بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب : تحفة الحبيب على شرح الخطيب ( البجيرمي على الخطيب )
المؤلف : سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي
دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت/ لبنان - 1417هـ -1996م
الطبعة : الأولى
عدد الأجزاء / 5
[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ](1/6)
"""""" صفحة رقم 7 """"""
( مقدمة المؤلف )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على أفضاله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وآله .
وبعد : فيقول العبد الفقير منكسر الخاطر لقلة العمل والتقوى عثمان ابن العلامة الشيخ سليمان السويفي الشافعي وفقه الله لحسن العمل وغفر له ما كان من الزلل : إني اطلعت على شرح الخطيب على أبي شجاع بخط شيخنا العلامة الشيخ سليمان البجيرمي ، فرأيت عليه حواشي رقيقة ونكات دقيقة وتحريرات شريفة مما نقله من الحواشي المعتمدة وتلقاه عن أشياخه الفضلاء .
ثم إن شيخنا المذكور وكثيراً من الإخوان المخلصين والأعزاء المصلحين ، طلبوا مني تجريد ذلك ليكون حاشية مستقلة ، فيعم بها الانتفاع لما رأوا مني من الإخلاص في العمل والاشتغال بالعلم مع الانقطاع ، فأجبتهم إلى ذلك قاصداً به الأجر والثواب ، وليكون ذخيرة لي ولشيخنا المذكور يوم المآب ، وسميتها :
( تحفة الحبيب على شرح الخطيب )
وقد كنت جردت له قبل ذلك ما على نسخة المنهج ، وزدته كثيراً من الحواشي ، فتلقاه الناس بالقبول جعل الله ذلك خالصاً لوجهه الكريم ، وسبباً للفوز بجنات النعيم .
قوله : ( بسم الله الخ ) ابتدأ بالبسملة اقتداءً بالكتب السماوية التي أشرفها الكتاب العزيز ، لما نقل عن أبي بكر التونسي من إجماع علماء كل ملة على أن الله تعالى افتتح كل كتاب ببسم الله الرحمن الرحيم الدالّ له خبر : ( بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة كل كتاب ) . ولا ينافيه خصوصية نبينا وأمته بها إذ المختص اللفظ العربي بهذا الترتيب ، وأما ما في النمل عن(1/7)
"""""" صفحة رقم 8 """"""
سليمان ، فهو ترجمة عما في كتابه لبلقيس ، إذ لم يكن عربياً ، وإن كان كل كتاب نزل من السماء عربياً ، لكن عبر كل نبي عن كتابه بلسان قومه ، ولا ينافيه أمره عليه السلام بكتب باسمك اللهم إلى نزول : ) بسم الله مجراها ومرساها } ) هود : 41 ) ، فأمر بكتب بسم الله إلى نزول ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } ) الإسراء : 110 ) فأمر بكتب بسم الله الرحمن إلى نزول آية النمل ، فأمر بكتبها بتمامها ، فإنه يقتضي عدم افتتاح القرآن بها لاحتمال عدم علمه بافتتاح القرآن بها قبل الأمر بذلك لكنه بعيد ، إذ كيف يتأخر علمه إلى نزول آية النمل ، وقد يقال لا بعد فيه لاحتمال عدم علمه بذلك حال نزول ما قبل الفاتحة ، بل علم بذلك عند ترتيب القرآن ، ولا ينافيه أيضاً أن معاني الكتب مجموعة في القرآن ومعانيه في الفاتحة ومعانيها في البسملة ، فإن هذا يقتضي اختصاص القرآن بها لأن المختص اللفظ العربي على هذا الترتيب كما مر ، فظهر أن قولهم اقتداء بالكتاب العزيز للاقتصار على الأشرف أو لجمعه لها أو نسخه إياها اه مدابغي ، وفي قوله : اقتداء بالكتب السماوية نظر ، لأنه يقتضي أن شرع من قبلنا شرع لنا ، وهو قول ضعيف في مذهبنا ، والمعتمد أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا ، وإن ورد في شرعنا ما يقرره .
قوله : ( الحمد لله الخ ) هو حمد في مقابلة نعمة ، لأن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ، فكأنه قال الحمد لله لأجل نشره للعلماء ، والمراد بالتعليق الربط ، وبالحكم ثبوت الحمد لله ، ويحتمل قوله الحمد لله أن يكون حمداً في مقابلة الذات ، ويكون قوله : الذي نشر الخ بياناً لصفة الله في الواقع فكأنّ قائلاً قال له : ما صفة الله الذي أوقعت الحمد له ؟ فقال : الذي نشر الخ . ويحتمل أن يكون فيه حمدان : حمد في مقابلة الذات وهو ظاهر ، وحمد في مقابلة الصفات يؤخذ من قوله الذي نشر ، ووجهه أن الموصول وصلته في تأويل المشتق ، فكأنه قال الحمد لله الناشر وتعليق الحكم بالمشتق يشعر بعلية ما منه الاشتقاق فكأنه قال : وإنما أوقعت الحمد للذات العلية لأجل نشرها للعلماء ، الخ . وإنما كان ذلك حمداً ثانياً لأنه إخبار بوقوع حمد منه والإخبار بالحمد حمد .
وقوله : ( نشر ) أي أظهر للعلماء فضائل كالمشاهدة بالأبصار ، فشبه الفضائل بالأعلام ، أي الروايات أطلق اسمها عليها على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية ، والجامع الظهور والاهتداء والقرينة حالية ، لأن العلماء لا أعلام لهم ، ويكون النشر ترشيحاً لأن النشر ضد الطيّ ، أو شبه الإظهار بالنشر واستعار النشر للإظهار ، واشتق من النشر نشر بمعنى أظهر على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية والجامع الاهتداء إلى المقصود في كل والأعلام ترشيح ، ويحتمل أن الأعلام بمعنى الرايات حقيقة ونشر بمعنى ينشر لما ورد : ( إن الله تعالى يعقد للعلماء يوم القيامة رايات لمعرفتهم ويقول للعالم : قف واشفع تشفع ) . والعلماء : جمع عليم(1/8)
"""""" صفحة رقم 9 """"""
ككريم وكرماء وهو جمع قياسي أو جمع عالم وهو قياسي أيضاً ، لأن فعلاء يطرد جمعاً لفاعل إذا دل على مدح نحو صالح ، أو ذم نحو فاسق كما أفاد الأشموني في شرح قول ابن مالك :
ولكريم وبخيل فعلا
كذا لما ضاهاهما قد جعلا
فسقط قول بعضهم : إن جمع عالم على علماء غير مقيس ، والمراد بهم المعهودون وهم العاملون بدليل قوله : وثبت لهم الخ . على أن المراد بالصراط الجسر الممدود أو الدين الحق ، والمراد ثبت أقدامهم على القيام به ، وأما إذا كان المراد بهم على إقامته ، فلا يدل على أن المراد بهم العاملون ، لأن إقامة الدين تحصل بغير العاملين ، ويحتمل أن المراد كل عالم فيكون المقصود مدح أهل العلم .
قوله : ( أعلاماً ) جمع علم محرّكاً كبطل وأبطال وفرس وأفراس وهو جمع قياسي ؛ واستعمل جمع القلة في أعلاماً مكان جمع الكثرة بقرينة المقام ، وإنما ارتكبه لعدم سماع جمع الكثرة فيه وهو علام بكسر أوله كجبل وجبال أخذاً من قوله الألفية :
وفعل أيضاً له فعال
ولأجل السجع ، والعلم الراية ويطلق على الجبل ، ولما كان العالم يهتدى بعلمه جعل علمه كالراية أو كالنار على الجبل ، لأن كلاًّ منهما مما يهتدى به إلى المقصود ، كذا ذكره الأجهوري ، وهذا لا يظهر إلا إذا كان العلم يطلق على النار ولم يرد إطلاقه عليها فالمناسب تشبيههم بالجبال في الثبات على الحق وعدم التزلزل .
قوله : ( على الصراط ) يحتمل أن يراد به الجسر الممدود على متن جهنم الأدق من الشعرة الأحدّ من السيف ، فعلى هذا تكون الأقدام باقية على معناها الحقيقي ، ويكون ثبت بمعنى يثبت على سبيل الاستعارة التبعية بأن شبه التثبيت في المستقبل بالتثبيت في الماضي ، واستعار التثبيت في الماضي للتثبيت في المستقبل ، واشتق من التثبيت في الماضي ثبت بمعنى يثبت على حد : ) أتى أمر الله } ) النحل : 1 ) ويحتمل أن يراد به الدين الحق ، فالمعنى وثبت لهم على الدين الحق أقداماً أي : قوة ، ففي الأقدام استعارة تصريحية حيث شبهت القوّة بالأقدام ، واستعيرت الأقدام للقوة ، والجامع بينهما كون كلّ يوصل إلى المقصود ، ومثل ذلك يأتي في الصراط بأن شبه الدين الحق بالصراط ، واستعير الصراط للدين الحق بجامع أن كلاًّ يوصل إلى المقصود والأقدام ترشيح ، وفي الكلام مضاف مقدر أي : على إنفاذه أو إقامته ، وحينئذ فوصفه بالاستقامة أي كونه لا خلل ولا مخالفة فيه للصواب على الثاني ظاهر ، وعلى الأول وهو الجسر الممدود على ظهر جهنم غير ظاهر ، لأنه كالميزان ألف سنة صعود وألف سنة استواء وألف سنة هبوط . ويجاب بأن وصفه بالاستقامة ليس باعتبار(1/9)
"""""" صفحة رقم 10 """"""
جملته ، بل باعتبار كل حالة من أحواله الثلاثة ، فكل حالة من أحواله مستقيمة لا اعوجاج ولا انعطاف فيها . قال المرحومي : الصراط بالصاد والسين والزاي قد قرىء في السبع بالصاد والسين وبإشمام الصاد زاياً .
قوله : ( أقداماً ) جمع قدم وهي مؤنثة . قال تعالى : ) فتزل قدم بعد ثبوتها } ) النحل : 94 ) ولهذا تصغر على قديمة بالهاء ، وقد اشتمل كلامه من الحمد إلى وبعد على أربع عشرة سجعة : منها اثنتان على الميم الموصولة بألف الإطلاق وهما الأوليان ، وثمانية على الميم الساكنة ، واثنتان على النون الساكنة ، واثنتان على اللام المضمومة بعدها الهاء الساكنة ، إذ لا يصح السجع على الهاء .
( مبحث في تعريف السجع وأقسامه :
قال الأجهوري : والسجع توافق الفاصلتين أي الكلمتين الأخيرتين من النثر على حرف واحد وهو إما أن يكون مطرّفاً أو مرصعاً أو متوازياً لأنه إما أن تتفق قوافيه في الوزن أم لا ، فإن كان الثاني فهو المطرّف ، وإن كان الأول فإما أن تتفق كل كلمات السجعتين أو غالبها في الوزن أو لا . فإن كان الأول فهو المرصع ، وإن كان الثاني فهو المتوازي مثال المطرّف قوله تعالى : ) ما لكم لا ترجون لله وقاراً وقد خلقكم أطوارا } ) نوح : 14 ) ومثال المرصع قول الحريري : فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه ، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه ؛ ولو أبدل الأسماع بالآذان لكان مثالاً لما اتفق فيه الغالب ومثال المتوازي : ) والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى } ) النجم : 2 ) والأوليان من الشرح من السجع المتوازي ، وضابطه أن تتفق الفاصلتان في الوزن ، ولا يكون ما قبل الفاصلتين من الفقرتين موافقاً في الوزن ، وباقي السجع من قبيل السجع المطرّف ، وضابطه أن تختلف الفاصلتان في الوزن وليس في كلام الشارح سجع مرصع ، وضابطه أن تتفق الفاصلتان في الوزن والتقفية ، وأن يكون ما قبل الفاصلتين من الفقرتين موافقاً في الوزن أيضاً .
قوله : ( وجعل مقام العلم ) أي جعل مرتبة العلم أعلى المراتب ، فلا يساويه غيره أو جعل أهله في أعلى المراتب بحيث لا يساويهم غيرهم فيها اه ق ل . فيكون على حذف مضاف أي جعل مقام أهله . وقال ح ف : أي جعل محل العلم وهو العلماء أعلى وأرفع من سائر الناس . قوله : ( وفضل العلماء ) المقام للإضمار غير أنه أبرزه إظهاراً لشرفهم ، أو استلذاذاً بذكرهم على حد :
سعاد التي أضناك حب سعادا
وإعراضها عنك استمر وزادا
اه أجهوري .
وقال ق ل : لو قدم هذه الجملة على التي قبلها لاستغنى عن إظهار الضمير وهو يفيد أن الإظهار حينئذ في محله .(1/10)
"""""" صفحة رقم 11 """"""
( مبحث في تعريف الحجة والحكم وتقسيمه إلى تكليفي ووضعي ) :
قوله : ( بإقامة الحجج ) جمع حجة وهي الدليل ، وهو ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى علم أو ظنّ ؛ فالمراد بالحجج الأدلة الدينية التي أثبتت أمراً دينياً سواء كان عملياً أو اعتقادياً ، فدخل فيه بعض الأدلة العقلية كقولنا : العالم متغير وكل متغير حادث ؛ فهذا دليل ديني مع أنه عقلي وسمي الدليل حجة لأنه يحج به الخصم ، ولذا سميت البينة حجة .
وقوله : ( ومعرفة الأحكام ) هو عطف على ما قبله من عطف المسبب على السبب ، لأن المعرفة ناشئة عن إقامة الحجج فسقط قول بعضهم : لو قدم هذا على إقامة الحجج لكان أولى ، لكنه أخره لأجل السجع ، والمراد بالأحكام التكليفية والوضعية وجملة التكليفية خمسة أو ستة على الخلاف في خلاف الأولى ، والوضعية خمسة ، لأن خطاب الوضع هو الخطاب الوارد بكون الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً ، والأحكام : جمع حكم وهو لغة إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه ، واصطلاحاً خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من حيث إنهم مكلفون ، أي كلامه القائم بذاته المتعلق بأفعال العباد تعلقاً تنجيزياً كالمتعلق بالمكلفين ، أو تعلقاً معنوياً كالمتعلق بغير المكلفين ، فإنه متعلق بهم بمعنى أنهم إذا كلفوا خوطبوا به على سبيل التنجيز اه شوبري . والأولى تفسير الأحكام بالنسب التامة كثبوت الوجوب للنية في الوضوء ، كما فسر بها الجلال في شرح جمع الجوامع ليشمل الأحكام الشرعية والعقلية ، ولأنها التي يقام عليها الدليل قال ق ل : لو حذف لفظ معرفة لكان أعم وأولى ، ووجه العموم شموله لغير المعرفة كالعلم بالأحكام ونحوه ، ووجه الأولوية أن المعرفة تتعلق بالمفردات ، وهذا لا يناسب الأحكام لأن المراد بها النسب إلا أن يراد بالمعرفة العلم بناء على ما هو الصحيح من ترادف العلم والمعرفة . قوله : ( وأودع العارفين ) بالدال المهملة ولو أبدلها بأوزع بالزاي المعجمة أي ألهم كما في قوله تعالى : ) أوزعني أن أشكر نعمتك } ) النحل : 19 ) لكان أولى إذ الوديعة شأنها لرد كما قال :
وما المال والأهلون إلا ودائع
ولا بد يوماً أن ترد الودائع وقد يجاب بأن محل كون الوديعة شأنها الرد إنما هو في الأمور الدنيوية بخلاف الدينية كما هنا ، لأنه إذا كان وعده لا يتخلف فبالأولى ما أوصله إلى عبيده . وأما سلب الإيمان ونحوه والعياذ بالله تعالى فنادر ، إذ الغالب أن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة فشكرها لا يسلبها عنه . ويجاب عنه أيضاً بأنه عبر بأودع نظراً للحقيقة ، وما عليه أهل الحق من أن العبد ليس له مع الله شيء ، بل جميع ما عند العبد لا ملك له فيه حقيقة بل المالك له حقيقة هو الله تعالى اه ح ف .(1/11)
"""""" صفحة رقم 12 """"""
( مبحث في قولهم : حقيقة بلا شريعة باطلة وشريعة بلا حقيقة عاطلة ) :
وقوله : ( العارفين ) جمع عارف وهم علماء الحقيقة ، وبالضرورة يلزمها علم الشريعة لما صرحوا به من قولهم :
حقيقة بلا شريعة باطلة وشريعة بلا حقيقة عاطلة ، مثال الأول إذا قلت لشخص : صلّ الظهر ، فقال : إن كان الله كتبني سعيداً أدخلت الجنة وإن لم أصلّ ، أو إن كان الله قدّر لي أن أصلي صليت فقد نظر لباطن الأمر ، ومثال الثاني إذا قال الشخص : لا أصلي إلا لأجل أن أدخل الجنة ولا أدخل الجنة إلا بالصلاة مثلاً ، فهذه شريعة عاطلة عندهم ، ومعنى كونها عاطلة أن وجودها كعدمها عندهم ، لأن دخول الجنة بفضل الله تعالى لا بالعمل وإن كانت مجزئة في أداء الواجب .
( مبحث في الشريعة والطريقة والحقيقة )
واعلم أن لهم شريعة وهي أن تعبده تعالى ، فعبادة الله تعالى شريعة عندهم لأنها المقصودة منها وإن كانت الشريعة عند الفقهاء ما شرعه الله تعالى من الأحكام ، وطريقة وهي أن تقصده بالعلم والعمل ، وحقيقة وهي نتيجتهما وهي أن تشهد بنور أودعه الله في سويداء القلب أي وسطه أن كل باطن له ظاهر وعكسه أي كل ظاهر له باطن معلوم ، كخرق الخضر للسفينة فإنه وإن كان منكراً ظاهراً فهو جائز في الباطن ، لأنه سبب لنجاة السفينة من الملك ، والأولى أن تعرّف الحقيقة بعلم بواطن الأمور كعلم الخضر بأن ما فعله مع موسى من خرق السفينة وغيرها فيه مصلحة ، وإن كان ظاهره مفسدة في البعض ، والشريعة ظاهر الحقيقة والحقيقة باطنها وهما متلازمان معنى كما سبق ومثلت الثلاثة بالجوزة ، فالشريعة كالقشر الظاهر ، والطريقة كاللب الخفي ، والحقيقة كالدهن الذي في باطن اللب ، ولا يتوصل إلى اللب إلا بخرق القشر ولا إلى الدهن إلا بدقّ اللب .
وقوله : ( لطائف سرّه ) جمع لطيفة ولعل المراد بها ما يطلعون عليه من الأسرار الخفية كما وقع للخضر مع موسى بدليل أنه جعلهم من أهل المحاضرة أي : الحضرة الإلهية أي مشاهدته تعالى بقلوبهم من الحضور وهو الشهود . قال الطبلاوي في السر القدسي وقد نبه أهل الحقيقة أن لأصحاب النهاية في المكاشفات ثلاث مراتب : المحاضرة وهي حضور القلب عند الدلائل ، ثم المكاشفة وهي أن يصير العبد في سيره إلى الله عز وجل غير محتاج إلى طالب السبيل وتأمل الدليل ، ثم المشاهدة وهي عبارة عن توالي الأنوار من التجلي على قلب العبد من غير أن يتخللها انقطاع ، فالمحاضرة كرؤية الشيء في النوم والمكاشفة كرؤية الشيء بين النوم واليقظة ، والمشاهدة كرؤية الشيء في اليقظة ، ومثال ثان وهو أن المحاضرة تشبه الجلوس على(1/12)
"""""" صفحة رقم 13 """"""
عتبة باب الملك من وراء الباب والمكاشفة تشبه الدخول في دار الملك والمشاهدة تشبه الوقوف في الموضع الذي لا يكون بينك وبين مطلوبك فيه حجاب اه ويمكن أن الشارح أشار إلى الأقسام الثلاثة ، فذكر القسم الأول وهو المحاضرة صريحاً ، وأدرج فيه الثاني أو تركه لفهمه منه ، وأشار إلى الثالث بقوله : والإلهام وهو إلقاء معنى في القلب بطريق الفيض يطمئن له الصدر .
قوله : ( ووفق العاملين لخدمته ) أي طاعته بمعنى أنه أقدرهم على القيام بطاعته ليلاً ونهاراً ، فلذا قال : فهجروا لذيذ المنام أي النوم اللذيذ ، فهو من إضافة الصفة للموصوف ، والمراد بهجر النوم عدم الغفلة التي هي أعم منه ، إذ ليس للنوم لذة لأن النائم لا إحساس له ق ل بخلاف الغفلة ، فإنها قد تشتمل على شهوات يلتذ بها لأهلها ، أو المراد بالنوم حقيقته وباللذة ما يحصل للنائم في أوّله أو عقبه من الراحة كما يفسر به آية : ) وجعلنا نومكم سباتاً } ) النبأ : 9 ) من السبات في الآية معناه الراحة التي تحصل عند النوم ، كما أشار إليه البيضاوي ، وهذه السجعات في الشرح ليست على ترتيبها في الواقع لأن الواقع تقديم العلم ثم العمل ثم المعرفة أي للأسرار التي يطلع عليها علماء الحقيقة ثم المحبة ثم إلقاء الأسرار والشارح قدم المعرفة وإيداع الأسرار على العمل المعبر عنه بالتوفيق ، ولهذا قال بعضهم قوله : ( ووفق العاملين ) الأنسب تقديم هذه السجعة على ما قبلها لأن القيام بوظائف العبادات سبب لإيداع الأسرار ومقدم عليه . ويجاب بأن الواو لا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً .
والحاصل أن أركان طريقة القوم أربعة : ترك المنام ، وترك الأنام ، وترك الطعام وترك الكلام : اثنان مذكوران هنا صريحاً وهما ترك الأنام ، وترك المنام ، والاثنان الآخران مذكوران تلويحاً لأنه يلزم عادة من ترك الطعام ترك المنام ، ومن ترك الأنام ترك الكلام ، والمراد من تركهما ترك الكثير منهما والاقتصار على القليل بقدر الضرورة ، لأنه لا بد لكل واحد من هذه الأربعة . وحاصل المطلوب في الطريقة ترك العوائد ، فمن ترك العوائد أي الأربعة المتقدمة ، فالمراد بالعوائد الأمور المعتادة خرقت له العوائد بظهور الكرامات على يديه لأنها خارقة للعادة .
قوله : ( وأذاق المحبين ) أي ألقى حلاوة الإيمان في قلوبهم فاستأنسوا به فلم يلتفتوا إلى ما سواه والمراد بالقرب القرب المعنوي وهو مراقبته تعالى بالخوف والإجلال . قوله : ( وأنسه ) هو سرور القلب بما يرد عليه من المعارف الربانية وشبه القرب بالعسل تشبيهاً مضمراً في النفس وأذاق تخييل واللذة ترشيح ، والمراد بقرب الله تعالى من العبد ارتفاع الحجب التي بينه وبينه ، فبين العبد وربه اثنان وسبعون حجاباً بعضها ظلماني وبعضها نوراني ، فإذا مزقها العبد وأزالها(1/13)
"""""" صفحة رقم 14 """"""
بالمجاهدات والرياضات وهي تأديب النفس على ما وافق الشرع ، فقد قرب من الله قرباً معنوياً ، وهذه الحجب حاجبة للعبد عن ربه لا لله عن عبده ، لأنه لا يحجبه شيء . وقوله : ( الأنام ) أي الخلق . قوله : ( أحمده الخ ) حمده بالاسمية ثم بالفعلية إشارة إلى الجمع بين نوعي الحمد الدالّ على الدوام والثبات وهو الأول والدال على الاستمرار التجددي ، وقصد بالثاني الموافقة بين الحمد والمحمود عليه أي كما أن آلاءه تعالى لا تزال تتجدد في حقنا دائماً نحمده بمحامد لا تزال تتجدد ، وإنما عدلت عن قول الأجهوري أثنى عليه ثانياً بالجملة الفعلية بعد أن حمده أولاً بالجملة الإسمية إشارة إلى الجمع بين نوعي الحمد الواقع في مقابلة صفاته تعالى العظام ، والواقع في مقابلة نعمه الجسام إلى ما قلته لما صرحوا به من أن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ، وهو قد علق الحمد فيما تقدم على نشر الأعلام للعلماء ، فكأنه قال : الحمد لله لأجل نشره للعلماء أعلاماً فيكون في مقابلة نعمة كالمثاني ، اللهم إلا أن يقال إنه لاحظ إيراد الشارح الأول مورد الصفات .
فإن قيل : لم قدمت الاسمية على الفعلية مع حصول الجمع لو عكس ؟
قلت : لما كانت الصفات قديمة مستمرة والنعم متجددة متعاقبة ذكر الأول بالإسمية الدالة على الثبوت والاستمرار ، والثاني بالفعلية الدالة على التجدد والتعاقب اه أجهوري . وقوله : قديمة هذا لا يظهر إلا على مذهب الماتريدية القائلين بأن صفات الأفعال قديمة . والأولى أن يجاب بأنه قدم الإسمية على الفعلية عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الحمد لله نحمده ) .
قوله : ( سبحانه ) هو اسم مصدر وهو ما نقصت حروفه عن حروف فعله الماضي وهو سبح بتشديد الباء .
قوله : ( على جزيل الإنعام ) أي الإنعام الجزيل أي الكثير أو العظيم ، وإنما قال الإنعام لأن الحمد على الإنعام الذي هو من أوصاف المنعم أمكن من الحمد على نفس النعمة ، ولم يتعرض للمنعم به لقصور العبارة عن الإحاطة به تفصيلاً . قوله : ( وأشهد ) أي أعلم وأذعن ، فلا يكفي العلم من غير إذعان وهو تسليم القلب لحقيقة ما علمه ، والمعتمد في مذهبنا أنه لا بد من لفظ الشهادة لمن يريد الدخول في الاسلام ولا يخلو من معنى التعبد قال في المصباح : جرى على ألسنة الأمة سلفها وخلفها في أداء الشهادة أشهد مقتصرين عليه دون غيره من الألفاظ الدالة على تحقيق الشيء نحو : أعلم وأتيقن ، ولا يخلو من معنى التعبد إذ لم ينقل غيره ، ولعل السر فيه أن الشهادة اسم من المشاهدة وهي الاطلاع على الشيء عياناً ، فاشترط في الأداء ما ينبىء عن المشاهدة ، وأقرب شيء يدل على ذلك ما اشتق من اللفظ وهو أشهد بلفظ المضارع الموضوع للإخبار في الحال لا الماضي ، لأنه موضوع للإخبار عما وقع ، وقد استعمل أشهد في القسم نحو : أشهد لقد كان كذا أي أقسم فيتضمن لفظ أشهد معنى المشاهدة(1/14)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
والإخبار والقسم في الحال ، فكأن الشاهد قال : أقسم بالله لقد اطلعت على ذلك ، وأنا الآن أخبر به . وهذه المعاني مفقودة في غيره من الألفاظ .
قوله : ( أن لا إله إلا الله ) أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله بالرفع بدل من محل ( لا ) واسمها ، لأن محلهما رفع بالابتداء عند سيبويه ، أو بدل من الضمير المستتر في خبر ( لا ) المحذوف ، والتقدير لا إله موجود إلا الله ، أو بالنصب على الاستثناء ، ولا يصح جعله بدلاً من محل اسم ( لا ) لأن ( لا ) لا تعمل في المعارف ، وأتي بالشهادة هنا لما رواه أبو داود وغيره عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء ) أي من حيث كونها مقطوعة البركة أو قليلتها .
( مبحث فيما يجب على كل شارع في تصنيف وما يسن صناعة
ولما قال بعضهم يجب من جهة الصناعة على كل شارع في تصنيف أربعة أمور : البسملة ، والحمدلة ، والصلاة والسلام على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، والتشهد ويسن له ثلاثة أمور : تسمية نفسه ، وتسمية الكتاب ، والإتيان بما يدل على مقصوده وهو المعروف عندهم ببراعة الاستهلال ، وزاد بعضهم رابعاً وهو لفظ وبعد .
فإن قلت : هل المنفي في لا إله إلا الله المعبود بحق أو المعبود بباطل ؟ .
قلت : وقع في ذلك نزاع ، والحق أن النفي إنما يتسلط على الآلهة المعبودة بحق لا الآلهة المعبودة بباطل ، لأن المعبود بباطل له وجود في الخارج ووجود في ذهن المؤمن بوصف كونه باطلاً ، ووجود في ذهن الكافر بوصف كونه حقاً فهو لوجوده في الخارج لا يصح نفيه لأن الذوات لا تنفي ، وكذا من حيث وجوده في ذهن المؤمن أي من حيث كونه معبوداً بباطل لا ينفي إذ كونه معبوداً بباطل أمر حق لا يصح نفيه وإلا كان كذباً ، وإنما ينفي من حيث وجوده في ذهن الكافر بوصف كونه معبوداً بحق ، فالمعبودات الباطلة لم تنف إلا من حيث كونها معبودة بحق فلم ينف في لا إله إلا الله إلا المعبود بحق غير الله تعالى اه ملوي . لأن المعبود بحق أمر كلي لم يوجد منه إلا الله تعالى فيكون الاستثناء متصلاً .
قوله : ( وحده ) أي منفرداً في ذاته وقوله : ( لا شريك له ) أي في صفاته وأفعاله ، وهذا أولى من جعل وحده شاملاً للثلاثة ولا شريك له تأكيداً لما تقرر عندهم من أن التأسيس خير من التأكيد ، لأنه أفاد فائدة لم تستفد من الأول ، فقوله ( وحده ) منصوب على الحال وأتي به بعد حصر الألوهية توكيداً لتوحيد الذات ورداً على الثانوية . وقوله : ( لا شريك له ) أي لا مشارك له وأتى به بعد ما تقدمه من الحصر تأكيداً لتوحيد الأفعال ورداً على المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق أفعال نفسه . قوله : ( الملك ) بكسر اللام وهو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين مأخوذ من(1/15)
"""""" صفحة رقم 16 """"""
الملك بضم الميم وهو أبلغ من المالك وهو المتصرف في الأعيان المملوكة كيف شاء مأخوذ من الملك بكسر الميم ، فبينهما العموم والخصوص الوجهي لأن المالك يتصرف في الأعيان المملوكة مأمورة أو لا . والملك يتصرف في الأعيان المأمورة مملوكة أو لا اه شيخ الإسلام على البيضاوي . فيجتمعان في آمر تصرف في المملوك له ، وينفرد الملك في الآمر المتصرف في غير المملوك له ، وينفرد المالك في تصرفه في الأعيان المملوكة له ، ووجه أبلغية ملك دلالته على التعظيم من حيث إنه لا يضاف إلا إلى العقلاء . لا يقال ملك الدواب ، وإنما يقال مالك . وقوله : ( العلام ) صيغة مبالغة أي كثير العلم ، والمراد من الكثرة الإحاطة وعموم الانكشاف ، فالكثرة بالمنظر لمتعلقات العلم وهي المعلومات وإلا فعلم الله واحد .
( مبحث في المبالغة النحوية والبيانية
والمراد من المبالغة هنا المبالغة النحوية وهي مطلق الكثرة لا البيانية وهي إثباتك للشيء زيادة عما يستحقه ، وكذا يقال في جميع صفاته تعالى الدالة على ذلك . قوله : ( محمداً ) بدل من نبينا لا من سيدنا لأنه لا يفصل بين البدل والمبدل منه بعطف النسق قوله : ( صلى الله الخ ) جملة اعتراضية بين اسم أن وخبرها . قوله : ( عبده ) قدمه امتثالاً لما في الحديث الصحيح وهو قوله : ( ولكن قولوا عبد الله ورسوله ) . ولأن العبودية أشرف أوصافه عليه الصلاة والسلام فقد دعى بها في أشرف المقامات فقال تعالى : ) مما نزلنا على عبدنا } ) البقرة : 23 ) ) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } ) الكهف : 1 ) ) نزل الفرقان على عبده } ) الفرقان : 1 ) ) أسرى بعبده } ) الإسراء : 1 ) وليس للمؤمن صفة أتم ولا أشرف من العبودية لأنها غاية التذلل . ولقد أحسن القاضي عياض في نظمه حيث قال :
ومما زادني شرفاً وتيهاً
وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي
وأن صيرت أحمد لي نبيا
وقد خيره الله بين أن يكون نبياً ملكاً ونبياً عبداً فاختار الثاني قوله : ( ورسوله ) أي إلى الإنس والجن بل وإلى كافة الخلق من ملك وحجر ومدر بل وإلى نفسه ، وقول م ر : لم يرسل إلى الملائكة أي إرسال تكليف فلا ينافي التشريف . وقال ابن حجر والشبشيري على الأربعين : الحق تكليفهم بالطاعات العملية كالركوع والسجود .
واعلم أنه لم يرسل إلى الجن غير نبينا ، وإيمانهم بالتوراة كان تبرعاً منهم ، وسليمان كان حاكماً فيهم لا رسولاً إليهم اه مدابغي . وقوله : ( لم يرسل إلى الجن غير نبينا ) أي لا منهم ولا من غيرهم ، والبلوغ الشرعي أي الذي يتعلق به التكليف لا يتأتى فيهم فتكليفهم بالإيمان من أول الخلقة كآدم وحواء ، وأما إيمان الملائكة فهو جبلي لا اختيار لهم فيه فلا يكلفون به .(1/16)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
وأول الجن إبليس ، فهو مكلف بسماع كلام الله وباقيهم إما بسماع كلام منه أو بخلق علم ضروري فيه أو بوصول دعوة رسول الإنس فتوقف التكليف على إرسال الرسل خاص بالآدميين وآية ) حتى نبعث رسولاً } ) الإسراء : 15 ) مخصوصة بهم اه رحماني على شرح الصغرى ، لأن تكليف الجن بالإيمان حاصل من أول الخلقة وليس موقوفاً على إرسال الرسل ، بخلاف تكليفهم بالأحكام فإنه موقوف على إرسال الرسل لهم ، وهو نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
( مبحث في الخلة والمحبة
( قوله : وصفية ) أي الذي اصطفاه من خلقه بمعنى اختاره وقوله : ( وخليله ) من الخلة بالفتح وهي بالفتح الحاجة أو بالضم وهي صفاء المودة وتخللها في القلب ، قلا تدع فيه محلاً إلا ملأته ، وآثره على حبيبه جرياً على ما رجحه جماعة كالزركشي من أن الخلة أرفع ، إذ هي أخص من المحبة لأنها خالصها فهي نهايتها ، ومن ثم أخبر نبينا بأن الله اتخذه خليلاً ، ونفى أن يكون له خليلاً غير ربه مع إخباره بحبه لجماعة من أصحابه . قال ابن القيم : وظن أن المحبة أرفع وأن إبراهيم خليل ومحمداً حبيب غلط وجهل لأن كلاًّ منهما يوصف بالوصفين ، والخلاف إنما هو في الأفضلية المستندة إلى أحد الوصفين ، والذي قامت عليه الأدلة أن خلة كل منهما أفضل من محبته واختصا بهما لتوفر معناهما السابق فيهما أكثر من بقية الأنبياء ، ولكون هذا التوفر في نبينا أكثر منه في إبراهيم كانت خلته أرفع من خلة إبراهيم .
هذا حاصل ما ذكره ابن حجر في شرح الأربعين ، وبه يردّ قول بعضهم آثر الخليل على الحبيب لأجل السجع بل آثره لأفضليته أيضاً . قوله : ( إمام كل إمام ) أي مقدم على كل مقدم . قوله : ( وعلى آله ) هو عطف على ضمير عليه في حيز الصلاة التي هي في ضمن الشهادة ، ولو أخر جملة الصلاة عن جملة الشهادة لكان موفقاً للمألوف المعروف اه ق ل . وهذا على النسخة التي ليس فيها إعادة . قوله : ( وأصحابه ) جمع صاحب خلافاً للجوهري ونظيره شاهد وأشهاد ، وفي التنزيل ) يوم يقوم الأشهاد } ) غافر : 51 ) قال بعض أهل التفسير : جمع شاهد اه تصريح وفي بعض النسخ وصحبه وهو اسم جمع لصاحب .
( مبحث عدد أزواجه ( صلى الله عليه وسلم )
قوله : ( وأزواجه ) قال النووي في تهذيبه ، عن قتادة : تزوّج النبي خمس عشرة امرأة ، ودخل بثلاث عشرة ، وجمع بين إحدى عشرة ، وتوفي عن تسع ، ونظمها بعضهم فقال :
توفي رسول الله عن تسع نسوة
إليهن تعزى المكرمات وتنسب(1/17)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
فعائشة ميمونة وصفية
وحفصة تتلوهن هند وزينب
جويرية مع رملة ثم سودة
ثلاث وست ذكرهن مهذب
وهند هي أم سلمة ، ورملة هي أم حبيبة ، وعدّ الدمياطي في السيرة من دخل بها أو طلقها قبل الدخول ، أو خطبها ولم يعقد عليها فبلغ مجموع ذلك ثلاثين . قال م ر في شرح المنهاج : تحرم زوجاته ( صلى الله عليه وسلم ) على غيره ولو مطلقات ومختارات فراقه ولو قبل الدخول ، ونقل في شرحه المذكور أن الأمة التي وطئها تحرم على غيره أيضاً واعتمده اه وكذا المستعيذة التي قالت له عند دخوله عليها : أعوذ بالله منك ، فقال : استعذت بعظيم وطلقها فتحرم على غيره ، وتكون معه في الجنة لأنها ندمت على ذلك والندم توبة ابن حجر على الهمزية ، واسمها أميمة بنت شراحيل ، وقالت ذلك بقول ضراتها قولي له ذلك ، وإنما حرمن على غيره لأنه حيّ في قبره ، ورعاية لشرفه ، ولأنهن أزواجه في الجنة ، ولأنهن أمهات المؤمنين ، ولأن المرأة في الجنة مع آخر أزواجها ، ويرد على قوله لأنه حي في قبره بقية الأنبياء فإن أزواجهم يجوز لغيرهم من الأنبياء التزوّج بهن مع أنهم أحياء في قبورهم ، وكذا الشهداء يجوز لغيرهم التزوّج بنسائهم مع أنهم أحياء ، فالأولى الاقتصار على التعاليل اللاتي بعده ونساء باقي الأنبياء يحرمن على غير الأنبياء .
( مبحث عدد أولاده ( صلى الله عليه وسلم )
قوله : ( وذريته ) أي أولاده ، وجملة أولاده سبع : أربع من الإناث وثلاثة من الذكور ، وترتيبهم في الولادة هكذا القاسم فزينب فرقية ففاطمة فأم كلثوم فعبد الله فإبراهيم ، وما قيل له من أن ولدين آخرين وهما الطيب والطاهر فغير صحيح ، والصحيح أنهما لقبان لعبد الله ، وأشار بعضهم إلى هذا الترتيب بقوله :
يا ربنا بالقاسم بن محمد
فبزينب فرقية فبفاطمه
فبأم كلثوم فعبد الله ثم
بحق إبراهيم نجى ناظمه اه
وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية . قوله : ( الطيبين ) أي الخالصين من شوائب الكدورات . وقوله : ( الطاهرين ) أي الخالصين من النقائص الحسية والمعنوية ، وفي هذين تغليب الذكور على الإناث لشرفهم . قوله : ( دائمين ) لا يصح أن يعرب نعتاً لصلاة وسلاماً لأنهما معمولان لصلى وسلم وهما مختلفان معنى ، وقد صرح النحاة أنه لا يصح نعت معمولي عاملين إلا إذا اتحد عاملاهما معنى وعملاً وإلا وجب القطع كما قال ابن مالك :
ونعت معمولي وحيدي معنى
وعمل أتبع بغير استثنا(1/18)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
مفهومه أنه لو اختلف العاملان معنًى وعملاً أو عملاً فقط أو معنى فقط لا يجوز الإتباع ، ولا يصح أيضاً أن يقطع ويعرب معمولاً لفعل محذوف ، لأن نعت النكرة لا يجوز قطعه إذا لم تتعين بدونه ، فحينئذ الأولى جعله حالاً من صلاة وسلاماً ، ولا يشكل بوجوب تعريف صاحب الحال عند عدم المسوّغ لتنكيره لأن ذلك غالب وهذا من غير الغالب على حد : ( وصلى وراءه رجال قياماً ) اه شيخنا ح ف . وقد أجاب بعضهم عن الأول بأن الصلاة والسلام يرجع معناهما إلى طلب زيادة الشرف والفضل ، ولا يشترط اتحاد اللفظ وهو في غاية من البعد . قال الشنواني في حواشي الفاكهي : وإنما أبدَّ الصلاة والسلام دون الحمد وإن صح تأبيده أيضاً لاستغناء الله عن تأبيد الحمد ، ومعنى تأبيد الصلاة والسلام تأبيد ثمرتهما وهي الرحمة والتحية ، وإلا فالصلاة والسلام اللذان صدرا من المؤلف في هذا الكتاب صلاة واحدة وسلام واحد . وقوله : ( إلى يوم الدين ) أي الجزاء . فإن قيل : المطلوب استمرارهما فكيف غياهما بذلك ؟ قلت : إنما غيا بيوم الدين جرياً على عادة العرب لأنهم يغيون بذلك عند إرادة التأبيد ، وإلا فالثواب لا ينقطع أصلاً .
قوله : ( وبعد ) من هنا إلى بسملة المتن فيه كلام مسجع وفيه كلام غير مسجع يعلم ذلك بالتأمل ، والمسجع منه أربعون سجعة بعضها على الباء وبعضها على التاء وبعضها على الدال وبعضها على اللام ، وهذا الكلام اشتمل على أغراض : الأول مدح صاحب المتن ، والثاني مدح المتن ، والثالث مدح الشرح ، والرابع مدح الشارح ، والخامس تسمية الكتاب ، والسادس التوسل إلى الله في الإعانة على إكماله وجعله خالصاً ، وفي ضمن هذه الأغراض بيان السبب الحامل له على التأليف . والواو في وبعد تحتمل وجوهاً ثلاثة : الأول : أن تكون عاطفة قصة على قصة ، وأما مقدرة في الكلام والفاء دالة عليها . الثاني : أن تكون الواو نائبة عن أما والفاء واقعة في جواب الواو النائبة عن أما ، وهذه الواو ألغز فيها بعضهم بقوله :
وما واو لها شرط يليه
جواب قرنه بالفاء حتما
أجابه بعضهم بقوله :
هي الواو التي قرنت ببعد
وأما أصلها والأصل مهما
واختصت الواو من بين سائر حروف العطف بالنيابة عن أما لأنها أم الباب ولأنها قد تستعمل للاستئناف كأما . الثالث : أن تكون للاستئناف وأما مقدرة وبعد في محل نصب على الظرفية ، والعامل فيها يكن أو أما بناء على أنها من توابع الشرط ، أو يقول بناء على أنها من توابع الجزاء ، ورجحه السعد وغيره لكون الجزاء حينئذ معلقاً على شيء مطلق أي غير مقيد(1/19)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
بكونه بعد البسملة والحمدلة .
قوله : ( فيقول ) إشارة إلى أن الخطبة متقدمة على التأليف حيث أتي بصيغة المضارع . قوله : ( فقير ) يحتمل أنه صفة مشبهة فمعناه الدائم الفقر ، أي الحاجة أو أنه صيغة مبالغة فمعناه كثير الفقر .
واعلم أن لفظ فقير صفة لمذكر ، فإن أريد المؤنث قيل فقيرة بالهاء ، وأما قولهم : إن فعيلاً يستوي فيه المذكر والمؤنث فمحمول على ما هو بمعنى مفعول كقتيل وجريح إن تبعا موصوفهما ، قال في الخلاصة :
ومن فعيل كقتيل إن اتبع
موصوفه غالباً التا تمتنع
وأضاف الفقير إلى رحمة ربه لدفع إيهام فقر الدنيا أو القلب واختار لفظ الرب لإفادة الحنّو والرأفة ، لأن ذلك شأن مربي الشيء . قوله : ( القريب ) قرباً معنوياً بالحفظ والعلم بأحوال العبيد وقوله : ( المجيب ) أي دعاء من دعاه ، والمراد بالإجابة ترتب نفع على الدعاء إما بعين ما طلب أو بغيره ، وعلى كل إما في الحال أو المستقبل كل ذلك إن أراد الله الإجابة ، وإلا فلا يجب شيء من ذلك ، والمجيب أصله المجوب لأنه من الجواب فهو واوي نقلت حركة الواو إلى الجيم فصار مجوب وقعت الواو الساكنة إثر كسر قلبت ياء فصار مجيب .
قوله : ( محمد ) بدل من فقير أو عطف بيان مدابغي . وهو غير ظاهر لأن فقيراً صفة مشبهة وهي لا تتعرف بالإضافة ، ومحمد معرفة بالعلمية وعطف البيان لا بد فيه من الموافقة في التعريف والتنكير كما ذكر في الخلاصة وهذا عند البصريين ، وأما الأخفش والكوفيون فلا يشترطون ذلك . قوله : ( الشربيني ) نسبة إلى بلده ، والخطيب لقبه الذي اشتهر به أي الخطيب بالجامع الأزهر . قوله : ( إن مختصر الإمام ) جملة محكية بالقول ، فهي في محل نصب وقوله : ( العالم ) أي المتصف بالعلم ، وإذا أطلق العالم في هذا المحل ، فالمراد به المتقن لكل علم ، وهذا على جعل أل في العلم المأخوذ منه العالم للاستغراق ، فإن جعلناها للجنس الصادق ولو بفرد من أفراد العلم فيصدق عليه هذا الوصف ولو بإتقان علم واحد ، وإذا قيد بقيد انصرف إليه كقولهم : عالم في الفرائض أو عالم بمسألة كذا ، وأما إذا أطلق في الوصية فلا ينصرف إلا لعلماء الشرع وهو علم الفقه والتفسير والحديث .
قوله : ( العلامة ) التاء فيه لتأكيد المبالغة أو للنقل من الوصفية إلى الإسمية ومثله الفهامة . قوله : ( الحبر ) بفتح الحاء العالم وبكسرها المداد أي : الذي هو كالمداد في النفع به كذا قيل ، ولا حاجة إليه بل هو بالفتح والكسر العالم كما في كتب اللغة ، فهو كناية عن إتقانه ، والبحر(1/20)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
كناية عن كثرة علمه ، والفهامة كناية عن كثرة حذقه وذكائه ق ل . والأولى أن يقول هنا المتقن ليكون فيه فائدة بعد قوله العالم ، وجملة الأوصاف التي ذكرها الشارح بقوله الإمام الخ . ثمانية : ستة منها أوصاف للمصنف ، والسابع وهو الشهير يحتمل أن يكون وصفاً للمصنف وأن يكون وصفاً للمختصر ، والثامن وهو المسمى وصف للمختصر . قوله : ( شهاب الدنيا والدين ) أي منوّرهما لأن الشهاب في الأصل الكوكب أو ما ينفصل عنه ، والمراد به هنا النور الناشىء عن العلم فشبهه الشيخ بالشهاب من جهة كونه مضيئاً لا من جهة كونه محرقاً فهو رضي الله عنه كأنه كوكب مضيء في أهل الدنيا والدين ، ويصح أن يكون كالكوكب في الإحراق أيضاً في أنه يحرق من عاداه في الدنيا مجازاً اه فاكهي .
( مبحث تقديم الاسم على اللقب وعكسه
وإذا اجتمع الاسم واللقب وجب تأخير اللقب عن الاسم عند النحاة ما لم يشتهر باللقب وإلا فيجوز تقديمه كما فعل الشارح هنا ، فإنه قدم اللقب وهو شهاب الدنيا والدين لاشتهاره به لأنه اشتهر تلقيب كل من تسمى بأحمد بشهاب الدين ، ومن تسمى محمداً بشمس الدين ونحو ذلك ، وقول شيخنا المدابغي : وقدمه على الاسم على طريقة المؤرخين فيه تأمل فإن مجرد طريقة المؤرخين لا يكفي في التقديم ، فالأولى أن يقال قدمه على الاسم لاشتهاره كما في قوله تعالى : ) المسيح عيسى ابن مريم } ) آل عمران : 45 والنساء : 157 و 171 ) وقول الشاطبي ( وقالون عيسى ) وشهاب بدل من الإمام وكذا قوله أحمد ، ويصح أن يكون أحمد بدلاً من شهاب بناء على جواز الإبدال من البدل ، لكن الأولى كونه بدلاً آخر من الإمام أو عطف بيان عليه . قوله : ( ابن الحسين ) اسم أبيه .
( مبحث الكلام على لفظ ابن
وابن إذا وقع بين علمين تسقط ألفه ما لم تكن في أول سطر ، ولفظ الحسين معرفة كاسم السيد الحسين رضي الله تعالى عنه ، ودخلت أل عليه للمح الصفة عملاً بقول الخلاصة :
وبعض الأعلام عليه دخلا
البيت وفي سيرة الشامي أن ألف ابن تثبت في تسع مواضع : إذا أضيف إلى مضمر كهذا ابنك ، أو نسب إلى الأب الأعلى كقولك محمد ابن شهاب التابعي ، فشهاب جده ، أو أضيف إلى غير أبيه كالمقداد ابن الأسود أبوه عمرو وتبناه الأسود ، ومحمد ابن الحنفية فالحنفية أمه ، أو عدل عن الصفة إلى الخبر كقولك أظن محمداً ابن عبد الله ، أو إلى الاستفهام كقولك هل تيم ابن مرة ، أو ثنى كقولك زيد وعمرو ابنا محمد ، أو ذكر بغير اسم كجاء ابن عبد الله ، أو(1/21)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
كتب أول سطر أو اتصل بصفة كقولك زيد الفاضل ابن عمرو . وقال بعضهم : ومثل ابن ابنة . وقد نظم العلامة الأجهوري تلك المواضع فقال :
احذف من ابن ألفاً إن وقعا
في وسط اسمين تكن متبعا
إلا إذا أضيف للضمير
فالألف اكتب فيه يا سميري
ومثله إن اسمه قد حذفا
كأكرم ابن عمر من أنصفا
قلت وفي استثناء ذين نظر
إذ ليس بين اسمين من يذكر
كذاك مكتوب بصدر السطر
أو ما نسبته لجدّ فادر
أو من لغير أبيه قد انتسب
كخاله فالحكم ذا له وجب
وما به لصفة قد عدلا
لخبر كذلك اللذ فصلا
موصوفه منه وما يثنى
أو عدل الاستفهام صدّ عنا
قد قال ذا الشامي وبعض ابنه
كالابن في ذا وعليه العهده
قوله : ( الأصفهاني ) بفتح الهمزة وكسرها مع الفاء أو الباء نسبة إلى أصفهان بلده أو بلد جده ، وهي بلدة من بلاد العجم سميت بذلك لأن أول من نزل بها أصبهان بن فلوح بن المطي بن يافث بن نوح عليه السلام . قوله : ( الشهير بأبي شجاع ) بالنصب نعت لمختصر ، وبالجر نعت لأحمد ، وبالرفع نعت مقطوع .
وقوله : ( المسمى بغاية الاختصار ) نعت لمختصر فقط وعدّى سمى بالباء ويتعدى بنفسه أيضاً ، وجملة لما كان خبر إن واسم كان ضمير مستتر يعود إلى مختصر ، وخبرها من أبدع أي أحسن المختصرات إذ الإبداع في الأصل الاختراع على غير مثال سابق ويلزمه الحسن ، ومنه ) بديع السموات والأرض } ) البقرة : 17 الأنعام : 101 ) وقد يقال إنه مخترع بالنسبة لألفاظه وتراكيبه وهيئته المجموعة ، فإنه بهذا الاعتبار لم يسبق له مثال يكون هذا على نمطه وشكله اه أجهوري .
فائدة : قال الديربي : عاش القاضي أبو شجاع مائة وستين سنة ولم يختل عضو من أعضائه فقيل له في ذلك ؟ فقال : ما عصيت الله بعضو منها ، فلما حفظتها في الصغر عن معاصي الله حفظها الله في الكبر . وفي كلام البولاقي ما يخالف ذلك فراجعه . وولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وتولى الوزارة سنة سبع وأربعين ، فنشر العدل والدين ، ولا يخرج من بيته حتى يصلي ويقرأ من القرآن ما أمكنه ، ولا يأخذه في الحق لومة لائم ، وكان له عشرة أنفار يفرّقون على الناس الصدقات أي الزكوات ، ويتحفونهم أي يعطونهم الهبات يصرف على يد(1/22)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
الواحد منهم مائة وعشرين ألف دينار ، فعم إنعامه الصالحين والأخيار ، ثم زهد الدنيا وأقام بالمدينة المنورة يقمّ المسجد الشريف ويفرش الحصر ويشعل المصابيح إلى أن مات أحد خدمة الحجرة الشريفة فأخذ وظيفته إلى أن مات ودفن بمسجده الذي بناه عند باب جبريل أي الذي كان ينزل منه جبريل على النبي ورأسه بالقرب من الحجرة الشريفة على صاحبها من الجهة الشرقية وهي جهة البقيع القريب . قوله : ( في الفقه ) متعلق بقوله صنف قدمه للسجع ، وجملة صنف في محل جر نعت لمختصر ، يعني أن المختصرات التي في الفقه كثيرة وهذا من أحسنها ، ولذا قال بعضهم :
أيا من رام نفعاً مستمراً
ليحظى بارتفاع وانتفاع
تقرّب للعلوم وكن شجاعاً
بتقريب الإمام أبي شجاع
وأول من صنف في الفقه أبو حنيفة ، وأول من أظهر علم الفقه بمصر يزيد بن أبي حبيب ح ف . قوله : ( وأجمع موضوع ) أي أكثر جمعاً للمسائل من كل كتاب وضع للتصنيف في الفقه مؤلف على مقدار حجم ذلك المختصر ، والضمير في له راجع للتصنيف المأخوذ من صنف ، وفي فيه راجع للفقه ، وفي حجمه للمختصر ، والتقدير وأكثر جمعاً وضع لمسائل التصنيف في الفقه على مقدار حجم المختصر اه اج . وعبارة غيره أي أكثر جمعاً للمسائل من كل كتاب وضع للتصنيف أي لمسائل التصنيف في الفقه مؤلف على مقدار حجم ذلك المختصر اه . فالضمير في حجمه للمختصر الذي هو اسم للألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة ، والألفاظ لا حجم لها وإنما الحجم للأوراق المكتوب فيها النقوش الدالة على الألفاظ ، فإطلاق الحجم على المختصر باعتبار ما يؤول إليه إذ الألفاظ شأنها أن تنقش في الأوراق ، والمعنى على قدر الجرم الذي فيه نقوشه ألف .
قوله : ( التمس مني ) جواب لما ، ويقال فيها حرف وجود لوجود ، وقيل ظرف وهو العامل فيها إن كانت ظرفاً بمعنى حين أو إذ لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة كما في المغني ، وعبر بالالتماس إشارة إلى أن السائل مساوٍ له ولا يرد عليه قوله المترددين إليّ ، إذ الشخص يتردد إلى مثله ومن دونه ، ويحتمل أنه دونه وقد قال ذلك تواضعاً اج . وفيه إيماء إلى أن الأمر من الأعلى ، والالتماس من المساوي ، والدعاء من الأدنى وهو قول ضعيف ، قال ابن السبكي : ولا يعتبر فيه أي في مسمى الأمر علو ولا استعلاء ، وقيل يعتبران ا ه . والأعزة : جمع عزيز ويجمع أيضاً على عزائز وعلى أعزاء ، ويطلق العزيز على معان منها أنه الذي لا مثل له وهو المناسب هنا كما قيل ، والمناسب أن يكون بمعنى الكريم خصوصاً مع تعلق ما بعده به وهذا من جملة معانيه .(1/23)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
قوله : ( المترددين ) أي الراجعين إليّ مرة بعد أخرى ، ومفعول التمس قوله : أن أضع عليه شرحاً أي التمس مني وضع شرح على ذلك المختصر أي : تأليف شرح فشبه الشرح والمتن براكب ومركوب بجامع شدة التمكن على طريق الاستعارة بالكناية وإثبات الوضع تخييل ، أو شبه مزج الشرح بالمتن بوضع جسم على جسم وأطلق الوضع عليه ثم اشتق منه أضع فهو استعارة تبعية . والشرح لغة الكشف والإظهار ، واصطلاحاً ألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة ، وقال الأجهوري : لما كان الشرح مبيناً وموضحاً له ارتفعت منزلته فكأنه استعلى عليه قوله : ( يوضح ) أي يكشف ما أشكل أي ما خفي منه . وقوله : ( ويفتح ما أغلق منه ) أي ما صعب فهمه ، وفي الكلام استعارة تبعية في يفتح وأغلق ترشيح أو استعارة مكنية في ما فإنها واقعة على المسائل الصعبة ، وأغلق تخييل ويفتح ترشيح أو عكسه ، وعطف هذه الجملة على ما قبلها عطف خاص على عام أو مرادف ، والخطب محل إطناب . قوله : ( ضاماً ) حال من ضمير أضع وهو من جملة المسؤول لا أن المسؤول مجرد حل الألفاظ فهو على حد قول ابن مالك :
وأستعين الله في ألفيه
مقاصد النحو بها محويه
تقرب الخ .
والإشارة في قوله إلى ذلك عائدة على الإيضاح والفتح ، لأن الكل من مسمى الشرح ، والمراد بالضم وضع المسائل في أماكنها . ( ومن ) في قوله : من الفوائد للتبعيض فهي في موضع المفعول به بمعنى بعض أي بعض الفوائد كما صرح به الزمخشري في قوله تعالى : ) فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم } ) إبراهيم : 32 ) فإنه جعل ( من ) في موضع المفعول به قال الطيبي : فهي اسم بمعنى بعض ، وحينئذ فلا حاجة لجعل مفعول ضامّاً محذوفاً ، ويصح أن تكون زائدة في الاثبات على قلة ، وأل في الفوائد والقواعد للجنس فلا يرد أنه لم يذكر جميعها .
قوله : ( المستجادات ) أي البالغة في الجودة أي الحسن ، فالمراد الفوائد المستحسنة فالسين والتاء للمبالغة والدال مخففة لا مشدّدة خلافاً لمن توهمه . قوله : ( والقواعد ) جمع قاعدة وهي قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها وعطف القواعد على الفوائد عطف خاص على عام . قوله : ( في شروحي على التنبيه ) وهو على التوزيع ، إذ ليس له على التنبيه إلا على شرح واحد ، وكذا يقال فيما بعده ، والتنبيه لأبي إسحاق الشيرازي ، والمنهاج للإمام النووي ، والبهجة لابن الوردي .(1/24)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
قوله : ( فاستخرت الله ) معطوف على التمس ، وفيه أنه لم يجبه بالتمول ولا بالفعل بل عدل إلى الاستخارة ، وظاهر كلامه أنها بغير صلاة لأنه جعل مدتها بعد صلاة ركعتين في مقام الإمام ولم يذكر معها صلاة ، ويحتمل غير ذلك ق ل أي : بأن يراد بالركعتين صلاة الاستخارة . لا يقال إن الاستخارة ليست مطلوبة في هذا لأنه خير . لأنا نقول : إن أوقات المؤلف كلها مغمورة بالطاعة ، فالاستخارة إنما هي لتقديم الأفضل منها . وعبارة م د قوله : ( فاستخرت ) معطوف على التمس ، وهذا يقتضي أن الاستخارة عقب الالتماس ، لكن ينافيه قوله بعد أن صليت فإنه يقتضي تخلل الصلاة بين الالتماس والاستخارة ، لأن المراد بقوله فاستخرت دعوت بدعاء الاستخارة وطلبت منه تعالى ما هو خير ، لأن ما سألوه وإن كان خيراً فقد يكون غيره من الخيرات أفضل منه لكونه أهم بالتعقيب في ذلك على حد تزّوج زيد فولد له ، فاندفع قول ق ل . ظاهر كلامه أن الاستخارة بغير صلاة لأنه جعل مدتها بعد صلاة الركعتين في مقام الإمام ، ولم يذكر معها صلاة . وقوله : ( فاندفع ) أي بتفسير استخرت بدعوت دعاء الاستخارة أي بعض صلاتها وهي الركعتان المذكورتان . قوله : ( مدة من الزمان ) أي مرات كثيرة ، والمدة القطعة من الزمان تقع على القليل والكثير . قيل : الأولى حذف قوله مدة من الزمان إذ كل شيء في الدنيا لا بد له من مدة . وأجيب : بأن فائدة ذكره التنبيه على تكرار الاستخارة ح ف . قوله : ( رضي الله تعالى عنه ) أي أبعد عنه السخط بواسطة الرضا .
قوله : ( وأرضاه ) أي أعطاه ما يرضى به . وفي كلامه إشارة إلى أن استعمال الترضي في غير الصحابة جائز كما هنا ، وإن كان الكثير استعماله في الصحابة والترحم في غيرهم اه م ر . قوله : ( وجعل الجنة متقلبه ) أي محل ترددّه . وقوله : ( ومثواه ) أي محل إقامته . قوله : ( فلما انشرح لذلك صدري ) أي اطمأنّ وركن قلبي إليه ، فإطلاق الصدر عليه مجاز مرسل من تسمية الحال وهو القلب باسم المحل وهو الصدر . قوله : ( شرعت في شرح ) أراد به ما يشمل الخطبة لأنها مقدمة عليه . قوله : ( تقرّ به ) بفتح القاف من باب تعب أو بكسر القاف من باب ضرب ، فالماضي الذي هو قر أصله على الأول قرر على وزن تعب ، وعلى الثاني أصله قرر على وزن ضرب ، والمضارع على الأول أصله تقرر على وزن تتعب وعلى الثاني أصله تقرر على وزن تضرب فهو من بابي ضرب وتعب كما في المصباح أي : يحصل به سرور وفرح لمن يطلع عليه ق ل . فأراد بالأعين الذوات مجازاً مرسلاً من إطلاق الجزء على الكل ، وعبر بالأعين لأنها أقوى أسباب الاطلاع فهو شامل للأعمى ، ومعناه في الأصل تبرد به دموع أعينهم فهو من القر بضم القاف وهو البرد ، فكنى به عن سرورهم به ، فإن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارّة(1/25)
"""""" صفحة رقم 26 """"""
فيلزم من برد العين السرور فهو كناية اصطلاحية .
قوله : ( أولي ) أي أصحاب . والرغبات : جمع رغبة وهي الانهماك على الخير طلباً لحيازة معاليه . قوله : ( راجياً ) أي مؤملاً حال من التاء في شرعت . قوله : ( جزيل الأجر ) أي الأجر الجزيل أي الكثير . وقوله : ( والثواب ) عطف تفسير وهو مقدار من الجزاء لا يعلمه إلا الله ، فالأجر والثواب بمعنى ، وقد يفرق بينهما بأن الأجر ما كان في مقابلة العمل ، والثواب ما كان تفضلاً وإحساناً من الله تعالى ، وفي كلامه إشارة إلى أن العمل لله تعالى مع إرادة الثواب جائز وإن كان غيره أكمل منه .
( مبحث درجات الإخلاص
قال شيخ الاسلام : درجات الإخلاص ثلاث : عليا ووسطى ودنيا ، فالعليا أن يعمل العبد لله وحده امتثالاً لأمره وقياماً بحق عبوديته لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره ، ومن ثم قالت رابعة العدوية : ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك إنما عبدتك امتثالاً لأمرك ، والوسطى أن يعمل العبد لثواب الآخرة ، ومن هذا قول المؤلف كغيره راجياً بذلك جزيل الأجر الخ . والدنيا أن يعمل العبد للإكرام من الله في الدنيا والسلامة من آفاتها ، وما عدا هذه الثلاثة رياء وإن تفاوتت أفراده . وقال الغزالي : إذا كان هناك قصد دنيوي وقصد أخروي كمن سافر للحج والتجارة ، أو للجهاد والغنيمة ، أو للهجرة والزواج ، فإن كان قصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر ، وإن كان القصد الديني هو الأغلب أجر بقدره ، وإن تساويا فلا أجر . قوله : ( أجافي ) أي أترك فيه الإيجاز المخل أي تقليل اللفظ المضر والمقصود ترك الصفة فيه وفيما بعده واندفع بقوله المضر ما يقال الإيجاز لا يوصف بالإخلال اه م د . وهذه الجملة صفة لشرح أو استئنافية .
( مبحث تعريف الجناس اللاحق
قوله : ( والإطناب الممل ) أي الإكثار الموقع في السآمة ، وبين مخل وممل الجناس اللاحق ، وهو اختلاف اللفظين في حرفين متباعدي المخرج كما في قوله تعالى : ) فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر } ) الضحى : 10 ) ولم يذكر الشارح الواسطة بين الإيجاز والإطناب المسماة بالمساواة وهي التعبير عن المراد بلفظ مساوٍ له ، لأن الراجح نفيها بل لا تكاد توجد لأن المساواة أداء المقصود بعبارة المتعارف بين الأوساط ولم يعلم قدر المتعارف بينهم تحديداً . قوله : ( حرصاً ) أي لأجل الحرص فهو علة لقوله أجافي . قوله : ( لفهم قاصده ) مفرد مضاف فيعم أي كل من قصده . واعترضه ق ل بأن المناسب إبدال الفهم(1/26)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
بالحفظ ، إذ يبسط الكلام ليفهم ويختصر ليحفظ . وهذا الاعتراض لا يرد أصلاً لأن تعبيره بترك الإيجاز المخل لا ينافي أن الشرح مبسوط فيفهم لأن الفهم هو الغرض من الشرح .
قوله : ( والحصول ) عطف على فهم وهو عطف لازم على ملزوم كذا قيل وهو غير متعين ، بل يصح عطفه على التقريب أي حرصاً على التقريب وحرصاً على الحصول وضمنه معنى الوقوف فعداه بعلى أي الوقوف على فوائده . وقوله : ( ليكتفي ) علة للتقريب أو الحصول أو علة ثانية لأجافي ، وقال بعضهم : إنه علة لقوله حرصاً فهو علة للعلة فيكون تدقيقاً شيخنا . قوله : ( المبتدىء ) وهو من لم يقدر على تصوير المسألة .
قوله : ( والمتوسط ) وهو من قدر على التصوير فقط ، وسكت عن المنتهي تواضعاً وهضماً لنفسه .
( مبحث الرجاء والأمل والتمني والطمع
قوله : ( فإني ) أي لأني فهو علة لقوله ليكتفي وقوله : ( مؤمل ) بتشديد الميم المكسورة أي راج . فالرجاء والأمل بمعنى واحد وهو تعلق القلب بمرغوب فيه مع الأخذ في أسبابه ، فإن لم يأخذ في الأسباب فطمع ، وقيل الأمل رجاء ما تحبه النفس كطول عمر وزيادة غنى والرجاء أعم . والفرق بين الأمل والتمني أن الأمل طلب ما تقدم له سبب ، والتمني طلب ما لم يتقدم له سبب ، وقيل لا ينفك الإنسان عن أمل فإن فاته ما أمله عوّل على التمني . وقوله : ( عمدة ) أي يعتمد عليه عند الاختلاف . وقوله : ( ومرجعاً ) أي يرجع إليه مطلقاً عند الاختلاف وغيره فهو أعم وعكس ق ل . وعبارته العمدة ما يعتمد عليه في الإفتاء والعمل أي في محل الاتفاق والاختلاف ، والمرجع ما يرجع إليه عند الاختلاف فهو من عطف الخاص على العام ، وقال بعضهم : عطف تفسير انتهت .
قوله : ( ببركة ) هي في اللغة الزيادة والنماء بالمد ، وفي الاصطلاح ثبوت الخير الإلهي في الشيء . قوله : ( الكريم ) وفي نسخة الأكرم وهو من أسمائه تعالى ، قال تعالى : ) اقرأ وربك الأكرم } ) العلق : 3 ) فما وقع في الحاشية من عدم وروده سهو ، ثم هو من وضع الظاهر موضع المضمر بأن يقول ببركته للتلذذ والسجع . قوله : ( فما كل الخ ) تعليل لقوله أن يجعل هذا الكتاب عمدة ومرجعاً كأنه قيل : وإنما أملت ذلك مع وجود شروح غيره ، لأن ما كل من صنف الخ . وقال المدابغي : وهذا جواب عما يقال إن هذا الكتاب عليه شروح كثيرة فلا حاجة لشرحك .(1/27)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
قوله : ( وفي ) بتخفيف الفاء وتشديدها . قوله : ( والفضل ) في معنى التعليل لمحذوف تقديره وأنا أجدت في تأليفي ووفيت بالمراد ، لأن الفضل مواهب وهذا من باب التحدث بالنعمة . قوله : ( والناس يتفاوتون ) هذه الجملة مفسرة لما قبلها وفيه وضع الظاهر موضع المضمر للاعتناء والاهتمام . قوله : ( في الفضائل ) أي والفواضل ففيه اكتفاء ، أو المراد ، بالفضائل ما يشمل الفواضل . قوله : ( وقد تظفر ) بفتح الفاء من باب تعب أي تفوز الناس . قوله : ( بما ) أي شيء أو بالذي تركه الأوائل . قال ق ل : لو قال بما لم تدركه الأوائل لكان أنسب ، إذ الترك فرع عن معرفة المتروك وليس مراداً . ويجاب بأنه عبر بذلك تأدباً أو بأنه راعى المثل المذكور وهو :
كم ترك الأول للآخر
وكم في كلامه خبرية للتكثير ولا ينافيه الإتيان بقد التقليلية فيما قبله ، لأن المعنى أن الأوائل لم تدرك أشياء كثيرة ظفر ببعضها المتأخرون م د . وقوله : ( بما لم تدركه الأوائل ) يقال عليه لا يصح أن يقول ذلك لأنه لا يعلم هل تركته الأوائل فلم يصنفوه أو لم يذكروه لعدم علمهم به أو علموه ، لكن لم يتفق لهم ذكره أو تصنيفه على أن المراد بالأواخر والأوائل الجنس ، فإنه لا اطلاع للأواخر على جميع أقوال الأوائل المصنفة وغيرها حتى يقال : إن الأوائل تركوه فلم يذكره أحد منهم . قوله : ( من فضل ) أي خير كامل وقوله : ( وجود ) بضم الجيم أي كرم كذلك فالتنوين فيهما للكمال على حد قوله : ( مَنْ يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) ويكون المراد من خلقه حينئذ المؤمنين بدليل قوله : وكل ذي نعمة الخ . قوله : ( نعمة ) قال الشارح في شرح المنهاج : النعمة بكسر النون وسكون العين الإحسان ، وتجمع النعمة على نعماء بفتح النون وسكون العين المهملة والمدّ والنعمة ملائم تحمد عاقبته ، ومن ثم لا نعمة لله على كافر بل هو مرزوق ، وبفتح النون التنعم وهو خصب العيش ولينه وبضمها المسرة . قوله : ( محسود ) أي فلا يلتفت إلى قول المعترضين عليّ الذين يذموني ويذمون كلامي . قوله : ( والحسود ) أي الحاسد فالمبالغة ليست مرادة . قوله : ( لا يسود ) أي لا تحصل له سيادة ، وسببه أنه كان ينسب الحكم العدل للجور ، فكأنه يقول هذا لا يستحق تلك النعمة التي هو متلبس ومخلد فيها ولذا قيل :
ألا قل لمن بات لي حاسداً
أتدري على من أسأت الأدب(1/28)
"""""" صفحة رقم 29 """"""
أسأت على الله في فعله
كأنك لم ترض لي ما وهب
وقد ورد : ( إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) وقال آخر :
إن يحسدوني فإني غير لائمهم
قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم
ومات أكثرنا غيظاً بما يجد
( مبحث الحسد والغبطة والقناعة
والمراد : الحسد المذموم وهو تمني زوال نعمة الغير بأن يكرهها للغير ويحب زوالها عنه ، فإن اشتهيت لنفسك مثلها مع بقائها لصاحبها فهي غبطة . قوله : ( وسميته ) الواو للاستئناف أو عاطفة على مقدر أي وضعته وسميته أي الشرح بالإقناع ، وفي هذا إشعار بأنه يكفي من قنع به عن غيره ، والقناعة أعزّ أوصاف الإنسان والمتصف به أعزّ الناس ، كما قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه :
عزيز النفس من لزم القناعة
ولم يكشف لمخلوق قناعه
أفادتني القناعة كل عز
وهل عزّ أعزّ من القناعه
فصيرها لنفسك رأس مال
وصير بعدها التقوى بضاعه
لتغني في حياتك عن لئيم
وتظفر بالجنان بصبر ساعه واعلم أن أسماء الكتب من حيز علم الجنس ، وأسماء العلوم من حيز علم الشخص . قوله : ( في حل ألفاظ ) شبه الألفاظ بشيء معقود وحذف المشبه به وأثبت له شيئاً من لوازمه وهو الحل ، ففيه استعارة بالكناية وإضافة الألفاظ إلى أبي شجاع على معنى اللام .
قوله : ( أعانني الله ) أي أقدرني على إكماله أي إتمامه . فإن قلت : التعبير بقوله أعانني على إكماله مناف لقوله وسميته الخ . إذ التعبير بسمي يقتضي أنه كمل وتم . ويجاب عنه : بأن الضمير في سميته راجع للشرح باعتبار ما في الذهن أي أعانني على إكماله خارجاً أي بأن المراد أسميه بالإقناع . قوله : ( فلا ملجأ ) باللام والهمز وقد تحذف مصدر بمعنى اللجأ ، أي الاعتصام بالشيء وهو لا يتعدى بمن لكن ضمنه معنى المفرّ ، أي لا فرار منك لأحد إلا إليك . وفي نسخة بالنون بدل اللام بالقصر مصدر بمعنى النجاة وهي الخلوص من الهلاك ونحوه أي لا منجى منك أي من عذابك منتهياً إلى أحد إلا إليك ويجوز تنوينه مع حذف ألفه أفاده شيخ الإسلام في شرح البخاري .(1/29)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
( مبحث الجناس المضارع
وبين إليه وعليه الجناس المضارع وهو اختلاف الكلمتين بحرفين متقاربي المخرج وهما الهمزة والعين هنا اه شيخنا . قوله : ( وهو حسبي ) أي كافيّ ، وجملة ونعم الوكيل أي الحافظ أو المفوّض إليه الأمور استئنافية إن كانت التي قبلها خبرية أو معطوفة عليها إن كانت إنشائية معمولة لقول محذوف معطوف على حسبي ، أي ومقول فيه نعم الوكيل ، فيكون عطف مفرد على مفرد أو معطوفة على حسبي بغير تقدير القول فيكون عطف إنشاء على مفرد وهو جائز ، وبهذا يسقط الاعتراض بأن جملة نعم الوكيل لإنشاء المدح ، وجملة هو حسبي خبرية ولا يعطف الإنشاء على الخبر على أن في عطف الإنشاء على الخبر وعكسه خلافاً . قوله : ( وأسأله ) أي أطلب منه الستر بالفتح مصدر وبالكسر الشيء الساتر وجمعه ستور . وقوله : ( الجميل ) أي الحسن . قوله : ( قال المؤلف ) كان المناسب أن يقول الشارح قال المصنف بدل قوله المؤلف ، بناء على ما اشتهر من إطلاق المصنف على الماتن ، والمؤلف على الشارح ، لكن المصنف يقال له مؤلف أيضاً والدليل على كون المصنف قال البسملة نقل الثقات فإنهم نقلوا أنها مكتوبة بخطه في أول المتن ، والغالب أن من كتب شيئاً يتلفظ به .
( مبحث الكلام على البسملة
قوله : ( بسم الله ) قال ح ف : الباء في بسم الله بره لأوليائه ، والسين سرور لأصفيائه ، والميم محبته لأهل طاعته . وقال بعضهم : الباء بكاء التائبين ، والسين سهو الغافلين ، والميم مغفرته للمذنبين .
واعلم أن الكلام على البسملة ينحصر في أربعة مقاصد : الأول في الباء وفيه أربعة مباحث ، الأول في متعلقها الثاني في معناها . الثالث في حكمة كسرها . الرابع في سبب تطويلها في الخط مقدار نصف ألف . المقصد الثاني : في اسم وفيه خمسة مباحث : الأول في معناه . الثاني في بيان أن الابتداء بالبسملة مع اشتمالها على لفظ اسم ابتداء بذكر الله . الثالث في اشتقاقه . الرابع في لغاته . الخامس في موجب حذف ألفه خطاً . المقصد الثالث : في لفظ الله وفيه أربعة مباحث : الأول في علميته ومسماه . الثاني في أصله . الثالث في أنه هل هو عربي أو معّرب . الرابع في الخلاف في أنه الاسم الأعظم أو غيره . المقصد الرابع : في الرحمن الرحيم وفيه مبحثان : الأول في لفظهما نوعاً واشتقاقاً . الثاني في علة تقديم الله عليهما وتقديم الرحمن منهما على الرحيم ، ويعرف تفصيل هذه المباحث الخمسة عشر من كلام(1/30)
"""""" صفحة رقم 31 """"""
الشارح وغيره ، والصحيح أن البسملة بهذه الألفاظ العربية على هذا الترتيب من خصائص نبينا محمد وأمته ، وما في سورة النمل جاء على جهة الترجمة عما في الكتاب فإنه لم يكن عربياً حين كتبه وإرساله ، وإن كانت البسملة عربية باعتبار أصل نزولها ، لأنه تعالى لم ينزل كتاباً من السماء إلا باللفظ العربي لكن يعبر عنه كل نبي بلسان قومه يدل لذلك قوله تعالى : ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } ) إبراهيم : 4 ) الآية . قوله : ( أي ابتدىء ) وعلى تقدير المتعلق فعلاً كما فعل الشارح يكون الجار والمجرور حينئذ ظرفاً لغواً أو حالاً من فاعل هذا الفعل المقدر ، أي أبتدىء متبركاً أو مستعيناً بالله تعالى ، فالباء على هذا للمصاحبة أو للاستعانة .
( مبحث الظرف المستقر واللغو
والحاصل أن المتعلق إذا كان كوناً عاماً يكون الجار والمجرور ظرفاً مستقراً ، وإذا كان كوناً خاصاً يكون الجار والمجرور ظرفاً لغواً كما هنا . قوله : ( أو أفتتح ) مرادف لما قبله . قوله : ( وهذا أولى ) الإشارة لأؤلف وله أوصاف ثلاثة كونه فعلاً مؤخراً خاصاً وتعليله المذكور لا ينتج إلا الأخير منها ، والمراد أنه أولى من الاسم بأحواله الأربعة أي كونه خاصاً أو عاماً مقدماً أو مؤخراً ، ومن الفعل العام بحالتيه مقدماً أو مؤخراً ، ومن الفعل الخاص المقدم أسقط احتمالات سبعة فبقي الثامن مراداً ، وإنما كان أولى لأن الأصل في العمل للأفعال ولإفادة الاختصاص ، فالتقدير بسم الله أؤلف لا بغيره ولشمول بركة التسمية جميع أجزاء التأليف إذا كان المتعلق خاصاً بخلافه عاماً كأبتدىء . قوله : ( إذ كل الخ ) تعليل لكونه خاصاً . قال ق ل : ولو جعل وجه الأولوية أن أبتدىء يقتضي تخصيص التبرك بأول الفعل دون باقيه ، وأؤلف يعم جميعه لكان أولى . قوله : ( يضمر ما جعل ) أي لفظ ما جعل أي اللفظ الدالّ على ذلك كأن يضمر الآكل لفظ أكلي أو آكل فسقط ما قيل الذي تجعل التسمية مبدأ له فعل وهو لا يضمر لأنه معنى من المعاني . قوله : ( إذا حل ) أي نزل .
( مبحث الاشتقاق وأقسامه
قوله : ( مشتق من السموّ ) بضم السين وكسرها والمراد الاشتقاق الأصغر وهو رد لفظ إلى آخر لمناسبة بينهما في المعنى والحروف الأصلية ، وأما الأكبر فليس فيه جميع الأصول كما في الثلم والثلب ، ومعنى كون الأول مشتقاً من الثاني أن يحكم بأن الأول مأخوذ من الثاني ، أي فرع عنه كما في جمع الجوامع . وقوله : ( والحروف الأصلية ) بأن تكون فيهما على ترتيب واحد(1/31)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
كما في الناطق من النطق بمعنى التكلم حقيقة ، وبمعنى الدلالة مجازاً كما في قولك الحال ناطقة بكذا ، أي دالة عليه ، فكون الحروف فيهما يخرج الأكبر وكونها على ترتيب واحد يخرج الكبير ، ولا بد فيه أي الاشتقاق من تغيير حقيقة كما في : ضرب من الضرب ، أو تقديراً كما في طلب من الطلب فيقدر أن فتحة اللام في طلب غير فتحتها في المصدر الذي هو الطلب كما في جمع الجوامع .
قوله : ( من السموّ ) فأصل اسم سمو كعلم أو سمو كقفل حذفوا لامه وهي الواو ثم سكنوا أوله ثم أدخلوا عليه همزة الوصل عوضاً عن المحذوف وتوصلا للنطق بالساكن . قال القرطبي : من قال إن الاسم مشتق من السمو أي العلو يقول لم يزل الله موصوفاً بالأسماء والصفات قبل وجود الخلق وبعد وجودهم وعند فنائهم لا تأثير لهم في أسمائه وصفاته وهذا القول أهل السنة . ومن قال : مشتق من السمة يقول : كان الله تعالى في الأزل بلا اسم ولا صفة فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات ، فإذا أفناهم بقي بلا أسماء ولا صفات . قال السمين : وهذا القول أشنع من القول بخلق القرآن اه . وقوله : بلا اسم ولا صفة أي بالنظر للفظ ، وأما المعنى فموجود اتفاقاً . وقوله : وهذا القول أشنع الخ . أي لأن القرآن صفة واحدة والأسماء والصفات متعددة . قوله : ( فهو من الأسماء المحذوفة الأعجاز كيد ودم ) فأصل الأول يدي بسكون الدال ويجوز فتحها أيضاً ، وأصل الثاني دمى بفتح الميم وقيل بسكونها ويقال في تثنيته دميان ، ونازع ق ل في التعليل بكثرة الاستعمال . قال : والحق إسقاطه أي لأنه حذف قبل الاستعمال . وجوابه أن الواضع علم كثرة استعماله . قوله : ( بنيت ) أي وضعت . قوله : ( لتعذر الابتداء ) أي مع العوضية عن الواو لأنه لا يشترط في العوض أن يكون في محل المعوض عنه بخلاف البدل .
قوله : ( وقيل من الوسم ) أي من فعله لأن الاشتقاق عندهم من الأفعال . قال الشنواني : قوله من الوسم بكسر الواو ، ومراده أن ذلك على سبيل الفرض والتقدير ، وإلا فالمسموع فتحها وحوّل إلى مكسور الواو لينتقل منه إلى سمة لأن كسرة الواو نقلت إلى السين .
واعلم أن جملة البسملة شخصية ، وذلك لأن العامل إما فعل كأؤلف أو اسم كتأليفي ، أما الأول فلأن الفاعل الذي هو الموضوع والمحكوم عليه مشخص معين ، وأما الثاني فلأن تقديره تأليفي بسم الله الخ . فالمضاف إليه مشخص فيكون المضاف كذلك ، هذا إن جعلت الاضافة للعهد فإن جعلت للاستغراق أي كل تأليف لي كانت الجملة كلية ، وإن جعلت للجنس فإن أريد بها الجنس في ضمن بعض الأفراد كانت جزئية ، وإن أريد الجنس من حيث هو كانت مهملة .(1/32)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
( مبحث لغات الاسم
قوله : ( وفيه عشر لغات ) وأوصلها بعضهم إلى ثمانية عشر فقال :
سمى سماة سم اسم وزد سمة
كذا سماء بتثليت لأولها
( مبحث الغلبة وتقسيمها
قوله : ( علم ) أي بالغلبة التقديرية إن روعي أصله الثاني وهو الإله ، أو بالغلبة التحقيقية إن روعي أصله الأول وهو إله لسبق استعماله في غير ذاته تعالى ، لأن الغلبة التحقيقية هي غلبة اللفظ في غير ما اختص به بأن سبق استعماله في غير معنى العلمية ، وأما الغلبة التقديرية فهي اختصاص اللفظ بمعنى مع إمكان استعماله في غيره بحسب الوضع لكنه لم يستعمل فيه حينئذ فلا يطلق القول بأنها غلبة تقديرية أو تحقيقية لأنها بالنظر إلى ما قبل العلمية تحقيقية ، وإلى ما بعدها تقديرية أي بحسب أصله وهو الإله ، وأما الله فليس فيه غلبة أصلاً لأنه علم شخص لأن الغلبة أن يكون للاسم بحسب الوضع عموم فيعرض له بحسب الاستعمال خصوص ، فإن استعمل في غير ما غلب عليه فتحقيقية وإلا فتقديرية . قوله : ( على الذات ) أي على الفرد الخالق للعالم بقطع النظر عن الصفات ، وإلا لما أفاد التوحيد لأن الصفات كلية وهذا في أصل الوضع ، ثم صار دالاً في الاستعمال على الصفات نظراً للوجود لا بالوضع وتاؤها ليست للتأنيث بل للوحدة ، ولهذا وصفت بالواجب الوجود على لفظ للذكر .
فإن قلت : ذات الله لا تدرك بالعقل فكيف وضع لها العلم ؟ قلت : يكفي إدراكها بتعقل صفاتها ، هذا إن قلنا إن الواضع غير الله وهو مرجوح ، أما إن قلنا الواضع هو تعالى وهو الراجح فلا إشكال .
قوله : ( الواجب الوجود ) بيان للموضوع له لا داخل فيه ، وإلا كان مدلوله ذاتاً وصفة فيكون كلياً ، وإنما حكم بأنه أي الله علم لأنه يوصف ولا يوصف به ، ولأنه لا بد له تعالى من اسم تجري عليه صفاته ولا يصلح لذلك مما يطلق عليه سواه أي الله ، ولأنه لو كان وصفاً لم يكن قول لا إله إلا الله توحيداً ، ونقل كونه مرتجلاً أي لا اشتقاق له عن إمامنا الشافعي رضي الله عنه وإمام الحرمين وتلميذه الغزالي والخطابي والخليل وابن كيسان وغيرهم . قال بعضهم : وهو الصواب . قال بعض المحققين : وما يقال من الخلاف في أنه مشتق أو غير مشتق إنما هو في لفظ إله لا لفظ الله اه .(1/33)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
وما توهمه العبارات من أن الخلاف في لفظ الله يجاب عنه بأنها على حذف مضاف أي أصل لفظ الله وهو إله ، ومن ثم قال الشارح في شرح المنهاج الحق أنه أصل بنفسه غير مأخوذ من شيء بل وضع علماً ابتداء ، فكما أن ذاته لا يحيط بها شيء ولا ترجع إلى شيء فكذلك اسمه تعالى لا يرجع إلى شيء يشتق منه . قوله : ( تسمى به قبل أن يسمى ) أي قبل أن يطلق عليه فلا ينافي أن الواضع للأسماء هو الله تعالى أي سمى به نفسه قبل أن يعرّفه لخلقه بدليل قوله : وأنزله على آدم الخ . وقوله : ( هل تعلم له سميا ) استفهام إنكاري وهو دليل لقوله لم يسم به سواه . وقوله : ( سميا ) فعيل بمعنى مفعول أي هل تعلم أحداً مسمى باسمه كما يؤخذ من كلام الشارح . قوله : ( غير الله ) نعت لأحد أو حال من ضميره الذي في سمى . قوله : ( وأصله إلاه ) أي الأول لا الثاني ، كما قيل إن أصله الأول ولاه قلبت الواو همزة ، وإنما كان أصله الأول إلاه لجمعه على آلهة وأصله أألهة ولم يقولوا أولهة ، ولو كان أصله ولاه لقالوا ذلك لأن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها . قوله : ( ثم حذفت الهمزة ) أي بعد نقل حركتها إلى اللام قبلها فالنقل قبل الحذف لا معه ولا بعده كما يوهمه كلام الشارح أج . والمراد بالهمزة الهمزة الثانية . قوله : ( ونقلت حركتها ) وقيل : إن الهمزة حذفت مع حركتها ، وهو أسهل لبقاء سكون اللام الأولى على حاله من غير حاجة إلى تسكينها ورجع الأول بأن نقل حركتها أي الهمزة يوجب ثقلها بسبب سكونها لأن السكون يوجب ثقلها بخلاف غيرها ، لأن سكونها يشبه التهّوع أي التقيؤ ، فلذا حسن حذفها ساكنة لثقلها . قوله : ( وأدغمت ) أي بعد تسكينها وهو إدغام على غير قياس لعدم تحرك أول المثلين أصالة مع وجود الفاصل بينهما تقديراً وهو الهمزة لأن المحذوف لعلة كالثابت . والحاصل أن في إله خمسة أعمال . قوله : ( في الأصل ) أي قبل دخول أل عليه ، فاندفع اعتراض ق ل بقوله .
قوله : ( والإله الخ ) فيه نظر لأن المعرف لا يطلق إلا على المعبود بحق كما قاله الزمخشري وغيره . قوله : ( يقع ) أي فهو اسم جنس . قوله : ( ثم غلب ) أي بعد تعريفه . قوله : ( وهو عربي ) أي من أوضاع العرب اه م د . لكن كلام الشارح يقتضي خلاف ذلك حيث قال : سمي به قبل أن يسمى ، فإنه يقتضي أنه كان موجوداً قبل العرب لأنه أزلي فالأنسب تفسير العربي بأنه ما استعمل أولاً من العرب ، ومقابل الأكثر الأقل القائلون بأنه معّرب أي أول ما(1/34)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
وضعه العجم على القول بأن واضع اللغة البشر ، وأول من استعمله العجم لا بناء على الراجح من واضعها هو الله تعالى ، وعلى هذا القول فقيل إنه في الأصل عبري بكسر العين أي عبراني ، وقيل سرياني . قال البلقيني : وهذا القول يعني القول بأنه أعجمي لا يلتفت إليه ولا دليل عليه إذ لا يصار إلى إثبات العجمة بغير دليل اه . قوله : ( اسم الله الأعظم ) وصف بذلك لأن ما دعي به فيه من شروطه يجاب بعينه لوقته ق ل . قوله : ( لم يذكر في القرآن ) أي مع كثرة معناه لأنه مركب من اسمين فلا يرد عليه المهيمن لأنه لم يذكر إلا مرة واحدة . والأولى أن يجاب عن إيراد المهيمن بأن النووي لم يستند في ذلك إلى القلة بل إلى قوله : ( اسم الله الأعظم في ثلاثة مواضع في البقرة وآل عمران وطه ) . فمراد النووي أن اسم الله الأعظم هو الحي القيوم ، لأنه قد وجد في هذه السور التي ذكرت في الحديث هكذا قيل ، وفيه نظر مع سياق الشارح لأنه لو كان استناد النووي إلى الحديث لقال الشارح : لأنه هو المذكور في الثلاثة مواضع كما في الحديث أو نحو ذلك . قوله : ( والرحمن الرحيم ) لم يعطف لأجل حكاية اللفظ الواقع في البسملة ، ولا بد من إرادة العطف لصحة الإخبار بالمثنى . قوله : ( صفتان مشبهتان ) والصفة المشبهة هي الصفة المصوغة لغير تفضيل لإفادة نسبة الحدث إلى موصوفها دون إفادة الحدوث ، والمراد أنها مشبهة باسم الفاعل في العمل . قال الأشموني : وجه الشبه بين الصفة المشبهة واسم الفاعل أنها تدل على حدث ومن قام به ، وأنها تؤنث وتثنى وتجمع ، ولذلك حملت عليه . قوله : ( بنيتا ) أي صيغتا للمبالغة أي لإفادتها ، وليس المراد أنهما من صيغ المبالغة لأن صيغ المبالغة منحصرة في خمسة وهي المذكورة في قول الخلاصة :
فعال أو مفعال أو فعول
في كثرة عن فاعل بديل
فيستحق ما له من عمل
وفي فعيل قلّ ذا وفعل
ورحمن : ليس منها . والمبالغة في أسمائه تعالى كناية عن كثرة المتعلقات فمدلولها زائد على مدلول اسم الفاعل لا بمعناها عند البيانيين ، وهي أن تثبت للشيء زيادة عما يستحقه لاستحالة ذلك في حقه تعالى . قال الزركشي : والمبالغة إما بحسب زيادة الفعل أو تعدد المفعولات وذلك يوجب زيادة الفعل الواحد لوقوعه على متعدد فالمبالغة في نحو : حكيم من أسمائه تعالى تكرر حكمه الكثيرة في الشرائع ، بل في الشريعة الواحدة ، وفي التواب كثرة من يتوب عليه .
قوله : ( من مصدر رحم ) أي بعد تنزيله منزلة اللازم أو جعله لازماً بنقله إلى فعل بالضم(1/35)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
كحسن وكرم ، أي صار ذا حسن وذا كرم لأن الصفة المشبهة لا تصاغ إلا من لازم كما قال في الخلاصة :
وصوغها من لازم لحاضر
كطاهر القلب جميل الظاهر
ومن المعلوم أن الرحمة رقة في القلب وعطف أي ميل نفساني ، وهي بهذا المعنى مستحيلة عليه تعالى لكونها كيفية نفسانية فهي مجاز مرسل من إطلاق اسم السبب على المسبب وهو الإحسان ، فتكون صفة فعل أو إرادته فتكون صفة ذات . قوله : ( والرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن أبلغ ) المناسب أن يجعل هذا علة لتقديم الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن على الرحيم كما صنع غيره قوله : ( أبلغ من الرحيم ) أي أعظم معنى من معنى الرحيم ، وليس المراد أنه مشتمل على معنى الرحيم ويزيد عليه كما هو القاعدة في أفعل التفضيل ، وفيه بناء أفعل التفضيل من مزيد أي بالغ وهو لا يصاغ إِلا من ثلاثي فهو من المبالغة لا من البلاغة لأنها لا يوصف بها المفرد . قوله : ( لأن زيادة البناء الخ ) هذه القاعدة مشروطة بشروط ثلاثة أن يكون ذلك في غير الصفات الجبلية فخرج نحو شره ونهم ، لأن الصفات الجبلية لا تتفاوت وأن يتحد اللفظان في النوع فخرج حذر وحاذر ، وأن يتحدا في الاشتقاق فخرج زمن وزمان إِذ لا اشتقاق فيهما . قوله : ( وهما اسما صفة ) أي واسم الذات مقدم على اسم الصفة . قوله : ( لأنه خاص ) وأجيب عن قول أهل اليمامة في مسيلمة : لا زلت رحماناً بأنه من تعنتهم في كفرهم ، أي إن هذا الاستعمال غير صحيح دعاهم إليه لجاجهم في كفرهم بزعمهم نبوة مسيلمة فخرجوا بمبالغتهم في كفرهم عن منهج اللغة حتى استعملوا المختص بالله تعالى في غيره ، وقيل : إنه شاذ لا اعتداد به ، وقيل : معتدّ به والمختص بالله المعرف باللام اه محلى بزيادة . واليمامة اسم مدينة معروفة . قوله : ( إِذ لا يقال ) صوابه إذ لم يقل ق ل . أي لأن الدليل على الاختصاص كون أهل اللسان لم يقولوه لا كونه لا يقال . ويجاب بأن المعنى لا يقال في المستقبل لكون أهل اللغة لم يقولوه . وقال شيخ الإسلام : إن المنع من إطلاق الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن على غيره شرعي طرأ بعد الإسلام ، وعليه لا يرد قول أهل اليمامة لأن المعنى لا يقال شرعاً . قوله : ( والخاص مقدم ) اعترض بأن هذا محله فيما مدلوله خاص وما مدلوله عام كفقيه وعالم فتقول زيد فقيه وعالم ، ولا تقول زيد عالم وفقيه ، لأن الذكر العام بعد الخاص فائدة بخلاف العكس وما هنا ليس كذلك ، فإن الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم وصفان أحدهما خاص بموصوف ، والآخر عام يطلق عليه وعلى غيره ، ثم أجريا على ذلك الموصوف الخاص فصار المراد منهما موصوفاً واحداً وهو الله تعالى ، فلا يظهر في ذلك تقديم الخاص على العام من تلك الحيثية ، إذ ليس في الرحيم ما في الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن وزيادة حتى يكون عاماً والرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن خاصاً بل(1/36)
"""""" صفحة رقم 37 """"""
العموم والخصوص من حيث الاطلاق ، فالأولى التعليل بأن الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن لما كان خاصاً صار كالعلم فناسب أن يلي العلمية وعبارة اج .
قوله : ( والخاص مقدم على العام ) أي ولأنه لما دلّ على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم ليتناول منها ما دقّ ولطف ليكون كالتتمة والرديف أي وللمحافظة على رؤوس الآي ، والأبلغية تؤخذ تارة باعتبار الكمية ، فلذا قيل يا رحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الدنيا لعمومها للمؤمن والكافر ورحيم الآخرة لخصوصها بالمؤمن وتارة باعتبار الكيفية ولذا قيل : يا رحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا لأن النعم الأخروية كلها جسام ، وأما الدنيوية فجليلة وحقيرة اه .
قوله : ( قال النسفي ) : بفتحتين نسبة إلى نسف مدينة مما وراء النهر اه . لب اللباب للسيوطي قوله : ( مائة وأربعة ) في بعض الروايات مائة وأربعة عشر : خمسون على شيث ، وعشرون على إبراهيم ، وثلاثون على إدريس ، وعشرة على آدم ، وقيل على موسى عشرة قبل التوراة ، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان . وفي تهذيب الأسماء واللغات إن الله أنزل على شيث خمسين صحيفة ، وكان أجمل أولاد آدم وأفضلهم وكان وصيه وأحبهم إليه وولي عهده ، وهو الذي انتهت أنساب الناس كلهم إليه ، وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة ، وعاش تسعمائة سنة واثنتي عشرة سنة اج .
قوله : ( صحف شيث ) بالمثلثة والصرف كما قاله الشنواني على الأزهرية ، ومعناه هبة الله لأنه وهب له ورزقه بعد أن قتل قابيل هابيل ، وبعد قتله لم يدر ما يصنع به لأنه أول ميت على وجه الأرض من بني آدم ، فحمله على ظهره صيانة له عن السباع لأنها قصدته لتأكله ، فحمله أربعين يوماً . وعن ابن عباس سنة اه جلالين وخازن .
قال ابن إسحاق : فلما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار وعبادات تلك الساعات ، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك ، ويقال : إِن أنساب بني آدم كلها تنتهي إلى شيث وسائر أولاد آدم انقرضوا اه . وقوله : ( كلها تنتهي إلى شيث ) أي لأن نسب نوح ينتهي إليه وهو آدم الصغير . قال تعالى : ) وجعلنا ذريته هم الباقين } ) الصافات 77 ) وسميت صحفاً لأن ما أوحي إليه كان مكتوباً في صحف من ذهب وفضة ، وأما الكتب التي نزل بها جبريل لم تكن كذلك . قوله : ( وصحف إبراهيم ) قال الواقدي : ولد إبراهيم على رأس ألفي سنة من خلق آدم ، ومات ابن مائتي سنة ، وحكى النووي وغيره قولاً إنه عاش مائة وخمساً وسبعين سنة ، وعاش موسى مائة وعشرين سنة . قوله : ( وصحف موسى ) وفيها : عجبت(1/37)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها عجبت لمن أيقن بالقدر ثم يتعب عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل ذكره الخازن . قوله : ( ومعاني كل الكتب ) أي سوى القرآن لئلا يلزم عليه ظرفية الشيء في نفسه وكذا ما بعده ، فقوله : ( ومعاني القرآن ) أي غير الفاتحة . وقوله : ( ومعاني الفاتحة ) أي غير البسملة ، ومعاني البسملة أي غير بائها .
قوله : ( مجموعة في الفاتحة ) استشكله المناوي من جهة أن القرآن مشتمل على أحكام وقصص ومواعظ وغيرها ، والفاتحة وما بعدها ليس كذلك . وأجاب بأن مدار الكتب السماوية على توحيد الباري ، وأنه رب العالم وخالقهم وراحمهم ومالكهم وخالق الهداية في قلب العبد والمعين له ، وأن مصير الخلق إلى دار سعادة أو شقاوة . وهذه المعاني مصرح بها في القرآن مشار إليها في الفاتحة مرموز إليها في البسملة ملوّح بها في الباء . وسورة الفاتحة قد جمعت معاني القرآن كله فكأنها نسخة مختصرة ، وكأنّ القرآن بعدها تفصيل لها ، وذلك لأنها جمعت الإلهيات في ) الحمد لله رب العالمين الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم } ) الفاتحة : 3 و 3 ) والدار الآخرة ) في مالك يوم الدين } ) الفاتحة 4 ) والعبادات كلها من الإعتقاد والأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي ) في إياك نعبد } ) الفاتحة : 5 ) والشريعة كلها في الصراط المستقيم والأنبياء وغيرهم في قوله ) أنعمت عليهم } ) الفاتحة 7 ) وذكر طوائف الكفار في ) غير المغضوب عليهم ولا الضالين } ) الفاتحة : 7 ) شيخنا اه سيوطي . قوله : ( ومعناها بي الخ ) أي أنها تشير إلى ذلك ، وليس المراد أن هذا معناها الموضوعة هي له قوله : ( في نقطتها ) أي أول جزء يوضع عند إرادة رسمها قيل ، ومعناها أن ذاته تعالى نقطة الوجود المستمد منها كل موجود أج .
قوله : ( الحمد لله ) أصله حمدت حمد الله ، ثم استغنى بالمصدر عن الفعل فحذف ثم رفع المصدر ، ثم أدخلوا عليه أل للدلالة على الدوام فصار الحمد لله ، فعلم من ذلك أن الدوام والاستمرار إنما استفيد من العدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية ، لأن قولنا زيد قائم لا يدل إلا على أصل ثبوت القيام لزيد ، وأما دوامه واستمراره فإنما جاء من جهة العدول .
والحمد أقسام أربعة : إما واجب كما في خطبة الجمعة ، أو مندوب كما في الأدعية ابتداءً وختاماً ونحو الأكل ، أو مكروه ككونه في الأماكن القذرة أو بفم نجس أو حرام كالحمد عند(1/38)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
الفرح بالمعصية ، ولم يعطفها على البسملة لما بينهما من كمال الاتصال ولإفادة استقلال كل منهما بالمقصود ، ولم يقتصر على البسملة وإن كان فيها جهة تحميد لأن المبسمل لا يقال له حامد غرفاً .
تنبيه : المخبر بالحمد حامد بخلاف المخبر بالصلاة فليس بمصلّ ، ولذا يثاب الحامد مطلقاً ولا يثاب المصلي إِلا إذا قصد الإنشاء ، وسوّى الدلجي في شرح الشفاء بين الصلاة على النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) والحمد في الثواب ولو قصد الإخبار .
تنبيه : قال بعض الشافعية : أفضل المحامد أن يقال الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده ، واحتج لذلك بما في بعض الأخبار : ( إن الله تعالى لما أهبط آدم عليه الصلاة والسلام إلى الأرض قال : يا رب علمني المكاسب وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد . فأوحى الله تعالى إليه أن قل ثلاث مرات عند كل صباح ومساء : الحمد لله حمداً يوافي نعمك ويكافىء مزيدك فقد جمعت لك فيها جميع المحامد ) .
وقيل : أفضل المحامد أن يقال الحمد لله بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم ، زاد بعضهم عدد خلقه كلهم ما علمت منهم وما لم أعلم ، واحتج له بما روي أن رجلاً قال هذه الكلمات بعرفات ، فلما كان من العام المقبل حج وأراد أن يقولها فسمع قائلاً يقول : يا عبد الله أَتعبت الحفظة فإنهم يكتبون ثواب هذه الكلمة من العام الماضي إِلى الآن ، وينبني على ذلك مسألة فقهية وهي أن من حلف بالطلاق ليحمدنّ الله بأفضل المحامد ، فقال كل فريق لا يبرّ إِلا بما قاله من تلك المحامد ، وقيل لا يبرّ حتى يقول : اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، وقيل لا يبرّ حتى يقول : ) ليس كمثله شيء } ) الشورى : 11 ) اه .
شبرخيتي على الأربعين .
قوله : ( بدأ بالبسملة ثم بالحمدلة ) هذه العبارة متضمنة لسؤالين : صورة الأول لم أتى بهما في الابتداء ولم يبتدىء بغيرهما كالباقيات الصالحات ؟ وصورة الثاني : لم رتب بينهما على الوجه المذكور ؟ والدليل الأول وهو قوله اقتداء بالكتاب العزيز يثبت الأمرين معاً ، والثاني وهو قوله وعملاً بخبر الخ . يثبت الأول فقط ، وقوله : بالبسملة أي بمسمى البسملة أو بما نحتت منه البسملة .
( مبحث النحت
وعلم النحت سماعي ، سمع منه نحو عشرة ألفاظ كالحسبلة أي قول حسبنا الله ، والحوقلة والحيعلة والطلبقة من أطال الله بقاءك ، ومنه الألفاظ الأربعة المشهورة عن سيدنا عليّ رضي الله تعالى عنه وهي : والله ما تربعلبنت قط أي ما أكلت اللبن يوم الأربعاء ، ولا(1/39)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
تسبتسمكت قط أي ما أكلت السمك يوم السبت ، ولا تعمقعددت قط أي ما تعممت وأنا قاعد أي لأنه يدل على تحسين العمة ، وسيدنا عليّ رضي الله عنه لا يريد ذلك . ولا تسر ولقمت قط أي ما لبست السراويل قائماً أي لئلا يظهر شيء من عورته ، ولما قيل إن لبس السراويل من قيام يورث الفقر كالتعمم قاعداً . ونقل المازري عن المطرزي في كتاب اليواقيت وغيره : إن الأفعال التي أخذت من أسمائها سبعة : بسمل إذا قال بسم الله ، وسبحل إذا قال سبحان الله ، وحوقل إذا قال لا حول ولا قوّة إِلا بالله ، وحيعل إذا قال حيّ على الفلاح ، وحمدل إذا قال الحمد لله ، وهلل إذا قال لا إله إِلا الله ، وجعفد إذا قال جعلت فداك . وهذا الباب سماعي لا يقاس عليه . وقوله : ( ثم بالحمدلة ) أي ثم ثنى بالحمدلة فهو متعلق بمحذوف .
قوله : ( اقتداء بالكتاب ) أي وبغيره ، ولما لم يكن في القرآن أمر بالإتيان بهما عبر في جانبه بالاقتداء ، ولما كان الحديث متضمناً للأمر عبر في جانبه بالعمل لأن الاقتداء معناه الاتباع في الفعل استحساناً له من غير أن يؤمر التابع به ، وأما العمل فإنه الاتباع مع الأمر وما في معناه وما هنا من الثاني م د . قوله : ( بخبر كل ) بإضافة خبر إلى جملة ما بعده إضافة بيانية أو من إضافة الأعم إلى الأخص ، وبالتنوين على إبدال ما بعده منه ورفع كل بالحكاية على كل حال ، وإضافة كل إلى أمر على معنى اللام ، وإن لم يصح التلفظ بها لعدم صحة نية من أوفى ، قال في الخلاصة :
وانو من أو في إذا لم يصلح إِلا ذاك واللام خذا لما سوى ذينك
قوله : ( أمر ) الأمر بمعنى الشأن ، وهو أحد معانيه الخمسة ومنه قوله : ( مَنْ أحدث في أمر ديننا هذا ما ليس منه فهو ردّ ) ويأتي الأمر بمعنى القيامة ومنه : ) أتى أمر الله } ) النحل : 1 ) وبمعنى الرأي ، ومنه : ) وما أمر فرعون برشيد } ) هود : 97 ) وبمعنى العذاب ومنه : ) لما جاء أمر ربك } ) هود : 76 ) وبمعنى الطلب وهو اقتضاء فعل غير كف أو كفّ مدلول عليه بكف ونحوه كدع وذر واترك وجمع هذا أوامر وجمع ذاك أمور ، والمراد هنا الفعل وهو حركة البدن الشاملة للأقوال دون التروك ، إذ البسملة لا تطلب في الترك كترك المعاصي . قوله : ( ذي بال ) أي صاحب بال فهو جامد لفظاً مشتق تأويلاً ، ولذلك صح الوصف به ، والبال في الأصل القلب ومنه : ( ويصلح بالهم ) أي قلوبهم ، والمراد به هنا الشأن الذي يهتم له القلب فإطلاق البال عليه من إطلاق اسم المحلّ على الحالّ فيه فالعلاقة المحلية أو المجاورة لمجاورة الشأن الذي يهتم به القلب للقلب ، وعلى كل فالمجاز مرسل . ويصح أن يكون في الكلام استعارة بالكناية حيث شبه الأمر بذي قلب بجامع الاهتمام بكل والاعتناء والشرف ، وأثبت له البال تخييلاً وتنوين بال للتعظيم نحو قوله تعالى : ) وعلى أبصارهم غشاوة } ) البقرة : 7 ) فخرج الحقير كنقل القدم فلا تطلب له البسملة ففيه تخفيف على العباد وصون(1/40)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
لاسمه تعالى عن الاقتران بالمحقرات . قال ح ف : يطلق البال على الحال الذي يهتم به شرعاً ، لكنه عام بالنسبة للبسملة ، وأما بالنسبة للحمدلة فهو خاص بالأقوال لأنه لو كان عاماً لاقتضى طلبها عند ابتداء الأكل مثلاً ، مع أن المطلوب الإتيان بها عند آخره اه . لكن قوله خاص بالأقوال يرد عليه الوضوء كما سيأتي أنه يسنّ ابتداؤه بالبسملة والحمدلة .
قوله : ( يهتم به ) أي شرعاً بأن لا يكون محرماً لذاته ولا مكروهاً كذلك ، ولا ذكراً محضاً ، ولا جعل الشارع له مبدأ غير البسملة فتحرم على المحرم لذاته كالزنا بخلاف المحرم لغيره كالوضوء بماء مغصوب فتسن وتكره على المكروه لذاته كأكل بصل ونحوه ، بخلاف المكروه لغيره كالوضوء بالماء المشمس فتسنّ ، ولا تطلب للذكر المحض كالتهليل وخرج بالمحض القرآن فتطلب فيه التسمية لاشتماله على القصص والأحكام ، فتعتري التسمية الأحكام الأربعة فقط لأن أصلها الندب ، وما كان الأصل فيه الندب لا تعتريه الإباحة فتكون واجبة في قراءة الفاتحة في الصلاة عندنا .
فإن قلت : ذكر الله المأتيّ به في افتتاح الأمر ذي البال لتحصل البركة فيه وهو البسملة أمر ذو بال ، فيحتاج في تحصيل البركة فيه إلى سبق مثله ويتسلسل . قلت : هو محصل للبركة فيه كما هو محصل للبركة فيما افتتح به كالشاة من الأربعين تزكي نفسها وغيرها ، فهو مستثنى من عموم الأمر ذي البال في الحديث اه عبد الحق . وأجاب م د بقوله : وينبغي تقييد الأمر ذي البال أيضاً بما يكون مقصوداً لا ما يكون وسيلة إلى المقصود ، فلا يرد أن كلاً من البسملة والحمدلة أمر ذو بال ، فيحتاج إلى سبق مثله ويتسلسل اه . ومعنى الاهتمام به طلبه أو إباحته .
فإن قلت : يلزم عليه أن القرآن إذا لم يبدأ بالبسملة فيه يكون ناقصاً . أجاب العز بن عبد السلام : بأن البركة في ذلك معناها دفع الشيطان الذي يوسوسه في القراءة حتى يحمل القرآن على غير محمله ، أو يلهو عنه لا أنها توجب للقرآن صفة كمال وشرف بل ذلك عائد إلى القارىء ، فإذا لم يبدأ بالبسملة كان ثوابه ناقصاً فالنقص راجع للقارىء من جهة ثوابه لا للقرآن .
قوله : ( لا يبدأ فيه ) استشكل الاتيان بفي مع أن المعنى يستقيم بدونها . وأجيب : بأن في سببية والتقدير لا يبدأ ببسم الله بسببه ولأجله ، فيقتضي أن البداءة بالبسملة لا بد أن تكون لأجل الأمر لا لأجل غيره ، فإذا كان شارعاً في السفر مع الأكل وبسمل لأجل السفر فلا تحصل البداءة بالبسملة بالنسبة للأكل لأنها إنما هي لأجل السفر وبسببه لا بسبب الأكل شيخنا ح ف . والإشكال لا يرد إِلا إذا فسر يبدأ بيفتتح ، فإن فسر بيشرع فلا إشكال . قوله : ( ببسم الله ) الباء الأولى جارة ، والباء الثانية جزء من الكلمة ، والجار والمجرور نائب فاعل يبدأ . وعبارة الشوبري على التحرير . قال الرافعي : أدخلت الباء على الباء لأن الباء الثانية متصلة فنزلت لشدة الملازمة منزلة الحرف من الكلمة ، وأدخلت عليها الباء الخافضة .(1/41)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
قوله : ( فهو أقطع ) هو اسم فاعل لا أفعل تفضيل بدليل تفسيره بناقص ، لأن أفعل من جملة أوزان اسم الفاعل ، وهذا التركيب ونحوه يجوز أن يكون من التشبيه البليغ بحذف الأداة وهو مذهب الجمهور ، والأصل هو كأقطع ، وأن يكون استعارة وهو مذهب السعد . وميل الشارح هنا إليه ولا جمع هنا بين الطرفين ، إذ التقدير هو ناقص كالأقطع فحذف المشبه وهو ناقص بأن شبه الناقص بالأقطع واستعير له اسمه وليس المراد كونه ناقصاً حساً ، بل أن لا يكون معتبراً في الشرع . قوله : ( بالحمد لله ) أي بالرفع فإن التعارض لا يحصل إِلا بشروط خمسة : رفع الحمد وتساوي الروايتين وكون رواية البسملة بباءين ، وكون الباء صلة يبدأ وأن يراد بالابتداء فيهما واحد وهو الابتداء الحقيقي . وقوله : صلة يبدأ ، فإن جعلت للاستعانة فلا تعارض لأن الاستعانة بشيء لا تنافي الاستعانة بآخر ، وكذا إن جعلت للملابسة . قوله : ( ليس حقيقياً ) أي لغة فلا ينافي أنه حقيقي عرفاً ، كما أشار إليه بقوله : بل أمر عرفي اه ق ل .
والحاصل : أن بين الابتداء الحقيقي والإضافي العموم والخصوص المطلق ، فبالبسملة حصل الحقيقي والإضافي وبالحمدلة حصل الاضافي دون الحقيقي . قوله : ( والحمد اللفظي ) أتي بالاسم المظهر وهو الحمد لأجل قوله اللفظي ، لأن الضمير لا يوصف . وقوله : اللفظي أي الحادث لأنه هو الذي ينقسم إلى لغويّ وعرفي أ ج . قوله : ( لغة ) منصوب على الحال أي حالة كونه لغة أي مندرجاً في اللغة أي في الألفاظ العربية ، إذ اللغة الألفاظ العربية أو على التمييز أو على نزع الخافض ، وهذا الأخير أولى من جهة المعنى وإن كان سماعياً لأنه لكثرته في كلامهم أشبه القياسي . قوله : ( باللسان ) ذكر لبيان الواقع لأن الثناء الذكر بخير وهو لا يكون إِلا باللسان ، والمراد باللسان آلة النطق لا خصوص الجارحة ، فلو أودع الله في يد إنسان قوة النطق فنطقت به كان حمداً .
قوله : ( على الجميل ) سواء كان جميلاً عند الحامد أو المحمود قيل أو غيرهما ا ج . وعلى في قوله على الجميل تعليلية أي لأجل الجميل . قوله : ( الاختياري ) أي حقيقة أو حكماً ، أو يقال الاختياري هو أو أثره ليدخل الحمد على صفاته تعالى الذاتية ، فإنها اختيارية باعتبار متعلقاتها وهي المقدورات والمرادات والمعلومات والمسموعات والمبصرات ، وهذا جواب(1/42)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
عما يقال إن الاختياري لا يشمل صفات الله لإشعاره بالحدوث . وأجاب شيخنا الجوهري : بأن المراد بالاختياري ما ليس بطريق القهر فيشمل صفات الباري . قوله : ( على جهة التعظيم ) حال من الثناء على القول بجواز مجيء الحال من الخبر أي حالة كون ذلك على قصد التعظيم ، وعلى للاستعلاء المجازي أي تمكن ذلك الثناء على ذلك القصد ، أو بمعنى ( مع ) والإضافة بيانية أي على جهة هي التعظيم ، فلا يلزم عليه تعلق حرفي جر بمعنى واحد بعامل واحد ، لأن على في قوله على الجميل للتعليل ، والثانية للاستعلاء المجازي أو بمعنى مع .
قوله : ( سواء تعلق ) أي وقع في مقابلة الفضائل ، وسواء خبر مقدم وتعلق في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر أي تعلقه بالفضائل والفواضل ، سواء في أن الثناء على كل منهما حمد . واعترض بأن التسوية لا تكون إلا بين شيئين ، وكون أم بمعنى الواو بعيد ، فالأولى تقدير إن بعد سواء ، وسواء خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير إن تعلق بالفضائل أم بالفواضل فالأمران سواء ، ففي الكلام تقديم وتأخير وحذف ، والمراد بالفضائل النعم القاصرة وهي التي لا يتوقف الاتصاف بها على تعدي أثرها للغير كالعلم ، فإن الإنسان يوصف بالعلم وإن لم يعلم كالطالب الذي يعلم علمه من سؤاله أو من كلامه ، والفواضل جمع فاضلة وهي التي يتوقف الاتصاف بها على تعدي أثرها للغير كالكرم والشجاعة ، فإن الإنسان لا يوصف بالكرم إِلا بالإعطاء ، ولا بالشجاعة إِلا بالإقدام على المهالك ، فاندفع ما يقال إن أريد بالعلم وبالكرم الملكة كانا من النعم القاصرة ، وإن أريد بهما الأثر كالتعليم والإعطاء كانا من المتعدية . قال الإطفيحي : ولا بد من تأويل الكرم والعلم والشجاعة بأثرها لتكون فعلاً اختيارياً كالإعطاء والتعليم والإقدام على العدوّ في المعارك لأنها كما تطلق على الملكة تطلق على آثارها . وفي الفنري على المطوّل : واعلم أن سواء بمعنى الاستواء يوصف به كما يوصف بالمصادر ، ومنه قوله تعالى : ) إلى كلمة سواء بيننا } ) آل عمران 64 ) .
قوله : ( إن قلنا برأي ابن عبد السلام ) ومستند ابن عبد السلام قوله : ( أنتم شهداء الله في الأرض فمن أثنيتم عليه خيراً فهو خير ومن أثنيتم عليه شراً فهو شر ) اه . وهذا إنما يحتاج إليه لو كان التقييد بالجميل في المحمود به كان يقال الثناء بالجميل على الجميل ، وأما حيث كان في المحمود عليه فلا بد منه أي من الجميل الاختياري على كل حال ، فلعل الشارح اشتبه عليه المحمود عليه بالمحمودية .(1/43)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
فالحاصل : أنه يحتاج لقوله على الجميل ، ولو قال الثناء خاص بالخير ، ومن يقول إن الثناء حقيقة في الخير فقط يكون قوله في الحديث : ( ومن أثنيتم عليه شراً ) من باب المشاكلة . قوله : ( ففائدة ذلك ) أي ذكر الجميل . وقوله : ( تحقيق الماهية ) أي ماهية الحمد بذكر قيودها . وقوله : ( أو دفع توهم إرادة الجمع الخ ) أي لو لم يذكر الجميل لتوهم أن المراد بالثناء ما يشمل الخير والشر . قوله : ( تحقيق الماهية ) أي ماهية الحمد لا للاحتراز قوله : ( عند من يجوّزه ) وهو الشافعي وأتباعه . فإن قيل : إن قرينة المجاز مانعة من الحقيقة فكيف الجمع ؟ أجيب : بأن ذلك مذهب البيانيين والشافعي جرى على مذهب الأصوليين ، وهم لا يشترطون كون قرينة المجاز مانعة من الحقيقة . قوله : ( فإنه يعم الخ ) فبينهما عموم مطلق وفي صحة الإخراج حينئذ نظر ، إذ المخرج بالقيد ضده والمدح ليس ضداً للاختياري ، بل قد يكون بالاختياري . قوله : ( دون حمدتها ) بكسر الميم . قوله : ( على جهة الاستهزاء ) أي وإن لم يوجد ذلك في الدنيا ، فقول الملائكة ذلك له مجاز والعلاقة الضدية فلا كذب ، وعبارة م د قوله على جهة الاستهزاء بأن لا يعتقد الحامد كمال المحمود . قال ح ل : والراجح عدم اشتراط اعتقاد الجنان ، بل لو اعتقد الحامد عدم اتصاف المحمود بما أثني به عليه كان حمداً كما تقدم ، فالمدار على ظهور قصد التعظيم بأن يأتي بما يقصد به للتعظيم غالباً مع عدم الإتيان بما يخالفه ظاهراً اه . وقوله : ( بما يقصد به التعظيم ) بل ولو كان ذلك محرماً شرعاً ، كما في قول الشاعر :
نهبت من الأعمار ما لو حويته
لهنئت الدنيا بأنك خالد
قوله : ( والسخرية ) عطف تفسير على ما قبله وهو بضم السين وكسرها .
قوله : ( ذق ) هو من كلام الملائكة للكافر في النار ، ووصفه بالعزة والكرم باعتبار ما كان عليه في الدنيا ق ل . وكأنه توهم أنه لولا اعتبار ما كان عليه في الدنيا كان كذباً ، والملائكة منزهون عنه . ويردّ بأن السخرية دافعة لذلك م د . وفيه أن السخرية لا تدفع الكذب فيكون سخرية بكذب ، وعبارة الجلال في التفسير : ) ذق } ) الدخان 49 ) أي العذاب ) إنك أنت العزيز الكريم } ) الدخان 49 ) بزعمك . وقولك : ما بين جبليها أعز وأكرم مني ، ويقال لهم : ) إن هذا ما كنتم به تمترون } ^ وذكر في قوله قبله : ) إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } ) الدخان 43 ) أي أبي جهل وأصحابه ذوي الإثم الكبير اه . وفي الخازن ما نصه : ) ذق } ) الدخان 05 ) أي هذا العذاب . ) إنك أنت العزيز الكريم } ) الدخان 49 ) أي عند قومك بزعمك ، وذلك أن أبا جهل(1/44)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
لعنه الله كان يقول : أنا أعز البوادي وأكرمهم ، فيقول له خزنة النار ، هذا على طريق الاستخفاف والتوبيخ . قوله : ( وعرفاً ) معطوف على لغة أي والحمد اللفظي عرفاً الخ . لكن قوله : فعل الخ . ينافي ذلك لأن فعل الأعضاء والقلب لا يكون لفظياً . وأجيب بأن المراد بالحمد اللفظي الحادث فيشمل ما ذكر والعرف والاصطلاح متساويان ، وقيل الاصطلاح هو العرف الخاص وهو ما تعين ناقله ، والعرف إذا أطلق فالمراد به العام وهو ما لم يتعين ناقله ، وعلى كل فالمراد من العرف والاصطلاح اللفظ المستعمل في معنى غير لغوي ولم يكن ذلك مستفاداً من كلام الشارع ، وقد يطلق الشرعي مجازاً على ما كان في كلام الفقهاء وليس مستفاداً من الشارع . قوله : ( فعل ) بالمعنى الشامل للقول والاعتقاد ، لأن القول فعل اللسان والاعتقاد فعل القلب . قوله : ( من حيث إنه ) بكسر الهمزة وهي حيثية تعليل . قال شيخ الإسلام على شذور ابن هشام : وقد أولع الفقهاء بفتح همزة أن بعد حيث وهو لحن فاحش فإنها لا تضاف إلا إلى الجملة ، وأن المفتوحة الهمزة ومعمولاها في تأويل المفرد . قوله : ( على الحامد ) فيه دور ، لأن الحامد مشتق من الحمد ، والحمد متوقف على الحامد لكونه مؤخوذاً في تعريفه . وأجيب : بأنه تعريف لفظي ، أو أن قوله من حيث الخ خارج عن التعريف أو المراد بالحامد ذاته بقطع النظر عن كونه حامداً . قوله : ( أو غيره ) سواء كان للغير خصوصية بالحامد كولده وصديقه أولاً ولو كافراً ع ش على م ر . قوله : ( ومحبة ) عطف مغاير لأنه لا يلزم من الإعتقاد المحبة ولا العكس ، والأولى حذفه أي حذف قوله ومحبة . قوله : ( وخدمة ) عطف مرادف . قوله : ( بالأركان ) أي غير اللسان .
قوله : ( كما قيل الخ ) يرجع لقوله سواء كان الخ . قوله : ( أفادتكم ) أي أوصلتكم مني النعمة الصادرة منكم أعمالاً ثلاثة ، فالنعماء بالفتح بمعنى النعمة كما يؤخذ من المختار ، ويحتمل أن تكون اسم جمع بمعنى النعم ، ومني متعلق بأفادتكم . وقوله : ( ثلاثة ) على حذف مضاف أي اعمال ثلاثة . قال في شرح الوسطي وفي الاستدلال به نظر إذ لم يطلق الشاعر لفظ الحمد على الثلاثة حتى يستدل بلفظه . وقد يجاب بأن فيه استدلالاً معنوياً من حيث إنه جعل أعمال الثلاثة جزاء للنعمة ، وكل جزاء للنعمة فهو حمد عرفاً فينتج من الشكل الأول أعمال الثلاثة حمد عرفاً وهو ظريف فاحفظه . قوله : ( يدي ) أي أعمال يدي بالإشارة بها ، وكذا يقدر المضاف فيما بعده . قوله : ( والضمير المحجبا ) أي القلب لأنه محل الضمير فهو من إطلاق الحال على المحل اه م د . وهذا ليس على إطلاقه بل كلام الشاعر محتمل ، فإن كان مراده بقوله أفادتكم الخ . إن نعمتكم عليّ ملكتكم مني أعضائي الثلاثة فهو كما قال المحشي ، ويكون(1/45)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
مثل معنى قولهم : الإنسان يملك بالإحسان ، وإن كان مراد الشاعر أن نعمتكم عليّ ملكتكم مني أعمال جوارحي وخدمتي لكم كان التقدير عمل يدي وخدمتي بها ، وذكري بلساني وضمير قلبي أي محبتي واعتقادي ، وقد قال الشارح معنى هذا الثاني فيكون الضمير المحجب على حقيقته ، وفي الأول من المجاز بتقدير المضاف على ما عرفته . قوله : ( والشكر الخ ) لما كان الشكر والحمد أخوين وذكر الحمد احتاج إلى تعريف الشكر فهو استطرادي . قوله : ( صرف العبد ) أي أن يستعمل العبد أعضاءه ومعانيه فيما طلب الشارع استعمالها من صلاة وصوم وسماع نحو علم وهكذا سواء كان ذلك في وقت واحد أو في أوقات متفرقة ق ل . قال سم : إذا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه في آن واحد سمي شكوراً . قال الله تعالى : ) وقليل من عبادي الشكور } ) سبأ : 13 ) وإذا صرفها في أوقات مختلفة سمي شاكراً . قال شيخنا ع ش : ويمكن تصوير صرفها كلها في آن واحد بمن حمل جنازة متفكراً في مصنوعاته عز وجل ، ناظراً لما بين يديه لئلا يزلّ بالميت ماشياً برجليه إلى القبر شاغلاً لسانه بالذكر ، وأذنه باستماع ما فيه ثواب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اه اطفيحي . وبقي ذكر الآدمي فانظر أي شيء يكون مصروفاً فيه . قوله : ( على جهة التعظيم ) الإضافة بيانية . قوله : ( وعرفاً ما يدل ) أي من فعل أو غيره مما مر ، وقد نظم العلامة سيدي على الأجهوري المالكي النسب بينها فقال :
إذا نسبا للحمد والشكر رمتها
بوجه له عقل اللبيب يوالف
فشكر لدى عرف أخص جميعها
وفي لغة للحمد عرفاً يرادف
عموم لوجه في سواهن نسبة
فذي نسب ست لمن هو عارف
أي : إن الشكر الاصطلاحي بينه وبين الثلاثة قبله أعني الحمدين والشكر اللغوي عموم وخصوص مطلق ، فهذه ثلاث نسب ، وبين الشكر اللغوي والحمد العرفي الترادف وهو معنى قوله وفي لغة أي : والشكر في اللغة يرادف الحمد عرفاً ، فهذه نسبة رابعة . وبين الحمد اللغوي والاصطلاحي ، وكذا بين الحمد والشكر اللغويين العموم والخصوص الوجهي يجتمعان في ثناء بلسان في مقابلة إحسان ، وينفرد الحمد اللغوي في ثناء بلسان لا في مقابلة إحسان وينفرد الحمد الاصطلاحي والشكر اللغوي في ثناء بغير لسان في مقابلة إحسان ، فهاتان نسبتان .
قوله : ( مع الاذعان الخ ) لا وجه له لما قاله الجمهور ، وهو أن الوصف بالجميل المعلوم(1/46)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
الانتفاء إذا قارنه التعظيم حمد فليتأمل ا ج . وكلام الشارح مبني على أنه لا بد من الإعتقاد .
قوله : ( كما أفادته الجملة ) أي لكون المبتدأ فيها معرّفاً بأل الجنسية ، قال بعضهم :
مبتدأ بلام جنس عرّفاً
منحصر في مخبر به وفا
وإن عرى عنها وعرّف الخبر
باللام مطلقاً فعكس ذا استقر
أي سواء كان الخبر جامداً أو مشتقاً . وقوله : كما أفادته الجملة فيه تشبيه الشيء بنفسه . وأجيب : بأن المعنى والحمد مختص بالله في الواقع كما أفادته الجملة الملفوظ بها . وأجيب أيضاً : بأن الكاف تعليلية وما مصدرية أي لإفادة الجملة له أي بواسطة تعريف المبتدأ فيها بأل فإنه متى كان كذلك أفادت قصر مبتدئها على خبرها ، سواء كانت أل استغراقية أو جنسية أو عهدية . وقد تعقب في قوله بلام جنس بأن التقييد بها لا يصح بل المدار على تعريف المبتدأ باللام مطلقاً ، فلذلك قال الشارح سواء أجعلت أل فيه للاستغراق الخ . وفي كون أل للاستغراق مع كون الجملة إنشائية نظر لأنه لا يقدر على إنشاء جميع المحامد ، ولا يظهر إلا على كونها خبرية . قوله : ( وهو ) أي الاختصاص على دعوى الاستغراق ظاهر . قوله : ( للاختصاص ) أي لتوكيده وإلا فالاختصاص مستفاد من الجملة بواسطة تعريف المبتدأ فيها . قوله : ( أم للعهد ) أي العلمي لتقدم مرجعه في علم المخاطب . قوله : ( وأولى الثلاثة الجنس ) أي لأنه يدل بالالتزام على ثبوت جميع المحامد له تعالى فهو استدلال برهاني وهو كدعوى الشيء ببينة التي هي أولى من الدعوى المجرّدة . وقولنا كدعوى الشيء أي وهو اختصاص الأفراد والبينة هي اختصاص الجنس ، لأنه يلزم من اختصاص الجنس اختصاص أفراده ، فالمدعي اختصاص الأفراد والبينة اختصاص الجنس ، فالمعنى كل فرد من أفراد الحمد مختص بالله لأن جنس الحمد أي حقيقته مختص بالله لأن القاعدة في المعنى الكنائي أن المنطوق به هو الدليل كما في قولك : زيد كثير الرماد المعنى زيد كريم لأنه كثير الرماد ، والحمد لله ثمانية أحرف وأبوال الجنة ثمانية ، فمن قالها عن صفاء قلب فتحت له ثمانية أبواب الجنة أي يخير بينها إكراماً له ، وإنما يختار ما سبق في علم الله تعالى أنه يدخل منه .
فائدة : اعلم أن المحامد أربعة : حمدان قديمان وهما حمد الله تعالى لنفسه كقوله تعالى :(1/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
) نعم المولى ونعم النصير } ) الأنفال 40 ) وحمده لبعض عبيده كقوله تعالى : ) نعم العبد إنه أوّاب } ) ص : 30 ) وحمدان حادثان وهما حمدنا لله عز وجل كقولك : الحمد لله ، وحمدنا لبعضنا كقولك : نعم الرجل فلان . وتعريف الشارح خاص بالقسمين الأخيرين ذكره الدلجي . قوله : ( بالجر على الصفة ) ويجوز قطعه إلى الرفع أو النصب في غير القرآن ، والجمع ربوب وأرباب اه برماوي . وقرىء شاذاً بالنصب ، والوجه فيه أنه على المدح ، وقيل هو على النداء أي يارب العالمين وفيه بعد .
قوله : ( معناه ) أي مع ما أضيف إليه ، وهذا أحد إطلاقاته وإِلا فمعانيه كثيرة . فمنها المصلح والمربي والخالق والسيد والمعبود ، ومع كثرتها يمكن استعمال أكثرها فيه سبحانه وهو مقروناً بأل يختص به سبحانه وتعالى ع ش . قال السيوطي في شرح النقاية : ووجوه تربية الله تعالى لخلقه لا يحيط بها غيره سبحانه وتعالى ، فمنها تربية النطفة إذا وقعت في الرحم حتى تصير علقة ، ثم تصير مضغة ، ثم يصير منها عظاماً أو غيرها . قوله : ( اسم جمع ) أي اسم دال على جماعة . واعلم أن للقوم ألفاظاً أربعة كلها تدل على التعدد جمع واسم جمع واسم جنس جمعي واسم جنس إفرادي . والفرق بينها أن الجمع يدل على أفراده دلالة تكرار الواحد بالعطف ، واسم الجمع يدل عليها دلالة الكل على أجزائه كقوم ورهط ، واسم الجنس الجمعي ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة ، واسم الجنس الإفرادي ما دل على الماهية المطلقة من غير قيد من كثرة أو قلة فيصدق بالقليل والكثير كماء وتراب اه .
قوله : ( على حقيقة الجمع ) أي جمع حقيقة وجمعه بالواو والنون أو الياء والنون شاذ لأن مفرده اسم جنس لا علم ولا صفة أي فهو في حال الجمعية مستعمل في الأعم أيضاً ، فتساوى الجمع والمفرد في العموم ، وفائدته التنصيص على العموم لأن المفرد يتوهم منه إرادة نوع خاص ، وكذا يقال على القول بأنه خاص بالعقلاء ، وفي النكت السيوطية وعالمون الصواب أنه على القياس وأنه جمع لا اسم جمع ، فإنه مراد به العموم للعقلاء وغيرهم ومفرده ، وإن كان اسم جنس فيه معنى الوصف لأنه علامة على وجود صانعه أشار إلى ذلك صاحب الكشاف وغيره ، قوله : ( ثم اختلفوا ) أي على القول بأنه جمع حقيقة ق ل . قوله : ( فقط ) فتساوى الجمع والمفرد في الخصوص وعبارة الشبرخيتي على الأربعين وهو مشتق من العلم فيختص بذويه ، أو العلامة لأنه علامة على وجده ، وأنه متصف بصفات الكمال . واختلف في العالمين فقال قتادة والحسن ومجاهد : هم جميع المخلوقات ، وقال الفراء وأبو عبيدة : هم عبارة عما يعقل وهم(1/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
أربع : أمم الإنس والجن والملائكة والشياطين ، ولا يقال للبهائم عالم ، وقال مقاتل : هم ثمانون ألف عالم نصفها في البر ونصفها في البحر وقال الضحاك : ثلاثمائة وستون عالماً حفاة عراة لا يعرفون خالقهم وستون عالماً يلبسون الثياب ، وقال ابن المسيب : لله عز وجل ألف عالم ستمائة في البحر وأربعمائة في البر . وقال وهب بن منبه : لله عشرون ألف عالم الدنيا عالم منها وما العمران في الخراب إلا كفسطاط ضرب في الصحراء . وقال أبو سعيد الخدري : إن لله تعالى أربعين ألف عالم ، الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد ، ونقل أيضاً عن أبيّ أنه قال : العالمين هم الملائكة وهم ثمانية عشر ألف ملك منهم أربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمشرق وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمغرب وأربعة آلاف وخمسمائة بالكنف الثالث من الدنيا ، وأربعة آلاف وخمسمائة بالكنف الرابع من الدنيا مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إِلا الله تعالى ، ومن ورائهم أرض بيضاء كالرخام عرضها مسيرة الشمس أربعين يوماً طولها لا يعلمه إلا الله تعالى مملوءة ملائكة يقال لهم الروحانيون لهم زجل بالتسبيح والتهليل ، لو كشف عن صوت أحدهم لهلك أهل الأرض من هول صوته منتهاهم إلى حملة العرش . وقال معاذ : هم بنو آدم فقط ، وقال بعضهم : هم الإنس والجن . وقال كعب الأحبار : لا يحصى عدد العالمين أحد إلا الله سبحانه وتعالى . قال تعالى : ) وما يعلم جنود ربك إِلا هو } ) المدثر : 31 ) اه .
قوله : ( ثم قرن الخ ) المراد بمقارنة لفظ للفظ كونه عقبه لا الاتحاد في الزمن . قوله : ( الثناء على نبيه ) الظاهر أنه جار على طريقة الجوجري من أن الصلاة على النبي من قسم الثناء لا من قسم الدعاء . وأما شيخ الإسلام ؛ فإنه جرى على أنه من قسم الدعاء في القنوت وهو الراجح ، فإنه قال : ومنه أي الدعاء الصلاة على النبي اه . وقد يقال : لا منافاة بين كونها ثناء ودعاء ، إذ الثناء هو الذكر بخير ولا شك أنها كذلك . وعبارة ح ل ثم عمل المصنف بقول النبي : ( من صلى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب ) أي من كتب الصلاة عليّ في كتاب وتلفظ بها ، لأن الأصل أن من كتب شيئاً تلفظ به بدليل أنه يقال قال المصنف كذا ، والحاصل منه الكتابة . قوله : ( وصلى الله الخ ) آثر الجملة(1/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
الفعلية هنا الدالة على التجدد لحدوث المسؤول وهو الصلاة وأتى بالفعل ماضياً رجاء تحقيق حصول المسؤول بخلاف جملة الحمد حيث آثر الجملة الاسمية الدالة على الدوام والاستمرار لمناسبة الصفات المستمرة الثابتة ، والقصد بالصلاة الدعاء لأن الكامل يقبل زيادة الترقي في غايات الكمال ، فاندفع زعم جمع امتناع الدعاء له عقب نحو ختم القرآن باللهم اجعل ذلك زيادة في شرفه على أن جميع أعمال أمته يتضاعف له نظيرها لأنه السبب فيها أضعافاً مضاعفة لا تحصى زيادة في شرفه ش م ر . وأتى بعلى لأن المعنى أنزل على محمد رحمة تليق به ، أو لتضمنها معنى العطف وعطف الصلاة على الحمد للتمييز بين ما يتعلق بالخالق والمخلوق اه ا ج . وجملة الصلاة خبرية لفظاً إنشائية معنى ، وأتى بالماضي للمبالغة في تشبيه الصلاة المستقبلة بالصلاة الماضية في تحقق الوقوع ، ثم اشتق من الصلاة الماضية صلى بمعنى يصلي فهو استعارة تصريحية تبعية م د . وقال سم : تنبيه : كان الأنسب الإتيان بالجملة الاسمية ليحصل التناسب بين الجملتين ولعله اختار ذلك ، لأن المطلوب هنا زيادة التجدد بخلاف الأول وإثبات الصلاة والسلام بعد البسملة في صدر الكتب والرسائل حدث في زمن ولاية بني هاشم ، ثم مضى العمل على استحبابه ، ومن العلماء من يختم بهما الكتب أيضاً ، وفي حواشي التلخيص حكمة الصلاة على النبي في مبادىء الكتب والحاجات أن الفاعل ينبغي له أن يستعين في جميع أموره بجانب الحق سبحانه وتعالى ويسأله إفاضة طلبته وإنجاح بغيته لكن لا بد من نوع ملاءمة وقرب بين الطالب والمطلوب منه ، وهذه الملاءمة منتفية في حقنا لكوننا متدنسين بأدناس اللذات الحسية والشهوات الجسمية وذات المولى عز وجل في غاية التقدس والتطهر ، فاحتجنا في واسطة بيننا وبينه متجردة عن تلك الأدناس ، وتلك الواسطة هو المصطفى لكن لا بد لتلك الواسطة من هدية إليه وهديته اللائقة به طلبنا الصلاة عليه اه . وعبارة السمهودي عقب الحمد بالصلاة على النبي وسلام شكراً لما أولاه من إنعامه الجسيم ، لأنه الآتي بأحكام هذه الشريعة السمحة من عند ربه الحكيم المضمنة لهذا المنهج القويم ، فقد قال ابن عبد السلام : ليست صلاتنا عليه بشفاعة له ، إذ مثلنا لا يشفع لمثله بل صلاتنا عليه شكر له على ما أولانا بإرشاده ، فقد أسدى إلينا أفضل الرغائب وأسنى المطالب ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا فادعوا له ) . فدعاؤنا له بالصلاة المشروعة مكافأة للعجز عن المكافأة بغيره ، وإلى هذا يشير قول الحليمي المقصود بالصلاة على النبيّ التقرب إلى الله بامتثال أمره وقضاء حق النبي علينا . قال شيخنا الملوي في شرحه الكبير على السلم : ومن فضائلها ما جرب من تأثيرها والنفع بها في التنوير ورفع الهمة حتى قيل : إنها تكفي عن الشيخ في الطريق وتقوم مقامه كما حكاه الشيخ السنوسي في شرح صغرى الصغرى ، وسيدي أحمد زروق ، وأشار إليه الشيخ أبو العباس أحمد(1/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
ابن موسى اليمني في جواب له ، لكني سمعت من الشيخ أن المراد أنها تقوم مقامه في مجرد التنوير ، أما الوصول إلى درجة الولاية فلا بد فيه من شيخ كما هو معلوم عند أهله . قالوا : واختصت من بين الأذكار بأنها تذهب حرارة الطباع وتقوّي النفوس بخلاف غيرها فإنها تثير حرارة فيها اه . قوله : ( وسلم ) إشارة إلى أنه كان الأولى للمصنف الإتيان بالسلام ليخرج من كراهة الإفراد ، وليخرج الشيخ أي الشارح أيضاً من ذلك لأن مجموع المتن مع شرحه المزج ينسب للشيخ اه سم .
قوله : ( على سيدنا ) أي معاشر المخلوقات من إنس وجن وملك . قال عليه الصلاة والسلام : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) . وإذا ساد ولد آدم ساد غيرهم بالأولى ، وأفضل الأنبياء والمرسلين أولو العزم ، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وهو أفضلهم وعليهم أجمعين .
وترتيبهم في الأفضلية على هذا البيت :
محمد إبراهيم موسى كليمه
فعيسى فنوح هم أولو العزم فاعلماه اج .
والمراد بالعزم تحمل المشاق العظيمة وسيادته ثابتة بالإجماع ولا اعتبار بتفضيل الزمخشري جبريل عليه فإنه خارق للإجماع ، ولا يخفى على ذي لب أنه أفضل الخلق أجمعين . وأما قوله : ( لا تفضلوا بين الأنبياء ولا تفضلوني على يونس بن متى ) ونحوهما ، فالجواب عنه أنه نهى عن تفضيل يؤدي إلى نقص في مراتب النبيين ، فإن ذلك كفر صريح أو نهي عن تفضيل في أصل النبوة التي لا تتفاوت في ذوات الأنبياء المتفاوتين في الخصائص ، وقد قال تعالى : ) فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } ) البقرة : 253 ) أو كان النهي قبل أن يعلمه الله تعالى أنه أفضل الخلق ولهذا لما أعلمه قال : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) أي ولا أقول ذلك فخراً بل إخباراً بالواقع والسيد أصله سيود اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ، وله إطلاقات يقال : السيد من كثر سواده أي جيشه أو من ساد قومه وعلا عليهم أو من تفزع الناس إليه في الخطوب أي الأمور المهمة ويطلق السيد أيضاً على كل من كان فاضلاً في نفسه مهذباً حليماً وإن لم يكن له جيش . وقد أطلق المؤلفون السيد على غير الله تعالى وفيه مذاهب ثلاثة : أحدها جواز إطلاقه على الله تعالى وعلى غيره . ثانيها ونسب للإمام مالك أنه لا يطلق على الله أبداً . ثالثها أنه لا يطلق إِلا على الله ، وفي الكتاب والسنة ما يرد هذا الثالث .(1/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
قال تعالى في حق يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام : ) وسيداً وحصورا } ) آل عمران : 39 ) وفي الحديث : ( إن ابني هذا أي الحسن سيد ) .
تنبيه : أفضل الخلق على الإطلاق نبينا إجماعاً ، ثم الخليل ، ثم الكليم ، ثم عيسى ، ثم نوح ، ثم باقي المرسلين ، ثم الأنبياء ، ثم الرسل من الملائكة ، ثم باقيهم ، ثم صلحاء المؤمنين . والتفضيل إما لكثرة الثواب أو كثرة الخصال الحميدة ، فنبينا أفضل من جميعهم جملة وتفصيلاً بمعنى أنه أفضل من كل فرد من أفراد العالم ، وجملة بمعنى أن انفراده أفضل من جملة العالم مجتمعين بدليل : ) فبهداهم اقتده } ) الأنعام : 90 ) ، أي في أصول الدين المتفق عليها بينهم لا الفروع ، إذ المختلف فيه منها لا يمكن فيه الاقتداء بهم ، فإن الواحد إذا فعل مثل الجماعة كان أفضل منهم . واعلم أن هذا الترتيب في الفضل واجب الإعتقاد كما ذكره شيخ شيخنا اللقاني في شرح الجوهرة . وعبارة القسطلاني في كتاب الإيمان في باب حب الرسول ، فحقيقة الإيمان لا تتم ولا تحصل إلا بتحقيق إعلاء قدره على كل أحد ، ومن لم يعتقد هذا فليس بمؤمن . قال شيخنا البابلي : أي كامل الإيمان حتى لا يكفر من فضل نحو عيسى عليه وجزم به شيخنا الشوبري اه رحماني على المصنف . قوله : ( النبي ) اختار المصنف لفظ النبوّة على الرسالة ، لأنه إذا استحق الصلاة عليه بسبب النبوّة فاستحقاقه لها بسبب الرسالة أولى ولموافقة قوله تعالى : ) إن الله وملائكته يصلون على النبي } ) الأحزاب : 56 ) ولأن النبوّة قبل الرسالة على ما قيل ، وإن كان الراجح أنهما مقترنان ، ولأن النبوّة أفضل من الرسالة على طريقة ابن عبد السلام اه مدابغي . قوله : ( أي لا أذكر إِلا وتذكر معي ) هذا لا يدل على المدعي ، وهو خصوص الصلاة عليه لأن ذكره معه يصدق بغير الصلاة عليه اه شيخنا . قوله : ( مكروه ) فإن قيل : قد جاءت الصلاة غير مقرونة بالتسليم بعد التشهد في الصلاة . فالجواب أن السلام : تقدم قبله في قوله السلام عليك أيها النبي ش م ر . قلت : لا حاجة للجواب المذكور إذ محل الكراهة في غير الوارد من ذلك منفرداً عن الآخر كما هنا ، أما هو فليس الكلام فيه كما نص على ذلك المناوي في شرح الجامع . والحاصل ، أن محل الكراهة بشروط ثلاثة : أن يكون الإفراد منا ، وأن يكون في غير ما ورد فيه الإفراد ، وأن يكون لغير داخل الحجرة ، فإنه إذا اقتصر على السلام فلا كراهة . وفي الشبرخيتي على الأربعين ما نصه : تتمة في منع الصلاة على غير الأنبياء والملائكة استقلالاً وكراهتها وكونها خلاف الأولى خلاف ، والأصح الكراهة . وقوله : ( اللهم صلِّ على آل أبي أوفى ) فهو من خصائصه ، وأما تبعاً كما هنا فجائزة اتفاقاً اه . قوله : ( أتي بها ) أي بصيغة السلام ، وفي نسخة به . ومثله يقال في أسقطها .(1/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
قوله : ( ويخرج بذلك ) هذا وجه والراجح خلافه فلا يخرج عنها إِلا إذا أتي بهما معاً لفظاً وخطأ لمن أراد الجمع بين اللفظ والخط فصور الإفراد المكروه خمس : أن يتلفظ بإحداهما فقط أو يكتب إحداهما فقط ، أو يتلفظ بإحداهما ويكتب الأخرى ، أو يتلفظ بهما معاً ويكتب إحداهما فقط خلافاً لما صنع المصنف على رأي الشارح ، لأن الشارح زعم أن المصنف يخرج بذلك من الكراهة وهو وجه أو يكتبهما معاً ويتلفظ بإحداهما فقط ، وصور القرن الخالي عن الكراهة ثلاث : أن يتلفظ بهما معاً من غير كتابة ، أو يكتبهما معاً من غير لفظ ، أو يتلفظ بهما معاً ويكتبهما كذلك اه . قال م د : ومحل الكراهة ما لم يجمعهما كتاب أو مجلس ، وإلا فلا كراهة ما لم يطل الفصل ، ولينظر ما الدليل على كراهة الإفراد . لا يقال دليل ذلك قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا } ) الاحزاب : 56 ) . لأنا نقول لا دلالة فيها على أنه يجمع بينهما عرفاً لأن الآية تصدق بتراخي أحدهما عن الآخر لأن الواو لا تفيد التعقيب .
قوله : ( والصلاة ) هي اسم مصدر ، إذ مصدر صلى التصلية كزكى تزكية ، لكنه لم يسمع في الصلاة بمعنى الرحمة فلا يرد أنه سمع في العذاب قال تعالى : ) وتصلية جحيم } ) الواقعة : 94 ) . قوله : ( من الله تعالى رحمة ) هذا معنى لغوي ، بل قال النووي : وشرعي أيضاً ق ل . وفي حاشية المدابغي على التحرير : وهي أي الصلاة شرعاً من الله رحمة فهي تقال بالاشتراك اللفظي على ما ذكر . قال في المغني : الصواب عندي أن الصلاة لغة بمعنى واحد وهو العطف ، وهو بالنسبة إلى الله الرحمة وإلى الملائكة استغفار ، وإلى الآدميين دعاء البعض للبعض فهي عليه من قبيل المشترك المعنوي ، ومن المعلوم أنه إذا دار الأمر بين الاشتراك اللفظي والمعنوي فالاشتراك المعنوي أولى لأن الاشتراك اللفظي خلاف الأصل لتعدد الوضع فيه والأصل خلافه ، ولا يخفى عليك أن العطف يختلف باختلاف من نسب إليه ، فالمعاني الثلاثة المذكورة في المعنى اللغوي أفراد للعطف . قوله : ( رحمة مقرونة بتعظيم ) ومن ثم عطفت الرحمة عليها عطف خاص على عام في الآية وهي : ) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة } ) البقرة : 157 ) فإن أردنا بالرحمة الرحمة المطلقة كان العطف للتفسير .
تنبيه : يكره الدعاء له بالرحمة في غير ما ورد لأنه كإخوانه من النبيين والمرسلين خصوا بالصلاة والسلام والصحابة بالترضي وبقية المؤمنين بالرحمة ، واعتمد العلامة ابن حجر أن صلاة البشر على النبي أفضل من صلاة الملائكة عليه لأنها عبادة وهي من البشر أفضل من عبادة الملائكة لعدم وجود الصارف منهم ، بخلاف البشر فإنهم كلفوا بها مع مشقة وجود البواعث على الانقطاع عنها كالنفس وإبليس والهوى فتأمل .(1/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
قوله : ( استغفار ) السين والتاء للطلب أي طلب المغفرة من الله للعبد سواء كان بلفظها أو لا كالعفو مثلاً . قوله : ( ومن الجن ) وكذا من الحيوانات والجمادات ، فلو قال ومن غيرهما لكان أخصر وأعم ق ل . قال المناوي على الهدهدي والصلاة من الطير والهوامّ التسبيح . قال تعالى : ) كل قد علم صلاته وتسبيحه } ) النور : 41 ) وقوله صلاته أي الآدمي وتسبيحه أي الطير . قوله : ( تضرع ) أي خضوع وذلة يقال تضرع لله ضراعة أي خضع وذل وعطف الدعاء على التضرع من عطف العام على الخاص ، لأن التضرع دعاء بخضوع وذلة والدعاء أعم خلافاً للأجهوري من أنه عطف خاص على عام . قوله : ( ودعاء ) عرفه بعضهم بأنه رفع الحاجات لرافع الدرجات .
قوله : ( كلما ذكر ) لحديث : ( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ ) أي لصق أنفه بالتراب وهل ورد أن الحجارة تصلي وتسلم على النبي ؟ وهل ورد أيضاً أنها إذا سمعت ذكره تصلي عليه ح ل ؟ . قلت : رأيت في فتاوى السيوطي أن الأحجار سلمت على النبي ولم يرد في الحديث أن الأحجار إذا سمعت الصلاة تصلي عليه اج . قوله : ( في كل مجلس ) لحديث : ( أيما مجلس اجتمعوا فقاموا ولم يصلوا عليّ إِلا كان عليهم حسرة وندامة يوم القيامة ، وكان ذلك المجلس أنتن من جيفة ) . قوله : ( لا تجعلوني كقدح الراكب ) أي لا تؤخروني في الذكر ، لأن قدح الراكب يعلق في آخر رحله عند فراغه من رحاله ويجعله خلفه . قوله : ( وفي وسطه ) قال بعضهم : هذه اللفظة مدرجة من كلام الراوي . قوله : ( المضعف ) أي الفعل المضعف وهو ما تكرر أحد أصوله وهو عينه هنا ، وهو أبلغ من اسم مفعول الفعل الغير المضعف وهو محمود تقول : كسرت الإناء فهو مكسور فإذا بالغت في كسره وصيرته شقوقاً قلت كسرته فهو مكسر بالتشديد فيهما ، ومحمد أبلغ من محمود ، ولا يرد أن من أسمائه تعالى محموداً لا محمداً ، لأن أسماءه تعالى توقيفية ولم يرد محمد ، وأيضاً معنى محمد من يحدث الحمد له وحمد الله قديم اه م د . قوله : ( بإلهام من الله تعالى ) لعل المعنى أنه ألهم التسمية(1/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
بمحمد بسبب أنه تعالى أوقع في قلبه أنه يكثر حمد الخلق له . فلا يقال تعليل التسمية بالتفاؤل ينافي كونه بإلهام . لأنا نقول كونه تفاؤلاً من جملة الملهم ، واعترض كون جده سماه بإلهام له بأن الله أخبر أمه آمنة على لسان الملك بأن تسميه بذلك ، إِلا أن يقال : إن أمه لم تخبر جده بذلك كما في ق ل . واختلفوا هل سمته بمحمد أمه أو جده ؟ وروى البيهقي عن أبي الحسن التنوخي أنه لما كان يوم السابع من ولادة رسول الله ذبح عنه جده عبد المطلب دعا قريشاً ، فلما أكلوا قالوا : ما سميته ؟ قال : سميته محمداً . قالوا : لم رغبت به عن أسماء أهل بيتك ؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض ، وقيل : إنما سماه محمداً لرؤيا رآها زعموا أنه رأى مناماً كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره ولها طرف بالسماء وطرف بالأرض وطرف بالمشرق وطرف بالمغرب ، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور ، وإذا أهل المشرق وأهل المغرب يتعلقون بها فقصها فعبرت بتخفيف الباء وتشديدها أي فسرت له بمولود يكون من صلبه ، يتبعه أهل المشرق وأهل المغرب ، ويحمده أهل السماء وأهل الأرض ، فلذلك سماه محمداً مع ما حدثته به أمه من أنها أتاها آتٍ وهي بين النائم واليقظان وقال لها : إذا وضع فسميه محمداً . قوله : ( بأنه يكثر ) لعله متعلق بإلهام من تعلق السبب بالمسبب اه ق ل . قوله : ( في سابع ولادته ) وقيل في ليلة ولادته ولا تعارض لإمكان وقوعها سراً ليلة الولادة وإظهارها لكافة الناس يوم السابع مدابغي على المولد .
قوله : ( لموت أبيه قبلها ) وكان موت والده بعد حمله بشهرين ، وقيل قبل ولادته بشهرين ، وقيل كان في المهد حين توفي أبوه وهو ابن شهرين ، وقيل ابن تسعة أشهر وهو قول كثيرين ، وقيل ابن ثمانية عشر ودفن بالمدينة عند أخواله بني النجار . ولما بلغ أربع سنين ، وقيل خمس وقيل ست وقيل سبع ، وقيل تسع ، وقيل اثنتي عشرة سنة وشهراً وعشرة أيام ، ماتت أمه ودفنت بالأبواء على الأصح ، وقيل بالحجون بفتح المهملة وضم الجيم مقبرة أهل مكة ، والأبواء بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد قرية بين مكة والمدينة قريبة من الحجفة . قوله : ( قال رجوت ) وقيل إنما سماه محمداً لرؤيا رآها كما ذكره المدابغي في المولد ، ولا معارضة لاحتمال أن يكون قوله رجوت بسبب هذه الرؤيا بأن هذا هو الظاهر .
قوله : ( كما سبق في علمه ) أي لسبق ذلك في علمه فما مصدرية والكاف تعليلية ولم يسمّ به أحد قبله ، لكن لما قرب زمنه وبشر أهل الكتاب بنعته سمى قوم أولادهم به رجاء النبوة لهم و ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) . وعدة من سمي باسم محمد قبل ولادته خمسة عشر ،(1/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
وهذا هو اسمه في الأرض واسمه المشهور به في السماء أحمد ، ولم يتسمّ به أي بأحمد أحد قبله في السماء ولا في الأرض كما ذكره الشامي في معراجه ، وينبغي التسمية باسم من أسمائه لما رواه أبو نعيم من الحديث القدسي : ( قال الله تعالى : وعزتي وجلالي لا أعذب أحداً سمي باسمك بالنار ) . وفي رواية : ( قال الله تعالى : إني آليت على نفسي أن لا يدخل النار من اسمه أحمد أو محمد ) وذكر الإمام ابن الحاج في كتابه المدخل عن الحسن البصري : ( إن الله ليوقف العبد بين يديه الذي اسمه أحمد أو محمد ، فيقول يا عبدي أما تستحي أن تعصيني واسمك على اسم حبيبي فينكس العبد رأسه حياء ، ويقول : اللهم إني قد فعلت فيقول الله عز وجل : يا جبريل خذ بيد عبدي وأدخله الجنة فإني أستحي أن أعذب بالنار من اسمه اسم حبيبي ) . وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار أن آدم وجد اسم محمد مكتوباً على ساق العرش وفي السم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; وات وعلى كل قصر وغرفة في الجنة وعلى نحور الحور العين وعلى ورق شجرة طوبى وسدرة المنتهى وأطراف الحجب وبين أعين الملائكة . وروي لما خلق الله العرش كتب عليه بالنور لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فلما خرج آدم من الجنة رأى على ساق العرش وعلى كل موضع في الجنة اسم محمد مقترناً باسم الله تعالى ، فقال : يا رب هذا محمد من هو ؟ فقال الله تعالى : ولدك الذي لولاه ما خلقتك ، فقال : يارب بحرمة هذا الولد ارحم الوالد فنودي : يا آدم لو استشفعت إلينا بمحمد في أهل السموات والأرض شفعناك .
تنبيه : استنبط بعض العلماء من اسم محمد عدة الرسل وهم ثلاثمائة وأربعة عشر أو خمسة عشر ، فقال فيه ثلاث ميمات ، وإذا بسطت كلاًّ منها فقلت ميم كانت عدتها بحساب الجمل تسعين فيحصل منها مائتان وسبعون ، وإذا بسطت الحاء والدال فقلت دال كانت بخمسة وثلاثين وحاء بتسعة فالجملة ما ذكر ، ففي اسمه الكريم إشارة إلى أن جميع الكمالات الموجودة في المرسلين موجودة فيه ، وإذا قلت حاء فزدت همزة كانت ثلاثمائة وخمسة عشر . قال بعض شراح البسملة : وقد منّ الله عليّ باستخراج عدد الأنبياء من اسم محمد وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً كعدة أصحابه وقت وفاته ، وطريقه أن تضرب عدد حروفه بالجمل الصغير وهو عشرون في نفسها يكون الخارج أربعمائة تضربها في كامل عقود المرسلين وهم ثلاثمائة وعشرة واحذف ما زاد على العقود يكون الخارج مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً ، ولا يخفى عليك أن الميمين بالجمل الصغرى ثمانية والحاء مثلها والدال كميم . وخواصّ البشر وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة ، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل . وخواص الملائكة أفضل من عوام البشر وهم غير الأنبياء وعوام البشر وهم الأتقياء والأولياء أفضل من عوام الملائكة .
واعلم أنه يجب الإيمان بهم إجمالاً فيمن لم يرد فيه تفصيل وتفصيلاً فيمن ورد به(1/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
التفصيل ، فمن التفصيل ما جاء به القرآن من أسمائهم ، فمن أنكر أحداً منهم بعد أن علمه كفر بخلاف ما لو سئل عنه ابتداء فقال لا أعرفه فلا يكفر . وجملتهم خمسة وعشرون في سورة الأنعام منهم ثمانية عشر مذكورة في قوله تعالى : ) وتلك حجتنا } ) الأنعام : 83 ) الآية . والباقي سبعة مذكورة في بعض السور وهم : آدم وإدريس وهود وشعيب وصالح وذو الكفل وسيدنا محمد عليهم أجمعين .
وقد نظمها بعضهم فقال :
حتم على كل ذي التكليف معرفة
بأنبياء على التفصيل قد علموا
في تلك حجتنا منهم ثمانية
من بعد عشر ويبقى سبعة وهموا
إدريس هود شعيب صالح وكذا
ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
وجمع بعضهم ذلك مفصلاً فقال :
محمد إبراهيم موسى وصالح
وعيسى ونوح ثم يحيى وآدم
وهود ولوط ثم يعقوب يوسف
وأيوب هارون شعيب مكرّم
وذو الكفل داود وإلياس واليسع
وإدريس إسماعيل إسحاق يعلم
كذا زكريا مع سليمان يونس
نبوّة كل دون خلف تسلم
وخلف بذي القرنين لقمان يا فتى
عزيز وطالوت به النظم يختم
وكل ما في القرآن من الأنبياء ، فهو من نسل إبراهيم سوى خمسة جمعهم بعضهم في قوله :
وكل نبي في القرآن فإنه
لمن نسل إبراهيم ذي الحلم والتقى
سوى خمسة لوط وهود وصالح
ونوح وإدريس الذي فاز بالبقا
وأسماء الأنبياء كلهم أعجمية إِلا أربعة : محمد وشعيب وهود وصالح .
قوله : ( والنبي إنسان ) حر ذكر من بني آدم سليم عن منفر طبعاً ، وعن دناءة أب وخنا أمّ أوحى إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه ، فإن أمر به فنبي ورسول ، والنبي مأخوذ من النبأ وهو الخبر لأنه مخبر بصيغة اسم الفاعل أو المفعول عن الله تعالى ، أو من النبوة وهي الرفعة لأنه مرفوع الرتبة ، وخرج بقولنا ذكر الأنثى فلا رسول من الإناث خلافاً لمن قال بنبوة مريم وآسية وهاجر وسارة ، وحينئذ يؤوّل إنسان بناء على أنه لا يقال للمرأة إنسان بل إنسانة ، وفي الصحاح يقال للمرأة إنسان لا إنسانة ح ل . قوله : ( وإن لم يؤمر الخ ) الواو للعطف والغاية لتعميم النبوة أي سواء أمر أو لم يؤمر لأن وصف النبوة لا ينافي وصف الرسالة ، فمراده تعريف النبي من حيث هو(1/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
سواء كان معه رسالة أم لا . ومن جعل الواو للحال توهم أن المراد تعريف النبي فقط أي الذي ليس برسول وجعل إن للشرط فيه نظر ، لأنه لا جواب لها وسماها بعضهم وصلية . قوله : ( والرسول إنسان الخ ) والفرق بين النبوّة والرسالة أن النبوة هي الانصراف من حضرة الخلق إلى الحق ، والرسالة الانصراف من حضرة الحق إلى الخلق ، وهي أفضل من النبوة خلافاً لابن عبد السلام ، وزعم تعلق النبوّة بالخالق دون الرسالة لتعلقها بالخلائق مردود بأن فيهما التعلقين كما صرح به العلامة ابن حجر في شرح الأربعين ، والكلام كله في نبوّة الرسول مع رسالته ، وإِلا فالرسول أفضل من النبي قطعاً اه برماوي . قوله : ( ولا عكس ) أي بالمعنى اللغوي ، فإن نظر إلى أن الملك يوصف بالرسالة كان بين النبي والرسول العموم والخصوص الوجهي وهو وارد في قوله تعالى : ) الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس } ) الحج : 75 ) . قوله : ( وعلى آله ) أعاد العامل إشارة إلى أن الصلاة عليهم مطلوبة بالنص ، بخلاف استحبابها على الأصحاب فإنها بطريق الإلحاق بالآل ولهذا أسقطه فيهم . قوله : ( مؤمنوا بني هاشم ) أي وبناتهم ففيه تغليب ، وهاشم جد النبي الثاني ، والمطلب أخو هاشم وأبوهما عبد مناف ، فيكون المطلب عم النبي بواسطة لأنه عم جده الأول وهو عبد المطلب . وقوله : ( وقيل أمته ) أي أمة الإجابة أتقياء وغيرهم ، والمقابلة بين القولين الأخيرين ، والأول غير ظاهرة لأن الأول في مقام الزكاة والأخيرين في مقام الدعاء والضمير في واسمه عائد على المطلب أي اسم المطلب شيبة الحمد ، وهذا مخالف لما ذكروه في السير من أن شيبة الحمد إنما هو اسم لعبد المطلب . وقيل له عبد المطلب لأن عمه المطلب أخا هاشم بن عبد مناف لما جاء به من المدينة صغيراً أردفه خلفه وكان بهيئة رثة ، فكان كلما سئل عنه يقول : هذا عبدي حياء أن يقول ابن أخي ، فلما دخل مكة أحسن حاله وأظهر أنه ابن أخيه . وفي المواهب إنما سمي عبد المطلب لأن والده هاشماً لما حضرته الوفاة قال لأخيه المطلب : أدرك عبدك بيثرب . وفيه أيضاً أن شيبة الحمد اسم لعبد المطلب . ومناف أصله مناة اسم صنم كان أعظم أصنامهم وكانت أمه جعلته خادماً لذلك الصنم ، وقيل : وهبته له لأنه كان أول ولد ولد لقصيّ كما قيل . قوله : ( مفتعل ) فأصله متطلب فأبدلت النساء طاء وأدغمت في الطاء . قال ابن مالك :
طاتا افتعال رد إثر مطبق
قوله : ( ذؤابتيه ) أي جانبي رأسه جمع ذؤابة بالهمز وهي قطعة من الشعر مجتمعة .(1/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
قوله : ( وصحبه ) بين الآل على المشهور فيهم ، والصحب عموم وخصوص من وجه ، وعلى إرادة جميع أمة الإجابة كما اختير في مقام الدعاء فعطف الصحب من عطف الخاص على العام لشرفهم واستحقاقهم مزيد الدعاء بكثرة نقلهم الشرائع والشعائر إلينا عن صاحب الشريعة .
قوله : ( وهو جمع صاحب ) الراجح أنه اسم جمع ، والمراد بالصاحب الصحابي بدليل ما بعده . قوله : ( والصحابي من اجتمع مؤمناً بالنبي ) أي بعد نبوّته ولو قبل الأمر بالدعوة في حال حياته اجتماعاً متعارفاً بأن يكون في الأرض في حال الحياة ولو في ظلمة ، أو كان أعمى وإن لم يشعر به ، أو كان غير مميز كمجنون أو ماراً أحدهما على الآخر ولو نائماً ، أو لم يجتمع به لكن رأى النبي أو رآه النبي ولو مع بعد المسافة كأهل حجة الوداع ولو رآه من كوّة في جدار بينهما ، فينبغي أنه اجتماع أو في حكمه أن خاطبه مع رؤيته ، وشمل قولنا من اجتمع الإنس والجن والملائكة ، ودخل في قولنا اجتماعاً متعارفاً ما لو كان بينهما حائل لا يمنع الاجتماع ، ومن لقيه مع مروره إلى غير جهته من غير مكث عند الوصول إليه علم به أولاً ، فخرج من اجتمع به مناماً أو بعد موته ولو يقظة ، ومن اجتمع به بعد الدعوة غير مؤمن ثم آمن ولم يجتمع به بعد ذلك كرسول قيصر ، ومن اجتمع به قبل البعثة مؤمناً بأنه سيبعث كبحيرا الراهب بخلاف ورقة بن نوفل ، فهو أول الصحابة كما قاله السراج البلقيني خلافاً لبعضهم ، ويفرق بينه وبين بحيرا بأن ورقة أدرك البعثة وإن لم يدرك الدعوة بخلاف بحيرا اه . وهو ظاهر والتعريف السابق يشمله ، ودخل في التعريف المذكور من اجتمع به مؤمناً بما جاء به من الجن كجن نصيبين والملائكة الذي اجتمعوا به ببيت المقدس ليلة الإسراء ، بناءً على أن وجود الملائكة في الأرض متعارف ، ومن رآه منهم في الأرض أو بين السماء والأرض بخلاف من اجتمع منهم في السماء لأنه في غير عالم الدنيا ، ودخل عيسى عليه الصلاة والسلام لأن اجتماعه في بيت المقدس . قال بعضهم : والظاهر أن الخضر عليه السلام اجتمع به في الأرض على الوجه المعتاد فراجعه ، وقال ابن قاسم في الآيات : إن صح اجتماع النبي بعيسى والخضر ، فليس هذا من الاجتماع المعروف ، بل من خوارق العادات اه . وجزم اللقاني في شرحه على الجوهرة بثبوت الصحبة لعيسى عليه السلام ، ومثله العلامة ح ل وغيره . وهو الذي اعتمده مشايخنا خلافاً لما أفتى به الشهاب م ر من عدم ثبوتها له ، وتنقطع الصحبة بالردة وتعود بعود الإسلام ولو بعد موته خلافاً للمالكية ، فلا حاجة لقول بعضهم : ومات على الإسلام بل هو غير مستقيم لاقتضائه عدم الحكم بالصحبة لواحد حتى يموت على الإسلام إِلا إن أراد أنه قيد لدوام الصحبة ، فمن ارتد ومات على ردته كعبد الله بن خطل غير صحابي ومن ارتد ومات مسلماً كعبد الله بن سرح صحابي ، أي فتعود له الصحبة مجردة عن الثواب ، وتظهر(1/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
فائدها في التسمية وفي الكفاءة ، فيكون كفؤاً لبنت الصحابي ، وفائدة عودها مجردة عن الثواب أيضاً سقوط المطالبة من إعادة العبادة من صلاة وصوم وحج وغيرها . وذكر اللقاني أن الخضر يمكث في النومة مائة سنة ، فيحتمل أنه لم يجتمع بنبينا ، والصحب ولو كانوا غير آل أفضل من الآل الذين ليسوا بصحب ، لأن فضيلتهم بالصحبة التي هي من قبيل العمل ، وفضيلة الآل الذين ليسوا بصحب بالغير ، وفضيلة الذات بوصفها أفضل من الفضيلة بوصف ذات أخرى من هذه الحيثية . قالوا : ولذا كان العالم الذي ليس بشريف أفضل من الشريف الذي ليس بعالم ، لكن يبقى البحث بأن في الآل كثيراً من الصحب ، وفي الصحب كثيراً من الآل ، فكان مقتضى ما ذكر ثمّ إن يقدم الصحب . والجواب أنه قدم الآل لأن الصلاة عليهم وردت بالنص ، وأما الصلاة على الصحب فبالقياس اه ملوي .
قوله : ( في حياته ) أي حياة من ذكر من النبي ، ومن اجتمع به أي بعد البعثة . قوله : ( ولو ساعة واحدة ) أي جزءاً من الزمن بخلاف التابعي مع الصحابي ، فلا تثبت التابعية إِلا بطول الاجتماع معه عرفاً على الأصح عند أهل الأصول والفقهاء أيضاً . وذهب إليه الخطابي قال : يشترط في التابعي طول الملازمة للصحابي أو استماع منه ، ولا يكفي مجرد اللقاء بخلاف الصحابي مع النبي ، والفرق بينهما عظم منصب النبوة ونورها ، فبمجرد ما يقع بصره أي المصطفى على الأعرابي الجلف ينطق بالحكمة لشرف منزلة النبي ، فيظهر أثر نوره في قلب الملاقي له وعلى جوارحه ، فالاجتماع به يؤثر من النور القلبي أضعاف ما يؤثره الاجتماع الطويل للصحابي وغيره ، ولا يشترط إيمان التابعي بالصحابي لعدم ثبوت عنده أنه صحابي . قال الكمال ابن أبي شريف : لا يشترط في التابعي أن يكون وقت تحمله عن الصحابي مؤمناً به ، بل لو كان كافراً ثم أسلم بعد موت الصحابي ، وروي عن الصحابي سميناه تابعياً اه . وعلى هذا لا يشترط في التابعي طول ملازمته للصحابي ، بل هو كالصحابي : واختاره ابن حجر العسقلاني تبعاً للحاكم وغيره لقول ابن الصلاح : إنه الأقرب . وقول النووي في التقريب : إنه الأظهر ، وقول العراقي : عليه عمل الأكثر . قال البقاعي : وإنما اشترط الإيمان في الصحبة لشرفها فاحتيط لها ، ولأنه تعالى شرط في الصحابة كونهم مع المصطفى ، فقال : ) محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم } ) الفتح : 29 ) الآية . ولا يكونون معه إِلا إذا آمنوا به اه مناوي على الخصائص . قوله : ( كابن أم مكتوم ) اسمه عمرو واسم أبيه قيس واسم أمه عاتكة وأم مكتوم كنيتها كما في المناوي على الجامع . قوله : ( تأكيد ) أي لآله وصحبه .
فائدة : قال السعد : إذا أكد بلفظ أجمعين نظر ، فإن سبقه لفظ يدل على شمول كان(1/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
المقصود منه الجمعية ، وإن لم يسبقه لفظ يدل عليه كان المقصود منه الشمول ، سواء كان في الإثبات أو النفي ذكره البرماوي . وقوله : ( الجمعية ) أي اجتماع المحكوم عليهم في الحكم في آن واحد ، فإذا قيل : جاء القوم كلهم أجمعون ، فأجمعون في معنى الحال ، وكأنه قيل جاؤوا كلهم مجتمعين أي في آن واحد ، بخلاف ما لو قيل أجمعون فقط فإنه صادق بمجيء الكل متفرقين .
( مبحث أما بعد
قوله : ( أما بعد ) أصلها مهما يكن من شيء بعد البسملة والحمدلة وما معها فأقول : قد سألني كما سيذكره الشارح فوقعت كلمة أما موقع اسم هو المبتدأ ، وفعل هو الشرط وتضمنت معناهما فلتضمنها معنى الشرط لزمها الفاء اللازمة للشرط غالباً ، ولتضمنها معنى الابتداء لزمها لصوق الاسم اللازم للمبتدأ قضاء لحق ما كان وإبقاء له بقدر الإمكان . وقوله : ( غالباً ) قيد لقوله اللازمة للشرط لا لقوله لزمتها الفاء ، لأن لزوم الفاء لازم كلي ، إذ لا تحذف من جزائها إلا في ضرورة الشعر كقوله :
فأما القتال لا قتال لديكم
وقوله : ( لزمها لصوق الاسم ) يرد عليه قوله تعالى : ) فأما إن كان من المقربين } ) الواقعة : 88 ) الآية . والجواب أن في الكلام حذفاً أي فأما المتوفى إن كان الخ كما اختاره صاحب الكشاف . وأما هذه حرف شرط وتوكيد دائماً وتفصيل غالباً ، وبعد ظرف مبني على الضم كغيره من الظروف المقطوعة عن الإضافة لمشابهته الحرف لاحتياجه إلى معنى ذلك المحذوف ، وإنما بنيت على حركة مع أن الأصل في البناء السكون تنبيهاً على أن لها أصلاً في الإعراب ، وعلى الضم جبراً بأقوى الحركات وهي الضمة لما لحقها من الوهن بحذف ما تحتاج إليه ، وليكمل لها جميع الحركات لأنها في الإعراب كانت إما مجرورة بمن أو منصوبة على الظرفية أو لتخالف حركة بنائها حركة إعرابها . وقال م ر في شرحه : والمعروف هنا بناؤها على الضم لنية معنى المضاف إليه دون لفظه ، والمراد بنية معنى المضاف إليه ربط المضاف بالمضاف إليه . وروي تنوينها مرفوعة ومنصوبة لعدم الإضافة لفظاً وتقديراً ونصبها أو جرها بمن بلا تنوين على تقدير لفظ المضاف إليه ، ومحل بنائها على الضم إذا كان المضاف إليه معرفة ، أما إذا كان نكرة فإنها تعرب نوى معناه أو لا . كما في التصريح ، ووجهه أن الاسم المعرفة جزئي والإضافة إليه تقتضي البناء لشبهه بالحرف بخلاف النكرة لم تؤثر نية إضافتها إليها لشيوعها اه ع ش . قال بعض مشايخنا : وإنما بنيت لافتقارها لما تضاف إليه فأشبهت الحرف في الافتقار . وردّ بأن الافتقار الموجب للبناء لا(1/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
يكون إِلا لجملة وهو هنا مفرد وحينئذ فعلة بنائها شبهها بأحرف الجواب كنعم للاستغناء بها عما بعدها . قوله : ( ساقطة في أكثرها ) أي مع لفظ قد . قوله : ( يؤتى بها ) أي إذا جيء بها تكون للانتقال . وليس معناه أنه إذا أريد الانتقال يتعين الإتيان بها فيعدّ تركها عيباً ، لأن الانتقال كما يحصل بها يحصل بغيرها ك ) هذا وإن للطاغين لشر مآب } ) ص : 55 ) واللام بمعنى عند ، أو المعنى لإرادة الانتقال اه ع ش . قوله : ( ولا يجوز الاتيان بها في أول الكلام ) أي مقطوعة عن الإضافة ، وأما لو قال أما بعد حمد الله فلا مانع ، والمراد بقوله لا يجوز أي صناعة ، وإِلا فلا يجوز الاتيان بها شرعاً ، أو المراد لا يستحسن م د .
وقوله : ( أي مقطوعة ) عن الإضافة ليس بصواب ، والصواب إطلاق الشارح فقد اعترضوا على الأشموني في قوله في أوّل الخطبة أما بعد حمد الله حيث قالوا : لم يتقدم له شيء حتى يقول أما بعد حمد الله . وأجابوا عنه بأنه تقدّم له البسملة والحمدلة والصلاة والسلام لفظاً فهي واقعة بين كلامين تقديراً في كلامه انتهى . قوله : ( أو الفعل نفسه ) هذان القولان مبنيان على أنها من توابع الشرط فإن جعلت من توابع الجزاء فالعامل ما بعد الفاء والأولى جعلها من متعلقات الجزاء لأن الجواب فيه يكون معلقاً على وجود شيء مطلق والتعلق على المطلق أقرب لتحققه في الخارج من التعليق على المقيد ، وتقدير القول في كلام المصنف متعين لأن قوله قد سألني ماضٍ لفظاً ، ومعنى وجواب الشرط لا بد أن يكون مستقبلاً ، فيكون التقدير أما بعد ، فأقول قد سألني الخ .
قوله : ( والأصل ) المراد بالأصل ما حق التركيب أن يكون عليه فالأصالة بالقوّة لا بالفعل وليس المراد أن شيئاً حذف من التركيب واختصر فيه ، وإنما كان أصلها خصوص مهما لا غيرها لما في مهما من الإبهام لأنها تقع على كل شيء عاقلاً كان أو غيره زماناً أو مكاناً أو غيرهما ، وهذا الإبهام يناسب هنا لأن الغرض التعليق على وجود شيء ما بخلاف غير مهما من الأدوات فإنه خاص ببعض الأشياء . واختلف في أول من تكلم بأما بعد ، فقيل داود عليه الصلاة والسلام وهو الأشهر وهي فصل الخطاب الذي أوتيه لأنها تفصل بين المقدّمات والمقاصد والخطب والمواعظ ، وقيل أول من تكلم بها يعقوب ، وقيل أيوب ، وقيل سليمان ، وقيل قس بن ساعدة ، وقيل كعب بن لؤي ، وقيل يعرب بن قحطان ، وقيل سحبان بن وائل ،(1/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
وعليها ففصل الخطاب الذي أوتيه داود : ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ) لكن القول بأن أوّل من تكلم بها سحبان فيه نظر ، لأن النبي كان يقولها في خطبه وهو قبل سحبان إجماعاً إذ سحبان كان في زمن معاوية . وأجيب : بأن المراد أول من قالها بعد النبي ، وصحة هذا الجواب تتوقف على أنها لم تصدر من أصحابه بعده ولا من غيرهم إلى زمن سحبان ، والظن خلاف ذلك لما علم من كمال محافظتهم على الاقتداء به في نحو ذلك ، والأولى في الجواب أنه أول من تكلم بها في الشعر كقوله :
لقد علم الحي اليمانون أنني
إذا قلت أما بعد أني خطيبها
وبعد ظرف زماني باعتبار النطق ومكاني باعتبار الرسم . قوله : ( مهما يكن من شيء بعد ) مهما اسم شرط مبتدأ والاسمية لازمة للمبتدأ ، ويكن شرط والفاء لازمة له غالباً فحين تضمنت أما معنى الابتداء والشرط لزمتها الفاء ولصوق الاسم إقامة للازم وهو الفاء ولصوق الاسم مقام الملزوم وهو المبتدأ والشرط وإبقاء لأثره في الجملة لأن الاسمية ليست في أما بل ملاصقة لها . وعبارة أ ج وإنما لزمت الفاء بعد أما ولم تلزم بعد غيرها من الشروط ، لأن أما لما كانت دلالتها على الشرط بنيابتها عن مهما يكن ضعفت فاحتاجت للزوم الفاء لتدل على الشرطية بخلاف مهما وغيرها من الشروط ، فإن دلالتها على الشرطية بالأصالة اه . وإعراب هذا اللفظ مهما : مبتدأ . ويكن فعل الشرط وهي تامة بمعنى يوجد ، ومن : زائدة . وشيء : فاعل لكن يلزم عليه محذوران زيادة من في الإثبات ، وخلوّ فعل الشرط من عائد على الاسم الواقع مبتدأ ، فالأولى أن الفاعل ضمير مستتر يعود على مهما ، ومن شيء بيان لمهما ، وفائدة هذا البيان بيان عموم مهما ، وأنها ليست عبارة عن حصول نوع بعينه ، فاندفع ما يقال لا فائدة في هذا البيان لإبهامه ، ثم إن خبر مهما هو فعل الشرط وحده على الراجح ، وتوقف الفائدة على الجواب من حيث التعليق لا من حيث الخبرية م د على قواعد الإعراب .
قوله : ( جمع صديق ) فعيل بمعنى فاعل ، فإن معناه الصادق المودة وهو أخص من الحبيب ، فإن الحبيب ذو الود ، والخليل صافي الود ، قال البرماوي : والصديق من يفرح لفرحك ويحزن لحزنك وضده العدوّ . والصاحب من طالت عشرتك به ، والخليل من يفرح لفرحك ويحزن لحزنك وتخللت محبته في الأعضاء ، والحبيب من يفرح لفرحك ومن يحزن لحزنك وتخللت محبته في الأعضاء وتفديه بمالك اه . والعداوة مأخوذة من قولهم عدا فلان عن طريق فلان أي جاوزه ولم يوافقه فيما طلبه ، وكان أصل ذلك أن الخلق يوم أخذ الميثاق عليهم كانوا على أحوال فما كان وجهاً لوجه فمحال أن يقع بينهما عدواة ، وما كان ظهر الظهر فمحال أن يكون بينهما صداقة ، وما كان وجهاً لظهر فصاحب الوجه محب عاشق وصاحب الظهر مبغض ذكره العلامة الشعراني في كتابه المنن .(1/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
قوله : ( جملة دعائية ) والدعاء رفع الحاجات إلى رافع الدرجات وهو بلا واسطة من خصوصيات هذه الأمة ، وأما الأمم الماضية فكانوا يفزعون في حوائجهم إلى الأنبياء يسألون لهم الله تعالى كما ذكره الشبرخيتي على الأربعين . قوله : ( أن أعمل ) آثره على أصنف لأمرين : أحدهما هضم نفسه ، وثانيهما إشارة إلى تعبه فيه بالاختصار وغير ذلك . قوله : ( وكثر معناه ) ليس قيداً . قوله : ( قال الخليل الخ ) دليل لكونه عمله مختصراً ولم يعمله مطوّلاً ، والشاهد في قوله ويختصر ليحفظ . قوله : ( في الفقه ) إن قلت : المختصر اسم للألفاظ المخصوصة على الراجح وعلم الفقه هو معرفة أحكام الحوادث نصاً واستنباطاً ولا معنى لظرفية الألفاظ في المعاني . أجيب : بأن المعنى مختصراً دالاً على الفقه ، فشبه الدال والمدلول بالظرف والمظروف تشبيهاً مضمراً في النفس على طريق الاستعارة المكنية ، والجامع بينهما شدة التمكن ، وفي قرينة الاستعارة المسماة تخييلاً ، ثم إن قوله في الفقه صفة لمختصر جرياً على قاعدة أن الظروف بعد النكرات صفات خلافاً لقول ق ل إنه حال اه . ويجوز أن يكون ظرفاً لغواً متعلق بأعمل . قوله : ( كالآلات ) فيه إشعار بأنه مستغن عن الآلات ، فإنه يمكن الاقتصار عليه بحفظ مجرد الأحكام ، ولذلك قال كالآلات بالكاف . وقوله : حال من الآلات . أي كالآلات له م د . لكن هذا الكلام بالنظر لغير المجتهد ، لأن الفقه لا يتصف به إِلا المجتهد المطلق لأنه معرفة جميع الأحكام الشرعية ، ولا يمكن المجتهد معرفة جميعها إِلا بواسطة الآلات فنحو شيخ الإسلام لا يسمى فقيهاً في الاصطلاح ، فإنه ليس عنده ملكة توصله إلى معرفة جميع الأحكام الشرعية بالاستنباط من الأدلة ، وهذا كله يعلم من كتب الأصول في تعريف الفقه والاجتهاد . إذا فهمت هذا علمت أن قول المؤلف كالآلات لا يستقيم إِلا أن يجاب بأن المراد كالآلات المحسوسة وإن كانت هنا معقولة .
قوله : ( يعرف الحلال ) يشمل الواجب والمندوب والمباح . وقوله : ( وغيرهما ) تحته المكروه والأحكام الوضعية الخمسة . قوله : ( تظاهرت ) أي اجتمعت وتعاونت ، والآيات عن الله عز وجل ، والأخبار عن النبي ، والآثار عن الصحاب . قوله : ( الدلائل ) هي الآيات والأخبار والآثار ، فالمقام للإضمار فلعله فعل ذلك لأجل وصفها بالصراحة . وقوله : ( وتوافقت ) تفسير لتطابقت وعطف الاجتهاد على ما قبله تفسير . قوله : ( على فضيلة العلم ) لا(1/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
بقيد كونه في الفقه ولو من الصنائع فأل للجنس . قوله : ( في اقتباسه ) أي استفادته . قال الجوهري : اقتبست منه علماً استفدته وفيه تلميح إلى أن العلم نور . قوله : ) هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون } ) الزمر : 9 ) استفهام إنكاري . قال البيضاوي : هو نفي لاستواء الفريقين أي المؤمن والكافر أو المطيع والعاصي باعتبار القوّة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية ، أي لأن المراد بالذين يعلمون العلماء العاملون المعبر عنهم فيما سبق بالقانت على وجه أبلغ أي نفياً كائناً على طريق أبلغ للتصريح بالاستواء بعد الدلالة عليه بالهمزة لمزيد فضل العلم اه . قوله : ) إنما يخشى الله من عباده العلماء } ) فاطر : 28 ) أي لا يخاف من الله خوفاً كاملاً إِلا العلماء كما قال القائل :
على قدر علم المرء يعظم خوفه
فلا عالم إِلا من الله خائف
وآمن مكر الله بالله جاهل
وخائف مكر الله بالله عارف
وقال مقاتل : أشد الناس خشية أعلمهم بالله ، وفي قراءة شاذة برفع الاسم الكريم على الفاعلية ونصب العلماء وهو أعظم في مدحهم وأقوى دليلاً على رفع مرتبتهم ، لكنه من المتشابه الذي يجب تأويله فتؤوّل الخشية في حقه تعالى بالإجلال للزومه لها . قوله : ( من يرد الله به خيراً ) أي عظيماً كثيراً فالتنوين للتعظيم فلا ينافي إرادة الخير بغير الفقيه ، وهذا من أقوى الدلائل على الحكم على طالب الفقه بأن الله أراده واصطفاه ، لأن إرادة الله الخير بالإنسان مغيبة عنا اه . م د . وقوله : ( يفقهه في الدين ) وتمامه : ( وإنما أنا قاسم والله معطي ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة ) اه . برماوي . وقوله : ( وإنما أنا قاسم ) أي قاسم بينكم بتبليغ الوحي من غير تخصيص ، والله يعطي كل واحد من الفهم ما أراد فالتفاوت فيه منه تعالى . قوله : ( لأن يهدي الله ) بفتح اللام الموطئة للقسم ، وأن وصلتها في تأويل مصدر مبتدأ ، وخير خبر أي والله لهداية الله بك رجلاً مثلاً ، فذكره وصف طردي لا لإخراج المرأة والاقتصار على أقل الشيء أي هدايته بتعلمه مسألة في دينه ، وهذا يدل على فضل العلم والتعليم وشرف منزلة أهله بحيث إنه إذا اهتدى به رجل واحد كان خيراً له من حمر النعم ، فما الظن بمن يهتدي به كل يوم طوائف من الناس ؟ قوله : ( من حمر النعم ) من إضافة الصفة للموصوف أي من التصدق(1/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
بالنعم الحمر بسكون الميم جمع أحمر وبضمها جمع حمار وليس مراداً هنا قال في الخلاصة :
فعل لنحو أحمر وحمرا
وقال أيضاً :
وفعل لاسم رباعي بمد
قد زيد قبل لام إعلالاً فقد
وخص الحمر بالذكر لأنها أشرف أموال العرب . قوله : ( إذا مات ابن آدم ) عبارة م ر وابن حجر : إذا مات المسلم انقطع الخ . فلعلهما روايتان . وقوله : ( انقطع عمله ) أي ثوابه ، وأما العمل فقد انقطع بفراغه . قوله : ( إِلا من ثلاث ) لا مفهوم له . قوله : ( ينتفع به ) بالبناء للفاعل أو المفعول فيشمل التعليم والتعلم والتأليف والكتابة ومقابلة الكتب لتصحيحها ق ل . وذكر القاضي تاج الدين ابن السبكي أن التصنيف في ذلك أقوى لطول بقائه على ممر الزمان .
قوله : ( أو ولد صالح ) أو بمعنى الواو ، والمراد بالصالح المسلم ولو فاسقاً . قوله : ( يدعو له ) أي بنفسه أو بواسطة غيره ، فاللفظ مستعمل في حقيقته ومجازه فيشمل دعاء الولد بنفسه ودعاء غيره لأجل الولد كأن رآه شخص فقال رحمة الله على أبيك ، وللشيخ ابن علان البكري :
خصال عليها المرء من بعد موته
يثاب فلازمها إذا كنت ذا ذكر
رباط بثغر ثم توريث مصحف
ونشر لعلم غرس نخل بلا نكر
وحفر لبئر ثم إجراء نهر ما
وبيت غريب والتصدق إذ يجري
وتعليم قرآن وتشييد منزل
لذكر ونجل مسلم طيب الذكر
وقوله : ( وتعليم قرآن ) أي ولو بأجرة كما في ع ش على م ر ، وفيه أيضاً وغرس شجر أي وإن لم تثمر اه . قوله : ( والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة ) منها : ( من خرج لطلب علم كان كالمجاهد فإن مات مات شهيداً وإن عاد عاد بأجر وغنيمة ) وقال : ( معلم الخير إذا مات يبكي عليه طير السماء ودواب الأرض ) . وقال : ( مَنْ أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين ، فوالذي نفسي بيده ما من متعلم يسعى إلى باب العالم إِلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة ، وبنى له بكل قدم مدينة في الجنة ، ويمشي على الأرض والأرض تستغفر له ويمسي ويصبح مغفوراً له وتشهد الملائكة له بأنه من عتقاء الله من النار ) وفي الحديث : ( طلب العلم فريضة وإن طالب العلم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في اللجة ) . قال سيدي علي الأجهوري في شرح مختصر ابن أبي جمرة : فإن قلت : جعل هذا غاية في الخسة أي خسة المستغفرين ، ولا يخفى أن ثم ما هو أخس من الحيتان كالذر ، فلم خص الحوت دون(1/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
غيره مما هو أخس منه ؟ قلت : خصه لكونه لا لسان له وما لا لسان له ربما يتوهم عدم استغفاره لطالب العلم ، بخلاف غيره من الحيوان فإنه وإن صغر له لسان اه . قال في تحفه المسائل : فإن قلت ما الحكمة في أن الله تعالى خلق كل مخلوق بلسان بعضها ناطق وبعضها غير ناطق وليس للسمك لسان أصلاً ؟ . فالجواب لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له فسجدوا كلهم إِلا إبليس لعنه الله تعالى ، وأخرجه من الجنة ومسخه فأهبط إلى الأرض ، فجاء إلى البحار ، فأول ما رآه السمك فأخبرهم بخلق آدم عليه السلام وقال : إنه يصطاد ويأخذ دواب البر والبحر ، فجعلت السمك تخبر خلق البحر بخلق آدم وتقول لا أمان لنا بعد هذا في هذا الماء ، فأذهب الله تعالى لسانها لكونها تفوّهت بالكلام اه .
قوله : ( ومن الآثار ) عبارة ابن جماعة على غرامي صحيح بعد قوله :
وأمري موقوف عليك
الخ .
تنبيه : الأثر يطلق على المروي سواء كان عن رسول الله أو عن الصحابي . قال النووي : هذا هو المذهب المختار الذي قاله المحدثون وغيرهم واصطلح عليه السلف وجماهير الخلف . وقال الفقهاء الخراسانيون : الأثر ما يضاف إلى الصحابي موقوفاً عليه . قوله : ( كفى بالعلم ) الباء زائدة في المفعول . وقوله : ( أن يدعيه ) فاعل أي كفى العلم في الشرف ادعاؤه من لا يحسنه . وقوله : ( ذماً ) أي خسة فإنه المناسب لمقابلته للشرف والخسة لازمة للذم . قوله : ( العلم خير من المال ) أي السعي في تحصيل العلم أولى من السعي في تحصيل المال ، واستدل على ذلك بقوله : العلم يحرسك الخ . وآثر المال وإن كان العلم خيراً من كل شيء لأن النفوس مجبولة على حبه . قوله : ( العلم يحرسك ) أي يكون سبباً في دفع المكروه عنك ، والمراد أن شأنه ذلك فلا يرد من قتل من الأنبياء والعلماء ، أو أن هذه قضية مطلقة فلا تقتضي الدوام كما قرره العزيزي . وقال بعضهم : المراد يحرس دينك لأن به يعرف الحلال والحرام ، فيعمل صاحبه به فيحفظ دينه بخلاف الجاهل فكأنه في ظلام لا يعرف ما يضره في دينه وما ينفعه ، بل تحسن له نفسه كثيراً من الحرام ، وحينئذ فلا يرد على كلام عليّ قول من قال إنه قد قتل كثير من العلماء والأنبياء .
قوله : ( تنقصه ) بفتح التاء يستعمل لازماً ومتعدياً . قال تعالى : ) ثم لم ينقصوكم شيئاً } ^(1/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
( التوبة : 4 ) وعن علي أيضاً : العلم أفضل من المال بسبعة أوجه . أولها : العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الفراعنة . الثاني : العلم لا ينقص بالنفقة والمال ينقص بها . الثالث : المال يحتاج إلى الحافظ والعلم يحفظ صاحبه . الرابع : إذا مات الرجل يبقى ماله والعلم يدخل معه القبر . الخامس : المال يحصل للمؤمن والكافر والعلم لا يحصل إِلا للمؤمن . السادس : جميع الناس يحتاجون إلى العالم في أمور دينهم ولا يحتاجون إلى صاحب المال . السابع : العلم يقوّي الرجل على المرور على الصراط والمال يمنعه منه . ذكره الرازي .
لطيفة : قال في عيون المجالس : العلم ثلاثة أحرف : عين ولام وميم ، العين من العلو ، واللام من اللطافة ، والميم من الملك ، فالعين تجرّ صاحبها إلى عليين ، واللام تصيره لطيفاً ، والميم تصيره ملكاً على العباد ، ويعطي الله العالم ببركة العين العز ، وببركة اللام اللطافة ، وببركة الميم المحبة والمهابة . وخيّر سليمان بين العلم والملك والمال ، فاختار العلم فأعطاه الله المال والملك مع العلم . قوله : ( يزكو ) أي يزيد بالإنفاق أي إذا أفدته بالتعليم والافتاء ففيه تشبيه ذلك بالإنفاق أعني صرف المال في وجوه الخير وإطلاقه عليه استعارة تصريحية أصلية قال الشاعر :
من حاز العلم وذاكره
صلحت دنياه وآخرته
فأدم للعلم مذاكرة
فحياة العلم مذاكرته
قوله : ( من لا يحب العلم ) أي نفس العلم أو أهله أو استماعه . قوله : ( فلا يكن الخ ) نهى عن معرفة من لا يحب العلم إذا لم يكن يعرفه فإن كان يعرفه لا يتخذه صديقاً ، فقوله ولا صداقة محتاج إليه وهو تأسيس لأن المعنى إذا لم تكن تعرفه فلا تأخذ في أسباب معرفته ، وإذا كنت تعرفه فاجتنبه ولا تتخذه صديقاً ، وبهذا التقرير اندفع ما لبعضهم هنا من جعل عطف الصداقة على المعرفة تأكيداً اه ا ج . قوله : ( ولا صداقة ) عطف خاص على عام إذ يلزم من المعرفة الصداقة . قوله : ( حياة القلوب ) أي مخرجها من الجهل الشبيه بالموت إلى العلم الشبيه بالحياة وقوله : ( ومصباح البصائر ) أي منوّر القلوب ؛ فالبصائر جمع بصيرة وهي تتعلق بالقلب بخلاف البصر فيتعلق بالعين ، وفي كلامه استعارة مكنية وتخييل بأن شبه البصائر بمكان نافع محتاج إلى النور وأثبت له ما هو من لوازمه وهو المصباح فيكون تخييلاً قال بعضهم في قوله تعالى : ) فاحتمل السيل زبداً رابياً } ) الرعد : 17 ) السيل ههنا العلم شبهه الله بالماء لخمس خصال : أحدها كما أن المطر نزل من السماء كذلك العلم نزل من السماء . الثاني : كما أن(1/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
إصلاح الأرض بالمطر فإصلاح الخلق بالعلم . الثالث : كما أن الزرع والنبات لا يخرج بغير المطر كذلك الأعمال والطاعات لا تحصل بغير العلم . الرابع : كما أن المطر فرع الرعد والبرق كذلك العلم فإنه فرع الوعد والوعيد . الخامس : كما أن المطر نافع وضارّ كذلك العلم نافع لمن عمل به وضار لمن لم يعمل به . ذكره العلامة الرازي .
قوله : ( وعن الشافعي أيضاً : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة ) أي العلم الواجب عيناً أو كفاية هذا هو المعتمد وأخذ بعضهم بالإطلاق ، وعبارة الزيادي وطلب العلم الشرعي على ثلاثة أقسام : فرض عين وهو تعلم ما لا بد منه ، وفرض كفاية إلى أن يصل إلى درجة الافتاء ، وسنة وهو ما زاد على ذلك اه . ومن فروض الكفاية تعلم الطب كما في المجموع . وقوله : ( أي الواجب ) يقال عليه إنه بهذا التأويل صار العلم كغيره من جميع الفروض ، فإنها أفضل من النفل إِلا مسائل معدودة كرد السلام وإنظار المعسر فابتداء السلام أفضل من رده وإن كان الابتداء سنة ، والرد واجباً وإبراء المعسر أفضل من إنظاره وهو واجب والإبراء مندوب فالمناسب التعميم في طلب العلم أي سواء كان فرضاً أو سنة تأمل .
قوله : ( مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة ) أي النافلة ، وجاء في كثير من الأحاديث ما يدل على أن تعلم العلم وتعليمه أفضل من الذكر المجرد عن تعلم العلم بل من سائر الطاعات والعبادات منها حديث ابن عباس ( تدارس العلم ساعة من الليل خير من إحيائه بغيره ) ومنها ما رواه الحسن البصري مرسلاً قال : سئل رسول الله عن رجلين كانا في بني إسرائيل أحدهما كان عالماً يصلي المكتوبة ثم يجلس فيعلم الناس الخير والآخر يصوم النهار ويقوم الليل أيهما أفضل ؟ فقال رسول الله : ( فضل هذا العالم الذي يصلي المكتوبة ثم يجلس فيعلم الناس الخير على الذي يصوم النهار ويقوم الليل كفضلي على أدناكم ) ثم قال : ( إن الله وملائكته وأهل السم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; وات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير ) . قال الفقيه أبو الليث : إن من جلس عند العالم ولا يقدر أن يحفظ من ذلك العلم شيئاً فله سبع كرامات : أولها : ينال فضل المتعلمين ، والثاني : ما دام جالساً عنده كان محبوساً عن الذنوب ، والثالث : إذا خرج من منزله طلباً للعلم نزلت الرحمة عليه ، والرابع : إذا جلس في حلقة العلم فإذا نزلت الرحمة عليهم حصل له منها نصيب ، والخامس : ما دام في الاستماع يكتب له طاعة ، والسادس : إذا استمع ولم يفهم ضاق قلبه لحرمانه عن إدراك العلم فيصير ذلك الغم وسيلة إلى حضرة الله لقوله : ( أنا عند المنكسرة قلوبهم ) أي جابرهم وناصرهم لأجلي ، والسابع : يرى إعزاز المسلمين للعالم وإذلالهم للفاسق ، فيردّ قلبه عن الفسق ويميل طبعه إلى العلم ، ولهذا أمر النبي بمجالسة العلماء . وقال أيضاً : ( من جلس مع ثمانية أصناف زاده الله(1/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
ثمانية أشياء : من جلس مع الأغنياء زاده الله حب الدنيا والرغبة فيها ، ومن جلس مع الفقراء حصل له الشكر والرضا بقسمة الله ، ومن جلس مع السلطان زاده الله القسوة والكبر ، ومن جلس مع النساء زاده الله الجهل والشهوة ، ومن جلس مع الصبيان ازداد من اللهو ، ومن جلس مع الفساق ازداد من الجراءة على الذنوب وتسويف التوبة أي تأخيرها ، ومن جلس مع الصالحين ازداد رغبة في الطاعات ومن جلس مع العلماء ازداد العلم والورع ) .
قوله : ( والآثار في ذلك كثيرة مشهور ) قال الحسن البصري : صرير قلم العالم تسبيح وكتابة العلم والنظر فيه عبادة ، وإذا أصاب من ذلك المداد ثوبه فكإصابة دم الشهداء ، وإذا قطر منها على الأرض تلألأ نوره ، وإذا قام من قبره نظر إليه أهل الجمع فقالوا : هذا عبد من عباد الله أكرمه الله وحشره مع الأنبياء عليهم السلام ، وعن ابن مسعود مرفوعاً ( يؤتى بمداد طالب العلم ودم الشهداء يوم القيامة لا يفضل أحدهما على الآخر ) وفي رواية : ( فيرجح مداد العلماء ) وقال : ( من اتكأ على يده عالم كتب الله له بكل خطوة عتق رقبة ومن قبل رأس عالم كتب الله تعالى له بكل شعرة حسنة ) وقال : ( بكت السم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; وات السبع ومن فيهنّ ومن عليهنّ لعزيز ذل وغنيّ افتقر وعالم يلعب به الجهال ) اه رازي .
قوله : ( أو نحو ذلك ) كالجدل . قوله : ( فهو مذموم ) خبر من في قوله فمن أراده الخ . قوله : ( من كان يريد ) أي بعلمه حرث الآخرة أي ثوابها فشبه ثواب الآخرة بالزرع وأطلق اسمه عليه ففيه استعارة مصرحة والجامع أَن كلاَّ فائدة تحصل بشيء فالثواب بالعمل والزرع بالبذر ولذلك قيل : الدنيا مزرعة للآخرة ، والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض ، ويقال للزرع الحاصل منه كما في البيضاوي وقوله : في الأصل إشارة إلى غير ما اشتهر وصار حقيقة عرفية في تكريب الأرض أي حرثها بالآلة اه ا ج . قوله : ( نزد له ) أي بالتضعيف أي نضعفه له قوله : ( لم يرح ) بفتح الياء والراء وبفتح الياء وكسر الراء وبضم الياء وكسر الراء من راح يراح أو راح يريح أو أراح يريح روايات ثلاثة أي لم يشم ريحها كناية عن عدم دخولها أي مع السابقين ، فلا ينافي أن كل من مات مؤمناً يدخلها أو هو محمول على الزجر . قوله : ( أشد الناس عذاباً ) أي بالنسبة لغيره من المسلمين ، فلا ينافي أن الكافر أشدّ عذاباً منه .(1/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
قوله : ( وفي ذم العالم الذي لم يعمل بعلمه أخبار كثيرة ) منها ما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله يقول : ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه أي تخرج أمعاؤه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع عليه أهل النار فيقولون : يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهي عن المنكر وآتيه ) . وقد جاء أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام : يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإِلا فاستحي مني ، وعن أبي جعفر محمد بن علي في قوله تعالى : ) فكبكبوا فيها هم والغاوون } ) الشعراء : 94 ) قال : الغاوون قوم وصفوا الحق والعدل بألسنتهم وخالفوه إلى غيره ، وقال : ( علماء هذه الأمة رجلان : رجل آتاه الله علماً فبذله للناس ولم يأخذ عليه طعماً ولم يشتر به ثمناً فذاك يصلي عليه طير السماء وحيتان الماء ودواب الأرض والكرام الكاتبون ، ويقدم على الله سيداً شريفاً حتى يواقف المرسلين . ورجل آتاه الله علماً في الدنيا فضنّ أي بخل به على عباد الله وأخذ عليه طعماً واشترى به ثمناً فذلك يأتي يوم القيامة ملجماً بلجام من نار ينادى به على رؤوس الخلائق : هذا فلان ابن فلان آتاه الله علماً في الدنيا فضنّ به على عباد الله وأخذ عليه طعماً واشتري به ثمناً ثم يعذبه حتى يفرغ من الحساب ) وقال كعب : يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون ويخوّفون ولا يخافون وينهون عن غشيان الولاة ويأتونهم يؤثرون الدنيا على الآخرة . وقال حاتم الأصم : ليس في القيامة أشد حسرة من رجل علم الناس علماً فعملوا به ولم يعمل هو به ففازوا بسببه وهلك . وبالجملة ؛ فالأحاديث في ذم علماء السوء وتوبيخ من لم يعمل بعلمه ، ومن خالف قوله عمله كثيرة جداً وهي ناطقة بأن من أمر بما لا يفعل أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة ، وأن العلماء الفجرة هم الأخسرون إذ ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وأن حجتهم داحضة عند ربهم ، لما وهبهم من علمه نعمة منه عليهم فكفروا بنعمته وخالفوا أمره . ذكره الشيخ عبد السلام فيما كتبه على المعراج .
قوله : ( الفهم مطلقاً ) أي سواء كان معرفة أحكام الحوادث أو لا . بدليل ما بعده ، وسواء كان لما دقّ وما لم يدق ، وقيل فهم ما دق فقط وعليه فلا يقال فقهت أن السماء فوقنا مثلاً . قوله : ( كما صوّبه الإسنوي ) أي نقل تصويبه عن أئمة اللغة إذ مقابله يقصره على فهم الأمور الدقيقة ، وبهذا التقرير اندفع ما لبعضهم من الاعتراض هنا من أن الإسنوي من الفقهاء وهم لا تصويب لهم في الألفاظ اللغوية . قال ابن الأثير : يقال فقه يفقه بالضم فيهما إذا صار فقيهاً أي عالماً ، وأما فقه بالكسر فمضارعه يفقه بالفتح وهو مقيس تقول فقهت المسألة أي فهمتها اه(1/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
أجهوري . قوله : ( معرفة أحكام الحوادث الخ ) خرج بالأحكام معرفة الذوات والصفات كتصوّر الإنسان والبياض ، وخرج بإضافتها للحوادث العلوم العقلية المستقرة في نفسها كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين والحسية كالعلم بأن النار محرقة والاعتقادية كالعلم بأن الله واحد وخرج بقوله نصاً الخ . علم جبريل والنبي بناء على أنه لا يجتهد ، أو أنه يجتهد لكن ينقلب ضرورياً ، ولعل المراد بالحوادث الأفعال ونصب نصاً على نزع الخافض وعلى تفسير الفقه بمعرفة الخ . يكون قول الشارح في علم الفقه من الإضافة البيانية إن أريد بالعلم الإدراك ، فإن أريد المسائل فالمعنى في مسائل معرفة أحكام الحوادث الخ وهو صحيح اه . قوله : ( نصاً ) أي بالنص أو من النص والاستنباط أي القياس فإن الفقه دليله النص والقياس كما يؤخذ من تعريفه المشهور والواو بمعنى أو .
قوله : ( على مذهب ) حال من الفقه أي حال كون الفقه جارياً على مذهب أي طريقة ، ورأى الإمام الشافعي الخ . أو حال من مختصر أي حال كون المختصر كائناً على مذهب الخ . أو على بمعنى في أي في مذهب وهو بدل من الفقه . قال سم ، فإن قلت : كان يكفي أن يقول مختصراً على مذهب الشافعي فلم زاد قوله في الفقه ؟ قلت : إشارة لمدح مختصره من وجهين عموم كونه في الفقه ، وخصوص كونه في مذهب الشافعي ولمدح عموم الفقه وخصوص مذهب الشافعي على أن مذهب الشافعي قد يكون في غير الفقه كأصول الفقه اه .
والمذهب : لغة مكان الذهاب وهو الطريق ، واصطلاحاً الأحكام التي اشتملت عليها المسائل شبهت بمكان الذهاب بجامع أن الطريق يوصل إلى المعاش ، وتلك الأحكام توصل إلى المعاد ، أو بجامع أن الأجساد تتردد في الطريق والأفكار تتردد في تلك الأحكام ثم أطلق عليها المذهب ، فهي استعارة مصرحة ، وهل هي أصلية أو تبعية ؟ قولان : الأرجح منهما الثاني ، وعليه فيقال شبه ما ذهب إليه الإمام من الأحكام بالذهاب في الطريق ، واستعار الذهاب لما ذهب إليه الإمام ، واشتق منه مذهب هذا إن لم يهجر المعنى الأصلي وإلا فهم حقيقة عرفية ، وفي كلام الشارح تغيير إعراب المتن فإن الإمام فيه مجرور وفي حل الشارح مرفوع . وأجيب : بأنه حل معنى لا حل إعراب ، وقد ذكر في التقريب قولاً بجواز التغيير ولو اختلف المؤلف كما هنا . قوله : ( الشافعي ) النسبة إلى الشافعي شافعي لا شفعوي كما قيل به ، لأن القاعدة أن المنسوب للمنسوب يؤتى به على صورة المنسوب إليه ، لكن بعد حذف الياء من المنسوب إليه وإثبات بدلها في المنسوب اه ع ش على م ر . قال ابن مالك :
ومثله مما حواه احذف(1/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
وقوله : ( الإمام الشافعي ) أي المجتهد المطلق وهو كامل الأدلة الذي لا يجوز له أن يقلد غيره وخرج مجتهد المذهب وهو المقلد لإمام من الأئمة العارف بقواعد إمامه ، فإذا وقعت حادثة لم يعرف لإمامه فيها نص اجتهد فيها على مذهبه وخرّجها على أصوله ، وخرج أيضاً مجتهد الفتوى وهو المتبحر في مذهبه المتمكن من ترجيح أحد قوليه على الآخر إذا أطلقهما اه م د . قوله : ( من الأحكام في المسائل ) من ظرفية البعض في الكل ، فإن المسألة عبارة عن مجموع الموضوع والمحمول والنسبة بينهما التي هي الحكم قوله : ( مجازاً ) أي متجوزاً به عن مكان الخ . أو منقولاً عن مكان الخ . قال بعضهم : حال من ما ذهب وفيه نظر لأن المجاز لفظ وما ذهب معان بدليل تبيينه بالأحكام ويمكن أن يكون في الكلام حذف مضاف أي حالة كون دال ما ذهب إليه مجازاً ، والعامل في الحال محذوف أي استعمل فيما ذكر مجازاً كما قرره شيخنا ح ف . قوله : ( إلى طرف ) بفتح الطاء والراء أو بضم الطاء وفتح الراء جمع طرفة على الثاني . قوله : ( حبر الأمة ) أي عالمها . قوله : ( وسلطان الأئمة ) أي أئمة مذهبه أي المتصرف فيهم بالأمر والنهي تصرف السلطان . قوله : ( ابن إدريس ) وأم الإمام فاطمة بنت عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب . قوله : ( هاشم ) عبارة الرشيدي قوله هاشم هو غير هاشم الذي هو أخو المطلب وجده ، لأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف ، وهاشم المذكور في نسب الشافعي هو ابن المطلب أخو هاشم جد النبي . فالحاصل ؛ أن المطلب بن عبد مناف له أخ اسمه هاشم جد النبي ، وابن يسمى هاشماً أيضاً هو جد الشافعي ، والشافعيّ إنما يجتمع مع النبي في عبد مناف ، فقول الشارح جد النبي وصف لعبد مناف خلافاً لما وقع ببعض الهوامش اه . بحروفه . فهاشم الذي في نسبه عم هاشم الذي في نسب الشافعي رضي الله عنه .
قوله : ( ابن هاشم ) هاشم هذا غير هاشم الذي في نسب الإمام ، فالذي في نسب النبي عم الذي في نسب الإمام . وبيان ذلك أن عبد مناف والد ابنين شقيقين : أحدهما هاشم والآخر المطلب ، فهاشم أعقب عبد المطلب ، وعبد المطلب أعقب عبد الله أبا النبي ، والمطلب أعقب هاشماً ، وهاشم أعقب عبد يزيد إلى آخر نسب الإمام ، فالمطلب عم عبد المطلب ، وأما أبو طالب فعم النبي ، وهاشم هو عمرو العلاء أي لعلوّ مرتبته وهو أخو عبد شمس ، وكانا توأمين ، وكانت رجل هاشم أي أصبعها ملصقة بجبهة عبد شمس ، ولم يمكن(1/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
نزعها إِلا بسيلان دم ، فكانوا يقولون سيكون بينهما دم فكان بين ولديهما أي بين بني العباس وبين بني أمية سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة ، وقيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد بعد جده إبراهيم ، فإن إبراهيم أول من فعل ذلك أي ثرد الثريد وأطعمه المساكين اه حلبي في السيرة .
قوله : ( ابن عبد مناف جد النبي ) أي الثالث وهو الأب الرابع ، فالإمام الشافعي ابن عم المصطفى ، وعبد مناف اسمه المغيرة وكان يقال له قمر البطحاء لحسنه وجماله ، ومناف أصله مناة اسم صنم كان أعظم أصنامهم ، وكانت أمه جعلته خادماً لذلك الصنم ، وقيل وهبته له لأنه كان أول ولد ولد لقصي على ما قيل ح ل في السيرة .
قوله : ( ابن عبد المطلب ) ويدعى شيبة الحمد لكثرة حمد الناس له ، لأنه كان مفزع قريش في النوائب وملجأهم في الأمور ، وكان شريف قريش وسيدها كمالاً وفعالاً من غير مدافع ، أو قيل له شيبة الحمد لأنه ولد في رأسه شيبة ، أي وفي عبارة كان وسط رأسه أبيض أو سمي بذلك تفاؤلاً بأن يبلغ سن الشيب ، قيل اسمه عامر وعاش مائة وأربعين سنة أي وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية ، وكان مجاب الدعوة ، وكان يقال له الفياض لجوده ، ومطعم طير السماء لأنه كان يرفع من مائدته للطير والوحوش في رؤوس الجبال ، وكان من حلماء قريش وحكمائها . وقيل له عبد المطلب لأن عمه المطلب لما جاء به من المدينة صغيراً أردفه خلفه أي وكان بهيئة رثة أي ثياب خلقة فصار كل من يسأل عنه ويقول من هذا ؟ يقول عبدي أي حياء أن يقول ابن أخي ، فلما دخل مكة أحسن حاله وأظهر أنه ابن أخيه وصار يقول لمن يقول له عبد المطلب ، ويحكم إنما هو شيبة الحمد ابن أخي هاشم لكن غلب عليه الوصف المذكور فقيل له عبد المطلب ، أي وقيل لأنه تربى في حجر عمه المطلب وعادة العرب أن تقول لليتيم الذي يتربى في حجر أحد هو عبده .
قوله : ( وهذا ) أي نسب الشافعي . قوله : ( ومن فلق الصباح ) الفلق بالتحريك الصبح بعينه فالإضافة بيانية . قوله : ( وابن سيد ) صوابه من سيد فإنه من الكامل ولا يصح الوزن على ما في النسخ . قوله : ( مترعرع ) هو بمهملات من جاوز في العمر خمس سنين ق ل . وقال بعضهم : أي شاب ، وقال الجوهري : ترعرع الصبي أي تحرك ونشأ .
والحاصل : أن شافعاً صحابي ابن صحابي ، فلذا نسب إليه الشافعي ، ولما فيه من خفة(1/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
اللفظ والتفاؤل . قوله : ( فإنه كان ) أي فسبب إسلامه أنه كان الخ قوله : ( ثم أسلم ) اعترض بأن ما ذكره ثانياً من أن إسلامه بعد الفداء ينافي ما ذكره أولاً من أن إسلامه في يوم بدر ، لأن الفداء كان بعد انفضاض غزوة بدر ورجوعه إلى المدينة . وأجيب بأجوبة : منها أنه أسلم أوّلاً يوم بدر خفية ، ثم أسلم بعد الفداء جهاراً . ومنها أن المراد بيوم بدر غزوة بدر . ومنها : أن قوله أولاً أسلم معناه عزم على الإسلام وقوله ثانياً ثم أسلم أي بالفعل . ومنها أن الأسرى منهم من فدى نفسه يوم بدر ومنهم من تأخر إلى رجوعه المدينة . قوله : ( وعبد مناف ) مبتدأ فهو بالتنوين وابن خبر . قوله : ( كلاب ) واسمه حكيم ، وقيل عروة ولقب بكلاب لأنه كان يحب الصيد وأكثر صيده كان بالكلاب . قوله : ( كنانة ) قيل له كنانة لأنه لم يزل في كن بين قومه أي مختفياً .
قوله : ( إلياس ) بهمزة قطع مكسورة وقيل مفتوحة أيضاً قيل سمي بذلك لأنه ولد بعد كبر سن أبيه . قوله : ( والإجماع منعقد على هذا النسب إلى عدنان ) وقد نظم بعضهم هذا النسب فقال :
محمد عبد اللَّه مطلب هاشم
مناف قصيّ مع كلاب فمرة
فكعب لؤي غالب فهو مالك
كذا النضر نجل كنانة بن خزيمة
فمدركة إلياس مع مضر كذا
نزار معد بن عدنان أثبت
قوله : ( بغزة ) معتمد وهي من الشام . وقوله : ( وقيل الخ ) هو وما بعده ضعيفان . قوله : ( سنة خمسين ومائة ) والسنة التي ولد فيها الإمام الشافعي رضي الله عنه توفي فيها الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ببغداد وقبره هناك ظاهر يزار . ومولده سنة ثمانين . وفي عام ثلاثة وثمانين وقيل تسعين ولد الإمام ما لك بن أنس ، وتوفي في عام تسع بتقديم المثناة الفوقية ومائة وسبعين بدار الهجرة ودفن بالبقيع . وولد الإمام أحمد بن حنبل في شهر ربيع الأول سنة(1/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
أربع وستين ومائة . وتوفي رحمه الله في عام إحدى وأربعين ومائتين ، فعمر أبي حنيفة سبعون سنة ، وعمر مالك تسع وثمانون ، وعمر الشافعي أربع وخمسون سنة ، وعمر أحمد سبع وسبعون سنة وقد جمع بعضهم تاريخ ولادتهم وموتهم ومقدار عمرهم في قوله :
تاريخ نعمان يكن سيف سطا
ومالك في قطع جوف ضبطا
والشافعي صين ببرندّ
وأحمد بسبق أمر جعد
فاحسب على ترتيب نظم الشعر
ميلادهم فموتهم فالعمر
قوله : ( بالزنجي ) بالكسر والفتح كما في المصباح ، ومسلم أخذ عن محمد بن جريج ، ومحمد أخذ عن عطاء بن رباح ، وعطاء أخذ عن ابن عباس ، وابن عباس عن النبي والنبي عن جبريل ، وجبريل عن العليّ الأعلى . قوله : ( وأذن له ) بالبناء للمجهول لأن الآذن له فيه هو مالك كما في شرح م ر حيث قال : وأذن له مالك في الافتاء وهو ابن خمس عشرة سنة ورأيت بخط بعض الفضلاء وأذن أي مسلم كما هو ظاهر كلامه . وصرح به الأسنوي ولا تنافي لاحتمال أن الإذن صدر منهما له في سنة واحدة . قوله : ( مع أنه الخ ) متعلق بحفظ وما بعده أي مع أن من كان كذلك شأنه أن لا يكون كذلك . وحاصله التعجب من حاله مع كونه يتيماً ، وذكروا أن الشافعي رضي الله عنه لما سلموه إلى المكتب ما كانوا يجدون أجرة المعلم ، وكان المعلم يقصر في التعليم إِلا أن المعلم كلما علم صبياً كان الشافعي يتلقف ذلك الكلام أي يتناوله ويحفظه بسماعه من معلم الصبيان الذين في المكتب ، ثم إذا قام المعلم من مكانه أخذ الشافعي يعلم الصبيان فنظر المعلم فرأى الشافعي يكفيه أمر الصبيان أكثر من الأجرة التي كان يطمع بها منه فترك طلب الأجرة واستمر على ذلك حتى تعلم القرآن . قوله : ( ويكتب ما يستفيده في العظام ونحوها ) لعجزه عن ثمن الورق لأنه رضي الله عنه كان في أول الأمر فقيراً .
قوله : ( خبايا ) جمع خبية وهي جرار الفخار ونحوها ، وقد ذكر بعضهم أن أول كاغد أي ورق عمل في الأرض لسيدنا يوسف نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم ، وذكر بعضهم أن القرآن قبل أن يجمعه زيد بن ثابت كان مكتوباً على الأكتاف والعسب واللخاف بكسر اللام وفتح الخاء المعجمة بعدها ألف في آخرها فاء الحجارة الرقيقة واحده لخف ، والعسب بضم العين والسين المهملتين جمع عسيب اسم لجدور الجريد وهي القحف المشهورة الآن ، وقيل(1/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
اسم لمطلق الجريد اه . قوله : ( ثم رحل إلى مالك ) بفتح الحاء المهملة ولا ينافي ما قدمناه أن الآذن له في الإفتاء هو مالك ، لأن هذا مرتب على قوله : وكان في صباه يجالس العلماء الخ . فهو تفصيل لما أجمله أولاً ، وقد يقال إنه رحل في سنة الإذن من غير مالك وهي سنة خمس عشرة ، فلما رآه ماهراً أذن له هو أيضاً في تلك السنة ، فقد حصل الإذن له من مفتي مكة ومفتي المدينة في سنة واحدة كما مر اه م د . فقوله من غير مالك متعلق بالإذن . قوله : ( بغداد ) قال النووي في المجموع : وفي بغداد أربع لغات : إحداها بدالين مهملتين ، والثانية بإهمال الأولى وإعجام الثانية ، والثالثة بغدان بالنون ، والرابعة مغدان بالميم أوّلها اه خضر على التحرير . قوله : ( وصنف بها كتابه القديم ) ورواته أربعة أجلهم الإمام أحمد بن حنبل ، والكرابيسي ، والزعفراني ، وأبو ثور ، ورواة الجديد أربعة أيضاً المزني والبويطي والربيع الجيزي والربيع بن سليمان المرادي راوي الأم وغيرها عن الإمام الشافعي رضي الله عنه . قال الإمام فيه : إنه أحفظ أصحابي رحلت الناس إليه من أقطار الأرض ليأخذوا عنه علم الشافعي ، فهو المراد عند الإطلاق ، وأما الربيع الجيزي فلم ينقل عن الشافعي إِلا كراهة القراءة بالألحان أي الأنغام وأن الشعر يطهر بالدباغ تبعاً للجلد اه طبقات الإسنوي ع ش على م ر . والفتوى على ما في الجديد دون القديم ، فقد رجع الشافعي عنه وقال : لا أجعل في حل من رواه عني إِلا في مسائل يسيرة نحو السبعة عشر يفتي فيها بالقديم ، وهذا كله في قديم لم يعضده حديث صحيح لا معارض له ، فإن اعتضد بدليل فهو مذهب الشافعي فقد صح أنه قال : إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط .
فائدة : المسائل التي يفتي بها على القول القديم تبلغ اثنتين وعشرين مسألة منها عدم وجوب التباعد عن النجاسة في الماء الراكد والتثويب في الأذان وعدم انتقاض الوضوء بمس المحارم وطهارة الماء الجاري الكثير ما لم يتغير ، وعدم الاكتفاء بالحجر إذا انتشر البول وتعجيل صلاة العشاء وعدم مضيّ وقت المغرب بمضي خمس ركعات وعدم قراءة السورة في الأخيرتين ، والمنفرد إذا أحرم بالصلاة ثم أنشأ القدوة ، وكراهية قلم أظفار الميت ، وعدم اعتبار النصاب في الركاز ، وشرط التحلل في الحج بعذر المرض ، وتحريم أكل جلد الميتة بعد الدباغ ، ولزوم الحد بوطء المحرم بملك اليمين ، وقبول شهادة فرعين على كل من الأصلين ، وغرامة شهود المال إذا رجعوا وتساقط البينتين عند التعارض ، وإذا كانت إحدى البينتين شاهدين وعارضها شاهد ويمين يرجح الشاهدان على القديم وعدم تحليف الداخل مع بينته إذا(1/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
عارضها بينة الخارج وإذا تعارضت البينتان وأرخت إحداهما قدمت على القديم وهو الصحيح عند القاضي حسين ، وإذا علقت الأمة من وطء شبهة ثم ملكها الواطىء صارت أم ولد على أحد القولين في القديم ، واختلف في الصحيح ، وتزويج أم الولد فيه قولان . واختلف في الصحيح والله أعلم . ذكره النسابة في شرح منظومة ابن العماد في الأنكحة وقد نظم بعضهم ذلك فقال :
وبعد فالحق القويم المعتبر
المذهب الجديد طيب الأثر
والهجر للقديم حقاً قد ثبت
إِلا مسائلاً قليلة أتت
أربعة مع عشرة بالسند
عن صاحب الأشباه خذ واعتمد
وزدتها سبعاً عن النسابه
السيد الشريف ذي المهابه
المسح بالأحجار غير جائز
من خارج ملوّث مجاوز
ولمس جلد محرم لا نقض به
وقص نحو الظفر من ميت كره
وإن ترى رجساً بماء راكد
ولم ينجسه فلا تباعد
لفائت سن الأذان يا فتى
ولو بلا جماعة فيما أتى
ووقت مغرب حقيقي بقي
موسعاً إلى مغيب الشفق
وفضل تقديم العشا قد زكن
وسن تثويب لصبح يا فطن
وفي أخيرتي صلاة قد ذكره
شيء من القرآن يا ذا فانتبه
وإن نوى فذّ جماعة يصح
ودبغ جلد الميت أكلاً لم يبح
والجهر بالتأمين للمأموم في
جهرية يا صاح سنة قفي
وسن خط للمصلي إن فقد
نحو العصا مما عليه يعتمد
ومن يمت وصومه قد علقا
بذمته يصام عنه مطلقا
وشرط تحليل من التحرم
لنحو تمريض جوازه نمي
وغرموا شهودنا إن رجعوا
عن الأداء لعلهم يرتدعوا
وصححوا شهادة الفرعين
في نصهم على كلا الأصلين
وأسقطوا بينتي خصمين
تعارضا جزماً بغير مين
والشاهدان قدموهما على
شطر مع اليمين فيما نقلا(1/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
ولم يحلف داخل قد عارضت
حجته لخارج فيما ثبت
وجائز تزويج أم الولد
في أرجح القولين والمعتمد
قوله : ( ثم خرج إلى مصر ) وأقام بها ست سنين بدليل ما بعده .
قوله : ( أصابته ضربة ) قيل الضارب له أشهب حين تناظر مع الشافعي فأفحمه الشافعي فضربه قيل بكيلون وقيل بمفتاح في جبهته فمرض ، والمشهور أنه ضربه بمفتاح كيلون ، وكان يدعو عليه في سجوده يقول : اللهم أمت الشافعي وإِلا ذهب علم مالك ، لكن بين هذا وبين ما روي عن أحمد بن حنبل بون بعيد ، فقد كان يدعو للشافعي في سجوده ، وسألته ابنته عنه فقال : هو رجل كالشمس في الدنيا والعافية في البدن ، فإذا ذهبا هل لهما من خلف ؟ وكان أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه يعظم الشافعي ويذكره كثيراً وكانت له ابنة صالحة تقوم الليل وتصوم النهار وتحب أخبار الصالحين ، وتود أن ترى الصالحين وترى الشافعي لتعظيم أبيها إياه ، فاتفق مبيت الشافعي عند أحمد في وقت ففرحت البنت بذلك طمعاً أن ترى أفعاله وتسمع مقاله ، فلما كان الليل قام الإمام أحمد إلى وظيفة صلاته وذكره ، والإمام الشافعي ملقى على ظهره والبنت ترقبه إلى الفجر ، ثم قالت لأبيها : يا أبت تعظم الشافعي وما رأيته يصلي في هذه الليلة ولا يذكر ، فبينما هما في الحديث إذ قام الإمام الشافعي فقال له أحمد : كيف كانت ليلتك ؟ فقال : ما بت بليلة أطيب منها ولا أبرك . فقال : كيف ذلك ؟ فقال : لأني استنبطت في هذه الليلة مائة مسألة وأنا مستلق على ظهري في منافع المسلمين ثم ودعه ومضى ، فقال أحمد ابن حنبل لابنته : هذا الذي عمله الليلة أفضل من الذي عملته وأنا قائم . وقال الشافعي رضي الله عنه : ما رأيت أفقه من أشهب لولا طيش فيه ، والطيش خفة العقل . وأشهب المذكور هو ابن عبد العزيز داود الفقيه المالكي المصري ولد في السنة التي ولد فيها الشافعي وهي سنة خمسين ومائة ، وتوفي بعد الشافعي بثمانية عشر يوماً . وقال ابن عبد الحكم : سمعت أشهب يدعو على الشافعي بالموت فذكرت للشافعي ذلك فقال :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى
تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
أي فكان يقرب الهيؤ . قال : فمات الشافعي واشترى أشهب من تركته عبداً فاشتريته من تركته بعد ثلاثين يوماً . والمشهور أن الضارب له فتيان المغربي . قال بعضهم : ومن جملة كرامات الشافعي رضي الله تعالى عنه أن الله أخفى ذكر فتيان وكلامه في العلم حتى عند أهل مذهبه .(1/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
قوله : ( فمرض بسببها أياماً ) ودخل المزني على الشافعي في مرضه الذي مات فيه ، فقال : كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟ فقال : أصبحت من الدنيا راحلاً وللإخوان مفارقاً ولسيىء عملي ملاقياً ولكأس المنية شارباً وعلى ربي تبارك وتعالى وارداً ، ولا أدري تصير روحي إلى الجنة فأهنيها أو إلى النار فأعزيها ثم أنشد :
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعفو منة وتكرّما قوله : ( وهو قطب الوجود ) القطب في الأصل القلب الذي تدور عليه الرحا وتتعطل بفقده ، ثم استعير للإمام باعتبار أنه المدار والمرجع في الأحكام ؛ ويحتمل وهو الظاهر أن الواو للحال ويكون فيه إشارة إلى أنه تولى القطبانية وتوفي وهو قطب رضي الله تعالى عنه اه شيخنا حفني لأن الحال تدل على المقارنة . قوله : ( يوم الجمعة ) وفي بعض الكتب ليلة الجمعة بعد المغرب . قوله : ( سلخ رجب ) أي آخر يوم منه . قال الربيع : رأيت في المنام قبل موت الشافعي رضي الله تعالى عنه بأيام أن آدم صلوات الله عليه مات ويريدون أن يخرجوا جنازته ، فلما أصبحت سألت بعض أهل العلم ، فقال : هذا موت أعلم أهل الأرض ، لأن الله تعالى علم آدم الأسماء كلها فما كان إِلا يسير حتى مات الشافعي رضي الله تعالى عنه . قوله : ( بالقرافة ) وهي الصغرى ، وأريد بعد أزمنة نقله منها لبغداد فظهر من قبره لما فتح روائح طيبة عطلت الحاضرين عن إحساسهم فتركوه . قال القضاعي : الشافعي مدفون في مقابر قريش بمصر وحوله جماعة من بني زهرة من أولاد عبد الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن بن عوف ، وقبره مشهور مجمع عليه وهو القبر البحري من القبور الثلاثة التي تحت مصطبة واحدة غربي الخندق . قوله : ( في الخلاف والوفاق ) تقدمه في الخلاف ظاهر وأما تقدمه عليهم في الوفاق فمعناه أن يقال قاله الشافعي ووافقه غيره . قوله : ( وعليه حمل الحديث المشهور عالم قريش يملأ الأرض علماً ) وفي رواية : ( لا تسبوا قريشاً فإن عالمها يملأ الأرض علماً ) قال جماعة من الأئمة منهم الإمام أحمد : هذا العالم هو الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، لأنه لم ينشر في طباق الأرض من علم عالم ما انتشر من علم الإمام الشافعي ، وقد ذكر السبكي أنهم ذكروا أن من خواص الإمام الشافعي من بين الأئمة أن من تعرض إليه أو إلى مذهبه بسوء أو نقص هلك قريباً وأخذوا ذلك من قوله : ( من أهان(1/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
قريشاً أهانه الله ) . قوله : ( أمتّ مطامعي الخ ) هو من الوافر . وفيه استعارة بالكناية وتخييل حيث شبه المطامع بأشخاص أحياء تشبيهاً مضمراً في النفس واستعار الأشخاص للمطامع في النفس وأمت تخييل ، ويحتمل أن في أمت استعارة تبعية حيث شبه الترك بالإماتة واستعار الإماتة للترك واشتق من الإماتة أمتّ بمعنى تركت . قوله : ( ما طمعت تهون ) أي تهون مدة طمعها فما مصدرية ظرفية . قوله : ( وأحييت القنوع ) مصدر قنع بكسر النون كرضى وزنا ومعنى ، فهو بضم القاف بمعنى القناعة ، ولبعضهم :
خذ القناعة من دنياك وارض بها
واجعل نصيبك منها راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها
هل راح منها سوى بالقطن والكفن
قوله : ( عرض ) في نسخة عرضي والعرض بكسر أوله محل الذم والمدح من الإنسان .
قوله : ( علته مهانة ) أي استخفاف من الخلق به ، وعلاه هون أي ذلّ وهو عطف مسبب ، ومن كلامه رضي الله عنه :
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها
يمسي ويصبح في دنياه سفاراً
هلا تركت لذي الدنيا معانقة حتى
تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها
فينبغي لك أن لا تأمن النارا
قوله : ( ما حك جسمك ) من مجزوّ الكامل المرفل المصرّع ، لأن الترفيل خاص بالضرب فدخل العروض لأجل التصريع أي لتلتحق بالضرب . قوله : ( لحاجة ) اللام زائدة فيه وفيما بعده . قوله : ( لشحنت ) أي ملأت ، واتفق العلماء قاطبة على ثقته وورعه وزهده وأمانته ، وهو أول من تكلم في أصول الفقه وهو الذي استنبطه .(1/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
تنبيه : كل من الأئمة الأربعة على الصواب ويجب تقليد واحد منهم ، ومن قلد واحداً منهم خرج عن عهدة التكليف ، وعلى المقلد اعتقاد أرجحية مذهبه أو مساواته ، ولا يجوز تقليد غيرهم في إفتاء أو قضاء . قال ابن حجر : ولا يجوز العمل بالضعيف في المذهب ويمتنع التلفيق في مسألة كأن قلد مالكاً في طهارة الكلب والشافعي في مسح بعض الرأس في صلاة واحدة ، وأما في مسألة بتمامها بجميع معتبراتها فيجوز ولو بعد العمل كأن أدىّ عبادته صحيحة عند بعض الأربعة دون غيره فله تقليده فيها حتى لا يلزمه قضاؤها ، ويجوز الانتقال من مذهب لغيره ولو بعد العمل اه ديربي .
فائدة : اتفق لبعض أولياء الله تعالى أنه رأى ربه في المنام فقال : يا رب بأي المذاهب أشتغل ؟ فقال له مذهب الشافعي نفيس . قوله : ( ويكون الخ ) هو حل معنى ، وإِلا فقوله في غاية الخ . صفة لمختصر فلو قال كابن قاسم كائناً ذلك المختصر الخ لكان أولى . قوله : ( في غاية الاختصار ) أي في آخر مراتبه قوله : ( أي بالنسبة إلى أطول منه ) حيث أريد بالغاية آخر مراتب الاختصار أي ليس فوقه أخصر منه مبالغة فلا حاجة لهذا ، بل لا يصح كما قاله ق ل ، وقوله : فوقه الأولى أن يقول غيره .
قوله : ( وغاية الشيء الخ ) هذا تفسير صحيح في نفسه إِلا أنه غير مناسب هنا ، إذ المراد هنا تقليل الألفاظ فليتأمل ا ج . فالإضافة بيانية أي في غاية هي الاختصار ، وقد يقال يصح أن يراد ما قاله الشارح ، ويكون المراد بالغاية قرب درسه على المتعلم وسهولة حفظه على المبتدىء فإن هذا أمر يترتب على الاختصار ، أو يراد به أي الأثر اتصاف الكلام بكونه في أقل رتب الاختصار فسقط اعتراض ق ل . وعبارته قوله وغاية الشي الخ . هذا سبق قلم لأن المقصود هنا تقليل اللفظ كما يصرح به كلامه الآتي . قوله : ( ترتب الأثر الخ ) من إضافة الصفة للموصوف أي الأثر المترتب لأن الغاية نفس الأثر لا الترتب . قوله : ( أي القصر ) بكسر ففتح . قوله : ( تغاير لفظي الخ ) أي معنى لفظي الاختصار الخ . إذ تغاير اللفظين لاشك فيه كما قرره شيخنا . قوله : ( حذف عرض الكلام ) مثل بعضهم للحذف من العرض بقوله عندي ذهب بدل عسجد وخمر بدل عقار فالحذف من العرض أن يؤتى بكلمة قليلة الحروف بدل كثيرتها . قوله : ( حذف طوله ) وهو الإطناب كقوله :(1/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
وألفى قولها كذباً ومينا
فالحذف من الطول أن لا يكرّر فترك التكرير اختصار وترك الإطناب إيجاز اه سم . وقال بعضهم بترادف الاختصار والإيجاز لغة واصطلاحاً فالجمع بينهما للتأكيد ولا يخفى ما فيهما من المبالغة للقطع بثبوت ما هو أوضح وأوجز اه ا ج . قوله : ( وقد علم مما تقرر الخ ) لم يعلم الفرق من كلامه إذ لم يبين معنى النهاية ، اللهم إِلا أن يقال : علم الفرق من العطف إذ هو يقتضي التغاير الذي أشار إليه المؤلف بقوله وظاهر كلامه الخ . أو يقال علم الفرق من تغاير المضاف إليه . قوله : ( يقرب لوضوح عبارته على المتعلم ) أي يسهل . فإن قلت : هذا مناف لقوله في غاية الاختصار . أجيب : عن ذلك بأنه مع ذلك عبارته واضحة ، فلذلك قال الشارح لوضوح عبارته فهو جواب عن ذلك فتأمل . قوله : ( أي المبتدىء في التعلم ) وقال سم أي مريد التعلم . قوله : ( شيئاً فشيئاً ) أخذه من التاء . قوله : ( درسه ) أي قراءته على غيره ليبين له معناه ع ش . هذا لا يناسب قوله لوضوح عبارته لأنّ وضوح العبارة لا دخل له في القراءة ، فالأولى تفسير قوله درسه بقول الرحماني أي تعليمه وتعلمه شيخنا . قوله : ( أي بسبب اختصاره الخ ) هذا يغني عنه قوله لوضوح عبارته أي يغني عنه في التعليل وإِلا فمعناهما مختلف فالأولى حذف قوله لوضوح عبارته لأجل قوله درسه . قوله : ( وعذوبة ألفاظه ) أي حلاوتها ففيه استعارة مكنية وتخييل بأن شبه الألفاظ بشيء عذب والعذوبة تخييل . قوله : ( أي يتيسر على المبتدىء ) أي وعلى غيره بالأولى وخص المبتدىء لأنه أشد اعتناء به من غيره . قوله : ( حفظه ) الحفظ لغة صون الشيء عن الضياع ، واصطلاحاً استحضاره عن ظهر قلب . قوله : ( عن ظهر غيب ) الإضافة بيانية أو من إضافة المشبه به للمشبه أي غيب كالظهر في القوّة كما قرره شيخنا العزيزي . قوله : ( حرف المضارعة الخ ) والقاعدة أن المضارع يضم أوّله إن كان ماضيه رباعياً ويفتح في غيره . قال العمريطي في نظم الآجرومية :
وافتتحوا مضارعاً بواحد
من أحرف أربعة زوائد
همز ونون ثم ياء ثم تا
يجمعها قولك أنيت يا فتى
وحيث كانت في رباعي تضم
وفتحها فيما سواه ملتزم(1/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
قوله : ( وسألني الخ ) لم يقدره في سابقه وهو يقرب ولعله لما كان ذلك في صفات المختصر المسؤول فيه لم يصرح السائل به ، ويمكن أن السائل صرح بذلك أيضاً ولعل التصريح في الأوّل بقوله سألني وإعادة الشيخ له هنا للإشارة إلى تغاير الموصوفين . إذ الأوّل من أوصاف المختصر ، والثاني من أوصاف المصنف والصناعة تقتضي ذلك أيضاً ع ش .
قوله : ( من التقسيمات ) جمع تقسيمة بمعنى المرة من التقسيم ، أو جمع تقسيم على غير قياس ، وقد يقال إنه وصف لغير العاقل وهو المختصر فينقاس فيه جمع المؤنث السالم نحو : قوله : ) وقدور راسيات } ) سبأ : 13 ) ) أن اعمل سابغات } ) سبأ : 11 ) قال الناظم :
وقسه في ذي التا ونحو ذكري
ودرهم مصغر وصحرا
وزينب ووصف غير العاقل
وغير ذا مسلم للناقل
والتقسيم لغة التفريق واصطلاحاً ضم قيود إلى أمر مشترك لتحصيل أمور متعددة هي أقسام لذلك الأمر المشترك كالماء ، فإذا ضممت إليه المطلق صار قسماً ، وإذا ضممت إليه المستعمل صار قسماً ، وإذا ضممت إليه المتنجس صار قسماً . قوله : ( لما يحتاج الخ ) على حذف مضاف أي لمتعلق أو لمحل ما يحتاج ، فإن التقسيم ليس للحكم بل لمحله كالماء مثلاً ع ش . أي فإن الماء مورد التقسيم ، وهو محل للأحكام بالنظر لثبوت نحو الكراهة لاستعماله . ويمكن الجواب بأنه لما كان التقسيم وارداً على محل الحكم اللازم له تقسيم الحكم أطلق التقسيم عليه مجازاً إطلاقاً لوصف المحل على وصف الحال اه . قوله : ( أي ضبط ) أشار به إلى أنه ليس المراد هنا بالحصر معناه الأصلي من حصر جميع أفراد الشيء غير مخلّ منها بشيء فأشار إلى أن مراد المصنف أنه يأتي بما هو دال على الحصر ، سواء كان ذلك الشيء في الواقع محصوراً في هذه العبارة أم لا . وهو الكثير من حال المصنف . قوله : ( أي السائل ) كان المتبادر أن يقول أي بعض الأصدقاء إِلا أنه أقام الصفة مقام الموصوف والموصوف بعض الأصدقاء . قوله : ( أي إلى تصنيف الخ ) فيه إشارة إلى أنه أجابهم بالشروع لا بمجرد الوعد والعزم ، وكان الأولى أن يقول إلى العمل المأخوذ من قوله : أن أعمل لكن لما كان العمل معناه التصنيف صنع ذلك . قوله : ( بالكيفية المطلوبة ) وهي كونه موصوفاً بالصفات الخمسة التي طلبوها كونه في الفقه ، وكونه في غاية الاختصار ، وكونه يقرب على المتعلم درسه ، وكونه يسهل على المبتدىء حفظه ، وكون المصنف يكثر فيه من التقسيمات وحصر الخصال اه . قرره ح ف .(1/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
قوله : ( حال من ضمير الفاعل ) أي وهو التاء من أجبته . قوله : ( أي مريداً ) الأولى أن يقول راجياً كما قاله سم . قوله : ( على تصنيف الخ ) متعلق بالجزاء قال سم : بل وعلى الإجابة إليه فإنها خير أيضاً لا لغرض دنيوي من ثناء أو غيره . قوله : ( لقوله الخ ) هذا يقتضي أن مراد المصنف بقوله للثواب الثواب الدائم ، فيكون على حذف مضاف أي لدوام الثواب لأجل أن يتطابق الدليل والمدلول . قوله : ( أي ملتجئاً ) الأولى سائلاً مبتهلاً . إذ الرغبة مفسرة بذلك ولعله فسره بما قاله لتعديته بإلى . قوله : ( في الإعانة ) إشارة إلى أنه كان الأولى للمصنف ضمها في الطلب ع ش .
قوله : ( من فضله ) فيه ردّ على المعتزلة حيث قالوا بوجوب فعل الصلاح والأصلح تنزه الله عن ذلك :
وقولهم إن الصلاح واجب
عليه زور ما عليه واجب
قال سم : والحق عند الأشاعرة أنه تعالى لا يجب عليه شيء حتى إن له تعالى إثابة العاصي وتنعيمه أبداً ، لكنه لا يقع وله تعذيب المطيع أبداً ولو ملكاً أو رسولاً بلا قبح في ذلك ، ولكن أيضاً لا يقع فسبحانه وتعالى عما يصفون اه بحروفه . قوله : ( على الخ ) متعلق بالإعانة .
قوله : ( خلق قدرة الطاعة في العبد ) والمراد بالقدرة العرض القارن للفعل فلا حاجة لزيادة وتسهيل سبيل الخير إليه لإخراج الكافر ، ولذا قال سم : خلق قدرة الطاعة في العبد المقارنة لها ، وأما إذا أردنا بالقدرة سلامة الآلات فيحتاج إليه اه . ثم إن الطاعة هي امتثال الأمر وهي أعم من القربة ، أعني ما يتقرب به بشرط معرفة المتقرب إليه ومن العبادة أعني ما تعبد به بشرط النية ومعرفة المعبود ، وقد نظم ذلك بعضهم فقال :
وطاعة بالامتثال كالنظر
وقربة من عارف رب البشر
عبادة لنية مفتقره
حقائق الثلاث جاءت شهره
وقوله : كالنظر أي كالأمر بالنظر الدالّ على وجود الباري .
فائدة : التوفيق المتعلق بالمتعلم شرطه كما قاله القاضي حسين أربعة : شدة العناية ،(1/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
ومعلم ذو نصيحة ، وذكاء القريحة ، واستواء الطبيعة أي خلوّها عن الميل إلى غير ذلك . وقال بعضهم : بل ستة منظومة في بيتين وهما :
أخي لن تنال العلم إِلا بستة
سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة
نصيحة أستاذ وطول زمان
ولبعضهم :
إن المعلم والطبيب كلاهما
لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فانظر لدائك إن جفوت طبيبه
وانظر لجهلك إن جفوت معلما
قوله : ( بأن يقدرني على إتمامه الخ ) في تصوير الصواب بهذا نظر واللائق شرحه بقول سم ، وهو الحكم المطابق للواقع بأن يرزقني موافقة ما هو مذهب الشافعي في الواقع اه . فما ذكره تفسير للتوفيق فقط بل لا يناسب إِلا لو قال المصنف التوفيق لاتمامه ، فكان ينبغي أن يزيد على ما ذكره مع مطابقة ما هو مذهب الشافعي في الواقع وإن لم يكن موافقاً لما عند الله تعالى بناء على أن الحق عند الله واحد وهو الراجح ، فمن وافقه من الأئمة رضي الله عنهم فله أجران ، ومن لم يوافقه فله أجر واحد على اجتهاده ، أما المخطىء في الأصول وهي المعتقدات فهو آثم كالمعتزلة وسائر من خالف أهل السنة . قوله : ( كريم ) أي معط جواد أي كثير الجود أي العطاء فهو من باب الترقي . والجواد بتخفيف الواو وارد وأما بتشديدها فلم يرد ، فيحرم إطلاقه على الله تعالى على المختار لأن أسماءه توقيفية اه م د . قوله : ( إنه ) بفتح الهمزة على تقدير اللام وبكسرها على الاستئناف . قوله : ( على ما يشاء ) متعلق بتقدير أي قادر فهو فعيل بمعنى فاعل ، ولا يجوز فيه أن يكون بمعنى مفعول كبقية أسمائه تعالى التي بهذا الوزن كرحيم أي قادر على ما يشاء أي يريده ففيه حذف المفعول أي من الممكنات ، لأن القدرة لا تتعلق بالواجبات والمستحيلات . والمشيئة والإرادة بمعنى وهما لغة ضد الكراهة ، واصطلاحاً صفة أزلية متعلقة في الأزل بتخصيص الحوادث بأوقات حدوثها وبعبارة أخرى هي صفة في الحي توجب تخصيص أحد المقدورين في أحد الأوقات بالوقوع مع استواء نسبة القدرة إلى كل الأوقات ، وقرب المتكلمون ذلك للفهم بمثال فقالوا : إذا وضع لك شخص رغيفين متساويين في سائر الصفات وقال : خذ أحد هذين الرغيفين فأخذك أحدهما دون الآخر تخصيص لأحد المقدورين وهو المأخوذ عن الآخر ، مع استواء نسبة القدرة إلى الكل وليس ذلك إِلا بالإرادة م د . قوله : ( أي يريد ) أشار به إلى ترادف معنى المشيئة والإرادة ع ش . قوله : ( أي قادر ) كان الأولى أن يقول أي عام القدرة وكأنه يشير إلى تساوي معنى فاعل وفعيل في حقه سبحانه(1/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
وتعالى ع ش . قوله : ( تؤثر ) فيه مسامحة لأن المؤثر هو الذات فقوله تؤثر أي مجازاً من الإسناد للسبب لأن من اعتقد أن قدرة الله تؤثر فقد كفر .
قوله : ( عند تعلقها به ) أي تعلقاً تنجيزياً على وفق الإرادة فقول م د . تعلقاً صلوحياً ليس بظاهر لأنها إنما تؤثر فيه عند التعلق التنجيزي . قوله : ( الثمانية ) المنظومة في قوله :
حياة وعلم قدرة وإرادة
كلام وإبصار وسمع مع البقا
صفات الذات الله جل جلاله
لدى الأشعري الحبرذي العلم والتقى والحق أن البقاء صفة سلبية . قوله : ( وهو سبحانه الخ ) كان الأولى أن يقول وإنه لأن . قوله : ( لطيف ) معطوف على خبر إن السابقة . قوله : ( الإنسان ) خرج الملك والجن فلا يقال لهما عباد على هذا م د . لكن إن أريد الإنسان من ناس بمعنى تحرك دخلا وهو المراد لقوله تعالى : ) إن كل من في السم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; وات والأرض إِلا آتى الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن عبداً } ) مريم : 93 ) وإطلاق الإنسان على الملك لم يرد في اللغة ، فالأولى عدم تفسير العبد به . وأجيب بأن تفسيره به لئلا يتوهم اختصاصه بالرقيق وعبارة ا ج . قوله : ( الإنسان ) هو أحد معانيه أي العبد . وفي الحقيقة كل مخلوق ولو جماداً إذ معنى العبد حقيقة الخاضع المحتاج اه . وإطلاق الإنسان على الجن وارد في القرآن لقوله تعالى : ) في صدور الناس من الجنة والناس } ) الناس : 5 و 6 ) قال في المصباح : الناس مفرده إنسان ، وللعبد جموع أخر نظمها ابن مالك في قوله :
عباد عبيد جمع عبد وأعبد
أعابد معبوداء معبدة عبد
كذاك عبدان عبدان أثبتا
كذاك العبدا وامدد إن شئت أن تمد قوله : ( فقد دعى ) أي وصف وكأنه علة للتعميم والظاهر ذكره بعد قول الدقاق . قوله : ( قال أبو علي الدقاق ) من أكابر الصوفية وهو شيخ الإمام القشيري لا الأصولي . قوله : ( أتم ولا أشرف ) وذلك لأن العبودية نهاية التواضع والخضوع والقيام بحق ما عليه حسب طاقته اه أ ج .(1/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
وعرف المناوي العبودية بأنها الوفاء بالوعود وحفظ العهود والرضا بالموجود والصبر على المفقود . قوله : ( لا تدعني ) أي لا تصفني عند النداء وغيره ، وضمير عبدها للحضرة المقدسة ، والمراد بالأسماء الصفات وقبل هذا البيت :
يا قوم قلبي عند زهراء
يعرفها السامع والرائي
قوله : ( الرأفة والرفق ) قال الجوهري : الرأفة أشد الرحمة ، والرفق ضد العنف ، وهذا التفسير يشمل غير الله بدليل ما بعده ، واللطيف الخفي عن الإدراك أو العالم بدقائق الأمور ، والخبير أعم منه كما يؤخذ من كلام الشارح . قوله : ( والعصمة ) بالكسر . وهي لغة المنع قال الله تعالى : ) لا عاصم اليوم من أمر الله } ) هود : 43 ) أي لا مانع . ويقال : عصمه الطعام إذا منعه الجوع ، واصطلاحاً عدم خلق القدرة على المعصية وهو منقوض بالصبي والميت ومن منعه من المعصية مانع ، والأحسن تعريفها بأنها ملكة نفسانية تمنع من الفجور والمخالفة ، ويجوز الدعاء بها مطلقة ومقيدة على المعتمد ، والمراد بها الحفظ عن المعاصي ، وأنكر بعضهم جواز الدعاء بها مطلقة لأنها إنما هي للأنبياء والملائكة . وأجيب : بأنها في حق الأنبياء والملائكة واجبة وفي حق غيرهم جائزة وسؤال الجائز جائز ، وأن الذي اختص به الأنبياء والملائكة وقوعاً لهم لا طلبها اه شبرخيتي . وعبارة سم : واختلفوا في جواز سؤال العصمة والوجه كما قال بعضهم : أنه إن قصد التوقي عن جميع المعاصي والرذائل في جميع الأحوال امتنع لأنه سؤال مقام النبوة ، أو التحفظ من الشيطان والتحصن من أفعال السوء ، فهذا لا بأس به ويبقى الكلام حال الإطلاق ، والمتجه عندي الجواز لعدم تعينه للمحذور واحتماله للوجه الجائز اه . قوله : ( بأن يخلق الخ ) تفسير للتوفيق ولم يفسر العصمة فظاهره أنها مرادفة للتوفيق ، وقد يقال لم يفسرها لأنه لم يذكرها المصنف م د . قوله : ( يا لطيفاً ) وفي نسخة يا لطيف ، وكل صحيح لأنه من نداء الموصوف فينصب إذ هو حينئذ من الشبيه بالمضاف ، أو من وصف المنادى فيبقى على بنائه على الضم ، ثم إن قول المصنف : وبعباده لطيف خبير مقتبس من قوله تعالى : ) الله لطيف بعباده } ) الشورى : 19 ) ثم إن فسر اللطف بالتوفيق والعصمة اختص بالمؤمنين ، وإن فسره بالعام أي بالأمر العام كالإحسان يشمل الكافر إيضاً بأن لا يقتلهم جوعاً ونحوه بمعاصيهم وفي بعض النسخ(1/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
وبالإجابة جدير . قوله : ( فوق كل لطيف ) أي فوقية معنوية ، وقد نقل العلامة الأجهوري أن من كان في كرب وقرأ هذه الكلمات ثلاث عشرة مرة فرج الله عنه بفضله ذلك الكرب .
قوله : ( ورضني ) أي اجعلني راضياً بما أنعمت به عليّ أو أعطني ما يرضيني في دنياي وآخرتي . قوله : ( من محاسن ) أي ضمناً لأن المذكور محاسن المؤلف اه ق ل . قوله : ( قراه ) أي محل قراه بكسر القاف أي ضيافته وإكرامه . قال في المختار : قريت الضيف أقريه من باب رمي قرى بالكسر والقصر ، وفي بعض النسخ قراره . قوله : ( بعد الإيمان ) لأنه من أعمال القلب ، ولأنه لا يكون إِلا واجباً ولا كذلك الصلاة فإنها بدنية وتكون نفلاً . قوله : ( ومن أعظم ) الأولى إسقاط من ليتم له توجيه البداءة بالطهارة ، وإنما كانت الطهارة أعظم شروط الصلاة لأن لها مزية عند الفقيه على بقية الشروط من حيث إن فاقد الطهورين تجب عليه الإعادة عند القدرة على أحدهما بخلاف فاقد السترة ، فإن صلاته تغنيه عن القضاء ، ومن صلى ظاناً دخول الوقت وتبين أنه لم يدخل وإن لزمته الإعادة لا يحكم على صلاته بالبطلان ، بل تصح له نفلاً مطلقاً إن لم يكن عليه فائتة من جنسها ، وإِلا وقعت عنها بخلاف من صلى ظاناً الطهارة فبان خلافها فيتبين بطلانها . ومن صلى في نفل السفر لا يعتبر في حقه القبلة ، فهذا مما يدل على أعظمية الطهارة بخلاف الحديث الذي ذكره ، فإنه لا يدل لما قاله ، اللهم إِلا أن يقال تستفاد الأعظمية من الحصر المذكور فيه على حد : ( الحج عرفة ) ثم في قوله : ( مفتاح الصلاة الطهور ) استعارة مكنية وتخييل حيث شبه الصلاة بالمحل المغلق في توقف الوصول إليه بشيء كالمفتاح تشبيهاً(1/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
مضمراً في النفس على طريق الاستعارة المكنية ، وإثبات المفتاح تخييل . والطهور : بضم الطاء الفعل وهو المراد هنا ، أما بفتحها فالماء الذي يتطهر به وليس مراداً هنا . قوله : ( بدأ المصنف بها ) جواب لما ، وكان المناسب أن يقول وبدأ بالماء لأنه آلتها .
واعلم أن أحكام الشرع إما أن تتعلق بعبادة أو بمعاملة أو بمناكحة أو بجناية ، وأهمها العبادة لتعلقها بالدين ، ثم المعاملة لشدة الحاجة إليها لتعلقها بالأكل والشرب ونحوهما ، ثم المناكحة لأنها دونها في الحاجة ، ثم الجناية لأنها غالباً إنما تقع بعد الفراغ من شهوتي البطن والفرج ، فرتبوها على هذا الترتيب ورتبوا العبادة بعد الشهادتين المبحوث عنهما في علم الكلام على ترتيب خبر : بني الإسلام على خمس الخ . واختاروا رواية تقديم الصوم على الحج على رواية تقديم الحج ، لأن وجوب الصوم فوري ويتكرر كل عام وإفراد من يلزمه أكثر ، ولم يتعرضوا في هذه الحكمة للفرائض لعله لكونها علماً مستقلاً ، أو لجعلها من المعاملات حكماً إذ مرجعها قسمة التركات وهي شبيهة بالمعاملات ، وأخروا القضاء والشهادات والدعاوى والبينات لتعلقها بالمعاملات والمناكحات والجنايات .(1/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
( كتاب بيان أحكام الطهارة
لو أبقى المتن على ظاهره لكان أولى ، فإن المصنف كما ذكر أحكام الطهارة من الوجوب والاستحباب ذكر نفسها حيث بين الوضوء ببيان أركانه وسننه ، وبين الغسل والتيمم وإزالة النجاسة ، أو كأن يقول الشارح : كتاب بيان الطهارة وأحكامها وما يتعلق بها . واعلم أنه يصح هنا معاني الإضافة الثلاثة من واللام وفي ، أما من فكأنه قال : هذا كتاب من الطهارة أي من أنواعها نحو : خاتم فضة أي من فضة ، وأما اللام فالمعنى هذا كتاب للطهارة ، واللام للاختصاص أي مختص بالطهارة من بين كتب الفقه لا يشارك الطهارة فيه غيرها من أجناس الفقه ، وأما ( في ) فتقديره هذا كتاب في الطهارة أي مظروف في الطهارة مندرج في سلك أحكامها شوبري على التحرير .
قوله : ( اعلم أن الكتاب الخ ) حاصله أن التراجم هي بكسر الجيم كما قاله م د على التحرير ، وح ف المشهورة خمسة : الكتاب والباب والفصل والفرع والمسألة وكل له معنى لغوي ومعنى اصطلاحي فتلك عشرة كاملة ، والمختار أنها أسماء للألفاظ باعتبار دلالتها على المعاني ، وقيل أسماء للألفاظ ، وقيل للمعاني ، وقيل للنقوش ، وقيل لاثنين منها ، وقيل للثلاثة ؛ فهي سبعة احتمالات . الأول : المختار وتختلف باعتبار اللغة . فالباب فرجة يتوصل بها من داخل إلى خارج وبالعكس . والفصل الحاجز بين شيئين . والفرع ما بني على غيره والأصل عكسه . والمسألة لغة السؤال وعرفاً مطلوب خبري يبرهن عليه في العلم أي يقام عليه البرهان أي الدليل أي شأنها ذلك ، وهي تطلق على مجموع الموضوع والمحمول والحكم ، وعلى الحكم فقط من حيث إنه يسأل عنه ، أما من حيث إنه يطلب بالدليل فمطلب ، ومن حيث إنه يبحث عنه فمبحث ، ومن حيث إنه يدّعي فمدعي ، ومن حيث إنه يستخرج بالحجة فنتيجة اه م د . وأشاروا بقولهم غالباً إلى خلوّ بعضها عن بعض . قال في شرح التنقيح : الباب اصطلاحاً اسم لجملة مختصة من العلم وقد يعبر عنها بالكتاب والفصل ، فإن جمعت الثلاثة قلت الكتاب اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على أبواب وفصول . والباب اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على فصول . والفصل اسم لجملة مختصة من أبواب العلم مشتملة على مسائل ، فالكتاب كالجنس الجامع لأبواب جامعة لفصول جامعة لمسائل ، فالأبواب أنواعه ، والفصول أصنافه ، والمسائل أشخاصه اه كلامه . فالثلاثة كالفقير والمسكين إذا اجتمعت افترقت وإذا افترقت اجتمعت .(1/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
قوله : ( لغة ) أي من جهة اللغة أو حالة كونه لغة ، أو أعني لغة أو في اللغة ، فالنصب على التمييز للنسبة بين الطرفين ، أو على الحال عند من يجوّز مجيء الحال من النسبة الكلامية ، أو بتقدير فعل أو بنزع الخافض على ما فيه ، لكن الراجح أنه سماعي وليس هذا منه إِلا أن المصنفين ينزلونه منزلة المسموع لكثرته شوبري مع زيادة . والمراد باللغة لغة العرب وهي ألفاظ وضعها الواضع يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ، والواضع لها قيل هو الله تعالى بمعنى أنه خلق ألفاظاً ووضعها بإزاء المعاني ، وخلق علماً ضرورياً في أناس بأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني ، وقيل الواضع لها البشر باصطلاح وتوافق بينهم ، وقيل بالوقف لعدم الدليل القاطع . قوله : ( والجمع ) عطف عام على خاص لأن كل ضم فيه جمع ولا عكس لأخذ التلاصق في مفهوم الضم دون الجمع . قوله : ( يقال كتبت كتباً ) أي يقال قولاً جارياً على طريقة اللغة . وقوله : كتباً مصدر لكتب وهو مقيس لقول الخلاصة :
فعل قياس مصدر المعدى
وأما اللذان بعده فسماعيان . قوله : ( لما فيه ) أي الخط . وقوله : كتباً معناه الجمع . وقدم الأول لأنه مجرد وكان الأنسب أن يذكر بعده كتاباً لأن فيه حرفاً زائداً فقط ، وكتابة فيه حرفان لكنه لما كان أشهر من كتاباً قدم عليه اه ا ج . وعبارة الشوبري قوله : كتباً مصدر مجرد ، وكتابة وكتاباً مصدران مزيدان ، والأول مزيد بحرفين ، والثاني بحرف وقدم المزيد بحرفين لشهرته اه . قوله : ( المزيد ) وهو الكتاب والكتابة . قوله : ( يشتق من المجرد ) وهو الكتب أي يؤخذ منه فلا يرد أن المصدر جامد لا اشتقاق له . قوله : ( واصطلاحاً ) أي في اصطلاح الفقهاء أي في عرفهم . والاصطلاح اتفاق طائفة على أمر معلوم بينهم متى أطلق انصرف إليهم ، وعبر في الكتاب عن مقابل اللغوي بقوله واصطلاحاً ، وفي الطهارة بقوله : وأما في الشرع بناءً على ما هو المعروف من أن الحقيقة الشرعية هي ما تلقى معناها من الشارع ، وأن ما لم يتلق من الشارع يسمى اصطلاحاً وإن كان في عبارات الفقهاء بأن اصطلحوا على استعماله في معنى فيما بينهم ولم يتلقوا التسمية به من كلام الشارع ، نعم قد يستعملون الحقيقة الشرعية فيما وقع في كلام الفقهاء مطلقاً وإن لم يكن متلقى من الشارع . قوله : ( من العلم ) أي من دالّ العلم فلا يخالف ما اختاره السيد من أن المختار في أسماء الكتب والأبواب والفصول أنها أسماء للألفاظ المخصوصة باعتبار دلالتها على المعاني المخصوصة . قوله : ( فإن جمع بين الثلاثة الخ ) أي هذا(1/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
إن لم يجمع بينها أي ما تقدّم من أن تلك الجملة تسمى بأسماء إذا لم يجمع بين الثلاثة ، فإن جمع بينها الخ . فهو تفصيل للمجمل السابق فلا اعتراض عليه شيخنا . قوله : ( مختصة ) معنى اختصاصها كونها من نوع واحد . وقوله : ( مشتملة على أبواب الخ ) هذه الجملة ليست من تتمة التعريف بل الكتاب اسم لجملة مختصة وإن لم تكن مشتملة على ما ذكر ، فلو حذفها لكان أولى لإيهام توقف التعريف عليها ، لكن هذا يعلم من قول الشارح غالباً كما في الإطفيحي . بقي شيء آخر : وهو أن قوله اسم لجملة يقتضي أن الترجمة هي لفظ الكتاب فقط ، ومعلوم أن التراجم من قبيل علم الجنس أو الشخص على الخلاف فيلزم إضافة العلم ، ولو جعلت الترجمة مجموع التركيب الإضافيّ كان أحسن ، غير أن الشارح عرف كلاًّ من الجزأين على حدته لبيان حالهما قبل العلمية وإن كان الآن لا معنى لكل جزء على حدته لأنه جزء علم .
قوله : ( والباب لغة ما يتوصل ) أي فرجة يتوصل الخ . وأما الخشب فتسميته باباً مجاز للمجاورة أو الحالية والمحلية .
وألغز بعضهم في باب الخشب الذي له مصراعان فقال :
خليلان ممنوعان من كل لذة
ببيتان طول الليل يعتنقان
هما يحفظان الأهل من كل آفة
وعند طلوع الفجر يفترقان
قوله : ( والكتاب هنا ) احترز عما إذا صرح بالمبتدأ . قوله : ( مضاف ) بالرفع صفة خبر ، ويصح أن يكون الكتاب مرفوعاً مبتدأ خبره محذوف ، أو منصوباً بفعل محذوف ، أو مجروراً بحرف جر عند الكوفيين . وفي قوله مضاف إلى محذوفين تسامح فإنه مضاف إلى بيان وبيان مضاف إلى أحكام . قوله : ( بحسب ما يليق به ) لو قال بحسب المضاف إليه لكان مستقيماً . قوله : ( والخلوص من الأدناس ) عطف عام على خاص لأن الخلوص من الأدناس يشمل الحسية كالأنجاس والمعنوية كالعيوب والنظافة خاصة بالحسية ، أو عطف سبب على مسبب ،(1/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
أو عطف لازم على ملزوم ، أو عطف تفسير لأن النظافة أيضاً تشمل الحسية والمعنوية بدليل الحديث : ( إِن الله نظيف أي منزه عن النقائص يحب النظافة ) اه . قرره شيخنا عشماوي .
واعلم أن الطهارة قسمان عينية وحكمية ، فالعينية هي ما لا تتجاوز محل سببها كما في غسل اليد مثلاً عن النجاسة ، فإن الغسل لا يجاوز محل إصابة النجاسة ، والحكمية هي التي تجاوز محل ما ذكر كما في غسل الأعضاء عن الحدث فإن محل السبب الفرج مثلاً حيث خرج منه خارج ، وقد وجب غسل غيره وهو الأعضاء . ولها وسائل ومقاصد ، فوسائلها أربع . ولعل المراد بالوسائل المقدمات التي عبر بها في شرح الإرشاد . وهي المياه والأواني والاجتهاد والنجاسة . ولما كانت النجاسة موجبة للطهارة عدّت من الوسائل بهذا الاعتبار ومقاصدها أربع : الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة ، ولم يعدّوا التراب من الوسائل كالمياه ولا الأحداث منها كالنجاسة ، لأن التراب لما كان طهارة ضرورة لم يعدّ من الوسائل ، ولما لم تتوقف الطهارة على الحدث دائماً بل قد تجب بلا سبق حدث كالمولود إذا أريد تطهيره للطواف به لم يعدوا الحدث منها أيضاً كما قاله ع ش أطفيحي .
قوله : ( كالانجاس ) أي الأعيان النجسة . قوله : ( في تفسيرها ) أي تعريفها . قوله : ( وأحسن ما قيل الخ ) إنما كان أحسن لأنه تعريف لها باعتبار الوصف وهو المعنى الحقيقي للطهارة قوله : ( فيه ) أي تعريفها . وقوله : ( أنه ) أي تعريفها . قوله : ( ارتفاع الخ ) هذا باعتبار الوصف فإن لها إطلاقين عند الفقهاء تطلق على الفعل مجازاً عندهم من إطلاق المسبب على السبب وتطلق على الوصف المرتب على الفعل الذي هو أثره حقيقة فتعريفها الأول باعتبار الوصف . وقوله ( الآتي ) وقيل هي فعل الخ باعتبار الفعل ، لكن كل من تعريفيه خاص بالطهارة الواجبة فينبغي أن يزاد : أو ما فيه ثواب مجرد ليشمل المندوبة ، وعرّفها ابن حجر بما يعم الواجبة والمندوبة باعتبار الفعل وهو أخصر تعريف ، وأشمله بقوله فعل ما يترتب عليه إباحة الصلاة ولو من بعض الوجوه أو ما فيه ثواب مجرد ، وأشار بقوله ولو من بعض الوجوه إلى نحو التيمم ، وبقوله أو ما فيه ثواب مجرد إلى نحو الغسلة الثانية والثالثة وإلى الوضوء والغسل المندوبين فراجع . قوله : ( غسل الذمية والمجنونة ) أي من الحيض أو النفاس وقوله ليحلان لحليلهما ليس قيداً وكذا قوله المسلم وإثبات النون في ليحلان في غالب النسخ لا وجه له ، فالصواب حذفها لأنه منصوب بأن مضمرة جوازاً بعد لام التعليل ، وسيأتي أن ماء هذا الغسل مستعمل ، وقيده ابن حجر بمن يعتقد توقف الحل على الغسل ، فخرج الحنفي الذي لا يعتقد(1/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
توقف الحل على الغسل بل على الانقطاع فقط فلا يكون الماء مستعملاً ، وخرج ما لو اغتسل الكافر ذكراً أو أنثى من الجنابة فإن الماء لا يكون مستعملاً لعدم توقف حال التمتع عليه م د . وقوله : فالصواب المناسب أن يقول فالأولى لأن بعضهم أهمل أن حملاً على ما قال الشاعر :
أن تقرآن على أسماء ويحكما
مني السلام وأن لا تشعرا أحدا
قال في الخلاصة :
وبعضهم أهمل أن حملا على
ما أختها حيث استحقت عملا
قوله : ( وقد يقال الخ ) ضعيف والمعتمد أنه غسل شرعي لأنه أزال المنع من الوطء المرتب على حدوث الحيض أو النفاس . قوله : ( وكذا يقال ) راجع للمعتمد أو لما بعده .
قوله : ( بل هو تكرمة للميت ) قد يقال هو مع كونه تكرمة أزال المنع من الصلاة عليه المرتب على الموت الذي هو في حكم الحدث فهو داخل في التعريف لأن المراد ارتفاع المنع المرتب على الحدث أو ما في حكمه م د . قوله : ( فعل ما ) الإضافة للبيان لأن ما تستباح به فعل ، أو المراد بالفعل المضاف المعنى المصدري والمضاف إليه المعنى الحاصل بالمصدر وهو التطهر . واعترض بأن التعريف لا يشمل الطهارة المندوبة فكان ينبغي أن يزاد أو ما فيه ثواب مجرد كالوضوء المجدد أو الغسلة الثانية والثالثة . قوله : ( وتنقسم ) أو أظهر الفاعل وقال : وتنقسم الطهارة كان أولى ليفيد أن المنقسم لذلك أعم من الطهارة المعرّفة بما تقدم . قوله : ( ثم الواجب الخ ) أراد به ما تأكد طلبه فيشمل الفرض والنفل بدليل ما قرره في البدني . أو يقال غلب الواجب لشرفه . قوله : ( كالحسد ) أي كالتنزه عن الحسد بفتح السين . قال في المصباح : حسدته على النعمة وحسدته النعمة حسداً بفتح السين أكثر من سكونها يتعدى إلى الثاني بنفسه وبالحرف إذا كرهتها عنده وتمنيت زوالها عنه والفاعل حاسد والجمع حساد وحسدة اه . ويفارق الغبطة من حيث إنه تمنى زوال النعمة عن الغير وهي تمني حصول مثل ما للغير ، وربما عبر عنها بالحسد مجازاً مثل : ( لا حسد إِلا في اثنتين ) وسبب الحسد : إما الكبر وإما العداوة وإما خبث النفس إذ يبخل بنعمة الله على عباده من غير غرض له فيه ، ومن الحكمة : إن الحسود لا يسود ، واستثنوا من ذلك ما إذا كانت النعمة لكافر أو فاسق يستعين بها على المعاصي اه م د . والمراد بنعمة الكافر الشيء المعطى له لأن النعمة ملائم تحمد عاقبته ، ومن ثم لا نعمة لله على كافر . قوله :(1/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
( والعجب ) كأن يعجب العابد بعبادته والعالم بعلمه والمطيع بطاعته . مرحومي .
قوله : ( والرياء ) قال في المختار : فعله رياء وسمعة أي ليراه غيره ويسمعه وهو حرام لقوله : ( لا يقبل الله عملاً فيه مقدار ذرة من الرياء ) وقال : ( إِن المرائي ينادى يوم القيامة بأربعة أسماء : يا مرائي يا غاوي يا فاجر يا خاسر اذهب فخذ أجرك ممن عملت له فلا أجر لك عندنا ) . وقال قتادة : إذا راءى العبد يقول الله : انظروا إلى عبدي يستهزىء بي . قوله : ( والكبر ) بكسر الكاف وسكون الباء ، وحقيقته أن يرى نفسه فوق غيره في صفات الكمال فيحصل فيه نفخة وهزة من هذه الرذيلة ، ولذلك قال : ( أعوذ بك من الكبر ) وقال : ( لا ينظر الله تعالى إلى من جر ثوبه خيلاء ) وقال : ( قال الله تعالى : العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي ) وقال : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ) وهو محمول على المستحل أو على عدم الدخول مع السابقين . والكبر ناشىء عن العجب ، والفرق بين العجب والكبر أن العجب يتحقق في نفس المعجب ولو لم يوجد شخص سواه ، بخلاف الكبر فإنه لا يتحقق إِلا بالنسبة للغير . قوله : ( معرفة حدودها ) أي أسمائها بتنزيل معانيها عليها م د . والظاهر إبقاء الحدود على ظاهرها من أن المراد بها التعاريف أي معرفة تعاريفها لتجتنب شيخنا . قوله : ( وأسبابها ) كطلب الجاه والماء بالطبع وطبها وترك ذلك . قوله : ( وعلاجها ) عطف تفسير . قوله : ( المياه ) وأصله مواه قلبت الواو ياء لكسر الميم قبلها كالصيام والقيام . ولهذا لم تقلب الواو في أمواه ومويه أي لعدم كسر ما قبل الواو .
واعلم أنه لما كان للطهارة مقاصد أربع : الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة ، ووسائل أربع : المياه والتراب والتخلل والدابغ ، وبعضهم أبدل التخلل بحجر الاستنجاء قال بعضهم : والأواني . قال شيخنا : والوجه أن الاجتهاد والأواني وسيلة للوسيلة وهو ظاهر ، ولما كان أظهر وسائلها المياه قدمها المصنف . قوله : ( على الأفصح ) ومقابله قصره مع التنوين وتركه . قوله : ( ثم أبدلت الهاء همزة ) أي فتوالى على الكلمة إعلالان أي تغييران . وقد ألغز في ذلك من الوافر المجزوّ :(1/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
ابن لي لفظة جاءت
بإعلالين قد حصلا
فأجاب :
نعم ماء يليق بأن
يجاب به الذي سألا
قوله : ( من عجيب لطف الله ) أي كثرة رفقه بعبيده ق ل . قوله : ( التطهير ) هو مصدر ، والمراد الحاصل به فإنه الذي يتعلق به الحكم سم ، وفيه نظر . ولو علل بأن المطلوب الطهارة بالمعنى الحاصل بالمصدر لا الفعل لكان أولى م د . وقوله : وفيه أي التعليل نظر ، وفي هذا النظر نظر لأن قوله بأن المطلوب الخ هو معنى قول سم ، فإنه الذي الخ فتأمل . وقوله : بالمعنى الحاصل بالمصدر وهو حصول الطهارة وإن كانت بغير فعل كحصولها بالمطر . قوله : ( أي بكل منها ) دفع به ما يوهمه كلام المتن من أنه لا بد من اجتماعها ، ولو قال بمجموعها الصادق بالفرد منها وحده أو مع غيره منها لكان أولى . قوله : ( والحدث الخ ) ذكر هذا هنا تعجيلاً للفائدة ، وإِلا فمحل ذكره نواقض الوضوء . قوله : ( أمر اعتباري ) أي غير محسوس ، وقد قيل : إن أهل البصائر تشاهده ظلمة على الأعضاء ، ومعنى قيامه بالأعضاء وصفها به وهو مانع من صحة الصلاة وغيرها ، ولو مع الجهل والنسيان والتقييد بالحيثية لإدخال الصحة مع وجود الحدث لفاقد الطهورين ق ل . قوله : ( يقوم بالأعضاء ) أي أعضاء الوضوء فقط في الأصغر وجميع البدن في الأكبر . قوله : ( وعلى الأسباب ) أي نواقض الوضوء . قوله : ( وعلى المنع المترتب الخ ) أما ترتب المنع على الأسباب فواضح ، وأما على الأمر الاعتباري ففيه نظر لأنهما متقارنان إِلا أن يراد بالترتب توقفه عليه اه ق ل . قوله : ( على ذلك ) أي المذكور وهو الأمر الاعتباري والأسباب ، لكن ترتبه على الأمر الاعتباري من غير واسطة ، وترتبه على الأسباب بواسطة الأمر الاعتباري . قوله : ( والمراد هنا الأول ) وهو الأمر الاعتباري ، وخرج بهنا ما في نواقض الوضوء ، فإن المراد به الأسباب . وفي جعل المنع صفة له تجوّز ق ل . وقوله : ( تجوز ) أي من حيث الإسناد لأن المانع حقيقة هو الشارع ، والحدث إنما هو سبب . واعترض قوله : يمنع الخ . بأنه حكم للحدث وإدخاله في التعريف يوجب الدور لتوقف معرفة الحدث حينئذ على الحكم لأخذه في تعريفه ، وتوقف الحكم على الحدث لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره . ويجاب بأنه رسم أو أنه ليس من التعريف بل زيد لإفادة الحكم كما أجاب به شيخنا(1/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
ح ف . قوله : ( لأنه الذي لا يرفعه إِلا الماء ) عبارة ابن حجر : لأن المنع مترتب على ذلك ، وكون التيمم يرفع هذا لا يرد لأنه رفع خاص بالنسبة لفرض واحد ، وكلامنا في الرفع العام وهو خاص بالماء . قوله : ( بنحو التيمم ) كطهارة دائم الحدث . قوله : ( ولا فرق في الحدث الخ ) كلامه هنا صريح في أن المراد به الأسباب فينافي قوله السابق ، والمراد هنا الأول إِلا أن يقال إن الحدث هنا غير المعنى المراد فيما تقدم لأن ما هنا لا يرتفع وأما ذاك فيرتفع ، ويدل على ذلك أنه أظهر ولم يقل ولا فرق فيه . قوله : ( الأصغر ) ليس على بابه . وقال بعضهم : إن أفعل التفضيل على بابه أي أصغر بالنسبة للمتوسط والأكبر بالنسبة للمتوسط . قوله : ( والخبث الخ ) ذكره هنا استطرادي وإِلا فمحله باب النجاسة . قوله : ( يمنع ) فيه ما مر في تعريف الحدث . قوله : ( كبول صبي ) الكاف في هذا للاستقصاء وفيما بعده للتمثيل . قوله : ( لم يطعم ) من باب علم . قوله : ( وإنا تعين الخ ) كان ينبغي أن يقدم على هذا امتناع التطهير بغير الماء كما صنع في متن المنهج بقوله : إنما يطهر من مائع ماء مطلق أي لا غيره ثم يرتب عليه قوله : ( وإنما تعين الماء ) الخ لأنه لم يتقدم في كلامه ولا في كلام المتن ما يدل على الحصر فيه . قال ق ل : هذا استدلال على المعروف المعلوم عندهم . قوله : ( الإجماع ) هو إجماع مذهبي ، فلا ينافي مذهب أبي حنيفة القائل بتطهير غير الماء من كل مائع خال عن الدهنية كالخل ، فإنه عنده يطهر الخبث لا الحدث لأنه يحل الباطن والظاهر فلا يرفعه إِلا الماء المطلق والخبث يحل الظاهر فقط ، بدليل أنه يكفي كشط جلده فكفي فيه غسل الظاهر بغير الماء .
قوله : ( الأعرابي ) وهو ذو الخويصرة اليماني وهو مسلم صحابي لا التميمي ، واسمه(1/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
حرقوص وهو رئيس الخوارج ، وقيل هو الأقرع بن حابس . والأعرابي منسوب إلى الأعراب وهم سكان البوادي ، ووقعت النسبة إلى الجمع دون الواحد فقيل لأنه جرى مجرى العلم على القبيلة كأنصار ، وقيل لو نسب إلى واحده وهو عرب لقيل عربي فيشتبه المعنى ، فإن العربي كل من ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، سواء كان ساكناً بالبادية أو بالقرى ، وهذا غير المعنى الأول وزجر الناس له من باب المبادرة إلى إنكار المنكر عند من يعتقده منكراً وفيه تنزيه المسجد عن الأنجاس كلها . ونهى النبي الناس عن زجره ، لأنه إذا قطع عليه البول أدى إلى ضرر بدنه ، والمفسدة التي حصلت ببوله لا ينضم لها مفسدة أخرى وهي ضرر بدنه ، لئلا يجتمع مفسدتان . وأيضاً فإنه إذا زجر مع جهله الذي ظهر منه قد يؤدي إلى تنجس مكان آخر من المسجد بترشيش البول ، بخلاف ما إذا ترك حتى يفرغ فإن الرشاش لا ينتشر ، وفي هذا الإبانة عن جميل أخلاق رسول الله ورفقه ولطفه بالجاهل ، وبين الأعراب والعرب العموم والخصوص الوجهي ، كما يعلم من تفسير الأعراب بأنهم سكان البوادي من العرب أو العجم ، وتفسير العرب بأنهم من ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام من سكان الحضر أو البوادي ، فيجتمعان فيمن كان من ولد إسماعيل وسكن البادية ، وينفرد العربي فيمن كان من ولد إسماعيل وسكن الحضر ، وينفرد الأعرابي فيمن كان من العجم وسكن البادية . قوله : ( ذنوباً من ماء ) على حذف مضاف أي مظروف ذنوب حال كونه بعض الماء ، فمن تبعيضية وهي مع مدخولها في محل نصب على الحال ومجيء الحال من النكرة قليل . قوله : ( الدلو الممتلئة ماء ) إذا كان هذا معنى الذنوب فما فائدة قوله بعده في الحديث من ماء وتقييده به ؟ ويجاب بأن الذنوب يطلق أيضاً حقيقة على الدلو الفارغة وعبارة القاموس الذنوب الدلو أو وفيها ماء أو الممتلئة أو القريبة من الملء أي فيحمل الذنوب في الحديث على الدلو فقط ، وعبارة الرشيدي قوله الدلو الممتلئة ماء وعليه فقوله : ( من ماء ) تأكيد لدفع توهم التجوز بالذنوب عن مطلق الدلو . وقوله : ( الممتلئة ) يفيد أن الدلو مؤنثة وفي المختار أنها تؤنث وتذكر كما نقله ع ش على م ر . وقال ابن السكيت : الغالب عليها التأنيث ، وقد تذكر وتصغيرها دلية وجمع القلة أدل . وفي الكثرة دلاء ودلي بضم الدال وتشديد الياء ، وأدليت الدلو أي أرسلتها في البئر ، ودلوتها نزعتها منها اه إشارات لابن الملقن .
قوله : ( والأمر ) أي في الحديث وقوله : ( كما مر ) أي في الآية . قوله : ( لما وجب غسل البول به ) فيه بحث لجواز أن يكون الأمر به لكونه من ما صدق الواجب ، أو لأنه المتيسر إذ ذاك ، فلا ينافي زوال الخبث بغيره كالخل شوبري على المنهج . قوله : ( ولا يقاس به غيره الخ ) لا يخفى أنه قد علم نفي القياس من الإجماع المذكور اه ق ل . وأجيب : بأن الإجماع المتقدم على اشتراطه في الحدث ، وما هنا في الخبث فمحل الإجماع غير محل القياس المنفي فتأمل .(1/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
قوله : ( عند الإمام ) أي إمام الحرمين لأنه المراد عند إطلاق الفقهاء . قوله : ( لما فيه من الرقة ) أي فهو معقول المعنى . قوله : ( التي لا توجد في غيره ) بدليل أنه لا يرسب للصافي منه ثفل بإغلائه بخلاف الصافي من غيره ، ومن ثم قال بعض الحكماء : لا لون له وما يظهر فيه لون ظرفه أو مقابله لأنه جسم شفاف . وقال الرازي : بل له لون ويرى مع ذلك لا يحجب عن رؤية ما وراءه وعلى أن له لوناً فقيل أبيض اه . قوله : ( إذا أضيف إلى العقود ) أي إضافة لغوية وهي مجرد الإسناد نحو : يجوز بيع كذا أي يصح . وقوله : ( إلى الأفعال ) . نحو يجوز أكل البصل أي يحل . قوله : ( وهو هنا بمعنى الأمرين ) أي فيكون من استعمال المشترك في معنييه لكن يرد عليه نحو الماء المغصوب فإنه يصح التطهير به ولا يحل ، والظاهر بل المتعينّ أنّ يجوز هنا بمعنى يصح لأجل إدخال الماء المسبل والمغصوب ، لكن يلزم عليه استعمال المشترك في أحد معنييه بلا قرينة إِلا أن يقال إنها حالية وعبارة م د قوله : ( وهو هنا ) بمعنى الأمرين أي أن هذا المحل مستثنى والجواز فيه بمعنى الصحة والحل معاً ، فلا يرد أن التطهير فعل فكيف يكون بمعنى الصحة اه . وقوله : ( فلا يرد ) أي لأنه المستثنى من قول الشارح يجوز إلى قوله بمعنى الحل أي فهي قاعدة أغلبية . وأجاب سم عن إيراد المسبل والمغصوب ، بأنهما يحلان بالنظر لذاتهما وإن حرما من جهة أخرى . قوله : ( فعصى ) تفريع على تقرب الخ . ولا حاجة إليه مع تعليله بعد قوله يحرم مع تعليله الذي هو تعليل لعدم الصحة أيضاً ، لأنه يلزم من الحرمة العصيان إِلا أن يقال إنه تصريح بما علم التزاماً . قوله : ( لتلاعبه ) قال ق ل : لو قال لتعاطيه عبادة فاسدة كان أولى لأن العصيان قد يجامع الصحة اه . قوله : ( سبع مياه ) الأحسن سبعة بالتاء لأن معدوده جمع ماء وهو مذكر اه ع ش . قال ا ج : زاد لفظ مياه للتأكد والمبادرة إلى أن المراد الأنواع لا الأفراد ، ولا يرد تبادر الحصر لما سيذكره من غيرها كالنابع من بين أصابعه ، لأن المراد المياه المشهورة العامة الوجود ولأن العدد لا مفهوم له .
قوله : ( ماء السماء ) من إضافة الحال للمحل ، وروي عن مجاهد أنه قال : ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحاً فقيل أو تبكي ؟ فقال : وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود ، وما للسماء لا تبكي على عبد كان تسبيحه وتكبيره(1/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
فيها يدوي كدوي النحل . قيل : بكاء السماء حمرة أطرافها اه . وعن أنس بن مالك عن النبي أنه قال : ( ما من مؤمن إِلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكى عليه باب عمله ) وقيل : المراد أهل السماء والأرض ذكره النبتيتي على المعراج . قوله : ( لشرفها على الأرض الخ ) هذا ما اعتمده المؤلف ، والأصح عند غيره أن الأرض أفضل وعليه مشايخنا اه ق ل . قال الرملي في شرحه : ومكة أي وكذا بقية الحرم أفضل الأرض للأحاديث الصحيحة التي لا تقبل النزاع كما قاله ابن عبد البر وغيره ، وأفضل بقاعها الكعبة المشرفة ثم بيت خديجة بعد المسجد الحرام ، نعم التربة التي ضمت أعضاء سيدنا رسول الله أفضل من جميع ما مر حتى من العرش اه . وقال والده في حواشي الروض : وأفضل من السموات السبع ومن العرش والكرسي والجنة .
فإن قيل : يرد على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام ينقل من أفضل لمفضول . والجواب : إنه خلق من تلك التربة ، فلو كان ثم أفضل منها لخلق من ذلك ، كما قيل إن صدره عليه الصلاة والسلام لما شق غسل بماء زمزم ، فلو كان ثم أفضل منه لغسل بذلك الأفضل على أنه ورد : ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ) فإن حمل ذلك على أنها من الجنة حقيقة زال الإشكال ، ويكون المراد بالبينة ما بين ابتداء قبري أي لا من آخره روضة ، فيكون القبر داخلاً في الروضة اه . ومعنى قوله : زال الإشكال يعني بأن ينقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة كما قاله بعضهم ، وقال أيضاً في معناه أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر فيها ، فيكون تشبيهاً بغير أداة ، أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازاً هذا محصل ما أوله العلماء في هذا الحديث .
ونقل بعضهم عن ابن حجر أن قبور سائر الأنبياء أفضل مما تقدم ذكره ، كقبر نبينا ، والذي في شرحه على المنهاج كشرح م ر لم تستثن فيه إِلا البقعة التي ضمت أعضاءه ، وقضية اقتصارهما عليها اختصاص الحكم المذكور لها دون غيرها مما ذكر اه . قال بعضهم : ويبقى النظر فيما ضم روحه الشريفة هل هو أفضل مما ضم الأعضاء أو مساويه في الفضل أو ما ضم أعضاءه الشريفة أفضل مما ضم روحه الشريفة ؟ حرره .
قوله : ( في المجموع ) اعتمده الرملي . قوله : ( أن ينزل من كل منهما ) أي ينزل على التعاقب من الجرم أولاً ومن السحاب ثانياً ، فهو جمع بين القولين . قال السيوطي : وفي(1/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
الحديث : ( إن المطر ثمر شجرة في الجنة ينفتح له أزهارها فيخرج فسبحان القادر على كل شيء ) . وفي الحديث أيضاً : ( ما من ساعة من ليل أو نهار إلا والسماء تمطر إِلا أن الله يصرفه حيث شاء ) اه . وأفضل السموات السماء التي فيها العرش ، وأفضل الأرضين الأرض التي نحن عليها . وسئل الحافظ السيوطي هل كانت أيام موجودة قبل خلق السموات والأرض ؟ فأجاب : بأن خلق السموات والأرض وخلق الأيام كان دفعة واحدة من غير تقديم أحدهما على الآخر ، وأطال في الاستدلال على ذلك في الفتاوى . قال في فتح الباري : وحاصل جواب ابن عباس لسائله عن خلق الأرض والسموات أيهما تقدّم أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة ، ثم خلق السموات فسواها في يومين ، ثم دحا الأرض بعد ذلك أي بسطها وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين ، فتلك أربعة أيام للأرض .
قوله : ( المالح الخ ) بالرفع نعت لماء وبالجر نعت للبحر ، فإنه اسم للماء الكثير أو الملح فقط كما في القاموس ، وقد يراد به مكان الماء وهو ظاهر الحديث ، وهو على الأولين من الإضافة البيانية أو من إضافة الأعم إلى الأخص كما في ق ل .
قوله : ( هو الطهور ماؤه الخ ) أوله عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) والطهور هنا بفتح الطاء لأنه اسم للماء الذي يتطهر به ، والطهور بضم الطاء اسم لفعل التطهر هذا هو المشهور ، والحل بمعنى الحلال كالحرم بمعنى الحرام ، والميتة هنا بفتح الميم لأن المراد العين الميتة ، وأما الميتة بكسر الميم فهي هيئة الموت ، ولا معنى لها هنا إِلا بتكلف ، والميتة بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد في موارد الاستعمال ، وفصل بعضهم بينهما . وفي إعراب الحديث أوجه : الأول : أن يكون هو مبتدأ ، والطهور مبتدأ ثانياً خبر ماؤه ، والجملة من هذا المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول . الثاني : أن يكون هو مبتدأ ، والطهور خبره ، وماؤه بدل اشتمال ، وفي هذا الوجه بحث دقيق . الثالث : أن يكون هو ضمير الشأن ، والطهور ماؤه مبتدأ وخبر خبره ، ولا يمنع من هذا تقدم ذكر(1/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
البحر في السؤال لأنه إذا قصد الاستئناف وعدم إعادة الضمير في قوله هو على البحر صح هذا الوجه ، وهذا كما قالوا في هو الله أحد إنه ضمير شأن مع ما روي من تقدم ذكر الله تعالى في سؤال المشركين حيث قالوا انسب لنا ربك . الرابع : أن يكون هو مبتدأ ، والطهور خبره ، وماؤه فاعل لأنه قد اعتمد عامله لكونه خبراً .
فإن قلت : ماء البحر هل خلق ملحاً أو كان في أصل خلقته عذباً ثم صار ملحاً لئلا يتعفن ؟ قلت : نختار الشق الثاني ، والدليل عليه قولهم إن جميع المياه من السماء لقوله تعالى : ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } ) الزمر : 21 ) وإنما قسمها الفقهاء على ما يشاهد عادة والماء المنزل من السماء عذب ، ويدل عليه ما ذكر في معالم التنزيل : إن قابيل لما قتل هابيل وآدم حينئذ بمكة اشتاك الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه ومر الماء واغبرت الأرض . وعن عليّ تغيرت الأرض يومئذ وطعوم الثمار وضوء الشمس ونور القمر وريح الرياحين وعذوبة الماء ونبت العوسج .
وسئل العلامة النجم الغيطي عن ماء الطوفان : هل كان عذباً أو ملحاً وهو الذي أغرق الله به قوم نوح ، وهل ورد في ذلك شيء أم لا وما الحكم في ذلك ؟ فأجاب الحمد لله اللهم علمني من لدنك علماً كان حال الإغراق عذباً ، وإنما حدثت له الملوحة بعد والبحار الملحة الآن من بقايا ذلك ، واستشهد بأحاديث لذلك ، ثم قال وما قاله شيخنا الإمام الأوحد أبو الحسن الصديقي في تفسيره تسهيل السبيل : إن ماء الطوفان كان عذباً ورد التصريح فيه في الآثار ، وقيل كان كله من السماء ، وأراد الرجوع إلى محله الذي خرج منه فقال له الله تعالى : أنت رجس وغضب فعاد ملحاً ، وقيل إن الأرض بلعت الحلو وما استعصى عليها صار ملحاً ، وقد تظافر على ما قاله كثير من المفسرين كابن الجوزي وغيره .
قوله : ( على الشافعي ) وعن بعضهم على المزني . وأجيب : بأنه يمكن أن الشافعي قالها ابتداء في تقرير أو غيره ، وقالها المزني بعده ، والمعترض هو الفراء وغيره . قوله : ( وهو ) أي المعترض على الشافعي مخطىء في اعتراضه ، وذكر البيت من الشارح استشهاد على خطئه وقرعه أي وبخه بسقم فهمه ورداءته ق ل . قوله : ( فلو تفلت الخ ) وقبله :
ولو ظهرت في الغرب يوماً لراهب
لخلى سبيل الشرق وابتع الغربا(1/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
ولو أنها للمشركين تعرّضت
لاتخذوها بين أصنامهم ربا
فلو تفلت الخ . قوله : ( وكم من عائب الخ ) وبعده :
ولكن تأخذ الآذان منه
على قدر القريحة والفهوم
قوله : ( أي العذب ) بالرفع نعت لماء فإن النهر مجرى الماء كما في القاموس . قوله : ( كالنيل والفرات ) هما مع سيحان وجيحان من أنهار الجنة . ومن عجائب النيل أنه كان لا يمتدّ في أيام الزيادة حتى يجتمعوا على شراء جارية ويزينوها ويلبسونها حللاً ويطرحونها في مكان مخصوص من النيل ، فلما جاء الإسلام أخبر بذلك عمر بن الخطاب ، فكتب عمر كتاباً يقول فيه : أما بعد ؛ فإن كنت أيها النيل لا تمتد إلا بقتل نفس محرمة فلا حاجة لنا فيك ، وإن كنت تمتدّ بأمر الله فافعل ، وأمر بطرح الكتاب فيه ، فلما طرحوه امتدّ من بعد ذلك . ذكره في عجائب الملكوت ، وقد كانوا أقاموا بؤنة وأبيب ومسرى لا يجري لا قليلاً ولا كثيراً ، فلما ألقوا كتاب عمر أصبحوا وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة ، فقطع الله تلك السنة السيئة عن أهل مصر إلى اليوم .
وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : نيل مصر سيد الأنهار فسخر الله عز وجل له كل نهر بين المشرق والمغرب وذلله ، فإذا أراد الله عز وجل أن يجري نيل مصر أمر كل نهر يمده فتمده الأنهار بمائها ويفجر الله له الأرض عيوناً ، فإذا انتهى جريانه إلى ما أراد الله عز وجل أوحى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره أي أصله . ونقل ابن زولاق في تاريخ مصر عن كعب الأحبار : أربعة أنها من الجنة وضعها الله في الدنيا فنهر مصر نهر العسل في الجنة ، والفرات نهر الخمر ، وسيحان نهر الماء ، وجيحان نهر اللبن ، وقال أيضاً : إن النيل يجري من تحت سدرة المنتهى حال نزوله ، وقال : ( إن النيل يخرج من الجنة ولو أنكم التمستم فيه إذ مددتم أيديكم لوجدتم فيه من ورق الجنة ) ولذلك ندب أكل البلطي من السمك لأنه يتتبع أوراق الجنة فيرعاها . قال ابن العماد الأفقهسي رحمه الله : روي عن النبي قال : ( عليكم بالخيروم فإنه يرعى من حشيش الجنة ) وذكر السيوطي أنه كان على نيل مصر لحفر خلجانها وإقامة جسورها وبناء قناطرها وقطع جزائرها مائة ألف وعشرون ألف فاعل ، معهم الأغلاق والمساحي يتعهدون ذلك ولا يدعونه صيفاً ولا شتاء ، وأجرتهم من بيت المال .
فائدة : قال ابن إياس في كتابه نشق الأزهار ما نصه : قال السدي : وجدت رمانة على(1/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
بعض شطوط الفرات جاء بها الماء وهي خلقة عظيمة ، وكان في خلافة عمر بن الخطاب فأتوا بها إليه فوزنوها فوجدوها ثلاثة قناطير عراقية فقسمها على المسلمين ، وزعموا أنها من رمان الجنة اه اج . وقال الزرقاني على المواهب : البحار سبعة كما أخرجه أبو الشيخ عن ابن عباس ووهب ، وأخرج أيضاً عن حسان بن عطية قال : بلغني مسيرة الأرض خمسمائة سنة ، بحورها منها ثلاثمائة سنة ، والخراب منها مسيرة مائة سنة والعمران مسيرة مائة سنة اه .
قوله : ( بئر زمزم ) كجعفر فإن أريد به البقعة منع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي ، وإن أريد به المكان صرف لأنه مذكر ، وهي في المسجد الحرام قريبة من الكعبة ، وعمقها إحدى عشرة قامة وعمق الماء سبع قامات ، ودور البئر أربعون شبراً ، وارتفاع سور البئر أربعة أشبار ونصف . قال السيوطي : وتجتمع فيها أرواح الموتى المسلمين أي الصالحين وغير الصالحين من المسلمين يجتمعون في بئر معونة في بيت المقدس ، وسميت البئر بزمزم لأن الماء حين خرج منها سال يميناً وشمالاً ، فزم بالبناء للمجهول أي منع من السيلان بجمع التراب حواليه وأصلها من ضرب جبريل الأرض بجناحه . وذلك أن سيدنا إبراهيم الخليل وضع أمته هاجر وولده منها إسماعيل وهي ترضعه في الحجر ووضع عندهما جراباً فيه تمر وقربة صغيرة فيها ماء ثم ذهب فتبعته هاجر فقالت : أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ؟ وكررت ذلك فلم يلتفت إليها . فقال : هل أمرك الله بهذا ؟ قال : نعم . قالت إذن لا يضيعنا ثم رجعت ، فاستقبل إبراهيم البيت ورفع يديه ودعا بقوله : ) ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع } ) إبراهيم : 37 ) حتى بلغ : ) يشكرون } ) إبراهيم : 37 ) ومن للتبعيض أي بعض ذريتي ، فلما فرع الماء عطشت فانقطع لبنها فعطش إسماعيل وبكى وصار يعلو صوته وينخفض ويضرب بعقبيه ، فانطلقت كراهة أن تنظر إليه وقالت : يموت وأنا غائبة عنه أهون عليّ ، وعسى الله أن يجعل في ممشاي خيراً ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض فقامت عليه واستغاثت بالله ونظرت فلم ترد أحداً ، فهبطت من الصفا والوادي يومئذ عميق ، فجاوزت الوادي إلى المروة فقامت عليها ونظرت فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات ، فلذا شرع السعي سبعاً ، وفي كل مرة تذهب إلى إسماعيل وتنظر ما حدث له ، فلما أشرفت على(1/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
المروة سمعت صوتاً ، فقالت : أغثني فإذا هو جبريل . فقال : من أنت ؟ قالت : هاجر أم ولد إبراهيم . قال : فإلى من وكلكما ؟ قالت : إلى الله تعالى ، قال : وكلكما إلى كاف فخرج يصوب بين يديها حتى انتهى بها عند رأس إسماعيل ، ثم انطلق بها حتى وقف على موضع زمزم فضرب بعقبه أو بجناحه الأرض ، فنبعت زمزم حتى ظهر الماء على وجه الأرض ، وساح حتى قرب من إسماعيل فصارت تجمع التراب حول الماء مخافة أن يفوتها قبل أن تأتي بقربتها وجعلت تغرف الماء في سقائها وتقول : زمي زمي أي اجتمعي فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها : لا تخافي الضيعة أي الهلاك فإن ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، فاجتمعت فسميت بذلك لزمزمتها أي اجتماعها أو لكثرة مائها ، أو لزمزمة جبريل أي تكلمه عند انفجارها ، ويقال لها زمزام وشراب الأبرار .
قال ابن عباس : صلوا في مصلى الأخيار ، واشربوا من شراب الأبرار . قيل : ما مصلى الأخيار ؟ قال : تحت الميزاب ، قيل : ما شراب الأبرار ؟ قال : ماء زمزم ، وأكرم به من شراب ، وأصلها زمم فاستثقلوا الجمع بين ثلاث ميمات فأبدلوا من الثانية زاياً . قال العلامة ق ل : ولا بأس بنقل مائها بل هو مندوب لأن المصطفى كان ينقله من مكة إلى المدينة ويهديه لأصحابه وكان يستهديه من أهل مكة . وما قيل إنه يبدل فمن خرافات العوام اه . وذكر سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه قال : كان الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يزور هاجر في كل يوم من الشام على البراق شغفاً بها وقلة صبر عنها . وكان السبب في إسكانها مكة ما ذكره العلماء أن سارّة زوج إبراهيم عليه السلام قد منعت الولد ويئست ، وكانت هاجر جاريتها ذات هيئة وجمال فوهبتها لإبراهيم عليه السلام فوقع عليها فحملت بإسماعيل فغضبت سارة فحصلت لها غيرة فنقلها من عندها ، وبعد ذلك حملت سارة بإسحاق وبينهما أربع عشرة سنة ، فبلغ عمر إسماعيل مائة وثلاثين سنة ، وعمر إسحاق مائة وثمانين سنة ذكره السيوطي .
قوله : ( وإنه لا ينبغي الخ ) صادق بالإباحة وهو لا يلائم ما يأتي من حكاية الخلاف ، فالمناسب أن يقول وإنه ينبغي أن لا تزال النجاسة به اه . أي فيكون الانبغاء بمعنى الوجوب على القول الأوّل والندب على الأخيرين اه ح ف . قوله : ( والمعتمد الكراهة ) ضعيف بل المعتمد أنه خلاف الأولى ، والظاهر أن مثله الماء النابع من بين أصابعه ع ش . قوله : ( لأن أبا ذر ) هذا لا يدل على الكراهة ، وإنما يدل على مطلق الجواز . قوله : ( أدمته ) أي أسالته .(1/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
وقوله : ( رجموه ) وإنما صح الاستدلال به لأن مثله لا يفعل من قبل الرأي . قوله : ( قتل ) أي قتله الحجاج وصلبه مدة طويلة . قوله : ( أوصاله ) أي أعضاؤه . وقوله : بماء زمزم متعلق بغسلت . قوله : ( أو الحيوانية ) أي صورة . قوله : ( من الزلال ) بوزن غراب كما في القاموس . قوله : ( على صورة الحيوان ) وليس حيواناً لأنه ينماع إلى الماء عند عروض الحرارة له ق ل . قال ا ج : وإنما هو جماد يقال له دود الماء ويسمى بالزلال أيضاً . قال ابن حجر : فإن تحقق كونه حيواناً كان ما في بطنه نجساً لأنه قيء . قوله : ( كالنابع من بين أصابعه ) وهو إيجاد معدوم على الراجح . وقيل تكثير موجود يعني أنه هو من ذات الأصابع الشريفة أو من خارج . والراجح الأول . ويمكن الجمع بينهما بأنه إيجاد معدوم بالنسبة للزيادة على ما في الإناء وتكثير موجود بالنسبة لما في الإناء . قوله : ( مطلقاً ) قال بعضهم :
وأفضل المياه ماء قد نبع
من بين أصابع النبي المتبع
يليه ماء زمزم فالكوثر
فنيل مصر ثم باقي الأنهر
قوله : ( ثم يعرض لهما الجمود ) فيه نظر لأنه يقتضي اتحادهما ، ولعل الفرق بينهما على هذا كبر حبات الأول وصغر حبات الثاني ، وفي حاشية الأجهوري ما نصه : وكلام ابن الرفعة هو المعول عليه فإن الماء ينزل مائعاً ابتداءً ، لكن الثلج يعرض له الجمود ويستمر ، والبرد يعرض له الجمود وينماع أي عقب وقوعه على الأرض ، وبهذا التقرير يندفع الاعتراض على الشارح . قوله : ( فلا يردان على المصنف ) أي لا يرد عليه ذكرهما مع دخولهما في ماء السماء . واعلم أن مراد المصنف ما تحلل منهما كما نهب عليه سم . وقال بعضهم قوله : لا يردان(1/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
لأنه عرض لهما صفة غيرته أي الماء عن حالته وهي الجمود . قوله : ( ولا ماء الزرع ) وهو الندى وما قيل إنه نفس دابة فمردود إذ لا دليل عليه .
قوله : ( لأنه لا يخرج ) لدخوله في ماء السماء . قوله : ( ثم المياه الخ ) لما فرغ من تقسيم المياه بحسب محالها المضافة هي إليها شرع في تقسيمها بحسب أوصافها فقال : ثم الخ . وثم للترتيب الذكري لا المعنوي وأل للعهد الذكري ، كما أشار إليه الشارح بقوله المذكورة ، ولو قال ثم الماء لكان أولى لأنه هو الذي ينقسم إلى هذه الجزئيات ، وأما الجمع فلا ينقسم إليها بل إلى ما سبق وهو ماء السماء إِلا أن يقال أل جنسية تبطل الجمعية ، والظاهر أن على بمعنى إلى ، لأن المعنى تنقسم إلى أربعة أقسام ولو أسقطها المصنف لكان أخصر ، والتقسيم باعتبار صحة الطهارة وعدمها والكراهة ونفيها ، وإِلا فهي في الحقيقة ثلاثة أقسام فقط طهور وطاهر ونجس ، والتقسيم المذكور من قبيل تقسيم الكلي إلى جزئياته كتقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف ، لوجود شرط صحته وهو صحة الإخبار بالمقسم الذي هو محل ورود القسمة عن كل من الأقسام ، فالمقسم هنا الماء مفرد المياه ، وقسمة أحد من الأقسام الأربعة مثل الطاهر المطهر الغير المكروه هو بالنسبة لمحلها وهو الماء قسم ، وبالنسبة لأحد بقية الأقسام قسيم لأن القسم بكسر فسكون ما كان مندرجاً تحت القسم وأخص منه ، والقسم محل ورود القسمة ، والقسيم ما كان مبايناً للشيء أي مخالفاً ومغايراً له ومندرجاً معه تحت أصل كلي ، واختيار صحة تقسيم الكلي إلى جزئياته بجعل القسم مبتدأ والإخبار عنه بالقسم ، فإن صح الإخبار نحو الطاهر المطهر الخ ماء فهو من تقسيم الكلي إلى جزئياته ، وإِلا فهو من تقسيم الكلي إلى أجزائه كتقسيم الكلام إلى الاسم والفعل والحرف ، إذ لا يصح أن يقال الاسم كلام وهكذا . وسكت عن الحرام كالمسبل لعدم اعتبار ضرر فيه في البدن ، قال سم : وهذا تقسيم اعتباري فلا ينافي تداخل بعض الأقسام ، فالمشمس مطلق كما هو معلوم من تعريفه وهو ما يسمى ماء بلا قيد لاجزاء التطهير به .
قوله : ( أحدها ماء الخ ) جعل قول المصنف طاهر خبراً لهذا المبتدأ ، ولا يتعين لجواز جره بالبدلية من أربع ونصبه بمقدر ، وإن لم يساعده الرسم لجواز جريه على قول من رسم المنصوب بصورة رسم المرفوع ع ش . قوله : ( في نفسه ) أي لذاته من غير ضمّ . وصف إليه(1/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
كما يقال قيمة الأمة في نفسها كذا أي : غير منظور فيها إلى وصف زائد كالحمل واللبن اه ع ش . قوله : ( مطهر ) أي مجزىء في الطهارة الشرعية من رفع حدث وإزالة نجس وغيرهما كالأغسال المندوبة . قوله : ( استعماله ) نائب فاعل مكروه وقدره لأن ذات الماء لا يصح وصفها بالكراهة ولا غيرها من الأحكام كما قاله ع ش . قوله : ( بإضافة ) هو وما بعده متعلق بقيد لإفادة بيان أنواعه ق ل . وهو بدل من قيد ، فمراد ق ل التعلق من جهة المعنى . قوله : ( إذا رأت ) أي علمت . قوله : ( لأن القيد ) على حذف مضاف أي ذا القيد الخ . قوله : ( بدونه ) أي القيد الغير اللازم . قوله : ( عنه ) أي عن خروجه بل هو داخل بدون القيد . قوله : ( بما ذكر ) أي قوله وهو ما يسمى ماء بلا قيد . قوله : ( وأورد عليه ) أي على تعريف المطلق . الحاصل أنه اعترض على التعريف بأنه غير جامع لعدم شموله للماء المتغير بما في المقرّ ونحوه وغير مانع لدخول المستعمل . والماء القليل للتنجس بمجرد اتصال النجاسة به ولم يتغير . وأجيب : بأن المراد ما يسمى ماء بلا قيد عند أهل الشرع واللسان العالمين بأحوال المياه وهم يدخلون الأول ويخرجون الثاني . قوله : ( وطحلب ) بضم أوله مع ضم ثالثه أو فتحه شيء أخضر يعلو الماء من طول المكث ، ولا فرق بين أن يكون بمقره وممره أولاً ، نعم إن أخذ ودق ثم طرح ضر لكونه مخالطاً مستغنى عنه اه م ر .
فرع : لو وقع في الماء مخالط ومجاور معاً وشككنا هل التغير من المخالط أو المجاور ؟ فالصحيح أنا لا نسلب الطهورية بالشك كما قاله الزيادي . قوله : ( لم يعر ) بفتح الراء أي لم يخل وأما بضمها فبمعنى ينزل قال الشاعر :
وإني لتعروني لذكراك هزة
كما انتفض العصفور بلله القطر(1/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
قوله : ( عما ذكر ) أي القيد اللازم وهو التغير فإن من رآه يقول هذا ماء متغير . قوله : ( بمنع أنه مطلق ) ضعيف . وقوله : ( من غير المطلق ) أي من عدم جواز التطهير بغير المطلق . وقوله : ( على أن الرافعي ) الخ . معتمد وأهل اللسان هم أهل اللغة وأهل العرف هم حملة الشرع . قوله : ( لا يمتنعون من إيقاع اسم الماء المطلق ) بل هو مطلق عندهم . قوله : ( لأنه غير مطلق ) المناسب أن يقول لأنه مقيد عند العالم بحاله . قوله : ( استعماله ) قدره إشارة إلى أن الأحكام إنما تتعلق بأفعال المكلفين . قوله : ( شرعاً ) أي وطباً ومثله الشرب قائماً وسهر الليل أي معظمه في العبادة يكره طباً لا شرعاً ، والنوم قبل العشاء يكره شرعاً لا طباً ، ومما يسن طباً وشرعاً الفطر على التمر وغير ذلك ، فأشار الشارح بقوله شرعاً للرد على من قال الكراهة طبية فقط وفائدة الخلاف الثواب وعدمه ، فإن قلنا : شرعية أثيب تاركه امتثالاً ، وإن قلنا إرشادية أي طبية فقط فلا ، ولهذا قال السبكي : التحقيق أن فاعل الإرشاد لمجرد غرضه لا يثاب عليه ولمجرد الامتثال يثاب ولهما يثاب ثواباً أنقص من ثواب من محض قصد الامتثال اه . وعبارة ق ل على الجلال وكراهته شرعية ، وإن كان أصلها الطب فيثاب تاركها امتثالاً ، ولذلك حرم على من ظن فيه الضرر بعدل ولا تنتظر برودته لو ضاق الوقت ، بل يجب استعماله إن لم يعلم ضرره وإِلا لم يجز استعماله ، بل يتيمم ويصلي بخلاف من معه ماء يحتاج إلى تسخينه وهو قادر عليه فيجب عليه الصبر ، وإن خرج الوقت اه . والفرق أن التبريد ليس في قدرته بخلاف التسخين . قوله : ( تنزيهاً ) مفعول مطلق على حذف مضاف أي كراهة تنزيه وهو ما طلب تركه طلباً غير جازم ، ودفع بذلك كراهة التحريم . نعم إن ظن فيه الضرر عادة كما قاله شيخنا ، أو بقول طبيب عدل حرم استعماله وإن خرج الوقت ويعدل إلى التيمم ق ل مع زيادة . قوله : ( في الطهارة ) ليس بقيد كما سيأتي له في مسألة الطعام واقتصر عليها لأنها محل النزاع ا ج . وهذه الظرفية مشكلة بحسب الظاهر ، وذلك لأن الاستعمال معناه الفعل والطهارة إما فعل ما تستباح به الصلاة أو زوال المنع المترتب على ذلك ، فيلزم على الأول ظرفية الشيء في نفسه ، ولا معنى لقولنا مكروه استعماله في الاستعمال أو في زوال المنع . وأجيب : بأن الاستعمال المظروف هو اللغوي العام فظرف في الخاص وهو الاستعمال المخصوص ، وجواب الثاني أن(1/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
في للسببية أي مكروه استعماله لأجل زوال المنع . قوله : ( وهو الماء المشمس ) ومثل الماء غيره من سائر المائعات ، وإنما ذكر للمصنف الماء لأجل التقسيم أي تقسيم الماء .
قوله : ( أي المتشمس ) فيه إشارة إلى أنه لا يشترط في الكراهة فعل وفاعل ، ولا القصد فيشمل ما تشمس بنفسه سواء داوم على الاستعمال أم لا خلافاً لمن قيد الكراهية وبالمداومة ، ولا فرق بين القليل والكثير مغطى أو مكشوفاً لكن المكشوف أشد كراهة . قوله : ( عن عمر ) لعل الشافعي أطلع على أن عمر رواه عن النبي ولم يقله عن اجتهاد حتى يتأتى الاستدلال به ، ولو استدل الشارح بما روي عن عائشة : ( أنها سخنت ماء في الشمس له فقال : لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص ) وإن كان ضعيفاً ثم يقويه بخبر عمر كان أولى ولضعفه لم يقل بالحرمة اه م د . وقوله : ( يا حميراء ) تصغير حمراء لأنها كانت حمراء ح ف . لعل المراد أن بياضها مشوب بحمرة . وفي الميزان للشعراني ، وقال الأئمة الثلاثة بعدم كراهة استعمال الماء المشمس في الطهارة ، والأصح من مذهب الشافعي كراهة استعماله . ووجه الأول عدم صحة دليل فيه ، فلو أنه كان يضر الأمة لبينه لهم رسول الله ولو في حديث واحد ، والأثر في ذلك عن عمر ضعيف جداً فبقي على الإباحة . ووجه الثاني الأخذ بالأحوط في الجملة اه . وأجيب بأن خبر عمر اشتهر بين الصحابة فصار إجماعاً سكوتياً .
قوله : ( يكره الاغتسال به ) وقيس بالاغتسال باقي أنواع الاستعمالات . قوله : ( ببلاد حارة ) فيه اعتبار البلد دون القطر ومحله في بلد خالفت وضع القطر مثل حران في الشأم ، وإِلا فالمعتبر القطر كالحجاز ق ل . وهذا لا يظهر إِلا لو قال ببلد حارة لأن البلاد قطر ، نعم تعبيره ببلاد دون القطر يشعر باعتبار البلد . قوله : ( أي وتنقله الخ ) لا يكفي مجرد الانتقال من البرودة إلى الحرارة كما يوجد في أيام الشتاء ، بل لا بد من ظهور الزهومة ولذا قال ق ل أي نقلاً يوجد فيه ظهور الزهومة لا مجرد السخونة ، وعبارة شرح م ر وضابط المتشمس أن تؤثر فيه السخونة بحيث تفصل من الإناء أجزاء سمية تؤثر في البدن لا مجرد انتقاله من حالة لأخرى بسببها وإن نقل في البحر عن الأصحاب الاكتفاء بذلك اه . قوله : ( منطبعة ) أي التي تمد بالمطارق أي شأنها ذلك ، وإن لم تطرق بالفعل كجبل أو بركة من نحو حديد أو نحاس اه م د و ا ج وع ش . قوله : ( غير النقدين ) والعبرة بما يلاقي الماء فلا يكره في النحاس المموه بهما(1/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
حيث منع من انفصال الزهومة ويكره عكسه والصدأ كالنقد إن منع ما ذكر . قال ا ج : فلو كان الإناء من ذهب أو فضة وطلي بنحاس وشمس فيه الماء كره مطلقاً ، سواء حصل من النحاس شيء بعرضه على النار أم لا على ما اعتمده شيخنا الزيادي ، وأما لو كان الإناء من نحاس وطلي بذهب أو فضة ، فإن حصل منه شيء بعرضه على النار لم يكره وإِلا كره اه . وعبارة شرح م ر : إِلا أن يكون المنطبع من ذهب أو فضة لصفاء جوهرهما فلا ينفصل منهما شيء ، ولا فرق فيهما . وفي المنطبع من غيرهما بين أن يصدأ أو لا . وأما المموّه بأحدهما فالأوجه فيه أن يقال : إن كثر التمويه بحيث يمنع انفصال شيء من الإناء لم يكره ، وإِلا كره حيث انفصل منه شيء يؤثر ويجري ذلك في الإناء المغشوش اه .
قوله : ( في البدن ) ولو بدن أبرص وإن عمه البرص وميت لأنه محترم كما في الحياة زي . قال ح ل : أي ولو استعمله شرباً ومثل ذلك سائر المائعات وإن لم يكن فيه دهنية ، بخلاف الجامد كسويق لتّ بهذا الماء واستعمل حال سخونته ومن الاستعمال في البدن غسل الثوب ولبسه حال رطوبته وسخونته اه . وقوله : في البدن علم منه شرط رابع وهو استعماله في البدن ظاهراً أو باطناً بأن شربه لا في غيره كثوب إذا لم يستعمله في حال حرارته ، ويزاد خامس وهو أن يكون تشميسه وقت الحر من النهار ، وسادس وهو أن يجد غيره ، وسابع وهو أن يكون الوقت متسعاً ، وثامن وهو أن لا يخاف منه ضرراً . وحاصل ما يؤخذ من كلام سم أن المشمس وصفه الكراهة ، وترتفع إذا فقد غيره واتسع الوقت ، فيكون مباحاً ويحرم إن أخبره عدل بضرره ويجب إن ضاق الوقت ولم يجد غيره ولم يخبره عدل بضرره ، وأما الندب فلا يتصوّر فيه اه م د .
قوله : ( تعلو الماء ) قضية ذلك أنه لو خرق الإناء من أسفله واستعمل النازل وترك الأعلى أنه لا يكره ، والأوجه خلافه لأن الزهومة ممتزجة بجميع أجزاء الماء ، فالمراد بقوله تعلو الماء تظهر بعلوّه ، فلا ينافي أنها منبثة في جميع أجزائه . قوله : ( فيحصل البرص ) أي إما حدوثه أو زيادته أو استحكامه شوبري على المنهج ، فيكره للأبرص أيضاً لأنه يزيد برصه . قوله : ( كغسل ثوب ) أي لم يلبسه حال حرارته رطباً ق ل . قوله : ( لفقد العلة المذكورة ) وهي خوف البرص . قوله : ( وإن سخن بنجس ) غاية للرد على قول الإمام أحمد . قوله : ( فلا يكره ) أي إذا سخن بالنار ابتداء بخلاف المشمس إذا سخن بالنار قبل تبريده فإن الكراهة باقية أخذاً من مسألة الطعام(1/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
وهي ما لو طبخ به طعام مائع فإنه يكره تناوله فإنها تدل على عدم زوال الكراهة بالتسخين بالنار بعد تشميسه وقبل تبريده ، أما إذا برد ثم سخن بالنار فإنها أي الكراهة تزول ولا تعود بعد ذلك اه زي . وإذا برد الماء المشمس في الإناء المذكور ثم شمس ثانياً في إناء من خزف مثلاً عادت الكراهة على المعتمد ، لأن الزهومة لم تزل بالتبريد بل زال تأثيرها للشروط بالسخونة وقد وجدت لأن غاية الأمر أن الزهومة كامنة فيه ، فإذا شمس ثانياً ظهرت منه كما أفاده شيخنا ح ف . قوله : ( ولذهاب الزهومة ) ظاهره أنها وجدت في أول الحرارة ، ثم ذهبت بشدتها . قوله : ( تأثيرها ) أي النار . قوله : ( باردة ) كالشأم أو معتدلة كمصر . قوله : ( وأما المطبوخ به ) ماقبل لمحذوف أي ما تقدم في غير المطبوخ به وأما الخ . وقوله : ( كره ) أي إذا استعمل حال حرارته . وقوله : ( وكذا في الميت ) معتمد . قوله : ( كالخيل ) أي البلق وغيرها والتقييد بالبلق ليس بشرط عند المحققين ، فالبرص يوجد في الخيل مطلقاً ، وإنما قيد بعضهم بالبلق لأنه يظهر في الأبلق أكثر اه ح ف . قوله : ( لأن ضرره مظنون ) قضيته جواز الاستعمال مع الكراهة إذا ظن الضرر وليس كذلك ، بل يحرم استعماله حينئذ ، فكان ينبغي التعبير بالتوهم إذ الكراهة في التوهم فقط ، أما إذا تحقق الضرر أو ظنه بمعرفته أو عدل رواية فإنه يحرم م د . وقوله : بمعرفته أي طباً لا تجربة رشيدي وع ش . خلافاً لابن حجر القائل إنه يعمل بتجربة نفسه . قوله : ( أي عند ضيق الوقت ) أي حيث لا ضرر ، وإِلا فيحرم وينتقل للتيمم ، وإذا قلنا بالوجوب هل يقتصر على غسلة واحدة فيكره ما زاد عليها والغسل للمسنون والوضوء المجدد لعدم وجوب ذلك فيه نظر ويتجه المنع اه سم . وقوله : ( ويتجه المنع ) أي منع ما زاد على الواجب وما بعده أي فيكره ذلك . قال سم : وتزول الكراهة بالوجوب وكأن مدركه أن الكراهة والوجوب راجعان لجهة واحدة وهي الاستعمال ، والشيء إذا كان له جهة واحدة لا يجتمع فيه حكمان . وأما الصلاة في أرض مغصوبة فلها جهتان ، ولذا كان لها حكمان أي الوجوب والحرمة .(1/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
قوله : ( ويكره أيضاً الخ ) أي فحصر المصنف الكراهة في المشمس غير مراد لتحققها في غيره . قوله : ( لمنعه الاسباغ ) أي الإتمام أي كمال الإتمام ، وإِلا فلو منع إتمام الوضوء من أصله فلا يصح الوضوء ، ويحرم سم . وفي القسطلاني على البخاري قال في المصابيح : والمعروف في اللغة أن إسباغ الوضوء إكماله وإتمامه والمبالغة فيه ، وفي المختار وإسباغ الوضوء إتمامه ، فعلى هذا لا حاجة لتقدير مضاف في كلام الشارح ، ويحتاج إليه على كلام المختار فيكون كلام سم جارياً عليه . قال اج : وظاهر هذه العلة اختصاص الكراهة بالطهارة وليس مراداً فقد عللها في شرح المهذب بخوف الضرر وقضيته الكراهة مطلقاً وهو كذلك . قوله : ( وكذا مياه ثمود ) إِلا بئر الناقة فلا كراهة لاستعمال مائها ، والمياه ليست بقيد بل التراب والأحجار كذلك ابن حجر . قال في شرح العباب : ويتردد النظر في شجرها ، والأولى الكراهة فيكره أكل ثمره واستعمال السواك منه . قوله : ( التي وضع فيها السحر ) وهي بئر ذروان بفتح الراء وإسكانها والواضع للسحر هو لبيد بن الأعصم اليهودي ، وكان السحر في شعر رسول الله كان فيه إحدى عشرة عقدة ، فأمر جبريل النبي بأن يقرأ المعوذتين لإبطال السحر ، وكذا يكره ماء بئر برهوت ، فالجملة ثمانية كما في شرح م ر . وهي المشمس وشديد الحرارة وشديد البرودة ، وماء ديار ثمود إِلا بئر الناقة ، وماء ديار قوم لوط ، وماء بئر برهوت ، وماء أرض بابل ، وماء بئر ذروان اه م د .
قوله : ( فإن الله تعالى مسخ ماءها ) أي ومسخ طلع النخل الذي حولها حتى صار كرؤوس الشياطين ذكره الشارح في شرح المنهاج . قوله : ( بابل ) هي مدينة السحر بالعراق كما في التقريب . قوله : ( وهو الماء القليل ) بأن لم يبلغ قلتين فإن بلغهما بماء صرف ولو مستعملاً أو متنجساً ولا تغير عاد طهوراً ق ل . قوله : ( المستعمل في فرض ) لا يخفى أن الظرف صلة المستعمل فهو ظرف لغو متعلق به أي : ماء حصل استعماله في فرض فالاستعمال مظروف ، والفرض ظرف لكن يرد عليه أن الفرض هو استعمال الماء أيضاً على وجه مخصوص ، فيلزم(1/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
عليه ظرفية الشيء في نفسه . وأجيب : بأن الاستعمال المظروف هو اللغوي العام والظرف هو الاستعمال الشرعي الخاص فهو من ظرفية العام في الخاص . قوله : ( عن حدث ) أو إزالة نجس كالمستعمل في غسل ما نجس بنحو كلب ، وحينئذ فلا يستعمل التراب المستعمل في غسل نجاسة نحو كلب مرة ثانية على المرجح عند شيخنا م ر . وإن جرى المصنف أعني شيخ الإسلام في شرحي الروض والبهجة على جواز استعماله مرة ثانية كحجر الاستنجاء بعد غسله وجفافه وكدواء دبغ به لظهور الفرق ، وهو أن الدبغ من باب الإحالة والحجر ليس رافعاً فليتأمل ق ل و ا ج . وذكر حكم التراب هنا استطرادي . قوله : ( كالغسلة الأولى ) الكاف استقصائية إذ لا يستعمل إِلا الأولى ، وإما تمثيلية لتدخل المسحة الأولى كما قاله الشوبري على المنهج . وقال ق ل : الكاف استقصائية أو تمثيلية لإدخال المسح ، أو ماء غسل الجبيرة ، أو الخف بدل مسحهما ، أو بقية السبع في غسلات الكلب اه . قوله : ( في مرضه ) في بعض النسخ في مرض موته ، وفيها نظر لأن جابراً عاش بعد النبي . قوله : ( من وضوئه ) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به بالفعل لأن الكلام في المستعمل . قوله : ( لم يجمعوا المستعمل ) . قال ابن حجر : وقد ينظر فيه بأن تحصيل الماء قبل الوقت لا يجب فعدم الجمع يحتمل أن يكون لذلك فهي واقعة حال فعلية احتملت اه . أي ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال . وأجيب : بأن الاحتمال البعيد لا يؤثر في وقائع الأحوال . وقال شيخنا ح ف فيه : إنه يحتمل أنهم لم يجمعوه لكونه قليلاً بعد جمعه . ويجاب بأنهم كانوا يسافرون مع كثرة ومع كونهم كانوا يغتسلون من الجنابة فهو مع كثرته لم يجمعوه . فإن قيل : لم لم يجمعوا ماء المرة الثانية والثالثة ؟ أجيب بأن ماءهما يخالط غالباً ماء المرة الأولى فيصير الجميع مستعملاً فلم يجمعوه لذلك ، وبأنه يحتمل أنهم كانوا يقتصرون في أسفارهم القليلة الماء على مرة واحدة اه . قوله : ( لأنه مستقذر ) فيكره شربه خلافاً لمن قال يحرم .
قوله : ( ما لا بد منه ) وهو ما لا تصح العبادة إلا به . قوله : ( كحنفي توضأ الخ ) وإنما مثل(1/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
بالحنفي لأن وضوءه خال عن النية فالضمير في قوله أثم بتركه للوضوء . قوله : ( كصبي ) أي مميز توضأ ونوى أو غير مميز ومجنون كذلك كأن وضأه وليه لطواف حين أحرم عنه فينوي عنه اه . قال ق ل على الجلال ، قال شيخنا م ر : وله إذا ميز أن يصلي به ، وفي ع ش على م ر خلاف ذلك ونصه : وهل له أن يصلي بهذا الوضوء أو لا فيه نظر . والأقرب الثاني لأنه إنما اعتد بوضوء وليه للضرورة وقد زالت ، ونظير ذلك ما قيل في زوج المجنونة إذا غسلها بعد انقطاع دم الحيض من أنها إذا أفاقت ليس لها أن تصلي بذلك الطهر . قوله : ( لم يرفع حدثاً ) يقتضي اعتقاده أي الشافعي أن وضوءه لم يرفع حدثاً أن يكون غير مستعمل لخلوه عن النية . قوله : ( بخلاف اقتدائه الخ ) لا يخفى أنه لا إشكال في ذلك ولا جواب لأن المتوضىء الحنفي قد أتى بما لا بد منه في اعتقاد الشافعي وهو الوضوء الرافع لحدثه كما في إزالة النجاسة وليس كذلك في الصلاة ، ولذلك صح اقتداؤه به إذا أتى بالبسملة في الفاتحة ، لأنه أتى بما لا بد منه عند الشافعي ، ولا يضر اعتقاد عدم الفرضية اه ق ل . ويرد عليه أن من اعتقد بالفرض نفلاً بطلت صلاته ، فكيف يصح اقتداء الشافعي به ؟ وأجيب : بأن محل ضرر اعتقاد النفل بالفرض إذا لم يكن معتقداً للفاعل ع ش .
قوله : ( مس فرجه ) أو أتى بمخالف ، ومنه أن يعلم أنه لم ينو الوضوء . قوله : ( معتبرة في الاقتداء ) إذ لا بد من ربط إحدى الصلاتين بالأخرى بالنية . قوله : ( دون الطهارات ) إذ لا رابط بين طهارة وطهارة واحتياطاً في البابين ، ولأن الحكم بالاستعمال يوجد من غير نية معتبرة كما في إزالة النجاسة وغسل المجنونة والممتنعة من الغسل ، بخلاف الاقتداء لا بد فيه من نية معتبرة ، ونية الإمام المذكور أي الذي مس فرجه فيما ذكر غير معتبرة في ظن المأموم شرح الروض . قوله : ( منع استعمال الماء ) الأولى منع التطهير لأنه الممنوع لا مطلق استعماله كما لا يخفى . قوله : ( وهو الأصح ) معتمد وقوله : ( وقيل مطلق ) ضعيف . قوله : ( كالغسل المسنون الخ ) أي وإن نذره على المعتمد ويلغز ويقال لنا غسل واجب أو وضوء واجب وماؤهما غير مستعمل ، فإذا اغتسل غسل الجمعة مثلاً المنذور ، فله أن يتوضأ بالماء الذي اغتسل به ويصلي الجمعة ، وعبارة ق ل كالغسل المسنون وإن نذره أو كان لنحو مجنون بعد إفاقته وإن لزمه نية(1/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
رفع الحدث الأكبر عند غسله بعد الجنون لاحتمال الإنزال ، وكذا وضوء من شك في حدثه لعدم رفع الطهارة بالشك اه . قوله : ( بدل مسح ) أي لشيء من رأس أو خف . قوله : ( غسل كافرة ) أي كتابية أي بنفسها أو بغيرها عند امتناعها لأن غسلها ليس عبادة ونيتها للتمييز ، فلو أسلمت أو أحد أصولها وهي مجنونة بطل غسلها . وحينئذ يلغز ويقال : لنا غسل صحيح يبطل بكلام المغتسل أو كلام غيره اه ح ل . وفي متن الروض وشرحه : وغسل كافرة لقصد حلها لمسلم زوج أو سيد لأنه يلزمها تمكينه ولا يتم إِلا بغسلها ، فيجب ولو عبر كالروضة بالكتابية لكان أولى لما سيأتي أن ما سواها من الكافرات حرام وكالمسلم الكافر فيما يظهر بناء على أنه مكلف بالفروع وهي مكلفة بالغسل له كالمسلمة اه . ثم قال بعد ما ذكر : ثم ترجح عندي خلاف ذلك عملاً بتقييدهم الحكم بالمسلم لأن الاكتفاء بهذه النية إنما هو للتخفيف عليه ، والكافر لا يستحقه لقدرته على الاكتفاء بها بأن يسلم اه . قوله : ( لتحل لحليلها المسلم ) هذا ما اعتمده الشارح ، واعتمد م ر أن قصد الحل كاف وإن كان حليلها صغيراً أو كافراً أو لم يكن يرى توقف الحل على الغسل ، أو لم يكن لها حليل أصلاً ، أو قصدت الحل للزنا ، فكل من حليلها والمسلم ليس بقيد . نعم لو قصدت حنفية حل وطء حنفي يرى حلها من غير غسل لم يكن ماؤها مستعملاً ولا يصح غسلها لأنه ليس فيه رفع مانع شرعاً ، ولذلك فارق الكافرة للكافر ق ل على الجلال . ولو كان زوجها شافعياً واغتسلت لتحل له ينبغي أن يكون ماؤها مستعملاً لأنه مما لا بد منه بالنسبة إليه وإن كان بالنسبة إليها ليس مما لا بد منه ، أو كانت شافعية وزوجها حنفي واغتسلت ليحل لها التمكين كان ماؤها مستعملاً ، أو لتحل له كان غير مستعمل حرر ح ل و س ل . قوله : ( لحليلها المسلم ) اقتضى صنيعه أنه لا فرق بين أن يكون مكلفاً أو غيره وهو كذلك ، لأن وطء الصبي قبل الغسل ممتنع شرعاً ووليه مخاطب بمنعه منه وبالغسل يزول هذا المنع قرره شيخنا ح ف . قوله : ( وأورد على ضابط المستعمل ) حاصل الإيراد أن هذه المياه لا ترفع حدثاً ولا خبثاً مع أن تعريف المستعمل لا يشملها فيكون غير جامع . وحاصل الجواب عدم تسليم كون الأول مستعملاً بل هو غير مستعمل ، وأما الثاني والثالث فهما داخلان في المستعمل فقوله بمنع عدم رفعه أي ماء غسل الرجلين في الخف لحدث آخر أي بل يرفع الحدث الآخر إذا استعمل . وقوله : لم يؤثر شيئاً لأن مسح الخف رفع الحدث ولا نظر إلى ما يزيد بهذا الغسل بعد انقضاء المدة للمقيم أو المسافر لأنه في حال الغسل كان الحدث مرفوعاً ، فلا يلتفت لما بعده اه .(1/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
قوله : ( ماء غسل به الرجلان ) أي داخل الخف . قوله : ( وماء غسل به الوجه ) أي وباقي الأعضاء ، وصورته كأن تيمم لضرورة ، ثم توضأ فعلم من ذلك أن الوجه ليس بقيد . قوله : ( قبل بطلان التيمم ) قيد بذلك ليصح تصويره لكون الماء مستعملاً في أمر مستغنى عنه . قوله : ( فإنها ) أي الماءات الثلاث لا ترفع حدثاً آخر . قوله : ( يمنع عدم رفعه الخ ) أي بل يرفع الحدث أي حدثاً آخر لأنه لم يستعمل في فرض . ولا يشكل بتأثير غسل الوجه قبل بطلان التيمم حيث رفع الحدث المستفاد به أكثر من فريضة ولم يرفع هنا لأن مسح الوجه في التيمم مبيح لا رافع فأثر بعده الغسل ومسح الخفين رافع للحدث فلم يؤثر الغسل بعده شيئاً اه ق ل . وبحث سم أنه مستعمل أيضاً لأنه يستفاد به زيادة على مدة الخف ، وهذا البحث مردود شيخنا . قوله : ( لم يؤثر ) فلا يكون الماء مستعملاً ا ج . قوله : ( بأنه استعمل في فرض ) فقول المعترض مع أنها لم تستعمل في فرض غير مسلم . قوله : ( وعن الثالث ) وهو غسل الخبث المعفوّ عنه فيحكم باستعمال مائه نظراً لجنسه ، لأن الأصل في الخبث وجوب غسله ، ولا نظر لطرو العفو عنه ، ولا يخفى أن الشارح لم يذكر المستعمل في الخبث فيما مر فإيراد هذه في غير موضعها ق ل .
قوله : ( على العضو الخ ) مراده بالعضو ما يشمل بدن الجنب لا خصوص عضو المتوضىء كما يتوهم مما يأتي وحينئذ صح تفريع قوله : فلو نوى جنب الخ وعليه فاندفع ما في الحواشي . قوله : ( لا يثبت الخ ) لا يخفى أن محله في العضو المنفرد في الحدث الأصغر ، فلو غرف بكفيه من ماء كثير وفصلهما عنه فإن كان جنباً مثلاً ونوى رفع الجنابة ارتفع حدث كفيه معاً إن لم يقصد واحداً منهما ، وله أن يغسل بما فيهما ما شاء من بقية يديه أو إحداهما وبقية بدنه من غير انفصاله عنهما وإن كان محدثاً حدثاً أصغر ، وكان بعد غسل وجهه ولم يقصد رفع الحدث عنهما معاً ارتفع حدث كفه اليمنى سواء قصدها أو أطلق نظراً لطلب تقديمها ، وله إتمام غسلها بما في كفه بلا انفصال ، وإن قصد اليسرى وحدها ارتفع حدث ما لاقى الماء منها وله اتمام غسلها به ، وإن قصدهما معاً ارتفع الحدث عما لاقاه الماء منهما ولا يصح أن يرفع به بقية واحدة منهما لأن ماء كل منهما مستعمل بالنسبة إلى الأخرى ق ل . قوله : ( ما بقيت(1/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
الحاجة إلى الاستعمال ) إن أريد بقاء الحاجة بعدم استيعاب العضو فالتقييد به مضر لاقتضائه أنه إذا استوعب العضو صار مستعملاً ، وإن لم ينفصل وليس كذلك كما يؤخذ من قوله : فلو نوى الخ . وإن أريد بقاؤها بعد انفصال الماء عن شيء منه إلى ما لا يغلب فيه التقاذف لا مجرد ارتفاع حدثه كما قاله ع ش . فالتقييد صحيح لكن لا يحتاج إليه ، لأن قول الشارح ما دام متردداً على العضو يغني عنه تأمل . وقوله : ( ما بقيت الحاجة ) بأنه لم يستوعب العضو كذا قيل . قوله : ( فلو نوى جنب ) أي يغتسل بالانغماس . قوله : ( ولو من غير جنسه ) للرد على الخلاف كأن كان الأول حيضاً ، والثاني جنابة بنزول المني أي إن حصل له ذلك حال انغماسه ق ل و م ر وخالف ابن حجر . قوله : ( ولو نوى جنبان معاً ) أي يقيناً أو احتمالاً كما سيذكره . وحاصله أن الصور ست لأنهما إما أن ينويا معاً أو مرتباً أو يشكا في المعية والترتيب ، وكل من هذه الثلاثة إما بعد تمام الانغماس أو قبله فمتى نويا معاً بعد تمام الانغماس أو شكا في المعية كذلك ارتفع الحدث عن جميع بدنهما أو نويا معاً أو شكا في المعية قبل تمام الانغماس ارتفع الحدث عن الجزء الملاقي للماء من كل منهما فقط ، أو نويا مرتباً بعد تمام الانغماس أو قبله ارتفع حدث السابق ، وله رفع حدث يطرأ عليه قبل رفع رأسه في الأولى أي : بعد تمام الانغماس وإتمام غسله بالانغماس دون الاغتراف في الثانية أي قبل تمام الانغماس اه م د . قوله : ( بعد تمام الانغماس ) أي انغماسهما وإِلا ارتفع عن الملاقي للماء فقط كما سنذكره ، وقياسه أنه لو كان قبل انغماس أحدهما لم يرتفع عن باقيه وحده فراجعه ق ل .
قوله : ( في أثنائه ) أي الانغماس قوله : ( ولو شكا في المعية ) أي بعد تمام الانغماس . قوله : ( يطهران ) إلحاقاً بالمعية المحققة . قوله : ( والماء المتردد الخ ) هذا تقدم بعضه في قوله الماء ما دام متردداً الخ . وأعاده توطئة لما بعده . قوله : ( إن لم يتغير ) راجع للأخير فقط . قوله : ( طهور ) أي مطهر . قوله : ( ولو من عضو بدن الجنب ) أخذه غاية لئلا يتوهم أن بدن الجنب كالعضو الواحد ، فلا يثبت الاستعمال بالتقاطر . قوله : ( صار مستعملاً ) يؤخذ منه أن الجنب لو نزل في الماء القليل ونوى رفع الجنابة قبل تمام الانغماس ، ثم اغترف الماء بإناء أو نحوه وصبه على رأسه أو غيره لا(1/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
ترتفع جنابة ذلك العضو الذي اغترف له بلا خلاف ، كما صرح به المتولي والروياني وغيرهما لأنه انفصل اه بخط الميداني . قوله : ( المتقاذف ) وهو جريان الماء على الاتصال ا ج . وفي التقييد بقوله على الاتصال نظر ، فإنه مناف لقوله وإن خرقه الهواء . وكتب الميداني على التقاذف أي التدافع . قوله : ( كمن الكف إلى الساعد ) أي بالنسبة للمتوضىء ومن الرأس إلى الصدر بالنسبة للجنب . قوله : ( وإن خرقه ) بتشديد الراء أي حركه وقطعه . قوله : ( ولو غرف الخ ) ليس بقيد بل مثله إدخال اليد في الماء من غير غرف ، وعبارة م ر وابن حجر : ولو أدخل كفه جنب الخ لكنه عبر بذلك لأجل قوله بعد فلو غسل بما في كفه الخ .
قوله : ( إن لم يرد الخ ) بأن أراد الثلاث أو أطلق فالمعتبر إرادته إن وجدت وإِلا فالثلاث ق ل . قوله : ( من ماء قليل ) متعلق بغرف . قوله : ( صار ) أي الماء الباقي من القليل مستعملاً . قوله : ( باقي يده ) أي في المحدث أو باقي بدنه في الجنب ق ل . قوله : ( أجزأه ) أي وصورة المسألة أنه أدخل إحدى يديه كما هو الفرض ، أما لو أدخلهما معاً فليس له أن يغسل بما فيهما باقي إحداهما ولا باقيهما ، وذلك لرفع الماء حدث الكفين فمتى غسل باقي إحداهما فقد انفصل ما غسل به عن الأخرى وذلك يصيره مستعملاً ، ومنه يعلم وضوح ما ذكره سم في شرحه على أبي شجاع من أنه يشترط لصحة الوضوء من الحنفية المعروفة نية الاغتراف بعد غسل الوجه بأن يقصد أن اليد اليسرى معينة لليمنى في أخذ الماء فإن لم ينو ذلك ارتفع حدث الكفين معاً فليس له أن يغسل به ساعد إحداهما بل يصبه ثم يأخذ غيره لغسل الساعد ، لكن نقل عن إفتاء م ر ما يخالفه وأن اليدين كالعضو الواحد فما في الكفين إذا غسل به الساعد لا يعد منفصلاً عن العضو اه . وفيه نظر لا يخفى . ومثل الحنفية الوضوء بالصب من إبريق أو نحوه ع ش ، والمعتمد كلام م ر .
قوله : ( أما إذا نوى الاغتراف الخ ) ومحل نية الاغتراف بعد نية الغسل في الغسل وقبل مس الماء ، وحينئذ فيشكل كونها بعد نية الغسل إذ لا تعتبر نية الغسل إِلا مع مس الماء ، اللهم إِلا أن يقال نوى الغسل قبل المس ولكن استصحبها عند المس . قوله : ( بأن قصد نقل الخ ) أي(1/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
قبل مس الماء فليحذر خلاف ذلك فإنه غلط سم ومرحومي وفي ع ش على م ر : واعلم أنه لا بد أن تكون نية الاغتراف عند أول مماسة الماء ، فإن تأخرت فلا أثر لها كما هو ظاهر ولا تغتر بمن ذكر خلاف ذلك اه سم على البهجة والمعتمد الأوّل . قلت : وكذا لو تقدمت ولم يستحضرها عند الاغتراف اه بالحرف . ثم قال سم : وفي الجنب بعد نيته لأن بدنه كعضو واحد ، فإذا نوى غسل الجنابة وجب عليه نية الاغتراف قبل أن تقع يده في الماء ، ولو اغترف لنحو المضمضة وغسل يده خارج الإناء بالماء الذي اغترفه بنية غسل الجنابة لم يبق عليها نية الاغتراف ، ولو غرف الماء أوّلاً ثم نوى رفع الجنابة ارتفعت عن كفيه ولم يضر إدخالهما بعد ذلك في الماء اه .
قوله : ( ومثل الماء المستعمل الماء المتغير ) أي مثله في الحكم عليه بأنه غير طهور ، إذ قول المصنف رحمه الله تعالى المتغير عطف على المستعمل والشارح غير إعراب المتن بقوله : ومثل الماء المستعمل ولا حاجة له وجاز ذلك لأنه لم يغير المتن لبقائه على رفعه . قوله : ( طعمه الخ ) خرج التغير بالحرارة والبرودة فلا يضر ، ثم إن قوله خالطه قيد أول والطاهرات قيد ثان والمستغني عنها ثالث ويمنع إطلاق الخ رابع ، وينبغي زيادة أن يكون التغير يقيناً . قوله : ( أي بشيء ) خرج المتغير بطول المكث ، وأشار به إلى أن ما نكرة موصوفة ويصح أن تكون موصولة أو مصدرية أي بالذي خالطه أو بمخالطة الطاهرات . قوله : ( من الأعيان ) خرج الروائح كالبخور ق ل . وقضيته أن الروائح من المخالطات ، وفي ابن حجر أنها من المجاور اه . قوله : ( التي لا يمكن فصلها ) تفسير لكونها مخالطة . قوله : ( المستغني عنها ) شمل كلامه ما لو طرح ماء متغير بما في مقره وممره على ماء غير متغير فتغير به فيسلبه الطهورية لاستغناء كل منهما عن خلطه بالآخر . ويلغز به فيقال : لنا ماءان يصح التطهير بهما انفراداً لا اجتماعاً م ر . وقال ابن حجر : بعدم سلب الطهورية ، وعلله بأنه طهور فهو كالمتغير بالملح المائي . قوله : ( وملح جبلي ) أي إن لم يكن بمقر الماء وممره كما هو معلوم . قوله : ( يمنع إطلاق اسم الماء الخ ) بأن يحدث له بسبب ذلك اسم آخر يزول به وصف الإطلاق م ر . قوله : ( ولهذا لو حلف الخ ) ظاهره أنه لا فرق بين الحلف بالله أو بالطلاق وهو ظاهر ، وخرج بقوله ماء ما لو قال هذا فإنه يحنث به وإن مزج بغيره وتغير زيادة عما كان ، بخلاف ما لو قال : هذا الماء ، فإنه إنما(1/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
يحنث به إذا شربه على حالته بخلاف ما لو مزج بسكر أو نحوه بحيث تغير كثيراً ، وهذا التفصيل يؤخذ مما لو حلف مشيراً إلى حنطة حيث فرقوا فيه بين ما لو قال لا آكل من هذه ، فيحنث بالأكل منها ، وإن خرجت عن صورتها فصارت دقيقاً أو خبزاً وما لو قال لا آكل من هذه الحنطة فإنه لا يحنث بأكله منها إذا صارت دقيقاً أو خبزاً لزوال الاسم ع ش على م ر . قوله : ( فشرب ذلك ) أي المتغير المذكور ولو تقديرياً ، ومنه الممزوج بالسكر اه ع ش .
قوله : ( لم يحنث ) لعدم وجود المحلوف عليه في الواقع ق ل . ومحل عدم الحنث إن علم أنه متغير اه زيادي . قال الشوبري : ظاهره ولو كان التغير تقديرياً ووافق عليه شيخنا الزيادي . قوله : ( ولم يقع الشراء له ) أي للموكل مطلقاً أي سواء كان اشتراه بعين ما دفعه له أو لا . وسواء أنقده في الثمن أو لا . ولا يقع الشراء أيضاً للوكيل إن اشترى بعين الثمن ، فإن اشترى في الذمة وقع للوكيل ، وإن نقد الثمن أو سمى الموكل سم . قوله : ( حسياً ) أي مدركاً بإحدى الحواس ، والمراد بها هنا الشم والذوق والبصر اه ع ش . قوله : ( كلون العصير ) أي عصير العنب أبيض أو أسود . قوله : ( اللاذن ) بفتح الذال المعجمة وهو المسمى باللبان الذكر ، وقيل غير ذلك اه م د . قوله : ( بأن تعرض عليه ) أي جوازاً فلو هجم شخص وتوضأ به كان وضوؤه صحيحاً سم . إذ الأصل عدم التغيير وظاهره جريان ذلك فيما إذا كان الواقع نجساً في ماء كثير اه ا ج . وقول سم : كان وضوؤه صحيحاً لأن غايته أنه شاك ، والشك لا يؤثر استصحاباً للأصل المتيقن كما لو شك في مغيره هل هو مخالط أو مجاور أو في كثرته وقلته ؟ شوبري . قوله : ( جميع هذه الصفات ) بمعنى أنه تعرض واحدة ، فإن تغير بها ضر وإِلا فتعرض أخرى بعدها وهكذا ، وليس المراد أنه لا يضر إِلا إذا تغير بمجموع الأوصاف الثلاث اه ا ج . قال سم : وبما تقرر علم أنه لا يضر تغير ماء القرب بقطرانها لأنه مجاور أو مخالط في مقر الماء مرحومي .
قوله : ( لا المناسب للواقع فيه فقط ) أي أنه لا يقتصر على عرض المناسب للواقع في الماء فقط كأن يقتصر في مسألة اختلاط ماء الورد المنقطع الرائحة على عرض مغير الريح كماء ورد له ريح ع ش ، فيشترط عرض الأوصاف الثلاثة ، وإن كان الواقع له وصف فقط بخلاف ما يأتي في النجس لا يفرض إِلا ما يوافق وصف الواقع اه ق ل وع ش . وعرض مغير الطعم(1/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
واللون كطعم الرمان ولون العصير مع أنهما موجودان في ماء الورد المطروح في الماء ، ولم يغيرا مشكل لأنهما إذا لم يغيرا فكيف يعرض غيرهما ؟ لكن كلام الشارح هو المناسب لقول سم يعتبر المغير بغير الجنس تدبر .
والحاصل أن الواقع إن كان مفقود الصفات كلها كماء مستعمل فلا بد من عرض الصفات المذكورة على الماء ، وإن كان مفقود البعض كماء ورد له رائحة ولا طعم له ولا لون له يخالف لون الماء فيقدر فيه الطعم واللون ولا يقدر الريح ، لأنه إذا لم يتغير بريحه فلا معنى لتقدير ريح غيره ، وهذا كله إذا لم يكن الواقع له صفة في الأصل وقد فقدت فإن كان كماء ورد منقطع الرائحة ففيه خلاف بين ابن أبي عصرون والروياني ، فالروياني يقول يقدر فيه لون العصير وطعم الرمان وريح ماء الورد ، فيقدر الوصف المفقود فيه لا ريح اللاذن ، وابن أبي عصرون يقول يقدر فيه طعم الرمان ولون العصير وريح اللاذن ، ولا يقدر ريح ماء الورد لفقده بالفعل ، فيكون ماء الورد حينئذ كالماء المستعمل ، والمعتمد كلام ابن أبي عصرون ، ولا فرق في هذا التفصيل كله بين الطاهر والنجس . قوله : ( لغلظه ) فيقدر بالأشد كما ذكر قال ابن حجر . ثم إن وافقه في الصفات قدرناه مخالفاً أشد فيها كلون الحبر وريح المسك وطعم الخل أو في صفة قدرناه مخالفاً فيها فقط لأن الموجود إذا لم يغير فلا فائدة في فرضه . قوله : ( أما الملح المائي فلا يضر التغير به ) أي لأن الملح المائي منعقد من الماء كما ذكره الشارح فهو كالجمد أي الثلج ، بخلاف الجبلي فإنه خليط مستغنى عنه غير منعقد من الماء ، والمراد بقول : أما الملح المائي الخ . أي إن لم ينعقد من ماء مستعمل ، وإِلا كان كأصله فيقدر حينئذ كالماء المستعمل هكذا ظهر وهو الوجه ، وعبارة ع ش على م ر : ويؤخذ منه أنه لو انعقد الملح من المستعمل وغير تغيراً كثيراً ضر وعليه فهل العبرة بالتغير بصفة كونه ملحاً نظراً لصورته الآن حتى لو غير بها ولم يغير لو فرض عصيراً مثلاً لسلب الطهورية ، أو يفرض مخالفاً وسطاً نظراً لأصله فلا يسلب فيه نظر ؟ والأقرب الأول فتأمله ، فإنه دقيق جداً اه . وقوله : نظراً لأصله وهو الماء المستعمل أي فيقدر مخالفاً وسطاً ، لأن الماء المستعمل إذا وقع في ماء قليل يقدر كذلك . وقوله : والأقرب الأول هو التغير بصفة كونه ملحاً فإن غير بالفعل ضر ، وإِلا فلا ولا يقدر مخالفاً وسطاً نظراً لأصله وهو الماء المستعمل . قوله : ( لا في تكثير الماء ) أي لا في حالة تكثير الماء بالماء المستعمل بأن بلغ به قلتين فلا يفرض مخالفاً ، لأن الماء الكثير لا يتأثر بالاستعمال . قوله : ( فلو ضم إلى ماء قليل الخ ) ويؤخذ منه أن ماء الفساقي المعدة الآن للوضوء في المساجد والمدارس مثلاً طهور مع(1/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
كثرة الماء المستعمل الواقع فيها بكثرة المتوضئين ولا نقدره مخالفاً ، وما وقع في الروضة سهو أو نسيان م د .
قوله : ( لم يطهر ) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الهاء أي لم يطهر شيئاً وهو ضعيف . قوله : ( عملاً بالأصل في الحالين ) هما الشك ابتداء في كثرة التغير ، والشك في بقاء التغير الكثير بعد زوال بعضه ، والأصل في الأول عدم الكثرة ، وفي الثاني بقاء التغير . قوله : ( قال الأذرعي ) وخالفه م ر وقال بالطهارة في الحالة الثانية أيضاً وهو المعتمد إلحاقاً للشك في الدوام بالشك في الابتداء . قوله : ( ولا يضر تغير بمكث ) أي بسببه وهو بتثليث الميم مصدر مكث بضم الكاف وفتحها أقام . وفي المصدر لغة رابعة وهي فتح الكاف والميم . قيل : وقد قرىء بها في قوله تعالى : ) لتقرأه على الناس على مكث } ) الإسراء : 106 ) وهذا أي قوله ولا يضر الخ . محترز قوله السابق يستغني الماء عنه . قوله : ( وإن فحش التغير ) الغاية للرد .
قوله : ( وما في مقره وممره ) أي وإن كثر ولو مصنوعاً ، ومنه القطران الذي لا دهنية فيه إذا دبغ به القرب ، ومنه ما يصنع به الفساقي والصهاريج من الجير ونحوه ، ومنه ما يقع كثيراً من وضع الماء في جرة وضع فيها أوّلاً نحو لبن أو عسل أو زيت ، ثم استعملت في الماء فتغير طعمه أو لونه أو ريحه ع ش على م ر قال سم : وينبغي أن يكون منه التغير بطونس الساقية للحاجة فهو في معنى ما في المقر فافهمه ، فإنه نفيس . وعبارة شرح م ر : ويؤخذ من كلامهم أن المراد بما في المقر والممر ما كان خلقياً في الأرض أو مصنوعاً فيها بحيث صار يشبه الخلقي بخلاف المصنوع فيها لا بتلك الحيثية ، فإن الماء يستغنى عنه اه .
وليس من هذا الباب ما يقع من الأوساخ المنفصلة من أرجل الناس من غسلها في الفساقي خلافاً لما وقع في حاشية شيخنا . وإنما ذلك من باب ما لا يستغني الماء عنه غير الممرية والمقرية ، كما أفتى به والد الشيخ في نظيره من الأوساخ التي تنفصل من أبدان المنغمسين في المغاطس اه رشيدي فعلم أن تغير الماء الموضوع في الأواني التي كان فيها الزيت ونحوه لا يضر ، وإنما الخلاف في أن التغير به تغير بما في المقر أو بما لا يستغني الماء عنه ، فعند ع ش تغير بما في المقر ، وعند الرشيدي تغير بما لا يستغني الماء عنه كالقطران الذي في القرب . قوله : ( لتعذر صون الماء عنه ) إشارة إلى أن المراد بالمستغنى عنه ما لا يشق(1/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
صون الماء عنه اه ا ج . قوله : ( وإن كانت ربيعية ) إنما كانت غاية لأنها مشتملة على رطوبة تتحلل في الماء بخلاف غيرها ، فإنها شديدة اليبوسة فلا يتأثر بها الماء اه م د . وقال ا ج : أخذ الربيعية والبعيدة غاية إشارة للخلاف فيهما حيث قيل فيهما بالضرر . قوله : ( لا إن طرحت ) مقابل قوله تناثرت . قوله : ( وتفتتت ) أي قبل الطرح أو بعده ، وعبارة م ر وبخلاف طرح الورق المتفتت فإنه يضر اه . وقضيته أن غير المتفتت إذا طرح ثم تفتت لا يضر ، وعبارة ابن حجر فيما يضر ورق طرح ثم تفتت اه ع ش . قوله : ( ودق ناعماً ) ولو ألقى بلا دقّ وغيره ولم يتفتت فلا يضر لأنه حينئذ مجاور ، وإن تفتت ضر ففي مفهوم قوله ودق تفصيل هذا على ما في شرح سم على الكتاب ، لكن عبارة شرح م ر وابن حجر كالشارح ، ومفهومها أنه إذا طرح صحيحاً من غير دق ولا تفتت ثم تفتت وغير لا يضر ، وقياس ما تقدم في الأوراق المطروحة عن ابن حجر الضرر . ويمكن الجواب بأن الطحلب لما كان أصله من الماء لم يضر ، بخلاف الأوراق أو أنّ الطحلب أبعد تفتتاً منها اه ع ش .
قوله : ( واحترز الخ ) صرح في هذا بلفظ احترز لأنه في كلام المصنف بخلاف القيود التي زادها هو لم يصرح فيها بهذا العنوان للفرق بين ما في المتن وغيره ، وكان ينبغي أن يزيد قوله كابن قاسم ، واحترز بقوله من الطاهرات عن المتغير بنجس ، وسيأتي لكنه اكتفى بقوله عن المجاور الطاهر . قوله : ( كعود ودهن ) وكذا ما فيه دهنية كأحد نوعي القطران . ومن المتغير بالمجاور المتغير بالبخور طعماً أو لوناً أو ربحاً ح ل و م ر . وفي مبلات الكتان تفصيل ، وهو إن تحقق انفصال عين منه حصل بها التغير كثيراً ضر وإِلا فلا لأنه مجاور .
والحاصل أن الواقع في الماء على قسمين : إما أن يكون طاهراً أو يكون نجساً ، والطاهر على قسمين إما أن يكون مخالطاً أو مجاوراً ، والأول على قسمين إما أن يستغني الماء عنه أو لا ، والأوّل لا يخلو إما أن يكون التغير به يسيراً أو كثيراً ، فإن كان يسيراً لم يضر ، وإن كان كثيراً ضر ، وتستثنى منه الأوراق إذا تناثرت بنفسها وتفتتت وغيرت والملح المائي والتراب الطاهر أو الطهور ، وإن طرحا فلا يضر التغير بواحد من هذه الثلاثة . والمجاور على قسمين إما أن تتحلل منه أجزاء تمازج الماء وتخالطه كالمشمس والزبيب والعرقسوس والبقم فيرجع إلى القسم الأوّل فيضر التغير به إذا كثر . والقسم الثاني لا يتحلل منه شيء كالعود والدهن ولو(1/125)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
مطيبين ، لأن ذلك مجرد تروّح . والنجس على قسمين : إما أن يكون منجساً أو لا ، فإن كان غير منجس لم يؤثر ما لم يغيره كالميتة التي لا يسيل دمها ، وكالنجس الذي لا يدركه بصر معتدل ، وكدخان النجاسة إذا كان قليلاً ، وكغبار السرجين إذا كان قليلاً ، وكاليسير من الشعر النجس غير المغلظ ، وإن كان النجس منجساً نظر في الماء تارة يكون قليلاً وتارة يكون كثيراً ، فإن كان قليلاً ولو جارياً تنجس بمجرد الوصول ، وإن لم يتغير وإن كان كثيراً لم يتنجس إِلا بتغير طعمه أو لونه أو ريحه فاحفظه فإنه نفيس .
قوله : ( ولو مطيبين ) بفتح الياء التحتية المشددة أي مطيبين بغيرهما ويجوز كسرها أي مطيبين لغيرهما . وفي ق ل على الجلال قوله ولو مطيبين بفتح التحتية المشددة أولى من كسرها ، لأنه إذا لم يضر المصنوع فالخلقي أولى . قوله : ( صلب ) احترز به عن غير الصلب ، فإنه مخالط . فالكافور نوعان صلب وغيره . فالأوّل مجاور ، والثاني مخالط ، ومثله القطران لأن فيه نوعاً فيه دهنية فلا يمتزج بالماء فيكون مجاوراً ونوعاً لا دهنية فيه فيكون مخالطاً ويحمل كلام من أطلق على ذلك . قوله : ( لإمكان فصله ) هو مبني على تعريف المجاور بما يمكن فصله ، وقيل هو ما يتميز في رأي العين ، فالمخالط ما لا يمكن فصله لا حالاً ولا مآلاً ، فخرج التراب لأنه يمكن فصله بعد رسوبه على الأول ، أو ما لا يتميز في رأي العين ، فدخل التراب في المخالط لأنه لا يتميز في رأي العين . والحق أن التراب له حالتان : حالة إلقاء وحالة رسوب . ففي حالة إلقائه مخالط لأنه لا يمكن فصله ، وفي حالة رسوبه مجاور لأنه يمكن فصله ، وفي ع ش على م ر ما يشهد له ع ن . واعلم أن الشيء قد يكون مجاوراً ابتداء ودواماً كالأحجار أو دواماً كالتراب أو ابتداء لا دواماً كورق الأشجار ق ل على الجلال . قوله : ( لأن تغيره مجرد كدورة ) يفهم أنه ليس للتراب إِلا لون وليس كذلك ، بل لو وجد له طعم أو ريح كان كذلك ق ل . وعبارة الإطفيحي على المنهج قوله لكونه كدورة قضيته أنه لو غير طعم الماء أو ريحه ضر وليس كذلك اه قوله : ( بعض المتأخرين ) أراد به شيخ الإسلام ولم يصرح به تأدباً . قوله : ( أي متنجس ) أشار به إلى أن المصنف شبه المتنجس بالنجس بجامع حرمة استعمال كل فيما منع الشرع استعماله فيه ، وأطلقه أي النجس عليه أي على المتنجس فهو(1/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
استعارة مصرحة . قوله : ( أو لاقته ) أي حيث لم يكن الماء وارداً وإِلا فلا يضر على ما يأتي في الغسالة ا ج . قوله : ( نجاسة ) أي منجسة جامدة أو مائعة قليلة أو كثيرة غيرته أو لم تغيره كما يأتي ، وخرج النجاسة غير المنجسة كالميتة التي لا دم لها سائل . قوله : ( تدرك بالبصر ) ليس قيداً بل مثله الشم والذوق ، فالصواب حذفه إذ ماله ريح أو طعم كذلك فراجعه ق ل . وقد يقال هو احتراز عما لا يدركه الطرف ولو من مغلظ على الأوجه ، ولو شك هل يدركه البصر أو لا . يتجه العفو كما وافق عليه م ر وسم . والمراد بالبصر المعتدل ، فلو رأى قويه دون غيره لم يضر . قوله : ( دون القلتين ) ولو بلعهما بمائع فإن حكم القلة باق ودون من الظروف التي لا تتصرف فلا تكون مبتدأ عند جمهور البصريين ، وإذا أضيفت لمبني بنيت على الفتح عند الأخفش ، وجوز غيره رفعها بالابتداء نحو قوله تعالى : ) ومنا دون ذلك } ) المؤمنون : 63 ) يرفعها مبتدأ وما قبلها خبر ذكره الرحماني . قوله : ( بثلاثة أرطال ) بل متى زاد النقص على رطلين ضر ، فالأولى أن يقول بأكثر من رطلين ، لأنه لا يضر نقص الرطلين ، وعبارة شرح م ر ودونهما أي والماء دون القلتين بأن نقص عنهما أكثر من رطلين . قوله : ( سواء تغير أم لا ) أخذ هذا التعميم من إطلاق المصنف فيه وتفصيله في لاحقه ع ش . قوله : ( الآتي ) وهو قوله إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث .
قوله : ( أين باتت يده ) المراد بالبينونة الصيرورة . أي فإنه لا يدري أين صارت يده أفي نجاسة أو طهارة ؟ .
قوله : ( أو كان كثيراً ) أي سواء كان في محل واحد أو محال متعددة من الاتصال بحيث لو حرك واحد منها تحريكاً عنيفاً تحرك الآخر ولو لم يكن تحرك الآخر عنيفاً فهو قيد في الأول فقط كما في ع ش خلافاً للقليوبي ، حيث اشترط التحرك العنيف في المحرك وما يليه ، ومنه حياض بيوت الأخلية الكثيرة إذا حرك أحدها تحرك ما بجانبه ، فإن ذلك كاف في دفع النجاسة ، ولا يتوقف على تحرك الكل بتحريك أحدها . وعبارة ح ل : ولا بد أن يكون بمحل(1/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
واحد أو بمحلين وبينهما اتصال بحيث لو حرك الماء في أحدهما لتحرك الآخر تحريكاً قوياً وإِلا فلا . وعلى الثاني يحمل قول إمام الحرمين : لو كان الماء في حفرتين في كل حفرة قلة وبينهما اتصال ، فوقع في إحدى الحفرتين نجاسة ، فلست أرى أن ما في الحفرة الأخرى دافعاً للنجاسة اه . وقوله : تحركاً قوياً راجع للاثنين أي قوله حرك . وقوله : لتحرك كما صرح به عميرة ، ويؤخذ من سم على أبي شجاع ، واعتمد شيخنا ح ف أنه راجع للأول فقط ، فمتى كان بحيث لو حرك أحدهما تحركاً قوياً تحرك الآخر ولو تحركاً ضعيفاً كفى . قوله : ( بأن بلغ قلتين ) أي من محض الماء ، أما لو كان قد كمل بأكثر من رطلين من مائع فبلغ قلتين بهما ووقعت فيه نجاسة ، فإنه ينجس ولو لم يتغير بالنجاسة لأنه لم يبلغ قلتين من محض الماء ، والمراد بلغهما ولو احتمالاً بأن شك في الكثرة والقلة اه ق ل . قوله : ( فتغير ) أي كله كما سيذكره أي تغير عقب وقوع النجاسة كما أفادته الفاء ، فلو غاب عنه زمناً ثم وجده متغيراً لم يحكم بنجاسته ما لم يعلم بقول أهل الخبرة نسبة تغيره إليها م د . قوله : ( بسبب النجاسة ) الأولى باتصال النجاسة ليخرج بذلك ما لو تغير بجيفة على الشط فإن ذلك التغير بسببها ومع ذلك لا يضر اه ا ج . ولو بال في البحر مثلاً فارتفعت منه رغوة فهي طاهرة كما أفتى به الوالد لأنها بعض الماء الكثير خلافاً لما في العباب ، ويمكن حمل كلام القائل بنجاستها على تحقق كونها من البول ، وإن طرحت في البحر بعرة مثلاً فوقعت منه قطرة بسبب سقوطها على شيء لم تنجسه اه شرح م ر . قوله : ( أو تقديرياً ) بمخالط أو مجاور أو ميتة لا يسيل دمها . قوله : ( كما خصصه ) أي خبر الترمذي ، فإن عمومه صادق بما دون القلتين فيخص بمفهوم : ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً ) إذ مفهومه أنه إذا لم يبلغهما يقبل الخبث أي بمجرد الملاقاة . فالحاصل أن خبر الترمذي مخصص بأمرين ، فمعناه الماء لا ينجسه شيء ما لم يتغير وما لم ينقص عن قلتين ، فإن تغير أو نقص عن قلتين تنجس اه م د .
قوله : ( إذا بلغ الماء قلتين ) وفي رواية : ( إذا بلغ قلتين بقلال هجر لم يحمل الخبث ) .(1/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
يعني يدفعه ولا يقبله ، وقلال هجر خمس قرب تحديداً وخمسمائة رطل بغدادي تقريباً . قوله : ( على شرط الشيخين ) هما البخاري ومسلم ، لأنهما المرادان في الحديث عند الإطلاق ، وفي فقه الشافعية الرافعي والنووي ، وفي فقه الحنفية أبو يوسف ومحمد ، والمراد بشرطهما شرط الرواية عمن أخذا عنه كما في ألفية العراقي وشروحها ، فشرط الرواية عند البخاري المعاصرة واللقى لمن أخذ عنه يعني أنه لا يروي عن شيخ إِلا إذا عاصره ولاقاه ، وكذلك شيخه لا يروي عن شيخ إِلا إذا عاصره ولاقاه ، وكذا شيخ شيخه إلى آخر السند ، وشرط الرواية عند مسلم المعاصرة فقط ، ولا يشترط اللقي لمن روي عنه فيجوز له الرواية عن شيخ إذا عاصره وإن لم يلقه ، وكذا بقية أشياخه . قوله : ( أي يدفع النجس ولا يقبله ) على حد قولهم : فلان لا يحمل الضيم ، لا على حد قولهم فلان لا يحمل الحجر لثقله ، وإِلا لم يكن للتقييد بالقلتين فائدة ح ل . فهو من باب حمل المعاني لا حمل الأجرام ، وقوله : لم يكن للتقييد الخ . لأن الماء مطلقاً لا يحمل الأجرام النجسة بهذا المعنى لأنها لا تستقر فوقه كما قرره شيخنا . قوله : ( وفارق كثير الماء كثير غيره ) أي من المائعات المفهومة من قول المصنف ماء ، وفيه أنه لم يبين حكم غير الماء حتى يفرق بينه وبين الماء . ويجاب بأن حكم غير الماء من المائعات معلوم عند حملة الشرع ، وعبارة عيون المسائل لا تنجس القلتان من الماء بوقوع النجاسة فيهما إذا لم يتغير ولو وقعت في غيره من المائعات تنجس وإن لم يتغير ، والفرق أن الماء طهور يرفع الحدث ويزيل النجاسة إذا طرأ عليها ، فاحتمل ورود النجاسة إذا طرأت عليه وليس كذلك الخل ، فإنه طاهر لا يرفع الحدث ولا يزيل النجاسة إذا طرأ عليها فلا يحمل النجاسة إذا طرأت عليه اه . وعند مالك لا ينجس الماء بملاقاة النجس إِلا بالتغير وإن كان قليلاً واختاره كثير من الشافعية كما قاله ابن حجر ، واستدلوا بخبر : ( الماء لا ينجسه شيء إِلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه ) . قال ع ش على م ر : اختار كثيرون من أصحابنا مذهب مالك أن الماء لا ينجس إِلا بالتغير وكأنهم نظروا للتسهيل على الناس ، وإِلا فالدليل صريح في التفصيل كما ترى ، والأولى أن يكون كثير الثاني هو الفاعل والأول هو المفعول ويصح العكس اه . قوله : ( فإنه ينجس ) جارياً أو راكداً على المعتمد ، قال في شرح الروض : لو وضع كوز فيه ماء على نجس وخرج منه ما(1/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
اتصل به لا يحكم بالتنجيس إِلا إذا انقطع الخروج أو تراد ، وعبارة ا ج فرع : لو وضع كوز فيه ماء وقد ثقب أسفله على نجس لم ينجس ما فيه ما دام الماء يخرج من ثقبه فإن تراجع الماء ضر اه . قوله : ( بأن ) متعلق بفارق كثيره أي كثير الماء . قوله : ( أصحهما الثاني ) معتمد . قوله : ( منجسة ) أي في كونها تنجس أم لا . قوله : ( فالمتغير ) أي فالبعض المتغير . قوله : ( كنجاسة جامدة ) أي في الماء . وقوله : ( جامدة ) ليس قيداً . قوله : ( لا يجب التباعد عنها ) لو أخره عما بعده المذكور بقوله فطاهر لكان مستقيماً ق ل أي : لأنه إنما يترتب على الطهارة . قوله : ( فلو غرف ) أتى بفاء التفريع لأن هذه المسألة مفرعة على قوله السابق والمتغير كنجاسة جامدة . قوله : ( ولم يغرفها مع الماء ) أي لم تدخل في باطن الدلو اه ق ل . قوله : ( انعكس الحكم ) أي لا بالمعنى المنطقي بل بالمعنى اللغوي أي تغير فيحكم على ما في باطن الدلو بالنجاسة دون ما انفصل عنه لأنه ماء قليل لا تغير به خال عن نجاسة فيه ، فإن قطر في الباقي من باطنه قطرة تنجس أو من ظاهره أو شك فلا ، وإن نزلت في البئر بعد نزولها في الدلو فالماءان نجسان عباب .
فرع : اغترف من دنين في كل منهما ماء قليل أو مائع في إناء ، فوجد فيه فأرة ميتة لا يدري من أيهما هي ، اجتهد . فإن ظنها من الأول واتحدت المغرفة ولم تغسل بين الاغترافين حكم بنجاستهما ، وإن ظنها من الثاني أو من الأول واختلفت المغرفة أو اتحدت وغسلت بين الاغترافين حكم بنجاسة ما ظنها فيه اه شرح الروض . قوله : ( والتقديري ) قال بعضهم :(1/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
ويعرف زوال تغيره التقديري بأن يمضي عليه زمن لو كان تغير حسياً لزال تغيره ، وذلك بأن يكون بجنبه إناء فيه ماء متغير فزال تغيره بنفسه بعد مدة ، أو بماء صب عليه ، فيعلم أن هذا أيضاً زال تغيره اه شرح الروض مرحومي . ويعرف أيضاً زوال التغير التقديري بقول أهل الخبرة . قوله : ( أو بماء انضم إليه ) ولو متنجساً أو مستعملاً بدليل تنكير الماء لا نجساً كبول . وقال م ر : ولو نجساً . والمراد به المتنجس ، فلو كان الماء المتغير بالنجاسة في ظرف ونزل الظرف في ماء كثير ، فإن كان الظرف ضيق الرأس فهو باق على نجاسته سواء كان ناقصاً أو ممتلئاً ، وإن كان واسع الرأس كالدسترة ونحوها ، فإن مكث في الماء زمناً يقدر فيه زوال التغير طهر وإِلا فلا اه إطفيحي .
قوله : ( أو غيره ) كمطر أو سيل وقع فيه . قوله : ( والباقي قلتان ) بأن كان الإناء منخنقاً به فزال انخناقه ودخله الريح وقصره اه ابن حجر . قوله : ( طهر لزوال سبب التنجيس ) وهو التغير ولا يضر عود تغيره إن خلا عن نجس جامد ، يعني لو زال التغير ثم عاد ولو فوراً ، فإن كانت النجاسة جامدة وهي فيه فنجس ، وإن كانت مائعة أو جامدة وقد أزيلت قبل التغير لم ينجس اه م ل قال ع ش : لو زال تغيره ثم تطهر منه جمع ثم عاد تغيره لم يجب عليهم إعادة الصلاة التي فعلوها ، ولم يحكم بنجاسة أبدانهم ولا ثيابهم لاحتمال تحللها بعد طهارتهم لأن كل حادث يقدر بأقرب زمن اه . قوله : ( بمسك ) أي في نجاسة لها ريح ، أو بزعفران في نجاسة لها لون ، أو بخلّ في نجاسة لها طعم ، لأن كل صفة لا تستر أخرى فلو زال الريح بالخل أو اللون بالمسك عاد طهوراً ق ل . قوله : ( فاستترت ) هذا إذا احتمل ستر التغير بما طرأ . قوله : ( ويستثني ) هذا راجع للقسم الأول وهو ما دون القلتين . قوله : ( بأن لا يسيل دمها ) . أي عن موضع جرحها ولو احتمالاً بأن لا يكون لها دم أصلاً ، أو لها دم لا يجري كالوزغ والزنبور والخنفساء والذباب كما في شرح م ر . قوله : ( عند شق عضو منها ) ويكفي في ذلك جرح واحدة فقط ، وفيه أن جرح بعض الأفراد لا يفيد لجواز مخالفته جنسه لعارض ، وجرح الكل لا يمكن إِلا أن يقال جرح البعض إذا كثر يحصل به الظن ، وفيه أنه يلزم التنجيس بالشك إلا أن يقال الظاهر من وجود الدم في بعض الأفراد أن الجنس كذلك ، ومخالفة الأفراد للجنس خلاف الظاهر والغالب ويتجه أن له الإعراض عن ذلك ، والعمل بالطهارة حيث احتمل أنه مما لا يسيل دمه لأن الطهارة هي الأصل ولا تنجس بالشك سم على شرح البهجة الكبير ع ش على م ر .(1/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
قوله : ( كزنبور ) الزنبور الدبور . قوله : ( وعقرب ) وسحال م ر . ومثل هذه أجزاؤها ، فإذا وقعت قشرة قملة في مائع فإن كان بفعل فاعل نجسته وإِلا فلا كما لا يخفى . فلو نطّ فأر على بريصة فللولد حكم الفأر أخذاً من قاعدة : يتبع الفرع أخس الأصلين رجساً . قوله : ( وزغ ) أي برص . قوله : ( وقمل ) ومثله البق المعروف بمصر . قوله : ( وضفدع ) بكسر أوّله وثالثه على الأفصح . قوله : ( فلا تنجس ) أي ميتة ما لا دم لها سائل فهو راجع لأصل المسألة وهو ظاهر ، ونبه عليه خوفاً من الغفلة . قوله : ( طارح ) ولو بهيمة لأن للحيوان اختياراً في الجملة بخلاف طرح الريح ، والمراد أن لا يطرحها طارح ميتة وتصل ميتة ، وإن أحييت في الأثناء أما إذا طرحها حية أو أحييت قبل وصولها ولم تمت فلا يضر .
وحاصل تحرير هذه المسألة بأطرافها أن يقال كما اقتضاه كلام البهجة منطوقاً ومفهوماً إنها إن طرحت حية لم يضر ، سواء كان نشؤها منه أم لا ، وسواء أماتت فيه بعد ذلك أم لا إن لم تغيره . وإن طرحت ميتة ووصلت ميتة ضر سواء أكان نشؤها منه أم لا ، وأن وقوعها بنفسها لا يضر مطلقاً أي حية أو ميتة فيعفى عنه وليس الصبي ولو غير مميز كالريح لأن له اختياراً في الجملة ، ولو تعدّد الواقع من ذلك فأخرج أحدها على رأس عود مثلاً فسقط منه بغير اختياره لم ينجسه وهل له إخراج الباقي به ؟ الأوجه نعم لأن ما على رأس العود جزء من المائع المحكوم بطهارته ، ولو وضع خرقة على إناء وصفي بها هذا المائع الذي وقعت فيه الميتة بأن صبه عليها لم يضر لأنه يضع المائع وفي الميتة متصلة به ، ثم يتصفى منها المائع وتبقى هي منفردة لا أنه طرح الميتة في المائع . وما لا نفس له سائلة إذا اغتذى بالدم كالحلم الكبار أي القراد التي توجد في الإبل ، ثم وقع في الماء لا ينجسه بمجرد الوقوع ، فإن مكث في الماء حتى انشق وخرج منه الدم احتمل أن ينجس لأنه إنما عفي عن الحيوان دون الدم ، ويحتمل أنه يعفى عنه مطلقاً وهو الأوجه كما يعفى عما في بطنه من الروث إذا ذاب واختلط بالماء ولم يغير ، وكذلك ما على منفذه من النجاسة ، ولو وجد ما لا نفس له سائلة في ماء قليل وشك ، في أنها ألقيت فيه ميتة أو لا ، فيه نظر . قال م ر : بعدم العفو لأنه رخصة فلا يصار إليها إِلا بيقين . وقال بعضهم : بالعفو عملاً بالأصل . قال سم : وانظر لو أصابه شيء وشك هل هو مما يدركه المطرف أو أن الميتة مما يسيل دمها أو لا . ويتجه العفو فيهما كما وافق عليه م ر ، لأن الأصل الطهارة . ولا يلزم من النجاسة التنجيس ونازع فيه ع ش على م ر بأن الأصل في النجاسة التنجيس هذا محصل ما ذكره م ر والشوبري و ع ش . وينبغي أنه كما يضر طرح الميتة في المائع يضر طرح المائع في نحو إناء فيه ميتة ، لكن لو جهل كون الميتة في الإناء وطرح المائع فيه فهل ينجس ؟ فيه نظر ولا يبعد أنه لا ينجس إذا كان الطرح لحاجة ، لكن قضية ضرر الطرح(1/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
بلا قصد الضرر هنا ، وأما لو كانت في زيت ونحو القنديل واحتاج إلى زيادته ، فالأوجه أنه لا يضر إلقاء الزيادة في القنديل ، وإن علم أنها فيه ولا يكلف إخراجها قبل إلقاء الزيادة لأن ذلك مما يشق اه سم على ابن حجر .
قوله : ( لمشقة الاحتراز ) قدم الدليل العقلي لعمومه . قوله : ( إذا وقع الذباب الخ ) سمي ذباباً لكثرة حركته واضطرابه وعمره الغالب أربعون يوماً وكله في النار إِلا النحل وكونه في النار ليس تعذيباً له بل ليعذب أهل النار به وهو أطمع الأشياء ، حتى إنه يلقي نفسه في كل شيء ولو كان فيه هلاكه ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها . ومن عجيب أمره أن رجيعه يقع على الثوب الأبيض أسود وبالعكس ، وأكثر ما يظهر من العفونة ومبدأ خلقه منها ، ثم من التوالد وهو من أكثر الطيور سفاداً ، وربما بقي عامة اليوم على الأنثى . وحكي أن بعض الخلفاء سأل الشافعي لأي علة خلق الذباب ؟ فقال : مذلة للملوك وكانت ألحت عليه ذبابة ، فقال الشافعي : سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطته من الهيئة الحاصلة . وعن مقاتل بن سليمان أنه قال يوماً : سلوني عما دون العرش أخبركم . فقال له رجل : أمعاء الذباب في مقدمها أم مؤخرها ؟ فلم يدر ما يقول . قال السيوطي : وفي تاريخ ابن النجار مسنداً أنه كان لا يقع على جسده وثيابه ذباب أصلاً اه من حاشية العلقمي على الجامع .
( فليغمسه ) أمر إرشادي لمقابلة الداء بالدواء ، وفي قوله كله دفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه فلا يكتفي بغمس الجناحين ، وإن حصل الشفاء بالجناح الآخر ، وهل يكتفي بانغماسه بنفسه ؟ فيه احتمالان . والظاهر الاكتفاء به ومحل جواز الغمس أو استحبابه إذا لم يغلب على الظن التغير به ، وإلا حرم لما فيه من إضاعة المال . قال الزيادي : والغمس خاص بالذباب ، أما غيره فيحرم غمسه لأنه يؤدي إلى هلاكه . قوله : ( فإن في أحد جناحيه الخ ) يؤخذ منه أنه لو قطع أحدهما لا غمس ، وبالأولى إذا قطعا . كذا قاله بعض شيوخنا . قلت : ويحتمل الغمس مطلقاً ، ويكون المراد الجناح أو أصله ا ج . وعبارة ع ش على م ر : وعليه فلو قطع جناحها الأيسر لا يندب غمسها لانتفاء العلة ، بل قياس ما هو المعتمد من حرمة غمس غير الذباب حرمة غمس هذه الآن لفوات العلة المقتضية للغمس . قوله : ( وإنه يتقي بجناحه ) بكسر الهمزة أي يجعلها وقاية أي يعتمد عليه في الوقوع . قوله : ( وقيس بالذباب ) أي من حيث عدم التنجيس لا من حيث الغمس فإنه حرام لفقد العلة ، ولأنه يؤدي إلى هلاكه فلا يعفى عن(1/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
شيء منه . قوله : ( امتحن بجنسها ) أي بفرد من أفراد جنسها ، لأن الجنس هو الحقيقة وهي لا توجد إلا في ضمن أفرادها ومحله إذا وجد الجنس فإذا لم يوجد والحالة هذه ، فالذي قاله ابن قاسم أن المتجه العفو قال كما وافق عليه م ر . لأن الأصل الطهارة ولا يلزم من النجاسة التنجيس ، وقد قالوا في شروط الصلاة لو شك في كثرة الدم لم يضر اه . قال ع ش على م ر بعد نقله كلام سم . أقول : وقد يتوقف فيه لأن الأصل في النجاسة التنجيس وإن لم يكن لازماً وسقوطه رخصة لا يصار إليها إلا بيقين ، ويؤيده قول الشارح الآتي : فلو شك هل وقع في حال الحلب أو لا . فالأوجه أنه ينجس إذ شرط العفو لم نتحققه اه . ولك أن تقول لا تأييد فيه لما هنا ، لأن ذاك تحققنا فيه أن الواقع منجس ولا كذلك هنا . فتأمل ، وقد استقرب المحلي الحكم بالنجاسة في هذه المسألة . قوله : ( قال الغزالي ) معتمد .
قوله : ( لا يشاهد بالبصر ) أي ما لم يطرح ويدل على ذلك التعليل بعسر الاحتراز ، ومقتضى هذا أن البهيمة لو حركت ذيلها أو صوفها فتناثر منه نجس لا يدركه طرف إنه لا يعفى عنه لأنه يضر طرحها للميتة ، والظاهر أنه ليس كذلك ، وأن المراد بالطرح بالنسبة لما لا يدركه الطرف الطرح من خصوص المكلف . وعبارة ش م ر : ولو رأى ذباباً على دم ثم طار ووقع على نحو ثوب اتجه العفو جزماً ، لأنا إذا قلنا به في الدم المشاهد فلأن نقول به فيما لم يشاهد بطريق الأولى اه . والمراد بقول الشارح لا يشاهد بالبصر المعتدل من غير واسطة شمس . أي مع فرض لونه مخالفاً للون الواقع عليه ق ل . فلو شاهده قوي البصر أو معتدله في الشمس دون الظل فلا يضر . قال م ر : وقيد بعضهم العفو عما لا يدركه الطرف بما إذا لم يكثر بحيث يجتمع منه في دفعات ما يحس ، وهو كما قال . وضبط في المجموع ذلك أي المعفو عنه بما يكون بحيث لو خالف لونه لون الثوب لم ير لقلته .
فإن قيل : كيف يتصوّر العلم بوجود النجاسة التي لا يدركها الطرف في الماء ؟ قلت : يمكن تصويره بما إذا عف الذباب على نجس رطب لم يشاهد ما علق به من النجاسة ، فإذا وقع(1/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
في ماء قليل أو مائع لم ينجسه لمشقة الاحتراز عنه ، وصوّر ذلك بعضهم بأن يراه قوي البصر دون معتدله بعد فرضه مخالفاً للون ما وقع عليه من الماء أو المائع ، وكذا غيرهما كالثوب اه برماوي على شرح الغاية .
قوله : ( لقلته ) علة لعدم مشاهدته بالبصر لا لعدم التنجيس فهو قيد في الحقيقة لإخراج ما لو كان عدم الإدراك لنحو مماثلته للون المحل كما قاله الرشيدي ، وعبارة ق ل على الجلال قوله لقلته سواء وقع بنفسه أو بفعل فاعل ولو قصداً بدليل إطلاقه مع التفصيل في الميتة ، وبعضهم قيده بما إذا لم يكن عن قصد سواء كان وقوعه في محل أو محالّ . نعم لو كان إذا جمع صار كثيراً عرفاً لم يعف عنه على المعتمد . قوله : ( كنقطة بول ) أو نقط متعددة لكن بحيث لو جمعت كانت قدراً يسيراً لا يدركه الطرف المعتدل وصار متنجساً معفواً عنه ، لا أنه غير متنجس ، والظاهر أن محل العفو أي عدم التنجس بما ذكر مما لا يدركه الطرف وما بعده إذا لم يغير قياساً على ما قبله اه ح ل . قوله : ( وما يعلق ) يحتمل عطفه على نقطة بول فهو مما لا يدركه البصر وهو ما قاله شيخنا م ر . ويحتمل عطفه على نجس فيعم ما يدركه البصر وغيره وبه قال بعضهم اه . ق ل . قوله : ( بنحو رجل ذباب ) أشار بنحو إلى أن الذباب ليس قيداً . قوله : ( والفرق أوجه ) معتمد أي فلا فرق هنا فيما لا يشاهد بالبصر بين أن يكون من مغلظ وغيره . وقال م ر في شرحه : وهو كذلك ا ج . قوله : ( عن روث سمك ) أي صغير إذا سقط بنفسه أو وضعه فيه لا عبثاً . قوله : ( من غير نحو كلب ) أما شعر نحو الكلب فلا يعفى عن شيء منه . قوله : ( من مركوب ) وكذا القصاص يعفى له عن كثيره أيضاً وتعتبر القلة والكثرة بالعرف ، وعبارة ع ش قوله كقليل من شعر نجس أي من غير مغلظ .
قوله : ( وعن قليل دخان نجس ) ولو من مغلظ ، وقيده م ر بغير المغلظ وبعدم الرطوبة ، والأولى قراءته بالتنوين ليشمل دخان المتنجس كحطب تنجس ببول ، فإنه نجس يعفى عن قليله كما قاله زي ، لأنه إن قرىء بالإضافة لا يشمله ، وبه يعلم ما عمت به البلوى في الشتاء ، ولو نشف شيئاً رطباً على اللهب المجرد عن الدخان لم يتنجس وهو ظاهر ، وخرج بالدخان الهباب فظاهره أنه لا يعفى عنه كما قاله العناني ، ومال ع ش إلى طهارة اللهب الحاصل من الشمعة النجسة ولهب الجلة والحطب المتنجس الخالي عن الدخان ، ونقل بعضهم عن ابن العماد نجاسته اه برماوي . وكتب ا ج ظاهره ولو كان الدخان بفعله أو من دخان مغلظ ، وإطلاق م ر(1/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
كما هنا يقتضي العفو مطلقاً ، لكن قيد ابن حجر المسألة بما إذا لم يكن بفعله أو من دخان مغلظ اه . أي فيعمل بما صرح به ابن حجر لأن التصريح يقدم على الإطلاق . وعبارة ع ش على م ر وعن دخان نجس أي في الماء وغيره أي حيث لم يكن وصوله للماء ونحوه بفعله وإِلا نجس ، ومن البخور بالنجس أو المتنجس فلا يعفى عنه وإن قل لأنه بفعله أخذاً مما لو رأى ذبابة على نجاسة فأمسكها حتى ألصقها ببدنه أو ثوبه ، إِلا أنه يفرق بأن البخور مما تمس الحاجة إليه فيغتفر القليل منه ولا كذلك الذبابة . وبخار النجاسة طاهر وهو المتصاعد منها بغير واسطة نار كريح من الدبر ، ويعفى عن ذرق طير في الماء وإن لم يكن من طيوره وعن بعر نحو شاة وقع منها في لبن حين حلبها ، وعن جرة بعير بكسر الجيم ، وكذا غيره مما يجتر فلا ينجس ما شرب منه ، ويعفى عما تطاير من ريقه المتنجس ، ويعفى عن روث ثور الدياسة وعما تلقيه الفئران في بيوت الأخلية وإن أدركه الطرف خلافاً للخطيب ، وعن نحو زيت خلط بجبن فيه دود للأكل ، وعن الخبز المخبوز بالنجاسة كالسرجين بأكله أو ثرده بمائع كلبن ، ولا يجب غسل الفم منه لنحو الصلاة ، ونقل عن شيخنا أنه لا يسنّ أيضاً وفيه نظر . قال الخطيب : ولا تبطل صلاة حامله وخالفه شيخنا م ر اه .
قوله : ( وغبار ) أي وعن قليل غبار سرجين ولو من مغلظ ، وعبارة الشوبري على المنهج . قوله : ( وكغبار سرجين ) عطفه على القليل يقتضي أنه لا يشترط قلته وليس كذلك ، وكتب أيضاً قوله وكغبار سرجين هل ولو طرح وغير أو لا يحرر اه . الظاهر أنه لا عفو حينئذ . وقوله : وليس كذلك قال ع ش : بل يشترط في العفو عنه القلة ، وقوله أيضاً : وليس كذلك قال شيخنا ح ف : إِلا في حق الفران . قوله : ( كالذر ) أي صغار النمل أو المراد هنا مقدار الذر .
قوله : ( وعن حيوان ) طاهر غير آدمي كطير وهرة م ر . وظاهره أن المنفذ قيد فيخرج به بقية أعضائه إذا كانت متنجسة فلا يعفى عنها ، ويشهد لذلك ما ذكره في الهرة التي أكلت نجاسة وغابت غيبة يحتمل معها طهارة فمها ، فإنها لا تنجس ما شربت منه ، إذ لو كانت بقية الأعضاء مثل المنفذ لم يحتج للتقييد بالغيبة المذكورة . وقال بعضهم : إن المنفذ ليس بقيد ، بل مثله بقية أعضائه كما صرح به الطوخي ، وعليه يشكل ما ذكروه في الهرة تأمل . وعبارة الشيخ عبد البر قوله : وحيوان متنجس المنفذ أي ما لم يتحلل منه شيء أي بالنسبة للماء فقط دون المائع ، حتى لو وقع في مائع نجسه على المعتمد كما يرشد إليه التعليل ، وقد رجع الشيخ عن هذا ، وسوّى بين الماء والمائع للمشقة ، ويعفى عما يمسه العسل من الكوّارة التي تجعل من روث نحو البقر ، ويعفى عن فم صبي بالنسبة لثدي أمه وغيره كتقبيله في فمه على وجه الشفقة مع الرطوبة ، فلا يلزم تطهير الفم كذا قرره م ر اه سم على ابن حجر . قوله : ( إذا وقع في الماء ) خرج المائع كما قاله زي ، وقضية كلام م ر الإطلاق وهو المعتمد كما تقدم .(1/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
فرع : ما تلقيه الفئران في بيوت الأخلية يرجع فيه للعرف فما عده العرف قليلاً عفى عنه وما لا فلا ومحله إذا لم يتغير أحد أوصاف الماء وإِلا فلا عفو ، وإذا شككنا في القلة والكثرة فلا عفو لأنه رخصة ولا يصار إليها إِلا بيقين ولم يحصل هنا ، وإذا شككنا في أنه من الفئران أو من غيرهم ، فالأصل إلقاء الفئران والفئران بالهمز كما في القاموس .
قوله : ( مستجمر ) أي بالأحجار . وقوله : ( عن الدم الباقي على اللحم ) صوّره بعضهم بالدم الباقي على اللحم الذي لم يختلط بشيء كما لو ذبحت شاة وقطع لحمها وبقي عليه أثر من الدم ، بخلاف ما لو اختلط بغيره كما يفعل في البقر التي تذبح في المحل المعدّ لذبحها الآن من صب الماء عليها لإزالة الدم عنها ، فإن الباقي من الدم على اللحم بعد صب الماء لا يعفى عنه ، وإن قل لاختلاطه بأجنبي وهو تصوير حسن فليتنبه له ، ولا فرق في عدم العفو عما ذكر بين المبتلى به كالجزارين وغيرهم ، ولو شك في الاختلاط وعدمه لم يضر اه ع ش على م ر . وقد يقال هذا الماء الذي يغسل به ضروري ، فالمناسب عدم ضرره إِلا أن يقال لما لم يبالغوا في إزالة الدم بالماء الذي يغسل به اللحم المذكور صار أجنبياً ضاراً تأمل .
قوله : ( والقلتان ) أي مظروفهما بدليل خمسمائة الخ . وقال شيخنا العزيزي : القلتان صارحقيقة شرعية اسماً للخمسمائة رطل ، والقول بأنهما خمسمائة رطل هو الأصح ، ومقابلة أنهما ألف رطل ، وقيل ستمائة رطل ، وقوله : تقريباً أي في الأصح أيضاً ، ومقابلة أن الخمسمائة تحديد فلا يغتفر نقص شيء كما في شرح م ر ، فقوله في الأصح يرجع للأمرين . قوله : ( بالبغدادي ) قال الرحماني في حاشيته على التحرير : وحكمة الاقتصار على البغدادي في غالب الكتب مع أن الحديث : ( الوزن وزن مكة والكيل كيل المدينة ) لعله لكون التقدير وقع بها وفيها لغات لأنها إما بموحدة أو ميم ثم غين معجمة ثم دال مهملة ثم ألف ثم ذال معجمة أو مهملة أو نون بدلها ، ففيها ست لغات من ضرب الباء والميم في أوّلها في الثلاثة التي آخرها وهي الدال المهملة والذال المعجمة والنون ، ومقدارهما على مصحح النووي بالمصري أربعمائة رطل وستة وأربعون رطلاً ، وثلاثة أسباع من رطل ، وبالدمشقي مائة وسبعة أرطال(1/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
وسبع رطل وعلى مصحح الرافعي بالمصري أربعمائة واحد وخمسون رطلاً وثلث رطل وثلثا أوقية ، وبالدمشقي مائة وثمانية أرطال وثلث رطل . قوله : ( يقلها ) بضم أوله من أقل . قوله : ( وهو الأشبه ) ضعيف . قوله : ( ثم روى ) أي البيهقي المتقدم . قوله : ( عن ابن جريج ) أي بالواسطة إذ الشافعي أخذ عن مسلم بن خالد الزنجي ، وهو عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، عن النبي عن جبريل ، عن الله عزّ وجل . قوله : ( تقريباً ) هو تمييز محول عن المضاف أي : والقلتان تقريب خمسمائة رطل أي مقربها بمعنى ما يقرب منها . قوله : ( أو رطلين ) كأن وجه اعتبار الرطلين فقط أنهما أمر وسط بين أدنى مراتب القلة وهو الواحد ، وأول مراتب الكثرة وهو الثلاثة اه شوبري . قال سم : لا يقال هذا يرجع إلى التحديد لأنا نقول هو تحديد غير التحديد المختلف فيه . قوله : ( لم يضر ذلك ) أي النقص . قوله : ( وهذا أولى ) قال بعضهم : ولا تخالف بين القولين في المعنى ، إذ ما زاد على الرطلين يظهر به التفاوت ودونهما لا اه ا ج . قوله : ( لضبطه ) فيه أن الأول فيه ضبط أيضاً بالرطل أو الرطلين . قوله : ( وبالمساحة ) بكسر الميم وهذا على المرجح أما على أنهما ستمائة رطل أو ألف رطل فتزيد المساحة على ما ذكر كما في قرة العين في مساحة ظرف القلتين للشنشوري .(1/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
قوله : ( وفي المدوّر ذراعان ) طولاً بذراع النجار ، وذرعان ونصف بذراع الآدمي كما سيذكره . قوله : ( وبالعرض الخ ) .
فائدة : لو كان الموضع المربع ذراعين ونصفاً وعرضه وعمقه كذلك يتبادر إلى الذهن أنه أربع قلال لأنها ضعف القلتين فيه وهو خطأ ، والصواب أنه ستة عشر قلة يعرف ذلك من يعرف ضرب القلتين بالطريق المتقدم ، فإنك تجعل كلاًّ من الطول والعرض والعمق عشرة أذرع قصيرة ، وتضرب عشرة الطول في عشرة العرض ، والمائة الحاصلة في عشرة العمق يحصل ألف كل واحد يسع أربعة أرطال ، فالجملة أربعة آلاف رطل بستة عشر قلة فتدبر ، لأن كل ألف أربع قلل ، وسكت عن المحيط ، وهو قدر ثلاثة أمثال العرض وسبع مثله ، لأن محيط كل دائرة ثلاثة أمثال عرضها ، وسبع مثله ، فلو فرضت دائرة عرضها سبعة أذرع كان محيطها اثنين وعشرين ذراعاً فيبسط كل من العرض والمحيط والطول أي العمق أرباعاً لوجود مخرجها في مقدار القلتين في المربع ، فيصير العمق عشرة . والعرض أربعة والمحيط اثني عشر وأربعة أسباع ، ثم يضرب نصف العرض وهو اثنان في نصف المحيط وهو ستة وسبعان تبلغ اثني عشر وأربعة أسباع ، فيضرب في بسط العمق وهو عشرة تبلغ مائة وخمسة وعشرين ربعاً مع زيادة خمسة أسباع ربع وبها حصل التقريب . وصورة القلتين في المثلث : أن تكون الحفرة ثلاثة أركان : ركن عرضاً وركنان طولاً ، فالعرض وهو ما بين الركنين ذراع ونصف بذراع الآدمي ، والطول وهو الركنان الآخران ذراع ونصف بذراع الآدمي أيضاً ، والعمق ذراعان بذراع الآدمي كذلك فتبسطها أذرعاً قصيرة ، وتضرب الطول في العرض يحصل ستة وثلاثون تأخذ ثلثها وعشرها تجده خمسة عشر وستة أعشار تضربه في ثمانية العمق ، فيحصل مائة وعشرون من الخمسة عشر وثمانية وأربعون عشراً من الستة أعشار منها أربعون بأربعة صحيحة ، والثمانية أعشار بواحد إِلا عشرين تضيفها إلى المائة وعشرين يحصل مائة وخمسة وعشرون إِلا عشرين . وهذا معنى قولهم تقريباً . وقوله : وستة أعشار هي في الحقيقة ثلاثة أخماس فتضربها بهذا اللفظ فيكون أسهل .
قوله : ( والماء الجاري الخ ) سكت عن المائع وحكم الراكد منه أنه ينجس بالملاقاة وإن(1/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
كان كثيراً ، وأما الجاري فالجرية منه تنجس بالملاقاة أيضاً وإن كثرت ، ولا ينجس ما قبلها لانفصالها حكماً وينجس ما بعدها لمروره على محلها الذي تنجس بها ، وعلى هذا لو صب المائع من إبريق مثلاً من علو إلى سفل تنجس ما لاقى النجاسة فقط ق ل . وقوله : ولا ينجس ما قبلها أي إن كان بمحل مرتفع ارتفاعاً كثيراً . قال شيخنا ح ف : حتى لو كانت النجاسة في آخر القناة الجاري فيها الزيت مثلاً واتصل الزيت بها تنجس جميع ما في القناة ولو جعل حائل بين النجاسة والزيت بعد الاتصال تنجس ما وراء الحائل الذي لم يصب النجاسة ، ومحله إذا كانت القناة مستوية أو قريبة من الاستواء بأن كان فيها ارتفاع يسير . فإن كان فيها ارتفاع وانخفاض كثير فلا ينجس المرتفع بمجرد ملاقاة المنخفض للنجاسة ، فلو جعلنا حائلاً للمرتفع كان طاهراً . قوله : ( وفيما استثني ) الأولى ومما استثني أي من النجاسة المعفوّ عنها إذ هذا مر أيضاً في قوله ويستثنى الخ . قوله : ( لمفهوم حديث القلتين ) المراد بالمفهوم ما يفهم من اللفظ وإن كان بطريق المنطوق بدليل ما بعده . قوله : ( لكن العبرة في الجاري بالجرية نفسها ) .
والحاصل : أن الجاري من الماء ومن رطب غيره إما أن يكون بمستو أو قريب من الاستواء ، وإما أن يكون منحدراً من مرتفع كالصب من إبريق ، فالجاري من المرتفع جداً لا يتنجس منه إِلا الملاقي للنجس ماء أو غيره ، وأما في المستوى والقريب منه فغير الماء ينجس كله بالملاقاة ولا عبرة بالجرية وهي ما بين حافتي النهر من الدفعات ، وأما الماء فالعبرة فيه بالجارية فإن كانت قلتين لم تنجس هي ولا غيرها ، وإن كانت أقل فهي التي تنجست وما قبلها من الجريات باق على طهوريته ولو المتصلة بها ، وأما ما بعدها فهو كذلك أي باق على طهوريته إِلا الجرية المتصلة بالمتنجس ، فلها حكم الغسالة ، وهذا إذا كانت النجاسة جارية مع الماء ، فإن كانت واقفة في الممر فكل ما مر عليها ينجس ، وأما ما لم يمر عليها وهو الذي فوقها فهو باق على طهوريته . وعبارة شرح م ر والعبرة في الجاري بالجرية نفسها لا مجموع الماء ، فإن الجريات متفاصلة حكماً ، وإن اتصلت في الحس لأن كل جرية طالبة لما قبلها هاربة مما بعدها ، فإذا كانت الجرية وهي الدفعة التي بين حافتي النهر في العرض دون قلتين تنجست بملاقاة النجاسة سواء تغير أم لا لمفهوم حديث القلتين المارّ ، فإنه لم يفصل فيه بين الجاري والراكد ، ويكون محل تلك الجرية من النهر نجساً ويطهر بالجرية بعدها ، وتكون في حكم(1/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
غسالة النجاسة حتى لو كانت مغلظة فلا بد من سبع جريات عليها . ومن التتريب أيضاً في غير الأرض الترابية هذا في نجاسة تجري في الماء ، فإن كانت جامدة واقفة ، فذلك المحل نجس ، وكل جرية تمر بها نجسة إلى أن يجتمع قلتان منه في موضع . ويلغز به : فيقال لنا ماء ألف قلة غير متغير وهو نجس أي لأنه ما دام لم يجتمع فهو نجس وإن طال محل جري الماء ، والفرض أن كل جرية أقل من قلتين اه .
قوله : ( أي تحقيقاً الخ ) تفصيل للتموج ، فالحقيقي أن يشاهد ارتفاع الماء وانخفاضه بسبب شدة الهواء ، والتقديري بأن يكون غير ظاهر التموج بالجري عند سكون الهواء لأنه يتماوج ولا يرتفع . قوله : ( حكماً ) بمعنى أنها لا تتقوى بما قبلها ولا بما بعدها ، بخلاف الراكد فإن بعضها يقوي بعضاً .
قوله : ( بأن يمسحا الخ ) هذا مسح القلتين من حيث هما أي بقطع النظر عن الجرية ، وسيأتي تصويره بقوله فمسح القلتين الخ . فهذا نظر أول ، وقوله ثم يؤخذ الخ مسح للجرية نفسها هل تبلغ قلتين بأن بلغت الميزان الآتي وهو المائة والخمس والعشرون أو لا ، بأن لم تبلغه كأن لم يكن الطول ذراعاً وربعاً في المربع وهذا نظر ثان . قوله : ( فمسح القلتين الخ ) بيان لقوله بأن يمسحا أي القلتان ، فكان الأولى ذكره عقبه ، وإذا تأملت لم تجد في كلامه تكراراً خلافاً للقليوبي . قوله : ( فله حكم الراكد ) لو قال فهو من الراكد لكان أولى وأسلم فتأمل . وقوله : فله حكم الراكد فلا ينظر فيه للجريات بل ينظر لجميعه هل بلغ قلتين أم لا ؟ فإن كان قلتين لم ينجس إِلا بالتغير .
فصل : ( في بيان ما يطهر بدباغه وما يستعمل من الآنية وما يمتنع
)
أي : وما لا يطهر . ففي كلامه اكتفاء ، لأن الفصل منعقد لأمور أربعة ما يطهر بدباغه ، وما لا يطهر وما يستعمل من الآنية ، وما يمتنع ، وهذا بناء على النسخة التي وقعت للشارح من(1/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
عدم ترجمة قول المصنف ، ولا يجوز استعمال الخ ، بفصل . وقد وجد في بعض نسخ المتن المحررة ترجمته بفضل ، وعليه فيكون هذا الفصل منعقداً لأمرين فقط وهما ما يطهر بالدباغ وما لا يطهر . ومناسبة ذكر الدباغ عقب المياه أنه مطهر ، وأما مناسبة ذكر الأواني عقبها فهي كونها ظروفاً للمياه ، وجمع الجلود في كلامه من مقابلة الجمع بالجمع ، لأن لكل حيوان جلداً يزال عنه في حياته أو بعد موته ق ل . وفيه أن الميتة ليست جمعاً إِلا أن يقال إنها اسم جمع فهي جمع لغوي ، أو يقال إن أل للجنس فتصدق بالمتعدد .
قوله : ( الميتة ) أي وكذا جلود الحيّ الذي ينجس بالموت ، وإنما قيد بالميتة للغالب فلو سلخ جلده مع حياته طهر أيضاً بالدباغ اه م د . وكان المناسب أن يقول المصنف الميتات ، لأن جمع المؤنث السالم ملحق بجموع القلة الأربعة المذكورة في الخلاصة ، والأفصح فيها المطابقة كما في النظم المشهور فما هنا من غير الأحسن . قوله : ( كلها ) تأكيد للجلود أو للميتة والأول أنسب ق ل . قوله : ( ظاهراً وباطناً ) خلافاً لمالك في قوله : يطهر وظاهره دون باطنه ، فتجوز الصلاة عليه لا فيه . وعن مالك لا تطهر جلود الميتات أصلاً ، وبه قال الإمام أحمد في رواية ، وقال الإمام أبو حنيفة : إن الجلود كلها تطهر بالدباغ إِلا جلد الخنزير . وقال الزهري : إنه ينتفع بجلود الميتة كلها من غير دباغ ، وحمل أحاديث الدباغ على الاستحباب دون الوجوب ، وتوجيه باقي الأقوال مذكور في الميزان . قوله : ( بالدباغ ) بمعنى الاندباغ كما تدل له الغاية المذكورة ق ل . قوله : ( أو بالقائه ) أي الجلد . وقوله : ( كذلك ) أي بنحو ريح فلا يشترط فعل ولا قصد . قوله : ( أيما إهاب ) الإهاب بكسر الهمزة ككتاب اسم للجلد قبل دبغه سمي به لأنه أهبة للحي أي ينتفع به وبقاء لحماية جسده كما قيل له : المسك لا مساكه ما وراءه وما زائدة ، وطهر بالفتح والضم والفتح أفصح . وأما المضارع فبالضم لا غير . قوله : ( والباطن ما لم يلاق الدابغ ) المحل للإضمار . وفي الخادم للزركشي . والمراد بباطنه ما بطن وهو ما لو شق لظهر ، وبالظاهر ما ظهر من وجهيه بدليل قولهم : إذا قلنا بطهارة ظاهره فقط جازت الصلاة عليه لا فيه فتنبه لذلك فقد رأيت من يغلط فيه شرح م ر . قوله : ( مأكولة اللحم ) أي كالخيل والقنافذ . وقوله : ( أم لا ) كالذئاب والفئران .(1/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
قوله : ( لم يعد إليه النتن ) أي عن قرب ، أما لو عاد إليه بعد مدة طويلة فلا يضر لأن الأشياء الصلبة إذا مكثت في الماء مدة طويلة ربما حصل لها العفونة . قوله : ( والفساد ) عطف تفسير أو عام على خاص . وقال ق ل : عطف مرادف . قال م ر : والأوجه أن ما عدا النتن إن قال خبيران إنه لفساد الدبغ ضر وإِلا فلا . لأنا نجد ما اتقن دبغه يتأثر بالماء فلا ينبغي أن ينظر لمطلق التأثر به بل ينظر للدبغ اه . قوله : ( كالقرظ ) بالظاء المشالة ثمر السنط . قوله : ( والنجس ) ولو من مغلظ . لكن يحرم التضمخ به إذا وجد ما يقوم مقامه . قوله : ( كذرق الطيور ) هو بالذال المعجمة كما في شرح الروض وبالزاي أيضاً كما في المختار قال فيه زرق الطائر زرقاً وبابه ضرب ونصر . قوله : ( ونحو ذلك ) كالملح . قوله : ( وإنما جمدت ) بفتح الميم وبابه نصر ودخل اه مختار . قوله : ( عادت إليه العفونة ) أي لأنها كامنة فيه . قوله : ( فيجب غسله ) ولو سبعاً بتراب إن كان الدابغ نحو روث كلب ق ل . واعلم أنه لو أصابه قبل الدبغ نجاسة مغلظة فغسله قبله سبعاً إحداهن بالتراب فلا بدّ من تطهيره بعد الدباغ بسبع إحداهن بتراب ، لأنه قبل الدبغ لم يكن قابلاً للتطهير ، وأخذ منه أي من التعليل سم أن عظم الميتة أي وشعرها إذا أصابه مغلظ لم يطهر بالتسبيع والتتريب ، فإذا أصاب شيئاً مع الرطوبة نجسه نجاسة مغلظة اه فتفطن له فإنه فرع مهم نفيس اه م د ، لكن نقل عن ع ش أنه يطهر من النجاسة المغلظة وهو أقيس . قوله : ( لذلك ) أي لتنجسه . قوله : ( ما لم يمنع من ذلك مانع ) بأن كان فيه نجس يسد الفرج كشعر لم يلاق الدابغ . قوله : ( ولا يحل أكله ) أي جلد الميتة المدبوغ ، أما جلد المذكى بعد دبغه فيجوز أكله ما لم يضر . قوله : ( إنما حرم من الميتة أكلها ) فهو شامل(1/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
لجلدها وإن دبغ . وقول ق ل : ليس في الحديث الذي ذكره دليل لدعواه اه ليس بظاهر ، لكن القليوبي فهم أن تحريم الأكل الذي في الحديث قبل الدباغ .
قوله : ( وخرج بالجلد الشعر ) عبارة شرح م ر . وخرج بالجلد الشعر فلا يطهر به وإن ألقي في المدبغة وعمه الدابغ لأنه لا يؤثر فيه ، لكن يعفى عن قليله وإن قال الشيخ إنه يطهر تبعاً وإن لم يتأثر بالدبغ . قوله : ( ويعفى عن قليله ) فهو نجس معفوّ عنه خلافاً لمن قال طاهر تبعاً للجلد كدنّ الخمر للفرق ، فإن القول بطهارة دن الخمرة للضرورة إذ لولا الحكم بطهارته لم يوجد طهارة خل أصلاً عن خمر ، ولا ضرورة إلى طهارة الشعر لإمكان إزالته ، ولأنه ينتفع بالجلد لا من جهة الشعر ، أما الكثير فلا يعفى عنه أصلاً على المعتمد ، واختار السبكي تبعاً للنص وجمع من الأصحاب طهارة الشعر وإن كثر . وقال : هذا لا شك فيه عندي وهذا الذي أعتقده وأفتي به اه سم . وبه قال الإمام أبو حنيفة اه . قوله : ( والخنزير ) اعترضه بعضهم بأن الخنزير لا جلد له وشعره في لحمه ، وعليه فذكره لبيان حكمه لو كان ، وقيل إنه نوعان : أحدهما له جلد اه ق ل . قوله : ( أبلغ ) لعل وجه الأبلغية أنها تفيد جميع أجزاء الحيوان الطهارة بخلاف الدبغ إذ لا يفيد إِلا الجلد فقط اه م د . قوله : ( مع حيوان طاهر ) أي غير آدمي وهذا مراد ق ل بقوله في عمومه تقييد يأتي في محله اه . قوله : ( لما ذكر ) أي من قوله لأن الحياة في إفادة الخ . قوله : ( وقرنها ) وكذا سنها وحافرها ، وقد يشمل جميع ذلك العظم ، وحينئذ فيكون من عطف الجزء على كله وكذا لبنها وبيضها إن لم يتصلب ومسكها إن لم يتهيأ للوقوع ، وقال أبو حنيفة وأحمد : بطهارة الشعر والصوف والوبر . زاد أبو حنيفة فقال بطهارة القرن والسن والعظم والريش إذ لا روح فيه . وقال مالك : بطهارة الشعر والصوف والوبر مطلقاً سواء كان يؤكل لحمه كالنعم أو لا يؤكل كالكلب والحمار اه شعراني في الميزان . قوله : ( وظلفها ) الظلف اسم لحافر الغنم ونحوه كالبقر والظفر للطير والحافر للفرس والبغل والحمار اه ع ش . قوله : ( فيدخل في الميتة ما لا يؤكل إذا ذبح ) وذبحه حرام ولو لأجل جلده ، وكذا ذبح المأكول لا لأكله ولو لأخذ جلده أو لحمه للصيد به كما في عب . فتلخص لنا أن الحيوان(1/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
إن كان مأكولاً لا يجوز ذبحه إِلا للأكل فقط ، وغير المأكول لا يجوز ذبحه مطلقاً إِلا إذا نص على جواز قتله أو ندبه اه ا ج . وانظر إذا ذبح المأكول لأجل جلده هل يكون ميتة أو لا ؟ نقل عن ابن حجر الثاني فليراجع . وفي الميزان للشعراني ما نصه ، قال الشافعي وأحمد : إن الذكاة لا تعمل شيئاً فيما لا يؤكل ، وقال أبو حنيفة ومالك : إنها تعمل إِلا في الخنزير ، وإذا ذكي عندهما سبع أو كلب طهر جلده ولحمه ، لكن أكله حرام عند أبي حنيفة مكروه عند مالك ، ووجه الأول أن ما لا يؤكل لحمه خبيث فلا تؤثر فيه الذكاة طهارة ولا طيباً ، بل حكم ذبحه حكم موته حتف أنفه . قال تعالى في مدح نبينا محمد : ) ويحرم عليهم الخبائث } ) الأعراف : 157 ) ووجه الثاني أنه لا يلزم من طهارته حله ، فقد يحرم الشيء الطاهر لضرورة في بدن أو عقل ولحم ما لا يؤكل ، وإن قيل طهارته يضر في البدن كما جرب ومن شك فليجرب ولو لم يكن ، إِلا أنه يورث آكله البلادة حتى لا يكاد يفهم ظواهر الأمور فضلاً عن بواطنها لكفي اه بحروفه .
قوله : ( والمحرم للصيد ) أي إذا كان ما ذكاه صيداً وحشياً كما يعلم من كتاب الحج أما غير الوحشي فلا يحرم . قوله : ( ونحوه ) كالظفر . قوله : ( إن كان طاهراً فطاهر ) كان المناسب إن كانت طاهرة أي إن كانت ميتته طاهرة فالجزء المنفصل حال حياته طاهر وإن نجسة فنجس ، وقد يقال : إن الميتة اكتسبت التذكير من المضاف إليه ومن الجزء ثوب الثعبان فهو نجس خلافاً لمن أفتى بطهارته كالعرق كما في م ر . وانظر لو اتصل الجزء المذكور بأصله وحلته الحياة هل يطهر ويؤكل بعد التذكية أو لا . ونظيره ما لو أحيا الله تعالى الميتة ثم ذكيت ولم يظهر في هذه إلا الحل فكذا الأوّل فليتأمل شوبري ، إِلا أنه قد يرد على الأولى ما لو وصل عظمه بعظم نجس وحلته الحياة مع حكمهم عليه بكونه نجساً معفواً عنه ، وعلى الثاني ما لو أحياه الله بعد تيقن موته حيث لا تعود له زوجاته وأمواله إِلا أن يفرق بأن العظم الموصول أجنبي من الواصل أصالة ، وليس من أجزائه الأصليه بدليل عدم عوده له في الآخرة ، فلم يكن الوصل مقتضياً لطهارته ، بخلاف جزء الحيوان فقد عادت له الطهارة بعوده إلى أصله ، والظاهر عدم إيراد الثانية لأن كلاًّ منهما حياة حقيقية متجددة فتعطي حكمها فليتأمل كاتبه إطفيحي .(1/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
وقوله : ( فتعطي حكمها ) وهو الطهارة بالحياة الثانية هنا ، وأما هناك فإن زوجاته وأمواله حرمتا عليه بالموت فلا تفيده الحياة شيئاً . قوله : ( فالمنفصل من الآدمي ) ومنه المشيمة التي فيها الولد طاهرة من الآدمي نجسة من غيره . قوله : ( إِلا شعر أو صوف ) هذا بالنظر لكلام الشرح مع المتن استثناء منقطع لأن فرض المسألة في شعر الميتة . قوله : ( أو وبر المأكول ) ومثله لبنه وبيضه ومسكه وفأرته بالهمز وتركه بخلاف الحيوان المعروف فإنه بالهمز فقط كما في القاموس ، ومحل طهارتها إن انفصلت في حياتها ولو احتمالاً على الأوجه أو بعد ذكاتها وإِلا فهي نجسة زي . وقوله : وإِلا فهي نجسة أي إن لم تتهيأ للانفصال ، قال ع ش . قوله : ولو احتمالاً يؤخذ منه أنه لو رأى ظبية ميتة وفأرة عندها ، واحتمل أن انفصالها قبل موتها حكم بطهارتها وهو متجه ، لأنها كانت طاهرة قبل الموت فتستصحب طهارتها ولم يعلم ما يزيل الطهارة ، وإنما كان المسك طاهراً لخبر مسلم : ( المسك أطيب الطيب ) اه . ونقل عن ح ج أن المسك التركي نجس لأنه يؤخذ من فرج حيوان غير مأكول ، والعنبر طاهر وهو نبت يلفظه البحر . قال إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه : حدثني بعضهم أنه ركب البحر ، فوقع على جزيرة فنظر إلى شجرة مثل عنق الشاة وإذا ثمرها عنبر قال : فتركناه حتى يكثر ثم نأخذه ، فهبت ريح فألقته في البحر . قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : والسمك ودواب البحر تبتلعه أول ما يقع لأنه لين ، فإذا ابتلعته قلما تسلم إِلا قتلها لفرط الحرارة التي فيه ، فإذا أخذ الصياد السمكة وجده في بطنها فيقدر أي يظن أنه منها ، وإنما هو ثمر نبت قاله القسطلاني في شرح البخاري اه إطفيحي .
قوله : ( ولو نتف الخ ) والنتف حرام للتعذيب ، ومن قال مكروه يحمل على أذى يحتمل عادة . قوله : ( أثاثاً ومتاعاً ) الأثاث أمتعة البيت فعطف المتاع عليه من عطف التفسير أو العام بعد الخاص . قوله : ( ولو شككنا فيما ذكر ) أي الشعر والصوف والريش والوبر وكذا العظم ، وإن لم يكن في خرقة أو زنبيل وعبارة شرح م ر والشعر المجهول انفصاله هل هو في حال(1/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
حياة الحيوان المأكول أو لا . أو كونه مأكولاً أو غيره طاهر . اه . قوله : ( لأن الأصل عدم التذكية ) ما لم تكن في ظرف وعبارة م ر . ولو وجد قطعة لحم في إناء أو خرقة ببلد لا مجوس فيه فطاهرة أو مرمية مكشوفة فنجسة لعدم جريان العادة برمي اللحم الطاهر ، أو في إناء أو خرقة والمجوس بين المسلمين وليس المسلمون أغلب ، فكذلك فإن غلب المسلمون فطاهرة اه . قوله : ( والشعر على العضو المبان نجس ) ومنه تطريف ألية الخروف ق ل . أي قطع طرف الألية وأتى بذلك لئلا يتوهم من قوله فيما سبق إلا شعر المأكول أنه طاهر مطلقاً ، والعضو بضم العين وكسرها كما في القاموس . قوله : ( والشعر المنفصل الخ ) هو مبني على النسخة التي وقعت له وهي إلا شعر الآدمي ، وفي أخرى إِلا الآدمي وهي الصواب لاقتضاء تلك أن ميتة الآدمي نجسة بخلاف شعره لشمول قوله : وعظم الميتة وشعرها نجس لعظم ميتة الآدمي . قوله : ( ولقد كرمنا بني آدم ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : بأن جعلهم يأكلون بالأيدي وغيرهم يأكل بفيه من الأرض ولا ترد القردة لوطء النجاسة بما تأكل به ، وقيل بالعقل ، وقيل بالنطق والتمييز والفهم ، وقيل باعتدال القامة ، وقيل بحسن الصورة ، وقيل الرجال باللحى والنساء بالذوائب ، وقيل بتسليطهم على جميع ما في الأرض وتسخيره لهم ، وقيل بحسن تدبيرهم أمر المعاش والمعاد اه برماوي .
قوله : ( فالمراد به نجاسة الإعتقاد ) فيه أن الإعتقاد أمر معنوي وهو لا يتصف بنجاسة ولا طهارة . ويمكن الجواب بأن المراد بنجاسة الإعتقاد فساده فوصفه بالنجاسة على ضرب من التجوّز اه . فيكون التقدير إنما بإعتقاد المشركين فاسد ، فيكون في الآية مضاف مقدر واستعارة تصريحية حيث شبه الفاسد بالنجس بعد تشبيه الفساد بالنجاسة بجامع وجوب اجتناب كل واستعار النجس للفاسد . وقوله : ( أو اجتنابهم كالنجس ) فيكون من باب التشبيه البليغ أي هم في وجوب الاجتناب كالنجس ، فعلى الأول يكون الموصوف بالناس اعتقادهم ، وعلى الثاني ذواتهم . وقال الشيخ سلطان : أي ولأنه لو تنجس بالموت لكان نجس العين ولم يؤمر بغسله كسائر الأعيان النجسة . لا يقال ولو كان طاهراً لم نؤمر بغسله كسائر الأعيان الطاهرة . لأنا نقول قد عهد غسل الطاهر بدليل المحدث ولا كذلك نجس العين .
قوله : ( لا نجاسة الأبدان ) قد يقال هذه الآية في المشركين الأحياء ، والكلام هنا في الموتى ع ش . وأجيب : بأن الآية إذا دل ظاهرها على نجاسة الأحياء ، فتكون نجاسة الأموات(1/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
بالأولى . ونقل البيضاوي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : ) إنما المشركون نجس } ) التوبة : 28 ) أن المراد نجاسة الأبدان حقيقة ، فالكافر عند ابن عباس نجس حقيقة ولو في حال الحياة . وفي الميزان ما نصه : قال الإمام مالك وأحمد والشافعي في أرجح قوليه بطهارة الآدمي إذا مات . وعند الإمام أبي حنيفة والمرجوح من قولي الشافعي إنه نجس لكنه يطهر بالغسل ، ووجه الأول شرف ذات الآدمي روحاً وجسماً . ووجه الثاني شرف روحه فقط فإذا خرجت من الجسد تنجس لأنه ما كان طاهراً إِلا بسريان الروح فيه وهي من أمر الله ، وأمر الله طاهر مقدس بالإجماع فكذا ما جاوره . فإن قال قائل : كيف قال الإمام أبو حنيفة بنجاسة الآدمي مع حديث : ( إن المؤمن لا ينجس حياً ولا ميتاً ) ؟ فالجواب : يحتمل أن هذا الحديث لم يبلغه أو بلغه ولم يصح عنده اه .
قوله : ( والكبد والطحال ) بكسر الطاء أي وإن سحقا وصارا كالدم ع ش . قوله : ( ثم اعلم الخ ) هو لفظ يؤتى به لشدة الاعتناء بما بعده وقوة التوجه إليه والمخاطب به كل واقف عليه . قوله : ( جماد ) المراد به ما ليس حيواناً ولا أصل حيوان ولا جزء حيوان ولا منفصلا من حيوان فعلم من هذا أن الفضلات قسم ثالث فلو قال والأعيان إما جماد وإما حيوان وإما فضلات ثم قسم الفضلات إلى ما استحال إلى فساد فهو نجس الدم وما لا يستحيل فطاهر كالعرق كان أولى اه م د قوله : ( ولو من بعض الوجوده ) فلا يرد أن الحجر لا يؤكل قوله : ( مسكر مائع ) لو سكت عن لفظ مائع لطابق الدليل المدعي لأن حقيقة المسكر ما فيه إزالة العقل وهو نجس ولو جامداً ، ولا يحترز به عن نحو الحشيش لأنه مخدر لا مسكر فهو طاهر ولو مائعاً ق ل . وقوله : لطابق الدليل الخ ، لأن الدليل لم يقل فيه كل مائع ، بل قال فيه كل مسكر وهو يشمل الجامد . وفي شرح م ر وقد صرّح في المجموع بأن البنج والحشيش طاهران مسكران اه . وهو مخالف لقول ق ل مخدّر . وعبارة ابن حجر : ومثل الحشيشة والبنج الأفيون وجوزة الطيب أي الكثير منها وكثير العنبر وكثير الزعفران ، والمراد بالإسكار الذي وقع في عبارة الشارح وغيره في نحو الحشيش وما ضاهاه مجرّد تغييب العقل ، فلا منافاة بينه وبين تعبير غيره(1/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
بأنها مخدّرة منوّمة خلافاً لمن وهم فيه وما ذكرته في تحريم جوزة الطيب من أنها مسكرة بالمعنى المذكور وأنها حرام صرح به أئمة المذاهب الثلاثة أي غير الحنفي واقتضاه كلام الحنفية ، وفي المصباح البنج مثال فليس نبات له حب يخلط العقل ويورث الخبال وربما أسكر إذا شربه الإنسان بعد ذوبه ، ويقال إنه يورث النوم اه .
قوله : ( لقوله : ( كل مسكر خمر ) ) الظاهر أن هذا إنما هو دليل على حرمة الخمر . وأما الدليل على نجاسته فقوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر } ) المائدة : 90 ) إلى قوله : ) رجس } ) المائدة : 90 ) أي نجس ، وهذا الحديث لا يدل عليها . قوله : ( لما مرّ ) أي من أنه خلق لمنافع العباد . قوله : ( إِلا ما استثناه الشارع ) أي حقيقة أو حكماً فصح قوله بعد فالخنزير مستثنى حكماً ، وهذا على قراءته بالرفع عطفاً على الكلب ، ويصح نصبه عطفاً على ما في قوله : إِلا ما استثناه الشارع ، وعليه لا يحتاج إِلى تكلف . وكتب بعضهم على قوله بعد : والخنزير هو عطف على الكلب من قوله السابق وهو الكلب ، فيقتضي أنه استثناه الشارع أيضاً وقوله : لأنه أسوأ حالاً من الكلب يقتضي أنه مقيس عليه ولم يرد فيه شيء من الشارع ، اللهم إلا أن يحمل قوله : إِلا ما استثناه الشارع على الأعم مما استثناه حقيقة أو حكماً . قوله : ( ولو معلماً ) فيه رد على من قال بطهارته حينئذ اه . إطفيحي . قوله : ( طهور إناء أحدكم ) قال النووي في شرح مسلم : الأشهر فيه ضم الطاء ويقال بفتحها لغتان هكذا بخط زي ، وقول المحلي أي مطهره ظاهر في الفتح ، لأن المطهر هو الآلة ومحتمل للضم بأن يراد به الفعل المطهر اه ع ش . قوله : ( أولاهن ) وفي رواية : أخراهن وهما محمولتان على ثالثة وهي إحداهن لتساقط الأوليين بتعارضهما فعمل بالثالثة ، أو تحمل الأولى على الأكمل والثانية على الإجزاء والثالثة على الجواز . وفي رواية : ( وعفروه الثامنة بالتراب ) بمعنى أن التراب يصحب السابعة فهو بمنزلة مرّة ثامنة ق ل .
قوله : ( وهو ) أي فمه أطيب أجزائه الخ . وقوله : ( بل هو ) أي الكلب من حيث فمه .(1/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
وقوله : ( أطيب الحيوانات ) أي غير الآدمي ، ويحتمل أنه أطيب الحيوانات ولو الآدمي ، لأنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل وبابه قطع . وقوله : ( نكهة ) أي رائحة الفم . قوله : ( يلهث ) قال في المختار : لهث الكلب أخرج لسانه من العطش أو التعب . قوله : ( لأنه أسوأ حالاً الخ . ) استدل بعضهم على نجاسة الخنزير بقوله تعالى : ) أو لحم خنزير } ) الأنعام : 145 ) فإنه رجس بناء على رجوع الضمير للخنزير . قال النووي : وهو غير متعين بل يحتمل رجوعه للمضاف وهو اللحم ، يعني أن لحمه نجس بعد موته ولا يدل على نجاسته في حياته ، ثم قال : وليس لنا دليل واضح على نجاسته . قوله : ( وفرع كل منهما مع الآخر ) هو مستثنى حكماً أيضاً كالخنزير باعتبار أن الفرع يتبع أخس أصليه . قوله : ( أو مع غيره ) دخل فيه المتولد بين كلب ذكر أو أنثى وآدمي كذلك ، وهو كذلك إن كان على غير صورة الآدمي ، فإن كان على صورته ولو في النصف الأعلى فقط فهو طاهر في العبادات فيصلي ولو إماماً ويدخل المساجد ويخالط الناس ، ولا ينجسهم بمسه مع رطوبة ، ولا ينجس به الماء القليل ولا المائع . قال شيخنا : ويتولى الولايات كالقضاء وولاية النكاح ، وخالفه الخطيب وله حكم النجس في الأنكحة والتسرّي والذبيحة والتوارث ، وجوّز له ابن حجر التسري إن خاف العنت . وقال شيخنا : يرث من أمه وأولاده ق ل على التحرير والمحلى ، ولو تولد آدمي بين شاة وخروف مثلاً ، فحكمه حكم المكلف في التزام الأحكام والكلب بين آدميين طاهر ، ولا يضر تغير صورته كالمسخ والآدمي بين كلبين نجس قطعاً ، ويظهر أنه يجري فيه ما مر عن شيخنا من إعطائه حكم الطاهر في العبادات اه . وذكر بعضهم أن الآدمي بين شاتين يصح منه أن يخطب ويؤم الناس ، ويجوز ذبحه وأكله اه . وقياسه أن الآدمي من حيوان البحر كذلك ، وفي كلام بعضهم أن المتولد بين سمك وآدمي له حكم الآدمي اه . ومقتضاه أنه مكلف فانظره كالذي قبله اه ق ل على الجلال ، ولو تولد حيوان بين السمك وغيره فميتته نجسة على قياس أن الولد يتبع أخس أبويه كما في الشوبري
قوله : ( تغليباً للنجاسة ) كما ذكر في قاعدة يتبع الفرع الخ . قوله : ( وإن الفضلات الخ ) عطف على قوله السابق أن الأعيان الخ . قوله : ( كدم ) بتخفيف الميم وتشديدها ولو من سمك . قال في العباب : كل سمك ملح ولم يخرج ما في جوفه فهو نجس ، وعلى هذا فالفسيخ كله نجس ، وأما الدم الباقي على اللحم وعظامه من المذكاة فنجس معفو عنه كما قاله الحليمي ، ومعلوم أن العفو لا ينافي النجاسة فمراد من عبر بطهارته أنه معفو عنه ش م ر . وقوله : ( فنجس معفو عنه ) صوّره بعضهم بالدم الباقي على اللحم الذي لم يختلط بشيء كما تقدم عن ع ش .(1/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
ويستثنى من الدم المني إذا خرج على لونه كما قاله زي . قوله : ( ولو تحلب ) أي سال ، والظاهر أن الغاية للتعميم لئلا يتوهم أن أصله ظاهر فيكون طاهراً ، ولو سحق الكبد والطحال وصارا دماً فهما طاهران فيما يظهر كما في ع ش على م ر . قوله : ( أي الدم المسفوح ) أي السائل فخرج الكبد والطحال ، والمراد بقوله المسفوح أي باعتبار الأصل فلا يرد ما لو جمد الدم فإنه لا يطهر . قوله : ( لأنه دم مستحيل ) لك أن تقول كونه كذلك لا يقتضي نجاسته بدليل المني واللبن ، إِلا أن يجاب بأن المراد دم مستحيل إلى فساد لا إلى صلاح اه سم . قوله : ( وقيء ) نعم ما خرج من حب متصلب بحيث لو زرع نبت ومن بيض كذلك بحيث لو حضن فرخ متنجس لا نجس ، بخلاف لبن لم يتغير ولحم لم يستحل فهو نجس لأن شأن المعدة الإحالة قاله م ر في شرحه . ولو أكل لحم كلب لم يجب تسبيع دبره من خروجه ، وإن خرج بعينه قبل استحالته فيما يظهر لأن الباطن محيل أي شأنه الإحالة اه . فإن تقايأه فإن استحال فلا تسبيع وإِلا سبع اه ع ش . ويجب تسبيع الدبر من خروج ما من شأنه عدم الاستحالة ، وإن استحال كالعظم كما قرّره شيخنا ح ف .
قوله : ( وإن لم يتغير ) وإن لم يخرج متغيراً ولو ماء فوق القلتين خلافاً للأسنوي حيث ادّعى أن الماء دون القلتين يكون متنجساً لا نجساً يطهر بالمكاثرة قياساً على الحب ، وفرّق بأن تأثير الباطن في المائع فوق تأثيره في غيره كما ذكره ح ل . فالغاية للتعميم بالنسبة للذي يبلغ القلتين ، وللرد بالنسبة لما لم يبلغهما ولو ابتلي شخص بالقيء عفي عنه في الثوب والبدن ، وإن كثر كدم البراغيث ، وكذا من ابتلي بسيلان الماء من فمه وهو نائم إن علمت نجاسته بأن كان من المعدة ويعرف ذلك بتغيره . قال في المجموع : وسألت الأطباء عنه فأنكروا كونه من المعدة ومثله بالأولى ما لو ابتلي بدم لثته ، والمراد بالابتلاء بذلك أن يكثر وجوده بحيث يقل خلوّه عنه ، ويستثنى من القيء عسل النحل فهو طاهر لأنه قيل : إنه يخرج من فم النحل وهو الأصح ، وقيل من دبرها فهو مستثنى من الروث ، وقيل من ثديين صغيرين تحت جناحها فهو مستثنى من لبن ما لا يؤكل ق ل وبرماوي .
قوله : ( وهو الخارج من المعدة ) وهي المنخسف تحت الصدر ، وعبارة شرح المنهج : وقيء وهو الخارج بعد وصوله إلى المعدة . قال ح ل : بل إلى مخرج الحرف الباطن وهو الحاء عند شيخنا م ر . وقد يشكل عليه الخارج من الصدر من البلغم فإن الصدر مجاوز لمخرج الحاء بكثير ، ثم رأيت في شرح العباب لابن حجر ، وقولهم بطهارة البلغم من الصدر صريح في أن الواصل إلى الصدر وما فوقه إذا عاد قبل وصوله للمعدة لا يكون نجساً . وعبارة الشوبري : أما الخارج من الصدر أو الحلق وهو النخامة ، ويقال النخاعة والنازل من الدماغ(1/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
فطاهر لأنه كالمخاط قاله في شرح التحرير . قوله : ( كالبول ) لقائل أن يقول حيث كان القيء مقيساً على البول فالأولى تأخيره عنه . قوله : ( وجرة ) بالجر عطفاً على دم وكذا مرة ق ل : وأما قلة البعير وهو ما يخرجه بجانب فمه إذا حصل له مرض الهياج فطاهرة لأنها من اللسان اج . والمشيمة الخارجة مع الولد طاهرة وهل هي جزء من الأم أو من الولد ؟ ويترتب عليه إذا مات أحدهما هل يجب دفنها معه وتصح الصلاة عليها وغسلها وتكفينها ومواراتها ؟ فيه نظر اه رحماني . قوله : ( ما في المرارة ) وأما نفس الجلدة فمتنجسة إن كانت من مذكى . قوله : ( وأما الزباد ) بفتح الزاي المعجمة . قوله : ( سنور ) أي قط بحري أي من البحر ، ويقال له هر بأن يكون سمك على صورة القط . قوله : ( أو عرق الخ ) كما هو عادة أهل مصر من أخذ القط ووضعه في قفص ، ويدخنون عليه إلى أن يعرف فيأخذون عرقة بالمجارة اه ح ف قول : ( كما سمعته ) من كلام النووي وقوله بهذا أي بالزباد أي بأنه يؤخذ من أي شيء قوله : ( لكن يغلب الخ ) هذا راجع لقوله أو عرق سنور بري فقط لأنه لا يؤكل والأول مأكول قوله : ( عما وجد فيه ) أي من شعر وغيره قوله : ( عن قليل شعره ) العبرة بالقلة بالنسبة للمأخوذ إن كان جامداً ، وبالنسبة للجميع إن كان مائعاً اه شرح م ر . قوله : ( وأما المسك ) أي غير التركي لأن التركي من دم يخرج من فرج الغزال كالحيض فهو نجس كما ذكره ق ل . قوله : ( فهو أطيب الطيب ) المناسب لسابقه أن يقول : وأما المسك فطاهر لأنه أطيب الطيب لأن المقصود النص على الطهارة ، ويمكن أن يقال إنه يلزم من كونه أطيب الطيب طهارته فأطلق الملزوم وأراد اللازم ، وعبارة الرملي : والمسك طاهر لخبر مسلم إنه أطيب الطيب . قوله : ( وفأرته ) بالهمز وتركه وقوله : ( طاهرة ) إذا انفصلت حال الحياة أو من مذكاة ولو احتمالاً وإِلا فنجسة كما فيها . قوله : ( خراج ) بضم الخاء وتخفيف الراء على الأفصح فيجوز تشديدها على مقابله .
قوله : ( سرّة الظبية ) أي من نوع من الظباء مخصوص في زمن معين بناحية من أقصى بلاد الترك تسمى ثبت بمثناتين فوقيتين أولاهما مضمومة بينهما موحدة مشددة بوزن سكر كما في شرح الشفاء .(1/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
قوله : ( من قال إنه نجس ) ضعيف . قوله : ( إنه طاهر ) معتمد . قوله : ( ويلفظه ) أي يرميه من غير أن يبتلعه حيوان البحر وإِلا فنجس لأنه قيء . قوله : ( وروث ) بالمثلثة وهو معطوف على دم أي ولو من الجن فيما يظهر أخذاً مما قاله ابن حجر إنهم مكلفون بما كلفنا به إِلا ما علم النص بخلافه ، وكذا من طير مأكول أو مما لا نفس له سائلة ، ولم يقل وغائط لأنه أي الروث شامل للخارج من الآدمي وغيره بخلاف ذاك فإنه خاص بالآدمي . قوله : ( لما روى البخاري الخ ) عبارة شيخ الإسلام في شرح البهجة وروث كالبول اه . قال ع ش : قاس الروث على البول بجامع استحالة كل منهما في الباطن لورود الدليل في البول في قوله حين بال الأعرابي في المسجد : ( صبوا عليه ذنوباً ) ولم يستدل على نجاسة الروث بما ورد فيه عنه في باب الاستنجاء حين جيء له بحجرين وروثة ، فأخذ الحجرين ورد الروثة وقال : هذا رجس أي والرجس النجس لأنه ربما يقال : إن هذا دليل خاص فهي قضية شخصية فلا يصلح أن يكون دليلاً على عموم جميع الأرواث ، فالدليل على نجاسته بالقياس على البول أولى لأجل هذا الإيهام اه . فكان الأولى للشارح هنا أن يصنع كشيخ الإسلام .
قوله : ( ورد الروثة ) وكانت روثة حمار كما قاله في الفتح ولكن اللفظ عام . قوله : ( وبول ) والحصاة التي تخرج عقبه إن تيقن انعقادها منه فهي نجسة وإِلا فهي متنجسة ح ل . قوله : ( بصب الماء عليه ) أي بعد زوال عينه . قوله : ( ومذي ) بسكون الذال المعجمة أي مع تخفيف الياء وبكسر الذال مع تخفيف الياء وتشديدها ، ومثله في ذلك الودي . نعم يعفى عنه لمن ابتلي به بالنسبة للجماع ، وأفتى العلامة الرملي بحرمة جماع من تنجس ذكره قبل غسله ، وينبغي تخصيصه بغير السلس ، وأما المرأة التي لم تستنج أو تغسل فرجها فيحرم عليها تمكين الزوج قبل غسله ، وكذا هو لو كان مستجمراً بالحجر فيحرم عليه جماعها ويحرم عليها تمكينه ، ولا تصير بالامتناع ناشزة ، وعليه فلو فقد الماء امتنع عليه الجماع ، ولا يكون فقده عذراً في جوازه . نعم إن خاف الزنا اتجه أنه عذر فيجوز الوطء سواء أكان المستجمر بالحجر الرجل أو المرأة ، ويجب عليها التمكين حينئذ فيما إذا كان الرجل مستجمراً بالحجر . وهي بالماء اه ع ش على م ر مع زيادة من ق ل وقال ابن شرف : لو فقد الماء جاز له الجماع بدون غسل الذكر .(1/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
قوله : ( ماء أبيض رقيق ) عبارة شرح م ر وهو ماء أصفر رقيق ثم قال : وفي تعليق ابن الصلاح أنه يكون في الشتاء أبيض ثخيناً . وفي الصيف أصفر رقيقاً ، وربما لا يحس بخروجه وهو أغلب في النساء منه في الرجال خصوصاً عند هيجانهن اه خضر . قوله : ( يخرج بلا شهوة ) أي بلا لذة فلا ينافي قوله عند ثورانها أو بلا شهوة قوية . قوله : ( في قصة علي ) وهي : إنه كان كثير المذي فاستحيا أن يسأل النبي عن حكمه لمحل ابنته منه فقال للمقداد بن الأسود : اسأل لي رسول الله ، فسأله فقال : ( مره فليغسل ذكره ثم يتوضأ ) اه م د . وقال ق ل : إنه أمر المغيرة فسأله فقال : ( يغسل ذكره ويتوضأ ) . وقوله : ( يغسل ذكره ) أي ما أصابه من المذي . قوله : ( والأصح طهارة الخ ) أي فهو مستثنى من الفضلة . قوله : ( أصل حيوان الخ ) والمراد بأصله البدن الذي انفصل منه ، فلا يرد أنه هو الأصل فكيف يكون فرعاً ؟ .
والحاصل أنه أصل باعتبار التخلق منه فرع باعتبار انفصاله عنه أي البدن . قال ح ل : وظاهر كلامهم هنا أنه لا يشترط لطهارة المني كونه خارجاً من محل معتاد بل مثله ما قام مقامه مستحكماً أو لا . وقرر شيخنا ح ف أنه لا بد في طهارة المني من خروجه بعد التسع ، فإن خرج قبلها فنجس ، وإن وجدت فيه صفات المني لأن هذا ليس منياً لأنه لا يمكن قبل التسع ، وتلك الصفات ليست صفات المني لأنها إنما تكون صفاته إذا وجد في حد الإمكان ، والأصل في الخارج من البطن النجاسة اه ومثله في ع ش .
قوله : ( ولبن ما لا يؤكل ) بالجر عطف على دم من قوله كدم فهو من النجاسات . والفرق بين مني وبيض ما لا يؤكل حيث حكم بطهارتهما وبين لبنه حيث حكم بنجاسته أن كلاَ من المني والبيض أصل حيوان طاهر بخلاف اللبن فإنه مرباه والأصل أقوى من المربي اه ح ل . قوله : ( غير لبن الآدمي ) أي والملك والجن على ما بحث فليحرر شوبري . قوله : ( كلبن الأتان ) بفتح الهمزة فمثناة فوقية اسم للأنثى من الحمير والذكر حمار ، ولا يقال أتانة وليست العلقة والمضغة من غير المغلظ نجسة في الأصح ومنع أكلهما للاستقذار اه . رحماني وعبارة ق ل قوله : ولبن الأتان ، وفارق المني والعلقة والمضغة نظراً لأصلها المتولد عنها اه . قوله : ( لأنه يستحيل ) فيه أن هذا يجري في لبن ما يؤكل . ويجاب بأن الدليل في الحقيقة هو القياس . وهذا التعليل بيان للجامع فكأنه قال بجامع الاستحالة في البطن في كل وإن كان الدم مستحيلاً عن الماء واللبن عن الدم . قوله : ( أما لبن ما يؤكل ) ولو على لون الدم إن انفصل منه بعد تذكيته أو(1/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
انفصل في حياته ولو من ذكر كالثور أو ممن ولدت غير مأكول كخنزير من شاة اه ق ل .
قوله : ( لبناً خالصاً ) أي من حمرة الدم وقذارة الفرث . وقوله : ( سائغاً ) أي لذيذاً هنيئاً سهلاً لا يغص به شاربه . وقوله تعالى في أول الآية : ) يخرج من بين فرث ودم } ^ أخرج البزار عن ابن عباس : إن الدابة إذا أكلت العلف واستقر في كرشها طبخته فكأن أسفله فرثاً وأوسطه لبناً وأعلاه دماً ، والكبد مسلط عليه فيقسم الدم ويجريه في العروق ويجري اللبن في الضرع ويبقى الفرث في الكرش وحده اه . فتح الباري على البخاري . قوله : ( أن يكون منشؤه ) أي مرباه . قوله : ( للبن الميتة ) من الآدميات والصغيرة ، وإن لم تستكمل تسع سنين ، وهذا بخلاف المني إذا خرج مما لا يمكن بلوغه حيث حكموا بنجاسته ، وذلك أن اللبن يصلح غذاء للولد والمني قبل ذلك لا يكون أصلاً للولد اج . وعبارة م ر : أما لبن ما يؤكل لحمه كلبن الفرس وإن ولدت بغلاً فطاهر ، ولا فرق بين لبن البقرة والعجلة والثور والعجل خلافاً للبلقيني . ويتصور أن يكون له لبن بأن يكون خنثى أو خلق الله له أخلافاً أي أبزازاً خرقاً للعادة ، ولا فرق بين أن يكون على لون الدم أو لا إن وجدت فيه خواص اللبن كنظيره في المني ، أما ما أخذ من ضرع بهيمة ميتة فإنه نجس اتفاقاً كما في المجموع اه مع زيادة للزيادي . قوله : ( ومنها ما لا يستحيل ) هو مقابل قوله السابق : وإن الفضلات منها ما يستحيل في باطن الحيوان وهو نجس . قوله : ( والعلقة ) مبتدأ فالعلقة والمضغة مستثنيان من الفضلات . قوله : ( من الدم ) الأولى من المني . وأجيب : بأن كلام الشارح بالنظر لأصل المني لأن أصله دم ، وعبارة شرح الروض كعلقة . قال أهل الخبرة : إنها أصل آدميّ والعلقة دم غليظ استحال عن المني سمي بذلك لعلوقه بكل ما لامسه ، والمضغة قطعة لحم بقدر ما يمضغ استحالت عن العلقة ويمتنع أكلهما من المذكاة .
قوله : ( ورطوبة الفرج ) اعلم أن رطوبة الفرج على ثلاثة أقسام : طاهرة قطعاً وهي الناشئة مما يظهر من المرأة عند قعودها على قدميها ، وطاهرة على الأصح وهي ما يصل إليها ذكر المجامع ، ونجسة وهي ما وراء ذلك ، لكن هذه الأقسام في فرج الآدمية لا في فرج البهيمة ، لأن البهيمة ليس لها إِلا منفذ واحد للبول والجماع ، لكن كيف هذا مع قولهم رطوبة الفرج(1/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
من حيوان طاهرة اه م د . ويجاب بأن محل الطهارة إذا كان الفرج مغسولاً . ووقع السؤال عما يلاقيه باطن الفرج من دم الحيض هل يتنجس بذلك فيتنجس به ذكر المجامع أو لا ؟ لأن ما في الباطن لا ينجس . أقول : الظاهر أنه نجس كالنجاسات التي في الباطن ، فإنها محكوم بنجاستها ، ولكنها لا تنجس ما أصابها إلا إذا اتصلت بالظاهر ، ومع هذا فينبغي أن يعفى عن ذلك فلا ينجس ذكر المجامع لكثرة الابتلاء به ، وينبغي أن مثل ذلك أيضاً ما لو أدخلت أصبعها لغرض بالغين المعجمة لا بالفاء ، لأنه وإن لم يعم الابتلاء به كالجماع ، لكنها قد تحتاج إليه كأن أرادت المبالغة في تنظيف المحل ، وينبغي أيضاً أنه لو طال ذكره وخرج عن الاعتدال أنه لا ينجس بما أصابه من الرطوبة المتولدة من الباطن الذي لا يصل إليه ذكر المجامع المعتدل لعدم إمكان التحفظ منه ، فأشبه ما لو ابتلي النائم بسيلان الماء من فمه ، فإنه يعفى عنه لمشقة الاحتراز عنه أفاده ع ش .
والحاصل أنه متى خرجت من محل لا يجب غسله فهي نجسة لأنها حينئذ رطوبة جوفية ، وهي إذا خرجت إلى الظاهر حكم بنجاستها فإن خرجت من محل يجب غسله فلا تنجس ذكر المجامع للحكم بطهارتها ، ولا يجب غسل الولد المنفصل من أمه والأمر بغسل الذكر محمول على الاستحباب ولا ينجس مني المرأة ذكره اه م ر . قوله : ( من حيوان طاهر ) راجع للعلقة والمضغة ورطوبة الفرج . وقوله : ( طاهرة ) خبر عن الثلاثة .
فائدة : لا يجب غسل البيضة والولد إذا خرجا من الفرج ، وظاهر أن محله إذا لم يكن معهما رطوبة نجسة روض وشرح م ر ع ش . قوله : ( إِلا شيئان ) هو مستثنى من الاستحالة والتقييد بذلك ليس في محله إذ تقدم منه المسك واللبن والمني ( والعلقة والمضغة ) وغير ذلك ، إِلا أن يقال إن الكلام هنا فيما يكون فيه صنع للإنسان فتأمل ق ل . وقوله : والعلقة والمضغة فإن أصلهما الأصيل دم لأن أصلهما المني والمني أصله دم . قوله : ( بنفسها ) أي من غير مصاحبة عين لها حين تخللها سواء طرحت أو لا . فالتقييد بالطرح في كلامه لا مفهوم له ، ومن العين ما تحلل فيها من رطوبة شيء ألقي فيها ومنها ما تلوث من الدنّ فوقها بغير غليانها بنفسها بأن كان بتحريك الدنّ مثلاً ، أما ما كان بغليانها بنفسها فلا يضر ولا يضر بزر يشق الاحتراز عنه ولا صب شيء عليها مما يتخمر معها ولو من غير جنسها كنبيذ وعسل وسكر ق ل . قوله : ( وإن نقلت ) هذه الغاية للرد على من قال إنها لا تطهر بالتخلل الناشىء عن النقل على القاعدة(1/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
أن من استعجل بشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه . وقال ق ل : وهذا النقل مكروه على المعتمد بخلافه بمصاحبة عين فيحرم ، وهذا هو المعتمد كما صرح به الشيخان في الرهن ، وجرى بعضهم على الحرمة مطلقاً سواء كان بعين أو نقل من شمس إلى ظل وهو ظاهر الحديث في ذلك ، ويرد صريح كلام الشيخين قال ح ج في شرح العباب . قوله : ( بطرح ) أي بمصاحبة عين فالفعل ليس بقيد .
قوله : ( وما نجس ) بتثليث الجيم . وهذا شروع في تطهير النجاسات الثلاث وما من صيغ العموم وهو مخصوص بالجامد بدليل قولهم ولو تنجس مائع تعذر تطهيره . قوله : ( غسل ) أي يكفي انغساله ولو احتمالاً كما أفتى به البلقيني فيما لو تنجس حمام بنحو كلب من أنه إذا احتمل مرور الماء عليه سبعاً مع التتريب ولو من نعال داخلية طهر ، ويرد عليه : أنا تيقنا النجاسة وشككنا في رافعها ، والأصل عدمه ويجب الغسل حالاً على من تضمخ بالنجاسة وفارق غسل الزاني بأن ما عصي به هنا باق مستمر . قوله : ( سبعاً ) ولو سبع جريات أو تحريكه سبعاً ، ويحسب ذهابه في الماء وعوده مرتين . وفارق عدد ذهاب اليد وعودها في الصلاة مرة واحدة نظراً للعرف وتحرزاً من المشقةلأن اليد يبتلى بتحريكها ولأنه اغتفر جنس الفعل في الصلاة .
تنبيه : كون الغسل سبعاً وبالتراب تعبدي ق ل . ولو اجتمع ماء الغسلات السبع ثم ترشرش منه شيء فالوجه أن يقال : إن كان التتريب في أولى السبع لم يحتج إلى تتريب لأنه لا يحتاج إليه عند الانفراد ، فكذا عند الاجتماع ويجب غسله ستاً ، وإِلا احتيج إليه لأنه مخلوط بما يحتاج إليه وهو ماء الأولى اه . ب ر و ح ف . وعبارة م ر : ولو غمس المتنجس بما ذكر في ماء كثير راكد وحركه سبعاً وتربه طهر ، وإن لم يحركه فواحدة ، ويفارق ما مر في انغماس المحدث من تقدير الترتيب بأن الترتيب صفة تابعة والعدد ذوات مقصودة فلا يقاس أحدهما بالآخر اه إطفيحي .
قوله : ( إحداها ) في نسخة إحداهن وهي أولى لأن ما لا يعقل إن كان مسماه عشرة فما دون بأن كان جمع قلة فالأكثر المطابقة ، وإن كان فوق ذلك فالأكثر الإفراد ، وقد جاء على ذلك قوله تعالى : ) إن عدة الشهور عند الله } ) التوبة : 36 ) الآية فأفرد في قوله منا لرجوعه لاثني عشر ، وجمع في قوله فلا تظلموا فيهن لرجوعه للأربعة اه ع ش على م ر . قوله : ( بتراب ) أي مصحوبة بتراب ، والمراد بتراب ولو حكماً ليدخل ما لو غسل بقطعة طفل فإنه يكفي ، وكذا الطين الرطب لأنه تراب بالقوة ويجزىء الرمل الناعم الذي له غبار يكدر الماء وإن كان ندياً ، والتراب المختلط بنحو دقيق حيث كان يكدر الماء كما في البرماوي . قال في شرح المنهج : والواجب من التراب ما يكدر الماء ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل اه .(1/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
والحاصل : إنه إذا وضع التراب على جرم النجاسة لم يكف مطلقاً ، وإن زالت الأوصاف ووضع التراب كفى مطلقاً أي سواء مزجه بالماء أوّلاً أو لا . وسواء كان المحل رطباً أو جافاً ، وإن بقيت الأوصاف فإن كان المحل جافاً ووضع التراب ممزوجاً بالماء أو وحده كفى التتريب إن زالت الأوصاف مع الماء المصاحب للتتريب ، وكذا إن كان المحل رطباً ووضع التراب ممزوجاً بالماء وزالت الأوصاف ، وإن وضعه وحده لم يكف لتنجسه اه شيخنا ح ف .
قوله : ( والخنزير كالكلب ) قد يشكل على هذا ما تقرر في الأصول من أن الشيء إذا خرج عن القياس لا يقاس عليه ، بل يقتصر فيه على مورد النص وما هنا خرج عنه ، فإن القياس في إزالة النجاسة الاكتفاء بزوال العين فليحرر شوبري . وأجيب : بأن قوله والخنزير كالكلب أي في التنجيس المرتب عليه التسبيع لا في التسبيع حتى يرد ما ذكر ح ف . قوله : ( ببول الخ ) البول قيد والصبي أي الذكر قيد ثان ، ولم يتناول غير لبن للتغذي قيد ثالث وقبل مضي حولين رابع ، فخرج بالبول بقية فضلاته كالقيء وبالصبي الأنثى والخنثى ، وبما بعده من بلغ حولين مطلقاً ومن تغذى بغير اللبن لا لإصلاح فيغسل في جميع ذلك .
قوله : ( قبل مضي حولين ) ظرف لقوله ببول صبي أي ببوله قبل الحولين وخرج به ما بعدهما وإن لم يتناول غير لبن للتغذي بعد الحولين . وعبارة شرح م ر : أما الرضاع بعدهما فبمنزلة الطعام ووجهه أنه إذا كبر غلظت معدته وقويت على الاستحالة ، وربما كانت تحيل إحالة مكروهة أي كريهة ، فالحولان أقرب مردّ فيه أي في الغسل ، ولهذا يغسل من بول الأعراب الذين لا يتناولون غير اللبن شرح م ر ، فلو شرب اللبن قبل الحولين ثم بال بعدهما قبل أن يأكل غير اللبن فهل يكفي فيه النضح أو يجب فيه الغسل ، لأن تمام الحولين ينزل منزلة أكل غير اللبن ؟ الذي يظهر الثاني ، وكذا لو أكل غير اللبن للتغذي في بعض الأيام ، ثم أعرض عن ذلك وصار يقتصر على اللبن فهل يقال لكل زمن حكمه أو يقال يغسل مطلقاً لأنه يصدق عليه أنه أكل غير اللبن للتغذي ؟ الذي يظهر الثاني ، ولو شك هل البول قبلهما أو بعدهما فهل يكتفي بالرش أو لا بد من الغسل ؟ نقل عن الشيخ سلطان أنه لا بد من غسله لأن الرش رخصة والرخص لا يصار إليها إلا بيقين . وفي ع ش على م ر ما يخالفه حيث قال : ينبغي أن يكتفي فيه بالنضح ، لأن الأصل عدم بلوغ الحولين وعدم كون البول بعدهما ، والحولان تحديد خلافاً لما في حاشية الشيخ خضر على التحرير ، وهذا أعني قوله قبل مضي حولين تنازع فيه . قوله : ( بول ) وقوله : ( لم يتناول ) فتأمل .(1/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
قوله : ( غير لبن ) كسمن ولو من لبن أمه ، والظاهر أن مثل اللبن القشطة أي من أمه ، وإن كان لا يحنث بأكلها من حلف لا يأكل اللبن . وقوله : ( للتغذي ) ظاهره ولو مرة واحدة ولو قليلاً ، وإن لم يستغن عن اللبن في ذلك الوقت أي فإنه يغسل كما في شرح م ر . وعبارة ق ل على الجلال قوله : لبن ولو رائباً أو فيه منفحة أو أقطاً أو من مغلظ وإن وجب تسبيع فمه لا سمنه وجبنه وقشطته إِلا قشطة لبن أمه فقط اه . واعتمد شيخنا ح ف أن الجبن الخالي من الأنفحة لا يضر ، وكذا القشطة مطلقاً ولو قشطة غير أمه . قوله : ( نضح ) بالحاء المهملة أو المعجمة بأن يغمر المحل بالماء بغير سيلان بعد إزالة أوصافه من طعم أو لون أو ريح ، فلا بد من تجفيفه أو عصره حتى لا يبقى فيه ماء ق ل . وقال سم : لا يبعد أن محله ما لم يختلط برطوبة في المحل مثلاً وإِلا وجب الغسل ، ويؤيده أنه لو وقعت قطرة منه في ماء قليل ثم أصاب هذا الماء شيئاً فإن من أبعد البعيد أنه يكفي فيه النضح اه . قوله : ( بابن لها صغير ) أي ولم يبلغ حولين : قيل : إن اسمه محمد كما في البرماوي . قوله : ( في حجره ) بفتح الحاء وكسرها ا ه مختار . وقوله : ( ولم يغسله ) أتى به لأن النضح قد يطلق على الغسل الخفيف . قوله : ( إن كانت النجاسة حكمية ) هذا يقتضي أن هذا التفصيل خاص بالنجاسة المتوسطة وليس كذلك بل يجري في الكل . قوله : ( يسيل ) المراد بالسيلان جريانه على ذلك المحل لا انفصاله عنه ق ل . قوله : ( بعد زوال عينها ) أي جرمها ق ل . قوله : ( ولا يضر بقاء لون ) ومعنى قولهم لا يضر بقاء لون أو ريح الخ أن المحل محكوم بطهارته لا أنه نجس معفوّ عنه فلو أصاب بدناً لا ينجسه ش م ر . قوله : ( كلون الدم ) ولو من مغلظ . قوله : ( عسر زواله ) أي الأحد أي بحيث لا يزول بالمبالغة بنحو الحت والقرص سواء في ذلك الأرض والثوب والإناء وسواء أطال بقاء الرائحة أم لا م ر بالحرف . وعلم منه الفرق بين التعسر والتعذر ، فالتعذر أن لا يزول إِلا بالقطع والتعسر أن لا يزول بالمبالغة بنحو الحت والقرص ، فالطعم إذا تعذرت إزالته عفي عنه ، وإذا قدر عليها أي الإزالة بعد ذلك وجبت ، ولا تلزمه إعادة ما صلاه حالة العذر على المعتمد ، والريح أو اللون إذا عسرت إزالته طهر المحل ولا تجب بعد القدرة ، وتجب الاستعانة على الإزالة في جميع ذلك بأشنان أو نحوه إن توقفت على ذلك ، وإِلا استحب كما في شرح م ر . ويكفي في العسر قرصه ثلاث مرات فأكثر مع الاستعانة اه ق ل . والقرص بالصاد المهملة أو الضاد .(1/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
وحاصل صور النجاسة ثمانية وأربعون صورة في العيني منها خمسة وأربعون ، لأن الحاصل في المحل إما الجرم أو اللون أو الريح أو الطعم ، فهذه أربع صور أو اثنتان منها ، وفيه ست صور حاصلة من أخذ كل واحد مع ما بعده أو ثلاثة منها ، وفيه أربع صور أو الجميع وهي صورة واحدة فهذه خمس عشرة صورة وكلها في المغلظة والمخففة والمتوسطة بخمسة وأربعين ، وفي الحكمية ثلاثة لأنها إما مغلظة أو مخففة أو متوسطة ، فهذه ثمانية وأربعون اه م د على التحرير .
فرع : يجب غسل مصحف تنجس وإن تلف وكان لمحجور عليه اه م ر . قوله : ( فإن بقيا بمحل ) أي من نجاسة واحدة . قوله : ( إن كان ) أي الماء قليلاً فذكر الماء بعده من الإظهار في محل الإضمار اه ق ل . قال في الخادم : لو وضع ثوباً في إجانة وفيه دم معفوّ عنه وصب الماء عليه يتنجس بالملاقاة ، لأن نحو دم البراغيث لا يزول بالصب فلا بد بعد زواله من صب ماء طهور . قال : وهذا مما يغفل عنه أكثر الناس ، وهو يدل على أن القليل الوارد ينجس إن لم يطهر المحل كما في الشوبري . وقال الشوبري أيضاً : لو غسل ثوباً فيه دم براغيث بقصد إزالة الوسخ طهر ، وإن بقي فيه دم براغيث ، وإن غسل بقصد إزالة دم البراغيث فلا يطهر إِلا إذا أزيل ما لم يعسر زوال اللون أو الريح وإِلا عفي عنه اه .
قوله : ( والغسالة طاهرة ) ولو لمصبوغ بمتنجس أو نجس وقد زالت عين الصبغ النجس ، ويعرف ذلك بصفاء الغسالة . ولا بد أن لا يزيد وزن الثوب بعد الغسل على وزنه قبل الصبغ فإن زاد ضرّ لأن الزائد من النجاسة ولا يضر بقاء اللون لعسر زواله شرح م ر . وهذا يفيد أنه لو استعمل للمصبوغ ما يمنع من انفصال الصبغ بما جرت به العادة من استعمال ما يسمونه فطاماً للثوب كقشر الرمان ونحوه لم يطهر بالغسل للعلم ببقاء النجاسة فيه ا ه ع ش . وفي ق ل على الجلال : ولا بد من صفاء غسالة ثوب صبغ بنجس ، ويكفي غمر ما صبغ بمتنجس في ماء كثير أو صب ماء قليل عليه كذلك فيطهر هو وصبغه . قوله : ( طاهرة ) أي غير طهورة لإزالتها للخبث لأن ما أزيل به الخبث غير طهور ولو كان معفواً عنه اه ح ل . قوله : ( بلا تغير ) أي وبلا زيادة وزن بعد اعتبار ما يتشربه المغسول من الماء أو يلقيه من الوسخ الطاهر . قال حج : ويكتفي فيهما بالظن وكان عليه أن يقيدها بالقليلة لأن هذه الشروط لا تعتبر إلا حينئذ اه ح ف . وعبارة المنهج : وغسالة قليلة منفصلة بلا تغير وبلا زيادة وقد طهر المحل طاهرة اه . قوله : ( وقد طهر المحل ) أي بأن لم يبق به طعم ولا لون ولا ريح ولو المغلظ اه ح ل .(1/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
قوله : ( فروع ) وهي ثمانية : أحدها في تطهير المصبوغ بمتنجس . ثانيها في تطهير الأرض . ثالثها في تطهير اللبن بكسر الباء . رابعها في تطهير السكين المسقية بماء نجس أو اللحم المطبوخ بماء نجس . خامسها في تطهير الزئبق . سادسها في الاكتفاء بتطهير محل النجاسة من ثوب تنجس لعدم سريان النجاسة . سابعها في تعذر تطهير الدهن وغيره من المائعات غير الماء . ثامنها في تطهير الفم .
قوله : ( يطهر بالغسل مصبوغ ) قال م ر : ويطهر بالغسل مصبوغ ومخضوب بمتنجس أو نجس إن انفصل الصبغ وإن بقي لونه المجرد . وقوله : ( بمتنجس ) أي حيث كان الصبغ رطباً في المحل فإن جفّ الثوب المصبوغ بالمتنجس كفى صب الماء عليه وإن لم تصف غسالته ع ش . ومحله إذا لم تتفتت النجاسة وإلا فهو كالدم سم . فالحاصل أن المصبوغ بعين النجاسة كالدم والمصبوغ بالمتنجس الذي تفتتت فيه النجاسة أو لم تتفتت فيه وكان المصبوغ رطباً فإنه يطهر إذا صفت الغسالة من الصبغ ، وأما إذا تنجس بنجاسة لم تتفتت فيه كفأرة لم تذب فيه وكان المصبوغ جافاً فإنه يطهر بغمره بالماء وإن لم تصف الغسالة كما قاله سم ، والظاهر أن مثله إذا تنجس بالبول وأن المتنجس به بعد جفافة يطهر بغمره بالماء لأن صبغه بمنزلة تراب عجن ببول أو بماء نجس . قوله : ( بمتنجس ) أي أو نجس كدم . قوله : ( انفصل ) أي المتنجس . وقوله : ( منه ) أي من المصبوغ ، وخرج ما إذا حبس كما يقع لنساء الأرياف من صبغ الثوب وحبس الصبغ بنحو قرظ وغيره . قوله : ( ولم يزد المصبوغ ) هذا محله في الغسالة فيما مر ولا حاجة إليه هنا لأن المعتبر صفاء الغسالة إِلا إن كان للصبغ جرم كما يدل له ما بعده ق ل . وقوله : ( ولا حاجة إليه هنا ) أي لأنه إذا كان الصبغ مجرد تمويه كما هو فرض المسألة لا يزيد وزن الثوب بالصبغ ، وتحت قوله ولم يزد الوزن صورتان وهما إذا تساويا ونقص الوزن بعد الصبغ ، لأن الصبغ قد يأكل من المصبوغ كالشالات فيخف في الوزن بعد الصبغ . قوله : ( قبل الصبغ ) بفتح الصاد الفعل ، وهو المراد هنا وبكسرها ما يصبغ به من نيلة وغيرها . قوله : ( على موضع نحو بول ) أي بعد جفافه أو تشرّبه بخرقة أو نحوها بحيث لا تبقى رطوبة تنفصل ق ل . ويدل عليه قول الشارح أما إذا صب الخ . قوله : ( على نفس ) أي عين ، فالمراد بالنفس هنا العين والذات بخلاف مجرد البلولة . قوله : ( واللبن ) أي الطوب غير المحرق ، وقول ق ل وهو الطوب قبل حرقه أو بعده فيه نظر .(1/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
قوله : ( لم يطهر ) قال شيخنا يعفى عنه في بناء المساجد وفرشها والمشي عليه ولو مع رطوبة والصلاة عليه ، ومثله أواني الخزف المعجون طينها بالروث والرماد .
( فرع ) لو تنجس الجبن مع مشه في الزلعة مثلاً لم يطهر مشه بالغسل ويطهر الجبن حيث وصل الماء إلى ما وصل إليه المش اه ق ل . وقد سئل الزيادي عن سؤال صورته : ما قولكم رضي الله تعالى عنكم في الجرر والأزياء والإجانات والقلل وغير ذلك كالبراني والأصحن مما يعجن بالسرجين هل يصح بيعها ويحكم بطهارة ما وضع فيها من مائع أو ماء دون القلتين ويجوز استعماله ؟ وفي الجبن المعمول بالأنفحة المتنجسة هل يصح بيعه ويحكم بطهارته ويجوز أكله حتى لو أصاب شيء منه بدناً أو ثوباً حكم بطهارته ، وكذا ما يسيل منه من مش الحصير المعمول به للكشك هل يجوز أكله ويحكم بطهارته ولا تجب المضمضة ولا غسل ما أصابه ، لأن هذا مما تعم به البلوى ؟ وهل يجوز بيع الطوب المعجون بالزبل إذا حرق وبناء المساجد وفرش عرصتها به ويصلي عليه بلا حائل ، وإذا اتصل به شيء من بدن المصلي أو ملبوسه في شيء من صلاته تصح صلاته أفتونا مأجورين . فأجاب : الخزف وهو الذي يؤخذ من الطين ويضاف إلى الطين السرجين مما عمت به البلوى في البلاد ، فيحكم بطهارته وطهارة ما وضع فيه من الماء القليل والمائعات لأن المشقة تجلب التيسير ، وقد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : إذا ضاق الأمر اتسع ، والجبن المعمول بالأنفحة المتنجسة مما عمت به البلوى أيضاً فيحكم بطهارته ويصح بيعه وأكله ولا يجب تطهير الفم منه ، وإذا أصاب شيء منه ثوب الآكل أو بدنه لم ينجس للمشقة ، والآجر المعجون بالسرجين يجوز بيعه وبناء المساجد به وفرش عرصتها به وتصح الصلاة عليه حتى قال بعضهم : يجوز بناء الكعبة به ، والمش المنفصل من الجبن المعمول بالأنفحة المتنجسة طاهراً لعموم البلوى به حتى لو أصاب شيء منه بدناً أو ثوباً لم يجب تطهيره والله أعلم . والقول بطهارة ما ذكر من الآجر والجرر مشكل مع تحقق النجاسة ، والمناسب أن تكون نجسة معفواً عنها .
قوله : ( وإن خالطه غيرها ) أي عين النجاسة الجامدة بأن خالطه نجاسة مائعة كالبول . قوله : ( كالعجين ) أي الذي عجن بالبول مثلاً كما في شرح الروض أما لو صار العجين مائعاً كعجين الكنافة فلا يطهر إلا بضم دقيق إليه وصب ماء عليه اه ا ج . قوله : ( ولو سقيت سكين ) أي بعد إحمائها بالنار ا ج . قوله : ( كفى غسلهما ) أي ولا يحتاج إلى سقي السكين وإغلاء اللحم بالماء أي يطهران ظاهراً وباطناً ، والفرق بين السكين واللبن أن السكين تكثر الحاجة إلى تناولها فخفف فيها . قال في شرح الروض : واستشكل الاكتفاء بغسل ظاهر السكين بعدم(1/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
الاكتفاء به في الآجر . وأجيب بأن الانتفاع به متأتَ من غير ملابسة له فلا حاجة للحكم بتطهير باطنه من غير إيصال الماء إليه بخلاف السكين أي لا يتأتى الانتفاع بها إلا بملابستها بحمل أو نحوه فخفف فيها لتعذر وصول الماء لباطنها . قوله : ( الزئبق ) بكسر الزاي المعجمة ثم همزة أو تحتية ساكنة ثم موحدة وهو من الجامد فلا يتنجس بوضعه في نجس إلا مع رطوبة ق ل . قوله : ( ولو عقب عصره ) أي من النجاسة أي : وإن لم يجف وهي للرد على من قال : إن الثوب إذا كان رطباً ووقع على محل منه نجاسة تسري إلى باقي الثوب وهو ضعيف ، والمعتمد عدم السريان شيخنا . قوله : ( ولو تنجس مائع ) أي بشيء مما تقدم من المغلظ والمخفف وغيرهما ففيه تخصيص له ، وإن جمد بعد ذلك كعسل انعقد سكراً ولبن انعقد جبناً بخلاف عكسه كدقيق عجن به ، ولو انماع فيطهر بالغسل بعد تجميده بدقيق ، وأما نحو السكر فإن تنجس بعد جموده طهر ظاهره بالغسل أو بالكشط أو حال انمياعه لم يطهر مطلقاً كالعسل كما تفيده عبارة سم وهو ظاهر . ومن الجامد الزئبق فلا يتنجس بوضعه في نحو جلد كلب حيث لا رطوبة ، وإلا فيطهر بالغسل مطلقاً أو مع التتريب في النجاسة الكلبية ما لم يتفتت وإلا فيتعذر تطهيره فلو ماتت فيه فأرة لم تنجسه قاله ابن القطان . أي حيث لا رطوبة ق ل على الجلال .
قوله : ( ولو دهناً ) هذه الغاية للرد ، وعبارة ش م ر وقيل يطهر الدهن بغسله كالثوب النجس بأن يصب الماء عليه ويكاثره ثم يحركه بخشبة ونحوها بحيث يظن وصوله لجمعيه ثم يترك ليعلو ثم يثقب أسفله ، فإذا خرج الماء سدّ ، ومحل الخلاف كما قاله في الكفاية إذا تنجس بما لا دهنية فيه كالبول وإلا لم يطهر بلا خلاف اه . قوله : ( فليبالغ ) لو صائماً . قوله : ( ولا يبلع ) معطوف على فليبالغ فلا ناهية أي لا يبلع وجوباً . قوله : ( ولا شراباً ) أي من غير الماء لأن الماء بمجرد مروره على الفم يطهر محله ويصير الماء مستعملاً ، فيكون شارباً للمستعمل وهو جائز مع الكراهة . قوله : ( آكلاً ) أي أو شارباً أو يؤول آكلاً بمتناولاً فيشعل الأكل والشرب وهو حرام .
( تنبيه ) : جميع ما ذكر في هذا المحل سيأتي في فصل النجاسة مع زيادة .(1/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
قوله : ( ولا يجوز الخ ) . لما كان الماء لا بد له من ظرف شرع في بيان ما يحل من الظروف وما لا يحل فقال : ولا يجوز الخ . والحرمة هنا عدها البلقيني من الكبائر ، وقال الأذرعي : إنها من الصغائر وهو المعتمد ، ولعل حكمة البداءة به أي بما لا يجوز أن المقصود بالذات التنبيه على ما يحرم استعماله ، إذ الأصل في الأواني الحل ، وأيضاً لما كانت أفراد الجائز لا تكاد تنحصر قدم الحرام ليأتي بعد ذلك بعبارة عامة لأفراد الجائز كما قاله ع ش . ولا يحرم كسر الدراهم والدنانير إلا إن نقص قيمتها وما يقع من كسر نحو نصف فضة فيه نحاس ورميه حرام لما فيه من تضييع المال ، وأما ضربها بغير إذن الإمام فمكروه إن لم يكن فيه غش وإلا فهو الحرام . قوله : ( لذكر أو غيره ) ولا يلتحق ذلك بالحلي للنساء حتى يحل لهن لأنه ليس من التزين الذي أبيح لهن في شيء . قوله : ( بالإجماع ) قدمه لأنه أقوى ، ولعمومه لأن الحديث الذي بعده فيه قياس ومحل حرمة الاستعمال إذا وجد غيرهما ولو بأجرة فاضلة عما يعتبر في الفطرة كما في الإيعاب ، بخلاف ما إذا لم يجد غيرهما فإنه يجوز ، لكن بحث بعضهم تقديم الفضة لأنها أخف لجوازها في بعض المسائل كالخاتم دون ذهب ، وتصح الطهارة من إناء للنقدين قطعاً ويفرق بينه وبين الصلاة في المغصوب حيث جرى في صحتها خلاف بأن الوضوء وسيلة ويغتفر فيها ما لا يغتفر في المقاصد ، وبأن الحرمة هنا لحق الله تعالى فسومح فيه ما لا يتسامح في ذلك لأنه حق آدمي . قوله : ( في آنية الذهب ) جمع إناء ككساء وأكسية ، وهي ما يوضع فيه الشيء ، والأواني جمع الجمع وكثير من الناس يظن أن الآنية مفرد ، وأصل آنية أأنية بهمزتين أبدلت الهمزة الثانية ألفاً فصار آنية عملاً بقول الخلاصة :
ومدا أبدل ثاني الهمزين من
كلمة أن يسكن كآثر وائتمن قوله : ( في صحافها ) جمع صحفة وقدم الشرب لكثرته بالنسبة للأكل ، وكان القياس في صحافهما أي الذهب والفضة . وأجيب عنه بثلاثة أجوبة : الأول أن الضمير راجع للمضاف وهو الآنية ، والإضافة على معنى من . الثاني : أن الضمير راجع للفضة ، وأما الذهب فمعلوم بالأولى كقوله تعالى ) والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } ) التوبة : 34 ) الثالث : أن الضمير راجع للأفراد الكائنة من الذهب والفضة ع ش على م ر . الصحفة هي ما دون(1/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
القصعة فهي من عطف الخاص على العام ، لأن الآنية تشمل الصحفة وغيرها وعليه فليس التقييد بها لإخراج غيرها ، بل لأن الغالب في العادة الأكل في الصحاف دون الشرب وقوله : تشمل الصحفة وغيرها . الحاصل أن لهم جفنة وقصعة وصحفة وميكلة وصحيفة بضم الصاد ، فالأولى ما تشبع ما فوق العشرة ، والثانية ما تشبع العشرة ، والثالثة ما تشبع الخمسة ، والرابعة ما تشبع اثنين أو ثلاثة ، والخامسة ما تشبع الواحد وكل من الخمسة يقال له آنية كما هو ظاهر ، وقد ذكر هذه الخمسة في المختار .
قوله : ( ويقاس غير الأكل والشرب عليهما ) أي من باقي وجوه الاستعمالات ولو كان الاستعمال على غير وجه مألوف كأن كبه على رأسه أي رأس الإناء واستعمل أسفله فيما يصلح له كما شمله إطلاقهم اه ابن حجر . قال بعض مشايخنا : ولا حاجة للقياس مع قوله بإجماع الدالّ على حرمة جميع الاستعمالات ، وإنما يحتاج للقياس من لم يذكر الإجماع واستدل بالحديث فقط اه . وفي الحديث : ( إن لله آنية في أرضه وهي قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأصفاها وأصلها ) . قال عليّ رضي الله تعالى عنه : أصلبها في الدين وأصفاها في اليقين وأرقها على المسلمين اه . ودخل في الأواني طبق الكيزان وهي صحيفة فيها ثقب للكيزان ، والمتجه الحرمة خلافاً لصاحب الكافي حيث قال بجوازه ، وفهم من عدم الجواز ، حرمة الاستئجار على الفعل وأخذ الأجرة على الصنعة ، وعدم الغرم على الكاسر كآلة اللهو لأنه أزال المنكر . قوله : ( على الولي ) ليس بقيد فالأجنبي مثله ، أو المراد به من تولى فعل ذلك ولو أجنبياً .
قوله : ( بمسعط ) بضم الميم والعين الإناء الذي يجعل فيه السعوط بفتح السين وهو الدواء يصب في الأنف . وجميع أسماء الآلات بكسر أولها كمقشط ومزودة ومغرفة وملعقة ونحو ذلك ، إلا ثلاثة فبالضم وهي مسعط ومكحلة ومشط بناء على إحدى اللغتين في مسعط ومشط من ضم الميم فيهما وإلا ففيهما لغة أخرى بكسر الميم في كل منهما ، وأما مكحلة فهي بضم الميم لا غير . قوله : ( من إنائهما ) صفة لمسعط أي كائن من إنائهما . قوله : ( ولا فرق بين الإناء الخ ) ومنه المكحلة والمبخرة والملعقة والصندوق وغطاء الكوز ح ل .
فرع : وقع السؤال عن دق الذهب والفضة وأكلهما مفردين أو مع انضمامهما لغيرهما من الأدوية هل يجوز ذلك كغيره من سائر الأدوية أم لا يجوز لما فيه من إضاعة المال ؟ فأجبت عنه بقولي : إن الظاهر أن يقال فيه أن الجواز لا شك فيه حيث ترتب عليه نفع ، بل وكذا إن لم يحصل منه ذلك لتصريحهم في الأطعمة بأن الحجارة ونحوها لا يحرم منها إلا ما أضر بالبدن(1/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
أو العقل . وأما تعليل الحرمة بإضاعة المال فممنوع لأن الإضاعة إنما تحرم حيث لم تكن لغرض وما هنا لقصد التداوي وصرحوا بجواز التداوي باللؤلؤ في الاكتحال وغيره ، وربما زادت قيمته على الذهب ع ش على م ر . ومن الاستعمال المحرم الاحتواء على المبخرة أو بسط الثوب عليها أو شم البخور مع القرب منها بحيث يعد متطيباً بها ويحرم تبخير نحو الميت بها أيضاً ، ومن الاستعمال المحرم أيضاً أخذ ماء الورد منها أي من الآنية كالقمقم لاستعماله ولو بصب غيره أو كان النقد على البزبوز فقط ، نعم إن أخذ منه بشماله ثم وضع الماء في اليمين واستعمله جاز أي مع حرمة الأخذ منه لأنه استعمال حينئذ كذا قال بعضهم . وقضية كلام م ر في شرحه عدم الحرمة ومال إليه شيخنا الطوخي وقال : ولا يعد ما ذكر استعمالاً في هذه الحالة ، وكذلك الحرمة على الصاب وحده حيث لم يوجد من الآخر فعل وهذه حيلة مبيحة . قال ابن حجر هذه الحيلة إنما تمنع حرمة مباشرة الاستعمال من إناء النقد ، أما حرمة استعماله بوضع مظروفه فيه وحرمة اتخاذه فلا حيلة فيها فتأمله فإنه مهم . وتحرم المكحلة والمرود والخلال والإبرة والملعقة والمشط ونحوها من ذهب أو فضة ، والكراسي التي تعمل للنساء ملحقة بالآنية كالصندوق فيما يظهر كما قال البدر بن شهبة ، والشراريب الفضة غير محرمة عليهن فيما يظهر لعدم تسميتها آنية . قال الطوخي : ويجوز للمرأة استعمال سرموجة أو قبقاب من الذهب والفضة ولها استعمال ثوب منهما اه . وقوله : والملعقة من اللعق لما فيها من لعق الآكل بها ، ويقال معلقة لما فيها من علوق الطعام بها وهي بدعة حسنة .
فرع : إذا حرمنا الجلوس تحت سقف مموّه بما يحصل منه شيء بالعرض على النار فهل يحرم الجلوس في ظله الخارج عن محاذاته ؟ فيه نظر . ويحتمل أن يحرم إذا قرب بخلاف ما إذا بعد أخذاً من مسألة المجمرة اه اسم على ابن حجر . وعلى هذا فلو لم يكن في البلد محل إلا هذا فهل يعد ذلك عذراً في عدم حضور الجمعة أم لا ؟ فيه نظر والأقرب الثاني لأن استعمال الذهب جائز للحاجة وحضورها حاجة اه ع ش على م ر . قوله : ( ما يخلل ) بضم أوله من خلل ، وفي جعل الخلال من الإناء مسامحة بخلاف الميل لأنه يحمل الكحل فيعد إناء بهذا الاعتبار ، وقد يقال الخلال أيضاً يحمل ما بين الأسنان من أثر الطعام .
تنبيه : قد عرفت أن الخلال بالخاء المعجمة والأغبياء يبدلونها هاء فليحذر .
قوله : ( جلاء ) بكسر الجيم والمد . قوله : ( فيباح استعماله ) إلى انتهاء الحاجة فبعده يحرم ويجب كسره كما في الإطفيحي نقلاً عن ع ش لأن الضرورة تتقدر بقدرها . قوله : ( لا لخصوص ما ذكر ) أي من الوضوء والأخذ للأكل وغير قوله : ( ويحرم البول الخ ) ولا يشكل(1/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
ذلك بحل الاستنجاء بهما لأن الكلام ثم في قطعة ذهب أو فضة لم تهيأ ولم تطبع لذلك لا فيما طبع وهيىء منهما لذلك أي للاستنجاء أما ما طبع وهيىء منهما لذلك كالنقد المضروب فيحرم الاستنجاء به ويجزىء قوله : ( اتخاذهما ) أي لغير تجارة أو نحوها ق ل . وظاهر كلام الشارح الإطلاق ويفرق بينهما وبين الحرير بأنهما ممنوع من استعمالهما لكل أحد ولا كذلك الحرير . قوله : ( ويحل استعمال كل إناء طاهر ) هذه النسخة هي الملائمة لقول الشارح ما عدا ذلك ، والنسخة التي شرح عليها العبادي هي ويجوز استعمال غيرهما من الأواني وهي لا تناسب قول الشارح ما عدا ذلك كما لا يخفى هذا ، والمعنى أنه يحل من حيث الطهارة وإن حرم لنحو غصب أو احترام كجلد الآدمي ولو مهدراً كحربي . قوله : ( وخاتم ) فيه نظر لجواز الخاتم من فضة لرجل ومطلقاً لامرأة ، ويمكن تصويره بما لو كان غير فضة وطلي بالذهب فإنه فيه التفصيل الآتي . قوله : ( بالنقد ) متعلق بموّه . قوله : ( أو صدأ ) بفتح الدال م د . وصوابه بكسر الدال قال في المختار : صدىء من باب طرب . قوله : ( فإن حصل شيء ) أي متموّل ابن حجر ، وظاهره أنه يجري في الصدأ فليحرر . قوله : ( من تضييق النقدين الخ ) منه يعلم أنه يحرم استعماله حتى في الخلوة لحصول التضييق وإن لم تحصل خيلاء وكسر قلوب الفقراء فتأمل . فإن قوله مركبة الخ . ربما ينافيه حرره اه م د . قوله : ( والخيلاء ) بضم الخاء والمد من الاختيال وهو التفاخر والتعاظم . وقال الواحدي : الاختيال مأخوذ من التخيل وهو التشبه بالشيء ، فالمختال يتخيل في صورة من هو أعظم منه تكبراً فالنهي معقول المعنى ، ومن ثم قالوا : لو صدىء إناء الذهب بحيث ستر الصدأ جميع ظاهره وباطنه حل استعماله لفوات الخيلاء ، نعم يجري فيه التفصيل الآتي في المموّه بنحو نحاس . وعبارة شرح م ر وعلة التحريم في النقدين مركبة من تضييق النقدين والخيلاء ، ولا فرق في حرمة ما تقدم بين الخلوة وغيرها إذ الخيلاء موجودة بتقدير الإطلاع عليه اه .
قوله : ( ويحرم تمويه سقف البيت ) ومثله الكعبة والمساجد م ر . والجدران والسقف ليس بقيد بل مثله تزيين أي موضع منه بذهب أو فضة فيحرم . والكسوة المعروفة حرام لاشتمالها(1/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
على الفضة ، وخرج بالتمويه التحلية وهي قطع من النقدين تستمر في غيرها ، فقال شيخنا زي : بحلها في نحو الكعبة والمساجد دون غيرها كالمصحف والكرسي وغيرهما . وفي شرح شيخنا م ر تحريمها في الكعبة والمساجد وغيرها أيضاً وهو الوجه ق ل . وقال ع ش على م ر : وهل من التحلية ما يجعل من الذهب والفضة في ستر الكعبة أم مختص بما يجعل في بابها وجدرانها ؟ فيه نظر . والذي يظهر الآن الأول اه . وحاصل مسألة التمويه أن فعله حرام مطلقاً حتى في حلي النساء ، وأما استعمال المموّه فإن كان لا يتحلل منه شيء بالعرض على النار حل مطلقاً ، وإن كان يتحلل حل للنساء في حليتهن خاصة وحرم في غير ذلك كما أفاده الرشيدي على م ر .
قوله : ( إن حصل منه شيء بالعرض عليها ) أي النار ولو شك هل يحصل منه شيء أو لا ؟ فالذي يتجه الحرمة ولا يشكل بالضبة عند الشك لأن هذا أضيق بدليل حرمة الفعل مطلقاً . وأما الخاتم فقال شيخنا : إنه كالمموّه فإن كان من ذهب وموّه بفضة فإن حصل من ذلك شيء بالعرض على النار حل وإِلا فلا ، وإن كان فضة وموّه بذهب فإن حصل من ذلك شيء بالعرض على النار حرم وإِلا فلا . قوله : ( كياقوت ) فارسي معرب واحده ياقوتة وجمعه يواقيت وهو أشرف الأحجار . ومن خواصه أن التختم به ينفي الفقر ومثله المرجان بفتح الميم اه . برماوي . ومن خواصه أيضاً أن النار لا تؤثر فيه ولا تغيره وأن من تختم به أمن من الطاعون وتيسرت له أمور المعايش ويقوى قلبه وتهابه الناس ويسهل عليه قضاء الحوائج اه عناني . وعبارة شرح م ر : ويحل الإناء النفيس في ذاته من غير النقدين كياقوت أي يحل استعماله واتخاذه في الأظهر لعدم ورود نهي فيه ، ولانتفاء ظهور معنى السرف فيه والخيلاء . نعم يكره ومقابله يحرم للخيلاء وكسر قلوب الفقراء . وردّ بأنه لا يعرفه إِلا الخواص ، ومحل الخلاف في غير فص الخاتم ، أما هو فيجوز قطعاً اه . وقوله : ( نعم يكره ) أي إناء الياقوت ونحوه لنفاسته الذاتية أي يكره استعماله واتخاذه أما إذا كانت نفاسته عرضية كإناء محكم الصنعة لخرط أو نحوه فلا يكره استعماله ولا اتخاذه اه إطفيحي .
قوله : ( بكسر الباء وفتح اللام ) أي كسنور ، ويجوز بلور بفتح الباء وضم اللام كما قاله النووي في تحريره . قوله : ( والمتخذ ) أي ويحل استعمال المتخذ . قوله : ( لم يرد فيه نهي ) أي نهي تحريم فلا ينافي أنه يكره نفيس الذات دون نفيس الصنعة ودون المتخذ من طيب غير رفيع(1/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
كصندل . قوله : ( ولا يظهر الخ ) فيه إشارة إلى أنه موجود لكنه خفي .
قوله : ( وما ضبب من إناء بفضة الخ ) . حاصله أن الإناء المضبب بالفضة ضبة كبيرة حرام عند الأئمة الثلاثة ، وفيه تفصيل عند الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يحرم المضبب بالفضة مطلقاً فالأول مشدّد والثاني مخفف . ووجه الأول كمال الشفقة على دين الأمة ، والورع التباعد عن الإناء المضبب كالتباعد عن الإناء الكامل من الفضة ، ووجه الثاني العفو عن مثل ذلك ذكره الشعراني في الميزان . وقوله : تفصيل عند الشافعي . حاصل الصور أنها إما أن تكون كبيرة أو صغيرة ، وكل منها إما لزينة وإما لحاجة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة ، فهي ست صور : صورتان محرمتان وهما الكبيرة كلها لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة ، لأنه لما انبهم ما للزينة ولم يتميز عما للحاجة صار المجموع كأنه للزينة ، والثالثة لا كراهة فيها وهي الصغيرة لحاجة . وتكره في الثلاثة الباقية وهي الصغيرة كلها لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة والكبيرة التي كلها لحاجة . وأصل الضبة ما يصلح به خلل الإناء ، والمراد هنا الأعم وإن استوعب غالب الإناء فإن تميز الزائد حرم الزائد فقط أن عده العرف كبيراً وإِلا فلكل حكمه .
قوله : ( ضبة كبيرة ) توسع الشارح تبعاً لمتن المنهاج بنصب ضبة على المفعول المطلق إذ أكثر ما يكون مصدراً وهو الحدث الجاري على الفعل ، وأما هذا فهو اسم عين لأن الضبة هي الصفيحة التي أصلح بها الإناء اه م ر . قوله : ( حرم استعماله ) سكت عن نفس الفعل الذي هو التضبيب فهل يحرم مطلقاً كالتمويه أو يفرق بما تقدم من تعليل حرمة التمويه مطلقاً بأنه إضاعة مال ؟ ولعل الثاني أقرب اه سم على ابن حجر ع ش على م ر . قوله : ( بقدر الحاجة ) المراد بالحاجة قصد الإصلاح لا العجز عن غير الذهب والفضة ، لأن العجز عن غيرهما يبيح استعمالهما اه مرحومي .
قوله : ( قدح رسول الله ) واشترى هذا القدح من ميراث النضر بن أنس بثمانمائة ألف درهم ، وروي عن البخاري أنه رآه بالبصرة وشرب منه قال : وهو قدح جيد عريض نضار بضم النون وهو الخالص من العود وهو خشب طيب الرائحة ، ويقال أصله من الأثل ولونه يميل إلى الصفرة ، وكان متطاولاً طوله أقصر من عمقه كما ذكره البرماوي . والظاهر من قول الشارح أي شده بخيط فضة أن الضبة كانت صغيرة ، ومعلوم أنها كلها لحاجة فهذه صورة الإباحة . قال سم : ونوزع في هذا الدليل بأنه لم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام شرب في هذا القدح وهو(1/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
مسلسل بالفضة ، وإنما رئي هذا القدح عند أنس بعده . والجواب أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم رأته عند أنس ولم ينكروه فكان إجماعاً سكوتياً ونص عليه البرماوي أيضاً اه . وأقول ما ذكره سم بقوله لم يثبت الخ مردود بما ذكره الشارح هنا بقوله قال أنس : لقد سقيت رسول الله في هذا القدح الخ . والظاهر أن الإشارة عائدة إلى الإناء بصفته التي هو عليها ، واحتمال عودها إليه مع قطع النظر عن صفته خلاف الظاهر فلا يعوّل عليه فتأمل . ونقل ابن سيرين أنه كان فيه حلقة من حديد ، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال أبو دجانة : لا تغيرنّ شيئاً وضعه رسول الله فترأبوا اه . قوله : ( وكلها أو بعضها لزينة ) فإن كانت لحاجة فلا كراهة . قوله : ( لحاجة ) وشمل الضبة للحاجة ما لو عمت جميع الإناء وهو كذلك ، والقول بأنها لا تسمى حينئذ ضبة ممنوع ، فلو اجتمع في الإناء ضبات صغار لزينة ، فإن كان المجموع قدر ضبة كبيرة حرمت ومن الضبة مسامير القبقاب والعصا فيجري فيها التفصيل اه اج .
قوله : ( وضبة موضع الاستعمال الخ ) كشفة الإناء والظاهر أن العبارة مقلوبة أي وضبة غير موضع الاستعمال كضبته أي كضبة موضع الاستعمال ، لأن ضبة غير موضع الاستعمال هي التي يتوهم فيها جوازها كما يرشد لذلك تعليله شيخنا . وأقول : لا قلب في العبارة لأنه موضع الاستعمال يتوهم فيه حرمة تضبيبه لمباشرة المستعمل لضبته . قوله : ( كغيره ) لعله على حذف مضاف أي كضبة غيره . قوله : ( مرجع الكبر والصغر العرف ) هو المعتمد . والمراد به ما استقر في العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول برماوي . قال الحوجري : وهو مشكل لأن العرف لا يرجع إليه إِلا فيما نص عليه الشارع ولم يبين قدره كقوله ( من أحيا أرضاً ميتة ) الخ . فرجع فيه إلى العرف لعدم تقدير الشارع له ، والشارع لم يبين الضبة بل ولم ينص عليها حتى يرجع فيها للعرف اه . ويمكن أن يجاب بورود أصل الضبة وهو تسلسل القدح وإقراره عليه ، لأن الورود عنه إما بالنص أو بالإقرار عليه اه ع ش إطفيحي . قوله : ( فإن شك في كبرها الخ ) هذا راجع لجميع الصور أي صور الحرمة والكراهة والإباحة . قوله : ( فالأصل الإباحة ) أي إباحة(1/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
الإناء قبل تضبيبه . ولا يشكل ذلك بما يأتي في اللباس من أنه لو شك في ثوب فيه حرير وغيره أيهما أكثر أنه يحرم استعماله أو شك في التفسير هو أكثر من القرآن حيث حرم اللبس في الأولى ومس المحدث في الأخرى ؟ لأنا نقول ملابسة الثوب للبدن أشدّ من ملابسة الضبة له فاحتيط ثمّ ما لا يحتاط هنا ، وأما التفسير فإنما حرم مع الشك تغليباً لجانب التعظيم كما في شرح م ر ، ولأن الأصل في لبس الحرير ومس القرآن التحريم . ولو شك في أنها للزينة أو للحاجة جازت مع الكراهة ع ش على م ر . وينبغي أن يكون هذا في غير الحرير المطرّف به فإنه شبيه بالضبة . قال شيخنا ح ف : وتحت هذه أي صورة الشك صور لأنه إذا شك في الكبر والصغر تارة يعلم كونها لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة ، فيحكم بالكراهة فيهما لأن الشك إنما أسقط الحرمة ، وأما إذا علم كونها لحاجة فلا حرمة ولا كراهة ، وكذلك إذا شك هل هي للزينة أو للحاجة ، فتارة يعلم الكبر فتكره . وتارة يعلم الصغر فلا حرمة ولا كراهة ، وكذا إذا شك في الكبر والصغر فتضم هذه الصور لبقية صور الضبة . قوله : ( وبالطاهر ) أي وخرج بالطاهر النجس أي غير المغلظ أما المغلظ فيحرم استعماله مطلقاً . قوله : ( كماء قليل ) أي إن صحبه تضمخ ، وإِلا فلا يحرم بل يكره فقط ق ل . قوله : ( مع الجفاف ) ويكون الاستعمال مكروهاً .
قوله : ( فروع ) هي ثلاثة . الأول : في سمر الدراهم في الإناء فيجري فيه تفصيل الضبة . والثاني : في استعمال أواني المشركين وملبوسهم وما يلي جلودهم ونحو ذلك . والثالث : في أواني مدمني الخمر والقصابين . قوله : ( سمر الدراهم ) وفي بعض النسخ والدنانير والصواب سقوطها ، لأن الدنانير حرام مطلقاً كضبة الذهب . قوله : ( فيه للتفصيل السابق ) أي تفصيل الضبة فيحرم في الذهب مطلقاً . قوله : ( لا يحرم به استعمال الإناء الخ ) مثله في عدم الحرمة فتح الفم للماء النازل من ميزاب الكعبة ، وإن قصده إِلا إن قرب منه بحيث يعدّ مستعملاً كما نقله سم عن م ر ، ومثله في حاشية ن ز . وقال ابن حجر : لا يحرم وإن مسه بفمه على نزاع فيه اج . قوله : ( من مزادة ) بفتح الميم والزاي قربة يزاد فيها من جلد غيرها وتسمى أيضاً(1/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
السطيحة ، والمراد بها الظرف الذي يحمل فيه الماء كالراوية ، والجمع المزاود من الزيادة ، فالميم زائدة قيل سميت مزادة لأنه يستزاد فيها الماء اه . قوله : ( وفي تعارض الأصل والغالب ) لأن الأصل طهارتها والغالب نجاستها . قوله : ( أشد ) أي كراهته أشد . قوله : ( أخف ) أي لعدم احتوائها على الجلد بخلاف الملبوس . قوله : ( والقصابين ) أي الجزارين من القصب وهو القطع . وقوله : ( الذين صفة ) للاثنين قبله . قوله : ( والأصح الجواز ) أي ترجيحاً للأصل . قوله : ( أخذاً مما مر ) أي لعدم تحرزهم .
فصل : في السواك
أي في حقيقته وحكم استعماله والأماكن التي يتأكد فيها . والمصنف ذكر ثلاثة أحكام : ندبه بكل حال ، وكراهته للصائم بعد الزوال ، وتأكده في ثلاثة أحوال . وزاد الشارح مسائل : منها ندب كونه في عرض الأسنان ، وترتيب آلته ، وفعله باليمين في يمين الفم وفوائده .
والحاصل : أن أحكامه أربعة لأنه تارة يكون واجباً كأن توقف عليه زوال النجاسة أو ريح كريه في نحو جمعة ، وتارة يكون حراماً كاستعمال سواك غيره بغير إذنه أي ولم يعلم رضاه ، وتارة يكون مكروهاً ، وذلك من حيث الكيفية كاستعماله طولاً في غير اللسان ، وتارة يكون مندوباً وهو ما ذكره المصنف ولا تعتريه الإباحة ، لأن القاعدة أن ما كان أصله الندب لا تعتريه الإباحة ، وقد ذكر صاحب الفتاوى الخيرية في مذهب الحنفية ما نصه : سئل هل يكره الاشتراك في المشط والميل والسواك كما هو شائع بين العوام يقولون ثلاثة ليس فيها اشتراك المشط والمرود والسواك أم لا ؟ أجاب : أما السواك بسواك غيره فقد صرح في الضياء المعنوي في(1/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
شرح مقدمة القونوي ؛ أنه لا بأس به بإذن صاحبه ومثله المشط والميل ، وأما قول الناس بالكراهة فإنما ذلك لكراهة نفوسهم الاشتراك في هذه الثلاثة لئلا تحصل النفرة باعتبار أنهم يعافون منه ، فربما وقعت الكراهة بينهم بسببه لا أنه ورد فيه نص خاص من جانب الشرع الشريف يوجب محظوريته . وعبارة الروض : ولا بأس أن يستاك بسواك غيره بإذنه ؟ بل زاد في المجموع وقد جاء ذلك في الحديث الصحيح فالكراهة لا أصل لها اه . ومناسبة ذكره عقب المياه والدابغ أنه آلة في إزالة القذر ، وإن كان أي القذر طاهراً ، وقدّم على الوضوء لأنه من سنن الوضوء الفعلية الخارجة عنه على المعتمد عند م ر . فمحله قبل غسل الكفين فيحتاج إلى نية على المعتمد عند م ر . وعند ابن حجر محله بعد غسل الكفين فلا يحتاج إلى نية عنده لأنه نية الوضوء تشمله فيكون من سننه الداخلة ، وذكره في التحرير تبعاً للتنقيح في سنن الصلاة لما قيل إنه فيها آكد للخلاف في وجوبه لها ، فقد حكي عن داود أنه أوجبه ولم تبطل الصلاة بتركه ، وعن إسحاق بن راهويه أنه واجب وتركه عمداً مبطل للصلاة ، لكن قال في شرح المهذب : وهذا النقل عن إسحاق غير معروف ولا يصح عنه اه . والسواك يطلق على الفعل وعلى آلته وعليهما معاً ، ويجوز تذكيره وتأنيثه . وذكر بعضهم أنه من خصائص هذه الأمة وفيه نظر بدليل حديث : ( هذا سواكي وسواك الأنبياء من قبلي ) . وفي الأوائل أن أول من استاك إبراهيم الخليل عليه السلام بعود الزيتون وهذا لا ينافيه قوله : ( سواكي وسواك الأنبياء من قبلي ) المقتضي شموله لكل نبي قبل إبراهيم لإمكان حمله على أن المراد بالأنبياء مجموعهم لا كل واحد ، وبذلك يعلم أن السواك ليس من خصوصيات هذه الأمة بل من الشرائع القديمة .
قوله : ( من ساك ) أي من مصدره وهو السواك لأن المصدر المزيد يشتق من المجرد ، وهذا على مذهب البصريين أو من الفعل نفسه عند الكوفيين لأن الاشتقاق عندهم من الفعل ، وجمع السواك سوك بضم السين والواو ككتاب وكتب وقد تسكن الواو تخفيفاً . قوله : ( لغة الدلك ) أي ولو في غير الفم كدلك البابوج ، ومنه تسويك البكر وهو دلك فرج البكر بعد إزالة بكارتها بخرقة حتى يحسن جماع الزوج لها لأن المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي . قوله : ( وآلته ) أي يطلق عليهما مجتمعين ومنفردين . قوله : ( أو نحوه ) من كل خشن طاهر كما سيأتي فقوله أو نحوه عطف على عود بدليل تمثيله بقوله كأشنان لأن الأشنان بزر الغاسول وليس بعود . قال بعضهم : هو أعواد رفيعة ببلاد الشام وهو الجزء الأعظم من أجزاء الصابون الثلاثة وبقيتها الزيت والجير اه شيخنا . قوله : ( في الأسنان ) الأولى في الفم ليشمل من لا سنّ له . قوله : ( وما حولها ) المراد به ما يقرب منها فيشمل اللسان وسقف الحلق . قوله : ( لإذهاب التغير ) قد يقتضي هذا أن السنة تتوقف على إذهاب التغير ، وينافيه قول ابن حجر وأقله مرة إِلا(1/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
إن كان لتغير فلا بد من إزالته فيما يظهر ، ويحتمل الاكتفاء بها فيه أيضاً لأنها مخففة . ويجاب بأن قوله لإذهاب بيان لحكمة مشروعيته فلا ينافي أن أصل السنة لا يتوقف على ذلك . وعبارة الإطفيحي وأقله مرة واحدة بالنسبة لأصل السنة إِلا أن يكون لتغير بالفم أو قلح بالأسنان ، فلا بد من أزالته إن أراد تمام السنة اه . قوله : ( ونحوه ) يحتمل عطفه على لإذهاب ويفسر بتسوية الظهر ونحوه من فوائد السواك . وقال بعضهم : قوله ونحوه كالقيام للصلاة ، ويحتمل عطفه على التغير ويفسر بإذهاب الكسل ونحوه . وأركان السواك خمسة مستاك ومستاك به ومستاك منه ومستاك فيه ونية استقلالاً أو تبعاً .
قوله : ( واستعماله ) ضمير عائد على السواك بمعنى الآلة وكأنّ السواك في كلام المصنف بمعنى الفعل ففيه تغير إعرابه ومعناه تأمل ق ل .
قلت : بل كلام الشارح مبين للمراد من كلام المصنف ، إذ قوله واستعماله إشارة لتفسير السواك بالفعل فكأنه قال ذلك . وأما الإعراب فلا تغيير فيه إذ هو مبتدأ وخبر وتفسير السواك بالاستعمال لا بد منه إِذ الاستحباب إنما يتعلق بالفعل لا بالذات فليتأمل ، ولذا قال الشارح العبادي والسواك بمعنى استياك أو هو على حذف مضاف أي استعماله اه ا ج .
وقال شيخنا : الأولى حذف قوله واستعماله لأن الحمل صحيح بدون هذا التقدير لأن السواك شرعاً معناه الاستعمال المتقدم فكأنه قال : واستعمال العود الخ مستحب الخ . وهذا لا غبار عليه ، وإن أريد بالسواك الآلة يحتاج إلى تقدير مضاف أي واستعمال السواك لأن الأحكام إنما تضاف للأفعال لأن موضوع الفقه أفعال المكلفين فالأحكام متعلقة بالفعل إذ لا تكليف إِلا به كما في جمع الجوامع .
قوله : ( مستحب ) أي بالنسبة لنا وأما بالنسبة له عليه الصلاة والسلام فكان واجباً عليه لأجل التهيؤ لتلقي الوحي ووجوبه عليه في أي وقت هل في الأوقات التي يسن لنا فيها أو عند نزول الوحي أخذاً من تعليل وجوبه عليه بتهيئه لتلقي الوحي فتدبر . ثم رأيت في المناوي على الخصائص ما نصه : قال في الخادم : وهل المراد بوجوبه في حقه بالنسبة إلى الصلاة المفروضة أم النافلة معها أم في جميع الأحوال المستحبة في حقنا أم ما هو أعم من ذلك ؟ لم يتعرضوا له . نعم في سنن أبي داود ( أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالسواك لكل صلاة ) . وسياق الحديث تخصيصه بالمفروضة اه . قوله : ( في كل حال ) أي وزمان . قوله : ( مطلقاً ) لعله أراد به عموم الأوقات أي في أي وقت كان ، والمناسب لكلام المصنف في عموم الأحوال والاستثناء على كلام المصنف منقطع لأن المستثنى منه الأحوال جمع حال ، وهي ما عليه الشخص من خير أو شر وبعد الزوال زمن مخصوص ليس من أحوال الشخص والاستثناء على كلام الشارح متصل . وقد يجاب عن المصنف بأن في الكلام حذفاً دل عليه السياق(1/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
والأصل في كل حال وزمان إِلا الخ . ولعل الشارح أشار إليه بقوله مطلقاً أي في كل وقت فيشمل وقت الزوال . قوله : ( إِلا بعد الزوال للصائم ) أي ولو تقديراً ليشمل أيام الدجال لأن في أيامه يوماً كسنة ويوماً كشهر ويوماً كجمعة فاعتبار الزوال فيه تقديري اه إطفيحي : قال في الخصائص : واختص بجواز السواك بعد الزوال وهو صائم بغير كراهة وخص بما بعد الزوال لأن التغير بعده يتمحض عن الصوم لخلوّ المعدة . نعم إن تغير فمه بغير الخلوف كأن تمحض تغيره بغيره كنوم لم يكره لزوال المعنى ، نعم إن كان يدمى فيه لنحو مرض في لثته وخاف الفطر كره كما بحثه الأذرعي . قوله : ( عن كبد ) أي وسط . قوله : ( يكره ) أي إن استاك بنفسه ، فإن سوّكه مكلف غيره بغير إذنه حرم عليه على نظير إزالة دم الشهيد فيهما فإنه إن أزاله غيره حرم ، وإن أزاله بنفسه كأن جرح جرحاً يقطع بموته منه فأزال دمه ثم مات كره . قال بعضهم : أو أزاله بعد موته بنفسه كرامة وفيه نظر ، فإنه ليس مكلفاً حتى يحكم عليه بالكراهة . ومحل كراهة الإزالة إذا أزاله بالسواك الشرعي لا بأصبعه .
فإن قلت : صرحوا بكراهة السواك بعد الزوال ولو لصلاة ونحوها ؟ وقالوا بطلبه فيما إذا حصل تغير الخلوف فما الفرق ؟ قلت : يفرق بأن السواك لنحو الصلاة من باب جلب المصلحة وللتغير من باب دفع المفسدة لأن القصود إزالة التغير ودفع المفاسد أهم من جلب المصالح . فإن قيل : لأي شيء كره الاستياك بعد الزوال للصائم ، ولم تكره المضمضة مع أنها مزيلة للخلوف بل أولى كما صرحوا بذلك في باب الاستنجاء حيث قالوا : والماء أفضل لأنه يزيل العين والأثر ولا كذلك الحجر ونحوه ؟ أجاب ق ل في حاشية الجلال : بأنه إنما لم تكره المضمضة بعد الزوال لأنها لا تزيل الريح بخلاف السواك اه . قلت : وفي هذا الجواب شيء إِذ الإزالة حاصلة في كل إِلا أن يقال إنها بالسواك أقوى .
قوله : ( أطيب عند الله ) أي أطيب من ريح المسك المطلوب في يوم الجمعة والعيدين أي أكثر ثواباً من ثواب ريح المسك المطلوب فلا يرد أن الشم مستحيل عليه تعالى ، أو معنى كونه أطيب عند الله ثناؤه تعالى عليه ورضاه به ، وبذلك فسره الخطابي والبغوي وغيرهما فلا يختص بيوم القيامة وفاقاً لابن الصلاح . وقال ابن عبد السلام : يختص به لتقييده بذلك في رواية مسلم . وأجيب : بأن ذكر يوم القيامة لكونه محل الجزاء قاله ابن أبي شريف ، وخص المسك لأنه أطيب طيب كما ورد في الحديث . قوله : ( بضم الخاء ) هذا هو الصحيح لأن(1/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
الألفاظ أربعة : خلوف بضم الخاء ، وخلوف بفتحها ، وخلف بفتح الخاء واللام ، وخلف بفتح الخاء وسكون اللام ، فالخلوف بالضم هو تغير الفم ، والخلوف بفتح الخاء هو كثير خلف الوعد ، والخلف بفتح الخاء واللام هو الذرية الصالحة ؟ والخلف بفتح الخاء وسكون اللام ذرية السوء . قال الله تعالى : ) فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } ) مريم : 59 ) الخ ويطلق الخلف أيضاً على ما قابل الأمام .
قوله : ( وأما الثانية الخ ) وصدر الحديث : ( أما الأولى : فإنه إذا كان أوّل ليلة من رمضان نظر الله تعالى إليهم ومن نظر إليه لا يعذبه أبداً . وأما الثانية : فما ذكره الشارح . وأما الثالثة : فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة . وأما الرابعة : فإن الله تعالى يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى دار كرامتي . وأما الخامسة : فإنه إذا كان آخر ليلة من رمضان غفر لهم جميعاً فقال رجل : أهي ليلة القدر يا رسول الله ؟ فقال : لا . ألم تر أن العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم ) ؟ اه ق ل على الجلال .
قوله : ( فإنهم يمسون الخ ) . فإن قلت : يعارض هذا الحديث الدّال على كراهة الاستياك بعد الزوال الأحاديث الدالة على طلب السواك لكل صلاة الشاملة لصلاة الظهر التي بعد الزوال فلم قدم عليها . وأجيب : بأنه قدم عليها لأن فيه ردء مفسدة لأن فيه إزالة التغير ، وتلك الأحاديث فيها جلب مصلحة ودرء للفاسد مقدم على جلب المصالح ح ف . قال سم : ومفهومه أنهم لا يصبحون كذلك . قوله : ( والمساء بعد الزوال ) ويمتد لغة إلى نصف الليل ، ومنه إِلى الزوال صباح شوبري . قوله : ( فكرهت إزالته ) الدليل يقتضي أن إزالته مكروهة حتى بغير السواك مع أن الكراهة خاصة بالسواك . واعترض بأن الكراهة لا بد فيها من نهي خاص ولم يوجد هنا . وأجيب : بأن تأكيد الطلب المفهوم من قوله على طلب إبقائه أي طلباً مؤكداً أخذاً من الأطيبية قام مقام النهي الخاص ، وعبارة ع ش : والمراد إزالته بالسواك الشرعي ، وأما إزالته بغيره فلا تكره أي وإن كان المدرك يقتضي الكراهة مطلقاً . قوله : ( ويؤخذ من ذلك ) أي التعليل . قوله : ( وهو كذلك ) ضعيف . فالمعتمد الكراهة لمن نسي النية ليلاً ومثله الممسك لغير نسيان النية كمن بلغ في أثناء النهار لأن كلاًّ منهما في حكم الصائم لامتناع تعاطيه المفطرات .(1/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
قوله : ( لأنه ليس بصائم حقيقة ) لكنه يعطي حكم الصائم . قوله : ( في اختصاصها ) أي الكراهة ، قوله : ( إنما يظهر حينئذ ) أي وأما قبله فيحال التغير على ما كان من أثر الطعام والشراب ليلاً . قوله : ( ويلزم من ذلك ) أي من المعنى الذي ذكره . قوله : ( أن يفرقوا ) من باب نصر . قوله : ( أو تناول ) عطف عام على خاص ، والمراد تناول شيئاً مما يقتضي التغير لا نحو جماع . قوله : ( أم لا ) الأولى أن يقول ومن لا ؛ لأن بين تقتضي العطف بالواو لأنها لا تضاف إِلا لمتعدد . قوله : ( فيكره للمواصل الخ ) تفريع على الشق الثاني أي لأن تغير الفم قبل الزوال بالصوم لا بالطعام لأنه لم يتناوله . قوله : ( قبل الزوال ) أي وبعد الفجر فتزول الكراهة بالغروب وتعود بالفجر ، وهذا هو المعتمد فيكره جميع النهار وكما تزول الكراهة بالغروب تزول بالموت لبطلان الصوم به لأنه الآن ليس بصائم وممسك اه طوخي وفي ع ش : فرع : لو مات الصائم هل يحرم على الغاسل إزالة خلوفه بسواك قياس دم الشهيد الحرمة ، وبه قال م ر . قوله : ( بعد الزوال ) ظرف لتغير ، سواء كان الأكل أو النوم بعد الزوال أو قبله تأمل . قوله : ( أنه لا يكره له السواك وهو كذلك ) معتمد وعبارة شرح م ر . نعم إن تغير فمه بنحو نوم استاك لإزالته كما أفتى به الوالد اه . ففي قول الأجهوري لكن عبارة م ر في الشرح قاضية بالكراهة نظر فلا تغتر به . وقوله : إنه لا يكره بحذف إنه لأن لا يكره خبر إن الأولى . ويجاب بأنه أعادها تأكيداً . قوله : ( على شبر ) أي بالشبر المعتدل لا بشبر نفسه لما قيل : إن الشيطان يركب على الزائد . ويستحب إمساكه بيده اليمنى بأن تجعل الخنصر من يمينك تحته والبنصر والوسطى والسبابة فوقه واجعل الإبهام أسفل رأسه كما رواه ابن مسعود . ولا يقبض على السواك فإن ذلك يورث الباسور ، وإنما كان باليد اليمنى وإن كان لإزالة التغير لأن اليد لا تباشره ، وبه يفرق بينه وبين الاستنتار بالمثناة أي نتر الذكر ، ويستحب أن يبلع ريقه أول ما يستاك وفي كل مرة وقت وضعه في الفم وقبل أن يحركه كثيراً لما قيل إنه أمان من الجذام والبرص وكل داء سوى الموت ولا يبلع بعد ذلك شيئاً لما قيل إنه يورث الوسواس اه مرحومي . قوله : ( لثاني ) بتثليث اللام جمع لثة بتثليثها أيضاً وهي ما حول الأسنان . وعبارة ق ل هي اللحم المغروز فيه الأسنان وأصل لثة لثي حذفت لام الكلمة وعوّض عنها التاء ، وأما لهاتي فمفرد لا جمع وهي قطعة لحم في أقصى سقف الحلق مشرفة على القلب تروح عليه ولولاها احترق القلب اه شيخنا .(1/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
قوله : ( قال النووي الخ ) أشار النووي بذلك إلى أنه لا أصل له في السنة بخصوصه ، وإن كان داخلاً في عموم طلب الدعاء ا ج . قوله : ( في عرض الأسنان ) وكيفية ذلك أن يبدأ بجانب فمه الأيمن فيستوعبه باستعمال السواك في الأسنان العليا والسفلى ظهراً وبطناً إلى الوسط ثم الأيسر كذلك . وقوله : ( في طول الفم ) تصريح بما علم التزاماً لأنه يلزم من كون السواك في عرض الأسنان أن يكون في طول الفم . وقوله : في طول الفم متعلق بالسواك بعد تقييده بقوله في عرض الأسنان ، فالأول تعلق به وهو مطلق ، والثاني تعلق به وهو مقيد ، فلا يقال فيه تعلق حر في جر بمعنى واحد بعامل واحد . قوله : ( بكل خشن ) أي طاهر وفاقاً للرملي وخلافاً لابن حجر حيث قال : يكفي النجس ولو من مغلظ . ورد بقوله عليه الصلاة والسلام : ( السواك مطهرة للفم ) وهذا منجسة لكنه أجاب بأن المراد الطهارة اللغوية وخشن بكسرتين كما قاله الأشموني في شرح قول المتن .
وفعل أولى وفعيل بفعل
لكن جوّز القاموس فيه فتح الخاء وكسر الشين . قوله : ( يزيل القلح ) هو ما يتراكم على الأسنان من الوسخ ق ل . قوله : ( أو خرقة ) عطف على عود .
قوله : ( والأراك أولى ) حاصله أن الأفضل الأراك ثم جريد النخل ثم الزيتون ثم ذو الريح الطيب ثم بقية الأعواد وكل واحد منها فيه خمسة مترتبة في الأفضلية أيضاً وهي اليابس المندى بالماء ، ثم المندى بماء الورد ، ثم المندى بالريق ثم الرطب ثم اليابس الغير المندى ، فالمجموع خمسة وعشرون من ضرب خمسة في خمسة ، وكل واحد من هذه الخمسة بمراتبه الخمسة مقدم على ما بعده ، وضم بعضهم لهذه الخمسة الخرقة وأصبع الغير بشروطها ، لكن لا تجري فيهما الخمسة السابقة بل يجري فيهما ما عدا الرطب كما قاله الشيخ الديوي ، واعتمد(1/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
شيخنا ح ف أن اليابس الغير المندى مقدم على الرطب لأنه أقوى في إزالة التغير ونظمها بعضهم بقوله :
أراك جريد النخل زيتون رتبت
فطيب ريح باقي الأعواد كملا
وكل مندى الما فما الورد ريقه
فذو اليبس رطب في السواك أدروا عملا
قوله : ( بأصبعه ) قال الجوهري : الأصبع يذكر ويؤنث ، ويقال في أصبوع وهو بتثليث الهمزة مع تثليث الباء ونظمها بعضهم بقوله :
يا أصبع ثلثن مع ميم أنملة
وثلث الهمز أيضاً وارو أصبوعاً
قوله : ( فإن كانت منفصلة وهي خشنة الخ ) ضعيف والمعتمد أنه لا يجزي الاستياك بأصبعه المنفصلة وإن كانت خشنة على الراجح ولا بأصبع غيره المنفصلة ، بل يحرم بهما ، ولو قلنا بالإجزاء قياساً على حرمة الاستنجاء بهما بجامع إزالة القذر بعضو يجب احترامه ، لأن الأجزاء المنفصلة من الآدمي يجب احترامها ويمتنع امتهانها وإن أذن صاحبها ، إذ لا حق له فيها بامتهانها بعد الانفصال ، وإن لم يجب دفنها فوراً ما دام صاحبها حياً فعلم أنه لا شك في التحريم بلا إذن صاحبها ، وأما أصبع غيره المتصلة فيجزي السواك بها إذا كانت خشنة وكان صاحبها حياً ، لأن ذلك من المساعدة والمعاونة والأجزاء المتصلة شأنها ووضعها العمل بها . وقول بعضهم : يشترط إذن صاحب الأصبع هو شرط في الحل لا في الإجزاء بخلاف المنفصلة من ذلك ، ولهذا يجزي تسويك الميت بأصبع الغاسل ، وفارقت أصبعه المتصلة أصبع غيره كذلك بأن أجزاء الإنسان لا تسمى سواكاً له . قلت : ويفارق أجزاء متصلة غيره هنا عدم إجزائها في الاستنجاء بفحش الاستنجاء وحرمة التنجس على أنه يجوز أن يلتزم إجزاء الاستنجاء بيد غيره وإن حرم . ثم رأيت م ر جزم بالتزام الإجزاء فتأمله ثم رجع عنه اه سم .
قوله : ( من يمنى فمه ) أي ويذهب إلى الوسط ثم الأيسر ويذهب إليه م ر . قوله : ( كان يحب ) أي يختار البدء بالأيامن يعني في الأمور الشريفة ما استطاع ، أي مدة دوام قدرته على تقديم اليمنى احترازاً عما لو تركه لنحو ضرورة وعدم قدرة ، فلا كراهة في تقديم اليسرى حينئذ ولو فيما هو من باب الكمالات ، أو أنه تأكيد لاختيار التيمن مبالغة في عدم تركه كما هو(1/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
المعروف في نحوه . وجوّز بعضهم كون ( ما ) موصولة اه مناوي على الشمائل والعائد محذوف . والتقدير الذي استطاعه . قوله : ( التيامن ) في نسخة التيمن . قوله : ( في شأنه كله ) من المعلوم أن التيمن شرع في أمور غير هذه ولا يشرع لأمور أخر ، فقوله في شأنه كله ليس على عمومه فيخص بما هو من باب التكريم فيدخل فيه نحو : لبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والصلاة على يمين الإمام والأكل والشرب والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق الرأس والخروج من الخلاء ، وغير ذلك مما في معناه ، وأما ما كان من باب الإهانة فباليسار كدخول الخلاء ، والخروج من المسجد ، والامتخاط ، والاستنجاء ، وخلع الثوب ، والسراويل وغير ذلك ، وأما ما ليس منهما فباليسار على المعتمد كوضع المتاع . قوله : ( في طهوره ) بضم الطاء أي تطهيره الشامل للأصغر والأكبر وهو بدل مما قبله بدل بعض من كل فيبدأ بالشق الأيمن في الغسل ، وباليمين من اليدين والرجلين في الوضوء ، فإن قدم اليسرى كره ووضوؤه صحيح ، وأما الكفان والخدان فيطهران دفعة واحدة . قوله : ( وترجله ) أي تسريحه الشعر من الرأس واللحية فيندب تقديم الجانب الأيمن منهما ويكره تسريح اللحية بعد العصر كما قاله ابن العماد . قوله : ( وتنعله ) وفي رواية نعله أي لبسه النعل ، والأوجه أن ذكر ذلك ليس للحصر ، بل ذكر أمراً يتعلق بالرأس ، وآخر يتعلق بالقدم إشارة إلى رعاية التيمن من فرقه لقدمه مناوي .
قوله : ( في ثلاثة مواضع ) أي بالنسبة لما هنا وإِلا فهي أكثر مما ذكره الشارح ا ج . قوله : ( أي أحوال ) بالمعنى الشامل للأوقات كما مرّ . قوله : ( رائحة ) ليس بقيد بل مثلها اللون كصفرة الأسنان والطعم ، وأفهم تعبيره بالفم دون السن ندبه لتغير من لا سن له وهو كذلك كما مرّ ، إذ يسن له الاستياك مطلقاً ويتأكد له عندما يتأكد لغيره شرح م ر . قوله : ( السكوت ) أي الطويل . وفي الصحاح : أزم عن الشيء أمسك عنه . قوله : ( كثوم ) بضم الثاء المثلثة ، وفي بعض النسخ كنوم . قوله : ( وأكل ذي ريح الخ ) عطف عام على خاص إن قرىء ما قبله بالمثلثة . قوله : ( وثانيها عند القيام ) أي اليقظة من النوم أي : وإن لم يتغير فمه حتى يغاير ما تقدم . قال ق ل : وهذا وما قبله شامل للصائم وغيره .(1/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
قوله : ( أي يدلكه ) وقيل الشوص الغسل . قوله : ( إلى الصلاة ) ولو في أثنائها بفعل خفيف لأن الكف وإن كان مطلوباً فيها ، لكن عارضه طلب السواك لها وتداركه ممكن . أَلا ترى أن الشارع طلب دفع المارّ فيها والتصفيق بشرطه . ويسنّ الاستياك لسجدتي التلاوة والشكر فيستاك للسجدة وإن استاك للقراءة ، ويستاك لكل إحرام وإن والى بين الصلوات خلافاً لبعضهم .
فائدة : وقع السؤال عما لو نذر السواك لكل صلاة وقلتم بالوجوب هل يجب تعميم الأسنان واللسان أو يكفي أحدهما ؟ تردد فيه البابلي . وقال : لم أر في ذلك شيئاً ، ثم مال إلى تعميم الأسنان ولم يظهر منه ميل إلى اللسان اه .
قوله : ( لولا أن أشق على أمتي الخ ) لا يخفى أن هذا الحديث مما أشكل على ما اشتهر من معنى لولا ، وهو امتناع الثاني لوجود الأول نحو : لولا زيد لأكرمتك . امتنع الإكرام لوجود زيد ، إذ على هذا المعنى يصير مفاد الحديث امتناع الأمر وعدم وجوده لوجود المشقة مع أن المشقة لم توجد والأمر وجد أي : وجد ما يدل عليه ، وهو أنّ ترغيب الشارع في شيء يدل على طلبه ، والحديث يدل على الترغيب في ذلك ، وقد أشار الشارح تبعاً لشيخه إلى الجواب بقوله أي أمر إيجاب بدليل الرواية الأخرى لفرضت عليهم السواك ، فالممتنع الأمر إيجاباً لا مطلق الأمر ، ولا بد من مراعاة مضاف محذوف وهو مخافة أن أشق ، فالموجود مخافة المشقة لا نفس المشقة والمعدوم الأمر الإيجابي ، والتقدير : لولا مخافة أن أشق لأمرتهم أمر إيجاب فامتنع الأمر إيجاباً لوجود مخافة المشقة ، ولقائل أن يقول : مفاد الحديث نفي أمر الإيجاب لمكان المشقة ، وليس من لازم ذلك ثبوت الطلب الندبي فما وجه الاستدلال بهذا الخبر عليه ؟ نعم السياق وقوة الكلام تعطي ذلك . واعلم أن ما أفاده من انتفاء الأمر عند كل وضوء المراد منه عموم السلب ، وإن كان الظاهر منه كما ترى سلب العموم اه عميرة .(1/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
قوله : ( عند ) بكسر العين وفتحها وضمها ثلاث لغات وهي ظرف مكان وزمان تقول عند الليل وعند الحائط اه نووي في تحريره . قوله : ( أي أمر إيجاب ) أورد عليه بحسب الظاهر أنه لا حاجة لهذا التأويل ، لأن الأمر دالّ على الوجوب بجوهر اللفظ من غير تأويل ، فيصير التقدير : لولا أن أشق على أمتي لأوجبت عليهم ، ولكني لم أشق فلم أوجب عليهم فيبقى الندب . وأجيب : بأن الدال على الوجوب من غير تأويل إنما هو صيغة أفعل كقوله تعالى : ) لينفق ذو سعة من سعته } ) الطلاق : 7 ) وأما مادة أمر فلا تدل على وجوب ولا ندب إِلا بالقرينة ، فاحتاج الشارح رحمه الله تعالى إلى التأويل ع ش إطفيحي . وفي رواية ذكرها م ر في شرحه لفرضت عليهم الخ قال ع ش . فإن قلت : هو ليس له الاستقلال بالفرض ، وإنما يبلغ ما أمر بتبليغه من الأحكام عن الله تعالى . قلنا : أجيب بأنه يحتمل أنه فوّض إليه ذلك بأن خيره الله تعالى بين أن يأمرهم أمر إيجاب وأمر ندب ، فاختار الأسهل لهم وكان رؤوفاً رحيماً .
قوله : ( ركعتان بسواك الخ ) صريح هذا أن ركعة السواك تعدل خمساً وثلاثين ركعة وفي رواية : ( ركعة بسواك تعدل سبعين ركعة ) ويلزم على كل منهما زيادة فضله على فضل الجماعة مع أنها فرض كفاية . وعبارة البرماوي : استشكل بأن صلاة الجماعة بخمس أو سبع وعشرين درجة مع أنها فرض كفاية والسواك سنة . وأجيب ، بأجوبة منها : إن السنة قد تفضل الفرض كما في ابتداء السلام ورده . ومنها : إن هذا الخبر لا يقاوم خبر الجماعة في الصحة . ومنها : إنه محمول على ما إذا صلى جماعة بسواك وصلى صلاة منفردة بلا سواك ، فهذه الصلاة أفضل من تلك بخمس وثلاثين فيكون للسواك عشرة وللجماعة خمس وعشرون . وأجيب أيضاً : بأن الدرجات المترتبة على صلاة الجماعة قد تعدل الواحدة منها كثيراً من الركعات بسواك . قوله : ( وكما يتأكد الخ ) إشارة إلى أن تقييد المصنف بالمواضع الثلاث غير مراد ، وكان الوجه إسقاط لفظ ثلاث . قوله : ( لوضوء ) أي ولغسل فلو استاك للوضوء المطلوب للغسل هل يستاك للغسل نظراً إلى طلب كل منهما أو لا لقربه من الأول كما قالوا : لا يسنّ الغسل لمزدلفة لمن اغتسل ، قال سم : المتجه الأول وفاقاً للرملي ، وخلافاً لغيره كابن عبد الحق حيث قال بالثاني اه ا ج . قوله : ( ومحله ) أي محل طلبه الذي هو الأكمل الذي لا يحتاج معه إلى نية بعد الشروع في غسل الكفين كالنية والتسمية ، فلا مخالفة بين هذا وكلام الغزالي المذكور ق ل . فكلام ابن الصلاح بالنظر للأكمل والغزالي بالنظر لأصل السنة اه م د . وقال شيخنا كلام ابن الصلاح يوافق ما في شرح ابن حجر ، وكلام الغزالي موافق لما في م ر ، فعلى كلام ابن حجر يكون من السنن الداخلة فيه لشمول النية له ، وعلى كلام م ر يكون من السنن المتقدمة عليه الخارجة عنه لعدم شمول النية له ، وعلى هذا يكون الخلاف حقيقياً غير ممكن الجمع اه .(1/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
قوله : ( ولقراءة قرآن ) أي يستاك قبل الاستعاذة والقراءة شاملة للبسملة ومثل القراءة كل ذكر . قال ابن حجر : وندبه للذكر الشامل للتسمية مع ندبها لكل أمر ذي بال الشامل للسواك يلزمه دور ظاهر لا مخلص عنه إِلا بمنع ندب التسمية له ، ويوجه بأنه حصل مانع منها هو عدم التأهل لكمال النطق بها أي : لأنه لا يتأهل لذلك إِلا بالسواك شوبري . قوله : ( ولنوم ) ليس هذا مكرراً مع ما مر ، فإن المراد هنا لإرادة نوم وهناك بعد النوم . قوله : ( ولدخول منزل ) ولو لغيره وظاهره ولو خالياً ، وقيده ابن حجر بغير الخالي ، وفرق بينه وبين المسجد حيث يسنّ السواك لدخوله ولو خالياً بأن ملائكة المسجد أشرف . وفي الجامع الصغير : ( كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك ) . قال المناوي : لأجل السلام على أهله ، فإن السلام اسم شريف فاستعمل السواك للإتيان به أو لطيب فمه لتقبيل زوجاته اه . ويسنّ أيضاً عند خروجه منه .
قوله : ( وعند الاحتضار ) أي في المريض بنفسه أو بغيره . قوله : ( ويقال إنه ) أي السواك مطلقاً ، لكن ظاهر هذه العبارة تبعاً لشرح الروض أن التسهيل مبني على السواك عند الاحتضار ، لكن في بسط الأنوار عدم التقييد بذلك فيحتمل الإطلاق . قوله : ( وفي السحر ) بفتحتين ما بين الفجرين وجمعه أسحار . قوله : ( قبل وقت الخلوف ) كما يسنّ التطيب للإحرام قبل الإحرام . قوله : ( من فوائد السواك ) التي أوصلها بعضهم إلى نيف وسبعين خصلة ، وهو على العكس من الحشيشة التي ذكروا فيها مائة وعشرين مضرة . منها : نسيان الشهادة عند الموت والعياذ بالله تعالى . ومنها : فساد العقل ، ولو اجتمع في الشخص خصلتان . إحداهما تذكر الشهادة ، والأخرى تنسيها كالسواك وأكل الحشيشة مثلاً هل تغلب الأولى أو الثانية ؟ فيه نظر . ونقل المناوي تغليب الأولى تحسيناً اه ع ش على م ر . قوله : ( ويبيض الأسنان ) أي يزيد في بياضها إذا كانت بيضاء . قوله : ( ويبطىء الشيب ) فيه أن أبطأ لازم فلا يتعدى للمفعول ، وعلى هذا فالشيب منصوب بنزع الخافض وهو على تقدير الباء عملاً بقوله :
وعدّ لازماً بحرف جر
وفي بعض النسخ يبطىء بالشيب وهي ظاهرة . قوله : ( ويصفي الخلق ) في نسخة الخلقة وهي الصواب ولذا عبر بها م ر وعبارته : ويصفي الخلقة . قال ع ش : أي لون البدن اه .(1/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
فائدة : من فوائد السواك رضا الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن ، ودخول الجنان ، وإدامته تورث السعة والغنى وتيسر الرزق وتطيب الفم وتسكن الصداع وتذهب جميع ما في الرأس من الأذى والبلغم وتقوي الأسنان وتجلي البصر وتزيد الرجل فصاحة وحفظاً وعقلاً وتطهر القلب وتزيد في الحسنات وتفرح الملائكة وتصافحه لنور وجهه ، وتشيعه إذا خرج للصلاة ، ويعطى الكتاب باليمين ، وتذهب الجذام ، وتنمي المال والأولاد ، وتؤانس الإنسان في قبره ويأتيه ملك الموت عليه السلام عند قبض روحه في صورة حسنة اه ذكره الزاهد .
قوله : ( ويسنّ التخليل ) أي تخليل الأسنان أي إزالة ما بينها بالخلال من أثر طعام أو غيره وهو أمان من تسويسها .
فصل في الوضوء
أي في فروضه وسننه بالنظر لكلام المتن ، وزاد الشارح أربعة وهي حقيقة الوضوء ، وبيان وقت وجوبه ، وبيان موجبه ، وبيان شروطه ، وحينئذ فالترجمة شاملة لأمور ستة . والوضوء اسم مصدر سواء كان فعله توضأ أو وضؤ بضم الضاد ، لأن الأول مصدره التوضؤ كتجمل تجملاً ، والثاني مصدره الوضاءة كما قال ابن مالك :
فعولة فعالة لفعلا
قاله ح ف . وهو غير ظاهر لأنه إذا كان مصدر وضؤ يكون مصدراً سماعياً لزيادته عن فعله . وهو من الشرائع القديمة ويدل له حديث : ( هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ) والخاص بهذه الأمة الغرّة والتحجيل ، وانظر هل الغرّة والتحجيل علامة يوم القيامة لمن توضأ بالفعل أو لا ، بل علامة مميزة لهذه الأمة عن غيرها وإن لم يوجد منها وضوء . قال شيخ الإسلام في شرح البخاري إنه خاص بمن توضأ بالفعل . ونقل عن الزناتي المالكي شارح البخاري أنه قال : هذه المنقبة علامة لهذه الأمة تميزها عن غيرها توضأت أو لا تشريفاً له عليه الصلاة والسلام ، وعلى قول شيخ الإسلام إذا وضأه الغاسل بعد موته هل يقال إنه توضأ بالفعل أو لا ؟ محل نظر . ولا يبعد ، نعم خصوصاً إذا عوّلنا على سعة الفضل اه ا ج . وقدم الوضوء على الغسل لأنه كالجزء منه وأخر التيمم عنهما لأنه بدل عنهما .
قوله : ( وهو ) أي الوضوء من حيث مادته أي هذه الحروف أعني حروف الوضوء تارة(1/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
تكون بضم الواو ، وتارة تكون بفتحها ، ولا يصح أن يقال وهو أي الوضوء بضم الواو بمعنى الفعل لمنافاة . قوله بعد وبفتحها له ولا أن يقال وهو أي الوضوء بمعنى اسم الآلة لمنافاة قوله : ( بضم الواو ) له . قوله : ( وهو استعمال الماء الخ ) مقصوده تفسير الفعل مع قطع النظر عن المعنى اللغوي والشرعي ، فليس مكرراً مع قوله الآتي وأما في الشرع الخ اه . شيخنا . قوله : ( وبفتحها ) ولا خصوصية للوضوء بهذه ، بل هي جارية فيما كان على وزن فعول نحو طهور وسحور اه ع ش . قوله : ( الذي يتوضأ به ) أي يهيأ للوضوء لا كالبحر . قوله : ( وهو ) أي لغة الخ . قوله : ( والضياء من ظلمة الخ ) كأنه ضمنه معنى الخلوص من ظلمة الذنوب أو من ظلمة الأمر الاعتباري الذي يقوم بأعضائه لأنه ظلمة تزول بالوضوء فعداه بمن كما يشاهده بعض أهل البصائر . قوله : ( الذنوب ) أي الصغائر لأنها التي يكفرها الوضوء . قوله : ( أفعال مخصوصة ) هذا التعريف لا يشمل الترتيب ، فالأولى أن يزيد في التعريف على وجه مخصوص وهو الترتيب . وأجيب : بأن قوله أفعال مخصوصة أي ذاتاً أو صفة وهي تقديم بعضها على بعض فيدخل الترتيب ح ف . قوله : ( وهو تعبدي ) ضعيف والمعتمد أنه معقول المعنى لأن الصلاة مناجاة للرب تعالى فطلب التنظيف لأجلها .
وإنما اختص الرأس بالمسح لستره غالباً . فاكتفى فيه بأدنى طهارة ، وخصت الأعضاء الأربعة بذلك لأنها محل اكتساب الخطايا ، أو لأن آدم مشى إلى الشجرة برجليه وتناول منها بيده وأكل منها بفمه ومس رأسه ورقها ، والتعبدي أفضل من معقول المعنى لأن الامتثال فيه أشد . وعبارة ابن حجر في الفتاوى الحديثية سئل هل التعبدي أفضل أو معقول المعنى . فأجاب بقوله : كلام العز بن عبد السلام أن التعبدي أفضل لأنه لمحض الانقياد بخلاف ما ظهرت علته فإن ملابسه قد يفعله لأجل تحصيل علته وفائدته .
قوله : ( مع وجوب الصلوات الخمس ) ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ، وقيل بستة عشر شهراً ، وفرض أولاً لكل صلاة ثم نسخ يوم الخندق إِلا مع الحدث ، والصلاة التي كان يصليها قبل فرض الوضوء هل كان يتوضأ لها أو لا ؟ وعلى الأول هل كان مندوباً أو مباحاً أو غير ذلك ؟ والظاهر الثاني ويدل له قولهم هنا فرض ليلة الإسراء ولم يقولوا شرع . قوله : ( وفي موجبه ) بكسر الجيم أي سببه . قوله : ( أوجه ) لو قال أقوال لكان أولى ، لأن الأقوال لغير المجتهد ، والأوجه للمجتهد اجتهاد مذهب ، والمعتمد أن موجبه الحدث والانقطاع شرط لصحته والقيام إلى الصلاة لفوريته ، وعليه يحمل كلام الشارح .(1/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
قوله : ( القيام إلى الصلاة ) ولو حكماً ليدخل ما إذا دخل وقت الصلاة ولم يفعلها . قوله : ( ثالثها هما ) أي الحدث والقيام لنحو الصلاة ، ويشترط مع ذلك الانقطاع فموجبه مجموع أمرين الحدث بشرط الانقطاع والقيام إلى الصلاة . قوله : ( فشروطه ) هي اثنا عشر في السليم ، ويزيد السلس بثلاثة أخر فشروط وضوء السلس خمسة عشر . قوله : ( وكذا الغسل ) بالجر بتقدير مضاف محذوف أي : وكذا شروط الغسل وبالرفع على أنه مبتدأ خبره ما قبله وماء مطلق مع ما عطف عليه خبر الأول أي فشروطه ماء مطلق الخ والغسل كذلك . قوله : ( ماء مطلق ) أي عند عدم الاشتباه . قوله : ( ومعرفة أنه مطلق ولو ظناً ) هذا إنما هو شرط عند الاشتباه لا مطلقاً فإنه إذا لم يكن اشتباه يكفي استصحاب الإطلاق ولا يشترط ظنه اه م د . ومراده بالمعرفة ما يشمل الظن بدليل جعله غاية . قوله : ( وعدم الحائل ) كدهن جامد . أما المائع فإنه لا يمنع مس الماء للعضو وإن لم يثبت عليه ، ومثله شوكة لو أزيلت لم يلتئم محلها وغبار على عضو لا عرق متجمد عليه . وقول القفال : تراكم الوسخ على العضو لا يمنع صحة الوضوء ، ولا النقض بلمسه يتعين فرضه فيما إذا صار جزءاً من البدن ، إذ لا يمكن فصله عنه ، والمراد بصيرورته كالجزء أن لا يتميز في رأي العين ، ومنه وسخ تحت الأظافر قلّ أو كثر لمنعه وصول الماء وقشف ميت متراكم ورمص في العين وليس منه طبوع عسر زواله فيعفى عنه على المعتمد ق ل .
نكتة : قال الإسنوي : يتصوّر صحة الوضوء والغسل وعلى بدنه شيء لاصق به يمنع وصول الماء إليه يقدر على إزالته ولا تجب عليه الإعادة . وصورته في الوسخ الذي نشأ من بدنه وهو العرق الذي يتجمد عليه ، فإنه لا يضر بخلاف الذي ينشأ من الغبار كذا ذكره البغوي في فتاويه وهو متجه ، ولا يضر لون صبغ وجناء ولا دهن لا جرم له كشيرج ق ل .
قوله : ( ونحوها ) كالغسل لدخول مكة لغير حاج ومعتمر وكغسل العيدين . قوله : ( ومس ذكر ) لو قال فرج لكان أعم . قوله : ( بدوام النية ) أي حكماً . قوله : ( وإسلام ) مراده شروط الغسل الذي هو عبادة كاملة ، فلا يرد غسل الذمية لتحل لحليلها . وقوله : ( وتمييز ) يستثني غير(1/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
المميز إذا وضأه وليه في الحج مثلاً . قوله : ( ومعرفة كيفية الوضوء ) أي بأن لا يقصد بفرض معين نفلاً شرح م ر . وقد يقال هذا قدر زائد على معرفتها لأن الإنسان قد يعرف الكيفية من حيث الصورة اه م د . وقال بعضهم : الظاهر أن المراد بها هيئة الحاصلة من اجتماع الأركان والشروط ، لأن هيئة الشيء صفته فصفة الوضوء استعمال الماء في الوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين ، لا أن لا يقصد بفرض سنة إذ هذا زائد على معرفة الكيفية ، وإن كان لا بد منه أيضاً فتفسير الهيئة به في كلام بعضهم تفسير مراد .
وحاصله : أنه لا بد أن يميز فرائضه من سننه أو يعتقد أن فيه فرضاً وسنة وإن لم يميز أحدهما عن الآخر ، أو يعتقد أن أفعاله كلها فروض هذا كله صحيح ؛ والمضر أن يعتقد أن فيه فروضاً وسنناً ، ويعتقد أن الفرض سنة وهذا تفصيل في حق العامي . أما العالم فلا بد فيه من التمييز . قوله : ( وأن يغسل الخ ) في عده شرطاً نظر ، بل هو فرض لأنه من باب ما لا يتم الواجب إِلا به فهو واجب . وعبارة م د قوله : وأن يغسل مع المغسول جزءاً الخ . رده م ر بأنه بالركن أشبه ، وكذا قوله : وتحقق المقتضي الخ بأنه ليس شرطاً بل عند التبين أي كما سيأتي في كلامه ، وكذا قوله : وأن يغسل مع المغسول ما هو مشتبه به رده أيضاً بأنه الركن أشبه اه . قوله : ( وتحقق المقتضي الخ ) في كونه شرطاً نظر للحكم بصحة الوضوء حال الشك ، وتبين بطلانه عند تبين أنه كان محدثاً لا يقتضي أن حصول التحقق عند الوضوء شرط ، فلو أبدلوا هذا بأن يقولوا : ووجود المقتضي لكان أنسب . وقوله : ( فلو شك ) الخ . أي فهو متيقن للطهارة وشاك في الحدث ، ومن هو كذلك لا يلزمه الوضوء فوضوؤه للاحتياط وسيأتي وضوح هذه المسألة في قوله : ولو توضأ الشاك الخ . قوله : ( لم يصح ) أي إذا تبين أنه كان محدثاً في نفس الأمر ، وإن لم يتبين ذلك صح وضوؤه ويكون للاحتياط . قوله : ( واشتبه الأصلي بالزائد ) ويعرف الأصلي من الزائد بأن يولد بهما أو يولد بواحد ثم يخلق له آخر بعد ولادته ، فما ولد به كل منهما أصلي وما حدث بعد الولادة هو الزائد ، وتارة يشتبه بالأصلي ، وتارة لا فتأمل ، وراجع . وفي ع ش على م ر ما نصه : ويكتفي بالنية عند غسل جزء من أحدهما إن كانا أصليين وعند غسل جزء من كل واحد منهما إن اشتبه الزائد بالأصلي ، وينبغي أن يكتفي في غسل وجهيه في صورة ما لو اشتبها بماء واحد حتى لو غسل أحد الوجهين بماء ، ثم غسل به الثاني اكتفى به لأنه إن كان الأصلي هو الأول ، فالثاني باعتبار نفس الأمر لا يجب غسله فلا يضر كون غسله بمستعمل ، وإن كان الأصلي هو الثاني فغسل الأول لم يرفع حدثاً لانتفاء(1/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
الأصالة عن المغسول ، فإذا غسل به الثاني ارتفع حدثه ، ويحتمل عدم الاكتفاء بذلك لأنه لما وجب غسل كل نزلة منزلة الأصلي اه بحروفه .
قوله : ( حيث احتيج إليه ) حيثية تقييد لأنه قيد في التحفظ ، ويصح رجوعه للاستنجاء أيضاً فإنه لا يحتاج إليه إذا كان حدثه الدائم ريحاً إذ لا استنجاء منه . قوله : ( وبين الوضوء ) وكذا بين الوضوء والصلاة أيضاً ، وهذا في سلس نحو البول كالمذي أما سلس الريح ، فالواجب عليه الموالاة بين أفعال الوضوء ، وبين الصلاة لا بين الاستنجاء وبين الوضوء سم . قوله : ( وفروض الوضوء ) أي ولو كان الوضوء مندوباً أي أركانه ، إذ الفرض والركن بمعنى واحد وآثر الفرض هنا وفي الصلاة الأركان لعله لما امتنع تفريق أفعال الصلاة كانت كحقيقة واحدة مركبة من أجزاء ، فناسب عدّ أجزائها أركاناً بخلاف الوضوء لأن كل فعل منه كغسل الوجه مستقل بنفسه ، ويجوز تفريق أفعاله فلا تركيب فيه . قوله : ( إِلا في بعض أحكام الحج ) يوهم أن بعض أحكام الحج يتحد فيه الفرض ، والواجب مع أنه ليس كذلك بل الفرض مطلقاً هناك خلاف الواجب فالأولى حذف بعض . قوله : ( ستة ) أربعة بنص القرآن واثنان بالسنة وهما النية والترتيب ، وعدها ستة عندنا خلافاً للسادة الحنفية والمالكية ، ولم يعدوا الماء ركناً هنا مع عدّ التراب ركناً في التيمم لأن الماء غير خاص بالوضوء بخلاف التراب فإنه خاص بالتيمم . ولا يرد عليه النجاسة المغلظة لأنه غير مطهر فيها وحده بل الماء بشرط امتزاجه بالتراب على أن بعضهم قال : إنه لا يحسن عد التراب ركناً لأن الآلة جسم والفعل عرض ، فكيف يكون الجسم جزءاً من العرض شرح م ر . وأجيب : بأن الركن استعماله لا ذاته فإن متعلق الأحكام إنما هو فعل المكلف لا الأعيان .
قوله : ( خبر فروض ) فإن قيل : دلالة العام كلية محكوم فيها على كل فرد فرد مطابقة وهو فاسد لأنه يقتضي انقسام كل واحد إلى ستة خصوصاً ، وقد قيل إن أفراد الجمع جموع فيجتمع ستة وثلاثون . يقال في الجواب : إن القاعدة أغلبية أو أن محل ذلك ما لم تقم قرينة على إرادة(1/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
المجموع كما في قولهم : رجال البلد يحملون الصخرة العظيمة أي مجموعهم لا كل فرد فرد ، وكلام المصنف كغيره هنا من هذا القبيل م ر .
قوله : ( طهارة ضرورة ) أي فلا يقاس غيرها عليها ، والأولى أن يراد بكونها طهارة ضرورة أنها تحتاج للتقوية فجعلنا التراب ركناً تقوية لطهارة الضرورة ، وقد يقال : كونها طهارة ضرورة أو غير ضرورة لا دخل له في الركنية وعدمها ، فالأولى الفرق بأن الماء لما كان غير خاص بطهارة الحدث لم يعدّ ركناً بخلاف التراب . اه سم . قوله : ( لرفع حدث ) اللام زائدة للتقوية أي نية رفع حدث أو ما في معنى ذلك كنية الطهارة عنه أوله أو لأجله ، والمراد بالحدث هنا السبب بدليل تقدير المضاف في قوله أي رفع حكمه . ولو أراد المعنيين الآخرين لم يحتج إلى تقدير مضاف ، وأيضاً قوله كأن بال ولم يتم يدل على أن المراد بالحدث هنا أحد الأسباب لا الأمر الاعتباري ، ولا المنع المترتب عليه ، فإذا قال : نويت رفع الحدث ، فالمراد رفع حكمه وإن لم يلاحظ هذا المعنى ، فلو أراد بالحدث نفس السبب من حيث ذاته لم يصح وضوؤه لأن الواقع لا يرتفع ح ل وع ش بالمعنى .
وحاصل ما ذكره الشارح من صور النية سبعة : نية الرفع ، ونية الاستباحة ، ونية الطهارة عن الحدث ونية أداء فرض الوضوء ، ونية الوضوء فقط ، ونية أداء الوضوء ، ونية فرض الوضوء . قوله : ( لأن الواقع ) وهو السبب المترتب عليه المنع . قوله : ( وذلك ) أي الحكم قوله ( كحرمة الصلاة ) أو غيرها كالطواف كما أشار إليه بالكاف . قوله : ( ولو لماسح الخف ) غاية في رفع الحدث إشارة إلى أن المسح رافع لا مبيح فأتى به لدفع أنه كالتيمم مبيح لا رافع . قوله : ( لأن القصد الخ ) تعليل لمحذوف أي : وإنما اكتفى بنية رفع الحدث لأن القصد أي المقصود من الوضوء وهو جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف صح الوضوء بهذه النية ، مع أنه ليس فيها تعرض له أي للوضوء . وقال شيخنا ح ف : لما كان الظاهر أن الذي ينوي هو الوضوء فيتوهم أن نية الرفع لا تكفي دفع ذلك بهذا التعليل . ومحصله أن نية الرفع تشتمل على المقصود من الوضوء ، فإذا نوى الرفع فقد نوى الوضوء من حيث المقصود منه . قوله : ( فإذا نواه ) أي رفع الحدث . وقول المدابغي أي رفع الحكم فيه نظر ، إذ لا يناسب قول الشارح بعد كأن بال الخ . وقوله : ( تعرض للمقصود ) أي وهو رفع مانع الصلاة .
قوله : ( فقد تعرض للمقصود ) ظاهره أنه لا يجب عليه حينئذ ملاحظة استعمال الماء في أعضاء مخصوصة ، بخلاف ما لو قال : نويت الوضوء أو فرض الوضوء . قوله : ( كأن بال ولم(1/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
ينم ) تمثيله بما يتأتى ليس قيداً حتى لو نوى ما لا يتأتى منه كنية رفع حدث الحيض في حق الرجل غالطاً فإنه يصح .
واستشكل بأن الغلط يستدعي شغل الفكر بمعهود ، وهذا ليس بمعهود في حق الرجل . وأجيب : بما إذا كان خنثى واتضح بالذكورة ، فأراد رفع حدث البول فسبق فكره لحدث الحيض . قوله : ( حدث النوم ) الإضافة بيانية . قوله : ( فالأول كالغلط من الصوم إلى الصلاة ) فإن الصوم يشترط قصده ففيه التعرض جملة بكونه صوماً وتفصيلاً بكونه عن رمضان أو نذراً أو قضاء . فإذا أخطأ منه لغيره ضر ومثله الصلاة . قوله : ( وعكسه الخ ) أي فإن الصلاة يجب التعرض لها جملة من حيث كونها ظهراً أو عصراً فرضاً أو نفلاً . وقوله : ( كالغلط من الصوم ) فيه مسامحة لأن الغلط ليس مثالاً للأول ، فالأولى أن يقول كالصوم إذا غلط منه للصلاة . وقوله : ( كالغلط في تعيين الإمام ) فإن القدوة يعتبر التعرض لها من غير نظر للمقتدى به فلا يعتبر تعيينه ، لكن لو عينه وأخطأ أضر حيث لا إشارة لربطه صلاته بغير الإمام . قوله أيضاً : ( في تعيين الإمام ) مصدر مضاف لمفعوله أي في تعيين المأموم الإمام كأن نوى الاقتداء بزيد فبان عمراً . قوله : ( كالخطأ هنا ) أي في الحدث لأن الحدث لا يجب التعرض له لا جملة ولا تفصيلاً بكونه حدث بول أو نوم لأنه يكفي نويت فرض الوضوء . قوله : ( وفي تعيين المأموم ) مضاف لمفعوله أيضاً أي تعيين الإمام المأمومين أي فلا يجب على الإمام التعرض للمأمومين لا إجمالاً ولا تفصيلاً ، فلو عين المأموين وتبين خلاف ما عينه لا يضر . وقوله : ( حيث ) هذه حيثية تقييد . وقوله : ( كإمام الجمعة ) بأن قال : نويت أصلي بأهل سعد ، فتبين أنهم أهل حرام ، فإنه يضر الغلط فيه . ومثل الجمعة المعادة والمجموعة بالمطر جمع تقديم والمنذور جماعتها ، ولكن تصح فرادى مع الحرمة .
قوله : ( إنما الأعمال ) أي صحتها . وقال أبو حنيفة : أي كمالها فتصح عنده الوسائل بغير نية كالوضوء والغسل والجواب من الشافعية أن تقدير الصحة أقرب إلى نفي الذات من نفي الكمال لأن ما انتفت صحته لا يعتد به شرعاً ، فكأن ذاته بخلاف ما انتفى كماله فيعتد به شرعاً ، فكانت ذاته موجودة ع ش على م ر . مع زيادة . وانظر لم ترك الشارح الاستدلال بالآية وهي(1/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
قوله تعالى : ) مخلصين له الدين } ) الأعراف : 29 ويوسف : 22 وغيرهما ) مع أنها تدل على وجوب النية ، والحديث إنما يدل عليه بالتقدير كما علمت فهي حينئذ أحرى معنى فتأمل ولعله ترك الاستدلال بها لكونها ليست نصاً في وجوب النية ، وخروج بعض الأعمال عن اعتبار النية فيه إما بدليل آخر كالعتق والوقف ، فهو من باب تخصيص العموم أو استحالة ونحوها وكمعرفة الله تعالى ، لأنها لو توقفت على النية مع أن النية قصد المنوي بالقلب ولا يقصد إِلا ما يعرف ، فيلزم أن يكون الإنسان عارفاً بالله تعالى قبل معرفته له فيكون عارفاً به غير عارف به في حالة واحدة . وهذا يقتضي أن معرفة الله تعالى لا ثواب فيها لأن الثواب يتبع النية ، وقد صرح بذلك القرافي ، وإنما لم يشترط النية في إزالة الخبث لأنه من قبيل التروك كالزنا ، فتارك الزنا من حيث إسقاط العقاب لا يحتاجها ومن حيث تحصيل الثواب على الترك يحتاجها ، وكذا إزالة الخبث لا يحتاج فيه إليها من حيث التطهر ، ويحتاجها من حيث الثواب على امتثال أمر الشارع . وآثر ذكر الأعمال على ذكر الأفعال لأن لفظ العمل أخص من لفظ الفعل ، لأن الفعل ينسب للبهائم والجمادات كما ينسب إلى ذوي العقول ، بخلاف العمل لأنه يعتبر فيه القصد حتى قال بعض الأدباء : قلت لفظ العمل لفظ العلم تنبيهاً على أنه من مقتضاه ولم يستعمل العمل في الحيوان إِلا في قولهم البقر والإبل العوامل . وأما الصنع فهو أخص من العمل لأنه لا يقال إِلا لما كان من الإنسان بقصد واختيار بعد ذكر وتحرّ . قوله : ( بالنيات ) جمع نية بتشديد الياء من نوى بمعنى قصد ، والأصل نوية قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء وتخفيفها لغة من ونى يني إذا أبطأ لأنه يحتاج في تصحيحها إلى نوع إبطاء ، وأل بدل عن الضمير أي بنيانها فيدل على اعتبار نية العمل من الصلاة وغيرها .
قوله : ( بفعله ) أي الشيء فإن تراخى أي الفعل عنه أي عن القصد كما قرره شيخنا والمراد بقوله مقترناً بفعله أي بأول فعله ، أو المراد بجميع أفعاله لكن اقترانها بالأول حقيقة وبما سواه حكماً . وفي قوله بفعله إضافة الشيء لنفسه لأن الهاء عائدة للشيء وهو فعل أيضاً . وأجيب : بأن الفعل المضاف بالمعنى المصدري والفعل المضاف إليه بالمعنى الحاصل بالمصدر واعتبار الاقتران في تعريف النية مشكل لتحققها بدونه في الصوم ، اللهم إلا أن يكون هذا رسماً اعتبر فيه لازم غالبي ، وإن كان قوله حقيقتها لا يناسب ذلك ، أو يلتزم أن السابق في الصوم ليس بنية بل هو عزم اكتفى به للضرورة سم على البهجة ع ش على م ر مع زيادة . قوله : ( وحكمها الوجوب ) أي غالباً ، وإِلا فقد تكون مندوبة كما في غسل الميت .(1/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
قوله : ( ومحلها القلب ) نعم يسن التلفظ بها في جميع الأبواب خروجاً من خلاف من أوجبه كما في ع ش على م ر ليساعد اللسان القلب .
فائدة : في الزرقاني على المواهب ما نصه : وذكر ابن العماد في كشف الأسرار أن للقلب أذنين يسمع بهما كما أن في الرأس أذنين وللقلب عينين ، كما أن للبدن عينين قاله الراغب ، وذكر الإمام البوصيري نفعنا الله تعالى به في شرحه على بردته عند قوله :
فما لعينيك إن قلت أكففا همتا
الخ ما نصه : ويقال إن العينين لا يبكيان حتى يأتي ملك من الله فيمسح القلب بجناحه فتبكي عينا قلبه فيظهر ذلك في عيني رأسه . قوله : ( رتبها ) أي العبادات . قوله : ( تكون للفرض تارة الخ ) لو قال تكون تارة فرضاً وتارة نفلاً لكان أحسن اه ق ل . قوله : ( إسلام الناوي ) أي إن كانت للتقرب فإن كانت للتمييز صحت من الكافر كنية الذمية الغسل من الحيض كما مر . قوله : ( وتمييزه ) إن كان هو الناوي فلا يرد وضوء الولي لغير المميز في الحج ليطوف به ، ولا الزوج في غسل المجنونة من الحيض . قوله : ( أو أطلق ) بخلاف الطلاق فإنه إن قصد التبرك أو أطلق وقع أو التعليق فلا أي فاحتاطوا في البابين وانظر ما الفرق بين الطلاق والعبادة .
قوله : ( أول الفروض ) لو قال أول العبادات لكان أعم وأولى . قوله : ( وإنما لم يوجبوا المقارنة ) بل لم يجوزوها كما يأتي . قوله : ( لعسر الخ ) هذا يقتضي أنه لو تكلف وراعى طلوع الفجر وقارنه صح ذلك ، وليس مراداً بل لا بد من التقديم . وعبارة سم ، فإن قلت : هلا جوّزوا المقارنة ؟ قلت : لم يجوّزوها لأنها تصيرها مظنة للخطأ بالتأخير فأوجبوا التقديم للاحتياط اه . قوله : ( تختلف بحسب الأبواب ) وبيانه أن كيفيتها في الوضوء استحضار غسل الأعضاء وقصد غسلها عند مماسة الماء لأول جزء منها . وفي الصلاة استحضار سورتها وأركانها وهيئاتها وقصد إيقاع ذلك عند أول جزء منها وهو تكبيرة الإحرام فكيفيتها في الأول غيرها في الثاني . قوله : ( أو نية استباحة الخ ) قرر الزيادي أنه لا بد من أن يكون ذلك المفتقر إلى الوضوء مما(1/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
يصح أن يستبيحه الناوي فلا تصح نية المرأة استباحة خطبة الجمعة وهو ظاهر . قوله : ( مفتقر إلى وضوء ) أي فرد من أفراد ما يفتقر إلى وضوء في نفسه وإن لم يفتقر إليه الناوي فيصح نية صبي استباحة مس المصحف ما لم يقصد لحاجة تعلمه لعدم افتقاره لهذا القيد ، ويصح الوضوء بهذه الصيغة أي الكلية بأن ينوي استباحة مفتقر إلى وضوء أيضاً اه ق ل على الجلال . قوله : ( كالصلاة الخ ) كأن قال نويت استباحة الصلاة أو مس المصحف . قال شيخنا : كابن حجر ، وظاهره أنه لو قال : نويت استباحة مفتقر إلى وضوء أجزأه وإن لم يخطر بباله شيء من مفرداته وكون نيته حينئذ تصدق بنية واحد مبهم مما يفتقر له لا يضر ، لأنه مع ذلك متضمن لنية رفع الحدث ، وشمل ذلك ما لو نوى بوضوئه ما لا يتأتى له فعله حالاً كالطواف وهو بمصر مثلاً أو صلاة العيد في نحو رجب ما لم يقيده بأن يقول في هذا الوقت ، وإِلا فلا يصح لتلاعبه ويؤخذ منه أنه لو كان من المتصرفين بحيث يقدر على الوصول إلى مكة في الوقت الذي عينه الصحة وهو ظاهر ، وأما لو كان عاجزاً وقت النية ثم عرضت له القدرة بعد بأن صار متصرفاً أو اتفق له من يوصله لم يصح لفساد النية عند الإتيان بها وما وقع باطلاً لا ينقلب صحيحاً . وشمل أيضاً ما لو نوى أن يصلي به الظهر ولا يصلي به غيرها وهو كذلك ، بخلاف ما لو نوى به رفع حدث بالنسبة لصلاة دون غيرها فإنه لا يصح وضوؤه قولاً واحداً لأنه حدثه لا يتجزأ إذا بقي بعضه بقي كله وهو المعتمد شرح م ر .
قوله : ( غاية القصد ) أي المقصود وذلك لأنه تقدم أن نية رفع الحدث فيها تعرض للمقصود من نية الوضوء ونية الاستباحة غاية نية الرفع ونهايتها ، فهي نهاية المقصود ، ففي المقام مقصود وغاية فنية الرفع فيها تعرض للمقصود والغاية نية الاستباحة . قوله : ( أو أداء فرض الوضوء ) وتدخل السنن تبعاً . قوله : ( وإن كان المتوضىء صبياً ) لأن المراد بالفرض ما لا بد منه والوضوء لا بد منه لنحو الصلاة ولو من الصبي ، ومحله إذا أراد بالفرض ما ذكر أو الفرض على المكلف أو أطلق فإن أراد الفرض عليه بمعنى أنه مخاطب به فلا تصح نيته لتلاعبه . قال م ر : وإنما صح يعني فرض الوضوء قبل الوقت مع أنه لا وضوء عليه لكون المراد به فعل الطهارة عن الحدث المشروط للصلاة ، وشرط الشيء يسمى فرضاً ، وأيضاً فهو باعتبار ما يطرأ . أَلا ترى أن ناوي رفع الحدث عند غسل الوجه يكفي منه ذلك مع أن حدثه لم يرتفع ذلك الوقت . قوله : ( من الأمور السابقة ) أي نية الاستباحة وما معها من نية رفع الحدث وغيرها . قوله : ( في الوضوء غير المجدد ) أي وغير وضوء دائم الحدث أخذاً من كلامه بعد .(1/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
قوله : ( أما المجدد ) فيه إظهار في مقام الإضمار لأجل زيادة التقرير والتوضيح . قوله : ( فالقياس ) معتمد أي على وضوء صاحب الضرورة ، لكن فيه أنه لا يتم هذا إِلا بالنظر للنية الأولى ، أما الثانية وهي نية الاستباحة فإنها لا تمتنع في وضوء صاحب الضرورة . قوله : ( أو الاستباحة ) أو الطهارة عن الحدث فيقتصر على نية الوضوء أو فرض الوضوء أو يريد به الفرض من حيث هو بقطع النظر عنه أو الفرض الصوري ، ولا تصح إن أراد أنه فرض عليه ، فإن قصد بنيته رفع الحدث أو الاستباحة ما هو على صورة الرافع أو المبيح صحت نيته ، ومثل الوضوء المجدد وضوء الجنب إذا تجردت جنابته عن الحدث الأصغر .
قوله : ( كالصلاة المعادة ) أي من جهة أنه ينوي فيها الفرضية مع كونها غير فرض ، فالجامع بينهما أن في كل منهما نية ما ليس على الناوي لأنه في المعادة نوى الفرضية وليست عليه ، وفي الوضوء المجدد نوى رفع الحدث أو الاستباحة ولا يجب عليه نيتهما لأنه لا حدث عليه ، ويستبيح الصلاة بدون هذه النية ، والمناسب للقياس على الصلاة المعادة في النية أن يقيس نية الفرضية في الوضوء المجدد على الصلاة المعادة في النية لا أن يقيس نية الرفع أو الاستباحة لأنهما غير موجودين في المعادة ، اللهم إِلا أن يقال يلزم من نية الرفع أو الاستباحة نية الفرضية . قوله : ( غير أن ذلك ) أي المقيس عليه وهو الصلاة المعادة أي الاكتفاء بنية الفرضية فيها خارج الخ ، فاسم الإشارة عائد على الصلاة المعادة ، لكن بهذا التقدير . وقوله : ( فلا يقاس عليه ) أي فلا يصح قياس الاكتفاء بنية الرفع أو الاستباحة هنا على الاكتفاء بنية الفرضية في المعادة لأن ما خرج عن القواعد لا يقاس عليه . وقوله : ( قال ابن العماد ) الخ هذا رد لكلام الإسنوي كما في م ر . وما زعمه المحشي من أن اسم الإشارة في قوله : غير أن ذلك راجع لقول الإسنوي ، ومن أن قول ابن العماد تأييد لكلام الأسنوي غفلة سببها توهم أن قوله غير أن ذلك الخ . ليس من كلام الإسنوي بل من كلام الشارح توركاً عليه وليس كذلك بل قوله غير أن ذلك الخ من كلام الإسنوي كما هو صريح في م ر وعبارته أما هو أي المجدد ، فالقياس عدم الاكتفاء فيه بنية الرفع أو الاستباحة كما اعتمده الوالد ، وإن ذهب الإسنوي إلى الاكتفاء بذلك كالصلاة المعادة قال : غير أن ذلك مشكل خارج عن القواعد فلا يقاس ، عليه وتعقبه ابن العماد بأن تخريجه على الصلاة ليس ببعيد اه بحروفه قرره شيخنا . قلت : ويمكن(1/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
أن يكون مراد المحشي أنه تأييد لصدر كلام الإسنوي ، وإن كان هو رداً لعجزه أعني قوله غير أن ذلك الخ . فالحاصل : أن ابن العماد يخالف الإسنوي في القياس ، ويوافقه في الحكم وابن العماد تلميذ الأسنوي .
قوله : ( مشكل ) ووجه الإشكال أن الطهارة وسيلة للصلاة ، والصلاة ولو نافلة مقصد ، والوسيلة لا تقاس على المقصد . وقوله : ( خارج عن القواعد ) في معنى التعليل لقوله مشكل ، فالخارج عن القواعد هو المقيس عليه لأنه نفل وهو لا يصح بنية الفرضية . قوله : ( وتخريجه ) أي قياس الاكتفاء بنية الرفع أو الاستباحة . قوله : ( على الصلاة ) أي على الاكتفاء بنية الفرضية في الصلاة المعادة . وقوله : ليس ببعيد يرد عليه كونه خارجاً عن القواعد كما قاله الإسنوي فمن ثم كان ضعيفاً . قوله : ( هل فرضه الأولى ) معتمد . قوله : فلا يطلق على غيرها ) أي العبادة . قوله : ( فإنه يطلق الخ ) لو قال فإنه يكون عادة لكان أولى فتأمل ق ل . قوله : ( وغيرهما ) كالتنظف والتبرد . قوله : ( ولو نوى ) أي مريد الوضوء فهو راجع لأصل الكلام لا للمجدد . قوله : ( الطهارة عن الحدث ) أو الطهارة الواجبة أو الطهارة للحدث ، أو لأجل الحدث أو أداء فرض الطهارة أو الطهارة للصلاة فهي ست صور اه م د . قوله : ( وعلله ) أي علل القول بعدم الصحة ، قوله : ( قد تكون الخ ) هذا يقتضي عدم صحة نية الطهارة للصلاة لصدقها بذلك ، ولكن المعتمد أن إضافتها للصلاة كافية لأن الطهارة عن الخبث لا تتوقف على نية ومثل ذلك في عدم الصحة ما لو نوى بوضوئه الصلاة على من لا تصح الصلاة عليه كالشهيد في المعركة أو أن يصلي به في الأوقات المكروهة صلاة لا سبب لها كما استوجهه سم في الصورتين . قال : والفرض أنه قصد تلك الصلاة التي لا سبب لها ، أما إذا نوى به الصلاة في الأوقات المكروهة في الجملة كالتي لها سبب ونحو القضاء فيصح اه وفي فتاوى م ر الصحة فيما لو نوى به الصلاة في الأوقات المكروهة صلاة لا سبب لها اه ا ج .
قوله : ( سلس بول ) بفتح اللام اسم للمرض نفسه ، وبكسرها اسم لصاحب المرض وهو(1/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
الشخص ، والمراد هنا الأول وهو من إضافة الصفة للموصوف أي بول سلس أي متتابع . قوله : ( كفاه نية الاستباحة المتقدمة ) أي استباحة مفتقر إلى وضوء اه ق ل . قوله : ( دون نية الرفع ) أو الطهارة عن الحدث ، ومحله إن نوى الرفع العام ، فإن نوى رفعاً خاصاً بالنسبة لفرض ونوافل فيصح زي . قوله : ( خروجاً من خلاف من أوجبه ) وهو الوجه الثالث عند نافي المسألة . وحاصله الاكتفاء بنية الاستباحة دون نية الرفع . ثانيها : الاكتفاء بكل منهما . ثالثها : لا يكتفي بواحدة منهما على انفرادها ، بل لا بد من الجمع بينهما ، وهذا الثالث هو الذي روعي اه م د . قوله : ( لكون نية الرفع للحدث السابق ) أي لرفع المنع المترتب على الحدث السابق على وقت النية لا أن الحدث ارتفع وخلفه حدث آخر ، وكذا نية الاستباحة ق ل على الجلال . قوله : ( أو نحوها ) كالطهارة عن الحدث . قوله : ( وبهذا ) أي بقوله لتكون نية الرفع الخ يندفع الخ . قوله : ( بين مبطل ) وهو نية الرفع وغيره وهو نية الاستباحة أي : فلا تصح هذه النية لتغليب المانع على المقتضي . والجواب ما قاله الشارح بقوله لتكون الخ . قوله : ( فيما يستبيحه ) أي فإن نوى استباحة فرض استباحه وما دونه أو استباحة الصلاة ، فالنفل وما في معناه أو الوضوء أو فرض الوضوء ، فكذلك أو استباحة مس المصحف أو حمله استباح ما عدا الصلاة ، وإنما ذكر دائم الحدث هنا مع أنه تقدم ذكره في قوله : ومن دام حدثه الخ . لأن ما تقدم في حكم نيته وهذا فيما يستبيحه بنيته كما أن المتيمم كذلك على ما سيأتي حكمه . قوله : ( من الصلوات ) ليس بقيد بل مثلها الطواف وخطبة الجمعة مثلاً .
قوله : ( الإضافة إلى الله ) المراد بالإضافة هنا النسبة . قوله : ( ولو توضأ الشاك الخ ) هذه المسألة تقدمت عند قوله وتحقق المقتضي وأعادها هنا لأجل التعليل ولأجل ذكر نظيرتها . قوله : ( بعد وضوئه ) ظرف للشاك . وقوله : ( في حدثه ) متعلق بالشاك وقوله : ( بعد وضوئه ) أي(1/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
المتيقن فهو متيقن للطهارة وشاك في الحدث فوضوؤه ليس واجباً عليه ، بل لو تركه وصلى أجزأه . قوله : ( فبان محدثاً ) فلو لم يتبين هل يكون تجديداً أو لا . وكذا إذا بان كونه متطهراً هل يكون تجديداً ، وهل يكون الماء الذي توضأ به مستعملاً نظراً للتردد أو لا ؟ حرر . والظاهر أنه يكون تجديداً وماؤه غير مستعمل . قوله : ( للتردد في النية ) أي لشكه في الحدث . قوله : ( بلا ضرورة ) أي بلا دوام ضرورة ، لأن الضرورة انقطعت بتبين حدثه . قوله : ( كما لو قضى فائتة ) لا يخفى أن كلاً من المشبه والمشبه به له حالتان . إحداهما أن يتحقق استقرار الصلاة في ذمته ويشك هل قضاها أو لا ؟ ويتحقق الحدث ويشك هل تطهر أو لا ؟ وفي هذه الحالة يجب عليه القضاء في الأولى والوضوء في الثانية ، وإذا انكشف الحال بأنها كانت عليه وأنه لم يكن متطهراً لم يؤثر ذلك ، والحالة الثانية أن يشك هل وجبت عليه الصلاة أم لا ؟ كما لو قام به مانع كجنون أو حيض انقطع ، ثم شك هل ذلك الانقطاع قبل خروج الوقت فوجبت الصلاة أو بعده فلم تجب فصلى احتياطاً ، ثم اتضح الانقطاع قبل خروج الوقت فلا تجزيه . ومثله هنا ما لو شك في الطهارة مع تيقنه صدورها منه ، لكن شك هل أحدث أو لا ، فتوضأ احتياطاً ثم اتضح له الحدث ؟ فإن الطهارة لا تكفيه فقد ذكر الشارح صورتي الطهارة ، واقتصر في المشبه به وهو الصلاة على الثانية . قوله : ( شاكاً في أنها عليه الخ ) أي بسبب أنه كان مجنوناً مثلاً ، وشك هل انقطع جنونه قبل الوقت فتجب أم بعده فلا .
قوله : ( يجزئه للضرورة ) فيه أنه لا ضرورة إليه مع استصحاب الطهارة بالوضوء الأول . وقال الأجهوري قوله : فإنه يجزئه للضرورة أي بأن كان محدثاً في نفس الأمر ، فإن كان متوضئاً فصلاته بالأول استصحاباً له ، لأن الثاني والحالة هذه لم يرفع حدثا . وقال بعضهم ، قوله : للضرورة انظر أيّ ضرورة في ذلك مع أن له الصلاة بالوضوء الأول ، إلا أن يقال المراد بها الحاجة وهي الاحتياط باعتبار بذله ما في وسعه . قوله : ( وجوباً ) مفعول مطلق أي وضوءاً واجباً . قوله : ( بل لو نوى الخ ) هذه مستثناة من عدم تعليق النية أو من التردد فيها ق ل . قوله : ( ومن نوى بوضوئه تبرداً الخ ) ولو طرأت نية التبرد أو التنظف في أثناء الوضوء ، فإن كان متذكراً(1/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
للنية صح وإلا فلا بخلاف نية الاغتراف إذا طرأت بعد غسل الوجه ، فإنها لا تكون صارفة على المعتمد لأنها لصيانة الماء عن الاستعمال اه ز ي . قوله : ( نوى الصلاة ودفع الغريم ) أي كما لو لاحظ حال تكبيرة الإحرام ما يجب التعرض له ولاحظ مع ذلك دفع الغريم عنه ، فملاحظته لذلك لا تضر مع النية المعتبرة . قوله : ( غفل ) بفتح الفاء من باب دخل كما في المختار ، وقول بعضهم إنه من باب نصر خطأ لمخالفته للمنقول ، لأن فعل اللازم قياس مصدره فعول عملاً بقول الخلاصة :
وفعل اللازم مثل قعدا
له فعول باطراد كغدا
قوله : ( ويلزمه إعادته ) أي إعادة ما قارن تلك النية الصارفة وما بعده بأن ينوي نية معتبرة من نيات الوضوء المعتبرة عند إعادة غسل ما ذكر اه ق ل . بخلاف نية الاغتراف إذا طرأت على نية الوضوء فإنها لا تضر وإن لم يستحضر معها نية الوضوء لأنها لإصلاح الماء . قوله : ( دون استئناف الطهارة ) أي إن كان في أثناء الطهارة ، أما إذا كان في ابتدائها فإنها لا تصح من أصلها .
قوله : ( تنبيه هذا ) أي ما ذكر في مسألة التشريك . قوله : ( وقد اختار الغزالي ) هو بتشديد الزاي المعجمة نسبة إلى الغزل ، لأن والده كان يكثر من غزل الصوف . وقال النووي : إنه بتخفيف الزاي نسبة إلى غزالة قرية من قرى طوس اه اج ملخصاً . قال الحافظ ابن حجر : وأما إذا نوى العبادة وخالطها بشيء مما يغير الإخلاص ، فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء فإن كان في ابتدائه فيها مخلصاً لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره اه . قوله : ( من أمر دنيوي ) أي غير الرياء أما هو فإنه محبط للثواب مطلقاً للحديث القدسي : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ) . والمراد بالقصد الدنيوي مثل نية التبرد والتنظف ونحو ذلك .
قوله : ( واختار ابن عبد السلام ) هذا من كلام الزركشي فقوله الآتي اه أي كلام(1/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
الزركشي ، وقضيته أنه جار على رأي ابن عبد السلام ، لكن الفرق بين كلاميهما أن ابن عبد السلام جازم ، والزركشي غير جازم بل مستظهر . قوله : ( وكلام الغزالي هو الظاهر ) وهو المعتمد كما اعتمده م ر في شرحه ، بل اعتمد بعضهم حصول الثواب في التساوي أيضاً اه ق ل . وقال ابن حجر : الأوجه أن قصد العبادة يثاب عليه بقدره ، وإن انضم إليه غيره مما عدا الرياء ونحوه مساوياً بل أو راجحاً اه ع ش . فعلى كلام ابن حجر يحصل ثواب مطلقاً في جميع الأحوال متى وجد قصد العبادة ولو مغلوباً فتأمل . قوله : ( أو غيره ) كأن مات وليس لنا صورة يبطل بها الوضوء بغير الحدث إلا هذه اج . وبخط الشنواني بهامش شروح الروض يصور غير الحدث بما إذا لم يوال بين أفعال الوضوء دائم الحدث ، وبما إذا ارتد نحو المستحاضة في أثناء الوضوء ، فقد جرى المصنف رحمه الله فيما سبق تبعاً لبحث الأسنوي على أن الردة تبطل وضوء نحو المستحاضة وهو المعتمد . وقال أيضاً ويجري التفصيل المذكور في غير الوضوء والصلاة كالصوم والحج اه بالحرف . لكن في التصوير الأخير أن الردة تحبط ثواب ما مضى مطلقاً اه قوله : ( لأنه ) أي الوضوء مراد لغيره وهو الصلاة . قوله : ( بخلاف الصلاة ) فإنها مقصودة لذاتها . قوله : ( التفصيل ) أي إن قطعه باختياره فلا ثواب له أو بغير اختياره أثيب ، وبهذا أفتى شيخه م ر في الوضوء . قال ق ل : والكلام فيما يتوقف على النية كغسل الوجه بخلاف الأذكار ونحوها فيثاب عليها مطلقاً أي سواء الوضوء والصلاة اه م ر . قوله : ( والصلاة ) أي والصوم أيضاً . قوله : ( التيمم ) أي وكذا وضوء صاحب الضرورة مرحومي ، ويستأنف كل من المتيمم وصاحب الضرورة إذا عاد للإسلام بخلاف ما بعده .
قوله : ( ولو نوى قطع الوضوء الخ ) وفارق بطلان الصلاة كلها لأنها لا تتبعض ، وفارق عدم بطلان الصوم لأنه من التروك وعدم بطلان النسك لأنه شديد التعلق ، ولذلك لا يخرج منه بفساده ويصح من غير المميز بخلاف الصلاة ق ل مع زيادة . وعبارة شرح م ر : ولو نوى قطع وضوئه انقطعت نيته فيعيدها للباقي وحيث بطل في أثنائه بحدث أو غيره أثيب على ما مضى إن بطل بغير اختياره ، وإِلا فلا . ويجري ذلك في الصلاة والصوم . قال ع ش عليه : وهل من قطعها ما لو عزم على الحدث ولم يوجد منه ؟ فيه نظر : وقياس ما صرحوا به في الصلاة من أنه(1/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
لو عزم على أن يأتي بمبطل كالعمل الكثير لم تبطل إِلا بالشروع فيه أنها لا تنقطع هنا بمجرد العزم المذكور ، فلا يحتاج لإعادة ما غسله بعد العزم اه . قوله : ( ما يندب له وضوء ) أي كأن نوى الوضوء لقراءة القرآن ونحوها بأن قصد أنه لا يأتي بالوضوء إِلا لأجل قراءة القرآن ، ولا يقاس أن نية الوضوء كافيه لرفع الحدث لأنه هنا علقها بما لا يتوقف على وضوء فضر ، يعني أن ربطها بالقراءة ونحوها من كل ما يندب له الوضوء صيرها معلقة عليه ، والتعليق بما لا يتوقف على الوضوء يبطله اه م ر . قوله : ( كقراءة القرآن أو الحديث ) كأن قال : نويت استباحة قراءة القرآن أو الحديث ، فإن ذلك لا يصح اه ميداني . قوله : ( أو الحديث ) هو وإن كان الوضوء له سنة كالقرآن لكنه لا ثواب في مجرد القراءة والسماع للحديث ، بل لا بد في حصول ذلك من قصد حفظ ألفاظه وتعلم أحكامه ، وكذا الصلاة على النبي واتصال السند على ما نقله ابن العماد عن الشيخ أبي إسحاق في شرح اللمع ، وردّ به على من قال بحصول الثواب مطلقاً بأنه لم يطلع على كلام الشيخ أبي إسحاق . واستظهر ابن حجر حصول الثواب مطلقاً لأن السماع لا يخلو عن فائدة ، ولو لم تكن إِلا عود بركته على القارىء والمستمع لكان ذلك كافياً ، وما استظهره ابن حجر يوافقه إطلاق الشارح وله وجه وجيه كما ذكره ع ش على م ر . وقوله : ( لا يثاب على الصلاة على النبي ) فيه نظر لأنها دعاء له من الله تعالى بالرحمة . قوله : ( ينبغي أنه يكفي ) معتمد . قوله : ( في الفتاوى ) أي فتاوى شيخه م ر . قوله : ( ولم أر من تعرض لها ) أي من المصنفين وما ذكره من التفصيل هو المعتمد ، وهو أنه إن نوى ما يندب له الوضوء وحده لم يصح أو مع ما يتوقف على الوضوء صح .
قوله : ( فروع ) أي ثلاثة . قوله : ( لو نوى الخ ) أي بأن قال هذا اللفظ ، وهو قوله نويت الوضوء لأصلي به ، ولا أصلي به ، بخلاف ما لو قال لا أصلي به الظهر ولا أصلي به العصر ، فإنه يصح وله أن يصلي به ما شاء من الصلوات ، بخلاف ما لو نوى رفع حدثه بالنسبة لصلاة دون غيرها فإنه لا يصح وضوؤه قولاً واحداً كما قال البغوي لأن حدثه لا يتجزأ إذا بقي بعضه بقي كله وهذا هو المعتمد اه شرح م ر . قوله : ( وكذا ) فرع ثان . قوله : ( بمكان نجس ) أي نجاسة غير معفو عنها بلا حائل . قوله : ( الثانية أو الثالثة ) أي في ظنه أو اعتقاده لا في الواقع بل(1/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
هذه هي الأولى لعدم تطهير العضو ، إذ لا يقال ثانية ولا ثالثة حتى تتم الأولى ، أو يقال ثانية وثالثة بحسب الصورة وإن كانت هي الأولى في نفس الأمر . قوله : ( بنية التنفل ) أي بقصد أنها ثانية أو ثالثة ، فتكون نافلة لا بقصد أنهما مكملان للأولى عند شكه في تعميم الماء للوجه ، فالمراد بالنية المعنى اللغوي وهو القصد . قوله : ( لنسيان له ) أي للأول أي بأنه توضأ أو اغتسل فأعاد الوضوء أو الغسل جازماً بأن هذا الوضوء أو الغسل الذي عليه ، ووجهه أنه في النسيان ناوٍ لرفع الحدث بخلافه في التجديد ، وتسمية هذا الوضوء مجدداً تجوّز لعدم تمام الأولى لبقاء اللمعة التي نسيها . قوله : ( لأنه ) أي تجديد الوضوء . قوله : ( ويجب ) أي من حيث الاعتداد لا أنه إذا غسل شيئاً قبل النية حرم عليه وعند بمعنى مع . قوله : ( أول غسل الخ ) أي ولو شعراً خارجاً عن حد الوجه أو باطن شعر كثيف لدخوله في حد الوجه ، بخلاف جوانب الرأس ، فلا يكفي قرن النية بها ، وإن وجب غسلها تبعاً أي للوجه خلافاً لما في حاشية ق ل من أنه لا يكفي قرنها بباطن الشعر الكثيف . قال ق ل : ويظهر أنه لو قص الشعر الذي نوى معه ولم يبق منه شيء أنه لا تجب نية عند الوجه أو الشعر الباقي فراجعه . وفي ع ش على م ر : ينبغي جواز اقتران النية بغسل شعر الوجه قبل غسل بشرته لأن غسله أصلي لا بدل له وفاقاً للرملي . أي وعليه فلو قطع الشعر قبل غسل الوجه لا يحتاج لتجديد النية أخذاً من العلة المذكورة اه . قال العلامة الشوبري على التحرير : وإنما اكتفي في النية بغسل جزء من الوجه ، ولم يكتف بمقارنتها لبعض التكبير عند م ر لأن الأولى يسمى غسلاً بخلاف الثاني ، فإن البعض لا يسمى تكبيراً اه . قوله : ( أي مغسول ) لو أبقي المتن على ظاهره لكان أولى لأن النية إنما تقترن بالفعل وهو الغسل لأنها قصد الشيء مقترناً بفعله ولا تقترن بالمغسول قرره شيخنا .
قوله : ( من أجزاء الوجه ) أي ما يسمى وجهاً فيخرج عنه ما لو اقترنت بما لا يتم الواجب إِلا به ع ش . قوله : ( بأوّل الفرض ) ولو جبيرة فينوي عند مسحها كأن عمت الجراحة وجهه ، أما إذا عمت الوجه ولا جبيرة ، فمحل النية عند غسل اليدين ويأتي ذلك في بقية الأعضاء ، وحينئذ تعبيرهم بالغسل جري على الغالب أو مرادهم بالغسل ما يشمله أو بدله وهو المسح . قال ق ل : وأل في الفرض للجنس أي بأول الفروض ولو عبر به لكان أولى . قوله : ( ولا بما(1/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
قبله ) أي ولم ينغسل من الوجه شيء بقرينة ما بعده . قوله : ( هذا ) أي عدم الاكتفاء بما قبل الوجه . قوله : ( قبل غسل شيء من الوجه ) بأن غفل عنها ولم يستحضرها بالفعل ، فقوله : فإن بقيت الخ . معناه بأن كان مستحضراً لها بالفعل وهو الاستحضار الذكري بضم الذال أي القلبي ، فلا بد من استصحابها من ابتداء غسل الكفين أي إذا نوى عندهما إلى غسل شيء من الوجه ، وبعد هذا يكفي الاستصحاب الحكمي بأن لا يصرفها عنه بنية قطع أو قصد تبرد أو نحوهما كتنظيف ، ومنه ما إذا توضأ على الفسقية في موضع ثم انتقل قبل غسل رجليه فغسلهما بقصد التنظيف فإنه صارف ، فلا بد أن يستحضر نية الوضوء والمراد من استصحابها إلى غسل الرجلين وجودها عنده أي حكماً . قوله : ( لم يحصل له ثوابها ) ظاهره حصول السنة بمعنى سقوط الطلب ، وذلك أنه لم ينف إِلا حصول الثواب وفيه نظر اه . وعبارة المرحومي لم يحصل له ثوابها بخلاف من نوى صوم نفل قبل الزوال حيث يثاب من أوله ، لأن الصوم خصلة واحدة لا تتبعض ، وأما الوضوء فأفعال متفاصلة . قوله : ( ولو اقترنت الخ ) ليس هذا إيضاحاً لما قبله لأن ما قبله مصور بما إذا لم يغسل مع المضمضة شيء من الوجه ، وهذا مصور بما إذا انغسل . وقوله : ( أجزأه ) أي الاقتران المفهوم من اقترنت قال ق ل : لو قال أجزأته لكان واضحاً . قوله : ( سواء أغسله بنية الوجه الخ ) الحاصل أن هنا أربع صور قصد الوجه فقط قصد المضمضة فقط قصدهما معاً أطلق ، فالنية يكتفي بها في الجميع ، وسنة المضمضة تفوت في الجميع ، وكذا سنة الاستنشاق لتقدم بعض غسل الوجه عليهما ، وتقدمهما على غسل الوجه شرط لحصولهما ، وتجب إعادة ذلك الجزء في الثلاثة الأخيرة لوجود الصارف والإطلاق كالصارف دون الأولى . وهذا حاصل المعتمد عند م ر و ع ش خلافاً للحواشي كما قرره شيخنا ح ف . وفيه أن هذا الجزء لا يعتدّ به في الثلاثة الأخيرة بدليل وجوب إعادته فيها فمقتضاه حصول سنتهما ، والصورة أنه قرن النية المعتبرة بما قبل الوجه ، فعلم مما تقرر أن من تمضمض واستنشق على الكيفية المألوفة مستحضراً للنية فاتته سنتهما إن غسل معهما جزءاً من الوجه ، وحينئذ فلا يحصلان إِلا إن غفل عن النية عندهما أو فرق النية بأن نوى المضمضة مثلاً وحدها ، أو نوى سنن الوضوء أو أدخل الماء في محلهما من الأنبوبة حتى لا ينغسل معهما شيء من الوجه . وقال الأجهوري : يعيد غسل الجزء إن قصد المضمضة أو الاستنشاق فقط ، وإن قصد الوجه فقط أو معهما أو أطلق فلا إعادة اه . وكون النية يكتفي بها عند قصد(1/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
المضمضة فقط أَو الإطلاق مشكل ، لأنها حينئذ لم تقترن بغسل الوجه ، وكذا فوات سنة المضمضة عند قصدها مشكل تأمل .
قوله : ( أم لا ) بأن نوى المضمضة أو الاستنشاق أو نواهما مع الوجه أو أطلق . قوله : ( لكن الخ ) هو استدراك على الشق الثاني وهو أم لا أي : بالنظر للصورة الأخيرة . قوله : ( لوجود الصارف ) أي حقيقة أو حكماً فدخلت صورة الإطلاق . قوله : ( في الشق الأول ) وهو ما إذا قصد الوجه ، وكذا في الشق الثاني . وعبارة سم : فرع حيث أجزأت النية فاتت المضمضة . قوله : ( مجلي ) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد اللام . قوله : ( الذكري ) بضم الذال أي القلبي ، لأن الذكر بضم الذال المعلم أي حضورها في القلب بأن يستمر ملاحظاً لها . قوله : ( كما علم مما مر ) أي أول الباب عند ذكر الشروط أي في قوله وعدم الصارف ، ويعبر عنه بدوام النية . قوله : ( وله ) أي المتوضىء ولو دائم الحدث ، وإن لم يجز له تفريق أفعاله . وفائدة تفريق النية عدم استعمال الماء بإدخال اليد من غير نية الاغتراف قبل نية رفع حدثها أي له تفريق النية بسائر صورها المتقدمة كأن يقول : نويت الوضوء مثلاً عن غسل الوجه أو استباحة الصلاة أو رفع الحدث عنه ، وأما كيفية النية عند المسنون كمسح الأذنين فمنها نويت مسح الأذنين عن سنة الوضوء ، وتفريق النية لا يختص برفع الحدث ولا بالطهارة عنه ، بل يأتي في جميع النيات المعتبرة .
قال ابن حجر : وظاهر أن التفريق يأتي في الغسل اه . ولم ينظروا فيه لكون البدن بمنزلة عضو واحد فينوي رفع جنابة رأسه فقط ثم شقه الأيمن ثم الأيسر ثم أسفله . وانظر على قياسه هل يجوز أن يفرق النية على عضو واحد بأن ينوي رفع حدث كفه ثم ساعده ؟ حرره . أقول : والأقرب الصحة كما نقله الإطفيحي عن ع ش . ولا فرق في جواز تفريقها بين أن يضم إليها نحو نية تبرد ولا بين أن ينفي غير ذلك العضو كأن ينوي عند غسل الوجه رفع الحدث عنه لا غيره أو لا . والأوجه أنه لو نوى عند غسل وجهه رفع الحدث عنه ، وعند غسل اليدين(1/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
رفع الحدث ولم يقل عنهما كفاه ذلك ، ولم يحتج للنية عند مسح رأسه وغسل رجليه إذ نيته عند يديه الآن كنيته عند وجهه كما في شرح م ر . قال ع ش عليه : واختلف فيما لو نوى عند كل عضو رفع الحدث وأطلق فهل يصح وتكون كل نية مؤكدة لما قبلها أو لا يصح لأن كل نية تقطع النية السابقة عليها كما لو نوى الصلاة في أثنائها بأن نوى صلاة الظهر بعد أن صلى ركعة منه مثلاً ، فإنه يكون قاطعاً قد يتجه الأول ، ويفرق بأن الصلاة أضيق بدليل أنه لا يصح تفريق نيتها بخلاف الوضوء ، ويفرق أيضاً بأن الصلاة لكونها هيئة واحدة إذا نوى قطعها بطلت من أصلها ، والوضوء إذا نوى قطعه بطلت نيته دون ما مضى منه فلا يبطل اه .
قوله : ( رفع الحدث عنه ) الظرف أعني قوله عنه قيد ، فلو لم يقل عنه لم يكن من التفريق لشمول النية لما بعده . قوله : ( لأنه يجوز تفريق أفعاله الخ ) قضية هذه العلة أنه لا يصح من صاحب الضرورة تفريق النية وليس كذلك ، لأن تفريق النية لا يمنع الموالاة بين أفعال الوضوء ، بخلاف تفريق أفعاله . وعبارة شرح المنهج كما له تفريق الوضوء اه .
قال البرلسي : هذا خاص بالسليم أم السلس فليس له ذلك لوجوب الموالاة في حقه . وأما تفريق النية فلا فرق فيه بين السليم والسلس اه . قوله : ( أوجههما لا ) وإن طال اه م ر . قوله : ( بل أعضاء الوضوء خاصة ) وفائدة الخلاف تظهر في الأيمان فيما لو حلف أنه لا حدث بظهره مثلاً . فإن قلنا : الحدث الأصغر يحل جميع البدن حنث أو أعضاء الوضوء فقط لم يحنث اه ع ش على م ر . قوله : ( بمجرد غسله ) وإنما امتنع عليه أن يمس المصحف بذلك العضو ، لأن شرط المسّ الطهارة الكاملة . قوله : ( ظاهر كل الوجه الخ ) في فتاوى م ر لو ابتلي بالكحل وغير ماء غسل الوجه لم يضر اه . قال بعض شيوخنا : ومثل الكحل التراب دون غيره كحبر لعدم المشقة في الاحتراز عنه اه . قلت : قضية تشبيه التراب بالكحل أن اعتبار عدم الضرر فيه مقيد بالابتلاء ، وليس كذلك لما سبق في المياه أن التراب لا يضر مطلقاً إِلا إذا صار الماء يسمى طيناً اه ا ج . قوله : ( والتراب ) أي إذا كان على الوجه وغير الماء عند غسله . قوله : ( كل ) زاده لدفع توهم الاكتفاء بغسل البعض المحتمل له كلام المصنف ، هذا ولا يخفى أن لفظ كل من ألفاظ التأكيد وأنه يؤكد به ما يتجزأ بنفسه كالجيش أو بعامله كالعبد في نحو : اشتريت العبد كله وما هنا من الثاني اه ع ش .(1/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
قوله : ) فاغسلوا وجوهكم } ^ الخ من قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم } ) المائدة : 6 ) الخ . قال بعضهم : دلت هذه الآية على سبعة أصول كلها مثنى طهارتان الوضوء والغسل ، ومطهران الماء والتراب ، وحكمان المسح والغسل ، وموجبان الحدث والجنابة ، ومبيحان المرض والسفر ، وكنايتان الغائط والملامسة ، وكرامتان تطهير الذنوب وإتمام النعمة اه . شوبري .
واستشكل : كيف صح الاستدلال بها مع أنها نزلت بالمدينة وهو أي الوضوء شرع بمكة ؟ وأجيب : بأنها نزلت مقررة لما علمه جبريل عليه الصلاة والسلام للنبي صبيحة الإسراء بمكة فلا إشكال .
قوله : ( والمراد بالغسل الانغسال ) ولو بغسل غيره بلا إذنه أو سقوطه في نحو نهر إن كان ذاكراً للنية فيهما ، بخلاف ما لو كان بفعله كتعرضه للمطر ومشيه في الماء فلا يشترط فيه ذلك أي تذكر النية اكتفاء بالأولى اه زي .
قوله : ( أم بغيره ) أي غير فعل المتوضىء وهو صادق بصورتين بأن كان بفعل غيره أو بغير فعل أصلاً كأن نزل عليه المطر . وقوله : ( وكذا الحكم ) أي المراد بالغسل الانغسال في سائر الأعضاء أي باقيها . وفيه أن باقيها شامل للرأس ، فإما أن يراد بالغسل ما يشمل المسح أو يقال المراد بالمسح في الرأس الانمساح فتأمل . قوله : ( طولاً ) تمييز محوّل عن المضاف ، والأصل وحد طول الوجه الخ . ومثله قوله عرضاً .
قوله : ( ما بين منابت الخ ) المنابت جمع منبت بكسر الموحدة وفتحها كما في المصباح ، وفي القاموس : منبت كمجلس موضعه أي النبات شاذ والقياس كمقعد اه . أي لأنه من نبت ينبت بالضم وما كان كذلك فمصدره على وزن مفعل بالفتح كما ذكره ع ش على م ر . والمراد بقوله : ما بين منابت أي ما من شأنه أن ينبت عليه الشعر المذكور ، فلذلك استغنى الشارح عن زيادة بعضهم غالباً ، لأن محلها إذا أريد النابت بالفعل لاختلاف الناس فيه بخلاف ما إذا أريد ما من شأنه فإنه لا يختلف . قوله : ( شعر ) بسكون العين فيجمع على شعور كفلس وفلوس وبفتحها فيجمع على أشعار كسبب وأسباب وهو مذكر الواحدة شعرة ، وإنما جمع الشعر تشبيهاً لاسم الجنس بالمفرد مناوي على الشمائل .(1/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
قوله : ( وتحت منتهى ) بالجر عطفاً على منابت أي وهو ما بين رأسه وما تحت الخ . فالمنتهى داخل في الوجه ، أما لو قال ما بين منابت شعر رأسه والمنتهى أي وبين المنتهى بدون تحت لأفاد أن المنتهى خارج وليس مراداً بل المراد دخوله . قوله : ( وعرضاً ما بين أذنيه ) تثنية أذن بضم الذال ، ويجوز إسكانها تخفيفاً ، وكذا كل ما كان على فعل بضم أوله وثانيه ، ويجوز إسكان ثانيه كعنق وكتب ورسل سميت بذلك من الأذن بفتح الهمزة والذال وهو الاستماع وتصغيرها أذينة وهي مؤنثة كما في إشارات ابن الملقن .
قال ا ج : ولو تأخرت أذناه عن محلهما أو تقدمتا لا يجب غسل الوجه إليهما في الأولى ويجب غسلهما في الثانية ، ويفرق بين هذا وما قالوه في المرفقين والكعب والحشفة حيث أناطوا الحكم بها ، ولو خرجت عن حيز الاعتدال بأن المقصود هنا غسل ما تقع به المواجهة فأناطوا الحكم به ولم يلتفتوا لخلافها ، وأما المرفقان والكعبان والحشفة فإن الحكم متعلق بكل منها فاعتبر اه ا ج . قوله : ( لأن الوجه ) تعليل لتحديد الوجه بما ذكر . وعبارة شرح المنهج لأن المواجهة المأخوذ منها الوجه تقع بذلك ، فقوله المأخوذ منها الوجه أي التي هي سبب في تسميته بذلك لا بمعنى الاشتقاق النحوي ، فلا حاجة لما شنع به بعضهم هنا ق ل على الجلال .
قوله : ( داخل الأنف والفم ) أي الداخل أصالة وهو الفرجة في الفم والأنف وباطن العين . وقوله : ( وإن انفتحا ) أي فإنه لا يجب غسل ذلك المذكور ، وأما محل القطع فيجب غسله . قوله : ( لا يجب غسل ذلك ) بل ولا يستحب غسل باطن العين على أن بعضهم صرح بكراهته لضرره إن توهم الضرر ومقتضاه الحرمة إن تحقق الضرر اه طبلاوي .
قوله : ( وإن انفتحا ) الأولى أن يقول وإن انفتحت ليشمل الأنف أي وكأن يزيد أو أرنبة بالنسبة للأنف أو يقول وإن انفتح أي المذكور من الثلاثة ، وفي بعض النسخ انفتحت وهي ظاهرة لكن كان عليه أن يزيد أو أرنبة بالنسبة للأنف على هذه النسخة . وعلى النسخة التي فيها وإن انفتحا يجاب عن الشارح بأنه لم يقل انفتحت أي : الأنف والفم والعين ، لأن الأنف مفتوح أبداً فالضمير للفم والعين فقط كذا قاله بعضهم . قوله : ( ولا يشكل ذلك ) أي عدم وجوب غسل محل انفتاح الشفة وما معها . قوله : ( فكان بدلاً ) قد يقال باطن الأنف والفم والعين بدل عن(1/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
ظاهرها أيضاً . قوله : ( مع أنه يمكن غسله ) ولم يوجبوه فعدم إيجابهم لغسله قبل الإزالة مع إمكانه يدل على عدم وجوبه بعدها .
قوله : ( ماق العين ) الماق لغة في الموق وهو بهمزة ساكنة ، ويجوز التخفيف . وقيل الموق المؤخر والماق بالألف المقدم . وقال الأزهري : أجمع أهل اللغة أن الموق والماق لغتان بمعنى المؤخر وهو ما يلي الصدغ اه ا ج . وقال الجوهري : موق العين طرفها مما يلي الأنف ، واللحاظ طرفها مما يلي الأذن وهو بفتح اللام وبكسرها مصدر بمعنى الملاحظة اه مرحومي . قوله : ( ما يمنع وصول الماء ) أي إِلا عقداً في الشعر تعقد بنفسه فيعفى عنه ، ومثله من ابتلي بنحو طبوع لصق بأصول شعره حتى منع وصول الماء إليها ولم تمكنه إزالته ، والذي يتجه وجوب حلقه حيث لا مثلة وإِلا فيعفى عنه للضرورة خلافاً لشيخ الإسلام حيث قال يتيمم عنه اه ابن حجر . كالرماص الذي في المصباح والصحاح والقاموس الرمص بالتحريك أي بلا ألف وسخ يجتمع في الموق . قوله : ( وبمنابت ) الأولى أن يقول وبما بين منابت شعر رأسه الخ . وهو معطوف على قوله بظاهر . قوله : ( الأصلع ) أي خرج محل الصلع ، فالمراد خرج الأصلع من حيث محل الصلع أي خرج عن الوجه . قوله : ( والقفا ) هو مقصور ذكره لبيان معنى الغمم لغة ق ل . أي فلا يعترض عليه بأن القفا ليس محل غسل هنا . وأما معنى الغمم شرعاً فهو الشعر الذي على الجبهة خاصة كما قدمه الشارح ، والقفا يذكر ويؤنث وجمعه أقفاء وأقف وأقفية وقفي بضم القاف وتشديد الياء وكسر الفاء اه نووي . قوله : ( بالنزع ) بفتح الزاي أي بالنزعتين المذكورتين فيما يأتي . قوله : ( البلادة ) ضد الذكاء والجبن ضد الشجاعة التي هي الإقدام على المخاوف ، فالجبان هو الذي يخاف من كل شيء ولا يقدم على المخاوف قال بعضهم .
في الجبن عار وفي الإقدام مكرمة
والمرء بالجبن لا ينجو من القدر
قوله : ( والنزع بضدّ ذلك ) قال الشاعر :(1/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
أقلي عليّ النوح وارعي لمن رعى
ولا تجزعي مما أصاب وأوجعا
ولا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا
أغم القفا والوجه ليس بأنزعا
قوله : ( كما تقرر ) أي قوله وتحت منتهى اللحيين ، قال في شرح المنهج : وزدت تحت ليدخل منتهى اللحيين اه . قوله : ( وأما موضع التحذيف ) من الحذف وهو الإزالة ، والعامة تبدل الذال بالفاء . قوله : ( العذار ) بذال معجمة الشعر النابت المحاذي للأذن أي لبعضها بين الصدغ والعارض أوّل ما ينبت للأمرد غالباً شرح م ر . والعارض ما ينحط عن الأذن إلى أوّل المنخسف من عظم اللحية . وقال ابن حجر : هو أي العذار ما ينبت على العظم الناتىء فوق العارض . قوله : ( والأشراف ) أي الأكابر لا خصوص أولاد فاطمة ، فالمراد بالأشراف من له وجاهة وإن لم يكن شريفاً . قوله : ( على رأس الأذن ) ورأسها هو أصلها الذي يعلوه بياض مستور بالمرتفع منها فهو فوق الوتد قريب منه ليس بينه وبينه فاصل إِلا الجزء المنخفض فالجزء الذي فوق هذا المنخفض هو المسمى برأس الأذن كما قاله ع ش . وعبارة ا ج قال بعض شيوخنا : المراد برأس الأذن الجزء المحاذي لأعلى العذار قريباً من الوتد ، وليس المراد به أعلى الأذن من جهة الرأس لأنه ليس محاذياً لمبدأ العذار اه . وهذا غير ظاهر إذ موضع التحذيف على هذا التأويل من الوجه لا من الرأس ، كما لا يخفى على من تدبر ذلك بل ذلك يدرك بالمحسوس ، فالمتعين إبقاء كلام الشارح على ظاهره ، فإنه إذا وضع الخيط على أعلى الأذن كان موضع التحذيف من الرأس قطعاً اه . وعلى كلامهما يكون بعض التحذيف من الوجه . قوله : ( ويفرض هذا الخيط الخ ) انظر لم عبر بالفرض أي التقدير مع أن المناسب أن يقال ويجعل هذا الخيط الخ . قوله : ( إلى جانب الوجه ) أي من الملاصق للنزعة . قوله : ( النزعتان ) بفتح الزاي ويجوز إسكانها والفتح أفصح كما قاله شيخ الإسلام في شرح الروض . قوله : ( وهو ) أي الناصية وذكره مراعاة للخبر وهو قوله مقدم ، ويجوز تأنيثه أيضاً ، والتذكير هنا أولى لأن الأولى مراعاة الخبر . قوله : ( من أعلى الجبين ) حال من مقدم . قوله : ( والصدغان ) عطف على قوله : والنزعتان أي ومن الرأس أيضاً الصدغان ، وتوقف فيه سم باعتبار أن ما(1/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
انحط عن منبت الأذنين من الوجه وبعض الصدغ منحط عن محاذاتهما قطعاً ، فيكون من الوجه لا من الرأس . قال المرحومي ، قال الشهاب : الصدغ ما بين العين والأذن اه . .
قوله : ( وهما فوق الأذنين ) أي ملاقيان للأذنين ومحاذيان لهما لا مطلق الفوقية لأنها تشمل وسط الرأس . وقوله : ( في غسله ) أي مع غسله ففي بمعنى مع . قوله : ( ويجب غسل جزء من الرأس ) إِلا إذا سقط غسل الوجه . قال ع ش : ولو سقط غسل الوجه مثلاً لم يجب غسل ما لا يتم الواجب إِلا به الخ . لأنه إذا سقط المتبوع سقط التابع اه . قوله : ( ومن الوجه البياض الخ ) جملة مستأنفة . قوله : ( ومن الأنف بالجدع ) هو بفتح الجيم وسكون الدال المهملة القطع والمراد ما باشرته السكين بالقطع لا ما كان مستوراً بالأنف لئلا ينافي قوله السابق ، وخرج بظاهر باطن الأنف والفم والعين وإن انفتحا بقطع جفن أو شفة إذا لا فرق بين باطن الفم والأنف إذا قطع ساترهما ولو اتخذ له أنفاً من ذهب والتحم وجب غسله ، كما أفتى به الوالد لأنه وجب غسل ما ظهر من أنفه بالقطع ، وقد تعذر للعذر فصار الأنف المذكور في حقه كالأصلي م ر . وهل تكفي النية عنده أم لا ؟ قال بالأوّل ق ل . وبالثاني س ل . وقول م ر وجب غسله أي يجب غسل جميعه خلافاً لابن حجر القائل بوجوب غسل ما في محل الالتحام لأنه البدل دون ما زاد . وعبارة ق ل على الجلال : ويجب غسل ظاهر نحو أنف من نقد التحم لأنه صار له حكم الوجه ، وتكفي النية عنده ولا ينقض لمسه لأنه ليس من البشرة وإن أعطي حكمها اه .
قوله : ( ويجب غسل كل هدب الخ ) ذكره توطئة لما بعده ، وإِلا فهو مستفاد من قوله السابق الثاني غسل الوجه ، لأن هذه أجزاء للوجه اه ع ش . وقوله : ( كل هدب ) هو بضم الهاء وسكون الدال وبضمهما وفتحهما معاً ش م ر . وقال الإسنوي : وهو بجميع اللغات جمع مفردة هدبة وجمع الجمع أهداب وهو الشعر النابت على أشفار العينين ، والأشفار جمع شفر بفتح الشين وسكون الفاء كفلس جفن العين أما بضم الشين فحرف الفرج . أقول : ليس جمعاً بل هو(1/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء . قوله : ( النابت على أجفان العين ) خرج به النابت في العين فلا يجب غسله وإن طال جداً ع ش . قوله : ( وعذار الخ ) وهو أول ما ينبت للأمرد غالباً وسبال وهو ما طال من الشارب من الجانبين اه م د . قوله : ( وشارب ) الظاهر أنه أراد به ما يشمل السبالين بكسر السين وضمها فأدرجهما في الشارب ، فلذا لم يذكرهما . قوله : ( لملاقاته الخ ) المناسب أن يقول لملاقاته للماء عند الشرب إذ الشارب ملاق للفم دائماً . قوله : ( أي يجب غسل ذلك ) أي المذكور وهو اثنا عشر . وقوله : ( ظاهراً وباطناً ) أي وسواء كان من رجل أو امرأة . قوله : ( ظاهراً أو باطناً وإن كثف ) ظاهره وإن خرج عن حد الوجه وليس مراداً ، بل هو محمول على ما إذا لم يخرج عن حده بدليل قول م ر .
وحاصل ذلك أن شعور الوجه إن لم تخرج عن حده وكانت نادرة الكثافة كالهدب والشارب والعنفقة ولحية المرأة والخنثى ، فيجب غسلها ظاهراً وباطناً خفت أو كثفت ، فإن خرجت عن حده وكانت كثيفة وجب غسل ظاهرها فقط ، سواء كانت من ذكر أو أنثى أو خنثى ، وإن خفت وجب غسل ظاهرها وباطنها أو غير نادرة الكثافة وهي لحية الذكر وعارضاه ، فإن خفت بأن ترى البشرة من تحتها في مجلس التخاطب وجب غسل ظاهرها وباطنها مطلقاً ، وإن كثفت وجب غسل ظاهرها فقط مطلقاً ، فإن خف بعضها وكثف بعضها فلكل حكمه إن تميز ، فإن لم يتميز بأن لم يمكن إفراده بالغسل كأن كان الكثيف متفرقاً بين أجزاء الخفيف وجب غسل الجميع ، ووقع لبعضهم في هذا المقام ما يخالف ما تقرر فاحذره وبه يعلم ما في كلام الشارح من الإيهام .
قوله : ( وباطناً ) وهو ما يلي الصدر من اللحية وما بين الشعر . والحاصل أن لحية الذكر وعارضيه وما خرج عن حد الوجه ولو من امرأة وخنثى إن كثف وجب غسل ظاهره فقط ، وما عدا ذلك يجب غسله مطلقاً أي ظاهراً وباطناً ولو كثيفاً . هذا هو المعتمد في شعور الوجه فاعتمده ع ش .
قوله : ( فألحق بالغالب ) أي وهو الشعر الخفيف . قوله : ( واللحية ) مبتدأ خبره جملة إن خفت الخ م د .
قوله : ( وكانت لحيته الكريمة كثيفة ) أي كثيرة الشعر بحيث تملأ صدره أي ما يقابله مع(1/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
قصر فيه أي في الشعر وانبساط ، إذ كان يأخذ ما زاد على القبضة وربما كان يأخذ من أطرافها أيضاً ، والأولى إبدال كثيفة بعظيمة لما في التعبير بالكثيفة من البشاعة التي لا تليق به . وأجيب : بأن الكثيفة في اللغة معناها العظيمة الشعر ، فلا يعترض على الشارح في تعبيره بالكثيفة .
والحاصل : أنه لم يكن كوسجاً وهو الذي لحيته على ذقنه لا على عارضيه .
ولا خفيف اللحية غير نازلة إلى صدره . وقال التلمساني : روي أن النبي قال : ( مِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ خفّة عَارَضيْه ) ويروى لحيته . ومعناه أنها لا تكون طويلة فوق الطول . وقال عليه الصلاة والسلام : ( ما طالت لحية إنسان قط إلا ونقص من عقله مقدار ما طال من لحيته ) ومنه قول الشاعر :
إذا كبرت للفتى لحية
فطالت وصارت إلى سرته
فنقصان عقل الفتى عندنا
بمقدار ما طال من لحيته
ذكره ملا علي قاري على الشفاء . في السيرة الحلبية ( كان رسول الله كثيف اللحية وكان يسرحها بالماء ، وكان له صلى مشط من العاج ، وقيل شيء يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية وهي الترسة ، ويقال لعظم الفيل عاج أيضاً أي وليس مراداً هنا ، وكان له مقراض أي مقص يقص به أطراف شاربه ) . وفي المشكاة عن زيد بن أرقم رضي الله عنه ، أن رسول الله قال : ( من لم يأخذ من شاربه فليس منا ) . وكان يأخذ بالمقراض من عرض لحيته وطولها ، وقد لا ينافي في ذلك ما جاء : ( أمرني ربي بإعفاء لحيتي وقص شاربي ) وقال : ( من(1/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
الفطرة قص الأظفار والشارب وحلق العانة ) اه . قوله : ( فلكل حكمه ) المراد بالتميز أن يسهل إفراد كل الغسل اه . قوله : ( عن القدر المحاذي للأذن ) أي إلى أول المنخسف من عظم اللحية اه . اج . قوله : ( واعلم أن التفصيل المذكور الخ ) قد علمت المعتمد في ذلك مما تقدم عن ع ش وغيره . قوله : ( أما خارج عنه ) المراد بخروجه أن يلتوي بنفسه إلى غير جهة استرساله كأن يلتوي شعر الذقن إلى الشفة أو إلى الحلق ، أو يلتوي الحاجب إلى جهة الرأس ، فليس المراد به أن يخرج عن وحده في جهة استرساله ، لأن منبت اللحية عليه يكون خارجاً بمجرد طلوعه ، فعليه إذا وصل شعر الذقن إلى السرة لا يقال له خارج قرره شيخنا عن ابن قاسم . قوله : ( غسل ظاهرها ) المناسب أن يقول ظاهره ، والمراد بالمظاهر كما في الجواهر وسم وجه الشعر الأعلى من الطبقة العليا وبالباطن ما بين الطبقات وما يلي الصدر كما قرره شيخنا . قوله : ( مطلقاً ) أي ولو من اللحية والعارض سواء في ذلك الذكر والأنثى والخنثى .
قوله : ( من له وجهان الخ ) تحقيق هذه المسألة أن يقال من خلق له وجهان تارة يكونان أصليين ، والمراد بأصالتهما أن ينزل الولد بهما فإنه يجب غسلهما إن تساويا في جميع الحواس ، فإن زاد أحدهما عن الآخر فالعبرة به ، وتارة يكون أحدهما أصلياً والآخر زائداً ، والمراد به ما ينبت بعد انفصال الولد ، وعلى هذا إما أن يتميز الزائد عن الأصلي أو يتشبه به والمتميز إما أن يكون مسامتاً للأصلي أم لا . فإن سامت وجب غسلهما وإن لم يسامت فالأصلي فقط يجب غسله كما قرره شيخنا ح ف .
قال الغزالي : ومثل هذه المسألة لا ينبغي تحقيق المناط فيها ولا الاشتغال بها لأنه يندر وقوعها جداً ، فإذا وقعت الحادثة بحث عنها فالمشتغل بمثل هذه المسألة كمن أوقد تنوراً في بلدة خربة لا يسكن فيها أحد منتظراً من يخبز فيه . قوله : ( مسامتاً ) شامل للأصلي والمشتبه والزائد الغير المشتبه . وعبارة ا ج . قوله : مسامتاً أي على سننه ومحاذاته ، فلو كان أحدهما من جهة قبله ، والآخر من جهة دبره وجب غسل الأول ما لم يكن فاقد الحواس ، والثاني فيه ذلك ، فالعامل هو الواجب غسله . قال م ر : والأولى حمل كلامه على ما إذا استويا عملاً ، أو كان الذي من جهة القبل هو العامل أو أكثر عملاً ، أما لو كان العامل أو الأكثر عملاً الذي من جهة الدبر فهو المعوّل عليه . قوله : ( للأّول ) أي ولو زائداً متميزاً .(1/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
قوله : ( وجب عليه غسلهما ) أي إذا كانا أصليين ، ويكفي قرن النية بأحدهما حينئذ أو أحدهما أصلياً والآخر زائداً واشتبه ، أما إذا تميز الزائد فيجب غسل الأصلي دون الزائد ما لم يكن على سمته ، وإلا وجب غسله أيضاً ، ويجري هذا التفصيل في الرأسين فيقال : إن كانا أصليين اكتفى بمسح بعض أحدهما وإن كان أصلياً والآخر زائداً واشتبه تعين مسح بعض كل منهما ، وإن تميز الأصلي من الزائد تعين مسح بعض الأصلي . قوله : ( من كفيه ) الكف تذكيرها قليل والتأنيث هو الكثير كما قاله ع ش . وأتى بذلك لأن حقيقة اليد من رؤوس الأصابع إلى المنكب فدفعه بقوله : من كفيه الخ ا خ . وعطف الذراعين على الكفين من عطف الكل على الجزء ، لأن الذراع من المرفق إلى أطراف الأصابع كما في المصباح . قوله : ( مع المرفقين ) يفيد أنهما ليسا من اليدين وهو كذلك ، لكن بالنظر لما يراد هنا وإن كانت اليد تطلق إطلاقاً لغوياً على ما هو من الأصابع للمنكب .
قوله : ( أو قدرهما إن فقدا ) أي خلقة . والمراد باعتبار القدر أن ينظر إلى من تساوى يده خلقة يد من فقد مرفقه . قال الرحماني علي الغزي : لو فقد الكعب أو المرفق اعتبر قدره من غالب أمثاله ، بخلاف ما إذا وجد في غير محلهما المعتاد كأن لاصق المرفق المنكب والكعب الركبة فهو المعتبر كما في التحفة خلافاً لجمع متأخرين اعتبروا قدره من غالب الناس اه ومثله أجهوري . قوله : ( توضأ ) يحتمل أن المراد أراد الوضوء ، ويحتمل أن هذا مجمل يفسره ما بعده نظير ما قاله المفسرون في قوله تعالى : ) وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا } ) الأعراف : 4 ) حيث قالوا أردنا إهلاكها . قوله : ( فأسبغ الوضوء ) أي أجرى وأسال الوضوء بفتح الواو ميداني وقيل الوضوء بضم الواو ، والمراد به غسل الوجه فقط بدليل قوله : ( ثم غسل يده ) الخ . والمراد بإسباغه إتمام غسله اه . قوله : ( ثم غسل يده اليمنى ) في نسخة إسقاط ثم وهي أولى فيكون بياناً لقوله فأسبغ الوضوء . قوله : ( حتى أشرع ) بمعنى شرع أي غسل أول العضدين ق ل . قوله : ( إلى آخره ) أي وانته في قراءة الحديث إلى آخره وبقيته ثم قال :(1/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
هكذا رأيت رسول الله يتوضأ اه ا ج . لعل المراد بعد ذكر مسح الرأس وغسل الرجلين . قوله : ( وأيديكم ) الأيدي جمع اليد التي هي الجارحة ، والأيادي جمع اليد التي هي النعمة ، هذا هو الصحيح . وقد أخرجهما عوام العلماء باللغة عن أصلهما ، فاستعملوا الأيادي في جمع اليد للجارحة ، وتجد أكثر الناس يكتب لصاحبه المملوك يقبل الأيادي الكريمة أو الكرام وهو لحن ، والصواب الأيدي الكريمة قاله الصلاح الصفدي شوبري ، وفي الفنري على المطول ما يخالف هذا ونصه : والأيادي جمع الأيدي والأيدي جمع اليد وهي الجارحة المخصوصة تستعمل في النعمة مجازاً مرسلاً من قبيل إطلاق اسم ما هو بمنزلة العلة الفاعلية أو الصورية على المعلول وهو النعمة ، كما صرح به الشيخ في البيان ، وقيل مشترك بينهما ، وما قيل إن اليد بمعنى الجارحة تجمع على الأيدي ، وبمعنى النعمة على الأيادي يرد عليه أن أصل يد يدي وما كان على وزن فعل لا يجمع على أفاعل .
قوله : ( إلى المرافق ) ذكر المرافق بلفظ الجمع والكعبين بلفظ التثنية ، لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد ، ولكل يد مرفق فصحت المقابلة ، ولو قيل الكعاب لفهم منه أن الواجب لكل رجل كعب واحد ، فذكر الكعبين بلفظ التثنية ليتناول الكعبين من كل رجل .
فإن قيل : فعلى هذا يلزم أنه لا يجب إلا غسل يد واحدة ورجل واحدة . قلنا : صدّنا عنه فعل النبي ، وإجماع الأمة م ر في حاشية شرح الروض . وأجاب بعضهم : بأن ما كان واحداً وهو هنا المرفق من واحد وهو هنا اليد ، فتثنيته بلفظ الجمع . ولكل يد مرفق واحد ، فلذلك جمع . ومنه قوله : ) فقد صغت قلوبكما } ) التحريم : 4 ) . ولم يقل قلباكما أي حفصة وعائشة ، وما كان اثنين من واحد فتثنيته بلفظ التثنية ، فلما قال إلى الكعبين علم أن لكل رجل كعبين ، طوخي . والمراد بالاثنين الكعبان وبالواحد الرجل . قوله : ( وإلى بمعنى مع ) هذا جواب عما يقال الآية لا تدل على دخول المرفقين ، لأن المغيا بإلى لا يشمل الغاية . فأجاب : بأن محله حيث لم تكن إلى بمعنى مع ، وفعل النبي والإجماع قرينة دالة على دخول الغاية هنا في المغيا .
فإن قلت : ما وجه ذكر الغاية في الآية في اليدين والرجلين دون الوجه والرأس ؟ أجيب : بأنه يمكن أن يقال لما كنت حقيقة اليد لغة من رؤوس الأصابع إلى المنكب والرجل إلى آخر الساق نص على محل الوجوب ، وإلا لزم الغسل إلى المنكب وإلى الركبة ولا كذلك الوجه والرأس ، فإن كلاّ منهما محدود لا يتوهم دخول شيء فيهما فظهر الفرق ، وقدم الشارح في الاستدلال الحديث لأنه أبين وأنص على المقصود ، وأخر عنه الإجماع لأن الإجماع لا بد له من مستند وأخر الآية للاحتياج فيها إلى جعل إلى بمعنى مع .(1/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
قوله : ) من أنصاري إلى الله } ^ أي مع الله أي من يعينني على نصرة دين الله . قوله : ( إلى قوتكم ) أي يزدكم قوة بالمال والولد مع قوتكم ، وهذه الآية في حق قوم هود حيث قال لهم : ) ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً } ) هود : 52 ) الخ . وكانوا قحطوا المطر ثلاث سنين وأعقمت نساؤهم ثلاثين سنة . قوله : ( وإذا أمرتكم بأمر ) أي مأمور به . قوله : ( فأتوا منه ) أي من الأمر بمعنى المأمور به . قوله : ( فيجب غسل رأس عظم العضد ) هذا تفريع على أن المرفق اسم لمجموع العظمتين الإبرة وهو الأصح ، أما إذا فرّعنا على مقابله وهو أن المرفق طرف عظم الساعد فلا يجب اه ا ج . قوله : ( لأنه من المرفق ) إذ المرفق مجموع العظام الثلاث أي العظمان المسميان رأس العضد والإبرة الداخلة بينهما اه ح ل .
قوله : ( ندب غسل باقي عضده ) العضد ما بين المرفق إلى الكتف ، وفيه خمس لغات وزان رجل وبضمتين في لغة الحجاز ، وقرأ بها الحسن في قوله تعالى : ) وما كنت متخذ المضلين عضدا } ) الكهف : 51 ) ومثال كبد في لغة بني أسد ، ومثال فلس في لغة تميم وبكر ، والخامسة مثال فقل . قال أبو زيد : أهل تهامة يؤنثون العضد ، وبنو تميم يذكرونه ، والجمع أعضد وأعضاد مثل أفلس وأفلاس اه مصباح ع ش .
فإن قلت : هلا سقط غسل هذا القدر ولم يندب مثل سقوط الرواتب تبعاً للفرض بنجو جنون ؟ قلت : لأن سقوطها ثم رخصة والتابع أولى بذلك ، وهذا فيه سقوط المتبوع لعذر فحسن بقاء التابع محافظة على العادة ما أمكن كإمرار الموسى على رأس المحرم إن لم يكن بها شعر ولأن التابع ثم شرع تكملة لنقص المتبوع أي بترك سنة أو فعل مكروه فإن لم يكن متبوع فلا تكملة بخلافه هنا ليس تكملة للمتبوع لأنه كامل بالمشاهدة أي : قبل القطع فتعين أن يكون مطلوباً لنفسه ا ه شرح الروض .
) فائدة } ^ : قال م ر : كل ما ثني من الإنسان من الأعضاء كاليد والعين والأذن فهو مؤنث بخلاف الأنف والقلب ونحوهما أي كالبطن فإنه ورد في الخبر : ( كذب بطن أخيك ) بالتذكير اه . قوله : ( بالماء ) لا حاجة إليه ، فالأولى حذفه كسابقه ولاحقه . قوله : ( ويجب غسل شعر الخ ) ويجب(1/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
غسل عظم وضح بكشط ما فوقه وموضع شوكة بقي مفتوحاً ، ولا يصح الوضوء مع بقائها بحيث لو أزيلت لم ينضم موضعها لأن محلها في حكم الظاهر فيجب غسله وإلا صح الوضوء مع بقائها م ر . قوله : ( وإن كثف لندرته ) أي الشعر الكثيف أي : وإن خرج عن حدهما أيضاً . وتقدم في الوجه أن الكثيف الخارج عن حد الوجه يكتفي بغسل ظاهره من كل أحد فيحتاج للفرق بينه وبين ما هنا والفرق ندرة ما هنا اه . قوله : ( وغسل ظفر ) فيه خمس لغات ضم الظاء مع سكون الفاء وضمها وكسرها مع سكون الفاء وكسرها وأظفور كعصفور ، والذي قرىء به القرآن ضم الظاء والفاء فقط ، لأنه لا يلزم مما جاز لغة أن يجوز قراءة عملاً بقول الشاطبي :
وما لقياس في القراءة مدخل قوله : ( وغسل باطن ثقب ) أي بعد إخراج ما بها ، فلو دخلت نحو شوكة في نحو يده ، فإن ظهر بعضها وجب قلعه وغسل ما تحته ، لكن محله إذا كان بحيث لو قلع بقي مفتوحاً ، بخلاف ما إذا كان يلتئم بعد قلعها ، وهذا ما لم تغر في اللحم وإلا فإن غارت أي صارت من اللحم فلا تؤثر في صحة الوضوء ، وأما الصلاة فلا تصح معها إن كانت قد اختلطت بدم كثيرحيث كانت رأسها ظاهرة بخلافها مع القليل ، فإنه يعفى عنه لقلته . هذا هو المعتمد . قوله : ( وإلا وجب غسل ما ظهر ) هي مركبة من أن الشرطية ولا النافية المحذوف مدخولها ، وليست حرف استثناء كما قيل ، وإلا لم تجمع مع الواو العاطفة ولم يكن للفاء بعدها مساغ اه . بهامش شرح الروض . قوله : ( في سائر الأعضاء ) أي باقيها المراد به الرجلان إذ ما ذكر بتمامه لا يأتي في الرأس والوجه . قوله : ( زائدة ) أي متميزة أخذاً من قوله بعد فإن لم تتميز الزائدة الخ . قوله : ( إن نبتت الخ ) أي سواء سامتت أم لا لنباتها في محل الفرض ، فصارت كالسلعة التي في محل الفرض . قوله : ( وسلعة ) السلعة بكسر السين للخراج البارز من البدن أما بالفتح فاسم لما يباع كما قاله ابن حجر . وقال الرحماني : السلعة بكسر السين المهملة غدّة تظهر بين الجلد واللحم إذا غمزت باليد لانت ، ومبدؤها من الحمصة ومنتهاها إلى البطيخة كما في المختار ، ولهذا أشار بعضهم بقوله :
سلعة المتاع سلعة الجسد
كل بكسر السين هكذا ورد
أما التي بالفتح فهي الشجه
عبارة المصباح فاسلك نهجه(1/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
قوله : ( وإن نبتت ) أي والفرض أنها متميزة أخذاً من قوله : فإن لم تتميز . قوله : ( بغير محل الفرض ) كأن نبتت في العضد وهو ما فوق المرفقين وتدلت للذراع . قوله : ( ما حاذى منها محله ) أي محل الفرض . والمحاذي هو المراد بالمسامت في كلامهم فالتفصيل بين المسامت وغيره فيما لم ينبت بمحل الفرض بخلاف ما نبت ، والفرق بين هذه والتي قبلها ظاهر ، لأن هذه لما نبتت في محل الفرض كانت كالسلعة فيجب غسل جميعها مطلقاً بخلاف تلك ، لكن أطلق م ر أن الزائدة لو طالت فجاوزت أصابعها أصابع الأصلية اتجه وجوب غسل الزائد على الأصلية ، قال : ويحتمل عدمه اه . فظاهره شمول ذلك لما لم ينبت في محل الفرض ، لكنه ذكر أولاً وجوب غسل ما حاذى اليدين من يد زائدة نبتت قوق محل الفرض فتأمل .
قوله : ( لوقوع اسم اليد عليه ) احترز به عن جلدة العضد إذا لم يصل تقلصها إلى محل الفرض وكانت محاذية له كما سيأتي . قوله : ( بخلاف ما لم يحاذه ) أي من جهة العلو ، وأما ما لم يحاذه من جهة السفل كأن طالت الزائدة فجاوزت أصابعها أصابع الأصلية فيتجه وجوب غسل الزائد على الأصلية كما في م ر . فالمفهوم فيه تفصيل كما قرره شيخنا . قوله : ( فإن لم تتميز الخ ) هذه سالبة تصدق بنفي الموضوع فصح قوله بأن كانتا الخ . قوله : ( سواء أخرجتا الخ ) بهذا التعميم فارقت ما قبلها ، وإلا فالحكم في المسألتين واحد وهو وجوب غسل الجميع . قوله : ( على الدرء ) أي الترك . قوله : ( وإن تدلت جلدة العضد منه ) أي بأن انكشطت ولم يبلغ كشطها إلى محل الفرض بدليل ما يأتي لكنها بلغته بالتدلي . وقوله : ( أو تقلصت ) أي انكشطت جلدة الذراع ولم يبلغ كشطها إلى العضد ، وإن بلغت بالتدلي إلى العضد فيجب غسل الخارج أيضاً ، ومحل عدم وجوب غسل المتدلي لمحل الفرض في الأولى ، ووجوب غسل الخارج عنه في الثانية ما لم يحصل التصاق ، وإلا وجب في الأول ولم يجب في الثاني ، كما أشار إليه الشارح بعد بقوله : ولو التصقت الخ . لأنه راجع لهاتين المسألتين فقط شيخنا . قوله : ( لا المحاذي ولا غيره ) ويفرق بينها وبين اليد الزائدة النابتة بغير محل الفرض حيث يجب غسل المحاذي بمشاركتها لليد في الاسم .
قوله : ( لأن اسم اليد الخ ) احترز به عن يد الزائدة النابتة في العضد المحاذية لمحل(1/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
الفرض كما تقدم . قوله : ( أو تقلصت ) أي تقلعت كما عبر به في شرح الروض أي انكشطت خلافاً للمحشي . قوله : ( بأن تقلعت ) أي انكشطت واستمرت في الذراع . ولما كان في العبارة غموض شرحها بما ذكر . قوله : ( لا بما منه تقلعها الخ ) . فإن قلت : لما اعتبروا هنا المحل المنتقل إليه التقلع ، وفي الشجرة الحلية والحرمية المحل الذي منه التقلع . قلت : لأن المدار ثم على وصف الاحترام وعدمه ، وهما من الأمور الذاتية فاعتبر محلها الأصلي دون الطارىء ، وأما هنا فليس المدار إلا على ما هو في الفرض فنظروا إليه مع قطع النظر عن أصله لأن الغسل هنا وعدمه من الأمور العرضية ، فناسب النظر فيهما للعوارض دون الأصول اه إيعاب . وأوضح من هذا أن يقال العبرة هناك باحترام المكان وعدمه فاتبع وهنا بمحل الفرض فاتبع . قوله : ( فيجب غسلها الخ ) أي غسل جميعها ولو لم يحاذ الفرض . قوله : ( ولو التصقت الخ ) . عبارة م ر . ولو انكشطت من ساعده والتصق رأسها بعضده مع تجافي باقيها وجب غسل محاذي الفرض منها ظاهراً وباطناً دون ما فوقه ، لأنه في غير محل الفرض ، فلا نظر لأصله بناء على أن العبرة بما إليه التكشط لا بما منه ذلك ، ويؤخذ من تعبيرهم بالمحاذاة أن الزائدة لو نبتت في غير محل الفرض بعد قطع الأصلية لم يجب غسل شيء منها لانتفاء المحاذاة حينئذ ، ويحتمل خلافه بناء على شمول المحاذاة لما كان قوة أي بالقوة أي تقديراً وهو أقرب ا ه م د . قوله : ( من أحدهما ) أي والتحمت . قوله : ( بالآخر ) متعلق بالتصقت . وقوله : ( وإن سترته ) أي وخيف من إزالتها حصول ضرر وقوله : ( ولا يجب فتقها ) أي إن لزم عليه محذور تميم . قوله : ( فلو غسله ) أي ظاهرها ق ل . قوله : ( لزمه غسل ما ظهر من تحتها ) لعله إن لم تكن قد التحمت على المتجه فراجعه ق ل . أي لأنها إذا التمحت فقد أتى بواجبها ، فإذا انفكت صار كما لو أزال الشعر الذي اكتفى بغسل ظاهره عن البشرة وهو لا يوجب غسل ما ظهر ، فكذا هذا .
قوله : ( فقطعت يده الخ ) انظر لو لم يكن له يد وغسل وجهه ثم مسح رأسه ثم انتقل(1/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
لغسل رجليه ثم نبتت له يد قبل تمام طهره هل يجب غسلها وما بعدها لأن سقوط غسلها لعدمها وقد زال أولاً لفوات محل غسلها ؟ فيه نظر . وأقول : قضية قول الشارح كغيره فقطعت وجوب غسلها لجعله القطع بعد تمام الوضوء ، إذا لا يقال له وضوء إلا بعد تمامه ، ويحتمل أن يقال المراد بالوضوء طهر ذلك العضو بأن قطع بعد تطهيره فليتأمل ا ج . وعبارة الإطفيحي : وينبغي أنه إذا لم يكن له يد حال شروعه في الوضوء ثم نبتت له يد فإن نبتت بعد غسل الوجه وقبل مسح الرأس وجب غسلها لوجودها قبل الانتقال عن محل فرضها ، أما لو نبتت بعد تمام الطهارة لم يجب العود لغسلها ما دام على تلك الطهارة لوجودها بعد تمامها ، وبقي ما لو نبتت بعد مسح الرأس وقبل غسل الرجلين ، فهل يعود إلى طهارتها بعد مسح الرأس لوجودها قبل تمام الطهارة أولاً لوجودها بعد الانتقال عن محلها ؟ محل نظر واحتمال حرره اه . قلت : يؤخذ من قوله : أما لو نبتت الخ . أنه لا يعود لطهارتها لما علل به بقوله لوجودها بعد تمامها ، فانظر نقلاً صريحاً في ذلك . وقوله : ( أولاً ) اعتمده ع ش و س ل خلافاً لق ل . قوله : ( ولو بأجرة مثل ) فاضلة عن دينه وعن كفاية ممونه يومه وليلته ، وكتب الميداني على قوله فاضلة عن دينه ضعيف . قوله : ( وأعاد ) أي عند وجود أجرة من يوضئه وقوله : ( لندرة ذلك ) أي التعذر . قوله : ( ومسح بعض الرأس ) أي وإن تعدد مع الأصالة ، وإلا فالأصلي إن علم وإلا فالكل اه ابن شرف . قوله : ( بما يسمى ) الباء للتصوير أي ويصوّر ذلك المسح بما يسمى مسحاً .
قوله : ( ولو لبعض بشرة رأسه ) أي ولو كان ذلك البعض مما وجب غسله مع الوجه من باب ما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب فيكفي مسحه لأنه من الرأس وإن سبق له غسله مع الوجه لأن غسله أولاً كان ليتحقق به غسل الوجه ، لا لكونه فرضاً من فروض الوضوء ، وبه يجاب عن توقف الشوبري . قال الأجهوري : وظاهره ولو خرجت البشرة بالمد عن حد الرأس كسلعة نبتت وخرجت بالمد عنه بدليل إطلاقهم في البشرة وتقييدهم الشعر بعدم خروجه بالمد عنه فيراجع راجعناه ، فوجدناه كذلك . وعبارة الإطفيحي : وظاهر تقييده بالشعر إخراج السلعة فظاهره إجزاء المسح عليها وإن طالت وخرجت عن حد الرأس ، لأنها من مسمى بشرة الرأس ولا يكفي المسح على شعر السلعة المذكورة في هذه الحالة لخروجه عن حد الرأس اه . ثم رأيت في ع ش على م ر ما نصه : ينبغي أن يأتي تفصيل الشعر المذكورة فيما لو خلق له سلعة برأسه وتدلت اه .(1/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
قوله : ( في حد الرأس ) متعلق بقوله أو بعض شعره ، والمراد في حده حالة مسحه فلا يضر إزالته بالحلق بعده كقطع اليد بعد غسلها ولا خروجه عن الحد بطوله بعد المسح أيضاً ، ومثله جلدة تدلت فلا يكفي المسح على ما خرج عن حد الرأس منها كما في ق ل . والرأس مذكر ككل ما لم يثن من أعضاء الإنسان نحو الأنف والقلب ، بخلاف ما ثني كاليد والعين والأذن فإنه يؤنث . قوله : ( بأن لا يخرج بالمد عنه ) ولو تقديراً بأن كان معقوصاً ومتجعداً بحيث لو مّد محل المسح منه خرج عن الرأس كما ذكره الشارح . قوله : ( من جهة نزوله ) أي من أي جانب على المعتمد اه شوبري إطفيحي . قوله : ( فلو خرج به ) أي بالمد عنه أي عن حد الرأس منها أي من جهة نزوله . قوله : ( لم يكف ) إن مسح على القدر الخارج لأنه لا يسمى رأساً ويكفي على بقيته الداخلية اه ق ل . قوله : ) وامسحوا بروؤسكم } ^ . فإن قلت : صيغة الأمر بمسح الرأس والوجه في التيمم واحدة فهلا أوجبتم التعميم أيضاً ؟ قلنا : المسح ثم بدل للضرورة ، وهنا أصل واحترزنا بالضرورة عن مسح الخفين ، فإنه جوز للحاجة شرح المنهج . وقوله : قلنا المسح ثم بدل فأعطى حكم مبدله ، وفيه أنه يكون خرماً لقاعدة أن الباء إذا دخلت على متعدد تكون للتبعيض وهي هنا دخلت على متعدد في قوله ) فامسحوا بوجوهكم } ) النساء : 43 ) . وأجيب : بأنه صدنا عن الأخذ بالقاعدة أن المسح أي مسح الوجه في التيمم بدل عن غسله ، فأعطي حكم مبدله وهو التعميم ولثبوت التعميم في التيمم في السنة المطهرة .
قوله : ( فإنه جوز للحاجة ) أي بعد تسليم أنه بدل . وقيل : إنه أصل . وأجيب أيضاً : بأن الشارع ناظر لحفظ الأموال وفي تعميم الخف نقص له . وحاصل ذلك كما في شرح الروض : أنه إنما وجب التعميم في التيمم لثبوت ذلك بالسنة ، ولأنه بدل فاعتبر حكم مبدله ومسح الرأس أصل فاعتبر بعضه وصد عن وجوبه في الخف الإجماع ، ولأن التعميم يفسده مع أن مسحه مبني على التخفيف لجوازه مع القدرة على الغسل بخلاف التيمم .
قال شيخنا : فإن قيل : ما الفرق بين ما جوز للحاجة حيث لم يجب استيعابه وما جوز للضرورة حيث وجب ، بل كان مقتضى الظاهر العكس ؟ أجيب : بأن ما جوّز للحاجة فيه مانع من استيعاب وهو فساده به كما أشار إليه ح ل . وليس المانع من وجوب التعميم مجرد الحاجة .(1/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
قوله : ( وروى مسلم ) لك أن تقول إنها واقعة حال تطرق إليها احتمال أنه للضرورة ، فيجوز مسح الناصية أو قدرها والتكميل في حال الضرورة ، ولا يجوز ذلك في غيرها فمن أين ثبت الاكتفاء بالبعض مطلقاً . وقد يقال إن الراوي فهم تكرر ذلك وكثرة وقوعه منه ، فأطلقه فأخذ بمقتضى اطلاقه ، وكأنه قال : يتوضأ كان ويمسح على العمامة متكرراً حتى كانت هذه عادته ، والقرينة على ذلك كون الراوي ، ذكره في بيان وضوئه برماوي . قوله : ( وعلى عمامته ) أي وتمم على عمامته . قال ع ش : ولو مسح على العمامة أو خرقة على رأسه فوصل البلل للرأس ، فالوجه أن فيه تفصيل الجرموق بل يتعين . وقال العلامة ابن حجر : يكفي مطلقاً قصد أم لا ، بخلاف الجرموق ، ويفرق بينه وبين الجرموق بأن ثمَّ صارفاً وهو مماثلة غير المسموح عليه له فاحتيج لقصد مميز ولا كذلك هنا .
قوله : ( واكتفى بمسح البعض ) أي بعض كان ولو كان غير الناصية . قوله : ( فيما ذكر ) أي في الحديث لأنه إذا كان الواجب غسلها جميعها لما اكتفى بمسح الناصية فقط ولا بالمسح على العمامة ، فأخذ دليلنا على مسح البعض من فعله . قوله : ( ولم يقل أحد الخ ) هذا من تتمة التعليل أي إذ لم يقل الخ وقوله والاكتفاء بها أي بمسح الناصية كما فعل . وقوله : ( وجوب الاستيعاب ) أي القائل به الإمام مالك وأحمد . وقوله : ( بالربع ) هو رأي الإمام أبي حنيفة . وقوله : ( أو أكثر ) هو رأي الإمام أحمد بن حنبل بمعنى أنه قول ضعيف ، وقد سألت بعض الحنابلة عن ذلك ؟ فقال : مذهبنا وجوب التعميم كمذهب مالك . وأخبرني أن مسح الرأس عندهم فرض لا واجب ، وأنه يفرق عندهم بين الفرض والواجب بأن الأول لا يسقط عمداً ولا جهلاً ولا سهواً ، وأن الثاني يسقط سهواً أو جهلاً . قوله : ( وهي الشعر ) فيه أنه تقدم أن الناصية مقدم الرأس من أعلى الجبين ، فكيف فسرها هنا بالشعر الذي بين النزعتين ، اللهم إلا أن يقال إن هذا الاطلاق مجاز والعلاقة الحالية . قوله : ( للالصاق ) أي المشوب بتعميم فتفيد تعميم البيت بالطواف واستيعابه إذ لا يقال طوفة إلا إذا عم الدور .(1/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
قوله : ( فإن قيل : لو غسل الخ ) وارد على أصل المسألة . وحاصله أن مسح الرأس اكتفى فيه بمسح الشعر أو البشرة ، واشترط في غيره الغسل شعراً وبشراً . قوله : ( رأس ) بفتح الهمزة كما في المصباح . وقوله : ( وعلا ) عطف تفسير . قوله : ( بأن قيل هلا اكتفى الخ ) . هذا وارد على قوله أو بعض شعر في حد . قوله : ( ويكفي غسل بعض الرأس ) أشار بقوله يكفي المساوي للجواز الذي عبر به غيره إلى نفي كل من استحبابه وكراهته فهو مباح أي : من حيث زيادته على واجب المسح وأحد ما صدقات الواجب المخير من حيث اشتماله على حصول البلل المحصل للمقصود . قوله : ( لأنه مسح وزيادة ) صوابه أن يقال لحصول المقصود من المسح فيه ، إذ ليس المسح جزءاً من الغسل ق ل . والمقصود من المسح هو وصول البلل . وقوله : ( إذ ليس المسح الخ ) أي بل هو ضد الغسل فكيف يحصله مع زيادة ؟ وأجيب بأن مراده بقوله لأنه مسح وزيادة أنه محصل لمقصود المسح من وصول البلل للرأس ، لا أنه يقال له مسح وغسل اه . أي فهو مباح حصل في ضمنه ذلك الواجب ، وإلا فحقيقة المسح غير حقيقة الغسل ، إذ هو السيلان دون المسح . وبه يلغز ويقال لنا مباح قام مقام الواجب . قوله : ( ولو قطر ) بتخفيف الطاء يستعمل متعدياً كما هنا ولازماً م د . قوله : ( وإن لم ينو ) الغاية للرد على القول بأنه لا بد من النية . قوله : ( لما مر ) من حصول المقصود الذي هو وصول البلل إليه . قوله : ( لا يذوبان ) بشرط أن يكون فيهما رطوبة . قوله : ( لما مر ) كذا في بعض النسخ ، وفيه أنه لم يتقدم في اليدين تعليل حتى يحيل عليه ، وفي بعض النسخ كما مرّ بالكاف أي في قوله : ولو توضأ فقطعت يده الخ وهي ظاهرة . قوله : ( بإجماع من يعتدّ بإجماعه ) أشار بذلك للرد على الشيعة المجمعين على أنه يكفي مسح الرجلين من غير غسل استدلالاً بظاهر الآية على قراءة الجر ، فإجماعهم على ذلك غير معتدّ به لأنه مخالف للنصوص ولفعله صلى الله عليه(1/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
وسلم أشار إلى هذا ابن حجر في التحفة . قوله : ( مع الكعبين ) ولو كانا في غير موضعهما المعتاد .
قوله : ( مفصل ) عبارة المختار المفصل بوزن المجلس واحد مفاصل الأعضاء ، والمفصل بوزن المبضع اللسان اه بحروفه ع ش . والسأق بالهمز وتركه ما بين القدم والركبة ، ويؤنث على المشهور ، ويجمع على أسوق وسيقان وسوق سميت بذلك لسوقها للجسد اه برماوي قوله : ( لما روى الخ ) دليل على كون الكعبين هما العظمان الناتئان من الجانبين أي خلافاً لمن قال الكعب هو العظم الذي على ظهر القدم ، وليس قوله لما روى الخ دليلاً لقوله : ففي كل رجل كعبان حتى يرد عليه أن الدليل لا يدل على ذلك لأن الإلصاق لا يكون إلا بالبارز المرتفع ، فالإلصاق لا يكون إلا من جهة ، وأما الجهة الأخرى فلا يتأتى فيها الإلصاق . قوله : ( لفظاً في الأول ) أي ومعنى أيضاً كما هو ظاهر . وقوله : ( ومعنى في الثاني ) أي ولفظاً أيضاً مرحومي ، لأن جره للجوار أي بفتحة مقدرة على اخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الجوار ، ففي كلام الشارح الاحتباك وهو أن يحذف من كل ما أثبت نظيره في الآخر ، والمراد بالمعنى وجوب الغسل على كلام المرحومي ، والأولى أن يراد بالمعنى التقدير لأنه مقابل اللفظ ، ولا يكون في كلامه احتباك لا بعطفه لفظاً على الرؤوس بل يكون معطوفاً على الوجوه ، وإلا لكان معطوفاً معنى أيضاً على الروؤس لأن الواو لا تشرك في اللفظ دون المعنى ، بل تشرك في اللفظ والمعنى ، لكن لما كانت الفتحة ظاهرة في الأول مقدّرة في الثاني غايروا بينهما . قال شيخ الإسلام في شرح البهجة : ويجوز عطف قراءة الجر على الروؤس ويحمل النسخ على مسح الخف أو على الغسل الخفيف الذي تسميه العرب مسحاً ، وعبر به في الأرجل طلباً للاقتصاد أي التوسط لأنها مظنة الإسراف لغسلها بالصب عليها وتجعل الباء المقدرة على هذا للالصاق لا للتبعيض ، والحامل على ذلك الجمع بين القراءتين والأخبار الصحيحة الظاهرة في إيجاب الغسل اه مرحومي . قوله : ( لجره على الجوار ) بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح اه مختار . وحركة الجوار ليست إعرابية فتكون حركة الاعراب وهي(1/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
الفتحة مقدرة على قراءة الجر ، وزعم بعضهم أنه يمتنع الجر في الآية على الجوار بناء على ما شرطه هذا الزاعم أن يكون بغير حرف عطف نحو : هذا جحر ضب خرب ، وهنا بعاطف والمقرر في العربية خلاف زعمه .
قوله : ( ما دل الخ ) وهو أنّ إلى بمعنى مع ، أو باقية على معناها ، ودل على دخول الغاية الاتباع والإجماع اه م د . قوله : ( كشمع ) بفتح الميم ويجوز تسكينها . قوله : ( وحناء ) بكسر الحاء المهملة وتشديد النون وبالمد والصرف ، ومثل ما ذكر الحبر والنيلة بخلاف مجرد اللون . .
والحاصل : أن كل ما منع وصول الماء إلى العضو بلا عذر شرعي ضرّ وإلا فلا . قوله : ( الجويني ) منسوب إلى جوين قرية من قرى العجم وهو أبو إمام الحرمين . قوله : ( إن لم يصل ) أي ما في الشقوق إلى اللحم فإن ذلك المحل لا يجب غسله فلا يضر ما وصل إليه اه م د . وعبارة ع ش أي حيث كان فيما يجب غسله من الشق وهو ظاهره ، بخلاف ما لو نزل إلى اللحم بباطن الجرح فلا يجب إزالته ولو كان يرى . وانظر الفرق بين هذا وبين ما تقدم في مسألة الشوكة ، إلا أن يقال إن هذا مما تعم به البلوى فيتوسع فيه . قوله : ( ويحمل ) أي كلام الجويني أي ما فهم منه من أنه لا يجب الإزالة إن وصل إلى اللحم . قوله : ( على حكم ) أي طبق . قوله : ( ابدأوا بما بدأ اللّه به ) أي الشامل للوضوء وإن ورد في الحج ، إذ العبرة بعموم(1/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
اللفظ لا بخصوص السبب ، وفي رواية أخرى بلفظ المضارع وكلاهما يصح الاستدلال به . قوله : ( بعموم اللفظ ) وهو ما بدأ اللّه به لا بخصوص السبب فهو من قاعدة : ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال ، ولا يعارضها قاعدة : وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال ، لأن الأولى محمولة على القولية ، والثانية على الفعلية ، وقرر بعض مشايخنا ما نصه : فيه أن الحديث إنما يدل على البداءة بغسل الوجه . وأما الترتيب فيما بعده فلم يستفد منه ، ومن ثم قال المالكية والحنفية بعدم وجوب الترتيب أخذاً من العطف بالواو لأنها لا ترتب ، ويمكن أن يحمل قوله ابدأوا على الابتداء الحقيقي كغسل الوجه والإضافي كاليدين على مسح الرأس ومسح الرأس على غسل الرجلين . قوله : ( بيان للوضوء ) الأولى بيان لواجبات الوضوء لأن ما ذكره يقتضي أن الترتيب لا يجب في الوضوء المندوب . قوله : ( فلو استعان بأربعة غسلوا أعضاءه ) ولو وقع ذلك بغير إذنه حيث نوى كما ذكر ، لكن يرد عليه أن من مات أو غضب وعليه حجة الإسلام وغيرها كنذر ، وحج اثنان عنه في سنة حيث قالوا بالإجزاء . ويجاب : بأن الشرط أن يتقدم على حجة الإسلام غيرها ، وذلك يصدق بالمعية ولا كذلك الوضوء ، وهذا أعني قوله فلو استعان الخ استدراك على وجوب الترتيب . قوله : ( حصل له غسل الوجه فقط ) وكذا لو توضأ بعكس الترتيب ، فإن أعاده أربع مرات حصل له تمام الوضوء لحصول عضو في كل مرة .
قوله : ( ولو اغتسل الخ ) لو قال انغمس أو زاد على قوله اغتسل بالغمس لكان أولى ، وعبارة متن المنهج : ولو انغمس محدث أجزأه . قال الإطفيحي : أفهم أن الانغماس لا بد منه فلا يكفي الاغتسال بدونه لكن ألحق القمولي ما لو رقد تحت ميزاب وانصب عليه الماء بأن عم جميع بدنه دفعة واحدة وهو المعتمد ، وارتضاه في شرح العباب اه . وبهذا يجاب عن الشارح هنا حيث عبر بقوله اغتسل الخ اه . وظاهر قوله ولو اغتسل ولو في ماء قليل . قوله : ( رفع الحدث ) أي الأصغر لأنه متى أطلق انصرف إليه . قوله : ( أو نحوه ) كالطهارة عن الحدث أو الوضوء . قوله : ( ولو متعمداً ) راجع للغسل أي عدل عن غسل الأعضاء إلى الغسل بالانغماس عمداً ا ج . والظاهر رجوعه للنية فإنه مقابل قوله بعده غالطاً فليتأمل م د . وعبارة بعضهم ، قوله : ولو متعمداً أي ولو كان اغتساله بالغمس متعمداً وإن كان لا يلائمه المقابلة بما بعده ولا يصح رجوعه لنية رفع الحدث أو نحوه ، إذ لا يلائمه التعميم بالغاية الشاملة للغلط ، إذ لا يتأتى(1/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
الغلط في رفع الحدث لأن الفرض أن به حدثاً أصغر . وأجيب : بأن الواو للحال في قوله ولو متعمداً . قوله : ( صح ) ولا بد أن تكون النية عند مماسة الماء للوجه أو قبلها واستحضرها عند غسل الوجه ، فلو انغمس أي نزل في الماء ونوى عند نزول الماء إلى صدره مثلاً ، ثم تمم الانغماس ولم يستحضر النية عند وصول الماء إلى الوجه لم يصح وضوؤه لعدم النية عند غسل الوجه ، والمراد بالانغماس النزول في الماء بدليل قوله : ثم تمم الانغماس . ولا فرق بين أن يكون الماء قليلاً أو كثيراً خلافاً لابن المقري في الكثير ، فإنه لا يشترط فيه النية عند مماسة الماء الوجه وخلافاً له في القليل ، فلا يحصل له إلا الوجه إذا انغمس فيه عنده اه ز ي . وحاصل ذلك أنها تصح مطلقاً . .
قوله : ( وإن لم يمكث ) غاية للرد على القول الضعيف المفصل بين أن يمكث قدر الترتيب فيصح أو لا فلا . وهناك قول ثالث وهو أنه لا يصح بالغمس مطلقاً اه م د . قوله : ( لأنه يكفي لرفع أعلى الحدثين ) اعترض هذا التعليل بأنه يرد عليه ما إذا غسل أسافله قبل أعاليه ، فإنه يكفي للغسل ولا يكفي للوضوء ، بل يحصل له الوجه فقط ، فالعلة الصحيحة هي الثانية اه . س ل . قوله : ( فللأصغر أولى ) لأن قيام غسل جميع البدن مقام غسل بعضه أقوى وأحق بالاعتبار ق ل . قوله : ( ولتقدير الترتيب ) وتقدير الترتيب بما يفيد أنه لا بد من وجود هذه اللحظات اللطيفة ، وليس كذلك لأنه إن كان المراد مجرد فرضه وتقديره فرضاً غير مطابق للواقع ، فهو اعتراف بانتفاء اشتراط الترتيب في هذه الحالة فلا فائدة في التقدير .
والحاصل أنهم مصرحون بأنه لا يشترط في هذا الترتيب الحقيقي ، غاية الأمر أن الرافعي يشترط زمناً يتصور فيه الترتيب الحقيقي لو وجد ، والنووي لا يشترط ذلك اه ح ل . فإن قلت : ما الفرق بين هذا وبين ما لو وضع المتنجس بالنجاسة الكلبية في الماء الراكد حيث لا يقدر جريان الماء عليها سبعاً بل لا بد من تحريكها سبعاً ؟ قلت : يفرق بينهما بأن الترتيب صفة تابعة ، وأما العدد فهو ذوات مقصودة ويغتفر في الصفة التابعة ما لا يغتفر في الذوات المقصودة اه م ر ع ش .
قوله : ( وأجنب ) عطف بالواو لإفادة أنه لا فرق بين الترتيب والمعية فيهما اه ق ل . قوله : ( وإن لم ينوه ) بل وإن نفاه ق ل . قوله : ( في الأكبر ) متعلق باندراج . قوله : ( فلو اغتسل ) أي عن الجنابة . قوله : ( توضأ ) الأولى أن يقول غسل باقي الأعضاء مرتبة للأصغر ، وله تأخير(1/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
غسل الرجلين وتوسيطه شرح م ر . قوله : ( ابن القاص ) واسمه أحمد وسمي أبوه بالقاص لأنه كان يقصّ الأخبار على الناس كما ذكره ابن خلكان ، وفي بعض النسخ القاضي وكل صحيح . قوله : ( غير خال عنه ) أي لأن ما وجب عليه غسله وهو الباقي يقع مرتباً ، وعبارة بعضهم لوجوبه فيما بقي عليه غسله ، ولعل ابن القاص نظر إلى أن غسل اليدين أو الرجلين عن الوضوء الداخل في غسلهما عن الجنابة قد تقدم على غسل الوجه مثلاً ، ويدل له ما بعده في الأعضاء الأربعة فتأمل ق ل . قوله : ( وهو إنكار صحيح ) الأولى قراءته بالإضافة ، ويكون المعنى وهو إنكار قول صحيح لابن القاص ، ويكون لا اعتراض عليه ، وذلك لأنه لما كان له غسل الرجلين أو اليدين أولاً وآخراً أو في الوسط كان خالياً عن الترتيب ، وإن غسل عضواً بعد عضو اه شيخنا عزيزي ، وبعد هذا فكان المناسب أن يقول تغليط . قوله : ( ولو غسل ) أي الجنب بدنه بالنون . قوله : ( قبل الفراغ ) أي من الوضوء . قوله : ( أو بعد الفراغ لم يؤثر ) حاصله أنه إن شك في النية أي هل نوى الوضوء أو لم ينو ضر مطلقاً قبل الفراغ أو بعده ولو في أثناء الصلاة إلا إن شك بعد الصلاة أي في نية الوضوء الذي صلى به ، فلا يؤثر فيها لأنه شك في شرطها بعدها وهو لا يؤثر على الراجح ، ويمتنع عليه استثناء صلاة أخرى بهذا الوضوء . قوله : ( عشرة أشياء ) أي بعد المضمضة والاستنشاق في شيئين ، وبعد تخليل اللحية والأصابع سنة واحدة وإن كانت متعلقاتها مختلفة . قوله : ( غير مصروف ) والمانع له من الصرف ألف التأنيث الممدودة .
قوله : ( جمع شيء ) الراجح أنه اسم جمع لشيء كطرفاء اسم جمع لطرفة وهي شجر الأثل لا جمع له ، والراجح في تصريفه أن أصله شيآء على وزن حمراء فنقلت همزته الأولى وهي التي كانت في المفرد وهي لام الكلمة إلى موضع الفاء كراهة اجتماع همزتين بينهما ألف ، فوزنه لفعاء فمنعت من الصرف لألف التأنيث الممدودة ، وقد نظم بعضهما الخلاف في وزنها فقال :(1/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
في وزن أشياء بين القوم أقوال
قال الكسائي إن الوزن أفعال
وقال يحيى بحذف اللام فهي إذن
أفعاء وزناً وفي القولين إشكال
وسيبويه يقول القلب صيرها
لفعاء فافهم فذا تحصيل ما قالوا
وللشهاب الخفاجي :
أشياء لفعاء في وزن وقد قلبوا
لاماً لها وهي قبل القلب شيآء
وقيل أفعال لم تصرف بلا سبب
منهم وهذا لوجه الردّ إيماء
أو أشيياء وحذف اللام من ثقل
وشيء أصل شيء وهي آراء
وأصل أسماء أسما وكمثل كسا
فاصرفه حتماً ولا تغررك أسماء
واحفظ وقل للذي يبغي العلا سفها
حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء قوله : ( لم يحصر ) صوابه أن يقول والسنن لا تنحصر فيما ذكره المصنف ، ولعل ما ذكره الشارح سبق قلم ، إذ كيف يقال بعدم الانحصار مع ذكر العدد فتأمل ق ل . وأجيب : بأن العدد لما كان لا مفهوم له كان ما ذكره غير حاصر للسنن ، وعبارة م د قوله لم يحصر أي لم يقصد الحصر الحقيقي ، بل صورته كما تقدم له في الخطبة من قوله وحصر الخصال ، وبهذا التقرير يندفع ما اعترض به على الشارح . قوله : ( التسمية أول الوضوء ) ولو بماء مغصوب ، ويسنّ التعوذّ قبلها والتسمية صارت علماً على بسم اللّه الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم وإلا فالتسمية مصدر سمى تسمية فلا يعترض على المصنف في التعبير بالتسمية .
قال م ر : ويظهر كما قال الأذرعي تحريمها لمحرّم أي لذاته أي كالزنا والربا ، فلا يرد أنها تسنّ لمن توضأ بماء مغصوب كما مر اه . وهي سنة عين في نحو الوضوء ولو الجماعة ، بخلاف الأكل والجماع فسنة كفاية ، ولا تحصل من واحد جالس لا للأكل بل لشيء آخر كالخروج عن عهدة الدعاء للوليمة ، ولا يكفي من أحد جماعة حضر كل بطعامه ليأكل منه وحده ، وفعل بخلاف ما لو حضروا ليأكلوا معاً على الاشاعة ، ووقع أن كلاًّ منهم أكل مما يليه اتفاقاً ، وانظر ما لو جلسوا ليأكلوا وأكلوا وسموا ، ثم إنهم قاموا وجلس غيرهم هل تطلب من الآخرين أو يكفي ما حصل من الأولين ، وانظر أيضاً ما لو كان يأكل بعضهم ويقوم ويجلس مكانه آخر والمجموع لا يخلو المكان عنه . حرَره وكتب نحته بخطه ما نصه : والأوجه في الأول الطلب من الآخرين لانقطاع حكم الأولين بانصرافهم ، وفي الثاني الطلب ممن جلس لأن(1/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
الطلب إنما يسقط بقول البعض عمن كان مع ذلك البعض عند قول ما أمر به فليتأمل شوبري .
قوله : ( أول الوضوء ) هي أول سنن الوضوء القولية الداخلة فيه ، وله سنة قولية خارجة عنه أي متأخرة عنه وهي الذكر المشهور عقبه وليس له سنة قولية متقدمة عليه خارجة عنه ، وأول سنن الوضوء الفعلية الخارجة عنه السواك على القول بأن محله قبل غسل الكفين والداخلة فيه غسل الكفين والخارجة المتأخرة عنه استقبال القبلة حالة قراءة الذكر المشهور عقبه .
فالحاصل : أن السنن الفعلية لها ثلاثة أحوال : متقدمة عليه ، ومتأخرة عنه ، وداخلة فيه ، وهي غسل الكفين واستقبال القبلة عند الذكر الذي في آخره والقولية لها حالتان فقط ، وقال شيخنا ح ف : والحاصل أن أول سنن الوضوء الفعلية الخارجة عنه السواك ، وإنما كان السواك خارجاً لأن الوضوء استعمال الماء ، والسواك ليس استعمالاً للماء ، وأول سننه الفعلية الداخلة هو غسل الكفين ، وأول سننه القولية التسمية ، ولم نقل أول سننه القولية الاستعاذة لأنها ليست مقصودة بالذات بخلاف التسمية فحينئذ كانت أول السنن القولية . فإن قلت : لم قيل إن أول سنن الوضوء الفعلية الخارجة هو السواك ، ولم يقولوا إن أولها استقبال القبلة أو الجلوس على مكان عال مع أنهما متقدمان على السواك أيضاً ؟ انظر جواباً شافياً اه .
قوله : ( عن أنس ) عبارة القطب الرباني سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه بستان الواعظين : عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال : ( عطش الناس يوم الحديبية ورسول اللّه بين يده ركوة فتوضأ منها وأقبل الناس نحوه وقالوا : ليس عندنا إلا ما في ركوتك ، فوضع رسول الله يده المباركة في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه مثل العيون فشربوا منه وتوضؤوا . قال : كم كنتم ؟ قال : كنا خمس عشرة مائة ولو كنا مائة ألف لكفانا ) . قال العلامة شمس الدين اليافعي في سيرته : قال أبو قتادة : ( بينما نحن مع رسول الله في الجيش إذ لحقهم عطش كاد أن يقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بركوة فيها ماء فوضع أصابعه فيها ، فنبع الماء من بين أصابعه ، فاستقى الناس وفاض الماء حتى رووا خيلهم وركابهم أي إبلهم ، وكان في المعسكر اثنا عشر ألف بعير واثنا عشر ألف خيل والناس ثلاثون ألفاً ) ويحتمل أن يكون هذا العدد في غزوة أخرى غير التي ذكرها الشارح .
قوله : ( فقال ) أي للبعض الذي لم يطلب أو يقال هل مع أحد منكم ماء أي قليل ؟ فاندفع ما يقال كيف يقول لهم : هل مع أحد منكم ماء مع أنهم طلبوه منه . قوله : ( هل مع أحد منكم(1/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
ماء ) وعدل ( صلى الله عليه وسلم ) عن طلب إناء فارغ تأدباً مع الله تعالى . قوله : ( فرأيت الماء ) المعتمد أنه إيجاد معدوم لا تكثير موجود ، ونبع الماء من بين أصابعه ( صلى الله عليه وسلم ) أبلغ من نبع الماء من الحجر لموسى لأنه شوهد نبعه من بعض الأحجار إذا وضع على نار ، بخلاف نبعه من بين لحم ودم فسبحان القادر اه ح ف . قوله : ( فضعيف ) أو محمول على الكامل أي كما في خبر : ( لا صلاة لجار المسجد إِلا في المسجد ) أي كاملة . قوله : ( على الإسلام ) على للتعليل أي لأجل إعطاء الإسلام . وقوله : ( ونعمته ) أي النعم المترتبة عليه أي ثمراته كعصمة دمه وماله ودخول الجنة . قوله : ( همزات الشياطين ) أي وساوسهم . وعن الشافعي : لإذهاب الوسواس سواء كان في وضوء أو غيره أن يضع الشخص يده اليمنى على صدره من جهة اليسار الذي فيه القلب ويقول : سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال سبع مرات ثم يقول : ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز } ) إبراهيم : 19 ) قوله : ( كغسل الخ ) مثل بخمسة أمثلة ، لكن منها ما هو عبادة فقط وهو التلاوة والتيمم ، ومنها ما هو محتمل للعبادة وللعادة أي تارة يكون عبارة وتارة يكون عادة وهو الغسل والذبح والجماع . قوله : ( وذبح ) بأن يقول بسم الله كما سيذكره الشارح في الذبائح ، والأفضل تكميلها على الصحيح . وعن بعض العلماء أن القصاب إذا سمى الله عند الذبح قالت الذبيحة : أخ أخ وذلك أنها تستطيب الذبح أي تعده طيباً حسناً مع ذكر الله تعالى ، وما ذكره العلامة سيدي علي الأجهوري في شرح مختصر البخاري بقوله : ولا يزيد الذابح الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم لأن في الذبح تعذيباً وقطعاً ، والرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم اسمان رقيقان ، ولا قطع مع الرقة ، ولا عذاب مع الرحمة لا يوافق ما ذكرناه من الأصح في المذهب ، فهو موافق لمذهبه ولقول عندنا .(1/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
قوله : ( وجماع ) أي أوله وتكره في أثنائه لأن الكلام في حالة الجماع مكروه لأن المناسب فيه السكوت أي في غير ما يتعلق بالجماع ، أما ما يتعلق به وهو ما يتوقف عليه التمكين من المرأة كأن يقول لها : تقدمي أو تأخري فلا يكون مكروهاً ، وأما الغنج بالغين والنون والجيم فليس مما يتعلق بالجماع كما ذكره ع ش روى الشيخان خبر : ( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن قدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً ) والجامع من حديث أبي هريرة : ( إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس ) اه ابن القيمة علي البيضاوي .
قوله : ( وتكره لمحرم ) ضعيف . والمعتمد أنها تحرم في الحرام أي لذاته كالزنا وشرب الخمر ، وكذا يقال في المكروه ، ولينظر لو أكل مغصوباً هل هو مثل الوضوء بماء مغصوب أو الحرمة فيه ذاتية ؟ والظاهر الأول . وحينئذ فصورة المحرم الذي تحرم التسمية عنده أن يشرب خمراً أو يأكل ميتة لغير ضرورة ، والفرق بينه وبين أكل المغصوب أن الغصب أمر عارض على حل المأكول الذي هو الأصل بخلاف هذا اه . قال ع ش على م ر : وبقي المباحات التي لا شرف فيها كنقل متاع من مكان إلى آخر ، وقضية ما ذكر أنها مباحة لأنه ليس محرماً ولا مكروهاً ولا ذا بال . قوله : ( فينوي الوضوء ) أي بأي كيفية من كيفيات النية السابقة حتى نية رفع الحدث ولا يقدح في ذلك أن السنن المتقدمة لا ترفع الحدث ، لأن السنن في كل عبارة تندرج في نيتها على سبيل التبعية ، واعتمد ذلك م ر . وأقول : نية رفع الحدث معناها قصد رفعه بمجموع أعمال الوضوء وهو رافع بلا شبهة اه سم . قوله : ( بأن يقرن النية ) من باب ضرب ونصر ، فهو بضم الراء وكسرها . وأشار به إلى حمل نية الوضوء على النية القلبية ، فلا إشكال في كون النية مع التسمية ، وإنما الإشكال لو أريد النية اللفظية . وقوله : ( ثم يتلفظ الخ ) زائد على التصوير فهو مرفوع وقوله : ( لأن التلفظ الخ ) تعليل لقوله : ثم يتلفظ الخ . قوله : ( أتى بها في أثنائه ) أي الوضوء وهو جمع ثني بكسر الثاء وسكون النون كحمل وأحمال ، بخلاف الجماع إذا تركها في أوله لا يأتي بها في أثنائه لأن الكلام فيه مكروه وقياس ما تقدم في الخلاء إذا دخله ولم يتعوذ قبله أو يتعوذ بقلبه ، ولا مانع أن الله تعالى يحصنه ، فكذلك هنا ومثله دعاء التجنب من الشيطان . وقال شيخنا ع ش : لا يأتي بها ، لأن الكلام حال الجماع أشد كراهة من الكلام في الخلاء ، لأنه جرى فيه خلاف هل هو مختص بقضاء الحاجة أو الأعم ؟ برماوي . وقوله : ( أتي بها ) أي بصيغة أخرى وهي التي ذكرها بقوله فيقول : الخ ع ش .(1/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
قوله : ( أوّله وآخره ) قال أبو البقاء الجيد النصب فيهما على الظرفية ، والتقدير عند أوله وعند آخره فحذف عند ، وأقام المضاف إليه مقامه ، ويجوز الجر على تقدير في أي في أوله وآخره ، والمراد بالآخر ما عدا الأول فيشمل الوسط . قال م ر : ظاهره أنه لا يحصل التسمية حينئذ إِلا إذا أتى بهذه الزيادة . قوله : ( فليقل ) أي حين يتذكر بسم الله أي آكل متبركاً باسمه تعالى في أول الأكل وآخره ، والتبرك باسم الله في أول الأكل مع أنه لم يذكر إِلا في الوسط غير مستبعد بطريق الإنشاء ، وإن كان الإخبار به لا يصح .
قوله : ( بعد فراغ الوضوء ) انظر هل هو غسل الرجلين أو الذكر الذي بعده سم على المنهج . قال شيخنا : ينبغي الثاني لأنه من متعلقاته ويطرد وسوسة الشيطان عن الذكر الذي طلب للوضوء ، لكن يعارض ما قاله شيخنا ما أفتى به م ر . حين سئل عن ذلك ؟ فأجاب بقوله : المراد بالفراغ من أفعاله اه . اللهم إِلا أن يحمل قول م ر من أفعاله أي ومتعلقاته وهو بعيد فليتأمل . وعبارة الحلبي قوله بعد فراغ الوضوء ، الظاهر أن المراد به غسل الرجلين اه . واعتمد الزيادي و ع ش على م ر : أن المراد به الذكر المشهور ، لأن المقصود عود البركة على جميع ما فعله ومنه الذكر ، وانظر لو عزم على أن يأتي بالتشهد وطال الفصل بين الفراغ والتشهد ، فهل يسن الإتيان بالتسمية حينئذ أي إن تركها في أول الوضوء ؟ فيه نظر ، والأقرب أيضاً أنه لا يسن لأنه فرغ من أفعاله ، ويحتمل أن يأتي بها ما لم يطل زمن يعدّ به معرضاً عن التشهد اه . وفي الإطفيحي بأن لم يبق منه شيء ولا من متعلقاته من الذكر الآتي بعده من قوله : أشهد أن لا إله إِلا أنت الخ . والدعاء والصلاة على النبي وقراءة : ) إِنا أنزلناه في ليلة القدر } ) القدر : 1 ) وسيأتي أنه يطلب تثليث ذلك كله ، فإن لم يتذكرها إِلا بعد شروعه فيما ذكر أو قبل الفراغ منه أتى بها ، لأن المقصود من الإتيان عود البركة على جميع فعله ومنه الذكر ، ولا ينافي هذا ما سيأتي في كلام المصنف ، والذكر المشهور عقبه المقتضي أن الشهادة وما معها ليست منه لحمله العقبية على الفراغ من أفعاله وما يتعلق به من السنن كما تقدم اه . قوله : ( ليتقيأ الشيطان ما أكله ) وهل هو حقيقة أو لا ؟ كل محتمل ، وعلى كونه(1/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
حقيقة لا يلزم أن يكون داخل الإناء فيجوز وقوعه خارجه كما في شرح م ر . قوله : ( والثانية غسل الكفين ) أي كمال غسل الكفين كما يدل عليه قوله أوّلاً ، والمراد أول الوضوء أول غسل الكفين ، قال في شرح المنهج فالمراد بتقديم التسمية على غسلهما تقديمها على الفراغ منه . قوله : ( إلى كوعيه ) الكوع بضم الكاف ، ويقال له الكاع هو العظم الذي في مفصل الكف مما يلي الإبهام ، أما الذي يلي الخنصر فكرسوع ، وأما البوع فهو العظم الذي يلي إبهام كل رجل ونظم ذلك بعضهم بقول :
وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي
بخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط
وعظم يلي إبهام رجل ملقب
ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط
اه زي .
قوله : ( فإن شك في طهرهما ) أي كلهما ، فإن شك في طهر البعض تعلق الحكم به فقط سم . قال م ر : خرج بقوله في طهرهما من تيقن نجاستهما فإنه يحرم عليه غمسهما ، والفرق بين هذه وبين كراهة البول في الماء القليل حصول تنجس ما كان طاهراً من بدنه بإدخالهما المذكور بخلاف البول . قوله : ( أحدكم ) أضافه إلى ضمير المخاطبين إشارة إلى أن هذا الحكم خاص بهم ، ولا يتناول النبي لأن عينه تنام ولا ينام قلبه كما قرره شيخنا ح ف .
قوله : ( حتى يغسلها ثلاثاً ) وإنما أمر النبي بالغسل ثلاثاً قبل الغمس ، وإن كانت اليد تطهر بالمرة لأنه اجتمع على اليد عبادات إحداها الغسل من توهم النجاسة ، والأخرى الغسل قبل الغمس لأجل الوضوء فإنه سنة من سنن الوضوء وإن تحقق طهارة يده ، والغسلة الثالثة لطلب الإيتار ، فإن تثليث الغسل مستحب اه . من رسالة ابن العماد في نية الاغتراف .
فرع : لو تردد في نجاسة مخففة هل يكتفي فيها بالرش ثلاث مرات أو لا بد من غسلها ثلاثاً ؟ فيه نظر ، والأوجه الثاني وإن كان الرش فيها كافياً بطريق الأصالة كما قاله ع ش على م ر . واستوجه سم الأول اه . قال ا ج : ومقتضى كلامهم عدم الاكتفاء إذ هذه الغسلات الثلاث(1/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
هي المطلوبة للوضوء ، وقد شرط السيلان في كل عضو طلب غسله وجوباً في الواجب وندباً في المندوب ، نعم يظهر ما قاله سم فيما إذا أراد غير الوضوء كإدخال يديه في نحو مائع فتأمل اه . قال ابن حجر في شرح الإرشاد : ولو تيقن النجاسة وشك أهي مخففة أو متوسطة أو مغلظة ؟ فما الذي يأخذ به الذي يتجه أنه لا يجوز تقديرها مخففة لأن الرش فيها رخصة وهي لا بد من تحقق سببها ، وحينئذ فهل تجعل متوسطة لأن الأصل عدم الزيادة التي يقتضيها التغليظ أو مغلظة لأنه الأحوط ؟ كل محتمل والذي يتجه الأول أي حملاً على الأغلب إذ الأغلب في الأعيان النجسة أن تكون من قسم المتوسطة فيكفي فيها مرة واحدة كالمخففة .
قوله : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) أي صارت سواء كان النوم ليلاً أو نهاراً فلعلها وقعت على نجاسة من جراحة أو محل استنجاء بحجر مع رطوبتها من نحو عرق ، ومفهومه أن من علم طهارتها بلف شيء عليها ووجدها كذلك لم يكره له الغمس ، نعم ليس المبيت ولا النوم قيداً بل المدار على عدم تيقن طهرهما فيشمل التردد فيه ونوم النهار . قال الحافظ وغيره : ينبغي عند سماع أقواله تلقيها بالقبول ودفع الخواطر الرديئة عن نفسه ، كما وقع لمن شك في هذا وكان من اليهود فأصبح ويده في دبره ، فأسلم . فنسأل الله الحفظ من ذلك اه رحماني . وقال النووي أيضاً : ومن هذا المعنى ما وجد في زماننا وتواترت الأخبار به أن رجلاً كان يسيء الإعتقاد في أهل الخير وابنه يعتقدهم ، فجاء من عند شيخ صالح ومعه مسواك فقال له مستهزئاً : أعطاك شيخك هذا المسواك فأخذه وأدخله في دبره أي دبر نفسه استحقاراً له فبقي مدة ثم ولد ذلك الرجل الذي استدخل السواك جرواً قريب الشبه بالسمكة فقتله ، ثم مات الرجل حالاً أو بعد يومين ع ش على م ر .
قوله : ( لا على مطلق النوم ) أي الذي لا تردد معه ، وأشار بذلك إلى أن الحديث دخله التخصيص أي بالنوم الذي معه تردد . وقوله بعد : وإذا كان هذا الخ . أشار به إلى أنه استنبط منه معنى عممه فقد دخله التخصيص والتعميم . قوله : ( هي المندوبة أول الوضوء ) قضيته أنه لا يستحب زيادة على الثلاث بل هي كافية للنجاسة المشكوكة وسنة الوضوء ، وقياس ما يأتي في(1/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
الغسل عن الرافعي من أنه لا يكفي للحدث والنجس غسلة واحدة أنه يستحب هنا ست غسلات وإن كفت الثلاث في أصل السنة ، اللهم إِلا أن يقال الاكتفاء بالثلاث هنا من حيث الطهارة لا من حيث كراهة الغمس قبل الطهارة ثلاثاً اه ع ش على م ر .
قوله : ( إِلا بغسلهما ثلاثاً ) أي إذا كان الشك في نجاسة غير مغلظة ، فإن كان الشك فيها فلا يخرج من الكراهة إِلا بغسلهما سبعاً إحداهن بتراب طهور .
قوله : ( لأن الشارع إذا غيا حكماً ) الحكم هنا كراهة الغمس ، والغاية قوله حتى يغسلها ثلاثاً . وقوله : ( فإنما يخرج الخ ) قد يقال هذا واضح حيث لم يعلله ، وهنا قد علله بما يقتضي الاكتفاء بمرة واحدة أي وهو قوله فإنه لا يدري الخ الدال على احتمال نجاسة اليد وهذا الاحتمال يزول بمرة . وأجيب : بأنا لو عملنا بذلك المقتضي لزم عليه استنباط معنى من النص يعود عليه بالإبطال لأن استنباط الاكتفاء بمرة يبطل قوله حتى يغسلها ثلاثاً اه ع ش . وفيه أنهم نظروا للتعليل في صورة الشك في نجاسة مغلظة حين حكموا بأن الكراهة لا تزول إِلا بسبع مع التتريب قبل إدخال الكفين الإناء ، فقد استنبطوا من النص معنى أبطله ، اللهم إِلا أن يقال لما كان في ذلك الاستنباط استيفاء ما غيا به الشارع مع زيادة فيها احتياط فلم يترتب عليه إبطال ، صح هذا الاستنباط وعوّل عليه ، وبذلك يعلم ترجيح الرش ثلاثاً في النجاسة المخففة كما ذكره سم خلافاً لما ذكره ع ش من غسلهما ثلاثاً ، لأنه لا يلزم عليه استنباط معنى من النص يبطله بالمرة ، ولم يوجد احتياط في الغسل ثلاثاً عن الرش ثلاثاً لتساوي الغسل والرش في إزالة المخففة فحرر ، لكن رأيت في بعض الحواشي في باب النجاسة سن الغسل مرتين بعد الرش في المخففة إِلا أن هذا في النجاسة المخففة ، وأما الشكوك فيها فلا يتوقف الخروج من عهدة الكراهة منها على الغسل ، بل يكفي الرش ثلاثاً في الخروج منها كما ذكره سم اه من خط ح ف .
قوله : ( فإنما يخرج ) بالبناء للمجهول وفي بعض العبارات فإنما يخرج المكلف للفاعل وقوله : ( باستيفائها ) بالفاء وفي بعض الروايات باستيعابها بالعين ، والمعنى واحد برماوي . قوله : ( ومن هنا الخ ) أي من قولنا إن الشارع إذا غيا الخ . قوله : ( ومثل المائع في ذلك ) أي في(1/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
كراهة الغمس قبل غسلهما ثلاثاً عند الشك في طهرهما . قوله : ( بطرف ثوب نظيف ) أو كمنشفة ثم يرفع الثوب مثلاً بنحو عصا ، ثم يتلقى بيده الماء النازل منه . وقوله : أو نحو ذلك كاللحية الكبيرة .
قوله : ( والمضمضة والاستنشاق ) قدمت المضمضة على الاستنشاق لشرف منافع الفم ، فإنه مدخل الطعام والشراب اللذين بهما قوام الحياة وهو محل الأذكار الواجبة والمندوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والاستنشاق أفضل من المضمضة لأن أبا ثور منا قال بوجوبه والمضمضة مجمع على ندبها أي عندنا وإن قال الحنابلة بوجوبها وما اختلف في وجوبه عندنا أفضل مما أجمع على ندبه عندنا وكذا ما قوى دليله .
فرع : لو خلق له فمان هل تستحب المضمضة فيهما ، وهل المطلوب تقديم مضمضتهما جميعاً على الاستنشاق ؟ الوجه نعم فيهما إن كانا أصليين ، أو أصلي وزائد واشتبه أو سامت اه . قوله : ( إلى الخيشوم ) أي أقصى الأنف . قوله : ( مستحق ) أي مستحق التقديم للاعتداد بالجميع ، فلو قدم المضمضة على غسل الكفين حصلت دونه ، وإن أتى به بعدها ولو قدم الاستنشاق على المضمضة حصل هو دون المضمضة وإن أتى بها بعد على المعتمد كما في زي . قوله : ( عكس تقديم اليمنى على اليسرى ) مراده بالعكس المخالف ، فإنه إذا قدم اليسرى على اليمنى حسبتا جميعاً ، وهنا إذا قدم المضمضة على الكفين حسبت المضمضة فقط .(1/236)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
قوله : ( فوجب ) المراد بالوجوب هنا التأكد ، والمراد به في قوله كاليد والوجه الوجوب الحقيقي فهو من استعمال المشترك في معنييه اه شيخنا . فاندفع اعتراض المحشي وعبارته قوله : ( كاليد والوجه ) ليس هذا التمثيل صحيحاً فإنه إذا قدم اليد على الوجه إنما يحسب الوجه ، وهنا على العكس كما لا يخفى . قوله : ( حسبت ) أي المضمضة دون الاستنشاق أي إذا اقتصر على ما فعل لأن المضمضة ، والحالة هذه وقعت في مركزها فلا يضر مقارنة غيرها لها ، فإن أتى بالاستنشاق بعد ذلك حصل ، بل قال بعض مشايخنا بحصولهما في الحالة المذكورة . وقال سم في شرح الكتاب : فيما إذا وقعا معاً حصل الاستنشاق وفاتت المضمضة ، ومقتضى شرح م ر موافقة الشرح اه ا ج . قوله : ( أن المؤخر ) وهو المضمضة ، والمراد المؤخر في الفعل لا في الرتبة . قوله : ( يحسب ) أي والمقدم ملغى فيعيده في موضعه ، والمعتمد أن المحسوب هو المقدم وهو الاستنشاق . قوله : ( والمعتمد الخ ) اعتمده أيضاً م ر في شرحه . قوله : ( كما لو تعوذ ثم أتى بدعاء الافتتاح ) أي فإن التعوذ يحصل دون الافتتاح ، وقد يفرق أي على القول الضعيف بفوات اسم الافتتاح هنا كما قاله البرماوي . قوله : ( غير الصائم ) وكذا الملحق به كالممسك لترك النية على الأوجه فيه شوبري . قوله : ( أن يبلغ الماء ) يبلغ بفتح المثناة التحتية فموحدة ساكنة فلام مضمومة وآخره غين معجمة من بلغ الثلاثي والماء فاعله ، ويصح أن يكون من الرباعي وهو بلغ يبلغ والفاعل هو أي الشخص والماء مفعوله . قوله :(1/237)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
( وإمرار أصبع يده اليسرى ) أي السبابة لأن اليمين يكون فيها الماء إذا جمع .
قوله : ( أن يصعد ) يجوز في يصعد أيضاً فتح الياء وسكون الصاد وتخفيف المهملة والماء فاعل كما في يبلغ ومنه : ) إليه يصعد الكلم الطيب } ) فاطر : 10 ) الآية قوله : ( للأمر به ) عبارة شرح التحرير لخبر مسلم : ( ما منكم من أحد يتمضمض ثم يستنشق فيستنثر إِلا خرت خطايا وجهه وخياشيمه ) .
قوله : ( فلا يستقصي ) أي بأن يجاوز أقصى الأنف . وقوله : ( فيصير ) أي لئلا يصير ، فالفاء للتعليل . وانظر حكمه ا ج . قوله : ( سعوطه ) بضم السين أي إدخال الماء في أقصى الأنف قرره شيخنا ، وبفتحها دواء يصب في الأنف اه مصباح . قوله : ( لا استنشاقاً ) ظاهره فوات سنة الاستنشاق لو فعل ذلك وقد يقال بعدم الفوات كما قال : لو غسل رأسه بدل مسحها أنه حصل المقصود وزيادة اه طوخي . وعبارة ابن حجر لا استنشاقاً كاملاً اه . قوله : ( أما الصائم ) وكذا الملحق به كالممسك لترك النية على الأوجه اه ا ج . قوله : ( من الإنزال ) أي مثلاً أي أو الجماع ، ولعل وجه الاقتصار على الإنزال أنه مفطر من كل منهما ، وأما الوطء فالإفطار به مختلف ، فالمفعول به بدخول بعض الحشفة والفاعل لا بد من دخول جميعها ، ففي(1/238)
"""""" صفحة رقم 239 """"""
مفهوم الإنزال تفصيل وحينئذ فلا اعتراض على من قيد بذلك اه طوخي . قوله : ( بخلاف المبالغة فيما ذكر ) فإنها مطلوبة في الجملة أي لغير الصائم . قوله : ( ثم يستنشق منها ثلاثاً ) جعل هذه من كيفيات الوصل إنما هو بالنظر للغرفة اه ع ش .
قوله : ( كيفيتان ) بل ثلاثة . قوله : ( والثانية أن يتمضمض بثلاث غرفات الخ ) وبقي ثالثة وهي أن يتمضمض بواحدة ويستنشق بأخرى ، وهكذا فهي ست كيفيات . قوله : ( وأضعفها ) أي في الثواب . قوله : ( فتح الراء ) أي والغين كسجدة وسجدات . قوله : ( مسح جميع الرأس ) أي بالنسبة لما زاد على ما يقع عليه اسم المسح ، لأن مسح ما يقع عليه الاسم فرض . قوله : ( للاتباع ) أي للأمر بالاتباع لأن الاتباع فعلنا وهو لا يكون دليلاً . وقوله : ( وخروجاً من خلاف من أوجبه ) أي وهو الإمام مالك ، والإمام أحمد بن حنبل في أظهر الروايتين عنده . قوله : ( لضفره ) بالضاد المعجمة لا بالظاء المشالة . قوله : ( صار مستعملاً ) لاستعماله فيما لا بد منه وهو مسح البعض الواجب ، ومعلوم أن ترديد ماء المرة الأولى في سائر الطهارات لا يحصل به تثليث لاستعماله بخلاف الثانية أي : إذا رددها يحصل التثليث بترددها ق ل .(1/239)
"""""" صفحة رقم 240 """"""
قوله : ( هذا ) أي عدم الحسبان مع تعليله . قوله : ( لأنه تافه ) أي يسير . قال في المختار التافه الحقير اليسير وبابه طرب اه . واعترض بأنه لا حاجة إليه مع قوله ولذلك . وأجيب : بأنه بدل من قوله ولذلك وأعاده لأجل التوضيح وإن كان مستغنى عنه . قوله : ( بالنسبة إلى ماء الانغماس ) ولذلك لو تحرك المنغمس في الماء ثلاث مرات حصل له التثليث لتوقف الحكم باستعماله على انفصاله . قوله : ( في ذلك ) أي مسح كل الرأس . قوله : ( بخلاف ما لا يمكن ) أي تجزيه . قوله : ( كبعير الزكاة ) فيه نظر بما قالوه في تجزي بعير الأضحية أنه يجزىء عن سبعة ، فالأولى أن يقال إن بعير الزكاة قيل : إنه أصل ، وقيل هو بدل عن الشاة فلا يقاس عليه فتأمل اه ق ل . وأجيب : بأنه لا يمكن تجزيه في الزكاة .
قوله : ( وقلنسوة ) بضم السين وهي عرقية محشية بقطن توضع فوق الرأس ، وقيل المجوزة .
قوله : ( كمل بالمسح عليها ) بشروط خمسة . أحدها : أن لا يكون على العمامة نحو دم براغيث من نجاسة معفو عنها . الثاني : أن لا يمسح من العمامة ما حاذى القدر الممسوح من الرأس كما قاله الشيخ عميرة . الثالث : أن لا يرفع يده عن رأسه في المرة الأولى فلو رفعها ثم ردها صار مستعملاً . الرابع : أن لا يكون عاصياً باللبس لذاته كأن لبسها محرم لا لعذر بخلافه لعارض كغاصب . الخامس : أن يبدأ بمسح بعض الرأس أخذا من قوله : وكمل على عمامته حتى لو كان على العمامة طيلسان كفى المسح عليه ولا ينافي الجرموق حيث لم يكف المسح على الأعلى إذا كانا قويين ، لأنه ثم بدل عن واجب ولا كذلك هنا ولو كانت العمامة مسروقة(1/240)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
أو مغصوبة كفى المسح عليها كالخفّ المسروق أو المغصوب ، لأن تحريم اللبس لعارض وهو كونه ملكاً للغير . قال الحفني : وأما اشتراط بعضهم أن لا يمسح من العمامة ما قابل الجزء من الرأس فليس المراد منه حقيقة الاشتراط ، وإنما المراد أنه لا يشترط في تأدية السنة لا أنه يمتنع مسحه كما يفهمه كلام م ر اه م د .
قوله : ( ومسح جميع أذنيه ) بضم الذال أفصح من إسكانها ، قال في الروض وشرحه : لا مسح الرقبة فلا يسن قال النووي : بل هو بدعة . قال : وأما خبر مسح الرقبة أمان من الغل فموضوع والغل بضم الغين هو الطوق الذي يجعل في العنق ، وهو المراد هنا على فرض صحته وبالكسر معناه الحقد ، وأثر ابن عمر من توضأ ومسح عنقه وقي الغل يوم القيامة غير معروف اه ا ج . قوله : ( ظاهرهما ) أي وهو ما يلي الرأس وباطنهما وهو ما يلي الوجه ، لأن الأذن كانت مطبوقة كالبيضة ، فلهذا كان ما يلي الوجه هو الباطن لأنه كان مستوراً . قال العلامة الشوبري : وهل تعميم الأذنين شرط لكمال السنة حتى لو مسح البعض فقط حصل أصل السنة أو لأصلها فيه نظر ، ولعل الأوجه الأوّل كذا في شرح التقريب . قوله : ( بماء جديد ) أي غير ماء بلل الرأس أول مرة أي لكل من الأذنين والصماخين ، فإن الصماخ من الأذن كالفم والأنف من الوجه س ل .
قوله : ( ويأخذ لصماخيه ) كيف هذا مع أن الصماخين داخلان في الكيفية الآتية قريباً ، ويمكن أن المراد أنه بعد الكيفية المذكورة يبل سبابتيه ويدخلهما في صماخيه ، فهذا ماء غير ماء الأذنين ، أو أن المراد أنه يأخذ لصماخيه إن لم يمسحهما مع الأذنين وهي كيفية أخرى غير التي ذكرها الشارح . وقوله : ( وكيفية المسح ) أي مسح الأذنين مع الصماخين أفاده شيخنا . قوله : ( ماء جديداً ) أي غير ماء الأذنين . واستشكل بأنه طهور . وأجيب : بأن المراد الأكمل لا أصل السنة فإنه يحصل بماء الأذنين . قوله : ( أن يدخل مسبحتيه ) أي رأسهما والمسبحة هي التي بين الإبهام والوسطى سميت بذلك لأنه يشار(1/241)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
بها عند التسبيح أي التنزيه وتسمى السبابة لأنه يشار بها عند السب والمخاصمة ، وتسمى الشاهد أيضاً لأنه يشار بها عند الشهادة كما في البرماوي .
فائدة : كانت سبابة النبي أطول من الوسطى ، والوسطى أطول من البنصر ، والبنصر أطول من الخنصر اه دميري . قوله : ( ثم يلصق كفيه الخ ) ليس هذا من تتمة مسحهما بل هو سنة مستقلة ، كما أشار إليه بقوله استظهاراً ، ويسن غسلهما ثلاثاً مع الوجه لما قيل إنهما منه ، ومسحهما مع الرأس ثلاثاً لما قيل إنهما منه وثلاثاً استقلالاً وثلاثاً استظهاراً ، فجملة ما فيهما اثنتا عشرة مرة ، ولو اقتصر على مسح بعض الأذنين حصل أصل السنة ق ل . قوله : ( استظهاراً ) أي طلباً لظهور المسح للكل اه ع ش . قوله : ( والصماخ ) مبتدأ خبره قوله بكسر الصاد الخ . على نسخة وهو خرق بالواو ، وأما على نسخة هو خرق بلا واو ، فالخبر قوله هو خرق الأذن . قوله : ( وتأخير مسح الأذنين عن الرأس مستحق ) فلو قدم لم يكف . واعلم أن استحباب مسحهما غر مقيد باستيعاب مسح الرأس ، ومن ذهب إلى ذلك متمسكاً بذكر ذلك عقب مسح كلها فقد وهم م ر . قوله : ( ماء لرأسه ) وصوّروه بأنه بل أصابعه لمسح رأسه ، فعنّ له أن يمسحه ببعض الأصابع وترك بعضها للأذنين فيكفي لأنه ماء جديد . قوله : ( خرير ذلك النهر ) أي مثل صوت خرير الكوثر . وقال بعضهم : ولا مانع من حمله على الحقيقة فلا حاجة لجعله على حذف مضاف . قوله : ( وكيف ذلك ) أي الإدخال أي على أي حالة يكون هل مع السد أو بدونه لأن كيف للأحوال . قوله : ( أدخلي أصبعيك ) بفتح الهمزة وكسر الخاء . وقوله : ( وسدّي ) أي أذنيك بأن تبالغي في إدخال أصبعيك فيهما .
قوله : ( وهو مختص بنبينا الخ ) عبارة الخصائص وشرحها للمناوي وخص بالكوثر أي(1/242)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
بنهره قال تعالى : ) إنا أعطيناك الكوثر } ) الكوثر : 1 ) ويخبر أبي نعيم وغيره : ( أوتيت الكوثر آنيته عدد نجوم السماء ) زاد أبو سعيد النيسابوري وابن سراقة : وبالحوض . قلت لكن يرده ما ورد عن سمرة بن جندب مرفوعاً . ( إن لكل نبي حوضاً وأنهم يتباهون أيهم أكثر وراداً وإني أرجو أن أكون أكثرهم وراداً ) رواه الترمذي . وروى ابن أبي الدنيا بسند صحيح ، عن الحسن مرسلاً ( إن لكل نبي حوضاً وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو من عرفه من أمته ، أَلا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعاً ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً ) وفي حديث في خصائصه ( وإن حوضه أعرض الحياض ) أي حياض الأنبياء ( وأكثرها وراداً ) قال القرطبي : وقول البكري المعروف بابن الواسطي : لكل نبي حوض إِلا صالحاً ، فإن حوضه ضرع ناقته لم أقف على ما يدل عليه أو يشهد له اه . فعلم من هذه الأحاديث صريحاً أن الحوض ليس من الخصائص المحمدية ، وحينئذ فالمختص بنبينا الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه ، فإنه لم ينقل نظيره لغيره ، وأن حوضه أكبر الحيضان وأكثر وراداً ، وأن من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً .
قال القابسي : الصحيح أن الحوض قبل الميزان . وقال الغزالي في الكشف : حكي عن بعضهم أن الحوض بعد الصراط وهو غلط ، والصواب أنه قبله لأن الناس يخرجون من قبورهم عطاشاً فناسب تقديمه ، وخالفه القرطبي فقال : ظاهر قوله من شرب منه لم يظمأ أن الشرب منه بعد الحساب والنجاة من النار وأهوال يوم القيامة ، لأن من وصل إلى موضع فيه المصطفى ولم يمنع منه كيف يعود للحساب أو يذوق نكال العذاب ؟ فالقول به أوهى من السراب . وقال في تذكرته : ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط وعكس آخرون ، والصحيح أن له حوضين . أحدهما في الموقف قبل الصراط ، والآخر جنب الجنة ، وكل منهما يسمى كوثراً . قال ابن حجر : وفيه نظر لأن الكوثر نهر داخل الجنة كما في حديث رواه الحاكم عن أنس : ( الكوثر نهر أعطانيه الله في الجنة ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزور آكلها أنعم منها ) وهذا النهر هو الذي يصب في الحوض فهو مادة الحوض كما جاء صريحاً في البخاري فلذا سمى الحوض كوثراً لأن ماءه منه . وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس موقوفاً في قوله تعالى : ) إنا أعطيناك الكوثر } ) الكوثر : 1 ) ( هو نهر في الجنة عمقه سبعون ألف فرسخ ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، شاطئاه من اللؤلؤ أو الزبرجد والياقوت ، خص الله به نبيه قبل الأنبياء ) . وما ذكر في عقمه قد يخالف ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن ابن عباس مرفوعاً بإسناد حسن عن سماك أنه قال في حديثه لابن عباس : ( فما أنهار الجنة أفي أخدود ؟ قال : لا ، لكنها تجري على أرضها مستمسكة لا تفيض ههنا ولا ههنا ) . وأجيب : بأن المراد أنها ليست في أخدود كالجداول ومجاري(1/243)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
الأنهار التي في الأرض ، بل سائحة على وجه الأرض مع عظمها وارتفاع حافاتها ، فلا ينافي ما ذكر في عمقها . قال القاضي : الحوض على ظاهره عند أهل السنة وحديثه متواتر فيجب الإيمان به ، وتردد البعض في تكفير منكره . وقوله : ( وهو مختص بنبينا ) المختص بنبينا إنما هو الحوض الذي بجنب الجنة النازل فيه الماء من الكوثر ، وإِلا فكل نبي له حوض .
قوله : ( نسأل الله الخ ) لا يخفى أن هذا إنما هو في حوضه الذي هو خارج الجنة الذي وقع الخلاف في أنه بين الجنة والنار أو قبل النار ، فذكره في الكوثر الذي هو في الجنة في غير محله مع أنه ليس في الجنة ظمأ اه ق ل . وأجيب : بأن ماء الحوض من ماء الكوثر لأن له ميزاناً متصلاً بالكوثر يصب في الحوض ، فمن شرب من الحوض فقد شرب بالضرورة من الكوثر ، فقوله : فمن شرب منه أي من الماء المصبوب منه في الحوض . أو يقال : أراد بالشرب لازمه وهو دخول الجنة وهو لا يظمأ بعد تلك الشربة اه ا ج قال في المواهب : المراد بالكوثر الحوض ، وعبارته قال عليه الصلاة والسلام : ( أتدرون ما الكوثر ) ؟ قلنا الله ورسوله أعلم . قال : ( هو نهر وعدنيه ربي وهو حوض ترد عليه أمتي آنيته عدد نجوم السماء ) . وقال القسطلاني : يطلق على الحوض كوثر لأنه يمد منه ويؤخذ من هذا أن الحوض بعد الصراط ، لأنه لو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي ينصب فيه من الكوثر . وأورد عليه أن الحوض إذا كان عند الجنة لم يحتج إلى الشرب منه . وأجيب : بأنهم يحبسون هناك لأجل المظالم التي بينهم حتى يتحاللوا منها ، وهو المسمى بموقف القصاص أي يسامح بعضهم بعضاً . وقيل : له حوضان حوض قبل الصراط وحوض بعده اه . شرح الجوهرة للمصنف .
قوله : ( وتخليل اللحية الخ ) أي إِلا المحرم على المعتمد خلافاً لمن قال يخلل برفق م ر . ويفارق سن المضمضة والاستنشاق للصائم ، وإن كان قد يؤدي للوصول للجوف لأن التخليل أقرب لنتف الشعر اه سم ع ش . قوله : ( وكل شعر ) عطف عام على خاص . قوله : ( بالأصابع ) أي من اليد اليمنى . قوله : ( من أسفله ) الأولى من أسفلها . إذ مرجع الضمير مؤنث وهي اللحية ق ل . وأقول : بل الأولى التذكير إذ مرجع الضمير مذكر وهو الشعر ، بل هو(1/244)
"""""" صفحة رقم 245 """"""
الظاهر المتبادر اه ا ج . والمراد بقول الشارح من أسفله أي على الأفضل ، ويحصل بأي كيفية كانت ، وكذا يقال في تخليل الأصابع كما قاله ق ل . قوله : ( أمرني ربي ) أي أمر ندب . قوله : ( من لحية غير الرجل ) الأولى من غير لحية الرجل ، لأن ما ذكره لا يشمل غير اللحية والعارضين من الشعر الكثيف الداخل في حدّ الوجه ولو من الرجل . قوله : ( وهو المعتمد ) هو رأي ضعيف ، والذي اعتمد م ر ، وتبعه زي عدم التخليل للمحرم اه ا ج ، وبعد ذلك هل يكون التخليل مكروهاً أو حراماً ؟ فيه تفصيل ، وهو أنه إن أدى إلى تساقط شعره حرم ولزمته فدية وإِلا كره .
قوله : ( ومن السابعة الخ ) إنما قال ذلك إشارة إلى أن المصنف عد تخليل اللحية والأصابع واحداً فلا اعتراض عليه في قوله : عشرة أشياء ، وسم جعلهما اثنين لكنه عد المضمضة والاستنشاق واحداً فتأمل . وما صنعه الشارح أولى . قوله : ( أصابع ) جمع أصبع ، وفيه عشر لغات كسر الهمزة وضمها وفتحها مع فتح الباء وضمها وكسرها ، والعاشرة أصبوع ، وأفصحها كسر الهمزة مع فتح التاء كما في شرح الغزي .
ونظم ذلك بعضهم فقال :
با أصبع ثلثن مع ميم أنملة
وثلث الهمز أيضاً وارو أصبوعا
قوله : ( لخبر لقيط ) بفتح اللام وكسر القاف وسكون المثناة التحتية بعدها طاء مهملة وصبرة بفتح الصاد وكسر الباء ، ويجوز إسكان الباء مع فتح الصاد وكسرها العقيلي الصحابي(1/245)
"""""" صفحة رقم 246 """"""
ولفظ الخبر : ( أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع ) اه وإسباغ الوضوء الإتيان به تاماً بمندوباته ، وأصرح منه رواية الترمذي وحسنها عن ابن عباس : ( إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك ) اه رحماني مع زيادة . قوله : ( بالتشبيك ) أي الأكمل فيه ذلك ، ولا ينافي كراهة التشبيك لأن محلها فيمن بالمسجد ينتظر الصلاة وكتب أيضاً قوله بالتشبيك أي بأي كيفية وقع سواء أجعل بطناً لبطن أم بطناً لظهر ، لكن الأولى فيما يظهر في تخليل اليد اليمنى أن يجعل بطن اليسرى على ظهر اليمنى ، وفي تخليل اليد اليسرى بالعكس خروجاً من فعل العبادة على صورة العادة في التشبيك اه شوبري . والمراد بالمسجد محل الصلاة ولو مدرسة تقام فيها الجمعة أو غيرها كما في ا ج .
قوله : ( يبدأ بخنصر الرجل ) أي الأكمل فيه ذلك شوبري ، فيكون التخليل بخنصر من خنصر إلى خنصر أي : فيكون التخليل بخنصر يده اليسرى ، ويبدأ بخنصر رجله اليمنى ، ويختم بخنصر رجله اليسرى . قوله : ( أو اليمنى ) ضعيف أو مراده عند فقد اليسرى . قوله : ( لم يجز فتقها ) أي إن لزم عليه محذور تيمم .
قوله : ( قال الإسنوي الخ ) وفي كونهم لم يتعرضوا له نظر ظاهر ، إذ قولهم والطهارة ثلاثاً . وقول البهجة وثلث الكل بعد ذكر التخليل وغيره صريح في تثليثه وسائر عباراتهم كذلك اه ق ل .
قوله : ( وقال ) أي عثمان رأيت الخ . وأتى الشارح بذلك للإشارة إلى أن الاستدلال على تثليث التخليل إنما هو بفعل النبي لا بفعل عثمان رضي الله عنه ، لأن فعل الصحابي لا(1/246)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
يستدل به لقول إمامنا الشافعي : كيف آخذ بقول من لو عاصرني وحاججني لحججته . قوله : ( كاليدين والرجلين ) الكاف استقصائية بالنظر للسليم ، أما نحو الأقطع فالكاف للتمثيل ولو عكس الترتيب أو طهرهما معاً كره ق ل . قوله : ( والرجلين ) دخل في ذلك ما لو كان لابس خفّ فيما يظهر خلافاً لمن قال يمسحهما معاً م ر . قوله : ( كان يحب التيامن ) هذا أعم من المدلول فالأولى دليل خاص بالوضوء ، وهو قوله : ( إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم ) اه رحماني . قوله : ( ودخول المسجد ) أي فيقدم اليمين في دخول المسجد ويتخير عند دخوله للآخر ابن حجر وعلى قياسه يقدم اليسار عند خروجه .
وفائدة : وقع السؤال عما لو جعل المسجد موضع مكس مثلاً ويتجه تقديم اليمنى دخولاً واليسرى خروجاً ، لأن حرمته ذاتية فيقدم على الاستقذار العارض ، ولو أراد أن يدخل من دنيء إلى مكان جهل أنه دنيء أو شريف ، فينبغي حمله على الشريف اه سم على البهجة . قلت : بقي ما لو اضطر لقضاء الحاجة في المسجد فهل يقدم اليسار لموضع قضائها أو يتخير لما ذكر من الحرمة الذاتية ؟ فيه نظر . والأقرب الثاني لأن حرمته ذاتية ع ش على م ر .
قوله : ( والتياسر في ضده ) تبع فيه المجموع وقضيته أن ما لا تكرمة فيه ولا خسة يكون باليسار وهو الراجح اه شوبري . واعلم أن الشارح ذكر ثمانية عشر مثالاً لما هو من باب التكريم ومثل لضده بخمسة أمثلة وضد ما هو من باب التكريم ما لا تكرمة فيه ولا إهانة وما فيه إهانة ، وما ذكره الشارح من أمثلة الضد من الذي فيه إهانة ومثال ما لا تكرمة فيه ولا إهانة كوضع متاع وأخذه مثلاً .
قوله : ( وكره عكسه ) أي تقديم اليسرى فيما طلب فيه تقديم اليمنى كأن غسل يده اليسرى قبل اليمنى ، فلو غسلهما معاً كره فيما يظهر كما مر . وهل يكره التيمن في نحو خديه مما يطهر دفعة واحدة قياساً على ذلك أو يفرق بورود الأمر بالتيمن ، ثم النهي عن تركه ولا كذلك المعية هنا كل محتمل والأوجه الثاني اه شوبري .(1/247)
"""""" صفحة رقم 248 """"""
( أما ما يسن غسلهما ) الأولى أن يقول تطهيرهما بدل غسلهما كما عبّر به في المنهج . قوله : ( فلا يسن تقديم اليمنى ) ولو رتب السليم فيما ذكر فهل يكره ؟ فيه نظر سم . وقد ذكر في شرح الروض أنه يكره اه مرحومي وفي الشوبري أنه لا يكره . قوله : ( فيهما ) الضمير راجع إلى ما في قوله : أما ما يسن الخ . باعتبار المعنى لأنها واقعة على العضوين ، وكان الأولى أن يقول منهما إِلا أن يقال كلامه على حذف مضاف أي في غسلهما اه شيخنا . قوله : ( من به علة ) ليس قيداً حتى لو كان سليماً ولم يتأت له إِلا بالترتيب كأن أراد غسل كفيه بالصب من إبريق فيتجه تقديم اليمنى اه سم . قوله : ( ذلك ) أي المعية المذكورة . قوله : ( والطهارة ثلاثاً ثلاثاً ) أي تثليث الطهارة ، ولو قال والتثليث لكان أخصر وأعم ق ل . ويمكن أن يقال إنما قيد بالطهارة للاتفاق عليها ، فقد مال ابن قاسم العبادي إلى عدم استحباب تكرار غير الطهارة وثلاثاً ثلاثاً منصوبان على الحال كادخلوا باباً باباً . قال الشوبري : وسئل شيخنا عما لو نذر الوضوء مرتين هل يصح قياساً على إفراد يوم الجمعة بصوم أم لا . فأجاب لا ينعقد نذره لأنه منهي عنه .
قوله : ( المغسول والممسوح ) ولو لذي سلس على الأوجه زي لأن إتيانه بالتثليث لا ينافي الموالاة . قوله : ( المفروض والمندوب ) هما صفتان لجميع ما قبلهما . وقوله : ( المفروض ) بأن كان لا يصل الماء إِلا بالتخليل . قوله : ( توضأ مرة مرة الخ ) أي توضأ في وقت مرة مرة . وفي وقت آخر مرتين مرتين ، وعبارة ع ش قوله : توضأ مرة مرة أي اقتصر في كل عضو على مرة .
قوله : ( سكت الخ ) هو مبني على أن المراد بالطهارة أفعالها ، فإن أريد ما يطلب في الطهارة شمل جميع ذلك وهو ظاهر ق ل . وفي بعض النسخ والتكرار وهي أولى لشمولها لما(1/248)
"""""" صفحة رقم 249 """"""
ذكر . قوله : ( كالتسمية ) وكذا النية الواجبة والمندوبة ، ويكون ما بعد الأولى مؤكداً لها ، ويفرق بينه وبين تكرار النية في الصلاة حيث قالوا : يخرج بالأشفاع ويدخل بالأوتار بأنه عهد في الوضوء فعل النية بعد أوله فيما لو فرق النية أو عرض ما يبطلها كالردة ولم يعهد مثل ذلك في الصلاة ع ش على م ر . وفيه أن المذكور في الصلاة إنما هو تكرير التكبير لا النية إِلا أن يقال لما كان التكبير مقروناً بالنية لزم من تكراره تكرير النية . قوله : ( في القول ) متعلق بالتثليث . وقوله ( في التشهد ) متعلق بروى أي التشهد آخر الوضوء . قوله : ( والظاهر إلحاق الجبيرة والعمامة الخ ) ضعيف والمعتمد ندب تثليثها أيضاً . وفي حاشية الشيخ خضر عند قوله والتثليث ، وهل يثلث الجبيرة والعمامة أو لا ؟ كالخف الأشبه . نعم خلافاً للزركشي ويفرق بينهما وبينه بأنه إنما كره فيه مخافة تعييبه ولا كذلك هما اه . قوله : ( إِلا لعذر ) استثناء من النقص . وقوله كما سيأتي أي في كلامه في قوله تنبيه قد يطلب ترك التثليث . قوله : ( لأنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً ) وروى البخاري أنه توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين . قال شارحه : اعلم أن هذا كان منه أفعالاً مختلفة في أحوال شتى هذا هو الأقرب ، ويحتمل أنه كان في حالة واحدة على طريقة التعليم لأن مثل هذا بدعة إن لم يكن على وجه التعليم فإن من توضأ يكره له أن يتوضأ قبل أن يصلي بوضوئه صلاة اه خضر . قال شيخنا العزيزي : ويستفاد من الأحاديث أن سنة التثليث لا تتوقف على كونه في كل الأعضاء ولا تتوقف على تثليث ما قبل العضو ولا ما بعده بطريق القياس حتى ولو ثلث في الوجه دون اليدين حصلت سنة التثليث فيه دونهما ، وبالعكس ينعكس الحكم فلا توقف لأحدهما على الآخر ، وأن الغسالة الثانية مطلوبة في حد ذاتها لا توقف لها على ما بعدها من الثالثة في كل الأعضاء اه .
قوله : ( هكذا الوضوء ) أي الكامل . قوله : ( وظلم ) عطف مرادف .(1/249)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
قوله : ( في كل من الزيادة والنقص ) وقيل أساء في النقص وظلم في الزيادة إذ الظلم مجاوزة الحد ، وقيل عكسه إذ الظلم مفسر بالنقص أيضاً قال تعالى : ) آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً } ) الكهف : 33 ) أي لم تنقص . قوله : ( كيف يكون ) أي النقص كما صرح به في شرح الروض ويؤيده ما بعده . قوله : ( فكان ) أي فعله في ذلك الحال أي حال البيان .
وقوله : ( أفضل ) بالنصب خبر كان أي أفضل من التثليث . قال العلامة ق ل : وهذا مناف لقوله بعد ذلك واجب فتأمله فكان الأولى أن يقول متعيناً بدل قوله أفضل ، ثم رأيت لبعضهم ما نصه : ومعلوم أن الواجب يوصف بكونه أفضل باعتبار أن ثوابه أفضل من ثواب المندوب فاندفع التنافي الذي ذكره ق ل . قوله : ( أو مع قطع نية الوضوء ) عطفه على نية التبرد من عطف العام لأن القطع إما بنية التبرد أو التنظف أو بغيرهما .
قوله : ( وقال الزركشي الخ ) ) قال الشيخ إبراهيم العلقمي : ينبغي حمل كلام الزركشي على ما إذا كان الوضوء من الحنفية أما إذا كان من الفساقي فلا يحرم لأنه عائد فيها فليس فيه إتلاف طوخي . وعبارة الإطفيحي حرمت عليه الزيادة وإن رجعت لمحلها خلافاً للعلقمي اه . لأنه غير مأذون فيها ، وإن لم يكن إتلاف وهذا هو الظاهر ، إذ لا بد من ذهاب جزء منها فلا يعود الكل إلى محله اه . ومثله في الحرمة ما لو أخذ غرفة كبيرة بيده بحيث تزيد على غسل وجهه مثلاً ، وينزل باقيها على نحو ملبوسه لأن هذه غير مأذون فيها أيضاً ، وإنما الإذن في قدر ما يعم عضوه فقط ، ويحرم أيضاً تزويد الدواة مثلاً وبلّ القراقيش والاستنجاء في الميضأة الموقوفة للوضوء كميضأة الجامع الأزهر ، وإن لم يعلم شرط الواقف فيرجع للأصل وهو أن الأصل أن الميضأة للوضوء والمغطس للغسل وبيوت الأخلية للاستنجاء ، نعم إن دعت ضرورة للاستنجاء منها بأن لم يكن ببيوت الأخلية ماء جاز للضرورة ، فإن علم أن الواقف عمم الانتفاع حتى بغير ما أعدّ له جاز ، ومنه صهريج قايتباي بالجامع الأزهر بالقرب من حارة الترك فقد قرر المشايخ أنه عمم الانتفاع به حتى يغسل خرق الحيض(1/250)
"""""" صفحة رقم 251 """"""
منه .
فرع : لو كان معه ماء يكفي بعض السنن هل يفعل منها ما أراد أو يقدم الأول فالأول ؟ أو يفعل ما هو أحق بالتنظيف كما إذا كان في فمه أو أنفه أذى ؟ والأوجه أن يقال يقدم ما اختلف في وجوبه ، ثم ما أجمع على طلبه ثم ما قوى دليله فليحرر . وبقي ما لو كان معه ماء يكفي تثليث عضو واحد وبقية الأعضاء مرة مرة فهل يخص به الوجه أو يغسله مرتين ؟ واليدين كذلك محل تردد ، والذي يظهر ترجيح تكرير غسل الوجه واليدين للمحافظة على تكرير الغسل في أعضاء متعددة بخلاف التكرير في عضو واحد .
قوله : ( في التحفة ) مراده به شرح التنبيه للنووي المسمى بالتحفة كما قاله المرحومي . قوله : ( ولو ثلث لم يفضل ) فلو ثلث تيمم ولا يعيد لأنه أتلفه في غرض التثليث وكذا لا يعيد لو أتلفه بلا غرض ، وإن أثم لأنه لم يتيمم بحضرة ماء مطلق كما يصرح به قوله الآتي في التيمم بعد قول المصنف ولو وهب له ماء الخ . وإن أتلفه بعده لغرض كتبرد وتنظيف ثوب فلا قضاء أيضاً ، وكذا لغير غرض في الأظهر لأنه فاقد للماء حال التيمم ، لكنه آثم في الشق الأخير اه ع ش على م ر . قوله : ( وإدراك الجماعة ) بأن لا يسلم الإمام وخرج به إدراك بعض الركعات أو تكبيرة الإحرام ق ل . وعبارة ابن حجر وقد يندب تركه بأن خاف فوت جماعة لم يرج غيرها . قوله : ( وسائر آدابه ) ما لم يقل المخالف وجوبها كمسح جميع الرأس والإقدام على الجماعة . قوله : ( تعدد ) عبر بالتعدد ليشمل التثنية والتثليث . قوله : ( نعم ) استدراك على التعدد قبل تمام العضو . قوله : ( لو مسح بعض رأسه ثلاثاً ) أي في محل واحد ، وأما لو مسح بعض رأسه ثلاثاً في محالّ متعددة ، فنقل عن الشهاب م ر أنه يحصل به التثليث ، وردّه ولده الشمس م ر والرد ظاهر . قوله : ( لذلك ) أي للاقتصار على مسح بعض الرأس ثلاثاً . قوله : ( ولا بعد تمام الوضوء ) عطف على قوله قبل تمام العضو . قوله : ( فلو توضأ مرة ) أي اقتصر في(1/251)
"""""" صفحة رقم 252 """"""
كل عضو على مرة ع ش . قوله : ( لم يحصل التثليث ) بل هو مكروه كتجديد الوضوء قبل فعل صلاة أي تنزيهاً لا تحريماً خلافاً لابن حجر ، وعلل الحرمة بأنه تعاطي عبادة فاسدة ، ورده م ر ، بأن القصد منه النظافة فليس كما قال . قال بعضهم : ولم يحرم نظراً للقول بحصول التثليث به ، والمراد بالصلاة ولو ركعة واحدة إذا اقتصر علهيا لا سجدة تلاوة أو شكر لعدم كونهما صلاة ، وكذا الطواف أو صلاة جنازة ، وإن كان كل ملحقاً بالصلاة ، وكذا خطبة جمعة كما في شرح م ر . قوله : ( وإن أفهم كلام الإمام خلافه ) وهو حصول التثليث .
قوله : ( يحصل بذلك ) أي بنظير ذلك أي فيجزىء التعدد قبل تمام العضو اه م د . وهذا يقتضي أن قوله فإن قيل : قد مر الخ . وارد على قوله ولا يجزىء تعدد الخ . وليس كذلك بل هو وارد على قوله ولا بعد تمام الوضوء ، فلو توضأ مرة مرة الخ . ويدل لذلك عبارة م ر حيث قال : ولو توضأ مرة مرة ثم كذلك لم تحصل فضيلة التثليث كما قاله الشيخ أبو محمد وهو المعتمد خلافاً للروياني والفوراني ، ويفرق بينه وبين نظيره في المضمضة والاستنشاق بأن الوجه واليد الخ اه . قوله : ( أجيب بأن الفم الخ ) ومقتضى علتهم أنه لو غسل اليمين من يديه أو رجليه مرة ثم اليسرى كذلك ، ثم رجع إلى اليمنى مرة ثانية ثم إلى اليسرى كذلك ، وهكذا في الثالثة حصلت فضيلة التثليث لأن اليدين كعضو واحد كما هو مصرح به في كلامهم ، ومن ثم لم يجب الترتيب بينهما وكذلك الرجلان بل أولى مما تقرر في المضمضة والاستنشاق لاتفاقهما اسماً وصورة بخلاف الفم والأنف اه . فلو غسل يديه في ماء كثير راكد وحركهما حصل التثليث عند القاضي حسين والبغوي ، وأفتى الشيخ بمخالفتهما رعاية لصورة العدد لأن الماء قبل الانفصال عن المحل لا يثبت له حكمه أي العدد فلا يحصل العدد به م ر . وقوله : وأفتى الشيخ أشار إلى تضعيفه . قوله : ( ويأخذ الشاك ) أي في العدد باليقين .
واعترض بأن ذلك ربما يزيد رابعة وهي بدعة وترك سنة أسهل من اقتحام بدعة . وأجيب : بأنها إنما تكون بدعة إذا علم أنها رابعة . قوله : ( في المفروض ) أي في التثليث المفروض . وقوله : ( وجوباً ) لا يخفى أن الغسل المفروض لا تعدّد فيه وإرادة غسل النجاسة المغلظة هنا بعيد مرحومي ، ويمكن أن يصوّر بما إذا نذر التثليث اه ميداني .(1/252)
"""""" صفحة رقم 253 """"""
قوله : ( بين الأعضاء ) وكذا بين الغسلات ، وكذا في أجزاء كل عضو اه ق ل . قوله : ( مع اعتدال الهواء ) بالمد اسم للرياح التي تهب وتسير بها السفن وبالقصر ميل النفس إلى ما لا يليق شرعاً ، وقد يطلق على ميل النفس المحمود كمحبة الأولياء والصالحين ، وقد اجتمع الهواآن في قوله القائل :
جمع الهواء مع الهوى في مهجتي
فتكاملت في أضلعي ناران
فقصرت بالممدود عن نيل المنى
ومددت بالمقصور في أكفاني
اه .
قوله : ( ومزاج الشخص نفسه ) ومزاج الشخص ما تركب منه وهو الطبائع الأربع السوداء والصفراء والبلغم والدم فهو مركب من هذه الأربعة أي مشتمل عليها ، لكن يغلب عليه واحدة منها . قوله : ( وإِلا فتجب ) أي الموالاة ومراده بالوجوب ما يشمل الشرط بقرينة ذكر صاحب الضرورة . قوله : ( والاعتبار بالغسلة الأخيرة ) أي بينها وبين العضو الذي يغسل بعدها فلا تعتبر أول الغسلات مع العضو الذي يغسل بعدها ، وتعتبر أيضاً الموالاة بين الغسلة الأولى والثانية وبين الثانية والثالثة ، ولا ينافي هذا أي قولنا وتعتبر أيضاً الموالاة الخ . قول الشارح كابن قاسم الغزي على الكتاب والاعتبار بالغسلة الأخيرة ، لأن الاعتبار بها إنما هو بالنسبة لما بينها وبين العضو الذي يغسل بعدها كما تقرر وحينئذ فلا وجه لاعتراض ق ل على عبارة ابن قاسم فراجعه . قوله : ( ترك الاستعانة ) ولو كان المعين كافراً خلافاً للزركشي سم عن حج ع ش . وينبغي أن لا يكون من ذلك الوضوء من الحنفية لأنها معدة للاستعمال على هذا الوجه بحيث(1/253)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
لا يتأتى الاستعمال منها على غيره ، فليس المقصود من الوضوء منها مجرد الترفه ، بل يترتب على الوضوء منها الخروج من خلاف من منع الوضوء من الفساقي الصغيرة ونظافة مائها في الغالب عن ماء غيرها اه ع ش على م ر . وتعبيره كغيره بترك الاستعانة جري على الغالب فإنه لو أعانه غيره مع قدرته وهو ساكت متمكن من منعه كان كطلبها ، ومن ثم عبر بعضهم بالإعانة هذا إذا كانت السين فيها للطلب كما هو الأصل ، وأما إذا كانت لغيره كالصيرورة كما في استحجر الطين أي صار حجراً فلا جري على ما ذكر أفاده الشوبري وسيذكره الشارح .
قوله : ( بالصب ) انظر لم قيد بذلك وهلا تركه ليشمل ترك الاستعانة في غسل الأعضاء فإنه سنة أيضاً .
وأجاب شيخنا ح ف : بأنه إنما قيد بذلك بالنظر للمفهوم ، لأن الغالب أن ترك السنة يكون خلاف الأولى ، فلو أطلق في الاستعانة لتوهم أن الاستعانة في الغسل خلاف الأولى مع أنها مكروهة فدفع ذلك بالتقييد ولو أطلق أيضاً لاقتضى أن الاستعانة في إحضار الماء خلاف الأولى ، وتركها سنة مع أنها وتركها مباحان اه . ولذا قال بعضهم : خرج الاستعانة في غسل الأعضاء بلا عذر فمكروهة والاستعانة في إحضار الماء فلا بأس بها أي مباحة ، فإن استعان في الصب فالأولى أن يقف الصابّ عن يسار المتوضىء لأنه أمكن وأحسن أدباً .
قوله : ( لأنه ) أي الترك الأكثر الخ . أي وإِلا فقد وقع في حجة الوداع بأنه صبّ عليه غيره . قوله : ( ولأنها نوع من التنعم ) وليس من الترفه المنهي عنه في العبادة عدوله من الماء الملح إلى العذب على المعتمد اه برماوي . قوله : ( على قدر النصب ) أي المشقة . قوله : ( أما إذا كان ذلك ) أي المذكور من الاستعانة لعذر كمرض أو قصد بها تعليم المعين لم تكن خلاف الأولى فيما يظهر حج . قوله : ( فلا يكون ) أي ما ذكر من الاستعانة . قوله : ( أجرة مثل ) أي فاضلة عن مؤنة ممونه من نفسه وغيره يومه وليلته ، فإن لم يجدها صلى وأعاد اه مرحومي فيشترط في ذلك كل ما يشترط في وجوب زكاة الفطر على المعتمد كما في حاشية م د على التحرير . قوله : ( لا طلب الإعانة ) أي لا ترك طلب الإعانة فالسين والتاء ليستا للطلب بل زائدتان . قوله : ( فهو خلاف الأولى ) معتمد وكذا التنشيف .(1/254)
"""""" صفحة رقم 255 """"""
قوله : ( إنه مباح ) ضعيف . قوله : ( تنشيف ) قيل كان الأولى أن يعبر بنشف على زنة ضرب لأن فعله ينشف بكسر الشين على الأشهر عند أهل اللغة على أن التعبير به يقتضي أن المسنون ترك المبالغة فيه وليس مراداً . وأجيب : بأن التنشيف أخذ الماء بخرقة ونحوها كما في القاموس ، وعبارة شرح م ر والتعبير بالتنشيف لا يقتضي أن المسنون تركه إنما هو المبالغة فيه خلافاً لمن توهمه إذ هو كما في القاموس أخذ الماء بخرقة اه . قال شيخنا م د في حاشية التحرير : ومحله أي ترك التنشيف في غير الميت أما الميت فيسن تنشيفه عقب غسله لأن تركه يسرع إلى بلاء كفنه . قوله : ( بمنديل ) بكسر الميم وتفتح ، وسمي بذلك لأنه يندل أي يزيل الوسخ وغيره . وفي السيرة الحلبية : وكانت له خرقة إذا توضأ يمسح بها ، هذا وفي سفر السعادة لم يكن ينشف أعضاءه بعد الوضوء بمنديل ولا منشفة ، وإن أحضروا له شيئاً من ذلك أبعده ، والحديث المروي عن عائشة رضي الله عنها كانت له نشافة ينشف بها بعد الوضوء ، وحديث معاذ رضي الله عنه في معناه كلاهما ضعيف وقال : تنشيف الأعضاء من الوضوء لم يصح فيه حديث . قوله : ( وجعل ) أي شرع وقوله : ( يقول ) أي يفعل . قوله : ( هكذا ) مفعول ليقول أي يفعل كهذا الفعل . وقوله : ( ينفضه ) بفتح الياء وسكون النون وضم الفاء والضاد بدل من اسم الإشارة على أنه تفسير له وفعله النبي بياناً للجواز ، وإِلاَّ فهو خلاف الأولى . قوله : ( كحر ) انظر وجه كونه عذراً في ترك التنشيف ، وربما يصور بما إذا كان شخص يتضرر بالرطوبة في زمن الحر أو يصوّر بما إذا كان الماء حاراً والزمان حاراً . قوله : ( أو التصاق نجاسة ) أي خوف التصاقها . قوله : ( وإذا نشف الخ ) وينشف اليسرى قبل اليمنى لأنه يزيل أثر العبادة ، فينبغي البداءة فيه باليسرى ليبقى أثرها على الأشرف اه . قوله : ( وطرف ثوبه ) عام فيشمل طرف الكم . قوله : ( يورث الفقر ) أي للغنّي أو زيادته لمن هو فقير وفي الحديث : ( لا يرد القدر إِلا الدعاء ولا يزيد في العمر إِلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) فثبت بهذا الحديث أن ارتكاب الذنب سبب لحرمان الرزق خصوصاً الكذب وكثرة النوم توجب الفقر ،(1/255)
"""""" صفحة رقم 256 """"""
وكذلك النوم عرياناً إذا لم يستتر بشيء والأكل جنباً والتهاون بسقاطة المائدة ، وحرق قشر البصل وقشر الثوم ، وكنس البيت بالليل وترك القمامة في البيت والمشي أمام المشايخ ، ونداء الوالدين باسمهما ، وغسل اليدين بالطين ، والتهاون بالصلاة ، وخياطة الثوب وهو على بدنه ، وترك بيت العنكبوت في البيت ، وإسراع الخروج من المسجد ، والتبكير بالذهاب إلى الأسواق ، والبطء في الرجوع ، وترك غسل الأواني ، وشراء كسر الخبز من فقراء السؤال وإطفاء السراج بالنفس والكتابة بالقلم المعقود والامتشاط بمشط مكسور ، وترك الدعاء للوالدين والتعميم قاعداً ، والتسرول قائماً ، والبخل والتقتير والإسراف اه .
قوله : ( تقديم النية ) أي نية سنن الوضوء أو نية الوضوء ويتمضمض من نحو أنبوبة مثلاً لئلا يفوته سنة المضمضة والاستنشاق . قوله : ( سراً ) أي بحيث يسمع نفسه . قوله : ( ذكراً ) بضم الذال المعجمة أي استحضاراً فهو مندوب ، وأما حكماً بأن لا يصرفها صارف كنية التبرد فواجب .
فائدة : الذكر باللسان ضد الانصات وذاله مكسورة وبالقلب ضد النسيان وذاله مضمومة قال الكسائي .
قوله : ( دلك أعضاء الوضوء ) أي بعد إفاضة الماء عليها استظهاراً وخروجاً من خلاف من أوجبه . قوله : ( ويل ) كلمة عذاب وهلاك مرفوعة على الابتداء ، والمسوّغ كونها بمعنى الدعاء كما في سلام عليكم ، وخبره قوله للأعقاب . قال النووي : معناه ويل لأصحاب الأعقاب(1/256)
"""""" صفحة رقم 257 """"""
المقصرين في غسلها ، فتكون أل للعهد الذهني ، وقيل أراد أن العقب يختص بالعذاب لأنه محل الجناية أي القذر كقطع يد السارق ، فهو دليل على أن الجسد يعذب وهو مذهب أهل السنة ، ومن للبيان أي الويل هو النار أو بمعنى في كما في شرح البخاري .
قوله : ( بأعلى الوجه ) لكونه أشرف ولكونه محل السجود . شرح الروض . وأيضاً لانحدار الماء بسهولة مرحومي . قوله : ( ماءه ) أي الوجه . قوله : ( وإن صب ) ضعيف . قوله : ( الصيمري ) بفتح الميم أفصح من ضمها . قوله : ( من أنه يبدأ بالمرفق ) أي وبالكعب إذا صب عليه غيره هذا هو المعتمد ، ويلحق بما لو صب عليه غيره ما لو توضأ من نحو الحنفية فإنه يبدأ بالمرفق في اليد وبالكعب في الرجل اه ا ج . قوله : ( أن يقتصد في الماء ) الاقتصاد هو التوسط في الشيء فالمراد به أن لا يسرف في الماء وأن لا يقتره . قال في المختار : الاقتصاد التوسط بين السرف والتقتير . قوله : ( فيكره السرف ) ويكره التقتير أيضاً لأنه قد لا يعم كما قرره شيخنا ، قال في الزبد :
مكروهه في الماء حيث أسرفا
ولو من البحر الكبير اغترفا
أو قدم اليسرى على اليمين
أو جاوز الثلاث باليقين
قوله : ( أن لا يتكلم بلا حاجة ) وانظر هل شرع السلام على المشتغل بالوضوء ويجب عليه الرد أو لا ؟ قال شيخنا : والحق الحقيق الذي عليه المحققون أنه شرع السلام عليه ويجب عليه الرد ، بخلاف المشتغل بالغسل ، وفرق بينه وبين المتوضىء بأن من شأنه أنه قد ينكشف منه ما يستحي من الاطلاع عليه فلا يليق مخاطبته حينئذ ع ش . قوله : ( وأن لا يلطم ) هو بكسر الطاء كما في شرح الروض واللطم خلاف الأولى . قوله : ( مؤقه ) ويقال مأق بالهمز فيهما وتبدل في الأولى واواً ، وفي الثانية ألفاً اه ا ج . قوله : ( اللحاظ ) بفتح اللام أما بكسرها فهو مصدر لاحظ أي الملاحظة وما أحسن قول بعضهم :
غزال غزاني باللحاظ البواتر
وصاد فؤادي بالخدود النواضر
قوله : ( ومحل سن غسلهما ) أي محل سن تعهد غسلهما ، وإلا فغسلهما واجب . وقوله : ( وإِلا فغسلهما ) أي فتعهد غسلهما كما قرره شيخنا . قوله : ( رمص ) بالتحريك كما مرّ . قوله : ( كالغضون ) أي مكاسر الجلد أي طياته الناشئة عن السمن .(1/257)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
قوله : ( ومنها أن يحرك الخ ) ومنها أيضاً : أن يقدم السليم الاستنجاء على وضوئه ، ومنها الشرب من فضل وضوئه شرح الإرشاد لابن حجر . ومنها أيضاً دعاء الأعضاء وإن قال النووي في متن المنهاج : وحذفت دعاء الأعضاء لأنه لا أصل له . قال م ر في شرحه : أي لا أصل له في الأحاديث الصحيحة ، بل ورد من طرق ضعيفة وهي يعمل بها في مثله أي فيستحب عنده لأنه منع شدة ضعف أحاديثه وهي أن يقول عند غسل الوجه : ( اللهم بيّض وجهي يوم تبيضّ وجوه وتسود وجوه ) . وعند غسل اليد اليمنى : ( اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً ) . وعند غسل اليسرى : ( اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري ) . وعند مسح الرأس : ( اللهم حرم شعري وبشري على النار ) . وعند غسل الرجلين : ( اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ) . وعند مسح الأذنين : ( اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) . زاد م ر قبل ما ذكر أن يقول عند غسل كفيه : ( اللهم احفظ بدني من معاصيك كلها ) . وعند المضمضة : ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك ) . وعند الاستنشاق : ( اللهم أرحني رائحة الجنة ) .
قوله : ( أن يتوقى الرشاش ) فلا يتوضأ في موضع يرجع إليه رشاش الماء . شرح الروض . قوله : ( بعد فراغ الوضوء ) أي عقبه بحيث لا يطول بينهما فصل عرفاً فيما يظهر ، لكن هذا إنما هو في الأفضل . وأما السنة فتحصل ما لم يحدث فيما يظهر شوبري على التحرير .
قوله : ( رافعاً يديه ) أي وبصره ولو نحو أعمى كمن في ظلمة ، وذلك لأن السماء قبلة الدعاء والطالب لشيء يبسط كفيه لأخذه والداعي طالب ، ولأن حوائج العباد في خزانة تحت العرش فالداعي يمد يديه لحاجته . قوله : ( أشهد الخ ) ويقدم الذكر المشهور على إجابة المؤذن وبعد فراغه منه يجيب المؤذن وإن فرغ من الأذان . قوله : ( فتحت له أبواب الجنة الثمانية ) وهي باب الصدقة ، وباب الصلاة ، وباب الصوم ، ويقال له الريان ، وباب الجهاد ، وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ، وباب الراحمين ، وباب من لا حساب عليهم ، وباب التوبة ، وقد قيل : إن باب التوبة زائد على أبواب الجنة كما قاله الإمام أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول ، وجعل الله تعالى للجنة باباً زائداً وهو باب محمد وهو باب الرحمة وباب التوبة ، فهو منذ خلقه الله تعالى مفتوح لا يغلق ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق فلم يفتح إلى يوم القيامة وسائر أبواب الأعمال مقسومة على أعمال البر ، ثم قال : فأما باب التوبة من الجنة الزائد على الأبواب ، فليس هو باب عمل ، وإنما هو باب الرحمة العظمى ، وإنما فتحت الثمانية(1/258)
"""""" صفحة رقم 259 """"""
تكرمة له ، وإِلا فهو إذا اتصف بصفة من هذه إنما يدخل من بابها ، فلو اتصف بصفتين فأكثر ، فالظاهر أنه يتخير أو يقال يدخل من الباب الذي لازم صفته أكثر اه عبد البر الأجهوري مع زيادة . وقال الرحماني : وهل هذا الفتح في وقت خاص أو في أوقات مخصوصة ؟ وقائل هذا الذكر كثير فهل تفتح للجميع في آن واحد بحيث يظن كل واحد أنها إنما فتحت لأجله ؟ في كل ذلك نظر ، وهذه ترددات حررها الفهم ، وإِلا فالواجب الإيمان به من غير بحث لخبر المعصوم ، وقد أنهى القرطبي أبوابها إلى ثمانية عشر ، وجمع بينهما بأن الثمانية أبواب السور وهي الكبار ، والثمانية عشر داخل السور وأفضلها جنة عدن وهي مسكن نبينا لكن يعارضه رواية : اسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه أفضل الجنان وأعلاها ) اه . والجنة في السماء السابعة لما ورد : أن سقفها عرش الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن .
قوله : ( من التوابين ) أي من الذنوب والراجعين عن العيوب ، وليس فيه دعاء صريحاً ولا لزوماً بإكثار وقوع الذنب منه ، بل بأنه إذا وقع منه ، ذنب ألهم التوبة منه وإن كثر تعليماً للأمة كما ورد . وقوله : ( واجعلني من المتطهرين ) أي بالإخلاص عن تبعات الذنوب السابقة وعن التلوّث بالسيئات اللاحقة ، أو من المتطهرين من الأخلاق الذميمة ، فيكون فيه إشارة إلى أن طهارة الأعضاء الظاهرة لما كانت بيدنا طهرناها ، وأما طهارة الأعضاء الباطنة فإنما هي بيدك فأنت تطهرها بفضلك اه . ملاّ علي قاري على المشكاة ، وقيل قوله من المتطهرين أي المتنزهين من الذنوب .
قوله : ( زاده الترمذي ) أي زاد قوله : اللهم اجعلني الخ ، وفي بعض النسخ زاد الترمذي بلا هاء وهو غير صواب لأنه يقتضي أن قوله : سبحانك الخ ، زيادة الترمذي ، وليس كذلك وإنما هو رواية الحاكم بدليل ما بعده اه شيخنا ، وكلام المنهج صريح فيه اه . قوله : ( سبحانك ) اسم مصدر منصوب بفعل محذوف وجوباً تقديره أسبحك أي أنزهك عما لا يليق بك أقيم مقام فعله ليدل على التنزيه البليغ ، فهو علم للتسبيح بمعنى التنزيه ولا يستعمل إِلا في الله ومضافاً فيقصد تنكيره ، ثم يضاف لأن العلم لا يضاف ولا يثنى إِلا إذا قصد تنكيره رحماني .
قوله : ( اللهم ) أصله يا الله حذف حرف النداء وعوّض عنه الميم ، ولا يجمع بينهما إِلا شذوذاً وهو علم منادى ، فيبنى على الضم الذي على الهاء والواو عاطفة جملة فعلية على مثلها أي : أسبحك سبحانك وسبحتك بحمدك أو زائدة ، والكلام جملة واحدة رحماني .(1/259)
"""""" صفحة رقم 260 """"""
والتاء في بحمدك للملابسة أي نزهتك متلبساً بحمدك أي بالثناء عليك . قوله : ( أستغفرك ) ظاهره ولو صبياً لا يتصوّر منه ذنب أي أطلب منك المغفرة وهي ستر الذنب من غير مصاحبة عقوبة ، والألفاظ قريبة المعنى ، ولذا جمعت في آية : ) وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا } ) التغابن 14 ) الآية . وقوله : ( ولذا جمعت ) الخ جمعها لا يقتضي تقارب معناها لاحتمال التغاير بالعطف ، إذ هو ينصرف له عند الإطلاق ويقتضيه ، وأيضاً ذكروا أن العفو محو أثر الذنب بالكلية والمغفرة ستره مع بقائه وعدم المؤاخذه به كما ذكره البولاقي في آخر حاشية الشنشوري .
قوله : ( وأتوب إليك ) أي وإن لم يكن متلبساً بالتوبة لأنه خبر مقصوده الإنشاء أي أسألك أن تتوب عليّ ، أو المراد أتى بصورة التائب الخاضع الذليل ، فلا يقال إنه كذب كما في أذكار الحج اه رحماني . ويأتي في وجهت وجهي وخشع لك سمعي ما يوافق ذلك اه .
قوله : ( كتب ) أي هذا اللفظ ليبقى ثوابه . قال ع ش : ويتجدد ذلك بتعدد الوضوء لأن الفضل لا حجر عليه ، فإذا قالها ثلاثاً عقب الوضوء كتب ثلاث مرات : ( وما ذلك على الله بعزيز ) . قوله : ( في رق ) بفتح الراء هو الجلد الذي يكتب فيه وتكسر الراء في لغة قليلة وقرأ بعضهم في قوله تعالى : ) في رق منشور } ) الطور : 3 ) كما في المصباح . قوله : ( أي لم يتطرق إليه ) أي يصون صاحبه من تعاطي مبطل بأن يرتد والعياذ بالله تعالى ، وإِلا فقد تقرر أن جميع الأعمال يتطرق إليها الإبطال بالردة اه شوبري . وقال شيخنا : لم يتطرق إليه كناية عن عدم بطلان ثوابه ، وفيه بشرى بأن من قاله لا يرتد وأنه يموت على الإيمان اه . ويستحب أن يكرره ثلاثاً ويقرأ : ) إنا أنزلناه } ) القدر : 1 ) ثلاثاً ويقدمه على إجابة المؤذن لأنه لعبادة فرغ منها لما ورد أن من قرأ في أثر وضوئه : ) إنا أنزلناه في ليلة القدر } ^ مرة واحدة كان من الصديقين ، ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء ، ومن قرأها ثلاثاً حشره الله محشر الأنبياء ) . ويسن بعد قراءة السورة المذكورة : اللهم اغفرلي ذنبي ، ووسع لي في داري ، وبارك في رزقي ، ولا تفتني بما زويت عني اه ع ش على م ر .
قوله : ( عقب الفراغ من الوضوء ) ولو مجدداً . والمراد بالعقب فيما يظهر أن لا يطول(1/260)
"""""" صفحة رقم 261 """"""
الوقت بحيث لا تنسب الصلاة إليه عرفاً ، وبحث بعض المتأخرين امتداد وقتها ما بقي الوضوء ، وحمل قولهم عقبه على سن المبادرة لا أن الوقت منحصر في ذلك وفيه نظر . والأقرب ما قلناه . وفي ع ش على م ر : وهل تفوت سنة الوضوء بالإعراض عنها كما بحثه بعضهم ، أو بالحدث كما جرى عليه بعضهم ، أو بطول الفصل عرفاً احتمالات أوجهها ثالثها كما يدل عليه قول المصنف في روضه ، ويستحب لمن توضأ أن يصلي عقبه اه . ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى : ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } ) النساء : 64 ) إلى ) رحيماً } ) النساء : 64 ) وفي الثانية ) ومن لم يعمل سوءاً أو يظلم نفسه } ) النساء 110 ) إلى ) رحيماً } ) النساء 110 ) ومثله الغسل والتيمم كما في شرح م ر .
قوله : ( يندب إدامة الوضوء ) لما قد ورد في الحديث القدسي : ( يا موسى إذا أصابتك مصيبة وأنت على غير وضوء فلا تلومنّ إِلا نفسك ) ولقوله عليه الصلاة والسلام : ( دم على طهارة يوسع عليك الرزق ) ذكره سيدي مصطفى البكري في الوصية الجلية في طريق الخلوتية . قوله : ( ويسن لقراءة القرآن ) جملة ما ذكره من المواضع التي يسن فيها الوضوء ثلاثة وثلاثون . قال في متن العباب : وهو سنة في أربعين محلاً ، وفي جميعها يأتي بنية من نيات الوضوء ، ولا يكفي نية السبب عنها كأن نوى الوضوء لقراءة القرآن بخلاف الأغسال المسنونة ، فإنها تصح نية أسبابها ، والفرق أن معظم مقصودها النظافة ومقصود هذا العبادة ذكره الرحماني . وإذا توضأ بنية سجود تلاوة أو شكر جاز له أن يصلي به الفرض ولو توضأ بنية قراءة القرآن واللبث في المسجد لم يجز له أن يصلي به الفرض ، والفرق أن الطهارة لا تشترط للقراءة بخلاف سجود التلاوة ، فإن من شرط صحته الطهارة ، فلهذا جاز له أن يصلي به الفريضة كما في عيون المسائل .
قال في الخصائص وشرحها : ويستحب الغسل وكذا الوضوء لقراءة حديث ، وروايته وإسماعه والطيب أي التطيب لذلك ، ولا ترفع عند قراءته الأصوات ويقرأ على كل مكان عال أدباً ، ويكره تنزيهاً لقارئه أن يقوم لأحد حال قراءته وإن كان عظيماً ومستمعه كذلك ، وكان الإمام مالك رحمه الله : إذا أراد الجلوس للحديث اغتسل وتطيب ولبس ثياباً جدداً وتعمم وقعد على منصة بخشوع وخضوع ووقار ويبخر المجلس بعود من أوله إلى فراغه أدباً مع المصطفى ، حتى بلغ من تعظيمه أنه لدغته عقرب وهو يحدث ست عشرة مرة فصار يصفرّ ويتلوّى حتى فرغ المجلس وقال : صبرت إجلالاً للمصطفى .
قوله : ( ولقراءة علم شرعي ) هو التفسير والفقه والحديث ، وأما غير الشرعي فلا يطلب له(1/261)
"""""" صفحة رقم 262 """"""
ذلك . قوله : ( ولنوم ) أي ليكون على طهارة ، فربما قبضت روحه . وقوله : ( أو يقظة ) أي عند استيقاظه لما قيل : ( إن الشيطان يعقد على قفا رأس النائم ثلاث عقد ويقول نم ليلاً طويلاً ، فإذا قام ولم يذكر الله ولم يتوضأ بال الشيطان في أذنه فإذا ذكر الله تعالى انحلت عقدة ، فإذا توضأ انحلت ثانية ، فإذا صلى انحلت الثالثة ) اه م ر . وقوله : ( لما قيل إن الشيطان الخ . ) هو حديث مذكور في البخاري ولفظه عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها ، فيصبح نشيطاً طيب النفس وإِلا أصبح خبيث النفس كسلان ) اه . وقوله : ( يعقد ) بفتح أوله من باب ضرب ، والشيطان أي إبليس أو أحد أعوانه . وقوله : قافية هو مؤخر العنق وهو القفا ، وقوله : إذا هو متعلق بيعقد ، وقوله : يضرب على كل عقدة أي لحجب الحس والإدراك عن النائم حتى لا يستيقظ أي وقوله : مكانها بالنصب على الظرفية أي في مكانها أي القافية ، وقوله : عليك ليل طويل أي قائلاً باق عليك ليل طويل ، فليل : مبتدأ مؤخر ، وباق خبر مقدم أو عليك إغراء والتقدير عليك بالنوم ، وقوله : ليل طويل مبتدأ خبره محذوف وتقديره أمامك ليل طويل ، فالكلام جملتان والجملة الثانية تعليل للأولى ، فلو نام متمكناً ثم انتبه فصلى ولم يذكر ولم يتوضأ انحلت عقدة الثلاث ، لأن الصلاة مستلزمة للوضوء والذكر . وقوله : فيصبح نشيطاً أي لما وفقه الله تعالى من وظائف الطاعة خالصاً من عقد الشيطان . وقوله : وإِلا أي بأن لم يفعل الثلاث المذكورة اه . ذكره شراح البخاري إلى هنا ، وفي الحديث : ( ما منكم أحد إِلا وله شيطان ) . قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : ( وأنا إِلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا بأمر إِلا بالخير ) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : ( فضلت على آدم بخصلتين ، كان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه حتى أسلم ، وكنّ أزواجي عوناً لي وكان شيطان آدم كافراً وزوجته عوناً على خطيئته لأنها كانت تناوله من الشجرة ) . فهذا صريح في إسلام قرين النبي ، فيكون النبي مختصاً بإسلام قرينه كما ذكره صاحب آكام المرجان في أحكام الجان . ويسنّ الوضوء عند إرادة الجنب أكلاً أو شرباً لأنه إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة . وقال : ( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً فإنه أنشط في العود ) .
قوله : ( من حمل ميت ) أي من إرادة حمله . قوله : ( أو أحد قبليه ) أي إذا مس كل منهما(1/262)
"""""" صفحة رقم 263 """"""
غير ما له . أما إذا مس مثل ما له بباطن الكف والأصابع ولا مانع هناك من نحو محرمية ونحوها فينقض ، لأنه إن كان موافقاً له فقد مس فرجه ، وإن كان مخالفاً له انتقض وضوؤه بلمسه ، وإن كان الماس مشكلاً لم ينتقض وضوؤه إِلا بلمس القبلين إما من نفسه أو غيره اه . والضابط أنه يسن من كل ما فيه خلاف أنه ينقض كمس الميت أي إذا كان الماس ذكراً والميت ذكراً أو أنثى والميت أنثى ومس الأمرد الحسن والمنفتح فوق المعدة وفرج البهيمة وكالبلوغ بالسن والقيء ورفع اللصوق عند توهم الاندمال ، فرآه لم يندمل ، والردة . قوله : ( وعند الغضب ) ولو لله لخبر : ( إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ) اه . قال الراغب : والغضب ثوران دم القلب عند إرادة الانتقام وسببه هجوم ما تكره النفس ممن هو دونها أو مثلها . قوله : ( والمراد بالوضوء ) أي في جميع هذه المواضع . قوله : ( لا اللغوي ) الذي هو مجرد غسل اليدين . قوله : ( ولا يندب للبس ثوب ) جملة ما ذكره أحد عشر موضعاً .
فصل : في الاستنجاء
أي : وآداب قاضي الحاجة ولا يعد خللاً لأنه ترجم لشيء وزاد عليه كما قاله شيخنا م د ، وفيما قاله نظر لأنه إنما يكون إذا كانت الترجمة والزيادة لواحد ، وما هنا ليس كذلك إذ الترجمة للشارح والزيادة للمصنف وهي الآداب .
فائدة : قال ابن عباس رضي الله عنهما : شرع الاستنجاء لوطء الحور العين ، وغسل اليدين إلى الكوعين للأكل من موائد الجنة ، والمضمضة لكلام رب العالمين ، والاستنشاق لروائح الجنة ، وغسل الوجه للنظر إلى وجهه الكريم ، وغسل اليدين إلى المرفقين للأساور ، ومسح الرأس للتاج والإكليل وهو شيء يوضع فوق العمامة التي هي التاج ، والإكليل كالشال . ومسح الأذنين لسماع كلام رب العالمين ، وغسل الرجلين للمشي في الجنة اه . وجميع ما ذكر في هذا الفصل من الآداب محمول على الاستحباب ، إِلا ترك الاستقبال والاستدبار في غير معد بدون الساتر فواجبان . وكذا الاستنجاء بشروطه وهو من خصائصنا كما في سم . وظاهره أنه لا فرق بين كونه بالماء أو بالحجر ويعارضه ما نقله طب أن الخصومية بالحجر لا بالماء . وقال الشوبري : إنه بالماء من الشرائع القديمة ، وبالحجر من خصوصيتنا ، وما ورد من أن الأعراب كانت تستنجي بالأحجار كان من غير شرع ، بل كان من إزالة النجاسة عنه ، وشرع مع الوضوء ليلة الإسراء . وقيل : أول المبعث وهو بالحجر رخصة كما يأتي ، وإنما جاز للعاصي بسفره لأنهم توسعوا فيه ما لم يتوسعوا في غيره من الرخص .(1/263)
"""""" صفحة رقم 264 """"""
قوله : ( وهو طهارة مستقلة ) أي فلذلك عقد له فصلاً .
وقوله : ( على الأصح ) متعلق بقوله : مستقلة أي فليس من إزالة النجاسة ، وسيأتي في كلامه أنه منهما أي في قوله إزالة للنجاسة وعليه المتأخرون ، فإن أراد أن إزالته ليست على طريق إزالتها لأنه يكفي فيه الجامد فهو مسلم . وأركان الاستنجاء أربعة : مستنج ومستنجى به ومستنجى منه ومستنجى فيه . قوله : ( وأخره المصنف الخ ) ومن قدمه عليه كالمنهاج نظر إلى تعين تقديمه على الوضوء في حق من ذكر . قوله : ( مع قيام المانع ) أي من الصلاة وهو النجاسة ، بخلاف التيمم فإنه مبيح ولا تحصل الإباحة مع المانع . قوله : ( وهو الظاهر ) معتمد . وما في حاشية ا ج غلط ، تبع في ق ل وعبارة ا ج قوله : وهو الظاهر اعتمد م ر وأتباعه وخلافه ، ولعله المراد ببعض المتأخرين في كلام الشارح اه ق ل ، وهذا والذي في كلام م ر أنه يتعين في حقه تقديم الاستنجاء على وضوئه كما قاله الشارح .
قوله : ( فكان أقوى ) هو من تتميم التعليل فتلخص أن الاستنجاء لا يجوز تأخيره عن التيمم ولا عن وضوء الضرورة .
قوله : ( والاستنجاء استفعال ) أي على وزنه . قوله : ( من طلب النجاء ) يقتضي أن السين والتاء للطلب ، ويصح أن يكونا زائدتين ، وأشار إليه قوله : وهو مأخوذ من نجوت أي من مصدره وهو النجو . والظاهر أن من بيانية أي وهو طلب النجاء بالمد أي السلامة من المضار دنيا وأخرى ، وقد يقصر كما في المصباح وهذا معناه لغة ، وأما شرعاً فهو إزالة الخارج(1/264)
"""""" صفحة رقم 265 """"""
من الفرج عن الفرج بماء أو حجر بشرطه الآتي ، وأو للتنويع أي أن أحد النوعين مجزىء وحده ولو مع تيسر الآخر ، وليست أو للتخيير لأن الجمع جائز . قوله : ( إذا قطعتها ) بفتح التاء على الأشهر في المفسر بإذا دون المفسر بأي فإنه يضم التاء قال في المغني :
إذا كنيت بأي فعلا تفسره
فضم تاءك فيه ضم معترف
وإن تكن بإذا يوماً تفسره
ففتحة التاء فيه غير مختلف
أي غير مختلف فيه على فتح اللام وعلى كسرها بمعنى أن الفتحة لا تختلف . ومحل فتح التاء بعد إذ إن كان العامل فيها المقدر يقول : وأما إذا كان أقول فتضم التاء ، لكن المشهور تقدير تقول قبل إذا ، ومن ثم قال المحشي بفتح التاء على الأشهر . قوله : ( لأن المستنجي يقطع ) الأولى أن يقول كغيره فكان الخ . لأن القطع لا يكون إِلا في ذي الأجزاء التي فيها شدة اتصال فما هنا شبيه بالقطع الحقيقي كما قرره شيخنا . قوله : ( فكأن قاضي الحاجة يطلب الخ ) لعله إنما عبر بكأن لأن قاضي الحاجة قد لا يلاحظ بإخراج الأذى طيب نفسه ، أو لأن الطيب من العطر ما له رائحة طيبة ، وقاضي الحاجة لا يطلب طيب نفسه بالعطر ، وفي المصباح الاستطابة الاستنجاء . يقال استطاب وأطاب إطابة لأن المستنجي تطيب نفسه بإزالة الخبث عن المخرج .
قوله : ( وتطلق الثلاثة ) وهي الاستنجاء والاستطابة والاستجمار اه . قوله : ( واجب ) خبر قوله : والاستنجاء أي الفعل وهو الإزالة فغيره الشارح وجعل قوله استفعال خبراً له فيقدر حينئذ لقوله واجب ومبتدأ بأن يقال وهو واجب ، ويصح إبقاء كلام المتن على حاله ويقدر لقول الشارح استفعال مبتدأ محذوف أي : والاستنجاء ووزنه استفعال ، والمراد بقوله واجب في حق غيره النبي ، وكذا بقية الأنبياء على الأصح لطهارة فضلاتهم .
وفي حاشية الرحماني على التحرير تنبيه : فضلات الأنبياء طاهرة على المعتمد ، واستنجاؤه منها مبالغة في الطهارة لأجل التشريع والتنزيه عنها لقذارتها وتعتريه الأحكام الخمسة : الأوّل : الوجوب وهو من كل خارج ملوث . الثاني : الاستحباب وهو من دود وبعر بلا لوث . الثالث : الكراهة وهو من الريح . الرابع : الحرام وهو بالمطعوم المحترم . الخامس : الإباحة وهو الأصل ، وتوقف ع ش في كون الأصل فيه الإباحة وقال : وانظر ما وجهه وما(1/265)
"""""" صفحة رقم 266 """"""
صورته ، إِلا أن يراد أنه مباح قبل دخول الوقت ووجوبه ليس على الفور ، بل عند إرادة نحو الصلاة أو خوف الانتشار أي انتشار النجاسة . أي وإن كان يجزىء فيه الجامد ، لأن هذا وإن لم يكن من التضمخ الذي هو استعمال النجاسة في بدنه فغير عذر إِلا أنه ملحق به كما في ح ل . وقال بعضهم : الاستنجاء واجب فوراً عند القيام إلى الصلاة حقيقة أو حكماً بأن دخل وقتها ولم يرد فعلها في أول وقتها .
والحاصل : أنه بدخول الوقت وجب الاستنجاء وجوباً موسعاً بسعة الوقت ومضيقاً بضيقه كبقية الشروط ، ولو اقتضى الحال تأخير الاستنجاء فخفف بوله في يده حتى لا يصيبه جاز اه م ر سم على ابن حجر . وظاهر أنه لا فرق بين أن يجد ما يجفف به المحل أولاً .
قوله : ( من كل خارج ملوث ) وإن كان قذراً لا يزيله إِلا الماء أو صغار الخزف ، ويكفي فيه الحجر وإن لم يزل منه شيئاً ولا يجب عليه استعمال صغار الخزف المزيلة ح ف . وصرح به الزيادي .
وقوله : ( ملوث ) أي خارج من الفرج ولو قليلاً يعفى عنه بعد الحجر لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ، ويكفي فيه الحجر وإن لم يزل منه شيئاً ، وقد يقال ما فائدته : اللهم إلا أن يقال نظيره إمرار الموسى على رأس الأقرع اه رحماني . ويستثنى من الملوث المنيّ . قوله : ( ولو نادراً ) الغاية تقتضي أن النادر فيه خلاف وليس كذلك ، وإنما الخلاف هل يكفي فيه الحجر أم لا ؟ نعم يكفي على المعتمد ع ش ، فالغاية للرد بالنظر للحجر وللتعميم بالنظر للماء . قوله : ( إزالة ) قيل إنه مفعول لأجله . واعترض بأن الفاعل لم يتحد لأن فاعل الإزالة الشخص ، وفاعل الوجوب الاستنجاء إِلا أن يقال الفاعل اتحد بالمعنى والتأويل والتقدير ، ويستنجي الشخص وجوباً إزالة أو يقال إنه على لغة من لا يشترط الاتحاد في الفاعل . وفيه أنه يلزم عليه تعليل الشيء بنفسه ، لأن الاستنجاء إزالة أيضاً فكأنه قال تجب الإزالة لأجل الإزالة . وأجيب : بأنه من تعليل الخاص بالعام لأن الاستنجاء إزالة خاصة . وقوله : إزالة للنجاسة عالم لكل نجاسة . وأجاب ح ف : بأنا نجرد الاستنجاء عن معنى إزالة النجاسة أي أنه بمعنى استعمال الماء أو الحجر في محل الخارج . وبعد هذا كله ففيه أنه قاصر على الاستنجاء بالماء لا يشمل الاستنجاء بالحجر لأنه مخفف كما يأتي ، فلعل فيه حذفاً ، والتقدير إزالة للنجاسة أو تخفيفاً لها أخذاً مما بعده فتأمل . وأجيب : بأن المعنى إزالة لعين النجاسة وأثرها أو لعينها فقط .
قوله : ( بل عند الحاجة إليه ) أي إذا لزم تضمخ بالنجاسة أو عند القيام للصلاة أو ضيق(1/266)
"""""" صفحة رقم 267 """"""
الوقت أو قضاء الحاجة بمكان لا ماء فيه ، وعلم أنه لا يجد الماء في الوقت وقد دخل ، فيجب عليه فوراً الاستجمار قبل الجفاف ، بخلاف ما إذا قضى حاجته قبل الوقت . قوله : ( أو ما في معناها ) لا حاجة إليه لأنه من الحجر الشرعي حقيقة عند الفقهاء ، لأن المراد به عندهم كل جامد طاهر قالع غير محترم كما في المنهج إِلا أن يريد بالحجر حقيقته الأصلية ق ل قوله : ( ثم يتبعها ) ثم هنا لمجرد الترتيب أي من غير اعتبار المهلة ع ش . قوله : ( بالماء ) ولو من ماء زمزم ويجزىء إجماعاً ، والمعتمد أنه خلاف الأولى ، ومشى في العباب على التحريم مع الإجزاء ، وأهل مكة يمتنعون من استعماله في الاستنجاء ، ويشنعون التشنيع البليغ على من يفعل ذلك ، ومقصودهم بهذا مزيد تعظيمها ، ويلحق به ما نبع من بين أصابعه وماء الكوثر اه .
قوله : ( وقضية الخ ) هو المعتمد بل قد يحب بالنجس إن لم يكفه الماء إِلا معه اه ق ل . قوله : ( المعنى ) أي العلة يعني قول لأن العين تزول الخ .
قوله : ( والظاهر أن بهذا ) أي بعدم اشتراط الطهارة والاكتفاء بدون الثلاث ، واسم أن ضمير الشأن وبهذا متعلق بالخبر . قوله : ( حجارة الذهب والفضة ) خرج بالحجارة المطبوع أو المهيأ منهما للاستنجاء فيحرم ويجزىء ، وشمل غير المهيأ الدراهم والدنانير المضروبة ، فإنها لم تطبع للاستنجاء بل للتعامل بها ، فيجوز الاستنجاء بها على ما اقتضاه كلامه ع ش على م ر .
قوله : ( وحجارة الحرم ) ولا كراهة فيها . والمراد بالحرم غير المسجد أما هو فيحرم الاستنجاء بأحجاره المنفصلة عنه مع البطلان ما لم تبع ويحكم بصحة بيعها حاكم وإِلا أجزأ الاستنجاء بها . نعم يكره من حجارة أرض مغضوب على أهلها كما مر في الماء ، واستظهر(1/267)
"""""" صفحة رقم 268 """"""
بعضهم عدم الكراهة هنا لأنه استعمال في القذر اه ق ل . واستظهر الشوبري الكراهة في حجارة الحرم إن وجد غيرها . وفي سم على أبي شجاع وفي إجزاء الاستنجاء بالحجر الأسود نظر اه . أقول : والذي ينبغي الجزم به عدم إجزائه لأنه لا ينسب للحرم إلا من حيث إنه فيه ، وإِلا فليس هو من حجارة الحرم بوجه وله شرف لا يثبت في غيره ، بل احترامه أقوى من احترام ما كتب عليه اسم صالح من صلحاء المؤمنين ، ونقل عن زي بالدرس ما يوافقه اه . ويجزىء الاستنجاء بفضلاته أي غير بوله ، أما هو فلا يجوز الاستنجاء به ولا يجزىء لأنه لا يقال له ماء مطلق بناء على الراجح من طهارتها كما في ع ش على م ر .
قوله : ( أن يقتصر فيه ) أي الاستنجاء . قوله : ( لأنه الخ ) ذكر الحديث الأول لبيان الجواز ، والثاني للوجوب ، والثالث لعدم جواز النقص عن الثلاث كما قاله العلامة ق ل . وقال شيخنا العشماوي : إنما جمع بين هذه الأحاديث لأن الأول يحتمل إنه خصوصية له ، لأن المعنى أن فعله دل على جوازه لا أنه جوزه بالقول . وقوله : ( وأمر به ) الخ . أتى به لأنه عام لنا وله ، إِلا أنه لا يفهم منه عدم الإجزاء بأقل من ثلاثة أحجار لأن العدد لا مفهوم له ، فلذا أتى بالثالث . قوله : ( جوزه ) أي شرعه فلا ينافي أنه واجب . قوله : ( حيث فعله ) أي لأنه فعله فهي للتعليل . قوله : ( بقوله ) الباء بمعنى في ، وهو متعلق بأمر فلا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى واحد بعامل واحد لأنهما مختلفان . وفي شرح السعد على البردة تخصيص هذه القاعدة بما إذا لم يصح إبدال الثاني من الأول ، فإن صح فلا امتناع كما هنا ، فيصح التركيب ولو بقطع النظر عن كون الثانية بمعنى في ، أو يقال إن الأول تعلق به وهو مطلق والثاني وهو مقيد . قوله : ( أمران ) عدّ في المنهج قوله بأن يعم شرطاً فتكون الشروط ثلاثة . قوله : ( بأطراف حجر ) فإن لم يتلوث في الثانية فتجوز هي والثالثة بطرف واحد ، لأنه إنما خفف النجاسة فلا يؤثر فيه الاستعمال بخلاف الماء ولكون التراب بدله أعطي حكمه حج .(1/268)
"""""" صفحة رقم 269 """"""
قوله : ( عن سلمان ) أي الفارسي ، قيل له من أبوك يا سلمان ؟ فقال أبي الإسلام . وفي الحديث : ( إن الجنة لتشتاق إلى سلمان ) وقال في حقه : ( سلمان من أهل البيت ) . قوله : ( نهانا رسول الله الخ ) وصيغة النهي لا يستنتج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار اه . قوله : ( ينقي بهن المحل ) فلو شك بعد الاستنجاء هل مسح ثلاثاً أو أقل ، أو هل وجدت شروطه أو لا ، لم يضر على المعتمد كما في ع ش . وقال الشوبري : يضر لأن الاستنجاء بالحجر رخصة ولا يصار إليها إِلا بيقين ، قال شيخنا ح ف : معناه أنه إذا شك في شرط من شروط الرخصة قبل الإقدام عليها لا يجوز الإقدام عليها ، لأن الرخصة لا يصار إليها الخ . فإذا شك قبل الاستنجاء بالحجر هل هذا الحجر وجدت فيه شروط الاستنجاء أو لا ؟ لا يجوز له الإقدام على الاستنجاء به ، وهذا معنى قولهم الرخصة لا يصار إليها إِلا بيقين ، ويمكن حمل كلام الشوبري على ما إذا كان الشك قبل الاستنجاء فوافق ما قاله ح ف . ولا يخالف كلام ع ش . قوله : ( أي بالأحجار ) خص الحجر بذكر الإنقاء معه لكون الإنقاء بالماء أمره ظاهر ع ش . قوله : ( فإن لم ينق ) بضم الياء وكسر القاف أي الشخص ويصح فتح الياء والقاف أي المحل . قوله : ( إلى أن لا يبقى إِلا أثر ) أي لأن ذلك معفو عنه ، وهذا تصريح منهم بأنه لا تجب إزالة هذا الأثر بصغار الخزف ، وعبارة ابن حجر وبقاء ما لا يزيله إِلا صغار الخزف معفو عنه ، ولو خرج هذا القدر ابتداء وجب الاستنجاء منه وفرق ما بين الابتداء والانتهاء ، ولا يتعين الاستنجاء بصغار الخزف المزيلة بل يكفي إمرار الحجر وإن لم يتلوث كما اكتفى به في المرة الثالثة حيث لم يتلوث في الثانية ذكره ح ل وع ش على م ر .
فإن قلت : إن في العبارة طولاً وهلا اقتصر على قوله إلى أن يبقى أثر لا يزيله الخ ؟ أجاب العلامة الإطفيحي نقلاً عن شيخه البابلي : بأنه لو اقتصر على ذلك لتوهم أن بقاء هذا الأثر مطلوب فتأمل .(1/269)
"""""" صفحة رقم 270 """"""
قوله : ( وفي معنى الحجر ) أي الوارد في الحديث .
قوله : ( كل جامد ) أي خال عن الرطوبة . وقوله : ( قالع ) ولو بالحرير للرجال والنساء خلافاً لمن خصه بهن دونهم ، فيباح للرجال على المعتمد لأنه استعمال امتهان ، وكذا يصح الاستنجاء بحجر مغصوب كنظيره في الماء والخف ، ومثله الموقوف وجدار الغير بغير إذنه أو ما يقوم مقام الإذن لأن حرمة ذلك لأمر عارض كما في الشوبري على التحرير . قوله : ( وبالطاهر النجس ) وإنما جاز الدبغ بنجس لأنه عوض عن الزكاة الجائزة بمدية نجسة بخلاف الحجر اه شرح العباب لابن حجر . قوله : ( والمتنجس كالماء القليل ) اعترض بأن الماء القليل خرج بالجامد ، وبأنه لا فائدة في التقييد بالقليل ، إذ الكثير المتنجس مثله قاله شيخنا م د وقال شيخنا العشماوي ، قوله : كالماء القليل أي قياساً على الماء القليل كما في شرح الروض ، فغرضه القياس لا التمثيل فاندفع ما للمحشي . قوله : ( وبالقالع نحو الزجاج ) مما لا يقلع لملاسته كالقصب الأملس ، أو رخاوته كالفحم الرخو ، أو تناثر أجزائه كالتراب المتناثر . قوله : ( والقصب الأملس ) من الملامسة وهي النعومة أي البوص الناعم ، وهو اسم لكل ذي أنابيب أي عقد فيشمل البوص والذرة والخيزران كما قاله البرماوي ، ومحل عدم إجزائه في غير جذوره ، وفيما لم يشق كما في ع ش على م ر . قوله : ( وبغير محترم المحترم ) أي فيحرم ولا يجزىء ومنه جزء مسجد . قوله : ( كالخبز ) إِلا إذا حرق فيجوز لخروجه عن المطعوم بحرقه كما قاله الزيادي ، وهذا بخلاف العظم فإنه لا يجزىء ، وإن حرق ودخل في العطم السن والظفر والقرن ، فإنه لا يصح الاستنجاء بشيء منها . قال شيخنا : والتعليل باكتساء اللحم جرى على(1/270)
"""""" صفحة رقم 271 """"""
الغالب ليشمل السن وغيره . قال سم : ويجوز حرق العظم بخلاف حرق الخبز لأنه ضياع مال ، ويجوز إلقاء الخبز أو العظم للكلاب وإن لزم عليه تنجسه ، لأن الرامي لم يقصد تنجيسه ولو حصل بفعله ، بل لو قصده لا يضر لأن محل حرمة التنجيس إذا لم يكن لحاجة ، وهذا لحاجة أي حاجة وهي إزالة ضرورة الكلاب ، وإبقاء أرواحها . ومثل ذلك في الجواز إلقاء نحو قشور البطيخ للدواب ، وإن أدى إلى تنجيسها ، والعظم للهرة وإن كانت الأرض التي يرمي عليها نجسة اه ع ش على م ر .
قوله : ( نهى عن الاستنجاء بالعظم ) ظاهره ولو غير مذكى ، وينبغي تخصيصه بالمذكى أخذاً من قوله : إخوانكم بناء على أنهم مكلفون بما كلفنا به تفصيلاً إِلا ما ورد النص باستثنائه ع ش على م ر . قوله : ( زاد إخوانكم ) وهل نفس العظم هو المطعوم لهم أو يعود لهم ما كان عليه ويأكلونه معه ؟ الظاهر الثاني .
قوله : ( أي من الجن ) أي المؤمنين منهم . وقد ثبت في الصحيح : أنهم سألوا النبي الزاد ، فقال : ( كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في يد أحدكم أوفر ما كان لحماً وكل بعر علف لدوابكم ) زاد ابن سلام : ( إن البعر يعود خضراء أو تبناً لدوابكم ) . وكفارهم يأكلون عظم الميتة . قال بعضهم : وفي الحديث تصريح بأن الجن يأكلون ، وبه يرد على من زعم أنهم يتغذون بالشم . وعن وهب بن منبه : أن خواص الجن لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون اه برماوي . وهذا هو المعتمد .
قوله : ( ولأن الاستنجاء بالحجر رخصة ) في كونه من الرخص نظر ، إذ يعتبر فيها تغير الحكم إلى سهولة لأجل عذر وهنا لا عذر في الاستنجاء بالحجر ، إذ يجوز ولو مع وجود الماء ولا سهولة أيضاً لأن التغير من وجوب إلى وجوب ، وميل النفس إلى الاستنجاء بالماء أكثر إِلا أن يكون مراده بالرخصة مطلق السهولة الذي هو معناها لغة . قوله : ( كالحشيش ) قال في التقريب : الحشيش ما يبس من الكلأ ، ولا يقال للرطب حشيش بل كلأ . قوله : ( بناء على ثبوت الربا فيه ) أي وعدمه ، فالثبوت ينبني عليه عدم الإجزاء ، وعدمه ينبني عليه الإجزاء . قوله : ( لأنه يدفع النجس ) أي لا يتنجس أي في الجملة يعني بالنظر للماء الكثير أو القليل(1/271)
"""""" صفحة رقم 272 """"""
الوارد . قوله : ( والفواكه ) عطف خاص . قوله : ( ففيها تفصيل الخ ) قال في شرح الروض نقلاً عن المجموع : وأما الثمار والفواكه فمنها ما يؤكل رطباً لا يابساً كاليقطين ، فيجوز به يابساً إذا كان مزيلاً لا رطباً . ومنها ما يؤكل رطباً ويابساً . وهو أقسام : أحدها : مأكول الظاهر والباطن كالتين والتفاح والسرجل ، فلا يجوز برطبه ولا يابسه . والثاني : مأكول ظاهره دون باطنه كالخوخ والمشمش وكل ذي نوى فلا يجوز بظاهره ويجوز بنواه المنفصل . والثالث : ما له قشر ومأكوله في جوفه ، فلا يجوز بلبه ، وأما قشره فإن كان لا يؤكل رطباً ولا يابساً كالرمان جاز الاستنجاء به ، سواء كان حبه فيه أو لا . فإن أكل رطباً ويابساً كالبطيخ لم يجز في الحالين ، فإن أكل رطباً فقط كالجوز والباقلا جاز يابساً لا رطباً .
قوله : ( ومن المحترم الخ ) وجزء آدمي ولو مهدراً كحربي ولو منفصلاً ، وجزء حيوان ولو من نحو صوف وشعر متصلاً ، ومنه شعر القنفذ فيجوز به منفصلاً من مذكى أو حي ، وإِلا فلا . هكذا رأيت التفصيل بخط الميداني اه م د . وفي حاشية الأجهوري : التردد في شعر القنفذ هل يلحق بالشعر أو العظم ؟ وعبارة الرحماني ولا يجزىء الاستنجاء بحيوان أو جزئه المتصل أو المنفصل ، نعم يجوز الاستنجاء بالحربي لقدرته على عصمة نفسه وتركها ، ولا بما كتب عليه اسم معظم أو منسوخ لم يعلم تبديله ، ويحرم على غير عالم مستبحر مطالعة التوراة إن علم تبديلها أو شك فيه ، ومن المحترم أيضاً كتب علم محترم كمنطق وطب خلياً من محذور كالموجودين اليوم ، لأن تعلمهما فرض كفاية لعموم نفعهما وليس للمحروق احترام لذاته خلافاً للسبكي اه ابن حجر .
قوله : ( اسم معظم ) كاسم نبي كتب بقصد اسمه ، أو أطلق بخلاف ما لو كتب بقصد غيره ، ولا يلحق بعوامّ الملائكة عوام البشر ، وإن كانوا أفضل منهم لأن عوام الملائكة معصومون ، وقد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل .
قوله : ( فإنها تنفع في العلوم الشرعية ) أما منفعة الطب فيها فإنه يرجع للطبيب في الأمراض إذا أخبر المريض بأن الماء يضره تيمم ، وأما منفعة العروض فإنه يعلم به أن القرآن ليس بشعر ، لأن الشعر كلام موزون مقفى عن قصد ، وما وجد من الآيات موزوناً فليس مقصوداً به الشعر . قوله : ( مشتمل عليها ) أي على الفلسفة . قوله : ( فلا ) أي فلا يحرم الاستنجاء به .(1/272)
"""""" صفحة رقم 273 """"""
قوله : ( وعلى هذا التفصيل ) أي على أحد شقي هذا التفصيل . قوله : ( مطلقاً ) أي سواء انفصل أو لا . وظاهره سواء انقطعت نسبته عنه أم لا . وهو كذلك . ويفارق المس حيث جوّز إن انقطعت نسبته له بغلظ الاستنجاء دون المس اه . وعلى قياسه كسوة الكعبة إِلا أن يفرّق بأن المصحف أشد حرمة اه ح ل .
قوله : ( وشرط الاستنجاء الخ ) حاصل ما ذكره من الشروط خمسة وترك سادساً ، وهو أن لا ينقطع الخارج ، وحكمه كما في شرح المنهج أن المنقطع يتعين فيه الماء والمتصل بما على المنفذ يجزىء فيه الحجر . والحاصل : أن الشارح ذكر للحجر شروطاً من حيث استعماله ، وهما شرطان تقدما في قوله : ويجب في الاستنجاء بالحجر أمران الخ . وشروطاً في المحل من حيث الخارج وهي ما ذكر ههنا ، وشروطاً من حيث ما يستعمل فيه ، وهو أن يكون في فرج معتاد إلى آخر ما يأتي ، وله شروط في نفسه ، وهو أن يكون جامداً طاهراً قالعاً غير محترم .
قوله : ( أن لا يجف ) بكسر الجيم وفتحها . قوله : ( النجس ) لا حاجة إليه مع قوله الخارج إذ لا يكون إِلا نجساً اه ع ش . قوله : ( نعم لو بال ثانياً ) يؤخذ منه أن المسألة مصورة بما إذا كان الثاني من جنس الأول ، فلو بال وجف ثم خرج منه دم أو قيح فإنه يتعين الماء اه زي . ومثل الدم في ذلك الودي والمذي ، نعم يغتفر الودي والدم الخارج عقب البول فيكفي الحجر ، ونقل عن تقرير الزيادي خلاف ما ذكره في الحاشية ، والمعتمد أن الودي والمذي كالبول وهو الذي اعتمده ع ش اه . والذي أفتى به م ر تعين الماء إذا اختلف الجنس اه اج . قوله : ( ووصل إلى ما وصل إليه الأول ) أي وإن زاد على محل الأول اه ا ج . فالشرط عدم نقصان الثاني عن الأول . قوله : ( وأن لا ينتقل ) أي مع الاتصال ، وأما قبل الاستقرار فلا يضر الانتقال إِلا إذا جاوز الصفحة والحشفة كما قرره شيخنا ح ف . قال ع ش على الغزي : ولم يذكر التقطع ، ولعله أراد بالانتقال ما يشمله ، ويظهر أن بينهما عموماً وخصوصاً ، لأن مفهوم الانتقال الاستقرار ، ثم السيلان بتقطع أو لا والتقطع أن يكون بين أجزاء الخارج تقطع ابتداء اه .(1/273)
"""""" صفحة رقم 274 """"""
قوله : ( وأن لا يطرأ ) الطروّ ليس بقيد بل لو كان الأجنبي موجوداً قبل كان الحكم كذلك برماوي . قوله : ( نجساً كان ) أي مطلقاً . قوله : ( أو طاهراً رطباً ) هل مثل ذلك مثل المحل فيما إذا استنجى بالماء ثم قضى حاجته أيضاً قبل جفافه ، ثم أراد الاستنجاء بالحجر فليتأمل سم على حج . وقضية إطلاقهم تعين الماء إذ لم يستثنوا إِلا العرق اه ا ج . فقول الشارح الآتي بعرق المحل قيد . قوله : ( معتاد ) لو قال أصلي لكان أولى ق ل . أي : وإن كان مراده بالمعتاد الأصلي . قوله : ( منسداً ) أي انسداداً عارضاً ، وإِلا كفى فيه الحجر لأنه حينئذ يثبت له جميع الأحكام . قوله : ( إن كان له آلة فقط ) أي يخرج منها البول . قوله : ( ولا في بول ثيب ) خرج بقوله وأن لا ينتقل عن المحل الخ فالمناسب تفريعه عليه . قوله : ( تيقنته ) أما إذا لم تتيقن دخوله فيجزيها الحجر ومثلها البكر . قوله : ( عن مخرجه ) أي محل خروجه الغالب . قوله : ( إذا وصل البول ) أي يقيناً وأما إذا لم يتيقن ذلك أجزأه الحجر . قوله : ( ويجزىء في دم حيض الخ ) وقيل لا يجزىء لعدم الفائدة لأنه لا بد من غسلها فلا تحتاج إلى الاستنجاء بالحجر ورد بما ذكره الشارح بقوله وفائدته الخ . قوله : ( فيمن انقطع ) متعلق بالخبر المحذوف . قوله : ( وعجزت ) أي حساً أو شرعاً . قوله : ( لنحو مرض ) كسفر . قوله : ( ولو ندر الخ ) هذا مكرر مع قوله السابق ولو نادراً كدم وودي ، إِلا أن يقال أتي به هنا توطئة لقوله أما النادر الخ . قوله : ( من الأليين ) بفتح الهمزة تثنية ألية . قوله : ( أما النادر ) أي أما الإجزاء في النادر ، وعبارة غيره(1/274)
"""""" صفحة رقم 275 """"""
أما النادر فيتكرر ويعسر البحث عنه فألحق بالغالب ، وهي أخصر من عبارة الشارح أي فألحق النادر بالأعم الأغلب .
قوله : ( فلأن انقسام الخارج ) أي نوع الخارج ، وإِلا فالذي خرج لا يتكرر لأنه لا يمكن عوده حتى يحصل التكرر . قوله : ( ويعسر البحث عنه ) أي عن الخارج هل هو نادر أو لا ؟ قوله : ( فأنيط الحكم بالمخرج ) أي بخروج المخرج مطلقاً ، والأولى أن يقول بالخارج . قوله : ( فلعسر الاحتراز عنه ) أي الانتشار . قوله : ( وهو مما يرق البطون ) أي ما في البطون فهو مجاز من إطلاق المحل وإرادة الحال فيه . قوله : ( ومن رق بطنه الخ ) رق الثلاثي لازم والمتعدي منه رباعي ، وهو أرق . قوله : ( ولأن ذلك ) أي الخارج يتعذر ضبطه أي حفظه عن الانتشار . قوله : ( أو ما يقوم مقامها ) أي الحشفة . وفي نسخة أو ما يقوم مقامهما وهي غير ظاهرة إذ لم يقم مقام الصفحة شيء ، ويمكن أن يقال يقوم مقامها جوانب الثقب الذي أقيم مقام المنسد حرر . قوله : ( مع الاتصال ) فإن تقطع تعين في المنفصل الماء ، وإن لم يجاوز صفحة ولا حشفة ، فإن تقطع وجاوز بأن صار بعضه باطن الألية أو في الحشفة وبعضه خارجها فلكل حكمه . وفي شرح م ر : أنه يعفى عن مجاوز الصفحة والحشفة فيمن ابتلي به دائماً بشرط أن يفقد الماء اه م د . قوله : ( من إزالة ) بيان لمقصود ، والمراد إزالتها بالماء . وقوله : ( أو تخفيفها ) أي بالحجر .
قوله : ( والواجب في الاستنجاء أن يغلب على ظنه ) أي استعمال الماء إلى أن يغلب الخ . وكان المناسب أن يقول استعمال قدر من الماء يغلب على الظن زواله ، إذ عبارته فيها إبهام . قال ق ل : وعلامته ظهور الخشونة بعد النعومة ، ولا يتصوّر فيه تثليث وإن ذكره شيخنا م ر فراجعه اه . وعبارة م ر في شرحه : أما الاستنجاء بالماء فيسن فيه التثليث كسائر النجاسات ، كما أفتى به الوالد رحمه الله اه . قال ع ش : ومعناه أنه إذا استعمل ماء حتى غلب على ظنه زوال النجاسة فهي كالغسلة الواحدة فيسن أن يأتي بثانية وثالثة اه . قوله : ( ولا يضر شم ريحها بيده ) .(1/275)
"""""" صفحة رقم 276 """"""
فائدة : إذا أردت أن لا يظهر للنجاسة ريح في يدك فبلها بالماء قبل الاستنجاء اه ح ف .
قوله : ( وإن حكمنا على يده بالنجاسة ) أي فلا تصح صلاته قبل غسلها ويتنجس ما أصابها مع الرطوبة إن علم ملاقاتها العين محل النجاسة ، بخلاف ما لو شك على الإصابة بموضع النجاسة أو غيره لأنا لا ننجس بالشك اه ع ش على م ر . قوله : ( لأنا لم نتحقق الخ ) قال ابن حجر : إِلا أن شمها من الملاقي للمحل فإنه دليل على نجاستهما . قلت : وهو مستفاد من التعليل ، وهو قوله : لأنا لا ننجس بالشك ، وأما التعليل الثاني وهو قوله : ولأن هذا المحل خفف فيه يقتضي عدم تنجس المحل سواء شمها من الملاقي أم لا . قال الزيادي : وإطلاقهم يخالفه أي ولا فرق بين أن يشمها من الملاقي أو لا للعلة الثانية اه ا ج . وقال شيخنا العزيزي : مقتضى العلة الأولى الحكم بنجاسة الموضع حيث تحقق أن الريح من المحل الملاقي للنجاسة ، وليس كذلك بل يحكم بطهارة الموضع وإن تحقق ذلك فالمعوّل عليه العلة الثانية وهي قوله : ولأن هذا المحل إلى الخ . فتستصحب غلبة ظن زوال النجاسة ، وكلام ابن حجر هو الظاهر لأن الحكم بطهارة المحل بعد تيقن أن رائحة النجاسة في المحل الملاقي للدبر بعيد . قوله : ( خفف فيه ) أي في هذا المحل يؤخذ منه أنه لو توقف إزالة الرائحة على أشنان أو غيره لم يجب وهو ظاهر للعلة المذكورة ع ش على م ر .
قوله : ( المستنجي ) فيه حذف الفاعل في غير المواضع التي يجوز حذفه فيها . وأجيب : بأنه بدل من الفاعل المستتر في الفعل بدل كل من كل . قوله : ( ولا استنجاء من غير ما ذكر ) أي من غير الخارج الملوث مرحومي . قوله : ( كما قيل به ) أي بنظيره . أي لأنهم قالوا إذا أصاب دخان النجاسة محلاً رطباً فإنه يتنجس . وأجيب : بأنه قياس مع الفارق ، لأن دخان النجاسة نجس والريح طاهر ، وعبارة ابن حجر : ويكره من الريح إِلا إن خرج والمحل رطب اه . أي فلا يكره ، وإنما استحب الاستنجاء من خروج الدود والبعر الخاليين عن الرطوبة(1/276)
"""""" صفحة رقم 277 """"""
خروجاً من الخلاف لأنهما مظنة لخروج الرطوبة اه إطفيحي . قوله : ( والظاهر كلام الجرجاني ) أي الكراهة مطلقاً وهو المعتمد . قوله : ( اللهم طهر قلبي من النفاق ) يحتمل أن المراد نفاق الإعتقاد أي الإعتقاد الفاسد كاعتقاد المعتزلة ، فيكون المراد أدم تطهيره منه ، أو نفاق العمل فيكون المراد قطع أصوله من القوة الشهوية والغضبية اه . شرح العباب .
قوله : ( ويجتنب الخ ) لو قدم هذا على الاستنجاء لوافق الوضع الطبع ، ولعله خالف ذلك اهتماماً بالواجب ق ل . أي لأن غالب هذا مندوب ، ويجب على الولي منع موليه مما يحرم ويندب منعه مما يكره ق ل . ويؤخذ من هذا حرمة شراء آلة اللهو للولد الصغير ، فقوله : ويجتنب أي المكلف وولي غيره ، وكلام المتن محتمل لكل من وجوب الاجتناب وندبه ، لأنه مفروض في غير المعد بدليل قوله : وفي الصحراء . وذلك لأنه إذا كان بساتر والحالة هذه فالاجتناب مندوب ، وإن كان بدونه فالاجتناب واجب . وكلام الشارح لا يأبى هذا وليس قوله ندباً تخصيصاً للندب بإحدى الصورتين ، بل هو بيان وتفصيل للمراد منه فبينه بقوله ندباً ، وبقوله يحرمان الخ . قوله : ( قاضي الحاجة ) قال بعضهم : أي مريد قضائها اه . والأولى حمل القاضي على القاضي بالفعل ، وعلى مريد قضائها لأن بعض السنن الآتية خاص بالقاضي بالفعل . قوله : ( استقبال القبلة ) أي عين الكعبة يقيناً أو ظناً ، قال في الخادم ، من المهمّ بيان المراد بالقبلة هنا هل هو العين أو الجهة فيحتمل العين ، لأنه المراد حيث أطلق في غير هذا الباب ، ويحتمل الجهة لقوله : ولكن شرقوا أو غربوا اه . ولعل المتجه الثاني ثم رأيت شيخنا م ر قاله ثم اعتمد الأول ع ش على م ر . قوله : ( لذلك ) أي لقضاء الحاجة .
قوله : ( مع ساتر ) قال شيخنا م ر : عريض بحيث يستر العورة وخالفه حج ، وكلام الشارح يوافقه ولو كفاه دون ثلثي ذراع كفى ، أو احتاج إلى زيادة وجبت . وعبارة شرح م ر : ويشترط في عرض الساتر أن يعم جميع ما توجه به سواء في ذلك القائم والجالس اه . قوله : ( مرتفع ) أي في حق الجالس وعلله الأصحاب بأن ذلك يستر من سرته إلى موضع قدميه ، وأخذ منه والد شيخنا أنه لو قضى حاجته قائماً لا بد أن يستر من سرته إلى موضع قدميه صيانة للقبلة وإن كانت العورة تنتهي للركبة اه ح ل . قوله : ( بذراع الآدمي ) راجع لجميع ما قبله . قوله : ( فهما ) أي الاستقبال والاستدبار(1/277)
"""""" صفحة رقم 278 """"""
حينئذ أي حين إذ كان البناء غير معد مع الساتر خلاف الأولى وهو المعتمد .
قوله : ( وفي الصحراء ) واختلف في علة ذلك فقيل لأن الصحراء لا تخلو عن مصلّ من ملك أو جني أو إنسي ، فربما وقع بصره على فرجه فيتأذى ، وقال النووي : إن جهة القبلة معظمة فوجب صيانتها في الصحراء ورخص في البنيان للمشقة . قوله : ( والأصل في ذلك ) أي المذكور من الجواز والتحريم . قوله : ( فلا تستقبلوا ) المراد بالاستقبال والاستدبار أن يستقبل أو يستدبر القبلة بعين الخارج لا بالصدر حتى لو استدبر القبلة وبال أو استقبلها وثني ذكره لغير جهتها وبال ، فلا حرمة اه ق ل خلافاً للزيادي . قوله : ( ولا تستدبروها ) لا يخفى أن المراد باستدبارها كشف دبره إلى جهتها حال خروج الخارج منه بأن يجعل ظهره إليها كاشفاً لدبره حال خروج الخارج ، وأنه إذا استقبل أو استدبر من جهتها لا يجب الاستتار أيضاً عن الجهة المقابلة لجهتها ، وإن كان الفرج مكشوفاً إلى تلك الجهة حال الخروج ، لأن كشف الفرج إلى تلك الجهة ليس من استقبال القبلة ولا من استدبارها خلافاً لما يتوهمه كثير من الطلبة اه شوبري . قوله : ( ببول ولا غائط ) على اللف والنشر المرتب أي لا تستقبلوها ببول ولا تستدبروها بغائط ، لأن الاستقبال جعل الشيء قبالة الوجه والاستدبار جعل الشيء جهة دبره .
قوله : ( ولكن شرقوا أو غربوا ) فإن قلت : إن شرقنا استقبلنا وإن غربنا استدبرنا . قلت : هذا محمول على أهل المدينة ومن داناهم ، فإنهم إذا شرقوا لم يستقبلوا وإذا غربوا لم يستدبروا اه زيادي . قوله : ( قضى حاجته في بيت حفصة ) أي في غير المعدّ مع الساتر كما قاله المرحومي . قوله : ( مستدبر الكعبة ) هذا هو محل الدليل . قوله : ( فرأيته قبل أن يقبض بعام الخ ) فإن قلت : هذا الحديث ظاهر في النسخ فيقتضي الجواز مطلقاً . قلت : هذا ما توهمه بعضهم ، وردّ بأنه محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه أي رآه في المعد لقضاء الحاجة ، ويحتمل أنه رآه في غير المعد مع الساتر لبيان الجواز لأن ذلك هو المعهود من حاله ( صلى الله عليه وسلم )(1/278)
"""""" صفحة رقم 279 """"""
لمبالغته في الستر . قال في الإيعاب : ودعوى أن ذلك من خصائصه لا يلتفت إليها لأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال . قوله : ( فحملوا الخبر الأول ) أي وهو قوله : إذا أتيتم الخ . أي وحملوا الخبر الثاني وهو فعله الشامل لاستقباله الذي رواه جابر ، واستدباره الذي فعله في بيت حفصة على غير المعد مع الساتر ، وهو وإن كان خلاف الأولى ، لكن فعله لبيان الجواز كما أشار له الشارح بقوله كما فعله بياناً للجواز اه .
قوله : ( بخلاف البناء غير المذكور ) وهو النباء غير المعد مع الساتر . قوله : ( غير المذكور ) أي في قوله ويحرمان في البناء غير المعد لقضاء الحاجة . وفي الصحراء بدون الساتر ، وغير المذكور تحته صورتان : أن يكون معداً مطلقاً ، وأن يكون غير معد مع الساتر ، لكن قول الشارح بعد : أما المعد الخ . يقتضي أنه خاص بصورة واحدة وهي الثانية ، ومن ثم اقتصر عليها المحشي . قوله : ( مع الصحراء ) أي ومع الساتر م د . قوله : ( أما المعدّ الخ ) محترز قوله : إذا كان في غير المعد فهو لف ونشر مشوش . واعلم أن الخلاء تارة يعبر عنه الفقهاء بالمعد ، وتارة يعبرون عنه بمأوى الجن ، فالإعداد يحصل بأحد شيئين بالتهيئة للمحل كبيوت الأخلية وإن لم تقض فيها الحاجة بالفعل ، وبقضاء الحاجة بالفعل مع العزم على العود وإن لم يحصل تهيئة للمحل .
قوله : ( ولا خلاف الأولى ) أي ولا هو خلاف الأولى فهو خبر مبتدأ محذوف ، ويصح نصبه على أنه خبر ليكون محذوفة ، وأما كونه معمولاً للا فلا يصح لأنه معرفة بالإضافة ، وهي إنما تعمل في النكرات عملاً بقول الخلاصة :
عمل إن اجعل للا في نكره
قوله : ( فإنهما لا يحرمان للضرورة ) أي حيث غلب على ظنه تنجسه بالخارج وإلا راعى القبلة اه . طبلاوي . قوله : ( وإذا تعارض الخ ) قال شيخنا ق ل : لا يخفى أن هذا التعارض لا يتصوّر وإن ذكره جمع من الفضلاء والعلماء اه . وأقول : يمكن تصويره بأن يكون بمحل لا يتمكن فيه من غيرهما كأن يكون المحل مستطيلاً لجهة القبلة كاللحد ، فلا يدخله الشخص إِلا منحرفاً بجنبه ، فإما أن يستقبل وإما أن يستدبر ، وكان الجدار أقل من ثلثي ذراع ، ولا يمكنه الانحراف إلى غيرهما ويقرّب ذلك أو يعينه ما قاله سم أنه لو قضى الحاجتين لم يجب الستر إِلا من جهة القبلة فقط اه ا ج . وإيضاح ذلك ما قاله بعضهم : وإذا تعارض الاستقبال(1/279)
"""""" صفحة رقم 280 """"""
والاستدبار أي تعذر عليه غيرهما ، وكان كل منهما ممكناً وصوروه بحفرة ضيقة يتعذر فيها غير الاستقبال والاستدبار ، ويمكن فيها كل منهما ، وذلك كاللحد الذي يوضع فيه الميت ، فإنهم يجعلونه بقدر وضع جنب الميت فيه ، فيتأتى فيه الاستقبال والاستدبار ولا يتأتى فيه غيرهما أي : وكان جداره غير عريض بحيث لا يحصل للستر المطلوب ، هذا معنى قوله : وإذا تعارض الخ . وليس معنى تعارضهما أنه لم يمكن إِلا واحد منهما اه .
فرع : أشكل على بعض ضعفة الطلبة قولهم : لو هبت الريح عن يمين القبلة وشمالها جاز الاستقبال والاستدبار ، فلو تعارض الاستقبال والاستدبار قدم الاستدبار ، فتوهم أن المراد بقولهم جاز الاستقبال والاستدبار التخيير بينهما مع إمكانهما وأن المراد بتعارضهما أنه لم يمكن إِلا أحدهما فلا معنى لتقديم والاستدبار وهو خطأ واضح ، بل معنى قولهم جاز الاستقبال والاستدبار أنه يجوز الممكن منهما ، فإن أمكنا فهو معنى تعارضهما ، وهذا واضح . لكن الزمان أحوج إلى التعرض لذلك سم على ابن حجر . قوله : ( تعين الاستدبار ) لأن الاستقبال أفحش . قوله : ( وذلك ) أي التقييد بالحالة المذكورة . وقوله : ( منتف في الثلاثة ) ومحل ذلك ونحوه من الآداب ما لم يغلبه الخارج أو يضره كتمه ، وإِلا فلا حرج . وحينئذ يجب عليهم الغض كما لو احتاج إلى الاستنجاء مع كشف العورة عند حضور من ذكر ، وقد ضاق الوقت فإنه يجب عليه الاستنجاء والحالة هذه ، ولا يخالف ما أفتى به والد شيخنا فيمن خاف فوت الجمعة لو لم يفعل ما تقدم أنه لا يجب عليه أن يفعل ذلك ، بل يجوز له لأن للجمعة بدلاً ولا كذلك الوقت قاله ح ل . قال ع ش على م ر : وينبغي أن كشفها والحالة ما ذكر مستحب لأن غايته أن هذا عذر مجوز للترك ، والأصل في الأعذار أنها مسقطة للإثم فقط ، وتحمل المشقة معها أولى ، وأيضاً فقد قالوا : لو علم من قوم عدم رد السلام سن السلام عليهم وإن أثموا فما هنا كذلك اه بحروفه .
قوله : ( ويجتنب ) أعاده المصنف هنا دون ما بعده إشارة إلى مغايرة الحكم الأول ، وهو اجتناب الاستقبال والاستدبار للحكم الثاني وهو اجتناب البول في الراكد وما بعده اه ع ش . لأن الأول يصدق بالوجوب . قوله : ( والغائط ) وهو أولى بالكراهة . قوله : ( في الماء الراكد ) سواء كان قليلاً أو كثيراً إِلا أن يستبحر بحيث لا تعافه الأنفس بحال ، ويكره في الليل مطلقاً(1/280)
"""""" صفحة رقم 281 """"""
جارياً كان أو راكداً ، سواء استبحر أم لا م ر . فالتفصيل إنما هو في قضاء الحاجة في الماء نهاراً .
والحاصل أنه في الليل مطلقاً وكذا في النهار إلا في الراكد المستبحر والجاري الكثير .
فرع : يندب اتخاذ إناء للبول فيه ليلاً للاتباع ، ولأن دخول الحش يخشى منه ليلاً والنهي عن نقع البول في البيت وتعليله بأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه بول منقع ، كما لا تدخل بيتاً فيه كلب أو جنب أو صورة لا يعارض ذلك لاحتمال أن يراد بالانتفاع طول المكث ، وهو غير لازم من الاتخاذ أو النهي خاص بالنهار ، ورخص فيه ليلاً فتأمله طبلاوي .
قوله : ( وإن كان الماء قليلاً ) معتمد . قوله : ( ولكن يكره في الليل ) أي البول في الكثير الجاري . قوله : ( لما مر ) أي إن الماء مأوى الجن . قوله : ( وينبغي أن يحرم ) ضعيف . قوله : ( مطلقاً ) جارياً أو راكداً . وقوله : ( لأن فيه إتلافاً عليه وعلى غيره ) يؤخذ منه إن محله إذا كان مباحاً أو مملوكاً له . قوله : ( بما تقدم من التعليل ) أي إمكان طهره بالكثرة . قوله : ( فهو كالاستنجاء بخرقة ) أي في أنه يمكن تطهيرها بعد تنجسها فلا يرد أن الاستنجاء لحاجة بخلاف البول في الماء فلا جامع بينهما .
قوله : ( بأن هناك استعمالاً ) لو قال بأن هناك تضمخاً لكان صواباً ق ل . والأولى ما قاله الشارح لأنه ليس هناك تضمخ بالنجاسة بل استعمال . قوله : ( إذا كان الماء له ) أو مباحاً . قوله : ( أو مسبل ) أو موقوف ولو كان مستبحراً كما نقله في شرح العباب خلافاً لما نقله سم في الحل في المستبحر ، وصورة الموقوف أن يقف إنسان ضيعة مثلاً ليملأ من ريعها نحو صهريج أو فسقية ، أو أن يقف بئراً فيدخل فيه ماؤه الموجود والمتجدد تبعاً ، وإِلا فالماء لا يقبل الوقف قصداً اه رشيدي على م ر و ع ش . ويحرم أيضاً الاستنجاء في جدار موقوف أو مملوك ،(1/281)
"""""" صفحة رقم 282 """"""
وينبغي أن يحرم البصاق والمخاط فيه لأنه يؤذي الناس لاستقذارهم ذلك طبلاوي على المنهج . قوله : ( أوله وتعين للطهارة ) ظاهره أنه يحرم ولو كثيراً لاحتمال تنجسه بتغيره ، وعبارة ا ج ظاهره : ولو كان مستبحراً بحيث لاتعافه الأنفس بحال لا حالاً ولا مآلاً مع قضاء الحاجة فيه ، لكن قال سم : في تحريمه في الحالة المذكورة نظر ولو عافته نفس المالك دون غيره ، فالوجه اعتباره دون غيره . قوله : ( أجيب بما تقدم ) أي من أنه يدفع النجس عن نفسه ولإمكان طهر القليل منه بالكثرة . قوله : ( يدفع النجس ) أي باعتبار جنسه أي بالنظر للماء الكثير ، وعبارة الطبلاوي وشمل كلامه الماء العذب فلا يحرم ، وإن كان ربوياً وفارق الطعام بأن له مع إمكان طهره قوّة دفع النجاسة ، ولو في الجملة أو باعتبار جنسه أي بالنظر للماء الكثير فلا يرد أن الماء القليل لا يدفع النجس أي لأنه ينجس به . قوله : ( تحت الشجرة ) المراد بالتحتية ما تصل به الثمرة الساقطة غالباً عادة سم . ولا فرق بين الثمرة المملوكة وغيرها ، والكلام من حيث التنجيس أما من حيث دخول ملك الغير فحرام إن لم يرض أو يعتقد رضاه ، والمراد بالثمرة ما يقصد الانتفاع به بأكل أو غيره كشم ودبغ ولو نحو ورق مما تعاف الأنفس الانتفاع به بعد تلويثه ا ج . وهذا في شجرة في ملكه أو بأرض مباحة أو مملوكة وأذن مالكها أو علم رضاه وإِلا حرم ، فلو كانت له والثمرة لغيره اتجه عدم الحرمة شوبري ، ويكره من جهة الثمرة وعبارة ق ل على الجلال ، وينبغي أن محل الكراهة إذا كانت الثمرة له والأرض له أو كانا مباحين ، وأما إذا كانت الثمرة له دون الأرض فإن جاز له قضاء الحاجة فيها بأن كان المالك يرضى بذلك ، فالكراهة من جهة الثمرة ، وإن لم يجز جاءت الحرمة أيضاً ، وإن كانت الأرض له دون الثمرة ، فالكراهة إن كان بإذن مالكها وإِلا فالحرمة أيضاً ، وإن لم يكن له واحد منهما فإن جاز له قضاء الحاجة ، فالكراهة للثمرة أيضاً . قال العبادي : وسقي الشجر بالماء النجس كالبول أخذاً من العلة فراجعه اه . قوله : ( المثمرة ) أي التي من شأنها أن تثمر ولو في غير وقت الثمرة ، فلا يشترط أن تكون مثمرة بالفعل ، وعبارة ق ل على الجلال : والمراد بما يثمر ما من شأنه ذلك وإن لم يبلغ أوان الإثمار عادة كالودي الصغير . قوله : ( غير متيقن ) ينبغي أن يزاد ولا مظنون(1/282)
"""""" صفحة رقم 283 """"""
سم . قوله : ( بين البول والغائط ) لكن الكراهة في الغائط أشد منها في البول خلافاً لما أشار إليه في الشرح الصغير ، لأن البول يطهر بماء وبجفافه في الشمس والريح في قول . بخلاف الغائط فإنه لا يطهر مكانه إِلا بعد النقل ، ولا يطهر بصب الماء عليه ، ويمكن أن يقال إنها في الغائط أخف من حيث إنه يرى فيجتنب ، ومحل ذلك ما لم يعلم بطهره قبل الثمرة بنحو سيل وإلا فلا كراهة م ر في شرحه .
قوله : ( في الطريق ) أي والحال أنه مباح . أما المسبل والموقوف وملك الغير فيحرم عليه قضاء الحاجة فيه . قوله : ( المسلوك ) وإن لم يكثر طارقوه طب ، ولو زلق أحد في الغائط في الطريق وتلف فلا ضمان على الفاعل وإن غطاه بتراب أو نحوه ، لأنه لم يحدث في التلف فعلاً أي غير جائز وما فعله جائز له ع ش على م ر . والفرق بينه وبين ما قالوه من الضمان بإلقاء القمامات كقشور البطيخ في الطريق أن الأصل أن وجود الغائط في الطريق إنما هو عن ضرورة قامت بفاعله ، بخلاف القمامات أفاده شيخنا ح ف . والعشماوي ، ومثله في ع ش على م ر . وسئل العلامة زي عما لو تغوّط في الطريق فهل يجب عليه أن يغطيه بتراب مثلاً أم لا ؟ فأجاب بأنه لا يغطيه بل يبقيه بحاله ليجتنب اه .
قوله : ( اتقوا اللعانين ) أي اجتنبوا فعل اللعانين أي اتقوا تخلي اللعانين . قالوا : وما تخلي اللعانين ؟ قال : تخلي الذي الخ . فهو على حذف مضاف . والحاصل : أن في هذا اللفظ مجازاً بالحذف أي فعل اللعانين ، ومجازاً عقلياً من باب الإسناد إلى السبب كبني الأمير المدينة لأنهما ملعونان لا لاعنان ، لكن لما تسببا في اللعن نسب اللعن إليهما ، فالمجاز العقلي في لفظ اللعانين ، والمجاز بالحذف في اتقوا اللعانين ، فهو على حذف مضاف أي فعل اللعانين كما تقدم ، وأشار الشارح إلى المجاز العقلي بقوله تسبباً بذلك الخ . وأشار إلى المجاز بالحذف بقوله والمعنى احذروا الخ . قوله : ( الذي يتخلى الخ ) الذي يطلق على المفرد وغيره فهو مطابق لما قبله ، ويدل على ذلك قوله : ( وخضتم كالذي خاضوا ) مرحومي . وقال ع ش : كان الظاهر اللذان يتخليان ليطابق قول السائل وما اللعانان . والجواب : أن أو بمعنى الواو .
قوله : ( أو في ظلهم ) أو للتنويع ، وفي رواية أو في مجالسهم فيكون شاملاً لمواضع(1/283)
"""""" صفحة رقم 284 """"""
الشمس في الشتاء . قوله : ( إذ أصله اللاعنان ) أي أصله الثاني فلا ينافي أن أصله الأول الملعونين . قوله : ( المذكور ) نعت لسبب ق ل ولا يتعين ، بل يجوز أن يكون نعتاً للعن لكن ما ذكره هو المتبادر . قوله : ( البراز ) بدل من الملاعن فهو موضع مجازاً اه شيخنا . قوله : ( كراهته ) معتمد . قوله : ( وينبغي حرمته ) ضعيف . قوله : ( وقيل صدره ) أي أوّله . وهذا الخلاف من جهة اللغة ، وإِلا فلا يترتب عليه حكم ميداني . قوله : ( ما برز منه ) أي ما ظهر منه وإن لم يكن أعلاه فهو أعم منه . قوله : ( أما الطريق المهجور ) محترز قوله المسلوك . قوله : ( في الظل ) محله إذا لم يكن موضع الظل أو الشمس محلاً للمعصية كقبض المكس وإِلا فلا كراهة اه ا ج . قوله : ( موضع اجتماعهم ) أي لنحو حديث مباح أما الحرام فلا يكره بل لو قيل بندبه تنفيراً لهم لم يبعد ، وقد يجب إن لزم عليه دفع معصية ولا يكره في الاجتماع لمكروه إن تيقن ذلك أو ظنه ، وينبغي في الشك الكراهة نظراً إلى أن الأصل في الاجتماع الإباحة اه برماوي . قوله : ( بضم المثلثة ) أي أو فتحها ، بل اقتصر في المصباح عليه وفي شرح البهجة فتح المثلثة أفصح من ضمها ، وشمل قوله الثقب ما حصل بحفره في الحال وهو موضع نظر ، والكلام في غير المعد لقضاء الحاجة سم . قوله : ( النازل ) ويقال له الحجر . قوله : ( مسكن الجن ) وفي الشامل وغيره أنهم قتلوا سعد بن عبادة رضي الله عنه لما بال فيه ومثله الغائط . قوله : ( ينبغي تحريم(1/284)
"""""" صفحة رقم 285 """"""
ذلك ) عبارة ق ل . نعم إن حمل على ظن الإيذاء له أو به ولم يكن مما يندب قتله لم يبعد تحريمه اه بحروفه . قوله : ( حال قضاء الحاجة ) ليس قيداً فالمعتمد الكراهة مطلقاً بمجرد الدخول ولو لغير قضائها ، كأن دخل لوضع إبريق مثلاً أو لسراج أو طال دهليزه . وفي شرح ابن قاسم العبادي على المتن ما يوافق كلام الشارح وهو مرجوح كما علمت اه . قوله : ( أي بكره له ذلك ) أي الكلام . وقوله : ( بل قد يجب ) إذا خشي وقوع محذور بمحترم كأعمى يقع في نحو بئر ، وقد يسن إن رجحت مصلحته على السكوت كأن حدثته نفسه بصدقة وخشي من حيلولة الشيطان بينه وبينها ، فيسن أن يتكلم بالأمر بالإعطاء ، وقد يباح لحاجة لم تترجح المصلحة فيها ولا يحرم في حال ولو بقرآن خلافاً للأذرعي حيث قال بتحريمه . قوله : ( إِلا لضرورة ) وهل من الكلام ما يأتي به قاضي الحاجة من التنحنح عند طرق باب الخلاء من الغير ليعلم هل فيه أحد أم لا ؟ فيه نظر . والأقرب أن مثل هذا لا يسمى كلاماً ، وبتقديره فهو لحاجة وهي دفع دخول من يطرق الباب عليه لظنه خلوّ المحل اه ع ش على م ر .
قوله : ( وهو وإن كان على المجموع الخ ) أي الذي هو كشف العورة ، لأن المجموع يصدق بالكل كالبعض ، وقوله : ( فبعض موجباته ) وهو التحدث مكروه ، وانظر من أين تستفاد كراهة التحدث من هذا الحديث . وعبارة المدابغي قوله : وهو وإن كان على المجموع الخ جواب عما يقال الحديث يقتضي حرمة الكلام ، لكن قد يقال ما الدليل على الكراهة فقط . قوله : ( فلو عطس ) من باب ضرب ونصر ، وإنا أمر العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة بخروج ما احتقن أي اجتمع في دماغه من الأبخرة .
قوله : ( حمد الله تعالى بقلبه ) أي ويثاب عليه . وقولهم : الذكر القلبي لا ثواب فيه محمول على ما لم يطلب بخصوصه وهذا مطلوب فيه بخصوصه ع ش على م ر . قال بعضهم : يؤخذ من هذا صحة ما ذهب إليه السادة الصوفية من جواز الذكر بالقلب والثواب(1/285)
"""""" صفحة رقم 286 """"""
عليه ، بل هو أفضل من ذكر اللسان لخلوصه من الرياء ، ولو لم يكن فيه ثواب لما أمر السادة الفقهاء بالحمد به في الموضع المكروه فيه ذكر اللسان وهو الحق الذي ينبغي اعتقاده . وفيه أن ما قاله الفقهاء إنما هو في الموضع الذي يكره فيه ذكر اللسان . وأجاب الشهاب ابن حجر في الفتاوى الحديثية بقوله : الذكر بالقلب لا فضيلة فيه من حيث كونه ذكراً متعبداً بلفظه ، وإنما فيه فضيلة من حيث استحضاره لمعناه من تنزيه الله وإجلاله بقلبه ، وبهذا يجمع بين قول النووي في شرح مسلم ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من ذكر القلب وبين قولهم لا ثواب فيه ، فمن نفي عنه الثواب أراد من حيث لفظه ، ومن أثبت فيه ثواباً أراد من حيث حضوره بقلبه ، فتأمل ذلك فإنه مهم ، ولا فرق في جميع ذلك بين المعذور وغيره .
قوله : ( ولا يحرك لسانه ) ظاهر كلامه أنه لو حرك لسانه وإن لم يسمع نفسه كان منهياً عنه . قال ابن عبد الحق : وليس كذلك . قلت : ويمكن الجواب بأن تحريك اللسان إذا أطلق انصرف إلى ما يسمع نفسه ، لأن التحريك إذا لم يسمع نفسه لا أثر له حتى لا يحنث به من حلف لا يتكلم ولا يجزيه في الصلاة لكونه لا يسمى قراءة ولا ذكراً إلى غير ذلك من الأحكام ، ومثله في ابن حجر ع ش على م ر . قوله : ( فتكره ) معتمد ، وقول الأذرعي ضعيف . قوله : ( إلى فرجه ) أي بلا حاجة . قوله : ( ولا يعبث ) هو من باب فرح كما في القاموس . قوله : ( ولا يستقبل الشمس ) أي حيث لا ساتر ، وعبارة زي قوله : ولا يستقبل الشمس أي عند طلوعها أو غروبها ، هكذا أفهم لأن هذه الحالة هي التي يمكن فيها الاستقبال بخلاف ما إذا صارت في وسط السماء ، فإنه لا يمكن استقبالها إِلا إذا نام على قفاه ، وحينئذ يبول على نفسه هكذا أفهم وهكذا القمر ليلاً اه بحروفه . قوله : ( ببول ولا غائط ) أي بعينهما لا بصدره أو ظهره . قوله : ( وهذا هو المعتمد ) معتمد . قوله : ( لا أصل للكراهة ) أي لكراهة الاستقبال . قوله : ( بيت المقدس ) المراد صخرة بيت المقدس فهو على حذف مضاف . قوله : ( حكم استقبال الخ ) ضعيف . والمعتمد أن استقبال بيت المقدس واستدباره بما ذكر مكروه بلا ساتر ، أما مع الساتر فلا كراهة فإن أراد الشارح حكمهما المذكور في المتن فهو معتمد وإن أراد(1/286)
"""""" صفحة رقم 287 """"""
حكمهما الذي ذكره الذي هو المعتمد كان هذا ضعيفاً اه م د . قوله : ( أن يبعد عن الناس ) أي ولو في البول إن كان ثم أحد غيره . قال أبو زرعة : وفي معنى الإبعاد في الصحراء اتخاذ الكنف في البيوت وإرخاء الستور والاستتار بنحو صخرة أو راحلة في الصحراء ، ومقتضاه أنه لا يسنّ الإبعاد في المعد ، وهو ما نقل عن الحليمي ومشى عله في عب ، وعلله في شرحه بأنه لا يستحيا غالباً من فعلها فيه مع عدم الإبعاد ، وأطلق في الإمداد فشمل كلامه الأخلية المعدة بأن يدخل أبعدها من الحاضرين إن سهل ، وبه صرح في التحفة ، وقال الشيخ : إنه في غاية المتانة والاتجاه اه طبلاوي .
قوله : ( سن لهم الإبعاد عنه كذلك ) أي إلى حيث لا يسمع للخارج منه صوت الخ . قوله : ( ويستتر عن أعينهم بمرتفع الخ ) لا يخفى أن هذا ناشىء عن توهم اتحاد الستر عن القبلة ، والستر عن أعين الناس وليس كذلك ، إذ المدار هنا على ما يستر العورة عمن يمر عليه سواء وجد فيه ساتر القبلة أو لا . فلعل الشارح تبع فيما ذكره صاحب الروض ، وحينئذ فذكر إمكان تسقيف المكان وعدمه غير مستقيم فتأمل وافهم ق ل . قال العلامة الأجهوري : واعتراضه ظاهر فقد قال م ر في شرحه ما نصه : نعم إن كان في محل مسقف أو يمكن تسقيفه كفى الستر بنحو جدار وإن تباعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع ، ولا يكفي مثل ذلك في القبلة ، وبعضهم توهم اتحاد الموضعين فاحذره اه .
قوله : ( يلعب بمقاعد بني آدم ) أي أنه يحضر أمكنة الاستنجاء وبرصدها بالأذى والفساد لأنها مواضع يهجر فيها ذكر الله تعالى ويكشف فيها العورات فأمر بسترها اه مرحومي . فحيث امتثل الأمر وفعل الستر منع عنه الشيطان وأديته ، والمقاعد جمع مقعد اسم مكان أي يلعب في مواضع قعود بني آدم أي التي تنكشف بها عوراتهم أي يوسوس له حتى ينظر إلى فرجه لينظر هل هو كبير مثلاً أو صغير ، أو يحدّثه ليفعل بفرجه الفحشاء ونحو ذلك اه أطفيحي .
قوله : ( من فعل الخ ) فيه إشارة إلى أن هذا الأدب مندوب لا واجب ، ووجهه عدم تحقق نظر عورته . قوله : ( أو إرخاء ذيله ) ومنه سلعة فوق عورته وشعر كذلك كلحيته ، ولو لم يتيسر له(1/287)
"""""" صفحة رقم 288 """"""
ستر إِلا بإرخاء ذيله لم يكلف به إن أدى إلى تنجسه ، لأن في تنجس ثوبه مشقة عليه والشرط يسقط بالعذر اه ع ش على م ر .
قوله : ( أو ببنيان لا يمكن تسقيفه ) كبستان . قوله : ( كفى ) أي البناء على الساتر . قوله : ( إذا لم يكن ثم الخ ) أي بأن كان هناك من يغض بصره ممن يحرم عليه النظر ، أو كان هناك من يجوز له نظر عورته ، أو لم يكن ثمّ أحد أصلاً لأنها سالبة تصدق بنفي الموضوع ، فاندفع ما يقال الأخضر أن يقول إذا كان ثم من يغض بصره الخ . لأنه قاصر على صورة واحدة .
والحاصل : أن هذا النفي صادق بصور ثلاثة : إذا لم يكن أحد أصلاً ، أو كان ويغض نظره ، أو لا يغض ، ولكن يجوز له النظر فالستر في الأحوال الثلاثة مندوب . قوله : ( ممن يحرم عليه نظرها ) ومثل من يحرم نظره الصبي إذا كان يحكي العورة فيحرم كشفها عنده اه ع ن . قوله : ( وعليه يحمل ) أي على هذا التفصيل يحمل الخ . فقوله : كشف يجوز الخ أي إذا لم يمكن ثمّ من لا يغض بصره الخ . وقوله : ( إما بحضرة الناس ) الخ . أي إذا كانوا يحرم نظرهم ولا يغضون ، فالحمل في الشقين ، ويمكن أن يكون أيضاً في تعبيره بالجواز بأن يحمل على خلاف الأولى المفهوم من كون الاستتار في هذه الحالة مستحباً . قوله : ( في الخلوة ) بدل مما قبله ، والمراد بها البناء السقف أو الذي يمكن تسقيفه شيخنا . والأولى أن يقال المراد بها ما ليس بحضرة الناس ولو صحراء بدليل مقابلته بقوله : إما بحضرة الناس الخ . قوله : ( ومعاشرة ) أي مخالطة . قوله : ( إما بحضرة الناس ) أي الذين يحرم عليهم النظر ولا يغضون أبصارهم وهذا هو محل الحمل . قوله : ( فيحرم كشفها ) ووجوب غض البصر لا يمنع الحرمة عليه خلافاً لمن توهمه ح ل . قوله : ( ولا يبول قائماً ) مثله الغائط المائع .
قوله : ( وإن لم تكن هابة ) ضعيف ، والمعتمد أنه إنما يكره وقت هبوبها .
والحاصل : كما في الإيعاب أنه إن كان يبول ويتغوّط مائعاً كره له استقبالها أي الريح واستدبارها ، أو يبول فقط كره له استقبالها أو يتغوّط مائعاً فقط كره له استدبارها كما فهم ذلك من التعليل بخوف عود الرشاش عليه ، بخلاف استدبارها عند التغوّط بغير مائع فإنه لا يكره(1/288)
"""""" صفحة رقم 289 """"""
على الأوجه خلافاً لمن قال يكره لما فيه من عود الرائحة الكريهة عليه ، لأن ذلك لا يقتضي الكراهة اه م د . وعبارة شرح م ر : ومهب ريح أي محل هبوبها وقت هبوبها كما اقتضاه كلام المجموع ، بل يستدبرها في البول ويستقبلها في الغائط المائع لئلا يترشرش بذلك .
قوله : ( بعد شروعه في البول ) أي أو الغائط المائع . وقوله : ( فترد عليه الرشاش ) أي منهما وعبارة شرح المنهج لئلا يصيبه رشاش من الخارج أي بولاً أو غائطاً رقيقاً ، وهذا أولى من اقتصار الجلال المحلي على الأول كالشارح هنا .
قوله : ( صلب ) بضم الصاد المهملة وسكون اللام ويجوز فتح الصاد . بل اقتصر عليه في شرح العباب حيث قال صلب بفتح فسكون وحينئذ ففيه الوجهان . قوله : ( فلا تصدقوه ) أي من قال كان عادته البول قائماً فلا تصدقوه ، فلا ينافي ما في الصحيحين : ( أنه أتى سباطة قوم فبال قائماً ) . والسباطة : كالكناسة لفظاً ومعنى ، وعبارة بعضهم : ويكره أن يبول قائماً من غير عذر لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ما بات قائماً منذ أسلمت ، ولا يكره ذلك للعذر لما روى النبي أتى سباطة قوم فبال قائماً لعذر ، وقد روي من وجه غير قوي عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أنه بال قائماً من جرح كان بمأبضه ) بهمزة ساكنة وبعدها باء موحدة مفتوحة ثم ضاد معجمة مكسورة ، وهو باطن الركبة . وفي الحديث ثلاثة أوجه : أحدها : أن رسول الله فعله لمرض منعه من القعود . والثاني : أنه استشفى بذلك من مرض وهو وجع الصلب جرياً على عادة العرب كما قاله الشافعي ، والعرب تستشفي بالبول قياماً . والثالث : أنه لم يتمكن من القعود في ذلك المكان لكثرة النجاسة ، فكأنه بال قائماً من علو إلى أسفل .
قوله : ( في الشتاء ) ليس بقيد بل الصيف بالأولى ح ف . لما قيل إن بوله في الحمام في الصيف قائماً خير من شرب الدواء عشر مرات . قوله : ( ولا يدخل الخلاء حافياً ) ويسن له أن ينحي ما عليه من معظم فيكره تنزيهاً أن يحمل في الخلاء ما كتب عليه اسم معظم من اسم نبي أو ملك ، وشمل المعظم اسم نفسه كأن نقش اسمه وكان معظماً على خاتم ، وينبغي إلحاق المحلات المستقذرة بمحل قضاء الحاجة في استحباب تنحية ما ذكر كالصاغة ومحل المكس ونحوها ، لجريان العلة فيها وهي صونه عن المحلات القذرة ، فلو دخل به ولو عمداً غيبه ندباً بنحو ضم كفه عليه ، ويجب على من في يساره خاتم فيه اسم معظم نزعه عند الاستنجاء لحرمة تنجسه كما قاله الأسنوي وغيره كما في شرح م ر . وسئل أيضاً عما لو خلق على يساره صورة(1/289)
"""""" صفحة رقم 290 """"""
جلالة ونحوها من اسم معظم هل يستنجي باليمين أو باليسار ؟ فأجاب : إنه يتخير حيث لم يخالط الاسم بنجاسة وإِلا فباليمين اه . أقول : ولو خلق ذلك في الكفين معاً فهل يكلف لف خرقة أم لا ؟ فيه نظر . والأقرب عدم تكليفه ذلك ، ثم ينبغي أن المراد من قول م ر : فباليمين أنه يسن له ذلك لا أنه يجب لأن في وجوبه عليه مشقة في الجملة ع ش عليه الظاهر وجوب الاستنجاء حينئذ باليمين صيانة لاسم الله الذي في اليسار عن مخالطة النجاسة .
قوله : ( ويعتمد في قضاء الحاجة يساره ) سواء في البول أو الغائط خلافاً لبعضهم ، لكن هذا في حق القاعد ، أما القائم فيفرج بينهما ، ويعتمد عليهما على المعتمد خلافاً للقليوبي ، ومثل البول فيما ذكر الغائط المائع بخلاف الجامد فإنه يعتمد على يساره ، وهذا محله إن لم يخش التنجس اه برماوي . قوله : ( لأن ذلك أسهل لخروج الخارج ) هذه العلة قاصرة على حال خروج الغائط وعبارة شرح المنهج : ويعتمد يساره ناصباً يمناه بأن يضع أصابعها على الأرض ويرفع باقيها ، لأن ذلك أسهل لخروج الخارج ولأنه المناسب هنا اه . قال شيخنا : إن قوله لأن ذلك أسهل علة لقوله : وأن يعتمد يساره . وقوله : ( ولأنه المناسب ) الخ . علة لقوله ناصباً يمناه . قوله : ( ويسبله ) بضم أوله من أسبل . قال في المختار : أسبل إزاره أرخاه . قوله : ( والمعد لذلك ) نعم إن كان في الأخلية هواء معكوس كره ذلك فيها كما يكره في مهب الريح كما هو قضية تعليلهم ، فالمدار على خوف عود الرشاش وعدمه شرح م ر و ح ل . قوله : ( في المغتسل ) بفتح السين أي محل اغتساله ق ل . أي إن كان مملوكاً له أو مباحاً وإِلا حرم . قوله : ( فإن عامة ) أي أكثره . وقال م د : أي جميع ، والوسواس بكسر الواو المصدر ، وليس المراد به الشيطان الذي هو بفتح الواو . قال في المختار : وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواساً بكسر الواو ، وأما الوسواس بالفتح فهو الاسم مثل الزلزال اه بحروفه . فالمناسب هنا قراءته بالكسر لا غير لأن المراد منه المصدر . قوله : ( وعند قبر ) أي يكره عند قبر الخ .(1/290)
"""""" صفحة رقم 291 """"""
قوله : ( أن يحرم عند قبور الأنبياء ) بل ربما يكون ذلك كفراً إن قصد إهانتهم . قوله : ( ويحرم على القبر ) أي فيما يحاذي الميت ولو غير نبي وشهيد ق ل .
قوله : ( وكذا ) أي يحرم البول في إناء في المسجد وإن أمن التلويث بخلاف نحو الفصد للعفو عن جنس الدم ق ل .
فائدة : قال ابن حجر : بحث بعضهم حل دخول المسجد لمستبرىء يده على ذكره لمنع ما يخرج منه سواء السلس وغيره ، وأقره سم . ومراد ابن حجر بالدخول ما يشمل المكث ، ومثل المستبرىء بالأولى المستنجي بالأحجار . وقوله : يده على ذكره أي سواء كان مع نحو خرقة على ذكره أم لا . ع ش على م ر .
فرع : يحرم إلقاء القمل ميتاً في المسجد ، وكذا حياً لأنه يموت ويصير نجاسة ، ومنه إلقاء القميص ونحوه بالمسجد وفيه القمل ، ومحل ذلك إذا ألقاه زمناً يموت فيه القمل ، فإن كان بحيث يحصل له تعذيب من الجوع حرم ، وإِلا فلا . ولا يختص ذلك بإلقائه في المسجد . واختار العلامة البرلسي في إلقاء القمل حياً أنه لا يحرم حيث ظن أنه لا يؤذي أحداً ، لأن التعذيب غير محقق . ونقل ابن العماد في أحكام المساجد عن كتب المالكية ، أنه يحرم إلقاؤه في المسجد حياً وميتاً ، بخلاف البرغوث . والفرق أن البرغوث يعيش بأكل التراب دونه ، ففي طرحه حياً تعذيب له بالجوع وهو لا يجوز ، ويحرم على الرجل أن يلقي ثيابه وفيها قمل قبل قتله ، وأما قتله في المسجد بشرط أن لا يلوث أرضه فجائز ، كأن يكون على نحو شقفة ، والأولى أن لا يقتل فيه ودفنه فيه حرام ، برماوي .
قوله : ( ويسن أن يستبرىء من البول ) قال شيخنا م ر : وكذا من الغائط ق ل . قال ع ش على م ر : وانظر بماذا يحصل فإني لم أر فيه شيئاً ، وقياس ما في المرأة أنه يضع اليسرى على مجرى الغائط ويتحامل عليه ليخرج ما فيه من الفضلات إن كانت ، وقد يؤخذ ذلك من قول ابن حجر في جملة الصور المحصلة للاستبراء ومسح ذكر وأنثى مجامع العروق بيده اه . قوله : ( عند انقطاعه ) أي بعده . قوله : ( ونتر ذكر ) بالتاء المثناة . قال في شرح الروض : وكيفية النتر أن يمسح بيسراه من دبره إلى رأس ذكره ، ويعيده بلطف ليخرج ما بقي إن كان ، ويكون ذلك بالإبهام والمسبحة لأنه يتمكن بهما من الإحاطة بالذكر ، وتضع المرأة أصابع يدها اليسرى على عانتها اه .(1/291)
"""""" صفحة رقم 292 """"""
قوله : ( أن لا ينتهي ) أي في الخصال المتقدمة من العصر والتنحنح . قوله : ( لقوله الخ ) علة للوجوب المنفي .
وقوله : ( لأن الظاهر ) الخ علة لنفي الوجوب . قوله : ( فإن عامة ) أي جميع . قوله : ( ويكره حشو الخ ) أي لغير حاجة فلا يرد السلس ، فإنه يجب في حقه مع العصب ، وعبارة ق ل قوله : ويكره حشو الخ . بل يحرم إن بقي بعضه خارجاً لأنه يبطل الصلاة ، وقد يجب إن احتاج إليه كما في السلس بهذا الشرط . قوله : ( وإطالة المكث ) أي بلا حاجة . قوله : ( لما روي الخ ) ولما قيل إنه يورث الباسور ق ل .
فائدة : من أدام نظره إلى ما يخرج منه ابتلى بصفرة الوجه ، ومن تفل على ما يخرج منه ابتلي بصفرة الأسنان ، ومن تمخط عند قضاء الحاجة ابتلي بالفقر ، ومن أكثر من التلفت ابتلي بالوسوسة ، ومن أكثر من الكلام خشي عليه من الجان اه برماوي على المنهج . وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تمخطوا على البول والغائط فإن منه يكون الباسور ) ومثل المخاط البصاق كما في الجامع الصغير . قوله : ( عند وصوله إلى مكان قضاء حاجته ) وهو محل جلوسه في الفضاء ، ومحل دخوله الخلاء كبابه وإن بعد محل الجلوس كدهليز طويل ، وإن كان دخوله لغير قضاء الحاجة ، فإذا غفل عن ذلك حتى دخل قاله بقلبه ، ولا مانع أن الله تعالى يحصنه كما إذا تلفظ به ، فلو كان الجني أطروشاً فلا مانع أن الله تعالى يلهمه أن هذا ذكر الله بقلبه ، ولو دخل الخلاء مثلاً بطفل لقضاء حاجة الطفل ، فهل يسنّ له أن يقول على وجه النيابة عن الطفل باسم الله : اللهم إني أعوذ بك ، أو يقول إنه تعوذ بك وفي ظني أن الغاسل للميت يقول بعد الغسل ما يقوله المغتسل ، ويقول : اللهم اجعله من التوابين الخ . أو اجعلنا وإياه الخ . فليراجع(1/292)
"""""" صفحة رقم 293 """"""
شرح العباب في غسل الميت ، ومن ذلك إرادة أم الطفل وضع الطفل لقضاء حاجته ، ومنه إجلاسه على ما يسمونه بالقصرية في عرفهم ع ش على م ر .
قوله : ( باسم الله ) يكتب بالألف بعد الباء في الرسم في هذا المحل ، وإنما حذفت من بسم الله الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم لكثرة تكررها ، وكذا لفظ الله يكتب بالألف ، فإن أضيف إليه الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم حذفت لما ذكر ، وينبغي أن لا يقصد به القرآن فإن فعله كره ، وقيل يحرم ، ولا يزيد الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحم اقتصاراً على الوارد ، لأن المحل ليس محل الذكر ، وإنما قدمت البسملة هنا على الاستعاذة بخلاف القراءة ، لأن التعوّذ هناك للقراءة والبسملة من القرآن فقدم التعوذ عليها ، بخلاف ما نحن فيه ، فإن التسمية للستر عن أعين الجن والتعوذ من شرهم بلا ارتباط لأحدهما بالآخر . وفي المجموع عن جمع لا يحصل تأدية السنة إِلا بتأخير الاستعاذة عن البسملة ، ويحتمل مثله في تأخير الحمد عن سؤال المغفرة اه شرح م ر مع زيادة . قوله : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث ) قال ابن العماد : هذا الذكر يدل على أن إبليس نجس العين ، لكن ذكر البغوي في شرح السنة : أنه طاهر العين كالمشرك ، واستدل بأنه أمسك إبليس في الصلاة ولم يقطعها ولو كان نجساً لما أمسكه فيها ، ولكنه نجس الفعل من حيث الطبع سم على ابن حجر .
قوله : ( غفرانك ) منصوب بمحذوف وجوباً ، إذ هو بدل من اللفظ بالفعل أي : اغفر أو على أنه مفعول به أي أسألك ، ويصح الرفع أي المطلوب غفرانك ، ويسنّ أن يكرر غفرانك وما بعده ثلاثاً كما في الدعاء عقب الوضوء ، وهذا اللفظ أعني قوله غفرانك بقوله الخارج لو دخل لغير قضاء الحاجة مع ما يناسب وأما الحمد لله الذي الخ . فخاص بقاضي الحاجة كما قاله البرماوي و ع ش على م ر . وعبارة ق ل قوله : غفرانك الحمد لله الذي الخ . هذا بالنسبة لقاضي الحاجة ، وأما غيره فيقول ما يناسب .
قال في شرح المنهج : وسبب سؤاله المغفرة عند انصرافه تركه ذكر الله تعالى في تلك الحالة ، أو خوفه من تقصيره في شكر نعم الله تعالى التي أنعمها عليه فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه اه . فإن قيل : ترك الذكر على الخلاء مأمور به فلا حاجة إلى الاستغفار من تركه . فالجواب : أن سببه من قبله فالأمر بالاستغفار لما تسبب فيه اه .(1/293)
"""""" صفحة رقم 294 """"""
قوله : ( أذاقني لذته ) أي لذة أصله أي المأكول وكذا ما بعده . ومن الآداب ما قاله المحب الطبري تفقهاً : أن لا يأكل ولا يشرب ، ومنها أن لا يستاك لأنه يورث النسيان شرح الروض مع زيادة .
فائدة : روي عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( إن ابن آدم إذا جلس ليقضي حاجته يبول أو يتغوط جاءه ملك وقام على رأسه وقال له : يا ابن آدم انظر إلى اللقمة التي أكلتها كيف تغيرت عن حالها بصحبتك ، فانظر إلى عاقبتك وما يؤول إليه حالك في القبر ) اه . من الشيخ عبد السلام اللقاني على الجزايرية .
فصل : في بيان ما ينتهي به الوضوء
أي في بيان الأسباب التي ينتهي بها الوضوء ، فما واقعة على الأسباب أي تنتهى بها مدة الوضوء فهو على حذف مضاف ، وإِلا فالوضوء لا ينتهي بتلك الأسباب ، وإنما ينتهي بالفراغ من أفعاله ، وهذه الأسباب تنتهي بها المدة التي مكث فيها متوضئاً كما علمت . قال العلامة الأجهوري : وتعبير الشارح أولى من تعبير المتن ، إذ النقض رفع الشيء من أصله ، ويلزم عليه بطلان العبادة الواقعة حالة وضوئه لرفعه من أصله اه . ويجاب عن المتن بأن مراده بالناقض الناقض في عرف الشرع وهو ما ينقض الشيء من وقته لا من أصله ، وتفسير الناقض بأنه ما نقض الشيء من أصله تفسير لغوي . وأما معناه الشرعي فهو نقض الشيء من وقت خروجه فقط ، وهو مراد المصنف لأنه فقيه من أهل الشرع اه . واعترض ق ل التعبير بما ينتهي به الوضوء أيضاً بأنه قاصر إذ لا يشمل الحدث الثاني ولا الثالث مثلاً ، فإنه لم ينته به الوضوء بل انتهى بالأول مع أن عدم الطهارة أصل في الإنسان ، فالطفل الذي لم يسبق له طهارة لا يقال في حدثه انتهت به طهارته . وأجاب : بأن المراد ما من شأنه ذلك اه م د . وذكره عقب الوضوء لأنه يطرأ عليه فيبطله ، وبعضهم قدمه لأنه أسبق لأن الإنسان يولد محدثاً ، ولأن المتوضىء ينوي رفع الحدث كما مر ، فيحتاج لمعرفة ما ينويه ولدفع توهم أنه لا يسمى حدثاً إِلا ما كان عقب طهارة ق ل .
قوله : ( والذي ينقض الوضوء خمسة أشياء ) هل النقض بها من خصوصيات هذه الأمة ؟ فيه نظر ، لأن الخصوصية لاتثبت بالاحتمال . قوله : ( لأن مفهوم قول المنهاج الخ ) أي مفهوم(1/294)
"""""" صفحة رقم 295 """"""
الصفة المذكورة في كلام المنهاج ، وهي قوله ممكن . قال ق ل : لو قال لأن الثاني هنا من أفراد الثالث الذي هو زوال العقل ، وإنما أفرده لمكان الشرط فيه لكان أنسب ، بل هو المتعين إذ ما ذكره لا يفيد إسقاطه اه ق ل . قوله : ( إِلا نوم ممكن مقعده ) مفهومه أن نوم غير الممكن ناقض فمن عدها أربعة استثنى من الثاني وهو زوال العقل أي الشعور نوم الممكن فلا نقض به ، والمصنف أخذ مفهوم هذا المستثنى فعده ناقضاً آخر حيث قال الثاني النوم على غير هيئة المتمكن أي فينقض ، واستعمل الثالث وهو زوال العقل في حقيقته لا مطلق زوال الشعور الصادق بالنوم . قوله : ( وعلة النقض الخ ) صوابه أن يقول واختصاص النقض بها غير معقول المعنى أو تعبدي إذ إثبات علة غير معقولة غير معقول فتأمل . وحاصله : الاعتراض على الشارح بأن فيه تناقضاً . وقد يقال : إن فيه إشارة إلى أن غير معقول المعنى له علة في الواقع وإن لم نطلع عليها . قوله : ( غير معقولة المعنى ) فيه إظهار في محل الإضمار ، لأن المعنى هو العلة فكأنه قال غير معقولة العلة ، وكان الأولى حذف قوله المعنى كما فعل م ر في شرحه . قوله : ( فلا يقاس عليها غيرها ) أي نوع آخر فلا يزاد على الخمسة سادس كلمس الأمرد ، وإن قيس على جزئياتها كما قاسوا على النوم الجنون والإغماء بجامع الغلبة على العقل .
قوله : ( فلا نقض بالبلوغ بالسن الخ ) . حاصل الفروع التي فرعها الشارح ثمانية : الأربعة الأول منها مقابلها قول في مذهب إمامنا رضي الله عنه . والخامس والسادس : مقابلهما مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى . وأما السبع والثامن : فلم يعلم المقابل فيهما من مذهبنا ولا من مذهب غيرنا فليراجع ، وقول الشارح الآتي في تعليل الثامن على الأصح يقتضي أن فيه خلاف في مذهبنا ، والشارح نفعنا الله به مطلع فليتأمل .
قوله : ( ولا بمس الأمرد الحسن ) لا نقض به ولكنه حرام وإن لم يكن بشهوة كما هو ظاهر كلام م ر حيث قال : وخرج بالنظر المس أي للأمرد فيحرم ، وإن حل أي النظر لأنه أفحش وغير محتاج إليه . قوله : ( ولا بأكل لحم الجزور ) أي البعير ذكراً كان أو أنثى ع ش . قوله : ( على المذهب في الأربعة ) هو المعتمد ، ولذلك لا يصح إضافة رفع الحدث إلى شيء منها اتفاقاً ق ل . قوله : ( الأخير ) أي النقض به . قوله : ( من جهة الدليل ) أي وهو ما روى مسلم عن جابر : أن رجلاً سأل النبي أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : ( إِن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ ) . قال : أأتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : ( نعم توضأ من لحوم الإبل ) . وعن البزار سئل عن الوضوء من لحوم الإبل فأمر به اه م د .(1/295)
"""""" صفحة رقم 296 """"""
قوله : ( أقرب ما يستروح إليه ) أروح واستروح واستراح كل بمعنى أي : فالمعنى هنا أقرب ما يشم ريحه من الجواب عن المذهب ا ج . أي أقرب ما يمال إليه ويستند عليه في عدم النقض به قول الخلفاء الخ . قوله : ( في ذلك ) أي في عدم النقض . قوله : ( قول الخلفاء الراشدين ) أي بعدم النقض فمقول القول محذوف أي فهو إجماع ، والإجماع مقدم على تلك الأحاديث لاحتمال نسخها ، أو لأنها مخرجة على سبب كما في م ر . وقوله : ( ومما يضعف ) الخ من كلام الشارح لا مقول قول الخلفاء الراشدين الخ . لما علمت أنه محذوف وأما خبر : ( من أكل لحم جزور فليتوضأ ) فمنسوخ بما رواه جابر : ترك النبي الوضوء مما غيرته النار . الشامل للحم الجزور . واعترض هذا بأنه عام ، فأخرج منه الخاص الذي هو لحم الجزور ، فيكون من أكل لحم جزور فليتوضأ باقياً على حاله ، ورده سم بأنه ليس عاماً لأن إعراض النبي عن الوضوء مما غيرته النار لا يسمى عاماً ، لأن العموم إنما يستفاد من الألفاظ ، والنبي لم يصدر منه لفظ ، وإنما حصل منه إعراض . وحكى ذلك جابر عنه فلا عموم أصلاً ، وهذا كلام وجيه وإن اعترضه الأجهوري اه . قوله : ( مع أنه لا فرق ) أي بين اللحم والشحم والسنام . قال م ر : وردّ ذلك بأنهما لا يسميان لحماً كما في الأيمان فأخذ بظاهر النص . وأجيب : بأنه عمم عدم النقض بالشحم مع شموله لشحم الظهر ، والجنب الذي حكم العلماء في الأيمان بشمول اللحم له . قوله : ( ولا بالقهقهة في الصلاة ) خلافاً للحنفية ، وعبارة الكنز : ويبطله قهقهة مصلّ بالغ صلاة كاملة حتى لا تكون نقضاً في الجنازة ، واحترز به عن غير المصلي ، وبقوله بالغ عن غير البالغ ، لأنها ليست بجنابة في حقه ، وسواء في ذلك العمد والنسيان خلافاً للشافعي مطلقاً اه .
قوله : ( وإِلا لما اختص النقض بها ) أي بالصلاة أي إن قلنا إن القهقهة ناقضة سارت النواقض والناقض لا يختص بالصلاة هذا تقرير كلامه . وبه يندفع قول ق ل : لا محل لهذه الجملة للمنافاة ا ج . وكان الأولى إسقاط اللام من لما لأن إن الشرطية لا يقترن جوابها باللام ، وإنما ذلك في ( لو ) فهو خطأ حصل للمؤلفين من غير قصد ، أو أنهم حملوا إن الشرطية على ( لو ) وإن الشرطية هنا مدغمة في ( لا ) وأصلها : وإِن لا قوله : ( ولا بالنجاسة الخارجة من غير الفرج ) خلافاً للحنفية ، وعبارة الكنز وشرحه وينقضه كل خارج نجس منه أي المتوضىء سواء كان على وجه الاعتياد أو لم يكن خلافاً لمالك في غير المعتاد . وسواء كان من السبيلين أو لم(1/296)
"""""" صفحة رقم 297 """"""
يكن خلافاً للشافعي في غير السبيلين . قوله : ( فنزعه ) أسقط كلمة من الحديث هنا وجملاً بعد ذلك فإن لفظ الحديث : ( فرماه بسهم فوضعه فيه فنزعه ، ثم رماه بآخر ثم بثالث ثم ركع وسجد ودماؤه تجري ، وعلم به النبي ) . الحديث ولا يعترض بأن فيه أفعالاً كثيرة لاحتمال عدم تواليها ، ففي الحديث إشكالان فتأمل .
قوله : ( وصلى ) أي استمر في صلاته . قوله : ( فلقلة ما أصابه منه ) أي أو أن دم الشخص نفسه يعفى عنه وإن كثر إن كان بغير فعله على ما يأتي في شروط الصلاة ع ش . قال ق ل : وفي حمل الدم على القليل مع التصريح بأنه يجري بعد كبير . قوله : ( ولا بشفاء دائم الحدث ) فإن خرج منه شيء بعد الوضوء أو معه بطل الوضوء بشفائه ، وحينئذ فبطلانه بعد خروج ذلك بشفائه منسوب إلى ذلك الخارج الذي كان معفواً عنه لأجل الضرورة ، وقد زالت ، فهو لم يخرج عن النواقض المذكورة ق ل . قوله : ( لأن حدثه لم يرتفع ) أي رفعاً عاماً وإِلا فيرتفع رفعاً مقيداً . قوله : ( فكيف يصح عدّ الشفاء ) أي فنسبه الحدث للخارج لا للشفاء ا ج . قوله : ( سبباً له ) أي إن أريد بالحدث السبب ، وأما إن أريد به المنع المترتب على الأسباب . فلا شك أن شفاء الحدث سبب له لأنه بالشفاء منع من الصلاة ونحوها فتأمل .
( ضابط ) : قال ابن القاص : لا تبطل الطهارة بطهارة إِلا في المستحاضة والسلس إذا شفيا أي فإن الشفاء طهارة من البول والدم ، وعبر عنه الأسنوي بقوله لنا طهارة لا تبطل بوجود الحدث وتبطل بعدمه وهي طهارة دائم الحدث مناوي .
قوله : ( لأن نزعه يوجب غسل الرجلين فقط على الأصح ) أي ولو كان ناقضاً لوجب الوضوء كاملاً ق ل . قوله : ( ما خرج من أحد السبيلين ) أي خروج ما خرج من أحد السبيلين ، فإن الناقض الخروج لا الخارج كما في شرح الروض ، وعبارة المنهج خروج غير منيه .
قوله : ( المتوضىء ) لا حاجة إليه ، أو المراد لو كان متوضئاً وخرج بالحي الميت ق ل . وقال شيخنا : إنما قيد بالمتوضىء لأن الكلام في الخارج الناقض للوضوء ، وذلك لا يتصوّر إِلا في المتوضىء ، وأما الخارج من المحدث فليس بناقض لأنه تحصيل الحاصل . قوله : ( ولو من مخرج الولد ) تعميم في القبل . قوله : ( أو أحد ذكرين يبول بهما ) قال في شرح الروض : وظاهر(1/297)
"""""" صفحة رقم 298 """"""
أن الحكم في الحقيقة منوط بالأصالة لا البول حتى لو كانا أصليين ويبول بأحدهما ويطأ بالآخر نقض كل منهما أو كان أحدهما أصلياً والآخر زائداً ، وتميز نقض الأصلي فقط ، وإن كان يبول بهما وينقض البول من الزائد إذا كان على سنن الأصلي وكذا إذا اشتبه . وعبارة ع ش على م ر فائدة : لو خلق له فرجان أصليان نقض بالخارج من كل منهم ، أو أصلي وزائد واشتبها فلا نقض بالخارج من أحدهما للشك ، ولا نقض إِلا بالخارج منهما معاً ، فلو انسد أحدهما وانفتح ثقبة تحت المعدة فلا نقض بالخارج منها لأن انسداد الأصلي لا يتحقق إِلا بانسدادهما معاً ، وينقض الخارج من الفرج الذي لم ينسد لأنه إن كان أصلياً فالنقض به ظاهر ، وإن كان زائداً فهو بمنزلة الثقبة المنفتحة مع انسداد الأصلي ، فالنقض به متحقق سواء كان زائداً أو أصلياً بخلاف الثقبة اه بحروفه . قوله : ( يبول بأحدهما ويحيض بالآخر ) أو يبول بهما . قوله : ( فإن بال ) أي الشخص ذكراً أو أنثى ق ل . قوله : ( أو حاض ) لو قال أو حاضت لكان أنسب ق ل إِلا أن يقال الضمير راجع إلى الشخص كما ذكره هو اه . قوله : ( أما المشكل ) وهو من له آلة النساء وآلة الرجال من ذكر وأنثيين ، فإن فقد أحدهما فهو أنثى اه ق ل . قوله : ( من فرجيه جميعاً ) لا من أحدهما ولم ينبه على النقض بالخارج من الدبر لأنه بديهي ، ويستفاد من صنيعه أن الكلام في الخنثى الذي له آلتان ، ولو عبر بقلبه كان أوضح إذ ليس في الحقيقة إِلا فرع واحد وتسمية الآخر فرجاً تجوّز سوّغته القرينة ع ش . قوله : ( أو من دبر المتوضىء الخ ) عطف على من قبل .
قوله : ( سواء أكان الخارج عيناً أم ريحاً ) يقتضي أن الريح ليس عيناً مع أنه عين . ويجاب بأن المراد بالعين العين العرفية والريح ليس عيناً عرفية وإن كان عيناً في الواقع . وقوله : ( أم ريحاً ) هو قسم برأسه لأنه لا يكون إِلا طاهراً فقوله طاهراً إلى قوله قليلاً تعميم في العين .
ويتحصل مما ذكره الشارح ثمان وستون صورة ، لأن قوله طاهراً أم نجساً جافاً أو رطباً فيه صور أربع ، وقوله : معتاداً أم نادراً انفصل أم لا صور أربع أيضاً ، فتضرب الأربعة في الأربعة يحصل ستة عشر ، ثم تضيف إليها الريح الذي هو قسم برأسه كما عرفت تصير سبعة عشر ، وقوله قليلاً أم كثيراً صورتان . تضرب السبعة عشر فيهما يحصل أربع وثلاثون صورة . وقوله : طوعاً أم كرهاً صورتان أيضاً تضرب فيهما الأربعة والثلاثون يحصل ثمان وستون صورة . قوله : ( طاهراً ) ومنه الريح على الراجح ، لأنه من بخار النجاسة بغير واسطة نار ق ل . ونص م ر على أن البخار الخارج من الكنيف طاهر ، وكذا الريح الخارج من الدبر كالجشاء لأنه لم يتحقق أنه من عين النجاسة لجواز أن تكون الرائحة الكريهة الموجودة فيه لمجاورة النجاسة لا أنه من عينها .(1/298)
"""""" صفحة رقم 299 """"""
تنبيه : العلقة والمضغة إذا أخبر القوابل بأنهما ليستا أصل آدمي لم يجب الغسل من إلقائهما بل الوضوء فقط ، كما أنه يتعين النقض بخروج بعض الولد لخروجه عن حقيقة المني لحقيقة أخرى ومسمى الولادة لم توجد حتى يجب الغسل اه . قوله : ( جافاً ) ومنه حصاة وإن علم أن لا رطوبة معها كما هو قضية إطلاقهم ، وإن قال في المطلب الظاهر أن الانتقاض بنحو الحصاة إنما هو لأجل رطوبة تصحبها الخ . قوله : ( كبول ) مثله ما لو رأى بللاً على القبل ولم يحتمل كونه من خارج خلافاً لمن وهم فيه اه ابن حجر . ومن المعتاد المذي والودي كما قاله ق ل . قوله : ( أم نادراً كدم ) ومنه خروج ما يختص بأحد السبيلين من الآخر كأن خرج البول من دبره والغائط من قبله . قوله : ( كدم ) ومنه الدم الخارج من الباسور وهو داخل الدبر لا خارجه ، وكدم الباسور نفسه إذا كان داخل الدبر ، وخرج أو زاد خروجه . قوله : ( انفصل أم لا ) في غير نحو ولد لم ينفصل فلا نقض به لاحتمال انفصال جميعه فواجبها الغسل لا الوضوء ، والمعتمد النقض لخروج بعض الولد المنفصل كما قاله م ر . قوله : ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) اعترض بأن نظم الآية يقتضي أن كلاًّ من المرض والسفر حدث ولا قائل به . وأجاب الأزهري : بأن أو في قوله أو جاء بمعنى الواو وهي للحال ، والتقدير ) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } ^ محدثين ) فاغسلوا وجوهكم } ^ الخ . ) وإِن كنتم مرضى أو على سفر } ^ والحال أنه ) جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا } ) المائدة : 6 ) . ونقل القاضي أبو الطيب عن إمامنا الشافعي ، أنه نقل عن زيد بن أسلم وكان من العالمين بالقرآن : أَنّ في الآية تقديماً وتأخيراً أي وحذفاً ، والتقدير : ) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } ) المائدة : 6 ) من النوم ) أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء } ) المائدة : 6 ) ) فاغسلوا الخ } ^ . ) وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا } ^ ح ل .
قوله : ( والغائط الخ ) والحاصل أن الغائط له حقيقة لغوية وحقيقة شرعية وحقيقة عرفية ، فحقيقته اللغوية المكان المطمئن من الأرض ، وحقيقته الشرعية مطلق الفضلة الصادقة بكل من البول والغائط ، وحقيقته العرفية الفضلة الغليظة الخارجة من الدبر ، فتأمل . قوله : ( المطمئن ) بكسر الهمزة وفتحها وأصله المطمئن فيه فحذف الجار فاتصل الضمير واستكنّ ، والأول أولى كما قرره شيخنا . وفي الإطفيحي المطمئن أي المنخفض من الأرض النازل فيها من غاط يغوط إذا أنزل سمي الخارج من الدبر باسمه مجازاً لعلاقة المجاورة كالرواية ، فإنها في الأصل اسم للبعير سمي ظرف الماء باسمها مجازاً لما ذكر ، ثم صار لفظ الغائط حقيقة عرفية في الخارج(1/299)
"""""" صفحة رقم 300 """"""
من الدبر كما صار لفظ الراوية كذلك في الجلد الذي هو الظرف المذكور . قوله : ( تقضي فيه الحاجة ) من تتمة معنى الغائط المراد من الآية عند الفقهاء لا اللغوي الذي هو المنخفض ، وتقضي أي تخرج ، والمراد بالحاجة ما يحتاج إلى خروجه المتضرر ببقائه ، وقضية التعبير بالمضارع في تقضي أنه لا يشترط في التسمية بذلك الاسم أن تقضي فيه الحاجة بالفعل ، لكن هل يكفي صلاحيته لقضائه أو ولا بد من إعداده له ؟ فيه نظر . برماوي . قوله : ( سمي باسمه الخارج ) أي فهو مجاز ثم صار حقيقة عرفية . قوله : ( الخارج ) أي من الدبر أو القبل إِلا أنه غير مشهور نقله السيوطي . وحكمة اشتهاره في الخارج من الدبر دون القبل أنه جرت عادة العرب أن الشخص إذا أراد البول يبول في أي مكان ، وإِذا أراد الفضلة المخصوصة يذهب إلى محل يتوارى فيه عن الناس قال ع ش .
قوله : ( وفيهما ) أي الصحيحين قوله : ( اشتكى ) هذا ما في خط المؤلف ، والذي في شرح الروض : شكى بدون ألف أوّله وبدون تاء بعد الشين ، فلعل المؤلف ذكره بالمعنى . قال شيخ الإسلام في شرح البخاري : شكا بالبناء للفاعل الذي هو عبد الله بن زيد ، وحينئذ فالذي منصوب وبالبناء للمفعول ، فالذي نائب فاعل وحينئذ فالفاعل مجهول اه اج . ولفظ الحديث كما في مختصر البخاري عن عباد بن تميم عن عمه : أنه شكا إلى رسول الله الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال : ( لا ينتقل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) اه . فقوله إنه يحتمل أن الضمير للشأن ، وأن يكون عائداً على عمه . وقوله : شكا بالبناء للفاعل والمفعول ، والرجل بالنصب مفعول ، وبالرفع نائب فاعل ، فعلى الأول ضمير أنه عائد على العم وعلى الثاني فهو للشأن ، ويحتمل بناء شكا للفاعل ورفع الرجل على أنه فاعله ، وضمير أنه للشأن أي أن الحال والشأن شكا الرجل الخ . فالشاكي هو الرجل . وهذه الأوجه لعدم العلم بالشاكي وإلا اتبع . وقوله : ( الذي يخيل إليه ) أي يوهم إليه أي يوقع في وهمه . وقوله : ( أنه يجد الشيء ) أي الحدث . وقوله في الصلاة حال من الشيء . وقوله لا ينتقل بفتح التاء الفوقية وكسر القاف . وفي رواية : لا ينفتل . وقوله : أو لا ينصرف شك من الراوي ، وهو علي بن عبد الله المدني شيخ البخاري ، وقيل عبد الله ابن زيد أحد رجال هذا الحديث عند البخاري ، لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ : لا ينصرف من غير شك ، والألفاظ الثلاثة بمعنى واحد وهو عدم الخروج من الصلاة والفعل مجزوم على النهي ، ويجوز الرفع على أن ( لا ) نافية ، وقوله : حتى يسمع أي من الدبر وهو الضراط . وقوله : أو يجد ريحاً أي يشمه وهو الفساء .(1/300)
"""""" صفحة رقم 301 """"""
والمراد أنه لا يخرج من الصلاة إلا إذا تحقق الحدث قوله : ( الذي ) أي حال الذي إذا جعل شكى مبنياً للمفعول . قوله : ( يجد الشيء ) أي يتوهم خروج ريح من دبره لما قيل : إن الشيطان يأتي إلى دبر المصلي ويجذب شعرة فيحصل صوت خفيف ليبطل عليه صلاته بتوهمه أنه أحدث اه ق ل . قوله : ( أو يجد ريحاً ) أي يشمه بدليل ما بعده . قوله : ( بعد أن دخل فيه ) ليس بقيد بل مثله ما لو دخل من الفم وخرج من الفرج . قوله : ( جرى على الغالب ) يقتضي أن الرجال أكثر من النساء ففيه تأمل فإن النساء أكثر . قوله : ( إذ للمرأة ) كان الأولى أن يعبر كشيخ الإسلام بقوله : إذ للإنسان الخ . لأن الرجل كذلك ، فله اثنان في القبل وواحد للبول ، ومنه يخرج المذي والودي ، وقيل لهما مخرج مستقل كما نقل عن علماء التشريح ، وعليه ففي القبل وحده ثلاث مخارج ، وهذا ينافي قوله والتعبير بالسبيلين جري على الغالب ، إلا أن يقال لما كانت المجاري التي في الذكر تجتمع في الخروج من الثقبة التي في آخر الحشفة كان في الذكر مخرج واحد ، ومخرج مني الأنثى هو مدخل الذكر ، ومخرج الولد والحيض ق ل على التحرير ، وفي ح ل ما نصه فائدة : ذكر علماء التشريح أن في الذكر ثلث مجاري : مجرى للمني ، ومجرى للبول والودي ، ومجرى بينهما للمذي اه .
قوله : ( ولأنه لو خلق للرجل ذكران ) أي أصليان بخلاف الزائد فإنه لا نقض بالخارج منه أي حيث علم أنه زائد ، ومنه ما لو خلق له ذكران وكان يمني بأحدهما ويبول بالآخر ، فما أمنى به هو الزائد وما يبول به هو الأصلي ، أما لو كان أحدهما زائداً والآخر أصلياً واشتبها فقياس ما يأتي عن شرح الروض من أن الظاهر أن النقض منوط بهما لا بأحدهما أنه هنا إنما ينقض بالخروج منهما لا من أحدهما . وعبارة حج هنا : نعم ما تحققت زيادته أو احتملت حكم منفتح تحت المعدة اه سم ع ش على م ر . قوله : ( ويستثنى من ذلك ) أي من خروج ما خرج من أحد السبيلين .(1/301)
"""""" صفحة رقم 302 """"""
قوله : ( خروج مني الشخص ) خرج بالمني الولد ولو علقة ومضغة فينقض الوضوء مع إيجابه الغسل مطلقاً . وقال شيخنا م ر : لا ينقض لو كان جافاً كالمني ولزوجها وطؤها عقبه قبل الغسل وتفطر به لو كانت صائمة ، وتنقضي به العدة . وفي ذلك تبعيض الأحكام فراجعه . وأما حرر بعض الولد فينقض ولا يلزمها به غسل حتى يتم جميعه . قال شيخنا : ولا تعيد ما فعلته من العبادة قبل تمامه . وقيل : يجب الغسل بكل عضو لانعقاده من فيهما ودفع بأنه غير محقق . وقال الخطيب : تخير بين الغسل والوضوء في كل جزء .
وحاصل المعتمد أن الولادة بلا بلل وإلقاء نحو القلعة كخروج المني ، فلا تنقض بخلاف خروج عضو منفصل فإنه ينقض ولا يوجب الغسل قال الشيخ وإذا قلنا بعدم النقض بخروج بعض الولد مع استتار باقيه فهل تصح الصلاة حينئذ لأنا لم نعلم اتصال المستتر منه بنجاسة أو لا ، كما في مسألة الخيط ؟ فيه نظر . ومال شيخنا للأول وهو متجه اه شوبري قوله : ( الخارج منه أولاً ) فخرج به منيه الذي لا يوجب الغسل كأن استدخله ثم خرج فينقض كما في ح ل . قوله : ( كأن أمنى بمجرد نظر أو احتلام ) أو فكر ، ومثله ما لو أولج في بهيمة فأمنى ، أو أولج مع ستر ذكره بخرقة ، أو أولج في ذكر . قوله : ( فلا ينتقض من وضوؤه بذلك ) ومن فوائد عدم النقض بالمني : صحة صلاة المغتسل بدون وضوء قطعاً كما اقتضاه كلام ابن الرفعة ، ولو قلنا بالنقض لكان فيها بدون وضوء خلاف ، لأن عندنا قولاً بعدم اندراج الأصغر في الأكبر ، ونية السنية بوضوئه قبل الغسل ولو نقض لنوى به رفع الحدث . قوله : ( بخصوصه ) أي خصوص كونه منياً . وقوله : ( بعمومه ) أي عموم كونه خارجاً .
قوله : ( كزنا المحصن ) فإنه أوجب أعظم الأمرين وهو الرجم بخصوص كونه زنا محصن ولم يوجب أدونهما ، وهو الحد والتغريب بعموم كونه زنا ح ل . وأورد عليه أن الشيء الواحد قد يوجب الأمرين ، بل أكثر كالجماع في رمضان يوجب أعظم الأمرين ، وهو الكفارة بخصوص كونه جماعاً وأدونهما وهو القضاء بعموم كونه فطراً وأدون منهما وهو التعزير بعموم كونه معصية . وقد يجاب : بأن القاعدة مقيدة بما إذا كان من جنس واحد كالطهارة أو الحد وهذا ليس كذلك ، ولا يرد أن الكفارة تكون بالصوم لأن الواجب فيها أصالة العتق فتأمل . قاله شيخنا في الفيض اه شوبري . قال ع ش على م ر : قلت : على أنه قد يمنع أن الكفارة أعظم من القضاء ، بل قد يدعي أن القضاء أعظم من الكفارة بالنسبة لبعض الأفراد ، فلا يتوجه السؤال من أصله . وأجيب : بأن هذا نادر اه .(1/302)
"""""" صفحة رقم 303 """"""
قوله : ( وإنما أوجبه ) أي الأدون الذي هو الوضوء . وقوله : ( الحيض والنفاس ) أي إذا طرأ عليه . وقوله : ( لأنهما يمنعان صحة الوضوء ) أي إذا طرأ عليهما . وقوله : ( فلا يجامعانه ) أي فليس لنا صورة يجامع فيها الوضوء الحيض المحقق فلا ترد المتحيرة كما قرره شيخنا العزيزي . قوله : ( لأنهما يمنعان صحة الوضوء ) أي الواجب أو المبيح لنحو الصلاة فلا يرد الوضوء منها عند الإحرام مثلا ، لأنه غير مبيح ، وإنما المقصود منه النظافة . وحاصله أنهما يبطلان الوضوء إذا طرأ عليه بدليل أنه لا يصح إذا طرأ عليهما .
قوله : ( فلا يجامعانه ) فيه تفريع الشيء على نفسه أي لأنهما إذا كانا يمنعان صحة الوضوء انتفى مجامعتهما له ، والأولى أن يقول لعدم فائدة بقائه معهما م د . وقال شيخنا العشماوي : والظاهر أن قوله فلا يجامعانه أعم مما قبله ، والمعنى فلا يجامعانه مطلقاً أي في أي صورة من الصور ، وبهذا الاعتبار ليس فيه تفريع الشيء على نفسه اه .
قوله : ( في صورة سلس المني ) . مفهومه أنه لا يجامعه في غير هذه الصورة كما لو نزل مني غير السلس وهو يتوضأ ، مع أنه لا يصح لأنه وضوء مع جنابة وهو يصح معها لأنه سنة في الغسل منها . وقال الرشيدي : إنما قصر التصوير عليه لأنه محل وفاق بخلاف مني السليم ، فإنه محل النزاع فلا يحصل به الإلزام وإلا فالحكم واحد اه . وقرر مشايخنا . أن قوله في صورة سلس المني ليس بقيد .
قوله : ( لفقد العلة ) أي إنه أوجب أعظم الأمرين . قوله : ( نعم لو ولدت الخ ) استدراك على قوله ويستثنى الخ . وغرضه تقييد قوله إن نزول المني يوجب الغسل ولا ينقض الوضوء ، فيقيد بما إذا لم يصر المني حيواناً جافاً ، وإلا فيوجب الغسل وينقض الوضوء أيضاً وهو ضعيف ، والمعتمد أنه ولو استحال حيواناً يوجب الغسل فقط . قوله : ( انتقض وضوؤها ) أي مع إيجاب الغسل وتفطر به لو كانت صائمة اتفاقا . وقال شيخنا م ر : لا ينتقض وضوؤها ولزوجها وطؤها عقبه قبل غسلها ق ل وعبارة م ر : ولو ألقت ولداً جافاً وجب عليها الغسل ولا ينتقض وضوؤها كما أفتى به الوالد ، وهو وإن انعقد من منيها ومنيه لكنه استحال إلى الحيوانية ، فلا يلزم أن يعطى سائر أحكامه اه . قوله : ( ولداً جافاً ) أي أو مضغة جافة كما في ع ش . قوله : ( وأما خروج بعض الولد الخ ) وقال شيخنا م ر : ينتقض الوضوء فقط ولا يلزمها الغسل إلا إذا تم خروجه ، وقيل يلزمها الغسل مطلقاً اه ق ل .(1/303)
"""""" صفحة رقم 304 """"""
قوله : ( لأنه يحتمل أن يكون من منيها فقط ) في هذا التعليل نظر لأنه ما من جزء من الولد إلا وهو من منهما ، وعبارة م ر : ولو ألقت بعض ولد كيد انتقض وضوؤها ولا غسل عليها اه . أي : فإن ألقت باقيه ، ونسب الثاني للأول وتبين وجوب الغسل وعدم بطلان الوضوء ، وأما لو خرجت تلك الأجزاء متفاصلة بحيث لا ينسب بعضها إلى بعض فإن خروج كل منها ناقض ويجب الغسل بالأخير لتمام انفصاله ، ولو خرج ناقصاً عضواً نقصاً عارضاً كأن انقطعت يده وتخلفت عن خروجه توقف الغسل على خروجها كذا قرره م ر . وكان القياس في الأخيرة عدم توقف الغسل على خروجها لأن مسمي الولادة لا يتوقف عليها فتأمل . قوله : ( من منيها ) أي فيجب الغسل . وقوله : ( أو من منيه ) أي فيجب عليها الوضوء . قوله : ( ولو انسد ) أي انسداداً عارضاً كما يؤخذ من تعبيرهم بالانسداد ، وحينئذ يعطى الثقب ثلاثة أحكام النقض بالخروج منه ، وجواز وطء الزوجة فيه وعدم النقض بنومه ممكناً له اه ح ل وح ف .
قوله : ( وإن لم يلتحم ) كما يدل عليه قوله بعد ولا بإيلاج فيه ، لأنه لو كان المراد بالانسداد الالتحام لم يتأتّ الإيلاج فيه . قوله : ( وانفتح مخرج ) أراد به الجنس فيشمل المتعدد . قوله : ( وهي من السرة إلى الصدر ) عبارة م ر : والمعدة مستقر الطعام من المكان المنخسف تحت الصدر إلى السرة اه . وهي أولى من عبارة الشارح لأن أول الإنسان رأسه فتأمل . قوله : ( والمراد بها هنا السرة ) أي وما حاذاها من بدنه فهو مجاز علاقته المجاورة وشمل المخرج المنفتح مالو تعددت من أمام أو خلف ق ل . قوله : ( الخارج منه ) أي من الأصل . قوله : ( أو فوقها ) بقي ما لو انفتح واحد تحتها وآخر فوقها . والوجه أن العبرة بما تحتها ولو انفتح اثنان تحتها وهو منسد فهل ينقض خارج كل منهما مطلقاً أو لا ؟ إلا أن يكون أحدهما أسفل من الآخر أو أقرب إلى الأصلي من الآخر ، فهو المعتبر فيه انظر سم على حج . أقول : ولا يبعد أن يقال ينقض الخارج من كل منهما تنزيلاً لهما منزلة الأصليين ، وهو مقتضى ما تقدم عن حواشي البهجة فإنه أطلق في الثقب فيشمل المتحاذية وما بعضها فوق بعض ع ش على م ر .(1/304)
"""""" صفحة رقم 305 """"""
قوله : ( والأصلي منسد ) أي انسداداً عارضاً . قوله : ( فلا ينقض الخارج منه ) وعلى هذا إذا نام متمكناً لذلك وخرج منه الخارج وكان متوضئاً ، ومكث مدة من الزمان لا يمس فيها فرجاً ولا امرأة أجنبية ، فإنه لا نقض بذلك . وعلى هذا يلغز ويقال : لنا شخص مكث نحو ستين سنة يأكل ويشرب ويخرج منه الخارج وينام ولم ينتقض وضوؤه . وصورته : ما ذكره الشيخ بقوله : وإن انفتح في السرة أو فوقها ، والأصلي منسداً انسداداً عارضاً أو تحتها ، والأصلي منفتح فلا ينقض الخارج منه اه . خ ض . وانظر وجه التقييد بالتمكين للمنفتح مع أن الخارج منه لا ينقض والأصلي منسد فالأولى حذفه . قوله : ( ولا غيره ) كالحد . قوله : ( بإيلاج فيه ) أي مع جوازه . ويلغز ويقال : لنا زوج وطىء وطأ جائزاً ولم يجب عليه الغسل ا ط ف . قوله : ( ولا يحرم النظر إليه ) الأولى إسقاط قوله : ولا يحرم الخ ، لأنه إنما يتفرع على مقابل الأظهر ، وهو أن المنفتح فوق العورة ينقض الخارج منه ، وقد تبع الشارح في ذلك ما في شرح المنهاج التابع لشيخه المحلي في شرح المنهاج ، لأن عادته التفريع على الأقوال الضعيفة . ولنا قول ضعيف قائل بأن الثقب إذا كان فوق المعدة وكان الانسداد عارضاً ينقض ، فلا تثبت له بقية الأحكام الثابتة للأصل كما قرره شيخنا .
فرع : لو خلق إنسان بلا دبر ولم ينفتح له بدله فهل ينتقض وضوؤه بنومه ؟ غير ممكن لأن نفس النوم ناقض أو لا . لأنه إنما نقض النوم لأنه مظنة لخروج شيء استقرب ع ش الثاني فراجعه اه .
قوله : ( مطلقاً ) أي في جميع البدن وينتقل إليه جميع أحكام الأصلي من الفطر بالإيلاج فيه ووجوب الحد به ، وحرمة النظر إليه ووجوب ستره عن الأجانب وفي الصلاة ولو في الجبهة وتبطل بكشفه ق ل . وعبارة ح ل : ولو كان في جبهته وقلنا بوجوب ستره هل يجب كشفه عند السجود أو لا ؟ فيسجد عليه مستوراً لأنه يجوز السجود مع الحائل بعذر كجراحة يشق إزالة عصابتها الأقرب الثاني .(1/305)
"""""" صفحة رقم 306 """"""
قوله : ( وخرج بالمنفتح ) أي بالخروج منه ليصح الحمل في قوله ما لو الخ . قوله : ( فإنه لا نقض بذلك ) خلافاً لابن حجر ، وعليه ينبغي أن لا ينقض مجرد التنفس والجشاء لأنه ضروري ، وكذا ريق وبلغم نزل من الدماغ أو خرج من الصدر لعدم خروج ذلك من المعدة ح ل .
فائدة : وجد بخط الناصر الطبلاوي رحمه الله تعالى : أن أول ما خلق الله من الإنسان الفرج وقال : هذه أمانتي عندي فلا تضعها إلا في حقها . رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الورع عن ابن عمر مرفوعاً .
قوله : ( النوم الخ ) إفراده عن زوال العقل للنص عليه ، ولمخالفة حكمه لما عداه من النواقض حيث كانت له حالتان : حالة نقض وحالة عدمه ع ش مع زيادة . قوله : ( وهو استرخاء أعصاب الدماغ ) عبارة غيره وحقيقة النوم ريح أي مسبب ريح لطيفة تصعد من الطعام إلى الدماغ فتحصل فيه برودة ينشأ عنها سكون الجوارح والإغماء كالنوم ، لكن ريحه أغلظ . ولهذا لا ينتبه لو نبه بخلاف النوم وعبارة ا ج قوله : وهو استرخا أعصاب الدماغ أي فيغطي القلب بسبب ذلك وهو معنى قول بعضهم النوم ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ فتغطي القلب ، فإن لم تصل إلى القلب بل غطت العين فقط كان نعاساً . ومن علامات النوم الرؤيا . ومن علامات النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه فلو رأى رؤيا وشك هل نام أو نعس انتقض اه . قوله : ( مقعده ) بالرفع فاعل المتمكن ، وفي بعض النسخ الممكن فمقعده بالنصب مفعوله والفاعل ضمير المتوضىء . وقول الشارح أي ألييه يعين الثاني ولا يصح معه الأول كما لا يخفى ، وألييه مثنى ألية بالتاء لكن سمع محذوف التاء عند التثنية فتأمل .
قوله : ( وكاء السه ) هو تشبيه بليغ أي اليقظة كرباط الدبر . قال في النهاية : وأصله سته بوزن فرس وجمعه أستاه كأفراس فحذفت الهاء وعوض عنها الهمزة فقيل است ، فإن ردت الهاء وهي لامها وحذفت العين التي هي التاء انحذفت الهمزة التي جيء بها عوضاً من الهاء ، فقيل سه . وفي الحديث استعارة بالكناية حيث شبه السه بفم قربة مثلاً . وإثبات الوكاء تخييل(1/306)
"""""" صفحة رقم 307 """"""
واستعمال العينين في اليقظة كناية أو مجاز مرسل علاقته التلازم لأنه يلزم من انفتاحهما اليقظة . قوله : ( والمعنى فيه ) أي في الحديث . قوله : ( أما إذا نام وهو ممكن الخ ) نعم لو أخبره عدد التواتر أو معصوم بخروج شيء منه انتقض بخلاف عكسه في المعصوم إذا أخبر بعدم الخروج في غير المتمكن ، فإنه لا يمنع النقض بالنوم لأن النوم على هذه الحالة ناقض ، نعم لو أمره سيدنا عيسى بعد نزوله بصلاة في هذه الحالة امتثل أمره أي لأن حكمه لا يتقيد بمذهب لأن المذاهب حينئذ قد بطلت لأنه لا اجتهاد مع النص أي : لا اجتهاد لغير عيسى مع وجود كلامه لأن كلامه نص في الحق اه ابن شرف . وقال عبد البر : ولو نام غير متمكن وقال له نبيّ قم فصل وجب عليه الوضوء والصلاة ، فلو قال له : قم فصل بغير وضوء وجب عليه ترك مذهبه وإطاعته فيصلي بغير وضوء كذا قرره شيخنا البابلي المرة بعد المرة . ونوزع فيه فصمم ولم يرجع لمن نازعه والعهدة عليه ، ولو تحقق نوماً أو رؤيا ، فإن احتمل التمكن لم ينتقض وإلا فلا . وهذا حاصل الراجح شرح م ر شوبري .
قوله : ( لأنه نادر ) قضية العلة أنه لو اعتاده نقض سم . وقال ابن شرف نقلاً عن م ر : لا نقض وإن اعتاده لأن شأنه الندور ، ولما قاله ابن شرف وجه وهو أننا تحققنا الطهارة وشككنا في رافعها والأصل عدم الرفع اه ا ج . وفي الإطفيحي قضية التعبير بالندرة أن من تكرر خروج الريح من قبله ينتقض وضوؤه بنومه من غير تمكن إن تصوّر ، وهو غير مراد . فقد نقل بعضهم عن م ر عدم النقض بنومه من غير تمكن . أقول : وهو متجه على معنى أنه إذا نام غير متمكن لا نقض لاحتمال عدم خروج شيء من قبله ، ولا نظر لاعتياد خروجه لأن العادة قد تتخلف خصوصاً ، والأصل بقاء الطهارة فإن تحقق خروج الريح من القبل انتقض وضؤوه ، فقد صرح إمامنا في الأم بأن خروج الريح من القبل ناقض وأجمع عليه الأصحاب اه .
قوله : ( ولقول أنس ) عطف على قوله لأمن .(1/307)
"""""" صفحة رقم 308 """"""
قوله : ( حتى تخفق رؤوسهم ) أي يقرب خفقان رؤوسهم إذ لو خفقت رؤوسهم الأرض حقيقة أي وصلت إليها ارتفع الأليان . قوله : ( وحمل ) أي حديث أنس . قوله : ( جمعا بين الحديثين ) أي حديث أنس والحديث الدالّ على نقض الوضوء بالنوم . قوله : ( وأنه لا فرق الخ ) الظاهر أنه بكسر الهمزة عطف على قوله فدخل لأنه لو قرىء بفتحها كان المعنى ، ودخل أنه لا فرق الخ . ولا معنى له إلا أن يقدر فعل والتقدير ، وظهر أنه لا فرق الخ . ولو زالت إحدى أليي نائم ممكن أو سقط إحدى ذراعيه على الأرض له أربع حالات ، فإن زالت إحدى ألييه عن الأرض أو وصل ذراعه إلى الأرض قبل انتباهه انتقض أو بعده أو معه أو شك في تقدمه أو في أنه نائم أو ناعس ، أو في أنه ممكن أو لا . أو أن ما خطر بباله رؤيا أو حديث نفس فلا اه شيخنا . قوله : ( نعم إن كان بين مقعده ومقره تجاف نقض ) ولو سد التجافي بشيء لا ينتقض اه زي .
قوله : ( ومن خصائصه أنه لا ينتقض وضؤوه بنومه مضطجعاً ) للأخبار الصحيحة : أنه نام حتى سمع غطيطه بالغين أو الخاء المعجمة ثم صلى ولم يتوضأ وقال : ( إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي ) ومثله سائر الأنبياء لأن قلوبهم دائمة اليقظة لا يعتريها غفلة ولا يتطرق إليها شائبة نوم تمنعها من إشراق الأنوار الإل ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; هية الموجبة لفيض المطالب السنية عليها .
فإن قيل : هذا مخالف للخبر الصحيح : أنه نام في الوادي عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ) . وأجيب : بأن طلوع الشمس من وظائف العين وهي نائمة ، والحدث من وظائف القلب وهو يقظان كما في ع ش . والجواب بأن له نومتين تنام فيها عينه وقلبه ونومة تنام فيها عينه دون قلبه . قال الزركشي : فاسد لمخالفته قوله عليه الصلاة والسلام : ( تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا ) . وأجاب بعضهم باحتمال أنه تعالى منعه إدراك الشمس ليرتب عليه أحكام المقضيّ بعذر اه م د .
قوله : ( زوال العقل ) كان الأولى للشارح أن يقول أي الغلبة عليه كما قاله سم . قال ع(1/308)
"""""" صفحة رقم 309 """"""
ش : هذا جواب عما يقال السكر والإغماء لا يزول بهما العقل ، وإنما ينغمر لأن العقل هو القوّة الغريزية وإنما يزيلها الجنون . ويمكن أن يجاب أيضاً بأن المراد بالعقل التمييز اه بحروفه وهو وجيه ، فقد ذكروا أن العقل يطلق على التمييز وهو المراد هنا ، ويعرّف بأنه صفة يميز بها بين الحسن والقبيح وهذا يزيله الإغماء ، ويطلق على الغريزي ويعرّف بأنه صفة غريزية يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات أي الحواس الخمس ، وهذا لا يزيله إلا الجنون وهو مطلقاً زوال الشعور من القلب ، ثم إن كان مع قوة حركة الأعضاء بلا طرب فهو الجنون أو مع طرب فهو السكر أو مع فتور الأعضاء فهو الإغماء أو مع استرخاء المفاصل فهو النوم ويعرف النوم بأنه ريح لطيفة تأتي من الدماغ إلى القلب فتغطي العين ، فإن لم تصل إلى القلب فهو النعاس ولا نقض به .
قوله : ( الغريزي ) ومحله القلب على الراجح وأوّل وجوده عند نفخ الروح ، فيأخذ في الزيادة لبلوغ والأربعين عليه مدار التكليف ، وقيل هو نور في القلب يدرك به العلوم وإطلاقه عليها مجاز لكونها ثمرته ، والشيء قد يعرّف بثمرته . قال ابن حجر في شرح المنهاج : وهو يعني العقل الغريزي أفضل من العلم لأنه منبعه وأسه ، ولأن العلم يجري منه مجرى النور من الشمس والرؤية من العين ، ومن عكس أراد من حيث استلزامه له ، وأنه تعالى يوصف به لا بالعقل ويزيد وينقص وهو في الإنسان والجن والملك ، لكنه في النوع الإنساني أكمل وما أحسن قول بعضهم :
علم العليم وعقل العاقل اختلفا
من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فالعلم قال أنا قد حزت غايته
والعقل قال أنا الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن بي عرفا
فأفصح العلم إفصاحاً وقال له
بأينا الله في تنزيله اتصفا
فأيقن العقل أن العلم سيده
وقبل العقل رأس العلم وانصرفا
وكان الشيخ محيي الدين الكافيجي يقول : العلم أفضل باعتبار كونه أقرب إلى الإفضاء إلى معرفة الله وصفاته ، والعقل أفضل باعتبار كونه منبعاً للعلم وأصلاً له . وحاصله أن فضيلة العلم بالذات وفضيلة العقل بالوسيلة إلى العلم وروى ابن عبد البر : ( أن الله تعالى لما أهبط آدم إلى الأرض أتاه جبريل فقال : إن الله تعالى . أحضر لك ثلاث خصال لتختار واحدة منهنّ وتتخلى عن اثنتين . فقال : وما هن ؟ فقال : الحياء والدين والعقل ، فقال : اخترت العقل . فقال جبريل للحياء والدين : ارتفعا فقد اختار غيركما . فقالا : لا نرتفع . قال : أعصيتما ؟ قالا : لا ، ولكن أمرنا أن لا نفارق العقل ) . قال الشوبري : وهل العقل من قبيل الأعراض أو من قبيل الجواهر أو لا ؟ والجواب : هو عند علماء السنة عرض قائم بالقلب متصل بالدماغ ويزيد وينقص ، وعند الحكماء جوهر مجرد عن المادة مقارن لها في الفعل اه .(1/309)
"""""" صفحة رقم 310 """"""
قوله : ( كإغماء ) ولو كان ذلك لوليّ حالة الذكر فينقض طهره عندنا خلافاً للمالكية ، وجوز النووي وقوع الإغماء للأنبياء ، وقيده الحافظ ابن حجر بغير الطويل لأنه من الأمراض وعليه فلا ينتقض به الوضوء . قال السبكي : وليس كإغماء غيرهم لعدم استيلائه على بواطنهم لأنها إذا عصمت من الأخف وهو النوم فمن هذا أولى ، وعلى هذا لا تنقض به طهارتهم ، واعتمده شيخناً البابلي رحماني . قوله : ( يغمره ) أي مع تخدير في الأعضاء وكان بحيث لو نبه لم يتنبه بخلاف النوم فإنه يستره مع استرخاء في أعصاب الدماغ ، أو مع كونه إذا نبه انتبه فافترقا ، وسكت عن السكر لأنه لا يخلو عن واحد من الثلاثة كما قاله ق ل . قوله : ( علم من كلامه ) أي من قوله زوال العقل
قوله : ( الذي ) الأولى التي لأنه نعت أوائل . ويجاب عن ذلك بأن أوائل لما أضيفت إلى السكر اكتسبت منه التذكير فأعاد الضمير أيضاً عليه مذكراً . قوله : ( لمس الرجل ) أي يقيناً اعترضه ق ل . بأنه لو قال كغيره التقاء بشرتي رجل وامرأة كان أولى ، لأن اللمس إما مضاف لفاعله أو مفعوله ، وعلى كل لا يشمل الآخر وهو الملموس مع أنه يوهم اعتبار القصد وليس كذلك . وحاصله أنه لم يبين أن اللمس ينقض وضوء اللامس أو الملموس أو هما بخلاف الالتقاء ، فإنه لما كان مشتركاً بين المتلاقيين يقتضي نقضهما معاً فكان ينبغي للمصنف أو الشارح أن يزيد : والملموس كلامس لإفادة اشتراكهما في النقض . وأجاب ع ش بأن المراد باللمس حصول أثره وهو التقاء البشرتين وإن كان بلا قصد .
واعلم أن اللمس ناقض بشروط خمسة : أحدها : أن يكون بين مختلفين ذكورة وأنوثة . ثانيها : أن يكون بالبشرة دون الشعر والسن والظفر . ثالثها : أن يكون بدون حائل . رابعها : أن يبلغ كل منهما حداً يشتهي فيه فلو بلغ أحدهما أحداً يشتهي ولم يبلغه الآخر لا نقض . خامسها : عدم المحرمية ومحل كون اللمس ناقضاً في حق غيره . قال في شرح الخصائص : واختص بأنه لا ينتقض وضوؤه باللمس في أحد الوجهين بل يصلي بذلك الطهر وهو الأصح عند المؤلف تبعاً لبعض الشافعية لخبر أحمد وأبي داود والنسائي عن عائشة(1/310)
"""""" صفحة رقم 311 """"""
رضي الله عنها قالت : كان يقبل بعض أزواجه . وفي رواية : بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ . وبقضيته أخذ أبو حنيفة فقال : لا وضوء من اللمس ولا من المباشرة إلا أن فحشت بأن يتجردا متعانقين متماسي الفرج ، والأصح عند الشافعي أن لمس غير المحارم ناقض للوضوء مطلقاً ، وجزم به النووي في الروضة وغيرها . وأجيب عن الحديث : بأنه خصوصية أو منسوخ لأنه قبل : نزول قوله تعالى : ) أو لامستم النساء } ) النساء : 43 والمائدة : 6 ) ولأبي حنيفة أن يقول الأصل عدم الخصوصية وعدم النسخ حتى يثبت والحديث صالح للاحتجاج . قال ابن عبد الحق : لا أعلم للحديث علة توجب تركه اه .
فرع : لو تولد شخص بين آدمي وبهيمة لم ينقض مسه ، ولو كان على صورة الآدمي اه سم على المنهج .
فرع : جلد الرجل أو المرأة إذا سلخ وحشي وهو المسمى بالبوّ لا ينقض لأنه لا يسمى آدمياً ، ولو سلخ الذكر وحشي فلا نقض لأنه لا يسمى ذكراً كما ذكره الشيخ عبد البر الأجهوري ، ووقع السؤال عما لو تطورّ ولي بصورة امرأة أو مسخ رجل امرأة هل ينقض أو لا ؟ فأجيب عنه : بأن الظاهر في الأول عدم النقض للقطع بأن عينه لم تنقلب ، وإنما انخلع من صورة إلى صورة مع بقاء صفة الذكورة ، وأما المسخ فالنقض به محتمل لقرب تبدل العين مع أنه قد يقال فيه بعدم النقض أيضاً لاحتمال تبدل الصفة دون العين ع ش على م ر .
قوله : ( كما قرىء به ) قراءة سبعية لحمزة والكسائي في النساء والمائدة . قوله : ( فعطف ) الفاء للتعليل وهو علة للعلة . وقوله : ( فدل ) هو النتيحة . قوله : ( لأنه خلاف الظاهر ) أي لأنه ليس فيه توافق القراءتين . قوله : ( إذ اللمس لا يختص بالجماع ) أي : بل هو شامل للجماع ولغيره ، لأن اللمس هو الجس باليد وبغيرها ، وحمله على الأعم أولى من حمله على خصوص الجماع لأن القراءة الثانية تدل على ذلك الحمل ، بخلاف حمله على الأخص ليس له قراءة أخرى تؤيده ، فقوله إذ اللمس أي الذي قرىء به لا يختص بالجماع أي فتكون الملامسة غير مختصة بالجماع لأجل توافق القراءتين في المعنى فتأمل . وكان الأولى أن يقول : إذ الملامسة حتى يظهر الرد على الخصم الذي هو أبو حنيفة لأنه ينكر كون اللمس لا يختص بالجماع . قوله : ( لمست ) لمس من باب نصر وضرب .(1/311)
"""""" صفحة رقم 312 """"""
قوله : ( ولا فرق في ذلك بين أن يكون بشهوة الخ ) اعترض بأن بين لا تضاف إلا لمتعدد والعطف بأو لا يقتضي التعدد . وأجيب : بأن في كلامه اكتفاء ، فقوله بين أن يكون بشهوة أي وبغيرها . وقوله : ( أو إكراه ) أي وبغيره وهكذا . قوله : ( أو خصياً ) ضبطه ابن شرف بفتح الخاء المعجمة وكسر المهملة . قوله : ( شوهاء ) أي قبيحة .
قوله : ( أو كافرة بتمجس ) أي لأن المنع لعارض يزول بالإسلام ويحترز بذلك عن المحرم فإنها لا تحل له في وقت أصلاً . قوله : ( واللمس الجس باليد ) أي وألحق بها غيرها ، ولا يبعد أن يكون صار حقيقة عرفية في الجميع ق ل . قوله : ( والمعنى فيه ) أي في النقض به . قوله : ( أنه مظنة ثوران الشهوة ) أي بحسب أصله وإن انتفت ق ل . قوله : ( ومثله الخ ) هذا لا يحتاج إليه إلا لو كان المراد باللمس الجس باليد فقط كما هو ظاهر كلام الشارع ، لكن يعارضه ما تقدم في قوله : لمس الرجل ببشرته الخ . فبين كلاميه مضاربة . وأجيب : بأن اللمس الجس باليد وبغيرها ، وقيل الجس باليد وألحق غيرها بها كما في شرح المنهج . وقد جرى في المتن على الأول ، وجرى في الشارح ثانياً على الثاني . قوله : ( فإنه مختص ببطن الكف ) . الحاصل : أن اللمس يفارق المس في أمور ستة : أحدها : أن اللمس لا يختص بعضو بخلاف المس فإنه يختص ببطن الكف . ثانيها : أنه لا يد في اللمس من اختلاف الجنس بخلاف المس يحصل بمس فرج نفسه . ثالثها : أن الفرج المبان ينقض مسه بخلاف العضو المبان . رابعها : أنه ينتقض وضوء اللامس والملموس ، بخلاف المس فإنه إنما ينتقض وضوء الماس . خامسها : أنه ينتقض بمس فرج المحرم ولا ينتقض بلمسها . سادسها : اشتراط الكبر في اللمس دون المس .
قوله : ( ظاهر الجلد ) خرج به السن والظفر والشعر الآتي وليس المراد إخراج باطن الجلد مع اتصاله . قوله : ( وفي معناها ) أي البشرة اللحم أي وإن كشط كما يأتي . قوله : ( واللثة ) عطف جزء على كل إذ اللثة بعض لحم الأسنان إذ هي ما على الثنايا وما حولها فقط ع ش . وقال بعضهم : هي اللحم الذي نبتت عليه الأسنان فعطفه على لحم الأسنان عطف مرادف . قوله : ( وباطن العين ) هذا هو الذي اعتمده م ر . وقال ابن حجر : إنه لا ينقض ، لأنه ليس مظنة(1/312)
"""""" صفحة رقم 313 """"""
للشهوة وللعوّل عليه ما قاله م ر . وأما العظم إذا وضح فينقض على المعتمد اعتباراً بأصله وهو ما كان عليه من البشرة خلافاً لبعض المتأخرين مرحومي مع زيادة . قوله : ( نعم لو كثر الوسخ ) استدراك على قوله حائل أي لأن الوسخ إذا كان من العرق يصير جزءاً من البدن لا يمنع الإحساس ، بخلاف ما إذا كان من الغبار فإنه جرم منفصل يمنع فافترقا وسقط قول ق ل : لا يخفى أن الوسخ من الغبار فقولهم بالنقض في الوسخ من العرق دون الغبار غير مستقيم ، بل إن صار حائلاً في كل منهما لا ينقض وإلا نقض وكالعرق بالأولى في النقض ما يموت من جلد الإنسان بحيث لا يحس بلمسه ، ولا يتأثر بنحو غرز إبرة فيه لأنه جزء منه حقيقة فهو كاليد الشلاء ، وسيأتي أنها تنقض اه ع ش على م ر .
قوله : ( والسن ) بالرفع عطفاً على فاعل خرج وبالجر عطفاً ما إذا كان من غبار ، ويسن الوضوء بلمسها كما ذكره في شرح العباب أي خروجاً من القول بالنقض بها . قوله : ( والمرأتان ) ولو التذتا باللمس وكان عادتهما السحاق ع ش على م ر .
قوله : ( والخنثيان الخ ) . نعم لو اتضح الخنثى مما يقتضي النقض عمل به ووجبت الإعادة عليه وعلى من لامسه . قوله : ( والخنثى ) ألفه للتأنيث فيكون غير مصروف والضمائر العائدة عليه يجوز أن يؤتي بها مذكرة وإن اتضحت أنوثته لأن مدلوله شخص صفته كذا . قوله : ( والمراد بالرجل الذكر الخ ) أي لا خصوص البالغ كما هو أحد إطلاقيه ولا الذكر مطلقاً كما هو إطلاقه الآخر ع ش . قوله : ( على صحة مناكحتهم ) والمعتمد عند شيخنا م ر جواز النكاح فينتقض الوضوء للآدمي والجني . نعم إن كان الجني على صورة البهيمة فلا نقض بلمسه كما مال إليه شيخنا اه ق ل . قال المدابغي : المعتمد صحة مناكحتهم وينتقض الوضوء بلمسهم إذا تحققت الذكورة والأنوثة ، ولو على غير صورة الآدمي حتى تصورت على صورة كلبة نقض لمسها ولا مانع من ذلك لأنها بالتصوّر لم تخرج عن حقيقتها ويجوز له وطؤها ، وإن تصوّرت في صورة كلبة مثلاً إذا علم أنها زوجته على المعتمد كما قاله سم . وإذا قلت بصحة نكاح(1/313)
"""""" صفحة رقم 314 """"""
الجن هل يجبرها على ملازمة المسكن أو لا ؟ وهل له منعها من التشكل في غير صورة الآدميين عند القدرة عليه لأنه قد يحصل النفرة أو لا ؟ وهل يعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها وخلوها من الموانع ، وهل يجوز قبول ذلك من قاضيهم ، وهل إذا رآها في صورة غير التي يألفها فادعت أنها هي فهل يعتمد عليها ويجوز وطؤها أو لا ؟ وهل يكلف الإتيان بما يألفونه من قوتهم كالعظم وغيره إذا أمكن الإتيان بغيره أو لا ؟ الأصح نعم في الجميع اه م ر في حاشيته الروض . ولو مسخت الأنثى حيواناً كقرد أو حمارة فهل ينقض لمسها ؟ فيه نظر . وسيأتي في الأطعمة ذكر اختلاف فيما لو مسخ حيوان مأكول غير مأكول أو بالعكس هل ينظر لما كان فيحل أكله في الأوّل دون الثاني أو لما صار إليه فينعكس الحكم ويتجه تخريج ما هنا على ما هناك فإن اعتبرنا ما كان حصل النقض وإلا فلا . وعلى الثاني فيفرق بين المسخ والتصورّ بأن المتصوّر لم يخرج عن حقيقته بخلاف الممسوخ وكذا يقال فيما لو مسخت حجراً ، ويحتمل أن يجزم بعدم النقض ولو مسخ نصفها حجراً مع بقاء الحياة والإحساس في النصف الآخر فيتجه النقض بمس النصف الباقي ، وأما النصف الممسوخ فإن قلنا فيما لو مسخت كلها حجراً بالنقض بلمسها فالنقض بلمس النصف يجري هنا بالأولى أو بعدمه فيحتمل الفرق بأن النصف الحجري يعد من أجزائها تبعاً للباقي ، ويحتمل أن يجعل النصف بمنزلة الظفر فليحرر اه سم . وحاصله : أنه إن مسخ جماداً فلا نقض وإن مسخ حيواناً مع بقاء الإدراك نقض وإن زال الإدراك فلا نقض .
قوله : ( ولا ينقض لمس محرم ) ولو احتمالاً فلو شك هل بينه وبين امرأة رضاع محرم جاز له نكاحها ولا ينتقض وضوؤه بلمسها وذكر شيخنا أنه لا نقض بمن نفاها بلعان خلافاً للبلقيني والمحرم من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها ، فخرج بالأول أخت الزوجة وبالثاني أم الموطوءة بشبهة وبنتها لأنهما وإن حرمتا على التأبيد لكن بسبب لا يتصف بإباحة ولا غيرها ، وبالثالث أزواج النبي لأن حرمة نكاحهنّ لحرمته أي لا لحرمتهن ح ل .
واعلم أن زوجات نبينا يحرمن على سائر الأمم حتى على الأنبياء وإن لم يدخل بهنّ على المعتمد لأنهنّ بالعقد صرن أمهات المؤمنين لقوله تعالى : ) وأزواجه أمهاتهم } ) الأحزاب : 6 ) ولقوله تعالى ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً } ) الأحزاب : 53 ) وأما إماؤه فإن لم يطأهن لم يحرمن على غيره وإلا حرمن ، وأما زوجات باقي الأنبياء فإنهن يحرمن على الأمم فقط ويحلّ نكاحهنّ للأنبياء كما قرره شيخناً ح ف ومثله في الإطفيحي .
فائدة : ذكر الشيخ عز الدين في قواعده أن نفقة أزواجه كانت واجبة عليه بعد موته لأن زوجيتهن لم تنقطع ولم يجز لهن نكاح غيره لبقاء زوجيته فلم تسقط نفقتهن بموته وفيه نظر اه .(1/314)
"""""" صفحة رقم 315 """"""
قوله : ( ولو شك في المحرمية ) كأن تحقق أن امرأة أرضعته ولكن لم يعلم هل أرضعته رضعة أو أكثر لم تحرم عليه لأن الأصل عدم المحرم ، فلو نكحها هل نقول بعدم النقض لاحتمال المحرمية وتتبعض الأحكام أو بالنقض عملاً بمقتضى عدم ثبوت المحرمية ؟ في شرح م ر الأول كما لو تزوّج مجهولة فاستلحقها أبوه على المعتمد فيها فقول بعضهم بالنقض عملاً بمقتضى عدم المحرمية لا يعود عليه . قوله : ( ظاهر كلامهم أن الحكم كذلك ) أي عدم النقض . قوله : ( وإن اختلطت الخ ) ومحله سالم يلمس عدداً أكثر من عدد محارمه ، وإلا انتقض كما هو ظاهر كلامهم لتحقق لمسه غير محرم . قوله : ( غير محصورات ) ليس بقيد بالنسبة لعدم النقض ، بل وإن كن محصورات لا ينتقض وضوؤه بلمسها ، وقيد بذلك للاستدراك الآتي لأنه لا يجوز أن يتزوج واحدة منهن إلا إذا كن غير محصورات . قوله : ( انتقض وضوؤه بلمسها ) ضعيف . قوله : ( لأن الحكم لا يتبعض ) أي ولو قلنا بأن لمسها لا ينقض يلزم عليه تبعيض الحكم حيث حل له نكاحها ولا ينتقض الوضوء بلمسها مع أن مقتضى حل نكاحها النقض بلمسها كالأجنبية فلا يتبعض الحكم حينئذ . قوله : ( وإن قال بعض المتأخرين ) هو شيخه الشهاب م ر . قوله : ( عدم النقض ) معتمد . قوله : ( وينتقض وضوؤه بلمسها ) ضعيف ، ومحل ذلك ما لم يطلقها فإن طلقها لم تحل له بعد ذلك لا برجعه إن كانت رجعية ولا بتجديد عقد إن كانت بائناً لأن شرط التزوّج علم الحل يقينا . قوله : ( لما تقدم ) أي من أن الحكم لا يتبعض وقد عرفت ضعفه . قوله : ( ولا ينقض صغير ) أي لمسه .
وقوله : ( ولا صغيرة ) الخ خلافاً للإمام داود الظاهري القائل بنقض الطهارة بلمس الصغيرة التي لا تشتهى . قال العلامة الشعراني في كتابه الميزان : الطهارة بلمس الصغيرة التي لا تشتهى ، وهو أن الله تعالى أطلق اسم النساء على الأطفال في قوله تعالى في قصة فرعون : ) يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم } ) القصص : 4 ) ومعلوم أن فرعون إنما كان يستحيي الأنثى عقب ولادتها فكما أطلق الحق تعالى اسم النساء على الأنثى عقب ولادتها في قصة الذبح ، فكذلك يكون الحكم في قوله تعالى : ) أو لامستم النساء } ) النساء : 43 ) بالقياس على حد(1/315)
"""""" صفحة رقم 316 """"""
سواء وهو استنباط حسن لم أجده لغيري ، فإنه يجعل علة النقض الأنوثة من حيث هي بقطع النظر عن كونها تشتهى أو لا تشتهى ، فقس عليه يا أخي كل ما لم تطلع له من كلام الأئمة على دليل صريح في الكتاب والسنة ، وإياك أن تردّ كلام أحد من الأئمة أو تضعفه بفهمك ، فإن فهم مثلك إذا قرن بفهم أحد من الأئمة المجتهدين كان كالهباء والله أعلم اه .
قوله : ( كما تقدمت الإشارة إليه ) أي في التمثيل بالعجوز الشوهاء . قوله : ( ولا شعر ) وإن نبت على الفرج . قال في الميزان : الشعرانية وفي كلام القوم لا ينبغي لأحد العمل بالقول المرجوح إلا إن كان أحوط في الدين من القول الأرجح كالقول بنقض الطهارة عند الشافعية بلمس الصغيرة والشعر والظفر ، فإن هذا القول وإن كان عندهم ضعيفاً فهو أحوط في الدين فكان الوضوء منه أولى . قوله : ( ولا شعر وسن ) أتي به توطئة للتعليل الذي بعده وإلا فهو قد تقدم . قوله : ( وظفر ) بضم الظاء مع سكون الفاء وضمها وكسرها مع إسكان الفاء وكسرها ، وأظفور كعصفور ويجمع على أظفار وأظافير .
فائدة : الأظافير حلة من نور كانت تحت حلل آدم الحرير في الجنة ، فلما أكل من الشجرة تطاير عنه لباس الجنة وبقيت حلة النور فانقضت من وسطها وتقلصت وانعقدت على رؤوس أصابعه فصارت ظفراً ، فكان إذا نظر إلى أظافيره بكى وصار عادة في أولاده إذا هجم الضحك على أحدهم ، فنظر إلى أظافير يديه ورجليه سكن عنه اه برماوي . قوله : ( وعظم ) هذا على طريقة قال بها ابن حجر ، والمعتمد أن العظم إذا وضح نقض كما قاله م ر . قوله : ( العضو المبان ) أي ما لم يلتصق بحرارة الدم ويخشى من فصله محذور تيمم ، وإن لم تحله الحياة خلافاً لابن حجر ح ل . أي حيث قيد بحلول الحياة فيه وتبعه ق ل . والاعتبار بما اتصل به لا بما انفصل عنه ، فإذا اتصل ذراع امرأة برجل صار حكم الرجل وعكسه بعكسه والمعتمد أن العضو المبان متى التصق وحلته الحياة نقض إلا فلا خلافاً للحلبي حيث لم يشترط حلول الحياة واكتفى بالاتصال بحرارة الدم ، والأول موافق لابن سم وابن حجر والشيخ سلطان شيخنا ، وعبارة م د ، قوله العضو المبان غير الفرج أي لأنه لا يقال لذلك العضو إنه عضو ذكر أو أنثى بمجرد وقوع البصر عليه . قوله : ( غير الفرج ) الأولى حذفه كما حذفه غيره لأن مقتضى ما قاله إنه لو لمس الفرج بغير بطن الكف انتقض وضوؤه مع أنه ليس كذلك لأنه لا يطلق عليه اسم امرأة . نعم ينتقض الوضوء بمسه ببطن الكف من مسمى الفرج ، وهذا ليس مراداً هنا ، ويدل لذلك قول م ر نقلاً عن غيره إنه لو لمس نصف الآدمي الأسفل لا نقض لأنه لا يسمى امرأة اه م د . قوله : ( نصفين ) أي سواء كان ذلك بشق أو بقطع من الوسط .(1/316)
"""""" صفحة رقم 317 """"""
قوله : ( والذي يظهر ) يحتمل رجوعه لكلام الناشري وهو الظاهر ، ويحتمل رجوعه له ولما قبله لأنه حيث كان المدار على انطلاق الاسم لا يتقيد بكونه نصفاً أو أكثر تأمل . قوله : ( إن كان بحيث يطلق عليه اسم امرأة ) وإن شق نصفين طولاً لم ينقض واحد منهما لزوال الاسم عن كل منها ا ج . قوله : ( وتقدم أنه ينتقض الوضوء بلمس الميت ) وأعاده لأجل قوله ووقع للنووي . قوله : ( في رؤوس المسائل ) هو اسم لفتاوى النووي . قوله : ( وهو آخر النواقض ) اعترض بأنه مستغنى عنه بقوله والخامس . وأجيب : بأنه أتي به لدفع توهم أنه يعدّ قوله ومس حلقة دبره . سادساً أي فلا يعد سادساً لأنه من عطف الخاص على العام .
قوله : ( ومس فرج الآدمي ) التقدير أن يمس المشكل أو الواضح فرج الواضح فيعمم في الأول ويخصص في الثاني فهو مصدر مضاف لمفعوله ، والظاهر أن المراد المماسة فلا يشترط فعل من الجانبين أو أحدهما حتى لو وضع زيد ذكره في كف عمرو بغير فعل من عمرو ولا اختيار ، انتقض وضوء عمرو . لا ينافيه قوله الآتي لهتك حرمة غيره ، لأن المراد غالباً أو أن المراد انهتاكه كما في س ل والإطفيحي وشمل إطلاقه السقط وهو ظاهر ، وإن لم تنفخ فيه الروح . وفي فتاوى الشارح أنه سئل عن ذلك هل ينقض أم لا لأنه جماد ؟ فأجاب : بأنه ينقض ولم يعله . وعلله بعضهم بشمول الاسم له ، وقد يقال بعدم النقض لتعليقهم النقض بمس فرج الآدمي وهذا لا يطلق عليه هذا الاسم ، وإنما يقال له أصل آدمي أفاده ع ش على م ر . والمعتمد أن فرج السقط لا ينقض مسه إِلا إِذا نفخ فيه الروح لأنه حينئذ يقال له آدمي وسمي الفرج فرجاً لانفراجه وانفتاحه لأن فيه ثقبة مفتوحة . قوله : ( فرج الآدمي ) والجني كالآدمي إذا كان على صورة الآدمي كما مرّ .
قوله : ( ذكراً كان أو أنثى ) بخلاف الخنثى ففي أصل المسألة أربعة أحوال لأن الماسّ والممسوس إما أن يكونا واضحين أو مشكلين أو الماس واضحاً والممسوس مشكلاً أو بالعكس ، فأما الواضحان فحكمهما واضح ، وأما الخنثيان فلا ينتقض وضوء أحدهما بمسه أحد الفرجين فقد لاحتمال توافقهما ذكورة إن مس آلة النساء وأنوثة إن مس آلة الرجال ، بخلاف ما(1/317)
"""""" صفحة رقم 318 """"""
إذا مس الفرجين جميعاً فإنهما إن كان ذكرين فقد مس آلة الذكور أو أنثيين فقد مس آلة النساء أو مختلفين فالاختلاف لا يؤثر في المسن ، فلا يشترط في هذه وهي ما لو مس الفرجين جميعاً أن لا يكون بينهما محرمية ولا صغر ، وأما إذا كان الماس واضحاً والممسوس خنثى فيشترط لنقض وضوء الماس أن يمس من الخنثى مثل ماله بشرط عدم المحرمية والصغر ، فإن كان الماس ذكراً انتقض وضوؤه بمس آلة الرجال من الخنثى ، وإن كان أنثى فبمس آلة النساء منه ، لأن الممسوس إن كان في الأولى ذكراً فواضح ، أو أنثى حصل النقض باللمس بالشرط المذكور ، وفي الثانية إن كان أنثى فواضح ، وإن كان ذكراً فالنقض باللمس ، وأما إذا كان الماس خنثى والممسوس واضحاً فالنقض ظاهر لأنه إن كان ذكراً فالنقض بالمس أو أنثى فالنقض بهما إن كان المس بباطن الكف ، بخلاف ما إذا كان بغيرها فلا نقض لاحتمال توافقهما ولا مس هذا إذا كان الواضح ذكرا ومثله يقال فيما إذا كان أنثى لأن الخنثى إن كان أنثى فالنقض بالمس أو ذكراً فالنقض بهما ، وأما لو مس أحد مشكلين فرج صاحبه فمس صاحبه ذكره ، فإنه ينتقض وضوء أحدهما لا بعينه لأنهما إن كانا ذكرين انتقض لماس الذكر أو أنثيين فلماس الفرج أو مختلفين فلكليهما باللمس إِلا أن هذا غير متيقن ، وفائدة الانتقاض لأحدهما لا بعينه أنه لو اقتدت بأحدهما امرأة لا تقتدي بالآخر لتعينه للبطلان ، وكذلك لا يقتدي أحدهما بالآخر .
قوله : ( أو منفصلاً ) أي بحيث يسمى ذكراً أو فرجاً كما يأتي . نعم لو شك هل هو من رجل أو خنثى فلا نقض كما لو مس شخصاً وشك هل هو رجل أو امرأة أو خنثى ق ل . قوله : ( من مس فرجه ) . إن قلت : لم قدمه على الحديث الذي بعده مع أن الذي بعده نص في المقصود من حيث إن الإفضاء هو الجس ببطن الكف بخلاف المس ؟ قلت : كأنه لكثرة مخرّجيه ، وأيضاً فقد قال البخاري : هو أصح شيء في الباب ، وأيضاً فللترقي ، وأيضاً فإن الذي بعده كالتفسير له حيث عبّر فيه بالإفضاء ، وهو المراد بالمس والتفسير يكون متأخراً سم . قوله : ( ستر ) بفتح السين إن أريد به المصدر وبكسرها إن أريد به الساتر ، والمراد هنا الثاني وعطف الحجاب من عطف العام على الخاص لشمول الحجاب نحو القزاز ، فإنه حاجب وليس بساتر . وعبارة م ر قوله ستر ولا حجاب عطف تفسير ، أو يقال المراد بالستر ما يستر ، وإن لم(1/318)
"""""" صفحة رقم 319 """"""
يمنع الرؤية كالزجاج وبالحجاب ما يستر ويمنع ، فهو أخص من الستر ، فيكون من عطف الخاص على العام . قوله : ( والإفضاء لغة المس ) وحينئذ يكون قوله في الحديث بيده تأكيداً على حد أبصر بعينه كما قرره شيخنا ، بل قوله بيده قيد كما يعلم من المختار ، وعبارة م د قوله والإفضاء أي المعهود وهو الإفضاء باليد لا مطلق الإفضاء لأنه لا يختص ببطن الكف . قال في التهذيب : وحقيقة الإفضاء الانتهاء ، وأفضى إلى امرأته باشرها أو جامعها . قوله : ( لغة المس ببطن الكف ) وحينئذ يقيد به إطلاق المس في بقية الأخبار .
واعترضه القونوي بأن المس وإن كان مطلقاً إلا أنه عام لأنه شامل للمس ببطن الكف وغيرها لأنه صلة الموصول الذي هو من صيغ العموم والإفضاء فرد من أفراد العام ، وذكر فرد من أفراد العام بحكم العام لا يخصصه كما هو القاعدة الأصولية ، فلا يصح أن تكون الرواية الثانية مخصصة لعموم الرواية الأولى ، ثم أجاب فقال الأقرب إدعاء تخصيص عموم المس بمفهوم خبر الإفضاء ، لأن قوله إذا أفضى أحدكم بيده أفهم أن غير الإفضاء لا يكون ناقضاً فنأخذ هذا المفهوم ونخصص به عموم قوله من مس ، أو يقال إن هذا من باب المطلق والمقيد لأن المس مطلق فيقيد بخبر الإفضاء ، كما أشار إليه بعضهم .
قوله : ( من مس ذكراً ) وفي رواية : من مس ذكره .
قوله : ( وأما خبر عدم النقض ) وهو : ( أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة ؟ فقال : هل هو إِلا بضعة منك ) . قوله : ( والمراد ببطن الكف الراحة ) قال م ر في شرح العباب : لو خلق بلا كف لم يقدر قدرها من الذراع ، ولا ينافيه ما يأتي من أنه لو خلق بلا مرفق أو كعب قدّر لأن التقدير ثم ضروري بخلافه هنا ، لأن المدار على ما هو مظنة للشهوة ، وعند عدم الكف لا مظنة فلا حاجة إلى التقدير اه ع ش على م ر . ولو خلق له أصبع في وسط كفه فإن سامت نقض الباطن دون الظاهر ، وإن لم يسامت فهو كالسلعة ينقض ظاهرها وباطنها ، وإذا كان في ظهر كفه لا ينقض مطلقاً سامت أولاً عند م ر وع ش . وفي باب الوضوء من الفتاوى الفقهية للعلامة ابن حجر سئل عمن انقلبت بواطن أصابعه إلى ظهر الكف ، فهل العبرة بما سامت بطن الكف أو بالباطن وإن سامت ظهر اليد ؟ فأجاب بقوله : بحث بعضهم أنه لا ينقض باطنها لأنه ظهر الكف ولا ظاهرها لأن العبرة بالباطن . وقال الشوبري ينقض الباطن نظراً لأصله . قوله : ( انتقض الوضوء بالمس بها ) أي بباطنها إن كانت نبتت بباطن الكف أو بجنب الأصابع .(1/319)
"""""" صفحة رقم 320 """"""
قوله : ( وبفرج الخ ) أي والمراد بفرج الخ . قوله : ( على المنفذ ) لو أسقطه لكان صواباً لأن جميع الملتقى ينقض ولا ينقض النظر وهو اللحمة في أعلى الفرج ق ل ، وفي م ر أنه ينقض إذا كان متصلا أما محله إذا قطع ففيه خلاف والذي قاله ا ج الذي لا محيص عنه نقلا عن م ر النقض أيضاً ، فقوله على المنفذ ليس بقيد ، قال الشيخ سلطان : المراد بملتقى الشفرين جميع الشفرين من أولهما إلى آخرهما اه . أي ظهراً وبطناً ، والمراد بباطنهما ما يظهر منهما عند القعود لقضاء حاجتها وينطبق عند القيام ، وبالظاهر ما عدا ذلك ، وحينئذ فتكون إضافة ملتقى للشفرين من إضافة الصفة للموصوف أي الشفران الملتقيان ، وبهذا يزول توقف سم ونصه : واعلم أن الملتقى له ظاهر وهو المشاهد ، وباطن وهو المنطبق بعضه على بعض ، فهل النقض بالمس يعم الأمرين أو يختص بالأول ؟ وعلى الاختصاص فهل من الأول ما يظهر بالاسترخاء الواجب في الاستنجاء ؟ فيه نظر اه .
قوله : ( فلا نقض بمس الأنثيين ) تفريع على كلام المصنف ، وفيه رد على من يقول بالنقض لمسهما من المالكية وهو عروة وهو مخالف للمشهور عندهم ، فإن المشهور عندهم ، موافق لمذهبنا . قوله : ( ولا بالعانة ) المراد بالعانة محل الشعر والشعر يقال له شعرة كذا قيل ، وسيأتي عن الرحماني في الأغسال المسنونة أن العانة اسم للشعر الذي فوق الذكر ، وحوله وحول قبل الأنثى وهو المشهور الموافق لما في عبارات الفقهاء من حلق العانة ومن نبات العانة فافهم . قوله : ( على الجديد ) أما على القديم فلا ينقض لأنه لا يلتذ بمسه شرح م ر . والجديد ما قاله الشافعي بمصر ، والقديم ما قاله قبل دخولها سم . قوله : ( لا ما وراءه ) أي مس داخل الفرج فليس ناقضاً م د . قوله : ( وينقض بعض الذكر المبان ) محله إذا كان هذا البعض يطلق عليه اسم الذكر ، وإِلا فلا ينقض فسقط اعتراض ق ل بقوله صوابه إسقاط بعض اه . ثم قال : وذكر القلفة لا حاجة إليه لأنها مع الاتصال تنقض وبعد الانفصال لا تسمى ذكراً فتأمل . قوله : ( إِلا ما قطع في الختان ) وهو في الذكر يسمى قلفة وفي الأنثى بظراً اه فلا ينقض كل منهما بعد قطعه ، أما حال اتصاله فقال م ر في شرحه شمل ما يقطع في ختان المرأة ولو بارزاً حال اتصاله ، وأما محله إذا قطع فالذي نقله م ر في شرح العباب وسم على الكتاب أنه لا نقض ، لكن في(1/320)
"""""" صفحة رقم 321 """"""
حواشي الروض للشهاب م ر النقض . قال بعض شيوخي : ولا محيص عنه اه ا ج . قلت : ما في حواشي الروض ليس بمعتمد لأن محل البظر إذا قطع يكون داخل الفرج كما صرح به اللغويون وغيرهم ، وممن صرح بذلك الشهاب في شرح العباب حيث قال ما نصه في باب الغسل : إن المقطوع جلدة رقيقة فإنه كعرف الديك بين الشفرين وهما يحيطان به وبمخرج البول والحيض ، وفي حاشية الشهاب ق ل على المحلي ما نصه ، ما نقل عن شيخنا م ر : أن محل البظر بعد قطعه ناقض لم يثبت عنه ، وإن وجد في بعض نسخ شرحه اه . ثم رأيت في كتاب خلق الإنسان للحافظ السيوطي البظر مجمع أعلى الشفرين ، وفي المصباح البظر لحمة بين شفري المرأة وهي التي تقطع في الختان اه . ويستفاد من مجموع النصين إجراء الخلاف في مسمى البظر لغة ، وعليه فيحمل القول بالنقض على الأولى وهو مجمع أعلى الشفرين لأنه بعد القطع صار الظاهر وعدم النقص على الثاني وهو اللحمة لأن محل القطع حينئذ من داخل الفرج وقد تقطع الخاتنة جزءاً من أعلى الشفرين ، فيمكن حمل القول بالنقض على ذلك فتأمله فإنه جدير بالاعتماد .
قوله : ( إذ لا يقع عليه اسم الذكر ) يقتضي أن الحشفة إذا قطعت لا نقض بها إذا لا تسمى ذكراً .
قوله : ( ومن له ذكران ) أي أصليان ويعرف عمل الذكر بالبول ، فلو كان له ذكران يبول بأحدهما وجب الغسل بإيلاجه ولا يتعلق بالآخر حكم ، فإن بال بهما على السواء فهما أصليان كما قاله م ر في شرحه . قوله : ( نقض المس بكل منهما ) الظاهر أن يقول نقض مسهما . قوله : ( لا زائد ) أي يقيناً أو احتمالاً ، فالزائد إن لم يسامت لا نقض به ولو اشتبه بالأصلي . قوله : ( إذا لم يكن مسامتاً ) ولا نقض بالمشكوك في أصالته سم . قوله : ( وإِلا ) بأن كان زائداً مسامتاً للعامل . قوله : ( فينقض ) ودخل في كلامه النقض بالمشكوك في أصالته ، وبه قال شيخنا ، لكن قال سم : لا نقض به لأنه قياس الباب وهو الوجه ق ل . قوله : ( ومن له كفان ) أي أصليان أخذاً من كلامه بعد .
والحاصل أنه ينقض الجميع إِلا زائداً يقيناً ليس على سمت الأصلي كذا قاله شيخنا أيضاً ، وفي المشكوك ما تقدم ق ل . قوله : ( لا زائدة ) أي ولو احتمالاً فإذا لم تكن هناك مسامته بين الأصلية والزائدة لا نقض بالزائدة ولو كان مشكوكاً في أصالتها .(1/321)
"""""" صفحة رقم 322 """"""
قوله : ( على معصمين ) أي ذراعين . قوله : ( على معصم ) الذي في شرح م ر العبرة بالمسامتة وعدمها لا بالمعصمين وعدمهما خلافاً للشارح كما قاله م ر . قوله : ( وكانت على سمت الأصلية ) قضيته عدم النقض بها إن لم تسامت وهو كذلك ، إذ العبرة بالمسامتة لا بمحل النبات حتى لو نبتت على معصم آخر وسامتت حصل النقض بها اه م ر . قوله : ( ومحل الجب ) لو قال ومحل الفرج لكان أعم وأولى ، والمراد بالمحل في الذكر ما حاذى قصبته إلى داخل ، وفي الفرج ما حاذى الشفرين من الجانبين ، وفي الدبر ما حاذى المقطوع من دائر الحلقة ق ل . وعبارة المنهج : ومس فرج آدمي أو محل قطعه . قال الحلبي : شامل لفرج المرأة والدبر ، وقيد في الروض محل القطع بالذكر . وقال شيخنا العزيزي : إن محل القطع خاص بالذكر كما يؤخذ من قول المنهاج ، ومحل الجب فلا ينقض محل الدبر ، ومحل فرج المرأة على المعتمد كما يؤخذ من قول الشارح ، والمراد بفرج المرأة الناقض ملتقى شفريها لأن هذا المراد غير موجود في محل القطع اه . وقوله : ( كما يؤخذ ) الخ . فيه أن الكلام في حال القطع ، فلا يحسن أن يكون ذلك دليلاً إذ لا يتم ذلك إِلا في حال وجوده .
وحاصل المعتمد من هذا كله أن محل قطع الفرج ينقض مسه مطلقاً ، أي سواء كان دبراً أو قبلاً من ذكر أو أنثى ، كما أجمع عليه الحواشي ، وما قاله العزيزي تبع فيه الجلال . قوله : ( والذكر الأشل ) هو منقبض لا ينبسط وعكسه . وقوله : ( وباليد الشلاء ) الشلل بطلان العمل فهو يبس في العضو . قال الزيادي : العضو الأشل حيّ وقيل ميت اه . قلت : وفائدة الخلاف تظهر فما إذا ذكي المأكول هل يؤكل أي العضو الأشل أو لا ؟ رحماني . وشمل قوله : وباليد الشلاء ما لو قطعت وصارت معلقة بجلدة كما قاله الحلبي ، وفي ق ل على الجلال قوله : وباليد الشلاء خرج بها المقطوعة ، وإن تعلقت ببعض جلدها إِلا إن كانت الجلدة كبيرة بحيث يمتنع انفصالها فراجعه ، وخرج بها اليد من نحو نقد فلا نقض بمسها أيضاً اه . قوله : ( وما بينها ) أي بين الأصابع وهو النقر التي بينها خاصة . وقوله : ( وحروفها ) أي جوانبها أي ما عدا حرف الخنصر والسبابة والإبهام أي لأن حروف هذه داخلة في حرف الكف . وقال الشوبري : المراد حرف الخنصر والسبابة وضم إليهما ح ل حرف الإبهام اه . فالمراد جوانبها المتوسطة بينها ، ومن لم يذكر حرفها أراد بما بينها النقر والجوانب اه . وقال ق ل قوله : وما بينها وهو ما يستتر من جوانبها عند ضمها وحرفها وهو ما لا يستتر الذي هو جانب السبابة والخنصر وجانبا الإبهام ، وحرف الكف بمعنى جوانب الراحة كما عبر به شيخ الإسلام وغيره من عطف العام ،(1/322)
"""""" صفحة رقم 323 """"""
ثم رأيت في الحلبي ما نصه قوله : وما بينها أي الأصابع وهو ما يستتر عند انضمام بعضها إلى بعض لا خصوص النقر . وقوله : ( وحرفها ) أي حرف الأصابع وهو حرف الخنصر وحرف السبابة وحرف الإبهام وقوله : وحرف الراحة وهو من أصل الخنصر إلى رأس الزند ، ثم منه إلى أصل الإبهام ، ومن أصل الإبهام إلى أصل السبابة . قوله : ( وحرف الكف ) لو قال وحرف الراحة لكان أولى والتعليل بخروجها عن سمت الكف غير مستقيم فتأمل ق ل .
قوله : ( مع تحامل يسير ) فيه قصور بالنظر إلى بطن الإبهام ح ل . وقال بعضهم قوله : ( ما يستتر ) أي ولو حكماً فدخل بطن الإبهام . قال ق ل : وقيد باليسير ليقل غير الناقض من رؤوس الأصابع ، ولو قال الراحتين بدل اليدين لكان أولى . قوله : ( فرج بهيمة ) ومنها الطيور سميت بذلك لعدم نطقها وسواء الأصلية والعارضة كالمسخ وما تصوّر من الجن كما مر ، ولذلك مال شيخنا إلى حرمة وطء زوجته الممسوخة حيواناً لأنه كالطلاق كما قالوه في العدد وهو وجيه اه ق ل . وتقدم جواز وطء الجنية على غير المصورة ، ولعل الفرق بينهما لائح بإمكان عدم العود في الممسوخة ، ولم يتعرض الشارح لحكاية الخلاف فيه ، وعبارة المحلي لا فرج بهيمة أي لا ينقض مسه في الجديد ، إذ لا حرمة لها في ذلك والقديم وحكاه جمع في الجديد أنه ينقض كفرج الآدمي ، والرافعي في الشرح الصغير حكى الخلاف في قبلها وقطع في دبرها بعدم النقض ، وتعقبه في الروضة بأن الأصحاب أطلقوا الخلاف في فرج البهيمة فلم يخصوا به القبل ، والبهيمة كل ذات أربع من دواب البر والبحر ، وكل حيوان لا يميز فهو بهيمة والجمع البهائم ع ش على م ر مع زيادة .
قوله : ( وعدم تحريم النظر إليه ) أي فلا يحرم النظر إليه . قوله : ( استصحاب الأصل الخ ) ذكر من فروع هذه القاعدة خمس مسائل : لو شك هل طلق أو لا ؟ الأصل عدم الطلاق . لو شك هل تزوج امرأة أو لا ؟ الأصل عدم تزوجها . لو شك هل انتقض وضوؤه أو لا ؟ الأصل عدم النقض . لو شك المحدث هل توضأ أو لا ؟ الأصل عدم الوضوء . من نام وانتبه وكان متمكناً فانتبه مائلاً وشك هل الميل حال النوم أو عند الانتباه ؟ حمل على أنه عند الانتباه ، لأن الأصل عدم النقض م د . وقوله : خمس مسائل لعله يقطع النظر عن قوله أو شك هل ما رآه(1/323)
"""""" صفحة رقم 324 """"""
رؤيا أو حديث نفس أو هل لمس الخ . أما بالنظر له فتزيد على الخمسة ، ويعبر عن هذه القاعدة بعبارات ثلاث وهي التي ذكرها الشارح ، فعطف طرح الشك وما بعده على الاستصحاب من عطف اللازم على الملزوم .
قوله : ( وقد أجمع الناس ) المناسب فقد لأنه تعليل لما قبله ، والمراد بالناس علماء الشافعية . قوله : ( أنه لا يرتفع يقين طهر ) أي لا يرفع حكم ذلك من جواز الصلاة مثلاً أي لا يمتنع عليه ذلك الحكم ، وليس المراد باليقين حقيقته ، إذ مع ظن الضد لا يقين ، اللهم إِلا أن يقال إنه يقين باعتبار ما كان ، أو يقدر مضاف أي لا يرفع استصحاب يقين الخ أي حكمه . قوله : ( طهر ) شامل للوضوء والغسل والتيمم ، كما أن قوله أو حدث شامل للأكبر . عميرة . قوله : ( سواء اعتاد تجديد الطهر أم لا ) وتثبت عادة التجديد بمرة كما أفتى به الشهاب م ر . وتابعه عليه ولده . قوله : ( وشك في رافعه ) وهو تأخر الحدث عنه . وقوله : ( والأصل عدمه ) أي عدم الرافع أي عدم تأخر الحدث عن الطهر ، وهذا يعارض بالمثل فيقال وتيقن الحديث وشك في رافعه ، وهو تأخر الطهر . والأصل عدمه فما المرجح ؟ وأجيب : بأن الطهر الذي تيقنه تحقق رفعه للحدث قطعاً إما لما قبل الفجر أو لما بعده ولا كذلك الحدث فقوي جانبه . وإيضاحه أن أحد حدثيه رفع يقيناً ، والآخر يحتمل وقوعه قبل الطهارة فيكون مرفوعاً أيضاً ، وبعدها فيكون ناقضاً لها فهي متيقنة وشك في ناقضها والأصل عدمه ح ل . قوله : ( إن اعتاد التجديد ) لأن اعتياد التجديد يقوِّي كون الطهارة الثانية تجديداً للأولى . قوله : ( لأنه تيقن الحدث وشك في رافعه ) وهو تأخر الطهر عنه . وقوله : ( والأصل عدمه ) أي عدم الرافع أي عدم تأخر الطهر عن الحدث ، ويعارض بالمثل فيقال وتيقن الطهر وشك في رافعه أيضاً ، والأصل عدمه فما المرجح ؟ وأجيب : بأن المرجح اعتياد التجديد المقتضي لكون الطهارة بعد الطهارة ح ل . قوله : ( بخلاف ما إذا لم يعتده ) أي التجديد بأن لم يوجد منه ذلك أصلاً . قوله : ( فلا يأخذ به ) أي بالضد وهو الحدث بل يأخذ بالمثل وهو الطهر كما ذكر . قوله : ( فإن لم يتذكر الخ ) هذا مقابل لمحذوف تقديره هذا إن تذكر ما قبلهما ، فإن لم يتذكر الخ . وعبارة ع ش على م ر .(1/324)
"""""" صفحة رقم 325 """"""
قوله : ( فإن لم يتذكر ) شيئاً فالوضوء أي فالواجب الوضوء . بقي ما لو علم قبلهما حدثاً وطهراً وجهل أسبقهما فينظر ما قبلهما ، فإن تذكر طهراً فقط أو حدثاً كذلك أخذ بمثله أو ضده على ما مر بيانه ، فإن تيقنهما فيه أيضاً وجهل أسبقهما أخذ بضد ما قبلهما إن ذكر أحدهما فيه ، وهكذا أي أخذ في الوتر الذي يقع فيه الاشتباه بضده إذا ذكره في الوتر ، ويأخذ في الشفع الذي فيه الاشتباه بمثل العدد الذي قبله مع اعتبار عادة تجديده وعدمها ، فإذا تيقنهما بعد الفجر وقبله وقبل العشاء وعلم أنه قبل المغرب محدث أخذ في الوتر وهو ما قبل العشاء ، إذ هو أول أول أوقات الاشتباه بضد الحدث فيكون فيه متطهراً ، وفي الشفع وهو ما قبل الفجر لأنه يليها بمثله فيكون فيه محدثاً إن اعتاد تجديداً ، وحينئذ يكون فيما بعد الفجر متطهراً فإن لم يعتده كان متطهراً فيما قبل الفجر وفيما بعده ، وإن علم أنه قبل المغرب متطهراً أخذ في الوتر وهو ما قبل العشاء بضده ، فيكون محدثاً الخ فراجعه اه .
وتوضيح ذلك أن يقال إذا تيقن طهراً وحدثاً بعد الشمس مثلاً وجهل أسبقهما وتيقنهما قبل الفجر كذلك وتيقنهما قبل العشاء كذلك ، فهذه ثلاث مراتب ، أولاها ما قبل العشاء لأنها أول مراتب الشك ، وما قبل الفجر هو المرتبة الثانية ، وما بعد الشمس هو الثالثة ، فينظر إلى ما قبل العشاء كالمغرب ، فإن علم أنه كان إذا ذاك محدثاً فهو قبل العشاء متطهر أو متطهراً فهو الآن محدث إن اعتاد التجديد وإِلا فمتطهر ، ثم تنقل الكلام إلى المرتبة الثانية وهي ما قبل الفجر ، فإن كان حكم عليه قبل العشاء بالحدث فهو الآن متطهر إلى آخر ما سبق ، ثم تنقل الكلام إلى ما بعد الشمس مثل ما سبق ، فقول الزيادي يأخذ في الوتر بالضاد ، وفي الشفع بالمثل مراده الضد والمثل بالنسبة لأول المراتب اه شيخنا ح ف .
قوله : ( لزمه الوضوء ) لأن ما قبل الفجر بطل يقيناً وما بعده متعارض ولا بد من طهر معلوم أو مظنون اه زي . قوله : ( الاحتمالين ) أي الطهر والحدث . قوله : ( وإِلا ) أي وإن لم يعتد تجديداً .
فائدة : قال القاضي : لا يرفع اليقين بالشك إِلا في أربع مسائل : أحدها : الشك في خروج وقت الجمعة فيصلون ظهراً . الثانية : الشك في بقاء مدة المسح فيغسل . الثالثة : الشك في وصول مقصده فيتم . الرابعة : الشك في نية الإتمام فيتم أيضاً . قال بعضهم : لأن هذه رخص لا بد فيها من اليقين ، وحينئذ فكل رخصة كذلك ولا تختص بالمذكورات .
قوله : ( ثم مال وانتبه ) قال في الروض وشرحه : ولو زالت إحدى ألييه أي النائم المتمكن(1/325)
"""""" صفحة رقم 326 """"""
قبل انتباهه ، ولو كان مستقراً انتقض وضوؤه ، وإن لم تقع يده على الأرض لمضي لحظة وهو نائم غير متمكن ، أو زالت مع انتباهه أو بعده المفهوم بالأولى أو شك في أن زوالها بعد انتباهه أو لا . أو في أنه ممكن مقعده أو لا . أو في أنه نام أو نعس بفتح العين فلا نقض لأن الأصل الطهارة اه مرحومي .
خاتمة : قال الشارح على المنهاج : قال القاضي الحسين : مبنى الفقه على أربع قواعد : اليقين لا يزال بالشك ، والضرر يزال ، والعادة محكمة ، والمشقة تجلب التيسير . قال بعضهم : والأمر بمقاصدها ونظمها بعضهم فقال :
خمس مقررة قواعد مذهب
للشافعي بها تكون خبيرا
ضرر يزال وعادة قد حكمت
وكذا المشقة تجلب التيسيرا
والشك لا ترفع به متيقناً
والنية أخلص إن قصدت أمورا
قوله : ( أيهما أسبق ) أي الميل والانتباه .
فصل : في موجب الغسل
هو بكسر الجيم ما يقتضيه من جنابة وولادة ونحوهما ، وبفتحها ما يتسبب على الغسل من استباحة ما كان ممتنعاً قبله كالصلاة ونحوها م د . وعبارة ق ل : الموجب بكسر الجيم هو السبب كالجنابة وبفتحها المسبب وهو تعميم البدن بالماء هذا مسبب عن الحدث ، وما قاله م د مسبب عن الغسل ، وتقديم موجب الغسل وما بعده من باب تقديم السبب على المسبب ، والنكتة في ذلك مع العكس في موجب الوضوء حيث أخره عن الوضوء أن الغسل لا يجب إِلا بتقديم سببه كالإنزال ودخول الحشفة مثلاً ، بخلاف الوضوء فإنه يطلب ، وإن لم يوجد سببه وهو الحدث كالولد إذا خرج من بطن أمه ولم يخرج منه شيء ، وأراد وليه أن يطوف به فإنه يتوقف على الوضوء لأنه غير محدث لكنه في حكمه .
قوله : ( سيلان الماء الخ ) فيه أن الغسل اسم للفعل ، والسيلان صفة للماء ، اللهم إِلا أن يكون السيلان بمعنى الإسالة أو أشار إلى أنه لا يشترط الفعل . قوله : ( على الشيء ) أي سواء كان بدناً أو غيره . وقوله : ( مطلقاً ) أي سواء كان بنية أم لا .
قوله : ( والفتح أشهر ) أي وأفصح أي لغة ، وأما عند الفقهاء فالضم أشهر كما نبه عليه(1/326)
"""""" صفحة رقم 327 """"""
بقوله : ولكن الخ . وإنكار الضم غلط كما في المجموع ، وهذا في غير غسل الثوب أما فيه فعند الفقهاء بالفتح ، وعبارة بعضهم قوله أشهر أي وأفصح لأن الفتح هو المصدر القياسي . قال في الخلاصة :
فعل قياس مصدر المعدي
من ذي ثلاثة كردّ ردا
وأما الأشهر شرعاً فهو الضم إذا أريد به السيلان على البدن ليتميز عن غسل نحو النجاسة . قوله : ( مع النية ) ولو مندوبة فيشمل غسل الميت . قوله : ( ما يغسل به الرأس ) أي ما هيىء لذلك ، وليس المراد أن ذلك يسمى بالغسل دائماً والرأس ليس قيداً ، وعبارة ق ل قوله : ما يغسل به الرأس لو قال ما يضاف إلى ماء الغسل لكان صواباً فتأمل . قوله : ( وخطمي ) بفتح الخاء وكسرها ما يغسل به الرأس اه . مختار . ونقل عن كتب المالكية أن الخطمي هو بزر الخبيزة ، وقيل هو نوع من أنواع الطيب اه ح ف .
قوله : ( ستة أشياء ) أي كل واحد منها ، وعدها في المنهج وأصله خمسة بجعل الجنابة بصورتيها شيئاً واحداً ، وعدها في الروضة أربعة بجعله النفاس دم حيض مجتمع .
واعترض الرافعي الحصر المستفاد من هذه الصيغة بتنجس جميع البدن أو بعضه مع الاشتباه . وأجاب عنه السبكي بمنع أن ذلك موجب للغسل بل لإزالة النجاسة حتى لو فرض كشط جلده حصل الغرض . قال : وبه ويتبين أن لا تعبد على البدن في غسل النجاسة أصلاً اه سم . قال الإطفيحي : أقول : والأولى أن يقال وجه عدم وروده أن الكلام في الغسل بالمعنى الشرعي وهو استعمال الماء في البدن بنية وهذا ليس منه ، وكان الغسل معروفاً في الجاهلية ، فإنهم كانوا يغتسلون من الجنابة ، ومن ثم ذكر الدميري أن الحكمة في عدم بيان الغسل في آية الوضوء كون الغسل من الجنابة كان معلوماً قبل الإسلام بقية من دين إبراهيم وإسماعيل فهو من الشرائع القديمة ، ولذلك قال تعالى : ) وإن كنتم جنباً فاطهروا } ) المائدة : 6 ) فلم يحتاجوا إلى تفسيره ، وأما رفع الحدث الأصغر فلما لم يكن معروفاً عندهم قبل الإسلام بالكيفية المعروفة ، فلم يقل وإن كنتم محدثين فتوضؤوا بل قال ) فاغسلوا } ) المائدة : 6 ) الآية . قال البرماوي : وما قيل إنه كان يجب سبع مرات ثم نسخ لم يثبت ما يدل عليه في حديث أو أثر أو نقل معتبر اه .(1/327)
"""""" صفحة رقم 328 """"""
وأقول : يخالف ذلك ما في النور الوهاج في الإسراء والمعراج للعلامة سيدي علي الأجهوري ، أنه وقع التخفيف في كل من الغسل للجنابة وغسل الثوب ، فقد أخرج أبو داود والبيهقي عن ابن عمر قال : ( كانت الصلاة خمسين ، والغسل من الجنابة سبع مرات ، وغسل الثوب من البول سبع مرات ، فلم يزل رسول الله يسأل حتى جعل الصلاة خمساً ، وغسل الجنابة مرة اه ، وغسل الثوب مرة ) ، وهل غسل غير الجنابة من الحيض ونحوه كذلك ، وكذا الغسل من غير البول كما هو الظاهر أم لا . هو كذلك بالأولى ، والظاهر أن السؤال في تخفيف الغسل لم يكن ليلة الإسراء اه بحروفه .
قوله : ( تشترك فيها الرجال والنساء ) بمعنى أنه يجب الغسل على كل منهما بكل واحد منهما ، ويعلم مما يأتي أن المراد بالرجال والنساء مطلق الذكور والإناث ولو من الجن اه ق ل . وقال ع ش قوله : تشترك فيها الرجال والنساء أي يكونان محلاً لها ، وكان مقتضى الظاهر تشترك في الرجال والنساء ، لأن المراد النسبة للعارض لا للمعروض ، والعارض هو الثلاثة ، والمعروض الرجال والنساء . قوله : ( وهي ) أي الثلاثة فتفسير الشارح للضمير بقوله أي الأولى غير مستقيم ق ل . قوله : ( التقاء الختانين ) أي ختان الرجال وختان المرأة أي تحاذيهما ، وهذا كناية عن لازم التحاذي من دخول حشفة الرجل سم . قوله : ( بإدخال ) الباء للتصوير ، والمراد بالإدخال الدخول .
وحاصله : أن التقاء الختانين حقيقته الشرعية المحاذاة ، وحقيقته اللغوية الانضمام كما يؤخذ من قول الشارح بعد ، وليس المراد انضمامهما ، وليس المراد هنا المعنى الحقيقي ، بل المراد به لازم المعنى الحقيقي وهو دخول الحشفة ، فهو من باب الكناية هنا ، وهو أن التحاذي يلزم منه عرفاً وغالباً دخول الحشفة ، فالمراد هنا لازم المعنى الحقيقي أي لازمه العرفي ، إذ لا يشترط في الكناية أن يكون اللزوم عقلياً ، بل ولو كان عرفياً كما هنا ، فلذلك كانت الباء لتصوير المعنى المراد .
قوله : ( أو كان الذكر أشل ) أو مباناً وكذا الفرج حيث بقي اسمهما اه ق ل . ويجب الغسل على المفعول في الأول وعلى الفاعل في الثاني . قوله : ( أو قدرها من مقطوعها ) أي كلاًّ أو بعضاً فإذا قطعت حشفته كلها أو قطع بعضها يقدر له حشفة قدر حشفته المقطوعة ، سواء كانت كبيرة أو صغيرة . قال الشوبري : وهذا ظاهر إذا علم ذلك ، فإن لم يعلم قدرها من مقطوعها فهل تعتبر المعتدلة حينئذ أو يكون كمن لم يخلق له حشفة فيعتبر فيه قدر الغالب من(1/328)
"""""" صفحة رقم 329 """"""
أمثال ذلك الرجل أو يجتهد ، فإن لم يظهر له شيء عمل بالأحوط ؟ كل محتمل والأقرب الأخير . وأما إذا خلق له ذكر من غير حشفة اعتبر له حشفة من عادة مثاله فيقدر له حشفة بالنسبة ، فإذا كانت حشفة الغير ربع ذكره جعلنا حشفة هذا ربع ذكره ، ولو دخل الرجل كله فرجاً ، فالذي مال إليه شيخنا عدم وجوب الغسل فراجعه ق ل وعبارة الأجهوري مسألة لو دخل رجل بجملته في فرج هل يجب عليه الغسل نظراً إلى أن الحشفة دخلت فرجاً أولاً يجب على واحد منهما نظراً إلى أن الحشفة دخلت تابعة ؟ لا نقل في المسألة في الكتب المتداولة . ونقل عن الزيادي الثاني . وقال شيخنا بالأول اه . قال بعضهم : يتعين الغسل ولا محيص عنه ، فالأول هو المعتمد وبه قال ع ش على م ر .
قوله : ( من مقطوعها ) لو قال من فاقدها لكان أشمل لشموله الذي لا حشفة له أصلاً من الآدمي وغيره ، لكن الشارح لم يقل ذلك لأنه سيأتي ذكر حكم ما ليس له حشفة في قوله : ولو أولج الخ . قوله : ( فرجاً ) والفرج يطلق على القبل والدبر لأن كل واحد منفرج أي منفتح ، فالفرج مأخوذ من الانفراج وكثر استعماله عرفاً في القبل . قوله : ( من امرأة ) قيد بها لأجل ذكر الختان ، وسيأتي ذكر غيرها ق ل . قوله : ( ولو ميتة ) ولا جنابة على الميتة فلا يعاد غسلها لانقطاع التكليف بالموت ، ولا حد على الواطىء لها ولا مهر ، لكن تفسد عبادته وحجه وتجب به الكفارة في رمضان كوطء البهيمة اه ق ل . وعند الحنفية إذا أتي البهيمة ولم ينزل فلا غسل عليه ، وعليه غسل آلته إن كان متوضئاً ، وإن أنزل فعليه الغسل ولا يحد ، ولا كفارة عليه إن كان صائماً في رمضان ، ولا يخفى الحكم عندنا في الجميع . قوله : ( أو كان على الذكر خرقة ) ولو كانت كثيفة ، بل ولو كان في قصبة كما أفتى به بعضهم ، وكان الأولى تقديم هذا عند قوله أو غير منتشر . قوله : ( وإن لم ينزل ) ليست هذه الجملة من الحديث ، ويدل له الإتيان بأي في بعض النسخ ، هذا وفي شرح الروض أنها من الحديث لأنه قال عقب قوله فقد وجب الغسل . رواه الشيخان وفي رواية لمسلم : وإن لم ينزل شيخنا . قوله : ( وأما الأخبار الدالة على اعتبار الإنزال فمنسوخة ) أي من حيث الحصر لا من حيث الحكم كما قاله م د . وقوله : ( أي من حيث الحصر ) أي من حيث أحد شقي الحصر الذي هو النفي وهو قولنا : ولا يجب بغير(1/329)
"""""" صفحة رقم 330 """"""
الماء ، وأما بالنظر لشق الإثبات وهو وجوب الغسل من خروج الماء فليس بمنسوخ ، فقد أقامه دليلاً على إنزال المني فيما سيأتي ، وأما ابن عباس فجعل الحصر إضافياً أي نسبياً أي بالنسبة للاحتلام ، فعلى القول بعدم النسخ يصح أن يستدل بالحديث على وجوب الغسل بالإنزال ولو من غير احتلام ، وعلى قول ابن عباس يستدل به على وجوب الغسل بالاحتلام فقط .
قوله : ( وأجاب ابن عباس ) أي على القول بعدم النسخ . وحاصل جوابه أن الحصر إضافي بالنسبة للاحتلام .
قوله : ( جري غلى الغالب ) ويرتكب المصنف رحمه الله تعالى مثل هذا تبركاً بالحديث . قوله : ( بهيمة ) ولو سمكة ولو ميتة كما في المجموع ق ل . قوله : ( أو في دبر ) أي دبر رجل مثلاً ولو في دبر نفسه وتجري عليه جميع أحكام الجماع كما قاله ق ل . وهذا مما يدل على أن قوله فيما تقدم من امرأة ليس قيداً ، وعبارة بعضهم وشمل إدخاله في دبر نفسه ، فإنه يجب عليه الغسل ولا يحد ، لأنه لا يشتهي دبر نفسه ، بل هذا المحل لا يشتهى طبعاً ، وأما اللوطية فقد انحرفت طباعهم عن حيز الاعتدال ، وعلى القول بوجوب الحد فهل يجب عليه حدان باعتبار كونه فاعلاً ومفعولاً أو لا . قياساً على تداخل الحدود بعضها في بعض إذا كانت من جنس واحد ؟ الأقرب الثاني ، برماوي . قوله : ( بل تحاذيهما ) وهو كناية عن لازم التحاذي من دخول الحشفة كما تقدم عن سم . قوله : ( في الختان ) صوابه في الختن أي القطع ق ل . أي : وتكون في بمعنى الباء أي بالختن أي القطع . قوله : ( ولو أولج الخ ) وسيأتي أنه لو كان ذلك الذكر مباناً ، فقيل لا فرق بين أن يولجه من جهة الحشفة أو من الجهة الأخرى ، لكن ينبغي أن الحشفة متى وجدت فالعبرة بها ولو من الذكر المبان ، واعتمده م ر آخراً ، وأما لو قطع الفرج وبقي اسمه وأولج فيه ، هل يجب الغسل قياساً على نقض الوضوء بمسه أو يفرق ؟ قرر م ر الفرق ، إذ لا يسمى جماعاً ثم قال : ويحتمل أن يجب الغسل ويمنع توقفه على ما يسمى جماعاً ، بل يكفي فيه مسمى الإيلاج في فرج وقد وجد ، وبه جزم ق ل فقال قوله فرجاً ولو مباناً حيث بقي اسمه اه . ولا شيء على صاحب الفرج المبان من رجل أو امرأة خلافاً لما توهمه بعض الطلبة الضعيف الفهم السقيم الإدراك ، وقد أحوج الدهر هذا اه .
وأما لو شق الذكر نصفين فلا تحصل الجنابة بإدخال أحدهما ولو مع أكثر الذكر كما في(1/330)
"""""" صفحة رقم 331 """"""
شرح م ر . قال سم : فلو أدخل مجموع شقي الحشفة من الذكر المشقوق ، فيحتمل أن يؤثر كإدخالها من الذكر الأشل ، وهل يتقيد ذلك بكونه في محل واحد أو يشمل ما لو أدخل شقاً في القبل وشقاً في الدبر ؟ ينبغي أنه كذلك لكن لو أدخل الشقين على الترتيب ، فينبغي أن لا غسل لأن كل شق منهما لا يصدق عليه إدخال حشفة . وفي حاشية الشيخ عبد الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الأجهوري : وبقي ما لو شق وأدخل أحد شقيه ، ثم أخرجه وأدخل الشق الآخر على التعاقب . قال الشيخ حمدان : أما الفاعل فيجب عليه الغسل جزماً ، وأما المفعول فإن اتحد المحل فالغسل ، وإِلا فلا . ومن الاتحاد ما لو أدخل أحدهما في القبل والآخر في الدبر .
فرع : لو كان الذكر كله بصورة الحشفة فلا يتوقف وجوب الغسل على إدخال جميعه ، بل تقدر كما هو الظاهر ، نعم إن تحزز من أسفله بصورة تحزيز الحشفة فينبغي أنه لا بد من إدخال الجميع .
فائدة : لو أدخل ذكره في ذكر آخر هل يجب عليه الغسل أم لا ؟ أفتى م ر أنه يجب الغسل على كل منهما على المعتمد اه .
قوله : ( أو غيره ) شمل الآدمي الذي لا حشفة له . قوله : ( وينبغي اعتماد الثاني ) عبارة الزيادي وفيما لو خلق بلا حشفة يعتبر قدر المعتدلة بغالب أمثاله ، وكذا في ذكر البهيمة يعتبر قدر تكون نسبته إليه كنسبة معتدل ذكر الآدمي إليه فيما يظهر . قوله : ( ويجنب صبي ) ولو غير مميز . قال الجوهري : أجنب الرجل وجنب بالضم اه . فعلى هذا إن اعتبرت المضارع من أجنب كان مثل أكرم يكرم ، وإن اعتبرته من جنب كان مثل شرف يشرف اه مرحومي .
قوله : ( ويجب عليهما الغسل بعد الكمال ) بالبلوغ في حق الصبي ، والإفاقة في حق المجنون أي إن لم يغتسلا قبله بنفسهما أو بغيرهما اه ق ل . وهو واضح في غسلهما بنفسهما لاستدعائه تمييزهما ، وأما بغيرهما فصورته أن يغسلهما الولي في نسك فإنه يصح بخلاف غير النسك فلا يصح ، إذ لا ضرورة إليه ، فعلم أنه إن استمر بعد الغسل في النسك لم يجتنب حتى كمل كفاه ذلك لأن جنابته ارتفعت ، وفيه نظر لأنها طهارة ضرورة م د .
قوله : ( وصح من مميز ) أي ولا تجب إعادته إذا بلغ ، بخلاف ما إذا غسله وليه لعدم تمييزه فلا يكفيه إذا استمر حتى كمل لأنها طهارة ضرورة كما مر آنفاً . قوله : ( وإيلاج الخنثى ) أي في دبر ذكر أو قبل أنثى كما يدل عليه قوله بالنزع من دبره الخ .(1/331)
"""""" صفحة رقم 332 """"""
وقوله : ( لا أثر له في الغسل ) أي في إيجابه فلا ينافي أنه يخير بين الوضوء والغسل كما يأتي .
والحاصل : أن الخنثى إما أن يكون مولجاً أو مولجاً فيه ، وإذا كان مولجاً فإما أن يكون في دبر ذكر أو أنثى أو خنثى ، أو قبل أنثى أو خنثى ، فهذه خمس صور . وإذا كان مولجاً فيه فإما أن يكون ذلك المولج واضحاً أو خنثى ، وتارة يولج ذلك الخنثى المولج فيه في واضح آخر ، وتارة في نفس الرجل المولج ؛ فهذه أربع صور فمتى كان مولجاً فقط لا شيء عليه إِلا إن أولج في دبر ذكر ، ولا مانع من النقض . أو أولج في دبر خنثى وكان ذلك الخنثى أولج في قبله ، ففي هاتين الصورتين يتخير الخنثى المولج بكسر اللام في الدبر بين الوضوء والغسل ، وكذلك المولج في دبرهما بخلاف ما لو أولج فقط في دبر خنثى أو في قبله فلا شيء عليه ، ويجب الوضوء على المولج في دبره بالنزع منه ، ومتى كان الخنثى مولجاً في قبله فلا شيء عليهما لاحتمال أنهما رجلان ما لم يولج الخنثى الذي أولج فيه في واضح آخر ، فإنه يجنب يقيناً ويحدث الواضح بالنزع ، فإن أولج في الرجل المولج أجنب كل منهما ، وقد نظمت ذلك ليسهل حفظه فقلت :
وبين غسل ووضوء خير
خنثى إذا لاط بدبر ذكر
أو دبر خنثى مولج ذكره
في قبل المولج فافهم سره
ومولج في دبره ينتقض
بخارج حينئذ منه الوضو
وذكراً خيره إن خنثى فعل
بدبره لخارج منه حصل
مجرد الإيلاج في خنثى جرى
من مثله فما عليه شيء يرى
كذاك لا شيء إذا ما رجل
بقبل خنثى قد أتاه يافل
فإن أتى الخنثى لفرج امرأة
أو دبر فاخصصه بالجنابة
ومولج في دبره أو فرج
قد نقضوا منه الوضو بالخارج
وإن أتى الخنثى لمولج رجل
قد حصلت حقاً جنابة لكل
قوله : ( بإيلاجه في دبر ذكر ) أي : وأما الذكر فيأتي أنه يخير بقوله وكذا يخير الخ .(1/332)
"""""" صفحة رقم 333 """"""
وسيأتي ما فيه . قوله : ( لا مانع من النقض بلمسه ) أي بأن لم يكن هناك محرمية ولم يكن على الذكر حائل ، وإِلا لم يجب شيء . قوله : ( أو في دبر خنثى ) الشارح تكفل ببيان حال المولج . وأما المولج فيه فيخير أيضاً بين الغسل وعدمه وينتقض وضوؤه بالنزع منه فتأمل ، لأنه إما جنب بتقدير ذكورتهما ، أو أنوثته وذكورة الآخر ، أو ذكورته وأنوثة الآخر ، أو غير جنب بتقدير أنوثتهما . قوله : ( فيهما ) أي في الصورتين لأنه أولج في الدبر فيهما . قوله : ( وذكورة الآخر في الثانية ) لأن الآخر أولج في قبله . قوله : ( بتقدير أنوثته فيهما ) أي اللمس في الأولى ، والنزع منه في الثانية . قوله : ( لما سيأتي ) أي من التعليل المعلل به هناك وفي نسخة كما سيأتي وهو ظاهر . قوله : ( وكذا يخير الذكر ) أي لأن الخنثى إما ذكر أو أنثى فبتقدير الذكورة يكون أي الذكر جنباً ، وبتقدير الأنوثة يكون محدثاً ا ج .
والتحقيق ، أن التخيير إنما هو بين الغسل وعدمه ، وأما الوضوء فيجب قولاً واحداً لأنه أحدث بالنزع منه ، فعبارة الشارح غير ظاهرة . وقوله : لا مانع من النقض الخ . الأولى حذفه لأنه لو كان هناك مانع كان النقض بالنزع منه فتأمل ، وعلى كلام الشارح يكون النقض باللمس . فالحاصل : أن عند وجود المانع يكون النقض بالنزع ، وعلى عدمه يكون النقض باللمس . وعبارة م د قوله : ولا مانع من النقض لا حاجة إليه هنا لانتقاض وضوئه بالنزع منه بخلافه فيما تقدم ، فإنه بالملامسة فيحتاج إلى هذا القيد هناك لا هنا .
قوله : ( أما إيلاجه الخ ) هذا محترز قوله دبر خنثى الخ . فمفهوم الصورة الثانية تحته صورتان ، وتقدم الصورتان فتلخص أن صور الخنثى أربعة فتأمل . قوله : ( فلا يوجب عليه شيئاً ) أي على المولج لاحتمال أنوثته ، ويتجه أن يتخير المولج فيه في الثانية ق ل . وعبارة المرحومي : وأما المولج في دبره فينتقض وضوؤه بالخروج اه أي : وأما المولج في قبله فلا شيء عليه لاحتمال أنه ذكر فاحفظ . قوله : ( في واضح ) أي في دبر ذكر أو أنثى ، أو في دبر خنثى ، بخلاف الآخرين أي الواضحين .(1/333)
"""""" صفحة رقم 334 """"""
قوله : ( أما إذا أولج الخنثى في الرجل المولج الخ ) محترز قوله آخر من قوله في واضح آخر . قوله : ( فإن كلاًّ منهما ) يجنب أي لأنه إذا كان الخنثى أنثى فقد أولج فيه ، وإن كان ذكراً فقد أولج في الذكر .
قوله : ( ومن أولج الخ ) حاصل كلامه أنه إذا تعدد الذكر أنه يجب الغسل بالأصلي ، وبالزائد المسامت له ، وسكت عن المشتبه ، ويظهر توقف الغسل على إيلاج الجميع ق ل . قوله : ( في نقض الطهارة ) أي الكاملة وهي الغسل . قوله : ( إذا لم يكن الخ ) المدار على الأصالة أو المسامتة فقط في وجوب الغسل لا بالبول ، وعدمه على المعتمد خلافاً للشارح . قوله : ( فإن كان على سننه الخ ) حاصل ما ذكره المؤلف أنه إن بال بأحدهما تعلق الحكم به فقط حيث لم يسامت الآخر ، فإن سامت تعلق به أيضاً ، وكذا إن بال بهما وإن لم يتسامتا ، أو لا يبول بواحد منهما ، وكان الانسداد عارضاً ا ج .
قوله : ( أو لا يبول بواحد منهما ) بأن كان له ثقبة يبول منها .
قوله : ( أو كان الانسداد عارضاً ) الأولى وكان كما في شرح الروض وعليها ، فهو قيد في الأخير . قوله : ( أي خروج المني ) أي ولو على صورة الدم لكثرة الجماع ونحوه ، فيكون طاهراً موجباً للغسل فقبل خروجه وإن منعه بربطه مثلاً لا يجب الغسل ، بل ولا يصح فلو قطع الذكر وفيه المني قبل بزوره لم يجب الغسل إِلا إن برز من الباقي المتصل شيء ، وفارق الحكم بالبلوغ لوجود العلم قاله ق ل . وفي ا ج : فلو قطع الذكر والمني فيه لكن لم يخرج من المنفصل شيء فلا غسل كما قاله الأسنوي كالبارزي ، وتابعهما م ر في الفتاوى . قال سم : وفيه نظر لانفصاله عن البدن وإن كان مستتراً في الجزء المنفصل فلا يتجه حينئذ إِلا وجوب الغسل ، لكن قد يقال إن انفصاله عن البدن تابع لانفصال الذكر اه . وقول المحشي : لكن لم يخرج المنفصل شيء في بعض النسخ المتصل . وهذه النسخة هي الظاهرة ، وقد نقل ع ش على م ر أن لابن سم عبارتين . قوله : ( أي منيّ الشخص ) أشار به إلى أن أل في المني للعهد . قوله : ( أما البكر الخ ) ، فالحاصل أنه لا بد من خروجه إلى ظاهر البدن أو إلى ما يظهر من الثيب عند(1/334)
"""""" صفحة رقم 335 """"""
جلوسها على قدميها . قوله : ( إنما الماء من الماء ) هذا الحديث يستدل به على وجوب الغسل بالإنزال في جميع الصور على القول بأنه منسوخ كما علمت مما تقدم أنه إنما هو منسوخ باعتبار مفهومه لا باعتبار منطوقه ، وأما على قول ابن عباس فيستدل به على بعض المدعي كما لا يخفى . قوله : ( عن أم سلمة ) واسمها هند وهي زوج النبي . قوله : ( أم سليم ) بنت ملحان بكسر الميم وسكون اللام والحاء المهملة ، والدة أنس ، واسمها سهلة أو رميلة ، وقيل غير ذلك . قال ابن الأثير : ويقال لها الغميصاء بالغين المعجمة ، أو الرميصاء اشتهرت بكنيتها . قوله : ( إن الله لا يستحيي من الحق ) يحتمل أن لا يأمر أن يستحيا من الحق أو لا يمنع من ذكره امتناع المستحيي ، فكذلك أنا . وإنما قدمت ذلك على سؤالها للإشارة إلى أن المسوؤل عنه أمر يستحيا منه فهو نوع براعة استهلال عند أهل البديع شوبري ، والظاهر أن المراد بالحق هنا السؤال عن الحكم الشرعي وقالت له أيضاً : ( هل للمرأة ماء ؟ فقال لها : تربت يداك بأي شيء يشبه الولد أمه ) . ففيه إشارة إلى أن الولد منعقد من مني الرجل ومني المرأة . قوله : ( هل على المرأة من غسل ) بضم الغين ، وفي رواية بفتحها وهما مصدران عند أكثر أهل اللغة . وقال آخرون بالضم الاسم وبالفتح المصدر وحرف الجر زائد كما في القسطلاني .
قوله : ( إذا هي احتلمت ) أي رأت في منامها أنها تجامع . قوله : ( إذا رأت ) أي حين رأت الماء أي المني إذا استيقظت ، فإذا ظرفية وجعل رؤية المني شرطاً للغسل يدل على أنها إذا لم تر الماء لا غسل عليها .
فائدة : قال سيدي أحمد زروق : الاحتلام بصورة محرمة عقوبة معجلة ، وبغير صورة نعمة ، وبصورة شرعية كرامة ، وقد نظم ذلك فقال :
من يحتلم بصورة شرعيه
فإنه كرامة مرضيه
وإن يكن بصورة قد حرمت
فهو إذاً عقوبة تعجلت
أو لا بصورة فذاك نعمه
حكاه زروق عليه الرحمه وذكر أيضاً : أنه ينهى عن إتيان الزوجة بعد الاحتلام ، فإن ذلك يورث الجنون في الولد . قوله : ( أما الخنثى المشكل ) عبارة المصباح في حرف الخاء والنون خنث خنثاً فهو خنث من باب تعب إذا كان فيه لين وتكسر ، ويتعدى بالتضعيف فيقال خنثه غيره إذا جعله كذلك ، واسم(1/335)
"""""" صفحة رقم 336 """"""
الفاعل مخنث بالكسر وقال بعض الأئمة : خنث الرجل كلامه بالتثقيل إذا شبهه بكلام النساء ليناً ورخاوة ، فالرجل مخنث بالكسر ، والخنثى الذي خلق له فرج الرجل وفرج المرأة ، والجمع خناث مثل كتاب ، وخناثى مثل حبلى وحبالى اه . ومعنى الخنثى المشكل أي الملتبس سمي بذلك لأنه لما تعارضت فيه علامات الرجال وعلامات النساء التبس أمره فسمي مشكلاً . قال صاحب التتمة من الشافعية في أول الزكاة يقال : ليس في شيء من الحيوانات خنثى إِلا الآدمي والإبل . قال النووي في تهذيبه ويكون في البقر . جاءني جماعة أثق بهم في يوم عرفة سنة أربع وسبعين وستمائة وقالوا : إن عندهم بقرة خنثى ليس لها فرج الأنثى ولا ذكر الثور ، وإنما لها خرق عند ضرعها يخرج منه البول وسألوا عن جواز التضحية به فقلت لهم : إنه ذكر أو أنثى وكلاهما يجزىء وليس فيها نقص اللحم وأفتيتهم فيه اه .
قوله : ( فإن أمنى منهما ) وأما إذا أمنى من أحدهما فلا يجب عليه الغسل ولو كان مستحكماً . وقولنا : إن المني إذا خرج من غير طريقه المعتاد وكان مستحكماً وجب الغسل مفروض فيما إذا كان الأصلي منسداً ، وأما إذا كان من منفتحاً فلا يجب الغسل وهنا في صورة الخنثى منفتح فتأمل . قوله : ( مستحكماً ) بصيغة اسم الفاعل وهو الخارج لا لعلة فإن خرج لأجل علة كمرض كان غير مستحكم . والحاصل : أنه إن خرج من طريقه المعتاد وجب الغسل وإن لم يستحكم ، وإِلا فيشترط الاستحكام وفرض المسألة أن توجد فيه بعض خواصه ، وإن كان على لون الدم الخالص ، فإن لم يوجد فيه شيء من خواصه فليس بمني كما عرف .
قوله : ( وخرج من تحت الصلب ) أو من نفس الصلب . قوله : ( فالصلب هنا كالمعدة ) صوابه كتحت المعدة إذ الخارج من نفس الصلب يوجب الغسل لأنه معدن المني س ل . والصلب من الرقبة إلى منتهى الظهر اه شوبري . قوله : ( كأن خرج لمرض ) الأولى بأن خرج(1/336)
"""""" صفحة رقم 337 """"""
كما عبر به م ر لأنه تصوير لغير المستحكم ولا فرد له غيره . قوله : ( بدفعات ) جمع دفعة بالعين . قوله : ( مع فتور الذكر ) لا حاجة إليه ق ل . قوله : ( أو خرج ) عطف على الغاية . قوله : ( رطباً ) هو وجافاً حالان من المني . قوله : ( وإن لم يلتذ أو يتدفق ) هذا رد على الحنفية ، فإن مذهبهم أن خروج المني لا يوجب الغسل إِلا بقيدين كما في الكنز وشرحه وعبارته : وفرض الغسل عند خروج مني إلى ظاهر الفرج ، وسواء في ذلك حالة النوم واليقظة ، ولكن بقيدين . أحدهما التدفق والآخر الشهوة . وعند الشافعي خروجه كيفما كان يوجب الغسل .
قوله : ( مني جماعها ) التقييد بالجماع جري على الغالب حتى لو قضت وطرها بمعنى استدخلته كان الحكم كذلك . م ر . قوله : ( فلا تعيد الغسل ) أي بأن لم يكن لها شهوة لصغر أو كانت ولم تقضها كنائمة وهذا عين قوله : فإن لم يكن لها شهوة الخ . فلا حاجة إليه لأنه عين المستثنى منه إِلا أن يقال إنه تصريح بما علم للوضوح . قوله : ( ولم تقض ) أي شهوتها . قوله : ( كنائمة أي أو مكرهة قال في البهجة :
وبعد غسل وطئها إن لفظت
ماء تعيد حيث شهوة قضت
ولا تعيد طفلة وراقده
أو أكرهت ومن شفاء فاقده
أي : عادمة الشفاء وهي المريضة . قوله : ( المئنة ) بفتح الميم وهمزة مكسورة وبعدها نون مشددة أي اليقين . قوله : ( فإن فقدت الصفات ) لو قال الخواص لكان أولى ، إذ صفاته كونه(1/337)
"""""" صفحة رقم 338 """"""
أبيض أو أصفر أو ثخيناً وهذه لا دخل لها في المعرفة . قوله : ( في الخارج ) أي في الماء الخارج . قوله : ( فلا غسل ) أي مطلوب فيحرم لأنه تعاطى عبادة فاسدة ، وهذا حيث لم يشك ، أما إذا شك فهي مسألة التخيير الآتية . قوله : ( تخير ) أي بالتشهي لا بالاجتهاد ، وإذا اشتهت نفسه واحداً منهما ، فله أن يرجع عما اختاره سواء فعله أو لم يفعله ولا يعيد ما صلاه . نعم إن تيقن أنه غير ما اختاره بعد أن صلى صلوات وجب عليه إعادة الصلوات التي فعلها ، فإن تيقن بعد ذلك أنه هو الذي اختاره لا يجب عليه إعادة الغسل في صورته لجزمه بالنية . قوله : ( على المعتمد ) مقابلة أنه يحتاط فيغتسل ويغسل ما أصابه منه كما أفاده شيخنا . قوله : ( فإن جعله منياً اغتسل ) فإن لم يغتسل والحالة هذه لم يترتب عليه أحكامه من حرمة المكث في المسجد والقراءة وغير ذلك لأنا لا نحرم بالشك ، ولهذا من قال بوجوب الاحتياط بفعل مقتضي الحدثين أي الأكبر والأصغر لا يوجب عليه غسل ما أصابه لأن الأصل طهارته ، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى م ر . قوله : ( برىء منه يقيناً ) فلو اختار كونه منياً فاغتسل ثم اختار بعد ذلك كونه ودياً انعكس الحكم من حينئذ فيغسله ولا يعيد ما صلاه ، وكذا لو اختار ابتداء كونه ودياً فغسله وتوضأ وصلى مدة ثم اختار كونه منياً وجب الغسل ولا تجب إعادة ما صلاه كما رجحه سم . وإن قال حج : فيه احتمالان ا ج . وعبارة ق ل : وله الرجوع عن الاختيار الأول إلى الآخر ولا يعيد ما فعله بالأول . قوله : ( ولا معارض ) أي من البراءة . وقوله : ( له ) أي للأصلي . وقوله : ( بخلاف من نسي ) الخ هذا محترز . قوله : والأصل براءته من الآخر ، وأما قوله : ولا معارض فلم يأخذ محترزه ولعله احترز به عن نحو بول الظبية في ماء كثير فتغير ، فإن الأصل هنا وهو الطهارة عارضه عارض وهو بول الظبية اه عزيزي .
قوله : ( وفعله ) أي وفعل مقتضاه من اغتسال أو وضوء وما يترتب عليه من صلاة وغيرها ق ل . قوله : ( فإن لم يفعله ) الصواب إسقاط هذه الجملة لأن له الرجوع عن الأول ، وإن فعل مقتضاه ويعتدّ بما فعله بالأول فلا تلزمه إعادة صلاة صلاها به مثلاً ، وإذا اغتسل فتبين له أنه(1/338)
"""""" صفحة رقم 339 """"""
منيّ فقال العلامة سم : لا يلزمه إعادة الغسل لأنه ملزم به عن اختياره أي وجازم بالنية لرفع الحدث الأكبر فليس كوضوء الاحتياط فإنه متبرع به . وقال شيخنا وغيره : يلزمه كوضوء الاحتياط ق ل . وإذا اختار كونه منياً واغتسل وصلى ثم انجلى له الحال بأنه ودي فهل يلزمه إعادة ما صلاه لتبين أن صلاته وقعت مع نجاسة غير معفوّ عنها في هذه الحالة ، ويلزمه غسل ما أصابه من ثوبه أو بدنه من المدة الماضية لتحقق النجاسة بانجلاء الحال أو لا ؟ لعدم وجوب غسله قبل تبين الحال . فيه نظر ، والأقرب الأول قياساً على ما لو صلى بنجاسة لا يعلمها ثم انكشف له الحال م د .
قوله : ( ولو استدخلت المرأة الخ ) هذه من الموجب الأول فكان ذكرها معه أنسب ق ل . قوله : ( مقطوعاً ) بقي اسمه . قوله : ( لزمها الغسل ) خرج بالغسل غيره من الأحكام فقد نقل الأسنوي عن البغوي أنه لا يثبت بالمقطوع إحصان ولا تحليل ولا مهر ولا حد ولا عدة ولا مصاهرة ولا إبطال إحرام ، وتفارق الغسل بأنه أوسع باباً منها نقله حج في الإيعاب وما وقع في فتاوى الشهاب م ر مما يخالفه ممنوع ، ولا شيء على صاحب الذكر المبان كما هو معلوم . قوله : ( على الحشفة ) خبر أنّ أي كائن ودائر على الحشفة حيث وجدت . قوله : ( وظاهر كلام المنهاج ) معتمد . قوله : ( إِلا بالتلذذ والريح ) أي ريح العجين وطلع النخل رطباً وبياض البيض جافاً ، وإن لم يحصل تدفق ح ل قوله : ( ويؤيده الخ ) الشاهد في تعبير الإمام بالدافق فإنه يقتضي تساوي الذكر والأنثى . قوله : ( الدافق ) أي فهذا يدل على أن الريح والتلذذ ليس قيداً .
قوله : ( لو رأى في فراشه ) أي من يتصور إنزاله كابن تسع سنين ومتى أوجبنا عليه الغسل حكمنا ببلوغه كما قاله الزركشي اج . قوله : ( ولو بظاهره ) هذا ضعيف لأنه إذا كان بظاهره احتمل أنه من غيره ولا بد ، فلا يصح قوله فيما بعد لا يحتمل أنه من غيره وعبارة م ر . وعلم مما قررناه صحة ما قيد الماوردي المسألة به فيما إذا رأى المني في باطن الثوب ، فإن رآه في(1/339)
"""""" صفحة رقم 340 """"""
ظاهره فلا غسل لاحتمال أنه أصابه من غيره أي غير ذلك النائم في وقت آخر أو في هذه الحالة كأن مر عليه طائر وهو نائم اه . قوله : ( لا يحتمل أنه من غيره ) بأن نام وحده أو مع من لا يتصور إنزاله كالممسوح .
وقوله : ( لزمه الغسل ) أي وإن لم يتذكر احتلاماً . قوله : ( وإن احتمل كونه من آخر ) أي أو من نحو وطواط ق ل . قوله : ( والموت ) قال في شرح الروض : الموت عدم الحياة عما من شأنه الحياة ، وقيل عرض يضادّ الحياة فيكون وجودياً لقوله تعالى : ) خلق الموت والحياة } ) الملك : 2 ) وردّ بأن المعنى قدر والعدم مقدر ، فيكون التقابل بين الحياة والموت تقابل العدم والملكة وعلى الثاني تقابل التضاد ، والثاني مذهب أهل السنة فيبقون الآية على ظاهرها من غير تأويل . قال الإطفيحي وإنما وجب غسل الميت تنظيفاً وإكراماً لأنه لا ينجس بالموت . قوله : ( غير شهيد ) لقوله عليه الصلاة والسلام فيهم : ( لا تغسلوهم فإن كل جرح يفوح مسكاً يوم القيامة ) .
فإن قيل : لم كان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، ودم الشهيد ريحه كريح المسك مع ما فيه من المخاطرة العظيمة بالنفس وبذل الروح ؟ أجيب : بأنه إنما كان أثر الصوم أطيب من أثر الجهاد لأن الصوم أحد أركان الإسلام المشار إليه بقوله : ( بُني الإسلام على خمس ) الحديث . وبأن الجهاد فرض كفاية ، والصوم فرض عين ، فهو أفضل من فرض الكفاية لما روى أحمد في السنن أنه عليه الصلاة والسلام قال : ( دينار تنفقه على أهلك ودينار تنفقه في سبيل الله أفضلهما الذي تنفقه على أهلك ) . ولأن الصوم لا يطلع عليه أحد إِلا الله تعالى بخلاف الجهاد ، لأنه وإن كان فيه مخاطرة بالنفس لكن قد يطلع عليه فكان أثر الصوم أطيب .
قوله : ( المحرم ) لم يعرف اسمه . قوله : ( وقصته ناقته ) أي رمته فكسرت عنقه ، فقول(1/340)
"""""" صفحة رقم 341 """"""
الشارح الوقص كسر العنق تفسير مراد ا ج . قوله : ( وهي أي الأولى ) الأولى أن يقول أي الثلاثة كما تقدم . قوله : لقوله تعالى . ) فاعتزلوا النساء في المحيض } ) البقرة : 222 ) الأولى لآية . ) ويسألونك عن المحيض } ) البقرة : 222 ) الخ . كما عبر به في شرح المنهج لأن وجه الاستدلال في بقية الآية ، ووجه الدلالة من هذه الآية أن المرأة يلزمها تمكين الحليل من الوطء ، ولا يجوز ذلك إِلا بالغسل ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . زي مع زيادة . قوله : ( في المحيض ) المحيض مصدر ميمي يصلح للزمان والمكان ، لكن لا يصلح اعتبارهما هنا لأنه لو كان المعنى ) فاعتزلوا النساء } ^ في مكان الحيض لاقتضى وجوب اعتزالهن حتى في حال طهرهن لوجوب الاعتزال عن مكان الحيض وهو الفرج ، أو كان المعنى في زمان الحيض لربما يتوهم وجوب اعتزالهنّ في جميع بدنهن إلا أن يخص بما بين السرة والركبة . ولو قلنا : إن المراد زمان الحيض احتجنا إلى أن نقول ومكانه ، ولو قلنا : المراد به مكان الحيض احتجنا إلى أن نقول وزمانه ، فالمخلص من ذلك ما ذكره الشارح بقوله أي الحيض وتجعل في سببية ، وقال الرشيدي قوله : أي الحيض اللائق أن يقول أي زمن الحيض لأن المعنى عليه ، ويدل له أنه سبحانه ذكر نفس الحيض فيما قبله بلفظ الأذى ، فلو كان المراد بالمحيض الحيض لكان المقام للإضمار وما ذكره كغيره من التفسير بالحيض يحوج إلى تقدير مضاف وهو لفظ زمن .
قوله : ( والنفاس ) إن قبل لا حاجة إليه مع الولادة لأنه يستغني بها عنه . لأنا نقول نلتزم لأنها إذا اغتسلت من الولادة ، ثم طرأ الدم قبل خمسة عشر يوماً ، فهذا الدم يجب له الغسل ولا يغني عنه ما تقدم . شوبري . قوله : ( لأنه دم حيض مجتمع ) هو ظاهر فيمن لم تحض وهي حامل . أما هي فيجوز أن يكون الخارج منها حال الحمل البعض لا الكل وقضية هذا التعليل أن النفساء لو نوت رفع حدث الحيض كفت النية ولو عمداً وهو كذلك اه ع ش . قوله : ( ويعتبر مع خروج كل منهما وانقطاعه القيام إلى الصلاة ) الحق أن القيام للصلاة شرط لفورية الغسل لا لأصل وجوبه .(1/341)
"""""" صفحة رقم 342 """"""
قال ابن العماد : ويجب على الزاني الغسل من الجنابة فوراً ، وفيه نظر وإن وافقه عليه الزركشي لانقضاء المعصية بالفراغ من الزنا ، وبه يفرق بينه وبين من عصى بالنجاسة لبقاء العصيان بها ما بقيت فوجب إزالتها فوراً شوبري .
قوله : ( الولادة ) أي انفصال جميع الولد . قال سم : الوجه فيما لو خرج بعضه ثم رجع لا يجب الغسل ويجب الوضوء اه . وبقي ما لو خرج بعضه وكان البعض داخلاً . والبعض خارجاً هل تصح الصلاة معه نظراً إلى أنه لم يتحقق اتصاله بنجس مع قولهم بطهارة رطوبة الفرج أو لا يصح ؟ محل نظر اه ا ج . والظاهر الثاني لاتصاله بنجس .
فرع : سئل عما لو عض كلب رجلاً فخرج من فرجه حيوان صغير على صورة الكلب كما يقع كثيراً ، فهل هذا الحيوان نجس نظراً لصورته ؟ وهل يجب الغسل نظراً لكونه ولادة ؟ فأجاب بقوله : الذي يظهر أنه غير نجس لأنه لم يتولد من ماء الكلب . نعم ميتته نجسة ولا كلام ، وأنه لا يجب منه غسل ، لأن الولادة المقتضية للغسل هي الولادة المعتادة بدليل أنه لو خرج نحو دود من الجوف لم يجب الغسل بسببه ، مع أنه حيوان تولد من الجوف وخرج منه ، فليتأمل سم على حج . وشملت الولادة ولادة أحد توأمين فيجب بها الغسل ويصح قبل ولادة الآخر أي : حيث لم تر دماً معتبراً وهو الظاهر لأنها ولادة تامة ، والدم المعتبر هو المسبوق بحيض قبله . وإذا ولدت آخر وجب عليها الغسل ، وهكذا قال الشوبري فيما كتبه على المنهج : ولو ولدت من غير طريقه المعتاد فالذي يظهر وجوب الغسل أخذاً مما قالوه من ثبوت أمية الولد به ، ومما بحثه م ر فيما لو قال : إن ولدت فأنت طالق فألقته من غير طريقه المعتاد حيث يقع فليحرر . وقد يتجه عدم وجوب الغسل لأن علته خروج المني ولا عبرة بخروجه من غير طريقه المعتاد مع انفتاح الأصلي ، وقد يفرق بينه وبين ما مر اه ما قاله ق ل ا ج . وقوله : وقد يفرق بينه أي بين عدم وجوب الغسل وبين ثبوت أمية الولد ووقوع الطلاق . وصورة الفرق : أن أمية الولد منوطة بالولادة ، وقد حصلت ولو من غير طريقها المعتاد ووجوب الغسل بخروج المني من طريقه ولم يوجد .
قلت : وقد يرد الفرق ويقال بوجوب الغسل بأنه إنما وجب هنا للولادة لا لخروج المني بقيده الذي ذكره ، فالولادة غير خروج المني والغسل يجب بكل منهما ، فإذا كان الخارج منياً تقيد بمحله كما ذكر والولادة لا تتقيد ، إِذ المقصود خروج الولد من أي محل فليتأمل . ذكر ذلك م د . وعبارة الإطفيحي : وينبغي أن يأتي فيه ما تقدم من التفصيل في انسداد الفرج بين الأصلي والعارض فإن كان الانسداد أصلياً قيل لها ولادة وكانت موجبة للغسل ، وإِلا فلا . لأن خروج الولد من جنبها مثلاً مع انفتاح فرجها لا يسمى ولادة ، وشملت الولادة ما لو كان الولد(1/342)
"""""" صفحة رقم 343 """"""
من غير صورة الآدمي حيث علم أنه أصل آدمي اه . وقد وقع السؤال عن ولادة مريم لعيسى عليهما الصلاة والسلام هل هي من الطريق المعتاد أم لا ؟ فرأيت الشيخ علياً العدوي صرح في حاشيته على الشيخ عبد السلام على الجوهرة عند ذكر المعجزات بما يدل على أنها من الطريق المعتاد ، وعبارته : وولادة عيسى من المحل المعتاد ولأم الله المحل وأعاده كما كان ، وما وقع في بعض التفاسير من أنها ولدته من جنبها لا على طريق الولادة المعتادة فلا يعوّل عليه ، ولا يصح ذكره الشارح اه بحروفه . وإنما ذكرت ذلك لأنه قل من نبه عليه فاحفظه .
واختلف العلماء في مدة حمل مريم بعيسى فقيل تسعة أشهر ، وقيل ثمانية ، وقيل ستة ، وقيل ساعة ، وقيل ثلاث ساعات وهو الصحيح . وصرح ابن دحية في فوائد المشرقين والمغربين بأنه خلق لوقته وساعته الراهنة ، ووضعته عند الزوال وهي بنت عشر سنين ، وكانت حاضت قبله حيضتين وقيل كانت خمس عشرة سنة وقيل ثلاث عشرة ويتزوج بها نبينا عليه الصلاة والسلام في الجنة كما نقل عن الأجهوري المالكي .
قوله : ( ولو علقة أو مضغة ) أي أخبر القوابل بأنها أصل آدمي ولو واحدة منهن على المعتمد كما أفاده شيخنا ح ف . ويتعلق بالعلقة أحكام ثلاثة : وجوب الغسل ، وإفطار الصائمة ، وتسمية الخارج عقبها نفاساً ، وتزيد المضغة على العلقة بأنها تنقضي بها العدة ، ويحصل بها الاستبراء وأمية الولد ، وإذا ولدت الصائمة ولداً جافاً فإنها تفطر على المعتمد كما ذكره الشارح و م ر . والحق أن العلقة والمضغة من نحو الولادة لا منها لأن الولادة إنما تطلق حقيقة على التام . قوله : ( ولو بلا بلل ) للرد على من قال إنها حينئذ لا توجب الغسل متمسكاً بقوله عليه الصلاة والسلام : ( إنما الماء من الماء ) وأكثر ما تكون الولادة بلا بلل في نساء الأكراد . برماوي .
قوله : ( لأنه ) أي الولد المفهوم من الولادة لا أن نفس الولادة مني منعقد ، وكذا يقال فيما بعده . وقوله : ( لا يخلو عن بلل ) والبلل هو بقية المني الذي انعقد منه الولد ، فإنه يبقى منه بقية في الكيس الذي ينزل منه الولد . وقوله : ( فأقيم ) أي الولد . وقوله : ( مقامه ) أي البلل . قوله : ( ولأنه لا يخلو عن بلل غالباً ) قال سم : ينبغي التأمل في قولهم لأنها لا تخلو عن بلل فإنهم إن أرادوا بالبلل الذي لا تخلو عنه ما ليس دماً ، فهذا لا أثر له في وجوب الغسل أو ما هو دم ، فإن أرادوا ما يخرج مع الولد كما صرحوا به ، أو ما يخرج عقب الولادة فهذا موجب آخر غير الولادة ، لأنه إما نفاس كما هو الغالب أو حيض كالخارج عقب أول توأمين ، والكلام ليس إِلا في الإيجاب بمجرد الولادة ، ثم رأيت بعضهم حمل البلل على بقية المني المنجس في خريطة الولد معه لقول أهل الخبرة : إنه لا يخلو عن مصاحبته ، والمراد منها لأن من شأن انعقاد الولد حصول منها .(1/343)
"""""" صفحة رقم 344 """"""
قوله : ( تتمة ) أي مناسبة لهذا الفصل لأنه لما ذكر سبب الجنابة وهو التقاء الختانين ناسب أن يذكر حكمها ، وكان الأولى عدم ذكر الحائض والنفساء ، وتأخير الكلام عليهما عند كلام المصنف فيما يأتي لأنهما وإن حرم بهما الشيئان الآخران المذكوران هنا يحرم بهما أيضاً أشياء أخر غير هذين كالوطء والطلاق . وقوله : ( بالحدث الأصغر ) قد يقال فيه حوالة على مجهول إلا أن يقال سيأتي يصرح المصنف بما يحرم فيه قبيل كتاب الصلاة فكأنه معلوم ، وإنما ذكر الشارح هذه التتمة هنا تبعاً للمنهاج والمنهج ، وإِلا فسيصرح المصنف بذلك فيما يأتي . قوله : ( المكث ) وأقله قدر الطمأنينة على المعتمد خلافاً لمن قال لا بد أن يزيد على قدر الطمأنينة . قوله : ( لمسلم ) أي بالغ . أما الصبي فيجوز له المكث جنباً كالقراءة ، لكن يجب على وليه منعه من ذلك إِلا لحاجة تعلمه ويمنع للبالغ من ذلك أيضاً . قوله : ( بالمسجد ) ولو شائعاً وتجب قسمته فوراً ، ويستحب لداخله التحية ولا يصح الاعتكاف فيه على المعتمد زي . وهل يشترط للحرمة تحقق المسجدية ، أو يكتفي بالقرينة ؟ فيه احتمالان . والأقرب إلى كلامهم الأول ، وعليه فالاستفاضة كافية ما لم يعلم أصله كالمساجد المحدثة بمني شرح م ر . ومن ذلك المساجد المحدثة بساحل بحر بولاق ومصر القديمة ، فإن وقفها غير صحيح لكونها في حريم البحر انتهى ا ج . ومثل المسجد رحبته وهواؤه وجناح بجداره ، وإن كان كله في هواء الشارع انتهى مرحومي . ومنه شجرة أصلها فيه ، وإن جلس على فرعها الخارج عنه ، وكذا لو كان أصلها خارجاً عنه وفرعها فيه ، ومكث على فرعها في هوائه بخلاف ما لو وقف على فرع شجرة أصلها خارج عن أرض عرفات وفرعها في هوائها ، لأن هواءها لا يسمى عرفات برماوي . ولا يكفي الوقوف إِلا إذا كان الأصل فيها ، والفرع في هوائها ع ش .
قوله : ( أو التردّد فيه ) بخلاف العبور كما يأتي ، ومنه أن يدخل لأخذ حاجة ويخرج من الباب الآخر ، ثم عنّ له الرجوع فله أن يرجع ولا حرمة عليه ، ومثله ما لو كان خارجه ولا يمكنه الغسل إِلا في الحمام لشدة برد أو نحوه ، ولا يتيسر له أخذ الأجرة إِلا منه كخزانة أو نحوها ولم يجد من يناولها له ممن يثق به فيتيمم ويدخل ويمكث بقدر قضاء حاجته ولا حرمة عليه ، وهذه فسحة عظيمة . ونازع بعضهم في ذلك . ومذهب الإمام أحمد جواز المكث للجنب في المسجد بالوضوء ولو لغير عذر ، ويجب في الوضوء عنده المضمضة والاستنشاق ومسح جميع الرأس والدلك والموالاة ، فواجبات الوضوء عنده عشرة فراجعه . ويجوز النوم فيه لغير الجنب ولو لغير أعزب ، لكن مع الكراهة . نعم إن ضيق على المصلين أو شوش عليهم حرم ، ويحرم إدخال النجاسة فيه إِلا إذا كانت بنعله للضرورة ، وكذا البول فيه في إناء ونحوه ،(1/344)
"""""" صفحة رقم 345 """"""
والحجامة والفصد فيه خلاف الأولى لانتهاك ، حرمته ، ولا يحرم إخراج الريح فيه لكن الأولى اجتنابه لقوله : ( إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) اه برماوي .
قوله : ( ولا جنباً ) حال من الواو في ) لا تقربوا الصلاة } ) النساء 43 ) ، لأن الجنب يقع على الواحد والمتعدد كما قرره شيخنا . قوله : ( لا تقربوا مواضع الصلاة ) هذا المضاف لا يحتاج إليه إلا بالنظر لقوله : ولا جنباً . وأما السكران فإنه ممنوع من الصلاة نفسها لا من مواضعها ، والأولى حمل الصلاة في الآية على حقيقتها ومجازها . وهو المواضع كما أفاده شيخنا . قوله : ( ونظيره ) أي في تقدير المضاف في قوله وصلوات أي ومواضع صلوات . قوله : ( العبور ) أي المرور به بأن كان له بابان ، فدخل من أحدهما وخرج من الآخر ، بخلاف ما إذا كان له باب واحد فيمتنع كما قاله ابن العماد ، ولو عبر بنية الإقامة فيه لم يحرم المرور ، إذ الحرمة إنما هي لقصد المعصية لا للمرور ، ولو دخل على عزم أنه متى وصل للباب الآخر رجع قبل مجاوزته لم يجز لأنه يشبه التردد ، ولو لم يجد ماء إلا فيه جاز له المكث بقدر حاجته ويتيمم لذلك كما قاله البرماوي . ومن العبور السابح في نهر فيه أو راكب دابة تمر فيه أو على سرير يحمله مجانين أو مع عقلاء والعقلاء متأخرون ، لأن السير حينئذ منسوب إليهم ، أما لو كانوا كلهم عقلاء أو البعض عقلاء والبعض مجانين وتقدم العقلاء حرم عليه حينئذ ، لأن السير منسوب إليهم وحينئذ فهو ماكث انتهى ا ج .
قال سيدي علي الأجهوري المالكي في فتاويه الزهرات الوردية : سئل عن بئر زمزم هل هي من المسجد الحرام ؟ وهل البول فيها كالبول في المسجد الحرام أم لا ؟ فأجاب : ليست زمزم من المسجد فالبول فيها أو حريمها ليس بولاً في المسجد وللجنب المكث في ذلك انتهى . وهو كلام وجيه لأن بئر زمزم متقدمة على إنشاء المسجد الحرام ، فليست داخلة في وقفيته فلم يكن لها حكمه ، وكذلك الكعبة ليست منه لبناء الملائكة لها قبل آدم .
فإن قلت : كيف يتصوّر مكث الجنب فيها مع أنه لا يمكنه الوصول إليها إِلا بدخول(1/345)
"""""" صفحة رقم 346 """"""
المسجد الحرام لأنها في وسطه مقابلة للكعبة من الجهة الشرقية . قلت : بصوّر ذلك بمن نام في حريم البئر فحصلت له جنابة ، فيجوز له المكث ، أو بمن عبر المسجد الحرام ليغتسل من ماء زمزم فإنه لا حرمة فيه كما ذكره الشارح بقوله وخرج بالمكث والتردد العبور .
قوله : ( فإن لم يكن له غرض كره ) ظاهره في كل من الحائض والجنب وهو مسلم في الأول إن أمنت التلويث ، وأما في الثاني فهو خلاف الأولى على المعتمد لا مكروه .
قوله : ( فإنه يمكن الخ ) لكن ليس له ولو غير جنب دخول المسجد إِلا لحاجة مع إذن مسلم بالغ أو جلوس قاض فيه للحكم أو مفت للافتاء ابن حجر ، وهذا بالنسبة للتمكين ، أما هو فيحرم عليه الجلوس مع الجنابة لأنه مخاطب بالفروع خطاب عقاب ، ومثل ذلك القراءة أي يمكن منها إن رجي إسلامه وإن كانت تحرم عليه مع الجنابة لأنه مخاطب بفروع الشريعة .
فإن قيل : كان مقتضى المقابلة أن يقول فلا يحرم عليه المكث . أجيب : بأن فيما تقدم شيئاً مقدراً هذا محترزه ، والتقدير : ومكث مسلم فيحرم عليه ولا يمكن منه ، وأما الكافر فيمكن منه وإن كان يحرم عليه . قوله : ( من خصائصه ) وكذا بقية الأنبياء . قوله : ( دخوله ) أي مكثه في المسجد أي جوازه ، لكنه لم يقع منه . قوله : ( فلا يحرم عليه المكث ) فلو مكث هو وزوجته في المسجد لعذر لم يجز له مجامعتها ، وكذا لا يجوز له وهما ماران شرح م ر . قوله : ( يجب عليه أن يتيمم ) ويجب عليه أيضاً أن يغسل ما يمكنه غسله من بدنه ، إذ الميسور لا يسقط بالمعسور برماوي . قال شيخنا العزيزي : وما يقع للشخص في بعض الأحيان من أنه ينام عند نساء أو أولاد مرد ويحتلم ويخشى على نفسه من الوقوع في عرضه إذا اغتسل ، فإنه لا يتغسل ، وهذا عذر مبيح للتيمم لأنه أشق من الخوف على أخذ المال ، لكن يغسل من بدنه ما يمكنه غسله ثم يتيمم ويصلي ويقضي لأن هذه مثل التيمم للبرد اه . قوله : ( لا يجوز ) الذي(1/346)
"""""" صفحة رقم 347 """"""
اعتمده شيخنا الجواز ق ل . وعبارة م ر : يتيمم حتماً لا بتراب المسجد وهو الداخل في وقفه فيحرم ، وهذا التيمم لا يبطله إلا جنابة أخرى انتهى مع زيادة . قوله : ( وثانيهما يحرم على من ذكر قراءة القرآن باللفظ ) المناسب وثانيهما قراءة القرآن . قوله : ( قراءة القرآن ) أي بشرط أن يسمع نفسه وهو مسلم غير نبي ، وهل التقييد بالمسلم لإخراج الكافر فلا يحرم عليه ، ويكون هذا من الفروع التي لم يكلف بها كالجهاد قيل به ، والمعتمد عدم التقييد بالمسلم رحماني . وقال ع ش على م ر : إنه كغيره في القراءة ، وعليه فيفرق بينه وبين جواز المكث له في المسجد بأن قراءة القرآن يمكن التخلص من حرمتها بعدم قصد القرآن ، فكان للتحريم منه وجه ولا كذلك المسجد لأن حرمته ذاتيه فلا ينفك تحريم المكث فيه بحال ، فاغتفر له توسعة عليه ، فيكون قوله مسلم غير نبي ليسا بقيدين اه . وفي حاشية ابن شرف قوله : وقراءة قرآن أي من مسلم بالغ ، أما الكافر المرجوّ إسلامه فلنا تمكينه من القراءة لا من المس لأن حرمته آكد اه . فإن لم يرج إسلامه منع ولا يشترط في المنع كونه من الإمام ، بل يجوز من الآحاد لأنه نهي عن منكر وهو لا يختص بالإمام كما في ع ش على م ر . قال الشيخ خ ض : وشمل قوله قراءة قرآن ما لو قرأ آية للاحتجاج بها فيحرم قراءتها لأنه يقصد القرآن للاحتجاج ذكره في المجموع .
قوله : ( منزلة النطق هنا ) ولبعضهم :
إشارة الأخرس مثل نطقهم
فيما عدا ثلاثة لصدقه
في الحنث والصلاة والشهادة
تلك ثلاثة بلا زيادة
ونظمها بعضهم من البسيط :
إشارة الخرس تجري مثل نظمها
إِلا الصلاة شهادات وحنثهم
فإذا أشار بكلام من حلف لا يكلمه لا يحنث وإشارته بالكلام في صلاته لا تبطلها ، وإشارته بالشهادة لا تقبل . قوله : ( لا يقرأ ) هو بكسر الهمزة على النهي وبضمها على الخبر المراد به النهي ، هذا إذا لم تعلم الرواية وإلا تعين اتباعها . قوله : ( وقراءة ما نسخت الخ )(1/347)
"""""" صفحة رقم 348 """"""
محترز قوله وقراءة القرآن . وقوله : ( لأنها ) أي الإجراء وما عطف عليه . قوله : ( وفاقد الطهورين ) أي الجنب . قوله : ( للصلاة ) أي المفروضة فقط لأنه لا يصلي النوافل ، والضابط أنه لا يقرأ إلا واجباً ولو خارج الصلاة ، ومنه ما لو نذر أن يقرأ قدراً معيناً من القرآن في وقت معين ، وأجنب وفقد الطهورين ، فإن يجب عليه أن يقرأ ما نذره في ذلك الوقت بقصد القرآن ويثاب عليه ثواب الواجب كما في الأجهوري ، فالممتنع عليه إنما هو التنفل بالقراءة كما في الإرشاد فهو كفاقد الطهورين حيث أوجبوا عليه صلاة الفرض وقراءة الفاتحة فيه فالقراءة المنذورة هنا كالفاتحة ثمّ . وقد يفرق بأن الصلاة إنما وجب لحرمة الوقت ، ومن ثم يجب إعادتها ، والنذر ليس له وقت شرعي أصالة حتى يراعى كما في ع ش على م ر . وسامع قراءة الجنب يثاب وإن حرمت القراءة لأنه سامع للقراءة ، ولا ينافي ذلك الحرمة على القارىء ، وانظر هل يعيد القراءة المنذورة إذا وجد الماء أو لا ؟ الظاهر لا ومثل قراءة الفاتحة بدلها القرآني لمن عجز عنها ولا بد أن يقصد القراءة وإِلا لم تصح صلاته ، وكذا قراءة آية في خطبة الجمعة كما قرره شيخنا العشماوي .
قوله : ( لأنه مضطر إليها ) وحينئذ يقال لنا شخص تجب عليه الصلاة ، ويجب عليه أن يوقعها خارج المسجد ح ل . قوله : ( ولا أن توطأ الحائض ) أي ولا يجوز أن توطأ الحائض إذا فقدت الطهورين ، وأتى الشارح به دفعاً لما يقال : إن المرأة يجب عليها تمكين زوجها كما يجب عليها أن تصلي لحرمة الوقت إذا فقدت الطهورين . فقال : ولا أن توطأ الخ . والفرق بين الصلاة والتمكين أن الصلاة لحرمة الوقت بخلاف التمكين إذ ليس له وقت محدود .
قوله : ( أذكار القرآن الخ ) سواء وجد نظمه في القرآن أم لا على المعتمد . قوله : ( لا بقصد قرآن ) بأن كان بقصد الذكر أو أطلق . قوله : ( كمواعظه ) وجملة أنواعه تسعة منظومة في قوله :
ألا إنما القرآن تسعة أحرف
فخذها ببيت قد أتاك بلا جدل
حلال حرام محكم متشابه
بشير نذير قصة عظة مثلوهذان البيتان قيل إنهما للسيوطي ، والمراد بالأحرف هذه الأنواع التسعة . قوله : ( سبحان ) عبارة المناوي على الشمائل : لما كان تسخير الدواب لنا من جلائل النعم التي لا يقدر عليها غيره تعالى ناسب كل المناسبة أن ننزهه عن الشريك حيث قال : ) سبحان الذي سخر لنا هذا } ^(1/348)
"""""" صفحة رقم 349 """"""
( الزخرف : 13 ) وقيل : هو تنزيه له عن الاستواء الحقيقي على مكان كالاستواء على الدابة : ) وما كنا له مقرنين } ) الزخرف : 13 ) مطيقين لولا تسخيره ، ولما كان ركوب الدابة من أسباب التلف ، فقد ينقلب عنها فيهلك تذكر الانقلاب إلى رب الأرباب فقال : ) وإنا إلى ربنا لمنقلبون } ^ راجعون إلى الدار الآخرة ، فينبغي لمن اتصل به سبب من أسباب الموت أن يكون حاملاً له على التوبة والإقبال على الله في ركوبه ومسيره اه بحروفه .
قوله : ( لأنه لا يكون قرآناً ) أي لا تحرم قراءته مع وجود الصارف إِلا بالقصد ، وإِلا فهو في حد ذاته قرآن والجنابة صارفة عنه . قوله : ( إِلا بالقصد ) أي عند وجود الصارف فقط كالجنابة أي لا يعطى حكم القرآن إِلا بالقصد أي ولو مع قصد غيره . قال الإطفيحي : وهل يشترط في قصد الذكر بالقراءة ملاحظة الذكر في جميع القراءة قياساً على تكبير الانتقالات ، أو يكفي قصد الذكر في الأول وإن غفل عنه في الأثناء ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني . ويفرق بأن الصلاة حقيقة واحدة فعدم ملاحظة الذكر في كل تكبيرة مبطل لها لشبهه بالكلام الأجنبي ، بخلاف القراءة . وعند قصد الذكر يحرم اللحن فيه لأن الألفاظ لم تخرج به عن القرآنية اه . قوله : ( وللحائض ) أي ويسنّ للحائض والنفساء بعد انقطاع دمهما غسل الفرج وما بعده .
فصل : في أحكام الغسل
من فرائض وسنن . قوله : ( فينوي رفع الجنابة الخ ) جملة ما ذكره الشارح من النيات للجنب خمسة عشر . أربعة منها تصح مع الغلط ، والباقي يصح مع العمد ، وجملة ما ذكره من النيات للحائض سبعة عشر . واحدة منها تصح مع الغلط ، والباقي يصح مع العمد ، فتأمل .(1/349)
"""""" صفحة رقم 350 """"""
قوله : ( أي رفع حكمها ) الظاهر أنه لا يحتاج لهذا هنا ، لأن الجنابة لا تطلق إِلا على الأمر الاعتباري ، ولا تطلق على السبب كخروج المني ، وحينئذ يصح نية رفع الجنابة بمعناها الحقيقي لها وهو الأمر الاعتباري الذي يقوم بجميع البدن يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص . وعبارة ح ل قوله : أي رفع حكم ذلك أي إذا نوى المغتسل رفع الحدث أو رفع الجنابة ، بأن قال : نويت رفع الحدث أو نويت رفع الجنابة ، كان المراد من ذلك رفع حكم الحدث ورفع حكم الجنابة ، لا رفع نفس الحدث ولا رفع نفس الجنابة ، لأن الحدث هنا والجنابة محمول كل منهما عند الاطلاق على نفس الموجبات للغسل وهي لا ترتفع ، وإنما يرتفع حكمها فكان قول المغتسل نويت رفع الحدث أو نويت رفع الجنابة . المراد منه رفع حكمه وإن لم يلاحظ هذا المعنى حتى لو أراد بالحدث أو بالجنابة نفس السبب الموجب للغسل من حيث ذاته لم يصح ، وإنما كان رفع حكم الحدث هو المراد ، لأن القصد من الغسل رفع مانع الصلاة ونحوها أي المنع المترتب على وجود ذلك السبب الموجب للغسل ، فإذا نوى رفع الحدث أو رفع الجنابة فقد تعرض للقصد أي للمقصود من الغسل وهو رفع مانع الصلاة ونحوها الذي هو حكم الحدث وحكم الجنابة الذي نواه كما تقدم نظير ذلك في الوضوء اه . ح ل . فإذا أراد بالموجب الأمر الاعتباري فلا حاجة لتقدير المضاف لأن الأمر الاعتباريّ يرتفع بالغسل .
قوله : ( إن كانت حائضاً ) أي بعد انقطاع حيضها . قوله : ( أو لتوطأ ) أي أو الغسل لتوطأ ظاهره ولو كان الوطء محرماً وهو كذلك شرح م ر . وعبارة شرح الروض أو الغسل من الحيض أو الغسل لتوطأ . قوله : ( أو الغسل ) بالنصب عطفاً على رفع . قوله : ( أو عكسه ) بأن نوى رفع حدث الحيض أي وإن كان ما نواه لا يتصوّر وقوعه منه كنية الرجل رفع حدث الحيض غلطاً كما اعتمده م ر .
قوله : ( وقضية تعليلهم الخ ) قضية هذا التعليل أمر خاص ، وهو أنه يصح أن تنوي الحيض إذا كان عليها نفاس وبالعكس وعبارة م ر . نعم يرتفع الحيض بنية النفاس وعكسه مع العمد كما يدل عليه تعليلهم إيجاب الغسل في النفاس بكونه دم حيض مجتمع ، وتصريحهم بأن اسم النفاس من أسماء الحيض اه . فلعل في الكلام هنا حذفاً ، والتقدير تعليلهم إيجاب الغسل الخ ، وتصريحهم بأن النفاس من أسماء الحيض الخ . ويكون بالجر معطوفاً على تعليلهم فلا بد من هذا لأجل . قوله : إنه يصح نية أحدهما بالآخر فتأمل . وظاهر ما ذكر أنه يصح نية أحدهما بالآخر ، وإن قصد المعنى الشرعي وخالف في ذلك ابن حجر وق ل . وقالا بعدم الصحة حيث(1/350)
"""""" صفحة رقم 351 """"""
قصد المعنى الشرعي للتلاعب وأقره ع ش . وذكر الطبلاوي على المنهج أنه لا يضر وإن قصد المعنى الشرعي ، ثم إنه حصل من قوله نية أحدهما بالآخر صورتان من صور النية فتأمل .
قوله : ( مجتمع ) صفة لدم وجر للمجاورة . قوله : ( فلو نوى الأكبر كان تأكيداً ) وهو أفضل . فالصور ثلاثة أن ينوي رفع الحدث أو الحدث الأكبر أو عن جميع البدن . قوله : ( لم ترتفع جنابته ) ظاهره أن حدثه الأصغر يرتفع وهو كذلك اه . قوله : ( أو غلطاً ) قال طب على المنهج : أو غلطاً من الأكبر إليه أي الأصغر بأن ظن أنه حدثه فيرتفع الأكبر عن أعضاء الوضوء غير الرأس لأن غسله وقع بدلاً عن مسحه الذي هو فرضه أصالة . قال الشيخ أي ابن سم : ولقائل أن يقول : إن كان الفرض أن لا أصغر عليه كما قد يفهم من التصوير فما تقرر واضح ، وإن كان الفرض أعم بأن كان عليه أصغر وأكبر فهو مشكل ، لأنه إذا نواه أي الأصغر فقد نوى ما عليه ، فالقياس ارتفاعه دون شيء من الجنابة سواء أنواه عمداً أم غلطاً بل لا يتحقق غلط حينئذ كما لا يتحقق تلاعب لأنه نوى شيئاً معيناً هو عليه ، إذ لا مانع ولا يرتفع شيء مما عداه لأن نيته لا تصلح له ولا تتضمنه بل تصرف إليه فتأمل . وقرر شيخنا قوله أو غلطاً أي نسياناً أو ظناً أن حدثه الأصغر ، وإلا فالغلط بمعنى سبق اللسان من الأكبر إلى الأصغر لا أثر له ، لأن العبرة بالمنوي في القلب . وعبارة ع ش قوله : أو غلطاً أي جهلاً بأن اعتقد أن نية رفع الحدث الأصغر عن الأعضاء الأربعة تكفي عن نية رفع الحدث الأكبر عن جميع الأعضاء بأن اعتقد أنه يلزم من نية رفع هذا رفع الأكبر عن بقية الأعضاء . قوله : ( بنيته ) أي الغسل ، فالضمير عائد إلى الغسل المذكور في قوله لأن غسلها واجب الخ .
قوله : ( إلا الرأس الخ ) ولو سلم أن الأصل فيه الغسل والمسح رخصة فغسله غير مندوب بخلاف باطن اللحية فإنه يندب غسله والمندوب يقع عن الواجب بدليل ما مر من انغسال اللمعة في المرة الثانية أو الثالثة شرح الروض . قال حج : ومنه أي من ندب غسل باطن اللحية يؤخذ ارتفاع جنابة محل الغرة والتحجيل إلا أن يفرق بأن غسل الوجه هو الأصل ، ولا كذلك الغرة والتحجيل اه ا ج . وكون الغسل غير مندوب مع تسليم أنه الأصل فيه نظر .
قوله : ( وهو لا يغني عن الغسل ) قال حج : ولأن غسل الرأس في الوضوء غير مطلوب ،(1/351)
"""""" صفحة رقم 352 """"""
وهل يرتفع الحدث الأصغر عن رأسه لإتيانه بنية معتبرة في الوضوء . قال م ر : أفتى الوالد رحمه الله بارتفاعه أخذاً من مفهوم قولهم إن جنابته لا ترتفع عن رأسه اه ا ج . قوله : ( فإنه ) أي غسل باطن اللحية الكثيفة . وقوله : ( يكفي ) أي عن الأكبر أي مع أن الغسل ليس واجبها في الأصغر ، فكان القياس أنه لا يكفي عن الأكبر كما لا يكفي الغسل النائب عن المسح شيخنا . قوله : ( لأن غسل الوجه ) أي الذي انغسل معه باطن اللحية هو الأصل فصح التعليل أي : وأما غسل الرأس فهو بدل عن مسحها ، وفرق بين الأصل والبدل إذ يغتفر في الأصل ما لا يغتفر في البدل . قوله : ( فإذا غسله ) أي مع باطن اللحية . قوله : ( ولو اجتمع على المرأة غسل حيض الخ ) .
فرع : لو حلفت الحائض أن لا تغتسل من الجنابة وكان عليها حدث حيض وجنابة ونوت رفع حدث الحيض وقلنا باندراج حدث الجنابة هل تحنث لأنها تعرضت لرفع ما عليها من الأحداث في الجملة أم لا لأنها لم تنو إلا رفعاً خاصاً ، الميل إلى الثاني أقرب لأن حدث الجنابة يرتفع ضمناً وإن استثنته اه .
قوله : ( أو ينوي استباحة الخ ) هو عطف على فينوي رفع الخ . قوله : ( مما يتوقف ) بيان لمحذوف أي ونحوهما مما يتوقف الخ . قوله : ( كالغسل ) أي كنية الغسل ليوم العيد وهو تصوير لنية ما لا يفتقر إلى الغسل . قوله : ( وكذا الطهارة للصلاة ) فيه أنها تصدق بالوضوء . وأجيب بأن قرينة حاله تخصص كما أنها خصصت الحدث في كلامه بالأكبر ، وعبارة الإطفيحي قوله والطهارة للصلاة أو الغسل لها فيما يظهر م ر . وانظر هل مثله الطهر عن الجنابة أو عن الحيض أو عن النفاس ؟ والظاهر أنه كذلك اه . قوله : ( وتقدم الفرق ) وهو أن الغسل يكون عبادة وعادة بخلاف الوضوء ، فإنه لا يكون إلا عبادة هذا هو الفرق الأولى وإن كان الذي قدمه أنه يكون عن حدث وعن خبث اه م د . قوله : ( ينبغي له ) أي يندب الخ . وترتفع الجنابة عن كفه وعن محل الاستنجاء أي : إذا نوى رفع الجنابة عنهما أما الحدث الأصغر فهو باق على كفه بمسه حال النية الناقض اه . قال ابن حجر : فيحتاج إلى غسل كفه بعد ذلك أي بعد رفع حدث الوجه بنية معتبرة من نيات الوضوء لتعذر الاندراج حينئذ ، فإن جنابة اليد ارتفعت ثم طرأ الحدث الأصغر عليها بالمس أي : فالشرط أن لا يقدم غسل كفيه على الوجه فلو أخره بالكلية(1/352)
"""""" صفحة رقم 353 """"""
عن غسل جميع الأعضاء ، ونوى كفي فتأمل م د . وقال شيخنا العشماوي : وهذه المسألة تسمى بالدقيقة أو دقيقة الدقيقة ، فالدقيقة النية عند غسل محل الاستنجاء ، ودقيقة الدقيقة بقاء الحدث الأصغر على كفه ، وهذا إذا نوى رفع الحدث الأكبر عن المحل واليد معاً أو أطلق ، فإن نوى رفع الجنابة عن المحل فقط فلا يحتاج إلى نية رفع حدث أصغر عنها لأن الجنابة لم ترتفع عنها فهذا مخلص له من غسل يده ثانياً اه . قوله : ( بعد فراغه منه ) أي من الاستنجاء . قوله : ( قد يغفل ) بابه نصر قال تعالى : ) ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم } ) النساء 201 ) اه .
قوله : ( إزالة النجاسة ) أي زوال النجاسة ولو معفوّاً عنها إذ الفعل ليس شرطاً . قوله : ( على المصحح عند الرافعي ) ، لا يتعين حمل كلام المصنف على ذلك ، وإن كان هو المتبادر بل يصح حمله على المعتمد عند النووي بأن يراد إزالة النجاسة مع تعميم البدن ولو بغسلة واحدة . قوله : ( يكفي لهما غسلة واحدة ) والمراد بها في الحكمية الأولى من الثلاثة المطلوبة ، وفي المغلظة السابعة مع التراب ولا يعتد بالنية إلا حينئذ كما قاله شيخنا . وإن توقف فيه الشيخ ، وفي العينية مزيلة العين اه طب على المنهج فقوله وفي العينية معطوف على قوله وفي الحكمية . قوله : ( حكمياً ) أي أو عينياً وكان ماء الغسلة الواحدة يزيلها ويصل إلى المحل بشرطه أي الماء أي بأن لا يتغير الماء اه اج بزيادة . قوله : ( ويرفعهما الماء ) جملة مستأنفة لبيان أن المرة الواحدة تكفي لهما فيما إذا كان النجس حكمياً ، وأما النجاسة العينية ففيها تفصيل أشار إليه بقوله : فإن كان النجس . قوله : ( حكم هذه الغسلة ) أي فيكفي غسلة لها وللنجاسة . قوله : ( بقي الحدث ) أي على محل النجاسة ولو كلبية وارتفع عما عداه وقياسه أنه لا يرتفع في المغلظة إلا بالسابعة مع التتريب . وبه يلغز ويقال : جنب انغمس في ماء طهور ألف مرة بنية(1/353)
"""""" صفحة رقم 354 """"""
رفع الجنابة وليس ببدنه مانع حسي ولم يطهر طبلاوي . قوله : ( فلا يرتفع ) العائد محذوف أي فلا يرتفع بها أي بغير السابعة . قوله : ( إيصال ) المارد به ما يشمل الوصول ولو بغير فعل فاعل .
فإن قلت : لم وجب تعميم البدن بالغسل من خروج المني مع أنه دون البول والغائط في القدر بيقين ؟ فالجواب : أن تعميم البدن بخروجه أو بالجماع من غير خروجه ليس هو للقذر ، وإنما هو لما فيه من اللذة التي تسري في جميع البدن حتى تميته وتنسيه ذكر ربه والنظر إليه ، فلذلك أمرنا الشارع بإجراء الماء على سطح البدن كله بحسب سريان اللذة ، فهو وإن كان فرعاً عن البول والغائط فهو أقوى لذة من أصله ، فلذلك أمرنا بإجراء الماء المنعش للبدن من ضعفه أو فتوره أو موته ، فيقوم أحدنا بعد الغسل يناجي ربه ببدن حي فكل موضع لم يمسه الماء فهو كالعضو الميت أو المشرف على الموت ، أو كبدن السكران أو المغمى عليه ، ولا يكاد يحضر ذلك المحل مع ربه في صلاته أبداً ، وإذا لم يحضر معه فكأنه لم يصلّ إذ الصلاة لا تصح إلا بجميع البدن كما أنها لا تصح خارج حضرة الله تعالى أبداً .
وسمعت سيدي علياً الخوّاص رحمه الله يقول : إنما وجب تعميم البدن بخروج المني لأن الغفلة فيه عن الله أكثر من الغفلة في البول والغائط ، ولذلك قال الإمام أبو حنيفة بنقض الطهارة بالقهقهة في الصلاة ، لأنها لا تقع إلا من شخص غافل عن شهود نظر ربه إليه في صلاته ، وذلك مبطل عند أهل الله عز وجل . وأما وجوب تعميم البدن على الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما فإنما ذلك لزيادة القذر الحاصل بالحيض والنفاس ، لا سيما أن عرقت مثلاً وانتشر دمها وقد سمى الله تعالى دم الحيض أذى وأبطل صلاة الحائض والنفساء مع وجوده بعد انقطاعه حتى تغسل أثر ذلك الدم فقط أو بعد تعميم بدنها أو تتيمم ، وقد جوّز الإمام أبو حنيفة وطء الحائض والنفساء إذا انقطع دمها وغسلت فرجها فقط ، ولعل ذلك في حق من اشتدت حاجته إلى الوطء وخاف من الوقوع فيما لا ينبغي اه ذكره العلامة الشعراني في الميزان . وروي : ( أن جماعة من علماء اليهود جاءوا إلى النبي وقالوا : يا محمد أخبرنا لماذا أمر الله تعالى بالغسل من الجنابة ولم يأمر به من البول والغائط وهما أقذر من النطفة ؟ فقال رسول الله : ( إن آدم عليه السلام لما أكل حبات من الشجرة وتحوّل سريانها في عروقه وشعره وسرته ، فإذا جامع الإنسان نزل المني من أصل كل شعرة فافترضه الله تعالى عليّ وعلى أمتي شكراً لما أنعم عليهم من اللذة التي يصيبها منه أي من المني قالوا له صدقت يا محمد ) . كذا رأيته لبعضهم .
قوله : ( وإن كثف ) إنما وجب غسل الكثيف هنا دون الوضوء لقلة المشقة هنا لعدم تكرره في كل صلاة بخلاف الوضوء فإنه يتكرر كل يوم ، بل ربما تكرر كل وقت فخفف فيه اه اج .(1/354)
"""""" صفحة رقم 355 """"""
قوله : ( لكن يعفى عن باطن الشعر الخ ) اعلم أن ما تعقد بنفسه يعفى حتى عن كثيره ، وأما ما تعقد بفعله فقال حج وسم : لا يعفى عنه أصلاً . وقال ق ل : يعفى عن قليله ويعفى أيضاً عما تحت طبوع عسر زواله أو حصلت له بإزالته مثلة ، ولا يحتاج إلى تيمم عن محله خلافاً لما في شرح الروض وغيره ، وفي الإطفيحي ما نصه : والمراد أنه لا يجب غسل باطن عقده إن تقعد بنفسه وإن كثر ، وظاهره وإن قصر صاحبه بأن لم يتعهد بدهن ونحوه وهو ظاهر لعدم تكليفه تعهده ، أما إذا تعقد بفعله فلا يبعد عدم العفو عنه ، وظاهره وإن قل وهو ظاهر لتعديه بفعله وإن وقع في بعض الحواشي العفو عن قليله ع ش . قال ق ل : ولو بقي من أطراف شعره مثلاً شيء ولو واحدة بلا غسل ، ثم أزالها بقص أو نتف مثلاً لم يكف فلا بد من غسل موضعها . وعبارة ع ش على م ر : فلو غسل أصول شعره دون أطرافه بقيت الجنابة فيها وارتفعت عن أصولها ، فلو حلق شعره الآن أو قص منه ما يزيد على ما لم يغسله صحت صلاته ولم يجب غسل ما ظهر بالقطع ، بخلاف ما لو لم يغسل الأصول أو غسل ثم قص من الأطراف ما ينتهي لحد المغسول بلا زيادة ، فيجب عليه غسل ما ظهر بالحلق أو القص لبقاء جنابته بعدم وصول الماء إليه اه .
قوله : ( أجزاء البشرة ) أي ظاهرها . قوله : ( حتى الأظفار ) أشار بذلك إلى أن مراد المصنف بالبشرة ما يشمل الأظفار بخلاف نقض الوضوء ، فالبشرة هنا أعم من الناقض في الوضوء . قوله : ( ومن فرج المرأة ) ولو بكراً ويفرق بين هذا حيث عد من الظاهر وبين داخل الفم حيث عد من الباطن بأن باطن الفم ليس له حالة يظهر فيها تارة ويستتر فيها أخرى ، وما يظهر من فرج المرأة يظهر فيما لو جلست على قدميها ويستتر فيما لو قامت أو قعدت على غير هذه الحالة ، فكان كما بين الأصابع وهو من الظاهر فعدت منه فوجب غسلها دائماً كما بين الأصابع بخلاف داخل الفم ابن حجر . قوله : ( وما تحت القلفة من الأقلف ) لأنها مستحقة الإزالة ، ولهذا لو أزالها إنسان لم يضمنها فما تحتها كالظاهر لوجوب إزالتها شرح الروض ، وخالف في ذلك الحنفية والقلفة بضم القاف وإسكان اللام وبفتحهما ما يقطعه الخاتن من ذكر الغلام ، ويقال لها غرلة بمعجمة مضمومة وراء ساكنة شرح الروض ، ومحل وجوب غسل ما تحت القلفة إن تيسر له ذلك ، وإلا وجب إزالتها ، وإن تعذر ذلك صلى كفاقد الطهورين ولا يتيمم خلافاً لابن حجر ، وإذا مات لا يصلى عليه عند م ر . وقال ابن حجر : يغسل وييمم بدلاً عن محل القلفة ويصلى عليه . قوله : ( نتفه قبل غسله ) أو شوكة لو قلعت بقي لها غور اج .(1/355)
"""""" صفحة رقم 356 """"""
قوله : ( جدري ) بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما . قوله : ( اتضح ) بأن صار باطنه مثقباً . قوله : ( أنملة أو أنفاً ) وكذا لو اتخذ رجلاً أو يداً من خشب ق ل . قوله : ( وجب عليه غسله ) أي إن التحم . قوله : ( كالأصليين ) أي في وجوب غسلهما لا في نقض الوضوء بلمس ذلك ولا تكفي النية عندهما اج مع زيادة لسلطان . وقال م ر : تكفي اه .
قوله : ( ولا يجب في الغسل مضمضمة ) أي خلافاً للحنفية ، واستدلوا بفعله لهما ولا دليل فيها على الوجوب . قال م ر : لأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب إلا إن كان بياناً لمجمل تعلق به الوجوب وليس الأمر هنا كذلك أي : بل الثابت عنه الفعل لا على وجه البيان لشيء . قوله : ( بل يسن ) أي سنة مستقلة ، وإن كانا موجودين في الوضوء المسنون للغسل ولم يغن الوضوء عنهما لأن لنا قولاً بوجوب كليهما كما في ابن حجر . والحاصل أن المضمضة والاستنشاق مطلوبان للغسل زيادة على الوضوء المشتمل عليهما وتركهما مكروه كترك الوضوء .
قوله : ( وسننه أي الغسل ) فيه تغيير لإعراب المتن لأنه جعل قوله كثيرة الذي قدره خبراً عن قوله وسننه ، وجعل خمسة خبراً لمبتدأ محذوف ، والشارح يرتكب مثل هذا كثيراً . ويجاب بأن هذا حل معنى لا حل إعراب . واعترض بأن الإعراب وهو تغيير أواخر الكلم لم يتغير لأن الرفع على حاله . قوله : ( التسمية ) ويقصد بها الذكر .
قوله : ( مقرونة بالنية ) أي القلبية ، وإلا فيتعذر أن يجمع بين التسمية والنية واللفظية معاً وقد تقدم في الوضوء بيان أكملها أي وهو بسم الله الرحم ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ; ن الرحيم ، وأقلها بسم الله ، وقيل تكره التسمية لأنها قرآن اه سم نقلاً عن الجواهر اج . ويسن له الذكر بعدها كالوضوء م د . وما نقله من الكراهة ضعيف وما ذكره من التعليل بقوله : لأنها قرآن فيه شيء إذ كان مقتضى التعليل(1/356)
"""""" صفحة رقم 357 """"""
الحرمة فافهم . قوله : ( كاملاً ) وقيل يؤخر غسل قدميه لما روى البخاري : ( أنه توضأ وضوءه للصلاة إلا رجليه أخرهما عن الغسل ) م ر . وهذا مقابل قول الشارح كاملاً فتأمل . قوله : ( وسواء أقدم الوضوء كله ) لو اغتسل ثم أراد أن يتوضأ فهل ينوي بالوضوء الفريضة لأنه لم يتوضأ قبله أو ينوي به السنة لأن وضوءه اندرج في الغسل . الجواب أنه إن أراد الخروج من الخلاف نوى به الفريضة ، وإلا نوى به السنة فيقول : نويت سنة الوضوء للغسل ، وكذا يقول إذا قدمه إن تجردت جنابته عن الحدث وإلا فنية معتبرة اه ابن شرف .
قوله : ( نوى سنة الغسل ) أي بأن يقول نويت الوضوء لسنة الغسل أو الوضوء المسنون للغسل ، أو يقول نويت الوضوء سنة الغسل ، ولا يكفيه أن يقول سنة الغسل من غير ذكر وضوء ، ويصح أن يقول : نويت الطهارة لسنة الغسل من غير ذكر وضوء ، ويصح أن يقول : نويت الطهارة لسنة الغسل أو أداء الطهارة لسنة الغسل ، والممنوع إنما هو نية رفع المنع أو الاستباحة ، وهذا محله إذا قدمه على الغسل أما إذا أخره ، فإن أراد الخروج من الخلاف نوى رفع الحدث ، وإلا نوى سنة الغسل كما قاله ح ل . وزي وفائدة بقاء الوضوء مع الحدث الأكبر صحة الصلاة بعد رفع الحدث بنيته وحده من غير خلاف ع ش . قوله : ( وإلا نوى رفع الحدث الأصغر ) ظاهره وإن أخر الوضوء عن الغسل وهو كذلك خروجاً من خلاف من أوجبه وهو القائل بعدم الاندراج . قال سم : ولا يضر في صحة وضوئه بهذه النية اعتقاد زواله أي زوال الوضوء بالغسل نظراً لمراعاة القائل بعدم زواله ، فتكون مراعاة الخلاف مجّوزة لهذه النية وإن لم يقلد المخالف ، ويؤيد ذلك ما ذكره بعض الأصحاب أنه يسن لفاقد الطهورين التيمم على نحو صخرة خروجاً من خلاف من جوّزه ، ولا يصح حمل هذا على تقليد القائل بالجواز لأنه مع تقليده لا يكون من الخروج من الخلاف في شيء بل لا يصح القول حينئذ بالسنية لأنه ما دام مقلداً لذلك القائل يلزمه التيمم المذكور .
قوله : ( نوى رفع الحدث ) أو غيره من نيات الوضوء ولو أحدث بعد الوضوء ، وقبل الغسل لا تندب له إعادته على المعتمد عند م ر . لأن هذا الوضوء لا يبطله الحدث وإنما يبطله الجماع . وبه يلغز فيقال : لنا وضوء لا يبطله الحدث وقد نظم السيوطي ذلك فقال :
قل للفقيه وللمفيد
ولكل ذي باع مديد
ما قلت في متوضىء
قد جاء بالأمر السديد
لا ينقضون وضوءه
مهما تغوّط أو يزيد(1/357)
"""""" صفحة رقم 358 """"""
ووضوؤه لم ينتقض
إلا بإيلاج جديد
ونظم الجواب بعضهم فقال :
يا مبدي اللغز السديد
يا واحد العصر الفريد
هذا الوضوء هو الذي
للغسل سن كما تفيد
وهو الذي لم ينتقض
إلا بإيلاج جديد
وخالف ابن حجر في ذلك وهو ظاهر التعليل أعني الخروج من الخلاف . قوله : ( وإن قلنا يندرج خروجاً من خلاف الخ ) أي فلا يحصل الخروج من الخلاف إلا بنيته رفع الحدث وإن أخره عن الغسل ، وكلام النووي كالصريح في هذا اه سم في شرح المتن . قوله : ( من أوجبه ) أي الوضوء . قوله : ( أو المضمضة أو الاستنشاق ) أي اللتان هما سنتان مستقلتان للغسل غير اللتين في الوضوء الذي هو سنة له أيضاً . والحاصل أن المضمضة والاستنشاق سنتان في الغسل كما في الوضوء ، وعند مالك كذلك ، وعند أحمد واجبان فيهما . وعند أبي حنيفة فرضان في الغسل ، سنتان في الوضوء كما في شرح الكنز للعيني .
قوله : ( ويسن له أن يتدارك ذلك ) ظاهره ولو بعد الفراغ من الغسل وهو كذلك ولا تفوت سنن الغسل بالفراغ منه بخلاف الوضوء لاعتبار الترتيب في أفعال الوضوء بخلاف الغسل . قوله : ( إمرار اليد ) وغير اليد مثلها ولو نحو عود في الأماكن الضيقة كطيات السرة . وقال المزني منا بوجوبه مطلقاً كمالك ، وقال غيره أي غير المزني هو واجب في الأزبّ فقط ، والأزب بالزاي والباء الموحدة المشددة كثير الشعر والأصح ندبه مطلقاً . قوله : ( في كل مرة من الثلاث ) أي المطلوبة شرعاً وإن لم يتقدم لها ذكر . لكن كان المناسب للشارح أن يذكر قبل هذا سن التثليث الذي ذكره بعد . قوله : ( ما وصلت إليه يده ) ليس قيداً فيستعين على بقية بدنه بخرقة أو نحوها أخذاً من التعليل بالخروج من الخلاف ، فلو لم يقل على ما أمكنه لكان أولى ق ل . أي لأن من أوجبه أوجبه في جميع بدنه ، وإذا كان كذلك فلا يحصل جعل قوله خروجاً الخ علة له اه شيخنا ح ف . وقرر شيخنا أن قوله ما وصلت إليه يده إحدى طريقتين في مذهب المالكية فلا يجب عليه استعانة في غير ما وصلت إليه يده بخرقة ونحوها وهي التي نقلها ابن حبيب عن سحنون ، وهي المعتمدة عندهم فكلام الشارح صحيح ، ومن اعترض عليه نظر للطريقة الأخرى التي مشى عليها خليل وهي غير معتمدة عندهم . قوله : ( من بدنه ) .(1/358)
"""""" صفحة رقم 359 """"""
تنبيه : الأجسام والأجساد سواء والجسم والجسد جميع الشخص ، والأجسام أعم من الأبدان لأن البدن من الجسد ما سوى الرأس والأطراف ، وقيل البدن أعالي الجسد دون أسافله اه شوبري . قوله : ( وخروجاً من خلاف من أوجبه ) وهو الإمام مالك القائل بوجوب إمرار اليد على البدن في غسل الجنابة . وقال الأئمة الثلاثة : إن ذلك مستحب ، ووجه الأول المبالغة في إنعاش البدن من الضعف الحاصل له من سريان لذة خروج المني والجماع . ووجه الثاني الاكتفاء بمرور الماء على سطح البدن فإنه يحيي بالطبع كل ما مر عليه من البدن اه ذكره الشعراني في الميزان . قوله : ( ويتعهد معاطفه ) هذه ليست من شرح المتن بل سنة مستقلة ، فكان الأولى تأخير ذلك ويذكره في السنن التي زادها . قوله : ( كالإبط ) بسكون الباء . قوله : ( وطبقات البطن ) بسكون الطاء وبكسرها أي العظيم البدن شرح البهجة وهي أعم أي بكسر الطاء أظهر لأنه عليها أعم من أن تكون الطبقات في البطن أو في غيرها والطبقات هي الطيات . قوله : ( من ماء ويضع الأذن عليه برفق ) عبارة غيره ويميل رأسه عند غسل أذنيه لئلا يدخل فيها الماء فيضره أو يفطر به لو كان صائماً ، وقضيته أنه لا يتعين عليه فعله فيجوز له الانغماس وصب الماء على رأسه . وإن أمكن الإمالة ، وعليه فهل إذا وصل منه شيء إلى الصماخين بسبب الانغماس مع إمكان الإمالة يبطل صومه كما أفاده قولهم يتأكد من أن ذلك مكروه في حقه أو لا . لأنه تولد من مأذون فيه فيه نظر ، وقياس الفطر لو وصل ماء المضمضة إذا بالغ الفطر ، لكن ذكر بعضهم أن محل الفطر إذا كان من عادته وصول الماء إلى باطن أذنيه لو انغمس ، وذلك بأن تكرر منه فلا يثبت بمرة واحدة وهو ظاهر ، ولا فرق بين الغسل الواجب والمندوب لاشتراكهما في الطلب بخلاف الوصول من غسل تبرد أو تنظف فيضر لعدم تولده من مأمور به . قوله : ( إلى معاطفه ) أي الأذن وذكر الضمير باعتبار العضو وإلا فالأذن مؤنثة . وقال بعضهم إلى معاطفه أي الرجل ، فالضمير عائد على فاعل يتعهد اه . قوله : ( وزواياه ) مرادف . قوله : ( وهي غسل العضو ) والمراد بالعضو هنا الجزء من البدن لأن البدن الجنب كعضو واحد .
قوله : ( ظهراً وبطناً ) أي مقدماً ومؤخراً فيقدم شقه الأيمن مقدمة ثم مؤخره ثم الأيسر(1/359)
"""""" صفحة رقم 360 """"""
كذلك ، بخلاف غسل الميت فإنه يقدم مقدمة الأيمن ثم الأيسر ثم المؤخر كذلك لمشقة تحريفه ، فلو فعل هنا ما يأتي ثم كان آتياً بأصل السنة فيما يظهر بالنظر لمقدم شقة الأيمن دون مؤخره لتأخره عن مقدم الأيسر وهو مكروه شرح م ر . قوله : ( كان يحب التيامن ) أي يختار البدء بالأيامن . قوله : ( وكيفية ذلك ) أي كيفية الغسل على الوجه الأكمل ، وكان الأولى أن يقول وكيفية ذلك أن يسمي الله تعالى أوّلاً ثم يزيل ما على جسده من قذر كمني ثم يتعهد معاطفه ثم يغسل رأسه الخ . لأن ما ذكره ليس هو الكيفية الكاملة بل الكيفية الكاملة ما ذكر ، وظاهر كلام بعض المحشين أن قوله وكيفية ذلك راجع للتثليث وليس كذلك ، وأوهمه في ذلك عبارة الشارح حيث لم يحصر السنن في محل واحد ، فكان الأنسب أن يحصرها في محل واحد كما فعل م ر . وغيره ، هذا وقضيته أنه لو صب الماء على رأسه وسائر بدنه مرة ثم ثانية كذلك ثم ثالثة بذلك أو دونه لا تحصل له فضيلة التثليث ، وليس كذلك بل تحصل بخلاف تكرير الوضوء لأن بدن المغتسل كعضو واحد م د . وأجيب عنه بأن قوله : لا تحصل له فضيلة التثليث أي الأكمل أي لا يحصل به أكمل فضيلة التثليث فلا ينافي أنه يحصل له أصل السنة .
قوله : ( ما ذكر ) أي المعاطف . قوله : ( ثم يغسل رأسه ) أي بالصب جملة واحدة فلا يطلب فيه تيامن . نعم يسن ذلك لنحو أقطع لا يتأتي له الإفاضة ، وفي التخليل فيخلل شعر الجبهة اليمنى أو لا . قوله : ( ويدلك ) شقه بكسر الشين أي جنبه والشق نصف الشيء . مناوي على الشمايل . قوله : ( ثم الأيسر كذلك ) أي المقدم ثم المؤخر ، وصريح كلام التحرير كغيره أنه يغسل الرأس ثلاثاً ، ثم شقه الأيمن من مقدمه ثلاثاً ، ثم من مؤخره ثلاثاً ثم مقدمه الأيسر ثلاثاً ، ثم مؤخره ثلاثاً ، فلا ينتقل إلى شق حتى يثلث ما قبله ، ولعل ذلك أحد كيفياته ، وإلا فلو غسل كل واحد مرة ثم أعاد الغسل ثانية كذلك ثم ثالثة ، كذلك حصل التثليث أخذاً من مسألة الانغماس كما مر ، واستفيد مما ذكر أنه لا يتوقف تثليث واحد أي من المغسول على تثليث ما قبله ، وفارق الوضوء بعدم الترتيب أي في الغسل اه بحروفه . وظاهر ما ذكره الشارح هنا يوافق ما في شرح الروض من أن هذه الكيفية هي كمال السنة ، وأما الكيفية التي تحصل أصل السنة فهي أن يغسل رأسه ثلاثاً ثم شقه الأيمن ثلاثاً ثم الأيسر كذلك شيخنا . قوله :(1/360)
"""""" صفحة رقم 361 """"""
( وينقل قدميه ) أي لأجل تثليث باطن قدميه بأن يفرقهما بعد أن كانا منضمين مع بقائه في مكانه . قوله : ( أو ينتقل فيه ) أي في حال انغماسه . قوله : ( ولا يحتاج إلى انفصال جملته ) أي في الصورتين اللتين في الراكد . وقوله : ( ولا رأسه ) أي في الأخيرة منهما . وقوله كما في التسبيع أي في الكيفية الثانية بل يسبع تحت الماء . وقوله : ( فإن حركته ) أي المنتقل فهو راجع للصورة الثانية . قوله : ( ولا يسن تجديد الغسل ) بل يكره قياساً على ما لو جدد وضوءه قبل أن يصلي به صلاة ما يجامع أن كلاً غير مشروع اه ع ش على م ر . قوله : ( بخلاف الوضوء ) أي لأن موجب الوضوء أغلب وقوعاً . واحتمال عدم الشعور به أقرب فيكون الاحتياط فيه أهم شرح الروض . قوله : ( إذا صلى بالأول صلاة ما ) ولو ركعة أو صلاة جنازة لا غير ذلك كسجدة تلاوة أو شكر لعدم كونهما صلاة ، وكذا الطواف وإن كان ملحقاً بالصلاة ، وكذا خطبة الجمعة فلو لم يصلّ به كان مكروهاً ، ويصح ، وقيل حرام . والكلام في الماء المملوك أو المباح اه مرحومي . وقوله : ( صلاة ما ) أي ولو سنة الوضوء ، وفي كلام الأستاذ أبي الحسن البكري غير سنة الوضوء فيما يظهر أي لئلا يلزم التسلسل إلا إذا قلنا لا سنة للوضوء المجدد كما هو ظاهر حديث بلال اه . وقوله : لئلا يلزم التسلسل : أجيب عن ذلك بأن هذا مفوّض إليه فله قطعه بترك سنة الوضوء .
قوله : ( كان مكروهاً ) أي تنزيهاً لا تحريماً بدليل ما بعده خلافاً لابن حجر ، وعلل الحرمة بأنه تعاطى عبادة فاسدة ، ورده م ر بأن القصد منه النظافة فليس كما قال . قال في الإيعاب : وقد يقال قياس ما يأتي من حرمة إعادة الصلاة لا في جماعة الحرمة هنا ، إلا أن يجاب بأن غاية تجديده أنه كالغسلة الرابعة وهي مكروهة .
فإن قلت : قياس قولهم يحرم التلبس بعبادة فاسدة حرمته وحرمة الرابعة . قلت : القصد من التجديد والرابعة مزيد النظافة ، وهذا لا ينافي مقصود الوضوء فكان مؤكداً ، وإن لم يكن عبادة أخرى مغايرة حتى يحرم التلبس بها على أن هذا ليس من تعاطي العبادة الفاسدة في شيء لما تقرر أن الصلاة بالأول شرط لندب الثاني لا لجوازه ، ويفرق بينه وبين الصلاة بأنه وسيلة(1/361)
"""""" صفحة رقم 362 """"""
فسومح فيه بخلاف الصلاة فإنها مقصودة بالذات ففي تكرارها اختراع عبادة لم ترد شوبري . وعبارة شرح م ر : فإن لم يؤدّ بالأول صلاة كره التجديد ، نعم إن عارضه فضيلة أول الوقت قدمت على التجديد لأنها أولى منه ، كما أفتى به الوالد . قال ع ش : وينبغي أن المراد بالصلاة الصلاة الكاملة ، فلو أحرم بها ثم فسدت لم يسنّ له التجديد اه . ولو توضأ الجنب للأكل أو الشرب مثلاً ، ثم أراد الغسل في الحال ، فهل يسنّ الوضوء للغسل أولا . اكتفاء بوضوء نحو الأكل ، كما لو اغتسل للإحرام من مكان قريب من مكة فإنه يكتفي به عن غسل دخولها لحصول المقصود فيه نظر ، ولا يبعد الثاني أعني الاكتفاء اه إطفيحي .
قوله : ( ولأنه كان الخ ) لو سكت عن هذه لكان أولى ، لأن الغسل كان كذلك اه ق ل . لكن نسخ من أصله ولم يبق له أصل بخلاف الوضوء ، فإن المنسوخ وجوبه لكل صلاة وأصل الطلب باق . قوله : ( أو نفاس ) لا استحاضة على المعتمد خلافاً للقليوبي . قال في شرح الروض : واستثنى الزركشي المستحاضة أيضاً فقال ينبغي لها أن لا تستعمل لأنه يتنجس بخروج الدم فيجب غسله فلا يبقى له فائدة .
قوله : ( وتدخلها الفرج ) أي المحل الذي يجب غسله فيطلب للصائمة لأنه غير مفطر ق ل . على المحلي وهو مخالف لقول م ر . أما الصائمة فلا تستعمل شيئاً من ذلك اه م د . قوله : ( بعد غسلها ) أي المرأة . قوله : ( وهو ) أي الغسل وقوله : ( بالأثر ) أي في قوله أثر الدم . قوله : ( معرّب ) وهو لفظ استعملته العرب في معنى وضع له في غير لغتهم ، وليس في القرآن على ما قاله الأكثرون كما في متن جمع الجوامع . وقيل وقع في القرآن مثل قسطاس . وأجابوا عن ذلك بأن نحو ذلك مما توافقت فيه اللغات فتأمل . قوله : ( الطيب المعروف ) وهو أفضل الطيب وأحبه إليه . قوله : ( كالقسط والأظفار ) نوعان من الطيب والأظفار شيء من الطيب أسود على شكل ظفر الإنسان ولا واحد له من لفظه . قوله : ( فإن لم تجد طيباً ) الترتيب لكمال السنة لا لأصلها شوبري . قوله : ( كفي الماء ) أي ماء الغسل في دفع الرائحة لا عن السنة مرحومي . وقيل : ماء آخر غير ماء الغسل عبارة ق ل على الجلال . فالماء كاف أي ماء الغسل في دفع الكراهة أو ماء آخر في حصول السنة ، ويقدم على الماء بعد الطين نوى الزبيب ثم مطلق النوى . ثم ماله ريح طيب ، ثم الملح .(1/362)
"""""" صفحة رقم 363 """"""
قوله : ( والمحدة تستعمل ) أي يسن لها ذلك كما يؤخذ من م ر خلافاً لما في ح ل على المنهج ، وعبارة م ر : وتتبع الأنثى غير المحرمة والمحدّة لحيض أو نفاس ولو خلية أو بكراً أو عجوزاً أو ثقبة أنثى انسد فرجها أو خنثى حكم بأنوثته إثره أي الدم مسكاً تطييباً للمحل لا لسرعة العلوق ، فيكره تركه أما المحرمة فيمتنع عليها استعمال الطيب مطلقاً ، وكذا المحدة لكن يستحب لها تطييب المحل بقليل قسط أو أظفار ، ولو لم تجد سوى الماء كفى في دفع الكراهة لا عن السنة خلافاً للأسنوي ، وعلم أنه لا يندب تطييب ما أصابه دم الحيض من بقية بدنها وهو كذلك ، أما الصائمة فلا تستعمل شيئاً من ذلك ، وشمل تعبيره بأثر الدم المستحاضة إذا شفيت وهو ما تفقهه الأذرعي وغيره ، وأفتى الوالد بحرمة جماع من تنجس ذكره قبل غسله ، وينبغي تخصيصه بغير السلس لتصريحهم بحل وطء المستحاضة مع جريان دمها اه . وفي ا ج على مختصر البخاري ما نصه : تتمة فعلها للطيب على الوجه المذكور مندوب لا واجب ، وهل يطلب لذوات الزوج أو مطلقاً ؟ ينظر . فإن قلنا : إنه تعبدي طلب مطلقاً ، وإن قلنا إنه معلل فما تلك العلة ؟ فقيل : إنما ذلك لأجل الزوج لأن دم الحيض نتن وتبقى الأيام المتوالية على ذلك المحل ، فيكتسب منه رائحة ، فربما يتأذى منها الزوج فيكون ذلك سبباً للفرقة بينهما . وقيل : إن المحل يلحقه من الدم رخو وإن الطيب يصلح ذلك منه ، فعلى هذا يندب لذات الزوج ويبقى الكلام في غيرها ، ويظهر والله أعلم أنه إن كان ذلك يحرك شهوة الجماع منها فلا تفعل ، وإن كان لا يحرك عندها ذلك فحسن أن تفعل لأن الطيب من السنة لا سيما لمنفعة تلحقه اه .
قوله : ( أن لا ينقض ) بفتح أوله متعدياً قال تعالى : ) ثم لم ينقصوكم شيئاً } ) التوبة 4 ) وقاصراً وإن اختلف الفاعل عليهما ، فقوله ماء الوضوء يجوز في لفظ ماء الرفع على أنه فاعل ينقص والنصب على أنه مفعوله وهذا أولى ، لأن نسبة النقص إلى المغتسل أولى . قال الشيخ سلطان : وظاهر كلامه أن المستحب عدم النقص لا الاقتصار على المدّ والصاع ، وعبر آخرون بأنه يندب المدّ والصاع ، وقضيته أنه يندب الاقتصار عليهما ، قال الخطيب : وهذا هو الظاهر لأن الرفق محبوب اه . وعبارة شيخنا م د أفهم أن الزيادة لا بأس بها ما لم تبلغ حدّ الإسراف . قوله : ( رطل وثلث بغدادي ) وهو بالمصري رطل تقريباً اه ع ش على م ر . قوله : ( عن سفينة ) بوزن مدينة وهو مولى رسول الله واسمه مهران ، وقيل عيسى فسفينة لقبه لأنه كان يحمل الشيء الثقيل ، فلقبه النبيّ بسفينة اه .(1/363)
"""""" صفحة رقم 364 """"""
قوله : ( ويكره أن يغتسل في الماء الراكد ) لاختلاف العلماء في طهور ذلك الماء شرح الروض .
قوله : ( معينة ) أي جارية ، وعبارة شرح الروض أو ببئر معينة بزيادة الباء . قوله : ( وينبغي أن يكون ذلك ) أي المذكور من الكراهة . قوله : ( أو يستحد ) أي بحلق العانة .
قوله : ( إذ يرد إليه سائر أجزائه ) فيه نظر لأن الذي يرد إليه ما مات عليه لا جميع أظفاره التي قلمها في عمره ولا شعره كذلك فراجعه اه ق ل . أي لأنها لو ردت إليه جميعها لتشوّهت خلقته من طولها . وعبارة م د إذ يردّ إليه سائر أجزائه أي الأصلية فقط كاليد المقطوعة بخلاف نحو الشعر والظفر ، فإنه يعود إليه منفصلاً عن بدنه لتبكيته أي توبيخه حيث أمر بأن لا يزيله حالة الجنابة أو نحرها اه . وقال الحافظ ابن حجر : إن كل واحد منهم يكون على ما مات عليه ثم عند دخول الجنة يصيرون طوالاً . وفي الحديث الصحيح في صفة أهل الجنة : ( إنهم على صورة آدم وطول كل واحد منهم ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع أبناء ثلاث وثلاثين سنة وإنهم جرد مرد ) .
فإن قلت : فبم يعرف الرجال من النساء ؟ قلت على الرجال إكليل وعلى النساء حلة كالمقنعة .
فرع : وقع السؤال عما لو قطع عضو مسلم ثم ارتد ومات مرتداً هل تعود له يوم القيامة وتعذب ولو كانت انفصلت حالة الإسلام ، وفيما لو قطع من كافر ثم أسلم ومات مسلماً فهل تعود له يده وتنعم ، وإن كانت انفصلت حالة الكفر أم لا ؟ فيه ، نظر . والظاهر في كل منهما أنها تعود وتنعم فيما لو قطعت في الكفر وتعذب فيما لو قطعت قبل الردة . لا يقال تعذيب اليد المقطوعة في الإسلام وتنعيم اليد المقطوعة في الكفر تعذيب للأولى وقد قطعت متصفة بالإسلام وتنعيم للثانية وقد قطعت في الكفر . لأنا نقول : المقطوعة في الإسلام سلبت الأعمال الصادرة منها بارتداد صاحبها ، والمقطوعة في الكفر سقطت المؤاخذة لها بما صدر منها لإسلام صاحبها لقوله تعالى : ) قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ) الأنفال 38 ) ذكره ع ش على م ر .(1/364)
"""""" صفحة رقم 365 """"""
قوله : ( ومن اغتسل الخ ) ولو طلب منه أغسال مستحبة كعيد وكسوف واستسقاء وجمعة ونوى أحدها حصل الجميع لمساواتها لمنويه وقياساً على ما لو اجتمع عليه أسباب أغسال واجبة ونوى أحدها ، لأن مبنى الطهارة على التداخل ح ل . والمراد بحصول غير المنوي سقوط طلبه . قوله : ( حصل غسلهما ) حاصله أن يقال إما أن يكونا واجبين شرعاً أو مندوبين كذلك أو يكونا واجبين جعلا أو أحدهما جعلاً والآخر شرعاً ، أو أحدهما شرعاً والآخر مندوباً كذلك ، فالأول بقسميه تكفي لهما نية واحدة ، والثاني بقسميه لا بد لكل منهما من نية ، والثالث هو كلام الشارح الذي أشار إليه بقوله : ومن اغتسل لجنابة الخ . ووجه وجوب النية في الواجبين جعلا أنه لما كان النذر أسبابه مختلفة اشترط النية لكل منهما ووجه وجوب النية لهما فيما إذا كان أحدهما واجباً شرعاً والآخر جعلا أن نية أحدهما لا تتضمن الآخر بخلاف الواجبين شرعاً فإن المنع واحد أي الممنوع من أحدهما كالصلاة والصوم وقراءة القرآن ممنوع من الآخر ، ووجهه فيما لو طلب منه أغسال مستحبة كعيد وكسوف واستقساء ونوى أحدها من أنه يحصل الجميع لمساواتها ، لمنويه ، ولأن مبنى الطهارة على التداخل إطفيحي . قال في البحر : والأكمل أن يغتسل للجنابة ثم للجمعة اه ع ش على م ر .
قوله : ( فإن قيل : لو نوى الخ ) هذا وارد على قوله أو نوى أحدهما حصل فقط . قوله : ( إشغال البقعة ) التعبير به لغة قليلة وكان الأولى أن يقول شغل لأن فعله شغل قال تعالى : ) شغلتنا أموالنا } ) الفتح 11 ) والجمع أشغال وشغله من باب قطع فهو شاغل ولا تقل أشغل لأنه لغة رديئة ع ش .
قوله : ( وليس القصد هنا ) أي في نحو غسل الجمعة . قوله : ( فرضان ) أي أو أكثر وكذا قوله سنتان . وظاهر أن المراد بحصول غير المنوي سقوط طلبه فلا يحصل له ثواب الجميع إلا إذا نواها بخلاف التحية فإنه يحصل له ثوابها إن نواها أو أطلق على المعتمد .
قوله : ( كفاه الغسل لأحدهما ) ليس هذا تكراراً مع قوله فيما سبق ولو اجتمع على المرأة(1/365)
"""""" صفحة رقم 366 """"""
الخ . لأن ذاك في النية وهذا في الغسل وأيضاً هذا أعم . قوله : ( ولا يضر التشريك ) أي في الغسل لا في النية لأن فرض الكلام أنه نوى إحدى الفريضتين أو السنتين ، فيكون المراد بالتشريك حصول الغسلين منه وإن لم يقصد الآخر الذي لم ينو وهذا يؤخذ من عبارة م ر فراجعه . قوله : ( بخلاف نحو الظهر مع سنته ) أي فإنها لا تصح نيته فالتشريك فيه يضر . قوله : ( لأن مبنى الطهارات على التداخل ) أي إذا كانت من نوع واحد . قوله : ( ولو أحدث الخ ) هذا تقدم في الوضوء . قوله : ( أو أجنب وأحدث معاً ) أي بأن وطىء بلا حائل . قوله : ( يباح للرجال دخول الحمام ) وأول من اتخذه سيدنا سليمان عليه السلام لما أراد أن يتزوج ببلقيس ، لأنه كان بها شعر فنفر منها فسأل الجن فقالوا : نحتال لك بحيلة حتى تكون كالفضة البيضاء ، فصنعوا لها الحمام ليذهب الشعر فيه بالنورة وصنعوا له أيضاً القزاز والصابون والطاحون ونظمها بعضهم فقال :
حمام طاحون قزاز نورة
صابون صنع الجن هذا ثابت
ولم يكن في زمن نبينا حمامات لأنه أخبر بذلك . وقال : ( ستفتح عليكم أبواب يقال لها الحمامات فلا تدخولها إلا بمئزر ) . وقيل : كانت موجودة في زمنه ولم يدخلها .
فائدة : إذا دخل إنسان الحمام وغرف على رأسه سبع طاسات من الماء الحار أمن من الدوخة ، وإذا شرب خمس جرعات من الماء الحارّ أمن من وجع القلب كما ذكره المصري على الأزهرية .
قوله : ( لعنه ملكاه ) أي الحافظان . قوله : ( أما النساء فيكره لهن ) أي مع عدم ظهور شيء من عوراتهن لأحد وقرر شيخنا ح ف . أن دخول النساء الحمام في هذه الأزمان حرام لأنه تحقق منهن كشف عوراتهن وعدم تسترهن حتى في الطرق ، وأنه يحرم على الزوج أن يأذن لزوجته في الذهاب إليه قوله :(1/366)
"""""" صفحة رقم 367 """"""
( وينبغي أن يكون الخناثى كالنساء ) لعل صورته مع الستر وعدم الخلوة فهن حينئذ كالنساء في كراهة دخول الحمام إلا لعذر ، فإن اختلاء الخنثى بالخنثى حرام لاحتمال اختلافهما أو يصور بدخول كل خنثى وحده أو أن الخناثى محارم كإخوة اه م د . قوله : ( وآدابه ) أي الحمام أي آداب داخله فهو على حذف مضاف . قوله : ( وأن يسمي للدخول ) وأن يمكث في كل بيت من بيوته زمناً لطيفاً دخولاً وخروجاً ، وأن يغتسل عند خروجه بماء معتدل إلى البرودة وأقرب لأنه يشد البدن اه ق ل .
فصل : في الأغسال المسنونة
قوله : ( في الأغسال المسنونة ) انظر لم غير عبارة المصنف ولم يقل في الاغتسالات مع أن كلاًّ منهما جمع قلة ولعله طلباً للاختصار . قوله : ( المسنونة ) الأولى المسنونات لأن جمع القلة لما لا يعقل الأفصح فيه المطابقة قال بعضهم :
وجمع كثرة لما لا يعقل
الأفصح الإفراد فيه يافل
في غيره فالأفصح المطابقة
نحو هبات وافرات لائقة واستعمل هنا جمع القلة في الكثرة . قوله : ( سبعة عشر ) أي يعدّ غسل الطواف غسلين كما يأتي في الشرح أو يعّد غسل رمي الجمار في اليومين الأولين غسلين نظراً للتعجيل ، فاندفع ما يقال إنها ستة عشر فقط . ويسن الوضوء لكل من هذه الأغسال ، كما يسن للواجب ، ويسن أن يصلي ركعتين بعده ولو فاتت هذه الأغسال لم تقض كما في شرح م ر . قوله : ( لمن يريد(1/367)
"""""" صفحة رقم 368 """"""
حضورها ) وإن حرم حضوره كامرأة بغير إذن حليلها . قال ع ش : والأمر ظاهر بالنسبة للمكلف ومنوط بولي غيره لكن هل العبرة بإرادة الولي الحضور أو الصبي أو هما والأقرب النظر إلى حضور الولي وإرادة حضور الصبي . قوله : ( وإن لم تجب عليه الجمعة ) كعبد وامرأة .
قوله : ( إذا جاء أحدكم الخ ) ظاهر قوله إذا جاء فليغتسل أن الغسل يعقب المجيء وليس كذلك ، وإنما التقدير إذا أراد أحدكم وقد وقع ذلك صريحاً عند مسلم في رواية الليث عن نافع ولفظه : ( إذا أرادُ أحدكم أن يأتي الجمعة ) وفي حديث أبي هريرة : ( من اغتسل يوم الجمعة ثم راح ) وهو صريح في تأخر الرواح عن الغسل وذكر المجيء في قوله : ( إذا جاء أحدكم ) الجمعة للغالب وإلا فالحكم شامل لمجاور الجامع ومن هو مقيم به والمجيء في حق المقيم في الجامع يحصل بأن يتهيأ لصلاة الجمعة كما قاله البابلي ، وفي قوله : أحدكم تغليب المذكر على المؤنث بدليل خبر ابن حبان : ( من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ) . قوله : ( ولخبر البيهقي الخ ) أتى بالحديث الثاني لشموله من الغسل لمن وجبت عليه ولمن لم تجب عليه ، ولأجل قوله فيه : ومن لم يأتها . إذ الأول مخصوص بالرجال وفيه أمر فاحتاج الشارح إلى الإتيان بالحديث الثاني ليبين أن الأمر ليس للوجوب .
قوله : ( وروي : غسل الجمعة واجب ) وعند مالك : غسل يوم الجمعة فرض ، وبه قالت الظاهرية . قوله : ( وصرف هذا ) أي المذكور في الأحاديث الثلاثة . وضابط الفرق بين الغسل الواجب والمستحب كما قاله البيهقي في شعب الإيمان والقاضي حسين في كتاب الحج أن ما يشرع لسبب ماض كان واجباً كالغسل من الجنابة والحيض والنفاس والموت ، وما شرع لمعنى في المستقبل كان مستحباً كاغتسال الحج واستثنى البيهقي من الثاني الغسل من غسل الميت . قال الزركشي : وكذا الجنون والإغماء والإسلام شرح م ر . قوله : ( من توضأ الخ ) ولو عجز(1/368)
"""""" صفحة رقم 369 """"""
عن الماء تيمم تيمماً عن الحدث وتيمماً عن الغسل وهل يكفي عنهما واحد بنيتهما كالغسل أو لا بد من تيممين ؟ فيه نظر سم قال ق ل : ويظهر الأول كما في الغسل . قوله : ( فبها ) أي فبالسنة أي بما جوّزته من الاقتصار على الوضوء أخذ أي عمل ونعمت الخصلة الوضوء ، فالضمير في بها عائد على معلوم بالقرينة ، والباء متعلقة بمقدر ، والمراد بالسنة الطريقة الشرعية لأن الوضوء ، واجب . قوله : ( فالغسل ) أي مع الوضوء أفضل من الاقتصار على الوضوء فاندفع ما يقال : كيف يكون الغسل المندوب أفضل من الوضوء الواجب ويندب لصائم خشي مفطراً ترك الغسل كما قاله البرماوي .
قوله : ( من الفجر الصادق ) وقيل وقته من نصف الليل وينتهي بجلوس الخطيب على المنبر قاله ق ل . والصواب بفراغ صلاتها بسلام الإمام ولا يبطله طروّ حدث ولو أكبر ، ولا تسن إعادته عند طروّ ما ذكر كما يصرح به عبارة المجموع خلافاً لما في العباب كالتجريد ، قاله الشوبري . واعتمد ع ش سن إعادته اه .
قوله : ( ثم راح في الساعة الأولى ) انظر ما المراد بالرواح هل هو الخروج من المنزل إلى المسجد حتى لو طال المشي من المنزل إلى المسجد بزمان كثير يصدق عليه الرواح أو لا بد من دخول المسجد لأن الرواح اسم للذهاب إلى المسجد ؟ محل نظر ، والأقرب الثاني كما يتبادر من قوله في الحديث ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة الخ . فإن الظاهر منه أن الملائكة يكتبون بباب المسجد من وصل إليهم ، ونقل عن الزيادي ما يوافقه . نعم المشي له ثواب آخر زائد على ما يكتب له في مقابلة دخوله المسجد قبل غيره ع ش على م ر . قوله : ( الحديث ) بالنصب أي اقرأ الحديث وتتمته : ( فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر أي الخطبة أي طووا الصحف فلم يكتبوا أحداً ) وهؤلاء غير الحفظة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة واستماع الخطبة ، وروى النسائي : ( في الخامسة كالذي يهدي عصفوراً وفي السادسة بيضة ) . فمن جاء في أول ساعة منها ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل البدنة مثلاً ، لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الآخر ، وبدنة المتوسط متوسطة شرح المنهج . قال ح ل : وفيه أن ما بين الفجر والزوال في كثير من أيام الشتاء لا يبلغ ست ساعات . وأجاب عنه في أصل الروضة بأنه ليس المراد من الساعات الفلكية التي هي من(1/369)
"""""" صفحة رقم 370 """"""
الأربع والعشرين مقدار اليوم والليلة التي كل واحدة خمس عشرة درجة ، بل ترتيب درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة فلا يختلف الحال في يوم الشتاء والصيف حتى لو حضروا كلهم في الساعة الأولى كان الأول أفضل من الثاني ، والثاني أفضل من الثالث وهكذا اه . وقوله : لا يبلغ ست ساعات مثله في شرح م ر . قال سم : ولي فيه نظر إذ أقل أيام الشتاء مائة وخمسون درجة وهي عشر ساعات فلكية ، وابتداء اليوم عند أهل الفلك من الشمس فمن الشمس إلى الزوال يخصه خمس ساعات وابتداء اليوم على الراجح هنا من الفجر فما بين الفجر والزوال يبلغ ست ساعات في أقل أيام الشتاء فتأمل اه . قوله : ( من ذهابه ) بفتح الذال قال تعالى : ) وإنا على ذهاب به لقادرون } ) المؤمنون 18 ) . قوله : ( لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة ) أي في أصل طلبه ، فلا ينافي طلب التيمم بدله عند العجز عن الماء ق ل . وقال شيخنا : هذا التعليل خاص بالغسل فيقتضي أن التيمم لا يسن قربه من ذهابه إلا أن يقال إنه مقيس على الغسل ، ثم رأيت سم ذكر ما نصه : وانظر لو تيمم بدلاً عن غسل الجمعة هل يكون تقريبه من ذهابه أفضل أيضاً كالغسل الظاهر ؟ نعم اه .
قوله : ( لأنه مختلف في وجوبه ) ولتعدي أثره إلى الغير وهو دفع الرائحة الكريهة ولمزيد الاهتمام به في هذا اليوم الفاضل على بقية أيام الأسبوع ، ومن ثم انفردت الجمعة به على سائر المكتوبات الخمس بخلاف التبكير فإن نفعه قاصر على المبكر . ووقت جوازه من الفجر عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، وقال مالك : لا يصح الغسل إلا عند الرواح إليها . ونقل البرماوي على الغزي عن الحنفية أن فيه قولاً بالوجوب عند الإمام أبي حنيفة ، ونقل عن الجامع الكبير إنه قال : ( اغتسلوا ولو كأساً بدينار ) اه . أي اغتسلوا للجمعة ولو بلغ ثمن ملء الكأس ماء ديناراً ، وانظر لو تعارض البكور والتيمم بدل الغسل ، والظاهر تقديم البكور شوبري . وفي ع ش على م ر : وإذا تعارض التبكير والتيمم قدم التيمم لأن البدل يعطي حكم المبدل منه من كل وجه ، لكن يرد عليه أن الغسل إنما قدم لأنه قيل بوجوبه ، وأما التيمم ففي سنه خلاف فضلاً عن الاتفاق على سنه اه .
قوله : ( فيغتسل ) أي للجنابة أي ويتوضأ للحدث الأصغر ففي كلامه اكتفاء إذ هو تفريع على كل من الحدث والجنابة . قوله : ( ويكره تركه ) . قال العلامة الشعراني في العهود أخذ علينا العهود أن لا نتهاون بترك السنن الشرعية ونقول : الأمر سهل كما عليه طائفة من المتهوّنين كغسل الجمعة مثلاً والتطيب والتزين لدخول المسجد والبداءة بخلع النعل ، فقد كان سيدي علي الخواص رحمه الله يقول : إن لكل سنة من السنن درجة في الجنة ، فلا ينال تلك الدرجة إلا فاعل تلك السنة اه .(1/370)
"""""" صفحة رقم 371 """"""
قوله : ( وغسل العيدين ) ولو لحائض ونفساء . وقوله : ( ويدخل وقتهما بنصف الليل ) أي ويخرج بغروب شمس يومه لأنه لليوم ، ولا نظر إلى خروج وقت صلاته بالزوال لأن غسله ليس للصلاة . قوله : ( لأن أهل السواد ) المراد بهم أهل القرى والبوادي الذين يسمعون النداء ، سموا بذلك لأنهم لا يستضيئون غالباً لكونهم أهل قرى أو لكون محلهم يرى سواداً من بعد لما فيه من الحضرة ، وهذا التعليل يفيد أن من لم تلحقهم مشقة كالقاطنين في بلاد المدن لا يدخل وقت غسلهم للعيد من نصف الليل ، لأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً مع أنه ليس كذلك . وأجيب : بأن هذا حكمة المشروعية لا علة الحكم كما قالوا في الرمل في الطواف ، وحينئذ فلا يرد شيء كما قرره شيخنا العزيزي . قوله : ( عند الخروج لها ) وسيأتي أنه بإرادة فعلها لمن يصلي منفرداً وباجتماع من يغلب فعله لمن يصلي جماعة ويخرج الوقت بفعلها ق ل . وظاهر كلام الشارح هنا أنه يدخل بمجرد الخروج لها ، وإن لم يجتمع غالب الناس . ويجاب بأن المراد بإرادة الخروج وقت الاجتماع في العادة م د .
قوله : ( غسل صلاة الخسوف ) ويدخل وقتهما بأول التغير ويخرج بالانجلاء ق ل . قوله : ( أوله ) أي التغير المفهوم من الخسوف والكسوف . وقوله : ( فيهما ) أي الشمس والقمر . قوله : ( وقيل غير ذلك ) هو عكس ما قبله م د . ولا يتعين ذلك بل من جملة الغير الكسوفان والخسوفان .
قوله : ( من غسل الميت ) ولو عصى به كأن غسل شهيداً أو امرأة أجنبية أخذاً بإطلاقهم ، وكذا يطلب لمغسل الجزء ا ج . وما ذكره من أن الغسل سنة ولو عصى به مطلقاً هو ما اعتمده شيخنا ح ف ، خلافاً لما قاله الشوبري من أنه إن كانت المعصية لأجل أن النهي عنه لذاته كالشهيد لم يندب له ، أو لعارض كتغسيل الأجنبية ندب له وتعبيره بغسل الميت جريي على(1/371)
"""""" صفحة رقم 372 """"""
الغالب ، وإلا فلو يمم الميت للعجز عن غسله ولو شرعاً سن الغسل إن قدر عليه وإلا فالتيمم . وقال الرحماني : فإن يممه سن له الوضوء ويفوت غسل غاسل الميت إما بالإعراض أو بطول الفصل قاله بعضهم . وقال بعض مشايخنا : إن الأقرب أنه لا يفوت بطول الفصل . وفي ع ش على م ر . والظاهر أن الأغسال المسنونة لا تقضى لأنها إن كانت للوقت فقد فات أو للسبب فقد زال وهو ظاهر في غسل الكسوف ونحوه . أما غسل غاسل الميت والجنون والإغماء فلا يظهر فيها الفوات ، بل الظاهر طلب الغسل فيها وإن طال الزمن خصوصاً ، وسبب الغسل من الجنون والإغماء احتمال الانزال ، نعم إن عرضت له جنابة بعد نحو الجنون فاغتسل منها احتمل فواته واندراجه في غسل الجنابة اه . قال الشوبري : ولو غسل موتى فقد نقل المناوي عن ابن الملقن أن الأوجه طلب غسل واحد عن المتعدد لأن الأغسال المندوبة تتداخل وإن نوى بعضها اه . ولو تعدد الغاسل سن الغسل لكل منهم حيث باشروا كلهم الغسل بخلاف المعاونين بمناولة الماء أو نحوه ، وظاهره أنه لا فرق أيضاً بين أن يباشر كل جميع بدنه أو بعضه كيده مثلاً ، وظاهره أيضاً أن الحكم كذلك ولو لم يكن الموجود منه إلا العضو المذكور وغسلوه وهو قريب كما قاله ع ش على م ر . وأصل طلبه إزالة ضعف بدن الغاسل بمخالطة جسد خال عن الروح .
قوله : ( سواء أكان الميت مسلماً أم لا الخ ) لو قال : ولو كان الميت كافراً لكان أخصر وأولى لأن بعض أئمتنا قال بنجاسة ميتة الكافر بعد الموت كما نقله شيخنا م د في حاشيته على التحرير . قوله : ( ومن حمله ) أي أو مسه كما سيذكره ، والمراد بقوله ومن حمله أي أراد حمله ليكون على طهارة الأولى بقاء الحمل على حاله . قوله : ( فليتوضأ ) أي قبل حمله وبعده . قوله : ( وإنما لم يجب الخ ) وهو قول مرجوح للشافعي أيضاً كما قيل بوجوب غسل الجمعة . قوله : ( في غسل ميتكم ) وقيس بميتنا ميت غيرنا . وقوله : ( غسل ) أي واجب . قوله : ( الكافر ) أي ذكراً كان أو أنثى . قوله : ( إذا أسلم ) أي حكم بإسلامه وإنما أولناه بذلك ليشمل الصغير التابع(1/372)
"""""" صفحة رقم 373 """"""
لأحد أصوله أو لسابيه ، كما بحثه سم العبادي في شرحه لهذا المحل ، وعبارة العلامة الشوبري ويظهر أنه لو تبع صغير أحد أصوله ولو أنثى في الإسلام أمره بالغسل إن كان مميزاً ، وغسله إن كان غير مميز ، وكذا لو تبع سابيه الكامل إذ له ولاية عليه كالأصل ، وإن كان غير كامل لا ولي له ففي من يأمر أو يغسل نظر ، ويحتمل أنه الإمام أو نائبه ، فالمسلمون كما في أمر من لا وليّ له بالصلاة وضربه عليها قاله الشيخ . ويسن له أيضاً إزالة شعر جميع بدنه من رأسه وغيره لخبر أبي داود : ( ألق عنك شعر الكفر ) اه . إلا لحية ذكر وكونه بعد الغسل أولى إن إن كان محدثاً حدثاً أكبر لينفصل الشعر منه وهو طاهر من الجنابة أو نحوها ، فإن لم يكن محدثاً حدثاً أكبر فقيل : الغسل أولى ليزيل ماؤه دنس أثر الشعر ، وبما تقرر يجمع بين كلامين للمتأخرين كما في خ ض .
قوله : ( وقد أمر ) هو في قوة التعليل ، فالمعنى ولأمره قيس بن عاصم كما عبر به في شرح المنهج وغيره ، والمراد أمره بالغسل الذي لأجل الإسلام لحملهم الأمر على الندب لا بغسل الجنابة لأنه معلوم لا حاجة للأمر به فسقط ما قيل إن قيساً كان له أولاد ، ويلزمه أن يكون جنباً ، فالأمر إنما كان بغسل الجنابة لا بغسل الإسلام كما ذكره ق ل في حاشية التحرير . قوله : ( هذا إن لم يعرض الخ ) ظاهر كلامه أن من عرض له ذلك كفاه غسل الجنابة عن غسل الإسلام . قال ق ل ، وغيره : وليس كذلك بل يطلب منه غسلان غسل عن الجنابة وغسل للإسلام أو ينويهما معاً . قوله : ( وإلا وجب ) قال سم : وكان الفارق بين الغسل والصلاة حيث سقطت عنه دونه قلة المشقة فيه لعدم تعدده اه . قوله : ( قد علم ) أي من قوله : والكافر إذا أسلم . قوله : ( تكفير من قال الخ ) هذا في حق من لا يخفى عليه ، أما هو فلا . ويجب عليه قطع الصلاة إذا كان محرماً بها إذا سأله أن يلقنه الشهادة قياساً على إنقاذ الغريق ، بل هذا أعظم لأن فيه انقاذاً من الخلود في النار كما قرره شيخنا العلامة العزيزي ، وأما إذا جاءه شخص ليتوب فأمره بالتأخير فإنه يحرم عليه لأن التوبة من الذنب واجبة في الحال . قوله : ( والمغمى عليه ) وإن تكرر الإغماء ، والظاهر أنه لا فرق بين من تعمده وغيره وفي حاشية ع ش على م(1/373)
"""""" صفحة رقم 374 """"""
ر : وينبغي أن يلحق به السكران لأنه قد يطلق عليه مجازاً اه . ويقيد الإغماء بغير إغماء الأنبياء ، أما هو فإنه وإن جاز عليهم ووقع لهم لا ينقض طهارتهم فلا يسن منه الغسل . وقال ابن حجر : إنه كان يغمى عليه في مرض موته ثم يغتسل وهذا لا يدل على ندبه لاحتمال أن يكون لبيان الجواز اه . قوله : ( ولم يتحقق الخ ) صريح في عدم ندب الغسل للجنون عند تحقق الإنزال ، وفيه ما تقدم في غسل الكافر إذا أسلم فيطلب منه حينئذ غسلان .
قوله : ( قلّ من جنّ ) قل معناها النفي لأن القليل كالمعدوم والتقدير ما شخص جنّ إلا اشتهى وأنزل أي غالباً ، فقوله وأنزل معطوف على مقدر فاندفع ما يقال المناسب أن يقول : قلّ من جنّ ولم ينزل . قوله : ( إلا وأنزل ) .
فإن قيل : هلا كان واجباً عملاً بالمظنة كالوضوء بالنوم الذي هو مظنة لخروج الريح فيجب الغسل إن لم يعلم عدم خروج المني ؟ أجيب : بأنه لا علامة على خروج الريح بخلاف المني لمشاهدته أي من شأنه ذلك ، فلا يرد أن الجنون قد يطول زمنه ح ل . ولم يسن الغسل بعد الإفاقة من النوم لكثرة تكراره فخفف فيه للمشقة بخلاف الجنون والإغماء .
قوله : ( عند الإحرام ) أي عند إرادته . قوله : ( أو بهما ) أو مطلقاً فإن فقدت الماء تيممت مع الحيض والنفاس أيضاً لأن النظافة إذا فاتت بقيت العبادة .
قوله : ( ولدخول مكة ) أي ولدخول الكعبة أيضاً اه . شوبري . قال الرشيدي على م ر بعد قوله : ولدخول مكة أي إذا لم يغتسل لدخول الحرم من محل قريب من مكة أخذاً مما يأتي . قوله : ( يقع فيه ) أي قد يقع فيه .
قوله : ( ما لو أحرم المكي الخ ) ليس بقيد بل مثله إذا اغتسل لنحو جمعة أو كسوف أو عيد . والضابط أن كل غسلين قرب أحدهما من الآخر لا يندب الثاني ما لم يحصل لبدنه تغير ريح وإلا ندب . قوله : ( كالتنعيم ) خرج به ما إذا أحرم من الحديبية أو الجعرانة فيغتسل لدخول(1/374)
"""""" صفحة رقم 375 """"""
مكة . قوله : ( وقبل الزوال ) عطف على قوله بنمرة . قوله : ( لكن تقريبه الخ ) وينتهي الغسل للوقوف بعرفة بفجر يوم العيد . قوله : ( على طريقة ضعيفة ) وعليها يدخل وقته بالغروب ق ل . قوله : ( وهو ) أي الوقوف بمزدلفة الوقوف بالمشعر الحرام وهو في آخر المزدلفة . قال ق ل : ولو حمل الشارح كلام المصنف عليه لوافق الراجح اه . أقول : هذا الحمل لا يتأتى ، إذ كلام المصنف في المبيت . وهذا في الوقوف فما صنعه الشارح أولى اه ا ج . ويدخل وقت هذا الغسل بنصف الليل سم .
قوله : ( ولرمي الجمار الثلاث ) أي فيسن ثلاثة أغسال إن لم يتعجل في يومين وإلا فغسلان ، والمتجه دخوله بالفجر كغسل الجمعة لا بدخول وقته وهو الزوال سم . قال ق ل : وفيه بحث والأولى دخوله بالزوال لأنه موسع ببقية اليوم ، بل وبقية أيام التشريق بخلاف الجمعة فراجعه اه م د . وقوله : والأولى دخوله بالزوال ضعيف ، وعبارة المرحومي ويندب الغسل لرمي الجمار الثلاثة كل يوم ، والأفضل كون الغسل بعد الزوال ويدخل وقته بالفجر اه . قال الكلبي : وإنما سميت الجمار جماراً لأن آدم كان يرمي إبليس فيجمر من بين يديه والإجمار الإسراع ذكره السيوطي في الفلك المشحون . قوله : ( اكتفاء بغسل العيد ) أي إن رماها يومه . وقوله : ( ولأن وقته متسع ) أي فيجوز فعله في أيام التشريق ويكتفي بالغسل فيها للرمي عن الغسل لها أي لجمر العقبة . وقوله : ( بخلاف رمي ) الخ أي فإن فيه علة واحدة وهي الثانية فقط . قال شيخنا م د : ويؤخذ منه أي من قوله اكتفاء بغسل العيد أنه لو لم يغتسل للعيد ولا للوقوف بمزدلفة ندب الغسل لرمي جمرة العقبة وهو كذلك .
قوله : ( والسادس عشر الخ ) هذا جواب عما يقال إن التفصيل لا يطابق الإجمال وهو قوله أوّلاً سبعة عشر ، ثم عد ستة عشر فجعل الشارح الطواف اثنين للمطابقة . ويجاب أيضاً :(1/375)
"""""" صفحة رقم 376 """"""
بأن يجعل الطواف على أصله واحداً ، وأن السابع عشر الغسل لدخول مدينته كما هو في بعض النسخ اه . قلت : ويمكن أن يجاب أيضاً بأن يجعل غسل رمي الجمار غسلين لليومين الأولين نظراً للتعجيل أي لمن عجل النفر قبل اليوم الثالث كما هو الغالب ، وعده للرمي غسلين يؤخذ من قول الشارح لكل يوم الخ ا ج اه .
قوله : ( هذا ما جرى عليه النووي ) ضعيف . قوله : ( تبعاً لكثير ) أي من الأصحاب ، وفي بعض النسخ للكثير ، والظاهر أنه تحريف . وقوله : قال أي النووي . وقوله : وحاصله أي حاصل كلام النووي حيث قال وزاد في القديم ، فإن هذا يفهم أن الجديد عدم الاستحباب وهو المفتى به . قوله : ( وهذا هو المعتمد ) أي عدم الاستحباب ووجهه اتساع وقتها فلا يلزم اجتماع الناس لها في وقت واحد حتى يطلب التنظيف لها ، فهذا توجيه القول الجديد ، أما طواف القدوم فلا يسن له عليهما أي على القديم والجديد اكتفاء بغسل دخول مكة ، فإنه يندب أن يبدأ به عند دخولها .
قوله : ( من الحجامة ) أي والفصد أي بعدهما ، والأقرب ندب الغسل من الحجامة والفصد ، وإن لم يتغير بدنه لأنهما مظنة التغير . وقول م ر تغير بدن لا مفهوم له ع ش .
قوله : ( ومن الخروج من الحمام الخ ) أي وكذا لدخوله فيسن لداخله الغسل كما نص عليه الشافعي للأثر المذكور في البيهقي ، ومعناه إذا دخله فعرق استحب له أن لا يخرج منه حتى يغتسل كما قاله الشيخ خ ض . وفي حاشية الرحماني على التحرير : ويسن الغسل عند دخول الحمام للتنظيف من الأعراق الحاصلة بسببه ، ويسن الغسل أيضاً عند إرادة الخروج منه بعد الغسل الأوّل فهما غسلان . وينبغي أن يكون غسل إرادة الخروج بماء بين الحرارة والبرودة بل إلى البرودة أقرب لأنه يشد البدن فيقوى على ملاقاة الهواء بعد خروجه لا بصرف البارد ، لا سيما زمن الشتاء ، فإنه ربما أوقع في مرض مخوف ، وأفتى الشهاب ابن حجر بكون الماء المغتسل به بعد بارداً صرفاً . قال : لأنه هو الذي ينعش البدن فحرره ، وقد ذكر الشارح فيما تقدم شيئاً من آداب الحمام ، ومنها ترك مس الماء الحار قبل العرق والصمت ، وإذا خرج استغفر الله تعالى وصلى ركعتين ينوي بهما سنة الخروج منه ، وكره دخوله قبيل المغرب وبين(1/376)
"""""" صفحة رقم 377 """"""
العشاءين لأنه وقت انتشار الشياطين وهو مأواها غالباً كما تقدم ، وكره أيضاً صب الماء البارد على الرأس داخله وشربه عقبه ، وفيه لا ذلك غيره لمباح من بدنه .
قوله : ( للاعتكاف ) وإن تكرر لكن إن طال زمنه عرفا ويدخل وقت غسله بإرادته أو بعد نيته اه ق ل . قوله : ( ولكل ليلة من رمضان ) معتمد . قوله : ( بمن يحضر الجماعة ) أي جماعة صلاة التراويح . والمعتمد أنه يسن لكل ليلة من رمضان إن لم يحضر صلاة التراويح كما قرره شيخنا . أما الغسل للصلوات الخمس فغير مستحب كما أفتى به الوالد رحمه الله لشدة الحرج والمشقة فيه اه م ر . قوله : ( ولدخول الحرم ) أي حرم مكة وحرم المدينة وحرم كل منهما أوسع من بلدته كما هو معلوم وفي ق ل على التحرير قوله ولدخول المدينة أي لا لدخول حرمها ، فاعتمد عدم الندب لدخول حرم المدينة فليحرر ، وفيه على الشرح قوله ولدخول المدينة بعد دخولها كما في الحرم ، وقيل عند إرادة دخولها اه .
قوله : ( ولحلق العانة ) وكذا حلق الرأس ونتف الإبط وقص الشارب ق ل . وكان الأولى أن يقول : ولإزالة العانة ليشمل إزالتها بغير الحلق كما قاله العلامة ق ل . وعبارة الرحماني : وحلق العانة أي إزالتها ولو بغير حلق والأفضل للذكر الحلق ولغيره النتف ، وقالوا : في حكمته ، إنه يضعف الشهوة والحلق يقويها وعكس المالكية . وقالوا : لأن نتفها يرخي الفرج . وقال ابن العربي : منهم من يفرق بين الشابة وغيرها أما هي فتنتف وغيرها فتحلق ، والعانة اسم للشعر الذي فوق الذكر وحوله وحول قبل الأنثى ، والغالب نباتها قبل خمس عشرة سنة رحماني ، ويسن الغسل للمعتدة بعد فراغ العدة كما في التنقيح .
قوله : ( ولبلوغ الصبي بالسن ) انظر وجهه ولعله لاحتمال بلوغه بالإنزال قبل ، والمراد بالصبي بالمعنى الشامل للصبية كما قالوا : إن ذلك من أسرار اللغة ، وأن بلوغه بالاحتلام فيطلب منه غسلان واجب ومندوب ق ل . قوله : ( وعند سيلان الوادي ) أي من المطر ، وكذا من النيل في أيام الزيادة كل يوم ق ل . قوله : ( من مجامع الخير ) أو مباح كما بحثه في الإيعاب . قال : لأن الاجتماع على معصية لا حرمة له اه . وظاهرة أن المنع فيما إذا كان المجتمع عليه معصية لذاته ، فيخرج ما إذا كان طاعة في نفسه كحضور نحو الشابة للجمعة فإنه مكروه عند الأمن وحرام مع عدمه أو مع عدم إذن الزوج ، فيحتمل أن يقال باستحباب الغسل(1/377)
"""""" صفحة رقم 378 """"""
لأن المنع لخارج فيطلب من حيث مطلق الاجتماع لما فيه من مراعاة مصلحة الغير ، وهو الذي يقرب ويحتمل عدم الاستحباب لأنها منهية عن الحضور فلا تؤمر بما هو من توابع الحضور المنهي عنه . قال الشيخ : وهو الذي يتجه لي الآن ، ووافقه شيخنا . لكن الأقرب الأوّل لأنه مجتمع مباح ودفع التغير لمصلحتهم لا لمصلحتها وما علل به ممنوع ويرد عليه طلب التسمية في الوضوء بماء مغصوب ونحوه فليتأمل شوبري . قوله : ( ثم غسل غاسل الميت ) ثم بعده ما اختلف في وجوبه ، ثم ما صح حديثه أي باتفاق من المحدثين ثم ما كثرت أخباره الصحيحة ، ثم ما تعدى نفعه أو كثر ، وكذا يقال في مسنونين ضعف دليلهما فيقدم ما نفعه أكثر شوبري . قال العلامة الشيخ خ ض : ومن فوائد معرفة الآكد تقديمه فيما لو أوصى أو وكل بماء لأولى الناس به وهذا هو المعتمد .
قوله : ( فإنه ينوي الجنابة ) أي رفعها وإن كان صبياً نظراً لحكمته الأصلية وهو احتمال الإنزال واحتمال أن يوطأ ، فإن لم ينو ذلك لم يصح غسله ، وإن كان يجوز له تركه ، فلو تبين بعد الغسل أنه أنزل لم يجزه الغسل السابق على المعتمد ، وفيه أنه كيف ينوي رفع الجنابة مع أن غسله مندوب حتى لو تركه بالكلية لم يترتب عليه ما يترتب على الجنب . أجيب : بأنه إنما نوى ذلك احتياطاً لأن الجنون مظنة لخروج المني ويغتفر عدم جزمه بالنية للضرورة كما في شرح م ر . وكنية رفع الجنابة فيما يظهر كل نية تصلح لرفع الحدث الأكبر . وهل يرتفع الحدث الأصغر مع غسله للإفاقة من الجنون بنية رفع الجنابة أم لا لأنه سنة وجنابته غير محققة ؟ أفتى م ر بعدم ارتفاع حدثه الأصغر مع هذا الغسل ، ويؤيده حكمنا على ماء الغسل في الحالة المذكورة بعدم الاستعمال . قوله : ( فإنه ينوي السبب كغيره ) أي وهو الوجه الوجيه . وقول شيخنا م ر : ينوي رفع الجنابة غير مستقيم فتأمله هكذا قاله ق ل . واعتمد شيخنا العلامة م د كلام الرملي ، وضعف كلام الشارح ، والمعتمد أن الصبي لا ينوي السبب بل ينوي رفع الجنابة لاحتمال أنه أولج أو أولج فيه ، وعبارة ا ج قوله : فإنه ينوي السبب . قال غالب مشايخنا : اعتمد م ر خلافه فسوى بين البالغ وغيره في نية رفع الجنابة اه .
قلت : قد يقال إن شرح م ر ليس صريحاً فيما ينسبونه إليه من المخالفة لإمكان حمل(1/378)
"""""" صفحة رقم 379 """"""
عباراته على التسوية في طلب الغسل من البالغ وغيره إذا جن أو أغمي عليه بل هو المتبادر من عباراته لا التسوية في النية ، ونص عبارته في الشرح ، وشمل الصبي والبالغ اه . أي في سن الغسل لهما ، وإن اختلفت نيتهما . أفادنا ذلك شيخنا محقق عصره وهو بمكان من الدقة . نعم إن ورد نص صريح بما نسب إليه عوّلنا عليه اه .
فصل : في المسح على الخفين
أي في حكمه وشروطه ومدته ومبطلاته وكيفيته ، فأشار للأول بقوله جائز ، وللثاني بقوله ثلاثة شرائط ، وللثالث بقوله ويمسح المقيم الخ . وللرابع بقوله ويبطل الخ . وللخامس بقوله ويسن مسح الخ . وهو رخصة ولو للمقيم ومن خصائص هذه الأمة . واعترض كونه رخصة بأنها تكون لعذر ويصح المسح عليهما وإن كان قادراً على غسل الرجلين . وأجيب : بأن الرخصة هنا بمعناها اللغوي وهو مطلق السهولة وهو يرفع الحدث عن الرجلين كمسح الرأس ، ولأنه يجوز أن يجمع به بين فرائض ولو لم يرفعه لامتنع ذلك كما في التيمم ، وكان ذكره عقب الوضوء أنسب لأنه جزء منه ، ولعل المصنف راعى كونه مسحاً كالتيمم فضمه إليه وقدمه عليه لكونه بالماء فهو أقوى من التيمم . وشرع في السنة التاسعة من الهجرة كما في بعض شروح المنهاج وقد ينافيه قول بعضهم إن قراءة ) وأرجلكم } ) المائدة : 6 والأعراف : 124 ) بالجر إشارة للمسح ، فإن نزوله قوله تعالى : ) وأرجلكم } ^ سابق على ذلك أي على السنة التاسعة . والرخص المتعلقة بالسفر ثمانية . أربعة خاصة بالطويل وهي مسح الخف ثلاثة أيام والقصر والجمع وفطر رمضان ، وأربعة عامة وهي أكل الميتة والنافلة على الراحلة وترك الجمعة وإسقاط الصلاة بالتيمم برماوي وقد نظمها بعضهم فقال :
نختص بالطويل من أسفار
أربعة أتت بلا إنكار
قصر وجمع ثم فطر بالرشد
ومسح خف جاء ياذا بالسند
وبالقصير أكل ميتة أتى
كذاك ترك جمعة قد ثبتا
يليه نفل راكباً بيسر
فذي ثلاثة بدون نكر
وما أتاك زائداً ففيه
تسمح قد جاء من فقيه وكذا أكل الميتة . وأشار بذلك إلى أن في عد إسقاط الصلاة بالتيمم من رخص السفر تسمحاً لأنه لا يختص بالسفر بل قد يكون في الحضر أيضاً كما ذكروه .
قوله : ( عن أبي بكرة ) هذا كنيته ، واسمه نفيع بالفاء مصغر نفع بن الحارث بن كلدة بفتحتين كني بذلك لأنه تدلى من حصن الطائف إلى النبي ببكرة ، فإنه كان أسلم وعجز عن(1/379)
"""""" صفحة رقم 380 """"""
الخروج من الطائف ، ولم يمكن خروجه إلا هكذا ، وكان من فضلاء الصحابة . وبكرة بفتح الكاف وسكونها كما في شراح مختصر البخاري ، واقتصر بعضهم على السكون وتجمع على بكر بفتحها كما يؤخذ من المختار . قال فيه : وبكرة البئر ما يستقي عليها وجمعها بكر وهو من شواذ الجمع لأن فعلة لا يجمع على فعل إلا أحرف أي كلمات مثل حلقة وحلق وحماة وحمى وبكرة وبكر وتجمع على بكرات أيضاً اه . وجمعها القياسي بكار عملاً بقول الخلاصة :
فعل وفعلة فعال لهما أو بكر مثل تمرة وتمر . قوله : ( إنه ) بكسر الهمزة شوبري . قوله : ( ثلاثة أيام ) على حذف مضاف أي مسح ثلاثة أيام فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه . وقوله : ( أن يمسح ) أي مسح فهو بدل من الأول ، ويجوز أن يكون بدل اشتمال من ثلاث . فإن قلت : إن بدل الاشتمال يحتاج إلى ضمير ولا ضمير هنا إلا إن يقدر محذوفاً تقديره أن يمسح عليهما فيها ، أو يقال إنه لا يحتاج إلى ضمير على طريقة ابن مالك في الكافية ، ومثله بدل البعض من الكل قال فيها :
وكون ذي اشتمال أو بعض صحب
بمضمر أولى ولكن لا يجب ولا يجوز أن يكون ثلاثة معمولاً ليمسح لأن معمول صلة الحرف المصدري لا يتقدم عليه ولا يصح أن يكون ثلاثة أيام طرفاً لأرخص لفساد المعنى ، لأن المظروف يكون حاصلاً في جميع أجزاء الظرف كما إذا قلت سافرت يوم الخميس مثلاً ، والترخيص الواقع من النبي ليس مظروفاً في جميع الثلاثة أيام ، وإنما وقع في جرو منها وهو وقت تكلمه كما هو ظاهر . وفي هذا الحديث تصريح بأن مسح الخف رخصة حتى في المقيم . قوله : ( جائز ) أي العدول عن الغسل إلى المسح جائز فلا ينافي وجوب المسح إذا حصل . قوله : ( بدلاً ) بمعنى أنه كاف عن الغسل لا حقيقة البدئية ق ل . أي فهو بدل صوري ، فلا ينافي أنه من الواجب المخير لأن الواجب المخير لا يقع بين أصل وبدل حقيقي .(1/380)
"""""" صفحة رقم 381 """"""
قوله : ( على لابسه ) خرج غير لابسه ، فالواجب عليه الغسل عيناً م د . قوله : ( الغسل والمسح ) في كلام بعضهم ما يشعر بأنه من الواجب المخير وجرى عليه بعضهم ، والمختار أنه ليس منه لأن شرط الواجب المخير أن لا يكون بين شيئين . أحدهما أصل والآخر بدل . وفي الآيات البينات ما حاصله : أن الواجب المخير لا يكون بين الرخصة وغيرها اه م د . قوله : ( رغبة عن السنة ) أي إعراضاً عما جاءت به أي لنفرة النفس منه وعدم طلب النفس له أي : لا من حيث نسبتها إلى النبي ، وإلا كان كفراً . وقال ز ي : أي لإيثاره الغسل عليه لا من حيث كونه أفضل منه سواء وجد فيه كراهية لما فيه من عدم النظافة مثلاً أم لا . فعلم أن الرغبة أعم من الكراهة . والحاصل ؛ أنه آثر الغسل من حيث نظافته لا من حيث كونه أفضل شرعاً . وقال شيخنا : المراد بالسنة هنا الطريقة وهي مسح الخفين أي لم تألفه نفسه لعدم التنظيف فيه بل ألفت الغسل للنظافة . قوله : ( أو شكاً ) أي أو ترك المسح شكاً في دليل جوازه لنحو معارض كآية الوضوء الدالة على الغسل فهي معارضة لدليل المسح فيشك هل دليل المسح متقدم فيكون منسوخاً بدليل الغسل أو لا . وهل أحدهما أرجح من الآخر والتعارض لا يظهر إلا في حق من هو أهل للترجيح كالنووي لا في حق غيره لوجوب عمله بقول إمامه من غير بحث عن الدليل . قوله : ( أي لم تطمئن نفسه إليه ) بأن خيلت له نفسه القاصرة شبهة في الدليل . قوله : ( أو خاف فوت الجماعة ) أي كلاً أو بعضاً . وظاهره وإن توقف الشعار عليه ، ولكن ينبغي أن يجب المسح في هذه الصورة ع ش . وفرض المسألة أنه لم يرج جماعة غيرها ، وإلا كان الغسل أفضل . ومحله إذا لم تكن جماعة الجمعة وإلا وجب المسح ا ج . قوله : ( أو عرفة ) أي أو فوت عرفة ، وانظر ما صورته لما يأتي أن المحرم يمتنع عليه لبس المخيط ، ولعل صورته أن يلبسه لعذر كبرد اه ا ج على المنهج ، أو يصور بما إذا كان وقت المسح حلالاً ، ومراده الإحرام إذا وصل عرفة ووصولها يفوت لو اشتغل بالغسل ، وعبارة الإطفيحي قوله : أو خاف فوت عرفة بأن كان لو اشتغل بغسل قدميه فاته الوقوف بعرفة اه . والمعتمد أنه خاف فوت عرفة أو إنقاذ أسير أو ضاق الوقت ولو اشتغل بالغسل خرج الوقت أو خشي أن يرفع الإمام رأسه من الركوع الثاني في الجمعة ، أو تعين عليه الصلاة على ميت خيف انفجاره لو غسل وجب المسح في الجميع كما في البرماوي على المنهج .
قوله : ( أو إنقاذ ) أي أو فوت إنقاذ فهو بالجر ، ولو تعارض عليه فوت عرفة وإنقاذ غريق وجب تقديم الغريق لأن فيه إنقاذ روح كما ذكره البرماوي ، ومثله في الإطفيحي ثم قال : وينبغي تقييده في مسألة الأسير بضيق الوقت كما هو ظاهر بحيث إنه لو مسح أنقذ الأسير ، أما(1/381)
"""""" صفحة رقم 382 """"""
عند اتساع الوقت فلا نوجب عليه الغسل ولا المسح ، بل الواجب عليه إنقاذ الأسير . قوله : ( أو نحو ذلك ) كضيق وقت الصلاة عن الغسل وضيق الماء عنه ، فتكون الصور سبعاً . قوله : ( بل يكره تركه ) لما كان المتبادر من قوله فالمسح أفضل أن مقابل المسح وهو الغسل خلاف الأولى أضرب عنه ، وقال بل يكره تركه وتركه يتحقق بالغسل . قوله : ( في الأولى ) أي والثانية والثالثة . وعبارة شرح المنهج : بل يكره تركه في الثلاثة الأول ويجب المسح فيما بعدها . قوله : ( إزالة النجاسة ) كأن دميت رجله في الخف ، فأراد أن يمسح عليه بدلاً من غسلها . وقوله : ( والغسل ) بأن أجنب مثلاً وأراد أن يمسح بدل غسل رجليه ح ل .
قوله : ( ولو مندوباً ) فإن قلت : لم لم يقل ولو مندوبين ليشمل النجاسة العفو عنها إذ تندب إزالتها ؟ قلت : لما كانت النجاسة الأصل في إزالتها الوجوب ، وإنما عفي عن بعضها تسهيلاً على العباد ولا كذلك الغسل ، فإن أصله يكون واجباً ويكون مندوباً قال ذلك اه م د . وقال بعضهم : الضمير في قوله ولو مندوباً راجع للقسمين بتأويله بكل منهما . واعلم أن المسح تعتريه الأحكام الخمسة أي العدول عن الغسل إليه ، فالجواز هو الأصل عند القدوة على كل من المسح والغسل ، وقد يجب فيما إذا كان معه ماء يكفيه للمسح وهو لابس للخف على طهارة ولا يكفي للغسل ، وقد يحرم مع عدم الإجزاء بأن كان لابسه محرماً ومع الإجزاء في الخف المغصوب وقد يندب إذا شك في جوازه أي في دليله ، وقد يكره فيما إذا كان ضيقاً لا يتسع عن قرب فكما تكره الصلاة به يكره لبسه م د .
قوله : ( مع غسل الأخرى ) فلا يجوز أي لأن القاعدة أن الشارع إذا خير مكلفاً بين شيئين لا يجوز له أن يرتكب خصلة ثالثة .
قوله : ( إذ يجب التيمم ) أي فلا يجوز الاقتصار على إلباس الصحيحة ، ويقال إن العليلة كالمفقودة فقوله إذ يجب التيمم عن العليلة أي إلا إذا تحمل المشقة وغسلها وألبسها الخف كالصحيحة فيمسح بعد ذلك عليه ولا حاجة للتيمم اه . قوله : ( فهي كالصحيحة ) أي في وجوب التطهير ، فكما أن الصحيحة لا يصح إلباسها إلا بعد طهرها بالماء ، فكذلك هذه لا يصح إلباسها إلا بعد الطهر عنها بالتيمم فيجب التيمم عن العليلة كما ذكره .(1/382)
"""""" صفحة رقم 383 """"""
قوله : ( بثلاثة شرائط ) فإن قيل : كان المناسب أن يقول بثلاث من غير تاء لأن شرائط جمع شريطة فهو مؤنث فيكون معدودة من ثلاثة إلى عشرة من غير تاء . وأجاب سم : بأن المراد بالشرائط هنا الشروط جمع شرط فشرائط مذكر تأويلاً وإن كان مؤنثاً لفظاً . قوله : ( مريد المسح ) . اعترضه ق ل بأن فيه حذف الفاعل من المتن . قال : ولو بني للمفعول وكان اللبس نائب فاعل كان أولى لشموله ما لو ألبسها غيره له ، إذ لا يشترط كون اللبس بفعله اه . ويمكن الجواب بتسامح الشارح في حذف أداة التفسير فيكون من قبيل الفاعل المضمر لا المحذوف اه . وقال بعضهم : إن قوله مريد بدل من الضمير المستتر اه . قوله : ( بعد كمال الطهارة ) ولو بالتيمم المحض لا لفقد الماء بأن تيمم لنحو مرض كجراحة ثم تكلف المشقة بعد أن أحدث وتوضأ ومسح على الخف مع كون الماء يضره وهو حرام اه ا ج . وأما إذا كان التيمم لفقد الماء ، فإن المسح لا يصح ولا يوجد حينئذ طهر بعد كمال الطهارة لبطلانها برؤية الماء اه . قوله : ( أي تمام ) فسر الكمال بالتمام لدفع توهم إرادة مكملات الطهارة وهي المندوبات كالتثليث والدلك أي : ويستمر الطهر إلى أن يستقر القدم في محله ، وهذا القيد يؤخذ من قول الشارح الآتي ولو ابتداء اللبس بعد غسلهما الخ . قوله : ( فلو لبسهما ) هو بفتح اللام وكسر الباء لأن الماضي في الأمور المحسوسة بكسر الباء لا غير ، وأما المضارع فبفتحها . قال تعالى : ) يلبسون ثياباً خضراً } ) الكهف : 31 ) واحترز بالمحسوسة عن المعنوية فإنه في الماضي بفتح الباء ، وفي المضارع بكسرها قال تعالى : ) وللبسنا } ) الأنعام : 9 ) أي خلطنا ) عليه ما يلبسون } ) الأنعام : 9 ) ونظم بعضهم ذلك فقال :
بعين مضارع في لبس ثوب
أتى حذف وفي الماضي بكسر
وفي خلط الأمور أتى بعكس
لعينهما فخذه بغير عسر قوله : ( إلا أن ينزع الأولى من موضع القدم ) كان الأخضر أن يقول إلا أن ينزع الأولى كذلك ثم يدخلها كما عبر في شرح المنهج ، ومثل ذلك ما لو قطعت الرجل اليسرى فلا بد لصحة المسح من نزع الأولى وعودها ، وأما لو لبس اليمنى قبل اليسرى بعد طهرها فقطعت(1/383)
"""""" صفحة رقم 384 """"""
اليمنى ، فلا يكلف نزع خف اليسرى لوقوعه بعد كمال الطهر ع ش . قال العلامة ز ي . فإن قلت : هلا اكتفى باستدامة اللبس لأنه كالابتداء كما سيأتي في الأيمان ؟ قلت : إنما يكون كالابتداء إذا كان الابتداء صحيحاً وهنا ليس كذلك لفوات شرطه وهو كونه بعد كمال الطهارة .
قوله : ( ولو غسلهما في ساق الخفين الخ ) هذه المسألة واردة على مفهوم قوله أن يبتدىء ، والمسألة التي بعدها واردة على منطوقه ، إذ يصدق أنه ابتدأ اللبس بعد كمال الطهر ومع ذلك لا يجزىء المسح لنقض الوضوء قبل استقراره . قوله : ( في ساق الخفين ) خرج به ما لو غسلهما في قدم الخف فإنه لم يجز . قوله : ( ولو ابتدأ اللبس بعد غسلهما الخ ) يشير إلى بيان المراد من الابتداء الواقع في كلام المصنف ، لأن ظاهر كلامه الأجزاء والحالة هذه اه ع ش على الغزي . قوله : ( قبل وصولهما ) خرج ما لو كان بعد الوصول أو معه ، ويمكن توجيهه في المقارنة بأن ينزل وصولهما لمحل القدم مع الحدث منزلة الوصول المتقدم على الحدث لقوة الطهارة ، ووجد في بعض الهوامش خلافه من غير عزو وقد يتوقف فيه ع ش . قوله : ( لم يجز المسح ) بضم الياء وإسكان الجيم أي لم يصح نظراً لأصل عدم اللبس ، وفارق ما لو كان لابس الخف بشرطه ثم أزالهما من مقرهما إلى ساق الخف ولم يظهر من محل الفرض شيء . قالوا : لا يبطل المسح لاستصحابهم الأصل وهو اللبس الصحيح فتلخص أنهم نظروا في كل مسألة لأصلها اه ا ج . قوله : ( لأن حقيقة الطهر الخ ) قال ق ل : هذا السؤال ناشىء عن اتحاد معنى الطهارة والطهر وهو محتمل اه . قلت : هما متلازمان إن لم يكونا متحدين ، ولكن كان الأنسب للشارح أن يقول لأن حقيقة الطهارة ليلائم المتن . قوله : ( أو لاحتمال توهم الخ ) أي لدفع التوهم المحتمل أي الذي تحتمله العبارة ، ولو قال لدفع توهم الخ كان أوضح . ويجاب أيضاً بأنه إنما ذكر ذلك إشارة لرد قول المزني : إنه إذا غسل رجلاً فأدخلها الخف ثم غسل الأخرى كذلك وأدخلها ، فإن لبسه صحيح في هذه الحالة مع لبسه للأولى قبل كمال الطهر . هذا ، وكان(1/384)
"""""" صفحة رقم 385 """"""
الأولى حذف أو فيقول تأكيداً لاحتمال أي لدفع توهم إرادة البعض لأن التاكد إنما يأتي لدفق المجاز .
قوله : ( أي الخفان ) التعبير بهما جرى على الغالب ، وإلا فالقياس فيما لو خلع له أزيد من رجلين أنه لا بد في إجزاء المسح من لبس خف لكل واحدة مما يجب غسلها في الوضوء على التفصيل المبين ثم والمسح عليه والسابق إلى الفهم فيما لو كان له في كل جانب قدمان على ساق أنه لا يكفي جمع كل قدمين في الخف نعم إن التصقا اتجهت كفاية ذلك سم . قوله : ( من القدمين ) هكذا في نسخ المتن ومن فيه بيانية أي : محل غسل الفرض هو القدمان لكنه يتكرر مع قول الشارح وهو القدم بكعبيه الخ . ولذا رأينا في عدة نسخ من الشارح إسقاط لفظة من القدمين فتأمل م د . وأجيب : بأنه لما كان بيان محل غسل الفرض بالقدمين فيه قصور لأنه لا يشمل الكعبين بين الشارح المراد بقوله وهو الخ . فلا تكرار تأمل . قوله : ( وهو القدم بكعبيه ) بيان لقوله لمحل غسل الفرض وإضافة غسل للفرض للبيان . قوله : ( من سائر الجوانب ) متعلق بسائرين ، واعتمد شيخنا الشمس ح ف أنه لا بد أن يكون ساتراً وقوياً عند اللبس ، فإذا كان غير ساتر عند اللبس ثم صار ساتراً بعده لم يكف بخلاف طهارة الخف ، فلا يشترط وجودها عند اللبس اه . واعتبر ابن حجر ذلك وقت الحدث لأنه أول المدة اه . فإن كان وقت اللبس متنجساً وطهر قبل الحدث كفى ، وعبارة م ر والمتنجس كالنجس كما في المجموع خلافاً لابن المقري ومن تبعه في أنه يصح ويستفيد به مس المصحف ونحوه قبل غسله والصلاة بعده اه بحروفه وقوله والمتنجس كالنجي أي في عدم صحة المسح قبل غسله خلافاً لابن المقري أي : فإنه يصح عنده المسح مع وجود النجاسة فاللبس صحيح باتفاق والنزاع إنما هو في صحة المسح وعدمه كما هو صريح عبارة م ر . وإن كان جعل طاهراً في عبارة المنهج حالاً يقتضي عدم صحة اللبس وليس مراداً . قال الرشدي قوله : فلا يكفي نجس إلى قوله والمتنجس كالنجس أي لا يكفي المسح عليهما كما هو صريح كلامه فليست الطهارة شرطاً للبس .
قوله : ( ولو تخرقت البطانة أو الظهارة ) بكسر أولهما ع ش على م ر .(1/385)
"""""" صفحة رقم 386 """"""
قوله : ( الشفاف ) كالزجاج والبلور أي : لو فرض تتابع المشي عليهما . قال خ ض : ومن نظائر المسألة رؤية المبيع من وراء الزجاج وهي لا تكفي لأن المطلوب نفي الضرر وهو لا يحصل بها ، إذ الشيء من وراء الزجاج يرى غالباً على خلاف ما هو عليه شرح م ر . قوله : ( منع نفوذ الماء ) أي بنفسه فلو كان مشمعاً ومنع الشمع نفوذ الماء لا يكفي المسح عليه ، والمراد يمنع نفوذه عن قرب لو صب . عليه قوله : ( وقال في المجموع ) أي في الفرق بين الخف وساتر العورة . قوله : ( وقد حصل ) أي بالشفاف . قوله : ( ولم يحصل ) أي بالشفاف . قوله : ( منسوج ) لو أسقطه واقتصر على ما لا يمنع نفوذ الماء لكان أولى وأعم ق ل . قوله : ( من غير محل الخرز ) أي فلا يضر نفوذ الماء من محل الخرز ، وإنما عفي عن وصول الماء من محله لعسر الاحتراز عنه . قوله : ( لو صب ) أشار به إلى أن المراد بالماء الذي يمنع الخف نفوذه ماء الصب أي وقت الصب فلا يضر نفوذه بعد مدة خلافاً للولي العراقي حيث قال : الذي أقرني عليه شيخي ووالدي أن المراد ماء المسح ، وردّ بأن أدنى شيء يمنع ماء المسح . وفي شرح البهجة وعلم بذلك أن العبرة بماء الغسل لا بماء المسح لأنه لا ينفذ ، كما صرح به الإمام وغيره وبتقدير نفوذه فالعبرة بهما معاً لا بماء المسح فقد كما قال به جماعة اه . قوله : ( لعدم صفاقته ) أي قوّته . قوله : ( لأن الغالب ) علة لقوله ولا يجزىء منسوج المعلل بقوله لعدم صفاقته فهو علة للمعلل بعلته على حد قول الشحات رغيف لله كرامة للإمام الشافعي رضي اللِّه عنه . قوله : ( أنها تمنع النفوذ ) أي بذاتها لا بواسطة نحو شمع كزفت ، ومما يمنع نفوذ الماء الجوخ الثقيل فلو جعل خف منه صح المسح عليه .
فائدة : وقع السؤال عما لو كان له خف قوي وهو أسفل الكعبين ولكن خيط عليه السراويل الجوخ المانع من الماء هل يكفي المسح حينئذ أو لا ؟ نظراً لصورة الخف قبل وصله بالسراويل ، فأفتيت بجواز المسح فإنه الآن لابس لخف شرعي ساتر لمحل الكعبين ، إِذ لا يتقاعد ذلك عن خف ملفق من قطع جلود خيط بعضها ببعض وإن صغرت القطع اه ا ج .
قوله : ( مما يمكن تتابع المشي الخ ) المراد بالإمكان هنا السهولة لا ضد الامتناع ، وإِلا(1/386)
"""""" صفحة رقم 387 """"""
لورد الضيق وغيره مما لا يسهل فيه التتابع فإنه يمكن المشي فيه . وعبارة ق ل قوله : مما يمكن أي يسهل وإن لم يوجد المشي بالفعل ، والمراد الأرض التي يغلب المشي في مثلها لا نحو شديدة الوعر . قوله : ( عليهما ) أي فيهما كما في بعض النسخ والوجه اعتبار القوة من الحدث بعد اللبس ، لأنّ به دخول وقت المسح حتى لو أمكن تردد المقيم فيه يوماً وليلة من وقت اللبس لا من وقت الحدث لم يكف قاله م ر سم . قوله : ( والترحال ) لعل المراد به المشي والتردد في قضاء الحاجة لا المشي في قطع المسافة . قوله : ( ولو كان لابسه مقعداً ) أي عاجزاً . قوله : ( والأقرب إلى كلام الأكثرين ) معتمد .
قوله : ( التردد فيه ) أي على الانفراد من غير إعانة بغيره كمداسٍ اه ق ل . وإنما اعتبر في المقيم حاجات السفر لأن حاجات الإقامة لا تؤثر في الخفاف الضعيفة خلافاً للعبادي . وأيضاً لأن حاجات المقيم لا تنضبط بخلاف حاجات المسافر ، إذ قد يمكث المقيم طول نهاره في قضاء حوائجه بخلاف المسافر فإن حوائجه مضبوطة أفاده شيخنا العزيزي مع زيادة . قال سم : ولو أراد المسافر مسح مدة المقيم وكان يمكن تتابع المشي عليه مدتها فقط كفى ، وعبارة ق ل على الجلال والمعتبر حاجات المسافر الغالبة في الأرض الغالبة يوماً وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر ، خلافاً لابن حجر في اعتباره في المقيم حاجات الإقامة ، والاعتبار في القوة بأول المدة لا عند كل مسح ولو قوي على دون مدة المسافر وفوق مدة المقيم أو قدرها فله المسح بقدر قوته اه . قوله : ( بخلاف ما لا يمكن المشي فيه ) محترز المتن . قوله : ( لما ذكر ) أي للتردد . قوله : ( أو لتحديد رأسه ) أي بأن جعلت رأسه أي أعلاه من نحو حديد كما قرره شيخنا . قوله : ( أو ضعفه ) قال في المصباح : الضعف بفتح الضاد لغة بني تميم وبضمها لغة قريش خلاف القوة والصحة ، فالمضموم مصدر ضعف مثل قرب قرباً ، والمفتوح مصدر ضعف من باب قتل ، ومنهم من يجعل المفتوح في الرأي والمضموم في الجسد وهو ضعيف ، والجمع ضعفاء وضعاف أيضاً وجاء ضعفة وضعفي . قوله : ( كجورب الصوفية ) وهو بفتح الجيم والواو الساكنة والراء المفتوحة ما يلبس مع النعل كخفاف القضاة رحماني ، وفي شرح الروض وهو(1/387)
"""""" صفحة رقم 388 """"""
الذي يلبس مع المكعب أي البابوج ، ومنه خفاف الفقهاء والقضاة وهو المعروف بالمز اه . قوله : ( والمتخذ من جلد ضعيف ) عطف على جورب الصوفية عطف عام على خاص . قوله : ( أو لفرط سعته ) بفتح السين والعين المهملتين ، ومنه قوله تعالى : ) لينفق ذو سعة من سعته } ) الطلاق 7 ) برماوي . قوله : ( إِلا أن يكون الضيق يتسع ) أي أو يضيق المتسع أيضاً عن قرب كأن غسله في الماء مثلاً ع ش . قوله : ( عن قرب ) متعلق بقوله يتسع . قوله : ( كفي المسح عليه ) هذا علم من الاستثناء فكان الأولى حذفه أو يأتي به مفرعاً بأن يقول فيكفي المسح عليه . قوله : ( أن يكونا طاهرين ) أي حالة اللبس بالشروط السابقة خلافاً لبعضهم ق ل . وعبارة سم على المتن ، والظاهر أن طهارتهما غير مشترطة في حصة لبسهما حتى لو كان بهما نجاسة لا يعفى عنها حال اللبس ، ثم أزالها قبل المسح أجزأ ، نعم تبعد صحة لبس نجس العين كالمتخذ من جلد الميتة إذا دبغ حال لبسه اه . وقوله : قبل المسح ظاهره وإن أحدث قبل غسله ، لكن في ابن حجر ما يفيد اشتراط الغسل قبل الحدث ، وهذا هو الظاهر فاحفظه ولا تأخذ بعموم عبارة إِلا إذا لم تر المنقول اه ا ج . ومثله ع ش على م ر . وأما بقية الشروط فاعتبر ح ف وجودها عند اللبس ، وسوّى بعضهم بينها وبين الطهارة فقال : يكفي وجودها قبل الحدث وإن فقدت عند اللبس اه شوبري . قوله : ( من جلد ميتة ) أي مما ميتته نجسة لا نحو سمك وآدمي وإن حرم فيه ، ويفرق بينه وبين عدم صحة الاستنجاء به بأن الاستنجاء أغلظ من اللبس م د .
قوله : ( وفائدة المسح وإن لم تنحصر فيها ) أي الصلاة أي فلا يعترض بعدم إطراد التعليل . قوله : ( ولأن الخف بدل عن الرجل ) قضية هذه العلة عدم صحة مسح الخف إذا كان على الرجل حائل . من نحو شمع ، أو تحت أظفارها وسخ يمنع وصول الماء لأنها لا تطهر عن الحدث مع وجود ما ذكر ، والمعتمد صحة المسح على الخف مع وجود الحائل زي وسم و ا ج . ونقله ع ش على م ر عن سم على المنهج ثم قال : وعليه فيمكن الفرق بين الحائل ونجاسة الرجل بأن النجاسة منافية للصلاة التي هي المقصود بالوضوء ولا كذلك الحائل هنا(1/388)
"""""" صفحة رقم 389 """"""
اه . وعبارة الرحماني ولو كان في الرجل نجس لا يعفى عنه أو شوكة ظاهرة أو وسخ تحت الأظفار امتنع المسح اه . وهو ضعيف بالنظر للنجاسة وعبارة غير الشارح : ولأن الخف بدل الرجل وهي لا تغسل في الوضوء ما لم تزل نجاستها ، فكذا بدلها وهي أظهر وأخصر . قوله : ( وهي لا تطهر عن الحدث ) فأعطى الخف حكم الرجل .
قوله : ( والمتنجس كالنجس ) أي ما لم يغسله قبل الحديث . قوله : ( لأن الصلاة ) علة للمتنجس وما تقدم علة للنجس وحينئذ فلا تكرار في كلام الشارح . قوله : ( كالتابع لها ) فيه أنه قال أوّلاً وغيرها تبع لها ولم يأت بالكاف ، ولعل العبارة الثانية أولى . قوله : ( ما لا نجاسة عليه ) فإن مسح محل النجاسة لم يعف عنها ، وقولهم ماء الطهارة إذا أصاب النجاسة المعفوّ عنها لم يضر محله إذا أصابها لا قصداً ح ل . قوله : ( صح مسحه ) وإن سال إليها ، نعم إن عمت النجاسة المعفو عنها الخف لم يبعد جواز المسح عليها قاله م ر . قال شيخنا ح ف : ولا يكلف المسح بخرقة بل له المسح بيده وظاهره ولو بالكيفية الآتية ، وعبارة شيخنا م د وحيث قلنا بالجواز هل يقتصر على أقل مجزىء أو يفعل المطلوب ؟ قال شيخنا : كل محتمل والأقرب الثاني . وبقي ما لو عمت النجاسة المعفو عنها العمامة هل يجوز التكميل عليها كالخف إذا عمته أو لا ؟ ويفرق . قال شيخنا أيضاً : الأوجه الثاني ويفرق بأنه في الخف ضروري لعموم النجاسة ، فلا محيد عن المسح ولا كذلك العمامة فإن مسحها ليس مقصوداً لذاته ، بل تابع لمسح جزء من الرأس وهو غير ضروري وهو فرق جلي اه ا ج . وهذه غفلة عما تقدم من أن شروط التكميل على العمامة أن لا يكون عليها نجاسة معفو عنها اه . وقوله : بل له المسح بيده إذ في تكليفه نحو الخرقة مشقة خصوصاً مع تكرر الطهارة ، ولأنه تولد من مأمور به ولا يكلف غسل يده بعد المسح بها لما فيه من المشقة أيضاً ويعفى عنها بالنسبة للصلاة ومس ثوبه وبدنه لا بالنسبة للمائع والماء القليل إِلا أن قياس العفو عن إصلاح نحو : فتيلة زيتها متنجس بأصبعه وإخراج طعام بيد تنجس بعضها بنجاسة معفو عنها العفو هنا أيضاً بالنسبة للمائع والماء القليل نقله الإطفيحي عن ع ش .
قوله : ( بشعر نجس ) ولو من مغلظ والخف ليس بقيد بل يجري العفو أيضاً في نحو(1/389)
"""""" صفحة رقم 390 """"""
القرب والروايا والدلاء المخروزة بشعر الخنزير مثلاً لأن شعره كالإبر مثلاً ، وعبارة شرح م ر : ولو خرز خفه بشعر نجس مع رطوبته أو رطوبة الخف طهر ظاهره بغسله دون محل الخرز ، ويعفى عنه فلا يحكم بتنجس رجله المبتلة ويصلي فيه الفرائض والنوافل لعموم البلوى به اه . قوله : ( طهر بالغسل ) وفي المغلظ سبعاً إحداهن بالتراب الطهور ويصلي فيه الفرض والنفل ولكن الأحوط تركه اه زي . قوله : ( ولو عاصياً بإقامته ) كعبد أمره سيده بالسفر فأقام ، ولما كانت الإقامة ليست سبباً للمسح صح مع العصيان بها . قوله : ( وهو عاص بسفره ) أي ابتداء أو انتهاء فيشمل العاصي بالسفر في السفر كأن أنشأه طاعة ثم قلبه معصية فيقتصر حينئذ على يوم وليلة ، فإن عصى بعد كمالهما نزع حالاً .
قوله : ( وكذا كل سفر يمتنع فيه القصر ) وإن لم يكن عاصياً كالهائم . قوله : ( فيستبيح بالمسح ) وغاية ما يستبيحه في هذه المدة سبع صلوات إن جمع بالمطر ، وإِلا فستّ صلوات كأن أحدث يوم الأحد مثلاً بعد الزوال فيتوضأ ويمسح ويصلي الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الصبح ثم الظهر بقية اليوم والليلة ، ثم في حال صلاة الظهر أمطرت السماء فجمع العصر مع الظهر جمع تقديم ، فهذه سبعة فإن لم يجمع فهي ستة . وقوله : ويمسح المسافر ثلاثة أيام الخ . وغاية ما يستبيحه من الصلوات في هذه المدة سبعة عشر إن جمع بالسفر جمع تقديم ، وإِلا فستة عشر والمثال كالأول بحاله فتقول : كأن أحدث يوم الأحد بعد الزوال فيتطهر ويمسح ويصلي الظهر وبقية صلوات يوم الأحد وهي أربعة ثم الاثنين والثلاثاء عشرة ثم صبح يوم الأربعاء وظهرها ثم جمع عصرها مع الظهر جمع تقديم لأجل السفر ، فهذه سبعة عشر صلاة فإن لم يجمع العصر مع الظهر جمع تقديم كانت ستة عشر ، ومحل هذا في كل من المقيم والمسافر في الصلوات المؤداة ، أما المقضيات فلا حصر لها والجمع بالمطر بالنسبة للمقيم وبالسفر بالنسبة للمسافر وهو جمع تقديم في كل منهما كما هو ظاهر . قوله : ( ما يستبيحه بالوضوء ) أي الكامل .(1/390)
"""""" صفحة رقم 391 """"""
قوله : ( ثلاثة أيام ولياليهن ) أي ولو ذهاباً وإياباً شرح م ر . فإن قيل : كيف يتصور قوله ذهاباً وإياباً فإنه ينقطع سفره بوصوله مقصده ، يقال في تصوير ذلك بأن يسافر إلى غير محل إقامته ، وإذا وصل ولم ينو إقامة تقطع السفر فإنه يترخص ذهاباً وإياباً مدة الثلاثة اه ا ج . وصوّره بعضهم أيضاً بعائد من سفره لغير وطنه لحاجة .
قوله : ( والمراد بلياليهن الخ ) فيه إشارة إلى أن التعبير بقوله كالحديث ولياليهن تغليب ليشمل ما لو أحدث وقت الفجر اه م د . وعبارة الشوبري قوله : والمراد بلياليهن الخ . جواب عن اعتراض وهو أن ليلة اليوم هي السابقة عليه لا المتأخرة عنه ، والمسافر يمسح ثلاثة أيام وثلاث ليال مطلقاً كما يمسح المقيم يوماً وليلة كذلك ، ولا يؤخذ ذلك من التعبير بلياليهن إِلا على تقدير وقوع ابتداء المدة عند الغروب دون ما إذا كان عند الفجر ، فلا يمسح سوى ثلاثة أيام وليلتين فقط لأن الليلة الثالثة لليوم الرابع لسبقها عليه . فأجاب : بأن المراد ما ذكر وفارق الخيار في أن المتبايعين لا يستفيدان الليلة المذكورة بأن المعنى المقتضي للبس موجود في الليلة الرابعة بخلاف المعنى المقتضي للخيار وهو التروي ، فإنه لا يلزم استمراره إلى تلك الليلة ، بل الغالب حصوله قبلها فلا ضرورة إلى إدخالها وظاهره وإن نص عليها فليحرر . قوله : ( أم لا ) أي لم يسبق اليوم الأول ليلته بأن تأخرت عنه وتسميتها ليلته لاتصالها به ، وإلا فهي ليلة اليوم الذي بعدها لأن الليل سابق النهار فالإضافة لأدنى ملابسة .
قوله : ( فلو أحدث الخ ) كان الأولى كما في المنهج عدم التفريع لأنه لم يتقدم ما يتفرع عليه . قوله : ( وما ألحق به ) الظاهر ومن ألحق به لأن ما أصل وضعها لما لا يعقل .
قوله : ( تنبيه الخ ) المراد من هذا التنبيه أن دائم الحدث إنما يباح له المسح لفرض واحد فمسحه كطهارة المتيمم أي كتيمم المتيمم . فإن قيل : لا حاجة لذكر هذه المسألة حينئذ لأنه لم يمسح مسحاً يغنيه عن الغسل مدة المقيم . قلنا : بل لذلك فائدة وهي العلم بأن له المسح في الجملة وأنه يغنيه عن الغسل بالنسبة للنوافل ، وإن لم يكن ذلك مستمراً جميع المدة المذكورة فتأمل . قوله : ( شمل إطلاقه ) أي في الماسح والمدة . أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأنه يمسح(1/391)
"""""" صفحة رقم 392 """"""
تلك المدة للنوافل بأن ترك الفرائض . قوله : ( كالمستحاضة ) أي غير متحيرة . أما المتحيرة فإن اغتسلت ولبست الخف مسحت للنوافل فقط لأنها تغتسل لكل فرض . قوله : ( فيجوز له المسح على الخف ) ويشترط في خفه أن يكون مما يمكن فيه التردد لحوائج سفر يوم وليلة للمقيم وثلاثة للمسافر سفر قصر ، وإن كان يجدد اللبس لكل فرض لأنه لو تركه ومسح للنوافل استوفى المدة بكاملها كما صرح به ابن حجر . قوله : ( لكن الخ ) استدراك على ما شمله الإطلاق المذكور .
تنبيه : مثل دائم الحدث الوضوء المضموم إليه التيمم لنحو جرح ومحض التيمم لا لفقد الماء ، بل لنحو مرض بأن تكلف الثاني غسل أعضائه غير الرجلين ، وإن حرم عليه لأن الفرض أنه يضره إذ لو لم يضر ، لبطل تيممه لحصول الشفاء ، وهذا يصدق عليه أنه مسح على خف ملبوس على تيمم محض بغير فقد الماء اه ح ل . أي فصورة المسألة أن الطهر الذي لبس عليه الخف هو التيمم لأنه هو الذي يستبيح به فرضاً ونوافل أو نوافل فقط ، ثم بعد لبس الخف على التيمم تكلف المشقة وتوضأ ومسح على الخف فإن وضوءه هذا يستبيح به فرضاً ونوافل إن لم يكن صلى بالتيمم الذي لبس عليه الخف فرضاً أو نوافل فقط إن كان صلى به فرضاً ، وقد يقال لا فائدة في لبس الخف على التيمم لأنه لا يمسح عليه إِلا أن يقال لبسه لدفع برد مثلاً ، أو ليمسح عليه في المستقبل إذا شفي وتوضأ أو إذا تكلف المشقة وتوضأ اه شيخنا .
قوله : ( لأنه محدث ) المراد بالحدث هنا المنع أي ممنوع بالنسبة الخ . قوله : ( فكأنه ) الأولى فهو كما يدل له تعليله بقوله فإن طهره الخ . اللهم إِلا أن يقال استعمل كأنّ في الأمر المحقق . قوله : ( لا يرفع الحدث ) إن كان المراد بالحدث المنع كان المعنى لا يرفع الحدث رفعاً عاماً ، وإن كان المراد به الأمر الاعتباري كان المعنى لا يرفع الحدث أصلاً لا رفعاً عاماً ولا خاصاً شيخنا
قوله : ( أما حدثه الصائم فلا يحتاج معه إلى استئناف طهر ) أي بالنسبة للنفل فقط فله أن(1/392)
"""""" صفحة رقم 393 """"""
يصلي به نفلاً ما شاء أما بالنسبة لفرض آخر فلا بد من ذلك لأنه لا يصلي بطهره إِلا فرضاً واحداً فقط كما هو معلوم ، فتلخص أن حدثه غير الدائم كحدثه الدائم في أنه لا يستبيح به إِلا فرضاً واحداً فقط . قوله : ( بطل طهره ) ظاهره حتى بالنسبة للنفل أي فيستأنف طهارة ويمسح ولا ينزع الخف إِلا إذا صلى فرضاً وأراد أن يصلي آخر . والحاصل أن تأخيره الدخول في الصلاة لا لمصلحتها بمنزلة حدثه غير الدائم ، فيبطل طهره بالكلية فيأتي فيه ما مر فيما لو أحدث غير حدثه الدائم اه شيخنا عشماوي . قوله : ( من حين يحدث ) حين من أسماء الزمان يجوز إضافته إلى الجملة ، ويجوز فيه حينئذ الإعراب والبناء على الفتح ، ثم تارة يكون البناء أرجح وبالعكس ، فالأول إذا كان المضاف إليه جملة فعلية فعلها مبني والثاني إذا كان المضاف إليه جملة اسمية أو فعليه فعلها معرب كما هنا قال ابن مالك :
واختر بنا متلوّ فعل بنيا
وقبل فعل معرب أو مبتدأ
أعرب ومن بني فلن يفندا
أي لن يغلط فإن أضيف لمفرد وجب إعرابه كما في حل الشارح . قوله : ( لأن وقت جواز المسح ) أي الرافع للحدث فلا ينافي جواز التجديد والمسح قبل الحدث ق ل . قوله : ( يدخل بذلك ) أي بانقضاء الزمن الذي يحدث فيه بعد لبس الخفين . قوله : ( ولم يمسح الخ ) بأن ترك الصلاة في المدة لعذر كجنون أو غيره . قوله : ( وهو كذلك ) هذا ضعيف . والمعتمد أن المدة تحسب من ابتداء ما ذكر لأن شأنها أن تقع باختياره بخلاف خروج الخارج كالبول والغائط والربح ومثله الجنون والإغماء ، فإن المدة تحسب من آخره لأن شأنه أن لا يقع باختياره وظاهره ولو كان مبتلي بإطالة نحو الغائط اه م د .
فالحاصل أن أول المدة من آخر الحدث إن كان بغير اختياره كالجنون والإغماء والبول(1/393)
"""""" صفحة رقم 394 """"""
والغائط والريح لأن من شأنها ذلك ومن أوله إن كان باختياره كاللمس والمس والنوم كما ذكره م ر . ولينظر فيمن وجب عليه الاستبراء كمن اعتاد نزول النقطة المعروفة حيث ألزموه بذلك حتى يغلب على الظن انقطاعها هل تحسب المدة من الانقطاع الأول أو لا تحسب إِلا بعد تمام الاستبراء ؟ قال ع ش : العبرة بالانقطاع الأول فتحسب مدة الاستبراء من المدة وبقي ما لو تقارن اللمس وخروج الخارج هل تحسب المدة من ابتداء الأول أو من انتهاء الثاني ؟ فيه نظر والأقرب الأول لأنه لو انفرد لحسبت من ابتدائه اه .
قوله : ( قبل استيفاء مدة المقيم ) قصره على ذلك ليوافق قول المصنف أتم مسح مقيم ، فلم لم يقم إِلا بعد استيفاء مدة المقيم كأن أقام بعد يومين مثلاً فإنه يقتصر عليهما ، ولو قال المصنف : لم يكمل مدة سفر كما في المنهج كان أولى لشمولها ما لو أقام بعد استيفاء مدة المقيم . قوله : ( تغليبا للحضر ) أي في الصورتين أي ابتداء بالنسبة للصورة الأولى وانتهاء بالنسبة للثانية وقوله : ( كما مر ) أي في قوله قبل استيفاء مدة المقيم . قوله : ( إن أقام قبل مدته ) أي الحضر .
قوله : ( ومثل ذلك الخ ) أي لأن العاصي بالسفر محكوم عليه بحكم الإقامة ، ومثله أيضاً ما لو مسح في سفر طاعة ثم عصى به ، بخلاف ما لو عصى في السفر فإنه يتم مسح مسافر . قوله : ( ولا بمضي وقت الصلاة الخ ) كأن أحدث المتهيىء للسفر وقت الظهر مثلاً ودخل وقت العصر وهو لم يصل الظهر ، ثم إنه توضأ ومسح سفراً فإنه يمسح مسح مسافر .
فإن قلت : هو في هذه الحالة عاص لأنه أخرج الصلاة عن وقتها والعاصي لا يمسح إِلا مسح مقيم . قلت : قد أجاب الشارح عن هذا بقوله وعصيانه إنما هو بالتأخير الخ . والمصر إنما هو العصيان بالسفر كما أفاده شيخنا ، وهذا أعنى قوله ولا بمضي وقت الصلاة للرد على القول الآخر القائل إذا مضى وقت الصلاة حضراً يمسح مسح مقيم لعصيانه .(1/394)
"""""" صفحة رقم 395 """"""
قوله : ( فيكفي المسح على المغصوب ) وكذا الرجل المغصوبة أيضاً كما لو قطع شخص رجل غيره غصباً ولصقها بعضو نفسه وحلتها الحياة فإن له أن يمسح عليها ، ويحتمل عدم التقييد بحلول الحياة ويكتفي باتصال ما وصله بحيث يمكن المشي عليه لحوائجه لتنزيله في هذه الحالة منزلة الرجل الأصلية ع ش . قوله : ( الصفيق ) أي القوي . قوله : ( للرجل ) واستظهر في الإيعاب تحريمه من نقد على المرأة أيضاً لأنه بالآنية أشبه بها من الحلي وبفرض أنه حلي فهو غالباً إنما يأتي من مئات فلا يجوز للسرف كما في خلخال وزنه مائتا مثقال اه طب . فقول الشارح للرجل ليس بقيد . قوله : ( ما لو كان اللابس للخف محرماً ) فلو أبيح له لبس الخف لعذر كبرد جاز له المسح فيما يظهر ق ل .
قوله : ( ووجهه ) أي الاستثناء . قوله : ( والفرق بينه ) أي بين خف المحرم ليناسب قوله وبين المغصوب . وقوله : والفرق هو وجه الظهور . قوله : ( واستثنى غيره ) أي غير صاحب العباب . قوله : ( والظاهر أنه كالمغصوب ) أي فيكفي المسح عليه كما اعتمده م ر . لا يقال هلا قيل بعدم الصحة هنا كما منعوا صحة الاستنجاء به . لأنا نقول المشروع هنا اللبس وهو لا يحرم من حيث كونه لبساً وهناك المسح ، وقد حرم من حيث كونه مسحاً على الفرج . قوله : ( ولا يجزىء المسح على جرموق ) وأصله بلغة الفرس جرموك فغيره العرب ، وقالوا جرموق فهو فارسي معرب . قوله : ( وهو خف فوق خف ) فهو اسم للأعلى . قوله : ( إن كان فوق قوي ) هو قيد للحكم وهو قوله ولا يجزىء المسح . وحاصل مسألة الجرموق أن الخفين إما أن يكونا قويين أو ضعيفين ، أو الأعلى قوي والأسفل ضعيف أو بالعكس ، فإن كانا ضعيفين فلا يصح المسح على كل منهما ، وإن كان الأعلى قوياً فهو الخف والأسفل كاللفافة ، وإن كان قويين أو كان الأسفل قوياً فقط ففيه التفصيل المذكور في الشرح كما قرره شيخنا الحفني والمدابغي .(1/395)
"""""" صفحة رقم 396 """"""
قوله : ( وإِلا ) أي بأن كان الأعلى ضعيفاً أيضاً فلا يجزىء المسح عليه كما لا يجزىء المسح على الأسفل ، ولو خاط أحدهما في الآخر كانا كخف واحد له ظهارة وبطانة ق ل . قوله : ( إِلا أن يصل الخ ) استثناء من قوله ولا يجزىء المسح على جرموق . قوله : ( أو لا بقصد مسح شيء منهما ) أي وقد قصد أصل المسح كما يرشد إليه التعليل ا ج . قوله : ( لأنه قصد إسقاط المسح الخ ) يؤخذ منه أنه لا بد لمسح الخف من قصد المسح وهو كذلك زي . قوله : ( لا بقصد مسح الجرموق ) أي أو بقصد واحد لا بعينه كما قاله ع ش أي : فلا يكفي لصدقة بالأعلى فالصورة خمسة يجزىء المسح في ثلاثة ، ولا يجزىء في اثنين . وعبارة الشوبري لا بقصد الجرموق فقط ومنه ما لو قصد هذا أو هذا أي أحدهما لا بعينه أي قصد هذا المفهوم فإنه يجزىء على ما بحثه الطبلاوي وارتضاه شيخنا زي اه . ولو شك هل مسح الأسفل أو الأعلى ؟ نظر إن كان بعد مسحهما أي الخفين جميعاً اعتد بمسحه فلا يكلف إعادته لأن الشك بعد فراغ الوضوء لا يؤثر ، وإن كان بعد مسح واحد وجب إعادة مسحهما لأن الشك قبل فراغ الوضوء لا يؤثر اه ع ش م د . قوله : ( لو لبس خفاً على جبيرة ) أي واجبها المسح أخذاً من العلة أعني قوله لأنه ملبوس الخ . وذلك إن أخذت من الصحيح شيئاً حتى لو غسل ما تحتها ، ثم وضعها فإنه يمتنع المسح على الخف الملبوس عليها لأنه مخاطب بمسحها عند الظهر الثاني ، فلو لم يجب مسحها بأن لم تأخذ من الصحيح شيئاً لم يمتنع المسح على الخف الملبوس عليها ا ج . نقلاً عن م ر وزي وقال ع ش على م ر .
قوله : ( فوق ممسوح ) أي ما من شأنه أن يمسح فيشمل ما لو كانت الجبيرة لا يجب مسحها لعدم أخذها شيئاً من الصحيح كما قاله الشهاب م ر . فلا يجوز المسح على الخف مطلقاً على المعتمد كما قاله العزيزي .
قوله : ( لم يجز المسح عليه ) ظاهره وإن أدخل يده فمسح الجبيرة أيضاً وهو ظاهر فليحرر سم . لأن مسح الجبيرة عوض عن غسل ما تحتها من الصحيح ، فكأنه غسل رجلاً ومسح خف الأخرى وقد تقدم عدم إجزائه اه ع ش . قوله : ( كالمسح على العمامة ) فإنه لا يجزىء عن مسح بعض الرأس الواجب لأنها ملبوس فوق ممسوح وعبارة البرماوي . قوله :(1/396)
"""""" صفحة رقم 397 """"""
كالمسح على العمامة يؤخذ منه جواز المسح عليه لو تحمل المشقة وغسل رجليه ثم وضع الجبيرة ثم لبس الخف لانتفاء ما ذكر ، وبه قال العلامة الزيادي تبعاً للعلامة سم ، لكن أفتى الشهاب م ر بخلافه ، وأقره شيخنا ع ش اه برماوي . قوله : ( إلى آخر ساقه ) أي الشخص وآخره هو الكعبان لأن من كان وضعه على الانتصاب كالإنسان فأوله من أعلى كالرأس في الإنسان وآخره من الأسفل ، فآخر الساق أسفله وهو الكعبان لا أعلاه ، وأوله أعلاه وهو مايلي الركبة ، فما أخذه ق ل وزي من هذه العبارة من أنه يسن في مسح الخف التحجيل ليس في محله ، ومنشأ ذلك فهمهما أن ضمير ساقه للخف ، والذي اعتمده م ر عدم سن التحجيل في مسح الخف . قوله : ( وعليه يحمل قول الروضة ) حمله على ذلك لأن ظاهره الإباحة . قوله : ( ويكره تكراره وغسل الخف ) عللوه بأنه يعيبه وقضيته أنه لو كان من نحو حديد كزجاج أنه لا يكره وهو كذلك شرح م ر . وفي قوله غسل الخف إظهار في محل الإضمار للإيضاح .
فإن قلت : التعييب فيه إتلاف مال فهلا حرم التكرار والغسل ؟ قلت : ليس التعييب محققاً ولو سلم فقد يقال لما كان هنا الغرض أداء العبادة كان مغتفراً ولم يحرم ع ش .
قوله : ( كمسح الرأس الخ ) قضيته الاكتفاء بمسح الشعر إذا كان على الخف ، وبه قال حج . والمعتمد عدم الإجزاء فقد قال م ر في شرحه : ولو كان عليه شعر لم يكف المسح عليه جزماً بخلاف الرأس فإن الشعر من مسماه ، إذ الرأس اسم لما رأس وعلا وهو صادق على الشعر بخلاف شعر الخف فلا يسمى خفاً اه . نعم ينبغي أن يأتي فيه تفصيل الجرموق ، وما قاله م ر اعتمده زي ا ج . ويظهر الاكتفاء بمسح أزراره وعراه وخيطه المحاذي لظاهر الأعلى . قوله : ( بظاهر أعلى الخف ) هل المراد ما هو ظاهر بالأصالة أو ما هو ظاهر الآن بأن انقلبت رجله فجعل أعلاها أسفلها يحرر شوبري . قوله : ( لا بأسفله وباطنه ) لو مسح باطنه فنفد الماء من مواضع الخرز إلى ظاهره ، فلا يبعد أن يجزىء إن قصد الظاهر أو والباطن أو أطلق بخلاف ما إذا قصد الباطن فقط ع ش على م ر . قوله : ( وعقبه ) بفتح العين وكسر القاف ويجوز إسكانها مع فتح العين وكسرها مؤخر الرجل وهي مؤنثة وجمعها أعقاب اه خ ض . قوله :(1/397)
"""""" صفحة رقم 398 """"""
( ويبطل حكم المسح الخ ) فيه تغيير لإعراب كلام المصنف اللفظي وهو معيب ، وكذا في قوله : والثاني انقضاء المدة وحكم المسح هو جوازه وصحة الصلاة . وأجيب : بأن بعضهم جوز تغيير إعراب المتن مطلقاً ، سواء كان المتن والشرح لاثنين أو لواحد كما في التقريب . قوله : ( بثلاثة ) أي بواحد منها . قوله : ( أو أحدهما ) فيه العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض جرياً على مذهب ابن مالك حيث قال : وليس عندي لازماً الخ . قوله : ( أو شيء ) عطف عام على خاص إِلا أنه لا يكون بأو . وقوله : ( في حقهما ) أي المقيم والمسافر . قوله : ( مما ستر به ) أي بالخف . قوله : ( فليس لأحدهما ) أي المقيم والمسافر أن يصلي حتى لو كان في صلاة بطلت ، وإن كان واقفاً في ماء وقصد غسلهما ولا بد في غسلهما من نية الوضوء المعتبرة . قوله : ( في الحالين ) أي حالة السفر والإقامة ، وقيل حال الخلع وانقضاء المدة وهو الظاهر . قوله : ( من جنابة ) خرج بذلك نذر الغسل المندوب فلا يقطع المدة إذا غسل الرجلين في داخل الخف ، وكذا الغسل المندوب ق ل . وقولهم : النذر يسلك به مسلك واجب الشرع معناه يحرم تركه ، لا أن الصحة تتوقف عليه كما لو نذر أن يصلي الظهر في جماعة فصلاها منفرداً فإنه يحرم عليه مع صحة الصلاة ا ج . قوله : ( كما اقتضاه كلام الرافعي ) معتمد . قوله : ( لخبر صفوان ) هو ابن غسان رضي الله عنه غزا مع النبي ثنتي عشرة غزوة . وروى عنه عبد الله ابن مسعود وجماعة من التابعين اه . تهذيب الأسماء واللغات اه مرحومي . قوله : ( كان يأمرنا ) هذه هي الرواية كما قاله يحيى بن شرف مخالفاً لما في شرح التحرير من قوله : أمرنا بلفظ الماضي اه ا ج . قوله : ( أو سفراً ) هو شك من الراوي ، والمعنى فيهما واحد ، فإن سفراً جمع سافر بمعنى مسافر كركب وراكب ، وقيل اسم جمع له اه ع ش .(1/398)
"""""" صفحة رقم 399 """"""
قوله : ( إِلا من جنابة ) استثناه من النفي لا من يأمرنا فكل من المستثنى والمستثنى منه مورد ومحل للطلب المدلول عليه يأمرنا فيكون الإثبات الذي دل عليه الاستثناء مطلوباً ومأموراً به ونظير ذلك قوله تعالى : ) أمر أن لا تعبدوا إِلا إياه } ) يوسف 40 ) برماوي . قوله : ( ولأن ذلك ) أي المذكور من الجنابة وما في معناها وهو معطوف على قوله لخبر صفوان الخ . وفي هذا التعليل شيء لأن المدعي أن من لزمه غسل لا يمسح للحدث الأصغر حتى لو غسل رجليه عن الجنابة في الخف ، وأحدث بعد ذلك حدثاً أصغر لا يصح أن يمسح عنه ، وليس المدعي أن من لزمه غسل لا يمسح على الخف بدلاً عن غسلهما عن الحدث الأكبر كما يقتضيه هذا التعليل . وقوله : وفارق الجبيرة الضمير في فارق يعود على المسح بدلاً عن الجنابة أي : فارق المسح على الخف بدلاً عن غسلهما عن الجنابة حيث لا يجوز ولا يصح . وقوله : ( الجبيرة ) أي مسحها عن الجنابة حيث يجوز ويصح ، مع أن الجنابة لا تتكرر تكرر الحدث الأصغر ، وقد جاز فيها المسح على الجبيرة دون المسح على الخفين مع أن كلاً منهما مسح على ساتر .
قوله : ( موضوعة على طهر ) كذا في خط المؤلف ، والمناسب موضوع لأنه صفة لساتر وهو مذكر . وقد يجاب بأنه عبر بموضوعة باعتبار تأويل الساتر بالجبيرة تأمل . قوله : ( ومن فسد خفه ) هذا تكرار مع قوله : ويبطل المسح الخ . وما رتبه عليه معلوم مما قبله فتأمل ق ل . والظاهر أنه لا تكرار لأن قوله لزمه غسل قدميه أي بنية رفع الحدث عنهما ، وذلك لم يستفد مما تقدم وقال بعضهم : أتى به توطئة لقوله لزمه غسل قدميه . وعبارة الشوبري قوله لزمه غسل قدميه أي بنية رفع الحدث عنهما على المعتمد أي : لأنه حدث جديد لم تشمله النية السابقة . قوله : ( فلا حاجة إلى غسل قدميه ) أي إذا وجد شيء من الثلاثة السابقة وهو بطهر الغسل كأن غسل رجليه ولبس الخف ثم فسد الخف أو ظهر شيء من الرجل أو انقضت المدة وهو بذلك الطهر فلا يجب عليه غسل قدميه اه ا ج . وفي قوله أو انقضت المدة نظر لأنه على تصويره لم تدخل المدة ، فكيف يقال انقضت إِلا أن يصوّر بأنه بعد الحدث توضأ وغسل في الخف(1/399)
"""""" صفحة رقم 400 """"""
رجليه ، ثم انقضت المدة وهو بطهر ذلك الغسل . وعبارة الشوبري . قوله : ( وخرج بطهر المسح ) أي بالنسبة للأولين ، وأما انقضاء المدة فلا يتصور وهو بطهر الغسل لأن ابتداءها من الحدث اه وأجيب بما تقدم .
قوله : ( بنجاسة الخ ) الظاهر من نجاسة فلعل الباء بمعنى من أو يجعل بدلاً مما قبله . قوله : ( وإن لم يكن الخ ) فعلم مما ذكره المصنف وما زاده الشارح أن المسح يبطل بأحد أربعة أشياء وبها صرح في الروضة .
قوله : ( ولو بقي الخ ) المعتمد أن صلاته لا تنعقد في هذه الصورة أعني ما إذا تيقن أنه لم يبق من المدة ما يسع ركعة فقط وأحرم بأكثر ، ولا يصح الاقتداء به مع العلم بحاله ، وأما إذا اعتقد طريان حدث غالب كخروج ريح ومثله كل مبطل ، وإن لم يكن من نواقض الوضوء كانكشاف عورته فإن صلاته تنعقد ويصح الاقتداء به في هذه الصورة فقط لأنه ربما لا يطرأ كما في م ر . وقوله : ( المعتمد ) الخ وفرق بين هذه وبين ما لو كانت عورته تنكشف في ركوعه حيث قالوا بانعقاد الصلاة ، وإن طرأ المبطل بأنه في مسألة الخف يقطع بالبطلان فيها أي : لا يمكن تدارك الصحة فيها ومسألة العورة لا يقطع فيها بالبطلان لإمكان تدارك الصحة فيها بسترها بشيء قبل ركوعه . نعم لو كان لابس الخف في نفل مطلق يدرك منه قدر ما يصح له فعله انعقدت اه .
قوله : ( أو اعتقد طريان حدث ) أي سواء كان لابساً للخف أو لا . قوله : ( قال في الإحياء الخ ) ما ذكره في الخف يجري في لبس النعل والقميص والسراويل وغيرها ق ل . قوله : ( حتى ينفضهما ) وسبب هذا الحديث أن النبي أراد أن يلبس خفاً فجاء طائر أخذه وارتفع به ، فسقطت منه حية فقال : ( من كان يؤمن ) الخ .(1/400)
"""""" صفحة رقم 401 """"""
فصل في التيمم
أي : أسبابه : وكيفيته الشرعية وأحكامه ومبطلاته ، لأنه ذكر جميع ذلك ، والمراد بالكيفية الأركان . وأخره عن الوضوء والغسل نظراً إلى أنه بدل عنهما ، وأخره عن مسح الخف نظراً إلى أن المسح على الخف وإن كان بعد طهارة ، لكن تباح به صلوات متعددة ، وبمسحه يتم رفع الحدث بخلاف التيمم فيباح به فرض ونوافل أو نوافل فقط ، ومن قدمه على مسح الخفين نظر إلى أنه طهارة مستقلة والمسح على الخف بعض طهارة إطفيحي على المنهج ، وقدمه على النجاسة لعدم صحته معها .
قوله : ( يقال تيممت فلاناً الخ ) حاصل الأفعال الماضية التي ذكرها أربعة . والأولان منهما مصدرهما تيمماً ومصدر الثالث تأمماً ومصدر الرابع تأميماً . قوله : ( وأممته ) بوزن ضربته اه . كذا قاله م د . وفي المختار أمه من باب رد وأممه تأميماً وتأممه إذا قصده اه . وهو يفيد أنه بالتشديد . وقال بعضهم ، قوله : وأممته بتشديد الميم لا بتخفيفها كما في المختار والمصباح وغيرهما ، وأما أممته مخففاً فمعناه ضربت أم رأسه قال في المغرب . أممته بالعصا أمماً من باب طلب إذا ضربت أم رأسه وهي الجلدة التي تجمع الدماغ . قوله : ( ومنه قوله تعالى الخ ) وقول الشاعر :
تيممتكم لما فقدت أولي النهي
ومن لم يجد ماء تيمم بالترب
قوله : ( تنفقون ) حال في الواو في : ولا تيمموا . قوله : ( إيصال التراب ) أي بنية وترتيب ، أو أن مراده بالشرط ما لا بد منه فيشمل الركن وتعبيره بإيصال أولى من تعبيره في التحرير بمسح الوجه واليدين ، لأن هذا يشعر بالنقل بخلاف عبارته . قوله : ( فرض سنة ست ) عبارة ح ل : وفرض في سنة أربع من الهجرة ، وقيل سنة ست ، وقيل سنة ثمان اه بحروفه . قوله : ( وهو رخصة على الأصح ) أي مطلقاً سواء كان الفقد حساً أو شرعاً لأن الرخصة هي الحكم المتغير إلى السهل لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي ، وقيل عزيمة . وبه جزم الشيخ أبو حامد . قال : والرخصة إنما هي إسقاط القضاء . قال سم : وجعلوا من فوائد الخلاف التيمم بتراب مغصوب ، فعلى الثاني يصح وعلى الأول فيه وجهان اه . أي : والراجح منهما الصحة ، وقيل إن كان الفقد حساً فعزيمة وإِلا فرخصة ، وهذا الثالث هو الأوفق بما يأتي من صحة تيمم(1/401)
"""""" صفحة رقم 402 """"""
العاصي بالسفر قبل التوبة إن فقد الماء حساً ، وبطلان تيممه قبلها إن فقده شرعاً كأن تيمم لنحو مرض اه ع ش إطفيحي . قوله : ( وأجمعوا على أنه مختص بالوجه واليدين ) وأبدى القطب الشعراني في كتابه الميزان معنى لطيفاً في عدم مسح الرأس في التيمم فقال : لأن نكتة مسح الرأس في الوضوء الإشارة إلى مسح الكبر وغيره من الأخلاق السيئة . وفي التيمم لما مسح وجهه بالتراب كان فيه أشد مذلة فلا يزيد مسح الرأس له شيئاً .
قوله : ( وإن كنتم مرضى ) جمع مريض . قال في الخلاصة :
فعلى لوصف كقتيل وزمن
أي بأن خفتم من استعمال الماء محذوراً بقرينة تفسير ابن عباس المرضى بالجرحى . قوله : ( جعلت لنا ) أي معاشر المسلمين ومن كان قبلنا من الأمم لم تبح لهم الصلاة إِلا في البيع والكنائس ، هذا في حال إقامتهم ، أما المسافرون فيصلون في أي محل كان بدليل قصة سارّة لما أخذها الملك حيث همّ بها وحجب عنها توضأت وصلت ع ش . وفي رواية : ( جعلت لي الأرض ) قال بعضهم : وأكد الأول دون الثاني للإشارة إلى رد ما كانت عليه الأمم السابقة من قصر صحة صلاتهم على مكان معين كالبيع والكنائس ، فامتن الله علينا بأن صحت صلاتنا في أي محل . قال الكرماني : قد كان عيسى يسيح في الأرض ويصلي حين أدركته الصلاة فكأنه قال : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وجعلت لغيري مسجداً ولم تجعل له طهوراً ، أو أن الكلام في الأمم لا في أنبيائها أو إِلا لعذر ، كما صرح بذلك ح ل في حاشية المعراج للغيطي . قوله : ( وتربتها طهوراً ) أي ترابها مطهراً . وانظر هل الأمم السابقة لما كان الواحد منهم يفقد الماء هل يصلي كفاقد الطهورين ويعيد أو لا يعيد أو لا يصلي أصلاً حتى يجد الماء ؟ فراجعه اه م د . قال بعض شراح الرسالة القيروانية : كان من مضى من الأمم إنما يصلون بالوضوء في مواضع اتخذوها وسموها بيعاً وكنائس وصوامع فمن غاب منهم عن مواضع صلاته لم يجز له أن يصلي في غيره من بقاع الأرض حتى يعود إليه ثم يقضي كل ما فاته ، وكذا إذا عدم الماء لم يصل حتى يجده ثم يقضي ما فاته وخصت اليهود برفع الماء الجاري للحدث دون غيره نقله الزرقاني . قال ق ل في حاشية الجلال ولفظ التربة دليل لتخصيص التيمم بالتراب وبها تقيد كل رواية لم يذكر فيها ومفهومه عدم صحته بغير التراب وما(1/402)
"""""" صفحة رقم 403 """"""
قيل إن لفظ التربة لا مفهوم له وأنه ذكر فرد من أفراد العام بحكمه فلا يخصصه ، ولذلك جوّزه الإمام مالك بما اتصل بالأرض كالشجر والزرع ، وأبو حنيفة وصاحبه محمد بما هو من جنس الأرض كالزرنيخ ، والإمام أحمد وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة بما لا غبار فيه كالحجر الصلب . أجيب عنه : بأنه ليس من باب العام بل من باب المطلق والمقيد كما في تقييد الرقبة وإطلاقها في الكفارة ، وبأن الآية الشريفة دالة على اعتبار المفهوم بقوله تعالى : ) فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } ) النساء 43 ) إذ لا يفهم من من إلا التبعيض نحو : مسحت الرأس من الدهن وهو الغبار ، والغالب أن لا غبار لغير التراب فتعين وجعل من للابتداء خلاف الحق والحق أحق من المراء . ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) . وقوله بحكم العام وهو قوله : ( جعلت لنا الأرض كلها مسجداً وطهوراً ) كما في رواية . وقال الحكيم وإنما جعل تراب الأرض طهوراً لهذه الأمة لأن الأرض لما أحست بمولد نبينا انبسطت وتمددت وازدهت وافتخرت على السماء وسائر الخلق بأنه مني خلق ، وعلى ظهري تأتيه كرامة الله ، وعلى بقاعي يسجد بجبهته لله ، وفي بطني مدفنه فلما جرت رداء فخرها بذلك جعل ترابها طهوراً لأمته ، وجعلت تحت أقدامهم مسجداً ، فالتيمم هدية من الله لهذه الأمة خاصة لتدوم لهم الطهارة في جميع الأحوال والأزمان . واستدل القرطبي بالحديث على أن التيمم يرفع الحدث لتسويته بين الماء والتراب في قوله : طهوراً وهو من أبنية المبالغة ، وهو قول لمالك ومشهور مذهبه كمذهب الشافعي أنه مبيح لا رافع ، كذا في شرح الخصائص .
قوله : ( وشرائط التيمم ) أي شرائط صحته . واعترض بأن ما ذكره المصنف ليس فيه إلا شرط واحد وهو دخول الوقت والبقية أسباب بدليل قوله السبب الثاني . ويجاب : بأنه غلب الأقل على الأكثر وأطلق على الجميع شرائط . والحاصل أنها في الحقيقة شيئان . شرط وهو الوقت وسبب وهو العذر الذي هو الفقد للماء وهذا السبب له أسباب ثلاثة . قوله : ( جمع شريطة ) بمعنى مشروطة .
قوله : ( كذا في أكثر النسخ ) وفي بعضها إبدال أشياء بخصال . فالتعبير بالخمس في كل من النسختين .
قوله : ( ستة ) بناء على تفسيره الإعواز بالاحتياج ، فيكون شرطاً مستقلاً ، وجعله ابن قاسم من تتمة الثالث وهو الطلب بناء على تفسيره بفقد الماء فراجعه ، وبعبارة قوله والمعدود في كلامه ستة . والجواب عنه أن قوله وإعوازه بعد الطلب داخل في الذي قبله أو أن قوله : والتراب معطوف على قوله خمسة أشياء فليس هو من الخمسة .(1/403)
"""""" صفحة رقم 404 """"""
قوله : ( ثلاثة أسباب ) وعدّها في الروضة سبعة ونظمها بعضهم فقال :
يا سائلي أسباب حلّ تيمم
هي سبعة بسماعها ترتاح
فقد وخوف حاجة إضلاله
مرض يشقّ جبيرة وجراح قوله : ( سفر ) أراد به لازمه غالباً من فقد الماء والفقد إما حسي أو شرعي ع ش . قوله : ( وللمسافر الخ ) الأولى أن يقول : وللفاقد الخ . كما يدل عليه قوله سواء كان مسافراً أم لا . قوله : ( أن يتيقن عدم الماء ) ولو بخبر عدل أي في المحل الذي يجب طلبه منه ، ولو كان عدل رواية أفاد إخباره الظن ، ومفهومه أنه لو بقي تردد لا يكون بمنزلة اليقين ، والظاهر خلافه وأن خبر العدل بمجرده منزل منزلة اليقين وخرج به ما لو حصل في نفسه ظن غير مستند لشيء فلا أثر له كما ذكره الإطفيحي ، ومن الفقد أي الشرعي خوف غرق لمن في سفينة وتأخير نوبة مزدحمين على نحو بئر ، وحيلولة نحو سبع ، وتخلف عن رفقة ، ولو علم ذو النوبة من مزدحمين على نحو بئر أو ستر العورة أو محل صلاة أنها لا تنتهي إليه النوبة ، إلا بعد الوقت صلى فيه أي في الوقت بلا إعادة ، ولا تلزمه النقلة عن محله إلى محل ليس فيه ماء أصلاً ليكون فاقداً له حساً زي . قوله : ( بلا طلب ) بفتح اللام ويجوز إسكانها والفتح أفصح ح ل . قوله : ( إذ لا فائدة فيه ) أي في الطلب . قوله : ( وفقده في السفر ) أي وتقييد فقده بالسفر جرى الخ . قوله : ( أن لا يتيقن العدم ) هذا صادق بتيقن الوجود ، وليس مراداً فلذا عقبه بما بعده . قوله : ( فيجب عليه طلبه في الوقت ) أي لكل تيمم ما لم يتيقن العدم بالطلب الأول اه م ر . قوله : ( طلبه في الوقت ) لحصول الضرورة للتراب حينئذ ، فلو طلب شاكاً فيه لم يصح وإن صادفه . قال ق . ل : ولا يجب الطلب قبله وإن علم استغراق الوقت فيه على المعتمد خلافاً لما نقل عن شيخنا م ر . وإن أوهمه كلامه في شرحه وفارق السعي إلى الجمعة حيث يطلب قبل الوقت بأنه وسيلة بخلافها ، وبأنها مضافة إلى اليوم ، وإذا ضاق الوقت قطع الطلب وتيمم وصلى ، نعم لو طلب قبل الوقت لعطش أو فائتة كفي وخرج بالطلب الإذن فيه قبل الوقت فيجوز اه . قوله : ( ولو بمأذونه ) أي الثقة فخرج الفاسق لأنه لا يعتد بقوله ، وخرج غير المأذون له إذا طلبه له . وفي حاشية زي بمأذونه الثقة أي ولو واحداً عن جمع ، فلو بعث النازلون ثقة يطلب لهم كفى اه .(1/404)
"""""" صفحة رقم 405 """"""
قوله : ( من رحله ) بيان لما ورحل الشخص مسكنه من حجر أو مدر أو شعر أو وبر ، ويجمع في الكثرة على رحال ، وفي القلة على أرحل أي : بأن يفتش فيه ثم إطلاق الطلب على مجرد التفتيش هل هو حقيقة أو مجاز ؟ فيه نظر . المتبادر إلى كلامهم أنه حقيقة وأن الطلب مشترك بين التفتيش والسؤال ونحوهما مما يسعى به في تحصيل مراده ، ويدل على ذلك ما نقله شيخ الإسلام في حاشية البيضاوي عن الطيبي عند قوله تعالى في سورة المائدة : ) قد سألها قوم من قبلكم } ) المائدة 120 ) من أن الطلب والسؤال والاستخبار والاستفهام والاستعلام ألفاظ متقاربة وأنها مترتبة فالطلب أعمها قال : لأنه يشمل الطلب من نفسه ومن غيره ، والسؤال خاص بالطلب من الغير إلى آخر ما بين به . ومعلوم أن الطلب من النفس ليس عبارة إلا عن التأمل في الشيء ليظهر المراد منه فهو كالبحث والتفتيش في الرحل عن الماء اه ع ش . قوله : ( ورفقته ) بتثليث الراء سموا بذلك لارتفاق بعضهم ببعض . قوله : ( المنسوبين إليه ) أي عادة لا كل قافلة تفاحش كبرها اه ابن حجر . والمراد بكونهم منسوبين إليه اتحادهم منزلاً ورحيلاً . قوله : ( ويستوعبهم ) أي ما دام الوقت متسعاً زي ، ولما كان هذا صادقاً باستيعاب جميع آحادهم فرداً فرداً وليس مراداً دفعه بقوله : كأن ينادي فيهم الخ . أي : فليس المراد بالاستيعاب سؤال كل واحد على حدته ، بل يكفي نداء يعم جميعهم كما بينه بقوله : من معه ماء يجود به أي ومن يبيعه فيجمع بينهما ، لأنه قد لا يهبه ويبيعه ، ولو اقتصر على من يجود به سكت من لا يبذله مجاناً ، أو على إطلاق النداء سكت من يظن اثهابه ولا يسمح به شرح م ر ا ط ف مع زيادة . قوله : ( يجود به ) لا بد أن يقول ولو بالثمن . قوله : ( ثم الخ ) ليس الترتيب بينه وبين ما قبله واجباً ، فثم للترتيب الذكري فقط ، وعبارة البرماوي قوله : ثم إن لم يجد الماء أشار به إلى أنه لا ينتقل إلى النظر إلا بعد ما ذكر من التفتيش والطلب ، وذلك لأن الأسهل ما ذكر ، وربما توهم عبارته أن ذلك شرط ولم يقل به أحد اه . بل يصح أن يقدم النظر والتردد الآتي على الطلب من رحله ورفقته . قوله : ( نظر ) أي من غير مشي حج . قوله : ( حواليه ) جمع وإن كان على صورة المثنى ، لأن المراد منه التكثير وهو جمع حول على غير قياس اه . قوله : ( إلى الحد الآتي ) أي حد الغوث . قوله : ( وخص موضع الخضرة ) أي وجوباً إن غلب على ظنه وجود الماء وتوقف ظن الفقد عليه برماوي . قوله : ( إن كان بمستو ) قيد لقوله نظر حواليه فهو مرتبط به ، فالجملة التي بينهما معترضة . وعبارة متن المنهج نظر حواليه إن كان بمستو الخ . قوله : ( وهدة ) أي وطية .(1/405)
"""""" صفحة رقم 406 """"""
قوله : ( تردد ) بأن يصعد على الجبل أو ينزل الوهدة . ومقتضاه أنه لو لم يحط بشيء من الجهات الأربع إذا صعد نحو الجبل وجب عليه أن يتردد ويمشي في كل جهة من الجهات الأربع إلى حد الغوث ، وفيه بعد لأن هذا ربما يزيد على حد البعد ، ويحتمل أنه يتردد ويمشي في مجموعها إلى حد الغوث ، لا في كل جهة ح ل . بأن يمشي في كل جهة من الجهات الأربع نحو ثلاثة أذرع فأقل بحيث يحيط نظره بحد الغوث ، وإن لم يكن مجموع الذي يمشيه في الجهات الأربع يبلغ حد الغوث خلافاً للحلبي ، على أن المراد الإحاطة بحد الغوث وإن لم يمش أصلا فقوله إلى حد غوث متعلق بمحذف تقديره ونظر إلى حد غوث كما قرره شيخنا . قوله : ( إن أمن الخ ) حاصله أن يأمن أمناً مطلقاً لأنه هنا مجوّز الماء لا متيقنه كما يأتي . قوله : ( مع ما يأتي ) وهو النفس والعضو والزائد على ما يجب بذله للماء والانقطاع عن الرفقة وخروج الوقت . وعبارة الشوبري من جملة ما يأتي أمن الوقت ومحل اشتراطه فيمن لا يلزمه القضاء ، أما من يلزمه القضاء فلا يشترط فيه أمن الوقت ، وهذا هو المعتمد من نزاع طويل اه . واعتمد شيخنا ح ف أن هذا التفصيل إنما هو في صورة العلم الآتية في حد القرب وأما ماهنا أي في حد الغوث فيشترط فيه الأمن على الوقت مطلقا قوله : ( اختصاصا ) أي محترماً . قوله : ( وما لا ) أي له أو لغيره . قوله : ( يجب بذله ) الصواب إسقاط هذا القيد لأن الأمن هنا على الاختصاص شرط ، فالمال وإن قلّ أولى ، وما أجاب به ق ل غير ظاهر .
قوله : ( يلحقه فيه غوث ) ولأجل هذا سموه حد الغوث أي حداً فيه الغوث ، أو المراد غاية الغوث وسكت عن العلم بالماء في هذا الحد لأنه لا يجوز التيمم معه وإن خرج الوقت كما في شرح م ر . والمراد بقوله إلى حد الخ . أي مع اعتدال أسماعهم ومع اعتدال صوته وابتداء هذا الحد من آخر رفقته المنسوبين إليه لا من آخر القافلة ح ل . وفي الإطفيحي : ينبغي أن يعتبر ابتداء هذا الحد من آخر الرفقة الذين يلزمه سؤالهم وهم المنسوبون إليه ، لا من آخر القافلة مطلقاً لأن القافلة قد تتسع جداً بحيث تأخذ قدر فرسخ أو أكثر ، فلو اعتبر الحد من آخرها لزمه مشقة شديدة ، وربما تزيد على حد القرب اه سم . وفي المصباح . أغاثه إغاثة نصره فهو مغيثه والغوث اسم منه أي اسم مصدر بمعنى الإغاثة فالإضافة في كلام الشارح من إضافة الصفة للموصوف أي يلحقه فيه رفقته المستغاث بهم اه . قوله : ( فإن لم يجد ) أي بعد البحث المذكور ا ط ف . قوله : ( لظن فقده ) أي الظن المستند للطلب فلا ينافي أنه قبل ذلك مجوّز للفقد ، فهلا جاز له التيمم ؟ وعبارة ا ط ف : لظن فقده إن لم يحدث سبب يحتمل معه(1/406)
"""""" صفحة رقم 407 """"""
وجود الماء . قوله : ( أن يعلم ماء ) أي المسافر ، والمراد بالعلم ما يشمل غلبة الظن أي ولو يخبر عدل رواية بل أو فاسق وقع في القلب صدقه ، ولا عبرة بغير العلم في هذا الحد وخرج بالمسافر الحاضر فيطلبه ، وإن خرج الوقت كما قاله الإطفيحي . قوله : ( وهذا فوق حد الغوث المتقدم ) أي الذي سعى إليه في حالة توهم الماء اه ا ط ف . وعبارة ع ش : وهذا فوق حد الغوث أي باعتبار الغاية ، وإلا فالحدود الثلاثة مشتركة في المبدأ . قوله : ( ويسمى حد القرب ) وقدروه بنصف فرسخ وقدر نصف الفرسخ بسير الأثقال المعتدلة إحدى عشرة درجة وربع درجة ، وذلك لأن مسافة القصر يوم وليلة وقدرها ثلاثمائة وستون درجة ومسافة القصر ستة عشر فرسخاً ، فإذا قسمته عليها باعتبار الدرج خص كل فرسخ اثنان وعشرون درجة ونصف ع ش على م ر . قال شيخنا : وأخصر من ذلك أن تقول مقدار اليوم والليلة أربعة وعشرون ساعة ، فإذا قسمتها على ستة عشرة فرسخاً خص كل فرسخ ساعة ونصف ، فإن كان فوق ذلك ولو بخطوة فهو حد البعد . قوله : ( فيجب طلبه منه ) لأنه إذا سعى إليه لشغله الدنيوي فالديني أولى كما قاله حج . والمراد بالطلب هنا غير المراد به فيما تقدم فهو هناك التماسه وهنا قصده كما في الشوبري . قوله : ( ومال يجب بذله الخ ) أي وكان الماء لا مقابل له ، وإلا فتضاعف الغرم بعيد عن الغنم اه شوبري على التحرير . قوله : ( ثمناً أو أجرة ) منصوبان على التمييز المحول عن المضاف أي ثمن ماء طهارته الخ أو أجرة آلة الماء . قوله : ( من نفس الخ ) بيان للغير ، ويشترط فيما يأمن عليه من نفس وعضو ومال أن يكون محترماً وإلا لم يؤثر الخوف عليه زي . قوله : ( وعضو ) بضم العين وكسرها أي له لغيره .
قوله : ( وانقطاع عن رفقة ) وإن لم يستوحش لتكرره وفارق الجمعة ، فإنه يعتبر في جواز التخلف لها لإيحاش عن الرفقة إذا سافروا بعد الفجر بأنها لا بدل لها زي . وأيضاً فإن الجمعة مقصد والماء هنا وسيلة . وقوله : ( لا بدل لها ) أي مع القدرة عليها وإلا فبدلها الظهر ، والمعتمد أنها فرض مستقل لأنها خامسة يومها أي محسوبة من الخمسة ، وليس الظهر بدلاً عنها بل يغني عنها . قوله : ( وخروج وقت ) أي كله ، فلو كان يدرك ركعة في الوقت وجب عليه السعي للماء كما استظهره سم ا ج . ومحله حيث لا يلزمه القضاء بأن كان المحل الذي هو فيه يغلب فيه الفقد أو يستوي الأمران ، وإلا وجب السعي إلى الماء . ولو خرج الوقت لأن الأمن على الوقت إنما يعتبر في المغني عن القضاء شوبري .
فرع : لو خاف برد الماء وعجز عن تسخينه في الحال لكنه يعلم وجود حطب بمكان لو(1/407)
"""""" صفحة رقم 408 """"""
ذهب له لا يرجع منه إلا وقد خرج الوقت الذي استظهره م ر . أنه يجب عليه قصد الحطب والتسخين ، وإن خرج الوقت ولا يجوز له التيمم ، وسيأتي ما يؤخذ منه ذلك في التتمة بدليل أن واجد الماء يسعى فيه ، وإن خرج الوقت وخرج بالتسخين التبريد فلا يجب انتظاره لعل الفرق بينهما أن التبريد ليس في وسعه ولا اختيار له فيه ، بخلاف التسخين كما في ع ش قال شيخنا ح ف : وهو الذي تلقيناه خلافاً له في موضع آخر من التسوية بين التبريد والتسخين اه .
فائدة : لو كان في سفينة وخاف غرقاً لو أخذ الماء من البحر تيمم ولا إعادة عليه اه عبد البر ناقلاً عن م ر . وتقدم مثله عن زي . وقوله : ولا إعادة . أي وإن قصر السفر . قال سم على المنهج : ومحل عدم الإعادة إذا كان الموضع الذي صلى فيه بذلك التيمم مما لا يغلب فيه وجود الماء بقطع النظر عما في السفينة . أما لو غلب وجود الماء فيه بقطع النظر عما ذكر وجب القضاء اه . بالمعنى . وقوله : يقطع النظر الخ . يمكن الاحتراز به عما لو كان الغالب في ذلك المكان وجود الماء في جميع السنة واتفق احتياجه إلى النزول في السفينة في وقت منع فيه الطهارة بالماء لما سبق ، فيجب فيه القضاء بخلاف ما لو كان المحل يغلب فيه الفقد في غالب السنة ، لكن اتفق وجوده من سيل مثلاً في بعض أيام السنة فإنه في هذه الحالة إذا تعذر عليه استعمال الماء لا قضاء عليه اه ع ش على م ر .
قوله : ( بخلاف من معه ماء الخ ) أي حقيقة أو حكماً بأن يعلم وجوده في حد الغوث كما مر ق ل . وعبارة ا ط ف قوله بخلاف من معه ماء أي : محصل عنده ، وظاهره ولو فوق حد الغوث وهو الوجه لأن معه ماء فلا يصح التيمم ، بخلاف ما يحصله فلا بد أن يأمن فليحرر شوبري ، إلا أنه ينبغي أن المراد بكونه معه أن يكون قادراً على تحصيله من حد الغوث لا من فوقه ، ولا يشترط حضوره معه قاله بعضهم اه .
وحاصله : أن المراتب ثلاثة حد الغوث يجب فيه الطلب بشرط الأمن حتى على الاختصاص والمال الذي يجب بذله لماء طهارته مع ما يأتي ، وحد القرب يجب طلبه فيه إن أمن على غير الاختصاص ، والمال الذي يجب بذله لماء طهارته ، وحد البعد لا يجب فيه الطلب مطلقاً . قوله : ( فإنه لا يتيمم لأنه واجد للماء ) أي ولا يكون خروج الوقت مجوّزاً للعدول إلى التيمم ا ط ف . قوله : ( لأنه واجد للماء ) أي بالفعل فلا ينافي أن الأول أيضاً(1/408)
"""""" صفحة رقم 409 """"""
واجد للماء لكن بالقوة اه عزيزي . قوله : ( هنا ) أي في حد القرب . وقوله : ( للأمن على الاختصاص ) أي إن كان غير محتاج إليه فإن كان محتاجاً إليه اعتبر الأمن عليه أيضاً كما في ع ش . قوله : ( ولا على المال الذي يجب بذله ) وكذا لا يشترط الأمن على مال الغير الذي لا يجب الذب عنه ، أما لو وجب الذب عنه كوديعة ومرهون اشترط الأمن عليه أيضاً .
قوله : ( الحالة الرابعة ) قال الشيخان بعد هذه المراتب : هذا في المسافر أما المقيم فلا يجوز له التيمم وإن خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء لأنه لا بد من القضاء اه . وفيه تصريح امتناع تيممه ووجوب السعي إلى الماء وإن كان فوق حد القرب ، لكن ينبغي أن محله ما لم يعدّ سعيه إلى الماء سفراً ، وإلا لم يلزمه السعي إليه أخذاً من قولهم فيمن أقام ببادية لا ماء بها إنه لا يلزمه الانتقال عنها . قوله : ( فوق ذلك ) أي وإن قل كقدم كما يفهم من إطلاقهم ولعله غير مراد ، بل الظاهر أن مثل هذا لا يعد فوق حد القرب فإن المسافر إذا علم بمثل ذلك لا يمتنع من الذاهب إليه ، وإنما يمتنع إذا بعدت المسافة عرفاً اه ع ش . قوله : ( فلو تيقنه آخر الوقت ) المناسب ولو تيقنه إذ هذا لا يتفرع على ما قبله بل مسائل أخرى متعلقة بالباب ، والمراد بقوله فلو تيقنه بوصوله إليه أو بوصول الماء إليه ، والمراد تيقنه في محل يجب عليه تحصيله منه وهو حد الغوث أو القرب ، فهذا تقييد لقوله في حد الغوث ، فإن لم يجد ماء تيمم ، ولقوله الحالة الثالثة أن يعلم ماء باعتبار مفهومه وهو أنه إذا لم يأمن على ما ذكر تيمم أي محله ما لم يتيقنه آخر الوقت ، ولو اقترن التقديم أو التأخير بفضيلة كالجماعة وستر العورة فهو أولى مطلقاً . قوله : ( آخر الوقت ) بأن يبقى منه ما يسع الصلاة كلها وطهرها .
وصورة المسألة أن يكون المحل يغلب فيه فقد الماء أو يستوي الأمران ، وإلا وجب التأخير . وإن خرج الوقت اه عناني وهذا كله إن أراد الاقتصار على صلاة واحدة فإن صلاها بالتيمم أول الوقت ثم أعادها آخره مع الماء فهو الغاية في إحراز الفضيلة . وقولهم الصلاة بالتيمم لا يستحب إعادتها بالوضوء محله فيمن لا يرجو الماء بعد بقرينة سياق كلامهم . واعترض بأن الفرض الأولى ولم تشملها فضيلة الوضوء . وأجيب : بأن الثانية لما كانت عين الأولى كانت جابرة لنقصها ، والفرق بين من يرجو ومن لا يرجو أن تعاطي الصلاة مع رجاء الماء ولو على بعد فيه نقص ، فندبت الإعادة . بخلاف تعاطيها مع عدم رجاء الماء أصلا فلا نقض فيه فلم يطلب له إعادة . وتلخص أن محل أفضلية التأخير مشروط بأربعة شروط : أن يتيقن الماء آخر الوقت بحيث يسع الطهر والصلاة ، وأن يكون المحل يغلب فيه الفقد أو يستوي الأمران ، وأن يريد الاقتصار على صلاة واحدة ، وأن لا يقترن التقديم بنحو جماعة .
قوله : ( فانتظاره أفضل ) ولا يجب وإن تيقنه في منزله على المعتمد عند م ر خلافاً لما في شرح البهجة . قوله : ( أبلغ منها ) أي من الصلاة بالتيمم أوله أي أكثر ثواباً لأن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت جائز مع القدرة على أدائها أوله . ولا يجوز التيمم مع القدرة على الوضوء شرح البهجة .(1/409)
"""""" صفحة رقم 410 """"""
قوله : ( وإن ظنه ) أي وجود الماء . قوله : ( عدمه ) تنازعه ظن وتيقن . قوله : ( بسبب بطء برء ) الأولى أن يقول كبطء برء كما عبر به في المنهج ، لأنه محذور لا سبب له كما قال الشارح ، أو كان يعبر بمن بدل سبب وتكون بياناً للمحذور فتأمل . وقوله : بطء هو بفتح الباء وضمنها فيهما .
فائدة : تقول برأ بتثليث الراء برءاً بفتح الباء وضمها ، ومفتوح الباء هنا أفصح وهو مصدر لمفتوح الراء أيضاً ، وأما المضموم فمصدر للمضموم والمكسور شوبري ، وبطء البرء هو طول مدته ، والمراد به قدر وقت صلاة . وقال بعضهم أقله ذلك . وقال بعضهم : أقله وقت المغرب كما قاله البرماوي .
قوله : ( أو زيادة ألم ) أي على وجه لا يحتمل عادة بخلاف اليسير فلا أثر له اه ابن حجر . قوله : ( في عضو ) بضم أوله وكسره وهو ظاهر إن لم يتحتم قطعه في السرقة أو المحاربة بخلاف ما استحق قطعه قوداً لرجاء العفو عنه . قوله : ( للعذر ) إنما قدم العذر على الآية ، لأن الآية خاصة والعذر عام اه ع ش . قوله : ( من تغير لون ) كصفرته أو سواده . قوله : ( أو نحول ) النحول هزال مع رطوبة في البدن ، والاستحشاف هو هزال مع يبوسة فيه . قوله : ( وثغرة ) أي نقرة . قوله : ( ولحمة تزيد ) كسلعة . وظاهره وإن صغر كل من اللحمة والثغرة ولا مانع من تسميته شيناً ، لأن مجرد وجودهما في العضو يورث شيناً ، ولكنه بمجرد لا يبيح التيمم ، بل إن كان فاحشاً تيمم أو يسيراً فلا اه ع ش . قوله : ( المهنة ) بفتح الميم أوله مع كسر ثانيه وحكي كسرها مع سكون الهاء وهي الخدمة .
قوله : ( للمروءة ) بضم الميم وفتحها وهي صفة يمدح المتخلق بها وهي التخلق بخلق أمثالها ، وهي الآن إما قليلة جداً أو معدومة . قال بعض الأفاضل :
مررت على المروءة وهي تبكي
فقلت علام تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا أبكي وأهلي
جميعاً دون خلق الله ماتوا(1/410)
"""""" صفحة رقم 411 """"""
جميعاً دون خلق الله ماتوا قوله : ( رده إلى الأول ) أي بأن يقال ما لا يعد كشفه هتكاً للمروءة هو ما يبدو عند المهنة . قوله : ( في الباطن ) وهو ما عدا الظاهر المذكور ، ولو في أمة حسناء تنقص قيمتها بذلك نقصاً فاحشاً ، لأن حق الله تعالى مقدم على حق السيد بدليل قتلها بترك الصلاة اه ح ل . قوله : ( عدل في الرواية ) وهو المسلم البالغ العاقل الذي لم يرتكب كبيرة ولم يصرّ على صغيرة ولو كان عبداً أو امرأة ولا تكفي التجربة وكذا في العطش كما سيشير إليه وتكفي معرفة نفسه إن كان عارفاً ، ويكفي تصديق غير العدل كالفاسق والكافر إذا وقع في قلبه صدقه ، فالمدار على التصديق لا العدالة ، ولو تيمم وصلى بدون ذلك لزمه الإعادة وإن وجد الطبيب بعد ذلك وأخبره بجواز قبلها ، ولا يحتاج في إخبار الطبيب إلى كل وضوء مثلاً ما لم يحتمل فيه عدم الضرر فيجب سؤاله ، فلو تعارض طبيبان فأكثر قدم الأوثق فإن تساووا تساقطوا كما في الإخبار بتنجيس الماء اه سم على البهجة ، وليس له الاستقلال بذلك إن لم يكن طبيباً وإن جرب نفسه لاختلاف المزاج بالأزمنة ، وبهذا يرد على من اكتفى بالتجربة كابن حجر ، وفارق المضطر حيث يستقل بأكل الميتة أي من غير توقف على قول طبيب لأجل وقاية النفس عن التلف بأنه إنما تعلق به حق الله تعالى بدخول الوقت للتطهر به بدليل عدم جواز بيعه بخلاف الطعام فإنه ليس لأكله للمضطر وقت معين ، بل المدار على الاضطرار فهي قياس مع الفارق ، فاندفع قياس الأسنوي عليه اه ابن شرف .
قوله : ( لعطش حيوان محترم ) ولو ذمياً أو مستأمناً أو معاهداً أو بهيمة ، فخرج المرتد وتارك الصلاة والحربي والخنزير فلا يجوز صرف الماء إليهم . وبحث بعضهم جواز صرفه إلى غيره المحترم إن احتاج المحترم إليه كأن يكون خادمه ولم يستغن عنه . وقوله : محترم المراد بالمحترم ما يحرم قتله وبغير المحترم ما لا يحرم قتله كمرتد وزان محصن وتارك صلاة . قال شيخنا : لو كان غير المحترم هو الذي معه الماء محتاج إلى شربه ، فهل يكون كغيره من غير المحترمين في أنه يستعمله في الطهارة ، وإن مات عطشاً أو يشربه ويتيمم لأنه غير مأمور بمباشرة قتل نفسه المتجه الثاني شرح م ر . والكلب ثلاثة أقسام وعقور : هذا لا خلاف في عدم احترامه ، والثاني محترم بلا خلاف وهو ما فيه نفع من صيد أو حراسة ، والثالث ما فيه خلاف وهو ما لا نفع فيه ولا ضرر ، وقد تناقض فيه كلام النووي والمعتمد عند شيخنا م ر أنه محترم يحرم قتله اه خ ض . وفي ق ل : نعم لو احتاجه الزاني المحصن لعطش نفسه شربه لأن نفسه محترمة عليه خلافاً لابن حجر .
قوله : ( محترم ) وإن لم يعلم به صاحب الماء ولا يتيمم لعطش عاص بسفره حتى يتوب .(1/411)
"""""" صفحة رقم 412 """"""
وقوله : حيوان وإن لم يكن معه ومثل الماء الأكل فقد ذكر في الروضة في الأطعمة أنه له ذبح شاة الغير التي لا يحتاج إليها لكلبه المحترم المحتاج للإطعام ، وعلى المالك بذلها اه ح ل . قوله : ( في المستقبل ) فله أن يدخره بل يجب عليه ويحرم الوضوء به سواء ظن وجوده في غده أم لا . حيث لم يتحققه . وعبارة بعضهم وإن رجا الماء في غده ، فلو وصلوا إلى الماء وفضلت معهم فضلة من الماء الذي معهم للشرب هل يجب عليهم القضاء أو لا ؟ ينظر إن قتروا على أنفسهم وأسرعوا السير ولو لم يقع ذلك لم يفضل شيء لم يقضوا ، وإلا بأن ساروا على العادة ولم يقتروا قضوا أي الصلاة الأخيرة بناء على ما نقل عن م ر ، لكن قال ق ل : والوجه الوجيه أنه يقضي كل صلاة لأنه يصدق عليه أنه تيمم لها مع وجود ماء ، هذا إذا كان الماء مشتركاً بينهم وإلا قضى صاحب الماء فقط اه م د . قوله : ( صوناً للروح ) علة لكون الاحتياج سبباً للعجز ، ومقتضى هذا أنه لا بدّ من خوف تلف النفس والعضو وهو مخالف لقوله الآتي : والعطش المبيح للتيمم يعتبر بالخوف الخ : أي لأن هذا أعم من تلف النفس . ويجاب : بأن قوله صوناً للروح أو غيرها عن التلف أي مثلاً اه ح ف . قوله : ( أو غيرها ) كالعضو والمنفعة . قوله : ( فيتيمم مع وجوده ) أي الماء . وسكت عن إزالة النجاسة وعبارة غيره ويحرم تطهيره الخ . وهو شامل للاستنجاء به فيتعين الحجر وهو ظاهر ، وأما إزالة النجاسة عن البدن أو الثوب المتوقف عليها صحة الصلاة ، فالظاهر أنها تحرم أيضاً فيصلي بحاله ويعيد اه . م د . قوله : ( ولا يكلف الطهر به ) بل يحرم التطهر بالماء وإن قلّ إن علم أو ظن وجود محترم يحتاج إليه في القافلة ، وإن كبرت وخرجت عن الضبط ح ل . وكثير يجهلون فيتوهمون أن التطهر بالماء قربة وهو خطأ قبيح شرح م ر . قوله : ( لغير دابة ) مفهومه أنه يكلف الطهر به ثم جمعه وشربه للدابة فيجب ذلك لأنها لا تعافه ، بخلاف الآدمي ومثلها غير المميز من صبيّ أو مجنون ، لأن هؤلاء لا يعرفون الاستقذار بخلاف غيرهم . قال ق ل : ويعتبر في العطش المبيح للتيمم ما في المرض من خبر الطبيب المسلم . قال بعضهم : وهذا واضح إن وجد الطبيب حاضراً ، وإلا فليس من محاسن الشريعة منعه من الشرب حتى يوجد الطبيب خصوصاً في مفازة مثلاً فلينظر حكمه وليراجع . قوله : ( وخرج بالمحترم غيره ) إلا أن يكون الغير هو مالك الماء لأنا لا نأمره بقتل نفسه ولا يحل له قتلها . نعم إن كان إهداره يزول بالتوبة كتركه الصلاة بشرطه وهو أمر الإمام بها لم يبعد أن يكون كالعاصي بسفره فلا يكون أحق به إلا إن تاب . قوله : ( وللعطشان ) هذا التقديم يفيد الحصر ، فخرج محتاج الماء للطهارة والثوب للستر ، فليس له ذلك ، بل يتيمم(1/412)
"""""" صفحة رقم 413 """"""
ويصلي عاريا . قوله : ( من مالكه ) أي غير العطشان فإن كان مالك الماء عطشاناً لم يهدر بل يضمنه مقاتله كما في شرح م ر . بخلاف المالك غير العطشان فلا ضمان على قاتله إذا كان عطشاناً ، وكنفسه عطش آدمي معه محترم يلزمه مؤنته كما في الإمداد شوبري . قوله : ( ببدله ) أي وأما بدون بدله فلا يجوز . قوله : ( دخول وقت الصلاة ) وبه قال أحمد ومالك . وقال أبو حنيفة : يصح قبل دخول الوقت لأنه طهارة مطلقة ، والمراد بقوله دخول الوقت ولو ظناً فقال الشارح الآتي : ويشترط العلم بالوقت أي أو ظنه اه م د بزيادة . قوله : ( قبل وقته ) فلو نقل التراب قبله ومسح به الوجه بعده لم يصح إذا لم يوجد منه تجديد نية نقل قبيل المسح وإلا صح كما يؤخذ مما ذكروه فيما لو أحدث بين النقل والمسح ، ولو شك هل نقل قبل الوقت أو فيه لم يصح وإن صادف أنه نقل فيه ، ويجوز تأخير الصلاة عن التيمم في الوقت أكثر من قدر الحاجة فيصلي به وإن خرج الوقت بخلاف طهر دائم الحدث لتجدد حدثه بخلاف المتيمم . قوله : ( له ) أي للمؤقت . وقوله : ( فيه ) أي في وقته . وقوله : ( ولو قبل الإتيان بشرطه ) أي المؤقت ولو تيمم للخطبة بعد الزوال صح أو قبله فلا ، أو للجمعة قبل الخطبة جاز ، لأن وقتها دخل بالزوال ، وتقدم الخطبة إنما هو شرط لصحة فعلها ومثل ذلك ما لو تيمم الخطيب أو غيره قبل تمام العدد الذي تنعقد به الجمعة . قوله : ( للتضمخ بها ) التضمخ التلطخ كما في المختار اه . قوله : ( مع كون التيمم الخ ) أشار إلى أن العلة مركبة وهي لم توجد في الوضوء لأنها طهارة قوية .
وقوله : ( وإلا ) أي وإن لم يكن عدم صحة التيمم قبل إزالة النجاسة لكون زوالها شرطاً في الصلاة لما صح التيمم الخ . فالحاصل : أنه إنما توقف على إزالة النجاسة عن البدن خاصة للتضمخ بها مع ضعفه بخلافها إذا كانت على الثوب أو المكان فلا تضمخ . واعلم أنه لا يصح التيمم قبل إزالة النجاسة سواء تيمم لما تتوقف صحته على إزالة النجاسة كالصلاة أم لا كمس مصحف على المعتمد خلافاً لمن قال : يصح التيمم لما لا يتوقف على إزالة النجاسة قبل زوالها . وعبارة ابن شرف على التحرير قوله وتقدم إزالة النجاسة أي غير المعفوّ عنها ما لم تكن في أعضاء التيمم وإلا وجبت إزالتها أيضاً . ولا فرق في وجوب إزالتها بين المسافر والمقيم ، وذلك لأن التيمم للإباحة ولا إباحة مع المانع فأشبه التيمم قبل الوقت هذا هو المعتمد في الروضة في الاستنجاء ، خلافاً لما فيها هنا ولو لم يجد ماء يستنجي به أو يزيل به النجاسة لم(1/413)
"""""" صفحة رقم 414 """"""
يتيمم ، بل هو كفاقد الطهورين خلافاً . لابن حجر . قوله : ( ووقت العذر ) فيتيمم للعصر وقت الظهر إذا أراد جمع التقديم وللعشاء وقت المغرب كذلك ، فلو لم يصلّ حتى دخل وقت العصر أو العشاء وجب عليه تيمم آخر لبطلان تيممه لها ، لأنه إنما استباحها بوصف كونها مجموعة وقد فات هذا الوصف فبطل تيممه كما عرف ، فلا يصح أن يصلي به نفلاً أيضاً بخلاف ما لو تيمم لفائتة فلم يصلها حتى دخل وقت حاضرة ، فله أن يصلي الحاضرة بتيممه . ويلغز به ويقال : لنا شخص صلى صلاة تيمم نوى به استباحة غيرها قبل وقتها الحقيقي ، والفرق أنه في الصورة السابقة تيمم في غير وقتها الحقيقي ، بخلاف هذه الصورة . وعبارة شرح البهجة . قال النووي : ويمكن الفرق بأنه ثمة استباح ما نوى فاستباح غيره بدلاً ، وهنا لم يستبح ما نوى على الصفة التي نوى فلم يستبح غيره اه . قال : وأما لو أراد الجمع تأخيراً فتيمم للظهر في وقته فإنه يصح بخلاف تيممه فيه للعصر في هذه الحالة لأنه لم يتيمم له في وقته م د .
قوله : ( بانقضاء الغسل ) أي الواجب أو بدله وهو التيمم وإن لم يكفن . وبه يلغز فيقال : لنا شخص يتوقف تيممه على طهر غيره . قوله : ( إذا أراد إيقاع الخ ) هو قيد لعدم صحة التيمم فيه أي : لا يصح أن يتيمم للنفل المطلق وقت الكراهة بنية أن يصلي فيه وكذا قبله بهذه النية فيخرج ما لو تيمم فيه ليصلي بعده ، وكذا لو أطلق . ولا يقال يلزم عليه التيمم قبل دخول الوقت لأن النفل المطلق لا وقت له . قوله : ( ويشترط العلم ) أي أو ظنه بدليل قوله فلو تيمم شاكاً الخ . قوله : ( طلب الماء ) اعلم أن طلب الماء لا يجب إلا بشروط ثلاثة : أن لا يتيقن عدم وجوده ، وأن يكون تيممه للفقد لا للمرض ، وأن لا يحتاج الماء للعطش م د . قوله : ( بعد دخول الوقت ) فلو طلب قبل دخول الوقت لم يعوّل على ذلك الطلب ، نعم إن حصل به تيقن العدم كان كافياً سم . وفي حاشية الزيادي : فلو طلب شاكاً فيه لم يصح وإن صادف الوقت ، نعم يجوز تقديم الإذن في الطلب قبل الوقت إن قال فيه أو أطلق . وفي شرح م ر : نعم الأقرب الاكتفاء في حالة الإطلاق بطلبه في الوقت كما لو وكل المحرم حلالاً ليعقد له النكاح وأطلق فعقد له بعد التحلل اه . ثم قال فيه : ولو طلب قبل الوقت لفائتة أو نافلة فدخل الوقت عقب طلبه تيمم لصاحبة الوقت بذلك الطلب كما قاله القفال في فتاويه ، ويؤخذ منه أن طلبه لعطش نفسه أو حيوان محترم كذلك ، وقد يجب الطلب قبل الوقت كما في الخادم أو في أوله لكون القافلة عظيمة لا يمكن استيعابها إلا إذا بادر أول الوقت أو قبله ، فيجب عليه تعجيل الطلب في أظهر احتمالين لابن الأستاذ اه . شرح م ر .(1/414)
"""""" صفحة رقم 415 """"""
قوله : ( تعذر استعماله ) هذا الشرط يغني عنه الأول وهو قوله وجود العذر بسفر أو مرض ، ففي عدهما شرطين مسامحة ، وكذا في عد الطلب والإعواز شرطين ، بل الإعواز من تتمة الطلب ، فإن مجرد الطلب لا يترتب عليه جواز التيمم ، إذا قد يجب الماء بعده فلا يصح التيمم ، بل إنما يترتب على الطلب جواز التيمم إذا لم يجده أو وجده واحتاج إليه وهو المراد بإعوازه بعد الطلب فهما شرط واحد ، بل التحقيق أن الطلب ليس شرطاً مستقلاً فإنه محقق لفقد الماء الداخل تحت قوله تعذر استعماله أي العجز عن استعماله حساً أو شرعاً ، فإذن الشروط على التحقيق ثلاثة : العجز عن استعمال الماء حساً أو شرعاً ، ودخول وقت الصلاة ، والتراب الطهور ، وهكذا حققه سم في شرحه فقول الشارح المعدود في كلام المتن ستة فيه مسامحة . قوله : ( فلو وجد خابية ) محله إذا علم أنها مسبلة للشرب أما إذا علم أنها مسبلة للانتفاع مطلقاً استعملها في الطهارة فإن شك حكم العرف والقرائن ، ولا يجوز حمل الماء المسبل من محله إلى محل آخر إلا إذا علم أو قامت قرينة على أن مسبله يسمح بذلك ، كما لو أباح لأحد طعاماً ليأكله لا يجوز لأحد حمل الحبة منه ولا صرفه إلى غير الأكل ، إلا إذا علم رضا مبيحه بذلك ، فإن شك حكم العرف والقرينة ، ومن التعذر الشرعي ما لو كان معه ماء وديعة أو غصباً أو رهناً ، ومن الشك أي التردد فيشمل الظن غالب الصهاريج الموجودة بمصرنا ، فإنا لم نعلم فيها حال الواقف ، والغالب قصرها على الشرب ، ثم قد تقوم قرينة على أن الشرب منها خاص بمواضعها فيمتنع نقلها للشرب منها في البيوت ، وقد تقوم قرينة على أن الشرب منها غير خاص بموضعها فينقل ماؤها للشرب منها في البيوت ويختص به من أخذه بمجرد حيازته له وإن لم ينقله ع ش على م ر . قوله : ( بعد الطلب ) أي بعد حصوله معه ق ل .
قوله : ( لعطشه الخ ) لو أسقطه لكان أولى لأن احتياجه لثمنه كذلك كما سيأتي . قوله : ( وهو ما لا يباح قتله ) يشمل المأكول وغيره ومنه الكلب وقد تقدم ما فيه . قوله : ( التراب ) اسم جنس إفرادي وقيل جمعي واحده ترابة ؛ ومن فوائد الخلاف ما إذا قال لزوجته أنت طالق بعدد التراب ، فعلى الأول طلقة وعلى الثاني ثلاثة ، وإنما اختصت الطهارة بالماء والتراب ، لأن الله خلق آدم منهما . وقال السيوطي : في الفلك المشحون لأن أصل آدم عليه السلام من التراب وأصلك من الماء وإنهما أوسع شيء في الأرض وجوداً فأمرك بالتطهر بهما لئلا تعتذر بفقدانهما فالآن ليس لك عذر اه . واسم التراب يقع على جميع أنواع الأرض وذكر بعضهم أنها ستون(1/415)
"""""" صفحة رقم 416 """"""
نوعاً وأن الله خلق آدم من ستين نوعاً فجاءت أولاده على ألوان وصور مختلفة ، وأما الرمل فهو اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء ، فإذا قال لزوجته : أنت طالق بعدد الرمل طلقت ثلاثاً قولاً واحداً اه . قوله : ( حتى ما يداوى به ) كالطين الأرمني بكسر الهمزة وفتحها مع فتح الميم فيهما نسبة إلى إرمينية بكسر الهمزة وتخفيف الياء بلدة من بلاد الروم فإن الناس يتداوون به في زمن الكبة بوضعه على الكبة وما في محل جر بحتى أي حتى النوع الذي يداوى به ، وكذلك السبخ إذا لم يعله ملح وما أخرجته الأرضة من مدر وإن اختلط بلعابها كطين عجن بنحو خلّ حتى تغير ريحه أو طعمه أو لونه وجف ، وكان له غبار كما قاله ح ر ولو دق الحجر حتى صار له غبار لم يكف التيمم به ، والفرق بينه وبين الرمل ظاهر لأنه ليس من جنس التراب بخلاف الرمل ع ش .
قوله : ( والمراد بالطاهر الطهور ) أي وإن أخذ من ظهر كلب لم يعلم اتصاله مع ترطب أحدهما سم . قوله : ( فلا يجوز بالمتنجس ) كتراب مقبرة علم نبشها ، وإن وقع عليها المطر لأنه لا يطهر بذلك لاختلاطه بصديد الموتى الذي لا يزيله المطر ، بخلاف ما إذا علم عدمه أو شك فيه فيصح التيمم به بلا كراهة لأن الأصل طهارته سم . قوله : ( ولا بالمستعمل ) أي في نحو حدث أو خبث بأن استعمل في مغلظ . وكون التراب لا يرفع الحدث فلا يتأثر بالاستعمال بخلاف الماء يردّ بأن السبب في الاستعمال ليس هو خصوص رفع الحدث بل زوال المانع من نحو الصلاة بدليل أن ماء السلس مستعمل مع أنه لا يرفع حدثاً فاستويا قاله ابن حجر . وعبارة(1/416)
"""""" صفحة رقم 417 """"""
شرح م ر : ولا بتراب مستعمل على الصحيح لأنه أدى به فرض وعبادة فكان مستعملاً كالماء الذي توضأت به المستحاضة ، والثاني يجوز لأنه لا يرفع الحدث فلا يتأثر بالاستعمال ، وردّ بأن المنع من الصلاة انتقل إلى التراب لأنه أباح المحذور قال ع ش إن تراب السابعة طاهر غير طهور فلا يصح التيمم به وهو المعتمد . وفي حاشية الرحماني قال شيخنا : وليس منه حجر الاستنجاء إذا غسله ودقه فيصح التيمم به لأن وصف المنع زال بالغسل فليس هو كالتراب المستعمل في النجاسة المغلظة فلا يصح التيمم به ، وإن طهره لأن وصف الاستعمال لا يزول بالغسل . قوله : ( أو تناثر منه ) أي من العضو أي بعد أن مس بشرة العضو الممسوح فلا بد من ملاحظة هذا القيد بدليل أخذ محترزه في قوله : أما ما تناثر الخ . قوله : ( حالة التيمم ) المراد بها ما استعمل في التيمم سواء تناثر حالة الاستعمال أو بعده . وقال م د قوله : حالة التيمم احتراز عما لو ألقت الريح على وجهه تراباً فأخذه بخرقة ثم أعاده إلى وجهه ، فإنه يكفي . وعبارة الإطفيحي قوله : حالة التيمم هو متعلق بكل من قوله ما بقي بعضوه أو تناثر منه بدليل قوله : ويؤخذ من حصر المستعمل الخ . أي : لأن مقام البيان يفيده وحينئذ سقط ما قبل الحصر فيه بناء على أن ما موصولة فإن جعلت نكرة موصوفة فلا اه .
قوله : ( وهو كذلك ) أي حيث لم يتناثر إليه شيء مما ذكر شرح م ر . ولا يقدر بمخالف كما في الماء قاله شيخنا ح ف .
قوله : ( صح على الأصح ) .
فإن قيل : كان القياس أنه لا يصح قياساً على ما إذا رفع يده على العضو في الوضوء فإن الماء حينئذ يصير مستعملاً لما تقدم من أن الماء ما دام متردداً على العضو لا يثبت له حكم الاستعمال ، وإذا انفصل صار مستعملاً . وأجاب س ل : بأنه لما كان يحتاج لرفع اليد لينظر هل عليها تراب أو لا ؟ اغتفر بخلاف الماء فإنه غير محتاج إليه فيه لقوة الماء . وعبارة الإطفيحي قوله : صح على الأصح ظاهره ولو وضعها على غير محل المسح فيعذر في ذلك كما يعذر في التقاذف ، لأن التراب لا يحكم عليه بالاستعمال إلا إذا انفصل عن اليد الماسحة والممسوحة جميعاً . قوله : ( المحرق منه ) أي ما لم يخرج عن قوة الإنبات ، فإن خرج عنها لم يجز ع ش . قوله : ( والأعفر ) العفرة بياض غير خالص . قوله : ( والأصفر ) منه الطفل المعروف إذا دق وصار له غبار ، وفي حاشية ق ل على التحرير ما نصه : الطفل لا يكفي في التيمم كما في فتاوى م ر ، ويكفي التيمم به كما ذكره حج في شرح المنهاج اه . وكل من النقلين صحيح ، إذ يحمل كلام م ر على ما إذا كان مستحجراً لا غبار له ، وكلام حج ما إذا دق وصار له غبار اه اج . قوله : ( النورة ) وهي الجير قبل الطفي ح ل . قوله : ( والزرنيخ ) بكسر الزاي هو حجر معروف منه أبيض وأحمر وأصفر . قوله : ( وسحاقة الخزف ) الخزف ما اتخذ من الطين وشوي فصار فخاراً واحدته خزفة شرح م ر . قوله : ( فإن خالطه ) أي اختلط به . قوله : ( لم يجز ) بضم أوله على الأنسب لإفادته عدم الصحة ق ل . وعلى الضبط الآخر يقال الأصل فيما لم يجز أنه لا يصح .(1/417)
"""""" صفحة رقم 418 """"""
قوله : ( وإن قل الخليط ) هذه الغاية للرد . قوله : ( لا يلصق ) بفتح الصاد في المضارع وكسرها في الماضي . ويقال بالصاد والزاي والسين وهو من باب علم يعلم . قوله : ( لا يلصق ) أي الرمل بالعضو بأن يصل التراب للعضو من غير لصوق رمل عليه سواء كان خشناً أو ناعماً . وفي فتاوى النووي : لو سحق الرمل وصار له غبار أجزأ أي بأن صار كله بالسحق غباراً . أو بقي منه خشن لا يمنع لصوق الغبار بالعضو ذكره الإطفيحي . قوله : ( فإنه يجوز التيمم به ) قال ق ل : عبارة غير مستقيمة فتأمل ، وبيانه أن التيمم في الحقيقة إنما هو بغبار الرمل لا به ، فكان الأولى أن يقول أما الرمل المشتمل على غبار فيجوز التيمم بغباره . قوله : ( والتراب جنس له ) فيشمله قول المصنف تراب ويؤخذ من كلامه تركيب قياس وهو الرمل من طبقات الأرض ، وكل ما هو من طبقات الأرض تراب ينتج لنا الرمل تراب ، وأما حديث أبي جهم أنه أقبل إلى الجدار فمسح بوجهه ويديه ، فمحمول على جدار عليه غبار لأن جداراتهم من الطين ، فالظاهر حصول الغبار منها . قوله : ( ولو وجد ماء الخ ) شروع في فروع عشرة إلى قوله : ويشترط قصد التراب الخ . وكان الأولى تقديم قوله : ويشترط قصد التراب الخ عليها قال العلامة ح ل ولو وجد ماء ما يكفي بعض أعضائه وترابا كافيا لوجهه ويديه ينبغي تقديم التراب لأنه طهارة كاملة ، ويكون كالماء الذي حال بينه وبينه سبع فيصح التيمم مع وجوده اه .
فإن قلت : ما قاله ح ل مخالف لقولهم متى وجد ماء صالحاً للغسل وجب تقديمه على التراب ولو لم يكف إِلا جزءاً من الوجه . قلت : لا مخالفة لإمكان تصوير ما قاله بما إذا لم يكن الماء والتراب في ملكه ، بل رآهما يباعان وليس معه إِلا ثمن أحدهما فيقدم شراء التراب على الماء اه ا ج . قوله : ( وجب استعماله ) لو كان معه ماء لا يكفيه وتراب لا يكفيه وجب عليه استعمال كل منهما ويجب عليه القضاء مطلقاً لنقصان البدل والمبدل ع ش . قوله : ( مرتباً ) أي بين الأعضاء ، وأما الترتيب بين استعمال الماء والتراب فسيأتي في قوله : ويكون التيمم الخ .
قوله : ( إن كان ) أي الحدث غيره أي غير الأصغر بأن كان أكبر أو متوسطاً قاله في شرح البهجة . وقطع البغوي وغيره باستحباب تقديم أعضاء الوضوء والرأس ، ثم الشق الأيمن كما يفعل من يغسل كل بدنه . قوله : ( كما يفعل من يغسل كل بدنه ) أي كواجد الماء الذي يكفيه لجميع بدنه فإنه لا يجب عليه ترتيب . قوله : ( لخبر : إذا أمرتكم بأمر ) المراد بالأمر المأمور .(1/418)
"""""" صفحة رقم 419 """"""
وقوله : ( فأتوا منه ) أي من ذلك المأمور ، وإنما لم يجب شراء بعض رقبة في الكفارة لأنه ليس رقبة وبعض الماء ماء اه مناوي . في شرح التحرير . قوله : ( ويكون استعماله قبل التيمم ) فلا يقدم التيمم لئلا يتيمم ومعه ماء طاهر بيقين . قوله : ( أما ما لا يصلح للغسل ) أي والواجد له حدثه أصغر لأنه الذي يتوهم فيه كفاية الثلج والبرد لبعض أعضائه وهو الرأس ، أما من واجبه الغسل وهو ذو الحدث الأكبر فوجد أنه البرد والثلج كالعدم قطعاً ، إذ لا دخل لهما في رفع حدثه لأنه لا مسح فيه . قوله : ( فالأصح القطع الخ ) ومقابله وجوب المسح به بعد تيممه عن الوجه واليدين ثم يتيمم عن الرجلين . عزيزي . قوله : ( لا يجب مسح الرأس به ) أي إذا لم يغسل ما قبله وإِلا وجب استعماله ، وإن ذاب وجب استعماله وإن خرج الوقت عزيزي . قوله : ( إذ لا يمكن هنا ) أي في الحدث الأصغر تقديم مسح الرأس قضيته أنه لو وجد ما يكفي وجهه ويديه تعين المسح بالثلج والبرد ولا يجزئه التيمم عن الرأس وهو كذلك ، بل يستعمله في الرأس ويتيمم عن الرجلين .
قوله : ( من به نجاسة الخ ) قال ق ل : هذا لا حاجة إليه أو هو مضر اه . أي لأنه ليس مما نحن فيه . وجوابه أنه ذكر توطئة للصورة الثانية وهي ما لو احتاج للماء لإزالة خبث وحدث وكان لا يكفي إِلا أحدهما ، فإنه يصرفه للخبث ويتيمم عن الحدث . قوله : ( ويجب شراء الماء في الوقت ) ومثله شراء الآلة أو استئجارها . قوله : ( وكذا التراب ) أي ولو بمحل يلزمه فيه القضاء فيما يظهر م ر . قوله : ( بثمن مثله ) راجع للماء والتراب ولا يجب شراؤه بزيادة على ذلك ، وإن قلت . نعم إن بيع منه لأجل بزيادة لائقة بذلك الأجل وكان ممتداً إلى وصوله محلاً يكون غنياً فيه وجب الشراء . وقوله : وإن قلت وإنما سومح بالغبن اليسير في نحو الوكيل بالبيع أو الشراء ، لأن ما هنا له بدل مع كونه من حقوق الله تعالى المبنية على المسامحة ع ش على المنهج . وهذا ظاهر في الماء لا في التراب ، لأنه لا بدل له . وعبارته على م ر قوله : وإن قلت الزيادة ولو بما يتغابن بمثله عادة لأن للماء بدلاً متيسراً ، فلا يؤدي إلى الإخلال بمقصود الشارع من الإتيان بالطهر ، بخلاف نظيره في تصرف الوكيل بأن وكله في شراء معين ، فوجده الوكيل(1/419)
"""""" صفحة رقم 420 """"""
يباع بأكثر من ثمن مثله بما يتغابن به فله شراؤه ، لأنه الوكيل لو منع من شرائه لأدى إلى الإخلال بمقصود الموكل ، إذ لا بدل لما عينه الموكل بخلاف الماء فإن بدله وهو التراب يقوم مقامه فلا إخلال بمقصود الشارع اه . ويسن له شراؤه إذا زاد على ثمن مثله وهو قادر على ذلك . قوله : ( في تلك الحالة ) أي حالة الشراء . قوله : ( في الرخص ) أي التي منها التيمم . قوله : ( لدين عليه ) ولو مؤجلاً يحل قبل وصوله إلى وطنه أو بعده ولا مال له فيه ، وإِلا وجب شراؤه فيما يظهر ولا فرق بين أن يكون الدين لله تعالى أو لآدمي ، ولا بين أن يتعلق بذمته أو بعين ماله كعين رهنها على دين . قوله : ( محترم ) سواء كان آدمياً أم غيره ، ولا فرق بين احتياجه لذلك حالاً أو مآلاً ، ولا بين نفسه وغيره من رقيقه ورفقته وزوجته ، سواء في الكفار والمسلمون شرح م ر . ومن المحترم كلب منتفع به ، وكذا ما لا نفع فيه ولا ضرر على المعتمد فخرج نحو الكلب العقور . قوله : ( لم يجب عليه الشراء ) مقتضاه أنه يجوز له وليس كذلك فقوله لم يجب أي : ولم يجز . قوله : ( حتى المسكن ) أي اللائق به ، فلو كان مالكاً لمسكن غير لائق به وجب بيعه وإبداله بلائق ويشتري من الزائد الماء قياساً على زكاة الفطر قاله شيخنا العزيزي ، ومثله الخادم . قوله : ( مما سبق ) كنفقة حيوان محترم والمسكن والخادم والسترة . قوله : ( ولو وهب له ماء الخ ) المراد بالهبة وما معها ما يعم القبول والسؤال ، فيجب عليه وإعارة الماء وإجارته كذلك قاله ق ل . وفيما قاله آخراً نظر لأن شرط المعار أن ينتفع به مع بقاء عينه وكذا المؤجر ، اللهم إلا أن يصور بما إذا قال له المعير أو المؤجر توضأ به واجمعه لي ، فيجب عليه ذلك ولا بعد فيه ، وعبارة سم : والحاصل أن الماء يجب فيه خمسة أمور : الشراء والإجارة والإعارة والهبة والقرض ، وفي الآلة الثلاثة الأول فقط ، وأما الثمن فلا يجب فيه شيء من ذلك اه . وقد يقال ما المانع من أنه يجب فيه الاقتراض وقد يقال فيه منة أيضاً . قوله : ( ويشترط قصد التراب ) أشار به إلى أن هذا شرط لا ركن والمعوّل عليه أن التراب ركن وأن(1/420)
"""""" صفحة رقم 421 """"""
قصده ركن ونقله ركن فالأركان سبعة على المعتمد ، وشروط التراب خمسة : أن يكون طاهراً طهوراً ناشفاً له غبار لم يختلط بغيره ، ومعنى قصد التراب قصد تحويله على العضو كما يؤخذ من شرح م ر فتأمل .
قوله : ( فردّده ) أي ليتحقق وصوله إلى وجهه ، فلا يقال إن هذا فيه نقل وخرج ما لو أخذه عن العضو وأعاده ، فإنه يكفي ق ل . قوله : ( وإن قصد بوقوفه ) بخلاف ما لو تبرز للمطر في الطهر بالماء أو صابه اتفاقاً من غير بروز له فانغسلت أعضاؤه لأن المأمور به فيه الغسل واسمه مطلق ولو بغير قصد ، بخلاف التيمم كما قاله س ل . والغاية للرد على السبكي القائل بأنه يكفي في هذه الحالة اه .
قوله : ( لانتفاء القصد ) أي المعتبر وهو المقارن للنقل ، وعبارة م د قوله : لانتفاء القصد الأولى أن يقول لانتفاء النقل ، لأن المفقود في هذه الصورة النقل لا القصد . وعبارة م ر ومجرد القصد المذكور غير كاف ، وعبارة شرح المنهج لأنه لم يقصد التراب ، وإنما التراب أتاه لما قصد الريح اه وقضيته أنه لو قصد التراب بوقوفه في مهب الريح كفى . وليس كذلك بل لا بد من تحريك وجهه ليتحقق نقل التراب كما صرح به م ر .
قوله : ( بإذنه ) ولو كان المأذون صبياً أو كافراً أو حائضاً أو نفساء حيث لا نقض ، أما إذا لم يأذن فلا يصح لانتفاء قصده م ر . ولو علم قرداً مثلاً فأشار إليه ويممه ونوى صح ، وكانت إشارته إليه بمنزلة إذنه ، فقول ق ل : وإن لم يأذن لذلك الغير الخ ضعيف . قال م ر : فلو نوى الآذن ونقل المأذون فأحدث أحدهما بعد أخذ التراب وقبل المسح لم يضر ، كما ذكره القاضي حسين في فتاويه ، وهو المعتمد . أما الآذن فلأنه غير نافل ، وأما المأذون فلأنه غير متيمم ، وكذا لا يضر حدثهما في الحالة المذكورة . وقوله : لم يضر قال ع ش : ولا يحتاج حينئذ إلى تجديد نية ، بخلاف ما لو نقل بنفسه وأحدث فإنه يحتاج بعد ذلك إلى تجديد نية . قوله : ( ولا يشترط عذر ) ولكنه من غير عذر مكروه كما في الاستعانة في الوضوء . قوله : ( لإقامة فعل مأذونه الخ ) ظاهر التعليل كما قال ابن حجر اشتراط التمييز ، لكن قال م ر : لا يشترط وإطلاقه في الشارح يشهد له . قوله : ( ويجب عليه ) أي أن يأذن لغيره .(1/421)
"""""" صفحة رقم 422 """"""
قوله : ( جمع فريضة ) بمعنى مفروضة . قوله : ( هنا ) أي في هذا الفصل . قوله : ( وعدها في الروضة ) معتمد . قوله : ( سبعة ) ونظمها بعضهم فقال :
تراب ونقل ثم قصد ونية
ومسح لوجه ثم أيد مرتبها
فالترتيب هو السابع . قوله : ( والأولى ما في المنهاج ) ضعيف والمعتمد ما في الروضة من أنها سبعة فالتراب وقصده ونقله كل واحد منها ركن . قوله : ( لحسن عدّ الماء ركناً ) أجيب عنه بأنه عد التراب ركناً لكون التيمم طهارة ضعيفة . قوله : ( فداخل الخ ) أجيب عنه بأنه وإن كان لازماً للقصد إلا أنه لا يكتفي باللزوم لأن دلالة الالتزام لا تكفي في مثل هذا .
قوله : ( الركن الأول وهو الذي أسقطه للمصنف ) سلك هذه الطريقة في الأركان لأنه قدم أن الأولى ما في المنهاج من زيادة النقل على ما في المتن . قوله : ( نقل التراب الخ ) المراد به وجود النية ، والتراب على اليد مثلاً قبل مماستها للوجه سواء كان مع ضرب أو لا . ق ل . قوله : ( لم يكف ) عدل عن قول المنهاج لم يجز لأنه محتمل للإجزاء ع ش . وإن قرىء قول المنهاج لم يجز بضم الياء التحتية وسكون الجيم وكسر الزاي ساوى قوله : لم يكف . قوله : ( وإنما صرحوا بالقصد ) جواب عما يقال إن القصد داخل في النقل فيكون مغنياً عنه مع أن الأصحاب صرحوا بالقصد مع النقل وهذا أعني قوله : وإنما صرحوا الخ مؤخر من تقديم ، فكان من حقه أن يذكره عقب قوله : الواجب قرن النية به ، وكان يذكر قوله الركن الأول الخ عقب قوله رعاية للفظ الآية . وقوله : رعاية للفظ الآية أي لا لاحتياج العبارة إليه على كلامه اه .
قوله : ( المقرون بالنية ) من المقرون بها ما لو ضرب بيده ورفعها من غير نية ، ثم نوى قبل مماسة التراب لوجهه ، فإنه يكفي لأن هذا نقل كما لو لم ينقل ابتداء إلا من هذا الحد . قال الإسنوي : ولو كانت يده عليلة ونوى عند غسل وجهه رفع الحدث احتاج إلى نية عند التيمم(1/422)
"""""" صفحة رقم 423 """"""
بدلاً عن اليد لأنه لم يندرج في النية الأولى أو نوى الاستباحة فلا اه سم . قوله : ( متضمن له ) أي مستلزم له ، وليس المراد به التضمن المنطقي وفيه أن المخاطبات لا يكتفي فيها بدلالة الالتزام بل لا بد فيها من الدلالة المطابقية زي . قوله : ( رعاية للفظ الآية ) فإنها آمرة بالتيمم وهو القصد والنقل طريقه شرح المنهج . قوله : ( أو من عضو ورده إليه ومسحه به كفى ) بل ينبغي الاكتفاء أيضاً فيما لو نقله من بعض العضو إلى بعضه الآخر سم . قوله : ( إذ الكلام الخ ) علة لقوله أي نية استباحة الصلاة ونحوها فهو علة للتعميم .
قوله : ( فبان أكبر ) بالنصب خبر بأن على أنه من أخوات كان كما ذكره السيوطي . قوله : ( لأن موجبهما ) بفتح الجيم أي مقتضاهما واحد وهو مسح الوجه واليدين بالتراب . قوله : ( ولو أجنب في سفره الخ ) المقام للفاء لأنه تفريع على الشق الأول ، وهو قوله ظاناً أن حدثه أصغر فبان أكبر ، فكان الأولى أن يقول : فلو أجنب الخ كما عبر به غيره . وذكر هذه المسألة السيوطي ملغزاً فقال :
أليس عجيباً أن شخصاً مسافراً
إلى غير عصيان تباح له الرخص
إذا ما توضأ للصلاة أعادها
وليس معيداً للتي بالتراب خص والجواب :
لقد كان هذا للجنابة ناسياً
وصلى مراراً بالوضوء أتى بنص
كذاك مراراً بالتيمم يا فتى
عليك بكتب العلم يا خير من فحص
قضاء التي فيها توضأ واجب
وليس معيداً للتي بالتراب خص(1/423)
"""""" صفحة رقم 424 """"""
لأن مقام الغسل قام تيمم
خلاف وضوء هاك فرقابه تخص قوله : ( لما مرّ ) وهو أن موجب الأصغر هو موجب الأكبر ، فلذا أغنى عنه وهو علة لمحذوف تقديره دون الصلاة بالتيمم . قوله : ( ولا يكفي نية رفع حدث الخ ) هو شامل لما لو كان مع التيمم غسل بعض الأعضاء ، وإن قال بعضهم إنه يرفعه حينئذ م ر . قوله : ( لأن التيمم لا يرفعه ) أي ولا يطهر بل يبيح ، والمراد لا يرفعه رفعاً عاماً فلو نوى رفعاً خاصاً بفرض ونوافل أجزأ . وعبارة م د : نعم لو نوى بالحدث المنع من الصلاة وبرفعه رفعاً خاصاً بالنسبة لفرض ونوافل جاز . كما هو ظاهر ، لأنه نوى الواقع لأنه في معنى الاستباحة وإن لم يلاحظها . قوله : ( أو التيمم المفروض لم يكف ) ( محله ما لم يضفه لنحو الصلاة وما لم يرد الفرض البدلي ، فإن نوى فرض التيمم للصلاة أو التيمم المفروض للصلاة ونحوها أو نوى الفرض البدلي ، فإنه يصح لكن لا يصلي به الفرض أو نوى التيمم بدلاً عن غسل الجمعة صح ، لكن لا يستبيح به شيئاً كما إذا اغتسل للجمعة .
مسألة : عليه حدثان أصغر وأكبر فإن نواهما ارتفعا أو أحدهما معيناً له ارتفع دون الآخر ، والذي في كلام الرافعي يفيد أنه إن نوى رفع الحدث الأكبر ارتفع الأصغر ، وإن لم ينوه في نيته بل وإن نفاه سم . قوله : ( بخلاف التيمم ) أي فلا يسن تجديده بل يكره ع ش . قوله : ( فلو عزبت قبل المسح لم يكف ) ضعيف .
قوله : ( قال الإسنوي : والمتجه الخ ) معتمد . قوله : ( والتعبير بالاستدامة جري على الغالب ) بل لو لم ينو إِلا عند إرادة مسح الوجه أجزأه ذلك ، ولا ينافيه قولهم يجب قرنها بالنقل ، لأن المراد بالنقل النقل المعتدّ به وهو النقل من اليدين إلى الوجه ، وقد اقترنت النية به اه س ل . قوله : ( وإِلا فلا ) لعله مصور بالنقلة الثانية ، أما في الأولى فلا يضر غايته أنه يفتقر(1/424)
"""""" صفحة رقم 425 """"""
إلى تجديد النية قبل مماسة الوجه . وعبارة ق ل قوله : تنقض أي ولم ينو بعد رفع يديه عنها وقبل مسح وجهه وإِلا كفى اه . قوله : ( وأما ما يباح الخ ) مقابل لمحذوف أي أما بيان كيفية النية فقد تقدم ، وأما الخ وقوله : ( له ) أي الشخص ، وقوله : ( بنيته ) أي التيمم . قوله : ( فإن نوى استباحة فرض الخ ) حاصله أن نية الفرض تبيح الكل ، ونية النفل أو الصلاة أو صلاة الجنازة أو خطبة الجمعة تبيح ما عدا الفرض العيني ، ونية غير هذه الثلاثة مما يحتاج للتيمم تبيح ما عدا الصلاة من نحو مس المصحف وحمله وسجدة التلاوة والشكر والمكث في المسجد وقراءة القرآن ، ولو كانت فرضاً عينياً كتعلم الفاتحة فيستبيحه ، لأن الجميع في رتبة واحدة حتى لو تيمم لواحد منها كان له فعل البقية شوبري . والمعتمد أنه إذا تيمم لخطبة جمعة ولم يخطب جاز له أن يصلي به الجمعة ، لأن الخطبة بمثابة ركعتين فأشبهت الفروض العينية اه ع ش . ويمتنع الجمع بين الجمعة وخطبتها بتيمم واحد مطلقاً أي سواء تيمم للجمعة أم للخطبة ، وإن كانت خطبة الجمعة فرض كفاية لأن الخطبة بدل عن ركعتين ، كما قيل والقائل بالصحيح لا يقطع النظر عن الضعيف زي . ومن يصلي الجمعة بالتيمم لو لزمه صلاة الظهر صلاها بذلك التيمم كما في شرح م ر .
قوله : ( أو فرضاً فقط الخ ) محله إذا أضافه للصلاة أما لو نوى فرضاً وأطلق كأن نوى استباحة فرض ولم يزد على ذلك ، فإنه يستبيح ما عدا الصلاة لتنزيله على أقل درجات الفرض وهو تمكين الحليل ، وحمل نحو المصحف لمن نذره أو خاف عليه من أخذ كافر اه سم . وهذا هو الأحوط فلا يقال إن التنوين يكون للتعظيم ، وهذا إذا نكر الفرض كما ذكر ، أما لو عرّفه كأن نوى استباحة الفرض فإنه يحمل على فرض الصلاة لأن أل للكمال . قوله : ( فله النفل معه ) وإن نفي فعله فإن نوى عدم استباحته لم يصح التيمم اه ق ل .
قوله : ( أو نوى الصلاة وأطلق الخ ) . فإن قيل : المفرد المحلى بأل يفيد العموم ، فلماذا إذا قال نويت استباحة الصلاة لم يكن له أن يصلي الفرض والنفل ؟ أجيب : بأن عدم صلاته الفرض بهذه النية للاحتياط في العبادة كما في م ر .
قوله : ( صلى به النفل ) وكذا صلاة الجنازة لأنها تشبه النفل في جواز تركها ، وعبارة المنهج وشرحه أو نوى نفلاً والصلاة فله غير فرض عيني من النوافل وفروض الكفايات وغيرها كمس المصحف اه . قوله : ( ولا يصلي به الفرض ) أي غير الكفائي .(1/425)
"""""" صفحة رقم 426 """"""
قوله : ( أما في الأولى ) أي نية النفل . قوله : ( فلأن الفرض أصل ) أي للنفل أي أصل له في التكليف والمشروعية أي : لو لم يكلف بالفرض لم يكلف بالنفل ، ومن ثم لم يكلف الصبي بالنفل لانتفاء تكليفه بالفرض شوبري . قال البرماوي : والمراد أن الخطاب وقع أوّلاً بالفرض ليلة الإسراء . وأما السنن فسنها النبي بعد . وحاصله أن الفرض من الصلاة والطواف ولو بالنذر مرتبة أولى ، وأن نفلهما وصلاة الجنازة مرتبة ثانية ، وأن ما عدا ذلك ولو منذوراً مرتبة ثالثة ، وله في كل مرتبة استباحة ما فيها وما دونها .
تنبيه : يكفي في نذر الوتر تيمم واحد وكذا الضحى ونحو ذلك ق ل . وقال الشيخ البابلي نقلاً عن مشايخه : لو نذر التراويح وجب عليه عشر تيممات لوجوب السلام من كل ركعتين ، فليس الجميع كصلاة واحدة من هذه الجهة ولو نذر الضحى أو الوتر كفاه تميم واحد حيث لم ينذر السلام من عدد معين ، فإن نذره وجب التيمم بعدده . وفي فتاوى م ر ما يوافقه خلافاً لحج في شرح العباب . قوله : ( جاز له فعل البقية ) ولو مكرراً . قوله : ( صلاة الجنازة ) وإن تعينت ح ل . قوله : ( كالتيمم للنفل ) أي فلا يصلي به الفرض العيني .
قوله : ( مسح الوجه ) أي جنسه الصادق بالواحد والمتعدد كما في الوضوء . قوله : ( حتى ظاهر مسترسل ) أي وهو الطبقة العليا ولا يشترط تيقن وصول التراب إلى جميع أجزاء العضو بل يكفي غلبة الظن . قوله : ) فامسحوا بوجوهكم } ) النساء 43 ) . إن قلت : إن الباء إذا دخلت على متعدد تكون للتبعيض كما تقدم في قوله برؤوسكم . قلت : نعم ولكن لما كان مسح الوجه بدلاً عن غسله ، والبدل يعطي حكم المبدل منه خالفنا هذه القاعدة المتقدمة لذلك .
قوله : ( وأيديكم ) ذكر الأيدي من باب تقديم الدليل على المدلول .(1/426)
"""""" صفحة رقم 427 """"""
قوله : ( للآية ) يرجع لقوله مسح اليدين مع المرفقين . وقوله : لأن الله تعالى بيان لوجه الدلالة من الآية ، ويحتمل أن قوله للآية يرجع لقوله مسح اليدين ، وقوله : لأن الله تعالى يرجع لقوله مع المرفقين وقصده به الرد على القديم القائل بأن الواجب مسح الكفين ، وعلى هذا ففي عبارته سقوط العاطف قبل قوله لأن الله فتأمل . وقيل : إن قوله لأن الله تعالى علة للعلة وهو بيان لوجه دلالة الآية على مسح اليدين مع المرفقين ، مع أنها إنما دلت على مسح اليدين فقط فبين بقوله لأن الله تعالى الخ . أن المراد اليدان مع المرفقين ، أو يقال حمل المطلق هنا على المقيد في الوضوء ، وهذا جواب آخر غير جواب الشارح . قوله : ( على ما ذكرا ) أي من الصفة والترتيب والمراد بالصفة التعميم . قوله : ( لما مر ) أي من الاتباع وقوله : أبدأوا بما بدأ الله به . قوله : ( ولا فرق في ذلك ) أي في وجوب الترتيب . قوله : ( أو وضوء مجدد ) فيه نظر ، فلعل الراجح أنه لا يندب التيمم بدلاً عن تجديد الوضوء ، لكن في شرح م ر كما في عبارة الشرح أي من ندب التيمم بدلاً عن تجديد الوضوء ، وظاهره وإن تعدد منه ذلك مراراً كأن بقي وضوؤه وحضرته صلوات ، وأما لو كان تيممه عن حدث فلا يطلب منه تجديد التيمم ، ولعل الفرق بين بقاء وضوئه وبقائه على تيممه حيث طلب منه تجديد التيمم مع بقاء الوضوء ، ولم يطلب مع بقاء التيمم عن الحدث أنه هنا بدل عن الوضوء المطلوب ، فأعطى حكمه من فعله لكل صلاة مع بقاء الطهارة ، وأما التيمم عن الحدث فهو تكرار لما فعله مستقلاً وهو رخصة طلب تخفيفها فلا يسن تكرارها اه ع ش على م ر . وقوله : ( فلعل الراجح ) الخ ضعيف . قوله : ( أو غير ذلك ) كالتيمم لمس المصحف أو للمكث في المسجد .
قوله : ( فإن قيل الخ ) وارد على قوله ولا فرق في ذلك الخ . قوله : ( فأشبه الوضوء ) أي أشبه التيمم الوضوء في مطلق تعدد أعضاء كل منهما ، فلذا وجب الترتيب فيه . قوله : ( إلى منبت الشعر ) أي وإن طلبت إزالته كلحية المرأة وخرج به ما تحت الأظافر ، فيجب إيصال(1/427)
"""""" صفحة رقم 428 """"""
التراب إليه كالوضوء ق ل . وفرق بينه وبين عدم وجوب إيصال التراب إلى منابت الشعر الخفيف بأن الأظافر مطلوبة الإزالة بخلاف الشعر الخفيف شوبري . وقال ع ش : ظاهره ولو لحية امرأة ، لكن ظاهر قولهم إنه يجب إيصال التراب لما تحت الأظفار لأنه مأمور بإزالتها أنه يجب في لحية المرأة لأنها مأمورة بإزالتها ، والراجح أنه لا يجب إيصاله ولو في لحية المرأة للعسر اه .
قوله : ( ولا يجب الترتيب في نقل التراب الخ ) هذا تقييد لقول المصنف والترتيب ، فبين الشارح أن المراد الترتيب في المسح لا في النقل . وقوله : ( في نقل التراب ) أي تحويله . قوله : ( ومسح بيمينه ) راجع لكل من الصورتين قبله ، ومراده أنه لم يوجد ترتيب بين النقلتين من الأرض ، وعدم الترتيب في الثانية بالنسبة للعكس . وقوله : أو عكس هو محل الشاهد . قوله : ( ويشترط قصد التراب ) ضعيف ، والذي اعتمده م ر أنه لا يشترط . قوله : ( أو يطلق ) معطوف على قول معين . قوله : ( لم يجز أن يمسح ) ضعيف كما علمت . وقوله : ( ذكره القفال ) أي وجزم به في العباب ، ولكن الذي في شرح م ر أنه يجوز في الصورتين اه ا ج . قوله : ( بضربتين ) أي وإن أمكن بضربة بخرقة ، وصورتها بأن يضع الخرقة التي علق بها التراب على الوجه واليدين دفعة واحدة ، ثم يرتب ترديدها على الوجه واليدين ؛ فهذه الصورة صدق عليه فيها أنه تيمم بضربة واحدة مع الترتيب ، ولكن لم يصح التيمم لعدم تعدد الضرب نبه على هذا التصوير سم في حواشي ابن حجر . فلا حاجة لما أطال به بعضهم من التصاوير الفاسدة ، وتكره الزيادة عليهما إِلا لحاجة ومحل وجوب الضربتين إذا حصل الاستيعاب بهما ، فإن لم يحصل إِلا بأكثر من ذلك تعينت الزيادة كما هو ظاهر اه ا ج .
قوله : ( التيمم ضربتان ) ولا يتعين أن تكون ضربة للوجه وضربة لليدين ، فلو مسح ببعض(1/428)
"""""" صفحة رقم 429 """"""
واحدة وجهه وببعضها الآخر مع الأخرى اليدين أو عكسه كفى ق ل . فقوله ضربة للوجه وضربة لليدين جري على الغالب . قوله : ( كفي ) فالتعبير بالضرب جري على الغالب . قوله : ( بل أكثر من ذلك ) أي فمنها السواك ومحله بين التسمية والنقل ، كما أنه في الوضوء بين غسل اليدين والمضمضة اه ابن حجر . أقول : وهو يفيد أن التسمية لا يستحب مقارنتها للنقل ، بخلاف ما مر من استحباب مقارنتها لغسل الكفين في الوضوء ، وقياس ما ذكره هنا في التيمم أن يقال بمثله في الغسل فيسن التسمية له ثم السواك قبل استعمال الماء ، وعلى قياس الوضوء ، وقياس من مقارنة التسمية لغسل الكفين ينبغي أن تقارن هنا أول النقل ، فيكون السواك قبل النقل والتسمية ع ش على م ر . ويسن صلاة ركعتين عقبه قياساً على الوضوء كما صرح به م ر في فتاويه نقلاً عن البلقيني اه . قوله : ( كالوضوء ) يستفاد منه طلب الغرة والتحجيل في التيمم وهو كذلك ق ل . وفي هذه الاستفادة نظر لأنه قاس على الوضوء سن التسمية له وكذا قوله يؤخذ الخ . فيه نظر لذلك ويؤخذ من قوله كالوضوء أنه يزيد على التسمية الاستعاذة والتحميد كما قاله الغزالي في الوضوء ، لكن بإبدال الماء بالتراب بأن يقول قبله ذلك ، وينبغي استحباب الشهادتين بعده ، ومثلهما إنا أنزلناه ثلاثاً كطلبها عقب الوضوء قرره ح ف . قوله : ( ولو لمحدث حدثاً أكبر ) أي إذا قصد الذكر بها أو أطلق ، أما إذا قصد القرآن ولو مع الذكر فحرام كما مر . وقال في المجموع : إن الجنب يقتصر على أقل التسمية ، والراجح أنه يأتي بالأكمل .
قوله : ( وتقديم اليمنى ) ويسن أن يأتي به على كيفيته المشهورة ، وهي أن يضع بطون أصابع اليسرى سوى الإبهام تحت أطراف أنامل اليمنى بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى ، ولا مسبحة اليمنى عن أنامل اليسرى ، ويمرها على ظهر كفه اليمنى ، فإذا بلغ الكوع ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع ويمرها إلى المرفق ، ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع فيمرها عليه رافعاً(1/429)
"""""" صفحة رقم 430 """"""
إبهامه ، فإذا بلغ الكوع أمرّ إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى ، ثم يفعل باليسرى كذلك ، ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى ، وإنما لم يجب لأن فرضهما حصل بضربهما بعد مسح وجهه وجاز مسح ذراعيه بترابهما لعدم انفصاله مع الحاجة ، إذ لا يمكن مسح الذراع بكفها فصار كنقل الماء من بعض العضو إلى بعضه ، لأن اليدين كعضو واحد قاله في المجموع شرح م ر .
قوله : ( والموالاة ) هذا محله في السليم ، أما صاحب الضرورة فتجب الموالاة في طهره كما سيذكره الشارح . قوله : ( بتقديره ) أي التراب ماء . قوله : ( وتجب الموالاة الخ ) وتجب أيضاً في وضوء السليم وتيممه وغسله إذا ضاق وقت الفريضة . قوله : ( بقسميها ) أي المذكور في المتن ، وهو الموالاة بين الوجه واليدين ، والمذكور في الشرح وهو الموالاة بين التيمم والصلاة . قوله : ( وتخفيف الغبار ) أي بنفضه أو نفض اليد إذا كان كثيراً ، وأما مسح التراب عن أعضاء التيمم فالأحب كما في الأم أن لا يفعله حتى يفرغ من الصلاة شرح م ر . قوله : ( أو ما يقوم مقامهما ) أي الكفين من خرقة ونحوها أو ضمير التثنية للتخفيف وجنس الكفين ، فالقائم مقام التخفيف النفخ ومقام الكفين الخرقة اه ا ج . قوله : ( في أول الضربتين ) أي في أول كل من الضربتين ، أما في الأولى فلزيادة إثارة الغبار ، وأما في الثانية فليستغني بالواصل لما بين الأصابع من التراب عن المسح بما على الكف اه . م د بزيادة . قوله : ( وتخليل أصابعه ) أي إذا فرق في الثانية وإلا بأن لم يفرق فيهما ، أو فرق في الأولى فإنه يجب في هاتين الصورتين . وعبارة شرح المنهج : ويسنّ نزع خاتمه في الأولى ليكون مسح الوجه بجميع اليد ، ويجب نزعه في الثانية ليصل التراب إلى محله ، ولا يكفي تحريكه بخلافه في الطهر بالماء ، لأن التراب لا يدخل تحته بخلاف الماء فإيجاب نزعه إنما هو عند المسح لا عند النقل اه بحروفه . وقوله : ( ولا يكفي تحريكه ) أي إن لم يصل وقوله فإيجاب نزعه الخ . قال م ر في شرحه : وإيجابه ليس لعينه بل لإيصال التراب لما تحته لأنه لا يتأتى غالباً إِلا بالنزع ، حتى لو حصل الفرض بتحريكه أو لم يحتج إلى واحد منهما لسعته كفى ، كما أنه لو كان ضيقاً بحيث يعلم عدم وصول الماء إلى ما تحته في الطهر به إِلا بتحريكه أو نزعه وجب اه باختصار . قال العراقيون : وسقط فرض الراحتين وما بين الأصابع حين ضربهما . قالوا ، فإن قيل : قد صار التراب مستعملاً فكيف يمسح به الذراعين ولا يجوز نقل الماء الذي غسلت به إحدى اليدين إلى الأخرى ؟ فالجواب بوجهين : أحدهما : أن اليدين كعضو واحد ، فلا يحكم بالاستعمال إِلا(1/430)
"""""" صفحة رقم 431 """"""
بالانفصال والماء ينفصل بخلاف التراب . الثاني : أن المتيمم يحتاج إلى ذلك ، إذ لا يمكنه مسح الذراع بكفها بل يفتقر إلى كف الأخرى ، فصار كنقل الماء من بعض العضو إلى بعضه ذكره كله في المجموع . قال الأسنوي : والجواب الأول يقتضي أن انتقال الماء من إحدى اليدين إلى الأخرى مع الاتصال لا يصيره مستعملاً شرح التنقيح . قوله : ( من أوجبه ) أي عدم الرفع .
وقوله : ( والذي يبطل التيمم ) أي ينتهي به اه م د . قوله : ( ثلاثة ) الأول والثالث جاريان في التيمم لفقد الماء ولغيره ، وأما الثاني فخاص بمن يتيمم لفقد الماء . قوله : ( ما أبطل الوضوء ) أي إن كان التيمم عن حدث أصغر ، أما لو كان التيمم عن حدث أكبر ، فإنه لا يبطل بالحدث الأصغر . ويلغز ويقال : لنا رجل متيمم بال وتغوّط ونام غير ممكن ولمس ومس وجنّ وأغمي عليه ولم يبطل تيممه ، وصورته ما ذكر . قوله : ( رؤية الماء ) ليس المراد رؤية البصر فقط ، بل المراد العلم فدخل الأعمى ، ولو كان الماء قليلاً وإن لم يكف لطهارته ولو عمت الجراحة وجهه ويديه ورأسه ورجلاه سليمتان وفقد الماء وتيمم تيمماً واحداً ، ثم رأى الماء بطل تيممه بالنسبة إلى رجليه لأن تيممه عنهما لفقد الماء ، وقد ورد عليه ولا يبطل بالنسبة لبقية الأعضاء لأن تيممه عنها للعلة وهي باقية ، إذ بطلان بعض الطهارة لا يقتضي بطلان كلها سواء كانت بالماء أو بالتراب اه شوبري . قوله : ( الطهور ) لا حاجة لتقييده بالطهور ، إذ رؤية الماء مضرة مطلقاً كذا قيل ، ويردّ بأن قوله الآتي إن لم يقترن يفيده التقييد بذلك .
قوله : ( في غير وقت الصلاة ) أي وقت التلبس بها أي : قبل التلفظ بالراء من أكبر ، ولا فرق بين الفرض والنفل في الصلاة وإن كانت تسقط بالتيمم ا ج . قوله : ( وإن ضاق الوقت ) أي فيمن تلزمه الإعادة حج أي إذا كان في حد القرب لأنه إذا لم تلزمه الإعادة الأمن على الوقت حينئذ كما تقدم وفي سم ما هو صريح في بطلان التيمم برؤية الماء مطلقاً أي سواء كان ممن تلزمه الاعادة أم لا . أي : إذا كان الماء في حد الغوث ، ثم إن هذا غاية في التيقن الذي هو الرؤية أي العلم كما قال المصنف بخلاف التوهم ، فإنه يشترط الأمن على خروج الوقت ، وكذا يشترط الأمن على ضيق الوقت بحيث لو توضأ خرج الوقت لانتفاء المبيح في التيقن زي .(1/431)
"""""" صفحة رقم 432 """"""
والمناسب أن يفسر الضيق بما إذا توضأ لم يبق من الوقت ما يسعها . قوله : ( حجج ) أي سنين جمع حجة بكسر الحاء كسدرة . قوله : ( رواه الحاكم ) أي أيضاً فلا ينافي قوله لخبر أبي داود . وفي حج : ورواه وهي ظاهرة .
قوله : ( وكذا توهم الماء ) ومثله الآلة والرشاء أي : بشرط الأمن على الوقت ، ولو كان المحل يغلب فيه وجود الماء ، ويشترط أن يكون في حد الغوث نظراً للعلة وهي قوله لوجوب طلبه ، إذ لا يجب طلبه إذا توهمه في حد القرب ، والرشاء بكسر الراء وهو الحبل الذي يستقي به ، فعطفه على الآلة عطف خاص على عام . قال ع ش على م ر : ومنه أي التوهم ما لو توهم زوال المانع الحسي كأن توهم زوال السبع فيبطل تيممه لوجوب البحث عن ذلك ، بخلاف توهم زوال الشرعي كتوهم الشفاء فلا يبطل التيمم اه . قوله : ( رؤية سراب ) أي ما لم يتيقن عند رؤية ابتدائه أنه سراب وإِلا فلا بطلان .
فرع : لو قال واحد لجمع متيممين أبحتكم هذا الماء أو وهبته لكم وهو يكفي واحداً فقط بطل تيمم الكل قاله في الجواهر . والظاهر عدم توقف البطلان على القبول سم .
فرع : نام متيمم متمكناً ومر به ماء حال نومه ولم ينتبه حتى وصل أي الماء إلى محل لا يلزمه طلبه هل يبطل تيممه لتقصيره أو لا لعدم علمه ؟ اختار م ر عدم البطلان لعدم علمه ، كما لو كان هناك بئر خفية ولا قضاء عليه ، وقد يقال بالبطلان ويفرق بتقصير النائم بخلاف البئر الخفية اه ا ج . وجزم م ر بالأول ، ويؤيده حديث : ( ليس في النوم تفريط ) .
فرع : هل مجرد توهم فاقد الطهورين التراب في الصلاة يبطلها ، كما لو توهم المتيمم الماء خارج الصلاة حيث يبطل تيممه لوجوب القضاء وانتفاء الطهارة مطلقاً ونقصانها أي الصلاة حتى قيل إنها غير صلاة شرعية أو لا . فيه نظر . ومال م ر إلى البطلان . قال : إِلا أن يوجد نقل بخلافه اه سم ع ش على المنهج .
قوله : ( غمامة مطبقة بقربه ) أي بحدّ الغوث فما دونه فيما يظهر قاله حج .(1/432)
"""""" صفحة رقم 433 """"""
قوله : ( فلو سمع قائلاً الخ ) هذه فروع خمسة غير متفرعة على ما قبلها ، فكان الأولى تأخيرها وذكرها بعد قوله : وإنما يبطله وجود الماء الخ . كما فعل في شرح الروض فإنها متفرعة عليه فتأمل . قوله : ( عندي لغائب ماء ) أي وهو يعلم غيبته وعدم رضاه ، فإن كان يعلم حضوره أو لم يعلم من حاله شيئاً بطل تيممه لوجوب السؤال عنه ، ومثله ما لو قال : عندي من ثمن خمر ماء فإنه يبطل تيممه لوجوب البحث عن صاحب الماء ، فيحتمل كفره وهو يرى للخمر ثمناً فيكون مانعاً لأنه يقال له ثمن عنده ، ويحتمل أن يكون الخمر لمسلم فعنده لا ثمن للخمر فيكون غير مانع . والضابط أنه إذا تقدم المانع لم يبطل التيمم بخلاف تأخره كعندي ماء للعطش شرح م ر . قوله : ( لمقارنة المانع ) لعل المراد بالمقارنة عدم التأخر فيصدق بالمتقدم . قوله : ( أي وبطل تيممه الخ ) أي هنا ليست تفسيرية ، وإنما هي بمعنى أيضاً أي وبطل التيمم أيضاً أي كما وجب السؤال بطل التيمم كما قرره الشيخ عبده ، والمشهور أنها للفصل بين كلامين ، فيكون الكلام الذي بعدها لغير القائل لما قبلها فلا يظهر أنها بمعنى أيضاً . قوله : ( عندي ماء ورد ) وكذا عندي ماء نجس أو مستعمل . قوله : ( قبل الشروع فيها ) أي التكبيرة والمعية كالقبلية .
قوله : ( يمنع من استعماله ) ومثل المانع من استعمال الماء ما لو كان في سفينة وخاف غرقاً كما قال حج . ويصح أن يلغز بذلك ويقال : لنا رجل سليم الأعضاء غير فاقد للماء يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه ، وصورته : ما لو كان في سفينة وخاف غرقاً لو أخذ الماء من البحر يتيمم ولا يعيد ، وقد نظم ذلك بعضهم فقال :
وما رجل للماء ليس بفاقد
سليم لعضو من مبيح تيمم
تيمم لا يقضي صلاة وهذه
لعمري حق في كتاب مفخم
أجاب كاتبه مضمناً الشطر الأخير في السؤال :
لقد كان هذا في السفينة راكباً
وخاف سقوطاً لو توضأ فافهم
يصلي ولا يقضي وهذاك جائز
لعمري جزماً في كتاب معظم(1/433)
"""""" صفحة رقم 434 """"""
قوله : ( كعطش ) مانع شرعي . وقوله : ( وسبع ) مانع حسي . قوله : ( لأن وجوده ) اقتصر عليه لأن التوهم كالعدم بالأولى . قوله : ( فإن وجده في صلاة الخ ) هذا محترز قول المتن المارّ في غير وقت الصلاة ، والمراد وجده ولو في حد القرب وإن ضاق الوقت ، ولا ينافي هذا ما تقدم في وجوب الطلب في حد القرب من أنه يشترط أمن خروج الوقت لأن ذلك مفروض فيما يسقط فرضه بالتيمم ، بخلاف ما لا يسقط فرضه بالتيمم فيجب الطلب وإن خرج الوقت مرحومي وخرج بوجوده توهمه أي في الصلاة فلا تبطل به الصلاة مطلقاً ، ويبطل به غيرها كقراءة وطواف ووطء ق ل . وانظر لو رأى الماء في الصلاة وشك هل هذا المحل مما يغلب فيه الفقد أو الوجود فهل تبطل لتردده أم لا ؟ لأنا تحققنا الانعقاد وشككنا في المبطل كل محتمل . والظاهر عدم البطلان . للعلة المذكورة قبله وفي ق ل على الجلال وجوب القضاء إن قارن شكه التحرم وظاهره بطلانها .
والحاصل : أن رؤية الماء وتوهمه والقدرة على ثمنه وزوال العلة تارة تكون مع حائل وتارة تكون بلا حائل ، وإذا كانت مع حائل فتارة يتقدم علمه وتارة يتأخر وتارة يقارن ، فهذه ست عشرة صورة حاصلة من ضرب أربعة في أربعة ، وعلى كل إما أن يكون قبل الصلاة أو فيها وهي تسقط بالتيمم أو لا . فالجملة ثمانية وأربعون صورة فإن تقدم علم الحائل أو قارن فلا بطلان مطلقاً وأما إذا كان بلا حائل أو بحائل متأخر فتارة يكون ذلك قبل التلبس بالصلاة ، وتارة يكون بعد التلبس بها ، فإن كان قبل التلبس بها بطل مطلقاً وإن كان بعد التلبس لها لم يبطل في التوهم مطلقاً ، وأما في غيره فينظر إن كانت الصلاة يسقط فرضها بالتيمم لم تبطل وإِلا بطلت لبطلان التيمم .
قوله : ( لا يسقط قضاؤها ) أي فعلها ، والمراد بالقضاء الأداء لأن أحدهما يطلق على الآخر ، فاندفع ما يقال إن هذا لا يقال له قضاء في الاصطلاح . قوله : ( بأن صلى الخ ) علم من ذلك أن العبرة بمحل الصلاة لا بمحل التيمم ، والعبرة أيضاً بزمن الصلاة فقط لا جميع العام سم ، والعبرة أيضاً بتحرمها . قوله : ( لم يبطل تيممه ) ويبطل بمجرد سلامه ، وإن علم أن الماء تلف كما يأتي وليس له بعد السلام أن يدخل نفسه في الصلاة لسجود السهو بخلافه لتذكر ركن فله ذلك لأنه منها كما أفاده شيخنا ح ف . قوله : ( لأنه شرع في المقصود ) إن قلت : هذا التعليل يأتي في الصلاة التي لا تسقط بالتيمم وتقدم أن التيمم يبطل بوجود الماء فيها . قلت : قد أشار في شرح المنهج إلى الجواب بقوله في التعليل لتلبسه بالمقصود ، ولا مانع من إتمامه(1/434)
"""""" صفحة رقم 435 """"""
أي بخلاف الصورة المتقدمة ، فهناك مانع من إتمام الصلاة وهو وجوب الإعادة قرره شيخنا . قوله : ( كما لو وجد المكفر الرقبة بعد الشروع في الصوم ) أي فإنه إذا وجد الرقبة بعد شروعه في الصوم لا يبطل الصوم ، لكن الأفضل له قطع الصوم وإعتاقها وكالصوم والإطعام ، فإنه إذا قدر على غيره بعد الشروع فيه لا يجب العدول إلى غيره ، لكن الأفضل له ذلك ، وهل يقع الصوم فرضاً أو نفلاً إذا عدل إلى الإعتاق فيه نظر ، والأقرب الثاني ، وإن كان نوى به الفرض وبقي ما لو انقطع تتابع الكفر هل يتعين عليه العتق حيث وجد الرقبة أم يستأنف ؟ فيه نظر والأقرب الأول اه ط ف . قوله : ( ليس حدثاً ) أي حتى يبطل به التيمم . قوله : ( لكنه مانع من ابتداء التيمم ) أي لا من دوامه ويغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ، فلا بد من هذه الضميمة . قوله : ( ولا فرق في ذلك ) أي في البطلان في المسألة الأولى وعدم البطلان في المسألة الثانية . قوله : ( وصلاة جنازة ) أي فيسقط طلبها في محل يغلب فيه الفقد .
قوله : ( والنفل ) هذا يقتضي أن النفل يتعلق به القضاء وعدمه وفيه بعد ، ولعل المراد أنه يسقط طلبه في محل يغلب فيه الفقد . قوله : ( في أثناء صلاته ) أي التي تسقط بالتيمم بأن كانت بمحل يغلب فيه الفقد أو يستوي الأمران .
قوله : ( ثم نوى الإقامة ) صريح في أن نية الإقامة بعد رؤية الماء وليس قيداً بل نية الإقامة مع رؤية الماء كذلك في الأوجه سم . وظاهره أن نية الإقامة تضر هنا سواء كان مستقلاً ماكثاً أم لا . ويفرق بينه وبين ما يأتي في قطع السفر حيث اشترطوا فيه الاستقلال بسعة باب السفر عن باب التيمم ، إذ القصر جائز وإن لم تكن ضرورة ، وهنا لا يتيمم إلا عن ضرورة فأدنى شيء يبطله اه ا ج . قوله : ( عند رؤية الماء ) أي مع الرؤية وبالأولى نية الإتمام بعد الرؤية اه ا ج . والحاصل : أن الإقامة بالفعل ونية الإقامة ونية الإتمام إن كانت بعد رؤية الماء أو معها أبطلت التيمم ، وإن كانت قبل رؤية الماء فلا تبطله . قوله : ( تغليباً لحكم الإقامة في الأولى ) أي أنه اجتمع سفر باعتبار أول الصلاة وإقامة باعتبار آخرها فغلبنا الإقامة وقلنا بالبطلان . قوله : ( لحكم الإقامة ) أي وهو الإتمام والإتمام كافتتاح صلاة أخرى . وقوله : ( ولحدوث ) الخ المراد بالحدوث ما يشمل المقارنة ، وإن كان الحدوث ظاهراً في غير المقارنة . قوله : ( فيها وفي الثانية ) أي فالأولى معللة بعلتين والثانية معللة بعلة واحدة .(1/435)
"""""" صفحة رقم 436 """"""
قوله : ( كوجدان المسافر ) جري على الغالب وإِلا فمثله الحاضر . قوله : ( على حدث ) أي وأخذت من الصحيح ما لا بد منه للاستمساك .
قوله : ( وقطع الصلاة ) فرضاً كانت أو نفلاً ، وإن كانت في جماعة تفوت بالقطع . وقال م ر : لا يقطعها حينئذ وعبارته ومحل قطعها ما لم يكن في الأولى فضيلة خلت عنها الثانية ، فإن كان في الأولى فضيلة كذلك بأن كانت جماعة وكانت الثانية خالية عن الجماعة فإتمامها بالجماعة أفضل ، ومحل كون قطعها أفضل فيما إذا وجد الماء بدليل قوله : ليتوضأ ويصلي . أما إذا جوّزه فيها فلا يقطعها ، إِذ لا معنى له بل يحرم عليه قطعها حينئذ م ر اه ط ف . وعبارة م ر في شرحه تقتضي استواء قطعها وقلبها نفلاً كما قاله ا ج خلافاً لما قاله المرحومي من أن الأفضل قلبها نفلاً ذكره م د . وما قاله المرحومي هو المعتمد ، واعتمد شيخنا ح ف أن قطعهاأفضل من قلبها نفلاً ، وهذا أعني قوله وقطع الصلاة الخ . مرتبط بقوله : وإن أسقط التيمم قضاءها لم يبطل تيممه ، فكان الأولى ذكره عقبه فهو مؤخر من تقديم كما يؤخذ من شرح المنهج .
قوله : ( إلا إذا ضاق وقت الفريضة ) أي بأن كان لو توضأ وقع جزء منها خارجه س ل على المنهج تبعاً للحلبي ، ومال م ر إلى أن المراد ضيق الوقت عن وقوعها أداء حتى لو كان إذا قطعها وتوضأ أدرك ركعة في الوقت قطعها سم و ع ش ورجع عنه ، ومال إلى الأول فالمعوّل عليه ما ذكره الحلبي والشيخ س ل . قوله : ( ولو يمم ميت الخ ) . حاصله أنه لو يمم الميت وكان المحل يغلب فيه الفقد أو يستوي الأمران ووجد الماء ، فإن كان في أثناء الصلاة أو بعدها فلا يجب غسله ولا إعادة الصلاة ، وإن كان قبل الصلاة بطل التيمم وغسل وصلى عليه ، وإذا كان المحل يغلب فيه وجود الماء ورئي الماء في أثناء الصلاة أو قبلها أو بعدها ، فإن كان قبل الدفن وجب الغسل والصلاة أو بعد الدفن فلا يجب نبشه وغسله إن تغير وتجب إعادة الصلاة على قبره بالوضوء . وقوله : بالوضوء ليس بقيد لأن الكلام في تيمم الميت لا في تيمم المصلي عليه ، ثم ظهر أنه قيد بالوضوء لكون الماء موجوداً ، فإن لم يتغير نبش وغسل وصلى عليه ، والمعتمد أنه متى دفن لا ينبش مطلقاً بل يصلى عليه على القبر كما قاله بعضهم . قوله : ( صلى عليه ) الظاهر أنه استعمل صلى فيما يشمل الشروع في الصلاة ليصح قوله سواء كان في أثناء الصلاة أو لا . قوله : ( سواء أكان ) أي الوجود .(1/436)
"""""" صفحة رقم 437 """"""
قوله : ( ويحتمل أن لا يجب ) محمول على السفر . قوله : ( وما قاله ) أي البغوي أي ما قاله أولاً من وجوب إعادة الغسل والصلاة في السفر والحضر ، والمراد في محل يغلب فيه وجود الماء ، فالمراد بالحضر لازمه وهو غلبة وجود الماء ، والمراد بالسفر لازمه أيضاً وهو غلبة فقد الماء . قوله : ( شيء من ذلك ) أي من غسله والصلاة عليه .
قوله : ( فعلم أن صلاة الجنازة ) هذا علم من قوله : ولا فرق في ذلك بين صلاة الفرض الخ . ومن كلام البغوي وما بعده علم من قوله : ولو يمم ميت الخ . وعبارة ق ل : ولو رأى الماء الخ . هذا راجع للحي ، فلو ذكره قبل مسألة الميت لكان أنسب اه . وعبارة بعضم قوله فعلم أي من قوله وما قاله محله في الحضر الخ . فقوله : وإن تيمم الميت كتيمم الحي أي في أنه إذا يمم في الحضر تجب الإعادة أو في السفر لا تجب الإعادة ، لكن هذا الذي علم من كلام الشارح فيه تفصيل ، وهو أنه إذا يمم في الحضر إنما تجب الإعادة إذا كان المحل يغلب فيه الوجود ، وإذا يمم في السفر محل عدم الإعادة إذا كان المحل يغلب فيه الفقد أو يستوي الأمران كما هو معلوم من كلامهم ، وعبر بالحضر والسفر لأن الغالب في الأول وجود الماء وفي الثاني عدمه اه .
قوله : ( وكان مقتضاه ) أي التعليل . وقوله : ( لكن خالفناه ) أي هذا المقتضي . قوله : ( ويسلم الثانية ) وليس له أن يسجد للسهو بعد سلامه ولو ناسياً ، وإن قصر الفصل لبطلان تيممه بالسلام اه حج . وأقره ع ش . وقال م ر : يسجد وأقره البابلي ب ر . قوله : ( ووجب النزع ) أي إن علم ولو بإعلامها له ولم يكذبها ، فإن كذبها لم يجب عليه النزع . قوله : ( لم يجب عليه النزع ) ولا يجب عليه اعلامها بالماء إن رآه اه ق ل . قوله : ( ولو رأى الماء في أثناء قراءة ) هذا محترز قوله في أثناء صلاة . قوله : ( لبعد ارتباط بعضها ببعض ) وإن كان ما انتهى إليه يحرم(1/437)
"""""" صفحة رقم 438 """"""
الوقف عليه لأنه معرض عن القراءة لا مستمر حتى يحرم الوقف كمن أجنب عندما يحرم الوقف عليه لا يحرم عليه الوقف على ذلك ، بل يجب . وكذا الطواف لجواز تفريقه . قال حج في شرح العباب : وقد يؤخذ من التعليل أنه لو رآه أثناء خطبة الجمعة أتمها إذ لا يجوز تفريقها اه ح ل . قوله : ( الذي لم ينو قدراً ) بأن أطلق في نيته وهو بدل من الذي الأول ، وفي نسخة التي فيكون صفة للصلاة والعائد محذوف تقديره فيها أي بعد قوله قدراً . وقوله : ( ركعتين ) مفعول يجاوز وعبارة المنهج وشرحه والمتنفل الواجد للماء في صلاته إن نوى قدراً أتمه ، وإلا فلا يجاوز ركعتين وخرج بالواجد للماء المجوّز له فله أن يصلي ما شاء . قوله : ( قبل قيامه ) هذا يقتضي أنه إذا رآه بعد نهوضه لنحو ثالثة أتمها ، لكن قال ق ل : لعل المراد بقوله قبل قيامه قبل تلبسه بها بأن لم يصل إلى محل تجزىء فيه القراءة . قوله : ( فإن نوى ركعة ) هذا محترز قوله الذي لم ينو قدراً وعطف قوله أو عدداً على قوله ركعة يقتضي أن الواحد لا يقال له عدد وهو طريقة الحساب . وذكر م ر في شرحه ما حاصله : أن طريقة الفقهاء إطلاق العدد على ما يشمل الواحد فراجعه . قوله : ( ولا يزيد عليه ) يفهم أنه يجوز له النقص بالنية وهو كذلك . قوله : ( ولو رأى الماء في أثناء الطواف بطل تيممه ) أي مطلقاً ولا يتأتى التفصيل بين أن يكون المحل يغلب فيه وجود الماء أو فقده بدليل قول الشارح بناء على أنه يجوز تفريقه الخ . قوله : ( بناء الخ ) معتمد ، وإذا تطهر بني على ما مضى كما سيأتي في كتاب الحج . .
قوله : ( الردة ) ولو صورة كالواقعة من الصبي ، وإنما بطل التيمم بالردة لأنه للاستباحة وهي منتفية مع الردة . قوله : ( بخلاف الوضوء ) أي وضوء السليم وكذا غسله ، أما وضوء وغسل صاحب الضرورة فكالتيمم فيبطلان بالردة على المعتمد اه زي . قوله : ( وصاحب الجبائر ) أي أو الجبيرة أو اللام للجنس فيصدق بالواحد والمتعدد اج . والجبائر جمع جبيرة(1/438)
"""""" صفحة رقم 439 """"""
والجبيرة فعيلة بمعنى فاعلة لأنها تجبر ، فلذا لحقتها التاء كفقير وفقيرة لأن فعيلاً إذا كان بمعنى فاعل تلحقه التاء ، وأما إذا كان بمعنى مفعول فإنه يستوي فيه المذكر والمؤنث كجريح وقتيل . قال في الخلاصة :
ومن فعيل كقتيل إن تبع
موصوفه غالباً التا نمتنع
وسميت جبيرة تفاؤلاً بأنها تجبر . قوله : ( ويشد عليها ) أي يقع الشدّ عليها فعليها نائب فاعل يشد . وقوله : ( لخوف ) الخ علة لقوله حيث عسر نزعها ، فإن لم يخف وجب النزع ويظهر أن محله إن أمكن غسل الجرح أو أخذت بعض الصحيح ، أو كانت بمحل التيمم وأمكن مسح العليل بالتراب ، وإلا فلا فائدة في وجوب النزع اه س ل . قوله : ( والشقوق ) أي وكذا الشقوق في تنزيل ما يدخل فيها من الدهن منزلة الجبيرة حتى يجب المسح على ظاهره بالماء لمنع ما قطر فيها من وصول الماء إليها . قوله : ( إذا احتاج إلى تقطير شيء ) أي وقطر بالفعل إذ لا يلزم من الاحتياج إلى التقطير التقطير بالفعل أي : فيكون هذا الشيء بالنسبة لما تحته جبيرة يأتي فيه تفصيلها ، وكان المناسب أن يقول وما قطر في الشقوق أي إن أخذ من الصحيح شيئاً اه .
قوله : ( ويجب مسح كلها ) أي الجبيرة وما ألحق بها مما تقدم إن أخذت من الصحيح شيئاً كما يأتي ، ولا يكفي مسح بعضها ق ل . قال حج : كان قياسه أنه لا يجب مسح الزائد على ما أخذته من الصحيح لما تقرر أن مسحها إنما هو بدل عنه لا عن محل الجرح ، لأن بدله التيمم لا غير فوجوب مسح كلها مشكل . إلا أن يجاب بأن تجديد ذلك لما شق أعرضوا عنه وأوجبوا الكل احتياطاً ، ويجب مسح الساتر ولو كان به دم لأنه يعفى عن ماء الطهارة ، ومسحه بدل عما أخذه من الصحيح ، ومن ثم لو لم يأخذ شيئاً أو أخذ شيئاً وغسله لم يجب مسحه على المعتمد كما في الشوبري . وعبارة ق ل : ويعفى عن الدم الذي عليه وإن اختلط بماء المسح قصداً لأنه ضروري ، وتتوقف صحة المسح عليه ولو سقطت جبيرته في الصلاة بطلت صلاته سواء كان بريء أم لا ، كانقلاع الخف بخلاف ما لو رفع الساتر لتوهم البرء فبان خلافه فإنه لا يبطل تيممه كما في شرح م ر .
قوله : ( بخلاف التراب الخ ) علم منه أن الجبيرة لو عمت أعضاء التيمم سقط التيمم ، إذ لا معنى لمسحها بالتراب فيصلي كفاقد الطهورين ويعيد فاحفظه مد . قوله : ( وإن كانت في محله ) لكن يسن سم . قوله : ( فلا يؤثر من وراء حائل ) بخلاف الماء فإنه يؤثر من ورائه في(1/439)
"""""" صفحة رقم 440 """"""
نحو مسح الخف م ر . قوله : ( لا ينزع للجنابة ) وعدم نزعه للجنابة يقتضي عدم التقدير بمدة . قوله : ( بخلاف الخف فيهما ) أي عدم ورود التأقيت وعدم النزع للجنابة لأنه ورد فيه التأقيت ويجب فيه النزع للجنابة . قوله : ( ونحوه ) كحائض ونفساء وذات ولادة . قوله : ( متى شاء ) أي قبل الغسل أو بعده أو في أثنائه والأول أولى ليزيل الماء أثر التراب ق ل . قوله : ( وقت غسل عليله ) وله تقديم التيمم على المسح ؟ والغسل وهو أولى لما ذكر ق ل . قوله : ( ويشترط في الساتر ليكفي ما ذكر ) أي وهو الاعتداد بالمسح مع عدم إعادة الصلاة ، فمتى أخذت بقدر الاستمساك ووضعها على طهر وغسل الصحيح وتيمم عن الجريح ومسح على الجبيرة بشرطه صح ولا إعادة عليه ، وبهذا التقرير اندفع ما لبعضهم هنا ا ج . وقال ع ش : الأولى ويشترط لوجوب مسح الساتر أن يأخذ من الصحيح شيئاً ، نعم يشترط لوجوب القضاء أن لا يأخذ من الصحيح إلا ما لا بد منه للاستمساك ، لكن ليس الكلام إلا في القضاء وعدمه . وقوله : ليكفي ما ذكر أي المسح ، وفيه نظر لأن المسح كاف وإن أخذت من الصحيح زائداً على قدر الاستمساك ، غاية الأمر أنه يجب القضاء ، فالمناسب أن يقول ويشترط في عدم القضاء في صورة المسح على الساتر أي وكان يؤخر ذلك ويذكره عقب قوله ويصلي ولا إعادة عليه ، فقوله : ويشترط في الساتر ليكفي ما ذكر مقدم عن محله وحيث قدمه الشارح ، فقوله ليكفي ما ذكر أي مع عدم وحوب الإعادة ليصح كلامه فتأمل .
قوله : ( أن لا يأخذ الخ ) لو قال أن يأخذ من الصحيح شيئاً كما مر لكان أولى بل هو الصواب ، والتقييد بما لا بد منه ليس في محله لأنه إنما يعتبر لعدم الإعادة كما يأتي ق ل . قوله : ( بأقصى الممكن ) لا حاجة لذكر الأقصى ، بل هو مضرّ للمتأمل لأن الممكن ليس مقولاً بالتشكيك اه ق ل . بزيادة . قوله : ( وجوباً ) عائد لمسح ويغسل ويتيمم بدليل الدليل خلافاً لظاهر كلامه فتأمل ق ل . قوله : ( لما روى أبو داود الخ ) هذا الحديث دليل للثلاثة التي هي التيمم والمسح والغسل اه . قوله : ( ثم يمسح ) بمعنى الواو ، وظاهر الحديث أنه يمسح عليها(1/440)
"""""" صفحة رقم 441 """"""
مطلقاً أي أخذت من الصحيح شيئاً أم لم تأخذ ، مع أن المصرح به أنه لا يمسح عليها إلا إذا أخذت . ويجاب بأن الخطابات الواقعة في الكتاب والسنة على الغالب ، والغالب الأخذ كما قرره شيخنا العزيزي . قوله : ( ما تحت أطرافه ) أي الساتر . قوله : ( وقضية ذلك ) أي قول ومسح كل الساتر الخ . قوله : ( لا يجب ) الأولى لم يجب ليطابق جواب لو شرطها في المضي . قوله : ( والفصد ) أي ومحل الفصد . قوله : ( وعصابته كاللصوق ) فيقال فيها يجب مسحها بالماء بدلاً عما أخذته حيث كان بقدر الاستمساك ، ولا قضاء إن وضع على طهر كما سيأتي . وقوله : ( ولما بين ) الخ . معلوم أن ما بين الحبات صحيح ، لكن إذا خاف من غسله محذور تيمم كفى التيمم عنه وعن الحبات ، فإن وضع عليه ساتراً مسحه بالماء . وقوله : ( ولما بين ) الخ أي وهناك ساتر إذ ما لا ساتر عليه سيأتي . قوله : ( من اللصوق ) المناسب أن يقول من العصابة . قوله : ( نزعه ) أي اللصوق . قوله : ( مسحه ) أي اللصوق . قوله : ( ويعفى عن هذا الدم ) ويفرق بينه وبين دم حلق الرأس إذا اختلط بأجنبي ، وهو ماء الحلق الثاني بأن هذا ماء طهارة فاغتفر بخلاف ذاك .
قوله : ( لمصلحة الواجب ) وهو مسح اللصوق والإضافة فيه وفيما بعده بيانية وقوله على دفع مفسدة الحرام وهو تنجيس المحل . ويرد عليه أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . وأجيب : بأنه خولف هنا احتياطاً للعبادة مع أن جنس الدم معفوّ عنه . قوله : ( وإذا تيمم ) أي ومسح الساتر بدليل ما بعده . قوله : ( لفرض ) متعلق بقوله تيمم الأول . وعبارة المنهج : ومن تيمم لفرض آخر ولم يحدث لم يعد غسلاً ولا مسحاً . قوله : ( لم يعد الجنب ونحوه ) كحائض .(1/441)
"""""" صفحة رقم 442 """"""
قوله : ( والمحدث الخ ) أي ابتداء الذي فعل هذه الأمور الثلاثة بعد أن أحدث ، لا أنه أحدث بعد فعل هذه الثلاثة ، إذ هذه الصورة مفروضة فيما إذا لم يحدث بعدها فتأمل . وفصله عن الجنب وإن كان حكمهما واحداً لعله لما فيه من الخلاف ، لأن الشارح كثيراً ما يراعي متن المنهاج وهو يحكي الخلاف . قوله : ( ما بعد عليله ) وكذا ما قبله كما يؤخذ من عبارة المنهج لأنها شاملة للجنب والمحدث ، وإنما قيد الشارح بذلك لأنه الذي يتوهم وجوب إعادته مراعاة للترتيب ، لأنه إذا كانت العلة في يديه وتيمم لفرض آخر ولم يحدث ربما يتوهم أنه يعيد مسح الرأس وغسل الرجلين مراعاة للترتيب . قوله : ( وإنما يعيد التيمم ) من وضع الظاهر موضع المضمر ، ويكفيه تيمم واحد وإن كان في الأصل متعدداً كما إذا كان في وجهه جراحة وفي يديه وفي رجليه وعمت رأسه ، فإنه يجب عليه أربع تيممات ، فإذا أراد فرضاً آخر تيمم تيمماً واحداً ، لأن وجوب التعدد أو لا مراعاة للترتيب والترتيب الآن ساقط فاحفظه اه . م ر . قوله : ( بخلاف من نسي لمعة ) فإنه يغسلها ويعيد غسل ما بعدها وهذا مرتبط بقوله : فلا يحتاج إلى إعادة غسل ما بعد عليله .
قوله : ( وإذا امتنع وجوب الخ ) صريح في جواز استعماله أو ندبه ، وإن حصل به ضرر وليس كذلك ، وكيف يجامع جواز الماء المفهوم من لفظ وجوب قوله الآتي وجب التيمم . وعبارة المنهج : وإذا امتنع استعماله الخ أي حرم فلو أسقط لفظ الوجوب لكان أولى كما قاله ق ل . وانظر هل يحرم الاستعمال عند خوف بطء البرء القياس الحرمة كما هو صريح قول م ر حيث قال : ويصح أن يريد به تحريمه عند غلبة حصول المحذور بالطريق الشامل لبطء البرء اه . قوله : ( وجب التيمم ) عدل عن قول المنهج وجب تيمم ، وعبارة متن المنهاج كالشارح . قال م ر في شرحه : وعرّف التيمم بالألف واللام إشارة للرد على من ذهب إلى أنه يمر التراب على المحل المعجوز عنه ، فيكون المراد بالتيمم إمرار التراب على المحل . قوله : ( إن كان ) أي موضع العلة . قوله : ( في حديث عمرو بن العاص ) عبارة م ر لما روي عنه أنه قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت أي خفت أن أغتسل فأهلك فتيممت وصليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي فقال : ( يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ) فأخبرته(1/442)
"""""" صفحة رقم 443 """"""
بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله يقول : ) ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً } ) النساء 29 ) فضحك ولم يقل شيئاً . اه قال حج ، قوله لعمرو : ( صليت ) صريح في تقريره على إمامته ، فإن قيل بلزوم الإعادة أشكل بأن من تلزمه الإعادة لا تصح إمامته أو بعدم لزومها أشكل بأن المتيمم للبرد تلزمه الإعادة . وقد يجاب بأنه إنما يفيد صحة صلاته ، وأما صحة صلاتهم خلفه فهي واقعة حال محتملة أنهم لم يعلموا بوجوب الإعادة حالة الاقتداء ، فجاز اقتداؤهم لذلك . وحينئذ فلا إشكال أصلاً ، ولم يأمره النبي بإعادة الصلاة ، لأنه يعلم أن ابن العاص يعرف الحكم ، أو أنه أخر الأمر إلى وجود الماء لأن تأخير البيان لوقت الحاجة جائز . قوله : ( وتوضأ وضوءه للصلاة ) وكان جنباً وتيمم للبرد وصلى إماماً .
قوله : ( قال البيهقي الخ ) إشارة إلى أن هذا الحديث لا يستدل به على ما ذكر إلا بالمعنى الذي ذكره البيهقي ، وهو أنّ هناك تيمماً أيضاً ، وإلا فظاهر الحديث أنه لا تيمم أصلاً ، فكيف يستدل به ؟ وهذا تيمم للبرد أي والبرد كالمرض والجرح المتقدمين .
قوله : ( ويتلطف ) بالبناء للفاعل أو المفعول أي : يترفق . وكذا قوله الآتي ويتحامل ، والمراد أنه يتلطف وجوباً إن أدى ترك التلطف إلى دخول الماء إلى الجراحة . وقد أخبره الطبيب بضرر الماء إذا وصل إليها كما ذكره ع ش . فإن تعذر غسله وأمكنه مس الماء بلا إفاضة وجب ، بخلاف ما إذا لم يمكنه إلا مسحه بالماء فلا يجب لأن المسح لا يقوم مقام الغسل . وقوله : وجب أي لقول الشافعي رضي الله عنه : أمسه ماء بلا إفاضة ولا يكفي مسحه بالماء ، وما قيل إن الشافعي قال مسحه بماء فهو خطأ وتحريف في عبارة الإمام السابقة ، وفارق الاكتفاء بمسح الجبيرة عنه لأنه مسحها بدل عن غسله وما هنا أصل ، ولا يكفي المسح عنه لأن الغسل أقوى . قوله : ( فإن تعذر ) أي غسل الصحيح ولا يجب نزع ساتر خفيف من نزعه ، وإلا وجب النزع خلافاً للأئمة الثلاثة ق ل . قوله : ( ولو جرح عضواً المحدث ) بالتثنية وأصله عضوان للمحدث حذفت النون للإضافة واللام للتخفيف والألف لالتقاء الساكنين ، فهو مرفوع بالألف المحذوفة لالتقاء الساكنين على النيابة عن الفاعل لجرح أي : ما تقدم إذا كانت العلة في عضو واحد وهنا فيما إذا كانت في عضوين . قوله : ( فيهما ) أي في بعضهما لا في كلهما ، وإلا وجب تيمم واحد كما يأتي . قوله : ( فيجب تيممان ) هذا إذا كانت العلة في بعض كل منهما أو عمتهما(1/443)
"""""" صفحة رقم 444 """"""
وكانا غير متواليين كالوجه والرجل ، أما إذا عمتهما وكانا متواليين فيكفيه تيمم واحد . قوله : ( لتعدد العليل ) كالوجه واليدين أو الرجلين واليدين ، وكذا لو عمت الوجه وبعض اليدين .
والحاصل : أنه متى وجب الترتيب تعدد التيمم وإلا فلا . قوله : ( وكل من اليدين والرجلين الخ ) فلو كانت العلة في وجهه ويديه تيمم عن الوجه قبل الانتقال إلى يديه ثم تيمم عن يديه قبل الانتقال لمسح الرأس اه ح ل . قوله : ( ويستحب أن يجعل كل واحدة الخ ) . فإن قيل : إذا كانت العلة في وجهه ويديه وغسل صحيح الوجه أوّلاً جاز توالي تيمميهما فلم لا يكفيه تيمم واحد كمن عمت الجراحة أعضاءه ؟ فالجواب : أن التيمم هنا في طهر تحتم فيه الترتيب فلو كفاه تيمم واحد حصل تطهير الوجه واليدين في حالة واحدة ، وهو ممتنع بخلاف التيمم عن الأعضاء كلها لسقوط الترتيب بسقوط الغسل زي ومثله شرح م ر .
قوله : ( فأربعة ) ولا بد لكل واحد منها من نية مستقلة على المعتمد ، لأن كل واحد منها طهارة مستقلة لا تكرير لما قبله قاله ع ش على م ر . والمراد بقول الشارح فأربعة أي في الطهارة الأولى ، فلو صلى فرضاً ولم يحدث وأراد آخر كفاه تيمم واحد . قوله : ( لسقوط الترتيب بسقوط الغسل ) أي وغسل الصحيح ، فإن كان حدثه أكبر كفاه تيمم واحد ، وإن تعدد محالّ العلة وتعددت الجبائر إذا لا ترتيب في طهره سم .
حادثة : تقع كثيراً تتعلق بالحمصة التي توضع في الذراع مثلاً بعد الكي . وحكمها : أنه إن قام غيرها مقامها في مداواة الجرح لم يعف عنها ، فلا تصح الصلاة مع حملها ، وإن لم يقم غيرها مقامها صحت الصلاة معها ولا يضر انتفاخها في المحل ما دامت الحاجة داعية إليها ، وبعد انتهاء الحاجة يجب نزعها فإن تركه بلا عذر ضر ولا تصح صلاته اه ع ش في شروط الصلاة على م ر .
قوله : ( إن كان وضعها على طهر ) أي كامل من الحدثين كالخف لا طهر العضو وحده ، وقول المصنف على طهر أي : ولم يسهل نزعها وكانت في غير أعضاء التيمم ولم تأخذ زيادة على قدر الاستمساك ، فعدم الإعادة مقيد بقيود أربعة . فإن وضعت على حدث وجبت الإعادة إلا في صورة واحدة وهي : ما إذا كانت في غير أعضاء التيمم ولم تأخذ من الصحيح شيئاً .(1/444)
"""""" صفحة رقم 445 """"""
والحاصل : أن الجبيرة إن كانت في أعضاء التيمم وجبت الإعادة مطلقاً ، وإن كانت في غيرها فإن لم تأخذ من الصحيح شيئاً فلا إعادة مطلقاً ، وإن أخذت زيادة على قدر الاستمساك وجبت الاعادة مطلقاً ، وإن أخذت ما لا بد منه للاستمساك فإن وضعها على طهر ولم يسهل نزعها فلا قضاء ، وإلا بأن وضعها على حدث أو سهل النزع وجب القضاء اه شوبري . ونظم بعضهم ذلك فقال :
فلا تعدو الستر قدر العلة
أو قدر الاستمساك في الطهارة
وإن يزد عن قدر فأعد
أو مطلقاً وهو بوجه أو يد قوله : ( لأنه ) أي المسح على الجبيرة . وقال بعضهم . لأنه أي عدم الإعادة أولى الخ . قوله : ( على محل التيمم ) أي في الوجه أو اليدين . قوله : ( لنقصان البدل ) وهو التيمم لأن التراب لا يمر على جميع العضو لوجود الساتر المانع من وصوله . وقوله : ( والمبدل منه ) أي وهو الطهر بالماء . قوله : ( يقتضي أنه لا فرق ) أي في عدم وجوب الإعادة بين كون الجبيرة في أعضاء التيمم أو في غيرها ، وهذا الإطلاق ضعيف . والمعتمد التفصيل فقوله وما في الروضة أوجه معتمد . وقوله : ( لما ذكر ) أي لنقص البدل والمبدل منه . قوله : ( وإن وضعها على حدث الخ ) مفهوم المتن . قوله : ( من أعضاء الطهارة ) لو قال من أعضاء البدن أو من أجزاء البدن لكان أولى .
قوله : ( وجب نزعها الخ ) أي إن أخذت من الصحيح شيئاً أو كانت بأعضاء التيمم ، وإن لم تأخذ وكان المناسب أن يقول وجبت الإعادة . قوله : ( لأنه ) أي مسح الجبيرة المعلوم من المقام . قوله : ( لفوات شرط الوضع ) بالإضافة البيانية أي : شرط هو الوضع م د . وكان الأولى أن يقول للبيان لأن الإضافة البيانية يشترط فيها أن يكون بين المضاف والمضاف إليه عموم وخصوص وجهي كخاتم حديد .
قوله : ( وكذا يجب القضاء إن أمكنه النزع ) أي لعدم صحة المسح أي لأن واجبه الغسل وحينئذ فوجوب القضاء لعدم صحة الصلاة ، وفي تسميته قضاء تسامح لأن الأولى لم تصح(1/445)
"""""" صفحة رقم 446 """"""
حينئذ كما قرره شيخنا قال م د . وظاهر كلام الشارح صحة التيمم في هذه الحالة مع وجوب القضاء وليس مراداً ، فلعل المراد وجب القضاء لفساد تيممه حيث وجب النزع . قوله : ( وكان وضعها على طهر ) ليس بقيد لأنه لو وضعها على حدث وجب القضاء أيضاً بالأولى . قوله : ( نظراً للغالب ) علم منه الاكتفاء بذلك في المنع ولا يتوقف على تحقيق كونه للشرب . قال م ر : وأما الصهاريج المسبلة للشرب ، فالوضوء منها حرام لقصر الواقف لها على الشرب أو للانتفاع فيجوز منها الوضوء . وغيره ، وإن شك فيها اجتنب الوضوء منها قاله العز بن عبد السلام . وقال غيره : يفرق بين الخابية والصهريج ، فإن ظاهر الحال في الخوابي الاقتصار على الشرب بخلاف الصهاريج ، والأوجه تحكيم العرف في مثل ذلك ويختلف باختلاف الحال . قوله : ( وصلى به ) أي بتيممه .
قوله : ( ولو نسي الماء الخ ) الماء ليس قيداً بل مثله إضلال ثمن الماء ونسيان آلة الاستقاء وإضلالها . واعلم أن المسائل التي فيها الشارح عدم الإعادة متممة ، ومناسبة لقول المتن في الجبيرة ولا إعادة وما فيه الإعادة فهو استطرادي . قوله : ( أو أضله فيه ) أي تسبب في ضياعه فيه ، وفي المختار وأضلة أضاعه وأهلكه . قال ابن السكيت : أضللت بغيري إذا ذهب منك ، وضللت المسجد والدار إذا لم تعرف موضعهما ، وكذا كل شيء مقيم لا يهتدى له ، فعلى هذا يقرأ رحله في قول الشارح ما لو أضل رحله بالنصب على المفعولية . قوله : ( بعد إمعان الطلب ) فيقضي إذا لم يمعن في الطلب بالأولى ق ل . قوله : ( لكنه قصر في الوقوف ) احترز به عما لو أدرج له ماء في رحله من غير علمه أو ورثه ولم يشعر به ، فإنه لا إعادة عليه إذا تيمم بعد الطلب ، وإن كان الماء موجوداً معه لعدم تقصيره شيخنا . وقوله : لكنه قصر فيه أنه لم يقصر . وعبارة شرح المنهج لوجود الماء حقيقة أو حكماً معه ، ونسبته في إهماله حتى نسيه أو أضله إلى تقصيره اه . قوله : ( أو حكماً ) أي فيما إذا نسي ثمنه أو آلته . قوله : ( كما لو نسي ساتر العورة ) أي فصلى عرياناً ثم تذكرها وهذا مستثنى من حديث : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ) كما استثنى منه غرامة المتلف اه م ر .(1/446)
"""""" صفحة رقم 447 """"""
قوله : ( وفي الثانية ) أي والشخص في الثانية عذر نادر أي ذو عذر نادر ، والعذر النادر إذا وقع لا يدوم . وحينئذ تجب الإعادة بخلاف العذر العام إذا وقع دام فلا إعادة . قوله : ( بأن مخيم الرفقة ) هو بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء المفتوحة . قال شيخنا : ومخيم الرفقة أي خيامهم ، والخيام ليس قيداً لأن الحكم عام ، وفيه أن مخيم بمعنى الخيام لم نجده في المصباح ولا في المختار ولا في القاموس . قوله : ( أوسع من مخيمه ) يؤخذ منه أنه لو اتسع مخيمه كما في مخيم بعض الأمراء كان كمخيم الرفقة أي فلا قضاء عليه ، والمعول عليه في الاتساع وعدمه الاتساع بالفعل لا الشأن كما يؤخذ من شرح م ر . قوله : ( لإضلاله ) بأن تاه عنها .
قوله : ( فروع ) هي خمسة : الأول : اتلاف الماء . الثاني : التصرف فيه ببيع أوهبة . الثالث : مروره به . الرابع : تعارض حاجة العطشان وحاجة الميت والماء تركة الميت . الخامس : الإيصاء وهذه الفروع مناسبة لكلام الشارح والماتن المتقدم من جهة الكلام على الإعادة تارة وعدم الإعادة تارة أخرى . قوله : ( لو أتلف الماء في الوقت ) هذا هو الفرع الأول وصوره ستة لأنه إما أن يتلف الماء في الوقت أو بعده أو قبله ، وعلى كل إما أن يكون لغرض أو لا بأن كان عبثاً ولا إعادة في الصور الستة ويعصي في ثلاث منها ، وهي ما إذا أتلفه في الوقت أو قبله أو بعده عبثاً . قوله : ( في الوقت ) ليس بقيد بل مثله ما إذا كان بعد الوقت كما في م ر . وقوله لغرض أي دنيوي أو ديني ، ومثل الأول بمثالين وهما التبرد والتنظف ، ومثل الثاني بمثال واحد وهو تحير المجتهد أي بأن اشتبه عليه ما آن طهوره وغيره .
قوله : ( وتحير مجتهد ) أي في الماء فلم يدر الطهور من غيره فأتلف الماءين لصحة تيممه حينئذ لعدم وجود ماء معه . قوله : ( للعذر ) ويصور بما إذا كان عدم التبرد واالتنظف يضره فيقدمهما عليه لأن له بدلاً وهو التيمم تأمل . وقوله : ( أو بعده ) أي عبثاً أيضاً . والحاصل : أنه متى كان عبثاً عصى سواء كان في الوقت أو بعده ، فقوله أو بعده معطوف على قوله في الوقت(1/447)
"""""" صفحة رقم 448 """"""
الواقع بعد قوله عبثاً والمراد بالوقت الوقت الأدائي كما يعلم كل ذلك من شرح م ر . قوله : ( أو بعده ) أي بعد خروجه . قوله : ( أما إذا أتلفه قبل الوقت ) أي لا لغرض أصلاً بل عبثاً ، وهذا محترز قوله أو أتلفه عبثاً في الوقت أو بعده ، ويدل على أنه لا لغرض قوله وإن كان يعصي الخ . قوله : ( لما مر ) أي لأنه تيمم وهو فاقد للماء . قوله : ( ولو باعه الخ ) . حاصله أنه إن تصرف فيه قبل الوقت فلا محذور ، وإن تصرف فيه بعد الوقت لاحتياج ، فكذلك ، أو بلا احتياج فلا يصح تصرف ولا تيممه ما دام قادراً على استرداده وهو باق ، فإن تلف وتيمم بعد تلفه صح تيممه ولا قضاء وإن عجز صح تيممه وقضى الصلاة التي فوته أي الماء في وقتها لأن بيعه تفويت له ولو كان معه خمسة أرطال ماء مثلاً يحتاج منها للطهارة قدر رطلين فقط فباع الخمسة هل يأتي فيه قولاً تفريق الصفقة فيصح فيما لا يحتاج إليه ويبطل فيما يحتاج إليه ، أو لا يصح في الجميع ؟ قال بعضهم بالثاني نظراً إلى أن ماء الطهارة لا ينضبط . وقال شيخنا بالأول لأن ماء الطهارة منضبط ا ج م د . قوله : ( كعطش ) مثال للمنفي وهو الحاجة . قوله : ( عن تسليمه ) فيه أن المعتبر في الصحة القدرة على التسليم ، وإن لم توجد القدرة على التسليم . وقد يجاب بأن الشارح رحمه الله بنى هذه العلة على الغالب ، لأن الغالب أن من عجز فيه عن التسليم يكون معجوزاً عن تسليمه ، والعجز هنا شرعي لا حسي لأنه وجد فيه التسليم حساً .
قوله : ( وبهذا ) أي بتعينه للطهر لأن من لزمته كفارة لا يتعين لها أعيان ماله ، والديون لا تتعلق بالأعيان بل تتعلق بالذمم اه . أقول : لعل هذا في حال الحياة ، أما بعد الموت فتتعلق بها أي بالأعيان ليلائم قولهم من مات وعليه دين تعلق بتركته كمرهون فتأمل . قوله : ( فارق ) أي عدم الصحة هنا . قوله : ( وعليه أن يسترده ) عطف على قوله السابق لم يصح بيعه ولا هبته فهو مرتبط به . قوله : ( فلا يصح تيممه ) هذا صريح في وجوب قضاء الصلاة مطلقاً أي سواء التي فوّته في وقتها وما بعدها كما هو صريح عدم صحة التيمم ووجوب الاسترداد ، وظاهر أنه لا فرق بين أن يكفي لوضوء واحد فقط أو أكثر ، ووجهه معه عند كل تيمم سم . قوله : ( ما قدر عليه ) وكان في حد القرب ، فإن كان بحد البعد صح التيمم ولا قضاء . قوله : ( فإن عجز عن استرداده ) والحال أنه باق بدليل ما يأتي من قوله ولو أتلف الخ . قوله : ( قبل دخول وقتها ) أي(1/448)
"""""" صفحة رقم 449 """"""
وقت ما سواها كأن باعه في وقت الظهر مثلاً وعجز عن استرداده في عشرة أوقات مثلاً بعد هذا الظهر الذي باعه فيه ، فإنه يتيمم لهذا الظهر وتجب عليه إعادته لإتلافه الماء الذي تعين عليه الطهر به ، أما العصر الذي بعده أو المغرب مثلاً فيتيمم ولا يقضيها ما دام عاجزاً عن الاسترداد . قوله : ( ولا يقضي تلك الصلاة ) كان الأولى أن يقول ولا يؤدي تلك الصلاة الخ . لأن القضاء يكون خارج الوقت مع أنه ليس مراداً ، لأن المراد أنه يؤديها في الوقت إلا أن يجاب بأن مراده بالقضاء معناه عند ، اللغويين وهو الأداء . قوله : ( ولو أتلف الماء الخ ) هذا محترز قيد ملحوظ عند قوله قبل ، وعليه أن يسترده . تقدير هذا إذا كان باقياً وكان الأولى أن يقول : فلو أتلف الخ بفاء التفريع ، ووجد التعبير بها في بعض النسخ وهي أظهر ، أو كان يقول أما لو أتلف الماء الخ وقوله : ( ولو أتلف الماء ) أي البائع أو الواهب بدليل قول ق ل . وكذا لو أتلفه غيره ولمناسبة قوله ثم تيمم وصلى اه م د . لكن هذا لا يناسب قوله ويضمن الماء ، إذ لا معنى لضمان المشتري للماء حيث كان المتلف هو البائع كما لا يخفى ، فالأظهر أنه بصيغة المفعول ويكون المتلف غير البائع قاله بعضهم . قوله : ( لما سلف ) أي لأنه تيمم وهو فاقد للماء . قوله : ( ويضمن الماء المشتري ) أي ضمان المغصوب لأن المقبوض بالشراء الفاسد يضمن ضمان المغصوب أي بأقصى القيم في المتقوم ، وبالمثل في المثلى ، فيضمنه هنا بالمثل لأن الماء مثلى ، ومحل ضمان المشتري إذا كان المتلف غير البائع وإلا صار آخذاً لحقه . قوله : ( ولو مرّ بماء الخ ) أي على ماء . هذا هو الفرع الثالث . قوله : ( وبعد عنه ) بأن صار فوق حد القرب السابق .
قوله : ( لما مر ) أي لأنه تيمم وهو فاقد للماء ، إذ لا يجب عليه أن يرجع ويطلب الماء من المحل البعيد . قوله : ( ولو عطشوا ) بكسر الطاء والجمع ليس قيداً . قوله : ( لا بمثله ) حاصله أنه إن وقع الغرم بمحل لا قيمة للماء فيه وجبت قيمته بمحل الشرب أو بمحل له فيه قيمة وجب مثله لأنه مثلى اه ق ل . أي : لم يكن لنقله إلى محل التلف كأرض الحجاز مؤنة ، وإلا ضمنه بقيمته بمحل التلف كما في شرح م ر في باب الغصب ، وخرج بعطشهم ما لو احتاجوا للطهارة ولو للصلاة على ذلك الميت فالميت مقدم عليهم ، فإن فضل عن كفايته شيء وجب حفظه للوارث ويتيممون ، فإن تطهروا به أثموا وضمنوه للوارث اه شوبري . قوله : ( ولو كان مثلياً ) أي والحال أنه مثلى ، فالواو للحال ولو وصية . قوله : ( ببرية ) بفتح الباء الثانية نسبة(1/449)
"""""" صفحة رقم 450 """"""
إلى البر وهو ما قابل البحر . قوله : ( ثم رجعوا ) معطوف على قوله كانوا ببرية . وقوله : إذ لو ردوا الماء علة لقوله لا بمثله أو لقوله ضمنوه بقيمته . قوله : ( إلى وطنهم ) ليس قيداً ، فالمراد رجعوا إلى محل لا قيمة للماء فيه . قوله : ( غرم ) أي الشارب ، والمناسب غرموا . ومحل ذلك ما لم يكن لنقله مؤنة وإلاغرم القيمة بمحل الإتلاف كما قاله المرحومي . قوله : ( ولو أوصى الخ ) هذا خامس الفروع ، ونظم بعضهم ما فيه بقوله :
أوصى لأولي الناس بالما قدّما
عطشان ثم ميت قد علما
يليه ذو نجاسة فالنفسا
فحائض فجنب لا تنسا
فمحدث فإن كفى هذا فقط
قدم على السوي حفظت من غلط
وقوله : ( بصرف ) أي دفع .
قوله : ( لأن ذلك ) أي الغسل . وعبارة م ر ثم ميت وإن احتاجه الحي لطهره للصلاة عليه إماماً أو تعينت صلاته عليه بأن لم يوجد غيره ، كما أفاده الوالد رحمه الله خلافاً لبعض المتأخرين ، إذ غسل الميت متأكد لعدم إمكان تداركه مع كونه خاتمة أمره بخلاف الصلاة عليه لإمكان تداركها على قبره اه بحروفه . فما ذكره الشارح هنا بقوله لأن ذلك الخ جزء العلة . وقوله : ( متأكد ) أي بالنسبة لغسل الحي فلا ينافي أنه واجب . قوله : ( فإن مات اثنان ) أي مرتباً بدليل ما بعده . قوله : ( بغلبة الظن ) متعلق بقوله الأفضل والباء للسبية . وقوله : لكونه متعلق بقوله لأفضليته . وقوله : لا بالحرية راجع لقوله بغلبة الظن ، لأن الرق انقطع بالموت . وقوله : ( ونحو ذلك ) أي كالسن والذكورة . قوله : ( فإن استويا ) أي في الشرف . قوله : ( ولا يشترط قبول الوارث ) أي لفظا وأما قبوله معنى وهو عدم الد فإنه يشترط قوله : ( المتنجس بعد الميت ) أي سواء ذو النجاسة المغلظة وغيرها خلافاً لبعض المتأخرين ، إذ مانع النجاسة شيء واحد ، بخلاف تقديم نحو حائض على جنب إذ مانع الحيض زائد على مانع الجنابة اه م ر . قوله :(1/450)
"""""" صفحة رقم 451 """"""
( فإن اجتمعا ) أي الحائض والنفساء ، وكان الموافق للعربية اجتمعتا كقامتا وقعدتا بتاء التأنيث . وقوله : قدم أفضلهما يصح أفضلهما وفضلاهما عملاً بقول الخلاصة وما المعرفة :
أضيق ذو وجهين عن ذي معرفه
قوله : ( نعم إن كفى الخ ) وكذا لو تعدد الجنب أو الحائض أو الميت فمن يكفيه قدم ، وكذا لو كفى أحد الميتين دون الآخر ، ولو كان الآخر الذي لا يكفيه أفضل كما هو القياس على مسألة المحدث اه . قوله : ( ويتيمم المعذور الخ ) أي سواء كان عذره حسياً أو شرعياً ، وهذا شروع في البحث الخامس من مباحث التيمم وهو ختامها . قوله : ( لكل فريضة ) عينية ولو منذورة من الصلوات أو إلا طوفة ولو صبياً كما سيذكره الشارح . قوله : ( لقوله تعالى : ) إذا قمتم إلى الصلاة } ^ ) وجه الدلالة أن قوله : إذا قمتم في حكم النكرة في حيز الشرط فتعم ، والمعنى إذا وجد منكم قيام وهذا يصدق بكل قيام للصلاة اه عزيزي . قوله : ( عن ابن عمر الخ ) أي وهو لا يقول ذلك من قبل رأيه ، بل لا بد من توقيف منه . قوله : ( في ذلك ) أي في التيمم لكل فرض .
قوله : ( فرض الطواف ) فالطواف كالصلاة ، فإذا نوى استباحة طواف الإفاضة أو الوداع صلى به فرضاً أي إن لم يطف وإذا نوى استباحه نفل طواف صلى به نقلاً . قوله : ( بين طوافين ) كطواف إفاضة ووداع أو طواف حج وعمرة .
قوله : ( وبين صلاة الجمعة ) أي وكذا غيرها من الفروض .
فرع : لو تيمم للخطبة وخطب ولم يصلّ بمحل الخطبة ، ثم انتقل لمحل آخر هل له أن(1/451)
"""""" صفحة رقم 452 """"""
يخطب فيه بذلك التيمم ؟ قال سم : له أن يخطب إن زاد على الأربعين في المحل الثاني ، وإن كان من الأربعين في الأول اه ا ج . والمعتمد كما قاله ح ل أنه يمتنع أن يخطب في المحل الآخر بالتيمم الذي فعل به الخطبة الأولى مطلقاً قاله شيخنا ح ف . وإنما جمع بين الخطبتين بتيمم واحد أي الأولى والثانية التي بعد جلوس الخطيب ، مع أنهما فرضان لكونهما في حكم شيء واحد لتلازمهما ، فلما كانا متلازمين صارا كالشيء الواحد فاكتفي لهما بتيمم واحد ، بل الظاهر امتناع أفراد كل واحدة منهما بتيمم لعدم وروده اه رحماني شرح م ر .
قوله : ( إذ قيل الخ ) الأولى أن يقول لكنه قيل إنها قائمة مقام ركعتين ، وعبارة م د : لا وجه للإتيان بإذ اه إلا أن يجعل خبر أن محذوفاً تقديره قد التحقت بفرائض الأعيان وتجعل إذ علة لهذا الخبر المقدر كما تفيده عبارة م ر ونصها : لأن الخطبة وإن كانت فرض كفاية قد التحقت بفرائض الأعيان لما قيل الخ .
قوله : ( والصبي لا يؤدي بتيممه غير فرض الخ ) وجه ذلك أنهم ألحقوا صلاته بالفرائض حيث لم يجوزوها من قعود ويؤخذ من ذلك أن الصبي والمجنون لو فاتهما صلوات ، وأراد الصبي والمجنون قضاء ما فاتهما بعد البلوغ والجنون قضاه بعد الإفاقة والبلوغ عملاً بالسنة فيهما ، ووجب عليهما التيمم لكل فرض مع وقوعه نفلاً لهما للعلة السابقة اه ع ش على م ر .
قوله : ( في النية ) أي عند شيخنا م ر ق ل . فالمعتمد أن الصبي لا تجب عليه نية الفرضية ، وأما قوله : وغيرها فمعتمد أي غير النية كالقيام لأن صلاته وإن وقعت نفلاً لا يصح فعلها من قعود تأمل . قوله : ( نعم ) استدراك على قوله كالبالغ . قوله : ( إذا بلغ ) أي إذا شرع فيها بعد البلوغ ، فلو بلغ في أثنائها أجزأته لأن فرضيتها طارئة اه م ر . وعبارة ح ل : ولو تيمم الصبي للفرض ثم بلغ لم يصل به الفرض لأن صلاته قبل بلوغه نفل ، فلا يصح وقوعه عن الفرض ، وبهذا فارق صحة جمع الأصلية مع المعادة .
قوله : ( وخرج بما ذكر ) أي بتقييد الفريضة بالصلاة والطواف المفروض وخطبة الجمعة . قوله : ( مراراً ) أي مع أن كل مرة من التمكين فرض عليها إذا لم يكن بها مانع . قوله : ( وجمعه ) أي التمكين حيث لم تتيمم له ح ل . قوله : ( بين فرض ) عبارة م ر وجمعه مع فرض الخ . وهي(1/452)
"""""" صفحة رقم 453 """"""
الصواب لأن بين لا تضاف إلا لمتعدد اه . ويشترط تقديم الصلاة على التمكين كما هو ظاهر ، لأن تمكين الحليل قبل الصلاة مبطل لتيممها بالنسبة للصلاة ، وإن لم يبطل بالنسبة للتمكين وأن التمكين وإن تكرر يعدّ شيئاً واحداً .
وصورة المسألة كما هو ظاهر أنها نوت استباحه فرض الصلاة . أما لو نوت استباحه تمكين الحليل فتمكنه مراراً ولا تصلي به فرضاً ولا نفلاً اه ع ش قال م ر . ويجوز للرجل جماع أهله وإن علم عدم الماء وقت الصلاة فيتيمم ويصلي من غير إعادة اه . أقول : وهو ظاهر حيث كانا مستنجيين بالماء ، وإلا لم يجز له جماعها لما فيه من التضمخ بالنجاسة ، ولما يترتب عليه من بطلان تيممه إذا علم أنه لم يجد ماء في وقت الصلاة إلا أنه قد مر في باب الغسل أنه لا يكلف غسل الذكر من المذي ، لأنه ربما فترت شهوته عن جماع يريده ، وتقدم أنه يعفى عنه بالنسبة للجماع لا لما أصاب بدنه منه أو ثوبه ، وعليه فلو علم أنه لا يجد ماء يغسل به ما أصابه منه بعد الجماع ، فينبغي حرمته إذا كان الجماع بعد دخول الوقت لا قبله ، فلا يحرم لعدم مخاطبته بالصلاة الآن وهو لا يكلف تحصيل شروطه الصلاة قبل دخول وقتها اه ا ط ف .
قوله : ( والنذر ) أي للصلاة والطواف دون غيرهما فإنه لا يكون كفرض العين ، فلو نذر سجدة التلاوة مثلاً وسجدة الشكر وتلاوة سورة والمكث في المسجد كان له جمع الجميع بتيمم واحد اه ا ج . ولو نذر التراويح أو الوتر إحدى عشرة أو الضحى ثمان ركعات اكتفى لكل منهما بتيمم واحد ، لأنها تسمى صلاة واحدة منذورة وإن سلم من كل ركعتين اه ا ط ف . ومحله في الوتر والضحى إن لم ينذر السلام من كل ركعتين ، وإِلا لزمه التيمم لكل ركعتين كما قاله الشيخ س ل . وتقدم أنه يجب في التراويح المنذورة عشر تيممات ، وهو المعتمد لأن كل ركعتين حينئذ كصلاة مستقلة . قوله : ( كحائض ) الأولى أن يقول كتمكين حائض انقطع حيضها الخ ، لأن التمكين هو المتعين عليها ويدل لذلك .
قوله : ( وأراد الزوج وطأها ) أي لوجوبه عليها حيث أراد الزوج وطأها ، وهذا مثال للنحو وفيه أنه تقدم قريباً إِلا أن يقال أعاده لأجل الجمع المذكور . قوله : ( أن يجمع ذلك ) أي التعلم وما بعده أي والفرض أنه تيمم للفريضة . قوله : ( وإنما تعين القيام فيها ) هذا وارد على قوله(1/453)
"""""" صفحة رقم 454 """"""
فهي كالنفل . قوله : ( قوامها ) بكسر القاف وفتحها والكسر أفصح أي لا تقوم ولا توجد إِلا به . قوله : ( يمحي ) بفتح أوله من محى إن قلت في القرآن العزيز . ) يمحوا الله ما يشاء } ) الرعد : 39 ) بالواو . قلت : نعم هي بعض لغاتها ففي الصحاح محى لوحه يمحوه محواً ويمحيه محياً اه . قوله : ( ما شاء من النوافل ) أي والجنائز كما مر . قوله : ( لأن النوافل الخ ) ولأنها في حكم صلاة واحدة . أَلا ترى أنه إذا أحرم بركعة له أن يجعلها مائة ركعة بالنية ، وبالعكس في النفل المطلق م د أي : إذا نوى أكثر من ركعة له أن يقتصر على ركعة بالنية . قوله : ( لأن ابتداءها نفل ) يقتضي أن انتهاءها فرض ، وليس كذلك . فكان الأولى أن يقول لأنها كلها نفل وإنما الواجب فيها الإتمام وهو ليس من حقيقة الصلاة وعبارة م ر إذ هي في الحقيقة نفل ، وإنما وجب عليه الإتمام كالحج النفل اه وقال ق ل بل كلها نفل ، وإن حرم عليه الخروج منها . قوله : ( لأن فرضه الأولى ) أي والثانية نفل أي فقد جمع في تيممه بين فرض ونافلة .
فإن قلت : إذا صلى أولاً وأحدث وأراد أن يعيد ، وقلتم إنها نافلة هل يكفي في نية التيمم أن ينوي استباحة الصلاة أو لا بد من نية استباحة فرض الصلاة ؟
قلت : قال الشوبري : لا بد من نية الفرضية محاكاة للصورة الأولى اه ا ج .
قوله : ( فالإتيان بها فرض ) أي فالتيمم للفرض لا للنفل ، ولعل الأولى أن يقول لأن الأولى وإن كان الإتيان بها فرضاً فهي واقعة نفلاً ، ففي العبارة قلب وهذا أي قوله لأن الأولى الخ . جواب عما يقال إذا وقعت صلاته الأولى ناقلة كان متيمماً لنفل ، فلا يصح أن يصلي به فرضاً . فأجاب بقوله لأن الأولى الخ .(1/454)
"""""" صفحة رقم 455 """"""
قوله : ( أجيب بأن هذا ) أي الفرض الذي أعاده بتيمم واحد . وعبارة م ر بأن هذه الخ . قال العلامة القليوبي : هذا الجواب علم مما قبله فلا حاجة إليه اه وقوله : ( هذا الجواب ) الخ ليس كذلك ، فإن ما قبله جواب آخر عن سؤال آخر . وحاصل السؤال : أنه لم صحت إعادة الصلاة بهذا التيمم مع أن الأولى وقعت نفلاً ، والثانية هي الفريضة . ولا يصح صلاة الفرض بالتيمم للنفل . وحاصل الجواب أن الأولى وإن وقعت نفلاً فالإتيان بها فرض أي وحينئذ فالتيمم لفرض لا لنفل فصح صلاة الفرض وهو الثانية به . وأما هذا الجواب فعن السؤال الذي ذكره الشارح الناشىء من جواب السؤال الأول . وحاصل هذا السؤال الثاني أنه إذا كان كل منهما أي من الأولى والثانية فرضاً ، فكيف جمع بينهما بتيمم واحد ؟ وقد أجاب عن ذلك بقوله أجيب الخ . قوله : ( ومن نسي إحدى الخمس الخ ) وهذه من فروع قوله فلا يصلي بتيمم غير فرض أي في نفس الأمر وإن أدى به فروضاً عديدة ظاهراً توصلاً لذلك الفرض . قوله : ( لأن الفرض واحد ) ومنه يؤخذ أن من يصلي الجمعة بالتيمم لو لزمه إعادة الظهر صلاها بذلك التيمم الأول كما في شرح م ر . قوله : ( أو نسي منهن مختلفتين ) أي في الاسم وإن توافقا عدداً كظهر وعصر . وقوله : ( صلى كلاً منهن ) أي الخمس بتيمم أي فيصلي الخمس بخمس تيممات سواء كانا من يوم أو يومين ، وله أن يصلي الخمس مرتين يتيممين ويبرأ بيقين ، وهذه طريقة ابن القاصّ بالتشديد لأنه كان يقص القصص . وقوله : ( أو صلى أربعاً ) الخ هذه طريقة ابن الحداد ، واستحسنها الأصحاب ولعل وجه الاستحسان أنها أدق من الطريقة الأولى لعدم إعادة الصلوات فيها بخلاف طريقة ابن القاص فإن فيها الإعادة فتأمل . قوله : ( فيبرأ بيقين ) ووجه البراءة بيقين أن المنسيتين إما الظهر والصبح أو إحداهما مع إحدى الثلاث الأخر أو هما من الثلاث وعلى كل تقدير صلى كلاً منهما بتيمم ، وفي ثلاث صلوات يتيمم ثلاث تيممات ويصلي بكل منها ثلاثاً . لأن ضابطها أن يتيمم بعدد المنسي ويصلي بكل تيمم عدد غير المنسي مع زيادة صلاة ويترك المبدوء بها في كل مرة ، فيصلي الظهر والعصر والمغرب بتيمم والعصر والمغرب والعشاء بتيمم ثان ، والمغرب والعشاء والصبح بآخر . والضابط في مسألة الشارح أن يتيمم بقدر المنسي ويصلي بعدد ما يبقى بعد ضرب المنسي في المنسي فيه ، وزيادة عدد المنسي على ذلك الحاصل وضرب المنسي في نفسه وإسقاط الحاصل من ذلك من جملة ما تقدم ، ففي مسألتنا(1/455)
"""""" صفحة رقم 456 """"""
وهي نسيان صلاتين تضرب اثنين في خمسة يحصل عشرة تزيد على ذلك اثنين ثم تضربهما في نفسهما يحصل أربعة ، وتسقط هذا الحاصل من تلك الجملة التي هي اثنا عشر يبقى ثمانية وهي عدد ما يصلي اه م ر .
قوله : ( وهما الماء والتراب ) لو قدم لفظ الماء والتراب على الطهورين لكان أولى ، لأن صنيعه يقتضي أنهما طهوران مطلقاً مع أنهما قد يكونان مستعملين أو متنجسين . وعبارة شرح المنهج وعلى فاقد الماء والتراب الطهورين . قوله : ( أن يصلي ) أي عند يأسه منهما ولو في أول الوقت وهي صلاة حقيقة يحنث بها من حلف لا يصلي ويبطلها ما يبطل غيرها ويحرم قطعها بلا عذر ، نعم تبطل بتوهم الماء أو التراب في محل يجب طلبهما منه ، وإن كان لا يسقط فيه القضاء على المعتمد . قوله : ( الفرض ) أي الصلاة المفروضة المؤقتة ولو بالنذر في وقت معين وله التشهد الأول وغيره من المندوبات منها إِلا نحو السورة للجنب ، ويجب عليه قصد القراءة في الفاتحة ، ولا تجوز المندوبات فيها كسجدة التلاوة ولو في صبح الجمعة وسجود السهو إِلا تبعاً لإمامه فيهما ، ودخل في الفرض الجمعة فتلزمه وإن وجب إعادتها ظهراً ولا يتم به العدد ق ل على الجلال . قوله : ( لحرمة الوقت ) أي الحقيقي فلا يجوز قضاء فائتة تذكرها وإن فاتت بغير عذر اه ق ل . وعبارة شرح م ر : ومن لم يجد ماءً ولا تراباً لكونه في موضع ليسا فيه أو وجدهما ، ومنع من استعمالهما مانع من نحو عطش في الماء أو نداوة في التراب مانعة من وصول الغبار للعضو ، ولم يمكن تجفيفه بنحو نار لزمه في الجديد أن يصلي الفرض الأداء ويعيد ولو جمعة في الأظهر ، لكنه لا يحسب من الأربعين لنقصه لحرمة الوقت وصلاته متصفة بالصحة فتبطل بما يبطل به غيرها من بقية الصلوات ، ولو سبق الحدث كما هو قضية كلامهم خلافاً لبعض المتأخرين ، ولا يشترط لصحة صلاته ضيق الوقت ، بل إنما تمتنع عليه الصلاة ما دام يرجو أحد الطهورين ، والثاني تجب الصلاة بلا إعادة لأنه أدّى وظيفة الوقت ، وإنما يجب القضاء بأمر جديد ولم يثبت فيه شيء . أما فاقد السترة فله التنفل لعدم لزوم الإعادة له كدائم الحدث ونحوه ممن يسقط فرضه بالصلاة مع وجود المنافي ، ومراده بالإعادة هنا القضاء اه باختصار . وقوله : ولم يمكن تجفيفه أي فإن أمكنه وجب ، ومنه يؤخذ أنه لو كان به جراحة في يديه فغسل وجهه ، ثم أراد التيمم عن جراحة اليدين أنه يكلف تنشيف الوجه واليدين قبل أخذ التراب ، لأنه إذا أخذه مع بلل يديه صار كالتراب المندّي المأخوذ من الأرض فلا يصح التيمم به فتنبه له فإنه دقيق ، وينبغي أن محل تكليفه تنشيف الوجه ما لم يقف في مهب الريح فإن(1/456)
"""""" صفحة رقم 457 """"""
وقف فيه وحرك وجهه لأخذ التراب من الهواء فلا يكلف تنشيفه لوصول التراب إلى جميع أجزاء الوجه في الحالة المذكورة اه ع ش على م ر .
قوله : ( ويعيد ) مراده بالإعادة ما يشمل القضاء . واعلم أن كل موضع وجبت فيه الإعادة ، فإن الفرض هو المعادة وعليه الجمهور . وقيل : كل منهما فرض وهو الأفقه وقيل الأولى ، وقيل إحداهما لا بعينها . وفائدة الخلاف تظهر في مسائل منها إذا أراد أن يصلي الفائتة بتيمم الأولى ، فإن كان الفرض الأولى أو كلاً منهما صح ذلك وإِلا فلا اه برماوي . قوله : ( وإنما يعيد الخ ) هذا إن وجده خارج الوقت . أما إذا وجد التراب في الوقت أعاد مطلقاً ا ج . أي : سواء كانت تسقط به أو لا . وإِذا لم تسقط به وجب عليه إعادتها أيضاً في محل تسقط به فتأمل . قوله : ( وخرج بالفرض النفل ) فلا يفعل سواء المؤقت وغيره ، ومثله صلاة الجنازة فلا تجوز وإن تعينت عليه بأن لم يكن غيره فيدفن الميت بلا صلاة ، ومثله قراءة الجنب القرآن بقصده ومكثه بالمسجد وتمكين الحليل فلا يجوز شيء منها ق ل .
قوله : ( بمحل يندر فيه ) صوابه يغلب فيه وجود الماء ، إذ لا قضاء فيما إذا استوى الأمران ق ل . وقوله : صوابه يغلب المراد بغلبة وجود الماء وفقده في وقت التحرم للصلاة على المعتمد خلافاً لبعض ضعفة الطلبة الذين يصورون غلبة الوجود بثمانية أشهر مثلاً في السنة ، وغلبة الفقد بأربعة مثلاً ، فعلى المعتمد لو كان الماء يستمر أحد عشر شهراً في الوادي ، وفي غالب السنين يفقد في شهر ، فإذا تيمم شخص في ذلك الشهر وصلى به فيه لا قضاء عليه ، وكذا لو كان يوم فقط يغلب فيه فقد الماء في أكثر السنين ، ولو كان الماء موجوداً في السنة بتمامها إِلا ذلك اليوم فلا قضاء على المتيمم فيه ، فالعبرة بالوقت الذي صلى فيه بالتيمم ، فإن كان يغلب فيه وجود الماء بالنسبة لأكثر أوقات السنة وجب القضاء ، وإن غلب الفقد أو استوى الأمران فلا قضاء م ر سم . وقرره شيخنا العزيزي والحفناوي والعشماوي ، وعبارة الشوبري ، والعبرة في سقوط الصلاة بالتيمم بمحلها دون محل التيمم على الأوجه حتى لو تيمم بموضع يغلب فيه وجود الماء وصلى بموضع يغلب فيه العدم فلا قضاء ، ولو انعكس انعكس الحكم والعبرة في محلها يمحل تحريمها .
قوله : ( لا ينذر فيه ذلك ) بأن غلب فيه الفقد أو استوى الأمران فقول الشارح بمحل يندر فيه فقده أي يقلّ فيه فقده بأن كان الغالب الوجود وحينئذ ، فحالة الاستواء لم تدخل في هذه فاندفع ما للقليوبي هنا .(1/457)
"""""" صفحة رقم 458 """"""
والحاصل : أن ندرة فقد الماء فيه صورة واحدة وهي غلبة وجوده . وأما قولنا لا يندر فقده ففيه صورتان : غلبة الفقد واستواء الأمرين . وقوله : بخلافه أي التيمم وهذا يقتضي أن العبرة بمحل التيمم ، وهو قول حج ، واعتمد م ر أن العبرة بمحل الصلاة وبتحرمها أيضاً ، ولو شك هل المحل الذي صلى به تسقط به الصلاة أو لا لم تجب إعادتها اه ح ل على المنهج .
قوله : ( ومتيمم لعذر الخ ) هو صريح في صحة تيممه وهو كذلك في الفقد بخلافه لنحو مرض وعطش ، فلا يصح حتى يتوب فراجعه ق ل . وعبارة م د قوله في سفر معصية متعلق بكل من فقد وجرح ، وظاهره استواؤهما وليس كذلك ، فإن تيممه للفقد صحيح مع وجوب الإعادة وللحرج باطل اه بحروفه . وفي الإطفيحي ما نصه : وجرح ضعيف لأن محل صحة تيممه في سفر المعصية إن فقد الماء حساً أما إذا فقده شرعاً لنحو مرض وجرح وعطش فلا يصح تيممه حتى يتوب لقدرته على زوال مانعه بالتوبة اه وقرره ح ف . قوله : ( لأن عدم القضاء رخصة ) مقتضاه أن فاقد الماء شرعاً العاصي بسفره يصح تيممه ، ويجب عليه القضاء وليس كذلك ، بل لا يصح تيممه ما دام عاصياً بسفره بخلاف الفاقد حساً العاصي فيصح تيممه ويلزمه القضاء مطلقاً من غير تفصيل في المكان ، والفرق بينهما أن التيمم للفقد الحسي عزيمة وللشرعي رخصة ح ل . ولينظر ما وجه ذلك مع أن ضابط الرخصة منطبق عليهما . فلتراجع كتب الأصول .
قوله : ( فلا يناط بسفر المعصية ) .
تنبيه : معنى قولهم الرخص لا تناط بالمعاصي أن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء ، فإن كان تعاطيه في نفسه حراماً امتنع معه فعل الرخصة ، وإِلا فلا . وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر والمعصية فيه فالعبد الآبق والناشزة والمسافر للمكس ، ونحوه عاص بالسفر فالسفر نفسه معصية والرخصة منوطة به أي معروفة به ومعلقة ومرتبة عليه ترتب المسبب على السبب ، فلا يباح له الترخص . ومن سافر سفراً مباحاً فشرب الخمر في سفره فهو عاص فيه أي : مرتكب المعصية في السفر المباح فنفس السفر ليس معصية ولا آثماً به فتباح فيه الرخص لأنها منوطة بالسفر وهو في نفسه مباح ، ولهذا جاز المسح على الخف المغصوب بخلاف خفّ المحرم لأن الرخصة منوطة باللبس وهو للمحرم معصية ، وفي المغصوب ليس معصية لذاته أي لكونه لبساً بل للاستيلاء على حق الغير ، ولهذا لو ترك اللبس لم تزل المعصية بخلاف المحرم اه من الأشباه للسيوطي اه شوبري . فقوله الرخص لا تناط بالمعاصي أي لا يكون سببها المجوّز لها معصية .
خاتمة : التيمم يخالف الوضوء في سبع وعشرين صورة لا يستحب تجديده ولا يسن تثليثه ، ولا يجب الإيصال إلى أصول الشعر الخفيف ، ولا يستحب تخليله ، ولا يصح إِلا(1/458)
"""""" صفحة رقم 459 """"""
لمحتاج ، ولا يصح قبل الاستنجاء ولا قبل دخول الوقت ولا للنفل المطلق في وقت الكراهة إذا أراد أن يصليه فيه ، ولا لمن على بدنه نجاسة إِلا بعد زوالها على النص ولا يرفع الحدث ، ويختص بالوجه واليدين ولا يجمع به بين فرضين كخطبة الجمعة وصلاتها والجنازة كالنفل ولا يصلي الفريضة بتيمم النافلة ويعيد المصلي به في محل يغلب فيه وجود الماء ، وإذا صلى بالتيمم صلاة ، فرأى الماء في أثنائها بطلت إن كانت لا يسقط فرضها بالتيمم ويعيد العاصي بالسفر لفقد الماء ، ولا يصح من العاصي بسفره إذا كان معه ما يحتاجه للعطش ويقال له إن ثبت استبحته ، وإِلا فلا . كما لو أراد أن يأكل الميتة فلا يأكل منها قبل التوبة ، ولا يمسح بطهارته على الخفين إذا كان لفقد الماء ، ويجب فيه تخليل الأصابع إن لم يفرقها حال الضرب ، ويجب تعداده بحسب تعداد الأعضاء المفروضة المجروحة في الوضوء إذا بقي منها ما يغسل ، ويسنّ تعداده بحسب تعداد الأعضاء المسنونة أيضاً كالكفين والمضمضة والاستنشاق إذا كان بمحلهما علة تمنع من الماء فيتيمم بدلاً عن غسل الكفين المسنون إذا كان بهما علة ، وإذا دخل وقت غسل اليدين تيمم تيمماً واجباً للعلة التي في الكفين . ويبطل بالردة وبرؤية الماء بلا حائل مع القدرة على استعماله وبتوهم الماء وبوجدان ثمنه ، وبأن يسمع شخصاً يقول عندي ماء اه من حاشية الشهاب م ر على شرح الروض .
فصل : في إزالة النجاسة
أي في حكم إزالة النجاسة وسيأتي أن حكمها الوجوب ، سواء كانت مغلظة أو متوسطة أو مخففة وإن اختلفت الكيفية ، والمراد بالنجاسة الوصف الملاقي للمحل ، سواء كانت النجاسة عينية أو حكمية وليس المراد بها الأعيان حتى تكون قاصرة على النجاسة العينية ، وكان الأولى أن يقول في بيان النجاسة وإزالتها ، إِلا أن يقال المقصود الإزالة وما عداها تابع لها كما قرره العزيزي . وقال م د : إنما اقتصر على الإزالة لأنه يلزم منها بيان النجاسة . قال الرحماني : وإزالتها بالماء من خصوصياتنا ، فكانت قبلنا تقطع من غير الحيوان اه . وقد صرح بذلك الخازن عند قوله تعالى : ) ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } ) البقرة : 286 ) يعني اليهود فمعناه لا تشدد علينا كما شددت على اليهود من قبلنا ، وذلك أن الله تعالى أمرهم بأداء ربع أموالهم زكاة ، ومن أصاب ثوبه منهم نجاسة قطعها ومن أصاب ذنباً أصبح وذنبه مكتوب على بابه ، ونحو ذلك من الأثقال ، فسأل المؤمنون ربهم أن يرفع عنهم ذلك ، وقد أجاب الله دعاءهم برحمته وخفف عنهم بفضله وكرمه فقال تعالى : ) وما جعل عليكم في الدين من حرج } ) الحج : 78 ) وما في بعض العبارات من قطع جلودهم يحمل على جلد الفروة(1/459)
"""""" صفحة رقم 460 """"""
التي كانت على أحدهم أو جلدهم ، ولعله خاص بغير محل النجو منهم ، كما أن قبول توبتهم بقتلهم ، وله تعالى تكليف العبد بما لا يطيق . قال شيخنا الحفناوي : إذ يبعد كل البعد أن يجب عليهم قطع محل خروج الحاجة عند قضاء كل حاجة اه . ولم يتعرض لوجوب إزالتها هل هو فوراً أو هو مع دخول الوقت أو إرادة نحو الصلاة ؟ فهي على التراخي مع القدرة ولو من مغلظ إن لم يعص كأن تضمخ بها لغير حاجة ، ومنه التضمخ بدم الضحية وما يفعله العوامّ من تزويق الأبواب به فهو حرام ، وإزالته واجبة لما فيه من التضمخ بالنجاسة لغير حاجة وخرج بغير الحاجة من بال ، ومن لم يجد شيئاً فله تنشيف ذكره بيده ومسكه بها ، ومن ينزح الأخلية ونحوها مما يحتاج إليه ولا تتوقف على نية .
فإن قلت : ما الفرق بين طهارة الحدث والنجس حيث احتاج الأول إلى النية دون الثاني ؟ قلت : الفرق أن الأولى فعل وهو يتوقف عليها وهذه ترك كترك نحو الزنا ، وإنما توقف الصوم عليها وإن كان تركاً لإلحاقه بالأفعال لكون المقصود منه كف النفس وقمع الشهوة ومخالفة الهوى اه رحماني . وعبارة ابن شرف : وإزالتها واجبة على الفور إن عصى بسببها بأن تضمخ بها ، بخلاف ما إذا عصى بسبب الجنابة ، فإنه لا يجب عليه الغسل فوراً ، وفرق بينهما بأن ما عصى به في النجاسة أثره باق ولا كذلك الجنابة اه . وكان عليه أن يقدمها على التيمم كما صنع شيخ الإسلام في المنهج ، لأن إزالتها شرط لصحة التيمم والشرط مقدم على الشروط طبعاً فحقه أن يقدم وضعاً . ويجاب : بأنه إنما اختار هذا وأخرها عن التيمم لأنه بدل عن الوضوء والغسل فقدم للمناسبة بخلافها . والنجاسة على أربعة أقسام : قسم لا يعفى عنه في الثوب والماء ، وقسم يعفى عنه فيهما ، وقسم يعفى عنه في الثوب دون الماء وقسم بالعكس ؛ فالأول معروف ، والثاني ما لا يدركه الطرف فيعفى عنه في الثوب والماء ، والثالث قليل الدم يعفى عنه في الثوب دون الماء وفرق الروياني بينهما بوجهين : أحدهما أن الماء يمكن صونه بخلاف الثوب . الثاني : أن غسل الثوب كل ساعة يقطعه بخلاف الماء ، فإنه يطهر بالمكاثرة ، والرابع الميتة التي لا دم لها سائل يعفى عنها في الماء دون الثوب ، وكذلك زبل الفئران يعفى عنه في الماء الذي في بيوت الأخلية دون الثوب حتى لو صلى حاملاً لها لم تصح صلاته ولو قشرة قملة وأثر التجمير يعفى عنه في البدن والثوب حتى لو سال منه عرق وأصاب الثوب أي في المحل المحاذي للتجمير عفي عنه في الأصح دون الماء عكس منفذ الطير ، فإنه إذا كان عليه نجاسة ووقع في الماء لم ينجسه على الأصح ، ولو حمله في الصلاة لم تصح ذكره ابن شرف على التحرير .
قوله : ( مستقذر يمنع الخ ) قال الشهاب القليوبي : النجاسة لها إطلاقان تطلق على الجرم وعلى الوصف القائم بالمحل المانع من صحة الصلاة حيث لا مرخص ، وشمول تعريف الشارح لهذا بعيد إِلا أن يكون التعريف الذي ذكره الشارح من استعمال المشترك في معنييه ، فقوله(1/460)
"""""" صفحة رقم 461 """"""
مستقذر أي أعم من أن يكون جرماً أو وصفاً . قوله : ( يمنع من صحة الصلاة الخ ) . إن قلت : هذا حكم من أحكام النجاسة وإدخال الأحكام في التعريف يوجب الدور ، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، فيكون موقوفاً عليها وهي موقوفة عليه لكونه جزءاً من تعريفها . أجيب : بأنه رسم والرسم لا يضر فيه ذلك اه شيخنا . واعتبار الاستقذار هنا ينافيه اعتبار عدمه في الحد المذكور في شرح الروض وغيره بقوله : كل عين حرم تناولها إلى أن قال لا لحرمتها ولا لاستقذارها اه سم . وأجيب : بأن المعنى أن حرمة تناولها لا لكونها مستقذرة بل للنجاسة التي هي أبلغ من الاستقذار ، وهذا لا ينافي كونها مستقذرة اه ح ف . قوله : ( حيث لا مرخص ) القيد للإدخال فيدخل المستنجي بالحجر ، فإنه يعفى عن أثر الاستنجاء وتصح إمامته ، ومع ذلك محكوم على هذا الأثر بالتنجيس إِلا أنه عفى عنه ، ويدخل أيضاً حل أكل الميتة للمضطر مثلاً ، فإنه وإن حل محكوم عليها بالنجاسة لكنه أبيح له التناول للضرورة ، وعرفها بعضهم وهو النووي على ما قيل بأنها كل عين حرم تناولها على الإطلاق حالة الاختيار مع سهولة التمييز لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضررها في بدن أو عقل ، فخرج بالإطلاق ما يباح قليله كبعض النباتات السمية ، فإن قليلها يباح بلا ضرر وبحالة الاختيار حالة الضرورة فيباح فيها تناول الميتة وبسهولة التمييز دود الفاكهة ونحوها ، فيباح تناوله معها وإن سهل تمييزه خلافاً لبعض المتأخرين نظراً إلى أن شأنه عسر التمييز ولا ينجس فمه ولا يجب عليه غسله ، وقياس ذلك أن ما خبز بالسرجين ونحوه لا ينجس الفم بأكله ، ولا يجب غسله منه ، إذ لا يلزم من النجاسة التنجس . وهذا القيد والذي قبله وهما : قوله حالة الاختيار مع سهولة التمييز للإدخال لا للإخراج ، وحينئذ فقوله وخرج بحالة الاختيار أي خرج عن الاعتبار في تأثير الحرمة ، فلا منافاة وخرج بلا لحرمتها لحم الآدمي ، فإنه وإن حرم تناوله مطلقاً أي كثر أو قل من نفسه أو غيره في حال الاختيار الخ . لكن لا لنجاسته بل لحرمته أي : احترامه ولا يرد عليه لحم الحربي ، فإنه يحرم تناوله مع عدم احترامه ، إذ الحرمة تنشأ من ملاحظة الأوصاف الذاتية أو العرضية . ومعلوم أن الأولى لازمة للجنس من حيث هو فالحرمة الذاتية ثابتة للحربي فكان طاهراً حياً وميتاً حتى يمتنع استعمال جزء منه ، فالاستنجاء كما مر دون الحرمة العرضية بسبب الإيمان ونحوه كعقد الذمة فلم تثبت له ، ولذا لم يحترم ولم يعظم ، فلهذا جاز إغراء الكلاب على جيفته وخرج بلا لاستقذارها ما حرم تناوله لا لما تقدم بل لاستقذاره كمخاط ومنيّ وغيرهما من المستقذرات بناء على حرمة أكلها وهو الأصح ، وبلا لضررها في بدن أو عقل ما ضر العقل كالأفيون والزعفران أو البدن كالمسميات والتراب وسائر أجزاء الأرض ، وإن كان قليلاً بالنسبة لمن ضره ذلك ، ولو شك في شيء هل هو ضار أو لا ؟ ينبغي الحل لأن الأصل عدم النهي م ر و ع ش .(1/461)
"""""" صفحة رقم 462 """"""
قوله : ( مائع ) خرج بالمائع الريح فطاهر والجامد ، فقد يكون نجساً كالغائط الجامد والبعر ، وقد يكون طاهر العين كالحصى والدود والبيض ، ففي مفهوم مائع تفصيل فلا يعترض به . قوله : ( وروثة ) وكانت روثة حمار كما قاله الحافظ . قوله : ( ليستنجي بها ) أي الثلاثة . قوله : ( وردّ الروثة ) ثم بعد أن ردها يحتمل أنه جيء له بحجر ثالث أو كان أحد الحجرين له طرفان . قوله : ( هذا ركس ) ولم يقل هذه ركسة إشارة إلى جنس هذه الروثة ، ولو قال هذه ركسة لتوهم أنه قد لا يشمل غيرها اه م د . وعبارة بعضهم هذا أي نوع هذا فيشمل ما أشبهه من بقية الأرواث اه . ولم يستدل في شرح المنهج بذلك ، بل قاس الروثة على البول بجامع استحالة كل منهما في الباطن لورود الدليل في البول في قوله حين بال الأعرابي في المسجد : ( صبوا عليه ذنوباً ) قال بعض حواشيه : ولم يستدل على نجاسة الروث بما ورد فيه عنه في باب الاستنجاء حين جاء له بحجرين الخ . لأنه ربما يقال : إن هذا دليل خاص فهي قضية شخصية ، فلا تصلح أن تكون دليلاً على عموم جميع الأرواث ، فالدليل على نجاسته بالقياس على البول أولى لأجل هذا الإيهام اه . وقد علمت الجواب عن ذلك فتأمل . قوله : ( وقوله ) عطف على الأحاديث من عطف الخاص على العام . قوله : ( في حديث القبرين ) اللذين يعذب من فيهما . قال النبي : ( وما يعذبان من كبير ) أي من شيء كبير عند الناس .
قوله : ( أما أحدهما ) أي صاحب القبرين أي : وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة . قوله : ( وقيس به ) أي بالبول الذي في الحديث وهو بول الآدمي . قوله : ( وأما أمره ) وارد على قوله : وقيس به ، والعرنيين بضم العين المهملة وفتح الراء المهملة ثم نون ثم تحتيتين جمع عرن نسبة إلى بطن من تيمم يقال لها العرين . وذلك أنهم أتوا المدينة فاستوخموها فكرهوا الإقامة بها لتمرضهم فيها ، فأمرهم بشرب أبوال الإبل فشربوها فشفوا من أمراضهم ، فقتلوا الرعاة واستاقوا الإبل وذهبوا بها ، فأرسل يطلبهم فجيء بهم وفعل بهم مثل ما فعلوا بالرعاة من التمثيل ، ورماهم بالحرة وهي أرض ذات حجارة سود . قوله : ( والتداوي بالنجس ) ولو صرفاً ما لم يكن خمراً فلا يجوز بالصرف منه كما سيذكره .(1/462)
"""""" صفحة رقم 463 """"""
قوله : ( فمحمول على الخمر ) أي الصرف . أما الممتزجة بغيرها فيجوز التداوي بها بشرطه كما قاله ا ج . وهو إزالة الشدة المطربة منه . قوله : ( والمذي ) مبتدأ خبره ماء . وقوله : وهو بالمعجمة جملة معترضة . قوله : ( أبيض ) عبارة حج أصفر غالباً اه . وقيل أبيض ثخين في الشتاء وأصفر رقيق في الصيف . قوله : ( ثخين ) أي غالباً . وفي كل من المذي والودي ست لغات : إهمال الدال ساكنة مع تخفيف الياء ومكسورة مع تخفيف الياء وتشديدها وإعجام الذال مع الثلاثة .
وحاصل ما يقال في ذلك أنه يعفى عنه لمن ابتلي به بالنسبة للجماع ، وأفتى م ر بحرمة جماع من تنجس ذكره قبل غسله ، وينبغي تخصيصه بغير السلس ، وأما المرأة إذا لم تستنج أو تغسل فرجها يحرم عليها تمكين الزوج قبل غسله ، وكذا هو لو كان مستجمراً بالحجر فيحرم عليه جماعها ويحرم عليها تمكينه ولا تصير بالامتناع ناشزة ، وعليه فلو فقد الماء امتنع عليه الجماع ولا يكون فقده عذراً في جوازه ، نعم إن خاف الزنا اتجه أنه عذر فيجوز الوطء ، سواء كان المستجمر بالحجر الرجل أو المرأة ، ويجب عليها التمكين فيما إذا كان الرجل مستجمراً بالحجر وهي بالماء كما قاله ع ش و ق ل .
قوله : ( ثخين ) أي غالباً . قوله : ( بإسقاط مائع ) الأولى كما قال ق ل . أن يقول بدل مائع أي لإيهام الجمع في النسخ الأخرى بين كل من ماء ومائع ، مع أن لفظ ما لا يجتمع مع مائع اه . وقال بعضهم المراد بالإسقاط الترك أي عدم الإتيان به أصلاً . قوله : ( هذه الفضلات ) أي المأخوذة مما تقدم في قوله : وكل ما يخرج من السبيلين نجس الخ . ومراده من هذا تقييد عموم المتن في قوله : وكل مائع خرج من السبيلين نجس . قوله : ( من النبي ) ومثله سائر الأنبياء تشريفاً لمقامهم ، ومع ذلك يجوز الاستنجاء بها إذا وجدت فيها شروط الحجر على المعتمد بخلاف البول ، ولا يجوز أكلها ، ويجوز وطؤها بالرجل ، ولا فرق بين أن تكون قبل زمن النبوّة أو بعده كما في ع ش على م ر . وقوله : ( ولا يجوز أكلها ) أي إذا استقذرها . وإِلا بأن كان للتبرك فلا يحرم كما وقع لابن الزبير من شربه دم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .(1/463)
"""""" صفحة رقم 464 """"""
فائدة : قال القاضي عياض في الشفاء : وقد حكى بعض المتتبعين لأخباره وشمائله ؛ أنه كان إذا أراد أن يتغوط انشقت الأرض فابتلعت غائطه وبوله ، وفاحت لذلك رائحة طيبة قال العلامة منلا علي قاري في شرحه بعد ذكر هذا : ذكره البيهقي عن عائشة وقال : إنه موضوع . ثم نقل عن البيهقي أنه موضوع من موضوعات الحسين بن علوان . قال العلامة الأجهوري : وقد وقع لواعظ ذكر صفات النبي ، فمن جملة ما قاله لمن يعظهم إن بوله خير من صلاتكم اه . وهو صحيح وصواب ويوجه بأمور منها : أن هذا الواعظ يحتمل أنه من أرباب الكشف ، وقد أطلعه الله تعالى على رياء في صلاتهم ، أو يقال إن بوله يستشفى به فهو نافع وصلاتهم غير محققة القبول ، فبهذين الاعتبارين صار بوله خيراً ، ويحتمل أن الأخيرية باعتبار النسبة قبوله من حيث النسبة إليه خير من صلاتهم من حيث نسبتها إليهم اه ا ج .
قوله : ( لأن بركة الحبشية ) وهي جارية النبي ورثها من أبيه عبد الله واسمها أم أيمن . قوله : ( لن تلج ) أي تدخل لأن الولوج الدخول أي : ولو كان نجساً لنهاها عن ذلك وأمرها بغسل فمها ، لأنه لا يقر أحداً على خطأ ، وهذا وجه الدلالة منه كما قرره شيخنا العزيزي . قوله : ( لأن أبا طيبة ) هو حاجمه .
قوله : ( عدل ) أي عدل رواية ولو عبداً أو امرأة . قوله : ( وإِلا ) تحتها صورتان أخبر بأنها منعقدة من غير البول أو شك في ذلك لأن الأصل الطهارة . قوله : ( إِلا المني فطاهر ) ولو على لون الدم إن خرج من طريقه على لون الدم فيكون نجساً . وقال الإمام أبو حنيفة ومالك بنجاسة المني من الآدمي . وقال الشافعي وأحمد : إنه طاهر . زاد الشافعي : وكذا مني كل حيوان(1/464)
"""""" صفحة رقم 465 """"""
طاهر ؛ وأما حكم التنزه عنه فيجب غسله عند مالك رطباً ويابساً ، وعند أبي حنيفة يغسل رطباً ويفرك يابساً كما ورد ، ووجه الأول كونه يخرج مع الغفلة عن الله غالباً ، فلا يكاد الشخص يذكر أنه بين يدي الله تعالى ، بل تعم جسده الغفلة تبعاً لعموم اللذة ، ومعلوم أن اللذة النفسانية تميت كل محل مرت عليه ، ومن هنا أمرنا الشارع بالغسل من خروج المني لكل البدن إنعاشاً للبدن الذي فتر وضعف من شدة الحجاب عن الله تعالى ، وكل ما حجب عن الله فهو ركس عند الأكابر بخلاف الأصاغر ، فكلام أبي حنيفة ومالك خاص بالأكابر من العلماء والصالحين ، وكلام الإمام الشافعي وأحمد خاص بعوام المسلمين ، فلذلك غسله النبي تارة وفركه أخرى تشريعاً للأكابر والأصاغر ، فافهم شعراني في الميزان . وينجس المني من المستنجي بالأحجار ، ولهذا حرم على المستنجي المذكور أن يجامع زوجته لأن العفو عنه بالنسبة لنفسه فقط .
قوله : ( أما مني الآدمي ) أي الذي يمكن بلوغه بأن استكمل تسع سنين أي تحديدية ، أما من لم يمكن بلوغه بأن رآه دون التسع فنجس ، لأنه ليس بمني ، ولا فرق في طهارة مني الآدمي بين مني الحي والميت والخنثى بشرط تحقق كونه منياً اه ا ج . وأما اللبن فطاهر مطلقاً ، سواء كان من ذكر أو أنثى ، ولو بنت يوم ، والفرق بين اللبن والمني أن المقصود من اللبن التغذي ، وهو يحصل بما قبل البلوغ وما بعده ، والمقصود من المني الانعقاد وهو لا يحصل إِلا بالبلوغ .
فائدة : اللبن أفضل من عسل النحل كما صرح به السبكي ، واللحم أفضل منه كما اعتمده ابن الرملي خلافاً لوالده شوبري . وقوله : واللحم الخ أي لقوله : ( سيد أدم أهل الدنيا والآخرة اللحم ) ولقوله أيضاً : ( أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم ) اه من الجامع الصغير للسيوطي . وللقلب فرحة عند أكله ، وفي الإحياء للغزالي ما حاصله : أن مداومة أكله أربعين يوماً تورث قسوة القلب وتركه فيها يورث سوء الخلق ، وقد نظم ذلك سيدي علي الأجهوري بقوله :
وأكلك لحماً أربعين على الولا
يقسي فؤاداً بالسرور الذي حصل
ويورث سوء الخلق ترك له بها
وخوف جذام ذا بالإحياء قد نقل
اه .
قوله : ( تحك المني ) أي منيها أو المختلط من منيهما معاً ق ل . لأنه كان معصوماً من الاحتلام بناء على أنه من الشيطان ، فاندفع ما يقال إن هذا لا يدل على طهارة مني الآدمي ، لأن فضلاته طاهرة . وفي الخصائص : وما احتلم نبي قط لأنه من تلاعب الشيطان ولا سلطان له على الأنبياء ، وذكر ابن سبع : من خصائصه أنه كان لا يتمطى لأنه من عمل الشيطان اه(1/465)
"""""" صفحة رقم 466 """"""
مناوي . قوله : ( متفق عليه ) أي بين الشيخين . قوله : ( غسل المني ) أي غسل مصابه . وقوله للأخبار الصحيحة فيه أي في الغسل . قوله : ( والبيض ) ولو من القمل وبيضه الصئبان وهو بالضاد المعجمة إِلا من النمل فهو بالظاء المشالة اه ق ل . قوله : ( ولو من غير مأكول ) كحدأة وغراب ونحو ذلك ، والبيضة الخالية عن الرطوبة طاهرة . قوله : ( وبزر القز ) لو قال ومنه بزر القز لكان حسناً . قوله : ( والأوجه حمل هذا ) أي القول بنجاستها على ما إذا لم تستحل حيواناً أي لم تصلح للتخلق بأن فسدت . وقوله : ( والأول ) أي وحمل الأول وهو القول بطهارتها على خلافه أي على ما إذا صلحت للتخلق وعبارة شرح م ر . ولو استحالت البيضة دماً وصلح للتخلق فطاهرة وإلا فلا اه . قوله : ( وقوله ) مبتدأ خبره أراد به النجاسة في قصر الشارح كلام الماتن على النجاسة المتوسطة نظراً لأن الاستثناء معيار العموم ، وقد قال فيما يأتي إِلا بول الصبي أي فلا يجب غسله ، بل يكفي النضح فيه إلا أن يكون مراده باعتبار الواقع لا مدلول العبارة ، وعذر الشارح أنه سيأتي في كلامه بيان غسل المغلظة ويرد بأن ما يأتي تفصيل لما أجمل هنا م د .
قوله : ( وغسل جميع الأبوال الخ ) . إن قلت : الأبوال والأرواث أعيان نجسة وهي لا تغسل . قلت : التعبير بذلك على حذف مضاف تقديره وغسل مصاب جميع الأبوال الخ . قوله : ( واجب ) أي فوراً إن عصى بالتنجيس كأن يلطخ المكلف بشيء منها بدنه بلا حاجة خروجاً من المعصية ، وإِلا كأن أصابه بلا قصد ولو مغلظاً كما اقتضاه خلافاً للزركشي ، أو من نحو فصد أو وطء مستحاضة ، ولو حال جريان الدم أو لبس ثوباً متنجساً وعرق فيه فعند إرادة نحو الصلاة أو الطواف يجب الغسل اه سم . قوله : ( وغيره ) يشمل الغير الآدمي ، لكن إطلاق الروث على عذرته بطريق التغليب . قوله : ( أراد به النجاسة المتوسطة ) أي فذكر الأبوال والأرواث مثال ،(1/466)
"""""" صفحة رقم 467 """"""
ولذا عطف سم عليها قوله : وكل نجس غير معفوّ عنه قال بقرينة قوله : ولا يعفى عن شيء من النجاسات الخ . قوله : ( وأمره ) عطف على حديث من قوله لحديث كانت الصلاة الخ . قوله : ( بصب ذنوب ) أي مظروف ذنوب . قوله : ( الأعرابي ) اسمه ذو الخويصرة التميمي لا اليماني ، لأنه كان للخوارج ضئضئاً أي رئيساً كما في القاموس . قوله : ( وهو ) أي الأمر بغسل البول حجة الوجوب ، وأما قوله : الحديث كانت الصلاة الخ . فيحتمل أن يكون محمولاً على الندب . قوله : ( كبول جف ) أي بحيث لو عصر لم ينفصل منه شيء برماوي . قوله : ( ولم يدرك له صفة ) من طعم أو لون أو ريح ، سواء كان عدم الإدراك لخفاء أثرها بالجفاف كبول جف ، ولا أثر له ولا ريح تذهب وصفه أم لا ، لكون المحل صقيلاً لا تثبت عليه النجاسة كالمرآة والسيف اه م ر .
قوله : ( يكفي جري الماء عليها ) وإن لم يكن بفعل فاعل كمطر . قوله : ( مرة ) ويفهم من كلام ابن الحاجب في شرح الكافية أن انتصاب مرة في مثل قولنا ضربته مرة على الظرف ، ويجوز أن يكون على المفعول المطلق اه ا ط ف . قوله : ( يجب إزالة صفاتها ) أي بعد إزالة جرمها ق ل . وإزالة الصفات بحيث يغلب على ظنه زوالها ، ولا يجب عليه اختبارها بالشم والبصر ونحوهما ، ولا على الأعمى ومن بعينه رمد أن يسأل بصيراً هل زالت الأوصاف أو لا ؟ كما في ح ل . قال ع ش على م ر : ولو زال شمه أو بصره خلقة أو لعارض لم يلزمه سؤال غيره أن يشم أو ينظر له .
قوله : ( إِلا ما عسر زواله ) وضابط العسر قرضه ثلاث مرات مع الاستعانة الآتية اه ق ل . والقرض هو الحت بأطراف الأصابع وهو بالضاد المعجمة أو بالصاد المهملة . قوله : ( من لون ) كلون الدم أو ريح كريح الخمر بحيث لا يزول بالمبالغة بنحو الحت ، والقرض ولو من مغلظة سواء في ذلك الثوب والأرض والإناء . وقوله : ( بل يطهر المحل ) أي طهراً حقيقياً لا أنه نجس معفو عنه حتى لو أصابه بلل لم يتنجس ، إذ لا معنى للغسل إِلا الطهارة والأثر الباقي مما يشق(1/467)
"""""" صفحة رقم 468 """"""
الاحتراز عنه ، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين المغلظة وغيرها ، فلو عسرت إزالة لون نحو دم مغلظ أو ريحه طهر وهو كذلك خلافاً للزركشي في خادمه ، وإنما لم يعف عن قليل دمه لسهولة إزالة جرمه اه شرح م ر بحروفه ، واط ف . وخرج ما سهل زواله فلا يطهر مع بقائه لدلالته على بقاء العين .
وحاصل صور النجاسة : ثمانية وأربعون صورة في العيني ، منها خمسة وأربعون ، لأن الحاصل في المحل إِما الجرم أو اللون أو الريح أو الطعم ، فهذه أربع صور ، أو اثنان منها . وفيه ست صور أو ثلاثة منها ، وفيه أربع صور أو الجميع وهي صورة واحدة ؛ فهذه خمس عشرة صورة ، وكلها في المغلظة والمخففة والمتوسطة بخمسة وأربعين . وفي الحكمية ثلاثة لأنها إما مغلظة أو مخففة أو متوسطة ؛ فهذه ثمانية وأربعون اه م د على التحرير .
قوله : ( فتجب إزالتهما مطلقاً ) أي سواء عسر أو لم يعسر ومعنى الوجوب فيما إذا عسر أنه إذا تيسر له بعد ذلك إزالتها وجب عليه العلاج ، وأما المحل في هذه الحالة فيعفى عنه إن تعذرت الإزالة للضرورة ويصلي به ، ولا تجب عليه الإعادة بعد ذلك ولا قطع المحل كما قرره شيخنا ح ف . وقوله : ويصلي به ظاهره أنه لا فرق بين كون النجاسة في البدن أو في الثوب ، وذكر بعضهم تفصيلاً وهو أنه إن كانت النجاسة في البدن ، فالحكم ما ذكر وإن كانت في الثوب وجب نزعه ولا تصح الصلاة فيه ، بل يصلي بدونه ولو عارياً إذا لم يجد غيره ولا تجب الإعادة اه . قوله : ( لقوة دلالتهما الخ ) لكن إذا تعذر عفي عنهما ما دام التعذر وتجب إزالتهما عند القدرة ولا تجب إعادة ما صلاه معهما ، وكذا يقال في الطعم ق ل . ويحل ذوق محل النجاسة إذا غلب على الظن زوال طعمها للحاجة مناوي . وسئل م ر رضي الله عنه عن صباغ يصبغ الغزل بماء الفوّة ودم المعز ، ثم بعد ذلك يغسله غسلاً جيداً حتى يصفو ماؤه وتبقى الحمرة في الغزل ، فهل والحالة هذه يعفى عن لون عسر زواله أو لا ؟ . فأجاب : نعم يعفى عن لون عسر زواله اه .
قوله : ( بقاء الطعم ) وتقدم في الأواني أن المرجح فيها جواز الذوق وأن محل منعه إذا تحقق وجودها فيما يريد ذوقه أو انحصرت فيه شرح م ر . فاندفع ما يقال كيف يعرف بقاء الطعم مع حرمة ذوق النجاسة . قوله : ( في محل واحد ) أي ومن نجاسة واحدة .
قوله : ( ولا تجب الاستعانة في زوال الأثر ) أي من الطعم أو اللون أو الريح ، أو هما بغير الماء من نحو صابون أو أشنان إِلا إن تعينت أي : الاستعانة بأن توقفت إزالة ذلك على ما ذكر والتوقف بحسب ظن المطهر إن كان له خبرة وإِلا سأل خبيراً .(1/468)
"""""" صفحة رقم 469 """"""
فإن قلت : حيث أوجبتم الاستعانة في زوال الأثر بما توقف زوالها عليه ، فما محل قولهم يعفى عن اللون والريح دون الطعم مع استواء الكل في وجوب إزالة الأثر وإن توقف على غير الماء ؟ فالجواب : أنه تجب الاستعانة بما ذكر في الجميع ، ثم إن لم يزل بذلك وبقي اللون أو الريح حكمنا بالطهارة ، وإن بقيا معاً أو بقي الطعم وحده عفي عنه فقط أن تعذر لا أنه يصير طاهراً ، ويترتب على ذلك أنا إذا قلنا بالطهارة ، وقدر بعد ذلك على إزالته لم تجب وإن قلنا بالعفو وجبت اه م د .
قوله : ( وشرط الخ ) أي بشرط أن لا يكون جرم النجاسة موجوداً في نحو الثوب ، وإِلا فيتنجس الماء بمجرد وروده على المحل ، وهذا بيان لكيفية الغسل . وقوله : على المحل متعلق بورود ومراده بقوله ويشترط ورود ماء قل أي : على الأصح اه . وقوله : ولا يشترط العصر أي على الأصح أيضاً وعبارة شرح م ر . ويشترط ورود الماء على محلها إن كان قليلاً لا العصر في الأصح فيهما ، لكنه يستحب فيما يمكن عصره خروجاً من خلاف من أوجبه .
فرع : لو كان ثوب فيه دم براغيث ووضعه في الإناء ليغسله وصب عليه الماء ، والحال أن دم البراغيث له جرم فلا يطهر ذلك الثوب ، لأن الماء يتنجس بوضعه على عين النجاسة ، بل لا بد من إزالة عين الدم ثم صب ماء عليه يغمره ، وهذا إذا أريد تطهير الثوب من دم البراغيث فلا يضر بقاء اللون إن عسر زواله ، أما إذا أريد تنظيفه من الوسخ فلا يضر وضع الماء عليه ، ولو بقي لون الدم شوبري . ملخصاً . وعبارة ع ش ، فرع : إذا غسل ثوباً فيه دم براغيث لأجل تنظيفه من الأوساخ ولو نجسة لم يضر بقاء الدم فيه ، ويعفى عما أصابه من هذا الدم ، وأما إذا قصد غسل النجاسة التي هي دم البراغيث فلا بد من إزالة أثر الدم إِلا إذا تعسر فيعفى عن اللون .
قوله : ( لا إن كثر ) ذكره للإيضاح ، وإِلا فهو معلوم مما قبله . قوله : ( على المحل ) كإناء متنجس كله فوضع فيه ماء وأدير عليه فيطهر كله ما لم تكن عين النجاسة فيه ولو مائعة واجتمعت مع الماء ولو معفواً عنها ، ولذلك قال حج : وإفتاء بعضهم بطهارة ماء صب على بول في إجانة محمول على بول لا جرم له ، وقوله وأدير عليه فيطهر كله . قال شيخنا ح ف : ولا بد من ورود الماء على أعلاه إلى أسفله ، فلو صبها في أسفله ثم أدارها حواليه لم يكف اه . وعبارة الشهاب ابن حجر في المياه بعد كلام قدمه نصها ، وبه يعلم أن قولهم إن القليل يتنجس بملاقاة النجاسة وقولهم إن الإناء يطهر حالاً بإدارة الماء على جوانبه أي ولو بعد أن مكث الماء فيه مدة قبل الإدارة على ما جزم به غير واحد أخذاً من كلامهم . أي : لأن إيراده مع تنجسه بالملاقاة فلا يضر تأخير الإدارة عنها محله في وارد على حكمية أو عينية أزال جميع أوصافها ، بخلاف ما إذا ورد على عينية بقي بعض أوصافها كنقطة دم أو ماء متنجس ولم يبلغهما اه .(1/469)
"""""" صفحة رقم 470 """"""
قوله : ( والغسالة القليلة ) ولو لمصبوغ متنجس أو نجس ، وقد زالت عين الصبغ النجس ويعرف ذلك بصفاء الغسالة ، ولا بد أن لا يزيد وزن الثوب بعد الغسل على وزنه قبل الصبغ فإن زاد ضر لأن الزائد من النجاسة ولا يضر بقاء اللون لعسر زواله شرح م ر . وهذا يفيد أنه لو استعمل للمصبوغ ما يمنع من انفصال الصبغ مما جرت به العادة من استعمال ما يسمونه فطاماً للثوب كقشر الرمان ونحوه لم يطهر بالغسل للعلم ببقاء النجاسة فيه ، وهو ظاهر إن اشترط زوالها بأن كانت رطبة أو مخلوطة بنجس العين ، أما حيث لم يشترط زوالها بأن جفت فلا يضر استعمال ذلك ع ش . وفي ق ل على الجلال : ولا بد من صفاء غسالة ثوب صبغ بنجس ويكفي غمر ما صبغ بمتنجس في ماء كثير أو صب ماء قليل عليه كذلك فيطهر هو وصبغه اه . قوله : ( وبلا زيادة وزن ) هو في الغسالة القليلة ولا يضر في الكثيرة إِلا التغير ق ل . قوله : ( ما يتشربه المحل ) أي ويلقيه من الوسخ الطاهر . قال حج : ويكتفي فيهما بالظن . وقوله : وقد طهر المحل بأن لم يكن به طعم ولا لون ولا ريح على ما تقدم ولو في المغلظة ح ل . قوله : ( طاهرة ) أي غير مطهرة لإزالتها للخبث لأن ما أزيل به الخبث غير طهور ، ولو كان معفوّاً عنه ح ل .
قوله : ( لأن المنفصل بعض الخ ) هذا التعليل يعطي أنه يلزم من طهارة أحدهما طهارة الآخر ومن نجاسة أحدهما نجاسة الآخر ، وهو ظاهر شرح الروض . وذكر ق ل ما حاصله : أنه لا يلزم من نجاسة الغسالة نجاسة المحل ، لعلّ الأول مفروض فيما إذا كان الغسل في نحو إجانة ، والثاني فيما إذا كان الغسل بالصب والمغسول بين يديه لا في نحو إجانة شيخنا . قوله : ( وقد فرض طهره ) أي المتصل . وقوله : ثانياً طهره أي المنفصل . وقوله : فطاهرة أيضاً أي إن طهر المحل . وقوله : فنجسة أي والمحل نجس ، إذ هما متلازمان متى حكم بطهارة المحل حكم بطهارة الغسالة ، ومتى حكم بنجاسة الغسالة ولو بزيادة الوزن حكم بنجاسة المحل كما قرره شيخنا . قوله : ( ولكن يسن ) أي فيما يمكن عصره فخرج نحو الآنية . قوله : ( خروجاً من الخلاف ) أي خلاف أبي حنيفة . قوله : ( ولم تتغير ) أي وإن لم يطهر المحل . قوله : ( أو لم تنفصل ) أي وقد طهر المحل ولم تتغير ولم يزد الوزن بتقدير انفصالها . واعلم أن طهر الغسالة يستلزم طهر المحل دون العكس ، كأن زالت الأوصاف ، وكانت الغسالة متغيرة أو زاد وزنها . قوله : ( فطاهرة ) يرد عليه أن حكم المفهوم موافق لحكم المنطوق . وأجيب : بأن المفهوم فيه تفصيل تارة يكون موافقاً لحكم المنطوق وتارة يكون مخالفاً له ، والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا(1/470)
"""""" صفحة رقم 471 """"""
يعترض عليه . قوله : ( ماء نقل من البحر ) مراده الماء المنقول من محل إلى آخر من البحر أو غيره . وحاصل هذه المسألة أن هذا المنقول من البحر على ضربين : تارة يكون منقولاً من محل يكثر فيه بول جمال السقائين مثلاً والمعز ويكثر بعرهم في هذا المحل وعلم الشخص أن هذا المياه منقول من هذا المحل المذكور فهو نجس باتفاق ، وتارة ينقل من محل ليس فيه ذلك ، فهو طاهر طهور باتفاق ، وهذا إذا لم تر البعرة مثلاً في الإناء وإلا فنجس باتفاق اه . شيخنا ح ف . قوله : ( حكم بنجاسة ) أي إن تيقن أن تلك الرائحة أو اللون أو الطعم من الزبل ، وإلا لم يحكم بنجاسته كما يعلم مما بعده ق ل . وحاصل المعتمد كما يؤخذ من حاشية ا ج . إن الماء الذي في الزير إذا وجد فيه طعم أو ريح بول مثلاً يحكم بالطهارة إلا إن وجد سبب يحال عليه النجاسة فاحفظه . وعبارة ح ل : وأفتى والد شيخنا بنجاسة ما يؤخذ من البحر فيوجد فيه ريح الزبل أو طعمه أو لونه أو ريحه أي لكن يعفى عنه للمشقة اه . وفي ق ل على الجلال : لا يحكم بالنجاسة بغير تحقق سببها ، فالماء المنقول من البحر للأزيار في البيوت مثلاً إذا وجد فيه وصف النجاسة محكوم بطهارته للشك قاله شيخنا م ر . وأجاب عما نقل عن ولده من الحكم بالنجاسة تبعاً للبغوي بأنه محمول على ما وجد سببها . قوله : ( لوضوح الفرق ) وهو أن هنا سبباً يحال عليه النجاسة ، وهو أنه عهد بول الإبل في الماء عند بروكها للاستقاء بخلاف ريح الخمر ، فقد يكون بدون وصوله للجوف أو بإكراه أو نسيان . قوله : ( جائفة ) أي منتنة . قوله : ( وهذه المسألة ) أي مسألة الماء المنقول من البحر بالصفة المذكورة . قوله : ( مما تعم به البلوى ) فيه إشارة للعفو اه ا ج . أي فيعفى عن الماء المذكور ، وظاهره وإن تيقن أن تلك الأوصاف من الزبل ما لم تكن عين الزبل موجود . كما قرره شيخنا نقلاً عن ع ش . وعبارة شرح م ر : والأوجه خلاف ما قاله البغوي لأن الأصل طهارة الماء وعدم وقوع النجاسة فيه ، فالحكم مع ذلك بنجاسة الماء حكم بها بالشك أي مع الشك .
قوله : ( إلا بول الخ ) البول قيد أول والصبي أي الذكر المحقق قيد ثان ، والذي لم يأكل الطعام قيد ثالث ، وقبل مضي حولين قيد رابع ، والمراد ببول الصبي الخالص ، وإلا بأن اختلط بماء ثم تطاير من ذلك شيء ، فلا بد من غسله كما نقل عن الطوخي ، وفي البرماوي ولو(1/471)
"""""" صفحة رقم 472 """"""
مختلطاً بأجنبي أو كان متطايراً من ثوب أمه وخرج بالبول غيره كفيء وغائط ، وذهب لطهارة بول الصبي أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور من أئمتنا . وحكي عن مالك ، وأما حكايته عن الشافعي فباطله : رحماني . قوله : ( الطعام ) المراد به غير اللبن حتى الماء بل يشمله لفظ الطعام ، وعبارة أصل الروضة لم يطعم ولم يشرب سوى اللبن اه . قال سم : وقضية كلامهم أنه لا فرق بين أمه وغيرها خلافاً للأذرعي في لبن الشاة ونحوها ، ولا بين اللبن النجس والطاهر خلافاً للزركشي اه . وقوله : والنجس ولو من مغلظ وإن وجب تسبيع فمه لا سمنه وجبنه اه ق ل . قال ح ل : ومن الطعام السمن ولو من لبن أمه اه . والمعتمد أن الجبن الخالي من الأنفحة لا يضر وكذا القشطة ولو قشطة غير أمه اه ح ف .
قوله : ( أي للتغذي ) بأن لم يأكل الطعام أصلاً أو أكله لا للتغذي بل للإصلاح . قوله : ( قبل مضي حولين ) أي أو معه فالمعية ملحقة بالقبلية اه . قال ابن شرف : فلا يضر نحو زيادة يومين اه . والمعتمد الضرر لأن الحولين تحديدية هلالية كما ذكره ع ش على م ر . ونقل مثله عن ق ل وما في حاشية ا ج من قوله : فلا يضر نقص يوم أو يومين سهو وتحسب من انفصاله فلا يحسب زمن اجتنانه أي صيرورته جنيناً في بطن أمه ، فلا بد من انفصاله كله ولو خرج البعض وقعد هكذا سنين ، والظرف أعني قوله قبل متعلق بقوله بول ولم يأكل على سبيل التنازع أي بوله الكائن قبل مضي حولين ، فلو بال بعدهما لم يكف النضح ولو لم يأكل شيئاً ولو أصابه بول صبي وشك هل هو قبل الحولين أم بعده ؟ فهل يكتفي بالرش أو لا بد من الغسل ؟ اعتمد الشيخ سلطان الثاني ، وعلله بأن الرش رخصة والرخص لا يصار إليها إلا بيقين . وفي حاشية ع ش على م ر خلافه ، وعبارته لو شك هل البول قبلهما أو بعدهما أو أن البول مما بعدهما أو قبلهما فينبغي أن يكتفي بالنضح لأن الأصل عدم بلوغ الحولين وعدم كون البول بعدهما . قوله : ( بأن يرش عليه ) ولا يضر طراوة محله بلا رطوبة تنفصل منه ، وتكفي إزاله الأوصاف مع الرش ق ل وبرماوي ، ويسن تثليثه على الأوجه كما في الشوبري .
قوله : ( ويتحقق بالسيلان ) بأن يفارق الماء موضع إصابته سم . قوله : ( فأجلسه ) وهو أحد صبية وقع منهم ذلك نظمهم بعضهم بقوله :
قد بال في حجر النبي أطفال
حسن حسين ابن الزبير بالوا
فكذا سليمان بني هشام
وابن أم قيس جاء في الختام(1/472)
"""""" صفحة رقم 473 """"""
قوله : ( في حجره ) الحجر بالكسر مقدم الثوب وبالفتح التربية ، وفي المصباح أنه هنا بالكسر والفتح . وقوله : ولم يغسله ذكره بعد النضح لأنه قد يطلق على الغسل الخفيف ع ش . قوله : ( فدعا ) أي رسول الله وقوله فنضحه أي بعد عصره أو جفافه ، والفاء لا تدل على الفورية هنا ق ل . قوله : ( وفرق بينهما ) أي بين ذكر المحقق وغيره ، وسوّى الإمامان أبو حنيفة ومالك بينهما في وجوب الغسل من بولهما وإن لم يأكلا الطعام اه رحماني . قوله : ( بأن الائتلاف الخ ) يعني أن الرجال والنساء يألفون حمل الصبيان بخلاف الأنثى فإنما يألفها غالباً الإناث . قوله : ( وبأن بوله أرق ) لأن بول الذكر من ماء وطين وبولها من لحم ودم ، لأن حوّاء خلقت من ضلع آدم القصير ، وقيل لما كان بلوغ الغلام بمائه طاهر وهو المني وبلوغها بمائع كذلك وبنجس وهو الحيض جاز أن يفترقا في حكم البول ، ونظر بعضهم في الفرق الثاني بأن المخلوق من تراب هو آدم ومن ضلع هي حواء ، وأما من بعدهما فالكل مخلوق من النطفة ومغذى بدم الحيض فكيف يقال يرجع إلى الأصل . وأجيب : بأنه لوحظ في كل منهما أصله . قوله : ( فلا يلصق ) بفتح المثناة التحتية وسكون اللام وفتح الصاد المهملة من لصق يلصق كعلم يعلم برماوي . قوله : ( سفوف ) بالفتح وعبارة المختار وكل ما يؤخذ غير معجون فهو سفوف بفتح السين ع ش على م ر . وأما بضمها فهو الفعل وهو التناول . قوله : ( لإصلاح ) وإن حصل به التغذي كما في سم وق ل . قوله : ( كالطعام ) ووجهه أنه إذا كبر غلظت معدته وقويت على الاستحالة وربما كانت تحيل إحالة مكروهة ، فالحولان أقرب مردّ فيه ، ولهذا يغسل من بول الأعراب الذين لا يتناولون إلا اللبن شرح م ر ، فلو شرب اللبن قبل الحولين ثم بال بعدهما قبل أن يأكل غير اللبن ، فهل يكفي فيه النضح أو يجب فيه الغسل ، لأن تمام الحولين نازل منزلة أكل غير اللبن ؟ الذي يظهر الثاني كما اعتمده شيخنا الطندتائي ، وكذا لو أكل غير اللبن للتغذي في بعض الأيام ، ثم أعرض عن ذلك وصار يقتصر على اللبن ، فهل يقال لكل زمن حكمه أو يقال يغسل مطلقاً لأنه أكل غير اللبن للتغذي ؟ الذي يظهر الثاني ، وتقدم ما في صورة الشك فافهم .
قوله : ( من إزالة أوصافه ) أي ولو بالنضح المذكور أما الجرم فلا بد من إزالته قبل ذلك(1/473)
"""""" صفحة رقم 474 """"""
اه . قوله : ( كبقية النجاسات ) فيه إشارة إلى أن الدليل القياس ، ولم يستدل بالحديث لأنه مجمل لأن قوله دعا بماء ، فنضحه يحتمل أن يكون ذلك مع إزالة الأوصاف أو قبلها ، وبذلك أخذ الزركشي بظاهره ولو يشترط زوال الأوصاف كما أفاده شيخنا العزيزي . قوله : ( إلا اليسير ) بالجر بدل من شيء وبالنصب على الاستثناء . قوله : ( من الدم ) . حاصل مسائل الدم والقيح بالنظر للعفو وعدمه أنها ثلاثة أقسام . الأول : ما لا يعفى عنه مطلقاً أي قليلاً أو كثيراً وهو المغلظ وما تعدى بتضمخه وما اختلط بأجنبي على ما يأتي . والثاني : ما يعفى عن قليله دون كثيره وهو الدم الأجنبي والقيح الأجنبي إذا لم يكن من مغلظ ولم يتعّد بتضمخه . والثالث : الدم والقيح غير الأجنبين كدم الدماميل والقروح والبثرات وموضع الفصد والحجامة بعد سده بنحو قطنة ، فيعفى عن كثيره كما يعفى عن قليله ، وإن انتشر للحاجة ما لم يكن بفعله أو يجاوز محله ، وإلا عفي عن قليله . وقوله : ما لم يكن بفعله ومنه ما يقع من وضع لصوق على الدمل ليكون سبباً في فتحه وإخراج ما فيه فيعفى عن قليله دون كثيره ، وأما ما يقع كثيراً من أن الإنسان قد يفتح رأس الدمل بآلة قبل انتهاء المدة فيه مع صلابة المحل ثم تنتهي مدته بعد فيخرج من المحل المنفتح دم كثير ونحو قيح ، فهل يعفى عن ذلك ولا يكون بفعله لتأخر خروجه عن وقت الفتح أو لا . لأن خروجه مرتب على الفتح السابق ، فيه نظر والأقرب الثاني كما ذكره ع ش على م ر في شروطه الصلاة . وقوله : أو يجاوز محله قال سم العبادي : المراد بمحله محل خروجه وما انتشر إلى ما يغلب إليه التقاذف كمن الركبة إلى قصبة الرجل فعفى عنه حينئذ إذا لاقى ثوبه مثلاً في هذه الحالة .
قوله : ( لأن جنس الدم ) فيه تعليل الشيء بنفسه لأن المدعي العفو عن القليل . ويجاب بأن المنظور إليه جنس الدم والجنس يصدق بالقليل والكثير ، فصارت الدعوى خاصة والدليل عاماً فلا يلزم عليه تعليل الشيء بنفسه كما قاله شيخنا م د . قوله : ( يتطرق ) أي ينجرّ إليه . قوله : ( ومثله الصديد ) وهو ماء رقيق مختلط بدم قبل أن تغلظ المدة وعبارة ق ل . ومثله أي(1/474)
"""""" صفحة رقم 475 """"""
الدم اليسير الصديد وماء الجروح ونحو القروح والنفاطات . قوله : ( وكذا لو أخذ دماً أجنبياً ) أي لكون ذلك بفعله تعديا وخرج به دم البثرات ونحوها فيعفى عن قليله بفعله كما يعفى عنه مطلقاً بغير فعله . وفي شرح م ر : لو لطخ نفسه بدم أجنبي عبثاً لم يعف عن شيء منه لارتكابه محرماً فلا يناسبه العفو كما أفتى به الوالد . قوله : ( ويعفى عن دم البراغيث ) وإن كثر ما لم يكن بفعله نعم لا يعفى عن حمل ثوب فيه دم براغيث كثير ولا يعفى عن افتراشه في الصلاة ولا عنه مطلقاً في نحو مائع وماء قليل . قوله : ( وونيم الذباب ) أي روثه . قوله : ( وعن قليل بول الخفاش ) بضم الخاء المعجمة ، واستظهر بعضهم العفو عن كثيره أيضاً ، فالقليل ليس قيداً والخفاش ليس قيداً ، بل بقية الطيور كذلك كما في ق ل . قوله : ( وعن روثه ) مقتضى إعادة عن أنه يعفى عن الكثير . وفي شرح الروض خلافه والنسخ الصحيحة ليس فيها إعادة عن فيكون مسلطاً على ما ذكره ، وعبارة بعضهم قوله : وعن روثه أي القليل فيه وفيما بعده وقيل بالعفو عن الكثير أيضاً .
قوله : ( تمصها ) أي ثم تمجها فهو من القيء ق ل . قوله : ( ومثلها القمل ) أي من حيث إنه ليس لها دم في نفسها ولم يصرحوا بأنها تمجه كالبراغيث فليراجع . قوله : ( بأجنبي ) أي غير الدم المعفو عنه . وقد ألغز في هذا بعضهم فقال :
حيّ الفقيه الشافعيّ وقل له
ما ذلك الحكم الذي يستغرب
نجس عفي عنه ولو خالطه
نجس طرا فالعفو باق يصحب
وإذا طرا بدل النجاسة طاهر
لا عفو يا أهل الذكاء تعجبوا
أجابه بعضهم :
حييت إذ حييتنا وسألتنا
مستغرباً من حيث لا يستغرب
العفو في نجس عراه مثله
من جنسه لا مطلقاً فاستوعبوا(1/475)
"""""" صفحة رقم 476 """"""
والشيء ليس يصان عن أمثاله
لكنه للأجنبي يجنب
وأراك قد أطلقت ما قد قيدوا
وهو العجيب وفهم ذاك الأعجب
قوله : ( ولو دم نفسه ) صوابه أن يقول ولو من نفسه أي : ولو كان الأجنبي من نفسه كرطوبة المنافذ وهذا ما قاله شيخنا م ر . وخالفه حج وقال : يعفى عن قليله ومال إليه شيخنا لأنه ضروري ق ل . قوله : ( نعم يعفى عن ماء الطهارة الخ ) أي سواء كانت واجبة أو مندوبة كما في حاشية شيخنا م د . وخرج التنظف والتبرد فلا يلحقان بالطهارة وقيل يلحقان . قوله : ( والثاني على غير ذلك ) كماء تنظف أو تبرد . قوله : ( كما علم مما مر ) أي من قوله ما لم يختلط بأجنبي . قوله : ( بماء الطهارة ) أي يلحق بها في العفو المتقدم ق ل . قوله : ( أو جعله على جرحه دواء ) عطف على ما يتساقط أي ويلحق بماء الطهارة جعله على جرحه دواء أي فلا يضر اختلاطه بالدم وبعد ذلك إن كان ذلك الدواء سبباً في فتحه وخروج الدم كان من قبيل ما خرج بفعله فيعفى عن القليل فقط ، ويلحق أيضاً بماء الطهارة ماء الطيب كماء الورد ، لأن الطيب مقصود شرعاً خصوصاً في الأوقات التي هو مطلوب فيها كالعيدين والجمعة ، بل هو أولى بالعفو من كثير مما ذكروه خلافاً ل : ل ع اه . رشيدي على م ر . ومما يعفى عنه أيضاً ما لو مسح وجهه المبتلّ بطرفه ولو كان معه غيره اه ل : لع ش م ر . قوله : ( ولو من النجاسة المغلظة ) يشمل ذلك الدم ، وصرح به ق ل . لكن قيده بعضهم بغير دمه وعبارة م ر يشمله . قوله : ( ما ذكره ) أي في قوله إلا اليسير الخ . قوله : ( منها ) أي من المستثنيات .(1/476)
"""""" صفحة رقم 477 """"""
قوله : ( وما لا نفس له الخ ) مبتدأ بدليل ما بعده والشارح غير إعرابه فجعله معطوفاً على اليسير فهو من جملة المستثنى فيكون المعفو عنه ثلاثة . وقوله : لا نفس له سائلة صفة لما أو صلة لها ، والمراد بالنفس الدم أي لا دم له وسمي نفساً لأن به قوام المنفس .
وحاصل هذه المسألة أنها ماتت فيما نشأت منه ، أو وصلت إلى المائع مثلاً حية ، وإن طرحت بقصد موتها فيه ثم ماتت فيه لم تنجسه ، وأنها إذا وقعت ميتة بنفسها أو بريح أو وصلت إليه ميتة بعد طرحها حية لم تنجسه أيضاً ، وأنها إذا طرحها ميتة مميز قصداً نجسته اتفاقاً ، وأنه إذا طرحها غير مميز أو مميز لا بقصد وقوعها فيه فوقعت فيه لم تنجسه عند الشارح ، وخالفه شيخنا وغيره ، نعم يعفى عن تصفية ما هي فيه بنحو خرقة وعن وقوعها عند نزعها بأصبع أو عود وأن تكرر اه ق ل . وبقي ما لو طرحت ميتة ثم أحييت ثم ماتت هل تنجس أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول وظاهره ولو بلا قصد ، وعبارة سم على حج ظاهره ولو كان الطرح سهواً وبقي أيضاً ما لو طرحت حية ثم ماتت ثم أحييت هل تنجس أم لا ؟ الظاهر الثاني كما قاله بعض الشيوخ وهو وجيه متعين لأنهم صرحوا أنها لا تضر إلا بطرحها ميتة ووصولها ميتة .
قوله : ( عن الذي ) أي عن الميتة التي ولو عبر به لكان أولى . قوله : ( عند شق ) متعلق بسائلة . قوله : ( الذي فيه مائع ) ليس قيداً . قوله : ( بشرط الخ ) زيادة إيضاح بعد قوله وقع لأن ظاهره من غير طرح . قوله : ( ولخبر البخاري الخ ) ذكره فيه نظر لأنه مفروض فيما إذا وقع وهو حي ، وكلامنا فيما إذا وقع وهو ميت . قوله : ( يتقي ) أي يستعين . قوله : ( فإن غيرته ) هو محترز قوله السابق ولم تغيره . قوله : ( بعد موتها قصداً ) كان المناسب حذف قوله قصداً لأنه غير قيد(1/477)
"""""" صفحة رقم 478 """"""
وأخذ محترزه في ثلاث صور ، وما ذكره فيها من عدم التنجيس ضعيف والمعتمد التنجيس . قوله : ( وهي حية ) محترز قوله بعد موتها وهو قيد في الأخيرة فقط شيخنا . قوله : ( وهو كذلك ) ضعيف بالنسبة لغير الأخيرة ومعتمد بالنسبة للأخيرة . قال سم : لو طرحها طارح حية فماتت قبل وصولها المائع أو ميتة فحييت قبل وصولها لم يضر في الحالين أفاده الطبلاوي . قوله : ( وإن كان في بعض نسخ الكتاب ) أي المتن الخ هذا كالاستدراك على المسألة الأخيرة ، وهي قوله أو قصد طرحها فيه الخ فهو غاية لها فكأنه قال وهو كذلك أي بالنسبة للمسألة الأخيرة ، وإن كان في بعض نسخ الكتاب التفصيل أي فهذا التفصيل ضعيف ، والمعتمد عدم الضرر فقصد الشارح بقوله : وإن كان الخ . الاعتراض على النسخة التي فيها وماتت فيه والتقوية للمسألة الأخيرة فكأنه يقول : الحكم ما ذكرته في المسألة الأخيرة من عدم الضرر وإن كان كلام المتن على هذه النسخة يقتضي الضرر ، لأن مفهوم قوله وقع أنها إذا طرحت وهي حية وماتت فيه أنها تنجس مع أنه ليس كذلك . قوله : ( فظاهره أنها طرحت ) المناسب أن يقول وقعت ، لأن الطرح يكون بفعل فاعل فلا يفصل فيها حينئذ بين أن تقع بنفسها أو لا شيخنا .
قوله : ( فيفصل الخ ) فيه نظر ، لأن كلامه مفروض فيما إذا وقع بنفسه فكيف يتأتى التفصيل ، فلو قال : ومفهوم قوله وقع أنه لو طرحها طارح ضر الخ . لكان أولى هذا مراد الشارح ، وهذا التفصيل الذي اقتضته النسخة ضعيف لأنه حيث كانت حية فلا فرق بين أن تقع بنفسها أو بطرح طارح ، فلا يتم للشارح الاعتراض على هذه النسخة إلا بهذا التقرير ، وأما إذا جعلنا الضمير في قوله فيفصل فيها أي : في مفهوم الحية وهي الميتة ، ويقال إن طرحت الميتة ضر وإن وقعت بنفسها لم يضر فلا يتم للشارح مقصوده من الاعتراض على تلك النسخة . قوله : ( أو لا ) أي مع أن المعتمد أنها إذا طرحت حية لا يضر مطلقاً إلا إن غيرت .
قوله : ( ثم اعلم الخ ) تقدمت الإشارة إلى أن غالب ما ذكر هنا مكرر فلا تغفل اه . ق ل . قوله : ( جماد وحيوان ) كان ينبغي أن يزيد وغيرهما كفضلات الحيوان ، فإن الجماد ما ليس حيواناً ولا أصل حيوان ولا خرج من حيوان ، ثم يقول : وأما فضلات الحيوان فإن استحالت إلى فساد فنجسة وإلا فطاهرة م د . ويجاب : بأن مراده بالجماد ما لا روح فيه فدخلت الفضلات ، لكنه يشمل الميت فيقتضي أنه يقال له جماد إلا أن يقال المراد به ما خلا عن الروح أصلاً ولو في الماضي اه .(1/478)
"""""" صفحة رقم 479 """"""
قوله : ( ولو من بعض الوجوه ) أي كالحجر ، فإنه وإن لم يؤكل ينتفع به في البناء مثلاً . قوله : ( بالطهارة ) في الكلام مضاف محذوف أي بذي الطهارة وهو الطاهر ، وفي بعض النسخ بالطاهر وهي ظاهرة لا تحتاج إلى تقدير .
قوله : ( وهو المسكر المائع ) قال العلامة القليوبي : لو سكت عن لفظ مائع لكان أولى لأن ذا الشدة المطربة نجس ، سواء كان مائعاً أو جامداً اه . وفيه أن عبارته أي عبارة القليوبي تشمل الحشيشة والكشك مع أنهما طاهران ، فالأولى عبارة الشارح ولا يرد على قوله مائع الخمرة الجامدة نظراً لأصلها كما في عبارة ا ج . ونصها قوله : وهو المسكر المائع أي أصالة فلا ترد الخمرة المنعقدة وأراد بالمسكر هنا المغطي للعقل لا ذا الشدة المطربة ، فاحتاج للتقييد بالمائع ، وعبارة ز ي قوله : ولا ترد الخمرة المنعقدة فإنها جامدة وهي نجسة ، والحشيشة المذابة فإنها طاهرة لأن الخمرة المنعقدة مائعة في الأصل بخلاف الحشيشة المذابة أي فإنها جامدة في الأصل وهي طاهرة أي إن لم يحصل منها شدة مطربة اه .
وقد سئل الوالد رحمه الله عن الكشك هل هو نجس إذا أسكر كالبوظة وهل يكون جفافه كالتخلل في الخمر فيطهر أو يكون كالخمرة المنعقدة فلا يطهر ؟ فأجاب : بأنه لا اعتبار بقول هذا القائل ، فإنه لو فرض كونه مسكراً لكان طاهراً لأنه ليس بمائع اه . ويؤخذ منه أن البوظة نجسة وهو كذلك ، إذ لو نظر إلى جمودها قبل إسكارها لورد على ذلك التمر والزبيب ونحوهما من الجامدات ، فإنها نجسة حال إسكارها مع أن أصلها جامد ، وهذا ظاهر جلي . وفي ح ل ما نصه : والحاصل أن ما فيه شدة مطربة نجس سواء كان مائعاً أو جامداً ، فالكشك الجامد لو صار فيه شدة مطربة كان نجساً ، وقد يقال ما فيه شدة مطربة وهو جامد إن كان مسكراً قبل جموده كان نجساً كالخمرة المنعقدة ، وإلا فهو طاهر كالكشك ، وما لا شدة فيه غير نجس مائعاً أو جامداً فإسقاط مائع متعين إن أريد بالمسكر ما فيه شدة مطربة لا المغطى للعقل اه . قوله : ( لما مر ) أي لأنه خلق لمنافع العباد . قوله : ( إلا ما استثناه الشارع ) أي حقيقة كالكلب أو حكماً كالخنزير ، فإنه لم يستثنه الشارع حقيقة ، وإنما هو مقيس على الكلب . قوله : ( كله طاهر ) لفظ كل ذكر لمجرد التأكيد ، إذ الألف واللام للاستغراق كما قرره شيخنا العزيزي . قوله : ( إلا الكلب ) .
فائدة : نقل شيخنا عن بعضهم أن كل الكلاب نجسة إلا كلب أهل الكهف ثم توقف في(1/479)
"""""" صفحة رقم 480 """"""
معنى طهارته هل أوجده الله طاهراً أو سلبه أوصاف النجاسة اه . رحماني . قوله : ( ولو معلماً ) رد على القول الضعيف القائل بطهارته ا ط ف . وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي : ما الحكمة في تنجيس الكلب ؟ فأجاب : الحكمة في تنجيس الكلب التنفير مما كان يعتاده أهل الجاهلية من القبائح كمؤاكلة الكلاب وزيادة إلفها ومخالطتها مع ما فيها من الدناءة والخسة المانعة لذوي المروءآت وأرباب العقول من معاشرة ومخالطة من خالطها . قوله : ( طهور ) أي تطهيره وهو مبتدأ خبره قوله : أن يغسله . قال النووي في شرح مسلم : طهور الأفصح فيه ضم الطاء ، ويقال بفتحها لغتان اه ا ط ف على المنهج . ومثله في ع ش ، لكن على الفتح يؤول باسم الفاعل أي مطهر تأمل . قوله : ( إذا ولغ ) قال في المصباح : ولغ الكلب وغيره يلغ ولغاً من باب وقع وولوغاً شرب بلسانه ، فالولوغ تناول المائع باللسان .
قوله : ( وجه الدلالة الخ ) هذه الطريقة في الاستدلال يقال لها طريقة السبر وهي أن يحصر العلل ويبطل منها ما لا يصلح للعلية وهو هنا الحدث والتكرمة ، ويتعين ما يصلح كما قالوا في علة الربا لا جائز أن تكون القوت لأنه يرد عليه التفاح لأنه غير مقتات بل للتفكه ، ولا جائز أن تكون الكيل لأنه يرد عليه البرسيم فإنه مكيل غير مع أنه ربوي ، فتعين أن تكون العلة هي الطعم . قوله : ( طهارة الخبث ) أي الطهارة للخبث فيكون هو العلة فالإضافة على معنى اللام . قوله : ( أو تكرمة ) كغسل الميت . قوله : ( أطيب الحيوانات ) أي غير الآدمي نكهة أي رائحة الفم لكثرة ما يلهث أي يخرج لسانه . قوله : ( ونحوها ) أي من كل ما لا يقتنى من الحيوانات كالنمس ونحوه فخرج الهرة . قوله : ( ليسَ لنا دليل واضح الخ ) وأما قوله : ( أو لحم خنزير فإنه رجس ) فالضمير فيه راجع للحم ولا يلزم من نجاسته نجاسته في حال حياته . قوله : ( ويرد النقض ) أي نقض التعليل بالحشرات ونحوها كالسباع ومحصله أنا نزيد في التعليل وهو قوله :(1/480)
"""""" صفحة رقم 481 """"""
لأنه لا يقتنى أي مع أنه مندوب إلى مع قتله تأتي الانتفاع به ولا كذلك الحشرات فيهما لأنه إنما يندب قتل المؤذي منها ولا يمكن الانتفاع بها . قوله : ( بأنه مندوب ) أي مدعو الخ . يعني أن هذا جزء من العلة فالعلة مركبة هذا هو المراد . وعبارة العباب في أول كتاب البيع بل يجب قتله إن كان عقوراً وإلا جاز اه . قال في الإيعاب : وظاهره أنه لا يتأتى فيه الخلاف في الكلب الذي لا نفع فيه ولا ضرر ، لأنه أسوأ حالاً منه ، ومن ثم كان ظاهر كلامهم وجوب قتله مطلقاً . وعبارة شيخنا يستحب قتله مطلقاً اه . وهو المعتمد وهو الموافق لاستحباب قتل الكلب العقور وما ادعاه صاحب العباب من أن ظاهر كلامهم وجوب قتله ممنوع ، بل ظاهر كلامهم يخالفه إلا أن يحمل على ما إذا تعين طريقاً لدفع نحو عقور صال اه .
قوله : ( بلا ضرر فيه ) أي وإن لم يكن فيه ضرر أي بخلاف الحشرات فلا يندب قتلها ، إلا إذا كان فيها ضرر كالحية فسقط اعتراض ق ل . بقوله قوله ، ويرد النقض الخ . فيه نظر إذ في الحشرات ما يندب قتله وعدم الحمل عليها لضعفها فتأمل . قوله : ( ولأنه يمكن الانتفاع به ) أي : ولم يجوّزوه فعدم تجويزه مع إمكانه بحمل شيء على ظهره مع تحريم اقتنائه يدل على نجاسته ، كما يؤخذ من ابن حجر أفاده شيخنا العشماوي . قوله : ( أي من جنس كل منهما ) أشار به إلى أنه ليس المراد بالمتولد منهما المتولد بين كلب وخنزيرة أو عكسه ، بل بين كلب وكلبة أو خنزير وخنزيرة ، لأن الصورة السابقة داخلة في قوله أو من أحدهما . ولذا قال الشارح مع الآخر وفائدة قوله : وما تولد منهما على هذا مع دخوله في قوله السابق إلا الكلب والخنزير شموله لما تولد منهما على غير صورتهما ، بأن كان على صورة شاة أو ظبي .
وقال العلامة الأجهوري ، قوله : أي من جنس كل منهما فائدته بيان ما ينشأ عن أحدهما وإن لم يتولد بين الاثنين كأن ألقت الكلبة حيواناً بلا إنزاء عليها ، وقدرة الله صالحة كما يقع أن الفرخة تبيض من غير ديك ، وبهذا سقط الاعتراض على الشارح .
قوله : ( ولو آدمياً ) لكن محله أي محل كون المتولد بين الكلب وغيره نجساً إن لم يكن أحد أصليه آدمياً ، أو كان على غير صورة الآدمي ، فإن كان أحد أصليه آدمياً وكان على صورة الآدمي ولو في نصفه الأعلى فقط ، فقال شيخنا م ر : هو طاهر ويعطى أحكام الآدميين مطلقاً ، وقاعدة يتبع الفرع أخس أصليه في النجاسة أغلبية والتمسك ، بظاهر الكتاب والسنة أولى من القاعدة ، وعلى القول بنجاسته يعطى حكم الطاهر في الطهارات والعبادات والولايات وغيرها إلا في عدم حل ذبيحته ومناكحته وإرثه وقتل قاتله ، ومنعه الشارح من الولايات أيضاً ، وظاهر كلامه هنا أنه يعطى حكم النجس مطلقاً وليس مراداً ق ل . وهذا أي قوله ولو آدمياً غاية في(1/481)
"""""" صفحة رقم 482 """"""
الغير ، وصريح كلام الشارح أنه نجس وهو ضعيف ، وبه قال حج . والمعتمد عند م ر أنه طاهر فيدخل المسجد ويمس الناس ولو رطباً ، ويؤمهم ولا تحل مناكحته رجلاً كان أو امرأة ، لأن في أحد أصليه ما لا تحل مناكحته ولو لمثله ويقتل بالحر لا عكسه ويتسرى ويزوّج أمته لا عتيقته اه ا ج . وزيادي . ولو كان أحد شقيه على صورة الآدمي دون الآخر ، فقد استظهر ع ش أنه طاهر العين تغلبياً لصورة الآدمي ، والآدمي المتولد بين كلبين نجس ، والكلب بين آدميين طاهر ، ولا يضر تغير الصورة في نجاسة أو طهارة . وفي رسالة البرماوي في المتولد بين آدمي وغيره ما نصه : وأما متولد بين آدميين على صورة نحو الكلب فطاهر اتفاقاً ، وإذا كان ينطق ويعقل فهل يكلف أم لا ؟ قال بعض مشايخنا : يكلف لأن التكليف مناطه أي متعلقة العقل وهو موجود فيه ، وأما ميتته فطاهرة ، وأما متولد بين كلبين مثلاً فنجس اتفاقاً وإذا كان على صورة الآدمي وينطق ويفهم ، فهل يكلف نظراً للصورة ؟ قال شيخنا الشهاب القليوبي : القياس التكليف لما تقدم ، وأما متولد بين شاتين مثلاً وهو على صورة الآدمي فطاهر ويجوز ذبحه وأكله ، وإن صار خطيباً وإماماً . والقياس أنه يجب في قتله قيمته وميتته نجسة لأن ميتة أصلية كذلك ، ويكلف إذا كان عاقلاً ، ولذلك قال فيه الشمس الخطيب الشربيني : لنا خطيب يذبح ويؤكل . قال شيخنا النور ع ش : وأنه لا يعطى حكم الآدمي في شيء من الأحكام لا في الحياة ولا في الممات ، وإذا صار خطيباً مثلاً وصلى وأتى بالعبادات المنوطة بالعقل ثم مات ، فهل يكون يوم القيامة تراباً نظراً لأصليه أو يدخل الجنة نظراً إلى صورة الآدمي ؟ تردد في ذلك شيخنا العلامة ع ش ، ثم استقرب دخول الجنة نظراً للعقل بأنه مناط التكليف ، فالثواب والعقاب عليه ، وإذا كان على صورة المرأة هل ينقض بمسه أو لا ؟ حرره اعتمد ع ش النقض . وأما متولد بين سمك وغيره هل تكون ميتته نجسة ؟ قد يقال نعم على قياس أن المتولد يتبع أخس أصليه في النجاسة فليتأمل سم . قال حج ، قال بعضهم : ولو وطىء آدمي بهيمة فولدها الآدمي ملك لمالكها اه . وهو نفيس وعلى قاتله قيمته ولا يؤكل نظراً لأحد أصليه وميتته نجسة قياساً على ما تقدم عن سم في المتولد بين السمك وغيره ، وأما متولد بين خروف وآدمية وكان على صورة آدمي ، فحكمه أنه ليس ملكاً لصاحب الخروف ، ثم إن كانت أمه حرة فهو حرّ تبعاً ، وإن كانت رقيقة فهو ملك لمالكها ، ومع ذلك فينبغي أن لا يجزىء في الكفارة تبعاً لأخس أصليه ، كما لا يجزىء المتولد بين ما يجزىء في الأضحية وغيره فيها ، بل لعل هذا أولى منه بعدم الإجزاء لانتفاء اسمية الآدمي عنه ، وإن كان على صورته ولا تغترّ بمن يخالفه ، فإنه دقيق قاله شيخنا النور ع ش اه بحروفه . وفي حاشية ابن قاسم : ولو مسخ الكلب آدمياً ، فينبغي استصحاب نجاسته لأنا لا نطهر ما كان نجس العين بالشك ، ولو مسخ الآدمي كلباً فهو على طهارته استصحاباً للأصل في المسألتين .(1/482)
"""""" صفحة رقم 483 """"""
قوله : ( تغليباً للنجاسة ) أي على الطهارة . وقوله : ( لتولده منها ) علة للعلة لكن تولده منها بمجرده لا يقتضي النجاسة إلا بضميمة . قوله : ( والفرع يتبع ) الخ فقوله : والفرع الخ من تتمة العلة فالواو للحال .
قوله : ( لتولده منها ) أي مع النجاسة أي من ذي النجاسة فكان مثلها ، ولا ينتقض بالدود المتولد لأننا نمنع أنه خلق من نفسها ، وإنما تولد فيها كدود الخ لا يخلق من نفس الخل بل يتولد فيه ، والخرزة البقرية الخارجة من البقر نجسة لخلقها من النجاسة ، ولو ارتضع جدي من كلبة أو خنزيرة فنبت لحمه من لبنها لم ينجس على الأصح شرح البهجة قوله : ( وأشرفهما ) أي الأشرف منهما ، وكذا يقال فيما بعده ، وقد نظم بعضهم هذه القاعدة بقوله :
يتبع الفرع في انتساب أباه
والأم في الرق والحريه
والزكاة الأخف والدين الأعلى
والذي اشتد في جزاء وديه
وأخس الأصلين رجسا وذبحا
ونكاحا والأكل والأضحية
قوله : ولام بلام مكسورة فهمزة مضمومة فميم مشددة مكسورة ، لأن النظم من الخفيف ودخل فيه الخبن والتقدير وهو تابع لام . وقوله : ( في الرق ) يشترط أن لا يظن الواطىء في حال وطئه أنها حرة فخرج ما إذا ظن أنها زوجته الحرة أو غزّ بحرية أمة ، فإن ولدها حر . وقوله : والذي اشتد في جزاء فإذا قتل المحرم صيداً متولداً بين بقر وحشي ونعامة لزمه بدنة . وقوله ودية بتشديد الياء فالمتولد بين كتابي ومجوسي ديته دية كتابي . وقوله : وأخس الأصلين رجساً كالمتولد بين كلبة وشاة فهو نجس ويستثنى منه الآدمي الذي تولد بين آدمي وكلبة ، فإنه طاهر عند م ر . وقوله : وذبحاً فالمتولد بين كتابي ومجوسي لا تحل ذبيحه ولا نكاحه إن كان أنثى كما يؤخذ من قوله ونكاحاً . وقوله : والأكل بضم الهمزة المأكول قال تعالى : ) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } ) إبراهيم : 25 ) وهو منصوب عطفاً على قوله رجساً ، فالمتولد بين مأكول وغير مأكول لا يحل أكله ، والأضحية بتشديد الياء فالمتولد بين ما يجزىء في الأضحية وما لا يجزىء لا يجزىء فيها .
قوله : ( وإيجاب البدل ) كالمتولد بين صيد بري وحشي مأكول وغيره ، فإذا قتله المحرم وجب بدله من المأكول كالمتولد بين حمار وحشي وحمار أهلي . وقوله : ( وتقرير الجزية ) فإن كان أبوه يقر بالجزية بأن كان له كتاب أو شبهة كتاب أقرّ هو بها أيضاً ، وإلا فلا ، فلا يرد أن المرأة لا جزية عليها . قوله : ( وأخسهما في النجاسة ) هذا هو المقصود هنا فتأمل . قوله :(1/483)
"""""" صفحة رقم 484 """"""
( والمحرم ) أي في ذبح الصيد البري الوحشي المأكول لا مطلقاً ، فلو ذبح شاة فلا يحرم مذبوحه ، فلو صال على المحرم صيد بري مأكول وقتله فلا يكون ميتة . ويلغز : ويقال لنا محرم يؤكل صيده ، فمذبوح المحرم لصيد الحرم الوحشي ميتة ما لم يصلّ عليه وإلا حل . قوله : ( وغير المأكول إذا ذبح ) وتقدم أن ذبحه حرام . قوله : ( وإن لم يسل دمها ) أي ولو كانت ميتة ما لا يسيل دمه خلافاً للقفال في قوله بطهارتها .
قوله : ( جميع أجزائها من عظم وشعر الخ ) والشعر المجهول انفصاله هل هو في حال حياة الحيوان المأكول أو لا ؟ أو كونه مأكولاً أو غيره طاهر عملاً بالأصل ، ومثل الشعر المجهول حاله كما هو ظاهر ما عمت به البلوى في مصرنا من الفراء التي تباع ، ولا يعرف أصل حيوانها الذي أخذت منه هل هو مأكول اللحم أو لا ؟ وهل أخذت منه بعد تذكيته أو موته ؟ ومثل الشعر اللبن إذا شككنا فيه هل هو من حيوان مأكول أو غيره ، أو انفصل قبل التذكية أو بعدها ؟ فإنه طاهر سواء كان في ظرف أو لا . وعبارة سم : لو شك في اللبن أو في الشعر من مأكول أو آدمي أو لا فهو طاهر خلافاً لما في الأنوار ، وإن كان ملقى في الأرض لأن الأصل الطهارة ولم تجر العادة بحفظ ما يلقى منه على الأرض بخلاف ما لو رأينا قطعة لحم وشككنا هل هي من مذكاة أو لا ؟ لأن الأصل عدم التذكية ما لم تكن في ظرف أي : فإنها طاهرة حيث لم تكن في محل غلب فيه المجوس ، ولجريان العادة برمي هذه الأشياء أعني نحو الشعر واللبن ، ولو كانت طاهرة ولعدم جريان العادة برمي اللحم الطاهر ، ومثل الشعر الجلد والعظم إذا شك في كونه من مذكى المأكول ، أو من غيره سم في شرح الغاية ا ط ف . ومثله في ع ش على م ر .
قوله : ( وغير ذلك ) كالقرن والظلف . قوله : ( ويجوز أكله معه لعسر تمييزه ) وإن سهل تمييزه خلافاً لبعض المتأخرين نظراً إلى أن شأنه عسر التمييز ولا يتنجس فمه ولا يجب عليه(1/484)
"""""" صفحة رقم 485 """"""
غسله اه شرح م ر . قوله : ( إلا ميتة السمك الخ ) ما صنعه الشارح فيه تغيير لإعراب المتن اللفظي وهو معيب م د . وأجيب : بأنه أشار إلى أن كلام المتن فيه مضاف مقدر وهو ميتة فحذف ، وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه . قلت : فيما كتبه ع ش على المغني أقوال ثلاثة في ذلك : يجوز مطلقاً ، يمتنع مطلقاً ، يجوز إن كان المتن له وإلا فلا . قوله : ( والطحال ) بكسر الطاء ، فلو سحق الكبد والطحال وصارا دماً فهما طاهران فيما يظهر ع ش على م ر . قوله : ( الحل ميتته ) المراد بها حيوانات البحر التي يجوز أكلها وإن لم يسم سمكاً ، إذ هو المحدث عنه كما في الجواهر ، وفيها عن الأصحاب لا يجوز أكل سمك مملح لم ينزع ما في جوفه أي من المستقذرات ، وظاهره أنه لا فرق بين صغيره وكبيره ، لكن ذكر الشيخان في باب الصيد جواز أكل الصغير مع ما في جوفه لعسر تنقية ما فيه أي وإن كان الأصح نجاسته كما يأتي ، وألحق في الروضة الجراد بالسمك في ذلك ابن حجر على العباب . قوله : ( كل ما أكل من حيوان البحر ) لو قال كل ما لا يعيش في البر من حيوان البحر لكان أولى كما قاله ق ل أي : لأن ما ذكره فيه حوالة على مجهول . قال العمريطي ، في نظم التحرير :
وكل ما في البحر من حي يحلّ
وإن طفا أو مات أو فيه قتل
فإن يعش في البر أيضاً فامنع
كالسرطان مطلقاً والضفدع
وقوله : وإن طفا أي علا .
قوله : ( واحده جرادة ) والتاء في جرادة للوحدة لا للتأنيث ، لأن جرادة يقال للذكر والأنثى ، ولذا قال الشارح يطلق الخ وفي الخبر : ( لا تقتلوه فإنه جند الله الأعظم ) أي إذا لم يتعرض لإفساد نحو الزرع والجند العسكر ، ومكتوب على جناحه جند الله الأعظم للواحدة منا تسع وتسعون بيضة ، ولو تمت لنا المائة لأكلنا الدنيا بما فيها . وفي رواية : ( أنا الله لا إله إلا أنا رب الجراد ورازقها أبعثها رزقاً لقوم يأكلونه وبلاء لآخرين ) . وقال عمر : أول هلاك هذه الأمة من الجراد اه من الدميري . قوله : ( وإلا ميتة الآدمي ) ومثله الجن والملائكة بناء على أنها أجسام ولها ميتة ، وأما على القول بأنها أشباح نورانية تنعدم بمجرد موتها كالفتيلة ، فالمراد أنها تنعدم طاهرة . قوله : ( فإنها طاهرة ) أي على الأظهر كما قاله المحلي ، ومقابله أن الميت نجس ، وبه قال الإمام مالك وأبو حنيفة ، وعليه يستثنى الأنبياء . قال بعضهم : والشهداء . وهل يطهر(1/485)
"""""" صفحة رقم 486 """"""
بالغسل ؟ على هذا القول قال أبو حنيفة والبغوي من أئمتنا إنه يطهر ، ومقتضى المذهب خلافه كما في ق ل على الجلال .
قوله : ( ولقد كرمنا بني آدم ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : بأن جعلهم يأكلون بالأيدي ، وغيرهم يأكل بفيه من الأرض ، وقيل بالعقل ، وقيل بالنطق والتمييز بالفهم ، وقيل باعتدال القامة ، وقيل بحسن الصورة ، وقيل الرجال باللحى والنساء بالذوائب ، وقيل بتسليطهم على جميع ما في الأرض وتسخيره لهم ، وقيل بحسن تدبيرهم أمر المعاش اه برماوي .
قوله : ( فالمراد نجاسة الإعتقاد ) أي فالمعنى إنما اعتقاد المشركين كالنجاسة في وجوب الاجتناب ، ففي الآية حذف مضاف على هذا وتشبيه بليغ ، ويحتمل أن فيها استعارة تصريحية بأن شبه الفاسد بالنجس واستعير النجس للفاسد بجامع وجوب الاجتناب في كل ، فالمعنى إنما اعتقاد المشركين فاسد ، قال ع ش : قد يقال الآية واردة في المشركين الأحياء بدليل قوله تعالى : ) فلا يقربوا المسجد الحرام } ) التوبة : 28 ) والكلام هنا في الأموات اه م ر . فالآية حينئذ تكون غير واردة ، إلا أن يقال إن كانت النجاسة ثابتة لهم في حياتهم تكون ثابتة لهم بعد موتهم بالأولى وبعد جواب الشارح تكون الطهارة ثابتة لهم في حياتهم ، ولا يلزم منه ثبوتها لهم بعد موتهم لقول المالكية والحنفية بنجاسة الآدمي بعد موته . قوله : ( فجري على الغالب ) لأن الغالب من أحوال النبي عند ذكر الأحكام أنه لا يذكر إلا المسلمين ، وإن كان الكفار قد يشاركونهم في الحكم كما قرره شيخنا العلامة العشماوي . قوله : ( لكان نجس العين ) أي ولو كان نجس العين لما أمر بغسله ، لكنه أمر بغسله فلا يكون نجس العين ، لأن استثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم ؛ فهذا إشارة إلى قياس استثنائي حذفت فيه الاستثنائية والنتيجة ، وكذا يقال في قوله : فإن قيل ولو كان طاهراً الخ . وهذا السؤال(1/486)
"""""" صفحة رقم 487 """"""
وارد من طرف الحنفية وهو معارض بالمثل من طرف الشافعية ، وهو قولهم لو كان نجس العين لم يؤمر بغسله كما قاله الشارح . قوله : ( ويغسل الإناء ) ذكر الإناء ليس قيداً ، وإنما ذكره للتبرك بالحديث ، وإنما يجب أي غسل الإناء إذا أريد استعماله في غير نحو نقل الماء لإطفاء نار اج . ومثل الغسل الانغسال بغير فعل ق ل ، فمراد المصنف أنه يكفي انغساله ولو احتمالاً كما أفتى به البلقيني فيما لو تنجس حمام بنحو كلب من أنه إذا احتمل مرور الماء عليه سبعاً مع التتريب ولو من نعال داخليه طهر ، ولهذا ذكر الشارح ذلك بقوله فيما يأتي فائدة حمام الخ ليفيد ما ذكر . قوله : ( وكل جامد ) أي غير نجس العين ، فلو بال كلب على عظم ميتة نحو حمار فغسل سبعاً . إحداها بتراب لم يطهر أي من حيث النجاسة المغلظة حتى لو أصاب ثوباً رطباً مثلاً بعد ذلك فلا بد من تسبيعه سم اج . وقال شيخ الإسلام : يطهر من النجاسة الكلبية فلا يسبع بعد ذلك ما أصابه ، وأما المائع فإن كان غير ماء تعذر تطهيره من سائر النجاسات ، وإن كان ماء أمكن تطهيره بالمكاثرة ولا يحتاح لتتريبه إن كانت نجاسته مغلظة . وعبارة المنهج وحواشيه ولو تنجس مائع أي بشيء مما تقدم من المغلظ والمخفف وغيرهما ، وإن جمد بعد ذلك ، كعسل انعقد سكراً ولبن انعقد جبناً تعذر تطهيره بخلاف عكسه كدقيق عجن به ، ولو إنماع فيطهر بالغسل ، وأما نحو السكر فإن تنجس بعد جموده طهر ظاهره بالغسل أو بالكشط أو حال انمياعه لم يطهر مطلقاً كالعسل كما تفيده عبارة سم وهو ظاهر . قوله : ( ولو معضاً ) بفتح الميم مصدر ميمي بمعنى المكان أي مكان عض ، وذلك المكان من صيد أو غيره ، والغاية للردّ بالنسبة للصيد وللتعميم بالنسبة لغيره ، إذ الخلاف إنما هو في الصيد لأنه قيل يجب تقويره ولا يطهر الغسل ، وقيل يعفى عنه ولا يجب غسله أصلاً ، وقيل يكفي غسله مرة واحدة ، وقيل يكفي غسله سبعاً من غير تتريب ففيه خمسة أقوال . والخامس غسله سبعاً بتراب كما حكاها م ر في شرحه في باب الصيد .
قوله : ( من ولوغ ) وهو أن يدخل لسانه في المائع ويحركه والشرب أعم منه فكل ولوغ شرب ولا عكس سم .
قوله : ( وكذا بملاقاة الخ ) أي فالولوغ ليس قيداً ، نعم إن مس شيئاً داخل ماء كثير لم ينجس إذا عدّ الماء حائلاً ، بخلاف ما لو قبض بيده على نحو رجل الكلب داخل الماء قبضاً شديداً بحيث لم يبق بينه وبينه ماء فلا يتجه إلا التنجيس ، وقد يتوهم من عدم التنجيس بمماسته داخل الماء صحة صلاته حينئذ وهو خطأ لأن ملاقاة النجاسات مبطل ، وإن لم يتنجس كما لو وقف على نجس جافّ سم شوبري . قوله : ( من أجزاء كل منهما ) أي من الكلب والخنزير ،(1/487)
"""""" صفحة رقم 488 """"""
ويقاس الفرع أي مع توسط رطوبة . قوله : ( سبع مرات ) ولو سبع جريات أو تحريكه سبع حركات في الماء الراكد ، ويحسب ذهاب العضو وعوده مرتين ، وفارق عند ذهاب العضو وعوده في الصلاة مرة واحدة نظراً للعرف وتحرزاً من المشقة ، ولأنه اغتفر جنس الفعل في الصلاة والغسل سبعاً وبالتراب تعبدي كما قاله ق ل . وعبارة م ر : ولو غمس المتنجس بما ذكر في ماء كثير راكد وحركه سبعاً وترّبه طهر ، وإن لم يحركه فواحدة ، ويفارق ما مر في انغماس المحدث من تقدير الترتيب بأن الترتيب صفة تابعة والعدد ذوات مقصودة فلا يقاس أحدهما بالآخر اه اط ف . قوله : ( إحداهن ) لم يقل إحداها وإن كان صحيحاً لأن ما ذكره أولى لأن ما لا يفعل إن كان مسماه عشرة فما دون فالأكثر المطابقة ، وإن كان فوق ذلك فالأكثر الإفراد ، وقد جاء على ذلك قوله تعالى : ) إن عدّة الشهور } ) التوبة : 36 ) الآية فأفرد في قوله ( منها ) لرجوعه لاثني عشر وجمع في قوله : ) فلا تظلموا فيهن } ) التوبة : 36 ) لرجوعه للأربعة كما ذكره ع ش على م ر .
قوله : ( بتراب ) أي مصحوبة بتراب ، والمراد بتراب ولو حكماً ليدخل ما لو غسل بقطعة طين أو طفل ، فإنه يكفي وكذا الطين الرطب لأنه تراب بالقوة ويجزىء الرمل الناعم الذي له غبار يكدر الماء ، وإن كان ندناً والتراب المختلط بنحو دقيق حيث كان يكدر الماء كما في البرماوي . قوله : ( أما قبل وضعهما ) وهو الأولى خروجاً من خلاف من قال بالوجوب . قوله : ( بأن يوضعا ولو مرتبين ) بأن يضع أولاً الماء ثم التراب مطلقاً أو يضع التراب أولاً بعد زوال الجرم والأوصاف . قال شيخنا ح ف : الحاصل أنه إن وضع التراب على جرم النجاسة لم يكف مطلقاً ، وإن زالت الأوصاف . ووضع التراب كفى مطلقاً ، سواء مزجه بالماء أولاً أو لا وسواء كان المحل رطباً أو جافاً ، وإن بقيت الأوصاف فإن كان المحل جافاً ووضع التراب ممزوجاً بالماء أو وجده كفى إن زالت الأوصاف مع الماء المصاحب للتتريب ، وكذا إن كان المحل رطباً ووضع التراب ممزوجاً بالماء وزالت الأوصاف ، وإن وضعه وحده لم يكف لتنجسه . قوله : ( باق على طهوريته ) أي ابتداء وإلا فهو إذا امتزج بالنجاسة تنجس ولا يطهر إلا في المرة السابعة . وعبارة سم : وكان مرادهم بكون الطهور الوارد باقياً على طهوريته أنه يكفي طهوريتهما حال الورود ، وإلا فهي قطعاً لا تبقى ، إذ بمخالطتهما الرطوبة يتنجسان ، بل الماء في كل غسلة ما عدا السابعة يتنجس بملاقاة المحل لبقاء نجاسته ولا يضر ذلك في طهر المحل عند السابعة .(1/488)
"""""" صفحة رقم 489 """"""
قوله : ( الثامنة بالتراب ) منصوب على الظرفية أي عفروه بالتراب في الثامنة ، فكان التراب ثامنة فجملة ما ذكره الشارح خمس روايات : روايتان لمسلم ، ورواية للترمذي ، ورواية للدارقطني ، ورواية لأبي داود ، وذكر رواية أبي داود . لتفسير رواية مسلم الأولى ، ولم يقتصر على رواية أبي داود ، لأن رواية مسلم أصح ، ثم لما تعارضت روايتا مسلم من حيث محل التراب تساقطتا واكتفى بواحدة من السبع ، وذكر رواية الدارقطني سنداً لهذا التساقط والاكتفاء المذكور ، وذكر رواية الترمذي سنداً ودليلاً على أن الروايات محمولة على الشك من الراوي .
قوله : ( السابعة بالتراب ) ومع ذلك تستحب ثامنة جمعاً بين الأدلة اج . ولو اجتمعت غسلات النجاسة الكلية في إناء فأفتى ابن أبي شريف بأن الإناء الذي جمعت فيه الغسلات يغسل سبعاً . إحداها بتراب . وخالف سم وقال : إن كان التتريب في أولى السابع لم يحتج إليه ، لأن ماء الأولى وكل مما بعدها لا يحوج للتتريب عند الانفراد ، فكذا عند الاجتماع . واعتمد شيخنا كلام ابن أبي شريف لأنها صارت نجاسة مستقلة ، فلا بد من غسلها سبعاً وتتريبها ع ش . واعتمده الحفني ولو أصاب شيء من غسالة الكلب شيئاً فحكمه حكم المنتقل عنه : فإن كان بعد تتريبه غسله قدر ما بقي من السبع ولم يترب ، وإلا فقدر ما بقي مع التتريب شرح م ر .
قوله : ( وبين روايتي مسلم تعارض في محل التراب فيتساقطان الخ ) لا حاجة إليه لأن الأولى بمعنى الواحدة والأخرى كذلك فهما مترادفان . قال في المصباح ما ملخصه : والأول يكون بمعنى الواحد ، والأولى بمعنى الواحدة ، وتقدم في الآخر أنه يكون بمعنى الواحد ، والأخرى بمعنى الواحدة فقوله عليه الصلاة والسلام في ولوغ الكلب : ( يغسل سبعاً ) في رواية أولاهن ، وفي رواية أخراهن ، وفي رواية إحداهن ، الكل ألفاظ مترادفة على معنى واحد ، ولا حاجة إلى التأويل ، فتنبه لهذه الدقيقة واستغن بها عما قيل من التأويلات ، فإنها إذا عرضت على كلام العرب يقبلها الذوق السليم ، وأما قوله : وعفروه الثامنة فإنما جعل التراب ثامنة باعتبار مغايرته للماء . قوله : ( فيتساقطان في تعيين محله ) أي فيكتفي به مع كل واحدة وهو صريح الحديث الذي ذكره على أنه لا تعارض لإمكان الجمع بحمل رواية أولاهن على الأكمل وأخراهن على الإجزاء وإحداهن على الجواز شرح المنهج و اج . قوله : ( بالبطحاء ) المراد به(1/489)
"""""" صفحة رقم 490 """"""
التراب ، وأصله مسيل واسع فيه دقاق الحصى اه ع ش . قوله : ( فنص ) أي في الحديث المتقدم والمناسب على الولوغ لأنه المقيس عليه . قوله : ( وألحق به ما سواه ) إن قيل هذا مكرر مع ما تقدم في قوله وكذا بملاقاة شيء من أجزاء كل منهما . أجيب : بأنه لا تكرار لأن ما هنا في مقام الاستدلال وما تقدم في بيان الدعوى فتدبر .
قوله : ( ولأن لعابه ) المناسب حذف الواو . وقوله : وإذا ثبت الأولى ، فإذا بفاء التفريع وعبارة المحلي ، وقيس على الولوغ غيره كبوله وعرقه ، لأنه إذا وجب ما ذكر في فمه مع أنه أطيب ما فيه ، بل هو أطيب الحيوان نكهة لكثرة ما يلهث ففي غيره أولى اه . قال ق ل : عليه يشير بقوله لأنه إذا وجب الخ . إلى أن القياس من حيث الحكم بالنجاسة ، وإذا ثبت لزم الغسل سبعاً بالتراب ، إذ لا فارق بين فضلاته فسقط ما قيل إنه لا قياس في التعبديات ، لأن كون الغسل سبعاً أمر تعبدي وأيضاً الشيء إذا خرج عن القياس لا يقاس عليه وتسبيع الغسل بالنجاسة المغلظة خارج عن القياس . وحاصل الجواب : أن القياس في التنجيس المرتب عليه التسبيع لا في التسبيع ، والمراد باللعاب ما خرج من ريقه اه .
قوله : ( إذا لم تزل النجاسة ) أي عينها كما في بعض النسخ أشار الشارح بهذا إلى تقييد المتن كأنه قيل : ولا تحسب المرة الأولى منها إلا بعد زوال العين ، والمراد بالعين هنا ما قابل الحكمية فيشمل الجرم والوصف ، بخلاف العين التي لا يصح التتريب معها ، فإنها الجرم كما ذكره الشوبري ، وقيد بالست رداً على القائل بأنها تحسب ستاً فيحتاج إلى واحدة وإلا فالست ليست بقيد . قوله : ( لحم نحو كلب ) ومثله العظم اللين الذي يؤكل مع اللحم ع ش . قوله : ( لم يجب تسبيع محل الاستنجاء ) ولو خرج غير مستحيل ، لأن من شأنه الاستحالة ويجب التسبيع من خروج العظم ، وإن استحال لأن من شأنه عدم الاستحالة كما قرره شيخنا ح ف . ومثله الشعر فإنه يجب تسبيع الدبر منه ، بخلاف ما لو تقايأه أي اللحم ، فإنه يجب عليه تسبيع فمه مع التتريب زي و اج . قال ع ش : لا يجب التسبيع من القيء إذا استحال وهو ظاهر . قوله : ( حمام ) مبتدأ خبره قوله الآتي فما تيقن الخ . وجملة غسل داخله كلب الخ صفة لحمام ، لأن الجمل بعد النكرات صفات وداخله بالنصب على الظرفية أي في داخله أي غسل بنفسه أو(1/490)
"""""" صفحة رقم 491 """"""
بغسل غيره له . قوله : ( من ذلك ) بدل من قوله منه ، وفي م ر إسقاط قوله منه ، واسم الإشارة راجع للفوط والحصر ، وقوله : إصابة شيء من إضافة المصدر لفاعله . قوله : ( لم يحكم بنجاسته ) أي بكونه منجساً لداخليه وأما بلاطه فهو متنجس فقياسه على مسألة الهرة صحيح ، فحكمنا بعدم التنجس لداخليه لاحتمال طهارته ، وأما هو في حد ذاته فنجس فهو كفم الهرة وتوهم ق ل أن البلاط يطهر حينئذ أي : حين مضت المدة المذكورة . وقال معترضاً على الشارح : الأولى أن يقول حكم بطهارته وهو مدفوع كما عرفت ، وقوله : لم يحكم بنجاسته الأولى حكم بطهارته ، وقياسه على مسألة الهرة لا يستقيم فتأمل ق ل . ودفعه اج بأن قياسه على الهرة من حيث عدم تنجس ما يصيبه من فمها ، ولو حكمنا على الفم بالنجاسة كما مر ، هذا والذي تحرر كما يؤخذ من حاشية المرحومي أن تشبيه الحمام بفم الهرة المذكورة صحيح من كل وجه ، فالمراد أن الحمام لا ينجس داخله حيث احتمل طهارته وهو نجس في نفسه كفم الهرة ، فإنه لا ينجس ما أصابه وهو نجس في نفسه فقول الشارح لم يحكم بنجاسته أي بكونها منجساً لداخليه فتأمل اه م د .
قوله : ( ويتعين التراب ) راجع لقول المصنف بتراب ق ل .
قوله : ( جمعاً بين نوعي الطهور ) أشار بذلك إلى أنه لا مدخل للقياس هنا أي : فلا يكفي الصابون والأشنان ونحو ذلك ، لأنه ليس من نوعي الطهور أي فلا يصح قياسه هنا ، وأما ما تقدم من الدبغ من أنه قيس فيه كل شيء حريف ، فإنه لم تذكر فيه هذه العلة وهي قوله جمعاً بين نوعي الطهور فتأمل . قوله : ( كأشنان ) بضم الهمزة وكسرها لغة مصباح وهو الغاسول . قوله : ( ولا يكفي تراب نجس ) المراد بالنجس هنا المتنجس . وعبارة متن المنهاج : ولا يكفي تراب نجس في الأصح فيفهم منها أن غيره من المتنجس والمستعمل يكفي ، وقد علمت أنه ليس بكاف قال م ر في شرحه : ومقابل الأصح أنه أي النجس يكفي كالدباغ بشيء نجس اه .(1/491)
"""""" صفحة رقم 492 """"""
قوله : ( في حدث ) زاد في شرح الروض أو خبث كالماء اه . لكن يشكل على قوله أو خبث قولهم التراب شرط في المغلظة لا شطر م ر ومرحومي .
قوله : ( ولا يجب تتريب أرض ترابية ) هل يسن لا مانع اه ع ش . وشمل التراب المستعمل والمتنجس كما قاله سم . قوله : ( إذ لا معنى لتتريب التراب ) قد يقاله له معنى وهو الجمع بين المطهرين يعني الماء والتراب الطهور ، والتراب الطهور مفقود هنا لأن التراب الذي في الأرض الترابية متنجس ، وتقدم أنه لا يكفي أفاده شيخنا العشماوي ، وهذا بحث منه والحكم مسلم .
قوله : ( لم يجب تتريبه قياساً الخ ) هذا ضعيف ، والمعتمد عند الشيخ م ر التتريب . وعبارة شرح م ر : ولو أصاب شيء من الأرض الترابية ثوباً قبل تمام السبع اشترط في تطهيره تتريبه ، ولا يكون تبعاً لها لانتفاء العلة فيها ، وهو أنه لا معنى لتتريب التراب ، وأيضاً فالاستثناء معيار العموم ، ولم يستثنوا من تتريب النجاسة المغلظة إلا الأرض الترابية ، كذا أفتى به الوالد وهو المعوّل عليه اه .
قوله : ( أنه لو أصاب الخ ) أي إصابة خفيفة أما إذا كانت الإصابة قوية بحيث منع سريان الماء بين المتماسين حكم بنجاسة الموضع كذا قرروه ، وفيه نظر فإنه إذا كان الماء حائلاً فلا إصابة فتأمل . أقول : إذا منع سريان الماء بين المتماسين فيكون الماء غير حائل بينهما : فيحكم بالتنجيس حينئذ ، ومثله ما لو لاقى بدنه شيئاً من الكلب في ماء كثير ، بخلاف ما لو أمسكه بيده وتحامل عليه بحيث لم يصر بينه وبين يده إلا مجرد البلل ، فإنه ينجس ع ش على م ر . وقرر الشيخ الخليفي : أنه لو وضع أصبعه مثلاً بين أسنان الكلب ولم ير عليه بعد ذلك رطوبة لا يحكم عليه بتنجيس . قوله : ( ولو أدخل ) أي الكلب رأسه أي ولم يتحقق إصابته للماء ق ل .(1/492)
"""""" صفحة رقم 493 """"""
قوله : ( ورطوبته ) أي رطوبة فمه . قوله : ( ويغسل ) أي الإناء وهو ليس بقيد كما تقدم ، وكذا الغسل ليس بقيد إذ المراد الانغسال ولو بغير فعل ولا قصد اه . قوله : ( من سائر ) أي من أجل إصابة شيء سائر الخ اه مرحومي . قوله : ( المخففة ) لا يخفى مما مر أن واجبها الرش ، فالحكم بغسلها هنا لا يلائمه اه ق ل . إلا أن يراد بالغسل هنا ما يشمل الرش أي : فغلب الغسل على النضح وأطلق على الكل غسلاً . قوله : ( وفي بعض النسخ والثلاثة بالتاء ) أي وعليه فوجه جريانه على خلاف القياس حذف المعدود ، فقد نقل عن النووي أنه حيث حذف المعدود جاز تذكير العدد وتأنيثه . قوله : ( لعين النجاسة ) أي بالمعنى الشامل للوصف . قوله : ( لاستحباب ذلك الخ ) علة لقوله والثلاث أفضل ، وأشار بذلك إلى أن هذا الحكم مأخوذ بالقياس الأولوي . قوله : ( وشمل ذلك ) أي التثليث المغلظة الخ . في كلامه ما يرد عليه لأنه فسر سائر بمعنى باقي ، وبه تخرج المغلظة إذ واجبها التسبيع ، ففي الشمول نظر ، فإن عبارة المتن أيضاً مخرجة للمغلظة لقوله والثلاث أفضل فإنها لا تكون فيما واجبه التسبيع فتأمل . قوله : ( لأن الكبر لا يكبر ) أي أن الشارع بالغ في تكبيره فلا يزاد عليه كما أن الشيء إذا صغر مرة لا يصغر أخرى ، وهذا نظير قولهم الشيء إذا انتهى نهايته في التغليط لا يقبل التغليظ كالأيمان في القسامة وكقتل العمد وشبهه لا تغلظ فيه الدية لأنها مغلظة وإن غلظت في الخطأ . قوله : ( كما أن المصغر لا يصغر ) وذلك كبول الصبي ، فإنه صغر مرة حيث كان واجبه النضح فقط فلا يصغر مرة أخرى بأن يكون واجبه شيئاً آخر أقل من النضح ، وأدنى منه كالمسح كما قرره شيخنا الجوهري .(1/493)
"""""" صفحة رقم 494 """"""
قوله : ( قد علم مما تقرر ) أي في قوله وغسل جميع الأبوال والأرواث واجب فقط ولم يقل بنية . قوله : ( وهذا من باب التروك ) أي من قسم التروك لأن القصد من غسلها بعدها عنه وتركها ، فالمراد بالباب القسم وكذا يقال فيما بعده . قوله : ( مطلقاً ) أي سواء عصى بالتنجيس أم لا .
قوله : ( والعاصي بالجنابة ) بأن كانت من زنا . قوله : ( لأن الذي عصى به هنا متلبس به ) إذ التضمخ بالنجاسة موجود وفعله الناشىء عنه الجنابة انقطع . هذا وقد يقال إن الفعل في التنجيس انقطع ، وإنما الموجود أثره كالجنابة ، فاتجه قول الإسنوي غير أن المعتمد عندهم الفرق الخ . قوله : ( فليبالغ ) أي وجوباً . قوله : ( ولا شراباً ) أي غير الماء ، لأنه يكفي في غسل النجاسة . قوله : ( في حد الظاهر ) الباطن من الخلق مخرج الهمزة والهاء دون الخاء المعجمة والمهملة زي .
قوله : ( وإذا تخللت الخمرة ) لما ذكر زوال النجاسة بالغسل ذكر زوالها بغيره . فقال : وإذا تخللت الخ . وسيذكر الشارح أن الخمرة بالتاء لغة قليلة وأنها مؤنثة بلا تاء على الأفصح . قوله : ( عصرت ) أي عصر أصلها لأن الخمرة لا تعصر . قوله : ( وهذا الثاني أولى ) أي لدخول صورة الإطلاق وهذا بالنسبة للمسلم أما من الكافر فمحترمة مطلقاً ولا تراق ما لم يطهرها . قوله : ( لأن علة النجاسة الخ ) والدليل على طهر الخمرة إذا تخللت بنفسها الإجماع ، ولم(1/494)
"""""" صفحة رقم 495 """"""
يستدل على ذلك بمفهوم قوله ( لا ) في جواب من قال له : أنتخذ الخمرة خلاً ؟ قال : ( لا ) . لأن مفهومه إذا لم تعالج تكون طاهرة إذا تخللت بنفسها ، لأن جوابه بقوله : ( لا ) مخرج على جواب السؤال الذي سأله له بعض الصحابة ، والجواب إذا خرج على سؤال لا يكون له مفهوم كما قاله العلامة الشوبري . قوله : ( والتحريم ) هذا اللفظ دخيل هنا ، إذ الكلام الآن في نجاستها لا في حرمتها . قوله : ( غالباً ) احترز بذلك عن خمس مسائل الأولى والثانية ذكرهما في قوله : ولو اختلط عصير بخل غالب أو مساوٍ والثلاثة مذكورة في التتمة . قوله : ( منه ) أي من الدن . وقوله : ( وتشرب ) يحتمل أن يكون الضمير فيه راجعاً لقوله ما فوقها ، ويحتمل أن يكون راجعاً للدن . وقوله : ( منها ) أي من الخمرة . وقوله : للضرورة علة لقوله ويطهر . قوله : ( وكذا تطهر إن نقلت الخ ) فصله بكذا لما فيه من الخلاف ، فقد قيل إنها لا تطهر بالتخلل الناشىء عن النقل على القاعدة أن من استعجل بشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، وهذا النقل قيل حرام ، وقيل مكروه والمعتمد الكراهة . وفي الصورتين لم يحصل هبوط للخمرة عما كانت عليه أولاً ، وإلا تنجست لاتصالها بموضع الدن النجس بسبب الهبوط ، وكذا لو نقلت من دن إلى آخر بخلاف مسألة وضع العصير موضع دن الخمر ، فإن الخل لا يطهر لأن ما هنا دوام وذاك ابتداء ويغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء . قوله : ( لزوال الشدة ) علة لقوله تطهر . قوله : ( خلفتها ) أي خلفت الشدة .
قوله : ( وإن خللت بطرح شيء فيها الخ ) وليس من العين فيما يظهر الدود المتولد من العصير فلا يضر أخذاً مما قالوه فيما لو تخمر ما في أجواف الحبات ، ثم تخلل حيث قالوا بطهارته ، ومما تساقط من العنب عند العصير من النوى ، فإن الاحتراز عن ذلك أسهل من الاحتراز عن الدود اه ع ش على م ر . وذكره الشارح بقوله : نعم لو عصر العنب الخ . قوله : ( لئلا يرد ) أن لينتفي ورود ما ذكر فليست اللام في قوله لئلا علة لمجيء الإيراد ، كما قد يتوهم بل هي علة لنفي الإيراد . وأجاب عنه ع ش : بأن المراد بالطرح لازمه وهو السقوط والباء في قول المصنف بطرح بمعنى مع لا سببية لأنه حينئذ يفيد قصر الحكم على عين تؤثر التخلل عادة(1/495)
"""""" صفحة رقم 496 """"""
اه بحروفه . قوله : ( لم يضر ) أي إن لم يتخلل منها شيء ولم تهبط الخمرة بنزعها وإلا فلا تطهر ق ل . قوله : ( لفقد العلة ) وهي قوله لتنجس المطروح فيها الخ فينجسها بعد انقلابها خلاً ، لكن المفقود هنا إنما هو جزء العلة الأخير وهو قوله فينجسها بعد انقلابها وأما الجزء الأول فموجود هنا فتأمل . قوله : ( بل بفعل فاعل ) كنقلها المتقدم . قوله : ( فلو غمر المرتفع ) بأن زيد عليه . قوله : ( بخمر ) أو نبيذ أو بسكر أو عسل أو نحوها كما قاله ق ل . فالخمر ليس قيداً وليس فيه تخليل بمصاحبة عين لأن العسل ونحوه يتخمر اه م د . قال شيخنا العزيزي : ولا يقال إن النبيذ فيه ماء وهو تضر مصاحبته للخمرة ، لأن ذاك محله في الابتداء وهذا في الدوام . ويغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء . وعبارة س ل وظاهر كلامهم أنه لا فرق في العصير بين المتخذ من نوع واحد وغيره ، فلو جعل فيه عسلاً أو سكراً أو اتخذه من نحو عنب ورمان أو برّ وزبيب طهر بانقلابه خلاً ، وبه جزم ابن العماد وليس فيه تخلل بمصاحبة عين ، لأن نفس العسل أو البر أو نحوهما يتخمر كما رواه أبو داود . وكذا السكر فلا يصحب الخمر عين أخرى . قوله : ( طهرت ) أي لفقد العلة . قوله : ( ولو بعد جفافه ) قياساً على ما لو بال ثم جف البول ثم بال ثانياً وعم ما عمه الأول ، فإنه يجزي الحجر ، لكن المعتمد كلام البغوي ، ويفرق بين هذه وباب الاستنجاء بأنه محل تخفيف فاغتفروا فيه بخلافه هنا كما قرره شيخنا العزيزي .
قوله : ( فتخمر ) ليس قيداً لتنجيس العصير بوضعه في الدن المتنجس على كل حال اه . قوله : ( ويؤخذ من الاقتصار عليها ) أي على الخمرة . قوله : ( لا يطهر بالتخلل ) ضعيف . وقوله وقال البغوي : يطهر معتمد ولو جعل مع نحو زبيب طيباً ونقع ثم صفي وصارت رائحته كرائحة الخمر ، فيحتمل أن يقال : إن كان الطيب أقل من الزبيب فنجس ، وإلا فلا أخذاً من قولهم لو ألقى على عصير خل دونه فنجس ، وإلا فلا . لأن الأصل والظاهر عدم التخمر ولا عبرة بالرائحة حينئذ ، ويحتمل خلافه وهو الأوجه اه شرح م ر . أي فيكون الطيب طاهراً مطلقاً اه اج .(1/496)
"""""" صفحة رقم 497 """"""
قوله : ( لأن الماء من ضرورياته ) أي فلا يحكم بتنجسه كالدن خلافاً للقول الأول . قوله : ( ويدل له ) أي للطهر أنه لو باع خل تمر ، فإن صحة بيع خل التمر يدل على طهارته ، لأنه لو كان نجساً لما صح بيعه . قوله : ( مغلوب ) أي قليل . وقوله : غالب أي كثير .
قوله : ( لأن الأصل والظاهر عدم التخمر ) فلو تيقن التخمر ضر . قوله : ( وأما المساوي فينبغي إلحاقه الخ ) اعتمد م ر في شرحه خلافه ، وهو أنه إن أخبر العارف بأنه لو بقي تحلل لم يضر وإلا ضر كما قرره شيخنا الجوهري ، وعبارة شرح م ر قوله : فينبغي إلحاقه بالغالب أي إن أخبر به عدلان يعرفان ما يمنع التخمر وعدمه أو عدل واحد فيما يظهر . أما إذا لم يوجد خبير أو وجد وشك ، فالأوجه إدارة الحكم على الغالب حينئذ اه .
قوله : ( الخمر مؤنثة ) أي تأنيثاً معنوياً كزينب ، فليس المراد بكونها مؤنثة إلحاق علامة التأنيث بها بل عود الضمائر المؤنثة عليها وإسناد الأفعال المؤنثة إليها . وعبارة شرح الحاوي الصغير لابن الملقن فائدة : الخمر مؤنثة على الأفصح ، ومذكرة على ضعف سميت بذلك لتخميرها العقل أي تغطيتها إياه ، أو لأنها تخمر أي تغطى لئلا يقع فيها شيء يفسدها ، أو لأنها تركت فاختمرت أي تغيرت اه بحروفه . قوله : ( المعتق ) بضم الميم وفتح العين وفتح التاء المشددة . قوله : ( ويطين ) أي يسد رأسه بطين . قوله : ( إذا غسلت ) ليس بقيد ، بل يجوز استعمالها قبل الغسل إذا كانت جافة في غير مائع وماء قليل . قوله : ( يجب إراقتها ) أي فوراً شرح م ر .(1/497)
"""""" صفحة رقم 498 """"""
فصل : في الحيض والنفاس والاستحاضة
حكمة تأخير هذا الفصل عما قبله لكون ما فيه مختصاً بالنساء ، وما قبله من الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة ، وما يتبعها مشترك بين الرجال والنساء ، فهو أشرف اج ، أي : فهو من ذكر الخاص بعد العام . فإن قلت : لم أخره عن الغسل مع أنه من أسبابه فكان المناسب ذكره قبله عند موجباته ؟ أجيب : بأنه أخره لطول الكلام عليه ولتعلقه بالنساء فكان مؤخر الرتبة . قيل : أول من حاض أمنا حواء لما كسرت شجرة الحنطة وأدمتها . قال الله : ( وعزتي وجلالي لأدمينك كما أدميت هذه الشجرة ) م ر . قيل : وكان يوم الثلاثاء ، ومن قال : إن أول من حاض نساء بني إسرائيل ، فمراده أنه أول من ظهر منهن . ولما أدمت الشجرة عاقب الله بناتها بالحيض والولادة والنفاس ، وفراق أبيها وأمها والتزوّج بالأجنبي ، وبأن الزوج يحجر عليها ويتزوّج عليها ثلاثاً وبثلاث طلقات وعصمتها بيد غيرها والعدة ونقص ميراثها وعدم طلب صلاة جمعة وعيد وجنازة ، وعدم حجها إلا مع محرم أو زوج ، وعدم الجهاد ، وعدم صلاحيتها لتولية القضاء والنكاح وملازمة المسكن ، فهذه ثمانية عشر ، وزاد بعضهم الإحداد على زوجها . قال الله تعالى : ( يا داود أنا الرب المعبود أعامل الذرية بما فعل الجدود ) وقوله : وعدم طلب صلاة جمعة الخ . إنما كان هذا عقوبة مع أنه تخفيف عليهنّ لأنهن حرمن من ثوابهن ، وأتي بالحديث القدسي جواباً عما يقال : كيف تعاقب بناتها بفعلها .
قوله : ( في الحيض الخ ) أي في حقائقها وأحكامها ، وقد ذكر الكل إلا أنه لم يتكلم على أحكام الاستحاضة فتكلم الشارح عليها تكميلاً للفائدة ، وكان الأولى أن يزاد وما يتعلق بذلك . قوله : ( والذي يخرج من الفرج ) في تقدير الشارح لفظة الذي تغيير إعراب المتن وهو معيب لكن الخطب سهل ، كذا قيل وفيه أن الإعراب وهو تغيير أواخر الكلم لم يتغير ، وإنما تغير نوع المعربات وعلى ما قدره ففاعل يخرج ضمير مستتر عائد على الموصول . قوله : ( أي قبل المرأة ) أي الذي تحت مخرج البول وهو مخرج الولد والمني ومدخل الذكر ق ل .
قوله : ( مما تتعلق به الأحكام ) جواب عن سؤال . حاصله أن ما يخرج من الفرج من الدماء لا ينحصر في الثلاثة ، بل هناك غيرها كدم الصغيرة والآيسة . فأجاب : بأن المراد الدماء التي تتعلق بها الأحكام وهي الثلاثة ، وبعد ذلك يعترض على الشارح ، ويقال : ما مرادك بالأحكام التي نفيتها عن دم الصغيرة والآيسة ؟ إن أردت(1/498)
"""""" صفحة رقم 499 """"""
أحكام الحيض أي الأحكام المحرمة بالحيض فهي منفية أيضاً عن دم الاستحاضة التي في المتن فكأنّ المتن يسقطه أيضاً . وإن أردت أحكام الاستحاضة فهي ليست منفية عن دم الصغيرة والآيسة ، بل ثابتة لهما كما هي ثابتة لدم الاستحاضة ، فكان الأولى حذف قوله مما تعلق به الأحكام وحذف قوله : وأما دم الصغيرة والآيسة الخ . وعبارة بعضهم قوله : مما تتعلق به الأحكام ، هذا القيد لبيان الواقع لأن الأصل في القيود أن تكون لبيان الواقع ، ولا يصح الاحتراز به عن الاستحاضة لأنها حدث دائم كالبول ، فلا تمنع صلاة ولا صوماً فيتعلق بها حكم وهو عدم منعها الصلاة والصوم . قوله : ( من الدماء الخ ) جواب عما يقال إن الذي يخرج من الفرج لا ينحصر في الثلاثة ، بل يخرج منه البول والغائط والمذي والودي . فأجاب : بأن المراد الذي يخرج من الدماء فهو حصر إضافي . قوله : ( ودم الآيسة فلا يتعلق به حكم ) قد يشكل على عمومه قولهم : إن استقراء سن اليأس ناقص حتى لو وجدت خواص الحيض أي من كونه محتدماً لذاعاً في دمها بعد سنه أدير الحكم عليه أي : على هذا الدم لتبين أنه حيض ، ويمكن حمل كلام الشارح على من لم يبلغ دمها أقل الحيض أو جاوز أكثره أي بعد سن اليأس اه م د . قوله : ( والأصح ) هذا مقابل قوله فلا يتعلق بها حكم .
قوله : ( فالحيض ) لم يقل فدم الحيض إشارة إلى أنه كما يسمى دم الحيض يسمى حيضاً سم . قوله : ( لغة السيلان ) ومنه الحوض لحيض الماء أي سيلانه فيه ، والواو والياء يتعاقبان أي يأتي أحدهما بدل الآخر . قوله : ( إذا سال ) أي ماؤه . قوله : ( دم جبلة ) أي سيلان دم جبلة ليكون بين المعنى اللغوي والشرعي مناسبة ، ثم إن كان تعريفاً آخر غير ما في المتن فهو غير مانع لشموله النفاس ، وإن كان من تمام تعريف المتن فيغني عنه قوله على سبيل الصحة ، وأيضاً يمنع منه الواو في قوله : وهو إلا أن يقال الضمير في قوله وهو راجع لدم الجبلة اه تأمل . وعبارة اج قول المصنف على سبيل الصحة إيضاح ، إذ قوله جبلة يغني عنه اه . والإضافة في دم جبلة من إضافة المسبب إلى السبب أي دم مسبب وناشىء عن الطبيعة . قوله : ( المرأة ) أي بلغت تسع سنين ولو حاملاً كما سيأتي في قوله : والأظهر أن دم الحامل حيض . قالوا : وسبب خروج الدم من الحامل ضعف الولد ، فإنه يتغذى بدم الحيض ، فإذا ضعف الولد فاض الدم(1/499)
"""""" صفحة رقم 500 """"""
وخرج ثم إن الضعف لا يكون غالباً إلا في الأشفاع من الشهور ، فإن الولد يقوى في الفرد ، ولذلك كان من ولد لسبعة أشهر بعيش ومن ولد لثمانية أشهر لا يعيش والله أعلم . ذكره الشعراني في الميزان .
فائدة : قال مجاهد : إذا حاضت المرأة في حملها كان ذلك نقصاناً في ولدها ، فإن زادت على التسعة كان ذلك تماماً لما نقص اه شبرخيتي .
قوله : ( أي من أقصى رحمها ) والرحم جلدة داخل الفرج يدخل فيها المني ثم تنكمش عليه ، فلا تقبل منياً غيره ، ولهذا جرت عادة الله لا يخلق ولداً من ماءين . والمراد بقوله من أقصى رحم المرأة أي من عرق فمه في أقصى رحم المرأة ، والرحم وعاء الولد وهو جلدة وهي معلقة بعرق على صورة الجرة المقلوبة فبابه الضيق من جهة الفرج وواسعه من أعلاه ، ويسمى بأم الأولاد شيخنا . ثم رأيت في نزهة المتأمل ما نصه : وأما صفة رحم المرأة فإن خلقتها من المرأة كالكيس وهي عضلة وعروق ورأسه عصبها في الدماغ ، ولها فم ، ولها قرنان شبه الخناجر تجذب بهما النطفة لقبولها ، فإن الله سبحانه وتعالى أودع فيها قوتين قوة انبساط تنبسط بها عند ورود مني الرجل عليها فنأخذه يختلط مع منيها ، وقوة انقباض تقبضها لئلا ينزل منه شيء ، فإن المني ثقيل بطبعه ، وفم الرحم منكوس ، وأودع في مني الرجل قوة الفعل ، وفي مني المرأة قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة الممتزجة باللبن .
وأما كيفية وقوع النطفة في رحم المرأة فقال ابن مسعود رضي الله عنه : النطفة إذا وقعت في الرحم ، فأراد الله أن يخلق منها بشراً طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعرة ، ثم تمكث أربعين ليلة ، ثم تنزل دماً في الرحم . وفي الحديث : ( إن الملك الموكل في الأرحام يأخذ النطفة من الرحم فيضعها على كفه ثم يقول : يا رب مخلقة أم غير مخلقة ؟ فإن قال غير مخلقة لم تكن نسمة وقذفتها الأرحام ، وإن قال مخلقة قال : يا رب ذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل ؟ فيقال : انظر في أم الكتاب فتجد فيه رزقه وأجله وعمله ، ثم يأخذ التراب فذلك قوله تعالى : ) منها خلقناكم } ) طه : 55 ) الآية ثم يحرك النطفة باليد اليمنى أربعين يوماً فصارت علقة ويحرك باليد اليسرى أربعين يوماً فصارت عظاماً ، وأول ما يظهر عظم العجز وهو آخر ما يبلى في التراب ، وتظهر سبابته اليمنى وكفه اليمنى في اليوم الأول ، وفي الثاني يظهر رأسه ، وفي الثالث يده اليسرى ثم رجلاه ، وفي الرابع مائتان وأربعون عظماً وثمانية وأربعون عصباً وثلاثمائة وستون عرقاً نصفها ساكن ونصفها متحرك ، ففي النصف الأول دم ، وفي النصف الثاني ريح وفي اليوم الخامس الجلدة ، وفي اليوم السادس الشعر والأظافر ، وفي اليوم السابع أنفه ، وفي اليوم الثامن لسانه ، وفي اليوم التاسع أذنيه ، وفي اليوم العاشر ينفخ فيه الروح من طرف الهامة ، وآخر ما يخرج منه لسانه ، فهذا كله بعد أربعة أشهر ، فإن(1/500)
"""""" صفحة رقم 501 """"""
كان ذكراً فوجهه إلى صدر رأسه وإن كانت أنثى فوجهها إلى بطن أمها ويداه على وجهه وذقنه على ركبتيه منقبضاً في المشيمة في أحشاء أمه ولأجل ذلك لا تحيض المرأة إلا قليلاً ) . وقد صح أن من الحوامل من تحيض لكثرة الدم ، فإذا تمّ له تسعة أشهر خرج الولد من الرحم إلى دار الدنيا ، ودفعت الطبيعة ذلك الدم الذي كان يتغذاه في بطن أمه وقد يولد المولود في ستة أشهر فيعيش ويولد إلى ثمانية فلا يعيش ، وقد صح أن عيسى ابن مريم ولد في ثمانية أشهر ، وقد يولد الجنين إلى أكثر من عام كثلاثة أعوام وذكر الليث بن سعد : أن امرأة حملت خمس سنين ، وذكر ابن القيم أن داخل الرحم خشن كالسفنج وجعل فيه قبول للمني كطلب الأرض العطشى للماء ، فجعله الله طالباً للماء مشتاقاً إليه بالطبع ، فيمسكه ويشتمل عليه ولا يزلقه بل ينضم عليه لئلا يفسده الهواء . قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : إن للرحم أفواهاً وأبواباً ، فإذا دخل المني للرحم من باب واحد خلق الله عز وجل جنيناً واحداً ، وإذا دخل من بابين خلق الله منه ولدين ، وإن دخل من ثلاثة أبواب فيكون عدد الأجنة في الرحم بعدد دخول المني في الرحم فافهم .
قوله : ( على سبيل الصحة ) ولذا كان عدمه عيباً في الأمة فترد به ولم يكن عيباً في الحرة فلا تردّ به إذا عقد عليها فوجدت لا تحيض ، لأنه ليس من عيوب النكاح ولا يلزم من كونه عيباً في المبيع أن يكون عيباً في النكاح ، لأن عيوب البيع غير محصورة ، وعيوب النكاح محصورة . قوله : ( في أوقات معلومة ) بأن تبلغ سن الحيض ، وأن لا يجاوز أكثره ولا ينقص عن أقله اه .
قوله : ( والأصل في الحيض ) أي في وجوده وبعض أحكامه ، فالآية دلت على أمرين أي في قوله : ) قل هو أذى } ) البقرة : 222 ) وقوله : ) فاعتزلوا } ) البقرة : 222 ) والحديث دل على الأول . قوله : ) ويسألونك عن المحيض } ) البقرة : 222 ) الخطاب للنبي ، والسائل له هو أسيد بن حضير وعباد بن بشر كما قاله الدميري ، وقيل السائل عنه هو الدحداح رضي الله عنه . وقوله : أي الحيض أي عن حكمه ، وإنما فسره بالحيض ليصح قوله بعده أذى ، لأن المحيض مصدر ميمي يطلق على محل الحيض وعلى زمانه وعلى الدم ، والمحل والزمان لا يتصفان بالأذى ، وإنما يتصف به الدم فلذلك فسره به .
وسبب نزول هذه الآية أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيوت ولم يساكنوها ولم يؤاكلوها ، فسألت الصحابة النبي عن ذلك فنزلت الآية فقال : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) ، برماوي . فلا يحرم عليها حضور المحتضر ، ولا يكره استعمال ما مسته بطبخ أو غيره ولا فعلها له ولا غسل الثياب ، وفي بعض التفاسير : كانت النصارى يجامعون الحائض واليهود يحرّمون مخالطتها ويعتزلونهن في كل شي ، فأنزل الله الفصد أي التوسط بين(1/501)
"""""" صفحة رقم 502 """"""
الأمرين وهو تحريم الجماع وجواز المخالطة . قوله : ( كتبه الله ) أي قدره الله على بنات آدم ولو حكماً ، فتدخل حوّاء لأنها بمنزلة بنته من حيث إنها خلقت من ضلعه الأيسر ، بأن سل منه من غير تألم وخلقت منه ، ولهذا كان كل إنسان ناقصاً ضلعاً من جهة يساره فأضلاع جهة اليمين ثمانية عشر ، وأضلاع جهة اليسار سبعة عشر ، وأكثر المفسرين يقولون : إنها خلقت بعد دخول الجنة ح ف . والمراد ببنات آدم غالبهن فلا ينافي عدم الحيض في بعضهن كسيدتنا فاطمة بنته ، ولذلك وصفت بالزهراء ، وحكمته عدم فوات زمن عليها بلا عبادة . وروي أنها ولدت وقت غروب الشفق وطهرت من النفاس واغتسلت وصلت العشاء في وقتها ، ولهذا قيل : إن أقل النفاس لحظة ، وإنما لم تحض لأن أصل خلقتها كان من تفاح الجنة ، لأن النبي دخل الجنة ليلة المعراج ، فلما أراد الخروج أعطاه رضوان تفاحة من تفاح الجنة كان ريحها أطيب من المسك وألين من الزبد وأحلى من العسل فلما أكلها رسول الله تقوى بها وتفرقت القوة في جميع أعضائه ، فجامع خديجة رضي الله عنها فراح معها ريح المسك من تفاح الجنة ، وكان لها نور يضيء منها رضي الله عنها ، حتى روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كنت أسلك السلك أي أدخل الخيط في سم الخياط في ليلة ظلماء من نور وجه فاطمة رضي الله عنها ، فلذلك سميت زهراء . ذكره في تحفة السائل اه ومثل بنات آدم الجن .
قوله : ( قال الجاحظ ) لقب لعالم مشهور من المعتزلة من جحظت عينه كمنع جرحت مقلته أو عظمت ، واسمه عمرو بن بحر بن محبوب أبو عثمان من أهل البصرة . قيل : وهو جحا المشهور . وقال الشعراني : ليس هو جحا لأن جحا ولي من أولياء الله ، وكان من التابعين وما حكي عنه كذب . قوله : ( والذي يحيض الخ ) المراد بحيض غير النساء رؤية دم لها من غير اعتبار زمن لها ولا غيره فهو حيض لغوي . قال العلامة سم ولا أثر لحيض غير النساء في شيء من الأحكام حتى لو علق الطلاق على شيء منها لم يقع ، إلا إن أراد مجرد خروج الدم منها ، إذا لا وقت له معين في شيء منها إلا في النساء ، وقد أشار إلى هذا بعض من نظمها من الطويل بقوله :
ثمانية من جنسها الحيض يثبت
ولكن في غير النسا لا يؤقت
نساء وخفاش وضبع وأرنب
وناقة مع وزغ وحجر وكلبة
وزاد بعضهم على ذلك بنات وردان والقردة ، وزاد المناوي الحدأة وزاد غيره السمك . قوله : ( والخفاش ) بضم الخاء وتشديد الفاء .(1/502)
"""""" صفحة رقم 503 """"""
قوله : ( لها دواء ) أي لهذه الأربعة دواء بخروج الدم منها ، لأنه لو حبس فيها لضرها فهو يدل على سلامة طبائعها . قوله : ( والحجر ) بكسر الحاء وسكون الجيم وراء ولا تلحقها تاء اه اج . قوله : ( وله عشرة أسماء ) أي على ما ذكر هنا وإلا فذكر بعضهم له خمسة عشر اسماً نظمها بعضهم بقوله :
للحيض عشر أسماء وخمستها
حيض محيض محاض طمث إكبار
طمس عراك فراك مع أذى ضحك
درس دراس نفاس قرء إعصار
قوله : ( وضحك ) ومنه : ) وامرأته قائمة فضحكت } ) هود : 71 ) فسره بعضهم بحاضت قال م ر : ولا كراهة في تسميته بشيء منها أي : لأن غالب هذه الأسماء مأخوذ من الكتاب العزيز والأحاديث . قوله : ( ونفاس ) ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة : ( أنفست ) بفتح النون وكسر الفاء وسكون السين أي حضت لأنها لم تلد . قوله : ( ولونه أسود الخ ) لما ورد عليه سؤال ، وهو أن اللون لا ينحصر في السواد . فأجاب بأن المراد اللون الأقوى غالباً ، وقد يكون غير أقوى . وأجاب سم أي اللون الأصلي . والحاصل ؛ أن الصور لألوان الدماء وصفاتها ألف وأربعة وعشرون صورة ، وذلك لأن الألوان خمسة وهي : أسود وأحمر وأشقر وأصفر وأكدر ، والصفات أربعة : إما ثخين أو منتن أو هما أو مجرد عنهما ، فإذا ضربت صفات الأول في صفات الثاني ثم الحاصل في صفات الثالث ، وهكذا بلغت ما ذكر ، فإن استوى دمان قدم السابق كأسود ثخين وأحمر ثخين منتن بإحدى الصفتين تجبر ضعفه والأخرى تقابل الأخرى ، فيستويان . وكأحمر منتن أو ثخين مع أسود مجرد فهما مستويان شوبري . قوله : ( أسود ) أي ذو سواد وهو نفسه محتدم لذاع ، أو المعنى وصفته أنه أسود محتدم لذاع اه سم . وقوله : أي ذو سواد إنما فسره به ، لأن اللون لا يوصف بكونه أسود ، وإنما يوصف به الدم واللون يوصف بالسواد ، وأما قوله محتدم الخ . فهو وصف للدم لا للون كما أشار إليه سم بقوله : وهو نفسه محتدم الخ اه .(1/503)
"""""" صفحة رقم 504 """"""
قوله : ( بذال معجمة وعين مهملة ) ويقال لذوات السموم لدغ بمهملة فمعجمة ، وقد نظم ذلك الأجهوري فقال :
ولدغ لذي سم بإهمال أول
وفي النار بالإهمال للثان فاعرفا
والإعجام في كل والإهمال فيهما
من المهمل المتروك حقا بلا خفا
وقوله : للثان أي مع إعجام الأول ، وقوله في كل أي إعجام الحرفين وإهمالهما في ذي سم ، والنار مهمل . قوله : ( فقياس ما سبق في الأحداث أن يكون الخ ) هذا ظاهر إذا كانا أصليين ، أما إذا كان أحدهما أصلياً ، والآخر زائداً وتميز ، فإن العبرة بما خرج من الأصلي قياساً على ما ذكر في باب الأحداث ، ومقتضى ما ذكر هناك أنه لو كان أصلي وزائد واشتبه أنه لا بد من الخروج من كل منهما حتى يحكم بالحيض ، ولينظر فيما لو كان أحدهما أصلياً والآخر زائداً مسامتاً ، ومقتضى ما ذكر هناك أنهما بمنزلة الأصليين أي : فيكفي من أحدهما فتأمل شيخنا عزيزي ، والمعتمد أن العبرة بالأصلي لا الزائد المسامت . قوله : ( أي بعد فراغ الرحم ) إنما فسر بذلك ، لأن كلام المتن يشمل الدم الخارج بعد الولد الأول ، فمقتضاه أنه يسمى نفاساً مع أنه لا يسمى نفاساً ، بل إن كان قبله حيض بأن حاضت قبل الولد ولم يزد المجموع على خمسة عشر يوماً كان حيضاً وإلا كان دم فساد .
قوله : ( من الحمل ) أي ولو علقة أو مضغة . وهذان لا يسميان ولادة إلا أن يقال إنهما في حكمها . وقول الشارح بعد فراغ الرحم من الحمل إشارة إلى أن الولادة ليست بقيد . ويتعلق بالعلقة ثلاثة أحكام : تسمية الدم عقبها نفاساً ووجوب الغسل ، ويفطر بها الصائم ، وتزيد عليها المضغة بأمرين : انقضاء العدة وثبوت الاستيلاد إن كان فيها صورة آدمي ، وقول المصنف عقب الولادة ليس بظاهر لأن الشرط أن يكون قبل مضي خمسة عشر يوماً من الولادة ، وإلا فلا نفاس لها ، فإذا رأته قبل الخمسة عشر يوماً فابتداؤه أي ابتداء أحكامه من(1/504)
"""""" صفحة رقم 505 """"""
رؤية الدم وزمن النقاء قبل رؤيته لا نفاس فيه ، لكنه محسوب من الستين كما قاله البلقيني . قال : ولم أر من حققه . قال زي : فلا تثبت الأحكام إلا من حين خروج الدم . قلت : وقضيته حل التمتع قبل نزول الدم وهو كذلك فقد قال م ر : ولو ولدت ولداً جافاً جاز وطؤها قبل غسلها إذ هو كالجنابة اه اج .
قوله : ( لأنه يخرج عقب نفس ) أو لأنه من النفس أي الدم يقال في فعله نفست المرأة بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما والضم أفصح ، وفي فعل الحيض أي إذا كان نفس بمعنى حاض نفست بفتح النون وكسر الفاء لا غير ذكره في شرح المهذب . قوله : ( فليسا بحيض ) محله ما لم يتصل بحيض متقدم على الطلق ، وإلا كان كل من الخارج مع الطلق أو الولادة حيضاً أيضاً ، حتى لو استمر الخارج مع الطلق وخروج الولد إلى أن اتصل الخارج بالنفاس بعد تمام الولادة كان جميعه حيضاً ، وإن لزم اتصال النفاس بالحيض بدون فاصل طهر بينهما ، بخلاف ما لو جاوز دم النفاس ستين ، فإنه يكون استحاضة ولا يجعل ما بعد الستين حيضاً متصلاً بالنفاس ، واعتبار المتصل بينهما فيما إذا تأخر النفاس دون ما إذا تقدم اه ع ش . على م ر . قوله : ( ومعناه أن لا يكون متراخياً عما قبله ) وضابط التراخي بأن يكون بعد خمسة عشر يوماً . قوله : ( والاستحاضة هو الدم ) هذا التعريف اتحد فيه المعنى اللغوي والشرعي ، وعبارة م د قوله : والاستحاضة هو لغة السيلان وشرعاً الدم الخ . قوله : ( من أدنى الرحم ) وهو مستقر الولد ، ومن الطرق التي تعرف بها المرأة كون الخارج دم حيض أو استحاضة أن تأخذ من قام بها ما ذكر ماسورة مثلاً وتضعها في فرجها فإن دخل الدم فيها فهو حيض ، وإن ظهر على جوانبها فهو استحاضة ، وهذه علامة ظنية فقط لا قطعية ، وإلا لما يوجد لنا مستحاضة متحيرة ع ش على م ر . قوله : ( سواء أخرج إثر الحيض الخ ) شامل لما تراه الصغيرة والآيسة ، وقيل إن المستحاضة هي التي يجاوز دمها أكثر الحيض ويستمر وعليه قدم الآيسة والصغيرة(1/505)
"""""" صفحة رقم 506 """"""
يسمى دم فساد لا استحاضة اه اج . وخصه الماوردي بما إذا خرج إثر حيض وما عداه يقال له دم فساد . قوله : ( والاستحاضة حدث دائم ) هذا بيان لحكمها الإجمالي . قوله : ( فلا تمنع ) الخ بيان لحكمها التفصيلي . قوله : ( للضرورة ) ويجوز وطؤها وإن كان دمها جارياً في زمن يحكم لها فيه بكونها طاهرة ولا كراهة فيه شرح م ر وق ل وح ل .
قوله : ( فتغسل المستحاضة فرجها ) عبارة شرح المنهج ، فيجب أن تغسل مستحاضة فرجها فتحشوه بنحو قطنة فتعصبه بأن تشده بعد حشوه بذلك بخرقة مشقوقة الطرفين تخرج أحدهما أمامها والآخر وراءها ، وتربطهما بخرقة تشد بها وسطها كالتكة بشرطهما أي الحشو والعصب أي : بشرط وجوبهما بأن احتاجتهما ولم تتأذ بهما ، ولم تكن في الحشو صائمة . وإلا فلا يجب بل يجب على الصائمة ترك الحشو نهاراً ، ولو خرج الدم بعد العصب لكثرته لم يضر أو لتقصيرها فيه ضر اه . وقوله : تغسل مستحاضة أي إن أرادته وإلا استعملت الأحجار بناء على جوازها في النادر وهو الأصح ، فتعبيره بالغسل جري على الغالب شرح م ر . ويجب في الحشو أن يكون داخلاً عن محل الاستنجاء بارزاً عنه لئلا تصير حاملاً لمتصل بنجس . وقوله ولم تتأذ بهما . قال حج في شرح العباب : ويتجه أن يكتفي في التأذي بالحرقان وإن لم يحصل مبيح تيمم . وقوله : ولم تكن في الحشو صائمة ، وإنما حافظوا على صحة الصوم لا على صحة الصلاة عكس ما فعلوه فيمن ابتلع بعض خيط قبل الفجر ، وطلع الفجر وطرفه خارج حيث حافظوا على الصلاة بوجوب نزعه مع إكراه أو نوم ، لأن الاستحاضة علة مزمنة ، فالظاهر دوامها ، فلو راعينا الصلاة لتعذر عليها قضاء الصوم للحشو ، ولأن المحذور هنا لا ينتفي بالكلية ، فإن الحشو يتنجس وهي حاملة له بخلافه هناك زي ورده ق ل على الجلال ونصه : تنبيه علم مما ذكر أن صلاة الصائمة مع ترك الحشو صحيحة كصومها ، فمراعاة الصوم إنما حصلت بترك الحشو ، وبذلك علم سقوط استشكال ما هنا بمسألة الخيط الآتية في الصوم التي فيها لزوم بطلان أحدهما ، وهي ما لو ابتلع خيطاً قبل الفجر وأصبح صائماً وطرفه خارج حيث راعوا فيها الصلاة بنزعه لصحتها لا الصوم ببقائه وبطلانها ، فلا حاجة للجواب عنها بأن الاستحاضة علة مزمنة ربما يتعذر معها قضاء الصوم فتأمل .
قوله : ( وتتوضأ ) أو تتيمم وعبارة المنهج فتتطهر . قوله : ( تبادر بالصلاة ) أي الفرض ، أما النفل فلا تجب المبادرة به لجواز فعله بعد خروج وقت الفرض زي . قوله : ( لمصلحة الصلاة )(1/506)
"""""" صفحة رقم 507 """"""
وهل من مصلحة الصلاة النافلة ولو مطلقة وإن طال زمن ذلك أو لا ، حرر . قلت : وفي الإيعاب ولها التأخير للراتبة القبلية كما اقتضاه كلام الروض ، فيعلم منه أن فعلها للنفل المطلق مصر اه . ح ل . قوله : ( وانتظار جماعة ) لعل المراد ما تحصل به الجماعة ، وظاهر كلامهم وإن طال واستغرق غالب الوقت ، وإن حرم عليها ذلك ، ولا يخفى أن هذا واضح بالنسبة للستر والاجتهاد في القبلة دون غيرهما فليحرر ح ل . وقال ع ش : أي حيث عذرت في التأخير لغيم ولم يظهر لها سعة الوقت ولا ضيقه فبالغت في الاجتهاد أو طلب السترة ، وإلا بأن علمت ضيق الوقت فلا يجوز لها التأخير والقياس حينئذ امتناع صلاتها بذلك الطهر وقيد الإطحفيحي الجماعة بالمطلوبة ، وإلا كاقتداء بإمام فاسق وجدت غيره فيضر التأخير لها اه . قوله : ( وتحصيل سترة ) وإجابة مؤذن أما الأذان فليس لها . قوله : ( لم يضر ) وإن خرج الوقت . قوله : ( لغير مصلحة الصلاة ) كأكل وشرب . قوله : ( وضوؤها ) أو تيممها . قوله : ( ويجب الوضوء لكل فرض الخ ) ولها أن تتنفل ما شاءت بوضوء في الوقت إن توضأت للفرض ولا تتنفل خارجه أي إن كان غير راتبة ذلك الفرض أما راتبة ذلك الفرض فتصليه ولو خارج الوقت ، وبه جمع م ر بين كلام الشيخين المتناقض في ذلك كما في سم ويفرق بينها وبين المتيمم بتجدد حدثها اه . س ل . قوله : ( وكذا يجب لكل فرض تجديد العصابة ) أي وإن لم تزل عن محلها ولم يظهر الدم على جوانبها ، ومحل وجوب . تجديدها عند تلويثها بما لا يعفى عنه ، فإن لم تتلوث أو تلوثت بما يعفى عنه لقلته ، فالواجب فيما يظهر تجديد رباطها لكل فرض لا تغييرها بالكلية اه س ل . قوله : ( وما يتعلق بها من غسل الخ ) أي وحشو . قوله : ( قياساً على تجديد الوضوء ) أي إعادة الوضوء الواجبة عليها .
قوله : ( وجب الوضوء ) أما في الثانية فظاهر للعادة ، وأما في الأولى فلأن الظاهر من انقطاعه عدم عوده ، فلو عاد عن قرب تبين عدم وجوب الإعادة عليها كما في المنهج ، وعبارته : ويجب طهر إن انقطع دمها بعده أو فيه لا إن عاد قريباً . وقال ق ل حاصله : أنه إن وسع زمن انقطاعه الوضوء والصلاة وجب الوضوء وما معه وإلا فلا ، ولا عبرة بعادة ولا عدمها .(1/507)
"""""" صفحة رقم 508 """"""
قوله : ( زمناً ) قدره دفعاً لما ورد على المتن من أن فيه الإخبار بالزمن عن الجثة وهو الدم ، لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه . وقوله : أي مقدار أتى بذلك ليدخل ما لو رأته أثناء يوم أو ليلة ، فإنه يعتبر بلوغ مثله من اليوم الذي بعده أو الليلة التي بعدها ، لكن يشترط في أقل الحيض أن يتصل دماؤه بحيث لو وضعت القطنة لتلوثت اه اج وهو منصوب على التمييز المحوّل عن المضاف أي : أقل زمنه يوم الخ ، وإنما آثر ذلك التمييز على تقدير المضاف لما فيه من الاختصار لأنه إن قدّره بين المتضايفين فقال : وأقل زمنه فصل بين المتضايفين وإن أخر البيان عن المتن فقال أي : أقل زمنه بعد وأقل أدى إلى طول فما ذكره أخصر وأولى ع ش . وفيه أن الفصل بين المتضايفين هنا لا يضر لأن الفاصل ليس بأجنبي بل هو أخصر وأظهر مما صنعه الشارح . قوله : ( أي مقدار ) أشار بذلك إلى أن وجود اليوم والليلة بمعناهما اللغوي غير مراد ، وأسقط الشارح لفظ متصلاً وزادها شيخ الإسلام فقال : أي قدرهما متصلاً قال ح ل : هو قيد في تحقق الأقل فقط أي لا يتصور الأقل فقط إلا إذا رأت أربعاً وعشرين ساعة على الاتصال ، وأما لو رأتها متفرقة في أيام لا يكون أقل فقط ، ولا ينافي هذا قول شيخنا . رأت دماء متقطعة ينقص كل منها عن يوم ، وإذا جمع بلغ يوماً وليلة على الاتصال ، فيكون كافياً في حصول أقل الحيض ، لأن الأقل له صورتان : أقل فقط وأقل مع غيره إما مع الغالب أو مع الأكثر اه ح ل . قوله : ( وأكثره ) أي زمناً كما في شرح المنهج .
قوله : ( وإن لم تتصل الدماء ) في إسناد الفعل للدماء إشارة إلى قراءة الفعل بفوقيتين ويجوز بتحتية ففوقية ، والتقدير على هذا وإن لم يتصل مجموع الدماء على حذف مضاف أي : وكان وقت الدماء مجموعها أربعة وعشرون ساعة كما قاله ح ل . ويقال لهذا أقل الحيض لأنه قدر يوم وليلة وأكثر لأنه وجد في خمسة عشر يوماً .
قوله : ( والمراد الخ ) لو قال سواء تقدمت الليالي على الأيام أو تأخرت لكان أولى مما ذكره ، ولو طرأ في أثناء يوم أو ليلة اعتبر قدر الماضي منهما من السادس عشر اه ق ل . قوله : ( للاستقراء ) إذ لا ضابط لشيء من ذلك لغة ولا شرعاً فرجع فيه إلى المتعارف بالاستقراء . والمراد بالاستقراء الناقص وهو دليل ظني فيفيد الظن ، وإن لم يكن فيه تتبع لأكثر الجزئيات ، بل يكتفي بتتبع البعض ، وإن لم يكن أكثر كما هنا ، وهذا ما انحط عليه كلام سم في الآيات البينات . وفي ع ش على م ر نقلاً عن عميرة ما نصه قالوا : لأن ما لا ضابط له في اللغة ولا(1/508)
"""""" صفحة رقم 509 """"""
الشرع يحمل على العرف ، وهذا يقتضي تقديم اللغة على العرف ويخالفه قول الأصوليين إن اللفظ يحمل أولاً على الشرعي ثم العرفي ثم اللغة اه . ويمكن الجواب بأن العرف يقدم على اللغة في بيان مدلول اللفظ ، وما هنا ليس منه بل من بيان الضابط المطرد الذي هو كالقاعدة ، ويجوز أن أهل الأصول لم يتعرضوا له أي للضابط ، ولو أخر الشارح قوله للاستقراء عن ذكر الغالب لكان أولى كما في شرح المنهج . قوله : ( ست أو سبع ) أي وإن لم تتصل فلو أخر هذا إلى هنا لكان أولى . قوله : ( لخبر أبي داود الخ ) فيه أن هذا الحديث لا يدل على أن ما ذكر غالب الحيض خصوصاً على القول بأنها مستحاضة معتادة فردت لعادتها . وقد يقال قوله ميقات حيضهن يدل على أن ما ذكر هو الغالب . قوله : ( لحمنة ) هي أخت زينب بنت جحش زوجة النبي عليه الصلاة والسلام اه اج . واسم أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي قاله في المصباح . وكانت معتادة غير مميزة اه م ر . أي وكانت عادتها مختلفة فتارة ستة وتارة سبعة بدليل قوله الآتي ستة أو سبعة أي لأنها ترد للعادة وكانت مستحاضة كما رواه الترمذي . قوله : ( تحيضي ) بفتح الحاء وتشديد الياء المفتوحة . قوله : ( في علم الله ستة أيام أو سبعة ) أي وتطهري بقية الشهر كما يدل عليه قوله كما تحيض النساء ويطهرن ، ففي الكلام حذف كما قرره م ر . والمراد بعلم الله معلومه أي فيما أعلمك الله وأو في قوله أو سبعة للتنويع لا للتخيير . قوله : ( كما تحيض النساء ) أي غالبهنّ كما قاله الشارح . والمناسب لقوله ويطهرن أن يضبط بفتح التاء وكسر الحاء وسكون الياء كما في ع ش . قوله : ( ميقات ) بدل من ستة أو سبعة أي : ومن بقية الشهر المقدر ، لأن التقدير تحيضي ستة أو سبعة وتطهري بقية الشهر ، أو خبر مبتدأ محذوف أي وذلك ميقات ع ش على م ر . قوله : ( أي التزمي ) راجع لقوله تحيضي . وقوله : ( وأحكامه ) تفسير فالمراد بها ما يحرم به . قوله : ( لأن بحث الأولين ) أي الشافعي ومن بعده أتم فهو إجماع ق ل .
قوله : ( واحتمال عروض دم الخ ) أي والحكم على دم هذه المرأة بالفساد أولى من جعله(1/509)
"""""" صفحة رقم 510 """"""
حيضاً خارقاً للإجماع اه ق ل . وينبني على ذلك ما لو قال لزوجته : إن حضت فأنت طالق فإنه يقع بمجرد طروّ الدم أي يحكم بوقوعه ثم إن استمر يوماً وليلة فأكثر استمر الحكم بالوقوع . وإن انقطع قبل يوم وليلة بأن عدمه ، فلو ماتت قبل يوم وليلة فهل يستمر حكم الطلاق للحكم به ولم يتحقق خلافه أو لا نظراً لبقاء العصمة ؟ فيه نظر اه سم . قلت : والذي يأتي ل م ر في باب الطلاق استمراره وعبارته : لو علق بالحيض وقع بمجرد رؤية الدم حتى لو ماتت قبل مضي يوم وليلة أجريت عليها أحكام الطلاق كما اقتضاه كلامهم ، وإن احتمل كونه دمه فساد اه اج .
قوله : ( بالمستحاضة ) وهي سبعة أقسام . لأنها إما مبتدأة أو معتادة وكل منهما مميزة أو غير مميزة والمعتادة المميزة إما ذاكرة الوقت والقدر أو ناسية لهما أو ناسية لأحدهما ذاكرة للآخر .
قوله : ( فالضعيف استحاضة ) أي وإن طال ، فلو رأت يوماً وليلة دماً أسود ثم أحمر مستمراً سنين كثيرة ، فإن الضعيف كله طهر لأن أكثر الطهر لا حد له زي . وقوله : والقويّ حيض أي مع ضعيف أو نقاء تخلله كأن رأت يوماً وليلة سواداً ثم كذلك حمرة أو نقاء ثم سواداً ، وهكذا إلى خمسة عشر ، ثم أطبقت الحمرة اه زي . وعبارة اط ف قوله : والقوي حيض أي وإن اختلف كأن رأت خمسة سواداً وخمسة حمرة وخمسة شقرة ، ثم أطبقت الصفرة فما قبل الصفرة حيض لأنها أقوى مما بعدها . قوله : ( وإن لم ينقص ) الخ وهو يوم وليلة اه . قوله : ( ولا نقص الضعيف ) قال في الذخائر : لا يحتاح له للاستغناء عنه بالثاني لأن القوي إذا لم يزد على خمسة عشر لزم أن لا ينقص الضعيف عنها ، ورده المحب الطبري بأن ذلك إنما يلزم إذا كان الدور ثلاثين فيحتاج له في الجملة اه شوبري . وقوله : ( في الجملة ) أي فيما إذا كان دورها أقل من ثلاثين فيكون القوي خمسة عشر ، والضعيف أربعة عشر فتكون فاقدة شرطاً . وبقي شرط رابع وهو أن يكون الضعيف متوالياً بخلاف ما لو رأت يوماً أسود ويومين أو يوماً أحمر ، وهكذا إلى آخر الشهر فهي فاقدة شرطاً مما ذكر ، وسيأتي بيان حكمها شرح المنهج ، وهو أن حيضها يوم وليلة ومحل الشرط الثالث أعني قوله : ولا نقص الضعيف الخ . إن استمر الدم فلا يرد ما إذا رأت يوماً وليلة أسود أو ستة أو سبعة أسود ثم أربعة عشر أحمر ، ثم انقطع الدم فإن حيضها هو القوي والضعيف طهر مع نقصه عن خمسة عشر كما نبه عليه زي . قوله : ( فقدت ) بفتح القاف من باب ضرب ) قالوا نفقد صواع الملك } ) يوسف : 72 ) اه(1/510)
"""""" صفحة رقم 511 """"""
اج . قوله : ( فحيضها يوم وليلة ) أي من كل شهر إن عرفت وقت ابتداء الدم وإلا فمتحيرة شرح المنهج . قال ح ل : لأن سقوط الصلاة عنها في هذا القدر أعني اليوم والليلة متيقن ، وفيما عداه مشكوك فيه فلا يترك اليقين إلا بمثله ، أو أمارة ظاهرة من تمييز أو عادة ، لكنها في الدور الأول تمهل حتى يعبر الدم أكثره فتغتسل وتقضي عبادة ما زاد على اليوم والليلة ، وفي الدور الثاني تغتسل بمجرد مضيّ يوم وليلة إن استمرت على فقد الشرط المذكور ح ل وم ر . قوله : ( تسع وعشرون ) إنما حذف التاء من العدد لأن المعدود محذوف أي : وهو يوماً أو تغليباً لليالي ، لأن العرب تغلب التأنيث في أسماء العدد إذا أرادت ذلك ، ومنه قوله تعالى : ) يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } ) البقرة : 234 ) كما ذكره البرماوي ، وإنما نص على ذلك للرد على من قال إن طهرها أقل الطهر أو غالبه ، ويحتاط فيما زاد على يوم وليلة ، ولم يقل بقية الشهر مع أنه أخصر ، لأنه لو قال ما ذكر لتوهم أن المراد بالشهر الهلالي الصادق بتسعة وعشرين ، فيكون بقيته ثمانية وعشرين .
واعلم أن الشهر متى أطلق في كلام الفقهاء ، فالمرد به الهلالي إلا في ثلاثة مواضع في المميزة الفاقدة شرطاً ، وفي المتحيرة ، وفي الحمل بالنظر لأقله ، وغالبه فإن الشهر في هذه المواضع عددي أعني ثلاثين كما أفاده شيخنا ح ف . قوله : ( قدراً ووقتاً ) أي وإن بلغت سن اليأس أو زاد دورها على تسعين يوماً كأن لم تحض في كل سنة إلا خمسة أيام فهي الحيض وباقي السنة طهر اه برماوي . قوله : ( وتثبت العادة ) هي تكرر الشيء على نهج واحد كما في البرماوي ، لكن هذا التعريف لا ينطبق على قول الشرح وتثبت العادة بمرة ، فلعل تسمية الفقهاء لمثل هذا عادة مجرد اصطلاح ، وإلا ففي اللغة ما يقتضي مثل ما قاله البرماوي ، ففي المصباح والعادة معروفة سميت بذلك لأن صاحبها يعاودها أي : يرجع إليها مرة بعد مرة اه . قوله : ( بمرة ) لأنها في مقابلة الابتداء ، ومحل ثبوتها بمرة إن لم تختلف فمن حاضت في شهر خمسة ، ثم استحيضت ردت إلى الخمسة ، فإن اختلفت ففي شرح المنهج أنها إن انتظمت ولم تنس انتظامها لم تثبت إلا مرتين كأن حاضت في شهر ثلاثة ، وفي ثانية خمسة ، وفي ثالثة سبعة ، وفي رابعه ثلاثة ، وفي الخامس خمسة ، وفي السادس سبعة ، ثم استحيضت في السابع فتجري على هذا الانتظام بأن تجعل حيضها في السابع ثلاثاً ، وفي الثامن خمسة ، وفي التاسع سبعة وهكذا .
قوله : ( ولم يتخلل بينهما ) أي التمييز والعادة ، فإن تخلل ذلك بينهما عمل بالتمييز والعادة جميعاً اج . فلو كانت عادتها خمسة من أول الشهر وبقيته طهر ، فرأت عشرة أسود من(1/511)
"""""" صفحة رقم 512 """"""
أول الشهر ، وبقيته أحمر حكم بأن حيضها العشرة لا الخمسة الأولى منها . أما إذا تخلل بينهما أقل الطهر كأن رأت بعد خمستها عشرين ضعيفاً ثم خمسة قوياً ، فقدر العادة حيض للعادة والقويّ حيض آخر شرح المنهج أي لأن بينهما طهراً كاملاً . قوله : ( لظهوره ) المراد بظهوره مشاهدة ما يدل عليه . قوله : ( فإن نسيت عادتها قدراً ووقتاً ) . هذه تسمى متحيرة تحيراً مطلقاً ، وأما الذاكرة لأحدهما فتسمى متحيرة تحيراً نسبياً . وقوله : متحيرة وتسمى أيضاً محيرة لأنها على الأول تحيرت في أمرها ، وعلى الثاني حيرت الفقيه في أمرها إن قرئت بكسر الياء أو حيرها الفقيه إن قرئت بفتحها ، وهذا قبل تدوين حكامها في الكتب . قوله : ( وهي غير مميزة ) الجملة الحالية . قوله : ( فكحائض ) ويستمر وجوب نفقتها على الزوج ، وإن منع من الوطء ولا خيار له في فسخ النكاح لأن وطأها متوقع وعدتها إن لم تكن حاملاً بثلاثة أشهر في الحال م ر . قوله : ( في أحكامها السابقة ) . كتمتع وقراءة في غير صلاة أي كحرمة تمتع وقراءة ، لأن التمتع والقراءة ليسا حكماً فتحرم عليها القراءة ، وإن خافت نسيان القرآن لتمكنها من إجرائه على قلبها ، أما في الصلاة فجائزة مطلقاً أي فاتحة وغيرها ، ولو جميع القرآن لأن حدثها غير محقق في كل وقت بخلاف فاقد الطهورين ح ل وق ل ، والمراد بالتمتع التمتع بما بين السرة والركبة .
والحاصل أنها كالحائض في التمتع والقراءة والمكث في المسجد ومس المصحف وحمله ، وكالطاهر في الطلاق والصلاة والصوم والاعتكاف والطواف ، ومحل جواز دخولها المسجد إذا كان لعبادة متوقفة على دخوله كالطواف والاعتكاف ولو مندوبين ، وإذا أجرت القرآن على قلبها فتثاب على ذلك لعذرها كما قرره شيخنا ح ف قال ع ش على م ر : فلو لم يكف في دفع النسيان إجراؤه على قلبها ولم يتفق لها قراءته في الصلاة لمانع قام بها كاشتغالها بصنعة تمنعها من تطويل الصلاة والنافلة جاز لها القراءة ، ويجوز لها القراءة للتعلم ، لأن تعلم القراءة من فروض الكفايات ، وينبغي جواز مس المصحف وحمله إن توقفت قراءتها ، عليهما ، وإذا قلنا بجواز القراءة خوف النسيان فهل يجب عليها أن تقصد بتلاوتها الذكر أو تطلق لحصول المقصود من دفع النسيان مع ذلك ؟ قلت : الظاهر أنه لا يجب عليها ذلك ، بل يجوز لها قصد القراءة لأن حدتها غير محقق والعذر قائم بها فلا تمنع من قصد القراءة المحصل للثواب ، ثم إن كانت قراءتها مشروعة سن للسامع لها سجود التلاوة وإلا فلا . كما في ع ش على م ر . وقوله : السابقة كان الأولى للشارح أن يبدل قوله السابقة باللاحقة لأن أحكامها ستأتي في قوله ويحرم بالحيض ، وقد يقال إن هذه العبارة سرت له من شرح المنهج .
قوله : ( لاحتمال كل زمن يمر عليها الحيض ) وإن بلغت سن اليأس خلافاً للمحاملي اه ح ل . قوله : ( تفتقر لنية ) بخلاف ما لا تفتقر لنية كقراءة القرآن خارج الصلاة .(1/512)
"""""" صفحة رقم 513 """"""
قوله : ( كصلاة ) أي ولو منذورة وصلاة جنازة ، وتكفي منها ويسقط بها الفرض ولو بحضرة غيرها من متطهر كامل خلافاً للعلامة الخطيب اه . برماوي . وقال حج : كصلاة ولو أول الوقت أو وسطه ، وما في الحاوي عن الأصحاب من تعين آخره شاذ متروك لما فيه من الحرج ، ولا يلزمها الاقتصار على أقل واجب ، بل يجوز لها الإتيان بسنن الصلاة المشتملة عليها خلافاً لما في العباب ، وتصلي خارج المسجد ، لكن لها دخوله للاعتكاف لأنها لا تدخله إلا لعبادة لا تحصل إلا فيه كالطواف والاعتكاف ، ومحل دخولها المسجد له إن أمنت تلويثه ، وإنما جاز الدخول له مع أمن التلويث لعدم صحته خارجه بخلاف تحية المسجد ، فلا يجوز لها الدخول لفعلها إلا إذا دخلت لفرض غيرها كالاعتكاف ، وينبغي أن مثل ذلك ما لو أرادت فعل الجمعة وتعذر عليها الاقتداء خارج المسجد فيجوز لها دخوله لفعلها ، ولا يرد على ذلك أن الجمعة ليست فرضاً عليها ، لأن دخول المسجد لا يتوقف على كون العبادة التي تدخل لفعلها فرضاً بدليل دخولها للطواف والاعتكاف المندوبين نقله اط ف عن ع ش . وإنما طلب منها النفل المذكور لأنه من مهمات الدين فلا وجه لحرمانها منه .
قوله : ( وتغتسل لكل فرض ) ولو صلاة جنازة بخلاف ما تقدم في المتيمم حيث جمع بين الفرض وصلاة الجنازة بتيمم واحد ، وفرق بأن التيمم يزيل المانع غايته أنه يضعف عن أداء فرضين ، بخلاف المتحيرة ، فإنها في كل وقت تحتمل الحيض والطهر ، لكن إن كان الغسل بالصب فلا بد من الترتيب بين أعضاء الوضوء لاحتمال أن واجبها الوضوء وتنوي نية مشتركة بين الوضوء والغسل كنية رفع الحدث م ر عزيزي . قال ق ل : واكتفاؤهم بالغسل صريح في اندراج وضوئها فيه ، وهو كذلك لأنه إن كان غسلها بعد الانقطاع في الواقع فهو مندرج فيه قطعاً ، وإلا فهو وضوء بصورة الغسل ، فقول بعضهم بعدم اندراجه في غسلها لأنه للاحتياط غير مستقيم ، ويرده أيضاً قولهم : إنها لو نوت فيه الأكبر كفاها لأن جهل حدثها جعلها كالغالطة اه . والمراد بقول الشارح : وتغتسل لكل فرض أي في وقته كما صرح به شيخ الإسلام في شرح المنهج ، قال سم : وفيه بحث لأن الغسل لاحتمال الانقطاع واحتماله قائم في كل زمن فلم قيد الغسل بالوقت . وأجاب ع ش بأن احتمال الانقطاع قائم في كل زمن وبفرض وجوده قبل الوقت يحتمل الانقطاع بعده فلم يكتف به ، وأما الاحتمال انقطاع بعد الغسل إذا وقع في الوقت فلا حيلة في رفعه ، ومفهوم قوله في وقته أنها إذا اغتسلت لفائتة وأرادت أن تصلي به حاضرة بعد دخول وقتها امتناع ذلك عليها وهو كذلك ، ويفرق بينها وبين المتيمم من أنه إذا تيمم لفائتة ثم دخل الوقت صلى به الحاضرة بأن المتيمم لم يطرأ عليه بعد تيممه ما يزيل طهارته بخلاف المستحاضة كما ذكره ا ط ف .
قوله : ( إن جهلت الخ ) فإن علمته كعند الغروب لم يلزمها الغسل في كل يوم وليلة إلا(1/513)
"""""" صفحة رقم 514 """"""
عند الغروب وتصلي به المغرب وتتوضأ لباقي الفرائض لاحتمال الانقطاع عند الغروب دون ما عداه قاله في شرح المنهج ، وقوله لاحتمال الانقطاع فيه أن الفرض أنها علمت الانقطاع عند الغروب فلم عبر بالاحتمال . وأجيب بأنه عبر به لاحتمال تغير عادتها لكن كان المناسب التعبير بالظن لا بالاحتمال اه . قوله : ( وتصوم رمضان ) أي وجوباً وكذا صوم كل فرض ولو نذراً موسعاً ولها صوم النفل بالأولى من صلاته ولا يلزمها الفداء إن أفطرت لرضاع لاحتمال كونها حائضاً ويقرأ رمضان في كلام الشارح بمنع الصرف كما هو المحفوظ ، وفيه أنه لا يمنع من الصرف إلا إذا أريد به رمضان سنة بعينها ، وهذا لم يرد به ذلك بل المراد به رمضان من أي سنة كانت إلا أن يقال المانع لرمضان من الصرف العلمية والزيادة والعلمية باقية وإن أريد من أي سنة فهو معرفة دائماً ، لأن المراد منه ما بين شعبان وشوال من جميع السنين فيكون علم جنس ع ش على م ر مع زيادة من البرماوي .
قوله : ( لاحتمال أن تكون طاهرة ) أي في جميعه . قوله : ( ثم شهراً كاملاً ) لم يقل كاملين لأن رمضان ، قد لا يكون كاملاً ولو قال كاملين كما في المنهاج لكان مستقيماً لأجل قوله فيحصل لها من كل أربعة عشر لأن الناقص يحصل لها منه ثلاثة عشر فقط فتأمل وعبارة شرح م ر . فالكمال في رمضان قيد لفرض حصول الأربعة عشر لا لبقاء اليومين ، فإن كان رمضان ناقصاً حصل لها منه ثلاثة عشر والمقضى منه بكل حال ستة عشر يوماً اه . قوله : ( إن لم تعتد ) أي قبل التحير وعبارة شرح المنهج إن لم تعتد الانقطاع ليلاً بأن اعتادته نهاراً أو شكت لاحتمال أن تحيض أكثر الحيض ويطرأ الدم في يوم وينقطع في آخر فيفسد ستة عشر يوماً من كل من الشهرين اه . قوله : ( لم يبق عليها شيء ) أي لأن رمضان إن كان تاماً فقد حصل لها من كل خمسة عشر وإن كان ناقصاً فأربعة عشر من رمضان وخمسة عشر من الآخر اه . برماوي . قوله : ( من ثمانية عشر ) هي تكتب بالألف إن كان فيها تاء التأنيث كما هنا فإن لم تكن فيها بأن كان المعدود مؤنثاً نظر إن أتيت بالياء فقلت ثمني عشرة فبغير ألف وإلا فبالألف نحو ثمان عشرة ، قاله ابن قتيبة في أدب الكاتب سم على المنهج ، وينافيه قول المصباح إذا أضفت الثمانية إلى مؤنث ثبتت الياء ثبوتها في القاضي ، وأعرب إعراب المنقوص تقول : جاءني ثماني نسوة وثماني مائة ، ورأيت ثماني نسوة تظهر الفتحة على الياء ، وإذا لم تضف قلت عندي من النساء ثمان ومررت منهنّ بثمان ، ورأيت ثماني ، وإذا وقعت في المركب تخيرت بين سكون الياء وفتحها والفتح أفصح يقال : عندي من النساء ثماني عشرة امرأة وتحذف الياء في لغة بشرط فتح النون ، فإن كان المعدود مذكراً قلت عندي ثمانية عشر بإثبات الهاء اه . فلم يفرق(1/514)
"""""" صفحة رقم 515 """"""
في ثبوت الألف بين ثبوت الياء وحذفها وقد يقال لا منافاة لأن كلام ابن قتيبة في حذف الألف خطأ ولا يلزم منه حذفها في اللفظ وكلام المصباح إنما هو فيما ينطق به فيها من الحروف اه ع ش على م ر .
قوله : ( فيحصلان ) لأن الحيض إن طرأ في الأول منها فغايته أن ينقطع في السادس عشر فيصح لها اليومان الأخيران ، وإن طرأ في الثاني صح الطرفان أي الأول والأخير أو في الثالث صح الأولان أو في أثناء السادس عشر صح الثاني والثالث لأنهما أول الأربع عشرة التي هي أقل الطهر مع اليوم الملفق من الأول والسادس عشر بناء على انقطاع الحيض وطروّه نهاراً ، فإذا طرأ في أثناء الأول ينقطع آخره في أثناء السادس عشر ولم يصح الأول ، لأن الفرض أن الحيض طرأ في أثنائه أو في السابع عشر صح السادس عشر والثالث أو في الثامن عشر صح اللذان قبله شرح المنهج بزيادة .
قوله : ( فإن ذكرت الوقت الخ ) والذاكرة للوقت كأن تقول كان حيضي يبتدىء أول الشهر فيوم وليلة منه حيض بيقين ونصفه الثاني طهر بيقين وما بين ذلك يحتمل الحيض والطهر والانقطاع شرح المنهج أي : فتغسل فيه لكل فرض . والذاكرة للقدر كأن للقدر كأن تقول كان حيضي خمسة في العشر الأول من الشهر لا اعلم ابتداءها ، وأعلم أني في اليوم الأول طاهر فالسادس حيض بيقين ، والأول طهر بيقين كالعشرين الأخيرين ، والثاني إلى آخر الخامس محتمل للحيض والطهر أي : فتتوضأ لكل فرض ولا تغتسل ، والسابع إلى آخر العاشر محتمل لهما وللانقطاع لأنه إن طرأ الحيض في الثاني فينقطع في السابع ، وإن طرأ في الثالث انقطع في الثامن ، وإن طرأ في الرابع انقطع في التاسع ، وإن طرأ في الخامس ، ينقطع في العاشر ، فتغتسل لكل فرض فيها لأنها لا تغتسل إلا عند احتمال الانقطاع .
قوله : ( والأظهر أن دم الحامل حيض ) وهو قول مالك والشافعي في أرجح قوليهما أنها تحيض ، وقال أبو حنيفة وأحمد : إن الحامل لا تحيض وما تراه من الدم فهو دم فساد ، وفائدة الخلاف أنها على الأول لا تصوم ولا تلزمها الصلاة وعلى الثاني تصوم وتصلي . قوله : ( والنقاء بين دماء أقل الحيض ) أي قدر أقله إذ لا يتصوّر هنا أقله مع النقاء ق ل ، ومراده الأقل في ضمن الأكثر من يوم وليلة لأنه يعتبر الاتصال في اليوم والليلة فلا يتصور النقاء حينئذ . والحاصل أن في قوله : والنقاء بين دماء أقل الحيض الخ مسامحة لما عرفت أن الأقل يشترط فيه الاتصال فلا يتصور أن يكون فيه نقاء فكان الأولى أن يقول والنقاء بين دماء أكثر الحيض أو(1/515)
"""""" صفحة رقم 516 """"""
غالبه الخ لما عرفت أن الأكثر ، والغالب لا يشترط فيهما الاتصال فيتصور فيهما النقاء بين دمهما . قوله : ( وهي أن لا يجاوز الخ ) أي لا يجاوز النقاء مع الحيض الذي معه خمسة عشر لا النقاء وحده ، لأنه إذا جاوز خمسة عشر يكون استحاضة لا حيضاً . قوله : ( وقيل إن النقاء طهر ) ضعيف وعليه فتصومه وتصلي فيه ولا تنقضي العدة بتكرره . قوله : ( اللقط ) بالقاف والطاء المهملة كالنصر ويقال في فعله لقط كنصر اه م د . قوله : ( وأقل النفاس مجة ) أي بشرط أن يكون قبل تمام خمسة عشر يوماً وإلا فهو حيض . قوله : ( أي دفعة ) بضم الدال إن أريد المدفوع وبفتحها إن أريد المرة من الدفعات كما قرره شيخنا . لكن المناسب هو الأول لأن الكلام هنا في النفاس الذي هو الدم لا خروجه . قوله : ( لحظة ) وهو المناسب لما بعده وهو قوله وأكثر ستون يوماً الخ . لأن الكل زمن بخلاف قول المتن مجة أي دفعة لا يناسب لأنها ذات وما بعدها زمان . قال العلامة ح ل : وإنما عدل عن هذا الأنسب لأن ما ذكره تفسير لحقيقة النفاس التي هي الدم لازمته . قوله : ( كما قاله في الإقليد ) كتاب لابن دقيق العيد . قوله : ( وإذا العشار عطلت ) يعني النوق الحوامل التي أتى عليها عشرة أشهر من حملها واحدتها عشراء ، عطلت تركت هملاً بلا راع وقد كانوا ملازمين لأذنابها ولم يكن مال أعجب إليهم منها لما جاءهم من أهوال القيامة اه خازن ، وقوله لما جاءهم علة لقوله عطلت .
قوله : ( وأكثره ستون ) الأولى تأخيره عن الغالب اعتمد شيخنا كابن حجر أو أول المدة من رؤية الدم لا من الولادة قال وإلا لزم أنه لو تأخر رؤية الدم عن الولادة أي دون خمسة عشر(1/516)
"""""" صفحة رقم 517 """"""
يوماً كان زمن النقاء نفاساً فيجب عليها ترك الصلاة وقد صحح في المجموع أنه يصح غسلها عقب ولادتها أي الخالية عن الدم اه . ومقتضاه أنها تصلي حينئذ ، وفي كلام البلقيني ابتداء الستين أي والأربعين من الولادة وزمن النقاء لا نفاس فيه ، وإن كان محسوباً منهما أي عدداً لا حكماً أي فعليها قضاء الصلوات الفائتة فيه قال : لم أر من حقق هذا أي فالأحكام تثبت من رؤية الدم والمدة من الولادة ، وسيأتي في الشارح . قال حج في شرح العباب ردّاً على البلقيني : حساب النقاء من الستين أي أو الأربعين من غير جعله نفاساً فيه تدافع بخلاف جعل ابتداء النفاس من الدم اه ح ل . ومقتضى حساب زمن النقاء من الستين عدم وجوب القضاء إذ كيف تقضي بعض مدة النفاس اه . وعند الحنفية أن أكثره أربعون يوماً كما ذكره في الكنز . قوله : ( بالوجود ) أي استقراء ما وجد من نفاس النفساء ق ل . قوله : ( عن أم سلمة ) هي زوجة النبي كنيت بابنها سلمة بن أبي سليم كانت قبل النبي عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد . قوله : ( تجلس ) أي تدوم . قوله : ( فقيل بعد خروج الولد الخ ) يقتضي أن فيه خلافاً إذا نزل الدم عقب الولد مع أنه أمر متفق عليه حينئذ ، وإنما الخلاف في قوله وأوله فيما تأخر خروجه الخ فكان الأولى حذف قوله فقيل الخ . ويقول واختلف في أوله فيما إذا تأخر الدم عن خروج الولد فقيل من الولادة ، وقيل من نزول الدم لأن الشارح لم يذكر لقوله فقيل الخ . مقابلاً ، وأيضاً قوله وقيل : أقل الطهر يصدق بتأخر الدم عن نزول الولد فيقتضي أو أول النفاس من خروج الولد فينافي قوله فأوله الخ . تأمل . وقوله البلقيني بكسر القاف كما في القاموس نسبة إلى بلقينة بضم الموحدة وسكون اللام وكسر القاف وسكون المثناة التحتية بعدها نون : قرية بمصر اه اج .
قوله : ( لكن صرح الخ ) معتمد فزمن النقاء نفاس من حيث العدد لا من حيث الحكم .
قوله : ( وزمن النقاء لا نفاس فيه ) أي من حيث الحكم والأحكام من حين رؤية الدم . قوله :(1/517)
"""""" صفحة رقم 518 """"""
( ولم أر من حقق هذا ) من كلام البلقيني . قوله : ( ومقتضى هذا ) أي قول البلقيني أي قوله وزمن النقاء لا نفاس فيه . قوله : ( أنه يلزمها ) اعتمد هذا شيخنا م ر وجوّز وطء زوجها لها . واعتمد فطرها من الصوم وخالفه الشارح في الأولين وهو الوجه الوجيه خصوصاً مع سلامته من تبعيض الأحكام ق ل .
والحاصل : أن الأقوال ثلاثة ابتداؤه من الولادة عدداً وحكماً . الثاني ابتداؤه من الخروج عدداً وحكماً . الثالث : ابتداؤه من الخروج من حيث أحكام النفاس ، وأما العدد فمحسوب من الولادة . وهذه الأقوال فيما إذا تأخر خروجه عن الولد وكان بينهما نقاء وأما إذا خرج الدم عقب الولد فلا خلاف فيه ، وينبني على الأقوال أنه على الأول يحرم التمتع بها في زمن النقاء ولا يلزمها قضاء الصلاة ، وأما على الثاني فيجوز التمتع بها في مدة النقاء ويجب عليها قضاء الصلوات في مدة النقاء ، وكذا على الثالث . قوله : ( في هذه المدة ) أي مدة النقاء . قوله : ( ومقتضى قول النووي الخ ) هذا ضعيف . ويجاب عن ذلك بأن الحكم بالبطلان لكون الولادة مظنة خروج الدم وعدم جريان الأحكام لعدم تحققه تأمل مرحومي . قوله : ( وهذا هو المعتمد ) أي عند المؤلف والذي اعتمده م ر جواز الوطء بلا غسل لأن هذا حكمه حكم الجنابة اه اج . قوله : ( كالجنب ) أي كالمرأة الجنب لأنه يستوي فيه المذكر والمؤنث . قوله : ( محله إذا رأت الدم الخ ) ضعيف والمعتمد أن الولادة مبطلة للصوم مطلقاً ، وعبارة ق ل هذا المحل لا محل له لأن الولادة مفطرة لذاتها اه . قال م ر في باب الصوم : ولو ولدت ولم ترد ما بطل صومها كما صححه في المجموع والتحقيق ، ولا فرق بين أن تراه قبل خمسة عشر يوماً أو لا . فالمعتمد بطلان الصوم بالولد الجاف سواء كان لها نفاس أو لا م د . قوله : ( أبدى أبو سهل الخ ) وهذه لا تظهر إلا فيمن تحيض أكثر الحيض وتنفس أكثر النفاس وبالنسبة لغيرها لا تظهر اه . قال بعض العلماء : أبو سهل هذا كان من أكابر الشافعية وكان في زمن إمام الحرمين ، وكان يناظره فكان إذا طلع لمناظرته يلبس قميص زوجته ، فاتفق له ذات يوم أنه كان راكباً حماراً معرورياً من غير برذعة وعليه قميص زوجته فكلمه السلطان في ذلك ، فقال أبو سهل : أما ركوبي الحمار معرورياً ، فقد ثبت أن رسول الله ركب كذلك ، وأما لبس قميص زوجتي فلعدم قميص عندي غيره فراوده الملك في شيء من بيت المال فلم يوافق وتركه اه . قلت : وهذه سيمة المتوكلين وسيم الصالحين اه اج .(1/518)