قبض الوكيل الثمن . قوله : ( إن كان الثمن معيناً )(3/468)
"""""" صفحة رقم 469 """"""
كقول الوكيل للبائع : اشتريت منك هذا الثوب بهذا الدينار ، وكان في يد الموكل ز ي . قوله : ( إن لم يعترف ) أي البائع بوكالته . قوله : ( ولو تلف ثمن قبضه ) أي الوكيل . قوله : ( واستحق مبيع ) أي الذي باعه الوكيل . قوله : ( إن صدقه ) وكذا إن كذبه على المعتمد ؛ لأنه يتصرف في مال نفسه ، فإن حضر المستحق وأنكر الوكالة صدق بيمينه ، ز ي . ثم إن كان الحق عيناً فإن كانت باقية في يد الوكيل أخذها صاحبها منه ، وإن تلفت من غير تقصير رجع صاحب العين على كل منهما ، فإن غرم أحدهما لا رجوع للغارم على الآخر لأنه مظلوم فلا يرجع على غير ظالمه ، وإن تلفت بتفريط القابض فإن غرمه المستحق فلا رجوع له ، وإن غرم الدافع رجع على القابض لأنه وكيل عنه والوكيل يضمن بالتفريط والمستحق ظلمه بأخذ البدل ، وإن كان المدفوع ديناً وهو باق في يد الوكيل رجع الموكل على الأصيل ويرجع الدافع على المدفوع له بالدين ، اه . وقوله ( لأنه مظلوم فلا يرجع على غير ظالمه ) يؤخذ منه حكم الشكية المعلومة ، وهو ما لو اشتكى شخص شخصاً لذي شوكة وغرمه مالاً فإنه يرجع به عليه ولا يرجع على الشاكي ، خلافاً للأئمة الثلاثة . قوله : ( أو ادعى أنه محتال ) فإن رجع أي المحيل وأنكر الحوالة أخذ حقه من المحال عليه ، ولا رجوع للمحال عليه على المحتال لأنه اعترف له بانتقال الحق إليه ، فهو أي المحال عليه مظلوم بإنكار المحيل الحوالة فلا يرجع على غير ظالمه وهو المحيل . قوله : ( أو وارث له ) أي مستغرق وإلا فلا يجوز الدفع له . قوله : ( أو موصى له ) بأن قال : مات فلان وله عندك كذا وأنا وصيه أو أوصى لي به ز ي . وقوله ( منه ) أي من زيد الميت ، ولو قال ( به ) لكان أوضح . قوله : ( لاعترافه ) فلو أنكر المحيل الحوالة ورجع على الدافع ليس للدافع الرجوع على المحتال لأنه مصدق له بأن ما قبضه صار له بالحوالة وإن المستحق ظلمه فيما أخذه كما قاله س ل . وبقول الشارح ( لاعترافه الخ ) حصل الفرق بينه وبين الأول حيث يجوز له الدفع إذا صدقه ولا يجب .
فرع : وكل الدائن المدين أن يشتري له شيئاً بما في ذمته لم يصح ، خلافاً لما في الأنوار لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح ولم يوجد لأنه لا يكون قابضاً مقبضاً من نفسه ، سم . واعتمد حج في شرحه ما في الأنوار ومنع كونه من اتحاد القابض والمقبض . وقول سم ( لم يصح ) أي وإذا فعل وقع الشراء للمدين ، ثم إن دفعه للدائن رده إن كان باقياً وإلا رد بدله ، اه ع ش على م ر .(3/469)
"""""" صفحة رقم 470 """"""
3 ( ( فصل : في الإقرار ) ) 3
لما كان الإقرار يشبه الوكالة من حيث إن المقرّ قبل إقراره كان متصرفاً فيما بيده وليس له وقد عزل عنه بإقراره ذكر عقبها ، فالمقرّ له شبيه بالموكل والمقرّ شبيه بالوكيل والمقرّ به شبيه بالموكل فيه اه . وهو مصدر أقرّ ، فقولهم مأخوذ من ( قرّ ) بمعنى ثبت فيه تجوّز ؛ لأن المصدر لا يشتق من الفعل . وقوله لغة الإثبات المناسب لقوله : من قر الشيء أي ثبت ، أن يقول : وهو لغة الثبوت ق ل بزيادة . ويجاب عن الثاني وهو قوله ( المناسب الخ ) بأن الإقرار فعل المقر فيناسب تفسيره بالإثبات لا الثبوت ، وعن الأول بأن المراد الأخذ لا الاشتقاق ، ودائرة الأخذ أوسع لأنه يكفي فيه اشتماله على أكثر الحروف بخلاف ذلك لا بد فيه من جميعها .
قوله : ( من قرّ ) من باب ضرب ومن باب تعب . قوله : ( بحق عليه ) أي أو عنده ليشمل العين . قوله : ( فشهادة ) أي إن لم يكن فيه إلزام ، فإن كان فيه إلزام فهو حكم . هذا إذا كان خيراً خاصاً ، فإن كان عاماً فإن كان عن محسوس فرواية ، وإن كان عن حكم شرعي ففتوى اه حج . وقوله ( عن محسوس ) كما لو أخبر عن حرم مكة أو عن أبواب الحرم عدتها كذا . قوله : ( قوله تعالى أأقرتم الخ ) الأولى الاستدلال بقوله تعالى : ) كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم } ) النساء : 135 ) لأنها أصرح في الدلالة فسرت شهادة المرء على نفسه بالإقرار . قوله : ( اغد يا أنيس ) فعل أمر من الغدو بالغين المعجمة أي اذهب ، وسببه : ( أن رجلين أتيا إلى النبي فقال أحدهما : أسألك يا رسول الله أن تحكم بيننا بكتاب الله تعالى ، وقال الآخر مثله ؛ فقال لهما رسول الله : ( نعم أحْكُمُ بينكما بذلك ) فقال الأول : يا رسول الله إن ابني كان عسيفاً أي أجيراً عند هذا الرجل أي راعياً وإنه زنى بامرأته . فقال للرجل : ( ما تَقُولُ في ذَلِكَ ) ؟ فقال : نعم . فقال رسول الله : ( اغْدُ يا أُنَيْسُ ) فذهب إليها أنيس فاعترفت فرجموها ) ق ل على التحرير . وأنيس هو أنيس بن الضحاك الأسلمي لا أنس خادم النبي ؛ لأن الأول أسلمي والثاني أنصاري . وإنما اختاره النبي للإرسال لأنه من قبيلة المرأة والعرب تكره أن يؤمر عليها من غير قبيلتها . قوله : ( فإن اعترفت الخ ) وجه الدلالة منه أنه علق رجمها على الاعتراف والقتل أمر عظيم ، فغيره من الأموال أولى بالثبوت أفاده العزيزي .(3/470)
"""""" صفحة رقم 471 """"""
قوله : ( على المؤاخذة به ) ولو هازلاً أو لاعباً أو كاذباً وإن كان يجوز الرجوع عنه في بعض صوره .
قوله : ( أربعة ) ولا يشترط مقرّ عنده من حاكم أو شاهد على المعتمد .
قوله : ( إلى ما يسقط ) وهو ما لا يتعلق به حق الغير كحد الزنا ، وما لا يسقط هو ما تعلق بآدمي كالزكاة والكفارة . قوله : ( بالشبهة ) أي الطريق في سقوطه ، باعتبار أن الشخص يرى هذا الأمر أي الحد لله وهو مبني على العفو والمسامحة وعدم المؤاخذة لقوة رجائه في الله والأولى أن تفسر الشبهة بأنه حصل للقاضي برجوعه تردد في أنه صادق في الأول أو في الثاني ، وإذا كان صادقاً في الأول أي الإقرار فرجوعه عنه لقوة رجائه في الله سبحانه وتعالى بعدم المؤاخذة . قوله : ( كالزكاة ) كأن قال عليّ زكاة أو كفارة ثم رجع . قوله : ( الذي يسقط الخ ) لما كان ظاهر المتن أن حق الله يصح فيه الرجوع مطلقاً قيده بقوله ( الذي يسقط الخ ) فيفهم من كلام الشارح الاعتراض على المتن لأنه أطلق في محل التقييد ، فكان الأولى التقييد . ويجاب عن المتن بأن مراده بحق الله حق الله المحض ومراده بحق الآدمي المحض أو ما فيه حق لله وآدمي كالزكاة والكفارة . قوله : ( يصح الرجوع فيه ) فلو رجع في أثناء حد فتمموه فمات فلا قصاص وتجب حصة الباقي من الدية بعدد الضربات . وتعبيره بالصحة لا ينافي أنه مستحب ، ولو رجع قبل الحد فحدوه ضمن بالدية لا القود على المعتمد لظنهم كذبه في الرجوع ولاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع اه م د . وقوله : لا ينافي أنه مستحب بل الأولى عدم الإقرار بالمرة والتوبة باطناً ، وكذا الشهود يندب لهم عدم الشهادة إن كان فيه مصلحة . وعبارة المدابغي على التحرير : فيقبل رجوعه بنحو ( كذبت ) أو ( رجعت ) أو ( ما زنيت ) وإن قال بعده : ( كذبت في رجوعي ) . وقبول رجوعه عن الإقرار بالنسبة لسقوط الحد ، أما بالنسبة لغيره(3/471)
"""""" صفحة رقم 472 """"""
كسقوط الحد عن قاذفه فهو باق ، فلا يجب برجوعه بل يستصحب حكم إقراره فيه من عدم حده لثبوت عدم إحصانه بإقراره بالزنا . قوله : ( على الدرء ) أي الترك . قوله : ( ما لو ثبت بالبينة ) أي فلا عبرة بالرجوع وفيه أن الرجوع لا يكون إلا عن إقرار ، والفرض أنه ثبت ببينة فإن أقر بعد البينة ثم رجع فإن كان قبل الحكم فلا يعتبر رجوعه وإن كان بعده اعتبر ما استند إليه الحكم من الحاكم اه مدابغي . فإن استند الحكم إلى الإقرار كان له الرجوع وإن استند للبينة لم يصح الرجوع ، ولو أقر بالسرقة ثم رجع ثم كذب رجوعه ، قال الدارمي : لا يقطع . ولو أقر بالزنا ثم قال : لا تحدّوني ، ففي قبول قوله لنفي الحد احتمالان ، قال سم : ولو قال لا تحدّوني أو امتنع من تسليم نفسه أو هرب فليس برجوع لكن يكفّ عنه في الحال ، فإن رجع فلا حد وإلا حد ، فإن لم يكف عنه ومات فلا ضمان . قال سم : وظاهر أنه حيث اعتبر الإقرار فأسقطه بالرجوع جاز العمل بالبينة بشرطها ، وقد يتجه حيث لم يسند الحكم إلى خصوص أحدهما اعتبار البينة مطلقاً لأنها في حق الله تعالى أقوى من الإقرار لقبول الرجوع عنه ، بخلاف حق الآدمي فإن الإقرار فيه أقوى ولهذا يثبت به من غير حكم بخلاف البينة فيكون هو المعتبر والمستند إليه مطلقاً اه . قوله : ( بما لا يسقط بالشبهة ) الباء بمعنى ( في ) فالرجوع عن الإقرار بالوطء الموجب للمهر والحد يقبل بالنسبة للحدّ لا للمهر ، وإذا أقر بالسرقة ثم رجع قبل رجوعه بالنسبة لقطع يده لا لغرم المال . قوله : ( وحق الآدمي لا يصح الرجوع فيه ) نعم إن صدقه المقرّ له في الرجوع بطل الإقرار إن لم يتعلق به حق الله تعالى ، فإن تعلق به كما لو أقرّ بحرية عبد ثم رجع وصدقه العبد أو ادعى جارية وحكم له بها بيمينه فأولدها ثم كذب نفسه وقال : ليست لي ، وصدقته الجارية ، لم تبطل الحرية في الأولى ولا يحكم برق الولد في الثانية ، ولا تردّ الجارية إلى المدعى عليه في الأصح .
قوله : ( وتفتقر صحة الإقرار ) أي سواء كان في حق الله أو الآدمي . قوله : ( في المقر )(3/472)
"""""" صفحة رقم 473 """"""
( في ) بمعنى ( من ) وهي متعلقة بصحة . قوله : ( بإمناء ) أما لو ادعاه بالسنّ فيكلف البينة عليه وإن كان غريباً لإمكانها وسهولتها فلو أطلق دعوى البلوغ فيستفسر كما قاله الأذرعي وتعقبه م ر بأنه يقبل مطلقاً ويحمل على البلوغ بالإمناء حتى لا يتوقف على بينة ، فهو المعتمد . والبينة رجلان ، نعم لو شهد أربع نسوة بولادته يوم كذا قبلت وثبت بها السنّ تبعاً م ر . قوله : ( صدق في ذلك ) أي في الإمناء الممكن . قوله : ( ولا يحلف عليه ) أي الإمناء الممكن ؛ ومحله فيما لا مزاحمة فيه ، أما ما فيه مزاحمة كطلب سهم المغازاة فيحلف . قوله : ( لأن ذلك لا يعرف إلا منه ) راجع لقوله ( صدّق ) وقوله ( ولأنه الخ ) راجع لقوله ( ولا يحلف ) . قوله : ( لانتهاء الخصومة ) أي المنازعة في كونه بلغ أو لا بتحقق البلوغ وبالوصول إلى تلك الحالة لا يحلف أنه كان متصفاً بها حال الإقرار ؛ لأنه إن كان صادقاً فلا حاجة لليمين وإن كان كاذباً فلا يطلب إلجاؤه إلى الكذب . قوله : ( وكالإمناء في ذلك الحيض ) أي فتصدق ولا تحلف ، نعم لو علق زوجها طلاقها بحيضها فادعته فلا بد لوقوعه من تحليفها إذا اتهمها اه م د . قوله : ( وسيأتي حكم السكران ) وهو أنه إن كان متعدياً يقبل إقراره تغليظاً عليه وإلا فلا ، أي فهو مستثنى من قوله : والعقل . قوله : ( فلا يصح إقرار مكره ) أي بغير حق م ر ، قال سم : انظر ما صورة الإكراه بحق ، قال شيخنا ويمكن تصويره بما إذا أقرّ بمبهم وطولب بالبيان فامتنع فللقاضي إكراهه على البيان وهو إكراه بحق اه أ ج .
قوله : ( وصورة إقراره ) أي المكره الذي لا يعتدّ بإقراره أن يضرب ليقرّ لا أن يضرب ليصدق ، فإن هذا يعتدّ بإقراره . وصورته أن يسأل فلا يجيب بشيء نفياً ولا إثباتاً ، فيضرب حينئذ ليتكلم بالصدق ، فإذا أجاب بشيء نفياً أو إثباتاً حرم التعرض له بعد ذلك . والكلام في(3/473)
"""""" صفحة رقم 474 """"""
الإقرار وأما الضرب فحرام مطلقاً م د . قوله : ( ولا ينحصر الصدق في الإقرار ) بل يكون في عدمه كقوله : ليس عندي ما ادعيت به . قوله : ( ليقرّ بالحق ) أي المدعي به كما ذكره الشارح بعد لا الحق الموافق للواقع . قوله : ( ويراد بذلك ) أي بإقراره بالحق وبخط الميداني أي بضربه . قوله : ( الإقرار بما ادعاه خصمه ) فهو عام أريد به خاص . وأما لو أريد بالحق حقيقته وهو الإخبار بالواقع فأخبر بما ادعاه الخصم فيعمل به . ولو تعارضت بينتا إكراه واختيار قدمت الأولى لأن معها زيادة علم ، إلا إن شهدت بينة الاختيار أنه زال الإكراه ثم أقرّ فتقدم كما في العباب ، قاله العلامة ابن قاسم وأقره شيخنا البابلي . ولو ادعى بعد الإقرار أنه كان مكرهاً وقته ، فإن كانت قرينة دالة على تصديقه حبس وترسيم صدق بيمينه وإلا فلا برماوي مع زيادة . والترسيم التضييق عليه بأن لا يذهب من محل إلى آخر .
قوله : ( سواء أقر الخ ) وسواء أضرب ليقر أو ليصدق ، فمحل التفصيل السابق ما لم يكن مراد المكره طلب الإقرار بما ادعاه الخصم وإلا فلو كان كذلك كان الضرب إكراهاً مطلقاً . قوله : ( وهذا متعين ) أي فلا يصح إقراره مطلقاً . قوله : ( وإن كان بمال الخ ) ظاهره عام في حق الله وحق الآدمي وخاص بالمال ، والشارح صرفه عنهما فزاد على المال النكاح وخصه بحق الآدمي ، فلو أبقاه على ظاهره لكان أولى . والعموم مراد لأن حق الله المالي يعتبر فيه الرشد كحق الآدمي لأن السفيه لا يستقل بالزكاة والكفارة من غير تعيين من الولي للقدر المدفوع والشخص المدفوع إليه . قوله : ( أو نكاح ) أي أنه تزوّج . قوله : ( الرشد ) المراد به إطلاق التصرف ، فيشمل الرشيد حقيقة والسفيه المهمل وهو الذي بلغ رشيداً ثم بذر ولم يحجر عليه القاضي . قوله : ( فلا يصح إقرار سفيه ) أي سواء بلغ غير مصلح لماله ودينه أو بلغ مصلحاً وبذر وحجر عليه الحاكم . قوله : ( بدين ) أي ولا بعين ، وأما المفلس فيصح بدين في ذمته لا في أعيان ماله ؛ كذا قيل وهو مخالف لصريح المنهج فإنه قال : ويصح إقراره أي المفلس بعين أو جناية أو بدين أسند وجوبه لما قبل الحجر اه . وقال الحلبي : أما المفلس فيصح إقراره بعين أو جناية ولو بعد الحجر أو بدين معاملة أو إتلاف أسند(3/474)
"""""" صفحة رقم 475 """"""
وجوبه لما قبل الحجر . وأما السفيه فيصح إقراره بموجب عقوبة دون غيرها اه . وفي المدابغي على التحرير ما نصه : حاصل مسئلة المفلس أنه إن أقر بعين أو دين جناية قبل مطلقاً ، وإن أقر بدين معاملة فإن أسند وجوبه لما قبل الحجر قبل أيضاً ، وإن أسند وجوبه لما بعد الحجر وقيد بمعاملة كما هو فرض المسئلة لم يقبل في حق الغرماء أو لم يقيد بمعاملة ولا غيرها روجع ، وإن أطلق الوجوب فلم يقيده بمعاملة ولا جناية ولا بما قبل الحجر ولا بعده روجع أيضاً ، فإن تعذرت مراجعته لم يقبل اه . وقوله ( في حق الغرماء ) بخلافه في حقه فإنه يقبل . قوله : ( قبل الحجر ) أي لزمه قبل الحجر أو بعده . قوله : ( نعم يصح الخ ) ضعيف والمعتمد أنه لا يصح إقراره مطلقاً م ر وز ي ؛ أي لأن من ملك الإنشاء ملك الإقرار ومالاً فلا ، لكن الغرم لازم له لا من جهة الإقرار بل من جهة خطاب الوضع كالصبي فتفريع الغرم على الإقرار غير ظاهر ؛ لأن الغرم يلزمه وإن لم يقر . قوله : ( وخرج بالمال ) الأولى أن يقول : وخرج بإقراره بإتلاف المال لأجل المناسبة بين المخرج والمخرج ، وقال بعضهم : كان الأولى أن يقول : ويصح إقراره بموجب عقوبة كما فعل في المنهج ، فالتعبير بالخروج فيه مسامحة لأن جعلها مسئلة مستقلة أولى . قوله : ( بموجب ) بكسر الجيم أي بشيء يوجب عقوبة كالزنا والقتل . وقوله ( كحد ) مثال للعقوبة . قوله : ( لعدم تعلقه بالمال ) أي ابتداء فلا يتوقف على الرشد ، وإنما قلنا ابتداء لئلا يرد وجوب المال عنه بالعفو عليه أي على المال اه م د .
قوله : ( فمنها كون المقر له الخ ) ذكر الشارح منها ثلاثة شروط . قوله : ( نوع تعيين ) أي ولو نوع تعيين ، فدخل قوله ( على مال ) لأحد هؤلاء الثلاثة مثلاً فإنه يصح كما في شرح المنهج فلو قال واحد منهم أنا المراد صدق بيمينه إن لم يكذبه المقر اه م ر . قوله : ( بحيث يتوقع منه الدعوى ) أشار به إلى أن المعتبر نوع تعيين خاص بحالة وهي توقع الدعوى والطلب منه ، فلذا خرج قوله لواحد من بني آدم عليّ ألف وإن كان فيه نوع تعيين ، إلا أنه ليس بهذه الحالة قرره شيخنا . وعبارة شرح المنهج : معيناً تعييناً يتوقع معه طلب . قوله : ( لم يصح ) إلا إذا كانوا محصورين فيما يظهر ، حج شوبري وم ر . فيصح ويعين من أراده . قوله : ( لأنه ) أي الإقرار حينئذ يصادف محله . قوله : ( وصدّقه ) أي المقر محتمل جملة حالية ، فهي من جملة العلة ،(3/475)
"""""" صفحة رقم 476 """"""
فهو إشارة إلى شرط في المقر وهو كون صدقه محتملاً ، فإن لم يحتمل لم يصح كالأمثلة التي قالها الشارح ؛ لكن كلام الشارح فيه مسامحة من جهتين : الأولى : أن الكلام في شروط المقر له وهذا من شروط المقر ، والثانية : أنه ذكر محترز الشرط الزائد قبل أن يذكر محترز الشرط الأصلي وهو استحقاق المقر له للمقر به . قوله : ( وبهذا يخرج الخ ) أي بقوله ( وصدقه محتمل ) أي فيشترط في المقر احتمال صدقه ، فلو قطع بكذبه لم يصح إقراره ، وحينئذ تعلم أن في عبارة الشارح تسمحاً من وجهين : الأول : ذكره هذا الحكم في الشرط المذكور مع أنه شرط مستقل ، والثاني : ذكره في معرض شروط المقر له مع أنه في الحقيقة من شروط المقر كما علمت . قوله : ( عقب النكاح ) أي القبول ؛ لأنه قبل القبول بلحظة كان في ملك الزوج ولم يحتمل في هذا الزمان الضيق أن ينتقل من الزوج إليها ومنها لغيرها . قوله : ( فلو قال لهذه الدابة ) مفرع على قوله أهلية استحقاق ، وينبغي فرض عدم الصحة في المملوكة . أما لو أقر لخيل مسبلة فالأشبه الصحة كالإقرار لمقبرة أي لأهلها ، ويحمل على أنه من غلة وقف عليها أو وصية ز ي أ ج . قوله : ( لفلان ) أعم من أن يكون مالكها أو غيره . قوله : ( ويلغو الإسناد ) أي وكذا الإقرار على المعتمد . قوله : ( وهذا ) أي قوله : وإن أسند الخ . قوله : ( وما وقع ) مبتدأ ، وقوله ( ضعيف ) خبر . وقوله ( من أنه ) بيان لما أو بدل منها . وقوله ( لغو ) خبر ( أن ) وإذا أسنده الخ معمول لقوله لغو مقدم عليه . قوله : ( ضعيف ) هو الضعيف ، فالمعتمد ما في المنهاج أن الإقرار لغو من أصله كما قاله سم . قوله : ( ترك في يد المقر ) إن كان عيناً ولم يطالب به إن كان ديناً . قوله : ( حتى لو رجع ) أي المقر الخ قال في شرح الروض لا حاجة لهذا لبطلان إقراره بمعارضة الإنكار اه ، وهذا ظاهر .(3/476)
"""""" صفحة رقم 477 """"""
قوله : ( أما لو حذف عليّ أو عندي ) أو بمعنى الواو فلا بد من حذفهما ، ويترتب على ذلك أنه يقبل قوله في دعواه مسقطاً إذا كان مقراً بعين كما إذا طلب منه العين فقال : كانت وديعة وتلفت من غير تقصير ، فإنه يصدق بيمينه ولبعضهم :
عليّ أو في ذمتي للدين
معي وعندي يا فتى للعين
وقبلي إن قلته فمحتمل
للدين مع عين كما عنهم نقل
قوله : ( ببلى أو نعم ) وفي نعم وجه أنها ليست بإقرار ؛ لأنها في اللغة تصديق للنفي المستفهم عنه ، بخلاف ( بلى ) فإنها ردّ له ونفي النفي إثبات ، ولهذا جاء عن ابن عباس في آية : ) ألست بربكم } ) الأعراف : 172 ) لو قالوا نعم لكفروا . ورد هذا الوجه بأن الأقارير ونحوها مبنية على العرف المتبادر من اللفظ لا على دقائق العربية ، وعلم منه عدم الفرق بين النحوي وغيره خلافاً للغزالي ومن تبعه شرح م ر ، ولبعضهم :
بلى تقرر الاستفهام مثل نعم
لكن جواب بلى في النفي إثبات
قوله : ( أو نحوها ) كمرادف نعم وهو جير وأجل وإي اه ز ي . قوله : ( كجواب اقض الألف الخ ) جعل هذه مشبهة بما تقدم ولم يضمها إليها كأن يقول : واقض الألف الخ لأن فيها خلافاً ، وما قبلها متفق عليها كما في المنهاج عشماوي . قوله : ( أو أنا مقر ) أي ولم يقل به وإلا فهو صريح في الإقرار . قوله : ( لأن مثل ذلك يذكر للاستهزاء ) هو ظاهر فيما عدا الخامس والسادس . وعبارة شرح المنهج : فليس إقراراً بل ما عدا الخامس والسادس ليس إقراراً أصلاً ؛ لأنه يذكر للاستهزاء والخامس محتمل للإقرار بغير الألف كوحدانية الله ، والسادس للوعد بالإقرار به بعد اه ، أي والوعد لا يلزم الوفاء به . قوله : ( فشرطها أن لا يكون الخ ) الأولى أن(3/477)
"""""" صفحة رقم 478 """"""
يقول بدل قوله ( فشرطه الخ ) فهو أن لا يكون الخ لأن المحدّث عنه الشرط لا المشروط وقد ذكر شرطين .
قوله : ( أن لا يكون ملكاً ) أي أن لا يكون في صيغته ما يدل على ملكه له ق ل . قوله : ( فقوله داري أو ديني لعمرو الخ ) أي ولم يرد الإقرار ، فلو أراد بالإضافة في داري إضافة سكني صح كما قاله البغوي في فتاويه . وبحث الأذرعي استفساره عند الإطلاق والعمل بقوله ، شرح م ر أ ج . وقوله : ( أو ديني ) أي الذي عليك . قوله : ( لأن الإضافة إليه تقتضي الملك ) أي حيث لم يكن المضاف مشتقاً ولا في حكمه ، فإن كان كذلك اقتضت الاختصاص بالنظر لما دل عليه مبدأ الاشتقاق ، فمن ثم كان قوله داري أو ديني لعمرو لغواً لأن المضاف فيه غير مشتق ، فأفادت الإضافة الاختصاص مطلقاً ، ومن لازمه الملك بخلاف مسكني وملبوسي فإن إضافته إنما تفيد الاختصاص من حيث السكنى لا مطلقاً لاشتقاقه ، اه ع ش م ر . قوله : ( فتنافى الإقرار ) لأن الإقرار ليس إزالة عن الملك ، وإنما هو إخبار عن كونه مملوكاً للمقر له ، فلا بد من تقدم المخبر عنه على الخبر اه عناني . ومحل كونه لغواً ما لم يرد به الإقرار بمعنى أن الدار التي كانت ملكي قبل هي لزيد الآن غايته أنه أضافها لنفسه باعتبار ما كان مجازاً ، اه ع ش . قوله : ( هذا ملكي هذا لفلان ) والفرق بين هذا حيث صححوه وبين قوله سابقاً ( داري ) أو ( ديني لعمرو ) حيث جعلوه لغواً ، أن ما تقدم جملة واحدة أوّلها مناف لآخرها بخلاف هذه . والحاصل إنه إذا أتى بجملتين إحداهما تضره والأخرى تنفعه عمل بما يضرّه منهما سواء تقدم أو تأخر ، وإن أتى بجملة واحدة فيها ما يضرّه وما ينفعه لغت إن قدّم النافع كقوله : داري لفلان اه عناني . قوله : ( بأن يسلم للمقرّ له حينئذ ) أي حين كونه بيده ، ومعنى كون المقرّ به يسلم للمقر له في المثال الذي ذكره مع أن المقرّ به الحرية وهي لا يمكن تسليمها تسليم نفسه إليه بسبب الحكم بحريته بمعنى أنه يخلي سبيله . قوله : ( فلو أقرّ بحرية شخص الخ ) مثل الإقرار الشهادة ، فلو شهد بأن ما في يد زيد مغصوب صح شراؤه منه لأنه قد يقصد استنقاذه ولا يثبت الخيار للمشتري كما قاله الإمام ؛ لأنه إنما يثبت لمن يطلب الشراء ملكاً لنفسه أو موليه اه شرح م ر . وكتب ع ش على قوله ( صحّ شراؤه ) أي حكم بصحة شرائه منه ، ويجب رده لمن قال إنه مغصوب منه إن عرف وإلا انتزعه الحاكم منه . قوله : ( ثم اشتراه ) أي لنفسه أو ملكه(3/478)
"""""" صفحة رقم 479 """"""
بوجه آخر كالإرث . وخص الشراء لأنه الذي يترتب عليه جميع الأحكام الآتية شرح م ر . فلو اشتراه لموكله لم يحكم بحريته . قوله : ( افتداء له ) لاعترافه بحريته المانعة من شرائه شرح المنهج . ويؤخذ منه أنه شراء صوري والقصد منه الافتداء ؛ لأن اعترافه بالحرية يوجب بطلان الشراء . قال ع ش : وينبغي أن يأتي مثل ذلك في كتب الوقف ، فإذا علم بوقفيتها ثم اشتراها كان شراؤه افتداء فيجب عليه ردّها لمن له ولاية حفظها إن عرف وإلا سلمها لمن يعرف المصلحة ، فإن عرفها هو وأبقاها في يده وجب عليه الإعارة كما جرت به العادة وليس من العلم بوقفيتها ما يكتب بهوامشها من لفظ وقف . قوله : ( فله الخيار ) أي خيار المجلس والشرط والعيب ، أي عيب الثمن المعين . قوله : ( دون المشتري ) أي فلا خيار له ولو وجد فيه عيباً ، فليس له رده ولا أرش له عنه .
قوله : ( وإذا أقرّ بمجهول ) مقابل لمحذوف تقديره : ثم إن أقرّ بمعلوم ، فذاك ظاهر ، وإن أقرّ بمجهول من كل الوجوه جنساً وقدراً وصفة كالمثال الأول أو قدراً وصفة لا جنساً كقوله : له مال عليّ وسواء ، كان الإقرار بالمجهول ابتداءً أو جواباً لدعوى لأنه إخبار عن حق فيصح مجملاً ومفصلاً . قوله : ( رجع له ) فإن امتنع حبس عليه حتى يبين لامتناعه من أداء الواجب عليه ، فإن مات قبل البيان طولب به الوارث ووقف جميع التركة ولو بين بما يقبل وكذبه المقر له في أنه حقه فليبين أي المقر له جنس حقه وقدره وصفته وليدع به ويحلف المقر على نفيه ؛ شرح المنهج . قوله : ( له علي شيء ) خرج ما لو قال : له عندي شيء ، فإنه يقبل تفسيره بنجس لا يقتنى لأنه لا يشعر بالوجوب . قوله : ( سواء أكان ) أي غير ما ذكر . قوله : ( كفلس ) مثال للمتمول لأنه كأنه قال سواء تمول أم لا ، والمتمول ما سدّ مسداً من جلب نفع أو دفع ضرر . قوله : ( وحبة بر ) أي وقمع باذنجانة اه سم . قوله : ( وزبل ) أي لأنه وإن كان نجساً لكنه يقتنى . قوله : ( لصدق كل منها ) لو قال لصدق الشيء على كل منها كان أولى ، وإنما لم يصدق الشيء بالسلام والعيادة لبعد فهمهما منه . قوله : ( مع كونه محترماً ) أشار به إلى أن العلة مركبة ليخرج النجس الذي لا يقتنى كالخنزير ، فإن الشيء يصدق عليه لكونه غير محترم .(3/479)
"""""" صفحة رقم 480 """"""
قوله : ( إثم غاصبه ) أي وكفر مستحله . وهو مبتدأ خبره محذوف أي موجود . قوله : ( أصل ما أبني ) مبتدأ ، خبره قوله ( أن ألزم اليقين ) وما بعده عطف لازم على ملزوم وإضافة أصل لما بعده بيانية ، أي أصل هو ما أبني عليه الإقرار الخ ، أو من إضافة الموصوف للصفة أي الأصل الذي أبني عليه الإقرار . والمراد باليقين الظن الغالب كما في شرح الروض . وقال الأجهوري : المراد باليقين الشيء المفسر به وهو حبة البر مثلاً وما زاد عليها مشكوك فيه ، والغالب أن وصفه بالعظم لكثرته فلا يعمل بهذا الغالب .
قوله : ( وأطرح الشك ) مثلاً إذا قال : له عليّ درهم في عشرة وأطلق ، فإن المتيقن درهم واحتمال كون في بمعنى مع حتى يلزمه أحد عشر مشكوك فيه . قوله : ( ولا أستعمل الغلبة ) فيه الشاهد لأنه إذا قبل تفسير المال العظيم بما قلّ منه لا يكون فيه استعمال الغلبة ، أي ما يغلب في عرف الناس ، وهو أنه مال كثير ؛ فقوله : ولا أستعمل الغلبة ) أي لا أعوّل عليها . وفي قواعد الزركشي : في قوله : ( ولا أستعمل الغلبة ) تصريح بأنه يترك الحقيقة في الأقارير ويحمل اللفظ على غير غالبه وهو المجاز . قوله : ( أو كذا ) هي في الأصل اسم مركب من اسم الإشارة وكاف التشبيه ، ثم نقل ذلك وصار كناية عن المبهم من العدد ؛ وفي كلام شيخنا عن المبهم من العدد وغيره ح ل . قال الزيادي : وهي في مثال المصنف بمعنى شيء وليست كناية عن العدد . قوله : ( برفع ) أي بدلاً أو عطف بيان . قوله : ( أو نصب ) أي تمييزاً . قوله : ( أو جر ) أي لحناً عند البصريين ؛ لأن تمييز كذا يجب نصبه عندهم ويجوز جره عند الكوفيين بمن مقدرة اه ح ل . قوله : ( أو سكون ) أي وقفاً . قوله : ( أو كذا كذا بالأحوال ) عبارة المنهج : أو كذا كذا درهم بالأحوال الأربعة ؛ فلعلّ لفظ درهم ساقط من الناسخ . والحاصل أن ( كذا ) إما أن يؤتى بها مفردة أو مكررة مع العطف أو بدونه ، والدرهم إما أن يرفع أو ينصب أو يجر أو يسكن . والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة اثنا عشر ، والواجب في جميع ذلك درهم إلا إذا أتى بكذا معطوفة ونصب الدرهم فالواجب درهمان ح ل وز ي . قوله : ( لزمه درهم ) لأن كذا مبهم وقد فسره بدرهم في الأولى والثانية ، وتختص الثانية باحتمال التأكيد هو مشكل مع العطف لأنه يقتضي المغايرة . وأجاب المدابغي بأن درهم راجع لأحدهما اه . فيكون الآخر لغواً وهو بعيد . ولو قال ( راجع للثاني ) لكان أولى لقربه منه ، ويمكن بيان كل منهما بنصف درهم فيكون(3/480)
"""""" صفحة رقم 481 """"""
مجموعهما درهماً . وانظر هل هذا أولى من كلام الشيخ المدابغي أو لا ؟ تأمل وحرر . والدرهم في الثالثة لا يصلح للتمييز شرح المنهج ، أي بل هو خبر عنهما في الرفع أي هما درهم أو بدل منهما أو بيان لهما ، وأما الجر وإن كان لا يظهر له معنى لكن يفهم منه عرفاً أنه تفسير لجملة ما سبق ، وكذا يقال في السكون ح ل .
قوله : ( فيعود إلى الجميع ) فهو تفسير لكل منهما ، والعطف يمنع احتمال التأكيد قوله : ( أو وصل قوله المذكور ) أي لم تكن كذلك بأن كانت تامة أو خالصة لكن وصل الخ . قوله : ( فإن أراد معية الخ ) . حاصله أن فيه خمسة أحوال ، يلزمه أحد عشر في حالة وعشرة في حالة ودرهم في ثلاثة أحوال . قوله : ( الاستثناء ) مأخوذ من الثني وهو الرجوع لرجوع المستثنى عما اقتضاه لفظه شرح م ر . قوله : ( لكثرة وروده في القرآن ) من وروده في القرآن : ) فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس } ) الحجر : 30 ) وفي السنة ( الجمعة حقُّ واجبٌ على كل مُحْتلمٍ إلا أرْبَعَة ) وفي كلام العرب :
وبلدة ليس بها أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس
قوله : ( بشروط ) هي في كلامه صريحاً ثلاثة ، وذكر رابعاً لا بعنوان الشرطية وهو قوله : ولا يجمع مفرق الخ . وبقي من الشروط كما قاله ق ل وأن يتلفظ به وأن يسمع نفسه ولو بالقوة اه . وقال سم : وأن يسمع به غيره . قال في الأنوار : وإلا فالقول قول المقر له بيمينه ، أي في نفي الإتيان به بخلاف نفي مجرد السماع فلا أثر له . قوله : ( إذا وصله ) أي الاستثناء بمعنى المستثنى ففيه استخدام . قوله : ( فلا يضر سكتة تنفس ) أي ما لم يقصد بها القطع . قوله : ( وعيّ ) أي تعب . وقوله ( وتذكر ) أي تذكر قدر ما يستثنيه ، أي إذا كان بقدر سكتة التنفس ع ش ، كأن سكت ليتذكر ما يخرجه بأن دفع له شيئاً من الدين ونسي فقال : له عندي عشرة وسكت ليتذكر ما دفعه منها ليخرجه . قوله : ( وانقطاع صوت ) وسعال ونحوه . وانظر ولو طال(3/481)
"""""" صفحة رقم 482 """"""
زمنه أو لا ؟ ظاهر كلامهم الأول تأمل ، شوبري . قوله : ( وكلام أجنبي ) من المقر ، نعم لو قال له عليّ ألف أستغفر الله إلا مائة فإنه يصح كما في البيان والعدة ز ي ؛ لأن الاستغفار للتذكر أي تذكر قدر ما يستثنيه ، وهو أيضاً مناسب للمقام بخلاف الحمد لله وغيره فإنه يضر . قوله : ( الشرط الثاني الخ ) عبارة سم : ويشترط فيه أيضاً أن يقصده قبل فراغ صيغة الإقرار وإن لم يقارن أولها إن تأخر فإن تقدم فهل يسقط اعتبار هذا الشرط لحصول الارتباط بدونه لأن ذكر المستثنى منه متأخراً يوجب ارتباطه بالمستثنى المتقدم أو لا ؟ فيه نظر ، ولعل الأقرب الثاني ، وعليه فهل يشترط قصد الإخراج به قبل التلفظ به أو تكفي مقارنته للتلفظ فيه نظر ، ولعل الأقرب الثاني اه . وعليه يعتبر مقارنته لجميع اللفظ أو يكفي مقارنته لبعضه فيه نظر ولعل الأقرب الثاني اه .
قوله : ( أن ينوي قبل فراغ الإقرار ) ولو مع الآخر حرف ع ش . قوله : ( لم يصح ) لما فيه من التناقض الصريح ح ل . ومحل عدم الصحة ما لم يتبعه باستثناء آخر غير مستغرق نحو له عليّ عشرة إلا عشرة إلا خمسة ، فيصح الاستثناء ويلزمه خمسة . قوله : ( ولا يجمع مفرق ) أي لا يجمع مفرق في حالة استغراق أي لدفعه إن كان الجمع في المستثنى منه ، ولا لتحصيله إن كان في المستثنى أو فيهما . قوله ( أي لدفعه الخ ) كما في الصورة الأولى ، وقوله ( ولا لتحصيله ) كما في الصورة الثانية والثالثة . قوله : ( ولا فيهما ) كقوله له عليّ درهم ودرهم ودرهم إلا درهماً ودرهماً ودرهماً فيلزمه ثلاثة ؛ لكن لا فائدة في عدم جمع المفرق لأنه يلزمه ثلاثة على كل حال سواء جمع المفرق أو لا ، فالأولى إسقاط قوله ولا فيهما كذا قرره شيخنا العشماوي ، والأولى أن يصوّر بأن يقول : له عليّ درهم ودرهمان إلا درهماً ودرهمين فيكون الدرهم مستثنى من الدرهمين قبله ويلغو ما بعده الذي حصل به الاستغراق فيلزمه درهمان ، ولو جمع المفرق لزمه ثلاث . قوله : ( لزمه ثلاثة دراهم ) لأن المستثنى منه إذا لم يجمع مفرقه كان الدرهم مستثنى من درهم فيستغرق فيلغو اه ع ن . قوله : ( لو قال له عليّ ثلاثة دراهم الخ ) أتى بمثالين في استغراق(3/482)
"""""" صفحة رقم 483 """"""
المستثنى ، إشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون جميع أفراده مفرقة أو بعضها مفرق وبعضها مجموع كالمثال الأول . قوله : ( إنما يحصل بالأخير ) وهو استثناء الدرهم الثالث من الدرهم الفاضل من المستثنى منه . قوله : ( والاستثناء من إثبات ) أي والمستثنى من مثبت منفي ومن منفي مثبت . وهذا إشارة لقاعدة ينبني عليها اختلاف الحكم . قوله : ( من إثبات نفي الخ ) أي خلافاً لأبي حنيفة فيهما ، وقيل في الأول فقط فقال : إن المستثنى من حيث الحكم مسكوت عنه ، فنحو ما قام أحد إلا زيد وقام القوم إلا زيداً ، يدل الأول على إثبات القيام لزيد والثاني على نفيه عنه . وقال أبو حنيفة : لا وزيد مسكوت عنه من حيث القيام وعدمه ، ومبنى الخلاف على أن المستثنى من حيث الحكم مخرج من المحكوم عليه فيدخل في نقيضه من قيام أو عدمه مثلاً أو مخرج من الحكم فيدخل في نقيضه أي لا حكم إذ القاعدة أن ما خرج من شيء دخل في نقيضه ، وجعل الإثبات في كلمة التوحيد بعرف الشرع وفي المفرغ نحو ما قام إلا زيد بالعرف العام اه محلي على جمع الجوامع . وقوله ( ومبنى الخلاف الخ ) قال السيد اتفق العلماء أبو حنيفة وغيره على أن إلا للإخراج وأن المستثنى مخرج وأن كل شيء خرج من نقيض دخل في النقيض الآخر ، فهذه ثلاثة أمور متفق عليها ، وبقي أمر رابع مختلف فيه : وهو أنا إذا قلنا قام القوم فهناك أمران القيام والحكم ، فاختلفوا هل المستثنى مخرج من القيام أو الحكم به ؟ فنحن نقول بالقيام ، فيدخل في نقيضه وهو عدم القيام ، والحنفية يقولون هو مستثنى من الحكم فيخرج لنقيضه وهو عدم الحكم ، فيكون غير محكوم عليه ، فأمكن أن يكون قائماً وأن لا يكون فعندنا انتقل إلى عدم القيام ، وعندهم انتقل إلى عدم الحكم ، وعند الفريقين مخرج وداخل في نقيض ما أخرج منه فافهم ذلك حتى يتحرر لك محل النزاع . والعرف في الاستعمال شاهد بأنه إنما قصد إخراجه من القيام لا من الحكم ، ولا يفهم أهل العرف إلا ذلك ، فيكون هو اللغة لأن الأصل عدم النقل والتغيير ، اه من الآيات البينات .
قوله : ( ومن طرق بيانه أيضاً ) أي اللازم وأشار بقوله أيضاً إلى ضابط مفيد للطريق الأولى وهي أن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات . قوله : ( هو المقرّ به ) ثم إن كان المذكور أوّلاً شفعاً ، فالأشفاع مثبتة ، أو وتراً فعكسه .(3/483)
"""""" صفحة رقم 484 """"""
قوله : ( لأن الأعداد المثبتة هنا ) وهي الأزواج والمنفية الأفراد ق ل . قوله : ( إلى الأول ) أي المستثنى الأول وهو التسعة . قوله : ( ولك أن تخرج الواحد الخ ) حاصل هذه الطريق أن يخرج من الأفراد فقط فتخرج الواحد من الثلاثة ، يبقى اثنان تخرجهما من الخمسة ، يبقى ثلاثة تخرجها من السبعة ، يبقى أربعة تخرجها من التسعة ، يبقى خمسة وهي اللازمة . قوله : ( له ) أي للمقصود منه . قوله : ( لأن العشرة إلا خمسة خمسة ) لأن المعنى ليس له عليّ عشرة متصفة بكونها ناقصة خمسة . وإيضاح ذلك أن الوحدات الخمسة لها اسمان مفرد وهو لفظ خمسة ومركب وهو عشرة إلا خمسة ، فإن معناه عشرة مخرج منها خمسة أو ناقصة منها خمسة وذلك هو الخمسة ؛ فلذلك لم يلزمه شيء لعدم وجود شيء غير ذلك ، فالنفي توجه لجميع ما بعده كله لأنه لفظ مركب ممزوج معناه خمسة ، فكأنه قال : ليس له عليّ خمسة ، وليس هناك مثبت يبقى بعد النفي بخلاف ما قبلها فإن النفي توجه للفظ شيء وهو عام وبعده مثبت فيبقى على القاعدة وهو أن المستثنى بعد النفي يكون مثبتاً ، فلذلك قال الشارح : لزمه خمسة ، وقول الشارح ( فجعل النفي متوجهاً إلى مجموع المستثنى الخ ) فيه مسامحة لأن ما بعد النفي كلام مركب معناه لفظ خمسة ، وليس هناك مستثنى منه ولا مستثنى إلا أن يقال ذاك بحسب الأصل قبل النفي . قوله : ( النفي الأول ) صفة كاشفة لأنه ليس في اللفظ إلا نفي واحد . قوله : ( وإن خرج عن قاعدة أن الاستثناء الخ ) أي للاحتياط في الإلزام ، قال ز ي : ويؤخذ من كلامه ضابط حاصله أنه إن كان المستثنى منه عاماً عمل بالاستثناء كقوله : ليس له عليّ شيء إلا خمسة ، وإن كان خاصاً ألغى الاستثناء كقوله : ليس له عليّ عشرة إلا خمسة ، فلا يختص بهذا المثال ، فيجري فيما لو قال : ليس له عليّ ألف إلا مائة فلا يلزمه شيء . قوله : ( لأنه نفي مجمل ) أي عام ، فيتناول جميع الأعداد التي منها الخمسة وقد استثناها . قوله : ( ولو قدم المستثنى ) كقوله :(3/484)
"""""" صفحة رقم 485 """"""
له عليّ إلا خمسة عشرة ، ولا بد من الشروط والنية حينئذ تكون عند المستثنى لأنه حالّ محل المستثنى منه . قوله : ( من غير جنس الخ ) أي أو نوعه أو صفته فيما يظهر ع ش ، ودليله : ) فإنهم عدوّ لي إلا رب العالمين } ) الشعراء : 77 ) ) ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } ) النساء : 157 ) ) لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً } ) مريم : 72 ) اه م ر . ولو قال : له عندي خاتم وأطلق دخل في الإقرار فصه لتناول الخاتم له ، ولا يقبل منه عدم إرادته الفص لأنه رجوع عما أقر به شرح م ر . ولا يشكل على هذه عدم لزوم الفص فيما لو قال : فيه فص ؛ لأنه لما نص في لفظه على الفص كان خارجاً ولما أطلق هنا كان داخلاً اه أ ج .
قوله : ( إن بين الخ ) كأنه قال : إلا قيمة ثوب سم . قوله : ( بما أراده ) الباء زائدة وما واقعة على الثوب . وقوله ( به ) أي بالألف ، وهو متعلق ببين ، أي لأنه بين الثوب الذي أراده في الاستثناء بالألف أي بثوب قيمته ألف ، فكأنه تلفظ بالألف . وعبارة شرح المنهج : لأنه بين ما أراده به أي بين الثوب الذي أراده بالألف . قوله : ( كغيره ) وهو ما في الذمة كما تقدم كقوله : له عليّ عشرة الخ ، فقول ق ل : إن المستثنى منه دائماً معين ، وقوله أن ( من ) في قوله ( من معين ) زائدة ممنوع . قوله : ( وزعم ) أي ذكر . قوله : ( أنه الذي أراده ) بدل من بيمينه . قوله : ( وهو ) مبتدأ وقوله في حال الصحة حال ، وقوله ( سواء ) خبر ، أي مستويان ، فهو غير مطابق للمبتدأ المفرد ؛ وذلك مشكل لأنه لا يخبر به إلا عن متعدد . ويجاب بأنه على حذف مضاف والتقدير : وحكمه في حال الصحة والمرض سواء وحكم مضاف لمعرفة فيعم حال الصحة والمرض ، فكأنه قال : وحكمه في حال الصحة وحكمه في حال المرض سواء ، نظير ما قالوه في قوله : ( هَذَانِ حَرَامٌ ) أي استعمال هذين حرام وإن كان ما هنا على العكس .(3/485)
"""""" صفحة رقم 486 """"""
قوله : ( قدم صاحبها ) أي العين ، أي وإن لم يوجد غيرها ، نعم للورثة تحليف المقر له أنه يستحق المقر به ولا تسقط اليمين بإسقاط الوارث ، فإن نكل حلفوا وبطل الإقرار كما أفتى به الوالد اه م ر ع ش . وقوله ( كعكسه ) أي بأن قدم الإقرار بالعين . قوله : ( بدليل نفوذ تصرفه ) أي المريض أي قبل إقراره بها ، أي يجوز له أن يتصرف في العين بعد إقراره بالدين ، وأما التبرع بها فإن خرجت من الثلث بعد الدين نفذ وإلا فلا . قوله : ( ولو أقر ) أي المريض بإعتاق أخيه بأن كان أخوه رقيقاً له فأقر بأنه أعتقه في الصحة عتق وورثه . قوله : ( إن لم يحجبه غيره ) من ابن أو أب وهو قيد في قوله وورثه . قوله : ( لتركته ) متعلق بمستغرق . قوله : ( لأنه متهم الخ ) وهذه العلة تجري في القول بالصحة . ويجاب بأنها ضعفت بما قاله الشارح ؛ لأنه انتهى إلى حالة الخ ؛ وقوله ( لأنه انتهى إلى حالة الخ ) غرضه بهذا الرد على الضعيف القائل بأنه لا يصح إقراره لبعض الورثة لأنه متهم بحرمان باقيهم ، قال م ر في شرحه : واختار جمع عدم قبوله إن اتهم لفساد الزمان ، بل قد تقطع القرائن بكذبه . قال الأذرعي : فلا ينبغي لمن يخشى الله أن يقضي أو يفتي بالصحة ولا شك فيه إذا علم أن قصده الحرمان وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ وأنه لا يحل للمقر له أخذه ، ويجري الخلاف في إقرار الزوجة بقبض صداقها من زوجها ، اه فافهم ذلك فهو حسن اه . قوله : ( ويجري الخلاف في إقرار الزوجة بقبض صداقها من زوجها في مرض موتها ) هذه داخلة في قوله : ( ويصح إقراره في مرضه لوارثه ) فلا حاجة لذكرها ، ويمكن أنه نبه عليها اهتماماً بها لكثرة وقوعها ، وقد يقال : ما مر في إقراره بدين أو عين لوارثه وهذا إقرار بقبض ما عليه . قوله : ( في الصحة ) أي صحة الإقرار . قوله : ( لا يحل للمقر له أخذه ) يحمل على ما إذا علم المقر له أنه قصد المقر بذلك حرمان الورثة وأنه لا(3/486)
"""""" صفحة رقم 487 """"""
يستحق عنده المقر به . قوله : ( والخلاف في الإقرار ) أي إقرار المريض . قوله : ( بنكاح ) أي بأن أقرّ أنه تزوج فلانة مثلاً . قوله : ( أو عقوبة ) أي موجب عقوبة . قوله : ( وإن أفضى إلى المال بالعفو الخ ) على اللف والنشر المشوش ، فالعفو راجع للعقوبة ، والموت راجع للنكاح ؛ لأن المهر وإن وجب بالعقد إلا أنه لا يتقرر إلا بالموت أو الدخول ، والفرض أنه مات قبل الاستيفاء فلم يوجد دخول فيكون تقرره بالموت . قوله : ( قبل الاستيفاء ) راجع للموت أي مات الزوج مثلاً قبل استيفاء الزوجة المهر .
3 ( ( فصل : في العارية ) ) 3
ذكرها عقب الإقرار لأنها تشبهه من حيث إن في كلّ إزالة ما هو تحت يده لغيره ، لكن في الإقرار لا عود وفي العارية عود . وذكرها في التحرير عقب الإجارة وهو أنسب ؛ لأن كلاً منهما استيفاء منفعة ، لكن الإجارة استيفاء منفعة بمقابل والعارية استيفاء منفعة بلا مقابل ، ولاتحاد شرط ما يؤجر وما يعار دائماً أو غالباً ؛ ولذا قال الروياني : كل ما جازت إجارته جازت إعارته واستثنى من ذلك بعض فروع .
قوله : ( وقد تخفف ) وفيها لغة ثالثة : عبارة بوزن ناقة م ر وع ش . قوله : ( اسم لما يعار ) أي شرعاً ، ولعقدها أي فهي مشتركة بينهما ع ش . وعبارة ح ل : قوله ( اسم لما يعار ) أي لغة وشرعاً أو لغة فقط أو لغة لما يعار وشرعاً للعقد ، لكن في شرح الروض ما يفيد أن إطلاقها على كل من العقد وما يعار لغوي بدليل أنه قال ذلك ، وحقيقتها الشرعية إباحة منفعة ما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه . قوله : ( إذا ذهب وجاء بسرعة ) لأن الغالب أنها ترد لصاحبها بالسرعة ، وقيل من التعاور وهو التناوب لتناوب المعير والمستعير في المنفعة ، وقيل مأخوذة من العار أي العيب لأن طلبها عار وعيب . وردّ بأن عين العارية واو وعين العار ياء وبأنه استعار فرساً اه . قوله : ( عيّار ) بتشديد الياء . قوله : ) وتعاونوا على البر والتقوى } ^ البرّ فعل الخير ، ولا شك أن في العارية فعل الخير والتقوى امتثال الأوامر واجتناب النواهي . وسميت تقوى لأنها تقي أي تحفظ صاحبها من المهالك الدنيوية والأخروية .(3/487)
"""""" صفحة رقم 488 """"""
قوله : ( وفسر جمهور المفسرين ) أي فسروا الماعون من قوله تعالى : ) ويمنعون الماعون } ) الماعون : 7 ) وغير الجمهور فسره بالزكاة . وقال البخاري : هو كل معروف اه سم . وحكى البيضاوي القول الأول بقيل وقدم عليه تفسيره بالزكاة اه . وكانت واجبة في صدر الإسلام للوعيد عليها في الآية ثم نسخ وجوبها اه برماوي . فلا حاجة لما يقال إن الوعيد في الآية على مجموع ما فيها أو محمول على من يمنع الماعون إذا تعين عليه إعارته . قوله : ( كإعارة الثوب الخ ) مع وجوب الأجرة حيث كان لمثله أجرة ز ي وهل ، وإن لم يعقد بذلك أو حيث عقد به . وفيه أن هذا ليس بعارية بل إجارة ، وكذا تجب إعارة كل ما فيه إحياء مبهجة محترمة ، وكذا إعارة سكين لذبح مأكول يخشى موته ح ل . ولا ينافي وجوب الإعارة هنا أن المالك لا يجب عليه ذبحه وإن كان فيه إضاعة مال ؛ لأنها بالترك هنا وهو غير ممتنع ، لأن عدم الوجوب عليه لا ينافي وجوب إسعافه إذا أراد حفظ ماله كما يجب الاستيداع إن تعين وإن جاز للمالك الإعراض عنه إلى التلف ، وهذا ظاهر وإن توهم بعض الطلبة المنافاة اه ع ش على م ر . قوله : ( وقد تحرم ) ولا تصح ، وإذا فعل ذلك وجب عليه أجرة المثل على المعتمد سم . قوله : ( كإعارة الأمة الخ ) فيه أن العارية حينئذ فاسدة . وأجيب بأن العقد شامل للفاسد كالصحيح ، تدبر . وبهذا يجاب عن اعتراض القليوبي . قوله : ( من أجنبي ) أي له إلا لضرورة بأن مرض الأجنبي ولم يجد من يخدمه إلا أمة فاستعارها لذلك فتصح للضرورة . وقوله من أجنبي وكالصيد للمحرم والخيل والسلاح للحربي وقاطع الطريق والباغي إذا غلب على الظن عصيانهم بذلك اه ز ي . قوله : ( من كافر ) ووجه الكراهة من حيث العقد وإلا فخدمة المسلم للكافر حرام قطعاً ولو بأجرة ولو في حمام أو حلق رأسه فلا يمكن من استخدامه كما قاله ق ل . وانظر ما فائدة ذلك لأنه لا يعيره ولا يؤجره ، ولعل فائدة ذلك تظهر في الأيمان والتعاليق اه م د . أقول : فائدة ذلك إذا استعاره ليرهنه عند مسلم ، قال بعضهم : ولا تعتريها الإباحة لأن أصل وضعها السنة ، قال ع ش : ويمكن تصويرها في إعارة شيء لغير محتاج إليه . وعبارة الشيخ عبد البر وهي مستحبة أصالة إجماعاً ، وكانت واجبة في صدر الإسلام لقوله : ) ويمنعون الماعون } ) الماعون : 7 ) ثم نسخ وجوبها بقوله : ( لا يَحِلُّ لمسْلم أنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ إلاّ عَنْ طِيب(3/488)
"""""" صفحة رقم 489 """"""
نَفْسٍ ) وقد تجب كإعارة الثوب لدفع حرّ أو برد ، وكإعارة الحبل لإنقاذ غريق والسكين لذبح حيوان محترم يخشى موته . واستشكل بإن إضاعة المال إذا كان سببها تركاً لا تحرم . وأجيب بأن الحيوان قد يكون لمحجور بحضرة وليه اه . وهذا يقتضي أنه لا تجب إعارة السكين لذبح الحيوان المذكور إلا إذا كان لمحجور الخ راجعه . وعبارة شرح م ر : وهي سنة ، وقد تكون واجبة كإعارة ثوب لدفع نحو مؤذ كحر ومصحف لمن لم يحفظ الفاتحة وهو يعرف المطالعة على ما جزم به في العباب تبعاً للكفاية ، أو ثوب توقفت صحة الصلاة عليه . والظاهر من حيث الفقه كما قاله الأذرعي وجوب إعارة كل ما فيه إحياء مبهجة محترمة ولا أجرة لمثله ، وكذا إعارة سكين لذبح مأكول يخشى موته ، وكإعارة ما كتب بنفسه أو مأذونه فيه سماع غيره أو روايته لينسخه منه ، وتحرم كإعارة غير صغيرة من أجنبي ، وتكره كإعارة مسلم لكافر اه . وتعتريها الإباحة بأن أعار لغنيّ غير محتاج ، كما إذا كان عند شخص ثياب كثيرة مثلاً وعند آخر ثوب واحد فقط وهو مستغن به فاستعار صاحب الثوب الواحد من صاحب الثياب ثوباً ، فينبغي أن يقال بالإباحة في هذه الحالة .
قوله : ( بالمستعار ) المناسب ( بالمعار ) . قوله : ( وكل ما أمكن الانتفاع به الخ ) حاصل ما في المتن شروط ثلاثة ، وزاد الشارح رابعاً وخامساً . قوله : ( فخرج بالقيد الأول ) في هذا الإخراج نظر لأنه قبل الحكم بالجواز ، فكان الأولى تقديم قوله ( جازت إعارته ) على قوله ( فخرج الخ ) إلا أن يقال لاحظ الإخبار أوّلاً ثم أخرج أو اتكل على المعلم . قوله : ( ما لا ينتفع به ) المناسب لكلام المصنف أن يقول : ما لا يمكن الانتفاع به . وأجيب بأنه لو قال ذلك لم يصح إدخال ما توقع نفعه ، كالجحش الصغير إذا كانت إعارته مقيدة في زمن يمكن الانتفاع به فيه . قوله : ( الزمن ) بفتح الزاي وكسر الميم . قال في المصباح : زمن الشخص زمناً وزمانة فهو زمن من باب تعب ، وهو مرض يدوم زماناً طويلاً . قوله : ( كآلات الملاهي ) قضية التمثيل بما ذكر للمحرّم أن ما يباح استعماله من الطبول ونحوها لا يسمى آلة وهو ظاهر ، وعليه فالشطرنج تباح إعارته بل إجارته اه ع ش .(3/489)
"""""" صفحة رقم 490 """"""
قوله : ( قوية ) عبارة م ر : ( مقصودة ) بدل ( قوية ) وهي أولى ، ويدل عليها قوله بعد : ( قلما تقصد اه ) وأشار بقوله : ولا بد إلى قيد آخر . قوله : ( للتزين ) أي أو للضرب على طبعهما ، أخذاً من التعليل والاستدراك الآتي وإن لم يقدر ما ذكر لزم أن يكون قوله أو الضرب علة بلا معلل . وقال بعضهم : قوله ( أو الضرب ) بالجرّ عطف على ( للتزين ) فهو مؤخر من تقديم ، وقوله ( إذ منفعته ) علة لذلك واللام في قوله ( للتزين ) هي لام العاقبة بأن استعار النقد من غير بيان لجهة الانتفاع ليوافق ما سيأتي أنه إن صرّح بالتزين أو الضرب على طبعهما صحّ لجعله هذه المنفعة مقصودة ؛ لأنها وإن كانت ضعيفة تتقوّى بالقصد . وعبارة المرحومي : لعلّ المراد بقوله ( للتزين ) أي في نفس الأمر حتى لا ينافي الاستدراك الآتي ، وكان المناسب أن يقول : فلا يعار النقدان فقط ، ويحذف قوله ( للتزين ) ثم يستدرك بعد ذلك . قوله : ( إذ منفعته ) أي المستعير بهما ، أي بالنقدين ، أي للتزين كما هو الفرض . ويحتمل أن ضمير منفعته للتزين والإضافة بيانية . وقوله ( أو الضرب ) الظاهر أنه بالرفع معطوف على ( منفعته ) من عطف الخاص على العام ، ويكون ( أو ) بمعنى الواو ، وجرّه معطوفاً على ( التزين ) من باب التقديم والتأخير يلزم عليه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمبتدأ وهو ( منفعته ) والفصل بين المبتدأ وخبره بقوله ( أو الضرب ) تأمل . نعم يجوز عطفه على ضمير منفعته إذا كان راجعاً للتزين على مذهب ابن مالك المجوّز للعطف على الضمير المخفوض بدون إعادة الخافض . والحاصل أن هذه العبارة تحتمل وجهين : الأول : أن يكون قوله ( أو الضرب ) معطوفاً على ( التزين ) فهو مؤخر من تقديم وحقه أن يذكر بجنبه ، ويكون الضمير في منفعته للمستعار وفي بهما للتزين والضرب ، وفيه عود الضمير على متأخر لفظاً لكنه متقدّم رتبة ، وفي هذا الوجه مسامحة لما فيه من الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمبتدأ والفصل بين المبتدأ والخبر بالمعطوف . والوجه الثاني : أن الضمير في ( منفعته ) عائد على ( التزين ) وقوله ( أو الضرب ) بالجر عطف على ضمير ( التزين ) ولكن يرد على ذلك أن الضرب لم يتقدم في الدعوى وإنما تقدّم فيها التزين . ويجاب عنه بأن الضرب مقدر أيضاً ، والتقدير : فلا يعار النقدان للتزين أو الضرب ، فحذف من الأوّل لدلالة الثاني .
قوله : ( والإخراج ) أي في المصالح وهو عطف مرادف . قوله : ( على طبعهما ) أي صورتهما . قوله : ( في المطعوم الآتي ) أي فإذا استعار طعاماً ليطبخ مثله صحّ . قوله : ( فلا يعار المطعوم ونحوه )(3/490)
"""""" صفحة رقم 491 """"""
أي كالشمع والصابون . وهل ينزل الاستقذار منزلة إذهاب العين فلا تصح إعارة الماء للغسل أو الوضوء وإن لم يتنجس أو تصح نظراً لبقاء عينه مع طهارته ؟ محل نظر ، وجرى ق ل على صحة إعارة ذلك لكن تبعاً للظرف ، ومشى الرملي في شرحه على جواز إعارة الماء للغسل والوضوء والتبرد لأنه يبقى في ظرفه والأجزاء الذاهبة منه بمنزلة ما يذهب من الثوب المعار بالانمحاق اه م د ؛ وعبارته على التحرير : ولا يضمن ما تلف من المعار أي من ذاته أو وصفه ، فلو أعاره ثوباً للبسه فلا يضمن ما انسحق منه أو انمحق وإن ذهب جميعه ، أو أعاره ماء لوضوء أو غسل فلا يضمن ما تشربته الأعضاء منه ولا نقص قيمته بالاستعمال ، ولو أعاره دواة للكتابة منها أو دابة لأخذ لبنها أو شجرة لأخذ ثمرتها لم يضمن تلك الأعيان المأخوذة . نعم لو قال شيخنا : الحق أن تلك الأعيان مأخوذة بالإباحة وأن المعار محالها فقط لأخذها منها ق ل . وعبارة م ر : وحقق الأشموني فقال إن الدرّ والنسل ليسا مستفادين بالعارية بل بالإباحة والمستعار هو الشاة لمنفعة هو التوصل لما أبيح وكذا الباقي اه .
قوله : ( فإن اجتمعت هذه الشروط في المعار الخ ) فيه تغيير إعراب المتن ؛ لأن جملة جازت إعارته خبر كل من قوله وكل ما أمكن وقد جعلها الشارح جواب الشرط ، ويلزم على كلامه خلوّ المبتدأ عن الخبر تأمل . ويجاب عنه بأنه حل معنى . قوله : ( جازت إعارته ) أي واستعارته ، ومراده بالجواز ما قابل الحرمة فيصدق بالندب والوجوب . قوله : ( إذا كانت منافعه ) هذا الشرط يغني عنه قوله : مع بقاء عينه . قوله : ( بالقصر ) فيه نظر ، ففي المصباح : وأثر الدار بقيتها والجمع آثار كسبب وأسباب اه . فالقصر إنما هو في المفرد دون الجمع ، فلعله اشتبه على الشارح . وفي نسخة ( أثراً ) بالإفراد ، ولا إشكال عليها فيمكن أن الشارح شرح عليها ؛ لكن يرد على هذه النسخة عدم المطابقة بين اسم كان وخبرها إلا أن يكون التقدير ذوات أثر . قوله : ( أي باقية ) فيه مسامحة لأن بقاء الآثار ببقاء العين فيكون كأنه قال : مع بقاء عينه ، وهذا قد تقدم ، فيكون مستدركاً ، فكان الأولى أن يقول : أي منافع غير أعيان كما قال غيره . ويرد عليه أنه يلزم التكرار أيضاً واتحاد اسم كان وخبرها ، فكأنه قال : إذا كانت منافعه منافع . ويجاب بأن المنافع في الأول المراد بها ما ينتفع به أعم من الأعيان والآثار والثاني المراد به الآثار فقط فيكون الثاني أخص سم .
قوله : ( فخرج بالمنافع الخ ) فيه مسامحة ، فإن المنافع التي في المتن لم تجعل شرطاً وقيداً . ويجاب بأنه على تقدير مضاف ، أي قيد المنافع وهو قوله آثاراً ، وهذا الإخراج ضعيف ، والمعتمد أن العارية صحيحة والمستفاد منها منافع وهي توصلك لحقك من اللبن ونحوه ، وأما اللبن فهو مأخوذ بالإباحة لا العارية ؛ ولهذا قال ق ل : لا يخفى أن المعار في ذلك هو الشاة(3/491)
"""""" صفحة رقم 492 """"""
لتوصلك إلى ما أبيح لك وأن اللبن مأخوذ بالإباحة ، وذلك صحيح فقوله لم يصح ليس في محله إلا إن كان مراده إعارة نفس اللبن أو نفس الثمرة لأنه باطل . وعبارة ز ي : الحق أن الدرّ والنسل ليسا مستفادين بالعارية بل بالإباحة والمستعار هو الشاة لمنفعة وهي إيصالك إلى ما أبيح لك ، فهو كما لو استعرت مجرى في أرض غيرك لتوصل ماءك إلى أرضك . قوله : ( أو نحو ذلك ) كإعارة دواة للكتابة منها وماء للوضوء به مثلاً أو لإزالة نجاسة به وإن تنجس أو بستان لأخذ ثمره ، فكل ذلك صحيح ، وفيه ما تقدّم ق ل . وقوله ( وكل ذلك صحيح ) أي على المعتمد خلافاً للشارح ؛ لأن قوله ( لم يصح ) ضعيف ، وقوله ( وفيه ما تقدّم ) وهو أن الحبر والماء والثمرة مأخوذة بالإباحة والمستعار إنما هو ظرف الحبر وظرف الماء لمنفعة وهي إيصالك لما أبيح لك ، وكذا البستان معار لإيصالك للثمر تأمل . قوله : ( بحكم العارية الفاسدة ) لأن المستوفى حينئذ أعيان لا منافع اه م د . قوله : ( الممسوح ) أي إذا كان عفيفاً ، ومثله المرأة . قوله : ( وزوج الجارية ) أي بأن يستعيرها من سيدها ولا نفقة على الزوج وإن سلمت له ليلاً ونهاراً ؛ لأن تسلمه لها إنما هو من جهة العارية والمعار نفقته على مالكه اه م د . ويلغز بها ويقال : لنا زوجة مسلمة لزوجها ليلاً ونهاراً ولا نفقة لها عليه . قوله : ( كأن يستعيرها ) يرجع لقوله ومالكها . قوله : ( ويلحق بالجارية الخ ) ذكر م ر هذا بعد أن قال بخلاف إعارتها لأجنبي ولو شيخاً هما أو مراهقاً أو خصياً . وقد تضمنت نظراً أو خلوة محرمة ولو باعتبار المظنة فيما يظهر لحرمته اه . وهو أصنع من كلام الشارح لأن المراد الإلحاق في الحرمة كما يدل عليه قوله : لا سيما الخ ، وقوله : ويلحق الخ ؛ أي في صحة إعارته للمحرم دون الأجنبي وهذا مأخوذ بطريق المفهوم مما ذكر في الجارية . وعبارة المدابغي : قوله ( ويلحق الخ ) يقتضي حرمة ذلك ولو لعدل ، وقد يتوقف فيه بالنسبة للعدل ولا يقال لو نظر للعدالة لجازت إعارة الأمة لغير المحرم ؛ لأنا نقول يفرق بينهما بالجنسية .
قوله : ( وهو كعكسه ) وهو إعارة الجارية للرجل أي الأجنبي والعكس وإن لم يتقدم في كلامه ، لكن ملاحظ فيه تأمل . قوله : ( امتنع احتياطاً ) فلا يعار لرجل أجنبي ولا لامرأة أجنبية ولا يستعير امرأة أجنبية . قوله : ( استعارة الخ ) هذا مصوّر بما إذا كان الأصل رقيقاً فيكره لمالكه(3/492)
"""""" صفحة رقم 493 """"""
إعارته لفرعه ويكره للفرع استعارته اه . فهو بالنسبة للاستعارة مضاف للفاعل وبالنسبة للإعارة مضاف للمفعول ، أي إعارة المالك الكافر مسلماً . وصوّره بعضهم بأن يكون الفرع مستأجراً للأصل فتكره له إعارته اه . وصوّره أ ج بأن يشتري المكاتب أصله فلا يعتق عليه لضعف ملكه وتكره له إعارته . قال بعضهم : وما ذكره الشارح هنا خلاف ما في شرح الروض ، وإنما الكراهة في جانب الولد لمكان الولادة فلم يتعدّ لغيره . وحاصله أن الأصل لو أعار نفسه لفرعه بأن كان حراً لا كراهة فيه وإن كان فيه إعانة على مكروه وهي استعارته إياه . قوله : ( لخدمة ) أفهم أنها إذا كانت للاستراحة جازت . قوله : ( واستعارة وإعارة كافر مسلماً ) أي يكره عقد الاستعارة ، وأما خدمة المسلم للكافر فحرام فلا يمكن منها الكافر لما فيه من الإذلال . وانظر أيّ فائدة في صحة العقد ، والظاهر من هذه العبارة أنهما مصدران مضافان للفاعل فيقتضي أن الكافر يكره له أن يعير العبد المسلم ولو لمسلم وهو محل نظر . وأجاب بعضهم بأنه بالنسبة للاستعارة مضاف للفاعل وبالنسبة للإعارة مضاف للمفعول ومسلماً مفعول ثان وعليه فلا يقتضي ما ذكر شوبري . وقوله ( مضاف للمفعول ) أي يكره للمالك أن يعير الكافر المسلم ولا يوضع عنده .
قوله : ( فلا تصح من صبي ) أي إلا إعارة نفسه لخدمة نحو معلمه من وليه ، ومثله المجنون والسفيه ق ل . أو لما لا يقصد من منافعه بأن لم يقابل بأجرة ؛ ولذلك سئل م ر عمن قال لولد غيره : اقض لي هذه الحاجة مثلاً هل يجوز له ذلك أو لا ؟ فأجاب بأنه إن كان يقابل بأجرة لا يجوز وإن كان لا يقابل بأجرة وعلم رضا وليه جاز . وفي م د على التحرير : وليس للأب أن يعير ولده الصغير في خدمة لها أجرة أو تضرّ به الخدمة كما لا يعير مالهما بخلاف خدمة ليست كذلك ، كأن يعيره لخدمة من يتعلم منه كما صرح به الروياني قال الزركشي : وينبغي أن يكون المجنون والبالغ السفيه كذلك ، اه روض وشرحه .
فرع : لو أرسل بالغ صبياً ليستعير له شيئاً لم يصح ، فلو تلف في يده أو أتلفه لم يضمنه هو ولا مرسله ؛ كذا في الجواهر ، أي لأنه لم يدخل في يده أي المرسل ونظر غيره في قوله أو أتلفه والنظر واضح إذ الإعارة ممن علم أنه رسول لا تقتضي تسليطه على الإتلاف ، فليحمل ذلك أي عدم الضمان على ما إذا لم يعلم أنه رسول اه ابن حجر . وكتب ابن قاسم على قوله ( فليحمل ذلك الخ ) . أقول فيه نظر أيضاً ؛ لأن الإعارة لا تقتضي تسليط المستعير على الإتلاف أي فيضمن فيه لا في التلف غاية الأمر أنها تقتضي المسامحة بواسطة الاستعمال المأذون فيه اه ع ش على م ر .(3/493)
"""""" صفحة رقم 494 """"""
قوله : ( وفلس ) أي إلا زمناً لا يقابل بأجرة ق ل كإعارة شيء من أمواله زمناً يسيراً . وعبارة الزيادي : ولو لنحو داره يوماً فيما يظهر من إطلاقهم ، خلافاً للأسنوي لأنه ممنوع من التبرع مطلقاً . والمعتمد ما قاله الأسنوي حيث لا يقابل بأجرة . قوله : ( مالكاً لمنفعة المعار ) المراد بالملك ما يشمل الاختصاص بها لتصحيحهم إعارة كلب لصيد وإعارة أضحية وهيى ولو منذورين ، وإعارة الإمام من مال بيت المال ز ي أ ج . وإذا أعار الأضحية وتلفت عند المستعير فالضمان عليهما والقرار على من تلفت تحت يده . ويلغز بهذا فيقال : لنا معير يضمن سم . قوله : ( لا من مستعير ) هذا محله إن لم يأذن له المالك ، فإن أذن له المالك صحت الإعارة . قال الماوردي : ثم إن لم يسمّ المالك من يعير له فالأول على عاريته وهو المعير للثاني والضمان باق عليه وله الرجوع فيها وإن ردها الثاني عليه برىء أي الثاني ، وأما الأول فباق على الضمان ، وإن سماه انعكست هذه الأحكام اه خ ض وعبارة م د على التحرير : ويشترط أن يكون مالكاً للمنفعة ولو بوصية أو وقف وإن لم يكن مالكاً للعين ؛ وقيد ابن الرفعة جواز الإعارة من الموقوف عليه بما إذا كان ناظراً ، وهو ظاهر اه . قوله : ( تعيين ) سكت عن هذا في المعير . وقضيته أنه لا يشترط فيه التعيين كالمعار ، فلو قال لاثنين : ليعرني أحدكما كذا فدفعه أحدهما له من غير لفظ صح ، وعليه فيمكن أن يفرق بينه وبين المستعير بأن الدفع من واحد منهما رضا بإتلاف منفعة متاعه ويحتمل أنه كالمستعير فلا يصح والأقرب الأول ع ش . قوله : ( ولا لصبي الخ ) ولا ضمان عليهم إن أخذوا من رشيد وإلا ضمنوا . وأما قوله فيما تقدم : فلا تصح من صبي الخ فيضمنها من أخذها منه مطلقاً . قوله : ( إذا لم تكن العارية مضمنة ) أي فتصح حينئذ ، إذ لا ضرر على المحجور فيها بخلاف المضمنة كالتي من غير المستأجر ، فيمتنع على الولي لما فيها من ضمان المحجور لو تلفت .
مسألة : في جماعة مشتركين في ساقية أو دراس أو حرث ، فهل إذا ماتت بهيمة أحدهم في شغل ذلك تكون مضمونة على بقية الشركاء ؟ وهل إذا كان لكل شريك حيوان يكون الحكم كذلك أم لا ؟ أجاب إذا أخذ أحد الشريكين ثور الآخر بغير إذنه فهو غاصب له يضمنه ضمان المغصوب وإن كان بإذنه لا في مقابلة شيء ضمنه ضمان العارية وإن كان في مقابلة ثوره كانت إجارة فاسدة يجب عليه أجرة مثله وإذا مات لا يضمنه .(3/494)
"""""" صفحة رقم 495 """"""
قوله : ( لفظ يشعر الخ ) يستثنى من اشتراط اللفظ ما إذا اشترى شيئاً وسلمه له البائع في ظرف فالظرف معار في الأصح ، وما لو أكل المهدى إليه الهدية في ظرفها فإنه يجوز إن جرت العادة بأكلها منه كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها وهو معار ، فيضمنه بحكم العارية إلا إذا كان للهدية عوض وجرت العادة بالأكل منه فلا يضمنه بحكم الإجارة الفاسدة ، فإن لم تجر العادة بما ذكر ضمنه في الصورتين بحكم الغصب سلطان . والحاصل أن الظرف أمانة قبل الاستعمال مطلقاً ، ومغصوب بالاستعمال الغير المعتاد مطلقاً ، وعارية بالاستعمال المعتاد إن لم يكن عوض وإلا فمؤجر إجارة فاسدة اه . ويؤخذ من هذا حكم ما يقع كثيراً أن مريد الشراء يدفع ظرفه لزيات مثلاً فيتلف منه ، وهو أنه إن كان التلف قبل وضع المبيع فيه فلا ضمان لأنه أمانة وإن كان بعد وضع المبيع فيه ضمنه لأنه عارية اه ع ش على م ر . قوله : ( وإن تأخر أحدهما ) أي وإن تراخى وإلا فالتأخر موجود قطعاً . قوله : ( كما في الإباحة ) فيه نظر لأن الإباحة لا تتوقف من الطرف الآخر على لفظ ولا فعل ، فكان الأولى أن يقول كما في الوديعة كما عبر به م ر . قوله : ( نظراً إلى المعنى ) راجع للإجارة المثبتة والإعارة المنفية ، وقوله ( فاسدة ) صفة لإجارة . وكان الأولى للشارح أن يقدم قوله ( فاسدة ) على قوله ( لا إعارة ) . قوله : ( لجهالة المدة ) عبارة م ر لجهالة العوض مع التعليق في الثانية ، وقوله ( والعوض ) أي في الأولى . قوله : ( توجب أجرة المثل ) ولا تضمن العين ويرجع بالعلف على صاحب الفرس لعدم تبرعه اه برماوي . قوله : ( من مالك ) أي استعار من مالك الخ . قوله : ( أو من نحو مكتر ) نحو المكتري الموصى له بالمنفعة . قوله ( إن رد عليه ) أي على نحو المكتري ، وقوله ( فالمؤنة عليه ) أي المالك ، وقوله ( كما لو ردّ على المكتري ) أي فإن مؤنة الرد على المالك ، أي والمستعير قائم مقام المستأجر ، أي والمستأجر لا يجب عليه الرد . وفي ق ل على الغزي : ولا ضمان في الدابة أي على المستعير من المستأجر إن تلفت بغير تقصير ولو بغير المأذون فيه ، ولا ويجب عليه ردها ولا مؤنة ردها .
فرع : وقع السؤال أيضاً عما يقع كثيراً أن مستعير الدابة إذا نزل عنها بعد ركوبه لها يرسلها مع تابعه فيركبها التابع في العود ثم تتلف بغير الاستعمال المأذون فيه ، فهل يضمنها المستعير أم التابع ؟ فيه نظر ، والأقرب أن الضمان على المستعير لأن التابع وإن ركبها فهو في حاجة المستعير من إيصالها إلى محل الحفظ اه ع ش على م ر .(3/495)
"""""" صفحة رقم 496 """"""
قوله : ( لأنها من حقوق الملك ) يؤخذ منه أن أجرة المعدّية أو من يسوقها على المستعير دون المعير للعلة المذكورة اه ع ش . قوله : ( وإن خالف القاضي وقال الخ ) قول القاضي ضعيف فلو علفها المستعير لم يرجع إلا إن علف بإذن حاكم أو إشهاد ق ل . قوله : ( وسواء أكانت الإعارة الخ ) استئناف . قوله : ( ميت محترم ) وهو كل من وجب دفنه فيدخل فيه الزاني المحصن وتارك الصلاة والذمي ع ش . قوله : ( حتى يندرس ) فلو أقت العارية بمدة لا يبلى فيها الميت عادة فسدت ، وإذا أعار أرضاً للدفن لا يجب تعيين كون الميت صغيراً أو كبيراً . نعم إن كان شهيداً فينبغي تعيينه لأنه لا يبلى . وهل يجوز زيارة الميت بغير إذن المعير ؟ قرر شيخنا أن المرجع في ذلك للعادة اه ح ل . وعلم من تعبيره بالاندراس لزومها في دفن النبي والشهيد لعدم بلائهما فلا يردان ، اه شرح م ر . وجملة من لا تأكل الأرض جسده نظمهم التتائي فقال :
لا تأكل الأرض جسماً للنبي ولا
لعالم وشهيد قتل معترك
ولا لقارىء قرآن ومحتسب
أذانه لإله مجرى الفلك
ونظمهم الشمس البرلسي بقوله :
أبت الأرض أن تمزق لحماً
لشهيد وعالم ونبيّ
وكذا قارىء القرآن ومن
أذن لله حسبة دون شيّ
قوله : ( أثر المدفون ) فيرجع حين الاندراس بأن يكون قد أذن له في تكرير الدفن وإلا فالعارية انتهت ، شرح م ر . قوله : ( عجب الذنب ) بفتح العين المهملة وبسكون الجيم وبالباء(3/496)
"""""" صفحة رقم 497 """"""
الموحدة آخره وإبدالها ميماً لغة كما في المصباح ، وقوله : العصعص ، بضم الأوّل ، وأما الثالث فيضم وقد يفتح تخفيفاً مثل طحلب وطحلب والجمع عصاعص اه مصباح . قوله : ( قبل وضعه في القبر ) أي قبل إدلائه في القبر وإن لم يصل إلى أسفله على المعتمد وإلا امتنع الرجوع لأن في عوده إزراء به ق ل . وإذا رجع قبل الإدلاء غرم لولي الميت مؤنة حفره ولا يلزم المستعير ردم ما حفره للإذن فيه اه م ر ، بخلاف ما لو أعاره أرضاً للزراعة فحرثها ثم رجع فإنه لا يلزمه مؤنة الحرث لأن الدفن لا يمكن إلا بالحفر فهو مورّط له فيه ، بخلاف زرع الأرض فإنه يمكن بدون حرث حتى لو لم يمكن زرعها إلا بالحرث كان حكمها حكم الدفن ز ي ، بخلاف ما لو حفر للميت قبل موته لا غرم إذا رجع المعير لأنه لا يستحق الحفر إلا عند موته . قوله : ( فإن امتنع قلعه ) أي وإذا احتاج القلع إلى مؤنة صرفها المعير بإذن الحاكم ، فإن لم يجده صرف بنية الرجوع وأشهد على ذلك اه ع ش . قوله : ( قلع مجاناً ) أي فلا يغرم له المعير أرش ما نقص من البناء أو الغراس . قوله : ( تسوية الأرض ) أي الحفر الحاصلة بالقلع دون الحاصلة بالبناء أو الغراس لحدوثها بالاستعمال المأذون فيه ، شرح المنهج . قوله : ( أو قلعه بضمان ) أي معه . قوله : ( أرش نقصه ) وهو ما بين قيمته قائماً مستحق القلع ومقلوعاً ، فلو كانت قيمته مستحق الإبقاء عشرة ومستحق القلع تسعة ومقلوعاً ثمانية لزمه واحد ، فإذا تملكه لزمه تسعة كما قرّره شيخنا العشماوي . وأجرة القلع على المعير وأجرة نقل النقض على مالكه س ل ، وكذا أجرة نقل المغروس . وإذا اختار ما له اختياره لزم المستعير موافقته ، فإن امتنع كلف تفريغ الأرض . قوله : ( حتى يختار أحدهما ماله اختياره ) فيه أن المستعير ليس له إلا خصلة واحدة وهي القلع ، فكيف يكون مخيراً ؟ قوله : ( لزمه تبقيته ) أي بالأجرة لأن الإباحة انقطعت بالرجوع شرح المنهج . وهل يتوقف ذلك على عقد إيجار من إيجاب وقبول أم يكفي مجرد اختيار المعير(3/497)
"""""" صفحة رقم 498 """"""
فتلزمه الأجرة بمجرده ؟ الوجه الجاري على القواعد أنه لا بد من عقد إيجار ، ثم رأيت الشارح بسط الكلام في فتوى واستدل من كلامهم بما هو ظاهر فيه ، وقد يقال إن عقد فلا كلام وإلا وجبت أجرة المثل اه سم على حج ع ش على م ر . قوله : ( ولو عين مدّة ) أي قبل إدراكه . قوله : ( قلعه المعير مجاناً ) لأنه كان من حقه حينئذ أن لا يزرع . قوله : ( بذراً ) اسم لما يشمل الحب والنوى وأصله مصدر سمي به المبذور لأنه سيصير مبذوراً ، ففيه مجاز من وجهين : إطلاق المصدر على اسم المفعول ، وتسمية الشيء بما سيصير إليه ز ي .
قوله : ( أي العين ) هذا تفسير مراد ، وإلا فالضمير في كلام المصنف عائد على الإعارة بذلك المعنى ؛ ففي كلامه استخدام لأنه ذكر أوّلاً العارية بمعنى العقد وأعاد عليها الضمير بمعنى الشيء المعار . قوله : ( مضمونة ) بدلاً وأرشاً وإن شرطا عدم ضمانها . قال القفال : ولو أخذ الكوز من السقاء ليشرب فانكسر قبل أن يشرب الماء فإن كان أخذه بغير عوض فالماء غير مضمون عليه لأنه حصل في يده بحكم الإباحة والكوز مضمون عليه لأنه عارية في يده ، وأما إذا شرط عوضاً فالماء مضمون عليه بالشراء الفاسد والكوز غير مضمون عليه لأنه مقبوض بالإجارة الفاسدة ، وإن أطلق فالعرف يقتضي البدل لجريانه به ، فإن انكسر الكوز بعد الشرب فإن كان بشرط العوض لم يضمن الكوز ولا بقية الماء الفاضلة في الكوز لأن المأخوذ على سبيل العوض القدر الذي شربه دون الباقي فيكون الباقي أمانة في يده ، وإن لم يشرط العوض فالكوز مضمون والماء غير مضمون ؛ ويجري هذا التفصيل في فنجان القهوة ؛ اه ابن العماد في أحكام الأواني والظروف وما فيها من المظروف .
فرع : لو استعار قنديلاً للاستضاءة بزينته فالقنديل مضمون بالعارية الفاسدة والزيت غير مضمون لأنه هبة فاسدة ، فإن استعاره ليقضي به حاجته ويردّه فالقدر الزائد من الزيت على مقدار الحاجة أمانة في يده يضمنه إذا فرط ، وإن استعاره ليقضي بجميع الزيت فتلف الزيت قبل الاستضاءة أو بعدها لم يضمن لأنه هبة فاسدة ، اه ابن العماد .
قوله : ( إذا تلفت ) خرج به الإتلاف ، فإن كان من المستعير لزمه البدل الشرعي وإن كان من غيره كان للمالك مطالبة كل ، فإن غرم المتلف برىء المستعير وإن غرم المستعير القيمة للحيلولة رجع على المتلف . قوله : ( بغير الاستعمال المأذون فيه ) حاصله أن يقال إن تلفت(3/498)
"""""" صفحة رقم 499 """"""
بالاستعمال المأذون فيه لا ضمان ولو بالتعثر من ثقل حمل مأذون فيه وموت به وانمحاق ثوب بلبسه لا نومه فيه حيث لم تجر العادة بذلك ، بخلاف تعثره بانزعاج أو عثوره في وهدة أو ربوة أو تعثره لا في الاستعمال المأذون فيه فإنه يضمن في هذه الأمور ، ومثله سقوطها في بئر حال السير كما قاله م ر . ومنه ما لو استعار ثوراً لاستعماله في ساقية فسقط في بئرها فإنه يضمنه لأنه تلف في الاستعمال المأذون فيه بغيره لا به ، ومن عدم الضمان تزايد مرض تولد من الاستعمال المأذون فيه اه ع ش على م ر . والأصح أنه لا يضمن ما ينمحق أي يتلف من ثوب أو نحوه ، أو ينسحق أي ينقص باستعمال مأذون فيه لحدوثه بإذن المالك ؛ وموت الدابة كالانمحاق ، وتقرّح ظهرها وعرجها باستعمال مأذون فيه وكسره سيفاً أعاره ليقاتل به كالانمحاق كما قاله الصيمري في الأخيرة شرح م ر . وقوله ( وموت الدابة ) أي بالاستعمال كما نبه عليه الشهاب سم ، ولعلّ صورته أنه حملها حملاً ثقيلاً بالإذن فماتت بسببه ، بخلاف ما إذا كان خفيفاً لا تموت بمثله في العادة فاتفق موتها كما صرحوا به في الفرق بين ما إذا ماتت بالاستعمال وما إذا ماتت في الاستعمال . ولا يشترط في ضمان المستعير كون العين في يده بل يضمن ولو كانت بيد المالك كما صرّح به الأصحاب ، كما لو وضع متاعه عليها ومعها مالكها . ولو سخر شخص رجلاً ودابته فتلفت الدابة في يد صاحبها لم يضمنها المسخر لأنها في يد صاحبها شرح م ر ؛ لأن شرط الغصب استيلاء الغاصب ولم يوجد بخلاف المستعير لا يشترط فيه الاستيلاء على المعار كما في م ر . قوله : ( أو مثلية ) كالخشب والحجر ، سم . قوله : ( هذا ما جزم به في الأنوار ) هو المعتمد ، وما قاله الشارح من المعتمد ضعيف واقتصر م ر في شرحه على الضمان فقط ، وفي فتاويه أن المعتمد الثاني وهو الضمان بقيمته يوم التلف والقلب إليه أميل كما في م د على التحرير اه .
فرع : استام عشرة أذرع من سوسية مثلاً وأخذها ليقلبها ثم تلفت ضمن العشرة فقط ، بخلاف ما لو استام عشرة ظهور ليأخذ منها واحداً فتلفت بيده حيث يضمن الجميع ؛ والفرق أن الأوّل المستام فيه عشرة أذرع وهنا المستام الجميع اه عناني ، ولبعضهم :
ضمان عيب أو مبيع فسدا
أقصاه قيمة ومثلا وجدا
في السوم قيمة كذا العواري
زمان إتلاف على المختار
واحكم لدى الإتلاف بالإبدال
شرعا بقيمة أو الأمثال
قوله : ( بخلاف إكاف الدابة ) أي سرجها وولد الدابة ، ولو ولدت عند المستعير كثياب(3/499)
"""""" صفحة رقم 500 """"""
العبد فهو غير مضمون وإن تبعها ق ل . قوله : ( صيداً ) أي حرمياً أو لا بأن أخذه معه من بلده ؛ لأنه بإحرامه زال ملكه عنه . فتسمية هذا استعارة فيها نظر لأنه لا مالك هنا ، إلا أن يقال إنها استعارة صورية . هذا إذا استعار الحلال من المحرم أما عكسه بأن استعار المحرم من الحلال صيداً برياً وحشياً مأكولاً فتلف في يده ضمن الجزاء لله تعالى والقيمة للحلال وعليه قول ابن الوردي :
عندي سؤال حسن مستظرف
فرع على أصلين قد تفرعا
قابض شيء برضا مالكه
ويضمن القيمة والمثل معا
قوله : ( لم يضمنه ) لأن المحرم يلزمه إرساله وعلى المحرم الجزاء لله تعالى لأنه متعدّ بالإعارة .
قوله : ( فتلف في يد المستعير لم يضمنه ) هذا مبني على ضعيف وهو جواز العارية من بيت المال ، والصحيح خلافه لأن المستعير إن كان من المستحقين فهذه ليست عارية لأن ما يأخذه يملكه وإن لم يكن من المستحقين امتنعت العارية فقوله لمن له فيه حق فيه نظر ؛ تأمل شيخنا . قوله : ( أما ما تلف بالاستعمال المأذون فيه ) ولو بدعوى المستعير فيصدق عند الاختلاف على المعتمد ؛ لأن الأصل براءة ذمته كما قاله ح ل وز ي ، أي ولعسر إقامة البينة عليه . وأما لو أقاما بينتين قدمت بينة المالك لأنها ناقلة والأخرى مستصحبة كما ذكره البرماوي . وعبارة شرح م ر : ولو اختلف في حصول التلف بالاستعمال المأذون فيه أو لا صدق المستعير بيمينه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، لعسر إقامة البينة عليه ؛ ولأن الأصل براءة ذمته خلافاً لما عزي للجلال البلقيني من تصديق المعير اه .
قوله : ( لو قال من في يده عين الخ ) يحصل من هنا صور ثمانية ؛ لأن مالك العين إما أن يدعي الإجارة أو الغصب ، وفي كل إما أن تمضي مدة لمثلها أجرة أو لا ، وفي كل إما أن تكون العين باقية أو تالفة وواضع اليد يدّعي الإعارة .(3/500)
"""""" صفحة رقم 501 """"""
قوله : ( أو غصبتني ) قال في المختار تقول غصبه منه وغصب عليه ، وهو مشعر بأنه إنما يقال غصبته مني لا غصبتني اه ع ش . قوله : ( صدق المالك ) أي بيمينه إن تعينت العين فيحلف أنه ما أعاره وأنه أجره أو غصبه وله أجرة المثل ، أي فيجمع في يمينه إثباتاً ونفياً بأن ينفي الإعارة ويثبت دعواه ، فإذا حلف أخذ العين في الصورتين ويأخذ الأجرة أيضاً ، فإن تلفت العين والحالة هذه أخذ الأجرة في الصورتين ، وأما القيمة فهو يدّعي أقصى القيم في الغصب وواضع اليد يدعي القيمة إذا تلفت بغير الاستعمال المأذون فيه فقد اتفقا على القيمة فيأخذها ويترك الزائد إلى البيان . قوله : ( والعين باقية ) فإن كانت تالفة في الأولى فهو مقر بالقيمة لمنكرها فتترك في يده ، شرح المنهج . قوله : ( بيمينه في الأولى ) انظر أي فائدة في يمينه مع بقاء العين وعدم مدة لها أجرة وتمكن صاحبها من أخذها . قوله : ( ولا معنى الخ ) لأن العارية مضمونة أيضاً والعين باقية فيأخذها المالك ولا أجرة ، فإن تلفت العين فهو يدعي أقصى القيم والمستعير يدعي القيمة فاتفقا على القيمة فيأخذها المالك ويترك الزائد إلى البيان . قوله : ( ولو ادعى المالك الخ ) هذا عكس ما تقدم . وحاصله أنه إن كانت العين باقية ولم تمض مدة لها أجرة فيأخذ العين صاحبها ، وإن تلفت فالمالك يدعي القيمة والغاصب يدعي أقصى القيم فيأخذ المالك القيمة ويترك الزائد إلى البيان ، وأما إذا مضت مدة لها أجرة والعين باقية فيأخذ العين صاحبها ويترك الأجرة في يد الغاصب إلى البيان ، وإن تلفت العين فيأخذ المالك القيمة ويترك الزائد عن القيمة إلى البيان . قوله : ( جاهلاً برجوع المعير ) خرج بالرجوع جهله بالموت أو الجنون أو الإغماء فتلزمه الأجرة لعدم التقصير من المالك حينئذ ، وكذا لو أباح الطعام ثم رجع ثم أكله المباح له جاهلاً بالرجوع فإنه يغرم ؛ لأن إباحة المنافع أضعف من إباحة الأعيان فضيق في الأعيان ز ي . ومنه يؤخذ أنه لو أعاره شاة لدرها ونسلها أو أعاره شجرة لأخذ ثمرها ثم رجع ولم يعلم فإنه يغرم بدل الدرّ والنسل ، وكذا نقل عن الزيادي . قوله : ( والأصل بقاء السلطنة ) أي سلطنة المستعير .(3/501)
"""""" صفحة رقم 502 """"""
3 ( ( فصل : في الغصب ) ) 3
ذكره بعد العارية لمناسبته لها في الضمان في الجملة ولأن كلاًّ منهما فيه وضع اليد على مال الغير وهو كبيرة ، قيل : إن لم يبلغ نصاباً أي ربع دينار ، وقيل : إن بلغه ولو حبة برّ اه . واعتمد م ر الأول .
قوله : ( جهاراً ) لإخراج السرقة . قوله : ( استيلاء ) أي في الواقع وإن لم يقصده ، فالمعنى الشرعي أعم من المعنى اللغوي من جهتين : أولاهما قوله استيلاء يشمل المنافع كإقامة من قعد بمسجد وإن لم يقعد في محله لأنه استيلاء حكماً والثانية : قوله : ( بلا حق ) يشمل ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله والمعنى اللغوي مقيد بالأخذ ظلماً فيكون أخص من المعنى الشرعي ، على خلاف الغالب من أن المعنى اللغوي أعم . قوله : ( على حق الغير ) ولو منفعة كإقامة من قعد بمسجد أو سوق وإن لم يستول على محله ، أو غير مال ككلب نافع وزبل ؛ شرح المنهج . وقوله : كإقامة من قعد بمسجد أي فيصير أحق بمحله ، فإن فارقه لعذر كإجابة داع وحدث ورعاف ليعود لم يبطل اختصاصه وإن لم يترك متاعه ، وإن فارقه لا لعذر أو له لا ليعود بطل اختصاصه ، والقعود لذكر أو تسبيح أو سماع قرآن حكمه كالجالس للصلاة ، وإذا اعتاد موضعاً ليقرأ فيه قرآناً أو علماً شرعياً أو يفتي فيه فإن فارقه تاركاً لحقه أو منتقلاً لغيره بطل حقه وإلا فلا ، ومثله جلوس الطالب بين يدي المدرس بشرط أن يستفيد ، اه مناوي في أحكام المساجد . وليس من الاستيلاء ما لو منع شخصاً عن سقي زرعه أو شجره حتى تلف لأنه لم يوجد منه فعل ، بخلاف ما لو أتلف دابة فيها لبن فمات ولدها فإنه يضمن الولد للفعل الذي وجد منه وهو إتلاف غذائه .
قوله : ( الغير ) دخول الألف واللام على ( الغير ) قليل في اللغة كثير في ألسنة الفقهاء ، وقد عده الحريري لحناً اه دميري . قوله : ( بلا حق ) خرج العارية والسوم ونحوهما ؛ زاد بعضهم ( جهاراً ) لإخراج السرقة ، ولا حاجة إليه لخروجها بقوله ( استيلاء ) لأنه منبىء عن القهر والغلبة شرح م ر . قوله : ) ولا تأكلوا أموالكم } ) النساء : 29 ) هو من باب الكلية ، أي لا يأكل واحد منكم مال غيره . وعبارة البيضاوي : قوله لا يأكل بعضكم مال بعض أي بالوجه الذي لم يبحه الله له وبين منصوب على الظرف أو الحال من الأموال . قوله : ( بالباطل ) أي بغير حق ، أما إذا كان بحق فإنه يجوز كالظافر بجنس حقه أو بغيره على ما فيه من التفصيل .(3/502)
"""""" صفحة رقم 503 """"""
قوله : ( إن دماءكم ) أي سفك دماء بعضكم وأكل أموال بعضكم والخوض في أعراض بعضكم ، فهو على حذف مضاف في الكل . وعبارة ع ش : أي إن دماء بعضكم الخ حرام على غيركم ، وترك الشارح ذلك اكتفاء بما قبله . قوله : ( ودخل في التعريف المذكور ) أي كما دخل فيه أيضاً ما فيه الضمان والإثم كالاستيلاء على المتموّل عدواناً ، وما فيه الإثم فقط كالاستيلاء على الاختصاص عدواناً . قوله : ( ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله الخ ) قال م ر : وقد أفاد الوالد أن الذي يتحصل من كلام الأصحاب في تعريف الغصب أنه حقيقة وإثماً وضماناً الاستيلاء على مال الغير عدواناً وضماناً الاستيلاء على مال الغير بغير حق وإثماً الاستيلاء على حق الغير عدواناً . وحاصله أنه إما أن يكون الغصب فيه الإثم والضمان كما إذا استولى على مال غيره عدواناً ومنه القبض بالبيع الفاسد أو الضمان دون الإثم كما إذا استولى على مال غيره يظن أنه ماله ، أو الإثم دون الضمان كما إذا استولى على اختصاص غيره عالماً به . ومثل الاختصاص المال الذي لا يتموّل كالحبة والحبتين من الحنطة ونحوها ، ولو أخذ مال غيره بالحياء كان له حكم الغصب فقد قال الغزالي : من طلب من غيره مالاً في الملا فدفعه إليه لباعث الحياء فقط لم يملكه ولا يحل له التصرف فيه .
قوله : ( مطلقاً ) أي في كل الصور . قوله : ( وليس مراداً ) أي الاقتضاء . وقوله : ( وإن كان ) أي اقتضاؤه الإثم . وبعد ذلك هذا الصنيع من الشارح فيه مسامحة ؛ لأن الرافعي عرّف الغصب باعتبار الإثم فقط فخروج هذه الصورة من تعريفه صحيح والمصنف عرّف بتعريف عام شامل لها ولغيرها وشموله لها صحيح ولا يعترض بتعريف على تعريف آخر . قوله : ( فلو ركب الخ ) مفرع على التعريف ، والركوب ليس قيداً أي أو سحبها أو ساقها أو زوال لها بشيء بشرط عدم الرضا من صاحبها . قوله : ( أو جلس على فراشه ) أي ولم تدل قرينة الحال على إباحة الجلوس مطلقاً أو لناس مخصوصين منهم هذا الجالس كفرش مساطب البزازين لمريد الشراء منهم ، شرح م ر وحج . ومثل الجلوس ما لو تحامل برجله وإن تحامل معها على الرجل الأخرى الخارجة عن الفراش ، ومنه ما يقع كثيراً من المشي على ما يفرش في صحن الجامع الأزهر من الفراوي والثياب ونحوهما . وينبغي أن محل الضمان ما لم تعم الفراوي ونحوها المسجد بأن كان صغيراً أو كثرت ، وإلا فلا ضمان ولا حرمة لتعدي الواضع بذلك كما قاله ع ش على م ر . وانظر لو كان الفراش كبيراً هل يضمن جميعه أو قدر ما استولى عليه ؟ ولو تعدد الغاصب على فراش كبير فهل يضمن كل منهم الجميع أو قدر ما عدّ مستولياً عليه فقط ؟ الذي يظهر(3/503)
"""""" صفحة رقم 504 """"""
الثاني فيهما برماوي . ولو جلس عليه آخر بعد قيام الأول فهو غاصب أيضاً وهكذا والقرار على الأخير ق ل . وعبارة ع ش على م ر : ولو جلس عليه ثم انتقل عنه ثم جلس آخر عليه فكل منهما غاصب ، ولا يزول الغصب عن الأول بانتقاله عنه لأن الغاصب إنما يبرأ بالرد للمالك أو لمن يقوم مقامه ، فلو تلف فينبغي أن يقال : إن تلف في يد الثاني فقرار الضمان عليه أو بعد انتقاله أيضاً عنه فعلى كل الضمان ، لكن هل للكل أو النصف ؟ فيه نظر ، ويظهر الأول . ومعنى كون القرار على كل أن كلاً لو غرم لا يرجع على الآخر لا أن المالك يغرم كل القيمة ، ولو نقل الدابة ومالكها راكب عليها بأن أخذ برأسها وسيرها فيحتمل أن لا يكون غاصباً لها لأنه لا يعد مستولياً عليها مع استقلال مالكها بالركوب ، بدليل أنهما لو تنازعاها حكم أنها للراكب واختص به الضمان إذا أتلفت شيئاً سم . ولو غصب حيواناً فتبعه ولده الذي من شأنه أن يتبعه أو هادي الغنم فتبعته الغنم لم يضمن التابع في الأصح لانتفاء استيلائه عليه ، وكذا لو غصب أمّ النحل فتبعها النحل لا يضمنه إلا إن استولى عليه ، ولو أوقد ناراً في ملكه فطارت شرارة إلى ملك غيره وأحرقت شيئاً ، فإن كان بحسب العادة فلا ضمان وإن كان على خلاف ذلك ضمن ما أتلفه اه برماوي . ولو دخل على حداد يطرق الحديد فطارت شرارة أحرقت ثوبه لم يضمن الحداد وإن دخل بإذنه . أقول : وكذا لا ضمان عليه لو طارت شرارة من الدكان وأحرقت شيئاً حيث أوقد الكور على العادة ، وهذا بخلاف ما لو جلس بالشارع ، أو أوقد لا على العادة وتولد ذلك منه فإنه يضمن ؛ لأن الارتفاق بالشارع مشروط بسلامة العاقبة اه ع ش على م ر . قوله : ( وإن لم ينقل ذلك الخ ) وليس من المنقول ما يضمن بلا نقل غير هذين ، ومحله في منقول ليس بيده فإن كان بيده كوديعة أو غيرها فنفس إنكاره غصب لا يتوقف على نقل . وأفهم اشتراط النقل أنه لو أخذ بيد قنّ ولم يسيره لم يضمنه اه م ر . قال ع ش : وقياسه أنه لو أخذ بزمام دابة أو برأسها ولم يسيرها لم يكن غاصباً .
قوله : ( مالاً ) إنما قيد بذلك لأن الأحكام الآتية إنما تأتي في المال ، والشارح زاد : أو غيره واعترض عليه بأن الأحكام كلها لا تجري عليه . ويجاب بأنه زاده بالنسبة لقوله لزمه رده فقط . قوله : ( لزمه رده ) أي إن لم يمنع منه مانع فلو كان المغصوب خيطاً فخاط به جرح حيوان له حرمة ولو مأكولاً وخيف من نزعه الضرر المبيح للتيمم غير الشين الفاحش في غير الآدمي لم يلزمه رده ؛ لأنه يجوز أخذ مال الغير قهراً لحفظ الحيوان ابتداء ، فأولى أن لا ينزع ، فإن لم تكن له حرمة كالمرتد ولو بعد الخياطة والزاني المحصن نزع ولزمه رده إن كان ينتفع به وإلا فهو مستهلك فلا ينزع بل تجب قيمته كما لا ينزع من الآدمي بعد موته وإن لم يستهلك لحرمته اه م د .(3/504)
"""""" صفحة رقم 505 """"""
قوله : ( فلو لقي الغاصب ) تفريع على كلام المتن لشموله رده في ، أي محل كان . وقال بعضهم : المناسب ( ولو ) وقوله : ( بمفازة ) ليس بقيد بل المدار على غير محل الغصب . قوله : ( فإن استرده ) أي طلب المالك رده . قوله : ( برىء إن لم يكن لنقله مؤنة ) أي ولم يضع المالك يده عليه ولم يدفع له الغاصب مؤنة النقل ق ل . وقوله : ولم يضع الخ قيد في المنفي ، كأنه قال : فإن كان لنقله مؤنة لم يبرأ إن لم يضع المالك يده عليه الخ . وقال أ ج : فإن كان لنقله مؤنة لم يبرأ والمراد بمؤنة النقل ارتفاع الأسعار بسبب النقل بأن كان سعره في البلدة التي ظفر به فيها أغلى من سعره في البلدة التي غصبه منها ، هكذا نبه عليه الزركشي ز ي ؛ لكن الذي يظهر في هذا المقام أن المراد هنا بالمؤنة المضافة إلى النقل الأجرة ، بل الصواب أن المراد ما يشملهما ؛ ولهذا أفتى الشهاب الرملي في رجل أودع آخر في درب الحجاز فولاً ودقيقاً فتصرف فيه بغير إذن مالكه بأنه يطالبه بقيمته في محل الإتلاف ولا يجبر على قبول المثل اه مرحومي . قوله : ( ولو أخذه المالك وشرط الخ ) هو مرتبط بقوله فإن استرده المالك ، فكأنه قال : فإن استرده من غير شرط أجرة على الغاصب ولا إجبار على التزامها كلف الغاصب حينئذ رده . قوله : ( لم يجز ) أي بطريق الإجبار أما بالرضا فلا مانع منه فليراجع ، ولعل عبارة الشارح ( لم يجبر ) فحرفها الناسخ . قوله : ( لأنه ينقل ملك نفسه ) أي لأن المالك يجب عليه نقل ملكه . قوله : ( إن علم المالك به ) أي بالرد . قوله : ( إلى كل من أخذ منه ) كما لو رده على المالك . قوله : ( لا إلى الملتقط ) ويبرأ الغاصب منه بالرد إلى الحاكم اه م د . قوله : ( لأنه غير مأذون له ) قد يؤخذ منه أنه لو تملكها بعد مدة التعريف الشرعية كفاه الرد عليه اه م د . قوله : ( من جهة الملك ) بل من الشارع . قوله : ( أنه يبرأ ) أي بالرد إليهما . قوله : ( لكنهما ضامنان ) الأولى أن يقول وإن كانا ضامنين .(3/505)
"""""" صفحة رقم 506 """"""
قوله : ( قضية كلام المصنف ) أي حيث اقتصر على الرد ولم يقل ورد معه غيره ، قال الأجهوري : مقتضى هذه القضية أنها ما دامت باقية لا يجب رد شيء معها وإن نقص وصفها أو مضت مدة لمثلها أجرة ، وهو نص في مخالفة ما يأتي من كلامه مع كلام المصنف حيث قال : ولزمه مع رده أرش نقصه . قال شيخنا : ولا مخالفة لإمكان الجمع بحمل ما هنا على ما إذا بقيت العين عارية عن النقص ولم تمض مدة في يد الغاصب لها أجرة ، وما هناك على ما إذا حدث نقص فيه أو مضت مدة لمثلها أجرة فلا اعتراض على الشارح حينئذ . قوله : ( ما لو غصب أمة الخ ) والحال أنها لم يحدث فيها نقص ولم تمض مدة لها أجرة . قوله : ( فحملت بحر ) أي بشبهة من الغاصب أو غيره ويلزمه مهر لها والولد حر نسيب وعلى الواطىء قيمته لمالكها . أما لو كان الوطء من زنا فلا يجب شيء من ذلك والولد حينئذ رقيق ، اه . قوله : ( ثم ردها ) أي وهي حامل . قوله : ( للحيلولة ) ويملكها المغصوب منه ملك قرض فيتصرف فيها ثم يردها بعد ولادة الجارية كما في سم ، فإن وضعته استرجعت القيمة وإن ماتت بالولادة استقرت القيمة له م د . قوله : ( وعلى الغاصب التعزير لحق الله تعالى ) أي في جميع صور الغصب ؛ لأن كل معصية لا حد فيها ولا كفارة فيها التعزير وإن كان ظاهر كلام الشارح أنه خاصّ بهذه الصورة كما قرره شيخنا العشماوي ، فهذا مرتبط بمسألة المتن . قوله : ( الأولى ما لو غصب الخ ) اعترضه شيخنا بأنه لم يتمكن في هذه من رده ، وقد شرط الفور بالتمكن اه . ويجاب بأن الاستثناء راجع لقوله لزمه رده على الفور بدون ما قيد به الشارح من قوله : ( عند التمكن ) وإلى هذا يشير قول الشارح ويستثني من وجوب الرد على الفور . قوله : ( ولو للغاصب ) أي ولو كان المحترم للغاصب وفيه ردّ على صاحب البهجة كما قرره شيخنا ع ش . قوله : ( لاستمرار الغصب ) أي والخروج من الغصب واجب فوراً . قوله : ( زمن يسير ) أي شأنه ذلك ، حتى لو طال كان له التأخير ، أو هو ليس بقيد . قوله : ( أرش نقصه ) فلو غصب فردتي خف قيمتهما(3/506)
"""""" صفحة رقم 507 """"""
عشرة فتلفت إحداهما فصارت قيمة الباقية درهمين لزمه ثمانية ، ومثلهما مصراعا الباب أي الضرفتان . وقد ألغز فيهما بعضهم بقوله :
خليلان ممنوعان من كل لذة
يبيتان طول الليل يعتنقان
هما يحفظان الأهل من كل آفة
وعند طلوع الشمس يفترقان ولو مشى شخص على فردة نعل غيره فجذبها صاحب النعل فانقطعت ، فتقوّم النعل سليمة هي ورفيقتها ثم يقوّمان مع العيب وما نقص يقسم على الماشي وصاحب النعل ، فما يخص صاحب النعل سقط لأن فعله في حق نفسه هدر وما يخص الآخر مضمون عليه ع ش على م ر . ولو أخذ شيئاً لغيره من غاصب أو سبع حسبة ليرده على مالكه فتلف في يده قبل إمكان رده لم يضمن إن كان المأخوذ منه غير أهل للضمان كحربي وقنّ للمالك ، وإلا ضمن وإن كان معرّضاً للتلف خلافاً للسبكي ؛ شرح م ر . قال ع ش : بقي ما يقع كثيراً أن بعض الدواب يفر من صاحبه ثم إن شخصاً يحوزه على نية عوده لمالكه فيتلف حينئذ ، هل يضمن أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني للعلم برضا صاحبه بذلك ، إذ المالك لا يرضى بضياع ماله ويصدق في أنه نوى رده على مالكه ؛ لأن النية لا تعرف إلا منه والأصل عدم الضمان اه . وقوله : ( وإن كان معرضاً للتلف ) قضيته أنه لو وجد متاعاً مع سارق أو منتهب وعلم أنه إذا لم يأخذه منه ضاع على صاحبه لعدم معرفته الآخذ فأخذه منه ليرده على صاحبه ولو بصورة شراء أنه يضمنه حتى لو تلف في يده بلا تقصير غرم بدله لصاحبه ولا رجوع له بما غرمه في استخلاصه على مالكه لعدم إذنه له في ذلك ، وقد يتوقف فيه حيث غلب على الظن معرفة مالكه لو بقي بيد السارق فإن ما ذكر طريق لحفظ مال الموكل وهو لا يرضى بضياعه اه .
فرع : من ضلّ نعله في مسجد ووجد غيره لم يجز له لبسه وإن كان لمن أخذ نعله ، وله في هذه الحالة بيعه وأخذ قدر قيمة نعله من ثمنه إن علم أنه لمن أخذ نعله وإلا فهو لقطة .
فرع : من أخذ إنساناً ظنه عبداً حسبة فقال : أنا حرّ ، وهو عبد فتركه فأبق ضمنه اه ع ش على م ر .
قوله : ( لا نقص قيمته ) أي لنحو رخص سعر أو كساد ق ل . قوله : ( على الأصح ) ومقابل الأصح أنه يضمن أكثر الأمرين من أرش نقصه وأجرة مثله . قوله : ( وإن كان بسبب غير(3/507)
"""""" صفحة رقم 508 """"""
الاستعمال ) فصلها عما قبلها وإن كان حكمهما واحداً ، لوجود الخلاف في الأولى . قوله : ( بآفة سماوية ) خرج ما لو نقصت القيمة حينئذ بسبب رخص سعر فلا ضمان ، أ ج . قوله : ( وجب مع الأجرة ) أي من غير خلاف ، قد يقال : الأولى أن تكون الأولى ليس فيها خلاف ويكون الخلاف في الثانية . قوله : ( ثم الأجرة حينئذ ) راجع للمسألتين وقوله حينئذ أي حين لزمه أجرة المثل ، وهذا الحكم في كل مغصوب نقص ولا يختص نقصه بالآفة كما أطلقه في شرح المنهج . قوله : ( وإطلاق المصنف ) أي قوله : وأجرة مثله . قوله : ( كله أو بعضه ) بدل أو عطف بيان على المغصوب والمبدل منه في نية الطرح ، فكأنه قال : فإن تلف كل المغصوب أو بعضه . قوله : ( منها ) إشارة إلى عدم الحصر في هذه الثلاثة التي ذكرها ، فمنها ما أفتى به السيوطي أن من قطع يد عبده فغصب ثم مات سراية لا ضمان عليه لاستناده لسبب متقدم اه م د . قوله : ( فإنه لا ضمان ) لعدم التزامه للأحكام حال حرابته . قوله : ( أو نحوها ) كترك الصلاة بعد أمر الإمام . قوله : ( فقتله ) وإن لم يقصد استيفاء حق الله وإن كان فيه افتيات على الإمام ، بخلاف ما لومات فإنه يضمنه . قوله : ( قاله في البحر ) معتمد كما في شرح الروض ، فما قاله ق ل فيه نظر . قوله : ( هو ) أي الغاصب . قوله : ( أو أجنبي ) أي إذا لم يقتصّ مالك المغصوب ، فإن اقتص المالك فلا ضمان على الغاصب كما ذكره قبل اه أ ج . قوله : ( ولذا قلت أو إتلاف ) لكن صنيع الشارح فيما سبق يقتضي شموله . قوله : ( لكنه لو أتلفه المالك الخ ) هذا الاستدراك ليس بظاهر ؛ لأن الكلام في إتلاف الغاصب أو أجنبي ، فكان الأولى أن يقول ولو أتلفه(3/508)
"""""" صفحة رقم 509 """"""
المالك . وهذا ، أعني قوله : لكنه الخ ، شروع في ثلاث مسائل لا ضمان فيها أيضاً تضم للثلاثة المتقدمة تكون ستة ، ولو قدمها على التنبيه لكان أولى ، وتعبيره بلكن فيه مسامحة لما علمت . قوله : ( برىء من الضمان ) أي من قرار الضمان وإن كان يطالب ، وقرار الضمان على المجنون وعلى الآمر . قوله : ( بأمر المالك ) راجع للمسألتين . قوله : ( فقتله ) أي المالك . قوله : ( كتلف العبد الخ ) مضاف لفاعله ، ونفسه مفعول به أ ج ؛ لكن كان المناسب حينئذ التعبير بالإتلاف لأنه مصدر متعد لا التلف ، لأنه لازم ، فالأحسن جرّه توكيداً للعبد . والمراد بقوله : ( كتلف العبد نفسه ) أي كتلف العبد بنفسه من غير فعل فاعل كتلفه بآفة سماوية . قوله : ( فإنه لا ضمان ) أي لأن الغصب انتهى بالرد ، وهذا معلوم وأتى به توطئة لما بعد . قوله : ( واستثني من ذلك ) أي من نفي الضمان بعد الرد . قوله : ( ولم يعلم ) أي بكونه ملكه وتسمية ما ذكر إجازة ورهناً ووديعة بحسب الظاهر فقط . وإنما قال : ولم يعلم ليتأتى رهنه له أو إجارته له . قوله : ( فإن ضمانه على الغاصب ) لبقاء يده عليه حكماً . قوله : ( أو جناية في يد الغاصب ) فإنه يضمنه ، وكذا لو سرق في يده فقطعت يده في السرقة فإنها مضمونة على الغاصب .
قوله : ( ويضمن مغصوب الخ ) جعل كلام المتن متعلقاً بذلك المحذوف مع أنه في المتن متعلق بضمنه ، فلو أبقاه من غير تقدير كان أولى ؛ إلا أن يقال هو حلّ معنى . وقال بعضهم : قدره لطول الفصل وإلا فهو متعلق بضمنه في كلام المصنف . قوله : ( موجود ) أي ما بقيت له قيمة كما سيذكر محترزهما . وأشار بذلك إلى شرط ، وسيأتي في الشرح الإشارة إلى شرطين فلا تغفل . والحاصل أن الشروط خمسة : أن يكون المثل موجوداً ، وأن يكون له قيمة ، وأن لا يصير المثلي متقوّماً ، وأن لا يتراضيا على دفع القيمة ، وأن يقع التقويم في مكان التلف فإن وقع بغيره ففيه تفصيل ، فإن كان له مؤنة أي أجرة ومثلها ارتفاع الأسعار لم يضمن بالمثل وإلا ضمن بالمثل .
قوله : ( ما حصره كيل أو وزن ) بمعنى أنه لو قدر شرعاً قدر بكيل أو وزن ، وليس المراد ما أمكن فيه ذلك ، فإن كل مال يمكن وزنه وإن لم يعتد كيله . ويعرف بهذا أن الماء والتراب مثليان ؛ لأنهما لو قدرا كان تقديرهما بكيل أو وزن اه حج مرحومي . قوله : ( كماء ) أي سواء(3/509)
"""""" صفحة رقم 510 """"""
كان ملحاً أو عذباً أغلى أو لا على المعتمد ، فقوله : ( ولو أغلى ) للردّ على من قال : إذا أغلى يكون متقوّماً . قوله : ( ونحاس ) بضم أوله أشهر من كسره م ر . قوله : ( ودقيق ) في صحة السلم فيه نظر لاختلافه بالنعومة والخشونة فهو غير منضبط ، تأمل وحرر . قوله : ( أقرب إلى التالف ) أي من غرم القيمة . قوله : ( وما عدا ذلك ) أي ما حصره كيل الخ . وقوله : ( متقوم ) بكسر الواو ، وقيل بفتحها كما قاله حج . قوله : ( وما لا يجوز ) معطوف على قوله : ( كالمذروع ) . قوله : ( ومعيب ) لأن العيب لا ينضبط . قوله : ( وأورد على التعريف الخ ) المورد هو الأسنوي . وحاصل الإيراد أنه قال لنا مثلي يضمن بمثله مع أن تعريف المثلي غير شامل له فيكون غير جامع ، وحينئذ يكون الإيراد على منطوقه لا على مفهومه كما فهم المحشي اه شيخنا عشماوي . قوله : ( فيخرج القدر المحقق ) ويتصور ذلك بإخراج أكثر من الواجب ، فإذا كان الواجب أردباً مثلاً وبعضه برّ وبعضه شعير وشك هل البرّ نصف أو ثلث فيخرج من البرّ نصفاً ومن الشعير ثلثين اه مرحومي . وقال بعضهم : معناه أننا إن تحققنا قدر كل منهما أخرجناه وإلا عدلنا إلى القيمة . قوله : ( وأجيب الخ ) حاصل الجواب الأول منع كونه مثلياً بل هو متقوم ، وإن وجب رد مثله فهو جواب بالمنع . والثاني : يرجع إلى أنه مثلي بالنظر إلى جزأيه ، أي بأنه لو ميز كل واحد منهما على حدته لجاز السلم فيه ، وامتناع السلم فيه لعارض الاختلاط ؛ وهذا أولى مما صنعه المحشي . قوله : ( لا يستلزم كونه مثلياً ) أي فهو متقوّم ، ورد المثلي فيه لا ينافي ذلك اه . قوله : ( وبأن الخ ) جواب بالتسليم والأول بالمنع اه . قوله : ( في جزأيه الباقيين ) أخرج المعاجين المركبة لاستهلاك أجزائها شوبري . قوله : ( ويضمن المثلي بمثله في أي مكان حل ) أي المثلي أي في أيّ مكان نقل الغاصب المغصوب المثلي إليه فيطالب به في ذلك ، يعني أن الغاصب إذا نقل المغصوب من كذا إلى كذا ثم تلف ثم ظفر به المالك ، فله مطالبته بمثله في أي مكان حل به المثل ولو طريق ذلك المحل . قوله : ( وإنما يضمن ) شروع في قيد آخر غير الذي ذكره أولاً . قوله : ( إذا بقي له قيمة ) ولو تافهة ح ل . وعبارة شرح م ر :(3/510)
"""""" صفحة رقم 511 """"""
فيضمن المثلي بمثله ما لم يتراضيا على قيمته لأنه أقرب إلى حقه ، فإن خرج المثلي عن القيمة كما لو أتلف ماء بمفازة ثم اجتمعا بمحل لا قيمة فيه للماء أصلاً لزمه قيمته بمحل الإتلاف ، بخلاف ما إذا بقيت له قيمة ولو تافهة ؛ لأن الأصل المثل فلا يعدل عنه إلا حيث زالت ماليته من أصلها وإلا فلا كما لا نظر عند رد العين إلى تفاوت الأسعار ، ومحله كما يعلم مما يأتي في قوله : ( ولو ظفر بالغاصب في غير بلد التلف الخ ) فيما لا مؤنة لنقله وإلا غرّمه قيمته بمحل التلف كما لو نقل المالك براً من مصر إلى مكة ، ثم غصبه آخر هناك ، ثم طالب مالكه بمصر ، فتلزمه قيمته بمكة كما أفتى به الوالد رحمه الله والمراد بمؤنة النقل الأجرة ومثلها ارتفاع الأسعار .
قوله : ( ولو صار المثلي متقوماً ) حاصله أن الصور أربعة لأنه إما أن يصير المثلي متقوماً أو مثلياً أو يصير المتقوم مثلياً أو متقوماً آخر ، والصورة الرابعة تأتي في قوله : أما لو صار الخ . قوله : ( كجعل الدقيق ) لف ونشر مرتب . قوله : ( شيرجاً ) بفتح الشين هو دهن السمسم ، ولا يجوز كسرها كما في المصباح . قوله : ( ضمنه بمثله ) فيضمن الدقيق في المثال الأول والسمسم أو الشيرج في الثاني واللحم في الثالث ، فالمراد بالمثل بالنسبة للثاني جنس المثل الصادق بكل واحد منهما كما في شرح الروض وع ش كما يصرح به قوله بعد ، والمالك في الثاني مخير بين المثلين فكان الأولى أن يقدم هذا على الاستثناء كما صنع في شرح الروض شيخنا . قوله : ( إلا أن يكون الآخر ) أي أحد المثلين في المثلي والقيمة في الآخر ، شوبري . قوله : ( فيضمن به ) أي الأكثر . قوله : ( وبقيمته في الآخرين ) هما الأول والثالث . قوله : ( والمالك في الثاني مخير ) أي إن استويا في القيمة فلا ينافي ما قبله ع ش وشوبري . قوله : ( فيجب فيه أقصى القيم ) المعتمد أن الصنعة متقوّمة وذات الإناء مثلية ، فيضمن الوزن بمثله والصنعة بنقد البلد ز ي .
قوله : ( وخرج بقيد الوجود ) أي في قوله : إن كان له مثل موجود . قوله : ( ولا حواليه ) أي إلى مسافة القصر ق ل . وحواليه ملحق بالمثنى والمراد به التكثير كسعديه ودواليه . قوله : ( فيضمن ) أي المثل المفقود لا المغصوب ؛ لأن المغصوب بعد تلفه لا تعتبر الزيادة الحاصلة فيه بعد التلف شرح م ر بأقصى قيم المكان ، وإذا غرم القيمة ثم وجد المثل فلا ترادّ وللمالك أن ينتظر وجود المثل ولا يأخذ القيمة كما في الروضة عن البيان سم . قوله : ( إلى حين فقد المثلي ) صوابه كما في بعض النسخ : إلى حين فقد المثل بلا ياء النسبة . وفي فتاوى ابن حجر :(3/511)
"""""" صفحة رقم 512 """"""
الحاصل في هذه المسألة أن من غصب عيناً مثلية وأتلفها يلزمه مثلها ، فإن فقده أو وجده بزيادة على ثمن مثله لزمه أقصى قيمه من وقت الغصب إلى وقت فقد المثل ، فلو كان وقت الغصب يساوي مائة ووقت الفقد يساوي مائتين وفيما بين الوقتين يساوي ألفاً لزمه الألف وقس على ذلك . وأما المتقوّم فيضمن بأقصى قيمه من الغصب إلى التلف اه م د . وعبارة المنهاج مع شرحه للرملي : والأصح فيما لو كان المثل موجوداً عند التلف فلم يسلمه حتى فقده كما صرح به أصله أن المعتبر أقصى قيمه أي المثل كما صححه السبكي ، وهو ظاهر كلام الأصحاب ، وجزم به في التنبيه ، وجرى عليه بعضهم ، خلافاً لبعض المتأخرين أي وهو ابن حجر القائل بأن المراد أقصى قيم المغصوب ؛ لأن المغصوب بعد تلفه لا يعتبر فيه الزيادة الحاصلة فيه بعد التلف من وقت الغصب إلى تعذر المثل لأن وجود المثل إلى الخ اه .
قوله : ( فيلزمه ذلك ) أي التسليم . قوله : ( كما في المتقوم ) فإنه متى وجد فالواجب رده والقيمة إنما تكون عند الفقد اه ع ن . قوله : ( وصورة المسألة ) أي مسألة ضمانه بأقصى قيم المكان الذي حل به المثلي من حين الغصب إلى فقد المثلي إذا لم يكن المثل مفقوداً عند التلف ، فإن كان مفقوداً عنده انتهى الأقصى إلى وقت التلف لا إلى وقت الفقد فقط م د . قوله : ( كما صوّره المحرر ) أي صاحبه وهو الرافعي . قوله : ( وإلا ) أي بأن كان المثل مفقوداً عند التلف . وقوله : ( بالأكثر ) أي بأكثر القيم . قوله : ( ولو مكاتباً ومستولدة ) إنما أخذهما غاية إشارة إلى أن تعلق العتق بهما لا يمنع من كونهما مضمونين ع ش . قوله : ( أكثر ما ) أي قيمة ، وهو منصوب على الحال من ( قيمة ) أي حال كون القيمة أكثر القيم . وقوله : ( كانت ) أي وجدت فكان تامة . قوله : ( أي حين ) أشار بهذا إلى أن المراد باليوم مطلق الزمن فيشمل الليل ؛ لأن المعتبر زمن الغصب والتلف لا يومهما . قوله : ( وإن زاد ) أي الأكثر على دية الحر فيما لو كان المغصوب رقيقاً . قوله : ( نقد أكثر الأمكنة )(3/512)
"""""" صفحة رقم 513 """"""
أي أكثرها قيمة كما عبر به غيره ، والمراد الأمكنة التي حل بها المغصوب ، أي يعتبر أقصى قيم المكان ثم نقد ذلك المكان ع ن ؛ مثلاً إذا تلف المغصوب بعد أن نقله من مكان إلى مكان فإننا نعتبر أكثر قيم مكان من الأمكنة المنقول لها المغصوب ، وإذا اعتبرنا الأكثر فيه اعتبرنا نقده . قوله : ( بما نقص ) أي إن تلفت بآفة . وأفهم أنه لو لم تنقص قيمته بذلك كأن سقط ذكره وأنثياه كما هو الغالب من عدم نقص بذلك لم يلزمه شيء قطعاً ، وهو كذلك خطيب على المنهاج و م ر . قوله : ( إلا إن أتلفت ) خرج ما إذا تلفت بآفة سماوية فإنها تضمن بما نقص من الأقصى فتكون داخلة في حكم المستثنى منه ؛ لأن الساقط من غير جناية لا يتعلق به قصاص ولا كفارة ولا ضرب على العاقلة فأشبه الأموال اه شرح م ر ملخصاً . وخرج أيضاً إذا تلفت من غير رقيق وما إذا تلفت من رقيق وليس لها أرش مقدر من حر ، فتضمن بما نقص ، كذا قرره شيخنا العشماوي . والحاصل أن أبعاضه إن تلفت أو أتلفت وكان غير رقيق أو تلفت وكان رقيقاً أو أتلفت من رقيق ولم يكن لها مقدر من حر ، ففي ذلك كله تضمن الأبعاض بما نقص من الأقصى فقط ، وأما الصورة الباقية أشار لها الشارح بقوله : ( إلا إن تلفت ) وقيدها بقيود ثلاثة وهي قوله : ( أتلفت ) وقوله : ( من رقيق ) وقوله : ( ولها أرش مقدر من حرّ ) فإن انتفى واحد من ذلك ضمن بما نقص من الأقصى فقط .
قوله : ( مما نقص الخ ) بيان للأمرين والتعبير بنصف القيمة نظراً للتمثيل باليد والرجل أي بأحدهما . وعبارة شرح المنهج : فتضمن بأكثر الأمرين مما نقص والمقدر ، ففي يده أكثر الأمرين مما نقص ونصف قيمته اه . فلعل في عبارة الشارح سقطاً تأمل . قوله : ( لاجتماع الشبهين ) أي شبه الآدمي من حيث إنه حيوان ناطق وشبه الدابة مثلاً من حيث جريان التصرف فيه ، شوبري . قوله : ( نعم إن قطعها المالك ) أي أو أجنبي فيضمن الأجنبي النصف والغاصب ما زاد عليه ع ش . قوله : ( كالسمن ) وإن طرأ سمن آخر كأن غصب دابة سمينة فهزلت ثم سمنت ردها وأرش السمن الأول الذي زال عنده اه . ويجبر نسيان صنعة تذكرها لاتعلم أخرى ، شرح المنهج . قوله : ( وإن لم يطلبها المالك ) أي وإن لم يطلب ردها أي الزوائد المنفصلة وكذا المتصلة . قوله : ( ويضمن متقوّم ) ذكر هذا على سبيل الاستطراد لمناسبة الضمان ؛ لأن الكلام في الغصب . قوله : ( والزيادة الخ ) يوهم أن الزيادة الموجودة بعد التلف تضمن وليس مراداً ، ويمكن أن المراد الزيادة الموجودة في المغصوب قبل تلفه وإن كان بعيداً(3/513)
"""""" صفحة رقم 514 """"""
تأمل . قوله : ( بسبب الغناء ) بكسر الغين والمدّ : رفع الصوت ، وبفتح الغين مع المدّ أيضاً : النفع ، وبكسر الغين مع القصر : ضد الفقر اه أ ج . قوله : ( محرّم عند خوف الفتنة ) ومكروه عند عدمها . قوله : ( فإن تلف بسراية الخ ) تقييد لقوله بقيمته يوم التلف ، فكأنه قال : ما لم يكن التلف بسراية جناية وإلا فيضمن بالأكثر من الجناية إلى التلف . وكان الأولى أن يقدم هذا على قوله : ولو أتلف عبداً معيناً ، لتعلق هذا بما قبله .
قوله : ( تتمة ) التتمة مشتملة على ثلاث مسائل : الأولى : وقوع فصيل في بيت أو دينار في محبرة أي دواة ولم يخلص الفصيل أو الدينار إلا بتلف البيت أو الدواة ، ولها ثلاث أحوال : التقصير من صاحب البيت أو الدواة والتقصير من صاحب الفصيل أو الدينار والتقصير منهما . المسألة الثانية : لو أدخلت بهيمة رأسها في قدر ولم تخرج إلا بكسرها كسرت لتخليصها رعاية لحفظ ذي الروح ، ولها أيضاً ثلاثة أحوال : التفريط من مالك الدابة أو من مالك القدر أو منهما والأرش تابع لذلك . المسألة الثالثة : ابتلاع بهيمة جوهرة ، ولها حالتان : أن ينسب مالك البهيمة لتقصير فيضمن الجوهرة للحيلولة ، أو لا ينسب فلا يضمنها وعلى كلّ لا يجبر على ذبح البهيمة لأخذ الجوهرة . قوله : ( لو وقع فصيل ) هو ولد الناقة إذا كان صغيراً ، وهو فصيل بمعنى مفصول سمي بذلك لأنه يفصل عن أمه والجمع فصلان بضم الفاء ، وقد يجمع على فصال بالكسر كما في المصباح ؛ والفصيل ليس بقيد . قوله : ( في محبرة ) بفتح الميم والباء ، وهذا أفصح اللغات فيها ، ويجوز ضم الباء مثل المقبرة ، ويجوز كسر الميم مع فتح الباء لأنها اسم آلة والجمع محابر ، أفاده في المصباح . والمحبرة الدواة لأنها محل الحبر . قوله : ( بتفريط صاحب البيت ) بأن فرّط في فتحه مع وجود الفصيل وفرط صاحب المحبرة بتقديمها عند من يعد الدراهم مثلاً . قوله : ( فلا غرم ) الأولى أن يقول : وجب الهدم والكسر ولا غرم الخ . قوله : ( وإلا ) أي وإلا يكن التفريط من صاحب البيت والمحبرة بأن كان من مالك الفصيل والدينار فقط أو لا بتفريط أصلاً لا من مالك الفصيل والدينار ولا من مالك البيت والمحبرة ؛ وبقي من مصدوق قوله وإلا ما إذا كان التفريط من مالك الفصيل والدينار ومن مالك البيت والمحبرة ، إلا أن هذا القسم الثالث ليس مراداً من قوله : ( وإلا ) بقرينة قوله : ( فإن كان الوقوع بتفريطهما الخ ) أي بتفريط مالك الدينار والفصيل ومالك البيت والمحبرة ، وحينئذ فالمراد من(3/514)
"""""" صفحة رقم 515 """"""
قوله وإلا القسمان الأولان فقط . قوله : ( غرم ) أي مالك الفصيل والدينار والأرش أي لأن البيت والمحبرة إنما أتلفا لتخليص مالهما . قوله : ( إنه ) أي مالك الفصيل والدينار . وقوله : ( إنما يغرم النصف ) أي نصف أرش البيت الذي هدم ونصف أرش المحبرة . قوله : ( ولا تذبح ) أي لا يجبر عليه . قوله : ( ثم إن صحبها مالكها الخ ) في شرح الروض ؛ قال ، يعني البلقيني : وسئلت عن رجل ركب دابة غيره في المرعى ثم نزل عنها فجاءت إلى الجرن فردها الحارس فرفسته فكسرت أسنانه ولم يكن معها أحد وذلك بالنهار ، فأفتيت بأنه لا ضمان على صاحبها ولا على الذي ركبها اه . واعتمده م ر ، ووجهه بأنها وإن كانت مضمونة على من ركبها لصيرورته غاصباً بالركوب ، إلا أنها لم تكن حينئذ في يده لأن رد الحارس لها قطع أثر يد الغاصب كما لو كانت في يد مالكها فاستقبلها إنسان وردها فأتلفت شيئاً فإن المالك لا يضمن ذلك الشيء ، تأمل . والضمان إنما هو على الرادّ ما دام السير منسوباً إليه ، تأمل . كذا وجدته بخط الشهاب سم بهامش العباب ، وقرره شيخنا . قوله : ( إن فرّط في حفظها ) فإن لم يفرط فلا ضمان . قوله : ( فإن بلعت ) بكسر اللام .
3 ( ( فصل : في الشفعة ) ) 3
مأخوذة من شفعت كذا بكذا : إذا ضممته إليه ، سميت بذلك لضم نصيب الشريك إلى نصيبه . أو من الشفع وهو ضد الوتر ، فكأنّ الشريك يجعل نصيبه شفعاً بضم نصيب شريكه إليه . أو من الشفاعة ؛ لأن الأخذ في الجاهلية كان بها أي بالشفاعة برماوي . وسيأتي وجه مناسبة ذكرها عقب الغصب وهو أنها بمنزلة الاستثناء منه . ويلغز بها ويقال : لنا شيء يؤخذ قهراً عن مالكه ولا حرمة .
قوله : ( وحكي ضمها ) قال الزركشي وغلط من ضم الفاء وفي المصباح الشفعة وزان(3/515)
"""""" صفحة رقم 516 """"""
غرفة ، وسميت بذلك لأن صاحبها يشفع ماله بها . قوله : ( حق تملك ) أي استحقاق . وهو غير التملك لأن التملك يكون بالصيغة بعد الاستحقاق والحق يطلق على الله تعالى وعلى الموت وعلى المقتضي والمستحق ، وهو المراد هنا . قوله : ( قهري ) بالرفع صفة لحقّ وهو ظاهر ، ويصح بالجر صفة للتملك وفيه نظر لأنه بالاختيار . ويجاب بأنه من الإسناد المجازي ، أي قهري سببه وهو استحقاقها لثبوته للشريك قهراً كعيشة راضية أي راض صاحبها . وقد اشتمل التعريف على الأركان الثلاثة . قوله : ( للشريك القديم ) ولو حكماً ليشمل ما لو باع أحد الشريكين حصته لشخص بشرط الخيار لهما وباع شريكه بيع بتّ فلمن باع بشرط الخيار الشفعة على الثاني كما سيأتي ، مع أنه غير شريك لعدم ملكه ، والشريك القديم شامل للذمي . وقوله : ( للشريك ) أي المالك للرقبة لا نحو موصى له بمنفعة وموقوف عليه . قوله : ( بعوض ) خرج به ما لو ملكها بهبة أو إرث أو نحوهما فلا شفعة اه . قوله : ( والأصل فيها ) أي قبل الإجماع ، شرح البهجة . ولعله أسقطه هنا مراعاة لمن شذّ فمنع الأخذ بها ففيها خلاف في الجملة وذكره هناك تنزيلاً للشاذ منزلة العدم اه ع ش . قوله : ( قضى ) أي أجاز الشفعة في ذلك لا في غيره أو أجاز أن يقضي كذلك اه ق ل . قوله : ( فيما ) أي في نصيب ملك بمعاوضة لم يقسم . وهذا ظاهر في أنه يقبل القسمة ، إذ الأصل فيما نفي بلم كونه في الممكن ، بخلاف ما نفي بلا نحو : لا شريك له ، واستعمال أحدهما مكان الآخر تجوّز أو إجمال قاله ابن دقيق العيد شرح م ر . وإنما قال الأصل أي الغالب لأن لم قد تدخل على ما لا يمكن نحو : ) لم يلد } ) الإخلاص : 3 ) وقد تدخل لا على ما يمكن نحو : ) لا يمسه إلا المطهرون } ) الواقعة : 79 ) اه .
قوله : ( فإذا وقعت الحدود ) أي بين الشريكين والمراد بالحدود العلامات بأن وقعت القسمة ، والمراد وقعت قبل البيع . قوله : ( وصرفت ) بالتشديد : أي بينت ، وبالتخفيف : فرقت ، ح ل ؛ بأن صارت الحصص منفصلة عن بعضها ، وهو عطف تفسير أو مرادف اه ق ل . والظاهر أنه عطف مغاير أو عطف لازم على ملزوم نظراً للتفسير السابق لقوله : فإذا وقعت الحدود اه . قوله : ( فلا شفعة ) لأنهما صارا جارين . قوله : ( في أرض ) بدل من قوله ما لم وعلم منه أنها لا تجري في المنقول أصالة بخلافه تبعاً . قوله : ( والمعنى فيه ) أي في ثبوت الشفعة وأشار به إلى أن هذا ليس أمراً تعبدياً بل هو معقول المعنى اه .(3/516)
"""""" صفحة رقم 517 """"""
قوله : ( واستحداث ) بالجر عطفاً على قسمة ، والسين والتاء زائدتان والمراد أنه إذا لم يأخذ بالشفعة لربما وقع بينهما قسمة وطلعت المرافق للجديد فيحتاج القديم إلى المرافق فإذا أخذ بالشفعة اندفع عنه ضرر ذلك . وقوله : ( في الحصة ) متعلق باستحداث ، وبقية العبارة ستأتي في الشرح ، وهي : وهذا الضرر حاصل قبل البيع الخ ، فكان الأولى ذكرها هنا فقوله : واستحداث المرافق أي التي تحدث من المشتري لو لم يأخذ الشفيع بالشفعة . قوله : ( الصائرة إليه ) أي إلى الشفيع وهو الشريك القديم ، والمراد بالحصة الصائرة إليه أي بعد القسمة من الشريك الحادث لو قسم بينه وبين القديم . قوله : ( تؤخذ قهراً ) والعفو عنها أفضل ما لم يكن المشتري نادماً أو مغبوناً ، شرح م ر . وقوله : ( والعفو عنها أفضل ) ظاهره وإن اشتدّت إليها حاجة الشريك القديم وينبغي خلافه ويحتمل بقاؤه على ظاهره ويكون ذلك من باب الإيثار ، وهو أولى حيث لم تدع إليه ضرورة كالاحتياج للماء للطهارة بعد دخول الوقت ، ومحله أيضاً حيث لم يترتب على الترك معصية فإن ترتب عليه ذلك كأن يكون المشتري مشهوراً بالفجور فينبغي أن يكون الأخذ مستحباً بل واجباً إن تعين طريقاً لدفع ما يريد المشتري من الفجور ، اه ع ش على م ر . قوله : ( فكأنها مستثناة من تحريم أخذ مال الغير ) وهو الشريك الحادث ، وفيه أنها مستثناة حقيقة فلعل الأولى حذف كأنّ . وعبارة غيره : فكأنها مستثناة من الغصب ، وهو ظاهر لأن الغصب اعتبر فيه أن يكون بغير حق . قوله : ( آخذ ) بالمدّ هو أحد الأركان ، وأما الأخذ بلفظ المصدر فهو الصيغة أو مفادها أي ما تفيده وشرط الآخذ كونه شريكاً مالكاً ، فخرج بالشريك الجار وبالمالك الموقوف عليه ونحوه فلا شفعة لهم . وسواء كان ملك الشريك بشراء أو إرث أو هبة بخلاف الشقص المشفوع فإنّ شرطه أن يملك بعوض كما يأتي . قوله : ( والصيغة إنما تجب في التملك ) أي لا في الاستحقاق ؛ لأن الاستحقاق ثابت بلا لفظ أي فلا يصح عدّها من الأركان ، أي والشفعة حق التملك لا الملك ؛ فقوله : ( والصيغة إنما تجب الخ ) جواب عن سؤال مقدر تقديره : لماذا جعلت الأركان ثلاثة ولم تعدّ الصيغة وهي قوله تملكت ؟ فأجاب بأن كلامنا في أركان الاستحقاق وهو لا يتوقف ثبوته على صيغة .
قوله : ( أي ثابتة للشريك ) دفع به توهم حمل الوجوب على حقيقته الموجبة لتحريم(3/517)
"""""" صفحة رقم 518 """"""
تركه . قوله : ( بالخلطة ) أي الشركة في الأعيان ، أما الشركة في المنافع فلا شفعة فيها . قوله : ( لم يوقف ) بأن وهب له أو اشتراه الناظر من ريع الوقف ولم يوقف ، بخلاف ما إذا وقف على المسجد فليس للناظر أن يأخذ الحصة الأخرى للمسجد ح ل . ولعل وجهه أن المسجد ليس شريكاً حينئذ لأن الموقوف عليه غير مملوك له والشفعة لا تكون إلا في المملوك فقوله لم يوقف قيد معتبر ولا يصير وقفاً إلا بصيغة من الناظر وله أن يصرف ريعه في مصالحه . قوله : ( دون خلطة الجوار ) الصواب حذف خلطة ق ل لأن الجوار ليس فيه خلطة . قوله : ( فلا تثبت للجار ولو ملاصقاً ) خلافاً للحنفية ، وما ورد فيه من الأخبار فمنسوخ أو محمول على ما قبل المنع أو خصوصية . وعبارة عبد البر : وعند الحنفية تثبت للجار والمراد به الملاصق ، وكذا المقابل إذا كان الطريق الذي بينهما غير نافذ لنا ، أي يدل لنا حديث : ( الشفعة فيما لم يقسم ) . قوله : ( لخبر البخاري ) ومحل الشاهد فيه قوله : فإذا وقعت الحدود الخ ، أي لأنه حينئذ صار جاراً . قوله : ( وما ورد فيه ) أي في الجار . قوله : ( لشريك في المنفعة ) أي على شريك في العين كأن أوصى له بنصف منفعة الدار ثم بعد ذلك أراد الوارث أن يبيع بعض الدار فليس للموصى له بنصف المنفعة أن يأخذ بالشفعة بخلاف العكس . قوله : ( على مسلم ) أي على مشتر مسلم ، فإذا اشترى مسلم حصة الشريك ومالك الباقي كافر فله الشفعة . قوله : ( ولو كان لبيت المال الخ ) كأن مات رجل عن بنت فنصف تركته لها والنصف الآخر لبيت المال ، فإذا باعت البنت نصفها في ذلك البيت مثلاً فللإمام أن يأخذ لبيت المال بالشفعة . قوله : ( ولا شفعة لصاحب شقص الخ ) أي لأن شرط الآخذ بالشفعة أن يكون مالكاً للعين وأيضاً المالك للمنفعة دون العين لم يكن فيه اختلاط ، فيكون خارجاً بقوله بالخلطة والمراد بها الشركة في الأعيان ، ولو ذكر هذا عقب ذكر المنفعة لكان أنسب ق ل . قوله : ( موقوف عليه ) صفة شقص . قوله : ( إذا باع شريكه ) لأن الطالب للشفعة في هذه ليس مالكاً كما يأتي . قوله : ( إذا باع شريك آخر نصيبه ) كأن كانت الأرض أثلاثاً : ثلثها وقف على(3/518)
"""""" صفحة رقم 519 """"""
شخص وكل ثلث من الثلثين الباقيين لشخص ، ثم إن أحدهما باع ثلثه لآخر لا يأخذ شريكه بالشفعة كما ذكره الشارح أولاً ، والمعتمد أن له الأخذ كما اعتمده آخراً اه م د . قوله : ( لامتناع قسمة الوقف ) أي تمييزه عنه لأنه شائع أي وإذا امتنعت قسمة الوقف انتفى الضرر ، وإذا انتفى الضرر انتفت الشفعة . وهذا ، أعني قوله : ( لامتناع ) تعليل للصورتين ، وقوله : ( والانتفاء الخ ) تعليل للأولى . قوله : ( ملك الأول ) وهو صاحب شقص موقوف عليه من أرض مشتركة . قوله : ( نعم ) استدراك على قوله : ولا لشريكه الخ . وأما الأولى وهي الموقوفة فلا شفعة فيها باتفاق ، وهذا الاستدراك معتمد إن كانت قسمة إفراز . وعبارة شرح م ر : ويجوز قسمة الوقف من الملك أو وقف آخر إن كانت إفرازاً لا بيعاً بأن كانت قسمة تعديل أو ردّ ، وبهذا يجمع بين من قال يجوز قسمة الوقف من الملك أي تمييزها عنه . ومن منعها فيحمل الأول على قسمة الإفراز والثاني على قسمة التعديل أو الرد ، سواء كان الطالب المالك أو الناظر أو الموقوف عليه . ونظير ذلك كما في المجموع الأضحية أنه إن اشترك جماعة في بدنة أو بقرة لم تجز القسمة إن قلنا إنها بيع على المذهب ، وبين أرباب الوقف تمتنع مطلقاً لأن فيه تغييراً لشرطه اه . وقوله : ( لأن فيه تغييراً لشرطه ) كأن معنى ذلك أن مقتضى الوقف أن كل جزء منه لجميع الموقوف عليهم وعند القسمة يختص البعض بالبعض اه سم . قوله : ( من جواز قسمته ) أي قسمة الوقف عن الملك . قوله : ( وهو ) أي الجواز المذكور المعتمد الخ . قوله : ( قسمة إفراز ) أي بأن كانت الأرض مستوية الأجزاء .
قوله : ( وهو الركن الثاني ) أي في كلام المصنف وإن كان ثالثاً في كلام الشارح المتقدم . قوله : ( فيما ينقسم ) متعلق بواجبة في كلام المصنف وعلقه الشارح بمحذوف . وحاصل ما ذكره المتن شرطان : الأول هذا ومعناه أنه لابد أن لا يبطل نفعه لو قسم والثاني قوله وفي كل ما لا ينقل ومعناه أن يكون أرضاً أو أرضاً مع تابعها وسيأتي شرط ثالث وهو أن يملك بعوض . قوله : ( بحيث ينتفع به ) أي بالقسم الصائر إليه . قوله : ( كطاحون ) وهو المكان المعدّ للطحن ، وليس المراد به الحجر وإنما تثبت الشفعة فيه تبعاً للمكان ز ي وكذلك كل منفصل توقف عليه نفع متصل كصندوق الطاحون . قوله : ( وذلك ) أي ووجه اشتراط أن لا يبطل نفعه الخ . وقوله :(3/519)
"""""" صفحة رقم 520 """"""
( دفع ضرر الخ ) أي والذي يبطل نفعه بالقسمة لا يقسم فلا ضرر كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( في المنقسم ) أي فيما يقبل القسمة . قوله : ( والحاجة ) بالرفع عطفاً على دفع ، وبالجر عطفاً على القسمة ، أي ودفع ضرر مؤنة الحاجة إلى أفراد الخ . وقوله : ( بالمرافق ) متعلق بأفراد . قوله : ( وهذا الضرر حاصل ) أي على فرض وقوع القسمة قبل البيع . قوله : ( ومن حق الراغب فيه ) قضيته أنه لو عرض البيع عليه فأبى ثم باع لأجنبي ليس له أي للشريك الأخذ بالشفعة ، وليس كذلك ، وما ذكره حكمة اه ع ش . قوله : ( وبذلك ) أي بقوله ؛ لأن علة ثبوت الخ . وفيه أن هذا من قاعدة أخرى وهي أن الشفعة لا تثبت فيما لا إجبار فيه وتثبت فيما فيه إجبار على القسمة كما يؤخذ من الروض وشرحه ، وفيه أن ما ذكر في المتن متضمن لهذه القاعدة فصح قوله : وبذلك الخ . وعبارة شرح الروض : فعلم أنها لا تثبت إلا فيما يجبر فيه الشريك على القسمة إذا طلبها شريكه الخ . قوله : ( صغيرة ) هذا قيد معتبر ، أما لو كانت كبيرة بحيث يكون عشرها داراً فإن كلاًّ منهما يجبر بطلب صاحبه . قوله : ( لا عكسه ) أي لا تثبت لمالك التسعة أعشار إذا باع مالك العشر نصيبه ؛ لأن المشتري منه لو طلب القسمة لم يجب إليها فهو آمن مما يترتب على الشركة من طلب القسمة ، ويؤخذ منه أنه لو كان للمشتري ملك ملاصق له تثبت الشفعة حينئذ لصاحب التسعة أعشار لأن مشتري العشر يجاب حينئذ لطلب القسمة كما ذكره ع ش على م ر . قوله : ( لأن الأول ) أي وهو مالك العشر يجبر على القسمة ، أي فالضرر يحصل له لو قسم المشتري من شريكه ؛ فلذلك تثبت له الشفعة يعني إذا أراد شريكه الحادث وهو المشتري للتسعة أعشار القسمة يجاب إليها ويجبر مالك العشر على القسمة فلذلك ثبت له الأخذ بالشفعة دفعاً للضرر . قوله : ( وأن يكون ) معطوف على أن يكون فيما ينقسم . قوله : ( بأن يكون أرضاً بتابعها ) أي مع تابعها أي إن كان ، فلا يقال مفهومه أن الأرض الخالية عن التابع لا شفعة فيها ع ش . وقوله : ( بتابعها ) أي ما يتبعها في مطلق البيع أي يدخل عند الإطلاق حلبي ، فالمراد بالتابع ما لو سكت عنه دخل في البيع . وكان المناسب أن يقول : ولو بتابعها ليدخل في ذلك الأرض الخالية من التوابع . قوله : ( شجر ) أي فإنه يتبع الأرض في البيع . فإن قلت : ما الفرق بين البيع والرهن فإنه إذا رهن أرضاً لا يدخل فيها ما ذكر ؟ قلت :(3/520)
"""""" صفحة رقم 521 """"""
الفرق بينهما أن البيع قوى يستتبع بخلاف الرهن فإنه ضعيف لا يستتبع اه م د على التحرير . قوله : ( غير مؤبر ) أما مؤبر بشرط دخوله فلا تثبت فيه الشفعة لانتفاء التبعية ع ش . والمراد بقوله ( غير مؤبر ) أي عند عقد البيع الأول فيؤخذ بالشفعة ، ولو لم يتفق الأخذ حتى أبر أو قطع . وكذا كل ما دخل في البيع ثم انقطعت تبعيته فإنه يؤخذ بالشفعة . قوله : ( وبناء ) يؤخذ منه أن الأرض لو كانت غير مملوكة للشريك وباع حصته من البناء فلا شفعة ؛ لأنها إنما تثبت في البناء تبعاً للأرض ، وهو كذلك اه عناني . قوله : ( غير نحو ممرّ ) صفة ل ( أرضاً ) . قوله : ( لا غنى عنه ) راجع لهما أي الممر ونحوه . قوله : ( فلا شفعة في بيت على سقف ) لعدم الأرض . قوله : ( ولو مشتركاً ) أي ولو كان السقف مشتركاً ، وأما البيت فالفرض أنه مشترك . قوله : ( ولا في شجر أفرد بالبيع ) هل المراد نص عليه مع الأرض أو خص بالبيع دون الأرض ح ل ، يصح إرادة كل منهما فلا شفعة على كل حال كما في ع ش . قوله : ( أو بيع مع مغرسه ) لأن الأرض هنا تابعة للشجر والمتبوع منقول . قال السبكي : ينبغي أن تكون صورة المسألة حيث صرح بدخول الأسّ والمغرس في البيع أن يكونا مرئيين قبل ذلك ، فإنه إذا لم يرهما وصرح بدخولهما لم يصح البيع في الأصح . ولا يرد عليه ما قالوه في البيع من أنه إذا قال بعتك الجدار وأساسه حيث يصح وإن لم ير الأساس ؛ لأن المراد بذلك الذي هو بعض الجدار كحشو الجبة ، أما الأساس الذي هو مكان البناء فهو عين منفصلة لا تدخل في البيع عند الإطلاق على الأصح ، فإذا صرح اشترط فيه شروط البيع اه شوبري . وقوله : ( كحشو الجبة ) أي في أنه يكفي في صحة بيعه رؤية بعضه ولا تشترط رؤية جميعه ، فالأس محل البناء من الأرض والأساس أصل الجدار . قوله : ( لانتفاء التبعية ) لأنه من قبيل المنقولات . قوله : ( ولا في نحو ممرّ ) أعاده ثانياً لأجل التصوير . قوله : ( فلو باع داره ) أي الخاصة به ، وكذا لو باع بستانه الخاص به وله شريك في مجرى النهر الذي لا غنى عنه فلا شفعة فيه . وخرج ما لو كانت مشتركة وباع حصته وتبعها حقها في الممر فإن للشريك أن يأخذ الحصة مع حقها من الممر . قوله : ( بخلاف ما لو كان الخ ) هذا هو الصحيح من أوجه ثلاثة : الثاني تثبت مطلقاً والمشتري هو المضرّ بنفسه لشرائه هذه الدار ، والثالث : المنع مطلقاً إذا كان في اتخاذ الممر عسر أو مؤنة لها وقع لأن فيه ضرراً ظاهراً . ومحل الخلاف إذا لم يتسع الممر ، فإن اتسع بحيث يمكن أن يترك للمشتري منه شيء يمر فيه ثبتت الشفعة في الباقي قطعاً . ومجرى النهر(3/521)
"""""" صفحة رقم 522 """"""
كالممر فيما ذكر اه أ ج . قوله : ( كالعقار ) مثال للذي لا ينقل الذي هو الأرض وتوابعها . قوله : ( والضياع ) بكسر الضاد جمع ضيعة وهي القرية الصغيرة ، وسميت بذلك لأن صاحبها يضيع بتركها . قوله : ( قد علم من كلامه ) أي من مفهوم كلامه . قوله : ( إن لم يكن تابعاً ) فإن كان تابعاً ثبتت فيه الشفعة ، أي وصورة المسألة أنه يتوقف تمام الانتفاع بالعقار على ذلك المنقول كالأبواب ومفتاح الغلق المثبت . قوله : ( ومن المنقول ) فيه أن هذا غير منقول ، وحينئذ فالمناسب أن يقول : ويستثني من غير المنقول البناء على الأرض المحتكرة ، أو يقول : وخرج بقوله بتابعها البناء على الأرض المحتكرة فإنه ليس بتابع للأرض . وأجيب بأن المراد بالمنقول ما يمكن نقله . قوله : ( المحتكرة ) أي المجعول عليها أجرة مؤبدة . وصورة المحتكرة على ما جرت به العادة الآن أن يؤذن في البناء في أرض موقوفة أو مملوكة بأجرة مقدرة في كل سنة في مقابلة الأرض من غير تقدير مدة ، فهي كالخراج المضروب على الأرض في كل سنة بكذا ع ش على م ر .
فرع : قال شيخنا كابن حجر : أراضي مصر كلها وقف لأنها فتحت عنوة فلا شفعة فيها . ونوزع فيه . ونقل عن شيخنا م ر خلافه ، وهو الوجه الذي جرى عليه الناس في الأعصار اه ق ل على الجلال .
قوله : ( كمبيع ) مثال للمأخوذ بعوض . قوله : ( ومهر ) كأن أصدقها نصف دار مشتركة فللشريك أن يأخذ بالشفعة بمهر المثل بالغاً ما بلغ ولو زاد على ثمن نصف الدار أو نقص . وقوله : ( وعوض خلع ) بأن خالعت زوجها على نصف دار مشتركة فيأخذ الشريك بمهر المثل . وقوله : ( وصلح دم ) أي عمد ، فأن أراد المجني عليه قتل الجاني فصالحه من القود على نصف داره المشتركة فللشريك أن يأخذ نصف الدار بقيمة الإبل الواجبة في دية العمد لأن الثمن إذا كان متقوّماً يأخذ بقيمته . قوله : ( قبل الفراغ من العمل ) وبعد الفراغ من العمل يأخذ ، بأجرة(3/522)
"""""" صفحة رقم 523 """"""
مثل الردّ ح ل . قوله : ( كإرث ) كأن مات المورّث عن نصف عقار فملكه وارثه بالإرث فلا شفعة لشريك المورث ، أما لو مات المورث عن أخوين مثلاً ثم إن أحدهما باع حصته لشخص فإن الشفعة للأخ الثاني اه م د . قوله : ( بشرط الخيار ) أي للبائع أي أولهما سم . أما إذا كان بشرط الخيار للمشتري فلا توقف في ثبوت الشفعة له لثبوت الملك له ، اه رشيدي . قوله : ( في زمن الخيار ) أي الثابت للبائع والمشتري أو للبائع فقط ، اه مرحومي . قوله : ( فالشفعة للمشتري الأول ) أي بعد لزوم البيع لأنه في زمن خيار البائع ليس مالكاً ، أو المراد بكون الشفعة له ثبوت حق الأخذ بها لا الأخذ بالفعل كما يؤخذ من ح ل . وعبارة متن المنهج : فلو ثبت خيار البائع لم تثبت إلا بعد لزوم البيع اه . قوله : ( وإن لم يشفع بائعه ) أي إن لم يفسخ البائع البيع ويأخذ بالشفعة أو يقول أخذت بالشفعة ويكون الأخذ بالشفعة فسخاً للبيع ، قرره شيخنا العزيزي . والأولى حذف الواو كما في المنهج ، ويمكن جعلها للحال لأن جعلها غاية يقتضي أن له الشفعة سواء شفع بائعه أو لا مع أن بائعه إن شفع لا يتصور أخذه بالشفعة لانفساخ البيع حينئذ . قوله : ( لتقدم سبب ملكه ) أي هو البيع . قوله : ( لتأخر ) علة لقوله لا للثاني . وقوله : ( عن سبب الأول ) لعلها عن سبب ملك الأول كما في شرح المنهج . قوله : ( بشرط الخيار لهما ) أي البائعين . وقوله : ( دون المشتري ) أي وحده ، وقيد بذلك لأنه إذا كان الخيار له فقد تقدم ملك الأول لا سببه فقط كما لا يخفى أي والحكم واحد على كل حال . قوله : ( بخلاف ما لو اشترى اثنان الخ ) هذا محترز قوله : تأخر سبب ملكه الخ . وفي هذه تقارنا . قوله : ( بالثمن الخ ) إشارة إلى شرط في المأخوذ وهو أن يملك بعوض ، ولو قال بالعوض الذي وقع عليه العقد لكان أعم لشموله نحو المهر اه م د . وهو على حذف مضاف تقديره بمثل الثمن أو قيمته ؛ لكن محل هذا التقدير ما لم يرجع ذلك الثمن للشفيع الذي هو الشريك القديم ، فإن رجع إليه وصار مالكاً له بوجه من الوجوه تعين الأخذ به لأنه إنما جوّز له الأخذ بمثله أو قيمته لتعذره فلما رجع له تعين الأخذ به ، هكذا اعتمده ز ي . قوله : ( عقد البيع ) فيه تغيير إعراب(3/523)
"""""" صفحة رقم 524 """"""
المتن ، فلو حذف لفظ ( عقد ) لكان أولى . قوله : ( أو غيره ) عطف على الثمن لا على البيع كما هو ظاهر . قوله : ( فيأخذ في ثمن مثلي ) ظاهره ولو اختلفت قيمة المثل بأن اشترى داراً بمكة بحب غال فللشفيع أخذها بمصر بقدر ذلك الحب وإن رخص جداً ، ويوجه بأن ذلك القدر هو الذي لزم بالعقد شرح م ر اه . قوله : ( إن تيسر ) ضابط التيسر ما دون مرحلتين . وقوله : ( وإلا ) أي وإن لم يتيسر بأن فقد حساً أو شرعاً كأن وجد بأكثر من ثمن مثله برماوي . قوله : ( كعبد وثوب ) أي وبضع في النكاح والخلع أخذاً من كلامه بعد . قوله : ( بقيمته ) أي المتقوم لا قيمة الشقص ؛ لأن ما يبذله الشفيع في مقابلة ما بذله المشتري لا في مقابلة الشقص ، ولو حط عن المشتري بعض الثمن قبل اللزوم انحطّ عن الشفيع ، أو كله فلا شفعة لانتفاء البيع شرح م ر . والأولى أن يقول : لانتفاء الثمن ، قال في شرح الروض : أما لو حط بعد اللزوم فلا ينحط عن الشفيع شيء اه أ ج . قوله : ( كما في الغصب ) التشبيه من حيث القيمة ، وعبارة شرح الروض : واعتبارهم المثل والقيمة فيما ذكر مقيس على الغصب اه . قال في شرح الإرشاد : ومنه يؤخذ أنه يأتي هنا نظير ما مر فيما لو ظفر الشفيع بالمشتري ببلد آخر وأخذ فيه ، وهو أنه يأخذ بالمثل أو يجبر المشتري على قبضه هناك إن لم يكن لنقله مؤنة والطريق أمن وإلا أخذ بالقيمة لحصول الضرر بقبض المثل وأن القيمة حيث أخذت تكون للفيصولة اه .
قوله : ( ونكاح وخلع ) والمأخوذ به فيهما مهر المثل م ر . قوله : ( وغيرها ) كالمتعة فيأخذ الشفيع الشقص بمتعة المثل لها وقت الإمتاع ، وكالصلح به أي بالشقص عن دم ، فيأخذه بقيمة الدية وقت الصلح ، وكجعله أجرة فيأخذه بأجرة المثل وقت الاستئجار ، وكجعله جعلاً فيأخذه بأجرة المثل بعد تمام العمل . قوله : ( لأنه وقت ثبوت الشفعة ) أي ثبوت سببها ، فلا يرد أن الشفعة إنما تثبت بعد لزوم العقد من جهة البائع سم ع ش . قوله : ( في ملك المأخوذ منه ) أي أصالة وهو البائع والزوج في النكاح والزوجة في الخلع برماوي ؛ فلا تعتبر هذه الزيادة على الشفيع . وعبارة الزيادي : قوله : ( ولأن ما زاد زاد في ملك المأخوذ منه ) أي بطريق الأصالة وهو البائع ، وليس المراد بالمأخوذ منه المشتري لأنه يوهم أن المعتبر قيمة الشقص لا عوضه ، وليس كذلك . ويدل للتأويل ما في بعض النسخ ، ولأن ما زاد زاد في ملك البائع . ويقال في الصداق : إذا كان شقصاً مشفوعاً وأخذه الشفيع بمهر مثلها وقت العقد وزاد مهر مثلها بعد العقد أنّ ما زاد زاد في ملك المأخوذ منه بطريق الأصالة وهو الزوج ، لأنه ملك منفعة البضع وقت العقد ، وما زاد بعده زاد في ملكه فلا يعتبر . ويقال فيه : إذا كان عوض الخلع إن ما زاد زاد في(3/524)
"""""" صفحة رقم 525 """"""
ملك المأخوذ منه بطريق الأصالة وهو الزوجة لأنها ملكت منفعة بضعها . قوله : ( وخير الشفيع الخ ) مقابل لمحذوف تقديره فإن كان الثمن حالاًّ تسلط الشفيع على الأخذ حالاًّ ، وإن كان مؤجلاً خير . قال س ل : وإذا خير لم يلزمه إعلام المشتري بالطلب أي طلب الأخذ بالشفعة أي فيما إذا كان الثمن مؤجلاً . قوله : ( وبين صبره إلى الحلول ) ولو اختار الصبر ثم عنّ له أن يعجل ويأخذ كان له ذلك إن لم يكن الزمن زمن نهب يخشى منه ضياع الثمن المعجل س ل . وقوله ( إلى الحلول ) ليس المراد الحلول بالفعل لقوله بعد : ( وإن حلّ بموت المأخوذ منه ) بل المراد وقت حلوله لو مضى الأجل سم . قوله : ( وإن حل الأجل ) غاية . وقوله : ( بموت المأخوذ منه ) أي وهو المشتري . وصورة ذلك أن يشتري الشريك الحادث الشقص لأجل ثم يموت قبل حلول الأجل فللشفيع التخيير بين الأخذ حالاً وبين الصبر إلى الأجل .
قوله : ( لاختلاف الذمم ) أي ذمة الشفيع وذمة المشتري ، وهو علة لمحذوف تقديره : لأنه لو ألزم بالأخذ حالاً وبقاء الثمن في ذمته إلى الحلول أضرّ بالمأخوذ منه وهو المشتري لاختلاف الذمم ؛ لأنه ربما كانت ذمة الشفيع صعبة ولعل في كلامه سقطاً . وعبارة شرح المنهج بعد قوله : ( وإن حلّ بموت المأخوذ منه ) دفعاً للضرر من الجانبين ؛ لأنه لو جوّز له الأخذ أي حالاًّ بالمؤجل أضرّ بالمأخوذ منه لاختلاف الذمم ، ففي العبارة سقط من المأخوذ منه إلى المأخوذ منه ودفعاً في عبارة شرح المنهج علة للتخيير ، ومراده بالجانبين جانب الشفيع والمأخوذ منه وهو المشتري ، ومراده بالذمم ذمة الشفيع وذمة المشتري أي لأنه لا يلزم المشتري الرضا بذمة الشفيع كما رضي البائع بذمته لأنه ربما كانت ذمة الشفيع صعبة لا يوفي عند الحلول بل يماطل .
قوله : ( بنظيره ) أي بقدره من الحالّ ومن بيانية . ولو قال : بقدره حالاً لكان أخصر وأوضح . قوله : ( بالشفيع ) أظهر في محل الإضمار للإيضاح . قوله : ( وعلم بذلك ) أي بقوله لاختلاف الذمم . قوله : ( أن المأخوذ منه ) وهو المشتري . قوله : ( ولو رضي بذمة الشفيع ) أي بأن دفع المشتري له الشقص وأجل الثمن إلى محله وأبى الشفيع الصبر بطلت شفعته على الأصح ؛ قاله الماوردي . وهذا معنى قول الشارح : لم يخير اه أج . قوله : ( لم يخير ) بالخاء لا بالجيم أي لم يخير الشفيع بل يثبت في حقه مؤجلاً ، فيأخذ حالاً بالشفعة ولا يطالب إِلا بعد الحلول . ويدل للأول قوله في شرح الروض : سقطت شفعته . وقال ع ش : لم يخير ، أي بل يجبر على الأخذ حالاً أو يترك حقه من الشفعة .
قوله : ( ولو بيع شقص الخ ) تعميم في المتن والتقدير بالثمن أي كله إن كان المأخوذ كل(3/525)
"""""" صفحة رقم 526 """"""
المبيع ، أو بعضه إن كان المأخوذ بعض المبيع كما هنا . قوله : ( وقيمة المضموم إليه ) أي وهو الثوب . قوله : ( بأربعة أخماس الثمن ) أي ثمن الشقص والثوب معاً ، وهو مائة وستون في هذا المثال . قوله : ( عالماً بالحال ) هذا جري على الغالب ، فلا فرق بين العالم والجاهل كما قاله الزيادي لأنه مقصر في الجملة إذا كان من حقه السؤال ، وحينئذ فكان الأولى للشارح أن يقول : لتقصيره بعدم البحث . قوله : ( الذي قدرته ) أي عند قوله بالثمن المعلوم الذي الخ . قوله : ( بجزاف ) بتثليث الجيم ، ومن ثم قيل جيم الجزاف جزاف والقياس الكسر . والمراد بقوله : ( بجزاف ) أي مشاهد ليصح البيع والجزاف بيع الشيء وشراؤه بلا كيل ولا وزن وهو يرجع إلى المساهلة ، قال الجوهري : هو فارسي معرب اه . قوله : ( لتعذر الوقوف ) أي بتلفه أو غيبته . قوله : ( وهذا ) أي الجهل ، وقوله ( المسقطة ) أي الحاملة على تركها ، فدخل نحو الصورة الأولى . قوله : ( وهي مكروهة ) أي قبل ثبوت الشفعة ، أما بعد ثبوتها فتحرم كما في الجواهر م ر . ووجه الحرمة في الثانية تفويته الحق بعد ثبوته بخلافه في الأولى فإن الحق لم يثبت . وقوله ( مكروهة ) أي لا في دفع شفعة الجار الذي يأخذ بها عند القائل بها ، شرح الروض . قوله : ( وصورها ) أي الحيل كثيرة . قوله : ( بأكثر من ثمنه ) أي فتكون كثرة الثمن مانعة للشفيع من الأخذ ، أي باعثة له على الترك . فسقط قول ق ل : في جعله من الحيل نظر ؛ لأن الحيلة ما لا يمكن الوصول إلى الشيء معها وهذه يمكن الوصول معها اه لما علمت أن المراد بالحيلة الباعث على الترك . وإيضاح عبارة الشارح أن يتوافقا باطناً على ثمن قليل ثم يسميا بين الناس أكثر منه ، ثم يدفع عرضاً يساوي ما تراضيا عليه باطناً ويجعلاه عوضاً عن الثمن المسمى ظاهراً . قوله : ( ثم يأخذ به ) أي بدله . قوله : ( ما تراضيا عليه ) أي قبل البيع . قوله : ( ومنها أن يبيعه بمجهول ) هذه مكررة مع صورة الجزاف وهي الأولى . وأجيب بأنه أتى بها لأجل ما بعدها . قوله : ( ومنها أن يشتري من الشقص الخ ) وهذه الحيلة فيها غرر فقد لا يفي صاحبه(3/526)
"""""" صفحة رقم 527 """"""
شرح الروض . قوله : ( فإن خشي ) أي كل . وعبارة الروض : خشيا ، وهو المناسب لقوله ( وكلا ) نعم الإفراد يناسب قوله : أن يهب . قوله : ( ليقبضاهما ) أي الأمينان منهما أي المتعاقدين ، وقوله ( معاً ) ليس بقيد . قوله : ( ليقبضه إياه ) أي ويهبه الآخر قدر قيمته ويجعله في يد أمين ليقبضه إياه كذا في شرح الروض . ولعله سقط من الكتبة كما يدل عليه قوله : ثم يتقابضا شيخنا . قوله : ( في حالة واحدة ) ليس بقيد . قوله : ( ومنها أن يشتري الخ ) فيه مسامحة لأنها مكررة مع الذي تقدم . قوله : ( كفص ) بتثليث أوله ، ووهم صاحب القاموس في جعله الكسر لحناً مناوي على الشمائل ، وعبارة م د : قوله ( كفص ) وفيه نظر إذ للشفيع أن يدعي قدراً بعد قدر على المشتري ويحلفه حتى إذا نكل حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه . قوله : ( فإن كان ) أي الثمن غائباً الخ . وهذا مقابل لمحذوف تقديره ثم إن كان الثمن معيناً معلوماً حاضراً ، فظاهر لتسلط الشفيع على الأخذ به ، فإن كان غائباً أو مجهولاً لم يلزم البائع الخ . قوله : ( كقوله للمشتري اشتريته ) بفتح التاء للخطاب . قوله : ( لأنه لم يدّع حقاً له ) قد يقال قد يترتب على ذلك علمه بالثمن بإقرار المشتري فيأخذ بالشفعة .
قوله : ( لو ظهر الثمن ) أي الذي دفعه المشتري لبائع الشقص . وقوله ( مستحقاً ) كأن كان وديعة عنده أو مغصوباً عنده . قوله : ( بهذه المائة ) أي بعين هذه المائة . قوله : ( ودفع عما فيها ) أي بعد مفارقة المجلس ، وإِلا فالمعين في مجلس العقد كالمعين فيه . قوله : ( وإن دفع الشفيع مستحقاً ) أي ثمناً مستحقاً ، بأن استحق الشفعة شخص فأخذها ودفع ثمناً ليس ملكاً له بل هو مستحق لغيره أ ج . وأما لو دفع المشتري رديئاً ورضي به البائع لم يلزم المشتري الرضا بمثله(3/527)
"""""" صفحة رقم 528 """"""
من الشفيع بل يأخذ منها الجيد ؛ قاله البغوي شرح المنهج . قوله : ( تملكاً جديداً ) أي عقداً جديداً . قوله : ( خروجه نحاساً ) أي في التفصيل المارّ في جانب المشتري والشفيع . قوله : ( لأنه ملكه ) بضم الكاف خبر ( أنّ ) وهو أولى من قراءته ماضياً لأن الأصل في الخبر الإفراد . قوله : ( وللشفيع فسخه الخ ) أي لا يشترط أن يقول فسخت ، بل أخذه بالشفعة من المشتري الأول فسخ لتصرفه بالبيع أو غيره ، وهو في هذه الصورة أخذ بالشفعة من هذا المشتري لا لمن اشترى منه في صورة التصرف بالبيع ، بخلاف الشفيع في الصورة الثانية وهي قوله : وله أخذ بما فيه شفعة فإنه أخذ بالشفعة من المشتري الثاني فتأمل . وعبارة الزيادي : ولشفيع فسخه أي فسخ تصرف المشتري بأخذ الشقص أي فلا يحتاج إلى تقدّم فسخ على الأخذ اه .
قوله : ( بأخذ الشقص ) الباء سببية أو للتصوير ، فلا يحتاج إلى تقدم فسخ على الأخذ كما قاله زي . قوله : ( سواء كان فيه ) أي التصرف . قوله : ( وله أخذ ) أي فيخير الشفيع بين أن يأخذ الشقص بالبيع الأول أو الثاني . وقوله ( بما فيه ) أي بعوض ما ، أي تصرف فيه شفعة ، أو أن الباء بمعنى ( في ) . وحاصل ذلك أن تصرف المشتري الأول إن كان وقفاً أو هبة تعين على الشفيع الأخذ من المشتري الأول ، وإن كان تصرفه بيعاً كان الشفيع مخيراً بين أن يأخذ من المشتري الأول أو من المشتري الثاني ؛ لأنه ربما كان العوض في الثاني أسهل إلى آخر ما قاله الشارح . قوله : ( لذلك ) أي لأن حقه سابق . قوله : ( أي الشفعة ) أي طلبها بأن يقول : أنا طالب للشفعة . قوله : ( بالبيع ) أي مثلاً كما سيصرح به فيما يأتي ، وإنما اقتصر عليه هنا مجاراة لقول المتن سابقاً : بالثمن الذي وقع عليه البيع ولأنه الغالب . قوله : ( هو طلبها ) أي بأن يأخذ في السبب كالسير لمحل المشتري أو للحاكم ويقول : أنا طالب للشفعة ، أو أخذت بالشفعة ، وإن كان لا يحصل الملك بمجرد ذلك . بل حتى توجد الشروط الآتية في قوله : وشرط في تملك الخ ، إذ المراد بالتملك حصول الملك كما عبر به م ر . وعبارة م د : قوله هو طلبها أي ولو بوكيله ، وإنما فرضوا التوكيل عند العجز لتعينه طريقاً اه .
فرع : اتفقا على أصل الطلب ، لكن قال المشتري إنه لم يبادر فسقط حقه ، وقال الشفيع(3/528)
"""""" صفحة رقم 529 """"""
بل بادرت ؛ فينبغي تصديق الشفيع . فلو أقاما بينتين فالوجه تقديم بينة الشفيع لأنها مثبتة ومعها زيادة علم بالفور اه شوبري .
قوله : ( وإن تأخر التملك ) هذا ضعيف ، والأوجه أنه لا بد من الفور في التملك عقب الفور في سبب الأخذ وهو الطلب بأن يقول : أنا طالب للشفعة وأخذت بها زي . قوله : ( والحاصل ) أن طلبها فوري حقيقة وأن التملك بها فوري إضافي . وعبارة شرح م ر : والأظهر أن الشفعة أي طلبها وإن تأخر التملك على الفور اه ، فهو موافق لما في الشرح فكلام الشارح معتمد خلافاً لمن ضعفه . قوله : ( عشر صور ) منها التأخير لانتظار إدراك الزرع وحصاده ، ومنها تأخير الولي أو عفوه فإنه لا يسقط حق المولى عليه ولو أخذ الشفيع الأرض المزروعة بقي زرعه أي المشتري إلى أوان الحصاد بلا أجرة اه أ ج . قوله : ( ممن يخفى عليه ) بأن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ بعيداً عن العلماء ؛ لأن هذا ليس من الدقائق ، ويدل عليه قوله بعد : ( ما لو قال العامي ) أي ولو كان مخالطاً لنا ؛ لأن كونها على الفور من الدقائق ، تأمل . وقوله ( ذلك ) أي ثبوت الشفعة له ، يشير لذلك كلام الشارح . قوله : ( وفي الرد بالعيب ) بل ما هنا أقوى من تسليط المشتري على الرد بالعيب . ووجهه أن الشفيع له نقض تصرف المشتري في الشقص وأخذه ، بخلافه في الرد بالعيب زي . وليس للمشتري نقض تصرف البائع في الثمن . قوله : ( فإذا علم بالبيع ) تفريع على قول المتن وهي على الفور . قوله : ( مثلاً ) أي أو علم . جعل الشقص صداقاً أو عوض خلع . قوله : ( فليبادر ) أي بطلب الشفعة عقب علمه . وعبارة شرح المنهج : فيبادر عادة ولو بوكيله بعد علمه بالبيع مثلاً بالطلب أو برفع الأمر إلى الحاكم . قوله : ( على العادة ) متعلق بقوله فليبادر . قوله : ( البدار ) بكسر الباء الموحدة مصدر بادر كقاتل ، أي الإسراع . قوله : ( ونحوه ) كالركوب . قوله : ( بل يرجع فيه ) أي في الفور أو في البدار . قوله : ( وتوانياً ) مرادف لما قبله . قوله : ( بطلت ) معنى بطلانها سقوط حقه وامتناع الأخذ بها . قوله : ( على شفعته ) أي باق ومستمرّ على شفعته . قوله : ( ولا يكلف الإشهاد ) راجع لقوله ( وهي على الفور ) أي لا يكلف الإشهاد في طريقه على الطلب ، ولا يكلف الإشهاد حال توكيله(3/529)
"""""" صفحة رقم 530 """"""
في الطلب ، لكن إذا أشهد ولو عدلاً سقط الإنهاء ، ولو أنكر الشهود لم يبطل حقه ق ل . قوله : ( على الطلب ) بخلافه في الرد بالعيب ؛ لأن المقصود هنا الطلب والسير يغني عنه بخلاف الرد بالعيب لأن المقصود الفسخ والسير لا يغني عنه . قوله : ( طالباً ) أي حال كونه طالباً . قوله : ( بتركه ) أي الإشهاد .
قوله : ( وخرج بعدم العذر ) أي المعبر عنه في المتن بالقدرة . قوله : ( ككونه مريضاً الخ ) ويلزمه لعذر توكيل ، فإن عجز فيلزمه إشهاد شرح المنهج . قوله : ( أو كان محبوساً ) الأولى حذف كان ويقول أو محبوساً ويكون معطوفاً على مريضاً ، أو يقول أو كونه محبوساً . قوله : ( أو بدين ) أي بسببه . قوله : ( أو غائباً ) أي وكان عاجزاً عن الذهاب إليه وعن الرفع للحاكم . قوله : ( فلا تبطل شفعته الخ ) تفريع على قوله : ( وخرج ) وهذا مجمل يحتاج لبيان بأن يقول : فإن كان مريضاً الخ ، وجب عليه التوكيل إن قدر عليه ، فإن لم يقدر عليه وجب عليه الإشهاد على أنه طالب الشفعة فحيث فعل واحداً من ذلك لا تبطل شفعته فإن ترك مقدوره منهما بطل حقه . قوله : ( كالمصلي ) أي كصلاة المصلي وأكل الآكل وهكذا . قوله : ( ولا يكلف القطع ) أي قطع ما هو فيه من صلاة وأكل وغيرهما . قوله : ( بل له أن يستوفي الخ ) المعتمد أن له الزيادة على ركعتين فيما لو نوى نفلاً مطلقاً ، لكن يزيد إلى حدّ لا يعد به مقصراً لأن له إنشاء النفل بعد علمه بالبيع زي . قوله : ( فإن زاد عليه ) أي على الشيء المستحب للمنفرد . قوله : ( أنه لا يكون عذراً ) أي إن عدّ مقصراً عرفاً ، وإِلا فلا يبطل حقه ق ل . قوله : ( ولم أر من تعرض لذلك ) لكنهم اكتفوا عن ذلك بقولهم عرفاً . قوله : ( ولو حضر وقت الصلاة ) ولو نافلة شوبري . قوله : ( أو الطعام ) ضبطه المحشي هو وما بعده بالرفع ، وقال : لأنهما لا وقت لهما معين ؛ لكن عبارة شرح المنهج : فلا يضر نحو صلاة وأكل دخل وقتهما اه ، فتقتضي الجرّ . قوله : ( أن يقدمها ) أي الثلاثة . قوله : ( وأن يلبس ثوبه ) ولو للتجمل . أي ويجوز أن يلبس ثوبه فهو مستأنف إذ لا يصح عطفه على ما قبله ، ويلبس بفتح الباء من باب علم يعلم قال تعالى : ) يلبسون من سندس } ) الدخان : 53 ) .(3/530)
"""""" صفحة رقم 531 """"""
قوله : ( طالب بالشفعة ) بأن يسير إلى الحاكم أو المشتري . قوله : ( فحتى يصبح ) أي إن عدّ الليل عذراً في حقه ، وإِلا بأن لم يكن عذراً كأن كان من أهل الدولة أو كان في رمضان فعليه الطلب فيه . قال سم : والكلام في مسئلة الليل كما هو ظاهر حيث لم يمكنه إعلام المشتري بلا مشقة ، ككونه عنده أو بالقرب منه ونحو ذلك ؛ ولو تمكن من إشهاد جيرانه ليلاً أو مواكليه لو كان على طعام فتركه ففي بطلان شفعته وجهان للقاضي أظهرهما لا تبطل . ولو قرن شغلاً بشغل بأن فرغ من الأكل ودخل الحمام بطل حقه ، إِلا أن يكون له حاجة مرهقة كالجنابة ؛ قاله في الأنوار . وقوله ( ككونه عنده ) مثال للمنفي .
قوله : ( وكذا إن أخبره ثقة ) ولو كذب المخبر في تعيين المشتري أو في جنس الثمن أو في نوعه أو في حلوله أو قرب أجله أو في قدره أو في البيع من رجلين فبان من رجل أو عكسه بقي حقه ، اه ح ل . قوله : ( حرّ ) هو واللذان بعده بدل من ( ثقة ) . قوله : ( ويعذر في خبر الخ ) أي عند عدم الصدق ، فإن صدق واحداً بطلت . قال م ر : ولو ادّعى جهله بعدالتهما صدق فيما يظهر حيث أمكن خفاء ذلك عليه . قوله : ( كفاسق وصبي ) أي إن لم يصدقه ، فالجمع من الفساق ونحوهم كالعدول ق ل . وفيه نظر لأنه شامل للفساق الذين لم يصدقهم فإن قيدوا بما إذا صدقهم صح كلامه ، لكن الجمع ليس بقيد لأن الواحد منهم كذلك . قوله : ( مما أخبر به ) بالبناء للمفعول كالذي قبله . قوله : ( فسلم عليه ) أي إن كان ممن يسن عليه السلام أخذاً من قوله : ( السَّلامُ سُنَّةٌ ) . قوله : ( أو سأله الثمن ) وإن كان عالماً به ، أو سلم عليه وبارك له وسأله كما صرح به في حواشي شرح الروض ، خلافاً لما يوهمه ظاهر تعبيره كغيره بأو . اه شوبري . ويمكن أن تكون ( أو ) في كلامه مانعة خلو فتجوّز الجمع فشمل ما ذكر . فإذا جمع بين الثلاثة وهي البركة والسلام وسؤاله عن الثمن لم يضر في الأخذ بها بل حقه باق لأن الكلام جائز وتابع الجائز جائز اه . قوله : ( بارك الله في صفقتك ) المراد بها هنا الشقص كما يدل عليه قوله ليأخذ صفقة مباركة . قوله : ( لم يبطل حقه ) أي في الطلب . قوله : ( فلأن السلام سنة قبل الكلام ) أي أصالة ، فلا يرد كونه لا يسنّ السلام عليه لنحو فسقه أو بدعته اه ابن حجر .(3/531)
"""""" صفحة رقم 532 """"""
والمعتمد خلافه ، فإن سلم على من لم يسنّ السلام عليه عالماً بالحال سقطت شفعته حينئذ ، ولو تصرف المشتري في الشقص بالزرع بقي زرعه إلى أوان الحصاد بلا أجرة وإن تصرف بالبناء أو الغراس تخير الشفيع بين أخذه بقيمته وبين قلعه وضمان أرش ما نقص وبين تبقيته بأجرة ؛ ومحل تخيير الشفيع حيث لم يختر المشتري قلع بنائه وغراسه ، فإن اختار قلعهما فله ذلك ولا يكلف تسوية الأرض زي . قوله : ( بكسر الشين ) ويجمع على أشقاص مثل حمل وأحمال اه مصباح . قوله : ( اسم للقطعة من الأرض ) وهو المراد هنا . قوله : ( المصدق ) بضم الميم وسكون الصاد وكسر الدال المهملة . وقوله ( أو المخالع ) بعده بفتح اللام ، والمخالع الثاني بكسر اللام ، والأول المرأة والثاني الزوج . قوله : ( ومن المرأة ) متعلق بأخذ فتكون المرأة في النكاح ، كأنها باعت بضعها وأخذت الشقص وكأن الزوج في الخلع باعها بضعها وأخذ الشقص . قوله : ( من المخالع ) بكسر اللام في الثانية سواء كان زوجاً أو غيره كسيد الزوج الرقيق ؛ ولذا لم يقل ومن الزوج . قوله : ( معتبراً بيوم العقد ) أي إن اختلف مهر المثل باختلاف الأوقات . قوله : ( ولو اختلفا ) أي الشفيع والمشتري ، وقوله ( في قدر القيمة ) ومثل ذلك الاختلاف في قدر الثمن ، وعبارة سم : ولو اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن صدق المشتري لأنه أعلم بما باشره منه ، ولو كان عرضاً وتلف واختلفا في قيمته فكذلك اه . فكان الأولى أن يقول في قدر المأخوذ به الشقص ، قال ح ل : ولا تقبل شهادة البائع للمشتري ولا للشفيع لأنها شهادة على فعل نفسه . قوله : ( صدّق المأخوذ منه ) الشقص وهو المشتري ؛ لأنه أعلم بما باشره ، فلا يرد أن القاعدة تصديق الغارم . قوله : ( استحقوها ) أي الشفعة بمعنى المشفوع . قوله : ( لأنه ) ذكره بالنظر للخبر ، وفي نسخة : ( لأنها ) أي الشفعة وهي أظهر . قوله : ( كالأجرة والثمرة ) أي كاستحقاق الأجرة فإنه على قدر الأملاك أو كتقسيط الأجرة والثمرة على(3/532)
"""""" صفحة رقم 533 """"""
قدر الملك . قوله : ( سهمين ) أي من الثلاثة أي التي هي نصف الستة التي هي مخرج تلك الكسور ، ولو قال : أخذ الثاني ثلثي المبيع والثالث ثلثه لكان أنسب لأنه نسبة سهامهما ق ل . قوله : ( وقيل يأخذون بعدد الرؤوس ) فإن قلت : يرد على الأول ما لو كان عبد بين ثلاثة لأحدهم نصف ولآخر ثلث ولآخر سدس وأعتق صاحب الثلث وصاحب السدس نصيبهما معاً وهما موسران بقيمة الباقي فإنهما يغرمان قيمة النصف بالسوية ، فهذا يوافق القول الذي رجحه الأسنوي ؟ قلت : يفرق بأن العتق إتلاف وقد اشتركا فيه . ولا كذلك الشفعة فإن سببها الأملاك اه كاتبه أ ج . قوله : ( وقال الأسنوي الخ ) هو بحسب ما ظهر له . وهو ضعيف مرحومي . قوله : ( لئلا تتبعض الصفقة ) أي ولو رضي المشتري بذلك وإن اقتضت هذه العلة خلافه ، شرح المنهاج للشارح . قوله : ( أخر الأخذ الخ ) ويكون مستثنى من كونها على الفور . قوله : ( لعذره في أن لا يأخذ ما يؤخذ منه ) أي في عدم أخذه ما يؤخذ منه بعد ، فأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بفي وهي للسببية وما مفعول يأخذ الأولى وهي بفتح الياء ويؤخذ الثانية بضم الياء صفة لما و ( ما ) واقعة على شقص ، والمعنى لعذر الحاضر في عدم أخذ جزء يأخذه منه الغائب لو حضر ، والمعنى لعذره بعدم استمرار ذلك الجزء له . وإيضاح ذلك أن الحاضر يقول لا حاجة لي في أخذ الكل الذي تلزموني به الآن لأني لو أخذته لم يدم كله لي بل يأخذ منه الغائب حصته لو حضر ، وهذا ممتنع إذا كان بالإلزام فإن كان بالرضا من الحاضر جاز .
قوله : ( شاركه ) انظر هل ذلك بطريق الرضا من الحاضر أو قهراً عنه ؟ فإذا حضر ودفع حصته من الثمن أخذ ، وهذا هو الظاهر ، ولو حضر الغائب فوجد الأرض مزروعة كان له طلب الأجرة من حين حضوره ، بخلاف ما لو أخذ الشفيع الشقص بعد زرع المشتري فإنه يبقى بلا أجرة . والفرق أن الغائب معذور بغيبته ، بخلاف الشفيع ينسب إلى تقصير في الجملة . قوله : ( لو لم يأخذ الغائب ) ولو رضي المشتري بأن يأخذ الحاضر حصته فقط ، قال السبكي : والذي(3/533)
"""""" صفحة رقم 534 """"""
يتجه أن يكون كما لو أراد الشفيع الواحد أن يأخذ بعض حقه والأصح منعه ، وهذا هو المعتمد اه م ر كبير زي . قوله : ( وما استوفاه الحاضر ) أي فيما إذا أخذ الكل . قوله : ( بتعدد الصفقة ) أي أو بتفصيل الثمن أو بتعدد البائع أو المشتري أو هما ق ل . قوله : ( فلو اشترى اثنان الخ ) المثال الأوّل : لتعدد الصفقة بتعدد المشتري ، والثاني : لتعددها بتعدد البائع ، والثالث : لتعددها بتعدد الشقص . وتعدد الصفقة في الجميع حكميّ ؛ لأنه لما وجد في العقد تعدد ما ذكر صار كأنّ العقد تعدد وإِلا فهو واحد . قوله : ( ولا يشترط في ثبوت الشفعة ) عبارة م ر : ولا يشترط في استحقاق التملك بها . قوله : ( في تملك بها ) أي ملك الشفيع للشقص وهو بعد الأخذ السابق ق ل . وعبارة م ر : وشرط في حصول الملك بها الخ ، فليس المراد بالتملك قوله : تملكت بالشفعة وإِلا كان لا حاجة لقوله الآتي ، ولفظ يشعر به ، فهذه شروط لحصول الملك لا لثبوت حقه ؛ لأن حقه يثبت بمجرد قوله أنا طالب للشفعة أو أخذت بها وإن لم ير الشقص ولا عرف الثمن . قوله : ( رؤية شفيع الشقص ) لا يلزم من كونه شريكاً أن يراه لاحتمال أن يكون وكل في شرائه أو ورثه أو وهب له اه م د ، أي وقبل له وكيله وقبض . قوله : ( وشرط فيه ) أي التملك ، أي ملك الشفيع للشقص وهو بعد الأخذ السابق ، أي وهو قوله : أنا طالب للشفعة . قوله : ( مع قبض مشتر الثمن ) حتى لو امتنع المشتري من قبضه خلى الشفيع بينهما أو رفع الأمر إلى حاكم ، شرح المنهج . قوله : ( ولا ربا ) خرج به ما لو كان بالمبيع صفائح ذهب أو فضة والثمن من الآخر لم يكف الرضا بكون الثمن في الذمة ، بل يعتبر التقابض كما هو معلوم من باب الربا شرح المنهج .(3/534)
"""""" صفحة رقم 535 """"""
قوله : ( أو مع حكم له الخ ) أي ولا ربا أيضاً في العوض ، فقوله ( ولا ربا ) راجع له أيضاً بناء على أن القيد المتوسط يرجع لما بعده أيضاً ، وكان الأولى تأخيره إِلا أن يقال حذف من الثاني لدلالة الأول . قوله : ( إذا حضر مجلسه ) أي مجلس الحكم . قوله : ( حقه فيها ) لا معنى لهذه الظرفية ؛ لأن الحق هو الشفعة فيلزم ظرفية الشيء في نفسه ، فكان الأولى حذفها أو يأتي بالضمير مذكراً ويقول فيه ويكون عائداً على مجلس الحكم .
3 ( ( فصل : في القراض ) ) 3
ذكره عقب الشفعة لأن الحاجة داعية إلى جواز كل منهما ، لكن الحاجة في الشفعة لدفع الضرر وهنا لنفع المالك والعامل . وذكره في البحر عقب الوديعة لاشتمالهما على دفع المالك عين ماله لغيره وعلى تصديق الآخذ فيهما في الرد والتلف . والقراض بكسر القاف مصدر قارض ، قال في الخلاصة :
لفاعل الفعال والمفاعله
وهو والمقارضة لغة أهل الحجاز ، والمضاربة لغة أهل العراق من الضرب وهو السفر لاشتماله عليه غالباً كما قاله م ر ، أي وإذا كان كذلك فكان المناسب أن يقول الشارح : قارض بدل ضارب .
قوله : ( مشتق الخ ) وإنما جاز اشتقاقه مع أن كلاًّ منهما مصدر والمصدر لا يشتق من المصدر ؛ لأن المزيد يشتق من المجرد أو أن المراد بالاشتقاق الأخذ . قوله : ( سمي ) أي القراض الشرعي بذلك ، أي لفظ القراض ؛ لأن الخ . وكان الأولى تأخيره عن قوله وحقيقته الشرعية . قوله : ( أن تبتغوا ) أي تطلبوا فضلاً ، أي زيادة على مالكم أو مال غيركم وهي الربح ، فصح الاحتجاج بالآية من حيث عمومها . وأسند الاحتجاج إلى الماوردي لما في الآية من الخفاء في خصوص القراض ، لأن الآية تحتمل الدعاء وغيره ، أي ) أن تبتغوا فضلاً من ربكم } ) البقرة : 198 ) بالدعاء ، ولأنه ( صلى الله عليه وسلم ) لم يكن مقارضاً لأن خديجة لم تدفع له مالاً يشتري به ، وإنما كان مأذوناً له في التصرّف عنها فهو كالوكيل بجعل ، فقوله : ضارب لخديجة أي على سبيل الأمانة لا على سبيل المقارضة والمضاربة المعهودة ، وإنما دفعته له(3/535)
"""""" صفحة رقم 536 """"""
لما بلغها من أبي طالب بالاستفاضة من الناس من أمانته ، وفي هذه المرة كسب المال أضعاف أمثاله خمسة وعشرين مرة فكان هذا هو الحامل والباعث لها على تزويجها له اه . قوله : ( ضارب لخديجة ) أي قبل أن يتزوّجها بنحو شهرين وسنه إذ ذاك نحو خمس وعشرين سنة ، فكان وجه الدليل منه أنه حكاه مقرراً له بعد النبوّة زي . وتزوّجها وهي بنت أربعين سنة وشيء ، وتوفيت بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين على الأصح وهي بنت خمس وستين سنة اه برماوي . وسبب ذلك أن عمه أبا طالب قال له : يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتدّ الزمان أي القحط وأقبلت ودامت علينا سنون منكرة أي شديدة الجدب وليس لنا مادة ، أي ما يمدّنا وما يقومنا ولا تجارة ، وهذه عير قومك وهي الإبل التي تحمل الميرة وقد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في غيرها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع ، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك لما يبلغها عنك من طهارتك وإن كنت لأكره أن تأتي إلى الشام وأخاف عليك من اليهود ، ولكن لا نجد من ذلك بدًّا . فقال له رسول الله : ( فلعلّها ترسل إليّ في ذلك ) فقال أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك فتطلب أمراً مدبراً . فافترقا ، فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه أبي طالب له فقالت : ما علمت أنه يريد هذا . ثم أرسلت إليه وسلم فقالت : إني دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك . فرضي رسول الله ، ولقي عمه أبا طالب فذكر له ذلك فقال : إن هذا لرزق ساقه الله إليك . فخرج مع غلامها ميسرة يريد الشام وقالت خديجة لميسرة : لا تعص له أمراً ولا تخالف له رأياً . ومن حين سيره أظلته الغمامة ، فلما قدم نزل في سوق بُصْرَى في ظلّ شجرة قريبة من صومعة راهب يقال له نسطوراً بالقصر فاطلع الراهب إلى ميسرة وكان يعرفه فقال : يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت الشجرة ؟ فقال ميسرة : رجل من قريش من أهل الحرم . فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إِلا نبي ، ثم قال : أفي عينيه حمرة ؟ قال ميسرة : نعم لا تفارقه .
قال الراهب : هو هو ، وهو آخر الأنبياء ، ويا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج أي يبعث فوعى ذلك ميسرة ؛ والحمرة كانت في بياض عينيه وهي الشكلة ، ومن ثم قيل في وصفه : أشكل العينين ، وهذه علامة من علامات نبوته في الكتب القديمة . ولما رأى الراهب الغمامة تظله فزع فدنا إلى النبي يسيراً وقبل رأسه وقدمه وقال : آمنت بك وأنا أشهد أنك الذي ذكرك الله في التوراة ثم قال يا محمد قد عرفت فيك العلامات كلها أي العلامات الدالة على نبوتك المذكورة في الكتب القديمة ، خلا خصلة واحدة ، فأوضح لي عن(3/536)
"""""" صفحة رقم 537 """"""
كتفك فأوضح له فإذا هو بخاتم النبوة يتلألأ ، فأقبل عليه يقبله ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله النبي الأمي الذي بشر بك عيسى ابن مريم فإنه قال : لا ينزل بعدي تحت هذه الشجرة إِلا النبي الأمي الهاشمي العربي المكي صاحب الحوض والشفاعة وصاحب لواء الحمد . وكانت استأجرته ببكرتين وكانت تسمى لغيره بكرة ، وفي كلام بعضهم : استأجرته على أربع بكرات اه من السيرة الحلبية ، وفيها كلام طويل فارجع إليه إن شئت . وقوله ( استأجرته ببعيرين ) ينافي قول الشارح ( ضارب لخديجة الخ ) لأنه يقتضي أنه قراض لا إجارة ، ويمكن وقوع ذلك منه مرتين فليراجع . وقوله ( الذي بشر بك عيسى ) أي في قوله تعالى : ) ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } ) الصف : 6 ) .
قوله : ( وأنفذت معه عبدها ميسرة ) بفتح السين وضمها ، أي ليكون معاوناً له ويتحمل عنه المشاقّ اه برماوي . وميسرة هذا لم يذكر من الصحابة بل مات قبل المبعث . قوله : ( وحقيقته ) أي شرعاً . قوله : ( توكيل الخ ) اشتمل هذا التعريف على الأركان الآتية والصيغة تفهم من التوكيل . قوله : ( مالك ) أي أو من يقوم مقامه كالولي . قوله : ( بجعل ماله ) أي مع جعل أي العقد المصاحب للجعل لا الجعل وحده ع ش . والظاهر أن الباء للتصوير ، أي التوكيل مصوّر بجعل ماله الخ . قوله : ( عمل وربح ) فإن قلت : لا يحسن عدهما من الأركان لأنهما أمر منتظر مترقب . قلت : المراد بعدّهما منها ذكرهما في العقد ، فالركن ذكرهما في العقد لتوجد ماهية القراض ، فاندفع ما قيل العمل والربح إنما يوجدان بعد عقد القراض ، بل قد يقارض ولا يوجد عمل من العامل أو يعمل ولا يوجد ربح اه . قوله : ( ويعرف بعضها ) يحتمل أن يكون على ظاهره وأن يكون على تقدير مضاف ، أي شروط بعضها . وقوله ( وباقيها ) أي شروط باقيها .
قوله : ( أربعة شرائط ) الأولى حذف التاء لأن المعدود مؤنث ، إِلا أن يراد بالشرائط الشروط . وفي نسخة : أربعة شروط ، وهي سالمة من الاعتراض . قوله : ( وهو ما ضرب ) إشارة إلى أن الناضّ هو الدراهم والدنانير المضروبة كما مرّ فمن بيانية . قوله : ( من الدراهم والدنانير ) قال سم : شملت عبارته الدراهم والدنانير في ناحية لا يتعامل بها فيها ، ونقل الغزالي الاتفاق(3/537)
"""""" صفحة رقم 538 """"""
عليه ، ويوافقه قوله ابن الرفعة : والأشبه جوازه على نقد أبطله السلطان ، وإن نظر فيه الأذرعي إذا عزّ وجوده أو خيف عزته عند المفاصلة ؛ لكن نقل الإمام عن شيخه إلحاقه بما يروج من الفلوس اه . وعبارة م ر : ولو أبطله السلطان جاز عقده كما بحثه ابن الرفعة ، وتنظير الأذرعي فيه بأنه قد يعزّ وجوده أو يخاف عزته عند المفاصلة ؛ يردّ بأن الغالب مع ذلك تعسر الاستبدال به . وقوله ( لكن نقل الخ ) أي فالمعتمد عدم صحة القراض عليها ، لكن انظر على هذا على أيّ شيء يقارض اه م د ، وهذا يخالف كلام م ر . قوله : ( أن يكون نقداً الخ ) . حاصل شروطه أن يكون نقداً مضروباً خالصاً معلوماً معيناً بيد عامل . قوله : ( وتبراً ) هو الذهب والفضة قبل الضرب ، وجعل التبر عرضاً لأنه ليس مضروباً . قوله : ( ومنفعة ) بأن يقول قارضتك على منفعة هذه الدار وتؤجرها المرة بعد المرة وما زاد على أجرة المثل يكون بيننا نصفين اه م د . وهي معطوفة على عرض لأن المنفعة ليست منه . قوله : ( لأن في القراض أغراراً ) بفتح الهمزة جمع غرر ، وأراد بالجمع ما فوق الواحد فإنه لم يذكر إلا شيئين بقوله : إذ العمل الخ ، وقيل : بكسر الهمزة مصدر أغره اه زي بزيادة . قوله : ( وتسهل التجارة به ) أي فيه . قوله : ( إن كان غشه مستهلكاً ) بفتح اللام اسم مفعول من استهلكه ، وفي المختار : أهلكه واستهلكه ، ومراده به أن يكون بحيث لا يتحصل منه شيء بالعرض على النار اه م ر سم . وقد يتوقف فيه ، فإن الدراهم المتعارفة الآن المغشوشة يتحصل منها ماله مالية إذا عرض على النار ، لا سيما إذا كانت كثيرة ، فالأظهر أن المراد بالمستهلك ما لا يتميز فيه النحاس من الفضة كالقروش والأنصاف المتعامل بها الآن اه ع ش كالفضة المضروبة بمصر . قوله : ( له ولا على مجهول ) نعم لو قارضه على دراهم أو دنانير غير معينة ثم عينها في المجلس جاز ، ومثله يجري في مجهول القدر فإذا قارضه على مجهول القدر ثم علمه في المجلس جاز ، وكذا المبهم كأحد هذين الألفين فيصح إذا عينه في المجلس بخلاف ما لو علم في المجلس الجنس والقدر والصفة فإنه لا يصح على الأشبه في المطلب ، أي وكانت هذه الثلاثة مجهولة عند العقد . ولو كان بينه وبين غيره دراهم شركة فقال له : قارضتك على نصيبي منها صح ؛ لأن الإشاعة لا تمنع التصرف ، قاله المتولي سم . قال ع ش : ومن ذلك ما عمت به البلوى من التعامل بالفضة المقصوصة ، فلا يصح القراض عليها لأن صفة القص وإن علمت ، إِلا أن مقدار القص مختلف(3/538)
"""""" صفحة رقم 539 """"""
فلا يمكن ضبط مثله عند التفاصل ، حتى لو قارضه على قدر منها معلوم القدر وزناً فالظاهر عدم الصحة لأنه حين الرد وإن أحضر قدره وزناً لكن الغرض يختلف بتفاوت القص قلة وكثرة . قوله : ( ولا على غير معين ) محترز قوله ( معيناً ) . قوله : ( على ما في الذمة ) يشمل ذمة غير العامل بأن كان له دين في ذمة إنسان فقال لغيره : قارضتك على ديني الذي على فلان فاقبضه واتجر فيه ، ويشمل ذمة العامل أيضاً بأن قال له : قارضتك على الدين الذي لي عليك اه زي . قال ابن حجر : وإن عين في المجلس لفساد العقد بكون المالك لا يقدر على تعيين ما في ذمة غيره ، واعتمده ق ل على الجلال ، وكتب بعضهم على قوله ( على ما في الذمة ) : أي إلا إن عين في المجلس فيصح ، والمعتمد الأول . قوله : ( أو غيره ) أي غير الدين بأن يكون في ذمة المالك . ومعنى كونه في الذمة وهو غير دين أنه غير معين ح ل ، كأن يقارضه المالك على ألف في ذمته ولم يعينه في المجلس كما في شرح م ر . قوله : ( على إحدى صرّتين ) نعم إن عينت المرادة منهما في المجلس صحّ على المعتمد ق ل . قوله : ( ولو متساويتين ) أي في القدر والجنس والصفة ، أي فلا يصح وهذه الغاية للرد . وعبارة المنهاج وشرحه للرملي : وقيل يجوز على إحدى الصرتين إن علم ما فيهما وتساوتا جنساً وصفة وقدراً ، فيتصرّف العامل في أيهما شاء فتتعين للقراض والأصح المنع لانتفاء التعين كالبيع اه . قوله : ( ليوفي ) علة لقوله : كون المال الخ . قوله : ( توكيل وتوكل ) فيجوز أن يكون المالك أعمى دون العامل ، ولا يجوز أن يكون أحدهما سفيهاً ولا صبياً ولا مجنوناً ، ولوليهم أن يقارض لهم من يجوز الإيداع عنده وله أن يشرط له أكثر من أجرة المثل إن لم يجد كافياً غيره ، وينبغي أن لا تجوز مقارضة الأعمى على معين كما يمتنع بيعه المعين وأن لا يجوز إقباضه المعين ، فلا بد من توكيله سم . وأما المحجور عليه بالفلس فلا يصح أن يقارض ويصح أن يكون عاملاً ، ويصح القراض من المريض ، ولا يحسب ما زاد على أجرة المثل من الثلث لأن المحسوب منه ما يفوته من ماله والربح ليس بحاصل حتى يفوته وإنما هو شيء يتوقع حصوله ، بخلاف مساقاته فإنه يحسب فيها ذلك من الثلث لأن الثمار فيها من عين المال اه س ل .
قوله : ( وأن يستقل العامل ) معطوف على قوله ( ما شرط في وكيل ) . قوله : ( مملوك المالك ) ليس بقيد بل مثله حر يستحق المالك منفعته ، ويمكن شمول كلامه له بأن يراد مالك(3/539)
"""""" صفحة رقم 540 """"""
المنفعة ق ل . والمراد بالمملوك ولو بهيمة كما في ع ش . قوله : ( وشرطه ) أي المملوك . قوله : ( وإن شرطت نفقته ) أي المملوك والأوجه اشتراط تقديرها وكأن العامل استأجره بها م ر . ولا يقاس على الحج بالنفقة الغير المقدرة لخروجها عن القياس ؛ لأن الحاجة داعية إلى التوسعة في تحصيل تلك العبادة المشقة .
قوله : ( أن يأذن رب المال ) أو وكيله أو وليه . قوله : ( في البيع ) بدل من التصرف بدل جار ومجرور من جار ومجرور ، أو أن ( في ) بمعنى ( الباء ) ولما أطلق المصنف التصرف فكان شاملاً لنحو شراء برّ يطحنه ويخبزه إلى آخر ما يأتي ، وليس هذا من التجارة في شيء ، قيده بقوله : في البيع والشراء ليكون العمل تجارة . قوله : ( مطلقاً ) صفة لمصدر محذوف ، أي إذناً مطلقاً أي غير مقيد بنوع ، أو تصرفاً مطلقاً أو حال من التصرف . قوله : ( إلى الركن الرابع ) صوابه : إلى الركن الثالث . قوله : ( في تجارة ) من ظرفية العام وهو العمل في الخاص ، أو أن ( في ) زائدة . قوله : ( فلا يصح على شراء بر الخ ) محترز الشرط الأول وللعامل أجرة المثل إذا فعل ما ذكر بإذن المالك م ر . قوله : ( ويخبزه ) بكسر الباء . وقوله ( ينسجه ) بابه ضرب كما في المصباح . قوله : ( لا تسمى تجارة ) بل حرفة . قوله : ( ولا على شراء متاع معين ) محترز الشرط الثاني ، وهو أن لا يضيق العمل على العامل ، ولو قارضه على أن يشتري الحنطة ويخزنها مدة فإذا ارتفع سعرها باعها لم يصح قاله القاضي حسين ؛ لأن الربح غير حاصل من جهة التصرف . وفي البحر نحوه ، وهو ظاهر ، بل لو قال : على أن تشتري حنطة وتبيعها في الحال لم يصح اه شرح م ر ، أي لتضييقه عليه بطلب الفورية في الشراء والبيع ، وعليه فلو حذف قوله ( في الحال ) كان قراضاً صحيحاً ع ش . وظاهر أنه لو قارضه ولم يشرط الخزن فاشترى هو وخزنه باختياره إلى ارتفاع السعر لم يضر ، لأنه إذا شرط لم يجعل التصرف إلى رأي العامل ، بخلافه إذا لم يشرط اه س ل . قوله : ( إِلا هذه السلعة ) فتكون معينة بالشخص ، وأما إذا كان المراد تعيين النوع وكان هذا النوع لا ينقطع وجوده غالباً كالبر فإنه يصح كما يأتي ، ويجوز منع شراء المعين(3/540)
"""""" صفحة رقم 541 """"""
بأن يقول : ولا تشتر المتاع الفلاني . قوله : ( لأن المقصود من العقد ) أي عقد القراض . قوله : ( أو فيما لا ينقطع ) معناه أي أو يأذن له إذناً مقيداً فيما لا ينقطع . والشارح قدر غير ذلك ، أي لا يضر في العقد ، وهو غير ملائم لكلام المتن وإن كان صحيحاً في نفسه . وكان المناسب أن يقول ( في حل كلامه ) أي أو أن يأذن في مقيد لا ينقطع وجوده لأجل المقابلة بينه وبين الإطلاق . قوله : ( في الأول ) وهو ما لا ينقطع ، والثاني : وهو ما يعزّ وجوده . قوله : ( ولا يصح على معاملة شخص ) كان الأولى ذكره عند قول الشارح ( ولا على شراء متاع الخ ) لأنهما خارجان بقوله أن لا يضيق ، والمراد شخص معين بخلاف أشخاص معينين يتأتى من جهتهم الربح فيصح .
قوله : ( وهو الركن الخامس ) وهو الربح وهو خامس بالنسبة لكلام المصنف وإن كان رابعاً في كلام الشارح المتقدم . ووجه كونه خامساً في كلام المصنف أنه ذكر المال أوّلاً بقوله : أن يكون على ناضّ الخ ، وإن كان هو الأخير في عدّ الأركان لأنه لا ترتيب بينها . وقوله : ( أن يأذن رب المال ) اشتمل على أركان ثلاثة ، وهي : المالك والعامل والعمل ؛ لأنه ذكره بقوله في التصرف فيكون الربح هو الركن الخامس في كلامه . واعترض ق ل قوله : ( والركن الخامس ) بأنه غير مستقيم ؛ لأن كلامه في الشروط . وأجيب بأنه متضمن لذكر الركن تأمل . وأجاب بعضهم بأنه على حذف مضاف ، أي شرط الركن . قوله : ( بجزئيته ) متعلق بمعلوماً فخرج ما لو كان معلوماً بغيرها كالقدر كما سيذكره الشارح . وقد أغفل الشارح هنا شرطاً تقديره كما في المنهج : وكون الربح لهما معلوماً الخ ، أشار لذلك الشارح بعد بقوله : لعدم كونه لهما . قوله : ( فلا يصح القراض الخ ) فرّع هذا في المنهج على قوله وشرط في الربح كونه لهما ، فلعله مقدّر هنا أو سقط من الكاتب كما يدل عليه قوله لعدم كونه لهما . ويمكن أن يستفاد من كلامه بتكلف بأن يجعل قوله لهما حالاً من الربح مقدماً عليه تأمل . قوله : ( أو أن لغيرهما ) كأن يقول قارضتك على أن لي الثلث ولك الثلث ولزوجتي أو ابني الثلث ح ل ، أو لفلان الأجنبي ؛ أي فلا يصح لأنه ليس بعامل فالمراد أنه جعل لغيرهما منه شيئاً مع عدم العمل ، فإن شرط عليه العمل فهو قراض لاثنين كما قاله ق ل على الجلال ، فإذا قال ولمملوكي الثلث صح كما(3/541)
"""""" صفحة رقم 542 """"""
سيأتي . قوله : ( لمملوك الخ ) خرج به ما شرط لأجيره الحر لأن له يداً وملكاً بخلاف مملوكه فإنه لا ملك له اه ع ش . وفي م د على التحرير : فما شرط له أي لعبد أحدهما فهو لسيده ، فلو صرحا بكونه للعبد نفسه قال القمولي : ينبغي بطلانه على الصحيح إذ العبد لا يملك وإن ملكه سيده اه . قوله : ( في الثانية ) وهي قوله : أو أن لغيرهما منه شيئاً دون الأولى وهي قوله : على أن لأحدهما معيناً أو مبهماً الربح ؛ فإنه إذا شرط للمالك نصف الربح ولمملوكه النصف الآخر كان كما لو شرط كل الربح للمالك ، وإن شرط للعامل نصف الربح ولمملوكه النصف الآخر كان كأنه شرط جميع الربح للعامل ح ل وز ي . وقوله : ( فإنه إذا شرط للمالك الخ ) الأولى أن يصوّر بأن يجعل الربح كله لمملوك أحدهما كما يصرح به قوله : ( على أن لأحدهما الخ ) وإذا قال : قارضتك على أن لي الثلث ولمملوكي الثلث ولك الثلث ، فيصح لأنه كأنه جعل له الثلثين .
فرع : يقع السؤال كثيراً عن شرط جزء للمالك وجزء العامل وجزء للمال أو الدابة التي يدفعها المالك للعامل ليحمل عليها مال القراض مثلاً هل هو صحيح أو باطل ؟ والجواب أن الظاهر صحته ، وكأنّ المالك شرط لنفسه جزأين وللعامل جزءاً وهو صحيح ع ش على م ر .
قوله : ( فيقبل ) إتيانه بالفاء يقتضي الفورية ، وهو كذلك . قوله : ( أن لا يقدر ) بالبناء للفاعل على حل الشارح وبالبناء للمفعول على حل سم وعبارته . والرابع : أن لا يقدّر أي القراض أو التصرف بمدة . وقوله : ( بمدة ) احترز به عن التقدير بمشيئة أحدهما كقارضتك ما شئت أو ما شئت ، فإنه يجوز كما صرح به الماوردي قال : لأن ذلك من شأن العقود الجائزة .(3/542)
"""""" صفحة رقم 543 """"""
قوله : ( أم الشراء ) أي إذا تراخى قوله ولا تشتر بعدها بعد قوله قارضتك سنة سم ع ش ، لقوة التأقيت حينئذ ، بخلاف ما إذا ذكر منع الشراء متصلاً فإنه يصح كما يأتي لضعف التأقيت حينئذ ؛ فلا منافاة بين هذا وبين قوله بعد : ولا تشتر بعد سنة ، فإنه صحيح سواء ذكر متصلاً أو متراخياً ؛ لأن هذا فيما لو أقت القراض كأن قال قارضتك سنة ولا تشتر بعدها ، وما بعدها فيما لم يؤقت كأن قال قارضتك ولا تشتر بعد سنة ، فإنه يصح في هذه الحالة . وهذا جواب آخر وكلام الشارح يدل عليه . والحاصل أن الصيغ ست ، فيصح العقد في ثنتين وهي ما إذا قال قارضتك سنة ولا تشتر بعدها أي وكان متصلاً بالعقد ، وما إذا قال قارضتك ولا تشتر بعد سنة ؛ بخلاف ما لو اقتصر على قارضتك سنة أو زاد ولا تتصرف أو قال ولا تبع بعدها أو قال بعد مدة وتراخي ولا تشتر بعدها . قوله : ( ومحله ) أي محل الحكم بالصحة .
قوله : ( بدليل احتماله ) الأولى اشتراطه . وعبارة ع ش قوله : ( بدليل احتماله ) أي جوازه ، والجواز يصدق بالوجوب فلا يقال التأقيت شرط فيهما ؛ اه بحروفه . قوله : ( بخلاف الوكالة ) فإنه يجوز فيها تعليق التصرف . قوله : ( والعامل ) أي ابتداء ، أما دواماً فإن قارض العامل آخر ليشاركه في العمل والربح لم يصح سواء أذن له المالك أو لا ، فإن قارضه لينفرد بالعمل والربح فإن كان بإذن المالك صح وإلا فلا وتصرف العامل في الصورة الأولى أو الثانية بغير إذن المالك غصب ، فإن اشترى بعين مال القراض لم يصح أو في ذمة له أي للعامل الأول فالربح للأول من العاملين وعليه للثاني أجرته إن عمل طامعاً ، وهذا إذا نوى بالشراء في الذمة العامل الأول أو أطلق فإن نوى نفسه كان الربح له ولا أجرة له على الأول . قوله : ( فللمالك أن يقارض اثنين ) ولا يعامل أحدهما الآخر إذا شرط عليهما الاشتراك ، فإن انفرد كل منهما بمال وثبت له الاستقلال جاز له الشراء من الآخر . وهذا التفصيل هو المعتمد ز ي . قوله : ( بحسب المال ) أي باعتبار قيمته كما في الشركة ح ل .(3/543)
"""""" صفحة رقم 544 """"""
قوله : ( وإذا فسد قراض ) أي لفوات شرط من الشروط المعتبرة لصحته من أول الباب إلى هنا ، أي وكان المقارض مالكاً مطلق التصرف فإن كان وكيلاً عن غيره أو ولياً وفسد القراض فلا يجوز تصرف العامل ، وكذا لو كان العاقد صبياً أو مجنوناً أو سفيهاً ، فالمراد فسد بغير عدم أهلية المالك . وعبارة الزيادي : قوله وإذا فسد قراض أي لفوات شرط ككونه غير نقد والمقارض مالك ، أما إذا فسد لعدم أهلية العاقد أو المقارض وليّ أو وكيل فلا ينفذ تصرفه اه . قوله : ( أجرة مثله ) وإن لم يحصل ربح لأنه عمل طامعاً في المسمى ولم يسلم له ، فرجع إلى الأجرة م ر ع ش . قوله : ( ولو بعرض ) بخلاف غير نقد البلد ؛ وفرق بأن نقد غيرها لا يروج فيها ، ومفهوم هذا أنه إن راج جاز التصرف اه س ل . قوله : ( بمصلحة ) وليس له أن يشتري شيئاً بثمن وهو لا يرجو حصول ربح فيه س ل . قوله : ( وكيل ) أي يشبه الوكيل ، فليس وكيلاً من كل وجه ، فلا ينافي ما سبق من أنه يبيع بالعرض ح ل . قوله : ( إن فقدت مصلحة الإبقاء ) بأن كانت المصلحة في الرد أو انتفت المصلحة في الرد والإبقاء ، قال في شرح المنهج : بأن استوى الحال في الرد والإبقاء ففي المطلب يجاب العامل اه . فقول الشارح : ( إن فقدت مصلحة الإبقاء ) أي ولو مع فقد مصلحة الرد . قوله : ( فإن اختلفا ) أي في الرد أي أراده أحدهما وأباه الآخر ، وهذا مقابل لمحذوف تقديره : ثم إن اتفقا فالأمر ظاهر ، فإن اختلفا بأن قال أحدهما المصلحة في الرد فأردّ وقال الآخر في الإبقاء فلا أرد عمل بالمصلحة ، أي عمل الحاكم ، لأن نظره أوسع منهما وكذا المحكم .
قوله : ( المالك ) ولا وكيله بماله . قوله : ( كأن يبيعه شيئاً ) بخلاف شراء العامل مال القراض من المالك بعين أو دين فإنه لا محذور فيه لتضمنه فسخ القراض ، ومن ثم لو اشتراه منه بشرط بقاء القراض بطل س ل . قوله : ( ولا في الزائد فيها ) أي والصورة أن العقد تعدد وإلا(3/544)
"""""" صفحة رقم 545 """"""
فيبطل الشراء في الجميع كما في ح ل ، وعبارته : قوله ولا في الزائد فيها أي في الأولى فلا يصح الشراء بالزائد للقراض ولا يقع للعامل . وصورة الشراء بأكثر من مال القراض أن يقع الشراء في عقدين بأن كان مال القراض مائة واشترى سلعة بمائة أو بعين تلك المائة أو في الذمة ولم ينقدها ثم اشترى بخمسين من تلك المائة أو بها ، فإن الشراء الثاني باطل لتعين المائة للعقد الأول . قوله : ( فيقع للعامل ) وإن صرح بالوكالة . وحاصله أنه إن كان يجوز شراء الشيء للقراض واشترى بعين مال القراض كان للقراض وإن نوى نفسه وإن كان لا يجوز كزوج المالك ومن يعتق عليه مثلاً ، فإن كان بعين مال القراض بطل مطلقاً ، وإن كان في الذمة وقع له أي للعامل مطلقاً ، وإن نوى القراض وإن كان الشراء في الذمة وكان يجوز شراؤه للقراض ، فإن نوى القراض أو أطلق كان له وإن نوى نفسه كان له . قوله : ( من الخطر ) قال في المصباح : الخطر الإشراف على الهلاك أو خوف التلف . قوله : ( جاز ) ثم إن عين بلداً تعين ، وإلا ما اعتيد لأهل بلد القراض السفر إليه س ل . قوله : ( في البحر ) ومثله الأنهار العظيمة . قوله : ( ولا يمون منه نفسه ) فلو شرط المؤنة في العقد فسد وإن قدرت ؛ لأن ذلك يخالف مقتضاه وهو أنه ليس له إلا ما شرط له من الربح . قوله : ( وعليه فعل الخ ) معنى كونه عليه أنه لو اكترى من فعله فالأجرة في ماله وله اكتراء لغير ما عليه فعله من مال القراض ، ولو فعله بنفسه فلا أجرة له شرح المنهج ملخصاً . قوله : ( ووزن ) بالجر عطف على طيّ وضبطه المحلي بالرفع ، ومقتضاه وجوب ذلك وإن لم يعتد وعبارة م ر ، ووزن الخفيف وإن لم يعتد فرفعه متعين كما ضبطه الشارح . قوله : ( إلا بعدوان ) فإن قصر في حفظه أو استعمله لغير جهة القراض أو سافر به بلا إذن أو في البحر بلا نصّ أو خلط مال القراض بمال نفسه أو بمال مقارض له آخر أو بمال آخر لذلك المقارض وقد قارضه عليهما في عقدين أو أخذ للقراض ما يعجز عنه أو قصر ثوب القراض أو صبغه بلا إذن كما قاله الإمام ، ولو مات العامل لم تسمع الدعوى على ورثته إلا إن ادعى تفريط مورثهم أو أن المال بأيديهم فيحلفون على نفي العلم في الأولى وعلى البتّ في الثانية ؛ سم على ابن حجر .
فرع : لو استعمل العامل دوابّ القراض وجبت عليه الأجرة من ماله للمالك ، ولا يجوز استعمال دواب القراض إلا بإذن العامل فإن خالف فلا شيء فيه سوى الإثم اه سم .(3/545)
"""""" صفحة رقم 546 """"""
فرع : يحرم وطء جارية القراض وتزويجها ، وليس وطء المالك لها فسخاً ولا موجباً مهراً ، واستيلاده كإعتاقه ويغرم للعامل حصته من الربح ، فإن وطىء العامل عالماً ولا ربح حدّ وإلا فلا ويثبت المهر ويجعل في مال القراض ، أي لأنه حصل بفعله ؛ وهو المعتمد خلافاً للأذرعي وغيره حيث اعتمد أنه للمالك وقال : إن الأول طريقة عندهما ز ي .
قوله : ( ويقبل قوله في التلف إذا أطلق ) نعم لو أخذ ما لا يمكنه القيام به فتلف بعضه ضمنه كما نص عليه في البويطي واعتمده جمع متقدمون ؛ لأنه فرّط بأخذه ويتعين طرده في الوكيل والوديع والوصي وغيرهم من الأمناء كما قاله الزركشي كالأذرعي شرح م ر . وقوله : ( فتلف ) أي بعد عمله فيه كما هو نص البويطي ، وقوله : ( ضمنه ) أي وإن علم المالك حاله كما نقله سم عن شرح الإرشاد لابن حجر ؛ كذا بخط الرشيدي ، وفي شرح المناوي على متن عماد الرضا في آداب القضا لشيخ الإسلام ما نصه : وقيده الأذرعي بما إذا ظن المالك قدرته على جميعه أو جهل حاله أما إذا علم حاله فلا ضمان اه بحروفه . قوله : ( فعلى التفصيل الآتي في الوديعة ) وهو أن يصدّق بيمينه في أربع صور إذا لم يذكر سبباً ، أو ذكر سبباً خفياً كسرقة ، أو ظاهراً كحريق عرف دون عمومه ، أو عرف هو وعمومه واتهم . ويصدق بلا يمين في صورة ، وهي ما إذا ذكر سبباً ظاهراً عرف هو وعمومه ولم يتهم ، ويصدق باليمين والبينة معاً في صورة وهي ما إذا جهل السبب الظاهر فإنه يطالب بالبينة بوجوده ثم يحلف أن التلف به . فالصور ستة ، لكن هل من السبب الخفي ما لو ادعى موت الحيوان أم لا بل هو من الظاهر لإمكان إقامة البينة عليه ؟ فيه نظر ، ولا يبعد أنه إن غلب حصول العلم بموته لأهل محلته كموت جمل في قرية أو محلة كان من الظاهر فلا يقبل قوله إلا ببينة وإلا كأن كان ببرّية أو كان الحيوان صغيراً لا يعلم موته عادة كدجاجة قبل قوله لأنه من الخفي اه ع ش على م ر . قوله : ( بقسمة لا بظهور ) لكن يثبت له فيه حق مؤكد فيورث عنه ويتقدم به على الغرماء ويصح إعراضه عنه ويغرمه المالك بإتلافه للمال شرح م ر . قال م د : علم بذلك أن الكلام في مقامين ، مقام ملك فقط ومقام استقرار ملك ، فبالقسمة يملك حصته حتى لو حدث بعد ذلك نقص كان محسوباً عليهما والاستقرار إنما يكون بعد القسمة وبعد نضوض رأس المال أو فسخ العقد أو بنضوض المال والفسخ ولو بلا قسمة ؛ هذا حاصل كلامه اه . قوله : ( محسوباً عليهما ) أي على رأس المال والربح . قوله : ( وليس كذلك ) لأنه يجبر بالربح فهو محسوب على الربح ، مثال ذلك المال مائة والربح مائة ثم حصل خسر مائة فتكون هي الربح فيرجع المال إلى مائة ، فلو ملك(3/546)
"""""" صفحة رقم 547 """"""
العامل حصته بالظهور لكان له نصف الربح فإذا حصل خسر مائة على ما مر كان ذلك الخسر موزعاً على الربح وأصل المال فيخص المالك ثلاثة أرباع الخسر والعامل ربع الخسر لأن حصة العامل حينئذ خمسون وهي ربع المال فيخصه من الخسران ربعه وهو خمسة وعشرون والباقي وهو خمس وسبعون على المالك .
قوله : ( إن نض ) أي صار ناضاً دراهم أو دنانير . قوله : ( فقط ) أي بلا تنضيض ولا فسخ . قوله : ( ما حصل ) خرج بما حصل منه الظاهر في حدوثه منه ما لو اشترى حيواناً حاملاً أو شجراً عليه ثمر غير مؤبر ، فالأوجه أن الولد والثمر من مال القراض شرح م ر . قوله : ( ومهر ) أي بغير وطء العامل وإلا فهو مال قراض كما قاله ق ل ، لكونه ترتب على فعله ، واعتمده ز ي . وقال ح ل : ومهر ، أي ولو بفعل العامل ولا حدّ عليه إن كان ثم ربح وإلا حد اه . والمهر على من وطىء أمة القراض بشبهة منها أو وزناً مكرهة أو مطاوعة وهي ممن لا يعتبر مطاوعتها أو نكاح اه سم . قوله : ( بعده ) أو قبله سم . قوله : ( أو عيب حادث ) صورة هذه أنه اشترى عرضاً بعشرين فصار يساوي ثلاثين ، ثم رجع للعشرين بالرخص فكأنّ المال لم يربح . قوله : ( جبر الخسران بالربح ) أي إذا تأكد العمل بأن دفع إليه مالاً فاشترى به شيئاً فتلف بعضه أو رخص السعر فلا شيء على العامل ، إذ الربح هنا وقاية لرأس المال ، أما إذا دفع إليه مائتين مثلاً فتلفت إحداهما قبل التصرف فالأصح أنها تتلف من رأس المال ويكون رأس المال مائة ، شرح الدمياطي . وقد أشار له الشارح بقوله : وكذا لو تلف بعضه بجناية وتعذر أخذ بدله كما في شرح المنهج . قوله : ( الحاصل الخ ) الأنسب والأخصر أن يقول : المذكور ق ل . قوله : ( بآفة أو بجناية ) كغصب وتعذر أخذ بدله شرح المنهج ، فإن أخذ بدله استمر فيه القراض . قوله : ( بعد تصرف العامل ) فإن تلف بذلك قبله فلا يجبر به بل يحسب من رأس المال ؛ لأن العقد لم يتأكد بالعمل ، شرح المنهج . قوله : ( على ما مر ) أي النقص برخص أو عيب حادث . وخرج بقوله : ( لو تلف بعضه ) ما لو تلف كله فإن القراض يرتفع سواء كان التلف بآفة أم بإتلاف المالك أم العامل أم أجنبي ، لكن يستقر نصيب العامل من الربح في إتلاف المالك ويبقى القراض في البدن إن أخذه في إتلاف الأجنبي وكذا العامل على المعتمد ، ومقابله أنه(3/547)
"""""" صفحة رقم 548 """"""
ينفسخ بإتلافه اه م د . قوله : ( فالمال المأخوذ ربح الخ ) هذا إن أخذ بغير رضا العامل أو برضاه وصرحا بالإشاعة أو أطلقا ، فإن قصد الأخذ من رأس المال اختص به أو من الربح فكذلك يملك العامل مما بيده قدر حصته على الإشاعة ؛ نبه على ذلك في المطلب شرح المنهج . فإن اختلف قصدهما عمل بقصد المالك ، شوبري . قوله : ( ربح ورأس مال ) أي على النسبة الحاصلة من مجموعهما فلا يجبر بالربح خسر يقع بعده أي بعد الأخذ . قوله : ( فيستقر للعامل ) أي وهو قرض في ذمة المالك ، وللعامل أن يملك مما في يده قدر ذلك ح ل ، قوله : ( المشروط له الخ ) فعلم أن باقي المأخوذ وهو ستة عشر وثلثان من رأس المال فيعود إلى ثلاثة وثمانين وثلث ، شرح المنهج . قوله : ( فحصتها من الخسر ربع الخسر ) لأن الخسران إذا وزع على الثمانين خص كل عشرين خمسة ، فالعشرون المأخوذة حصتها خمسة شرح م ر ، والستون الباقية عند العامل يخصها من الخسران خمسة عشر فالجملة خسمة وسبعون بمعنى أنه إذا حصل ربح جبرنا الستين بخمسة عشر التي تخصها فيصير رأس المال خمسة وسبعين . قوله : ( فيعود رأس المال إلى خمسة وسبعين ) أي حكماً ؛ لأن كل عشرين من الستين الباقية متحملة خمسة من الخسر ، بمعنى أنه إذا حصل ربح بعد ذلك أخذ منه خمسة وجعلت رأس مال مضمومة إلى الستين الباقية فيكون رأس المال خمسة وسبعين بالقوّة فاندفع ما يقال إن الباقي بعد العشرين المأخوذة . والعشرين الخسر ستون . قال في شرح المنهج : حتى لو بلغ ثمانين لم يأخذ المالك الجميع بل تقسم الخمسة بينهما نصفين إن شرطا المناصفة . قوله : ( في عدم الربح ) فإن أقر بالربح ثم ادعى غلطاً أو كذباً لم يقبل لأنه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه ، نعم له تحليف المالك أنه لا يعلم غلطه إن ذكر شبهة وإلا فوجهان : أشبههما بل أصحهما كما قاله الأذرعي تحليفه ، وبه قال ابن سريج وابن مروان ؛ أو ثم ادّعى أنه خسر وأمكن كأن عرض(3/548)
"""""" صفحة رقم 549 """"""
كساد أو أنه ردّ ما اشتراه بعيب واسترد الثمن وتلف بيده صدق بيمينه قاله الديربي . قوله : ( على من ائتمنه ) كذا في نسخ والذي بخط المؤلف من استأمنه .
خاتمة لو تلف المال فادّعى المالك أنه قرض فيضمنه والعامل أنه قراض فلا يضمنه فالمصدق العامل بيمينه على ما أفتى به ابن الصلاح تبعاً للبغوي ؛ لأن الأصل عدم الضمان . ورجح الزركشي تصديق المالك لأن العامل اعترف بوضع اليد وادّعى عدم شغل الذمة والأصل خلافه ، وهذا هو المعتمد . وكذا إذا أقاما بينتين فتقدم بينة المالك أيضاً لما تقدم بخلاف ما لو كان المال باقياً وربح فيه ثم اختلفا فقال المالك : قراض فأستحق حصتي من الربح ، وقال العامل : قرض فالربح كله لي ، صدق العامل بيمينه كما أفتى به الرملي زيادي أ ج .
قوله : ( لكل من المالك والعامل فسخه ) ومحل نفوذه من العامل حيث لم يترتب عليه استيلاء ظالم على المال أو ضياعه وإلا لم ينفذ ، وينبغي أن لا ينفذ من المالك أيضاً إن ظهر ربح لما فيه من ضياع حصة العامل ع ش على م ر .
قوله : ( ثم بعد الفسخ ) أي بقول أحدهما . وقوله : ( أو الانفساخ ) بالموت أو الجنون أو الإغماء . قوله : ( يلزم العامل استيفاء الدين ) بأن باع نسيئة وقد أذن له فيه المالك ع ش . قوله : ( بأن ينضضه ) أي على صفته أي بجعله ناضاً دراهم أو دنانير ، وخرج برأس المال الزائد عليه فلا يلزمه تنضيضه اه م ر .
قوله : ( لأنه في عهدة الخ ) العبارة فيها قلب والتقدير لأن رد رأس المال في عهدته أي في(3/549)
"""""" صفحة رقم 550 """"""
علقته أي متعلق به .
3 ( ( فصل : في المساقاة ) ) 3
لما أخذت شبهاً من القراض من جهة العمل في شيء ببعض نمائه وجهالة العوض وشبهاً من الإجارة من جهة اللزوم والتأقيت جعلت بينهما ، شرح م ر .
قوله : ( المحتاج ) بالجر صفة للسقي جواب عما يقال : لماذا أخذت من السقي واشتق لها منه اسم مع أنها تشتمل على غيره كالتلقيح والتعريش والحفظ ؟ فأجاب بأن السقي يحتاج إليه أكثر من غيره . قوله : ( يسقون ) وفي نسخة ( يستقون ) بتاء قبل القاف ، فالخلاف في ذكر التاء وعدمها وليس الخلاف في النون لأنها ثابته على كلتا النسختين ، كذا بخط الأجهوري بهامش نسخته ، فما وقع في حاشية المدابغي نقلاً عن الأجهوري تحريف . قوله : ( لأنه أنفع الخ ) علة لقوله مأخوذة من السقي والمراد أن فعل العامل ليس قاصراً على السقي ، لكن لما كان أنفع أعمالها أخذت منه ع ش . قوله : ( أن يعامل ) أي بصيغة معلومة فيؤخذ منه جميع أركانها الستة . قوله : ( والتربية ) عطف عام وهي حفظ الشيء المربى بتعهده بسقي وغيره إلى الحد الذي أراده المربي . وقوله : ( قبل الإجماع ) هو صريح في أنها مجمع عليها مع أن أبا حنيفة منعها وإن خالفه صاحباه محمد وأبو يوسف اه ق ل . وأجاب بعضهم بأن المراد إجماع الصحابة والتابعين وهو بعيد . قوله : ( عامل أهل خيبر ) أي عام فتح خيبر لما فتحها عنوة أي قهراً وملك أرضها ونخلها وقسمها بين الغانمين ثم ردّ لهم النخل والأرض ليكونوا عمالاً فيهما بالشروط لما قالوا نحن أعلم بها منكم ، وإنما تعاطى النبي العقد نيابة عن الغانمين ؛ ولكن هذا ظاهر في جواز المساقاة وأما دفع الأرض فهو من قبيل المخابرة إذا كان البذر من عندهم ، وهي باطلة ولو تبعاً إلا أن يحمل دفع الأرض على أنها مزارعة والبذر من عند النبي مثلاً وعسر إفراد الأرض بالزرع واتحد العقد والعامل وقدمت المساقاة على المزارعة فحينئذ تصح المزارعة تبعاً . وقال في الروض : المعاملة تشمل المزارعة والمساقاة اه . والحديث محمول على أن المزارعة تبع للمساقاة كما سيأتي . قوله : ( والحاجة داعية إليها ) فهي مما جوّز للحاجة ح ل . قوله :(3/550)
"""""" صفحة رقم 551 """"""
( جائزة ) أي حلال صحيحة فالجواز بمعنى الصحة المقابلة للبطلان لا المقابل للزوم فلا يعترض عليه بأنها لازمة فكيف يقول جائزة فتأمل مدابغي .
قوله : ( على النخل ) ظاهر كلامه صحة المساقاة على شجر مثمر ، وهو كذلك إذا كان قبل بدوّ الصلاح سم . قوله : ( ولو ذكوراً ) قال م ر : وقد ينازع فيه بأنه ليس في معنى المنصوص عليه وبأنه بناء على اختياره على القديم اه . والقديم أنها تجوز في سائر الأشجار المثمرة . قال الحلبي : ذكر أهل الخبرة أن ذكور النخل قد تثمر اه . وأيضاً الطلع يقال له ثمر . قوله : ( ويشترط فيه ) أي في النخل كما هو المتبادر من سياقه وإن كانت هذه الشروط معتبرة في العنب أيضاً ، ويبعد رجوعه للمورد الشامل لهما لأنه سيأتي العنب في قوله : ومثله العنب . قوله : ( أن يكون مغروساً ) ذكر هنا شروطاً خمسة ، ويُضم لها كونه نخلاً أو عنباً . قوله : ( لم يبد صلاحه ) أي صلاح ثمره كما عبر به المنهج ، وسيأتي ما يدل عليه وسواء ظهر أم لا . قوله : ( ومثله العنب ) أي في جواز المساقاة عليه بالشروط المذكورة . والمناسب في المقابلة أن يقول : وأما العنب فبالقياس على النخل بجامع الخ . وكان الأولى تأخير الشروط عنهما كما فعله ابن قاسم . قوله : ( بجامع وجوب الزكاة الخ ) فهو مقيس على النخل . وقيل : إن الشافعي أخذه من النص وهو : ( أن النبي عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل والكرم ) كما في خط الشهاب الرملي .
فائدة : النخل والعنب يخالفان بقية الأشجار في أربعة أمور الزكاة والخرص وبيع العرايا والمساقاة اه برماوي . وأسقط خامساً ، وهو جواز استقراض ثمرتهما لإمكان معرفتها بالخرص فيهما وتعذر خرصها في غيرهما اه شوبري . قوله : ( ورد النهي عنها ) فلو عبر المصنف بدله بالعنب لسلم من ذلك ، إلا أن يقال هو إشارة إلى أن النهي فيه ليس للتحريم ق ل . فقوله : ( ورد النهي ) أي تنزيهاً . قوله : ( إنما الكرم ) بسكون الراء صفة مشبهة كضخم والمصدر بفتحها . قوله : ( واختلفوا أيهما أفضل ) أي في جواب هذا الاستفهام . وانظر ما معنى الأفضلية في هذا(3/551)
"""""" صفحة رقم 552 """"""
ونحوه من الذوات التي ليست محلاًّ لعمل يترتب عليه ثواب أو عقاب ع ش . وأجيب عن ذلك بأن المراد بالأفضلية هنا الشرف باعتبار خصائص قامت به كما يؤخذ ذلك من حديث : ( فَضْلُ الثَّريِدِ على الطَّعَام كفَضْلِ عَائِشَةَ على سَائِرِ النِّسَاءِ ) أي لأنه أنفع للبدن فإنه طعام مرىء سهل التناول سريع الانهضام سهل الخروج ، وليس المراد التفضيل باعتبار زيادة الثواب فتأمل ذلك فإنه ينفعك في مواضع أخر . والحاصل أن الشارح أقام على هذه الدعوى أربعة أدلة : الأول : قوله لورود ، والثاني : وأنها خلقت ، والثالث : التقديم ، والرابع : قوله : وشبه . وقوله أكرموا عماتكم أي بالسقي والتعهد ، وسميت النخلة عمة وهي أخت الأب لأنها أخت آدم من حيث إنها خلقت من الطينة التي خلق منها آدم . وذكر شيخنا ح ف أن هذا الحديث لا أصل له فهو موضوع وذكره ابن الجوزي في الموضوعات .
قوله : ( في المحل ) أي الجدب والقحط . قوله : ( وإنها خلقت ) يحتمل أن هذا لفظ الحديث وأنه بكسر إن وأنه من تتمة هذا الحديث ، ويحتمل أن المعنى ولورود الخ ؛ فيكون دليلاً آخر للأفضلية . وفي نسخة ( فإنها ) بالفاء ، وعليها فهو علة لقوله : ( أكرموا ) وليس هذا خاصاً بالنخل بل العنب والرمان كذلك خُلقاً من فضل طينته . كما وردت الثلاثة مفرّقة في أحاديث في الجامع الصغير ، إلا أن يقال المختص بالنخل اجتماع الأربعة التي في الشرح فيه . قوله : ( والنخل مقدّم على العنب ) أي مع الاتصال فلا يرد ما في عبس ، وهو قوله تعالى : ) فأنبتنا فيها حبّاً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً } ) عبس : 77 ) ولعلّ أفضلية النخل على بقية الشجر كثرة نفعه ، فإنه ينتفع بسائر أجزائه حتى جذوره فهي دواء من مرض السوسة التي تضر أسنان الإنسان توضع في الحجر وتشرب كالدخان المعروف . قوله : ( وشبه ) أي ولأنه شبه الخ . قوله : ( برأسها ) وهو موضع الثمر فرأسها أعلاها لأن الماء يسري إليه من باطنها لأنها تجذ الماء من الأرض بعروقها حتى يصعد إلى رأسها كما يدل عليه رطوبة باطنها إذا قطعت . وهذا لا يختص بالآدمي المؤمن بل كل حيوان إذا قطع رأسه مات ، إلا أن يقال وجه الشبه جميع ما ذكره الشارح وإن وجد بعضه في غيرها ومن ثم ضعف الحافظ حج شبهها بالمؤمن لما ذكر . قوله : ( عين الدجال ) أي الصحيحة . قوله : ( استقلالاً ) وأما تبعاً فيجوز إن عسر إفراد الغير بالسقي كالمزارعة . وعبارة متن المنهج : فلو كان بين الشجر بياض صحت مع المساقاة إن اتحد عقد وعامل وعسر إفراد الشجر بالسقي وقدمت المساقاة وإن تفاوت الجزءان المشروطان .(3/552)
"""""" صفحة رقم 553 """"""
قوله : ( مشمش ) بكسر الميمين أو فتحهما أو ضمهما . قوله : ( لأنه ينمو الخ ) فيه نظر ، فكان الأولى أن يقول : اقتصاراً على مورد النص . قوله : ( كأحد البستانين ) أي وإن عين في المجلس لأن العقد هنا لازم ، وبذلك فارق إحدى الصرتين في القراض ق ل أي حيث جاز إذا عين إحداهما في المجلس ، أي واللازم يحتاط له والجائز يغتفر فيه . قوله : ( ولا على كونه ) أي ولا على شجر يكون تحت يد غير العامل ، ففي العبارة مسامحة إذ الكون ليس معقوداً عليه ع ش . قوله : ( وديّ ) بفتح الواو وكسر الدال المهملة وتشديد الياء وهو صغار النخل وإذا عمل فله أجرة المثل إن توقعت الثمرة في تلك المدة وإلا فلا ، ز ي . وهذا مفهوم قوله : ( مغروساً ) ويقال للوديّ فسيل وشتل واحدة ودية . قوله : ( يغرسه ) أي العامل وهو ليس قيداً ، بل لو جعل الغرس على المالك كذلك لا يصح . وعبارة ع ش على م ر . قوله ( ولأن الغرس ليس من عمل المساقاة ) قضيته أنه لو عقد على وديّ ليغرسه المالك ويتعهده هو بعد الغرس لم يمتنع . ونقل بالدرس عن شيخنا الحلبي أن هذا ليس مراداً . أقول : ولو قيل بالصحة فيما لو عقد عليه غير مغروس أو مغروساً بمحل كالشتل على أن ينقله المالك ويغرسه في غيره ويعمل فيه العامل لم يبعد لأنه لم يشترط فيه على العامل ما ليس عليه اه . قوله : ( إليه ) أي إلى عمل المساقاة . قوله : ( ما بدا صلاح ثمره ) ولو البعض في البستان الواحد س ل . قوله : ( وهما الركن الثاني والثالث ) أي بالنظر لتفصيل الأركان ، أما بالنظر للاجمال فهما الأول والثاني إن عدّا اثنين أو الأول إن عدا واحداً . قوله : ( ما مر في القراض ) إلا أنه لا يجوز أن يكون المالك أعمى ؛ لأن المعقود عليه مشاهد وهو لا يراه ، وأما العامل فإن كانت المساقاة على عينه فكذلك وإلا جاز كونه أعمى . قوله : ( فتصح مساقاته له ) بأن يقول ساقيتك على حصتي أو على جميع الشجر . واستشكاله هذا بأن عمل الأجير يجب كونه في خالص ملك المستأجر . أجيب عنه بأنه يغتفر في المساقاة ما لا يغتفر في الإجارة ، شرح م ر ملخصاً . وكتب ع ش على قوله : ( ما لا يغتفر في الإجارة هذا بناء على تفرقته بينهما في هذا الحكم كما سيأتي له في الإجارة في شرح قوله : ولو استأجرها لترضع رقيقاً ببعضه في الحال جاز على الصحيح . قوله : ( إن شرط له زيادة ) فإن لم يشرط ذلك بطلت لخلوها عن العوض ولا أجرة له لأنه لم يعمل طامعاً ، فإن شرط له جميع(3/553)
"""""" صفحة رقم 554 """"""
الثمار لم يصح أيضاً لكن له الأجرة على الأصح لأنه عمل طامعاً . وقيد الغزالي تبعاً لإمامه بما إذا لم يعلم الفساد والظاهر صحة مساقاة أحد الشريكين على حصته أجنبياً ولو بغير إذن الآخر اه شرح البهجة ، والمعتمد ما جزم به ابن المقري من أنه لا بد من الإذن وأفتى به م ر اه ز ي . قوله : ( ما ليس عليه ) اعترض بأنه إحالة على مجهول ؛ لأن ما ليس عليه لم يعلم مما سبق بل مما يأتي . وأجيب بأن ما ليس عليه لما كان سيذكر قريباً كان كأنه معلوم كما يعلم من شرح م ر .
قوله : ( وشرط في الثمر ) يتأمل ، فإن هذا شرط للعمل لا للثمر . وعبارة ق ل : لا يخفى أن المذكور شروط لصحة العقد المعتبر فيه استيفاء جميع شروط الأركان الذي منها ما يحتاج إلى ذكره كالنخل أو العنب المتعلق بالعمل واشتراكهما في الربح المتعلق بالثمرة ، وليس ذكر المدة متعلقاً بالثمرة وإنما هو متعلق بالعقد ، ولو جعله متعلقاً بالصيغة لكان مستقيماً فتأمل . قوله : ( ذكر المصنف منها شرطين ) فيه نظر ، فإن الشرط الأول شرط في العمل كما في المنهج وغيره لا في الثمرة ، وقد جعل سم كلام المصنف على حذف مضاف أي أن يقدر عملها أي العمل فيها بمدة . قوله : ( ولها ) أي لصحتها شرطان . قوله : ( يثمر ) هو شرط في صحة المدة ق ل . قوله : ( فلا تصح مؤبدة ولا مطلقة ) محترز التقدير بمدة . وقوله : ( ولا بإدراك الثمر ) محترز قوله ( معلومة ) . وفي هذه الثلاثة يستحق العامل أجرة المثل من غير تفصيل ، وكذا لو قدر بمدة لا يثمر فيها الشجر وأما تفصيل الشارح فهو في الرابعة فقط . بقي ما لو أثمر الثمر في المدة وفرغت المدة ولم يبد صلاحه ، فهل يبقى إلى أوانه أو يقطع ؟ الظاهر إبقاؤه وهل العمل عليهما أو على المالك الظاهر أنه عليهما لأن الثمرة بينهما ، وأما لو أثمر وبدا صلاحه ولم تفرغ المدة فهل يلزم العامل العمل أو لا يلزمه ؟ الظاهر اللزوم ، وكذا يلزمه العمل لو غصب الثمر أو لم يثمر وفيهما لا شي له ، وأما إذا ظهر مستحقاً يلزمه العمل وله أجرة مثله سم . قوله : ( كسنة ) ولو كان النخيل المعقود عليه مما يثمر في العام مرتين فأطلعت الثمرة الأولى قبل انقضاء المدة والثانية بعدها ، قال الأذرعي : فهل نقول يفوز بها المالك أو يكون العامل شريكاً له فيها لأنها ثمرة العام ؟ لم أر فيه شيئاً سم . قوله : ( لا يثمر فيه الشجر غالباً ) بأن يمكن فيه الإثمار نادراً أو يستوي الإثمار وعدمه أو جهل الحال كما يدل عليه قوله : وإن استوى الخ .(3/554)
"""""" صفحة رقم 555 """"""
قوله : ( ولا أجرة للعامل ) كما لوقدرت بمدة يثمر فيها الشجر غالباً فلم يثمر أو أثمر بعدها سم . قوله : ( فله أجرته ) وإن علم الفساد وإن لم يثمر سم . قوله : ( لأنه عمل طامعاً ) أي باعتبار أحد الاحتمالين في الاستواء وغلبة ظنه في جهل الحال . قوله : ( وقع عليها العقد ) أي لأجلها فعلى بمعنى لام التعليل ؛ لأن العقد لم يقع على الثمرة وإنما وقع على العمل الذي يعمله . وقال بعضهم : قوله ( عليها ) أي على أصلها ، وهو الشجر لأن العقد لم يقع على الثمرة وإنما وقع على الشجر . قوله : ( فلا يجوز شرط بعضه ) محترز الثالث الذي زاده الشارح . قوله : ( ولا كله للمالك ) هذا مفهوم الشرط الثاني ، فلو قدمه على الثالث لكان أنسب ق ل . ويجاب بأن كلامه على اللف والنشر المشوّش وقد يقال لا حاجة لذلك بل هما راجعان للثالث ، إذ معنى قوله اختصاصهما بالثمر أنه لا تجاوزهما لغيرهما بل يكون بينهما وهو صادق بما ذكر . ثم رأيت في الروض وحاشيته للشهاب الرملي ما يعين ذلك . قوله : ( أصحهما المنع ) أي عدم استحقاقها . قوله : ( وهو الركن السادس ) فيه أنها خامس فيما تقدم في عدّ الأركان . وأجيب بأنه يقال له سادس أيضاً بالنظر لجملتها لأنه لا ترتيب بينها وذكر الضمير بالنظر للخبر . قوله : ( بقرينة ما مر ) وهو أن يقدراها بمدة قال ق ل بل يشترط التأقيت . قوله : ( آنفاً ) يمد ويقصر أي قريباً اه تقريب . قوله : ( كساقيتك الخ ) كان عليه أن يذكر المدة في الصيغة . قوله : ( فيقبل العامل ) أي لفظاً م ر . قوله : ( لا تفصيل أعمال ) عطف على ما مر وسواء عقد بلفظ المساقاة أو غيرها على المعتمد . قوله : ( فلا يشترط ) أي لا يشترط ذكره في الصيغة ق ل . قوله : ( اشترط ) أي التفصيل . قوله : ( ويحمل المطلق ) راجع لقوله : فلا يشترط قوله : ( هذا شروع في بيان حكمها الخ ) يقتضي أنه لا تعلق له بشيء من الأركان مع أنه متعلق بالعمل اه ق ل . إلا أن(3/555)
"""""" صفحة رقم 556 """"""
يقال عذره في ذلك أن العمل الذي ذكره المتن ليس كله من تعلق عمل المساقاة لأن ما على المالك ليس من عمل المساقاة . قوله : ( الأول ) أي من الضربين . قوله : ( أو يتكرر كل سنة ) الأولى ويتكرر بالواو كما في بعض النسخ ؛ إلا أن تكون بمعنى الواو . وعبارة المنهج : وعلى العامل ما يحتاجه الثمر مما يتكرر كل سنة . قوله : ( كل سنة ) ليس قيداً بل المراد أنه يتكرر كلما احتيج إليه . قوله : ( كسقي ) بين العمل الذي على العامل بعشرة أمور . قوله : ( يقف فيها الماء ) وهي الحفر حول الشجر . قوله : ( جمع إجانة ) بالتشديد أصله إناء يغسل فيه الثياب ، ثم استعير ذلك وأطلق على ما حول النخل ، فقولهم إصلاح الأجاجين المراد بها ما حوالي الأشجار شبه الأحواض اه مصباح . قوله : ( وتلقيح النخل ) وهو وضع شيء من طلع الذكور في طلع الإناث ، وقد يستغني بعض النخل عن الوضع المذكور لكونها تحت ريح الذكور فيحمل الهواء ريح الذكور إليها اه ز ي . قوله : ( حشيش ) اسم لليابس فكان الأولى التعبير بالكلأ ليشمل الرطب أيضاً ، على أن ق ل نقل في حاشيته على الجلال إطلاقه عليهما لغة فقال : الحشيش اسم للرطب واليابس كما قاله الأزهري . قوله : ( وتعريش للعنب ) قال سم : ويتبع العرف في تعريش العنب ووضع الشوك على رأس الجدار وسد الثلم اليسيرة التي تتفق في الجدار اه . قوله : ( ويظللها ) أي يربطها بالحبال ، ولو عبر بهذا كان أولى ق ل . وقال بعضهم : قوله : ( ويظللها ) أي يجعل عليها مظلة كما هو مشاهد الآن وإن توقف فيه ق ل . قوله : ( ويحفظ الثمر ) معطوف على سقي من كسقي ، وهو منصوب بأن مضمرة على حدّ : ولبس عباءة الخ . فهو في تأويل مصدر مجرور معطوف على سقي . وعبارة المنهج : وحفظ الثمر ، وهي تدل لذلك فليس من تمام تعريف التعريش وإن أوهمه كلامه . قوله : ( وفي البيدر ) أي الجرن . قوله : ( عن السرقة ) لو كثر السرّاق أو كبر البستان وعجز عن الحفظ ضم إليه مساعد وأجرته عليه ، وقال الأذرعي : على المالك ق ل على المحلي . قوله : ( كقوصرّة ) أي قوطة بقاف مفتوحة وواو ساكنة فصاد مهملة مفتوحة فراء مهملة مفتوحة مشدّدة ، وفي المصباح : القوصرة بالتخفيف والتثقيل : وعاء التمر يتخذ من قصب أو خوص اه . قال الراجز :
فأفلح من كانت له قوصرّه
يأكل منها كل يوم مرّه قوله : ( وقطعه ) معطوف على سقي . قوله : ( فهو كله على العامل ) هذا كان خبراً عن قوله(3/556)
"""""" صفحة رقم 557 """"""
عمل يعود نفعه في المتن ، والشارح جعل قوله عمل يعود الخ خبراً عن محذوف تقديره الأول ، فعلى هذا يكون قوله فهو على العامل مفرعاً على خبر المبتدأ لا محل له من الإعراب فيلزم عليه تغيير إعراب المتن فلو شرط ما على أحدهما على الآخر بطل العقد . نعم استثنى البندنيجي ما إذا شرط السقي على المالك فيلزمه ورواه عن النص ؛ لأنه لو ساقاه على البعلي وهو ما يشرب بعروقه جاز . وقضية كلام الشيخين والأصحاب خلافه وإن عمل أحدهما ما على الآخر بغير إذنه لم يستحق شيئاً أو بإذنه استحق الأجرة . واستشكله الإسنوي بأن مجرد الإذن لا يقتضي الأجرة فالمتجه تخريجه على ما إذا قال اغسل ثوبي والصحيح فيه عدم الوجوب . وأجيب بأن هذا تابع لعمل تجب فيه الأجرة بخلاف قوله اغسل ثوبي اه سم . وعبارة م ر في شرحه : وكل ما وجب على العامل له استئجار المالك عليه وما وجب على المالك لو فعله العامل بإذن المالك استحق الأجرة تنزيلاً له منزلة قوله اقض ديني ، وبه فارق قوله اغسل ثوبي اه . وإذا ترك العامل بعض ما عليه نقص من حصته بقدره كما قاله س ل .
قوله : ( من غير أن يتكرر كل سنة ) هذا يدل على أن ( أو ) بمعنى الواو فيما سبق . قوله : ( ما انهار ) أي هدم . قوله : ( والدولاب ) معطوف على الأبواب . قوله : ( وآلات العمل ) بالرفع عطفاً على عمل ، لا بالجر عطفاً على بناء لأن هذا ليس عملاً . قوله : ( والمعول ) هو الفأس العظيمة فهو من عطف الخاص على العام . والمِنْجَل آلة يقلم بها النخل وهو بكسر الميم وفتح الجيم . قوله : ( بالظهور ) أي ظهور الثمرة ، فلو ظهر ثمر في المدة وأدرك فيها ثم أدرك ثمر بعد المدة فهل يختص المالك بالثاني أو يشاركه العامل ؟ الظاهر اختصاص المالك به . قوله : ( إلا بالقسمة ) أو ما ألحق بها وهو الفسخ والتنضيض كما تقدم . قوله : ( وقاية لرأس المال ) أي يقيه عن النقص لأنه لو حصل نقص في رأس المال جبر بالربح كما مر . قوله : ( أما إذا عقد الخ ) الأولى أن يقدم هذا على قوله وفارق . قوله : ( وخرج بالثمر الخ ) وفي العرجون وهو الساعد وجهان أوجههما كما قال شيخ مشايخنا أنه للمالك واعتمده كله م ر سم بحروفه . قوله :(3/557)
"""""" صفحة رقم 558 """"""
( والكرناف ) بكسر الكاف ، شيخنا . قوله : ( ولو شرط جعله ) أي ما ذكر من الثلاثة . قوله : ( والظاهر منهما الصحة ) المعتمد البطلان . قوله : ( ولو شرطهما للعامل ) أي الثلاثة ، وقوله : ( بطل ) أي العقد . قوله : ( ولو ساقاه على نوع ) كالنخل كأن قال ساقيتك على النخل بنصف ثمره بشرط أن أساقيك على العنب بثلثه . قوله : ( على آخر ) كالعنب . قوله : ( لازمة ) أي فيلزمه إتمام الأعمال وإن تلفت الثمرة بآفة أو نحو غصب شرح م ر ، ولا شيء له على المالك اه عباب . قوله : ( كالإجارة ) أي بجامع أن كلاًّ منهما عقد على منفعة وعمل مع بقاء العين بمعاوضة . قوله : ( فلو هرب العامل الخ ) شامل لما إذا كانت المساقاة على العين أو الذمة كما يدل عليه الاستدراك ، وقال بعضهم : يفهم من الاستدراك تقييد كلامه بكون المساقاة في الذمة ، تأمل . قوله : ( وتبرع غيره ) أي ولم يقصد المالك بعمله ، وكذا إن أطلق يكون كما لو قصد المالك ح ل . قوله : ( بقي حق العامل ) لأن العقد لا ينفسخ بذلك كما لا ينفسخ بصريح الفسخ شرح المنهج . قال الحلبي : وفيه أنه استحقاق بغير عمل . وأجيب بأنهم نزلوا ذلك منزلة التبرع بقضاء الدين . قوله : ( مثلاً ) يرجع لقوله : ( وهرب ) ومثله ما إذا امتنع وهو حاضر . قوله : ( من ماله ) متعلق باكترى . قوله : ( نعم الخ ) استدراك على قوله : اكترى الحاكم . قوله : ( صاحب المعين ) هو كتاب جليل ، اه أ ج . قوله : ( والنشائي ) بكسر النون والمدّ نسبة لبيع النشا برماوي ، وضبطه السيوطي في اللب بفتح النون نسبة إلى النشا المعروف بريف مصر ، وقيل : النشا بفتح النون اسم بلد أو ما يعمل من الحلوى .(3/558)
"""""" صفحة رقم 559 """"""
قوله : ( لتمكن المالك من الفسخ ) أي فيخير بين أن يفسخ أو يعمل بلا رجوع ق ل .
فرع : لو أراد مالك الأشجار المساقى عليها بيعها ، فإن كان قبل ظهور الثمرة امتنع وإن كان بعد ظهورها جاز والعامل مع المشتري كهو مع البائع ، وبيع أحدهما نصيبه فقط من الثمرة بشرط القطع باطل لشيوعه زي .
قوله : ( ثم إن تعذر ) أي فيما إذا كانت المساقاة في الذمة ح ل . قوله : ( اقترض عليه ) قال في شرح الروض : وقولهم اقترض واكترى يفهم أنه ليس له أن يساقي عليه ، وهو كذلك . سم على حج ع ش على م ر . قوله : ( بإشهاد بذلك ) أي بالاتفاق والعمل فإن لم يشهد كما ذكر فلا رجوع له وإن لم يمكنه الإشهاد لأنه عذر نادر ، فإن عجز عن العمل والإنفاق ولم تظهر الثمرة فله الفسخ وللعامل أجرة عمله ، وإن ظهرت فلا فسخ وهي لهما ؛ شرح المنهج . وقوله : ( وللعامل أجرة عمله ) فيه أنه لم يقع العمل مسلماً ولم يظهر أثره على المحل اه ح ل . وقوله : ( فلا رجوع له وإن لم يمكنه الإشهاد ) ظاهره عدم الرجوع ظاهراً وباطناً ، ولو قيل بأن له الرجوع باطناً لم يكن بعيداً ، بل ومثله سائر الصور التي قيل بعدم الرجوع لفقد الشهود ، فإن الشهود إنما تعتبر لإثبات الحق ظاهراً ، وإلا فالمدار في الاستحقاق وعدمه على ما في نفس الأمر ع ش على م ر . قوله : ( فيه ) أي في الإشهاد . قوله : ( بأجرة عمله ) لف ونشر مرتب . قوله : ( أو بما أنفقه ) ويصدّق المالك في قدر ما أنفقه كما رجحه السبكي اه س ل . قوله : ( ولو مات المساقي ) بصيغة اسم المفعول ، أي العامل المساقي في ذمته . قوله : ( في ذمته ) خرج به المساقي على عينه فتنفسخ بموته كالأجير المعين ، شرح المنهج . والفرق بين الصورتين أن قول المالك للعامل في صورة المساقاة على العين ساقيتك على هذا النخل مثلاً الخ ، يقتضي أن العمل إنما يكون من عين هذا العامل بخلاف المساقاة في الذمة لا تقتضي ذلك . وصورة المساقاة في ذمته أن يقول المالك للعامل : ألزمت ذمتك تعهد هذا النخل مثلاً على أن الثمرة بيننا مثلاً مع ذكر مدّة معلومة . قوله : ( ويسلم له المشروط ) بالبناء للمفعول والمشروط نائب الفاعل ، وعلى هذا لو كان الثمر قد ظهر ولم يبد صلاحه وبقي من أعمال المساقاة شيء لا ينبغي أن يستحق الوارث نصف الثمرة إن كان النصف مشترطاً ، وإنما يستحق بالقسط بعد اعتبار ما بقي من المدة اه سم ، أي فإذا مضى ثلث المدة مثلاً استحق ثلث المشروط له . وخرج بقوله : ( لو كان الثمر قد ظهر ) ما إذا مات قبل الظهور ، فظاهره أنه لا(3/559)
"""""" صفحة رقم 560 """"""
يستحق وارثه شيئاً اه م د . قوله : ( ولا يلزم المالك تمكينه من العمل ) بل يمكن المالك من الفسخ وللوارث أجرة ما عمله مورثه س ل .
قوله : ( ولو أعطى شخص الخ ) . صورة ذلك : خذ هذه الدابة واجر وراءها ولك نصف ما حصل منها مثلاً . وصورة الثانية : خذ هذه الدابة وألق نظرك عليها ومؤنها من عندي ، فالفوائد كلها للمالك وعليه للعامل أجرة مثله في الأولى ، وكذا الثانية إن كان عمله يقابل بأجرة . قوله : ( أو يتعهدها ) كما يقع للفلاحين حيث يعطي أحدهما صاحبه عجلاً مثلاً ليربيه ويكون بينهما أنصافاً . قوله : ( لا تحصل بعمله ) وهو التعهد .
3 ( ( فصل : في الإجارة ) ) 3
من آجره بالمدّ يؤجره إيجاراً . ويقال أجره بالقصر يأجره بكسر الجيم وضمها أجراً ق ل . وذكرها بعد المساقاة لمناسبتها لها في اللزوم والتأقيت .
قوله : ( اسم للأجرة ) وقد اشتهرت في العقد م ر ، وليس بين المعنى اللغوي والشرعي مناسبة بل الغالب أن المعنى اللغوي أعم من الشرعي . قوله : ( تمليك منفعة ) أي بصيغة . وخرج بقوله : ( تمليك ) عقد النكاح لأنه لا تملك به المنفعة وإنما يملك به الانتفاع ح ل ، وكذا تخرج به العارية وهي خارجة أيضاً بقوله : ( بعوض ) . قوله : ( وإنما يوجبها ) أي الأجرة بمعنى المسمى العقد ، فلا ينافي أن أجرة المثل تجب بلا عقد فيما إذا فسدت الإجارة أو الشركة أو المساقاة أو القراض . قوله : ( ظاهراً ) قيد بذلك لأنها لا تجب حقيقة إلا بتمام المدة ح ل ؛ ولأنه قد يتبين عدم وجوبها ، كما إذا خربت الدار المستأجرة قبل مضي مدة لها أجرة مرحومي : وردّ بأنها وجبت بالعقد وإنما الذي يتبين عدم الاستقرار . وتوقف شيخنا في قوله : ( ظاهراً ) وقال : لا مفهوم له اه س ل ، بل العقد يوجبها ظاهراً وباطناً . قوله : ( فتعين ) أي لا يجاب(3/560)
"""""" صفحة رقم 561 """"""
الأجرة . قوله : ( أن الحاجة ) بل الضرورة ؛ لأن الضرورة أقوى من الحاجة لأنها شدة الاحتياج وهو الاضطرار . قوله : ( فجوّزت لذلك ) أي للحاجة . قوله : ( بيع الأعيان ) أي لينتفع بها من ليس له ذلك . قوله : ( وعاقدان ) المناسب لكونها أربعة أن يقول : وعاقد . قوله : ( منفعة ) منفعة مفعول مطلق . وجملة ما ذكره من القيود ثمانية ، غير أنه لم يذكر محترز قوله : ( والإباحة ) ولعله بناه على أنهما قيد واحد لتلازمهما ، فإن ما يقبل البذل لا يكون حراماً لذاته اه م د . قوله : ( والإباحة ) عطف تفسير اه ع ش .
قوله : ( وهي الركن الثاني ) أي في كلام المصنف وإن كانت أوّلاً في كلام الشارح المتقدم . قوله : ( هذا الثوب ) أي سنة مثلاً بكذا حتى يصح العقد ، فلا يصح بمجرد تعيين الثوب . قوله : ( وتنعقد أيضاً ) إنما فصله عما قبله لكونه فيه خلاف ، بخلاف ما قبله فباتفاق . قوله : ( أجرتك منفعتها سنة ) أي فلا فرق بين إضافة الإجارة للعين كما في المثال الأول أو للمنفعة كما في المثال الثاني لوضوح المراد ، وسنة ليس مفعولاً فيه لأجر لأنه إنشاء وزمنه يسير بل لمقدر . أي أجرتكه وانتفع به سنة كما قيل في قوله تعالى : ) فأماته الله مائة عام } ) البقرة : 259 ) إن التقدير وألبثه مائة عام شرح المنهج مع زيادة . قوله : ( فهو كما لو قال أجرتك ) أي الدار مثلاً ، فكان على الشارح أن يذكر المفعول إما ضميراً أو اسماً ظاهراً . قوله : ( فخرج بمنفعة ) يتأمل فيه . وعبارة الروض : وشرعاً عقد على منفعة الخ ، ثم قال : فخرج بمنفعة العين وهي ظاهرة . قوله : ( العين ) أي فلا يصح استئجار دابة للبنها أو نتاجها . قوله : ( على كلمة لا تتعب ) وإن روّجت السلعة إذ لا قيمة لها ، فإن أتعبت بتردد أو كلام فله أجرة المثل ق ل . واستشكل الأذرعي صحة الإجارة لنحو القصد دون كلمة ( لا تتعب ) . قوله : ( على عمل ) راجع للجعالة . قوله : ( منفعة البضع ) خروجه فيه نظر ؛ لأن الزوج لا(3/561)
"""""" صفحة رقم 562 """"""
يملك منفعة البضع وإنما ينتفع به فقط . قوله : ( هبة المنافع ) كأن وهبه منفعة داره سنة . قوله : ( والوصية بها ) أي المنافع . قوله : ( والشركة ) لأن المشترك يصدق عليه أنه يمكن الانتفاع به للشريكين منفعة معلومة الخ ؛ لأن كلاًّ من الشريكين ينتفع بنصيب صاحبه لكن لا بعوض بل مجاناً اه م د . قوله : ( والإعارة ) خروجها فيه نظر لأنها لا ملك فيها فلم تدخل . قوله : ( بعوض مجهول ) لكن يرد عليه الجعالة على عمل معلوم بعوض معلوم فتدخل في الضابط المذكور فيقتضي أنها إجارة ، إلا أن يزاد فيه بصيغة مخصوصة ، تأمل . قوله : ( كالحج بالرزق ) بفتح الراء أي النفقة مثالان للجعالة ، ومثال المساقاة ظاهر فإنه إذا فصل له الأعمال وبين حصته من الثمر يقال إن العمل معلوم والعوض مجهول ، أي من جهة أنه لم يعلم كم يخص حصته من الثمر وسق أو وسقان مثلاً ، وإن كان معلوماً من جهة كونه نصفاً مثلاً . قوله : ( كالشمع ) بفتح الميم وإسكانها لحن م د . صوابه أن يقول : خلاف الأفصح ؛ لأنه يجوز إسكانها كما في المصباح والمزهر للسيوطي . قوله : ( وذكرت لها ) أي للمنفعة . قوله : ( أن يكون ) أي التقدير . وقوله : ( بتعيين مدة ) يستثنى من ذلك إجارة الإمام للأذان كل شهر بدرهم من بيت المال فلا يحتاج إلى بيان المدة ، بخلاف ما إذا استأجر من ماله أو كان المستأجر من الآحاد فيشترط بيان المدة على الصحيح .
فرع : يدخل في الإجارة للأذان الإقامة ولا يجوز إجارة لها وحدها إذ لا كلفة اه مرحومي .
قوله : ( كالسكنى ) كأن يقول أجرتك هذه الدار سنة أو شهراً لتسكنها ، فلو قال : على أن تسكنها لم يجز كما قاله في البحر سم . ومثله : على أن تنتفع بها اه زي . ولعل وجهه أنه في هذه الصورة لم يذكر المعقود عليه وإنما جعله شرطاً بخلافه في تسكنها أو لتنتفع بها . قوله : ( إذ السكنى الخ ) تعليل لكونها مجهولة القدر ؛ لأنه لا يسكن فيها جميع الليل والنهار فقد تقلّ وقد تكثر . قوله : ( وما يشبع الصبي ) أي وإرضاع ما يشبع الخ .(3/562)
"""""" صفحة رقم 563 """"""
قوله : ( في منفعته ) أي في منفعة هي هو ، فالإضافة بيانية . قوله : ( بتعيين ) أي أن يكون تقدير المنفعة بتعيين محل عمل ، فأشار الشارح إلى أن كلام المتن على تقدير مضاف لأن ذكر العمل فقط كالخياطة لا يكفي . قوله : ( كخياطة الثوب ) أي فإن خياطة الثوب تتميمه على الوجه المعلوم سواء كان الثوب صغيراً أو كبيراً . غاية الأمر أن في خياطة الثوب إبهاماً لاحتمال الثوب للصغير والكبير ، لكن الإبهام لا ينافي العلم كما في العلم بأحد الأمرين على الإبهام بخلاف السكنى وإن أضيفت إلى الدار فإنها مجهولة كما أشار إليه الشارح . ولما كان في الثوب نوع إبهام احتيج إلى تعيينه بنحو إشارة لتعيين المنفعة . قوله : ( فتعين العمل ) أي محل العمل بنحو إشارة . وهو مبتدأ خبره ( طريق ) وقوله ( فيها ) أي في المنفعة المعلومة ، وقوله : ( إلى معرفتها ) أي تمييزها وتعيينها . قوله : ( فلو قال لنخيط الخ ) هذا تفريع على تعيين المحل . وقوله : ( لم يصح ) أي لعدم تعيين محل العمل . وقوله : ( بل يشترط ) إضراب انتقالي لأن الحكم بعدم الصحة ثابت وانتقل عنه لحكم آخر ، وفي عبارته نقص تقديره : بل يشترط أن يعين الثوب وأن يبين الخ . قوله : ( أو رومية ) الرومية بغرزتين والفارسية بغرزة واحدة ق ل . قوله : ( بهما معاً ) أي بكل منهما على انفراده بدلاً عن الآخر ، يعني أن هذا القسم يصح أن يقدر بالمدة فقط وأن يقدر بمحل العمل فقط ، وليس المراد أنه يقدر بهما معاً مجتمعين كما توهم لأنه عين المسألة الباطلة الآتية في قوله : أما لو جمع الخ . هكذا يؤخذ من شرح الروض وقرره شيخنا العشماوي ، لكن ينافيه قول الشارح : ( معاً ) وكذا تمثيل الشارح لأنه يدل على اجتماعهما ، وهو يقوّي اعتراض القليوبي بأن في قوله : ( بقي الخ ) نظراً لأن قوله : لتعمل لي كذا شهراً إن كان ( كذا ) كناية عن معين كخياطة هذا الثوب فهو من القسم الباطل الذي سيذكره بعد ؛ وإن كان كناية عن عمل فقط كخياطة أو بناء فمن القسم الأول فتأمل . والحاصل أن ما لا تنضبط منفعته كالسكنى والإرضاع يجب فيه التقدير بالزمن فقط ، وما تنضبط إما أن يقدر بالزمن أو بمحل العمل كأجرتك هذه الدابة لتركبها شهراً أو لتركبها إلى مكة . وسئل شيخنا عما يقع في بلاد الأرياف من استئجار الدواب لحمل الزرع في سنبله من مكان ضمه إلى مكان دراسه مع عدم العلم بقدر المدة التي يستوفي فيها الحمل . فأجاب بأن هذه إجارة فاسدة يستحق فيها الأجير أجرة مثله ، فلو عين مدة تعينت وصحت كالأول لأنها مقدرة بمحل العمل لأنهم لا(3/563)
"""""" صفحة رقم 564 """"""
يستأجرون على حمل زرع مبهم بل يقولون : هذا الزرع أو الزرع الفلاني ، نعم لو لم يعرف الأجير الزرع وإن عرف قدر أرضه بالمساحة لم تصح الإجارة ؛ لأن الزرع يكون قصيراً ويكون طويلاً ويختلف بالبعد وعدمه اه أج .
قوله : ( لتعمل لي كذا ) أي خياطة أو بناء مثلاً . قوله : ( أما لو جمع الخ ) مقابل لما في المتن . قوله : ( لم يصح ) نعم إن قصد التقدير بالمحل . وذكر النهار للتعجيل لا للتحديد فينبغي أن يصح ، شرح المنهج . قوله : ( في قفيز ) هو مكتل يسع اثني عشر صاعاً اه . أج . قوله : ( وبهذا ) أي بقوله قد يتأخر . قوله : ( ما شرط في المتبايعين ) أي من إطلاق التصرف وعدم الإكراه . وعلم منه أن الأعمى إن لا يكون مؤجراً وإن جاز له إجارة نفسه لأنه لا يجهلها اه س ل . قوله : ( ولكن يؤمر ) أي في إجارة العين ، أما إجارة الذمة فلا إذ يمكن المسلم أن يستأجر له كافراً ينوب عنه في خدمة الكافر ق ل ، لأن صورة الذمة أن يقول الكافر لمسلم ألزمت ذمتك خدمتي شهراً مثلاً . وقال ق ل أيضاً : ولا يصح أن يؤجر السيد للعبد نفسه وإن صح بيعها له اه . وعبارة المنهج : ولا يصح اكتراء العبد نفسه من سيده وإن صح شراؤه نفسه اه ، أي لإفضائه إلى العتق فاغتفر فيه ما لا يغتفر في الإجارة اه م ر .
قوله : ( ولا تنعقد الخ ) هذا متعلق بالصيغة فالمناسب ذكره عقبها . قوله : ( على عين ) أي على منفعة معين . وعبارة زي : قوله وترد الإجارة على عين أي على منفعة متعلقة بعين لأن مورد الإجارة المنفعة ، والمراد بالعين هنا مقابل الذمة ، وفي قولهم موردها المنفعة لا العين مقابل المنفعة ؛ فلا تنافي .(3/564)
"""""" صفحة رقم 565 """"""
قوله : ( لا تكون إلا على العين ) وذلك لأن العقار لا يثبت في الذمة ومحله في العقار الكامل أما بعضه إذا كان النصف فأقل فإنه يثبت في الذمة لأنه يجوز قرضه ، ومثل العقار السفينة لأنه لا يصح السلم فيها زي . قوله : ( وعلى ذمة ) أي على منفعة ما في الذمة إذ هي في الصورتين واردة على المنفعة اه أج . قوله : ( ونحوها ) كرقيق ولا يقال هو داخل في الدابة ؛ لأنا نقول المراد بها في العرف ذات الأربع .
فرع : ذهب الإمام مالك وأحمد إلى صحة استئجار الأجير بنفقته وكسوته ويحمل على الوسط . اه م د .
قوله : ( وإلزام ذمته ) معطوف على مجرور الكاف في قوله كإجارة موصوف . قوله : ( لا العين على الأصح ) مقابل الأصح أنها واردة على العين ، وحينئذ فيكون الخلاف لفظياً كما قاله الشيخان . وعبارة الزيادي : قال الشيخان : والخلاف لفظي ، وأورد له الإسنوي فوائد منها إجارة ما استأجره قبل قبضه وإجارة الكلب للصيد إن قلنا المعقود عليه المنفعة صح أو العين فلا لعدم قبضها في الأوّل ولنجاستها في الثاني ، وعرف بهذا أن الخلاف ليس لفظياً اه بحروفه . قوله : ( وهي الركن الرابع ) أي في تفصيل الأركان ، وإلا فهي في الإجمال ثالث . قوله : ( كونها معلومة ) لا يقال يشكل على اشتراط العلم صحة الاستئجار للحج بالرزق وهو مجهول كما جزم به في الروضة ؛ لأنا نقول ليس ذلك بإجارة بل نوع جعالة يغتفر فيها الجهل بالجعل اه س ل . قوله : ( إلا أن تكون ) مستثنى من الثلاثة . قوله : ( للجهل في ذلك ) فتصير الأجرة مجهولة ، فإن صرف وقصد الرجوع به رجع وإلا فلا ويصدق المستأجر في أصل الإنفاق وقدره لأنه ائتمنه ، ومحله إذا ادّعى قدراً لائقاً في العادة كما يأتي نظيره في الوصي والولي ، شرح م ر ؛ وإلا فلا بد من بينة ولا تقبل شهادة الصناع إن قالوا صرف علينا كذا في نظير عملنا لأنها شهادة على فعل أنفسهم وهو عملهم في العمارة الذي يستحقون عليه الأجرة اه . قوله : ( معلوماً ) أي قدراً معلوماً من الدراهم كعشرة . قوله : ( خارج العقد ) عبارة م ر في شرحه : فإن كان في صلبه فلا يصح كأجرتكها بدينار على أن تصرفه في عمارتها أو علفها للجهل بالصرف فتصير الأجرة مجهولة ، فإذا صرف وقصد الرجوع به رجع وإلا فلا ؛ والأوجه أن التعليل بالجهل جري على الغالب ، فلو كان عالماً بالصرف فالحكم كذلك كبيع زرع بشرط أن(3/565)
"""""" صفحة رقم 566 """"""
يحصده البائع . والحاصل أنه حيث كان هناك شرط بطلت مطلقاً وإلا كأجرتكها بعمارتها ، فإن عينت صحت وإلا فلا . ويؤخذ من هذا صحة ما جرت به العادة في زماننا من تسويغ الناظر المستحق باستحقاقه على ساكن الوقف فيما يظهر اه . قوله : ( صح ) قال ابن الرفعة : ولم يخرجوه على اتحاد القابض والمقبض لوقوعه ضمناً ، شرح المنهج . قوله : ( ولا لسلخ شاة ) الضابط أن يجعل الأجرة شيئاً يحصل بعمل الأجير ، اه س ل . قوله : ( بجلدها ) أو بجلد غيرها إذا لم يسلخ ، بخلاف ما إذا سلخ فيصح ح ل . قوله : ( ببعض دقيقه ) وكذا ببعض دقيق غيره إذا لم يطحن ، بخلاف ما إذا طحن فتصح ح ل . قوله : ( ولعدم القدرة على الأجرة ) مفهومه أنه لو قدر عليها في الحال كأن عين له جزءاً معلوماً من الحب وسلمه له في الحال صحّ ، كذا قرره شيخنا اه أج . قوله : ( وتصح إجارة امرأة الخ ) خرج بالمرأة ونحوها استئجار شاة لإرضاع طفل . قال البلقيني : أو سخلة ، فلا يصح لعدم الحاجة مع عدم قدرة المؤجر على تسليم المنفعة كالاستئجار لضراب الفحل بخلاف المرأة لإرضاع سخلة شرح م ر . وقوله : لعدم الحاجة أي ولأنها قد لا تنقاد للإرضاع ، بخلاف الهرة فإنها تنقاد بطبعها لصيد الفأر فصح استئجارها له ، سم على حج . ومن طرق استحقاق أجرة الهرة أن يضع يده عليها لعدم مالك لها ويتعهدها بالحفظ والتربية فيملكها بذلك كالوحوش المباحة حيث تملكها بالاصطياد اه .
فرع : وقع السؤال عن رجل دفع إلى آخر بيضاً يخدمه إلى أن يفرخ وقال له : لك منه كذا هل ذلك صحيح أو لا ؟ والجواب عنه إن استأجره ببعضه حالاً صح واستحقه شائعاً وإلا كان إجارة فاسدة ، فالفرخ للمالك وعليه للمقول له أجرة مثل عمله أخذاً من مسألة الاستئجار لإرضاع الرقيق ؛ اه ع ش على م ر .
قوله : ( مثلاً ) أي أو رجلاً ذا لبن ، أو كانت الإجارة واردة على الذمة فإنه يصح ويحصل الرجل امرأة ، والبهيمة ليست كالمرأة والرجل . وصورة استئجار المرأة أن يقول : استأجرتك لإرضاع هذا الرقيق بربعه لإرضاع باقيه ، وإن قال : بربعه لإرضاع كله ، فقال شيخ الإسلام : لا يصح لوقوع العمل في ملك غير المكتري قصداً ، وهو الوجه وخالفه شيخنا م ر قليوبي ، فالمعتمد أنه متى اكتراها بربعه حالاً لإرضاع باقيه أو لإرضاع كله أو أطلق فإنه يصح اه م د . قوله : ( ببعض رقيق ) أي بعض معين . قوله : ( حالاً ) خرج به ما إذا استأجرها ببعضه بعد الفطام فإنه باطل كما في شرح المنهج . قوله : ( والعمل المكتري له ) وهو الإرضاع . قوله : ( إنما وقع في ملك غير المكتري ) والغير هو المرأة المرضعة والمكتري هو مالك الرقيق ؛ لأنه(3/566)
"""""" صفحة رقم 567 """"""
اكتراها للإرضاع . وهذا جواب سؤال حاصله أن عمل الأجير يجب كونه في خالص ملك المستأجر وهنا فيه وفي غيره ، فأجاب بأن الغير وقع تبعاً لا قصداً اه شيخنا .
قوله : ( ويشترط في صحة إجارة الذمة الخ ) دخول على كلام المصنف لأن كلام المصنف ظاهر في إجارة العين ، فكمل الشارح ذلك ببيان إجارة الذمة وبقية حكم إجارة العين . قوله : ( ولا الاستبدال الخ ) إذ لا تسليم في المجلس . قوله : ( ثم إن عين لمكان التسليم ) أي تسليم العين ، وهذا متعلق بإجارة الذمة فالمناسب ذكره عقبها . قوله : ( تعين ) وجه ذلك أن إجارة الذمة لما أشبهت السلم بتسليم الأجرة في المجلس جعل محل العمل كمحل المسلم فيه اه شيخنا . قوله : ( ويجوز في الأجرة الخ ) دخول على المتن . وهذا مقابل قوله : ويشترط في صحة إجارة الذمة الخ تأمل .
قوله : ( تعجيل الأجرة وتأجيلها ) أي بأن يصرّح بذلك بدليل ما بعده وإلا فالإطلاق يقتضي التعجيل . قوله : ( وإطلاقها ) أي إجارة العين بأجرة في الذمة كما أشار إليه قبله ، اه قليوبي . قوله : ( إلا أن يشترط التأجيل ) استثناء منقطع سم ؛ لأن الاشتراط ليس داخلاً في الإطلاق . والحاصل أن الإجارة إما إجارة عين أو إجارة ذمة ، وعلى كل إما أن تكون الأجرة معينة أو في الذمة فهذه أربعة ، وعلى كل إما أن يصرّح بحلولها أو بتأجيلها أو يطلق فالجملة اثنا عشر ، فإن صرّح بحلولها أو أطلق في إجارة الذمة صح وكانت حالة ولا كلام ، وإن صرّح بتأجيلها فسدت الإجارة ؛ ولا فرق في ذلك بين أن تكون الأجرة معينة أو في الذمة لأنها كرأس مال السلم ، وإن صرّح بحلولها أو أطلق في إجارة العين والأجرة في الذمة صح وكانت حالة ، وإن صرّح بتأجيلها صح وكانت مؤجلة كالثمن في الذمة ، وإن صرح بحلولها أو أطلق في إجارة العين والأجرة معينة صح وهي حالة وإن صرّح بتأجيلها فسد العقد وقد علمت أن الأجرة في إجارة الذمة لا تقبل التأجيل مطلقاً أي سواء كانت الأجرة معينة أو في الذمة والأجرة في إجارة العين إن كانت معينة ، كذلك لا تقبل التأجيل وإن كانت في الذمة قبلته . وهذا كله مستفاد من شرح سم .(3/567)
"""""" صفحة رقم 568 """"""
قوله : ( فإن كانت معينة لم يجز التأجيل ) كأجرتك الدار بهذا الدينار مؤجلاً إلى شهر ، وهذا مقابل قوله : إن كانت الأجرة في الذمة . قوله : ( وتملك ) أي الأجرة سواء كانت إجارة عين أو ذمة . قوله : ( أو مطلقة ) أي لم يصرح بتعيينها ولا بكونها في الذمة كما هو مقتضى المقابلة . وانظر ما صورته ، فإنه إذا قال : أجرتك هذا بدينار مثلاً كانت الأجرة حالة في الذمة فليست قسماً ثالثاً ، وكذا إذا كان المراد أنها مطلقة عن الحلول والتأجيل تكون حالة في الذمة تأمل ، فكان الظاهر أن يقول معينة أم في الذمة مطلقة ما في الذمة أم حالة أم مؤجلة اه . قوله : ( ملكاً مراعى الخ ) هذا راجع لإجارة العين فقط ، وأما إجارة الذمة فتستقر بالعقد لأنها لا تنفسخ بالتلف بل يبدلها بغيرها ، وينبني على ملكها بالعقد أنه يتصرف فيها بأنواع التصرفات حتى بالوطء لو كانت أمة أو كانت إجارة وقف على بطون ، وبهذا صرح سم بقوله : وقضية ملكها بالعقد أن للموقوف عليه التصرف في جميعها لأنها ملكه في الحال ، وهو ما قاله ابن الرفعة وتبعه شيخنا الشهاب الرملي فأفتى بذلك ؛ ولأنه لا رجوع للبطن الثاني على الناظر إذا مات البطن الأول قبل فراغ المدة بل على تركة البطن الأول ؛ وخالف القفال ومن تبعه في الأمرين اه . وعبارة الزيادي : ولو قبض الناظر أجرة معجلة وصرفها على أرباب الوقف ، ثم انتقل الوقف عنهم إلى غيرهم بأن كان وقف ترتيب رجع مستحقو البطن الثاني على الأول لا على الناظر ولا على المستأجر ؛ وهذا هو المعتمد كما أفتى به ابن الرفعة اه . وقوله : ( رجع مستحقو البطن الثاني على الأول ) . فإن خرج الأول عن الاستحقاق وهو حيّ طولب بما أخذه من مدة خروجه عن الاستحقاق ، فإن كان قد مات أخذ من تركته فإن لم تكن له تركة كان كمن مات وعليه دين لا يلزم به أحد ، اه أج مع زيادة .
قوله : ( كلما مضى زمن ) كلما ظرفية فيها معنى الشرط وجوابه بإن ، والجملة خبر ( إنه ) وما واقعة على زمن ، فيكون ذكر زمن بعده إظهاراً في مقام الإضمار .
قوله : ( فلا تستقر كلها الخ ) والعبرة في الأجرة إذا كانت نقداً بنقد بلد العقد وقته ، فإن كان ببادية اعتبر أقرب البلاد إليها كما بحثه الأذرعي ، فإن فسدت الإجارة فالعبرة بموضع إتلاف المنفعة ، وإذا حلت الأجرة المؤجلة وقد تغير النقد وجب من نقد يوم العقد لا يوم تمام العمل اه سم .(3/568)
"""""" صفحة رقم 569 """"""
قوله : ( الوضع بين يدي المكتري ) أي في المنقول . وقوله : ( ومنها العرض ) أي في المنقول وغيره . قوله : ( وامتناعه ) بالنصب على المعية ، أي مع امتناعه الخ . فهما شيء واحد . قوله : ( مهملجة ) المهملجة بوزن مدحرجة بصيغة اسم الفاعل : سريعة السير مع حسنه ، والقطوف بطيئته والبحر ما بينهما ؛ فلذا وسطها وهي منوّنة كما قاله ع ش . قوله : ( سُرًى ) بضم السين وفتح الراء منوناً مقصوراً ق ل . قوله : ( حمل الخ ) فإن شرط خلافه اتبع . قوله : ( وشرط فيهما ) أي في إجارة العين والذمة . وقوله : ( أو امتحانه الخ ) أي اختباره ، وعبارة شرح المنهج : أو امتحانه بيد ، أي إن حضر أي وكان في ظرف أو حجراً أو في ظلمة تخميناً لوزنه . قوله : ( وذكر جنس مكيل ) خرج الموزون فلا يشترط ذكر جنسه ، فلو قال أجرتكها لتحمل عليها مائة رطل ولو بدون مما شئت صح ويكون رضاً منه بأضرّ الأجناس ، شرح المنهج . ويحسب الظرف من الوزن كما في شرح الروض . قوله : ( وثفر ) بالمثلثة وهو ما يجعل تحت دبر الدابة ق ل ، ويسمى بذلك لمجاورته لثفر الدابة بسكون الفاء وهو حياها زي . قوله : ( وبرة ) بضم الباء الموحدة وفتح الراء مخففة محذوفة اللام كما في المصباح ، فأصلها : ( برو ) حذفت لامها وعوض عنها هاء التأنيث . قوله : ( وهي الحلقة ) أي المسماة بالخزام بالخاء والزاي . قوله : ( في الحلقة ) وذلك لأنه لا يتمكن من الركوب بدونها . قوله : ( وحبر ) بكسر الحاء المهملة ، سمي بذلك لأنه لا يحبر به الكتب أي يحسن . وبحث بعضهم أن القلم واجب على الوراق أي الناسخ كإبرة الخياط . ويجب في الإجارة للنسخ بيان عدد الأوراق والأسطر في كل صفحة . قال في الروضة : لم يتعرضوا للتقدير بالمدة والقياس جوازه وأنه يجب عند تقدير العمل بيان(3/569)
"""""" صفحة رقم 570 """"""
قدر الحواشي وقطع الورق الذي يكتب فيه اه . والحواشي هي البياض الخالي عن الكتابة . وقوله : ( وقطع الورق ) بكسر القاف وفتح الطاء كنصف الفرخ أو ربعه ، قال بعضهم : وسكتوا عن بيان دقة الخط وغلظه وعن رؤية خط الناسخ وهو أمر مهم ، وإذا غلط الناسخ في كتابته لا أجرة له ويغرم أرش الورق قاله زي . وقوله : ( وإذا غلط الناسخ في كتابته ) أي غلطاً فاحشاً . قوله : ( ونحو ذلك ) كإبرة الخياط ومرود الكحال وذروره ومرهم الجرايحي وصابون الغسال ومائه ووقود الخباز ق ل . وكان الأولى للشارح حذفه لأنه يغني عنه قوله في نحو سرج . قوله : ( وتصح الإجارة الخ ) تقييد لقوله في المتن مدة ، فكأنه قال : والمدة التي تقدر بها الإجارة هي التي تبقى فيها العين ، وكان الأولى ذكره عقبه . واعلم أنه متى حصل استيفاء المنفعة فيجب المسمى إن كانت الإجارة صحيحة وتجب أجرة المثل إن كانت فاسدة ، ولا يختلف الحال بينهما إلا إذا لم يحصل استيفاء المنفعة ففي الصحيحة يجب المسمى وفي الفاسدة لا يجب شيء إذا لم يستول على العين وإلا فتجب أجرة المثل وإن لم ينتفع لتقصيره . قوله : ( مدة تبقى فيها العين ) ليس المراد أن المؤجر يقول أجرتك هذه العين مدة بقائها . فإنه مجهول يمنع صحة الإجارة ، بل أن يعقد إلى أجل معلوم يغلب على الظن بقاء العين المؤجرة فيه ولا يشترط تعيين ابتداء مدة الإجارة ، فلو قال : أجرتك سنة أو شهراً ولم يقل من الآن صح وحمل على ما يتصل بالعقد ، أما انتهاء المدة فشرط حتى لو قال أجرتك كل شهر بدرهم لم يصح .
فرع : لو أجر العين مدة لا تبقى فيها فهل تبطل في الكل أو في الزائد المعتمد أنها تبطل في الزائد وتتفرق الصفقة ، فإذا أخلف ذلك وبقيت على حالها بعد المدة التي اعتبرت لبقائها بالقدر الزائد فالذي يظهر صحة الإجارة في الجميع لأن البطلان في الزائد لظن تبين خطؤه ع ش على م ر .
قوله : ( فيؤجر الرقيق الخ ) ما لم يبلغ الرقيق العمر الغالب وإلا فسنة سنة ح ل .
قوله : ( ولا تبطل الإجارة الخ ) شروع في أحكام الإجارة وذكر لها أحكاماً ثلاثة . قوله : ( على العين ) أي على منفعة مرتبطة ومتعلقة بالعين ، ومثل ذلك يقال فيما بعده .(3/570)
"""""" صفحة رقم 571 """"""
قوله : ( ويخلف المستأجر الخ ) وإذا مات المؤجر تركت العين المؤجرة عند المستأجر إلى انقضاء المدة ولو التزم عملاً في ذمته ومات فإن كان له تركة ستؤجر منها وإلا فإن قام الوارث به فذاك وإلا فللمستأجر الفسخ سم . قوله : ( الأجير المعين ) أي في العقد كالمكتري لخياطة الثوب ، ولو قال : نعم تنفسخ بموت الأجير الخ كأن أولى . قوله : ( لأنه ) أي الأجير من حيث منفعته لا من حيث عينه لأنها ليست مورداً . قوله : ( لا لأنه عاقد ) أي ففي الأجير المعين جهتان : كونه مورداً وكونه عاقداً ، والانفساخ من الأولى لا من الثانية ؛ فلذلك لا يستثنى . قوله : ( من عدم الانفساخ ) أي بموت أحد المتعاقدين . قوله : ( لكن استثنى منه ) أي من الانفساخ استثناء صوري ، فإن الانفساخ في الثلاثة لأجل العتق وفوات المنفعة لا لأجل موت العاقد حتى لو لم يمت العاقد في الأولى بطلت . قوله : ( المعلق الخ ) كأن قال له إن دخلت الدار فأنت حر ثم أجره مدة معلومة فاتفق أنه دخل الدار مع موت السيد . فإن الإجارة تنفسخ ، لكن لا بموت العاقد بل لما اقترن به من وجود الصفة كما قاله المرحومي فلا حاجة للاستثناء . قوله : ( مع موته ) أي السيد . وقيد بذلك لأن الكلام في الانفساخ بالموت . وقال شيخنا : م د قوله : ( مع موته ) ليس بقيد وإنما قيد به ليظهر وجه الاستثناء وإلا فهو يعتق بوجود الصفة مطلقاً وتنفسخ الإجارة مطلقاً . قوله : ( تنفسخ بموته ) قد يقال انفساخها بعتقها بموته لا بموته ، وكذا يقال في المدبر فلا استثناء . قوله : ( بموت ناظر الوقف ) أي إذا أجره مدة ومات قبل انقضائها ؛ لأن ولايته عامة توجد في حياته وبعد موته ووجودها بعد موته حكماً بمعنى أنه لا ينقض عقده بعد موته فكأن ولايته ثابتة بعده ، وبهذا فارق ما يأتي لأن ولايته ثابتة مدة حياته فقط . قوله : ( على جميع البطون ) الظاهر أن التصريح به ليس قيداً بل مثله ما لو شرط النظر للأرشد فالأرشد كما يؤخذ من الرملي . قوله : ( ويستثنى من ذلك ) أي من عدم انفساخها بموت الناظر المذكور اه م د . قوله : ( هو المستحق للوقف ) بأن قال الواقف : وقفت كذا على زيد مدة حياته ثم على الفقراء مثلاً وشرط النظر له ولم يقيد بمدة حياته . قوله : ( يجوز له ذلك ) أي ما ذكر من الإجارة لأن الضرر عائد عليه فقط . قوله : ( انفسخت ) أي لأن الحق انتقل لغيره ولا حق لوارثه فيه ق(3/571)
"""""" صفحة رقم 572 """"""
ل ، قد يقال : انفساخها بموته لكونه أجر بدون أجرة المثل ، فمقتضاه أنه لو أجر بأجرة المثل لا تنفسخ بموته كما تقدم نظيره .
قوله : ( ولو أجر الخ ) هلا قال : وما لو أجر الخ . ويكون معطوفاً على قوله : ( ما لو كان الخ ) ويجعل مسألة إيجار الولي مسألة مستقلة تأمل . وعبارة المنهج : ولا تنفسخ ببلوغ بغير سنّ . قوله : ( لكل بطن منهم ) المراد لكل شخص سواء كان بطناً أو بعضها ق ل ، أو المراد بالبطن أفرادها أي أفراد كل بطن . قوله : ( مدة استحقاقه ) بخلاف ما لو أطلق الواقف شرط النظر لكل بطن أو قيده بنحو الأرشد منهم وما لو تأخر التدبير أو الإيلاد أو التعليق عن الإيجار ، فلا تبطل الإجارة بالموت لعدم تقييد النظر باستحقاق المؤجر في الأولى وتقدم استحقاق المنفعة على سبب العتق في الثانية سم . قوله : ( مدة لا يبلغ فيها الصبي ) فإن كانت المدة يبلغ فيها بالسنّ فبلغ به تبين بطلانها فيما زاد إن بلغ رشيداً وإلا استمرت ق ل . قوله : ( انفسخت ) جواب لو . قوله : ( لغيره ) متعلق ب ( انتقل ) وقوله : ( ولا ولاية له ) أي للمؤجر ، وقوله : ( عليه ) أي الوقف . قوله : ( ولا ولاية له عليه ) كالحاكم ومن شرط له النظر . وقوله : ( ولا نيابة ) كمنصوب الحاكم ، بخلافه في الصورة الأولى أعني قوله : ( ولا تنفسخ بموت ناظر الوقف الخ ) شيخنا . قوله : ( ولا تنفسخ ) عطف على انفسخت ، فكان الأولى تأخير إجارة الصبي عن إجارة الوقف وجعلها مسألة مستقلة لأن جوابها مخالف لجواب ما قبلها . قوله : ( أي وتنفسخ الخ ) لا حاجة لتأويل البطلان بالانفساخ كالذي قبله وذكر المستقبل بيان للواقع ق ل . وقد يقال له حاجة لأن البطلان يوهم بطلانها من أصلها مع أنها لا تبطل إلا من حين عروض المانع ، والبطلان مقيد بقيود ثلاثة : التلف ، وكونه لكل العين ، وكون الإجارة إجارة عين . أما التعيب وتلف البعض فيثبت الخيار لا الفسخ ، وأما التلف في إجارة الذمة فيجب فيه الإبدال فلا فسخ ولا خيار . والحاصل أن العين المؤجرة إذا تلفت في أثناء المدة كموت الدابة وسلم المحمول أو غرقت السفينة وسلم الحمل وموت الخياط والبناء والصباغ والمعلم وسلم الثوب والبناء والصبي المتعلم وجب قسط الأجرة في ذلك كله ، أما عكس ذلك كأن غرقت الحمول وسلمت السفينة أو انكسرت الجرة المحمولة وسلم الحامل فلا أجرة للماضي لأنه لم(3/572)
"""""" صفحة رقم 573 """"""
يظهر أثره على المحل ، وأما إذا تلف الثوب بسرقة بعد خياطة بعضه أو قبل تكميل صبغه فإن كان ذلك العمل مسلماً بأن كان بحضرة المالك أو في بيته وجب القسط وإلا أي وإن لم يكن العمل مسلماً فلا يجب القسط كغرق المحمول وسلامة السفينة .
قوله : ( بتلف كل العين ) سواء كان التلف حساً كما مثل أو شرعاً ، كامرأة اكتريت لخدمة مسجد مدة فحاضت فيها كما في شرح المنهج . وقوله : ( فحاضت ) قياس ما يأتي في غصب الدابة ، ونحوه تخصيص الانفساخ بمدة الحيض دون ما بعدها ويثبت الخيار للمستأجر ؛ لكن ظاهر إطلاق الشارح الانفساخ في الجميع . وبقي ما لو خالفت وخدمت بنفسها هل تستحق الأجرة أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أن يقال إن كانت إجارة ذمة استحقت الأجرة وإن كانت إجارة عين لم تستحق ؛ قاله ع ش على م ر . قوله : ( المستأجرة ) أي إجارة عين ، بخلاف المستأجرة إجارة ذمة كأن أسلمه دابة عما في ذمته فتلفت ، فلا تبطل الإجارة بتلفها ولو بفعل المستأجر ولا يثبت الخيار بتعيبها وعلى المؤجر إبدالها ، فإن امتنع اكترى الحاكم عليه . قال الأذرعي : وكأنه عند يساره دون إعساره فيتخير المستأجر أي عند الإعسار اه سم . قوله : ( كانهدام كل الدار ) سواء هدمها المؤجر أو المستأجر أو أجنبي ، أو انهدمت بنفسها . وفي هدم المستأجر لها تستثنى هذه الصورة من قاعدة : من استعجل بشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه . كما لوجبت المرأة ذكر زوجها فإنه يثبت لها الخيار أو استعجلت إلقاء الحمل أو الحيض لانقضاء العدة . وخرج بذلك ما لو انهدم بعضها فلا تنفسخ الإجارة في هذه الحالة لكن يثبت به الخيار اه م د . وقوله : ( عوقب بحرمانه ) أي بحرمان الانفساخ بأن تبقى الإجارة إلى انقضاء المدة لأنه ضرر عليه . قوله : ( لزوال الاسم ) فيه أن الاسم لا يزول ؛ فالمعوّل عليه التعليل الثاني إلا أن يقال : إطلاق الاسم عليها في حال الانهدام باعتبار ما كان . قوله : ( مع إمكان ) فلو لم يمكن ذلك بأن لم يتأتّ سوق ماء إليها أصلاً انفسخت الإجارة اه مرحومي . وأجرة سوق الماء إليها على المؤجر لا على المستأجر . قوله : ( بل يثبت الخيار للعيب على التراخي ) وهذا بخلاف ما لو استأجرها للزراعة قبل انحسار الماء عنها فانحسر عن بعضها دون البعض الآخر ، فإنه ينفسخ العقد فيما لم ينحسر الماء عنه دون ما انحسر عنه ويثبت الخيار للمستأجر لتفريق الصفقة وهو على الفور لأنه خيار تفريق صفقة اه زي . والصورة أنه قد رآها قبل ذلك حتى تصح الإجارة ، وكذا له الخيار إن تأخر انحسار الماء عنها عن أوان الزرع . قوله : ( بحبس غير مكتر ) مضاف(3/573)
"""""" صفحة رقم 574 """"""
لفاعله أي من مكر أو أجنبي . ولو كان حبس المكري لأجل الأجرة ، وأما حبس الأجنبي فيشترط أن يكون ظلماً أو عن جهة المكري كدين عليه فإن كان عن المستأجر فلا تنفسخ مدة الحبس . قوله : ( للمعين ) خرج ما في الذمة ، فلا تنفسخ بذلك بل يبدل . وفي نسخة للعين : وهو تحريف كما يدل عليه تذكير الضمير في قوله : ( حبسه ) . قوله : ( مدة حبسه ) ظرف لتنفسخ وانفساخ الإجارة في هذه شيئاً فشيئاً ، بمعنى أنه كلما مضى زمن يقابل بأجرة لا تستقر أجرته على المستأجر . وظاهر قول الشارح مدة حبسه أنه بعد زوال الحبس لا تعود الإجارة بلا عقد ، وكون الشيء يعود صحيحاً بلا عقد بعد انفساخه مما لا نظير له تأمل . قوله : ( إن قدّر ) أي عقد الإجارة . وعبارة المنهج : إن قدرت ؛ قال في الشرح : وخرج بالتقدير بالمدة التقدير بالمحل كأن آجر دابة لركوبها إلى مكان وحبست مدة إمكان المسير إليه فلا تنفسخ إذ لا يتعذر استيفاء المنفعة . قوله : ( سواء أحبسه ) أي المعين وقوله المكري ولو لقبض الأجرة ح ل . قوله : ( قبل القبض ) أي قبل استيفاء المنفعة وليس المراد به قبض العين ؛ لأن كلامه شامل لما بعد قبض العين بل المراد به قبض المنفعة أي استيفاؤها . قوله : ( ولا تنفسخ ببيع العين ) ولا خيار أيضاً . قوله : ( ولو بغير إذن المكتري ) وحينئذ يأخذها المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة ولو كان المشتري هو المستأجر وعليه دفع الأجرة اه اج . قوله : ( ولا بظهور طالب ) هذه داخلة فيما قبلها ق ل . قوله : ( بالغبطة ) الظاهر أن المراد بالغبطة هنا المصلحة لأن الغبطة ماله وقع وهو لا يشترط . قوله : ( أو ظهر طالب ) أي بعد زمن الخيار . قوله : ( ولا باعتاق رقيق ) كأن أجر عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها وخرج باعتاقه عتقه كأن علق عتقه بصفة ثم أجره فوجدت الصفة فتنفسخ الإجارة لاستحقاقه العتق قبلها ، شرح المنهج . وقد مر في الشرح ونفقته في بيت المال ثم على مياسير المسلمين كما قاله م ر وع ش . قوله : ( واستقر مهرها ) مفهومه أنه إذا أعتقها قبل الدخول يكون المهر لها ، مع أنه وجب بالعقد والعقد وجد في ملكه حرره .
قوله : ( يجوز إبدال مستوف ) كالراكب لأنه مالك المنفعة ، فله أن يستوفيها بما شاء عند عدم الضرر . فإن شرط عدم إبداله فسد العقد بخلاف ما بعده فإنه لا يفسد ويعمل بالشرط . وعبارة شرح المنهج : فإن شرط عدم إبدال المحمول اتبع .(3/574)
"""""" صفحة رقم 575 """"""
قوله : ( بمثل ) متعلق بإبدال في الثلاثة . وقوله ( أما الأول ) أي جواز إبدال الأول ، وكذا يقدر فيما بعده . قوله : ( فكما ) أي فقياساً على ما لو أكرى الخ . قوله : ( لأنه إما معقود عليه ) أي إن كانت إجارة عين . وقوله : ( أو متعين بالقبض ) أي إن كانت إجارة ذمة ع ش . قوله : ( ولا ضمان على الأجير ) أي سواء كان العقد صحيحاً أو فاسداً وكان الأجير مكلفاً ، فإن كان صبياً بإجارة معه فلا ضمان إلا بالإتلاف ، وإن كانت الإجارة مع وليه فلا ضمان إلا بالتقصير والضمان على وليه لا عليه . وحمل الشارح الأجير على ما يشمل المستأجر لدابة مثلاً كما يدل عليه قوله : ( فلو اكترى دابة الخ ) . وحمله سم على من استؤجر لعمل كخياطة وألحق المستأجر به فقال : وكالأجير فيما ذكره المصنف المستأجر اه . وهو أظهر لأن المتبادر من الأجير من استؤجر لعمل ، إلا أن يقال فيه تغليب .
وعبارة المنهج : والمكتري أمين ولو بعد المدة كأجير . قوله : ( لأنه أمين ) هذا راجع للأجير والمستأجر . قوله : ( لأنه لا يمكن ) الأولى ولأنه بالعطف عطف علة على علة ، والثانية راجعة للمستأجر أخذاً من قوله : ( لأنه لا يمكن استيفاء حقه الخ ) إذ لا حقّ للأجير . قوله : ( ولو بعد مدة الإجارة ) غاية في المتن ، إذ لا يلزمها ردها حين فراغ المدة بل التخلية بينها وبين المالك إذا طلبها كالوديعة اه سم . قوله : ( استصحاباً ) علة لقوله : ( ولا ضمان على الأجير بالنظر لما بعد الغاية أعني قوله ولو بعد الخ ) . قوله : ( كالوديع ) أي في أنه لا ضمان عليه ، بجامع أن كلاًّ منهما لا يجب عليه الرد وإنما تلزمه التخلية فقط ، وكان المناسب أن يقول : وكالوديع . قوله : ( ولم ينتفع بها ) ليس قيداً . قوله : ( فتلفت ) أي بآفة سماوية ، فلا ينافي قوله الآتي : كأن ترك الانتفاع الخ حرر . قوله : ( أو اكتراه الخ ) هذا هو الأجير وقوله لخياطة ثوب أو لحراسة كالراعي . ومنه يعلم أن الخفراء الذي يحرسون الأسواق بالليل لا ضمان عليهم حيث لا تقصير ، ومن التقصير النوم والنسيان والغيبة إذا لم يستحفظ مثله أو أحفظ منه أو دخل الليل(3/575)
"""""" صفحة رقم 576 """"""
ولم يبادر حتى سرقت ولو بعد المغرب ، ح ل وز ي مع زيادة . ويؤخذ من فرض ذلك في البيوت ونحوها أن خفير الجرن وخفير الغيط ونحوهما عليهما الضمان حيث قصروا اه ع ش . قوله : ( لم يضمن ) لكن لا يستحق الأجرة لأنه لم يسلم العين كما تسلمها ، فلو تعجلها وجب عليه ردها لصاحبها . ومنه ما يقع من دفع كراء المحمول معجلاً ثم تغرق السفينة قبل وصولها مكان التسليم ، فإنه يجب على المتعجل ردها لتبين عدم استحقاقها . قوله : ( إلا بعدوان ) ومن التعدي ما لو استأجره ليرعى دابة فأعطاها لآخر يرعاها فتلفت فيضمنها كل منهما والقرار على من تلفت تحت يده كما أفتى به الوالد حيث كان عالماً بأنها ليست ملكه ، وإلا فالقرار على الأوّل . وكذا لو أسرف الخباز في الوقود أو مات المتعلم من ضرب المعلم فإنه يضمن شرح م ر . ولو كان الضرب مثل العادة لأن التعلم يحصل بدون ضرب كما قاله الشيخ س ل . ومثلهم الحمامي إذا استحفظ على الأمتعة والتزم ذلك وإن لم يعرف أفراد الأمتعة قطعة قطعة ، ومعلوم أنهما لو اختلفا في أفراد الضائع صدق الغارم اه ع ش على م ر . ولو اختلفا في التعدّي وعدمه صدق الأجير بيمينه في نفيه لأن الأصل عدمه وبراءة ذمته من الضمان سم ، نعم إن أخبر عدلان خبيران بأنّ ما أتي به تعدّ لم يصدق وعمل بقولهما اه .
قوله : ( كانهدام سقف إصطبلها الخ ) وأما لو لسعت بحية في المكان فإنه لا يضمنها ، والفرق بين هذه وبين انهدام الإصطبل أن ذاك من باب الجناية بخلاف هذا فأشبه ما لو سرقت اه عزيزي . وقوله : ( إصطبلها ) همزة قطع لا همزة وصل . قوله : ( في وقت لو انتفع بها ) أي جرت العادة بالانتفاع بها فيه . والمعتمد أن ضمان الدابة بوضعها في الأصل في وقت جري العادة بالانتفاع بها فيه ضمان جناية لا ضمان يد ، خلافاً لشيخ الإسلام ز ي ، فلا ضمان عليه لو لم تتلف بذلك م ر ، كأن سرقت . والفرق بين الضمانين أن ضمان اليد يحصل بوضع يده عليها ، فإن سرقت مثلاً ضمن وضمان الجناية إنما يضمنها بوجود السبب وهو هنا الهدم بسبب الربط أ ج . ومثل السرقة لسع عقرب أو حية أو نزلت عليها صاعقة ، أي فيضمن ضمان اليد . وعبارة م ر : والأوجه أن التلف الحاصل بالربط يضمن ضمان جناية لا ضمان يد فلا ضمان عليه لو لم تتلف بذلك ، خلافاً لما رجحه السبكي وتبعه الزركشي اه . وقال سم : ولو غصبت العين منه لم يضمنها وإن ترك السعي في ردها مع قدرته عليه أو ترك الانتفاع بها في وقته فماتت فيه لم يضمنها وكذا لو تلفت بما لا يعدّ تقصيراً منه كانهدام السقف عليها في ليل لم تجر العادة باستعمالها فيه . قوله : ( لسلمت ) أي من التلف بهذا السبب . ووجه كونه تعدياً أنه لما نشأ الانهدام عليها من تركه لها كان كأنه بفعله .(3/576)
"""""" صفحة رقم 577 """"""
قوله : ( فوق عادة ) هذا ضمان يد فمتى تلفت ولو بغير ما ذكر ضمنها ، كما يؤخذ من أ ج . قوله : ( مائة رطل شعير الخ ) أي لاجتماع البرّ بسبب ثقله في محل واحد والشعير لخفته يأخذ من ظهر الدابة أكثر ، فضررهما مختلف شرح م ر بتغيير . وأيضاً الشعير وإن كان أخف يتموّج بسبب الهواء فيحصل بسبب ذلك ضرر للدابة ، فاندفع ما يقال إن الشعير أخف من البرّ . وتقدم أنه يجوز إبدال المستوفى به بمثله أو بدونه . والحاصل أنه يضر إبدال الموزون بمثله وبدونه وبأثقل ، والمكيل يضر إبداله بأثقل منه فقط ميداني ، أي ويجوز إبداله بمثله وبدونه ، فقوله فيما تقدم يجوز إبدال المستوفى به بمثله وبدونه أي إذا كان مكيلاً ، فيكون المراد بقوله بمثله أي مثله في الحجم . قوله : ( مع استوائهما ) فلا يرد عدم جواز إبدال مائة رطل برّ بمائة رطل شعير كما تقدم لعدم استوائهما في الحجم ؛ لأن حجم الشعير أكبر . بقي ما لو ابتلّ المحمول وثقل بسبب ذلك فهل يثبت للمكري الخيار أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لما فيه من الإضرار به وبدابته أخذاً مما لو مات المستأجر قبل وصوله إلى المحل المعين حيث قالوا فيه لا يلزم المؤجر نقله إليه لثقل الميت اه ع ش على م ر .
قوله : ( تنبيه : لا أجرة لعمل ) ومن هذه القاعدة لو جلس إنسان عند الطباخ وقال : أطعمني رطلاً من اللحم ولم يسمّ ثمناً فأطعمه لم يستحق عليه قيمته ؛ لأنه بالتقديم له مسلط له عليه ، وليس هذا من البيوع الفاسدة حتى يضمن بالإتلاف لأنه لم يذكر فيه الثمن ، والبيع إن صح أو فسد يعتبر فيه ذكر الثمن اه من القول التام في آداب دخول الحمام لابن العماد . ولو دفع الثوب إلى القصار أو الخياط أو نحوهما وعرّض بالأجرة كقوله : اعمل وأنا أرضيك ، أو ما ترى مني إلا ما يسرك ؛ فعمل فله أجرة المثل ويستحق عامل الزكاة أجرته وإن لم يسمها الإمام عند بعثه . قوله : ( بها ) أي بالأجرة ، وهو متعلق بقوله : ( عرف ) . قوله : ( فلا ) أي فلا لا أجرة بل الأجرة ثابتة له .
فرع : لو أكرى بيتاً يضع فيه مائة أردب فوضع فيه أكثر منها ، فإن كان أرضاً فلا شيء(3/577)
"""""" صفحة رقم 578 """"""
عليه لعدم الضرر ، وإن كان غرفة فطريقان : إحداهما يخير المؤجر بين المسمى وأجرة المثل للزيادة ، والثانية قولان : أحدهما المسمى وأجرة المثل والثاني أجرة المثل لكل اه عميرة .
قوله : ( بلا إذن ) خرج بذلك ما لو دخل بإذن فلا أجرة عليه ، ومثل الحمام السفينة مرحومي . وحاصله أن الحمام والسفينة على حدّ سواء ، فإن دخلهما بلا إذن وجبت الأجرة وإلا فلا خلافاً لابن الرفعة ، وإنما وجب في الأوّل لأنه بجلوسه فيهما صار غاصباً لتلك البقعة بخلاف وضع المتاع على الدابة فإنه لا يصير غاصباً لها به لأنه لا بدّ فيها من النقل أو الركوب ، فهو أي الدخول بلا إذن ، نظير ما لو وجده يتلف ماله وسكت على ذلك فإنه لا يسقط عنه الضمان زيادي . قوله : ( قباء ) بفتح القاف جمعه أقبية كقضاء وأقضية . قوله : ( بذا أمرتني ) أي فتلزمك الأجرة لي . قوله : ( بل أمرتك بقطعه ) أي فلا أجرة لك ويلزمك أرش نقصه ح ل . ولو أحضر الخياط ثوباً فقال رب الثوب : ليست هذه ثوبي ، وقال الخياط : بل هي ثوبك ؛ صدق الخياط بيمينه ح ل ؛ لأنه أمين ، أي وصار الخياط مقراً بها لمن ينكرها فلا يستحقها إلا بإقرار جديد سم . قوله : ( فيحلف ) مفرّع على قوله صدّق المالك بيمينه ، فهو راجع لأصل المسألة لا لقوله كما لو اختلفا في أصل الإذن م د . قوله : ( لأنه أثبت الخ ) هذا لا ينتج المدعي وإنما يلائم المعتمد الآتي ، والمنتج لهذا القول إنما هو التعليل بأنه لم يأذن في القطع أصلاً . قوله : ( ويجب على المكري الخ ) وليس المراد بكون ما ذكر واجباً على المكري أنه يأثم بتركه أو أنه يجبر عليه ، بل إنه إن تركه ثبت للمكتري الخيار كما بينه بقوله : فإن بادر الخ شرح المنهج .(3/578)
"""""" صفحة رقم 579 """"""
وكذا يقال في كل ما يجب عليه . قوله : ( وهذا في مفتاح غلق ) كالضبة ، قال في المصباح : أغلقت الباب بالهمز أوثقته بالغلق ، وغلقته بالتشديد مبالغة وتكثير وغلقه غلقاً من باب ضرب لغة قليلة . قوله : ( فلا يستحقه ) أي تسليمهما .
قوله : ( فإن بادر ) أي قبل مضيّ مدة لمثلها أجرة اه م ر . قوله : ( وأصلحها ) أي فذاك ظاهر ، فجواب الشرط محذوف كما قاله المرحومي ، أو التقدير : فلا خيار للمكتري كما يدل عليه ما بعده .
فرع : لو انهدمت الدار على متاع المستأجر وجب على المؤجر التنحية سم ، أي ولا يضمن شيئاً من الأمتعة التالفة وإن وعده بالإصلاح ؛ لأنا لم نوجب عليه الإصلاح وقد خير المستأجر بين الفسخ وعدمه اه ع ش على م ر .
قوله : ( عن السطح ) أي سطح لا ينتفع به كجملون ، كأن كان عقداً بطوب . قوله : ( وتنظيف عرصة الدار ) العرصة كل بقعة بين الدور لا بناء فيها ، وجمعها عراص وعرصات . قوله : ( من ثلج وكناسة ) أما الكناسة وهي ما يسقط من القشور والطعام ونحوهما فلحصولها بفعله ، وأما الثلج فللتسامح بنقله ؛ قال في الروضة فيه : وليس المراد أنه يلزم المكتري نقله ، بل المراد أنه لا يلزم المؤجر شرح المنهج ؛ فإذا ترك ذلك المؤجر لا يثبت الخيار للمكتري . قوله : ( دون الثلج ) ومثله تفريغ الحش فهو على المؤجر ق ل . والفرق بين الكناسة والثلج أن الكناسة يعتاد نقلها شيئاً فشيئاً بخلاف الثلج .
فرع : لو امتلأ الحش في أثناء المدة هل يلزم المؤجر تفريغ الجميع أو تفريغ ما ينتفع به فقط ، والظاهر الثاني ؛ وعليه لو تضرر المكتري وأولاده برائحة الباقي من الحش هل يثبت له الخيار أولاً ؟ فيه نظر . والأقرب أن يقال : إن كان عالماً بذلك فلا خيار له وإلا ثبت له الخيار اه ع ش على م ر مع تصرف .
قوله : ( ولو كان التراب ) مقابل قوله إن حصل في دوام المدة . وأما التراب الحاصل من الرياح في أثناء المدة فلا يلزم واحداً منهما .(3/579)
"""""" صفحة رقم 580 """"""
3 ( ( فصل : في الجعالة ) ) 3
قوله : ( وجيمها مثلثة ) وفيها لغتان أخريان جعيلة وجعل أ ج . والكسر أفصح لأنه القياس . قال ابن مالك : لفاعل الفعال ، ويليه الفتح ثم الضم . قوله : ( ابن مالك ) أي وغيره ، واقتصر الجوهري وغيره على كسرها سم . قوله : ( معلوم ) فلو قال على أن أرضيك أو نحوه وجب أجرة المثل لأنها إجارة فاسدة كما يؤخذ مما يأتي ، ومعلوم ليس بقيد أخذاً من مسألة العلج الآتية . قوله : ( عسر علمه ) فإن سهل علمه اشترط ضبطه بما يأتي ضبطه به كما في بناء الحائط والخياطة كما يأتي . قوله : ( عقب الإجارة ) وهو أنسب من ذكرها عقب باب اللقيط للعلة التي ذكرها الشارح . قوله : ( إلا في أربعة أحكام ) بل ستة ، والخامس : عدم اشتراط القبول ، والسادس : جهل العوض في بعض الأحوال اه م ر أ ج . قوله : ( الذي رقاه الصحابي ) وكان المرقي لديغاً وكان رئيس العرب ؛ وذلك أن أبا سعيد الخدري كان مع جماعة فمرّ على محل فيه عرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم فباتوا بالوادي ، فلدغ رئيس العرب فأتي له بكل دواء فلم ينجع أي لم ينفع ، فقال : اسألوا هذا الحي الذي نزل عندكم فسألوهم فقالوا : نعم لكن لا يكون ذلك إلا بجعل ، فجعلوا لهم قطيعاً من الغنم ، فقرأ أبو سعيد الفاتحة ثلاث مرات وصار يتفل فنشط كأنما نشط من عقال بعير ، فتوقفوا في قسمة ذلك القطيع حتى جاؤوا للنبي فأخبروه فقال : ( إن أحق ) وفي رواية ( إن أحسن ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ) فيكون الدليل قول النبي وتقريره ، فاندفع ما يقال إن فعل الصحابي ليس بحجة . ولعل القصة حصل فيها تعب كذهابه لموضع المريض فلا يقول قراءة الفاتحة لا تعب فيها فلا تصح الجعالة عليها ، أو أنه قرأها سبع مرات مثلاً . وينبغي أن يكون المراد بالتعب بالنسبة للفاعل بأن كان يتعبه ما لا يتعب غيره مثلاً ، فإن جعل الشفاء غاية لذلك لم يستحق الجعل إلا إذا وجد ، وإن لم يجعله غاية كأن قال لتقرأ على علتي كذا سبعاً استحق بقراءتها سبعاً وإن لم يحصل الشفاء .(3/580)
"""""" صفحة رقم 581 """"""
فائدة : ما يقع من كون الشخص يقيس بشبره العصابة أو الطاقية مثلاً فهو حرام ؛ لأنه من السحر والإخبار بالمغيبات اه ع ش على م ر . قال شيخنا : والمخلص من هذا أنه يقيس ويكتب ما يناسب ما ظهر له من غير أن يقول هذا من الله أو من الأرض اه . قال الشيخ الديربي في الفوائد : من خواصّ سورة الهمزة إذا أردت أن تعلم حال إنسان هل به عين إنس أو جنّ أو غيره ؟ فلتأخذ أثره وتقيسه قياساً جيداً وتقرأها عليه مرة واحدة أو ثلاث مرات ، ثم بعد الفراغ من قراءتها تقول ثلاث مرات : أقسمت عليك يا ميمون يا أبا نوخ أن تنزل على هذا الأثر وتبين ما بصاحبه ، إن كان من الجن فقصره ، وإن كان من الإنس فطوّله ، وإن كان من الله فأبقه على حاله بحق هذه السورة الشريفة الوحا 2 العجل 2 الساعة 2 ؛ ثم تقيس الأثر المذكور ، فإن قصر تكتب له قوله تعالى : ) وإذا قرأت القرآن } ^ إلى ) نفوراً } ) الإسراء : 41 ، 46 ) وقوله تعالى : ) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً } ) المؤمنون : 115 ) إلى آخر السورة وقوله : ) يا معشر الجن والإنس } ^ إلى قوله : ) فلا تنتصران } ) الرحمن : 33 ، 35 ) وتكتب له مع ذلك المعوذتين والفاتحة ويحمله صاحب الأثر المذكور ؛ وإن طال يكتب له : ) إذا الشمس كوّرت } ) التكوير : 1 ) بتمامها أو غيرها مما يكتب للعين ؛ وإن بقى بحاله يكتب له آيات الشفاء وآخر سورة الحشر : ) لو أنزلنا هذا القرآن } ) الحشر : 21 ) الخ . وقال بعضهم في معرفة قياس الأثر : بعد قياسه قياساً جيداً يقرأ عليه الفاتحة والسورة المذكورة التي هي سورة : ) ويل لكل همزة } ^ الخ . ثم بعد الفراغ من قراءتهما تقيسه فهو إما أن يقصر أو يطول أو يبقى على حاله ، وقد عرفت ما تكتب في حالة من الحالات المذكورة ؛ ولا تقل لصاحب الأثر هذا الشيء الذي بك من الجن أو الإنس فإن ذلك حرام كما قاله شيخنا اه بحروفه . والطلسمات التي تكتب في المنافع وهي مجهولة المعنى هل يحل كتابتها ؟ الجواب : يكره ولا يحرم كما في فتاوى النووي .
قوله : ( على قطيع من الغنم ) القطيع في اللغة الطائفة من الغنم أو البقر ، فتفسير الشارح له بالثلاثين لأنه الواقع في تلك الرقية . واستنبط من ذلك الزركشي جوازها على ما ينفع المريض من دواء أو رقية أي إذا كان فيه كلفة ز ي . قوله : ( وأيضاً الحاجة الخ ) هذا دليل عقلي بعد النقلي ق ل . وقوله ( فجازت ) كالإجارة ولم يستغن عنها بالإجارة لأنها قد تقع على عمل مجهول اه ح ل . قوله : ( ويستأنس الخ ) الاستئناس هو الإشعار بالمطلوب من غير صراحة في الدلالة اه م د . قال في المصباح : استأنست به وتأنست إذا سكن القلب ولم ينفر اه . فما في(3/581)
"""""" صفحة رقم 582 """"""
حاشية المدابغي من أن الاستئناس هو الإشعار الخ مبني على العرف . قوله : ( ما يقرره ) أي يوافقه ، وإنما دليلنا ما ورد في شرعنا . قوله : ( عمل ) في عده من الأركان مسامحة لأنه لا يوجد إلا بعد تمام العقد ، إلا أن يقال المراد بعدّه منها ذكره فقط في العقد والمتأخر إنما هو ذات العمل اه ع ش على م ر . قوله : ( وعاقد ) المراد بالعاقد ما يشمل العامل ، ولكن في جعل العامل من الأركان مسامحة لأنه لا يشترط القبول منه ولا حضوره وقت خطاب المالك ، إلا أن يقال جعله من الأركان بمعنى أنه متمم للمقصود من العقد ومحصل لثمرته . قوله : ( وهو الركن الأول ) أي في العدّ لا في الذكر والوضع ، وإلا فقد ذكر أو لا العمل أ ج فهو أول في عده الآتي وإلا فهو أخير في عدّه السابق إجمالاً . قوله : ( تصرف ملتزم ) بالإضافة . قوله : ( ولو غير المالك ) واستشكل ابن الرفعة استحقاق الرادّ بأنه لا يجوز له وضع يده عليه بغير إذن مالكه بل يضمنه . وأجيب بفرضه فيما إذا أذن المالك لمن شاء في الرد والتزم الأجنبي الجعل ، فلو قال أجنبي مطلق التصرف مختار من ردّ عبد زيد فله كذا استحقه الرادّ العالم به على الأجنبي وإن لم يأت بعلى على المنقول ؛ لأن الصيغة موضوعة للالتزام ز ي ومرحومي . وقوله : ( بأنه لا يجوز له ) أي فكيف يستحق أجرة ، ويصور أيضاً بأن تكون للأجنبي ولاية على المالك . قوله : ( فلا يصح التزام مكره ) أخذ منه أن الاختيار شرط في الملتزم فقط ، فيقرأ اختيار بلا تنوين مضافاً لملتزم . قوله : ( وأهلية عمل عامل ) المراد بالأهلية القدرة على العمل كما يعلم من كلامه . وفي نسخة : ( وأهلية عمل معين ) أي عمل عامل معين ، ومفهومه أن غير المعين لا يشترط أهليته للعمل ، ولعل صورته أن يكون حال النداء غير أهل كصغير لا يقدر ثم يصير أهلاً ويردّ لكونه سمع حين النداء أو بلغه النداء حين صيرورته قادراً كما قاله الشوبري . قوله : ( ومجنوناً ) قال سم : قلت وما تضمنه هذا الكلام من استحقاق من عمل مجنوناً معيناً كان أي العامل المجنون أو لا مخالف لما قالوه من انفساخ الجعالة بجنون العامل ، إلا أن يلتزم الفرق بين الجنون المقارن والطارىء فلا يضر الأول ويضر الثاني ؛ والظاهر أن الانفساخ بالجنون يختص بالعامل المعين لعدم ارتباط العقد بغير المعين ، فلو طرأ لأحد جنون بعد العقد وكان العامل غير معين ثم رده بعد الإفاقة أو قبلها استحق الجعل إذ لا معنى لانفساخ العقد بجنونه مع عدم ارتباطه به . قوله : ( ولو بلا إذن ) أي من السيد والولي . قوله : ( بخلاف صغير لا يقدر على العمل ) فيه نظر ؛ لأنه إن كان المراد أنه يردّ مع عدم قدرته فهو معلوم(3/582)
"""""" صفحة رقم 583 """"""
الانتفاء لأنه محال ، وإن كان المراد أن سماعه حال عدم قدرته غير معتبر فهو غير صحيح لما صرحوا به أنه إذا قدر بعد سماع النداء ورد استحق المشروط ، إلا أن يقال كلام الشارح في العامل المعين وقولهم إذا قدر بعد سماع النداء وردّ استحق محله في العامل غير المعين فلا نظر ، ولا مخالفة اه ق ل .
قوله : ( جائزة ) لا يخفى أن عادة المصنف أنه يذكر الجواز في مقابلة المنع والفساد لا في مقابلة اللزوم ، فما سلكه الشارح مخالف لذلك على أن ذكر جوازها قبل ذكر حقيقتها غير مناسب فتأمل ق ل . قوله : ( فلكل من المالك والعامل ) أما المالك والعامل المعين فلكل منهما الفسخ قبل العمل وبعده ، هذه أربع صور وأما العامل المبهم فليس له الفسخ إلا بعد الشروع في العمل فالصور خمس . قوله : ( ابتداء ) أي قبل الشروع في العمل . قوله : ( إلا بعد الشروع في العمل ) لأنه إذا قال : من رد عبدي فله كذا فهو تعليق لا يتحقق إلا بالعمل ، فلو قال شخص : فسخت الجعالة لغا إذ لا عقد بينهما حتى يفسخ . قوله : ( فإن فسخ المالك ) أي فيما إذا عقد مع معين ، والمراد بالمالك ملتزم العوض . قوله : ( أو فسخ العامل ) سواء كان معيناً أو لا . قوله : ( في الصورتين ) أي الفسخ قبل الشروع مطلقاً ، والفسخ من العامل بعد الشروع . قوله : ( على رفعه ) أي فسخه . قوله : ( وقع محترماً ) أي مضموناً . قوله : ( أي لفظ الجعالة ) فيه أن لفظ مذكر فكيف يجعله تفسيراً للضمير المؤنث ؟ فالأولى حذف ( لفظ ) إلا أن يقال إن اللفظ لما كان عبارة عن الصيغة كان مؤولاً بالمؤنث ، وأشار بقوله أي لفظ الجعالة إلى أن في كلامه استخداماً إذ ذكرت أوّلاً بمعنى العقد وأعاد عليها الضمير بمعنى اللفظ . قوله : ( أن يشترط ) أي دالّ أن يشترط ، أي دال الاشتراط ؛ ويشترط معناه يلتزم . قوله : ( العاقد ) المراد به الملتزم لا ما يعمه والعامل . قوله : ( في ردّ ضالته ) الردّ ليس قيداً كما أشار إليه الشارح بقوله : ( أو في عمل كخياطة الخ ) ولا الضالة كما أشار إليه بقوله : ( أو في ردّ ما سواها من مال الخ ) ولا الإضافة له(3/583)
"""""" صفحة رقم 584 """"""
كقوله : من ردّ عبد زيد مثلاً فله كذا لصحة التزام الأجنبي بعد إذن المالك في الردّ اه . قوله : ( كخياطة ثوب ) ويصفها لأن الجهالة لا تغتفر إلا إذا عسر العلم . قوله : ( وكان كاذباً ) حاصله أنه متى كان كاذباً لم يلزم المالك شيء وإن كان المخبر عدلاً ، وإن كان صادقاً فإن كان ثقة لزمه لترجح طماعية العامل بوثوقه وإن كان غير ثقة لم يستحق العامل لضعف طماعيته بخبر غير الثقة اه م د . قوله : ( فلا شيء له لعدم الالتزام ) ولا تقبل شهادة الأجنبي على زيد بذلك لأنه متهم في ترويج قوله س ل . قال م ر في شرحه : ولو قال أحد شريكين في رقيق . من رد عبدي فله كذا وإن لم يقل عليّ فرده شريكه استحق الجعل أي على القائل ، ومثله ما لو رده غير الشريك . ومنه يؤخذ جواب حادثة وقع السؤال عنها : وهي أن شخصاً بينه وبين آخر شركة في بهائم فسرقت البهائم أو غصبت فسعى أحد الشريكين في تخليصها وردها وغرم على ذلك دراهم ولم يلتزم شريكه منها شيئاً وهو أن الغارم لا رجوع له على شريكه بشيء مما غرمه ، ومن الالتزام ما لو قال كل شيء غرمته أو صرفته كان علينا ، ويغتفر الجهل في مثله للحاجة اه ع ش عليه . قوله : ( كما لو رد عبد زيد ) أي فلا شيء للعامل ، إلا أن يعتقد صدق القائل فيما يظهر سم . لا يقال لا وجه لهذا مع قول الشارح وإن كان صادقاً ، لأنا نقول المراد أنه كان صادقاً في الواقع ولم يعلم بذلك العامل وإنما اعتقده اه . قوله : ( قسطه من الجعل ) فإن رده من نصف الطريق استحق نصف الجعل ، أو من ثلثه استحق ثلثه ؛ ومحله إذا تساوت الطريق سهولة وحزونة أي صعوبة ، وإلا كأن كانت أجرة النصف ضعف أجرة النصف الآخر استحق ثلثي الجعل شرح م ر .
قوله : ( لعدم التزامها ) محل استحقاق كل الجعل إذا قطع المسافة المعينة ، فلو رده ورأى المالك في نصف الطريق فدفعه إليه استحق نصف الجعل شرح م ر . قوله : ( يفسد العقد ) وللعامل في جعل فاسد يقصد أجرة مثل كالإجارة الفاسدة ، بخلاف ما لا يقصد كالدم ؛ شرح(3/584)
"""""" صفحة رقم 585 """"""
المنهج . قوله : ( بخلافه في العمل والعامل ) أي فيغتفر فيهما للحاجة . قوله : ( العلج ) هو في الأصل الكافر الغليظ ، والمراد به هنا الكافر مطلقاً ، قوله : ( جارية منها ) ليست قيداً . وعبارة م ر : ويستثني من اشتراط العلم بالجعل ما لو جعل الإمام لمن يدل على قلعة جعلاً كجارية منها فإنه يجوز مع جهالة العوض أ ج . قوله : ( بما يفيد العلم ) أي وكان معيناً ، كأن قال : من ردّ عبدي فله الثوب الذي صفته كذا وكذا ، فاستغنى بوصفه عن مشاهدته ، فيصح ههنا دون البيع فإنه لا يقوم فيه وصف المعين مقام التعين م د . قوله : ( كأن قال من دلني الخ ) هكذا بخط المؤلف والظاهر أن فيه سقطاً كما يدل له عبارة شرح المنهج ، وهي : فلا جعل فيما لا كلفة فيه كأن قال : من دلني على مالي فله كذا فدله والمال بيد غيره ، ولا كلفة ولا فيما تعين عليه كأن قال : من ردّ مالي فله كذا فرده من هو بيده وتعين عليه الرد لنحو غصب الخ مرحومي . وأجاب أ ج بأن الواو في قوله : ( وتعين عليه ) بمعنى ( أو ) فيكون تصويراً لما فيه كلفة ، ولكن تعين عليه وما قبله تصوير لما لا كلفة فيه . قوله : ( كمن حبس ظلماً ) مفهومه أنه إذا حبس بحق لا يستحق ما جعل له ولا يجوز له ذلك ، وينبغي أن يقال : فيه تفصيل ، وهو أن المحبوس إذا جاعل العامل على أن يتكلم مع من يطلقه على وجه جائز كأن يتكلم معه على أن ينتظر المدين إلى أن يبيع غلاله مثلاً استحق ما جعل له وإلا فلا . ووقع السؤال في الدرس عما يقع كثيراً بمصرنا من أن الزياتين والطحانين ونحوهم ، كالمراكبية يجعلون لمن يمنع عنهم المحتسب وأعوانه في كل شهر كذا هل ذلك من الجعالة أو لا ؟ والجواب عنه أنه من الجعالة ؛ لأن دفع ما يلتزمه من المال ينزل منزلة ما يلتزمه الإنسان في مقابلة تخليصه من الحبس وهذا مثله ع ش على م ر . ومن ذلك الحماية التي تقع في بعض البلاد . قوله : ( لمن يتكلم في خلاصه ) قضيته أنه إذا تكلم في خلاصه استحق الجعل وإن لم يتفق إطلاق المحبوس بكلامه . وقياس نظائره أنه إن جعل الخلاص غاية للتكلم لم يستحق إلا بالخلاص ، وفي كلام سم جواز الجعالة على ردّ الزوجة من عند أهلها نقلاً عن الرافعي ثم توقف فيه . وأقول : الأقرب ما قاله الرافعي ، وهو قياس ما أفتى به المصنف فيمن حبس ظلماً ع ش على م ر .(3/585)
"""""" صفحة رقم 586 """"""
قوله : ( فإنه ) أي البذل جائز ، أي إذا كان في ذلك كلفة تقابل بمال مرحومي وم ر . قوله : ( لأن تأقيته قد يفوّت الغرض ) فلو قال : من ردّ عبدي إلى شهر فله كذا لم يصح كما في القراض ؛ لأن تقدير المدّة يحل بمقصود العقد فقد لا يظفر به فيها فيضيع سعيه ، ولا يحصل الغرض سواء أضم إليه من محل كذا أم لا شرح م ر . قوله : ( بل أولى ) لأنه إذا اغتفر الجهل في القراض مطلقاً فلأن يغتفر الجهل الذي عسر علمه بطريق الأولى ح ل .
قوله : ( استحق الخ ) ويؤخذ من كلامهم هنا وفي المساقاة كما أفاده السبكي جواز الاستنابة في الإمامة والتدريس وسائر الوظائف التي تقبل النيابة ، أي ولو بدون عذر فيما يظهر ولو لم يأذن الواقف إذا استناب مثله أو خيراً منه ، ويستحق المستنيب أي صاحب الوظيفة جميع المعلوم وإن افتى ابن عبد السلام والمصنف بأنه لا يستحقه واحد منهما ، إذ المستنيب لم يباشر والنائب لم يأذن له الناظر فلا ولاية له ، شرح م ر . وقوله : ( التي تقبل النيابة ) أي بخلاف ما لا يقبل النيابة ، كالمتفقّه أي طالب الفقه لا يجوز له الاستنابة حتى عند السبكي إذ لا يمكن أحد أن يتفقه عن غيره ؛ ابن حجر . أي إذا كان مدرس له طلبة طالبون للفقه لا يجوز لأحد منهم أن ينيب غيره على كلامه . قال سم : اعتمد م ر جواز الاستنابة للمتفقه أيضاً لأن المقصود إحياء البقعة بتعلم الفقه فيها وذلك حاصل مع الاستنابة ، وتجوز الاستنابة للأيتام المنزلين بمكاتب الأيتام بشرط أن يكون يتيماً مثله اه . وقوله : ( أو خيراً منه ) أي فيما يتعلق بتلك الوظيفة ، حتى لو كانت قراءة جزء مثلاً وكان المستنيب عالماً لا يشترط في النائب أن يكون عالماً بل يكفي كونه يحسن قراءة الجزء كقراءة المستنيب له اه . وقوله : ( ويستحق المستنيب جميع المعلوم ) أي وللنائب ما التزمه له صاحب الوظيفة ، وعليه فلو باشر شخص بلا استنابة من صاحبها لم يستحق المباشر لها عوضاً لعدم التزامه له ، وكذا صاحب الوظيفة حيث لم يباشر لا شيء له ، إلا إذا منعه الناظر ونحوه من المباشرة فيستحق لعذره بترك المباشرة . ومن هذا يؤخذ جواب حادثة وقع السؤال عنها ، وهي : أن رجلاً بينه وبين أخيه إمامة شركة بمسجد من مساجد المسلمين ثم مات الأخ ، ثم إن الرجل صار يباشر الإمامة من غير استنابة من ولد أخيه(3/586)
"""""" صفحة رقم 587 """"""
وهو أن ولد الأخ لا شيء له لعدم مباشرته له ولا شيء للعم زيادة على ما يقابل نصفه المقرر له فيه ؛ لأن العم حيث عمل بلا استنابة كان متبرعاً وولد الأخ حيث لم يباشر ولم يستنب لا شيء له لأن الواقف إنما جعل المعلوم في مقابلة المباشرة ، فما يخص ولد الأخ يتصرف فيه الناظر لمصالح المسجد ؛ فتنبه له فإنه يقع كثيراً . ووقع من بعض أهل العصر إفتاء بخلاف ذلك فاحذره فإنه خطأ ، اه ع ش على م ر .
فرع : وقع السؤال في الدرس عما يقع كثيراً من أن صاحب الخطابة يستنيب خطيباً يخطب عنه ، ثم إن النائب يستنيب آخر ؛ هل يجوز له ذلك ويستحق ما جعله له صاحب الوظيفة أم لا ؟ والجواب عنه : أن الظاهر أن يقال فيه إن حصل له عذر منعه من ذلك وعلم به المستنيب أو دلت القرينة على رضا صاحب الوظيفة بذلك جاز له أن يستنيب مثله ويستحق ما جعل له ، وإن لم يحصل له ذلك ولم تدل القرينة على الرضا بغيره لا تجوز ولا شيء له على صاحب الوظيفة لعدم مباشرته ، وعليه لمن استنابه من باطنه أجرة مثله من مال نفسه اه ع ش . ووقع السؤال فيه أيضاً عن مسجد انهدم وتعطلت شعائره هل يستحق أرباب الشعائر المعلوم أم لا ؟ والجواب عنه : الظاهر أن يقال إن من تمكنه المباشرة مع الانهدام كقراءة حزبه فإنه يمكنه ذلك ، فلو صار كوماً استحق المعلوم إن باشر ، ومن لا تمكنه المباشرة كبوّاب المسجد وفراشه استحق كمن أكره على عدم المباشرة ويجب على إمامه الصلاة فيه وإن لم يصلّ فيه أحد ؛ لأن الواجب عليه أمران الصلاة فيه وكونه إماماً ، وهذا كله حيث لم يمكن عوده وإلا وجب على الناظر القطع على المستحقين وعوده وإلا نقل معلومهم لأقرب المساجد إليه اه ع ش .
قوله : ( في الجعل ) ومثله العمل . قوله : ( كما يجوز ) أي التصرف في الثمن . قوله : ( بل أولى ) وجه الأولوية أن البيع لازم من الجانبين وجاز فيه ذلك ، فهذا أولى . قوله : ( وإن لم يسمعه ) أي النداء الأخير ، أي أصلاً ، سواء كان التغيير قبل الشروع أو بعده ؛ وعلى هذا فقوله : ( لأن النداء الأخير الخ ) علة قاصرة لعدم شمولها لما إذا كان التغيير قبل الشروع ، ولهذا جعل هذا في شرح المنهج ملحقاً بالتغيير بعد الشروع فتأمل . قوله : ( ومن سمع النداء الثاني ) أي(3/587)
"""""" صفحة رقم 588 """"""
عملا معاً بأن ردا معاً الضالة مثلاً ق ل . ولو قال لواحد : إن رددته فلك دينار ولآخر إن رددته أرضيتك فردّاه فللأول نصف الدينار وللآخر نصف أجرة عمل مثله ، ولو قال : إن رددت عبدي فلك كذا فأمر رقيقه برده ثم أعتقه في أثناء العمل استحق الجعل كما أفتى به الوالد رحمه الله ، تغليباً لجانب الإعتاق ؛ ولا يضر في استحقاق الجعل طريان حريته أي عدم أصالتها كما لو أعانه أجنبي فيه ولم يقصد المالك . وأفتى أيضاً في ولد قرأ عند فقيه مدة ثم نقل إلى فقيه آخر فطلع عنده سورة يعمل لها سرور كالأصاريف مثلاً وحصل له فتوح بأنه للثاني ولا يشاركه فيه الأول ، اه شرح م ر اه . في فتاوى الكفوري المالكي ما نصه : مسألة : هل لمعلم الأطفال أخذ الصرافة وإن لم تشرط هناك أم لا ؟ الجواب : له أخذها وإن لم تشرط ، أي يقضي له بها على الأب أو غيره مما جرت العادة بأخذها منه إذا امتنع وإن لم يكن شرط حيث جرى العرف بها زيادة على الأجرة ولا حدّ فيها وأنها راجعة إلى حال الأب في يسره وعدمه ، وينظر فيها أيضاً إلى حال الصبيّ فإن كان حافظاً فتكون حذقته أي صرافته أكثر من الذي لا يحفظ إلا أن يشترط الأب تركها ؛ ومحل الحذقة من السور ما تقرر به العرف بين الناس مثل ( لم يكن ) و ( عمّ ) و ( تبارك ) و ( الفتح ) و ( الصافات ) . والعرف يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، ولا يقضي بها في مثل الأعياد والمواسم وتستحب هناك أيضاً . قال بعض الشيوخ : وإذا قلنا يقضي بالحذقة فمات الأب قبل أخذها والقضاء بها فلا شيء للمعلم على الورثة ، وكذلك إذا مات المعلم فلا شيء لورثته على الأب ، وإذا وقف الصبيّ في غير المتشابه فإن كان يسيراً لم يضر بالحذقة وإلا ضرّ ولا حذقة فإن أخرج الوالد ولده من عند المعلم والباقي على محل الحذقة يسير فهي لازمة ، وإن بقي كالسدس لم يلزمه شيء إلا أن يشترطها المعلم أيضاً فيلزم الأب بحساب ما مضى اه وهو كلام نفيس فاحفظه . قوله : ( العلم ) ولو بواسطة . قوله : ( وأجرة المثل فيما ذكر ) أي في قوله السابق استحق الأول نصف أجرة المثل ، فالمراد به نصف أجرة المدة بكمالها لا الماضي قبل النداء الثاني ؛ لأنهما اشتركا من ابتداء العمل إلى تمامه ، فلو اشتركا في بعضه فله نصف أجرة مثل قسط ما عمل اه ق ل .
قوله : ( تتمة ) ناقش ق ل في جعل ما ذكر تتمة مع كونه مفهوم المتن ، فإن مفهوم قوله إذا ردها استحق العوض أنه إذا لم يردها لا يستحقه . قوله : ( لو تلف المردود قبل وصوله الخ ) قال م ر في شرحه : ويد العامل على المأخوذ إلى رده يد أمانة ، ولو رفع يده عنه وخلاه بتفريط كأن خلاه بمضيعة ضمنه لتقصيره ، وإن خلاه بلا تفريط كأن خلاه عند الحاكم لم يضمنه ونفقته على مالكه ، فإن أنفق عليه مدة الرد فمتبرع إلا إن إذن له الحاكم أو أشهد عند فقده ليرجع . ولو كان(3/588)
"""""" صفحة رقم 589 """"""
رجلان ببادية ونحوها فمرض أحدهما أو غشي عليه وعجز عن السير وجب على الآخر المقام عنده إلا إن خاف على نفسه أو نحوها فلا يلزمه ذلك ، وإذا قام معه فلا أجرة له ، فإن مات وجب عليه أخذ ماله وإيصاله إلى ورثته إن كان ثقة ، ولا ضمان عليه إن لم يأخذه ، وإن لم يكن ثقة لم يجب عليه الأخذ وإن جاز له ولا يضمنه في الحالين ، والحاكم يحبس الآبق إذا وجده انتظاراً لسيده ، فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه ، فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن وإن سرق الآبق قطع كغيره ، ولو عمل شخص حر لغيره عملاً من غير استئجار ولا جعالة فدفع عليه مالاً على ظن وجوبه عليه لم يحلّ للعامل أخذه وعليه أن يعلمه أنه لا يجب عليه البذل ، ولو علم أنه لا يجب عليه البذل ودفعه إليه هدية حل ، ولو أكره مستحق على عدم مباشرة وظيفته استحق المعلوم كما أفتى به التاج الفزاري . واعتراض الزركشي له بأنه لم يباشر ما شرط عليه فكيف يستحق حينئذ ؟ يردّ بأنه مستثنى شرعاً وعرفاً من تناول الشرط له لعذره ، ونظير ذلك ما عمت به البلوى من مدرّس يحضر موضع الدرس ولا يحضر أحد من الطلبة ، أو يعلم أنه لو حضر لا يحضرون ؛ بل يظهر الجزم بالاستحقاق هنا لأن المكره يمكنه الاستنابة فيحصل غرض الواقف بخلاف المدرّس ، نعم لو أمكنه إعلام الناظر بهم وعلم أنه يجبرهم على الحضور فالظاهر وجوبه عليه لأنه من باب الأمر بالمعروف . وقد أفاد الولي العراقي ذلك أيضاً ، بل جعله أصلاً مقيساً عليه ، وهو أن الإمام أو المدرّس لو حضر ولم يحضر أحد استحق ؛ لأن حضور المصلي والمتعلم ليس في وسعه وإنما عليه الانتصاب لذلك ، والمعتمد أن الإمام يجب عليه الصلاة فيه وإن لم يحضر أحد من المصلين دون المدرس . وأفتى أيضاً فيمن شرط الواقف قطعه عن وظيفته إن غاب ، أي لم يباشر وظيفته فغاب لعذر كخوف طريق بعدم سقوط حقه بغيبته ، قال : ولذلك شواهد كثيرة . وأفتى الوالد بحل النزول عن الوظائف بالمال لمن هو مثله أو خير منه ، أي لأنه من أقسام الجعالة ، فيستحقه النازل ويسقط حقه وإن لم يقرر الناظر المنزول له لأنه بالخيار بينه وبين غيره اه شرح م ر . وإن لم يقرر لا رجوع له على الأول بما أخذه منه إلا إن شرطه . وقول م ر : ولو أكره عن مباشرة وظيفته استحق المعلوم ، ومثل الإكراه ما لو عزل عن وظيفته بغير حق وقرر فيها غيره إذ لا ينفذ عزله ، نعم إن تمكن من مباشرتها فينبغي توقف استحقاق المعلوم عليها ، سم على حج . ويؤخذ من هذا جواب حادثة وقع السؤال عنها : وهي أن طائفة من شيوخ العربان شرط لهم طين مرصد على خفر محل معين وفيهم كفاية لذلك وقوّة وبيدهم تقرير بذلك ممن له ولاية التقرير كالباشا وتصرفوا في الطين المرصد مدة ، ثم إن ملتزم البلد أخرج المشيخة عنهم ظلماً ودفعها لغيرهم وهو أنهم يستحقون ذلك وإن كان غيرهم مثلهم في الكفاية بالقيام بذلك بل وإن كانوا أقوى(3/589)
"""""" صفحة رقم 590 """"""
منهم لأن المذكورين حيث صح تقريرهم لا يجوز إخراج ذلك عنهم اه ع ش على م ر . وقوله : ( ولم يحضر أحد من الطلبة ) أي لم يحضر أحديتعلم منه ، وليس المراد المقررين في وظيفة الطلب لأن غرض الواقف إحياء المحل وهو حاصل بحضور غير أرباب الوظائف . وقوله : ( وإنما عليه الانتصاب ) هذا يقتضي أن استحقاقه المعلوم مشروط بحضوره ، والمتجه خلافه في المدرّس بخلاف الإمام ، والفرق أن حضور الإمام بدون المقتدين يحصل به إحياء البقعة بالصلاة فيها ولا كذلك المدرس فإن حضوره بدون متعلم لا فائدة فيه فحضوره يعدّ عبثاً . وقوله : ( بعدم سقوط حقه بغيبته ) أي وإن طالت ما دام العذر قائماً ، لكن ينبغي أن محله حيث استناب أو عجز عن الاستنابة ، أما لو غاب لعذر وقدر على الاستنابة فلم يفعل فينبغي سقوط حقه لتقصيره . وقوله : ( بحل النزول عن الوظائف ) ومن ذلك الجوامك المقرر فيها فيجوز لمن له شيء من ذلك وهو مستحق له بأن لا يكون له ما يقوم بكفايته من غير جهة بيت المال النزول عنه ، ويصير الحال في تقرير من أسقط حقه له موكولاً إلى نظر من له ولاية التقرير فيه كالباشا ، فيقرر من رأى المصلحة في تقريره من المفروغ له أو غيره . ولو شرط الواقف أن يقرأ في مدرسته كتاب بعينه ولم يجد المدرّس من فيه أهلية لسماع ذلك الكتاب والانتفاع منه قرأ غيره ، لما مر من أنه إذا تعذر شرط الواقف سقط اعتباره وفعل ما يمكن فعله ؛ لأن الواقف لا يقصد تعطيل وقفه ؛ شوبري .
قوله : ( يستحق ) عبارة م ر : فإنه يستحق . وفي شرح الروض إبدال ( حينئذ ) بقوله : حيث يستحق الخ . فلعله تحريف من الناسخ . قوله : ( لم يحصل شيء من المقصود ) الأولى لم يحصل المقصود بحذف شيء ومن كما قاله ق ل . قوله : ( بإذن المالك ) فإن تعذر فبإذن الحاكم ، فإن تعذر فبالإشهاد ، فإن تعذر لم يرجع وإن قصد الرجوع ق ل .
تنبيه : حاصل ما هنا كالإجارة أنه إن سلم العامل ووصل ما عمل فيه إلى المالك استحق جميع الجعل ، وإن سلم العامل وحده وتلف معموله قبل تمام عمله ، فإن وقع مسلماً للمالك كأن كان بحضرته أو في ملكه وظهر أثره على المحل وأمكن الإتمام عليه كخياطة بعض الثوب وتعليم بعض ما جوعل عليه وبعض البناء استحق القسط ، وإلا بأن لم يقع مسلماً للمالك بما(3/590)
"""""" صفحة رقم 591 """"""
مرّ أو لم يظهر أثره على المحل كجرة انكسرت أو لم يمكن الإتمام عليه كثوب احترق بعد خياطة بعضه ومتعلم مات في أثناء تعلمه فلا شيء للعامل في شيء من ذلك اه ق ل .
3 ( ( فصل : في المزارعة والمخابرة ) ) 3
ذكرهما عقب الجعالة لأن في كل عملاً مجهولاً . والمخابرة مأخوذة من الخبر أي الزرع ، قال في المصباح : خبرت الأرض شققتها للزراعة فأنا خبير ومنه المخابرة . واعلم أن أفضل المكاسب الزراعة ثم الصناعة ثم التجارة حيث خلت من الغش والخيانة والأيمان الفاجرة ، قال في الإحياء : ينبغي للصانع والتاجر أن يقصد بصنعته أو تجارته القيام بفرض من فروض الكفاية فإن الصناعات لو تركت لبطلت المعايش وهلكت الخلق ، ولو أقبل كلهم على صنعة واحدة تعطلت البواقي وهلكوا ؛ وعلى هذا حمل قوله : ( اخْتِلافُ أمَّتي رَحْمَةٌ ) أي اختلاف هممهم في الصناعات والحرف . ومن الصناعات ما هي مهمة وما يستغنى عنها لخستها كالحجامة لخبث كسب صاحبها ، بدليل قوله : ( كَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ ) فينبغي لذي الهمة والمروءة أن يشتغل بصنعة مهمة ليكون في قيامه بها كفاية المسلمين بمهمّ في الدين . ويجتنب أيضاً صناعة الغش والصياغة ومن ذلك خياطة الإبريسم للرجال وصياغة الصائغ خواتيم الذهب للرجال ، فكل ذلك من المعاصي والأجرة المأخوذة عليه حرام . وينبغي أن يكون مثل ذلك في الحرمة قزازة الشدود الحرير للرجال ؛ ذكره عبد البر الأجهوري . وعبارة ع ش : أفضل الكسب الزراعة ثم الصناعة ثم التجارة أي لما في الزراعة من مريد التوكل ونفع الطيور وغيرها ، وينبغي أن يكون ممن يكتسب بالتجارة من له من يتجر له وممن يكتسب بالصناعة من له صناع تحت يده وهو لا يباشر وممن يكتسب بالزراعة من له من يزرع له وهو لا يباشر اه ح ل .
وفي الحديث : ( ما أكل أَحَدٌ طَعاماً قَطُّ خيراً من أَنْ يَأَكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وإنّ نبيّ اللَّه دَاودَ عليه السلام كان يأَكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ) اه ؛ لأن ذلك فيه إيصال النفع إلى الكاسب وإلى غيره والسلامة عن البطالة المؤدّية إلى الفضول ؛ لأن في الكسب كسر النفس والتعفف عن ذلّ السؤال . وكان داود عليه السلام يعمل الزرد يبيعه لقومه ولم يكن من حاجة لأنه كان خليفة في الأرض ، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل . وقد كان نبينا يأكل من سعيه الذي يكتسبه من أموال الكفار بالجهاد ، وهو أشرف المكاسب على الإطلاق لما فيه من إعلاء كلمة الله . وكان نوح نجاراً وإبراهيم بزازاً وإدريس خياطاً ، ونحو هذا لا يفيد أنهم كانوا يقتاتون من ذلك .(3/591)
"""""" صفحة رقم 592 """"""
وذكر صاحب كتاب بصائر القدماء وسرائر الحكماء صناعة كل من علمت صناعته من الصحابة فقال : كان أبو بكر الصدّيق بزازاً وكذلك عثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف ، وكان عمر دلالاً يسعى بين البائع والمشتري ، وكان الوليد بن المغيرة حدّاداً ، وكان عبد الله بن جدعان نخاساً أي دلالاً يبيع الجواري ، وكان النضر بن الحارث عوّاداً يضرب بالعود . وكان الحكم بن العاص يخصي الغنم ، وكان العاص بن وائل السهمي بيطاراً يعالج الخيل . وبالجملة فما بعث الله نبياً إلا وله صناعة ، وكذلك أكابر الصحابة رضي الله عنهم كما تقدم وغيرهم من بقية الصحابة كما هو المشهور ، وكذلك جماعة من العلماء ؛ فمنهم القفال الكبير والصغير كانا يصنعان الأقفال إلى أن فعل قفلاً بمفتاحه وزن ثلاث حبات شعير فجاءته امرأة وسألته عن مسألة فلم يجبها ، فخايلت عليه فترك الصنعة واشتغل بالعلم . والزجاجان كانا يصنعان الزجاج ، والفراء كان يصنع الفراء ، والأسنوي كان نجاراً والشيخ جلال الدين المحلي كان تاجراً تحت الربع ، وغيرهم من بقية العلماء كما هو مشهور .
قوله : ( فالمزارعة تسليم الأرض ) أي بعقد كأن يقول له عاملتك على الأرض لتزرعها والغلة الحاصلة بيننا نصفان مثلاً . قوله : ( لرجل ) أي مثلاً . قوله : ( وكراء الأرض سيأتي ) أي في قوله : وإن أكراه إياها بذهب أو فضة الخ . قوله : ( فلو كان بين الشجر ) المناسب ذكر هذا بعد قول المتن لم يجز بعد تقييده بقوله استقلالاً في جانب المزارعة ، ويحتمل أنه دخول على المتن . قوله : ( بأن يكون عامل المزارعة ) أي فلا يضر تعدّده فالمراد باتحاده أن لا تفرد المساقاة بعامل والمزارعة بعامل . قوله : ( وقدمتّ المساقاة ) أي في صيغة العقد أي لم تتأخر المساقاة ، فيدخل ما لو كانا معاً كعاملتك على كذا ق ل ؛ لأن عاملتك يشمل المساقاة والمزارعة ، وقوله كذلك أي تابعة . قوله : ( أي مكنه منها ) تفسير لدفع دفع به ما يقال إن الأرض غير منقولة فلا يمكن دفعها . قوله : ( لم يجز ) أي يحرم ولا يصح ق ل . قوله : ( في الصورتين ) أما في(3/592)
"""""" صفحة رقم 593 """"""
المخابرة فوفاقاً للأئمة الثلاثة ، ويضمن العامل أجرة الأرض إذا أخر حتى فات الزرع ، وأما في المزارعة فمخالف للإمام أحمد ولا يضمن العامل فيها أجرة الأرض إذا أخر حتى فات الزرع لأنه أمين ، وإذا وقع ذلك مع صحة العقد ضمن لأن عليه حينئذ الحفظ اه ق ل على الجلال . قوله : ( ممكنة ) المناسب ممكن . ويجاب عنه بأن ( تحصيل ) اكتسب التأنيث من المضاف إليه . قوله : ( كالمواشي ) وسيأتي تصويره في كلامه في التتمة الآتية ، وهو ما لو أعطاها له ليتعهدها أو يعمل عليها والفوائد بينهما فإنه باطل .
فرع : موت العامل وهربه في المزارعة كالمساقاة ، وكذا كل من التزم عملاً بذّمته ومات قبل إتمامه اه مرحومي .
قوله : ( عليه ) أي على الشجر لأنه لا ينتفع به فلا تصح إجارته ، وأما استئجار شخص لخدمته فليس من قبيل إجارة الشجر كما هو واضح اه م د . قوله : ( نماء ) هو بالمدّ الزيادة ، أما بلا مدّ فاسم لصغار النمل سم . قوله : ( وعليه للعامل أجرة مثل عمله الخ ) أي وإن لم يحصل من الزرع شيء لأنه لم يعمل مجاناً ، سم . قوله : ( في القراض ) أي الفاسد فإن المالك يلزمه فيه أجرة المثل للعامل وإن لم يكن ربح ، وإلا فالقراض الصحيح إذا لم يظهر فيه ربح لا شيء للعامل . قوله : ( ببطلان منفعته ) أي إتلافها . قوله : ( وطريق جعل الغلة لهما الخ ) ومن زارع على أرض بجزء من الغلة فعطل بعضها لزمه أجرته على ما أفتى به المصنف ، لكن غلطه التاج الفزاري وهو الأوجه ، ولو ترك الفلاح السقي مع صحة المعاملة حتى فسد الزرع ضمنه لأنه في يده أمانة ، وعليه حفظه شرح م ر . وكتب ع ش على قوله : ( وهو الأوجه ) ، وخرج بالمزارعة المخابرة فتضمن وبه صرّح ابن حجر ، قال سم : كأن الفرق أن المخابر في معنى مستأجر الأرض فيلزمه أجرتها وإن عطلها بخلاف المزارع فإنه في معنى الأجير على عمل فلا يلزمه شيء إذا عطل لأنه لم يستوف منفعتها ولا باشر إتلافها فلا وجه للُّزوم . وقوله : ( مع(3/593)
"""""" صفحة رقم 594 """"""
صحة المعاملة ) أي بخلافه مع فسادها ، إذ لا يلزمه عمل وقد بذر البذر بالإذن اه رشيدي . وقال الحفني : قوله : ( وطريق جعل الغلة لهما الخ ) الفرق بين الطريقين أن الأجرة في الطريق الأول عين وفي الثانية عين ومنفعة . قوله : ( أن يستأجر المالك العامل ) أي ودوابه وآلاته فيكون نصف البذر ونصف منفعة الأرض معاً أجرة لنصف عمل العامل وآلاته ودوابه جميعاً ويجوز كون الأجرة نصف البذر وحده ويعيره المالك نصف منفعة الأرض ، ويجوز كون الأجرة نصف منفعة الأرض ويقرضه المالك أو يهبه نصف البذر ، ويجوز كون نصف البذر ونصف منفعة الأرض معاً أو أحدهما أجرة لعمل العامل وحده ويعير للمالك نصف منفعة نفسه أو عكسه وغير ذلك ق ل . قوله : ( من رعاية الرؤية ) أي رؤية الأجرة والمؤجر . وقوله : ( أو شرط ) أي المكري ، وقوله : ( له ) أي المكري ، وقوله : ( في ذمته ) أي المكتري . وكان الأولى أن يقول : أو بطعام معلوم الخ ، بدل قوله : وشرط الخ ، ويكون معطوفاً على قوله : بذهب .
فائدة : كل من زرع أرضاً ببذره فالزرع له إلا أن يكون فلاحاً يزرع بالمقاسمة على ما عليه عمل الشام ، وأنا أراه وأرى وجهه من جهة الفقه أن الفلاح كأنه خرج عن البذر لصاحب الأرض بالشرط المعلوم بينهما فثبت على ذلك ، وإذا عرف هذا وتعدّى شخص على أرض وغصبها وهي في يد الفلاح فزرعها على العادة لا تقول الزرع للغاصب بل المغصوب منه على يد المقاسمة ؛ وهذه فائدة تنفعك في بعض الأحكام اه من فتاوى السبكي ، ومنها نقلت . وهو غريب ، أي ما قاله السبكي ، إذ فيه دخول البذر في ملك صاحب الأرض بمجرد قصد الفلاح من غير لفظ فليحرر . ثم رأيت في كتاب : ( البركة في فضل السعي والحركة وما ينجي بإذن الله تعالى من الهلكة ) للعلامة محمد بن عبد الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الوصابي ما نصه : وعند إمامنا الشافعي رحمه الله أن المزارعة وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها لا تجوز إلا على بياض يتخلل النخل والعنب تبعاً لهما ، ولا تجوز على أرض لا نخيل فيها ولا عنب سواء كان البذر من المالك أو العامل ؛ لما روى ثابت بن الضحاك : ( أنه ( صلى الله عليه وسلم ) نهى عن المزارعة ) وقال أحمد : إن(3/594)
"""""" صفحة رقم 595 """"""
كان البذر من رب الأرض جاز وتلك المزارعة وإن كان من العامل لم يجز وهي المخابرة ، وذهب كثير من العلماء إلى جوازها مطلقاً سواء كان البذر من المالك أو العامل . وصورته أن يقول : زارعتك على هذه الأرض على أن لك نصف زرعها أو ثلثه ؛ رُوي ذلك عن عليّ وابن مسعود وعمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل ، وهو مذهب بن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد لما روي عن نافع : ( أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ) . قال البخاري : وزارع عليّ وسعد وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين وعامل عمر على أنه إذا جاء البذر من عنده فله الشطر وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذلك ، قال النووي : تجوز المزارعة والمخابرة ، وصنف ابن خزيمة فيها جزءاً وبين علل الأحاديث الواردة بالنهي وجمع بين أحاديث الباب ، ثم تابعه الخطابي وقال : ضعف الإمام أحمد بن حنبل حديث النهي وقال : هو مضطرب ، وقال الخطابي : وأبطلها مالك وأبو حنيفة والشافعي لأنهم لم يقفوا عليه ، ثم قال : فالمزارعة جائزة وهي عمل المسلمين في جميع الأمصار . قال النووي : والمختار جواز المزارعة والمخابرة ، وتأويل الأحاديث على أنه إذا شرط لواحد منها زرع قطعة معينة ولآخر أخرى قلت بصحتها ، والقول بجوازها حسن ينبغي المصير إليه لصحة الأحاديث الواردة في ذلك لأن اختلاف العلماء رحمة وللضرورة الداعية لذلك اه كلامه . والقول بالجواز هو الذي ينبغي أن يفتى به الآن مراعاة لأهل هذا الزمان اه لكاتبه عمه الله بالغفران .
قوله : ( لو أعطى شخص الخ ) هذه تقدمت بعينها في المساقاة ، إلا أن يقال أعادها توطئة لما بعدها أج . قوله : ( ليعمل عليها ) أي وأجرة العمل بينهما . قوله : ( وفوائدها ) أي ما يحصل منها من أجرة ونحوها ق ل . قوله : ( لا تحصل بعمله ) وهو التعهد . قوله : ( نصف الدر ) أي بدله . قوله : ( لحصوله ) أي الدرّ أو المذكور من الدر والعلف ، وهو أولى وإن كان كلامه أظهر في الأول ق ل . قوله : ( ولا يضمن الدابة ) أي فهي أمانة لأن يده عليها لأجل استيفاء المنفعة(3/595)
"""""" صفحة رقم 596 """"""
وهي لا تحصل إلا بذلك اه م د . قوله : ( لأنها غير مقابلة بعوض ) هذا لا ينافي كونها معارة معه لأخد اللبن الذي هو له بالبيع الفاسد منها فتكون مضمونة فراجع وتأمل ق ل ؛ لكن نحن مع الشارح في عدم الضمان لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه . قوله : ( فالنصف المشروط مضمون ) ويضمن له المالك جميع العلف بمثله إن كان مثلياً ، وإلا فقيمته لأنه لم يتبرع به . قوله : ( دون النصف الآخر ) أي لأنه حكم الأمانة في يده ، ولعل هذا وما قبله فيما إذا لم يستعمل الدابة ق ل .
فرع : لو قال شخص لآخر : سمن هذه الشاة ولك نصفها أو هاتين على أن لك إحداهما ، لم يصح ذلك واستحق أجرة المثل للنصف الذي سمنه للمالك . وهذه الحالة مما عمت به البلوى في الفراريج بدفع كاشف البرية أو ملتزم البلد لبعض أهل البيوت المائة أو الأكثر أو أقل ، ويقول لهم : ربّوها ولكم نصفها ؛ فيجب على وليّ الأمر ومن له قدرة على منع ذلك أن يمنع من يفعل هكذا ، لأن فيه ضرراً عظيماً على الناس اه خطيب على المنهاج اه .
3 ( ( فصل : في إحياء الموات ) ) 3
أي عمارة الأرض الخربة ، فشبه العمارة بالإحياء وأطلقه عليها على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية ، والجامع الانتفاع في كل من الإحياء والعمارة أو شبه الأرض الخربة بالميت تشبيهاً مضمراً في النفس . وإثبات الإحياء تخيل ، والجامع عدم النفع في كل ، قال بعضهم : الأرض ملك لله ثم ملكها للشارع ثم ردها الشارع على أمته المسلمين . وذكره المصنف عقب المزارعة لأن كلاَّ منهما متعلق بالأرض .
قوله : ( لا مالك لها ) يحتمل أن المراد لا مالك لها معلوم ، فيكون من الموات ما ظهر فيه أثر ملك كغرس شجر وأساس جدران ونحو أوتاد ، فيكون أعمّ من كلام الماوردي وإن أراد لم يكن لها مالك أصلاً لم يكن ما ذكر من الموات ، أي فلا يشمل العامر الذي لم يعلم مالكه ، ويساوي كلام الماوردي وهو الراجح ، والمراد : لم يعمر في الإسلام ولا عبرة بعمارتها في الجاهلية كما يأتي ق ل . وحاصل ما ذكره الشارح في تعريف الموات أربع عبارات : عبارة الرافعي وعبارة الماوردي وعبارة ابن الرفعة وعبارة الزركشي ، وهي متقاربة المعنى أو بين بعضها العموم والخصوص المطلق أو الترادف اه . قوله : ( ولا ينتفع بها أحد ) خرج الشوارع(3/596)
"""""" صفحة رقم 597 """"""
والمقابر وحريم العامر . قوله : ( من عمر ) بتخفيف الميم من العمارة ، أما عمر بالتشديد فمن التعمير بالسنّ قال تعالى : ) إنما يعمر مساجد الله } ) التوبة : 18 ) ومن الثاني قوله : ) يودّ أحدهم لو يعمر ألف سنة } ) البقرة : 96 ) ) أو لم نعمركم } ) فاطر : 37 ) الآية أج وهذا كله إذا لم تعلم الرواية . وللدنوشري بيت من الطويل :
وعمر بالتشديد في السنّ قد أتى
كما أنّ في البنيان تخفيفه وجب قوله : ( فهو أحق بها ) أي مستحق لها يملكها كما في رواية : ( فهي له ) ق ل ، فأفعل التفضيل ليس على بابه . قوله : ( وإحياء الموات ) أي عمارة الأرض الخربة وإنما أولناه بذلك ليكون للشرط الثاني فائدة لأنه يفهم من إحياء الموات . قوله : ( فيها أجر ) أي في إحيائها أي بسبب إحيائها ، ففي سببية كما في : ( دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّار في هِرَّةٍ ) الحديث . قال بعضهم : يؤخد من قوله : ( أجر ) ومن قوله ( صدقة ) عدم جواز إحياء الكافر لعدم أجره وثوابه ، وفيه نظر ؛ لأنه يثاب على صدقته وعتقه من كل ما لا يحتاج لنية لأنه ينفعه في الدنيا بالجاه والمال والأولاد وفي الآخرة يخفف عنه من عذاب غير الكفر ، ومن ثم جاز إحياؤه في دارهم . قوله : ( العوافي ) جمع عافية . قوله : ( منها ) أي من زرعها ، فهو على حذف مضاف ، أو أن من للتعليل والتبعيض معاً أي من أجلها ومما ينبت منها فيشمل أكل العملة كما قاله أج ؛ لأنهم يأكلون الأجرة من أجلها . وينافيه قوله بعد : ( فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ) لأن الأجرة لا تكون صدقة فالتبعيض أولى . وفي الحديث أيضاً : ( مَنْ أَحْيا أَرْضاً ميتةً فهي له ) ولهذا لم يحتج في الملك هنا إلى لفظ لأنه إعطاء عام منه ؛ لأن الله تعالى أقطعه أرض الدنيا كأرض الجنة ليقطع منهما ما شاء لمن شاء ، ومن ثم أفتى السبكي بكفر معارض أولاد تميم فيما أقطعه له بأرض الشام اه حج . ونُوزع السبكي فيما أفتى به لأن هذا ثبت بخبر الآحاد ولا نكفر بخبر الآحاد . ويجاب بأن هذا اشتهر عن الصحابة .
قوله : ( وهو قسمان ) هذا إنما يجري على طريقة الرافعي الشاملة لما لم يعمر قط أو عمر ثم خرب ، بخلافه على كلام الماوردي فإن الثاني من الأموال الضائعة إلا أن يصور بما عمر(3/597)
"""""" صفحة رقم 598 """"""
جاهلية فقط ثم خرب . قوله : ( بقاء الأرض ) بكسر الباء جمع بقعة مثل كلبة وكلاب ، وهي القطعة من الأرض كما في المصباح . قوله : ( العامة ) كالمساجد الموقوفة على عامة الناس والخاصة ، كأن وقف رباطاً على طائفة مخصوصة . قوله : ( وهي ) أي المنفكة . قوله : ( وإنما يملك الخ ) لا يخفى أن الشرطين في كلام المصنف للجواز ، فجعلهما للملك خروج عن موضوعه فتأمل ق ل ، وإن كان كلام الشارح صحيحاً أيضاً ؛ لأن الملك إنما يكون بالشرطين أيضاً . ولعل الحامل للشارح على ما صنعه صحة الشرط الثاني لأنه لا يصح جعله شرطاً للإحياء كما هو ظاهر كلام المصنف ؛ لأن كون الأرض حرة هو عين الموات فلا معنى لاشتراطه . قوله : ( ولو غير مكلف ) أي ولو غير مميز فيما لا يتوقف على قصد كإحياء المسكن والزريبة ، بخلاف حفر البئر في الموات إذا حفر بها غير المميز فلا يملكها ؛ لأن ملكها يحتاج إلى قصد الملك وقصده لاغ . نعم تحمل على الارتفاق فيكون أولى بها من غيره . قوله : ( ببلاد الإسلام ) المراد ببلاد الإسلام ما بناه المسلمون كبغداد والبصرة ، أو أسلم أهله عليه كالمدينة واليمن ، أو فتح عنوة كخيبر ومصر وسواد العراق ، أو صلحاً . والأرض لنا وهم يدفعون الخراج ، وفي هذه عمارتها فيء ومواتها متحجر لأهل الفيء ، وحفظه على الإمام وإن صالحناهم على أن الأرض لهم فمواتها متحجر لهم ، ومعمورها ملك لهم ق ل على الجلال . والحاصل أن الأرض إما بدار كفر لا أمان لأهلها أو بدار كفر لهم أمان ، وعلى كلّ فإما أن تكون عامرة أو خراباً فهذه أربعة أقسام ، أو بدار الإسلام وهي عامرة عمارة جاهلية أو عمارة إسلامية أو عمارة مشكوكاً فيها أو خراباً ، فهذه أربعة أيضاً فالجملة ثمانية ، ولا تخفى أحكامها ؛ اه م د على التحرير .
قوله : ( ولو بحرم ) تعميم ثان أي ما لم يتعلق به حق كما يأتي . قوله : ( كالاستعلاء ) في نسخة كالاستيلاء وهي غير ظاهرة ؛ لأنه يلزم عليها تشبيه الشيء بنفسه لأن الإحياء نفس الاستيلاء . وقد يقال : إنه لا يلزم ما ذكر إذ من المعلوم أنه لا يكون استيلاء إلا إذا كان بغير إذن الإمام وأما بإذنه فلا بل هو كالاستيلاء ، فكلام الشارح صحيح . قوله : ( على أمته ) أي أمة الإجابة ليلائم ما قبله ، وإن كان يصح رجوعه لأمة الدعوى فيشمل إحياء الكافر في بلادهم .(3/598)
"""""" صفحة رقم 599 """"""
قوله : ( وللذمي والمستأمن الاحتطاب الخ ) لأن ذلك يخلف ولا يتضرر به المسلمون . وخرج الحربي فإنه ممنوع من جميع ذلك ، قال المتولي : إلا أنه إذا أخذه ملكه . قوله : ( للحجيج ) جمع حاجّ ، وقوله : ليس ذلك أي المبيت . قوله : ( ببلادهم ) وهي ما فتحت صلحاً على أن الأرض لهم فعامرها مملوك لهم ومواتها متحجر لهم . قوله : ( ما يذبونا ) بحذف النون والظاهر أنه للتخفيف وهو بكسر الذال وضمها . قوله : ( لم يجر عليها ) أي لم يعلم أنه جرى عليها ملك لمسلم أج . قوله : ( ولا لغيره ) إلا جاهلياً لم يعرف سم ، ويعرف من كلام الشارح حيث قال : ( والعمارة جاهلية الخ ) ففي مفهوم قول المصنف ملك لمسلم تفصيل فلا يعترض عليه . والحاصل أنه إذا جرى عليها ملك مسلم إن عرف فهي له وإلا فمال ضائع ، وإن جرى عليها ملك كافر فإن عرف فهي له وإن لم يعرف فإن كان جاهلياً ملك بالإحياء وإلا فمال ضائع ؛ فالأقسام خمسة اه م د . قوله : ( فإن جرى عليه ) أي ما ذكر من الأرض . وفي نسخة : ( عليها ) والمراد علم وتحقق . قوله : ( فهو لمالكه ) أي إن عرف .
فرع : لو ركب الأرض ماء أو رمل أو طين فهي على ما كانت عليه من ملك أو وقف فإن كان ذلك الرمل مثلاً مملوكاً فلمالكه أخذه وإن لم ينحسر عنها ، ولو انحسر ماء النهر عن جانب منه لم يخرج عن كونه من حقوق المسلمين العامة ، وليس للسلطان إقطاعه أي إعطاؤه لأحد كالنهر وحريمه . ولو زرعه أحد لزمه أجرته لمصالح المسلمين ، ويسقط عنه قدر حصته إن كانت له في مال المصالح . نعم للإمام دفعه لمن يرتفق به بما لا يضر المسلمين ، ومثله ما ينحسر عنه الماء من الجزائر في البحر ويجوز زرعه ، ونحوه لمن لم يقصد إحياءه ولا يجوز فيه البناء ولا الغراس ولا ما يضر المسلمين ، هذا ما اعتمده شيخنا تبعاً لشيخنا م ر ، وبالغ في الإنكار على من ذكر شيئاً مما يخالفه اه ق ل .(3/599)
"""""" صفحة رقم 600 """"""
قوله : ( أو اقتراضه على بيت المال ) بأن يجعله في بيت المال قرضاً عليه فهو قرض حكمي . والمراد بقوله : ( أو اقتراضه ) أي اقتراض ثمنه لا اقتراض العقار إذ لا يقترض . قوله : ( إلى ظهور مالكه ) أي إن رجى وإلا كان ملكاً لبيت المال فله إقطاعه رقبة أو منفعة إن لم يبع ، لكن يستحق في الأخير الانتفاع به مدة الاقطاع خاصة . ويؤخذ مما ذكر ما عمت به البلوى من أخذ الظلمة المكوس وجلود البهائم ونحوها كالأكارع التي تذبح وتؤخذ قهراً ، وتعذر ردّ ذلك لهم بأعيانهم لجهلهم وهو صيرورتها لبيت المال ، فيحل بيعها وأكلها كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ؛ شرح م ر ملخصاً . قلت : هذا ظاهر في غير الجلود والأكارع والرؤوس ونحوها ، فإن أصحابها مضبوطة معلومة يعلم كل واحد منهم ماله ، وبفرض عدم علمه بذلك صار مشتركاً فلا يجوز بيعه ولا أكله على الوجه الذي ذكره فإنه بناه على التعذر ولا تعذر . صرح بذلك كله سم متعقباً شيخه م ر اه أج .
قوله : ( نعم إن كان ببلادهم الخ ) هذه العبارة تقدمت فهي مكررة . قوله : ( حريم الخ ) سمي بذلك لتحريم التصرف فيه لغير صاحب الدار سم . قوله : ( لأنه مملوك ) أي كالمملوك ، ومن ثم قال ق ل : فيه تجوّز ، والمراد أنه يستحق الانتفاع به وليس له منع غيره من الانتفاع به بما لا يضر مالك العامر . قوله : ( فالحريم لقرية الخ ) وحريم النهر كالنيل ما تمس الحاجة له لتمام الانتفاع به وما يحتاج له لإلقاء ما يخرج منه فيه لو أريد حفره أو تنظيفه فيمتنع البناء فيه ولو مسجداً ويهدم ما بني فيه كما نقل عن إجماع الأئمة الأربعة ، ولقد عمت البلوى بذلك في مصرنا حتى ألف العلماء في ذلك وأطالوا لينزجر الناس فلم ينزجروا ولا يغير هذا الحكم كما أفاده الوالد رحمه الله وإن بعد عن الماء بحيث لم يصر من حريمه لاحتمال عوده إليه . ويؤخذ من ذلك أن ما كان حريماً لا يزول وصفه بزوال متبوعه ، ويحتمل خلافه اه شرح م ر . وقوله : ( ولو مسجداً ويهدم ) قال الشيخ في حاشيته : ومع وجوب هدمه لا تحرم الصلاة فيه ؛ لأن غاية أمره أنها صلاة في حريم النهر وهي جائزة بتقدير عدم البناء ، فمع وجوده كذلك ، أي لأنه مأذون فيه من واضعه ؛ ومعلوم أن وقف البناء غير صحيح لاستحقاقه الإزالة . وبقي ما إذا مات الواضع هل يعتبر إذن كل من آل إليه إرث ذلك أو علم رضاه إذ لم يخرج عن الملك بالوضع المذكور كما هو ظاهر ؟ ينبغي نعم ، كذا ظهر لي فليتأمل . ثم قال الشيخ : وعليه فلو كان للمسجد المذكور إمام أو غيره من خدمة المسجد أو ممن له وظيفة فيه كقراءة ينبغي استحقاقهم المعلوم كما في المسجد الموقوف وقفاً صحيحاً ، لأن القراءة والإمامة ونحوهما لا تتوقف على(3/600)
"""""" صفحة رقم 601 """"""
مسجد واعتقاد الواقف صحة وقفيته مسجداً لا يقتضي بطلان الشرط ، وتصح فيه الجمعة لأنه يشترط لجواز القصر مجاوزة محله فهو كساحة بين الدور فاحفظه فإنه مهمّ اه . وقوله : ( ينبغي استحقاقهم المعلوم ) لا يخفى أن محل استحقاقهم له من حيث الشرط إذا كان الواقف يستحق منفعة ما جعل المعلوم منه ، أما إذا كان لا يستحق ذلك بأن جعل المعلوم من أماكن بجوانب المسجد أو أسفله في الحريم أيضاً كما هو واقع كثيراً فلا يخفى أنه لا دخل لشرط الواقف فيه لعدم استحقاق وقفيته ، ثم إن كان من له المعلوم ممن يستحق في بيت المال جاز له تعاطيه لأن منفعة الحريم تصرف لمصالح المسلمين كما صرحوا به ، وإن لم يكن ممن يستحق في بيت المال فلا يجوز له تعاطيه اه رشيدي على م ر .
قوله : ( محياة ) لا حاجة إليه بل هو مضر ؛ لأنه يوهم أن المملوكة لا حريم لها ق ل ، أو لأن مثلها المملوكة فليس قيداً . وإنما قيد به لأن الكلام في الإحياء . قوله : ( ناد ) بالتخفيف . قوله : ( للحديث ) وإن لم يتحدثوا ، وكذا يقال فيما بعده . قوله : ( ومرتكض ) أي وإن لم يكن لهم خيل ؛ لأنه ربما حدث لهم ذلك ، وكذا يقال في مناخ الإبل كما في شرح م ر . قوله : ( ومناخ ) بضم الميم . قوله : ( ومطرح رماد ) أي ما تمس الحاجة إليه ، أي بأن لا يكون ثم ما يقوم مقامه . أما لو اتسع الحريم واعتيد طرح الرماد في موضع منه ثم احتيج إلى عمارة ذلك الموضع مع بقاء ما زاد عليه فيجوز عمارته لعدم تفويت ما يحتاجون إليه ، وأما لو أريد عمارة ذلك الموضع بتمامه وتكليفهم طرح الرماد في غيره بجواره ولو قريباً منه فلا يجوز بغير رضاهم لأنه باعتيادهم الرمي فيه صار من الحقوق المشتركة . وكذا يجوز الغراس فيه بما لا يمنع من انتفاعهم بالحريم كأن غرس في مواضع يسيرة بحيث لا يفوّت منافعهم المقصودة من الحريم . وفي سم على حج فرعان : أحدهما : الانتفاع بحريم الأنهار كحافاتها بوضع الأحمال والأثقال وجعل زربية من قصب ونحوه لحفظ الأمتعة فيها كما هو الواقع اليوم في ساحل بولاق ومصر القديمة ونحوها ، ينبغي أن يقال فيه إن فعله للارتفاق به ولم يضر بانتفاع غيره ولا ضيق على المارة ونحوهم ولا عطل أو نقص منفعة النهر كان جائزاً ولا يجوز أخذ عوض منه على ذلك وإلا حرم ولزمته الأجرة للمصالح . والثاني : ما يحدث في خلال النهر من الجزائر ، والوجه الذي لا يصح غيره خلافاً لما وقع لبعضهم امتناع أحيائها لأنها من النهر أو حريمه لاحتياج راكب البحر والمار به للانتفاع بها لوضع الأحمال والاستراحة والمرور ونحو ذلك ، بل هي أولى بمنع إحيائها من الحريم الذي يتباعد عنه الماء ، وقد تقرر عن بعضهم أنه لا يتغير حكمه بذلك اه م ر . وهل يتوقف الانتفاع بها على إذن الإمام أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني فلا إثم بذلك وإن لزمت الأجرة اه ع ش على م ر .(3/601)
"""""" صفحة رقم 602 """"""
قوله : ( ونحوها ) بالرفع عطف على ( ناد ) ومنه مرعى البهائم إن قرب عرفاً واستقل كما قاله الأذرعي ، وكذا إن بعد ومست حاجتهم له ولو في بعض السنة فيما يظهر ، ومثله في ذلك المحتطب . وليس لأهل القرية منع المارة من رعي مواشيهم في مرافقها المباحة شرح م ر . وقوله : ( واستقل ) أي بأن كان مقصوداً للرعي بخلاف ما إذا لم يستقل مرعى وإن كانت البهائم ترعى فيه عند الخوف من الإبعاد اه رشيدي . قوله : ( موضع نازح ) وهو الشخص القائم على رأس البئر ليستقي كما قاله الخطيب على المنهاج ، قال م ر : وهل يعتبر قدر موقف النازح من سائر جوانب البئر أو من أحدهما فقط ؟ الأقرب اعتبار العادة في مثل ذلك المحل . قوله : ( ونحوهما ) بالرفع عطف على موضع ، أي نحو موضع النازح وموضع الدولاب . قوله : ( ومتردد الدابة ) بصيغة اسم المفعول ، أي محل ترددها وهوالمسمى بالمدار . قوله : ( لبئر قناة ) قال الشرنبابلي : الإضافة بيانية ، وقال بعضهم : بئر القناة حفرة في الأرض تنبع منها عين وتسيل في القناة ، وقال ع ن : بأن كان الماء يأتي في تلك القناة إلى تلك البئر فيجتمع فيها ثم يعلو ويطلع . قوله : ( انهيارها ) أي سقوطها . قوله : ( والحريم ) أي لدار أحييت في موات وأما ما بين الأزقة فلا يختص بدار دون أخرى فهو مشترك كالشارع كما قرره شيخنا العزيزي . قوله : ( وفناء ) بكسر الفاء والمدّة أي ما حواليها . قوله : ( ولا حريم لدار ) فيه تناف لأنه نفي الحريم ، ثم أثبته بقوله : لأن ما يجعل الخ ، فإن ذلك يقتضي أن هناك حريماً . ويجاب بأن المنفي في الأوّل الاختصاص والثابت المشترك والتقدير ، ولا حريم مختص أي بل مشترك لأن ما يجعل الخ . قوله : ( معاً ) أو جهل الحال م ر . قوله : ( وإن أدى ) أي ما تصرف فيه عادة . والحاصل أنه يمنع ما يضر بالملك دون المالك كتأذيه برائحة المدبغة ودخان الحمام ونحوهما . واختار الروياني في الجمع أن الحاكم يجتهد ويمنع مما ظهر فيه قصد التعنت ، ومنه إطالة البناء ومنع الشمس والقمر وهو حسن . واختار ابن الصلاح وابن رزين في فتاويهما منعه من كل موذ لم تجر به العادة ، اه إسعاد اه زي .(3/602)
"""""" صفحة رقم 603 """"""
قوله : ( أو حشّ ) هو بيت الخلاء ، وهو بفتح الحاء وضمها اه مختار ع ش . قال في التقريب الحش البستان ، وإنما سمي حشاً لأن العرب كانوا يتغوطون فيه فلما اتخذوا الكنف وجعلوها خلفاً عنه أطلقوا عليها ذلك الاسم . قوله : ( فإن جاوز العادة ) مفهوم قوله : ( عادة ) . قوله : ( فيما ذكر ) أي في ملكه . قوله : ( ضمن ) أي ما تولد منه قطعاً أو ظناً قوياً ، كأن شهد به خبيران لتقصيره ؛ ولهذا أفتى الوالد بضمان من جعل داره بين الناس معمل نشادر وشمه أطفال وماتوا بسبب ذلك لمخالفته العادة ، شرح م ر . ومثله فتح السراب فيضمن السراباتي ، أي إذا كان بغير إنذار ، فإن أنذر ولو بوكيله فلا ضمان عليه ، فإن قصر الوكيل كان الضمان على الوكيل ، ومثل ذلك إطفاء الجير ومعمل بارود . والضابط : أنه يمنع مما خالف العادة مما يضر دون ما هو على العادة . وإذا عمل شخص طعاماً وكانت تتأذى منه حامل كسمك وجب عليه أن يدفع لها شيئاً منه ، لكن لا مجاناً بل بثمنه ، ومثله في الضمان كل ما له رائحة ويتلف به شيء فإنه يضمن لتقصيره ، اه عبد ربه الديوي . وينفع الحامل من شمّ الأطعمة المضرة في الإجهاض أو شم السراب أو الجير أن تحرق قطعة خرقة من صوف وتشمها ، فإن ذلك نافع من الإجهاض . قوله : ( بما جاوز فيه ) أي بسبب ما جاوز الخ ، أو الباء زائدة كما سقطت من شرح المنهج . قوله : ( وله أن يتخذ الخ ) منه ما لو اتخذه مسجداً وحماماً وخاناً وسبيلاً وهو في درب منسدّ وإن لم يأذن الشركاء كما اعتمده ابن حج في شرح الإرشاد واعتمده زي في حاشيته خلافاً لما في الإسعاد اه أج . قوله : ( بزازين ) جمع بزاز نسبة إلى البز بالفتح ، وهو نوع من الثياب ، وقيل : الثياب خاصة من أمتعة البيت ، وقيل : أمتعة التاجر من الثياب اه مصباح . قوله : ( جدرانه ) أي كلاًّ منها . قوله : ( لأن ذلك لا يضر الملك ) عبارة م ر لتصرفه في خالص ملكه ولما في منعه من الإضرار به .
قوله : ( وصفة الإحياء الخ ) مبتدأ ، وقوله : ( ما كان الخ ) واقعة على فعل ، وجملة : ( كان عمارة ) في محل رفع صفة لما . قوله : ( يعدّ مثله ) بالبناء للفاعل وفاعله ضمير يعود للعرف ،(3/603)
"""""" صفحة رقم 604 """"""
ومفعوله محذوف ، والتقدير : يعد العرف مثله عمارة . قوله : ( عمارة ) بالنصب خبر كان ؛ لأن اسمها ضمير يعود على ( ما ) . قوله : ( للمحيا ) هو بفتح التحتية بعد الحاء المهملة على اسم المفعول . قوله : ( وضابطه ) أي الإحياء . قوله : ( تحويط للبقعة ) : وهو أن يجعل للبقعة أربع حيطان . قوله : ( بحسب العادة ) ولا يكتفي بمجرد التحويط بل لا بد من البناء كما هو العادة في المسكن ؛ ولو شرع في الإحياء لنوع فأحياه لنوع آخر كأن قصد إحياءه للزراعة بعد أن قصده للسكنى ملكه اعتباراً بالقصد الطارىء ، بخلاف ما إذا قصد نوعاً وأحياه بما لا يقصد به نوع آخر كأن حوّط البقعة بحيث تصلح زربية بقصد السكنى لم يملكها ، خلافاً للإمام اه أج . وعبارة العبادي : وما تقرر من أن صفة الإحياء مختلفة باعتبار ما يقصده المحيي مما اتفق عليه طرق الأصحاب كما قاله الشيخان ، وزاد الإمام شيئين : أحدهما : أن القصد إلى الإحياء هل يعتبر لحصول الملك فقال ما لا يفعله في العادة إلا المتملك كبناء الدار واتخاذ البستان يفيد الملك وإن لم يوجد قصد وما يفعله المتملك وغيره كحفر البئر في الموات وكزراعة قطعة من الموات اعتماداً على ماء السماء إن انضم إليه قصد أفاد الملك وإلا فوجهان أصحهما أنه لا يفيده ، وما لا يكتفي به المتملك كتسوية موضع النزول وتنقيته عن الحجارة لا يفيد الملك وإن قصده .
قوله : ( وفي زريبة للدواب ) الزريبة في الأصل حظيرة الغنم . والمراد بها هنا العموم لجميع الحيوانات ، وجمعها زرائب مثل كريمة وكرائم اه مصباح . قوله : ( ونصب ) بالرفع ، وكذا سقف والمراد بنصب الباب تركيبه . قوله : ( سعف ) هو جريد النخل زي . وعبارة المصباح : السعف أغصان النخلة ما دامت بالخوص ، فإن زال الخوص عنها قيل له جريد والواحدة سعفة مثل قصب وقصبة . قوله : ( مزرعة ) بفتح الراء أفصح من ضمها وكسرها ، فهو مثلث الراء . قوله : ( وكسح مستعل ) أي إزالته . قوله : ( وتهيئة ماء لها ) بشق ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة إن لم يكفها مطر معتاد ، وإلا فلا حاجة إلى تهيئة ماء ، فلا تعتبر الزراعة لأنها استيفاء منفعة وهو خارج عن الإحياء ، وكما لا يشترط في إحياء المسكن أن يسكنه ، فإحياء المزرعة يتوقف على ثلاثة أشياء أو أربعة . قوله : ( ولو بجمع الخ ) فأحدهما أعني التحويط أو(3/604)
"""""" صفحة رقم 605 """"""
الجمع كاف ، خلافاً لما يقتضيه كلام المنهاج من اشتراط الجميع بينهما . قوله : ( وتهيئة ماء له ) إن لم يكفه مطر كالمزرعة ، م ر . قوله : ( ليقع على الأرض ) وبهذا فارق عدم اعتبار الزرع في المزرعة . قال الأذرعي : والوجه اعتبار غرس يسمى به بستاناً ، فلا تكفي شجرة ولا شجرتان في المكان الواسع . قوله : ( ما يقدر الخ ) وأما لو شرع فيما لا يقدر على إحيائه أو زاد على كفايته فلغيره أن يحيي الزائد . قوله : ( أو أقطعه له إمام ) أي لا لتمليك رقبته ، أما لو أقطعه لتمليك رقبته فإنه يملكه ، ذكره النووي . وسكتوا عن الإقطاعات المعروفة للجندي في أرض عامرة للاستغلال بحيث تكون منافعها له ما لم ينزعها الإمام منه ، وسكتوا عن ملكه المنفعة ؛ لكن في فتاوى النووي جواز إجارتها ، وقضيته أن الجندي ملك المنفعة ، قال بعضهم : وما يحصل للجندي من الفلاح من مغلّ وغيره فحلال بطريقه اه زي بأن كان باختياره .
فرع : في فتاوى السيوطي رجل بيده رزقة اشتراها ثم مات فوضع شخص يده عليها بتوقيع سلطاني فهل للورثة منازعته . الجواب : إن كانت الرزقة وصلت إلى البائع الأول بطريق شرعي بأن أقطعه السلطان إياها أي ملكه إياها ومنع منه غيره وهي أرض موات فهو يملكها ويصح منه بيعها ويملكها المشتري منه ، وإذا مات فهي لورثته ، ولا يجوز لأحد وضع اليد عليها لأمر سلطاني ولا غيره . وإن كان السلطان أقطعه إياها وهي غير موات كما هو الغالب الآن فإن المقطع لا يملكها بل ينتفع بها بحسب ما يقرها السلطان وللسلطان انتزاعها متى شاء ولا يجوز للمقطع بيعها ، فإن باع ففاسد . وإذا أعطاها السلطان لأحد نفذ ولا يطالب اه . وأقول : ما تضمنه كلامه من أن إقطاع السلطان لغير الموات لا يكون على وجه التمليك ممنوع كما يعلم من كلام الشارح ، وحينئذ فإذا أقطعه غير الموات تمليكاً فينبغي أن يجري فيه ما ذكره المجيب في الشق الأوّل اه سم على حج . وبقي ما لو شك هل هو إقطاع تمليك أو إرفاق ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ؛ لأن الأصل عدم التمليك ع ش على م ر .
قوله : ( فمتحجر ) أي مانع لغيره منه بما فعله م ر ، ولكن ينافيه قوله : ولكن لو أحياه آخر ملكه إلا أن يقال مانع من جواز الإقدام على إحيائه اه قال ع ش : وهل يلزم الثاني للأوّل شيء في مقابلة آلاته وما صرفه عليه أو لا ؟ والظاهر أنه لا يلزمه شيء ، بل عليه أن يقول خذ بناءك أو اتركه ، فإذا تراضيا على شيء فلا بأس به اه . قوله : ( لو أحياه آخر ملكه ) إلا أنه يأثم . قوله : ( فإن استمهل ) أي طلب الإمهال . قوله : ( مدّة قريبة ) أي يتأتى فيها العمارة عادة(3/605)
"""""" صفحة رقم 606 """"""
يقدّرها الإمام برأيه ، فإن مضت ولم يشتغل بالعمارة بطل حقه ؛ شرح المنهج . قوله : ( بلا علاج ) أي بعد الوصول إليه بنحو حفر . سم . قوله : ( كنفط ) بكسر النون أفصح من فتحها : ما يرمى به كالبارود . قوله : ( وكبريت ) بكسر أوّله ، وهي عين تجري تضيء في المعدن فإذا فارقه وجمد ماؤها زال ضوؤه وصار كبريتاً أحمر وأبيض وأصفر وكدراً ، والأحمر منه يضرب به المثل في العزّة فيقال : أعزّ من الكبريت الأحمر ؛ زيادي . ويقال إن معدنه بلاد وادي النمل الذي مرّ به سيدنا سليمان صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء اه زي . قوله : ( وقار ) أي زفت . قوله : ( وموميا ) بضم أوّله يمدّ ويقصر ، وهو شيء يلقيه البحر إلى الساحل فيجمد ويصير كالقار ، وقيل : حجارة سود باليمن ومنه نوع من عظام موتى الكفار وهو متنجس اه م ر . قوله : ( إنما يملك المعدن الباطن ) المعتمد أنه لا فرق بين المعدن الظاهر والباطن في حالة العلم والجهل ، فإن علمهما لم يملكهما ولا بقعتهما وإن جهلهما ملكهما وبقعتهما زي . ووقع السؤال عن المعدن الباطن كالملح ونحوه إذا كان لا يحصل منه شيء إلا بعمل ، واعتاد الولاة الاستيلاء عليه بحيث إذا هلك الوالي المستولي عليه خلفه من بعده فمرّة يستأجر الوالي عمالاً يعملون في المعدن المذكور ومرة يكرههم على العمل بغير أجرة فلمن يكون المتحصل من المعدن للوالي أم للعمال . ولو جاء رجل لص وأخذ من المعدن بنفسه فهل يملكه ؟ فأجاب ابن حجر بأن من أخذ من معدن شيئاً لم يره غيره ملكه ما لم ينو به غيره بالنسبة لغير الأجير بأن نوى نفسه أو أطلق وما لم ينو نفسه بالنسبة للأجير اه عناني اه . قوله : ( صاحب التنبيه ) هو أبو إسحاق الشيرازي .
قوله : ( لفساد قصده ) أي بسبب منعه للغير من هذا الأمر العام النفع كالماء ، فهذا في الحقيقة علة فساد قصده . وقوله : ( لأن المعدن ) أي هذه البقعة لا يتخذ داراً أي لأن ما فيها عام النفع كمحل المياه المباحة كنيل مصر ، شيخنا . قوله : ( ولا بستاناً ) فيه أن الكلام في البقعة وهي يمكن اتخاذها داراً مثلاً ، إلا أن يقال المعنى لا تتخذ أي عادة . قوله : ( والمياه المباحة ) دخول على كلام المتن ؛ لأن المتن بين حكم الماء المملوك الفاضل عن حاجته ، فكمل الشارح الفائدة ببيان حكم الماء المباح .(3/606)
"""""" صفحة رقم 607 """"""
قوله : ( في الماء ) أي ماء السماء وماء العيون التي لا مالك لها ، والكلأ مراعي الأرض التي لا مالك لها ، والنار التي ضربت في حطب مباح اه ح ل . أما المملوك فالجمر نفسه لا يجوز الأخذ منه بغير إذن ، وأما الجرم المضيء فالوجه عدم منع من يقتبس منه ضوءاً زي وسيأتي . قوله : ( فضاق الخ ) خرج ما إذا كان يفي بالجميع ، فيسقي من شاء منهم متى شاء شرح المنهج . قوله : ( سقي الأعلى ) أي الأوّل ، فالأوّل حال الإحياء كما عبر به في المنهج فإنه قال عقب ( فضاق الماء عنهم ) وبعضهم أحيا أوّلاً سقي الأوّل فالأوّل أي وإن زاد على مرة ؛ لأن الماء ما لم يجاوز أرضه هو أحق به ما دامت له حاجة ، وإن هلك زرع الأسفل قبل انتهاء النوبة إليه ، فإن أحيوا معاً أو جهل السابق أقرع ، قال ق ل : وإنما عبر بالأعلى لأن الغالب أن المحيي يحرص على القرب من الماء م د . ومحل الإقراع في ذلك إذا استووا في القرب إلى الماء ، أما إذا قرب أحدهم إلى الماء فهو الأحق بالسقي . قوله : ( حتى يبلغ الكعبين ) أي إن احتيج إلى ذلك ح ل . وقال ق ل : قوله : ( حتى يبلغ الكعبين ) ليس قيداً بل المعتبر ما جرت به العادة . قوله : ( وما أخذ ) الأخذ قيد معتبر ، وخرج به الماء الداخل في نهر حفره فإنه باق على إباحته ، لكن مالك النهر أحق به كالسبيل يدخل في ملكه ؛ شرح المنهج وقوله : أو حفرة أي بملكه ، فإنه باق على إباحته ، فإن سدّ عليه مثلاً أو قصد تملكه ملكه ق ل . قوله : ( من هذا الماء ) وكذا غيره من المباحات . قوله : ( أو بركة ) قال في المصباح : بركة الماء معروفة والجمع برك مثل سدرة وسدر اه . وفي حاشية ع ش على المنهج أن السيوطي نقل عنه أن فيها لغة بضم الباء . قوله : ( أو نحو ذلك ) كيد ولو ردّه إلى محله لم يصر شريكاً به بل هو على إباحته ، أي فهو باق على إباحته ، ولا يحرم إعادته للماء على الأوجه عند شيخنا اه ح ل . وقال الخطيب : وسئلت عن شخص أخذ ماء من النهر ثم صبه فيه هل يحرم عليه ذلك لأنه إضاعة مال ؟ فتوقفت في ذلك مدّة طويلة ، ثم ظهر لي أنه لا يحرم لأنه هناك من يقول بأن ماء النهر لا يملك ولأن الماء المصبوب موجود في النهر لم يتلف . قوله : ( بلا للارتفاق ) أي الانتفاع . قوله : ( حتى يرتحل ) فإذا ارتحل صار كغيره فيسقط حقه وإن عاد إليها ، كما لو حفرها بقصد ارتفاق المارّة أو لا بقصد شيء فإنه فيها كغيره كما فهم من ضمير لارتفاقه ؛ شرح(3/607)
"""""" صفحة رقم 608 """"""
المنهج . قوله : ( للتملك ) أي بقصده . قوله : ( ويجب عليه ) أي على مالك الماء ق ل . وفيه قصور ، والأولى قول سم على مستحقه كأن حفر بئراً في موات للتملك أو في ملكه أو انفجر فيه عين أو اختصاص كأن حفرها في موات للارتفاق بها . قوله : ( بذل الماء ) أي التمكين منه بأن يخلي بينه وبينه والماء قيد ، وخرج الدلو ونحوه فلا يجب . وقوله ( بثلاثة ) الأولى حذف التاء . قوله : ( بل بستة ) ونظمها المدابغي بقوله :
وواجب بذلك للما الفاضل
لحرمة الروح بلا مقابل
إن كان في بئر ونحوها وثم
كلأ مباح قد رعاه المحترم
ولم يكن ماء مباح والضرر
قد انتفى عن صاحب الما في الشجر قوله : ( وزرعه ) اقتضى هذا تقديم زرع صاحب الماء على نفس غيره وماشيته ، والأوجه تقديم ذي روح لغيره على زرعه عند الاضطرار ق ل . قوله : ( من الآدميين ) أي وغيرهم ، بدليل إخراج الكلب العقور بعد من غير المحترم . قوله : ( وقوله : الخ ) مبتدأ خبره يؤخذ من قوله أي يجب تقديره ، معناه يجب ، فهو مأخوذ من لفظ ( أي ) لأنها مؤولة بمعناه شيخنا . قوله : ( أو لبهيمته ) خرج به زرع الغير ، فلا يجب بذل الماء لأجله مطلقاً كما سيذكره ق ل . قوله : ( لتمنعوا ) متعلق بالمنفي واللام للعاقبة ، والمعنى إن منعتم فضل الماء ترتب عليه منع الكلأ ؛ وذلك لأن الدابة إذا عطشت لا تأكل وهي عطشانة ، وذلك لأن العطش يسدّ منافس شهوة الأكل وقد يجد الإنسان ذلك عند ما يقوم به العطش لوجود الحرارة الحاصلة من العطش ومثل(3/608)
"""""" صفحة رقم 609 """"""
العطش حرارة الحر أو البرد أو تعب أو مرض ، شيخنا . قوله : ( وكذا تارك الوضوء ) كأن معناه أنه يصلي بلا طهارة ، فهو في معنى تارك الصلاة ، فلا يجب بذل الماء له لإهداره . فإن قلت : يلزم من ترك الوضوء ترك الصلاة فلم فصله عنها وقال في الأصح ؟ قلت : لعلّ صورته أن يصلي بالتيمم مع وجود الماء بغير عذر ، فيكون له شبهة حيث استعمل أحد الطهورين . قوله : ( والبهيمة ) مبتدأ وقوله محترمة خبر وقوله إذا وطئت معترض بينهما أي وطئها آدمي . قوله : ( لا تذبح ) أي بسبب الوطء ، أي لا يجب ذبحها بل يستحب خلافاً لبعض الأئمة القائل بوجوب ذبحها ستراً على الواطىء كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( فلا يجب بذل فضله ) أي مجاناً ، وإلا فيجب بذله للمضطر بعوض . قوله : ( أن يكون الخ ) هل هذا قيد معتبر فلا يجب بذل ذلك لحيوان يعلف بعلف مملوك أو يرعى في كلأ مملوك ، ولعله لأنه مقصر حيث لم يعدّ الماء أي يهيىء الماء كالعلف مثلاً ح ل وشرح م ر كالشارح ، واستظهر الرشيدي أنه أي المباح ليس بقيد فليراجع . قوله : ( لخبر الصحيحين ) أتى به للاستدلال على هذا الشرط وإن تقدم . قوله : ( على صاحب البئر ) الأولى الماء . قوله : ( ولا ماشية ) كنطحها . قوله : ( استقاء فضل الماء ) بأن ينقلوه لها .(3/609)
"""""" صفحة رقم 610 """"""
قوله : ( كسائر المملوكات ) أي فإنه لا يجب بذلها للغير مجاناً . قوله : ( ولا يجب بذل فضل الكلأ ) هذا خارج بقوله ( الماء ) . قوله : ( من ورود البئر ) أي أو نحوه من العين كما سلف . قوله : ( وإن صح بيع الطعام ) لأن الطعام يتمول . قوله : ( ولا يجب على الخ ) هذا خارج أيضاً بقوله ( الماء ) .
قوله : ( تتمة الخ ) فيها مسائل خمسة : الأولى : تقدير الماء بكيل أو وزن . الثانية : جواز الشرب من الجداول الخ . الثالثة : كيفية قسمة الماء المشترك . الرابعة : لو غصب ماء . الخامسة : لو أشعل ناراً في حطب مباح الخ والاصطلاء التدفي والاستصباح الإسراج .
قوله : ( وبين جواز الشرب من ماء السقاء ) أي حيث لم يكن مشروطاً بريّ الآدمي ، وإلا فلا يجوز أيضاً كما قاله : ق ل . قوله : ( من الجداول ) جمع جدول وهو النهر الصغير ، فعطف الأنهار عطف عام على خاص . قوله : ( متساوية ) أي إن تساوت الحصص وقوله أو متفاوتة ، أي إن تفاوتت الحصص فالذي له فدانان ثقبته قدر ثقبة الذي له فدان مرتين . قوله : ( وتحلل من صاحب الماء ) أي طلب منه أن يبرىء ذمته وأن يسامحه .(3/610)
"""""" صفحة رقم 611 """"""
قوله : ( كانت الغلة أطيب ) انظر ما معنى الأطيبية ، فإن الحل يحصل برد البدل إليه ق ل . وقد يقال : للتحلل فائدة وهي أنه لا يبقى في النفس شيء فلا يزول إلا بالتحلل .
3 ( ( فصل : في الوقف ) ) 3
ذكره عقب إحياء الموت لمناسبته له في أن الأول إثبات ملك وإحداثه وفي الثاني إزالة ملك ومن جملة العلاقات الضدية ، والوقف ليس من خصائص هذه الأمة كما قاله م ر وقال الحافظ في الفتح : وأشار الشافعي إلى أن الوقف من خصائص أهل الإسلام أي وقف الأرض والعقار ، قال : ولا يعرف أن ذلك وقع في الجاهلية اه وفي الخصائص وشرحها : واختص وأمته بالأشهر الهلالية وبالوقف على جهة عامة أو خاصة ، قالوا : الوقف مما اختص به المسلمون ، قال : الشافعي لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمت إنما حبس أهل الإسلام ، يعني تحبيس الأراضي والعقار على هذا الوجه المعروف ، وإلا فقد ورد أن الملل السابقة كانوا يحبسون أموالاً لا يبينون لها مصرفاً بل الوقف شهير بين أكثر الملل ، فقد نقل المقريزي وغيره أن الروم تزعم أن بلاد مقدونية بأسرها من إسكندرية إلى الصعيد الأعلى وقف في القديم على الكنيسة العظمى التي بالقسطنطينية ومقدونية باللسان العبراني مصر . وذكر بعضهم أنه كان بمدينة سومان من بلاد الهند صنم له من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف قرية يصرف ريعها على ألف رجل من البرهميين يعبدونه . فمراد إمامنا رضيّ الله تعالى عنه أن الوقف على هذا الوجه المعروف الآن حقيقة شرعية ، ومن هذا التقدير استبان أن الوقف ليس من خصوصياتنا خلافاً للمؤلف ومن تبعه ، ومما يرشدك إلى ذلك تصريح بعضهم بأن أوقاف الخليل عليه الصلاة والسلام باقية إلى الآن اه مناوي . قوله : ( حبسته ) بتشديد الباء . قوله : ( وأما حبس ) أي بالتخفيف ، وأما بالتشديد فلا رداءة فيه أ ج . قوله : ( حبس مال الخ ) اشتمل هذا التعريف على الأركان ، لأن مالاً هو الموقوف . وقوله ( على مصرف ) هو الموقوف عليه ، والحبس يتضمن حابساً وهو الوقف ويتضمن صيغة . والمراد بقوله ( مال ) أو عين معينة متمولة بشرطها الآتي ،(3/611)
"""""" صفحة رقم 612 """"""
وليس المراد بالمال عين الدراهم والدنانير لأنها تنعدم بصرفها فلا يبقى لها عين موجودة . قوله : ( بقطع ) متعلق بقوله ( حبس ) والمراد بالقطع المنع ، والباء للملابسة أو للتصوير ، يعني أن الحبس مصوّر بقطع الخ أو ملتبس به ، وقوله ( على مصرف ) متعلق بحبس أيضاً . قوله : ( لما سمعها رغب الخ ) كذا قالوه ، وهو مشكل فإن الذي في حديثه في الصحيحين : ( وإن أحبّ أموالي إلي بيرحا وإنها صدقة لله تعالى ) وهذه الصيغة لا تفيد الوقف لشيئين : أحدهما أنها كناية فتتوقف على العلم بأنه نوى الوقف بها ، لكن قد يقال سياق الحديث دالّ على أنه نواه بها . ثانيهما ، وهو العمدة : أنهم شرطوا في الوقف بيان المصرف فلا يكفي قوله لله عنه بخلافه في الوصية كما يأتي مع الفرق ، فقوله ( صدقة لله عز وجل ) لا يصلح للوقف عندنا وإن نواه ، وحينئذ فكيف يقولون إنه وقفها ؟ فهو إما غفلة عما في الحديث أو بناء على أن الوقف كالوصية اه حج مرحومي . وفي شرح سم : وخرج بكونه على أصل وفرع ما إذا لم يكن كذلك بأن لم يبين الموقوف عليه ، كوقفت هذا مقتصراً عليه فهو باطل ، قال السبكي : ومحل البطلان إذا لم يقل لله وإلا فيصح لخبر أبي طلحة : ( هي صدقة لله ) ثم يعين المصرف اه م د .
قوله : ( بيرحا ) بإضافة بئر إلى لفظ الحرف ق ل ، وفيه نظر لأن المجموع كلمة واحدة من غير إضافة : قال في النهاية بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها والمد فيهما وبفتحهما والقصر ففيها خمس لغات وهو اسم ماء وموضع بالمدينة مستقبل المسجد اه وقال الشوبري : وهي حديقة مشهورة ، وتبعه ا ج . قوله : ( ابن آدم ) عبارة م ر وحج : إذا مات المسلم انقطع الخ فلعلهما روايتان ع ش . قوله : ( انقطع عمله ) أي ثواب عمله . قوله : ( إلا من ثلاث ) هذا العدد لا مفهوم له ، فقد زيد على ذلك أشياء نظمها السيوطي فقال :
إذا مات ابن آدم ليس يجري
عليه من خصال غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل
وغرس النخل والصدقات تجري
وراثة مصحف ورباط ثغر
وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي
إليه أو بناء محل ذكر
وزاد بعضهم :
وتعليم لقرآن كريم
فخذها من أحاديث بحصر
قوله ( وعلوم بثها ) أي بتعليم أو تأليف أو تقييد بهوامش .(3/612)
"""""" صفحة رقم 613 """"""
قوله : ( أو ولد صالح ) أي مسلم يدعو له . وفائدة تقييده بالولد مع أن دعاء الغير ينفعه تحريض الولد على الدعاء لأصله . قوله : ( يدعو له ) مستعمل في حقيقته ومجازه فشمل الدعاء له بسببه . قوله : ( محمولة ) انظر ما وجه التخصيص بالوقف مع أن الصدقة الجارية أعم من ذلك . قوله : ( عند العلماء ) أي العارفين بالكتاب والسنة ، وورد في الحديث : أنه خطب للناس يوماً فقال : ( يا أيُها النَّاسُ اتّبِعُوا العلماءَ فإنّهم سُرُجُ الدُّنْيا ومَصَابِيحُ الآخِرَةِ ) عزيزي . وسرج الدنيا أي منوروها جمع سراج . وورد : ( ثلاثة تُضيءُ في الأرضِ لأهْل السَّماء كما تُضيءُ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ لأهْلِ الأرْضِ ، وهيَ المَسَاجِدُ وبَيْتُ العَالِمِ وبَيْتُ حَافِظِ القُرآنِ ) . قوله : ( على الوقف ) ويؤخذ من هذا عدم صحة الوقف على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه صدقة وهي محرمة عليهم أي فرضها ونفلها ، وأما الوقف على مصالحهم عليهم السلام فإنه يصح . قوله : ( معبراً عنه بالشرط ) فيه نظر لأنه إنما ذكر شرط الركنين وهما الموقوف والموقوف عليه ، فذكر شرطهما حقيقة ، فالركنان مذكوران ضمناً في ذكر الشرطين ، ففي قوله ( معبراً عنه بالشرط ) مسامحة لأنه يقتضي أن المتن عبر بالشروط ومراده الأركان وليس كذلك ، فكان الأولى أن يقول : وما ذكره من الشروط يتضمن بعض الأركان . قوله : ( وهذا ) أي الوقف والمراد لازمه وهو الواقف ، ففيه إطلاق المصدر وإرادة لازمه . وقال بعضهم : وهذا أي قوله مختار وهو الظاهر . قوله : ( فيصح من كافر ) ولو لمسجد وإن لم يعتقد أنه قربة اعتباراً باعتقادنا ، ولا يحكم بإسلامه لو عظم المسجد بخلاف المسلم لو عظم الكنيسة فإنه يرتد لأن الكفر يحصل بمجرد العزم والتعظيم لها من شعار الكفر ، بخلاف الإسلام لا يحصل إلا بالنطق بالشهادتين بشرطهما اه مدابغي . وهذا ، أعني قوله فيصح الخ تفريع على المنطوق . قوله : ( ومن مبعض ) أي في نوبته إن كانت مهايأة ، بخلاف العتق لا يصح منه لأنه ليس أهلاً للولاء ، وأما الوقف ففيه إخراج ملكه عنه وهو أهل لذلك فهذا هو الفرق ، والمعتمد أنه يصح منه الوقف ولو في نوبة سيده . قوله : ( لا من مكره ) تفريع على المفهوم .(3/613)
"""""" صفحة رقم 614 """"""
قوله : ( أو غيره ) كالسفه وصحة نحو وصيته ، ولو بوقف داره لارتفاع الحجر عنه بموته شرح م ر . قوله : ( ولو بمباشرة وليه ) أي كأن أذن لوليه في الوقف فباشره . قوله : ( وقوله ) مبتدأ خبره محذوف ، أي غير مستقيم . وقوله ( بثلاثة شرائط ) مقول القول ، وقوله ( ذكر أربعة ) تعليل للمحذوف أي لأنه ذكر أربعة فكيف يعدّها ثلاثة ، وسيأتي أن الحق مع المتن لأنه عدّ الثاني والثالث شرطاً واحداً .
قوله : ( وهو الركن الثاني ) فيه تناف حيث جعل الشيء الواحد ركناً وشرطاً ؛ ويمكن أن يقدر مضاف ، أي وهو شرط الركن الثاني . وبهذا يجاب عن كلام ق ل بقوله : ليس بخاف أن الركن هو ضمير يكون الراجع إلى الوقف كونه بمعنى الموقوف وأن الشرط كونه منتفعاً به فصنيعه غير مستقيم تأمل . قوله : ( أن يكون ) أي الوقف بمعنى الموقوف ، ففيه استخدام . قوله : ( مما ينتفع به ) جملة الشروط عشرة : منها اثنان مكرران وهما قوله : يفيد لا بفواته ، وقوله : نفعاً والباقي غير مكرر . قوله : ( عيناً ) حال : أي وإن لم يره الواقف فيصح وقف الأعمى ويصح وقف المغصوب من مالكه وإن عجز عن انتزاعه . قوله : ( مع بقاء عينه ) لو قدم هذا على الشرطين اللذين زادهما قبله لكان مستقيماً ، إذ هذا من تعلق الانتفاع تأمل ق ل . قوله : ( نعم الخ ) هو استثناء منقطع من مملوكاً ؛ لأن بيت المال ليس ملكاً للإمام لكن يصح الوقف منه ولو على أولاده ق ل . وحيث صح الوقف تعين الوفاء بشرط واقفه فلا يجوز أخذ المعلوم فيه إلا بالمباشرة بنفسه أو نائبه كما قاله : ق ل . قوله : ( وقف الإمام ) أي بشرط ظهور المصلحة في ذلك م ر . قوله : ( ويفيد الخ ) هذا يغني عنه قوله أن يكون مما ينتفع به مع بقاء عينه لأنه بمعناه ، وكان يمكنه أن يذكر قوله نفعاً مباحاً عقب المتن . قوله : ( لا بفواته ) معطوف على مقدر تقديره ، بذاته لا بفواته أي ذهاب عينه ، قال المدابغي وشملت عبارته المؤجر فيصح وقفه ، أي من مالكه كما صرحوا به ، وهو شامل لوقفه مسجداً ، وحينئذ يمتنع التعبد فيه بنحو صلاة أو اعتكاف بغير إذن المستأجر ويحرم المكث فيه ويكره نشد الضالة فيه ويصح الاعتكاف والتحية فيه ويصح الاقتداء مع التباعد وإن لم يأذن المستأجر ، واستحقاقه المنفعة لا يمنع من(3/614)
"""""" صفحة رقم 615 """"""
ذلك . ويمتنع فيه أيضاً ما يمتنع في المسجد كوضع النجاسات ، قال بعضهم : ويلزم من تحريم المكث فيه على الجنب والحائض تمكين المستأجر من الفسخ وفيه نظر ، ولعل الأوجه إن كان الاستئجار لما يمتنع في المسجد ثبت له الخيار وإلا فلا ، سم في شرحه اه بحروفه .
قوله : ( كوقف عبد وجحش صغيرين ) وكمن أجر أرضه لغيره ثم وقفها ، حتى لو وقفها مسجداً صح وأجري عليها حكم المسجد ، فيمنع أي المستأجر من وطء زوجته فيها ومن مكثها حال حيضها ونفاسها فيها ويثبت له الخيار وهذه ، أي الإجارة قبل الوقف ، حيلة لمن يريد إبقاء منفعة الموقوف لنفسه مدة بعد وقفه اه . قاله الزيادي . وقوله : ( ويثبت له ) أي للمستأجر ، فإن فسخ فقياس ما تقدم في الإجارة أن المنفعة تعود للواقف اه زي . قوله : ( أو منقولاً ) ويصح وقف المنقول ولو في أرض مغصوبة كالخزائن في المساجد لإمكان الانتفاع بها . نعم لا يصح وقفه مسجداً إلا إذا أثبته في محل يجوز له الانتفاع به ولا يخرج عن المسجدية بنقله ، ويحرم نقله من محله ، وهو ضعيف ق ل . ومعنى قوله ( ولا يخرج عن المسجدية ) أي من جهة أنه لا يصح التصرف فيه ببيع ولا غيره دون بقية أحكام المساجد ، حتى لو أثبت بعد ذلك لا يعود له حكم المسجد م د . وقوله ( ولا يعود ) ضعيف مبني على ضعيف وهو حرمة نقله عن محل وقفه . قوله : ( كمشاع ) كنصف دار أو نصف عبد ، فهو راجع للعقار والمنقول . قوله : ( ولو مسجداً ) راجع للمشاع وتجب قسمته من غيره حيث قلنا إنها إفراز ، وكذا إن كانت قسمة ردّ أو تعديل ، ويكون مستثنى من عدم صحة قسمة الواقف عن الملك للضرورة ، وقبل قسمته يحرم فيه ما يحرم في المساجد . وتصح فيه التحية دون الاعتكاف ؛ لأن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد الخالص ، ولا يجوز فيه التباعد عن الإمام أكثر من ثلاثمائة ذراع بين المصلين اه م د . قوله : ( بوجود الصفة ) أي من موت السيد ووجود المعلق عليه . قوله : ( ويبطل الوقف ) وإنما أبطلنا الوقف بعتقهما مع أن فيه قربة ولم نبطل العتق ونبق الوقف على صحته ، لأن الشارع متشوف إلى فك الرقاب ما أمكن . وأيضاً مقتضى العتق سابق فقدم ، ولأنه لو قيل بدوام الوقف داما على رقهما إلى الموت ولزم عليه إلغاء الصفة التي علق بها المعلق . قوله : ( بحق ) كأن وضعا بأرض مملوكة أو مستأجرة لهما وإن استحقا القلع بعد انقضاء مدة الإجارة شرح م ر ، ثم قال : فلو قلع ذلك وبقي منتفعاً به فهو وقف كما كان ، وإن لم يبق فهل يصير ملكاً للموقوف عليه أو يرجع للواقف ؟ وجهان أصحهما أولهما اه م د . وقول الجمال الإسنوي ( إن الصحيح غيرهما وهو شراء عقار أو جزء عقار يوقف مكانه ) محمول على إمكان الشراء المذكور ، وكلام الشيخين الأول محمول على عدمه ، ويلزم المالك بالقلع أرش نقصه يصرف(3/615)
"""""" صفحة رقم 616 """"""
على الحكم المذكور ، وخرج بالمستأجرة المغصوبة فلا يصح وقف ما فيها لعدم دوامه مع بقاء عينه وهذا مستحق الإزالة كما أفتى به الوالد شرح م ر قوله ( فلو وقع ذلك ) ويجوز بقاؤه بأجرة من ريعه ولا تجب هنا الخصلة الثالثة وهي تملكه بقيمته لأن الموقوف لا يباع . قوله : ( ولا ما في الذمة ) محترز ما زاده بقوله ( معيناً ) . قوله : ( وحر ) بأن يقول : أوقفت نفسي على زيد كما في الروض . أو أوقفت ولدي ، وهذا خارج بقوله مملوك . قوله : ( ومكاتب ) أي كتابة صحيحة م ر . قوله : ( ولا دراهم لزينة ) أو للاتجار فيها وصرف ربحها للفقراء زي . قال ع ش ومثلها ، يعني الدراهم ، وقف الجامكية ، لأن شرط الوقف أن يكون مملوكاً للواقف وهي غير مملوكة لمن هي تحت يده ، وما يقع من استئذان الحاكم في الفراغ عن شيء من الجامكية لتكون لبعض من يقرأ القرآن مثلاً في وقت معين ليس من وقفها بل بفراغ من هي بيده سقط حقه منها وصار الأمر فيها إلى رأي الإمام ، فيصح تعيينه لمن شاء حيث رأى فيه مصلحة . قوله : ( ولا ما لا يفيد ) كان الأولى تقديمه على قوله ( آلة لهو ) لأنه ذكر قبلها في عد القيود . وجميع الطبول جائزة إلا الدربكة ، وجميع المزامير حرام إلا النفير ، وعند الإمام مالك الطبول حرام إلا في الزواج لشهرته بخلاف الختان فيحرم فيه الطبل لعدم شهرته . قوله : ( وريحان ) وهو كل نبت غض طيب الرائحة كالورد . وعلم منه أن دوام كل شيء بحسبه لا كونه مؤبداً ، فالمراد الدوام النسبي . قوله : ( كمسك ) أي إن لم يرد للأكل وإلا فلا يصح كالطعام . وقوله ( وعنبر ) أي للشم لا للبخور به وقوله ( وريحان ) أي للشم لا للأكل . قوله : ( مزروع ) فإن زالت الرائحة كان للموقوف عليه قياساً على ما لو وقف على شخص غراساً في أرض مستأجرة ثم مضت مدة الإجارة فإن الغراس يكون للموقوف عليه دون الوقف كما قرره العزيزي . قوله : ( وهو الركن الثالث ) فيه ما تقدم في الذي قبله . ويجاب بأن الشرط متضمن للركن ، فالشرط كونه على أصل موجود ، والركن الثالث هو الأصل الموجود إلا أن يقال : إنه على تقدير مضاف أي متعلق الركن الخ . قوله : ( على أصل موجود ) أي موقوف عليه متبوع بغيره وظاهر أن ( موجود ) تفسير(3/616)
"""""" صفحة رقم 617 """"""
لأصل ، وأن قوله الآتي ( لا ينقطع ) تفسير لفرع ؛ قاله ق ل . والحاصل أن قوله على أصل موجود يحتمل وجهين ، الأول : أن يكون المراد بقوله أصل موجود أي موقوف عليه معين وقوله وفرع لا ينقطع أي غير معين ، والواو بمعنى ( أو ) أي الشرط أحد الأمرين إما كونه معيناً أو كونه غير معين ، وعلى هذا يكونان شرطاً واحداً إلا أنه مردّد بين أمرين ، وهذا هو المعتمد كما يأتي . والثاني يحتمل أن يكون قوله ( موجود ) تفسيراً لأصل وقوله ( ولا ينقطع ) تفسيراً لقوله : فرع والواو على معناها ، ويكون معنى الأول يشترط في الموقوف عليه أن يكون موجوداً متحققاً عند الوقف ، فخرج منقطع الأول . ومعنى قوله ( وفرع لا ينقطع ) أن يكون الموقوف عليه دائماً فيخرج منقطع الآخر فلا يصح ، وهي طريقة ضعيفة ، والمعتمد صحته كما يأتي . وعلى هذا التقرير يكونان شرطين ، وهو ما جرى عليه صاحب الروضة ، ويشير إليه قول الشارح في محترز الأول : فلا يصح الوقف على ولده ولا ولد له الخ . وقوله في الشرط الثاني الشرط الثالث أن يكون مؤبداً على فرع لا ينقطع ، أي دائماً فيخرج منقطع الآخر . والظاهر أن المراد بالأصل الشيء الموقوف عليه أوّلاً وسماه أصلاً بالنظر لما بعده وسمي الذي بعده فرعاً لأنه فرع عنه أي متأخر عنه . قوله : ( وهو على قسمين معين وغيره ) ظاهره أنه تفسير لقوله ( أصل ) موجود . وفيه نظر من جهتين ، الأولى : أنه جعله قسمين ولم يذكر الثاني ، وأيضاً الثاني من هذين القسمين هو الثاني في المتن فكيف يكون الأول شاملاً لنفسه وللثاني ؟ فكان الأولى أن يقول قبل قول المتن ( على أصل موجود الخ ) ثم الموقوف عليه قسمان معين ، وهو ما عناه المتن بقوله ( على أصل موجود ) وغير معين وهو ما عناه المتن بقوله ( وفرع لا ينقطع ) وهذا الاعتراض على جعل الضمير راجعاً لقوله ( أصل ) موجود ويمكن رجوعه للموقوف عليه من حيث هو ويكون الشارح ترك القسم الثاني في التفصيل لكونه سيأتي في المتن . قوله : ( على معين ) ولو جماعة ، وشرط قبوله فوراً كالبيع ، وإن ردّ قبل قبوله بطل ولا يعود بعوده كالإقرار ، أو بعده لم يبطل ولا عبرة برده ق ل . ولم يأت الشارح بمقابل قوله ( فإن وقف على معين ) وهو : وإن وقف على غير معين شرط عدم المعصية كما في المنهج ، اكتفاءً بقوله الآتي : أو فرع لا ينقطع . قوله : ( إمكان تمليكه ) الأولى إمكان تملكه كما عبر به في المنهج . قوله : ( بوجوده ) أي متأهلاً للملك ، وهو متعلق من حيث المعنى بإمكان . وعبارة م ر : وإمكان تملكه بأن يوجد خارجاً متأهلاً للملك ، لأن الوقف تمليك المنفعة فلا يصح على معدوم كعلى مسجد سيبنى أو على ولده ، ولا ولد له أو على فقراء أولاده وليس فيهم فقير ، أو على القراءة على رأس قبره أو قبر أبيه الحي ؛ فإن كان له ولد أو فيهم فقير صح وصرف للحادث وجوده في الأولى أو فقره في الثانية لصحته على المعدوم تبعاً كوقفته على ولدي ثم على ولد ولدي ول(3/617)
"""""" صفحة رقم 618 """"""
ا ولد ولد له وكعلى مسجد كذا وكل مسجد سيبنى في تلك المحلة ، ولا على أحد هذين ولا على عمارة المسجد إذا لم يبنه بخلاف داري على من أراد سكناها من المسلمين ، ولا على ميت اه . وقوله أو على القراءة على رأس قبره أو قبر أبيه وهو حي أي لأنه حينئذ منقطع الأول لعدم بيان الصرف أوّلاً ؛ لأنه لا يقرأ على قبره وهو حي ، والأصح أن الوقف على معين واحد أو أكثر يشترط فيه قبوله إن كان أهلاً وإلا فقبول وليه عقب الإيجاب أو بلوغ الخبر كالهبة والوصية ، إذ دخول عين أو منفعة في ملكه قهراً بغير الإرث بعيد . وهذا هو المعتمد وإن رجح في الروضة عدم الاشتراط ، نظراً إلى أنه بالقرب أشبه منه بالعقود وعلى الأول لا يشترط قبول من بعد البطن الأول بل الشرط عدم الرد وإن كان الأصح أنهم يتلقونه من الواقف ، فإن ردوا فمنقطع الوسط ، فإن ردّ الأوّل بطل الوقف ، ولو رجع بعد الردّ لم يعد له ؛ وعلم منه أنه لو ردّ بعد قبوله لم يؤثر ولو وقف على ولد فلان ومن يحدث له من الأولاد ولم يقبل الولد لم يصح الوقف خلافاً لبعضهم شرح م ر . وقوله ( يشترط فيه قبوله ) أي ولو متراخياً وإن طال الزمن ، حيث كان الموقوف عليه غائباً فلم يبلغه الخبر إلا بعد الطول ، أما لو كان حاضراً فيشترط الفور . وقوله ( وإلا فقبول وليه ) فلو لم يقبل وليه بطل الوقف سواء كان الوليّ الواقف أو غيره ، ومن لا ولي له خاص فوليه القاضي فيقبل له عند بلوغ الخبر أو يقيم على الصبي من يقبل الوقف اه ع ش . قوله : ( وهو لا ولد له ) أما لو كان له ولد صح وصرف له أو ولد ولد صرف له أيضاً صوناً لكلام الواقف عن الإلغاء إن حمل الولد على حقيقته ، وإن حمل على الحقيقة والمجاز فالصرف لولد الولد ظاهر ، فلو صرف لولد الولد وحدث للواقف ولد فالمعتمد أنهما يشتركان زي . قوله : ( ولا فقير فيهم ) قال شيخنا والمراد بالفقير هنا من لا مال له وإن كان مكتسباً ؛ لأن مقصود الواقف إغناؤه عن الكسب لا فقير الزكاة المارّ في بابها اه أ ج . قوله : ( ولا على جنين ) لأن الوقف تسليط في الحال بخلاف الوصية ، والمراد ما دام متصلاً فلا يكون له حصة منه ما دام جنيناً ، أي فيما إذا وقف على أولاده وفيهم جنين ، نعم يدخل الجنين في الوقف على الذرية والنسل والعقب ، والفرق بينه وبين الوصية حيث تصح له قبل انفصاله أنهم لما توسعوا في الوصية وجوّزوها في الموجود والمعدوم والمعلوم والمجهول كانت أوسع باباً من الوقف . وعبارة م د على التحرير : فلا يصح الوقف على جنين بأن قال وقفت كذا على هذا الجنين ، بخلاف الوصية له لأنها تتعلق بالاستقبال والوقف تسليط في الحال ، ولا يدخل الجنين في الولد إذا قال وقفت على أولادي ولا يوقف له شيء ، فإن انفصل شارك من حين الانفصال إلا أن يكون الواقف قال الموجودين أو ذكر عددهم فلا يدخل ، نعم يدخل فيما إذا قال وقفت على أولادي ولا فرع له أصلاً ولا يدخل منفي بلعان ، فإن استلحق استحق ما مضى فيطالب(3/618)
"""""" صفحة رقم 619 """"""
به ، ويدخل الخنثى في بلد ويعطى المتيقن ولا يدخل في بنت ولا ابن ولا يوقف له شيء ، ولا يدخل ابن في بنت وعكسه فتأمل .
قوله : ( لعدم صحة تملكه ) وأما إرثه من أبيه مثلاً إذا كان موجوداً عند موت المورّث فمن باب التوسع فيه حيث ألحقوه بالحي هناك . قوله : ( وسواء أكان الخ ) أي الجنين ، وقوله ( مقصوداً ) بأن وقف عليه وحده . قوله : ( نعم إن انفصل ) أي حياً دخل معهم أي من حين انفصاله وإن لم يكن موجوداً عند الوقف ، فلو لم ينفصل أصلاً بأن ذاب في بطنها أو انفصل ميتاً فلا يدخل .
قوله : ( قد علم مما ذكر ) أي من قول المصنف ( على أصل موجود ) أو من قول الشارح اشترط إمكان تمليكه . قوله : ( فإن كان ) أي العبد له أي للواقف . قوله : ( فهو وقف على سيده ) والقبول من العبد لا من سيده كالوصية زي ، وللعبد أن يقبل فوراً وإن منعه سيده . قوله : ( وأما الوقف على المبعض الخ ) ولو وقف مالك البعض بعضه الرقيق على بعضه الحر صح ، ويصح الوقف على المكاتب فيصرف له ويستمر حكمه بعد العتق إن أطلق الوقف ، فإن قيده بمدة الكتابة كان منقطع الآخر ، فإن عجز بان أنه منقطع الأوّل اه م د ، وعبارته على التحرير : نعم يصح الوقف على مكاتب غيره بخلاف مكاتب نفسه لا يصح إن عقد وقد قيد الواقف . قوله : ( وزع على الرق والحرية ) فما خص الحرية فهو للجزء الحر فله ريعه ، وما خص الرق يكون وقفاً على رقيق فيأتي فيه تفصيله ، ومنه أن يقصده لنفسه فيبطل اه سم . قوله : ( بهيمة مملوكة ) أي أو مباحة إلا حمام مكة ، فإنه مستثنى من قولهم : لا يصح الوقف على الطيور والوحوش المباحة ، فما يفعل الآن من وقف شيء يؤخذ من غلته قمح توضع للطيور المباحة باطل اه م د . وخرج بذلك الموقوفة على نحو أرقاء خدمة الكعبة ، أو الخيل المسبلة في سبيل الله ، أو حمام مكة فهو صحيح مطلقاً ق ل . قوله : ( لم يصح الوقف ) سواء قصدها أو أطلق أو وقف(3/619)
"""""" صفحة رقم 620 """"""
على علفها ، بخلاف العبد ، والفرق أن العبد أهل لليد في الجملة أو ممن يتصور له الملك أي إذا عتق اه وقوله ( على علفها ) ضعيف والمعتمد عند م ر صحة الوقف على علفها ، وأفتى الزيادي أيضاً بالصحة . قوله : ( فيصح الوقف على علفها ) مقتضى المقابلة أن يقول فيصح الوقف عليها ؛ لأن الوقف على علف المملوكة يصح أيضاً . قوله : ( ويصح على ذمي الخ ) .
تنبيه : المراد بالذمي ومثله المعاهد والمؤمن الجنس فيصح على الذميين والنصارى ، وعبارة ح ل ويصح على يهود أو نصارى أو فساق أو قطاع طريق على المعتمد ، وفيه ما لا يخفى لأنه إعانة على معصية اه . والظاهر أن محل الصحة إذا لم يكن الوصف القائم بهم باعثاً على الوقف بأن أراد ذواتهم ، بخلاف ما إذا قال : وقفت هذا على من يفسق أو يقطع الطريق فلا يصح . قال م ر بعد كلام : ومن ثم استحسنا بطلانه على أهل الذمة والفساق لأنه إعانة على معصية ، وهو مردود نقلاً ومعنى اه وعبارة م د على التحرير : فلا يصح وقف مصحف على كافر ، وكذا مسلم ، إلا إن كان أصله أو فرعه لأنه حينئذ يملك منافعه ، فإذا ملكها زالت عنه للبعضية وفيه نظر اه ولو حارب الذمي انقطع الوقف عليه فهو منقطع الوسط أو الآخر ق ل . وقوله ( انقطع الوقف ) ظاهره وإن رجع إلى دارنا ، وقوله ( فهو منقطع الوسط ) أي إن كان وسطاً أو الآخر أي إن كان آخراً .
قوله : ( عليه ) متعلق بوقف . قوله : ( ولا وقف الشخص على نفسه ) ومن الوقف على نفسه أن يشرط أن يأكل من ثماره أو تقضى ديونه منه . ويستثنى من الوقف على النفس صور : منها ما لو شرط الواقف النظر لنفسه وجعل لذلك أجرة فيجوز على المرجح في الروضة ، وقيده ابن الصلاح بأجرة المثل وما لو وقف شيئاً على الفقراء ثم صار فقيراً كما بحثه بعضهم ، وما لو وقف على أولاد أبيه المتصفين بالفقه مثلاً وليس فيهم فقيه مثلاً غيره زي . وأفتى ابن الصلاح وتبعه جمع بأن حكم الحنفي بصحة الوقف على النفس لا يمنع الشافعي باطناً من بيعه وسائر التصرفات فيه ، قال لأن حكم الحاكم لا يمنع ما في نفس الأمر وإنما منع منه في الظاهر سياسة شرعية ويلحق بهذا ما في معناه ؛ لكن رده جمع بأنه مفرع على مرجوح وهو أن حكم الحاكم في محل اختلاف للمجتهدين لا ينفذ باطناً كما صرح به تعليله ، والأصح كما في الروضة في مواضع نفوذه باطناً ، ولا معنى له إلا ترتب الآثار عليه من حل وحرمة ونحوهما . وصرح الأصحاب بأن حكم الحاكم في المسائل الخلافية يرفع الخلاف ويصير الأمر متفقاً عليه اه شرح م ر . وقوله : ( بأن حكم الحاكم ) ولو حاكم ضرورة ، ومحل ذلك كله حيث صدر حكم(3/620)
"""""" صفحة رقم 621 """"""
صحيح مبني على دعوى وجواب ، أما لو قال الحاكم الحنفي مثلاً : حكمت بصحة الوقف وبموجبه من غير سبق دعوى في ذلك ، لم يكن حكماً بل هو افتاء مجرد وهو لايرفع الخلاف فكان لا حكم فيجوز للشافعي بيعه والتصرف فيه اه ع ش . قوله : ( مع كفرهما ) بخلاف الزاني المحصن ومن تحتم قتله في قطع الطريق فإنهما لا دوام لهما مع عدم كفرهما ، فالعلة مركبة من الأمرين زي . وبخلاف الذمي فإنه وإن كان كافراً إلا أن له دواماً لأنه لا يقتل . قوله : ( والثالث لتعذر الخ ) كان الأولى أن يقول : وأما الثالث فلتعذر الخ . قوله : ( لتعذر تمليك الخ ) هذا يناسب القول بأن الملك في الموقوف للموقوف عليه ، والمعتمد أن الملك فيه لله إلا أن يقال إن كلامه بالنظر لفوائده فإنها للموقوف عليه .
قوله : ( مؤبداً ) أي مؤبداً متعلقه وهو الموقوف عليه وقوله على فرع تفسير لقوله ( مؤبداً ) بحذف أي التفسيرية كما قرره شيخنا العشماوي والمراد بقوله ( مؤبداً ) ولو على البدلية كزيد ثم عمرو ثم الفقراء ، ويشترط في كل من ينتقل إليه الوقف أن يكون بحيث يصح الوقف عليه ابتداء ، ولم يقيد الفرع بالموجود كما في الأصل لعدم اشتراطه فيه كما قاله ق ل . قوله : ( فرع لا ينقطع ) هو مبني على أن منقطع الوسط والآخر باطل وهو مرجوح كما سيأتي ق ل . فالأولى إسقاط قوله ( وفرع لا ينقطع ) على أن في جعله شرطاً مستقلاً نظراً . قوله : ( جهة قربة ) أي قصد قربة . قوله : ( على الفقراء ) ويعتبرون بما في استحقاق الزكاة ، نعم القادر على كسب يكفيه فقير هنا ، والعلماء أصحاب علوم الشرع وهي التفسير والحديث والفقه ق ل . والربط بضم الراء والباء جمع رباط وهو متعبد الصوفية ق ل ، وسمي رباطاً لربط الصوفية أنفسهم فيه ، والخانقاه لخنقهم أنفسهم فيها عن المعاصي والغني هنا من تحرم عليه الزكاة كما في شرح م ر . قوله : ( والمساجد ) ولو على أرض غير مملوكة له ، لكنه مختص بمنفعتها بنحو وصية أو إجارة فبسط فيها أحجاراً مملوكة له ووقفها مسجداً ، ولا يبطل حكم المسجدية عن الحجارة إذا نقلت عن محلها . والوقف على عمارة المسجد يدخل فيه ترميمه وتجصيصه للأحكام والسواري والسلالم والمكانس والمساحي والبواري لدفع نحو حرّ والميازيب لدفع ماء نحو مطر ، وأجرة نحو قيم ، وعلى مصالحه أو مطلقاً يشمل جميع ما ذكر . وإذا خصّ الواقف بواحد مما ذكر لم يجز صرفه في غيره منها ، ولا يجوز صرف شيء مما وقفه على نحو تزويق ونقش وسراج لا نفع به ، ولا يصح الوقف على ذلك اه م د . وإذا لم يكن أحد يبيت في المسجد لا يجوز إسراجه من زيت المسجد طول الليل لأن فيه إضاعة مال . قوله : ( أم لم تظهر ) بين به أن المراد بجهة القربة ما(3/621)
"""""" صفحة رقم 622 """"""
ظهر فيه قصدها وإلا فالوقف كله قربة شرح م ر . قوله : ( كالأغنياء ) ولو حصرهم كأغنياء أقاربه جزماً كما بحثه ابن الرفعة وغيره . قوله : ( نظراً للأصل ) غرضه بذلك توفيقه على القاعدة : أن من خالف قوله الظاهر يكون مدعياً فعليه البينة ومن وافق قوله الظاهر يكون مدعى عليه فيكفي منه اليمين .
قوله : ( وفي محظور ) أي على محظور ق ل . قوله : ( والظاء المشالة ) وصفت بالمشالة لأن اللسان يرتفع عند النطق بها . قوله : ( أي محرم ) منه الوقف على التزويق فإنه غير صحيح وإن كان التزويق مكروهاً لأنه لا يبقى وفيه ضرر على المصلي لإذهابه الخشوع ، بخلاف الوقف على الستور ولو حريراً فإنه يصح وإن كان حراماً زي . قوله : ( كعمارة الكنائس ) أي ولو كان الواقف ذمياً ولو أطلق الوقف على الكنائس فهل يبطل ؟ أفتى شيخنا صالح بالبطلان لأن الظاهر من الوقف عليها الوقف على مصالحها الممنوع ، وهو ما كان يظهر ؛ شوبري على التحرير .(3/622)
"""""" صفحة رقم 623 """"""
قوله : ( للتعبد ) صفة للكنائس أي الموضوعة للتعبد فيها ، أي ولو مع نزول المارة كما قاله ع ش . وعبارة ق ل : قوله ( للتعبد ) أي عبادة الكفار ولو مع المسلمين أو مع نزول المارة ، ويصح لنزول المارة ولو من الكفار . قوله : ( أو حصرها ) عطف على عمارة بأن يقف شيئاً على شراء حصرها أو قناديلها أو خدامها . قوله : ( أو كتب التوراة والإنجيل ) أي المبدلين أو وقفها نفسها ، وهو معطوف على قوله كعمارة وإن كان الأوّل موقوفاً عليه والثاني موقوفاً فإنهما مثال للوقف في محظور وقوله ( أو كتب ) الظاهر أنه بصيغة المصدر كما يدل له عبارة غيره بلفظ كتابة فيكون كالعمارة ؛ والتوراة لموسى أنزلت عليه بعد صحف عشرة قبلها ، والإنجيل لعيسى قال في شرح الشفاء : والتوراة أجلّ الكتب المنزلة قبل القرآن ، وأصل توراة وورية أبدلت الواو تاء ووزنها تفعلة بفتح العين أو كسرها ، وقيل : وزنها فوعلة . والإنجيل بالكسر وقد يفتح من النجل : وهو استخراج خلاصة الشيء ، ومنه قيل للولد نجل أبيه كأن الإنجيل استخلص خلاصة نور التوراة ، اه بحروفه م د على التحرير .
قوله : ( وهو الركن الرابع ) ذكر الضمير مراعاة للخبر وهو أولى من تأنيث الضمير الثابت في نسخ مراعاة لمرجعه وهو لفظ الصيغة . والذي في خط المؤلف محتملة لهما لوجود حبر على الخط اه أ ج . قوله : ( بل أولى ) وجه ذلك أن العتق لا تمليك أصلاً وإنما فيه إزالة رقّ عن العتيق ، ومع ذلك اشترط فيه اللفظ فشرطه فيما هو في معنى التمليك أولى . قوله : ( محرمة ) أي على غير الموقوف عليه . قوله : ( لجهة عامة كالفقراء ) أما إذا أضافه إلى معين ولو جماعة فإنه لا يكون كناية في الوقف بل هو صريح في الملك كتصدقت بهذا على زيد وعمرو وبكر وخالد مثلاً فإنهم يملكونه عيناً ومنفعة ولهم التصرف فيه بالبيع وغيره لأنهم أخذوه ، على سبيل الملكية كما في شرح المنهج ؛ لأن ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كناية في غيره .
قوله : ( والشرط الخامس ) هو مكرر مع الشرط الثالث تأمل أ ج . وأجيب بأن المراد بالتأبيد هنا عدم التأقيت بدليل تفريعه عليه . قوله : ( كالفقراء ) فهذا يقال له تأبيد أي غير مؤقت وإن لم يصرّح فيه بالتأبيد . قوله : ( فلا يصح تأقيت الوقف ) وعلى هذا لا يكون مكرراً لكن ربما ينافي هذا المراد قوله كالوقف على الخ تأمل . وحاصل ذلك أن المراد بالتأبيد عدم التأقيت فيصدق بصورتين ، أي سواء صرّح بالتأبيد أو أطلق وسواء كان الموقوف عليه معيناً أو غير معين ، وإن كان الشارح اقتصر على غير المعين . قوله : ( تأقيت الوقف ) ينبغي أن يقال فيما لو قال وقفته على الفقراء ألف سنة أو نحو ذلك مما يبعد بقاء الدنيا إليه أنه يصح ، وهو يوافق ما قاله الروياني من عدم تأجيل الثمن في البيع بذلك ولكن يكون المراد تأبيد الوقف بمدّة بقاء الدنيا إليه فلا يرد إطلاقهم اه إسعاد ، وهذا هو المعتمد . وقوله ( من عدم تأجيل الثمن في البيع بذلك ) أي بهذه المدّة المذكورة الطويلة بل يكون حالاًّ ، كما لو قال له : اشتريت منك هذا العبد مثلاً بمائة دينار في ذمتي مؤجلة بألف سنة فيلغو هذا الأجل ويكون الثمن حالاًّ ويصح البيع . قوله : ( بمصرف ) أي آخر . قوله : ( فيما لا يضاهي ) أي يشابه التحرير أي الإعتاق ووجه عدم المشابهة في غير المسجد أن العتق فيه إزالة لا إلى مالك ووقف غير المسجد فيه إزالة لمالك وهو الموقوف عليه ، ووجه المضاهاة في المسجد أن كلاً منهما فيه إزالة ملك لا إلى(3/623)
"""""" صفحة رقم 624 """"""
مالك . قوله : ( أما ما يضاهيه ) أي في انفكاكه عن اختصاص الآدميين س ل فلقوّة جانب المسجد وما بعده بالشبه المذكور ألغى التأقيت فيها وصحت مؤبدة كالعتق ، فإنه إذا قال : أعتقت عبدي سنة فإن العتق يصح ويكون مؤبداً ، بخلاف ما لو قال : وقفته على زيد سنة ومعنى مضاهاة التحرير أن منفعته لا يملكها أحد ، بخلاف ما لو وقف داره على زيد سنة مثلاً فإنه ينتفع بمنفعتها في تلك المدة . قوله : ( كما لو ذكر فيه شرطاً فاسداً ) كما لو قال وقفت هذا المكان مسجداً بشرط أن لا يصلى فيه أو لا يعتكف فيه أو بشرط أن يبيت فيه النساء الحيض أو الجنب من الرجال . قوله : ( وهو لا يفسد ) أي لأنه لا يفسد ، فهو في معنى التعليل لما قبله كما قررّه شيخنا العشماوي . قوله : ( ولو قال وقفت على أولادي الخ ) شروع في الوقف المنقطع الآخر . وحاصل الوقف أنه ثلاثة أنواع : إما مقطوع الأوّل كالوقف على من سيولد له ، وإما مقطوع الآخر كقوله على أولادي ، وإما مقطوع الوسط كقوله على أولادي ثم رجل ثم الفقراء . فيصح فيما عدا مقطوع الأوّل ويصرف في منقطع الآخر لأقرب الناس إلى الواقف وفي منقطع الوسط للفقراء كما سيذكره . قوله : ( صرف إلى أقرب الناس الخ ) أي إن وجدوا بصفة الاستحقاق وإلا فإلى الأهم من المساكين ومصالح المسلمين اه ق ل . قال الأجهوري : ومثله ما لو قال وقفت على زيد نصف هذا وعلى عمرو نصفه الآخر ثم من بعدهما على الفقراء فمات أحدهما صرف نصيبه للأقرب للواقف على الأقرب من احتمالين لأنهما وقفان ، والاحتمال الثاني يصرف للفقراء ، فلو قال : وقفته على زيد وعمرو ثم على الفقراء فمات أحدهما أخذ الآخر الجميع أو قال : وقفت على كل منهما نصفه ثم على الفقراء فالأقرب من احتمالين أنه بموت أحدهما ينتقل للفقراء اه شرح الروض . قلت : في هذا التقرير يصير للمسألة أحوال ثلاثة : إذا وقف عليهما بالسوية ومات أحدهما ينتقل للآخر ، وفي وقف النصف لزيد والنصف لعمرو ثم قال من بعدهما للفقراء ينتقل للأقرب للواقف حصة من مات منهما لا للآخر ولا للفقراء ، والثالثة : إذا وقف على كل منهما نصفه ثم قال على الفقراء ينتقل للفقراء(3/624)
"""""" صفحة رقم 625 """"""
بموت أحدهما لأنه وقف واحد . قوله : ( أقرب الناس ) فإذا انقرض الأقرب فالمنصوص أن الإمام يجعل الوقف حبساً على المسلمين تصرف غلته في مصالحهم ورجحه الطبري وفي الفتاوى لابن الصباغ : تصرف للفقراء والمساكين ، دمياطي في شرحه .
قوله : ( فيقدم ابن بنت ) أي ولا يفضل الذكر على الأوجه ، اه تحفة . قوله : ( لوجود المصرف في الحال ) وهم الأولاد والمآل وهم الفقراء . قوله : ( يصرف للفقراء ) أي إن لم يكن المتوسط معيناً ، وإلا بأن كان معيناً كالدابة فمصرفه مدة وجودها كمنقطع الآخر ق ل . وقوله ( كالدابة ) أي أو العبد نفسه . وقوله ( مدة وجودها ) أي مدة حياة الدابة . قوله : ( بيان المصرف ) هذا مكرر مع قول المتن ( أصل موجود الخ ) لأن فيه بيان المصرف . قوله : ( ولم يذكر مصرفه لم يصح ) أي وإن أضافه لله على المعتمد بخلاف الوصية فهي صحيحة . وإن لم يبين المصرف كأن قال : أوصيت بثلث مالي وأطلق فإنها تصح ويصرف للفقراء ، والفرق أن الغالب في الوصية أن تكون للفقراء بخلاف الوقف اه م د . قوله : ( فلا يصح تعليقه ) أي أصلاً أو إعطاء إلا بالموت اه م د . وقوله ( أصلاً ) كأن يقول : وقفت هذا على أولادي بعد موتي وقوله ( أو إعطاء ) كأن يقول : وقفت هذا على أولادي الآن ولا يصرف لهم إلا بعد موتي . قوله : ( نقل الملك ) أي إزالة الملك . قوله : ( لم يبن على التغليب ) أي القهر ميداني ، أي كما في العتق فإنه بنى على القهر بسبب أنه يعتق عليه بعضه قهراً إذا اشتراه وقوله ( والسراية ) كما في العتق أيضاً فيما إذا أعتق نصف العبد فإنه يسري العتق للنصف الثاني بخلاف الوقف فيهما ، فإذا وقف نصف داره لا يسري للباقي . وهذا إشارة لقاعدة وهي أن كل ما بني على التغليب والسراية قبل التعليق كالخلع فإنه معاوضة بشوب جعالة فيقبل التعليق ، فلو قال : إن أعطيتيني(3/625)
"""""" صفحة رقم 626 """"""
كذا فأنت طالق صحّ التعليق لأن فيه تغليب الجعالة وهي تقبل التعليق ، وكذا الطلاق يقبل السراية فيقبل التعليق أيضاً بخلاف الوقف م د .
قوله : ( فالظاهر صحته ) ولا يكون مسجداً إلا إذا جاء رمضان زي . قوله : ( وكأنه وصية ) قال شيخ الإسلام في شرح البهجة : والحاصل أنه يكون حكمه حكم الوصايا في اعتباره من الثلث وفي جواز الرجوع عنه وفي عدم صرفه للوارث ، وحكم الأوقاف في تأبيده وعدم بيعه وهبته وإرثه اه رشيدي على م ر . قوله : ( وعلق الإعطاء الخ ) استشكل هذا بأن منافع الموقوف للواقف في هذه الحالة فما الفائدة للفقراء في الوقف ؟ وأجيب بأن الفائدة فيه لهم انتقال الوقف إليهم بعد موته ، وهذا يشبه الحيلة في الوقف على النفس لأن الفوائد في هذا تكون له مدة حياته ، وإن لم يكن موقوفاً عليه مدة حياته فهو يشبهه . قوله : ( أو فيما شئت ) أي من أنواع الخير . ( وفي ) بمعنى ( على ) والأول للعاقل والثاني لغير العاقل كالمساجد . وقوله ( وكان قد عين الخ ) لف ونشر مشوّش . قوله : ( وكان ) أي الواقف / ( وكان ) زائدة ، وقوله ( له ) أي للوقف ؛ فالمناسب وقد عين الخ بحذف كان لأنها توهم أنه عين قبل الوقف مع أن التعيين في حال الوقف كما قاله الشارح . قوله : ( أو من يشاء ) الأولى أن يقول أو من شاءه . قوله : ( وإلا ) أي وإلا يعين فلا يصح . قوله : ( لأنه لا يعلم الخ ) يؤخذ من هذا صحة الوقف على من يشاء زيد ويعمل ببيان زيد ، وهو الظاهر . قوله : ( بشرط الخيار ) أي إن لم يحكم بصحته من يراه وإلا فيصح جزماً اه ز ي . قوله : ( من بطلان العتق ) أي إذا أعتقه بشرط الخيار أو الرجوع أو رضا فلان أو نحو ذلك فالمعتمد نفوذه لقوة العتق دون الوقف ، فلو قال : أعتقت عبدي وأبيعه متى(3/626)
"""""" صفحة رقم 627 """"""
شئت بطل على قول ، والراجح الصحة لأن التحرير لا يتأثر بالشروط الفاسدة كما مرّ اه م د . قوله : ( لأنه مبني على الغلبة والسراية ) ولقوّة العتق ، فلا يتأثر بالشروط الفاسدة بخلاف الوقف كما مرّ في التعليق .
قوله : ( وهو ) أي الوقف من حيث صرفه غلته أو استحقاق . قوله : ( على ما شرط الخ ) ما مصدرية أي مبني على اتباع شرط الواقف ، أو موصولة أي اتباع ما شرطه الواقف ؛ فلو شرط أن لا يؤجر أو اختصاص نحو مسجد بطائفة اتبع شرطه رعاية لغرضه أي فشرطه كنص الشارع فلا يجوز العمل بخلافه . قوله : ( الملك له ) أي للواقف ؛ لأنه إنما أزال الملك عن فوائده ، وهو مذهب مالك رضي الله عنه . وقوله ( أم للموقوف عليه ) وهو مذهب الإمام أحمد ، والقولان ضعيفان في مذهبنا . قوله : ( بمعنى أنه ينفك الخ ) تفسير لمعنى الانتقال إليه تعالى ، وإلا فكل الموجودات بأسرها ملك له تعالى في جميع الحالات بطريق الحقيقة ، وغيره وإن سمي مالكاً فإنما هو بطريق التوسع والمجاز شوبري . قوله : ( كما هو ) أي قوله أم ينتقل إلى الله تعالى . قوله : ( إذ مبنى الوقف ) علة لقوله وهو على ما شرط الواقف ويلزم عليه تعليل الشيء بنفسه ، فالأولى أن يعلل بقوله لأن شرط الواقف كنص الشارع شيخنا العشماوي وعلل في شرح المنهج بقوله رعاية لغرضه وعملاً بشرطه . قوله : ( من تقديم وتأخير ) بيان لما وأحدهما يغني عن الآخر ، فهو من عطف أحد المتلازمين على الآخر . قوله : ( وترتيب ) قال ق ل : لعله مستدرك مع قوله ( تقديم ) اه . والظاهر أنه لا استدراك ؛ لأن الترتيب لا يجامع التقديم من كل وجه إذ لا يجامعه فيما لو قال : وقفت على أولادي بشرط أن يقدم الأورع منهم فإن فضل شيء كان للباقين لأن هذا وقف جمع لا ترتيب فيه بدليل . قول الواقف فإن فضل شيء كان للباقين ، فإنه يقتضي أنه وقف جمع يشترك فيه جميع الموقوف عليهم فيكون قول الواقف بشرط أن يقدم الأورع فالأورع أي يقدم بكفايته بدليل قوله ( فإن فضل الخ ) فتأمل . قوله : ( وإخراجه بصفة ) المراد بها الصفة السابقة ، فكأنه قال : وإخراجه بها ؛ فالأولى الإضمار لأن الصفة الواحدة للإدخال والإخراج فيكون قوله ( وإخراجه ) من عطف اللازم ولا يرد علينا أن النكرة إذا أعيدت نكرة تكون غير الأولى لأنه أغلبي فيكون هذا من غير الغالب تأمل .(3/627)
"""""" صفحة رقم 628 """"""
قوله : ( الأورع ) هو من يتقي الشبهات وإن زاد الحلال على كفايته ، وأما الزاهد فهو من ترك الزائد على قدر الحاجة من الحلال . قوله : ( فإن فضل شيء ) أي عن كفايته . وكل هذا من عبارة الواقف . فسقط اعتراض ق ل بقوله قوله فإن فضل الخ لا يخفى أن هذه العبارة غير مستقيمة إذ لم يجعل للمقدم مقدار يتصوّر فيه فضل أو عدمه تأمل . قوله : ( ومثال التسوية ) لا حاجة إليه لدخوله في الإطلاق كما يصرح به ما بعده ق ل . أي فهو مكرر مع الجمع ؛ فإن فيه تسوية كما يأتي ؛ إلا أن يجاب بأن التسوية مأخوذه من شرط الواقف هنا وما يأتي من الإطلاق وجوهر اللفظ فلا تكرار . قوله : ( ومثال الجمع خاصة ) أي بدون الترتيب . قوله : ( يقتضي التسوية ) لأن ( الواو ) حرف مشترك . قوله : ( ذكورهم ) أي وخناثاهم . قوله : ( ونقل ) أي كون الواو لمطلق الجمع . قوله : ( وإن زاد على ذلك الخ ) هذا هو المعتمد لأنه بمنزلة أن يقال : وإن سفلوا ، وقيل : إنه للترتيب بين البطنين ، وجرى عليه السبكي . وعبارة م ر في شرحه : وكذا يسوّى بين الجميع لو زاد ما تناسلوا أو بطناً بعد بطن أو نسلاً بعد نسل لاقتضائه التشريك لأنه لمزيد التعميم ، وهذا ما صححه في الروضة تبعاً للبغوي وهو المعتمد ، ومثل ما تناسلوا بطناً بعد بطن خلافاً للسبكي ، وقيل : المزيد فيه بطناً بعد بطن للترتيب اه بحروفه . قوله : ( أو بطناً ) نصب على الحال وأو مانعة خلو ، فالصور ثلاثة : زيادة ما تناسلوا فقط ، زيادة بطناً بعد بطن فقط ، زيادة الأمرين معاً ، والخلاف في الأخيرتين دون الأولى . قوله : ( الترتيب خاصة ) أي بدون الجمع . قوله : ( أو الأعلى فالأعلى ) ويشمل ذلك جميع الطبقات . قوله : ( أو الأقرب فالأقرب ) أي للواقف ، ولو اختلفوا في أنه وقف ترتيب أو تسوية صدّق من هو في يده من ناظر أو غيره وإلا حلفوا وقسم بينهم ق ل وقوله ( ولو اختلفوا ) أي ولم يعلم شرط الواقف . قوله : ( لدلالة اللفظ عليه ) أي على الترتيب . قوله : ( على أولادي ) هذا هو الجمع . وقوله ( فإذا(3/628)
"""""" صفحة رقم 629 """"""
انقرضوا ) هذا هو الترتيب . قوله : ( لفظ الترتيب ) أي اللفظ الدال عليه . قوله : ( من بطن ) أي هناك أحد من بطن أقرب منه . قوله : ( إلا أن يقول ) استثناء من قوله ( فلا يصرف الخ ) وقوله ( من مات منهم ) كأن يقول على أنّ من مات منهم وخلف ولداً أو ولد ولد فنصيبه لولده أو ولد ولده ، فيكون مخصصاً لما تفيده الصيغة الأولى من نقل نصيبه إذا مات لباقيهم . قوله : ( فيتبع شرطه ) فإذا مات أحدهم اختص بنصيبه ولده ، اه روض مرحومي . قوله : ( ولا يدخل أولاد الأولاد الخ ) فإن قلت : هلا قيل بدخولهم على قاعدة الشافعي في استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه قلت : شرطه إرادة المتكلم له وكلامنا هنا عند الإطلاق ، شرح الروض ، فإن تعذر بأن لم يكن له ولد حمل على المجاز ، فلو حدث له ولد بعد ذلك شارك أولاد الأولاد ولا يحجبهم اه م ر . قوله : ( لأنه ) أي ولد الولد وكان الأولى أن يقول : لأنهم لا يقع عليهم اسم الأولاد حقيقة . قوله : ( لا يقع عليه ) أي ولد الولد . وقوله ( وعلى أولاد الأولاد ) نعم إن قيد بالهاشميين لم تدخل أولاد البنات إلا إن كان أبوهم هاشمياً ق ل .
قوله : ( ويدخل أولاد البنات الخ ) فلو قال : وقفت على أولادي وأولاد أولادي بالفريضة الشرعية ولم يزد صرف للذكر مثل حظ الأنثيين من أولاد الظهور ، وأما أولاد البطون ففيه نظر . ثم رأيت بعض أهل العصر أفتى بأنه للذكر مثل حظ الأنثيين مطلقاً سواء من أولاد الظهور وأولاد البطون ، فعرضت الإفتاء على شيخنا فلم يرتض الإفتاء وتوقف ثم فتح الله تعالى بالمنقول المؤيد للحق في عماد الرضا لشيخ الإسلام وهو ما نصه : مسألة : وقف على أولاده ، وقال : من مات عن ولد أو نسل أو عقب صرف نصيبه لمن يوجد من أولاده ونسله وعقبه على الفريضة الشرعية في الميراث فماتت امرأة عن بنت وابن بنت أفتى السبكي بأن النصف للبنت والنصف الآخر لابن البنت لأنه من النسل والعقب اه بحروفه . وبهذا ظهر فساد الإفتاء وأنه من التجرؤ على دين الله تعالى فتأمل أ ج . قال م ر في شرحه : واعلم أنه يقع في كتب الأوقاف ومن مات انتقل نصيبه إلى من في درجته من أهل الوقف المستحقين ، وظاهره أن المستحقين تأسيس لا تأكيد فيحمل على وصفه المعروف في اسم الفاعل من الاتصاف حقيقة بالاستحقاق من الوقف حال موت من ينتقل إليه نصيبه ، ولا يصح حمله على المجاز أيضاً بأن يراد الاستحقاق ولو في المستقبل كما أفاد السبكي ذلك وأفتى به الوالد ؛ لأن قوله من أهل الوقف كاف في إفادة هذا فيلزم عليه إلغاء قوله المستحقين وأنه لمجرد التأكيد والتأسيس خير منه فوجب العمل به اه .(3/629)
"""""" صفحة رقم 630 """"""
قوله : ( ومن ذريته ) أي نوح وقيل إبراهيم ، وعلى الأوّل اقتصر الجلال قال الخازن : وهو أي الأول اختيار جمهور المفسرين ؛ لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور ، ولأن الله تعالى ذكر في جماعة هذه الذرية لوطاً وهو ابن أخي إبراهيم ولم يكن من ذريته اه بحروفه وقيل : الضمير لإبراهيم لأن مساق النظم الكريم لبيان شؤونه العظيمة من إتيان الحجة ورفع الدرجات وهبة الأولاد وإبقاء هذه الكرامة في نسله إلى يوم القيامة . ولا يرد على هذا القيل لوط الذي هو خارج عن ذرية إبراهيم لأن العرب تجعل العم أباً كما في قوله : ) نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل } ) البقرة : 133 ) لأن اسماعيل عم يعقوب اه . وقال زكريا على البيضاوي : ولما كان لوط ابن أخيه وآمن به وهاجر معه أمكن أن يجعل من الذرية على سبيل التغليب اه قال أ ج : ويدخل في الذرية الحمل ويصرف له زمن اجتنانه إلا في أولاد الأولاد فلا يصرف له إلا بعد انفصاله اه .
قوله : ( في معناه ) أي الذرية ، والأولى أن يقول : في معناها . قوله : ( إلا إن قال ) راجع للجميع وهو تقييد لكل ما قبله من الذرية وما بعده له . قوله : ( نظراً للقيد المذكور ) لأنهم إنما ينسبون لآبائهم قال تعالى : ) ادعوهم لآبائهم } ) الأحزاب : 5 ) وأما خبر ( إن ابني هذا سيد ) في حق الحسن بن علي ، فجوابه أنه من خصائصه أن تنسب أولاد بناته إليه . قوله : ( فالتقييد فيها لبيان الواقع ) أي فتقييد الأم بقولها على من ينسب إليّ منهم لبيان الواقع لا للإخراج ؛ لأن كل فروعها ينسبون إليها بالمعنى اللغوي .
قوله : ( لا للإخراج ) أي لأن أصل اللغة أن ينسب الولد إلى من ولده أو ولد من ولده اه . قوله : ( ومثال الإدخال بصفة الخ ) لا يخفى أن أحدهما أي الإدخال والإخراج مستدرك لأن كلاًّ منهما مغن عن الآخر فتأمل ق ل . ولو وقف على ولده ما دام فقيراً فاستغنى ثم افتقر لا يستحق لانقطاع الديمومة ، م ر وكذا إذا وقف على بنته ما دامت عزبة فتزوجت ثم طلقت فإنها لا تستحق لما ذكر . قوله : ( والإخراج بصفة ) أي بتلك الصفة بعينها ، على خلاف القاعدة من أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غيراً ويدل على ذلك المثال فإنه لم يذكر فيه إلا صفة واحدة ، فالأرامل والفقراء يدخل كل منهما ويخرج ، وحينئذ فكان الأولى أن يقول : والإخراج بها .(3/630)
"""""" صفحة رقم 631 """"""
قوله : ( عاد الاستحقاق ) محل العود إذا لم يقل في وقفه ما دام فقيراً ، فإن قال ذلك فاستغنى واحد ثم افتقر لا يعود الاستحقاق لانقطاع الديمومة ، وهو كذلك وهذا ما لم تقم قرينة تدل على استحقاقه مطلقاً حال فقره فلا تقبل الديمومة اه أ ج . قوله : ( تستحق غير الرجعية الخ ) أي لأنها أي الرجعية ليست أرملة لأنها زوجة حكماً ؛ ولو قال لا تدخل الرجعية لكان واضحاً ق ل بزيادة ، وعبارة أ ج وتستحق غير الرجعية أي وهي البائن ، وأما الرجعية فلا لوجوب مؤنتها على زوجها ولأنها لم تخرج عن حكم الزوجية إلا ببينونتها . وقوله ( في زمن عدتها ) ليس بقيد وإنما قيد به لأنه الذي تخالف فيه البائن الرجعية .
قوله : ( المولى يشمل الأعلى الخ ) إن قيل : ما الفرق بين ما ذكر وبين الوقف على الأولاد في عدم شموله للأسفل في ذاك دون هذا ؟ أجيب بأن المدار في ذاك على الأقربية والرحم وهما في الأولاد أقوى منهما في أولادهم ، وفي هذا على الشرف للواقف وهو كما يكون في الأعلى يكون في الأسفل على حد سواء كما قرره شيخنا العزيزي . قوله : ( والأسفل ) فيقسم بينهما ، أي بين الأعلى والأسفل على عدد الرؤوس كما أفهمه كلام المعتمد للبندنيجي ، لا على الجهتين مناصفة لتناول الاسم لهما ، نعم لا يدخل مدبر ولا أم ولد لأنهما ليسا من الموالي حال الوقف ولا حال الموت اه شرح م ر . قوله : ( فلو اجتمعا اشتركا ) أي سوية والذكر كالأنثى ، فإن وجد أحدهما اختص به ولا يشاركه الآخر لو وجد بعد ق ل . قوله : ( والصفة ) المراد بها هنا ما يفيد قيداً في غيره ، وليس المراد بها الصفة النحوية أي خاصة شرح م ر . قوله : ( بحرف ) متعلق بقوله المتعاطفات . قوله : ( كالواو الخ ) بقي للكاف حتى ، وقوله ( اشتراكهما ) أي اشتراك كل من الاستثناء والصفة . قوله : ( أتقدما عليها ) أي على المتعاطفات . قوله : ( أم توسطاً ) خلافاً لما اختاره صاحب جمع الجوامع ، وعبارته : أما المتوسطة نحو وقفت على أولادي المحتاجين وأولادهم ، قال المصنف بعد قوله : ( لا نعلم فيها نقلاً ) : فالمختار اختصاصها بما وليته ، ويحتمل أن يقال : تعود إلى ما وليها أيضاً ، بل قيل : إن عودها إليهما أيضاً أولى مما إذا تقدمت عليهما ، وهذا هو المختار لأن الأصل اشتراك المتعاطفات ، وإنما سكت كغيره عن المتوسط منها لأنها بالنسبة لما قبلها متأخرة ولما بعدها متقدمة ، ويدل لذلك قول ابن كج كما نقله عن(3/631)
"""""" صفحة رقم 632 """"""
الشيخين عقب ما مر : وكل ما يجوز أن يكون الاستثناء متقدماً ومتأخراً يجوز أن يكون متوسطاً اه . فالصفة كذلك بل أولى . قوله : ( إلا من يفسق منهم ) أشار بذلك للاستثناء ، وهذا مثال لتأخيره ، ومثال تقديمه : وقفت هذا على غير الغني من أولادي وأولاد أولادي ، ومثله في الروض بوقفت إلا على من فسق من أولادي وأولاد أولادي ، قال م ر : والذي يظهر أن المراد بالفسق ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة أو صغائر ولم تغلب طاعاته على معاصيه ، وبالعدالة انتفاء ذلك وإن ردت شهادته لخرم مروءته مثلاً اه . فلو تاب الفاسق هل يستحق من حين التوبة أو لا ؟ فيه نظر ، والذي يظهر الاستحقاق أخذاً مما سيأتي فيما لو وقف على بنته الأرملة ثم تزوجت ثم تعزبت ، من أن له غرضاً في أن لا تحتاج ألبتة يعني قطعاً ، ويحتمل عدمه قياساً على ما اعتمده الشارح فيما لو قال : وقفت على ولدي ما دام فقيراً فاستغنى ثم افتقر من عدم الاستحقاق والأقرب الأوّل والفرق أن الديمومة تنقطع بالاستغناء ، وليس في عبارة الواقف ما يشمل استحقاقه بعد عود الفقر اه ع ش على م ر .
قوله : ( ما ذكر ) أي الكلام الطويل ، وهو فاعل . قوله : ( بالمعطوف الأخير ) وهو الأخوة لأنه معطوف في المعنى ، فكأنه قال : فإخوتي بعد انقراض أولادي . قوله : ( ونفقة الموقوف الخ ) ولأهل الوقف المهايأة لا قسمته ولو إفرازاً ولا تغييره كجعل البستان داراً ، وعكسه ما لم يشترط الواقف العمل بالمصلحة فيجوز تغييره بحسبها . قال السبكي : والذي أراه تغييره في غيرها ولكن بثلاثة شروط : أن يكون يسيراً لا يغير مسماه ، وأن لا يزيل شيئاً من عينه بل ينقله من جانب إلى آخر ، وأن يكون فيه مصلحة للوقف ؛ وعليه ففتح شباك الطبرسية في جدار الجامع الأزهر لا يجوز إذ لا مصلحة للجامع الأزهر فيه اه شرح م ر . وقوله ( أن يكون يسيراً لا يغير مسماه ) منه يؤخذ جواب حادثة وقع السؤال عنها : وهي أن مطهرة مسجد مجاور لشارع من شوارع المسلمين آلت للسقوط وليس في الوقف ما تعمر به فطلب شخص أن يعمرها من ماله بشرط ترك قطعة من الأرض التي كانت حاملة للجدار لتتسع الطريق فظهرت المصلحة في ذلك خوفاً من انهدامها وعدم ما تعمر به هل ذلك جائز أو لا ؟ وهو الجواز نظراً للمصلحة(3/632)
"""""" صفحة رقم 633 """"""
المذكورة . وقوله ( إذ لا مصلحة للجامع فيه ) يؤخذ من هذا جواب حادثة وقع السؤال عنها : وهو أن شخصاً أراد عمارة مسجد خرب بآلة جديدة غير آلته ورأى المصلحة في جعل بابه في محل آخر غير المحل الأوّل لكونه بجوار من يمنع الانتفاع به على وجه المعتاد ، وهو أنه يجوز له ذلك لأن فيه مصلحة للجامع والمسلمين اه ع ش .
فرع : وقع السؤال عن حادثة ، وهي أن سنة ثمانين وألف وجد من ريع الجامع الأزهر دراهم لها صورة مستغنى عنها فاشترى بها جرايات وجعلت خبزاً ووزعت على فقرائه ، هل ذلك جائز أم لا ؟ وجوابه عدم الجواز أخذاً مما ذكره الشارح فاحفظه اه ع ش وفي فتاوى ابن عبد السلام : يجوز إيقاد اليسير في المسجد الخالي ليلاً تعظيماً له لا نهاراً للسرف والتشبيه بالنصارى . وفي الروضة : يحرم إسراج الخالي وجمع بحمل هذا على ما إذا أسرج من وقف المسجد أو ملكه ، والأول على ما إذا تبرع به من يصح تبرعه ، وفيه نظر لأنه إضاعة مال بل الذي يتجه الجمع بحمل الأول ما إذا توقع ولو على ندور احتياج أحد لما فيه من النور ، والثاني : على ما إذا لم يتوقع ذلك اه حج . وقوله : ( ومؤنة تجهيزه ) أي إذا مات .
قوله : ( وإذا شرط الواقف نظراً لنفسه الخ ) ولو شرط نظره حال الوقف لم ينعزل بنفسه على الراجح ، نعم يقيم الحاكم متكلماً غير مدة إعراضه فلو أراد العود لم يحتج إلى تولية جديدة شرح م ر . وقوله ( لم ينعزل بنفسه ) ومن عزل نفسه ما لو أسقط حقه من النظر لغيره بفراغ له فلا يسقط حقه ويستنيب القاضي من يباشر عنه في الوظيفة ، وهذا يفيد أن الواقف إذا شرط من الوظائف شيئاً لأحد حال الوقف اتبع ، ومنه ما لو شرط الإمامة أو الخطابة لشخص ولذريته ، ثم إن المشروط له ذلك فرغ عنها لآخر وباشر الفروغ له فيهما مدة ثم مات الفارغ عن أولاد وهو أن الحق في ذلك ينتقل لأولاد الفارغ على ما شرطه الواقف ، ثم ما استغله المفروغ له من غلة الوقف لا يرجع عليه بشيء منه لأنه استحقه في مقابلة العمل سيما وقد قرره الحاكم ؛ غاية الأمر أن تقريره وإن كان صحيحاً للنيابة عن الفارغ ثابت له مدة حياة الفارغ ؛ وكذلك لا رجوع للمفروغ له على تركة الفارغ بما أخذه في مقابلة الفراغ وإن انتقلت الوظيفة عنه لأولاد الفارغ لأنه إنما دفع الدراهم في مقابلة إسقاط الحق له وقد وجد وقرره الحاكم على مقتضاه ع ش على م ر .
قوله : ( اتبع شرطه ) ومما تعم به البلوى أنه يقف ماله على ذكور أولاده وأولاد أولاده حال صحته قاصداً بذلك حرمان إناثهم ، والأوجه الصحة وإن نقل عن بعضهم القول ببطلانه شرح م ر . وقوله ( حال صحته ) أما في حال مرضه فلا يصح إلا بإجازة الإناث لأن التبرع في مرض الموت على بعض الورثة يتوقف على رضا الباقين اه ع ش . قوله : ( للقاضي ) أي قاضي(3/633)
"""""" صفحة رقم 634 """"""
بلد الوقف من حيث إجارته وحفظه ونحوهما وقاضي بلد الموقوف عليه من حيث قسمة الغلة كما في مال اليتيم وليس لأحد القاضيين فعل ما ليس له ق ل . قوله : ( وعدالة ) أي باطنة مطلقاً أي سواء كان منصوب الحاكم أو منصوب الواقف ، خلافاً لمن شرط الباطنة في منصوب الحاكم واكتفى بالظاهرة في منصوب الواقف اه ز ي . وإطلاق المصنف يتناول الأعمى والبصير وحينئذ فلا يشترط في الناظر البصر ولم أر من تعرض لاشتراط البصر في الناظر ، ومحل ذلك ما لم يكن الناظر القاضي وإلا فلا يشترط عدالته لأن تصرفه بالولاية العامة ، وأما منصوبه فلا بد فيه من العدالة كما قاله شيخنا . قوله : ( وكفاية ) أي لما يتولاه . قوله : ( ووظيفته عمارة ) والعمارة إن شرطها من ماله أو من مال الوقف تعين ، فإن فقد فبيت المال ثم المياسير لا الموقوف عليه . ولو شرط الواقف أن العمارة على الساكن وشرط أن تلك الدار لا تؤجر ، فالذي يظهر لي من كلامهم بعد الفحص أي التفتيش أن شرط الأوّل صحيح كما شمله عموم قولهم يجب العمل بشرط الواقف ما لم يناف الوقف أو الشرع . وفائدة صحته من تصريحهم بأن العمارة لا تجب على أحد ، فلا يلزم بها الموقوف عليه لأن له ترك ملكه بلا عمارة فما يستحق منفعته بالأولى ، فلو توقف استحقاقه على تعميره ، فهو مخير فيما إذا أشرفت كلها أو بعضها على الانهدام لا بسببه بين أن يعمر ويسكن وبين أن يهمل وإن أفضى ذلك إلى خرابها ، نعم على الناظر إيجارها المتوقف عليه بقاؤها وإن خالف شرط الواقف لأنه في مثل هذا الحالة غير معمول به . لا يقال شرط العمارة على الساكن ينافي مقصود الوقف من إدخال الرفق على الموقوف عليه ، إذ شأنه أن يغنم ولا يغرم ؛ لأنا نقول : قد قطع السبكي وغيره بالصحة فيما لو وقف عليه أن يسكن مكان كذا كما مر . وهذا صادق بما إذا عين مكاناً لا يسكن إلا بأجرة زائدة على أجرة مثله وإن لم يحتج الموقوف عليه لسكناه أو زادت أجرته على ما يحصل له من غلة الوقف ، فكما وجب لاستحقاقه السكنى بالأجرة مع عدم الاحتياج إليها فكذلك تجب العمارة لاستحقاق السكنى إذا أرادها وإلا سقط حقه منها ، فعلم أن الموقوف عليه قد يغرم ذلك ولا يحصل له رفق بالموقوف وأن هذا الشرط غير مناف للوقف حتى يلغى كشرط الخيار فيه مثلاً وإنما غايته أنه قيد استحقاقه لسكناه بأن يعمر ما انهدم منه ، فإن أراد ذلك فليعمره وإلا فليعرض عنه ؛ ثم رأيت بعض مشايخنا أيده اه شرح الإرشاد لابن حجر ع ش على م ر . وفي حاشية ن ز على المنهج في باب الغصب : وذكر الرافعي في تاريخ قزوين ما هو صريح في جواز وضع مجاوري الجامع الأزهر خزائنهم فيه التي يحتاجونها لكتبهم ولما يضطرون لوضعه فيها من حيث الإقامة لتوقفها عليه دون التي يجعلونها لأمتعتهم التي يستغنون عنها ولا أجرة عليهم لما جاز وضعه ، بخلاف وضع ما لا يحتاجون إليه فإنه لا يجوز وعليهم الأجرة فيه اه م د على التحرير .(3/634)
"""""" صفحة رقم 635 """"""
قوله : ( ولواقف ناظر الخ ) وأفتى السبكي بأن للواقف والناظر عزل المدرس ونحوه إن لم يكن مشروطاً في الوقف ولو لغير مصلحة ، وهو مردود بما في الروضة أنه لا يجوز للإمام إسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان بغير سبب فالناظر الخاص أولى . ولا أثر للفرق بأن هؤلاء ربطوا أنفسهم للجهاد الذي هو فرض ، ومن ربط نفسه لا يجوز إخراجه بلا سبب ، بخلاف الوقف فإنه خارج عن فروض الكفايات ، بل يردّ بأن التدريس فرض أيضاً أي فرض كفاية ، وكذا قراءة القرآن فمن ربط نفسه بهما فحكمه كذلك على تسليم ما ذكر من أن الربط به كالتلبس به وإلا فشتان ما بينهما . ومن ثم اعتمد البلقيني أن عزله من غير مسوّغ لا ينفذ ، بل هو قادح في نظره . ولو طلب المستحقون من الناظر كتاب الوقف أي الكتاب المكتوب فيه وقفية الشيء الموقوف ليكتبوا منه نسخة حفظاً لاستحقاقهم لزمه تمكينهم كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، شرح م ر . قوله : ( ناظر ) أي شرط النظر لنفسه ، أما غيره فلا يعزله الناظر إلا بنحو فسق . قال م ر في شرحه : وعند زوال الأهلية يكون النظر للحاكم كما رجحه السبكي لا لمن بعده من الأهل بشرط الواقف ، خلافاً لابن الرفعة لأنه لم يجعل للمتأخر نظراً إلا بعد فقد المتقدم فلا سبب لنظره بغير فقده ، وبهذا فارق انتقال ولاية النكاح للأبعد بفسق الأقرب لوجود السبب فيه وهو القرابة اه بحرفه .
فرع : لو قرر الباشا في وظيفة واحداً والقاضي شخصاً آخر فهل يقدم من ولاه الباشا أو القاضي ؟ ينظر ، إن شرط التقرير لأحدهما اتبع وإلا فيقدم من قرره الباشا نظراً لعموم ولايته اه م د .
فرع : قرر شيخنا في درسه أنه لا يجوز للناظر أن يأخذ الضيافة والحلوان عند إيجار الوقف حيث لم يكن ذلك بشرط الواقف ؛ لأن ذلك أخذ بغير وجه شرعي .
خاتمة : في الدميري في آخر كتاب الوقف : قال الشيخ السبكي : قال لي ابن الرفعة : أفتيت ببطلان وقف خزانة كتب وقفها واقفها لتكون في مكان معين في مدرسة الصلاحية لأن ذلك المكان مستحق لغير تلك المنفعة ، قال الشيخ : ونظيره إحداث منبر في مسجد لم يكن فيه جمعة فلا يجوز وكذا إحداث كرسي مصحف مؤبد يقرأ فيه كما يفعل بالجامع الأزهر فلا يصح وقفه ويجب إخراجه من المسجد لما تقرر من استحقاق تلك المنفعة لغير هذه الجهة ؛ والعجب من قضاه يثبتون وقف ذلك شرعاً ) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً } ) الكهف : 104 ) اه .
3 ( ( فصل : في الهبة ) ) 3
ذكرها عقب الوقف لأن كلاًّ منهما تبرع وتمليك كما تقدم أن الموقوف عليه يملك(3/635)
"""""" صفحة رقم 636 """"""
المنافع . وقال بعضهم : ذكرها عقب الوقف لأنها فيها تمليك المنافع مع العين كما أن الوقف كذلك ، وهي مأخوذة من هبّ إذا مر لمرورها من يد إلى أخرى أو استيقظ لتيقظ فاعلها للإحسان .
قوله : ( لما يعم الخ ) . فتجتمع الثلاثة فيما إذا نقل إليه شيئاً إكراماً وقصد ثواب الآخرة بإيجاب وقبول اه خ ض . قوله : ( وآتي المال على حبه ) أي حب الله . ( وعلى ) للتعليل أي لأجل حب الله ، أو الضمير يعود للمال وتكون ( على ) بمعنى ( مع ) . قوله : ( لا تحقرنّ ) قال الكرماني يحتمل أن يكون النهي للمعطية وأن يكون للمهدى إليها . قلت : ولا يتم حمله على المهدى إليها إلا بجعل اللام في قوله لجارتها بمعنى من ولا يمتنع حمله على المعنيين اه فتح الباري شوبري . وعبارة المرحومي : والنهي للمهدية والمهدى إليها ؛ والمعنى لا تمتنع جارة من إهداء شيء قليل بل تجود بما تيسر لها ولا تمتنع جارة من قبولها ما أهدي لها وإن قل ، وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن إذ لم تجر العادة بإهدائه . وقد روي أن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين أعطت سائلاً حبة عنب فأخذ يقلبها بيده استحقاراً لها فقالت له زجراً : كم في هذه من مثقال ذرة والله تعالى يقول : ) فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } ) الزلزلة : 7 ) اه ق ل . قوله : ( فرسن ) بكسر الفاء والسين وسكون الراء ، وقيل : بفتح السين . قوله : ( أي ظلفها ) فسر الفرسن به لإضافته في الحديث للشاة ؛ فإن الذي للشاة هو الظلف لا الفرسن لأنه للإبل خاصة ، فإطلاقه على الظلف في الحديث مجاز . قال في النهاية : الفرسن عظم قليل اللحم وهو من البعير كالحافر للدابة ، وقد يستعار للشاة فيقال فرسن شاة ، والذي للشاة هو الظلف والنون زائدة وقيل : أصلية ؛ والمراد الظلف المشويّ الذي هو المراد بالمحرق إذ لو حمل المحرق على حقيقته لم يصح لعدم الانتفاع به . واعلم أن الظلف يكون للبقر أيضاً والذي لنحو الحمار في محله حافر وللطير ظفر .
قوله : ( تخرجها عن ذلك ) أي عن الاستحباب إما للحرمة أو للوجوب أو الكراهة ، ولا(3/636)
"""""" صفحة رقم 637 """"""
تباح لأن وضعها الندب ق ل . قوله : ( منها الهبة لأرباب الولايات والعمال ) لأنها رشوة والرشوة حرام إذا كانت وسيلة لمحرم ، كإقامة باطل أو ترك حق ، وإلا فلا تحرم ، وقد ورد : ( هَدَايَا الْعُمَالِ سُحْتٌ ) لأنها تذهب البركة ، أو لأنها تسحت في النار أي تلقيه فيها . قوله : ( على معصية ) أي إن تحقق ذلك أو ظن وإلا فهي مكروهة ، ولم يذكر مثالاً للواجبة كما لو نذرها . قوله : ( تمليك تطوع في حياة ) يؤخذ منه امتناع الهبة للحمل ، وهو ظاهر لأنه لا يمكن تمليكه ولا تملك الولي له لعدم تحققه ع ش على م ر . قوله : ( العارية ) أي فإنه لا تمليك فيها ولا ملك أيضاً بل إباحة . قوله : ( والضيافة ) فإنه وإن كان فيها ملك لكن لا بالتمليك ، والمعتمد أن الملك يحصل بالوضع في الفم . ويترتب على ذلك ما لو حلف أن لا يأكل لزيد طعاماً فأكل ضيفاً فإنه لا يحنث لأنه ملكه بمجرد وضعه في فمه ، فصدق عليه أنه لم يأكل إلا طعام نفسه ا ج . وقوله ( بالوضع في الفم ) لكنه يكون مراعي ولا يتم إلا بازدراد فلو لفظه بطل ملكه له . قوله : ( والوقف ) فإن الأوجه أنه لا تمليك فيه وإنما هو بمنزلة الإباحة كما صرح بذلك السبكي ، فقال : لا وجه للاحتراز عن الوقف فإن المنافع لم يتملكها الموقوف عليه من جهة الوقف بل من جهة الله . وخرج بقوله ( في حياة ) الوصية لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت شرح المنهج . قوله : ( فإن ملك لاحتياج ) أي احتياج الآخذ . قوله : ( فصدقة أيضاً ) أي كما أنها هبة فكل من الصدقة والهدية هبة ولا عكس ، وكلها مسنونة وأفضلها الصدقة ؛ شرح المنهج . وقوله ( ولا عكس ) أي بالمعنى اللغوي ، فليس كل هبة صدقة وهدية . وتظهر فائدته في الحلف ، فمن حلف لا يتصدق لم يحنث بهبة ولا بهدية أيضاً أو حلف لا يهدي لم يحنث بهبة ولا بصدقة أيضاً أو لا يهب حنث بهما وعتق عبده وإبراء مدينه من الصدقة اه ق ل . وتعرف بناء على إطلاقها على ما يقابل الصدقة والهدية بأنها تمليك الشيء لا لطلب الثواب ولا للنقل على وجه الإكرام ، وإنما كانت الأركان للهبة المقابلة لهما لا يشترط فيهما إيجاب وقبول .
قوله : ( إكراماً له ) خرج بذلك الهدية للظلمة ورشوة القاضي وما يعطى للشاعر خوفاً من هجوه ، فاندفع قول السبكي : الظاهر أن الإكرام ليس بشرط والشرط هو النقل اه ز ي . قوله : ( فهدية ) أيضاً فكان الأولى أن يأتي به كما في شرح المنهج . والحاصل أنه إن ملك لأجل الثواب مع صيغة كان هبة وصدقة ، وإن ملك بقصد الإكرام مع صيغة كان هبة وهدية ، وإن ملك لا لأجل الثواب ولا الإكرام بصيغة كان هبة فقط ، وإن ملك لأجل الثواب من غير صيغة(3/637)
"""""" صفحة رقم 638 """"""
كان صدقة فقط ، وإن ملك لأجل الإكرام من غير صيغة كان هدية فقط فبين الثلاثة عموم وخصوص من وجه والكتاب هدية للمرسل إليه إلا إن شرط كتابة الجواب على ظهره اه . قال بعضهم : ست كلمات جوهرية لا يحويها إلا العقول الزكية : أصل المحبة الهدية وأصل البغضة الأسية وأصل القرب الأمانة وأصل البعد الخيانة وأصل زوال النعمة البطر وأصل العفة غض البصر . قوله : ( وعرفه ) أي الموهوب المصنف ، نوزع فيه بأنه حكم من أحكامها لا تعريف ، وقد يدعي أنه رسم لأنه يميزها في الجملة . قوله : ( وكل ما جاز بيعه الخ ) أفهم كلامه امتناع هبة الاختصاص كجلد الميتة والخمر المحترمة ، وهو كذلك في الهبة بمعنى التمليك ، أما بمعنى نقل اليد فجائز اه سم . وقوله ( بمعنى التمليك الخ ) أي فإذا قال : وهبتك هذا الخمر مثلاً فإن أراد ملكتك لا يصح ، وإن أراد نقلت يدي عنه صح اه . قوله : ( لأن بابها أوسع ) إن كان من جهة أنه يجوز هبة أشياء ولا يجوز بيعها فالبيع كذلك يجوز بيع الأشياء ، ولا تجوز هبتها إلا أن يقال من جهة أن بعض أفراد الهبة لا يحتاج إلى صيغة وهو الصدقة والهدية فلا يعتبر فيهما صيغة بل يكفي فيهما بعث وقبض . قوله : ( من هبته ) أي من فعلها الذي هو جاز . قوله : ( أو لمشاكلة ) أي مناسبة .
قوله : ( وهو معسر ) راجع لكل مما قبله ، أما إذا كان موسراً نفذ ولا يجوز كل من البيع والهبة . قوله : ( للضرورة ) وهي وفاء الدين . قوله : ( هبة المنافع ) الأولى حذف ( هبة ) بأن يقول : ومنها المنافع ليناسب الخلاف الذي بعده . وقوله : إنها ليست بتمليك أي فلا تصح هبتها ، وكان المناسب أن يقول : أحدهما لا تصح لأنها ليست بتمليك الخ ، والثاني : تصح لأنها تمليك الخ . قوله : ( أنها ليست بتمليك ) المناسب أن إباحتها ، وهذا يقتضي التلازم بين عارية المحل وإباحة المحل لأنه استدل بالعارية للعين على أن منافعها ليست مملوكة ، أي وشأن العارية أن منافعها لا يملكها المستعير ، وإنما له أن ينتفع . وقضية هذا القول أن له الرجوع فيها(3/638)
"""""" صفحة رقم 639 """"""
متى شاء لأنه فرض أنها عارية . قوله : ( أنها تمليك ) معتمد . قوله : ( بناء على أن ما وهبت منافعه ) أطلق عليها هبة بالنظر للصورة ، أو بالنظر للقول الثاني ، وإلا فهي لا تصح هبتها على القول الأول ، فكان المناسب أن يقول : بناء على أن ما أبيحت منافعه عارية . قوله : ( عارية ) فإذا تلف ضمنه المتهب بخلافه على الثاني . قوله : ( وهو الظاهر ) وعليه فلا استثناء ، قال م ر : وأفتى به الوالد ، وعليه فلا تلزم إلا بالقبض وهو بالاستيفاء لا بقبض العين اه فلو بقي بعض المدة فللواهب الرجوع على المتهب فيما بقي . قوله : ( حق التحجر ) أي في إحياء الموات . قوله : ( ولا يصح بيعه ) لأنه لم يتم ملكه عليه بتمام الإحياء ؛ لكن يرد عليه أن شرط الهبة الملك للموهوب . قوله : ( صوف الشاة الخ ) أي فتصح هبتهما لا بيعهما . قوله : ( يجوز هبتها ) وهل يجب القطع أو الإبقاء إلى بدوّ الصلاح ؟ الظاهر الثاني ، وتكون هبتها رضا بإبقائها إليه أي إلى بدوّ الصلاح اه م د . قوله : ( فيشترط في الواهب الملك ) أورد عليه حق التحجر المتقدم وصوف الشاة فإنه يصح هبتهما مع عدم الملك ، إلا أن يقال إنه مملوك ملكاً مراعى ، أي ولو من بعض الوجوه لأن له أن يتخذ الصوف جبة وفرشاً وغيرهما ، وحق التحجر هو أحق به من غيره ، فصح كلام الشارح باعتبار ما ذكر اه أ ج . قوله : ( وإطلاق التصرف ) كان الأولى أن يزيد : وأهلية تبرع ، ليصح إخراج الولي في مال محجوره والمكاتب مع أنهما مطلقان التصرف أي غير محجور عليهما ؛ ولكن ليسا من أهل التبرع وهذه الشروط في كل من الهبة والصدقة والهدية . قوله : ( أن يكون فيه أهلية الملك ) أي التملك ، وهذا قد يفهم منه أنه لا يشترط(3/639)
"""""" صفحة رقم 640 """"""
في المتهب الرشد بل يقتضي صحة قبول الهبة من ولي الطفل . وفي حاشية سم على ابن حجر : فرع : سئل شيخنا م ر عن شخص بالغ تصدق على ولد مميز ووقعت الصدقة في يده من المتصدق فهل يملكها المتصدق عليه بوقوعها في يده كما لو احتطب أو احتش أو نحو ذلك أم لا لأن القبض غير صحيح ؟ فأجاب بأنه لا يملك الصبي ما تصدق به عليه إلا بقبض وليه اه . وعلى عدم الملك فهل يحرم الدفع له كما يحرم تعاطي العقد الفاسد منه أم لا لانتقاء العقد المذكور ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم الحرمة . ويحمل ذلك من البالغ على الإباحة كتقديم الطعام للضيف ، فللمبيح الرجوع فيه ما دام باقياً هذا ، ومحل الجواز حيث لم تدل قرينة على عدم رضا الولي بالدفع له سيما إن كان ذلك يعوّدهم على دناءة النفس والرذالة فيحرم الإعطاء لهم لا لعدم الملك بل لما يترتب عليه من المفاسد الظاهرة اه بحروفه . قوله : ( وغير المكلف ) يشمل ذلك الهبة للعبد الصغير أو المجنون إذا قصد الواهب سيده وأطلق ، فإن القبول من السيد ويكون بمنزلة الولي . قوله : ( يقبل له وليه ) فإن لم يفعل انعزل الوصي والقيم دون الأب والجد ، فإن كان الواهب الولي قبل له الحاكم إلا إن كان أباً أو جداً فيتولى الطرفين فعلم من ذلك أنه لو غرس شجراً وقال عند غراسه : أغرسه لطفلي أو جعلته له أو اشترى حلياً أو غيره لزوجته أو ولده الصغير وزينهما به أو جهز بنته بأمتعة ، لم يحصل الملك بشيء من ذلك لانتفاء الإيجاب والقبول ، فلو ادعت بنته أنه ملكها إياه وأنكر صدق بيمينه . وفي فتاوى القاضي حسين : أنه لو نقل ابنته وجهازها إلى بيت الزوج فإن قال : هذا جهاز بنتي فهو ملك لها مؤاخذة له بإقراره ، وإن لم يقل فهو إعارة ويصدق بيمينه سم .
قوله : ( فلا تصح لحمل ) وفارقت ملكه للإرث لأن ذلك قهري ، وفارقت صحة الوصية لأنها أوسع باباً من الهبة لأنها تصح بالموجود والمعدوم . قوله : ( ولا لرقيق نفسه ) بتنوين رقيق وابدال نفسه منه بدليل ما بعده ولأنها لا تصح لرقيق الواهب مطلقاً سواء قصده أم السيد ، وهذا في غير المكاتب وإلا فالهبة له ولو من سيده صحيحة ولم يجعل نفسه توكيداً لأن رقيق نكرة والتوكيد لا يكون إلا للمعرفة عند البصريين ، وأما عند الكوفيين فيجوز توكيد النكرة إن أفاد وعليه ابن مالك حيث قال :
وإن يفد توكيد منكور قبل
وفي نسخة ( لنفسه ) وهو بدل مما قبله . وأما الهبة للمكاتب فصحيحة ويملكها لنفسه لأنه مستقل ، وأما المبعض فإن كانت مهايأة فلمن وجدت في نوبته فإن وجدت في نوبة المبعض فالأمر ظاهر وإن وجدت في نوبة السيد فإن أطلق الواهب أو قصد السيد صح وكان القبول من المبعض وإن لم يكن مهايأة ، فما خص البعض الحر تصح فيه وما قابل البعض الرقيق يجري فيه ما تقدم من قصد السيد أو الإطلاق فيصح أو قصد العبد نفسه فلا تصح .(3/640)
"""""" صفحة رقم 641 """"""
تنبيه : كان الأولى للشارح أن يذكر هنا ما سيذكره بعد من قوله ( ولا بد في صحة الهبة من صيغة الخ ) ليكون الكلام على الأركان منضماً بعضه إلى بعض والصيغة إيجاب : كوهبتك وملكتك ومنحتك وأكرمتك وعظمتك ونحلتك وكذا أطعمتك ولو في غير طعام كما نص عليه ، وقبول : كقبلت ورضيت واتهبت لفظاً في حق الناطق وإشارة من الأخرس في حقه لأنها تمليك في الحياة كالبيع ؛ ولهذا انعقدت بالكناية مع النية : ( كلك كذا ) ( وكسوتك هذا ) وبالمعاطاة على القول بها ، فاشترط هنا في الأركان الثلاثة جميع ما مر فيها في البيع ، ومنه أن يكون القبول مطابقاً للإيجاب خلافاً لمن زعم عدم اشتراطه هنا ، ومنه أيضاً اعتبار الفورية في الصيغة فشرط الصيغة علم من البيع ، ومنه القبول على وفق الإيجاب فلو وهب له شيئين فقبل أحدهما أو شيئاً فقبل بعضه لم يصح فيهما على المعتمد . وعلم مما ذكر أنه لا تصح الهبة من الأعمى ولا له وهو ظاهر في الهبة المقيدة لأنها بيع وأما الهبة المطلقة ففيها نظر لاقتضائه عدم صحة الصدقة والهدية من الأعمى أو عليه إلا إن وكل بصيراً في الإقباض والقبض ، وشيخنا قال بهذا واعتمده أخذاً من إطلاقهم . والذي يتجه وفاقاً لبعض مشايخنا خلافه لإطباق الأمة في جميع الأعصار على خلافه ، قاله ق ل ونقله م د على التحرير . قال م ر في شرحه : وهبة الدين المستقرّ للمدين أو التصدق به عليه إبراء فلا يحتاج إلى قبول نظراً للمعنى ، وهذا صريح فيه خلافاً لما في الذخائر من أنه كناية ، نعم ترك الدين للمدين أي بلفظ الترك كناية إبراء وهبته لغيره أي المدين باطلة في الأصح لأنه غير مقدور على تسليمه ؛ لأن ما يقبض من المدين عين فهي غير ما وهب لا دين وظاهر كلام جماعة واعتمده الوالد رحمه الله تعالى بطلان ذلك وإن قلنا بما مرّ من صحة بيعه لغير من هو عليه بشروطه السابقة وهو كذلك اه .
قوله : ( ولا تلزم الهبة ) عبارة سم : ولا تلزم الهبة الشاملة للهدية والصدقة ولا يحصل الملك فيها إلا بالقبض من الواهب أو نائبه أو بإذنه فيه فتلزم ويحصل الملك ، فإن استقل به لم يملكها ودخلت في ضمانه أو كان الموهوب جزءاً شائعاً فقبض الجملة بإذن الواهب دون الشريك صح وأثم وضمن نصيب الشريك ، ولو حصلت زيادة قبله منفصلة فهي للواهب لحدوثها على ملكه أو تصرف قبله نفذ تصرفه وكان رجوعاً وإن ظنّ لزوم الهبة بالعقد اه بحروفه . قوله : ( أي لا تملك ) هو تفسير باللازم والمراد بالهبة العين الموهوبة لأنها التي تملك ، وقوله ( الصحيحة ) أي الصحيح عقدها أو الضمير لها بمعنى عقدها فيكون فيه استخدام ، ولو قال : ولا تملك كما فعل سم لكان أولى مفيداً لفائدة زائدة على المتن وهو أن الملك أيضاً يتوقف على القبض . واعلم أن ظاهر كلام المتن أن الهبة تملك بالعقد ؛ لكن لا يلزم ذلك إلا بالقبض . وقول الشارح ( أي لا تملك ) يقتضي أن العقد لم يفد ملكاً أصلاً ، وهذا ما حلّ به ابن قاسم كلام المتن ، إلا أن يقدر أي ملكاً تاماً وإلا فأصل الملك حصل بالعقد ويدل له قول(3/641)
"""""" صفحة رقم 642 """"""
شيخنا ح ف : قوله ( ولا تلزم الهبة ) أي لا تصير من العقود اللازمة وهي التي يمتنع فسخها شرعاً لغير موجب شرعي إلا بالقبض اه . قوله : ( غير الضمنية ) سيأتي محترزه بقوله كأعتق عبدك عني مجاناً فأعتقه فإنه لا يتوقف على قبض . قوله : ( الشاملة الخ ) صفة للهبة ، فكل من الأقسام الثلاثة لا يملك إلا بالقبض أي ممن يصح عقده لذلك ، فلو قبض صبي أو مجنون أو سفيه هبة أو صدقة أو هدية فلا يملكها ولمالكها الرجوع فيها ، وإن تلفت لا ضمان إن كان الدافع مطلق التصرف وإنما يلزم العقد المذكور إذا قبض الولي ، وإما إذا كان الدافع لذلك غير مطلق فإنها لا تملك ولو قبضت ، ولو كان القابض مطلق التصرف فلو ي من ذكر الرجوع إن كانت باقية ، فإن تلفت ضمنها من أخذها ولو تلفت بنفسها . قوله : ( إلا بالقبض ) أي الذي في البيع إما لها في الأعيان أو لمحلها في المنافع ؛ لأن هبتها صحيحة فلا يملكها بالعقد . قوله : ( أهدى إلى النجاشي ) بفتح النون ونقل كسرها وآخره ياء ساكنة وهو الأكثر رواية ، ونقل ابن الأثير تشديدها ، ومنهم من جعله غلطاً ؛ وهو لقب لكل من ملك الحبشة واسمه أصحمة ومعناه بالعربية عطية وهو الذي هاجر إليه المسلمون في رجب سنة خمس من النبوّة فآمن وأسلم بكتاب النبي وتوفي سنة تسع من الهجرة ونعاه ، أي أخبر بموته ، وذكر محاسنه النبي وصورة الكتاب :
( بسم الله الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم . من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة : أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني وترضى بالذي جاءني فإني رسول الله ؛ وإني أدعوك وجندك إلى الله تعالى . وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي ، وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفراً ومعه نفر من المسلمين . والسلام على من اتبع الهدى ) . وبعث الكتاب مع عمرو بن أمية الضمري اه .
قوله : ( أوقية ) بتشديد الياء أفصح من تخفيفها وهي أربعون درهماً . قوله : ( ثم قال لأم سلمة ) اسمها هند ، فلما مات أبو سلمة وانقضت عدّتها خطبها أبو بكر رضي الله عنه فأبت ثم عمر فأبت ثم النبي فقالت : مرحباً برسول الله ، وشكت إليه شدّة الغيرة ، فدعا لها أن يذهبها الله عنها فكانت في نسائه كالأجنبية لا تجد ما يجدون من الغيرة اه من بستان الفقراء . قوله : ( إني لأرى ) بضم الهمزة في هذه والتي بعدها من الرؤية بمعنى الظن اه م د . والظاهر أنه بالفتح كما يدل عليه كتب الحديث . قوله : ( فإذا ردت الخ ) فهذا يدل على أنها لا تملك(3/642)
"""""" صفحة رقم 643 """"""
بالصيغة . قوله : ( فكان كذلك ) أي موت النجاشي وردّ الهدية ، لكن لما ردّت قسمها بين نسائه ولم يخصّ بها أم سلمة م ر ، وذلك لأن أم سلمة لم تقبضها وهي هبة . فقد استفيد من الحديث أنها لا تلزم إلا بالقبض لا بالعقد ، ويحتمل أن يكون محل الاستدلال رد الهدية لموت النجاشي قبل قبضه لها ، فردّها يدل على أنها لا تلزم إلا بالقبض وهذا هو الظاهر من كلام الشارح بل هو متعين لأن الأوّل وعد لا عقد هبة لأنه لا يصح تعليقها . قوله : ( الفاسدة ) أي بفوات شرط من شروط الموهوب مثلاً فلا تملك بالقبض ولا ضمان لو تلفت ، وأما الفاسدة بفوات شرط في الواهب أو المتهب فقد عرفت حكمها فيما تقدّم . قوله : ( فلا تملك بالقبض ) نعم لو تلفت بعد قبضها لا يضمنها لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه . قوله : ( أعتق عبدك الخ ) أي ففعل . قوله : ( إذا كان التماس الخ ) وتقدّم أنه يكون بيعاً ضمنياً في هذه الصورة . قوله : ( فإنه إذا سلم الثواب ) أي العوض ، وكان المناسب أن يقول : فإنها تملك قبل القبض . قوله : ( استقل بالقبض ) مقتضى مقابلته لكلام المتن أن يقول : فلا يتوقف على قبض . ويجاب بأنه خارج بقيد مقدّر تقديره بقبض مع إذن ، أما ذات الثواب فلا تفتقر إلا الإذن إذا سلم المقابل .
قوله : ( خلافاً لما حكاه ابن عبد البرّ ) أي من حكاية الإجماع على أنه يكفي الإشهاد بالملك في هبة الأب لابنه الصغير كما في م ر ، وحينئذ فيحتاج إلى النقل في المنقول وإمكان السير إلى الغائب . قوله : ( بإذن الواهب فيه ) أي القبض ، ولا بدّ أن يكون القبض عن جهة الهبة أيضاً ، ولا بدّ أن يكون الإذن بعد تمام الصيغة ، فلو قال : وهبتك هذا وأذنت لك في قبضه فقال قبلت لم يكف اه عبد البرّ . ومثل القبض بالإذن الإقباض ، فلا تملك بدونهما . ولو اختلفا في الإذن في القبض صدق الواهب كما قاله الدارمي ، ولو اتفقا على الإذن لكن قال الواهب : رجعت قبل أن يقبض الموهوب ، وقال المتهب : بل بعده ، صدق المتهب ز ي ؛ لأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن . قوله : ( سواء ) تعميم في قوله : دخل في ضمانه .(3/643)
"""""" صفحة رقم 644 """"""
قوله : ( إن كان غائباً ) وينبني عليه أنه يجوز له الرجوع قبل مدة إمكان السير لأنه على ملك الواهب . قوله : ( وقد سبق بيان القبض ) أي أن المنقول لا بدّ من نقله ، والعقار يكفي فيه التخلية وتفريغه من أمتعة غير المشتري والغائب لا بدّ من الوصول إليه ، فيجري ذلك في قبض الموهوب .
قوله : ( إلا أنه هنا لا يكفي الإتلاف ) إلا إن كان الإتلاف بالأكل أو العتق وأذن فيه الواهب فيكون قبضاً ويقدّر انتقاله إليه قبيل الازدراد والعتق ز ي . قوله : ( ولا الوضع بين يديه بغير إذنه ) عبارة العباب : وتملك الهدية بوضعها بين يدي المهدى إليه البالغ لا الصبي وإن أخذها اه . بقي ما لو أتلفها الصبي والحال ما ذكر فهل يضمنها ، وينبغي عدم الضمان لأنه سلطه عليها بإهدائها له ووضعها بين يديه كما يؤخذ مما سيأتي في الوديعة أنه لو باع للصبي شيئاً وسلمه له فأتلفه لم يضمنه لأنه سلطه عليه ، والهبة كالبيع كما هو ظاهر والوضع بين يديه إقباض كما تقرر سم على حج . وقضية التعبير بالبالغ أنه يكفي القبول من السفيه ولا يتوقف على قبول وليه ولا قبضه ، وهو غير مراد اه ع ش على م ر . قوله : ( بغير إذنه ) أي إذن المتهب في القبض .
قوله : ( لأنه ) أي الموهوب . وقوله ( غير مستحق ) بالبناء للمفعول ويحتمل رجوع الضمير للمتهب ( ومستحق ) يكون مبنياً للفاعل ، وإنما لم يكن مستحقاً لأن الملك لا يحصل إلا بالقبض كما تقدم على كلام ابن قاسم . وعبارة شرح الروض : لأنه غير مستحق القبض فاعتبر تحقيقه ، بخلاف المبيع فجعل التمكين منه قبضاً . قوله : ( قام وارث الواهب الخ ) فلو لم يرث الواهب إلا بيت المال فهل يقوم الإمام مقامه في الإقباض ؟ قال بعضهم : ينقدح أن يقال إن كانت تلك العين لو كانت ملكاً لبيت المال بأن لم يكن وارث غيره كان للإمام أن يملكها للمتهب لأن للإمام إقباضه أياها وإلا فلا اه سم . قوله : ( ولا تنفسخ بالموت ) هو مستدرك مع ما قبله ، فكان الأولى التفريع ، ويقوم ولي المجنون ولو حاكماً مقامه ولا وليّ للمغمى عليه أي فتنتظر إفاقته ، فإن أيس منها فكما لمجنون ق ل . قوله : ( كالبيع ) فإنه لا يبطل بذلك بل ينتقل الخيار للوارث .(3/644)
"""""" صفحة رقم 645 """"""
قوله : ( أي الهبة ) التي هي العين ، أما الدين فلا معنى للقبض فيه ولا رجوع فيه مطلقاً عشماوي . قوله : ( والصدقة ) ظاهره أنه إذا تصدق على ولده بشيء يكون له الرجوع فيه ، وصححه في الشرح الكبير هنا ؛ لكن صحح في الشرح الصغير وفي الكبير في باب العارية خلافه كما ذكره الدمياطي في شرحه فليحرر . وقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا يحل لرجُلٍ أنْ يُعْطَى عَطِيَّةً ) الخ يدل للأول ، ومحل الرجوع في الصدقة كما قاله البلقيني في المتطوّع بها غير لحم الأضحية ، وأما الواجب في زكاة أو كفارة أو فدية فلا رجوع للوالد ، وكذا لو أرسل إليه لحم أضحية فإنه لا يرجع لأنه إنما يرجع ليستفيد التصرف وهو ممتنع في مثل ذلك اه . قوله : ( إلا أن يكون والداً ) أي فله الرجوع في كلها أو بعضها . نعم إن أراد الرجوع في المنفعة دون العين امتنع . قوله : ( وكذا سائر الأصول ) أي ما عدا الأب والأم ، فمراده بالوالد ما يشمل الأم . وحمل الشارح الوالد على الحقيقي فأتى بذلك ، ولو حمله على حقيقته ومجازه لشمل سائر الحصول . قوله : ( من الجهتين ) أي من جهة الأب والأم . قوله : ( سواء أقبضها ) هذا التعميم سرى إليه من قول المنهاج : وللوالد الرجوع فيما وهبه لولده الخ ، وهو لا يناسب كلام المتن هنا لأنه فرض كلامه في القبض ، ومن ثم قال ق ل : هذا التعميم غير مستقيم اه وأيضاً كل أحد له الرجوع قبل القبض فعدم القبض غير محتاج إليه . قوله : ( إلا الوالد فيما يعطي ولده ) يرفع الوالد بدل من فاعل يرجع أو بجرّه بدل من رجل أو بنصبه على الاستثناء ، والمختار الإتباع . وذكر الرجل جري على الغالب ، واختص الوالد بذلك لانتفاء التهمة فيه إذ ما طبع عليه من إيثارة ولده على نفسه يقتضي أنه إنما يرجع لحاجة أو مصلحة ويكره له الرجوع من غير عذر ، فإن وجد ككون الولد عاقاً أو يصرفه في معصية أنذره به ، فإن أصّر لم يكره كما قالا . وبحث الأسنوي ندبه في العاصي وكراهته في العاقّ إن زاد عقوقه به وندبه إن أزاله وإباحته إن لم يفد شيئاً ، والأذرعي عدم كراهته إن احتاج الأب لنفقته أو دين بل ندبه حيث كان الولد غير محتاج له ووجوبه في العاصي إن غلب على الظن تعينه طريقاً إلى كفه عن المعصية ؛ شرح م ر(3/645)
"""""" صفحة رقم 646 """"""
شوبري . ومذهب الحنفية عكس مذهبنا وهو الرجوع فيما وهب لأجنبي دون ما وهبه الأصل لفرعه ، وأجابوا عن الحديث الآتي بعدم صحته عندهم ؛ شيخنا . قال الشعراني في الميزان : قال أبو حنيفة إنه ليس للأب الرجوع في هبته لولده بحال ، وقال الشافعي : إن له الرجوع بكل حال ، وقال مالك : إن له الرجوع ولو بعد القبض في كل ما وهبه لابنه على جهة الصلة والمحبة ولا يرجع فيما وهبه على جهة الصدقة ، قال : وإنما يسوغ الرجوع إذا لم تتغير الهبة في يد الولد أو يستحدث ديناً بعد الهبة أو تتزوّج البنت أو يختلط الموهوب له بمال من جنسه بحيث لا يتميز منه وإلا فليس له الرجوع . وقال أحمد في إحدى رواياته : وأظهرها أن له الرجوع بكل حال كمذهب أبي حنيفة ووجه الأوّل أن بعض الأولاد قد يكون مع أبيه كالأجانب بل كالأعداء ، ووجه الثاني قوله لولد . ( أنْتَ ومَالُكَ لأبيكَ ) اه .
قوله : ( والوالد يشمل كل الأصول ) أي الذكور والإناث ، فذكر الرجل في الحديث لا مفهوم له ، والمراد من النسب . والحاصل أن الأصل من النسب لا يرجع في هبة الفرع إلا بشرط أن يكون الفرع حراً وأن يبقى الموهوب في سلطنته وأن يكون عيناً لا ديناً فالشروط ثلاثة اه . ولو وهبه ، أي الأجنبي ، وأقبضه ومات فادعى الوارث صدوره في المرض والمتهب كونه في الصحة صدّق الثاني بيمينه ، ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث لأن معها زيادة علم اه م ر . قوله : ( كما في النفقة ) مرتبط بقوله ( ألحق ) . قوله : ( وسقوط القود ) كما إذا قتل الجدّ ولد ولده فإنه لا يقتل فيه . قوله : ( فهبة لسيده ) أي فلا رجوع . قوله : ( أما لو وهب لولده ديناً عليه ) أما هبة الدين لغير من هو عليه فقيل صحيحة نظير ما مر في بيعه ، وصحح في المنهاج بطلانها نظير ما مر في البيع . هذا والمعتمد عدم صحة هبته لغير من عليه سواء قلنا بصحة بيعه أم لا م ر أ ج . قوله : ( سواء قلنا إنه ) أي ما ذكر من هبة الدين ، والمناسب أن يقول إنها أو أن الضمير للهبة بمعنى العقد أو أنه ذكر الضمير بالنظر للخبر . قوله : ( أم إسقاط ) أي إبراء . قوله : ( في سلطنة الولد ) هي عبارة عن جواز التصرف ، وليس المراد بها الملك بدليل شمول زوالها لما لو جنى الموهوب أو أفلس المتهب وحجر عليه أو رهن الموهوب وأقبضه فإن هذه لا تزيل الملك لكنها تزيل جواز التصرف . وعبارة م د على التحرير : وقوله ( في سلطنته ) أي استيلائه ، وهي أولى من التعبير ببقاء الملك لشمولها ما لو كانت العطية عصيراً فتخمر ثم تخلل فإن له الرجوع(3/646)
"""""" صفحة رقم 647 """"""
لبقاء السلطنة وإن لم يبق الملك خ ض . وقال ق ل : عدل إليها عن الملك لصحة إخراج المكاتب المذكور والمستولدة ، أي فإن كلاًّ من المكاتب والمستولدة زالت عنهما السلطنة دون الملك اه .
قوله : ( وخرج بها الخ ) أي لأن المراد بالسلطنة الاستيلاء التام فصح ما ذكره اه . وقوله بها الأنسب به أي البقاء . قوله : ( وحجر عليه ) أي بالفلس . وخرج ما لو حجر عليه بالسفه فله الرجوع ؛ لأن الحجر لم يتعلق بالعين ، وإذا انفك الحجر مكن من الرجوع . قوله : ( أو وقفه الخ ) الأولى أن يخرج هذا ببقاء السلطنة كما فعله غيره . قوله : ( مما يزيل الملك ) ليس بقيد بل مثله غيره كالكتابة والإيلاد والرهن بعد قبضه كما أشار إليه ؛ لكن محله إذا كان الرهن لغير الوالد كما بحثه الزركشي ؛ سم ملخصاً . قوله : ( من أبيه ) أي لأبيه . قوله : ( قبل القبض ) يرجع للرهن والهبة . قوله : ( لأن الملك ) فيه قصور . قوله : ( ولا يمنع أيضاً ) كما لو انفك الرهن والكتابة سم فإن له الرجوع . قوله : ( ولا إجارتها ) لو قال : ولا الإجارة لكان أعم ، ولا يفسخ الوالد الإجارة إن رجع بل تبقى بحالها لكن أجرة ما بقي بعد الرجوع للوالد كالتزويج فيكون المهر للولد . قوله : ( على وقف ملكه ) الأولى أن يقول على وقف تصرفه لأن الرجوع من قبيل التصرف لا من قبيل الإملاك ، والمرتد توقف أملاكه إن عاد للإسلام تبين استمرارها ، وإن مات مرتداً تبين زوالها عن المملوكات من حين الردّة ، وتصرفاته التي تقع منه حال الردّة كالبيع وغيره وإن كانت مما يقبل التعاليق كالعتق فهي موقوفة إن رجع إلى الإسلام تبين نفوذها ، وإن مات مرتداً تبين فسادها وأما إذا لم تقبل التعليق كالبيع والهبة والرجوع في الهبة فهي باطلة من وقتها ولا توقف ؛ وسيأتي هذا كله في باب الردّة .(3/647)
"""""" صفحة رقم 648 """"""
قوله : ( فروع ) أي ستة . قوله : ( لأن الملك ) أي ملك ولد الولد ، وقوله ( غير مستفاد منه ) أي من الواهب الأول وإن كان أصلاً لولد الوالد . وحاصله أنه لا يرجع أصل على فرع إلا إذا استفاد الفرع الملك من الراجع . قوله : ( لأخيه من أبيه ) سواء كان شقيقاً أم لا ، وقيد بالأب لإخراج الأخ للأم فإنه لا يتوهم فيه الرجوع . قوله : ( ولو وهبه الولد لجده ) أي وفرض المسألة أن أباه كان وهبه له . وقوله ( ثم الجد لولد ولده ) وهو الواهب له أولاً فكان الأولى الإضمار ، أو يقال : المراد ولد ولد آخر غير الواهب اه م د . قوله : ( فالرجوع للجد فقط ) أي دون الأب الواهب لولده أوّلاً الذي وهب لجده . وعلة عدم رجوع الأب خروج الموهوب عن سلطنة الولد الواهب للجد ، لأن الملك الآن مستفاد من الجد لا من الأب ، وهذا خلاف ما في المحشي . قوله : ( لم يرجع الأصل ) ويكون الزائل العائد هنا كالذي لم يعد ، وقد نظم ذلك بعضهم بقوله :
وعائد كزائل لم يعد
في فلس مع هبة للولد
في البيع والقرض وفي الصداق
بعكس ذاك الحكم باتفاق
قوله : ( صار مستهلكاً ) أي لأنه أوجد فيه فعلاً يسري إلى التلف . ومنه يؤخذ أن من اقترض حباً فبذره منع ذلك من رجوع المقرض ، وقولهم للمقرض الرجوع في العين ما دامت باقية عند المقترض لا يشمل هذه الصورة لأن معناه ما دامت باقية بحالها ، فلا يقال إن ما يوجده الله من الزرع يكون ملكاً للمقرض ؛ وهذا بخلاف ما لو غصب حباً فنبت فإن الزرع كله للمالك وعلى الغاصب أرش نقصه إن فرض أن الزرع أنقص من الحب المغصوب كما صرح بذلك م ر في شرح المنهاج في باب الغصب ونقله أ ج عن الزيادي ، وعبارته : وهذا بخلاف الغصب فإنّ بذر الحب وتفريخ البيض لا يمنع الرجوع لأن الغصب لا بد فيه من الرجوع ، وإن تداولت الأيدي على المغصوب والتعلق بذلك أي بما نشأ من البذر والبيض أولى من التعلق ببدله ، ولا كذلك الهبة ، فظهر الفرق بين البابين .(3/648)
"""""" صفحة رقم 649 """"""
قوله : ( بزيادته المتصلة ) أي غير الحمل الحادث ولو قبل وضعه سم . قوله : ( كالسمن ) أي وتعلم صنعة لا معالجة للسيد فيه ، ز ي . والمراد بالسيد الولد الموهوب له ، ومفهومه أن التعلم إن كان فيه معالجة تقابل بأجرة دفعها الواهب لابنه إن طلبها تأمل . قوله : ( كالولد الحادث ) أي بعد القبض كما يفهم من قوله لحدوثه ، ع ش على المنهج . قوله : ( ببيع ما وهبه الأصل الخ ) أي بيعه مع كونه في يد الفرع ؛ لأن ما هو في ملك الغير لا ينتقل عنه بتصرف غيره فيه وهذه التصرفات باطلة . قوله : ( لفرعه ) أي بعد قبض الفرع له . قوله : ( ولا بوقفه ) أي ولا بإيلاده وإتلافه ، ويلزمه بالوطء مهر المثل وبالإيلاد والإتلاف القيمة وتلغو البقية ، والوطء حرام وإن قصد به الرجوع ، وإذا رجع ولم يأخذ الموهوب من الولد فهو أمانة في يده سم . قوله : ( ولا بد في صحة الهبة الخ ) الأولى أن يقدم هذا قبل قول المتن : وإذا قبضها الموهوب له الخ ، ليتم الكلام على الأركان الثلاثة .
قوله : ( من صيغة الخ ) يؤخذ منه أن الهبة لا تصح من الأعمى ولا له لتوقفها على الإيجاب والقبول ولا يكون إلا في عين معينة وهو لا يتصرف في الأعيان ، أما الصدقة والهدية فتصح منه وله . ويؤخذ منه أيضاً أن يكون القبول على طبق الإيجاب خلافاً لمن زعم عدم اشتراطه هنا ، ومنه أيضاً اعتبار الفورية في الصيغة فيضر الفصل بأجنبي والأوجه كما رجحه الأذرعي اغتفار قوله بعد وهبتك وسلطتك على قبضه ، فلا يكون فاصلاً مضراً لتعلقه بالعقد ؛ نعم في الاكتفاء بالإذن قبل وجود القبول نظر ، وقياس ما مر في مزج الرهن بالبيع الاكتفاء به ، وقد لا يشترط صيغة كما لو كانت ضمنية كأعتق عبدك عني فأعتقه وإن لم يقل مجاناً ، وما قاله القفال وأقره من أنه لو زين ولده الصغير بحليّ كان تمليكاً له بخلاف زوجته لأنه قادر على تمليكه بتولي الطرفين ، مردود بأن كلامهما يخالفه حيث اشترطا في هبة الأصل تولي الطرفين بإيجاب وقبول وهبة وليّ غيره لموليه قبولها من الحاكم أو نائبه ؛ شرح م ر . نعم إن دفع ذلك لاحتياجه له أو قصد ثواب الآخرة كان صدقة فلا يحتاج إلى إيجاب ولا قبول ، ولا يعلم ذلك إلا منه ، وقد تدل القرائن الظاهرة على شيء فيعمل به ع ش على م ر . ولو ختن ولده وحملت(3/649)
"""""" صفحة رقم 650 """"""
له هدايا ملكها الأب وقال جمع للابن فيلزم الأب قبولها ، أي عند انتفاء المحذور ؛ ومنه قصد التقرب للأب ، وهو نحو قاض فيمتنع عليه القبول وهو ظاهر . ومحل الخلاف حيث لم يقصد المهدي واحداً منهما ، وإلا فهي لمن قصده بالاتفاق . ويجري ذلك فيما يعطاه خادم الصوفية ، فيكون له عند الإطلاق أو قصده ولهم عند قصدهم وله ولهم عند قصدهما ، أي فيكون له النصف فيما يظهر أخذاً مما يأتي في الوصية فيما إذا أوصى لزيد والفقراء مثلاً ، وما جرت به العادة من وضع طاسة بين يدي صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم ثم تقسم على المزين ونحوه يجري فيه ذلك التفصيل ، فإن قصد المزين وحده أو مع نظرائه المعاونين له عمل بالقصد ، وإن أطلق كان ملكاً لصاحب الفرح يعطيه لمن شاء ، وبهذا يعلم عدم اعتبار العرف هنا شرح م ر . ولو نذر لولي ميت بمال فإن قصد أنه يملكه لغا ، وإن أطلق فإن كان على قبره ما يحتاج للصرف في مصالحه صرف لها ، وإلا فإن كان عند قوم اعتيد قصدهم بالنذر للولي صرف لهم اه ولو أهدى لمن خلصه من ظالم لئلا ينقض ما فعله لم يحل له قبوله وإلا حل ، أي وإن تعين عليه تخليصه ، بناءً على الأصح أنه يجوز أخذ العوض على الواجب المعين إذا كان فيه كلفة ، خلافاً لما يوهمه كلام الأذرعي وغيره هنا . ولو قال : خذ واشتر لك به كذا ، تعين الشراء به ما لم يرد التبسط ، أي أو تدل قرينة حاله عليه ؛ لأن القرينة محكمة هنا ، ومن ثم قالوا : لو أعطي فقيراً درهماً بنية أن يغسل به ثوبه ، أي وقد دلت القرينة على ذلك ، تعين له ، وإن أعطاه كفناً لأبيه فكفنه في غيره فعليه رده له إن كان قصد التبرك بأبيه لفقه أو ورع قال في المهمات : أو قصد القيام بفرض التكفين ولم يقصد التبرع على الوارث ، قال الأذرعي : وهذا ظاهر إذا علم قصده . فإن لم يقصد ذلك فلا يلزمه رده بل يتصرف فيه كيف شاء إن قاله على سبيل التبسط المعتاد ، وإلا فيلزمه رده أخذاً مما مر ( في اشتر لك بهذا عمامة ) روض وشرحه . ولو شكا إليه أنه لم يوف أجرته كاذباً فأعطاه درهماً أو أعطى بظن صفة فيه أو في نسبه فلم يكن فيه باطناً ، لم يحلّ له قبوله ولم يملكه ويكتفي في كونه أعطى لتلك الصفة بالقرينة . ومثل هذا من دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها أو غيره ليتزوّجها فردّ قبل العقد رجع على من أقبضه ، وحيث دلت قرينة على أن ما يعطاه إنما يعطاه للحياء حرم الأخذ ولم يملكه ، قال الغزالي : إجماعاً . وكذا لو امتنع من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال كتزويج بنته ، بخلاف إمساكه لزوجته حتى تبرئه أو تفتدي بمال . ويفرق بأنه هنا قي مقابلة البضع المتقوّم عليه بمال ؛ اه حج .
فرع : ما تقرر في الرجوع في النقوط لا فرق فيه بين ما يستهلك كالأطعمة وغيره ؛ ومدار الرجوع على عادة أمثال الدافع لهذا المدفوع إليه ، فحيث جرت العادة بالرجوع رجع وإلا فلا اه ع ش على م ر .
قوله : ( ومنحتك ) أي أعطيتك . قوله : ( بلا ثمن ) أي حال كون الثلاثة صادرة بلا ذكر(3/650)
"""""" صفحة رقم 651 """"""
ثمن ، فإن ذكر فيها الثمن فهي هبة بثواب ولا كلام فيها . قوله : ( وتصح ) أي الهبة وقوله بعمرى ، أي فهي صيغة هبة طوّل فيها العبارة ، فيعتبر فيها القبول وتلزم بالقبض . والعمرى والرقبى كانا عقدين في الجاهلية اه مرحومي . قوله : ( كأن قال ) أي العارف بمعنى هذا اللفظ وإلا فلا يصح ، فلا بد أن يعرف معنى الرقبى والعمرى ولو بوجه حتى يقصده ، فلو قال ذلك جاهلاً به من جميع وجوهه لم يصح كما انحط على ذلك كلام م ر وحج ، ولو ادعى الجهل بمعناه بعده صدّق إن أمكن جهله ؛ اه م د على التحرير .
فرع يشترط في العمرى والرقبى القبول كالهبة اه عبد البر .
قوله : ( أي جعلته الخ ) عبارة شرح البهجة : أو جعلته لك عمرك ، وهو المناسب بدليل قوله بعد : وخرج بقولنا الخ . قوله : ( ميراث لأهلها ) أي فلا يعمل بقوله : فإذا مت عاد لي ، ومن ثم عدلوا به عن قياس سائر الشروط الفاسدة إذ ليس لنا عقد يصح مع الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه ويلغو إلا هذا ز ي . قوله : ( المعتاد ) أي المعتاد مع الناس في عقد الهبة بلفظ العمرى . قوله : ( لما فيه ) الأولى ولما فيه بالواو كما عبر به في شرح البهجة . قوله : ( بخلاف العكس ) أي إذا قال : جعلته لك عمرك . قوله : ( إلا مدة حياته ) أي فلا تأقيت في الحقيقة ، شرح البهجة . قوله : ( ولورثته ) أي الآخذ . وقوله : من بعده ذكره لدفع توهم أنها في الحال له(3/651)
"""""" صفحة رقم 652 """"""
ولمن يرثه بتقدير موته . قوله : ( المذكور ) لو حذف المذكور الخ ، لكان أولى ؛ لأنه لم يذكر في الرقبى شرطاً بل في العمرى فقط ، وهو : فإذا مت عاد لي إلا أن يراد ولو بما يدل عليه ، فتأمل ق ل . وقوله ( ولو بما يدل عليه ) وهو قوله أرقبتكه ؛ لأن معناه إن مت قبلي عاد إليّ وإن مت قبلك استقر لك كما تقدم . قوله : ( فمن أعمر شيئاً أو أرقبه ) بالبناء للمفعول فيهما شوبري . قوله : ( أي لا تعمروا الخ ) فالنهي متوجه على القيد ، وإلا فالعمرى والرقبى جائزان . قوله : ( بثواب ) أي بذكر عوض . قوله : ( وإن كانت ) غاية . قوله : ( كقوصرّة ) بقاف مفتوحة فواو ساكنة فصاد مهملة مفتوحة فراء مهملة مفتوحة مشددة ، ولا تسمى بذلك إلا وفيها التمر وإلا فهي مكتل وزنبيل ؛ وهي الجراب الذي يكنز فيه التمر من البوادي ، قال الراجز :
أفلح من كان له قوصره
يأكل منها كل يوم مره قوله : ( إلا في أكل ) أي فيجوز أكلها منه حينئذ ويكون عارية ، شرح المنهج . وحاصله أن ظرف الهدية هبة إن لم تجر العادة برده وإلا فعارية إن جرت العادة بأكلها منه وإلا فغصب ، اه ويندب ردّ ظرف الهدية حالاً بل يجب إن اعتيد تفريغه حالاً ، إذ المراعى في ذلك العادة . فالحاصل أنه إن جرت العادة بتفريغه حالاً والمراد عادة المهدي ، وجب وإن جرت عادته بإبقائها فيه مدة جاز ؛ ولكن الأفضل رده حالاً . ويسنّ أن لا يأكل من الهدية حتى يأمر صاحبها بالأكل منها ويأكل منها ، لما رواه الطبراني عن عمار بن ياسر رضي الله عنه : ( أنه كان لا يأكل هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها للشاة التي أهديت إليه في خيبر وهي مسمومة ) وهذا أصل لما يعتاده الملوك في ذلك حتى يلحق بهم من في معناهم من كبراء الناس اه م د مع زيادة من الشوبري .
قوله : ( وفي عطية أولاده ) أي سواء كانت العطية صدقة أم هدية أم وقفاً أم تبرعاً آخر ،(3/652)
"""""" صفحة رقم 653 """"""
فأفهم قوله ( كغيره عطية ) أنه لا تطلب منه التسوية في غيرها كالتودد بالكلام وغيره ، لكن وقع في بعض نسخ الدميري لا خلاف أن التسوية بينهم مطلوبة حتى في التقبيل وله وجه ، اه ابن حجر ز ي . ومحل ذلك في المميزين . وفي ق ل على التحرير : فرع : يندب للأصل أن يعدل بين أولاده في العطية وغيرها ولو بنحو قبلة ، نعم إن تميز أحدهم بنحو فضيلة فله تمييزه أو بنحو عقوق فله منعه من الإعطاء ، بل يجب إن لزم على إعطائه معصية اه . قوله : ( يسوّي الخ ) خص الذكر والأنثى بالذكر لما قيل إن معنى التسوية بين الذكر والأنثى أن يعطي للذكر مثلي الأنثى كالإرث ، بل التسوية بين الأولاد أن يسوي بينهما في الإعطاء وقدر المعطى اه . قوله : ( واعدلوا ) بوصل الهمزة . قوله : ( ويكره تركه ) أي العدل . قوله : ( عند الاستواء في الحاجة ) أي وفي البرّ وعدمه والدين وقلته . قوله : ( فإن فضل أحدهما ) أي أراد أن يفضل أحدهما أ ج . قوله : ( هذا الحكم ) وهو كراهة ترك التسوية . قوله : ( أن التسوية بينهم ) أي لكن ترك ذلك خلاف الأولى فقط لا مكروه ، فقوله ( مطلوبة ) أي فيها أصل الطلب ولا يتأكد .
قوله : ( بالإحسان إليهما ) من الإحسان إلى الوالد أن يستمع كلامه وأن يقوم لقيامه ويمتثل أمره ولا يمشي أمامه ولا يرفع صوته فوق صوته ويلبي دعوته ويحرص على طلب مرضاته ويخفض له جناحه بالصبر ولا يملّ بالبرّ له ولا بالقيام بأمره ولا ينظر إليه شزراً أي عبوساً . وفي خبر مرفوع : ( لَعَنَ الله العاقَ لِوَالِدَيْهِ ) قال الذهبي : وإسناده حسن : وقال وهب : ( أوحى الله إلى موسى : وقّر والديك فإن من وقر والديه مددت له في عمره ووهبت له ولداً يبره ) وقال النبي : ( رأيت أقواماً معلقين في جذوع النار فقلت يا مالك ما كان ذنبهم ؟ قال كانوا عاقين لوالديهم فيقول الله جلّ وعلا : لا أخرجهم إلا برضا والديهم ، فأقول : يا رب أخرجهم معي ينظرون عذابهم لعل أن يرحموهم . فيأمر الله بخروج عشر رجال فيمشون مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيأتون(3/653)
"""""" صفحة رقم 654 """"""
إلى جهنم فيأمر الله مالكاً يفتح لهم فإذا رأوا أولادهم يعذبون فيبكون ويقولون : ما علمنا أنهم في هذا العذاب الشديد ، فيصيح كل واحد منهم لولده فإذا سمعوا صوت آبائهم وأمهاتهم بكوا وقالوا : النار أحرقت أكبادنا والعقوبة أهلكتنا . فيبكي الآباء والأمهات ويقولون : يا محمد اشفع فيهم : فيقول : لهم : لا يخرجون إلا بشفاعتكم . فيقولون : إلهنا وسيدنا تفضل علينا بخروجهم من النار إلى الجنة . فيقول لهم الله : أنتم رضيتم عن أولادكم ؟ فيقولون : نعم ، فيقول الله لمالك : أخرج كل من طلبه أبواه وأخّر من لم يطلباه فيخرجهم فحماً فيغمسون في ماء الحياة فينبت عليهم اللحم والشعر والجلد ويدخلون بهم الجنة ) . وقال رسول الله : ( من عقّ والديه فقد عصى الله ورسوله ، وإنه إذا وضع في قبره ضمه القبر ضمة حتى تختلف أضلاعه . وأشد الناس عذاباً في جهنم عاقّ لوالديه والزاني والمشرك بالله سبحانه وتعالى ) وقال : ( رضا الرب في رضا الوالدين وسخط الرب في سخط الوالدين ) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( سألت رسول الله أيّ العمل أحبّ إلى الله تعالى ) قال : ( الصلاة لأوّل وقتها ) قلت : ثم أي ؟ قال : ( برّ الوالدين ) قلت : ثم أي ؟ قال : ( الجهاد في سبيل الله ) ورُوي أن رجلاً شكا إلى النبي أباه وأنه يأخذ ماله ، فدعاه فإذا هو بشيخ يتوكأ على عصا ، فسأله فقال : إنه كان ضعيفاً وأنا قوي وفقيراً وأنا غني فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي واليوم أنا ضعيف وهو قوي وأنا فقير وهو غني ويبخل عليّ بماله . فبكى رسول الله وقال : ( ما من حجر ولا مدر يسمع بهذا إلا بكى ) ثم قال للولد : ( أنت ومالك إلى أبيك ) . وشكا إليه آخر سوء خلق أمه فقال : ( لم لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر ) ؟ قال : إنها سيئة الخلق . قال : ( لم لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين ) ؟ قال إنها سيئة الخلق . قال : ( لم لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت لك نهارها ) ؟ قال : لقد جازيتها . قال : ( ما فعلت ؟ ) قال : حججت بها على عنقي . قال : ( ما جازيتها ) . وقال : ( إياكم وعقوق الوالدين ، فإن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ عاص ولا جارّ إزاره خيلاء إن الكبرياء لله رب العالمين ) اه من تفسير الخطيب .
قوله : ( ما لم يكن الخ ) أي كأن يكون تاركاً للصلاة ولا يفعلها إلا بإيذاء ليس بالهين أو ذا غيبة فنهاه عن ذلك . قوله : ( مأمور بها ) أي أمر ندب وقطيعتها بترك المواصلة المألوفة بينهما من الكبائر . وبه يلغز ويقال : لنا مندوب يكون تركه من الكبائر ، قرره شيخنا العزيزي . وعن أنس رضي الله عنه عن النبي أنه قال : ( الرحم حَجَنَةٌ متمسكة بالعرش تتكلم بلسان ذلق : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني فيقول الله تبارك وتعالى : أنا الرحمن الرحيم وإني شققت للرحم اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن بتكها بتكته ) اه . والحجنة بفتح الحاء المهملة والجيم معاً بعدهما نون هي سنارة المغزل ، وقوله ( بتكها ) بباء موحدة ثم تاء مثناة فوق(3/654)
"""""" صفحة رقم 655 """"""
محركاً أي قطعها اه . والمراد أن حالها يقتضي ذلك أو أنها تجسم وتقول إذ لا مانع منه فلا يقال الرحم العلقة التي بينك وبين قريبك فكيف تقول . وعن الضحاك بن مزاحم ( إن أحدكم ليكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيبارك له فيه فيصير ثلاثين سنة ، وإن أحدكم ليكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فيصير ثلاثة أيام ؛ قال الله تبارك وتعالى : ) يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } ) الرعد : 39 ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( من اتقى ربه ووصل رحمه أنسىء له في عمره ) يعني يزاد في عمره . وقال النبي : ( برُّوا أرحامكم ولو بالسلام ) . وقد أمر الله تعالى بصلة الرحم في كتابه العزيز ، فقال تبارك وتعالى : ) واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } ) النساء : 1 ) يعني اتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها ، وقال تعالى . ) وآت ذا القربى حقه } ) الإسراء : 26 ) يعني أعطه حقه من الصلة والبرّ ، وقال تعالى : ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان } ) النحل : 90 ) يعني التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله ويأمر بالإحسان إلى الناس والعفو عنهم ) وإيتاء ذي القربى } ) النحل : 90 ) يعني يأمر بصلة الرحم . قال يحيى بن سليم : كان عندنا بمكة رجل من أهل خراسان وكان صالحاً وكان الناس يودعونه الودائع ، فجاء رجل فأودعه عشرة آلاف دينار وخرج الرجل في حاجته وقدم مكة وقد مات الخراساني ، فسأل أهل مكة : أودعت فلاناً عشرة آلاف دينار وقد مات وقد سألت ولده وأهله ولم يكن لهم علم فما تأمروني ؟ فقالوا : نرجو أن يكون الخراساني من أهل الجنة ، فإذا مضى من الليل ثلثه أو نصفه ائت زمزم فتطلع فيها وناد يا فلان ابن فلان أنا صاحب الوديعة ففعل ذلك ثلاث ليال فلم يجبه أحد ، فأخبرهم بذلك فقالوا : ) إنا لله وإنا إليه راجعون } ) البقرة : 156 ) يخشى أن يكون صاحبك من أهل النار ، فائت اليمن فإن بها وادياً يقال له برهوت وفيه بئر فتطلع فيها ؛ فإذا مضى من الليل ثلثه أو نصفه فناد يا فلان ابن فلان أنا صاحب الوديعة ففعل ، فأجابه من أوّل صوت فقال : ويحك ما أنزلك ههنا وقد كنت صاحب خير ؟ قال : كان لي أهل بيت بخراسان فقطعتهم حتى مت فآخذني الله بذلك فأنزلني هذا المنزل وأما مالك فهو على حاله وقد دفنته في بيت كذا فقل لولدي يدخلك داري واحفر في موضع كذا فإنك تجد مالك . فوجد ماله في الموضع الذي وصفه . فالواجب صلة الرحم بالزيارة والهدية ، فإن لم يقدر على الصلة بالمال فليصلهم بالزيارة وبالإعانة في أعمالهم إن احتاجوا إليه ، وإن كان غائباً يصلهم بالكتاب ، فإن قدر على السير إليهم كان أفضل . وفي صلة الرحم عشر خصال محمودة : الأوّل : أن فيها رضا الله تعالى لأنه أمر بصلة الرحم . الثاني : إدخال السرور عليهم ، وقد ورد في الخبر : ( إن أَفْضَلَ الأعمالِ إدْخَالُ السُّرور على المؤمن ) . الثالث : أن فيها فرح الملائكة لأنهم يفرحون بصلة الرحم . الرابع : أن فيها حسن الثناء من المسلمين عليه . الخامس : أن فيها إدخال الهمّ على إبليس . السادس : أن فيها زيادة في العمر . السابع : أن فيها بركة في(3/655)
"""""" صفحة رقم 656 """"""
الرزق . الثامن : أن فيها سرور الأموات لأن الآباء والأجداد يسرون بصلة القرابة . التاسع : أن فيها زيادة في المروءة . العاشر : زيادة الأجر بعد موته لأنهم يدعون له بعد موته كلما ذكروا إحسانه . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة : واصل الرحم وامرأة مات زوجها وترك أيتاماً فتقوم عليهم حتى يغنيهم الله أو يموتوا ورجل اتخذ طعاماً ودعا إليه اليتامى والمساكين ) . وقال : ( رأيت في الجنة قصوراً من درّ وياقوت وزمرد يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها ، فقلت : يا جبريل لمن هذه المنازل ؟ قال : لمن وصل الأرحام وأفشى السلام وأطاب الكلام وأطعم الطعام ورفق بالأيتام وصلى بالليل والناس نيام ) . ويقال خمسة أشياء من داوم عليها يزيد في حسناته كأمثال الجبال ويوسع الله عليه رزقه : أوّلها : من داوم على الصدقة قلّت أو كثرت ، ومن وصل الرحم ، ومن داوم على الجهاد في سبيل الله ، ومن داوم على الوضوء ولم يسرف ، ومن أطاع والديه وداوم على طاعتهما ذكره في سفينة الأبرار . واستشكل كون الصلة سنة وقطعها حرام . وأجيب بأن محل تحريم القطع إذا سبق له معروف معهم ، وأن سنة الصلة بالنظر لابتداء فعل المعروف معهم . فالحاصل أن ابتداء فعل المعروف مع الأقارب سنة وأن قطعه بعد حصوله كبيرة كما في سم في الآيات البينات ، وهذا يقتضي أن فعله دواماً واجب مع أن المشهور خلافه فليحرر .
قوله : ( والمراسلة ) أي بغير مكاتبة وإلا فعطفها مرادف وقوله ونحو ذلك أي من وجوه الإحسان ق ل .
3 ( ( فصل : في اللقطة ) ) 3
هي نوع من الكسب كما أن الهبة نوع منه وإن كان للموهوب ، فلذا ذكرها عقب الهبة ، ولو ذكرها عقب القرض لكان أنسب ، لأن الشرع أقرضها للملتقط ، وهذا لا يناسب هذا الكتاب لأنه لم يذكر فيه القرض فهنا وقع في مركزه ، وإنما يناسب شرح النهج . وقال م ر : إنما ذكرها عقب الهبة لأن كلاًّ تمليك بلا عوض ، وعقبها غيره لإحياء الموات لأن كلاًّ منهما تمليك من الشارع اه وذكرها في التحرير عقب الغصب لما فيها من الاستيلاء على حق الغير بغير إذنه ، ففيه إشارة إلى أنها مستثناة منه . والحاصل أن الجامع بينهما كون كل منهما استيلاء إلا أن هذا جائز والغصب حرام ، وفيها معنى الاكتساب لجواز التملك ومعنى الأمانة والولاية لأن الشارع جعله أميناً عليها ومتولياً حفظها ، والمغلب فيها الأوّل لصحة لقط الصبي وليس من أهل الولاية .(3/656)
"""""" صفحة رقم 657 """"""
قوله : ( وإسكانها ) ظاهره أنهما بمعنى وقيل إنها بفتح القاف : اسم للاقط أي الشخص الملتقط ، وبإسكانها : للشيء الملقوط ، قال ابن بري : وهو الصواب ؛ لأن الفعلة بالإسكان للمفعول كالضحكة وبالتحريك للفاعل والتحريك للمفعول نادر اه زيادي : قوله : ( ما وجد ) أي مال أو اختصاص حيوان أو غيره ، وتعبيره بما لا يشمل ما إذا كانت عاقلاً كالرقيق إلا أن يقال غلب غير العاقل على العاقل . قوله : ( لا يعرف الواجد مستحقه ) أي وقد ضاع بنحو غفلة أو نوم ، فخرج ما طيرته الريح أو ألقته في دارك وما ألقاه هارب كذلك أو في حجر إنسان وودائع عندك لم تعرف صاحبها ، فإن ذلك أمانة شرعية كما قرّره شيخنا العزيزي . ومن هذا جمل أثقله حمله فتركه صاحبه في البرية فالأمر في جميع ذلك لأمين بيت المال أي العادل وإلا تصرف فيه واجده بنفسه إن كان له استحقاق في بيت المال ، وإذا ظهر مالكه أخذه ووجب دفعه له ولو بعد سنين ، ولا رجوع لمن أنفق على مالكه فيما أنفقه أي بلا إذن ولا إشهاد . وقال مالك في الجمل المذكور : يرجع على مالكه بالنفقة ، وقال الإمام أحمد والليث يملكه من أخذه اه ق ل ؛ لأن الظاهر أن مالكه أعرض عنه . قوله : ( والله في عون العبد ) أي إعانة كاملة ؛ وإلا فالله في عون كل أحد دائماً ، وانظر معنى هذه الظرفية . وقال بعضهم : إن ( في ) زائدة ( وعون ) بمعنى معين والإضافة بمعنى اللام ، والتقدير : والله معين للعبد ما دام العبد معيناً لأخيه . قوله : ( في موات ) أي بدار الإسلام لا بدار الحرب ، فإن كان بدار الحرب فإنه غنيمة تخمس خمسها لأهله والباقي للملتقط ح ل . قوله : ( أو طريق ) ومنها الشارع لأنه طريق النافذ في الأبنية كما مرّ ، ومثله المسجد والرباط والمدرسة لأنها أماكن مشتركة فلا يختص ما يوجد فيها بأحد ، وينبغي أن مثل ذلك ما كان مظنة لاجتماع الناس كالحمام والقهوة والمركب كما في ع ش على م ر . قوله : ( ولم يثق الخ ) قيد به لأنه مفهوم قول المصنف بعده : وأخذها أولى الخ ، ولمناسبة اللام المفيدة للإباحة كما صرّح به ق ل ، أي اللام في قوله فله أخذها . قوله : ( خشية الضياع الخ ) الظاهر أنه علة مقدمة لقوله فله أخذها جوازاً ، أي يباح له أخذها خشية الضياع ، أي لو(3/657)
"""""" صفحة رقم 658 """"""
تركها ولم يندب خشية طروّ الخيانة ؛ وعليه فكان ينبغي أن يقول : ( ولأن خيانته لم تتحقق الخ ) بواو العطف م د . وقوله ( خشية طروّ الخ ) هذا يدل على أن قوله ( أو طروّ الخيانة ) علة لمقدّر وهو الذي قدره بقوله ( ولم يندب ) والظاهر أنه علة لقوله ( وله تركها ) فمجموع قوله ( خشية الخ ) علة لقوله ( فله أخذها وتركها ) لكن على التوزيع وقوله بعد خشية استهلاكها علة ثانية فالمناسب الواو ، إلا أن يقال إنه علة للمعلل مع علته ، ولا يخفى بعد ما قاله المدابغي ، ويمكن جعله مفعولاً لقوله ( وهو آمن ) أي وهو آمن خوف الضياع وآمن طروّ الخيانة .
قوله : ( أو طروّ ) معطوف على الضياع . قوله : ( لأن خيانته الخ ) أما إذا علم من نفسه الخيانة فيحرم عليه أخذها كالوديعة . قوله : ( وعليه الاحتراز ) أي من الخيانة . قوله : ( فلا يندب له الخ ) تفريع على المتن . وحاصله أن اللقطة تعتريها الأحكام الخمسة : فتكون مباحة إذا أمن في الحال ولم يثق بأمانته في المستقبل ، وسنة إذا وثق في المستقبل ، وواجبة إذا كانت كذلك وعلم ضياعها لو لم يأخذها ، ومكروهة للفاسق ، وحراماً إذا نوى الخيانة ؛ وعلى كلّ لا ضمان عليه إذا تركها ولو في صورة الوجوب لأنه لم يضع يده عليها . والحاصل أن الملتقط إن وثق بأمانة نفسه ندب له الالتقاط ، وإن لم يثق بأمانة نفسه في المستقبل وهو آمن في الحال أبيح له الأخذ ما لم يكن فاسقاً وإلا كره فإن لم يكن آمناً في الحال ومحققاً من نفسه الخيانة حرم عليه الأخذ وصار ضامناً إن أخذها كما سيذكره اه م د ، وتكون واجبة إذا وثق بنفسه حالاً ومآلاً ولم يكن هناك أمين غيره . وقوله ( ومكروهة للفاسق ) أي ولو بنحو ترك الصلاة وإن علمت أمانته في الأموال حج ، وظاهره أنه لو تاب لا يكره له وإن لم تمض مدة الاستبراء وهو ظاهر لانتفاء ما يحمله على الخيانة حال الأخذ كما في ع ش على م ر . قوله : ( الرقيق ) أي كلاً . قوله : ( بغير إذن سيده ) أي وإن قصد به سيده سم . قوله : ( من أهلها ) أي الثلاثة وفي نسخة : ( أهلهما ) بضمير المثنى لغير الأول من الثلاثة ، وهي أولى لأن الرقيق من أهل الأمانة . وهل إذنه له في الاكتساب مطلقاً إذن له في الالتقاط أو لا ؟ وجهان بحث الزركشي ترجيح أولهما اه سم . قوله : ( ولو أقرها في يده ) أي وفرض المسألة أنه لم يأذن له في الالتقاط ، فإقراره بمنزلة الإذن اه . قوله : ( جاز ) أي وكان قائماً مقام الأذن . قوله : ( وإلا فلا ) أي إن لم يكن الرقيق أميناً ، فلا يجوز إقرار سيده لها وكان متعدياً بالإقرار ، فكأنه أخذها منه وردها إليه فيضمنها(3/658)
"""""" صفحة رقم 659 """"""
السيد ويتعلق الضمان بسائر أمواله ، ومنها رقبة العبد فيقدم صاحبها برقبة فإن لم يعلم تعلق برقبته العبد فقط كما شرح في م ر ، ولبعضهم :
يضمن عبد تالفاً في ذمته
إن يرضه المالك دون سادته
وإن يكن بلا رضا من استحق
فليس إلا بالرقيبة اعتلق
قوله : ( وتصح اللقطة من مكاتب ) ولو بغير إذن سيده . الأولى : ( ويصح اللقط ) كما في نسخة ؛ لأنه الذي يوصف بالصحة ، أي وله التصرف فيه ، أي الملقوط ، بعد تعريفه وتملكه ، فإن رق المكاتب أو مات قبل التملك أخذه القاضي على المعتمد وحفظه لمالكه ، وليس لسيده أخذه وتملكه لأن التقاط المكاتب لا يقع لسيده ولا ينصرف إليه .
فرع : أفتى الشهاب الرملي في عبد مشترك بصحة التقاطه بإذن أحدهما اه . وينبغي أن تكون للشريكين ولا يختص بها الآذن ، ويؤيده ما يأتي في المبعض حيث لا مهايأة ، وقد يفرق بتغليب الحرية فيه بخلاف ما هنا اه شوبري .
قوله : ( كتابة صحيحة ) أما المكاتب كتابة فاسدة فكالقنّ شرح م ر . قوله : ( وخرج بالموات ) أي والطريق لأنهما المذكوران في المتن وكان الأولى أن يؤخر هذا عن الكلام في المبعض الآتي تتميماً للأقسام . قوله : ( منه ) أي من المملوك . وقوله ( للتملك ) أي ولا للحفظ . وقوله ( بعد التعريف ) ظرف للتملك . وقوله ( لصاحب اليد ) بملك أو غيره زي . وقوله ( فيه ) أي في المملوك . قوله : ( مالكاً ) لو قال : لذي اليد كالذي قبله لكان أولى لشموله للمستأجر ق ل . قوله : ( فإن لم يدّعها الخ ) المعتمد أنها للمحيي وإن نفاها ، فقوله : ( كانت لقطة ) ضعيف . قوله : ( وبغير الواثق ) أي المفهوم من قوله : ولم يثق الخ ، والمراد بقوله : الواثق أي في المستقبل ، وقوله : الواثق بها أي في المستقبل . قوله : ( على ثقة ) أي في المستقبل والحال . قوله : ( من القيام بها ) أي بحفظها ومن بمعنى الباء . قوله : ( لما فيه ) أي في أخذها . قوله : ( وسن إشهاد بها ) عبارة سم : ويستحب أن يشهد على الالتقاط ولا يجب ، ويذكر في الإشهاد بعض الصفات ولا يسكت عنها ليكون في الإشهاد فائدة . وقوله ( وسن إشهاد ) أي ولو(3/659)
"""""" صفحة رقم 660 """"""
كان الملتقط عدلاً . وينبغي الاكتفاء في الشاهد بالمستور قياساً على النكاح ، وقد يقال بعدم الاكتفاء بالمستور وهو الظاهر مع الفرق بين هذا والنكاح بأن النكاح يشتهر غالباً بين الناس فاكتفى فيه بالمستور ، والغرض من الإشهاد هنا أمن الخيانة فيها وجحد الوارث لها فلم يكتف بالمستور كما في ع ش على م ر . ومحل سن الإشهاد ما لم يخف عليها متغلباً إذا علم بها أخذها ولا امتنع الإشهاد والتعريف اه . قوله : ( مع تعريف شيء من اللقطة ) أي من أوصافها ، والمحل للإضمار ولا يستوعبها الشهود ، فإن خالف كره ولا يضمن ، بخلاف ما لو استوعب الأوصاف في التعريف فإنه يضمن ؛ ويفرق بينهما بحصر الشهود وعدم تهمتهم . قال سم على المنهج : وإذا غلب على ظنه أن استيعابها للشهود يؤدي إلى ضياعها حرم وضمن اه ، فمحل سن الإشهاد في غير هذه الحالة . قوله : ( ولا يكتم ) أي لا يكتم اللقطة بأن لا يعرّفها ، ولا يغيبها عن الناس بأن يترك تعريفها ؛ وهو تأكيد لما قبله . شوبري . قوله : ( على الندب ) متعلق بحملوا ومما يدل على الندب التخيير بين العدل والعدلين ، وإلا بأن كان الإشهاد واجباً لم يكف العدل . قوله : ( وتصح لقطة المبعض ) لو قال ( لقط المبعض ) لكان أولى ؛ لأن اللقطة اسم للعين والموصوف بالصحة إنما هو الفعل ، وسواء تساوى الرق والحرية أو لا ؛ ولا ينافيه التشبيه بعده أعني قوله ( كشخصين التقطا ) قال سم : ظاهر كلامهم صحة التقاط المبعض بغير إذن سيده مطلقاً وإن كان بينهما مهايأة ووقع الالتقاط في نوبة السيد ، ولا يخلو عن إشكال لأنه في نوبة سيده كالقن اه . ثم رأيت في شرح م ر أنه لا بد من إذن السيد إذا كانت مهايأة وحصلت في نوبة السيد ، ولا يحتاج في غير المهايأة إلى إذن السيد ؛ فإن نهاه السيد عن الالتقاط فالتقط صح تغليباً لجانب الحرية ، ويختص بها حينئذ المبعض المذكور . وعبارة م د على التحرير : ولا يحتاج إلى إذن إلا في نوبة السيد وحده ، ولو اختلفا في كون اللقطة في أي النوبتين صدق المبعض على النص لأنها في يده ، فلو كانت في يد السيد فهو المصدّق ولو كانت في يدهما أو لا في يد واحد منهما فالذي يظهر حلف كل واحد منهما للآخر وجعلت بينهما اه سم . قوله : ( كباقي الأكساب ) يرجع للمهايأة وعدمها . وقوله ( والمؤن ) بالجر عطف على ( باقي ) .(3/660)
"""""" صفحة رقم 661 """"""
قوله : ( فالأكساب الخ ) قال م ر في شرحه : والأوجه أن العبرة في الكسب والمؤن بوقت الاحتياج للمؤن وإن وجد سببها في نوبة الآخر ، وإن كان ظاهر كلام بعض الشراح أن العبرة في الكسب بوجوده وفي المؤن بوقت وجود سببها كالمرض اه . فقول الشارح ( والمؤن على من وجد الخ ) ضعيف ، فإذا مرض في نوبة السيد واحتيج للدواء في نوبته هو لزمه ، وعلى كلام الشارح تكون على السيد . قوله : ( وأما أرش الجناية ) أي منه بدليل ما سيذكره . والضابط كما أشار إليه أن المبعض الذي بينه وبين سيده مهايأة العبرة فيه بذي النوبة إلا في الجناية منه أو عليه فلا يتبع النوبة بل الرقبة م د ، ولو جعل أرش الجناية شاملاً للجناية منه وعليه لكان أولى . قوله : ( فيشتركان فيه ) فيكون عليهما بحسب الرق والحرية ، فإذا كان نصفه رقيقاً ونصفه حراً تعلق نصف أرش الجناية بنصف الرقيق فيباع فيه أو يفديه السيد والنصف الآخر يتعلق بذمة المبعض ؛ لكن قول الشارح ( لأنه يتعلق بالرقبة الخ ) يفهم أنه يتعلق ما يقابل النصف الحر بالرقبة مع أنه لا معنى لتعلقه بها لأن معنى التعلق بالرقبة بيعها فيه والنصف الحر لا يباع ، فلعل مراده بالتعلق بالرقبة ما يشمل التعلق بالذمة بالنسبة لبعضه الحر تأمل . قوله : ( والجناية عليه ) فإذا كان نصفه حراً وقطع شخص يده وجب عليه ربع الدية نظراً للحرية ويكون له أي للمبعض ، ويجب على القاطع أيضاً ربع القيمة نظراً لنصفه الرقيق ويكون للسيد . قوله : ( يشملهما ) أي الجناية منه والجناية عليه ، وفي نسخة ( يشملها ) أي الجناية بقسميها ، وهما صحيحتان . قوله : ( وكره اللقط لفاسق ) إن التقطها للتملك وأما لقطها للحفظ فلا يصح منه ق ل . وقوله ( لفاسق ) أي ما لم يعلم الخيانة من نفسه . قوله : ( كما يصح من مرتد ) والأوجه أنه كالحربي فيها ، فلمن أخذها منه أن يتملكها بعد أن يعرفها خ ض . ويحمل كلام الشارح بعد على أنه إذا أسلم فله أن يعرّفها ويتملكها . قوله : ( في دار الإسلام ) أي لا بدار الحرب ، فما وجد بدار الحرب ولا مسلم فيها فغنيمة الخمس لأهله والباقي للواجد ، أما إذا كان بها مسلم فلقطة احتراماً للمسلم وتغليباً له اه زيادي . وقوله : ( والباقي للواجد ) أي الواجد لها وهو الكافر المعصوم ، والظاهر أن قوله ( في دار الإسلام ) راجع للكافر المعصوم فقط .
قوله : ( وتنزع اللقطة منهم ) أي ينزعها الحاكم منهم فقط ويسلمها للعدل وأجرته في بيت المال إن كان منتظماً وإلا فعلى الملتقط ، فإن قصر فلا ضمان . وهذا في غير الكافر ، وكذا في الكافر إن لم يكن عدلاً في دينه وإلا لم تنزع منه اه م د . قوله : ( مشرف ) أي مراقب وأجرته في بيت المال ، وأما مؤنة التعريف فعليهم إن قصدوا التملك(3/661)
"""""" صفحة رقم 662 """"""
لأن عليهم تعريفها وإن كانت عند عدل . قوله : ( تملكوا ) أي حتى المرتد إن أسلم وتكون موقوفة قبل إسلامه كسائر أملاكه . قوله : ( من صبي ومجنون ) أي لهما نوع تمييز ؛ لأن المغلب في اللقطة الاكتساب لا الأمانة والولاية شرح م ر ، فإن لم يكن لهما نوع تمييز لم يصح التقاطهما فلكل واحد أن ينزعها منهما ؛ اه عبد البر . قوله : ( وينزع اللقطة منهما ) فإن قصر في نزعها منهما فتلفت ولو بإتلافهما ضمن في مال نفسه ثم يعرف التالف ، فإن لم يقصر فلا ضمان شرح المنهج وم ر . وقوله ( فإن لم يقصر فلا ضمان ) أي على الوليّ ولا على الصبي ولا على المجنون أيضاً في التلف ، وأما الإتلاف فالضمان فيه على الصبي والمجنون اه خ ض . فإن تلفت بغير إتلافهما ضاعت على صاحبها . قوله : ( إن رآه ) أي مصلحة بأن احتاج إلى النفقة أو الكسوة ولهما ما يوفي كدين مؤجل أو متاع كاسد كما مر . قوله : ( حيث يجوز ) فهو تقييد لما قبله وبيان له ، وليس زائداً عليه كما قد يتوهم كأنه قال : وذلك حيث يجوز الخ كما عبر به بعضهم . قوله : ( يصح تعريفه ) والأوجه عدم جواز إبقائها في يده لأن يده لا تصلح للمال ، فإن قصر الولي في انتزاعها منه فتلفت أو أتلفها ضمنها الولي أي غير الحاكم كما بحثه الزركشي في ماله أصالة لا قراراً ، فلا يطالب السفيه كما قال الرافعي إنه المفهوم من كلام الأصحاب معترضاً به ما أفهمه قول الغزالي في قوله قرار الضمان على الولي وإن صرح به ابن يونس في التعجيز ، كما لو قصر بترك ما احتطبه في يده حتى تلف أو أتلفه لأن عليه حفظه ثم يعرف التالفة ، ثم إن رأى المصلحة في تملكها له تملك له قيمتها هو أو السفيه بإذنه بعد قبض الحاكم إياها من الولي إذ ما في الذمة لا يمكن تملكه اه سم . وقوله ( ضمنها الولي أي غير الحاكم الخ ) عبارة م د على التحرير : ويضمن أي في مال نفسه ولو الحاكم فيما يظهر اه سم .
قوله : ( أو تملك ) أي فيما يملك أي بعد التعريف بشروطه ، وقوله ( أو اختصاص ) أي فيما لا يملك . قوله : ( أو قصد أحدهما ) أي الخيانة وغيرها . ووجهه في قصد الخيانة أنه لما نسيها ضعف قصدها فكان أميناً وإن كان الضمير راجعاً للحفظ أو التملك ، فالأمر ظاهر . قوله : ( وإن قصد الخيانة ) غاية ، أي فلا يكون ضامناً بمجرد قصد الخيانة بل إنما يكون ضامناً ، إن تملك أو اختص بعد التعريف . قوله : ( ما لم يتملك ) مرتبط بقوله فأمين . أي فإنه يكون ضامناً ، ومعلوم أنه يكون في الاختصاص أميناً ما لم يتلف بنفسه أو بغيره فإن تلف فلا ضمان أخذاً مما(3/662)
"""""" صفحة رقم 663 """"""
مر في الغصب ، شرح م ر . وانظر ما معنى الأمانة في الاختصاص مع أنه إن تلف بتقصير لا يضمن . قوله : ( ويجب تعريفها ) هذا استطراد لأن محله سيأتي . قوله : ( وإن أخذها للخيانة ) مفهوم قوله : لا لخيانة . قوله : ( فضامن ) ويبرأ بالدفع لحاكم أمين م ر . قوله : ( وليس له ) أي لمن أخذ للخيانة تعريفها أي ليتملكها بعده ، فالمنفي التملك بل يجب عليه دفعها للقاضي ما لم يقصد الحفظ ويترك الخيانة فإن عرفها فمؤنة التعريف عليه ما لم يعد إلى قصد الأمانة والحفظ ق ل . قوله : ( ولو دفع ) أي الخائن أو غيره . قوله : ( ترجع إلى أربعة ) لأن الوعاء والعفاص واحد والعدّ والوزن واحد ؛ لأن القدر يشملهما كما يشمل أيضاً الكيل والذرع . قوله : ( معرفة اثنين ) كان الوجه أن يقول : وترك معرفة أربعة كزيادة الكيل والذرع كما يأتي ق ل . قوله : ( وأصله ) أي في اللغة . وقوله ( كما في تحرير التنبيه ) هو لأبي إسحاق الشيرازي وهو صاحب المهذب ، وتحرير التنبيه للإمام النووي . وقوله ( القارورة ) هي من الزجاج وقال م د : هي ظرف الشيء ، وعبارة المصباح ، القارورة إناء من زجاج والجمع القوارير والقارورة أيضاً وعاء الرطب والتمر وهي القوصرة ، وتطلق القارورة على المرأة لأن الولد أو المني يقر في رحمها كما يقر الشيء في الإناء أو تشبيهاً بآنية الزجاج لضعفها . قوله : ( وهي مراد المصنف ) المناسب وهو أي الجلد . ويجاب بأنه أنث باعتبار كونه آنية . قوله : ( لأنهما ) أي المصنف وصاحب التنبيه . قوله : ( وهي الوعاء ) الأولى وهو كما في نسخة . ويجاب عن التأنيث بما مر . قوله : ( انتهى ) أي كلام الروضة . وقوله ( فأطلق ) أي صاحب الروضة حيث اقتصر على العفاص ، بخلاف المصنف فإنه جمع بينه وبين الوعاء فجعل له معنى يخصه . قوله : ( توسعاً ) فيه نظر فإنه إطلاق لغوي فلا توسع فيه اه ق ل ، فإن عبارة القاموس صريحة في أنه مشترك بين الوعاء(3/663)
"""""" صفحة رقم 664 """"""
الذي فيه النفقة جلداً أو خرقة وغلاف القارورة والجلد الذي يغطى به رأسها كما نقله عنه حج . قوله : ( أو غيره ) كجلد . قوله : ( جنسها ) بالمعنى الشامل للنوع والصفة إن احتيج إليهما ، فلا حاجة لما زاده الشارح مع أنه عدّ الصفة وأسقط النوع ق ل . قوله : ( كدرهم ) كان الأنسب أن يقول كرطل مثلاً لأن الدرهم من العد ، إلا إن قيد بالوزن ق ل . وقد يقال إن الدرهم متضمن للوزن . قوله : ( فإن العفاص والوعاء واحد ) أي على قول الروضة . وغاير أوّلاً بينهما مجاراة لكلام المصنف ، فاندفع قول ق ل هذا لا يلائم ما قرر به المتن من تغايرهما فتأمل . قوله : ( فإن معرفة القدر ) المناسب : فإن القدر . قوله : ( أهروية ) بفتحات نسبة إلى هراة قرية بالعجم ، ومروية بسكون الراء نسبة إلى مرو قرية كذلك والنسبة إليها مروزي على غير قياس . قوله : ( ومعرفة هذه الأوصاف ) الأولى الأشياء . قوله : ( وهي سنة ) أي بقيد كون المعرفة المذكورة عقب الأخذ ، وأما معرفة الأوصاف المذكورة عند التملك فواجبة ق ل على الغزي . قوله : ( أنها واجبة ) هو موافق لكلام المصنف . قوله : ( ويندب كتب الأوصاف ) أي خوفاً من نسيانها . قوله : ( في وقت كذا ) أي وفي مكان كذا .
قوله : ( ويجب عليه ) أخذ الشارح الوجوب من قول المصنف السابق ، فعليه أن يعرف الخ ، فالمعنى : وعليه أن يحفظها فهو متضمن للوجوب لأن ( على ) للوجوب . قوله : ( معنى الأمانة ) أي من حيث إن الملتقط أمين فيما لقطه والشرع ولاه حفظه كالولي في مال الطفل ، منهج . قوله : ( أوّلاً ) أي قبل التعريف .
قوله : ( والمرجح فيها ) أي اللقطة ، ورجوع الضمير للأقوال الثلاثة بعيد إذ لو رجع إليها(3/664)
"""""" صفحة رقم 665 """"""
لقال ( منها ) وقد صرح الشارح باللقطة فيما مر حيث قال : لأنها أي اللقطة فيها معنى الأمانة والولاية الخ . قوله : ( تغليب ) أي تقديم مراعاة الاكتساب لأنه المقصود . قوله : ( الفاسق والذمي ) وكذا الصبي مع أنه ليس من أهل الولايات . قوله : ( ذلك ) أي الاكتساب . قوله : ( ثم إذا أراد الخ ) خرج ما لو التقطها للحفظ فلا يجب عليه التعريف ولو بقيت عنده سنين . وهذا ضعيف والمعتمد وجوب التعريف مطلقاً . وعبارة م د : قوله ( إذا أراد تملكها ) ليس بقيد لما مر من أنه يجب التعريف على من التقط للحفظ على الصحيح . قوله : ( أي من يوم التعريف ) لامن الالتقاط ، فالتعريف ليس على الفور . قوله : ( والمعنى ) أي الحكمة في تعريفها سنة . قوله : ( وتمضي الخ ) انظر وجه مدخلية ذلك في الحكمة إذ لا دخل للفصول في ذلك ولا مناسبة ، ويمكن المناسبة بأن كانت العادة جرت في تلك المدة بأن القوافل كانت تسافر كل قافلة منها في فصل من الفصول الأربعة . قوله : ( لو لم يعرّف ) أي الملتقط . قوله : ( لامتنع ) بضم التاء وكسر النون مبنياً للمفعول . قوله : ( نظر ) أي رعاية ومصلحة ورفق . قوله : ( للفريقين ) أي المالك والملتقط . قوله : ( على العادة ) متعلق بسنة ، أي على العادة في القدر والمحل ، فقوله ( فيعرّفها أو لا الخ ) بيان القدر ، وقوله ( وعلى أبواب المساجد ) بيان للمحل .
قوله : ( إن كانت ) أي اللقطة وهذا قيد لقول المتن عرّفها سنة ، ومفهومه سيأتي في قوله : ويعرف حقير . قوله : ( ولو من الاختصاصات ) بأن كان اختصاصاً عظيم المنفعة يكثر أسف فاقده عليه . قوله : ( طرفيه ) أي أوّله وآخره . قوله : ( ثم في كل أسبوع الخ ) إلى أن يتم سبعة أسابيع أخذاً مما قبله شرح م ر . قال الرشيدي : التعبير بيتم أي في قوله إلى أن يتم ظاهر في أنه يحسب من السبعة الأسبوعان الأوّلان . قوله : ( ثم كل شهر كذلك ) أي إلى آخر السنة فالمرة المذكورة تقريبية . والضابط ما ذكر ، وهو أنه بحيث لا ينسى أنه تكرار لما مضى حتى لو فرض أن المرة في الأسابيع التي بعد التعريف كل يوم لا تدفع النسيان وجب مرتان كل أسبوع ثم مرة كل أسبوع شرح م ر . قوله : ( قيل الخ ) هذا في مقابلة التقرير السابق ، فأشار إلى أن الزركشي(3/665)
"""""" صفحة رقم 666 """"""
نقل أن مرادهم منه أن يعرّفها طرفي النهار ثلاثة أشهر ثم طرفه فقط ثلاثة أخرى ثم كل جمعة مرة في طرف يوم منها ثلاثة أخرى ثم كل شهر ثلاثة أخرى ، وهو ضعيف م د . قوله : ( كل واحد نصف سنة ) بأن يكون يوماً ويوماً ثم جمعة وجمعة ثم شهراً وشهراً . قوله : ( إنه الأشبه ) أي المشابه لغيره من المسائل المشترك فيها ، ويكفي تعريف أحدهما ولو بلا إذن الآخر ، ويكفي إذنهما لأجنبي ، ولو أسقط أحدهما حقه من الالتقاط لم يسقط ، ومثلهما الوارث المتعدد . قوله : ( وإن خالف في ذلك ابن الرفعة ) حيث قال : يعرفها كل واحد سنة . قوله : ( لأنها لقطة واحدة ) تعليل لقول السبكي .
قوله : ( قد يتصوّر الخ ) لكن التعريف الأول سنة والثاني واجب م د ؛ لكن في شرح م ر الوجوب مطلقاً وهو المعتمد . قوله : ( من حينئذ ) أي من حين قصد التملك . قوله : ( ويبين في التعريف ) أي يذكر زمن وجدان اللقطة ومكانه وجوباً فيهما ، ومحله في المكان ما لم يكن التعريف واقعاً فيه ، وإلا فلا يجب ذكره على المعتمد . قوله : ( لأنه ) أي لأن الكاذب قد يرفع اللاقط إلى حاكم يلزم اللاقط دفع اللقطة لمن وصفها له . قوله : ( إلى من يلزم الدفع بالصفات ) أي إلى حاكم مذهبه إلزام اللاقط دفع اللقطة لمن وصفها بصفاتها . قوله : ( عند خروج الناس ) أي من الجماعات قوله : ( ويجب التعريف ) الأولى عدم ذكره لأنه معلوم ، ويقول : وليكثر من التعريف الخ . قوله : ( وليكثر منه ) أي من التعريف . قوله : ( فيكره التعريف فيها ) أي في المساجد ، وهو المعتمد ، ومحله إذا كان برفع صوت وإلا فلا كراهة ق ل . ويكره البيع والشراء في المسجد وسائر العقود كالبيع إلا النكاح فيسن عقده فيه ، وكذا يكره نشد الضالة فيه ويندب(3/666)
"""""" صفحة رقم 667 """"""
أن يقال للعاقد فيه لا ربح الله تجارتك وللمنشد لا ردها الله عليك ، ويكره السؤال فيه إذا لم يتأذ نحو مصلّ ولم يتخط الرقاب ولم يمش أمام الصفوف وإلا حرم ، ولا يكره إعطاؤه إلا إن تأذى به الناس فيكره للإعانة على الأذى ، بل لو قيل يحرم لم يبعد ولا يكره بباب المسجد ؛ اه من أحكام المساجد للمناوي .
قوله : ( ومقتضى ذلك ) أي التعليل المذكور ، أي قوله ولأنه مجمع الناس . قوله : ( والأقصى كذلك ) المعتمد أنهما ليسا كالمسجد الحرام فيكره فيهما كغيرهما م ر . قوله : ( تبعها ) أي إن كانت لجهة مقصده ق ل . قوله : ( فإن لم يرد ذلك ) أي إن لم يرد اتباع القافلة فلا يضيق على الملتقط أبداً . قوله : ( عرف فيها ) أي فيتغير الحكم بتغير القصد . قوله : ( بشيء ) أي بزمن مخصوص . قوله : ( إلى أن يظن ) متعلق بقوله : ( ويعرّف حقير ) ومراتب الحقير مختلفة فإن النصف يعرف أكثر من الفلس ، وأما ما يعرض عنه غالباً فلا يعرف كزبيبة وزبل يسير بل يستبدّ أي يستقل به واجده ، وعن عمر بن الخطاب أنه رأى رجلاً يعرف زبيبة فضربه بالدرّة وقال : ( إن من الورع ما يمقت الله عليه ) ومن ذلك ما يحصل للمقلشين فإن كان الحاصل حقيراً كان حكمه كذلك ، أو غير حقير وجب تعريفه سنة ، وأنه لا يجوز للمقلش الاستقلال بالأخذ من غير تعريف م د . والمقلش هو الذي يفتش في التلول وغيرها على الدراهم وغيرها ، ومنه المكربلون . قوله : ( وعليه مؤنة التعريف ) أي إن كان مطلق التصرف ، وأما غيره فإن رأى وليه تملك اللقطة له لم يصرف مؤنة تعريفها من ماله بل يرفع الأمر للحاكم ليبيع جزءاً منها وكالتملك الاختصاص وكقصده لقطة للخيانة شرح المنهج اه .
قوله : ( إن قصد تملكاً ) أو الخيانة .
قوله : ( ولم يقصد تملكاً ) أي بعد ذلك . قوله : ( على بيت المال ) أي تبرعاً لا قرضاً ،(3/667)
"""""" صفحة رقم 668 """"""
بدليل ما بعده . قوله : ( بشرط الضمان ) هو بيان للواقع لأنه يضمنها وإن لم يشترط الضمان ، بل متى تملك ضمن وولدها الحاصل قبل تملكها له حكمها ولا يجب تعريفه . وبه يلغز فيقال : لنا شيء محكوم عليه بأنه لقطة ولم يضع من مالكه ويتملك بعد سنة ولا يجب تعريفه بالكلية ، أي لأن الواجب تعريف أمه فقط ، ولو مات قبل التملك وورثه نحو صبي أو بيت المال فهل ينتقل حق التملك للصغير في الأولى فلوليه أن يتملك له وللمسلمين في الثانية فللإمام التملك لهم ؟ تردد فيه الزركشي ولا يبعد الانتقال .
قوله : ( أنه لا بدّ فيها ) بأن يقول : نقلت الاختصاص بهذا إليّ . قوله : ( حق لازم ) أي من الملتقط كالاستيلاد والرهن المقبوض . قوله : ( فللمالك تضمين كل منهما ) أي من اللاقط والمدفوع له ، ومحل تضمين اللاقط إذا دفع بنفسه لا إن ألزمه به الحاكم اه شرح المنهج . قوله : ( والقرار على المدفوع له ) أي لحصول التلف عنده فيرجع اللاقط بما غرمه عليه إن لم يقرّ له بالملك ، فإن أقرّ لم يرجع مؤاخذة له بإقراره . قوله : ( لا مطالبة عليه بها في الآخرة )(3/668)
"""""" صفحة رقم 669 """"""
محله إذا عزم على ردها أو ردّ بدلها إذا ظهر مالكها ن ز .
3 ( ( فصل : في أقسام اللقطة ) ) 3
لما فرغ من الكلام على حكم اللقطة الذي هو الفعل من إباحته وندبه وكراهته شرع يتكلم على بيان ما يفعل في الشيء الملقوط .
قوله : ( في بعض النسخ ) يحتمل أنه حال من لفظ فصل ، وهو خبر عن محذوف أي هذا فصل ، ويحتمل أن فصل مبتدأ وقوله في بعض النسخ خبره . وسوّغ الابتداء بالنكرة إرادة لفظه فيصير معرفة . قوله : ( آدمي ) جعله داخلاً تحت المال بالنظر للرقيق ؛ لأنه هو الذي يكون لقطة بخلاف الحر فإنه لقيط لا لقطة . قوله : ( وغيره ) فجملة الأقسام أربعة مال وغيره ، فغير المال قسم والمال ثلاثة أقسام ما ليس بحيوان وحيوان آدمي وحيوان غير آدمي . قوله : ( ويعلم غالب ذلك ) لأنه لم يذكر لفظ غير المال وهو الاختصاص ولم يذكر لفظ الآدمي من الحيوان ، وكان الأولى أن يقول : ويعلم بعض ذلك من كلام المصنف ؛ لأنك علمت أن الأقسام أربعة ، وذكر المصنف حكم قسمين منها وهما لقطة المال غير الحيوان والحيوان غير الآدمي ، فقد ذكر نصف الأقسام لا غالبها ، شيخنا . قوله : ( في قوله ) لعل في بمعنى من البيانية لئلا يلزم عليه ظرفية الشيء في نفسه ، أي كلامه الذي هو قوله الخ . وقال بعضهم : إن قوله ( في قوله ) ظرف لقوله : ( كلامه ) من ظرفية العام في الخاص . قوله : ( على أربعة أضرب ) أي إجمالاً وإلا فهي بالنظر للتفاصيل تزيد على ذلك . والحاصل أن اللقطة إما أن تحتاج إلى نفقة أو لا ، فإن احتاجت فهي الضرب الرابع ، وإلا فإن لم تتغير بطول البقاء كالذهب والفضة يخير الملتقط بين أمرين تملكها مع غرم البدل وإدامة الحفظ ، وإن تغيرت فإما أن لا تقبل التجفيف بالعلاج أو تقبله ، فإن لم تقبله خير بين أمرين بين التملك ثم الأكل والغرم وبين البيع مع حفظ الثمن ، وإن قبلت التجفيف خير بين بيعها وحفظ ثمنها وبين التجفيف لها إما بطريق التبرع أو بيع جزء منها لذلك . وقوله : ( على الدوام ) أي المعتاد ، أي وليس بحيوان ولا يحتاج إلى علاج أخذاً مما يأتي .
قوله : ( من التخيير ) أي المفهوم من قوله كان له أن يتملكها بشرط الضمان ، أي وكان له(3/669)
"""""" صفحة رقم 670 """"""
إدامة الحفظ . قوله : ( إذا عرفها ) يرجع للتخيير . قوله : ( كالطعام ) مراده به ما يشمل المشروب بدليل ما بعده . قوله : ( فهو مخير ) أي إن أخذه للتملك ، فإن أخذه للحفظ فالظاهر تعين الخصلة الثانية الآتية سم . قوله : ( بين تملكه ) أي باللفظ لا بالنية ، وأشار الشارح بهذا إلى أنه لا يجوز أكله قبل تملكه خلافاً لظاهر المتن . قوله : ( وشربه ) الواو بمعنى أو . قوله : ( وغرمه ) أي لمالكه حين يظهر . قوله : ( أو بيعه ) المناسب أن يقول : وبيعه ؛ لأن أو لا تقع بعد بين لأنها لا تضاف إلا لمتعدّد . ويجاب بأن ( أو ) بمعنى الواو ، وإنما عدل عنها إلى أو لئلا يتوهم أنه معطوف على وغرمه . والمراد بقوله ( أو بيعه ) أي بإذن الحاكم إن وجده فلا بد من مراجعته ، فإن قال له ألاحظ البيع لم يبع إلا بإذنه ، وإن قال له ألاحظ الأكل أكله من غير إذن ع ش على الغزي ؛ ثم يعرّفه ليتملك ثمنه كما في شرح المنهج . قوله : ( على الدوام ) أي المعتاد . قوله : ( وحفظ ثمنه ) ثم يعرف المبيع . قوله : ( إن تبرعّ الملتقط ) أي أو غيره . قوله : ( والمراد بالبعض الذي يباع ) وهذا بخلاف ما يأتي في الحيوان من أنه يباع كله ، قال الرافعي : لأن علفه يتكرّر فيؤدي إلى أنه يأكل نفسه ؛ فإن استوى الأمران أعني البيع والتجفيف فكما لو كانت المصلحة في التجفيف كما صرّح به شيخ مشايخنا ، وهو ظاهر للمحافظة على بقاء العين بقدر الإمكان ثم بعد البيع أو التجفيف يعرّفه ويظهر جواز التعريف أيضاً قبلهما ومعهما ، لأن المعرف الرطب كما هو ظاهر وليس له الأكل كما أفهمه كلامه وإن خالف فيه بعض الأصحاب اه سم . وينفقه ، أي ينفق ثمنه .
قوله : ( فالآدمي الخ ) مبتدأ خبره محذوف ، أي نتكلم عليه ، أو قوله فيصح لقط رقيق خبر والفاء زائدة ، أو على توهم أما في الكلام ؛ ولكن الجملة لا رابط فيها يربطها بالمبتدأ . ويجاب عنه بأنه مقدر تقديره رقيق منه أي الآدمي أو إعادة المبتدأ بمرادفه ، لأن المراد بالآدمي الرقيق ، ويخير في هذا الرقيق بين أمرين بيعه أو إمساكه ، ويجب التعريف ثم إذا تم التعريف تملك(3/670)
"""""" صفحة رقم 671 """"""
الثمن أو اللقيط أو أبقى ذلك لمالكه ، ويعرف كونه رقيقاً بعلامة فيه كعبيد الحبشة أو الزنج ويعرف كونها مجوسية بأن كانت في دار مجوس أو بإخبارها إن كانت مميزة . قوله : ( بخلاف زمن الأمن ) أي فلا يصح لقطه لأنه يستدل ، فهو علة لهذا المقدر . وقوله : ( يستدل ) بالبناء للفاعل وضميره ( للرقيق ) أي يستدل بالسؤال . قوله : ( كالاقتراض ) أي وهو ممتنع في الأمة التي تحل للمقترض لأنه يشبه إعارة الإماء للوطء . قوله : ( من كسبه ) فإن فضل شيء حفظ لمالكه . قوله : ( فإن لم يكن له كسب ) وهل له إيجاره بغير إذن الحاكم مع وجوده ؟ فيه نظر سم ؛ الظاهر لا . قوله : ( تبرع ) أي الملتقط . قوله : ( فذاك ) أي واضح ، فلا حاجة إلى بيان حكمه . قوله : ( وإذا أراد ) أي الملتقط الرجوع . قوله : ( أشهد ) فإن لم يشهد فلا رجوع له لتقصيره بعدم الإشهاد ولندرة عدم الشهود . قوله : ( وإذا بيع ) أي بعد تملكه . قوله : ( وحكم بفساد البيع ) وانظر ما حكم النفقة هل تضيع على المنفق أو يرجع على المنفق عليه بعد يساره أو على بيت المال أو على أغنياء المسلمين أو على المعتق نفسه ؟ اه ميداني . وقال ع ش : ضاعت النفقة على الملتقط . قوله : ( من صغار السباع ) قيدوا بالصغار لأن الكبار قلما يسلم منها ضالة لشدة ضراوتها ، شرح الروض . وإضافة ( صغار ) من إضافة الصفة للموصوف ، أي السباع الصغار كذئب وفهد ونمر . قوله : ( وفصيل ) هو الصغير من الإبل الذي لم يتم له سنة . قوله : ( والكسير ) أي العاجز عن المشي . وقال بعضهم : الكسير بفتح الكاف بوزن فعيل بمعنى مفعول ، أي المكسورة إحدى قوائمه كما في المصباح . قوله : ( بمفازة ) أي مهلكة ، فهو من أسماء الأضداد تفاؤلاً . قوله : ( ثم أكله ) فيفعل ما فيه الأحظ من الخصال الثلاثة ، ولا يجوز الأكل قبل التملك . قوله : ( وغرم ثمنه ) الأولى أن يقول : وغرم قيمته ، كما في المنهج ؛ لأنه لا ثمن هنا لعدم البيع . قوله : ( لمالكه ) أي إذا ظهر . قوله : ( فإن لم يجده أشهد ) قال سم : ولعل(3/671)
"""""" صفحة رقم 672 """"""
محله إذا لم يتأت إيجاره وإلا أوجر وأنفق عليه من أجرته إن لم يتبرع بالانفاق عليه وحفظ الفاضل . وهل له الاستقلال بإيجاره مع وجود الحاكم ؟ فيه نظر . قوله : ( ويعرفها ) أي اللقطة ، والأنسب ويعرفه . ولعله عدل عنه خوف رجوع الضمير للبدل أو الثمن فتأمل ق ل ؛ أي مع أن المعرف اللقطة لا الثمن . ومحل التعريف إذا انتقل إلى العمران وأما ما دام في المفازة فلا تعريف اه عشماوي . قوله : ( العمران ) كالشوارع والمساجد . قوله : ( فله الإمساك ) أشار بذلك إلى أنه مخير بين الأخيرتين فقط . قوله : ( ويشق النقل إليه ) أي إلى العمران . قوله : ( والخصلة الأولى الخ ) مثله شرح المنهج ؛ لكن الخصلة الأولى في كلام المصنف هي أكله وغرم ثمنه والخصلة الأولى في المنهج هي تعريفه ثم تملكه فهي الثانية هنا فتدافعا في الأولى من الخصال عند استوائها في الأحظية تأمل ، فالثانية في كلام المصنف أولى من الثالثة والثالثة أولى من الأولى ؛ لأنه ربما يظهر راغب يزيد في ثمنه ، ومن ثم قال بعضهم : أتى الشارح بكلام غيره ساهياً عن ترتيب المتن والمعول عليه ما في شرح المنهج . وقد بين م ر وجه الأولوية ، وعبارته : والأولى أولى لحفظ العين بها على مالكها ، ثم الثانية لتوقف استباحة الثمن على التعريف .
قوله : ( في الأحظية ) أي للمالك . قوله : ( ففيه الخصلتان الأخيرتان ) وهما التطوع بالانفاق عليه وبيعه مع حفظ ثمنه ، فلو كان الملقوط جحشة جازت فيها الخصلة الرابعة وهي أن يبقيها لنسلها ز ي . قوله : ( إما بفضل ) أي زيادة قوة . قوله : ( المملوكة ) نعت للأرانب والظباء بأن يكون فيها علامة(3/672)
"""""" صفحة رقم 673 """"""
الملك كخضب جناح وخيط في عنق ، بخلاف المباحة بأن لا يكون فيها علامة الملك فإنها ليست لقطة بل كل من أخذها ملكها اه م د . قوله : ( وتركه ) هو بلفظ الماضي . والحاصل أنه يجوز لقط الحيوان في المفازة والعمران للتملك والحفظ إلا الممتنع من صغار السباع في مفازة آمنة للتملك ق ل . قوله : ( مستغن ) بصيغة اسم الفاعل خبر ثان ، لأن من قوله لأنه مصون . قوله : ( إلى أن يجده ) متعلق بالرعي . وقوله : ( لطلبه ) علة لقوله : ( يجده ) . قوله : ( ببلدة ) اعلم أن البادية خلاف الحاضرة وهي العمارة ، فإن قلّت : فقرية ، أو كبرت : فبلدة ، أو عظمت : فمدينة ، أو كانت ذات زرع وخصب : فريف . وقد نظم ذلك بعضهم فقال :
عمارة إن صغرت فقرية
أو كبرت يا صاحبي فبلدة
أو عظمت فهي مدينة وما
زرعاً حوى والخصب للريف انتمى
وكل هذا سمه بالحاضره
وما عدا بادية مشتهره اه .
قوله : ( أو قريب منهما ) بحيث لا يعدّ أنه في مهلكة شرح م ر .
فرع : من اللقطة أن تبدل نعله بغيرها فيأخذها ، ولا يحل له استعمالها إلا بعد تعريفها بشرطه وهو التملك أو تحقق إعراض المالك عنها ، فإن علم أن صاحبها تعمد أخذ نعله جاز له بيع ذلك ظفراً بشرطه وهو تعذر وصوله إلى حقه ، ثم إن وفى بقدر حقه فذاك وإلا ضاع عليه ما بقي كغير ذلك من بقية الديون ش ع .
قوله : ( بين الأشياء الثلاثة ) الأولى أن يقول : فهو مخير بين الشيئين الأخيرين ؛ لأن الأولى وهي تملكه في الحال وأكله لا تأتي هنا كما نبه عليه سم . ويعلم من كلام الشارح أيضاً فيما سبق لتقييده بالمفازة وتقدّم أنه إذا وجده في العمران فله الخصلتان الأخيرتان . قوله : ( فيه ) متعلق بقوله ( مخير ) . قوله : ( دون الصحراء الآمنة للتملك ) أي فلا يجوز أخذه منها للتملك ، فغرضه الفرق بين العمران حيث جاز أخذ الحيوان منه للتملك وبين الصحراء الآمنة حيث لا(3/673)
"""""" صفحة رقم 674 """"""
يجوز أخذها منها للتملك . قوله : ( لئلا يضيع ) أي في العمران . قوله : ( بخلاف الصحراء ) أي فلا يجوز أخذه منها للتملك لأن طروق الخ ، فهو علة لهذا المقدر . وفي قوله : ( بخلاف الصحراء ) إظهار في موضع الإضمار ، فكان الأولى أن يقول بخلافها . قوله : ( لا يحل لقط ) بضم اللام وفتح القاف جمع لقطة بسكون القاف كغرفة وغرف لا بفتح اللام وإسكان القاف مصدراً ؛ لأن قوله ( حرم ) وقوله : ( إلا لحفظ ) لا يناسبانه بل يناسبان الملقوط ، وهذا لا يتعين بل يصح كونه مصدراً والإضافة على معنى ( من ) . وقوله ( إلا لحفظ ) أي حفظ الملقوط ، ويصح كون اللقط بمعنى الملقوط من إطلاق المصدر على اسم المفعول .
قوله : ( للتملك ) كذا في نسخ ، والذي بخط المؤلف لتملك بدون تعريف . قوله : ( أو أطلق ) أي بأن لم يقصد تملكاً ولا حفظاً . قوله : ( ويجب تعريف ما التقطه للحفظ ) يعني على الدوام وإن كان حقيراً كما هو ظاهر إطلاقهم . قال في الروضة : ويلزمه الإقامة بها للتعريف أو دفعها إلى الحاكم ، نعم إن كانت غير متموّلة فيتجه عدم وجوب تعريفها وجواز الاستبداد بها سم . قوله : ( إلا من عرّفها ) أي على الدوام ، وإلا فسائر البلاد كذلك فلا تظهر فائدة التخصيص شرح المنهج . قوله : ( مثابة ) أي مرجع ، من ثاب إذا رجع . وقوله ( فكأنه ) أي الله سبحانه وتعالى جعل ماله أي المالك محفوظاً عليه ، أي له . قوله : ( بل هي ) في نسخة بل هو وهي أنسب ق ل والله أعلم .
3 ( ( فصل : في اللقيط ) ) 3
فعيل بمعنى مفعول ، سمي لقيطاً وملقوطاً باعتبار أنه يلقط ، وإلا فهو قبل اللقط ليس لقيطاً ومنبوذاً باعتبار أنه ينبذ ، وتسميته بذينك أي لقيط وملقوط قبل أخذه وإن كان من مجاز(3/674)
"""""" صفحة رقم 675 """"""
الأول ؛ لكنه صار حقيقة شرعية ، وكذا تسميته منبوذاً أي فهو مجاز لكن باعتبار ما كان بعد أخذه بناء على زوال الحقيقة بزوال المعنى المشتق منه كما في شرح م ر . وقوله ( ودعياً ) بكسر الدال كما في المصباح ، أي لأن للإنسان أن يدعيه ، وهذا باعتبار آخر أمره . وعبارة ق ل على المحلي : ودعياً بفتح الدال بوزن بغياً فعيل بمعنى مفعول ، وما نقل عن المصباح أنه بكسر الدال غير صحيح فإن الذي فيه دعي هو الدعوة بالكسر إذا كان يدعي القرابة أو يدعيه غير أبيه فهو بمعنى فاعل على الثاني وبمعنى مفعول على الأول ، فالكسر في كلامه راجع للدعوة لا لدعي اه .
قوله : ( اللقط الشرعي ) دفع بهذا ما يلزم على كلامه من كون الشيء ركناً لنفسه لأنه جعل اللقط من أركان اللقط . وحاصل الدفع أن الذي جعل ركناً هو اللقط اللغوي بمعنى مطلق الأخذ ، والأول هو اللقط الشرعي . قوله : ( في الركن الأول ) الأولى أن يقول : ثم شرع في الركن الأوّل والثاني بقوله ( وإذا وجد الخ ) لأن المتن ذكر ركنين لأن قوله ( فأخذه ) عبارة عن اللقط . قوله : ( بقارعة الطريق ) وهي أعلاه أو صدره أو ما برز منه ، والمراد هنا مطلق الطريق أي فهي من الإضافة البيانية أي بقارعة هي الطريق ، سميت بذلك لأن النعال تقرع فيها . والطريق ليست قيداً أيضاً بل مثلها المساجد ونحوها . قوله : ( تولية أمر الطفل ) أي تعهده والمراد بأمر الطفل حاله وما يتعلق به . قوله : ( حفظه وتربيته ) فذكرها من ذكر العام بعد الخاص ، ودفع بذلك إرادة الحضانة لأنها كفالة ق ل . قوله : ( فرض على الكفاية ) أي حيث علم به أكثر من واحد وإلا ففرض عين زيادي . وقوله ( حيث علم به أكثر من واحد ) أي ولو فسقة علموه ، فيجب عليهم الالتقاط ولا تثبت الولاية لهم ، أي بمعنى أن للغير انتزاعه منهم ولعل سكوتهم عن هذا لعلمه من كلامهم كما قاله ع ش على م ر . قوله : ( ومن أحياها ) أي حفظها وصانها أي النفس عن الهلاك ، أي أدام إحياها . وقوله : ) فكأنما أحيا الناس جميعاً } ) المائدة : 32 ) بدفع الإثم عنهم إذ بإحيائها أسقط الحرج عن الناس فأحياهم بالنجاة من العذاب زي . قوله : ( إليه ) أي إلى الاكتساب .
قوله : ( بذلك ) أي الميل . قوله : ( كالنكاح والوطء ) أي لم يوجبوا الوطء في النكاح لأن(3/675)
"""""" صفحة رقم 676 """"""
النفس تميل إليه ، فاستغنى بذلك عن الوجوب . أو يقال : لما كان المغلب في النكاح معنى الوطء والنفس تميل إليه لم يوجبوا النكاح أي العقد استغناء عنه بميل النفس إليه أي النكاح . لكونه سبباً للوطء زي . قوله : ( على اللقيط ) الأولى على اللقط . ويمكن أن كلامه على حذف مضاف أي على لقط اللقيط . قوله : ( ظاهر العدالة ) أي ثابتها بأن تكون باطنة ، وهي ما ثبتت بقول المزكين وليس المراد بأن تكون العدالة ظاهرة لأن هذا لا يتوهم عدم وجوب الإشهاد معه وإنما المتوهم عدم وجوبه مع العدالة الباطنة لأن عدالته المذكورة تمنع من أن يسترقه اه ع ش بزيادة . قوله : ( من اللقيط ) أي والغرض من اللقيط فهو من تتمة التعليل . قوله : ( حفظ حريته ونسبه ) أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن اللاقط لو لم يشهد لتوهم أنه ابن اللاقط أو عبده . قوله : ( كما في النكاح ) يرجع للأمرين جميعاً هذا ظاهر في النسب دون الحرية . قوله : ( تبعاً ) جواب سؤال تقديره إن المال لا يجب الإشهاد عليه لأنه من اللقطة فأجاب بأنه إنما وجب تبعاً للقيط . قوله : ( وجاز نزعه ) أي وجب لأنه جواز بعد امتناع فيصدق بالواجب أي ما لم يتب ويشهد فيكون التقاطاً جديداً كما بحثه السبكي مصرحاً بأن ترك الإشهاد فسق م ر . قوله : ( فيما ذكر ) وهو اللقيط وما معه قوله : ( فالإشهاد مستحب ) لأن هذا في الغالب يشتهر أمره . قوله : ( منبوذ ) ليس بقيد ، بل مثله ما إذا كان يمشي . ولعله أراد بالمنبوذ الذي ليس معه أحد تأمل . قوله : ( لا كافل له معلوم ) أي بأن لم يكن له كافل أصلاً أو له كافل غير معلوم .
قوله : ( العدل ) وهو الذي لم يرتكب كبيرة ولم يصرّ على صغيرة أو أصر عليها وغلبت طاعاته على معاصيه . وذكره بعد الرشد لأنه لا يلزم من الرشد العدالة ، فتفسيره بهذه الأوصاف غير مستقيم ، فلو فسره بحقيقته وهي العدل وذكر بعده الوصفين الأخيرين وهما الحر الرشيد لكان أولى اه ق ل . وشمل العدل عدل الرواية فيشمل المرأة ، والأوجه كما بحثه الأذرعي(3/676)
"""""" صفحة رقم 677 """"""
اعتبار البصر وعدم نحو برص إذا كان الملتقط يتعهد بنفسه كما في الحضانة ، وإطلاقهم يقتضي أنه لا يلتقط ، ولو كان باللقيط ما بالملتقط من برص وجذام وغيرهما كما في عيوب النكاح . وسئل شيخنا عما لو تعارض العمى والبصر كأن كان البصير لا مال له والأعمى له مال من الأولى منهما . فأجاب بأن البصير الفقير مقدّم على الأعمى الغني ، ثم قال : وينبغي تقديم الغني الأعمى على البصير الفقير اه خ ض ، أي إذا كان الأعمى لا يتعهد بنفسه . قوله : ( منه ) الضمير فيه راجع لغير الحرّ ، وكذا في قوله بعد : وليس هو الخ . قوله : ( لأن حق الحضانة ) الإضافة بيانية . قوله : ( كما علم مما مرّ ) أي من قوله : ولو مكاتباً . قوله : ( والمبعض ) عبارة م ر : ولو أذن لمبعض ولا مهايأة أو كانت والتقط في نوبة السيد فكالقنّ ، فإن نوى السيد أو أطلق صح ، وإن نوى نفسه فلا يصح أو في نوبة المبعض فباطل في أحد الوجهين . وهذا التفصيل بخلاف ما مرّ في اللقطة لأن المغلب هنا جانب الولاية والرقيق ولو مبعضاً ليس من أهلها ، والمغلب في اللقطة جانب الاكتساب . قوله : ( من يراه ولو من غيرهما ) قضيته أنه ليس له جعله تحت يدهما معاً ، وعليه فقد يوجه بأن جعله تحت يدهما قد يؤدي إلى ضرر الطفل بتواكلهما في شأنه ، وحينئذ فالقياس أنه لو ازدحم عليه كامل وناقص كصبي أو غيره مما مرّ اختص به البالغ ولا يشترك الحاكم بينه وبين غيره فيه ، لكن في سم على ابن حجر أن الحاكم ينزع النصف من غير الكامل ويجعله تحت يد من شاء من الكامل المزاحم له وغيره ع ش على م ر . وعبارة غيره : قوله : ( أهلان ) فلو كان أحدهما غير أهل فهو كالعدم ويستقل الأهل به .
قوله : ( أو بعد أخذه ) أي أخذهما له . قوله : ( فإن استويا ) أي وتشاحا والمراد بقوله ( استويا ) في جميع الصفات ، والأوجه ضبط الغنيّ بغنى الزكاة بدليل مقابلته بالفقير ولا يقدم غني على غني بل يقرع بينهما ، نعم يقدّم جواد على بخيل . قوله : ( أقرع بينهما ) إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، ولو ترك أحدهما حقه قبل القرعة انفرد به الآخر ، وليس لمن خرجت القرعة له ترك حقه للآخر كما ليس للمنفرد ترك حقه إلى غيره لئلا يؤدي إلى التواكل ، ولا(3/677)
"""""" صفحة رقم 678 """"""
يقدّم مسلم على كافر في كافر ولا رجل على رجل ولا امرأة على رجل وإن كانت أصبر على التربية منه ، إلا مرضعة في رضيع كما بحثه الأذرعي اه م د . قوله : ( ومنهما البلد ) والحاصل أن له نقله من محل لمثله أو أعلى لا دونه ، ومحل جواز نقله إذا أمن الطريق والمقصد وتواصلت الأخبار واختبرت أمانة اللاقط شرح المنهج . ولا فرق في النقل بين كونه للسكنى أو غيرها كقضاء حاجة ، وسواء أكان السفر به للنقلة أم غيرها كما قاله المتولي وأقرّه م ر اه . قوله : ( لا نقله من قرية لبادية ) البادية خلاف الحاضرة وهي العمارة ، فإن قلّت فقرية أو كبرت فبلدة أو عظمت فمدينة أو كانت ذات زرع أو خصب فريف ، وقيل : المدينة ما فيها حاكم شرعي وشرطي وسوق للبيع والشراء والبلد ما فيها بعض ذلك والقرية ما خلت عن الجميع والبادية خلاف الجميع . قوله : ( لخشونة عيشهما ) هذا بالنسبة للقيط ، وأما الزوجة فيجب عليها مطاوعته ولو كان المنقول إليه خشن العيش لأن نفقتها مقدّرة ويمكنها إبدالها ، كذا رأيته في حاشية العزيزي بعد البحث عنه والتفتيش فاحفظه اه . قوله : ( كوقف على اللقطاء ) أي أو على الفقراء . وفيه أن هذا ليس معه ، وعبارة المنهج : ومؤنته في ماله العام كوقف على اللقطاء أو الخاص الخ ، فسرى للشارح ما ذكره منها ويمكن على بعد أن مع في قوله ( معه ) بمعنى اللام ، أي فإن وجد له مال ملكاً أو استحقاقا اه قال الزيادي : لا يقال كيف صح الوقف عليهم مع عدم تحقق وجودهم ، لأنا نقول الجهة لا يشترط فيها تحقق الوجود بل يكفي إمكانه ؛ قال سم : قال الأذرعي : والظاهر أنه لو انفق عليه من وقف اللقطة ثم ظهر له سيد أو قريب رجع عليه . قال بعضهم : وفيه نظر ، لأنه حين الإنفاق كان لقيطاً فيصرف له بشرط الوقف ، ولو وجد وقف على الفقراء فهل ينفق عليه منه مقدماً على بيت المال وأن حكمه حكم الوقف على اللقطاء أو لا ؟ قال السبكي : فيه احتمالان أظهرهما الثاني لأن فقره غير محقق ، وقال الأذرعي : لعل الأول أرجح إذ لا يشترط في الصرف إلى من ظاهره الفقر تحققه بل يكفي ظاهر الحال اه .
قوله : ( أو خاص ) قضية كلامه التخيير بين العام والخاص والأوجه كما أفاده بعض المتأخرين تقديم الثاني على الأوّل فإن حملت أو في كلامه على التنويع لم يرد ذلك شرح م ر . والمعنى أن الحاكم ينفق عليه إما من ماله العام أو الخاص ، إلا أنه لا يعلم أيهما المقدّم إلا أن يقال يعلم من خارج أن الخاص مقدم على العام كما قاله الزيادي ، واعتمد شيخنا أنه ينفق(3/678)
"""""" صفحة رقم 679 """"""
من العام إن لم يكن مقيداً بالحاجة كوقفت على اللقطاء المحتاجين وإلا فيقدم الخاص عليه كما في س ل . قوله : ( كثياب عليه ) والمراد كما نبه عليه الزركشي بكون ما ذكر له صلاحيته للتصرف فيه ودفع المنازع له لا أنه طريق للحكم بصحة ملكه ابتداء فلا يسوغ للحاكم بمجرد ذلك أن يقول ثبت عندي أنه ملكه شرح م ر . وفائدة ذلك أنه لو ادعاه أحد ببينة سلم للمدعي ع ش على م ر . قوله : ( أو ملبوسة ) أو دابة زمامها بيده أو مربوط بنحو وسطه أو راكب عليها وما عليها تابع لها . قوله : ( ودار هو فيها وحده ) أي لا تعلم لغيره أو حانوت أو بستان أو خيمة كذلك وكذا قرية كما ذكره الماوردي وغيره ؛ لكن استبعد ذلك في الروضة ثم بحث أنها ليست كذلك ، أي إن كانت اليد غير صالحة ، بخلاف الأول فإنه محمول على ما إذا صلحت اليد حج زي . وعبارة ق ل : قوله ودار هو فيها وكذا في قرية لا في بابهما ولا في بستان لم تجر العادة بالسكنى فيه ، وإلا فكالدار وما في الدار والبستان تابع لهما ملكاً وعدمه . قوله : ( أو كان فيه ) عطف على الغاية . قوله : ( فلا يكون ملكاً له ) نعم بحث الأذرعي أنه لو اتصل خيط بالدفين وربط بنحو ثوبه قضى له به ، لا سيما إن انضمت الرقعة عليه شرح م ر اه . قوله : ( كالمكلف ) أي لو كان تحت المكلف مال ومعه رقعة تشهد له به فلا يكون ملكاً له . قوله : ( ولا مال ) بالرفع معطوف على فاعل خرج ولا زائدة ، والمناسب أن يقول : والمال الموضوع بقربه . وهذا التعبير سرى له من عبارة المنهج حيث قال : ومؤنته في ماله العام كوقف على اللقطاء أو الخاص كثياب عليه ، إلى أن قال : لا مال مدفون ولا موضوع بقربه . قوله : ( بخلاف الموضوع بقرب المكلف ) يؤخذ من هذا أنه لو نازع هذا المكلف غيره ؛ فالقول قول المكلف وتقدّم بينته لأن اليد له سم . قوله : ( لأن له رعاية ) أي يداً عليه . قوله : ( أو كان ثم ما هو أهمّ ) أو منع متوليه ظلماً ز ي . قوله : ( على موسرينا ) أي موسري بلده ز ي أي المسلمين ، فإن امتنعوا قوتلوا . والأوجه ضبطهم بما يأتي في نفقة الزوجة ؛ وقيل : من يملك مؤنة سنة فلا تعتبر قدرته بالكسب ، وإذا لزمتهم وزعها الإمام على مياسير بلده ، فإن شق فعلى من يراه الإمام(3/679)
"""""" صفحة رقم 680 """"""
منهم ، فإن استووا في نظره تخير . وهذا إن لم يبلغ اللقيط ، فإن بلغ فمن سهم الفقراء أو المساكين أو الغارمين ، فإن ظهر له سيد أو قريب رجع عليه وإن ضعفه في الروضة ؛ وما نوزع به من سقوط نفقة القريب ونحوه بمضيّ الزمن يردّ بما سيأتي أنها تصير ديناً بالاقتراض أي بإذن الحاكم ، فإن لم يظهر له مال ولا قريب ولا سيد ولا كسب فالرجوع على بيت المال من سهم الفقراء أو الغارمين بحسب ما يراه الإمام اه شرح م ر و س ل .
قوله : ( قرضاً بالقاف ) أي على جهة القرض ، فالنصب بنزع الخافض كما قاله في شرح المنهج ، أي لا فرضاً بالفاء وإلا لامتنع الناس بالإنفاق على المحتاجين . ويفرق بين كونها هنا قرضاً وفي بيت المال مجاناً بأن وضع بيت المال الإنفاق على المحتاجين فلهم فيه حق مؤكد دون مال المياسير شرح م ر . قوله : ( بإشهاد ) أي في كل مرة ، والذي اعتمده شيخنا م ر وجوبه في المرة الأولى فقط ق ل و ح ل و ع ش ، أي ويصدق في قدر الإنفاق إن كان لائقاً به . ويؤخذ من هذا جواب حادثة وقع السؤال عنها : وهي أن رجلاً أذن لوالد زوجته في الإنفاق على بنته في كل يوم خمسة أنصاف من الفضة العددية مدة غيبته ثم إن الشهود شهدوا بأنه أنفق ما أذن له في إنفاقه وهو الخمسة أنصاف جميع المدة ولم يتعرضوا لكونهم شاهدوا الإنفاق في كل يوم وهو أن الحق يثبت بشهادتهم وإن لم ينصوا على أنهم رأوا ذلك في كل يوم ويجوز لهم الإقدام على ذلك لرؤية أصل النفقة منه والتعويل على القرائن الظاهرة في أداء النفقة اه ع ش على م ر . قوله : ( وما ألحق بها ) وهو دار الكفر التي بها مسلم كتاجر ح ل . قوله : ( وإن استلحقه كافر بلا بينة الخ ) فيتبعه في النسب لا في الكفر لاحتمال كونه بشبهة من وطء مسلمة ، فلا يلزم من كفر أبيه كفره إذ الفرع يتبع أشرف أبويه في الدين م د . وعبارة م ر : لأننا حكمنا بإسلامه فلا نغيره بمجرّد دعوى كافر اه . فإن أقام بينة تبعه في الكفر أيضاً ق ل .
قوله : ( ولو بدار الكفر ) المراد بدار الكفر ما استولى عليه الكفار من غير صلح ولا جزية ولم تكن للمسلمين قبل ذلك وما عدا دار الإسلام ، ابن حجر . والحاصل أنه إن وجد بدار الحرب فلا يحكم بإسلامه إلا إن وجد بها مسلم مقيم إقامة يمكن اجتماعه فيها بأم الولد ، فإن وجد بدارنا اكتفى فيه بأدنى الإمكان حتى المرور اه . فالحاصل أنه يحكم بكفره في صورتين(3/680)
"""""" صفحة رقم 681 """"""
إذا استلحقه الكافر ببينة أو وجد اللقيط بمحل منسوب للكفار أصالة وليس به مسلم اه م د . قوله : ( به مسلم ) ولو أنثى م ر . والجملة نعت لدار ، والضمير في ( به ) راجع للدار لاكتسابها التذكير من المضاف إليه . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ( كانت امرأتان معهما ابناهما إذْ جَاء الذِئْبُ فَذَهَبَ بابْنِ إحداهما ، فقالت هذه لصاحبتها : إنّما ذَهَبَ بابنك أنْتِ ، وقالت الأخرى إنما ذَهَبَ بابنك . فَتَحاكما إلى داود ، فَقَضَى به للْكُبْرَى ، فخرجتا على سليمان فأخبرتاه بذلك فقال : ائتوني بالسكين أقسمه : فقالت الصغرى : لا يرحمك الله هو ابنها . فقضى به للصغرى ) قال أبو هريرة : والله ما سمعت بالسكين قط إلا يومئذٍ وما كنا نقول إلا المدية . واستدل بهذا الحديث من جوّز أن المرأة تستلحق اللقيط وأنه يلحقها لأنها أحد الأبوين ، ونقله صاحب التقريب عن ابن سريج . والأصح أنه لا يلحقها إذا استلحقت لإمكان إقامة البينة على الولادة بطريق المشاهدة ، بخلاف الرجل . وفي وجه ثالث يلحق الخلية دون المزوّجة لتعذر الإلحاق بها دونه ، وإذا قلنا يلحقها بالاستلحاق وكان لها زوج لم يلحقه في الأصح . وليس المراد بالزوج من هي في عصمته بل كونها فراشاً لشخص لو ثبت نسب اللقيط منها بالبينة لحق صاحب الفراش سواء كانت في العصمة أو في العدّة اه دميري في حياة الحيوان . وتأمل في قول المرأة لسليمان لا ، يرحمك الله الخ .
قوله : ( صبي ) بدل . قوله : ( تبعاً لأحد أصوله ) فإن قلت : إطلاق ذلك يقتضي إسلام جميع الأطفال بإسلام جدّهم آدم عليه السلام . قلت : أجاب السبكي بأن الكلام في جدّ يعرف النسب إليه بحيث يحصل بينهما التوارث . وبأن التبعية في اليهودية والنصرانية حكم جديد أي فيقطع التبعية لآدم ، لخبر : ( إنما أبواه يُهَوّدَانه أو يُنَصِّرانه ) اه زكريا . قوله : ( وتبعاً لسابيه ) ولو غير مكلف ، ولو سباه مسلم وكافر فمسلم . قوله : ( لبنائه ) أي الإسلام على ظاهرها ، أي الدار . فإذا أعرب عن نفسه بالكفر تبينا أي تبين لنا خلاف ما ظنناه اه م د . قوله : ( وهذا معنى قولهم الخ ) أي فإذا بلغ أو أفاق وحكى الكفر لا يكون ذلك ارتداد بخلاف التابع لأحد أصوله أو السابي فإنه إذا حكى الكفر بعد كماله كان ارتداداً . قوله : ( وهو حر ) شروع في بيان حرية اللقيط ورقه وما يترتب عليه . قوله : ( وإن ادّعى رقة الخ ) غاية لأن غالب الناس أحرار فهذا حكم بالغالب . قوله : ( في تصرف ) أي في حكم تصرف ماض كعدم قضاء الدين من المال(3/681)
"""""" صفحة رقم 682 """"""
الذي في يده في المثال الذي ذكره . وقوله ( ماض ) بخلافه في المستقبل وإن أضر بغيره فلا يصح بيعه وشراؤه في المستقبل . قوله : ( أما التصرف الماضي ) صورته أن يقتل اللقيط رقيقاً ثم يقرّ بالرق فهو قبل الإقرار غير مكافىء له فلا يقتل فيه وبعد الإقرار مكافىء له فيقتل فيه عملاً بإقراره شرح الروض . وصوّره بعضهم بما إذا أوصى له بشيء لنفسه فيلزم من دعواه الرق بطلان الوصية وفيه إضرار به .
فرع : أقرّت حامل بالرّق ينبغي أن لا يتبعها الحمل ، راجعه م ر سم على المنهج .
قوله : ( ولو كان اللقيط امرأة ) هذا يتفرّع على قوله ولا يقبل إقراره الخ كما في شرح الروض ، فكان الأولى أن يقدّمه على قوله ( أما التصرف الماضي ) لأنه معطوف على قوله ( فلو لزمه دين ) فيكون المضرّ بغيره لأن فيه إضراراً بالزوج كما قرره شيخنا العشماوي . قوله : ( ولو ممن لا يحل ) الظاهر أن الواو للحال ؛ لأن هذا هو الذي يتوهم فيه انفساخ النكاح . قوله : ( لم ينفسخ ) لأن انفساخه يضرّ بالزوج شرح الروض . أي وتقدم أنه لا يقبل إقراره بالرق في تصرف ماض يضر بغيره ، أي وإن كان فسخه مضراً بها أيضاً . قوله : ( وبعده رقيق ) أي تبعاً لها مملوك لمن أقرّت له ق ل . قال في شرح المنهج : وتعتد بثلاثة أقراء للطلاق لأنها حرة بالنظر للزوج لأن إقرارها بالرق لا يقبل بالنسبة إليه ، وبشهرين وخمسة أيام للموت لأن الزوج لما مات حكم برقها بالنظر للسيد لأصالته بالنظر لإقرارها ، وعدّة الرقيقة ما ذكر .
3 ( ( فصل : في الوديعة ) ) 3
هي بفتح الواو فعيلة بمعنى مفعولة . وذكرها عقب اللقطة وما بعدها لمشاركتها لهما في أن كلاَ منهما فيه معاونة على البرّ والتقوى ، وذكرها في المنهج عقب الإيصاء لأن المودع جعل الوديع وصياً على الوديعة من جهة حفظها وتعهدها وإن كان في حال حياته ، ولأنها من جملة ما يوصى به ندباً أو وجوباً ، ولأن مال الميت بلا وارث يصير كالوديعة في بيت المال للمسلمين .(3/682)
"""""" صفحة رقم 683 """"""
قوله : ( تقال ) أي تطلق على الإيداع أي شرعاً فقط ، وهو العقد ، وهو تفسير مراد وإلا فهو في الأصل الفعل ، وهو دفعها للوديع ن ز . وقوله ( وعلى العين المودعة ) أي شرعاً ولغة ، وقد استعملت في هذا الباب بالمعنيين ، فمن استعمالها بمعنى العين المودعة قوله ( والوديعة أمانة ) وقوله ( ولا تضمن إلا بالتعدّي ) ومن استعمالها بمعنى العقد قوله ( وأركانها ) شيخنا . والإيداع لغة وضع الشيء عند غير صاحبه للحفظ ، وشرعاً توكيل من المالك أو نائبه لآخر ، بحفظ مال أو اختصاص ، فخرج بتوكيل اللقطة والأمانات الشرعية لأن الائتمان فيهما من جهة الشرع . ويتفرّغ على كونه توكيلاً أن الإيداع عقد . وعبارة شرح م ر : هي لغة : ما وضع عند غير مالكه لحفظه ، وشرعاً : العقد المقتضي للاستحفاظ أو العين المستحفظة حقيقة فيهما وتصح إرادتهما وإرادة كل منهما في الترجمة . قوله : ( ظاهرة ) لعل وجهه سكونها تحت يد الوديع كما أن اللقيط تحت يد الملتقط ورعايته ، وبخط الأجهوري : هو أن كلاَ منهما أمانة م د . واللقيط يشبه الأمانة من جهة وجوب حفظه ، والأولى أن يقول لأن كلاَ منهما يجب حفظه .
قوله : ( والأصل فيها قوله تعالى الخ ) فيه أن هذا دليل على الردّ لا على الإيداع الذي الكلام فيه . وأجيب بأن الأمر بالردّ يستلزم تقدم الإيداع . قوله : ( يأمركم الخ ) أي كل من كان بيده أمانة وطلبها مالكها وجب عليه ردّها له ، فالآية من مقابلة الجمع بالجمع ، فالآية نزلت في ردّ مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة وهي عامّة في جميع الأمانات ؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قال الواحدي : أجمعوا على أنها نزلت بسبب مفتاح الكعبة ولم ينزل في جوف الكعبة آية سواها ، شرح م ر . وعبارة م د على التحرير : وهذه الآية نزلت في شأن مفتاح الكعبة لما أخذه سيدنا عليّ رضي الله عنه من ابن بني شيبة قهراً وقال : نحن أحق بسدانتها أي خدمتها منكم . وليس فيها دفع ولا أخذ على وجه الأمانة وإنما فيها الرد إلى الأمين لأن سيدنا علياً أخذه قهراً من خادمها لما أراد النبي دخولها فامتنع من إعطاء المفتاح لعليّ فيكون عنده ليس بأمانة . وأجيب بأنه لما وجب عليه ردّة لمن أخذه منه كان عنده كالأمانة . قوله : ( ولا تخن من خانك ) تسمية الثاني خيانة مشاكلة لأن الثاني استنصار وتخليص حق ، وهذا إذا كان الأمر الثاني مما جوّز الشرع المجازاة به وأما إذا لم يجوّز الشرع المجازاة به كمن زنى بامرأتك فزنيت أنت بامرأته فالأوّل خيانة والثاني خيانة أيضاً فلا مشاكلة . وعبارة العناني : قوله ( ولا تَخُنْ مَنُ خَانَكَ ) وهو من(3/683)
"""""" صفحة رقم 684 """"""
باب المشاكلة فهو مجاز ، أو معناه : لا تخن بعد أن استنصرت منه بأخذ حقك إذ من أخذ حقه ليس خائناً ، وإنما الخائن من أخذ غير حقه أي زيادة عليه . قوله : ( بل ضرورة ) أي لأن صاحبها قد لا يقدر على القيام بحفظها ، والضرورة الحاجة الشديدة . قوله : ( إليها ) أي الوديعة . قوله : ( بمعنى الإيداع ) أي العقد لا بمعنى العين المودعة ، وإلا لزم عليه كون الشيء ركناً لنفسه وأن الصيغة وما بعدها تكون أركاناً للعين المودعة ولا معنى له . وإذا حملت الوديعة في الترجمة على العين المودعة كان في كلام الشارح استخدام كما لا يخفى . قوله : ( ما مرّ في موكل ووكيل ) أي أن يكون مطلق التصرّف بحيث يصح تصرفه في الشيء المودع ، وهذا تقدم بالمعنى لا باللفظ فلا يودع كافر مصحفاً ولا مسلماً ولا محرم صيداً . وقال شيخنا : يصح العقد ولا يسلم إليه بل يوضع عند عدل ق ل . وعبارة ع ش على م ر : قوله : ( فلا يودع كافر مصحفاً ) قال سم على ابن حجر : انظره مع قوله في البيع ، ويجوز بلا كراهة ارتهان واستيداع واستعارة المسلم ونحوه المصحف وبكراهة إجارة عينه وإعارته وإيداعه ، لكن يؤمر بوضع المرهون عند عدل وينوب عنه مسلم في قبض المصحف لأنه محدث اه . قال شيخنا ز ي : ويحمل ما هنا على وضع اليد وما هناك على العقد اه . لكن يتأمل هذا الجواب بالنسبة للوديعة فإن الوديع ليس له الاستنابة في حفظها ، اه بحروفه . ويؤخذ منه أنه يصح توقيت الوديعة وتعليق إعطائها بعد تنجيز عقدها كالوكالة ، بخلاف تعليق نفس الوديعة فلا يصح كتعليق الوكالة فيكون كل منهما فاسداً ، ويجوز كون كل من المودع والوديع أعمى ويوكلان في الإقباض والقبض .
قوله : ( فلو أودعه ) أي الشخص سواء كان كاملاً أو ناقصاً كصبي ع ش . وعبارة ق ل : فلو أودعه نحو صبي الخ ، أي إذا أودع ناقص كاملاً فهو ضامن مطلقاٌ أو عكسه فلا ضمان إلا بالإتلاف اه . والكامل يضمن ما أخذه من نحو صبي بأقصى القيم كالغاصب ، ولا يزول الضمان إلا بالرد لولي أمره ، نعم إن أخذه منه خوفاً على تلفه في يده لم يضمنه ، فإن رده للصبي ضمن ولا يخلصه إلا الرد لوليه ز ي وسم . قوله : ( وإن أودع شخص نحو صبي ) هذه صورة واحدة وهي أن المودع كامل والوديع ناقص ، وبقي صورة رابعة وهي أن يكون كل منهما كاملاً فلا ضمان إلا بالتقصير . قوله : ( إنما يضمن بإتلافه ) لأنه لم يسلطه على إتلافه وخرج(3/684)
"""""" صفحة رقم 685 """"""
التلف فلا يضمن به لأنه لم يلتزم حفظه لإلغاء التزامه . وتلخص أن الصور أربع ؛ لأن المودع إما ناقص أو كامل والمودع كذلك . والحاصل أنه إما أن يودع كامل كاملاً فهي الوديعة الشرعية فلا يضمن إلا بالتفريط ، أو يودع ناقص ناقصاً فيضمن بالتلف كالإتلاف ، أو يودع كامل ناقصاً فلا يضمن إلا بالإتلاف لا بالتلف ، أو عكسه فيضمن بالتلف كالإتلاف ، فهو كما لو أودع ناقص ناقصاً لكن في صورة العكس المذكورة إنما يضمن بالتلف إن لم يأخذها حسبة أي احتساباً وطلباً للأجر أو خوفاً عليها فلا يضمن بوضع يده عليها في هذه الحالة ، لكن يجب عليه أن يدفعها إلى وليّ أمر الناقص . وقوله : ( إنما يضمن بإتلافه ) الصواب ( فإنما ) بالفاء ، وإسقاطها سرى له من قول المنهج : وفي عكس ذلك إنما يضمن الخ . والحاصل أن كلاًّ من المودع والوديع إما كامل أو صبي أو مجنون أو محجور عليه بسفه أو مغمى عليه أو مكره أو عبد ، والحاصل من ضرب سبعة في سبعة تسعة وأربعون ، وعلى كل إما أن تتلف الوديعة بنفسها أو يتلفها المودع أو الوديع ، والحاصل من ضرب ثلاثة في تسعة وأربعين مائة وسبعة وأربعون .
قوله : ( من جانب المودع الخ ) لو قال فيشترط اللفظ من أحد الجانبين وعدم الرد من الجانب الآخر لكان أولى ، ويشير إليه قول ق ل : ومع ذلك فالشرط اللفظ من أحدهما والفعل أو اللفظ من الآخر ولا يكفي السكوت . وعبارة ق ل على التحرير : كما مر في العارية من الاكتفاء باللفظ من أحد الجانبين والفعل من الآخر أو باللفظ منهما معاً فلا يكفي غير ذلك ، فلو قال له : احفظ متاعي فأشار أن نعم لم يكن وديعاً ؛ لأنه لم يوجد قبول باللفظ ولا بالفعل ، وإشارة الناطق لا يعتدّ بها في مثل ذلك ولا ضمان عليه إن لم يضع يده عليه . قال شيخنا : ولا يقوم أخذ أجرة قيام القبول وخالفه بعضهم اه ؛ أي وهو المعتمد . ويؤيده قول بعضهم إنه لو دخل الحمام واستحفظ على حوائجه فقبل أو أعطاه الأجرة أو قبض العين وجب عليه الحفظ وإلا فلا يضمن ، ومثله في ذلك البوّاب في الخان إذا أخذ الدابة أو الأجرة أو أذن له في إدخالها فإنه يضمن اه . وعبارة شرح المنهج : فيكفي قبضه ولا يكفي الوضع بين يديه مع السكوت اه . وقوله ( فيكفي قبضه ) أي وإن لم ينقل اه . وعبارة ع ش : قوله ( فالشرط ) اللفظ من أحدهما ومن هذا يعلم جواب حادثة وقع السؤال عنها : وهي أن رجلاً حمل دابته حطباً وطلب من أهل بلده أن يأخذوها معهم إلى مصر ويبيعوا الحطب له فامتنعوا من ذلك ولم يقبلوها منه ، فتخلف عنهم على نية أن يأتي بأقوات السفر ويلحقهم في الطريق فلم يفعل . ثم إنهم حضروا بها إلى مصر وتصرفوا في الحطب لغيبة صاحبه ووضعوا الدابة عند دوابهم فضاعت بلا تقصير وهو عدم الضمان اه ، كيف هذا مع وضع يدهم عليها من غير إذن صاحبها لردهم لإذنه .(3/685)
"""""" صفحة رقم 686 """"""
قوله : ( أمانة ) أي إذا كانت من غير وليّ أو وكيل ، أما وديعهما فضامن ز ي فإذا كان المودع ولياً أو وكيلاً ضمنها الآخذ بمجرد الأخذ . وقضية إطلاقهم أنه لا فرق في عدم الضمان بين الصحيحة والفاسدة ، وهو مقتضى القاعدة . وفي الكافي : لو أودعه بهيمة وأذن له في ركوبها أو ثوباً وأذن له في لبسه فهو إيداع فاسد لأنه شرط فيه ما ينافي مقتضاه ؛ فإذا تلفت قبل الركوب والاستعمال لم يضمن أو بعده ضمن لأنه عارية فاسدة ؛ عزيزي في حاشيته على ابن قاسم الغزي والمراد بالوديعة هنا العين المودعة لا العقد . قوله : ( أصالة ) أي فالقصد منها الحفظ ، فإن طرأ فعل مضمن فعلى خلاف وضعها بخلاف الرهن ، فإن القصد منه التوثق والأمانة فيه تابعة ، وينبني على ذلك أن من ادعى الرد من الوديع والمرتهن هل يقبل قوله أو لا ؟ ففي الوديعة يقبل لأن وضعها الأمانة وفي الرهن لا يقبل لأن وضعه التوثق المنافي للرد فلا يصدق فيه إلا ببينة ، وينبني عليه أيضاً أن المرتهن لو صدر منه أمر مضمن لم يلزمه الرد فوراً لأن مقصوده التوثق لا الحفظ بخلاف الوديعة فيلزمه بالأمر المضمن الرد فوراً لأصالة الأمانة فيها لأن مقصودها الحفظ ، فإذا ارتفعت بالضمان وجب الرد فوراً اه مدابغي . قوله : ( قبولها ) أي قبول إيداعها أو أخذها أو عدم ردها واقتصر الشارح على الثاني والضمير في قبولها الخ للوديعة بمعنى الإيداع أو بمعنى العين مع حذف المضاف أي إيداعها اه ابن قاسم . وقال شيخنا : إنما قال أي أخذها لأن الوديعة في كلامه بمعنى العين المودعة ، بدليل قوله أمانة والعين لا قبول فيها وإنما القبول في الإيداع وعلى كلام ابن قاسم يكون في كلام المتن استخدام تأمل . قوله : ( أي أخذها ) يعني أنه ليس المراد بالوديعة هنا أحد جزأي العقد الذي هو الإيجاب حتى يراد بالقبول الجزء الآخر من العقد . قوله : ( بأن قدر على حفظها ووثق ) أي حالاً ومآلاً فيهما ، أي القدرة على الحفظ والوثوق بدليل ما يأتي ، أي والحال أنه لم يتعين ؛ فالقيود ثلاثة ، وقد أخذ الشارح محترزاتها على اللف والنشر المشوّش . قوله : ( هذا ) أي الاستحباب . قوله : ( مجاناً ) وقد تؤخذ الأجرة على الواجب كتعليم الفاتحة وسقي اللبا وإنقاذ الغريق وتعليم نحو الفاتحة ، فإن امتنع من قبولها أي الوديعة مع دفع الأجرة له أثم ولا ضمان ، فإن تعدد الأمناء القادرون قال الزمخشري كالأذرعي : تعينت على من عرضت عليه كأداء الشهادة زيادي ، فيتعين على كل من سأله منهم لئلا يؤدي إلى التواكل فتتلف . قوله : ( فإن عجز ) شروع في محترز شروط الاستحباب لأن الشارح قيده بقيود ثلاثة . قوله : ( حرم عليه قبولها ) أي والإيداع(3/686)
"""""" صفحة رقم 687 """"""
صحيح فتكون أمانة . والحاصل أن الأصل فيها الاستحباب ، وقد تخرج عنه إلى الوجوب أو الحرمة أو الكراهة لعوارض فتجب إن تعين بأن لم يكن هنا غيره ولا يجبر حينئذ على إتلاف منفعته ومنفعة حرزه مجاناً أي بلا عوض ، وتحرم عند العجز عن الحفظ لأنه يعرضها للتلف ، وتكره عند القدرة لمن لم يثق بأمانة نفسه . هذا إن لم يعلم به المالك وإلا فتباح كما ذكره الشارح .
قوله : ( ومحله إذا لم يعلم المالك ) أي الرشيد . قوله : ( وإلا فلا تحريم ) أي ولا كراهة فتكون مباحة فتعتريها الأحكام الخمسة . قوله : ( وإن خالف في ذلك الزركشي ) حيث قال الوجه تحريمه عليهما ، أما على المالك فلإضاعته ماله ، وأما على المودع فلإعانته على ذلك وعلم المالك بعجزه لا يبيح له القبول .
قوله : ( أحكام الوديعة ثلاثة ) المراد بالأحكام الأحوال والصفات وإلا فالمذكور ليس حكماً شرعياً ، أو يراد بالأحكام اللغوية وهي النسب التامة كثبوت الأمانة وثبوت قبول قوله في الرد وثبوت جواز الردّ لكل من المودع والوديع . قوله : ( الجواز ) أي عدم لزومها منهما ، فلكل فسخها . قوله : ( وقد أشار إلى الأوّل بقوله الخ ) ظاهره أن الجملة هنا غير ما تقدم في المتن ، ولعل الشارح وقع له نسخة كذلك وإن كانت مكررة ، إلا أن يقال إن كلام الشارح يحتاج لتقدير أي أشار بقوله المار والوديعة أمانة الخ . قوله : ( بعوارض ) أي ضمان يد لا ضمان جناية أي في غير مثالي الشارح ، فهما من ضمان الجناية . وينبني على الأوّل أنه يضمن بما تعدى به وبغيره بخلافه على الثاني لا يضمن إلا بما تعدى به ، كل منهما لا فرق بين التقصير وعدمه وإنما يفرق بما تقدم . وجملة العوارض المذكورة عشرة ذكر الشارح سبعة خمسة أدخل عليها كأن واثنين ذكرهما في قوله أو دلّ عليها من يصادر المالك أو دلّ عليها سارقاً ، وذكر في المتن اثنين في قوله وعليه أن يحفظها الخ . وقوله : ( وإذا طولب بها الخ ) وقد نظمها الدميري فقال :
عوارض التضمين عشر ودعها
وسفر ونقلها وجحدها
وترك إيصاء ودفع مهلك
ومنع ردها وتضييع حكى(3/687)
"""""" صفحة رقم 688 """"""
والانتفاع وكذا المخالفه
في حفظها إن لم يزد ما خالفه
أي الذي خالفه كأن قال لا تقفل عليه قفلاً فأقفل ، وأخصر من ذلك قول ق ل :
عوارضها عشر ضياع وديعة
ونقل وجحد منع ردّ لمالك
مخالفة في الحفظ ترك وصية
وسفر بها نفع بها ترك هالك
أي ترك المهلك لها ولم يدفعه . قوله : ( كأن نقلها ) أي لغير ضرورة . قوله : ( دونها حرزاً ) أي وقد عين له المودع الحرز الأوّل كما في م ر ، وعليه يحمل قول الزيادي : قوله دونها حرزاً أي ولو حرز مثلها اه . وقال أ ج : قضية ذلك أنه لو نقلها من حرز إلى آخر والأوّل أحرز فإنه يضمن ، وليس كذلك بل الضمان مقيد بما إذا نقلها إلى دون حرزها أي العين المودعة اه . ويحمل قوله وليس كذلك على ما إذا لم يعين له المودع الحرز الأوّل . وعبارة ق ل : قوله ( دونها ) أي دون المحلة أو الدار أو دون الوديعة وهذا قريب إلى كلامه اه . قوله : ( وإن لم ينهه ) الصواب حذف الواو لأنه مع النهي يضمن بنقلها مطلقاً ولو إلى حرز مثلها أو أحرز ق ل . ويمكن جعل الواو للحال . وعبارة البرماوي : نعم إن كان الثاني حرز مثلها ولم ينهه المالك فلا ضمان . قوله : ( لم يضمن ) لعذره . قوله : ( غيره ) أي ولو ولده . أو زوجته أو عبده .
فرع : لو أخذ الظافر غير جنس حقه وأودعه إنساناً فرده على مالكه لم يضمن أو جنس حقه ضمن اه ق ل .
قوله : ( لأن المودع الخ ) عبارة شرح م ر : لأن المالك لم يرض بأمانة غيره ولا يده ، أي فيكون طريقاً في ضمانها والقرار على من تلفت عنده وللمالك تضمين من شاء ، فإن شاء ضمن الثاني ويرجع بما غرمه على الأوّل إن كان جاهلاً ، أما العالم فلا لأنه غاصب أو الأوّل رجع على الثاني إن علم لا إن جهل اه بحروفه . قوله : ( وله استعانة ) تقييد لما قبله ولا بدّ من أمانة المستعان به أو مباشرته له ، فإن لم يكن أميناً ولم يباشره ضمنها م ر . ويؤيده أنه لو أرسلها مع من يسقيها وهو غير ثقة ضمنها اه س ل . قوله : ( بمن يحملها ) ولو خفيفة أمكنه حملها بلا مشقة فيما يظهر ، شرح م ر . قوله : ( وعليه لعذر ) هذا ليس من الحكم الأوّل بل من الثاني .(3/688)
"""""" صفحة رقم 689 """"""
قوله : ( كإرادة سفر ) وإن قصر وكان مباحاً ز ي . قوله : ( ومرض ) أي مخوف كما في شرح المنهج أو حبس لقتل . وألحق الأذرعي بذلك كل حالة يعتبر فيها التبرع من الثلث كوقوع الطاعون بالبلد ، نعم الحبس للقتل في حكم المرض المخوف هنا لإثم لأن هذا حق آدمي ناجز فاحتيط له أكثر بجعل مقدمة ما يظن به الموت بمنزلة المرض ؛ شوبري . قوله : ( فإن فقدهما ) أي لغيبتهما وإن لم يكونا بمسافة القصر . وقال م د : لعل ضابط الفقد مسافة العدوى . وقال م ر لا بمسافة القصر . ومثل الفقد حبسهما ولو في البلد وعسر الوصول إليهما . وترتيب ما ذكر واجب ، فلو ترك ضمن كأن ردها لأمين مع إمكانه لقاض وهذا هو المعتمد برماوي . قوله : ( ردها للقاضي ) أي ما لم يكن جائزاً كقضاة زماننا . وعبارة شرح م ر : ومتى ترك هذا الترتيب قدر عليه ضمن قال الفارقي إلا في زماننا فلا يضمن بالإيداع لثقة مع وجود القاضي قطعاً لما ظهر من فساد الحكام اه . قوله : ( والوصية بها إليه ) أي الأحد . وقوله : ( والوصية بها إليه ) أي الأمين . قوله : ( والأمر بردها ) لا حاجة إليه مع الإعلام ق ل ؛ أي فلا يشترط أن يقول ردها لمالكها . ونظر فيه شيخنا بأنه لا يلزم من إعلامه بها أمره بردها لمالكها مع أنه المقصود . قوله : ( أو الإشارة ) بالجر عطفاً على ( وصفها ) . قوله : ( ومع ذلك ) أي مع الوصية بها . وقوله : ( يجب الإشهاد ) ضعفه المرحومي واعتمد عدم وجوب الإشهاد ؛ لكن الذي في شرح م ر مثل الشارح . وقوله ( ضعفه المرحومي ) أي بالنسبة للرد إلى القاضي أو الأمين ، فإن المعتمد أنه لا يجب الإشهاد أما بالنسبة إلى الوصية بها لمن ذكر فلا بدّ من الإشهاد وجوباً كما نقله م ر ونقله عنه سم ، وعلى هذا يحمل كلام الشارح ، وحينئذ فلا ضعف في كلامه كما قاله العزيزي والعشماوي . قوله : ( لمن ذكر ) أي للقاضي فالأمين . وقوله ( كما ذكر ) أي من البداءة أوّلاً بالقاضي . قوله : ( ضمن ) أي إن تلفت بعد الموت ، برماوي . وعبارة شرح م ر : ومحل الضمان أي في المرض بغير إيصاء وإيداع إذا تلفت الوديعة بعد الموت لا قبله ؛ لأن الموت كالسفر فلا يتحقق الضمان إلا به وهذا هو المعتمد اه ؛ لأنه ما دام حياً لم يحصل منه تفريط لأنه عنده الوديعة ولأن مدة المرض كإرادة السفر . قوله : ( للفوات ) أي فواتها على مالكها ؛ لأن الوارث يدعي أنها من مال مورثه اعتماداً على ظاهر اليد . قوله : ( وكأن يدفنها الخ ) معطوف(3/689)
"""""" صفحة رقم 690 """"""
على قوله : ( كأن نقلها ) وكذا ما بعده . قوله : ( بموضع ) أي حرز لها اه . قوله : ( أميناً ) أي في نفس الأمر ، فظن الأمانة لا يكفي لو تبين خلافه ح ل . قوله : ( يراقبها ) أي وإن لم يره إياها برماوي . قوله : ( لأنه عرضّها للضياع ) ومن ذلك ما لو هجم عليه القطاع فطرحها بمضيعة ليحفظها فضاعت ضمن ، وكذا لو دفنها خوفاً منهم عند إقبالهم ثم أضلّ موضعها إذ كان من حقه أن يصبر حتى تؤخذ منه فتصير مضمونة على آخذها شرح م ر . قوله : ( بخلاف ما إذا أعلم بها ) اقتصاره على الإعلام هنا يؤيد كلام القليوبي السابق ، فليحرر . قوله : ( لأن إعلامه ) يفيد أن السكنى غير قيد ، وهو كذلك اه ق ل . قوله : ( بمنزلة إيداعه ) فيه إشعار بأنه ائتمان فتكفي فيه المرأة وليس بإشهاد حتى يشترط أن يكون شهادة اه م د . قوله : ( فشرطه ) أي شرط إعلامه بها . قوله : ( وكأن لا يدفع متلفاتها ) بكسر اللام ، ويستثنى من ذلك ما لو وقع في خزانة الوديع حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمن إلا إن أمكنه إخراج الكل دفعة أي من غير مشقة لا تحتمل عادة لمثله ، أو كانت فوق فنحاها وأخرج ماله الذي تحتها وتلفت بسبب التنحية كما استوجهه ابن حجر ، كما لو لم يكن فيها إلا ودائع فبادر بنقل بعضها فاحترق ما تأخر نقله اه س ل على المنهج . ومثله ق ل ، أي إذا أمكن نقلها دفعة واحدة ، ثم قال : ولا يصدّق في دعوى عدم التمكن في هذه إلا ببينة اه . قوله : ( أو ترك لبسها عند حاجتها لذلك ) قال ابن حجر : ولا بدّ من نية نحو اللبس لأجل ذلك وإلا ضمن ، ويوجه في حال الإطلاق بأن الأصل الضمان حتى يوجد صارف . وعبارة م ر . وكذا عليه لبسها بنفسه إن لاق به عند حاجتها بأن تعين طريقاً لدفع الدود بسبب عبوق ريح الآدمي لها ، نعم إن لم يلق به لبسها ألبسها من يليق به بهذا القصد قدر الحاجة مع ملاحظته كما قاله الأذرعي ، فإن ترك ذلك ضمن ما لم ينهه . نعم لو كان ممن لا يجوز له لبسها كثوب حرير ولم يجد من يلبسه ممن يجوز له لبسه أو وجده ولم يرض إلا بأجرة فالأوجه الجواز ، بل الوجوب ولو كانت الثياب كثيرة حيث يحتاج لبسها إلى مضيّ زمن يقابل بأجرة فالأقرب أن له رفع الأمر للحاكم ليفرض له أجرة في مقابلة لبسها إذ لا يلزمه أن يبذل منفعته مجاناً كالحرز . قوله : ( وقد علمها ) أي الثياب أما إذا لم يعلمها كأن كانت في صندوق مقفل فلا ضمان ، أو علم ولم يعطه مفتاح القفل وفتحه لذلك غير مضمن ، وإن نهى لكراهة الامتثال . ولا يحرم ترك التهوية إذ لا روح ، وإضاعة المال إنما تحرم إذا كان سببها فعلاً لا تركاً ، ويلزمه إيضاً تسيير الدابة قدراً يمنع به زمانتها اه ز ي . قال في الكافي : لو أودعه بهيمة وأذن له في ركوبها أو ثوباً وأذن له في لبسه فهو إيداع فاسد لأنه شرط فيه ما يخالف مقتضاه ، فإن تلفت قبل الركوع والاستعمال لم يضمن أو بعده ضمن لأنها عارية فاسدة اه دميري . فهما عقدان فاسدان .(3/690)
"""""" صفحة رقم 691 """"""
قوله : ( لأن الدود ) جمع دودة ، ويجمع على ديدان بالكسر اه ع ش على م ر . قوله : ( بترك ذلك ) أي التهوية واللبس . قوله : ( من الهواء ) بالمدة ؛ لأنه بالقصر هوى النفس بميلها لما تحبه اه ق ل . قوله : ( وعبوق ) يقال عبق بمعنى فاح . قوله : ( يدفعه ) أي الدود .
فرع : لو أودع شخص عند آخر براً أو فولاً فدخله السوس ولم يمكنه أن يرده لصاحبه وجب عليه بيعه بإذن حاكم ، فإن لم يجده تولى بيعه وأشهد ، ومتى ترك الوديع شيئاً مما لزمه لجهل وجوبه عليه وعذر لنحو بعده عن العلماء ففي تضمينه وقفة لكنه مقتضى اطلاقهم اه م ر .
فرع : قال الأذرعي عن بعض الأصحاب : لو رأى أمين كوديع وراع مأكولاً تحت يده وقع في مهلكة فذبحه جاز وإن تركه حتى مات لم يضمنه ، ثم قال : وفي عدم الضمان إذا أمكنه ذلك بلا كلفة نظر واستشهد غيره للضمان بقول الأنوار وتبعه الغزي ، لو أودعه برًّا أي مثلاً فوقع فيه السوس لزمه الدفع عنه ، فإن تعذر باعه بإذن الحاكم ، فإن لم يجده تولى بيعه وأشهد . والذي يتجه أنه إن كان ثم من يشهده على سبب الذبح فتركه ضمن وإلا فلا لعذره ؛ لأن الظاهر أن قوله ذبحتها لذلك لا يقبل . ثم رأيته مصرحاً به فيما يأتي . ويفرق بينه وبين قبول قوله في نحو لبستها لدفع الدود ، فإن الظاهر قبوله ، ثم رأيت ما يأتي في مسألة الخاتم وهو صريح فيه بأن ماهنا فيه إذهاب لعينها المقصودة بالكلية فاحتيط له أكثر . ويؤيد ذلك ما مرّ في تعييب الوصي للمال خشية ظالم ، ويظهر أيضاً أنه لا يقبل قوله بعد ذبحها لم أجد شهوداً على سببه ، وكذا بعد البيع لنحو السوس احتياطاً لإتلاف مال الغير . نعم إن قامت قرينة ظاهرة على ما قاله احتمل صدقه اه ابن حجر اه . قوله : ( أو ترك علف دابة ) أي مدة يموت مثلها فيها غالباً بقول أهل الخبرة وإن ماتت بغير ذلك ما لم يكن بها جوع سابق وعلمه ، فإن كان بها جوع سابق وعلمه فيضمنها كما هو قضية كلام الروضة وأصلها ، وقيل : يضمن القسط ورجحه ابن المقري . ويؤيد الأوّل ما لو جوّع إنساناً وبه جوع سابق ومنعه الطعام أو الشراب مع علمه بالحال فإنه يضمن الجميع ، والمعتمد الأوّل اه رملي زي . ومثل العلف السقي . وعبارة ق ل على الجلال : أو ترك علف دابة ، أي إن مضت مدة يموت مثلها فيها غالباً أو دونها وبها جوع سابق وعلم به وإلا فلا ضمان أصلاً ، وفارق ضمان القسط في الجنايات ، أي إذا حبسه ومنعه الطعام والشراب حتى مات وقد مضت مدة بلا تناول ذلك قبل الحبس ولم يعلم بها فإنه يضمن القسط بتعديه ، نعم يضمن الأرش هنا . قوله : ( لا إن نهاه ) أي وكان مالكاً لا ولياً ولا وكيلاً وإلا ضمن الوديع ، وبقي ما لو نهاه عن ذلك فخالف ولبسها أو هوّاها أو نحو ذلك ، فهل يضمن إذا تلفت بعد ذلك أم لا لما في فعله من المصلحة للمالك فلا يلتفت إلى نهيه عنه ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني كما لو نهاه عن الإقفال فأقفل اه ع ش على م ر . ولو نهاه عن علفها(3/691)
"""""" صفحة رقم 692 """"""
لنحو تخمة بها لزمه الامتثال ، فإن علفها مع بقاء العلة ضمن أي وإن لم يعلم بعلتها خلافاً لبعض المتأخرين اه م ر . قوله : ( فلا يضمن ) كما لو قال أتلف الثياب أو الدابة ففعل ، ولو أخرج الفأر الوديعة من الحرز لم يضمن الوديع وإن أدخلها في جدار الوديع أو غيره لم يتسلط المالك على هدمه لأن مالك الجدار لم يتعدّ بإدخال ملك غيره في ملكه ، بخلاف ما إذا تعدى نظير ما قالوه في دينار وقع بمحبرة أو فصيل ببيت ولم يمكن إخراجه إلا بكسرها أو هدمه يكسر ويهدم بالأرش إن لم يتعد مالك الظرف وإلا فلا أرش اه م ر . وقوله : ( أو هدمه ) يكسر ظاهره أنه يفتى بجواز ذلك ، وليس مراداً بل يقال لصاحب الفصيل والدينار : إن هدمت البيت وكسرت الدواة غرمت الأرش وإلا فلا يلزم المالك إتلاف ماله لعدم تعديه اه ع ش على م ر . قوله : ( لكنه يعصي في مسألة الدابة ) نعم إن كان لعلة بها تقتضي المنع من الإطعام كقولنج برقيق فلا حرمة ، وإذا أطعمه والعلة موجودة فمات نظر ، فإن علم بها ضمن وإلا فلا اه م د على التحرير . قوله : ( ليقترض على المالك ) فإن عجز القاضي بأن لم يتيسر له اقتراض ولا إجارة باع بعضها أو كلها بالمصلحة كما في شرح م ر . والذي ينفقه على المالك هو الذي يحفظها من التعييب لا الذي يسمنها ، ولو كانت سمينة عند الإيداع فالأوجه أنه يجب عليه علفها بما يحفظ نقصها عن عيب ينقص قيمتها . ولو فقد الحاكم أنفق بنفسه ، ثم إن أراد الرجوع أشهد على ذلك ، فإن لم يفعل فلا رجوع في الأوجه . نعم لو كانت راعية فالظاهر وجوب تسريحها مع ثقة ، فلو أنفق عليها لم يرجع أي إن لم يتعذر عليه من يسرحها معه وإلا فيرجع ، وعن أبي إسحاق أنه يجوز له أي الوديع نحو البيع أو الإيجار أو الاقتراض كالحاكم ، وينبغي ترجيحه عند تعذر الإنفاق عليها مطلقاً إلا بذلك اه شرح م ر . وعبارة الشوبري : راجع القاضي فإن فقده أنفق بنفسه ، ثم إن أراد الرجوع أشهد إن أمكن وإلا نوى الرجوع كما قاله بعضهم ، والمعتمد أنه لا يكفي نية الرجوع وإن تعذر الإشهاد لأنه عذر نادر اه . قوله : ( أو يؤجرها الخ ) أو للتنويع لا للتخيير فيفعل الأصلح اه أج . قوله : ( أو يبيع جزءاً منها في علفها ) أي إن رأى من يشتريه ولم تستغرق نفسها بأن رجى حضور مالكها عن قرب ، وإلا باعها كلها . قوله : ( على الصندوق ) بضم أوله وقد يفتح . ولو أمره بالرقاد أمامه فرقد فوقه فسرق من أمامه ضمنه اه م ر . قوله : ( وانكسر بثقله ) أي فعلم من ذلك أن صورة المسألة أن الراقد ثقيل وأن خشب الصندوق رقيق جداً وأن الصندوق مشتمل على نحو زجاج مما ينكسر بالثقل المذكور(3/692)
"""""" صفحة رقم 693 """"""
اه . خ ض . قوله : ( وتلف ما فيه بانكساره ) أي فيضمن ، ومفهومه عدم الضمان إذا لم يتلف سم . قوله : ( ولا إن نهاه الخ ) أي وكذا لو نهاه عن قفل فأقفل عليه فلا يضمن للعلة المذكورة ، وقيل يضمن لأن فيه إغراء السارق على السرقة منه . قوله : ( فأقفلهما ) فلو لم يقفل عليه أصلاً هل يضمن لأن مقتضى اللفظ أن يكون القفل مأموراً به أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم الضمان اه برماوي . قوله : ( وهو الرد ) أي حكم الرد ، وهو قبول قول المودع فيه . قوله : ( وقول المودع ) قيد أول وقوله على المودع قيد ثان ، وقد أخذ الشارح محترزاً على اللف والنشر المشوّش . قوله : ( في ردّها ) قال البلقيني : قد يوهم أنه لو ادّعى التخلية أنه لا يقبل ، وليس كذلك بل تقبل دعواه التخلية ، فلو قال : خليت بينها وبين المالك فأخذها قبل ولا فرق بين أن يقول رددتها على المالك بنفسي أو بوكيلي ؛ هكذا في حواشي البكري على الروضة اه شوبري . قوله : ( بيمينه ) متعلق بمقبول . قوله : ( وإن أشهد عليه الخ ) عبارة سم : وإن أشهد عليه عند الدفع أو وقع النزاع مع وارثه بأن ادّعى الوارث أن مورثه ردّها لمالكها فأنكر ، فإن مات قبل اليمين قام وارثه مقامه واندفعت المطالبة بيمينه اه . وسئل م ر عمن دفع لآخر مبلغاً بحضرة جماعة ولم يبين له هل هو قرض أو وديعة ثم إنه دفع ذلك المبلغ لصاحبه بغير بينة فهل يقبل قوله ؟ فأجاب بأن القول قول المالك المدعي القرض بيمينه ، وحينئذ فيصدق في عدم ردّه عليه اه . والحكم بأنه قرض من غير صيغة تدل عليه بعيد إلا إذا ادعى أنه أتى بصيغة تدل عليه .
قوله : ( على الذي استأجره للجباية ) خرج به ردّه على المستحقين وعلى الواقف الذي لم يستأجره ، فلا يقبل قوله في ردّ ما جباه عليهم أي دفعه لهم إلا ببينة ع ش على م ر . قوله : ( والمستأجر ) بخلاف الأجير للخياطة أو للصبغ مثلاً ، فإنه يقبل قوله في ردّه على المالك اه أ ج . قوله : ( فإنهما لا يصدّقان في الرد ) وإن صدقا في التلف على ما تقدم ، بل التصديق في التلف لا يختص بالأمين بل يجري في غيره كالغاصب لكنه يغرم البدل اه سم .(3/693)
"""""" صفحة رقم 694 """"""
والضابط أن يقال : كل من ادّعى التلف صدق ولو غاصباً ومن ادعّى الرد ، فإن كانت يده يد ضمان كالمستام لا يقبل قوله إلا ببينة وإن كان أميناً ، فإن ادّعى الردّ على غير من ائتمنه فكذلك أو على من ائتمنه صدق بيمينه إلا المكتري والمرتهن اه ع ش على م ر ، وهو ضابط حسن فاحفظه . قوله : ( فإن ادّعى الرد على غير من ائتمنه ) محترز الثاني . وقوله : ( أو ادعى وارث المودع ) محترز الأول . قوله : ( ممن ذكر ) هو الرادّ على وارث المالك ووارث المودع والأمين . وقوله : ( على من ذكر ) هو وارث المالك في الأولى والمالك في الثانية والثالثة . قوله : ( وعليه أن يحفظها ) هذا ليس من الحكم الثاني الذي ذكره بل من الحكم الأول وهو الأمانة ، فكان المناسب تقديمه على الحكم الثاني وهو قوله : ( وقول المودع الخ ) . قوله : ( فإن أخر إحرازها ) التأخير ليس قيداً ، بل المراد أنه إذا لم يضعها في حرز مثلها ضمن سواء أخر أو لم يؤخر وكان الأوضح ، فإن لم يحفظها في حرز مثلها الخ . وليس من العذر في تأخير إحرازها ما لو جرت عادته أن لا يذهب من حانوته مثلاً إلى آخر النهار وإن كان حانوته حرزاً لها ، برماوي . وعبارة م ر : ولو قال له وهو في حانوته احملها إلى بيتك لزمه أن يقوم في الحال ويحملها إليه ، فلو تركها في حانوته ولم يحملها إلى البيت مع الإمكان ضمن وهو الأوجه ، ولا اعتبار بعادته لأنه ورّط نفسه بقبولها سواء كانت خسيسة أم لا اه . ولو أودعه دراهم في سوق ولم يبين له كيفية حفظها فربطها في كمه وأمسكها بيده أو حفظها في جيبه لم يضمن ، وإن أمسكها بيده بلا ربط في كمه وأخذها غاصب لم يضمن ، أو ضاعت في غفلة أو نوم ضمن ولو نام ومعه الوديعة فضاعت فإن كان بحضرة من يحفظها أو في محل حرز لها لم يضمن وإلا ضمن اه شرح م ر . ولو قال له : اربط الدراهم ، في كمك فأمسكها مدة فتلفت فإن ضاعت بنوم أو نسيان ضمن ، أو بأخذ غاصب فلا ، ولو جعلها في جيبه بدلاً عن الربط في الكم لم يضمن إلا إن كان الجيب واسعاً غير مزرور ، أو ربطها في كمه بدلاً عن جعلها في جيبه ضمن إلا إن أمسكها بيده مع الربط في الكم . قال الزركشي : استثنى الشافعي في الأم ما إذا ربطها بين عضده وجنبه فلا يضمن لأنه لا يجد بين ثيابه أحرز من ذلك الموضع ، ولو امتثل قوله اربطها في كمك فإن جعل الخيط خارجاً فضاعت بأخذ طرار أي شرطي ضمن أو(3/694)
"""""" صفحة رقم 695 """"""
باسترسال فلا وإن جعله داخلاً فضاعت باسترسال ضمن أو بأخذ طرّار فلا . هذا كله إذا لم يرجع إلى بيته ، فإن رجع لبيته لزمه إحرازها فيه ولا يكون ما ذكر حرزاً لها حينئذ لأن بيته أحرز اه سم . وقوله : ( إلا إن كان الجيب واسعاً ) أفاد به أن محل عدم الضمان إذا كان الجيب ضيقاً أو واسعاً مزروراً . وقوله : ( فإن جعل الخيط خارجاً ) هذا إن كان له ثوب فقط أو جعلها في الأعلى ، أما لو كانت في الثوب الأسفل فلا فرق في المسألتين . وقوله بأخذ طرار لأن في الربط خارجاً إغراء الطرار عليها لسهولة القطع أو الحلّ عليه حينئذ ، بخلاف العكس اه حج زي . وقوله : ( أو باسترسال فلا ) أي إن كانت ثقيلة ، أي بأن يحس بها إذا وقعت وإلا ضمن ؛ لأن وقوعها يدل على عدم إحكام الربط بخلاف الثقيلة اه ح ل . قال الماوردي : لو أراد وضعها في الجيب فوضعها بين الثياب وهو لا يشعر فضاعت ضمن ، ولو كان الجيب مثقوباً ولم يشعر به فسقطت الدراهم ضمنها سم ؛ ولا فرق في الجيب بين الذي في فتحة القميص والذي بجانبه أي إن غطى بثوب فوقه كما استظهره بعضهم اه شوبري .
قوله : ( أو دل عليها ) أي ولو مع غيره لأن الغير لم يلتزم حفظها بخلافه هو كما في ع ش على م ر . قال حج : وقضية ضمانه بمجرد الدلالة وإن تلفت بغيرها ، وبه صرح جمع . لكن المعتمد عند الشيخين وغيرهما أنه لا يضمن ويفرق بينه وبين ما مر في ترك العلف وتأخير الذهاب للبيت عدواناً بأن كلاًّ من ذينك سبب فيه لاذهاب عينها بالكلية بخلاف الدلالة هنا فلم تدخل بها في ضمانه س ل . ومثله في شرح م ر . قال ع ش عليه : قوله ( لكن المعتمد الخ ) ولا ينافي هذا أنه لو أخرج الدابة في زمن الخوف دخلت في ضمانه وإن تلفت بغير الخوف ، لأن إخراج الدابة جناية عليها نفسها فاقتضت الضمان ، بخلاف الدلالة فإنها لخروجها عن الوديعة لا تعدّ جناية عليها اه . قوله : ( من يصادر المالك ) أي يطمع في ماله . قوله : ( غيره ) أي غير من ذكر من السارق والمصادر ، وقيل : أفرد لأن العطف بأو فلا حاجة إلى تأويل المذكور وفي بعض النسخ بخلاف ما إذا علم بها من العلم وغيره فاعل وهي أولى ، ومعناها أن غير الوديع علم بها من غير إعلامه فلا ضمان على الوديع لعدم تقصيره فافهم اه م ر . قوله : ( حتى سلمها إليه ) أو إلى شخص آخر . واحترز بسلمها إليه عما لو أخذها بنفسه قهراً من غير دلالة فإن الضمان على الظالم فقط . قوله : ( ويجب على الوديع إنكار الوديعة من ظالم ) هذا من المواضع التي يجب فيها الكذب ، فإنه في الأصل حرام ؛ وقد يجوز كالزوجة حفظاً لحسن عشرتها(3/695)
"""""" صفحة رقم 696 """"""
وكإصلاح ذات البين . وعبارة شرح م ر : ويلزم الوديع دفع الظالم بما أمكنه ، فإن لم يندفع إلا بالحلف جاز وكفر إن كان بالله تعالى دون الطلاق ، نعم يتجه كما بحثه الأذرعي الوجوب إن كان حيواناً يريد قتله أو قناً يريد الفجور به اه . وبقي ما لو أكرهه على الحلف فقط فحلف بالطلاق أو بالله فهل يحنث أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأن في حلفه بأحدهما اختياراً له فحنث إذ المكره عليه تحصيل ماهية الحلف والماهية وإن كانت لا توجد إلا في ضمن جزئيات الحلف ففرد منها بخصوصه ليس مكرهاً عليه اه ع ش على م ر . قوله : ( والامتناع ) بالرفع أي ويجب الامتناع ، وقوله : من إعلامه بها أي بمحلها شيخنا العشماوي . قوله : ( وله أن يحلف على ذلك ) أي ما ذكر من الإنكار والامتناع بأن يقول : والله إنها ليست عندي ولا أعلم بها . قوله : ( أن يورّي ) بأن يقصد غير ما يحلف عليه ق ل . قوله : ( وكان يعرفها ) أي التورية وهي قصد مجاز هجر لفظه دون حقيقته ، كما لو قال : عندي قميص أي غشاء القلب أو ثوب أي رجوع من ثاب إذا رجع اه م ر . قوله : ( مكرهاً عليه ) أي على أحد الأمرين من الطلاق أو العتق ، فقوله : ( أو على اعترافه ) إشارة إلى أنه مكره على أحد الأمرين من الحلف أو الاعتراف فليس إكراهاً حقيقة . قوله : ( حنث ) أي لفقد شروط الإكراه إذ منها أن يكون على شيء معين ، وهذا إكراه على أحد الأمرين من الاعتراف بها والطلاق أو العتق . قوله : ( وسلمها ) قيد مضرّ ولا حاجة إليه ق ل ، أي لأن الاعتراف كاف في تضمينه . وبخط الميداني : تقدم أن هذا القيد لا بد منه لأنه إذا سلم ضمن ولو مكرهاً لأنه تسبب في إكراهه باعترافه بها وإن كان لا إثم فيه فإن اعترف بها ولم يسلمها فلا ضمان فتأمل م ر . قوله : ( ولو أعلم اللصوص ) هذا تقدم ، لكن أعاده توطئة لما بعده .
قوله : ( المالك ) أي المطلق التصرّف ولو كان سكراناً ، إلحاقاً له بالمكلف . أما مالك(3/696)
"""""" صفحة رقم 697 """"""
حجر عليه بنحو فلس أو سفه فلا يردّ إلا لوليه وإلا ضمن كالرد لأحد الشريكين اه م د . قوله : ( أي لم يردها ) لو قال : أي لم يخلّ بينه وبينها لكان مستقيماً ؛ لأنه الواجب عليه . ولعله راعى كلام المصنف ولذلك احتاج لبيانه بعده ق ل . قوله : ( ضمنها ) أي مع الإثم لأن طلب المالك قرينة على عدم الرضا ببقاء اليد ، وهو ضمان غصب في هذه وفي صور التعدي كلها ، فيضمن الوديع ضمان الغصب من وقت التعدي .
قوله : ( بل يحصل ) المناسب أن يقول بل التخلية بينه وبينها . قوله : ( بأن يخلي بينه ) أي فمؤنة الرد على المالك ، ومنه يعلم أنه لو دفع نحو خاتم أمانة لقضاء حاجة وأمره برده بعد قضائها فتركه في حرزه فضاع لم يضمنه لما تقرر أنه لا يلزمه سوى التخلية اه م د . وقوله : ( فتركه ) أي من أخذه . وقوله : ( في حرزه ) أي الخاتم ، أي حرز مثله اه .
قوله : ( أن يلزم المالك الإشهاد ) أي ليس له أي للوديع أن يلزم المالك بتأخير أخذها حتى يشهد عليه ق ل . بأن يقول : لا تأخذها إلا إن أشهدت على أخذها مني . قوله : ( وإن كان أشهد الخ ) الغاية فيه وفيما تقدم بعد قوله : وقول المودع الخ ، للرد على الإمام مالك ؛ قال في الميزان : قال الأئمة الثلاثة : إنه إذا قبض ببينة أنه يقبل قوله في الرد بلا بينة ، وقال مالك : إنه لا يقبل إلا ببينة ، ووجه الأول أن المودع ائتمنه أو لا ومقتضى ذلك قبول قوله في الرد . ووجه الثاني أنه قد يطرأ عليه الخيانة بعد أن استأمنه فيدعي الرد كذباً وقلة دين اه . قوله : ( وكيل المودع ) بكسر الدال ، أي فإنه يلزمه بالإشهاد .
قوله : ( ولو قال من عنده وديعة ) هذا من الحكم الثالث وهو الجواز ، فلو أخره إلى قوله الآتي الثالث الجواز لكان أولى . قوله : ( في جنح ليل ) بضم الجيم وكسرها أي ظلمته واختلاطه كما في المصباح .
قوله : ( بصلاة ) عبارة م ر . بخلافه لنحو طهر وصلاة وأكل دخل وقتها وهي بغير مجلسه(3/697)
"""""" صفحة رقم 698 """"""
وملازمة غريم ولو طال زمن العذر كنذر اعتكاف شهر متتابع وإحرام يطول زمنه ، فالأوجه أنه يلزمه توكيل أمين يردها إن وجده وإلا بعث للحاكم ليردها فإن ترك أحد هذين مع القدرة عليه ضمن اه .
قوله : ( متبرع بالحفظ ) قضيته أنه لو كان بأجرة لزمت ، فليراجع . قوله : ( يندب فيها القبول ) بأن كان ثقة قادراً على حفظها وأمن الخيانة .
قوله : ( وعمومه ) أي للمحل . قوله : ( طولب ببينة عليه ) ولو وقعت دابة في مهلكة وهي مع راع أو وديع فترك تخليصها مع تمكنه منه بلا كبير مشقة أو ذبحها بعد تعذر تخليصها فماتت ضمنها ، ولا يصدق في ذبحها لذلك إلا ببينة كما في دعواه خوفاً ألجأه إلى إيداع غيره كما في شرح م ر ، وفيه أيضاً ؛ ولو دفع له مفتاح نحو بيته فدفعه لآخر ففتح وأخذ المتاع لم يضمنه لأنه إنما التزم حفظ المفتاح لا المتاع ومن ثم لو التزمه ضمنه اه . قوله : ولا يصدق في ذبحها لذلك إلا ببينة قال ع ش عليه : بقي ما لو لم يكن راعياً ولا مودعاً ورأى نحو مأكول لغيره وقع في مهلكة وأشرف على الهلاك فهل يجوز له ذبحه ببينة به وحفظه لمالكه وإذا تركه من غير ذبح لا يضمن أو لا يجوز له ذبحه وله تركه ولا ضمان عليه بالترك ؟ فيه نظر ، والأقرب الأوّل للقطع برضا مالكه بمثل ذلك لأنه لا يريد إتلاف ماله ، لكن لا يقبل ذلك منه إلا ببينة كما قالوه في الراعي ، فإن قامت قرينة تدل على صدقه احتمل تصديقه كما قاله حج في الراعي ، ومعلوم أن الكلام كله مفروض في عارف يميز بين الأسباب المقتضية للهلاك وغيرها .(3/698)
"""""" صفحة رقم 699 """"""
قوله : ( ثم يحلف على التلف ) أي به كما في المنهاج ويدل عليه التعليل .
قوله : ( مكتوباً فيها ) في خط المؤلف مكتوب بالرفع والصواب النصب صفة لورقة ، إلا أن يقال : خبر مقدّم والحق مبتدأ مؤخر والجملة صفة لورقة في محل نصب ، أو أنه على لغة ربيعة الذين يرسمون المنصوب بصورة المرفوع والمجرور .
قوله : ( مكتوبة ) حال أي لا بيضاء لأن قيمتها مكتوبة دون قيمتها خالية عن الكتابة وقد جبر ذلك باعتبار أجرة الكتابة .
قوله : ( وأجرة الكتابة ) أي المعتادة ، ومن ذلك الحجج المعروفة والتذاكر الديوانية ونحوها ؛ ولا نظر لما يغرم على مثلها حين أخذها لتعدي آخذيه ع ش على م ر ، أي فلا عبرة بما اعتيد في مقابلة كتابة الحجج من أخذ قدر زائد على أجرة المثل فلا يغرم المتلف لحجة تملك دار مثلاً اشتملت على حكم قاض قد أخذ في نظير الحكم دراهم وإن جاز له أخذها ضمان ما أخذه القاضي ، بل أجرة مثل كتابة تلك الورقة فقط مع قيمة الورقة مكتوبة كما ذكره وهو المعتمد اه م د . وقوله : وإن جاز له أخذها ومحل جواز أخذه إذا كان ما يأخذه هو الذي جرت به العادة ، بخلاف ما لو قال له : لا أكتبها بل حتى تعطيني كذا وكذا زيادة على ما جرت به العادة ، فإنه يحرم ولا يجوز له الأخذ . وأما صاحب الورقة فيجوز له الإعطاء ولو كان زيادة على ما جرت به العادة لحاجته واضطراره إلى ذلك كما يجوز الإعطاء للشاعر خوفاً من هجوه . وقوله : ( ضمان ما أخذه ) الأولى حذف ( ضمان ) .
قوله : ( فإنه يلزمه قيمته ) أي مطرزاً ، وأغنى ذلك عن لزوم أجرة التطريز بخلاف الكتابة فإنها لما كانت قد تنقص قيمة الورقة لزمت أجرتها .
فرع : لا عبرة بكتابة الميت على شيء أو في جريدته هذا وديعة فلان ق ل . وعبارة سم : ولا عبرة بكتابة الميت على شيء هذا وديعة فلان أو جريدته لفلان عندي كذا وديعة ، حتى لو أنكر الوارث لم يلزمه التسليم بذلك لاحتمال أن المورث أو غيره كتب ذلك تلبيساً أو أنه اشترى الشيء وعليه الكتابة فلم يمحها أو أراد الوديعة بعد كتابتها في الجريدة ولم يمحها وإنما يلزمه ذلك بإقراره أو إقرار مورثه أو وصية أو بينة اه . وسئل الشيخ عز الدين عن رجل تحت يده وديعة ومضت عليها مدة طويلة ولم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام ، فقال : يصرفها في أهم مصالح المسلمين ويقدم أهل الضرورة ولا يبني بها مسجداً ولا(3/699)
"""""" صفحة رقم 700 """"""
يصرفها إلا فيما يجب على الإمام العادل صرفها فيها ، فإن جهل فليسأل أورع العلماء وأعرفهم بالمصالح الواجبة التقديم اه عبد البر أج .
خاتمة : قال في العباب : ولو ادّعى اثنان على من بيده مال كل أنه ملكه أودعه إياه فإن أنكرهما وادعاه لنفسه صدق فيحلف لكل واحد وإن أقرّ به لأحدهما معيناً أخذه وللآخر تحليف المقر ، فإن حلف له سقطت دعواه وإن نكل حلف الآخر وغرم له القيمة وإن أقر به لهما فاليد لهما ، فإن لم تكن بينة وحلف أحدهما فقط أخذه ولا يدعي الآخر على الوديع ، وإن حلفا أو نكلا أخذاه نصفين ثم حكم كل منهما في النصف الآخر حكمهما في الكل في غير المقرّ له وقد مر ، وإن أقرّ به لأحدهما وقال نسيته ضمن ، وإن أقرّ به لثالث حلف لكل منهما أنه لا حق له فيه لا أنه لغيرهما ولا يلزمه بيان الثالث ، وإذا حلف أقرّ المال بيده ، وكذا إن نكل ونكلا ، وإن نكل فحلف أحدهما فقط أخذه وطولب بكفيل إن لم يكن أميناً والوديعة منقولة ، وإن حلفا فهل يقسمانه ويطلبان بكفيل أو يبقى مع المقرّ ؟ وجهان ، أرجحهما أولهما ، وإن لم يأمناه ضم إليه أمين ويلزمه هنا بيان المقرّ له ليخاصماه ، فإن امتنع حبس ، وإن قال لا أدري لمن المال وادّعيا علمه حلف على نفيه وأقر بيده ولا يحلف أحدهما الآخر اه .
تم الجزء الثالث ، ويليه الجزء الرابع
وأوله : ' كتاب الفرائض والوصايا ' .(3/700)
"""""" صفحة رقم 2 """"""
الجزء الرابع
وأوله : كتاب بيان أحكام الفرائض والوصايا(4/2)
"""""" صفحة رقم 3 """"""
كتاب بيان أحكام الفرائض والوصايا
أخره عن العبادات والمعاملات لاضطرار الإنسان إليهما أو إلى أحدهما من حين ولادته دائماً أو غالباً إلى موته ، ولأنهما متعلقان بإدامة الحياة السابقة على الموت ، ولأنه نصف العلم ، فناسب ذكره في نصف الكتاب .
قوله : ( أحكام الفرائض ) قال ق ل : الأولى حذف ( أحكام ) . ووجهه أن المتن تكلم على ذوات الفروض بقوله الفروض ستة وذكر أحكامها بقوله فالنصف فرض خمسة الخ . ويجاب بأنه إنما قدّر الأحكام لأنها المقصودة ولأنه يلزم من بيان أحكامها بيان ذواتها . وقيل : وجه كون الأولى حذف الأحكام أن المراد بالفرائض مسائل قسمة المواريث ككون المسألة من اثنين مثلاً وهذا العدد لا حكم له . ويجاب بأنه إذا كانت المسألة من اثنين كزوج وعم كان فيها قضايا بعدد الورثة وكل قضية مشتملة على حكم وهو النسبة بين الموضوع والمحمول ؛ لأن المراد بالأحكام اللغوية وهي النسب التامة ، وبعد ذلك هذه ترجمة ولم يذكر المترجم له لأن قوله : ( والوارثون الخ ) ليس فيه مسائل قسمة المواريث بالمعنى المتقدم وهو كون عدد المسألة اثنين ، إلا أن يقال : إن قوله فيما يأتي للزوج النصف مثلاً متضمن لكون المسألة من اثنين ، فيكون هو المترجم له وما قبله وهو قوله والوارثون من الرجال الخ توطئة له . وقرر شيخنا العشماوي أن الكتاب اسم للألفاظ الدالة على المعاني ، والأحكام هي النسب التامة التي اشتملت عليها المسائل ، والفرائض هي المسائل المدوّنة كقوله : للزوج النصف ، وكقولهم : في المسألة سدس وربع ؛ وهذه هي المعبر عنها في شرح المنهج بمسائل قسمة التركات ، يعني المسائل التي ثمرتها وفائدتها معرفة قسمة التركات ، فكأنّ الشارح قال هذه ألفاظ دالة على نسب تامة اشتملت عليها المسائل اشتمال الكل على أجزائه ، فعلم من هذه أن الكتاب لبيان أحكام الفرائض ، ويكون قوله الآتي : والفروض المقدرة ستة ذكر توطئة لبيان الفرائض ، فسقط بذلك اعتراض ق ل . اه .
قوله : ( الفرائض ) أي مسائل قسمة المواريث ، فيعلم منه أن الضمير في قوله لما فيها راجع لمسائل قسمة المواريث ، فكان الأولى للشارح أن يفسر الفرائض بما ذكر ليعود الضمير عليه وليناسب قوله : فغلبت على غيرها أي سميت مسائل قسمة المواريث الشاملة لمسائل الفرض والتعصيب بالفرائض تغليباً وقوله لما فيها علة لمحذوف أي وسميت بالفرائض لما فيها الخ . قوله : ( والوصايا ) سيأتي بيانها بعد انتهاء الكلام على الفرائض ، وهي جمع وصية بمعنى تبرع بحق مضاف لما بعد الموت . قوله : ( لما فيها )(4/3)
"""""" صفحة رقم 4 """"""
الظرفية مجازية إذ ليس في الفروض غير مقدّر ق ل . وهذا مبنيّ على أن المراد بالفرائض ما يورث بالفرض فقط ، فإن أريد بالفرائض مسائل قسمة المواريث كان من ظرفية الجزء في الكل . قوله : ( فغلبت على غيرها ) أي لشرفها لثبوتها بالقرآن . ولم يتقدم ما يتفرع عليه ، فكان الأولى أن يفسر الفرائض بمسائل قسمة المواريث الشاملة لمسائل الفرض ومسائل التعصيب ثم يقول : فغلبت أي الفرائض في التسمية بها ولم يغلب التعصيب ، ويقال كتاب التعصيب ، وقيل التعصيب أشرف لأن به قد يستغرق المال ، وعبارة ق ل . على الجلال : قوله : ( فغلبت ) أي السهام المقدرة أو الفرائض ، وهو أولى وأنسب ؛ وإنما غلبت على الأصح لفضلها بتقدير الشارع لها ولكثرتها ولشرفها بتقديمها على التعصيب لأنه قد يسقط بها ، فاندفع ما يقال الأولى أن يقول كتاب الفرائض والتعصيب ، وقيل التعصيب أشرف لأن به قد يستغرق المال . قوله : ( نصيب مقدر ) خرج به التعصيب ، وقوله : ( شرعاً ) خرج به الوصية ، فإنها بتقدير المالك لا بالشرع . وقوله : ( للوارث ) خرج به ربع العشر مثلاً في الزكاة فإنه ليس للوارث بل للمذكورين في آية : ) إنما الصدقات } ) التوبة : 60 ) الخ اه شيخنا . قوله : ( للوارث ) ولا حاجة لقول بعضهم يزاد بالرد وينقص بالعول ، بل ولا يصح وإن جعل لبيان الواقع لأنه ليس من حقيقته .
فائدة : كان أهل الجاهلية يورّثون الرجال دون النساء والكبار دون الصغار ، ويقولون : أنورث أموالنا من لا يركب الخيول ولا يضرب بالسيف ؟ ويجعلون حظ المرأة المتوفى عنها أن ينفق عليها من مال زوجها سنة وهي كانت عدتها عندهم وفي أول الإسلام ، وكانوا يورّثون الأخ وابن العم زوجة الأخ والعم كرهاً ثم نسخت هذه العدّة بقوله : ) يتربصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً } ) لبقرة : 234 ) وجعل لها حظها من الإرث بقوله تعالى : ) ولهنّ الربع } ) لنساء : 12 ) ونسخ الإرث كرهاً بقوله تعالى : ) لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كرهاً } ) النساء : 19 ) وكانوا يرثون بالحلف والنصرة ، وهو أن يقول : دمي دمك وسلمي سلمك وحرمي حرمك ترثني وأرثك وتنصرني وأنصرك وتعقل عني وأعقل عنك . وكان في صدر الإسلام التوارث بالتبني والإخاء وكذا بالحلف والنصرة على المشهور بقوله تعالى : ) والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } ) النساء : 33 ) ثم نسخ ذلك وأقرّ التوارث بالهجرة بقوله : ) إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } ) الأنفال : 72 ) إلى قوله : ) حتى يهاجروا } ^ فكان إذا ترك المجاهد أخوين مهاجراً وغير مهاجر وعماً مهاجراً وعماً غير مهاجر كان إرثه للمهاجر فقط ؛ كذا صوره الماوردي ، وظاهره أنه لا بد أن يكون بين المهاجرين قرابة ، وهو ظاهر تصوير الشيخ أبي حامد والقاضي والروياني وغيرهما ، لكن ظاهر كلام القاضي أبي الطيب وابن الرفعة أنه لا يشترط ذلك . وقد يحمل الاختلاف(4/4)
"""""" صفحة رقم 5 """"""
على كلام أولئك على أنه مجرد تصوير ، ولهذا قال القمولي : وعن ابن عباس أن الإرث كان للمهاجرين والأنصار مطلقاً كما دلت الآية ، يعني قوله : ) إن الذين آمنوا وهاجروا } ) الأنفال : 72 ) ثم نسخ ذلك وأقر التوارث بالقرابة بقوله تعالى : ) وأولوا الأرحام } ) الأنفال : 75 ) الآية . ويقال إنه نسخ بالوصية للوالدين والأقربين بقوله تعالى : ) كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً } ) البقرة : 180 ) فعن ابن سريج أنه قال : كان على المحتضر أن يوصي لكل وارث بنصيبه في علم الله فمن وافقه مصيب وإلا فمخطىء ، ثم نسخ ذلك بآية المواريث اه .
قوله : ( فلأولى ) أي فلأحق ذكر وهو الأقرب من غيره من العصبات ، كالابن مع ابنه أو الأقوى كالشقيق مع الذي للأب اه . م د . قوله : ( لئلا يتوهم ) الأولى أو لئلا يتوهم فيكون جواباً ثانياً . قوله : ( أنه ) أي رجل . وكان الأولى الإظهار لما فيه من تشتيت الضمائر . قوله : ( أنه ) أي ذكر . وقوله : ( عام ) فيه أن ذكراً ليس عاماً لأنه نكرة في سياق الإثبات بل هو مطلق وقوله مخصوص أي بالبالغ . وفيه أن رجل لا يدفع هذا التوهم بل يقوّيه . وأجيب بأنه لما كان المراد به ما قابل الأنثى دفعه أي دفع خصوصه بالبالغ . وقال م د : فإن قيل لو اقتصر الخ ، تعقب بأن ما جاء في مركزه لا يسأل عنه فرجل محتاج إليه قبل ذكر ما بعده فصار المحتاج للجواب عنه هو الثاني . وقد أجاب عنه ويمكن توجيه كلام الشارح بأن هذا سؤال مرتب على الجواب الذي قبله وهو أن الجمع بين الكلمتين مع الاكتفاء بالثاني في وفاء المراد إطناب . فأجاب بأنه لدفع توهم إرادة بعض أفراد الذكر وهو الرجل البالغ . قوله : ( وكان في الجاهلية ) أي الحالة التي كانوا عليها قبل بعثة النبي ، وسماها مواريث للمشاكلة وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقاً أو تقديراً نحو : ) ومكروا ومكر الله } ) آل عمران : 54 ) أي جازاهم على مكرهم ، فذكر المجازاة بلفظ المكر لوقوعها تحقيقاً مصاحبة لمكرهم أو باعتبار اصطلاح أهل الجاهلية ، وإلا فهي إعطاءات لا مواريث . وقال فيما بعد الأولى ثم نسخ دون الأولى لأن لأولى بالرأي والاجتهاد فكان إبطالها لا يسمى نسخاً بخلاف بقية المراتب فإنها بالشرع فكان إبطالها نسخاً . قوله : ( وكان ) أي التوارث والمراد توارث مخصوص وهو توارث السدس كما في الجلالين وقوله بالحلف الخ ،(4/5)
"""""" صفحة رقم 6 """"""
أي المشار له بقوله تعالى : ) والذين عقدت أيمانكم } ) النساء : 33 ) الآية وعبارة الجلال : ) والذين عقدت أيمانكم } ) النساء : 33 ) جمع يمين بمعنى القسم أو اليد أو الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث : ) فآتوهم } ) آل عمران : 148 ) أعطوهم ) نصيبهم } ) آل عمران : 148 ) حظهم من الميراث وهو السدس . وهذا منسوخ بقوله : ) وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } ) الأنفال : 75 ) اه . وهو يدل على أن قول الشارح والنصرة عطف على محذوف أي بالحلف على الإرث والنصرة ، أي يتحالفان على أن ينصر كل منهما الآخر في حياته ويرثه بعد مماته اه شيخنا . ويصح ضبط الحلف في كلام الشارح بفتح الحاء وكسر اللام وبكسر الحاء وسكون اللام وهو العهد كما يؤخذ من تفسير الجلال اه .
قوله : ( بالإسلام والهجرة ) أي معاً أي إن المسلمين إذا هاجرا وتآخيا ، أي جعلا أخوين ، فإن كلاًّ منهما يرث الآخر . وهذا مشار له بقوله تعالى : ) إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } ) الأنفال : 72 ) وهم المهاجرون ) والذين آووا } ) الأنفال : 72 ) النبي ) ونصروا } ) الأنفال : 72 ) وهم الأنصار ) أولئك بعضهم أولياء بعض } ) الأنفال : 72 ) أي في النصرة والإرث ) والذي آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء } ) الأنفال : 72 ) فلا إرث بينكم وبينهم : ) حتى يهاجروا } ) الأنفال : 72 ) . وهذا منسوخ بآخر السورة جلالين ، أي قوله تعالى : ) وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } ) الأنفال : 72 ) .
قوله : ( فكانت الوصية واجبة للوالدين ) أي بقوله تعالى : ) كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } ) البقرة : 180 ) الآية . قوله : ( بآيتي المواريث ) الأولى أن يقول بآيات . قال البيضاوي : فيه نظر ، لأن آية المواريث لا تعارضه بل تؤكده من أنها تدل على تقديم الوصية مطلقاً . والحديث من الآحاد وتلقي الأمة له بالقبول لا يلحقه بالمتواتر . قوله : ( ألا لا وصية لوارث ) أي واجبة . قوله : ( تعلموا الفرائض وعلموه أي علم الفرائض ) المفهوم من تعلموا ،(4/6)
"""""" صفحة رقم 7 """"""
وفي رواية : ( وعلموها ) ق ل على الجلال . وقدم في الحديث التعلم على التعليم لأن التعلم مقدم على التعليم طبعاً حالة التعلم ، فقدم وضعاً لتوافقهما . وإنما قلنا ذلك لأن المراد بالتقدم الطبيعي أن يكون وجود المتأخر محتاجاً إلى المتقدم ولا يكون المتقدم علة له وتعلم علم الفرائض بالنسبة إلى تعليمه كذلك ، أما إن التعلم ليس علة للتعليم فظاهر وإلا لزم التعليم من حصول التعلم لأن وجود المعلول عند وجود العلة التامة ضروري ولم يلزم من حصوله لأن الناس كثيراً ما يتعلمون الفرائض ولا يعلمونها وأما إنّ تعليم الفرائض محتاج إلى تعلمه فلأنا لو لم نتعلمه لم يتيسر لنا التعليم والمراد بالفرائض أنصباء الورثة اه شرح السراجية للسيد ابن المبارك . قوله : ( مقبوض ) أي ميت . قوله : ( سيقبض ) أي ينعدم بموت أهله لا بنزعه من الصدر ، بخلاف القرآن فإنه ينزع من الصدور والورق فيصبح الرجل لا يلقي معه شيئاً مما يحفظه ويجد المصحف ورقاً أبيض . قوله : ( فإنه ) أي العلم المفهوم من : تعلموا من دينكم الخ . قوله : ( وإنه نصف العلم ) ولا يعارض ؛ بما روي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص أنه قال : ( العلمُ ثلاثة وما سِوى ذلك فَضْلٌ : آيةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ ماضِيةٌ وفَرِيضةٌ عَادِلَةً ) فإنه ضعيف ، وبتقدير الصحة فالجمع بينهما أن التنصيف باعتبار أحوال الأحياء والأموات واعتبار التثليث باعتبار الأدلة وهي في هذا العلم من ثلاثة أشياء من كتاب الله ومن سنة رسوله ومن الحساب الذي نشأ عنه قاله القسطلاني . قوله : ( نصفان ) لأنه ليس غرض الشاعر تحرير المناصفة بل انقسامهم فيه قسمين ولو كان أحدهم أكثر أفراداً من الآخر ؛ ولذا قال م ر : المراد بالنصف الشطر أي الجزء لا حقيقة النصف ، لكن يرد عليه أن كل نوع من العلم جزء من العلم المطلق فالعبادات جزء منه والبيوع جزء منه ، وهكذا فلا يكون فيه كبير مدح للفرائض ، فالأولى حمل النصف فيه على المبالغة في كثرة نفعه في الاحتياج إليه فكأنه نصف العلم ، وهذا أولى من جعل النصف بمعنى النصف لأن كل نوع من العلم صنف من العلم المطلق فلا يكون للفرائض مزية على غيرها ، ومن ثم قال شيخنا ح ف : الجواب الثاني غير ظاهر لما ذكرناه ولذا حكاه بقيل تدبر . ومما يؤيد(4/7)
"""""" صفحة رقم 8 """"""
حمل النصف على المبالغة حديث : ( التدبيرُ نِصْفُ المعيشَةِ ) فإن المراد المبالغة في أنه نصفها ، وهو مخرّج على لغة من يلزم المثنى الألف مطلقاً أو اسم كان ضمير الشأن محذوف والناس مبتدأ ونصفان خبر والجملة خبر كان .
قوله : ( أن الإرث يتوقف الخ ) وكذا كل حكم شرعي ، وإنما خص الإرث لأن الكلام فيه ، وأركانه ثلاثة : مورّث ووارث وحق موروث . قوله : ( أسبابه ) جمع سبب وهو ما يتوصل به إلى المقصود ، واصطلاحاً : وصف ظاهر منضبط معرّف للحكم كالقرابة والزوجية ، فإن كلاًّ منهما وصف يعرف به ثبوت الإرث اه اج . قوله : ( قرابة ) هي الأبوة والأمومة والبنوة والإدلاء إلى الميت بأحدها ، ويورّث بها من الجانبين تارة ومن أحدهما أخرى ق ل . وقوله ( ومن أحدهما ) كالعمة وابن أخيها وابن العم بنت عمه . قوله : ( ونكاح ) وهو عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل وطء ولا خلوة ، ويورّث به من الجانبين غالباً ولو في طلاق رجعي اه م د ، ومن غير الغالب ما إذا كان أحدهما رقيقاً . وفي م ر : نعم لو أعتق أمته تخرج من ثلثه في مرض موته وتزوّج بها لم ترثه للدور ، إذ لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث فيتوقف على إجازة الورثة وهي منهم ، وإجازتها تتوقف على سبق حريتها وهي متوقفة على سبق إجازتها ، فأدى إرثها لعدم إرثها اه . قوله : ( وولاء ) وهو عصوبة سببها نعمة المعتق بالعتق على رقيق ، ويورث به أي من طرف واحد كما لا يخفى ، ويورث بالقرابة فرضاً وتعصيباً وبالنكاح فرضاً فقط وبالولاء وجهة الإسلام تعصيباً فقط . قوله : ( وجهة الإسلام ) وهي المعبر عنها ببيت المال . وعبر بالجهة دون الإسلام لأنه لا يجب الاستيعاب لتعذره ، ويعطى منه من أسلم أو ولد بعد موته لأن الإرث بالجهة يراعى فيه المصلحة . ومحل اشتراط تحقيق حياة الوارث عند موت المورث إذا كان إرثه بسبب خاص وهذا بسبب عام ، ولو كان المراد الإسلام لوجب التعميم حيث كان المال يكفي جميع المسلمين ولم يعط من أسلم بعد موت أو ولد لعدم كونه وارثاً عند الموت ، ويمكن اجتماع الأسباب الأربعة في الإمام كأن يملك بنت عمه ثم يعتقها ثم يتزوّجها ثم تموت ولا وارث لها غيره فهو زوجها وابن عمها ومعتقها وإمام المسلمين ، ومعلوم أنها تصورّت فيه وإن لم يرث بجميعها وأن الوارث جهة الإسلام وهي حاصلة فيه اه شرح م ر ؛ أي فيكون السبب الرابع موجوداً فيه . وقوله : ( وإن لم يرث به ) أي بل يرث بكونه زوجاً وابن عم ع ش .(4/8)
"""""" صفحة رقم 9 """"""
قوله : ( حكماً أو تقديراً ) كجنين انفصل ميتاً بجناية على أمه توجب الغرة فتورث عنه ، فكان الأولى أن يزيده كما زاده زي . قوله : ( وتحقق حياة الخ ) عبارة زي وثانيها تحقق وجود المدلي إلى الميت بأحد الأسباب حياً عند الموت تحقيقاً كان الوجود أو تقديراً ، كحمل انفصل حياً لوقت يعلم وجوده عند الموت ولو نطفة وثالثها : تحقق استقرار حياة هذا المدلي بعد الموت اه . قوله : ( بعد موت مورثه ) وقع السؤال عمن عاش بعد موته معجزة لنبيّ أو كرامة لوليّ لم يعد ملكه إليه اه ق ل على المحلي . وقال بعضم : بالعود لتبين بقاء ملكه لتركته ، وهو محمول على أنه بالإحياء تبين عدم موته ؛ لكنه خلاف الفرض في السؤال إذ لا توجد المعجزة إلا بعد تحقق الموت وعند تحققه ينتقل الملك للورثة بالإجماع ، فإذا وجد الإحياء كانت هذه حياة جديدة مبتدأة بلا تبين عود ملك ، ويلزمه أن نساءه لو تزوّجن أن يعدن له ، وليس كذلك بل يبقى نكاحهنّ الثاني . والحاصل أن زوال الملك والعصمة محقق وعوده مشكوك فيه فيستصحب زوالهما حتى يثبت ما يدل على العود ، ولم يثبت فيه شيء فوجب البقاء مع الأصل اه شرح م ر وع ش . قوله : ( ومعرفة إدلائه ) أي توصله وانتسابه إلى الميت بأي جهة كانت ، أي إجمالاً ، والمراد معرفة ذلك لمن يقسم التركة . قوله : ( والجهة ) أي ومعرفة الجهة تفصيلاً ، وهذا يغني عن الشرط الذي قبله ، ومن ثم لم يذكره غيره وهذا الشرط يختص بالقاضي ، فلا تقبل شهادة الإرث مطلقة كقول الشاهد للقاضي : هذا وارث هذا ، بل لا بد في شهادته من بيان الجهة التي اقتضت الإرث منه اه زي . ولا يكفي قوله هو ابن عمه لصدقه بالقريب والبعيد ، بل لا بد من ذكر القرب والدرجة التي اجتمع فيها الوارث والمورّث وهو الجدّ القريب لهما ؛ لأن القرشي مثلاً إذا مات فكل قرشي وجد عند موته ابن عمه ولا يرثه منهم إلا من علم أقربيته للميت اه م د . وقوله : ( لا بد من ذكر القرب ) بأن يقول ابن عمه : بلا واسطة . وقوله : ( والدرجة ) أي القوّة ، كقوله : هو ابن عم شقيق . قوله : ( أربعة ) وزيد عليها الردّة واختلاف الدار بالذمة والحرابة ، وسيأتي في كلام الشارح على الموانع أن الانتقال من دين لآخر في معنى الردّة اه م د . قوله : ( كافيته ) صوابه كفايته لأنه قال :
سميتها كفاية الحفظ
لجمعها مع قلة الألفاظ وقال بعضهم الذي رأيته بخط المؤلف كفايته وحينئذ لا اعتراض عليه اه ا ج .(4/9)
"""""" صفحة رقم 10 """"""
قوله : ( ولا يرث ) أي في الظاهر ، أما في الباطن فيجب على المقرّ دفع التركة للمقرّ له إن كان صادقاً لأنه يعلم استحقاقه لها شوبري . قوله : ( من جنس الخ ) أشار بذلك إلى أن المتن على تقدير مضاف . وفائدة هذا المضاف إدخال الصبيان ؛ لأن المراد بالجنس مطلق الذكر فيشمل البالغ والصبي بخلاف الرجال ، فإن المتبادر منها البالغون . قوله : ( فيه ) أي في لفظ الرجال أو الضمير يرجع للجنس ، أي وهو الذكورة والبلوغ فصل له . قوله : ( بطريق الاختصار ) الإضافة بيانية . قوله : ( ابن وابنه ) قدم الفروع على الأصول لقوّتهم في الإرث لأنهم لا يكونون إلا عصبة ، بخلاف الأصول . وقدّم عند البسط الأصول لتقدّم وجودهم على الفروع ، وكذا يقال في تقدّم الفروع على الأصول في النساء في طريق الاختصار ، وعكس ذلك عند البسط . قوله : ( وإن تراخيا ) فيه أن الأخ لا تراخي فيه . وأجيب بأن التراخي فيه بحسب القوّة والضعف كالأخ الشقيق والأخ للأب أو للأم . قوله : ( ليخرج العم للأم ) وهو أخ الأب لأمه . قوله : ( وكذلك ابنه ) الضمير للعم أي ابن عم الميت وابن عم أبيه أو ابن عم جدّه إلى حيث ينتهي اه ا ج . قوله : ( ولو في عدّة رجعية ) بالإضافة لأنها تلحق الزوجة في خمسة أحكام : التوارث ولحوق الطلاق والظهار والإيلاء وامتناع نكاح أربع سواها وهي في العدّة . قوله : ( ويطلق على نحو عشرين معنى ) وقد نظمها بعضهم فقال :
رب ومالك وسيد أتى
ومنعم والمعتق اعلم يا فتى
وناصر مع المحب تابع
والجار وابن العم والحليف ع(4/10)
"""""" صفحة رقم 11 """"""
عبد ومنعم عليه صهر
وعاصب مع العتيق فادر
وقائم بالأمر والنديم
كذا الشريك ناظر اليتيم
فهذه عشرون معنى قد أتت
لكلمة المولى بها النقل ثبت
قوله : ( فلا يرد على الحصر ) فيه أن عبارة المتن ليس فيها حصر . ويجاب بأن الاقتصار في مقام البيان يفيد الحصر كما ذكروه . قوله : ( ومعتق المعتق ) أي لدخولهم في قوله أو ورث به فهم معتقون حكماً .
قوله : ( من جنس النساء ) اسم جمع لا واحد له من لفظه بل واحده امرأة . وعبارة خ ض على التحرير : قوله : ( من النساء ) أي الإناث ، وإنما فسرت النساء بالإناث تبعاً لغيري من المحققين ليدخل فيهنّ الصغيرة من الإناث فإنها من الإناث لا من النساء بل من جنس النساء ؛ لأن ظاهر كلامهم أن النساء يختص بالبالغات اه . لكن قوله : ( بل من جنس النساء الخ ) يفيد أن الصغيرة داخلة في التعبير بجنس النساء ، ولا مانع من أن الصغير داخل في التعبير بجنس الرجال ، فكلام الشارح في المحلين صحيح لا اعتراض عليه خلافاً للقليوبي . قوله : ( يؤدي إلى دخول الخ ) فيه أن بنت بنت الابن لا يقال لها بنت ابن فلا يتوهم دخولها فتأمل . قوله : ( وهو خطأ ) أجاب عنه ق ل بأن إضافتها إلى الابن تخرج بنت البنت ويلزم من سفولها سفول أبيها بعد إرادة الابن ولو مجازاً مع انتسابه للميت بالبنوة ، أي الحقيقية والمجازية . قوله : ( أم أبي الأم فلا ترث ) لأنها أدلت بذكر غير وارث ، وتسمى عندهم الجدة الفاسدة .(4/11)
"""""" صفحة رقم 12 """"""
قوله : ( ولو في عدة رجعية ) لا المطلقة بائناً وإن كان في مرض موته ، خلافاً للأئمة الثلاثة في المطلقة طلاقاً بائناً على تفصيل يعلم من الشنشوري على الرحبية في شرح قوله : وهي نكاح الخ . وحاصله أنها ترث في عدة الطلاق الرجعي باتفاق الأئمة الأربعة سواء في مرض الموت أو غيره ، أما البائن فلا ترث عندنا مطلقاً في مرض الموت وغيره ، وعند الحنفية ترث ما لم تنقض عدتها إذا كان الطلاق في مرض الموت ، وعند الحنابلة ما لم تتزوّج وعند المالكية ترث وإن اتصلت بأزواج . هذا وفي كلام الشارح أن الرجعية زوجة ، فكأنه قال الزوجة ولو في عدة زوجة فالأولى أن يقول ولو في عدة طلاق رجعي كما قال غيره . قوله : ( أو ورثت به ) هو سهو أو سبق قلم ق ل ، إذ ليس لنا أنثى ترث بالولاء غير المعتقة ، نعم يمكن حمل كلامه على معتقه المعتق فإنها ترث عتيق عتيقها ، قال في الرحبية :
وليس في النساء طرّا عصبه
إلا التي منت بعتق الرقبه قوله : ( وهو حسن ) أي لأنه رضي الله عنه عدل عن المرجوح ، وهو استعمال الزوجة بالتاء بل استعمل المرأة محلها . قوله : ( وإن علتا ) الأولى علواً أو علوتا ؛ لأن التثنية كالجمع تردّ الأشياء إلى أصولها . وهذه الكلمة مشتقة من العلوّ ، وقد يقال أصله ( علوتا ) تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً ثم حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث الساكنة أصالة اه . وهذا فيه نظر لكون التاء متحركة . قوله : ( لأنهم لا يحجبون ) أي حرماناً وإن حجبوا نقصاناً ومن بقي يحجب ، قال في شرح المنهج : لأن غيرهم محجوبون بغير الزوج لأن الأب يحجب الجدّ لأب أو لأم والابن يحجب ابن الابن وكل يحجب الأخ لأبوين ولأب ولأم والعم لأبوين ولأب وابن العم لأبوين ولأب والمعتق كما في ح ل . قال ق ل على الجلال : ظاهره يقتضي أن للابن دخلاً في حجب الإخوة ومن بعدهم مع وجود الأب ، وفيه نظر لقولهم إن حجبه لهم(4/12)
"""""" صفحة رقم 13 """"""
بواسطة حجبه لعصوبة الأب كما سيأتي ؛ ولأن كل من أدلى بواسطة فهي الحاجبة له . وقد يقال : إن الحجب قائم بهم بشرط فقد من قبلهم كما في ولاية النكاح وغيرها اه . أما الزوج فلا يحجب أحداً بل هو محجوب بالفرع الوارث عن النصف . وقوله : ( لا يحجبون ) أي حرماناً ، وسكت عن الحواشي لوضوح أنهم يحجبون بالأب والابن .
قوله : ( فابن الابن بالابن ) أي محجوب به . قوله : ( وتصح مسألتهم الخ ) الأولى إسقاط لفظ تصح ؛ لأنها اشتهرت في التصحيح لا التأصيل . قوله : ( الجدّة ) أي جنس الجدّة فيشمل جميع الجدّات لأنهم كلهم محجوبون بالأم اه . قوله : ( الذين يمكن اجتماعهم ) إذ لا يتصوّر اجتماع زوج وزوجة . وصوّر بعضهم اجتماعهما ظاهراً بما إذا جيء بميت ملفوف في كفنه فجاء رجل ومعه أولاد وادعى أن هذا الميت زوجته وهؤلاء أولاده منها وجاءت امرأة معها أولاد وادعت أن الميت زوجها وهؤلاء أولادها منه فكشف عنه فإذا هو خنثى له آلتان ، وصوّر أيضاً بما إذا حكم بموت غائب وجاء رجل وامرأة كذلك وأقام كل منهما بينة شهدت بما ادعى ، فالراجح تقديم بينة الرجل لأن الولادة صحت من طريق المشاهدة والإلحاق بالأب أمر حكمي والمشاهدة أقوى اه شرح م ر . فيرث الميت أبواه والرجل وأولاده وتمنع المرأة اه ع ش . وقوله : ( وتمنع المرأة ) أي وأولادها .
قوله : ( ضابط ) أي قاعدة كلية أي هذا ضابط ، فهو خبر لمبتدأ محذوف اه م د . قوله : ( حاز جميع التركة ) أي لأن الجميع عند انفرادهم يرثون بالتعصيب إلا الزوج والأخ للأم . قوله : ( ومن قال بالرد ) الرد الزيادة في قدر السهام ونقص من عددها كما في بنت وبنت ابن(4/13)
"""""" صفحة رقم 14 """"""
أصل مسألتهم من ستة وترجع لأربعة ، والعول نقص من قدرها وزيادة في عددها . قوله : ( إلا الزوج ) عبارة المنهج : غير الزوجين . قال الشيخ عميرة : ولو كانا من ذوي الرحم رد عليهما من حيث الرحم اه . ورده الشارح في شرح الفصول فقال : فإن قلت كان من حقه أن يستثني من ذلك ما إذا كانا من ذوي الأرحام فإنه يرد عليهما ، قلت : ممنوع فإن الرد مختص بذوي الفروض الأصلية يردّ بما سيأتي آخر الباب بأن الرد يجري في ذوي الأرحام ، وصرح به شيخ الإسلام في شرح منهجه ؛ ولذلك علل الرافعي تقديم الرد على إرث ذوي الأرحام بأن القرابة المفيدة لاستحقاق الفرض أقوى ، فعلم أن علة الرد القرابة المستحقة للفرض لا مطلق القرابة ، وإن كان معها فرض آخر فالزوجان لا يرد عليهما مطلقاً وإرثهما بالرحم إنما يكون عند عدم الردّ فافهم اه . أقول : فعليه لو خلف الميت زوجة فقط هي بنت خال فلا شك أن لها الربع بالزوجية ، فهل لها الباقي أيضاً لكونها بنت خال وبنت الخال إذا انفردت تحوز جميع المال أو لها الثلث الذي يأخذه الخال لو كان معه من ذوي الأرحام صنف آخر لا يحجب الأم إلى السدس كعمة لأن بنت الخال هنا معها زوجة فكان معها شخص آخر أو كيف الحال ؟ حرره ، والوجه الأوّل اه سم . وعبارة شرح م ر : غير الزوجين بالإجماع ؛ لأن علة الردّ القرابة وهي مفقودة فيهما ، ومن ثم ترث زوجة تدلي بعمومة أو خؤولة بالرحم اه . وقوله : ( ومن ثم ترث زوجة الخ ) أي زيادة على حصتها بالزوجية كما قاله ع ش .(4/14)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
قوله : ( كأبي أم ) اعلم أنهم فرقوا بين أبي الأم وبين أم الأم بأن الولادة في النساء محققة ، لكن اعترض بأن ميراث الذكور أقوى بدليل حرمان الإناث عند التراخي كالعمات وبنات العم اه سم . قوله : ( وإن عليا ) بالياء التحتية لتغليب الذكر على الأنثى . وقال ع ش : الأنسب ( وإن علوا ) لأن علا واوي ثم رأيت في شرح ابن حجر على الهمزية أن الياء لغة اه بحروفه . قوله : ( أو لابن ) أي أولاد بنات لابن . وقوله : ( وأولاد أخوات ) أي ذكوراً أو إناثاً ؛ ولذا عبر بالأولاد دون البنات . قوله : ( وبنو إخوة لأم ) وبناتهم بطريق أولى ، ولدخولهم في بنات الإخوة كما ذكره الشارح اه زي . قوله : ( بالرفع ) أي لا بالجر عطفاً على أعمام المقتضي إرادة بناتهن المقتضي لتكرره مع ما بعده وللسكوت عنهن . قوله : ( ومدلون بهم ) أي بالأصناف المذكورة . قوله : ( إذ لم يبق في الأول من يدلي به ) لأن قوله وإن عليا يستغرق جميع أفراد الصنف . قوله : ( هذا ) أي عدم إرث ذوي الأرحام . قوله : ( إذا استقام ) أي في قسمة التركات وما يأخذه فهو إرث ، أي بالعصوبة مراعي فيه المصلحة ، فيعطي منه من أسلم أو عتق أو وله بعد المورّث لا رقيق ولا مكاتب ولا كافر ولا قاتل اه ق ل على الجلال . والحاصل أنه ليس إرثاً محضاً ولا مصلحة محضة بل يراعى فيه الأمران ويجوز تخصيص طائفة من المسلمين بذلك لأنه استحقاق بصفة وهي أخوّة الإسلام فصار كالوصية لقوم موصوفين غير محصورين ، فإنه لا يجب استيعابهم ، وكالزكاة فإن للإمام أن يأخذ زكاة شخص ويدفعها إلى واحد لأنه مأذون له أن يفعل ما فيه مصلحة ؛ شرح الروض . وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن تكون تلك الطائفة من أهل البلد أو من غيرها ، وهو المعتمد كما أفاده ح ل . وكان قضية مراعاة المصلحة إعطاء القاتل والقنّ لكنهم راعوا في ذلك شائبة الإرث ، ومحل ما ذكر إن كان مسلماً فإن كان ذمياً ولا وارث له كان فيئاً كما في ح ل اه . قوله : ( ولا ذو فرض مستغرق ) أي ولم يوجد أيضاً من يردّ عليه ، فإن الرد مقدّم على توريث ذوي الأرحام . قيل : الأولى أن يقول ولا ذوو فرض بدليل قوله مستغرق لأن الفرض الواحد لا يكون مستغرقاً والفروض المستغرقة كزوج وأم وأخ لأم . وأجيب بأن المراد بالفرض الجنس أو أن المراد مستغرق ولو بالرد . قوله : ( منزلة من يدلي به ) فيجعل ولد البنت والأخت كأمهما وبنت الأخ والعم كأبيهما والخال والخالة كالأم والعم للأم(4/15)
"""""" صفحة رقم 16 """"""
والعمة كالأب ، وإذا نزلنا كلاًّ كما ذكر قدم الأسبق للوارث لا للميت ، فإن استووا قدر كأن الميت خلف من يدلون به ثم يجعل نصيب كل لمن أدلى به على حسب إرثه منه لو كان هو الميت إلا أولاد الأم والأخوال والخالات منها فبالسوية شرح م ر . والمراد بقول الشارح : ( منزلة من يدلي به ) أي من حيث الإرث فيأخذ ما يأخذه لو كان موجوداً . وخرج بالإرث الحجب ، ففي زوجة وبنت بنت للزوجة الربع لأن بنت البنت لا تحجب الزوجة وإن نزلت منزلة البنت لأن الزوجة لا يحجبها من الربع إلى الثمن إلا الفرع الوارث بالقرابة الخاصة كما قاله الأجهوري على المنهج . قوله : ( بينهما أرباعاً الخ ) بيانه أن بنت البنت تنزل منزلة البنت وبنت بنت ابن منزلة بنت الابن ، فكأنّ الميت مات عن بنت وبنت ابن ومسألتهما من ستة للبنت النصف ثلاثة ولبنت الابن السدس واحد تكملة الثلثين ومجموعهما أربعة ، ويقسم الباقي وهو اثنان بينهما على نسبة فرضيهما أرباعاً لبنت بنت الابن ربعهما وهو نصف لأن نسبة نصيبها وهو واحد للأربعة ربع ولبنت البنت واحد ونصف فحصل الكسر على مخرج النصف فيضرب في أصل المسألة وهو ستة يحصل اثنا عشر لبنت البنت نصفها ستة ولبنت بنت الابن السدس اثنان يبقى أربعة يرد على بنت بنت الابن واحد لأن نسبة نصيبها وهو اثنان إلى مجموع الثمانية ربع فيكون لها ربع الباقي ويرد على بنت البنت ثلاثة لأن نسبة نصيبها وهو ستة إلى الثمانية ثلاثة أرباع فيكون لها ثلاثة أرباع الباقي وهو ثلاثة فيكون معها تسعة وبين الأنصباء والمسألة توافق بالثلث فيرجع كل نصيب إلى ثلثه فترجع التسعة إلى ثلاثة والثلاثة إلى واحد والمسألة إلى ثلثها وهو أربعة ، وهذا معنى قوله : ( أرباعاً ) ، أو يقطع النظر عن الاثنين الباقيين وتجعل المسألة من أربعة للبنت ثلاثة فرضاً وردّاً ولبنت الابن واحد فرضاً وردّاً فما كان للبنت يجعل لبنتها وما كان لبنت الابن وهو واحد يجعل لبنتها . وهذا على مذهب أهل التنزيل ، وأما على مذهب أهل القرابة فالمال لبنت البنت كما ذكره الشارح . قوله : ( وصرفه فيها ) ولا يجب على المباشر لذلك صرفه على أهل محلته فقط ، بل لو رأى المصلحة في صرفه في محلة بعيدة عن محلته وجب نقله إليها . قال سم : ويجوز له أن يأخذ لنفسه ولعياله ما يحتاجه ، وهل مقدار حاجة العمر الغالب أو سنة أو أقل ؟ حرر ؛ وينبغي أن يقال : يأخذ ما يكفيه العمر الغالب حيث لم يكن ثم من هو أحوج منه ؛ لأن هذا القدر يدفعه له الإمام العادل اه . وإذا حضر القسمة أولو القربى استحب دفع شيء لهم ولا يجب ، والآية محمولة على الاستحباب ، ولا يدفع شيء من نصيب قاصر اه مناوي .(4/16)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
قوله : ( والظاهر وجوبه ) وله أن يحفظه إلى أن يتولى سلطان عادل .
قوله : ( بحال ) أي بالشخص وقوله حجب حرمان أي بالشخص . قوله : ( منع من قام به سبب الإرث ) أي من الإرث فمنع مصدر مضاف لمفعوله اه مرحومي . قوله : ( حجب حرمان ) وهو بالوصف يدخل على جميع الورثة ، وبالشخص على بعضهم ، وهو الخمسة المذكورة في كلام المصنف . قوله : ( حجب نقصان ) ولا يكون إلا بالشخص ويدخل على جميع الورثة ، فالابن يحجب بأخيه أي ينقصه عن نصيبه وهو جميع المال أو جميع الباقي ؛ لأنه صار يشاركه فيه ، وكون هذا حجباً فيه مسامحة ، وكذا يقال في البنت مع أختها فإنها حجبتها من النصف إلى الثلث وهو إما بالانتقال من فرض إلى فرض كالأم أو إلى التعصيب كالبنت مع أخيها أو من تعصيب إلى تعصيب كالأخ مع أخيه أو إلى فرض كالجد أو مزاحمة في فرض كالبنات أو في التعصيب كالأخوات معهن ؛ فهذه ستة أقسام . ومدار الحجب على التقديم بأحد أمور ثلاث ، وهي : الجهة ثم القرب ثم القوة ، وقد أشار إليها الجعبري بقوله :
فبالجهة التقديم ثم بقربه
وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
قوله : ( أو الاستغراق ) عطفه على الشخص يقتضي أنه ليس من الحجب بالشخص ، وقال النووي : إنه منه لأن الحاجب هم الورثة المستغرقون فلا حاجة لذكره معه . قوله : ( كما يؤخذ من كلام المصنف ) أي من منطوقه . قوله : ( بنفسه ) أي بغير واسطة بينهم وبين الميت . وهم سبعة : الابن والبنت والأبوان والزوجان والمعتق ، فما عدا الأخير لا يحجبون حجب حرمان بالشخص أصلاً ، وقد أخرج الأخير بقوله : وليس فرعاً الخ . قوله : ( والأصل مقدّم ) هو من تتمة قوله : ( وليس فرعاً لغيره ) أي فهو أي كل منهم أصل في نفسه ، بخلاف المعتق فهو فرع(4/17)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
والأصل مقدّم على الفرع . هذا بناء على أنه توجيه لعدم إرث المعتق مع عصبة النسب مع أنه يدلي بنفسه للميت ، ويحتمل أنه توجيه لتقديم المصنف الأبوين على ولد الصلب في الذكر وإلا فالفرع مقدّم في الجهة لأن جهة البنوّة مقدّمة على جهة الأبوة وهي مقدمة على الجدودة والأخوّة ثم بنوّتها ثم العمومة ثم الولاء وفي كل يقدّم الأقرب فالأقرب كالابن مع ابنه فإن استويا قرباً فبالقوة كالأخ الشقيق مع الأخ للأب وسيأتي ق ل . قوله : ( فخرج الخ ) فيه أن المعتق خرج بقوله : ( بنسب أو نكاح ) وحينئذ فلا فائدة في قوله : ( وليس فرعاً لغيره ) إلا أن يجاب بأنه أفاد كون الإرث بالعتق فرع النسب . قوله : ( وهذا أولى ) أي قوله ومن لا يسقط بحال . ووجه الأولوية أن فيه ضبطهم تفصيلاً ، بخلاف هذا الضابط فإن فيه إجمالاً إذ ليس فيه تعيينهم اه شيخنا . وبهذا يعلم ما في المحشي بحيث قال : لم يتضح وجه الأولوية فيه ، فإن كان اشتمال الأوّل على كون العتق فرع النسب بخلاف الاستثناء بمجرده فالأمر سهل ، ولعل وجهه بيانهم أي بيان الذين لا يحجبون تفصيلاً بخلاف ذاك اه .
قوله : ( أي الذي ) المناسب أن يقول : أي الذين لا يرثون ، لأن ( من ) واقعة على متعدّد . وأجيب بأن الذي يقع على المتعدد أيضاً نحو : ) وخضتم كالذي خاضوا } ) التوبة : 69 ) . وأجيب أيضاً بأنه راعى لفظ ( من ) لأن لفظها مفرد ومعناها متعدد فيجوز مراعاة كل منهما . قوله : ( مطلقاً ) أي عن التقييد بحال دون حال أي بسبب دون سبب . وقال بعضهم : قوله : ( مطلقاً ) أي بجهة من الجهات أي لا بجهة قرابة ولا بجهة ولاء ولا بجهة زوجية ، ويحتمل تفسير الإطلاق بالذكر والأنثى تدبر ويحرم على من لا يعرف باب الحجب أن يفتي في الفرائض لأنه لا يعرف المحجوب من غيره . قوله : ( وقال في المحكم ) تأييد لكلام ابن حزم . قوله : ( ذكراً كان أو أنثى ) أو خنثى . قوله : ( لنقصهم بالرق ) ولأن الرقيق لو ورث كان ما يأخذه لسيده ، فيلزم عليه أن الأجنبي يرث من الأجنبي وذلك لا يجوز اه م د . قوله : ( ويعبر عن هؤلاء بالرق ) أي ذي الرق .(4/18)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
قوله : ( في النكاح والطلاق ) فيقتصر على زوجتين ويملك طلقتين . قوله : ( والولاية ) فلا يلي أصلاً . قوله : ( ولا يورث الرقيق الخ ) زيادة على ما الكلام فيه . وقوله : ( كله ) فاعل الرقيق . قوله : ( أو معتق بعضه ) عطف بأو إشارة إلى أنه قد لا يجتمع إرث قريبه الحر مع إرث معتق بعضه ، وأتى بالواو في قوله وزوجته إشارة إلى الاجتماع . قوله : ( ولا شيء لسيده ) أي مالك بعضه . قوله : ( واستثنى ) قال م ر يمكن منع الاستثناء بأن أقاربه إنما ورثوه نظراً للحرية السابقة لاستقرارها قبل الرق ؛ لكن وجه الاستثناء هو النظر لكونهم حال الموت أحراراً وهو قنّ . قوله : ( وجبت له جناية ) أي أرش جناية . قوله : ( فإن قدر الأرش ) أي أرش العضو وأما الباقي فلسيده ، فعلم أن الجاني يضمنه بالقيمة . ثم إن كانت الجناية على ماله أرش مقدر كقطع يده فهو الواجب للوارث من تلك القيمة الواجبة على الجاني والباقي منها لمسترقه ، فإن كانت القيمة أقل من مقدر الأرش أو مساوية له فاز بها الوارث ولا شيء لمسترقه ، وإن كانت الجناية على غير ماله أرش مقدر فعلى الجاني القيمة وللوارث أقل الأمرين من القيمة ودية النفس الواجبة بالسراية ، فإن كانت القيمة أقل فاز بها الوارث ، وإن كانت دية النفس أقل فالزائد من القيمة على الدية لمسترقه لأنه مات بالجناية في ملكه ، وإنما وجب على الجاني القيمة مطلقاً لقاعدة أنّ ما كان مضموناً في الحالين حال الجناية وحال الموت العبرة فيه بالانتهاء وهو أعني الانتهاء في حال رقه اه م د . قوله : ( فلا يرث القاتل ) هو من الإظهار في محل الإضمار بلا فائدة ، والمراد به من له دخل في القتل ولو بسبب أو شرط كحفر بئر عمداً عدواناً ، فيشمل الشاهد والمزكي والقاضي ما عدا المفتي وراوي الحديث لأن كلاًّ منهما مخبر والقاضي ملزم وكل من الشاهد والمزكي سبب لحكمه ، ومثل المفتي وراوي الحديث القاتل بالعين أو بالحال ولا قصاص عليهما اه م د . ولو سقاه دواء فمات فإن كان حاذقاً ورث وإلا فلا وأفتى به البلقيني ، وقد يرث المقتول من قاتله كأن يجرحه ويموت هو قبله اه . وأفتى البلقيني في رجل اشترى لحماً ووضعه في بيته فأكلت منه حية ثم أكلت منه زوجته فماتت أنه يرثها اه ق ل على(4/19)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
الجلال ؛ لأنه لا مدخل له في أكل الحية ، وكذلك الزوج إذا أحبل زوجته وماتت من الولادة إذ لا مدخل له في موتها وإن كان وطؤه سبباً في ذلك .
قوله : ( مطلقاً ) أي سواء كان عمداً أو غيره . قوله : ( ولأنه لو ورث الخ ) عبارة غيره وحكمته خوف الاستعجال على مورّثه بالقتل في الأصل . ومن كلام البلغاء : من استعجل بشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، أي غالباً . قوله : ( أن يستعجل ) أي الإرث . قوله : ( بمباشرة أم لا ) كسبب وشرط خلافاً لابن سريج في الشرط ز ي . قوله : ( قصد مصلحته ) أي القاتل قصد مصلحة المقتول . وعبارة غيره : قصد به مصلحته ، فالضمير في ( به ) راجع للقتل على حذف مضاف ، أي قصد بالقتل أي بسببه وهو الضرب مصلحته . قوله : ( ونحوه ) كالمنتقل من دين لدين . قوله : ( عليه ) أي على هذا الظاهر . قوله : ( من تقييده ) أي تقييد عدم إرث المرتد . قوله : ( وقال إنه فيه ) أي في التقييد . قوله : ( خارق للإجماع ) أي إجماع الشافعية خلافاً للحنابلة .
قوله : ( المعلن ) أي بالردة . قوله : ( لما مر ) أي أنه لا موالاة بينه وبين أحد وماله فيء ولو كان امرأة ، خلافاً للحنفية م د . قوله : ( وجب قود الطرف ) لاحترامه حال الجناية ، فلو عفى على مال لم يدفع لوارثه لأن ماله فيء وقوله ويستوفيه أي بإذن الإمام .(4/20)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
قوله : ( وأهل ملتين مختلفتين ) أي حال الموت وإن طرأ خلافه فلا يرد ما لو مات الكافر عن زوجة حامل فأسلمت بعد موته فيحكم بإسلام الحمل تبعاً ويرث من أبيه للحكم بكفره وقت الموت كما ذكره الشارح . وقوله : ( كملتي الإسلام والكفر ) خرج به الاختلاف في اليهودية والنصرانية فيرث كل منهما الآخر كما يأتي اه . قوله : ( فلا يرث المسلم الكافر ) أي على الأصح . وقوله : ( ولا الكافر المسلم ) أي قطعاً اه م د . قوله : ( وانعقد الإجماع ) عبارة الشنشوري : أما عدم إرث الكافر المسلم فبالإجماع ، وأما عكسه فعند الجمهور خلافاً لمعاذ ومعاوية ومن وافقهما ، ودليلهما والجواب عنه ذكرته في شرح الترتيب اه . وقوله : ( فبالإجماع ) من الأئمة الأربعة وغيرهم ، وقوله : ( خلافاً لمعاذ ومعاوية ) أي من غير الأئمة الأربعة أيضاً ، وقوله : ( ذكرته الخ ) قال فيه : الدليل على ذلك خبر : ( الإسلامُ يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ ) وقياساً على النكاح . وأجيب بأن الخبر إن صح فمعناه يزيد بفتح البلاد ولا ينقص بالارتداد ، وأما القياس فمردود بالعبد ينكح الحرة ولا يرثها والمسلم يغتنم مال الحربي ولا يرثه وبأن النكاح مبناه على التوالي وقضاء الوطر والإرث على الموالاة والمناصرة فافترقا لكن لما كان اتصالنا بهم فيه شرف لهم اختص بأهل الكتاب اه . قوله : ( الكتناني ) وجد بضبط بعض العلماء : الكتناني ، بتاء ثم نون ثم ألف ثم نون والتاء ساكنة والكاف مفتوحة . قوله : ( إن لنا جماداً يملك ) قد يقال : لو قيل لنا جماد يرث لكان أغرب لظهور أن الجماد قد يملك كالمساجد فإنها تملك إذا وهب لها عقار أو نحوه سم . وقوله : ( وهو النطفة ) أي وإن لم تستدخلها إلا بعد موته لتبين أنه ولد له بعد موته ، سم أيضاً . قوله : ( وفيه نظر ) أي في كونه جماداً . قوله : ( إذ الجماد الخ ) وهذا مخرج للحمل ، فيمكن أن يكون مراد الكتناني بالجماد المسجد إن لم تعلم إرادته الحمل فيكون النظر متوجهاً على الشارح فإن علم إرادته له توجه النظر عليه . ثم رأيت في شرح م ر أن تفسير الجماد بما ذكر إنما هو في بعض الأبواب فلا يلزم إطراده في سائر الأبواب فيراد به في بعضها ما لا روح فيه ، وحينئذ فما ذكره الكتناني صحيح في الحمل لكنه خاصّ ببعض أوقاته أي وقت كونه نطفة أو علقة أو مضغة ، وأما بعد نفخ الروح فيه فلا يصح إطلاق الجماد عليه والحكم على الحمل قبل نفخ الروح فيه بالكفر قد نظر(4/21)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
فيه فحرره ؛ ح ف على الشنشوري . قوله : ( والنكاح ) كأن تزوج يهودي نصرانية فكلّ منهما يرث الآخر بعد موته . وهذا غير ما يأتي في قوله : ( أما بنكاح ) لأن الآتي في حكم أولاد الزوجين إذا اختار أحدهما دين أبيه والآخر دين أمه . قوله : ( بينهما ) أي وبين أبيهما وأمهما بدليل قوله : ( بالأبوة الخ ) أي فإذا مات أحد الولدين ورث منهما أبوهما وأمهما وإن كان مخالفاً لها في الدين . قوله : ( أما الحربي ) محترز قوله : ( إذا كان لهما عهد ) والحربي مبتدأ خبره جملة ( فلا توارث بين الحربي وغيره ) والرابط إعادته بلفظه . قوله : ( ومعاهد ) بفتح الهاء وكسرها على صيغة الفاعل أو المفعول ؛ لأن الفعل من اثنين فكل واحد يفعل بصاحبه مثل ما يفعل صاحبه به ، فكل واحد في المعنى فاعل ، وهذا كما يقال مكاتب ومكاتب ومضارب ومضارب اه مصباح . قوله : ( فلا توارث بين الحربي وغيره ) أي ولو كانا بدار واحدة ، كأن عقد الذمة لطائفة من بلد واستمر الباقون على الحرابة وبينهم قرابة ونحوها . ولو قال : فلا توارث بينهما ، لكان أخصر .
قوله : ( إبهام وقت الموت ) أي انبهامه . وفيه أن الكلام في عدّ من لا يرث بحال وهو أشخاص والإبهام ليس منها أي الأشخاص بل من الموانع فيكف عدّه منها ؟ وأجيب بأنه على تقدير مضاف أي ذو إبهام أي الشخص الذي أبهم وقت موته أي لا يدري هل هو قبل موت المورّث أو بعده أو معه ؟ وقال بعضهم : ذكر إبهام وقت الموت سرى له من ذكر بعضهم له في موانع الإرث ، وكذا الدور الحكمي واللعان سريا له من ذكر بعضهم لهما في الموانع كما يدل عليه قوله الآتي : وقال ابن الهائم في شرح كافيته الموانع الحقيقية أربعة حيث أطلق عليها موانع شيخنا . قوله : ( أو هدم ) بفتح أوله وسكون ثانيه : الانهدام ولو بغير فعل ، وبفتح أوله وثانيه : المهدوم ، وبكسر أوله وسكون ثانيه : الثوب البالي ، والهدمة : الدفعة من المال ، والمهدم : المصلح على المقدار المقبول اه برماوي ، لكونه أهدم الشر بينهما .(4/22)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
قوله : ( معاً ) فيه أن موتهما حينئذ لا إبهام فيه والكلام في إبهام وقت الموت ، إلا أن يقال ذكرها تتميماً للأقسام . قوله : ( صادق بأن يعلم الخ ) في كونه صادقاً بذلك نظر لأن الجهل بالسبق ينافي علم أصل السبق فكيف يصدق به ؟ فكان الأولى أن يقول والجهل بالأسبق صادق الخ ؛ لأنه المتقدم في قوله أو جهل أسبقهما ، لكن يرد عليه أيضاً أنه يكون مكرراً مع قوله السابق علم سبق أو جهل اه شيخنا . قوله : ( وصور المسألة ) أي مسألة موت المتوارثين بغرق أو حرق أو هدم سواء كان فيها إبهام أو لا . قوله : ( مجاز ) أي بالاستعارة التصريحية بأن سميناً ما ليس بمانع مانعاً لشبهه به في قيام كل منهما بالشخص الممنوع . وأطلقنا عليه مانعاً لأن المانع ما يجامع السبب واللعان يقطع النسب أصلاً ، فهو مانع للسبب وهو النسب لا مانع للإرث . قوله : ( لانتفاء الشرط ) وهو الإسلام في الردة واتفاق العهد في الآخر . قوله : ( كما في جهل التاريخ ) فإنه عدمي والمانع وجودي ، والمراد تاريخ الموت بأن جهل السابق . قوله : ( وعدّ بعضهم من الموانع النبوّة ) إن قلت : ما فائدة ذلك مع ختم النبوّة بنبينا ؟ أجيب بأن فائدته تظهر في سيدنا عيسى إذا نزل فإنه لا يورث . قوله : ( نحن معاشر الخ ) هذا الحديث بلفظ ( نحن ) قال الحفاظ : غير موجود وإنما الموجود في سنن النسائي الكبرى : ( إنّا مَعَاشِرَ الأنبياء ) ذكر ذلك الشيخ خالد في التصريح . ولفظ(4/23)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
( معاشر ) منصوب على الاختصاص بعامل محذوف أي : أخص معاشر ، جمع معشر اسم لجماعة الرجال خاصة اه مصباح . قوله : ( ما تركناه صدقة ) فيصير من جنس الأوقاف المطلقة ينتفع به من يحتاج إليه ويقرّ تحت يد مؤتمن عليه ؛ ولذا كان عند سهل قدح وعند أنس آخر وعند عبد الله بن سلام آخر وكان الناس يشربون منها تبركاً ، وأما قوله تعالى : ) وورث سليمان داود } ) النمل : 16 ) فالمراد منه ورثه في العلم اه ؛ سحيمي . وقيل : إن ما تركه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام باق على ملكهم فينفق منه على أهاليهم كحياتهم لأنهم أحياء يصلون ويحجون ، ولا ينافيه إطلاق الموت عليهم في الكتاب والسنة لأنهم أحيوا بعد موتهم . والمعتمد ما قطع به الروياني وصوّبه النووي من زوال ملكهم عنه ، وأنه صدقة ؛ لأنه تعالى شرّفهم بقطع حظوظهم من الدنيا وما بأيديهم منها عارية وأمانة ومنفعة لعيالهم وأممهم ، وأما قوله تعالى : ) وورث سليمان داود } ) النمل : 16 ) فالمراد إرث العلم . ودخل أبو هريرة السوق فقال : أراكم ههنا وميراث محمد يقسم في المسجد فذهب الناس إلى المسجد وتركوا السوق فلم يروا ميراثاً ، فقالوا : يا أبا هريرة ما رأينا ميراثاً يقسم . قال : فماذا رأيتم ؟ قالوا : رأينا قوماً يذكرون الله عزّ وجل ويقرأون القرآن . قال : فذلك ميراث محمد . وأخرج الديلمي عن أم هانىء مرفوعاً : ( العلمُ ميراثي ومِيراثُ الأنبياء قَبْلي ) وأخرج ابن النجار عن أنس مرفوعاً : العلماءُ وَرَثَهُ الأنبياءِ يحبّهم أهلُ السماء وتَسْتَغّفِرُ لهم الحيتانُ في البَحْرِ إذا ماتُوا إلى يِوْم القِيَامَةِ ) وأخرج ابن عدي عن عليّ مرفوعاً : ( العلماء مَصَابِيحُ الأرْضِ وخَلفُ الأنبياء وورثتي ووَرَثَةُ الأنبياء ) ذكره السحيمي في شرح الشيخ عبد السلام .
قوله : ( لذلك ) أي للإرث . قوله : ( فيهلك ) بكسر اللام ، قال تعالى : ) ليهلك من هلك } ) الأنفال : 42 ) أي فيكفر . وفي الخصائص : ومن تمنى موته كفر ولذلك لم يورث لئلا يتمنى وارثه موته فيكفر وكذلك الأنبياء ، ذكره المحاملي في الأوسط . قوله : ( وعكسه ) أي ومن لا يرث ولا يورث . وقوله : ( فيهما ) أي في يرث ويورث . قوله : ( وأقرب العصبات ) العصبة(4/24)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
من النسب كل ذكر نسيب ليس بينه وبين الميت أنثى وذو الولاء فكل ذكر جنس يدخل فيه الزوج والمعتق وجميع الأقارب الذكور وخرج عنه المعتقة . وقوله : ( نسيب ) خرج به الزوج والمعتق . وقوله : ( ليس بينه وبين الميت أنثى ) خرج به ذوو الأرحام ولما لم يشمل ذا الولاء زاده هذا وفيه أن كلاًّ من الابن والأب يدلي إلى الميت بنفسه فليس أحدهما أقرب من الآخر . وأيضاً قوله : ثم الأخ للأب بعد الشقيق مع أنهما في درجة واحدة ، إلا أن يقال المراد بقوله وأقرب العصبة ما يشمل الأقوى ، ثم رأيت لبعضهم ما نصه أفهم كلام المتن أن كلاًّ منهم يقال له أقرب مع أن الأقرب على الإطلاق الابن ومما يدل على أن كلاًّ منهم أقرب حلّ الشارح حيث جعل خبر المبتدأ محذوفاً وقدره بقوله العصبة بنفسه ثم بين العصبة بالابن وما بعده . ويجاب عن المتن بأن مراده بالأقرب حقيقة أو بالإضافة لمن بعده فالحقيقي الابن والإضافي من بعده كل واحد بالنسبة لمن بعده ، لكن التقديم بالأقربية في غير الأخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم أما فيهم فهو بالقوّة لاتحادهم في الدرجة . ويجاب بأن مراد المتن ما يشمل الأقوى . وقال ع ش على الغزي : المراد بالأقرب الأحق سواء كانت الأحقية من الجهة أو القرب أو القوّة . ومراتب العصوبة سبع نظمها بعضهم بقوله :
بنوّة أبوّة أخوّة
جدودة كذا بنو الأخوة
عمومة ولا بيت المال
سبع لعاصب على التوالي
والإخوة والجدودة في مرتبة واحدة لاستوائهما في الادلاء إلى الميت ؛ لأن كلاًّ منهما يدلي إليه بالأب اه . والحاصل أن الرجال كلهم عصبة إلا الزوج والأخ للأم وأن النساء كلهنّ صاحبات فرض إلا المعتقة اه . قوله : ( العصبة بنفسه ) يلزم عليه حذف الخبر . وفيه أيضاً تغيير معنى المتن لأنه يقتضي أن العصبة كلهم أقرب وأنهم في مرتبة واحدة في الأقربية مع أن بعضهم أقرب من بعضهم . قوله : ( وهم ) أي العصبة . قوله : ( لأنه يدلي ) أي ينتسب . وهذا غير كاف في توجيه الأقربية لأن الأب يشاركه في ذلك ، فالأولى توجيهه بقوة عصوبته باعتبار نقله للأب من العصوبة إلى فرض السدس وبأنه يعصب أخته ، بخلاف الأب . ولا يقال قدموا عليه الأب في الصلاة على الميت والتزويج لأن المنظور إليه ثم الولاية وهي في الآباء أنسب ، والمنظور إليه هنا قوّة التعصيب وهي في الأبناء أظهر اه م د . قوله : ( فكذا في التعصيب ) يقتضي أن قول المصنف ( وأقرب العصبات ) يعني من جهة التعصيب مع أن الظاهر أن مراده أقرب العصبات من حيث الإرث . قوله : ( لإدلاء سائر العصبات به ) فيه أن الابن وابن الابن لم يدليا به ، إلا أن يقال إن سائر بمعنى باقي لا بمعنى جميع كما هو أحد إطلاقيه . قوله : ( ثم الأخ للأب والأم ) الصواب التعبير هنا بالواو لأن الجدّ في مرتبة الأخ الشقيق وللأب . قوله :(4/25)
"""""" صفحة رقم 26 """"""
( لأن كلاًّ منهما ابن الأب يدلي بنفسه ) فيه شيء ، وقوله : ( لأن كلاًّ منهما يدلي بنفسه كأبيه ) هذا ينافي قوله السابق : ( لإدلاء سائر العصبات به ) أي بالأب ، وهذا يقتضي أن ابن الأخ يدلي بنفسه مع أن كونه يدلي بنفسه للميت فيه نظر أيضاً لأنه لا يدلي للميت إلا بواسطة أبيه ، وفي نسخة بدل الكاف في قوله : ( كأبيه ) ( لأبيه ) باللام ، قال بعضهم : وهي الصواب ، فيكون المعنى أنه يدلي لأبيه والأب يدلي للميت بنفسه فلا منافاة ولا تنظير ؛ لكن تأتي المنافاة والتنظير في قوله الآتي : لأن كلاًّ منهما ابن الجدّ ويدلي للميت بنفسه فلا يمكن الجواب عنهما ، هذا ما تقرر في درس شيخنا فتأمل وحرر .
قوله : ( لأن كلاًّ منهما ابن الجدّ الخ ) هذا يقتضي استواءهما في الدرجة مع أنهما مرتبان . قوله : ( ينتهي ) أي النسب . قوله : ( وتركه ) أي ترك ما ذكر عن عم الأب وعم الجدّ وبنيهما . ويمكن أن يجاب بأنه أراد العم الحقيقي والمجازي . قوله : ( الذين يتعصبون بأنفسهم ) يقتضي تقديم المعتق على الأخت مع البنت ، وليس مراداً . وقوله : ( بأنفسهم ) ليس قيداً فإن المولى المعتق لا يرث مع وجود الأخت مع البنت فتأمل . قوله : ( جمع عصبة ) ثم هو أي لفظ عصبة إما اسم جنس يصدق على الواحد والمتعدد والذكر والأنثى ، أو هو جمع عاصب كطالب وطلبة فيكون عصبات جمع الجمع على هذا . وقوله : ( ويسمى به ) أي بلفظ عصبة . قوله : ( قاله المطرزي ) ومادة العصبة وهي العين والصاد والباء تدل على القوة والإحاطة من الجوانب كالعصابة ، وكذلك عصبة الشخص من الميراث لأنهم يحيطون به ويتقوّى بهم ، سم ز ي . قال في اللب : المطرزي نسبة إلى تطريز الثياب . قوله : ( وأنكر ابن الصلاح إطلاقه على الواحد ) يدفع إنكاره بأن العصبة في الأصل بمعنى القرابة ، وقد صرح في المصباح بأن إطلاق العصبة على الواحد اصطلاح الفقهاء لأنه قام مقام الجماعة في إحراز جميع المال والشرع جعل الأنثى عصبة في مسألة الإعتاق وفي مسئلة بنت مع أخيها . قوله : ( لأنه جمع عاصب ) ككامل وكملة قال ابن مالك :(4/26)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
وشاع نحو كامل وكملة
قوله : ( قرابة الرجل ) فيه أن المعنى اللغوي أخص من المعنى الشرعي لشموله المعتق وعصبته وهو نادر ، وفيه إخبار بالمصدر عن العصبة وهم ذوات . ويجاب بأنه على تقدير مضاف أي ذو قرابة أو أن المراد بها الأقارب . قوله : ( من ليس لهم سهم مقدر ) أي ولو في بعض الأحوال فيدخل الأب والجد والبنات وبنات الابن والأخوات إذا ورثوا بالتعصيب وإن كان لهم نصيب مقدر في غير حالة التعصيب . وهذا التعريف شامل للعصبة بأقسامها الثلاثة ، ثم إن هذا التعريف يشمل ذوي الأرحام إذا ورثوا ولم يكن لهم نصيب مقدر كالعم للأم مثلاً فيقتضي أنه يقال له عصبة حينئذ . ويجاب بأنه لا مانع من ذلك أو أن المراد الورثة المجمع عليهم وقوله من الورثة يدخل فيه ذوو الأرحام إذا ورّثناهم . قوله : ( وبنفسه وغيره معاً ) يريد بهذا أن الابن مع أخته إذا انفردا يرثان جميع المال فيصدق أن العصبة بنفسه وبغيره معاً أخذا جميع المال ز ي مرحومي ، فاندفع ما يقال إن المحكوم عليه بأنه عصبة بالغير من يرث بالفرض إذا انفرد كالبنت وهو لا يستغرق التركة تأمل . قوله : ( هن البنات ) الشاملات لبنات الابن . قوله : ( بذلك ) أي بنفسه . قوله : ( يستغرقن ) أي على انفرادهن . قوله : ( وحكى ابن المنذر فيه ) أي في الشمول المذكور . قوله : ( لحمة ) بالفتح والضم ، والمراد ارتباط وتعلق بين المعتق والعتيق كالارتباط بين الأقارب . قوله : ( ثم عصبته ) أي المعتق فهم مقدمون على معتق المعتق كما سيأتي ، ومنه مسألة القضاة وهي امرأة اشترت أباها فعتق عليها ثم اشترى هو عبداً وأعتقه فمات الأب عنها وعن ابن ثم مات عتيقه عنهما فيكون ميراثه للابن دونها لأنه عصبة(4/27)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
المعتق وهي معتقة المعتق وعصبة المعتق مقدمة على معتق معتقه ، ويقال أخطأ فيها أربعمائة قاض غير المتفقهة ؛ وأشار السبكي في فتاويه إلى ذلك بقوله :
إذا ما اشترت بنت مع ابن أباهما
وصار له بعد العتاق موالي
وأعتقهم ثم المنية عجلت
عليه وماتوا بعده بليالي
وقد خلفوا مالاً فما حكم مالهم
هل الابن يحويه وليس يبالي
أم الأخت تبقى مع أخيها شريكة
وهذا أي المذكور جلّ سؤالي
فأجاب بقوله :
للابن جميع المال إذ هو عاصب
وليس لفرض البنت إرث موالي
وإعتاقها تدلى به بعد عاصب
لذا حجبت فافهم حديث سؤالي
وقد غلطوا فيها طوائف أربع
مئين قضاة وما وعوه ببالي
اه م د .
قوله : ( والمعنى فيه ) أي في النفي المذكور ، أي قوله : لا كبنته الخ . قوله : ( فإذا لم ترث بنت الأخ ) أي بنت أخي الميت . قوله : ( كلام المصنف ) أي قوله ( ثم عصبته ) وإنما قال كالصريح لاحتمال أن تكون ( ثم ) للترتيب الذكري . قال ق ل : وصريحه أيضاً أن المعتق لا يسمى عصبة وليس كذلك . وقوله ( لا يسمى عصبة ) لقوله : فإذا عدمت العصبات فالمولى المعتق . وأجيب بأن المراد العصبات من النسب فلا ينافي أن المعتق عصبة من جهة الولاء ، وقول الشارح كالصريح اعترض بأن الكلام في الإرث لا في الولاء وعدمه فليس كناية ولا صريحاً فيما ذكر . ويجاب بأن الإرث لازم للولاء فمتى ثبت الولاء ثبت الإرث إلا لمانع . قوله : ( ثابت لهم في حياة المعتق ) من فوائده أنه لو كان المعتق مسلماً والعتيق نصرانياً ومات العتيق ولمعتقه أولاد نصارى ورثوه في حياة أبيهم .(4/28)
"""""" صفحة رقم 29 """"""
قوله : ( لم يرثوا ) لأن الإرث يتوقف على وجود السبب وقت موت المورّث والسبب هنا الولاء ، فلو لم يثبت لهم وقت الموت بل ثبت بعده لم يرثوا لفقد السبب تأمل . قوله : ( فيه ) أي في ثبوته لهم في حياته . قوله : ( فيما يمكن جعله الخ ) خرج ما لا يمكن كغسله إذا كان أنثى والمعتق ذكراً . قوله : ( ونحوه ) كالصلاة عليه وولاية تزويجه إذا كان المعتق ذكراً وإِلا فيزوّج العتيقة من يزوّج المعتقة كالأب في حياتها ، فإذا ماتت زوّجها ابن المعتقة . وهذا علم من قوله فيما يمكن جعله الخ شيخنا . قوله : ( فلو اجتمعا معه ) أي في النسب ، فهو مفرع على قوله ( بخلافه في النسب ) . قوله : ( فلا يقدم أولاد الأب ) أي الإخوة للأب ، ومراده بهم ما يشمل الأشقاء . قوله : ( مع الشقيق فقط ) أي بعد عدّ أولاد الأب عليه ؛ مرحومي . قوله : ( لقوّة البنوة ) فيه أنه ليس هنا بنوّة . وأجيب بأن المراد هنا بنوّة الإخوة . قوله : ( تقديمه ) أي ابن العم الذي هو أخ لأم ، بخلافه في النسب فإنه يأخذ السدس بأخوة الأم ويشارك الآخر سوية فيما بقي ولما كانت الأخوة للأم لا فرض لها في الولاء كانت مرجحة لمن قامت به على غيره ، ولما أخذت فرضها في النسب لم تصلح للترجيح . قوله : ( انتقل المال لبيت المال ) المراد بذلك أن متولي بيت المال يحفظ المال المخلف إلى أن يصرفه بحسب المصلحة ، وإِلا فلا معنى لكون البيت الذي هو محل المال أو متوليه وارثاً حقيقة . قوله : ( فإنه يردّ ) ولا فرق في الردّ وتوريث ذوي الأرحام بين الميت المسلم والكافر كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب ، وحيث صرفت التركة أو بعضها لبيت المال في الميت الكافر كانت فيئاً لا إرثاً ، وفيه أن الفيء لأربابه فللمرتزقة أربعة أخماسه والخمس الخامس للمذكورين في آية الفيء ، وذكر الله فيها(4/29)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
للتبرك . قوله : ( فيه ) أي في الاستثناء المذكور . أي قوله : غير الزوجين . قوله : ( مع الزوجية ) بمعنى أن الزوجة من ذوي الأرحام ، أو عكسه بأن يكون الزوج من ذوي الأرحام . قوله : ( ردّ عليها ) وفي نسخة : عليهما في تسميته رداً مسامحة لأنها تأخذه بالإرث المتقدم لأنها ترث بجهتين . ويدل عليه قوله بعد : لكن الصرف الخ حيث لم يعبر بالرد . قوله : ( لسهام ) اللام زائدة للتقوية ، أي لنسبة سهام من يردّ عليه . قوله : ( وأصحابها ) وهم أحد وعشرون ؛ لأن أصحاب النصف خمسة والربع اثنان والثمن واحد والثلثين أربعة والثلث اثنان والسدس سبعة . وقد نظم بعضهم ضابط ذلك في ضمن بيت فقال :
ضابط ذوي الفروض من هذا الرجز
خذه مرتباً وقل هبا دبز قوله : ( وقدر ) معطوف على الفروض أو أصحابها ، ولكن لم يفد عطفه شيئاً لأنه يلزم من بيان الفروض وأصحابها بيان قدر ما يخصه . ويجاب بأنه لا يلزم لجواز أن تذكر الفروض سرداً وأصحابها سرداً ولم يبين قدر نصيب كلّ فاحتاج لعطف ما ذكر .
قوله : ( أي المحصورة للورثة ) جعل التقدير بمعنى الحصر ، وليس مراداً وإنما المراد أن كل واحد منها مقدر ق ل . قوله : ( بأن لا يزاد عليها ) أي على كل منها لا على مجموعها بأن لا يزاد عليها فرض سابع إلا لعارض ، فيقتضي أنه مع العارض يزاد عليها نوع سابع كما فهمه ق ل . قوله : ( إلا لعارض ) كعول أو ردّ ، ففي الرد زيادة في قدر الأنصباء ونقص من عدد المسألة ، وفي العول زيادة في عدد المسألة ونقص من الأنصباء . قوله : ( وخبر الفروض ستة ) دفع به توهم أن الخبر هو الظرف أعني في كتاب الله تعالى ق ل . وهذا التوهم مدفوع بقوله(4/30)
"""""" صفحة رقم 31 """"""
المذكورة ؛ لأن قوله ( في كتاب الله ) متعلق به . قوله : ( ستة ) أي مقداراً وعدداً وخمسة مخرجاً ؛ لأن مخرج الثلث والثلثين من ثلاثة . وقوله ( بعبارات ) أي أربعة ويزاد عليها الثمن والثلث وضعفهما وضعف ضعفهما . وقوله ( وخرج إلى أخي ) لو قال وأورد على قوله في كتاب الله السدس الخ كان أوضح . قوله : ( بعول ) صوابه إسقاط هذا إذ ليس فيه نقص واحد من الفروض ولا في الرد زيادته ، أي بل هي ستة على كل حال وإنما النقص والزيادة فيما يخص الفرض من التركة ق ل . قوله : ( السدس الذي للجدّة ولبنت الابن ) أي فليسا مذكورين في كتاب الله تعالى . قوله : ( والسبع ) أي وخرج السبع كما في مسألة زوج وأخت شقيقة وأخت لأب فللزوج ثلاثة وللشقيقة ثلاثة ويعال للأخت للأب بواحد وكزوج وأخت شقيقة أو لأب مع أخ أو أخت لأم . قوله : ( والتسع ) أي في بنتين وأبوين وزوجة ، فأصلها أربعة وعشرون ، وتعول لسبعة وعشرين ؛ لأن فيها ثمناً وسدساً ، فللبنتين ستة عشر وللأبوين ثمانية ويعال للزوجة بثلاثة فعالت بثمنها وصار ثمن المرأة تسعاً ، وتسمى المنبرية لأن علياً رضي الله عنه كان يخطب على منبر الكوفة قائلاً : ( الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعاً ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآب والرجْعَى ) فسئل عنها حينئذ فقال ارتجالاً : ( صار ثمن المرأة تسعاً ) ومضى في خطبته . وقوله ويجزي بفتح أوله ، قال تعالى : ) وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً } ) الإنسان : 12 ) وقال أيضاً : ) ليجزيهم الله أحسن ما عملوا } ) النور : 38 ) . وقوله ( والرجعى ) عطف تفسير ، وقوله ( صار ثمن المرأة تسعاً ) يعني أن هذه المرأة كانت تستحق الثمن فصارت تستحق التسع فينقص من كل تسع ما بيده .
قوله : ( وثلث ما يبقى ) هو في الحقيقة سدس في الأولى وربع في الثانية . قوله : ( كزوج وأبوين ) ومسألتهم ابتداء من ستة من ضرب ثلث الأم في نصف الزوج لأن ما فيه كسر مضاف للباقي لا ينظر إليه في ابتداء القسمة بل المنظور إليه الكسر المضاف للجملة ، ثم بعد أخذ الزوج نصيبه تأخذ الأم ثلث الباقي والأب ثلث جميع المال لأن له مثليها . قوله : ( وزوجة وأبوين ) هي من أربعة للزوجة الربع وللأم ثلث الباقي واحد وللأب الباقي . وسميا بالغرّاوين لشهرتهما فكانا كالكوكب الأغر أي المضيء ، وبالعمريتين لقضاء عمر فيهما بما ذكر وبالغريبتين لغرابتهما أي عدم النظير لهما اه م د .(4/31)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
قوله : ( كأم وجد وخمسة إخوة ) أي فثلث الباقي أغبط له ؛ لأن القاعدة أنه إذا كان معه ذو فرض نصفاً فأقل وزاد الإخوة على مثليه فثلث الباقي أغبط ، وحينئذ فالمسئلة من ستة للأم واحد يبقى خمسة ثلثها واحد وثلثان فتضرب ثلاثة في ستة بثمانية عشر ومنها تصح للأم سدسها ثلاثة وللجد خمسة ولكل أخ اثنان . قوله : ( فإنه من قبيل الاجتهاد ) أي فإن ثلث الباقي من قبيل الاجتهاد لا بالنص ، وهذا تعليل لقوله ( وثلث ما بقي ) . قوله : ( الوني ) بفتح الواو كما ضبطه الحافظ السيوطي في اللب ، وقال ابن خلكان أبو عبد الله الحسني بن محمد : الونيّ بفتح الواو وتشديد النون نسبة إلى ونّ وهي من قرى العجم ، كان إماماً في الفرائض وله فيها تصانيف كثيرة ، فما في كلام م د من ضم الواو غير ظاهر ولعل فيه لغة بالضم اطلع عليها الشيخ فإنه كان كثير الاطلاع ، وعبارة الأجهوري : هو بضم الواو مع كسر النون المشددة وبعده ياء النسبة . قوله : ( البنت ) بدأ بالأولاد لأنهم أهم عند الآدمي . وبدأ غير المصنف بالزوج تسهيلاً على المتعلم لأن كل ما قل الكلام عليه يكون أرسخ في الذهن وهو على الزوجين أقل منه في غيرهما ، ومن ثم بدؤوا بالقرآن من آخره في تعلمه على خلاف السنة في قراءته ولتقديم الزوجية على الولدية في نحو زكاة الفطر . قوله : ( إذا انفردت ) كان الأولى تأخيره عن الأربعة ليعود إليها ؛ ولذلك وزعه الشارح عليها . قوله : ( عن جنس البنوّة ) أي للميت وقوله والإخوة ، أي لها أي البنت . والمراد بالبنوّة بنوّة الميت الشاملة للذكور والإناث فعطف الإخوة عليها مستدرك لأن المراد إخوة البنت لا إخوة الميت فتأمل ق ل ؛ فمقصودهما واحد وهو أنه لم يكن معها أخ لها ولا أخت كذلك فأحدهما يغني عن الآخر . وعبارة الأجهوري : الصواب حذف الإخوة إذ المراد بالبنوّة أولاد الميت لصلبه وبالضرورة هم إخوة البنت فلا داعي لذكر الإخوة بعد ذلك ولا يحتاج لذلك إِلا في جانب بنت الابن والأخت فليتأمّل . قوله : ( وتنقيص ) أي وعن حاجب أيضاً كابن صلب وبنيه . وكان الصواب ذكره ق ل . وقد يقال يفهم بالأولى من الانفراد عن التنقيص . قوله : ( في درجتها ) ليس بقيد .(4/32)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
قوله : ( بنت صلب ) وكذا إذا كان معها أخت لها فأكثر ، ولفظ تنقيص يشملها ولو ذكرها كان أولى ق ل . قوله : ( عن جنس البنوّة ) أي للميت ؛ لأن البنوّة إن كانت في أنثى فهي صارت عصبة معها وإن كانت في ذكر فهي محجوبة به ووجه الإخوة ظاهر ، إذ لا تأخذ النصف مع إخوة لها فالمراد بها الإخوة للأخت أو للميت ؛ لأن حالهما واحد ولا يستغني عنها بالبنوّة هنا . وعبارة بعضهم : قوله عن جنس البنوّة والإخوة هما محتاج إليهما هنا لأن المراد البنوّة للميت والإخوة لها هي وهما متغايران لأن بنوّة الميت ينسبون إليها لأنهم أولاد أخيها وأما إخوتها فهم أولاد أبيها وكذا يقال في الأخت للأب انتهى . وعبارة ق ل : قوله عن جنس البنوّة الشاملة لبنوّة الميت وبنوّة ابنه وإن سفل . قوله : ( عما ذكر ) أي عن جنس البنوّة والإخوة . وقوله : ( الزوج أي الانفراد عن الزوج ، فلا يشترط انفرادهنّ عنه في استحقاق النصف كما قال فإن لكل الخ ) وفيه أن هذا أمر معلوم فلا حاجة للتنبيه عليه . قوله : ( وإما قياساً ) انظر كيف يقاس الثابت بالإجماع على الثابت بالإجماع . ويجاب بأن قوله ( وإما قياساً ) مستند الإجماع الأول وهذا لا يرد مع قول الشارح على الإرث والتعصيب ، فقاس حجب ابن الابن للزوج على الإرث والتعصيب ، أي كما أنه يقوم مقام الابن في الإرث والتعصيب كذلك يقوم مقامه في حجب الزوج .
قوله : ( فرض الزوج ) وجعل له في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها لأن فيه ذكورة ،(4/33)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
وهي تقتضي التعصيب فكان معها كالابن مع البنت ؛ شرح المنهج . وأجاب بعضهم بأن الله تعالى جعل للرجال على النساء درجة فكان معها بمنزلة الابن مع البنت . وقوله : ( فكان معها ) أي بالنسبة لها لأنهما لا يجتمعان في الإرث . قوله : ( أو من غيره ) ولو من زنا لأنه ينسب إليها . قوله : ( فلما مرّ ) الذي مرّ هو قوله بالإجماع على أن ولد الابن كولد الصلب اه ا ج . قوله : ( أو عدم ولد الابن ) ( أو ) بمعنى الواو . قوله : ( واستفيد من تعبيره ) كأن يدفع توهم قصور العبارة عما بين الواحدة والثلاث ، ومن ثم قال سم : أراد بالزوجات ما فوق الواحدة بناء على أن أقل الجمع اثنان . قوله : ( قد ترث الأم الربع ) هي عبارة في غاية التحرير حيث لم يقل قد يفرض لها الربع لأن فرضها ثلث الباقي لا الربع فيما إذا ترك زوجة وأبوين ، وهي إحدى الغراوين المتقدمتين في الشرح . قوله : ( مع لفظ القرآن ) أي قوله : ) فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } ) النساء : 11 ) .
تنبيه : لا يجتمع الثمن مع الثلث ولا الربع ، أي لا يتصور أن يجتمع في فريضة الثمن مع الثلث ؛ لأن شرط وجود الثمن وجود الفرع الوارث وشرط وجود الثلث عدم الفرع الوارث وشرطاهما متباينان ولا يمكن اجتماع النقيضين ، وكذا لا يتصور اجتماع الثمن مع الربع لأن شرط وجود الثمن للزوجة والزوجات وجود الفرع الوارث وإذا وجد الفرع الوارث وجد معه الربع ولا يكون إِلا للزوج وهو لا يمكن أن يجتمع مع الزوجة فليتأمل ؛ م د على التحرير مع زيادة .(4/34)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
قوله : ( ما استفيد فيما قبله ) أي ما فوق الواحدة كالواحدة . قوله : ( فرض أربعة البنتين ) لو قال فرض من تعدد من أصحاب النصف لكان أخصر ، وهذا عند انفراد كلّ عن أخواتهن فإن كان معهنّ ذكر فقد يزدن على الثلثين كما لو كنّ عشراً والذكر واحد فلهنّ عشر من اثني عشر وهي أكثر من ثلثيها وقد ينقص كبنتين مع ابنين اه م د . قوله : ( وأحرى ) أي أحق . قوله : ( فلعموم قوله ) الأولى أن يقول : فلقوله تعالى ؛ لأن هذه الآية نزلت في الأولاد فقط والمعنى فإن كنّ أي الأولاد نساء الخ . فلا حاجة إلى لفظ العموم وإنما يحتاج إلى العموم في الاستدلال بها في توريث الأخوات كما يأتي على ما فيه من البحث الآتي . قوله : ( ولو عبر الخ ) فيه أن الجمع عند الفرضيين ما فوق الواحد ، والاعتراض ساقط . قوله : ( أما في الأختين الخ ) عبارة شرح المنهج : وقال في الأختين فأكثر : ) فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } ) النساء : 176 ) . نزلت في سبع أخوات لجابر حين مرض وسأل عن إرثهنّ منه ، فدل على أن المراد منها الأختان فأكثر . وما قيل إنه حين مات غلط فإن جابراً تأخرت وفاته عن وفاة النبي بكثير . وعبارة م ر في شرحه : في قصة جابر لما مرض وما قيل لما مات غلط لأنه عاش بعد النبي بكثير اه . وقيل : إن المراد منه دليل آخر وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك بعد موت جابر اه . قوله : ( فإن كنّ نساء فوق اثنتين الخ ) فوق صلة كما في قوله تعالى : ) فاضربوا فوق الأعناق } ) الأنفال : 12 ) للاجماع المستند إلى الحديث(4/35)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
الصحيح أنها نزلت في بنتين وزوجة وابن عم فقضى النبي للزوجة بالثمن وللبنتين بالثلثين ولابن العم بالباقي اه خ ض . والضمير في ( كنّ ) راجع للأولاد الذين ذكرهم الله في قوله : ) يوصيكم الله في أولادكم } ) النساء : 11 ) وحينئذ فقوله ( نساء ) له فائدة وأتى بنون النسوة في قوله فإن كنّ مع رجوعه للأولاد نظراً للمعنى لأن المراد بهم الإناث . قوله : ( الصنفان ) أي الأخوات الشقيقات واللاتي لأب . قوله : ( فلعموم قوله ) في كونه عاماً للأخوات نظر ظاهر ؛ لأن الضمير في كنّ راجع للأولاد فالآية خاصة بالأولاد فلا عموم فيها ، فالأولى أن يجعل ذلك بطريق القياس على البنات المذكورات . قوله : ( من الإناث ) لا حاجة إليه إيضاح . قوله : ( أو يحجبهنّ ) أي في غير البنات . قوله : ( حجب نقصان ) بيان للواقع أما حجب الحرمان بالشخص فلا يعتريها . قوله : ( وارث ) أي كل منهما . والأولى : وارثان . قوله : ( محجوبين بغيرها ) بخلاف المحجوب بالوصف فوجوده كعدمه ، اه مرحومي . قوله : ( قبل إظهار ابن عباس الخلاف ) حيث قال : لا يحجبها إِلا جمع ثلاثة فأكثر . وقد يقال قبلية الظهور لا تكفي بل لا بد من قبلية نفس الخلاف سم ، أي لأن إظهار الخلاف بعد انعقاد الإجماع لا يخرقه . قوله : ( ويشترط أيضاً ) الصواب إسقاط هذا الشرط ق ل . هذا غير ظاهر لأن هذا شرط في إرثها الثلث كاملاً . قوله : ( من فرض عدد ) لا حاجة لذكر ( فرض ) . وقوله ( أي ذاهباً ) تفسير لقوله ( صاعداً ) لا للعامل المحذوف ،(4/36)
"""""" صفحة رقم 37 """"""
وتقديره : فذهب العدد حال كونه ذاهباً الخ ، وكان الأولى ذكره . قوله : ( يستوي فيه الذكر وغيره ) سيأتي توجيه التسوية في كلام الشارح بأنها عدم العصوبة فيمن أدلوا به ، ومقتضاه أنهم لو أخذوا جميع المال فرضاً وردًّا أنه يسوي بينهم ، ومثلهم في ذلك الأخوال لإدلائهم بقرابة الأم وبه جزم م ر تبعاً لشرح الروض ؛ لكن في شرح الفصول أن الأخوال يقسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين فلينظر وجهه . واعلم أن أولاد الأم يخالفون غيرهم في خمسة أمور : أحدها التسوية بين الذكر والأنثى عند الاجتماع ، الثاني : إرثهم مع وجود من أدلوا به ، الثالث : أنهم يحجبون عند الاجتماع من يدلون به حجب نقصان ، الرابع : أن ذكرهم يدلي بأنثى وهي الأم ويرث ، الخامس : أن ميراث المنفرد السدس ذكراً كان أو أنثى اه م د . قال البرماوي : وإنما أعطوا الثلث والسدس لأنهم يدلون بالأم وهما فرضها ، وسوّى بينهم لأنه لا تعصيب فيمن أدلوا به بخلاف الأشقاء لما كان فيهم تعصيب جعل للذكر مثل حظ الأنثيين كالأولاد وعبارة م ر : لأن إرثهم بالرحم كالأبوين مع الولد وإرث غيرهم بالعصوبة وهي مقتضية لتفضيل الذكر .
قوله : ( وإن كان رجل يورث ) أي يورث منه . وجملة ( يورث ) نعت ( رجل ) وكلالة خبر كان ، أو يورث خبرها ، أو لا خبر لها بجعلها تامة ، وكلالة على هذين حال من ضمير يورث وهي من لم يخلف ولداً ولا والداً .
قوله : ( وهي ) أي هذه القراءة . قوله : ( كالخبر ) أي خلافاً لما في شرح مسلم . وعبارة الإيعاب : المعتمد من اضطراب طويل عند الأصوليين والفقهاء أنه يجوز الاحتجاج بالقراءة الشاذة إذا صح سندها لأنها بمنزلة خبر الآحاد اه شوبري . قوله : ( توقيفاً ) أي تعليماً من المصطفى . وقوله ( فيمن أدلوا به ) وهي الأم . قوله : ( فإن فيهم ) المناسب أن يقول : فإن فيه أي من أدلوا به وهو الأب تعصيباً . وأجيب بأن المعنى فإن فيهم تعصيباً لإدلائهم بالأب العاصب . قوله : ( كما مر ) أي نظير ما مر لأن هذا لم يمر .(4/37)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
قوله : ( أو مع ولد الابن ) إن قيل : لم جعل ولد الابن كالابن في حجبها إلى السدس ولم يجعل ولد الأخ كأبيه في ذلك ؟ أجيب بالفرق لإطلاق الولد على ولد الابن مجازاً شائعاً بل حقيقة ، بخلاف إطلاق الأخ على ولده وبأن الولد أقوى حجباً من الإخوة يحجب من لا يحجبونه ولقصورهم عن درجة آبائهم قوي الجد على حجبهم دون آبائهم اه سم . قوله : ( ولم يعتبروا مخالفة مجاهد ) حيث قال : لا يحجبها ولد الابن . قوله : ( لما مر في الآيتين ) علة لقول المتن : للأم مع الولد الخ ، والآية الأولى هي قوله : ) ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ) النساء : 11 ) والثانية قوله : ) فإن كان له إخوة فلأمه السدس } ) النساء : 11 ) وسماها آية لأنه يصح الوقف على قوله تعالى : ) إن كان له ولد } ^ فيكون آخر الآية خلافاً لمن جعلهما آية واحدة . وأجاب عن الشارح بأن مراده بالآيتين الجملتان سواء ورثا أو حجبا بالشخص دون الوصف كأخ لأب مع شقيق وكأخوين لأم مع جد فيحجبانها وإن حجبا كما مر .
قوله : ( وأربع أرجل وأربع أيد ) قال حج : وظاهر أن تعدد غير الرأس ليس بشرط ، بل متى علم استقلال كل بحياة كأن نام أحدهما دون الآخر فالحكم كذلك اه . وعبارة ق ل : ودخل بالثاني ما لو كانا ملتصقين وأعضاء كل منهما كاملة حتى الفرجين فلهما حكم اثنين في جميع الأحكام حتى إن لكل منهما أن يتزوج سواء كانا ذكرين أو أنثيين أو مختلفين ، فإن نقصت أعضاء أحدهما فإن علم حياة أحدهما استقلالاً كنوم أحدهما ويقظة الآخر فكاثنين أيضاً وإِلا فكواحد اه . قوله : ( حكم الاثنين ) وهل يكلف كل منهما بموافقة الآخر على فعل ما وجب عليه من صلاة وحج وغيرهما من كل ما يتوقف على الحركة أو لا ؟ سئل عن ذلك حج ، فأجاب بأنه لا يجب على أحدهما موافقة الآخر في فعل شيء أراده مما يخصه أو يشاركه الآخر فيه إذا لم يتأت فعل كل منهما لذلك بأن كان ظهر أحدهما لظهر الآخر لأن تكليف الإنسان بفعل لأجل غيره من غير نسبته لتقصير ولا لسبب فيه منه لا نظير له ولا نظر لضيق وقت الصلاة في تلك الصورة ؛ لأن صلاتهما معاً لا تمكن لأن الفرض تخالفهما أي تخالف وجهيهما .(4/38)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
فإن قلت : لم لا نجبره ويلزم الآخر بالأجرة كما هو قياس مسائل ذكروها ؟ قلت : تلك ليست نظير مسئلتنا لأنها ترجع إلى حفظ النفس تارة كمرضعة تعينت والمال أخرى كوديع تعين ، وما هنا إنما هو إجبار لمحض عبادة وهي يغتفر فيها ما لا يغتفر فيهما أي المرضعة والوديعة . فإن قلت : عهد الإجبار بالأجرة للعبادة كتعليم الفاتحة بالأجرة . قلت : يفرق بأن ذاك أمر يدوم نفعه بفعل قليل لا يتكرر ، بخلافه هنا فإنه يلزم تكرار الإجبار بل دوامه ما بقيت الحياة وهذا أمر لا يطاق ، فلم يتجه إيجابه ؛ بل إن رفعا إلى الحاكم أعرض عنهما إلى أن يصطلحا على شيء يتفقان عليه اه شرح ابن حجر . قوله : ( من قصاص ) أي فيما إذا قتلهما شخص عمداً فيقتل في أحدهما وعليه دية للآخر ، فإن عفى على مال فديتان ، وكذا إذا كان خطأ أو شبه عمد ، ولو أصاب أحد الملتصقين نجاسة فليس للآخر أن يصلي قبل زوال النجاسة من على صاحبه . ويلغز بذلك فيقال : شخص أصابته نجاسة فحرم على غيره أن يصلي حتى تزول النجاسة من على بدن من هي عليه . قوله : ( وغيرهما ) كالنكاح ، فيجوز لكل منهما أن يتزوج سواء كانا ذكرين أو أنثيين أو مختلفين ، ويجب الستر والتحفظ ما أمكن ، وفي الجمعة فإنهما يعدّان من الأربعين حيث كانا متوجهين إلى القبلة بأن كان كل منهما بجنب الآخر ، أما لو كانا مختلفين بأن كان ظهر أحدهما لظهر الآخر فلا يتأتى ذلك ويكون هذا عذراً في إسقاط الجمعة عن أحدهما اه .
قوله : ( فللأم من مال الولد السدس ) أي لاحتمال أن الميت ابن الذي له ولدان ، وعليه فيكون الميت مات عن أم وأخوين فالسدس محقق والثلث مشكوك فيه لاحتمال نسبة الولد للثاني ، فإن استلحقه الثاني أخذ الثلث كاملاً . قوله : ( في الأصح أو الصحيح ) هذا بالنظر للمدرك الذي للقول الضعيف ، فإنه إن كان مدركه قوياً عبر في مقابله بالأصح وإن كان ضعيفاً عبر فيه بالصحيح . قوله : ( في العدد ) بكسر العين المهملة . قوله : ( وقد يفرض لها أيضاً السدس ) أي بالنظر للحقيقة ، وإن سميناه ثلث الباقي عملاً بعدم الحاجب من الثلث إلى السدس(4/39)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
وتأدباً مع القرآن اه م ر . قوله : ( والمراد بها ) في كلام المتن أو في الحديث . قوله : ( تحجب البعدى منها ) شمل البعدى من جهة أمهات الأب كأم أم أم الأب فتسقط بالقربى من جهة الأب كأم أبي الأب كما صححه ابن الهائم أخذاً من الضابط المذكور اه م د . وقوله ( شمل الخ ) أي لأن البعدى والقربى من جهة الأب في هذا المثال . وقوله ( أخذاً من الضابط المذكور ) وهو قول الشارح : والقربى من كل جهة تحجب البعدى منها اه . قوله : ( كأم أب ) أي وهي الحاجبة ، وقوله : وأم أم أب هي المحجوبة ، وقوله : وأم أم أي وكأم الخ وهي الحاجبة ، وقوله : وأم أم أم هي المحجوبة ، وقوله : كأم أب هي الحاجبة ، وقوله : وأم أبي أب هي المحجوبة . قوله : ( تكملة الثلثين ) مراد العلماء بذلك أن السدس ليس فرضاً مستقلاًّ بل هو(4/40)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
مكمل للثلثين ، بدليل أنه لا يجب عند استغراق البنات أو بنات الابن القريبات الثلثين . قوله : ( وقد يجمعان بينهما ) أي إذا كان معه أي الأب أو الجدّ بنت أو بنت ابن أو هما أو بنتا ابن فله السدس فرضاً والباقي بعد فرضه ففرض البنت أو بنت الابن أو هما بالعصوبة . قوله : ( في حجب الحرمان ) أي بالشخص ولا يدخل على الأبوين والزوجين وولد الصلب ، وأما حجب الحرمان بالوصف فيمكن دخوله على كل الورثة ، وأما حجب النقصان فقد تقدم في ضمن بيان الفروض . وحاصل ما ذكره المتن خمسة وزاد الشارح سبعة ، فالجملة اثنتا عشرة ، وهم : الجدّات والأجداد وولد الأم والأخ الشقيق والأخ للأب والأخ للأم وابن الأخ الشقيق وابن الأخ للأب والعم الشقيق والعم للأب وابن العم الشقيق وابن العم للأب والمعتق ، وسكت عن حجب ولد الابن بالابن لأنه معلوم ولأنه لا يحجب دائماً بل إن كان ولد الصلب ذكراً حجبه وإِلا فلا . والقاعدة أنه يقدم بالجهة ، ثم إذا اتحدت قدم بالقرب ، فإذا اتحدا في القرب قدم بالقوّة كما قال :
فبالجهة التقديم ثم بقربه
وبعدهما التقديم بالقوّة اجعلا وترتيب الجهات البنوّة ثم الأبوة ثم الجدودة والإخوة ثم بنو الإخوة ثم العمومة ثم بنو العمومة ثم الولاء ثم بيت المال ، فالتقديم بقرب الجهة على الترتيب ثم إذا اتحدت قدم بالقرب في الدرجة ثم إذا اتحدت قدم بالقوة .
قوله : ( لأن الجدة ) المناسب العطف ليكون من عطف علة على أخرى . قوله : ( ويسقط ولد الأم الخ ) حاصله أن الأخ للأم يسقط بالفرع الوارث والأصل الذكر . قوله : ( ولآيتي الكلالة ) والأولى هي قوله : ) وإن كان رجل يورث كلالة } ) النساء : 12 ) الخ والثانية قوله : ) يستفتونك } ) النساء : 176 ) الخ ؛ لكن الذي يدل على مدعانا وهو سقوط ولد الأم بالولد وولد الابن الآية الأولى بطريق المفهوم ، وأما الثانية فلا دليل فيها على ما هنا ، فالأولى أن(4/41)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
يقول : ولآية الكلالة أي ولمفهوم آية الكلالة أي الأولى لأن ولد الأم مذكور فيها بقوله أخ أو أخت أي من أم ومفهوم الآية أن الميت إذا خلف ولداً أو والداً سقط ولد الأم اه . قوله : ( أما اتحاد جهتهما ) أي في الإرث . قوله : ( كالأخ مع الأب ) الأولى أن يقول : كالأب مع الأخ . قوله : ( لقوته ) حاصله أنه حيث اتفقت الدرجة يعبر بالقوة وإذا اختلفت يعبر بالقرب . قوله : ( بزيادة القرب ) صوابه بزيادة القرابة . قوله : ( لأنهما يحجبان أباه ) أي ابن الأخ . قوله : ( لما مر ) أي من التعاليل السابقة . قوله : ( كالمحرمية ) أي في الجملة لا في كل قرب وكذا يقال فيما بعده . قوله : ( وسقوط القصاص ) أي فإن الأصل إذا قتل فرعه لا يقتل فيه ، وأما المعتق إذا قتل عتيقه فإنه يقتل فيه ، وأيضاً الأصل ينفق على فرعه بخلاف المعتق فلا تلزمه نفقة عتيقه . قوله : ( وعدم صحة الشهادة ) بخلاف المعتق فتصح شهادته لعتيقه وشهادة عتيقه له . قوله : ( منصوب بالكسرة ) نص على ذلك خوفاً من تحريفه وقراءته(4/42)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
بالنون جمع أخ بأن يقرأ إخوانهم ، والمراد أن الإناث مقصورات على تعصيبهن بإخوتهن لا أن الإخوة مقصورون على تعصيب أخوانهن ؛ لأن ابن الابن يعصب غير أخته كعمته وعمة أبيه وعمة جده وبنت عمه كما يأتي سم . والقصر مستفاد من خارج لا من العبارة .
قوله : ( جمع مؤنث ) بإضافة مؤنث إلى جمع وجر سالم صفة لمؤنث اه ق ل . والصواب أن سالماً بالنصب صفة لجمع لأنه الموصوف بالسلامة . وأجيب بأنه جر للمجاورة .
قوله : ( وأربعة ) قال ابن قاسم وكأنه سكت عن الأب والجد فإنهما أيضاً يرثان دون أختيهما لفهمهما من الأعمام ، بجامع أن الأخت في الموضعين عمة . فإن قلت : فلم آثر عدم إضافة إرثهما للأعمام على إضافته للأب والجد ؟ قلت : لأن إرث الأعمام بالتعصيب فقط ، بخلاف الأب والجد فإن لهما حالتين فكان إضافة عدم تعصيبهما للأعمام أولى تأمل .
قوله : ( وبنو الأعمام ) هو من الإظهار في محل الإضمار لغير حكمة ، وقد يقال : قصده الإيضاح على المبتدي .
قوله : ( لانجرار الولاء ) أي ولو في حال الحياة فليس مبنياً على ضعيف من عدم ثبوته في حال حياة المعتق .
قوله : ( فلأن ) اللام لام الابتداء وما بعدها في تأويل مصدر مبتدأ ، وقوله ( أولى ) خبر ، والتقدير : فلعدم إرثهن في الولاء أولى .(4/43)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
قوله : ( مضطرب ) أي حصل اختلاف في سنده ، أي رجاله ، بأن رواه واحد على وجه ثم رواه على وجه آخر بزيادة في السند أو نقص منه ، أو حصل اختلاف في متنه بأن وقع تغيير للفظه ومعناه ؛ وما كان كذلك لا يحتج به كما قاله الشارح ولذا قيل :
وذو اختلاف سند أو متن
مضطرب عند أهيل الفنّ
قوله : ( ولا شيء للإناث الخلّص ) فإذا وجد ابن عم مثلاً أو معتق أو عصبته فإنه يأخذ الباقي فيقدم على بنات الابن إِلا إذا كان لهن قريب مبارك وهو واحد من أولاد الابن أنزل منهن .
قوله : ( أسفل منهن ) أي أو معهن ، كذا قيل . وهذه الزيادة لا تصح لأن الذي معهن معلوم من قوله قبله أو الذكور والإناث .
قوله : ( وإنما يعصب ) أي في صورة ما إذا أخذ بنتا الصلب الثلثين .(4/44)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
3 ( ( فصل : في الوصية ) ) 3
ذكرها عقب الفرائض المتعلقة بالموت لأن الإجازة والرد والقبول وثلث المال إنما تعتبر بعد الموت ، وبهذا يجاب عن الاعتراض الآتي م ر . وذكرها شيخ الإسلام في التحرير عقب الحوالة ، ومناسبتها للحوالة أن الحوالة تحوّل من ذمة إلى ذمة والوصية تحوّل الموصى به إلى الموصى له والشخص له حالتان حالة حياة وحالة موت ، فالحوالة انتقال في الحياة والوصية انتقال بعد الموت فالجامع بينهما مطلق الانتقال اه .
فائدة : قال الدميري : رأيت بخط ابن الصلاح أبي عمر أن من مات بغير وصية لا يتكلم في مدة البرزخ وأن الأموات يتزاورون في قبورهم سواه فيقول بعضهم لبعض : ما بال هذا فيقال مات من غير وصية اه ويمكن حمل ذلك على ما إذا مات من غير وصية واجبة بأن نذرها أو خرج مخرج الزجر . قوله : ( الشاملة للإيصاء ) أي على الأولاد . وحاصله أنها تطلق على أربعة معان : على العين وعلى مقابل الإيصاء ، وتعرّف بما في الشرح ، وتطلق على ما يشمل الإيصاء وتعرّف بإثبات حق بعد الموت سواء كان فيه تبرّع أو لا وتطلق على الإيصاء وتعرّف بأنها إثبات تصرف بعد الموت .
قوله : ( من وصي ) كوعي يعي فهو بالتخفيف ومن قرأه بالتشديد فقد صحفه اه عناني . قوله : ( لأن الموصي ) كان الأنسب تأخيره عن المعنى الشرعي لأنه توجيه لتسميته وصية . قوله : ( وصل خير دنياه ) أي الخير الواقع منه في دنياه كتبرعاته المنجزة في حال حياته وطاعاته الواقعة منه ، وقوله : ( بخير عقباه ) أي بالخير الواقع منه في عقباه أي في آخرته أي وصل القربات المنجزة الواقعة منه في الدنيا بالقرب المعلقة بموته التي تكون بعده ، والأنسب أن يقال : وصل خير عقباه بخير دنياه لأن الأصل إيصال المتأخر بالمتقدم ح ل ملخصاً . وأجيب بأن العبارة مقلوبة قال بعضهم القلب غير متعين لأن الإيصال أمر نسبي فوصل الثاني بالأوّل كوصل الأوّل بالثاني ؛ لأن كلاًّ منهما موصول بالآخر وبعد ذلك الذي بعد الموت ليس واقعاً من الموصي فكيف ينسب إليه أنه وصله بما قبله أو وصل ما قبله به فكان الأولى وصل خير دنياه بعضه ببعض لأن الذي وقع من الموصي هو اللفظ والصيغة وهو خير اتصل بما فعله من الطاعات ، إِلا أن يقال لما كان الموصي تسبب فيما بعد الموت بلفظه المذكور نسب إليه ما ذكر . والأفضل تقديم القريب غير الوارث وتقديم المحرم منهم ثم ذوي رضاع ثم ذوي ولاء ثم جوار وأهل الخير المحتاجون ممن ذكر أولى من غيرهم . قوله : ( لا بمعنى الإيصاء ) احترز به عن(4/45)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
الوصية بمعنى الإيصاء ، فلا تشتمل على تبرع كالإيصاء على أطفاله أو الإيصاء بدفع أعيان لملاكها أو بقضاء الديون إذ لا تبرع في شيء من ذلك .
وتعريفها بمعنى الإيصاء إثبات تصرف بعد الموت . قوله : ( مضاف ) بالرفع نعت تبرع وبالجر نعت حق ، والظاهر أن الأوّل أولى لأن المضاف هو إعطاء الحق الذي هو التبرع فهو نعت حقيقي بخلاف ما إذا جعل نعت حق يكون نعتاً سببياً اه م د . والتقدير مضاف إعطاؤه ، والأولى جره صفة لحق لأن التبرع في الحال والحق إنما يعطى للموصى له بعد الموت فهو المضاف لما بعد الموت لا التبرع ، فما في حاشية المدابغي من أن الأولى قراءة مضاف بالرفع غير ظاهر . قوله : ( ولو تقديراً ) كأن يقول : أوصيت بكذا فكأنه قال بعد موتي ؛ مرحومي . والتحقيق كأعطوه كذا بعد موتي . قوله : ( ليس بتدبير ولا تعليق عتق ) بصفة أي لأنهما لا يتوقفان على القبول ولا يقبلان الرجوع بالقول وإن قبلا الرجوع بالفعل كبيع ونحوه ولو كانا من قبيل الوصية لصح الرجوع عنهما بالقول . قوله : ( حكماً ) وهو الحسبان من الثلث . قوله : ( أو الملحق به ) كالتقديم للقتل واضطراب الريح في حق راكب السفينة . قوله : ( وكان الأنسب الخ ) فإن قلت : كل منهما يتوقف على الموت فلم قدّم الفرائض ؟ قلت : لعدم تخلفها أصلاً بخلاف الوصايا فقد تقع وقد لا تقع اه م د . وعبارة ع ش : قد يقال مجرد تأخيرها عن الموت لا يستدعي تأخيرها عن الفرائض لأن أحكام الوصية وقسمة المواريث إنما هي بعد الموت ، فكان الأولى في التعليل أن يقول أخرها عن الفرائض لأن الفرائض ثابتة بحكم الشرع لا تصرف للميت فيها وهذه عارضة فقد توجد وقد لا . قوله : ( من بعد وصية الخ ) تقديم الوصية في الآية على الدين للاهتمام بشأنها ولأن النفس قد لا تسمح بها وإِلا فهو مقدم عليها شرعاً ، وأيضاً قدمت حثاً على إخراجها لكونها من غير عوض . قوله : ( المحروم من حرم الخ ) أي من هذه الجهة بخصوصها وإِلا فيثاب على ما فعله من الطاعات . قوله : ( من مات على وصية ) كلام مستأنف وقوله وسنة عطف تفسير أي طريق الخير ، وقوله ( وشهادة ) أي تصديق بكتاب الله(4/46)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
وسنة رسوله حيث عمل بما فيهما ، أو معناه أنه يكتب له أجر شهيد أو مات معترفاً بما تضمنته كلمة الشهادة من الإقرار لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة . قوله : ( وبقي استحبابها في الثلث ) وتعتريها الأحكام الخمسة فهي سنة مؤكدة إجماعاً وإن كانت الصدقة في الحياة أفضل منها ، وقد تباح كالوصية للأغنياء وللكافر والوصية بما يحلّ الانتفاع به من النجاسات ، وعلى هذا النوع أعني المباح حمل قول الشافعي إن الوصية ليست عقد قربة أي دائماً بخلاف التدبير ، وقد تجب وإن لم يقع به مرض فيما إذا ترتب على تركها ضياع حق عليه أو عنده ، وقد تحرم لمن عرف منه أنه متى كان له شيء في تركته أفسدها ، وقد تكره إذا زادت على الثلث أو كانت للوارث اه م د . وقوله ( ضياع حق الخ ) هدا إيصاء وليس الكلام فيه فالأولى تصوير الوجوب بما إذا نذرها اه . قوله : ( موصى له ) قضية جعله من الأركان أنه يشترط ذكره والمعتمد خلافه ، فلو اقتصر على قوله أوصيت بثلث مالي صح ويصرف في وجوه البر .
قوله : ( وبالمكاتب ) أي إن كانت الكتابة فاسدة كما صرحوا بذلك في الكتابة ، ثم رأيت م ر في شرحه قال : وكذا تبطل الوصية به أي بالمكاتب كتابة صحيحة إن كانت منجزة ، بخلاف ما لو علقها بعدم عتقه بأن قال أوصيت به إن لم يعتق بأن عجز نفسه . والحاصل أنه إن حملت الكتابة على الفاسدة كانت الغاية صحيحة وإن حملت على الصحيحة كانت الغاية ضعيفة . قوله : ( كسماد ) أي سرجين ورماد ؛ وعبارة المصباح : السماد بوزن كلام ما يصلح به الزرع من تراب وسرجين وهو المسمى بالسباخ . قوله : ( قابل للدباغ ) خرج به ما لا يقبل الدباغ ، أي ما لا يطهر به وهو جلد الكلب والخنزير اه . قوله : ( لطعم الجوارح ) بضم الطاء كالكلاب والطيور . قوله : ( وخمر محترمة ) أي لا غيرها ، وهي ما عصرت لا بقصد الخمرية أي من(4/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
المسلم ، أما خمرة الكافر فمحترمة مطلقاً اه م د . قوله : ( أعطى الموصى له أحدها ) أي بتعيين الوارث . قوله : ( فإن لم يكن له ) أي وقت الموت . قوله : ( لغت وصيته ) أي بطلت لأن الكلب يتعذر شراؤه ولا يلزم الوارث اتهابه شرح المنهج . وقوله : لأن الكلب يتعذر شراؤه فيه بحث لأنه ينبغي أن يجوز بذل المال في مقابلة النزول عن الاختصاص ، فهلا صحت الوصية إذا قال من مالي لإمكان تحصيله بالمال بهذا الطريق . قاله سم . وقوله ( اتهابه ) أي قبوله ، وإِلا فالهبة لا تكون إِلا فيما يملك فالهبة هنا بمعنى القبول اه ح ل . قوله : ( نفذت وصيته ) أي في الصورتين . وخرج بقوله ( له مال ) ما لو لم يكن له مال بل له كلاب فقط وأوصى بها ، أو له مال وكلاب وأوصى بها ، وبثلث المال المتموّل فإنه يدفع للموصى له ثلثها عدداً لا قيمة إذ لا قيمة لها ؛ شرح المنهج ملخصاً . فجملة الصور ستة ، والظاهر أن مثل ذلك يجري في النجس الذي يحل اقتناؤه اه م ر . وقوله ( وأوصى بها ) أي كلاًّ أو بعضاً ، وكذا يقال في التي بعدها ، وبهذا يتضح قوله فجملة الصور ستة . وقوله ( فإنه يدفع للموصى له ثلثها عدداً ) هذا إذا كانت مفردة عن اختصاص ، أما لو كانت مختلفة الأجناس فيعتبر الثلث بفرض القيمة عند من يرى لها قيمة كأن خلف كلباً نافعاً وخمرة وزبلاً وقد أوصى بها فيأخذ ثلثها بفرض القيمة كما ذكر اه . قوله : ( أو عبد من عبيدي ) ويعينه الوارث سم .
تنبيه : يشترط في الموصى به كونه مقصوداً يحل الانتفاع به . قال في الروض وشرحه : الركن الثالث الموصى به وشرطه أن يكون مقصوداً يحل الانتفاع به فلا تصح الوصية بدم ونحوه مما لا يقصد ولا بمزمار ونحوه مما لا ينتفع به شرعاً لأن المنفعة المحرمة كالمعدومة اه .
قوله : ( أو قدره ) بالرفع عطفاً على عينه ، وكذا ما بعده . قوله : ( وكان ينفصل ) الواو للحال ، لكن كيف هذا مع ما يأتي من عدم اشتراط وجود الموصى به عند الوصية . والجواب أنه قيد للتصوير لفقد الصفة فقط دون الموصوف لأن الحمل مجهول الذكورة والأنوثة ، فقول الشارح وكان ينفصل مثال للموجود الذي صفته مجهولة وهي الذكورة والأنوثة وإِلا فالوصية تصح بالمجهول وبالمعدوم . وعبارة المنهج : إن انفصل الخ ، قال ع ش : أي ولم يحصل هناك تفريق محرّم بأن عاش الموصي إلى تمييز الموصى به ، أما لو مات قبل التمييز بطلت الوصية . اه طب . ومال إليه سم نقلاً عن م ر خلافاً للزيادي . قوله : ( لوقت يعلم وجوده عندها ) بأن(4/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
تلده لدون ستة أشهر من الوصية أو لأكثر منها ولأربع سنين فأقل ولم تكن فراشاً ، فإن ولدته لأكثر أو كانت فراشاً لم تصح الوصية وهذا في حمل الآدمي ، أما حمل البهيمة فيرجع فيه لأهل الخبرة بالبهائم . وقوله : حياً أو ميتاً مضموناً كجنين الأمة ، بخلاف حمل الدابة إذا انفصل ميتاً فتبطل مطلقاً سواء كان مضموناً أو لا ، والأرش للوارث حينئذ لا للموصى له . ومحل الاحتياج لهذا كله إذا قال أوصيت بهذا الحمل الموجود أما لو أوصى بالحمل ولم يقل الموجود فيصح وإن لم يحدث إِلا بعد الوصية . قوله : ( لأن الوصية ) علة لقوله وتجوز الوصية بالشيء المجهول ، وفيه أنه تعليل للشيء بنفسه . يردّ ذلك بأن العلة احتمال الجهالة أي اغتفارها ، وكان الأولى أن يعلل بما علل به في شرح الروض وهو أن الله تعالى أعطى عبده التصرف في ثلث ماله وقد لا يعرف ذلك في آخر عمره لغيبة أو مرض أو نحو ذلك . قوله : ( تحتمل الجهالة ) أي فالإبهام أولى وإنما لم تصح لأحد الرجلين ؛ لأنه يحتمل في الموصى به لكونه تابعاً ما لا يحتمل في الموصى له ، ومن ثم صحت بحمل سيحدث لا لحمل سيحدث اه شرح م ر . قوله : ( وبما لا يقدر الخ ) معطوف على قوله بمجهول . وقوله ( كالطير ) أي والصورة أنه كان ملكه . قوله : ( لأن الموصى له ) علة لقوله وبما لا يقدر على تسليمه . وقوله ( في ثلثه ) الضمير راجع للموصى له ، أي يخلف الميت في ملك ثلثه أي الثلث الصائر له بالوصية كما يخلفه الوارث في ملك ثلثيه الصائرين له بالإرث . قوله : ( كما يخلفه الوارث في ثلثيه ) أي والوارث لا يشترط في كونه يخلف الميت في ثلثيه أن يكون المورّث يقدر على تسليمهما له ، فكذلك الموصى له لا يشترط أن يكون الموصي يقدر على تسليم الثلث للموصى له . قوله : ( وتجوز بالشيء المعدوم ) تفسير المعدوم بالشيء فيه تسامح ؛ لأن الشيء عندنا هو الموجود ، وقد يقال : هذا اصطلاح أهل العقائد ومراد الفقهاء ما هو أعم . قوله : ( بثمرة أو حمل ) لكن إن أوصى بهذا العام أو كل عام عمل به ، وإن أطلق وقال : أوصيت بما يحدث فهل يعم كل سنة أو يختص بالسنة الأولى ؟ قال ابن الرفعة : الظاهر العموم ، وسكت عليه السبكي ؟ وهو ظاهر . خطيب وم ر ع ش . قوله : ( سيحدث ) أي كل منهما لأن العطف بأو . قوله : ( بعقد السلم ) أي فلو أسلم في رطب أو برّ من تمر أو زرع هذه القرية لتأتي به زمن الجذاذ أو الحصاد وكان عقد السلم قبل أن ينعقد الطلع ويبرز البرّ كان السلم في شيء معدوم . قوله : ( والمساقاة ) أي فإذا ساقاه على بستان ليكون ما يحدثه الله من الثمرة بينهما نصفين فقد تملك بالعقد ما هو(4/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
مفقود عنده . قوله : ( والإجارة ) لأن المنافع المعقود عليها مفقودة عند العقد إذ لا تستوفى حالاً . قوله : ( وتجوز بالمبهم ) ليس هذا من قبيل المجهول ، إذ الإبهام لا ينافي العلم فسقط قول ق ل : هذا من أفراد مجهول العين المتقدم . قوله : ( وتجوز بالمنافع الخ ) هذا من أفراد المعدوم ، ويدل على ذلك جعله الإجارة فيما تقدّم من أفراد تلك المعدوم لأن المنفعة فيها لا تستوفى حالاً فهي معدومة عند العقد . قوله : ( مؤقتة ومؤبدة ومطلقة ) ثم إنه في التأبيد أو الإطلاق تعتبر قيمة العين بمنفعتها معاً من الثلث وأما إن أقتت بمدة معلومة اعتبرت قيمة المنفعة فقط من الثلث مثلاً إذا كانت قيمة العين بمنفعتها مائة وبدون المنفعة ثمانين اعتبرت المائة في الأوّل ، أي إذا أوصى بها مع منفعتها والعشرين في الثاني من الثلث ، وأما إذا قيد بمدة حياته أو حياة زيد فإنه إباحة لا تمليك فلا تورث عنه ، وكذا يكون إباحة إذا قيد بمجهولة ، وكذا لو أوصى له أن يسكنها فإنه إباحة لا تورث عنه ، بخلاف ما لو أوصى له بسكناها فإنه تمليك فتورث عن الموصى له . قوله : ( لأنها ) أي المنافع . قوله : ( وتجوز بالعين دون المنفعة ) وتصح بمرهون جعلاً وشرعاً ، ثم إن بيع في الدين بطلت وإِلا فلا ويصح قبول الموصى له بعد الموت وقبل فك الرهن اعتباراً بما في نفس الأمر اه حج .
قوله : ( صح ) ويكون إبراء وإسقاطاً فلا يحتاج إلى قبول ولا يقبل الرجوع لا وصية حقيقة حتى يحتاج للقبول ميداني . قوله : ( معتبرة من الثلث ) المراد بكونها معتبرة من الثلث أنها إذا كانت بالثلث فأقل لا تتوقف على إجازة الوارث كما يدل له ما سيأتي . قوله : ( أوصى به ) أي الثلث ، والأولى حذفه لأن الثلث ليس بلازم . قوله : ( لاستواء الكل ) أي ما أوصى به في(4/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
الصحة وما أوصى به في حال المرض . قوله : ( حال الموت ) بدل من وقت اللزوم ، أي لأنه وقت خروج الأموال حقيقة عن ملك المالك . قوله : ( يوم الموت ) أي وقته . قوله : ( فلو أوصى بعبد ) يتأمّل في تفريع هذه إذ الفرض أنه أوصى بثلث ماله وإنما يظهر تفريعها على اعتبار المال يوم الموت ، نعم يظهر تفريع الثانية . قوله : ( تعلقت الوصية به ) أي بثلثه إن لم يكن له مال غيره وبكله إن كان له مال يعدله مرتين كأن كان عنده ما يساوي ستين ديناراً وملك عبداً قيمته ثلاثون ديناراً لكن لا يتعين صرف هذا العبد للوصية بل للوارث العدول عنه وشراء عبد غيره ولو على غير صفة العبد الذي ملكه الموصي قياساً على ما لو أوصى بشاة من ماله وكان له شياه اه شيخنا عزيزي . قوله : ( هو الثلث الفاضل ) صوابه : ( ثلث الفاضل ) بالإضافة وإسقاط ( أل ) ولعل عبارة الشارح : الثلث للفاضل ، بلام الجر ، فحرّفها النساخ . قوله : ( حتى ننفذها ) الظاهر أن حتى ابتدائية أي فننفذها ويصح أن تكون تعليلية أي لأجل أن ننفذها الخ اه م د . قوله : ( لو أبرىء ) بالبناء للمفعول أو للفاعل لأن الغريم مشترك بين صاحب الدين وبين المدين ، لكن كونه مبنياً للمفعول أنسب لما بعده . قوله : ( لخبر ) دليل لقوله وهي معتبرة من الثلث . قوله : ( تصدق عليكم ) أي منّ وتفضل أي جوّز لكم التصرف فيه . وقوله ( عند وفاتكم ) أي عند قرب وفاتكم . وقوله ( في أعمالكم ) أي في ثواب أعمالكم . قوله : ( من رأس المال ) أي لأنها استحقت العتق من رأس المال فلا يؤثر فيه التنجيز خلافه ، ولا فرق في(4/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
الاستيلاد بين وقوعه في الصحة أو المرض . قوله : ( قيمة ما يفوت الخ ) حاصله أن التبرع إن كان منجزاً فيعتبر ما يفوت وهو الذي يأخذه المتبرع له بوقت الإعطاء لا بوقت الموت ، وما يبقى للورثة وهو الثلثان يعتبر بوقت الموت فقط ، وأما إذا كان ما يفوت مضافاً لما بعد الموت فتعتبر قيمته بوقت الموت فقط ، وما يبقى للورثة يعتبر بأقل قيمة من الموت إلى القبض . وبهذا تعلم أن قوله وفيما يبقى للورثة راجع للثاني وهو المضاف لما بعد الموت لا له مع الأول وإن كان ظاهر كلامه رجوعه لهما ويكون سكت عن قيمة ما يبقى للورثة في المنجز . وعبارة م د : قال في شرح الروض : فسيأتي في العتق أنه يعتبر لمعرفة الثلث فيمن أعتقه منجزاً في المرض قيمته يوم الإعتاق وفيمن أوصى بعتقه قيمته يوم الموت لأنه وقت الاستحقاق وفيما يبقى للورثة أقل قيمة من الموت إلى القبض لأنه إن كان الخ . قوله : ( وفيما يبقى الخ ) الظاهر أن في زائدة وهو راجع للصورتين ، أي فيما إذا نجز أو أوصى بعتق . قوله : ( القبض ) أي قبض الوارث بأن يكون ليس عنده حال الموت . قوله : ( لأنه ) أي ما يبقى للورثة ، وهو على حذف مضاف أي قيمته . قوله : ( حصلت في ملك الوارث ) أي فلا تحسب عليه . قوله : ( وكيفية اعتبارها الخ ) أي التبرعات سواء كانت وصية أم لا بدليل كلامه الآتي ، يعني لا يطلق القول بالتوزيع على الجميع ولا بتقديم بعضها على بعض بل فيها التفصيل المذكور . وحاصله أنه إما أن يتمحض عتقاً أو غيره أو يكون البعض عتقاً والبعض الآخر غيره ، فهذه ثلاث صور . وعلى كل إما أن تكون كلها مرتبة أو لا أو البعض مرتب والبعض غير مرتب فهذه تسعة حاصلة من ضرب ثلاثة في ثلاثة . وعلى كل إما تكون معلقة أو منجزة أو البعض معلق والبعض منجز ، فالجملة سبعة وعشرون . وعلى كل إما أن يسعها الثلث أو لا فتصير الصور أربعاً وخمسين صورة . وحكمها أنه إن كان البعض معلقاً والبعض منجزاً قدم المنجز مطلقاً أي سواء تقدّم أو تأخر وسواء كان عتقاً أو غيره لإفادته الملك حالاً ، وإن كانت مرتبة قدّم الأول فالأول إلى تمام الثلث مطلقاً أي سواء المنجزة وغيرها عتقاً أو غيره ، وإن كانت دفعة فالمتمحضة عتقاً سواء المعلقة والمنجزة يقرع فيها بين الجميع ، وإن كانت غير عتق أو عتقاً وغيره وزع الثلث على الجميع ؛ شيخنا .
قوله : ( في وصية ) الأولى حذفه ، أو يقول بدله : في مال ؛ لأن قوله متعلقة بالموت مستدرك مع قوله في الوصية . قوله : ( وإن كانت مرتبة ) صوابه وإن كان غير مرتبة ، بدليل تمثيله ق ل . والواو في كلامه للحال . وأقول : لا تصويب لأن مراد الشارح الترتيب في اللفظ لا(4/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
الترتيب النحوي الذي يكون بمرتب كالفاء بدليل تمثيله له بقوله : أو سالم الخ ، وكما يدل عليه قوله أيضاً : وإنما لم يعتبر ترتيبها ، والقليوبي فهم أن المراد الترتيب النحوي فاعترض تأمّل . قوله : ( فإن تمحض ) عبارة المنهج : فإن تمحضت عتقاً انتهت . قوله : ( كأن قال إذا مت الخ ) المثال الأول لغير المرتبة والثاني للمرتبة أي في اللفظ . قوله : ( فمن قرع ) أي خرجت قرعته . وقوله ( عتق منه ) أي من المذكور واحداً بعد واحد ق ل . قوله : ( وإنما لم يعتبر ترتيبها ) أي اللفظي ؛ لأن الواو لا تفيد ترتيباً . قوله : ( نعم إن اعتبر ) استدراك صوري على قوله ( أقرع بينهم ) . قوله : ( أو تمحض ) معطوف على قوله ( فإن تمحض عتقاً ) وقوله تبرعات كأن أوصى لزيد بمائة ولعمرو بخمسين ولبكر بخمسين ولم يرتب قسط الثلث على الجميع باعتبار المقدار ، ففي هذا المثال إذا كان ثلث المال مائة يعطى زيد خمسين وكل من عمرو وبكر خمسة وعشرين ومثال التقسيط باعتبار القيمة كأن أوصى لزيد بعين قيمتها مائة ولكل من عمرو وبكر بعين قيمتها خمسون ولم يرتب وكان ثلث ماله مائة فيعطى كل من الثلاثة نصف العين التي أوصى له بها . قوله : ( باعتبار القيمة ) أي في المتقومات كأن أوصى بعين . وقوله ( أو المقدار ) أي في المثليات كأن أوصى بمائة دينار . قوله : ( أو اجتمع عتق وغيره ) أي ولم يرتب . قوله : ( فإنه يعتق كله ) لتشوف الشارع للعتق . قوله : ( أو اجتمع الخ ) مقابل قوله متعلقة بالموت . قوله : ( منجزة ) أي وكانت مرتبة ، بدليل قوله : قدم الأول ، وقوله الآتي : فإن وجدت هذه التبرعات دفعة ؛ وقوله ( دفعة ) بضم الدال اه حج . قوله : ( واتحد الجنس ) ليس بقيد لأن مثله ما لو اختلف ، كأن(4/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
تصرف واحد من وكلائه ووقف آخر وأعتق آخر دفعة فإنه يقسط الثلث أيضاً على الجميع باعتبار القيمة ، فإذا كان ثلث ماله مائة وكانت قيمة كل واحد مما ذكر مائة نفذ من كل ثلثه . وعبارة المنهج : وإذا اجتمع تبرعات متعلقة بالموت وعجز الثلث عنها فإن تمحضت عتقاً أقرع وإِلا قسط الثلث كمنجزة ، فإن ترتبت قدم أول فأول إلى الثلث . قوله : ( من التشقيص ) أي التبعيض . قوله : ( فروع ) أي ثلاثة . قوله : ( ولا إقراع ) أي بين غانم وسالم لاحتمال أن تخرج القرعة بالحرية لسالم فيلزم إرقاق غانم فيفوت شرط عتق سالم ، فإن لم يخرج من الثلث عتق بقسطه أو خرج مع سالم أو بعضه منه عتقاً في الأول وغانم وبعض سالم في الثاني شرح المنهج .
قوله : ( ولو أوصى بحاضر هو ثلث ماله ) كأن قال أوصيت بهذا المال الحاضر لزيد . قوله : ( لم يتسلط موصى له ) لأن تسلطه متوقف على تسلط الوارث على مثلي ما يتسلط عليه والوارث لا يتسلط على ثلثي الحاضر لاحتمال سلامة الغائب ، شرح المنهج . وقد يناقش في منع الموصى له من التسلط على ثلث الحاضر بأنه ثابت له على كل حال تلف الغائب أو سلم ؛ لكن لما توقف تسلطه على تسلط الوارث على مثلي ما تسلط عليه وكان الوارث لا يتسلط على ثلثيه لاحتمال سلامة الغائب لم يكن له التسلط على ثلثه اه م د . قوله : ( ولو أوصى بالثلث ) بأن قال : أوصيت بثلث مالي . قوله : ( الثلث ) مبتدأ خبره محذوف ، أي يوصى به أو مفعول ، أي الزم الثلث . قوله : ( والثلث كثير ) مبتدأ وخبر ، وهو محل الدليل ؛ قال لسعد بن أبي وقاص حين مرض بمكة فأتاه النبي يعوده فقال : يا رسول الله أوصي بمالي كله ؟ فقال : ( لا ) ، فقال : فالشطر ؟ فقال : ( لا ) فقال : الثلث ؟ قال النبي : ( الثلثُ والثلثُ كَثِيرٌ ) وقوله ( فالشطر ) بالجر على تقدير : فبالشطر ، وبالرفع على تقدير : فالشطر أتصدق به ، وبالنصب على نزع الخافض ، ومثله ( فالثلث ) . وقوله ( الثلث ) بالنصب منصوب بالإغراء أي : الزم الثلث ، ويصح رفعه على أنه فاعل لفعل محذوف ، أي : يكفيك ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : الثلث كافيك .(4/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
ولم يكن له إِلا ابنة وكان اسمها عائشة ، وقد قال له النبي : ( لعلّكَ تخلف ) أي تبقى ( بعد هذا الزَّمانِ ) فعاش بعد ذلك نحو خمسين سنة اه ؛ وبقيته : ( فإنّك أن تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خيْرٌ مِنْ أن تَذَرَهُمْ عالةً يتكَفَّفُونَ النَّاسَ ) أي فمنعه من الزيادة لأجل حق الورثة فتوقف على إجازتهم وكان حق الشارح ذكر هذه البقية لأنها محل الدليل لما ادّعاه إِلا أن يكون أراد إلى آخر الحديث . وقوله ( ورثتك ) إنما عبر بالورثة لأنه اطلع على أن سعداً سيعيش وتأتيه أولاد غير البنت المذكورة ، فكان كذلك فبلغوا عشرة أولاد وذكر له من البنات ثنتا عشرة بنتاً ، فعاش بعد المرض المذكور قريباً من خمسين سنة ، فهو من أعلام نبوّته . وقوله ( عالة ) أي فقراء ، وهو جمع عائل وهو الفقير ، والفعل منه عال يعيل إذا افتقر ، وأصل عالة عيلة تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً ؛ قال في الألفية :
وشاع نحو كامل وكمله
وقوله : ( يتكفّفون ) أي يسألون الناس بأكفهم ، يقال : تكفف الناس واستكف الناس إذا بسط كفه للسؤال أو سأل ما يكفّ عنه الجوع أو سأل كفاً من طعام . وقوله ( أن تذر ) بفتح الهمزة وان والفعل في تأويل مصدر مبتدأ وخير خبره ، والتقدير : أي تركك ورثتك أغنياء خير الخ ، والمصدر مأخوذ من المعنى لأن تذر لا مصدر له .
فائدة : أوّل من أوصى بالثلث في الإسلام البراء بفتح الباء والراء ممدوداً مخففاً ابن معرور بمهملات كمقصود وزناً ومعنى ؛ وهو أنصاري خزرجي أسلمي رضي الله عنه أوصى به للنبي وكان قد مات في صفر قبل أن يدخل النبي المدينة بشهر فقبله النبي وردّه على ورثته اه م د على التحرير .
قوله : ( إنها محرمة ) مرجوح أو محمول على ما إذا قصد حرمان الورثة ق ل . وتبع في قوله ( أو محمول ) الأذرعي ، واعتمد م ر في شرحه خلافه . واستشكل بعضهم الحرمة مع التوقف على الإجازة على أن الزيادة غير محققة لاحتمال تغير المال عند الموت بالزيادة إِلا أن يقول بنصف مالي مثلاً عند الموت ، وقد يقال : إن الحرمة من حيث إتيانه بما لم يرض به ، وفيه نظر ق ل على الجلال . وعبارة سلطان : المعتمد أنها مكروهة وإن قصد حرمان الورثة على أنه لا حرمان أصلاً . أما الثلث فإن الشارع وسع له في ثلثه ليستدرك به ما فرط منه فلم يغير قصده ذلك . وأما الزائد عليه فإنما ينفذ إن أجازوه ومع إجازتهم لا ينسب إليه حرمان فهو لا يؤثر في قصده .(4/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
قوله : ( إن توقعت أهليته ) بأن كان صبياً أو مجنوناً توقعت إفاقته بقول أهل الخبرة ، خرج به ما لو تتوقع كجنون مستحكم أيس من زواله بأن شهد بذلك خبيران ، لأن تصرف الموصي وقع صحيحاً بحسب الظاهر فلا يبطل إِلا بمانع قويّ ، وعلى كل حال فمتى برىء وأجاز بان نفوذها . قوله : ( تنفيذ ) أي لتصرف الموصي ، والقول الثاني أن الزيادة عطية مبتدأة من الوارث وأن الوصية بالزيادة لغو ويترتب على الخلاف أنها لا تحتاج على الأول للفظ هبة من الوارث ولا لتجديد قبول وقبض ولا رجوع للمجيز قبل القبض وتنفيذ من المفلس بخلافه على الثاني ، ويترتب على ذلك أيضاً الزوائد الحاصلة بعد الموت فإنها للموصى له لا للوارث وله على الثاني لا الموصى له ، وعليهما لا بد من معرفته ما يجيزه من التركة إن كانت بمشاع لا معين ، وينبغي أن يعرف الوارث قدر الزائد على الثلث وقدر التركة ، فلو جهل أحدهما لم يصح كالإبراء من المجهول ولو أجاز الوارث ثم قال : كنت أعتقد قلة التركة فبانت أكثر مما ظننت ؛ قال في الأم والإملاء : يحلف وتنفذ الوصية في الذي كان يتحققه . ولو كانت الوصية بعبد معين مثلاً ثم قال ظننت أن التركة كثيرة وأنه خرج من ثلثها فبان خلافه أو ظهر دين لم أعلمه أو بان تلف بعضها وقلنا الإجازة تنفيذ فقولان ، أحدهما ورجحه الروياني : الصحة ؛ لأن الوصية هنا بمعلوم مشاهد بخلاف الوصية بنصف شائع ، والثاني وجزم به المتولي : يحلف ولا تلزم إِلا في الثلث كما في المشاع اه . اسعاد زي .
قوله : ( ولا تجوز الوصية أي تكره الخ ) فالمنفيّ الجواز المستوي الطرفين أي ولا تنفذ بدليل قوله الآتي : إِلا أن يجيزها الخ ، فيكون الاستثناء متصلاً من عدم النفوذ المقدر ، فاندفع قول ق ل : صوابه أن يقول أي لا تنفذ بدل قوله أي تكره ؛ لأن الاستثناء من عدم النفوذ لا من الكراهة اه لأن الكراهة لا تزول بالإجازة . قوله : ( لوارث ) أي وقت الموت . قوله : ( غير حائز ) أما الوصية للحائز فلاغية ، إذ لا معنى لها فذكر قيوداً أربعة . قوله : ( بزائد على حصته ) أما بقدر حصته ففيه تفصيل يأتي في قوله والوصية لكل وارث بقدر حصته الخ . وحاصل التفصيل أنه إن كانت الوصية لكل وارث بقدر حصته شائعاً فهي لغو وإن كانت لبعضهم بقدر حصته صحت كما يأتي توضيحه تأمل . قوله : ( أصحاب السنن ) وهم أربعة : أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي . ونظمها بعضهم بقوله :(4/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
أعني أبا داود ثم الترمذي
والنسائي وابن ماجه فاحتذى
قوله : ( إِلا أن يجيزها ) أي فتنفذ وهو استثناء منقطع ؛ لأن قوله ( ولا تجوز ) أي تكره ، ولو أجازها الورثة . وعبارة م د : قوله ( إِلا أن يجيزها الخ ) هذا يقتضي أن الاستثناء منقطع لأنه من الكراهة وهي لا تزول بالإجازة فلو فسر عدم الجواز بعدم النفوذ كان أحسن بل هو الصواب كما قاله ق ل ، فيكون الاستثناء عليه متصلاً اه . وكتب المرحومي على قوله ( إِلا أن يجيزها الخ ) : أي ولو كانت الوصية بدون الثلث ، قال في الروض وشرحه : فإن أجازوا فلا رجوع لهم ولو قبل القبض بناء على الأصح من أن إجازتهم تنفيذ للوصية لا ابتداء عطية منهم وولاء من أجازوا عتقه الحاصل بالإعتاق في مرض الموت أو بعد الموت بحكم الوصية ثابت للميت يستحقه ذكور العصبة اه . وكتب أيضاً : قال في الروض وشرحه : ولا أثر للإجازة قبل موته ولا مع جهل قدر المال كالإبراء عن مجهول ، نعم إن كانت الوصية بعبد له مثلاً معين صحت إجازتهم فيه لأن العبد معلوم والجهالة في غيره ، وإن ادّعى المجيز الجهل بقدر التركة في غير المعين بأن قال كنت أعتقد قلة المال وقد بان خلافه صدق بيمينه في دعوى الجهل وتنفذ الوصية فيما ظنه بأن أوصى لوارث بثلث ماله فأجازها باقي الورثة ظاناً قلة المال ؛ هذا إذا لم تقم بينة بعلمه بقدر المال عند الإجازة وإِلا فلا يصدق فتنفذ الوصية في الجميع وإن لم يوجد قبض عند الإجازة بناء على أنها تنفيذ .
قوله : ( المطلقين التصرّف ) أما المحجور عليهم فيوقف الأمر إلى كمالهم ، ولا يجوز للولي أن يجيز ولا أن يردّ . قوله : ( بإسناد صالح ) أي ليس بضعيف ولم يَرْتَقِ إلى درجة الصحيح ، برماوي اه . قوله : ( ثم انتقل إرثه ) أي الموصي . قوله : ( يصرف إليه ) أي إلى الإنسان الموصى له مع كونه وارثاً عاماً لأن الإرث حينئذ للمسلمين وهو منهم ، وتسمية هذا الشخص الموصى له وارثاً عاماً لأنه من أفراد الوارث العام وهو جميع المسلمين لأن الإمام لا يرث لنفسه خاصة بل لجميع المسلمين وهو منهم شيخنا . قوله : ( ولا يحتاج إلى إجازة الإمام ) أي مع كونه من أفراد الوارث العام . قوله : ( بماله كله ) الظاهر أنه ليس بقيد ، بل مثله ما إذا أوصى ببعضه لأنه يستحق الجميع بلا وصية لأنه حائز لجميع التركة . قوله : ( لوارث ) أي لكل وارث إذ هي التي فيها التفصيل بين المشاع والمعين . وقوله ( بين المشاع ) أي فلا تصح وقوله والمعين أي فتصح .(4/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
قوله : ( ولا يحتاج إلى إجازة في الأصح ) لأنه لو وقفها على أجنبي لم يتوقف على إجازتهم فكذا عليهم ؛ ولأن تصرفه في ثلث ماله نافذ ، فإذا تمكن من قطع حق الوارث عن الثلث بالكلية فتمكنه من وقفه عليه أولى كما في شرح الروض ؛ ولأنه لما لم يضر أحد الورثة لم تتوقف على الإجازة وفارق الوصية لأنها تمليك .
قوله : ( فإذا قبل لزمه الخ ) عبارة حج فإذا قبل وأدى الابن ما شرط عليه أخذ الوصية ولم يشارك بقية الورثة الابن فيما حصل له . ويوجه بأنه لم يحصل له من مال الميت شيء يتميز به حتى يحتاج لإجازة بقية الورثة وعليه فلا يكون من الوصية لوارث ، إِلا أن يقال إنه لما علق وصيته لزيد على ما ذكر جعل كأنه وصية لوارث تأمل . قوله : ( لزمه دفعها إليه ) ولا حاجة إلى إجازة بقية الورثة ؛ لأن الوارث لم يتلقّ عن الميت وإنما تلقى عن الأجنبي . قوله : ( وله ابن فمات ) أي الابن . قوله : ( صحت ) مقتضاه أنها قبل حدوث الابن باطلة مع أنها لوارث فهي صحيحة أيضاً لكنها موقوفة على إجازة الوارث . وأجيب بأن المفهوم فيه تفصيل وهو أن الأخ إذا كان حائزاً بطلت ، وإن كان غير حائز صحت وتنفذ بإجازة الوارث . قوله : ( فهي وصية لوارث ) أي فلا تنفذ . قوله : ( والوصية ) مبتدأ ، وقوله ( لغو ) خبر ؛ قال ابن حجر : ويظهر أنه لا يأثم بذلك لأنه مؤكد للمعنى الشرعي لا مخالف له بخلاف تعاطي العقد الفاسد اه مرحومي . قوله : ( بقدر حصته ) أي شائعاً وقوله بقدر حصته ليس قيداً كما علم مما مر في المتن ، بل لو(4/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
أوصى بزائد وأجاز الوارث صح ويشارك في الباقي شيخنا . قوله : ( بينهم ) أي بين البعض الموصى له وبين الاثنين . قوله : ( والوصية لكل وارث ) مبتدأ ، وقوله ( صحيحة ) خبر . قوله : ( ولكن يفتقر الخ ) هذا راجع للمقيس ، وهو ما لو أوصى لأحد ابنيه بعبد الخ . قوله : ( لاختلاف الأغراض ) أي بسبب اختلاف الأعيان . يؤخذ من هذا أن الكلام في المتقوم بخلاف المثلي فإنه لا تختلف الأغراض في أعيانه ، قال البرلسي : ومن هذا التعليل تعلم أنه لا يجوز إبدال مال الغير بمثله . قوله : ( من كل مالك ) ولو مآلاً ولو مبعضاً . وقوله ( حرّ ) لعل الشارح زاده مع قول المتن مالك لإخراج المكاتب فإنه يملك ملكاً ضعيفاً . قوله : ( ولو كافراً ) وإن أسر ورقّ بعدها . والتنظير فيه بأن القصد منها أي الوصية زيادة الأعمال بعد الموت ، وهو أي الكافر ، لا عمل له بعده يردّ بأن المنظور إليه فيها بطريق الذات كونها عقداً مالياً لا خصوص ذلك ومن ثم صحت صدقته وعتقه كما في زي وح ل وم ر ، قال ع ش عليه : على أنه قد يقال إنه يجازى عليها في الدنيا وإن كان الموصى به لا يستحقه الموصى له إِلا بالقبول بعد الموت اه ؛ وعبارة س ل : أي وإن استرق بعدها وماله عندنا بأمان ومات حراً ، أي فإن مات رقيقاً تبين أن ماله كله فيء اه . وقوله ( وماله ) أي والحال ، وقوله ( عندنا بأمان ) مفهومه أنه إن لم يكن له مال عندنا وقت الوصية لم تصح وإن صار ماله عندنا وقت الموت أو أسلم ولعله غير مراد لأنهم إنما احترزوا به عمّا لو كان ماله بدار الحرب وبقي فيها كما ذكره ع ش على م ر . وفارق عدم انعقاد نذره بأنه قربة محضة بخلافها اه . قوله : ( لصحة عبارتهم ) بدليل صحة إقرارهم بالطلاق والعقوبة . قوله : ( واحتياجهم للثواب ) وهو في المسلم ظاهر وفي الكافر لاحتمال أن يخفف عنه عذاب غير الكفر اه ع ش . قوله : ( ومغمى عليه ) استثنى الزركشي ما لو كان سببه سكراً عصى به وكلامه منتظم فتصحّ وصيته اه س ل . قوله : ( ولو مكاتباً ) أي ما لم يأذن له السيد ، فإن أذن له فيها صحت ، وحينئذ فإن عتق فالأمر ظاهر ، وإن مات قبل العتق والأداء تعلق الموصى له بما كان في يده قبل الموت كما في سائر تبرعاته بإذن السيد ، وإن لم تستمر كتابته بأن عجز نفسه ومات رقيقاً بطلت ، ولا يشترط تعيين السيد في إذنه قدراً بل يكفي إطلاقه ويحمل على الثلث .(4/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
وهل تشمل وصيته بإذن سيده العتق أيضاً لأن رقه ينقطع بالموت كما قيل به في المبعض ؟ الظاهر الشمول ؛ لكن هل يتوقف على إذن السيد فيه بخصوصه أو يكفي العموم ؟ كل محتمل . قوله : ( ولعدم ملك الرقيق ) أي في غير المكاتب وضعفه فيه اه ع ش . وهو معطوف على سائر العقود ، وأما المبعض فتصح وصيته ولو بالعتق لأن الرق ينقطع بالموت إن فرض أنه لم يعتق قبل ذلك اه كما ذكره زي وح ل . قوله : ( والسكران ) أي المتعدي ؛ لأنه المراد عند الإطلاق لصحة تصرفاته عقداً وحلاًّ .
قوله : ( أو قتل ) أي المرتد . قوله : ( والموصى له الخ ) . حاصله أنه إن كان غير جهة اشترط له شروط أربع : أن يتصور له الملك فلا تصح لدابة ، وأن لا يكون مبهماً فلا تصح لأحد هذين ، وأن لا يكون معصية فلا تصح بمسلم لكافر ولا بمصحف له ، وأن يكون موجوداً عند الوصية فلا تصح لمن سيوجد ؛ وإن كان جهة اشترط أن لا يكون معصية فلا تصح لعمارة كنيسة ولا للقطاع ولا للمحاربين ولا للمرتدين . قوله : ( إما أن يكون معيناً الخ ) أو رد عليه صحتها مع عدم ذكر جهة ولا شخص كأوصيت بثلث مالي ويصرف للفقراء والمساكين أو بثلثه لله تعالى ويصرف في وجوه البر . ويجاب بأن من شأن الوصية أن يقصد بها أولئك فكان إطلاقها بمنزلة ذكرهم ففيه ذكر جهة ضمناً وبهذا فارق الوقف فإنه لا بد فيه من ذكر المصرف اه م ر وزي .
قوله : ( لكل متملك ) بكسر اللام المشددة ، أي من يملك حال الوصية ولو من الجن ومن الوصية للتملك الوصية لرقيق ؛ لأنها محمولة على الوصية لسيده وإن لم يقصد السيد ويقبلها الرقيق وإن نهاه السيد دون السيد ، وإن مات الرقيق قبل قبوله فلا يصح قبول السيد ، فإن كان الرقيق قاصراً أو مجنوناً فهل ينتظر كماله أو يقبل السيد كولي الحر ؟ قال شيخ الإسلام : الظاهر الثاني . ولو أجبر السيد العبد على القبول لم يصح على الأوجه ، ولو عتق قبل موت الموصي فالوصية له أو عتق بعضه فله منها بقدر ما عتق والباقي لمالكه ، وإن عتق بعد موته ولو قبل القبول فهي للسيد ، ولو قارن العتق الموت ففيه نظر ولا يبعد أنه كالعتق قبله . فلا تصح الوصية لدابة سيأتي تقييده بما إذا لم يفسر الوصية لها بعلفها ، فإن فسره بذلك صحت فكان على الشارح أن يذكره هنا بجنبه . وعبارة شرح م ر : وإن أوصى لدابة وقصد تمليكها أو أطلق فباطلة(4/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
لأن مطلق اللفظ للتمليك وهي لا تملك . وفارقت العبد حالة الإطلاق بأنه يخاطب ويتأتى قبوله ، وقد يعتق قبل موت الموصي بخلافها . وقياس ما مر من صحة الوقف على الخيل المسبلة كما قاله الزركشي صحة الوصية لها بل أولى أي عند الإطلاق ؛ اه بحروفه . قوله : ( وقضية هذا ) أي قوله ( بأن يتصور له الملك ) وقوله ( لا تصح لميت ) أي كالوقف عليه لأنه ليس أهلاً للملك . قوله : ( عدم المعصية ) فلا تصح لأهل الحرب ولا لأهل الردة . قوله : ( وأن يكون معيناً ) فيه أن هذا الشرط عين المشروط ؛ لأن القسم الأول أن يكون معيناً ، ومن عبر في القسم الأول بأن يكون غير جهة سلم من هذا ، فلعل هذا التعبير سرى إليه منه تأمل . والصواب إبدال المعين بأن لا يكون مبهماً ، والأولى أن يقول بدل معين وأن لا يكون مبهماً أخذاً من كلامه بعد . وعبارة م د . قوله : ( معيناً ) المراد به ما قابل الجهة فشمل المتعدد كأولاد زيد . قوله : ( فلا تصح لكافر بمسلم ) نعم إن أسلم عند الموت صحت له ع ش . قوله : ( ولا لأحد هذين ) إذ لا يصح تمليك المبهم وأما أعطوا هذا لأحد هذين ، فإنه يصح لأنه تفويض للمخاطب ليعطي أيهما شاء فيختار من شاء منهما . وعبارة سم : لأن تمليك المبهم لا يصح ، بخلاف أعطوا لأن التمليك من غيره لا منه فلا يضر الإبهام بالنسبة له . قوله : ( نعم إن قال أعطوا الخ ) بهمزة قطع ووصلها غلط . والفرق بين لفظ العطية وغيره أن لفظ العطية تفويض لغيره وهو لا يعطي إِلا معيناً ولهذا صح به لأحد هذين الرجلين اه س ل . قوله : ( صح ) لأنه فوّض الأمر هنا للوارث بخلاف ما قبلها وأيضاً فالأولى تملك بالقبول بعد الموت والثانية لا تملك إِلا بإعطاء الوارث اه شرح البهجة ، أي فيعطيه الوارث لمن شاء منهما .
قوله : ( ولا لحمل سيحدث ) أي وإن جعل تابعاً لموجود بخلاف الوقف . والفرق أن الوصية تمليك فلا تصح لغير موجود ، بخلاف الوقف فإن المغلب فيه القربة والمعتمد الصحة كالوقف . وعبارة البرماوي : نعم إن جعل المعدوم تبعاً للموجود كأن أوصى لأولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الأولاد صحت لهم تبعاً قياساً على الوقف ، وهذا هو المعتمد . والفرق بأن من شأن الوصية أن يقصد بها معين موجود بخلاف الوقف لأنه للدوام المقتضي لشموله للمعدوم ابتداء مرجوح اه .(4/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
قوله : ( يؤخذ الخ ) هذا الأخذ ممنوع إذ لا تلازم بين اعتبار تصوّر الملك في الموصى له وكون الموصى به مملوكاً للموصي وقت الوصية ، وقد تقدّم الجزم بعدم اشتراط وجود الموصى به وقت الوصية فضلاً عن كونه مملوكاً . وكان الأولى أخذ ذلك من قول المصنف من كل مالك ، فإنه صريح فيه ؛ وقد تقدمت هذه المسئلة وأعادها الشارح لأجل الخلاف المذكور فيها . قوله : ( قياس الباب الصحة ) معتمد ، أي لأنها تصح بالمعدوم . قوله : ( ولو فسر الوصية للدابة ) هذا متعلق بقوله فيما مر . بقوله : فلا تصح الوصية لدابة فالأولى تقديمه عقبه لأنه تقييد له ، فلو مات قبل التفسير رجع إلى وارثه ، فإن قال : أراد العلف صحت وإِلا حلف وبطلت ، فإن قال : لا أدري ما أراد بطلت فتصح في صورة وتبطل في صورتين ، ولو تنازع الوارث ومالك الدابة فقال المالك أراد تمليكي والوارث تمليكها صدق الوارث بيمينه لأنه غارم ، ومثل الدابة الدار ، فلو قال : أوصيت لهذه الدار بكذا وفسر بعمارتها صح ذلك . قوله : ( في علفها ) بسكون اللام مصدر ، وبفتحها وهو المأكول . قوله : ( صح ) فمحمل عدم الصحة ما إذا قصد تمليكها أو أطلق . قوله : ( لأن علفها على مالكها ) هذا يفيد أنه لا بد أن يكون لها مالك ، فالوصية لعلف الطيور الغير المملوكة باطلة ، وهو كذلك كالوقف عميرة . قوله : ( ويتعين الصرف الخ ) أي ما لم تدل قرينة ظاهرة على أنه إنما قصد مالكها . وإنما ذكرها تجملاً أو مباسطة ، وإِلا ملكها ملكاً مطلقاً ، كما لو دفع درهماً لآخر وقال له اشتر به عمامة مثلاً ، ومثل ذلك ما لو ماتت الدابة التي تعين الصرف إليها أي فيملك الوصية مالكها ملكاً مطلقاً كما في شرح م ر . ولو انتقلت الدابة المذكورة لمشتر انتقلت الوصية معها فهي للمشتري إن كان ذلك قبل موت الموصي ، فإن بيعت بعده فالوصية للبائع ، فإذا قبلها صرفها للدابة وإن صارت ملك غيره . قوله : ( ولا يسلم علفها للمالك ) أي لا يجبر الوارث على ذلك . قوله : ( بل يصرفه الوصي ) أي عليها . قوله : ( ولو بنائبه ) أي ولو كان النائب مالك الدابة . ولو توقف الصرف على مؤنة كأن عجز الوصي أو الحاكم عن حمل العلف أو تقديمه إليها أو كان ذلك مما يخلّ بمروءته ولم يتبرع بها أحد فهل تتعلق تلك المؤنة بالموصى به فتصرف منه لأنها من تتمة القيام بتلك الوصية أو تتعلق بمالك الدابة ؟ فيه نظر ، والذي يظهر هو الأوّل ولو أوصى بعلف لدابة لا تأكله عادة ، فهل تبطل الوصية أو يصرف لمالكها ؟ فيه نظر ، والثاني غير بعيد . ولو كان العلف الموصى به(4/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
مما تأكله عادة لكن عرض لها امتناعها من أكله فيحتمل أن يقال إن أيس من أكلها إياه عادة صار الموصى به للمالك كما لو ماتت وإِلا حفظ إلى أن يتأتى أكلها اه سم على حج .
قوله : ( وتصح لكافر ) تعميم في قول المتن ( لكل متملك ) . قوله : ( ولو حربياً ) أي وإن صرح بقوله لفلان الحربي . وقوله ( ومرتداً ) أي لم يمت على ردته ؛ مرحومي . وخالف الوقف بأنه صدقة جارية فاعتبر في الموقوف عليه الدوام والمرتد والحربي لا دوام لهما اه مدابغي . ومثله ح ل . واعتمد ع ش أنه إذا صرح بذلك لا تصح لأن تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق فكأنه قال : أوصيت لفلان لأجل حرابته أو ردته فتفسد الوصية لأنه جعل الكفر حاملاً على الوصية . وصورة الصحيحة أن يقول : أوصيت لفلان ولم يزد وكان في الواقع حربياً أو مرتداً فيكون المقصود ذاتهما لا وصفهما . قوله : ( فيقتله ) فهو قاتل باعتبار الأول وخبر : ( لَيْسَ للقاتِلِ وَصِيَّة ) ضعيف ساقط ، ولو صح حمل على الوصية لمن يقتله اه . أما لو أوصى لمن يرتد أو يحارب أو يقتله أو يقتل غيره عدواناً فلا يصح لأنها معصية ، شرح المنهج . وقوله ( عدواناً ) مفهومه صحة الوصية لمن يقتل خطأ سم . وقضيته صحة وصية الحربي لمن يقتله ، ولا يبعد أن يقاس بالحربي كل من تحتم قتله كالزاني المحصن ، ولا نظر لتعزير قاتل نحو الزاني المحصن بغير إذن الإمام بخلاف قاتل الحربي لأن ذلك لمعنى خارج وهو الافتيات على الإمام اه سم . قوله : ( ولحمل ) ويقبل له وليه ولو وصياً بعد الانفصال حياً ، فلو قبل قبله لم يكف كما جرى عليه ابن المقري . وقيل : يكفي ، كمن باع مال أبيه الخ ؛ وصححه الخوارزمي اه س ل . قوله : ( حيا حياة مستقرة ) فإن انفصل ميتاً ، فإن كان قبل موت الموصي بطلت وإن كان موته بعد موت الموصي لم تبطل ، فإن كان الولي قبل الوصية للحمل أخذها ورثة الحمل وإن كان لم يقبل قبل الآن وأخذ الوصية لورثة الحمل .
فرع : أوصى بحمل لحمل ، فإن ولدا لستة أشهر صحت الوصية أو لأكثر من أربع سنين لم تصح ، وكذا إن ولد أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر من أربع سنين اه س ل .
قوله : ( لدون ستة أشهر منها ) أي الوصية ، أي وكانت فراشاً . قال ق ل على التحرير : علم من كلامه أن الستة ملحقة بما فوقها لاشتراط عدم الفراش معها وأن الأربع سنين ملحقة بما دونها ، وهو الراجح . قوله : ( للعلم بأنه كان موجوداً ) لا يقال العلم ممنوع لأنه قد ينفصل لدون ستة أشهر ولا يكون عند الوصية لجواز أن يمكث في البطن دون ستة أشهر ؛ لأنا نقول لو سلمنا ذلك لا يضر لأنه خلاف العادة فلا يمنع غلبة الظن المرادة هنا بالعلم اه سم . قوله : ( أو لأكثر منه ) أي من الدون بأن ولدته لستة أشهر فما فوق إلى أربع سنين .(4/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
قوله : ( ولم تكن المرأة ) أي بعد الوصية ، قال في شرح المنهج : لأن الظاهر وجوده عندها لندرة وطء الشبهة وفي تقدير الزنا إساءة ظن ، نعم لو لم تكن فراشاً قط لم تصح الوصية اه . وقوله : ( لأن الظاهر وجوده عندها ) لأنه يمكن أنه أوصى له عقب العلوق فيما إذا انفصل لأربع سنين فأقل فالأربعة ملحقة بما دونها كما مر ، وقوله أي شرح المنهج لندرة وطء الشبهة أي من غير ضرورة تدعو إلى ذلك ، فلا يرد إذا ولدته لدون ستة أشهر ولم تكن فراشاً فيتعين حمله على وطء الشبهة أو الزنا . وعبارة سم قوله : ( لندرة وطء الشبهة ) أي ولم يلتفت لذلك فيما إذا كانت فراشاً لوجود ما يحال عليه وهو الفراش اه . وقوله : ( نعم لو لم تكن ) أي ووضعته لستة أشهر فأكثر فلو وضعته لدونها فإنها تصح إذ غايته أنه من زنا أو شبهة ، وذلك لا يمنع كما أفاده ع ش . وقوله : ( لم تصح الوصية ) لانتفاء الظهور حينئذ وانحصار الطريق في وطء الشبهة أو الزنا اه . قوله : ( لزوج أو سيد ) أي أمكن كون الحمل منه بأن لا يكون كل منهما ممسوحاً ولا غائباً في جميع المدة .
قوله : ( فإن كانت فراشاً له ) أي الأحد . وقوله : ( أو انفصل ) أي أو لم تكن فراشاً لكن انفصل الخ . وفي ق ل على الجلال : المراد بالفراش وجود وطء يمكن كون الحمل منه بعد وقت الوصية وإن لم يكن من زوج أو سيد ، بل الوطء ليس قيداً إذ المدار على ما يحال وجود الحمل عليه اه . قوله : ( وتصح لعمارة مسجد ) أي إنشاء أو ترميماً كما في م ر ، فما في ق ل من قوله مسجد موجود ليس قيداً شيخنا . وعبارة شرح م ر : وتصح لعمارة مسجد . وكذا إن أطلق في الأصح بأن قال أوصيت به للمسجد وإن أراد تمليكه لما مر في الوقف أنه حر يملك أي منزل منزلته ، وتحمل على عمارته ومصالحه عملاً بالعرف ، ويصرفه الناظر للأهم والأصلح باجتهاده اه ؛ أي فليس للوصي الصرف بنفسه بل يدفعه للناظر أو لمن أقامه الناظر ، ومنه ما يقع الآن من النذر لإمامنا الشافعي رضي الله عنه أو غيره من ذوي الأضرحة المشهورة فيجب على الناظر صرفه لمتولي القيام بمصالحه وهو يفعل ما يراه فيه . ومنه أن يصنع بذلك طعاماً أو خبزاً لمن يكون بالمحل المنذور عليه لخدمته الذين جرت العادة بالانفاق عليهم لقيامهم بمصالحه ، ولو أوصى بدراهم لكسوة الكعبة أو الضريح النبوي وكانا غير محتاجين لذلك حالاً وفيما شرط من وقفه لكسوتهما ما يفي بذلك فينبغي أن يقال بصحة الوصية ويدخر ما أوصى به أو تجدد له كسوة أخرى لما في ذلك من التعظيم اه ع ش . قوله : ( ومصالحه ) عطف عام أي ولو غير ضرورية . قوله : ( ومطلقاً ) بأن يقول أوصيت به للمسجد ، ومثله الوصية للكعبة والضريح النبوي فيصرف لمصالحهما الخاصة بهما كترميم ما وَهَى أي سقط من الكعبة دون(4/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
بقية الحرم والأوجه صحتها كالوقف على ضريح الشيخ الفلاني ، ويصرف فيما يصلح قبره والبناء عليه الجائز ومن يخدمه أو يقرأ عليه ، ويؤيده أيضاً صحتها ببناء قبة على قبر وليّ أو عالم في غير مسبلة ، ومثل ذلك القناطر والجسور والآبار المسبلة اه ع ش . أما إذا قال أوصيت به للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه أو نحوه فباطلة ، وإذا أوصى لمسجد فيشترط قبول ناظره ، قال ع ش : بقي ما لو قال لعمارة مسجد كذا هل تصح الوصية أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأوّل . ويؤخذ من تركته ما يعمر به ما يسمى عمارة عرفاً ، وهل يتوقف على إنشاء صيغة وقف أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ، حيث كانت العمارة ترميماً أوصى به ، أما لو أوصى بإنشاء مسجد فاشترى قطعة أرض وبناها مسجداً فالظاهر أنه لا بدّ من الوقف لها ولما فيها من الأبنية من القاضي أو نائبه ، ولو كان المسجد غير محتاج لما أوصى له به حالاً فينبغي حفظ ما أوصى له به حيث توقع زمان يمكن فيه التصرف ، فإن لم يتوقع كأن كان محكم البناء بحيث لا يتوقع له زمان يصرف فيه ما أوصى به فالظاهر بطلان الوصية وصرف ما عين لها للورثة . قوله : ( وبحث الرافعي صحتها ) وإن قصد تمليك المسجد وهو المعتمد ، وعلم من تعليله بأن للمسجد ملكاً الخ الفرق بينه وبين الدابة وخرج بنحو المسجد الوصية لدار لعمارتها فباطلة ق ل . قوله : ( بأنّ للمسجد ملكاً ) الباء للسببية أي بأن الصيغة التي فيها للمسجد بأن قال جعلته للمسجد تكون ملكاً له والصيغة التي فيها عليه بأن قال جعلته عليه تكون وقفاً عليه ، فيكون ملكاً خبر يكون المحذوفة أي بأن للمسجد أي هذا اللفظ يكون ملكاً ومثله وقفاً شيخنا ، ونقل أيضاً عن البابلي ؛ فالتعبير باللام يفيد الملك وبعلى يفيد الوقف اه . قوله : ( وتجوز الوصية في سبيل الله ) كأوصيت بثلث مالي في سبيل الله أو لسبيل الله وتصرف لفقراء الزكاة ، ولو قال أوصيت بكذا لله صح وصرف لوجوه البر ، وإن لم يقل لله صح وصرف للمساكين اه سم اه م د . قوله : ( إلى الغزاة ) أي المتطوّعين بالجهاد قياساً على الزكاة فإنه لا يعطى منها إلا المتطوّع . قوله : ( من أهل الزكاة ) أي من الأصناف الثمانية اه . قوله : ( أن لا تكون جهة معصية ) أي ولا مكروهة فخرج الوصية ببناء قبر له في غير الأرض المسبلة فإنه مكروه فلا تصح الوصية به . قوله : ( كعمارة كنيسة ) ولو كانت العمارة ترميماً . وهذا في الكنائس التي حدثت بعد بعثة نبينا محمد ، أما ما وجد منها قبل شريعة عيسى عليه السلام فحكمها حكم(4/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
مساجدنا ولا يمكن النصارى من دخولها إلا لحاجة بإذن مسلم كمساجدنا ، كذا نقل عن إفتاء السبكي ؛ وحينئذ فيصح الوقف عليها وإن كانت للتعبد لأن الذين يتعبدون فيها الآن هم المسلمون دون غيرهم وإن سميت كنيسة اه ع ش على م ر . قوله : ( للتعبد ) أي موضوعة ومجعولة للتعبد فيها ، بخلاف كنيسة تنزلها المارة ولو من أهل الذمة أي مجعولة لذلك أو صارت معروفة بذلك وإن كانت في الأصل مجعولة للتعبد ، ومنه الكنائس التي في جهة بيت المقدس التي تنزلها المارة فإن المقصود ببنائها التعبد ونزول المارة طارىء كما في ع ش على م ر . قوله : ( وكتابة التوراة والإنجيل ) أي المبدلين . قوله : ( تعظيماً لها ) أي كنيسة التعبد . قوله : ( فالوصية جائزة ) أي حيث لم يكونوا مقيمين للتعبد فيها م ر . قوله : ( أو كافر ) وإن اعتقدها حراماً اعتباراً باعتقادنا سم . قوله : ( لأن القصد ) علة لقوله : ( أن لا تكون جهة معصية ) . قوله : ( الصيغة ) المراد بالصيغة هنا الإيجاب ، وأما القبول فسيأتي ، ولا بدّ منه لفظاً كما أفتى به الرملي وإن قال حج يشبه الاكتفاء بعدم الردّ ولو تراخى القبول وإن لم يوافق الإيجاب بخلاف الهبة على المعتمد فإنها كالبيع وإنما لم يشترط الفور ؛ لأنهم لما تسامحوا في عدم اتصال القبول بالإيجاب في الوصية تسامحوا في الفور أيضاً م د على التحرير . قوله : ( بعد موتي ) راجع للثلاثة قبله كما صرح به الشارح ، فلو لم يقل بعد موتي ففي صورة وهبته يكون هبة ولا عبرة بنية الوصية لو نواها ، ثم إن كان في الصحة نفذ من رأس المال وإن كان في المرض حسب من الثلث ، وأما في صورة هو له فإقرار ، وأما في صورة أعطوه له يكون كناية في الوصية ، ومثل قوله بعد موتي قوله بعد عيني وإن قضى الله عليّ وأراد الموت ؛ قال في شرح الروض : لا قوله وهبته له بدون بعد موتى فلا يكون وصية وإن نوى الوصية لأنه وجد نفاذاً في موضوعه وهو التمليك المنجز في حال الحياة ، فلا يكون كناية في غيره وهو الوصية ، ثم إن كان هذا في(4/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
مرض موته حسب من الثلث كالوصية وإن كان في الصحة أو مرض لم يمت فيه فمن رأس المال . واستوجه ابن حجر أنه لو قال : من ادعى عليّ شيئاً أو أنه وفي مالي أي الذي لي عنده فصدقوه بلا يمين كان وصية ، فإن قال في الثانية : صدقوه بيمين بلا بينة لم تكن وصية ؛ لأنه لم يسمح له بشيء وإنما قنع منه بحجة دون حجة وهذا مخالف لأمر الشرع فليكن لغواً ويكلف البينة وأنه لو قال ما يدعيه فلان فصدّقوه أنه لا يبعد أن يكون وصية أيضاً اه س ل . قوله : ( كهو له من مالي ) لاحتماله الوصية والهبة فافتقر إلى نية ، فلو مات ولم تعلم نيته بطلت لأن الأصل عدمها والإقرار هنا غير متأتّ لقوله من مالي اه م د . قوله : ( وأولى ) لأن البيع عقد معاوضة وكفى فيه ذلك فالوصية أولى ، وأيضاً البيع يشترط فيه اتصال القبول بالإيجاب بخلاف الوصية . قوله : ( مع قبول ) أي لفظي بعده ، فلا يكفي الفعل ، وهو الأخذ على المعتمد . وعبارة شرح م ر : قال الزركشي : وظاهر كلامهم أن المراد القبول اللفظي ، ويشبه الاكتفاء بالفعل وهو الأخذ كالهدية والأوجه الأوّل اه . وظاهر أنه لا حاجة إلى القبول فيما لو كان الموصى به إعتاقاً كأن قال : أعتقوا عني فلاناً بعد موتي ، بخلاف ما لو أوصى له برقبته فإنه يحتاج إلى ذلك لاقتضاء الصيغة له شرح المنهج . قوله : ( معين ) المراد به ما قابل الجهة ، فيشمل ما إذا أوصى لجماعة محصورين كأوصيت لبني فلان فيشترط قبول كل واحد منهم شيخنا . قوله : ( ولا تجب التسوية بينهم ) أي وإن انحصروا ق ل ؛ لكن في شرح م ر أنها تجب التسوية بينهم إن انحصروا ويشترط قبولهم حينئذ شيخنا . قوله : ( إذ لا حق له ) أي للموصى له . قوله : ( فأشبه ) أي الرد . قوله : ( وبالعكس ) أي ولمن ردّ في الحياة القبول بعد الموت . قوله : ( بين الموت والقبول ) بأن ردّ بعد الموت ثم قبل فالمعوّل عليه الرد والقبول باطل . قوله : ( كما صححه النووي ) معتمد ، وقوله وإن صحح في تصحيحه الصحة ضعيف .(4/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
قوله : ( قبل الموصي ) أو معه م ر . قوله : ( الذي ليس بإعتاق ) لا حاجة لاستثناء هذا لأنها لم تدخل في قوله وملك الموصى له لأنه ليس فيها موصى له بل فيها وصية بإعتاق اللهم إلا أن يقال إن الرقيق موصى له ضمناً فكأنه أوصى له برقبته أو يقال الاستثناء منقطع شيخنا . قوله : ( ويطالب الوارث الموصى له ) فإن أراد التخلص منها أي من المؤن فليردّ الوصية . وقوله : ( الموصى له ) مفعول به ، ولو أخره بعد قوله أو القائم مقامهما ليكون مؤخراً عن الفاعل وما عطف عليه لكان أظهر . قوله : ( أو القائم مقامها ) أي القائم مقام الوارث من وليّ ووصي والقائم مقام الرقيق إذا كان صغيراً أو مجنوناً هو الحاكم ، اه ميداني . قوله : ( أو يرد ) الأولى ولم يرد . قوله : ( أما لو أوصى الخ ) محترز قوله ( ليس بإعتاق ) . قوله : ( فالملك فيه للوارث ) فبدله لو قتل له ، نعم كسبه له لا للوارث كما صححه في البحر لتقرر استحقاقه العتق وهو المعتمد شرح م ر . قوله : ( فالمؤنة عليه ) بأن تراخى عتقه عن موت الموصي ، أي والفوائد له ق ل . قوله : ( وللموصي رجوع الخ ) أي يجوز له ، وهذا بحسب الأصل وإلا فإن غلب على ظنه أن الموصى له يصرفه في مكروه كرهت أو في محرم حرمت فيقال هنا بعد حصول الوصية : إذا عرض للموصى له ما يقتضي أنه يصرفها في محرم وجب الرجوع أو في مكروه ندب الرجوع أو في طاعة كره الرجوع اه ع ش على م ر . قوله : ( في وصيته ) خرج التبرع المنجز ولو في مرض الموت فلا رجوع فيه ق ل . قوله : ( بنحو نقضتها ) ولا يقبل قول الوارث بالرجوع ولا ببينته به ، إلا إذا تعرضت بصدوره قبل الموت ، ولا يكفي قولها رجع عن وصاياه وهذا وما بعده من الرجوع بالقول وسيذكر الرجوع بالفعل لقوله وخلطه براً الخ . قوله : ( هذا لوارثي ) بخلاف هذا تركتي . قوله : ( وبنحو بيع ) أي وإن حصل بعده فسخ . قوله : ( ورهن )(4/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
وكذا هبة ولو فاسدين . قوله : ( بيع ورهن ) أي ولو بلا قبض فيهما ، وكذا يقال في الهبة . قوله : ( ولو بلا قبول ) راجع للثلاثة ، وانظر كيف هذا مع أنها لا تسمى بذلك إلا إذا وجد القبول . ويجاب بأنها تطلق على الفاسد أيضاً وهي تسمى عقوداً فاسدة بدون ذلك اه . قوله : ( وبوصية بذلك ) أي بالبيع وبالرهن والكتابة في الموصى به ، مثل : إذا مت فبيعوه الخ . قال في شرح المنهج : ولو أوصى لزيد بمعين ثم وصى به لعمرو فليس رجوعاً بل يكون بينهما نصفين ، ولو أوصى به لثالث كان بينهم أثلاثاً وهكذا اه . وقوله : ( بل يكون بينهما نصفين ) فإن رد أحدهما أخذ الآخر الجميع ، وهذا بخلاف ما لو أوصى به ابتداء لهما فرد أحدهما يكون النصف للوارث دون الآخر لأنه لم يوجب له إلا النصف اه م ر . قوله : ( وخلطه براً الخ ) أي ببر مثله أو أجود أو أردأ منه ؛ لأنه أخرجه بذلك عن إمكان التسليم ، شرح المنهج . فقوله الآتي : ( بأجود ) قيد فيما قبله فقط . قوله : ( وخلطه صبرة ) بخلاف ما إذا خلطه غيره بغير إذنه فليس رجوعاً م ر . والمراد بقوله ( وخلطه بُرًّا ) أي خلطاً لا يمكن معه التمييز كما في م ر . قال البرماوي : ومثل خلطه بله بالماء اه . والفرق بين هذه حيث لم يشترط فيها كون الخلط بأجود وما بعدها حيث شرط فيه ذلك أن الخلط في هذه أخرجها عن التعيين بمجرده ، بخلافه في الثانية فإن الصاع لم يتجدد له خلط فاشترط خلطه بأجود ليشعر برجوع الموصي اه ع ش . قوله : ( بأجود ) لأنه أحدث زيادة لم تتناولها الوصية ، بخلاف ما لو خلطها بمثلها لأنه لا زيادة أو بأردأ لأنه كالتعييب شرح المنهج أي وهو لا يؤثر . قوله : ( وطحنه ) أي بالمعنى الشامل لجريشه . والحاصل أن كل ما زال به الملك أو زال به الاسم وكان بفعله أو أشعر بالإعراض إشعاراً قوياً يكون رجوعاً وإلا فلا ق ل . فما حصل بغير إذنه لا يكون رجوعاً ما لم يزل الاسم سم ، بخلاف خبز العجين فينبغي أن لا يكون رجوعاً فإن العجين يفسد لو ترك فلعله قصد إصلاحه وحفظه على الموصى له كما في الروضة . قوله : ( وغراسه بأرض ) بخلاف زرعه بها م ر .
قوله : ( في التصرفات المالية ) خرج العبادة ، وقوله : ( المباحة ) خرج المعصية ، كجعلته وصياً ببناء هذه الكنيسة . قوله : ( وأوصيت إليه ) فيتعدى باللام وبإلى ، قال في شرح الروض :(4/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
والقياس أن يقول أوصيته ، قوله : ( إلى الله ) ذكره للتبرك . وروى ابن عيينة أن الزبير كان وصياً عن سبعة من الصحابة وكان ينفق على أولادهم من ماله ويحفظ مالهم ، اه زي . قوله : ( بقضاء حق ) والموصي بقضاء الدين يطالب الورثة بقضائه أو بتسليم التركة لتباع في الدين تبرئة لذمة الموصي وكقضاء الدين قضاء الوصايا . قوله : ( وقد مر بيانه ) أي بأنه مالك بالغ عاقل حر مختار وإن لم يكن مطلق التصرف اه م د . قوله : ( بنحو أمر ) عبارة المنهج : بأمر نحو طفل ، فالعبارة مقلوبة . قوله : ( مع ما مر ) أي في شروط الموصي بقضاء الدين . قوله : ( ولاية له عليه ) وهو الأب والجد وإن علا ق ل . قوله : ( لا بتفويض ) أما الذي له الولاية بالتفويض كالوصي ، فليس له أن يوصي غيره في حق المحجور اه . قوله : ( وأمّ وعم ) أي فلا ولاية للأم ومن بعدها شرعاً ، وإنما تكون جعلية من جهة الأب أو الجدّ أو الحاكم م د . وعبارة البرماوي : قوله : ( وأم وعم ) وكذا أب وجدّ إذا نصبهما الحاكم في مال من طرأ سفهه ؛ لأن وليه الحاكم دونهما والأب الفاسق لا يصح أن يقيم وصياً على طفله لعدم ولايته عليه اه . قوله : ( لم يؤذن له فيه ) فإن أذن له الموصي جاز إن قال أوص عني أو عن نفسك أو أطلق خلافاً للشيخين ، ثم عند الإطلاق يوصي عن الموصي لا عن نفسه سواء عين من يوصي إليه أم لا اه مرحومي . قوله : ( عند الموت ) أي موت الموصي وعند القبول أيضاً لا عند الإيصاء . قوله : ( والحرية ) أي ولو مآلاً كمدبر ومستولدة ، فيصح الإيصاء لهما لكمالهما بموت الموصي . قوله : ( وعبر بعضهم ) أي شيخ الإسلام . وقضية الاكتفاء بالعدالة أنه لا تشترط فيه سلامته من خارم المروءة والظاهر خلافه وأن المراد بالعدل في عبارتهم من تقبل شهادته ، فليراجع ع ش على م ر . قوله : ( ولو ظاهرة ) ضعيف ، والمعتمد أنه لا بد من العدالة الباطنة مطلقاً لأن الإيصاء أمانة وولاية على محجور عليه ز ي . وقوله : لا بد من العدالة الباطنة أي وهي التي تثبت عند القاضي بقول المزكين ، وقوله : ( مطلقاً ) أي وقع نزاع في عدالته أو لا كما في ع ش على م ر . كالشارح ، وهي قوله : وعدالة ولو ظاهرة فلا تصح لفاسق لعدم أهليته للولاية ، ولو وقع نزاع في عدالته(4/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
فلا بد من ثبوت العدالة الباطنة كما هو ظاهر اه . قوله : ( عدم عداوة ) أي ظاهرة أو باطنة والمراد بقوله عداوة أي دنيوية لا دينية ، لما يأتي أن الكافر العدل في دينه يكون وصياً على كافر وإن اختلفت ملتهما . قال م ر في شرحه : ويتصور وقوع العداوة بينه وبين الطفل والمجنون بكون الموصي عدوًّا للوصي أو للعلم بكراهته لهما من غير سبب . قوله : ( وعدم جهالة ) المراد الجهالة بحاله بأن لم يعلم ماهو عليه ، أو المراد جهالة عينه وكل صحيح اه م د . وشرطه أيضاً النطق ليخرج الأخرس وإن كان له إشارة مفهمة ، خلافاً لابن حجر وإن تبعه شيخنا في شرحه ؛ لكن يوافقهما ما ذكروه في ضابط الأخرس من أنه يعتدّ بإشارته في غير حدث وصلاة وشهادة فراجعه ق ل . وفي أج أنه إذا كان له إشارة مفهمة فالأقرب الصحة كما اعتمده م ر ورجع إليه الزيادي في درسه اه .
قوله : ( وفاسق ) قال حج وهل يحرم الإيصاء لنحو فاسق عنده ، أي الإيصاء ؛ لأن الظاهر استمرار فسقه إلى الموت فيكون متعاطياً لعقد فاسد باعتبار المآل ظاهراً ، أو لا يحرم لأنه لم يتحقق فساده لاحتمال عدالته عند الموت ولا إثم مع الشك ، كل محتمل . ومما يرجع الثاني أن الموصي قد يترجى صلاحه لوثوقه به ، فكأنه قال : جعلته وصياً إن كان عدلاً عند الموت . وواضح أنه إن قال ذلك لا إثم عليه ، فكذا هنا ؛ لأن هذا مراده وإن لم يذكر ، ويأتي ذلك في نصب غير الجدّ مع وجوده بصفة الولاية لاحتماله تغيره عند الموت فيكون لمن عينه الأب لوثوقه به اه . قوله : ( ومجهول ) معناه بأن يكون مجهول الحال لم تعرف حريته ولا رقه ولا عدالته ولا فسقه لا أنه يوصي لأحد رجلين ع ش . وظاهر هذا أنه لو أوصى لأحد رجلين يكون صحيحاً ، وليس كذلك فالأولى أن يراد بالمجهول ما يشمل مجهول العين والصفة فيصدق بما ذكر . قوله : ( ومن به رق ) وإن أذن سيده لأن الوصاية تستدعي فراغاً وهو ليس من أهله ، وما أخذه ابن الرفعة من منع الإيصاء لمن آجر نفسه مدة لا يمكنه التصرف فيها بالوصاية ولا تصح مردود لبقاء أهليته وتمكنه من استنابة ثقة يعمل عنه تلك المدة اه شرح م ر . بحروفه .
قوله : ( وكافر على مسلم ) بخلاف عكسه . قوله : ( ومن لا يكفي ) فإن سلمه الموصي المال نزعه منه الحاكم اه برماوي . قوله : ( وللتهمة في الباقي ) وهو العدو . قوله : ( معصوم ) قضيته امتناع إيصاء الحربي إلى حربي اه س ل . قوله : ( ويصح الإيصاء إلى كافر معصوم الخ )(4/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
لعلّ الأولى أن يعبر بالأصح كما عبر به صاحب المنهاج ليفيد أن فيه خلافاً فإن مقابله المنع كشهادته كما ذكره م ر . قوله : ( عدل في دينه ) أي بتواتر ذلك من العارفين بدينه أو بإسلام عارفين وشهادتهما بذلك م ر . قوله : ( على كافر ) أي وإن اختلفت ملتهما إذ لا عبرة بالعداوة ، ومن ثم صح إيصاء الذمي إلى مسلم على أولاده الذميين ، ولو جعل الذمي لوصيه المسلم أن يوصي لم يجز له أن يوصي إلا لمسلم لأنه أرجح في نظر الشرع ، وليس للحاكم تفتيش على أيتام كفار في أموال بأيديهم ما لم يترافعوا إليه أو يتعلق بها حق مسلم ولا على أطفال تحت ولاية أب أو جدّ أو قيم بخلاف الوصي فيجب التفتيش عليه برماوي . قوله : ( لأنه وقت التسلط على القبول ) فلا بد من استمرار ذلك من الموت إلى القبول ح ل وبرماوي . قوله : ( حتى لو أوصى ) عبارة م ر : فلا يضر فقدها قبله ولو عند الوصية اه وهي أخصر . قوله : ( ثم استكملها عند الموت ) ويكفي في الفاسق إذا تاب كونه عدلاً عند الموت وإن لم تمض مدّة الاستبراء كما في ع ش على م ر . قوله : ( ولا يضر عمى ) وقيل يضرّ لعدم صحة بيعه وشرائه لنفسه ، وكذا لا يضرّ خرس نفهم إشارته ، بخلاف ما لا نفهم إشارته كما تقدّم . قوله : ( إلى حفصة ) هي بنته وزوجة النبي . قوله : ( والأم أولى ) لوفور شفقتها وخروجاً من خلاف الإصطخري فإنه يرى أنه تلى بعد الجدّ والمراد بقوله والأم أولى أي إن ساوت الرجل في الاسترباح ، ونحوه من المصالح العامة كما قاله م ر . قوله : ( إذا حصلت الشروط فيها عند الموت ) هذا بالنظر للصحة ، أما بالنظر للأولوية فتعتبر الشروط فيها عند الإيصاء ع ش وح ل . وعبارة م ر : وأم الأطفال ومثلها الجدّة المستجمعة للشروط حال الوصية لا حال الموت وإن جرى عليه جمع ؛ لأن الأولوية إنما يخاطب بها الموصي وهو لا علم له بما يكون عند الموت فتعين أن يكون المراد به أنها إن جمعت الشروط فيها حال الوصية ، فالأولى أن يوصي لها وإلا فلا . ودعوى أنه لا فائدة لذلك لأنها قد تصلح عند الوصية لا عند الموت مردود لأن الأصل بقاء ما هي عليه اه . قوله : ( وليّ ) من أب وجد ووصيّ وقاض وقيمه شرح المنهج . قوله : ( بفسق ) وبالتوبة لا تعود الولاية إلا بتولية جديدة إلا أربع الأب والجدّ والناظر بشرط الواقف والحاضنة ، زاد بعضهم : والأم الموصى لها اه برماوي . وأما الجنون فكل من جنّ منهم ثم أفاق لا تعود له الولاية إلا بأمر جديد إلا الأصل والإمام الأعظم فإنها تعود لهما الولاية من غير تولية جديدة(4/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
نعم إن فسق بما لو عرض على موليه رضي به لم ينعزل وللحاكم نصب أمين على من توهم فيه الخيانة توهماً قوياً بلا أجرة فإن ظنها جاز بأجرة .
قوله : ( لأن غير الأب الخ ) يرد السفيه ، فالأحسن التعليل بأن الأجنبي لا يعتني بدفع العار عن النسب ؛ لكن انظر إذا أوصى إلى قريب يعتني بدفع العار فإن ظاهر كلامهم أنه لا يصح أيضاً سم . قوله : ( كبناء كنيسة ) أي للتعبد فيها ولو مع نزول المارة . قوله : ( إيجاب ) ويظهر أنّ وكلتك بعد موتي في أمر أطفالي كناية كما قاله س ل ، وانظر لم لم يقل هنا وهو إما صريح وهو كذا أو كناية وهو كذا كما هو عادته في ذكر الصيغة . قوله : ( أو جعلتك وصياً ) أي في كذا لقوله الآتي مع بيان ما يوصي فيه . قوله : ( مؤقتاً ومعلقاً ) يستثنى من التعليق ما لو قال لوصيه : أوصيت إلى من أوصيت إليه إن متّ أنت أو إذا متّ أنت فوصيك وصي لم يصح ؛ لأن الموصى إليه مجهول اه ، بأن كان الوصي أوصى لواحد على أولاده خ ط . قوله : ( إلى بلوغ ابني ) فهو مؤقت . وقوله : ( فإذا بلغ ) هذا تعليق ، فقد اجتمع في هذا المثال التأقيت والتعليق لكنهما ضمنيان ، ومثال التوقيت الصريح أوصيت إليك سنة ومثال التعليق الصريح إذا مت أو إذا مات وصيي فقد أوصيت إليك شرح م ر . قوله : ( أو قدوم زيد ) وقع السؤال في الدرس أنه لو قال : أوصيت لك سنة إلى قدوم ابني ثم إن الابن قدم قبل مضي السنة هل ينعزل الوصي أم لا ؟ فيه نظر . والجواب عنه أن الظاهر الأول لأن المعنى أوصيت لك سنة ما لم يقدم ابني قبلها ، فإن قدم فهو الوصي فينعزل بحضور الابن ويصير الحق له ، فإذا مضت السنة ولم يحضر الابن فينبغي أن يكون التصرف فيما بعد السنة إلى قدوم الابن للحاكم لأن السنة التي قدّرها لوصايته لا تشمل ما زاد اه ع ش على م ر . قوله : ( فإذا بلغ الخ ) هذا من تمام صيغته التي تكلم بها ، ففي هذين الصورتين تأقيت بالنظر للإيصاء الأول وتعليق بالنظر للإيصاء الثاني ، أعني قوله : فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي . قوله : ( فهو الوصي ) أي الابن أو زيد أي أحدهما ؛ وأفرد الضمير لأن العطف بأو . ولو بلغ الابن أو قدم زيد غير أهل فالأقرب انتقال الولاية للحاكم لأنه جعلها مغياة بذلك شرح م ر . وفي أج ما نصه : ولو قدم زيد غير أهل اتجه انعزال الوصي وأن الحاكم ينظر في أمر الموصى فيه إلى أن يتأهل زيد . وعبارة الشيخ عميرة : ظاهر كلامهم انعزال الأول بمجرد القدوم والبلوغ وإن لم يكونا بصفة الولاية فيليه الحاكم اه . قوله : ( الجهالات ) أي في أعمال الوصي ، أي لأن الإيصاء بأمر نحو طفل شامل للبيع والشراء(4/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
والتجارة والقراض والرهن بحسب المصلحة وبناء داره وتعميرها وهذه مجهولة عند العقد لأنه لا يدري ماذا يفعل عند العقد ، وإنما يفعل بعد ما تظهر فيه المصلحة . قوله : ( والأخطار ) جمع خطر وهو الخوف لأنه يخاف من استيلاء ظالم على مال الطفل . قوله : ( وقبول ) أي ولو على التراخي إلا لمقتض ويندب إن علم أمانة نفسه ويحرم إن علم خيانتها برماوي . وهلا صرح الشارح بقوله : ولو بتراخ كما سبق في الوصية . فتأمل . قوله : ( فيكتفي ) هو تفريع على قوله : ( كوكالة ) م د . قوله : ( مع بيان ) متعلق بيشعر أو بأوصيت وما بعده والظاهر الثاني . قوله : ( فلو اقتصر الخ ) يفهم منه أنه لو قال : أوصيت إليك في أمر أطفالي صح وإن لم يذكر التصرف ، فله حفظ المال ، وكذا التصرف خلافاً لبعضهم اه زي . قوله : ( لغا ) أي كوكلتك ولعدم عرف له يحمل عليه . ومنازعة السبكي فيه بأن العرف يقتضي أنه يثبت له جميع التصرفات مردودة إذ ذاك غير مطرد ، فلا يعوّل عليه وإن قال الزركشي : يؤيده قول البيانيين إن حذف المعمول يؤذن بالعموم اه م ر .
قوله : ( يسنّ ) أي لكل أحد . قوله : ( بأمر نحو طفل ) هو بالمعنى الشامل للحمل ولو مما سيحدث اه برماوي . قوله : ( وبقضاء حق ) أي لله أو لآدمي ولو أوصى ببيع بعض التركة وإخراج كفنه من ثمنه فاقترض الوصي دراهم وصرفها فيه امتنع عليه البيع ولزمه وفاء الدين من ماله ، ومحله فيما ظهر حيث لم يضطر إلى الصرف من ماله وإلا كأن لم يجد مشترياً رجع إن أذن له حاكم أو فقده وأشهد بنية الرجوع اه س ل . قوله : ( إن لم يعجز ) بكسر الجيم أفصح من فتحها في المضارع ، وعبر بالشرط دون الوصف حيث لم يقل لم يعجز لأن مفهوم الشرط أقوى . وقوله : ( عنه ) أي قضاء الدين ، فإن عجز عنه حالاً ولا شهود به وجب الإيصاء مسارعة لبراءة ذمته وإنما كان سنة لأنه يمكنه الاستغناء عنه بالوفاء اه . وإذا وجب تعين على الوصي القبول إن توقف حفظ مال الطفل عليه بأن كان منفرداً فإن تعدد فهو فرض كفاية في حقهم ؛ لكن يتعين على من طلب منه القبول خوف التواكل كما في الوديعة اه برماوي . قوله : ( أو عجز ) أي حالاً وكان يقدر عليه مآلاً من دين مؤجل أو ريع وقف ، فاندفع ما يقال إذا عجز عنه فكيف يوصي به فتأمل . قوله : ( وبه شهود ) أي ولو واحداً ظاهر العدالة اه شوبري . قوله : ( ولا يصح الإيصاء على نحو طفل الخ ) أي ولا يجوز فيحرم حيث كانت صفة الولاية موجودة في الجدّ حال الإيصاء وإلا فلا ، والمراد أن ذلك بحسب الظاهر ، فلو خرج الجدّ عن الصفة حال الموت تبين صحتها للأجنبي ولا عبرة بعود الصفات بعد ذلك ومثل الأب كل جد مع(4/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
أعلى منه اه . قوله : ( والجدّ بصفة الولاية ) أي حال الموت أي لا يعتد بمنصوبه إذا وجدت ولاية الجد حينئذ ؛ لأن ولايته ثابتة بالشرع كولاية التزويج ، أما لو وجدت حال الإيصاء ثم زالت عند الموت فيعتدّ بمنصوبه كما بحثه البلقيني لما مر أن العبرة بالشروط عند الموت م ر . قوله : ( ثابتة شرعاً ) فليس له نقلها عنه وإن غاب ؛ لأن الحاكم نائب عنه في غيبته برماوي . قوله : ( ولو أوصى اثنين ) كقوله أوصيت إليكما أو فلان وصيي وفلان وصيي وإن تراخي الثاني ق ل . وعبارة م ر : ولو وصى اثنين وشرط عليهما الاجتماع أو أطلق بأن قال أوصيت إليكما أو إلى فلان ثم قال ولو بعد مدة أوصيت إلى فلان . قوله : ( لم ينفرد واحد منهما ) فلا بد من اجتماعهما فيه بأن يصدر عن رأيهما أو يأذنا لثالث فيه . ومحل ذلك فيما يتعلق بالطفل وماله وتفرقة وصية غير معينة وقضاء دين ليس في التركة جنسه ، بخلاف رد وديعة ومغصوب وعارية وقضاء دين في التركة جنسه فلكل الانفراد به لأن لصاحبه الاستقلال بأخذه ، وقضية الاعتداد به ووقوعه موقعة إباحة الإقدام عليه وهو الأوجه وإن بحثا خلافه شرح م ر . وقوله : ( بأن يصدر عن رأيهما ) أي وليس المراد أن يتلفظا بالعقد ، فإن استقلّ أحدهما لم يصح تصرفه وضمن ما أنفقه على الأولاد أو غيرهم ، فإن عدم أحدهما بموت أو عدم أهلية أو عدم قبول نصب الحاكم بدله وليس له جعل الآخر مستقلاًّ في التصرف لأن الموصي لم يرض برأيه وحده ولو ماتا لزم الحاكم نصب اثنين مكانهما ق ل وس ل . قوله : ( إلا بإذنه ) أي الموصي . وقوله : ( له ) أي للأحد . قوله : ( بالانفراد ) كأن يقول أوصيت إلى كل منكما أو كل منكما وصيي أو أنتما وصياي ، وتصرف السابق من المنفردين نافذ ويرجع في كونه بالمصلحة للحاكم وله قسم المال بينهما إن أمكن ، ويقرع بينهما في أحد القسمين إن تنازعا ويتصرف كل في حصته بالمصلحة ، وليس لمشرف ولا ناظر حسبة تصرف بل تتوقف صحة تصرف غيره على مراجعته وإذنه إلا في نحو خسيس كحزمة بقل ، ولو قال اعمل برأي فلان أو بأمره أو بحضرته أو بعلمه جازت مخالفته ، فإن قال لا تعمل إلا برأيه لأن المعنى اعمل ويكون عملك برأيه وهكذا امتنع الانفراد لأنهما وصيان اه برماوي .
قوله : ( ولكل رجوع عن الإيصاء ) تعبيره بالرجوع أولى من تعبير المنهاج بالعزل ، وذلك أن في إطلاق العزل بالنسبة للوصي نظراً فإن العزل فرع الولاية . وعبارة شرح المنهج لابن حجر : تنبيه تسمح المصنف في إطلاق العزل بالنسبة للوصي فإن العزل فرع الولاية . ولا ولاية قبل موت الموصي ، فالأولى التعبير بالرجوع كما في الروضة وأصلها . وقال ق ل على(4/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
الجلال : إن المراد بالعزل في كلام المصنف الرجوع لكنه غلب العزل . وعبارة شرح م ر : وتسمية رجوع الموصي عن الإيصاء عزلاً مع أنه لا عبرة بالقبول في الحياة مجاز ، وكذا تسمية رجوع الوصي عن القبول إذ قطع السبب الذي هو الإيصاء بالرجوع عنه أو بعدم قبوله منزل منزلة قطع المسبب الذي هو التصرف لو ثبت له . قوله : ( إلا أن يتعين الخ ) أي فيحرم حينئذ عزل الموصى له وعزله نفسه ولا ينفذ العزل من كل منهما ، ومحل الجواز في غير ذلك ما لم يكن أجازه وإلا فلا يتصور العزل من أحدهما ولا من غيرهما ؛ وذلك كأن استأجره الحاكم بعد موت الموصي أو كان الوصي استأجره قبل موته على عمل معلوم وعلى التصرف في أمر أطفاله بعد موته وتغتفر حينئذ الجهالة للحاجة ؛ كذا قاله شيخنا في شرحه اه ق ل . قوله : ( فليس له الرجوع ) أي يحرم عليه ولو عزل نفسه لا ينعزل . قوله : ( بيمينه ) إلا الحاكم فيصدق بلا يمين وإن عزل ح ل . وعبارة الشوبري : قوله : ( أو غيره ) شمل الأب والجدّ وكذا الحاكم على الأوجه ، فلا يقبل إلا باليمين سواء قبل العزل وبعده . قوله : ( في إنفاق ) أي وفي تلف المال كما في الروض ، ولعله على التفصيل في الوديعة . قوله : ( لائق ) أم غير اللائق فيصدق الولد بيمينه قطعاً ، ولو اختلفا في شيء أهو لائق أو لا ولا بينة صدق الوصي لأن الأصل عدم خيانته أو في تاريخ موت الأب أو أول ملكه للمال المنفق عليه منه صدق الولد بيمينه وكالوصي فيما ذكره وارثه اه شرح م ر . قوله : ( لا في دفع المال ) ولا بيعه لمصلحة أو غبطة ، إلا الأب والجدّ والأمّ لوفور شفقتهم ح ل . قوله : ( بل المصدق موليه ) أي بيمينه لأنه لم يستأمنه . قوله : ( تخليصه ) أي افتداؤه . قوله : ( بشيء منه ) ويصدق بيمنيه في أصله وفي قدره ، وقوله : ) والله يعلم من المفسد من المصلح } ) البقرة : 220 ) أي لأنه ربما ادعى دفع شيء من المال للظالم بسبب الخوف على المال وهو في نفس الأمر كاذب . قوله : ( لو لم يبذل شيئاً لقاضي الخ ) ويجب أن يتحرى في أقل ما يمكن أن يرضى به الظالم والظاهر تصديقه إذا نازعه المحجور عليه بعد رشده في بذل ذلك وإن لم تدلّ القرائن عليه شرح الروض . ويبذل بضم الذال مضارع بذل من باب قتل أي يعطي كما في المصباح . قوله : ( إلى استئصاله ) أي أخذه بالكلية .(4/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
قوله : ( يجوز تعييب مال اليتيم ) قال الأذرعي : فلو نازعه المحجور عليه بعد رشده في أنه لم يفعله لهذا الغرض فهل يصدق ؟ ينظر إن دلت الحال على صدقه فنعم وإلا فلا والأوجه التسوية بين هذا ، وما قاله آنفاً في أنه لا فرق لأن ذلك لا يعلم إلا منه غالباً شرح الروض .
قوله : ( كما في قصة الخضر عليه السلام ) أي في قوله تعالى : ) أما السفينة فكانت لمساكين } ) الكهف : 79 ) الآية أي حيث خرق السفينة لئلا يغصبها الملك ، والأصح أنه نبي كما في البخاري وغيره . قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : الخضر لقب له وهو بفتح الخاء وكسر الضاد لكنه خفف بسكونها لكثرة الاستعمال ، وسمي بذلك لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت كما في المصباح ؛ واسمه بليا بن ملكان بن فالغ بن شامخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح اه عبد البر .
خاتمة : أفتى السبكي بجواز بيع مال اليتيم لنفقته بنهاية ما دفع فيه وإن رخص لضرورة اه حج . أقول : وقد يقال فيه وقفة بل يجب على القاضي الاقتراض أو الارتهان إلا أن يقال هو مصورّ بما إذا تعذر عليه ذلك أخذاً من قوله للضرر أو يقال حيث انتهت الرغبات فيه بقدر كان ثمن مثله والرخص لا ينافيه لأن الثمن قد يكون غالياً وقد يكون رخيصاً اه ع ش على م ر .(4/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
( كتاب النكاح
قدم العبادات لأنها أهم ثم المعاملات لأن الاحتياج إليها أهم ، ثم ذكروا الفرائض في أول النصف الثاني للإشارة إلى أنها نصف العلم كما في الحديث ، ثم النكاح لأنه يكون بعد استيفاء شهوة البدن ، ثم الجنايات لأنها تقع بعد استيفاء شهوتي البطن والفرج . والنكاح من الشرائع القديمة من لدن آدم ويبقى له أثر في الجنة أيضاً . والمراد من النكاح العقد المركب من الإيجاب والقبول ، وأصله الإباحة ولهذا لا ينعقد نذره وإن عرض له الاستحباب ، وقد يخرج عن الإباحة إلى بقية الأحكام . وفائدته حفظ النسل وتفريغ ما يضر حبسه واستيفاء اللذة والتمتع . وهذه ، أعني استيفاء اللذة ، مع التمتع هي التي في الجنة إذ لا تناسل فيها ولا احتباس ، وما قيل إن العبد يشتهي فيها الولد فيلد في الجنة فيكون حمله ورضاعه وفطامه في ساعة وإن لم يولد في الدنيا كالخصي والممسوح غير صحيح ولهم فيها ما يشتهون ولو كان حراماً في الدنيا كالحرير والخمر وجمع الأختين ، قال م ر : بل صرح القرطبي بأنه يجوز نكاح سائر المحارم في الجنة إلا الأم والبنت ؛ لأن العلة هنا التباغض وقطيعة الرحم وهي منتفية هناك ، لا ما فيه رذيلة كوطء في دبر ومنه وطء الأبعاض كبنته وأمه ؛ وقد ورد : ( يُعْطَى أَحدُكم في الجنة ذَكَراً مثل النخْلةِ السَّحُوقِ وفَرْجاً يَسَعُ ذلك ) اه بابلي ع ش . قال السيد الرحماني : ويسن إظهار النكاح وإخفاء الختان ، ففي الحديث : ( أَعْلِنُوا النكاحَ واضْرِبُوا فيه بالدفُوفِ ولو في المَسَاجِدِ ) اه . ويؤخذ من الحديث حل الدفوف وبه قال الشافعي ، وتحريم الكوبة لعله أمر عرض .
قوله : ( الضم والجمع ) أي والوطء بدليل ما يأتي ، وعطف الجمع على الضم من عطف العام على الخاص . وعبارة م ر : لغة الضم ، والوطء . وسمي النكاح نكاحاً لما فيه من ضم أحد الزوجين إلى آخر . قوله : ( عقد الخ ) يستلزم الأركان الخمسة الآتية ، وعدها بعضهم ستة زوج وزوجة ووليّ وشاهدان وصيغة ، وستعلم كلها من كلامه ، وليس منها المهر بخلاف الثمن في البيع .
فرع : المعقود عليه حل الاستمتاع اللازم المؤقت بموت أحد الزوجين ، وقيل : المعقود عليه عين المرأة ، وقيل : منافع البضع ؛ اه شوبري مع زيادة .
قوله : ( يتضمن ) أي يستلزم ، وليس المراد به مقابل المطابقة وهو ملك انتفاع لا ملك منفعة اه ق ل . قوله : ( بلفظ ) متعلق بمحذوف ، أي عقد يحصل بلفظ إنكاح الخ ، أي بلفظ مشتق إنكاح أو مشتق نحوه وهو التزويج . وخرج بيع الأمة فإنه عقد يتضمن إباحة وطء ، لكن(4/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
لا بلفظ إنكاح أو نحوه ، وإنما قلنا أي بلفظ مشتق الخ لأنهما مصدران والمصدر كناية لا ينعقد به النكاح . وقوله : ( أو ترجمته ) أي الأحد . قوله : ( بمعنى العقد والوطء ) أي يطلق على كل منهما ، فهو من قبيل المشترك فيكون حقيقة فيهما . قوله : ( ولأصحابنا الخ ) مقابل قوله : والعرب تستعمله الخ . قوله : ( في موضوعه ) صوابه في الموضوع له أي معناه ق ل . وليس المراد الموضوع الذي هو محل الحكم وهو هنا ذات الزوجين ، وإنما المراد المعنى الذي وضع لفظ النكاح له شرعاً ، وقد يقال : لا تصويب ؛ لأن قوله الشرعي يدفع إرادة ذلك . قوله : ( ثلاثة أوجه ) وتظهر فائدة الخلاف فيما لو علق الطلاق على النكاح ، فيحمل على العقد لا الوطء إلا إذا نواه وهو عقد لازم كما تقدم . قوله : ( حقيقة في العقد مجاز في الوطء ) وقيل حقيقة في الوطء مجاز في العقد وإليه ذهب أبو حنيفة ؛ وقيل : حقيقة فيهما ، وإنما ينصرف لأحدهما بقرينة . ويظهر أثر الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في أن الوطء بالزنا هل يحرم ما حرّمه النكاح أو لا ؟ عندنا لا يحرمه وعند الحنفي يحرمه ، وإذا علق الطلاق على النكاح عندنا يحمل على العقد وعنده على الوطء ؛ وهل هو عقد تمليك أو إباحة ؟ وجهان يظهر أثرهما فيما لو حلف لا يملك شيئاً وله زوجة والأصح لا حنث حيث لا نية وعلى الأصح فهو مالك لأن ينتفع بالبضع لا للمنفعة ، فلو وطئت بشبهة فالمهر لها اتفاقاً كما في شرح م ر و زي . قوله : ( مجاز في الوطء ) الظاهر أنه مجاز مرسل من إطلاق السبب على المسبب ؛ لأن الوطء مسبب عن النكاح . قوله : ( كما جاء به ) أي بأنه بمعنى العقد ، والأولى أن يقول لأنه جاء به القرآن أي جاء بالعقد أي بأنه بمعنى العقد ، ويمكن أن تكون الكاف للتعليل وما مصدرية أي لمجيء القرآن به . قوله : ( ولا يرد على ذلك قوله تعالى الخ ) ورودها على ما قبلها مشكل لأنها موافقة لما قبلها في أن كلاًّ فيه النكاح بمعنى العقد ، فكان الأولى تقديم الآية ثم يقول : وقضية الآية أن المطلقة تحل بمجرد العقد وليس كذلك . وأجيب بأن الوطء مستفاد من الحديث وهذا تقرير في الآية ، وفيها تقرير آخر وهو أن النكاح بمعنى الوطء فيرد عليه أن الغالب استعمال النكاح في العقد وقد استعمل في الآية بمعنى الوطء . ويجاب بأنه حمل على ذلك من غير الغالب للحديث المذكور ليوافق الخارج من أن المطلقة لا تحل إلا بالوطء لا بالعقد . قوله : ( حتى تذوقي عسيلته ) العسل يذكر ويؤنث وهو الأكثر وعسيلة تصغير عسل على لغة التأنيث ، قال ابن مالك :(4/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
واختم بتا التأنيث ما صغرت من
مؤنث عار ثلاثي كسنّ وفيه استعارة حيث شبه لذة الجماع بالعسل واستعاره لها . وسمي الجماع عسلاً لأن العرب تسمي كل ما تستحليه عسلاً . وأشار بالتصغير إلى تقليل القدر الذي لا بدّ منه في حصول الاكتفاء به وهو تغييب الحشفة لأنه مظنة اللذة اه ملخصاً من المصباح .
قوله : ( على الأصح ) ومقابله أنه جائز من جهته من حيث إن له دفعه بالطلاق ، وأما فسخه من غير سبب من أسبابه فلا يتأتى لا من الرجل ولا من المرأة . قوله : ( أو المرأة فقط ) ويترتب على الخلاف أنها لا تطالبه بالوطء على الثاني دون الأوّل فتطالبه لأن المنفعة من كل منهما معقود عليها . قوله : ( والأصل في حله ) لم يقل في طلبه مثلاً إشارة إلى أن أصله الإباحة ، فلا ينعقد بالنذر وإن عرض له الطلب كما في نظائره مما كان أصله الإباحة اه أ ج . قوله : ) وأنكحوا الأيامي } ) النور : 32 ) جمع أيم وهي من ليس لها زوج بكراً كانت أو ثيباً ، وهذا في الأحرار والحرائر والصارف له عن الوجوب الإجماع . قوله : ( من أحبّ فطرتي ) أي خلقتي وطبيعتي لأنه طبع على حبّ النساء كما في الحديث : ( حُبِّبّ إليّ النساءُ ) أو المراد بالفطرة هنا الدين أي من أحبّ ديني . قوله : ( فليستسنّ بسنتي ) أي ديني ، وفي رواية : ( فمن رَغِبَ عَنْ سُنَّتي فليس مِنِّي ) وفي رواية : ( فمن رَغِبَ عن سنّتي فمات قبل أن يتزوجَ صَرَفَت الملائكةُ وَجْهَهُ عن حَوْضي يوم القيامة ) وقال : ( مَنْ تَرَكَ التزويج مَخَافَةَ العَالة فَلَيْسَ مِنّي ) اه ، أي فإن ضمان ذلك على الله ولا يخاف العسر والفقر إذا كان من نيته التحصين وكان ابن مسعود يقول : ( لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام أحببت أن أتزّوج حتى لا ألقى الله عزباً ) . وروي عن النبيّ أنه قال لرجل : ( ألكَ زَوْجَةٌ ؟ ) قال : لا ، قال : ( وأنْتَ صَحِيحٌ سليمٌ ؟ ) قال : نعم ، قال : ( إنك إذاً من إخْوانِ الشَّياطين إنَّ أشْرَارَكُمَ عُزَّابكم ) الحديث . وتزوّج أحمد رضي الله عنه في اليوم الثاني من وفاة امرأته وقال : أكره أن أبيت عزباً . وقال : ( تَنَاكَحُوا تَكَثَّرُوا ) وفي رواية : ( تَكَاثَرُوا ) وأصله ( تتكاثروا ) وتمامه :(4/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
( فإنّي أُباهي بكم الأُمَمَ يوم القِيَامَةِ ) أي حتى بالسقط لأنهم يتباهون بكثرة الأتباع للازم لها كثرة الثواب . وقد ورد أن أمة نبينا عليه الصلاة والسلام ثلثا أهل الجنة كما في الأخبار . وقال : ( ما اسْتَفَادَ المرءُ بعد تَقْوَى الله خَيْراً مَنْ زَوْجَةٍ صالحةٍ إذا نَظَرَ إليها سَرَّتْهُ وإذا غاب عنها نَصَحَتْهُ بمالها ونَفْسِهَا ) . وورد : ( لولا أن الله أرْخَى عليهنّ الحَيَاءَ لبركن تحت الرِّجَالِ في الأسُوَاقِ ) كما ذكره شيخنا العزيزي ؛ والحياء في اللغة هو انكسار يعتري الإنسان من فعل ما يعاب عليه ، وأما شرعاً فهو خلق يبعث على اجتناب القبيح والتقصير في حق ذي الحق كما في القسطلاني على البخاري .
قوله : ( وما يتعلق به ) أي من طلاق ورجعة وغير ذلك ، وهو مفعول قول الشارح وزاد المصنف في الترجمة ، ففيه تغيير إعراب المتن لأنه في محل جرّ لكلام المتن . قوله : ( بعض الأحكام الخ ) أشار إلى أن من للتبعيض المفيدة عدم ذكر جميع أحكامه في هذا الكتاب . قوله : ( من الأحكام ) جمع حكم وهو النسبة التامة كما أشار إليه ، وقوله : ( والقضايا ) جمع قضية بمعنى مقضي بها فهي النسبة المذكورة فعطفها تفسير ، وتفسير الشارح مخالف لذلك إلا بتأويل ويصح أن يراد بالقضايا المصطلح عليها فيكون من عطف الكل على الجزء ، أي لأن القضية عند أهل الميزان مشتملة على ثلاثة أطراف المحمول والموضوع والنسبة . قوله : ( كصحة ) أي كثبوت صحة الشيء لأنه الحكم اللغوي ، و أما نفس الصحة فحكم شرعي وليس مراداً . قوله : ( وفساد ) أي وحلّ وحرمة وغير ذلك المشار إليه بقوله من الأحكام والقضايا . قوله : ( والنكاح مستحب الخ ) ذكر الشارح له أربعة أحكام : الاستحباب للتائق الواجد وليس في دار الحرب ، والكراهة لغير المحتاج الفاقد للأهبة أو به علة وكونه خلاف الأولى إن احتاج إليه ، وفقد الأهبة وكونه أولى إن وجد الأهبة ولم يتخلّ للعبادة . وزاد الرملي الوجوب إن خاف العنت وتعين طريقاً ووجد الأهبة والإباحة ، كما إذا أريد مجرد قضاء الشهوة ؛ ولذا لم ينعقد نذره على المعتمد ، وأما حرمته ففي حق من لم يقم بحقوق الزوجية وأما في حق النساء فيحرم لمن علمت من نفسها عدم القيام بحقوقه ولم تحتج إليه . قوله : ( بمعنى التزويج ) الأولى بمعنى التزوج وهو القبول وإطلاق النكاح على القبول فيه شبه استخدام ؛ لأنه ذكر النكاح أوّلاً في الترجمة بمعنى العقد ثم أعاده بلفظه بمعنى التزوّج . قوله : ( مستحب الخ ) وقيد ذلك بقيدين ، وأخذ محترز الثاني أوّلاً ثم أخذ محترز الأوّل على اللف والنشر المشوّش . قال الزيادي : وأفهم كلامه أن النكاح لا يجب واستثنى منه بعضهم ما إذا نذره حيث كان مستحباً كأن قصد به(4/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
غضّ البصر واستثنى بعض آخر حالة خوف العنت حيث لم يقدر على التسرّي ، وقيد بعضهم هذا بما إذا تعين طريقاً لدفع الزنا ؛ والمعتمد عدم انعقاد نذره لأنه في الأصل ليس بعبادة بل هو مباح بدليل صحته من الكافر ، لكن في فتاوى النووي أنه إن قصد به طاعة من ولد صالح أو إعفاف فهو من عمل الآخرة ويثاب عليه وإلا فمباح اه . وذكر بعضهم أنه يجب في صورة على المذهب وهو ما إذا كان تحته امرأتان فظلم واحدة بترك القسم ثم طلقها قبل أن يوفيها فإنه يجب عليه نكاحها ليوفيها حقها بنظير ما ظلم به ، وفي هذه الصورة يحرم طلاقها ويكون طلاقها بدعياً إذا طلقها قبل توفية حقها مما ظلمها به . ولنا وجه أن النكاح فرض كفاية على الأمة ، وهو مذهب أحمد رضي الله عنه وإن اتفق أهل قطر على تركه أجبروا عليه ويستدل عليه بقوله تعالى : ) واستعمركم فيها } ) هود : 61 ) اه ذكره النسابة .
قوله : ( لتائق ) أي مشتاق له أي النكاح المفهوم من الباءة لأنها مؤن النكاح ، لكن على حذف مضاف أي بتوقانه كما قال الشارح . ولما كان قوله لتائق له أي النكاح يوهم انه تائق للنكاح بمعنى القبول أوّله بقوله بتوقانه للوطء أي ولو خصياً كما اقتضاه كلام الإحياء . قوله : ( من مهر ) أي الحالّ منه ، والمراد أن ذلك زائد عن مسكنه وخادمه ومركوبه وملبوسه . قوله : ( يومه ) أي يوم التمكين . وقوله : ( تحصيناً ) علة لقوله : ( مستحبّ ) . قوله : ( سواء أكان مشتغلاً ) أي لوجود التوقان مع الأهبة ، بخلاف غير التائق الآتي إذا وجد الأهبة ولا علة به ، فإن كان يتخلى للعبادة فهي أفضل وإلا فهو أفضل . قوله : ( إرشاداً ) أي أمره الشارع أي أرشده ودله عليه لا أمر وجوب ، والإرشاد ما كان لمصلحة النفس وهو منصوب على التمييز أي من غير تحويل لأنه ليس بشرط كما في قوله امتلأ الإناء ماء أي من حيث الدليل الإرشادي ، ويثاب على ذلك الصوم سواء لاحظ امتثال الشارع أم لا كما هو شأن كل ما كان راجعاً لتكميل شرعي كما هنا لرجوعه إلى العفة ، أما ما لا يكون لتكميل شرعي كالإشهاد عند البيع فإنه لا يثاب عليه إلا إذا قصد امتثال الشارع وإلا فلا ثواب . قال م ر في باب المياه بعد قول المصنف ( ويكره المشمس ) ما نصه : قال السبكي : التحقيق أن فاعل الإرشاد لمجرّد غرضه لا يثاب ولمجرد الامتثال يثاب ولهما يثاب ثواباً أنقص من ثواب من محض قصد الامتثال ، اه بحروفه . قوله : ( بصوم ) قال العلماء الصوم يثير الحركة والشهوة أوّلاً ، فإذا داوم سكنت . قال ابن حجر : ولا دخل للصوم في المرأة لأنه لا يكسر شهوتها . قال سم : في إطلاقه نظر ما المانع أنها كالرجل إذا كانت حاجتها الشهوة فتكسرها بالصوم فليراجع ، وفيه أن هذا أمر طبي لا دخل للفقهاء فيه فكيف يقول ما المانع . قوله : ( يا معشر الشباب ) أي الرجال ، وخصهم لأنهم الذين يكسر(4/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
شهوتهم الصوم بخلاف المرأة فلا يكسر شهوتها الصوم كما تقدّم . والمعشر الجماعة الذين يجمعهم وصف واحد كما هنا . وإنما خص الشباب بالذكر لأن الشهوة فيهم أغلب وإلا فغيرهم مثلهم . قوله : ( فليتزوّج ) الأمر فيه للندب . قوله : ( فإنه أغض للبصر الخ ) أفعل التفضيل ليس على بابه ؛ لأن عدم النكاح ليس فيه غض للبصر ولا إحصان للفرج . قوله : ( فعليه بالصوم ) الباء زائدة والصوم مبتدأ وما قبله خبر ، أي فالصوم عليه . ويصح أن يكون عليه اسم فعل وفاعله مستتر فيه والصوم مفعول به . والباء زائدة ، والمعنى : فليلزم الصوم . واعترض بأن فيه إغراء للغائب وهو شاذ عملاً بقول الخلاصة :
وشذ إياي وإياه أشذ البيت . أي فكان القياس أن يقول فعليكم أو فعليك بالصوم . وأجيب بأنه إغراء للمخاطب فهو من القاعدة ، وإنما قال : ( فعليه ) نظراً للفظ من ومدخول من في المعنى مخاطب وهو ومن لم يستطع لأن المعنى ومن لم يستطع منكم فهو مخاطب أيضاً . قوله : ( فإنه ) أي الصوم ، وقوله : ( له ) أي لمن لم يستطع ، وهو على حذف مضاف أي لتوقانه . قوله : ( فلا يكسره ) أي التوقان بالكافور ، أي يكره ذلك إن غلب على ظنه أنه لا يقطع الشهوة بالكلية بل يفترها ، ولو أراد إعادتها باستعمال ضد ذلك من الأدوية أمكن ، وما جزم به في الأنوار من الحرمة محمول على القطع لها مطلقاً اه م ر ؛ أي فيحرم ذلك إن قطع الشهوة بالكلية ، ويكره إن أضعفها وقطع الحبل من المرأة على هذا التفصيل . واختلفوا في جواز التسبب إلى إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم ، فقال أبو إسحاق المروزي : يجوز إلقاء النطفة والعلقة ونقل ذلك عن أبي حنيفة ، وفي الإحياء في مبحث العزل ما يدل على تحريمه ، وهو الأوجه لأنها بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح ولا كذلك العزل اه ابن حجر . والمعتمد أنه لا يحرم إلا بعد نفخ الروح فيه . قوله : ( بل يتزوّج ) أي يباح له التزوّج ويكلف اقتراض المهر إن لم ترض بذمته . قوله : ( وكره النكاح لغير التائق الخ ) لو طرأت هذه الأحوال بعد العقد فهل يلحق بالابتداء أو لا لقوّة الدوام ؟ تردّد فيه الزركشي والثاني هو الوجه كما هو ظاهر ابن حجر ع ش على م ر . قوله : ( لغير التائق ) قضيته أنه لو كان مع ذلك يحتاج إليه لغرض الاستئناس لا تنتفي الكراهة وفيه نظر اه عميرة . قوله : ( له ) أي النكاح المفهوم من الباءة لأنها مؤن النكاح ، لكن على حذف مضاف ، أي لتوقانه كما قاله الشارح . قوله : ( لعلة أو غيرها ) كاشتغاله بحزن(4/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
أو خوف من نحو ظالم أو كان لا يشتهيه خلقة ؛ والمراد بقوله : ( لعلة ) أي دائمة . قوله : ( وتعنين ) أي دائم ، بخلاف من يعنّ وقتاً دون وقت اه س ل . وقوله : ( فيما عداه ) أي وهو صاحب العلة كالهرم ونحوه ، والمراد بواجبه الوطء بناء على القول الضعيف القائل بوجوبه في العمر مرة ، والأولى أن يراد بواجبه النفقة والكسوة لأن الشخص إذا كان لا يطأ زوجته يكون القيام بنفقتها وكسوتها عليه . قوله : ( ولا علة به ) أي والحال أنه غير تائق . قوله : ( فتخلّ لعبادة ) وفي معناه الاشتغال بطلب العلم اه أ ج . قوله : ( أفضل من النكاح ) أفعل التفضيل هنا على بابه إذا قصد بالنكاح نحو ولد صالح ، وأما قوله بعد : ( أفضل من تركه ) فليس على بابه ، أو يقال : قوله : ( أفضل من تركه ) أي إن فرض أن في الترك فضيلة فهو على بابه بهذا المعنى كما قالوه في العسل أحلى من الخل على فرض أن يكون في الخل حلاوة ، وصريح هذا أنّ النكاح ليس من العبادة . وقال النووي : هو منها إن قصد به إعفافاً أو نحو ولد كما تقدّم ، ومذهب أبي حنيفة تقديم النكاح على التخلي لنوافل العبادة . قوله : ( لئلا تفضي ) أي تؤديه وتوقعه البطالة في الفواحش ؛ ولذا قال بعضهم :
إن الشباب والفراغ والجده
مفسدة للمرء أيّ مفسده والمراد بالفواحش هنا خصوص الوطء لا ما يشمل التمتع لأن التمتع يمكن حتى من المتخلي للعبادة .
قوله : ( فإنه لا يستحب له النكاح ) أي بل يكره ما لم يخف العنت وإلا وجب . قوله : ( الشروط ) المراد بالجمع ما فوق الواحد إذ المتقدّم شرطان وهما التوقان ووجود الأهبة . قوله : ( بالخوف على ولده من الكفر ) أي بأن يموت أبوه وأمه وهو صغير لا يميز وينبهم عليه أي على الذي أسره الحال ، فربما يعتقد أنه من أولاد الكفار . قوله : ( والاسترقاق ) أي لو سبيت أمه حاملاً به لأنها لا تصدّق في أن حملها من مسلم ، نص عليه الشافعي وعلى كراهة التسري أيضاً في هذه الحالة سم . قوله : ( التائقة ) أي المشتاقة . قوله : ( والخائفة من اقتحام الفجرة ) أي يسنّ لها النكاح ، بل الوجه وجوبه إن غلب على ظنها أنهم لا يندفعون عنها إلا به وحرمته إن لم(4/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
تحتج إليه وعلمت من نفسها أنها لا تقوم بواجب حق الزوج ابن حجر زيادي . وقوله : ( وجوبه ) أي عليها بأن تطالب وليها أو ترفع الأمر لحاكم ، ومعنى الاقتحام في اللغة المجاوزة ، وفي المصباح : واقتحم عقبة أو وهدة رمى بنفسه فيها وكأنه مأخوذ من اقتحم الفرس النهر إذا دخل فيه ، وتقحم مثله . وعبارة م ر : ويندب للتائقة وألحق بها محتاجة للنفقة وخائفة من اقتحام فجرة . وفي التنبيه : من جاز لها النكاح إن احتاجته ندب لها وإلا كره ، ونقله الأذرعي عن الأصحاب ، ثم نقل وجوبه عليها إذا لم تندفع عنها الفجرة إلا به ، وبما ذكر علم ضعف قول الزنجاني ( يسنّ لها مطلقاً ) إذ لا شيء عليها مع ما فيه من القيام بأمرها وسترها ، وقول غيره ( لا يسنّ لها مطلقاً ) لأن عليها حقوقاً خطيرة للزوج لا يتيسر لها القيام بها ، ومن ثم ورد الوعيد الشديد في ذلك ، ولو علمت من نفسها عدم القيام بها ولم تحتج إليه حرم عليها اه ؛ وهي أوضح من عبارة الشارح . وقوله : ( عدم القيام بها ) أي بحاجته المتعلقة بالنكاح ، كاستعمالها الطيب إذا أمرها به والتزين بأنواع الزينة عند أمره وإحضار ما تتزين به لها ، وليس من الحاجة ما جرت العادة به من تهيئة الطعام ونحوه للزوج لعدم وجوبه عليها . وقوله : حرم عليها ومثلها في ذلك الرجل كما في ع ش على م ر . وفي الحديث : ( يأتي على الناس زَمانٌ لا تُنَالُ المعيشةُ فيه إلا بالمَعْصِيَةِ ، فإذا كان ذَلِكَ الزمان حلّت العزوبيةُ ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( إذا أتَّى على أمَّتي مائة وثمانون سنة فقد حلّت العُزُوبية والعزلةُ والتّرهُّبُ على رُؤوسِ الجِبَالِ ) والحديثان مذكوران في الكشاف ؛ ولهذا قال صاحبه فيه : وربما كان واجب الترك إذا أدى إلى معصية أو مفسدة . وقال بعضهم :
تزوّجت لم أعلم وأخطأت لم أصب
فيا ليتني قد متّ قبل التزوّج
فوالله ما أبكي على ساكن الثرى
ولكنني أبكي على المتزوّج
وقال بعض الأعراب : التزوّج فرح شهر وغمّ دهر وكسر ظهر اه .
قوله : ( ويسنّ أن يتزوّج بكراً ) هذا شروع في أوصاف الزوجة وما تقدّم في أوصاف الزوج . وفي معنى البكر من زالت بكارتها بنحو حيض ، وفي معنى الثيب من لم تزل بكارتها مع وجود دخول الزوج بها كالغوراء . ويسن أن لا يزوّج ابنته إلا من بكر ، وقياسه ندب نظير الصفات الآتية في الزوج أيضاً وهو ظاهر بأن يكون ديناً جميلاً ولوداً الخ . قوله : ( لخبر الصحيحين عن جابر الخ ) ولقوله : ( عليكم بالأبْكَارِ فإنَّهنّ أعْذَبُ أفواهاً وأنْتَقُ أرْحَاماً وأرْضَى باليَسير ) وفي رواية : ( عليكم بالأبكار فإنّهنّ أطْيَبُ أفواهاً وأضْيَقُ أرحاماً وأرْضى باليسير مِنَ الجماع ) وقوله : ( أنتق أرحاماً ) أي أكثر أولاداً ، يقال للمرأة الكثيرة الأولاد ناتق . وفي البكارة ثلاثة فوائد : إحداها أن تحب الزوج الأوّل وتألفه والطباع مجبولة على الأنس بأول مألوف ، وأما التي مارست الرجال(4/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
فربما لا ترضى ببعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته فتكره الزوج الثاني . الفائدة الثانية : أن ذلك أكمل في مودته لها . الثالثة : لا تحنّ إلا للزوج الأوّل . ولبعضهم :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحبّ إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبداً لأوّل منزل
اه .
قوله : ( هلا بكراً الخ ) هي حرف تنديم أي إيقاع في الندم إذا دخلت على ماض ؛ فالمعنى هنا : وقعت في الندم يا جابر ؛ فإن دخلت على مضارع تكون للتحضيض وهو الطلب بحثّ وإزعاج . قوله : ( عن الافتضاض ) بالفاء أو القاف ، وهو إزالة البكارة . قوله : ( دينة ) أي بحيث يوجد فيها وصف العدالة لا العفة عن الزنا فقط ، بدليل قوله لا فاسقة . وإذا تعارض على العارف الزواج بالكتابية وتاركة الصلاة قدم الكتابية لأنه ربما يهديها إلى الإسلام وغير العارف يقدم تاركة الصلاة لأن الكافرة ربما تجره إلى دينها . وقوله قدم الكتابية لأن تاركة الصلاة مرتدة عند أحمد ، وهو قول عندنا ضعيف . قوله : ( جميلة ) أي باعتبار طبعه فيما يظهر ولو سوداء مثلاً وإن قلنا الجمال عرفي ؛ لأن المدار هنا على العفة وهي لا تحصل إلا بجمال بحسب طبعه ، لكن تكره بارعة الجمال لأنها إما أن تزهو أي تتكبر لجمالها أو تمدّ الأعين إليها زيادي . قال م ر في شرحه : والمراد بالجمال كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى الوصف القائم بالذات المستحسن لذوي الطباع السليمة ، وقد قال الإمام رضي الله عنه : ما سلمت ذات جمال قط أي ما سلمت من التكلم فيها أي من فتنة أو تطلع فاجر إليها أو تقوّله عليها كما في ع ش . وقال الأصمعي : الحسن في العينين والجمال في الأنف والخد والملاحة في الفم وهذا هو الفرق بين الحسن والجمال والملاحة كما في ح ل . قوله : ( تنكح المرأة لأربع ) هو بيان لما هو حال الناس من الرغبة فيها لا أنه مأمور بذلك ، ق ل ؛ أي بجميع ذلك لأن نكاح المرأة لمالها غير مطلوب والنكاح لباقي الأربعة مطلوب . ويسنّ أيضاً أن لا تكون صاحبة ولد من غيرك ، لما روي أن النبي قال لزيد بن حارثة : ( لا تتزوّجْ خمساً : شَهْيَرَةً ) وهي الزرقاء البذية ( ولا لَهْبَرَةً ) وهي الطويلة المهزولة ( ولا نَهْبَرَةً ) وهي العجوز المدبرة ( ولا هَنْدَرَةً ) وهي القصيرة الدميمة ( ولا لَفُوتاً ) وهي ذات الولد من غيرك زيادي . وقوله : ( وهي الزرقاء ) أي في العين البذية أي في اللسان ، وقوله : ( وهي القصيرة الدميمة ) أو المكثرة للهذر أي الكلام في غير محله . والدميمة بالدال المهملة وهي القبيحة الصورة . وروى أبو نعيم عن شجاع بن الوليد قال : ( كان فيمن كان قبلكم رجل حلف لا يتزوّج حتى يستشير مائة نفس وأنه استشار تسعة وتسعين رجلاً ، واختلفوا عليه فقال بقي واحد وهو أوّل من يطلع من هذا الفجّ وآخذ بقوله . فبينما(4/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
هو كذلك إذ طلع رجل راكب قصبة فأخبره بقصته فقال له : النساء ثلاثة واحدة لك وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك فالبكر لك وذات الولد عليك والثيب لا لك ولا عليك . ثم قال : أطلق الجواد ؛ فقال له : أخبرني بقصتك فقال : أنا رجل من علماء بني إسرائيل مات قاض فركبت هذه القصبة وتبالهت لأخلص من القضاة ) اه خ ط . وعن بعض العرب أنه يكره نكاح خمسة : أنانة وحنانة وحدّاقة وشداقة وبراقة ، أما الأنانة فهي كثيرة الأنين والتشكي وتعصب رأسها كل ساعة فنكاح المريضة والمتمرضة لا خير فيه ، والحنانة التي تحنّ إلى زوج آخر كل ساعة وهذه مما ينبغي اجتنابها ، والحداقة هي التي ترمي بحدقتها إلى كل شيء وتكلف زوجها شراءه ؛ والبراقة لها معنيان : أحدهما أن تكون طول النهار في تصقيل وجهها وتزيينه . والثاني تغضب على الطعام ولا تأكل إلا وحدها وتشتغل بنفسها في كل شيء ، والشدّاقة المتشدقة الكثيرة الكلام . وينبغي للرجل أن لا ينكح أعلى منه قدراً ونسباً ومالاً وجاهاً وأصغر منه سناً فإن ذلك يؤدي إلى ترفعها على الزوج واستقلالها به وعدم الاكتراث به ، وربما أدّى ذلك إلى النشوز والمخالفة والهجر في المضجع وعدم تمكينه من المباشرة ، وربما أدى إلى قطع العشرة ؛ بل الأولى أن يتزوّج مثله في المنزلة ودون ذلك ليعظم عندها قدره وترى ما يحضره إليها من مأكل وملبس حسناً عظيماً ؛ قال تعالى : ) الرجال قوّامون على النساء } ) النساء : 34 ) الآية . وقوله : ( وينبغي أن لا يتزوّج من هي أعلى منه في المنزلة والغنى ) لأنها قد لا تجد عنده ما كانت تجد عند أهلها فلا يحصل الوفاق وربما يحصل الشقاق ؛ ذكره السيد النسابة . ويزاد أن لا يكون في حملها خلاف كأن زنى أو تمتع بأمها أو بها أصله أو فرعه أو شك بنحو رضاع ، اه ابن حجر .
قوله : ( ولحسبها ) أي لشرفها ، وقيل : المراد به النسب الطيب . ولو تعارضت تلك الصفات فالأوجه تقديم ذات الدين مطلقاً ثم العقل وحسن الخلق ثم النسب ثم البكارة ثم الولادة ثم الجمال ثم ما المصلحة فيه أظهر بحسب اجتهاده ، وهذا أولى من تقديم ابن حجر الولادة على النسب والبكارة فتأمّل شوبري . قوله : ( فاظفر ) جواب شرط محذوف ، أي إذا تحققت أمرها وفضيلتها فاظفر بها ترشد فإنك تكتسب منافع الدارين اه شوبري . قوله : ( تربت يداك ) معناه في الأصل التصقتا بالتراب ومن لازمه الفقر ، ففسره هنا باللازم والقصد منه اللوم لا الدعاء الحقيقي ع ش . وما قيل إن معنى تربت استغنت بأن صار ما فيها من المال لكثرته كالتراب ولو كان مراده افتقرت لقال أتربت ، فاسد منابذ للمراد من الحديث ، إلا إن حمل على معنى إن فعلت أي ظفرت بذات الدين اه . ثم رأيت في شرح منظومة ابن العماد ما نصه : يقال تربت إذا افتقرت وأتربت إذا استغنت يعني إن ظفرت بها استغنت يداك والتراب يعبر عنه بالمال(4/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
كقولهم مال فلان عدد التراب ، قال الباجي : وفي لغة القبط ثربت بالثاء المثلثة ومعناها امتلأت يداك شحماً إن ظفرت بذات الدين ، مأخوذ من الثرب وهو الشحم المحيط بالكرش ، وقيل : استوت يداك في القوة والبطش إذا ظفرت بذات الدين قال الله تعالى : ) عرباً أتراباً } ) الواقعة : 37 ) يعني متساويات السنّ والقدّ ، حكاه في الوافي . وقيل : يحتمل أن يكون المعنى أنه أراد باليدين نعمتي الدنيا والآخرة من قوله تعالى : ) بل يداه مبسوطتان } ) المائدة : 64 ) أي نعمتاه في الدنيا والآخرة ؛ والمعنى إن ظفرت بذات الدين ظفرت بنعمتي الدنيا والآخرة اه . قوله : ( إن لم تفعل ) أي إن لم تفعل بذات الدين ترتب يداك ، فجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله . قوله : ( تزّوجوا الولود الودود ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( سَوْدَاءُ وَلُودٌ خيرٌ من حَسْنَاءَ عَقِيمٍ ) . قوله : ( أي طيبة الأصل ) أي لا معروفة النسب فقط وإن لم تكن طيبة الأصل ، قال بعضهم : ينبغي أن تكون المرأة دون الرجل بأربع وإلا استحقرته : بالسن والطول والمال والحسب ، وأن تكون فوقه بأربع بالجمال والأدب والخلق والورع . قوله : ( تخيروا لنطفكم ) وفي رواية : ( تَخَيَّرُوا لنُطَفِكُمْ فإنّ العِرْقَ دَسَّاسٌ ) وورد : ( إيَّاكُمْ وخَضْرَاءَ الدِّمَنِ ) . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ( المرأة الحسناء في الَمِنْبتِ السُّوءِ ) فشبه المرأة التي أصلها رديء بالقطعة الزرع المرتفعة على غيرها التي منبتها موضع روث البهائم . قوله : ( أو ذات قرابة بعيدة ) بل هي أولى من الأجنبية . أورد عليه زينب مع أنها بنت عمته . وأجيب بأنه تزوّجها لبيان جواز نكاح زوجة المتبني لأنها كانت تحت زيد ، ولا يشكل ذلك أيضاً بتزوّج عليّ رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها لأنها بعيدة في الجملة إذ هي بنت ابن عمه لا بنت عمه اه ز ي . قال السيد النسابة : ويستحب أن تكون الزوجة من أقاربه البعدى فهي أولى من الأجنبية ، لكن قال في البحر والبيان : إن الشافعي نص على أنه يستحب أن لا ينكح من عشيرته فإن الولد يجيء أحمق ، قال : وقد رأينا جماعة تزوّجوا من أقاربهم فجاءت أولادهم حمقاً لكن قد تزوّج عليّ بفاطمة وهي من الأقارب ؛ تزوّجها ابن عمها عليّ رضي الله عنه في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة النبوية بالمدينة وولدت(4/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
له الإمام السبط الحسن وهو أول أولادها ولدته بالمدينة في النصف من شعبان سنة ثلاث من الهجرة ، ولما ولد واعلم النبي به أخذه ووضعه في حجره وأذّن في أذنه اليمنى ؛ وولد له أيضاً منها الحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى فكانت جملة أولاد الإمام عليّ منها ومن غيرها الذكور أربعة عشرة ذكراً وأولاده الإناث سبع عشرة اه بحروفه . وفي شرح الخصائص : وخُصّ أن آله لا يكافئهم في النكاح أحد من الخلق وأما تزويج فاطمة لعليّ ، فقيل : إنه لم يكن إذ ذاك كفؤاً لها سواه . واعترض بأن أباه كافر وأبوها سيد البشر وزوّجت له بأمر الله لما رواه الطبراني عن ابن مسعود : أنه لما خطبها منه أبو بكر وعمر ردهما وقال : ( إن الله أمرني أن أُزَوّج فاطِمَةَ مِنْ عَليّ ) وزوجها له في غيبته على المختار ويمكن أنه وكل واحداً في قبول نكاحه فلما جاء أخبره بأن الله تعالى أخبره بذلك فقال رضيت . وأخذ بعضهم من هذا الخبر أن نكاح القرابة القريبة ليس خلاف الأولى كما يقول الشافعية . وأجيب بأن علياً قريب بعيد ، إذ المراد بالقرابة القريبة من هو في أول درجات الخؤولة والعمومة ونكاحها أولى من الأجنبية اه . وتزويجه لزينب بنت جحش مع كونها بنت عمته لمصلحة حل نكاح زوجة المتبني ، وقد كان تبنى زيداً ؛ هذا ولما تزوجها وقع أن المنافقين عابوا عليه بذلك فقالوا : إن محمداً ينهانا أن نتزوّج بحلائل أبنائنا وهو يفعله فأنزل الله تعالى : ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } ) الأحزاب : 40 ) إعلاماً بأن المنع في ولد النسب ، وكذا في ولد الرضاع وتزويجه زينب بنته لأبي العاص مع أنها بنت خالته بتقدير وقوعه بعد النبوّة واقعة حال فعلية ، فاحتمال كونه بمصلحة يسقطها .
قوله : ( للحر ) أي كامل الحرية كما يعلم من قول الشارح الآتي : والمبعض كالقنّ . قوله : ( ولقوله لغيلان ) بفتح المعجمة اسم رجل من قبيلة ثقيف وهو واحد من ستة رجال من تلك القبيلة أسلم كل منهم على عشر نسوة ؛ وباقيهم : مسعود بن مصعب ومسعود بن عامر ومسعود بن عمر وعروة بن مسعود وسفيان بن عبد الله . وخص غيلان بالذكر لأنه الذي وقع منه الخطاب مع النبي كما قاله ق ل . وقال المدابغي : إنما نص على غيلان لصحة الحديث في شأنه دون غيره . قوله : ( وقد أسلم وتحته عشر نسوة ) وهل أسلمن أو كنّ كتابيات تحل ، اه راجعه . قوله : ( أمسك أربعاً ) اختار الأذرعي أن أمسك للوجوب وفارق للإباحة واعتمده م ر ،(4/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
واختار السبكي عكسه . واعتمده غير واحد ، واختار بعض مشايخنا وجوب أحدهما إذ بوجوبه يتعين الآخر . وفي جميع ذلك نظر ، إذ لا معنى لتعين لفظ أحدهما معيناً أو مبهماً وإباحة الآخر كذلك ، فالوجه أن الواجب هو القدر المشترك بينهما الموجود في ضمن أيهما وجد وهو تمييز مباحه من غيره والجمع بينهما تأكيد اه برماوي .
قوله : ( الجواز ) أي جواز الجمع . قوله : ( تغليباً لمصلحة الرجال ) وهي كثرة التمتع بالنساء . وقوله : ( لمصلحة النساء ) وهي الغيرة لأن المرأة لا تحب لزوجها أن يتمتع بغيرها ، وفي مصلحة النوعين يكون في كليهما مصلحة دون المصلحة المفردة فيما قبله فالتمتع يقلّ والغيرة تقل . فإن قيل : ما الحكمة في رعاية شريعة سيدنا موسى للرجال وشريعة سيدنا عيسى للنساء ؟ قلت : يحتمل والله أعلم أن فرعون لما ذبح الأبناء واستضعف الرجال ناسب أن يعاملهم سيدنا موسى بالرعاية على خلاف فعل ذلك الجبار بهم ، ولما لم يكن لسيدنا عيسى في الرجال أب وكان أصله امرأة ناسب أن يراعي جنس أصله رعاية له ؛ تأمل وافهم ذكره العلامة الشوبري مع زيادة . وقد قيل : كان لسليمان بن داود ثلاثمائة جارية سوى السراري ، وقيل : كان لداود عليه السلام مائة امرأة . ومات عن تسع ، وهنّ : سودة بنت زمعة وعائشة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وأم حبيبة وجويرية وصفية وميمونة ، هذا ترتيب تزويجه إياهن رضي الله عنهن . ومات وهنّ في عصمته . واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرّية وهل ماتت قبله أو لا ؟ قال النووي في تهذيبه عن قتادة : تزوّج خمس عشرة امرأة ودخل بثلاث عشرة وجمع بين إحدى عشرة وتوفي عن تسع . وسرد الدمياطي في السيرة من دخل بها أو طلقها قبل الدخول أو خطبها ولم يعقد عليها ثلاثين ؛ وقد نظم ذلك بعضهم قوله :
توفي رسول الله عن تسع نسوة
إليهن تعزى المكرمات وتنسب
فعائشة ميمونة وصفية
وحفصة تتلوهن هند وزينب
جويرية مع رملة ثم سودة
ثلاث وست ذكرهن مهذب اه .
قوله : ( تغليباً لمصلحة النساء ) لأنه يلزم على الزيادة الغيرة المؤدية إلى فساد العشرة . قوله : ( والحكمة في تخصيص الحر بالأربع الخ ) عبارة غيره : وحكمة تخصيص الأربع كما قيل أن غالب أمور هذه الشريعة مبني على التثليث وترك الزيادة عليه كما في الطهارات وإمهال مدة(4/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
الشرع ونحو ذلك ، فلو زيد هنا على الأربع لكانت نوبة كل واحدة لا تعود إلا بعد أكثر من ثلاث ليال . وفيه مخالفة لما مرّ . وقيل : الحكمة مراعاة الأخلاط الأربعة في الإنسان المتولد عنها أنواع الشهوة . وردّ بعضهم هذه بعدم اعتبارها في الرقيق مع تمام الأخلاط فيه إلا أن يقال إن الحكمة لا يلزم اطرادها . قوله : ( مثنى اثنين اثنين ) وهذا هو مقتضى الظاهر وهو غير منصرف لأنه اجتمع فيه أمران العدل والوصف ؛ والمعنى أن المباح واحد من هذه لا مجموعها الذي هو تسعة ولا اثنان منها إلى آخر ما ذكره الشارح ، فإن ذلك كله مدفوع بالحديث المذكور بقوله : أمسك الخ . فهذا الحديث مبين للمراد من الآية ، وهو أن ينكح اثنين أو ثلاثة أو أربعة ولا يجمع ، وقد انعقد الاجماع على عدم الزيادة على الأربع . والواو في الآية بمعنى أو والتكرار فيها غير مراد ؛ لأنه لما كانت أو بمنزلة واو النسق جاز هنا أن تكون الواو بمنزلة أو . وقيل : إن الواو أفادت أنه يجوز لكل أحد أن يختار لنفسه قسماً من هذه بحسب حاله ، فإن قدر على نكاح اثنين فاثنين الخ لا أنه يضم عدداً . وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز لأحد أن يزيد على أربع نسوة وأن الزيادة على أربع من خصائصه التي لا يشاركه فيها أحد . قوله : ) أو ما ملكت أيمانكم } ) النساء : 3 ) أي أو اقتصروا على ما ملكت أيمانكم .
قوله : ( لأن الحكم بن عتبة ) بمثناة فوقية وموحدة تحتية . قوله : ( بطلن ) أي الخمس أي بطل عقدهن ، إذ لا معنى لبطلان الذوات إلا إن كان فيهن نحو مجوسية ممن يحرم نكاحها(4/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
فيختص بها البطلان ، أو كان فيهن نحو أختين فيختص البطلان بهما ق ل . وقوله : ( أو كان فيهن ) أي الخمس ، ومثلهن الست في الحر أو الثلاث أو الأربع في العبد ، بخلافهما في سبع في الحر أو خمس في العبد فهو باطل في الجميع سم ملخصاً . قوله : ( ولا ينكح الحر ) أي كامل الحرية ولو عنيناً ومجنوناً بالنون وعقيماً آيساً من الولد ، فيحرم عليه ولا يصح تزوّجه بمن فيها رق ، ومثلها الموصي يحملها أبداً إذا أعتقها الوارث . وعبارة سم : انظر هل يصح تزويج هذه الحرة من الموصى له بأولادها لأنهم يعتقون بملك أبيهم لهم أو لا لأنهم ينعقدون أرقاء ثم يعتقون ففي هذا النكاح إرقاق أولاده وإن لم يستمر ؟ المتجه الثاني اه رحماني . ويلغز بها ، فيقال : لنا حرة لا تنكح إلا بشروط الأمة ويقال في أولادها أرقاء بين حرين اه كما في ز ي . قوله : ( أمة ) ولو صغيرة أو آيسة أو مبعضة ، ولو قال من بها رق لكان أولى . وإنما امتنع نكاح الحر الأمة إلا بالشروط لأن فيه إرقاق الولد وهو محذور شرعاً ، ومقتضى ذلك حل نكاحها إذا انتفى ذلك بأن كانت عقيمة أو هو عقيم ، وليس كذلك لأن الحكم قد عم بحسب ما يراه المجتهد . والحاصل أن الرقيق المسلم يشترط له شرط واحد وهو إسلامها ، والرقيق الكافر لا يشترط له شيء ، والحر المسلم يشترط له الثلاثة ، والحر الكافر يشترط له الأوّلان . قوله : ( لغيره ) إنما قيد بذلك لأن أمة نفسه لا يصح العقد عليها مطلقاً مع بقاء الرق وجدت الشروط أو لا ، أي لا يصح أن يعقد على من يملكها أو بعضها وإن قل ولو مستولدة ومكاتبة فيحرم عليه لتعاطيه عقداً فاسداً ؛ لأن وطأها جائز له من غير عقد ولأن ملك اليمين أقوى ، بخلاف الإباحة فهي بالنكاح أقوى ؛ ولذلك لو وطىء أمة بالملك ثم نكح أختها أي الحرة حلت المنكوحة دون الأخرى . قوله : ( بل بثلاثة ) بل بأكثر كما يدل له قوله آخر السوادة : واعلم أنه لا يحل الخ . قوله : ( عدم قدرته الخ ) فإن قدر عليه ولو بسبب وجوب الإعفاف على فرعه امتنعت الأمة لاستغنائه عن إرقاق ولده أو بعضه ؛ سم . فالمراد قدر حقيقة أو حكماً بأن يكون له ابن موسر فيجب عليه إعفافه وقوله لاستغنائه عن إرقاق الولد ، أي إن كانت رقيقة ، وقوله : ( أو بعضه ) إن كانت مبعضة . قوله : ( على صداق الحرة ) والمراد به ما ترضى به من مهر مثلها فأقل فاضلاً عما يحتاجه من مسكنه وخادمه ولباسه ومركوبه ونحوها سم ، أي فاضلاً عما تحتاجه في الفطرة عنده أو عند فرعه الذي يلزمه إعفافه كما تقدم لا بنحو هبة فلا يلزمه قبول هبة مهر أو أمة لما فيه من المنة كما في ح ل . قوله : ( تصلح الخ ) هل المراد صلاحيتها باعتبار ميل طبعه أو الرجوع للعرف الثاني أرجح اه م ر . قال ح ل : وفيه نظر ظاهر ، لأنه يلزم على(4/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
اعتبار العرف أنها لو كانت تعفّ سائر الناس ولا تعفه وخشي الزنا لا يزوّج الأمة . وهو بعيد جداً ، وقد يقال : لا بعد فيه لأنه يكذب حينئذ في دعواه خوف الزنا لأن مع وجود من ذكر لا يخاف الزنا اه . قوله : ( أو قدر على صداقها الخ ) معطوف على المتن ، وهو قوله : ( عدم قدرته ) والتقدير عدم قدرته أو قدرته . وقوله : ( أو وجدها ) عطف على قوله : ( ولم يجدها ) . وقوله : ( أو لم ترض به ) عطف على قوله : ( ولم ترض الخ ) . قوله : ( إلا بزيادة على مهر مثلها ) أي وإن قلت وقدر عليها سم . وعبارة المنهج : أو بأكثر من مهر مثل وإن قدر عليه ، كما لا يجب شراء ماء الطهر بأكثر من ثمن مثله اه . قال ح ل : قيده الإمام والغزالي بما إذا كان الزائد قدراً يعدّ بذله إسرافاً وإلا حرمت الأمة ، ويفرق بينه وبين ماء الطهر بأن الحاجة إلى الماء تتكرر ، وجرى عليه النووي في تنقيحه وهو المعتمد اه . وفي ع ش ما يوافق الأوّل فحرر المعتمد . قوله : ( ونحوه ) كدناءة حرفته . قوله : ( أو كان تحته من لا تصلح الخ ) كان الأولى جعله غاية ، أي تحل له الأمة إذا عجز عن الحرة ولو كان تحته حرة الخ . قوله : ( كصغيرة الخ ) وهل المتحيرة كالتي تصلح أو لا ؟ قال ابن قاسم : نعم ، وقال الرملي : إن كانت نفسه تعافها فهي كالعدم وإلا فكالتي تصلح ، والذي في شرح م ر أنها تمنع نكاح الأمة ما لم يخف الزنا زمن توقع الشفاء ، وعبارته : والمتحيرة صالحة فتمنع الأمة لتوقع شفائها ، ومحله إن أمن العنت زمن توقع الشفاء بخلاف ما إذا لم يأمن فلا تمنعها ، ولا يحل له ابتداء نكاحها لو كانت أمة نظراً للحالة الراهنة اه . وهذا هو المعتمد ، وما ذكره ح ل بقوله : لأنها الآن غير صالحة وتوقع شفائها لا ينظر إليه ضعيف فاحذره . قوله : ( لا تحتمل الوطء ) أي وطأه ، وإن احتملته من غيره اه س ل . قوله : ( أو هرمة أو نحو ذلك ) قال ابن قاسم أو كانت زانية كما أفتى به جماعة فيحل له نكاح الأمة أو معتدة من غيره ، وأما منه فإن كانت رجعية فلا بد من انقضاء عدتها ، وإن كانت بائناً فلا يشترط انقضاؤها كما في ح ل . قوله : ( فلو قدر على حرة غائبة الخ ) مقابل لمحذوف ، أي ما تقدم في الحرة الحاضرة ، أما الغائبة فما حكمها ؟ فقال : فلو قدر الخ . قوله : ( بأن ينسب الخ ) وإن لم يكن في ذلك غرم مال . والمراد من الإسراف ومجاوزة الحدّ واحد ، وهو أن يحصل له لوم وتعيير من الناس بقصدها ق ل . فقوله : ( ومجاوزة الحد ) أي العادة عطف تفسير . قوله : ( وإلا ) أي إن لم يلحقه مشقة ظاهرة ولم يخف الزنا مدّة السفر فلا تحل(4/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
الخ . قوله : ( إذا أمكن انتقالها معه ) أي فيجب عليه حينئذ السفر ، فالشروط ثلاثة كما قاله المدابغي ؛ لكن الأوّلان أحدهما يكفي فهو شرط مردّد بين أمرين . قوله : ( والرخص ) أي التي منها نكاح الأمة . قوله : ( ولا يمنع ماله الغائب ) ولو دون مسافة القصر . قوله : ( وقد لا يجده عند حلول الأجل ) أما إذا علم قدرته عند المحل فلا تحل له الأمة أخذاً مما قالوه في التيمم لو وجد الماء يباع بثمن مؤجل وكان قادراً عليه عند حلوله لزمه الشراء والمعتمد عدم تحريم الأمة في هذه الحالة أيضاً لأن في الزوجة كلفة أخرى وهي النفقة والكسوة فإنهما يجبان عليه بمجرد عرضها عليه والفرض أنه معسر في الحال بخلاف ثمن الماء اه ز ي . قوله : ( لوجوب مهرها بالوطء ) ولا نظر إلى أنها قد تنذر له بإسقاطه إن وطىء للمنة التي لا تحتمل حينئذ اه م ر اه م د .
قوله : ( وهو الوقوع ) فيه أنه سيأتي أن العنت اسم للزنا لا الوقوع فيه . وأجيب بأنه أشار بقوله الوقوع إلى تقدير مضاف في المتن ، أي خوف وقوع الزنا ؛ وليس مراده تفسير العنت بالوقوع المذكور كما قرّره شيخنا العشماوي . وتسمية الزنا بالعنت مجاز مرسل من إطلاق اسم المسبب على السبب لأن الزنا سبب والمسبب المشقة . قوله : ( بأن تغلب شهوته ) ولو عنيناً وخصيًّا . وفي شرح شيخنا أن العنين كالممسوح لا يخشى العنت ، وفيه نظر لوجود آلة الزنا فيه كالخصي بخلاف المجبوب والممسوح اه ح ل . قوله : ( وإن لم يغلب ) غاية . قوله : ( بالحدّ في الدنيا ) أي إن حدّ والعقوبة في الآخرة إن لم يحد ؛ قاله الحلبي . فالواو بمعنى أو ويصح بقاؤها على بابها ، ويراد بالعقوبة عقوبة الإقدام لأنها لا تسقط عنه بالحدّ بل بالتوبة أو محض(4/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
عفو الله . وعبارة شرح م ر : لأنه سببها بالحد أو العذاب اه . فعبر بأو بناء على أن الحدود جوابر في المسلمين وهو الراجح ، فمن حد في الدنيا لا يعذب في الآخرة كما قاله ع ش . قوله : ( والعقوبة في الآخرة ) قال الرافعي : وراء العقوبات الدنيوية عقوبات أخروية . قال النووي : ظواهر الشرع تقتضي سقوط المطالبة في الآخرة إذا أقيم الحدّ في الدنيا . وجمع شيخ الإسلام بين الكلامين بأن كلام الرافعي محمول على ما إذا مات ولم يتب وكلام النووي محمول على ما إذا تاب قبل موته . وعبارة عبد البر : وقد سئل النووي عمن ارتكب معصية فأقيم الحد عليه في الدنيا هل تسقط عنه العقوبة في الآخرة ؟ فقال : ظاهر السنة الصحيحة أنه يسقط عنه ذلك ، وقال غيره : إن تاب عن المعصية في الدنيا سقط عنه عقاب الآخرة وإن لم يتب عوقب ؛ وهو جمع حسن اه . فتلخص أنه لا تسقط عنه عقوبة الآخرة إلا إذا وجد الحد والتوبة من ذنب الإقدام أو التوبة إن لم يكن على الذنب حد .
قوله : ( والأصل فيما ذكر ) أي من الشرطين . قوله : ( ومن لم يستطع منكم طَوْلاً ) غِنىً . وقوله : ) أن ينكح المحصنات } ) النساء : 25 ) في موضع النصب بفعل مقدر صفة لطولاً ، أي ومن لم يستطع منكم غنى يبلغ به نكاح المحصنات يعني الحرائر لقوله : ف ) مما ملكت أيمانكم } ) النور : 33 ) الآية اه بيضاوي باختصار . وقوله ( نكاح ) مأخوذ من أن والفعل لأنهما في تأويل مصدر . قوله : ( المؤمنات ) جري على الغالب ، بل لو وجد حرة كتابية امتنع عليه التزويج بالأمة المسلمة اه م د . قوله : ( وبالعنت عمومه ) أي والمراد بالعنت ، أي الذي في الآية . ولو قال والمراد بالزنا الخ لكان أولى ليكون تفسيراً لكلامه . وقد يجاب بأنه إنما آثر ما في الآية لقربه وشرفه فكان بالتفسير أحرى ويستفاد منه تفسير ما في كلامه ؛ ولعل هذا ملحظ الشارح . قوله : ( عمومه ) بأن خاف الزنا بأيّ امرأة كانت . وعبارة ح ل : ليس المراد عمومه لكل امرأة حتى الرديئة ونحوها ، بل أن لا يختص بواحدة لما تقدم أن من تحته غير صالحة للتمتع يخشى العنت . قوله : ( والوجه ترك التقييد ) أي بقوله أي الروياني إذا كان واجداً للطول ، وهو كذلك ق ل . قوله : ( مع أن وجود الطول ) أي فلا معنى لاشتراط عموم(4/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
العنت . قوله : ( وبهذا الشرط ) أي خوف العنت . قوله : ( لا ينكح أمتين ) أي صالحتين فيما يظهر ، خلافاً للحلبي حيث قال : ولو كانت إحداهما غير صالحة اه . والمراد بقوله لا ينكح أمتين أي في عقد مطلقاً أو في عقدين سواء انتفت الشروط المتقدمة أم لا ؛ لأنه إنما حل له نكاح الأمة للضرورة وهي تندفع بواحدة إِلا في غائبة مثلاً فله التزوج ولو بأربع من الإماء كأن اجتمعت فيه الشروط فتزوج أمة بمصر ثم خلفها فيها وذهب إلى الحجاز فخاف العنت ولحقه مشقة في الذهاب إلى زوجته الأمة فتزوج بأمة أخرى وخلفها فيه ثم ذهب إلى اليمن وهكذا إلى أربع ، وله جمعهنّ بعد ذلك ولو في مسكن واحد ؛ لأن طروّ اليسار لا يضر وإن أمن الزنا وقدر على الحرة اه م د على التحرير . قوله : ( وأن الممسوح الخ ) خرج بهما الخصي والعنين فلهما نكاح الأمة بشرطه . وعبارة الشوبري : والأوجه أنها لا تحل لمجبوب الذكر مطلقاً إذ لا يخشى الزنا ، ومثله العنين وحل للممسوح . وقوله ( مطلقاً ) سواء وجدت بقية الشروط أو لا . قوله : ( وأرادت إبطال النكاح ) أي بدعواها أنه تزوجها وهو مجبوب فنكاحه باطل ؛ لأنه لا يخاف العنت . فأجاب بأنه تزوجها وهو فحل وأن هذا الجب عارض فالقول قوله بيمينه ما لم يدلّ الحال على كذبه كما قال الشارح .
فائدة : قال المناوي في شرح الخصائص : خصَّ النبي بتحريم نكاح الأمة المسلمة لأن نكاحها مقيد بخوف العنت وهو معصوم وبفقدان مهر الحرة ونكاحه غني عن المهر ابتداء وانتهاء وبرقّ الولد ومنصبه منزه عنه ، ولو قدر له نكاح أمة كان ولده منها حراً على الصحيح ، وإن قلنا بجريان الرق على العرب . ولا يلزمه قيمته لسيدها كما جزم به القاضي بخلاف ولد المغرور بحرية أمة فإنه يلزمه قيمته لسيدها لأنه ثم فات الرق بظنه ، وهنا الرق متعذر . ولا يشترط في حقه خوف العنت حينئذ لأنه لا يتصور في حقه لعصمته ولا فقد الطول . وله الزيادة على أمة واحدة بخلاف أمته ، فإن جواز تزويجهم بالأمة خوف العنت . وفقدان الطول وأن لا يزيد على واحدة ، قال إمام الحرمين في النهاية : ولو قدر نكاح غرور في حقه لم تلزمه قيمة الولد لأنه مع العلم بالحال لا ينعقد رقيقاً ، فمع الجهل به أولى . قال ابن الرفعة في المطلب : وفي تصوّر ذلك في حقه نظر إذا قلنا إن وطء الشبهة حرام مع كونه لا إثم فيه ، فيجوز أن يصان جانبه عنه وأن يقال بجوازه لفقد الإثم . وقال البلقيني : لا يتصور في حقه قط اضطرار إلى نكاح الأمة ، بل لو أعجبته أمة وجب على مالكها بذلها إليه هبة قياساً على الطعام ، أي على وجوب بذله . وكان إذا خطب امرأة فردّ لم يعد إليها أي إلى خطبتها ، وهذا من شرف النفس(4/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
وعلو الهمة كما ورد في حديث مرسل رواه ابن سعد عن مجاهد قال : كان إذا خطب فرد لم يعد فخطب امرأة فقالت حتى استأمر أبي فاستأمرته فأذن فلقيت رسول الله فقالت له فقال : ( قد الْتَحَفّنَا لحافاً غَيْرَكِ ) . فقال المؤلف : فيحتمل ذلك التحريم والكراهة قياساً على إمساك كارهته ، ولم أر من تعرض له ثم إن هذا لا دلالة فيه على الخصوصية بوجه فإثباتها به من قبيل الرجم بالغيب اه بحروفه . ولعله كان الأولى للشارح أن يذكر ما ذكرناه هنا كما هو عادته ، ولكونه يكون تقييداً لكلام المتن فافهم .
قوله : ( إسلامها ) أي أن تكون مسلمة ، وإن كانت مملوكة لكافر فلا يؤثر كفر سيدها لحصول صفة الإسلام فيها . واستشكل تصويرها . ويجاب بتصوير ذلك في المستولدة أو المدبرة فإنها تقر في يد الكافر وفي مكاتبة أسلمت اه م ر . قوله : ( فلا تحل له كتابية ) أي أمة ، أي بخلاف التسري فإنه يجوز . ويفرق بينه وبين النكاح بأن الولد رقيق في النكاح وحرّ في التسري لكونها تصير أم ولد تأمل . قوله : ف ) مما ملكت أيمانكم } ) النور : 33 ) ولأنه اجتمع فيها نقصان لكل منهما أثر في منع النكاح وهما الكفر والرق ، فلا يجوز للمسلم نكاحها كالحرة المجوسية والوثنية لاجتماع نقص الكفر وعدم الكتاب . وعبارة ح ل : قوله ( فمما ملكت أيمانكم الخ ) أي فانكحوا مما ملكت ، فالكلام فيمن يملك وهم الأحرار ؛ وفيه أن هذا لا يقتضي حرية الناكح بل حرية المالك . قوله : ( كالمرتدة والمجوسية ) أي كما حرمتا على كل من الحر والرقيق . قوله : ( كرقيق كلها ) بالإضافة . قوله : ( محذور ) أي ممنوع . قوله : ( تردد ) والصحيح المنع لأن إرقاق الخ ، فهو علة لمحذوف كما يدل عليه قوله : وعلى تعليل المنع الخ . ولو وجد أمة الأصل وغير أمته تعينت أمة الأصل للتزوّج إذ إرقاق الولد لا يدوم لأنه يعتق على الأصل كما في س ل . قوله : ( وعلى تعليل المنع ) أي منع كاملة الرق مع تيسر مبعضة ، اقتصر الشيخان ، واقتصارهما عليه مشعر بترجيح المعلل به وتقدّم قليلة الرق على كثيرته ومن علق حرية أولادها على غيرها ق ل . والقدرة على أمة أصله لا تمنع(4/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
صحة نكاح أمة غيره وإن كان أولاده يعتقون على أصله ، ونظر فيه حج بأن بقاء ملك الأصل إلى العلوق غير محقق ودلالة الاستصحاب هنا ضعيفة وفي حج أن أولاده ينعقدون أحراراً . وفي شرح م ر ما يوافقه . وإذا قلنا بأن القدرة على نكاح أمة أصله تمنع صحة نكاح أمة غيره ، فقياسه أن قدرته على نكاح من علق سيدها حرية أولادها على ولادتهم تمنع صحة نكاح أمة ليست بهذه الصفة اه حلبي .
قوله : ( ولا بد الخ ) معتمد ، والغرض منه عزوه للسبكي وإِلا فقد علم هذا من أول كلامه لأنه عام للكتابي ، ومثل الكتابي المجوسي ونحوه في حل الأمة المجوسية له لا بد من وجود الشرطين أيضاً إذا حكمنا بحل نكاح المجوسي للمجوسية اه س ل وم ر . قوله : ( ويفقد الحرة ) بكسر القاف ، قال تعالى : ) ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك } ) يوسف : 72 ) . قوله : ( كما فهمه السبكي ) أي من كلامهم أي إذا ترافعوا إلينا وإِلا لم يتعرض لهم اه حج . قوله : ( مطلقاً ) سواء خاف زنا أم لا فقد الحرة أم لا . وقوله ( نكاح أمة ولده ) أي حيث وجب عليه الإعفاف ، وقال بعضهم : وإن لم يجب عليه الإعفاف على المعتمد عند الشمس الرملي خلافاً لابن حجر ومن تبعه ؛ والمراد أنه لا يحل له نكاحها ابتداء ، فلو ملك الولد زوجة أبيه لا ينفسخ نكاحها لأن الدوام اغتفروا فيه ما لا يغتفر في الابتداء . وفي قول الشارح ( واعلم الخ ) إشارة إلى شروط أربعة في جواز نكاح الأمة زيادة على الشروط السابقة ، وهي أن لا تكون أمة فرعه ولا أمة مكاتبه ولا موقوفة عليه ولا موصى له بخدمتها دائماً . قوله : ( ولا أمة مكاتبه ) لأنه عبد ما بقي عليه درهم ، فالمملوك له كالمملوك لسيده في الجملة والشخص لا ينكح أمته . قوله : ( ولا أمة موقوفة عليه ) ولا موصى له بخدمتها ؛ لأن كلاًّ منهما بالنسبة له كالمملوكة فلا يجوز له أن ينكحها كما لا ينكح مملوكته . وانظر هل عدم حلها ابتداء ودواماً أو ابتداء فقط ؟ استقرب ع ش الأول ، وعبارة الشوبري : قوله ( أو موصى له بخدمتها ) أي على التأبيد لجريان قول إنه يملكها بخلاف غيرها ؛ لأن غايتها أنها كالمستأجرة له فالوجه حل تزوجه بها إذا رضي الوارث . قوله : ( ونظر الرجل ) أي ولو احتمالاً ، فشمل الخنثى كما يأتي . قوله : ( الفحل ) أي ونحوه ، وهو المجبوب والخصي فإنهما نحو الفحل لا من الفحل كما يؤخذ من المنهج ؛ وحينئذ فمفهوم الفحل فيه تفصيل : فإن كان غير الفحل ممسوحاً فيجوز نظره للأجنبية كالمحرم ، وإن كان مجبوباً أو خصياً حرم . وقال بعضهم : إنما قيد بالفحل لإخراج الممسوح فقط دون من عداه كما يفهم من صنيعه الآتي . قوله : ( البالغ ) ذكره تأكيداً لأن الرجل هو البالغ ، أو يقال ذكره لدفع توهم أن الرجل مراد به(4/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
ما قابل الأنثى فيشمل الصغير ، بل المراد به ما قابل الصبي . قوله : ( إلى المرأة ) المراد بها من بلغت حد الشهوة ولو كانت غير بالغة . قوله : ( ولو غير مشتهاة ) لكبر لا لصغر لأنها لم تدخل في المرأة ق ل .
قوله : ( على سبعة أضرب ) المقصود من هذه السبعة هو النظر لأجل النكاح ، وأما ذكر بقية الأقسام فللمناسبة وتكميل الفائدة . ووجه التقسيم أنه إما أن يمتنع مطلقاً وذلك في الأجنبية ، وإما أن يجوز مطلقاً وذلك في الزوجة والأمة ، وإما أن يجوز لما عدا ما بين السرة والركبة وذلك في المحارم والأمة المزوّجة أو المعتدة أو نحوها ، وإما أن يجوز لأجل الخطبة وذلك للوجه والكفين فقط ، وإما أن يجوز لأجل المداواة وذلك في محل الحاجة ، وإما للمعاملة والشهادة وذلك للوجه فقط ؛ فإن كان للشهادة على رضاع أو زنا فبالنظر لذلك المحل ، وإما أن يكون لتقليب أمة يريد شراءها وذلك إلى المواضع التي يحتاج إلى تقليبها من البدن ما عدا ما بين السرة والركبة اه م د . قوله : ( نظرها لمثلها ) وهو أن نظرها لمثلها كنظر الرجل إلى الرجل . قوله : ( لكن عبارته توهم ) ما لم يرد الرجل ولو احتمالاً . والحاصل أن الخنثى مع النساء كالرجل ومع الرجال كالمرأة وكذلك مع الخناثى بعضهم مع بعض للاحتياط ، وإنما جاز للرجال والنساء تغسيله لأن الشهوة تنقطع مع الموت . قوله : ( وبقيد الفحل الممسوح ) هذا يقتضي أن المراد بالفحل ما عدا الممسوح ، وقوله الآتي شمل قول المصنف الرجل الفحل والخصي والمجبوب والعنين والشيخ الهرم والمخنث يقتضي أن المراد بالفحل ما عدا الخمسة التي بعده ؛ لأن العطف يقتضي المغايرة ، ففي كلام الشارح تناقض . ثم رأيت لبعضهم ما نصه : قوله ( وبقيد الفحل الخ ) يقتضي أن مقابل الفحل الممسوح فقط وإن المجبوب والخصي من الفحل ، وكلامه في التنبيه الآتي يقتضي أن الثلاثة تقابل الفحل ، فتناقض كلامه وما في التنبيه هو المطابق للغة ، فكان عليه أن يقول وبقيد الفحل غيره ففيه تفصيل ، فإن كان ممسوحاً فجائز نظره وإن كان خصياً أو مجبوباً فكالفحل ؛ ولعل اقتصار الشارح في الإخراج على الممسوح إشارة إلى أنه المقصود بالإخراج وأن في مفهوم الفحل تفصيلاً فلا يناقض ما ذكر في التنبيه فتدبر . قوله : ( الممسوح ) هو ذاهب الذكر والأنثيين بحيث لم يبق له شهوة ، شرح المنهج ؛ فإن بقيت فكالفحل ، قاله شيخنا الرملي اه ق ل على المحلي . ويسمى الممسوح طواشياً . قوله : ( فنظره للأجنبية جائز ) أي إن كان عدلاً . وعبارة م ر : ونظر ممسوح ذكره كله وأنثياه بشرط أن لا يبقى فيه ميل للنساء أصلاً وإسلامه في المسلمة وعدالته لأجنبية(4/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
متصفة بالعدالة أيضاً . قوله : ( على الأصح ) ومقابله أنه حرام وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد ، ومال إليه السبكي . قوله : ( كنظر الفحل ) أي فينظر الممسوح ما عدا ما بين السرة والركبة من المرأة بشرط أن يكون عفيفاً .
قوله : ( قلعت ) بالمعنى الشامل للقطع ولفقدهما أصالة أي خلقة . قوله : ( المراهق الخ ) بكسر الهاء هو ما قارب الاحتلام ، أي باعتبار غالب سنه وهو قرب خمسة عشر سنة فيما يظهر . وخرج بالمراهق غيره فإن كان يحسن حكاية ما يراه على وجهه من غير شهوة فكالمحرم ، أو بشهوة فكالبالغ ، أو لا يحسن ذلك فكالعدم كما قاله الإمام اه م ر ؛ فغير البالغ على أربعة أقسام . قوله : ( كالبالغ ) مقتضاه أنه يحرم عليه النظر مع أنه غير مكلف ، فلعل مراده أنه يحرم على وليه أن يمكنه من النظر ويحرم عليهن الكشف عنده هكذا ظهر لي . قوله : ( فنظره لا يوصف الخ ) أي وكذا نظر الصبي المميز لا يوصف بما ذكر . قوله : ( كالبهيمة ) لكن يحرم على العاقلة البالغة النظر إليه . قوله : ( أحدها نظره إلى بدن أجنبية الخ ) والحاصل أنه يحرم رؤية شيء من بدنها وإن أبين كظفر وشرع عانة وإبط ودم حجم وفصد ، لا نحو بول كلعاب والعبرة في المبان بوقت الإبانة ، فيحرم ما أبين من أجنبية وإن نكحها ولا يحرم ما أبين من زوجة وإن أبانها . وشمل النظر ما لو كان من وراء جدار أو مهلهل النسج ، وخرج به رؤية الصورة في نحو المرآة ومنه الماء فلا يحرم ولو مع شهوة . ويحرم سماع صوتها ولو نحو القرآن إن خاف منه فتنة أو التذّ به ، وإلا فلا . والأمرد فيما ذكر كالمرأة اه ق ل على الجلال . وفي ع ش على م ر : أنه إذا انفصل منها شعر وهي في نكاحه ثم طلقها حرم النظر إليه بعد الطلاق لأنها صارت أجنبية منه ، ولا نظر لانفصاله في وقت كان يجوز له فيه النظر . وقوله ( أو التذّ به ) أي وما وقع في ع ش على م ر من جواز السماع وإن التذّ به فسهو من الشيخ ، ففهم أن قول م ر : وكذا سماع الصوت راجع للنفي قبله ، فرتب عليه الجواز مع أنه راجع للمنفي ، أي وكذا سماع الصوت فلا يجوز بدليل قول م ر بعد ذلك كما بحثه الزركشي ، فإن الذي بحثه الزركشي إنما هو الحرمة كما في شرح الروض وهو المعوّل عليه ؛ شيخنا وغيره من مشايخنا . ومن الصوت الزغاريت كما في ع ش . وفي سم على حج ما نصه : هل بول المرأة كدم فصدها فيحرم نظره أو لا ؟ ويفرق بما يؤخذ من قوله الآتي مع العلم بأنه جزء ممن يحرم نظره ، فإن(4/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
البول لا يعدّ جزءاً بخلاف الدم فيه نظر اه . أقول : الأقرب عدم الحرمة لما علل به ، ومن ثم لو قال : بولك طالق لم تطلق بخلاف ما لو قال : دمك اه . ورؤية الدم لا تحرم على المعتمد كالبول .
قوله : ( غير الوجه والكفين ) أخرجهما لأجل حكاية الخلاف الآتي فيهما . والتفصيل بين وجود الشهوة والفتنة وعدمهما أو وجود أحدهما وعدم الآخر ؛ ولكن المناسب لقوله الآتي ، وكلام المصنف شامل لذلك إسقاط قوله غير الخ . قوله : ( ولو غير مشتهاة ) غاية في الحرمة . قوله : ( قصداً ) خرج ما لو وقع اتفاقاً من غير قصد فلا يحرم كما سيذكره . قوله : ( مما سيأتي ) أي من جواز النظر للشهادة والمعاملة . قوله : ( فغير جائز قطعاً ) أي لغير النبي ، أما هو فقد اختص بإباحة النظر إلى الأجنبيات والخلوة بهن وإردافهن على الدابة خلفه لأنه مأمون لعصمته ؛ وهذا هو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية وأما الجواب بأنها كانت محرمه من رضاع فرده الدمياطي بعدم ثبوته . وعدّ بعضهم من خصائصه أنه كان يصافح النساء في بيعة الرضوان من تحت الثوب وذلك لعصمته ، وأما غيره فلا يجوز له مصافحة الأجنبية لعدم أمن الفتنة اه مناوي على الخصائص ؛ لكن رأيت في بعض الحواشي أنه كان لا يصافح النساء إنما كان يأخذ عليهن أي يبايعهن ، فإذا أحرزن أي حفظن المبايعة قال : اذهبن فقد بايعتكن اه . قوله : ( وإن أمن الفتنة ) هي ميل النفس ودعاؤها إلى الجماع أو مقدماته . قوله : ( وأما نظره إلى الوجه والكفين فحرام ) وفي وجه تخصيص الحكم بالوجه ونقل القاضي عياض المالكي عن العلماء مطلقاً أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة ، وعلى الرجال غض البصر عنهن ، وصوتها ليس بعورة على الأصح لكن يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة ، وإذا قرع باب المرأة أحد فلا تجيبه بصوت رخيم بل تغلظ صوتها بأن تأخذ طرف كفيها بفيها وتجيب . وفي العباب : ويندب إذا خافت داعياً أن تغلظ صوتها بوضع ظهر كفها على فيها اه . قوله : ( فحرام ) ويجيب هذا القائل عن الآية الآتية بأنها واردة في الصلاة كما قرره شيخنا . قوله : ( عند خوف فتنة ) أي بأن يفتنّ عقله ، وهذا قيد لأجل قوله ( بالإجماع ) . وقوله ( تدعو إلى الاختلاء ) كان الأولى حذف ذلك ويقول من جماع أو مقدماته ، وقال بعضهم : تدعو صفة كاشفة للفتنة لأنها ميل النفس إلى الاختلاء بها بجماع أو مقدماته . قوله : ( ولو نظر إليهما ) أي الوجه والكفين . قوله : ( وهي ) أي الشهوة قصد التلذذ ، أي وهي التلذذ بالنظر المقصود ليوافق تفسير غيره لها بأنها التلذذ بالنظر ، فلا مخالفة ولا إيراد .(4/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
قوله : ( المجرد ) أي من غير قصد جماع ولا مقدّماته . قوله : ( ووجهه ) أي تحريم النظر عند أمن الفتنة . قوله : ( سافرات الوجوه ) أي كاشفات لها . قوله : ( ومحرك ) أي مثير لها . قوله : ( سدّ الباب ) أي باب النظر أي سواء كان بشهوة أم لا . وقوله ( والإعراض ) عطف تفسير . قوله : ( عن تفاصيل الأحوال ) أي بين الشهوة والفتنة وعدمها والعدالة وعدمها . قوله : ( كالخلوة بالأجنبية ) لأنهم لم يفصلوا في ذلك بل حرّموا الاختلاء بها مطلقاً سدًّا لباب الفساد . قوله : ( وقيل لا يحرم ) أي النظر للوجه والكفين . قوله : ) ولا يبدين زينتهن } ) النور : 31 ) أي مواضعها ، أو أنه أطلق الزينة على محلها مجازاً . وقوله : ) إِلا ما ظهر منها } ) النور : 31 ) أي إِلا ما غلب ظهوره ، فاندفع ما يقال إن في الآية تحصيل الحاصل ؛ لأن المعنى إِلا ما ظهر منها فيبدينه أي يظهرنه مع أنه ظاهر فالجواب ما تقدم هذا واعترض بأن هذه واردة في عورة الصلاة . وأجيب بأن الاستدلال بها على القول بأنها عامة للصلاة وغيرها .
قوله : ( وهو ) أي قوله ما ظهر منها . قوله : ( بقوّة المدرك ) أي الدليل والمأخذ ، أي فالمدرك وهو الدليل يقتضي ترجيح عدم الحرمة ؛ ولكن الفتوى على خلافه للاحتياط اه م د ، وحينئذ فكان المناسب الاستدراك . والحاصل أنك إن نظرت لقوله : ) قل للمؤمنين يغضوا } ) النور : 30 ) ولقوله سد الباب رجحت الحرمة ، وإن نظرت لقوله : ) ولا يبدين زينتهن إِلا ما ظهر منها } ) النور : 31 ) رجحت جواز النظر على القول بأن الآية عامة غير خاصة بالصلاة . وهذا بالنظر للدليل ، أما الفتوى والمذهب فعلى كلام المنهاج من الحرمة مطلقاً ؛ ثم رأيت في الزيادي ما نصه : لكن نقل ابن العراقي أن البلقيني قال : الترجيح بقوة المدرك والفتوى على ما في المنهاج ، أي أن المدرك مع ما في المنهاج وهو سد باب النظر اه . والمدرك بضم الميم مع فتح الراء أي محل الإدراك وهو الدليل ، وأما الفتح فهو تحريف كما في المصباح . قوله : ( شامل لذلك ) أي لما في المنهاج من حرمة النظر مع أمن الفتنة . قوله : ( اتفاقاً ) أي ولو تكرر . قوله : ( نظره ) وكذا مسه حتى الفرج من غير كراهة في المس ،(4/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
بخلاف نظر الفرج فيكره . قوله : ( التي يحل الخ ) قيد في كل من الزوجة والأمة ، ومثلها المكاتبة والمشتركة إلى غير ذلك مما يأتي . وكان الأولى أن يقول التي يحل الاستمتاع بهما ليرجع للزوجة أيضاً لتخرج الرجعية والمعتدة عن شبهة ، ويمكن أنه حذف من الأول لدلالة الثاني ، فيكون التقدير : إلى زوجته التي يحل الخ ، ويدل عليه قوله : فيجوز حينئذ أن ينظر الخ لكن قوله الآتي ويستثني زوجته المعتدّة الخ يقتضي أنه لا حذف من الأول . قوله : ( فيجوز حينئذ ) أي حين إذ حل له الاستمتاع بها . قوله : ( أن ينظر ) خرج بالنظر المسّ ، فلا خلاف في حله ولو للفرج اه .
قوله : ( حال حياتهما ) قيد فيهما ، لكن لم يذكر محترزه في الأمة إلا أن يعلم بالمقايسة وخرج ما بعد الموت فيحرم بشهوة كما قاله م ر . قوله : ( المباح ) أخرج الفرج الذي لا يباح وطؤه وهو الدبر فسيأتي أنه يجوز النظر إليه على المعتمد . قوله : ( جوازاً مستوي الطرفين ) أي بل يجوز مع ترجيح الكراهة فيكون مكروهاً . ولا كراهة في نظر الدبر لكن في الأجهوري عن م ر أنه يكره النظر إليه ، ومثله في الزيادي ، فما في الحاشية من أن الدبر لا كراهة في النظر إليه سهو ولعل تقييد الشارح الفرج بالمباح لإخراج الدبر من حيث إن فيه خلافاً هل هو حرام أو لا . قوله : ( فيكره النظر إليه ) أي إلى الفرج سواء القبل والدبر ظاهراً وباطناً .
قوله : ( قالت عائشة الخ ) هذا ليس نصاً في الكراهة لاحتمال أن يكون نفيها الرؤية لشدة الحياء . قوله : ( في الضعفاء ) أي في الأحاديث الضعفاء . قوله : ( المسمى بالنظر ) أي بالبصيرة وقوله في أحكام النظر أي بالبصر . قوله : ( وخالف ابن الصلاح ) أي خالف ابن حبان في عده في الضعفاء . قوله : ( وحسن إسناده ) أي نقل تحسينه عن غيره لأنه قال : لا يمكن التحسين في زماننا . قوله : ( وهو محمول على الكراهة ) أي حمل النهي المستفاد منه على الكراهة . قوله : ( يوهم الحرمة ) أي حيث قال : ما عدا الفرج ، فيوهم إخراجه من طرف الجواز .(4/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
قوله : ( كنظره إليها ) أي جائز ، وليس التشبيه من كل وجه فلا يكره نظرها لفرجه لأن النهي إنما ورد في قبل المرأة خلافاً للدارمي في الدبر بلا مانع له أي للنظر لكل .
قوله : ( شمل كلامهم ) أي الأئمة ، وأما كلامه فلا يشمل لأنه قيد الفرج بالمباح فأخرج الدبر . قوله : ( وقول الإمام ) مبتدأ خبره قوله ( صريح فيه ) . قوله : ( والتلذذ بالدبر بلا إيلاج جائز ) شامل لمسه بذكره بلا إيلاج سم . وقوله ( صريح فيه ) أي في الشمول . قوله : ( بحرمة النظر إليه ) أي الدبر . والحاصل أن الدبر فيه أقوال ثلاثة : قيل يباح النظر إليه ، وقيل يكره وهو المعتمد ، وقيل يحرم . قوله : ( ويستثني ) أي على كلام المتن ، أما على تقييد الشارح بقوله التي يحل له الاستمتاع بها فلا استثناء وكان الأولى ، وخرج بحل التمتع الخ أو يقول أما التي يحل الخ ؛ إلا أن يقال هذا بالنظر لكلام المتن في حد ذاته . قوله : ( ويحل ما سواه ) أي ما سوى ما بين السرة والركبة . قوله : ( بخلاف العكس ) أي إذا منعته من النظر . وقوله ( فلها النظر ) ما لم يمنعها فإن منعها حرم النظر لما بين سرته وركبته ، هذا ما تحرر بعد التوقف ز ي . وفي ع ش على م ر : قوله إن لم يمنعها ، أي فإن منعها حرم عليها النظر ظاهره ولو لغير العورة ، وكتب أيضاً : قوله إن لم يمنعها اعتمد ابن حجر الجواز ولو منعها ، وكتب عليه سم فرع الخلاف الذي في النظر إلى الفرج لا يجري في مسه لانتفاء العلة ؛ ولم أر أحداً قال بتحريم مس الفرج له وإن كانت واضحاً لم يصرحوا بذلك اه سبكي . ولعل وجهه أنه محرّك للشهوة بلا ضرر يترتب عليه اه قال أج : ولو منع والدته من النظر إليه لم يحرم عليها نظره . والفرق أن نظر الوالدة إلى ولدها جائز بنص الشرع ولا كذلك الزوجة اه .
قوله : ( وخرج بقيد الحياة الخ ) المعتمد الجواز بعد الموت كالحياة ق ل ، لكن بلا شهوة . قوله : ( ومقتضى التشبيه الخ ) ضعيف والمعتمد أنه يجوز النظر بعد الموت لجميع البدن(4/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
حتى الفرج بغير شهوة . قوله : ( وإلى ما بينهما من غير شهوة ) مقتضى ما تقدم عن الشيخ الرملي عدم الحرمة ، ويحل بلا شهوة نظر لصغيرة لا تشتهي خلا فرج لأنها ليست في مظنة الشهوة ، أما الفرج فيحرم نظره سواء كان من ذكر أم من أنثى ؛ واستثنى من ذلك الأم زمن الرضاع والتربية اه مرحومي . وقوله ( لا تشتهي ) أي عند أهل الطباع السليمة ، فإن لم تشته لهم لتشوّه بها قدّر فيما يظهر زوال تشوهها ؛ فإن كانت مشتهاة لهم حينئذ حرم نظرها وإِلا فلا . وفارقت العجوز بسبق اشتهائها ولو تقديراً ، فاستصحب ، ولا كذلك الصغيرة لأنها ليست في مظنة أي في زمن مظنة الخ ، أو ( في ) زائدة . وقوله ( أما الفرج ) أي القبل أو الدبر ، والظاهر أنه لا يختص في القبل بالناقض بل حتى ما ينبت عليه الشعر غالباً . وقوله ( الأم ) أي ونحوها كمرضع لها أو مربي لها فيجوز لها نظره ، وينبغي أن مسه للحاجة كغسله ومسحه للحاجة كذلك . والتعبير بالإرضاع جري على الغالب وإِلا فالمدار على من يتعهد الصبي بالإصلاح ولو ذكراً ، كإزالة ما على فرجه من النجاسة مثلاً كدهن الفرج بما يزيل ضرره . ثم لا فرق في ذلك بالنسبة لمن يتعاطى صلاحه بين كون الأم قادرة على كفالته واستغنائها عن مباشرة غيرها وعدمه ، وينبغي أن مثل الفرج محله إذا خلق بلا فرج أو قطع ذكره فيحرم النظر إليه إعطاء له حكم الفرج كما في ع ش على م ر ؛ قال في زوائد الروضة : جزم الرافعي بأنه لا ينظر إلى فرج الصغيرة ، ونقل صاحب العدّة الاتفاق على هذا ، وليس كذلك بل قطع القاضي حسين في تعليقه بجواز النظر إلى فرج الصغيرة التي لا تشتهي والصغير ، وقال المتولي : فيه وجهان ؛ والصحيح الجواز لتسامح الناس بذلك قديماً وحديثاً ، وتبقى الإباحة إلى بلوغه بسن التمييز . وأما العجوز فقد ألحقها الغزالي بالشابة ، فإن الشهوة لا تنضبط وهي محل للوطء . وقال الروياني : إذا بلغت مبلغاً يؤمن الافتتان بالنظر إليها جاز النظر إلى وجهها وكفيها .
قوله : ( ومثل الزوج السيد الخ ) هذا مكرر مع قوله وإلى أمته الخ . وأجيب بأن قوله ( ومثل الزوج السيد في أمته ) أي في أنه يصير في حق أمته بعد الموت كالمحرم فهو مفروض في الموت وما تقدم في الحياة . وقوله ( التي يحل الخ ) ليس بقيد لأنها تصير كالمحرم في حقه بعد الموت وإن لم يحلّ الاستمتاع بها في حالة الحياة . وقوله ( أما التي لا يحل له فيها ذلك ) مفهوم قوله فيما تقدم وإلى بدن أمته التي يحل له الاستمتاع بها ، وليس مفهوم ما قبله لأنك علمت أنه ليس بقيد فلا مفهوم له ؛ هكذا قرره شيخنا العلامة العشماوي . والظاهر أن هذه العبارة سرت للشارح من كلام غيره غافلاً عما سبق له ، فإنه قيد فيها بالزوج حيث قال فيما سبق : وخرج بقيد الحياة ما بعد الموت فيصير الزوج الخ ، فقيد بالزوج وحمله على حالة الحياة يصيره مكرراً مع قوله التي يحل له الاستمتاع بها فإنه شامل للزوج والسيد . وقوله ( أما التي لا يحل له فيها ذلك ) يحتمل أنه مفهوم ما يليه من قوله ( التي يحل له الاستمتاع بها ) فيكون راجعاً(4/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
لحالة الموت ، لكن لا فائدة لهذا المفهوم عنده لأن الأمة التي يحل الاستمتاع بها كالمحرم بعد الموت ، وكذا التي لا يحل الاستمتاع بها فلا فرق بعد الموت بين التي يحل الاستمتاع بها وبين التي لا يحل الاستمتاع بها ، وحينئذ فالوجه أن يكون مفهوم قول الشارح سابقاً التي يحل له الاستمتاع بها فيكون راجعاً لحالة الحياة إذ هي التي يفرق فيها بين ما يحل الاستمتاع بها وما لا يحل الاستمتاع بها . قوله : ( بكتابة ) أي صحيحة . قوله : ( أو شركة ) وإنما حل نظره لأمته المشتركة ، أي ولم يحلّ للعبد المشترك أن ينظر إلى سيدته لأن المالكية أقوى من المملوكية ، فأبيح للمالك ما لا يباح للمملوك اه م ر . وعبارة الشعراني في الميزان : قال الشافعي : إن عبد المرأة محرم لها فيجوز نظره إليها وعليه جمهور أصحابه . وقال جماعة منهم الشيخ أبو حامد والنووي : إنه ليس بمحرم لسيدته ، وقال : إنه الذي ينبغي القطع به . والقول بأنه محرم لها ليس له دليل ظاهر ، والآية إنما وردت في الإماء ، ووجه الأول أن مقام السيادة كمقام الأمومة في نفرة الطبع من التلذذ بالاستمتاع بها لما يشاهده العبد من سيدته من الهيبة والتعظيم ، ووجه الثاني أن السيادة تنقص عن مقام الأم في ذلك اه بحروفه . قوله : ( ونسب ) أي محرمية . قوله : ( ومصاهرة ) بأن كانت أم زوجته أو زوجة أبيه أو ابنه أو بنت زوجته . قوله : ( ونحو ذلك ) أي من كل مانع لا يزول أو بعيد الزوال اه . وقال بعضهم : قوله ( ونحو ذلك ) لعل المراد به أخت موطوءته أو عمتها . قوله : ( أما المحرّمة بعارض ) مقابل لمحذوف تقديره : هذا إذا كان المانع غير زائل أو بعيد الزوال كما في الأمثلة أما المحرمة الخ . وقال بعضهم : قوله ( أما المحرمة بعارض الخ ) محترز قوله ( بكتابة أو تزويج الخ ) لكن يلزم عليه أن يكون هذا راجعاً للأمة فقط مع أنه عام فيها وفي الزوجة ؛ وذلك لأن قوله بكتابة الخ خاص بالأمة . والحاصل أن قوله أما المحرمة بعارض راجع لكل من الزوجة والأمة فقوله كحيض راجع لهما وقوله ورهن راجع للأمة . قوله : ( فلا يحرم نظره إليها ) أي لكل بدنها ولو بشهوة ، وأما مس الحائض فيجوز لما عدا ما بين السرة والركبة دون ما بينهما وأما المرهونة فيجوز كل من النظر والمس لكل بدنها .
قوله : ( إلى ذوات محارمه ) ذوات بمعنى صاحبات فإضافتها بيانية أو من إضافة الأعم للأخص ، أو المراد بالذوات الأبدان ، أو أن المراد بالمحارم الأقارب ؛ وكأنه قال : إلى ذوات أقاربه . قوله : ( والمعتدّة ) أي من غيره . قوله : ( فيجوز ) أي النظر دون المسّ . قوله : ( بغير شهوة )(4/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
أي ولو كافراً ؛ لأن المحرمية تحرم المناكحة فكانا كالرجلين . نعم لو كان الكافر من قوم يعتقدون حل المحارم كالمجوس امتنع نظره وخلوته كما نبه عليه الزركشي اه شرح م ر . قوله : ( معنى ) أي وصف اعتبره الشارع . قوله : ( أما بين الخ ) كذا بخط المؤلف رحمه الله ، والمناسب : أما ما بين الخ تأمل مرحومي . قوله : ( وأما النظر إلى السرة والركبة ) عبارة ح ل : وأما السرة والركبة فلا يحرمان عند شيخنا ، وفي كلام ابن حجر ما يفيد حرمة نظرهما اه نعم يحرم نظر الجزء الملاصق للعورة لأنه مما لا يتم الواجب إِلا به اه ق ل . قوله : ( فهذه العبارة ) أي عبارة المتن ، وقوله أولى من عبارة ابن المقري حيث قال : فيجوز النظر فيما فوق السرة الخ . قوله : ( بما فوق الخ ) متعلق بعبارة ، وضمن العبارة معنى التعبير فعداها بالباء ، وإِلا فكان الأوضح أن يقول : وهي ما فوق الخ . قوله : ( مطلقاً ) أي آدمياً أو غيره . قوله : ( في كل ما لا يباح له الاستمتاع به ) آدمياً أو جماداً . قوله : ( ولكن النظر الخ ) استدراك على قوله ( مطلقاً ) فإنه شامل حتى للنظر للنكاح . قوله : ( المسنون ) الأولى إسقاطه لأجل الإضراب بعده . قوله : ( ورجا رجاء ظاهراً أنه يجاب إلى خطبته ) وإن استوت الإجابة وعدمها ففيه احتمالان ، والأوجه الجواز عند الاستواء سم . ويشترط كما هو ظاهر أن تكون خلية عن نكاح وعدة .
تنبيه : لو رأى امرأتين معاً ممن يحرم جمعهما في النكاح ليعجبه واحدة منهما يتزوّجها جاز ؛ ولا وجه لما نقل عن بعض أهل العصر من الحرمة . ويؤيد ما نقل ما لو خطب خمساً معاً حيث تحرم الخطبة حتى يختار شيئاً اه شوبري .
قوله : ( وقد خطب ) أي عزم وأراد خطبتها . وعبارة حج الهيثمي في كتابه الإفصاح في أحاديث النكاح نصها عن جابر رضي الله عنه أن النبي قال : ( إذا خَطَبَ أحَدُكُمُ المَرْأَةَ ( أي أراد خطبتها ، بدليل رواية أخرى : ( فلا جُنَاحَ عليه أنْ يَنْظُرَ إليها وإنْ كانت لا تَعْلَمُ ) رواه أحمد وأبو داود والطبراني . وروى أبو يعلى أنه قال : ( إذا خَطَبَ أحدُكم المرأةَ فَلْيَسْألْ عَنْ شعرها(4/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
فإنه أحَدُ الجمالين ) وأخرج ابن النجار وغيره عن المغيرة بن شعبة قال خطبت جارية من الأنصار فذكرت ذلك للنبي فقال لي : ( رأيتها ؟ ) فقلت : لا فقال : ( فانْظُرْ إليها فإنَّه أحْرَى أن يُؤْدَمَ بَيْنَكُما ) أي تدوم المودّة والألفة . فأتيتهم فذكرت ذلك إلى والديها فنظر أحدهما إلى صاحبه فقمت فخرجت ، فقالت الجارية : عليّ بالرجل فوقفت ناحية خدرها فقالت : إن كان رسول الله أمرك أن تنظر إليّ فانظر وإِلا فأنا أحرّج عليك أن تنظر فنظرت إليها فتزوجتها فما تزوجت امرأة قط أحبّ إليّ منها ولا أكرم عليّ منها وقد تزوجت سبعين امرأة . قوله : ( فإنه ) أي النظر أحرى أي أحق أن يؤدم بينكما . قوله : ( ومعنى يؤدم يدوم قدمت الواو على الدال ) وفتحت الدال فهو على الأول بالواو وعلى الثاني بالهمزة . قوله : ( وقيل من الإدام ) عبارة م ر : وقيل من الأدم لأنه يطيب الطعام .
قوله : ( ووقت النظر الخ ) قال م ر : وظاهر كلامهم بقاء ندب النظر وإن خطب وهو الأوجه ، أي فهو مستحب بعد الخطبة أيضاً . وفي حاشية ح ل : فهو بعد الخطبة غير مستحب بل هو جائز ، فهو ضعيف . وقوله ( ولا يتقيد ) هو المعتمد كما أنه إذا اكتفى بمرة حرم ما زاد اه م د . والحاصل أن النظر بعد الخطبة قيل إنه خلاف الأولى وقيل مباح وقيل مستحب . قوله : ( اكتفاء بإذن الشارع ) عبارة م ر ولم ينظر لاشتراط إذن مالك أمرها كأنه لمخالفة الرواية المذكورة . وعبارة النسابة : ثم المنظور منها الوجه والكفان ظهراً وبطناً ولا ينظر إلى غير ذلك وقيل ينظر إلى المفصل ، وقيل : ينظر إليهما نظر الرجل إلى الرجل اه .(4/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
قوله : ( والحكمة في الاقتصار عليه ) أي على ما ذكر أي من الوجه والكفين . وقد يقال هذه الحكمة توجد في الأمة فمقتضاها أنه لا ينظر من الأمة إِلا الوجه والكفين كالحرة للحكمة المذكورة . وأجيب بأن الحكمة لا يلزم إطرادها ، قال أهل الفراسة والخبرة بالنساء : إذا كان فم المرأة واسعاً كان فرجها واسعاً ، وإذا كان صغيراً كان فرجها صغيراً ضيقاً ، وإن كان شفتاها غليظتين كان أسكتاها غليظتين ، وإن كان شفتاها رقيقتين ، كان أسكتاها رقيقتين ، وإن كانت السفلى رقيقة كان فرجها صغيراً ، وإن كانت لسانها شديد الحمرة كان فرجها جافاً من الرطوبة ، وإن كان لسانها مقطوع الرأس كان فرجها كثير الرطوبة ، وإن كانت حدباء الأنف فهي قليلة الغرض في النكاح ، وإن كان ما وراء أذنها مخسوفاً فإنها شديدة الرغبة في النكاح ، وإن كانت طويلة الذقن فإنها فاتحة الفرج قليلة الشعر ، وإن كان صغيرة الذقن فإنها غامضة الفرج ، وإن كانت كبيرة الوجه غليظة العنق دل ذلك على صغر العجز وكبر الفرج وضيقه ، وإذا كثر ظاهر شحم قدمها وبدنها عظم فرجها وحظيت عند زوجها ، وإذا كانت المرأة نتيئة الساقين في صلابة فإنها شديدة الشهوة لا صبر لها عن الجماع ، وإن كانت العين كحيلة كبيرة فإنه يدل على الغلمة وضيق الرحم ، وصغر العجز مع عظم الأكتاف يدلان على عظم الفرج اه .
قوله : ( أما الأمة الخ ) فإن قلت : لم فرقتم بين الحرة والأمة هنا مع التسوية بينهما في نظر الفحل للأجنبية على قول النووي ؟ قلت : لأن النظر هنا مأمور به وإن خيف الفتنة فأنيط بغير العورة ، وهناك منهي عنه لخوف الفتنة وإن لم يكن عورة بدليل حرمة النظر إلى وجه الحرة وبدنها ؛ شرح المنهج . وقوله : مع التسوية في نظر الفحل حيث يحرم نظره لشيء من جسدها ولو وجهها وكفيها وإن كانت رقيقة ، وقوله ( على قول النووي ) بخلاف الرافعي ، فإنه يقول بجواز نظر الفحل لما عدا ما بين سرة وركبة الأمة إن أمن الفتنة ، وقال أيضاً بجواز نظره إلى وجه الحرة وكفيها عند أمن الفتنة فسوّى بين الحرة والأمة في المحلين كما قرره شيخنا . قوله : ( وقال إنه مفهوم كلامهم ) أي تعليلهم عدم حل ما عدا الوجه والكفين بأنه عورة . قوله : ( بعث امرأة أو نحوها ) كالممسوح والمحرم ، لما روى الإمام أحمد في المسند : أن النبي بعث امرأة تخطب له امرأة فقال : ( انْظُري إلى وَجْهها وكَفَّيْها وعراقيبها وشمّي عوارضها ) اه . قوله : ( زائداً على ما ينظره ) أي الباعث كالصدر والبطن والعضدين . قوله : ( إذا أرادت تزويجه ) أي(4/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
تزوجه . قوله : ( وتستوصف ) الواو بمعنى ( أو ) أي إذا أرسلت واحداً تسأل منه عن صفاته . قوله : ( أن كلاًّ من الزوجين ) أي من الخاطب والمخطوبة ، وسماهما زوجين نظراً للمآل ق ل . قوله : ( وخرج بالنظر المسّ ) ولو لأعمى فلا يجوز له فيوكل من ينظر له ، وخرج بها أختها فلا يجوز نظره لها مطلقاً ، وأما أخوها الأمرد أو ولدها إذا كان يشبهها فأفتى بعض المتأخرين بأنه يجوز النظر إليه بشهوة كما قاله العلامة الرملي كالخطيب . وعبارة شرح م ر في مبحث نظر الأمرد : وشرط الحرمة أن لا تدعو إلى نظره حاجة ، فإن دعت كما لو كان للمخطوبة نحو ولد أمرد وتعذر عليه رؤيتها وسماع وصفها جاز له نظره إن بلغه استواؤهما في الحسن ، وإِلا فلا كما بحثه الأذرعي ؛ وظاهر أن محله عند انتفاء الشهوة وعدم خوف الفتنة اه . وينبغي أن يجوز نظر أختها لكن إن كانت متزوّجة ، فينبغي امتناع نظرها بغير رضا زوجها أو ظنّ رضاه وكذا بغير رضاها إن كانت عزباء لأن مصلحتها ومصلحة زوجها مقدمة على مصلحة هذا الخاطب سم على حج . قال ع ش : وينبغي تقييد ذلك بأمن الفتنة وعدم الشهوة وإن لم يعتبر ذلك في المخطوبة نفسها اه . وقوله ( نحو ولد ) لعلّ التقييد به لأن المشابهة في الغالب إنما تقع بين نحو الأم وولدها ، وإِلا فلو بلغه استواء المرأة وشخص أجنبي عنها وتعذرت رؤيتها فينبغي جواز النظر إليه . وقوله ( وسماع وصفها ) قضيته أنه لو أمكنه إرسال امرأة تنظرها له وتصفها لا يجوز له النظر وقد يتوقف فيه ، فإن الخبر ليس كالمعاينة ، فقد يدرك الناظر من نفسه عند المعاينة ما تقصر العبارة عنه . وقوله ( جاز له نظره ) قضية إطلاقه أنه لا يشترط لجواز رؤية الأمرد رضاه ولا رضا وليه ، وعليه فيمكن الفرق بينه وبين نظر أخت الزوجة بأنه يتسامح في نظر الأمرد ما لا يتسامح به في نظر المرأة ، ومن ثم كان المعتمد جواز نظر الأمرد الجميل عند انتفاء الفتنة اه ع ش على م ر .
قوله : ( والخامس النظر للمداواة الخ ) حاصل ما ذكره من شروط النظر لأجل المداواة ستة : أن يقتصر على نظر محل الحاجة واتحاد الجنس أو فقده مع حضور نحو محرم وفقد مسلم في حق مسلم والمعالج كافر وأن يكون الطبيب أميناً وأن يأمن الافتتان ووجود مطلق الحاجة في الوجه والكفين وتأكدها فيما عدا السوأتين من غير الوجه والكفين ومزيد تأكدها في السوأتين ؛ وزيد سابع وهو أن لا يكشف إِلا قدر الحاجة ولا يحتاج إليه لأن الأوّل يغني عنه . وعبارة شرح م ر : ويعتبر في الوجه والكف أدنى حاجة وفيما عداهما مبيح تيمم إلا الفرج وقربه ، فيعتبر زيادة على ذلك وهي اشتداد الضرورة حتى لا يعدّ الكشف لذلك هتكاً للمروءة(4/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
شرح م ر . وقوله ( ويعتبر في الوجه ) أي من المرأة سم على ابن حجر ع ش على م ر . قوله : ( فيجوز إلى المواضع التي يحتاج إليها ) وأما المسّ فإن احتاج إليه جاز وإِلا فلا . قوله : ( بحضرة محرم ) أي للمعالج ، ولا بدّ أن يكون المحرم أنثى إن كان المعالج أنثى كأمة مثلاً لا ذكراً كأبيه حذراً من الخلوة المحرمة ، وأما محرم المعالجة فيكون ذكراً كأبيها أي إذا كان المعالج ذكراً أو أنثى كأمها . قوله : ( إن جوّزنا خلوة أجنبي بامرأتين ) أما الخلوة بأمر دين فلا تجوز أصلاً . والفرق أن المرأة تستحي من الأخرى فلا تمكن من نفسها بحضرتها بخلاف الأمرد فإنه قد يمكن من نفسه بحضرة آخر . وعبارة حج : وحلّ خلوة رجل بامرأتين ثقتين وليس الأمردان كالمرأتين ؛ لأن ما عللوا به من استحياء كل بحضرة الأخرى لا يأتي في الأمردين اه . قال سم : قد يقال بل يأتي لأن الذكر قد لا يستحي بحضرة مثله إذا كان فاعلاً ويستحي إذا كان مفعولاً . قوله : ( ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك ) رتب البلقيني ذلك فقال : فإن كانت امرأة فيعتبر وجود امرأة مسلمة ، فإن تعذرت فصبي مسلم غير مراهق ، فإن تعذر فصبي غير مراهق كافر ، فإن تعذر فامرأة كافرة ، فإن تعذرت فمحرمها المسلم ، فإن تعذر فمحرمها الكافر ، فإن تعذر فأجنبي مسلم ، فإن تعذر فأجنبي كافر اه . والمتجه تأخير المرأة الكافرة عن المحرم بقسميه ، كذا ذكره الشارح في شرحه على المنهاج . ونظم بعضهم ذلك فقال :
ومرأة تقدّمت على الصبي
غير مراهق بإسلام حي
وكافر كذا فإن تعذرا
فمحرم إسلامه تقرّرا
فكافر على الأصح محرم
فمرأة بالكفر بعد تعلم
فأجنبي مسلم وبعده
فتى من الكفار يا ذا عده
وإن كانت في أمرد يقدم من يحل نظره إليه فغير مراهق فمراهق فمسلم بالغ فكافر محرم اه . والحاصل أنه يقدم الجنس على غيره ويقدم المحرم على غيره ، ويقدم من نظره أكثر على غيره ، ويقدم عند اتحاد النظر الجنس على غيره ، ثم المحرم على غيره ، والموافق في الدين على غيره وهكذا . فإذا تعذر ذلك عالج الأجنبي بشرطه المذكور من حضور نحو محرم .
قوله : ( من امرأة ) ( من ) بمعنى ( في ) وقوله : ( وعكسه ) بالرفع عطف على قوله : ( عدم ) أي ويشترط عدم رجل يمكنه تعاطي ذلك في رجل ، أي إذا كان المداوى رجلاً والمداوي امرأة يشترط عدم رجل يداويه .(4/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
قوله : ( وأن لا يكون ذمياً الخ ) ولو كان الذمي حاذقاً . قوله : ( إلا قدر الحاجة ) محله إذا لم يغضّ البصر ، أما إذا غض البصر فينبغي جواز كشف بقية العضو الزائد على الحاجة سم ملخصاً . قوله : ( وفي معنى ما ذكر ) أي من النظر للمداواة . وقوله : ( نظر الخاتن الخ ) أي وإن لم يكن مداواة . قوله : ( النظر للشهادة ) وينبغي جواز تكرير النظر إذا احتيج إليه في الضبط اه سم . قوله : ( تحملاً ) بأن يشهد أن هذه المرأة اقترضت من فلان كذا مثلاً وأداء بأن يؤدّي هذه الشهادة عند القاضي ، فيجوز النظر لا المسّ عند التحمل والأداء . قوله : ( للمعاملة ) من بيع وغيره فإذا باع لامرأة ولم يعرفها نظر لوجهها خاصة ليردّ عليها الثمن بالعيب ، ويجوز لها أن تنظر لوجهه لتردّ عليه المبيع بعيب . قوله : ( وإلى الثدي ) أي وإن تيسر وجود نساء أو محارم يشهدون فيما يظهر . ويفرق بينه وبين ما مرّ في المعالجة بأن النساء ناقصات وقد لا يقبلن والمحارم قد لا يشهدون ، وأيضاً فقد وسعوا هنا اعتناء بالشهادة . قوله : ( إن لم يعرفها في نقابها ) كالبرقع مثلاً . قوله : ( هذا كله ) أي ما ذكر في الشهادة . وظاهر كلامه رجوعه للمعاملة أيضاً . قوله : ( إذا ادّعت المرأة عبالته ) أي لأن العبالة إنما تثبت بالنساء ؛ لأنها مما لا يطّلع عليها فخذ الرجال غالباً . قوله : ( إذا لم يخف فتنة ) أو شهوة . قوله : ( إلا إن تعين ) كذا في نسخ ،(4/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
وفي بعضها : إلا أن يتعين أي الشاهد أي بأن لم يوجد غيره . قال م ر : قال السبكي : ومع ذلك يأثم بالشهوة وإن أثيب على التحمل لأنه فعل ذو وجهين ، لكن خالفه غيره فبحث الحل مطلقاً لأن الشهوة أمر طبيعي لا ينفك عن النظر ، فلا يكلف الشاهد بإزالتها ولا يؤاخذ بها كما لا يؤاخذ الزوج بميله لبعض نسوته والحاكم بميله لبعض الخصوم ؛ والأوجه حمل الأوّل على ما باختياره والثاني على خلافه . وقوله : ( يأثم الخ ) أي وهو صغيرة فلا تردّ الشهادة بها فقط ، وقوله : ( فعل ذو وجهين ) أي يثاب من جهة التحمل ويعاقب من جهة النظر بشهوة ، وهذا أعني قوله : ( إلا أن يتعين ) راجع لكل من الشهادة تحملاً وأداء في غير الزنا فإنه لا يتصوّر التعين في التحمل فيه لأنه يسنّ للشاهد التستر لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الله سِتِّير يحبُّ مِن عِبَادِهِ السِّتِّيرين ) وعند الأداء لو فرض أنه تحمل لا يحتاج إلى النظر . قوله : ( وأما في المعاملة ) مقابل قوله في الشهادة . قوله : ( فينظر إلى الوجه فقط ) أي جميعه ما لم يمكن معرفتها ببعضه ح ل .
قوله : ( أو إلى بدن عبد ) الظاهر أن هذا دخيل هنا ؛ لأن الكلام في نظر الرجل للمرأة لا عكسه ، وقد يقال ذكره للمناسبة . قوله : ( فيجوز إلى المواضع الخ ) أي بلا شهوة ولا خوف فتنة ولا خلوة فيما يظهر سم ، وأما المس فلا يجوز . قوله : ( أو اشترت امرأة الخ ) لا بد من تقدير أي وتنظر المرأة إذا اشترت عبداً الخ ، وقد علمت أن هذا دخيل فميا نحن فيه لأن الكلام في نظر الرجل للمرأة . قوله : ( إلا أن يحتاج إلى ثانية ) أي أو أكثر .
قوله : ( واختلف الشراح ) أي شراح المنهاج في معنى ذلك ، أي في معنى ما قاله النووي في المنهاج هنا حيث ذكر هنا أنه يجوز النظر للتعليم مع ذكره في باب الصداق ما يقتضي منع النظر للتعليم ، حيث قال : ولو أصدقها تعليم القرآن الخ . فتناقض كلامه . فأجاب السبكي عنه بحمل ما هنا على تعليم ما يجب وما في الصداق على غير ذلك . وأجاب المحلي بحمل ما هنا على تعليم الأمرد خاصة وما في باب الصداق على تعليم المرأة ، بدليل قوله : ولو أصدقها تعليم القرآن الخ . وقول الشارح : ( والمعتمد الخ ) إشارة إلى جواب آخر حاصله حمل ما هنا على ما هو أعم مما ذكره السبكي والمحلي ، بحيث يشمل الواجب والمندوب والمرأة والأمرد ،(4/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
ولا ينافيه ما في الصداق من منع تعليم الزوجة المطلقة لأن ذلك المنع لمعنى فيها لم يوجد في غيرها ، فما هنا محمول على غيرها فلا تنافي اه شيخنا . قوله : ( إنما يظهر فيما يجب ) أي وفيما يباح على المعتمد . قوله : ( وما يتعين ) أي يجب وجوباً كفائياً ؛ لأن تعليم الصنائع فرض كفاية لا فرض عين . قوله : ( بشرط التعذر ) أي وبشرط العدالة في كل من المعلم والمتعلم . وفي شرح م ر : ويتجه اشتراط العدالة في الأمرد ومعلمه كالمملوك بل أولى . قوله : ( فطلق قبله ) أي قبل التعليم ثم إن كان بعد الدخول وجب لها مهر المثل وإن كان قبله فنصفه كما في شرح المنهج ، وفرض المسألة أن التعليم بنفسه لنفسها أما إذا كان في الذمة فلا تعذر اه . قوله : ( وهو أي التعليم ) أي تعليم الواجب والمندوب ، أي جواز النظر إليه . قوله : ( ويشير بذلك ) أي بقوله لما سيأتي . قوله : ( إلى مسألة الصداق ) أي من أنه سيأتي في كتاب الصداق أنه لو أصدقها تعليم قرآن وطلق قبله فالأصح تعذر تعليمها أي تعذر تعليمه لها شرعاً . ويشترط أن يكون قدراً فيه كلفة ، فلو أصدقها سورة قصيرة أو آيات يسيرة يمكن تعلمها في بعض المجالس لم يتعذر التعليم . ويشترط أيضاً أن تكون الزوجة تشتهي ، فلو كانت صغيرة لا تشتهي لم يتعذر التعليم . قوله : ( والمعتمد أنه يجوز النظر للتعليم للأمرد وغيره ) قال ابن حجر في ( تحرير المقال فيما يحتاج إليه مؤدب الأطفال ) : ويتأكد على المعلم صون نظره عن الأمرد الحسن ما أمكن وإن جاز له بأن كان لمحض التعليم من غير شهوة ولا خوف فتنة ؛ لأنه ربما أداه إلى ريبة أو فتنة فيتعين فطم النفس عنه ما أمكن ، على أن جماعة من أئمتنا قالوا لا يجوز النظر للتعليم إلا إن كان فرضاً عينياً كالفاتحة بخلاف غير تعليم الفرض العيني فلا يجوز النظر إليه ، وتبعتهم في شرح الإرشاد ، وقال الإمام السبكي : كشفت كتب المذهب فلم يظهر منها جواز التعليم إلا للواجب فقط . قوله : ( طمعة ) بفتح أوّله وثانيه اسم للمرة من الطمع ، وفي القاموس : طمع فيه وبه كفرح طمعاً وطماعاً وطماعية حرص عليه فهو طامع وطمع اه . قوله : ( ومنها ) أي من الأشياء التي سكت المصنف عنها نظر المرأة إلى محارمها الخ . قوله : ( ومنها(4/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
نظر رجل إلى رجل ) أي مع أمن الفتنة بلا شهوة اتفاقاً . ويجوز للرجل دلك فخذ الرجل بشرط حائل وأمن فتنة . وأخذ منه حل مصافحة الأجنبية مع ذينك أي مع الحائل وأمن الفتنة ، وأفهم تخصيصه الحل معهما بالمصافحة حرمة مس غير وجهها وكفيها من وراء حائل ولو مع أمن الفتنة وعدم الشهوة ، ووجهه أنه مظنة لأحدهما كالنظر وحينئذ فيلحق بها الأمرد في ذلك ، ويؤيده إطلاقهم حرمة معانقته الشاملة لكونها من وراء سائل اه م ر . وارتضاه النور الزيادي ، لكن حمله على حائل رقيق أما لو كان حائلاً كثيفاً فلا تأمّل . قوله : ( ومنها نظر أمرد ) والمعتمد أنه لا يحرم إلا بشهوة أو خوف فتنة ، ونظر الأمرد أشدّ إثماً من نظر الأجنبية ؛ قال الحسن بن ذكوان من أكابر السلف : لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صوراً كصور العذارى وهم أشدّ فتنة من النساء ، قال بعض التابعين : ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه ، وكان يقول : لا يبيّتن رجل مع أمرد في مكان واحد . وحرم العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياساً على المرأة ؛ لأن النبي قال : ( ما خلا رجلٌ بامْرَاةٍ إلا كان الشيطانُ ثالثهما ) وفي المرد من يفوق النساء لحسنه والفتنة به أعظم ؛ ولأنه يمكن معه من الشر والفتنة والقبائح ما لا يمكن من النساء ، ويسهل في حقه من طرق الريبة ما لا يسهل في حق النساء فكان بالتحرير أولى وأليق وبالزجر عن مخالطته والنظر إليه أحق . وأقاويل السلف في التنفير عنهم والتحذير من رؤيتهم ، ومن الوقوع في فتنتهم ومخالطتهم أكثر من أن تحصر ، وكانوا رضوان الله عليهم يسمون المرد الأنتان والجيف لأن الشرع الشريف والدين الواضح المنيف استقذر النظر إليهم ومنع من مخالطتهم والخلوة بهم لأدائها إلى القبيح الذي لا قبح فوقه وسواء في كل ما ذكرناه نظر الصالحين والعلماء والمعلمين وغيرهم ، ألا ترى إلى سفيان الثوري ويكفيك به من إمام وعالم وصالح بل انتهت إليه في زمنه رياسة العلماء والصالحين والعلماء العاملين ومع ذلك دخل عليه في الحمام أمرد حسن الوجه فقال : أخرجوه عني فإني أرى مع كل امرأة شيطاناً ومع كل أمرد سبعة عشر شيطاناً اه ابن حجر . وجاء رجل إلى الإمام أحمد ومعه صبي فقال له : من هذا منك ؟ فقال : ابن أخي ، فقال : لا تجيء به إلينا مرة أخرى ولا تمش معه بطريق لئلا يظن من لا يعرفك ولا تعرفه سوءًا . وروي بسند ضعيف : أن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله كان فيهم أمرد وهو حسن ، فأجلسه رسول الله خلف ظهره وقال : ( إنما كانَتْ فتنةُ دَاوُدَ مِنَ النَّظَرِ ) وكان يقول : ( النَّظَرُ بَرِيدُ الزِّنَا ) ويؤيده الحديث : ( إنه سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبليس ) وقال بعضهم : تحرم صحبة المرد والأحداث لما فيها من الآفات ، ومن ابتلاه الله تعالى بذلك صحبه على قدر الحاجة بشرط السلامة وحفظ قلبه وجوارحه في معاشرتهم وحملهم على الرياضة والتأديب ومجانبة الانبساط . وقال بعضهم : رغبة الصغار في صحبة الكبار توفيق من الله عز وجل ، وفطنة وسعادة ورغبة الكبار في صحبة(4/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
الصغار حمق وخذلان ، وخسارة وحرمان وفتنة في الأرض وفساد كبير ؛ فنعوذ بالله من ذلك . وما أحسن ما قيل في هذا القبيل :
تالله ما المرد مرادي مذهبا
وإنني عن حبهم بمعزل
ومذهبي حب النساء وإنه
لمذهب مهذب قول جلى ولقائل :
لا تصحبن أمردا يا ذا النهي
واترك هواه وارتجع عن صحبته
فهو محل النقص دوماً والبلا
كل البلاء أصله من فتنته وقال آخر :
لا ترتجي أمرداً يوماً على ثقة
من حسنه طامعاً في الخصر والكفل
فذاك داء عضال لا دواء له
يستجلب الهم بالأسقام والعلل
قوله : ( وهو الشاب ) ليس قيداً بل الضابط أنه لو كان صغيرة لاشتهيت . وعبارة ح ل : وحرم نظر أمرد أي لجميع بدنه وإن كان من أمرد مثله ، والمراد بالأمرد من لم تنبت لحيته ولم يصل إلى أوان إنباتها غالباً وكان بحيث لو كان صغيرة اشتهيت . وخرج بالنظر المس ولو بحائل حتى على طريقة الرافعي ، والخلوة فتحرم وإن حل النظر لأنهما أفحش وغير محتاج إليهما ، والظاهر أن شعر الأمرد كباقي بدنه فيحرم النظر إلى شعره المنفصل كالمتصل كما في ع ش على م ر . قوله : ( الذي لم تنبت لحيته ) بأن لم تصل إلى أوان إنباتها غالباً أي باعتبار العادة الغالبة للناس لا نفسه اه ز ي . قوله : ( أسنّ ) أي كبر . قوله : ( وضابط الشهوة فيه الخ ) وضبطها في شرح المنهج بأن ينظر إليه فيلتذ ، وما ذكره الشارح يرجع إليه . وليس المراد أنه بمجرد الفرق يحرم النظر لأن ذلك يوجد في الهرم الذي لا لحية له ، فيقتضي أنه بمجرد نظره يحرم ، ولم يقل به أحد بل المراد أنه يعرف الفرق مع تأثر ذهنه وقلبه بجمال صورته كما يؤخذ من م ر شيخنا . قوله : ( فيحرم عند النووي ) أي حيث لا محرمية ولا ملك والخلوة كالنظر ، فإذا حلّ حلت ويفرق بينه وبين المرأة عند الحاجة لنحو تعليم حيث يشترط حضور محرم(4/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
باختلاف الجنس اه . وانظر ما لو كان المعلم معصوماً كالسيد عيسى عليه السلام هل يشترط معه وجود امرأة أخرى إذا كان يعلم امرأة أو لا نظراً لكونه معصوماً ؟ حرره ؛ الظاهر لا ، ومحل الحرمة في الأمرد الجميل أي بالنسبة لطبع الناظر فيما يظهر إذا لا يكون مظنة الفتنة إلا حينئذ ، ولم يعتبروا جمال المرأة لأن الطبع يميل إليها فنيط بالأنوثة ، والمعتمد أنه لا يحرم النظر إلا بشهوة أو خوف فتنة والكلام في الجميل ؛ هكذا ذكره ز ي على المنهج . وقوله : ( بالنسبة لطبع الناظر ) أي عند ابن حجر ، وقال م ر : الجمال الوصف المستحسن عرفاً لذوي الطباع السليمة .
قوله : ( ومنها النظر إلى الأمة ) فيه أن الأمة داخلة في الأجنبية وقول المتن أحدها نظره إلى أجنبية ، فغير جائز لأن الأجنبية شاملة للأمة فلا حاجة لذكرها هنا ؛ اللهم إلا أن يقال إنه ذكرها هنا للتنبيه على الخلاف فيها بقوله على الأصح اه شيخنا .
قوله : ( ومنها نظر المرأة إلى مثلها ) أي نظر امرأة ، قال الأجهوري : ورأيت في تعليق القاضي أنه يكره للمرأة إذا كانت تميل للنساء النظر إلى وجه النساء وأيديهنّ وأن تضاجعهنّ بلا حائل كما في الرجال اه .
قوله : ( فيجعل مع النساء رجلاً ) فيحرم نظره إليهنّ ونظرهنّ إليه ومع الرجال امرأة فيحرم عليهم النظر لهم ومع مشكل مثله الحرمة من كل للآخر بتقديره مخالفاً له احتياطاً ، وإنما غسلاه بعد الموت لانقطاع الشهوة بالموت فلم يبق للاحتياط معنى ح ل . وقوله : ( وإنما غسلاه ) أي بشرط عدم وجود محرم له .
قوله : ( فهو معها كعبدها ) أي البالغ إذا كانا عفيفين ولا كتابة ولا شركة ولا تبعيض أي كونه مبعضاً ، وإلا كانت المرأة معه كالأجنبي فلا يجوز له النظر إليها ، ولا يجوز لها النظر إليه . ويوجه حلّ نظره لمكاتبته دونها أي دون نظرها بأنّ نظر الرجل لأمته أقوى من نظر المرأة إلى عبدها لأن الرجل يجوز له النظر لكل بدن أمته ، بخلاف المرأة إنما تنظر لما عدا ما بين السرة والركبة من عبدها ، فأثرت الكتابة في الثاني لضعفه بخلاف الأوّل . ومثل المكاتب المبعض والمشترك ز ي . وقوله : ( إذا كانا عفيفين ) عن الزنا ؛ لكن اعتمد م ر كابن حجر أنه لا تتقيد العفة بالزنا بل عن مثل الغيبة ، فالمراد بالعفة العدالة . وعبارة الأجهوري : وهما عفيفان بالعدالة فلا يكفي العفة عن الزنا على المعتمد كما في ع ش على م ر . قوله : ( أو نسائهن ) أي(4/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
المؤمنات . وقوله : ( عند المهنة ) أي الحاجة . وقوله : ( وهو الظاهر ) معتمد . قوله : ( متى حرم الخ ) عبارة شرح المنهج : وحيث أولى من قوله ومتى حرم نظر حرم مسّ اه ؛ أي لأن المقصود تعميم الأمكنة . وعبارة م ر : وعبر أصله وغيره بحيث بدل متى واستحسنه السبكي لأن حيث اسم مكان ، والقصد أن كل مكان حرم نظره حرم مسه ، ومتى اسم زمان وليس مقصوداً هنا . وردّ بمنع عدم قصده ، بل قد يكون مقصوداً إذ الأجنبية يحرم مسها ويحل بعد نكاحها ويحرم بعد طلاقها وقبل زمن نحو معاملة يحرم ومعه يحل ، أي فحرم أيضاً في زمن وحلّ في زمن ، فيكون الزمن أيضاً مراداً . واقتصر ع ش على الأول ، وهو أن الزمن غير مقصود ؛ وآخر عبارة م ر تخالفه كما علمت ، وقد يقال لا مخالفة . ويجاب عن ع ش بأنه إنما اقتصر على المكان لأنه المقصود ، والزمان وإن كان حاصلاً أيضاً إلا أنه غير مقصود اه . وقال م ر : فيحرم مس الأمرد كما يحرم نظره ودلك الرجل فخذ رجل من غير حائل ، ويجوز به ، أي بالحائل ، إن لم يخف فتنة ولم يكن بشهوة . وقد يحرم النظر دون المس كأن أمكن الطبيب معرفة العلة بالمسّ وكعضو أجنبية مبان ، فيحرم نظره فقط على ما ذكره في الخادم ؛ والأصح حرمة مسه أيضاً . أما دبر الحليلة فيحل نظره ومسه خلافاً للدارمي وما أفهمه كلامه من أنه حيث حل النظر حل المس أغلبي أيضاً ، فلا يحل لرجل مسّ وجه أجنبية وإن حلّ نظره لنحو خطبة أو شهادة أو لتعليم ، ولا لسيدة مس شيء من بدن عبدها وعكسه وإن حل النظر ، وكذا ممسوح . وقد يحرم مس ما حل نظره من المحرم كبطنها أي من فوق السرة ورجلها وتقبيلها بلا حائل لغير حاجة ولا شفقة بل وكيدها على مقتضى عبارة الروضة اه بحروفه . وقوله : ( دلك الرجل فخذ رجل ) أي ومثله بقية العورة ، والمراد غير الأمرد لما مر أنه يحرم مسه ولو بحائل . وقوله : لغير حاجة من الحاجة ما جرت به العادة من حك رجل المحرم ونحو الحك كغسلهما وتكبيس ظهره مثلاً كما في ع ش على م ر .
قوله : ( لأنه أبلغ ) علة لترتب حرمة المس على حرمة النظر أو لمقدر ، أي حرم مس بالأولى لأنه الخ . قال ع ش على م ر : هذا يفيد أنه يلتذ بنظر الشعر كمسه غايته أن المس أبلغ في اللذة ، وأورد عليه أنهم عللوا عدم انتقاض الوضوء بمس الشعر والظفر والسن بأنه لا لذة فيه وهو مخالف لما هنا . وقد يجاب بأن المنفي ثم اللذة القوية التي من شأنها تحريك الشهوة(4/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
والمثبت هنا مطلق اللذة وهي كافية في التحريم احتياطاً اه بحروفه . قوله : ( وكل ما حرم الخ ) أي كل جزء حرم الخ . قوله : ( كشعر ) وظفر أي لا بول ولبن ومنيّ ولعاب . قوله : ( وقلامة ظفر حرة ) وكذا الأمة فالحرة ليست بقيد ، ومثل قلامة الظفر دم الفصد والحجامة لأنها أجزاء دون البول لأنه ليس جزءاً ، ومن ثم لو قال بولك طالق لم تطلق بخلاف ما لو قال دمك ، ويجب مواراة ذلك الشعر ونحوه كما يجب مواراة شعر عانة الرجل ح ل وع ش . وفي الشوبري ، والذي يظهر أن نحو الريق والدم لا يحرم نظره لأنه ليس مظنة للفتنة برؤيته عند أحد اه . وعبارة الأنوار : يجب على من حلق عانته مواراة شعرها لئلا ينظر إليه ، اعتمد ابن حجر وجوب مواراة الظفر من المرأة والشعر اه . وقياسه عكسه بناء على الأصح من جهة أحدهما إلى الآخر اه كما في ع ش على م ر . قوله : ( ولو من يديها ) جعلهما غاية باعتبار أن اليدين ليسا بعورة في الصلاة ، أي ولأنهما ليسا بعورة عند بعضهم عند أمن الفتنة والشهوة كما تقدم ، فالغاية للرد عليه شيخنا . قوله : ( ويحرم اضطجاع رجلين أو امرأتين ) في التعبير بذلك إشارة إلى اشتراط بلوغ الشهوة وهو مجاوزة تسع سنين أي ببلوغ أول العشر ، قاله م ر ، خلافاً للزركشي حيث اكتفى بمضي تسع سنين . ولا فرق في ذلك بين الأجانب والمحارم ، ولذا قال م ر : ولو أباً وابنه وأماً وبنتها وأخاً وأخاه وأختاً وأختها فإذا كان مع الاتحاد حراماً فمع عدم الاتحاد أولى ، وهل يجري مثله في نزول رجلين في مغطس الحمام أو يفرق ؟ أفتى الرملي بجوازه حيث لم يكن معه مسّ لعورة ولا رؤياها ، أي فيفرق بينه وبين الاضطجاع ، ففي الاضطجاع يحرم ولو بلا مس وهنا يجوز . وعبارة ع ش على م ر : وكالمضاجعة ما يقع كثيراً في مصرنا من دخول اثنين فأكثر مغطس الحمام ، فيحرم إن خيف النظر أو لمس من أحدهما لعورة الآخر اه .
قوله : ( إذا كانا عاريين ) خرج به ما إذا لم يتجردا ، فيجوز نومهما في فراش واحد ولو متلاصقين . وظاهره ولو انتفى التجرد من أحدهما فقط ، وهو محتمل . قوله : ( لا يفض الرجل إلى الرجل ) الدليل أخص من المدعي إذ لا يشمل الغاية ؛ وذلك لأن الإفضاء الجس باليد أو مطلقاً . وأجيب بأن المراد لا يفعل ما يؤول الأمر فيه إلى الإفضاء . قوله : ( وتسنّ مصافحة ) أي(4/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
عند اتحاد الجنس ، فإن اختلف فإن كانت محرمية أو زوجية أو مع صغير لا يشتهي أو مع كبير بحائل جازت من غير شهوة ولا فتنة ؛ نعم يستثنى الأمرد الجميل فتحرم مصافحته كما قاله العبادي اه مرحومي . قوله : ( يتصافحان ) كذا في خط المؤلف ، وفي شرح الروض : فيتصافحان . قوله : ( وتكره المعانقة والتقبيل ) والأصح عند الشافعية أن معانقة الغائب إذا قدم من السفر سنة لكل أحد ، وليس ذلك من الخصوصيات لأنها لا تثبت إلا بدليل خاص ولا دليل هنا عليها اه مناوي . قوله : ( وتكره المعانقة والتقبيل ) أي لغير مشتهاة ، وإلا فيحرم كما يحرم بغير حائل في الأجانب مطلقاً ق ل . قوله : ( فسنة ) أي عند اتحاد الجنس ، ويستثنى الأمرد كما تقدم . قوله : ( ويسنّ تقبيل يد الحي لصلاح ونحوه ) الصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق عباده ، ونحوه من قرب منه في ذلك . وخرج بهما نحو الأمراء والعظماء فلا يسنّ إلا لحاجة أو ضرورة فقد يجب ق ل . قوله : ( ويكره ذلك ) أي التقبيل المذكور لغنيّ لأجل غناه ق ل . قوله : ( لأهل الفضل ) خرج غيرهم فلا يطلب إلا لحاجة ، أي بأن كان له عنده حاجة أو ضرورة ، كأن كان يضره إذا لم يقم له . وبحث بعضهم وجوب ذلك في هذه الأزمنة لأن تركه صار قطيعة وخرج بالقيام نحو الركوع الواقع بين العلماء والأمراء ونحوهم ، فهو حرام ولو مع الطهارة واستقبال القبلة ؛ ولا ينافي سنّ القيام لمن ذكر قوله : ( مَنْ أَحَبَّ أن يتمثَّل الناس بين يديه قياماً فليتبوَّأْ معقدهُ مِنَ النَّار ) لأنه محمول على من أحب أن يقام له ، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام : ( أنه أمر أصحابه أن لا يقوموا له إذا فمرَّ بهم ، فمرَّ يوماً بحسان رضي الله عنه فقام وأنشد :
قيامي للعزيز عليّ فرض
وترك الفرض ما هو مستقيم
عجبت لمن له عقل وفهم
يرى هذا الجمال ولا يقوم
وقد أقره المصطفى على ذلك ) . وفيه حجة لمن قال إن مراعاة الأدب خير من امتثال الأمر ، خلافاً لمن قال إن امتثال الأمر أدب وزيادة ؛ وكأنّ مراده بالزيادة موافقة الأمر مع استلزامها للأدب معه بعدم المخالفة ؛ لكن لما كان الحامل على هذا النهي وأمثاله شدة التواضع منه وعدم محبته لذلك لعلمه بأنه منهي عنه إذا صحبته المحبة المذكورة لم يبال بالقيام بعد ذلك لكونه مطلوباً شرعاً من فاعله لأهل الدين والصلاح الذين هو سيدهم ، بدليل ما ورد عنه من قوله : ( قُومُوا لسَيِّدِكُمْ ) فأمر به ونهى عن محبته .
قوله : ( لا رياء ) أي لنفسه ، ولا تفخيماً لنفسه .(4/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
3 ( ( فصل : في أركان النكاح ) ) 3
تقدم أن النكاح معناه العقد المركب من الإيجاب والقبول ، وهذه الأمور التي ذكرها لم تتركب منها ماهيته كما هو مقتضى التعبير بالأركان ؛ لأن الركن ما تتركب منه الماهية كأركان الصلاة . ويجاب بأن المراد بالأركان ما لا بدّ منها فيشمل الأمور الخارجة كما هنا كالشاهدين فإنهما خارجان عن ماهية النكاح ومن ثم جعلهما بعضهم شرطين .
قوله : ( صيغة ) وهي إيجاب وقبول ولو من هازل شرح م ر . وإنما لم يكن الصداق ركناً بخلاف الثمن في البيع لأن الغرض من النكاح الاستمتاع وتوابعه وذلك قائم بالزوجين فهما الركنان . قوله : ( وشاهدان ) عدهما ركناً لعدم اختصاص أحدهما بشرط دون الآخر ، بخلاف الزوجين فإنه يعتبر في كل منهما ما لا يعتبر في الآخر ؛ وجعلهما ابن حجر ركناً واحداً لتعلق العقد بهما فلا تخالف بينهما ع ش على م ر . وجعل الشاهدين شرطاً كما قال الغزالي أولى من جعلهما ركناً لخروجهما عن الماهية اه .
قوله : ( إلا بوليّ ) لم يقل عدل لما يأتي أنه يزوج فيما إذا لم يكن عدلاً ولا فاسقاً ، كما إذا تاب الولي الفاسق فإنه يزوج في الحال مع أنه غير عدل لأنه ليس عنده ملكة تمنعه من ارتكاب الكبائر ، وكذلك الصبي إذا بلغ فإنه يزوج في الحال مع أنه غير عدل لعدم الملكة المذكورة ، فالشرط فيه عدم الفسق . قوله : ( كالحاكم عند فقده ) فيه أنه عند فقده يكون ولياً لا نائباً . وجوابه أن المراد عند فقده أي الولي الخاص وقيامه مقامه ، أي في التزويج لا النيابة والكاف استقصائية .
قوله : ( أو غيبته الشرعية ) أي مرحلتين فأكثر . قوله : ( أو عضله ) أي عضلاً لا يفسق به كأن عضل مرة أو مرتين ، وإلا انتقلت للأبعد لفسق العاضل حينئذ . قوله : ( وحضور شاهدي عدل ) أي بأنفسهما أو بإحضارهما . والإضافة في قوله شاهدي عدل من إضافة الموصوف للصفة ، ولم يثنّ الصفة لأن عدلاً مصدر يستوي فيه الواحد وغيره ولا بد في الشاهدين أن يكونا من الإنس كما قاله م ر ، لقوله تعالى : ) وأشهدوا ذوي عدل منكم } ) الطلاق : 2 ) فخرج بقوله منكم ثلاثة : الكفار والملائكة والجنّ ، لأنهم ليسوا منا . وذهب ابن حجر إلى أنه يكفي أن يكونا من الجن ويكونان بمنزلة عدلين منا ، وردّ بأن العدلين المذكورين يمكن(4/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
أنهما يحملان اثنين آخرين غيرهما بالشهادة المذكورة ، بخلاف الجني إذا شهد وفرّ فإن عوده غير متوقع فالمعتمد كلام م ر . قوله : ( وشاهدي عدل ) نعم لو تعذرت العدالة في قطر قدم أقلهم فسقاً ، قاله الأذرعي حج ؛ كذا بخط المرحومي بهامش نسخته اه م د . قوله : ( على غير ذلك ) أي مشتمل على غير ذلك . قوله : ( فإن تشاحوا ) أي الأولياء المعلومون من المقام بأن قال كل منهم لا أزوج بعد أن دعت إلى كفء فهو محمول على العضل ، بدليل قوله : فالسلطان الخ . وأما إن تشاحوا بأن قال كل منهم أنا الذي أزوّج واتحد خاطب فإنه يقرع بينهم وجوباً قطعاً للنزاع شرح المنهج . قوله : ( والمعنى في إحضار ) الأولى في حضور لأن الإحضار ليس بشرط .
قوله : ( وصيانة الأنكحة ) عطف لازم ، وقال بعضهم : عطف مسبب على سبب اه . قوله : ( بل إلى أكثر ) أي لأنه يشترط في الولي أن لا يكون مختلّ النظر بهرم أو خبل وأن لا يكون محجوراً عليه بسفه وأن لا يكون محرماً ويشترط في كل من الشاهدين أيضاً السمع والبصر والضبط ومعرفة لسان المتعاقدين وكونه غير متعين للولاية وأشياء أخر . ولا يشترط معرفة الشهود للزوجة ولا أن المنكوحة بنت فلان بل الواجب عليهم الحضور ، وتحمل الشهادة على صورة العقد حتى إذا دعوا لأداء الشهادة لم يحلّ لهم أن يشهدوا أن المنكوحة بنت فلان بل يشهدون على جريان العقد كما قاله القاضي حسين ؛ كذا بخط شيخنا الزيادي شوبري ، وهو تابع لابن حجر . وقال م ر : لا بد من معرفة الشهود اسمها ونسبها أو يشهدان على صورتها برؤية وجهها بأن تكشف لهم النقاب ، وقال عميرة : واعلم أنه يشترط في انعقاد النكاح على المرأة المنتقبة أن يراها الشاهدان قبل العقد ، فلو عقد عليها وهي منتقبة ولم يعرفها الشاهدان لم يصح لأن استماع الشاهد العقد كاستماع الحاكم الشهادة ؛ قال الزركشي : محله إذا كانت مجهولة النسب وإلا فيصح ، وهي مسألة نفيسة ، والقضاة الآن لا يعلمون بها فإنهم يزوّجون المنتقبة الحاضرة من غير معرفة الشهود لها اكتفاء بحضورها وإخبارها اه .(4/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
وعبارة م ر في الشهادات : قال جمع لا ينعقد نكاح منتقبة إلا إن عرفها الشاهدان اسماً ونسباً أو صورة اه .
قوله : ( وسيأتي ) في معنى التعليل لقوله وهو في وليّ المسلمة ، أي لأنه سيأتي الخ ؛ قرره شيخناً . قوله : ( سواء أكانت الخ ) فيه أن الكفار لو ترافعوا إلينا في نكاح صدر منهم بلا ولي وشهود نقرهم عليه ، فإذا كان صدر بشهود كفار أولى فما معنى اشتراط إسلام الشهود في أنكحتهم ، إلا أن يقال محل الاشتراط إذ وقع عقدهم بحضرتنا فإنا نأمرهم بإشهاد مسلمين ، وأما إذا وقع فيما بينهم فلا نتعرض لهم لأنه رخصة لهم .
قوله : ( فلا ولاية لصبي ) أي ولو لبنته وذلك بأن وطىء زوجته فأتت ببنت في زمن يولد لمثله فيه كابن عشر سنين مثلاً فإن النسب يثبت ولا يثبت البلوغ فلا يزوّجها لسلب عبارته كالعقود الواقعة منه وأقواله وأفعاله إلا ما استثنى قرره شيخنا . قوله : ( فلا ولاية لرقيق ) نعم يصح كونه وكيلاً في القبول لا الإيجاب عملاً بالقاعدة في ضابط الوكيل وهو صحة مباشرته فيما وكل فيه لنفسه ، فإنه لا يصح أن يكون ولياً ويصح أن يكون زوجاً . والمراد بالرقيق من فيه رق وإن قلّ ، ولا يرد المبعض فيما ملكه ببعضه الحر فإنه يزوّج بالملك لا بالولاية ، وكذا يقال في المكاتب لكن بإذن سيده اه .
قوله : ( الذكورة ) أي المحققة بدليل ما يأتي . قوله : ( فلا تملك المرأة تزويج نفسها الخ ) كان المناسب : فلا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ولا تكون شاهدة ، فلو خالفت وزوّجت نفسها سواء كان بحضرة شاهدين أو بدونه أو وكلت من يزوّجها وليس من أوليائها فيجب على الزوج مهر المثل بالوطء ولو في الدبر إن كان رشيداً ، ويجب أيضاً أرش بكارة إن كانت بكراً ، ولا يجب عليه الحد وإن اعتقد التحريم سواء قلد أم لا لشبهة اختلاف العلماء في صحة النكاح ؛ ولكنه يعزر إن اعتقد التحريم . ومحل هذا كله ما لم يحكم حاكم بصحته ، فإن حكم بها فيجب المسمى ولا تعزير ، ومحله أيضاً ما لم يحكم حاكم ببطلانه فإن حكم به وجب الحد اه شرح م ر وحواشيه .
قوله : ( لا بإذن ) أي بإذن الولي في الإيجاب أو هي تأذن لأجنبي في الإيجاب . وقوله : ( ولا بغيره ) أي بأن تقول لشخص : زوّجتك نفسي .(4/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
قوله : ( الإيجاب والقبول ) الأولى بل الصواب إسقاط هذا التعميم لأنه لايتصوّر هنا إلا الإيجاب ؛ لأن الكلام في كونها لا تملك تزويج نفسها ، وهذا التعميم سرى له من تعبير بعضهم بقوله : لا تعقد امرأة نكاحاً اه . وقال بعضهم : كان الأولى ذكره عند قوله ولا تزوّج غيرها لأنه يناسبه ، أما هنا فلا يناسب لأن الذي من طرفها الإيجاب فقط . وعبارة المنهج وشرحه : لا تعقد امرأة نكاحاً ولو بإذن إيجاباً كان أو قبولاً لا لنفسها ولا لغيرها اه . فقوله : ( لا لنفسها إيجاباً ولا لغيرها قبولاً وإيجاباً ) سواء في الشقين المسلمون والكفار ، نعم لو عقدت في الكفر لنفسها أو غيرها وأسلموا أقروا على النكاح اه ق ل .
قوله : ( إذ لا يليق ) قدم هذا على الحديث لأنه شامل للإيجاب والقبول ، بخلاف الحديث فإنه خاص بالإيجاب . قوله : ( بمحاسن العادات ) أي بالعادات المستحسنة ، فهو من إضافة الصفة للموصوف . والمحاسن جمع حسن على غير قياس قوله : ( وعدم ذكره ) عطف مسبب على سبب . قوله : ( ) الرجال قوّامون } ^ الخ ) أي مسلطون على النساء يؤدّبونهنّ : ) بما فضل الله بعضهم على بعض } ) المائدة : 51 ) أي بتفضيله لهم عليهنّ بالعقل والعلم والولاية والنفقة جلالين ، وقوله : ( بما فضل الله ) متعلق بقوّامون . وأصرح الأدلة على ذلك كما قال إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه قوله تعالى : ) فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ } ) البقرة : 232 ) إذ لو كانت تلي نفسها لم يكن للنهي عن العضل معنى ، لكن هذا مبني على أن مرجع الضمير الأولياء وهو الظاهر ، بدليل أن سبب نزولها ( حلف معقل بن يسار رضي الله عنه أن لا يزوّج أخته من زوجها وكان طلقها وانقضت عدتها ) رواه البخاري . وقيل : مرجع الضمير الأزواج لأنه جواب : ) إذا طلقتم النساء } ) البقرة : 231 و 232 ) اه سم .
قوله : ( لخبر لا تزوّج الخ ) لف ونشر مشوش . قوله : ( ولا المرأة نفسها ) تتمته : ( فَإن الزَّانِيَةَ هي التي تزوّج نَفْسَهَا ) اه .
قوله : ( بإمامة امرأة ) وكذا يقال في بقية الموانع كالرق وغيره إلا الكفر ، فقد ذكروا في الإمامة العظمى أنه لو تولاها كافر لا يزوّج المسلمة اه ح ل .(4/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
قوله : ( وقياسه تصحيح تزويجها ) أي لغيرها ، ويزوّجها أحد نوّابها . والمراد بقوله : ( تصحيح تزويجها ) أي بالولاية العامة ، ويؤخذ من هذا أنها لا تزوّج بناتها مثلاً إذا كان لهنّ وليّ غيرها كأب وجدّ وأخ وعم ونحوهم كما قاله البرماوي وغيره ، وظاهر كلامه أنها تزوّج نفسها وتردّد فيه ، سم إذ لا ضرورة في ذلك بل تأذن لأمير من أمرائها أن يزوّجها كالوليّ إذا أراد نكاح موليته . وعبارة بعضهم : أما هي فتزوجها أحد نوّابها اه . ومحل ذلك ما لم تتول الإمامة العظمى وإلا فلها تزويج غيرها اه . وقوله : ( فلها أن تزوج غيرها ) صريح في أنها لا تزوّج نفسها ، ومثله في الزيادي . والذي يؤخذ من قول الشارح : فإن أحكامها تنفذ وقياسه تصحيح تزويجها الخ ، أن لها أن تزوّج نفسها ، وبه صرّح ق ل على الجلال حيث قال : نعم إن وليت الإمامة العظمى صح تزويجها للضرورة لنفسها أو غيرها كما يشمله ظاهر كلامهم . وعبارة ع ش على م ر : فتزوج غيرها لا نفسها كما قاله ابن حجر ، وإن كان مقتضى إطلاق شرح م ر عدم الفرق لأنها متمكنة من تفويض أمرها لمن يزوّجها فيكون قاضياً اه فحرّر المعتمد في ذلك هذا وكان المناسب أن يقول : مقتضاه الخ ؛ لأن هذا من أفراد قوله أحكامها تنفذ لا مقيس عليه فتأمل . قوله : ( إلا في ملكها ) بأن ملكت أمة . قوله : ( أو في سفيه أو مجنون ) أي فتأذن للحاكم في تزويجها ، إذ الفرض أن الأب والجدّ مفقودان ولا يزوّج السفيه أو المجنون إلا الحاكم . قوله : ( وليست المرأة أهلاً ) معطوف على قوله فلا تملك تزويج نفسها الأوّل للولاية والثاني للشهادة ، وكان المناسب أن يقول ولا ينعقد النكاح بشهادتها ليكون معطوفاً على قوله فلا تملك الخ كما علمت .
قوله : ( لأنه لا يثبت بقولهم ) المناسب : بقولهنّ . قوله : ( لكن الأصح الخ ) هو المعتمد ، ويقاس على الخنثيين غيرهما إذا تبين وجود الأهلية في نفس الأمر كصبيين بانا بالغين ، ويجري هذا في الوليّ لو عقد وهو خنثى ثم اتضح بالذكورة فإنه يصح كما نقله الزركشي عن السبكي . وتشترط هذه الشروط حالة التحمل ، بخلاف شاهد غير النكاح فإنها تعتبر فيه حال الأداء اه ز ي . وفرق الدميري بينهما بأن التحمل في النكاح واجب بخلافه في غيره اه أج . قوله : ( الصحة ) أي في الشاهدين والولي . قوله : ( أوله ) بأن كان زوجاً ، قوله : ( أجيب الخ ) في هذا الجواب نظر والأولى أن يجاب بأنه في الأوّل معقود عليه وفي الثاني معقود له فيحتاط لهما اه(4/125)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
ق ل بزيادة . ووجه النظر أن الجواب المذكور عين الدعوى فتأمل . وعبارة الشوبري : نعم إن بانا ذكرين صح كما لو بان الولي ذكراً بخلاف المعقود عليه أوله كما إذا عقد على خنثى أوله وبان أنثى أو ذكراً ، والفرق أن الشهادة والولاية مقصودان لغيرهما بخلاف الزوجين فاحتيط لهما . قوله : ( أهل للشهادة في الجملة ) أي في باب الأموال .
قوله : ( والعدالة ) من لازمها الإسلام والتكليف ، فلو اقتصر عليها كالمنهاج كان كافياً ، إلا أن يقال يفرق بين ما يعلم نصاً وما يعلم التزاماً . فإن قيل : هذا ينافي انعقاده بالمستورين . قلت : لا منافاة ؛ لأنه بمنزلة الرخصة أو أن الانعقاد بالعدل قطعاً وبالمستورين على الصحيح شرح م ر أج . والمعتمد أن الشرط في الوليّ عدم الفسق سواء كان عدلاً أو واسطة كما يأتي . قوله : ( وهي ) أي العدالة التي تقبل معها الشهادة ، وهي لا تكون إلا إذا كان معها مروءة ، فاندفع ما يقال إن قوله والرذائل المباحة من تعريف المروءة لا من تعريف العدالة . قوله : ( ملكة ) أي هيئة راسخة في النفس . وقوله : ( تمنع الخ ) أي تمنع من اقتراف أي ارتكاب كل فرد من أفراد ما ذكر فباقتراف الفرد من ذلك تنتفي العدالة . أما صغائر غير الخسة ككذبة لا يتعلق بها ضرر ونظرة إلى أجنبية فلا يشترط المنع من اقتراف كل فرد منها اه م د وغيره . وهذا يناسب عبارة جمع الجوامع ونصها : من اقتراف الكبائر وصغائر الخسة . وهذه أولى ؛ لأن كلام الشارح يقتضي أن صغائر غير الخسة مخلّ بالعدالة . وعبارة بعضهم : قوله : ( ملكة ) أي كيفية أي صفة راسخة في النفس ، وقبل رسوخها تسمى حالاً وهيئة ، وهي من مقولة الكيف . قوله : ( ولو صغائر الخسة ) كسرقة لقمة والتطفيف بتمرة ، أي نقصها من البائع وزيادتها من المشتري ما لم تغلب طاعته . قوله : ( والرذائل ) بالجر جمع رذيلة ، وهي الأمر المستحسن تركه كمشي الفقيه حافياً أو مكشوف الرأس ، وهو معطوف على الذنوب ، والرذائل المباحة لا تخلّ بالعدالة بل بالمروءة . قوله : ( فلا ينعقد بوليّ فاسق الخ ) خلافاً للأئمة الثلاثة اه ق ل . ولو أذنت له وهو عدل ثم فسق ثم تاب فقياس ما قيل انها لو أذنت للقاضي فعزل ثم ولي احتاج إلى إذن جديد لبطلان الأوّل بخروجه عن الولاية أنه هنا كذلك اه ع ش على م ر . ووقع السؤال في الدرس عما يقع كثيراً أن من يريد الزواج يأخذ حصير المسجد للجلوس عليها في المحل الذي يريدون العقد فيه خارج المسجد فهل يكون ذلك مفسقاً فلا يصح العقد أم لا ؟ فيه نظر . والجواب عنه أن الظاهر صحة العقد لأن الغالب عليهم اعتقادهم إباحة ذلك لكونه مما يتسامح به ، وبتقدير العلم بالتحريم فيمكن أن ذلك صغيرة لا يوجب فسقاً . ووقع السؤال أيضاً عما عمت به البلوى(4/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
من لبس القواويق القطيفة للشهود والوليّ هل هو مفسق يفسد العقد أم لا ؟ والجواب عنه أن الظاهر أن لا يحكم بمجرد ذلك بفساد العقد . أما بالنسبة للشهود فلأن الغالب أن العقد يحضر مجلسه جماعة كثيرة ولا يلزم أن يكون الجميع لابسين ذلك ، فإن اتفق أن فيهم اثنين سالمين من ذلك اعتدّ بشهادتهم وإن كان حضورهما اتفاقاً ؛ وأما في الولي فإنه إن اتفق لبسه لذلك فقد يكون له عذر كجهله بالتحريم ، ومعرفة ذلك مما يخفى على كثير من الناس . ومثل ذلك يقال في الجلوس على الحرير اه ع ش على م ر . قوله : ( مجبراً كان أم لا ) وقيل : يكفي في المجبر أن يكون فاسقاً بخلاف غير المجبر لوفور شفقة المجبر ، وقيل بالعكس . قوله : ( فسق بشرب الخمر أم لا ) وقيل إن فسق بشرب الخمر ضرّ لاختلال نظره ، بخلاف ما إذا فسق بغيره . قوله : ( أعلن بفسقه أم لا ) وقيل إن أعلن بفسقه ضرّ وإلا فلا . قوله : ( لحديث الخ ) يصح رجوعه لقول المتن والعدالة ، ولقول الشارح : فلا تنعقد بوليّ فاسق . قوله : ( لو كان ) أي الولي الفاسق . وقوله ( ولي ) جواب ( لو ) الأولى ، وفاعله ضمير الولي الخاص الفاسق . وقوله ( لانتقلت ) جواب ( لو ) الثانية ، وجملتها خبر ( كان ) . وقوله ( وإلا ) أي بأن كانت تنتقل لحاكم عادل فلا ، أي فلا يلي الولي الخاص الفاسق بل الولاية للحاكم العادل . قوله : ( إذ الفسق الخ ) كان الأولى أن يزيد قبله أو بعده ، إذ لا معنى للانتقال من فاسق إلى فاسق . قوله : ( والأوجه إطلاق المتن ) أي باعتبار مفهومه ، وهو أن الفاسق لا يزوّج وإن كان بحيث لو سلب الولاية لانتقلت إلى حاكم فاسق ، أو المراد بإطلاقه اشتراط العدالة في الوليّ الخاص مطلقاً ؛ بخلاف الحاكم فلا يشترط عدالته لأن الحاكم يزوّج للضرورة والضرورة يغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها ، فقوله لأن الحاكم علة لمقدّر . وحاصله إبداء فرق بين الحاكم وغيره من الولي بما ذكر ، فاندفع ما يقال أيّ فارق بين الحاكم وغيره . قوله : ( وقضاؤه نافذ ) الظاهر أنّ ذكره استطرادي . قوله : ( أما الإمام الأعظم ) محترز قوله : ( غير الإمام الأعظم ) لكن يكون مكرراً لأن حكم الإمام الأعظم علم مما قبله ، إلا أن يقال ما تقدم مفروض فيما إذا كان هناك ولي فاسق هل ينتقل للحاكم أو لا ؟ وهنا مفروض في الأعم أو عدم الولي الخاص بالمرة ، ومثل الإمام الأعظم نائبه كما أفتى به م ر ، أو المراد الإمام الأعظم ولو بنائبه . ولا ينافيه قوله الآتي : ( فيزوّج بناته وبنات غيره بالولاية العامة ) لأن نائبه ولايته عامة في عقود النكاح بالنسبة لناحيته ومال م ر إلى أن الإمام الأعظم يزوّج بناته بالإجبار لأن الولاية العامة له في حقهنّ غير محضة(4/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
بخلاف بنات غيره فلا يزوّجهن بالإجبار ، وكذا لا يزوّج بناته بغير الإجبار مع وجود ولي خاص كجدّ أو عم أو نحوة فيقدّم الجدّ .
قوله : ( فعليه ) أي على كونه يزوّج بالولاية العامة . قوله : ( إذا لم يكن الخ ) فإن كان فلا يزوّج . وهذا إذا كان فاسقاً ، فإن كان عدلاً فإنه يزوّج بناته بالولاية الخاصة وبالإجبار إن كنّ مجبرات ، بخلاف ما إذا كان فاسقاً وآل الأمر إليه في تزويج بناته فإنه لا يجبر على المعتمد كما في بنات غيره ؛ لأن الولاية العامة لا إجبار فيها . وعبارة شيخنا م د : قوله : ( إذا لم يكن الخ ) أي فمحل تزويجه لبناته إذا لم يكن لهنّ جدّ أو عم أو نحوه بصفة الولاية لأن تزويجه بالولاية العامة والولاية الخاصة مقدمة عليها ، ويؤخذ منه أن بناته لو كنّ أبكاراً لم يكن له إجبار لأن الولاية العامة لا إجبار فيها ؛ لكن مال م ر في غير شرحه لتزويجه بالإجبار ونظر فيه سم . وعبارة ع ش على م ر ، نصها : ولو كنّ أبكاراً هل يجبرهنّ لأنه أب جاز له التزويج أو لا ولا بد من الاستئذان لأن تزويجه بالولاية العامة لا الخاصة ؟ فيه نظر ، ومال م ر للأول اه سم على حج ؛ لكن مقتضى قوله إن لم يكن لهنّ ولي خاص الثاني ، وذلك لأنه اشترط في تزويجه فقد القريب العدل بأن لا يكون لها أخ أو نحوه فتمحض تزويجه بالولاية العامة وهي لا تقتضي الإجبار بل عدمه . قوله : ( كبنات غيره ) أي فإنه أعني الإمام لا يزوّجهنّ إلا عند فقد الولي الخاص لهنّ .
قوله : ( تنبيه الخ ) غرضه الاعتراض على المتن من حيث إن العدالة شرط في الشاهدين لا الولي ، بل شرطه عدم الفسق سواء كان عدلاً أو واسطة بينهما ؛ وحينئذ فالمراد بالعدالة بالنسبة للولي ما يشمل الواسطة .
قوله : ( لا يلزم من أن الفاسق لا يزوّج ) أي المشار إليه بقوله ، فلا ينعقد بولي فاسق اشتراط أن لا يكون الولي عدلاً كما هو صريح المتن حيث قال : والعدالة فعلم من هذا أن العدالة ليست شرطاً في الولي ، وإنما الشرط عدم الفسق وهو يصدق بالواسطة ، فاشتراط المصنف العدالة في الولي غير ظاهر لأنها ليست شرطاً فيه اه شيخنا . وعبارة ق ل : قوله لا يلزم فيه أن هذا غير كلام المصنف لأنه شرط العدالة في الولي ، ولا يستقيم معه ؛ فلعلها عبارة غيره ، فذكره لها في غير محله .
قوله : ( لا عدل ولا فاسق ) أي مع أنه يصح أن يكون ولياً . قال م د : واعترضه ق ل ،(4/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
وقال : بل هو مستور العدالة ، وعليه فلا فرق بين الولي والشاهد إلا فيما إذا تاب الولي زوّج حالاً . والظاهر كلام الشارح . قوله : ( وقد نقل الخ ) قضيته أن المستور من الواسطة ، وليس كذلك إذ المستور هو ظاهر العدالة وهو فوق الواسطة ؛ وحينئذ فهذه مسألة أخرى ، إلا أن يقال : مراده القياس على المستور إلا أنه قياس أدنى على أعلى لأن الثاني متصف بالعدالة وإن كانت ظاهرة والأول لا يقال له عدل ولا فاسق ، فمراد الشارح بقوله وقد نقل الإمام الخ التقوية لما قبله وقياس ما قبله عليه كما علمت .
قوله : ( إذا تاب زوّج في الحال ) ولو كان فسقه بالعضل أي لأنه حينئذ واسطة لا عدل ولا فاسق . قوله : ( لا قبول الشهادة ) كان الظاهر أن يقول لا العدالة كما عبر به غيره . نعم قبول الشهادة لازم للعدالة ، على أن قبول الشهادة شامل للمروءة المقتضية لنفي الرذائل المباحة . والحاصل أن الشرط في الولي عدم الفسق لا العدالة بخلاف الشاهد فإن الشرط فيه العدالة فلا بد فيه من الاستبراء سنة بعد التوبة ، فلا تلازم بين الولاية والشهادة ، فيجوز أن يلي ولا يشهد وذلك فيما إذا تاب الولي الفاسق فإن له أن يزوّج حالاً ، ولا يجوز أن يشهد ، وكذا لو بلغ الصبي أو أسلم الكافر ولم يوجد منهما مفسق يزوجان ولا يشهدان لعدم عدالتهما أو لعدم الملكة ، ففي ذلك إثبات الواسطة بين الفسق والعدالة . والمفهوم من كلام الأستاذ البكري أنهما يتصفان بالعدالة فتصح شهادتهما كما نقله ح ل . قوله : ( بمستوري العدالة ) أي عند الزوجين ، أي ومع ذلك إذا وقع نزاع في العقد أو في المهر لا يثبت بشهادتهما كما قاله الرملي في الفتاوى اه م د . قوله : ( وهما المعروفان بها ظاهراً ) وقيل المستور هو من لم يعرف له مفسق ، والأوّل هو المعوّل عليه ؛ وهو أخص من الثاني لصدق الثاني بمن لم يعرف له فسق ولا طاعة والأول لا يصدق بهذا .
قوله : ( لا بمستوري الإسلام والحرية ) كأن وجد لقيط ولم يعرف حاله إسلاماً ولا رقاً فلا ينعقد النكاح بشهادته ، نعم لو عقد بهما فبانا مسلمين حرين صح على المعتمد ز ي . وقوله : ( والحرية ) الواو بمعنى ( أو ) قال في شرح المنهج : وكمستور الإسلام مستوراً البلوغ ، قال الروياني : فلو عقد بمجهول الإسلام والحرية فبانا مسلمين حرين فظاهر أنهما كالخنثيين ، وتقدم أنه يصح بهما إذا بانا ذكرين ويعتدّ بقول الشاهد إنه مسلم أو حر أو بالغ .(4/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
قوله : ( بأن يكونا في موضع الخ ) أي ولا غالب في أحد المتقابلين ، فإن غلب المسلمون أو الأحرار بهما لأنهما الآن من الظاهر لا من المستور اه ق ل .
قوله : ( لا بد من معرفة حالهما باطناً ) ليس المراد معرفة ذلك عند الحاكم ، بل المراد الوقوف على ذلك كما يؤخذ من العلة . قوله : ( على ذلك ) أي الإسلام والحرية .
قوله : ( والكافر الأصلي الخ ) سيأتي محترزه ، ولم يأخذ محترز الأصلية لأن المرتدة لا تحل لأحد فلا ولاية لأحد عليها . قوله : ( إلا أنه لا يفتقر الخ ) استثناء من الإسلام في الولي . وقوله : ( ولا نكاح الأمة ) استثناء من العدالة في الولي ، إلا أنه استثناء صوري لأنه بالملك لا بالولاية والشروط للولاية بالنسب . قوله : ( إلى إسلام الولي ) يوهم أن الولي المسلم يلي نكاح الذمية ، والظاهر أنه ليس كذلك كما يدل عليه قوله الآتي كالإرث مع قوله وقضية التشبيه الخ كما قرره شيخنا العشماوي . وعبارة م د : قوله إلى إسلام الولي أي فيليها العدل في دينه وإن اختلفت ملتهما لا بالحرابة وغيرها كالإرث ، نعم المرتد لا ولاية له مطلقاً ولا يصح من قاضي الكفار أن يزوّج المرأة الكافرة من مسلم . قوله : ( كالإرث الخ ) يؤخذ من ذلك أن المسلم لا يزوّج الكافرة وبالعكس ، بل تنتقل الولاية للأبعد الموافق في الدين . قوله : ( وقضية التشبيه الخ ) قضيته أيضاً أن المسلم لا يزوّج كافرة كما أنه لا يرثها ، وهو كذلك ما لم يكن المسلم قاضياً فيزوّج بالولاية العامة . قوله : ( ومرتكب المحرّم المفسق الخ ) غرضه تقييد المتن ، أي إن محل تزويج الكافر إن كان عدلاً في دينهم وإلا فلا يزوّج . وعبارة شرح المنهج : ويلي كافر لم يرتكب محظوراً في دينه كافرة ولو كانت عتيقة مسلمة أو اختلف اعتقادهما فيلي اليهودي النصرانية والنصراني اليهودية كالإرث ، ولقوله تعالى : ) والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } ) الأنفال : 73 ) اه وقوله : ( لم يرتكب ) أولى من قول غيره عدل في دينه ؛ لأن المعتبر عدم الفسق لا العدالة كما في المسلم ، ويعرف أنه كذلك بإخبار عدد تواتر منهم أو شهادة اثنين(4/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
أسلما منهم كانا يعرفانه كما في ق ل على الجلال . قوله : ( وإن لم يكن مرتكباً ذلك ) أي المحرّم المفسق في دينه . قوله : ( محض ولاية الخ ) المراد أن الشاهد لا حظ له في الشهادة بل الحظ للمشهود له ، فاعتبرنا العدالة لأجل حق الغير ، فقوله على الغير وهو المشهود عليه ، وأما الولي فالحظ له ولموليته فاكتفينا بعدالته في دينهم دون شهادة أهل دينهم . قوله : ( على الغير ) وهو المشهود عليه . قوله : ( والولي في التزويج الخ ) وحيث كان يراعي حظ نفسه فإنه يكفيه ذلك عن اشتراط العدالة . قوله : ( في تحصينها ) لف ونشر مرتب . قوله : ( لكن لا يزوج المسلم قاضيهم ) أي بل يزوجه وليها الكافر الخاص ، ولقاضينا أن يزوجه الكافرة عند فقد وليها الخاص كما في شرح المنهج . قوله : ( لأن نكاح الكفار الخ ) تعليل لعدم الفرق فإنهم جعلوا اختلاف الدار كاختلاف الدين . قوله : ( أما المرتد ) محترز الكافر الأصلي .
قوله : ( ولا نكاح الأمة ) أي سواء كانت مسلمة أو كافرة حيث كان السيد مسلماً كما أشار إليه الشارح . قوله : ( من عبد ) أي لعبد وكذا قوله أو حر أي لحر . قوله : ( بشرطه ) مفرد مضاف فيعم ، وإلا فقد تقدّم أن الشروط ثلاثة . قوله : ( إلى عدالة السيد الخ ) أي لأن السيد الفاسق يزوّج أمته سواء كان مسلماً وهي مسلمة أو كانت كافرة أو كان السيد كافراً وهي كافرة ، أما إذا كانت مسلمة والسيد كافر فلا يزوّجها بل يزوّجها السلطان . قوله : ( في الجملة ) قيد به لإدخال المحرّمة عليه بتوثن أو نحوه كالمحرمية . قوله : ( فيما يمكن استيفاؤه ) وهو التمتع . قوله : ( ونقله الخ ) أي بتزويجها . قوله : ( ونقلها ) أي المنافع . قوله : ( أو مكاتباً ) ويزوّج أمته بإذن سيده . قوله : ( الكافرة الأصلية ) ولو غير كتابية لأن له بيعها وإجارتها وعدم جواز التمتع بها لا يمنع ذلك كما في أمته المحرم كأخته ، شرح المنهج .(4/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
قوله : ( بل ولا سائر التصرّفات ) كالإجارة والإعارة والرهن . قوله : ( وإذا ملك المبعض الخ ) عبارة شرح المنهج : نعم لو ملك المبعض أمة زوّجها كما قاله البلقيني بناء على الأصح من أنه يزوّج بالملك لا بالولاية خلافاً لما أفتى به البغوي اه . وقوله : ( خلافاً لما أفتى به البغوي ) من أنه لا يزوّج أصلاً . قوله : ( كالمكاتب بل أولى ) لكن بإذن سيده كما في ز ي وم ر . قال ع ش : قد تدفع الأولوية بأن ملك المكاتب معرّض للزوال ولا كذلك المبعض . وعبارة ابن حجر تعليلاً لصحته من المبعض بعد قوله لا بالولاية وكالمكاتب بالإذن بل أولى لأنه أي المبعض تامّ الملك ، فجعل الصحة في المبعض أولى منها في المكاتب . وقوله : ( لكن بإذن سيده ) أي فلو خالف وفعل لم يصح النكاح ثم لو وطىء الزوج مع اعتقاده الصحة فلا حدّ للشبهة ويجب مهر المثل ، وهل الحكم كذلك مع علمه بالفساد أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أنه كذلك إذ قيل بجوازه عند بعض الأئمة اه . قوله : ( مختل النظر ) أي بمعرفة الأمور . قوله : ( بهرم ) بكسر الهاء وهو الكبر ، وبفتحها الشيب . وقياسه الفتح بمعنى الكبر ، يقال : هرم هرماً كفرح فرحاً . قال ابن مالك :
وفعل اللازم بابه فعل
قوله : ( أو خبل ) الخبل بسكون الباء فساد العقل ، وبفتحها شيء من الأرض أي شيء من جهة الجن أي وإن قل الخبلّ كما في م ر اه . قوله : ( وأن لا يكون محجوراً عليه بسفه ) بأن بلغ غير رشيد أو بذر بعد رشده ثم حجر عليه لأنه لنقصه لا يلي أمر نفسه فلا يلي أمر غيره . ومقتضى العلة أن السفيه المهمل يلي ، وخرج حجر الفلس فلا يمنع الولاية لكمال نظره والحجر عليه لحق الغرماء لا لنقص فيه كما ذكره م د . قال شيخنا : قد يقال هذا علم من شرط العدالة الشاملة للواسطة ، إلا أن يقال التبذير للمال صادق بصغيرة أو صغائر مع غلبة الطاعات اه . وقوله : ( بأن بلغ غير رشيد ) أي في ماله ، والمراد ببلوغه رشيداً أن يمضي له بعد بلوغه زمن لم يحصل فيه ما ينافي الرشد بحيث تقضي العادة برشد من مضى عليه ذلك من غير تعاطي ما يحصل به لا مجرد كونه لم يتعاط منافياً وقت البلوغ بخصوصه ؛ قاله ع ش على م ر . وقوله : ( ثم حجر عليه ) فإن لم يحجر عليه صح تزويجه كبقية تصرفاته ، وهذا يسمى بالسفيه المهمل .(4/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
قوله : ( وأما الإغماء ) ومن جملة ذلك الصرع ، فتنتظر إفاقته منه أي ثلاثة أيام فأقل ، أما إذا كان الانتظار أكثر فإنها تنتقل للأبعد . ومثل الإغماء فيما ذكر السكر بلا تعدّ ، أما إذا كان به فقد فسق بذلك فتنتقل للأبعد . وعبارة الحلبي : المعتمد أنه إن لم يزد على الثلاث انتظر وإن كان فوقها انتقلت للأبعد وإن تضررت في مدة الانتظار زوجها السلطان اه . وهو مخالف لما في م ر ، وعبارته : فإن دعت حاجتها إلى النكاح في زمن الإغماء أو السكر ، فظاهر كلامهما عدم تزويج الحاكم لها وهو كذلك خلافاً للمتولي اه . والجنون لا تنتظر الإفاقة منه مطلقاً على المعتمد كما في حاشية م د . ويشترط بعد إفاقته صفاؤه من أثر خبل يحمل على حدّة الخلق كما يفهم من قوله : ( أن يكون مختلّ النظر ) . قال الشوبري : جعلوا الإغماء في الوكالة من السوالب من غير فرق بين طول المدة وقصرها ، وهنا انتظروا وربما يفرق بينهما بأن الوكيل يتصرف لغيره والولي يتعاطى حق نفسه ، فاحتيط في حق الولي ما لم يحتط في حق الوكيل إذ الموكل إما أن يفعل بنفسه وإما أن يوكل غيره فلا ضرر عليه بانعزال الوكيل ، بخلاف الوليّ قد لا يجد من يعتني بدفع العار عن النسب كهو اه . ولو أخبر أهل الخبرة بأن مدته تزيد على ثلاثة زوّج الأبعد من أوّل المدة ، فلو زوّج الأبعد اعتماداً على قول أهل الخبرة فزال المانع قبل مضي الثلاثة بان بطلانه قياساً على ما لو زوّج الحاكم لغيبة الأقرب فبان عدمها ، والظاهر أن المراد بأهل الخبرة واحد منهم . قوله : ( ولا يقدح العمى ) أي في الولاية الخاصة ، وأما من ولاه القاضي فإن العمى يمنع الولاية في عقد النكاح ، فلا يجوز للقاضي أن يفوّض إليه أي الأعمى ولاية عقد من العقود بأن يقول له وليتك أمر هذا العقد ، بخلاف توكيله بأن يقول له وكلتك في هذا العقد فإنه صحيح . قال م ر في شرحه : وعلم مما تقرر أن عقده بمهر معين لا يشبه شراءه بمعين أو بيعه به اه يعني أن الأعمى إذا عقد بمهر معين صح العقد ولغا المسمى ووجب مهر المثل ، كما إذا عقد بمهر المثل ، أي كأن قال الأعمى : زوّجتك بنتي مثلاً بعشرين ديناراً وكانت مهر المثل فإنه ينعقد بها ويوكل في قبض المهر بخلاف شرائه بمعين أو بيعه به فإنه باطل . والفرق بينهما أن الثمن ركن من أركان البيع ، بخلاف المهر فإنه ليس ركناً من أركان النكاح ؛ لأن النكاح ليس بمعاوضة محضة فلا يفسد بفساد المقابل ، بخلاف البيع فإنه معاوضة محضة فلذلك كان يفسد بفساد المقابل اه . ولا يقدح الخرس إن كان له إشارة مفهمة أو كتابة وإلا زوّج الأبعد ، ثم إن أراد أن يزوّج ، فإن لم يختص بفهم إشارته فطن بأن فهمها كل أحد باشر العقد بنفسه وإلا وكل بإشارة وكتابة وإن كانا كنايتين ، ولا يباشر لأن النكاح لا يصح بالكناية ؛ وكتزويجه تزوّجه اه شيخنا العزيزي . وعبارة ع ش : أما إذا فهمها الفطن دون غيره ساوت الكناية فيصح نكاحه بكل منهما حيث تعذر توكيله ، وليس لنا نكاح ينعقد بالكناية إلا بالكتابة وإشارة الأخرس إذا اختص بفهمها الفطن ، ومفهومه أنه لو أمكنه التوكيل بالكتابة أو الإشارة(4/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
التي يختص بفهمها الفطن تعين لصحة نكاحه توكيله ؛ لأن ذلك وإن كان كناية أيضاً فهي في التوكيل وهو ينعقد بالكناية اه . قوله : ( وإحرام ) مبتدأ وقوله أو الزوجة معطوف على قوله أحد العاقدين ، وقوله بنسك متعلق بإحرام ، وقوله يمنع الخ خبر ؛ أي فلا يصح نكاح المحرم ، بخلاف المصلي إذا نكح ناسياً أو عقد وكيله ؛ لأن عبارة المحرم في النكاح غير صحيحة ، وعبارة المصلي صحيحة . قوله : ( العاقدين ) وكذا من أذن لهما كسيد عبد أذن له وولي سفيه أذن له ثم أحرم السيد والولي ، أي فإنه يمتنع عقد العبد والسفيه بعد إحرام السيد والولي . قوله : ( ولو حاكماً ) عبارة شيخ الإسلام في التحرير : وإن عقد الإمام ؛ وهي غاية للرد على القول الضعيف ، قال المناوي : وقول اللباب يستثنى من الولي الإمام الأعظم فله أن يزوّج حال إحرامه مراده به كما في التنقيح أن للقضاة تزويج من هو في ولايته العامة حال إحرامه أي إحرام الإمام الأعظم . قوله : ( ولو فاسداً ) وصورة الفاسد أن يحرم بعمرة ثم يفسدها بأن يجامع قبل أن يتم أعمالها ثم يدخل عليه الحج بأن يحرم به فإنه ينعقد فاسداً ، خلافاً للرافعي حيث قال : صورته أن يحرم به مجامعاً وهذا باطل لا فاسد اه عبد البر . ولو أحرم الإمام أو القاضي فلنوابه تزويج من في ولايته حال إحرامه ؛ لأن تصرفهم بالولاية لا الوكالة . ولو أحرم وتزوّج ولم يدر هل أحرم قبل تزوّجه أم بعده ففي فتاوى المصنف صحة تزويجه ، وكذا لو وكل في تزويج موليته فزوّجها وكيله ثم بان موت موكله ولم يعلم هل مات قبل تزويجها أم بعده . ولو عقد الوكيل ثم اختلف الزوجان هل وقع قبل الإحرام أو بعده صدّق مدعي الصحة بيمينه ما لم يكن مدعي البطلان هو الزوج ، وإلا رفعنا العقد بالنسبة له مؤاخذة له بإقراره ، ولو وكله في حال الإحرام ليعقد له بعد التحلل أو أطلق وعقد بعد التحلل جاز كما قرره شيخنا العشماوي ؛ وفي ق ل على الجلال : لو وكل حلال محرماً في أن يوكل حلالاً ليعقد له ولم يقل عن نفسك ولا عنا فيما يظهر فيصح مطلقاً ، فإن قال عن نفسك أو عنا لم يصح وبهذا يجمع التناقض .
قوله : ( والياء مفتوحة في الأول مضمومة في الثاني ) ويجوز عكسه ، فلو قال : مفتوحة في أحدهما مضمومة في الآخر لكان أولى ؛ ذكره ق ل . قال بعض شيوخنا : ولعل اقتصاره على ذلك لأنه الرواية . قوله : ( والضبط ) أي لألفاظ ولي الزوجة والزوج ، فلا يكفي سماع ألفاظهما(4/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
في ظلمة لأن الأصوات تشتبه وينبغي للشاهدين ضبط ساعة العقد لأجل لحوق الولد . قوله : ( وكونه ) أي الشاهد غير متعين للولاية . قوله : ( كأب الخ ) عبارة شرح المنهج : فلو وكل الأب والأخ المنفرد في النكاح أو حضر مع آخر لم يصح لأنه ولي عاقد فلا يكون شاهداً اه ، وهي أولى اه . وقوله : ( المنفرد ) قضية قوله : ( المنفرد ) أن الأخ لو لم يتعين كواحد من ثلاثة إخوة أذنت له أن يزوجها إذا وكل أجنبياً صح أن يحضر مع آخر ؛ وفيه نظر ، والمصرح به في الروض وشرحه عدم الصحة بخلاف ما لو زوّج أحدهم بإذنها وحضر الآخران فإنه يصح اه ح ل . وقوله : ( عاقد ) لأن الوكيل سفير محض فكان الولي هو العاقد .
قوله : ( وكل ) أي كل منهما . قوله : ( وحضر مع الآخر ) أي فإنه لا يصح لأنه ولي عاقد فلا يكون شاهداً .
قوله : ( بابني الزوجين ) صادق بأربع صور : بابني الزوج أو ابني الزوجة أو ابن الزوج وحده بأن كان من غيرها وابن الزوجة وحدها أو ابنيهما معاً ، وكذا يقال في قوله : ( وعدويهما ) والواو بمعنى ( أو ) وبجديهما وبجدها وأبيه لا أبيها ؛ لأنه العاقد أو موكله . نعم يتصور شهادته لاختلاف دين أو رق بأن كان الزوجة أمة وأبوها مسلم فيزوّجها السيد ويحضر أبوها شاهداً كما قاله الشوبري . وعبارة أ ج : مثلهما الأجداد ، وكذا أبو الزوج ، وأما أبو المرأة فإنه ولي ؛ نعم يمكن تصويره بأن تكون أمة زوّجها السيد اه . وصورة ما إذا كان ابناهما شاهدين أن يتزوج شخص بامرأة ويأتي منها بابنين ثم يطلقها ويريد نكاحها ثانياً بشهادة ولديهما فإنه يصح وينعقد بأبويهما . وصورته أن يكون أبواهما مسلمين والزوجان كافرين وللزوجة أخ كافر فيحضرهما ويزوّج الأخ ، أو تكون أمة ويزوجها السيد ؛ وإلا فالمزوّج متى كان ولياً لم يكف حضوره شاهداً وإن وكل في نكاحها لأن الوكيل في هذه الحالة سفير محض كما قاله الشيخ عبد البر . وكلا التصويرين صحيح ، أما الثاني فظاهر ، وأما الأول فلأنه لا ولاية للأب المسلم حيث كانت كافرة بل للأخ الكافر كما يصرح به قول المنهج يمنع الولاية رق وصبا وجنون وفسق غير الإمام وحجر سفه واختلال نظر ، أي رأي ، واختلاف دين وينقلها كل لأبعد لا أعمى الخ ؛ هذا ومع كونه ينعقد بما ذكر إذا وقع نزاع فيه أو في المهر لا يثبت بهما على تفصيل .
قوله : ( وينعقد بهما النكاح ) الأولى أن يقول ويثبت النكاح بهما في الجملة كما عبر به في شرح المنهج حيث قال : لثبوت النكاح بهما في الجملة اه ، أي وينعقد بهما في كل الصور لا في الجملة . والمراد ينعقد بهما في غير هذه الصورة بأن يكونا في تزويج أجنبيين . وقال ق ل :(4/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
قوله : ( في الجملة ) أي في غير نكاحهما ، وأما في خصوص نكاحهما فلا يثبت النكاح بمن ذكر ، فلو ادعت عليه زوجية وأنكر وأقامت ابنيهما أو عدويهما شهداء عليه بذلك لم تقبل شهادتهما لوجود المانع وهو العداوة وشهادة الابن لأمه ، وكذا لو ادعى عليها زوجية وأنكرت وأقام من ذكر لم تقبل أيضاً لوجود المانع اه . والحاصل أن قوله : ( في الجملة ) أي إذا شهدا في نكاح غير ذلك فيثبت بما ذكر ، وأما إذا شهد للزوج أولاده أو للزوجة أولادها فلا يثبت ، وكذا لو شهد على الزوج عدوّاه أو عليها عدوّاها فلا يثبت ، أما لو شهد على الزوج ابناه أو شهد عليها ابناها أو شهد للزوج عدوّاه أو للزوجة عدوّاها فيثبت ح ل .
قوله : ( ومنه عدم التعليق الخ ) ومنه : ( إن شئت ) كما مر في البيع ، وكذا : ( إن شاء الله ) إن قصد التعليق ، فإن قصد به التبرك فلا يضر ومقتضاه عدم الصحة في الإطلاق فانظره مع ما مر من أن الإطلاق في العقود لا يضر بخلاف العبادات لمكان النية الواجب فيها الجزم ق ل على الجلال . وعبارة شرح م ر : ولو قال زوّجتك إن شاء الله تعالى وقصد التعليق أو أطلق لم يصح وإن قصد التبرك أو أن كل شيء بمشيئة الله تعالى صح كما مرّ نظيره في الوضوء .
قوله : ( والتأقيت ) ولو إلى ما لا يبقى كل منهما إليه كألف سنة ، خلافاً للبلقيني حيث قال : إذا أقت بمدة عمره أو عمرها صح لأنه تصريح بمقتضى الواقع ، وردّ بأن التعليق بذلك يقتضي رفع آثار النكاح بالموت وآثار النكاح لا ترتفع بالموت فرفعها به مخالف لمقتضى النكاح فالمعتمد البطلان مطلقاً ولو بألف سنة ؛ قاله ع ش . ومحل عدم صحة التأقيت إذا وقع في صلب العقد ، أما إذا توافقا عليه قبل وتركاه فيه فإنه لا يضر ، لكن ينبغي كراهته أخذاً من نظيره في المحلل . ولا يصح نكاح المتعة وهي نكاح المرأة إلى مدة ، لكن لو نكح به شخص لم يحدّ لشبهة ابن عباس رضي الله عنهما كما نص على ذلك في متن الروض ، وعبارته : نكاح المتعة وهو المؤقت باطل يسقط به الحدّ وإن علم فساده لشبهة اختلاف العلماء ولا يجوز تقليده فيه وينقض الحكم به كما قاله عبد البرّ ، وسمي بذلك لأنه يتمتع بها مدة ثم ينقطع ولأن الغرض منه مجرد التمتع لا التوالد والتوارث اللذان هما الغرض من النكاح . والحاصل أن نكاح المتعة كان مباحاً ثم نسخ يوم خيبر ثم أبيح يوم الفتح ثم نسخ في أيام الفتح واستمر تحريمه إلى يوم القيامة ، وكان فيه خلاف في الصدر الأوّل ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه ؛ قال بعض الصحابة رأيت رسول الله قائماً بين الركن والباب وهو يقول : ( أيها الناس إني كنتُ أذِنْتُ لكم في الاسْتِمْتَاعِ ألاَ وإنَّ الله حَرَّمَها إلى يَوْمِ القيامة فمن كانَ عِنْده مِنْهنَّ شيءٌ فلْيُخَلِّ سبيلها(4/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ) لكن في مسلم عن جابر قال : ( استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر ) وعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه : لا أعلم شيئاً حرّم ثم أبيح ثم حرّم إلا المتعة ، وما نقل عن ابن عباس من جوازها رجع عنه ، فقد قال بعضهم : والله ما فارق ابن عباس الدنيا حتى رجع إلى قول الصحابة في تحريم المتعة . ونقل عنه أنه قام خطيباً يوم عرفة وقال : أيها الناس إن المتعة حرام كالميتة والدم والخنزير . والحاصل أن المتعة من الأمور الثلاثة التي نسخت ، الثاني : لحوم الحمر الأهلية ، الثالث : القبلة اه . وقوله : ( لا أعلم شيئاً حرم الخ ) أي فقد حرمت مرتين ، ونقل السهيلي وغيره عن بعضهم أنها أبيحت وحرمت ثلاث مرات . ولينظر هذا مع قولهم إن أوّل من حرم المتعة سيدنا عمر ، وقيل : لم يحرمها مطلقاً بل عند الاستغناء عنها وأباحها عند الحاجة إليها ، أي خوف الزنا ، وبذلك كان يفتي ابن عباس وفي كلام فقهائنا . والنهي عن نكاح المتعة في خبر الصحيحين الذي لو بلغ ابن عباس لم يستمر على القول بإباحتها لمن خاف الزنا مخالفاً في ذلك لكافة العلماء . وقد وقعت مناظرة بين القاضي يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون ، فإن المأمون نادى بإباحة المتعة فدخل يحيى بن أكثم وهو متغير بسبب ذلك وجلس عنده فقال له المأمون : ما لي أراك متغيراً ؟ قال : لما حدث في الإسلام ، قال : وما حدث ؟ قال : النداء بتحليل الزنا ، قال : المتعة زنا ؟ قال : نعم المتعة زنا ، قال : ومن أين لك هذا ؟ قال : من كتاب الله وسنة رسوله ، أما الكتاب فقد قال الله تعالى : ) قد أفلح المؤمنون } ^ إلى قوله : ) والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } ) المؤمنون : 5 ) يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين ؟ قال : لا ، قال : فقد صار متجاوز هذين من العادين . وأما السنة فقد روى الزهري بسند إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ( أمرني رسول الله أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها ) فالتفت المأمون للحاضرين وقال : أتحفظون هذا من حديث الزهري ؟ قالوا : نعم ، فقال المأمون : أستغفر الله نادوا بتحريم المتعة ذكره الحلبي في السيرة . قال السيد النسابة في شرح منظومة الأنكحة لابن العماد : ولو قال زوّجتكها مدة حياتك أو مدة عمرك صح وليس هذا نكاح متعة بل هو تصريح بمقتضى العقد ، فهو نظير ما لو قال : وهبتك أو أعمرتك هذه الدار مدة حياتك ، ونظيره من الجزية قول الإمام أقركم بدار الإسلام مدة حياتكم أو إلى أن ينزل عيسى ابن مريم على أن تبذلوا الجزية .
قوله : ( ولفظ ما يشتق من تزويج ) كزوجتك أو أنكحتك . وقوله : ( ولفظ ) معطوف على ( ما ) من قوله : ( ما شرط ) . وأطلق البلقيني عنهم عدم الصحة في مضارعهما ، ثم بحث الصحة إذا انسلخ عن معنى الوعد بأن قال الآن وكأنا مزوّجك وإن لم يقل الآن خلافاً للبلقيني في هذا ؛(4/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
لأن اسم الفاعل حقيقة في حال التكلم على الراجح فلا يوهم الوعد حتى يحترز عنه بخلاف المضارع .
قوله : ( ولو بعجمية ) أي ما يكون صريحاً في هذه اللغة ح ل . والمراد بالعجمية ما عدا العربية ولو غير لغة العاقد ، والغاية للرد .
قوله : ( يفهم معناها العاقدان ) ولو بإخبار ثقة عارفأي أخبره بمعناها قبل إتيانه بها كما في شرح م ر . قوله : ( وإن أحسن العاقدان العربية ) الغاية فيه أيضاً للردّ .
قوله : ( فلا يصح بغير ذلك كلفظ بيع الخ ) خلافاً لأبي حنيفة في قوله إنه ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد في حال الحياة ، حتى إنه روي عنه في لفظ الإجارة روايتان ؛ وقال مالك : ينعقد بذلك مع ذكر المهر اه . وفي الخصائص : واختص بإباحة النكاح أي عقده بلفظ الهبة وبمعناها إيجاباً من جهة المرأة لقوله تعالى : ) وامرأة مؤمنة } ) الأحزاب : 50 ) الآية ، لا قبولاً من جهته عليه الصلاة والسلام فإنه لا بدّ من لفظ النكاح أو التزويج على الأصح في أصل الروضة وحكاه الرافعي : عن ترجيح الشيخ أبي حامد ، لظاهر قوله تعالى : ) أن أراد النبيّ أن يستنكحها } ) الأحزاب : 50 ) وكانت المرأة تحل له بتزويج الله له من غير تلفظ بعقد كما في قصة امرأة زيد . وإذا عقد بلفظ الهبة لم يلزمه مهر لا بالعقد ولا بالدخول كما هو قضية الهبة ، بخلاف غيره فإنه إذا عقد بلا مهر ثم وطىء وجب عليه مهر المثل .
فرع : لو قال جوّزتك بالجيم بدل الزاي أو أنأحتك بالهمزة بدل الكاف صح وإن لم تكن لغته على المعتمد ؛ شوبري .
قوله : ( بأمانة الله ) أي بجعلهنّ تحت أيديكم كالأمانات الشرعية اه ع ش على م ر . وقيل : هي قوله تعالى : ) فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ) البقرة : 229 ) قوله : ( بكلمة الله ) وكلمة الله ما ورد في كتابه من قوله : ) فأنكحوا ما طاب لكم من النساء } ) النساء : 3 ) وقوله : ) فلما قضى زيد منها وطراً زوّجناكها } ) الأحزاب : 37 ) ولم يرد فيه غير اللفظين المذكورين وهما التزويج والإنكاح فالقياس ممتنع لأن في النكاح ضرباً من التعبد ز ي . قوله : ( بتقديم قبول ) كأن يقول قبلت نكاح فلانة أو تزويجها أو رضيت نكاح فلانة ؛ لأن هذه الصيغ كافية في القبول لا فعلت ولا يضر من عامي فتح التاء ، وكذا من العالم على المعتمد(4/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
عند شيخنا ؛ لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخلّ بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطأ في الإعراب والتذكير والتأنيث وكل منهما لا يخل ؛ وخالف حج في العالم . وعبارة م ر : ولا يضر فتح تاء المتكلم ولو من عارف ولا ينافي ذلك عدّهم أنعمت بضم التاء وكسرها مخلاًّ للمعنى لأن المدار في الصيغة على المتعارف في محاورات الناس ولا كذلك القراءة ، ولا يضر إبدال الزاي جيماً وعكسه والكاف همزة اه أ ج . وقوله : ( ولو من عارف ) خلافاً لابن حجر في العارف ، وقوله : ( ولا ينافي ذلك ) أي عدم الضرر هنا ، وقوله : ( لأن المدار في الصيغة على المتعارف ) قال ع ش : في كون فتح تاء المتكلم من المتعارف في محاورات الناس ولو من العارف نظر ، فالقلب إلى ما قاله ابن حجر أميل . وقوله : والكاف همزة ظاهره ولو من عارف ، وظاهره وإن لم تكن لغته ويصح أزوجتك ولو من عالم . ونقل في الدرس عن م ر ما يوافقه ، ووجهه أن معنى أزوجتك فلانة صيرتك زوجاً لها وهو مساو في المعنى لزوجتكها ، ونقل عن شيخ الإسلام ما يخالفه اه ع ش على م ر . قوله : ( أو تزوّجتها في الثاني ) أتى بالضمير إشارة إلى أنه لا بدّ من الإتيان بدالّ عليها كضميرها أو اسمها أو اسم إشارة لها أو قصدها ، ويلغى الاسم إذا عارضه القصد أو الوصف نحو زينب الكبيرة وكان قصده الصغيرة ، فإن تعارض وصفان كصغيرة طويلة تساقطا وبطل العقد ؛ قال في البحر : ولو قال زوّجتك بنتي الصغيرة الطويلة وكانت الطويلة الكبرى فالتزويج باطل لأن الوصف لازم ، وليس اعتبار أحدهما في غير المنكوحة أولى من اعتبار الآخر فصارت مبهمة اه أ ج مع زيادة . قال ق ل على الجلال : ولا يكفي الإضافة إلى جزئها وإن لم تعش به كقلبها أو رأسها أو يدها ، نعم قد اعتمد شيخنا صحة البيع في ذلك إن قصد به الجملة فيحتمل أن يقال بمثله هنا ويحتمل أن يفرق وهو أقرب اه . قوله : ( لوجود الاستدعاء الجازم ) بخلاف ما لو قال الزوج تزوّجني أو زوّجتني أو زوّجها مني ، وما لو قال الولي تتزوّجها أو تزوّجتها ، فإنه لا يصح لعدم الجزم . ولو قال الوليّ للزوج قل تزوّجتها لم يصح لأنه استدعاء للفظ لا للتزويج .
تنبيه : سئل شيخنا م ر عن الأنكحة الواقعة بين العوامّ الذي لا يعرفون شروط الأنكحة والغالب فسادها ، هل يحتاجون إلى تحليل إذا وقع منهم الطلاق ثلاثاً ؟ فأجاب بأنه سأل والده عن ذلك فقال : قد سئلت عن ذلك وأفتيت بأنه لا بدّ فيها من التحليل ولا تجوز بغيره اه ق ل على الجلال .
قوله : ( لا بكناية ) أي لأنها لا تتأتى في لفظ التزويج والإنكاح والنكاح لا ينعقد إلا بهما ومن الكناية زوّجك الله بنتي ، ولو قال المتوسط زوّج بنتك لفلان فقال زوّجتها ولم يقل لفلان أو له لم يصح النكاح ، وإذا قال الزوج قبلت ولم يقل نكاحها لنفسي فإنه لا يصح أيضاً فلا(4/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
يكفي الإتيان بهاء الضمير ، بخلاف ما لو قال زوّجتها له فإنه يصح ؛ قاله العلامة البابلي : وفي الروض وشرحه : ولو قال المتوسط للولي زوّجته ابنتك فقال زوّجتها ثم قال للزوج قل قبلت نكاحها فقال قبلت نكاحها انعقد لوجود الإيجاب والقبول مرتبطين ، بخلاف ما لو قالا أو أحدهما نعم اه . قوله : ( كأحللتك بنتي ) فيه أن هذا ليسمن ألفاظ النكاح ح ل . والحاصل أن الكناية لا يصح بها النكاح ولو توفرت القرائن على النكاح ولو قال نويت بها النكاح . قوله : ( ونويا معينة فيصح النكاح بها ) واعترضه ابن الصلاح بأن الشهود لا يطلعون على النية ، قال الرافعي ، والاعتراض قوي عميرة لكن المعتمد الصحة ؛ عبد البر . قال ع ش على م ر : ويؤخذ منه أنهما لو اختلفا في النية بطل العقد وهو ظاهر . وكتب ع ش على قول م ر : ( وغير معين الخ ) : كأن قال زوّجت ابنتي أحدكما فلا يصح مطلقاً نوى الولي معيناً منهما أم لا على ما اقتضاه إطلاقه ، وعليه فلعلّ الفرق بين هذا وبين زوّجتك إحدى بناتي ونويا معينة حيث صح ثم لا هنا أنه يعتبر من الزوج القبول فلا بدّ من تعيينه ليقع الإشهاد على قبوله الموافق للإيجاب ، والمرأة ليس العقد والخطاب معها ، والشهادة تقع على ما ذكره الولي ، فاغتفر فيها ما لا يغتفر في الزوج . وبقي ما لو زوّجها الولي ثم مات واختلفت الزوجة مع الزوج أنها المسماة فهل العبرة بقولها أو بقول الشهود ؟ فيه نظر ، والأقرب الأوّل ؛ لكن الأقوى قول الشهود . وبقي أيضاً ما لو قالت لست المسماة في العقد وقال الشهود بل أنت المقصودة بالتسمية وإنما الولي سمى غيرك في العقد خطأ ، فهل العبرة بقولها لأن الأصل عدم النكاح أو العبرة بقول الشهود ؟ فيه نظر ، والأقرب الأوّل ؛ لأن الأصل عدم الغلط اه .
قوله : ( وشرط فيها حل ) خرج من شك في حلها كالخنثى أو المعتدّة ، حتى لو اعتقد أنها معتدّة فالعقد باطل وإن تبين عدم العدّة لعدم تيقن الحل . فإن قلت : لم لم يقل فيها كما في الزوج وعلم بحل الزوج لها ؟ أجيب بأنها لما كانت معقوداً عليها شرط فيها ما ذكر دونه . قوله : ( وتعيين ) فزوّجتك إحدى بناتي أو زوّجت بنتي أحدكما باطل ولو مع الإشارة كالبيع ، ويكفي التعيين بوصف أو رؤية أو نحوهما كزوّجتك ابنتي وليس له غيرها أو التي في الدار وليس فيها غيرها أو هذه وإن سماها بغير اسمها في الكل وكزوّجتك هذا الغلام . وأشار لبنته تعويلاً على الإشارة ؛ ولأن البنتية صفة لازمة مميزة فاعتبرت ولغى الاسم ابن حجر على الإرشاد اه أ ج .(4/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
فرع : سئل شيخنا ز ي عن رجل خطب امرأة وعقد ثم أتي له بامرأة غير المخطوبة . فأجاب بأن العقد باطل لأنه لم يقع معها .
قوله : ( وخلوّ عن نكاح ) ولو ادّعت المرأة أنها خلية عن نكاح وعدّة قبل قولها وجاز للولي اعتماد قولها سواء كان خاصاً أو عاماً ، بخلاف ما لو قالت كنت زوجة لفلان وطلقني أو مات عني فإنه لا يقبل قولها بالنسبة للولي العام بخلاف الخاص فإنه يقبل قولها بالنسبة إليه اه ز ي . قوله : ( وعدّة ) أي عدة غيره ، أما المعتدّة منه ففيها تفصيل إن كان الطلاق رجعياً أو بائناً بدون الثلاث واللعان صح نكاحها في العدّة وإلا فلا ، ويشترط فيها أيضاً الاختيار إلا في المجبرة . قوله : ( وعلم بحل المرأة ) خرج من شك في حلها كالخنثى أو المعتدّة . وخروج هذين مما ذكر أولى من إخراج المحشي لهما بقوله في شروط الزوجة حلّ ؛ لأن ذلك خرج به المحرمة كما قال الشارح . والذي انحط عليه كلام الحلبي وغيره أن هذا شرط لجواز الإقدام ، فلو عقد على من اعتقد حرمتها عليه ثم تبين خلافه فإنه يصح لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر ؛ وقول الشارح : ( ولا من جهل حلها ) يعني به أن لا يحكم بالصحة حال العقد ، فلا ينافي تبين الصحة بتبين خلاف ما ظنّ عند العقد ؛ لكن هذا كله ربما ينافيه ما صرحوا به فيمن بينه وبينها رضاع وشك هل هو خمس أو أقلّ فإنه يحل له نكاحها مع أنه ليس عالماً بحلها فحرر ذلك . وأجيب بأن هذا شرط لجواز الإقدام لا لصحة العقد . قوله : ( ولا مكره ) أي بغير حق أما إذا كان بحق كأن أكره على نكاح المظلومة في القسم فيصح بأن ظلمها هو فيتعين عليه نكاحها ليبيت عندها ما فاتها اه ح ل . قوله : ( وغير معين ) كالبيع ظاهره وإن نواه وقبل . وقياس ما تقدم في زوجتك بنتي ونوى معينة الصحة ؛ لكن مقتضى إطلاقهم البطلان ، وعليه فلعل الفرق بين هذا وبين زوجتك إحدى بناتي ونويا معينة حيث صح ثم لا هنا أنه يعتبر من الزوج القبول فلا بد من تعيينه ليقع الإشهاد على قبوله الموافق للإيجاب والمرأة ليس العقد والخطاب معها والشهادة تقع على ما ذكره الولي فاغتفر فيها ما لا يغتفر في الزوج ع ش . قوله : ( ولا من جهل حلها له ) كمن ظنها أخته من الرضاع ولو تبين الحل م ر . وخالفه حج ؛ لكن الذي في شرح م ر ما يوافق حج ، وهو أن العلم بحل المرأة له شرط لجواز الإقدام لا للصحة ، فلو تبين أن المرأة ليست أخته كفى نعم هو شرط للصحة بالنسبة للخنثى كما مر لأن الخنثى لا يصلح للعقد عليه اه .(4/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
3 ( ( فصل : في بيان الأولياء ) ) 3
قوله : ( ترتيباً ) تمييز ولا يضر عطف المعرفة عليه وهو عدمه ؛ لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع . وهو تمييز محول عن المضاف والتقدير في بيان أحكام ترتيب الأولياء وإجبارهم وعدمه ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه وهو الأولياء مقامه ، فانبهمت النسبة الإضافية فأتي بالمضاف وجعل تمييزاً . وبيان الترتيب يؤخذ من التعبير بثم والإجبار من قوله : ( فالبكر يجوز للأب الخ ) . وعدم الإجبار من قوله : ( والثيب الخ ) وبيان الخطبة من قوله : ( ولا يجوز أن يصرح بخطبة معتدة ) . قوله : ( وعدمه ) أي الإجبار . قوله : ( وأولى الولاة ) أفعل التفضيل على بابه بالنظر لمطلق الولاية لا بالنظر لذلك العقد وبالنظر لذلك العقد بمعنى مستحق نحو فلان أحق بماله أي مستحق له دون غيره ، إذ لا حق للجد مثلاً مع وجود الأب . وأسباب الولاية أربعة : الأبوّة والعصوبة والإعتاق والسلطنة ، والولاة بضم الواو جمع وال كغاز وغزاة وقاض وقضاة ، ولم يدخل الأبوة في التعصيب لأن الأب قد يرث بالفرض فقط إذا كان معه ابن ومثله الجدّ بخلاف غيرهم فإنهم لا يرثون إلا بالتعصيب . قوله : ( لأن سائر الأولياء الخ ) عبارة م ر : لأنه أشفق الجميع . قوله : ( كما قاله الرافعي ) ذكره ليبرأ من عهدته لأنه غير مستقيم ق ل ؛ لأن العم لا يدلي بالأب وإنما يدلي بالجد لأنه هو الذي يجمع العم وابن أخيه في الانتساب إليه بخلاف الأب تأمل . وقال شيخنا ع ش : ولا يرد المعتق وعصبته لأن الكلام في الأولياء من النسب . قوله : ( كل منهم ) أي الأجداد . قوله : ( لإدلائه بهما ) أي الأب والأم ، وهو أولى من قول المحشي أي الأب والجد ؛ لكن إلى الأب بلا واسطة وإلى الجد بواسطة . قوله : ( وإن سفل ) ظاهره أن ابن ابن الأخ الشقيق مقدم على ابن الأخ للأب ، وليس مراداً . وكذا يقال فيما بعد ولهذا قال بعضهم كان الأولى حذفه هنا وفيما يأتي في ابن العم ؛ لأنه يقتضي أن النازل من ابن الأخ الشقيق وابن العم الشقيقيقدم على ابن الأخ للأب العالي وابن العم للأب العالي ، وليس كذلك .(4/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
ويدل لذلك قوله كالإرث بل ابن الأخ للأب وابن العم للأب العاليان مقدمان على النازل من الشقيق من أولاد الأخ وأولاد العم الشقيقين وقوله وإن سفل الأولى وإن تراخى على قاعدة الفرضيين أنهم يعبرون بالتسفل في الأولاد وبالتراخي في أولاد الإخوة والأعمام وإن كان المعنى واحداً . قوله : ( لزيادة القرب ) المراد به ما يشمل القوّة ؛ لأن كلاًّ من الأخ الشقيق والأخ للأب في القرب على حد سواء من جهة الإدلاء إلى الأب . قوله : ( كالإرث ) راجع لقوله : ثم الأخ للأب والأم إلى هنا . قوله : ( وعلى هذا الخ ) أي كون الولاية للشقيق دون الذي لأب ، أي فهي حق عليه فيقوم الحاكم مقامه . قوله : ( بل السلطان ) أو نائبه . قوله : ( نعم لو كانا الخ ) استدراك على قوله على هذا الترتيب أو على قوله ثم ابن العم لأبوين على ابن العم للأب ، أي فمحل ذلك إن لم يكن ابن العم للأب أخاً لأم وإلا قدم ولفظ كان تامة في المواضع الثلاثة . قوله : ( لو كانا ابنا عم ) كأخوين شقيقين كزيد وعمر ولهما أخ لأب كبكر ولأحدهما امرأة وله منها بنت ولأخيه شقيقة ولد ثم مات عن المرأة والبنت فتزوج المرأة أخوه لأبيه وأتى منها بولد فنسبة هذا الولد إلى البنت أنه ابن عمها لأبيها وأخوها لأمها ونسبتها للولد الأول ابن عم لأبوين . قوله : ( لأنه يدلي ) أي ينسب للبنت . قوله : ( بالجد ) هو أبو الإخوة الثلاثة . قوله : ( والأم ) أي أم البنت وأم ابن العم . وقوله : ( والجدة ) أي لأنها جدة البنت أم أبيها وجدة ابن العم الشقيق وهي أم أبيه . قوله : ( أحدهما ابنها ) أي فيما إذا وطئها عمها بشبهة شوبري . صورتها ثلاثة إخوة أشقاء أو لأب تزوج واحد منهم امرأة وأتى منها ببنت ثم وطىء البنت أحد الأخوين المذكورين بشبهة وأتى منها بابن فنسبته للبنت ابنها وابن عمها ، ثم تزوج بأم البنت المذكورة الأخ الثالث وأتى منها بابن فنسبته للبنت ابن عمها وأخوها لأمها . وفي بعض النسخ : ولو كان ابنا ابن عم الخ . وصورة هذه المسألة أنه لو كان هناك ثلاثة إخوة كزيد وبكر وعمرو ولزيد زوجة وله منها بنت وبكر له زوجة وله منها ولد وعمرو له زوجة وله منها ولد أيضاً فتزوج ولد بكر ببنت زيد فأتى منها بولد فنسبة هذا الولد للبنت المذكورة أنه ابنها وابن ابن عمها ، ثم مات زيد عن زوجته وبنته المذكورة ثم إن ولد عمرو تزوج بأم البنت المذكورة فأتى منها بولد فنسبة هذا الولد للبنت المذكورة أنه أخوها لأمها وابن ابن عمها . وتصور هذه الصورة المذكورة بصورة غير هذه وهي : ثلاثة إخوة كبكر وزيد وعمرو وبكر وزيد لهما ولدان ولعمهما عمرو زوجة وبنت منها ثم مات ذلك العم عن زوجته وبنته فأخذ ابن بكر زوجة عمه فأتى منها بولد فنسبة هذا الولد للبنت المذكورة أنه ابن ابن عمها وأخوها لأمها وأخذ ابن زيد بنت عمه المذكورة فأتى منها بولد فنسبة هذا الولد لها أنه ابنها وابن ابن عمها ثم مات زوجها وأرادت بعد انقضاء عدّتها أنها تتزوج فيزوجها ابنها الذي هو ابن ابن عمها .(4/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
قوله : ( ولو كان ) أي وجد ابنا عم أحدهما معتق الخ ، أي وتساويا عصوبة كما صرح به في شرح المنهج ؛ ولا بد من هذا في العبارة ليصح قوله : ( ومنه يؤخذ الخ ) وهذا الاستدراك باعتبار أن ما مر يقتضي تساويهما في الولاية وقوله : ( ومنه يؤخذ الخ ) أي من التعليل السابق ، وهو قوله : ( لأنه أقرب فالمعنى ومن الأقربية يؤخذ الخ ) . قوله : ( قدّم المعتق ) عبارة غيره قدم المعتق لأنه أقوى ومنه يؤخذ الخ ، أي من التعليل المذكور . والشارح لم يأت بالتعليل . وعبارة م د : قوله : ( ويؤخذ الخ ) أي من قرب النسب يؤخذ أنه لو كان القرب بغير النسب كالولاء قدم الأقرب من النسب .
قوله : ( من الأخ والعم ) بيان للغير . قوله : ( فيه ) أي في المذكور من التسمية . قوله : ( ولا يزوج ابن أمه ) وأما قول أم سلمة لابنها عمر : قم فزوج رسول الله ؛ فإن أريد به عمر المعروف لم يصح لأن سنه حينئذ كان نحو ثلاث سنين فهو طفل لا يزوج ، فالظاهر أن الراوي وهم وإنما المراد به عمر بن الخطاب لأنه من عصبتها واسمه موافق لابنها فظنّ الراوي أنه هو . ورواية : ( قم فزوج أمك ) باطلة على أن نكاحه لا يفتقر لولي فهو استطابة له وبتقدير تسليم أنه ابنها وأنه بالغ فهو ابن ابن عمها ولم يكن لها ولي أقرب منه ونحن نقول بولايته . قوله : ( ببنوّة محضة ) أي خالصة عن سبب آخر . قوله : ( فإن كان ) أي الابن . وقوله : ( ابن عم ) أي ابن ابن عم ؛ لأنه هو الذي يتصور في النكاح ولا يتصور ما قاله إلا في الشبهة . قوله : ( لأنها غير مقتضية ) أي فلا تعارض المقتضي فهو من باب اجتماع المقتضي وغير المقتضي فيقدم المقتضي ، وليس من باب المقتضي والمانع لأنه لو كان كذلك لقدمنا المانع فلا يزوج حينئذ الابن لأن البنوة لا يصدق عليها مفهوم المانع وهو وصف ظاهر منضبط معرّف نقيض الحكم كما ذكره في جمع الجوامع . وعبارة ع ش : قوله لأنها غير مقتضية دفع به ما قد يتوهم من أن البنوة إذا اجتمعت مع غيرها سلبت الولاية عنه لأنه إذا اجتمع المقتضي والمانع قدم الثاني اه .(4/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
وحاصل الجواب أن البنوة لا يصدق عليها مفهوم المانع . قوله : ( فإذا وجد معها ) أي البنوّة . قوله : ( الرجل ) صفة كاشفة لأن المعتق صفة مذكر ، وقيد بذلك لأن الأنثى المعتقة لا تزوج عتيقتها . قوله : ( سواء أكان المعتق الخ ) تعميم في عصبات المعتق ، أي أنه في العصبات لا فرق بين كون المعتق ذكراً أو أنثى وأما نفس المعتق فتقدم أنه يفرق بين الذكر فيزوج والأنثى فلا تزوج . قوله : ( والترتيب هنا كالإرث ) أي الإرث بالولاء ، فيقدم الأخ وابن الأخ على الجد والعم وابن العم على أبي الجد مرحومي . وعبارة بعضهم : أي فيقدم الابن ثم ابنه ثم الأب ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم الجد ثم العم ثم ابن العم ثم أبو الجد . قوله : ( لحمة ) بضم اللام وفتحها أي خلطة واشتباك ، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم كاشتباك لحمة الثوب بالسَّدَى بفتح السين والقصر ، وهو المسمى بالقيام عند القزازين . قوله : ( ويزوج عتيقة المرأة الخ ) وأمة المرأة كعتيقتها فيما ذكر ؛ لكن يشترط إذن السيدة الكاملة نطقاً ولو بكراً إذ لا تستحيي من ذلك ، فإن كانت صغيرة ثيباً امتنع على الأب تزويج أمتها إلا إذا كانت مجنونة وليس للأب إجبار أمة البكر البالغ اه م ر . وعتيقة الخنثى المشكل يزوجها بإذنه وجوباً من يزوجه بفرض أنوثته ليكون وكيلاً أو ولياً ، والمراد أنه يزوّجها بإذنه مع إذن العتيقة أيضاً لمن يزوج فلا بد من اجتماع الإذنين ، وكذا لا بد من سبق إذنها للخنثى إذ لا يصح إذنه لمن يعقد بتقدير ذكورته إلا إذا أذنت له العتيقة في التزويج ليصح توكيله كما في ع ش على م ر . والمبعضة يزوجها مالك بعضها مع قريبها وإلا فمع معتق بعضها والمكاتبة يزوجها سيدها بإذنها ، وكذا أمتها ؛ لأنه إما مالك أو وليّ ويزوّج الحاكم أمة كافر أسلمت بإذنه وإذنها . ولا تزوج مدبرة المفلس ولو بإذن الغرماء ، ولا أمة المرتدة والمرتد ، ولا الولي أمة صغيرة ثيباً إلا إن كانت مجنونة . ويزوج الولي أمة محجوره للمصلحة ويزوج السيد أمته المأذون لها في التجارة وأمة عبده كذلك ؛ لكن بإذن الغرماء فيهما إن كان عليهما دين . وليس للسيد بيع أمة عبده بعد الحجر عليه إن كان عليه دين ولا هبتها ولا وطؤها ويلزمه المهر بوطئها ، وينفذ إيلاده إن كان موسراً وإلا فلا . ويزوج المغصوبة سيدها ولو لعاجز عن انتزاعها ، ويزوج الجانية والمرهونة سيدها بإذن المستحق ، ويزوج الموقوفة كلها الحاكم بإذن الموقوف عليه ولو كافراً أو بإذن وليه أو بإذن ناظره في نحو مسجد أو جهة وفي موقوفة البعض وليها أو سيدها مع من ذكر وبنت الموقوفة مثلها إن حدثت بعد الوقف ، واختار البلقيني أنها وقف أيضاً . ويزوج الموصي بمنفعتها الوارث بإذن الموصى له أو وليه ، ويزوج المشتركة ساداتها أو(4/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
أحدهم بإذن الباقين إن وافقها في الدين ، ويزوج أمة القراض المالك بإذن العامل ، ويزوج المبيعة من له الخيار فإن شرط لها أو لأجنبي اعتبر إذنها وجوباً ، ويزوج أمة بيت المال الإمام كاللقيطة بإذنها ؛ وأما عبد بيت المال والعبد الموقوف أو عبد المسجد فلا يزوج بحال .
قوله : ( تبعاً للولاية ) يؤخذ منه أنه لو لم يكن عليها ولاية كالثيب الصغيرة العاقلة لم يزوج عتيقتها . وصورة عتيقة الصغيرة أن يعتق وليها أمتها عن كفارة عليها كالقتل اه سم على حج . قوله : ( على ما في ترتيبهم ) أي على ما مر في ترتيبهم . قوله : ( برضا العتيقة ) متعلق بيزوّجها . قوله : ( ويكفي سكوت البكر ) وإن لم تعلم كونه إذناً ولم تعلم الزوج اه حج . ويتردد النظر في خرساء لا إشارة لها مفهمة ولا كتابة والظاهر أنها كالمجنونة اه . والمراد بالبكر أي العتيقة البالغة وإلا فليس لأحد أن يزوجها إلا بعد بلوغها . قوله : ( وإن خالف في ديباجه ) هو شرح صغير له على المنهاج . قوله : ( ولا يعتبر إذن المعتقة ) ولا رضاها بل وإن منعت . قوله : ( فلا فائدة له ) أي الإذن . قوله : ( من له الولاء على المعتقة ) بفتح التاء أي العتيقة ، فهو من وضع الظاهر موضع المضمر ، فكان الأولى أن يقول من له الولاء عليها . وقوله : ( من عصباتها ) أي المعتقة بكسر التاء وفيه تشتيت الضمائر لو أضمر في المعتقة ، وهذا حكمة الإظهار . قوله : ( فيزوجها ابنها ثم ابنه ) وهذا هو محل مخالفة حياتها لحال موتها . قوله : ( ثم إن فقد المعتق ) أي جنسه الشامل لمعتق المعتق . قوله : ( زوج الحاكم ) فإن فقد الحاكم كان للزوجين أن يحكما لهما عدلاً يعقد لهما وإن لم يكن مجتهداً ولو مع وجود مجتهد . أما مع وجود الحاكم ولو حاكم ضرورة فلا يحكمان إلا مجتهداً إلا إن كان الحاكم يأخذ دراهم لها وقع لا تحتمل عادة في مثلها كما في كثير من البلاد ، ومن ذلك قضاة مصر في زمننا هذا فلهما أن يحكما عدلاً ولو غير مجتهد . ولا فرق في ذلك بين الحضر والسفر ، فإن لم يجدا أحداً وخافت الزنا زوجت نفسها لكن بشرط أن يكون بينها وبين الولي مسافة القصر ، ثم إذا رجعا إلى العمران ووجدا الناس جددا العقد إن لم يكونا قلدا من يقول بذلك .(4/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
قوله : ( في محل ولايته ) أي وقت العقد وإن كانت مجتازة وإن أذنت له وهي خارجة عنه ، فعلى هذا يكفي الإذن مع وجود المانع . ولا يزوج من ليست في محل ولايته ولو لمن فيها بخلاف عكسه إذا وكل الزوج اه ق ل . وقوله : ( بخلاف عكسه ) أي وهو أنه يزوج إذا كانت المرأة في محل ولايته والزوج خارجه بأن وكل الزوج فعقد الحاكم مع وكيله فالعبرة بالمرأة اه . قوله : ( وكذا يزوج الحاكم إذا عضل ) ولو بالسكوت ولو لنقص المهر لأن المهر لها لا له ، فإذا رضيت به لم يكن لعضله عذر . فلو زوج الحاكم في العضل ثم تبين رجوع العاضل قبل التزويج بان بطلانه اه س ل . والعضل مرة أو مرتين صغيرة ، وأفتى النووي بأنه كبيرة إذا تكرر ثلاث مرات بإجماع المسلمين ؛ قال ابن حجر : ولا يأثم باطناً بعضل لمانع يخلّ بالكفاءة علمه منه باطناً ولم يمكنه إثباته ح ل . وعبارة م ر : وإفتاء المصنف بأنه كبيرة بإجماع المسلمين مراده أنه في حكمها بإصراره عليه لتصريحه هو وغيره بأنه صغيرة اه .
تنبيه : توبة العاضل دون ثلاث تحصل بتزويجه فتعود ولايته به ، وهذه زائدة على ما ذكروه بعود ولايته بلا تولية جديدة فراجعه اه ق ل أي فلا يحتاج إلى إذنها له ثانياً .
قوله : ( النسيب القريب ) وأما إذا عضل النسيب المساوي لغيره كما لو كان لها إخوة كلهم أشقاء فعضل أحدهم ولو بعد خروج القرعة له فيزوج غيره منهم . ولا تنتقل للسلطان سواء عضل ثلاثاً أو أقل ؛ وذلك لأنه بعضله سقط حقه ومعه من يساويه في الدرجة وحقه باق فيزوّج . قوله : ( والمعتق ) أي إذا عضل أيضاً فإن الحاكم يزوج . قوله : ( وهذا ) أي تزويج الأبعد عند عضل الأقرب ثلاث مرات فيمن لم تغلب الخ ، فإن غلبت طاعته على معاصيه فالمزوج هو الحاكم لأنه لم يفسق حينئذ . قوله : ( مسافة القصر ) وليس له وكيل خاص في تزويج موليته فلا تنتقل الولاية للأبعد وإن طالت غيبته ، أما إذا كان له وكيل خاص فهو مقدم على السلطان خلافاً للبلقيني وخرج بمسافة القصر ما دونها فلا يزوج السلطان إلا بإذنه . نعم إن تعذر الوصول إليه لخوف جاز له أن يزوج بغير إذنه ؛ قاله الروياني . والمراد ما دونها وقت عقد الحاكم ، نعم لو ادعى بعد عقد الحاكم أنه كان عقد عليها وهو دونها لم يقبل إلا ببينة اه م د . ولو قدم وقال كنت زوجتها لم يقبل إلا ببينة ؛ لأن الحاكم هنا ولي والولي الحاضر لو زوج فقدم آخر غائب(4/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
وقال كنت زوجت لم يقبل بدون بينة ، بخلاف البيع لأن الحاكم وكيل الغائب . والوكيل لو باع فقدم موكله وقال كنت بعت مثلاً يقبل قوله بيمينه اه . وقوله : ( لم يقبل إلا ببينة ) ولعل الفرق بينه وبين ما قبله حيث اكتفى فيه بحلفه أن عقد الحاكم وقع هنا في زمن كونه ولياً لتحقق غيبته والولي أقوى من الوكيل اه ع ش على م ر .
قوله : ( تزويج موليته ) أي لنفسه ولا مساوي له في درجته ، كأن كان هناك امرأة ولها ابن عم وأراد التزوج بها فإنه يزوجها له الحاكم ، بخلاف ما إذا كان لها ابنا عم مساويان في الدرجة بأن كانا لأبوين أو لأب فإنه يزوج أحدهما الآخر كما يعلم من كلامه . قوله : ( والمجنونة ) أي ويزوج المجنونة أي عند الحاجة .
قوله : ( ويزوج الحاكم الخ ) من الكامل ولو أبدل الحاكم بالحكام كما في بعض النسخ لسلم من دخول الطي فيه ، وهو حذف الحرف الرابع الواقع في الجزء الثاني وأجزاؤه متفاعلن ست مرات .
قوله : ( عدم الولي ) أي بأن لم يكن لها ولي أصلاً . وقوله وفقده أي بأن فقد الولي أي غاب ولم يدر موته ولا حياته ولا محله بشرط أن لا يحكم بموته حاكم فإن حكم بموته انتقلت للأبعد بخلاف الغائب الآتي فإن محله معلوم ليخالف فقده . قوله : ( ونكاحه ) أي لنفسه بأن أراد أن يتزوج بنت عمه ولم يوجد من يساويه في الدرجة ، فإن الحاكم يزوجها له . قوله : ( وكذاك الخ ) وكذاك إذا كان دون مسافة القصر وتعذر الوصول إليه .
قوله : ( وكذاك إغماء ) أي إغماء الولي وهذا ضعيف تبع فيه المتولي . والذي اعتمده م ر عدم تزويج الحاكم في صورة الإغماء بل ينتظر ثلاثة أيام ، فإن لم يفق انتقلت الولاية للأبعد . قوله : ( وحبس مانع ) أي مانع من الاجتماع عليه وإلا وكل المحبوس .
قوله : ( أمة لمحجور ) أي إذا عدم الأب والجد على تفصيل ذكره في شرح المنهج اه مرحومي . وحاصل التفصيل أن للسلطان تزويج أمة المحجور إلا إذا كان المحجور صغيراً أو صغيرة لأنه لا يلي نكاحهما فيكون المراد بالمحجور هنا السفيه . قوله : ( تواري القادر ) أي اختفاؤه والقادر ، يحتمل أنه تكملة للبيت ويحتمل أنه احتراز عن المكره ولا بد أن يثبت التواري بالبينة وكذا التعزز الآتي كما قرره شيخنا العشماوي .(4/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
قوله : ( إحرامه ) أي بالحج أو العمرة أو بهما ، صحيحاً كان إحرامه أو فاسداً سيوطي . قوله : ( وتعزز ) أي تغلب بأن يمتنع من غير توار معتمداً على الغلبة . والفرق بين التواري والتعزز أن التواري الامتناع مع الاختفاء والتعزز الامتناع مع الظهور والقوة . قوله : ( مع عضله ) أي عضلاً لا يفسق به . قوله : ( إسلام أم الفرع ) أي أم الولد يعني إذا استولد الكافر أمة ثم أسلمت فإنه يزوّجها الحاكم ، وأم الفرع ليست بقيد بل مثلها جاريته المسلمة . قوله : ( وأهمل الناظم تزويج المجنونة البالغة ) فيزوّجها الحاكم أيضاً إذا لم يكن لها مجبر فكان ينبغي أن يزيد هذا البيت وهو :
تزويج من جنت ولم يك مجبراً
بعد البلوغ فضم ذاك وبادر
وعبارة المنهج : وعلى أب وإن علا تزويج ذي جنون مطبق من ذكر أو أنثى بكبر لحاجة إليه بظهور إمارات التوقان أو بتوقع الشفاء عند إشارة عدلين من الأطباء ، أو باحتياجه للخدمة وليس في محارمه من يقوم بها ، أو احتياجه للمؤنة ومؤنة النكاح أخف من مؤنة شراء أمة ، أو باحتياج الأنثى لمهر ، أو نفقة ؛ فإن تقطع جنونهما لم يزوّجا حتى يفيقا ويأذنا والمراد بإذن الذكر توكيله أو تزوّجه بنفسه اه . وقوله وعلى أب فالسلطان عند فقده أو تعذر الوصول له أو امتناعه دون بقية الأقارب ولو وصياً تزويج ذي جنون ، أي واحدة فقط . وتعويلهم على الحاجة يقتضي اعتبار التعدد ، وبه قال الأسنوي ؛ ورُدّ بأن الاحتياج إلى ما زاد على الواحدة نادر فلم يلتفت إليه . وهذا بالنسبة للوطء وأما للخدمة ، فيزاد بقدرها . وقوله : من ذكر أو أنثى ومؤن النكاح في تزويج الذكر من ماله لا من مال الأب ع ش . وانظر لو لم يكن له مال هل يكون على الأب أو على بيت المال أو ليس على واحد منهما ؟ ولعل الأخير هو الأقرب إلى كلامهم فحرره . وقوله : ( بكبر ) أي مع كبر أي بلوغ بكراً أو ثيباً . وقوله : ( لحاجة ) وإن لم تكن ظاهرة على المعتمد . وقوله : ( بظهور أمارات ) الباء للسببية بخلافها في قوله أو بتوقع الشفاء أو باحتياجه للخدمة فهي للتصوير ، ولا يصح جعلها للسببية . وعبارة الرملي كابن حجر : ( أمارة ) والظاهر أنه لا يشترط تكررها لكن تعبيرهم بالدوران يفيد التكرر . وقوله : ( لحاجة ) فإن انتفت الحاجة جاز للولي أن يزوج المجنونة دون المجنون . والفرق بينهما أن تزويج المجنونة يفيدها المهر والنفقة بخلاف المجنون . وقوله : ( عدلين ) قال بعض مشايخنا : ولو في الرواية ، وفي الخطيب وغيره : عدلي شهادة ، واعتمده شيخنا . وفي شرح شيخنا الاكتفاء بعدل واحد ؛ ذكره ق ل على الجلال . ولا يشترط لفظ الشهادة ولا كون الإخبار بذلك للقاضي بل يكفي في الوجوب على الأب مجرد إخبار العدل بالاحتياج . وقوله : ( وليس في محارمه ) أي والحال أنه ليس في محارم ذي الجنون الخ . وقوله : ( ومؤنة النكاح الخ ) حال أيضاً . وقوله : ( أو باحتياجه )(4/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
أي ذي الجنون للخدمة ؛ لأن الزوجة وإن لم يلزمها خدمة الزوج وأنها لو وعدت بذلك قد لا تفي به ، إلا أن داعية طبعها ومسامحتها به غالباً تقتضي ذلك فاكتفى بذلك بل أكثرهن يعدّ تركه رعونة وحمقاً . وقوله : ( ومؤنة النكاح أخف ) أي والحال أن مؤنة النكاح أخف ، فإن كانت زائدة أو مساوية سقط الوجوب وخير في المساواة . وقوله : ( فإن تقطع جنونهما ) مفهوم قوله مطبق ظاهره أن الإفاقة وإن قلت بحيث وسعت صيغة النكاح معتبرة . وقوله : ( حتى يفيقا ويأذنا ) مفهومه أنهما لا يزوّجان ما داما مجنونين وإن أضرهما عدم التزويج ولعله غير مراد بل المدار على التضرر وعدمه كما في ابن حجر ذكره ع ش . وبعود جنونهما يبطل الإذن . وفارقا المحرم ببقاء الأهلية فيه دونهما والمراد بإذن الذكر مباشرته للعقد أو توكيله ، فيه ولم يبين في شرح المنهج حكم تزويجه حينئذ هل هو واجب أو لا ، والذي يظهر من قوّة كلامه أنه غير واجب ؛ لكنه غير ظاهر إن اشتدت حاجته إلى النكاح فالظاهر أنه واجب أيضاً فحرر ذلك وانظر نقلاً صريحاً . قوله : ( إذا دعت ) قيد وبالغة قيد وعاقلة قيد إلى كفء قيد ، أي ولا بد أن يكون معيناً ، ولا بد أن يثبت عضله عند القاضي إما بامتناعه من التزويج بعد أمر القاضي له أو ببينة تشهد بعضله .
قوله : ( ثم شرع في بعض أحكام الخطبة ) ولها حكم النكاح من وجوب وندب وكراهة لأن الوسائل لها حكم المقاصد ، فإن استحب استحبت وإن كره كرهت ز ي . قوله : ( وهي التماس الخاطب ) من إضافة المصدر لفاعله هذا معناها شرعاً ، أما في اللغة فمأخوذة من الخطاب الذي هو اللفظ أو من الخطب بمعنى الشأن والحال أو الأمر المهمّ ومثل الالتماس النفقة عليها ، وهي من التصريح إذا كانت مع قرينة تزويجها . والخطبة ليست بعقد شرعي كما استظهره السيوطي ، قال : وإن تخيل كونها عقداً فليس بلازم بل جائز من الجانبين قطعاً كما في سم على حج . قوله : ( من جهة المخطوبة ) قيد بذلك ليشمل المخطوبة وولي المخطوبة وغير ذلك اه .
قوله : ( ولا يجوز أن يصرح الخ ) فيحرم ولا يصح العقد المرتب عليها ، وكذا ما بعدها أي إن وقع قبل انقضاء العدة وإلا فهو صحيح . قوله : ( أو فسخ ) بعيب منها أو منه مثلاً . قوله :(4/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
( أو انفساخ ) كأن أرضعت كبرى زوجتيه صغراهما أو بأن ارتدا أو أحدهما ولم يجمعهما الإسلام في العدة . قوله : ( لمفهوم قوله تعالى : ) ولا جناح } ^ ) إي لا إثم عليكم وقوله : ) فيما عرضتم } ) النساء : 235 ) فمفهوم قوله عرضتم أنّ ما صرحتم به حرام ، قال الماوردي : حكمته أن في المرأة من غلبة الشهوة والرغبة في الأزواج ما قد يدعوها إلى الإخبار بانقضاء عدتها كاذبة فلذلك حرم الله التصريح بخطبتها اه دميري أج .
قوله : ( أن أنكحك ) بفتح الهمزة لأنه هو الذي يريد نكاحها لنفسه ، قال في المصباح : نكح الرجل والمرأة ينكح من باب ضرب نكاحاً ، ثم قال : ويتعدى بالهمزة إلى ثان فيقال أنكحت المرأة الرجل ؛ ومنه قوله تعالى : ) إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ } ) القصص : 27 ) فهو من أنكح لأنه متعد إلى اثنين فما ذكره المحشي صحيح خلافاً لمن اعترضه اه . قوله : ( لأنه إذا صرح الخ ) هذا حكمة لا علة فلا يرد ما إذا علم ابتداء العدة وانتهاءها كعدة الوفاة . وعبارة الشوبري : وواضح أن هذه حكمة فلا ترد المعتدة بالأشهر إذا أمن كذبها إذا علم وقت فراقه .
قوله : ( ولا يجوز التعريض ) وإن أذن الزوج ومثل التعريض النفقة عليها ، قال ق ل : ولا يصح العقد أي إن وقع قبل انقضاء العدة وإلا فهو صحيح ، ويجوز للرجل خطبة خامسة وأخت زوجته إذا عزم على إزالة المانع عند الإجابة كما صرح به البلقيني وهو المعتمد شوبري . ولو خطب خمساً دفعة أو مرتباً وأجيب صريحاً حرمت خطبة إحداهن فينكح أربعة منهن أو يتركهن اه ز ي .
قوله : ( لأنها زوجة ) عبارة شرح المنهج : لأنها في حكم الزوجة فانظر وجه الترديد في كلام الشارح . ثم رأيت لبعضهم ما نصه قوله أو في معنى الزوجة الخ أو للتنويع في التعبير أي أنت بالخيار بين أن تعبر بهذا أو بهذا . قوله : ( ولأنها مجفوة ) أي مطرودة ، قال في المصباح : جفوت الرجل أجفوه أعرضت عنه أو طردته . قوله : ( والتعريض ما يحتمل الرغبة في النكاح الخ ) فهو من الكناية وكون الكناية أبلغ من الصريح باتفاق البلغاء وغيرهم إنما هو لملحظ يناسب تدقيقهم الذي لا يراعيه الفقيه ، وإنما يراعي ما دل عليه التخاطب العرفي ، ومن ثم(4/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
افترق الصريح هنا وثم اه ابن حجر وم ر . وقوله : ( ما يحتمل الرغبة في النكاح ) أي ولم يشتمل على ذكر الجماع وإلا كان صريحاً كقوله عندي جماع يرضي من جومعت ؛ قاله ح ل . قال ع ش على م ر . ومقتضاه حرمتها حينئذ وهو ظاهر لأن التصريح حرام وعبارة الشارح في تفسير قوله تعالى : ) ولكن لا تواعدوهن سراً } ) البقرة : 235 ) أي نكاحاً فالسر كناية عن النكاح الذي هو الوطء لأنه مما يسرّ ثم عبر بالسر الذي هو كناية عن الوطء عن عقد النكاح لأن العقد سبب في الوطء ، وقيل : هو الزنا كان الرجل يدخل على المرأة من أجل الزنا وهو يعرض بالنكاح ويقول لها دعيني فإذا أوفيتي عدتك أظهرت نكاحك .
قوله : ( وربّ راغب فيك ) ومثله إني راغب فيك وإن توهم أنه صريح بحسب جوهر اللفظ اه م ر . قوله : ( ومن يجد مثلك ) وإني راغب فيك ، وأما الكناية وهي الدلالة على الشيء بذكر لازمه فقد تفيد ما يفيده الصريح فتحرم نحو أريد أن أنفق عليك نفقة الزوجات وأتلذذ بك فإن حذف أتلذذ بك لم يكن صريحاً ولا تعريضاً ح ل . قوله : ( لغير الرجعية ) مثلها زوجة المرتد ؛ لأنه قد يعود للإسلام قبل انقضاء العدّة اه أج .
قوله : ( ولانقطاع سلطنة الزوج الخ ) أي مع ضعف التعريض ، فلا يرد أن السلطنة أيضاً منقطعة مع التصريح . قال أج : نعم إن فحش بأن اشتمل على ذكر الجماع حرم لفحشه أو لأن التعريض بالجماع تصريح بالخطبة .
قوله : ( هذا كله ) أي عدم جواز التصريح بالخطبة وجواز التعريض قبل انقضاء العدة . قوله : ( في غير صاحب العدة ) صادق بصورتين : إما أن يكون غير صاحب العدة بالمرة أو صاحب عدّة لا يحل له النكاح ، فيفصل كما تقدّم ففي الرجعية يمتنع مطلقاً ، وفي غيرها يجوز التعريض . أما صاحب العدّة الذي يجوز له نكاحها كأن خالعها وشرعت في العدة فيجوز له التعريض والتصريح لأنه يجوز له نكاحها ، وأما الرجعية فلا يجوز لصاحب العدّة تعريض ولا تصريح لأنه لا يجوز له نكاحها وإنما يجوز له رجعتها . وعبارة م د على التحرير صريحة في جواز نكاحها لصاحب العدّة ، فيجوز له التعريض والتصريح ، وهي ضعيفة إلا أن يريد بالعقد على الرجعية الرجعة فإنه يكون كناية في الرجعة فإن نواها به حصلت وإلا فلا تحصل ولا يصح عقد النكاح المذكور اه .(4/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
قوله : ( فحملت منه الخ ) إنما قيد الشارح بالحمل لأن عدّته مقدّمة على غيرها بخلاف ما إذا لم يكن حمل فإن عدّة الزوج مقدمة على غيرها . قوله : ( لصاحب عدة الشبهة أن يخطبها ) مجمل وتقدم تفصيله ، وهو أنه إن كانت رجعية امتنع مطلقاً وإن كانت بائناً جاز التعريض ؛ لكن العقد يكون بعد انقضاء عدّة الطلاق بعد الوضع . قوله : ( وحكم جواب المرأة الخ ) لو قال : وحكم جواب الخطبة الخ لكان أعم وأولى ؛ لأنه يشمل الجواب من المرأة وممن يلي نكاحها . قوله : ( على عالم ) أي بالخطبة الأولى وبجوازها وبالإجابة فيها بالصريح ق ل . فهذه ثلاثة شروط وأن لا يحصل إعراض وأن يكون الخاطب الأوّل محترماً . قوله : ( جائزة ) أي وإن كانت مكروهة ، خرج بذلك غير الجائزة كأن خطب في عدّة غيره . وعبارة المنهج وشرحه : وتحرم على عالم خطبة على خطبة جائزة ممن صرح بإجابته إلا بإعراض بإذن أو غيره من الخاطب أو المجيب سواء أكان الأوّل مسلماً أم كافراً محترماً . وقولي : ( على عالم ) أي بالخطبة وبالإجابة وبصراحتها وبحرمة الخطبة على الخطبة من ذكر ، وخرج بما ذكر ما إذا لم تكن خطبة أو لم يجب الخاطب الأول أو أجيب تعريضاً مطلقاً أو تصريحاً ، ولم يعلم الثاني بالخطبة أو علم بها ولم يعلم بالإجابة أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح أو علم كونها بالصريح ولم يعلم بالحرمة أو علم بها وحصل إعراض ممن ذكر أو كانت الخطبة محرمة كأن خطب في عدة غيره فلا تحرم خطبته إذ لا حق للأوّل في الأخيرة ولسقوط حقه في التي قبلها والأصل الإباحة في البقية . ويعتبر في التحريم أن تكون الإجابة من المرأة إن كانت غير مجبرة ومن وليها المجبر إن كانت مجبرة ومنها مع الولي إن كان الخاطب غير كفء ومن السيد إن كانت أمة غير مكاتبة ومنه مع الأمة إن كانت ومع المبعضة إن كانت غير مجبرة وإلا فمع وليها ومن السلطان إن كانت مجنونة بالغة ولا أب ولا جدّ اه بحروفه . وهي موفية عن عبارة الشارح في هذا المقام ، فقوله على عالم جملة القيود تسعة ؛ لأن قوله على عالم تحته أربعة وقوله خطبة قيد . وقوله جائزة قيد آخر ، وصرّح قيد وبإجابته قيد . وقوله إلا بإعراض قيد آخر ، فالجملة ما ذكر وإنما كان قوله إلا بإعراض قيداً لأن معناه عند عدم الإعراض . وقوله ممن صرّح بإجابته صفة لخطبة أي واقعة ممن صرّح ، ورجح بعضهم في رضيتك زوجاً أنه تعريض فقط وفيه نظر . وسئل الجلال السيوطي عمن خطب امرأة ثم رغبت عنه هي أو وليها هل يرتفع التحريم عمن يريد خطبتها وهل هو عقد جائز من الجانبين ؟ فأجاب بقوله يرتفع تحريم الخطبة على الغير بالرغبة عنه فيما يظهر وإن لم يتعرضوا له ، وإنما تعرضوا لما إذا سكتوا أو رغب الخاطب ، وما بحثه من ارتفاع التحريم عنه مأخوذ من قول الشارح بإذن من الخاطب أو المجيب اه سم على حج .(4/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
تنبيه : لو لم تحصل المخطوبة للخاطب بشيء مما ذكر أو بموتها رجع بما دفعه ولو نحو طعام اه ق ل . وقوله : ( ولو نحو طعام ) ردّ على الحنفية حيث ذهبوا إلى أنه لا رجوع له في الطعام ويرجع في المال اه .
قوله : ( لا يخطب ) بضم الطاء كما في المختار ، ويجوز أن تكون لا ناهية ونافية فعلى الأوّل يخطب بكسر الباء وعلى الثاني بضمها فلتراجع الرواية اه ع ش . قوله : ( على خطبة أخيه ) ذكر الأخ جري على الغالب ولأنه أسرع امتثالاً أي في أن يمتثل لأجله شيخنا . قوله : ( حتى يترك الخاطب ) أي أو الولي . قوله : ( أو يأذن له الخاطب ) فيه إظهار في محل الإضمار للإيضاح . قوله : ( والمعنى في ذلك ) أي النهي أو النفي المراد منه النهي . قوله : ( ما فيه ) أي المنهي عنه . قوله : ( ويجب ذكر الخ ) أي على من علم بالعيوب وعلم سلامة العاقبة . وقد ورد : أن امرأة أتت إلى النبي وقالت له : يا رسول الله أأتزوّج أبا جهم أم معاوية ؟ فقال لها : ( أَمَا أبو جَهْم فَلاَ يَضَعُ العَصَا عن عاتقه ) وهو إشارة إلى أنه يضرب في غالب الأوقات أي لا يؤمن من ضربه وهذا من النصيحة : ( وأما مُعَاوية فصُعْلُوكٌ ) أي لا مال معه ، وقلة المال عيب عرفي لا شرعي . قوله : ( ذكر عيوب ) من نفسه أو غيره وإن لم يثبت الخيار ، والمراد العيوب الشرعية وكذا العرفية أخذاً من حديث : ( وأما معاوية فصُعْلُوكٌ لا مال لَهُ ) وهذا أحد أنواع الغيبة الجائزة المذكورة في النظم ، قال البارزي : ولو استشير في أمر نفسه فإن كان فيه ما يثبت الخيار فيه وجب ذكره للزوجة وإن كان فيه ما يقلل الرغبة فيه ، ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحب ، وإن كان فيه شيء من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه ولا يذكره ، وإن استشير في ولاية فإن علم من نفسه عدم الكفاءة أو الخيانة وأن نفسه لا تطاوعه على تركها وجب عليه أن يبين ذلك أو يقول لست أهلاً للولاية اه . ووجوب التفصيل بعيد والأوجه دفع ذلك بنحو أنا لا أصلح لكم . قوله : ( لمريده ) أي مريد الاجتماع . قوله : ( ليحذر ) بضم أوّله وفتح ثالثه متعلق بذكر واللام للتعليل ، وكذا قوله لمريده متعلق به ولامه للتعدية ، وقوله بذلاً للنصيحة علة ليجب .(4/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
قوله : ( لقب ) بأن اشتهر بلقب يكرهه كالأعمش ، فيذكر به لتعريفه لا على وجه التنقيص وإن أمكن تعريفه بغيره شرح م ر . قوله : ( ومستفت ) بأن ذكر حاله وحال خصمه مع تعيينه للمفتي وإن أغنى إجماله ؛ لأنه قد يكون في التعيين فائدة شرح م ر ؛ لأنه لو أجمله لربما كان له في المال المسروق شبهة كأبيه وشريكه فيه فلا يترتب عليه مقتضى السرقة من القطع كما قرره شيخنا .
قوله : ( وفسق ظاهر ) أي إن غيبة الفاسق تباح بثلاثة شروط ؛ الأوّل : أن يتجاهر بحيث لا يبالي من إطلاع الناس عليه . والثاني : أن يذكره بما يتجاهر به فقط حتى لو ذكره بغيره ولو كان فيه كان غيبة محرمة . والثالث : أن يذكر ذلك لأجل نصح الناس وتباعدهم عنه لا لحظ نفسه ولا لكراهية فيه ولا لازدرائه وتنقيصه وإلا كان غيبة محرمة شيخنا الحفناوي . وعبارة م ر : ومجاهرة بفسق أو بدعة بأن لم يبال ما يقال فيه من جهة ذلك لخلعه جلباب الحياء فسقطت حرمته لكن لا يذكر بغير ما تجاهر به اه ، بأن تجاهر بالمكس فيقال فلان مكاس أو تجاهر بشرب الخمر فيقال فلان شارب الخمر .
قوله : ( والظلم ) أي التظلم كما عبر به م ر أي التظلم لمن له قدرة على إنصافه م ر ، بأن يقول لشخص فلان ظلمني وأخذ مني كذا ، وقوله تحذير هو ما نحن فيه بأن يذكر عيوب من أريد اجتماع عليه ليحذر ، وقوله مزيل المنكر بأن يقول لشخص يقدر على إزالة المنكر فلان يزني الآن بامرأة أو يشرب الخمر ومراده الاستعانة به على تغيير المنكر شيخنا ، ولبعضهم :
القدح ليس بغيبة في ستة
متظلم ومعرّف ومحذر
ولمظهر فسقاً ومستفت ومن
طلب الإعانة في إزالة منكر
قوله : ( قال الغزالي الخ ) فيه تدافع إذ المتظاهر بالمعصية لا تخفى عيوبه عن الناس اه ق ل . والغزَّالي بفتح الزاي مخففة ومشدّدة .
قوله : ( المتظاهر بالمعصية ) في نسخة المتجاهر ولو أنفق نفقة على مخطوبة ولم يتزوجها وكان الترك منه أو منها أو بالموت له أو لها رجع بما أنفقه أي شيء كان ، ولو أنفق على زوجته(4/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
بعد العقد وقبل الدخول لأجل الدخول ثم طلق قبله أو مات أحدهما رجع بما أنفقه في الحالة المذكورة ، ومحله حيث لم يقصد الهدية لا لأجل تزوجه بها بأن أطلق أو قصد الهدية لأجل تزوّجه بها فيرجع فيهما ، فإن قصد الهدية لا لأجل تزوّجه بها فلا رجوع اه م د . وفي ق ل على الجلال : فرع : دفع الخاطب بنفسه أو وكيله أو وليه شيئاً من مأكول أو مشروب أو نقد أو ملبوس لمخطوبته أو وليها ثم حصل إعراض من الجانبين أو من أحدهما أو موت لهما أو لأحدهما رجع الدافع أو وارثه بجميع ما دفعه إن كان قبل العقد مطلقاً ، وكذا بعده إن طلق قبل الدخول أو ماتا ولا رجوع بعد الدخول مطلقاً انتهى ؛ ونقل مثله عن م ر .
قوله : ( وسنّ خطبة بضم الخاء ) وهي كلام مفتتح بحمد مختتم بوعظ ودعاء ؛ زيادي . فيحمد الله تعالى الخاطب ويصلي على النبي ويوصي بتقوى الله تعالى ثم يقول : جئتكم خاطباً كريمتكم أو فتاتكم ويخطب الولي كذلك ، ثم يقول : لست بمرغوب عنك أو نحو ذلك اه شرح المنهج . وسكت عن قراءة الآية والدعاء للمؤمنين مع ندبهما أيضاً كما قاله الماوردي ، مع أنها لا تسمى خطبة إلا بذلك إما لأنه المذكور في كلام الإمام الشافعي أو لغير ذلك . وقوله : ( خاطباً كريمتكم ) أي لي أو لابني أو لزيد . وقوله : ( أو فتاتكم ) الفتى الشاب والفتاة الشابة والفتى أيضاً السخي والكريم اه . قال الدميري : وتبرك الأئمة بخطبة النكاح بما روى الأربعة والحاكم عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ( علمنا رسول الله خطبة الحاجة فليقل : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله / ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون } ) آل عمران : 102 ) . ) يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها } ^ إلى قوله ) رقيباً } ) النساء : 1 ) / ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم } ^ . . . إلى قوله ) عظيماً } ^ ) ( الأحزاب : 70 71 ) وكان أحمد إذا لم تذكر هذه الخطبة في عقد انصرف . وكان القفال يقول بعدها : أما بعد فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر وكتاب قد سبق وإن مما قضى الله وقدر أنه خطب فلان ابن فلان فلانة ابنة فلان على صداق كذا أقول قولي هذا وأستغفر الله لنا ولكم أجمعين اه ع ش على م ر . ولفظ خطبة النبي حين زوج ابنته فاطمة لعلي ابن عمه أبي طالب ( الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه وسطوته النافذ أمره في أرضه وسمائه الذي خلق الخلق بقدرته وسيرهم بأحكامه ومشيئته وجعل المصاهرة سبباً لاحقاً وأمراً مفترضاً شبك به الأنام وأكرم به الأرحام فقال عز من قائل : وهو الذي خلق من(4/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
الماء بشراً ، ولكل قدر أجل / ) ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء } ^ ) ( الرعد : 38 39 ) الآية : ق ل على الجلال . قوله : ( أي عن البركة ) إن قلت هلا قال كما سبق له في الخطبة أي مقطوع البركة . قلت : السابق في تلك الرواية فهو أجذم وفيه خفاء فاحتاج إلى تأويله بما هو أوضح منه بخلاف ما هنا فأبقاه على أصله اه شوبري .
قوله : ( ولو أوجب ولي العقد ) فلو أوجب بقدر معين فقبل الزوج ساكتاً انعقد بمهر المثل . وهذه حيلة في إسقاط المسمى إذا كان كثيراً ولم يرض به الزوج فطريقه في إسقاطه أن يقبل ساكتاً اه ز ي .
قوله : ( فخطب الزوج ) ظاهر في أنه يضر الفصل بخطبة أجنبي ، ويشعر به أيضاً التعميم فيما قبله مع التقييد ؛ لكن صنيع شيخ الإسلام في شرح الروض ظاهر في خلافه . وعبارة ح ل : والزوج ليس بقيد بل مثله الأجنبي أو أحد العاقدين لأن المدار على عدم طول الفصل بسكوت أو بما ذكر اه .
قوله : ( الفاصلة بين الإيجاب والقبول ) خرج الخطبة بين الخطبة وجوابها فهي مندوبة أيضاً ، فالمندوب ثلاث خطب التي قبل الخطبة والتي قبل العقد والتي بين الخطبة وجوابها .
قوله : ( كالإقامة ) أي للصلاة . وقوله : ( بين صلاتي الجمع ) راجع للثلاثة ويتقيد بما إذا لم يطل الفصل قرره شيخنا ، وضبط القفال الطول بأن يكون زمنه فيه لو سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جواباً ، والأولى ضبطه بالعرف كما في شرح م ر . قال شيخنا : والظاهر أنه يضر الفصل بقوله قل قبلت قياساً على البيع بل أولى لأن النكاح يحتاط له . قوله : ( لكنها لا تسنّ ) هذا هو المعتمد ويسنّ الدعاء للزوجين بالبركة بعد العقد زي . قوله : ( كما صرح به ابن يونس ) خروجاً من خلاف من أبطل ح ل .
قوله : ( وعدمه ) أي عدم إجبارهنّ . قوله : ( بكر ) لو قال أبكار وثيبات لكان أنسب ق ل ، أي ليطابق المبتدأ وهو كناية عن ضرب والضرب في المعنى جمع .(4/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
قوله : ( فالبكر ) أي ولو حكماً بدليل الأمثلة الآتية . قوله : ( ومخدرة ) المخدرة هي التي ملازمة لبيتها . قوله : ( أو زالت ) أي أو خلقت ببكارة وزالت بلا وطء ، كأن زالت بأصبع أو نحوه . قوله : ( للأب ) أي وإن لم يل المال لطروّ سفه بعد البلوغ على النص ؛ لأن العار عليه خلافاً لمن زعم أن ولاية تزويجها تابعة لولاية مالها شرح م ر ، أي فتكون للقاضي . قوله : ( أي تزويجها بغير إذنها ) هو تفسير للمراد بالإجبار هنا وليس معناه الإكراه ق ل . قوله : ( أحق بنفسها ) أي في اختيارها للزوج أو في الإذن ، وليس المراد أنها أحق بنفسها في العقد كما يقوله المخالف وهم الحنفية . والإمام داود الظاهري يصححه بدونهما معاً أي الشهود والولي ولا حدّ فيهما أيضاً ، نعم إن حكم حاكم ببطلانه حد إن علم قبل وطئه ق ل على الجلال . قوله : ( شديدة الحياة ) أي فلا يحتاج إلى إذنها .
قوله : ( الأول أن لا يكون الخ ) هذا شرط للصحة . قوله : ( عداوة ظاهرة ) أي بحيث لا تخفى على أهل محلتها . وخرج بالعداوة الكراهة لنحو بخل أو عمى أو تشوّه خلقة فيكره التزويج فقط ، وهل مثله في ذلك وكيله أو لا بد من عدم العداوة الظاهرة والباطنة ويفرق بين الولي ووكيله ؟ اعتمد م ر وحج الثاني ، قال في شرح الروض : ولا حاجة لاشتراط عدم عداوة الزوج لأن سليقة الولي أي طبيعته تدعوه إلى أنه لا يزوّجها من عدوّها وفيه نظر اه ق ل . قوله : ( الثاني أن يزوجها من كفء ) هو شرط للصحة أيضاً . ونظم بعضهم خصال الكفاءة في قوله :
شرط الكفاءة خمسة قد حررت
ينبيك عنها بيت شعر مفرد
نسب ودين حرفة حرية
فقد العيوب وفي اليسار تردد
والراجح أنه لا يشترط لأن المال غاد ورائح ولا يفتخر به أصحاب المروآت والبصائر ، قال العلامة مرعي الحنبلي :
قالوا الكفاءة ستة فأجبتهم
قد كان هذا في الزمان الأقدم
أما بنو هذا الزمان فإنهم
لا يعرفون سوى يسار الدرهم(4/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
وقوله : ( حرفة ) والأوجه مراعاة البلد في الحرف والصنائع التي لم ينص عليها الفقهاء . وحاصل ذلك أن ما نص الفقهاء عليه من رفعة أو دناءة نعوّل عليه وما لم ينص الفقهاء عليه يرجع فيه إلى عرف البلد ، وهذا هو المعتمد عند الزيادي والرملي ، ففي الأمصار التاجر أعلى رتبة من الزراع وفي الأرياف الزراع أعلى رتبة من التاجر حتى لو كان عرف تلك البلد أن ابن الفلاح أشرف من ابن العالم لم يكن ابن العالم كفؤًا لبنت الفلاح ؛ كذا ذكره سم عن م ر . وفي شرح ابن حجر ما يخالفه .
قوله : ( الثالث الخ ) هو شرط لجواز الإقدام وكذا الرابع . قوله : ( من نقد البلد ) المراد به ما جرت العادة به فيها ولو عروضاً ؛ قاله البرماوي . ومحله في هذا ما لم يكونوا ببلد يعتادون فيه التزويج بغير نقد البلد وإلا لم يشترط ذلك لجواز الإقدام بل يجوز الإقدام على ذلك م ر وحج . قوله : ( الخامس أن لا يكون الزوج الخ ) هو شرط للصحة وقوله معسراً بالمهر أي بالحالّ منه دون ما اعتيد تأجيله ، وظاهره أنه لا بد أن يكون موسراً بالحال منه ولو زاد على مهر المثل . قال م ر في شرحه : ويساره بحالّ صداقها كما افتى به الوالد رحمه الله تعالى فلو زوّجها من معسر به لم يصح لأنه بخسها حقها ، وليس مفرعاً على أن اليسار معتبر في الكفاءة خلافاً لبعض المتأخرين اه . ولو زوّج الولي محجوره المعسر بنتاً بإجبار وليها لها ثم دفع أبو الزوج الصداق عنه بعد العقد فلا يصح ؛ لأنه كان حال العقد معسراً ، فالطريق أن يهب الأب ابنه قبل العقد مقدار الصداق ويقبضه له ثم يزوّجه ، وينبغي أن يكون مثل الهبة للولد ما يقع كثيراً من أن الأب يدفع عن الابن مقدم الصداق قبل العقد ؛ فإنه وإن لم يكن هبة إلا أنه ينزل منزلتها بل قد يدعي أنه هبة ضمنية للولد فإنّ دفعه لولي الزوجة في قوة أن يقول ملكت هذا لابني ودفعته لك عن الصداق الذي قدر لها ، وانظر ما ضابط اليسار بالمهر هل يشترط أن يكون فاضلاً عن الدين والخادم وعن مؤنة من تلزمه مؤنته ونحو ذلك حتى لو احتاج إلى صرف شيء من المال لشيء من ذلك لا يكون موسراً أو لا يشترط الفضل عن شيء من ذلك ؟ راجعه وحرره ، فإن شيخنا توقف في ذلك كذا بخط الشيخ خ ض . قوله : ( السادس الخ ) هو وما بعده ضعيفان .
قوله : ( شروط لصحة النكاح ) محل ذلك إذا كان بغير إذن أما إذا كانت بكراً وأذنت فلا(4/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
يشترط شيء من ذلك . قوله : ( وأن يكون موسراً ) أي حقيقة أو حكماً كما لو دفع ولي الصغير عنه المهر قبل العقد أو ملكه المهر كذلك ، وأما ما يقع لبعض الفلاحين حيث يستعير الزوج شيئاً من الصيغة ويعقد عليه فهو عارية ولا يصح العقد حينئذ اه . قوله : ( وما عدا ذلك شروط لجواز الإقدام ) حاصله أن الشروط سبعة : أربعة للصحة ، وهي أن لا يكون بينها وبين وليها عداوة ظاهرة ولا بينها وبين الزوج عداوة مطلقاً وأن تزوّج من كفء وأن يكون موسراً بحال الصداق ، فمتى فقد شرط من هذه الأربعة كان النكاح باطلاً إن لم تأذن . وثلاثة لجواز المباشرة ، وهي : كونه بمهر مثلها ومن نقد البلد وكونه حالاً ونظم ذلك بعضهم بقوله :
الشرط في جواز إقدام ورد
حلول مهر المثل من نقد البلد
كفاءة الزوج يساره بحال
صداقها ولا عداوة بحال
وفقدها من الوليّ ظاهراً
شروط صحة كما تقررا
قوله : ( وينبغي أن يعتبر ) معتمد وهذا من شروط الصحة . قوله : ( انتفاء العداوة ) ولو باطنة . قوله : ( لظهور الفرق ) وهو كونها مفارقة للولي ملازمة للزوج . قوله : ( لما قاله ) أي الولي العراقي من الشرط المذكور أي من اشتراط انتفاء العداوة بينها وبين الزوج . قوله : ( لأن انتفاء العداوة الخ ) فيه أن الشرط في الولي انتفاء العداوة الظاهرة ، وحينئذ فيحتمل أن هناك عداوة باطنة ، وحينئذ فربما زوّجها لعدوها أفاده شيخنا . قال م ر في شرحه : لا يقال يلزم من اشتراط عدالته انتفاء عداوته لتنافيهما ؛ لأنا نمنع ذلك لأن شرطه عدم الفسق لا العدالة . قوله : ( أما مجرد كراهتها ) مقابل قوله العداوة من قوله انتفاء العداوة بينها الخ ؛ لأن مجرد الكراهية من غير ضرر لا يقال له عداوة وقوله له أي للزوج . قوله : ( ويسن استفهام المراهقة ) كأن يقول(4/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
أزوجك أو أتتزوجي . وعبر بالاستفهام دون الاستئذان لأن المراهقة لا إذن لها معتبر ، ولكن إذن البالغة في شروط الصحة يكفي فيه السكوت وإذنها في شروط جواز الإقدام لا يكفي فيه السكوت ، بل لا بد من النطق ؛ فإذا استؤذنت في دون مهر المثل فسكتت لا يكون إذناً بالدون بل ينعقد النكاح بمهر المثل . قوله : ) لا تنكحوا الأيامى } ^ فيه أنه تقدم أن الأيم شاملة للبكر والثيب ، وصرح به الجلال أيضاً ؛ إِلا أن يقال قوله ( حتى تستأمروهنّ ) أي وجوباً في الثيب وندباً في غيرها ، فلا يقال الدليل أعم من المدعى . قوله : ( وإذنها ) أي الإذن بالصريح أي بالنطق به من الناطقة وبالإشارة أو الكتابة من غيرها ، فإن لم يكن ذلك فهي كالمجنونة فلا يزوّجها مطلقاً . ومن صريح الإذن قولها رضيت بما يفعله أبي أو أمي أو أخي أو عمي أو رضيت بما يرضونه أو رضيت أن أزوج أو رضيت فلاناً زوجاً وأما إن رضي أبي مثلاً فقد رضيت ، فليس إذناً ؛ اه ق ل . ويكفي في البكر سكوتها بعد استئذانها وإن لم تعلم كونه إذناً ولم تعلم الزوج ولو كان الزوج غير كفء ، وتردد شيخنا في خرساء لا إشارة لها مفهمة ولا كتابة ثم رجّح أنها كالمجنونة . وعبارة عب : وإذا لم تكن ثيباً بوطء كفى سكوتها بعد استئذانها ولو لغير كفء وغير معين أو جهلت كون الصمت إذناً أو بكت إِلا مع صياح ولو استأذنها بلا مهر أو بأقل منه فسكتت لم تكن آذنة في ذلك لأنه لا يستحيا من ذلك . قوله : ( لو وطئت البكر في قبلها الخ ) ولو كان لها فرجان أصليان فوطئت في أحدهما وزالت بكارتها صارت ثيباً ، بخلاف ما لو كان أحدهما أصلياً والآخر زائداً واشتبه الأصلي بالزائد فلا تصير ثيباً إذ يحتمل أن يكون الوطء في الزائد والولاية ثابتة فلا تزول بالشك اه زي . وقوله ( صارت ثيباً ) أي وكذا لو كان أحدهما أصلياً والآخر زائداً وتميز ووطىء في الأصل فزالت بكارتها فإنها تصير بذلك ثيباً ،(4/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
بخلاف ما إذا وطىء في الزائد المتميز فإنها تستمر على بكارتها ولا تصير بذلك الوطء ثيباً اه . وعبارة ق ل : ولو تعدد الفرج لم يزل الإجبار بالوطء في الزائد يقيناً ولا في أحد المشتبهين للشك في زوال الولاية ويزول بالوطء في أحد الأصليين فلا بد من إذنها ؛ قاله شيخنا . ويتجه في تزويجها في الثالثة اعتبار مهر بكر نظراً للأصلي على الآخر ووجوب مهر بكر بالوطء فيه بل مع أرش بكارة إذا كان الوطء بشبهة ، ويتجه مثل ذلك في المشتبهين واعتبار إذنها احتياطاً ؛ نعم لا حدّ هنا بوطئها للشبهة .
قوله : ( ولم تزل بكارتها ) ويتقرر المهر بذلك الوطء كما سيأتي في الصداق . قوله : ( كسائر الأبكار ) فيزوّجها أبوها بلا إذن . قوله : ( كما أن قضية كلامهم ) وهو التعليل بممارسة الرجال فالأولى أن يقول : كما أن قضيته كذلك إذا زالت الخ . وقوله : ( كذلك ) أي أنها كسائر الأبكار . قوله : ( ولو خلقت بلا بكارة الخ ) مستدرك لأنه علم من قوله لو وطئت الخ بالأولى . قوله : ( عن الصيمري ) بضم الميم وفتحها نسبة إلى صيمر قرية من قرى العجم .
قوله : ( في دعوى البكارة ) أي قبل العقد أو بعده بدليل التقييد فيما بعد كما قرره شيخنا ، أي إذا ادعى الزوج أنها ثيب وأن أباها زوّجها بغير إذنها فالعقد باطل وهي تقول أنا بكر فالعقد صحيح . قوله : ( وكذا في دعوى الثيوبة ) ظاهره أنها تصدق بلا يمين ، والمعتمد عند م ر أنه لا بد من اليمين فالتشبيه في أصل التصديق لا في كونه بلا يمين . وعبارة الرحماني : وتصدق في دعوى الثيوبة قبل العقد بيمين لاقتضاء دعواها إبطال حق الولي من تزويجها بغير إذن نطقاً . قوله : ( ولا تسأل عن الوطء ) ولا يكشف عنها لأنها أعلم بحالها .
قوله : ( فإن ادعت الثيوبة بعد العقد ) أي ادعت بعد العقد أنها كانت ثيباً قبله ق ل . قوله : ( بل لو شهدت أربع نسوة عند العقد ) أي بثيوبتها عند العقد الخ ؛ أي شهدت بأنها كانت ثيباً عند العقد ووقعت تلك الشهادة بعد العقد به . والحاصل أن قوله عند العقد متعلق بمحذوف ومتعلق شهدت محذوف والتقدير شهدت أربع نسوة بعد العقد أنها كانت ثيباً عند العقد فلا تقبل شهادتهن .(4/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
حادثة وقع السؤال عنها : وهي أن بكراً وجدت حاملاً وكشف عليها القوابل فرأينها بكراً هل يجوز لوليها أن يزوجها بالإجبار مع كونها حاملاً أم لا ؟ فأجاب بأنه يجوز لوليها تزويجها بالإجبار وهي حامل لاحتمال أن شخصاً حك ذكره على فرجها . فأمنى ودخل منيه في فرجها فحملت منه من غير زوال البكارة فهو غير محترم فيصح نكاحها في هذه الصورة مع وجود الحمل ، واحتمال كونها زنت وأن البكارة عادت والتحمت فيه إساءة ظن بها ، فعملتا بالظاهر من أنها بكر مجبرة وأن لوليها أن يزوّجها بالإجبار أي ولا تحدّ أيضاً اه ع ش على م ر .
3 ( ( فصل : في محرمات النكاح ) ) 3
أي اللاتي يحرم نكاحهنّ ولا يصح والمراد التحريم الذاتي لأنه المذكور هنا لا العارضي بسبب أو إحرام أو ردة .
قوله : ( ومثبتات ) بكسر الباء ، أي في الأمور المثبتة للخيار لأحد الزوجين كالجنون والجذام ، وأما قول م د عن ق ل بفتح الباء أي النساء اللاتي يثبت لهنّ الخيار فيه فلا وجه له لأنه سيأتي أن الخيار يثبت لكل من الزوجين .
قوله : ( تحريم مؤبد ) أي ذوات تحريم مؤبد ، وكذا يقدر في الثاني ليصح الإبدال ولأن الكلام في المحرمات لا في التحريم ، والأولى أن يقدر مضاف قبل النساء أي وتحريم النساء الخ . قوله : ( اختلاف الجنس ) هذا سبب للتحريم وليس تحريماً ، ويمكن أن يقدر مضاف في قوله ومن الأوّل أي ومن سبب الأوّل تأمل . وهذا أعني قوله اختلاف الجنس ضعيف والمعتمد صحة مناكحة كل للآخر . وعبارة م د في حاشية التحرير : المعتمد حل نكاحنا لهم وعكسه وله وطء زوجته منهم ولو على غير صورة الآدمي ، ونقل عن شيخنا أنها لا تنقض وضوءه حينئذ اه ق ل . والذي في حاشيته إذا تحققت الذكورة أو الأنوثة نقض على المعتمد ولو على غير صورة الرجل أو المرأة حتى لو كانت على صورة الكلب نقض لمسها اه .
قوله : ( خلافاً للقمولي ) اعتمده م ر . وهل يجبرها على ملازمة المسكن أو لا وهل له(4/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
منعها من التشكل في غير صورة الآدمية عند القدرة عليه لأنه قد تحصل النفرة أو لا ؟ وهل يعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها وخلوها عن الموانع أو لا ؟ وهل إذا رآها في صورة غير التي ألفها وادّعت أنها هي فهل يعتمد عليها ويجوز له وطؤها أو لا ؟ وهل يكلف الإتيان بما يألفونه من قوتهم كالعظم وغيره إذا أمكن الاقتيات بغيره أم لا ؟ وقوله : ( اعتمده م ر ) أي خلافاً لابن حجر ، أي فيجوز للآدمي نكاح الجنية وعكسه ، ويجوز وطؤها إن غلب على ظنه أنها زوجته ولو على صورة حمار مثلاً وتثبت أحكام النكاح للإنسي منهما فينتقض وضوؤه بلمسها ويجب عليه الغسل بوطئها وغير ذلك ، ومنه أنه يجب عليه أن ينفق عليها ما ينفقه على الآدمية لو كانت زوجة وأما الجني منهما فلا يقضي عليه بأحكامنا ع ش .
قوله : ( قال تعالى الخ ) هذا دليل للقول الضعيف .
قوله : ( وجعل منها زوجها ) أي وهي من الجنس . وردّ هذا الاستدلال بأن غاية ما تفيده الآية أن زوجة آدم منه وليس فيها دلالة على أن الزوجة لا بد أن تكون من الجنس كما أفاده شيخنا ، واستدل القائل بالضعيف بأن النبي نهى عن نكاح الجن وبقوله تعالى : ) والله جعل } ^ أي خلق ) لكم من أنفسكم أزواجاً } ) النحل : 72 ) وكان الأولى للشارح ذكرها بدل الآية التي ذكرها فامتنّ علينا بأن خلق أزواجنا منا . وأجيب بأن النهي للتنزيه وبأن نكاح الجنية لا يفوّت الامتنان بل كماله ، وأيضاً من قال بعدم صحة مناكحة الجن قال إن الجن من النار والإنس من الطين ولا مناسبة بينهما .
قوله : ( والمؤبد بالنص الخ ) يقتضي أن أخت الزوجة محرمة على التأبيد ، وليس مراداً ففي مثل هذا الصنيع مسامحة لأن الأخيرة من ذلك ليس تحريمها مؤبداً بل للجمع ، فكان الأولى إبقاء المتن على ظاهره وحذف المؤبد لأن الأربعة عشر يصدق عليها أنها كلها حرام أعم من المؤبد وغيره . وأجيب عن الشارح بأن الحكم على المجموع لا على كل فرد لأن المؤبد ثلاث عشرة وهن المذكورات في آية : ) حرمت عليكم أمهاتكم } ) النساء : 23 ) مع قوله : ) ولا(4/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ) النساء : 22 ) فسبع بالنسب واثنان بالرضاع وهما المذكوران في قوله تعالى : ) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } ) النساء : 23 ) وأربع بالمصاهرة .
قوله : ( وله ) أي للتحريم المؤبد .
قوله : ( بالنسب والرضاع ) في إدخال الرضاع في القرابة المذكورة في الضابط الأوّل نظر ظاهر كما قاله ق ل ؛ لأن نساء القرابة لا يدخل فيهن المحرمات بالرضاع . ويمكن أن يجاب بأن في الضابط معطوفاً محذوفاً والتقدير نساء القرابة أي والرضاع .
وقوله : ( إلا من دخلت الخ ) استثناء من كل منهما ، والمراد بالثاني ولد العمومة أو الخؤولة ولو من الرضاع تأمل .
قوله : ( ضابطان ) الضابط الأوّل لأبي منصور البغدادي ، والثاني لأبي إسحاق الإسفرايني .
قوله : ( بعد الأصل الأوّل ) أي غير الأصل الأوّل ، فإن أوّل فصل من الأصل الأوّل هم الإخوة والأخوات وأولادهم ولا يخفى أن غير الأصل الأوّل هو الأصل الثاني وما بعده وهم الأجداد والجدات وإن علوا واحترز بقوله أول فصل عن ثاني فصل فلا يحرمن وهن أولاد العمات والخالات اه . وأما الأصل الأوّل فقد تقدم أنه يحرم جميع فصوله في قوله وفصول أول الخ م د .
قوله : ( وهي ) مبتدأ وقوله الأوّل منها الأم خبر ، ولو قال الأولى لكان أنسب بالمعنى واللفظ وكذا ما بعده . وتطلق الأم في القرآن على خمسة أوجه : أحدها الأصل ومنه : ) وإنه في أم الكتاب } ) الزخرف : 4 ) أي اللوح المحفوظ فإنه أصل لجميع الكتب فإنها أنزلت منه . ثانيها الوالدة ومنه : ) فلأمه الثلث } ) النساء : 11 ) . ثالثها المرضعة ومنه : ) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } ) النساء : 23 ) رابعها المشابهة للأم في الحرمة والتعظيم ومنه : ) وأزواجه أمهاتهم } ^(4/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
( الأحزاب : 6 ) . خامسها المرجع والمصير ومنه : ) فأمه هاوية } ) القارعة : 9 ) وقيل : المراد أم رأسه وقيل النار لأنه يأوي إليها ق ل على الشيخ خالد . وقوله : ( أم رأسه ) أي لأنها حاوية ما فيها من مخ ودهن وعظم .
قوله : ( أي يحرم العقد عليها ) وكذا يقدر في الباقي بناء على الراجح من أن تعلق الأحكام للأفعال لا الذوات ، نحو : ) حرمت عليكم الميتة والدم } ) المائدة : 3 ) أي تناولهما لا عينهما ، قال في جمع الجوامع : لا تكليف إلا بفعل لأنه الذي في طاقة المكلف لأن العدم حاصل فلا يمكن تحصيله ثانياً ، وأيضاً لو كان العدم بفعل المكلف لكان موجوداً ؛ هذا خلف .
قوله : ( وأم الأم كذلك ) أي وإن علت . قوله : ( نسبك ) أي اللغوي لأن الشرعي إنما يكون للأب .
قوله : ( والبنت ) أي ولو احتمالاً كالمنفية بلعان ، فإن الأحكام ثابتة بينها وبين النافي فلا يحد بقذفها ولا يقطع بسرقة مالها ولا يقتل بها ولا يحرم عليه نظرها ولا الخلوة بها ولا السفر بها ؛ وخالف حج في الثلاثة الأخيرة . وعبارة شرح الرملي : وبنت ولو احتمالاً كالمنفية بلعان ومع النفي ففي وجوب القصاص عليه بقتله لها والحد بقذفه لها والقطع بسرقة مالها وقبول شهادته لها وجهان قال الأذرعي : أشبههما نعم ، وأصحهما كما أفتى به الوالد لا . قال البلقيني : وهل يأتي الوجهان في انتقاض الوضوء بلمسها وجواز النظر إليها والخلوة بها أو لا ؟ إذ لا يلزم من ثبوت الحرمة المحرمية كما في الملاعنة وأم الموطوءة بشبهة وبنتها والأقرب عندي ثبوت المحرمية والأوجه حرمة النظر والخلوة بها احتياطاً وعدم نقض الوضوء بلمسها للشك كما مر في أسباب الحدث اه بحروفه . وقوله : ( وهل يتأتى الوجهان الخ ) قال الرشيدي : الذي يظهر عدم تأتيهما لأن الكلام هنا بالنسبة للباطن كما هو ظاهر ، فهي إن كانت قبل الدخول بأمها انتقض الوضوء بلمسها قطعاً وحرم النظر والخلوة بها كذلك ، وإن كانت بعد الدخول بها لم ينتقض قطعاً وحل كل من النظر والخلوة بها كذلك لأنها ربيبة فلا وجه لجريان الوجهين اه بحروفه .
قوله : ( ذكراً ) تعميم في من الثانية .(4/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
قوله : ( ينتهي إليك نسبها بالولادة ) أي الأعم من اللغوي والشرعي ليشمل بنت البنت . والمراد بقوله ( ينتهي ) أي يصل وليس المراد بالانتهاء حقيقته لأنه لا يكون إلا لأمنا حواء ولأبينا آدم ، وكذا يقال فيما بعده . قوله : ( والثالث الأخت ) ولو احتمالاً كالمستلحقة ، نعم لو كانت تحته قبل استلحاقها ولم يصدّق أباه في استلحاقها أو كان صغيراً لم ينفسخ نكاحها ، قالوا : وليس لنا من يطأ أخته في الإسلام غير هذا ولا تنقض وضوءه وإذا مات ورثت منه بالزوجية لأنها أقوى من الأختية فلو طلقت منه امتنع عليه العقد عليها إذا بانت وله رجعتها إذا لم تبن . وذكر حج أن عكس المسألة مثلها بأن استلحق أبوها زوجها ولم تصدّقه هي ، وبحث فيه بعضهم مما يعلم رده في محله ؛ ق ل على الجلال مع زيادة من شرح م ر .
قوله : ( فأختك ) لا حاجة إليه . قوله : ( من جميع الجهات ) أي جهة الأب والأم أو أحدهما . قوله : ( وبنات أولادهما ) أي الأخ والأخت ، فيدخل بنات الذكور من أولاد الأخ ومن أولاد الأخت . قوله : ( وإن سفلن ) المناسب التعبير بالتراخي في جانب الإخوة والأخوات . والتعبير بالتسفل في الفروع كما هو قاعدة الفرضيين شيخنا . قوله : ( علم من كلام المصنف ) أي من قوله بالنسب فإن بنت الزنا لا تحرم عليه . قوله : ( من ماء زناه ) أي ولو احتمالاً بأن تعاقب عليها رجلان ، واحتمل كون البنت من كل منهما فيحل لكل منهما نكاحها فيكون قوله سواء أتحقق الخ غير مناف له . قوله : ( سواء أتحقق أنها من مائه ) أي بأن أخبره بذلك معصوم كسيدنا عيسى عليه السلام . قوله : ( تحل له ) أي حيث ولدتها ، بخلاف ما لو ساحقت المرأة المزنى بها زوجة الزاني أو أخته أو أمه أو بنته وخرج ماء الزنا من المرأة المزنى بها في فرج الزوجة ومن ذكر معها وعلقت به وولدت بنتاً فلا تحل له بل تحرم عليه من تلك الجهة لا من جهة أنه ماء(4/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
زنا ؛ لأن ماء الزنا لا حرمة له على الزاني والعبرة بالحرمة وعدمها حال خروجه على المعتمد عند م ر ، حتى لو أخرجه بيده أو بيد أجنبية واستدخلته زوجته ومن ذكر معها فهو لا حرمة له لو أتت منه ببنت فكانت تحلّ له لو لم تكن من تلك الجهة ، وأما لو أخرجه بيد زوجته أو أمته فهو حينئذ محترم ، فإذا استدخلته أجنبية فعلقت به وأتت ببنت فهي حينئذ محترمة ؛ وأما حج فيشترط أن يكون محترماً حالة الخروج وحالة الاستدخال أيضاً اه . قوله : ( وغيره ) أي كجواز الخلوة وجواز النظر لما عدا ما بين السرة والركبة اه شيخنا . قال ع ش على م ر : فلو وطىء كافرة بالزنا فهل يلحق الولد المسلم في الإسلام أو يلحق الكافرة ؟ ذهب ابن حزم وغيره إلى الأوّل ، واعتمد م ر تبعاً لوالده الثاني كما صرّح به في باب اللقيط اه . قوله : ( كما يقول المخالف ) وهو أبو حنيفة فإنه يقول إن البنت المخلوقة من ماء زناه لا تحل له ، ومع ذلك قال : لا ترثه فكونها لا تحل له فيه إثبات المحرمية لها وكونها لا ترثه فيه إلحاقها بالأجانب ففيه تبعيض الأحكام شيخنا . قوله : ( ولكن يكره الخ ) لا يخفى أن كراهة نكاح بنت الزنا لا يتقيد بصاحب الماء بل كل شخص يكره له نكاحها فما وجه هذا التقييد هنا اه خ ض . قوله ( فكبنته ) أي التي من الزنا فهي كالأجنبيات ، أو الضمير للزنا أي فيحل له نكاحها . وكان الأولى أن يقول فكالبنت المخلوقة من ماء زناه المرتضعة بلبن زناه . وعبارة سم : وكالمخلوقة من ماء زناه المرتضعة بلبن زناه اه . وعبارة شرح الروض : فكبنتها فالإضافة في قوله فكبنته لأدنى ملابسة أي تعلق لأنها مما تجناه . قوله : ( ويحرم على المرأة وعلى سائر محارمها الخ ) حتى الزاني منهم كأن زنى بأخته فأتت ببنت فتحرم عليه من حيث إنها بنت أخته كما هو ظاهر . قوله : ( بالنسبة إلى الأب ) فيه مسامحة لأن بنت الزنا لا أب لها ، والأولى لمن خرجت منه النطفة . وعبارة ع ش : ولا كذلك النطفة أي بالنسبة للرجل أي ليس مثل ذلك المني يعني لم ينفصل إنساناً اه .
قوله : ( واثنان ) في بعض النسخ : ( واثنتان ) وهو أوفق بالمعنى لأن المعدود مؤنث . وعبارة المنهج : ويحرمن أي السبعة بالرضاع ، واقتصر على هذين تأسياً بالآية ، وسيأتي بقول المصنف بعد ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .(4/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
قوله : ( فمرضعتك ) مبتدأ . وقوله : ( أو ولدتها ) معطوف على أرضعتها . وقوله : ( أو أباً ) معطوف على الهاء في ولدتها . وقوله : ( أو أرضعته ) معطوف على ولدتها ، والخبر قوله : ( أمّ رضاع ) . والمراد بقوله : ( فمرضعتك ) أي التي بلغت تسع سنين تقريباً وإلا فلبنها لا يحرّم ق ل بزيادة . قوله : ( وهو الفحل ) الذي هو حليل المرضعة الذي اللبن له كما قاله الحلبي . وقوله : الذي اللبن له احترز بذلك عما لو كان اللبن لغيره كأن تزوّج امرأة ترضع فإن الزوج المذكور ليس صاحب اللبن اه ع ش على م ر . قوله : ( بواسطة الخ ) يرجع إلى الخمسة التي قبله سوى الأولى ، فاشتملت عبارته على أحد عشر فرداً للأم .
قوله : ( وقس على ذلك الباقي ) فيه أن الباقي سيذكر فيما يأتي ، فالمناسب ذكر هذا هناك . ومعنى وقس على ذلك أي تصويراً لا حكماً ، إذ الحكم ثابت بالحديث ، فقوله : ( لقوله الخ ) أي فثبت التحريم بالنص وأما التصوير فيقاس على ما سبق ، فالمرتضعة بلبنك أو لبن فروعك نسباً أو رضاعاً وبنتها كذلك وإن سفلت بنت رضاع والمرتضعة بلبن أحد أبويك نسباً أو رضاعاً أخت رضاع ، وكذا مولودة أحد أبويك رضاعاً وبنت ولد المرضعة أو الفحل نسباً أو رضاعاً وإن سفلت ، ومن أرضعتها أختك أو ارتضعت بلبن أخيك وبنتها نسباً أو رضاعاً وإن سفلت ، وبنت ولد أرضعته أمك أو ارتضع بلبن أبيك نسباً أو رضاعاً وإن سفلت بنت أخ أو أخت رضاع ، وأخت الفحل أو أبيه أو أبي أمه أو أبي المرضعة بواسطة أو بغيرها نسباً أو رضاعاً عمة رضاع وأخت المرضعة أو أمها أو أم الفحل بواسطة أو بغيرها نسباً أو رضاعاً خالة رضاع اه شرح المنهج . وقوله : ( فالمرتضعة بلبنك ) أي سواء كانت المرضعة زوجة أو أمة أو موطوءة بشبهة . وقد اشتملت هذه العبارة على عشرة أفراد للبنت لأن قوله فالمرتضعة بلبنك صورة . وقوله : ( أو لبن فروعك ) فيه أربع صور لأن الفروع ذكور وإناث ، ويرجع لهما قوله نسباً أو رضاعاً . وقوله : ( وبنتها ) كذلك فيه خمس صور ؛ لأن الضمير في بنتها يرجع للمرتضعة بلبنك وللمرتضعة بلبن فروعك ، وتقدّم أن في الأولى واحدة وفي الثانية أربع . وقوله : ( وكذا مولودة أحد أبويك الخ ) فيه صورتان ، فأفراد الأخت ستة وقوله نسباً أو رضاعاً تعميم في البنت والولد . وقوله : ( ومن أرضعتها أختك ) أي من نسب . وقوله : ( أو ارتضعت بلبن أخيك ) أي من النسب . وقوله : ( بنت أخ ) خبر المبتدأ ، وهو قوله : ( وبنت ولد المرضعة ) . وقوله : ( وبنت ولد أرضعته أمك ) أي من النسب . وقوله : ( أو ارتضع بلبن أبيك ) أي من النسب . وقوله :(4/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
( نسباً أو رضاعاً ) تعميم في البنت ، فالأفراد اثنان وعشرون . وقوله : ( بواسطة أو بغيرها ) تعميم في الأب بقسميه . وقوله : ( نسباً أو رضاعاً ) تعميم في أخت الفحل وفي الأب بقسميه ، فأفراد العمة عشرة من ضرب اثنين في خمسة . وقوله : ( بواسطة ) تعميم في الأم بقسميها ، فأفراد الخالة عشرة . وقوله : ( نسباً أو رضاعاً ) راجع لأخت المرضعة وللأم بقسميهما اه . ورأيت لبعضهم ما نصه : اعلم أن هذه العبارة أعني قوله وبنت ولد المرضعة الخ اشتملت على واحد وعشرين من أفراد بنت الأخ وواحد وعشرين من أفراد بنت الأخت ، جملة ذلك اثنان وأربعون ، أخبر عنها بقوله : بنت أخ أو أخت رضاع ؛ وذلك لأن قوله وبنت ولد المرضعة فيه ثمان صور لأن ولد المرضعة صادق بالذكر وبالأنثى ، وقوله الآتي : نسباً أو رضاعاً تعميم في كل من بنت وولد فالبنت لها صورتان في صورتي الولد أي من حيث كونه نسباً أو رضاعاً بأربعة في صورتيه أيضاً من حيث كونه ذكراً أو أنثى بثمانية وقوله أو الفحل فيه ثمان صور أيضاً تعلم بالبيان السابق ؛ فتضم الثمانية للثمانية بستة عشر نصفها لبنت الأخ ونصفها لبنت الأخت كما علمت من كون الولد صادقاً بالذكر وبالأنثى ، وقوله ومن أرضعتها أختك فيه ثلاث صور لبنت الأخت لأن الأخت إما لأبوين أو لأب أو لأم ، وقوله أو ارتضعت بلبن أخيك فيه ثلاث صور لبنت الأخ فضم كل واحد من الثلاثة لكل من الثمانية بأن تضم ثلاثة بنت الأخ لثمانيتها وتضم ثلاثة بنت الأخت لثمانيتها يتحصل لكل قبيل أحد عشر ، وقوله وبنتها الخ فيه اثنتا عشرة صورة وذلك لأن قوله وبنتها يرجع لمن أرضعتها أختك بأقسامها الثلاثة ويرجع للثلاثة التعميم بقوله : نسباً أو رضاعاً بستة كلها لبنت الأخت ويرجع لمن ارتضعت بلبن أخيك بصورة الثلاثة ويرجع للثلاثة التعميم المذكور بستة كلها لبنت الأخ فضم الستة الأولى للإحدى عشرة التي لبنت الأخت والستة الثانية للتي لبنت الأخ يصير لكل قبيل سبعة عشر ، وقوله وبنت ولد أرضعته أمك الخ اشتملت على ثمان صور ؛ وذلك لأن قوله وبنت ولد أرضعته أمك فيه أربع صور لأن البنت قد عمم فيها بقوله نسباً أو رضاعاً والولد يصدق بالذكر وبالأنثى واثنان في اثنين بأربعة ولأن قوله أو ارتضع بلبن أبيك فيه أربع صور أيضاً كالتي قبلها . وهذه الثمانية نصفها لبنت الأخت ونصفها لبنت الأخ ، فضم كل أربعة لكل سبعة عشر يتحصل لكل قبيل أحد وعشرون . وقوله وأخت الفحل الخ اشتملت هذه على عشرة أفراد للعمة أخبر عنها بقوله عمة رضاع ؛ وذلك لأن قوله وأخت الفحل يرجع إليه قوله الآتي : نسباً أو رضاعاً ففيه صورتان وقوله أو أبيه أو أبي المرضعة صورتان يرجع إليهما قوله بواسطة أو بغيرها بأربعة يرجع لها قوله نسباً أو رضاعاً بثمانية تضم للثنتين المتقدمتين بعشرة ، وقوله وأخت المرضعة الخ فيه عشر صور أيضاً للخالة أخبر عنها بقوله خالة رضاع يعلم بيانها من بيان صورة العمة ، فجملة ما ذكره لمحارم الرضاع سبعة وثمانون فافهم .(4/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
قوله : ( بما ذكر ) لا حاجة إليه بعد قوله على ذلك . ويمكن أنه بدل منه كجعل الباء بمعنى ( على ) والمبدل منه في نية الطرح . قوله : ( لقوله ) علة لمحذوف ، أي فيحرم أي الباقي لقوله الخ . قوله : ( من الرضاع ) أي من أجل الرضاع ، فمن تعليلية . قوله : ( وفي رواية ) أتى بها لأن النسب أعم من الولادة التي في الرواية الأولى ، وأتى برواية حرموا أي اعتقدوا حرمته لأنها بصيغة الأمر ، والأمر بالشيء نهي عن ضده ، والنهي في مثل هذا المقام يقتضي الفساد ، فأفادت الرواية الثالثة أن التحريم مصحوب بفساد العقد وهو غير مستفاد مما قبله عزيزي . قوله : ( ولا يحرم عليك الخ ) شروع في مسائل أربع مستثناة من الحديث .
قوله : ( لأنها أمك ) إن كان الأخ والأخت شقيقين لك أو لأم . وقوله : ( أو موطوءة أبيك ) إن كانا لأب . قوله : ( وهو ولد الولد ) ويرادف النافلة الحفيد ، وأما السبط فهو ولد البنت ؛ والمشهور أن الحفيد ابن الابن فيكون النافلة أعم منه . قوله : ( لأنها بنتك ) أي إن كان ولدك ، أي الأعلى أنثى وقوله أو موطوءة ابنك ، أي إن كان ذكراً . قوله : ( ولا بنت المرضعة ) أي ولا بنت مرضعة ولدك ، فلو قال ولابنتها لكان أخصر وأظهر . قوله : ( ولو كانت المرضعة أم نسب ) أي للولد . قوله : ( فهذه الأربعة ) جعلها أربعاً لأن قوله : ولا أم الخ ، جعلها صورة واحدة ، وقد نظمها شيخنا م د على الترتيب فقال :
مرضعة الأخ أو الأخت تحل
أو ولد الولد ولو أنثى جعل
كذاك أم مرضع للولد
وبنتها وهي ختام العدد قوله : ( فاستثناها بعضهم ) أي للمعنى الذي اشتركا فيه . قوله : ( لمعنى لم يوجد فيهن في الرضاع ) أي وهو الأمومة والبنتية والأختية ، أي أنه سبب انتفاء التحريم عنهن . وقوله : ( كما(4/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
قررته ) أي في قوله : ولو كانت أم نسب الخ ح ل . وقول المحشي : ( والأختية ) غير ظاهر في الأربع المسائل المذكورة ، وعبارة الزركشي : لأن أم الأخ لم تحرم لكونها أم أخ وإنما حرمت لكونها أماً أو حليلة أب ولم يوجد ذلك في الصورة الأولى وكذا القول في باقيهن . قوله : ( فلأخيه ) أي لأبيه نكاحها ، وإن وجد بينهما ولد فزيد عمه وخاله لأنه أخو أبيه وأخو أمه . قوله : ( لأبيه ) الأحسن إسقاط لأبيه ليشمل الأخ الشقيق أو لأب أو لأم ، وهو ظاهر لأن هذه المرأة المرضعة ليست أم زيد من النسب فإرضاعها لزيد لا يثبت التحريم على إخوته مطلقاً ، على أن في التقييد به مع قوله بعد وسواء الخ ما لا يخفى شوبري .
قوله : ( أن يكون لأبي أخيك ) أي لأمك وقوله بنت من غير أمك بأن كان له زوجة أخرى . قوله : ( وفي الرضاع ) أي ومثاله في الرضاع أن ترضع صغيرة الخ . صورة هذه المسألة : أن رجلاً متزوج بامرأتين إحداهما يقال لها فاطمة والأخرى يقال لها عائشة فأتى ببنت من فاطمة ، ثم إن فاطمة أرضعت بنتاً صغيرة أجنبية وأتى بولد من عائشة يقال له زيد فنسبة زيد لبنت فاطمة أنه أخوها لأبيها ونسبته إلى الرضيعة أنه أخوها لأبيها من الرضاع ، ثم إن هذا الرجل طلق أم زيد فتزوج بها شخص آخر فأتى منها بولد يقال له بكر فنسبة بكر لزيد أنه أخوه لأمه ونسبة بكر للرضيعة أجنبي فأراد بكر أن يتزوج بها ، فإنه يصح أن يتزوج بها ويصدق على بكر أنه تزوج بمن ارتضع بلبن أبي أخيه لأمه كما يعلم من كلام الشارح . قوله : ( بلبن أبي أخيك ) أي بلبنه الحاصل من زوجة أخرى غير أمك .
قوله : ( بالمصاهرة ) أي بسبب المصاهرة ، وهي وصف شبيه بالقرابة ، وهي في أربعة : فزوجة الابن وبنت الزوجة أشبهتا بنته وزوجة الأب وأم الزوجة أشبهتا الأم وعبارة شرح الروض هي خلطة توجب تحريماً . قوله : ( أم الزوجة ) ولو تأخر ثبوت الأمومة عن النكاح كأن يطلق صغيرة فترضعها امرأة كما بحثه الزركشي ، وهو ظاهر اه شوبري .(4/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
قوله : ( والربيبة إذا دخل بالأم ) أي بوطء ولو في الدبر ، ومثله استدخال الماء ولو في الدبر أيضاً . والمراد الماء المحترم حال الإنزال بأن لا يخرج منه على وجه الزنا لا حالة الإدخال ، فلو أنزل في زوجته فساحقت بنته فحملت منه لحقه الولد . والحاصل أن استدخال الماء المحترم حكمه حكم الدخول في لحوق النسب وعدم بينونتها إذا طلقت قبل الدخول وبعد استدخال المنيّ ، وفي ثبوت المصاهرة لا تحليل ولا إحصان أي لا تصير باستدخال ماء زوجها المحترم حليلة لزوجها الأول ولا محصنة وغسل ومهر ، فليس استدخال المنيّ فيها كالوطء والمعتبر الدخول في الحياة كما ذكره ق ل . والحاصل أن الدخول بالأمهات يحرم البنات والعقد على البنات يحرم الأمهات .
قوله : ( في حجوركم ) جمع حجر بالفتح والكسر في الأصل حضن الإنسان ، وهو ما دون إبطه إلى الكشح ، يقال : فلان في حجر فلان أي في كنفه ومنعته . وقال البيضاوي : وفائدة قوله في حجوركم تقوية العلة وتمكينها . والمعنى أن الربائب إذا دخلتم بأمهاتهن في احتضانكم قوى الشبه بينها وبين أولادكم وصارت حقاً بأن تجروها مجراهم لا تقييد للحرمة ؛ وإليه ذهب جمهور العلماء .
قوله : ( فإن قيل الخ ) حاصله أن الوصف بقوله : ) اللاتي دخلتم بهن } ) النساء : 23 ) عائد إلى لفظ النساء الثاني دون الأول لما ذكره . ولا يخفى ما في عبارته من التسامح ، أي قوله : ( إلى الجملة الثانية ) فيه مسامحة ، إذ لا جملة هنا بل هنا مفرد ، وكذا قوله عقب الجمل فيه مسامحة ، وأيضاً فإن السؤال في جهة والجواب في جهة لأن السؤال يرجع إلى قاعدة أصولية وهي أن الصفة تعود لجميع المتعاطفات تقدمت أو تأخرت أو توسطت ، والجواب يرجع لقاعدة نحوية وهي أنه إذا كان هناك عاملان ومعمولان وصفتان للمعمولين واتحد العاملان معنى وعملاً وجب إتباع الصفة لموصوفها في الإعراب وإلا قطعت عنه في الإعراب ، فكان الأولى في الجواب أن يقال : صدّ عن العمل بذلك الإجماع .
قوله : ( إلى الجملة ) المراد بالجملة القطعة من الكلام فلا يرد أنها مفرد لا جملة .
قوله : ( عقب الجمل ) الأولى أن يقول عقب المتعدد ليشمل المفردات كما هنا . وقوله : ( القطع ) أي تخصيصها بما وليته فقط .(4/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
قوله : ( لم يجز الإتباع ) أي للأولى وقوله ويتعين القطع أي عن الأولى ، ويتعين رجوعه للثانية اه شيخنا . وليس المراد به القطع النحوي وهو أن يكون معمولاً لعامل مقدر . قوله : ( ووطئها بعد موتها ) ولا يحدّ بوطئها . قوله : ( لا يسمى دخولاً ) ولهذا لا حد بوطء الميتة اه ميداني .
قوله : ( وإن تردد فيه ) أي التحريم . قوله : ( لم لم يعتبروا ) المناسب لم لم يعتبر ؟ أو ما الحكمة في ذلك وإلا فاعتبار الدخول بما ذكر ثابت بالنص ، فكيف يقول لم لم يعتبروا . قوله : ( في تحريم الأصول ) كأمها . وقوله : ( واعتبروا الخ ) لو قال : واعتبروه في تحريم البنت ، لكان أخصر وأوضح ق ل .
قوله : ( بمكالمة أمها ) ويبتلى بالخلوة بها فكانت محرماً له فيهما ، فلا يحرم النظر ولا الخلوة بها تسهيلاً عليهما . قوله : ( فحرمت بالعقد ليسهل ذلك بخلاف بنتها ) وعلم مما ذكر انها لا تحرم بنت زوج الأم ولا أمه ولا بنت زوج البنت ولا أمه ولا أم زوجة الأب ولا بنتها ولا أم زوجة الابن ولا بنتها ولا زوجة الربيب ، لخروجهن عن المذكورات اه ز ي . وسيأتي ذلك في الشارح .
قوله : ( كالربيبة ) الكاف استقصائية . قوله : ( ومن حرم بالعقد ) كالأم . قوله : ( نعم لو وطىء ) مستدرك ق ل وفيه نظر . قوله : ( وبنت الربيب ) وهو ابن الزوجة . قوله : ( وكل من وطىء امرأة ) سواء الوطء في القبل أو الدبر ، واستدخال المني ولو في الدبر كذلك . والمراد(4/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
الوطء في الحياة ويشمل الأمهات والبنات ما هو بالنسب أو الرضاع كما يأتي ق ل . قوله : ( امرأة بملك يمين ) ولو كانت محرّمة عليه ابتداء .
قوله : ( بشبهة في حقه كأن ظنها زوجته أو أمته ) أو وطىء الأمة المشتركة بينه وبين غيره أو أمة فرعه ، وكذا لو وطىء بجهة قال بها عالم يعتدّ بخلافه بحيث يصح تقليده . والقسم الأول من الشبهة المذكورة يقال له شبهة الفاعل وهو لا يتصف بحل ولا حرمة ، والقسم الثاني شبهة المحل فحرام ، والقسم الثالث شبهة الطريق ، فإن قلد القائل بالحل لا حرمة وإلا حرم ، والحاصل أن شبهته وحده توجب ما عدا المهر من نسب وعدة إذ لا مهر لبغيّ وشبهتها وحدها توجب المهر فقط دون النسب والعدة وشبهتهما توجب الجميع ولا يثبت بها محرمية مطلقاً ، فلا يحل لأبي الواطىء وابنه نظر ولا مس ولا خلوة .
قوله : ( ويوجب العدة ) أي فيثبت به التحريم لا المحرمية ، فلا يحل للواطىء بشبهة النظر إلى أم الموطوءة وبنتها ولا الخلوة ولا المسافرة بها ولا مسها كالموطوءة بل أولى ، فلو تزوّجها بعد ذلك ودخل ثبتت المحرمية . قوله : ( إلا المزني بها ) ينبغي أن مثل الزنا ما لو خرج منيه على وجه غير محترم ثم استدخلته زوجته كما لو وطئها في الدبر ثم سال المني وأخذته في خرقة واستدخلته وحبلت من ذلك اه ع ش على م ر . ولو لاط بغلام لم يحرم على الفاعل أم الغلام وبنته شرح م ر .
قوله : ( هي وبنتها ) هي تأكيد للضمير المتصل . وقوله : ( وبنتها ) بالجر عطفاً على الضمير المتصل من غير إعادة الخافض على طريق ابن مالك ، ولم يمنع التوكيد بالضمير المذكور . وليس هذا مثل توكيد الضمير المرفوع فإنه محتاج إليه لتجويز العطف . وكتب بعضهم على قوله : ( وبنتها ) : لا مدخل له هنا ، إذ بنت الزوجة من غير الزوج لا تحرم على الأب ولا الابن ، فبالأولى بنت المزني بها ، وحينئذ فليست هذه من المصاهرة قوله : ( والصهر ) أي قرابة الزوجين قوله : ( فلا يثبت ) أي الصهر بالزنا قوله : ( كالنسب ) أي كما لا يثبت النسب بالزنا .
قوله : ( وليست مباشرة ) أي ليست المباشرة بملك اليمين أو بشبهة كالوطء ؛ لأن الكلام في الوطء بملك اليمين والوطء بالشبهة . وليس الكلام الآن في الوطء بالعقد أيضاً حتى يكون(4/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
المراد بالمباشرة ما يشمل المباشرة بالعقد ، إذ لا يصح هذا هنا ، إذ أمّ الزوجة تحرم بالعقد وإن لم يكن مباشرة بالكلية كما قرره شيخنا ؛ فقوله : ( وليست مباشرة الخ ) كما إذا تزوج امرأة ولمسها وقبلها بشهوة ولم يطأها فليس اللمس والقبلة كالوطء في تحريم بنتها خلافاً لبعض الأئمة .
قوله : ( وتحرم زوجة الأب ) أي من النسب أو الرضاع ، وكذا زوجة الابن . والتقييد في الآية لإخراج زوجة من تبناه كما يأتي . وكان الصواب إسقاط لفظ تحرم لأن زوجة الأب معطوف على أم الزوجة ، وكذا ما بعده ق ل . وخرج بزوجة الأب أمها وبنتها وكذا يقال في زوجة الابن .
قوله : ( ما نكح ) ذكر ما دون من لأنه أريد بها الصفة ، أي منكوحة آبائكم . قوله : ( إلا ما قد سلف ) هو منقطع ؛ أي ، لكن ما قد سلف ، فلا مؤاخذة فيه لأنه وقع بغير شرع . وانظر أيّ فائدة في هذا الاستثناء مع أنه وقع في الجاهلية ولا نؤاخذ بما وقع فيها . قوله : ( زوجة الابن ) من نسب أو رضاع وإن سفل ذكراً أو أنثى بواسطة أو بغيرها ، فهو شامل لزوجة ابن البنت ، فتحرم على جده لأنها زوجة من ولده بواسطة ؛ إذ الولد يشمل الذكر والأنثى . وفي كلام بعضهم أنها لا تحرم تمسكاً بقول القائل :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
وهو ممنوع ؛ لأنهم إنما عبروا بزوجة الولد بواسطة أو بغيرها وهو شامل للذكر والأنثى ، فتنبه له فإنه دقيق اه ع ش على م ر . وقوله : ( بنونا ) خبر مقدم وما بعده مبتدأ مؤخر ، والمراد بالأباعد الأجانب .
قوله : ( فللآية ) أي جنسها وإلا فهناك آيتان ، إحداهما قوله تعالى : ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } ) النساء : 22 ) والأخرى : ) وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ) النساء : 23 ) . قوله : ( فللحديث المتقدم ) وهو : ( يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ ) .(4/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
قوله : ( أجيب بأن المفهوم الخ ) فإن قلت : المفهوم هنا خاص والقاعدة تقديمه على العام . قلت : منع من ذلك الإجماع على تحريم زوجة الابن رضاعاً اه رحماني .
قوله : ( ولا تحرم بنت زوج الأم الخ ) شروع في عشر مسائل لا تحرم والتصريح بها زيادة إيضاح لأنها معلومة من مفاهيم ما تقدم ؛ لأن الأربعة الأخيرة محترز قوله : ( زوجة الأب وزوجة الابن ) وقد اشتمل كلامه على ألغاز منها رجلان كل منهما عمّ الآخر ؛ وصورة ذلك رجلان تزوج كل منهما أم الآخر فأولدها ابناً فكل من أبيهما عم الآخر لأمه . ومنها امرأتان التقتا برجلين فقالتا مرحبا بابنينا وزوجينا وابني زوجينا ؛ وصورته رجلان تزوج كل منهما أم الآخر . ومنها رجلان كل منهما خال الآخر ؛ وصورته أن ينكح كل من رجلين بنت الآخر فيولد لكل منهما ابن فكل واحد من الابنين خال الآخر . ومنها رجلان كل منهما ابن خال الآخر ؛ وصورته أن ينكح كل من رجلين أخت الآخر فيولد لكل منهما ابن .
قوله : ( ولا أم زوجة الأب الخ ) ولو تزوج رجل بنتاً وابنه بامرأة هي أم للبنت المذكورة صح نكاح كل منهما لانتفاء أسباب التحريم وهي القرابة والرضاع والمصاهرة ، وتحرم المناكحة بين ما يحصل من البنت المذكورة وأمها من الأولاد لوجوب سبب التحريم لأن الأولاد الحاصلين من البنت المذكورة أعمام وعمات لأولاد المرأة المذكورة لكونهم إخوة وأخوات أبيهم وأولاد أخت لكون أمهم أختهم لأمهم ، وحينئذ إذا حصل من المرأة المذكورة أولاد ذكور وأرادوا التزوج بالإناث من أولاد البنت المذكورة امتنع عليهم لحرمتهنّ عليهم لكونهنّ بنات أخيهم لأمهم وعماتهم وإذا أراد الذكور من أولاد البنت المذكورة التزوّج بالإناث من أولاد الكبيرة امتنع عليهم لحرمتهنّ عليهم لكونهن بنات أخيهم لأبيهم لأن والدهم أخوهم لأبيهم . قوله : ( ولا زوجة الربيب ) وهو ابن الزوجة .
قوله : ( ولا زوجة الراب ) وهو زوج الأم لأنه يربيه غالباً .(4/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
قوله : ( وتحرم واحدة ) لا يخفى أن واحدة عطف على سبع ، فهي بدل من أربعة عشر لأن المعطوف على البدل بدل وتقدير الفعل غير مستقيم ق ل . وفيه نظر ، فإن تقدير الفعل لا بد منه بناء على ما جرى عليه الشارح من جعل الأربع عشرة من المحرمات على التأبيد ، لكن يلزم عليه أن المعدود إنما هو ثلاثة عشر فقط ؛ ولهذا قلنا فيما مرّ إن المتعين حذف لفظ المؤبد ليشمل هذه ويكون العدد تاماً فتأمل ، فيكون كلام ق ل ظاهراً على هذا اه . واقتصر المصنف على الأخت لأنها المذكورة في الآية أي في قوله : ) وأن تجمعوا بين الأختين } ) النساء : 23 ) وإلا فقوله ولا يجمع بين المرأة الخ يؤخذ منه تحريم الجمع أيضاً بين المرأة وعمتها وخالتها .
قوله : ( أخت الزوجة ) قال شيخنا يظهر لي أنه يمتنع الجمع بين امرأة وأختها وإن نفاها والدها بلعان ، إذ هي غير منتفية قطعاً بدليل أنه متى استلحقها لحقته . وهذا باعتبار الدنيا ، أما في الآخرة فلا مانع من جمع الأختين في الجنة لانتفاء علة التحريم فيها كمن تزوّج إحداهما ثم ماتت في عصمته ثم تزوّج الأخرى وماتت في عصمته فيجتمعان معه في الجنة أو مات ولم تتزوّج بعده غيره قاله الشهاب الرملي شوبري . وقال القرطبي : يجوز نكاح المحارم في الجنة ما عدا الأصول والفروع لانتفاء علة التحريم وهي الحقد والبغض ، قال تعالى : ) ونزعنا ما في صدورهم من غلّ } ) الأعراف : 43 ) وتحريم هذا الجمع عام في حق نبينا وبقية الأنبياء وأممهم كما في العباب ع ش على م ر .
قوله : ( وأن تجمعوا ) قال البيضاوي : هو في موضع رفع عطف على المحرمات ، أي على قوله : ( أمهاتكم ) وقوله : ( ولو بواسطة ) يعني عمات أصولها وخالاتهم اه م د .
قوله : ( لا الكبرى ) دفع به توهم أن العمة والخالة هي الكبرى غالباً ق ل . قال شيخنا : والظاهر أنه توكيد وما في حاشية ق ل غير ظاهر ، وعبارة ق ل على الجلال : قوله : ( لا الكبرى ) هو توكيد لما قبله على اللف والنشر غير المرتب ، وفيه دفع توهم تقييد المنع بكون العمة أو الخالة هي الكبرى كما هو الغالب اه .(4/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
قوله : ( بسبب الرضاع ) إشارة إلى أن ( من ) في كلام المتن للتعليل . قوله : ( ما يحرم ) عبر بما دون من نظراً إلى أن حرمة الذوات بسبب أوصافها كالأمومة والبنتية فهو على حد : ) فانكحوا ما طاب لكم } ) النساء : 3 ) حيث عبر بما لأن المقصود الوصف أي الطيب ، وهذا أعم مما سبق فيغني عنه .
قوله : ( وقدمنا أنه يحرم زوجة والده الخ ) الأوّلان تقدما في قوله تنبيه لا فرق في الأصل والفرع بين أن يكون من النسب أو الرضاع ، وأما الثالثة فلم تتقدم ؛ قال شيخنا : يحتمل أن مراده بقوله وقدمنا الخ أن هذا مما كان ينبغي للمصنف التنبيه عليه إذ لم يدخل في قوله : ( ويحرم من الرضاع الخ ) إلا السبعة .
قوله : ( وبنت زوجته ) لم يتقدم ذلك فيها ، وإنما تقدم في أم الزوجة ، فلو أبدلها بأم الزوجة لكان أصوب شيخنا . قوله : ( كذلك ) أي من الرضاع . قوله : ( فلما مرّ ) وهو قوله تعالى : ) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } ) النساء : 23 ) .
قوله : ( من حرم جمعهما بنكاح حرم أيضاً الخ ) أي لأنه إذا حرم العقد ، فالوطء أولى لأنه أقوى ، ولأن التقاطع أي قطيعة الرحم فيه أكثر .
قوله : ( فإن وطىء ) أي سواء في القبل أو الدبر ، بخلاف استدخال المني فلا يحرّم الأخرى هنا ، فالوطء قيد هنا بخلافه فيما تقدم في وطء ملك اليمين والشبهة فإن استدخال المني يحرم الأم والبنت .
قوله : ( واحدة منهما ) أي من المملوكتين لا من المملوكة والمنكوحة أيضاً ليلائم قوله : حرمت الأخرى الخ فإن ذلك إنما هو في المملوكتين وبدليل ما يأتي من قوله ولو ملك أمة ثم نكح الخ فإن الذي يحل إنما هو المنكوحة دون المملوكة وإن وطئت . وقوله وطىء واحدة أي حال كونها واضحة فلا عبرة بوطء الخنثى إلا إن اتضح بالأنوثة كما في البرماوي . قوله : ( ولو مكرهاً ) أي أو جاهلاً بأنها أمته . قوله : ( حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى ) لئلا يحصل الجمع(4/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
المنهي عنه ، ولا يؤثر وطؤها أي الأخرى وإن حبلت فيما يظهر في تحريم الأولى إذ الحرام لا يحرم الحلال م ر . وهل المراد حرم وطؤها أو الاستمتاع بها ؟ الثاني قريب لكنه يشمل النظر بشهوة وفيه بعد ، ثم رأيت عن الروضة التقييد بالوطء ومشى عليه في الأنوار والعباب ؛ قاله ح ل . واعتمد الدفري حرمة الوطء والاستمتاع خلافاً لما وقع في الأنوار ، وما ذكره الشوبري ضعيف . قوله : ( حتى يحرم ) الأولى أي التي وطئت . قوله : ( بإزالة ملك ) كبيع بتّ ولو بعضها بلا خيار ، أو بشرط الخيار للمشتري وحده شرح م ر . قوله : ( أو نكاح ) الأولى : إنكاح . قوله : ( أو كتابة ) أي صحيحة . قوله : ( إذ لا جمع حينئذ ) أي في الوطء . قوله : ( بخلاف غيرها ) أي الثلاثة المذكورة . قوله : ( ولا الاستحقاق ) أي استحقاق التمتع . قوله : ( فلو عادت الأولى ) أي التي كانت وطئت وحرمت بعده . قوله : ( أو بعد وطئها ) وظاهر كلامه أن الاستدخال هنا ، أي في هذه الصورة لا فيما تقدم ليس كالوطء شرح م ر . قوله : ( حرمت العائدة ) أي حرم وطؤها ، وكذا الاستمتاع بها ؛ لكن ظاهر عبارة الروضة والعباب حرمة الوطء فقط ح ل ، وقد علمت ضعفه . قوله : ( ويشترط ) أي في تحريم الأخرى أي بوطء واحدة . قوله : ( فلو كانت إحداهما مجوسية ) كأن تولدتا بين كتابي ومجوسي وبلغتا عاقلتين واختارت إحداهما دين الكتابي من أبويها والأخرى دين المجوسي منهما وقولهم إن المتولدة بين كتابي ومجوسي لا يحل نكاحها محله في حال صغرها أما إذا بلغت واختارت دين الكتابي جاز نكاحها . قوله : ( كمحرم ) كبنت أخته مع عمتها وكأخته لأبيه مع أختها لأمها ، فإن عمتها وأختها لأمها يحلان له وإن كان يحرم الجمع بين العمة وبنت أخيها وبين الأخت للأب وأختها لأمها في النكاح . قوله : ( نعم ) استدراك على قوله حرمت الأخرى حتى يحرّم الأولى . قوله : ( الحرة ) قيد بها لصحة النكاح . قوله : ( أو نكح امرأة ) وكذا لو تقارن الملك والنكاح حلت المنكوحة لما ذكره . قوله : ( دون المملوكة ) أي وإن وطئت . قوله : ( حلت المنكوحة الخ ) أي ما دام النكاح باقياً ، فإن طلق المنكوحة حلت الأخرى اه ع ش . قوله : ( دون المملوكة ) ظاهره وإن لم يطأ المنكوحة .(4/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
وقوله فيما تقدم حرم جمعهما بنكاح حرم أيضاً في الوطء بملك أو ملك ونكاح ، يقتضي أن المملوكة لا تحرم إلا إن وطىء المنكوحة فليحرر . قوله : ( لأن فراش النكاح أقوى ) أي من فراش الملك وإن كان الملك نفسه أقوى من النكاح ، بدليل أنه إذا طرأ على النكاح أبطله ؛ ولأنه يملك به الرقبة والمنفعة والنكاح لا يملك به إلا ضرب من المنفعة . قوله : ( وغيرها ) من جملة ذلك لحوق الولد فيه بالإمكان بخلاف الملك ، ولا يجامعه الحل للغير بخلاف ملك اليمين ح ل .
قوله : ( ثم شرع في مثبتات الخيار ) شروع في الترجمة الثانية من الفصل السابق والمذكور منها هنا قسم واحد وهو العيوب المذكورة ، ومنها خلف الشرط وخلف الظن فلو شرط كونها بيضاء فبانت سمراء أو كونه أبيض فبان أسمر وكون أحدهما جميلاً فبان قبيحاً وهكذا ، فلكل منهما الخيار وهل مثله الكحل والدعج والسمن وغيرها مما ذكر في السلم أو لا . ويفرق بأن هذه الأمور تقصد في النكاح لأن المراد به التمتع ، ولا كذلك الرقيق لما مر في السلم أن المقصود منه الخدمة وهي لا تختلف بهذه الأمور فيه نظر ، والظاهر الثاني لما ذكر فيه . ومما يثبت الخيار عتقها تحت من به رق والإعسار بالمهر قبل الدخول والإعسار بالنفقة مطلقاً ، وهو شامل للكسوة والمسكن . وحاصل العيوب المذكورة هنا أنها عشرة تفصيلاً سبعة إجمالاً لعموم الثلاثة الأول ، والعيب إما مشترك وهو الجنون والجذام والبرص ، وإما مختص بالزوج وهو الجب والعنة ، أو بها وهو الرتق والقرن . واستشكل تصوير فسخها بالعيب بأنها إن علمت به فلا خيار وإلا بطل النكاح لانتفاء الكفاءة . وأجاب ابن الرفعة بأن صورته أن تأذن في معين غير كفء ويزوّجها الولي منه بناء على أنه سليم ، فإن المذهب صحة النكاح كما صرح به الإمام ويثبت الخيار اه زي .
قوله : ( خيار فسخ نكاحه ) وفوائد الفسخ ثلاثة : الأولى : أنه لا ينقص عدد الطلاق . الثانية : أنه إذا علم بالعيب قبل الدخول وفسخ لا يلزمه شيء من المهر بخلاف ما لو طلقها فإنه يلزمه نصف المهر ، الثالثة : أنه إذا وطئها وتبين بها عيب وفسخ النكاح سقط المسمى ويلزمه مهر المثل ولو طلق لزمه المسمى ع ش . وقوله : ( ويلزمه مهر المثل ) أي ويرجع بالزائد إن كان دفعه ، وإذا أراد رجوعها احتيج لعقد جديد وصح رجوعها ولو في العدة ولا تحتاج إلى محلل . وزاد بعضهم رابعاً ، وهو أنه لا نفقة لها وإن كانت حاملاً وإن فسخ بمقارن للعقد بخلاف الطلاق ولها السكنى . واعلم أن الإضافة في قوله : ( خيار فسخ ) على معنى : ( في ) . وخرج بالزوج وليه وسيده فلا خيار لهما مطلقاً لأنه لا ضرر عليهما ولا عار يلحقهما .(4/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
قوله : ( بخمسة عيوب ) كلامه في المثبتات للخيار ولو من غير شرط ، وسكت عن المثبتات للخيار إذا شرطت في العقد ومنها الإسلام والحرية والبكارة . قوله : ( وإن تقطع ) أي ولو حدث بعد العقد والدخول ولو كان قابلاً للعلاج . قوله : ( الخفيف ) كيوم في سنة فلا خيار به ق ل . قوله : ( بالمرض ) ليس قيداً . والحاصل أن الإغماء بمرض أو غيره يثبت به الخيار إن أيس من الإفاقة منه كالجنون ، وإلا فلا وعبارة شرح م ر : وأما الإغماء بالمرض فلا خيار فيه كسائر الأمراض ، ومحله كما قاله الزركشي فيما تحصل منه الإفاقة كما هو الغالب ، أما المأيوس من زواله فكالجنون كما ذكره المتولي . ويثبت أيضاً بالإغماء بغير المرض كالجنون اه . قوله : ( أما المأيوس من زواله ) وأما غير المأيوس من زواله أي بأن قال الأطباء يزول بعد مدّة لم يثبت به الخيار وإن طالت المدّة ، ولو قيل بثبوته حينئذ لم يبعد اه ع ش على م ر . قوله : ( وألحق الشافعي ) فإن قلت : كيف صح الإلحاق مع أنه نوع منه ؟ ويجاب بأنه وإن كان نوعاً منه إلا أنه لم يكن فيه كمال استغراق . قوله : ( الخبل بالجنون ) في القاموس أن الخبل الجنون كما في م ر ، أي نوع منه ؛ ثم قال م ر : ولعل الأوّل أي الملحق الخبل بالجنون لمح أن الجنون فيه كمال الاستغراق بخلاف الخبل بسكون الباء ، فإنه ضرب منه وهو قلة العقل . قوله : ( والإصراع نوع من الجنون ) فيه أنه من الجنّ . وعبارة م د على التحرير : والصرع من جنون حكمه حكم الجنون اه شوبري . وقضيته أن الصرع إذا لم يكن من جنون لا يكون عيباً فليراجع . وفي القاموس : الصرع علة تمنع الأعضاء النفسية عن أفعالها منعاً غير تام اه .
قوله : ( والجذام ) هو في كلام المصنف مجرور ، وغيره الشارح إلى الرفع وهو معيب ، وكذا ما بعده ق ل . وظاهر قوله : ( والجذام والبرص ) أي وإن كان مثلها في ذلك ، أما الجنون فإن كان مثلها فلا خيار له ولا لوليه ولا لها أيضاً ؛ لكن يبقى الخيار لوليها إن كان الجنون مقارناً للعقد إلى آخر ما يأتي . قوله : ( ويتناثر ) هو عطف مغاير لأنه قد يتقطع ولا ينفصل .(4/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
قوله : ( لكنه في الوجه أغلب ) أي والأطراف زي . قوله : ( والبرص ) بفتح الباء والراء . قوله : ( وهو بياض شديد ) بحيث إذا فرك لا يحمرّ ، والمعتمد أنه لا يشترط استحكامها بل يكفي حكم أهل الخبرة بكونه جذاماً أو برصاً زي وم ر ؛ لأن النفس تعاف ذلك وإن لم يكن مستحكماً . والاستحكام في البرص هو وصوله إلى العظم بحيث لو فرك العظم فركاً شديداً لا يحمرّ . قوله : ( مستحكمين ) بكسر الكاف ، بمعنى محكمين ، فالسين والتاء زائدان . قوله : ( وتردد فيه ) أي في كون الاستحكام يكون بالتقطع على القول به . وقول : ( وجوّز الاكتفاء باسوداده ) أي وإن لم يتقطع . وقوله : وحكم الواو بمعنى ( أو ) وهذا كله على القول بأن الاستحكام قيد . ومما جرب للجذام دهن حب العنب ومرارة النسر أجزاء متساوية ويخلطان معاً ويدلك بهما ثلاثة أيام فإنه يبرأ . ومما جرب للبرص ماء الورد يطلى به ثلاثة أيام اه برماوي . قوله : ( وجوّز الاكتفاء ) معتمد . قوله : ( باستحكام العلة ) أي من جذام أو برص . قوله : ( ولم يشترطوا في الجنون الاستحكام ) واستحكامه بألا يقبل العلاج وعدم استحكامه أن يقبل العلاج وهو الذي جعله الشارح غاية فيما تقدّم . قوله : ( يفضي إلى الجناية ) أي غالباً .
قوله : ( والرتق والقرن ) أي ولو كان الزوج مجبوباً أو عنيناً عند شيخنا خلافاً لحجر . والحاصل أنه يثبت للزوج الخيار بعيب الزوجة سواء كان العيب مقارناً للعقد أو حدث بين العقد والوطء أو حدث بعد الوطء ، ولا خيار له بغير ما في المتن كضيق المنفذ والقروح السيالة والبول عند الجماع والبخر والصنان المستحكم والخنوثة الواضحة قبل العقد ، ومثل البول التغوّط عند الجماع والإنزال قبله والبهق ، وأما المرض الدائم الذي لا يمكن معه الجماع وقد أيس من زواله فهو من طرق العنة وليس قسماً مستقلاً خارجاً عنها ، وحينئذ يفصل فيه بين كونه قبل الوطء أو بعده كما ذكره ح ل وغيره . وقوله : ( وأما المرض الدائم ) أي القائم بالزوج ، ومنه ما لو حصل له كبر في الأنثيين بحيث تغطى الذكر بهما وصار الذكر لا يخرج من بين الأنثيين ولا يمكنه الجماع بشيء منه ، فيثبت لزوجته الخيار إذا لم يسبق له وطء ؛ لأن هذا هو مقتضى التشبيه بالعنة وذلك حيث أيس من زوال كبرهما بقول طبيبين ، بل ينبغي الاكتفاء بواحد عدل . ولو قيل في هذه إنه ملحق بالجبّ فيثبت به الخيار مطلقاً لكان محتملاً ؛ لأن هذا المرض يمنع من احتمال الوطء ، إلا أن يقال لما كان البرء ممكناً في نفسه التحق بالعنة ،(4/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
بخلاف الجب فإنه لا يمكن في العادة عود الذكر أصلاً اه ع ش على م ر . ومما جربته لورم الأنثيين سواء كان لحماً أو ريحاً أو الريح المعقود : تأخذ من الحلبة جزءاً ومن الزرنيخ الذي يقال له البابونج جزءاً ثم تغليهما معاً ، ويشرب العليل منه قدر فنجان ثم يتعوّد على الباقي فإنه جيد لكل ورم سواء كان بارداً أو حاراً يفعل ذلك مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، مجرب مراراً وحصل الشفاء به بعد مضي ثلاثين سنة . وقولهم كضيق المنفذ أي إن كان بحيث لا يفضيها كل أحد ، فإن كان بحيث يفضيها كل أحد فله الخيار كما أن لها الخيار إذا كان بحيث يفضي كل أحد من النساء ، كذا عبروا بالإفضاء ، وفي كلام ابن حجر كالرملي أنه ليس شرطاً بل الشرط أن يتعذر دخول ذكر من بدنه كبدنها نحافة وضدها فرجها ، زاد ابن حجر : سواء أدّى لإفضائها أو لا ، فيحرر ذلك ولينظر ما معنى التعذر . والإفضاء رفع ما بين قبلها ودبرها ، وقيل : رفع ما بين مدخل الذكر ومخرج البول على الخلاف في تعريفه ؛ ومن القروح السيالة المرض المسمى بالمبارك والمسمى بالحكة فلا خيار في ذلك كما في ع ش على م ر .
قوله : ( ويخرج البول من ثقبة ) لا حاجة لهذا لأن مخرج البول غير مدخل الذكر ، ولعل الشارح عزاه ليخرج من عهدته ق ل . قال سم : ويشترط في الرد بسائر العيوب المذكورة كون الرادّ جاهلاً بالعيب عند العقد فلا ردّ للعالم به حينئذ إلا العنة ، فإن اختلفا في العلم به صدق المنكر بيمينه ، أو في أن هذا عيب لم يثبت إلا بشاهدين خبيرين بالطب ، وكون الردّ على الفور كخيار العيب في المبيع ولا ينافيه ضرب المدة . قوله : ( كإحليل الرجل ) أي ذكره . قوله : ( وعليه ) أي على هذا القيل . قوله : ( لأنه يخلّ بمقصود النكاح ) ما لم يزل ولو بفعل غيرها ، ولا تجبر على إزالته لتضررها . قوله : ( على شق الموضع ) أي حيث كانت بالغة ولو سفيهة ، أما الصغيرة فينبغي أن لوليها ذلك حيث رأى فيه المصلحة ولا حظر أخذاً مما يأتي في قطع السلعة اه ع ش . قوله : ( إلا بإذن السيد ) لأنه تصرف قد يؤدي إلى نقص قيمتها ق ل وع ش .
قوله : ( أي يثبت للمرأة ) أي سواء كان العيب مقارناً للعقد أو حدث بين العقد والوطء أو بعد الوطء في غير العنة أما هي إذا حدثت بعده فلا خيار كما يأتي . وأما حكم وليها فسيأتي(4/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
في الشارح . قوله : ( والجذام والبرص ) وإن تماثلا لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه ، شرح المنهج . قوله : ( بياناً ) أي تعريفاً . وقوله : ( وتحريراً ) أي من كون الاستحكام شرطاً في الجذام والبرص على طريقته وعدم اشتراطه في الجنون ، قرره شيخنا . وقوله : ( على ما مر ) خبر مبتدأ محذوف ، أي وهي كائنة على ما مر . وبياناً وتحريراً منصوبان على التمييز المحوّل عن المرفوع ، أي مر بيانه وتحريره .
قوله : ( والرابع الجب ) نعم لو وجدته مجبوباً لكنها رتقاء ففي أصل الروضة عن جماعات ثبوت الرد لفوات التمتع المقصود من النكاح ، وعن البغوي أنه حكى طريقاً آخر أنه لا فسخ قطعاً لأنها وإن فسخت لم تصل إلى الوطء سم . قوله : ( أو لم يبق منه قدر الحشفة ) أي حشفة ذكره ، ولو حدث به جب فرضيت به فحدث بها رتق أو قرن ثبت له الخيار ويحتمل عدمه لقيام المانع به رملي . وقوله : ( لفوات التمتع ) المقصود أخرج التمتع بنحو لمس ونظر لأنهما ليسا مقصودين من النكاح لذاتهما ، فلو بقي منه قدر الحشفة ولكن عجز به عن الوطء ، فهو مثل العنة فتضرب له المدة وتعتبر حشفته بأقرانه في غير مقطوعها ويعتبر فيه حشفته وإن جاوزت العادة في الكبر والصغر ، ويصدق هو في بقاء قدرها لو أنكرته . وقوله : ( حشفة ذكره ) أي كبرت أو صغرت ، حتى لو كان الباقي من ذكره قدر حشفة معتدلة أو أكثر لكن دون حشفته أو صغرت حشفته جدّاً وكان الباقي قدرها دون المعتدلة فلا خيار ، وبقي ما لو ثنى ذكره مع انتشاره وأدخل منه قدر الحشفة فهل يكفي ذلك فليس لها الفسخ أولا ؛ لأنه لا عبرة بقدرها مع وجودها ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني اه ع ش عل م ر . قوله : ( قدرها ) برفع قدر بدلاً من ما الواقع فاعلاً لقوله : ( بقي ) أي إن بقي قدر يولج وأمكن وطؤه به . قوله : ( في إمكان الوطء به ) أي فيما يولج قدرها . قوله : ( وخرج به ) أي بالمجبوب المفهوم من الجب ، وكان الأولى أن يقول وخرج به أي الجب الخصاء . قوله : ( فلا خيار به ) أي بالخصاء المفهوم من الخصي . قوله : ( العنة ) أي العجز عن الوطء ولو بالنسبة لها مطلقاً ، أو لكونها بكراً دون غيرها وإن حصل بمرض يدوم سم . قوله : ( وهو بضم المهملة ) الأولى : ( وهي ) إلا أن تؤول العنة بالمرض أو بكونها خامس العيوب .(4/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
قوله : ( لأن ذلك ) أي المذكور من دعوى العنة . قوله : ( وإقرارهما لغو ) أي والدعوى عليهما غير مسموعة ، فليس هناك يمين مردودة . قوله : ( وبقيد قبل الوطء العنة الحادثة بعده ) عبارة شرح المنهج : أما بعد الوطء فلا خيار لها بالعنة لأنها مع رجاء زوالها عرفت قدرته على الوطء ووصلت إلى حقها منه بخلاف الجبّ اه . وقوله : عرفت قدرته على الوطء ووصلت الخ . إن قلت هذا التعليل يأتي في المجبوب إذا كان الجب بعد الوطء لأنها حينئذ عرفت قدرته على الوطء ووصلت إلى حقها ، فمقتضاه أنه لا يثبت لها الخيار في المجبوب إلا إذا جبّ قبل الوطء مع أن لها الخيار مطلقاً . فالجواب ما أشار إليه بقوله مع رجاء زوالها أي العنة في العنين ، بخلاف المجبوب فلا يرجو زوال علته ؛ أفاده شيخنا : وقوله : ( قبل الوطء ) بالمعنى الذي ذكروه في التحليل فإن كانت بكراً فلا يزول حكم العنة إلا بالافتضاض بآلته اه س ل ق ل . قوله : ( بخلاف حدوث الجب ) فيتخير به ، ومثله حدوث الرتق فيها والقرن بعد الوطء فيتخير به .
قوله : ( وصح ذلك ) أي مجيء الآثار به . قوله : ( رواه ) أي الثبوت المذكور . قوله : ( وعوّل عليه ) أي اعتمد . قوله : ( لأن مثله لا يكون إلا عن توقيف ) جواب عما يقال إن ذلك ثابت باجتهاد الإمام عمر والشافعي مجتهد والمجتهد لا يقلد مثله . وحاصل الجواب أن عدم التقليد فيما هو من قبيل الرأي لا ما كان عن توقيف أي سماع من النبي أو نحوه ، وذكر الحديث ليرشح به مستند التوقيف وذكر كلام الشافعي ليظهر به أن ذلك من المعقول المعني لا من التعبدي وإن كان لا حاجة إليه ق ل . قوله : ( وفي الصحيح ) أي صحيح البخاري : ( فر مِنَ المَجْذُومِ ) الحديث . وفي صحيح مسلم أنه قال لمجذوم وفد ثقيف : ( ارْجعْ فقد بايَعْنَاكَ ) وفي المرفوع : ( لا تُدِيمُوا النَّظَرَ إلى المَجْذُومِينَ ) . وجاء : ( كَلِّم المجذومَ وبَيْنَكَ وبينه قَدْرَ رُمْحٍ أَو رُمْحَيْنِ ) وهذا معارض بقوله : ( لا عَدْوَى ولا طِيرَة ) لأنهم كانوا في الجاهلية إذا أرادوا فعل شيء كسفر مثلاً يطيرون الطير ، فإن طار على اليمين يتفاءلون به ، وإن طار على الشامل(4/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
يتشاءمون به . وبما جاء في أحاديث بأنه أكل مع المجذوم طعاماً وأخذ بيده وجعلها معه في القصعة وقال : ( كُلْ بسم الله ثقَةً بالله وتوكُّلاً عليه ) . وأجيب بأن الأمر باجتناب المجذوم إرشادي ومواكلته لبيان الجواز ، أو جواز المخالطة محمول على من قوي إيمانه وعدم جوازها على من ضعف إيمانه ؛ ومن ثم باشر الصورتين ليُقْتَدَى به فيأخذ القوي الإيمان بطريق التوكل والضعيف الإيمان بطريق الحفظ والاحتياط كما ذكره ح ل في سيرته . قوله : ( والتجارب ) بكسر الراء جمع تجربة ، قال في المصباح : جربت الشيء تجريباً اختبرته مرة بعد أخرى ، والاسم التجربة والجمع التجارب مثل المساجد . قوله : ( ولو حدث بالزوج بعد العقد عيب ) هذا تقدّم ، وأتى به توطئة لما بعده . قوله : ( عيب ) أي من الخمسة . وقوله : ( ولو بعد الدخول ) غاية فيما عدا العنة . قوله : ( قبل الدخول وبعده ) الظاهر أنه تعميم في الحدوث لا في التخيير وإن كان الحكم مسلماً ، فكان الأنسب للشارح تقديمه على قوله تخير . قوله : ( بمقارن جبّ ) من إضافة الصفة للموصوف ، أي بجب مقارن وعنة مقارنة للعقد ، فإذا زوجها فتبين أنه مجبوب أو عنين حالة العقد فلا خيار للولي بل الخيار لها لأن الحق لها في ذلك ولا حق للولي فيه ؛ قال العلامة الزيادي : واستشكل تصوير مقارنة العنة للعقد لأنها لا تثبت إلا بعده . وأجيب بإمكان تصويرها بما إذا تزوجها وعنّ عنها ثم طلقها وأراد تجديد نكاحها . قوله : ( ويتخير ) أي الولي بعد العقد ولو سيداً في أمته . قوله : ( وإن رضيت الزوجة به ) أي بعد العقد(4/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
أما لو رضيت به قبل العقد وهي غير مجبرة لم يثبت له الخيار حرره ح ل . وفي ع ش على م ر : ولو كانت المرأة بالغة رشيدة كما يدل عليه قوله وإن رضيت لأن رضا غيرها لا أثر له . قوله : ( والخيار الخ ) وكذا الرفع للقاضي عند الإطلاع عليها فوري أيضاً كما في م ر . قوله : ( إذا ثبتت ) أي بالبينة على مشاهدتها في غير العنة أو الإقرار عند الحاكم أو بالإقرار بالنسبة للعنة أو البينة على ذلك الإقرار لا بالبينة على مشاهدتها ، إذ لا يشاهد ، بخلاف بقية العيوب فإنها تشاهد فتقام البينة على مشاهدتها اه شيخنا .
قوله : ( رفع إلى حاكم ) أي وإقامة البينة على ثبوت ما ذكر من العيوب ، ومثل القاضي المحكم بشرطه حيث نفذ حكمه بأن يكون مجتهداً عند فقد القاضي ولو قاضي ضرورة كما في شرح م ر وع ش عليه . قال الزيادي : وقد لاتسمع دعواها بالعنة أي المقارنة للعقد ، والزوج مكلف بأن نكح حر أمة بشرطه للزوم الدور ، إذ سماعها يستلزم بطلان النكاح وبطلانه يستلزم بطلان دعواها اه . قوله : ( لأنه مجتهد فيه ) بفتح الهاء أي صادر من مجتهد . قوله : ( بإقرار الزوج ) أي عند الحاكم . قوله : ( لأنه ) أي الفسخ للعيوب . وقوله : ( لا مطلع ) بفتح الميم واللام وسكون الطاء مصدر ميمي ، أي لا اطلاع ، فساوى تعبير غيره بلا اطلاع ؛ والظاهر أنه علة لمحذوف تقديره : لا بالبينة لأنه لا مطلع الخ . قوله : ( بيمينها ) أي اعتماداً على قرينة . قوله : ( ضرب القاضي الخ ) ولو غير الذي أثبت عنته . وفي ع ش على م ر ما نصه : قوله ضرب القاضي له سنة هل ولو أخبره معصوم بأنه عجز خلقي توقف سم ، ويؤخذ من كلام ابن حجر أنه لا بد من ضرب السنة لأن الشرع أناط الحكم بها لكن المعصوم واجب التصديق ، فالأقرب عدم ضرب السنة قياساً على ما لو أخبره معصوم بأنه خرج منه ناقض مع تمكنه من الأخذ بخبره ؛ اه بحروفه . قوله : ( سنة ) سواء الحر والرقيق وابتداؤها من وقت ضرب الحاكم ق ل . وعبارة م ر في شرحه : وابتداؤها من وقت الضرب لا الثبوت بخلاف مدة الإيلاء فإنها من وقت الحلف للنص ، وتعتبر السنة بالأهلة كما في م ر . قوله : ( كما فعله عمر رضي الله تعالى عنه ) رواه الشافعي وغيره وتابعه العلماء عليه ، وقالوا : تعذر الجماع قد يكون لعارض حرارة فتزول في الشتاء أو برودة فتزول في الصيف أو يبوسة فتزول في الربيع أو رطوبة فتزول في الخريف فإذا مضت السنة ولم يطأ علمنا أنه عجز خلقي شرح المنهج . وقوله : ( قد يكون لعارض حرارة ) فيه اكتفاء بأحدى صفتي كل فصل عن الثانية فيه ، إذ في الصيف مع الحرارة(4/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
اليبوسة وفي الشتاء مع البرودة الرطوبة وفي الربيع مع الرطوبة الحرارة وفي الخريف مع البرودة اليبوسة . واقتصارهم على الصفات المذكورة فيه نظر ؛ لأنه إن كان لمضادتها لبعضها فاليبوسة في الصيف والرطوبة في الشتاء ضدان والحرارة في الربيع والبرودة في الخريف ضدان وإن كان لشهرتها ، فالحرارة في الربيع والبرودة في الخريف أشهر ، فلو ذكروا في كل فصل صفته لكان أولى وأشهر فتأمل .
قوله : ( بطلب الزوجة ) فلو سكتت لجهل أو دهشة فلا بأس بتنبيهها كما في شرح المنهج . وقضيته عدم وجوب ذلك ، وهو ظاهر لتقصيرها بعدم البحث كما قاله ع ش على م ر . ويكفي في طلبها قولها إني طالبة حقي من ضرب المدة والتخيير على موجب الشرع أي ما أوجبه الشارع . قوله : ( رفعته إلى القاضي ) أي فوراً على المعتمد ، فإن ادعت جهل الفورية عذرت لأنه مما يخفى اه . ح ل . وعبارة ق ل : والخيار على الفور أي لمن علم به وبفوريته ويعذر من جهلهما وأمكن ولو مخالطاً لنا اه . وعبارة م ر : ويقبل دعواه الجهل بأصل ثبوت الخيار أو بفوريته إن أمكن بأن لا يكون مخالطاً للعلماء والمراد بالعلماء هنا من يعرف هذا الحكم وإن جهل غيره .
قوله : ( فإن قال وطئت ) أي وهي ثيب كما في متن المنهج أو بكر غوراء كما قاله ح ل ، وما قاله ح ل ضعيف تبع فيه زي . والمعتمد أنها إذا كانت بكراً ولو غوراء شهد ببكارتها أربع نسوة تحلف أنه لم يطأ دونه على ما اعتمده م ر في شرحه آخر ، وضرب على غير غوراء في نسخته والغوراء هي بعيدة البكارة . قوله : ( واستقلت بالفسخ ) لكن بعد قول القاضي ثبتت عنته عندي أو ثبت حق الفسخ أو نحو ذلك ، فإن تعذر القاضي فلها الفسخ وحيث وقع الفسخ فإن كان بحادث بعد الوطء وجب المسمى وإلا فمهر المثل ق ل . وقوله ( ثبتت عنته ) ولا يشترط قول القاضي حكمت بالفسخ كما في زي ، وعبارته : وبحث السبكي أنه لا بد من حكمت لأن الثبوت بغير حكم مردود لأن المدار على تحقق السبب وقد وجد .
فرع : لا نفقة للمفسوخ نكاحها بعد الدخول في العدة إن كانت حائلاً أو حاملاً لانقطاع أثر النكاح ، ولها السكنى لأنها معتدة عن نكاح صحيح تحصيناً للماء اه س ل .
قوله : ( إلا في مسائل ) ذكر الشارح منها أربعة . قوله : ( في أكثر ما ذكر ) أي في أكثر صور اختلاف الزوجين في الإصابة .(4/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
قوله : ( وأنكر المحلل الوطء ) أي والفرض أنهما متفقان على حصول الطلاق . قوله : ( لحلها للأول ) أي بالنسة لهذا لا بالنسبة لغرم المهر بتمامه ، بل لا يغرم المحلل إلا نصف المهر عملاً بإنكاره الوطء فهو المصدّق . قوله : ( الرابعة إذا علق طلاقها ) كقوله إن لم أطأك في هذه الليلة فأنت طالق . وقوله : ( فادعاه ) أي الوطء لأجل عدم الوقوع . ولو شرطت بكارتها فوجدت ثيباً فقالت افتضني وأنكر صدقت لدفع الفسخ وهو لدفع كمال المهر ، ولو قال : أنت طالق للسنة فقالت أنا طاهر ولم تطأ في هذا الطهر فيقع حالاً ، وقال أنا وطئت فيه فلا يقع حالاً ، صدق هو لأن الأصل بقاء العصمة . ونظيره ما أفتى به القاضي فيما إذا لم أنفق عليك اليوم فأنت طالق فادعى الإنفاق فيصدق لدفع الطلاق وهي لبقاء النفقة ، عملاً بالأصل فيهما اه أج . ونظم ذلك بعضهم فقال :
القول قول واطىء في ستة
مضبوطة بالحفظ عند الثقة
الخلف في التحليل والثيوبة
والوطء مع فرع أتى وعنة
ومثل ذا الإيلاء والتعليق
بطلقة لسنة تحقيق
ونظمها بعضهم أيضاً فقال :
إذا اختلف الزوجان في وطئه لها
فمن منهما ينفيه فالقول قوله
سوى صور ست فمثبته هو ال
مصدق فاحفظ ما تبين نقله
إذا اختلفا في الوطء قبل طلاقها
وجاء له منها على الفرش نجله
فأنكره فالقول في ذاك قولها
ويلزمه شرعاً لها المهر كله
كذلك عنين يقول وطئتها
زمان امتهال حيث يمكن فعله
كذلك مول قال إني وطئتها
وفئت فلا تطليق يلفي ومثله
إذا طاهر كانت وقال لسنة
سمت أنت فيها طالق صح عقله
فقال بهذا الطهر إني وطئتها
وما طلقت لم ينقطع منه حبله
ومن طلقت منه ثلاثاً وزوّجت
بغير وفيها قال ما غاب قبله
فقالت بلى قد غاب فالقول قولها
وأدرك ذاك الزوج الأوّل حله
وإن زوّجت عرس بشرط بكارة
فقالت لنا إن الثيوبة فعله(4/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
وأنكره فالقول في ذاك قولها
وليس له منها خيار ينيله
واستثنى أيضاً ما لو أعسر بالمهر حتى يمتنع فسخها به شرح م ر . وقوله في ذاك قولها لترجيح جانبها بالولد ، فإن نفاه عنه صدق بيمينه لانتفاء المرجح ، وكذا يصدق بيمينه إن لم يكن لها ولد وعليها العدة مؤاخذة لها بقولها وطئت ولا نفقة لها ولا سكنى عملاً بإنكاره الوطء ؛ شرح الروض . وقوله بعد سمت أنت فيها ، أي إذا قال لطاهر أنت طالق للسنة فقال وطئت في هذا الطهر فلا طلاق حالاً لكونها بدعياً وقالت لم تطأ فيقع حالاً صدق ؛ لأن الأصل بقاء العصمة . وقوله سمت أتى به لأجل النظم . وقوله فالقول قولها أي لحلها للأوّل لا لتقرير مهرها ، ويقبل قوله بالنسبة لدفع كمال المهر بل عليه النصف فقط . وقوله بعد في ذاك قولها أي بالنسبة لدفع الفسخ وهو لدفع كمال المهر .
فرع : سئل العلامة الزيادي عن شخص حلف بالطلاق أنه لا يسافر إلا بإذن من أبي زوجته مثلاً وسافر ثم ادعى عليه أبو الزوجة أنه سافر بغير إذنه فقال إنما سافرت بإذنك فمن يصدق منهما ؟ فأجاب بأن القول قول الزوج بالنسبة لعدم وقوع الطلاق لأن العصمة بيده فلا تزال إلا بيقين اه عبد البر .
3 ( ( فصل : في الصداق ) ) 3
بفتح الصاد وكسرها مأخوذ من الصدق ، لإشعاره بصدق رغبة الزوج في الزوجة ، وقيل : مشتق من الصدق بفتح الصاد وسكون الدال اسم للشديد الصلب ، فكأنه أشد الأعواض لزوماً من جهة عدم سقوطه بالتراضي ، ويندب كونه من الفضة ، وجمعه أصدقة وصدق والأول جمع قلة والثاني كثرة . وأشار للأول في الخلاصة بقوله :
في اسم مذكر رباعي بمد
ثالث افعلة عنهم اطرد وللثاني بقوله :
وفعل لاسم رباعي بمدّ
قد زيد قبل لام اعلالاً فقد وله ثمانية أسماء مجموعة في بيت :
صداق ومهر نحلة وفريضة
حباء وأجر ثم عقر علائق وزاد بعضهم ثلاثة في بيت فقال :
وطول نكاح ثم خرص تمامها
ففرد وعشر عدّ ذاك موافق ويزاد على ذلك صدقة فتكون اثنى عشر . ونطق القرآن العظيم منها بستة : الصدقة(4/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
والنحلة : ) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } ) النساء : 4 ) ونكاح : ) وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً } ) النور : 33 ) وأجر : ) وآتوهنّ أجورهنّ } ) النساء : 25 ) وفريضة : ) ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } ) النساء : 24 ) وطول : ) ومن لم يستطع منكم طولاً } ) النساء : 25 ) ووردت السنة بالباقي . والعقر بالضم في الأصل اسم لدية فرج المرأة ثم استعمل في المهر . وقيل الصداق ما وجب بغيره كوطء الشبهة .
قوله : ( أشهر من كسرها ) وقال الزمخشري : الكسر أفصح عند أصحابنا البصريين . قوله : ( ما وجب بنكاح ) هو أعمّ من قولهم مال لأن هذا شامل للمال والمنفعة ، نعم شموله للاختصاص ليس مراداً لما سيأتي من أن ما صح ثمناً صح صداقاً ، وهذا معناه الشرعي . وأما معناه اللغوي فهو ما وجب بالنكاح ؛ وعلى هذا فالمعنى الشرعي أعمّ من اللغوي عكس المشهور ، أي ويكون قولهم في توجيه تسميته صداقاً لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح يقتضي اختصاصه بما ذكر في العقد فلا يشمل ما وجب بتفويته قهراً أو ما وجب بوطء الشبهة كما في ع ش على م ر ، فلا يرد على هذا التعريف التفويض ؛ لأن الوجوب وإن كان مبتدأ بالفرض وغيره لكن أصله العقد فشمله قوله هنا بنكاح أي ما كان أصله النكاح وإن انضم إليه شيء آخر ؛ لأنه متى أطلق لا ينصرف إلا للعقد ، بخلاف النفقة فإنها لا تجب إلا بالتمكين . والمراد النكاح الصحيح ، أما الفاسد فيستقرّ بالوطء فيه مهر المثل ، فإن مات أحدهما قبل وطء فيه فلا استقرار ولا إرث كما قاله الرحماني ، قال العلامة الديربي نقلاً عن مشايخه : ويؤخذ مما ذكره أن المهر قد يجب للرجل على الرجل كما في شهود الطلاق إذا رجعوا فإنهم يغرمون المهر للزوج وقد يجب للمرأة على المرأة ، كما لو تزوّج عبد مملوك لامرأة زوجتين بإذنها وأرضعت زوجته الكبرى زوجته الصغرى ، فإنه يجب المهر على المرضعة لانفساخ النكاح بإرضاعها ويكون المهر لسيدته لأنه لا يملك ، وقد يجب للرجل على المرأة كما لو أرضعت زوجة الحر الكبرى زوجته الصغرى فيجب على المرضعة مهرها للزوج لأنها فوّتت عليه بضعها ونصف مهر للصغيرة ق ل . والمعتمد أنها لا يجب عليها إلا نصف مهر للصغيرة اه .
قوله : ( أو وطء ) أي في شبهة أو تفويض أو كان العقد فاسداً ، وسواء كان الوطء في القبل أو الدبر فلا يجب باستدخال المرأة مني زوجها أو غيره ولو في القبل ولا بنحو خلوة ولو في نحو رتقاء كما يأتي . ومقتضى ما ذكر أن وطء الأجنبية في دبرها يوجب المهر ولعله يفارق الذكر بأنه ليس محلاًّ للوطء كالبهيمة ، أو يخص الوطء في الدبر بكونه في الزوجة وهو الوجه نظراً لوجود العقد فيها فراجعه ق ل .
قوله : ( كرضاع ) كأن أرضعت زوجته الكبرى الصغرى بأن كانت دون سنتين وأرضعتها(4/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
خمس رضعات متفرقات ، فإنه ينفسخ نكاح الاثنين لأن الكبرى صارت أم زوجته ، ويجب عليها نصف المهر للصغيرة ولا يجب عليها مهرها لئلا يخلو نكاحها مع الوطء عن غير مهر خلافاً للقليوبي .
قوله : ( ورجوع شهود ) بأن شهد جماعة شهادة حسبة بأنه طلقها طلاقاً بائناً وفرق القاضي بينهما ثم رجعوا عن الشهادة . ومن صور رجوع الشهود أن يشهدا بأن بين الزوجين رضاعاً محرماً فيفرّق بينهما القاضي ثم يرجعان عن الشهادة فيغرمان المهر للتفويت ولا يعود النكاح ؛ لأن رجوعهم لا يقبل بالنسبة له . ومحل رجوع الزوج عليهم بشروط أن لا يصدقهم وأن تكون شهادتهم على حيّ ، وإلا فلا غرم عليهم ، وأن لا يثبت عدم النكاح بالمرة فإن شهدوا بالطلاق مثلاً ثم شهد آخران أنها أخته من الرضاع فلا غرم أيضاً . وظاهر قوله : ( ورجوع شهود ) أنه مثال للتفويت وفيه نظر لأن تفويت البضع حصل بالشهادة لا بالرجوع عنها ، إلا أن يقال الواو بمعنى أو فهو معطوف على تفويت فيكون مثالاً لوجوب الصداق لا لتفويت البضع ، لأن الصداق لم يجب برجوع الشاهدين عن الشهادة .
قوله : ( وآتوا ) الخطاب للأزواج ، وقيل للأولياء ؛ لأنهم كانوا يأخذونه في الجاهلية ، وكان شرعاً لشعيب لآية : ) إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } ) القصص : 27 ) أي سنين اه شوبري .
قوله : ( صدقاتهنّ ) مفعول ثان ونحلة حال من صدقاتهن .
قوله : ( مبتدأة ) بالنصب صفة لعطية أي لا في مقابلة شيء ؛ لأن المرأة تستمتع بالرجل أكثر مما يستمتع هو بها ، فإنها تستمتع به من ثلاثة أوجه : بخروج منيها ، وتردّد الذكر ، وسريان منيّ الرجل في رحمها ؛ وأما هو فيلتذ بالأولين فقط . وإنما وجب عليه لأنه أقوى كسباً منها .
فائدة : إذا قلد شخص الحنفي وعقد على امرأة في مذهبه ثم طلقها ثلاثاً فله الرجوع عن تقليده وتقليد مذهب غيره ويعقد عليها بلا محلل ؛ قاله ابن قاسم .
قوله : ( ويسمونه الخ ) الأولى : ويسمى ؛ لأن التسمية من الله لا من أهل الجاهلية . قوله : ( لأن المرأة ) تعليل للتسمية . قوله : ( وآتوهنّ أجورهنّ ) أي مهورهنّ .(4/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
قوله : ( لمريد التزويج ) يفيد أن المراد به الولي ، إذ الزوج يريد التزّوج مع أن المقول له هو الزوج ، فالأولى أن يقول : لمريد التزوج ، إلا أن يقال المعنى لمريد تزويج النبي له ؛ ولذا قال : التمس أيها الطالب التزوج شيئاً تجعله صداقاً الخ . والقصة كما في البخاري : أن امرأة عرضت نفسها على النبي فسكت فقال بعض القوم : زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ؛ ولم يكن عنده شيء فقال له النبي : ( هَلْ مَعَكَ شَيءٌ تُصْدِقُهَا إياه ؟ ) فقال : معي إزاري . فقال : ( إن أَعْطَيْتَهَا إزَارَكَ جلسْتَ ولا إزارَ لَكَ ) فقال : ( التمس ) أي أطلب شيئاً من الناس تجعله صداقاً : ( ولو ) كان ما تلتمسه أي تطلبه : ( خاتماً من حَديدٍ ) فقال : لم أجد شيئاً . فقال : ( هل مَعَكَ شيءٌ من القُرْآنِ ؟ ) فقال : معي سورة كذا وكذا . فقال : ( أَصدِقْهَا إياه ) فتزوّجها بتعليم ذلك اه .
قوله : ( ولو خاتماً ) هذا غاية في القلة ، وليس المراد خصوص الخاتم .
قوله : ( ويستحب ) هذا هو الأصل ويكره إخلاؤه عنه ، وقد يجب كما لو زوّج القاصرة وليها بأكثر من مهر المثل ؛ لأنه لو سكت لوجب مهر المثل وقد يحرم كما لو زوجها بدون مهر المثل ولو سكت لوجب مهر المثل م د . قوله : ( للزوج ) لو قال للعاقد كان أولى ، اللهم إلا أن يقال قيد بالزوج لأن الولي تارة يستحب في حقه وتارة يجب ، والمفهوم الذي فيه تفصيل لا يعترض به ق ل . قوله : ( في صلب النكاح ) أي أثناء العقد فلا اعتبار بالتوافق قبل النكاح أو بعده في استحباب أو التزام ، حتى لو خالف المسمى فيه المتفق عليه قبله أو بعده كان هو أي النكاح المعتبر سم . والصلب بسكون اللام وتضم للاتباع وأصله لغة كل ظهر له فقار أي عظام كما في المصباح ، ففي الكلام استعارة بالكناية حيث شبه النكاح بشيء له عظام وحذف المشبه به وأثبت شيئاً من لوازمه وهو الصلب . قوله : ( لم يخل نكاحاً عنه ) أي نكاحاً لغيره فلا ينافي نكاح الواهبة نفسها الآتي اه م د . وقوله : ( فلا ينافي الخ ) وعبارة م ر كعبارة الشارح هنا . وجعل الرشيدي كلام الرملي على إطلاقه . وقال مؤيداً له أي مقوياً له ، وأما الواهبة نفسها فلم يقع لها نكاح اه . وحينئذ فلا حاجة لما ذكره م د بقوله أي نكاحاً لغيره الخ . قوله : ( أدفع للخصومة ) أي عند التنازع . قوله : ( ولئلا يشبه نكاح الواهبة نفسها له ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي التي وهبت نفسها للنبي وهي بمكة وأسلمت ثم جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهنّ للإسلام وترغبهنّ فيه ، حتى ظهر(4/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
أمرها لأهل مكة فأخذوها وقالوا : لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا ولكنا سنريك ما يصل إليهم ، فحملوني على بعير ليس تحتي شيء ثم تركوني ثلاثاً لا يطعموني ولا يسقوني ، وكانوا إذا نزلوا منزلاً أوقفوني في الشمس ، إذ أتاني أبرد شيء على صدري فتناولته . فإذا هو دلو من ماء فشربت منه قليلاً ثم نزع مني ورفع ثم عاد فتناولته فشربت فرفع ثم عاد مراراً فشربت حتى رويت ، ثم أفضت على جسدي وثيابي ؛ فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء على ثيابي فقالوا : تحللت ، فأخذت سقاءنا فشربت منه فقلت : لا والله ولكنه كان من الأمر كذا وكذا ؛ فقالوا : لئن كنت صادقة لدينك خير من ديننا . فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها ، فأسلموا عند ذلك . وأقبلت إلى النبي فوهبت نفسها له بغير مهر فقبلها ودخل عليها . وفي ذلك إن من صدق في حسن الإعتقاد على الله وقطع طمعه عما سواه جاءته الفتوحات من الغيب اه ح ل في السيرة .
قوله : ( ويؤخذ من هذا ) أي المذكور من التعليل الأول والثالث لا من الثاني . قوله : ( وهو المعتمد ) ضعيف أو محمول على ما إذا كان العبد مكاتباً . قوله : ( وإن خالف في ذلك ) أي فقال لا يسنّ ذكره ، إذ لا فائدة فيه حينئذ ؛ وهو المعتمد خلافاً للشارح . قوله : ( ويسنّ أن لا يدخل بها الخ ) لعله في الصداق الحالّ كلاًّ أو بعضاً ، ويحتمل العموم إذ لا مانع من التعجيل ق ل . وذلك سبب للمحبة والألفة والمودّة بينهما . قوله : ( حتى يدفع إليها ) أي ولو كان الصداق مؤجلاً . قوله : ( من أوجبه ) أي الدفع . قوله : ( فإن لم يسمّ ) جعله الشارح مبنياً للفاعل وضميره عائد للزوج وهو غير مستقيم خصوصاً مع المسائل المذكورة بعده . والأولى ما تقدّم من رجوعه للعاقد أو بناؤه للمفعول وضميره عائد للصداق ق ل . قوله : ( وقد تجب التسمية ) وظاهر أن أثر الوجوب الإثم بالمخالفة لا البطلان سم على حج . ولا يبطل النكاح عند ترك التسمية . قوله : ( غير جائزة التصرف ) لصغر أو جنون أو سفه ، أي ورضي الزوج بأكثر من مهر المثل ، لئلا يفوت عليها الزائد على مهر المثل . وكذا يقال في الثانية كما سينبه عليه الشارح م د . قوله : ( أو مملوكة لغير جائز التصرف ) أي ورضى الزوج بأكثر من مهر المثل ؛ لأنه لو سكت الولي رجع لمهر المثل فتفوت رعاية المصلحة لها كما قرره شيخنا العزيزي . قوله :(4/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
( وحصل الاتفاق ) أي من الزوجة الرشيدة . قوله : ( وفيما عداها ) أي من الأولى والثانية . قوله : ( ولا يجوز إخلاؤه منه ) فإن أخلى منه حرم وصح بمهر المثل كما قرره شيخنا وصرح به سم على حج . قوله : ( فإن لم تكن مفوّضة ) أشار بذلك إلى إصلاح المتن ، إذ ما ذكره المتن إنما يأتي في المفوضة لا في غيرها ، إذ الوجوب في غيرها بالعقد ؛ فأشار إلى أن كلام المتن على المفوّضة . وقال بعضهم : قوله ( وإذا خلا العقد الخ ) غرضه بهذا إصلاح المتن ، فإن المتن يقتضي أنه إذا لم يسمّ في العقد صداق لا يجب مهر المثل إِلا بواحدة من ثلاثة وإن لم يكن هناك تفويض ، وليس كذلك بل إذا لم يسم الصداق ولم يكن تفويض وجب مهر المثل بالعقد ولا يتوقف على فرضه ولا وطء ، وأما إذا كان هناك تفويض فلا يجب بالعقد شيء وإنما يجب بواحد من ثلاثة ؛ وهذه هي مراد المصنف بقوله : فإن لم يسمّ صح العقد ووجب مهر المثل الخ . قوله : ( وإن كانت مفوضة ) سميت المرأة مفوضة بكسر الواو لتفويض أمرها إلى الولي بلا مهر والمراد بأمرها أمر بضعها وهو العقد عليه ، وبفتحها لأن الولي فوّض أمرها إلى الزوج أي جعل له دخلاً في إيجابه إلى فرض أو إلى الحاكم . قوله : ( بأن قالت رشيدة ) ومثلها السفيهة المهملة زوّجني بلا مهر هما قيدان . وقوله ( ففعل ) أي زوج بلا مهر قيد آخر ، فهو من تمام تصوير التفويض وهو قاصر ، ومثله ما لو سكت أو زوّج بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد ففي ذلك يلغو ما ذكره الوليّ ويكون تفويضاً ، ولا يجب المهر إِلا بواحدة من الثلاثة التي في المتن ، فخرج بالرشيدة ما لو كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة فإنه يجب لها مهر المثل بمجرد العقد ولا يتوقف على فرض أو وطء ، وخرج بقوله ( زوّجني ) ما لو لم تأذن وكان مجبرة فيجب مهر المثل بمجرد العقد ولا يقال لها مفوضة ، وخرج بقولها ( بلا مهر ) ما لو قالت زوجني بمهر المثل فالأمر ظاهر . وهذا تفويض الحرة ، وأما تفويض الأمة فله صورتان : أن يقول سيدها زوّجتكها بلا مهر أو يسكت وإن لم يسبق قول من الأمة ، لأن الحق للسيد . وأما لو زوج الأمة بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد أو بمؤجل فينعقد به ولا يكون تفويضاً لأن الحق فيه له لا لها ، وعبارة المنهج وشرحه : صح تفويض رشيدة بقولها لوليها زوّجني بلا مهر فزوج لا بمهر مثل بأن نفى المهر أو سكت أو زوّج بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد اه . وقوله ( رشيدة ) أي غير محجور عليها لتدخل السفيهة التي لم يحجر عليها إذ هي رشيدة حكماً . وقوله ( بلا مهر )(4/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
سواء اقتصرت على ذلك أم زادت لا في الحال ولا بعد الوطء ولا غير ذلك فيكون تفويضاً صحيحاً على المعتمد . وقوله ( فزوج لا بمهر ) مثل لأن تسميته ملغاة من أصلها لأنها لم توافق الإذن ولا الشرع لأنه ليس له أن يسمي دون مهر المثل ، فلا يقال هذه تسمية فاسدة فيجب مهر المثل بالعقد ، على أن التسمية الفاسدة إنما توجب مهر المثل إذا لم يؤذن في ترك المهر فكان هذا مستثنى من التسمية أي محل كون التسمية الفاسدة توجب مهر المثل بالعقد ما لم يكن هناك تفويض من المرأة اه .
قوله : ( وجب ) هذا جواب قوله ( وإن كانت مفوّضة ) والواو في قوله ( وإن كانت مفوّضة ) من المتن ، وأصل العبارة : ووجب المهر بثلاثة أشياء ، وقد أصلحه الشارح ، فإن ظاهره أن العقد لا يوجب المهر إذا لم يذكر فيه مع أنه يوجبه في غير المفوّضة كما قدمه الشارح . قوله : ( بثلاثة أشياء ) نعم لو نكح في الكفر مفوّضة ثم أسلما واعتقادهم أن لا مهر للمفوّضة بحال ثم وطىء فلا شيء لها لأنه استحق وطئاً بلا مهر ، فأشبه ما لو زوج أمته عبده ثم أعتقهما أو أحدهما أو باعها ثم وطئها الزوج سم ، فإن لم يسلما وترافعا إلينا حكمنا بحكمنا وقوله نعم لو نكح في الكفر أي وهما حربيان . وعبارة م ر : ومر في نكاح المشرك أن الحربيين لا الذميين لو اعتقدوا أن لا مهر الخ وقوله فلا شيء لها . لا يقال ذكر الرافعي أنه لو نكح ذمي ذمية على أن لا مهر وترافعا إلينا حكمنا بحكمنا في المسلمين ، فإذا أوجبنا فيما إذا لم يسلما فكيف لا نوجبه إذا أسلما ؛ لأنا نقول : ما ذكره الرافعي في الذميين والذمي ملتزم للأحكام وما هنا في الحربيين وهو غير ملتزم للأحكام ، وقوله ( أو باعها ثم وطئها ) أي فلا مهر لها ولا للبائع كما قاله م ر . قوله : ( ولها حبس نفسها ) فيه أنه إن قلنا يجب مهر المثل بالعقد فما معنى المفوّضة ؟ وإن قلنا لم يجب شيء فكيف تطلب ما لم يجب ؟ ويجاب بأنه لما جرى سبب وجوبه وهو العقد جاز لها الحبس ، وإذا حبست نفسها أو حبسها الولي بسبب عدم تسليم الصداق استحقت النفقة وغيرها وجوباً مدة الحبس لأن التقصير منه . فإن قيل : كيف ساغ لها حبس نفسها مع أنه لا يجب إلا بالوطء أو الموت فكيف ساغ لها طلب الفرض وحبس نفسها لتسلمه ؟ ولهذا قال إمام الحرمين عند ذكر هذا الإشكال : من طلب أن يلحق ما وضعه على الإشكال بما هو بين فقد طلب مستحيلاً . ويجاب بأن العقد سبب لوجوبه بنحو الفرض فلما جرى سبب وجوبه وهو العقد جاز لها الطلب وسيد الأمة ولو مكاتبة كالوليّ كما في ق ل . ولو زوّج غريب بنته ببلد ولم يستوف مهرها ، فله السفر بها إلى وطنه حتى يستوفيه ، وكذا المرأة البالغة الغريبة إذا زوّجها الحاكم ولم تقبض الصداق لها السفر إلى بلدها مع محرم ، وإذا وفى الزوج الصداق ينبغي أن تكون أجرة النقل والرجوع إلى مكان العقد على المرأة لأنها سافرت بغير إذن الزوج ولا نفقة(4/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
لها في هذه الغيبة ، قاله الشيخ س ل . وانظر هلاَّ كانت مدة الغيبة كمدة الحبس فيكون لها النفقة نظير ما تقدّم في مدته ؛ ولعل الجواب ما أشار إليه بقوله لأنها سافرت بغير إذن الزوج ، فلو أخره عن قوله ولا نفقة لها في هذه الغيبة لكان أولى فتأمل . وفي شرح م ر : ولو تزوّج امرأة بالشأم والعقد بغزة سلمت نفسها بغزة اعتباراً بمحل العقد ، فإن طلبها إلى مصر فنفقتها من الشأم إلى غزة عليها ثم من غزة إلى مصر عليه وهل مؤنة الطريق من الشأم إلى غزة عليه أم لا ؟ قال الحناطي : نعم ، وحكى الروياني فيه وجهين : أحدهما نعم لأنها خرجت بأمره والثاني لا ؛ لأن تمكينها إنما يحصل بغزة ، وهو المعتمد والحبس في الصغيرة والمجنونة لوليهما وفي الأمة لسيدها أو وليه ؛ شرح المنهج . ومثلهما السفيهة فلا عبرة بتسليمها نفسها . ولو بلغت الصغيرة وادعت أن وليها سلمها بغير مصلحة وأرادت حبس نفسها للقبض كان القول قولها وجاز لها الحبس ، بخلاف ما لو بلغ الصغير وقد ترك أبوه الأخذ بالشفعة وادعى أنه ترك لغير مصلحة حيث لا يقبل ولا يمكن من الأخذ . والفرق أن ما هنا تفويت حاصل وما هناك تفويت معدوم اه سم . وقوله ( لوليهما ) ما لم يرد المصلحة في التسليم ، ويفارق البيع بأنه لا مصلحة تظهر ثم غالباً ، وكذا يقال في وليّ السفيهة اه ح ل . ومثل الأمة المكاتبة لأن السيد منعها من جميع التبرعات ولا يقال هو بدل بضعها ولا حق له فيه اه ح ل .
قوله : ( لتكون على بصيرة ) أي على ثقة ما قدره لها وهذا علة للمعلل مع علته . قوله : ( كالمسمى في العقد ) أي كما لها حبس نفسها بتسليم المسمى الحالّ . قوله : ( أما المؤجل ) أي في الفرض . قوله : ( فليس لها حبس نفسها له ) أي لتقبضه وإن حل . وقوله ( كالمسمى في العقد أي كالمؤجل المسمى الخ ) وقولنا : ( وإن حل ) غاية للرد . ولو أصدقها تعليم نحو قرآن وطلب كل التسليم فالذي أفتيته ولم أر فيه شيئاً أنهما إن اتفقا على شيء فذاك وإِلا فسخ الصداق ووجب مهر المثل فيسلم لعدل وتؤمر بتسليم نفسها ، قاله ح ل . وقد يقال : تجبر هي لأن رضاها بالتعليم الذي لا يحصل عادة إِلا بعد مدة كالتأجيل ، وقد تقدم إجبارها فيه وإن حلّ الأجل . وقد يجاب بأن انتهاء الأجل معلوم فيمكنها المطالبة بعده وزمن التعليم لا غاية له فهي إذا مكنته قد يتساهل في التعليم فتطول المدة عليها بل ربما فات التعليم بذلك ، ونقل عن شيخنا زي الجزم بذلك اه ع ش على م ر . قوله : ( وهذا ) أي محل اشتراط رضاها . قوله : ( وبذله لها ) ليس قيداً ؛ ومن ثم لم يذكره م ر . قوله : ( لأنه ) أي اعتبار رضاها عبث أي لا(4/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
معنى . قوله : ( ولا يشترط علم الزوجين بقدر مهر المثل ) هذا محله فيما قبل الوطء ، أما بعده فلا يصح تقديره إِلا بعد علمهما بقدره قولاً واحداً ؛ لأنه قيمة مستهلك ، وهو البضع أي منفعته . وعبارة شرح م ر : بدل تالف . قوله : ( لأنه ) أي ما تراضيا عليه . قوله : ( بل الواجب أحدهما ) أي ما تراضيا به ومهر المثل . قوله : ( بالتراضي ) أي من الزوجين .
قوله : ( أو يفرضه الحاكم ) أي بعد تقدم دعوى صحيحة منها عنده ، والمراد بالحاكم الذي تقع الدعوى بين يديه . قوله : ( لأن منصبه ) بكسر الصاد بوزن مسجد اه مصباح . قوله : ( فصل الخصومة ) وإلزام المعاند . قوله : ( من نقد البلد ) المراد بالبلد بلد الفرض يوم الفرض ونقد ذلك اليوم على المعتمد ، وفي كلام ابن حجر بلد الفرض فيما يظهر ، قال : وعليه فهل يعتبر يوم العقد أو الفرض كل محتمل ، قال : ولا ينافي قولنا بلد الفرض من عبر ببلد المرأة لاستلزام الفرض حضورها أو حضور وكيلها ؛ فالتعبير ببلد الفرض لتدخل هذه الصورة أولى . قوله : ( كما في قيم المتلفات ) أي من كونها يشترط أن تكون حالة من نقد البلد . قوله : ( ولا بغير نقد البلد ) المناسب ولا من غير نقد البلد . قوله : ( ويشترط ) أي في نفوذ الحكم وجواز الإقدام على الفرض علم الحاكم الخ ، حتى لو فرض غير عالم ثم تبين الأمر كذلك لم يصح . وعبارة الشوبري : فإن قلت ينبغي أن يكون هذا شرطاً لجواز تصرفه لا لنفوذه لو صادفه في نفس الأمر . قلت : لا بل الذي دل عليه كلامهم أنه شرط لهما لأن قضاء القاضي مع الجهل لا ينفذ وإن صادف الحق ، فعلمه شرط لجواز الإقدام وللتقرير . قوله : ( ولا يصح فرض أجنبي ) أي لا يلزم الزوجين الرضا به ، فإن رضيا به صح والمراد بالأجنبي ما ليس ولياً ولا سيداً ولا وكيلاً ولا ولداً يلزمه إعفاف أصله . قوله : ( من ماله ) ليس بقيد ، وعبارة م ر : ولا يصح فرض أجنبي ولو من ماله بغير إذن الزوج اه . فيشمل ما إذا فرض من مال الزوج بغير إذنه فلا يصح ، فإن أذن له جاز قطعاً كما صرح به الشارح على المنهاج . قوله : ( لأنه خلاف ما يقتضيه العقد )(4/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
لأن العقد اقتضى اختصاص ذلك بالزوج أو مأذونه ، ففارق أداء دين غيره بغير إذنه لأنه لم يسبق عقد مانع من أداء الغير ولو عقد بنقد ثم تغيرت المعاملة وجب هنا وفي البيع وغيره ما وقع العقد به زاد سعره أو نقص أو عز وجوده ، فإن فقد وله مثل وجب وإِلا فقيمته ببلد العقد وقت المطالبة اه شرح م ر . وقوله ( وإِلا فقيمته ببلد العقد ) قال ع ش : ينبغي أن يبين معنى الكلام ، فإنه إن كان الصداق معيناً في العقد فلا معنى لفقده إِلا تلفه ، والمعنى إذا تلف في يده وجب مهر مثل وإن كان في الذمة لم يتصور فقده إِلا بانقطاع نوعه إذ التلف لا يتصوّر إِلا للمعين ، وإذا انقطع نوعه لم يتصوّر له مثل سم على حج . أقول : ويمكن الجواب باعتبار الشق الثاني ويراد مثله من جنسه ، ويجب معه قيمة الصنعة مثلاً إذا كان المسمى فلوساً وفقدت يجب مثلها نحاساً وقيمة صنعتها أو باختيار الأوّل ؛ لكن بناء على أن الصداق المعين مضمون ضمان يد اه بحروفه .
قوله : ( والفرض ) أي والمفروض الصحيح سواء كان من الزوج أو من الحاكم . وعبارة المنهج ومفروص صحيح كمسمى فيشطر بطلاق قبل وطء ، بخلاف ما لو طلق قبل فرض ووطء فلا يشطر لقوله تعالى : ) لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتعوهنّ } ) البقرة : 240 ) وبخلاف المفروض الفاسد كخمر فلا يؤثر في التشطير إذا طلق قبل الوطء ، بخلاف الفاسد المسمى في العقد اه . وقوله ( وبخلاف المفروض الفاسد ) وإنما اقتضى الفاسد في ابتداء العقد مهر المثل لأنه أقوى لكونه في مقابلة عوض وهنا دوام سبقه الخلوّ عن العوض فلم ينظر للفاسد . وقوله ( فلا يؤثر في التشطير ) أي فلا يشطر به مهر المثل إذ لا عبرة به بعد إخلاء العقد عن العوض بالكلية . وقوله ( بخلاف المسمى الفاسد ) أي فإنه يشطر مهر المثل بالطلاق قبل الوطء .
قوله : ( بأن يطأها ) أي بتغييب الحشفة أو قدرها وإن لم تزل البكارة وإن لم ينتشر ولو بإدخالها ذكره هل ولو صغيراً لا يمكن وطؤه . المعتمد نعم خلافاً للزركشي ، وفي كلام شيخنا بوطء . وإن لم يحصل به التحليل كالصغير الذي لا يتأتى جماعه . والفرق بينه وبين التحليل أن مبنى التحليل على اللذة بخلاف هذا ، وأيضاً القصد منه التنفير عن إيقاع الثلاث فإذا انضم إليه هذا كان أشد في التنفير ويصدق بيمينه في نفيه . وشمل قوله ( بأن يطأها ) ما لو كانت صغيرة لا توطأ في العادة على ما في الإيعاب ، وخرج ما إذا أزال بكارتها بأصبعه أو بعود فلا يتقرر به المهر ولا يلزمه لو طلقها بعد ذلك سوء النصف في غير المفوّضة كما يأتي في الجنايات ،(4/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
وخرج أيضاً استدخال المني من غير وطء فإنه يوجب العدة فقط لا المهر . وقوله ( بأن يطأها ) قال شيخ الإسلام في الجنايات : ولو أزال أي الزوج بكارتها بلا ذكر فلا شيء أو غيره بغير ذكر فحكومة اه . وفي ع ش على م ر ما نصه : قوله ( أو أزالها غيره ) أي وإن أذن الزوج وظاهره وإن عجز عن افتضاضها أو أذنت وهي غير رشيدة ، وهو ظاهر فتنبه له ، فإنه يقع كثيراً ، ومنه ما يقع من أن الشخص يعجز عن إزالة بكارة زوجته فيأذن لامرأة في إزالة بكارتها فيلزم المرأة المأذون لها الأرش لأن إذن الزوج لها لا يسقط الضمان . لا يقال هو مستحق الإزالة فينزل فعل المرأة منزلة فعله ، لأنا نقول هو مستحق لها بنفسه لا بغيره اه قال سم : ولا يجوز إزالة بكارتها بأصبعه أو نحوها ، إذ لو جاز ذلك لم يكن عجز عن إزالتها مثبتاً للخيار لقدرته على إزالتها بذلك . قوله : ( لأن الوطء لا يباح بالإباحة ) أي فيصان عن التصوّر بصورة المباح ، وعبارة ابن الرفعة : لأن البضع لا يتمحض حقاً للمرأة بل فيه حق الله تعالى ، ألا ترى أنه لا يباح بالإباحة فيصان عن التصور بصورة المباحات ؟ أفاده الحلبي . قال شيخنا : فاندفع ما يقال إن الوطء في هذه الصورة ليس مستنداً للإباحة وليست هي التي أحلته وإنما الذي أحله العقد . وحاصل الدفع أن التفويض فيه صورة الإباحة والوطء مصون عن التصور بصورة المباح فلو لم يجب مهر بالوطء أو بالموت لزم أن يكون الوطء متصوراً بصورة المباح . قوله : ( لما فيه ) أي الوطء من حق الله تعالى وهو المنع من الزنا ، قرره شيخنا ، وأما قول شيخنا م د لما فيه من حق الله وهو أنه لا يباح بالإباحة فيلزم عليه تعليل الشيء بنفسه اه . وبعضهم فسر حق الله بقوله بمعنى أن إباحته متوقفة على إذن الشارع وهو أظهر . قوله : ( أكثر من مهر المثل الخ ) هذا هو المعتمد ، حتى لو كانت عند الوطء بصفة كعلم لا توجد عند العقد فزاد مهر مثلها بذلك اعتبر هذا الزائد . قوله : ( واقترن به ) أي بالدخول أو بالضمان لا بالعقد . قوله : ( الإتلاف ) أي إتلاف المنفعة الحاصلة من إدخال الذكر فيه ، كالدار المستأجرة فإنها تتلف منفعتها بسكنى المستأجر لها ، فإذا لم يسكنها لم تتلف . قوله : ( كالمقبوض بشراء فاسد ) لكن لا يشترط فيه الإتلاف كما هنا . قوله : ( فلا شطر ) لكن تجب المتعة ، قوله : ( قبلهما ) أي قبل الفرض والوطء . قوله : ( لأنه ) أي الموت كالوطء . واعلم أنه لا مهر بالموت في النكاح الفاسد كما مر وكالموت عدة ومهراً وإرثاً لو مسخ أحدهما حجراً فإن مسخ الزوج حيواناً فكذلك مهراً لا عدة وإرثاً على الأوجه نظراً لحياته ، ولو سحر أحدهما حيواناً لم تؤثر في الفرقة لأن السحر وإن(4/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
كان له حقيقة ويؤثر لكنه لا يقلب الخواصّ ولا يخرج المسحور عن حقيقته وخواصها سم . والمشهور أن الزوج إذا مسخ حيواناً تعتدّ عدة طلاق وإن مسخ حجراً تعتد عدة وفاة .
قوله : ( أوجهها أوّلها ) أي الأكثر من العقد إلى الموت . قوله : ( ولو قتل السيد أمته الخ ) هذا استدراك على وجوب المهر بالموت . والمسئلة لها ستة أحوال أربعة يسقط فيها واثنان لا يسقط فيهما : إذا قتل السيد الأمة أو زوّجها أو قتلت نفسها أو زوّجها يسقط المهر لأن الجناية ممن له المهر أو ممن فعله كفعله ، ولا يسقط فيما لو قتل الزوج الأمة أو قتلها أجنبي ، وأما الحرّة فلا يسقط بقتلها نفسها ويسقط بقتلها زوجها لأن الفرقة منها والفرقة إذا كانت منها أو بسببها قبل وطء تسقط المهر . وقوله ( ولو قتل أمته ولو مع مشاركة أجنبي ) أي عمداً أو خطأ أو شبه عمد أو تسبب في ذلك بأن وقعت في بئر حفرها عدواناً . وعبارة ق ل على الجلال : ولو قتل السيد ولو مع غيره أو قتل زوجها كذلك يسقط كل المهر تغليباً لجانب السيد . وقال الخطيب في صورة الاشتراك : يسقط ما يقابل السيد وفعلها مع أحد يسقط النصف توزيعاً عليهما . قوله : ( أمته ) ظاهره ولو كانت الأمة مكاتبة أو مدبرة أو معلقاً عتقها بصفة أو موصى بها أو بمنفعتها ، وهو كذلك . وانظر لو كانت الزوجة مبعضة وقتلت نفسها أو قتلها مالك بعضها هل يسقط المهر تغليباً لبعضها الرقيق في المسئلة الأولى أو لجانب سيدها الذي هو مالك بعضها في المسئلة الثانية أو لا يسقط تغليباً لبعضها الحر أو يقال بالتوزيع ؟ راجع وحرر ، ثم رأيت ببعض الهوامش ما نصه : أما المبعضة لو قتلها سيدها أو قتلت نفسها فالقياس أن لكل حكمه كما في الأنوار ، ثم راجعت الأنوار فلم أقف على ذلك فيها فراجعه اه ديربي . وأقول : راجعناه فوجدناها كالأمة على المعتمد . وعبارة ق ل على الجلال : ودخل في الأمة المبعضة ، وهو الذي اعتمده شيخنا م ر . وقال شيخنا زي كالخطيب : يسقط ما يقابل الرق فقط اه بحروفه . قوله : ( أو قتلت نفسها ) ولو مع مشاركة أجنبي ، وكذا لو قتلت الزوج أو قتله سيدها أو قتلت الحرة زوجها ؛ والحالة هذه أي قبل الوطء ، وظاهره ولو كان قتلها له بحق اه ح ل . قوله : ( أو قتلت الحرة نفسها ) والفرق بين الحرة والأمة أن الحرة كالمسلمة إلى الزوج بالعقد إذ له منعها من السفر ، بخلاف الأمة ، وفرق أيضاً بأن الحرة إذا قتلت نفسها غنم زوجها من ميراثها فجاز أن يغرم مهرها بخلاف الأمة ، وأيضاً الغرض من نكاح الحرة الألفة والمواصلة دون الوطء وقد وجدا بالعقد والغرض من نكاح الأمة الوطء ؛ ولهذا يشترط فيه خوف العنت وذلك حاصل قبل الدخول . وعبارة س ل : قوله ( أو قتلت الحرة نفسها ) وفارق ما لو قتلت(4/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
زوجها حيث لا مهر بأنها في قتلها نفسها تفويت لحق غيرها وهم الورثة بغير إذنهم وفي قتلها زوجها تفويت عليها فسقط اه .
قوله : ( قبل الدخول ) بخلاف ما إذا قتلت زوجها لأن الفرقة من جهتها اه . قوله : ( ما يرغب ) أي ما رغب فيه بالفعل . وعبارة ق ل على الجلال : أي ما وقعت الرغبة به فيمن يماثلها ، فالمراد بالمضارع الماضي فسقط ما لبعضهم هنا . قوله : ( في مثلها عادة ) خرج بقوله ( عادة ) ما لو شذ واحد لفرط يساره فرغب أو شذت واحدة اه شوبري . قوله : ( وركنه الأعظم ) أي ركن المثل الذي يعتبر به المهر كما يدل عليه قول م ر ما يرغب به في مثلها نسباً وصفة ، أو الضمير راجع لمهر المثل ، أي وركن مهر المثل في الاعتبار وركنه الآخر الصفات . قوله : ( في النسيبة ) أما مجهولة النسب فركنه الأعظم نساء الأرحام كما يعلم مما يأتي ؛ شرح م ر . قوله : ( كالكفاءة ) أي في أنه يعتبر فيها النسب . قوله : ( فيراعي أقرب الخ ) في العبارة نقص مخلّ . وعبارة شرح م ر : فيراعي من أقاربها لتقاس هي عليها أقرب من تنسب من نساء العصبة إلى من تنسب هذه التي طلب معرفة مهرها إليه كأخت الخ . قوله : ( من تنسب إليه ) أي إلى من تنسب هي إليه ، والمراد أنه يراعي أقرب امرأة إليها من المنسوبات إلى أقرب جد ينسب الكل إليه ممن في محل العصوبة لو كنّ ذكوراً ق ل . قوله : ( ثم بنات أخ ) أي وإن سفلن فتقدم بنت ابن الأخ على العمة لأن جهة الأخوة مقدمة على جهة العمومة . ولم يذكر بنات الأخت هنا وسيأتي بذكرهن في نساء ذوي الأرحام ، فانظر ما الفرق بينهن وبين بنات الأخ حيث قدمهن عليهن . قوله : ( ثم عمات ) لا بناتهن لأنهن من ذوي الأرحام . قوله : ( ثم بنات الأعمام ) أي ثم بناتهن وإن سفلن لإدلائهن بعصبة . قوله : ( كالجدّات ) أي من قبل الأم أما التي من قبل الأب فليست هنا من الرحم ولا من العصبة لعدم دخولها في تعريف كل كما يعلم من عبارة ع ش على م ر . قال م ر : وقضية كلامهم عدم اعتبار الأم ، وليس كذلك ، وكيف لا تعتبر وتعتبر أمها ؛ ولذا قال الماوردي : تقدم الأم فالأخت للأم فالجدّات فإن اجتمع أم أب وأم أم فوجوه(4/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
أوجهها استواؤهما اه بالحرف . قال ع ش : قوله ( فإن اجتمع أم أب ) أي للأم لأن الكلام في قرابتها ، أما أم أبي المنكوحة فلا تدخل في الأرحام في الضابط الذي ذكره ، وينبغي أنها من نساء العصبات اه .
قوله : ( والمراد بالأرحام هنا الخ ) أي لأن أمهات الأم يعتبرن هنا من ذوي الأرحام وهناك ذوات فروض ، فلو أريد ما هناك خرجت بقوله ( فإن تعذر اعتبار نساء العصبة الخ ) ولأن العمات هنا من نساء العصبات وهناك من ذوي الأرحام . قوله : ( قرابات الأم ) أي الأم وقراباتها لأنها منهن كما تقدم . قوله : ( من المذكورين ) الأولى أن يقول : من المذكورات ؛ لأنهن إناث . قوله : ( ويعتبر مع ما تقدم ) أي من النسب ، فإن فضلتهن بوصف أو نقصت فرض مهر لائق بالحال أي حال المرأة المطلوب مهرها بحسب ما يراه الحاكم فالرأي في ذلك منوط به فيقدره باجتهاده ، وهذا إذا لم يحصل اتفاق عليه وحصل تنازع اه س ل . قوله : ( وفصاحة ) وفي الكافي اعتبار حال الزوج أيضاً من اليسار والعلم والفقه والنسب . وإنما لم يعتبروا المال والجمال في الكفاءة لأن مدارها على دفع العار ومدار المهر على ما يختلف به الرغبات ح ل . قوله : ( وبكارة وثيوبة ) انظر لأي شيء ذكر في كل واحدة من الصفات أحد المتقابلين ، وذلك أنه ذكر السن وسكت عن مقابله وذكر العقل وسكت عن مقابله وهكذا الخ ، ثم ذكر البكارة ومقابلها وهو الثيوبة توقف في ذلك شيخنا بعد أن سئل عنه اه خ ض . قوله : ( اعتبر بعصبات بلدها ) ظاهره وإن بعدن كبنات أخ وكانت الغائبات أقرب كأخوات ، وقد نقل ذلك سم في حواشي المنهج عن م ر ؛ لكن نقل في حواشي ابن حجر اعتبار الغائبات حينئذ وهو المعتمد . وعبارة ح ل : ولو كان اللواتي ببلدها أبعد من اللواتي بغيرها فمحل نظر قاله الشيخ عميرة ، ونقل عن شيخنا اعتماد شبهها ، ونقل الشيخ سم عنه في حواشي حج مراعاة من في بلدها إن استويا اه .
قوله : ( وليس لأقل الصداق الخ ) وما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً ، أي قل أو(4/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
كثر لأنه عوض في العقد . قال الصيمري : ولا يجوز أن يكون نواة أو قشرة بصلة ونحوهما . قوله : ( حدّ ) أي معين يوقف عنده فلا يزاد عليه ولا ينقص عنه ؛ وهذا عندنا وأما عند الإمام أبي حنيفة فأقله عشرة دراهم . قوله : ( عوضاً أو معوّضاً ) تعميم فيما صح مبيعاً ، ونوقش فيه بأن المبيع معوض لا عوض . وقد يجاب بأن المبيع يصح كونه ثمناً لأنه لم يعبر بالمبيع بالفعل حتى ينافي التعميم بل بما صح كونه مبيعاً وهو قابل لكونه ثمناً . قوله : ( صح كونه صداقاً ) أي في الجملة فلا يرد ما لو جعل رقبة العبد صداقاً لزوجته الحرة حيث لا يصح بل يبطل النكاح لما بينهما من التضادّ ولا جعل الأب أم الولد وليس المراد بها من تعتق بموته صداقاً له ولا جعل ثوب لا يملك غيره صداقاً مع أن كلاًّ يصح جعله ثمناً ؛ لأن هذه يصح صداقها في الجملة والمنع في ذلك لعارض ، وهو أنه يلزم من ثبوت الصداق رفعه . ونازع شيخنا في إيراد الثوب حيث قال : واستثناء ما لو جعل ثوباً لا يملك غيره لتعلق حق الله تعالى به من وجوب ستر العورة به غير صحيح ؛ لأنه إن تعين الستر به امتنع بيعه وإصداقه وإِلا صح كل منهما ، وعلى اعتبار المفهوم وهو ما لا يصح بيعه لا يصح جعله صداقاً يرد عليه صحة إصداقها ما لزمها أو لزم فيها من قود مع عدم صحة بيعه . وقوله ( إصداقها ) أي إصداق شخص لها ما لزمها من قود بأن يتزوّجها ويجعل ذلك صداقاً لها ، ولو تزوّج أمة مشتركة لا بد من أن يكون ما يخص كل واحد أقل متموّل فأكثر ، وإن خص كل واحد أقل من أقل متمول لم يصح النكاح كما ذكره ابن حجر . وهل الثمن مثله في البيع أو لا ؟ حرره ، وصورة أم الولد كما في ع ش على م ر : أن يتزوّج شخص أمة بالشروط ثم يأتي منها بولد ثم يملكها هي وولدها فيعتق الولد عليه ، فإذا أراد أن يزوّجه ويجعل أمه صداقاً له لا يصح اه . وقال شيخنا : صورتها أن يطأ أمة بشبهة فيأتي منها بولد ، ثم يشتريها فلا يصح أن يجعلها صداقاً لهذا الولد للدور لأنه يقتضي دخولها في ملكه ، وإذا دخلت في ملكه عتقت عليه ، وإذا عتقت عليه لم يصح جعلها صداقاً ، وما أدى وجوده إلى عدمه باطل من أصله اه . قوله : ( فلو عقد بما لا يتموّل ) أي لا يعدّ مالاً عرفاً وإن عدّ بضمه إلى غيره ، وهو تفريع على المفهوم . قوله : ( بما لا يتموّل ولا يقابل بمتموّل ) لا يخفى أن إحدى الجملتين لازمة للأخرى ، إِلا إن أريد بالثانية نحو شفعة وحدّ قذف لخروجه عن العوضية ، وعبارة شرح المنهج : فإن عقد بما لا يتموّل ولا يقابل بمتموّل كنواة وحصاة وترك شفعة وحدّ قذف فسدت التسمية لخروجه عن العوضية اه فقوله لا يتموّل أي من المال كما أشار إليه بقوله كنواة ، وحينئذ فلا بد من قوله ولا يقابل بمتمول لإخراج نحو ما يستحقه من القصاص ، وأشار إليه بقوله وترك شفعة وبه تعلم ما في الحاشية اه شوبري . وقوله : ( وترك شفعة ) بأن اشترت نصيب شريكه ، وقوله ( وحدّ قذف ) بأن قذفته .(4/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
قوله : ( كحبتي حنطة ) مثال لما لا يتموّل . قوله : ( لم تصح التسمية ) وأما النكاح فصحيح لأن النكاح لا يفسد بفساد المسمى ؛ وذلك لأن عقد النكاح مشتمل على عقدين عقد للنكاح قصداً وبالذات وعقد للصداق تبعاً وبالعرض ، فإذا صح ما بالذات صح التابع له أو فسد هو فسد ولا كذلك ما لو فسد التابع فإن المتبوع باق على الصحة كما هو ظاهر . قوله : ( ويرجع لمهر المثل ) والقاعدة أن النكاح لا يفسد بفساد المسمى إِلا في صورتين ، إحداهما : نكاح الشغار ، والثانية : إذا زوّج عبده لحرة وجعل رقبته صداقاً لها للدور ؛ لأنه لو صح جعله صداقاً لملكته ولو ملكته لانفسخ النكاح ولو انفسخ لم يجب مهر فيلزم من جعله صداقاً عدم جعله صداقاً .
فرع : لو أصدقها مائة خمسون حالة وخمسون مؤجلة بأجل مجهول كما يقع في زماننا من قولهم يحل بموت أو فراق فسد الصداق ووجب مهر المثل ، ولا يقال بوجوب نصف المهر لأن شرط التوزيع أن يكون الفاسد معلوماً وهنا مجهول لجهل أجله لأن الأجل يقابله قسط من الثمن اه م ر وزي . ولو دفع لها مالاً ولو من غير جنس المهر وادعى أنه منه صدق كمن عليه دين فإن لم يكن دين صدق الآخذ في نفي العوض عنه ، ويقبل قول الزوج في دفع صداق لولي محجورة أو رشيدة أذنت للولي بأخذه نطقاً وإِلا فلا ويصدق الولي في دعواه الإذن له في القبض . ولو أصدقها جارية ثم وطئها قبل الدخول فلا حدّ أو بعده حدّ ما لم يعذر لأنه قبل الدخول متعرّض لعود نصفه إليه فهو شبهة اه ق ل .
قوله : ( للذي أراد التزويج ) الأولى التزوّج . قوله : ( إزارك ) مبتدأ خبره إن أعطيته الخ . قوله : ( جلست ولا إزار لك ) أي وحق الله الذي هو ستر العورة متعلق به . قوله : ( وهذا داخل الخ ) يتأمل فإنه يقتضي صحة بيعه وقد قدّم فيه البطلان فلا يصح لتعلق حق الله به ، فلو قال خارج كان أولى . ويجاب بأنه على حذف مضاف أي داخل في مفهوم قولنا الخ ، وهو قوله ( وإِلا فلا ) وعلى هذا فلا اعتراض على الشارح . واعترضه ق ل بأن الإزار أو الثوب يصح كونه مبيعاً وإن امتنع بيعه لعارض وإنما يكون داخلاً لو قال ما صح أن يبيعه الإنسان صح أن يجعله صداقاً مع أن الأول هو المعتبر فتأمل . قوله : ( أن لا ينقص ) وأن يكون من الدراهم م ر . قوله : ( خروجاً من خلاف أبي حنيفة ) لأن أبا حنيفة لا يجوّز أقل منها . قوله : ( وأما إصداق أم حبيبة الخ ) وهي رملة بنت أبي سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنهما ، هاجرت مع زوجها عبيد الله(4/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
بن جحش إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية فولدت له حبيبة وبها كانت تكنى ، وهي ربيبة رسول الله كانت في حجره رضي الله تعالى عنها ؛ وتنصر عبيد الله بن جحش هناك وثبتت هي على الإسلام ، وبعث رسول الله عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه إلى النجاشي فزوّجه إياها وأصدقها النجاشي عن رسول الله أربعمائة دينار ، والذي تولى عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاص على الأصح ، وكلته في ذلك وهو ابن عم أبيها ، وقيل : الذي تولى عقد النكاح عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ، وقيل : كان الصداق أربعة آلاف درهم ، وجهزها النجاشي من عنده وأرسلها مع شرحبيل ابن حسنة في سنة سبع ، وقيل : تزوّجها رسول الله في المدينة ، وعليه يحمل ما في كلام العامري أن النبي جدد نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان تطييباً لخاطره اه ح ل في السيرة .
قوله : ( تستوفى بعقد الإجارة ) فعلى هذا يشترط فيها ما يشترط في منفعة الإجارة ، أي المنفعة التي تستوفى بالإجارة ، أي يجوز استيفاؤها بعقد الإجارة ؛ فخرج المنفعة المحرّمة والفاقدة بعض شروط الإجارة . والحاصل أن لها شرطين : كونها معلومة وكونها تستوفى بعقد الإجارة بأن تكون مباحة لا كآلة لهو ، وهذا ظاهر في غير المجبرة ، أما المجبرة فلا يجوز لأن شرط إجبارها أن يكون بنقد البلد إِلا أن تصوّر بما إذا كانت عادتهم التعامل بالمنافع ، أو تصوّر بما إذا زوّج السيد أمته العبد كامل أو لحر يجوز له نكاح الأمة على أن يعلمها القرآن فإنه جائز ، إِلا أن يقال إن ذلك بالملك لا بالولاية فالتقرير الأول متعين . قوله : ( كلفة ) ولو للشهادتين كما لو كانت كافرة وأرادت الإسلام إذا كان في تعليمها لهما كلفة بأن كانت أعجمية . قوله : ( والتزم ) أي التعليم في الذمة جاز . . قوله : ( من يحسنها ) أي المنفعة . قوله : ( وإن التزم ) ابتداء كلام لا غاية . قوله : ( لم يصح ) أي عقد الصداق حيث لم يحسن ، أما النكاح فصحيح وينعقد بمهر المثل . قوله : ( المجهولة ) كسكنى الدار مدة مجهولة . قوله : ( ولكن يجب مهر المثل ) أي على الزوج وله عليها أجرة المثل في مقابلة سكنى الدار مثلاً . قوله : ( كالفاتحة وغيرها ) أي من العلم المحتاجة إليه والحرفة المضطرة إليها كالخياطة مثلاً . قوله : ( وللقرآن ) مثال لما لا يجب تعليمه أي قدراً منه في تعليمه كلفة عرفاً ولو دون ثلاث آيات فيما يظهر ، ولا بد من تعيين قدره أو يقدّر بالزمان ، فلو جمع بين القدر والزمان بطل . ولا يشترط تعيين نوع(4/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
القراءة كقراءة نافع أو حفص حيث غلبت على أهل البلد واحدة منهما ، فإن لم تغلب وجب تعيينه . وعبارة م ر : ولا بد من علم الزوج والولي بما شرط تعليمه من قرآن أو غيره ، فإن لم يعلماه أو أحدهما وكل الجاهل من يعلمه ، ولا يكفي التقدير بالإشارة إلى المكتوب في أوراق المصحف ، ولا يشترط تعيين الحرف أي النوع الذي يعلمه لها كقراءة نافع فيعلمها ما شاء كما في الإجارة ؛ ونقل عن البصريين أنه يعلمها ما غلب على قراءة أهل البلد وهو كما قال الأذرعي حسن ، فإن لم يغلب فيها شيء تخير هذا يخالف قوله أوّلاً وجب التعيين فليحرر المعتمد منهما ، فإن عين الزوج والولي حرفاً تعين ، فلو علمها غيره كان متطوعاً به وعليه تعليم المعين وفاء بالشرط ؛ ولو أصدقها تعليم قرآن أو غيره شهراً صح لا تعليم سورة في شهر كما في الإجارة اه . وقوله ( ولا بد من علم الزوج والولي ) قضيته أنه لا يشترط علم المرأة لما يجعل تعليمه صداقاً . وفيه نظر لأنه لا يتزوّجها بغير نقد البلد إِلا إذا كانت رشيدة وأذنت فيه ، وقد يقال لما رضيت بجعل صداقها من غير نقد البلد وهو التعليم فكأنها ردت الأمر إلى وليها فيما يجعله صداقها من ذلك كما لو وكل في شراء عبد مثلاً فإنه لا يشترط تعيينه للوكيل . وقوله ( ولا بد من علم الزوج الخ ) ويكفي في علمهما سماعهما له ممن تقرؤه عليهما ولو مرة واحدة اه ع ش . قوله : ( والشعر ) سئل الإمام المزني عن صحة جعل الصداق شعراً فقال : يجوز إن كان مثل قول القائل ، وهو أبو الدرداء الأنصاري :
يريد المرء أن يعطي مناه
ويأبى الله إِلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي وزادي
وتقوى الله أعظم ما استفادا
اه ق ل على الجلال .
قوله : ( ولتعليمها هي ) أي وشامل لتعليمها الخ . قوله : ( الواجب الخ ) أي بأن كانت وصية عليه والولد فقير اه م د . قوله : ( وكذا لعبدها ) لا يخفى أن تشبيه عبدها بولدها يقتضي تخصيص تعليم العبد بالواجب ، وليس كذلك بل هو كتعليمها الشامل لغير الواجب عليها فلو قدمه على الولد لكان مستقيماً . وعبارة م د : قوله وكذا عبدها أي وإن لم يجب عليها تعليمه لأنه تزيد قيمته بذلك بخلاف ولدها فتشبه العبد بالولد ليس من كل وجه بل في مطلق الصحة . قوله : ( بطلاقه ) أي إياها فهو مضاف لفاعله . قوله : ( تعذر تعليمه ) إياها شرعاً أي بشروط ستة ، أحدها وثانيها : أن يصدقها تعليمه بنفسه لنفسها . والثالث : أن لا تصير محرماً له كإرضاعها زوجته الصغيرة . والرابع : أن لا تصير زوجة له بنكاح جديد . والخامس : أن يكون ذلك له وقع(4/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
بأن يتعذر تعليمه بمجلس أو مجالس . والسادس : أن تكون كبيرة مطلقاً أو صغيرة تشتهي . وغالبها يؤخذ من الشارح . قوله : ( لأنها صارت محرمة عليه ) أي ولا يؤمن الوقوع في التهمة والخلوة المحرمة لو جوّزنا التعليم من وراء حجاب من غير خلوة أو جوّزناه بحضور محرم مثلاً ؛ لأن المحرم قد يخرج لحاجة فلا يؤمن من الوقوع في التهمة والخلوة المحرمة ، ولو تنازعا في البداءة بالتسليم في هذه المسئلة فالقياس أنه يفسد الصداق ويؤمر بدفع مهر المثل لعدل ثم تؤمر بالتمكين هذا ما تحرر في الدرس ولا نقل فيها فيما علمت ؛ هكذا قال شيخنا م ر اه زي . قوله : ( بخلاف الأجنبي ) صوابه الأجنبية . قوله : ( ورجح هذا السبكي ) ضعيف . قوله : ( وقيل التعليم الذي يجوّز النظر الخ ) لا حاجة إلى ذكر جواز النظر هنا ، فإن أحكام النظر تقدمت مستوفاة في كلامه ، فكان الأولى إسقاط هذا وما بعده وذكر جواز النظر إلى الأمرد هنا سهو إذ الكلام إنما هو في تعليم الزوجة ومن وجب عليها تعليمه أو عبدها تأمل . قوله : ( خاص بالأمرد ) أي بناء على منع النظر للأمرد مطلقاً . قوله : ( كأن كانت صغيرة لا تشتهي ) صوّر هذه المسألة شيخنا الطوخي بقوله : بأن كانت الصغيرة التي لا تشتهي أمة وزوجها سيدها لرقيق كامل على أن يعلمها القرآن بنفسه اه . أقول : هذا التصوير متعين كما لا يخفى على المتأمل أي لأن الحرة الصغيرة لا تزوّج إِلا بنقد البلد . قوله : ( أو صارت محرماً له برضاع ) صور هذه المسألة شيخنا الطوخي بقوله : بأن تزوّج رجل بامرأة كاملة على أن يعلمها القرآن بنفسه ثم إنه طلقها قبل التعلم سواء كان ذلك قبل الوطء أو بعده ثم أرضعت له زوجة صغيرة فإن هذه الكبيرة في هذه الحالة صارت محرماً له برضاع لأنها أم زوجته ؛ والباء في قوله ( برضاع ) سببية كما قاله شيخنا .
فرع : لو أصدق حفظ القرآن لم يجز إذ حفظه إلى الله تعالى بخلاف التعليم ، ذكره في البحر اه شرح التنبيه لابن الملقن .(4/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
قوله : ( في تعليمها ) أي في تعليم الكتابية للشهادتين . قوله : ( ويسقط ) أي عن الزوج نصف المهر بعوده إلى ملكه إن كان من ماله أو إلى ملك دافعه عنه من أجنبي أو قريب ، إِلا إن دفعه أب أو جدّ عن محجوره ولم يقصد عند دفعه أنه قرض عليه ، وسواء كانت قبضته الزوجة أم لا . ولو قال المصنف ويتشطر لكان أولى اه ق ل ؛ لأن السقوط لا يكون إِلا في الدين والقصد هنا الأعم من الدين وغيره . قوله : ( بالطلاق ) قال م ر ولو رجعياً بأن استدخلت ماءه المحترم ، أي فهو طلاق قبل وطء ، فيتشطرالمهر ؛ لكن لو راجعها في العدة هل يستمر له النصف أو يصير كأن لا فرقة فتسترجعه الزوجة ؟ الظاهر الثاني . وعبارة ق ل : بالطلاق ولو بتفويضه إياها أو بتعليقه على فعلها بائناً كان أو رجعياً اه . أي وإن راجعها أي يسقط النصف وإن راجعها . وعبارة ح ل : قوله ( كطلاق بائن ) ولو خلعاً ، ومثله الرجعي بأن استدخلت ماءه ؛ لكن ينبغي أن لا تستحق الشطر إلا إن انقضت العدة وإِلا بأن راجع فينبغي عدم التشطير ، فإذا وطىء بعد المراجعة استقر المهر حرر اه بحروفه . قوله : ( وبكل فرقة الخ ) ومن الفرقة المسخ حيواناً فمسخها ولو بعد الدخول ينجز الفرقة ويسقط المهر قبله أيضاً ، ولا تعود الزوجة بعودها آدمية ولو في العدة كعكسه الآتي . وفارق الردة ببقاء الجنسية فيها . ومسخه ينجز الفرقة أيضاً . ولا يسقط المهر ولو قبل الدخول لتعذر عوده بخروجه عن أهلية الملك . وقال العلامة السنباطي : تشطيره قبل الدخول والأمر في النصف العائد إليه لرأي الإمام كباقي أمواله ، وأما المسخ حجراً فكالموت ولو بعد مسخه حيواناً ، ولو بقي منه جزء آدمياً فحكم الآدمي باق له مطلقاً ، ولو مسخ بعضه حيواناً وبعضه حجراً فالحكم للأعلى ، فإن كان طولاً فهو حيوان وينفق عليه من ماله ما دام حيواناً فإن عاد آدمياً عاد إليه ملكه . وإن مات انقلب حجراً ورث عنه . ولو مسخ الرجل امرأة وعكسه تنجزت الفرقة ولا تعود وإن عادا نعم إن كان انقلابهما مجرد تخيل فلا فرقة .
فائدة : قالوا إن الممسوخ لا يعيش فوق ثلاثة أيام وأنه لا عقب له وما وجد من جنس الممسوخ فمن نسل غيره كما في الحديث ، وقيل مما ولده الممسوخ قبل موته في الثلاثة أيام . قال السيوطي : وجملة الممسوخات ثلاثة عشر . أخرج الزبير بن بكار والديلمي في مسند(4/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
الفردوس عن علي بن أبي طالب : أن النبي سئل عن الممسوخ فقال : ( ثلاثة عشر : الفيل وكان رجلاً جباراً لوطيّاً ، والدبّ وكان رجلاً مخنثاً يَدْعُو الناس إلى نفسه ، والخنزير وكان من الذين كفروا بالمائدة ، والقِرْد وكان من اليهود الذين اعْتَدوا في السبت . والحُرَيْشُ وكان رجلاً دَيُّوثاً يدعو الناس إلى حليلته ، والضبُّ وكان رجلاً يسرق الحاج بمحجنه أي قوّته ، والوطواط وكان رجلاً يسرق الثمار من الشجر ، والعقرب وكان رجلاً لا يسلم أحد من لسانه ، والدّعْمُوصُ وكان رجلاً نماماً ، والعنكبوت وكانت امرأة سحرت زوجها ، والأرنب وكانت امرأة لا تطهر من الحيض ، وسهيل وكان رجلاً عشاراً ، والزهرة وكانت من بنات الملوك فبغت مع هاروت وماروت ) اه . والحريش نوع من الحيات أو شبيه بها ، والدعموص بضم أوله نوع من السمك . وعن عليّ ابن أبي طالب أن الممسوخين تسعة وعشرون إنساناً ، فليراجع من محله اه ق ل .
قوله : ( ولا بسببها ) أي وحدها كما يستفاد من التنبيه الآتي . قوله : ( كإسلامه ) أي وهي غير كتابية . قوله : ( وردته ) أي وحده أو معها أيضاً شرح المنهج ، وسيأتي . وكذا في الإسلام ولو تبعاً لأحد أبويه ، وإنما لم يجب لها حينئذ متعة لأنها للإيحاش ولا إيحاش مع نسبة الفراق إليهما والتشطر هنا لعدم إتلافها المعوض وهي بردّتها معه لم تتلفه اه . قوله : ( وإرضاع أمه ) في تعبيره بالإرضاع دون الرضاع إشارة إلى اعتبار الفعل ، فلو دبت زوجته الصغيرة وارتضعت أمه لم تستحق الشطر لانفساخه بفعلها اه س ل . قوله : ( أو إمهاله ) وجه كونه ليس منها ولا بسببها أن فعل أمها لا ينسب إليها . قوله : ( وأما الباقي ) أي من الإسلام والردة واللعان وغير ذلك . قوله : ( أو بالتبعية لأحد أبويها ) عبارة شرح المنهج وكإسلامها ولو بتبعية أحد أبويها اه . فالغاية للرد على القول الضعيف ، وبه قال حج . واستشكل بما تقدم من إرضاع أمها له ويجاب بأن الإسلام وصف قام بها فنزله الشارع من الأصل منزلة فعلها ، بخلاف ذاك فإنه فعل الأم وهو أجنبي عنها بالكلية حيث لم ينزله الشارع منزلة فعلها ، أو يقال الإسلام في مسألة التبعية قام بها وحدها فكان المانع من جهتها فقط ، بخلاف الأخوّة في مسألة الرضاع قامت بكل من الزوجين ، فليس نسبتها إليها بأولى من نسبتها إليه اه شوبري . وعبارة س ل : فإن قيل : ينبغي إذا كان إسلامها تابعاً لإسلام أحد أبويها أن المهر يجب عليه لإفساده نكاح غيره كما يجب على المرضعة إذا أفسدت برضاعها النكاح . أجيب بأنه لو وجب عليه الغرم لنفر عن الإسلام بخلاف المرضعة ، وأيضاً المرضعة قد تأخذ أجرة رضاعها فيجبر ما تغرمه بخلاف المسلم اه خ ط . وعبارة ق ل : ولا شيء على الأب ترغيباً له في الإسلام . وفارق إرضاع أمه لها وعكسه بأن(4/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
الإرضاع فعل اجتمع فيه مقتض ومانع ولذلك لو دبت فارتضعت سقط مهرها . قوله : ( أو ردتها ) أي وحدها . قوله : ( وإرضاعها الخ ) فينفسخ نكاحهما لأنه لا يجوز الجمع بين أمّ وبنتها ولو من الرضاع ، ويسقط مهر الكبيرة ويجب للصغيرة نصف المهر ويرجع الزوج على الكبيرة بنصف مهر المثل وإن كانت فوّتت عليه البضع بتمامه اعتباراً لما يجب له بما وجب عليه ؛ قرره شيخنا . قال الحلبي : وتحرم الكبيرة عليه مؤبداً وكذا الصغيرة إن كان دخل بالكبيرة اه . وقوله : وإرضاعها زوجة له صغيرة مثله ارتضاعها بنفسها من أم الزوج أو من زوجته الكبيرة ، فإنه يسقط المهر كما في شرح م ر . قوله : ( كفسخه بعيبها ) قال م ر لأن فسخه الناشىء عنها كفسخها . فإن قلت : لم جعلتم عيبها كفسخها لكونه سبب الفسخ ولم تجعلوا عيبه كفسخه ؟ قلنا : الزوج بذل العوض في مقابلة منافعها ، فإذا كانت معيبة فالفسخ من مقتضى العقد إذ لم يسلم له حقه والزوجة لم تبذل شيئاً في مقابلة منافع الزوج والعوض الذي ملكته سليم ، فكان مقتضاه أن لا فسخ لها ؛ إلا أن الشارع أثبت لها الفسخ دفعاً للضرر عنها ، فإذا اختارته لزمها ردّ البدل كما لو ارتدت اه شرح الروض وشرح م ر . قوله : ( أو المفروض الصحيح ) أي في المفوّضة . قوله : ( ومهر المثل ) أي فيما إذا لم يسمّ مهر ولم تكن مفوضة . قوله : ( في كل ما ذكر ) متعلق بيسقط . قوله : ( إن كانت هي الفاسخة ) يرجع للفرقة التي وجدت منها كما قرره شيخنا . وهذا التعليل قاصر إذ لا يأتي في نحو الرضاع والردة ، وقد علل تلك الصورة في شرح المنهج بقوله : لأن الفراق من جهتها لكن فيه أنه يشبه التعليل بالمدعي اه . قوله : ( فكأنها هي الفاسخة ) أي لأن الفسخ بسببها .
قوله : ( وهو أوجه ) معتمد . قال الشيخ عميرة : تتمة : هل للقاضي صرف مال اليتيمة في جهازها مع أنه يتلف بالاستعمال ؟ عن ابن الحداد رحمه الله تعالى كنت عند القاضي أبي عبيد ابن حربويه فقال له محمد بن الربيع(4/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
الجيزي : أيها القاضي في حجري يتيمة وقد أذنت في تزويجها وطلب أهلها الجهاز فماذا تأمر ؟ فقال : جهز بقدر صداقها ، فقال ابن الحداد : فقلت في نفسي أظنه يجاري في هذا قول مالك رحمه الله ، فقلت : أيد الله القاضي أعلى غير المحجور عليها أن تتجهز ؟ قال : لا ، قلت : فالمحجور عليها أولى . فالتفت إلى ابن الربيع فقال : لا تجهز إن أرادوا هكذا وإلا فليفعلوا ما أرادوا فسررت برجوعه عن قول مالك . قال الزركشي : فهذا ابن الحداد وابن حربويه تبعا ذلك وهو ظاهر . قال : ثم رأيت لابن الحداد الجزم بالجواز لما فيه من رغبة الأزواج في الوصلة بها ، لكن مقتضى كلامه تخصيصه بالأب والجد والمعنى يقتضي التعميم ، قال : ولعل مسألة ابن الحداد والقاضي في إجباره على ذلك ؛ ولهذا قال الباجي : مذهب الشافعي عدم إجبار المرأة على الجهاز خلافاً لمالك اه سم .
قوله : ( لمطلقة ) لا فرق في الطلاق بين البائن والرجعي وإن راجعها قبل انقضاء العدّة ، وتتكرر بتكرره كما أفتى به م ر لعموم قوله تعالى : ) وللمطلقات متاع بالمعروف } ) البقرة : 241 ) خلافاً لحج حيث قال لا تجب المتعة للمطلقة الرجعية أخذاً من جعلهم الرجعية كالزوجة في غالب الأحكام ، والمعوّل عليه الوجوب كما أفتى به الشهاب الرملي واعتمده ز ي وسم . قوله : ( متعة ) المتعة بضم الميم وكسرها لغة من التمتع . هذا بيان للمأخوذة منه لا بيان لمعناها اللغوي ، ومعناها اللغوي : ما يتمتع به الإنسان وعرفاً مال يجب لمطلقة لم يجب لها نصف مهر إن كانت الفرقة لا بسببها ولا بسببهما ولا بملكه لها ولا بموت . والمتعة مشتقة من المتاع وهو ما يتمتع به ، وانظر هل معنى وجوبها لزومها لذمة الزوج موسعاً أو مضيقاً فيأثم بتأخيرها أو يتوقف دفعها على طلبها ؟ راجعه ، اه ق ل على الجلال .
قوله : ( لم يجب لها شطر مهر ) بأن لم يجب لها مهر أصلاً كالمفوّضة أو وجب لها المهر كله . قوله : ( لا جناح عليكم ) أي لا مؤاخذة ولا تبعة أي من مهر .
قوله : ( أو تفرضوا ) أي ولم تفرضوا الخ . وقوله : ( فريضة ) أي مهراً ، وقوله : ( ومتعوهنّ ) أي أعطوهن ما يتمتعن به . وقال ق ل : دخول أو في حيز النفي مفيد لانتفاء الأمرين جميعاً كقوله تعالى : ) ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } ) الإنسان : 24 ) ولا حاجة لجعلها بمعنى الواو كما قيل .
قوله : ( ومتعوهنّ ) أي النساء المذكورات أي المطلقات من غير مسّ ولا فرض ، وذلك يفهم عدم إيجابها في حق غيرهنّ وهو معارض بعموم وللمطلقات ، فالأولى الاستدلال على إيجاب المتعة للمطلقة غير المفوّضة بالقياس على المفوّضة لأن القياس مقدّم على المفهوم ؛ ومن ثم قال البيضاوي : مفهوم الآية يقتضي تخصيص إيجاب المتعة للمفوّضة التي لم يمسها الزوج أي ولم يفرض لها وألحق بها الشافعي الممسوسة قياساً .(4/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
قوله : ( فخلا الطلاق عن الجبر ) فجبرنا ذلك بالمتعة . والأصح الجديد أنها تجب بالطلاق لا العقد ، وتظهر فائدة الخلاف فيما لو طلق الأمة المفوّضة قبل الفرض والدخول ثم اشتراها فعلى الجديد لا متعة عليه إذ لا يستحق على نفسه ، وعلى مقابله تلزمه لثبوتها قبل الشراء فيستحقها السيد . وجزم البغوي في شرح التنبيه بنفي الوجوب ؛ اه شرح التنبيه لابن الملقن .
والحاصل أن المطلقة إن وجب لها نصف المهر لم تجب لها المتعة بأن كانت الفرقة لا منها ولا بسببها كطلاقه وإسلامه وردّته ولعانه ووطء أبيه أو ابنه لها أو ملكه لها أو إرضاع أمه لها أو أمها له وكان ذلك قبل الدخول في غير المفوّضة أو في المفوّضة بعد الفرض ، وأما إذا كانت المرأة مدخولاً بها فتجب المتعة مع المهر أو كانت مفوضة وفورقت قبل فرض ووطء فتجب لها المتعة فقط . ويشترط في كل من المدخول بها المفوضة أن تكون الفرقة لا بسببها ولا بسببهما ولا بملكه لها . ولا بموت بأن كانت من جهة الزوج كطلاقه ولعانه الخ ما تقدم . أما إذا كانت بسببها كإسلامها وردتها وملكها له وفسخها بعيبه أو فسخه بعيبها أو بسببهما كأن ارتدا معاً أو سبيا معاً أو كانت بملكه لها أو بموت لأحدهما فلا متعة في ذلك لكل من المدخول بها والمفوضة ، بل المهر فقط للمدخول بها . ولا مهر ولا متعة للمفوضة في غير الموت ، أما فيه فيجب المهر لا المتعة كالمدخول بها في الصور المذكورة .
قوله : ( سلم لها ) سلم بوزن فرح من السلامة . قوله : ( وفرقة ) مبتدأ خبره قوله كطلاق . وفي بعض النسخ : وتجب بفرقة الخ ، أي فكما تجري المتعة في فرقة الطلاق تجري في فرقة الفسخ ، حتى لو انفسخ بوطء أبيه أو ابنه وجبت المتعة .
قوله : ( لا بسببها ) أي ولا بسببهما كان ارتدا معاً ولا بسبب ملكه لها ولا بسبب موت لهما أو لأحدهما . وقوله : ( كردته ) أي وحده ؛ لأن المغلب هنا جانبها ، بخلاف تشطير المهر كما مرّ نظراً إلى أن المتعة للإيحاش وفعلها ينافيه ق ل . قوله : ( ويسنّ أن لا تنقص الخ ) لعل محل استحباب ذلك إذا زاد نصف المهر على الثلاثين ، وقد يتعارضان بأن يكون الثلاثون أضعاف مهر المثل فالذي يتجه في رعاية الأقل من نصف المهر والثلاثين . قال جمع : وهذا أدنى المستحب حج ز ي . قال حج : وظاهر كلامهم أن محل هذا حيث لا تنازع ، وإلا فقضية قولهم يقدر القاضي عند التنازع ما يليق بحالهما أنه يجب عليه تقدير ما أدى إليه اجتهاده(4/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
المستند إلى النظر بحالهما وإن زاد على الثلاثين درهماً بل وعلى نصف المهر سم . ويسنّ أن لا تبلغ نصف مهر المثل أي ولو كان النصف ينقص عن ثلاثين درهماً ، فينبغي اعتباره وإن فاتت السنة الأولى لأنه قيل بامتناع الزيادة على نصف مهر المثل اه ع ش على م ر . قوله : ( قدّرها القاضي باجتهاده ) أي وجوباً وإن زاد على مهر المثل ، والمعتمد أنهما إن تراضيا على شيء جاز ولو زاد على مهر المثل بخلاف ما لو فرضها القاضي فإنه لا يجوز له الزيادة على مهر المثل ، وبهذا يجمع بين الكلامين اه ز ي . قوله : ( بحسب ما يليق بالحال ) أي بقدر حالهما أي وقت الفراق اه ع ش .
قوله : ( الوليمة ) ذكرها عقب الصداق ؛ لأن من جملة الولائم وليمة الإملاك الذي هو العقد والصداق ملازم لعقد النكاح فلما ذكر الصداق كأنه ذكر عقد النكاح الذي هو سبب للوليمة .
قوله : ( لأن الزوجين يجتمعان ) الأولى أن يقول كما قال غيره لاجتماع الناس لها على الطعام اه ؛ أي لأن الزوجين لا يجتمعان إلا بعدها لا لها كذا قرره شيخنا ، ولأنه خاص بوليمة العرس ، وما قاله غيره شامل لها ولغيرها . وأجيب بأنه إنما خصّ الزوجين لأن الكلام في وليمة العرس .
قوله : ( لسرور حادث ) قال الراغب : الفرق بين الفرح والسرور أن السرور انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة الصدر عاجلاً وآجلاً ، والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة غير آجلة وذلك في اللذات البدنية الدنيوية . وقد يسمى الفرح سروراً ، لكن على نظر من لا يعتبر الحقائق . ويتصور أحدهما بصورة الآخر اه مناوي . وعبارة ح ل : قوله لسرور كالختان والقدوم من السفر إن طال عرفاً في غير بعض النواحي القريبة ، وخرج بالسرور ما يتخذ للمصيبة فليس من أفراد الوليمة وفي شرح الروض : أن ما يتخذ للمصيبة من أفراد الوليمة وأن التعبير بالسرور جري على الغالب ، وعليه جرى شيخنا ؛ ومن ثم قال : الوليمة اسم لكل دعوة لطعام يتخذ لحادث سرور أو غيره اه . وعبارة شرح م ر : لحادث سرور أو غيره ، فيشمل الوضيمة وهي وليمة الحزن سميت بذلك لما نابهم من الضم .(4/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
قوله : ( من عرس ) أي دخول بالزوجة . وقوله : ( وإملاك ) أي عقد عليها ، فيكون عطفه مغايراً . أو المراد بالعرس أعم من الدخول والعقد والإملاك للعقد ، فيكون عطف خاص على عام . وقيل : العرس العقد والإملاك الدخول ، قال بعضهم : الإملاك بكسر الهمزة مصدر أملكته امرأة بمعنى زوّجته إياها ، قال في المصباح : ملكت امرأة أملكها من باب ضرب زوجتها ويتعدى بالتضعيف والهمزة إلى ثان فيقال ملكته امرأة وأملكته امرأة .
قوله : ( لكن استعمالها الخ ) في الصحاح : الوليمة يدخل وقتها بالعقد فلا تجب الإجابة لما تقدمه وإن اتصل بها ح ل . وانظر هل تسن أو لا ولا تفوت بطلاق ولا موت ولا بطول الزمن فيما يظهر كالعقيقة وتتعدد بتعدد الزوجات أو الإماء ولو في عقد واحد أو دخول واحد وتكفي واحدة قصد بها الجميع وإن تعدد العقد أو الدخول قبل فعلها ؟ وكذا لو أطلق فإن قصد بها واحدة بعينها بقي طلب غيرها . وسئل شيخنا م ر : هل تتداخل الولائم ؟ فقال : نعم تتداخل ق ل .
قوله : ( على العرس ) أي لأجل العرس ، فعلى للتعليل . وعبارة المنهج : الوليمة لعرس الخ ، قال سم : وليس قوله على العرس للاحتراز عن غيره إذ الوليمة مستحبة لغير العرس أيضاً ، بل لأن الكلام فيه ولاختصاص وليمة العرس بوجوب الإجابة إليها . قوله : ( العرس بضم العين ) وأما بكسر العين فهي المرأة ، ومنه قول الشاعر :
تقول عرسي وهي لي في عومره
بئس امرؤ وإنني بئس المره وأما الزوج فيقال له عروس وأما عرسة بالتاء مع كسر العين فالحيوان المعروف المعادي للفأر .
قوله : ( الابتناء ) بموحدة فتاء فوقية فنون هو الدخول بالزوجة والاجتماع بها بعد الإملاك ق ل . قال في المصباح : بنى على أهله دخل بها ، وأصله أن الرجل كان إذا تزوّج بنى للعروس خباءً جديداً وغمره بما يحتاج إليه أو بنى له تكريماً ثم كثر حتى كنى به عن الجماع ، وقال ابن دريد : بنى عليها وبنى بها والأول أفصح . ويطلق العرس أيضاً على طعام الزفاف وليس مراداً هنا ، ونظم بعضهم أسماء الولائم فقال :
وليمة عرس ثم خرص ولادة
عقيقة مولود وكيرة ذي بنا
وضيمة موت ثم إعذار خاتن
نقيعة سفر والمؤدب للثنا(4/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
اه ز ي .
قوله : ( للثناء ) أي لفعل ما يطلق الثناء عليه كختم كتاب أو قرآن فيسمى مأدبة .
قوله : ( مؤكدة ) فغيرها مستحب دونها ، أي أقل منها ، فقيد الاستحباب لا مفهوم له إلا من حيث التأكيد ق ل . قوله : ( ففي البخاري الخ ) هذا وما بعده مثال للفعل . قوله : ( أولم على بعض نسائه ) وهي أم سلمة واسمها هند ، وكانت قبله عند أبي سلمة رضي الله تعالى عنه عبد الله بن عبد الأسد ابن عمته صلى الله تعالى عليه وسلم برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرضاعة ، فلما مات أبو سلمة رضي الله تعالى عنه قال لها رسول الله : ( سَلي الله أن يَأْجُرَكِ في مُصِيبتكِ ويُخْلِفَك خَيْراً ) قالت : ومن يكون خيراً من أبي سلمة ؟ ولما اعتدّت أم سلمة أرسل رسول الله يخطبها مع حاطب بن أبي بلتعة وكان خطبها أبو بكر فأبت وخطبها عمر فأبت فلما جاءها حاطب قالت مرحباً برسول الله تقول له إني امرأة مسنة وإني أم أيتام لأنها رضي الله عنها كان معها أربع بنات برة وسلمة وعمرة ودرة وإني شديدة الغيرة . فأرسل رسول الله يقول لها : ( أما قولك إني امرأة مسنة فأنا أسنّ منك ولا يعاب على المرأة أن تتزوّج أسنّ منها ، وأما قولك إني أمّ أيتام فإن كلهم عولة على الله وعلى رسوله ، وأما قولك إني شديدة الغيرة فإني أدعو الله أن يذهب ذلك عنك ) وفي لفظ : أنها قالت زيادة على ما تقدم : ليس لي ههنا أحد من أوليائي فيزوجني . فأتاها رسول الله فقال لها : ( أما ما ذكرت من أوليائك فليس أحد من أوليائك يكرهني ) فقالت لابنها : زوّج رسول الله فزوجه على متاع منه رحى وجفنة وفراش حشوه ليف قيمة كل المتاع عشرة دراهم ، وقيل أربعون درهماً . قالت : فتزوّجني رسول الله وأدخلني بيت زينب أم المساكين بعد أن ماتت ، فإذا جرة فيها شيء من شعير وإذا رحى وبرمة وقد رأى ظرف الأدم فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته في البرمة فكان ذلك طعام رسول الله وطعام أهله ليلة عرسه وماتت أم سلمة في ولاية يزيد بن معاوية وكان عمرها أربعاً وثمانين سنة ودفنت بالبقيع وصلى عليها أبو هريرة رضي الله تعالى عنه . وذكر بعضهم أن تزويج ولدها لها إنما كان بالعصوبة لأن كان ابن ابن عمها ذكره ح ل في السيرة .
قوله : ( وأنه أولم على صفية ) وهي بنت حيي وكان أبوها رئيس اليهود وكانت تحت ابن عمها ، فرأت أن القمر سقط في حجرها ، فأخبرته بذلك فلطمها على وجهها وقال لها : تزعمين أنك تتزوّجين بملك يثرب فما فتح النبي خيبر وملك غنائمها فجاءه رجل من الصحابة وطلب منه جارية يتسرّى بها ، فقال له : ( اذهب فخذ واحدة ) فأخذها . فقالوا للنبي : إنها لا تصلح إلا لك . فأخذها النبي وأعتقها وجعل عتقها صداقها وتزوّج بها وأولم عليها في رجوعه من خيبر . قال في الخصائص وشرحها : واختص بإباحة اصطفاء أي اختيار ما شاء(4/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
من الغنيمة قبل القسم لها من جارية أو غيرها ؛ ومن صفاياه صفية بنت حيي تصغير حي بن أخطب اليهودي من نسل هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام زوجة سلام بن أبي الحقيق بالتصغير شريف خيبر قتل فسبيت فاصطفاها رسول الله لما ذكر له جمالها . وكانت عروساً ، فخرج بها حتى بلغ الصهباء حلت له أي طهرت من الحيض فبنى بها وصنع حيساً من التمر وسويقاً وهو ما يعمل من الحنطة والشعير وهو معروف عند العرب وضعه في نطع ، ثم قال لأنس : ( ائذن لمن حولك ) فكانت تلك وليمة عليها . وإنما أخذها منه رعاية للمصلحة العامة لأنها بنت بعض ملوكهم ، فخاف من اختصاص دحية تغير خاطر نظرائه ، وكانت رأت أن القمر سقط في حجرها اه مناوي . وجهزتها له أم سليم وأهدتها له من الليل ، وكان عمرها لم يبلغ سبع عشرة سنة فأولم بتمر وسويق . قوله : ( بتمر وسمن وأقط ) وفي السيرة الحلبية : وجعل وليمتها حيساً في نطع صغير ، والحيس تمر وأقط هو لبن غير منزوع الزبد وسمن ؛ ففي البخاري : فأصبح النبي عروساً فقال : ( من كان عنده شيء فليجئني به ) وبسط نطعاً فجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن وجعل الرجل يجيء بالأقط ، وذكر أيضاً السويق . ولا يخفى أن الحيس خلط السمن والتمر والأقط إلا أنه قد يخلط مع هذه الثلاثة السويق ، وهذا يدل على أن الوليمة على صفية كانت نهاراً ، وذهب ابن الصلاح إلى أن الأفضل فعلها ليلاً ؛ قال بعضهم : وهو متجه إن ثبت أنه فعلها ليلاً أي لأحد من نسائه ، وقد جاء : ( لا بُدَّ للعرسِ مِنْ وليم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ة ) قال ع ش على م ر : أي ولم يثبت ذلك فلا يتم الاستدلال على سنها ليلاً بأنه عليه الصلاة والسلام فعلها كذلك اه . قوله : ( وأنه قال لعبد الرحمن ) هذا مثال للقول . قوله : ( أولم ) هو أمر للندب كسائر الولائم ق ل . قوله : ( أقل الكمال ) أي لا أقل على الإطلاق لقول التنبيه الخ . وفعل النبي لها بمدين من شعير بيان للجواز . قوله : ( من الطعام ) المراد بالطعام ما يشمل المشروب .
قوله : ( فيدخل وقتها به ) أي بالعقد ، ولا يفوت بطلاق ولا بموت . وقال بعضهم : فعلها بعد ست أو سبع قضاء فراجعه ق ل . قوله : ( بعد الدخول ) قال الدميري : والظاهر أنها تنتهي(4/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
بمدة الزفاف للبكر سبعاً وللثيب ثلاثاً اه ، أي ففعلها بعد ذلك يقع قضاء فلو قدمها على العقد لم تكن وليمة عرس فلا تجب الإجابة . وينبغي أن يكون التسرّي كالنكاح في استحباب الوليمة ووجوب الإجابة ويستحب تعددها بتعدد الزوجات ولو في عقد واحد كما في العقيقة عن أولاده اه ديربي .
قوله : ( والإجابة إليها واجبة ) أي ولو قبل الدخول وإن خالف الأفضل ، خلافاً لما بحثه في التوشيح . ويسنّ له أن يقصد بإجابته الاقتداء بالسنة وإقامة المطلوب وإكرام أخيه وزيارته ليثاب على ذلك ، ويكون من المتزاورين والمتحابين في الله لاقضاء شهوة ونحو ذلك اه ق ل . قوله : ( تدعى لها الأغنياء ) فيه أن هذا يقتضي أن التخصيص للأغنياء تجب الإجابة معه ، وهو يخالف ما سيصرح به ثم رأيت ابن حجر أجاب بأن الكلام في مقامين بيان ما جبل عليه الناس في طعام الوليمة وهو الرياء أي شأنها ذلك ، وليس من لازم ذلك وجوده بالفعل وبيان ما جبلوا عليه في إجابتها وهو التواصل والتحابّ وهو إنما يحصل حيث لم يظهر منه قصد موغر للقصد ومن شأن التخصيص ذلك اه ح ل .
قوله : ( ومن لم يجب الدعوة الخ ) هذا يقتضي أن الإجابة في الحالة المذكورة واجبة حيث حكم بالعصيان على عدم الإجابة مع أنه إذا خص الأغنياء لا تجب الإجابة . ويجاب بأن المراد ومن لم يجب الدعوة أي الخالية عن تخصيص الأغنياء ووجدت بقية الشروط ، أو أن قوله شر الطعام الخ هذا إخبار من النبي بالغيب لبيان ما جبلت عليه الناس في الولائم من الرياء وليس بلازم وجود ذلك بالفعل أي في كل الولائم ؛ فلذلك قال : ومن لم يجب الدعوة بأن انتفى تخصيص الأغنياء . وقوله : ( ومن لم يجب ) من كلام أبي هريرة فهو مدرج في الحديث ، ووجه الاستدلال به أن النبي سمعه ، وأقره . قال ع ش : وليس هذا أعني قوله : ( ومن لم يجب الخ ) من الحديث وإنما هو مدرج من كلام أبي هريرة ، وإذا كان كذلك فلا يصح الاستدلال به لأن محل الاستدلال ليس من كلام النبي ، إلا أن يقال أقره النبي عليه أو(4/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
أطلع عليه الصحابة وسكتوا عليه فصار إجماعاً سكوتياً . قوله : ( قالوا والمراد الخ ) تبرأ منه لأن لفظ الوليمة عام يشمل العرس وغيره ، فهو عام مخصوص ، أي على أنها وليمة العرس اه . وانظر لم تبرأ منه مع أنه مؤيد بالحديث الآتي ؟ وعبارة ح ل : وجه التبري منه واضح وهو أن هذا التخصيص يحتاج إلى دليل مع مجيء التعميم في الحديث الذي ساقه بعده اه . قوله : ( لأنها المعهودة عندهم ) أي العرب ؛ ولأنها المرادة عند الإطلاق . وقوله : ( ويؤيده ) أي هذا المراد . قوله : ( وأما غيرها من الولائم ) يشمل وليمة التسرّي كما هو ظاهر . قوله : ( لما في مسند أحمد ) هذا لا دليل فيه على الاستحباب بل على عدم الوجوب ، فلو قال لا واجبة لما في مسند الخ لسلم من ذلك . قوله : ( إلا لعذر ) استثناء من وجوب الإجابة . وظاهر نفي الوجوب بقاء الاستحباب ، وليس مراداً بل قد تكره وقد تحرم وسيأتي له ق ل . قوله : ( إلى أكثر شروط ) لو قال إلى كثرة شروط الخ ، لكان أظهر في المراد ، وقد أوصلها بعضهم إلى نحو عشرين شرطاً ق ل . قوله : ( لغناهم ) خرج ما لو خصّ الفقراء لفقرهم فلا يمنع من الوجوب . وقوله : ( أن لا يخص الأغنياء ) صادق بثلاث صور : بأن عم النوعين أو خص الفقراء لفقرهم أو خص الأغنياء لكونهم أهل حرفته أو جيرانه والمراد بهم هنا أهل محلته ومسجده دون أربعين داراً من كل جانب ، فلا يمنع ذلك من وجوب الإجابة . والمراد بالأغنياء هنا من يقصد التجمل بحضوره لنحو وجاهة أو جاه كمشايخ البلدان والأسواق ، فالمراد الغنى عرفاً لا غنى الزكاة أو العاقلة أي المتزينون بالملابس الفاخرة وإن لم يكن عندهم مال أصلاً ، فهم على حد قول القائل :
وما مثله إلا كفارغ بندق
خليّ من المعنى ولكن يفرقع اه ع ش مع زيادة .
قوله : ( أن يكون الداعي ) أي صاحب الوليمة مسلماً ، فلو كان كافراً لم تجب إجابته ، لكن يسن إن رجي إسلامه أو كان قريباً أو جاراً وكذا لا يلزم ذمياً إجابة مسلم مطلقاً سواء كان بينه وبين الداعي قرابة أم صداقة أو لا ؛ ولعل وجه عدم وجوب الإجابة على واحد منهما بدعوة(4/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
الآخر إن طلبها للتودد وهو منتف بين المسلم والذمي . وهذا بالنسبة للدنيا وإلا فهو مكلف بالفروع ، ويحرم ميل القلب للكافر ع ش على م ر مع زيادة . قوله : ( أن يدعوه الخ ) لعل هذا مما لم تحصل الإشارة إليه في كلامه إذ الدعاء في اليوم الثاني ، لا يقال إنه عذر في عدم وجوب الإجابة كما قرره شيخنا وكتب ق ل على قوله في اليوم الأوّل : أي لنوع المدعوّ ، فلو جعل لكل طائفة يوماً وجب عليهم وإن زاد على الثلاثة . قوله : ( فتسن الإجابة في اليوم الثاني ) ما لم يكن فعل ذلك لضيق منزله وكثرة الناس ، وإلا كانت كوليمة واحدة دعى الناس إليها أفواجاً فيجب على من لم يحضر في اليوم الأوّل الإجابة في اليوم الثاني أو الثالث اه ح ل . قوله : ( مطلق التصرف ) خرج السفيه والصبي فلا يجيبه غيره وإن أذن له وليه لعصيانه بذلك ، ثم إن أذن لعبده أن يولم كان كالحر ؛ لكن بشرط أن يأذن له في الدعوة أيضاً قاله م ر وحج . قال سم : هلا جعل إذنه له في الوليمة إذناً في الدعوة أيضاً . قوله : ( وهو أب أو جد ) خرج غيرهما لعدم قدرته على التمليك .
قوله : ( لو لم يحضر ) الأولى لو لم يدعه . وقوله : ( أو طمعاً ) عطف على خوف ، ونصبه بنزع الخافض ، ولو قال : أو طمع لكان أنسب بما قبله وما بعده ق ل . قوله : ( أو طمعاً في جاهه ) بخلاف ما لو دعاه للتودد أو لم يقصد شيئاً فتجب الإجابة فيهما . قوله : ( أو نائبه ) بأن شافهه بالدعوى . وأما لو علم بدعواه من غير النائب فالظاهر عدم الوجوب ، أي ولو كان الداعي أو نائبه صبياً مميزاً ما لم يعهد عليه كذب بلفظ صريح كأحب أن تحضر لا بكناية كإن شئت أن تحضر فافعل أو إذا رأيت أن تجملني فافعل ، وإن قال ذلك على سبيل التأدب أو الاستعطاف مع ظهور الرغبة في حضور المدعوّ ؛ لأن الوجوب يحتاط له فلا يكفي بلفظ محتمل . والقرينة المذكورة غاية ما تقتضي ندب الحضور ، كذا قال بعضهم . وفي كلام شيخنا وجوب الإجابة حينئذ اه ح ل .
قوله : ( وقال ليحضر من أراد ) فلا تجب الإجابة . قوله : ( ويرضى بتخلفه ) أي عن طيب نفس وطلاقة وجه لا بنحو غضب وعبوس ق ل . قوله : ( أجاب أقربهما ) فإن استويا أقرع بينهما . قوله : ( من أكثر ماله حرام ) أي والوليمة من ذلك المال ق ل ، وقوله أكثر ليس قيداً .(4/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
قوله : ( حرمت إجابته ) أي وإن لم يأكل لما فيه من الإعانة على المعصية أو الإقرار عليها . قوله : ( وإلا ) أي إن لم يعلم أن عين الطعام من الحرام ، فلا تحرم الإجابة بل تكره كما قدمه . قوله : ( وتباح الخ ) مستأنف كما قاله م د ؛ لكن عليه لا حاجة لقوله : ( ولا تجب ) فالظاهر أنه من تمام قوله وإلا فلا ، أي فلا تحرم ؛ ولكن تباح الإجابة تأمل ، هكذا قيل والأولى أنه مستأنف وليس راجعاً لقوله وإلا فلا لأنه فيه الكراهة كما تقدم .
قوله : ( إذا كان في ماله شبهة ) أي حرام وإن قلّ . وعبارة م ر في شرحه : وأن لا يكون في مال الداعي شبهة أي قوية بأن يعلم أنّ في ماله حراماً ولا يعلم عينه ولو لم يكن أكثر من ماله حراماً فيما يظهر ، خلافاً لما يقتضيه كلام بعضهم من التقييد ؛ لكن يؤيده عدم كراهة معاملته والأكل منه إلا حينئذ ، ويردّ بأنه يحتاط للوجوب ما لا يحتاط للكراهة لأنه لا يوجد الآن مال ينفك عن شبهة اه . قوله : ( ولكن لا بدّ ) استدراك على كلام الزركشي القائل بعدم الوجوب في زماننا . قوله : ( وليس في موضع الدعوة محرّم ) أي ليأمن معه من الخلوة المحرمة . وهذا القيد قد ينافي قوله الآتي وإن لم يخل بها ، ومن ثم قال ق ل : قوله وليس الخ في هذه الجملة تدافع . وأجيب بأن معنى قوله وليس في موضع الدعوة محرم أي ليأمن معه من ريبة أو تهمة ، فلا ينافي قوله الآتي وإن لم يخل بها .
قوله : ( أو شريراً ) أي كثير الشر . قوله : ( أو متكلفاً ) أي كلف نفسه ما لا يطيق من الطعام الكثير ؛ أفاده شيخنا . قوله : ( في وقت الوليمة ) وهو ما تقدم بأن يدعوه في اليوم الأوّل أو الثاني ، أما لو دعاه قبل وقتها كأن جعلوا الوليمة للعرس قبل العقد فلا تجب الإجابة . ومحل وجوب الإجابة في اليوم الأوّل وسنها في الثاني إذا لم يكن الحامل له على ذلك غرضاً ، أما إذا كان غرض أو عذر كأن جعل لكل طائفة يوماً أو لضيق منزله عن كلهم أو عجزه عن طعام يكفي الجميع دفعة واحدة فتجب الإجابة في جميع الأيام ولو شهراً . قوله : ( وقد تقدّم وقتها ) أي أن أول ابتدائه من حيث العقد وينتهي أداؤها بالأسبوع في البكر والثلاث في الثيب .(4/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
قوله : ( أن لا يكون المدعو قاضياً ) والأوجه استثناء أبعاضه ونحوهم فتلزمه إجابتهم لعدم نفوذ حكمه لهم اه مرحومي . قوله : ( بمرخص ) أي مما يأتي هنا فلا ينافي أن من جملة أعذار الجماعة الجوع والعطش ، وليس عذراً هنا لوجود ذلك في مقصده م د . قوله : ( كالأراذل ) والزحمة والعداوة كذلك على المعتمد إن تضرر اه ز ي . والمراد بالأراذل الأراذل في أمور الدنيا أما في الدين فتحرم مجالستهم ق ل . قوله : ( أمرد ) أي جميلاً ، بدليل تقييده بخوف نحو ريبة . وسيأتي أن المرأة المدعوة كذلك ق ل . وعبارة الشوبري : وغيره ومن العذر كونه أمرد جميلاً يخشى عليه من ريبة أو تهمة وإن أذن الولي كما بحثه الأذرعي ، وكون النساء بنحو أسطحة الدار ومرافقها بحيث ينظرن للرجال أو يختلطن بهم ولو أمكنه التحرز عن رؤيتهنّ له كتغطية رأسه ووجهه بحيث لا يرى شيء من بدنه لما فيه من المشقة ووجود من يضحك الناس بالفحش والكذب . قوله : ( ريبة أو تهمة ) الفرق بينهما أن الريبة هي التي لا تكون بمجرد التوهم بل بالظن ، بخلاف التهمة فهي أدون منها ، والقالة أن ينسب إليه قول لا يليق به كغيبة أو نميمة . قوله : ( أن لا يكون هناك منكر ) أي ولو في اعتقاد المدعو فقط كفرش حرير للرجال وشرب نبيذ ، نعم يجوز الحضور إن اعتقد الفاعل الجواز كالحنفي في المثالين لكنه إذا حضر لا ينكر كما هو معلوم من قاعدة إنّ شرط الإنكار كون المنكر مجمعاً عليه أو يعتقد الفاعل حرمته . وقضية ذلك سقوط الوجوب دون الجواز فيما لو كان هناك مالكي يتطهر بالمستعمل أو حنفي يترك الطمأنينة في الصلاة ولو كان الفاعل يرى التحريم دون المدعو ، فالوجه سقوط الوجوب وحرمة الحضور إذ حضور المنكر ولو في اعتقاد الفاعل فقط لغير إنكاره حرام لأن فيه إقراراً على المعصية وهو حرام اه سم . وقوله : ( ولو في اعتقاد المدعو فقط ) ولا ينافيه ما يأتي في السير أن العبرة في الذي ينكر باعتقاد الفاعل تحريمه ؛ لأن ما هنا في وجوب الحضور ووجوبه مع وجود محرّم في اعتقاده فيه مشقة عليه فسقط وجوب الحضور لذلك ، وأما الإنكار ففيه إضرار بالفاعل ولا يجوز إضراره إلا إذا اعتقد تحريمه بخلاف ما إذا اعتقد المنكر فقط لأن أحداً لا يعامل بقضية اعتقاد غيره اه حج اه س ل . قوله : ( والضرب بالملاهي ) أي آلة لهو يسمعها أو يعلم أنها تضرب في ذلك الوقت وإن لم تكن بمحل حضوره بأن كانت ببيت من بيوت الدار ، بخلاف ما إذا كانت بجواره اه ح ل . وعبارة س ل : ولا فرق في ذلك بين أن يكون بمحل الحضور أو ببيت آخر من الدار على ما اعتمده الأذرعي والسبكي . وفرق بينه وبين(4/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
الجار بأن في مفارقة داره ضرراً عليه ولا فعل منه بخلاف هذا ، فإنه تعمد الحضور بمحل المعصية بلا ضرورة . قال ابن حجر : وما قالاه ، أي الأذرعي والسبكي ، من أنه لا فرق بين كون آلات اللهو في محل الحضور أو غيره هو الوجه الذي لا يسوغ غيره ، وتسليم أن قضية كلام الأولين الحل أي فيما إذا لم يكن بمحل الحضور يتعين حمله على ما إذا كان ثم عذر يمنع من كونه مقراً على المعصية من غير ضرورة اه . قال ع ش : قوله : ( فإنه تعمد الحضور الخ ) قضيته أنه لو حضر على ظن أن لا معصية بالمكان ثم تبين خلافه كأن حضر مع المجتمعين في محل الدعوة ثم سمع الآلات في غير المحل الذي هو فيه أو حضر أصحاب الآلات بعد حضوره لمحل الدعوة عدم وجوب الخروج عليه ، والظاهر خلافه أخذاً بقولهم من سوء الظن بالمدعو الخ اه . قوله : ( وجب حضوره للدعوة ) عبارة شرح المنهج : هذا إن لم يزل أي المنكر به أي المدعو وإلا وجبت أو سنت إجابته إجابة للدعوى وإزالة للمنكر اه . وقوله إجابة للدعوى راجع للوجوب والسنية وكذا قوله وإزالة للمنكر . ولا يقال إزالة المنكر تقتضي الوجوب لا الندب ؛ لأنا نقول سنها من حيث إنها إجابة لوليمة غير عرس ووجوبها من حيث إن في الإجابة إزالة للمنكر ففي وليمة العرس تجب الإجابة من الحيثيتين وفي وليمة غيره تسن من حيث الوليمة وتجب من حيث إزالة المنكر فلا تنافي .
قوله : ( فرش غير حلال ) هذا لا يتناول نصبه على الجدران مع أنه حرام على الرجال والنساء . قال الزركشي : ومحله بالنسبة للحضور ، أما مجرد الدخول فلا يحرم بل يكره كما في الشرح الصغير عن الأكثرين فما في غيره عنهم من التحريم ضعيف ، أما دخول محل ببابه أو ممره صور محرمة فلا يكره لأن كلاًّ منهما محل امتهان لا يعظم فأشبه الأرض ؛ قاله الرافعي ، بخلاف ما لو كانت بحجرة أو بيت آخر من محل الدعوة وإن كان في غيرها منها على الأوجه بل الصواب لأنه منكر ، ففي حضور الدار التي هو فيها إقرار عليه . قال السبكي : كان شيخنا ابن الرفعة في أيام زينة المحمل لا يشقّ المدينة ولا ينظر إلى زينتها لأنه كان يفتي بتحريم ذلك اه . ويتجه أن محل حرمة المرور أيام الزينة حيث لا حاجة ويسهل عليه المرور بغير محلها ولم يكن فاعلوها مكرهين على التزيين بخصوص المحرّم اه ابن حجر . وجمع شيخنا الرملي بين ما في الشرح الصغير وما في الكبير فقال : هما مسألتان ، فالدخول مكروه وعليه يحمل ما في الشرح الصغير والحضور محرم وعليه يحمل ما في غيره اه ز ي . قال ابن العماد : ومتى جلس شهود النكاح على الحرير فسقوا ولا يصح العقد بهم ، وأما ستر الجدران به ونصبه وفرش جلود النمور فحرام على الرجال والنساء لما فيه من الخيلاء والكبر اه ع ش . والمزركش بالنقد كذلك وخرج بالفرش بسطه على الأرض يداس ورفعه على عود أو فوق حائط مثلاً فلا حرمة .(4/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
فرع : قال شيخنا : وعلم مما ذكر أن ما يقع في مصر من الزينة بأمر وليّ الأمر أنه يحرم التفرج عليه والمرور عليه إلا لحاجة مع الإنكار ، ويحرم فعله إلا القدر الذي يحصل الإكراه عليه ؛ ونازعه بعضهم في بعض ذلك فراجعه ق ل .
قوله : ( وصورة حيوان ) ولو لما لا نظير له كبقر له منقار أو جناح ق ل وح ل . قوله : ( في غير أرض ) بأن كانت مرفوعة كأن كانت على سقف أو جدار أو ثياب ملبوسة أو وسادة منصوبة . وخرج بما ذكر صور حيوان مبسوطة كأن كانت على بساط يداس ومخادّ يتكأ عليها أو مرفوعة ، لكن قطع رأسها ، وصور شجر وشمس وقمر فلا يمنع طلب الإجابة ، فإن ما يداس منها ويطرح مهان مبتذل وغيره لا يشبه حيواناً فيه روح ، بخلاف صور الحيوان المرفوعة فإنها تشبه الأصنام اه شرح المنهج . وقوله : ( أو ثياب ملبوسة ) قال م ر في شرحه تبعاً لابن حجر : المراد به الملبوس بالقوة أعني ما شأنه أن يلبس ، ومنه الموضوع على الأرض لا ليداس ؛ ثم قالا : ويجوز لبس ما عليه صوره ذلك الحيوان ودوسه ووضعه في صندوق أو مغطى ، وقوله : ( منصوبة ) وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء : أنه امتنع من الدخول على عائشة رضي الله تعالى عنها من أجل النمرقة التي عليها التصاوير فقالت : أتوب إلى الله ورسوله ماذا أذنبت ؟ فسألت عن سبب امتناعه من الدخول ، فقال : ( ما بال هذه النمرقة ؟ ) قالت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها ، فقال رسول الله : ( إن أصحاب هذه التّصاوير يُعَذَّبون يوم القيامة يقال لهم أحْيُوا ما خَلَقْتُمْ ) متفق عليه . والنمرقة وسادة صغيرة ، أي فهي كانت منصوبة حينئذ أي حين إرادة دخوله . وقوله : ( والنمرقة ) بالضم للمفرد وتجمع على نمارق وهي الوسائد جمع وسادة ؛ قال ابن مالك :
وبفعائل اجمعن فعاله
الخ .
وقوله : ( لكن قطع رأسها ) وكقطع الرأس هنا فقد كل ما لا حياة بدونه . وقضية ذلك أن فقد النصف الأسفل كفقد الرأس لأنه لا حياة للحيوان بدونه ، وبه صرح ح ل . وعبارة ابن حجر : وكفقد الرأس فقد ما لا حياة بدونه ، نعم يظهر أنه لا يضر فقد الأعضاء الباطنة كالكبد وغيره لأن الملحظ المحاكاة وهي حاصلة بدون ذلك اه . ويظهر أيضاً أنّ خرق نحو بطنه لا يجوز استدامته وإن كان بحيث لا يبقى معه الحياة في الحيوان أي ذلك لا يخرجه عن المحاكاة ولا شيء لمصوّر ، وقول الماوردي له أجرة المثل ضعيف بل شاذ ولا أرش على كاسره . وتصوير الحيوان حرام مطلقاً ولو على أرض ولو بلا رأس أو من طين أو حلاوة ويصح بيعها ، ولا يحرم التفرج عليها ولا استدامتها كما قاله الرملي ، وخالفه الزيادي في الأخيرين فحرمهما ؛ وهو كبيرة لما فيه من الوعيد لخبر البخاري : ( أشَدُّ الناس عَذَاباً يَوْمَ القيامة الذين يصوِّرون هذه(4/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
الصُّوَرَ ) أي من أشدهم وفي رواية : ( إنّ الملائكة لا تَدْخُلُ بيتاً فيه كلبٌ ولا صُورَةٌ ) والمراد ملائكة الرحمة . وفي رواية زيادة : ( نحَوْ الجَرَسِ وما فيه بَوْلٌ مَنْقُوعٌ ) قال ع ش على م ر : والذي أفتى به الشهاب الرملي أن ملائكة الرحمة لا تمتنع من دخول بيت فيه صورة ولو على نقد ، وخالفه ابن حجر في الزواجر ، والأقرب ما في الزواجر ؛ ووجهه أن حمل النقد والتعامل به وإن كان عليه صورة إنما هو للعذر في الاحتياج إليه وعدم إرادة تعظيمه والعذر في الاحتياج والضرورة لا يزيد على ملازمة الحيض للحائض ، ومع ذلك ورد النص بأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه حائض اه . ويستثني لعب البنات وكذا الصبيان ، أي الذين يلعبون به من تصوير شكل يسمونه عروسة ؛ لأن عائشة كانت تلعب بها عنده أي ببيت أبيها قبل أن ينقلها عليه الصلاة والسلام في بيته ، كذا قال بعضهم . ولا مانع من كون ذلك كان ببيته أيضاً إلا أن يكون ذلك هو المنقول ، ثم رأيت نقلاً عن شيخنا العزيزي ما نصه : وورد أن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بما ذكر في ابتداء أمرها أي حين كانت صغيرة وكان النبي يحضر عندها في بيت أبيها ؛ لأنه ورد أنها قال : ما انقطع عنا النبي في اليوم مرتين ، أي كان يأتينا البيت أوّل النهار وآخره ، أي فليس لعبها بما ذكر كان بعد التزويج لأن النبي حين أخذها بيته كان عمرها تسع سنين اه .
واعلم أن التفرج على الجلود المصوّرة التي يقال لها خيال الظل حلال على المعتمد عند الرملي وغيره خلافاً لمن قال بالحرمة . وما أحسن ما قاله بعضهم :
رأيت خيال الظل أكبر عبرة
لمن هو في علم الحقيقة راقي
شخوص لأرواح تمر وتنقضي
نرى الكل يفنى والمحرك باقي
اه .
قوله : ( ومخدة ) أي يتكأ عليها ، وهي بكسر الميم . قوله : ( فكما ذكرنا في الرجال ) كلامه الأول ربما يشملها ق ل . قوله : ( عن الأذرعي ) لم يتقدم له نقل ذلك عن الأذرعي فلعله في الواقع منسوب له فظن أنه عزاه له تأمل . قوله : ( وأولى ) أي من الأمرد . قوله : ( خرق ) أي رفع فيه السياج أي الحياء ، قال في المصباح : السياج بالسين المهملة وبالجيم ما أحيط به على(4/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
الكرم ونحوه من الشوك ونحوه والجمع أسوجة وسوج ، والأصل بضمتين مثل كتاب وكتب ؛ لكن سكنت الواو استثقالاً للضمة اه . ففي كلام المصنف استعارة تصريحية حيث شبه الحياء بالسياج بجامع أن في كل منعاً فالحياء يمنع من الفواحش ، والسياج يمنع الطارق . والخرق ترشيح . وإضافة بحر إلى فساد من إضافة المشبه به إلى المشبه أي فساده الذي هو كالبحر في الكثرة . قوله : ( ولا تسقط إجابة بصوم ) واجب أو مندوب ، أشار بهذا إلى أن الصوم ليس من الأعذار لأن الواجب الحضور لا الأكل كما في القسم فإن الواجب الحضور للإيناس لا للجماع ، وقيل : يجب الأكل ولو لقمة واحدة كما في شرح مسلم للنووي .
فرع : لو دعاه في نهار رمضان للحضور نهاراً لم تجب الإجابة ، فإن أراد فليدعهم عند الغروب ؛ قاله البلقيني . وعبارة شرح م ر : واستثنى منه البلقيني ما لو دعاه في نهار رمضان والمدعوون كلهم مكلفون صائمون فلا تجب الإجابة إذ لا فائدة إلا مجرد نظر الطعام والجلوس من أول النهار إلى آخره مشق اه .
قوله : ( فالفطر له أفضل ) ويندب كما في الإحياء أن ينوي بفطره إدخال السرور عليه ؛ شرح م ر . قوله : ( ويأكل الضيف ) المراد به هنا كل من حضر طعام غيره وحقيقته الغريب ، ومن ثم تأكد ضيافته وإكرامه من غير تكلف خروجاً من خلاف من أوجبها شوبري . قوله : ( مما قدم له ) فلا يجوز له الأكل مما خص به غيره عالياً كان أو سافلاً ، وأفهمت من حرمة أكل جميع ما قدم له ، وبه صرح ابن الصباغ . ونظر فيه إذا قل واقتضى العرف أكل جميعه ، والذي يتجه النظر في ذلك للقرينة القوية فإن دلت على أكل الجميع حل وإلا امتنع وصرح الشيخان بكراهة الأكل فوق الشبع وآخرون بحرمته ، ويجمع بينهما بحمل الأول على مال نفسه الذي لا يضره والثاني على خلافه ويضمنه لصاحبه ما لم يعلم رضاه به كما هو ظاهره اه ابن حجر . والأحسن أن يقال : إن التحريم محمول على حالة الضرر سواء كان من ماله أو من مال غيره ، والقول بالكراهة على غيرها كما يؤخذ ذلك من قول الشارح الآتي ؛ وإنما حرمت لأنها مؤذية للمزاج ، فالحكم يدور مع هذه العلة لا على كونه من مال نفسه أو غيره على ما اعتمده زي . وفي شرح الروض : قال ابن عبد السلام : ولو كان يأكل كعشرة مثلاً ومضيفه جاهل بحاله لم يجز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في مقدار الأكل لانتفاء الإذن اللفظي والعرف فيما وراءه ، قال : فلو كان الطعام قليلاً فأكل لقماً كباراً مسرعاً حتى يأكل أكثر الطعام ويحرم أصحابه لم يجز له ذلك اه . وقوله : ( عالياً كان أو سافلاً ) أي فيحرم على من خص بالسافل إكرام غيره مطلقاً أو قبل كفايته مثلاً ، ومنه تناقل الأواني بالأطعمة ، ولو انكسرت ضمنوها لأنها عارية ق ل . وعبارة شرح م ر : فيحرم على ذي النفيس تلقيم ذي الخسيس دون عكسه ما لم تقم قرينة(4/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
على خلاف ذلك ، والمفاوتة بينهم مكروهة أي إن خشي منها حصول ضغينة اه . وقوله : ( واقتضى العرف أكل جميعه ) وعليه جميعه وعليه حمل ما في الحديث : ( الإناءُ تَسْتَغْفِرُ لِلاَعِقِهَا ) والسرّ فيه أن في لحس الإناء تواضعاً وفي تركه تكبراً ، ثم إن الاستغفار من الإناء يحتمل أن يكون حقيقة كما أنه يسبح الله ، ويحتمل أن يكون المراد أنه يكتب للاحسه أجر مستغفر مدة لحسه للإناء . وذكر بعضهم أن الإناء لا يزال يستغفر للاحسه حتى ينزله طعام آخر اه ابن العماد .
قوله : ( بلا لفظ ) إن لم يكن هناك انتظار لغيره . قوله : ( ولا يتصرف فيه ) أي ولا يجوز فيحرم أن ينقله لغيره أو بإطعام نحو هرة منه ، ولا يطعم منه سائلاً إلا إن علم الرضا به بخلاف الضيافة المشترطة على الذمي .
قوله : ( ويملك الضيف الخ ) أي ملكاً مراعى ، بمعنى أنه إذا أكله أكل مملوكاً له ، ولا يتم ملكه إلا بالازدراد فلا يسوغ له إن أخرجه من فمه التصرف فيه بغير الأكل ، فلو حلف لا يأكل طعام زيد فضيفه زيد وأكل فإنه لا يحنث لأنه إنما أكل ملكه لا ملك زيد . وكتب ق ل على قول الشارح : ( بوضعه في فمه ) . هذا ما اعتمده الشارح ، وهو كذلك لكن لا يتم ملكه عليه إلا بالازدراد ، فلو لفظه قبله عاد لمالكه اه . ومثله في حاشيته على الجلال ، ثم قال : نعم ما يقع من تفرقة نحو لحم على الأضياف يملكه ملكاً تاماً بوضع يده عليه ، وكذا الضيافة المشروطة على أهل الذمة يملكها بوضعها بين يديه فله الارتحال بها والتصرف فيها بما شاء ؛ قاله شيخنا م ر . قال شيخنا : وكذا لو فعل الضيف فيما قدم له فعلاً يسري إلى التلف وفيه وقفة اه . وفيها أيضاً فرع لا يضمن الضيف ما قدم له من طعام وإنائه وحصير يجلس عليه ونحوه سواء قبل الأكل وبعده ولا يلزمه دفع نحو هرة عنه ويضمن إناء حمله بغير إذن ويبرأ بعودة مكانه اه .
قوله : ( وللضيف أخذ ما يعلم رضا المضيف به ) شمل الطعام والنقد وغيرهما . وتخصيصه بالطعام رده النووي في شرح مسلم فتفطن له ولا تغتر بمن وهم فيه ؛ ابن حجر زي . ولو دخل على آكلين فأذنوا له لم يجز له الأكل إلا إن ظن أنه عن طيب نفس لا لنحو حياء ، ومن ثم حرم إجابة من عرّض بالضيافة تجملاً وأكل هدية من ظن منه أنه لا يهدي إلا خوف المذمة . ولو تناول ضيف إناء طعام فانكسر منه ضمنه كما بحثه الزركشي لأنه في يده في حكم العارية اه ابن حجر ز ي . وسمي الضيف ضيفاً باسم ملك يأتي برزقه لمن يضيفه قبل مجيئه بأربعين يوماً وينادي فيهم : هذا رزق فلان كما ورد في الخبر ، مأخوذ من الضيافة وهي الإكرام ، وهو في الأصل الغريب ومن ثم تأكدت ضيافته . وإكرامه من غير تكلف خروجاً من(4/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
خلاف من أوجبها ، والمراد به هنا من أكل طعام غيره مع ظن رضاه . وضده الطفيلي ، منسوب إلى طفيل رجل من غطفان كان يحضر وليمة كل عرس من غير دعوة ، مأخوذ من التطفل وهو حضور طعام الغير بغير دعوة وبغير علم رضاه ؛ فهو حرام ، فلو دعا عالماً أو صوفياً فحضر بجماعته حرم حضور من لم يعلم رضا المالك بهم اه ق ل . وقوله : ( فهو حرام ) بل يفسق به إن تكرر للخبر المشهور : ( يَدْخُلُ سارقاً ويَخْرُجُ معيراً ) وإنما لم يفسق بأول مرة للشبهة شرح م ر . وقوله : ( يدخل سارقاً ) وعليه فلو دخل وأخذ ما يساوي ربع دينار قطع إن دخل بقصد السرقة وإلا فلا ، كذا نقل عن شيخنا العلامة الشوبري ، وفيه وقفة ؛ بل ينبغي أن يقطع مطلقاً لأنه لم يؤذن له في الدخول بخلاف نحو داخل الحمام فإنه مأذون له في الدخول على ذلك الوجه اه ع ش على م ر .
قوله : ( ويحل نثر سكر ) هو الرمي مفرّقاً وغيره . قوله : ( في الإملاك ) بكسر الهمزة وفي سببية أي بسبب إملاك وهي وليمة عقد النكاح ، وفي المختار : الإملاك التزوّج وقد أملكنا فلاناً فلانة أي زوجناه إياها ، وعبارة شرح م ر : في إملاك أي عقد النكاح . قوله : ( ولا يكره النثر في الأصح ) نعم إن ظن ازدحام السفلة المضرّ بهم حرم كما هو ظاهر ابن حجر ز ي ومثله التمر والذهب والفضة وغيرها .
قوله : ( ولكن تركه أولى ) عبارة شرح المنهج : وتركهما أي ترك ذلك والتقاطه أولى لأن الثاني يشبه النهبة والأول تسبب إلى ما يشبهها ، نعم إن عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض ولم يقدح الالتقاط في مروءة الملتقط لم يكن الترك أولى ويكره أخذ النثار من الهواء بإزار وغيره ، فإن أخذه منه أو التقطه أو بسط حجره له فوقع فيه ملكه وإن لم يبسط حجره لم يملكه لأنه لم يوجد منه قصد تملك ولا فعل ، نعم هو أولى به من غيره . ولو أخذه غيره لم يملكه ولو سقط من حجره قبل أن يقصد أخذه أو قام فسقط بطل اختصاصه به ، ولو نفضه ، فهو كما لو وقع على الأرض اه . وقوله : ( لم يملكه ) لبقائه على ملك الناثر ولم يأذن في أخذه لغيره ممن هو أولى به ، ذكره ح ل وز ي ؛ وفيه تأمل . وعبارة شيخنا العزيزي : لم يملكه أي لأن أصله مملوك وقد وقع مع شخص هو أولى به ، وهذا بخلاف ما ذكروه في الإحياء من أنه لو تحجر على أرض وأحياها غيره فإنه يملكها أو أن صيداً دخل في ملك شخص فدخل غيره وأخذه فإنه يملكه ، بخلاف ما ذكر هنا كما تقدّم لأن النثار أصله مملوك اه . وعبارة م ر : وحيث كان أولى به وأخذه غيره ففي ملكه وجهان جاريان : فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره ، وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه وفيما إذا أحيا ما تحجره غيره ؛ لكن الأصح في الصور كلها الملك كالإحياء ما عدا النثار لقوّة الاستيلاء فيها اه .(4/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
تتمة : سئل السيوطي عن حكم بوس الخبز ودوسه . فأجاب بأن بوسه من البدع المباحة فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن ، قال : ودوسه مكروه كراهة شديدة بل مجرد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه لحديث ورد فيه اه . وصورة السؤال والجواب في حواشي التحفة لابن قاسم .
قوله : ( ويسنّ للضيف أن يدعو للمضيف الخ ) أي بدعاء رسول الله بأن يقول : ( أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم ملائكة الله الأخيار وذكركم الله فيمن عنده وأفطر عندكم الصائمون ، اللهم اخلف على باذليه وهنّ آكليه واطرح البركة فيه ) .
3 ( ( فصل : في القسم والنشوز ) ) 3
ذكر القسم عقب الوليمة نظراً إلى المتعارف من فعلها قبل الدخول ، فهو عقبها وإن كان الأفضل تأخيرها عنه كما مر . وعقبه بالنشوز لأنه يقع بعده غالباً ، وجمعهما لأنه يلزم من نفي أحدهما وجود الآخر وعكسه ، والصحيح أنه لم ينسخ وجوب القسم في حقه فهو كغيره فيه وفي عدد الطلاق وفي منعه تزوّجه في عدّة غيره وتحريم جمعه بين نحو الأختين ق ل على الجلال . ووجوب القسم مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة فيكفر جاحده ، فإن تركه مع اعتقاده وجوبه فسق .
قوله : ( والنشوز ) معناه لغة الارتفاع سمي به الخروج عن الطاعة لأن فيه ارتفاعاً عن أداء الحق إلى الغير ؛ ويطلق لغة أيضاً على الخروج عن الطاعة مطلقاً ، قال تعالى : ) وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً } ) النساء : 128 ) وشرعاً الخروج عن طاعة الزوج ، وهو مأخوذ من نشز إذا ارتفع لأن فيه ارتفاعاً عن أداء الحق . وعبارة شرح الروض في عشرة النساء والقسم والشقاق : وعلى هذا قيل كان ينبغي له أن يزيد في الترجمة وعشرة النساء لأنه مقصود الباب . وأجيب بأن من لازم بيان أحكام القسم والنشوز بيان بقية أحكام عشرة النساء أي بعض تلك الأحكام لا كلها فيغني القسم والنشوز عن عشرة النساء ، قال في شرح الروض :(4/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
ويسمى النشوز شقاقاً ، لأن الإنسان إذا بغض شخصاً يعطيه شقه اه . وحقوق الزوج عليها طاعته وملازمة المسكن وحقوقها عليه المهر والقسم والنفقة ونحوها ، وأما المعاشرة بالمعروف فهي حق لكل منهما على الآخر ق ل على الجلال .
قوله : ( مصدر قسمت الشيء ) أي جزأته والمراد به هنا العدل بين الزوجات . قوله : ( بالكسر ) أي مع سكون السين وبفتحها أي السين جمع قسمة ؛ قال ابن مالك : ولفعلة فعل . قوله : ( الخروج عن الطاعة ) أي ولو من الرعية على الإمام ؛ لأن الكلام هنا في المعنى اللغوي الأعم اه شيخنا .
قوله : ( لزوجتين أو زوجات ) لو قال : يجب القسم لزوجات لكان أخصر كما في المنهج ، والمراد بقوله زوجات أي حقيقة فلا دخل للرجعية . وشمل قوله زوجات لو كنّ من الجن أو بعضهن من الإنس والبعض الآخر من الجن فتستحق الجنية القسم وإن جاءت على غير صورة بني آدم حيث عرف أنها زوجته ؛ لأنها لا ترى على صورتها الأصلية فتزوّجه بها مع العلم بأنها إنما تجيء على غير صورتها الأصلية رضا منه بمجيئها على أيّ صورة كانت كما قاله ع ش على م ر .
فرع : لا فرق في وجوب القسم بين المسلمة والذمية ذكره في البيان .
قوله : ( ولو كنّ إماء ) بأن تزوّج رقيق أمتين فيجب عليه القسم بينهما ، أو تزوّج حر بالشروط أمة فسقمت ثم تزوّج أمة أخرى فيجب عليه القسم بينهما .
قوله : ( فلا مدخل لإماء غير زوجات ) قال م ر ولا يجب القسم بين الزوجات والسرّية بل يجوز أن يخص السرية بالمبيت ويعطل الزوجة .
قوله : ( فيه ) أي في القسم كما قاله الشوبري ، والأحسن رجوع الضمير لوجوب القسم إذ رجوعه للقسم يوهم أنه لا دخل لهن لا وجوباً ولا ندباً مع أنه يندب لهن كما صرح به شيخ الإسلام في شرح المنهج بقوله : ( فلا يجب القسم ) يعني في ملك اليمين ؛ لكنه يسن كي لا يحقد بعض الإماء على بعض والحقد البغض والجمع أحقاد .
قوله : ( أن لا تعدلوا ) أي في الواجب فلا يتعارض مع آية : ) ولن تستطيعوا أن تعدلوا } ) النساء : 129 ) لأنه في المندوب أو الأعم ، أو الآية الأولى في القسم الحسي الآتي في كلام(4/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
المصنف والثانية في المعنوي المتعلق بالقلب كالمحبة ؛ وعليه حديث : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تُؤَاخِذْني فيما تَملكُ ولا أَمْلِكُ ) ق ل على الجلال . قوله : ( فواحدة ) أي فانكحوا واحدة ، وقوله : أو ما ملكت أي أو ائتوا ما ملكت أيمانكم فهو على حد قوله :
علفتها تبناً وماء باردا
وعبارة المدابغي : قوله : ( في البيت ) قيد به لقول المصنف التسوية لأنه ظاهر في مقدار الزمان ، وإلا فالقسم واجب نهاراً ، لكن لا تجب فيه التسوية في الزمان . ولو أسقطه أو عممه لكان أولى لما يأتي ق ل . وعبارة المنهج : ولا تجب التسوية في إقامة غير أصل اه ولا تجب التسوية بينهنّ في التمتع ولا في الكسوة كما أفاده شيخنا العزيزي .
قوله : ( الحرائر ) أي أو الإماء لأنهنّ إذا انفردن فهنّ كالحرائر فكان عليه أن يزيده . قوله : ( واجبة ) أي في حق غيره ، وأما هو فلا يجب عليه فقد قال في الخصائص وشرحها : واختص بإباحة ترك القسم بين أزواجه أي عدم وجوبه في أحد الوجهين لأن في وجوب القسم عليه شغلاً عن لوازم الرسالة ، وهو قول الإصطخري ، وصححه الغزالي في الخلاصة ، واقتصر عليه في الوجيز ، واختاره البلقيني ، وتبعه المؤلف حيث قال : وهو المختار لقوله تعالى : ) ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء } ) الأحزاب : 51 ) أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها ، وتقرّب من تشاء فتقسم لها على أحد التفاسير ؛ ولما أخرجه أحمد والشيخان والأربعة عن أنس : ( كان يطوف على جميع نسائه في ليلة واحدة بغسل واحد ) والطواف كناية عن الجماع عند الأكثر ، قال ابن حجر : وفيه أن القسم لم يكن واجباً عليه وهو قول جمع شافعية والمشهور عندهم كالجمهور الوجوب وهو الذي قال به العراقيون والشيخ أبو حامد والبغوي ، وهو الأصح لقوله : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تَملكُ ولا أَمْلِكُ ) رواه ابن حبان وغيره وصححه الحاكم على شرط مسلم . وقوله : ( ولا أملك ) وهو الحب القهري . وأجاب الجمهور عن الحديث الأول بأنه كان قبل وجوب القسم وبأنه برضا صاحبة النوبة وبأنه كان عند قدومه من سفر ، قال في الخادم : وما ذهب إليه العراقيون نص عليه في الأم فقال ولا نعلم حال الناس يخالف حال النبي ، فمن ذلك أنه كان يقسم لنسائه فإذا أراد سفراً أقرع بينهنّ فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها معه اه مناوي على الخصائص وعبارة القسطلاني . وأما وطء الكل في ساعة فلأن القسم لم يكن واجباً عليه كما هو وجه لأصحابنا الشافعية وجزم به الإصطخري ، أو أنه لما رجع من سفر وأراد القسم ولا واحدة أولى من الأخرى بالبداءة بها وطىء الكل ، أو كان ذلك(4/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
باستطابتهنّ أو الدوران كان في يوم القرعة للقسمة قبل أن يقرع بينهنّ . وقال ابن العربي : أعطاه الله تعالى ساعة ليس لأزواجه فيها حق يدخل فيها على جميع أزواجه فيفعل ما يريد بهنّ وفي مسلم أن تلك الساعة كانت بعد العصر ، واستغرب هذا الأخير ابن حجر وقال : إنه يحتاج إلى ثبوت ما ذكره مفصلاً اه بحروفها اه .
قوله : ( على الزوج ) أي بنفسه إن كان بالغاً عاقلاً وإن كان به عنة أو مرض أو جبّ وعلى وليّ الصبي المطيق للوطء فإن جار فالإثم على وليه وعلى وليّ المجنون أن يدور به إن كان له فيه مصلحة كأن ينفعه الجماع بقول أهل الخبرة ، ومثل ذلك مطالبة بعض الزوجات بقضاء حقها من قسم وقع منه أي بأن جنّ الزوج بعض قسمه لبعض نسائه فإن الولي يطوف به على الباقيات ولا قضاء عليه وإن أثم به الولي اه ق ل . وقد ورد في الخبر الصحيح : ( إذا كان عِنْدَ الرجلِ امْرَأَتانِ فلم يَعْدِلْ بينهما جَاءَ يوم القيامة وشِقُّهُ مائل أو سَاقِطٌ ) وقد كان في غاية من العدل في القسم . قوله : ( فللحرة ليلتان وللأمة ليلة ) ولا يجوز أقل من ذلك ولا أكثر ؛ ولهذا كان التعبير بما قاله معتبراً بخلاف من عبر بقوله ولحرة مثلاً أمة اه ق ل ؛ أي لأن ذلك صادق بأن يجعل للأمة ثلث ليلة وللحرة ثلثيها وصادق بأن يجعل للأمة ليلتين وللحرة أربعاً مع أنه لا يجوز الزيادة على الثلاثة إلا بالرضا . ولو بات عند واحدة محرماً وعند واحدة حلالاً فقد أدى حقها لحصول الأنس . فإن قلت : كيف يتصوّر اجتماع الحرة والأمة ؟ قلت : يتصوّر بصور : منها إذا كان الزوج رقيقاً ، ومنها ما إذا نكح الأمة أوّلاً ثم أيسر بعد نكاحها ونكح الحرة عليها ، ومنها ما لو كانت الحرة لا تصلح للتمتع فإنها لا تمنع نكاح الأمة ، ومنها ما لو كانت لقيطة أقرت بعد نكاحها بالرق ، فهذه صور تجتمع فيها الحرة مع الأمة ز ي . قوله : ( أو لم تفتح له الباب ) واعترض بأن ذلك من الخدمة وهي لا يجب عليها إلا ملازمة البيت والتمكين . وأجيب بأنها كانت قفلته أو أن المراد لم تمكنه من الفتح لكون المفتاح معها أو أنه أراد قضاء حاجته منها وتوقف على الفتح كما قرره شيخنا . قوله : ( لا تستحق قسماً ) وهل له أن يبيت عندها أو لا ؟ الظاهر لا حيث لزم على ذلك تأخير حق غيرها اه ح ل . قوله : ( وللزوج إعراض عن زوجاته ) أي بعد تمام دورهنّ أو قبل الشروع في المبيت ، وكره المتولي إعراضه اه . قوله :(4/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
( بأن لا يبيت عندهنّ ) أي ابتداء أو بعد تمام دورهنّ لا في أثنائه لفوات حق من بقي منهنّ ، حتى لو طلقت واحدة ممن بقي وجب عليه تجديد نكاحها ليوفيها حقها ح ل . قوله : ( ويحصنهنّ ) أي يعفهنّ عن الزنا بالوطء فتكون السنة في حقه المبيت والوطء . قوله : ( والأولى أن يدور الخ ) مقابل لمحذوف أي ثم إن كان للزوج مسكن يليق بهنّ دعاهنّ إليه ولزمهنّ الإجابة ، فإن لم يكن فالأولى أن يدور عليهنّ فما ذكره مفروض فيما إذا لم يكن للزوج مسكن كما هو ظاهر ؛ وكان الأولى له أن ينبه عليه . وعبارة متن المنهاج مع شرحه للرملي : فإن لم ينفرد بمسكن وأراد القسم دار عليهنّ في بيوتهنّ توفية لحقهنّ وإن انفرد مسكن فالأفضل المضي إليهنّ صوناً لهنّ وله دعاؤهنّ لمسكنه وعليهنّ الإجابة ؛ لأن ذلك حقه فمن امتنعت ، أي وقد لاق مسكنه بها فيما يظهر فهي ناشزة ، إلا ذات قدر لم تعتد البروز فيذهب لها كما قاله الماوردي واستحسنه الأذرعي وغيره وإن استغربه الروياني ، وإلا نحو معذورة بمرض فيذهب أو يرسل لها مركباً إن أطاقت مع من يقيها من نحو مطر اه . وكتب ق ل على قوله : ( والأولى أن يدور الخ ) . فلو انفرد بمسكن ودعاهنّ إليه لزم من لا عذر له الحضور إليه وأجرة حضورها عليها لا عليه لأنها من تتمة التسليم الواجب عليها ، وهذا ما لم تكن معذورة فإن كانت معذورة فالأجرة عليه لأنها لا يلزمها الحضور إليه كما في ق ل على الجلال .
قوله : ( وليس له أن يدعوهنّ ) ولو لم تكن صاحبة المنزل فيه ، وبحث الزركشي جواز جمعهنّ بخيمة في السفر لمشقة الانفراد مع عدم تأبد الضرورة ، وهو ظاهر هكذا قاله ز ي . وقوله : ( بخيمة في السفر ) وكذا بمحل واحد في سفينة ، قال ابن حجر : حيث أفرد كل بمحل ح ل . وقوله ( لمشقة الانفراد ) أي من شأنه ذلك حتى لو سهل عليه ذلك جاز له ذلك . قوله : ( إلا برضاهنّ ) فإن رضين به جاز ، لكن يكره وطء إحداهنّ بحضرة البقية لأنه بعيد عن المروءة ، ولا تلزمها الإجابة إليه . ولو كان في دار حجر أو علو وسفل جاز إسكانهنّ من غير رضاهنّ إن تميزت المرافق ولاقت المساكن بهنّ اه شرح المنهج . وقوله : ( لكن يكره وطء الخ ) المدار على علمه بعلم إحدى ضراتها بذلك من غير تجسيس منها وإن لم يكن ذلك بحضورها ، ومحل الكراهة حيث لم يقصد أذية غيرها ولم يرين شيئاً من عورتها وإلا حرم ، وعلى هذا يحمل القول بالتحريم وعلى الحالة الأولى يحمل القول بالكراهة . ويحرم التمكين في هذه الحالة على المرأة أيضاً لأنه إقرار على معصية . وقوله : أو علوّ وسفل والخيرة في ذلك أي في تسكين بعضهنّ في العلوّ وبعضهنّ في السفل للزوج حيث كانا أي العلوّ والسفل لائقين(4/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
بهنّ ع ش على م ر . قوله : ( أو بقرعة الخ ) أي ولو خرجت القرعة على شريفة لم تعتد البروز ، ولا ينافي ذلك ما في الحاشية من أنه إذا كان للزوج مسكن ودعاهنّ إليه لزمهنّ الإجابة إلا من كانت ذات قدر أو مرض فلا تلزمها الإجابة بل يلزمه الذهاب إليها لأن ذلك فيما إذا كان بغير قرعة وهنا بالقرعة .
قوله : ( كقرب مسكن ) وكخوف عليها من الفجرة . قوله : ( الليل ) وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر عند بعضهم أو إلى طلوع الشمس عند بعضهم ، لكن قال الزركشي والأذرعي : الوجه الرجوع فيه إلى العرف في أوّل الليل وآخره ق ل .
قوله : ( أو بعده ) وهو أولى ، وعليه التواريخ الشرعية فإن أول الشهر الليالي ز ي . قوله : ( وهو الذي ) التلاوة : ( هو الذي ) وإنما أسند الإبصار إلى النهار لأن الإنسان يبصر فيه بسهولة من غير قصد وتعب فهو سبب بخلاف السكون في الليل ؛ وعبارة ق ل على الجلال : قوله : ( مبصراً ) أسند الإبصار إليه مجازاً لأنه مقتض للإبصار بذاته ، ولذلك لم يقل لتبصروا فيه بخلاف الليل . وقال ح ل : لم يقل لتبصروا فيه كما في جانب الليل . قال القاضي : تفرقة بين الظرف المجرد والظرف الذي هو سبب ، أي لأن الليل ليس سبباً للسكون أي محلاًّ تسكنون فيه ، والنهار سبب للإبصار أي مقتض للإبصار بذاته أي جعلكم مبصرين فيه اه . والمراد بكونه مجرداً أن يكون مجرداً عن السببية إذ لا يلزم من الليل السكون . قوله : ( فلو كان يعمل تارة الخ ) قال شيخنا : فالمعتبر في حقه وقت فراغه من عمله ليلاً كان أو نهاراً ق ل . وعبارة م ر : وإن كان تارة يعمل ليلاً وتارة نهاراً لم يجز نهاره عن ليله ولا عكسه ، أي والأصل في حقه وقت السكون لتفاوت الغرض ولو كان عمله بعض الليل وبعض النهار ، فالأوجه أن محل السكون هو الأصل والعمل هو التبع وأنه لا يجزىء أحدهما عن الآخر ، وأنه لو كان عمله في(4/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
بيته كخياطة وكتابة ؛ فظاهر تمثيلهم بالحارس والأتوني بفتح الهمزة وتخفيف التاء ، ففي المصباح : أتون كرسول عدم الاعتبار بهذا العمل فيكون الليل في حقه هو الأصل ، إذ القصد الأنس وهو حاصل ؛ والمراد بالأتوني ما يحمى على دست الحمام .
قوله : ( لا يدخل نهاراً ) لو قال : ولا يدخل في تابع الخ لكان أعم وأولى ، وإنما قيد به مع احتمال عبارة المصنف للأصل لأجل قوله لغير حاجة المفهم جواز الدخول للحاجة ، وهو لا يجوز في الأصل كما سيذكره فإن الدخول في الأصل يمتنع لغير ضرورة . قوله : ( فإن فعل ) أي دخل لغير حاجة . قوله : ( وطال مكثه ) أي عرفاً ، فإن لم يطل فلا قضاء وإن حرم عليه لتعديه ق ل . وقوله : ( من نوبة ) ليس بقيد ليشمل ما ليس من نوبة واحدة منهنّ بأن ترك المبيت عندهنّ رأساً . قوله : ( أو تعريف خبر ) أي تحتاج إليه . قوله : ( من غير مسيس الخ ) لعل هذا كان في بعض الأحيان وإلا فالمقرر في السير والخصائص أنه كان يدور عليهنّ بمسيس أي وطء لكل واحدة ، وربما دار على الكل بالوطء في غسل واحد . وكان يفعل هذا بعد العصر فإن كان له شاغل فيه فعله بعد المغرب . وأجابوا عن هذا بأنه كان يرضي الضرات أو أن الله خصه بوقت لا حق للزوجات فيه يدخل فيه على من اختار منهنّ أو على كل منهنّ وهذا كان بعد العصر أو المغرب راجع المواهب . قوله : ( أي وطء ) أما بوطء فيحرم لا لذاته بل لأمر خارج ز ي ، أي لأمر خارج وهو حق الغير ويشير إليه الشارح . قوله : ( حتى يبلغ إلى التي هو يومها ) يقتضي أنه كان يجعل النهار قبل الليل ، وفي رواية م ر خلافه حيث قال : حتى يبلغ التي جاءت نوبتها فيبيت عندها ، وعبارة ح ل : أي كان يدخل في اليوم على نسائه ثم إذا انتهى إلى صاحبة اليوم والليلة بات عندها تلك الليلة فدل ذلك على أن طوافه كان في التبع لا في الأصل اه . قوله : ( وإن طال الزمن ) أي وإن استغرقته الحاجة زي ، وقال ق ل : ظاهره وإن زاد فيه على قدر الحاجة كثيراً اه ؛ لكن المعتمد أنه إذا طوّله قضى ما زاد على قدر الحاجة . قوله : ( وله ما سوى وطء ) أما الوطء فيحرم عليه إيقاعه . ويلغز ويقال : لنا زوجة يحرم على زوجها وطؤها وهي طاهر خالية من الموانع . ولو قدم الشارح هذا على الحديث لكان أنسب كما في شرح المنهج ، وعبارته : وله دخول في أصل على أخرى لضرورة كمرضها المخوف وله دخول في(4/236)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
غيره أي في غير الأصل وهو التبع لحاجة كوضع متاع وله تمتع بغير وطء فيه أي في دخوله في غير الأصل أما بوطء فيحرم لقول عائشة : ( كان النبي يطوف علينا الخ ) وقوله ولو تمتع بغير وطء فيه ، وكذا في الأصل على المعتمد وإن كان ذكرهم له في غير الأصل ، وسكوتهم عنه في الأصل ربما يدل على امتناع ذلك ح ل وق ل وس ل . وبحث حرمته أي التمتع إن أفضى إلى الوطء إفضاء قوياً كما في قبلة الصائم ، وفرق بأن ذات الجماع محرمة ثم إجماعاً لا هنا لأنه إذا وقع وقع جائزاً ، وإنما الحرمة لأمر خارج وهو حق الغير فاحتيط له لذلك ولكونه مفسداً للعبادة ما لم يحتط هنا . قوله : ( ثم إن طال مكثه الخ ) . والحاصل أنه إذا دخل في الأصل لضرورة وطال زمن الضرورة أو أطاله فإنه يقضي الجميع ، وإن دخل في التابع لحاجة وطال زمن الحاجة فلا قضاء ، وإن أطاله قضى الزائد فقط زي . ونظم المحشي ذلك بقوله :
للزوج أن يدخل للضرورة
لضرة ليست بذات النوبة
في الأصل مع قضاء كل الزمن
إن طال أو أطاله فأتقن
وإن يكن في تابع لحاجة
وقد أطاله لتلك الحاجة
قضى الذي زيد فقط ولا يجب
قضاؤه في الطول هذا ما انتخب
وإن يكن دخوله لا لغرض
عصى ويقضي لا جماعاً إن عرض وقوله في النظم : ( وقد أطاله الخ ) كأن كان يمكن قضاء الحاجة في خمس درج فقضاها في عشرة . وقوله : ( قضاؤه في الطول ) أي فيما إذا طال بنفسه . ونظم بعضهم أيضاً فقال :
دخول زوج طال أو أطاله
في الأصل يقضيه بلا محاله
وليقض زائداً بما أطالا
في تابع دون الذي قد طالا قوله : ( قضى من نوبة المدخول عليها ) ظاهره وإن كان بقدر الضرورة . قوله : ( ويأثم من تعدى بالدخول ) أي لا لحاجة ولا لضرورة أي في الأصل أو التابع ق ل . قوله : ( ولو جامع من دخل عليها في نوبة غيرها ) أي في الأصل أو التابع . نعم يجوز غيره من الاستمتاعات في التابع فقط . قوله : ( وكان ) أي الدخول لضرورة فهو من جملة الغاية . قوله : ( لا يوصف بالتحريم )(4/237)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
أي من حيث خصوص كونه وطئاً ، وأما من حيث صرف زمن صاحبة الوقت لغيرها فمعصية توصف بالتحريم . قوله : ( ويصرف ) أي التحريم الواقع في كلامهم . قوله : ( إلى إيقاع المعصية ) أي إيقاع الوطء في هذا الزمن . وقوله : ( لا إلى ما وقعت به المعصية ) وهو الجماع نفسه ، وفيه أن الوطء ليس معصية فالأولى أن يقول ويصرف التحريم إلى الإقدام على الفعل أو صرف الزمن له ، وكذا قوله أن تحريم الجماع فيه نظر ، وقوله : ( لأمر خارج ) وهو كونه في نوبة الغير . قوله : ( فلو ماتت المظلومة بسببها ) أي بسبب نوبتها التي أخذت منها أي التي حصل الظلم بسببها فالميتة هي المظلومة ، وكان الأوضح والأخصر فلو ماتت فلا قضاء ، ففي كلامه وضع الظاهر موضع المضمر أج بالمعنى . وقرر شيخنا ما نصه : قوله فلو ماتت المظلومة أي فلو ماتت التي وقع الظلم بسببها وهي التي أعطيت من نوبة غيرها ، وهذا التفريع غير مناسب لما قبله إذ ما قبله في المظلومة نفسها ، وهذا التفريع فيمن وقع الظلم بسببها . قوله : ( لخلوص الحق للباقيات ) أي لأن المظلوم بسببها إذا ماتت لم يبق لها حق حتى يؤخذ من حقها لغيرها . وبما تقرر أوّلاً تعلم أنه كان المناسب للشارح أن يقول : فلو ماتت المظلوم بحذف التاء . لأن إثباتها يوهم رجوع الضمير إلى المظلومة ، وليس مراداً ؛ وأن ما ذكره المحشي نقلاً عن أج غير ظاهر وفيه نظر ، بل ما قاله أ ج هو الظاهر ، فكان الأولى حذف قوله بسببها لأنه هو الذي ألجأ هذا القائل إلى ما قاله . قوله : ( تعذر القضاء ) أي إن لم يكن ردها ، لكن يجب عليه إعادتها لعصمته ولو بعقد جديد إذا تمكن منه ويقضي لها حقها . وتقدم أنه لو أكرهه حاكم على العقد عليها صح مع الإكراه لأنه إكراه بحق كما قاله ح ل . قوله : ( أما من عماد قسمه النهار ) هذا علم مما تقدم . قوله : ( وقت نزوله ) ما لم تكن خلوته في سيره وإلا فوقتها هو العماد كما قاله الأذرعي بأن كان في محفة أو نحوها ، وحالة النزول يكون مع الجماعة في خيمة مثلاً وعماد المجنون وقت إفاقته أيّ وقت كان . قوله : ( قليلاً كان أو كثيراً ) ظاهره الاكتفاء بتوزيع مرات النزول وإن تفاوتت ، وقد يوجه بأن أوقات النزول لا تنضبط وتشق مراعاة التفاوت فسومح فيه ، ومحله في نزول لا يتأتى فيه القسم الواجب على المقيم ، أما نزول يتأتى فيه ذلك كيومين بليلتيهما ومعه زوجتان مثلاً فيجب القسم بينهما كالمقيم سم بأن يجعل لواحدة ليلة مع يوم وللأخرى كذلك ؛ ولا يجوز أن يخص إحداهما بجميع هذه الإقامة ويجعل للأخرى وقت النزول الحاصل عقب السفر عن هذه الإقامة اه م ر سم .(4/238)
"""""" صفحة رقم 239 """"""
قوله : ( ولا يجوز تبعيضها ) بالباء الموحدة بعد التاء الفوقية . هكذا في غالب النسخ ، والذي في بعض آخر ببعضها بباءين موحدتين مع كسر الأولى ، وهي أنسب بالمعطوف الآتي وهو قوله : ( ولا بليلة وبعض أخرى ) والذي في شرح المنهج : ولا يجوز ببعضها . قوله : ( من تشويش العيش ) لأنه ربما ادعت من لم يكن عندها أن وقتها دخل قبل مجيئه لها فيحصل التشويش المذكور كما قرره شيخنا . قوله : ( ولا بليلة ) أي ولا يجوز القسم بليلة وبعض ليلة . قوله : ( وأما طوافه الخ ) وارد على قوله : ولا يجوز تبعيضها . قوله : ( فمحمول على رضاهن ) بناء على وجوب القسم عليه ، وهو الصحيح . قوله : ( فقد مرّ حكمه ) وهو أن أقل نوب قسمه وقت نزوله ، ووقت الارتحال تابع . قوله : ( وهو الظاهر ) أي عدم الجواز . قوله : ( بغير رضاهن ) أفهم جواز الزيادة ولو مشاهرة أي شهراً مثلاً ، ومسانهة أي سنة مثلاً . قوله : ( وإن تفرقن في البلاد ) فإذا كان له زوجة في مصر يبيت عندها ثلاث ليال وبعدها يبيت في الجامع الأزهر مثلاً ، وإذا ذهب إلى البلدة الأخرى يمكث عندها ثلاث ليال وبعدها يمكث في محل معتزل عنها مدة إقامته . وعبارة سم على حج : ويؤخذ من ذلك ما كثر السؤال عنه أنه من له زوجة بمكة وأخرى بمصر مثلاً فيمتنع عليه أن يبيت عند إحداهما أزيد من ثلاث ، فإذا بات ثلاثاً امتنع عليه أن يبيت عندها إلا بعد أن يرجع إلى الأخرى ويبيت عندها ثلاثاً ؛ وهذا الحكم مما عمت به البلوى اه . قوله : ( إلى المهاجرة ) أي الهجر ضد الوصل ، فالمفاعلة ليست على بابها والإيحاش ضد الأنس . قوله : ( وتجب القرعة الخ ) الحاصل أن الزوجات إن كنّ أربعاً وجب ثلاث قرع لأن الرابعة تتعين ، وإن كنّ ثلاثاً وجب قرعتان لأن الثالثة تتعين ، وإن كنّ اثنتين وجبت واحدة زي . وله أن يكتفي بقرعة واحدة لهن بأن يكتب أسماء النساء كلهن ويخرجها على الليالي أو بالعكس ، ولا حاجة إلى إعادة القرعة ظاهره أن له إعادتها مع أنه ليس له ذلك لأنها ربما خرجت مخالفة للقرعة الأولى .(4/239)
"""""" صفحة رقم 240 """"""
قوله : ( أقرع للابتداء ) وكذا للباقي كما في شرح الروض ، وعبارته : فإذا تمت النوب أعاد القرعة للجميع فكان الأولى للشارح أن يعبر بالنوب دون النوبة .
قوله : ( لنقلة ) هذه دخيلة في كلام المصنف . ق ل قال في الروض وشرحه : فلو غير نية النقلة بنية السفر لغيرها فهل يسقط عنه القضاء والإثم بذلك أو يستمر حكمهما إلى أن يرجع إلى الباقيات ؟ وجهان ، قال الزركشي : نص الأم يقتضي الجزم بالثاني اه . قوله : ( حرم الخ ) المسألة لها خمسة أحوال يحرم في اثنين منها ، وهما أن يستصحب بعضهنّ ويبقي بعضهنّ على عصمته من غير قرعة أو يترك الجميع ، ويحل فيما إذا استصحب الكل أو طلق الكل أو استصحب بعضاً وطلق بعضاً . قوله : ( فإن سافر ببعضهن ) أي لنقلة . قوله : ( قضى للمتخلفات ) أي من نوبة التي استصحبها . نعم لو عجز عن استصحاب جميعهن دفعة فينبغي أن يجوز له استصحاب بعضهن أوّلاً بالقرعة ثم بعد ذلك يرسل لأخذ الباقي أو يأخذهن م د على التحرير . قوله : ( قضى لمن مع الوكيل ) لأنه من أفراد استصحابه لبعض دون بعض ، ويشترط أن يكون الوكيل محرماً لها أو عبداً لها ممسوحاً . قوله : ( ولا يجوز أن يتركهن ) أي بغير رضاهن م د . قوله : ( بل ينقلهن ) أي أو ينقل بعضاً ويطلق بعضاً ، فأو مانعة خلوّ فتجوّز الجمع . وليس له أن ينقل بعضهن بنفسه والبعض الآخر بوكيله إلا بقرعة ، وظاهر أن ذلك محله إذا كان الوكيل محرماً لمن ينقلها وإلا فيحرم مطلقاً كما أفاده خ ض . قوله : ( أو يطلقهن ) ظاهره ولو كان الطلاق رجعياً اه عبد البر . قوله : ( لما في ذلك ) أي تركهن ، فهذا علة لقوله ولا يجوز أن يتركهن بقرينة قوله فأشبه الإيلاء أي فكان غير جائز كما قرره شيخنا . قوله : ( من الوقاع ) أي الجماع . قوله : ( وفي باقي الأسفار ) الباقي هو السفر لغير نقلة لأن السفر إما لنقلة أو غيرها . قوله : ( وفي باقي الأسفار ) أي لا لنقلة ، وهو متعلق بأقرع الذي بعده فهو دخول على المتن . قوله : ( المباحة ) قيد به لأن مصاحبة المسافرة رخصة وهي لا تناط بالمعصية . ويجب عليها(4/240)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
السفر بطلبه كركوب بحر إن غلبت السلامة فيه إن أمن الطريق والمقصد والامتناع منه لعصيانه به نشوز ؛ لأنه لم يدعها للمعصية ، بل لاستيفاء حقه . وعبارة ع ش على م ر : وامتناع المرأة من السفر مع الزوج نشوز ولو كان سفره معصية لأنه لم يدعها لمعصية بل لاستيفاء حقه . ومحل ما ذكر ما لم تكن معذورة بمرض أو نحوه كشدة حرّ أو برد لا تطيق السفر معه ، وليس منه مجرد مفارقة أهلها وعشيرتها اه . قوله : ( كما اقتضاه ) أي الوجوب . قوله : ( عند تنازعهن ) متعلق بأقرع . قوله : ( بالتي تخرج عليها ) أي لها . قوله : ( سهم ) في إقحام سهم تغيير إعراب المتن اللفظي وهو معيب ، على أن المراد بالقرعة سهمها لا فعلها ق ل ملخصاً . ويلزم عليه أيضاً تأنيث الفعل مع تذكير الفاعل .
قوله : ( وسواء كان ذلك ) أي السفر . قوله : ( عصى ) أي وإن لم يساكنها كما قاله شيخنا . قوله : ( وقضى ) أي جميع المدة وإن لم يبت معها ما لم يخلفها في بلد ، فإن خلفها في بلد لم يقض لهن اه . وبعبارة أخرى : قوله : ( وقضى ) أي ذهاباً وإياباً وإقامة أيضاً . قوله : ( فإن رضين ) محترز قوله عند تنازعهن . قوله : ( ولهن الرجوع ) ما لم يسرع في الخروج ، فإن خرج وسافر حتى جاز له الترخص امتنع عليهن الرجوع . وقضيته أن لهن الرجوع قبل ذلك وبعد الشروع في السفر . وعبارة م ر في شرحه : ولهن قبل سفرها الرجوع ، وقول الماوردي بل قبل بلوغ مسافة القصر بعيد اه . فقول الماوردي ضعيف .
قوله : ( قبل سفرها ) أي قبل بلوغ محل تقصر الصلاة فيه . قوله : ( ما لم يجاوز مسافة القصر ) أي ما لم يبلغ مسافة القصر وإن لم يجاوزها ، فإذا بلغ سفره يوماً وليلة فلا رجوع وإن لم يجاوز ذلك . ولما كان في العبارة إيهام خلاف المراد قال الشارح : أي يصل إليها اه شيخنا . قوله : ( أي يصل إليها ) دفع به أن مسافة القصر لا يتصور مجاوزتها إذ لا آخر لها ، فالمراد مجاوزة أوّلها اه ق ل .(4/241)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
قوله : ( مدة سفره ) أي ذهاباً بدليل قوله بعد : فإن وصل المقصد الخ ؛ ولذا قال الشارح بعد : ولا يقضي مدة الرجوع ، فليس قوله هنا : ( مدة سفره ) شاملاً للذهاب والإياب لما مر حتى يلزم عليه التكرار مع قوله الآتي : ولا يقضي مدة الرجوع اه شيخنا .
قوله : ( والمعنى فيه ) أي سقوط القضاء عنه للمتخلفات مع وجوبه على الزوج دائماً ولو قام بها عذر م د . قوله : ( من تعب السفر ) بيان لما . قوله : ( ما يقابل ذلك ) أي من الصحبة والتمتع . قوله : ( وإن فاتها حظها ) أي سرورها وهو الصحبة والتمتع . قوله : ( فقد ترفهت ) أي تنعمت ، ومنه قوله تعالى : ) وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها } ) سبأ : 34 ) أي متنعموها . قوله : ( الأمران ) وهو راحة في مقابلة راحة ومشقة في مقابلة مشقة . قوله : ( فاستويا ) ظاهره رجوع ضمير التثنية للأمرين والمناسب فاستويتا بإرجاع الضمير على المرأتين شيخنا .
قوله : ( وخرج بالأسفار المباحة الخ ) قد وافقه شيخنا على ذلك وخالفهما غيرهما . ويدل له ما مر بقولهم : ويجب عليها الخ ما تقدم ، إلا أن يقال ذاك من حيث طاعتها له وهذا من حيث التغليظ عليه ق ل . أو يقال إن ذاك في سفره لنقلة وهذا في سفره لغيرها . والمراد بالمباح ما قابل الحرام الصادق بالواجب وغيره كما نقل عن تقرير الزيادي . قوله : ( عصى ولزمه القضاء للمتخلفات ) أي إن رجع أو سافرن له يعدّ تغليظاً عليه ، ومع ذلك يجب على الزوجة طاعته فلو خالفت سقط حقها كما تقدم عن ق ل .
قوله : ( وخرج بالزوجات ) أي الداخلات تحت قوله أقرع بينهن ، فإن ضميره راجع للزوجات في أول الباب . قوله : ( فإن وصل المقصد ) ليس قيداً بل يأتي هنا ما مر في باب القصر مما يقطع السفر ، وهذا مفهوم قوله مدة سفره ، وهو راجع لقول الشارح لا يقضي للزوجات مدة السفر ولقوله فيما تقدم فإن رضين جاز وسقط القضاء وليس راجعاً لمسألة الإماء . والمقصد بكسر الصاد . موضع القصد ، وفتح الناس صاده خطأ إذ هو من باب ضرب اه شوبري مع زيادة .
قوله : ( وصار مقيماً ) أي بنية الإقامة قبل وصوله مطلقاً ، أو أربعة أيام صحاح . قال ق ل : قال شيخنا كغيره : والمراد أنه يقضي مدة عدم الترخص إن ساكن المصحوبة . وخرج(4/242)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
بالسفر ما لو خرجت لحاجتها في البلد بإذنه كأن كانت ماشطة أو بلانة أو قيمة على الحمام أو مغنية أو قابلة وخرجت بإذنه ، فلا يسقط قسمها ونفقتها لأنها خرجت بإذنه ولم تسافر ؛ وهذا ما أفتى به م ر انتهى زي . قوله : ( هذا ) أي محل وجوب القضاء .
قوله : ( من وهبت الخ ) وإن لم يكن واجباً بأن وهبت قبل أن يبيت عند بعضهن لأن الحق ثابت في الجملة . وتسميتها هبة بالنظر للصورة واللفظ ؛ لأن الموهوب ليس عيناً ولا منفعة . ولا يعتبر رضا غير الموهوب له في غير هذه الهبة ، أما هنا فيعتبر رضا الزوج وهو غير موهوب له ، وحينئذ هذه الهبة تخرج عن قواعد الهبات لأن الموهوب هنا ليس عيناً ولا منفعة ، وحينئذ يلغز فيقال : لنا هبة ليست بعين ولا منفعة ، ويقال أيضاً : لنا هبة تتوقف على رضاء غير الواهب والموهوب له . قوله : ( لمعينة ) خرج ما لو وهبته لمبهمة ، فهو باطل ق ل ، أي فيستمر حقها . قوله : ( بات عندها ) وإن لم ترض بذلك . قوله : ( ليلتيهما ) كل ليلة في محلها . وليس له تقديم ليلة الواهبة على محلها وله تأخيرها إلى ملاصقة ليلة الموهوبة ، ولا يضر تقديم ليلة من بينهما وإن لم ترض به ق ل . ومحل بيانه عند الموهوبة ليلتين ما دامت الواهبة تستحق القسم فإن خرجت عن طاعته لم يبت عند الموهوب لها إلا ليلتها كما قاله س ل . قوله : ( لما وهبت سودة ) أي لإرادته طلاقها لكبرها ع ش . وسودة بفتح السين بنت زمعة ، وسميت بذلك من باب الضدية وإلا فهي من أجمل نسائه عليه الصلاة والسلام وصدر منها ذلك من حسن عقلها لما رأت النبي يحب عائشة لأنه لم يتزوج بكراً إلا هي وهي كبرت وصارت لا تشتهى فخافت أن يكرهها النبي ويطلقها ، فقالت له : يا رسول الله إني لا أريد منك ما تريد النساء ولكن أحب أن أحشر في زمرة نسائك أمهات المؤمنين وإني وهبت نوبتي لعائشة اه . وقال ع ش : أي لإرادته طلاقها لكبرها . قوله : ( على الرؤوس ) فلكل واحدة ليلة من لياليها وله ليلة أيضاً يخص بها من شاء كما قرره شيخنا . وعبارة ق ل : فعليه لو وهبته له ولهن كان له ربع ليلة ولكل زوجة كذلك فتجعل الواهبة كالمعدومة وفي كل أربعة أدوار أي ليال يجتمع ليلة فيقرع بينه وبينهن فمن خرجت له القرعة خصها به ، وهكذا كلما اجتمعت ليلة وكذا بقية الصور . هذا(4/243)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
إذا وهبتها دائماً ، فإن وهبت ليلة فقد جعلها أرباعاً وأقرع أيضاً ويخص بربعه من شاء وفي ق ل على الجلال : أنها توزع عليهم بحسب الليالي لا بحسب الأجزاء ، فيخص كل واحدة من ليالي الواهبة ليلة بالقرعة في الدور الأول ويخص بليلته من شاء ، وردّ القول بالتوزيع بحسب الأجزاء . نعم يظهر فيما إذا وهبت ليلة واحدة فقط للجميع اه .
قوله : ( ولا يجوز الخ ) لأن هذه الهبة ليست على قواعد الهبات ويلزمها ردّ العوض إن كانت أخذته وتستحق القضاء لأنها لم تسقطه مجاناً وإن علمت بالفساد ، وقال ق ل : قال شيخنا : ما لم تعلم بالفساد . هذا وقال سم : قوله : ( ولا يجوز للواهبة الخ ) فيه أن القسم حقها مختص بها وأخذ العوض على الحق من الاختصاص جائز ، إلا أن يجاب بأن هذا الحق ضعيف لأنه إنما يجب إذا كان في نكاحه غيرها وأراد المبيت عندها وإلا لم يجب وبأن هذا الحق مشترك لأن للزوج فيه شائبة ؛ ولهذا لو وهبت لغيرها فله أن لا يرضى فضعف تعلقها به . قوله : ( لأن مقام الزوج ) أي مكثه . قوله : ( وقد استنبط السبكي الخ ) لكن الاستنباط من مسألة الخلع ظاهر لأن كلاًّ منهما فيه عوض بخلاف مسألة الهبة هنا لا عوض فيها ، فأخذ مسألة النزول عن الوظائف منها بعيد ، إلا أن يؤوّل كلام الشارح أي استنبط جواز النزول عن الوظائف بعوض وبغير عوض ويكون النزول بعوض مأخوذاً من خلع الأجنبي والنزول من غير عوض مأخوذاً من مسألة الهبة . قوله : ( من هذه المسألة ) أي من مفهوم التعليل المذكور فيها ، وهو قوله : ( لأنه ليس بعين ولا منفعة ) م د ، أي لأن مفهومه إذا كان الحق عيناً أو منفعة يجوز أخذ العوض على إسقاطه كالنزول عن الوظائف . قوله : ( جواز النزول عن الوظائف ) أي بعوض ودونه لكن لمن هو مثل النازل أو أعلى منه وإلا فلا يجوز ، ولا يصح التقرير من الحاكم ، وإذا قرر الحاكم غير المنزول له فليس له الرجوع على النازل بما دفعه له إلا إن شرطه ؛ ق ل مع زيادة قليلة . قوله : ( إن أخذ العوض ) الأولى أن يقول إن بذل العوض كما عبر به م ر ليناسب قوله وأخذه حلال وعبارة م ر والذي استقر رأيه عليه حل بذل العوض مطلقاً وأخذه إن كان النازل أهلاً وهو حينئذ لإسقاط حق النازل فهو مجرد افتداء ، وبه فارق منع بيع حق التحجر وشبهه كما هنا لا لتعلق حق المنزول له بها أو بشرط حصولها له بل يلزم ناظر الوظيفة تولية من تقتضيه المصلحة الشرعية ولو غير المنزول له . قوله : ( لإسقاط الحق ) وليس لباذل العوض الرجوع فيه إن لم يقرر ، إلا أن يشرط بأن يقول ولي الرجوع في العوض إن لم أقرره ، وكذا ليس لصاحب الوظيفة الرجوع فيها إن لم يقرر المنزول له إلا أن يشرط بأن يقول أسقطت حقي(4/244)
"""""" صفحة رقم 245 """"""
من هذه الوظيفة بهذه الدراهم لفلان بشرط أن يقرر فيها ، فإن لم يقرر رجعت ، فإن له الرجوع اه ميداني . قوله : ( في ذلك ) أي في التولية . قوله : ( وللواهبة الرجوع ) لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض والمستقبل لم يقبض ؛ شرح التنبيه . وشمل إطلاقهم الرجوع في بعض الليلة ، وعبارة العباب في الرجوع نصها : فيخرج وجوباً بعد رجوعها من عند الموهوب لها فوراً ولو في أثناء الليل إن أمكن ، فإن لم يمكن كملت الليلة عندها ؛ والأولى عدم التمتع وعليه فينبغي قضاء بقية الليلة حيث لم ينعزل عنها في مسكن اه ع ش على م ر . قوله : ( ولا ترجع في الماضي ) أي لا يقضي لها ما مضى قبل علمه بالرجوع ولو ليالي ق ل ، بخلاف ما فات بعد علمه ، وكذا بعد علم الضرة المستوفية دون الزوج كما قاله بعضهم وارتضاه م ر سم ، وبخلاف من أبيح له أكل ثمر بستان ثم رجع المبيح حيث يغرم المباح له ما أكله قبل العلم بالرجوع كما مشى عليه في الروض وهو المعتمد ، وفرق بأنه يتسامح في المنافع ما لا يتسامح في الأعيان كما قاله الشوبري ، وفرق ح ل أيضاً فقال : لأن الضمان لا فرق فيه بين العلم والجهل وفرق ق ل بأنه من باب الغرامات والإتلافات . قوله : ( إلا ببينة ) أي شهادة رجلين ، ولا تقبل فيه شهادة النساء .
قوله : ( وإذا تزوّج جديدة الخ ) بمنزلة الاستثناء من قوله : ( والتسوية في القسم واجبة ) فكأنه قال : إلا إذا تزوّج جديدة الخ . قوله : ( في دوام نكاحه ) لعل المراد منه أن معه غيرها ممن بات عندها وإلا فلا وجوب ق ل ؛ ولكن يسنّ ودوام النكاح أخذه من قوله جديدة . قوله : ( جديدة ) أي جددها من في عصمته زوجة يبيت عندها ولو أمة أو كافرة ، فخرج بالجديدة من طلقها رجعياً بعد توفية حق الزفاف فإنه إذا راجعها لا زفاف لها بخلاف البائن ، وخرج بمن في عصمته الخ من لم يكن عنده غيرها أو كانت ولم يبت عندها فلا يثبت للجديدة حق الزفاف ؛ ولا ينافي هذا قول أصل الروضة : لو نكح جديدتين ولم يكن في نكاحه غيرهما وجب لهما حق الزفاف ويقرع للابتداء ؛ لأنه محمول على من أراد القسم وإذا أعتق مستفرشة ثم تزوّجها ثبت لها حق الزفاف اه س ل . وعبارة ع ش على م ر : ولا حقّ لرجعية أي يترتب على الرجعة ، فإن طلقها قبل مبيت السبع ثم راجعها قضى لها ما بقي منها ، وبقي ما لو طلقها طلاقاً بائناً بعد أن بات عندها بعض السبع كثلاثة مثلاً ثم جدد النكاح فهل يبيت عندها بقية السبع(4/245)
"""""" صفحة رقم 246 """"""
الأول الثابتة لها قبل الطلاق والسبع الثانية بعد العقد الثاني أو يسقط ما بقي من السبع الأول ويلزمه سبعة للعقد الثاني فقط ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني اه . قوله : ( كل منهما ) أي الحر والعبد . قوله : ( متوالية ) أي السبع والثلاث ويلزمه من الليالي دخول الأيام وعبر بالليالي نظراً لأصالتها في المبيت ، ولم يقل متصلة لأنها ليست على الفور ما لم يدر الدور اه ق ل . قوله : ( إن كانت بكراً ) المراد جديدة وبكراً عند الزفاف وعند العقد ، فخرج ما إذا كانت بكراً عند العقد ثيباً عند الدخول فلها ثلاث فقط ، وأما إذا كانت بكراً جديدة عند الدخول وكانت رجعية بأن استدخلت ماءه فطلقها رجعياً ثم دخل بها بعد الرجعة فلا حقّ لها لأنه لا حقّ لرجعية ، فالمراد بالجديدة من أنشأ عليها عقداً حتى لو لم يوف للجديدة حقها ثم طلقها ثم راجعها لم يفت حق الزفاف لأنها باقية على النكاح ؛ ابن حجر رحماني . قوله : ( أو زالت بغير وطء ) أي ولم توطأ بعده ، أما إذا وطئت كانت ثيباً . قوله : ( وبثلاث ليال ) لو قال من الليالي ليبقى تنوين ثلاث في كلام المصنف لكان أولى ق ل . قوله : ( زوال الحشمة ) أي الاستحياء كما يؤخذ من المختار ، وهذا جري على الغالب وإلا فلو كانت مستفرشة لسيدها قبل ذلك فأعتقها السيد وتزوج بها كان لها ثلاث . قوله : ( والسبع عدد أيام الدنيا ) أي فإذا باتها عندها فكأنه بات عندها أيام الدنيا . قوله : ( وقضى المفرق للأخريات ) أي قضى المفرق الذي بات فيه عند الجديدة لا مطلقاً ، وذلك كما إذا كان يبيت ليلة عند الجديدة وليلة في المسجد مثلاً فإنه إنما يقضي ما بات فيه عند الجديدة ولا يقضي ما بات فيه في المسجد كما يعلم من شرح م ر ، وعبارته : أما لو لم يوال فلا يحسب بل يجب لها سبع أو ثلاث متوالية ثم يقضي ما للباقيات من نوبتها ما باته عندها مفرقاً اه .
قوله : ( أو نحو ذلك ) كوطء في دبرها عميرة وكزوالها بحدّة حيض أو أصبع . والوطء في الدبر حرام كما أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان : ( لا يَنْظُرُ الله إلى رَجُلٍ أتى رَجُلاً أو امْرَأَةً في الدُّبُرِ ) اه فتح الباري .(4/246)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
قوله : ( وبين سبع بقضاء ) أي يقضي لكل واحدة سبعاً سم على حج ، أي فإذا كان تحته قبل الجديدة ثلاث بات عندهن واحدة بعد واحدة إحدى وعشرين ليلة أي كل واحدة سبعة . هذا تقرير كلامه ، ونازع فيه الشيخ س ل وغيره فقال : يشترط أن تكون السبع من نوبتها فقط كما يفيده التعبير بالقضاء ، قال ع ش : وكيفية القضاء أن يقرع بينهن ويدور فالليلة التي تخصها يبيتها عند واحدة منهن بالقرعة أيضاً ، وفي الدور الثاني يبيت ليلتها عند الثانية بالقرعة أيضاً ، وكذا يفعل في بقية الأدوار إلى أن تتم السبع وتمامها من أربعة وثمانين ليلة ؛ وذلك لأنه يحصل لكل واحدة من كل اثني عشر ليلة ليلة فتحصل السبع بما ذكر ، فإذا ضربت السبع في اثني عشر وهي أقل ما يحصل فيه القضاء لكل واحدة بلغ أربعة وثمانين اه . وقوله : ( من كل اثني عشر ليلة ليلة ) ، وصورة ذلك أنه كان تحته ثلاثة دائر عليهن : الأولى خديجة ، والثانية عائشة ، والثالثة حفصة ، ثم تزوج ثيباً يقال لها فاطمة وبات عندها سبعاً فصار للباقيات إحدى وعشرون ليلة ؛ وله في القضاء طريقتان : الأولى أن يبيت عند كل من الثلاث سبعاً ولاء ، والثانية : أن يبيت عند خديجة ليلتها ثم كذا عائشة ثم كذا صفية ؛ فإذا جاءت ليلة فاطمة ضرب القرعة بين الثلاث ، فكل من خرجت لها القرعة باتها عندها . ثم يدور فإذا جاءت ليلتها ضرب القرعة بين الباقيتين ، ثم يبيت عند من خرجت لها القرعة ، ثم يدور ويبيت ليلتها عند الثالثة اه . قال الزيادي : فإن سبع للثيب بغير طلبها أو طلبت دونها فالزائد على الثلاث هو الذي يقضيه ، فإذا أجابها بخمس قضى يومين ولا يجوز إجابتها لذلك لأنها إنما أجيبت للسبع لقضائها كلها ففي إجابتها إليها مصلحة للأخريات بخلاف إجابتها لخمس . ودخل في الجديدة الأمة المستفرشة إذا أعتقها سيدها وتزوجها والبائن دون الرجعية اه . وعبارة شرح م ر : نعم إن خيرها فسكتت أو فوّضت إليه الإقامة تخير كما هو ظاهر ، فإن أقام السبع بغير اختيارها أو اختارت دون السبع لم يقض سوى ما زاد على الثلاث لأنها لم تطمع في حق غيرها وهي البكر ، ولو زاد البكر على السبع قضى الزائد فقط مطلقاً ووجهه أنها لم تطمع بوجه جائز فكان محض تعمد اه . وقوله : ( فإن أقام السبع بغير اختيارها ) وعليه فلو ادعى على الجديدة أنها اختارت السبعة وأنكرت ذلك صدقت بيمينها لأن الأصل عدم طلبها . وقوله : ( مطلقاً ) أي سواء طلبت أم لا . وقوله : ( لأنها لم تطمع في حق غيرها ) أي في حق شرع لغيرها فإن الخمس مثلاً لم تشرع لأحد اه ع ش . قوله : ( كما فعله بأم سلمة ) وكانت ثيباً فاختارت الثلاث .(4/247)
"""""" صفحة رقم 248 """"""
قوله : ( ولا يتخلف بسبب ذلك ) أي ليالي الزفاف عن الخروج للجماعات ، أي بل يخرج لما ذكر . والمراد بقوله عن الخروج أي في النهار ، ولا يكون ذلك عذراً له في ترك الجماعة اتفاقاً كما قاله شيخنا ح ف . قوله : ( وإن خالف فيه ) أي في أنه لا يتخلف لما ذكر إلا ليلاً ، فقال ، أي بعض المتأخرين : يتخلف عما ذكر من الخروج للجماعات وما بعدها ليلاً ونهاراً . قال ق ل : وهذا الذي اعتمده شيخنا فقال يحرم عليه الخروج للجمعة والجماعة وعيادة المرضى ونحو ذلك إلا برضاها انتهى . ومراده بشيخه الزيادي ، والذي قرره شيخنا العشماوي والحفناوي أن قوله ولا يتخلف بسبب ذلك عن الخروج أي في النهار ولا يكون ذلك عذراً له في ترك الخروج لما ذكر اتفاقاً ، والخلاف إنما هو في وجوب تخلفه ليلاً ، والمعتمد أنه لا يجب تخلفه ليلاً ولا نهاراً وإن كان عذراً في ترك الجماعة وأعمال البر ؛ وهذا كله ذكره م ر في شرحه عند قول المتن : وله ترتيب القسم على ليلة ، فما وقع في الحواشي غير محرر . وقول ق ل سابقاً يتخلف وما ذكره عن الزيادي ضعيف ؛ لأنه مخالف لكلام م ر . وعبارة م ر فيما مر وما اقتضاه كلام الشامل عن الأصحاب : أن من عماده الليل لا يجوز خروجه فيه بغير رضاها لجنازة وإجابة دعوة مردود ، وإنما ذلك في ليالي الزفاف فقط على ما يأتي لأنه يحرم عليه الخروج فيها لمندوب تقديماً لواجب حقها ؛ كذا قالاه ، لكن أطال الأذرعي في رده واعتمدوا عدم الحرمة ، أي وعليه فهي عذر في ترك الجماعة كما مرّ اه بحروفه ؛ فيجوز التخلف لترك الجماعة ولا يجب .
قوله : ( وإذا خاف ) أي ظن لا علم بدليل تمثيله ، وقوله : بأن ظهرت الخ وحمل الخوف على الظن هو إحدى الطريقتين وهو الملائم هنا ، وحمله على العلم طريقة أخرى غير مناسبة هنا كما يؤخذ من المحلي . واعلم أن الشقاق بين الزوجين إما أن يكون بسبب منها أو بسبب منه أو بسبب منهما جميعاً فالسبب منها أن تظهر أمارات نشوزها كما ذكره المصنف والسبب منه ما سيأتي في التتمة وهو ما لو منعها الزوج حقها كقسم . قوله : ( بأن ظهرت أمارات نشوزها )(4/248)
"""""" صفحة رقم 249 """"""
كذا في المنهج ، فعلم أن الوعظ يكفي له أمارات النشوز ، وأما الهجر والضرب فيفتقران إلى العلم بالنشوز ؛ فقول المصنف : ( فإن أبت إلا النشوز ) معناه : فإن تحقق نشوزها باستمرارها على النشوز بعد الوعظ اه م د .
قوله : ( كأن يجد ) مثال لأمارات نشوزها المظنون ، وإنما كان هذا نشوزاً مظنوناً لاحتماله الخروج عن الطاعة وعدمه ، والأمارة فيه على النشوز كون ما ذكر بعد اللطف والطلاقة كما قرره شيخنا .
قوله : ( بعد لطف ) هو قيد معتبر ، فلو كان ذلك عادة لها لم يكن نشوزاً ، وكذا قوله بعد أن كان بلين . وعبارة ق ل على الجلال : خرج بالبعدية من هي دائماً كذلك فليس نشوزاً إلا إن زاد ، وقوله إعراضاً وعبوساً لأنه لا يكون إلا عن كراهة ؛ وبذلك فارق السب والشتم لأنه قد يكون لسوء الخلق لكن له تأديبها عليه ولو بلا حاكم . قوله : ( خشن ) بكسرتين كما ذكره الأشموني في شرح قول المتن :
وفعل أولى وفعيل بفعل
لكن ذكر في القاموس أنه بفتح الخاء وكسر الشين ، ويجمع على خشن بضمتين كنمر ونمر ، والمراد بالخشن هنا القول الصعب .
قوله : ( وعظها الخ ) وهذه الأمور على الترتيب فلا يرتقي مرتبة هو يرى ما دونها كافياً كما في الصائل ، ولا يبلغ حد التعزير مع أنه منه ؛ ولذلك يضمن به اه ق ل .
قوله : ( لقوله تعالى ) ظاهره حمل الخوف في الآية على الظن وهو إحدى الطريقتين وعليه فالآية تحتاج إلى تقدير كما أشار إليه الشارح فيما بعد ، ومن حمل الخوف في الآية على العلم لم يحتج إلى تقدير في الآية لأن كلاًّ من الوعظ والهجر والضرب سائغ عند العلم بالنشوز شيخنا .
قوله : ( في الحق ) الحق الواجب للزوج على زوجته أربعة : طاعته ، ومعاشرته بالمعروف ، وتسليم نفسها إليه ، وملازمة المسكن . والحق الواجب لها عليه أربعة أيضاً : معاشرتها بالمعروف ، ومؤنتها ، والمهر ، والقسم اه ق ل . قوله : ( بلا هجر ) أي في المضجع فيحرم في هذه الحالة إن فوت حقاً لها من قسم وإلا فلا يحرم شوبري . وعبارة م ر : المراد نفي(4/249)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
هجر يفوّت حقها من نحو قسم لحرمته حينئذ بخلاف هجرها في المضجع فلا يحرم لأنه حقه اه . قوله : ( إذا باتت ) أي صارت ليلاً أو نهاراً . وقوله : ( لعنتها ) أي سبتها ، وليس المراد اللعن الحقيقي كما في شراح الحديث لأنه لا يجوز على معين إلا أن يقال الملائكة ليسوا مكلفين بما كلفنا به ، أو أن اللعن منوط بالوصف أعني الهاجرة . وعبارة ابن حجر في شرح العباب : وأما لعن إنسان بعينه ممن اتصف بمعصية ككافر أو فاسق فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام ، وأشار الغزالي لتحريمه إلا إن علم موته على الكفر ؛ لأن اللعن الإبعاد عن رحمة الله تعالى وما يدري ما يختم لهذا الكافر أو الفاسق . وأما الذين لعنهم رسول الله بأعيانهم فيجوز أنه علم بموتهم على الكفر اه . وما أشار إليه الغزالي هو المعتمد . قوله : ( حتى تصبح ) أي تعود لطاعته .
قوله : ( فإن أبت ) أي امتنعت . قوله : ( إلا النشوز ) أي لم تأبه بل استمرت عليه . وفيه أن هذا استثناء مفرغ وهو لا يكون إلا بعد نفي وليس موجوداً هنا . وأجيب بأنه واقع بعد نفي تقديراً ، والتقدير : فإن لم ترض بكل شيء إلا النشوز ؛ فالحصر إضافي أي بالنسبة لطاعة زوجها وهو استثناء منقطع ، والتقدير : فإن امتنعت من كل شيء يرضى الزوج إلا النشوز وهو لا يرضى وما قبله يرضى . وهذا بالنظر للفظ ، وإن نظر للمعنى احتمل أن يكون متصلاً لأن معنى امتنعت من الذي يرضى ومن فعل ما يغضب ، ومنه النشوز فيكون متصلاً ، ويصح أن يكون متصلاً بالنظر للفظ أيضاً ، ويكون التقدير : امتنعت من كل شيء لا يرضى إلا النشوز فلم تمتنع منه . قوله : ( في المضجع ) بفتح الجيم ويجوز كسرها ، أي الفراش .
قوله : ( لظاهر الآية ) الأولى أن يقول للآية لأنها نص في ذلك لا ظاهرة فيه شيخنا . وأجيب بأن قوله في المضجع محتمل لهجران الفراش ولمنع نحو قسم كما يؤخذ من قول الشوبري : المضجع بفتح الجيم ويجوز كسرها أي الوطء أو الفراش .
قوله : ( فوق ثلاثة أيام ) وفي بعض شراح البخاري : وإنما يحرم هجر أكثر من الثلاث(4/250)
"""""" صفحة رقم 251 """"""
إن واجهه ولم يكلمه حتى بالسلام ، وإلا فلا حرمة وإن مكث سنين اه ابن حجر . والتقييد بقوله : ( فوق ثلاثة ) محله في غير الأبوين والأنبياء ، أما هؤلاء فلا يجوز هجرهم طرفة عين لفضلهم على غيرهم كما لا يخفى ذكره الشوبري .
قوله : ( دخل النار ) أي استحق دخولها أو أنه محمول على الزجر . قوله : ( لحظ نفسه ) أو للأمرين معاً كما بحثه ابن حجر ح ل وم ر . قوله : ( صلاح دين الهاجر ) من وضع الظاهر موضع المضمر .
قوله : ( وصاحبيه ) وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية وهم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك المذكورون في قوله تعالى : ) وعلى الثلاثة الذي خلفوا } ) التوبة : 118 ) الآية . وتؤخذ اسماء الثلاثة من لفظ مكة الميم لمرارة والكاف لكعب والهاء لهلال ، وآخر اسماء آبائهم عكة ، ومرارة بضم الميم . وسبب هجرهم أنهم تخلفوا عن غزوة تبوك فهجرهم النبي وكذا جميع الصحابة وأمرهم أن يتجنبوا نساءهم وشقّ عليهم ما حصل لهم مشقة شديدة وصاروا يبيتون على الأسطحة ويصعقون إلى أن نزلت الآية بتوبتهم بعد خمسين يوماً ، فجاء النبي إلى كعب بن مالك وقال له : أبشر فإن هذا اليوم أفضل يوم طلعت عليك الشمس فيه . واستشكل ذلك بأنه يقتضي أن هذا اليوم أفضل من يوم إسلامه . وأجيب بتسليم ذلك ولا مانع منه لأنه يوم إسلامه كان لو أتى بالإسلام قبل منه حالاً بلا خلاف بخلاف يوم التوبة فإن توبته كانت في حكم العدم .
فرع : لو قال : والله إن دخلت الدار فوالله لا أكلمك أو زيداً ، ثم دخلت ينبغي جواز ترك الكلام مطلقاً ويكون هذا الحلف عذراً مسوّغاً لتركه دائماً ، ولا يكون من الهجر المحرم لأن اليمين غير محرمة لعدم استلزامها الهجر المحرم لجواز أن لا يدخل الدار فلا يحصل هجر وفاقاً في ذلك للرملي اه سم .(4/251)
"""""" صفحة رقم 252 """"""
قوله : ( بعد الهجر المرتب الخ ) إذ الهجر بعد الوعظ . قوله : ( ضربها ضرباً غير مبرّح ) ولو ضربها وادعى أنه بسبب نشوز وادعت عدمه فالقول قوله اه مرحومي . فقوله مقبول في نشوزها بيمينه بالنسبة لجواز الضرب لا لسقوط النفقة والكسوة ، ويفرق بينه وبين ما لو رمى عين إنسان وادعى أنه نظر إلى حرمته في داره من كوة وأنكر المرمى النظر مطلقاً فإنه المصدق كما هو ظاهر بشدة احتياج الزوج إلى تأديب الزوجة لأن من شأنها مخالفته ، ولو لم يقبل قوله لاشتد ضرره وعطل عرضه شوبري . قال ابن حجر : ومحله فيما لم تعلم جراءته واشتهاره وإلا لم يصدّق إلا ببينة ، فإن لم يقمها صدقت في أنه تعدى بضربها فيعزره القاضي ع ش على م ر وح ل . والمبرح هو ما يعظم ألمه بأن يخشى منه مبيح تيمم ، فإن لم تنزجر به حرم المبرح وغيره . ويؤيد تفسيري للمبرح بما ذكر قول الأصحاب بضربها بمنديل ملفوف أو بيده لا بسوط ولا بعصا اه ابن حجر . وفي شرح م ر : أنه يضرب بنحو العصا والسوط ، قال الحلبي : ولا يبلغ ضرب الحرة أربعين وغيرها عشرين اه . وسئل الشهاب م ر عن أن الزوج لو ادعى عدم تمكنه من وطئها فادعت أنه يريد وطأها في الدبر أو في الحيض أو النفاس . فأجاب بأنها تصدّق بيمينها اه م د .
قوله : ( لظاهر الآية ) فإن ظاهرها يصدّق بالضرب غير المبرح . قوله : ( واللاتي تخافون ) أي تظنون ، بدليل قوله : فإن نشزن الخ .
قوله : ( فإن نشزن ) أي تحقق نشوزهنّ . قوله : ( والخوف هنا بمعنى العلم ) لا حاجة إليه بعد تقدير : فإن نشزن الخ ؛ لأن المعنى : فإن تحقق النشوز الخ .
قوله : ( فمن خاف من موص جنفاً ) أي جوراً ، قال الجلال : جنفاً أي ميلاً عن الحق خطأ أو إثماً بأن تعمد ذلك بالزيادة على الثلث أو تخصيص غني مثلاً اه . وفيه أن تخصيص الغني في الوصية لا إثم فيه .
قوله : ( إذا أفاد ضربها ) عبارة م ر : أي إن علم أنه يفيد . قوله : ( وإلا فلا يضربها ) أي يحرم لأنه عقوبة بلا فائدة وإنما ضرب للحد والتعزير مطلقاً ، أي أفاد أم لا ، ولولله لعموم المصلحة كما قاله الشوبري .(4/252)
"""""" صفحة رقم 253 """"""
قوله : ( وخرج بقوله الخ ) فيه تجريد كأنه جرد من نفسه شخصاً خاطبه ؛ لأنه كان كثير الاستغراق في المعارف ومن العلماء العاملين رحمه الله . قوله : ( المبرح ) وهو ما يعظم ألمه عرفاً وظاهره وإن لم يخش منه محذور تيمم لكن صرح ابن حجر بخلاف ذلك اه ع ش على م ر . قوله : ( فإنه لا يجوز مطلقاً ) تكرر النشوز أو لا . قوله : ( محمول على ذلك ) أي على أن الأولى العفو . قوله : ( وهذا ) أي كون الأولى للزوج العفو عن الضرب ، بخلاف ولي الصبي فإن الأولى له عدمه والفرق ما ذكره . واعلم أنه يضمن ما تلف بالضرب من نفس أو عضو أو منفعة لأن ضرب التأديب مشروط بسلامة العاقبة ، وليس لنا موضع يضرب فيه المستحق من منعه حقه إلا هذا والعبد إذا امتنع من حق سيده ، ووجه الاستثناء أن الحاجة ماسة إلى ذلك لتعذر إثباته مع أنه لا إطلاع لأحد عليه ؛ قاله الشيخ عز الدين في القواعد اه خ ض و سم . وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها والأولى أن لا يفعل اه س ل وم د على التحرير .
قوله : ( ويسقط بالنشوز الخ ) حاصله أن النشوز إن صادف أوّل فصل منع وجوب الكسوة وتوابعها وإن حصل في أثناء فصل أسقط ما وجب ، ثم إن عادت للطاعة في أثناء اليوم فالكسوة لا تعود لها بل يأخذها الزوج وتكسو نفسها إلى تمام الفصل ونفقة اليوم الذي عادت للطاعة فيه لا تعود ، وكذا سكنى اليوم لا تعود ، وتعود نفقة اليوم المستقبل والسكنى دون الكسوة . ولو عجل الزوج نفقة وكسوة للمستقبل جاز وملكتها وتستردّ إن وجد مسقط لأن النكاح سبب أول والتمكين سبب ثان ، ولو نشزت الزوجة وصار الزوج ينفق عليها مدة نشوزها ظاناً وجوب النفقة عليه رجع عليها ببدل ما أنفقه عليها مدة نشوزها كما لو أنفق عليها بظن الحمل فبان خلافه صرح به م ر وغيره . وليس مثل ذلك إذا أنفق على ما صار إليه بنكاح أو شراء فاسد فلا يرجع الزوج والمشتري بما أنفقاه في النكاح والشراء الفاسدين ، والفرق أنهما شرطا في العقد على أن يضمنا ذلك بوضع اليد بخلافه . قوله : ( بخروجها من منزل زوجها الخ ) ولو خرجت لحاجتها في البلد بإذنه كأن تكون بلانة أو ماشطة أو مغنية أو داية تولد النساء فإنها لا يسقط حقها من القسم ولا من النفقة اه ز ي . وقوله : ( بإذنه ) أي أو علمت رضاه ، فمثل إذنه ما لو خرجت بغير إذنه وكانت تعلم رضاه ومنه ما لو استأذنته للذهاب إلى بيت أبيها فأذن وذهبت وباتت فإنها تستحق القسم وإن مكثت إياماً ، وهو مفهوم من فرضهم الكلام في السفر وهذا(4/253)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
ليس بسفر ؛ كذا قرره المحشي في درسه ونوزع فيه ، وكذا بخط الشيخ خضر الشوبري بهامش الزيادي . والمنازعة ظاهرة ، والماشطة هي التي تحفف الإناث وترقق الحواجب وتكحل الإناث . قوله : ( بغير إذنه ) ولو لغرضه ، شرح المنهج . ولو حبست الزوجة الزوج فإن كان بحق استحقت القسم كالنفقة وإن كان بغير حق لم تستحق لأن المانع من جهتها ، وأما لو حبسها فإن كان بحق لم تستحق وإن كان بغير حق ؛ فالذي مال إليه شيخنا ز ي عدم الاستحقاق أيضاً ، ومال شيخنا الشبشيري إلى الاستحقاق لأن المانع من جهته وهي مظلومة اه خ ض . قوله : ( لطلب الحق ) أي لتخليص الحق منه أي القاضي من الزوج أو من غيره كما قرره شيخنا . قوله : ( بمنعها الزوج من الاستمتاع ) ولو لبخر مستحكم بفيه أو صنان مستحكم به أو لأكل ذي ريح كريه كثوم وبصل ، وأما لو كان ذلك بها وأرادت أن لا تمكنه إلا بعد إزالة نحو صنان غير مستحكم وريح كريه وأراد التمكين مع وجود ذلك أجيبت خوفاً من أن يزهدها بعد ذلك م ر ح ل . وخالف ع ش ، ونصه : أو لم تمكنه من نفسها أي ولو بنحو قبلة وإن مكنته من الجماع حينئذ أي حيث لا عذر في امتناعها منه ، وإلا كأن كان به صنان أو بخر مستحكم وتأذت به تأذياً لا يحتمل عادة لم تعدّ ناشزة وتصدّق في ذلك إن لم تدل قرينة على كذبها اه . وسئل العلامة ابن حجر عما إذا امتنعت الزوجة من تمكين الزوج لتشعثه وكثرة أوساخه هل تكون ناشزة أم لا ؟ فأجاب بقوله لا تكون ناشزة بذلك ، ومثله كل ما تجبر المرأة على إزالته أخذاً مما في البيان أنّ كل ما يتأذى به الإنسان يجب على الزوج إزالته انتهت ، أي حيث تأذت بذلك تأذياً لا يحتمل عادة ؛ ويعلم ذلك بقرائن الأحوال من أهل جيران الرجل المذكور أو ممن هو معاشر له . ويؤخذ من ذلك جواب حادثة وقع السؤال عنها : وهي أن رجلاً ظهر ببدنه المبارك وهو أنه إن أخبر طبيبان أنه مما يعدي أو لم يخبرا بذلك لكن تأذت به تأذياً لا يحتمل عادة بملازمته مع ذلك على عدم تعاطي ما ينظف به بدنه فلا تصير ناشزة بامتناعها ، وإن لم يخبر الطبيبان المذكوران بما ذكر وكان ملازماً على النظافة بحيث لم يبق ببدنه من العفونات ما تتأذى به وجب عليها تمكينه ولا عبرة بمجرد نفرتها . ومثل ذلك في هذا التفصيل القروح السيالة ونحوها من كل ما لا يثبت الخيار ولا يعمل بقولها في ذلك أي في كونه يعدي وفي كونه غير متنظف بل بشهادة من يعرف حاله لكثرة عشرته له ع ش على م ر . وعبارة المنهج : وهي ، أي الكتابية الخالصة ، كمسلمة في نحو نفقة وكسوة وقسم وطلاق بجامع الزوجية المقتضية لذلك فله إجبارها كالمسلمة على غسل من حدث أكبر كحيض وجنابة ، ويغتفر عدم النية منها للضرورة كما في المسلمة المجنونة ، وعلى تنظيف بغسل وسخ من نجس ونحوه وباستحداد ونحوه ،(4/254)
"""""" صفحة رقم 255 """"""
وعلى ترك تناول خبيث كخنزير وبصل ومسكر لتوقف التمتع أو كماله على ذلك اه . وقوله : ( من نجس ) ولو معفواً عنه ، وقوله : ( ونحوه ) شامل للثوب والبدن وإن لم يكن لذلك رائحة كريهة ، وهو واضح لأن ذلك يفتر الشهوة ويقلل الرغبة ح ل . وقال ابن حجر : وغسل نجاسة ملبوس ظهر ريحها أو لونها واستعمال دواء يمنع الحبل وإلقاء أو إفساد نطفة استقرت في الرحم لحرمته ولو قبل تخلقها على الأوجه ، وعلى فعل ما اعتاده منها حال التمتع مما تدعو إليه ويرغب فيه أخذاً من جعلهم إعراضها وعبوسها بعد لطفها وطلاقة وجهها أمارة نشوز ، وبه يعلم إطلاق بعضهم وجوب ذلك من غير نظر لاعتياد وعدمه غير صحيح ، وظاهر أن الكلام في غير مكروه ككلام حال الجماع فقد سئل الشافعي فقال : لا خير فيه . ويؤيد ما ذكرته أوّلاً نقل بعضهم عن الجمهور أن عليها رفع فخذيها والتحرك له ، واختار بعضهم وجوب رفع توقف عليه الوطء دون التحرك ، وبعضهم وجوبه أيضاً لكن إن طلبه وبعضهم وجوبه لمريض وهرم فقط ؛ وهو أوجه . ولو توقف على استعلائها لنحو مرض اضطره للاستعلاء لم يبعد وجوبه أيضاً اه . وقوله : ( وباستحداد ) أي حلق عانة ونحوه كنتف الإبط واللحية ، ولا تجب إزالتها على الخلية وإن قصدت ببقائها التشبه بالرجال اه . وقوله : ( لتوقف التمتع ) أي في الغسل ، وقوله : ( أو كماله ) أي في التنظيف وما بعده ؛ وهذا يقتضي أنه لو كان حنفياً يرى الحل أو عكسه لم تجبر وليس كذلك فالعلة للأغلب أو لما شأنه ذلك ق ل . قوله : ( تدللاً ) أي تحبباً وإظهاراً للجمال والمحبة . قوله : ( وتستحق التأديب ) والمؤدب لها هو الزوج ، فيتولى تأديبها بنفسه ولا يرفعها إلى القاضي لأن فيه مشقة وعاراً وتنكيداً للاستمتاع فيما بعد وتوحيشاً للقلوب ، بخلاف ما لو شتمت أجنبياً . قال الزركشي : وينبغي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين الرفع إلى القاضي . قوله : ( ويسقط به نفقتها ) أي حيث لم يكن يستمتع بها ، وإلا لم تسقط اه م ر ميداني . قوله : ( أو مضناة ) من الضنا بالمعجمة والنون وهو الهزال الشديد . قوله : ( لا تحتمل الجماع ) يرجع للمريضة أيضاً . قوله : ( قرح ) بفتح القاف وضمها الجراحة كما عبر بها م ر ، وفي نسخة : قروح . قوله : ( فلا تسقط نفقتها ) أي ولا قسمها .
قوله : ( تناوله ) أي النشوز . قوله : ( ومرادهم الخ ) لا يخفي أن هذا المراد غير مراد بل(4/255)
"""""" صفحة رقم 256 """"""
مرادهم الأعم من سقوط ما وجب ومنع ما لم يجب . والمثال الذي ذكره فيه الجمع بينهما لأن النشوز قبل الفجر يسقط نفقة اليوم الماضي لأنه جزء منه ، وهو ظاهر إذا كان الليل تابعاً للنهار ويمنع نفقة اليوم الذي طلع فجره لأنه جزء منه أيضاً ، أي لأن الفجر جزء من اليوم الذي هو منه ، والنفقة تجب بفجر كل يوم وإن رجعت في أثنائه اه قليوبي . وكأنه فهم أن المراد المنع قبل الحصول وفيه نظر بل مراده الأعم ، فيجاب عن الشارح بأن المراد بقوله منع الوجوب أي ما يشمل منع الوجوب . وقوله : ( لا سقوط ما وجب ) أي لا خصوص سقوط ما وجب الذي فهمه البعض واعترض ، ويدل لذلك تمثيله . وحاصل ما قرره شيخنا أن قوله منع الوجوب أي ما يعم منع الوجوب أو المراد منع الوجوب ابتداء ودواماً . قوله : ( وسيأتي تحرير ذلك ) حاصله أن النشوز إذا صادف أوّل فصل الكسوة سقطت كسوة ذلك الفصل ولو رجعت إلى الطاعة فيه ، وإذا طرأ النشوز في أثناء فصل تبين عدم الوجوب ووجب عليها رد كسوة جميع الفصل وإن عادت إلى الطاعة في الحال . وهذا كله عند عدم استمتاعه بها فإن كان يستمتع بها فلا سقوط كما تقدم .
قوله : ( لو منع الزوج زوجته حقها ) شروع في نشوز الزوج أو نشوزهما . قوله : ( ألزمه القاضي ) أي إن كان ملكفاً ، وإلا ألزم وليه بما ذكر والإنفاق من مال الزوج اه زيادي . قوله : ( فإن أساء خلقه ) الخلق السجية والطبع ، وهو بضمتين ، ويجوز تخفيفه بإسكان اللام . قوله : ( وأذاها بضرب ) أو غيره بلا سبب ولو كان يتعدى عليها ، وإنما يكره صحبتها لمرض أو كبر أو نحوه ويعرض عنها فلا شيء عليه . ويسنّ لها استعطافه بما يحب كأن تسترضيه بترك بعض حقها ، كما أنه يسن له إذا كرهت صحبته لما ذكر أن يستعطفها بما تحب من زيادة النفقة ونحوها كما مر شرح م ر . قوله : ( وإنما لم يعزره في المرة الأولى ) بل في الثانية وما بعدها بخلافها فيعزرها مطلقاً . قوله : ( والتعزير عليها ) أي لأجلها .(4/256)
"""""" صفحة رقم 257 """"""
قوله : ( بثقة ) ولو عبداً وامرأة ولم يشترط تعدده لعسره ، فالمراد به عدل الرواية كما قاله حج ؛ ثم قال أيضاً : ولا يقبل قول الزوج إنه رجع عن ظلمه إلا بقرينة ظاهرة . قوله : ( يخبرهما ) بفتح أوله وضم ثالثه أي يعرف أحوالهما ق ل . قال في المختار : خبر الأمر علمه وبابه نصر والاسم الخبر بالضم وهو العلم بالشيء .
قوله : ( فإن عدم ) أي الجار الثقة بأن لم يكن جاراً وكان غير ثقة . قوله : ( منع الظالم ) أي على الوجه السابق فلا يعزر الزوج أوّل مرة بخلاف الزوجة ، فإن لم يمتنع أحال بينهما بلا طلاق ويستمر وجوب النفقة في مدة الإحالة كما يؤخذ من الزيادي وقرره شيخنا ، قال في شرح المنهج : فإن لم يمتنع أحال بلا طلاق كما هو معلوم بينهما إلى أن يرجعا عن حالهما ، قال الزيادي : فعلم من كلامه أنه لا يحال بينهما ابتداء خلافاً للغزالي وإنما يحال بينهما إذا تبين له الحال ومنع الظالم منهما فلم يمتنع ، وقال ابن حجر : بل يظهر أنه لو علم من جراءته أنه لو اختلى بها أفرط في إضرارها أحال وجوباً بينه وبينها ابتداء مرة . وقوله : ( أحال بينهما ) أي في المسكن وإن ترتب على ذلك زيادة المؤنة ؛ لأن مصلحة السكنى تعود عليه كما قاله ع ش . والظاهر أن الحيلولة لا يتأتى معها قوله : فإن اشتد الشقاق الخ ؛ ولذا ذكر م ر الحيلولة في تعدي الزوج فقط . وقد يقال : يمكن اشتداد الشقاق مع الحيلولة بصعود حائط أو بخروج أحدهما إلى الآخر .
قوله : ( فإن اشتد الشقاق ) أي الخلاف ، مأخوذ من الشقّ وهو الناحية كأن كل واحد صار في ناحية ، وقبله مرتبة حذفها الشارح تقديرها : فإن لم يمتنع الظالم منهما عن ظلمه أحال القاضي بينه وبينها بأن ينقله من عندها أو هي من عنده ، فإن اشتد الشقاق بعد أن أحال بينهما الخ قال في المختار : الشقاق الخلاف والعداوة . وقوله : ( ومن أهلهما ) أي وكونه من أهلهما سنة . قوله : ( بعث ) أي وجوباً كما قاله الشارح ، وهو المعتمد لقوله تعالى : ) وإن خفتم شقاق بينهما } ^ إلى قوله : ) يوفق الله بينهما } ) النساء : 35 ) والضميران في قوله : ( إن يريدا ) وقوله : ( يوفق الله بينهما ) مرجع الأوّل منهما الحكمان والثاني الزوجان ، وقيل هما للحكمين ، وقيل للزوجين . وفي الآية تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتحراه أصلح الله مبتغاه اه برماوي .(4/257)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
قوله : ( وهما وكيلان ) أي لأن الزوجين رشيدان ، فلا يولي عليهما في حقهما إذ البضع حقه والمال حقها وقيل حاكمان لتسميتهما في الآية حكمين ، وقد يولي على الرشيد كالمفلس ؛ ويردّ بأن التولية على المفلس في غير ذاته وهو المال بخلافه هنا ، ويترتب على الخلاف اشتراط الرضا بالبعث على الأول دون الثاني اه . وينعزلان بما ينعزل به الوكيل وهو المعتمد ، فلو جن أحد الزوجين أو أغمى عليه ولو بعد استعلام الحكمين حالهما انعزل حكمه ، لا إن غاب لأنهما إن جعلا وكيلين فالوكيل ينعزل بالجنون أو حكمين فيعتبر دوام الخصومة وبعد الجنون لا يعرف دوامها اه شرح البهجة .
قوله : ( بطلاق أو خلع ) ولا يجوز لوكيل في طلاق أن يخالع لأن وكيله وإن أفاده مالاً فوّت عليه الرجعة ولا لوكيل في خلع أن يطلق مجاناً اه س ل . ومن هذا تعلم مناسبة ذكر الخلع عقب هذا الفصل ، وأيضاً الغالب حصول الخلع عقب الشقاق . قوله : ( وقبول طلاق ) الظاهر أن الواو على بابها .
قوله : ( ويفرقا ) عطف على ( لينظرا ) . قوله : ( إن رأياه صواباً ) ويلزم كلاً من الحكمين أن يحتاط ، فلو قال أحدهما لحكمه : خذ مالي منه وطلق أو خالع أو عكسه تعين أخذ المال أوّلاً ، وإن قال : طلق أو خالع ثم خذ جاز تقديم أخذ المال وعكسه ؛ كذا قال الأذرعي ، لكن نقل عن العلامة الزيادي مخالفته فليراجع اه برماوي . وينبغي أن لا يخفى أحد الحكمين عن الآخر شيئاً إذا اختلى به ق ل .
قوله : ( ويشترط فيهما ) أي الحكمين إسلام أي وإن كان الزوجان كافرين ، وكذا التكليف اللازم للعدالة برماوي . فلا بد منه وإنما اشترط ذلك مع كونهما وكيلين لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم ، والمراد عدالة الرواية بدليل ما ذكره بقوله : ويسن كونهما ذكرين ق ل .
تنبيه : شرط في حكمها الرشد بناء على عدم صحة خلع السفيهة دون حكمه بناء على صحة خلع السفيه فيصح توكيله فيه اه شوبري .
قوله : ( واهتداء إلى المقصود ) وهو الإصلاح أو التفريق . قوله : ( بعث غيرهما ) فإن عجزا عن توافقهما أدب الظالم واستوفى للمظلوم حقه ، أي بحسب ما يظهر له .(4/258)
"""""" صفحة رقم 259 """"""
3 ( ( فصل : في الخلع ) ) 3
ذكره عقب النشوز والشقاق لترتبه عليهما غالباً ، وإلا فكان حقه أن يذكر بعد الطلاق لأنه نوع خاص منه والعام يقدم في الذكر على الخاص . ولفظ الخلع اسم مصدر لاختلع ومصدر سماعي لخلع ، وأما المصدر القياسي فهو خلع بفتح الخاء ، قال ابن مالك :
فعل قياس مصدر المعدى
من ذي ثلاثة كردّ ردا
وأصل وضعه الكراهة . وقد يستحب كأن كانت تسيء عشرتها معه . وظاهر كلامهم أنه لا يكون واجباً ولا حراماً ولا مباحاً ، وهو ضرب من الجعالة مشوب بالمعاوضة لأن بضع المرأة في معنى المملوك للزوج بالمهر ، فإذا خالعها فقد رد بضعها . وجوزه الشارع دفعاً للضرر ، وهو مخلص من الطلاق الثلاث في الحلف على النفي مطلقاً أو مقيداً وعلى الإثبات المطلق وكذا المقيد عند شيخنا وغيره ، وهو الوجه . وخالف شيخنا م ر في هذا القسم كحلفه بالطلاق الثلاث ليدخلنّ الدار في هذا الشهر فلا يخلص فيه الخلع عند م ر إن وقع الخلع بعد التمكن من فعل المحلوف عليه لما فيه من تفويت البر باختياره ، وإلا بأن وقع قبل التمكن فيتجه أنه يخلصه سم على حج ملخصاً . والمعتمد أنه ينفعه الخلع مطلقاً أي في جميع الصور ، وإذا أراد أن يعقد بعد الخلع على مذهب أبي حنيفة فلا بد أن يقع بعد انقضاء العدّة وفعل المحلوف عليه بعد انقضائها .
قوله : ( من خلع الثوب ) قيد به لأجل قوله لأن كلاًّ لباس الآخر ، وإلا فهو مشتق من الخلع مطلقاً . قوله : ( لباس الآخر ) أي كلباسه .
قوله : ( هنّ لباس ) وجه الشبه بين اللباس والرجل والمرأة أن كلاًّ منهما يلاصق صاحبه ويشتمل عليه عند المعانقة والمضاجعة كما يلاصق اللباس صاحبه ويشتمل عليه ، وقيل : كون كل منهما يستر صاحبه بالتزوّج عما يكره من الفواحش كما يستر الثوب العورة ذكره ابن يعقوب على المختصر ، فاللباس على الأوّل حسي وعلى الثاني معنوي .
قوله : ( فكأنه ) أي فصح كونه مشتقاً من الخلع بمعنى النزع ؛ لكن على التشبيه أي تشبيه المفارقة بالنزع المذكور ، وهذا هو المقصود . وقوله : ( لأن كلاًّ من الزوجين الخ ) توطئة لهذا اه شيخنا . ولا وجه للفظ ( كأن ) لأنها للشك أو الظن ونزع الزوجة قد تحقق بالفراق . ويجاب بأن ( كأن ) تأتي للتحقيق أو أن الإتيان بكأن نظراً لنزع اللباس الحسي اه . قال شيخنا : هذا يأتي(4/259)
"""""" صفحة رقم 260 """"""
في كل فرقة كالطلاق والفسخ فمقتضاه أن كل فرقة تسمى خلعاً . وأجيب بأن علة التسمية لا توجب التسمية . قوله : ( فرقة ) أي لفظ دالّ على فرقة بين الزوجين ، وقرر شيخنا أنه نفس الفرقة لا دالها خلافاً لما وقع للمحشي ؛ وكلام المحشي هو الظاهر لأن الخلع هو اللفظ الدال على الفرقة لا نفسها . قوله : ( ولو بلفظ مفاداة ) الغاية للرد على من قال إنهما كنايتان كما سيأتي . قوله : ( بعوض ) أي ولو منفعة أو ديناً أو عيناً إلا في خلع الأعمى إذا وقع على عين فلا يثبت المسمى بل مهر المثل كما قاله الشيخان في الكلام على بيع الغائب فتفطن لذلك اه منوفي . أما فرقة بلا عوض أو بعوض غير مقصود كدم أو بمقصود راجع لغير من ذكر فإنه لا يكون خلعاً بل يكون رجعياً اه شوبري .
قوله : ( راجع لجهة الزوج ) فلو رجع لا لجهة الزوج كما لو علق طلاقها على البراءة مما لها على غيره فإنه رجعي ، وهل يبرأ الأجنبي أو لا ؟ الظاهر أنه يبرأ ، فلو خالعها على إبرائه وإبراء غيره فأبرأتهما براءة صحيحة بأن كانت بالغة عاقلة رشيدة عالمة بالقدر المبرأ منه هل يقع بائناً نظراً لرجوع بعضه للزوج أو رجعياً نظراً لرجوع البعض الآخر لغيره ؟ قال ابن حجر : الأقرب الأوّل ، وعليه هل يبرأ كل من الأجنبي والزوج أم لا ؟ حرر اه ح ل . والمعتمد أنه يبرأ كل منهما لأن البراءة وجدت صحيحة كما قرره شيخنا وصرح به البرماوي . قوله : ( الأقرب الأوّل ) أي لأن رجوعه لغير الزوج يحتمل أنه مانع للبينونة أو غير مقتض لها فعلى الثاني البينونة واضحة ، وكذا على الأوّل إذ كونه مانعاً لها إنما يتجه إن انفرد لا إن انضم إليه مقتض لها كذا في التحفة شوبري . قوله : ( جائز ) أي صحيح وإن كره أو حرم كالبدعي أي من الأجنبي ، كأن وقع في زمن حيض بعوض من الأجنبي . وضابط مسائل الباب أن الطلاق إما أن يقع بالمسمى بائناً إن صحت الصيغة والعوض أو بمهر المثل إن فسد العوض فقط وكان مقصوداً أو رجعياً إن فسدت الصيغة أو كان العوض فاسداً غير مقصود كدم وقد نجز أو علق بما وجد ، أو لا يقع أصلاً إن علق بما لم يوجد ذكره المدابغي . وقوله : ( إن فسدت الصيغة ) كخالعتك على هذا الدينار على أن لي الرجعة .
فرع : سئل شيخنا زي عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أنه لا يدخل هذه الدار ثم احتيج له في دخولها فقيل له خالع زوجتك فقال على الطلاق الثلاث لا أخالعها ولا أوكل في خلعها ، فهل إذا خالع يقع عليه الطلاق الثلاث أو لا ؟ وأجاب بقوله : يقع بالخلع طلقة لأنها بانت بها فلا يلحقها الطلاق بعد ذلك اه خضر . قال العلامة الديربي : أي إذا خالع بنفسه أما لو وكل في خلعها وقع عليه الثلاث لأنه حلف أنه لا يوكل وقد وكل قبل وجود الخلع .
قوله : ( معلوم ) كان الأولى حذفه لأن الخلع يصح ولو كان العوض مجهولاً لكن بمهر(4/260)
"""""" صفحة رقم 261 """"""
المثل ، وعبارة ق ل : قوله معلوم ليس قيداً إلا من حيث لزوم المسمى كما سيذكره ، فلو سكت عنه لكان أولى . قوله : ( بما ذكر ) أي من قوله مقصود راجع لجهة الزوج . قوله : ( ونحوه ) كالحشرات لا نحو الميتة .
قوله : ( ولسيده ) أي ورجوع العوض لسيده أي الزوج ، يفيد أنه إذا اشترط ابتداء للسيد لم يكن عوضاً لجهة الزوج فيقع رجعياً شوبري . قوله : ( وما لو خلعت الخ ) بخلاف تعبير بعضهم بيأخذه الزوج فإنه لا يشمل هذا .
قوله : ( من قود ) ويسقط القود عن الزوج وتبين ولا شي له عليها غيره لأنه عوض صحيح يقابل بمال . قوله : ( أو غيره ) كحدّ قذف أو تعزير ، ويبرأ الزوج من ذلك وتبين ويلزمها مهر المثل للزوج لأنهما من العوض الفاسد الذي لا يقابل بمال وهو يرجع فيه إلى مهر المثل . وكان مقتضى ذلك أن لا يسقط حد القذف والتعزير ، ولكن لما تضمن ذلك منها الرضا والمسامحة منهما سقط . وعبارة ح ل : والظاهر أن حد القذف والتعزير من المقصود فيجب في الخلع عليهما مهر المثل ؛ لأن الظاهر أن المقصود لا يختص بمال يقابل بمال بدليل الخمر والميتة . قوله : ( فيصح رجعياً ) لو قال فيقع لكان أولى إذ في صحة الخلع مع كون الطلاق رجعياً تناقض تأمل ؛ قاله ق ل .
قوله : ( وخرج بمعلوم المجهول ) ومثله أيضاً ما لو طلقها على إسقاط حقها من الحضانة وبقي ما لو خالعها على رضاعة ولده سنتين مثلاً ثم مات الولد قبل مضي المدة ، فهل له الرجوع عليها بأجرة مثل ما يقابل ما بقي من المدة أو بالقسط من مهر المثل باعتبار ما يقابل ما بقي من المدة ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن ما بقي من المدة بمنزلة المجهول والواجب مع جهل العوض مهر المثل ع ش على م ر .
واعلم أن قول الشارح وخرج أي من صحته بالمسمى لأنه خارج من صحته من أصله لأنه يقع بائناً بمهر المثل كما قال الشارح . قوله : ( فيقع الخ ) وحينئذ فالتقييد بمعلوم ليصح بالمسمى كما علمت .
قوله : ( والأصل في ذلك ) الأولى أن يقدم الاستدلال عليه قبل تعريفه كما هو عادته كما صنع غيره . قوله : ( فإن طبن لكم الخ ) فيه نظر لأنه لا دلالة فيه على الخلع ، وإنما يدل على(4/261)
"""""" صفحة رقم 262 """"""
الهدية أو الهبة . ويجاب بأن المعنى : فإن طبن أي ولو في مقابلة فك العصمة ، فهو شامل للمدعي ، ونفساً تمييز محوّل عن الفاعل أي طابت نفوسهنّ . وفيه أن الآية والحديث الآتي قاصران على ما إذا كان عوض الخلع من الصداق والمدّعى أعم ، إلا أن يقال يقاس غير الصداق عليه كما قرره شيخنا . وأصرح من هذا قوله تعالى : ) فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ) البقرة : 229 ) ح ل . قال بعضهم أخذ من هذا أي من قوله في الآية : ) فكلوه هنيئاً مريئاً } ) النساء : 4 ) أن الشخص إذا مرض يستحب له أن يدفع لزوجته شيئاً من صداقها الباقي عليه ثم تدفعه له على سبيل الهدية ليصرفه في دواء له ، والأولى أن يأخذ به عسل نحل لقوله تعالى : ) فيه شفاء للناس } ) النحل : 69 ) .
قوله : ( في امرأة قيس بن ثابت ) واسمها حبيبة بنت سهل الأنصاري حيث طلبت منه أن يطلقها على حديقتها التي أصدقها إياها ففعل . قوله : ( أقبل الحديقة ) عبارة م ر في شرحه : خذ الحديقة ، فلعلهما روايتان . والحديقة اسم بستان ع ش . قوله : ( أبغض الحلال ) هذا إما من باب التنفير لأن الحلال أي المباح لا يبغضه الله ، أو المراد بالحلال ما قابل الحرام فهو بغض المكروه وبغضه عدم رضاه به كما قرره شيخنا ح ف .
قوله : ( إلا في حالتين ) استثناء من قوله : ( مكروه ) . قوله : ( أن لا يقيما حدود الله ) أي الواجبة على كل منهما للآخر ، وقال البيضاوي : أي ترك إقامة أحكام الله من واجب الزوجية . قوله : ( على فعل شيء ) كأن قال : إن دخلت الدار فزوجتي طالق ثلاثاً ولا بد له من دخولها وإن صليت الظهر فهي طالق ثلاثاً ، وقوله على شيء أي أو ترك شيء لا بدّ له من تركه كقوله إن تركت الزنا بفلانة في هذا النهار فزوجتي طالق ثلاثاً كما قرره شيخنا . قوله : ( فيخلعها الخ ) أي فهو مستحب ، ويكون مستثنى من كراهة الطلاق .(4/262)
"""""" صفحة رقم 263 """"""
قوله : ( وبضع ) يصدق بالرجعية . فإن قلت : لم عبر بالبضع ولم يقل وزوجة ؟ فالجواب أن الزوجة دخلت في قوله ملتزم ، فلو ذكرها ثانياً لزم التكرار اه ح ل . قوله : ( وعوض ) أي ولو تقديراً كما تقدم . قوله : ( فيصح من عبد ) لا من صبي ومجنون . قوله : ( بسفه ) أو فلس ولو بغير إذن وليهما . قوله : ( لمالك أمرهما ) أو لهما بإذنه . قوله : ( قابلاً ) كأن قال : طلقتها على ألف في ذمتك ، فيقبل الملتزم . وقوله : ( أو ملتمساً ) كأن قالت : طلقني على ألف في ذمتي ، فيقول : طلقتك على ذلك . قوله : ( إطلاق تصرف ) أي ليصح التزامه المال ويجب دفعه حالاً ، فخرجت السفيهة لأنها لا يصح التزامها المال فيقع خلعها رجعياً ، وخرجت الأمة لأنها لا يجب عليها دفع المال حالاً . هذا مراده ، وإلا فمقتضاه أن خلع الأمة بغير إذن سيدها غير صحيح لأنها ليست مطلقة التصرف المالي ؛ قاله الحلبي . وعبارة ق ل : قوله وشرط في الملتزم أي ليقع الخلع بما التزم أي مع لزومه حالاً لا لصحته فإنه صحيح مطلقاً كما سيذكره . قوله : ( فلو اختلعت أمة ) أي رشيدة وإلا وقع رجعياً . قوله : ( أو غيره ) عطف على ضمير ماله ، فالمعنى أو مال غير السيد ؛ ولكن في بعض النسخ : من مال أو غيره أي كالاختصاص . قوله : ( فبالدين تبين ) محله في غير المكاتبة ، أما هي فتبين بمهر المثل لا بالمسمى خلافاً للشارح زي ، أي فيكون في ذمتها وإنما لم يصح بالمسمى لأنه مؤجل بأجل مجهول في حق من هي كالحرة في الاستقلال بالتصرف . قوله : ( فإن أطلق الإذن وجب مهر مثل ) هذا فيما إذا سمت أكثر من مهر المثل ، وأما إذا سمت قدر مهر المثل أو أقل فهو الواجب ، أو سمت أكثر فالواجب مهر المثل ، فكان الأولى أن يقول : فإن أطلق الإذن صح الخلع بما سمت وتعلق بكسبها إن كان قدر مهر المثل أو أقل ، فإن زاد تعلق الزائد بذمتها فتطالب به بعد العتق واليسار . قوله : ( في كسبها ) أي من حين الخلع لا من حين الإذن . قوله : ( وإن عين لها عيناً من ماله ) فإن زادت على ما عينه أو قدره تعلق الزائد بذمتها شرح المنهج . قوله : ( محجورة ) أي حرة ولو بإذن وليها لأنها ليست من أهل التزام المال وليس لوليها صرف مالها إلى مثل ذلك ما لم يخش على مالها من الزوج(4/263)
"""""" صفحة رقم 264 """"""
ولم يمكن دفعه إلا بالخلع وإلا جاز صرفه حينئذ في الخلع ، ولو خالعها فلم تقبل لم يقع طلاق كما يفهم من التعبير باختلعت أي قبلت الخلع إلا أن ينوي الطلاق بالخلع ولم يضمر التماس قبولها فيقع رجعياً في المدخول بها كما هو الفرض . قوله : ( طلقت رجعياً ) أي إن كان بعد الدخول . قوله : ( ولغا ذكر المال ) وإن أذن فيه الولي . والحيلة في صحة خلع السفيهة أي يختلع لها أجنبي من ماله ، قال م ر : ومن خلع الأجنبي قول أمها الرشيدة مثلاً خالعها على مؤخر صداقها في ذمتي فيجيبها فيقع بائناً بمثل المؤخر في ذمة السائلة كما هو واضح ؛ لأن لفظ مثل مقدرة في نحو ذلك وإن لم تنو نظير ما مر في البيع ، فلو قالت : وهو كذا لزمها ما سمته زاد أو نقص ؛ لأن المثلية المقدرة تكون مثلاً من حيث الجملة ؛ وبنحو ذلك أفتى الولي العراقي اه بحروفه . وذكر في الفروع ما نصه : لو أراد وليّ السفيهة اختلاعها على مؤخر صداقها منعناه من ذلك لما فيه من التفويت عليها ، فالطريق أن يختلعها على قدر مالها على الزوج في ذمته فيصير ذلك واجباً للزوج على الأب ودين المرأة باق بحاله ، فإذا أراد الزوج التخلص منه فليقل ما ذكر فتكون المرأة محتالة بمالها على الزوج على أبيها ، قاله ع ش . وهذه الحيلة صحيحة في مذهب الشافعي ، لكنها مكروهة ذكره الخطيب في باب الزكاة وفي الشفعة . قال الشعراني في الميزان : ومثله في رحمة الأمة . قال أبو حنيفة والشافعي : إنه يجوز الاحتيال لإسقاط الشفعة مثل أن يبيع سلعة مجهولة عند من يرى ذلك مسقطاً للشفعة أو أن يقرّ له ببعض الملك ثم يبيعه الباقي أو يهبه له ، وقال مالك وأحمد : إنه ليس له الاحتيال على إسقاط الشفعة اه . وقال أيضاً : قال الشافعي وأبو حنيفة : إن من قصد الفرار من الزكاة فوهب من ماله شيئاً أو باعه ثم اشتراه قبل الحول سقطت عنه الزكاة وإن كان مسيئاً عاصياً ، وقال مالك وأحمد لا تسقط فالأوّل مخفف والثاني مشدّد . ووجه الأوّل حمله على تغيير نيته الفاسدة بعد ذلك قبل إزالة العين ، ووجه الثاني حمله على استصحابها مخادعة لله عز وجل اه . وقوله : ( مكروهة ) أي كراهة تنزيه ، والأولى أن يقال إنها محرمة وهو الظاهر اه . ثم رأيت في فتاوى الشلبي الحنفي ما نصه : سئل في رجل تزوّج بابنة عمه ودخل بها وأصابها ثم حصل بينه وبين والدها تشاجر فسأله والدها المذكور على أن يطلقها طلقة واحدة على بقية صداقها عليه ومنجمها وعلى جميع ما عليه لها من الحقوق . فأجاب سؤاله إلى ذلك وطلقها الطلقة المسؤول عنها ثم وقع بين والدها وزوجها تبارؤ عامّ مطلق فهل حق الزوجة المذكورة يكون لازماً لأبيها أم لها المطالبة على زوجها ، وإذا غرم زوجها ما يجب لها عليه له الرجوع على والدها بعد البراءة الصادرة بينهما والحال أن الزوجة المذكورة لم تكن حاضرة للطلاق وما حكم الله تعالى في ذلك ؟ جوابه للشيخ ناصر الدين الطبلاوي الشافعي : البراءة من الوالد دون الزوجة : ( لا تصح ، فلا يقع الطلاق في مقابلتها وحق الزوجة باق في ذمة الزوج وهي باقية على العصمة . ووافقه(4/264)
"""""" صفحة رقم 265 """"""
شيخ الإسلام الحنبلي . وكتب سيدي الجد رحمه الله على الجانب الأيمن ما صورته : إن كانت الزوجة صغيرة لا ينفذ الخلع عليها في حق وجوب المال لكنه يقع الطلاق بقبول الأب على الأصح ، وإن كانت كبيرة توقف الخلع على قبولها . ووجدت في ورقة بخطه ما نصه في رجل متزوّج بامرأة ، فسأله والدها بما نصه : أن يطلقها طلقة واحدة على براءة ذمته من حالّ صداقها ومؤجله عليه وجملته كذا وكذا ديناراً على ثلاث فصول كساو من غير إذنها ، فأجابه لذلك وطلقها الطلقة المسؤولة على الحكم المشروح ، فهل والحال ما ذكر يقع عليه الطلاق أم لا ؟ وهل الإبراء المذكور وقع الموقع أم لا ؟ وإذا لم يقع الإبراء موقعه وقلتم بوقوع الطلاق يقع رجعياً أم بائناً بمهر المثل أم لا ؟ أجاب الجمال الصاغاني : يقع الطلاق رجعياً ولا شيء على الأب ، فإن ضمن له براءته من ذلك والحال ما ذكر وقع بائناً بمهر المثل على الأب . وكتبت تحت خطه ما نصه : يقع الطلاق رجعياً ولو ضمن الأب البراءة عن المهر للزوج ولا يلزم الأب شيء بالضمان المذكور اه . وذكر الرملي في الكلام على ذلك كلاماً ينبغي الوقوف عليه .
قوله : ( وحسب من الثلث زائد ) لأن التبرع إنما هو به بخلاف مهر المثل فأقل منه فمن رأس المال ، فإن لم يسعه أي الزائد الثلث فسخ المسمى ورجع لمهر المثل ق ل .
قوله : ( ولا رجعة ) مراده اللغوية . قال ق ل : فإن شرط عليها الرجعة وقع رجعياً ولا مال . قوله : ( إلا بنكاح ) استثناء منقطع إن أريد الرجعة اصطلاحاً ، فإن أريد بها مطلق الرد إليه كان متصلاً اه .
وله : ( ويصح عوض الخلع ) المناسب أن يذكر هذا عند قوله : والخلع جائز على عوض بأن يقول قليلاً أو كثيراً كما قرره شيخنا . قوله : ( ولو خالعها على ما في كفها ) أي شيء . قوله : ( ولم يكن فيه شيء ) فإن كان فيه شيء فلا يخلو إما أن يكون صحيحاً أو فاسداً ، وإذا(4/265)
"""""" صفحة رقم 266 """"""
كان صحيحاً فإما أن يكون الزوج عالماً به أو جاهلاً ، وإذا كان فاسداً فإما أن يكون مقصوداً أو غير مقصود ، فإن كان صحيحاً وعلم به الزوج بانت به أو جهله بانت بمهر المثل ، وكذا إن كان فاسداً مقصوداً علمه الزوج أو جهله ، وإن كان غير مقصود وعلم به الزوج وقع رجعياً ولا مال ، وإن جهله وقع بائناً بمهر المثل م ر . قوله : ( وقع بائناً بمهر المثل ) وإن علم أن كفها خال قال م ر : لأن قوله في كفها صلة لما أو صفة لها غايته أنه وصفه بصفة كاذبة فتلغو فيصير كأنه خالعها على شيء مجهول اه . فالمراد العوض ولو بقسرا كما تقدم . وخرج بضمير خالعها خلعه مع الأجنبي في الحالة المذكورة فيقع رجعياً . قوله : ( على ما يأتي ) لا حاجة للجمع بين قوله : ( على ما يأتي ) وبين قوله : ( ولكن ) فلو حذفه كان أولى إذ قوله : ( ولكن الخ ) هو قوله على ما يأتي .
قوله : ( لأنه تكرر الخ ) هو مبني على أن مأخذ الصراحة التكرر في لسان حملة الشرع وقيل : المعتبر وروده في الكتاب والسنة أو اشتهاره مع ورود معناه سواء تكرر أم لا . ومراده بحملة الشرع الفقهاء ع ش . قوله : ( إن ذكر معهما المال ) وكذا إن نوى أو نوى التماس قبولها وقبلت ق ل . ويقع في الأولى بالمسمى وفي الثانية بالمنويّ إن وافقته عليه ، فإن لم توافقه وقع بمهر المثل ، ويقع في الثالثة بمهر المثل إن قبلت وإلا فلا يقع شيء تأمل ، حرر ذلك في زي . والمعتمد أنه كناية في الثالثة ، فإن نوى الطلاق وقع رجعياً وإلا فلا م ر ، وعبارته في شرحه : والأوجه أنه إن صرح بالعوض أو نواه وقبلت بانت بما ذكره أو نواه أو عرى عن ذكر المال ونيته ونوى التماس جوابها وقبلت وقع بائناً بمهر المثل لاطراد العرف بجريان ذلك بعوض ، فيرجع عند الإطلاق إلى مهر المثل لأنه المراد ، فإن لم يضمر جوابها ونوى الطلاق وقع رجعياً ، وإن لم ينوه فلا يقع شيء اه مع زيادة من شرح المنهج وع ش . وعبارة زي : المعتمد ما في الروضة من أن شرط صراحته ذكر المال ومثل ذكره نيته أي المال ، فإن ذكر مالاً وجب وإن نواه وجب مهر المثل ، ولا بد من القبول في هاتين الحالتين سواء أضمر الالتماس أم لا ، وإن لم يذكر مالاً ولا نواه كان كناية في الطلاق ، فإن نوى به الطلاق نظر فإن أضمر التماس قبولها وقبلت وكانت أهلاً للالتزام وقع بائناً بمهر المثل وإن لم يضمر وقع رجعياً . وكذا إن لم تقبل ، هكذا حرره ابن الرملي في درسه اه .(4/266)
"""""" صفحة رقم 267 """"""
قوله : ( الذي جامعها فيه ) قيد به لأنه الذي يكون بدعياً لولا الخلع . قوله : ( ومنه يعلم ) أي من التعليل .
قوله : ( لأنها ببذلها الفداء الخ ) يؤخذ منه فرضها فيما إذا كان الخلع معها أو بإذنها ، فلو كان مع أجنبي بلا إذنها لم يجز لأنه بدعي وإن صح ؛ وسيأتي أن طلاقها لا سني ولا بدعي .
قوله : ( كالزوجة في لحوق الطلاق ) ذكر خمسة ، وزيد سادس وهو : عدم جواز نكاح أربع سواها . وقد نظم بعضهم ذلك في بيت قفال :
طلاق وإيلاء ظهار وراثة
لعان لحقن الكل من هي رجعة
أي ذات رجعة .
قوله : ( صدّق بيمينه ) أي فإذا مات لا ترثه ولا نفقة لها عليه إن لم تكن حاملاً وإذا ماتت ورثها .
قوله : ( رجلين ) أي لا رجل وامرأتين ولا رجل ويمين ؛ لأن دعواها الخلع ليس فيها مال ولا يقصد بها مال .
قوله : ( فيستحقه ) أي وإن لم يقرّ له ثانياً لثبوته في ضمن معاوضة كما قرره شيخنا . وهو مأخوذ من زي . وعبارته : قوله : ( إلا أن يعود ويعترف بالخلع ) قال الماوردي : ولا يشكل على هذا ما تقدم في كتاب الإقرار من أنه لو أقرّ بمال وكذبه المقر له فإنه يبطل ولو رجع المقرّ له وصدقه فإنه لا يستحق إلا بإقرار جديد لأن هذا الإقرار في ضمن معاوضة بخلاف ذاك ، ويغتفر في الضمني ما لا يغتفر في غيره .(4/267)
"""""" صفحة رقم 268 """"""
قوله : ( ولها نفقة العدة ) لأنها تزعم أن الطلاق وقع رجعياً والرجعية لها نفقة العدة وإن لم تكن حاملاً . ومحل ذلك إذا أقرت بالطلاق مجاناً ، أما إذا أنكرت الطلاق رأساً فلها النفقة أبداً ، وإذا مات ترثه إذا مات في العدة ، وإذا ماتت لا يرثها عملاً بدعواه .
قوله : ( أو في صفة عوضه ) مراده بها ما يشمل الجنس فصح التمثيل بما بعده لأن في اختلاف الجنس اختلاف صفة أيضاً ، فكأن الشارح قال اختلفا في صفة عوضه سواء كان معها اختلاف جنس أيضاً أم لا عشماوي ؛ وبهذا اندفع قول ق ل الآتي في قوله قوله كدراهم الخ .
قوله : ( كدراهم ) فيه نظر لأن الدراهم والدنانير من الجنس لا من الصفة ق ل . قوله : ( كالمتبايعين ) فيه إحالة على مجهول لأنه لم يذكر اختلاف المتبايعين ، لكن ذكره غيره . والقول في عدد الطلاق الواقع في مسألته وهي الأولى قول الزوج بيمينه كما في شرح المنهج . وانظر هل المراد بيمينه الواقع في التحالف أو لا بد من يمين أخرى ؟ قال شيخنا : الظاهر الثاني .
قوله : ( ومن يبدأ به ) أي وهو الزوج هنا لأنه كالبائع . وقال الشيخ س ل : والذي ينبغي أن يبدأ بالزوجة لأن البضع يبقى لها .
قوله : ( بفسخ العوض ) أي بعد التحالف المذكور . قوله : ( مهر مثل ) فاعل : ( يجب ) . قوله : ( فإن لم ينويا شيئاً ) بقي ما لو اختلفت نيتهما قدراً أو صفة أو نوعاً ، والحكم التحالف كما تقدم ق ل .(4/268)