موسوعة فقه المعاملات
وتشمل:
1- الأبحاث
2- التطبيقات
3- الفتاوى
4- المصطلحات(/)
البيع(1/1)
تعريف البيع
البيع هو مبادلة مال بمال بقصد الاكتساب.(1/2)
البيع لغة مبادلة مال بمال , والشراء ضد البيع وقد يطلق أحدهما ويراد به البيع والشراء معا لتلازمهما والبائع باذل السلعة , والمشتري هو باذل العوض.
والبيع اصطلاحا هو مبادلة مال بمال بقصد الاكتساب , أو هو عقد معاوضة مالية تفيد ملك العين والمنفعة على التأبيد لا على وجه القربة.
وهذا التعريف يتميز به البيع عن الهبة لأن الهبة هي تمليك بلا عوض حال الحياة بينما البيع هو تمليك بعوض.
ويتميز البيع عن الإجارة لأن فيها تمليك للمنفعة وليس لذات الشيء كما في البيع , والإجارة محددة بالمدة أو بالعمل خلافا للبيع.(1/3)
دليل مشروعية البيع
البيع مشروع على سبيل الجواز , ويدل على إباحته الكتاب , والسنة , والإجماع , والمعقول.(1/4)
دليل المشروعية من الكتاب
يقول تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} (البقرة: 275) ويقول تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} (النساء: 29) .
دليل المشروعية من السنة
سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.
وكذلك فعله صلى الله عليه وسلم وتقريره.
دليل المشروعية من الإجماع
لقد أجمع الفقهاء على جواز البيع.
دليل المشروعية من المعقول
إن الحكمة تقتضى إباحة البيع لتعلق حاجة الإنسان لما في يد صاحبه , ولا سبيل إلى المبادلة إلا بعوض غالبا ولا يمكن الوصول إلى هذا الغرض إلا بإباحة البيع.(1/5)
الوصف الفقهي للبيع
البيع أصل في ذاته , وهو مبادلة مال بمال فلا يخضع لتكييف آخر بل تكيف بعض التصرفات الأخرى بردها إلى البيع , مثل الصلح على بدل حيث يعتبر بيعا.
والبيع هو من عقود المبادلات وكذلك من عقود المعاوضات.(1/6)
البيع أهم أبواب المعاملات المالية , ولذا صدر الفقهاء به زمرة المعاملات , ويمكن وصفه بأوصاف أخرى تدل على طبيعته في مجموعة المعاملات.
والبيع من عقود المبادلات لأنه يقوم على مبادلة مال بمال كمبادلة السلعة بالثمن.
كما أنه من عقود المعاوضات لأنه لا يخلو من عوض بخلاف الهبة والإعارة مثلا فهما بدون عوض.(1/7)
الحكم التكليفي للبيع
حكم البيع الأصلي هو الإباحة وقد تعتريه بحسب الأحوال الأحكام التكليفية الأخرى من الحظر أو الكراهة أو الوجوب أو الندب.(1/8)
الحكم الأصلي للبيع الإباحة لأن في تجويزه دفع لحاجة الناس وتحقيق أغراضهم. ولكن قد تعتريه أحكام أخرى , فيصبح محظورا إذا اشتمل على ما هو ممنوع بالنص لأمر في الصيغة أو العاقدين أو المعقود عليه , فيحرم الإقدام على مثل هذا البيع.
وقد يكون الحكم الكراهة إذا وقع فيما نهى عنه نهيا غير جازم.
ويصبح البيع واجبا في حال الاضطرار إلى الحصول على طعام أو شراب لحفظ النفس.
وقد يكون البيع مندوبا كمن حلف على غيره أن يبيعه سلعة لا ضرر عليه من بيعها , فتندب إجابته لأن إبرار المقسم فيما ليس فيه ضرر مندوب إليه.(1/9)
تقسيم البيع باعتبار المبيع
ينقسم البيع باعتبار موضوع المبادلة فيه إلى أربعة أنواع:
البيع المطلق , السلم , الصرف , المقايضة.(1/10)
البيع المطلق
البيع المطلق هو مبادلة العين بالدين وهو أشهر الأنواع , ويتيح للإنسان المبادلة بنقوده على كل ما يحتاج إليه الأعيان , وإليه ينصرف البيع عند الإطلاق فلا يحتاج كغيره إلى تقييد.
بيع السلم
بيع السلم ويسمى السلف هو مبادلة الدين بالعين , أو بيع شيء مؤجل بثمن معجل.
والفقهاء يسميه: بيع المحاويج , لأنه بيع دعت إليه ضرورة كل واحد من المتبايعين وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه) , ثم قرأ قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} (البقرة:282) .
بيع الصرف
بيع الصرف هو مبادلة الأثمان , أي بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة.
وكذلك بيع أحدهما بالآخر ويسمى صرفا , ولا بد فيه من التقابض في المجلس , اتحد الجنس أو اختلف.
وعند الاتحاد يجب مع التقابض التساوي وزنا , ولا اعتبار بالصنعة فيهما.
ويخص المالكية الصرف بما كان نقدا بنقد مغاير وهو بالعد , فإن كان بنقد من نوعه فهو (مراطلة) وهو بالوزن.
بيع المقايضة
بيع المقايضة هو مبادلة مال بمال سوى النقدين ويشترط لصحته التساوي في التقابض إن اتفقا جنسا وقدرا فيجوز بيع لحم بشاة حية لأنه بيع موزون بما ليس بموزون وخبز بدقيق متفاضلا لأنه بيع مكيل بموزون.
ولا يجوز بيع التين الرطب بالتين اليابس إلا متماثلا.
ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق أو البرغل مطلقا ولو متساويا لانكباس الأخيرين في المكيال أكثر من الأول.(1/11)
تقسيم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن
ينقسم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن إلى ثلاثة أنواع:
هي المساومة , والمزايدة , والأمانة.(1/12)
بيع المساومة
بيع المساومة هو البيع الذي لا يظهر فيه رأس ماله أي البيع بدون ذكر ثمنه الأول.
بيع المزايدة
بيع المزايدة هو أن يعرض البائع سلعته في السوق ويتزايد المشترون فيها , فتباع لمن يدفع الثمن الأكثر.
ويقابل المزايدة الشراء بالمناقصة , وهي أن يعرض المشتري شراء سلعة موصوفة بأوصاف معينة , فيتنافس الباعة في عرض البيع بثمن أقل , ويرسو البيع على من رضي بأقل سعر , ولم يتحدث الفقهاء قديما في مثل هذا البيع ولكنه يسري عليه ما يسري على المزايدة مع مراعاة التقابل.
بيوع الأمانة
بيوع الأمانة هي التي يحدد فيها الثمن بمثل رأس المال أو أزيد أو أنقص , وسميت بيوع الأمانة لأنه يؤتمن فيها البائع في إخباره برأس المال , وهي ثلاثة أنواع:
بيع المرابحة: وهو بيع السلعة بمثل الثمن الأول الذي اشتراها البائع مع زيادة ربح معلوم متفق عليه.
بيع التولية: وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به من غير نقص ولا زيادة.
بيع الوضعية: وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به مع وضع (حط) مبلغ معلوم من الثمن , أي بخسارة محددة.
هذا وفي حالة كون البيع يتم لجزء من المبيع , فإنه يسمى بيع (الإشراك) .
وهو لا يخرج عن الأنواع المتقدمة المذكورة من البيوع.(1/13)
تقسيم البيع باعتبار طريقة تسليم الثمن
ينقسم البيع باعتبار طريقة تسليم الثمن إلى منجز الثمن , ومؤجل الثمن , ومؤجل المثمن , ومؤجل العوضين.(1/14)
بيع منجز الثمن:
البيع منجز الثمن هو ما لا يشترط فيه تأجيل الثمن , ويسمى بيع النقد , أو البيع بالثمن الحال.
بيع مؤجل الثمن:
البيع مؤجل الثمن هو ما يشترط فيه تأجيل الثمن.
بيع مؤجل المثمن:
البيع مؤجل المثمن هو مثل بيع السلم وبيع الاستصناع.
بيع مؤجل العوضين:
البيع مؤجل العوضين هو بيع الدين بالدين وهو ممنوع في الجملة.(1/15)
تقسيم البيع باعتبار الحكم الشرعي
ينقسم البيع باعتبار الحكم الشرعي إلى أنواع كثيرة منها:
البيع المنعقد ويقابله البيع الباطل ,
والبيع الصحيح ويقابله البيع الفاسد ,
والبيع النافذ ويقابله البيع الموقوف ,
والبيع اللازم ويقابله البيع غير اللازم (ويسمى الجائز أو المخير) .(1/16)
البيع الصحيح
البيع الصحيح هو بيع المال المتقوم الحائز على جميع أوصافه الشرعية المقبول شرعا.
البيع الفاسد
البيع الفاسد هو بيع المال المتقوم غير الحائز على جميع الأوصاف الشرعية كالبيع الذي سكت فيه عن الثمن.
البيع اللازم
البيع اللازم هو البيع الذي يقع باتا إذا عري عن الخيارات كبعتك هذا الثوب بعشرة قروش وقبل المشتري.
البيع غير اللازم
البيع غير اللازم إذا كان فيه إحدى الخيارات كبعتك هذا الثوب بعشرة قروش فقال المشتري قبلت على أنى بالخيار ثلاثة أيام.
البيع الموقوف
البيع الموقوف هو البيع الذي تعلق به حق الغير كبيع إنسان مال غيره بغير إذنه.
البيع الباطل
البيع الباطل هو الذي لا ينعقد إذا لم يكن مشروعا أصلا كما إذا لم يكن مالا متقوما كبيع الميتة.(1/17)
صيغة البيع
الصيغة: هي الإيجاب والقبول ويصلح لهما كل قول يدل على الرضا مثل قول البائع:
بعتك أو أعطيتك , أو ملكتك بكذا.
وقول المشتري: اشتريت أو تملكت أو ابتعت أو قبلت , وشبه ذلك.(1/18)
الصيغة:
هي الإيجاب والقبول ويصلح لهما كل قول يدل على الرضا مثل قول البائع: بعتك أو أعطيتك , أو ملكتك بكذا.
وقول المشتري: اشتريت أو تملكت أو ابتعت أو قبلت , وشبه ذلك.
والإيجاب عند الجمهور هو ما يصدر من البائع دالا على الرضا , والقبول عندهم هو ما يصدر من المشتري كذلك.
وقال الحنفية
إن الإيجاب يطلق على ما يصدر أولا من كلام أحد العاقدين , سواء أكان هو البائع أم المشتري , والقبول ما يصدر بعده.
وقد صرح المالكية والشافعية والحنابلة
بأن تقدم لفظ المشتري على لفظ البائع جائز لحصول المقصود.
ومن شروط الصيغة أيضا أن تكون الصيغة بالماضي مثل أن يقول البائع: بعت , ويقول المشتري: قبلت , أو بلفظ المضارع إن أريد به الحال مثل: أبيع وأشترى , مع إرادة الحال.
فإذا أراد به المستقبل أو دخل عليه ما يحوله للمستقبل كالسين وسوف ونحوهما مثل سأبيعك , أو أبيعك غدا فيكون ذلك وعدا بالعقد , والوعد بالعقد لا يعتبر عقدا شرعيا , ولهذا لا يصح العقد.
ولا ينعقد البيع إذا كان الإيجاب أو القبول بصيغة الاستفهام , مثل: أتبيعني؟
وفي حالة صيغة الأمر مثل: بعني , فإذا أجابه الآخر بقوله: بعتك , كان اللفظ الثاني إيجابا واحتاج إلى قبول من الأول (الآمر بالبيع) وهذا عند الحنفية , وفي رواية عند الحنابلة , ومقابل الأظهر عند الشافعية.
أما عند المالكية , وهو الأظهر عند الشافعية , وإحدى الروايتين عند الحنابلة: ينعقد البيع بقول المشتري بعني , وبقول البائع: بعتك , للدلالة على الرضا , ولا يحتاج إلى قبول من الأول.
وقال الشافعية: لو قال المشتري بلفظ الماضي أو المضارع: بعتني أو تبيعني , فقال البائع: بعتك , لم ينعقد البيع حتى يقبل بعد ذلك.
وصرح الحنفية بصحة الإيجاب بلفظ الأمر أو المضارع , إذا كان في العبارة إيجاب أو قبول ضمني , مثل: خذ هذه السلعة بكذا , فقال: أخذتها لأن خذ تتضمن بعتك فخذ , وكذلك قول البائع بعد إيجاب المشتري: يبارك الله بك في السلعة , لأنه يتضمن معنى قبلت البيع.
وبذلك تكون العبرة بالدلالة على المقصود , سواء أكان ذلك بوضع اللغة أم بجريان العرف.
ويشترط للصيغة كذلك: اتحاد المجلس , وهو يجمع المتفرقات فيه , فلو تراخى القبول عن الإيجاب أو عكسه صح المتقدم منهما , ولم يلغ , ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفا.
ويشترط عدم الهزل في الإيجاب أو القبول.
ويشترط لبقاء الإيجاب صالحا: عدم رجوع الموجب , وعدم وفاته قبل القبول , وعدم هلاك المعقود عليه.
ويشترط ألا يطرأ قبل القبول تغيير على المعقود عليه بحيث يصير مسمى آخر غير المتعاقد عليه كتحول العصير خلا.
ويحصل التوافق بين الإيجاب والقبول بأن يقبل المشتري كل المبيع بكل الثمن. فلا توافق إن قبل بعض العين التي وقع عليها الإيجاب أو قبل عينا غيرها , أو قبل ببعض الثمن الذي وقع به الإيجاب أو قبل عينا غيرها , وكذلك لا توافق إن قبل ببعض الثمن الذي وقع به الإيجاب أو بغيره , إلا إن كان القبول إلى خير مما في الإيجاب , كما لو باع شخص السلعة بألف فقبلها المشتري بألف وخمسمائة أو اشترى شخص سلعة بألف فقبل البائع بيعها بثمانمائة , وهذه موافقة ضمينة ولكن لا تلزم الزيادة , إلا إن قبلها الطرف الآخر.(1/19)
صفات العاقدين في البيع
لما كانت عقود المعاوضات المالية كالبيع والسلم والاستصناع والصرف تنشأ بين متعاقدين بإرادتهما , اشترط الفقهاء في كل واحد من العاقدين أن يكون أهلا لصدور العقد عنه , وأن يكون له ولاية إذا كان يعقد لغيره.(1/20)
البيع هو عقد معاوضة مالية ينشأ بين طرفين متعاقدين بإرادتهما الحرة فلا بد لانعقاد البيع ونفاذه أن يكون عاقداه من أهل العبارة المعتبرة في إنشاء العقود والالتزام بآثارها ويتحقق ذلك بتوافر شرطين فيهما:
الأول:
أن يكونا أهلا للمعاملة والتصرف , أي أن يكون عندهما أهلية أداء. وأهلية الأداء التي تعني صلاحية الشخص لصدور الأقوال منه على وجه يعتد به شرعا. وتتحقق هذه الأهلية عند جمهور الفقهاء في الإنسان المميز العاقل الرشيد غير المحجور عليه بأي سبب من أسباب من الحجر , ولم يكتف الشافعية بالتمييز بل اشترطوا البلوغ فلا ينعقد عندهم بيع الصبي لعدم أهليته.
الثاني:
أن يكون لهما ولاية على العقد أي أن يكون للعاقد سلطة تمكنه من تنفيذ العقد وترتيب آثاره عليه , ويكون ذلك إما بتصرف العاقد أصالة عن نفسه وإما أن يكون مخولا في ذلك بأحد طريقين:
بالنيابة الاختيارية التي تثبت بالوكالة. ولابد فيها أن يكون كل من الوكيل والموكل أهلا لإنشاء عقود المعاوضات المالية.
أو بالنيابة الإجبارية التي تثبت بتولية الشارع , وتكون لمن يلي مال المحجور عليهم من الأولياء والأوصياء الذي جعلت لهم سلطة شرعية على إبرام العقود وإنشاء التصرفات المالية لمصلحة من يلونهم.(1/21)
أن يكون مالا طاهرا
يشترط في المبيع أن يكون مالا طاهرا.(1/22)
يشترط في المبيع أن يكون مالا طاهر العين. وعبر المالكية والشافعية عن هذا الشرط بلفظ النفع والانتفاع.
ثم قالوا: ما لا نفع فيه ليس بمال فلا يقابل به , أي لا تجوز المبادلة به , وهو شرط انعقاد عند الحنفية.
والمال ما يميل إليه الطبع , ويجرى فيه البذل والمنع , فما ليس بمال ليس محلا للمبادلة بعوض , والعبرة بالمالية في نظر الشرع , فالميتة والدم المسفوح ليس بمال.
واشتراط طهارة العين لحديث جابر أنه سمع صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة , فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس , فقال: هو حرام.(1/23)
أن يكون مملوكا لمن يلي العقد
يشترط أن يكون المبيع مملوكا لمن يلي العقد أو مأذونا ببيعه من جهة المالك , فلا يصح بيع الإنسان ما لا يملك.(1/24)
يشترط أن يكون المبيع مملوكا لمن يلي العقد أو مأذونا ببيعه من جهة المالك , وقد قسم الحنفية هذا الشرط من شروط الانعقاد إلى شقين:
الأول:
أن يكون المبيع مملوكا في نفسه , فلا ينعقد بيع الكلأ مثلا , لأنه من المباحات غير المملوكة , ولو كانت الأرض مملوكة له.
والثاني:
أن يكون المبيع ملك البائع فيما يبيعه لنفسه , فلا ينعقد بيع ما ليس مملوكا , وإن ملكه بعد , إلا السلم , والمغصوب بعد ضمانه , والمبيع بالوكالة أو النيابة الشرعية , كالولي والوصي والقيم.
وقد استدل لعدم مشروعية بيع ما لا يملكه الإنسان بحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك.
وبهذا لا بد أن يكون المتصرف فيه مملوكا للعاقد أو مأذونا ببيعه من جهة المالك , فإن وقع البيع أو الشراء قبل إذنه فإن هذا يعتبر من تصرفات الفضولي (وهو الذي يعقد لغيره دون إذنه) كأن يبيع الزوج ما تملكه الزوجة دون إذنها , أو يشترى لها ملكا دون إذنها له بالشراء.
وعقد الفضولي يعتبر عقدا صحيحا , إلا أنه يجب الحصول على إجازة المالك أو وليه فإن أجازه نفذ , وإن لم يجزه بطل.
ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عروة البارقي أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بدينار لأشتري له به شاة , فاشتريت له به شاتين , بعت إحداهما بدينار وجئته بدينار وشاة , فقال لي: بارك الله في صفقة يمينك.(1/25)
أن يكون معلوما
يجب أن يكون المبيع معلوما , وأن يكون معينا.
فإذا كان مجهولا , فإن البيع لا يصح لما فيه من غرر.(1/26)
لا بد من معرفة المبيع من أن يكون معلوما بالنسبة للمشتري بالجنس والنوع والمقدار
فالجنس كالقمح مثلا , والنوع كأن يكون من إنتاج بلد معروف , والمقدار بالكيل أو الوزن أو نحوهما , فيصير المبيع معلوما ببيان أحواله وصفاته التي تميزه عن غيره.
مثلا لو باع عشرين مدا من الحنطة الحورانية أو باع أرضا مع بيان حدودها صار المبيع معلوما وصح البيع.
وهذا التمييز إما أن يحصل في العقد نفسه بالإشارة إليه , وهو حاضر في المجلس , فيتعين حينئذ , وليس للبائع أن يعطى المشتري سواه من جنسه إلا برضاه.
والإشارة أبلغ طرق التعريف , كما لو قال البائع للمشترى بعتك: هذا الحيوان وقال المشتري: اشتريته وهو يراه صح البيع.
والعلم بالمبيع يكتفى بالمشاهدة في المعين ولو لم يعلم قدره كما في بيع الجزاف (وهو الذي يعلم قدره على التفصيل) وهذا النوع من البيع كان متعارفا عليه بين الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإما أن لا يعين المبيع في العقد , بأن كان غائبا موصوفا , أو قدرا من صبرة حاضرة في المجلس , وحينئذ لا يتعين إلا بالتسليم. وهذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة ومقابل الأظهر عند الشافعية , وفي الأظهر عندهم: أنه لا يصح بيع الغائب.
ومن المبيع غير المتعين بيع حصة على الشيوع , سواء أكانت من عقار أم من منقول , وسواء أكان المشاع قابلا للقسمة أم غير قابل لها , فإن المبيع على الشيوع لا يتعين إلا بالقسمة والتسليم.
ومما يتصل بتعيين المبيع: بيع شيء واحد من عدة أشياء على أن يكون للمشترى خيار التعيين , أي تعيين ما يشتريه منها , ويمكنه بذلك أن يختار ما هو أنسب له منها , وهذا عند من يقول بخيار التعيين.
وذهب الحنفية إلى أن بيع واحد من اثنين أو ثلاثة صحيح استحسانا , لمساس الحاجة إليه وجريان العرف به , دون أن يؤدي إلى منازعة.
وإذا اقترن عقد البيع بخيار التعيين هذا لم يكن صحيحا إلا بتوافر الشروط التالية:
أ - أن يكون المبيع واحدا من ثلاثة أو اثنين كأن يشترى شخص ثوبا من هذه الأثواب الثلاثة على أن يكون له اختيار أحدها , فإذا اشترى ثوبا من أربعة على أن يكون له اختيار أحدها كان العقد فاسدا للجهالة.
ب - أن تتفاوت هذه الأعيان الثلاثة التي سيكون منها الاختيار في أوصافها , وأن يبين ثمن كل عين منها , حتى يكون للتخيير بينها فائدة.
ج - أن يوقت هذا الخيار بمدة معلومة , وألا تتجاوز هذه المدة ثلاثة أيام عند أبي حنيفة خلافا لصاحبيه , وذلك لشبهه بخيار الشرط عندهم.
وذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط توقيته.
د - أن يشترط معه خيار الشرط , مثال ذلك أن يقول البائع مثلا: بعتك أحد هذين الثوبين على أن تختار أيهما شئت وعلى أنك بالخيار ثلاثة أيام , وثمن هذا الثوب كذا وثمن الثوب الآخر كذا , فإذا قبل المشتري كان له أن يختار أحد الثوبين بمقتضى خيار التعيين , وإذا اختاره قبل مضى ثلاثة أيام من وقت العقد كان له فيه خيار الشرط إلى انتهاء الأيام الثلاثة , فإن شاء أمضى البيع فيها , وإن شاء فسخ فرد الثوبين وإن شاء فسخ فرد الثوبين جميعا.
وذلك مقتضى خيار الشرط , فإن مضى على العقد ثلاثة أيام له ردها جميعا.(1/27)
أن يكون موجودا حين العقد
يشترط أن يكون المبيع موجودا حين العقد مقدورا على تسليمه شرعا وحسا.(1/28)
لا يصح بيع المعدوم كأن يبيع الثمرة قبل أن تخلق.
ولا يصح بيع السمك في الماء فهو مما لا يقدر على تسليمه حسا , وقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر.
ولا يجوز بيع الملاقيح وهى ما في البطون من الأجنة وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة وذلك لما فيه من الغرر والجهالة وللحديث نهى عن بيع الغرر ونهى عن ضربة الغائص: وهو أن يقول من اعتاد الغوص في البحر لغيره: ما أخرجته من هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن.(1/29)
وسيلة معرفة المبيع وتعيينه
إذا كان المبيع غائبا عن المجلس ولم تتم معرفة المبيع برؤيته أو الإشارة إليه , فإنها تتم بالوصف الذي يميزه عن غيره , مع بيان مقداره.
وإذا كان عقارا كان لا بد من بيان حدوده , لاختلاف قيمة العقار باختلاف جهته وموقعه.
وإذا كان من المكيلات أو الموزونات أو المذروعات أو المعدودات فإنه تحصل معرفتها بالمقدار الذي تباع به.(1/30)
إذا كان المبيع غائبا عن المجلس ولم تتم معرفة المبيع برؤيته أو الإشارة إليه , فإنها تتم بالوصف الذي يميزه عن غيره , مع بيان مقداره.
وإذا كان عقارا كان لا بد من بيان حدوده , لاختلاف قيمة العقار باختلاف جهته وموقعه.
وإذا كان من المكيلات أو الموزونات أو المذروعات أو المعدودات فإنه تحصل معرفتها بالمقدار الذي تباع به.
ويصح بيع الجزاف , وهو إما يكون بإجمال الثمن على الصبرة كلها , فيصح باتفاق مع مراعاة ما ذكره المالكية من شروط في بيع الجزاف.
وإما بتفصيله بنحو كل صاع بكذا , فيصح عند المالكية والشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يصح في صاع واحد , ويبطل فيما سواه لجهالة المجموع الذي وقع عليه العقد , وقال الشافعية: إن قدر الصبرة كأن قال: بعتك الصبرة كل صاع بدرهم , على أنها مائة , صح البيع إن خرجت مائة لتوافق الجملة والتفصيل , وإن لم تخرج مائة , بأن خرجت أقل أو أكثر , ففي الصحيح لا يصح البيع لتعذر الجمع بين جملة الثمن وتفصيله , والقول الثاني يصح.
ويجوز بيع المكيل بالوزن وعكسه , وهذا في الجملة في غير الربويات , أي فيما لا يحرم التفاضل فيه , للنص على ذلك في الربويات.
ويجوز البيع بمكيال أو ميزان خاص كحجر معين للمتبايعين , ولو لم يكن متعارفا عليه عند غيرهما.
أما البيع بمكيال غير منضبط , بأن كان يتسع ويضيق فلا يجوز.
مع استثناء بيع الماء بالقرب , فيجوز استحسانا لجريان العرف به , كما يقول الحنفية.(1/31)
شمول المبيع
يقع البيع على العين ومنافعها وتوابعها , ولذا كان من مقتضاه أحيانا أن يدخل في المبيع ما له صلة به , لتحقيق المنفعة المرادة منه , أو أن يقضي العرف بشمول المبيع لأشياء تدخل فيه ولو لم يصرح بذلك في العقد.
فالأصل أن ما جرى العرف في بلد بدخوله في المبيع تبعا دخل فيه ولا ينفصل عنه إلا بالاستثناء.(1/32)
يدخل في المبيع كل ما يتناوله مدلول اسم المبيع , بحيث يعتبر جزءا من أجزائه
فبيع الدار مثلا يدخل فيه غرفها وكل ما كان فيه من البناء أو متصلا به تبعا لتلك الدار أو جرت العادة بدخوله , وكذلك تدخل المفاتيح والسلالم المتصلة في بيعها حيث لا تقبل الانفكاك عن المبيع.
ويدخل الأشجار في بيع الأرض بلا ذكر , مثمرة كانت أو لا إذا كانت موضوعة فيها للقرار كبيع الدار تدخل فيه الأبواب والأحواض.
وهناك ما جرى العرف ببيعه مع المبيع تابعا له كالخطام بالنسبة للبعير.
ولا يدخل الزرع في بيع الأرض بلا تسمية ولا الثمر في بيع الشجر بدون شرط ويؤمر البائع بقطع الزرع والثمر وإن لم يظهر صلاحه.
ولا يدخل في بيع الدار الطريق الخاص أو مسيل الماء.
والطريق الخاص كأن يكون للدار ممر من عند الجيران أو مسيل ميزاب مثلا إلا أن يقول اشتريت هذه الدار بكل حق هو لها أو نحو ذلك فحينئذ يدخل في المبيع.
وما دخل في البيع تبعا لا يلزم بمقابلته تنزيل شيء من الثمن إذا هلك قبل القبض , غير أنه يثبت حينئذ الخيار للمشترى بين الأخذ بكل الثمن أو الترك.
والزيادة الحاصلة في المبيع بعد العقد وقبل القبض كالثمرة وشبهها هي للمشترى.(1/33)
الاستثناء من المبيع
كل ما يجوز بيعه منفردا يجوز استثناؤه , وما لا يجوز إيقاع البيع عليه بانفراده لا يجوز استثناؤه ولا بد من كون المستثنى معلوما لأنه إن كان مجهولا عاد على الباقي بالجهالة , فلم يصح البيع.(1/34)
ينبني حكم الاستثناء من المبيع على نص هو ما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم.
وعلى ذلك لا يجوز استثناء الحمل من بيع الدابة , لأنه لا يجوز إفراده بالبيع وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلا فيما نقل عن الإمام أحمد بصحة استثنائه , وبه قال الحسن والنخعي وإسحاق وأبو ثور لما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه باع جارية واستثنى ما في بطنها , ولأنه يصح استثناؤه في العتق , فصح في البيع قياسا عليه.
وهكذا كل مجهول لا يجوز استثناؤه , كاستثناء شاة غير معنية من قطيع , ولا يجوز بيع الحائط واستثناء شجرة أو نخلة غير معنية لأن استثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا فإن عين المستثنى صح البيع والاستثناء , وهذا عند الجمهور.
ويجوز عند الإمام مالك استثناء نخلات أو شجرات وإن لم تكن بأعيانها , على أن يختارها , إذا كان ثمرها قدر الثلث أو أقل , وكانت ثمار الحائط لونا واحدا لخفة الغرر في ذلك.
ويجوز عند الحنابلة بيع الحيوان المأكول واستثناء رأسه وجلده وأطرافه وسواقطه وجوز مالك ذلك في السفر فقط لعدم التمكن من الانتقاع بها وكرهه في الحضر.
والدليل على جواز استثناء ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعي غنم فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاة , وشرطا له سلبها (أي جلدها وأكارعها وبطنها) , ولا يجوز ذلك عند الحنفية الشافعية.
ومما اختلف الفقهاء فيه من الاستثناء ما اعتبره بعضهم شرطا صحيحا , فأجازه وأجاز البيع , واعتبره غيرهم شرطا فاسدا , فأبطله وأبطل البيع.
ومثال ذلك: من يبيع الدار ويستثنى سكناها شهرا مثلا , فأجاز ذلك المالكية والحنابلة , واستدلوا بحديث جابر أنه: باع النبي صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره (أي ركوبه) إلى المدينة وفي لفظ: قال: بعته واستثنيت حملانه إلى أهلي.
وعند الحنفية والشافعية لا يجوز ذلك ويبطل الشرط والبيع لأنه شرط غير ملائم.(1/35)
بيع الأصول وبيع الثمار
الأشياء منها ما هو أصل ومنها ما هو تابع لغيره , فالأرض أصل والبناء تابع , والشجر أصل والأغصان والثمار تابعة لها.
وعند البيع يتبع الأصل كل ما يلتحق به حكما.
ويجوز باتفاق الفقهاء بيع الثمار وحدها منفردة عن الشجر , ولكن لا يجوز بيعها إلا بعد بدو صلاحها.(1/36)
الأصول جمع أصل , وهو ما ينبني عليه غيره , وقد عبر عنه النووي بقوله الأصول: الشجر والأرض , وفي شرح منتهى الإرادات: المراد بالأصول هنا: هي أرض ودور وبساتين.
وقد درج الفقهاء على إفراد فصل بعنوان (بيع الأصول) ذاكرين فيه ما يتبع هذه الأصول في البيع وما لا يتبعها.
وبيان ذلك كما يأتي:
بيع الأرض
من باع أرضا دخل فيها الغراس والبناء لاتصالها بها اتصال قرار , وهي من حقوقها , وهذا في جميع المذاهب إلا في قول عند الشافعية أنه إن أطلق ولم يقل بحقوقها فلا يدخل البناء والشجر لكن المذهب دخوله عند الإطلاق.
كما أن الشافعية فسروا الشجر الذي يتبع الأرض بالشجر الرطب , أما الشجر اليابس فلا يدخل , على ما صرح به ابن الرفعة والسبكي تفقها , وقال الإسنوي لا يدخل جزما.
كما يدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة المثبتة فيها لأنها من أجزائها دون المدفونة كالكنز فلا تدخل في البيع وتكون للبائع , لكن قال القرافي لا تدخل المدفونة إلا على القول بأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها.
وإن كان في الأرض زرع يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع.
بيع الدار
ومن باع دار دخل في البيع بناؤها , وفناؤها وما فيها من شجر مغروس وما كان متصلا بها لمصالحتها , كسلالم , ورفوف مسمرة , وأبواب ورحى منصوبة , ولا يتناول ما فيها من كنز مدفون ولا ما هو منفصل عنها كحبل ودلو , ولا ما ينقل كحجر وخشب.
أما الغلق المثبت فيدخل مفتاحه عند الحنفية والمالكية , وهو الأصح عند الشافعية وفي رواية عند الحنابلة.
بيع الشجر
ومن باع شجرا تبعه الأغصان والورق وسائر أجزاء الشجر , لأنه من أجزائها خلق لمصلحتها.
وإن كان في الشجر أو النخل ثمر فالمؤبر للبائع , إلا أن يشترط ذلك المشتري لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع , إلا أن يشترط المبتاع.
أما إذا لم تكن مؤبرة فهي للمشترى , لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم دل على أنها إذا لم تكن مؤبرة فهي للمبتاع , ولأن ثمرة النخل كالحمل , لأنه نماء كامن لظهوره غاية وهذا عند الجمهور.
وعند الحنفية لا تدخل الثمرة مؤبرة أو غير مؤبره على الصحيح إلا بالشرط للحديث المتقدم , لكن برواية ليس فيها التأبير.
بيع الحيوان
ومن باع حيوانا تبعه ما جرى العرف بتبعيته له كاللجام والمقود والسرج , وفرق الشافعية بين ما هو متصل بالحيوان كالبرة (الحلقة التي في أنف الدابة , وكالنعل المسمر , فهذا يدخل في بيع الحيوان تبعا.
أما اللجام والسرج والمقود , فلا يدخل في بيع الحيوان اقتصارا على مقتضى اللفظ.
بيع الثمار
أما الثمار وحدها منفردة عن الشجر فلا يجوز بيعها باتفاق الفقهاء إلا بعد بدو صلاحها بدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وهو يعني ظهور النضج والحلاوة ونحو ذلك عند جمهور الفقهاء , ويعني أمن العاهة والفساد عند الحنفية.
ويجوز كذلك بيع الثمار بعد ظهورها قبل بدو الصلاح بشرط القطع في الحال , وذلك إذا كان ينتفع به. وهذا باتفاق , إلا أن المالكية زادوا على ذلك شرطين
أحدهما: أن يحتاج المتبايعان أو أحدهما للبيع.
والثاني: أن لا يتمالأ أكثر أهل البلد على الدخول في هذا البيع.(1/37)
حضور المبيع وغيابه
من المقرر أن الإشارة إلى المبيع هي أقوى طرق التعريف والتعيين ولذلك إذا كان المبيع في حضرة المتعاقدين (مجلس العقد) وتم تعيينه بالإشارة بحيث عرفه المشتري ورآه , فإن البيع لازم.
وأما إذا كان غائبا فإما أن يباع بطريقة السلم مع الوصف الكامل له , واما أن يحدد مكانه أو بما يميزه عن غيره.(1/38)
لو اقترنت الإشارة بالوصف , وكان الوصف مغايرا لما رآه المشتري ورضى به , فإنه ليس له المطالبة بعدئذ بالوصف , ما دام العقد قد تم بعد الرؤية والرضا , ويعبر عن ذلك بالقاعدة الفقهية التالية (الوصف في الحاضر وفي الغائب لغو معتبر) .
وهذا بخلاف التغاير بين اسم المبيع والإشارة إليه كقوله: بعتك هذه الفرس , وأشار إلى ناقة مثلا فالتسمية هي المعتبرة , لأن الاسم يحدد به جنس المبيع , فهذا غلط في الجنس لا في الوصف , والغلط في الجنس غير مغتفر لأنه يكون به المبيع معدوما.
وقد صرح القرافي بأنه إن لم يذكر الجنس في البيع , بأن قال: بعتك ثوبا امتنع إجماعا.
وهذا إذا كان الوصف مما يدركه المشتري , أما لو كان مما يخفى عليه , أو يحتاج إلى اختبار , كالوصف للبقرة بأنها حلوب , ثم تبين للمشترى أنها ليست كذلك , فإن فوات الوصف هنا مؤثر , إن كان قد اشترط في العقد , ولو كان المبيع حاضرا مشارا إليه لأن الوصف هنا معتبر من البائع , ويترتب على فواته خيار للمشترى يسمى: خيار فوات الوصف.
ويستوى في استحقاق الخيار بفوات الوصف أن يكون المبيع حاضرا أو غائبا.
وإذا كان المبيع غائبا , فإما أن يشترى بالوصف الكاشف له , على النحو المبين في عقد السلم , وإما أن يشترى دون وصف , بل يحدد بالإشارة إلى مكانه أو إضافته إلى ما يتميز به.
فإن كان البيع بالوصف , وهو هنا غير الوصف المرغوب السابق , فإذا تبينت المطابقة بين المبيع بعد مشاهدته وبين الوصف لزم البيع , وإلا كان للمشترى خيار الخلف عند جمهور الفقهاء.
أما الحنفية فإنهم يثبتون للمشترى هنا خيار الرؤية , لقوله صلى الله عليه وسلم: من اشترى شيئا ولم يره كان له الخيار حتى يراه فإذا رآه كان مخيرا: فإن شاء قبله وإن شاء فسخ المبيع , وإذا مات المشتري لزم البيع ولا خيار لوارثه.
وبيع الغائب مع الوصف صحيح عند الجمهور في الجملة (الحنفية والمالكية والحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية) , فقد أجازه الحنفية ولو لم يسبق وصفه.
وفي قول للشافعية لابد من الوصف لأن للمشترى هنا خيار الرؤية على كل حال , سواء مع الوصف والمطابقة , أو المخالفة , ومع عدم الوصف.
وهو خيار حكمي لا يحتاج إلى اشتراط , وأجازه الحنابلة مع الوصف على الوجه المطلوب لصحة السلم , وقصروا الخيار على حال عدم المطابقة.
وأجازه المالكية بثلاثة شروط ,
الأول: ألا يكون قريبا جدا بحيث تمكن رؤيته بغير مشقة , لأن بيعه غائبا في هذه الحال عدول عن اليقين إلى توقع الضرر فلا يجوز.
وثانيا: ألا يكون بعيدا جدا , لتوقع تغيره قبل التسليم , أو لاحتمال تعذر تسليمه.
وثالثا: أن يصفه البائع بصفاته التي تتعلق الأغراض بها وهى صفات السلم.
والأظهر في مذهب الشافعية: أنه لا يصح بيع الغائب , وهو ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما , وإن كان حاضرا , للنهي عن بيع الغرر. أما البيع على البرنامج , وهو الدفتر المبينة فيه الأوصاف , أو على الأنموذج بأن يريه صاعا ويبيعه الصبرة على أنها مثله فقد أجازه الحنفية , وهو قول للحنابلة صوبه المرداوي والمالكية , والأصح للحنابلة منعه وأجازه الشافعية فيما لو قال مثلا: بعتك الحنطة التي في هذا البيت , وهذا أنموذجها , ويدخل الأنموذج في البيع.(1/39)
ظهور النقصان أو الزيادة في المبيع
يختلف الحكم في المبيع إذا ظهر فيه نقصان أو زيادة بين أن يكون البيع على أساس المقدار وبين أن يكون من قبيل بيع الجزاف (أي المجازفة) وهو ما يسمى أيضا (بيع الصبرة) ومنه بعض صور البيع على البرنامج أو الأنموذج , حيث يظهر القدر مخالفا لما كتب في البرنامج.(1/40)
إذا ظهر نقص أو زيادة فيما بيع مقدرا بكيل أو وزن أو زرع أو عد , فينظر في المبيع , هل هو مما يضره التبعيض أولا يضره؟
كما ينظر إلى أساس الثمن الذي تم عليه البيع هل هو مجمل أو مفصل على أجزاء؟
فإذا كان المبيع مما لا يضره التبعيض كالمكيلات بأنواعها , وكذلك بعض الموزونات كالقمح , والمذروعات كالقماش الذي يباع بالذراع دون نظر إلى ما يكفي للثوب الواحد , وكذلك المعدودات المتقاربة , فإن الزيادة في المبيع هي للبائع , والنقص على حسابه , ولا حاجة في هذه الحال للنظر إلى تفصيل الثمن أو إجماله.
وإذا كان الثمن مفصلا , كما لو قال: كل ذراع بدرهم , فالزيادة للبائع والنقص عليه , ولا حاجة للنظر إلى كونه يضره التبعيض أو لا.
أما إذا كان الثمن غير مفصل , والمبيع مما يضره التبعيض , فإن الزيادة للمشترى والنقص عليه , ولا يقابله شيء من الثمن , لكن يثبت للمشترى الخيار في حال النقص , وهو خيار تفرق الصفقة.
وذلك لأن ما لا يضره التبعيض يعتبر التقدير فيه كالجزء , وما يضره التبعيض يعتبر التقدير فيه كالوصف. والوصف لا يقابله شيء من الثمن بل يثبت به الخيار. هذا ما ذهب إليه الحنفية.
وذهب الشافعية في الصحيح وهو رواية عند الحنابلة إلى أنه إن ظهر في المبيع المقدر زيادة أو نقصان فالبيع باطل , لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة , ولا المشتري على أخذ البعض , وهناك ضرر في الشركة بين البائع والمشتري بالنسبة لما زاد.
وللمالكية تفصيل بين كون النقص قليلا أو كثيرا. . فإن كان قليلا لزم المشتري الباقي بما ينوبه من الثمن , وإن كثيرا كان مخيرا في الباقي بين أخذه بما ينوبه , أو رده.
وقيل: إن ذلك بمنزلة الصفة للمبيع , فإن وجده أكثر فهو للمشترى , وإن وجده أقل كان المشتري بالخيار بين أخذه بجميع الثمن أو رده.
ومقابل الصحيح عند الشافعية في ظهور الزيادة أو النقصان: صحة البيع للإشارة تغليبا. ثم للشافعية تفصي , وهو أنه إن قابل البائع الجملة بالجملة , كقوله: بعتك الصبرة بمائة على أنها مائة , ففي حال الزيادة أو النقصان يصح البيع , ويثبت الخيار لمن عليه الضرر.
أما إن قابل الأجزاء بالأجزاء كقوله: بعتك الصبرة كل صاع بدرهم على أنها مائة صاع , فإذا ظهرت زيادة أو نقص فالبيع صحيح عند الإسنوي وفرق الماوردي بين النقصان فيكون البيع صحيحا , وبين الزيادة ففيه الخلاف السابق , وهو بطلان البيع على الصحيح , أو صحته على ما يقابله.
وذكر ابن قدامة في المغني أنه إذا قال: بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب على أنه عشرة أذرع , فبان أحد عشر , ففيه روايتان ,
إحداهما: البيع باطل , لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة وإنما باع عشرة , ولا المشتري على أخذ البعض , وإنما اشترى الكل , وعليه ضرر في الشركة أيضا.
والثانية: البيع صحيح والزيادة للبائع , لأن ذلك نقص على المشتري , فلا يمنع صحة البيع كالعيب , ثم يخير البائع بين تسليم المبيع زائدا , وبين تسليم العشرة , فإن رضي بتسليم الجميع فلا خيار للمشتري , لأنه زاده خيرا , وإن أبي تسليم المبيع زائدا فللمشترى الخيار بين الفسخ , والأخذ بجميع الثمن المسمى وقسط الزائد , فإن رضى بالأخذ أخذ العشرة , والبائع شريك له بالذراع.
وهل للبائع خيار الفسخ؟ وجهان ,
أحدهما: له الفسخ لأن عليه ضررا في المشاركة.
والثاني: لا خيار له , وقواه ابن قدامة.
وإن بان المبيع تسعة ففيه روايتان ,
إحداهما: يبطل البيع كما تقدم.
والثانية: البيع صحيح , والمشتري بالخيار بين الفسخ والإمساك بنسبة أعشار الثمن.
وإن اشترى صبرة على أنها عشرة أقفزة , فبانت أحد عشر , رد الزائد ولا خيار له هاهنا , لأنه ضرر في الزيادة وإن بانت تسعة أخذها بقسطها من الثمن.
ومتى سمى الكيل في الصبرة لا يكون قبضها إلا بالكيل , فإن وجدها زائده رد الزيادة , وإن كانت ناقصة أخذها بقسطها من الثمن.
وهل له الفسخ في حالة النقصان , الجواب على وجهين ,
أحدهما: له الخيار.
والثاني: لا خيار له.(1/41)
ما يصح ثمنا
الثمن هو ما يبذله المشتري من عوض للحصول على المبيع , وكل ما صلح أن يكون مبيعا صلح أن يكون ثمنا والعكس صحيح أيضا , هذا ما يفهم من اتجاه الجمهور.
وذهب الحنفية إلى أنه لا عكس فما صلح أن يكون ثمنا قد لا يصلح أن يكون مبيعا.(1/42)
الثمن هو ما يبذله المشتري من عوض للحصول على المبيع والثمن أحد جزئي المعقود عليه: وهو الثمن والمثمن , وهما من مقومات عقد البيع , ولذا ذهب الجمهور إلى أن هلاك الثمن العين قبل القبض ينفسخ به البيع في الجملة.
ويرى الحنفية أن المقصود الأصلي من البيع هو المبيع , لأن الانتفاع إنما يكون بالأعيان , والأثمان وسيلة للمبادلة , ولذا اعتبروا التقوم في الثمن شرط صحة , وهو في المبيع شرط انعقاد , وهي تفرقة خاصة بهم دون الجمهور , فإن كان الثمن غير متقوم لم يبطل البيع عندهم , بل ينعقد فاسدا , فإذا أزيل سبب الفساد صح البيع.
كما أن هلاك الثمن قبل القبض لا يبطل البيع , بل يستحق البائع بدله , أما هلاك المبيع فإنه يبطل البيع.
والثمن إما أن يكون مما يثبت في الذمة , وذلك كالنقود والمثليات من مكيل أو زون أو مذروع أو عددي متقارب.
وإما أن يكون من الأعيان القيمية كما في بيع السلم إذا كان رأس المال عينا من القيميات , وكما في بيع المقايضة.
والذهب والفضة أثمان بالخلقة , سواء كانا مضروبين نقودا أو غير مضروبين.
وكذلك الفلوس أثمان , والأثمان لا تتعين بالتعيين عند الحنفية والمالكية (واستثنى المالكية الصرف والكراء) فلو قال المشتري: اشتريت السلعة بهذا الدينار , وأشار إليه , فإن له بعد ذلك أن يدفع سواه , لأن النقود من المثليات , وهي تثبت في الذمة , والذي يثبت في الذمة يحصل الوفاء به بأي جزء مماثل ولا يقبل التعيين.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها تتعين بالتعيين. .
أما إذا كان الثمن قيميا فإنه يتعين , لأن القيميات لا تثبت في الذمة ولا يحل جزء منها محل آخر إلا بالتراضي.
والثمن غير القيمة , لأن القيمة هي ما يساويه الشيء في تقويم المقومين (أهل الخبرة) , أما الثمن فهو كل ما يتراضى عليه المتعاقدان , سواء أكان أكثر من القيمة , أم أقل منها , أم مثلها.
فالقيمة هي الثمن الحقيقي للشيء , أما الثمن المتراضى عليه فهو الثمن المسمى.
والسعر هو: الثمن المقدر للسلعة.
والتسعير: تحديد أسعار بيع السلعة , وقد يكون التسعير من السلطان (الدولة) ثم يمنع الناس من البيع بزيادة عليها أو أقل منها.(1/43)
تعيين الثمن وتمييزه عن المبيع
ذهب الحنفية لتمييز الثمن عن المبيع إلى أنه إذا كان أحد العوضين نقودا اعتبرت هي الثمن , وما عداها هو المبيع مهما كان نوعه , ولا ينظر إلى الصيغة.
وإذا كان أحد العوضين أعيانا قيمية , والآخر أموالا مثلية معينة أي مشارا إليها , فالقيمي هو المبيع , والمثلى هو الثمن.
أما إذا كانت الأموال المثلية غير معينة (أي ملتزمة في الذمة) أو كان كل من العوضين مالا مثليا , فالثمن هو العوض المقترن بالباء.
وإذا كان كل من العوضين من الأعيان القيمية , فإن كلا منهما ثمن من وجه ومبيع من وجه.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الثمن: هو ما دخلت عليه الباء , وأما المالكية فقد نصوا على أنه لا مانع من كون النقود مبيعة , لأن كلا من العوضين مبيع بالنسبة للآخر.(1/44)
لتمييز الثمن عن المبيع صرح الحنفية بالضابط التالي , وهو متفق مع عبارات المالكية والشافعية.
إذا كان أحد العوضين نقودا اعتبرت هي الثمن , وما عداها هو المبيع مهما كان نوعه , ولا ينظر إلى الصيغة , حتى لو قال: بعتك دينارا بهذه السلعة , فإن الدينار هو الثمن رغم دخول الباء على (السلعة) وهي تدخل عادة على الثمن.
إذا كان أحد العوضين أعيانا قيمية , والآخر أموالا مثلية معينة أي مشارا إليها , فالقيمي هو المبيع , والمثلى هو الثمن , ولا عبرة أيضا بما إذا كانت الصيغة تقتضى غير هذا.
أما إذا كانت الأموال المثلية غير معينة (أي ملتزمة في الذمة) , فالثمن هو العوض المقترن بالباء , كما لو قال بعتك هذه السلعة برطل من الأرز , فالأرز هو الثمن لدخول الباء عليه.
ولو قال بعتك رطلا من الأرز بهذه السلعة , فالسلعة هي الثمن , وهو من بيع السلم لأنه بيع موصوف في الذمة مؤجل بثمن معجل.
وإذا كان كل من العوضين مالا مثليا , فالثمن هو ما اقترن بالباء كما لو قال: بعتك أرزا بقمح , فالقمح هو الثمن.
وإذا كان كل من العوضين من الأعيان القيمية , فإن كلا منهما ثمن من وجه ومبيع من وجه. وهذا التفصيل للحنفية.
أما عند الشافعية والحنابلة فإن الثمن: هو ما دخلت عليه الباء , وأما المالكية فقد نصوا على أنه لا مانع من كون النقود مبيعة , لأن كلا من العوضين مبيع بالنسبة الآخر , وفي البهجة: كل من العوضين ثمن للآخر.
ومن أحكام الثمن عدا ما سبقت الإشارة إليه:
إذا تنازع المتعاقدان فيمن يسلم أولا , فإنه يجب تسليم الثمن أولا قبل تسليم المبيع.
كلفة تسليم الثمن على المشتري , وكلفة تسليم المبيع على البائع.
اشتراط القبض لجواز التصرف في العوض خاص بالمبيع لا بالثمن.
تأجيل الثمن (رأس المال) في بيع السلم لا يجوز بخلاف المبيع فهو مؤجل بمقتضى العقد , وهذا في الجملة.(1/45)
حكم التسعير
الأصل عدم التسعير واطلاق الحرية للباعة في البيع بما يقع عليه التراضي ولكن هناك حالات يحق فيها لولي الأمر التسعير إذا لم يمكن إصلاح الحال إلا به , درءا للضرر عن الجماعة.(1/46)
الثمن هو غير القيمة , لأن القيمة هي ما يساويه الشيء في تقويم المقومين (أهل الخبرة) , أما الثمن فهو كل ما يتراضى عليه المتعاقدان , سواء أكان أكثر من القيمة , أم أقل منها , أم مثلها.
فالقيمة هي الثمن الحقيقي للشيء , أما الثمن المتراضى عليه فهو الثمن المسمى.
ونطلق على الثمن المقدر للسلعة تسمية السعر , فالتسعير هو تحديد أسعار بيع السلعة , وقد يكون التسعير من السلطان (الدولة) ثم يمنع الناس من البيع بزيادة عليها أو أقل منها.
وقد اختلف الفقهاء في التسعير , فذهب الحنفية والمالكية إلى أن لولي الأمر ذلك , إذا كان الباعة يتعدون القيمة , وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير بمشورة أهل الرأي والبصر , وذلك لفعل عمر رضي الله عنه حين مر بحاطب في السوق فقال له: إما أن ترفع السعر وإما أن تدخل بيتك فتبيع كيف شئت.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى تحريم التسعير وكراهة الشراء به وحرمة البيع وبطلانه إذا كان بالإكراه.
وذلك لحديث إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق , وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال أخرجه الترمذي وأبو داود.(1/47)
إبهام الثمن
يشترط معلومية الثمن , لا بد من بيان نوعه ووصفه وقدره إن كان الثمن غائبا عن مجلس العقد.
وفي حالة اطلاق الثمن ينصرف الثمن إلى ما هو أروج في البلد.(1/48)
إذا بين ثمنا وأطلق , فلم يبين نوعه , كما لو قال: بكذا دينارا , وفي بلد العقد أنواع من الدنانير مختلفة في القيمة متساوية في الرواج , فالعقد فاسد لجهالة مقدار الثمن.
أما إذا كان بعضها أروج فالعقد صحيح , وينصرف إلى الأروج , كما لو قال في البحرين بعتك بدينار فالعقد صحيح والثمن دنانير بحرينية , لأنها أروج من غيرها من الدنانير الموجودة في ذلك البلد.
وأما أن يكون الثمن غائبا عن مجلس العقد , وحينئذ لا بد من بيان نوعه ووصفه وقدره , ثم إن الثمن إما أن لا يبنى على ثمن الشراء (رأس مال البائع) وهو بيع المساومة وهو الأغلب في البيوع , أو يبنى على ذلك بلا ربح ولا خسارة , أو بربح معلوم , أو بخسارة معلومة وهو بيع الأمانة المنقسم إلى تولية , أو مرابحة , أو وضيعة.(1/49)
الزيادة والحط في المبيع أو الثمن
يجوز للمشترى أن يزيد في الثمن بعد العقد , وكذلك يجوز للبائع أن يزيد في المبيع على أن يقترن ذلك بقبول الطرف الآخر في مجلس الزيادة.
ويجوز للمشترى الحط من المبيع , ويجوز للبائع الحط من الثمن , إذا قبل الطرف الآخر في مجلس الحط , ويستوي أن يكون الحط بعد التقابض أو قبله.(1/50)
يجوز للمشترى أن يزيد في الثمن بعد العقد , وكذلك يجوز للبائع أن يزيد في المبيع على أن يقترن ذلك بقبول الطرف الآخر في مجلس الزيادة. ويشترط أن يكون المبيع قائما , إذا كانت الزيادة في الثمن , لأنه إذا كان هالكا قوبلت الزيادة بمعدوم , وإذا كان في حكم الهالك وهو ما أخرجه عن ملكه , قوبلت الزيادة بما هو في حكم المعدوم.
ولا فرق فيما لو كانت الزيادة بعد التقابض أو قبله , أو كانت من جنس المبيع أو الثمن أو من غير جنسه.
وحكم الزيادة أنها تعديل للعقد السابق وليست هبة , ولذا لا تحتاج إلى القبض المشروط لتمام الهبة , هذا مذهب الحنفية.
أما عند الشافعية والحنابلة فإن الزيادة بعد لزوم البيع بانقضاء خيار المجلس وخيار الشرط لا تلحق , بل هي في حكم الهبة.
وكذلك يجوز للمشترى الحط من المبيع , ويجوز للبائع الحط من الثمن , إذا قبل الطرف الآخر في مجلس الحط , ويستوي أن يكون الحط بعد التقابض أو قبله , فلو حط المشتري أو البائع بعد القبض كان للآخر حق الاسترداد للمحطوط.
ولا يشترط لجواز حط البائع من الثمن أن يكون المبيع قائما , لأن الحط إسقاط , ولا يلزم أن يكون في مقابلة شيء.
أما في حط المشتري بعض المبيع عن البائع , فيشترط أن يكون المبيع دينا ثابتا في الذمة ليصح الحط.
أما لو كان عينا معينه فإنه لا يصح الحط من المبيع حينئذ , لأن الأعيان لا تقبل الإسقاط.(1/51)
آثار الزيادة أو الحط
من المقرر عند فقهاء الحنفية أن الزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد السابق بطريق الاستناد , ما لم يمنع من ذلك مانع.
بمعنى أنه تثبت للزيادة في المبيع حصة من الثمن , كما لو كان الثمن مقسما على الأصل والزيادة , وكذلك عكسه إذا كانت الزيادة في الثمن.(1/52)
من المقرر عند فقهاء الحنفية أن الزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد السابق بطريق الاستناد , ما لم يمنع من ذلك مانع.
بمعنى أنه تثبت للزيادة في المبيع حصة من الثمن , كما لو كان الثمن مقسما على الأصل والزيادة , وكذلك عكسه إذا كانت الزيادة في الثمن.
ومن آنار ذلك:
إذا تلف المبيع قبل القبض وبقيت الزيادة , أو هلكت الزياد وبقي المبيع , سقطت حصة الهالك من الثمن. وهذا بخلاف الزيادة الناشئة من المبيع نفسه.
للبائع حبس جميع المبيع حتى يقبض الثمن الأصلي والزيادة عليه.
إمكان البيع بالأمانة من مرابحة أو تولية أو وضيعة. فإن العبرة بالثمن بعد الزيادة أو الحط.
إذا استحق المبيع , وقضي به المستحق , رجع المشتري على البائع بالثمن كله من أصل وزيادة , وكذلك في الرجوع العين.
في الأخذ بالشفعة , يأخذ الشفيع العقار بما استقر عليه الثمن بعد الحط. ولو زاد البائع شيئا في المبيع يأخذ الشفيع أصل العقار بحصته من الثمن لا بالثمن كله.
وهذا بالاتفاق في الجملة وعند المالكية: الزيادة والحط يلحقان بالبيع , سواء أحدث ذلك عند التقابض أم بعده.
والزيادة في الثمن تكون في حكم الثمن الأول , فترد عند الاستحقاق , وعند الرد بالعيب , وما أشبه ذلك.
ويجوز حط كل الثمن عن المشتري , أي هبته له , وللحط أثره في البيع المرابحة وفي الشفعة.
وأما الشافعية فقد قالوا: إن الزيادة أو الحط في الثمن أو المثمن , إن كانت بعد لزوم العقد بانقضاء الخيار فلا تلحق به , لأن البيع استقر بالثمن الأول , والزيادة أو الحط بعد ذلك تبرع , ولا تلحق بالعقد.
وإن كان ذلك قبل لزوم العقد في مدة خيار المجلس أو خيار الشرط , فالصحيح عند جمهور الشافعية , وبه قطع أكثر العراقيين أنه يلحق بالعقد في مدة الخيارين جميعا , وهو ظاهر نص الشافعي لأن الزيادة أو الحط في مدة خيار المجلس تلتحق بالعقد , وقيس بخيار المجلس خيار الشرط بجامع عدم الاستقرار.
وهذا أحد الأوجه التي ذكرها النووي وفي وجه آخر لا يلحق ذلك وصححه المتولي.
وفي وجه ثالث: يلحق في خيار المجلس دون خيار الشرط , قاله الشيخ أبو زيد والقفال.
أما أثر ذلك في العقود ففي الشفعة تلحق الزيادة الشفيع كما تلزم المشتري , ولو حط من الثمن شيء فحكمه كذلك.
والحنابلة كالشافعية في ذلك , فقد جاء في شرح منتهى الإرادات: ما يزاد في ثمن أو مثمن زمن الخيارين (خيار المجلس وخيار الشرط) يلحق بالعقد , فيخبر به في المرابحة والتولية والإشراك كأصله.(1/53)
موانع التحاق الزيادة أو الحط في حق الغير
يمتنع التحاق الزيادة بالثمن أو التحاق الحط به إذا ترتب عليه انتقاص من حق الغير ثابت بالعقد , فتقتصر حكم الالتحاق على المتعاقدين دون الغير سدا لذريعة الإضرار به.
كما يمتنع ذلك إذا ترتب على الالتحاق بطلان البيع , كما لو شمل الحط جميع الثمن , لأنه بمنزلة الإبراء المنفصل عن العقد , وبذلك يخلو عقد البيع من الثمن , فيبطل.(1/54)
يمتنع التحاق الزيادة بالثمن , أو التحاق الحط به بأحد أمرين:
الأول: إذا ترتب على التحاق الزيادة أو الحط بالثمن انتقاص من حق الغير ثابت بالعقد , فتقتصر حكم الالتحاق على المتعاقدين دون الغير سدا لذريعة الإضرار به.
ومن آثار هذا المانع: أن المشتري إذا زاد في الثمن وكان المبيع عقارا , فإن الشفيع يأخذه بالثمن الأصلي دون الزيادة , سدا لباب التواطؤ لتضييع حق الشفعة.
أما الحط من الثمن فيلتحق لعدم إضراره بالشفيع , وكذلك الزيادة في المبيع.
والثاني: إذا ترتب على الالتحاق بطلان البيع , كما لو شمل الحط جميع الثمن , لأنه بمنزلة الإبراء المنفصل عن العقد وبذلك يخلو عقد البيع من الثمن , فيبطل.
ومن آثار هذا المانع: أنه لو حط البائع كل الثمن في العقار , فإن الشفيع يأخذه بجميع الثمن الأصلي , لأن الحط إذا اعتبر إبراء منفصلا ترتب عليه خلو البيع عن الثمن , ثم يطلانه , وبذلك يبطل حق الشفيع , ولذا يبقى المبيع مقابلا بجميع الثمن في حقه , ولكن يسقط الثمن عن المشتري بالحط , ضرورة صحة الإبراء في ذاته , وهذا إن حط الثمن بعد القبض , أما إن حط قبله فيأخذه الشفيع بالقيمة.(1/55)
مؤونة أو تكاليف تسليم المبيع أو الثمن
اتفق الفقهاء على أن أجرة الكيال للمبيع , أو الوزان أو الذراع أو العداد تكون على البائع , وكذلك مؤونة إحضاره إلى محل العقد إذا كان غائبا.
واتفقوا على أن أجرة كيل الثمن أو وزنه أو عده , وكذلك مؤونة إحضاره إذا كان غائبا تكون على المشتري.(1/56)
اتفق الفقهاء على أن أجرة الكيال للمبيع , أو الوزان أو الذراع أو العداد تكون على البائع.
وكذلك مؤونة إحضاره إلى محل العقد إذا كان غائبا. إذ لا تحصل التوفية إلا بذلك.
واتفقوا على أن أجرة كيل الثمن أو وزنه أو عده , وكذلك مؤونة إحضار الثمن الغائب تكون على المشتري , إلا في الإقالة والتولية والشركة عند المالكية.
ولكنهم اختلفوا في أجرة نقاد الثمن وهو الذي يرجع إليه في معرفة صحيح النقد من زائفه: فعند الحنفية روايتان , الأولى: تكون على البائع لأن النقد يكون بعد التسليم , ولأن البائع هو المحتاج إليه ليميز ما تعلق به حقه من غيره , أو ليعرف المعيب ليرده وبهذا قال الشافعية.
أما الرواية الأخرى: فهي أنها تكون على المشتري , لأنه يحتاج إلى تسليم الجيد المقدر , والجودة تعرف بالنقد , كما يعرف القدر بالوزن , فيكون عليه.
وهذا ما ذهب إليه المالكية.
وقال الحنابلة: إن أجرة النقاد على الباذل , سواء أكان البائع أم المشتري.(1/57)
هلاك المبيع أو الثمن المعين قبل التسليم
يلزم البائع تسليم المبيع إلى المشتري , ولا يسقط عنه هذا الحق إلا بالأداء , ويظل البائع مسئولا في حالة هلاك المبيع , وتكون تبعة الهلاك عليه , سواء كان الهلاك بفعل فاعل أم بآفة سماوية.(1/58)
من آثار وجوب البيع: أن البائع يلزمه تسليم المبيع إلى المشتري , ولا يسقط عنه هذا الحق إلا بالأداء , ويظل البائع مسئولا في حالة هلاك المبيع , وتكون تبعة الهلاك عليه , سواء كان الهلاك بفعل فاعل أم بآفة سماوية.
وهذا ينطبق على الثمن إذا كان معينا , وهو ما لم يكن ملتزما في الذمة , لأن عينه في هذه الحال مقصودة في العقد كالبيع , أما الثمن الذي في الذمة فإنه يمكن البائع أخذ بدله.
والهلاك إما أن يكون كليا أو جزئيا:
الهلاك الكلى
إن هلك المبيع كله قبل تسليمه بآفة سماوية , فإنه يهلك على ضمان البائع , لحديث: نهى عن ربح ما لم يضمن ويترتب على ذلك أن البيع ينفسخ ويسقط الثمن , وذلك لاستحالة تنفيذ العقد , وهذا عند الحنفية.
أما الشافعية فلهم قولان: الأول ينفسح كالتلف بآفة سماوية وهو المذهب , والآخر: يتخير المشتري بين الفسخ واسترداد الثمن , وبين إمضاء البيع وأخذ قيمة المبيع.
واعتبر الحنابلة الهلاك بفعل البائع كالهلاك بفعل الأجنبي.
لذا إذا هلك المبيع بفعل المشتري , فإن البيع يستقر ويلتزم المشتري بالثمن , ويعتبر إتلاف المشتري للمبيع بمنزلة قبض له , وهذا بالاتفاق.
وإذا كان الهلاك بفعل أجنبي (ومثله هلاكه بفعل البائع عند الحنابلة) فإن المشتري مخير , فإما أن يفسخ البيع لتعذر التسليم ويسقط عنه بذلك الثمن , وإما أن يتمسك بالبيع ويرجع على الأجنبي , وعليه أداء الثمن للبائع , ورجوعه على الأجنبي بالمثل إن كان الهالك مثليا , وبالقيمة إن كان قيميا.
الهلاك الجزئي
وفي حالة هلاك بعض المبيع , فإن الحكم يختلف أيضا تبعا لمن صدر منه الإتلاف.
فإن هلك بعض المبيع بآفة سماوية وترتب على الهلاك نقصان المقدار , فإنه يسقط من الثمن بحسب القدر التالف.
ويخير المشتري بين أخذ الباقي بحصته من الثمن , أو فسخ البيع لتفرق الصفقة , وهذا عند الحنفية والحنابلة.
وإذا هلك البعض بفعل البائع سقط ما يقابله من الثمن مطلقا , مع تخيير المشتري بين الأخذ والفسخ , لتفرق الصفقة.
أما إذا هلك البعض بفعل أجنبي , كان للمشتري الخيار بين الفسخ وبين التمسك بالعقد والرجوع على الأجنبي بضمان الجزء التالف.
وأما إذا هلك بفعل المشتري نفسه , فإنه على ضمانه ويعتبر ذلك قبضا.
أما المالكية فهم يعتبرون هلاك المبيع إذا كان بفعل البائع أو الأجنبي وسواء إن كان الهلاك جزئيا أم كليا , يوجب عوض المتلف على البائع أو الأجنبي , ولا خيار للمشتري.
أما إن تلف بسبب آفة سماوية فهو من ضمان المشتري ولو لم يقبض المشتري المبيع , لأن الضمان يتصل بالعقد.
واستثنى المالكية ست صور هي:
ما لو كان في المبيع حق توفية (تسليم) لمشتريه , وهو المثلي من مكيل أو موزون أو معدود حتى يفرغ في أواني المشتري , فإذا هلك بيد البائع عند تفريغه فهو من ضمان البائع.
السلعة المحبوسة عند بائعها لأجل قبض الثمن.
المبيع الغائب على الصفة أو على رؤية متقدمة , فلا يدخل ذلك كله في ضمان المشتري إلا بالقبض.
المبيع بيعا فاسدا.
الثمار المبيعة بعد بدو صلاحها , فلا تدخل في ضمان المشتري إلا بعد أمن الجائحة.
الرقيق حتى تنتهى عهدة الثلاثة الأيام عقب البيع.
وللمالكية في الهلاك الجزئي تفصيل , حيث إنه إذا كان الباقي أقل من النصف , أو كان المبيع متحدا فحينئذ للمشتري الخيار.
أما إذا كان الهالك هو النصف فأكثر , وتعدد المبيع , فإنه يلزمه الباقي بحصته من الثمن.(1/59)
انتقال الملك
يملك المشتري المبيع , ويملك البائع الثمن , ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح , ولا يتوقف على التقابض , وإن كان للتقابض أثره في الضمان.(1/60)
يملك المشتري المبيع , ويملك البائع الثمن , ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح , ولا يتوقف على التقابض , وإن كان للتقابض أثره في الضمان.
ويترتب على انتقال الملك في البدلين ما يلي:
أن يثبت للمشتري ملك ما يحصل في المبيع من زيادة متولدة منه , ولو لم يقبض المبيع. ولا يمنع من انتقال ملكية المبيع إلى المشتري كون الثمن مؤجلا.
أن تنفذ تصرفات المشتري في المبيع , وتصرفات البائع في الثمن , كما لو أحال شخصا به على المشتري , وهذا بعد القبض. أما تصرف المشتري قبل القبض فإنه فاسد أو باطل.
إذا قبض البائع الثمن , ولم يقبض المشتري المبيع , حتى لو مات البائع مفلسا , فإن للمشتري حق التقدم في المبيع على سائر الغرماء. ويكون المبيع في هذه الحال أمانة في يد البائع , ولا يدخل في التركة.
لا يجوز اشتراط بقاء البائع محتفظا بملكية المبيع إلى حين أداء الثمن المؤجل , أو إلى أجل آخر معين.(1/61)
أداء الثمن الحال
الأصل في الثمن الحلول , وهذا متفق عليه بين الفقهاء في الجملة , قال ابن عبد البر الثمن أبدا حال إلا أن يذكر المتبايعان له أجلا فيكون إلى أجله.(1/62)
الأصل في الثمن الحلول وهذا متفق عليه بين الفقهاء في الجملة. قال ابن عبد البر الثمن أبدا حال إلا أن يذكر المتبايعان له أجلا فيكون إلى أجله.
فالثمن إما عين معينة , وإما دين ملتزم في الذمة.
ففي الثمن , إذا كان دينا يختلف الحكم في أدائه بحسب كونه معجلا أو مؤجلا أو منجما , فإذا كان مؤجلا أو منجما يتعين أن يكون الأجل معلوما للمتعاقدين.
ولو دفع المشتري بعض الثمن لم يحق له تسلم المبيع , ولا تسلم ما يعادل الجزء المدفوع من الثمن ما دام البيع قد تم بصفقة واحدة سواء أكان المبيع شيئا واحدا أو أشياء متعددة وسواء فصل الثمن على تلك الأشياء أم وقع عليها جملة.
وهذا ما لم يكن هناك شرط على خلاف ذلك.(1/63)
تسليم المبيع
اختلف الفقهاء فيمن يطالب بالتسليم أولا: البائع أو المشتري , وذلك بحسب الحالات المختلفة من حيث محل البيع هل هو عين أو ثمن.(1/64)
اختلف الفقهاء فيمن يسلم أولا: البائع أم المشتري حسب نوعي البدلين , وينقسم ذلك إلى أحوال:
الحالة الأولى
أن يكونا معينين (المقابضة) أو ثمنين (الصرف) : ذهب الحنفية إلى أن المتعاقدين يسلمان معا تسوية بينهما في العينية والدينية.
وذهب المالكية إلى أنهما يتركان حتى يصطلحا , فإن كان بحضرة حاكم وكل من يتولى ذلك لهما.
وعند الشافعية في الأظهر: يجبران على التسليم لاستواء الجانبين , لأن الثمن المعين كالمبيع في تعلق الحق بالعين.
وعند الحنابلة , يعين الحاكم عدلا بينهما يقبض منهما , ثم يسلمه إليهما قطعا للنزاع لاستوائهما في تعلق حقهما بعين الثمن والمثمن.
الحالة الثانية
أن يكون أحدهما معينا والآخر دينا في الذمة: اتفق الحنفية والمالكية والشافعية على القول بمطالبة المشتري بالتسليم أولا.
وذلك لأن حق المشتري تعين في المبيع , فيدفع الثمن ليتعين حق البائع بالقبض , وتحقيقا للمساواة.
وذهب الشافعية في المذهب والحنابلة: إلى أن البائع يجبر على التسليم أولا , لأن قبض المبيع من تتمات البيع , واستحقاق الثمن مرتب على تمام البيع , ولجريان العادة بذلك.
أما ما يترتب على إخلال المشتري بأداء الثمن الحال , وكذلك الثمن المؤجل إذا حل أجله , فقد انفق الفقهاء على إجبار المشتري على أداء الثمن حالا إن كان موسرا , كما ذهب الجمهور إلى أن للبائع حق الفسخ إذا كان المشتري مفلسا , أو كان الثمن غائبا عن البلد مسافة القصر.
بينما رأى الحنفية عدم حق البائع في الفسخ وذلك لإمكانية التقاضي للحصول على حقه ويعتبر في هذه الحالة دائن كغيره من الدائنين , وهذا إذا لم يشترط لنفسه خيار النقد , بأن يقول مثلا إن لم تدفع الثمن في موعد كذا فلا بيع بيننا , واختلف في مقتضى هذا الشرط , هل هو انفساخ البيع , أو استحقاقه الفسخ باعتباره فاسدا؟ والمرجح عند الحنفية أنه يفسد ولا يفسخ.
وللشافعية والحنفية تفصيل في حال ما إذا أخل المشتري بأداء الثمن الحال لا للفلس بل لغياب ماله غيبه قريبة في بلده , أو في أقل من مسافة القصر , فهم يقولون بالحجر على المشتري في المبيع وسائر أمواله حتى يسلم الثمن , خوفا من أن يتصرف في ماله تصرفا يضر بالبائع.
وكذلك الحال لو كان المال غائبا مسافة القصر فأكثر , فإنه يتم الحجر على المبيع ومال المشتري , ولا يكلف البائع بالصبر إلى إحضاره.
ويملك البائع الفسخ في الأصح عند الشافعية وهو وجه للحنابلة , وهذا فضلا عن حق البائع في حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه.
أما الحنابلة فيرون أنه لا خيار للبائع في الفسخ فيما دون مسافة القصر لأنه بمنزلة الحاضر.
وقول آخر للشافعية كذلك ليس له الفسخ , بل يباع المبيع , ويؤدي حقه من الثمن كسائر الديون.(1/65)
اشتراط التراد بالتخلف عن الأداء
أداء الثمن أثر من آثار البيع , وهو التزام على المشترى وحق للبائع. لذا فإن للبائع عند الحنفية أن يشترط حق الفسخ لعدم أداء الثمن في موعده من غير مانع.(1/66)
يصرح المالكية فيما يراه الحنفية من إثبات حق الفسخ إذا اشترطه لعدم الأداء في الموعد (وهو خيار النقد) , بأنه يصح البيع ويبطل الشرط كما جاء في المدونة , وروي عن مالك قولان آخران: صحة البيع والشرط , وفسخ البيع.
هذا وإذا كان الثمن مؤجلا , فإن على البائع تسليم المبيع , ولا يطالب المشتري بتسليم الثمن إلا عند حلول الأجل.
وكذلك إذا كان الثمن منجما.
وقد صرح الشافعية أنه في الثمن المؤجل ليس للبائع حبس المبيع به , وإن حل قبل التسليم لرضاه بتأخيره.
أما إذا كان بعض الثمن معجلا وبعضه مؤجلا , فإن للبعض المعجل حكم تعجيل الثمن كله , فلا يطالب المشتري البائع بتسليم المبيع إلا بعد تسليم الجزء المعجل من الثمن.
ولا بد أن يكون الأجل معلوما في جميع الأحوال.
وقد صرح المالكية بأنه لا بأس ببيع أهل السوق على التقاضي , وقد عرفوا قدر ذلك بينهم.
والقاضي: تأخير المطالبة بالدين إلى مدى متعارف عليه بين المتعاقدين.
ومن حق المشتري إذا كان المبيع معيبا , أو ظهر أنه مستحق أن يمتنع من أداء الثمن , إلى أن يستخدم حقه في العيب فسخا أو طلبا للأرش (تعويض العيب) أو إلى أن يتبين أمر الاستحقاق.
ويجوز تأخير الدين الحال , أو المؤجل بأجل قريب إلى أجل بعيد , وأخذ مساوي الثمن أو أقل منه من جنسه , لأنه تسليف أو تسليف مع إسقاط البعض وهو من المعروف ولكن لا يجوز تأخير رأس مال السلم.
وأجاز المالكية تأخير رأس المال في حدود ثلاثة أيام ولو بشرط.(1/67)
الجهالة
الجهالة من الشوائب التي تؤثر على إرادة العاقدين. وإذا كانت الجهالة كثيرة (وتسمى الجهالة الفاحشة) فإنها تعتبر عيبا من عيوب العقد يؤدي لفساده إذا كان من عقود المعاوضات (المبادلات المتكافئة) . ومن البيوع الممنوعة للجهالة: بيع ما ليس عند الإنسان , بيعتان في بيعة , البيع بشرط , بيع الثنيا.(1/68)
الجهالة من الشوائب التي تؤثر على إرادة العاقدين. وإذا كانت الجهالة كثيرة (وتسمى الجهالة الفاحشة) فإنها تعتبر عيبا من عيوب العقد يؤدي لفساده إذا كان من عقود المعاوضات (المبادلات المتكافئة) .
فلابد من العلم بالمعقود عليه سواء في ذلك المبيع بتحديده بما يميزه عن غيره أو بيان صفاته أو مقداره , أو الثمن ببيان مقداره أو أجله إذا كان مؤجلا.
والحكمة في فساد العقد بوجود الجهالة فيه , أنه لا يتوافر التراضي المشترط في العقود , وذلك لأن الجهالة الفاحشة تؤدى إلى النزاع , كما لو باع شاة من قطيع , فإن المشتري يطالب بالأحسن والبائع يقدم الأسوأ والشريعة تمنع كل ما يفسد العلاقات ويسبب المشكلات وتحرص على وضع الضوابط التي يستقر بها التعامل , وتحقيق مصالح الاطراف المختلفة.
وإذا أمكن إزالة الجهالة في مجلس التعاقد فإن العقد ينقلب صحيحا لانتفاء السبب الذي أدى لفساد العقد.
كما أنه يستعان بالأعراف لدى التجار وأهل الصناعات بديلا عن كثير من البيانات , لأن الإحالة إلى العرف الصحيح والرجوع إليه , كثيرا ما تحقق المعلومية المشترطة في العقد.
بيع ما ليس عند الإنسان أو بيع ما لا يملك قال حكيم بن حزام رضي الله عنه قلت: يا رسول الله , يأتيني الرجل يسألني البيع , ليس عندي ما أبيعه , ثم أبتاعه من السوق , فقال: لاتبع ما ليس عندك.
أخرجه
أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
والحالة الممنوعة هي أن يبيع فعلا ما ليس عنده ثم يشترى السلعة ويسلمها.
وهذا يجعل الربح حاصلا بدون ضمان , لأنه لا يخشى بقاء السلعة على ملكه وتعرضها للتلف , فيتسلمها ويسلمها فورا.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم.
والسلم أو السلف هو بيع أشياء موصوفة وصفا دقيقا مع تحديد موعد تسليمها ويشترط فيه دفع الثمن فورا حتى لا يكون المبيع والثمن مؤجلين.
عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال: من اسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم إلى اجل معلوم أخرجه البخاري ومسلم.
ومما يشترط لصحة عقد السلم أن تكون المبيعات به موجودة عند حلول الأجل , وهو مفيد لمن يفتقدون الأموال للإنفاق منها على الزراعة والصناعة لانهم يتسلمون الثمن فورا , وفي الوقت نفسه مفيد للمشترى لحصوله على أسعار منخفضة بسبب تأجيل تسلمه للمبيع.
وليس من الممنوع وعد البائع للمشترى الراغب في سلعة ليست متوافرة عند البائع بأنه سيشتريها ويبيعها إليه , لأن الوعد بالمبيع ليس بيعا , فلا ينطبق عليه أنه بيع ما ليس عند الإنسان.
فإذا ملكها الواعد فعلا قام ببيعها للموعود وهذه الصيغة مستخدمة لدى البنوك الإسلامية وتسمى: بيع المرابحة للآمر بالشراء.
بيعتان في بيعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.
أخرجه أحمد والترمذي.
وفي رواية عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا أخرجه أبو داود والحاكم.
ومعنى أوكسهما: أنقصهما من حيث الثمن.
ولهذه المعاملة تسمية أخرى وهى (صفقتان في صفقة) والصفقة هي العقد. . . والصفقة تشمل البيع وغيره من العقود , كالإجارة والقرض وغيرهما.
وللفقهاء في تفسير (البيعتين في بيعة) آراء متعددة , وكلها من الصور الممنوعة شرعا , بصرف النظر عن الأصح منها في إطلاق هذا الاسم عليه , ومنها:
- إذا كان البيع بالأجل (وهو جائز شرعا مع زيادة الثمن عن البيع الحال) فالممنوع هو تحديد ثمنين في حالة النقد وفي حالة التأجيل وإبرام العقد دون اختيار احدهما بل يترك لمشيئة كل من العاقدين.
- أن يشترط المتعاقدان في العقد عقدا آخر كأن يقول احدهما: بعتك داري هذه بكذا على أن تؤجرني دارك لمدة سنة بكذا. . والممنوع إنما هو اشتراط عقد في عقد آخر أما إذا اشترط في العقد شرط فيه مصلحة ولا ينافى مقتضى العقد فهذا جائز.
أما الحكمة من منع (البيعتين في بيعة) بشتى التفسيرات فهي وجود الجهالة , وعدم استقرار التعامل للتردد في الثمن أو في الشيئين المعقود عليهما , وقد يرضى المتعاقدان إحدى الصفقتين دون الأخرى المربوطة بها , فيلغيانهما معا.
ويشبه هذا زواج الشغار , وهو إن يتزوج احد الرجلين اخت الآخر على أن يزوجه اخته بدون مهر , وهو ممنوع شرعا لما في ذلك من عدم الاستقرار في الزواجين لتعريض احدهما للفسخ بسبب فسخ الزواج الآخر.
البيع بالشرط عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك أخرجه الترمذي.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قلت: يا رسول الله , إنا نسمع منك أحاديث أفتأذن لنا بكتابتها؟ قال: نعم , فكان أول ما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة لا يجوز شرطان في بيع واحد , ولا بيع وسلف جميعا.. أخرجه النسائي.
فسر الإمام محمد بن الحسن السلف والبيع بأن يقول شخص لآخر: أبيعك داري هذه بكذا على أن تقرضني كذا.
وذلك لأن الانتفاع بالقرض هو من جملة الثمن حيث يكون منخفضا , والقرض هنا جر نفعا للمشترى المقرض , أو هو من جملة السلعة المبيعة إن كان المقرض هو البائع.
فهو وسيلة إلى الربا الممنوع شرعا , وإن كان في الظاهر بيعا , فيحرم سدا للذريعة.
وقد جاء في الحديث المذكور المنع من اشتراط شرطين في العقد الواحد , لأن في ذلك اضطرابا في التعاقد حين يوجد احد الشرطين دون الآخر , والحاجة تتحقق باشتراط شرط واحد مما لا ينافى مقتضى العقد وفيه نفع معلوم للبائع أو المشتري.
وإذا كان الشرط من مصلحة العقد فهو جائز حتى لو تعدد , مثل أن يشترط تقديم رهن , ويشترط تقديم كفيل أيضا , أو يشترط الخيار , لحديث: المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو احل حراما.
بيع الثنيا بيع الثنيا هو أن يبيع شيئا ويستثنى بعضه دون تحديد كاف , مثل أن يبيع أشجارا ويستثنى بعض الأشجار غير المعلومة فلا يصح البيع وقد ورد في ذلك حديث رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم أخرجه مسلم والترمذي.
إذا كان المستثنى من المبيع معلوما صح البيع , مثل أن يستثنى شجرة معلومة من الأشجار التي يبيعها.
وكذلك لو باع شيئا واستثنى منه جزءا شائعا كالربع أو الثلث فإنه بيع صحيح , للعلم بالمبيع في أجزائه.
لقد وضع الفقهاء قاعدة لما يصح استثناؤه , وهى أن كل ما جاز أن يقع عليه التعاقد بانفراده يصح استثناؤه من الصفقة مثل أن يبيع قطيعا من الغنم ويستثنى شاة معينة , ولا يصح استثناء ما لا يصح بيعه منفردا مثل: بيع قطيع إلا شاة غير معينة , أو بيع شاة واستثناء حملها.
هذا , ويجوز بيع شاة واستثناء بعض أعضائها كالرأس والجلد والأكارع.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة رضي الله عنه لما مروا براعي غنم فاشتروا منه شاة وشرطوا له سلبها أي جلدها وأكارعها وبطنها.
والحكمة في ذلك أنه ليس كل الناس يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط فجاز شراء اللحم دونها.(1/69)
الغرر
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ومعنى الغرر المخاطرة والتردد بين أمرين أحدهما مقصود ومرغوب للعاقد , والآخر على عكسه , وقد يقع الشك في وجود الشيء أو في عاقبته كيف تكون , أو في المقدرة على تسليمه , أو مقداره أو أوصافه.
والغرر إما إن ينشأ عن صيغة العقد , أو عن طبيعة المعقود عليه.
ومن بيوع الغرر بيع المنابذة والملامسة والحصاة , البيع قبل القبض , بيع الذهب والفضة والعملات بالأجل , بيع الكالئ بالكالئ , بيع الثمار قبل صلاحها.(1/70)
ورد النهي عن بيع الغرر في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر. أخرجه مسلم.
ومعنى الغرر: المخاطرة والتردد بين أمرين أحدهما مقصود ومرغوب للعاقد , والآخر على عكسه , وقد يقع الشك في وجود الشيء أو في عاقبته كيف تكون , أو في المقدرة على تسليمه , أو مقداره أو أوصافه. . .
والغرر إما أن ينشأ عن صيغة العقد , أو عن طبيعة المعقود عليه. . .
ويكون الغرر مؤثرا في إفساد العقد إذا توافرت فيه أربعة شروط هي:
أ - أن يقع في عقد معاوضة , أي مبادلة تجارية , كالبيع والإجارة , فلا يصل إلى كل من الطرفين ما قصد المبادلة عليه بسبب الغرر.
أما الغرر في عقود التبرع فلا يؤثر.
ب - أن يكون الغرر كثيرا.
أما الغرر اليسير فلا يؤثر , لعدم خلو العقود عنه.
ج - أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة , فلو كان في توابعه لم يؤثر.
فبيع الحمل مع أمه جائز , أما بيعه وحده فلا يجوز , لأنه إذا لم يحصل بطل المعقود عليه.
د - أن لا يكون للناس حاجة ماسة إلى العقد المشتمل على غرر يسير.
كعقد السلم والإجارة.
الحكمة من النهى عن بيوع الغرر هي اختلال الرضا , بحيث يترتب على ذلك أكل المال بالباطل , وهذا مظنة العداوة والبغضاء: قال الإمام النووي النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا.
من بيوع الغرر ما جاءت بشأنه نصوص خاصة , ومنها ما دخل تحت عموم النهى في هذا الحديث.
بيع المنابذة والملامسة والحصاة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة رواه البخاري.
وفي حديث آخر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة , وعن بيع الغرر.
رواه مسلم وأحمد والترمذي.
وبيع الملامسة: لمس المشتري أو البائع سلعة من سلع مختلفة فيتم البيع دون أن ينظر إليها أو يقلبها.
وبيع المنابذة: طرح البائع سلعة من سلع فيلزم بها المشتري دون أن يقلبها أو ينظر إليها.
وبيع الحصاة: هو البيع بإلقاء الحجر دون تحديد للمبيع , بأن يقول المشتري للبائع: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع , أو يقول البائع للمشترى: لك من السلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت بها , أو يقول في شراء الأراضي: لك من الأرض إلى حيث تنتهى حصاتك.
هذه البيوع كانت معروفة في الجاهلية , وهي قائمة على الغرر , أي التردد بين حصول المقصود وعدم حصوله , والتراضي فيها غير متوافر لاستخدام وسائل لا تعبر عن إرادة العاقدين إذ يلزم البيع على ما تقع عليه الحصاة من الثياب مثلا بلا قصد من الرامي لشيء معين وبلا تأمل ولا روية.
وليس له أن يختار بعدئذ غيره.
كما أن فيها جهالة لعين المبيع وهي تؤدى إلى التنازع.
قال الفقيه ابن قدامة الحنبلي: كل هذه البيوع فاسدة , لما فيها من الغرر والجهل , ولا نعلم فيه خلافا.
والمنع من هذه البيوع هو في حالة وقوعها على اللزوم , أما لو كان للمشترى الخيار في انتقاء ثوب من أثواب متساوية القيمة , أو سلعة من سلع عديدة قيمة كل منها تماثل قيمة الأخرى , فلا يمنع هذا البيع مع هذا الحق الممنوح للمشترى من البائع , لأن الرضا يتحقق بما يقع عليه اختيار المشتري , ويسمى هذا: (البيع مع خيار التعيين) .
البيع قبل القبض عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه.
وقد تعددت الاجتهادات الفقهية في اختصاص النهي ببيع الأطعمة (الأقوات والأغذية) أو عمومه في كل مبيع كما هو قول ابن عباس عقب روايته للحديث: ولا أحسب كل شيء إلا مثله , أي مثل الطعام في الحكم وكما جاء في الحديث الذي رواه حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إنى أشترى بيوعا , فما يحل لي منها وما يحرم علي؟ قال: إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه.
والمراد بالبيع: الشيء المبيع.
الحكمة في النهي عن أن يبيع الإنسان ما اشتراه قبل أن يقبضه أن الشيء قبل قبض المشتري له لا يدخل في ضمانه , فإذا باعه قبل قبضه له نشأ الربح عن بيع شيء لم يضمنه , وقد روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن , ولا بيع ما ليس عندك أخرجه الترمذي.
ولأن الملك قبل القبض ضعيف , لاحتمال انفساخ العقد بتلفه , فيكون بيعه قبل قبض المشتري له لونا من ألوان الغرر , لاحتمال عدم تمام الصفقة.
وهناك حكمة أخرى , بالنسبة للمنع من بيع الطعام قبل قبضه , وهي أن المنع يؤدى لتقليل تداول أيدى التجار للأغذية قبل وصولها للمنتفع بها , لكيلا ترتفع أثمانها دون أي إضافة ويتضرر المشترون لها لسد حاجتهم بها.
والقبض كما يكون بأخذ الشيء باليد , فإنه يحصل بوسائل أخرى حسب طبيعة الشيء: فالمنقولات تقبض بالحيازة بالكيل أو الوزن أو العدد , أو بتسلمها جزافا (جملة) .
والعقار يقبض بالتخلية بينه وبين المشتري ليتمكن من التصرف , وذلك بتسليم المفتاح بعد تفريغه مما يخص البائع.
والمبالغ النقدية يحصل قبضها بالأخذ , أو بالقيد في حسابات البنوك إذا كان يترتب على القيد إمكانية التصرف.
والبضائع المحفوظة في مخازن عمومية تقبض بتسليم شهادات التخزين أو المستندات التي تخول المشتري الحصول عليها. . .
بيع الذهب والفضة والعملات بالأجل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الورق بالورق (الفضة بالفضة) إلا مثلا بمثل , ولا تشفوا (تزيدوا) بعضها على بعض , ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز أخرجه البخاري ومسلم وفي رواية فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم على أن يكون يدا بيد.
بيع الذهب والفضة والعملات بعضها ببعض يسمى (الصرف) أو (المصارفة) وهو جائز شرعا سواء كان للحاجة إلى النوع الذي ليس عند المشتري , أو للتجارة وتحصيل الربح , مع مراعاة الشروط الشرعية للصرف وهي:
أ - إذا بيع الجنس بجنسه وجب التماثل , كما يجب أيضا التقابض.
ب - إذا بيع الذهب بالفضة , أو بيع الذهب أو الفضة بإحدى العملات , أو بيعت عملة بأخرى الريال بالجنيه مثلا , فإنه يجوز التفاوت في المقدار أي كمية البدلين , ولكن يجب التقابض بين المتصارفين في المجلس قبل أن يفترقا.
واتفق الفقهاء على تحريم بيع الذهب أو الفضة أو العملات بالنسيئة (الأجل) , فلا يجوز إبرام العقد على شيء من ذلك مع تأخير تسليم البدلين أو احدهما , بل يجب أن يقترن العقد بالتقابض يدا بيد.
وكذلك لا يجوز المواعدة على الصرف إذا كانت تحمل معنى الإلزام.
وكما لا يجوز الأجل في عقد الصرف (بيع العملات) لا يجوز وجود خيار الشرط (أي حق الفسخ خلال مدة) لأنه يترتب عليه تأخير لزوم العقد , وتأجيل التقابض للبدلين.
والحكمة في تحريم بيع الذهب أو الفضة أو العملات بالأجل , أو مع تأخير التقابض هي أن التأخير يعتبر ذريعة إلى ربا النسيئة.
والأثمان سواء بالخلقة (الذهب والفضة) أم ما أخذ حكمها (العملات النقدية) هي وسيلة للتبادل , فيجب وقوع التبادل الفوري. . ويراعى في ذلك ما جرى العرف على اعتباره قبضا , كالقيود المصرفية , مع التسامح في التأخير الذي يحصل بسبب عمليات التحويلات المصرفية , وقد اعتمدت ذلك مقررات المجامع الفقهية.
بيع الكالئ بالكالئ روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ (وقال: هو:) النسيئة بالنسيئة أخرجه البيهقي والكالئ هو الدين , وسمي بذلك لأنه متأخر , لتأجيل تسليمه عند العقد.
وبيع الكالئ بالكالئ هو بيع الدين بالدين , ويطلق عليه أيضا: بيع النسيئة.
ومعنى النسيئة التأخير أيضا.
مثاله: أن يشتري شخص سيارة , وتجرى المبادلة بين الثمن الذي يثبت في ذمته وبين دين للمشتري ثابت في ذمة شخص آخر غير البائع فيكون قد باع دينا عليه بدين له , فقد يتمكن البائع من قبضه وقد لا يتمكن.
الحكمة في المنع من بيع الدين بالدين هي وجود الغرر , لأن الدائن لا يقدر على تسليم المعقود عليه لأنه في الذمة.
والغرر هنا كثير لأن البدلين (المبيع والثمن) دينان في الذمة.
ولذلك اشترط في بيع السلم تعجيل الثمن ليبقى المؤجل هو المبيع فقط.
ومن بيع الكالئ بالكالئ بيوع المستقبليات التي تسمى عقود الفيوتشر لأن تسليم البدلين فيها مؤجل إذ لا يعجل الثمن كالسلم بل يدفع جزء يسير منه. .
واستثنى فقهاء الحنفية من بيع الدين لغير من عليه الدين - الممنوع شرعا - ثلاث حالات جائزة وهي:
أ - إذا سلط الدائن دائنه على قبض الدين على شخص ثالث واستيفاء حقه عليه , فيكون وكيلا قابضا للموكل , ثم لنفسه.
ب - الحوالة , بأن ينقل دينه من ذمة شخص إلى ذمة شخص آخر.
ج - الوصية , بأن يوصي لشخص بتملك ديونه لدى الغير بعد الموت.
أما بيع الدين إلى المدين نفسه فقد أجازه الحنفية , لأن المانع هو العجز عن التسليم , وهو في هذه الحالة غير محتاج إليه لأن المبيع في ذمة المشتري أصلا.
بيع الثمار قبل صلاحها عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها , نهى البائع والمبتاع.
وفي رواية لأنس رضي الله عنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها , وعن بيع النخل حتى يزهو.
قيل: ما (يزهو) ؟
قال: يحمار أو يصفار.
وكان ابن عمر إذا سئل عن صلاح الثمار يقول: تذهب عاهتها.
أي الآفات الزراعية التي تتلفها لضعفها.
وجاء في رواية أخرى لأنس نهى عن بيع العنب حتى يسود , وعن بيع الحب حتى يشتد. أخرجه البخاري ومسلم وقد بينت إحدى الروايات الحكمة من منع هذا البيع , بقوله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه وفي رواية: بم يستحل مال صاحبه.
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث.
وللفقهاء تفسيرات واجتهادات من شأنها توضيح العمل بهذه الأحاديث , حيث فسروا (بدو الصلاح) بأنه الأمن من العاهات وفساد الثمار. أو ظهور مبادئ النضج والحلاوة فيما لا يتلون عادة , واما ما يتلون فهو بأن تأخذ الثمرة في الحمرة والسواد والصفرة.
ومن الواضح أن (بدو صلاح الثمار) هي مرحلة لاحقة لظهور الثمار فلا يكفى أن ينعقد الثمر حتى يشتد ويظهر صلاحه.
لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها حتى لو شرط ترك الثمار على الشجر حتى تنضج لأنه شرط يؤدى إلى شغل ملك الغير , ولوجود الغرر , لاحتمال صلاح الثمار وعدم صلاحها إلا بعد زمن طويل.
وهناك صور مستثناة من هذه البيوع الممنوعة , منها:
- لو باع الثمر قبل بدو صلاحه , بشرط قطعه في الحال , يجوز لأنه بذلك تتم الصفقة وينتفي الغرر , وربما تقتصر حاجة المشتري على هذه المرحلة , لأن المنع كان لخوف تلف الثمار قبل اخذ المشتري لها وهذا مأمون فيما يقطع في الحال.
- إذا بدا صلاح الثمار , لكن لم يكتمل نضجها , وشرط المشتري على البائع تركها على الشجر حتى ينتهي عظمها فهذا جائز , لأن شرط بدو الصلاح قد تحقق , والترك في هذه الحالة يحصل لفترة قصيرة فلا يتضرر البائع.(1/71)
الكسب الخبيث
حرم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل وكل المكاسب غير الشرعية مثل الربا , بيع العينة , بيع المحرمات أو وسائلها , كسب المال بالمقامرة (الميسر) , الرشوة , والبيع وقت الجمعة.(1/72)
الكسب الخبيث تشكيل النص
الربا
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء أخرجه مسلم.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل ... (إلى أن قال) , فمن زاد أو ازداد فقد أربى , بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد. . . وفي رواية: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد أخرجه مسلم.
وفي رواية أخرى: لا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد , وأما النسيئة فلا أخرجه أبو داود.
معنى الربا في اللغة الزيادة , ومعناه شرعا: فضل خال عن العوض المشروط في المعاوضة.
وهو ينقسم إلى:
ربا الفضل
وهو الزيادة في مقدار احد البدلين المتماثلين , وغالبا تقع هذه المعاملة عند جودة أحد البدلين.
والطريقة المشروعة هي بيع الرديء بالنقود , وشراء الجيد بها حسب الثمن المتفق عليه.
ربا النسيئة
وهو الزيادة في الدين نظير التأجيل , وكان الدائن في الجاهلية يقول للمدين: (زدني أنظرك) أي أخر الأجل لقاء الزيادة , أو يقول: (أتقضي أو تربي) .
ربا القرض
وهو النفع الذي يشترطه المقرض على المقترض , بزيادة المبلغ المسترد , أو بمنفعة مع المبلغ.
والقاعدة في ذلك أن كل قرض جر نفعا للمقرض فهو ربا.
والربا في الأنواع الثلاثة محرم شرعا , وقد ثبت تحريمها بالقرآن والسنة وإجماع الفقهاء وهو قائم على الظلم لأن المتعامل بالربا لا يتحمل المخاطرة إذ ينفرد بها المقترض ومع ذلك يحصل المقرض على زيادة عن أصل ماله.
قال الله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا} وقال: {وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} .
والربا مدمر لاقتصاد الأمة , لأن فيه تعطيلا لطاقات الاستثمار المنتج , وزيادة في أعباء الآخرين دون المبادلة المتكافئة في السلع والمنافع , وهو يخرج النقود عن دورها الاقتصادي في إنها وسيلة للتبادل ومعيار للقيم فيجعلها سلعة بذاتها. والفوائد البنكية هي من ربا القرض , وربا النسيئة , وهي محرمة , والبديل الإسلامي عنها هو المشاركة في الربح الناتج عن استثمار الأموال مع تحمل المخاطرة , وهو ما قامت لأجله البنوك الإسلامية.
بيع العينة
عن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ضن الناس بالدينار والدرهم , وتبايعوا بالعينة , واتبعوا أذناب البقر , وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفع حتى يراجعوا دينهم وفي رواية سلط الله عليهم ذلا لا ينزعه حتى يرجعوا إلى ربهم أخرجه أحمد في مسنده , وأبو داود في سننه.
ومعنى العينة في اللغة: السلف والتأجيل , وسمي هذا البيع بالعينة لأن الغرض منه تحصيل مال بأجل مع الزيادة , ويرى بعض الفقهاء أنه سمى كذلك لأن العين تسترجع.
وهو بيع شخص سلعة بثمن مؤجل ثم قيامه بشرائها من المشتري نفسه بثمن حاضر أقل.
فتعود السلعة إلى مالكها الأول ويستقر الدين في ذمة المشتري مع الزيادة لقاء الأجل.
هذا البيع حرام , لأنه حيلة إلى الربا مع ظهوره في صورة البيع لأن نتيجته أخذ مال حاضر بمقابلة مال مؤجل أزيد منه ولذلك يقول عنه ابن عباس رضي الله عنه: أرى مائة بخمسين بينهما حريرة , أي قطعة من الحرير جعلها الطرفان موضوعا للبيع بحسب الظاهر , مع قصدهما الاقتراض بفائدة تحت ستار هذه المعاملة الصورية.
ويستند تحريم بيع العينة أيضا إلى قاعدة (سد الذرائع) أي منع الوسائل المؤدية للمحرمات , لأنه وسيلة إلى المراباة.
وإبطال هذا البيع هو مقتضى القاعدة الشرعية العامة بأن العبرة في العقود للمقاصد والمعانى لا للألفاظ والمباني.
قال محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة (هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال , اخترعه أكلة الربا) .
والحكمة التشريعية في تحريمه هي نفس المعنى الموجود في الربا من انتفاء المخاطرة وتحصيل المال بدون جهد أو نفع حقيقي للاقتصاد , ولذا أشار الزيلعي إلى أنه من ربح ما لم يضمنه الإنسان , لأنه استرجع العين دون مخاطرة بثمنها.
ولا يتحقق بيع العينة لو وقع البيع الثاني على ثمن مال للأول أو بأكثر من ثمن الآجل , وكذلك لو تغيرت السلعة بمرور الزمن وتغير الأسعار , أو طرأ على السلعة نقص , لأنه ليس في هذه الحالات ذريعة إلى الربا.
بيع المحرمات أو وسائلها
قال الله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به} (المائدة: 3)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل: يا رسول الله , أرأيت شحوم الميتة , فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام. أخرجه البخاري
وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب , ومهر البغي , وحلوان الكاهن. أخرجه البخاري والمراد بالكلب ما كان لغير الحراسة أو الصيد. . لهذه النصوص الشرعية أورد الفقهاء بين شروط صحة البيع أن يكون المبيع متقوما.
والتقوم معناه إباحة الانتفاع أي أن يكون للشيء قيمة في نظر الشرع.
فإذا كان للشيء منفعة محرمة فإنه ليس محلا للتعاقد عليه.
لأنه إذا كان حرام الاستعمال فإنه يحرم تمليكه , لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , ومقتضى التحريم هو الاجتناب بشتى الصور.
عن تميم الداري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل ثمن شيء لا يحل اكله وشربه أخرجه الدارقطني.
وكما يحرم بيع المحرمات , يحرم أيضا بيع ما هو وسيلة إليها وذلك كبيع السلاح لمن يعلم انه يستخدمه في جريمة , وبيع العنب لمن يصنعه خمرا , لأن تلك المعاملات ذريعة إلى الفساد.
والواجب على المسلم إنكار المنكر , وليس له المعونة عليه.
ومن هذا القبيل بيع وشراء الأموال المسروقة أو المغصوبة , لأن في ذلك اشتراكا مع السارق أو الغاصب في جريمته وإخفاء لمعالمها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها. أخرجه الحاكم وصححه.
كسب المال بالمقامرة (الميسر)
قال الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} (المائدة: 90) والميسر هو القمار قال ابن عمر وابن عباس رضي الله عنه: الميسر هو القمار كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى أن جاء الإسلام فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة.
والقمار هو الحصول على المال بوسيلة تعتمد على المصادفة لظهور رقم معين أو نحو ذلك وهو من وجوه الكسب الخبيث ومن أكل المال بالباطل.
قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} (النساء: 29)
قال ابن كثير في تفسير الأموال المأكولة بالباطل: هي المكاسب غير الشرعية , كأنواع الربا والقمار.
والمقامرات كلها حرام , سواء كانت على وجه اللعب والتسلية , أم للحصول على المال , أم في السباقات التي يراهن فيها المؤيدون لكل فريق , أو ما يلتزم بدفعه كل متسابق للآخر , بحيث يخسر أو يربح , إذ يصبح بذلك نوعا من المقامرة.
وكذلك من القمار المحرم اليانصيب الذي تطرح أوراقه للحصول عليها بمال طمعا في تحصيل المبالغ المخصصة لفئة من المتعاملين بذلك.
قال ابن الأثير كل شيء فيه قمار (أي منافسة على مال) فهو من الميسر , حتى لعب الصبيان بالجوز.
ليس من القمار (أو الميسر) ما يقدمه طرف ثالث من غير المتنافسين لمن يفوز في السباق والمسابقات الثقافية. .
لأنه في هذه الحالة يكون من قبيل الجوائز التشجيعية , فليس فيه معنى المقامرة بأن يخسر أو يربح وإنما هي هبة ممن يرغب في الحث على الموضوع المتنافس عليه , سواء كان من ولي الأمر أو من غيره.
وكذلك تجوز الهدايا التي تعطى من الباعة لترويج بضائعهم , إذا كانت تقدم بدون مقابل مستقل من المشترين للحصول على الهدية , وهي هبة يرتبط الحصول عليها بالشراء لسلعة معينة.
الرشوة
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش أخرجه الحاكم والبزار وأحمد والطبراني.
والرائش: هو الذي يتوسط بين المرتشي والراشي.
تشمل الرشوة كل ما يعطيه الشخص لغيره لإبطال حق , أو لإحقاق باطل.
سواء أعطيت للحاكم ليقضى لصالح الراشي , أو للشاهد ليشهد بالباطل , أو أعطيت للموظف ليفضل الراشي على غيره , أو أعطيت للعاملين في شركة أو متجر لمراعاة العميل على حساب مصالح الشركة.
الرشوة محرمة , فلا يجوز طلبها , ولا بذلها لمن يطلبها , ولا قبولها من الراشي ولو لم يسبقها طلب.
كما يحرم التوسط بين الراشي والمرتشي للسعى في التوفيق بينهما لأن عمله هذا معونة على الإثم.
قال الله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} (البقرة: 188) وقد سمى الله الرشوة (سحتا) أي كسبا خبيثا يهلك صاحبه , وذم بعض اليهود بأنهم (أكالون للسحت) .
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن اللتبية على جمع الزكاة فلما رجع ومعه الزكوات وبعض الهدايا قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال العامل نبعثه فيجيئ فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلى , ألا جلس في بيت أمه فينظر أيهدى إليه أم لا , والذي نفس محمد بيده لا نبعث أحدا منكم فيأخذ شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته. . أخرجه البخاري ومسلم.
يستثنى من التحريم حالة الاضطرار , فيما إذا عجز الشخص عن تحصيل حقه الثابت شرعا وليس لديه حجة أو مقدرة على تحصيله ولا يمكنه الاستعانة بمن يوصله إليه فيجوز له دفع ما يرد به الظلم عن نفسه أو يوصله إلى حقه.
ويقع الإثم على الآخذ , دون المعطى , وقد ورد أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اعتقل في الحبشة بدون وجه حق , فرشى بدينارين حتى خلي سبيله , وقال: إن الإثم على القابض لا على الدافع.
ويجب على من وصلت إليه رشوة أن يردها لأصحابها وإذا تعذر ذلك يتخلص منها بصرفها في المصالح العامة , لأنها كسب خبيث.
وفي الرشوة عقوبة تعزيريه مفوضة إلى الحاكم بما يراه رادعا عنها. .
البيع وقت الجمعة
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} (الجمعة: 9)
والأمر في هذه الآية بترك البيع عند السعي إلى الجمعة هو نهي عن البيع الذي يقع في هذه الحالة.
والمراد بالنداء للجمعة هو الأذان الأول على المنارة , لأنه هو الذي يجب السعي عنده إلى المسجد , والنهى اشد عند النداء الثاني بين يدى الخطيب.
ويستمر النهى عن البيع حتى الفراغ من الصلاة ويدل على ذلك قوله تعالى في الآية التالية: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} (الجمعة: 10 - 11) .
والنهي عن البيع وقت النداء للجمعة هو للتحريم ويأثم بذلك البائع والمشتري.
ويشمل هذا النهي جميع العقود من الإجارة والشركة والنكاح وغيرها كما يشمل مزاولة الصناعات والمهن.
ويجب عند سماع النداء ترك كل ما يشغل عن الجمعة , كالأكل والكتابة والمساومة والمناداة على السلعة , وكذلك ترك الاشتغال بعبادة أخرى كما يحرم المكث في بيته إذ تجب المبادرة إلى المسجد الجامع.
وحكم العقود التي أبرمت عند النداء إلى الجمعة صحيحة , لأن النهى لمعنى في غير البيع خارج عنه وهو ترك السعي , فكان البيع في الأصل مشروعا جائزا لكنه اتصل به أمر غير مشروع.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن البيع يفسخ , أو لا ينعقد أصلا.
والحكمة من النهى عن البيع ونحوه منذ النداء للجمعة هي التفرغ عن الشواغل عن تلك العبادة التي فيها ذكر الله والموعظة والتعلم وهى تمثل التجمع الإسلامي الأسبوعي , وذلك لأن التشاغل عنها يؤدى لتركها , وقد ورد في الترهيب من ترك الجمعة ما رواه كعب بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام يسمعون النداء يوم الجمعة ثم لا يأتونها أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. أخرجه مسلم
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليسع إلى الجمعة , ومن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه , والله غني حميد.
أخرجه الطبراني.(1/73)
الغبن
الغبن عند الفقهاء هو عدم التكافؤ بين قيمة البدلين في عقد المعاوضة وهو محرم في الإسلام لدفع الضرر عن الناس.
والغبن نوعان: غبن كثير , وغبن يسير.
ومن أمثلة ذلك الغبن الاستغلالي , تلقى الركبان , بيع الحاضر للبادي , النجش , مخالفة التسعير , الاحتكار.(1/74)
الغبن الاستغلالي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غبن المسترسل حرام وفي رواية: غبن المسترسل ظلم أخرجه الطبراني.
المسترسل: المستسلم للبائع. الغبن في اللغة النقص , والخداع في البيع والشراء , ومعناه عند الفقهاء: عدم التكافؤ بين قيمة البدلين في عقد المعاوضة.
والغبن نوعان: غبن كثير , وغبن يسير. والغبن الكثير ويسمى (غبنا فاحشا) هو ما لم تجر به عادة الناس , أو ما يتجاوز أكبر تقويم للسلعة من ذوى الخبرة.
وقدره بعضهم بما يزيد عن الثلث , والغبن اليسير عكسه , ولا أثر له على العقد , ولا يطالب من وقع عليه غبن يسير بالتعويض , وذلك لكثرة وقوعه في المعاملات وصعوبة التحرز عنه.
الغبن الفاحش لا يترتب عليه أي حق للمغبون إذا كان عالما بالغبن أثناء التعاقد , فإذا علم وسكت فالعقد نافذ , لحصول الرضا منه.
وأما إن كان المغبون غير عالم بالغبن فإنه يثبت الخيار (حق الفسخ) في الحالات التالية التي يوجد فيها مع الغبن تغرير بالمشتري:
أ - إذا كان المشتري مسترسلا: أي مستسلما للبائع جاهلا بثمن السلعة.
ب - إذا قال المشتري للبائع: بعني كما تبيع الناس , فباعه بأزيد من ذلك.
ج - إذا كان الشراء لصالح قاصر أو مفلس.
أما الغبن الفاحش الخالي عن التغرير فإنه لا يترتب عليه الخيار للمغبون , لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها من العيوب لا يمنع لزوم العقد , والمشتري هو المفرط في ترك التأمل. مع كراهة هذا الغبن.
وهناك من الغبن نوع يترتب عليه الحق في تعديل السعر , وهو ما يقع في بيوع الأمانة التي يحدد فيها الثمن بحسب ما اشتراه البائع أو بالتكلفة وهو بيع التولية , أو مع الربح وهو بيع المرابحة , فإذا ظهرت خيانة في بيان ذلك فإن الغبن يلغى ويصحح الثمن.
تلقى الركبان
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتلقى الركبان أخرجه مسلم في صحيحه.
وفي رواية: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشتري منه , فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار.
والمراد بالركبان هم القادمون إلى البلد , والتلقي هو الخروج إلى خارج البلد لشراء الأرزاق المجلوبة إليه قبل أن تهبط إلى الأسواق.
ومعنى الجلب: الأشياء المجلوبة إلى البلد من خارجه.
والحكمة في النهي عن الشراء بتلقي الركبان منع الغبن والإضرار. لأن المتلقين للركبان ربما غبنوهم غبنا فاحشا بشراء السلع منهم بأثمان بخسة مستغلين جهلهم بالأسعار , وربما أضر ذلك بالبلد أيضا لأن الركبان إذا وصلوا البلد باعوا أمتعتهم فورا , والذين يتلقونهم لا يبيعونها بسرعة ويتربصون بها أسعارا مرتفعة.
والمقصود بالخيار الذي أثبته الحديث للراكب المتلقى هو إعطاؤه حق فسخ الصفقة إذا دخل السوق وعرف أنه قد غبن.
على أن العقد هنا صحيح لأن النهي ليس لمعنى خاص بالبيع نفسه بل لما قد يقع فيه من الخديعة , وهي حالة يمكن استدراكها بإثبات الخيار للمغبون.
بيع الحاضر للبادي
عن ابن عباس رضي الله عنه قال نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد.
فقيل لابن عباس ما قوله (حاضر لباد) ؟ قال: لا يكون له سمسارا , أخرجه مسلم.
ومعنى السمسرة هو التوسط بين البائع والمشتري بأجرة معلومة , لتسهيل الصفقة , وهي جائزة شرعا.
والممنوع منها هو ما كان بين البادي وأهل الحضر.
والحكمة من النهى عن أن يتولى الحاضر (أي المقيم بالبلد) عملية بيع ما يجلبه البادي (أي القادم من البادية أو القرى) الحكمة هي دفع الضرر عن الناس , لأن توسط شخص بين الحاضر والبادي يؤدى إلى زيادة الأسعار عما كان البادي مستعدا للبيع به.
قال النبي صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. أخرجه مسلم.
أما السمسرة بين الحاضر والحاضر فليس فيها ضرر لأن الأسعار معلومة للطرفين.
ولا تؤدى السمسرة هنا إلى ارتفاعها وحدوث الغلاء بل تقرب وجهات نظر الطرفين لتمام الصفقة وهي عمل نافع لهما وللسمسار لأن كثيرا من الناس لا يعرف طرق الوصول إلى شراء وبيع واستئجار ما يرغبون فيه وقد اصبح للسمسرة في العصر الحاضر أهمية كبيرة في التجارة والأسواق المالية.
النجش
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تناجشوا.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش. أخرجه البخاري ومسلم.
ومعنى النجش , والتناجش: الإثارة يقال: نجش الطائر: إذا أثاره من مكان ليصيده.
ويأتي أيضا بمعنى الاستتار , لأن ما قصده الناجش مستور.
ويحصل النجش المنهي عنه شرعا بأن يزيد شخص في ثمن سلعة معروضة للبيع ليس له حاجة بها وذلك ليخدع غيره فيظن أنها تساوى ذلك الثمن فيغتر بهذه المساومة التي لم تحصل لرغبته في الشراء , ولكن للتغرير قاصدا من ذلك نفع البائع على حساب إلحاق الضرر بالمشتري.
وكذلك يتحقق النجش بمدح السلعة بما ليس فيها بقصد ترويجها فهو كما لو زاد في ثمنها لتوريط المشتري.
وغالبا ما يكون الناجش متواطئا مع البائع أو يكون البائع عالما بالنجش ويسكت ليغتر المشتري.
ويكثر النجش في حالات المزايدة حيث يطرح بعض الأشخاص سعرا وليس في نيته الشراء.
الحكمة في المنع من النجش وتحريمه ما فيه من الخداع والتدليس , ولذلك يثبت الخيار لمن اشترى السلعة بتأثير النجش , فله الحق في أن يوافق على الصفقة أو يفسخها.
أما العقد في ذاته فهو صحيح , وذهب بعض الفقهاء إلى إبطاله أصلا.
إعطاء الخيار للمشترى بسبب النجش مشروط بأن تكون الزيادة في قيمة السلعة متجاوزة لقيمتها في السوق. . وهذا مع اتفاق جميع الفقهاء على تحريم النجش وتأثيم الناجش بل استدل بعضهم لجواز لعنه بحديث رواه الطبراني الناجش آكل ربا خائن ملعون.
مخالفة التسعير
التسعير: تقدير ولى الأمر سعرا معلوما وإجبار الباعة على التزامه.
والأصل عدم التسعير وإطلاق الحرية للباعة في البيع بما يقع عليه التراضي , لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} (النساء: 29) وروى أنس رضي الله عنه أنه غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس: يا رسول الله , غلا السعر فسعر لنا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق , إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال. أخرجه أبو داود والترمذي.
وهذا الحديث هو للحالة التي لا يصل فيها الغلاء إلى مستوى ضار.
وهناك حالات يحق فيها لولي الأمر التسعير , درءا للضرر عن الجماعة , وهى: مجاوزة أسعار الأطعمة للقيمة بشكل غير مألوف.
احتكار التجار للسلع , فيجبر أصحابها على البيع بسعر يحدده ولي الأمر.
انحصار بيع بعض السلع بفئات مخصوصة ومنع غيرها , فتحدد الأسعار منعا للتحكم.
تواطؤ التجار على البيع بسعر يحقق ربحا فاحشا.
ففي هذه الحالات يجوز التسعير , لما فيه من صيانة حقوق الناس وصلاح أمرهم ودفع الضرر عن جماعتهم , بالرغم من تأثير ذلك على التجار , لأن درء الضرر العام مقدم على درء الضرر الخاص. ينطبق جواز التسعير في التجارة على الصناعة أيضا , فإذا امتنع الصناع عن العمل إلا بسعر مرتفع جدا عن اجر المثل , فإن لولي الأمر تسعير الأجور , حماية للناس من الظلم.
وحكم البيع المخالف للتسعير أنه صحيح , ولكن لولى الأمر تعزير من خالف التسعير , لوجوب الطاعة في المعروف بما يحقق مصلحة المجتمع.
الاحتكار
معنى الاحتكار هو امتلاك السلع في وقت الغلاء وحبسها لبيعها عند اشتداد الحاجة , والمحتكر لا يستجيب لمتطلبات السوق , بل يدخر الأشياء رغم دواعي بيعها بربح معقول , وينتظر تقلب الأسواق ليحقق من بيع ما ادخره أرباحا كبيرة , من غير مبالاة بما يلحق الناس من الضرر بحبس الأشياء عنهم , وكثيرا ما يتلف المحتكرون كميات كبيرة مما احتكروه للتحكم بالسوق ورفع الأسعار.
وروى معمر بن أبي معمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من احتكر فهو خاطئ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي.
وروى معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة. أخرجه أحمد والطبراني.
وللفقهاء آراء متعددة في تفسير الأشياء التي يعتبر حبسها احتكارا , فبعضهم خص ذلك بالأقوات (المواد الغذائية) , وبعضهم عممه في كل شيء من الأقوات وغيرها من سائر السلع التي يلحق الناس بحبسها ضرر.
إذا علم ولي الأمر بوقوع الاحتكار فإنه يأمر المحتكر بإخراج ما احتكره وعرضه في السوق لبيعه , فإن امتنع اجبره , أو تولى بيعه عنه وأعطاه مثله عند وجوده أو قيمته , وذلك لأن الاحتكار فيه تسلط على الأسواق وله آثار سلبية على الاقتصاد فهو يهدد حرية التجارة , ويسد أبواب الفرص أمام الناس ويقتل روح المنافسة.(1/75)
التدليس والتغرير والغش
حرم الإسلام التدليس والتغرير والغش , ومن ذلك بيع المعيب , التطفيف في الكيل أو الوزن , البيع على بيع الغير والسوم على سوم الغير , المماطلة والتفليس الكيدي.(1/76)
التدليس والتغرير والغش تشكيل النص
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا أخرجه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا , فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما , وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما. أخرجه البخاري ومسلم
التدليس:
نوع من الغش , وهو من الدلس أي الظلمة , أو الدلسة أي الخديعة وهو كتمان عيب السلعة.
التغرير:
إيجاد الرغبة عند المتعاقد بأفعال مموهة أو قول باطل أو إطراء موهوم.
الغش:
تحسين السلعة بطرق خادعة لتظهر سلامتها مع أنها معيبة.
والتدليس: قد يكون بالأقوال كالكذب في الثمن في بيوع الأمانات التي يشترط فيها بيان الثمن الأصلي للسلعة.
وقد يكون بالأفعال وهي كل ما يستر عيب السلعة.
والتدليس والتغرير والغش حرام , وإذا كان التدليس مؤثرا في اختلاف الثمن في المعاملات , يثبت به الخيار لمن وقع عليه شيء من ذلك , فله أن يفسخ الصفقة ليدفع عن نفسه الضرر الناشئ عن التدليس ويثبت حق الفسخ هنا دون اشتراط , لأن الأصل في البيع السلامة من العيوب , وانتفاء التدليس.
على أنه إذا بين البائع عيب السلعة للمشترى , أو اشترط البائع لنفسه البراءة من عيوب المبيع فإن ذلك جائز لعدم الخداع والتدليس.
من صور التدليس: التصرية وهى حبس اللبن في الضرع بترك الحلب أياما عند إرادة بيع الشاة أو البقرة ليوهم المشتري أنها غزيرة اللبن وأن ذلك عادة لها , فإذا حلبها المشتري بعد البيع وتبين له أنها مصراة فله حق الفسخ مع رد صاع من تمر عن اللبن الذي حصل عليه.
وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصروا الغنم , ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر رواه البخاري ومسلم.
وتنطبق هذه الصورة على كل شيء تدخل عليه عند البيع تحسينات مؤقتة من أجل خداع المشتري , فله حق الرد مع تقرير مقابل الانتفاع بحسب العرف والخبرة.
بيع المعيب
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعا فيه عيب أن لا يبينه. أخرجه أحمد في مسنده والحاكم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسنه صاحبه , فأدخل يده فيه فإذا طعام رديء , فقال: بع هذا على حدة وهذا على حدة , فمن غشنا فليس منا أخرجه أحمد والبزار.
المراد بالعيب كل ما ينقص ثمن الشيء في عادة التجار , لأنه يحصل الضرر بنقص القيمة المالية.
والمرجع في تحديد العيب ومعرفته هو إلى المتعارف عليه عند أهل الخبرة بالشيء.
التعاقد على شراء شيء يقتضى توافر صفة السلامة فيه , ولو لم يشترطها المشتري , لأنها هي الأصل.
وإذا علم البائع في سلعته عيبا لم يجز له بيعها حتى يبينه للمشترى أو يشترط لنفسه البراءة مما فيه من العيوب ليكون المشتري على بصيرة من أمره فيتفحص المبيع جيدا ويكتشف ما فيه من عيوب ويسأل البائع عنها.
على انه إذا باعه سلعة ولم يبين عيوبها فالبيع صحيح - رغم المخالفة الشرعية - لوجود خيار العيب.
إذا اشترط البائع لنفسه البراءة من العيوب فإن الصفقة تامة وليس للمشترى المطالبة بالفسخ إن ظهر له عيب قديم.
وهذا البيع يسمى (بيع البراءة) .
إذا ظهر في المبيع عيب وثبت أنه بسبب قديم , أي قبل تسلم المشتري , فإن له خيار العيب (الحق في الفسخ أو في التمسك بالعقد) وله الاتفاق مع البائع للتعويض عن العيب , وليس له إجبار البائع على التعويض إذا أراد الفسخ فإن الضرر يندفع عن المشتري بتمكينه من رد المبيع المعيب.
يمتنع الرد بخيار العيب إذا طرأ على المبيع عيب جديد عند المشتري , وفي هذه الحالة ينحصر حق المشتري في الحصول على تعويض عن العيب القديم. ولا مانع من تفاهم المشتري مع البائع على الرد مع إضافة تعويض من المشتري عن العيب الجديد.
ولكن هذا يتوقف على رضا البائع لأن في الرد إضرارا بالبائع , لأن المبيع خرج عن ملكه سالما من العيب الجديد فيتعين الرجوع بالنقصان إلا أن يرضى البائع أخذه بعيبه لأنه رضى بالضرر.
التطفيف في الكيل أو الوزن
عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: خمس بخمس: ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم , ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر , وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا ظهر فيهم الطاعون , وما طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذو بالسنين , ولا منعوا الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر أخرجه مالك في الموطأ , والبزار في المسند.
والتطفيف هو نقص المقدار في الكيل أو الوزن وهي كلمة مأخوذه من الطفيف وهو القليل , لأن من يسرق من المكيال والميزان يقتصر على الشيء الطفيف حتى لا يكتشف.
وفي شأن التطفيف نزل قوله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين}
قال ابن عباس هي أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة وكان هذا فيهم , كانوا إذا اشتروا استوفوا بكيل راجح , فإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان , فلما نزلت السورة انتهوا , فهم أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا.
وقال أبو هريرة نزلت في رجل من أهل المدينة كان له صاعان , يأخذ بأحدهما , ويعطى بالآخر.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا تلتمس المروءة ممن مروءته في رءوس المكاييل ولا ألسنة الموازين. إذا حصل نقص في الكيل أو الوزن دون تعمد من البائع فإنه يستحق المشتري تكملة ما نقص عليه وإذا كان الشراء واقعا على صبرة (أي جملة غير معروفة المقدار) واشترط المشتري أن مقدارها هو كذا , فظهر إنها أقل أو اكثر كانت العبرة بالمقدار الفعلى , ويعدل الثمن بالنسبة نقصا أو زيادة.
هذا , ومن السماحة في البيع أن يرجح الكيل أو الوزن , وذلك بتوفية المقدار المبيع ثم إضافة شيء يسير للتأكد من التوفية.
وقد مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على رجل وهو يزن الزعفران , وقد أرجح , فأكفأ الميزان (أي أفرغه) ثم قال له: أقم الوزن بالقسط , ثم أرجح بعد ذلك ما شئت.
قال القرطبي كأنه أمره بالتسوية أولا ليعتادها ويفصل الواجب من النفل (أي الإرجاح المرغب فيه) .
السوم على سوم الغير والبيع على بيع الغير
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبع بعضكم على بيع بعض حتى يبتاع.
وفي رواية: لا يبع الرجل على بيع أخيه , ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له وفي رواية: نهى أن يستام الرجل على سوم أخيه.
والبيع على البيع هو أن يتراضى البائع والمشتري على ثمن السلعة ويعقدان البيع فيأتي شخص ثالث ويعرض على المشتري أن يبيعه مثلها بثمن اقل , فيطلب المشترى فسخ الصفقة. .
والشراء على الشراء أن يعرض شخص على البائع بعد تمام الصفقة ثمنا أكثر مما باع به لكى يطلب من المشتري الفسخ. . .
والسوم على السوم أن يحصل الاتفاق بين البائع والمشتري على السلعة فيعرض مشتر آخر ثمنا اكثر ليأخذها دون الذي سامها قبله.
يحرم القيام بإحدى الحالات المشار إليها , ولكن البيع الثاني يقع صحيحا , لأن النهي ليس لأمر في ذات المبيع , فقد استوفى العقد ركنه وشروطه , وإنما هو لأمر خارجي , وهو الإيذاء والضرر والإفساد وقد جاء ذكر الأخر في الحديث لزيادة التنفير ولإثارة العطف مع عموم الحرمة فيه وفي غيره.
يستثنى من النهى بيع المزايدة , بالمناداة على السلعة وزيادة الناس بعضهم على بعض حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها.
فهذا البيع جائز بالسنة والإجماع لأنه قائم أصلا على التنافس ولا يفاجأ المشتري أو المساوم بذلك فلا يتضرر.
روى أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الحاجة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما عندك شيء؟ فأتاه بحلس (بساط) وقدح , فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يشتري هذا؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم , قال: من يزيد على درهم؟ فسكت القوم , فقال: من يزيد على درهم؟ فقال: رجل أنا أخذهما بدرهمين , قال: هما لك. ثم أمره أن يشترى قدوما يحتطب ويبيع.
ويدل هذا الحديث على مشروعية بيع المزايدة , في حالة خلوه من التلاعب.
كما يدل على دور ولى الأمر في منع التسول وإيجاد فرص العمل لمعالجة البطالة.
المماطلة والتفليس الكيدي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مطل الغنى ظلم , يحل عرضه وعقوبته وفى رواية لي الواجد ظلم أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.
والمماطلة: التسويف وتأخير سداد الدين.
يدل هذا الحديث على تحريم المماطلة بالحقوق التي يحين موعد أدائها مع المقدرة والملاءة.
وهذا موجب للإثم , ويستحق المماطل العقوبة المعنوية بإغلاظ القول له والتنديد به والتحذير منه , وكذلك العقوبة الزاجرة له عن فعله.
كما يحق للدائن ملازمته إلى أن يحصل على مستحقاته.
إذا ثبت أن المدين المماطل موسر وقد أخفى أمواله عن دائنه فإنه يحق للمدين رفع أمره إلى القضاء لاتخاذ الوسائل الكفيلة باستخلاص الحق منه , ومن ذلك حبسه ومضايقته إلى أن يخرج الأموال التي أخفاها.
وإذا عثر القاضي على موجودات للمدين المماطل فإنه يبيعها جبرا عنه ويقضى منها ديونه , سواء كان السبب المماطلة أو بسبب التفليس كما وقع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث باع على معاذ رضي الله عنه ماله - حين أفلس - وقضى ديونه.
وإذا لم تكف أموال المدين عند إفلاسه لسداد جميع ديونه فإنها توزع على الدائنين بنسبة ديونهم وهذه الطريقة تسمى قسمة الغرماء.
وقد حثت الآيات والأحاديث على المبادرة لأداء الأمانات والحقوق قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} .
وقال أيضا: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه} .
وقال صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى تؤديه وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه , ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله. أخرجه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء أخرجه البخاري ومسلم.(1/77)
انتهاء البيع
ينتهى البيع بتسليم المبيع إلى المشترى والثمن إلى البائع أو بالاتفاق على الإقالة أو بالفسخ لأحد الأسباب الموجبة له.(1/78)
ينتهى البيع بتنفيذ آثاره وهي الالتزامات المترتبة على البائع والمشتري , وذلك بتسليم الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشتري ,
كما ينتهي باتفاق الطرفين على الإقالة ويترتب على ذلك التراد بإعادة الثمن إلى المشتري واعادة السلعة إلى البائع ,
وينتهي أيضا بطروء سبب من أسباب الفسخ المقررة شرعا ومن ذلك ظهور العيب إذا اختار المشترى الفسخ دون التعويض (الأرش) .(1/79)
الإجارة(1/80)
تعريف الإجارة
الإجارة هي عقد على منفعة مقصودة مباحة معلومة بعوض معلوم.(1/81)
الإجارة لغة
اسم للأجرة على وزن فعالة , من أجر يأجر.
أما في الاصطلاح الفقهي
فقد عرفها الفقهاء بتعريفات كثيرة , وهي تعريفات متقاربة في المعنى وإن اختلفت في العبارة. فبعض الفقهاء يزيد قيودا في التعريف لا يرى الآخرون حاجة لذكرها.
فقد عرف الحنفية الإيجار بأنه عقد على المنافع بعوض.
وعرفها المالكية بقولهم هي تمليك منافع شيء مباحة مدة معلومة بعوض.
وتعريف الحنابلة: هي عقد على منفعة مباحة معلومة , مدة معلومة , من عين معينة , أو موصوفة في الذمة , أو على عمل شيء معلوم , بعوض معلوم.
وتعريف الشافعية: هي عقد على منفعة مباحة مقصودة معلومة , قابلة للبذل والإباحة , بعوض معلوم. وهو شبيه بمن سبقهم.
ويمكن أن نقول في الجملة أن الإجارة هي عقد على منفعة مقصودة مباحة معلومة بعوض معلوم.
ومحترزات هذا التعريف هي التالية
- هي عقد: أي ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يظهر أثره في محله.
- على منفعة: هو احتراز من العقد على العين , فإنه يكون بيعا أو هبة وليس إجارة. والمنفعة تشمل بإطلاقها المنافع المباحة والمحرمة سواء كانت متقومة أو غير متقومة , ويدخل فيها عمل الإنسان ومنافع غيره من الحيوان والأشياء.
- منفعة مباحة: وهذا قيد يخرج العقد على منفعة محرمة , كالاستئجار على الرقص والغناء المحرم وغير ذلك من المحرمات.
- منفعة مقصودة: وهذا قيد يخرج المنفعة التافهة أي ما لا قيمة له تقصد غالبا من المنافع , مثل استئجار بياع على كلمة لا تتعب , أو استئجار تفاحة لشمها.
- منفعة معلومة: وهذا احتراز من المنفعة المجهولة فإنها لا تصح الإجارة عليها , لأن فيها غرر. فوجب العلم بالمنفعة لتصح الإجارة عليها , والعلم بالمنفعة يكون بتحديدها بالزمن كاستئجار شهر أو سنة , أو بنوع العمل كاستئجار على خياطة ثوب أو بناء جدار. وبهذا القيد خرجت المنفعة في المضاربة لأن مقدار الربح يكون مجهولا كما خرجت الجعالة على عمل مجهول كرد الضالة إذ أنه قد يجدها بعد يوم وقد يجدها بعد ساعة.
- بعوض: وهذا القيد لإخراج هبة المنافع وإعارتها والوصية بها , فإنها عقد على منافع معلومة لكنها بغير عوض.
- بعوض معلوم: وهذا للاحتراز عن العوض المجهول , لأن العوض في الإجارة ثمن للمنفعة , وشرط الثمن أن يكون معلوما. وهذا القيد أخرج المساقاة فإن العوض فيها مجهول المقدار , وأخرج المضاربة فإن مقدار الربح فيه غير معلوم.
ملاحظة
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الإجارة والكراء لفظان مترادفان لمعنى واحد , غير أن فقهاء المالكية اصطلحوا على تسمية العقد على منافع الآدمي , وما ينقل كالثياب والأواني إجارة. والعقد على منافع ما لا ينقل كالأرض والدور , وما ينقل من سفينة وحيوان كالرواحل كراء. وهذا في الغالب عندهم.(1/82)
دليل مشروعية الإجارة
استدل جمهور الفقهاء على جواز الإجارة بأدلة كثيرة من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة والإجماع.(1/83)
اتفق جمهور الفقهاء على جواز عقد الإجارة ولم يخالف في جوازها إلا طائفة من المتأخرين كأبي بكر الأصم وإسماعيل ابن علية والحسن البصري والقاشاني والنهرواني وابن كيسان فإنهم لم يجيزوه , لأن الإجارة عندهم:
تتضمن بيع منفعة معدومة , إذ المنافع حال انعقاد العقد معدومة القبض , فتكون الإجارة باطلة قياسا على البيع لأن بيع المعدوم باطل باتفاق الفقهاء.
- وتتضمن الغرر , إذ أنها تعقد على منافع لم تخلق بل هي توجد شيئا فشيئا , فكان العقد عليها باطلا لأن الغرر منهي عنه.
وناقش الجمهور أدلة المانعين فقالوا إن الغرر ما تردد بين أمرين على السواء.
أما الإجارة فالأغلب فيها حال السلامة , ولو فرض أن في الإجارة غررا فإنه قليل ويغتفر بالأدلة الواردة لحاجة الناس إليه وضرورته , وكونه قليلا.
كما ذكروا أن قياسهم الإجارة على البيع في بطلانه على ما لم يخلق قياس مع الفارق وذلك أن بيع المعدوم لا يصح لأن العقد لم يقع على شيء يتناوله البيع بخلاف الإجارة , فإن المنافع وإن كانت معدومة فالعين موجودة معلومة وقع عقد الإجارة على تلك العين المعلومة المعينة لاستيفاء منافعها ففرقا بين عين معينة معلومة منافعها وبين العقد على معدوم لا وجود له.
وأدلة الجمهور على مشروعية الإجارة: القرآن والسنة , والإجماع والمعقول.
الدليل من القرآن الكريم
قول الله تعالى على لسان إحدى ابنتي شعيب عليه السلام
{قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك} (القصص: 26 , 27)
ووجه الاستدلال بالآية الكريمة هو أن الله سبحانه وتعالى قص علينا خبر تأجير موسى عليه السلام نفسه لرعي الغنم بأجرة معلومة , وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ , فدل ذلك على جواز الإجارة.
وقوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} (الطلاق: 6)
وفي هذه الآية أمر بإيتاء الأجر إذا أرضعت المرأة الطفل.
وهذا دليل على مشروعية الإجارة.
الدليل من السنة الشريفة
قوله صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه وهذا حديث رواه أبو يعلى في مسنده من حديث أبي هريرة وروى عن آخرين.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من استأجر أجيرا فليعلمه أجره.
وهذان الحديثان يدلان على جواز الإجارة , لأن فيهما الأمر بإعطاء الأجير أجرته وإعلامه بمقدارها.
ومنها ما رواه سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع , فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك , وأمرنا أن نكريها بذهب أو ورق أي فضة وروى ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم , وأعطى الحجام أجره.
الدليل من الإجماع
فقد أجمع السلف الصالح من الصحابة والتابعين على جواز الإجارة قبل وجود الأصم ومن وافقه من الفقهاء المتأخرين , الذين لا يعتبر اجتهادهم صحيحا لأنه يخالف النصوص الصريحة من القرآن والسنة.
يقول الإمام الكاساني وأما الإجماع فإن الأمة أجمعت على ذلك قبل وجود الأصم حيث يعقدون عقد الإجارة من زمن الصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير فلا يعبأ بخلافه , إذ هو خلاف الإجماع , وبه تبين أن القياس متروك لأن الله تعالى إنما شرع العقود لحوائج العباد وحاجتهم إلى الإجارة ماسة.
الدليل من المعقول
وأما دليل مشروعية الإجارة من المعقول فالناس بحاجة إليها كحاجتهم إلى الأعيان , لتوفير السكنى في الدور , والاتجار في المحلات التجارية والركوب للمسافر وغيره على الدواب والسيارات والسفن والقطارات والطائرات , وعمل أصحاب الصنائع بأجر , ولا يمكن كل أحد عمل ذلك , ولا يجد متطوعا به , فلا بد من الإجارة لذلك , بل ذلك مما جعله الله طريقا للرزق , حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع كما قال ابن قدامة في المغني.(1/84)
الوصف الفقهي للإجارة
الإجارة هي بيع المنافع , لكنها تختلف عن البيع في أنها مؤقتة المدة خلافا عن البيع فهو مؤبد.
واختلف الفقهاء في صفة مشروعية الإجارة هل هي مشروعة على وفق القياس أو على خلافه.
فقال جمهور الفقهاء: إنها شرعت على خلاف القياس.
وقال بعض فقهاء الحنابلة: إنها مشروعة على وفق القياس وقد نصر هذا الرأي ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.(1/85)
الإجارة بيع منفعة لكنها تختلف عن البيع في أنها مؤقته المدة , وعقد البيع لا يقبل التأقيت , وإنما هو مؤبد , لأنه يترتب عليه انتقال ملكية العين المعقود عليها من المنقولات والعقارات وغيرها.
قال ابن قدامة في المغني:
الإجارة نوع من البيع , لأنها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه , فهي بيع المنافع , والمنافع بمنزلة الأعيان , لأنه يصح تمليكها في حال الحياة وبعد الموت , وتضمن باليد والإتلاف , ويكون عوضها عينا ودينا.
واختلف الفقهاء في صفة مشروعية الإجارة هل هي مشروعة على وفق القياس أو على خلافه.
فقال جمهور الفقهاء: إنها شرعت على خلاف القياس
وقال بعض فقهاء الحنابلة: إنها مشروعة على وفق القياس وقد نصر هذا الرأي ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
الإجارة مشروعة على خلاف القياس
استدل جمهور الفقهاء بأن الإجارة شرعت على خلاف القياس بقولهم:
أن الإجارة بيع معدوم , وبيع المعدوم لا يجوز لذا لم تكن الإجارة جائزة في الأصل إلا أنه لما وردت الأدلة الشرعية بجوازها كان هذا الجواز استثناء على خلاف الأصل والقاعدة التي قامت الأدلة الشرعية عليها.
أما أن الإجارة بيع فلأن البيع مبادلة مال بمال , والإجارة كذلك لأنها مبادلة منفعة بمال هو الأجرة وأما أن بيع المعدوم باطل فللأدلة الشرعية الكثيرة ومنها حديث لا تبع ما ليس عندك.
الإجارة مشروعة على وفق القياس
أجاب بعض الحنابلة على استدلال جمهور الفقهاء فقالوا بأن الإجارة شرعت على وفق القياس وهي ليست بيعا , لأن البيع الذي جاءت الأدلة على بطلانه إذا ورد على المعدوم هو الوارد على الأعيان التي يمكن أن توجد عند التعاقد , أما الإجارة فإنها ترد على منافع يتعذر وجودها عند التعاقد.
وردوا على قياسهم الإجارة بالبيع بقولهم:
إن أردتم بالبيع الذي قستم عليه الإجارة معناه المطلق الشامل لبيع العيان والمنافع فإننا نسلم لكم أن الإجارة نوع منه بهذا المعنى. غير أننا لا نوافقكم على أن البيع بهذا المعنى هو الذي ورد النهي عنه إذا كان محله معدوما لأن العقد على المنافع حال وجودها لا يتصور عقلا فكيف يشترطه الشارع , ولهذا كان النهي عن بيع المعدوم واردا على بيع الأعيان التي يمكن تأخير العقد عليها حتى توجد دون ضرر ولا شدة حاجة.
أما المنافع فإنه يمتنع العقد عليها حال وجودها لأنها تكون معدومة عند العقد دائما فجاز العقد عليها ويكون هذا الجواز أصلا في ذاته وليس مستثنى من غيره.
ويقول أصحاب هذا الرأي أن العلة في المنع ليست هي العدم ولا الوجود , لأنه قد ورد في السنة النهي عن بيع بعض الأشياء المعدومة كما نهى عن بيع بعض الأشياء الموجودة ولكن العلة في المنع هي الغرر , فالمعدوم الذي هو غرر نهى عنه للغرر لا للعدم.
ولذا فالشيء الذي يكون له حال وجود وحال عدم كان في بيعه حال العدم مخاطرة وغرر , وأما ما ليس له إلا حال واحدة والغالب فيه السلامة فليس العقد عليه مخاطرة , وإن كان فيه مخاطرة يسيرة فالحاجة داعية إليه.(1/86)
الحكم التكليفي للإجارة
الأصل في الإجارة الإباحة , وقد تجب للضرورة أو الحاجة بعوض , أو مجانا في رأي ابن تيمية وابن قيم الجوزية.(1/87)
الإجارة كالبيع عقد مباح مشروع للحاجة , وحكمة مشروعيتها عظيمة , لأن فيها تبادل المنافع بين الناس بعضهم مع بعض , لأن العمل الذي يقوم به الفرد الواحد , غير العمل الذي يقوم به الاثنان أو الثلاثة مثلا.
وإذا كانت الإجارة إجارة عين , كهذه السيارة , يشترط أن يذكر في عقد الإجارة قدرها ووصفها. . . . إلى آخر الشروط التي ستذكر. والحكمة في ذلك منعا للخصام والنزاع.
كما أنه لا يجوز استئجار عين لمنفعة مجهولة , تقدر بمقتضى الظن والرجم بالغيب , إذ ربما طرأ طارئ يعطل هذه العين عن الفائدة.
وهكذا يكون الأصل في الإجارة الإباحة إلا إذا كان فيها إنقاذ نفس من الهلاك , أو كانت هناك ضرورة لبذل المنافع , حفاظا على النفس الإنسانية في وقت الأزمات والحروب , والتشرد والضياع , أو إيواء غريب , فتصبح واجبة , بل يجب في هذه الأحوال بذلها مجانا كما صرح بعض الحنابلة كابن تيمية وابن القيم.
قال ابن القيم في (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية)
فإذا قدر أن قوما اضطروا إلى السكنى في بيت إنسان , لا يجدون سواه , أو النزول في خان مملوك , أو استعارة ثياب يستدفئون بها , أو رحى للطحن , أو دلو لنزع الماء , أو قدر , أو فأس , أو غير ذلك:
وجب على صاحبه بذله بلا نزاع.
لكن هل له أن يأخذ عليه أجرا؟ فيه قولان للعلماء , وهما وجهان لأصحاب أحمد.
ومن جوز له أخذ الأجرة , حرم عليه أن يطلب زيادة على أجر المثل. قال شيخنا (أي ابن تيمية) :
والصحيح أنه يجب عليه بذلك ذلك مجانا كما دل عليه الكتاب والسنة: قال تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة: (هو إعارة القدر والدلو والفأس) .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم - وذكر الخيل - قال: هي لرجل أجر , ولرجل ستر , وعلى رجل وزر. فأما الذي هي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله. وأما الذي هي له ستر: فرجل ربطها تغنيا وتعففا , ولم ينس حق الله في رقابها , ولا في ظهورها.
وفي الصحيحين عنه أيضا: من حق الإبل: إعارة دلوها , واطراق فحلها.
وفي الصحيحين عنه: أنه نهى عن عسب الفحل أي عن أخذ الأجرة عليه , والناس يحتاجون إليه فأوجب بذله مجانا , ومنع من أخذ الأجرة عليه.
وفي الصحيحين عنه أنه قال: لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره.(1/88)
أقسام الإجارة
قسم الفقهاء الإجارة تقسيمات مختلفة باعتبارات مختلفة.
فقد قسمت من حيث تعيين المحل وعدم تعيينه إلى:
إجارة العين
وإجارة الذمة.
وقسمت من حيث المحل الذي تستوفى منه المنفعة إلى:
إجارة على منافع الإنسان
وإجارة على منافع الأعيان.(1/89)
أقسام الإجارة من حيث نوع المحل المعقود عليه
اتفق الفقهاء على أن الإجارة نوعان:
نوع ترد فيه الإجارة على منافع الأعيان , ونوع ترد فيه الإجارة على منافع الإنسان أي على عمله.
إجارة على المنافع
المعقود عليه في هذا النوع من الإجارة هو المنفعة , كإجارة الدور والمنازل والحوانيت والضياع , والدواب للركوب والحمل , والثياب والحلي للبس , والأواني وغيرها , حيث يتم دفع هذه الأعيان لمن يستخدمها لقاء عوض معلوم. .
ويمكن تقسيم هذا النوع إلى ثلاثة أقسام:
(1) إجارة العقار كإيجار الدور والأراضي والمنازل.
وهي تشمل الأعيان التي تستوفى منفعتها بالاستخدام بالسكنى أو الزراعة أو غيرها.
(2) إجارة الدواب كالحيوان والإبل والخيل وما يلحق بها من سيارات وطائرات وسفن.
وهي تشمل الأعيان التي تستوفى منفعتها بالركوب والحمل.
(3) إجارة العروض كالملابس والأواني والخيام وغيرها من المنقولات.
وهي تشمل الأعيان التي تستوفى منفعتها بالاستعمال.
إجارة على الأعمال
المعقود عليه في هذا النوع من الإجارة هو العمل , وهو ما يبذله الأجير من مهارات أو جهد لأداء عمل معلوم لقاء أجر معلوم.
ومثال ذلك بناء دار وخياطة قميص وحمل إلى موضع معين , وصباغة ثوب وإصلاح حذاء ونحوه.
وهذا العقد شائع بين أرباب الحرف والمهارات اليدوية والفكرية من صناع وأطباء ومهندسين وغيرهم ممن يحتاج المجتمع إلى خدماتهم.
والشخص المستأجر في مثل هذه العقود يسمى أجيرا.
ويمكن تقسيم هذا النوع إلى قسمين:
أجير خاص وأجير مشترك.
(1) الأجير الخاص:
هو الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة , يستحق المستأجر نفعه في جميعها , كرجل استؤجر للخدمة أو عمل في بناء أو خياطة أو رعاية يوما أو شهرا , سمي خاصا لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس.
فالأجير الخاص يعمل لشخص واحد مدة معلومة ولا يجوز له العمل لغير مستأجره.
(2) الأجير المشترك:
هو الذي يقع العقد معه على عمل معين كخياطة ثوب وبناء حائط وحمل شيء إلى مكان معين أو على عمل في مدة لا يستحق جميع نفعه فيها. . . كالطبيب سمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لاثنين وثلاثة وأكثر في وقت واحد , ويعمل لهم فيشتركون في منفعته واستحقاقها , فسمي مشتركا لاشتراكهم في منفعته.
فالأجير المشترك يعمل لعامة الناس ولا يجوز لمن استأجره أن يمنعه عن العمل لغيره.
أقسام الإجارة من حيث تعيين المحل وعدم تعيينه
قسم الفقهاء الإجارة إلى قسمين أحدهما إجارة معينة , وثانيهما إجارة موصوفة بالذمة.
الإجارة المعينة
الإجارة المعينة هي التي يكون محلها معينا بالرؤية والإشارة إليه أو نحو ذلك مما يميزه عن غيره , بحيث يتمكن المستأجر من استيفاء المنفعة منه بذاته سواء كان عينا أو شخصا.
ومن أمثلتها الإجارة الواردة على منافع أعيان معينة كإجارة هذه السيارة شهرا وإجارة هذا البيت عاما , وكذلك الإجارة الواردة على عمل شخص معين كاستئجار شخص للخياطة سنة أو استئجار شخص لرعاية الغنم شهرا , إذ يقتضي ذلك تسليم الشخص نفسه للمستأجر ويسمى الأجير الخاص.
الإجارة الموصوفة بالذمة
الإجارة الموصوفة بالذمة هي التي يكون محلها غير معين بل موصوف بصفات يتفق عليها مع التزامها في الذمة , بحيث لا يقتضي قيام المؤجر بتسليم نفسه أو تسليم عين معينة للمستأجر.
ومن أمثلتها الإجارة الواردة على منافع أعيان غير معينة كاستئجار سيارة صفتها كذا شهرا , وكذلك الإجارة الواردة على عمل معلوم في الذمة مضبوط بصفات كاستئجار أجير مشترك وإلزام ذمته خياطة ثوب أو بناء دار أو حمل بضاعة ونحوها.
هذا ولا تجوز الإجارة في الذمة بالنسبة للعقارات من دور وأراضي لأنها لا تنضبط بالصفة.(1/90)
صيغة الإجارة
اتفق الفقهاء على صحة انعقاد الإجارة باللفظ الصريح فيها أو بأي لفظ دال عليها , واختلفوا في صحة انعقاد الإجارة بلفظ البيع.
كما اتفق الفقهاء على أن الإجارة غير قابلة للتعليق , وأن الأصل في الإجارة أن تكون منجزة , فإذا لم يوجد ما يصرف الصيغة عن التنجيز أو لم ينص على بداية العقد , فإن الإجارة تبدأ من وقت العقد وتكون منجزة. ولم يفرق الجمهور بين إجارة الأعيان والإجارة في الذمة في صحة الإضافة للمستقبل خلافا للشافعية.(1/91)
جعل الفقهاء الصيغة التي تعبر عن إرادة العاقدين ركنا في الإجارة يتوقف وجود العقد عليه.
وقد اتفق الفقهاء على صحة انعقاد الإجارة باللفظ الصريح فيها كلفظ الإجارة والاستئجار , والاكتراء والإكراء ونحو ذلك مما يفيد تمليك المنفعة بشرط النص على قدر الأجرة , فتنعقد بقول المؤجر: أعرتك هذه الدار مثلا شهرا بكذا من المال , لأن العارية بعوض إجارة. وتنعقد أيضا بقول: وهبتك منافع هذه الدار لمدة شهر بكذا , أو ملكتك منافعها سنة بكذا. . .
واختلف الفقهاء في صحة انعقاد الإجارة بلفظ البيع كقوله بعني عملك شهرا أو بعتك هذه الدار سنة بكذا.
فقد قال بصحة ذلك المالكية , وهو قول عند الشافعية , وقول عند الحنابلة , والقول الأظهر عند الحنفية بشرط التوقيت. واستدلوا بأن الإجارة نوع من البيع فتنعقد بلفظه كالصرف ولأن المنافع شبيهة بالأعيان فإنه يصح العوض فيها وتضمن بالتعدي.
ولأن العبرة في العقود بما دل على مقصود المتعاقدين ورضاهما , فجاز انعقادها بكل لفظ دل على ذلك القصد والرضا.
وأجاز جمهور الفقهاء الإجارة بالمعاطاة.
فذهب المالكية والحنابلة وبعض فقهاء الشافعية وبعض فقهاء الحنفية إلى جواز الإجارة بالأفعال بدون تلفظ من الجانبين أو من أحدهما , وذلك في إجارة الأشياء الخسيسة أو النفيسة ما دام الرضا قد تحقق وفهم القصد لأن الشرع لم يطلب غير الرضا في صحة العقود , وليس فيه دليل على اشتراط اللفظ في التعبير عن هذا الرضا.
ومنع صحة انعقاد الإجارة بالمعاطاة جمهور الشافعية في القول المعتمد عندهم وبعض الحنفية في المدة الطويلة لأن الرضا أمر خفي لا يطلع عليه فأنيط الحكم بسبب ظاهر وهو الإيجاب والقبول , والمعاطاة لا تدل بوضعها على الرضا.
واتفق الفقهاء على أن الإجارة غير قابلة للتعليق كالبيع وصرح قاضي زاده من الحنفية بذلك وقال: الإجارة لا تقبل التعليق.
والأصل في الإجارة أن تكون منجزة فإذا لم يوجد ما يصرف الصيغة عن التنجيز أو لم ينص على بداية العقد , فإن الإجارة تبدأ من وقت العقد وتكون منجزة.
وذهب الشافعية إلى صحة إضافة صيغة الإجارة إلى المستقبل وذلك فيما يثبت في الذمة فقط ولم يجيزوا إلا بعض صور مستثناة في إضافة إجارة الأعيان والتي تكون المدة بين العقد وبين المدة المضاف إليها زمنا يسيرا.
والسبب في اشتراط اتصال المدة بالعقد هو أن الإجارة بيع المنفعة , وطريق جوازها عندهم , أن تجعل منافع المدة موجودة تقديرا عقيب العقد , لأنه لا بد من كون محل العقد موجودا , فجعلت المنافع كأنها أعيان قائمة بنفسها , وإضافة البيع إلى عين ستوجد لا تصح , كما في بيع الأعيان.
أما الجمهور فلم يفرقوا بين إجارة الأعيان والإجارة في الذمة في صحة الإضافة للمستقبل , كأن يقول رجل لآخر: أجرتك هذه الدار رأس الشهر الفلاني , أو أجرتكها سنة من غير شهر رمضان , وكان العقد قبل ذلك في رجب مثلا , فيجوز لأن عقد الإيجار ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المعقود عليه شيئا فشيئا , فكان العقد مضافا إلى حين وجود المنفعة , من طريق الدلالة الضمنية , وقد أجيزت الإضافة للمستقبل في الإجارة دون البيع للضرورة.
وترتب على مذهب الحنفية: أن المؤجر لو باع الدار المؤجرة لا يصح في حق المستأجر , وإن لم يجيء الوقت الذي أضيف إليه عقد الإجارة.(1/92)
جاء في الشرح الصغير (4 / 7 - 9)
أركان الإجارة أربعة: عاقد من مؤجر ومستأجر , كالبيع فشرط صحتهما العقل والبلوغ , وصيغة كالبيع , فتنعقد بما يدل على الرضا وان بمعاطاة , وأجر كالبيع , من كونه طاهرا , أو منتفعا به , مقدورا على تسليمه , معلوما ذاتا أو أجلا , وحلولا , ومنفعة: وهي المعقود عليها , بشرط كونها متقومة , معلومة , مقدورا على تسليمها , غير حرام , ولا متضمنة استيفاء عين (أي ذات) قصدا , احترازا من استئجار شاة مثلا لشرب لبنها أو شجرة لأكل ثمرها , فإن المقصود إنما هو شرب اللبن وأكل الثمر , واستثنوا الرضاع.
وجاء في القوانين الفقهية (ص 274)
أركان الإجارة أربعة: المستأجر , والأجير , ويشترط فيهما ما يشترط في المتبايعين , والأجرة , والمنفعة , ويشترط فيها ما يشترط في الثمن والمثمون على الجملة.
وقال شيخ الإسلام أبو زكريا الأنصاري في تحفة الطلاب مع حاشية الشرقاوي (2 / 84) وفي مغني المحتاج (2 / 332) وما بعدها
أركان الإجارة أربعة: عاقد (أي مكر ومكتر , ويشترط فيهما ما يشترط في البائع والمشتري من الرشد وعدم الإكراه بغير حق) وصيغة (وهي آجرتك هذا أو أكريتك أو ملكتك منافعه سنة بكذا , فيقول: قبلت , أو استأجرت , أو اكتريت , والأصح انعقادها بقوله: آجرتك منفعتها , ومنعها بقوله: بعتك منفعتها , والأصح ألا تنعقد بالمعاطاة , ويشترط فيها ما يشترط في صيغة البيع إلا عدم التأقيت , وهي إما صريحة كما ذكر , أو كناية كجعلت لك منفعة سنة بكذا , أو اسكن داري شهرا بكذا , ومنها الكتابة , لا بعتك منافعه سنة بكذا , فليس صريحا كما ذكر , أو كناية على المعتمد , وتنعقد بإشارة أخرى أفهمت) وأجرة (وشرط فيها كونها معلومة جنسا وقدرا وصفة , إلا أن تكون معينة فتكفي رؤيتها) ومنفعة (وشرط فيها أن يكون لها قيمة , وأن تكون معلومة عينا وقدرا وصفة , مقدورة التسليم حسا وشرعا , واقعة للمكتري) .
وجاء في المعتمد في الفقه الحنبلي (1 / 513)
وأركان الإجارة ثلاثة: العاقدان , والعوضان , والصيغة.
وفي غاية المنتهى (2 / 190)
وتنعقد بلفظ أجارة وكراء وبما بمعناهما وبلفظ بيع إن لم يضف لعين , كبعتك نفعها عاما , ويتجه: وبمعاطاة.
وقال في المغني (5 / 398)
تنعقد الإجارة بلفظ الإجارة والكراء , لأنهما موضوعان لها.
وذكر وجهين في انعقادها بلفظ البيع.
وفي التقنين الحنبلي (م511)
(تنعقد الإجارة بلفظها وبكل ما يدل على معناها) أي أنها تنعقد بلفظ الإجارة والكراء , لأنهما موضوعان لها , وكذلك كل ما يؤدي معناهما , لحصول المقصود به , كملكتك نفع هذه الدار مدة كذا , وبلفظ البيع إذا أضيف إلى النفع ووقت كبعتك نفع هذه العين , أو سكنى هذه الدار مدة كذا , ونحو ذلك.(1/93)
العاقدان في الإجارة
يشترط في عاقدي الإجارة ما يشترط في عاقدي البيع من أهلية التعاقد وذلك بالتمييز والعقل , فلا يصح عقد الإجارة من مجنون ولا صبي غير مميز باتفاق الفقهاء لانعدام أهلية الأداء عنهما. أما عقد إيجار الصبي المميز فهو صحيح موقوف عند الحنفية والمالكية باطل عند الشافعية والحنابلة.
ويشترط لنفاذ الإجارة في رأي جماعة من الفقهاء: الملك أو الولاية , وتلحق الإجازة الإجارة الموقوفة إذا كان المعقود عليه مازال قائما , فإن استوفى المستأجر المنفعة قبل الإجازة بأن سكن الدار أو ركب السيارة مثلا , لم تصح الإجازة , وكانت الأجرة للعاقد: الفضولي أو الغاصب.(1/94)
يشترط في العاقد عند الحنفية: العقل أي أن يكون العاقد عاقلا , أي مميزا , فلا تنعقد الإجارة من المجنون والصبي غير العاقل , كما لا ينعقد البيع منهما , ولا يشترط عندهم البلوغ للانعقاد , ولا للنفاذ , فلو أجر الصبي المميز ماله أو نفسه , فإن كان مأذونا في ذلك وغيره , ينفذ عقده , وإن كان محجورا عن التصرفات , يقف على إجازة وليه.
وأما كون العاقد طائعا جادا عامدا , فليس بشرط عند الحنفية لانعقاد هذا العقد , ولا لنفاذه , لكنه من شرائط الصحة , كما في بيع العين. وكذلك إسلامه ليس بشرط أصلا , فتجوز الإجارة والاستئجار من المسلم والذمي والحربي المستأمن.
وذهب المالكية إلى أن التمييز شرط في انعقاد الإيجار والبيع وأن البلوغ شرط للنفاذ (وقد يعبرون عنه بأنه شرط لزوم) فالصبي إذا أجر نفسه أو سلعته صح عقده , وتوقف العقد على رضا وليه.
كما اشترط الحنفية والمالكية خلافا لغيرهم لنفاذ عقد الإجارة توافر الملك أو الولاية فلا تنفذ إجارة الفضولي لعدم الملك والولاية وإنما العقد ينعقد موقوفا على إجازة المالك , كما في عقد البيع. والإجازة تلحق الإجارة الموقوفة بشروط , منها قيام المعقود عليه , فإذا آجر الفضولي شيئا لغيره , وأجاز المالك العقد , ينظر:
- إن أجاز العقد قبل استيفاء المنفعة , جازت إجازته , وكانت الأجرة للمالك , لأن المعقود عليه قائم.
- وإن أجاز العقد بعد استيفاء المنفعة بأن سكن المستأجر الدار المدة المعقود عليها , لم تجز إجازته , وكانت الأجرة للعاقد , لأن المنافع المعقود عليها تلاشت في الماضي , فتكون عند الإجازة معدومة , فلا يبقى العقد بعدئذ , لفوات محله فلا تصح الإجازة , ويصير العاقد الفضولي حينئذ غاصبا بالتسليم.
وقال الحنفية في هذا الشأن: إن الغاصب إذا آجر ما غصبه , وسلم ذلك , ثم قال المالك , (أجزت ما آجرت) فإن كانت مدة الإجارة قد انقضت , فللغاصب الأجر , لأن المعقود عليه قد انعدم , والإجازة لا تلحق المعدوم كما تقدم. وإن كانت الإجازة بعد مضي بعض المدة , فالأجر كله للمالك في رأي أبي يوسف لأنه إذا بقي بعض المدة , لم يبطل العقد , فكان محلا للإجازة , فهو قد نظر إلى المدة.
وذهب محمد بن الحسن إلى أن أجر ما مضى للغاصب , وأجر ما بقي للمالك , لأن كل جزء من أجزاء المنفعة معقود عليه , مستقل عن غيره , فإذا مضى بعض مدة الإجارة , كان الماضي منعدما حين الإجارة , فلا يصح إلحاق الإجازة به , لانعدامه , فهو قد نظر إلى المعقود عليه.
ويجري هذا الخلاف بين أبي يوسف ومحمد فيمن غصب أرضا , فأجرها للزراعة , فأجاز صاحب الأرض عقد الإجارة.
وفصل محمد فيما إذا أعطاها الغاصب مزارعة: إن كان الزرع قد سنبل , ولم ييبس , فأجاز صاحب الأرض , جازت المزارعة , ولا شيء للغاصب من الزرع , لأن المزارعة بمنزلة شيء واحد , لا ينفصل بعض عملها عن بعض , فكانت إجازة العقد قبل الاستيفاء بمنزلة ابتداء العقد. وأما إذا كان الزرع يبس , فقد انقضى عمل المزارعة , فلا تلحق الإجازة العقد , ويكون الزرع حينئذ للغاصب. والراجح رأي أبي يوسف حين خلافه مع محمد كما هو مقرر في قواعد الحنفية.
واتجه الشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط التكليف (البلوغ والعقل) لانعقاد الإيجار لأنه عقد تمليك في الحياة , فأشبه البيع. أما الصبي المميز فلا تصح إجارته لأنه فاقد لأهلية تعاطي الأسباب القولية ولا تنعقد منه ولأن العقل لا يمكن معرفة الحد الذي يصلح به التعرف لخفائه فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ , فلا يصح تصرفه قبل البلوغ.(1/95)
المعقود عليه في الإجارة
تخصيص المعقود عليه في الإجارة بالمنفعة هو رأي جماهير العلماء , وأجاز ابن القيم إجارة الشيء لعينه , لا لمنفعته , كثمر الشجر , ولبن الحيوان , وماء البئر.(1/96)
اختلف الفقهاء في محل عقد الإجارة على ثلاثة أقوال:
مورد عقد الإجارة هو المنافع
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والمالكية وأكثر الشافعية إلى أن مورد عقد الإجارة هو المنافع لأنها هي التي يجوز التصرف فيها ولأن الأجر يدفع في مقابلة المنافع , ولهذا تضمن المنفعة دون العين وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه.
مورد عقد الإجارة هو العين
ذهب بعض الشافعية ومنهم أبو إسحاق المروزي إلى أن مورد عقد الإجارة هو العين , لأن المنافع معدومة , ومورد عقد الإجارة يجب أن يكون موجودا , والعقد أيضا يضاف إلى العين لأنها التي تستوفى منها المنافع فوجب أن تكون العين مورد العقد.
ولا يوجد في الحقيقة خلاف بين القولين السابقين لأن:
- من قال أن مورد عقد الإجارة هي المنفعة , لا يعني به أن تحدث منفعة بدون عين , ولكن مراده هو المنفعة المستفادة من العين.
لذلك فهو لا يقطع النظر عن العين بل يجب أن تسلم وتمسك مدة العقد لينتفع بها.
- ومن قال أن مورد عقد الإجارة هي العين , لا يعني به أن العين تملك بالإجارة كما تملك بالبيع , وليس مراده ومقصوده من الإجارة هو تمليك العين.
لذلك فهو لا يقطع النظر عن المنفعة المطلوب استيفاءها.
فالنتيجة الواحدة لهذين القولين أن محل عقد الإجارة في إجارة الأشياء هي المنافع دون الأعيان , وقد اتفق الفقهاء على اشتراط أن لا يتضمن استيفاء المنفعة استهلاك العين مثل استئجار الشمع للاستضاءة به , والصابون للغسل به , فلا تصح الإجارة على ذلك لأن الإجارة عقد على المنافع وهذه لا ينتفع بها إلا بإتلاف عينها.
وهذا هو الأصل , وهو امر مقرر عند جمهور الفقهاء. فلا يجوز عند أكثر الفقهاء إجارة الشجر والكرم للثمر ذاته , لأن الثمر عين , والإجارة بيع المنفعة , لا بيع العين.
ولا تجوز أجارة الشاة للبنها أو سمنها أو صوفها , أو ولدها , لأن هذه أعيان , فلا تستحق بعقد الإجارة.
ولا تجوز إجارة ماء في نهر أو بئر أو قناة أو عين , لأن الماء عين.
ولا يجوز استئجار الآجام التي فيها الماء للسمك وغيره , من القصب والصيد , لأن كل ذلك عين.
وعليه , لا تجوز إجارة البرك أو البحيرات للاصطياد فيها , أي ليصاد منها السمك.
ولا تجوز إجارة المراعي في البادية أو الحقل مثلا لأن الكلأ عين , فلا تحتمل الإجارة.
ولا يجوز عند الجمهور استئجار الفحل للضراب , لأن المقصود منه النسل , بإنزال الماء , وهو عين وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل أي كرائه , وقد حذفت كلمة الكراء من باب المجاز المرسل مثل {واسأل القرية} (سورة يوسف 82) أي أهلها , لأن الجدران والمباني لا تسأل.
ولا يجوز استئجار الدراهم والدنانير والمكيلات والموزونات , لأنه لا يمكن الانتفاع بها إلا بعد استهلاك أعيانها , والمعقود عليه في الإجارة: هو المنفعة , لا العين.
لهذا كله قرروا أن (كل ما ينتفع به مع بقاء عينه تجوز إجارته , وما لا فلا) .
واستثنوا إجارة الظئر (المرضع) للضرورة وأجاز المالكية كراء الفحل للنزو على الإناث وأباح أكثر العلماء أجرة الحجام للحاجة.
وقالوا إذا حدث ما يرد على العين وهو مشابه للمنفعة مع بقاء أصله فيمكن القول بجوازه استثناء من القاعدة العامة , ورخصة للضرورة أو الحاجة.
وذلك مثل لبن الظئر وماء البئر وغيرهما فتدخل على طريق التبع قياسا على الصبغ في الثوب , فإن الاستئجار على صبغ الثوب أما عين الصبغ فتدخل تبعا.
مورد عقد الإجارة العين التي تحدث شيئا فشيئا مع بقاء أصلها
خالف ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من قبلهم , وقالوا بجواز عقد الإجارة على العين التي تحدث شيئا فشيئا مع بقاء أصلها كالمنفعة.
فتصح الإجارة على لبن الظئر وماء البئر لأن الماء واللبن لما كان حدوثهما شيئا بعد شيء مع بقاء الأصل كانا كالمنفعة. فقد قاسا الأعيان التي تتجدد مع بقاء الأصل على المنفعة لاشتراكهما في علة الحدوث والتجدد مع بقاء الأصل.
وقال ابن تيمية
إن الأعيان المتجددة أحق بالجواز من المنفعة لأن الأجسام أكمل من صفاتها.
وقال ابن القيم
إن الأصل الذي سار عليه الفقهاء (وهو أن المستحق بعقد الإجارة إنما هو المنافع لا الأعيان) أصل فاسد , فهو لم يدل عليه كتاب , ولا سنة , ولا إجماع , ولا قياس صحيح , بل الذي دلت عليه الأصول:
أن الأعيان التي تحدث شيئا فشيئا مع بقاء أصلها , حكمها حكم المنافع , كالثمر في الشجر , واللبن في الحيوان , والماء في البئر , ولذلك سوى بين العين والمنفعة في الوقف فجاز وقف المنفعة كالسكنى , وجاز وقف العين كوقف الماشية للانتفاع بلبنها.
وكذلك سوي بينهما في التبرعات , كالعارية لمن ينتفع بالمتاع , ثم يرده , والمنيحة (الهبة) لمن يشرب لبن الشاة ثم يردها , والقرض لمن ينتفع بالدراهم ثم يرد بدلها , فكذلك في الإجارة تارة تكون على منفعة , وتارة تكون على عين تحدث شيئا فشيئا مع بقاء الأصل , كلبن الظئر ونفع البئر , فإن هذه الأعيان لما كانت تحدث شيئا فشئيا مع بقاء الأصل كانت كالمنفعة.
والجامع بينهما هو حدوث المقصود بالعقد شيئا فشيئا , سواء أكان الحادث عينا أم منفعة.
والأخذ برأي ابن القيم رحمه الله أوجد سعة وفرجا وتيسيرا في عمل الناس اليوم فعلا وقانونا في إجارة الأعيان , كالمراعي والبحيرات والأنعام المحلوبة.(1/97)
أن تكون المنفعة معلومة
يشترط في المنفعة أن تكون معلومة علما يمنع المنازعة سواء أكان العلم بها نتيجة للعرف أم لذكرها مع وصفها , أو مع الإشارة إليها.
واتفق الفقهاء على أن المنفعة في الإجارة يحصل العلم بها بواحد من أمرين: المدة أو العمل.
ولكنهم اختلفوا في حكم الجمع بين بيان المدة والعمل معا في الإجارة على العمل.(1/98)
يشترط في المنفعة أن تكون معلومة علما يمنع المنازعة ويرفع الخلاف , فإن كانت مجهولة جهالة مفضية إلى المنازعة لا يصح العقد لأن هذه الجهالة تمنع من التسليم والتسلم , فلا يحصل المقصود من العقد.
والعلم بالمعقود عليه وهو المنفعة يكون إما بالعرف أو بالوصف , كما اتفق الفقهاء على أن تمام معرفة المنفعة تكون إما ببيان المدة أو بيان العمل ولكنهم اختلفوا في حكم الجمع بين بيان المدة والعمل معا.
معرفة المنفعة بالعرف
العلم بالمعقود عليه وهو المنفعة يكون بالعرف في مثل إجارة الدور والحوانيت , فإن استعمال الدور معروف عرفا , وكذلك استعمال حوانيت كل ناحية من نواحي البلد , فتنعقد إجارتها على منفعته المتعارفة , لأن المعروف بالعرف كالمشروط , وعلى ذلك يتقيد بها المستأجر فلا يخرج عنها.
ومثل ذلك إجارة بعض الأراضي لزراعتها , فإن العرف إذا قضى بزراعتها بأصناف معينة وجب على المستأجر ألا يتجاوزها إلى ما يضر بالأرض.
ولكن إذا استأجرها على أن يزرع فيها ما يشاء لم يتقيد بالعرف , لأن النص أقوى دلالة منه.
معرفة المنفعة بالوصف
وتعرف المنفعة أيضا بالوصف كالاستئجار على صبغ هذا الثوب بلون كذا , أو على خياطته بشكل كذا , أو على دهان المنزل أو على نقل هذا المتاع من جهة كذا إلى جهة كذا , وكذلك مثل استئجار الأرض ليزرع فيها نوع معين من النبات أو ليبني فيها منزلا أو ليغرس فيها أشجار معينة , واستئجار الدابة لركوبها من جهة كذا إلى جهة كذا وغير ذلك من الأمثلة.
معرفة المنفعة ببيان العمل
تعرف المنفعة بتحديد العمل , كاستئجار العامل على بناء حائط أو بناء منزل , أو استئجاره على خياطة هذا الثوب المعين أو حمل البضاعة من مكان إلى مكان آخر محدد , ويصير المعقود عليه هنا معلوما بدون الحاجة لتقدير مدة معينة للبناء أو للخياطة أو للحمل.
وبيان العمل مطلوب في الاستئجار على الأعمال , لأن جهالة العمل تفضي إلى المنازعة , فيفسد العقد. فلو استأجر عاملا , ولم يسم له العمل من الخياطة والرعي وعزق الأرض ونحوه , لم يجز العقد.
وفرق الحنفية بين الأجير الخاص والمشترك فإذا كان الأجير مشتركا , لزم بيان المعمول فيه , إما بالإشارة والتعيين , أو ببيان الجنس والنوع والقدر والصفة.
فلو استأجر رجل حفارا لحفر بئر , فلا بد من بيان مكان الحفر وعمق البئر ونوعها وعرضها , لأن عمل الحفر يختلف باختلاف هذه الأوضاع أما في الأجير الخاص فلا يشترط في العقد معه بيان جنس المعمول فيها ونوعه ومقداره وصفته , وإنما يشترط بيان المدة فقط , وكذلك يشترط بيان المدة في استئجار الظئر.
ولا يشترط الفقهاء في إجارة المنافع تعيين العمل فذهب الحنفية إلى أنه لو استأجر رجل دارا وحانوتا , ولم يسم ما يعمل فيه جازت الإجارة , وله أن يسكن فيه بنفسه مع غيره , وله أن يسكن فيه مع غيره بالإجارة والإعارة , وله أن يضع فيه متاعا وغيره , غير أنه لا يستعمل البناء بما يضره ويوهنه , ولا يجعل فيه حدادا ولا قصارا , ولا طحانا , لأن العقد المطلق عن الشرط مقيد بالعرف والعادة.
معرفة المنفعة ببيان المدة
تعرف المنفعة بتحديد المدة , كاستئجار دار للسكنى مدة سنة , أو استئجار العامل على البناء أو رعي الغنم أو الخياطة أو تدريس الحساب والهندسة مدة محددة من الزمن , وفي هذه الحالة يستحق العامل الأجرة بمضي المدة عمل أو لم يعمل , ما دام أنه مستعد للعمل.
وبيان المدة مطلوب في إجارة الدور والمنازل والبيوت والحوانيت (المحلات التجارية) وفي استئجار الظئر (المرضع) لأن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه , فترك بيانه يفضي إلى المنازعة.
وهو شرط متفق عليه , فالحنفية يشترطون تعيين المدة في إجارة المنافع كإجارة المنازل ونحوها , كما اشترط ذلك الحنابلة في كل ما ليس له عمل كالدور والأراضي.
وتصح الإجارة على أي مدة طالت أو قصرت لأن المدة إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والمالكية , ومنهم الشافعية على الصحيح , فإنهم قالوا:
يصح عقد الإجارة مدة تبقى فيها العين غالبا بحسب رأي أهل الخبرة , ولا يقدر للإجارة أقصى مدة , لأنه دليل من الشرع على ذلك.
والضابط في تحديد المدة عند المالكية هو ألا يتغير الشيء غالبا في مدة الإجارة.
واختلف الفقهاء في صحة العقد في حالة الاتفاق على مدة الإجارة ولكن دون تعيين وقت ابتداء المدة فذهب جمهور الفقهاء وبعض الشافعية إلى صحة العقد عند الاطلاق , ويكون ابتداؤه من حين العقد , واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في قصة موسى عليه السلام {على أن تأجرني ثماني حجج} ففي هذه الآية لم يذكر ابتداء المدة فدل ذلك على صحة العقد عند الاطلاق من تقييد ابتداء المدة.
وذهب البعض الآخر من الشافعية إلى عدم صحة العقد حتى يسمى الشهر أو السنة لأن جهالة الوقت تستلزم جهالة المعقود عليه فلا يصح ذلك.
وبحث الفقهاء مسألة الإجارة مشاهرة أو مياومة أو مسانهة فارتأى الشافعية في الصحيح أنه لا تجوز الإجارة مشاهرة , فإن أجر رجل داره كل شهر بدينار مثلا , أو كل يوم أو كل جمعة أو كل سنة بكذا , فالإجارة باطلة لأن كل شهر ونحوه يحتاج إلى عقد جديد لإفراده بأجرة معينة , ولم يوجد عقد , وذلك يقتضي البطلان , هذا بالإضافة إلى جهالة مدة الإجارة فصار كما لو قال: آجرتك مدة أو شهرا.
وذهب الجمهور إلى أنه تصح الإجارة في الشهر الأول ونحو وتلزم , وأما ما عداه من الشهور فلا يلزم إلا بالدخول فيه أو التلبس فيه , لأن شروعه مع ما تقدم في العقد من الاتفاق على تقدير أجره , والرضا ببذله , جرى مجرى ابتداء العقد عليه , وصار كبيع المعاطاة إذا جرى من المساومة ما دل على التراضي بها.
معرفة المنفعة بتعيين المدة والعمل معا
اختلف الفقهاء في بيان المنفعة بالجمع بين تحديد العمل والمدة معا , كاستئجار العامل على بناء منزل في مدة معينة.
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز في الإجارة على العمل تحديد المنفعة بالمدة والعمل معا لما فيه من الغرر ذلك أن:
- الجمع يجعل المعقود عليه مجهولا , وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد.
فقد يفرغ المستأجر من العمل قبل أن تنتهي المدة المحددة , وقد تنتهي المدة المحددة قبل أن يفرغ من العمل فتكون المنفعة مجهولة.
لذلك أجاز المالكية الجمع فقط إذا كان الزمن أوسع من العمل أو مساويا له عادة.
- الجمع يجعل حكم العقد مضطرب , فالعقد على المدة يقتضي وجوب الأجر من غير عمل لأن الأجير يصبح أجيرا خاصا أما العقد على العمل فهو يقتضي وجوب الأجر بالعمل لأن الأجير يصبح أجيرا مشتركا.
بينما أجاز الجمع بعض الفقهاء من الحنابلة وكذلك محمد وأبو يوسف من الحنفية , وقالوا بأن ذلك ليس فيه غرر ولا مخاطرة , لأن المقصود هو عمل معلوم وهو المعقود عليه , أما ذكر المدة فيقصد به الاستعجال فقط ولا يمنع ذكرها جواز العقد.
فإذا فرغ الأجير من العمل قبل تمام المدة , فقد وفى التزامه ولا يلزمه زيادة عمل في المدة الباقية بل يستحق أجره كاملا , أما إن لم ينته من العمل في المدة المحددة فعليه أن يكمله بعد ذلك للوفاء بما التزمه ويكون المستأجر بالخيار بين إمضاء العقد أو الفسخ.
هذا وقد منع الحنابلة الجمع بين العمل والمدة في إجارة منافع الأعيان فقد جاء في التقنين الحنبلي (م518) : (العين إما تكون معينة أو موصوفة , وتقدر المنفعة فيها بالمدة أو العمل) .
وعليه إن لم يكن المأجور له عمل كالدار والأرض , لم تجز إجارته إلا على مدة , ومتى تقدرت المدة لم يجز تقدير العمل , لأن الجمع بينهما يزيد الإيجار غررا لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة فإن استعمل المأجور في بقية المدة , فقد زاد على ما وقع عليه العقد , وان لم يعمل , كان تاركا للعمل في بعض المدة.
وقد لا يفرغ الأجير من العمل في المدة , فإن أتمه بعدها عمل في غير المدة , وإن لم يعمله , لم يأت بما وقع عليه العقد , وهذا غرر أمكن التحرز عنه.(1/99)
أن تكون المنفعة مقدورة الاستيفاء
اتفق الفقهاء على أن المنافع في عقد الإجارة يجب أن تكون مقدورة التسليم , فما لا يقدر المؤجر على تسليمه من المنافع حسا أو شرعا لا يجوز العقد عليه.(1/100)
اتفق الفقهاء على أن المنافع في عقد الإجارة يجب أن تكون مقدورة الاستيفاء , فما لا يقدر المؤجر على تسليمه من المنافع حسا أو شرعا لا يجوز العقد عليه.
فلا تجوز إجارة متعذر التسليم حسا: كإجارة البعير الشارد والسيارة المفقودة , والأخرس للكلام , أو شرعا: كإجارة الحائض لكنس المسجد , والطبيب لقلع سن صحيحة , والساحر على تعليم السحر. وهذا متفق عليه بين الفقهاء.
كيفية التسليم في الإجارة على منافع الأعيان
والقدرة على التسليم في الإجارة على منافع الأعيان تشمل ملك الأصل وملك المنفعة , فإن غير المالك لا يستطيع تمليك غيره حسا , وما لا يجيزه الشرع لا يكون مقدور التسليم شرعا وإن كان ممكنا حسا.
كيفية التسليم في الإجارة على منافع الإنسان
أما في الإجارة على منافع الإنسان , فإن القدرة على التسليم تتمثل في إمكانية أداء العمل من العامل حسا وشرعا , ويكون العقد باطلا إذا كان أداء العمل غير ممكن شرعا كالتعهد بقتل نفس دون حق ونحوه , كما يبطل إذا كان أداء العمل مستحيلا فعلا مثل تعهد العامل بتدريس الطب أو إصلاح سيارة وهو يجهله أو التعهد بنقل جبل. ولكن إذا ظهر من إرادة العاقدين في العقد أنهما اتفقا على أداء الأجير العمل بنفسه أو بواسطة غيره فإن العقد يصح لأن المتعهد وإن كان لا يقدر على الأداء إلا أن هناك أناسا يمكنهم ذلك.
ويترتب على اشتراط القدرة على استيفاء المنفعة:
أنه لا يصح عند الحنفية على الراجح , والشافعية والحنابلة استئجار الفحل للإنزاء , واستئجار الكلب المعلم والبازي المعلم للاصطياد , لأن المنفعة معجوزة التسليم في حق المستأجر لأنه لا يمكن إجبار الفحل على الضراب والإنزال , ولا إجبار الكلب والبازي على الصيد ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل أي أجرة ضرابه.
وأجاز الإمام مالك هذا العقد إذا كانت الإجارة على مدة معلومة , تشبيها للمذكور بسائر المنافع.
إجارة المشاع
لا تجوز إجارة المشاع من غير الشريك عند أبي حنيفة وزفر والحنابلة , كأن يؤجر نصيبا من داره , أو نصيبه من دار مشتركة من غير الشريك , سواء أكان النصيب معلوما كالربع ونحوه أم مجهولا , لأن منفعة المشاع غير مقدورة الاستيفاء , إذ استيفاءها يكون بتسليم المشاع , والمشاع غير مقدور التسليم بنفسه , لأنه سهم شائع ضمن كل , وإنما يتصور تسليمه مع غيره , وهو غير معقود عليه , فلا يتصور تسليمه شرعا.
وذهب الجمهور إلى جواز إجارة المشاع لأن الإجارة أحد نوعي البيع , فتجوز إجارة المشاع كما يجوز بيعه , والمشاع مقدور الانتفاع بالتخلية والمهايأة ولهذا جاز بيعه.
وأما إذا كانت الإجارة للمشاع من الشريك بمعنى إجارة أحد الشريكين منفعة حصته , فهذه الإجارة للشريك جائزة باتفاق الفقهاء لأن المعقود عليه مقدور الاستيفاء بدون المهايأة , لأن منفعة كل الدار تحدث مثلا على ملك المستأجر لكن بسببين مختلفين: بعضها بسبب الملك , وبعضها بسبب الإجارة.(1/101)
أن تكون المنفعة مباحة
يشترط الفقهاء في المنفعة أن تكون مباحة شرعا فلا يجوز الاستئجار على المعاصي لأن المعصية لا تستحق بالعقد.(1/102)
يشترط الفقهاء في المنفعة أن تكون مباحة شرعا: كاستئجار كتاب للنظر والقراءة فيه والنقل منه , واستئجار دار للسكنى فيها , وشبكة للصيد ونحوها. وهذا شرط متفق عليه.
وشرط المنفعة هنا هو الإباحة المطلقة أي في غير حالة الضرورة أو الحاجة , فإذا لم تكن مباحة إلا في حالة الضرورة كاستئجار أواني الذهب واستئجار الكلب , كان العقد عليها باطلا. فالقاعدة الفقهية هي أنه ما لا يباح نفعه لا يصح تأجيره ولا استئجاره ولا دفع الأجرة في مقابله.
ويتفرع على هذا الشرط أنه لا يجوز الاستئجار على المعاصي كاستئجار الإنسان للعب واللهو المحرم , وتعليم السحر , والشعر الحرام , وانتساخ كتب البدع المحرمة الضالة , وكاستئجار المغنية والنائحة للغناء والنوح , لأنه استئجار على معصية والمعصية لا تستحق بالعقد. أما الاستئجار لكتابة الغناء والنوح فهو جائز عند الحنفية فقط , لأن الممنوع عنه نفس الغناء والنوح , لا كتابته.
وكذلك لا يجوز لذمي استئجار دار من مسلم في بلد إسلامية ليتخذها مصلى للناس , أو كنيسة , أو لبيع الخمر , أو القمار , لأنه استئجار على المعصية. وهذا رأي جمهور العلماء.
وكان أبو حنيفة يجيز الاستئجار للمصلى في سواد العراق لأن أكثر أهل السواد في زمانه كانوا أهل ذمة من المجوس فكان لا يؤدي ذلك إلى الإهانة والاستخفاف بالمسلمين.
وكذلك لا يجوز استئجار رجل لقتل آخر أو سجنه أو ضربه ظلما , أو لأي مظلمة أخرى , لأنه استئجار لفعل المعصية , فلا يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء شرعا.(1/103)
أن تكون منفعة العمل حاصلة للمستأجر
يشترط الفقهاء ألا يكون العمل المستأجر له فرضا ولا واجبا على الأجير قبل الإجارة , ومفاد هذا الشرط أنه لصحة عقد العمل أن تكون منفعة العمل راجعة إلى المستأجر , لأنه هو الذي بذل الأجرة في سبيل الحصول عليها , فإذا لم تكن المنفعة حاصلة للمستأجر بل للمؤجر أو لغيرهما كانت الإجارة باطلة.
ولكنهم اختلفوا في جواز الاستئجار على بعض العبادات والقربات , كما اختلفوا في جواز إعطاء الأجرة من ناتج العمل.(1/104)
اشترط الفقهاء لصحة عقد العمل أن تكون منفعة العمل راجعة إلى المستأجر لأنه هو الذي بذل الأجرة في سبيل الحصول عليها , فإذا لم تكن المنفعة حاصلة للمستأجر بل للمؤجر أو لغيرهما كانت الإجارة باطلة. ولكنهم اختلفوا في جواز الاستئجار على بعض العبادات والقربات , كما اختلفوا في جواز إعطاء الأجرة من ناتج العمل.
الاستئجار على العبادات والواجبات
يشترط عند الفقهاء بصفة عامة ألا يكون العمل المستأجر له فرضا ولا واجبا على الأجير قبل الإجارة , فلا تصح الإجارة إذا كانت واردة على القيام بفرض أو واجب على الأجير مثل:
- الاستئجار على القيام بفرض مثل العبادات التي لا تقبل النيابة كالصلوات المفروضة , وصيام رمضان , فإن الإنسان لا يجوز له أن يستأجر آخر ليصلي عنه , لأن الصلاة لا تقبل النيابة , ولا يعود نفعها على غير المصلي فلم يجز دفع أجرة لمن يقوم بها.
ومثل الصلاة والصيام كل عمل واجب على الإنسان لا يستحق عليه أجرة.
- الاستئجار على القيام بما هو واجب على الإنسان كمن قضى دينا عليه , فلا يستحق مثل هذا الأجرة على فعله , لأن الأجر عوض الانتفاع ولم يحصل لغيره ههنا انتفاع فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها.
وقد اتفق الفقهاء على الاستئجار على تعليم اللغة والأدب والحساب والخط والفقه والحديث والشعر المباح ونحوها , وبناء المساجد والقناطر والرباطات , لأنها ليست بفرض ولا واجب. وقد تقع قربة تارة , وتارة غير قربة.
وفيما يلي تفصيل أقوال الفقهاء:
يبدو أن سبب الخلاف بين الفقهاء في جواز أخذ الأجرة على فعل العبادة وعدم جواز أخذها هو اختلافهم في وصول النفع إلى المستأجر وعدمه , فمن قال أن النفع يحصل للمستأجر قال بجواز أخذ الأجرة , ومن قال أن النفع لا يحصل إلا للأجير قال بعدم جواز أخذ الأجرة.
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة على القربات والعبادات لأن الأصل أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها , ولا يستحق الأجرة على فعلها كالصلاة والصوم والحج والإمامة والأذان والإقامة وتعليم القرآن.
فمن شرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى , فلم يجز أخذ الأجر عليها.
وقد روي أن عثمان بن أبي العاص قال: إن آخر ما عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا رواه أصحاب السنن الأربعة.
وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرءوا القرآن , ولا تغلوا فيه , ولا تجفوا عنه , ولا تأكلوا به , ولا تستكثروا به. رواه أحمد.
ومن قواعد الحنفية في هذا: (لا يستحق الأجر من استؤجر على الطاعة) , وكذلك (الاستئجار لما هو مستحق عليه لا يجوز) , فمن استأجر امرأته شهرا لخدمة البيت , لا تجوز هذه الإجارة لأنها مستحقة عليها.
ثم أفتى المتأخرون من علماء الحنفية بجواز أخذ المعلم أجرة المثل في زمانه على تعليم القرآن.
وظاهر كلام أحمد أنه إن أعطي المعلم شيئا من غير شرط جاز.
وذهب الإمامان مالك والشافعي إلى أنه تجوز الإجارة على قراءة القرآن وتعليمه , لأنه استئجار لعمل معلوم ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا بما معه من القرآن , وجعل ذلك يقوم مقام المهر , فجاز جعل القرآن عوضا
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح رواه البخاري وابن ماجه أنه قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله.
فقد أجاز المالكية أخذ الأجرة على الأذان مع الإمامة , والقيام بالمسجد , لا على الصلاة بانفرادها قياسا على الأفعال غير الواجبة.
كما أجازوا للمفتي أخذ الأجر إن لم يكن له رزق.
وقالوا: يجوز الإجارة للمندوبات وفروض الكفاية.
وكذلك أجازوا مع الشافعية الإجارة على الحج لإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم حج صحابي عن غيره.
أما الإمامة في الفروض فلا يجوز فيها الإجارة عند الشافعية , ولا يجوز ذلك بانفرادها عن الأذان في المشهور عند المالكية.
الاستئجار بأجرة من ناتج العمل
اختلف الفقهاء في الاستئجار بأجرة من ناتج العمل , فأجازه فريق ومنعه آخرون.
فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يصح استئجار رجل لطحن قفيزا من حنطة بجزء من دقيقها , أو ليعصر له قفيزا من سمسم بجزء معلوم من دهنه , لأن الأجير ينتفع بعمله من الطحن والعصر , فيكون عاملا لنفسه وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطاحان في حديث رواه الدارقطني عن أبي سعيد الخدري كما استدل هذا الفريق بأن الاستئجار بأجرة من ناتج العمل فيه نقضا لشرط من شرائط الإجارة: وهو القدرة على تسليم الأجر وقت التعاقد.
وتكون القاعدة المقررة عند الحنفية ومن وافقهم هي: (تعيين الأجر مما يعمل فيه الأجير مفسد للعقد) .
وأجاز الحنابلة والمالكية ذلك إذا كان الكيل معلوما , وعليه عمل الناس , والحديث الوارد بالنهي عن قفيز الطحان لم تثبت صحته عندهم.
ومنه: ما يتعامل به الزراع في الريف من إعطاء بعض القمح لدارسه أو حامله , صرح الحنابلة بجوازه.(1/105)
الأجرة مالا معلوما متقوما
اتفق الفقهاء على أن يجب في الأجرة أن تكون مالا معلوما متقوما. فلا يصح كونها مجهولة كما في هذا الوعاء أو ما في هذه اليد , ولا كونها غير متقومة كالخمر والخنزير.
ومما يتفرع على شرط العلم بالأجرة: أنه لو استأجر إنسان شخصا بأجر معلوم وبطعامه , أو استأجر دابة بأجر معلوم وبعلفها , لم تجز الإجارة , لأن الطعام أو العلف يصير أجرة , وهو قدر مجهول , فكانت الأجرة مجهولة.(1/106)
اتفق الفقهاء على أن يجب في الأجرة أن تكون مالا معلوما متقوما.
فلا يصح كونها مجهولة كما في هذا الوعاء أو ما في هذه اليد , ولا كونها غير متقومة كالخمر والخنزير , لأنه لا يباح للمسلم الانتفاع شرعا بغير المتقوم. فالأجرة هي عوض في عقد معاوضة , فوجب أن تكون معلومة كالثمن في البيع لأن جهالتها مدعاة للخصام والنزاع , وقد جاءت الشريعة لإزالة أسباب النزاع. والقاعدة الفقهية هي أن كل ما يصلح ثمنا في البيع يصلح أن يكون أجرة في الإجارة.
والأصل في اشتراط العلم بالأجرة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استأجر أجيرا , فليعلمه أجره وكما تكون الأجرة نقدا تكون أيضا عينا.
والعلم بالأجر , قد يكون برؤيته إن كان حاضرا , أما إذا كان غائبا فيلزم معرفة جنسه وقدره وصفته أو معرفة جنسه وعدده إذا كان نقدا , وكذلك معرفة الأجل إذا كان مؤجلا.
ولابد من معرفة مكان إيفاء الأجرة فيما يحتاج لحمل ومؤونة عند أبي حنيفة. وأما عند الصاحبين: فلا يشترط ذلك , ويتعين مكان العقد للإيفاء.
الأجرة بعضها معلوم وبعضها مجهول
ومما يتفرع على شرط العلم بالأجرة: أنه لو استأجر إنسان شخصا بأجر معلوم وبطعامه , أو استأجر دابة بأجر معلوم وبعلفها , لم تجز الإجارة , لأن الطعام أو العلف يصير أجرة , وهو قدر مجهول , فكانت الأجرة مجهولة.
وأجاز المالكية استئجار الأجير للخدمة , والدابة ونحوها بالطعام والكسوة ونحوها , عملا بالمتعارف بين الناس.
كما أجاز جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة استئجار الظئر (المرضع) بطعامها وكسوتها
وذهب صاحبي أبي حنيفة إلى المنع لأن القياس يقتضي عدم جواز هذه الإجارة لجهالة الأجرة وهي الطعام والكسوة. ولكن استحسن أبو حنيفة الجواز بالنص: وهو قوله تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} (البقرة: 233) , فالمولى عز وجل نفى الجناح في الاسترضاع مطلقا. وجهالة الأجرة في تلك الحالة لا تفضي إلى المنازعة , لأن العادة جرت بالمسامحة مع الأظآر والتوسعة عليهن , شفقة على الأولاد , فأشبهت حالة جهالة القفيز من الصبرة.
تردد الأجرة بين أمرين
وكذلك مما يتفرع على شرط العلم بالأجرة , مسألة تردد الأجرة بين أمرين , كأن يقول صاحب عمل لأجير: إن عملت هذا العمل اليوم فأجرتك عشرون ريالا , وإن عملته غدا فأجرتك خمسة عشر ريالا. أو كأن يقول للخياط: إن خطت ذلك الثوب اليوم فلك درهم , وإن خطته غدا فلك نصف درهم. فقد اختلف الفقهاء في ذلك.
فقال المالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد وهي المذهب عند الحنابلة: إن العقد فاسد , وللعامل أجرة المثل إذا عمل. وبهذا قال زفر من الحنفية وإسحاق والثوري وأبو ثور.
وعللوا الفساد بجهالة العوض لاختلافه بالتقديم والتأخير في عقد واحد فلم يعلم قدر الأجرة فكان مجهولا.
وقال أبو حنيفة إن خاطه في اليوم الأول فله شرطه , وإن تأخر فسد العقد وله أجرة المثل بشرط أن لا يزيد على درهم , ولا ينقص عن نصف درهم لأن المؤجر رضي بأحد العوضين في هذا العمل فوجب له أجر مثله في أحدهما.
وقال أبو يوسف ومحمد الشرطان جائزان , وبه قال الإمام أحمد في رواية عنه , وعللوا الجواز بأن ذكر اليوم للتوقيت , وذكر الغد للتعليق , فلا يجتمع في كل يوم تسميتان ولأن التعجيل والتأخير مقصود فنزل منزلة اختلاف النوعين.(1/107)
الأجرة بعض المعمول
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز أن تكون الأجرة بعض المعمول أو بعض الناتج من العمل المتعاقد عليه , لما فيه من غرر.
وأجاز ذلك بعض المالكية , لأنه استأجره على جزء من الطعام معلوم , وأجرة الطحان ذلك الجزء وهو معلوم أيضا.
وذهب الحنابلة إلى جواز ذلك إذا كانت الأجرة جزءا شائعا مما عمل فيه الأجير , تشبيها بالمضاربة والمساقاة.(1/108)
قد تكون الأجرة جزءا محددا من الإنتاج كصاع من الدقيق الذي يطحنه العامل , أو مشاعا من الإنتاج كله كسدس الزيت الذي يعصره.
وقد اختلف الفقهاء في تحقيق مناط شرط العلم بالأجرة وتحديدها , ووجودها على الجزء من الإنتاج.
فمن رأى أن هذا الجزء مجهول غير معين أو معدوم حكم ببطلان الإجارة وهم جمهور الفقهاء , ومن رأى أن هذا الجزء معلوم مقدر موجود عند التعاقد حكم بصحة العقد وهم الحنابلة وبعض المالكية.
الأجرة جزء شائع من الإنتاج
إذا كانت الأجرة جزء شائع من الإنتاج , كأن يتفق عامل وصاحب عمل على أن تكون الأجرة مشاعا من الإنتاج كالثلث أو الربع:
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وهو أحد القولين عند المالكية إلى أن هذه الإجارة باطلة لجهالة الأجرة فيها إذ لا يعلم مقدار الخارج , والصفة التي يخرج عليها , لأن ذلك يختلف باختلاف المادة وكيفية العمل ومهارة العمال.
هذا وقد استدل المانعين لصحة هذا النوع من الإجارة بما روي عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان وقد جاء في تفسير قفيز الطحان بأنه طحن الطعام بجزء منه مطحونا.
والسبب في المنع من ذلك هو عجز المستأجر عن تسليم الأجرة , وهو بعض ما ينتجه الأجير , والقدرة على تسليم الأجرة وقت إبرام العقد شرط في صحة الإجارة.
وعليه كل أجرة تكون بعض ما يخرج من عمل العامل لا تصح عندهم لأنها في معنى قفيز الطحان وقد نهي عنه.
وذهب فقهاء الحنابلة وبعض فقهاء المالكية إلى جواز هذه الإجارة لأن الأجرة بالمشاع من الإنتاج معلومة وليست كما قال غيرهم مجهولة , فالعامل قد شاهد الذي سيعمله , والرؤية أعلى طرق العلم , وإذا رآه فقد علمه , ومن علم شيئا علم جزأه المشاع.
والاختلاف في قدر الخارج منه والصفة التي يخرج عليها اختلاف يسير وغرر مغتفر مثله , فلا يضر لأنه لا يؤدي إلى النزاع ولا يمنع من تنفيذ العقد. وقد قاس الحنابلة ذلك على الشجر في المساقاة والأرض في المزارعة بجامع أن الكل عين تنمى بالعمل , والأجرة بعض الإنتاج.
وناقش المجوزين للإجارة بجزء شائع من الإنتاج قول المانعين واستنادهم في ذلك على حديث النهي عن قفيز الطحان , فقال ابن تيمية إن هذا الحديث باطل لا أصل له , وليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة , ولا رواه إمام من الأئمة , والمدينة النبوية لم يكن بها طحان يطحن بالأجرة , ولا خباز يخبز بالأجرة. وأيضا فأهل المدينة لم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مكيال يسمى القفيز , وإنما حدث هذا المكيال لما فتحت العراق وضرب عليهم الخراج , فالعراق لم يفتح على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا وغيره مما يبين أن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام بعض العراقيين الذين يسوغون مثل هذا قولا باجتهادهم.
كما رد المجوزين أيضا بأنه حتى على احتمال صحة حديث نهي عن قفيز الطحان فإنه ليس فيه نهي عن اشتراط جزء مشاع من الدقيق , بل النهي عن شيء مسمى وهو القفيز أي كيل معلوم.
الأجرة جزء محدد من الإنتاج
إذا كانت الأجرة جزء محدد من الإنتاج كأن يتفق العامل مع صاحب العمل على طحن أردب من القمح بخمسة آصع من دقيقه أو عصر الزيتون بكمية محددة من الزيت الناتج.
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وفي القول الراجح عند الحنابلة إلى عدم جواز هذه الإجارة لأنه يشترط في محل العقد أن يكون موجودا وقت التعاقد على الهيئة التي تم عليها العقد , والأجرة هنا ليست كذلك فالدقيق غير موجود وقت التعاقد على طحنه , والزيت ليس موجودا وقت التعاقد على عصر الزيتون , وهكذا كل أجرة ليست على الهيئة المشروطة حال العقد لا تصح.
وذهب المالكية إلى إجازة هذه الإجارة بشرط عدم الاختلاف في الصفة التي يخرج عليها , بأن يكون كله جيدا أو رديئا , ويكون كل الحب له دقيق , فإن اختلف في الصفة والخروج فلا يجوز للغرر. وهذا هو أيضا قول عند الحنابلة لأن الأجرة معلومة في الجزء المعين , وهو عدد الآصع , وليست مجهولة ولكنها أجزاء هذا القمح أو الزيتون.
وأساس اختلاف الفقهاء هنا هو الاختلاف في تحقيق مناط شرط العلم بالأجرة وتحديدها , ووجودها على الجزء المحدد من الإنتاج , فمن رأى أن هذا الجزء مجهول غير معين أو معدوم حكم ببطلان الإجارة وهم الحنفية ومن معهم , ومن رأى أن هذا الجزء معلوم القدر موجود عند التعاقد حكم بصحة العقد وهم المالكية وقول عند الحنابلة.(1/109)
مقابل الخلو
يجوز أخذ ما يسمى بالفروغ أو مقابل الخلو , وهو مبلغ مقطوع زائد عن الأجرة الدورية , إذا كان ضمن مدة الإيجار المتفق عليها.(1/110)
إن ما يؤخذ اليوم مما يسمى بالفروغ أو مقابل الخلو جائز إذا كان ضمن مدة الإيجار المتفق عليها , كما صرح فقهاء الشافعية والحنفية والمالكية في التنازل عن الوظائف أو الاختصاص بعوض وبغير عوض.
أما بعد انتهاء المدة الإيجارية أو أثناء امتداد الإجارة بقوة القانون الجائر من غير رضا المالك المؤجر أو كانت الإجارة طويلة أكثر من المقرر فقها , فلا يجوز أخذ الفروغ إلا برضا المالك.
وهذا ما أخذ به مجمع الفقه الإسلامي في جدة في القرار التالي رقم (6) في الدورة الرابعة حيث ورد فيها الآتي:
إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوا) فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع , على أن يعد جزءا من أجرة المتفق عليها , وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.
إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة , فإن بدل خلو هذا جائز شرعا , لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
أما إذا انقضت مدة الإجارة , ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له , فلا يحل بدل الخلو , لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد , لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية , فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا , مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول , ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.
على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة , طبقا لما تسوغه بعض القوانين , لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر , ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك.
أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة , فلا يحل بدل الخلو , لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.(1/111)
الأجرة منفعة
يجوز عند جمهور الفقهاء أن تكون الأجرة منفعة.
واشترط الحنفية في ذلك ألا تكون من جنس المعقود عليه.(1/112)
اتفق الفقهاء على جواز أن تكون الأجرة منفعة يقدمها صاحب العمل للعامل مقابل عمله , كمن يصلح سيارة مقابل أن يصلح الآخر مذياعه , أو كمن يعمل عند آخر مقابل تأمين السكن والملابس والمواصلات المعلومة له , وقد تكون المنفعة تامة وقد تكون جزءا من الأجرة.
ولكن اختلف الفقهاء بعد ذلك في شرط اختلاف المنافع.
فأجاز جمهور الفقهاء أن تكون الأجرة منفعة من جنس المعقود عليه أي من جنس المنفعة التي يلتزم بأدائها العامل كإجارة السكنى بالسكنى , والخدمة بالخدمة , والركوب بالركوب , والزراعة بالزراعة وغيرها , كما أجازوا أن تكون الأجرة من غير جنس المنفعة المعقود عليها كإجارة السكنى بالخدمة وغيرها. واستدل الجمهور على ذلك بقوله تعالى في قصة موسى {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} ففي هذه الآية الكريمة دليل على جواز أن تكون الأجرة منفعة , لأن النكاح جعل عوضا في الإجارة , وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه.
ويقول الشيرازي ويجوز إجارة المنافع من جنسها ومن غير جنسها , لأن المنافع في الإجارة كالأعيان في البيع. ثم الأعيان يجوز بيع بعضها ببعض فكذلك المنافع.
وخلافا للجمهور منع ذلك الحنفية , واشترطوا ألا تكون الأجرة منفعة من جنس المعقود عليه بل يجب اختلاف المنفعة في الجنس كإجارة السكنى بالخدمة. أما إن اتحد جنس المنفعة كإجارة السكنى بالسكنى , والخدمة بالخدمة , والركوب بالركوب , والزراعة بالزراعة فهذا يكون على حكم الربا عندهم وهو غير جائز. فالحنفية يعتبرون اتحاد الجنس وحده صالحا لتحريم العقد في ربا النسيئة. وتطبيق المبدأ في الإجارة: هو أن انعقاد هذا العقد عندهم ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنفعة , فتكون المنفعة وقت العقد معدومة , فيتأخر قبض أحد العاقدين , فيتحقق ربا النساء.(1/113)
لزوم الإجارة
اتفق الفقهاء على أن عقد الإجارة عقد لازم , فلا ينفرد أحد المتعاقدين بفسخه إلا لمقتض تنفسخ به العقود اللازمة من ظهور العيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة وذهب الحنفية إلى أنها تفسخ كذلك بالأعذار الطارئة على المستأجر.(1/114)
اتفق الفقهاء على أن عقد الإجارة عقد لازم لأنه من عقود المعاوضات التي يتم فيها مبادلة مال بمنفعة , واللزوم أصل في المعاوضات كما هو مقرر عند العلماء.
واستدل الفقهاء لذلك بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} وهذا دليل لزوم العقد إذ الفسخ من جانب واحد ليس من الوفاء بالعقد.
ولكن قال الفقهاء أن عقد الإجارة يفسخ لسببين: العيوب والأعذار.
فسخ عقد الإجارة بالعيوب
المقصود بالعيب هو ما تنقص به المنفعة ويظهر به تفاوت في الأجرة , واتفق الفقهاء أنه متى حدث عيب يخل بالانتفاع كان المستأجر بالخيار بين الإبقاء على الإجارة ودفع كامل الأجرة وبين فسخها , كما إذا حدث بالدابة المؤجرة مرض أو عرج أو حدث خلل أو عطل في محرك السيارة أو انهدم بعض بناء الدار وغير ذلك من العيوب في إجارة منافع الأعيان , وكذلك مثل أن يحصل في إجارة منافع الأشخاص ضعف في البصر أو جنون أو برص للشخص المستأجر للخدمة.
والشرط في جواز فسخ العقد للعيب هو تأثيره في المنافع أما إذا لم يؤثر فيها بالنقص فلا يثبت حق الفسخ , ويستوي في ذلك حدوث العيب قبل العقد أو بعده لأن عقد الإجارة على المنافع وهي تحدث شيئا فشيئا , فإذا حدث العيب بالشيء المستأجر , كان هذا عيبا قبل القبض فيوجب الخيار كما في عقد البيع.
فالشرط لبقاء عقد الإجارة لازما هو إذن سلامة العين المؤجرة عن حدوث عيب يخل بالانتفاع بها. فإذا حدث عيب ولكنه زال قبل أن يفسخ المستأجر العقد بأن صح المريض مثلا أو زال العرج عن الدابة أو بني المؤجر ما سقط من الدار , ففي هذه الحالة يبطل خيار المستأجر بالفسخ لأن الموجب للخيار قد زال , والعقد قائم فيزول الخيار.
والمستأجر يمارس الفسخ إذا كان المؤجر حاضرا أثناء الفسخ فإن كان غائبا فحدث بالشيء المستأجر ما يوجب الفسخ فليس للمستأجر الفسخ , لأن فسخ العقد لا يجوز إلا بحضور العاقدين أو من يقوم مقامهما. أما في حالة سقوط الدار أو انهدامها , فللمستأجر أن يخرج منها , سواء أكان المؤجر حاضرا أم غائبا , وهذا دليل الانفساخ.
فسخ عقد الإجارة بالأعذار
معنى العذر هو عجز العاقد عن المضي في موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق بالعقد.
والفرق بين العيب والعذر يتمثل في كون العيب هو ما ينقص منافع العين المعقود عليها بحيث لا تعد صالحة للانتفاع , أما العذر فهو الذي لا ينقص من المنافع ولكن يترتب على تنفيذ العقد معه ضرر على أحد العاقدين.
وخلافا عن جمهور العلماء الذين قالوا بأن الإجارة عقد لازم كالبيع , والعقود اللازمة لا يجوز فسخها بالعذر , فلا تفسخ الإجارة عندهم إلا بوجود عيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة.
ذهب الحنفية إلى أن الإجارة تفسخ بالأعذار لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر , فلو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد. قال ابن عابدين كل عذر لا يمكن معه استيفاء المعقود عليه إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله , يثبت له حق الفسخ.
والحنفية قسموا الأعذار الموجبة للفسخ إلى ثلاثة أنواع:
1 عذر من جانب المستأجر:
مثل إفلاس المستأجر , أو انتقاله من الحرفة إلى الزرعة أو من الزراعة إلى التجارة , أو من حرفة إلى أخرى لأن المفلس أو المنتقل من عمل لا ينتفع به إلا بضرر , لا يجبر على البقاء في الحرفة الأولى مثلا , ومثله السفر أي انتقال المستأجر عن البلد , لأن في إبقاء العقد مع السفر ضررا به.
ويترتب عليه: أنه إذا لم يحصل النفع للمستأجر إلا بضرر يلحقه في ملكه أو بدنه , فله فسخ الإجارة , كما إذا استأجر رجل صباغا لتنظيف ثياب وكيها أو خياطتها , أو دارا له , أو ليقطع شجرا , أو ليزرع أرضا أو ليحدث في ملكه شيئا من بناء أو حفر , أو ليحتجم أو يفتصد , أو يقلع ضرسا له ونحو ذلك , ثم بدا له ألا يفعل فله أن يفسخ الإجارة ولا يجبر على شيء مما ذكر لأنه تبين له ألا مصلحة له في العمل , فبقي الفعل ضررا في نفسه. . .
2 عذر من جانب المؤجر:
مثل لحوق دين فادح به لا يجد طريقا لقضائه إلا ببيع الشيء المأجور وأدائه من ثمنه.
هذا إذا ثبت الدين قبل الإجارة بالبينة أو بالإقرار , أو ثبت بعد عقد الإجارة بالبينة , وكذا بالإقرار عند أبي حنيفة لأن الظاهر أن الإنسان لا يقر بالدين على نفسه كاذبا.
وقال الصاحبان: لا يقبل ثبوت الدين بالإقرار بعد الإجارة , لأنه متهم في هذا الإقرار.
ومثل أن يشتري المؤجر شيئا ثم يؤجره , ثم يطلع على عيب به , فله أن يفسخ الإجارة , ويرده بالعيب.
ولا يعد السفر أو النقلة عن البلد عذرا للمؤجر يبيح له فسخ الإجارة على عقار , لأن استيفاء منفعة العقار في غيبته لا ضرر عليه فيه.
وأما مرض الحمال والجمال بحيث يضره الحمل , فيعد عذرا في رأي أبي يوسف لأن غير الحمال أو الجمال لا يقوم مقامهما على الدابة أو الإبل إلا بضرر , والضرر لا يستحق بالعقد وهو الراجح.
ويرى محمد في كتاب (الأصل) أن مرض الجمال لا يعد عذرا , لأن خروج الجمال بنفسه مع الإبل غير مستحق بالعقد فإن له أن يبعث غيره معها.
ولعل هذا الرأي بالنسبة لسائق السيارة في عصرنا هو الراجح , لأنه لا يشترط سائق معين.
عذر راجع للعين المؤجرة أو الشيء المأجور:
مثال الأول: أن يستأجر رجل حماما في قرية ليستغله مدة معلومة , ثم يهاجر أهل القرية , فلا يجب عليه الأجر للمؤجر.
ومثال الثاني: أن يوجر رجل خادمه (عبده) سنة , فلما مضت ستة أشهر أعتق العبد , وأبى الخدمة فيكون العبد مخيرا بين الإبقاء على الإجارة أو فسخها.(1/115)
جاء في القوانين الفقهية لابن جزي ص 274 - 275
يشترط في المستأجر والأجير ما يشترط في المتبايعين , ويكره أن يؤاجر المسلم نفسه من كافر. ويشترط في الأجرة والمنفعة ما يشترط في الثمن والمثمون على الجملة. وأما على التفصيل فيشترط في الأجرة أن تكون معلومة , خلافا للظاهرية , ولا يجب تقديم الأجرة بمجرد العقد , وإنما يستحب تقديم جزء من الأجرة باستيفاء ما يقابله من المنفعة.
وأما المنفعة فيشترط فيها:
الأول - أن تكون معلومة إما بالزمان كالمياومة والمشاهرة , وإما بغاية العمل كخياطة الثوب , ولا يجوز أن يجمع بينهما , لأنه قد يتم العمل قبل الأجل أو بعده , وإذا استأجر على رعاية غنم بأعيانها لزمه رعاية الخلف عند ابن القاسم.
الثاني - أن تكون المنفعة مباحة , لا محرمة , ولا واجبة.
أما المحرم فلا يجوز إجماعا , وأما الواجب كالصلاة والصيام فلا تجوز الأجرة عليه وتجوز الإجارة على الإمامة مع الأذان والقيام بالمسجد , لا على الصلاة بانفرادها , ومنعها ابن حبيب مفترقا ومجتمعا , وأجازها ابن الحكم مفترقا ومجتمعا.
وقال القرافي في الفروق (3 / 4)
متى اجتمعت في المنفعة ثمانية شروط ملكت بالإجارة , ومتى انخرم منها شرط لا تملك:
الأول - الإباحة: احترازا من الفن وآلات الطرب ونحوها.
الثاني - قبول المنفعة للمعاوضة: احترازا من النكاح.
الثالث - كون المنفعة متقومة: احترازا من التافه الحقير الذي لا يقابل بالعوض , واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب , فمنعه ابن القاسم ومثله في عصرنا تجفيف طيات القمر الدين.
الرابع - أن تكون مملوكة: احترازا من الأوقاف على السكنى , كبيوت المدارس والخوانق.
الخامس - ألا يتضمن استيفاء عين: احترازا من إجارة الأشجار لثمارها , أو الغنم لنتاجها واستثني من ذلك إجارة المرضع للبنها للضرورة في الحضانة.
السادس - أن يقدر على تسليمها: احترازا من استئجار الأخرس للكلام.
السابع - أن تحصل للمستأجر: احترازا من العبادات , والإجارة عليها كالصوم ونحوه.
الثامن - كونها معلومة: احترازا من المجهولات من المنافع , كمن استأجر آلة لا يدري ما يعمل بها , أو دارا مدة غير معلومة.
فهذه الشروط إذا اجتمعت جازت المعاوضة , وإلا امتنعت.
وجاء في المنهاج للنووي ومغني المحتاج (2 / 332 - 334)
شرط الركن الأول - وهو المؤجر والمستأجر: كبائع ومشتر
وشرط الركن الثاني - وهو الصيغة: كونها بنحو آجرتك هذا أو أكريتك أو ملكتك منافعه سنة بكذا , فيقول: قبلت أو استأجرت أو اكتريت. والأصح انعقادها بقوله: آجرتك منفعتها , ومنعها بقوله: بعتك منفعتها.
وهي قسمان: واردة على عين كإجارة العقار ودابة أو شخص معينين , وعلى الذمة كاستئجار دابة موصوفة , وبأن يلزم ذمته خياطة أو بناء.
ولو قال: استأجرتك لتعمل لي كذا , فإجارة عين , وقيل: ذمة. ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في مجلس العقد , وإجارة العين لا يشترط فيها ذلك. ويجوز فيها التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة. وإذا أطلقت تعجلت.
وشرط الركن الثالث - وهو الأجرة:
كون الأجرة التي في الذمة معلومة جنسا وقدرا وصفة كالثمن في البيع , فإن كانت معينة , كفت مشاهدتها إن كانت على منفعة معينة على المذهب , أو في الذمة على الأصح.
فلا تصح إجارة الدابة بنحو العلف , ولا يصح استئجار سلاخ ليسلخ الشاة بالجلد الذي عليها , ولا طحان على أن يطحن البر مثلا ببعض الدقيق منه كربعه , أو بالنخالة منه للجهل بثخانة الجلد وبقدر الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على الأجرة حالا.
وشروط الركن الرابع وهو المنفعة خمسة:
الأول - كون المنفعة متقومة: فلا يصح استئجار بياع على كلمة لا تتعب , وإن روجت السلعة.
وفي الإحياء لا يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء ينفرد به بمعرفته , إذ لا مشقة عليه في التلفظ به. وكذا دراهم ودنانير للتزيين للحوانيت ونحوها , وكلب معلم للصيد ونحوه كحراسة ماشية أو زرع أو درب , لا يجوز استئجار كل من ذلك في الأصح في الجمع , لأن منفعة التزيين بالنقود غير متقومة فلا تقابل بمال بخلاف إعارتها للزينة , والكلب لا قيمة لعينه , فكذا لمنفعته.
الثاني - كون المؤجر قادرا على تسليمها حسا أو شرعا , ليتمكن المستأجر منها. والقدرة على التسليم تشمل ملك الأصل وملك المنفعة.
فلا يصح استئجار آبق ومغصوب وأعمى للحفظ , وأرض للزراعة لا ماء لها دائم , ولا يكفيها المطر المعتاد.
ويجوز بالماء الدائم وبالمطر المعتاد , وماء الثلوج المجتمعة , والغالب حصولها في الغالب.
والامتناع الشرعي كالحسي , فلا يصح استئجار لقلع سن صحيحة , ولا حائض لخدمة المسجد , ولا منكوحة لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج في الأصح.
ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة كألزمت ذمتك الحمل إلى مكة أو شهر كذا. ولا يجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة.
ويجوز كراء العقب في الأصح: وهو أن يؤجر دابة رجلا ليركبها بعض الطريق , أو رجلين ليركب هذا أياما , وذا أياما , ويبين البعضين , ثم يقتسمان.
الثالث - كون المنفعة في كل من إجارة العين أو الذمة فيما له منافع كدار معلومة عينا وصفة وقدرا , ثم تارة تقدر بزمان كدار سنة , وتارة بعمل كدابة إلى مكة وكخياطة ذا الثوب , فلو جمعها , فاستأجره ليخيطه بياض النهار , لم يصح في الأصح. ويقدر تعليم القرآن بمدة أو تعيين سور , وفي البناء يبين الموضع والطول والعرض والسمك , وما يبني به إن قدر بالعمل.
الرابع - يشترط في إجارة دابة لركوب معرفة الراكب بمشاهدة أو وصف تام , ومعرفة ما يركب عليه من محمل وغيره إن كان له.
الخامس - يشترط في إجارة العين تعيين الدابة , وفي إجارة الذمة ذكر الجنس والنوع والذكورة أو الأنوثة.
ويشترط فيهما بيان قدر السير كل يوم , إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة فينزل عليها.
ويجب في الإيجار للحمل أن يعرف المحمول وجنسه إن كان غائبا , لاختلاف تأثيره في الدابة. كما في الحديد والقطن , فإن الحديد يثقل في محل أقل من القطن والقطن يعمها ويتثاقل بالريح. فلو قال مئة رطل مما شئت , صح , وبدون: مما شئت , ويكون رضا منه بأقل الأجناس.
وقال في منار السبيل لابن ضويان الحنبلي (1 / 383 - 386)
شروط الإجارة ثلاثة:
أ - معرفة المنفعة:
لأنها المعقود عليها , فاشتراط العلم بها كالبيع , مثل بناء حائط يذكر طوله وعرضه , وسكنى دار شهرا وخدمة آدمي سنة , لأنها معلومة بالعرف فلا تحتاج لضبط.
ب - معرفة الأجرة:
قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا , ولأنه عوض في عقد معاوضة فاعتبر علمه كالثمن وعن أبي سعيد مرفوعا: نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره رواه أحمد.
ج - وكون النفع مباحا:
فلا تجوز على المنافع المحرمة , كالغناء والزمر والنياحة , ولا إجارة داره لتجعل كنيسة , أو بيت نار , أو يبيع فيها الخمر ونحوه , لأنه محرم , فلم تجز الإجارة لفعله , كإجارة الأمة للزنا.
ويشترط كون النفع يستوفى دون الأجزاء:
فلا يجوز عقد الإجارة على ما تذهب أجزاؤه بالانتفاع به , كالمطعوم والمشروب والشمع ليشعله , والصابون ليغسل به , لأن الإجارة عقد على المنافع , فلا تجوز لاستيفاء العين. ولا يصح إجارة ديك ليوقظه للصلاة. نص عليه. لأنه غير مقدور عليه.
فتصح إجارة كل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه , كالدور والحوانيت والدواب , إذا قدرت منفعته بالعمل كركوب الدابة لمحل معين , لأنها منفعة مقصودة. أو قدرت بالأمد , وإن طال حيث كان يغلب على الظن بقاء العين إلى انقضاء مدة الإجارة.
هذا قول عامة أهل العلم , قاله في الشرح , لقوله تعالى {على أن تأجرني ثماني حجج} الآية (القصص: 27) .
ثم قالوا كالشافعية: الإجارة ضربان:
الأول - على عين:
فإن كانت موصوفة , اشترط فيها استقصاء صفات السلم , لاختلاف الأغراض باختلاف الصفات , ولأن ذلك أقطع للنزاع , وأبعد عن الغرر , فإن لم توصف أدى إلى التنازع.
الثاني - على منفعة في الذمة:
فيشترط ضبطها بما لا يختلف , كخياطة ثوب بصفة كذا , أو بناء حائط بذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته , وحمل شيء يذكر جنسه وقدره , وأن الحمل لمحل معين , لما تقدم.(1/116)
تسليم العين المؤجرة
في إجارة الأعيان يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمعقود عليه , وذلك بتسليمه العين.
أما في إجارة الأعمال فإن قيام الأجير بالعمل (وهو المؤجر لخدماته) هو التزامه بالتسليم.(1/117)
يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمعقود عليه , وذلك بتسليمه العين حتى انتهاء المدة أو قطع المسافة.
ويشمل التسليم توابع العين المؤجرة التي لا يتحقق الانتفاع المطلوب إلا بها حسب العرف.
ويترتب على أن التسليم تمكين من الانتفاع أن ما يعرض أثناء المدة مما يمنع الانتفاع بغير فعل المستأجر يكون على المؤجر إصلاحه , كعمارة الدار وإزالة كل ما يخل بالسكن , مع ملاحظة ما سبق من اشتراط القدرة على التسليم واشتراط بيان المنفعة وتحديدها.
وفي إجارة العمل يكون الأجير هو المؤجر لخدماته , وقيام الأجير بالعمل هو التزامه بالتسليم.
فإن كان العمل يجري في عين تسلم للأجير - وهو أجير مشترك - كان عليه تسليم المأجور فيه بعد قيامه بالعمل. وإن كان العمل لا يجري في عين تسلم للأجير فإن مجرد قيامه بالعمل المطلوب يعتبر تسليما , كالطبيب أو السمسار , وإن كان الأجير خاصا كان تسليم نفسه للعمل في محل المستأجر تسليما معتبرا.(1/118)
إصلاح العين المؤجرة
إن المؤجر ملزم بإصلاحات العين المؤجرة المتعلقة بالعين , والمستأجر ملزم بما يحدث من فعله.(1/119)
قد تحتاج الدار المؤجرة مثلا في مدة الإيجار إلى بعض الإصلاحات , كتطيين الجدران , وانسداد مجاري المياه , وتعطل الأدوات الصحية للماء , وانقطاع تيار الكهرباء , فمن هو الملتزم بالإصلاح والترميم؟
ذهب الحنفية إلى أن المؤجر صاحب الدار هو الملزم وحده دون المستأجر بتطيين الجدران وإصلاح ميازيب الدار وما ينهدم ويسقط من بنائها حتى تكون صالحة للانتفاع لأن الدار ملك للمؤجر , وإصلاح الملك يكون على المالك , لكن لا يجبر على الإصلاح لأن المالك لا يجبر على إصلاح ملكه وإنما يثبت للمستأجر الخيار في فسخ الإجارة لأن هذا الخلل يعتبر عيبا في المعقود عليه.
وكذلك على المؤجر إصلاح دلو الماء والبئر والبالوعة والمخرج , وإن امتلأ من فعل المستأجر لكن لا يجبر عليه , لما ذكر.
وأما المستأجر: فيلزم برفع التراب الذي يحدث من كنسه إذا انقضت مدة الإجارة , لأن التراب حدث بفعله , فصار كتراب وضعه في الدار.
والقياس يقضي بأن المستأجر هو المطالب بنقل ما يمتلئ به المخرج والبالوعة , لأن الملء حدث بفعله فيلزمه نقله كالكناسة والرماد , إلا أن الحنفية استحسنوا وجعلوا نقله على صاحب الدار أخذا بالعرف والعادة , لأن العادة بين الناس أن ما كان مغيبا في الأرض , فنقله على صاحب الدار.
فإن أصلح المستأجر شيئا مما ذكر يكون متبرعا به , ولا يحتسب له , لأنه أصلح ملك غيره بغير طلب منه ولا ولاية عليه فإن فعل ذلك بطلب المؤجر أو نائبه احتسب له.(1/120)
ضمان العين المستأجرة وضمان الأجير
يد المستأجر على العين المستأجرة في إجارة المنافع تعتبر يد أمانة , فلا يضمن ما يتلفه بيده إلا بالتعدي أو بالتقصير في الحفظ , وكذلك يد الأجير الخاص يد أمانة لا يضمن إلا بالتعدي والتقصير.
أما يد الأجير المشترك فهي يد أمانة عند جماعة من الفقهاء وذلك قياسا على الأجير الخاص وعلى مستأجر العين وذهب آخرون إلى أن يده يد ضمان لما في ذلك من حماية لأموال الناس خاصة في وقت قلت فيه الأمانة وضعف الوازع الديني.
هذا وتتغير صفة الأمانة عند الفقهاء إلى الضمان في حالة ترك الحفظ , والإتلاف والإفساد , ومخالفة شرط المؤجر نصا أو دلالة.(1/121)
ضمان العين المستأجرة
إذا استأجر رجل شيئا للانتفاع به كدار أو سيارة , فإن يد المستأجر على العين المستأجرة في إجارة المنافع تعتبر يد أمانة , فلا يضمن ما يتلفه بيده إلا بالتعدي أو بالتقصير في الحفظ , ويتقيد في الانتفاع بمقتضى العقد وبما شرط فيها أو جرى به العرف.
ضمان الأجير الخاص
أما الأجير الخاص (وهو الذي يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة , وإن لم يعلم) كالخادم في المنزل والأجير في المحل , فاتفق أئمة المذاهب الأربعة على أنه لا يكون ضامنا العين التي تسلم إليه للعمل فيها لأنه يده يد أمانة , كالوكيل والمضارب كما إذا استأجر إنسان خياطا أو حدادا مدة يوم أو شهر ليعمل له وحده , فلا يضمن العين التي تهلك في يده ما لم يحصل منه تعد أو تقصير في حفظه سواء تلف الشيء في يده أو أثناء عمله.
ضمان الأجير المشترك
وأما الأجير المشترك (وهو الذي يعمل لعامة الناس , أو هو الذي يستحق الأجرة بالعمل لا بتسليم النفس , كالصانع والصباغ والقصار ونحوهم) فقد اتفق الفقهاء على أنه يضمن إذا تعدى أو فرط ولكنهم اختلفوا في تضمينه في حالة عدم التعدي وعدم التقصير:
فذهب جماعة من الفقهاء إلى عدم تضمين الأجير المشترك وتكون يده يد أمانة كالأجير الخاص , فلا يضمن ما تلف عنده إلا بالتعدي أو التقصير , وهذا هو قول أبو حنيفة وزفر والحسن بن زياد والحنابلة في الصحيح من مذهبهم , وأيضا في القول الصحيح للشافعية.
ودليلهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه فإذا جعلناه ضامنا أخذنا ماله بغير رضاه دون سبب شرعي ولأن الأصل ألا يجب الضمان إلا بالاعتداء لقوله تعالى: {فلا عدوان إلا على الظالمين} (البقرة: 193) ولم يوجد التعدي من هذا الأجير لأنه مأذون في القبض والهلاك ليس هو سببا فيه , وإذا لم يوجد التعدي لا ضمان.
كما أنهم قاسوا الأجير المشترك على الأجير الخاص وكذلك على مستأجر العين , فتكون يده يد أمانة مثلهما.
وذهب جماعة من الفقهاء إلى تضمين الأجير المشترك فقال الصاحبان وأحمد في رواية أخرى: يد الأجير المشترك يد ضمان , فهو ضامن لما يهلك في يده , ولو بغير تعد أو تقصير منه , إلا إذا حصل الهلاك بحريق غالب عام , أو غرق غالب ونحوهما.
قال البغدادي عن بعض كتب الحنفية: وبقول الصالحين يفتى اليوم لتغير أحوال الناس , وبه يحصل صيانة أموالهم.
كما ذهب المالكية إلى أنه يضمن الأجير المشترك الذي يؤثره الأعيان بصنع , ما تلف بيده ولو بغير تعد أو تقصير , إذا كان الشيء مما يغاب عليه (أي يمكن إخفاؤه) فالقصار ضامن لما يتخرق بيده , والطباخ ضامن لما أفسده من طبيخه , والخباز ضامن لما أفسده من خبزه , والحمال يضمن ما يسقط من حمله عن رأسه , أو تلف أثناء عثرته , والجمال يضمن ما تلف بقيادته وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به بعيره , والملاح يضمن ما تلف من يده , أو مما يعالج به السفينة وكذلك يضمن الأجير عند الإمام مالك الطعام الذي يحمله إذا كانت تتشوق النفس إلى تناوله سدا للذرائع.
ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى ترده والعامل أخذ العين فوجب عليه ردها أو ضمانها.
وأيضا جاء عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه كان يضمن الصباغ والصواغ , ويقول: لا يصلح الناس إلا ذلك.
كما روى الشعبي عن أنس رضي الله عنه قال: استحملني رجل بضاعة فضاعت من بين متاعي فضمنها عمر رضي الله عنه.
وكذلك قضى الخلفاء الراشدين بتضمين الصناع وإن لم يتعدوا ذلك أن التضمين من المصالح العامة فوجب أن يكون مشروعا لأن الصناع يسهل عليهم التصرف فيما تحت أيديهم ويدعون هلاكه , ففي تضمينهم حفظ لأموال الناس وصيانته.
ما يغير صفة الشيء من أمانة إلى ضمان
إذا كان الشيء المأجور , كثوب الصباغة والخياطة والمتاع المحمول في السفينة أو على الدابة يعتبر أمانة في يد الأجير , فذلك بحسب الأصل العام عند أبي حنيفة ومن وافقه.
وبناء عليه , فقد تتغير صفة الأمانة إلى الضمان في الأحوال التالية:
أولا - الحفظ:
أي أن الأجير يهمل في حفظ المتاع , فيلتزم بضمانه , لأن الأجير لما قبض المأجور فقد التزم حفظه , وترك الحفظ موجب للضمان , كالوديع إذا ترك حفظ الوديعة حتى ضاعت.
ثانيا - الإتلاف والإفساد:
إذا تعدى الأجير , بأن تعمد الإتلاف أو بالغ في دق الثوب مثلا , ضمن سواء أكان الأجير مشتركا أم خاصا.
وإن لم يكن الأجير متعديا في الإفساد , بأن أفسد الثوب خطأ بعمله من غير قصده: فإن كان الأجير خاصا , لم يضمن اتفاقا.
وإن كان الأجير مشتركا , كالقصار إذا دق الثوب فتخرق , أو ألقاه في المواد الكيماوية فاحترق , أو كالملاح إذا غرقت السفينة من عمله , أو الحمال إذا سقط على الأرض وفسد الحمل , أو الراعي المشترك إذا ساق الدواب فضرب بعضها بعضا في حال سوقه حتى هلك بعضها , ففي كل هذه الحالات يكون الهالك مضمونا عند أبي حنيفة وصاحبيه لأن العمل المأذون فيه هو العمل المصلح لا المفسد , لأن العاقل لا يرضى بإفساد ماله , ولا يلتزم الأجرة بمقابلة الفاسد , فيتقيد الأمر بما يصلح دلالة.
وذهب الشافعية وزفر إلى أن الأجير في تلك الحالات لا يضمن ما لم يحصل منه تعد أو تقصير في عمله لأن عمله مأذون فيه في الجملة.
وإذا لم يكن مأذونا فيه فلا يمكنه التحرز عن هذا الفساد , لأنه ليس في وسعه القيام بأصل مهمته إلا بحرج , والحرج منفي.
فالبزاغ والفصاد والختان ومثلهم الطبيب الجراح , إذا كانوا يقومون بعملهم , ثم سرى أثر العمل إلى تلف النفس والموت فلا ضمان عليهم , لأنه ليس في وسعهم الاحتراز من ذلك.
ثالثا - مخالفة المستأجر شرط المؤجر نصا أو دلالة:
تكون المخالفة هذه سببا لوجوب الضمان , وللمخالفة صور وهي إما في الجنس أو القدر أو الصفة أو المكان أو الزمان.
وتحدث المخالفة عادة إما في استئجار الدواب ومثلها السيارات , وإما في استئجار الصناع.
أ - استئجار الدواب:
في حالة استئجار الدواب إما أن يكون ضرر الدابة من جهة الخفة والثقل , أو بسبب اختلاف الجنس.
فإذا كان ضرر الدابة من ناحية الخفة والثقل:
فإن كان الشيء المحمول مثل المتفق عليه مع المؤجر أو أخف , فلا شيء على المستأجر بهلاك الدابة لأن التعيين بشيء محمول لا فائدة منه , وليس هناك مخالفة في المعنى في تحميل مثل الشيء أو دونه.
وإن كان الشيء المحمول أثقل من المتفق عليه:
فإن كان بخلاف جنسه بأن حمل مكان الشعير الحنطة , فعطبت الدابة , فهو ضامن قيمتها ولا أجر عليه لأنها هلكت بفعل غير مسموح به من المؤجر , ولأن الأجر والضمان لا يجتمعان , لأن وجوب الضمان لصيرورته غاصبا , ولا أجرة على الغاصب.
وإن كان الشيء المحمول الذي هو أثقل من جنس المتفق عليه , بأن حمل أحد عشر رطلا مثلا , مكان عشرة أرطال , فإن سملت الدابة , فعليه ما سمي من الأجرة , ولا ضمان عليه.
وإن عطبت ضمن جزءا من أحد عشر جزءا من قيمة الدابة , وعليه الأجر الذي سمي , لأن الدابة ماتت بفعل مأذون فيه وغير مأذون فيه , فيقسم التلف على قدر ذلك أي أحد عشر جزءا , ويضمن بقدر الزيادة.
وإذا كان ضرر الدابة , لا من حيث الثقل والخفة وإنما بسبب اختلاف الجنس
وذلك كأن يستأجر رجل دابة ليحمل عليها قنطارا من قطن , فحمل عليها قنطارا من حديد أو أقل فتلفت الدابة , فيضمن قيمتها لأن ثقل القطن ينبسط على ظهر الدابة , وأما ثقل الحديد فيتجمع في موضع واحد , فيكون أنكى لظهر الدابة وأعقر لها , فلم يكن مأذونا فيه , فصار غاصبا , فيضمن ولا أجرة لما ذكر سابقا.
ويترتب عليه: أنه لو استأجر رجل دابة ليركبها بنفسه , فأركبها غيره ممن هو مثله في الثقل , أو أخف منه , ضمن قيمتها بالتلف لأن المحافظة هاهنا , لا من جهة الخفة والثقل , بل من حيث الخدمة والعلم , فالناس يختلفون فيها اختلافا واضحا.
ولو استأجر دابة ليركبها بنفسه , فأركب معه غيره , فعطبت , فهو ضامن لنصف قيمتها إذا كانت الدابة مما يمكن أن يركبها اثنان , لأن التلف حصل بركوبهما المشتمل على مأذون فيه وغير مأذون فيه , فإن كانت الدابة لا تطيق أن يركبها اثنان , فيضمن جميع قيمتها , لأنه أتلفها بإركاب غيره.
وإن كانت المخالفة في المكان:
وذلك كأن يستأجر دابة للركوب أو للحمل إلى مكان معلوم , فجاوز المكان , فيضمن كل القيمة.
وأما المخالفة في الزمان:
وذلك كان يستأجر دابة ليركبها أو يحمل عليها مدة معلومة , فانتفع بها زيادة على المدة , فعطبت في يده , فيضمن القيمة أيضا , لأنه صار غاصبا بالانتفاع بها فيما وراء المدة المحدودة.
واستئجار السيارات كالدواب , مع مراعاة العرف والعادة وتقدير الخبراء , في جعل الضرر مظنونا أو غالبا أو متيقنا في حال زيادة الوزن , أو كون الحمل عاليا يعرض السيارة للانقلاب , أو لتجاوز مسافات كثيرة , أو متابعة السير عليها ليلا ونهارا , بحيث يحمى المحرك , فكل ذلك يكون سببا للضمان.
ب - استئجار الصناع:
وأما استئجار الصناع: كالحائك والخائط والصباغ ونحوهم.
ففي حالة المخالفة في الجنس:
وهو كأن يسلم إنسان ثوبا إلى صباغ ليصبغه لونا معينا , فصبغه بلون آخر: يكون صاحب الثوب بالخيار: إن شاء ضمن الصباغ قيمة الثوب , وإن شاء أخذ الثوب , وأعطى الصباغ ما زاد الصبغ فيه.
ومثله أن يسلم رجل قماشا , خياطا ليخيطه قميصا , فخاطه معطفا مثلا , يكون صاحب القماش بالخيار بين أن يضمن الخياط قيمة القماش , أو أن يأخذ المخيط , ويعطى أجر المثل.
وأما المخالفة في الصفة:
وهو كأن يسلم صباغا ثوبا ليصبغه بصبغ معين , فصبغه بصبغ آخر من جنس اللون المتفق عليه , فيكون صاحب الثوب أيضا مخيرا بين تضمين قيمة الثوب أو أخذه وإعطاء أجر المثل.
وكذلك الخلاف في القدر: مثل أن يسلم شخص غزلا إلى حائك ينسجه بغلظ معين , ثخين أو رفيع , فخالف بالزيادة أو بالنقصان , يكون صاحب الثوب حال الزيادة مخيرا بين تضمين مثل الغزل , أو أخذ استحقاق الأجرة وتملكها المسمى.(1/122)
استحقاق الأجرة وتملكها
يذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأجرة تملك بالعقد ولكن لا تستقر إلا باستيفاء المنافع شيئا بعد شيء بينما يرى الحنفية والمالكية أن الأجرة لا تملك بالعقد وإنما تلزم جزءا فجزءا بحسب ما يقبض من المنافع.
واتفق الفقهاء على أن للعاقدين أن ينظما طريقة دفع الأجرة , فلهما أن يتفقا على تعجيلها , أو تأجيلها , أو دفعها على دفعات (تنجيمها) .
غير أن هناك حالات يرى فيها الشافعية والحنابلة وجوب تعجيل الأجرة لكي لا يؤول العقد إلى بيع الدين بالدين كما إذا كانت الإجارة في الذمة , أو لاجتناب الغرر والنزاع كما في حالة كون الأجرة عينا معينة.(1/123)
يرى الحنفية والمالكية أن عقد الإجارة على المنافع يثبت حكمه شيئا فشيئا , على حسب حدوث ووجود محل العقد وهو المنفعة , لأنها تحدث أو تستوفي شيئا فشيئا.
وارتأى الشافعية والحنابلة أنه يثبت حكم الإجارة في الحال , وتجعل مدة الإجارة في موجودة تقديرا , كأنها أعيان قائمة.
ويترتب على هذا الخلاف ما يأتي:
أن الأجرة تثبت الملكية فيها بمجرد العقد إذا أطلق عند الشافعية والحنابلة لأن الإجارة عقد معاوضة , والمعاوضة إذا كانت مطلقة عن الشرط تقتضي الملك في العوضين عقب العقد , كما يملك البائع الثمن بالبيع.
وأما تأجيل الأجرة وتعجيلها عند الشافعية والحنابلة: فهو أنه إذا كانت الإجارة إجارة ذمة , فيشترط فيها تسليم الأجرة في مجلس العقد , لأنها بمثابة رأس المال في عقد السلم , كأن يقول المستأجر: أسلمت إليك عشرة دنانير في جمل صفته كذا , يحمل لي متاعي إلى جهة كذا أو يقول: استأجرت منك سيارة بكذا. . الخ لأن تأخير الأجرة حينئذ من باب بيع الدين بالدين , وهو لا يجوز.
وأما إذا كانت الإجارة إجارة عين: فإن كانت الأجرة فيها معينة , مثل استأجرتك لتخدمني سنة بهذا الجمل أو بهذه السلعة , فإنه لا يصح تأجيلها لأن تأجيل الأعيان فيه غرر , فقد تتلف الأجرة أو تتغير أوصافها فيكون ذلك مدعاة للخصام والنزاع وإن كانت الأجرة في الذمة , كأن يقول: بجمل صفته كذا , أو بكتاب بوصف كذا , فيجوز تأجيلها وتعجيلها. وفي حالة الإطلاق يجب تعجيلها , كما في عقد البيع , يصح بثمن حال أو مؤجل.
أما عند الحنفية والمالكية فلا تملك الأجرة بنفس العقد وإنما تلزم جزءا فجزءا , بحسب ما يقبض من المنافع , فلا يستحق المؤجر المطالبة بها إلا تدريجيا يوما فيوما , لأن المعاوضة المطلقة عن الشرط إذا لم يثبت الملك فيها في أحد العوضين , لا يثبت في العوض الآخر , لأن المساواة في العقود مطلوبة بين المتعاقدين.
ومتى تجب الأجرة وتملك عند الحنفية والمالكية؟
تجب الأجرة وتملك كلها بأحد أمور ثلاثة:
الأول - بأن يشترط تعجيلها في نفس العقد.
الثاني - بتعجيلها من غير شرط: لأن تأخير التزام المستأجر بالأجرة ثبت حقا له , فيملك إبطاله بالتعجيل , كما لو كان عليه دين مؤجل , فعجله.
الثالث - باستيفاء المعقود عليه: وهو المنافع شيئا فشيئا , أو بالتمكين من الاستيفاء بتسليم العين المؤجرة إلى المستأجر , وتسليم المفتاح أيضا , لأن المستأجر يملك حينئذ المعوض , فيملك المؤجر العوض في مقابلته , تحقيقا للمعاوضة المطلقة وتسوية العاقدين في حكم العقد.
واذا تم الاتفاق بين العاقدين على أن الأجرة لا تجب إلا بعد انقضاء مدة الإجارة , فهو جائز , لأنه يكون تأجيلا للأجرة بمنزلة تأجيل الثمن.
وأما إذا لم يشترط في العقد شيء فالقول المشهور المتأخر الذي استقر عليه الإمام أبو حنيفة وهو قول الصاحبين: أن الأجرة تجب حالا فحالا , كلما مضى يوم يسلم المستأجر أجرته , لأن الأجرة تملك على حسب ملك المنافع , وملك المنافع يحدث شيئا فشيئا على مر الزمان , فتملك الأجرة شيئا فشيئا بحسب ما يقابلها.
وبما أن هذه القاعدة توجب تسليم الأجرة ساعة فساعة , وهو أمر متعذر , فتقدر الأجرة باليوم أو بالمرحلة استحسانا.(1/124)
ضمانات الوفاء بالأجرة
إذا كانت الأجرة مؤجلة في إجارة الأشخاص , فإن للمؤجر (وهو الأجير) حبس ما وقع عليه العقد حتى يستوفي الأجرة عند الحنفية والمالكية وفي قول للشافعية , لأن عمله ملكه فجاز له حبسه لأن المنافع في الإجارة كالمبيع في البيع.
ولا يحق له ذلك في القول الآخر عند الشافعية وهو مذهب الحنابلة لأنه لم يرهن العين عنده.
ولكل صانع لعمله أثر في العين أن يحبس العين لاستيفاء الأجر عند من أجاز له الحبس , وكل صانع ليس لعمله أثر في العين فليس له أن يحبسها عندهم لأن المعقود عليه نفس العمل وهو قائم في العين فلا يتصور حبسه خلافا للمالكية حيث أثبتوا له حق الحبس.(1/125)
لما كان أداء الأجرة التزاما يفرضه عقد الإجارة على عاتق المستأجر وهو رب العمل في إجارة الأشخاص , فإن الشارع قد منح العامل أو الأجير بعض الضمانات التي تعاونه في الحصول على هذه الأجرة.
وأهم هذه الضمانات هو حقه في حبس السلعة التي بيده , والتي سلمت إليه للعمل فيها حتى يستوفى أجرته. وكذلك حق حامل المتاع أو الناقل في حبس البضاعة أو المتاع الذي سلم إليه لنقله حتى يستوفى أجرته , كما أن بعض الفقهاء يمنح الناقل والعامل حقا في التقدم على غيره من دائني المستأجر في استيفاء أجرته إذا عجزت أموال المستأجر عن الوفاء بجميع ديونه.
وقسم الفقهاء العامل إلى صانع له أثر في العين كالصباغ والخياط والنجار ونحوهم , وصانع ليس لعمله أثر في العين كالحمال الذي يحمل على رأسه أو دابته أو سفينته.
فإذا كان العامل له أثر في العين المستأجر على عملها فقد اختلف الفقهاء في حكم حبس العين ضمانا للوفاء بالأجرة:
فذهب المالكية والحنفية (أبو حنيفة وصاحبيه) وفي قول للشافعية إلى أنه يجوز حبس العين حتى يستوفي الأجرة سواء كان المستأجر مفلسا أو غير مفلس , لأن عمل العامل من خياطة ونحوها ملك له , وقد اتصل بالعين اتصالا لا يمكن انفكاكه فجاز له حبسه على العوض كالمبيع في يد البائع.
وذهب خلاف ذلك زفر من الحنفية وفي قول للشافعية , وهو قول الحنابلة إذا لم يفلس المستأجر , فلا يجوز عندهم حبس العين للأجرة. وقد استدل هؤلاء بأن الأجرة في الذمة ولم يشترط رهن العين فيها , فلا يملك حبسها بدون إذن أو شرط رهن.
ومن ثم فإن العامل يفقد كل أساس شرعي لحبس العين عن مالكها في أجرته , إذ أن هذا الحبس لا يكون إلا برضا مالك المال , أو نص من الشرع.
أما إذا كان العامل ليس في عمله أثر في العين كأن يستأجر على الحمل مثلا , فقد اختلف الفقهاء أيضا في حكم حبس العامل لما استؤجر على العمل فيه في هذه الحالة حتى يقبض الأجرة إلى قولين:
فقال الحنفية والشافعية والحنابلة لا يحبس للأجر من لا أثر لعمله كالحمال والملاح لأن المعقود عليه نفس العمل وهو عرض يفنى , ولا يتصور بقاؤه , وليس له أثر يقوم مقامه , فلا يتصور حبسه.
وقال المالكية للعامل حبس ما حمل , أو عمل فيه حتى يستوفي أجره لأنه بائع منفعته فكان أحق بما عمل فيه في الموت والفلس.
ولأن العامل تسلم العمل بيده , فصار كأنه سلعة مبيعة بيده , فللعامل الحق في حبس ما تسلمه حتى يقبض الأجرة كالبائع يحبس السلعة حتى يتسلم الثمن.(1/126)
إيجار المستأجر العين لآخر
جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والأصح عند الحنابلة على جواز إيجار المستأجر إلى غير المؤجر الشيء الذي استأجره وقبضه في مدة العقد , ما دامت العين لا تتأثر باختلاف المستعمل , وقد أجازه كثير من فقهاء السلف سواء أكان بمثل الأجرة أم بزيادة.
وقد اختلف الفقهاء في إجارة العين المستأجرة للمؤجر نفسه , فأجاز ذلك المالكية والشافعية ومنعها الحنفية.(1/127)
إيجار المستأجر لغير المؤجر
ذهب المالكية والشافعية إلى جواز إيجار المستأجر لغير المؤجر , سواء كانت الأجرة الثانية مساوية أم زائدة أم ناقصة لأن الإجارة بيع , فله أن يبيعها بمثل الثمن أو بزيادة أو بنقص كالبيع ووافقهم أحمد في أصح الأقوال عنده.
وذهب الحنفية إلى جواز الإجارة الثانية إن لم تكن الأجرة فيها من جنس الأجرة الأولى , للمعنى السابق.
أما إن اتحد جنس الأجرتين فإن الزيادة لا تطيب للمستأجر.
وعليه أن يتصدق , وصحت الإجارة الثانية لأن الفضل فيه شبهة.
أما إن أحدث زيادة في العين المستأجرة فتطيب الزيادة لأنها في مقابلة الزيادة المستحدثة.
وذهب الحنابلة في قول ثان لهم إلى أنه إن أحدث المستأجر الأول زيادة في العين جاز له الزيادة في الأجر دون اشتراط اتحاد جنس الأجر أو اختلافه , وسواء أذن له المؤجر أو لم يأذن.
وللإمام أحمد قول ثالث أنه إن أذن المؤجر بالزيادة جاز , وإلا فلا.
فجمهور الفقهاء يجيزونه بعد القبض على التفصيل السابق.
أما قبل القبض فيجوز عند المالكية مطلقا عقارا كان أو منقولا , بمساو أو بزيادة أو بنقصان , وهو غير المشهور عند الشافعية وأحد الوجهين عند الحنابلة , لأن المعقود عليه هو المنافع , وهي لا تصير مقبوضة بقبض العين فلا يؤثر فيها القبض.
وفي المشهور عند الشافعية ووجه آخر عند الحنابلة: لا يجوز كما لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه.
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى جواز ذلك في العقار دون المنقول.
وذهب محمد إلى عدم الجواز مطلقا.
وهذا الخلاف مبني على اختلافهم في جواز بيع العقار قبل قبضه.
وقيل إنه لا خلاف بينهم في عدم جواز ذلك الإجارة.
إيجار المستأجر للمؤجر
وأما إجارة العين المستأجرة للمؤجر فالمالكية والشافعية يجيزونها مطلقا , عقارا أو منقولا , قبل القبض أو بعده , وهو أحد وجهين للحنابلة.
والوجه الثاني لهم أنه لا يجوز قبل القبض , بناء على عدم جواز بيع ما لم يقبض.
ومنع الحنفية إيجارها للمؤجر مطلقا , عقارا كان أو منقولا قبل القبض أو بعده , ولو بعد مستأجر آخر.(1/128)
انتهاء الإجارة
تنتهي الإجارة بالإقالة , أو هلاك العين المؤجرة المعينة لا في الذمة , وبانقضاء المدة إلا لعذر باتفاق الفقهاء.
وقال الحنفية أن الإجارة تنتهي كذلك بموت أحد العاقدين خلافا لما ذهب إليه جمهور الفقهاء لأن الإجارة عند الجمهور عقد لازم.(1/129)
انتهاء الإجار بموت أحد العاقدين
تنتهي الإجارة عند الحنفية بالموت , لأن الإرث يجرى في الموجود المملوك. وبما أن المنافع في الإجارة تحدث شيئا فشيئا , فتكون عند موت المورث معدومة , فلا تكون مملوكة له. وما لم يملكه يستحيل توريثه , فيحتاج عقد الإجارة للتجديد مع الوارث , حتى يصير العقد قائما مع المالك. ولو مات الوكيل بالعقد , لا تبطل الإجارة لأن العقد لم يقع له , وإنما هو مجرد عاقد عن غيره ولو ماتت الظئر (المرضع) أو الصبي , انتقضت الإجارة , لأن كل واحد منهما معقود له.
وذهب الجمهور إلى أنه لا ينفسخ عقد الإيجار بموت أحد العاقدين , لأنه عقد لازم كالبيع , أي أن المستأجر ملك المنافع بالعقد دفعة واحدة , ملكا لازما , فيورث عنه ولكن تنفسخ الإجارة بموت الظئر أو الصبي , لفوات المنفعة بهلاك محلها وهو الظئر , ولتعذر استيفاء المعقود عليه , لأنه لا يمكن إقامة غير هذا الصبي مقامه.
انتهاء الإجارة بالإقالة
تنتهي الإجارة بالإقالة (فسخ العقد برضا الطرفين) لأن الإجارة معاوضة مال بمال , فكانت محتملة للإقالة كالبيع. وهذا متفق عليه.
انتهاء الإجارة بهلاك العين المؤجرة
تنتهي الإجارة بالهلاك كالدار أو الدابة أو السيارة المعنية , وهلاك المؤجر عليه , كالثوب المؤجر للخياطة أو القصارة , لوقوع اليأس عن استيفاء المعقود عليه بعد هلاكه , فلم يصر في بقاء العقد فائدة. وهذا متفق عليه.
فإن كانت الإجارة على دواب بغير أعيانها للحمل أو الركوب , فتسلم المستأجر الدواب , فهلكت , لا تبطل الإجارة. وعلى المؤجر أن يأتي بغيرها لتحمل المتاع , وليس له أن يفسخ العقد , لأن الإجارة وقعت على منافع في الذمة , ولم يعجز المؤجر عن وفاء ما التزمه بالعقد , وهو حمل المتاع إلى موضع كذا. وهذا باتفاق المذاهب الأربعة.
قال الزيلعي أخذا برأي الإمام محمد بن الحسن والأصح أن الإجارة لا تنفسخ في هذه الحالة , لأن المنافع قد فاتت على وجه يتصور عودها وساحة الدار بعد انهدام البناء يتأتى فيها السكنى بنصب فسطاط (خيمة) ونحوها.
ويظهر أن هذا الرأي عند الحنفية هو الأصح , أي أن الإجارة لا تنفسخ بالقوة القاهرة , كانهدام الدار كلها , بدليل ما قال صاحب الدر المختار , وأيده ابن عابدين لو خربت الدار سقط كل الأجر , ولا تنفسخ به , ما لم يفسخها المستأجر , وهو الأصح. وأضاف ابن عابدين قائلا: وبانهدام الدار كلها , للمستأجر الفسخ بغيبة المؤجر , ولا تنفسخ ما لم يفسخ هو الصحيح , لصلاحيتها لنصب الفسطاط.
انتهاء الإجارة بانقضاء المدة
تنتهي الإجارة بذلك , لأن الثابت إلى غاية ينتهي عند وجود الغاية فتنفسخ الإجارة بانتهاء المدة , إلا إذا كان هناك عذر , بأن انقضت المدة , وفي الأرض زرع لم يستحصد , فإنه يترك إلى أن يستحصد بأجر المثل , وانتهاء الإيجار بانقضاء المدة في الجملة متفق عليه بين الفقهاء.(1/130)
الهبة(1/131)
تعريف الهبة
الهبة بالمعنى العام هي تبرع بمال لمصلحة الغير حال الحياة.
والهبة تشمل الهدية والصدقة فإن قصد منها طلب التقرب إلى الله تعالى بإعطاء محتاج فهي صدقة وإن حملت إلى مكان المهدى إليه إعظاما له وتوددا , فهي هدية وإلا فهي هبة.(1/132)
تتميز الهبة عن الصدقة بكون الصدقة يقصد فيها المتبرع وجه الله تعالى , وعادة ما تكون للمحتاج بينما الهبة يقصد بها الواهب وجه الموهوب له. فقد ورد وفد لثقيف من أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهدية أم صدقة؟ فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله فقالوا: لا بل هدية فقبلها منهم.
كما تتميز الهبة عن الهدية بأن القصد في الهدية يتجه إلى إكرام المهدى إليه , بينما في الهبة يراعى وجهه بصفة عامة وبهذا تكون الهدية أعلى أنواع الهبة.
والهدف من الهبة: الإحسان وتمتين روابط المحبة بين الناس وذاك مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية
فقد قال الله عز وجل {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات: 10)(1/133)
مواهب الجليل (ج 49) .
الهبة لا لثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطى بغير عوض والصدقة كذلك لوجه الله بدل وجه المعطى والهبة كذلك مع إرادة الثواب من الله صدقة.
المجموع (ج 15 ص 375)
التمليك إن كان لعين بغير عوض من غير احتياج كان هبة فإن كان عن احتياج فصدقة.
حاشية الشرقاوي على متن الطلاب (ج 2 ص 115)
الهبة تمليك تطوع في حياة ثم إن ملك (الواهب) لاحتياج أو لثواب آخرة , فصدقة أو نقله للمتهب إكراما فهدية.
المغني (ج 5 ص 649)
من أعطى شيئا يتقرب به إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة ومن دفع إلى إنسان شيئا للتقرب إليه والمحبة له فهو هدية وجميع ذلك مندوب إليه.(1/134)
دليل مشروعية الهبة
حض الإسلام مالك المال على الهبة منه , وقد ورد ذلك في نصوص الوحي من الكتاب والسنة , كما انعقد الإجماع على استحباب الهبة لما فيها من تأليف القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس.(1/135)
الدليل من الكتاب
قول الله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب} (البقرة: 177) .
قول الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} (النساء: 4) .
الدليل من السنة
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. رواه البخاري
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بلغه معروف من أخيه , من غير مسألة , ولا إشراف نفس (أي تطلع) , فليقبله , ولا يرده , فإنما هو رزق ساقه الله إليه. صحيح ابن حبان (ج 5 ص 171)
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن جارة أن تهدي لجارتها ولو فرسن شاة أي ظلفها. رواه الشيخان والترمذي
وقد قبل رسول الله هدية الكفار. فقبل هدية كسرى وهدية قيصر وهدية المقوقس. كما أهدى هو الكفار الهدايا والهبات.
الدليل من الإجماع
كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي ويهدى إليه , وكذلك كان أصحابه يفعلون.
وقد انعقد الإجماع على استحباب الهبة وهي للأقارب أفضل لأن فيها صلة رحم.(1/136)
البيان والتحصيل (ج 13 ص: 364)
وسئل مالك عن الرجل يعطي الشيء يوصل به , أيستحب له أخذه , أم تركه؟ قال: بل تركه أفضل له إن كانه عنه غنيا إلا أن يخشى الهلاك ويكون محتاجا , فلا أرى بذلك بأسا.
قال محمد بن رشد وهذا كما قال: إن الأفضل له الأولى به: ألا يأخذه , وأن يتركه إذا لم يكن محتاجا إليه.(1/137)
الوصف الفقهي للهبة
الهبة بالمعنى الخاص عقد تبرع يفيد تمليك العين في الحياة , فهي تختلف عن الإعارة والوصية والإبراء.
وإذا كانت الهبة في مقابلة عوض مالي (هبة الثواب أو الهبة بشرط العوض) فهي تعد عند جمهور الفقهاء بيعا ويجري فيها حكم البيع.(1/138)
الهبة بالمعنى الخاص تفيد تمليك العين للغير حال الحياة
فإذا وهب الإنسان ماله لغيره لينتفع به ولم يملكه إياه فهذه ليست هبة حقيقية , وهي تسمى هبة المنافع أو الإعارة , إذ أن الهبة ترد على العين والإعارة ترد على المنفعة فقط. وإذا وهب الإنسان دينه للمدين نفسه , فهذه كذلك ليست هبة حقيقية , وهي تسمى هبة الدين أو الإبراء , إذ أن الهبة ترد على العين والإبراء يرد على الدين.
وإذا وهب الإنسان ماله لغيره وأضاف ذلك إلى ما بعد الموت , فهذه أيضا ليست هبة حقيقية , وهي تسمى الوصية , إذ أن الهبة تصرف في الحياة والوصية تضاف إلى ما بعد الموت.
ويعتبر جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن هبة الثواب تكون بيعا أي أنها تملك بمجرد تمام العقد ولا تحتاج لقبض الموهوب , وبذلك لا تنفذ فيها تصرفات الواهب إلا بإجازة الموهوب له.
ويرى الحنفية أن هبة الثواب هبة ابتداء بيع انتهاء أي أنه تتوفر فيها خصائص الهبة في البداية فتحتاج لقبض المحل لتصبح لازمة , وبعد القبض تتوفر فيها خصائص البيع من الرجوع بالعيب والاستحقاق وحق الشفعة فيما إذا كان الموهوب للثواب عقارا مشتركا ووهب أحد الشركاء نصيبه.(1/139)
بداية المجتهد (ج 8 ص 215)
وأما هبة الثواب فاختلفوا فيها ,. .
وسبب الخلاف: هل هي بيع مجهول الثمن , أو ليس بيعا مجهول الثمن؟
فمن رآه بيعا مجهول الثمن قال: هو من بيوع الغرر التي لا تجوز , ومن لم ير أنها بيع مجهول قال: يجوز , وكأن مالكا جعل العرف فيها بمنزلة الشرط وهو ثواب مثلها.
القوانين الفقهية (ص: 242)
هبة الثواب: على أن يكافئه الموهوب له , وهي جائزة , والموهوب له مخير بين قبولها أو ردها , فإن قبلها فيجب أن يكافئه بقيمة الموهوب , ولا يلزمه الزيادة عليها ; ولا يلزم الواهب قبول ما دونها , وحكم هبة الثواب كحكم البيع يجوز فيها ما يجوز في البيوع ويمتنع فيها (هبة الثواب) ما يمتنع فيها (البيوع) من النسيئة وغير ذلك.
المدونة (ج 6 ص 79 و 128)
قلت لعبد الرحمن بن القاسم أرأيت لو أن رجلا وهب لرجل هبة على أن يعوضه , فتغيرت الهبة في يد الموهوب له بزيادة أو نقصان بدن قبل أن يعوضه , فأراد هذا الموهوب له ألا يعوضه , وأن يرد الهبة؟
قال: قال مالك ليس ذلك له , ويلزم له قيمتها.
قلت: أرأيت إن وهبت هبة للثواب , فأخذت العوض فأصاب الموهوب له بالهبة عيبا , أله أن يرجع في عوضه , ويرد الهبة؟
قال: نعم لأن الهبة على العوض بيع من البيوع , يصنع فيها وفي العوض ما يصنع بالبيع.
بدائع الصنائع (ج 6 ص 132)
وأما العوض المشروط في العقد , فإن قال: وهبت لك هذا الشيء , على أن تثيبني هذا الثوب , فقد اختلف في ماهية هذا العقد:
قال أصحابنا الثلاثة: (أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني والحسن بن زياد الكوفي) إن عقده عقد هبة , وجوازه جواز بيع , وربما عبروا: أنه هبة ابتداء بيع انتهاء. حتى لا يجوز في المشاع الذي ينقسم , ولا يثبت الملك في واحد منهما قبل القبض ولكل واحد منهما أن يرجع في سلعته , ما لم يقبضا ,. . ولو تقابضا كان ذلك بمنزلة البيع يرد كل واحد منهما بالعيب , وعدم الرؤية , ويرجع في الاستحقاق , وفي الشفعة إذا كان غير منقول.
وقال زفر رحمه الله , عقده عقد بيع , وجوازه جواز بيع ابتداء وانتهاء , وتثبت فيه أحكام البيع , فلا يبطلا بالشيوع , ويفيد الملك بنفسه , من غير شريطة القبض ولا يملكان الرجوع.
وجه قول (زفر) أن معنى البيع موجود في هذا العقد لأن البيع تمليك العين بعوض , وقد وجد. إلا أنه اختلفت العبارة , واختلافها لا يوجب اختلاف الحكم , كلفظ البيع مع لفظ التمليك.
ولنا أنه وجد في هذه العقد لفظ الهبة , ومعنى البيع , فيعطى شبه العقدين , فيعتبر فيه القبض والحيازة عملا بشبه الهبة , ويثبت فيه حق الرد بالعيب وعدم الرؤية وحق الشفقة عملا بشبه البيع عملا بالدليلين بقدر الإمكان والله عز وجل أعلم.
المجموع (ج 15 ص 386)
(إن) شرط فيه (عقد الهبة) ثوابا معلوما , ففيه قولان: -
أحدهما: يصح , لأنه تمليك مال بمال , فجاز كالبيع , فعلى هذا يكون كبيع بلفظ الهبة , فيه الربا والخيار , وجميع أحكامه. -
والثاني: أنه باطل لأنه عقد لا يقتضي العوض فبطل شرط العوض.
وإن شرط (الواهب) فيه ثوابا مجهولا بطل قولا واحدا لأنه شرط العوض ولأنه شرط عوضا مجهولا.
المغني (ج 5 ص 685)
فإن شرط في الهبة ثوابا معلوما صح نص عليه أحمد لأنه تمليك بعوض معلوم فهو كالبيع وحكمه حكم البيع في ضمان الدرك (العيب أو الاستحقاق) وثبوت الخيار والشفعة
فأما إن شرط ثوابا مجهولا , لم يصح وفسدت الهبة , وحكمها حكم البيع الفاسد , يردها الموهوب له بزيادتها المتصلة والمنفصلة ; لأنه نماء ملك الواهب.(1/140)
الحكم التكليفي للهبة
يستحب هبة المال وبذله لما فيه من إيجاد التآلف والتحاب والهبة للأقارب أفضل لأن فيها صلة الرحم.
كما يستحب أخذ الهبة والمكافأة عليها وعدم ردها.
ولكن حرم الإسلام بعض أنواع الهبات والهدايا التي تكون لغرض خسيس غير مشروع مثل هدية الشفاعة وهدية العمال والرشوة.(1/141)
يستحب هبة المال
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى إعطاء الهدية , فهو يقول صلى الله عليه وسلم: تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر (أي الحقد) .
كما يقول صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا كما يقول صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن جارة أن تهدي لجارتها ولو فرسن شاة أي ظلفها. رواه الشيخان والترمذي
يستحب أخذ الهبة
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في قبول الهدية وعدم ردها , فهو يقول صلى الله عليه وسلم: من بلغه معروف من أخيه , من غير مسألة , ولا إشراف نفس (أي. تطلع) , فليقبله , ولا يرده , فإنما هو رزق ساقه الله إليه. صحيح ابن حبان (ج 5 ص 171)
ويقول صلى الله عليه وسلم: لو أهدي إلي كراع (وهو ما دون الكعب من الدابة) لقبلت. ولو دعيت عليه لأجبت. رواه أحمد والترمذي
يستحب المكافأة على الهدية
ويستحب المكافأة على الهدية لما رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعطي عطاء فوجد (أي سعة من المال) فليجزه , ومن لم يجد فليثن , فإن من أثنى فقد شكر , ومن كتم فقد كفر , ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور رواه أبو داود والترمذي.
بعض أنواع الهبات المحرمة
ويثاب الإنسان على هبته بقدر نيته , هل هي لغرض التحبب إلى الناس وتقوية روابط الود أم هي لغرض الوصول إلى هدف غير مشروع.
فقد حرم الإسلام الرشوة لأنها أكل لأموال الناس بالباطل , فالرشوة لا تعطى بقصد الإكرام وإنما لطلب فعل الجرائم أو المساعدة على المنكرات.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم يظهر فيهم الربا , إلا أخذوا بالسنة , وما من قوم يظهر فيهم الرشا , إلا أخذوا بالرعب رواه أحمد.
كما حرم الإسلام هدايا العمال وهي ما يقدم لصاحب منصب في الدولة تقربا من الشخص لا لمزايا شخصية ولا لصداقة , ولكن فقط لأنه صاحب منصب , فهي في الواقع تقرب من المنصب.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: ما بال العامل نبعثه , فيجيء , فيقول: هذا لكم وهذا أهدى لي , ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فلينظر: هل يهدى له أم لا؟ سنن أبي داود.
كما حرم الإسلام هدية الشفاعة وقد سماها الرسول (بابا عظيما من أبواب الربا) .
يقول صلى الله عليه وسلم: من شفع لأخيه شفاعة , فأهدى له هدية عليها فقبلها , فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا. سنن أبي داود. ذلك أن الإسلام يجعل من مساعدة المظلومين ومهضومي الحقوق واجبا يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومن الطبيعي ألا يؤخذ على الواجب أجر.(1/142)
أقسام الهبة
تتميز بعض الأنواع من الهبات بسمات تجعلها خليقة باسم خاص بها , داخل عموم الهبة.
ونجد من بين هذه الأنواع: الصدقة , الهدية , النحلة , هبة الثواب , العمرى ,. . .
وتنفرد هذه الأنواع بخصائص تميزها عن غيرها من الهبات.(1/143)
الصدقة
تتميز الصدقة عن باقي الهبات: أن نية المتصدق تتجه نحو القربى إلى الله عز وجل ونيل ثواب الآخرة , ولذلك يطلب من المتصدق أن تظل العلاقة في نطاق السرية بين الله عز وجل وعبده.
يقول الله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (البقرة: 271) .
ويحث الإسلام على صدقة التطوع يقول الله سبحانه وتعالى:
{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم} (الحديد: 11) .
وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال التي دفعت صدقة بالأموال المملوكة للمتصدق , بينما سمى الأموال التي تبقى خارج نطاق الصدقة بأموال الورثة , وحذر المسلم أن يفقد توازنه فيحب مال الورثة أكثر مما يحب ماله هو: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله , ما منا أحد إلا ماله أحب إليه , قال: فإن ماله ما قدم , ومال وارثه ما أخر. صحيح البخاري
وتكون القربى إلى الله مضاعفة إذا كانت الصدقة على الأقارب. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة , وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة. سنن الترمذي
ويشترط لثبات أجر الصدقة ألا تكون فيها منة على المتصدق عليه , ولا إذاية بقول أو تعريض.
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} (البقرة: 264) .
وقد جعل الإسلام الاستفادة من الصدقة مشروطة بعجز المستفيد عن العمل , أو بعجزه عن كفايته , لظروف تخرج عن إرادته.
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة لغني , ولا لذي مرة سوي (أي القوي السليم الأعضاء والعقل) . سنن الترمذي
الهدية
إن صفة الإكرام لشخص المهدى إليه هي التي تميز الهدية عن هبات أخرى مشابهة.
فالهدية هي هبة يقصد بها إكرام الشخص إما محبة له , وإما لصداقة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تهادوا تزدادوا حبا. نيل الأوطار (ج 5 ص 390)
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول الهدية مهما كان مقدارها ومهما كان نوعها حرصا على تنمية روح التواصل الاجتماعي.
وقد خاطب صلى الله عليه وسلم مؤمنات النساء فقال: يا نساء المسلمات , لا تحقرن إحداكن أن تهدى لجارتها , ولو كراع شاة محرقا.
ويستحب المكافأة على الهدية
لما رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وفي لفظ ابن أبي شيبة ويثيب ما هو خير منها. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليقابل الجميل بمثله حتى لا يكون لأحد عليه منة.
النحلة
استعمل المغاربة والأندلسيون اسم النحلة للهبة إذا كانت للأولاد.
ولا خلاف بين جمهور العلماء في أن التسوية في الهبة للأبناء مستحبة لما رواه الإمام مسلم عن النعمان بن بشير قال:
تصدق أبي علي ببعض ماله , فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا , قال: اتقوا الله , واعدلوا في أولادكم كما جاء قوله صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية , ولو كنت مؤثرا لآثرت النساء على الرجال رواه البيهقي.
وقد اختلف الفقهاء في حكم التسوية في الهبة للأولاد , هل هو الوجوب أم الندب؟
فقال جمهور العلماء: لا تجب التسوية بل تندب , ويصح تفضيل بعض الورثة ولكن مع الكراهة , وحملوا الأمر بالتسوية في الأحاديث على الندب.
وقال جماعة من الفقهاء (وهم الإمام أحمد والثوري وطاوس وإسحاق وبعض المالكية) : تجب التسوية بين الأولاد في الهبة , وتبطل الهبة مع عدم المساواة عملا بظاهر الأمر في الأحاديث الذي يقتضي الوجوب مثل قوله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله وقوله اعدلوا بين أولادكم.
واختلف القائلون بالتسوية في الهبة للأولاد في كيفية ذلك. فقال بعضهم العدل أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين على حسب التوريث , وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وتكون الهبة لهما بالتسوية وهو ظاهر الأمر في الحديث.
هبة الثواب
هي هبة يشترط فيها الواهب: أن يحصل على عوض من الموهوب له , مقابل ما وهب له ; وهي جائزة لدى المذاهب الأربعة.
ومثال ذلك أن يقول الواهب: (وهبت لك هذا القلم على أن تعوضني هذا الثوب) .
ويعتبر جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن هبة الثواب تكون بيعا , أي أنها تملك بمجرد تمام العقد ولا تحتاج لقبض الموهوب , وبذلك لا تنفذ فيها تصرفات الواهب إلا بإجازة الموهوب له.
ويرى الحنفية أن هبة الثواب هبة ابتداء بيع انتهاء , أي أنه تتوفر فيها خصائص الهبة في البداية فتحتاج لقبض الموضوع لتصبح لازمة , وبعد القبض تتوفر فيها خصائص البيع من الرجوع بالعيب والاستحقاق وحق الشفعة فيما إذا كان الموهوب للثواب عقارا مشتركا ووهب أحد الشركاء نصيبه.
ويجب لدى الشافعية والحنفية والحنابلة أن يكون العوض في هبة الثواب معلوما كالعوض في البيوع , فإذا كان مجهولا , بطلت الهبة وكانت من نوع الجهالة في البيع بينما لا يشترط المالكية هذا الشرط , ويكتفون بدلالة العرف الذي يوجب عوض المثل , فدلالة العرف بمنزلة الشرط الصريح.
العمرى
العمرى هي نوع من الهبة , وهي أن يهب إنسان آخر شيئا مدى عمره كأن يقول مالك المال (وهو المعمر) للموهوب له (وهو المعمر) : هذا المال لك عمرك , أو مدة حياتك , أي أنه إذا مات الموهوب له عاد المال للواهب أو لورثته.
وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والشافعية أن العمرى تمليك للذات لا للمنفعة فهي من هبة العين لا من هبة المنافع لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر فكرة الاسترداد بعد وفاة المعمر له باطلة , فأثبت في العمرى ملك اليمين الدائم للمعمر له ما دام حيا ثم من بعده لورثته الذين يرثون أملاكه , إن كان له ورثة. فإن لم يكن له ورثة كانت لبيت المال , ولا يعود إلى المعمر شيء منها قط.
فعن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعمر عمرى فهي له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه من بعده.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العمرى جائزة. أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أبي سلمة عن جابر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: العمرى لمن وهبت له.
كما أنه قال صلى الله عليه وسلم أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع للذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
أما الإمام مالك فيرى: أن العمرى هي من قبيل هبة المنافع لا الرقبة وأن المعمر (الواهب) يسترد ماله عند نهاية الانتفاع بموت الموهوب له , أو بموت عقبه إذا كانت العمرى له ولعقبه.(1/144)
المغني (ج 5 ص 664 - 668)
يجب على الإنسان التسوية بن أولاده في العطية , إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطية , أو فاضل بينهم أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر.
وقال مالك والليث والثوري والشافعي وأصحاب الرأي: ذلك جائز. .
ولنا ما روى النعمان بن بشير قال: تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي: عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجاء أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي فقال: أكل ولدك أعطيت مثله؟ قال: لا , قال: فاتقوا الله , واعدلوا في أولاكم. قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة , وفي لفظ قال: فاردده. وفي لفظ: فارجعه. وفي لفظ: لا تشهدني على جور. وفي لفظ: فاشهد على هذا غيري. وفي لفظ: سو بينهم.
وهو حديث صحيح متفق عليه , وهو دليل على التحريم , لأنه سماه جورا وأمر برده , وامتنع من الشهادة عليه , والجور حرام والأمر يقتضي الوجوب.
بدائع الصنائع (ج 6 ص 127)
ينبغي للرجل أن يعدل بين أولاده في النحل لقوله سبحانه وتعالى {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (النحل: 90)
وأما كيفية العدل بينهم فقد قال أبو يوسف العدل في ذلك: أن يسوي فيما بينهم في العطية , ولا يفضل الذكر على الأنثى , وقال محمد العدل بينهم: أن يعطيهم على سبيل الترتيب في المواريث: للذكر مثل حظ الأنثيين. . .
ولو نحل بعضا , وحرم بعضا , جاز من طريق الحكم (القضاء) , لأنه تصرف في خالص ملكه , لا حق لأحد فيه , إلا أنه لا يكون عدلا سواء كان المحروم فقيها تقيا , أو جاهلا فاسقا.(1/145)
صيغة الهبة
تصح الهبة بالإيجاب والقبول بأي لفظ يفيد تمليك المال بلا عوض , كما تصح بالفعل الذي يدل عليها.
وذهب بعض الأحناف إلى أن الإيجاب كاف لانعقاد الهبة , والقبول إنما هو فقط لترتيب الآثار لا للوجود.(1/146)
تتكون الصيغة من الإيجاب والقبول والتطابق بينهما.
فالإيجاب: هو العرض الذي يصدر من المالك بالتنازل عن الملكية.
والقبول هو الموقف الإيجابي الذي يتخذه من توجه نحوه العرض الأول.
والتطابق: أن يوجد توافق تام بين عرض الموجب , وموقف القابل , وبه يحصل التراضي التام بين الواهب والموهوب له.
ويتم التعبير عن هذا التراضي بين الواهب والموهوب له بأية كلمة أو حركة تفيده: فعادات الناس وأعرافهم هي التي تحدد معاني الكلمات والإشارات , وتحدد بالتالي ما هو صيغة للهبة مما ليس صيغة لها. وبذلك يعتبر تجهيز الرجل ابنته هبة بالفعل , وكذلك شراءه لأحد أبنائه ساعة أو خاتما من الماس أو حلي فلا يجوز للورثة بعد موته منازعة الموهوب له.
وجرى بعض الأحناف: أن الذي يدخل ضمن الأركان هو الإيجاب وحده دون القبول لأن الهبة عقد تبرع , فهي توجد بالإيجاب وحده , والقبول إنما هو فقط لترتيب الآثار لا للوجود.(1/147)
كتاب الكافي في فقه أهل المدينة (ص 999)
وتجب (الهبة) بالقول من الواهب , والقبول من الموهوب له.
الهداية (ج 3 ص 224)
وتصح (الهبة) بالإيجاب والقبول والقبض , أما الإيجاب والقبول فلأنه عقد , والعقد ينعقد بالإيجاب والقبول , والقبض لا بد منه لثبوت الملك.
المجموع (ج 15 ص 379)
شرط الهبة: الإيجاب , كوهبتك , وملكتك , ومنحتك. . وقبول , كقبلت , ورضيت. . متلفظا بإحدى هذه الكلمات , أو بإشارة من أخرس , مفهومة فهي كصيغة بالقبول ; والقبول أيضا ينعقد بالكتابة , ومن أركانها: أن يكون القبول مطابقا للإيجاب.
مجموع فتاوى ابن تيمية (ج 31 ص 277)
مذهب مالك وأحمد في المشهور من مذهبه , وغيرهما: أن البيع والهبة والإجارة لا تفتقر إلى صيغة بل يثبت ذلك بالمعاطاة , فما عده الناس بيعا أو هبة أو إجارة فهو كذلك.
بدائع الصنائع (ج 6 ص 115)
أما ركن الهبة فهو الإيجاب من الواهب , فأما القبول من الموهوب له فليس بركن استحسانا , والقياس: أن يكون ركنا , وهو قول زفر. .
وجه الاستحسان: أن الهبة في اللغة عبارة عن مجرد إيجاب المالك , من غير شريطة القبول , وإنما القبول والقبض لثبوت حكمها , لا لوجودها في نفسها , فإذا أوجب , فقد أتى بالهبة فترتب عليها الأحكام. . . ولأن المقصود من الهبة هو اكتساب المدح والثناء بإظهار الجود والسخاء وهذا يحصل بدون القبول.(1/148)
صفات العاقدين الواهب والموهوب له
يشترط أن يكون الواهب له أهلية التبرع بالعقل والبلوغ مع الرشد لأن الهبة تبرع , والمرأة المتزوجة لها التبرع بمالها مثل الرجل دون فرق كما هو مذهب الجمهور ,
كما تجوز هبة غير المسلم للمسلم وكذلك العكس , غير أن المريض مرض الموت تكون هبته في حكم الوصية.
أما الموهوب له فهو أي شخص يصح تملكه للمال سواء كان صغيرا أم كبيرا , مميزا أم غير مميز لأن أساس التمليك هو الذمة كوعاء للأهلية وهي تتوفر لكل إنسان.(1/149)
هبة الصبي والمجنون
لا تصح هبة الصبي والمجنون لأنهما لا يملكان التبرع لكونه ضررا محضا وكذا الأب لا يملك هبة مال الصغير من غير شرط العوض بلا خلاف , لأن ولايته قاصرة على وجوه النفع , والهبة تبرع فيه ضرر محض فلا تجوز منه.
فإن شرط الأب العوض لم يجز أيضا عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن الهبة بشرط العوض تبرع ابتداء أي قبل القبض , ثم تصير بيعا انتهاء أي بعد القبض , والأب لا يملك التبرع. وقال محمد تجوز الهبة من الأب بشرط العوض لأن ذلك في معنى البيع والعبرة باتفاق المعنى.
وكذا لا تصح هبة السفيه الذي لا يحسن التصرف في ماله.
هبة المرأة المتزوجة
أما في تبرع المرأة المتزوجة بمالها لغير زوجها فهناك ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أن تبرعها جائز دون قيد , كتبرع الرجل دون فرق , وهو اتجاه الإمام البخاري وجمهور الفقهاء استدلالا بحديث أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها التي أعتقت جارية لها دون إذن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أخبرته , فلم يعترض.
الرأي الثاني: أن تبرع المرأة المتزوجة ممنوع مطلقا , وهذا اتجاه طاوس استدلالا بحديث عمرو بن شعيب وبحديث خيرة زوجة كعب بن مالك اللذين ينصان على عدم جواز عطية المرأة المتزوجة إلا بإذن الزوج.
الرأي الثالث: أن تبرع المرأة المتزوجة يجوز في اليسير الذي يقدره مالك بالثلث فما دونه , وهذا هو اتجاه الإمامين الليث بن سعد ومالك بن أنس جمعا بين الأدلة في الموضوع.
هبة المريض مرض الموت والمفلس
المريض مرض الموت هو الشخص المصاب بمرض خطير تقول عنه الخبرة الطبية , أو تستقر العادة به في المجتمع: أن المصاب به يموت داخل السنة , ثم تحدث الوفاة فعلا.
ومعنى هذا المرض: أن المالك يتصرف في أمواله بالتبرع , وهو يشعر باليأس من الحياة , ولذلك يلحق به بعض الأصحاء الذين يتصرفون في أموالهم بالتبرع وهم يشعرون بهذا اليأس , كالمحكوم عليه بالإعدام المقدم للتنفيذ , والحامل عندما تقترب من الولادة , وما أشبه ذلك.
وهبة هؤلاء من قبيل الوصية , فتنفذ في الثلث.
أما المرض غير المخوف , أو الذي لا تحصل منه الوفاة خلال السنة , أو المرض المخوف الذي يبرأ منه صاحبه , فالهبة فيه صحيحة , وتنفذ من جميع أموال الواهب , لا من الثلث فقط.
كما لا تصح هبة المفلس الذي أحاط الدين بماله أي الذي ساوت ديونه موجوداته أو زادت عليها.
هبة غير المسلم للمسلم والعكس
تجوز هبة المسلم للكافر كتابيا كان أم غير كتابي بشرط ألا يكون حربيا ينتمي لدولة تحارب الدولة , أو الدول الإسلامية , أو تحارب الأقلية المسلمة الموجودة في النطاق الترابي لدولة غير إسلامية ; على أنه تجوز الهبة للحربي إذا دخل إلى دولة إسلامية بعقد أمان (تأشيرة الدخول) ; لأن هذا العقد يخرجه من نطاق أهل الحرب إلى نطاق أهل العهد.
يقول تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8) .
وكما تجوز هبة المسلم للكافر تجوز كذلك هبة الكافر للمسلم لأن الهدية تعبير عن الإكرام , إذ ليس من الضروري أن يعبر الإكرام عن المودة الصميمة أو عن الموالاة المنهي عنها في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} (الممتحنة: 1)
وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية الكفار , فقبل هدية كسرى وهدية قيصر وهدية المقوقس كما أهدى هو الكفار الهدايا والهبات.(1/150)
بدائع الصنائع (ج 6 ص 118)
(يشترط في الواهب: أن يكون مما يملك التبرع , لأن الهبة تبرع , فلا يملكها من لا يملك التبرع , فلا تجوز هبة الصبي , والمجنون لأنهما لا يملكان التبرع لكونه ضررا محضا , لا يقابله نفع دنيوي وكذا الأب لا يملك هبة مال الصغير , من غير شرط العوض , بلا خلاف , لأن التبرع بمال الصغير قربان ماله لا على وجه الأحسن , ولأنه لم يقابله نفع دنيوي , وقد قال الله , عز وجل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} (الأنعام: 152) ولأنه إذا لم يقابله عوض دنيوي , كان التبرع ضررا محضا , وترك المرحمة في حق الصغير , فلا يدخل تحت ولاية الولي , لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وقوله: من لم يرحم صغيرنا فليس منا.
وإن شرط الأب العوض , لا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله , وقال محمد رحمه الله: يجوز.
القوانين الفقهية (ص 241)
فأما الواهب فالمالك , إذا كان صحيحا , مالكا أمر نفسه.
المدونة ج 6 ص 118
قلت: أرأيت من وهب من مال ابن له شيئا , والابن صغير , أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك في قول مالك.
قلت: فإن تلفت الهبة (الموهوب) أيكون الأب ضامنا لها في قول مالك قال: نعم.
المادة 875 من مجلة الأحكام الشرعية
يشترط لصحة الهبة: أن يكون الواهب جائز التصرف , أي بالغا عاقلا , رشيدا فلا تصح هبة الصغير والمجنون والسفيه , وإن أذن الولي.
القوانين الفقهية (ص 241)
وأما الموهوب له فهو كل إنسان.
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (ج 2 ص 371 374)
إذا وهب أحد شيئا لطفل , أي إذا وهب شخص للصغير المميز أو غير المميز مالا , فتتم الهبة في ذلك بقبض الولي , أو مربي الصغير , الذي يتربى الصغير في حجره , لأن لولي الصغير إجراء العقود الدائرة بين النفع والضرر , كالبيع والإجازة في حق الصغير , ولما كانت الهبة للصغير من العقود التي فيها نفع محض , فللولي إجراء ذلك بطريق الأولى.
لو وهب شيء نافع أي مال , للصبي المميز أو للصبية المميزة , تتم الهبة - استحسانا - بقبوله إياها وقبضه , ولو كان له ولي , كالأب أو المربي , لأن في القبض المذكور نفعا محضا للصغير والصغير أهل لمباشرة الشيء الذي فيه نفع محض.
البيان والتحصيل (ج 14 ص 23 - 24)
قال محمد بن رشد لا يجوز للمرأة ذات الزوج قضاء في أكثر من ثلث مالها , هبة ولا صدقة , ولا بما أشبه ذلك من التفويت بغير عوض , دون إذن زوجها , في قول مالك وجميع أصحابه , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من أمرها بغير إذن زوجها.
المادة (595 - 1) من مجلة الأحكام العدلية
مرض الموت هو المرض الذي يخاف فيه الموت في الأكثر , الذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه الخارجة عن داره إن كان من الذكور , ويعجزه عن رؤية المصالح الداخلية في داره إن كان من الإناث , ويموت على ذلك الحال , قبل مرور سنة , صاحب فراش كان أم لم يكن. وإن امتد مرضه دائما على حال , ومضى عليه سنة , يكون في حكم الصحيح , وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح.
المادتان (921 - 922) من مجلة الأحكام الشرعية
هبة المريض غير مرض الموت , ولو كان مخوفا , كهبة الصحيح.
هبة المريض مرضا غير مخوف , ولو اتصل به الموت , كهبة الصحيح , مثلا: لو وهب الشخص في حال صداع , أو رمد أو حمى يسيرة , أو نحو ذلك , ثم مات به , تكون هبته في حكم هبة الصحيح.
بداية المجتهد (ج 8 ص 203)
أما المريض فقال الجمهور: إنها في ثلثه , تشبيها بالوصية ,. . وقالت طائفة من السلف , وجماعة من أهل الظاهر: إن هبته تخرج من رأس ماله إذا مات. ولا خلاف بينهم أنه إذا صح من مرضه: أن الهبة صحيحة ,. والأمراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي الأمراض المخوفة , وكذلك - عند مالك -
الحالات المخوفة , مثل الكون في الصف (الجهاد) , وقرب الحامل من الوضع , وراكب البحر المرتج.
وأما الأمراض المزمنة (الدائمة) فليس فيها عندهم تحجير.
المدونة (ج 6 ص 112)
قلت: أرأيت كل هبة , أو عطية , أو صدقة في المرض , فلم يقبضها الموهوب له , ولا المعطى , ولا المتصدق عليه حتى مات الواهب من مرضه ذلك , أتكون هذه وصية , أم تكون هبة , أو عطية , أو صدقة لم يقبضها صاحبها حتى مات الواهب فتبطل , وتصير لورثة الواهب؟
قال: قال مالك هي وصية , قال مالك وكل ما كان مثل هذا مما ذكرت فيه المرض فإنما هو وصية من الثلث.
فتح العلى المالك (ج 2 ص 287)
ما قولكم في هبة المريض وصدقته , وسائر تبرعاته , هل تحتاج لحيازة قبل موته , كتبرعات الصحيح أم لا؟ .
لا تحتاج لحوز عنه قبل موته لأنها كالوصية في الخروج من الثلث. . ولأن الحوز في مرض المتبرع غير معتبر فهو كعدمه , فلا معنى لاشتراطه.
المدونة (ج 6 ص 122)
قلت: أرأيت إن وهب المسلم للمشرك , أهما بمنزلة المسلمين في الهبة؟
قال: نعم.
قلت: أرأيت إن وهب ذمي لمسلم هبة , فأراد المسلم أن يقبضها , فأبى الذمي أن يدفعها إليه , أيقضى له على الذمي بالدفع أم لا في قول مالك؟
قال: قال مالك إذا كان بين المسلم والذمي أمر , حكم عليهما بحكم أهل الإسلام , فأرى (عبد الرحمن بن القاسم) : أن يحكم بينهما بحكم أهل الإسلام , ويقضى عليه الدفع.(1/151)
المال الموهوب
الموهوب هو كل ما يمكن أن يقع عليه الملك من الأصول , سواء أكان عقارا أم منقولا. وبصفة عامة يمكن القول بأن ما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته.(1/152)
وضع الفقهاء ضابطا لما تصح هبته من الأشياء وهو أن كل ما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته , وبذلك فهو يشمل العقار والمنقول والنقود والمثليات والقيميات.(1/153)
أن يكون الموهوب متقوما
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون الموهوب متقوما.(1/154)
يشترط أن يكون الموهوب مالا متقوما ,
فلا تصح هبة ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم وصيد الحرم وغير ذلك ,
كما لا تصح هبة المال الذي لا قيمة له في نظر الشرع كالخمر مثلا.(1/155)
بداية المجتهد (ج 8 ص 204)
وأما الموهوب فكل شيء صح ملكه.
المجموع (ج 15 ص 373)
وما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته , لأنه عقد يقصد به ملك العين , فملك به ما يملك بالبيع.
التاج والإكليل لمختصر خليل (ج 6 ص 49)
الهبة تبرع بلا عوض. . . وصحت في كل مملوك ,. . كالدار والثوب.
بدائع الصنائع (ج 6 ص 119)
وأما ما يرجع إلى الموهوب فأنواع:
منها أن يكون موجودا وقت الهبة , فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد , بأن وهب ما يثمر نخله العام , وما تلد أغنامه السنة , ونحو ذلك بخلاف الوصية والفرق: أن الهبة تمليك للحال , وتمليك المعدوم محال , والوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت , والإضافة لا تمنع جوازها. . .
ومنها أن يكون مالا متقوما , فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلا , كالخمر , والميتة والدم. ومنها أن يكون مملوكا في نفسه , فلا تجوز هبة المباحات , لأن الهبة تمليك , وتمليك ما ليس بمملوك محال. .
ومنها أن يكون مملوكا للواهب , فلا تجوز هبة مال الغير بغير إذنه , لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك.
فتح العلى المالك (ج 2 ص 269)
ما قولهم في رجل ماله حرام , ويريد أن يعطى إنسانا منه , فهل يجوز للمعطى له أخذه؟ لا يجوز للمعطى أخذه إذا علم حراما. . . , إلا على وجه رده لمالكه إن علمه , أو التصدق به عنه إن لم يعلمه.(1/156)
أن يكون الموهوب موجودا وقت الهبة
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون الموهوب موجودا وقت الهبة.(1/157)
يشترط أن يكون الموهوب موجودا وقت العقد لأن الهبة تمليك للمال في الحال
فلا يجوز مثلا هبة ما ستثمر أشجار الحقل في السنة المقبلة , ولا يجوز هبة ما ستلد الأغنام هذه السنة ,
كما لا تجوز هبة الأرباح التي سوف تتحقق من صفقة معينة مستقبلة
لأن كل ذلك تمليك لمعدوم فيكون العقد باطلا.(1/158)
بداية المجتهد (ج 8 ص 204)
وأما الموهوب فكل شيء صح ملكه
المجموع (ج 15 ص 373)
وما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته لأنه عقد يقصد به ملك العين فملك به ما يملك بالبيع
التاج والإكليل لمختصر خليل (ج 6 ص 49)
الهبة تبرع بلا عوض وصحت في كل مملوك ,. . كالدار والثوب
بدائع الصنائع (ج 6 ص 119)
وأما ما يرجع إلى الموهوب فأنواع:
منها أن يكون موجودا وقت الهبة فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد , بأن وهب ما يثمر نخله العام , وما تلد أغنامه السنة , ونحو ذلك بخلاف الوصية والفرق: أن الهبة تمليك للحال , وتمليك المعدوم محال , والوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت والإضافة لا تمنع جوازها
ومنها أن يكون مالا متقوما فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلا كالخمر والميتة والدم. ومنها أن يكون مملوكا في نفسه فلا تجوز هبة المباحات لأن الهبة تمليك وتمليك ما ليس بمملوك محال
ومنها أن يكون مملوكا للواهب , فلا تجوز هبة مال الغير بغير إذنه , لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك
فتح العلى المالك (ج 2 ص 269)
ما قولهم في رجل ماله حرام ويريد أن يعطى إنسانا منه , فهل يجوز للمعطى له أخذه؟ لا يجوز للمعطى أخذه إذا علم حراما إلا على وجه رده لمالكه إن علمه , أو التصدق به عنه إن لم يعلمه.(1/159)
أن يكون الموهوب مملوكا للواهب
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون الموهوب مملوكا للواهب.(1/160)
يشترط أن يكون الموهوب مملوكا للواهب ,
فلا يجوز أن يهب الشخص مال الغير بغير إذنه لأن الهبة تمليك ,
ولا يستطيع الواهب أن يملك غيره ما ليس مملوكا له.(1/161)
بداية المجتهد (ج 8 ص 204)
وأما الموهوب فكل شيء صح ملكه.
المجموع (ج 15 ص 373)
وما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته , لأنه عقد يقصد به ملك العين , فملك به ما يملك بالبيع.
التاج والإكليل لمختصر خليل (ج 6 ص 49)
الهبة تبرع بلا عوض. . وصحت في كل مملوك. . كالدار والثوب.
بدائع الصنائع (ج 6 ص 119)
وأما ما يرجع إلى الموهوب فأنواع:
منها أن يكون موجودا وقت الهبة , فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد , بأن وهب ما يثمر نخله العام , وما تلد أغنامه السنة , ونحو ذلك بخلاف الوصية والفرق: أن الهبة تمليك للحال , وتمليك المعدوم محال , والوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت , والإضافة لا تمنع جوازها. .
ومنها أن يكون مالا متقوما , فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلا , كالخمر , والميتة والدم. ومنها أن يكون مملوكا في نفسه , فلا تجوز هبة المباحات , لأن الهبة تمليك , وتمليك ما ليس بمملوك محال. .
ومنها أن يكون مملوكا للواهب فلا تجوز هبة مال الغير بغير إذنه , لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك.
فتح العلى المالك (ج 2 ص 269)
ما قولهم في رجل ماله حرام , ويريد أن يعطى إنسانا منه , فهل يجوز للمعطى له أخذه؟ لا يجوز للمعطى أخذه إذا علم حراما. . إلا على وجه رده لمالكه إن علمه , أو التصدق به عنه إن لم يعلمه.(1/162)
أن يكون الموهوب معلوما
يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون المال الموهوب معلوما ,
بينما أجاز المالكية هبة المجهول لأن ذلك متسامح به في التبرعات على خلاف المعاوضات.(1/163)
يشترط أن يكون المال الموهوب معلوما بالعدد في النقود , وبالحدود في الأرض , وبالموقع في الدور وهكذا.
ولا يجوز عند الحنفية والشافعية والحنابلة هبة المال المجهول عينه كمن يهب سيارة من بين مجموعة من السيارات موجودة بالمخزن أو بالمتجر , وكذلك لا تجوز هبة المجهول المقدار كمن يهب حظه من الربح في مشروع معين قبل تحديد الربح عن طريق المحاسبة , مع التيقن بأن الربح موجود.
وعلى خلاف ذلك , يرى المالكية: أن هبة المجهول تصح فإذا وهب رجل ميراثه من عمه لشخص وكان لا يعرف قدره فإن الهبة تصح , وكذا إذا وهب ما في جيبه وهو يظن أنها عشرة قروش فوجد فيه جنيها أو جنيهين فإن الهبة تصح.(1/164)
المجموع (ج 15 ص 373)
وما لا يجوز بيعه من المجهول , وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض لا تجوز هبته , لأنه عقد يقصد به تمليك المال في حال الحياة , فلم يجر فيما ذكرناه كالبيع.
المدونة (ج 6 ص 119)
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل موروثي من رجل , ولا أدري كم هو من ذلك الرجل: سدسا , أو ربعا , أو خمسا , أتجوز الهبة؟ قال: من قول مالك أن ذلك جائز.
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل نصيبي من هذه الدار , ولا أدري كم هو - أيجوز أم لا؟
قال: هذا والأول سواء , أراه جائزا.(1/165)
أن يكون الموهوب خاليا من الغرر
يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون المال الموهوب خاليا من الغرر ,
بينما أجاز المالكية هبة ما فيه غرر
لأن الغرر عندهم متسامح به في التبرعات على خلاف المعاوضات.(1/166)
يشترط عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة أن يكون الموهوب خاليا من الغرر فلا يجوز أن يهب الشخص ثمار حقله للنخيل أو البرتقال أو العنب قبل أن يظهر صلاحها ويبدأ نضجها لأنها في هذه الحال تكون غير مأمونة من الإصابة بالعاهات الزراعية , وربما لن يتم نضجها , فتكون غير مقدورة التسليم للموهوب له.
بينما أجاز المالكية هبة ما فيه غرر لأن الغرر عندهم متسامح به في التبرعات على خلاف المعاوضات , فالموهوب له لا يضره الغرر ما دام لم يدفع عوضا عن موضوع العقد.(1/167)
الفروق (ج 3 ص 265)
الغرر: الذي لا يدري هل يحصل أم لا كالطير في الهواء والسمك في الماء , أما ما علم حصوله وجهلت صفته فهو المجهول , كبيعه ما في كمه , فهو يحصل قطعا , لكن لا يدري أي شيء هو؟
المدونة (ج 6 ص 120)
قلت: أرأيت ما لم يبد صلاحه من الزرع والثمر , هل يجوز ذلك في قول مالك؟
قال: نعم إذا لم يكون للثواب (المعاوضة) .
بداية المجتهد (ج 8 ص 208)
ولا خلاف في المذهب (مذهب مالك) في جواز هبة المجهول , والمعدوم المتوقع الوجود , وبالجملة: كل ما لا يصح في البيع من جهة الغرر.
المغني (ج 5 ص 657)
ولا تصح هبة الحمل في البطن , واللبن في الضرع , وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور لأنه مجهول , معجوز عن تسليمه وفي الصوف على الظهر وجهان.
الفروق (ج 1 ص 150)
وردت الأحاديث الصحيحة في نهيه , صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر , وعن بيع المجهول واختلف العلماء بعد ذلك: فمنهم من عممه في التصرفات , وهو الشافعي فمنع الجهالة في الهبة , والصدقة , والإبراء , والخلع , والصلح وغير ذلك , ومنهم من فصل بين: قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة , وهو المماكسات (ما يكون فيه المساومة والحرص على توارث المكاسب) , والتصرفات الموجبة لتنمية الأموال , وما يقصد به تحصيلها. وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة , وهو ما لا يقصد لذلك فاقتضت حكمة الشرع , وحثه على الإحسان: التوسعة فيه بكل طريق بالمعلوم والمجهول ; فإن ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعا وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله.(1/168)
أن يكون الموهوب مقسوما غير مشاع
انفرد الحنفية باشتراط أن يكون المال الموهوب مقسوما غير مشاع على خلاف الجمهور الذين أجازوا هبة المشاع.(1/169)
يجوز عند جمهور الفقهاء هبة المشاع إذ المشاع والمحرز سواء في جواز الهبة , فلا يشترط أن يكون الموهوب محرزا مقسوما غير مشاع.
وعليه يصح عندهم هبة جزء مسمى منسوب من الجميع كثلث وربع أو نحو ذلك من المشاع , ويحل الموهوب له محل الواهب في الجزء الموهوب بصفته شريكا إذ الإسلام يقبل الشركة في الأموال بل يحث عليها.
والدليل على ذلك من السنة أن وفد هوازن لما جاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنمه , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وهذا هبة المشاع.
أما عند الحنفية فإنه لا يجوز هبة المشاع إذا كان الموهوب يحتمل القسمة كأرض زراعية أو دار أو بيت كبير يهب المالك نصفها , وكذلك مثل حمولة شاحنة من السلع يهب المالك ثلثها , فالهبة حينئذ تكون فاسدة سواء كانت للشريك أو لغيره , ويشترط قبل ذلك القسمة والقبض لأن القبض في الهبة شرط والشيوع يمنع من القبض.
أما ما لا يمكن قسمته كسيارة يهب المالك نصفها , فلا يشترط فيه عندهم القسمة , لأنها غير ممكنة , وجواز الهبة للضرورة لأنه قد يحتاج إلى هبة بعض ذلك ويكتفى بصورة التخلية مقام القبض.(1/170)
تبيين الحقائق (ج 5 ص 93)
تجوز الهبة في مفرز مقسوم , وفي مشاع لا يقبل القسمة , ولا يجوز في مشاع يقسم.
وقال الشافعي رضي الله عنه: تجوز الهبة فيما يقسم , وفيما لا يقسم لأنها عقد تمليك , والمحل قابل له.
ولنا: أن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة اشترطوا القسمة لصحة الهبة ولأن القبض منصوص عليه في الهبة فيشترط وجوده على أكمل الوجوه.
المغني (ج 5 ص 655)
وتصح هبة المشاع وبه قال مالك والشافعي قال الشافعي سواء في ذلك ما أمكن قسمته أو لم يمكن وقال أصحاب الرأي: لا تصح هبة المشاع الذي يمكن قسمته , لأن القبض شرط في الهبة ووجوب القسمة يمنع صحة القبض وتمامه , فإن كان مما لا يمكن قسمته صحت هبته لعدم ذلك فيه.
المدونة (ج 6 ص 118)
أرأيت لو أن رجلا تصدق على رجل بنصف دار له , بينه وبين رجل , أو له نصف داره , غير مقسومة , أتجوز هذه الهبة أم لا , في قول مالك؟
قال: قال مالك الهبة جائزة , وإن لم تكن مقسومة.
قلت: فكيف يقبض هذا هبته أو صدقته؟
قال: يحل محل الواهب ويحوز ويمنع مع شركائه , ويكون هذا قبضه.(1/171)
قبض الموهوب
يشترط لصحة القبض عند جمهور الفقهاء أن يكون بإذن الواهب صراحة أو ضمنا كأن يقبض الموهوب له المال بحضور واهبه ولا يعترض هذا الأخير
وذهب المالكية إلى صحة القبض ولو بلا إذن من الواهب ويجبر الواهب على تمكين الموهوب من القبض حيث طلبه لأن الهبة تملك بالقول أي بالإيجاب على المشهور عندهم.(1/172)
صور قبض الموهوب
يتم قبض الموهوب بصور مختلفة , حسب نوعية المادة المقبوضة:
فالعقارات تقبض بالتخلية بين المتملك الجديد وهذه العقارات ,
والمنقولات تقبض بنقلها من مكان إلى آخر ,
والمشاعات تقبض بوضع اليد على الكل لمصلحة القابض ولمصلحة الشريك أو الشركاء ,
والغلات غير المفصولة من أصولها تقبض بقبض الأصول ,
والنقود تقبض بالتسلم اليدوي , أو بالقيد بحساب معين لدى المؤسسات المالية ,
وهكذا حسب ما يعتبره العرف قبضا.
شروط صحة قبض الموهوب
ويشترط لصحة القبض عند جمهور العلماء أن يكون بإذن الواهب: فلو قبض بلا إذن لم يملكه , ودخل في ضمانه , لأن التسليم غير مستحق على الواهب فلا يصح التسليم إلا بإذنه.
وأجاز الحنفية على وجه الاستحسان قبض الموهوب في مجلس العقد بغير أمر الواهب لأن الإيجاب من الواهب يعتبر تسليطا للموهوب له على القبض فكان ذلك إذنا دلالة أما بعد الافتراق عن المجلس فلا بد عندهم من الإذن.
وذهب المالكية إلى صحة القبض ولو بلا إذن من الواهب ويجبر الواهب على تمكين الموهوب من القبض حيث طلبه لأن الهبة تملك بالقول أي بالإيجاب على المشهور عندهم.
وعموما لا يكون القبض صحيحا إلا إذا توفرت فيه الشروط التالية:
أ - أن يتم القبض بإذن الواهب , صراحة أو ضمنا كأن يقبض الموهوب له المال الموهوب بحضور واهبه , ولا يعترض هذا الأخير.
ب - أن يكون الموهوب فارغا من أموال الواهب غير المشمولة بالهبة كأن يهب شخص لآخر دارا , ويقبضها الموهوب له وهي مشغولة بأثاث الواهب وأفرشته.
ج - أن تكون للقابض أهلية القبض وهي: أن يكون مميزا عاقلا , إذا قبض لنفسه , وأن تكون له ولاية على الموهوب له إذا قبض لغيره , وتكون الولاية هنا للأب ووصيه , وللجد ووصيه , وفي حالة عدم وجود الولي أو الوصي يقبض للصغير مربيه , وهو من يعول الصغير , ويقوم على تربيته كواحد من أولاده.(1/173)
المغني (ج 5 ص 655)
والقبض فيما لا ينقل بالتخلية بينه وبينه , لا حائل دونه , وفيما ينقل بالنقل , وفي المشاع بتسليم الكل إليه , فإن أبى الشريك أن يسلم نصيبه , قيل للمتهب: وكل الشريك في قبضه لك ونقله , فإن أبى نصب الحاكم من يكون في يده لهما , فينقله , ليحصل القبض.
المدونة (ج 6 ص 123)
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل صوفا على ظهور غنمي أيجوز؟ أو لبنا في ضروعها , أيجوز؟ أو تمرا في رءوس النخيل أيجوز؟
قال: نعم , ذلك جائز كله في قول مالك.
قلت: وكيف يكون قبضه اللبن في الضروع , أو الصوف على الظهور , أو التمر في رءوس النخل؟
قال: إن حاز الماشية ليجز أصوافها , أو ليحلبها , أو حاز النخل حتى يصرمها , فذلك قبض.
بدائع الصنائع (ج 6 ص 23 - 127)
شرائط صحة القبض أنواع:
- منها أن يكون القبض بإذن المالك , لأن الإذن بالقبض شرط لصحة القبض في باب البيع ; حتى لو قبض المشتري من غير إذن البائع قبل نقد الثمن كان للبائع حق الاسترداد , فلأن يكون في الهبة أولى , لأن البيع يصح بدون القبض , والهبة لا صحة لها بدون القبض. . , والإذن نوعان صريح ودلالة , أما الصريح فنحو أن يقول: اقبض , أو أذنت لك بالقبض أو رضيت , وما يجرى هذا المجرى , فيجوز قبضه سواء قبضه بحضرة الواهب , أو بغير حضرته.
وأما الدلالة فهي أن يقبض الموهوب له العين في المجلس , ولا ينهاه الواهب , فيجوز قبضه. . .
- ومنها ألا يكون الموهوب مشغولا بما ليس بموهوب ; لأن معنى القبض - وهو التمكن من التصرف في المقبوض - لا يتحقق مع الشغل. . .
- ومنها أهلية القبض , وهي العقل فلا يجوز قبض المجنون , والصبي الذي لا يعقل , أما البلوغ فليس بشرط لصحة القبض استحسانا فيجوز قبض الصبي العاقل ما وهب له , وكذلك الصبية , إذا عقلت جاز قبضها. . .
ومنها الولاية في أحد نوعي القبض , وجملة الكلام: أن القبض نوعان: قبض بطريق الإحالة , وقبض بطريق النيابة , أما القبض بطريق الإحالة فهو أن يقبض بنفسه لنفسه , وشرط جوازه: العقل فقط. . . وأما القبض بطريق النيابة. . . (ف) شرط جوازه: الولاية بالحجر والعيلة عند عدم الولاية , فيقبض للصبي وليه أو من كان الصبي في حجره وعياله عند عدم الولي , فيقبض له أبوه , ثم وصي أبيه بعده , ثم جده أو أبيه , بعد أبيه ووصية , ثم وصي جده بعده , سواء كان الصبي في عيال هؤلاء أو لم يكن. . .
فإن لم يكن واحد من هؤلاء الأربعة جاز قبض من كان الصبي في حجره وعياله , وأما من ليس في عياله فلا ولاية له عليه أصلا , فلا يجوز قبضه له كالأجنبي (غير القريب) .(1/174)
لزوم الهبة
يرى جمهور الفقهاء أن القبض شرط من شروط صحة الهبة , وما لم يتم القبض لا يلزم الواهب بتسليم الشيء الموهوب
بينما يذهب المالكية إلى أن الهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد ولا يشترط قبضها أصلا.(1/175)
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يثبت الملك للموهوب له إلا بالقبض لأن القبض شرط للزوم الهبة.
فالهبة إذا كانت مجردة عن القبض , فهي لا تفيد إلا ملكا غير لازم حيث يكون الواهب مخيرا قبل القبض: إن شاء أقبضها الموهوب له وأمضاها , وإن شاء رجع فيها , ومنعها , كما هو الحال في العقود الجائزة.
وفي حالة موت الموهوب له أو الواهب قبل التسليم تبطل الهبة.
وقال المالكية أن الملكية تثبت للموهوب له بالعقد ولا يشترط القبض لصحة الهبة ولا للزومها.
فيحق للموهوب له أن يطالب الواهب بتسليم موضوع الهبة , ويجبر الواهب على تمكين الموهوب له من الموهوب لأن الأصل في العقود أنها تصح بدون اشتراط القبض مثل البيع.
لكن موت الواهب قبل القبض يبطل الهبة , فتعود ميراثا من جملة التركة , فالقبض لا يفيد لزوم الهبة ; لأن اللزوم يثبت بمجرد العقد إنما القبض يحصن الهبة , ويجعلها نهائية لا تتأثر بعارض الموت.(1/176)
كتاب الكافي في فقه أهل المدينة (ص 999 - 1000)
وتجب (الهبة) بالقول من الواهب , والقبول من الموهوب له , وتتم بالقبض , وتجوز المطالبة بها لمن استوهبها أو طلبها , إذا منعه الواهب إياها , ويقضى عليه ما كان صحيحا. وإن مات الواهب في الصحة , قبل قبض الموهوب , بطلت الهبة ,
وإن مات الموهوب له , فورثته يقومون , في قبض الهبة والمطالبة بها , مقامه.
بدائع الصنائع (ج 6 ص 127)
أما أصل الحكم فهو ثبوت الملك للموهوب له في الموهوب من غير عوض , لأن الهبة تمليك العين من غير عوض , فكان حكمها ملك الموهوب من غير عوض.
وأما صفته (الحكم) فقد اختلف فيها , قال أصحابنا: هي ثبوت ملك غير لازم في الأصل.
المجموع (ج 15 ص 378)
ولا يملك الموهوب له الهبة من غير قبض لما روت عائشة رضي الله عنها , أن أباها كان نحلها جاد (عددا من النخيل له غلة) عشرين وسقا من ماله بالغابة (مكان بضواحي المدينة) ; فلما حضرته الوفاة قال: والله , يا بنية , ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك , ولا أعز على فقرا بعدي منك , وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا , فلو كنت جددتيه وأحرزتيه لكان لك , وإنما هو اليوم مال وارث , فاقتسموه على كتاب الله.
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة (ج 2 ص 2)
اتفق الأئمة على أن الهبة تصح بالإيجاب والقبول والقبض , فلا بد من اجتماع الثلاثة عند الثلاثة.
وقال مالك لا يفتقر صحتها ولزومها إلى قبض , بل تصح وتلزم بمجرد الإيجاب والقبول , ولكن القبض شرط في نفوذها وتمامها.(1/177)
الرجوع في الهبة
ذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة الرجوع في الهبة ولو كانت بين الإخوة أو الزوجين إلا إذا كانت هبة الوالد لولده فإن له الرجوع فيها ولكن بشروط حددوها.
بينما يرى الحنفية أنه يصح للواهب أن يرجع في هبته سواء تم قبض الموهوب أو لم يتم , ولكن يكره الرجوع عندهم لأنه من باب الدناءة بل إنه يمنع الرجوع في حالات خاصة حددوها.(1/178)
حرمة الرجوع في الهبة
متى تمت الهبة بالقبض فإن جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والمالكية يقولون بأن الهبة تتم للموهوب له ولا حق للواهب في الرجوع إلا للوالدين فيما وهباه لأبنائهما أو بناتهما.
وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي.
شروط رجوع الوالد في هبته
وقد اشترط الجمهور عدة شروط لصحة رجوع الوالد في هبته , نذكر منها:
- عدم خروج الموهوب عن ملك الموهوب له بأي سبب كان كالبيع أو الهبة أو الوقف ونحوه من كل ما يخرج الشيء الموهوب عن ملك الموهوب له , فمثل هذا الخروج يمنع الوالد من الرجوع في الهبة.
- عدم تعلق حق الغير بالموهوب كأن يداين الناس الموهوب له نظرا لملاءة ذمته لما وهب له , وذلك عملا بالقاعدة النبوية: لا ضرر ولا ضرار.
- عدم هلاك الموهوب أو استهلاكه لأنه لا سبيل إلى الرجوع في الهالك ولا سبيل إلى الرجوع في قيمته , لأنها ليست بموهوبة لعدم ورود العقد عليها , وقبض الهبة غير مضمون. .
موانع الرجوع في الهبة
ويرى الحنفية أنه يصح للواهب أن يرجع في هبته , سواء تم قبض الموهوب أو لم يتم , ولكن يكره الرجوع عندهم لأنه من باب الدناءة فالرجوع في الهبة هو القاعدة عندهم إلا إذا وجدت موانع تمنع من ذلك الرجوع ,
وهذه الموانع تشكل ما يسمى (الفوات) في موضوع الهبة وتصل عند الحنفية إلى سبعة , وهي:
1 - أن يزيد المال الموهوب زيادة متصلة كأن يكون أرضا , فيبني عليها.
2 - أن يخرج الموهوب من يد الموهوب له كأن يبيعه , أو يهبه بدوره.
3 - أن يهلك موضوع الهبة , كأن يكون حيوانا فيموت , أو يكون دارا فتتهدم.
4 - أن يموت أحد العاقدين: الواهب أو الموهوب له.
5 - أن تكون الهبة بين الزوجين.
6 - أن تكون الهبة بين ذوي الرحم المحرم كالهبة بين الشخص وخالته أو عمته.
7 - أن يأخذ الواهب عوضا عن هبته.
وطبيعة الرجوع في الهبة عند الحنفية أنه فسخ للعقد الأول وليس هبة جديدة من الموهوب له إلى الواهب سواء كان الرجوع بدعوى قضائية , أم كان بالتراضي بين الطرفين.(1/179)
تبيين الحقائق (ج 5 ص 97 - 98)
إذا وهب شخص هبة وقبضها وليس فيه ما يمنع الرجوع من زيادة , وموت أحدهما , وعوض , وخروج من الملك , وزوجية , وقرابة محرمة للنكاح , وهلاك الموهوب , جاز الرجوع في الهبة.
وقال الشافعي رحمه الله لا يصح الرجوع فيها إلا في الولد , لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يرجع الواهب في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده ولأنه عقد تمليك فوجب أن يلزم كالبيع ولأن الرجوع يضاد مقتضى العقد والعقد لا يقتضي ضده , وإنما ثبت جواز الرجوع في الولد لأن إخراجه عن ملكه لم يتم , لأن الولد من كسبه أو بعضه.
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: الواهب أحق بهبته ما لم يثب (وهو ضعيف) , أي لم يعوض , والمراد بعد التسليم لأنها لا تكون هبة حقيقة قبله وتأيد ذلك بالشرع , قال عليه الصلاة والسلام: تهادوا تحابوا والتفاعل يقتضي الفعل من الجانبين فكان له الرجوع إذا لم يحصل مقصوده كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبا يرجع بالثمن لفوات مقصوده , وهو صفة السلامة في المبيع.
موطأ مالك بشرح الزرقاني (ج 4 ص 47)
قال يحيى وسمعت مالكا يقول: الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلا أو أعطاه عطاء ليس بصدقة: أن له أن يعتصر ذلك (يسترجعه) ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به , ويأمنون عليه من أجل ذلك العطاء الذي أعطاه أبوه , فليس لأبيه أن يعتصر من ذلك شيئا بعد أن تكون عليه الديون , أو يعطي الرجل ابنه أو ابنته فتنكح المرأة الرجل , وإنما تنكحه لغناه وللمال الذي أعطاه أبوه , فيريد أن يعتصر ذلك الأب , أو يتزوج الرجل المرأة قد نحلها أبوها النحل , إنما يتزوجها ويرفع من صداقها لغناها ومالها وما أعطاها أبوها , ثم يقول الأب: أنا أعتصر ذلك فليس له أن يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئا من ذلك , إذا كان على ما وضفت لك.
المغني (ج 5 ص 670 - 674)
وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة:
أحدها: أن تكون باقية في ملك الابن , فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة , أو وقف أو إرث أو غير ذلك , لم يعد له الرجوع فيها لأنه إبطال لملك غير الولد
الثاني: أن تكون العين باقية في تصرف الولد بحيث يملك التصرف في رقبتها وإن رهن العين أو أفلس , وحجر عليه لم يملك الأب الرجوع فيها لأن في ذلك إبطالا لحق غير الولد فإن زال المانع من التصرف فله الرجوع
الثالث: أن يتعلق بها رغبة لغير الولد فإن تعلقت بها رغبة لغيره مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته وأدانوه ديونا أو رغبوا في مناكحته فزوجوه إن كان ذكرا أو تزوجت الأنثى لذلك , فعن أحمد روايتان أولاهما: ليس له الرجوع
الرابع: ألا تزيد (الهبة) زيادة متصلة كالسمن , والكبر. فإن زادت فعن أحمد روايتان
المجموع (ج 15 ص 381)
فإن وهب لغير الولد وولد الولد شيئا , وأقبضه , لم يملك الرجوع فيه لما روى ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده. وإن وهب للولد , أو ولد الولد - وإن سفل - جاز له أن يرجع للخبر (الحديث) ولأن الأب لا يتهم في رجوعه لأنه لا يرجع إلا لضرورة , أو لإصلاح الولد
بدائع الصنائع (ج 6 ص 1345)
ولا خلاف في أن الرجوع في الهبة بقضاء القاضي فسخ , واختلف في الرجوع فيها بالتراضي , فمسائل أصحابنا تدل على أنه فسخ , أيضا كالرجوع بالقضاء فإنهم قالوا يصح الرجوع في المشاع الذي يحتمل القسمة , ولو كان (الرجوع بالتراضي) هبة مبتدأة لم يصح مع الشياع , وكذا لا تقف صحته على القبض ولو كان هبة مبتدأة لوقفت صحته على القبض.(1/180)
الإضافة والاشتراط في الهبة
لا يجوز تعليق الهبة بشرط قابل للتحقق وعدمه ,
كما لا تجوز الهبة المضافة إلى المستقبل , لأن الهبة تمليك في الحال فلا يصح تعليقها ولا إضافتها إلى المستقبل.
كما لا يجوز اقتران الهبة بشرط ينافي مقتضاها.(1/181)
لا تصح الهبة مضافة إلى المستقبل كأنه يقول الشخص في بداية السنة وهبتك هذا الكتاب في نهاية الشهر الخامس ,
كما لا يجوز تعليق الهبة بشرط قابل للتحقق وعدمه مثل إن ربحت الصفقة وهبتك مبلغ كذا , وذلك لأن الهبة تمليك في الحال وهذا ينافي الإضافة للمستقبل كما ينافي التعليق.
أما الشروط المقارنة لعقد الهبة , دون أن تكون تعليقا:
- فتجوز إذا كانت مؤيدة لمقتضى العقد , كأنه يهب شخص لآخر أرضا زراعية ويشترط عليه أن يزرعها ولا يعطلها عن الإنتاج.
- في حين أن هذه الشروط تبطل إذا كانت مناقضة لمقتضى العقد , مثل أن يشترط الواهب على الموهوب له: ألا يبيع الموهوب , أو ألا يهبه بدوره , فهذا الشرط مناف لحقوق الملكية المترتبة عن الهبة , وأولها: حق تصرف المالك فيما يملك بالبيع وبغيره.(1/182)
بدائع الصنائع (ج 6 ص 118)
أما شروط ركن الهبة فهو: ألا يكون معلقا بما له خطر الوجود والعدم , من دخول زيد , وقدوم خالد ,. . ولا مضافا إلى وقت بأن يقول: وهبت هذا الشيء منك غدا , أو رأس شهر كذا , لأن الهبة تمليك العين للحال , وأنه لا يحتمل التعليق بالخطر , والإضافة إلى الوقت , كالبيع.
المغني (ج 5 ص 658)
ولا يصح تعليق الهبة بشرط لأنها تمليك لمعين في الحياة , فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع فإن علقها على شرط , كقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن رجعت هديته إلى النجاشي فهي لك , كان وعدا.
وإن شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها , نحو أن يقول وهبتك هذا , بشرط ألا تهبه أو ألا تبيعه , أو بشرط أن تهبه أو تبيعه , أو بشرط أن تهب فلانا شيئا: لم تصح الشروط , وفي صحة الهبة وجهان.
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (ج 2 ص 377)
إذا ذكر في الهبة شرط , فالشرط إما أن يكون تعليقا , وهذا يكون بأدوات الشرط , كإن وإذا , وهذه الهبة باطلة. . . كما لو وهب أحد شيئا لآخر بشرط أن يقوم بنفقة الواهب إلى وفاته. . وإما أن يكون تقييديا , ويذكر مع كلمة (على) أو كلمة (أو) .
إلا أنه باعتبار الشرط توجد التقييدات الآتية: الهبة مع الشرط التقييدي قسمان:
القسم الأول: كون الشرط المذكور ملائما للعقد , وهذه الهبة والشرط صحيحان.
القسم الثاني: كون الشرط المذكور مخالفا , يعني غير ملائم , وعلى هذا التقدير فالهبة صحيحة , ولكن الشرط باطل.(1/183)
هبة جميع المال
مذهب الجمهور من العلماء أن للإنسان أن يهب جميع ما يملكه لغيره
وقال محمد بن الحسن وبعض محققي المذهب الحنفي: لا يصح التبرع بكل المال ولو في وجوه الخير , وعدوا من يفعل ذلك سفيها يجب الحجر عليه.(1/184)
ترى المذاهب الأربعة: أن الإنسان الرشيد يجوز له أن يهب جميع ما يملك: لأنه حر التصرف في ماله بينما يرى بعض محققي المذهب الحنفي أن هبة جميع المال لا تصح ولا تنفذ , لأن في ذلك إسرافا وتضييعا لنفس الواهب ولأهله , وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.
وحقق هذه القضية صاحب الروضة الندية فقال: (من كان له صبر على الفاقة وقلة ذات اليد فلا بأس بالتصدق بأكثر ماله أو بكله , ومن كان يتكفف الناس إذا احتاج لم يحل له أن يتصدق بجميع ماله ولا بأكثره. وهذا هو وجه الجمع بين الأحاديث الدالة على أن مجاوزة الثلث غير مشروعة وبين الأدلة التي دلت على مشروعية التصدق بزيادة على الثلث) .(1/185)
القوانين الفقهية (ص 241)
ويجوز أن يهب الإنسان ماله كله لأجنبي , اتفاقا.
بداية المجتهد (ج 8 ص 204)
واتفقوا على أن للإنسان أن يهب جميع ماله للأجنبي إن الإجماع منعقد على أن للرجل أن يهب في صحته جميع ماله الأجانب: (ممن ليسوا من القرابة)(1/186)
انتهاء الهبة
تنتهى الهبة بأحد أمرين قبض الموهوب له للشيء الموهوب بعد قبوله الهبة , كما تنتهي برجوع الواهب في هبته عند من يجيز له ذلك.(1/187)
انتهاء الهبة بقبض الموهوب
تنتهى الهبة بقبض الموهوب له الشيء الموهوب
والقبض المعتبر عند جمهور الفقهاء خلافا للمالكية هو ما كان بإذن الواهب صراحة أو ضمنا كأن يقبض الموهوب له المال بحضور واهبه ولا يعترض هذا الأخير ,
وذهب المالكية إلى صحة القبض ولو بلا إذن من الواهب ويجبر الواهب على تمكين الموهوب من القبض حيث طلبه لأن الهبة تملك بالقول أي بالإيجاب على المشهور عندهم.
انتهاء الهبة بالرجوع فيها
كما تنتهي الهبة برجوع الواهب في هبته حيث إن الحنفية يرون صحة ذلك سواء تم قبض الموهوب أو لم يتم , ولكن يكره الرجوع عندهم لأنه من باب الدناءة بل إنه يمنع الرجوع في حالات خاصة حددوها.(1/188)
الحوالة(1/189)
تعريف الحوالة
الحوالة في اللغة النقل والتحويل , أما في الاصطلاح الفقهي فهي عبارة عن نقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى.(1/190)
عقد الحوالة عبارة عن نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
فلا بد في الحوالة من وجود ثلاثة أطراف وهي:
المحيل: وهو المدين المكلف بالأداء.
المحال أو المحتال: وهو الدائن صاحب الحق.
المحال عليه أو المحتال عليه: وهو الملتزم بدفع الدين بالنيابة عن المدين.
ويسمى الدين: المحال به والمحتال به.
وقد تكون الحوالة حوالة دين أو حوالة حق.
حوالة حق
هي نقل الحق المالي المتعلق بذمة المدين من الدائن الأصلي إلى دائن آخر (وهو المحيل عليه) , بمعنى أن هناك حلول دائن محل دائن ويبقى المدين وهو نفسه. في حوالة الحق , يكون الدائن هو المحيل.
حوالة الدين
هي نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمة المحال عليه بمعنى أن هناك تبدل مدين بمدين آخر (وهو المحيل عليه) ويبقى الدائن هو نفسه.
في حوالة الدين , يكون المدين هو المحيل.(1/191)
مرشد الحيران (ص 232)
الحوالة هي نقل الدين والمطالبة من ذمة المحيل إلى ذمة المحتال عليه. (م 876)
مجلة الأحكام العدلية (ص 127)
الحوالة: نقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى. (م 673) المحيل: هو المديون الذي أحال. (م674) المحال له: هو الدائن. (م675) .
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
(وهي) أي الحوالة شرعا (انتقال مال من ذمة) المحيل إلى ذمة المحال عليه , بحيث لا رجوع للمحتال على المحيل بحال , إذا اجتمعت شروطها , لأنها براءة من دين ليس فيها قبض ممن هو عليه ولا ممن يدفع عنه. أشبه الإبراء.
تبيين الحقائق (4 / 171)
الحوالة في اللغة: النقل والتحويل. ومنه حوالة الغراس نقله.
قال رحمه الله (هي نقل الدين من ذمة إلى ذمة) هذا في الشرع.
وفي اللغة هو النقل مطلقا على ما بينا.
التاودي على التحفة (2 / 55)
ابن الحاجب الحوالة نقل الدين إلى ذمة تبرأ بها الأولى.
وقال ابن عرفة طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى. ولا ترد المقاصة , إذ ليست طرحا بمثله في أخرى , لا متناع تعلق الدين بذمة من هو له.
مغني المحتاج (2 / 193)
باب الحوالة وفي الشرع: عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة.
ويطلق على انتقاله من ذمة إلى أخرى. والأول هو غالب استعمال الفقهاء.
مراجع إضافية
انظر نهاية المحتاج (4 / 408) أسنى المطالب (2 / 230) البناني على الزرقاني على خليل (6 / 16) البهجة على التحفة (2 / 55)(1/192)
دليل مشروعية الحوالة
أجمع العلماء على مشروعية الحوالة , ومستندهم في ذلك السنة والإجماع والقياس.(1/193)
دليل المشروعية من السنة
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغنى ظلم , وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع.
وفي رواية أحمد والبيهقي ومن أحيل بحقه على مليء فليحتل والأمر بالاتباع دليل الجواز.
دليل المشروعية من الإجماع:
أجمع العلماء على مشروعية الحوالة في الجملة.
دليل المشروعية من القياس
وأما القياس: فمن وجهين:
(أ) قياسها على الكفالة , بجامع أن كلا من المحال عليه والكفيل قد التزم ما هو أهل لالتزامه , وقادر على تسليمه , وكلاهما طريق لتيسير استيفاء الدين , فلا تمتنع هذه كما لم تمتنع تلك.
(ب) قياس المجموع على آحاده. وذلك لأن الحوالة تتضمن تبرع المحال عليه بالالتزام والإيفاء , وتوكيل المحتال بالقبض من المحال عليه , وأمر المحال عليه بالتسليم إلى المحتال.
وهذه الأمور كلها جائزة عند الانفراد , فكذلك تكون مشروعة عند الاجتماع , بجامع عدم الفرق.(1/194)
المغني (7 / 56)
الحوالة ثابتة بالسنة والإجماع. أما السنة , فما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع متفق عليه. وفي لفظ من أحيل بحقه على مليء فليحتل. وأجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة.
فتح العزيز (10 / 337)
أصل الحوالة مجمع عليه , ويدل عليه من جهة الخبر ما روى الشافعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم , فإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع ويروى وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع. ويروى وإذا أحيل عليه , والتبيع الذي لك عليه مال.
تبيين الحقائق (4 / 171 , 174)
وهي - أي الحوالة - مشروعة بإجماع الأمة.
وقال عليه الصلاة والسلام: من أحيل على مليء فليتبع والأمر بالإتباع دليل الجواز.
ولأنه التزام ما يقدر على تسليمه , فوجب القول بصحته دفعا للحاجة.
. . ولأن كلا منهما يتضمن أمورا جائزة عند الانفراد , وهي تبرع المحتال عليه بالالتزام في ذمته والإيفاء وتوكيل المحتال بقبض الدين أو العين من المحال عليه , وأمر المحال عليه بتسليم ما عنده من العين أو الدين إلى المحتال , فكذلك عند الاجتماع.
مراجع إضافية
انظر مغني المحتاج (2 / 193) بداية المجتهد (2 / 299) شرح منتهى الإرادات (2 / 256) التاودي على التحفة (2 / 55) أسنى المطالب (2 / 230)
المبدع (4 / 270) كشاف القناع (3 / 370) .(1/195)
الوصف الفقهي للحوالة
اختلف الفقهاء في تكييف عقد الحوالة: فاعتبره بعضهم استيفاء للحق لا غير ,
وذهب بعضهم إلى أنه عقد إرفاق منفرد بنفسه , وليس بمحمول على غيره من العقود والتصرفات ,
واتجه أكثرهم إلى أنه بيع دين بدين جاز على خلاف القواعد الشرعية العامة لحاجة الخلق إليه.(1/196)
الحوالة بيع دين بدين
إن الحوالة بيع دين بدين , وقد جازت استثناء لحاجة الناس إليها مسامحة من الشارع وتيسيرا وإرفاقا.
حيث إن المحتال يبيع ما له في ذمة المحيل بما له في ذمة المحال عليه , والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين , فكانت بيع دين بدين , والأصل فيه الحظر , ومن هنا جاءت مشروعيتها على خلاف القياس
وهو قول المالكية والشافعية والظاهرية وبعض الحنفية.
الحوالة استيفاء للحق وليست بيعا
إن الحوالة عبارة عن استيفاء حق , وليست بيعا.
وهي مشروعة وفق القياس ومقتضى القواعد العامة وهو قول ابن تيمية وبعض الشافعية , ذلك لأن صاحب الحق إذا استوفى من المدين ماله كان هذا استيفاء فإذا أحاله على غيره كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي في ذمة المحيل ,
ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الحوالة في معرض الوفاء فقال في الحديث مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع
الحوالة عقد إرفاق
أن الحوالة عقد إرفاق منفرد بنفسه , شرع لغاية معينة يحتاج إليه التعامل , وهو ليس بمحمول على غيره من التصرفات أو العقود , وهذا قول الحنابلة والمعتمد عند الحنفية.
فالحوالة تشبه البيع (بيع الدين أو الحق) وليست ببيع , وتشبه الكفالة وليست بكفالة , وتشبه الوكالة بالقبض أو بالأداء وليست بوكالة , وفيها بعض سمات التبرع وبعض سمات المعاوضة الخ. . .
وقد أخذت الحوالة أحكاما متنوعة تتناسب مع تلك المشابهات العديدة فيها.(1/197)
بداية المجتهد (2 / 299)
الحوالة معاملة صحيحة مستثناة من الدين بالدين لقوله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم , وإذا أحيل أحدكم على غني فليحتل.
الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 358)
وخرج عن تمليك الدين لغير من هو عليه الحوالة , فإنها كذلك مع صحتها.
أسنى المطالب (2 / 230)
وهي - أي الحوالة - بيع دين بدين جوز للحاجة.
ولهذا لم يعتبر التقابض في المجلس وإن كان الدينان ربويين , فهي بيع لأنها إبدال مال بمال , فإن كلا من المحيل والمحتال يملك بها ما لم يملكه قبلها.
البهجة شرح التحفة (2 / 55)
وهي عند أكثر شيوخنا مستثناة من الدين بالدين وبيع العين بالعين غير يد بيد.
كما خصت الشركة والتولية والإقالة من بيع الطعام قبل قبضه , وكما خصت العرية من بيع الطعام بالطعام نسيئة , لما كان سبيل هذه التخصيصات المعروف.
وذهب الباجي إلى أنها ليس حكمها حكم البيع ولا هي من هذا الباب.
بل هي عنده من باب النقد , لبراءة المحيل بنفس الإحالة.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
وهي عقد إرفاق منفرد بنفسه , ليس محمولا على غيره , ولا خيار فيها , وليست بيعا , وإلا لدخلها لخيار , وجازت بلفظه , وبين جنسين كباقي البيوع , ولما جاز التفرق قبل قبض , لأنها بيع مال الربا بجنسه بل تشبه المعاوضة , لأنها دين بدين , تشبه الاستيفاء لبراءة المحيل بها.
مجموع فتاوى ابن تيمية (20 / 512)
إن الحوالة من جنس إيفاء الحق , لا من جنس البيع , فإن صاحب الحق إذا استوفى من المدين ماله كان هذا استيفاء , فإذا أحاله على غيره , كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي له في ذمة المحيل , ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الحوالة في معرض الوفاء , فقال في الحديث الصحيح مطل الغني ظلم , وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع فأمر المدين بالوفاء , ونهاه عن المطل , وبين أنه ظالم إذا مطل , وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على مليء وهذا كقوله تعالى {فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} أمر المستحق أن يطالب بالمعروف , وأمر المدين أن يؤدى بإحسان , ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص , وإن كان فيه شوب المعاوضة.
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 461)
باب الحوالة. في حقيقتها عشرة أوجه , أصحها: بيع دين بدين جوز للحاجة.
وقيل: عين بعين , وقيل: عين بدين. وقيل: ليست بيعا , بل استيفاء وقرض. وقيل: لا يمحض واحدا , وإنما الخلاف في المغلب , فإن غلب البيع , جرت الأوجه السابقة. فهذه تسعة. والعاشر: ضمان بإبراء.
مراجع إضافية
انظر فتح العزيز (10 / 338) رد المحتار (4 / 166) المهذب (1 / 344) الإشراف للقاضي عبد الوهاب (2 / 20) المحلى (8 / 109) حاشية العدوي على الخرشي (6 / 18) كشاف القناع (3 / 371) المبدع (4 / 270) مغني المحتاج (2 / 193)(1/198)
الحكم التكليفي للحوالة
اختلف الفقهاء في حكم قبول الحوالة على مليء , إلى ثلاثة أقوال فقال بعضهم: واجب. وقال غيرهم: مباح.
وذهب أكثرهم إلى أنه مستحب.(1/199)
يجب على الدائن (المحال) قبول الحوالة على المليء:
القول الأول للحنابلة والظاهرية وابن جرير الطبري وهو أنه يجب على المحتال قبولها , وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع حيث أفاد الأمر فيه الوجوب , كما هو الأصل فيه.
قبول الحوالة على المليء مباح في حق الدائن:
القول الثاني للحنفية: وهو الإباحة , وذلك لأن أهل الملاءة قد يكون فيهم اللدود في الخصومة والمطل بالحقوق , وهو ضرر لا يأمر الشارع بتحمله , بل بالتباعد عنه واجتنابه.
قبول الحوالة على المليء مستحب ومندوب إليه في حق الدائن:
القول الثالث للشافعية والمالكية وأكثر أهل العلم: وهو الاستحباب والندب.(1/200)
مغني المحتاج (2 / 193)
ويسن قبولها - أي الحوالة - على مليء لهذا الحديث , وصرفه عن الوجوب القياس على سائر المعاوضات وخبر لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. ويعتبر في الاستحباب - كما بحثه الأذرعي - أن يكون المليء وافيا ولا شبهة في ماله. والمليء: الغني.
التاودي على التحفة (2 / 55)
والأصل فيها قوله صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم , وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع والجمهور على أن الأمر للندب وقال أهل الظاهر للوجوب.
البهجة شرح التحفة (2 / 55)
قال عياض والأمر فيها للندب عند أكثر شيوخنا , وحملها بعضهم على الإباحة لما أشبهت بيع الدين بالدين.
الشلبي على تبيين الحقائق (4 / 171)
ثم أكثر أهل العلم على أن الأمر المذكور أمر استحباب , وعن أحمد للوجوب.
والحق الظاهر أنه أمر إباحة.
هو دليل نقل الدين شرعا أو المطالبة , فإن بعض الأملياء عنده من اللدد في الخصومة والتعسير ما تكثر به الخصومة والمضارة , فمن علم من حاله هذا لا يطلب الشارع اتباعه , بل عدمه , لما فيه من تكثير الخصومات والظلم.
وأما من علم منه الملاءة وحسن القضاء فلا شك في أن اتباعه مستحب , لما فيه من التخفيف على المديون والتيسير.
ومن لا يعلم حاله فمباح.
شرح منتهى الإرادات (2 / 257)
و (لا) يشترط (استقرار محال به , ولا رضا محال عليه , ولا) رضا (محتال إن أحيل على مليء , ويجبر على اتباعه) نصا لظاهر الخبر , ولأن للمحيل وفاء ما عليه من الحق بنفسه وبمن يقوم مقامه , وقد أقام المحال عليه مقام نفسه في التقبيض , فلزم المحتال القبول , كما لو وكل رجلا في إيفائه.
الإشراف للقاضي عبد الوهاب (2 / 19)
مسألة: لا يجبر صاحب الحق على الرضا بالحوالة خلافا لداود لأن حقه تعلق بذمة , فلم يجبر على نقله إلى ذمة أخرى بغير رضاه.
أصله في المنافع إذا استأجر منه كراء إلى بلد , فلم يكن له أن يحيله على غيره ليستوفي الكراء منه , لأنه بيع ملك ولأنه تمليك ببدل لا يتعلق به حق الله تعالى , فلم يجبر عليه المالك أصله بيع الأعيان.
ولأنه حق واجب عليه , فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضا من له الحق أصله إذا تعلق بالعين , فنقيس الذمة على العين.
مراجع إضافية
انظر المحلى (8 / 108) المغني (7 / 62) المبدع (4 / 83) كشاف القناع (3 / 374) أسنى المطالب (2 / 230) فتح العزيز (10 / 337) فتح العزيز (6 / 346)(1/201)
الحوالة المقيدة
الحوالة المقيدة: هي التي قيدت بالإعطاء من مال المدين الذي في ذمة المحال عليه , وهي جائزة باتفاق الفقهاء.
ولم يقتصر الحنفية على جواز حوالة الدين الذي في ذمة المحال عليه بل أجازوا كذلك - خلافا للجمهور - حوالة العين التي تكون تحت يده بطريق الأمانة أو الضمان.(1/202)
تكون الحوالة مقيدة في حالة تقييد المحال عليه بقضاء دين الحوالة من مال المحيل الذي في ذمته بمعنى أنه لا بد من عند وجود دينين في الحوالة المقيدة:
- أحدهما للمحال على المحيل.
- والآخر للمحيل على المحال عليه.
فالمحيل هنا هو دائن للمحال عليه ومدين للمحال.
وتكون الحوالة المقيدة حوالة حق وحوالة دين في وقت واحد:
- حوالة حق: حيث هناك تبدل دائن مكان دائن بالنسبة إلى المحال عليه.
- حوالة دين: حيث هناك تبدل مدين مكان مدين بالنسبة إلى المحال.
وقد اتفق الفقهاء جميعا على جواز الحوالة المقيدة حتى أن غير الحنفية لا يجيزون إلا الحوالة المقيدة , ويشترط فيها عندهم أن يكون الدين على المحال عليه مساويا لدين المحيل في القدر والصفة وحلول الأجل لأنه إذا اختلفا في أي منهما لم تكن حوالة أصلا.
ولا يشترط الحنفية مثل الجمهور أن يكون المال المحال به دينا في ذمة المحال عليه بل يجوز كذلك عندهم أن يكون المال المحال به عينا تحت يد المحال عليه بطريق الأمانة أو الضمان كأن يقول شخص لآخر أحلت فلانا عليك بالألف التي له علي , على أن تؤديها إليه من الدنانير التي أودعتكها , أو على أن تؤديها إليه من الدنانير التي اغتصبتها مني.(1/203)
مرشد الحيران (ص 232)
الحوالة قسمان:
مطلقة ومقيدة. (م 877)
الحوالة المطلقة: هي أن يحيل المدين بدينه غريمه على آخر حوالة مطلقة غير مقيدة بأدائه من الدين الذي للمحيل في ذمة المحتال عليه أو من العين التي له عنده وديعة أو مغصوبة أو يحيله علي شخص ليس له عنده ولا عليه شيء. (م 878)
الحوالة المقيدة: هي أن يحيل المديون بدينه غريمه على المحتال عليه حوالة مقيدة بأدائه من الدين الذي للمحيل في ذمة المحتال عليه أو من العين التي له عنده أمانة أو مغصوبة. (م 879)
كشاف القناع (3 / 372)
وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه , فهو وكالة في اقتراض.
المغني (7 / 59)
وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه , فليست حوالة أيضا. نص عليه أحمد.
فلا يلزم المحال عليه الأداء , ولا المحتال قبول ذلك , لأن الحوالة معاوضة , ولا معاوضة ههنا , وإنما هو اقتراض.
فإن قبض المحتال منه الدين , رجع على المحيل , لأنه قرض.
الخرشي (6 / 17)
ومن شروطها ثبوت دين للمحيل في ذمة المحال عليه , وإلا كانت حمالة عند الجمهور - قاله الباجي - ولو وقعت بلفظ الحوالة.
البهجة شرح التحفة (2 / 58)
وإن لم يكن دين للمحيل على المحال عليه , فهي حمالة , يشترط فيها رضا المحال عليه. . وإذا كانت حمالة , فإذا أعدم المحال عليه رجع المحال بدينه على المحيل , وإذا أدى المحال عليه , فإنه يرجع على المحيل بما أدى.
أسنى المطالب (2 / 231)
لو أحال على من لا دين عليه , لم تصح الحوالة , ولو رضي بها , لعدم الاعتياض إذ ليس عليه شيء يجعله عوضا عن حق المحتال.
فإن تطوع بأداء دين المحيل كان قاضيا دين غيره , وهو جائز.
مراجع إضافية
انظر تبيين الحقائق (4 / 173) بدائع الصنائع (6 / 16) درر الحكام (2 / 7) مجلة الأحكام العدلية (م678) فتح العزيز (10 / 339) منح الجليل (3 / 230) الزرقاني على خليل (6 / 17) , شرح منتهى الإرادات (2 / 259) المهذب (1 / 345) نهاية المحتاج (4 / 410) الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 170) التاودي على التحفة (2 / 57)(1/204)
الحوالة المطلقة
الحوالة المطلقة:
هي التي يكون الإعطاء فيها من مال المحال عليه نفسه , سواء أكان للمحيل مال عنده أو دين عليه أم لا.
وهذه الحوالة جائزة عند الحنفية فقط وممنوعة عند غيرهم.(1/205)
الحوالة المطلقة هي التي لم تقيد بأن تعطى من مال المحيل الذي هو بيد المحال عليه أو في ذمته.
فهي التزام يتعلق بذمة المحال عليه فقط , بدون ربط ذلك بشيء آخر.
فالحوالة تكون مطلقة إذن:
- إذا لم يكن للمحيل على المحال عليه دين. ,
- أو إذا كان للمحيل على المحال عليه دين , ولكن لم تقيد الحوالة بشيء من ذلك.
والحوالة المطلقة هي حوالة دين فقط إذ يحيل بها المدين دائنه على آخر , فيتبدل فيها المدين ويبقى الدائن هو نفسه.
وهي جائزة عند الحنفية , وغير جائزة عند بقية الفقهاء لأن الحوالة عندهم لا تصح على غير المدين , وحتى لو رضي بذلك المحال عليه فإنهم لم يعتبروا ذلك التصرف حوالة بل:
- اعتبره الحنابلة وكالة بالاقتراض.
- وعده المالكية كفالة.
- واعتبره الشافعية قضاء لدين الغير إن تطوع المحال عليه بالأداء.(1/206)
مرشد الحيران (ص 232)
الحوالة قسمان: مطلقة ومقيدة. (م 877)
الحوالة المطلقة:
هي أن يحيل المدين بدينه غريمه على آخر حوالة مطلقة غير مقيدة بأدائه من الدين الذي للمحيل في ذمة المحتال عليه أو من العين التي له عنده وديعة أو مغصوبة أو يحيله علي شخص ليس له عنده ولا عليه شيء. (م 878)
الحوالة المقيدة:
هي أن يحيل المديون بدينه غريمه على المحتال عليه حوالة مقيدة بأدائه من الدين الذي للمحيل في ذمة المحتال عليه أو من العين التي له عنده أمانة أو مغصوبة. (م 879)
كشاف القناع (3 / 372)
وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه , فهو وكالة في اقتراض.
المغني (7 / 59)
وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه , فليست حوالة أيضا. نص عليه أحمد.
فلا يلزم المحال عليه الأداء , ولا المحتال قبول ذلك , لأن الحوالة معاوضة , ولا معاوضة ههنا , وإنما هو اقتراض.
فإن قبض المحتال منه الدين , رجع على المحيل , لأنه قرض.
الخرشي (6 / 17)
ومن شروطها ثبوت دين للمحيل في ذمة المحال عليه , وإلا كانت حمالة عند الجمهور - قاله الباجي - ولو وقعت بلفظ الحوالة.
البهجة شرح التحفة (2 / 58)
وإن لم يكن دين للمحيل على المحال عليه , فهي حمالة , يشترط فيها رضا المحال عليه. . وإذا كانت حمالة , فإذا أعدم المحال عليه رجع المحال بدينه على المحيل , وإذا أدى المحال عليه , فإنه يرجع على المحيل بما أدى.
أسنى المطالب (2 / 231)
لو أحال على من لا دين عليه , لم تصح الحوالة , ولو رضي بها , لعدم الاعتياض إذ ليس عليه شيء يجعله عوضا عن حق المحتال.
فإن تطوع بأداء دين المحيل كان قاضيا دين غيره , وهو جائز.
مراجع إضافية
انظر تبيين الحقائق (4 / 173) بدائع الصنائع (6 / 16) درر الحكام (2 / 7) مجلة الأحكام العدلية (م678) فتح العزيز (10 / 339) منح الجليل (3 / 230) الزرقاني على خليل (6 / 17) شرح منتهى الإرادات (2 / 259) المهذب (1 / 345) نهاية المحتاج (4 / 410) الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 170) التاودي على التحفة (2 / 57)(1/207)
صيغة الحوالة
تنعقد الحوالة عند جمهور الفقهاء بالإيجاب والقبول المفيدين للمطلوب والدالين على نقل الدين من ذمة إلى ذمة , دون اشتراط لفظ الحوالة بعينه.
وعند الحنابلة يكفي لانعقادها إيجاب المحيل وحده.(1/208)
لما كانت الحوالة عقدا يتم بين أطراف ثلاثة , فإن وجوده يتوقف على صيغة تفصح عن الرغبة في إنشائه , وتعبر بجلاء عن الاتفاق على تكوينه , لأن النية - أو الرغبة - أمر باطن لا يمكن الاطلاع عليه , فأقيم مقامه ما يدل عليه ويكشف عنه , وهو الإيجاب والقبول المتصلين المتوافقين عند جمهور الفقهاء.
وقال الحنابلة: تنعقد الحوالة بمجرد إيجاب المحيل وحده , ولا تحتاج إلى قبول أو رضا من المحتال ولا المحال عليه.
وقد ذهب جماهير الفقهاء إلى صحة الإيجاب بكل ما يدل على النقل والتحويل كأحلتك وأتبعتك , وغير ذلك مما يؤدي معناهما من الألفاظ والعبارات , وكذا صحة القبول بكل لفظ يدل على الرضا بما أوجبه الأول.
ويكفي عند الحنفية أن يجرى الإيجاب والقبول بين اثنين فحسب من الأطراف الثلاثة لتنعقد الحوالة لكنها قد تنعقد بذلك ناجزة أو موقوفة على رضا الثالث على النحو التالي:
(أ) إذا جرى الإيجاب والقبول بين المحال والمحال عليه , وكان الثالث هو المحيل , انعقدت الحوالة ناجزة دون توقف على إجازته.
(ب) وإن كان الثالث هو المحال عليه أو المحال , انعقدت موقوفة على إجازته.(1/209)
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 375)
تنعقد الحوالة بلفظها , وبما يؤدي معناها الخاص , كأتبعتك بدينك على فلان. (م1163) تنعقد الحوالة بمجرد إيجاب المحيل , ولا تحتاج إلى قبول أو رضا من المحتال ولا المحال عليه. (م1164)
مجلة الأحكام العدلية (ص 128)
لو قال المحيل لدائنه: أحلتك على فلان , وقبل المحال له والمحال عليه تنعقد الحوالة. (م 680) الحوالة موقوفة فإذا قبلها المحال له تنفذ. (م 683)
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
وتصح (بلفظها) أي الحوالة , كأحلتك بدينك (أو بمعناها الخاص) بها , كأتبعتك بدينك على زيد ونحوه.
أسنى المطالب (2 / 230)
(والرضا) أي المراد به (هو الإيجاب والقبول) كما في البيع ونحوه , ولا يتعين لفظ الحوالة , بل هو أو ما يؤدي معناه ك نقلت حقك إلى فلان , أو جعلت ما أستحقه على فلان لك , أو ملكتك الدين الذي عليه بحقك.
مجموع فتاوى ابن تيمية (20 / 533)
والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت , فأي لفظ في الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما انعقد به العقد.
وهذا عام في جميع العقود , فإن الشارع لم يحد ألفاظ العقود حدا , بل ذكرها مطلقة , فكما تنعقد العقود بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية والرومية وغيرهما من الألسن العجمية , فهي تنعقد بما يدل عليها من الألفاظ العربية , ولهذا وقع الطلاق والعتاق بكل لفظ يدل عليه , وكذا البيع وغيره.
مراجع إضافية
انظر بدائع الصنائع (6 / 16) تبيين الحقائق (4 / 171) رد المحتار (4 / 289) مغني المحتاج (2 / 193) فتح العزيز (10 / 340) أسنى المطالب (2 / 230)(1/210)
صفات العاقدين في الحوالة
يشترط في كل من المحيل والمحال أن يكون أهلا للتصرف , ويشترط في المحيل أيضا أن يكون مدينا للمحال.
ويشترط في المحال عليه أن يكون مدينا للمحيل عند غير الحنفية وأن يكون مليئا عند الحنابلة وبعض المالكية.(1/211)
شروط المحيل
يشترط في المحيل أن يكون أهلا للتصرف , فلا تنعقد حوالة المجنون والصبي غير المميز , لانتفاء أهليتهما لأي تصرف شرعي.
وأن يكون مدينا للمحال , إذ لا يتصور حوالة دين لا وجود له.
شروط المحال
يشترط في المحال أيضا أن يكون أهلا للتصرف , فلا يصح احتيال مجنون ولا صبي غير مميز.
شروط المحال عليه
يشترط الحنفية في المحال عليه أن يكون بالغا عاقلا , وأن يكون قادرا على تنفيذ الحوالة.
أما غير الحنفية فلا يوجبون أصلا رضا المحال عليه حتى يشترطوا فيه أهلية التصرفات.
وقد اشترط الحنابلة وبعض المالكية ملاءة المحال عليه للزوم الحوالة إذا لم يرض المحال بالحوالة - دون سائر الفقهاء - وضابطها: أن يكون غنيا قادرا على الوفاء غير جاحد ولا مماطل.
أما مديونيته للمحيل فقد اشترطها جمهور الفقهاء خلافا للحنفية الذين يجيزون الحوالة المطلقة.
3(1/212)
مرشد الحيران ص (232)
يشترط لصحة انعقاد الحوالة أن يكون المحيل والمحتال عاقلين , وأن يكون المحتال عليه عاقلا بالغا , فلا تصح حوالة مجنون وصبي غير مميز , ولا احتيالهما , كما أنه لا يصح قبولهما الحوالة على أنفسهما , ولو كان الصبي المحتال عليه مميزا أو مأذونا له في التجارة. (م880) .
يشترط لنفاذ عقد الحوالة أن يكون المحيل والمحتال بالغين , فلا تنفذ حوالة الصبي المميز بل تنعقد موقوفة على إجازة وليه أو وصيه , فإن أجازها نفذت وإلا فلا.
ولا ينفذ احتياله إلا إذا أجازه الولي أو الوصي , وكان المحتال عليه أملأ من المحيل. (م 881) .
مجلة الأحكام العدلية (ص 129)
يشترط في انعقاد الحوالة كون المحيل والمحال له عاقلين , وكون المحال عليه عاقلا بالغا.
فكما أن إحالة الصبي غير المميز دائنه على آخر وقبول الحوالة لنفسه من آخر باطل , فكذلك الصبي مميزا أو غير مميز , مأذونا أو محجورا إذا قبل حوالة على نفسه من آخر باطلة (م 684) .
يشترط في نفوذ الحوالة كون المحيل والمحال له بالغين.
وبناء عليه حوالة الصبي المميز وقبوله الحوالة لنفسه موقوفة على إجازة وليه , فإن أجازها تنفذ.
وبصورة قبوله الحوالة لنفسه يشترط كون المحال عليه أملأ , يعني أغنى من المحيل , وإن أذن الولي. (م 685)
لا يشترط أن يكون المحال عليه مديونا للمحيل , فتصح حوالته وإن لم يكن للمحيل دين على المحال عليه. (م 686) .
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 375)
تصح الحوالة بشرط ملاءة المحال عليه , حتى إذا ظهر معسرا رجع على المحيل. (م1165)
كشاف القناع (3 / 372 , 373)
(وإن أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه , فهي وكالة في اقتراض أيضا , وليس شيء من ذلك حوالة) لانتفاء شروطها.
(وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه , فهو) وكالة في (اقتراض , فلا يصارفه , فإن قبض المحتال منه) أي من المحال عليه الذي لا دين عليه (الدين , رجع) المحال عليه إذن (على المحيل) بما دفعه عنه للمحتال (لأنه قرض) حيث لم يتبرع.
أسنى المطالب (2 / 231)
لو (أحال على من لا دين عليه لم تصح) الحوالة (ولو رضي) بها لعدم الاعتياض , إذ ليس عليه شيء يجعله عوضا عن حق المحتال.
(فإن تطوع) بأداء دين المحيل (كان قاضيا دين غيره , وهو جائز) .
بدائع الصنائع (6 / 16)
وأما الشرائط فأنواع , بعضها يرجع إلى المحيل , وبعضها يرجع إلى المحال , وبعضها يرجع إلى المحال عليه , وبعضها يرجع إلى المحال به.
أما الذي يرجع إلى المحيل فأنواع , منها:
أن يكون عاقلا , فلا تصح حوالة المجنون والصبي الذي لا يعقل , لأن العقل من شرائط أهلية التصرفات كلها. ومنها: أن يكون بالغا.
وهو شرط النفاذ دون الانعقاد , فتنعقد حوالة الصبي العاقل موقوفا نفاذها على إجازة وليه.
وأما الذي يرجع إلى المحال فأنواع , منها: العقل. لما ذكرنا.
ولأن قبوله ركن , وغير العاقل لا يكون من أهل القبول. ومنها: البلوغ.
وانه شرط النفاذ , لا شرط الانعقاد , فينعقد احتياله موقوفا على إجازة وليه إن كان الثاني أملأ من الأول.
وأما الذي يرجع إلى المحال عليه فأنواع أيضا , منها: العقل.
فلا يصح من المجنون والصبي الذي لا يعقل قبول الحوالة أصلا لما ذكرنا. ومنها: البلوغ.
وانه شرط الانعقاد وأيضا. فلا يصح من الصبي قبول الحوالة أصلا لما ذكرنا , وإن كان عاقلا , سواء كان محجورا عليه أو مأذونا في التجارة.
الزرقاني على خليل (6 / 17)
(شرط) صحة (الحوالة رضا المحيل والمحال , فقط , وثبوت دين) للمحيل في ذمة المحال عليه , وكذا للمحال على المحيل , وإلا كانت وكالة لا حوالة.
وان لم يوجد دين في الصورة الأولى كانت حمالة لا حوالة , ولو وقعت بلفظ الحوالة.
مغني المحتاج (2 / 194)
(ولا تصح على من لا دين عليه) بناء على الأصح من أنها بيع , إذ ليس للمحيل على المحال عليه شيء يجعل عوضا عن حق المحتال (وقيل: تصح برضاه) بناء على أنها استيفاء.
مراجع إضافية
انظر شرح منتهى الإرادات (2 / 259) المهذب (1 / 345) الخرشي (6 / 17) المغني (7 / 59) فتح العزيز (10 / 339) البحر الرائق (6 / 268)
المبدع (4 / 273)(1/213)
الرضائية في الحوالة
يشترط جمهور الفقهاء في الحوالة رضا المحيل والمحال فقط
وخالفهم الحنفية فاشترطوا رضا المحال عليه دون المحيل
كما خالفهم الحنابلة فلم يشترطوا رضا المحال.(1/214)
رضا المحيل
ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى اشتراط رضا المحيل لصحة الحوالة , لأنه مخير في جهات قضاء الدين , فلا تتعين عليه جهة الحوالة قهرا.
وخالفهم في ذلك الحنفية فلم يوجبوا لصحتها ذلك , بل لسقوط دين المحيل في ذمة المحال عليه إن كان , وليرجع هذا إلى المحيل بما أدى عنه إن لم يكن مدينا.
رضا المحال
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية /14إلى وجوب رضا المحال , لأن الدين حقه , فلا ينتقل من ذمة إلى ذمة إلا برضاه , إذ الذمم متفاوتة يسارا وإعسارا , وبذلا ومطلا , ولا سبيل إلى إلزامه بتحمل ضرر لم يلتزمه.
وخالفهم الحنابلة , فلم يشترطوا رضاه إذا كان المحال عليه مليئا.
رضا المحال عليه
ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى عدم اشتراط رضا المحال عليه , لقوله صلى الله عليه وسلم ومن أحيل على مليء فليتبع إذ لم يقل: على مليء راض , فدل ذلك على عدم اشتراط رضاه. /176
وقيد المالكية قولهم بما إذا لم يكن بينه وبين المحال عداوة.
وخالفهم في ذلك الحنفية , حيث اشترطوا رضا المحال عليه , سواء أكان مدينا أم لا , لأن الناس يتفاوتون في تقاضي ديونهم رفقا وعنفا , وعسرا ويسرا , فلا يلزم المحال عليه بما لم يلتزمه.(1/215)
مجلة الأحكام العدلية
يصح عقد الحوالة بين المحال له والمحال عليه وحدهما. (م681) .
الحوالة التي أجريت بين المحيل والمحال له وحدهما إذا أخبر بها المحال عليه فقبلها صحت وتمت. (م 682) .
الحوالة التي أجريت بين المحيل والمحال عليه تنعقد موقوفة على قبول المحال له.
(م683) .
أسنى المطالب (2 / 230)
(وشروطها ثلاثة: الأول رضا المحيل والمحتال) لأن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء , فلا يلزم بجهة , وحق المحتال في ذمة المحيل فلا ينتقل إلا برضاه , كما في بيع الأعيان , ومعرفة رضاهما بالصيغة كما سيأتي , وعبر كغيره ههنا بالرضا تنبيها على أنه لا يجب على المحتال الرضا بالحوالة , وتوطئة لقوله (لا المحال عليه) فلا يشترط رضاه , لأنه محل الحق والتصرف , كالعبد المبيع , ولأن الحق للمحيل , فله أن يستوفيه بغيره , كما لو وكل غيره بالاستيفاء.
كشاف القناع (3 / 374)
الشرط (الرابع: أن يحيل برضاه) قال في المبدع: بغير خلاف , لأن الحق عليه.
فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين على المحال عليه (ولا يعتبر رضا المحال عليه لأن للمحيل أن يستوفى الحق بنفسه وبوكيله , وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض , فلزم المحال عليه الدفع إليه , كالوكيل (ولا) يعتبر أيضا (رضا المحتال إن كان المحال عليه مليئا , فيجب) على من أحيل على مليء (أن يحتال) لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: إذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 375)
تنعقد الحوالة بمجرد إيجاب المحيل , ولا تحتاج إلى قبول أو رضا من المحتال ولا المحال عليه (م 1164) .
تصح الحوالة بشرط ملاءة المحال عليه , حتى إذا ظهر معسرا رجع على المحيل (1165) .
يشترط رضا المحيل , فلا تصح إحالة المكره. (م 1166) .
لا يشترط رضا المحتال إذا كان المحال عليه مليئا , أما إذا لم يكن مليئا فلا تصح الحوالة إلا برضا المحتال. (م 1170) .
البحر الرائق (6 / 269)
(وتصح في الدين لا في العين برضا المحتال والمحتال عليه) لأن المحتال هو صاحب الحق , وتختلف عليه الذمم , فلا بد من رضاه , لاختلاف الناس في الإيفاء.
وأما المحال عليه فيلزمه المال , ويختلف عليه الطلب , والناس متفاوتون , قيد برضاهما , لأنها لا تصح مع إكراه أحدهما كما قدمنا , وأراد من الرضا القبول في مجلس الإيجاب , لما قدمنا أن قبولهما في مجلس الإيجاب شرط الانعقاد.
مغني المحتاج (2 / 193)
(يشترط لها) لتصح (رضا المحيل والمحتال) لأن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء , فلا يلزم بجهة , وحق المحتال في ذمة المحيل , فلا ينتقل إلا برضاه , لأن الذمم تتفاوت والأمر الوارد للاستحباب كما مر , وقيل للإباحة.
وطريق الوقوف على تراضيهما إنما هو الإيجاب والقبول على ما مر في البيع , وعبر كغيره ههنا بالرضا تنبيها على أنه لا يجب على المحتال الرضا بالحوالة , وتوطئة لقوله (لا المحال عليه في الأصح) فلا يشترط رضاه.
الخرشي (6 / 16)
(شرط الحوالة رضا المحيل والمحال فقط) أي شرط لزوم الحوالة , أي حوالة القطع , رضا من عليه الدين ومن له , لا المحال عليه , إذ هو محل للتصرف باعتبار الدين الذي عنده على المشهور ما لم يكن بينه وبين المحال عداوة , فإنه لا تصح الحوالة عليه حينئذ على المشهور في المذهب.
المغني (7 / 62)
(ومن أحيل بحقه على مليء , فواجب عليه أن يحتال) الظاهر أن الخرقي أراد بالمليء ههنا: القادر على الوفاء غير الجاحد ولا المماطل.
قال أحمد في تفسير المليء , كأن المليء عنده أن يكون مليئا بماله وقوله وبدنه ونحو هذا.
فإذا أحيل على من هذه صفته لزم المحتال والمحال عليه القبول , ولم يعتبر رضاهما.
وقال أبو حنيفة يعتبر رضاهما لأنها معاوضة , فيعتبر الرضا من المتعاقدين. وقال مالك والشافعي يعتبر رضا المحتال , لأن حقه في ذمة المحيل , فلا يجوز نقله إلى غيرهما بغير رضاه كما لا يجوز أن يجبره على أن يأخذ بالدين عرضا , فأما المحال عليه , فقال مالك لا يعتبر رضاه إلا أن يكون المحتال عدوه.
وللشافعي في اعتبار رضائه قولان أحدهما: يعتبر وهو يحكي عن الزهري لأنه أحد من تتم به الحوالة , فأشبه المحيل. والثاني: لا يعتبر.
لأنه أقامه في القبض مقام نفسه , فلم يفتقر إلى رضا من عليه الحق كالتوكيل.
مراجع إضافية
انظر بدائع الصنائع (6 / 15) فتح القدير (6 / 347) تبيين الحقائق (4 / 171) المهذب (1 / 345) رد المحتار (4 / 289) الزرقاني على خليل (6 / 16) بداية المجتهد (2 / 299) .(1/216)
الثبوت دينا في الذمة
اشترط جمهور الفقهاء أن يكون الدين المحال به ثابتا في ذمة المحيل , والدين المحال عليه دينا في ذمة المحال عليه.
أما الحنفية فلا يشترط عندهم أن يكون المحال عليه مدينا للمحيل في الحوالة المطلقة.(1/217)
أن يكون الدين المحال به دينا في الذمة
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون المحال به دينا أي أن يكون هناك دين للمحال على المحيل.
فقد اتفق الفقهاء على أن من لا دين عليه إذا أحال شخصا على من له عليه دين , لا تصح تلك الحوالة , ولكنها تنعقد وكالة في الطلب والقبض , وتثبت فيها أحكام الوكالة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة خلافا للشافعية.
ويترتب على ذلك أنه لا تصح الحوالة بالأعيان القائمة لأنها لا تثبت في الذمة.
أن يكون الدين المحال عليه دينا في الذمة
يشترط جمهور الفقهاء أن يكون المحال عليه دينا في ذمة المحال عليه خلافا للحنفية الذين يجيزون قضاء الدين المحال به من مال المحال عليه نفسه سواء أكان مدينا للمحيل أم لا.(1/218)
نهاية المحتاج (4 / 410)
لا تصح - أي الحوالة - ممن لا دين عليه.
منح الجليل (3 / 230)
وشرط صحة الحوالة ثبوت دين للمحيل على المحال عليه , وكذا للمحال على المحيل.
رد المحتار (4 / 290)
الشرط كون الدين للمحتال على المحيل , وإلا فهي وكالة لا حوالة.
كشاف القناع (3 / 372)
فإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين , فهي وكالة جرت بلفظ الحوالة
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 376)
إحالة الشخص من لا دين له عليه على مدينه وكالة في الطلب والقبض. (م 1178)
مرشد الحيران (ص 234)
يشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مديونا للمحتال , وإلا فهي وكالة. (883)
رد المحتار (4 / 290)
لو احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال: احتلت بما يذوب لك على فلان , لا تصح الحوالة مع جهالة المال.
بدائع الصنائع (6 / 16)
وأما الذي يرجع إلى المحال به فنوعان , أحدهما: أن يكون دينا.
فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة , لأنها نقل ما في الذمة , ولم يوجد. الثاني: أن يكون لازما.
فلا تصح الحوالة بدين غير لازم , كبدل الكتابة وما يجري مجراه , لأن ذلك دين تسمية لا حقيقة , إذ المولى لا يجب له على عبده دين.
والأصل أن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به.
نهاية المحتاج (4 / 412)
ويشترط العلم من كل منهما بما يحال به وعليه قدرا وصفة وجنسا.
الشرح الكبير على المقنع (5 / 60)
ويعتبر لصحة الحوالة أن تكون بمال معلوم , لأنها إن كانت بيعا فلا يصح في مجهول , وإن كانت تحول الحق , فيعتبر فيها التسليم , والجهالة تمنع منه.
مجلة الأحكام العدلية (ص 129)
كل دين تصح الكفالة به تصح الحوالة به , لكن يلزم أن يكون المحال به معلوما , فلا تصح حوالة الدين المجهول. (م 688)
بدائع الصنائع (5 / 214)
وتجوز الحوالة بالمسلم فيه لوجود ركن الحوالة مع شرائطه , وكذلك الكفالة به.
المجموع للنووي (9 / 273)
المسلم فيه , لا يجوز بيعه ولا الاستبدال عنه. وهل تجوز الحوالة به , بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف , أو الحوالة عليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه , أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: لا يجوز عليه ويجوز به.
المغني (7 / 57)
ولا يعتبر أن يحيل بدين مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه , لأن دين السلم ليس بمستقر , لكونه يعرض الفسخ لانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به , لأنها لم تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه , والسلم لا يجوز أخذ العوض عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره.
أسنى المطالب (2 / 231)
الشرط الثالث: اتفاق الدينين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة , ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
الخرشي (6 / 18)
ومن شروط صحة الحوالة ولزومها حلول الدين المحال به , وهو دين المحتال الذي هو في ذمة المحيل , لأنه إذا لم يكن حالا أدى إلى تعمير ذمة بذمة , فيدخله ما نهي عنه من بيع الدين بالدين , ومن بيع الذهب بالذهب أو بالورق لا يدا بيد إن كان الدينان ذهبا أو ورقا إلا أن يكون الدين الذي ينقل إليه حالا , ويقبض ذلك مكانه قبل أن يفترقا مثل الصرف , فيجوز ذلك.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
شرط الحوالة خمسة شروط. . الثاني: إمكان المقاصة. بأن يتفق الحقان جنسا وصفة وحلولا وأجلا.
فلا تصح بدنانير على دراهم , ولا بصحاح على مكسرة , ولا بحال على مؤجل ونحوه , ولا مع اختلاف أجل , لأنها عقد إرفاق كالقرض , فلو جوزت مع الاختلاف , لصار المطلوب منها الفضل , فتخرج عن موضوعها.
البهجة شرح التحفة (2 / 56)
لا تجوز الحوالة إلا إذا كان الدين المحال به مجانسا , أي مماثلا للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة , كذهب وذهب , أو فضة وفضة , أو عرض على مثله قدرا وصفة.
المهذب (1 / 344)
ولا تجوز إلا على دين يجوز بيعه , كعوض القرض وبدل المتلف.
فأما ما لا يجوز بيعه كدين السلم ومال الكتابة فلا تجوز الحوالة به , لأن الحوالة بيع في الحقيقة , لأن المحتال يبيع ما له في ذمة المحيل بماله في ذمة المحال عليه , والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين , فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثالث: أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم , لأنه من بيع الطعام قبل قبضه.
فإذا وقعت الإحالة برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال , وانتقل إلى طلب المحال عليه.
المحلى (8 / 110)
وتجوز الحوالة بالدين المؤجل على الدين المؤجل إلى مثل أجله لا إلى أبعد ولا إلى أقرب.
وتجوز الحوالة بالحال على الحال , ولا تجوز بحال على مؤجل , ولا بمؤجل على حال , ولا بمؤجل على مؤجل إلى غير أجله , لأن في كل ذلك إيجاب تأجيل حال , أو إيجاب حلول مؤجل , ولا يجوز ذلك , إذ لم يوجبه نص ولا إجماع.
وأما المؤجل بالمؤجل إلى أجله , فلم يمنع منه نص ولا إجماع , فهو داخل في أمره عليه الصلاة والسلام من أتبع على مليء أن يتبعه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 377 , 378)
يشترط اتفاق الدينين جنسا وصفة وحلولا وتأجيلا. (م 1172)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مما يصح السلم فيه , كالمكيلات والموزونات التي لا صناعة فيها والمعدودات والمذروعات التي تنضبط بالصفة. (م1173)
يشترط علم المال المحال به وعليه. (م 1167)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مستقرا بذمة المحال عليه , فلا تصح الحوالة بمال السلم ولا برأس ماله ولا إحالة الزوجة بصداقها قبل الدخول ولا إحالة السيد على مكاتبه على مال الكتابة ولا على الجعل قبل العمل. (م 1168)
المبدع (4 / 271)
ولا تصح أي الحوالة - إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر. نص عليه.
لأن ما ليس بمستقر بعرضة السقوط , إذ مقتضاها التزام المحال عليه بالدين مطلقا , ولا يثبت فيما هذا صفته.
فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
الثالث - أي من شروط الحوالة - علم المال المحال به وعليه لاعتبار التسليم , والجهالة تمنع منه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثاني: أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار , فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر أو أدنى أو أعلى , لأنه يخرج عن الإحالة إلى البيع , فيدخله الدين بالدين.
الخرشي (6 / 19)
ومن شروط صحة الحوالة أن لا يكون الدينان , أي المحال به وعليه طعاما من بيع , أي من سلم , لئلا يدخله بيع الطعام قبل قبضه وسواء اتفقت رءوس الأموال أم اختلفت.
فلو كانا من قرض جازت الحوالة , أو أحدهما من بيع والآخر من قرض جازت بشرط حلول الطعامين معا عند ابن القاسم وحكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه - إلا ابن القاسم - جوازها بشرط حلول المحال به خاصة.
المغني (7 / 57)
ومن شرط صحة الحوالة شروط أربعة أحدها: تماثل الحقين.
لأنها تحويل للحق ونقل له , فينقل على صفته ويعتبر تماثلهما في أمور ثلاثة. . الجنس والصفة. . والحلول والتأجيل. . .
الشرط الثاني: أن تكون على دين مستقر.
ولا يعتبر أن يحيل بدين غير مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه.
أسنى المطالب (2 / 230)
وشروطها ثلاثة: (الثاني: أن تكون) الحوالة (بدين لازم , يجوز الاعتياض عنه) وهو ما عبر عنه أصله بكونه مستقرا (أو) بدين (أصلة اللزوم) كالثمن في زمن الخيار , فلا تصح بالعين لما مر أنها بيع دين بدين , ولا بالدين قبل ثبوته , ولا بدين غير لازم ولا أصله اللزوم كدين الجعالة كما يأتي بيانه.
ولا بما لا يجوز الاعتياض عنه كدين السلم.
قال الرملي فلا تصح الحوالة على التركة لأنها أعيان وتصح على الميت وإن لم يكن له تركة.
الشرط (الثالث) الاتفاق الدينيين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
ويشترط العلم باتفاقهما كما يعلم مما مر في مسألة الحوالة في باب الدية.
وعليها فلو جهلاه أو أحدهما لم تصح الحوالة , وان اتفق الدينان في نفس الأمر لأنها معاوضة , فلا بد من علمهما بحال العوضين.(1/219)
معلومية الدين
اشترط جمهور الفقهاء في الدين المحال به أن يكون معلوما ,
كما اشترط الشافعية والحنابلة أن يكون الدين المحال عليه أيضا معلوما.(1/220)
أن يكون الدين المحال به معلوما
يشترط جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة أن يكون الدين المحال به معلوما نظرا لما قد يترتب على جهالة الدين المحال به من المنازعة والخصومة وتعذر الوفاء.
ومثال ذلك أن يكون على شخص ما ديون كثيرة لا يعلم مقدارها فيقول لدائنه: أحلتك على فلان بكل ما لك علي , فهذه الحوالة غير صحيحة.
أن يكون الدين المحال عليه معلوما
يشترط الشافعية والحنابلة أن يكون الدين المحال عليه معلوما نظرا لما قد يترتب على جهالة الدين المحال عليه من تعذر الوفاء والخصومة والمنازعة.(1/221)
نهاية المحتاج (4 / 410)
لا تصح - أي الحوالة - ممن لا دين عليه.
منح الجليل (3 / 230)
وشرط صحة الحوالة ثبوت دين للمحيل على المحال عليه , وكذا للمحال على المحيل.
رد المحتار (4 / 290)
الشرط كون الدين للمحتال على المحيل , وإلا فهي وكالة لا حوالة.
كشاف القناع (3 / 372)
فإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين , فهي وكالة جرت بلفظ الحوالة
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 376)
إحالة الشخص من لا دين له عليه على مدينه وكالة في الطلب والقبض. (م 1178)
مرشد الحيران (ص 234)
يشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مديونا للمحتال , وإلا فهي وكالة. (883)
رد المحتار (4 / 290)
لو احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال: احتلت بما يذوب لك على فلان , لا تصح الحوالة مع جهالة المال.
بدائع الصنائع (6 / 16)
وأما الذي يرجع إلى المحال به فنوعان , أحدهما: أن يكون دينا.
فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة , لأنها نقل ما في الذمة , ولم يوجد. الثاني: أن يكون لازما.
فلا تصح الحوالة بدين غير لازم , كبدل الكتابة وما يجري مجراه , لأن ذلك دين تسمية لا حقيقة , إذ المولى لا يجب له على عبده دين.
والأصل أن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به.
نهاية المحتاج (4 / 412)
ويشترط العلم من كل منهما بما يحال به وعليه قدرا وصفة وجنسا.
الشرح الكبير على المقنع (5 / 60)
ويعتبر لصحة الحوالة أن تكون بمال معلوم , لأنها إن كانت بيعا فلا يصح في مجهول , وإن كانت تحول الحق , فيعتبر فيها التسليم , والجهالة تمنع منه.
مجلة الأحكام العدلية (ص 129)
كل دين تصح الكفالة به تصح الحوالة به , لكن يلزم أن يكون المحال به معلوما , فلا تصح حوالة الدين المجهول. (م 688)
بدائع الصنائع (5 / 214)
وتجوز الحوالة بالمسلم فيه لوجود ركن الحوالة مع شرائطه , وكذلك الكفالة به.
المجموع للنووي (9 / 273)
المسلم فيه , لا يجوز بيعه ولا الاستبدال عنه.
وهل تجوز الحوالة به , بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف , أو الحوالة عليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه , أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: لا يجوز عليه ويجوز به.
المغني (7 / 57)
ولا يعتبر أن يحيل بدين مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه , لأن دين السلم ليس بمستقر , لكونه بعرض الفسخ لانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به , لأنها لم تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه , والسلم لا يجوز أخذ العوض عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره.
أسنى المطالب (2 / 231)
الشرط الثالث: اتفاق الدينين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة , ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
الخرشي (6 / 18)
ومن شروط صحة الحوالة ولزومها حلول الدين المحال به , وهو دين المحتال الذي هو في ذمة المحيل , لأنه إذا لم يكن حالا أدى إلى تعمير ذمة بذمة , فيدخله ما نهي عنه من بيع الدين بالدين , ومن بيع الذهب بالذهب أو بالورق لا يدا بيد إن كان الدينان ذهبا أو ورقا إلا أن يكون الدين الذي ينقل إليه حالا , ويقبض ذلك مكانه قبل أن يفترقا مثل الصرف , فيجوز ذلك.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
شرط الحوالة خمسة شروط. . الثاني: إمكان المقاصة. بأن يتفق الحقان جنسا وصفة وحلولا وأجلا.
فلا تصح بدنانير على دراهم , ولا بصحاح على مكسرة , ولا بحال على مؤجل ونحوه , ولا مع اختلاف أجل , لأنها عقد إرفاق كالقرض , فلو جوزت مع الاختلاف , لصار المطلوب منها الفضل , فتخرج عن موضوعها.
البهجة شرح التحفة (2 / 56)
لا تجوز الحوالة إلا إذا كان الدين المحال به مجانسا , أي مماثلا للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة , كذهب وذهب , أو فضة وفضة , أو عرض على مثله قدرا وصفة.
المهذب (1 / 344)
ولا تجوز إلا على دين يجوز بيعه , كعوض القرض وبدل المتلف.
فأما ما لا يجوز بيعه كدين السلم ومال الكتابة فلا تجوز الحوالة به , لأن الحوالة بيع في الحقيقة , لأن المحتال يبيع ما له في ذمة المحيل بماله في ذمة المحال عليه , والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين , فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثالث: أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم , لأنه من بيع الطعام قبل قبضه.
فإذا وقعت الإحالة برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال , وانتقل إلى طلب المحال عليه.
المحلى (8 / 110)
وتجوز الحوالة بالدين المؤجل على الدين المؤجل إلى مثل أجله لا إلى أبعد ولا إلى أقرب.
وتجوز الحوالة بالحال على الحال , ولا تجوز بحال على مؤجل , ولا بمؤجل على حال , ولا بمؤجل على مؤجل إلى غير أجله , لأن في كل ذلك إيجاب تأجيل حال , أو إيجاب حلول مؤجل , ولا يجوز ذلك , إذ لم يوجبه نص ولا إجماع.
وأما المؤجل بالمؤجل إلى أجله , فلم يمنع منه نص ولا إجماع , فهو داخل في أمره عليه الصلاة والسلام من أتبع على مليء أن يتبعه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 377 , 378)
يشترط اتفاق الدينين جنسا وصفة وحلولا وتأجيلا. (م 1172)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مما يصح السلم فيه , كالمكيلات والموزونات التي لا صناعة فيها والمعدودات والمذروعات التي تنضبط بالصفة. (م1173)
يشترط علم المال المحال به وعليه. (م 1167)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مستقرا بذمة المحال عليه , فلا تصح الحوالة بمال السلم ولا برأس ماله ولا إحالة الزوجة بصداقها قبل الدخول ولا إحالة السيد على مكاتبه على مال الكتابة ولا على الجعل قبل العمل. (م 1168)
المبدع (4 / 271)
ولا تصح أي الحوالة - إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر. نص عليه.
لأن ما ليس بمستقر بعرضة السقوط , إذ مقتضاها التزام المحال عليه بالدين مطلقا , ولا يثبت فيما هذا صفته.
فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
الثالث - أي من شروط الحوالة - علم المال المحال به وعليه لاعتبار التسليم , والجهالة تمنع منه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثاني: أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار , فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر أو أدنى أو أعلى , لأنه يخرج عن الإحالة إلى البيع , فيدخله الدين بالدين.
الخرشي (6 / 19)
ومن شروط صحة الحوالة أن لا يكون الدينان , أي المحال به وعليه طعاما من بيع , أي من سلم , لئلا يدخله بيع الطعام قبل قبضه وسواء اتفقت رءوس الأموال أم اختلفت.
فلو كانا من قرض جازت الحوالة , أو أحدهما من بيع والآخر من قرض جازت بشرط حلول الطعامين معا عند ابن القاسم وحكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه - إلا ابن القاسم - جوازها بشرط حلول المحال به خاصة.
المغني (7 / 57)
ومن شرط صحة الحوالة شروط أربعة أحدها: تماثل الحقين.
لأنها تحويل للحق ونقل له , فينقل على صفته ويعتبر تماثلهما في أمور ثلاثة. . الجنس والصفة. . والحلول والتأجيل. . .
الشرط الثاني: أن تكون على دين مستقر.
ولا يعتبر أن يحيل بدين غير مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه.
أسنى المطالب (2 / 230)
وشروطها ثلاثة: (الثاني: أن تكون) الحوالة (بدين لازم , يجوز الاعتياض عنه) وهو ما عبر عنه أصله بكونه مستقرا (أو) بدين (أصلة اللزوم) كالثمن في زمن الخيار , فلا تصح بالعين لما مر أنها بيع دين بدين , ولا بالدين قبل ثبوته , ولا بدين غير لازم ولا أصله اللزوم كدين الجعالة كما يأتي بيانه.
ولا بما لا يجوز الاعتياض عنه كدين السلم.
قال الرملي فلا تصح الحوالة على التركة لأنها أعيان وتصح على الميت وإن لم يكن له تركة.
الشرط (الثالث) الاتفاق بين الدينيين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
ويشترط العلم باتفاقهما كما يعلم مما مر في مسألة الحوالة في باب الدية.
وعليها فلو جهلاه أو أحدهما لم تصح الحوالة , وان اتفق الدينان في نفس الأمر لأنها معاوضة , فلا بد من علمهما بحال العوضين.(1/222)
لزوم الدين
خلافا للمالكية والحنابلة , اشترط الحنفية والشافعية أن يكون الدين المحال به لازما ,
وانفرد الشافعية باشتراط لزوم الدين المحال عليه.(1/223)
أن يكون الدين المحال به لازما
خلافا للمالكية والحنابلة , فإن الحنفية والشافعية يشترطون أن يكون الدين المحال به لازما قياسا على الكفالة حيث إن كلا من الكفالة والحوالة عقد التزام بما على مدين.
والدين اللازم هو الذي لا يسقط عن المدين في وقت من الأوقات أي الدين الذي لا خيار فيه.
وفي الجملة يمكن القول إن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به , فلا يجوز مثلا الحوالة بالدين الذي يستدينه صبي أو سفيه لأن الولي قد لا يقره ولا يجوز الحوالة بالجعل المشروط للعامل في الجعالة لأنه لا يلزم إلا بعد تمام العمل كما لا يجوز الحوالة بثمن سلعة مبيعة في مدة الخيار لأن الخيار عارض في طريق اللزوم.
أن يكون الدين المحال عليه لازما
انفرد الشافعية باشتراط أن يكون الدين المحال عليه لازما , وألحقوا باللازم ما كان آيلا للزوم.
والدين اللازم كما أشرنا هو الذي لا يسقط عن المدين في وقت من الأوقات أي الدين الذي لا خيار فيه.(1/224)
نهاية المحتاج (4 / 410)
لا تصح - أي الحوالة - ممن لا دين عليه.
منح الجليل (3 / 230)
وشرط صحة الحوالة ثبوت دين للمحيل على المحال عليه , وكذا للمحال على المحيل.
رد المحتار (4 / 290)
الشرط كون الدين للمحتال على المحيل , وإلا فهي وكالة لا حوالة.
كشاف القناع (3 / 372)
فإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين , فهي وكالة جرت بلفظ الحوالة
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 376)
إحالة الشخص من لا دين له عليه على مدينه وكالة في الطلب والقبض. (م 1178)
مرشد الحيران (ص 234)
يشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مديونا للمحتال , وإلا فهي وكالة. (883)
رد المحتار (4 / 290)
لو احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال: احتلت بما يذوب لك على فلان , لا تصح الحوالة مع جهالة المال.
بدائع الصنائع (6 / 16)
وأما الذي يرجع إلى المحال به فنوعان , أحدهما: أن يكون دينا.
فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة , لأنها نقل ما في الذمة , ولم يوجد. الثاني: أن يكون لازما.
فلا تصح الحوالة بدين غير لازم , كبدل الكتابة وما يجري مجراه , لأن ذلك دين تسمية لا حقيقة , إذ المولى لا يجب له على عبده دين.
والأصل أن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به.
نهاية المحتاج (4 / 412)
ويشترط العلم من كل منهما بما يحال به وعليه قدرا وصفة وجنسا.
الشرح الكبير على المقنع (5 / 60)
ويعتبر لصحة الحوالة أن تكون بمال معلوم , لأنها إن كانت بيعا فلا يصح في مجهول , وإن كانت تحول الحق , فيعتبر فيها التسليم , والجهالة تمنع منه.
مجلة الأحكام العدلية (ص 129)
كل دين تصح الكفالة به تصح الحوالة به , لكن يلزم أن يكون المحال به معلوما , فلا تصح حوالة الدين المجهول. (م 688)
بدائع الصنائع (5 / 214)
وتجوز الحوالة بالمسلم فيه لوجود ركن الحوالة مع شرائطه , وكذلك الكفالة به.
المجموع للنووي (9 / 273)
المسلم فيه , لا يجوز بيعه ولا الاستبدال عنه.
وهل تجوز الحوالة به , بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف , أو الحوالة عليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه , أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: لا يجوز عليه ويجوز به.
المغني (7 / 57)
ولا يعتبر أن يحيل بدين مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه , لأن دين السلم ليس بمستقر , لكونه بعرض الفسخ لانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به , لأنها لم تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه , والسلم لا يجوز أخذ العوض عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره.
أسنى المطالب (2 / 231)
الشرط الثالث: اتفاق الدينين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة , ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
الخرشي (6 / 18)
ومن شروط صحة الحوالة ولزومها حلول الدين المحال به , وهو دين المحتال الذي هو في ذمة المحيل , لأنه إذا لم يكن حالا أدى إلى تعمير ذمة بذمة , فيدخله ما نهي عنه من بيع الدين بالدين , ومن بيع الذهب بالذهب أو بالورق لا يدا بيد إن كان الدينان ذهبا أو ورقا إلا أن يكون الدين الذي ينقل إليه حالا , ويقبض ذلك مكانه قبل أن يفترقا مثل الصرف , فيجوز ذلك.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
شرط الحوالة خمسة شروط. . الثاني: إمكان المقاصة. بأن يتفق الحقان جنسا وصفة وحلولا وأجلا.
فلا تصح بدنانير على دراهم , ولا بصحاح على مكسرة , ولا بحال على مؤجل ونحوه , ولا مع اختلاف أجل , لأنها عقد إرفاق كالقرض , فلو جوزت مع الاختلاف , لصار المطلوب منها الفضل , فتخرج عن موضوعها.
البهجة شرح التحفة (2 / 56)
لا تجوز الحوالة إلا إذا كان الدين المحال به مجانسا , أي مماثلا للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة , كذهب وذهب , أو فضة وفضة , أو عرض على مثله قدرا وصفة.
المهذب (1 / 344)
ولا تجوز إلا على دين يجوز بيعه , كعوض القرض وبدل المتلف.
فأما ما لا يجوز بيعه كدين السلم ومال الكتابة فلا تجوز الحوالة به , لأن الحوالة بيع في الحقيقة , لأن المحتال يبيع ما له في ذمة المحيل بماله في ذمة المحال عليه , والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين , فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثالث: أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم , لأنه من بيع الطعام قبل قبضه.
فإذا وقعت الإحالة برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال , وانتقل إلى طلب المحال عليه.
المحلى (8 / 110)
وتجوز الحوالة بالدين المؤجل على الدين المؤجل إلى مثل أجله لا إلى أبعد ولا إلى أقرب.
وتجوز الحوالة بالحال على الحال , ولا تجوز بحال على مؤجل , ولا بمؤجل على حال , ولا بمؤجل على مؤجل إلى غير أجله , لأن في كل ذلك إيجاب تأجيل حال , أو إيجاب حلول مؤجل , ولا يجوز ذلك , إذ لم يوجبه نص ولا إجماع.
وأما المؤجل بالمؤجل إلى أجله , فلم يمنع منه نص ولا إجماع , فهو داخل في أمره عليه الصلاة والسلام من أتبع على مليء أن يتبعه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 377 , 378)
يشترط اتفاق الدينين جنسا وصفة وحلولا وتأجيلا. (م 1172)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مما يصح السلم فيه , كالمكيلات والموزونات التي لا صناعة فيها والمعدودات والمذروعات التي تنضبط بالصفة. (م1173)
يشترط علم المال المحال به وعليه. (م 1167)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مستقرا بذمة المحال عليه , فلا تصح الحوالة بمال السلم ولا برأس ماله ولا إحالة الزوجة بصداقها قبل الدخول ولا إحالة السيد على مكاتبه على مال الكتابة ولا على الجعل قبل العمل. (م 1168)
المبدع (4 / 271)
ولا تصح أي الحوالة - إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر. نص عليه.
لأن ما ليس بمستقر بعرضة السقوط , إذ مقتضاها التزام المحال عليه بالدين مطلقا , ولا يثبت فيما هذا صفته.
فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
الثالث - أي من شروط الحوالة - علم المال المحال به وعليه لاعتبار التسليم , والجهالة تمنع منه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثاني: أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار , فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر أو أدنى أو أعلى , لأنه يخرج عن الإحالة إلى البيع , فيدخله الدين بالدين.
الخرشي (6 / 19)
ومن شروط صحة الحوالة أن لا يكون الدينان , أي المحال به وعليه طعاما من بيع , أي من سلم , لئلا يدخله بيع الطعام قبل قبضه وسواء اتفقت رءوس الأموال أم اختلفت.
فلو كانا من قرض جازت الحوالة , أو أحدهما من بيع والآخر من قرض جازت بشرط حلول الطعامين معا عند ابن القاسم وحكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه - إلا ابن القاسم - جوازها بشرط حلول المحال به خاصة.
المغني (7 / 57)
ومن شرط صحة الحوالة شروط أربعة أحدها: تماثل الحقين.
لأنها تحويل للحق ونقل له , فينقل على صفته ويعتبر تماثلهما في أمور ثلاثة. . الجنس والصفة. . والحلول والتأجيل. . .
الشرط الثاني: أن تكون على دين مستقر.
ولا يعتبر أن يحيل بدين غير مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه.
أسنى المطالب (2 / 230)
وشروطها ثلاثة: (الثاني: أن تكون) الحوالة (بدين لازم , يجوز الاعتياض عنه) وهو ما عبر عنه أصله بكونه مستقرا (أو) بدين (أصلة اللزوم) كالثمن في زمن الخيار , فلا تصح بالعين لما مر أنها بيع دين بدين , ولا بالدين قبل ثبوته , ولا بدين غير لازم ولا أصله اللزوم كدين الجعالة كما يأتي بيانه.
ولا بما لا يجوز الاعتياض عنه كدين السلم.
قال الرملي فلا تصح الحوالة على التركة لأنها أعيان وتصح على الميت وإن لم يكن له تركة.
الشرط (الثالث) الاتفاق الدينيين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
ويشترط العلم باتفاقهما كما يعلم مما مر في مسألة الحوالة في باب الدية.
وعليها فلو جهلاه أو أحدهما لم تصح الحوالة , وان اتفق الدينان في نفس الأمر لأنها معاوضة , فلا بد من علمهما بحال العوضين.(1/225)
الدين مما يجوز الاعتياض عنه
اشترط جمهور الفقهاء أن يكون الدين المحال به والدين المحال عليه مما يجوز الاعتياض عنه.(1/226)
أن يكون الدين مما يجوز الاعتياض عنه
اشترط الشافعية والمالكية والحنابلة أن يكون الدين المحال به وكذلك الدين المحال عليه مما يجوز الاعتياض عنه أي مما يجوز بيعه.
فما لا يصح الاعتياض عنه لا تصح الحوالة به برغم لزومه , ومن ذلك الحوالة برأس مال السلم وبالمسلم فيه , وبكل مبيع قبل قبضه , ودين الزكاة.
هذا وهناك اختلاف في آراء الفقهاء حول ما يجوز الاعتياض عنه وما لا يجوز كما أن الحنفية لم يقولوا بهذا الشرط.(1/227)
نهاية المحتاج (4 / 410)
لا تصح - أي الحوالة - ممن لا دين عليه.
منح الجليل (3 / 230)
وشرط صحة الحوالة ثبوت دين للمحيل على المحال عليه , وكذا للمحال على المحيل.
رد المحتار (4 / 290)
الشرط كون الدين للمحتال على المحيل , وإلا فهي وكالة لا حوالة.
كشاف القناع (3 / 372)
فإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين , فهي وكالة جرت بلفظ الحوالة
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 376)
إحالة الشخص من لا دين له عليه على مدينه وكالة في الطلب والقبض. (م 1178)
مرشد الحيران (ص 234)
يشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مديونا للمحتال , وإلا فهي وكالة. (883)
رد المحتار (4 / 290)
لو احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال: احتلت بما يذوب لك على فلان , لا تصح الحوالة مع جهالة المال.
بدائع الصنائع (6 / 16)
وأما الذي يرجع إلى المحال به فنوعان , أحدهما: أن يكون دينا.
فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة , لأنها نقل ما في الذمة , ولم يوجد. الثاني: أن يكون لازما.
فلا تصح الحوالة بدين غير لازم , كبدل الكتابة وما يجري مجراه , لأن ذلك دين تسمية لا حقيقة , إذ المولى لا يجب له على عبده دين.
والأصل أن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به.
نهاية المحتاج (4 / 412)
ويشترط العلم من كل منهما بما يحال به وعليه قدرا وصفة وجنسا.
الشرح الكبير على المقنع (5 / 60)
ويعتبر لصحة الحوالة أن تكون بمال معلوم , لأنها إن كانت بيعا فلا يصح في مجهول , وإن كانت تحول الحق , فيعتبر فيها التسليم , والجهالة تمنع منه.
مجلة الأحكام العدلية (ص 129)
كل دين تصح الكفالة به تصح الحوالة به , لكن يلزم أن يكون المحال به معلوما , فلا تصح حوالة الدين المجهول. (م 688)
بدائع الصنائع (5 / 214)
وتجوز الحوالة بالمسلم فيه لوجود ركن الحوالة مع شرائطه , وكذلك الكفالة به.
المجموع للنووي (9 / 273)
المسلم فيه , لا يجوز بيعه ولا الاستبدال عنه.
وهل تجوز الحوالة به , بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف , أو الحوالة عليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه , أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: لا يجوز عليه ويجوز به.
المغني (7 / 57)
ولا يعتبر أن يحيل بدين مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه , لأن دين السلم ليس بمستقر , لكونه بعرض الفسخ لانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به , لأنها لم تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه , والسلم لا يجوز أخذ العوض عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره.
أسنى المطالب (2 / 231)
الشرط الثالث: اتفاق الدينين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة , ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
الخرشي (6 / 18)
ومن شروط صحة الحوالة ولزومها حلول الدين المحال به , وهو دين المحتال الذي هو في ذمة المحيل , لأنه إذا لم يكن حالا أدى إلى تعمير ذمة بذمة , فيدخله ما نهي عنه من بيع الدين بالدين , ومن بيع الذهب بالذهب أو بالورق لا يدا بيد إن كان الدينان ذهبا أو ورقا إلا أن يكون الدين الذي ينقل إليه حالا , ويقبض ذلك مكانه قبل أن يفترقا مثل الصرف , فيجوز ذلك.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
شرط الحوالة خمسة شروط. . الثاني: إمكان المقاصة. بأن يتفق الحقان جنسا وصفة وحلولا وأجلا.
فلا تصح بدنانير على دراهم , ولا بصحاح على مكسرة , ولا بحال على مؤجل ونحوه , ولا مع اختلاف أجل , لأنها عقد إرفاق كالقرض , فلو جوزت مع الاختلاف , لصار المطلوب منها الفضل , فتخرج عن موضوعها.
البهجة شرح التحفة (2 / 56)
لا تجوز الحوالة إلا إذا كان الدين المحال به مجانسا , أي مماثلا للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة , كذهب وذهب , أو فضة وفضة , أو عرض على مثله قدرا وصفة.
المهذب (1 / 344)
ولا تجوز إلا على دين يجوز بيعه , كعوض القرض وبدل المتلف.
فأما ما لا يجوز بيعه كدين السلم ومال الكتابة فلا تجوز الحوالة به , لأن الحوالة بيع في الحقيقة , لأن المحتال يبيع ما له في ذمة المحيل بماله في ذمة المحال عليه , والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين , فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثالث: أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم , لأنه من بيع الطعام قبل قبضه.
فإذا وقعت الإحالة برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال , وانتقل إلى طلب المحال عليه.
المحلى (8 / 110)
وتجوز الحوالة بالدين المؤجل على الدين المؤجل إلى مثل أجله لا إلى أبعد ولا إلى أقرب.
وتجوز الحوالة بالحال على الحال , ولا تجوز بحال على مؤجل , ولا بمؤجل على حال , ولا بمؤجل على مؤجل إلى غير أجله , لأن في كل ذلك إيجاب تأجيل حال , أو إيجاب حلول مؤجل , ولا يجوز ذلك , إذ لم يوجبه نص ولا إجماع.
وأما المؤجل بالمؤجل إلى أجله , فلم يمنع منه نص ولا إجماع , فهو داخل في أمره عليه الصلاة والسلام من أتبع على مليء أن يتبعه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 377 , 378)
يشترط اتفاق الدينين جنسا وصفة وحلولا وتأجيلا. (م 1172)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مما يصح السلم فيه , كالمكيلات والموزونات التي لا صناعة فيها والمعدودات والمذروعات التي تنضبط بالصفة. (م1173)
يشترط علم المال المحال به وعليه. (م 1167)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مستقرا بذمة المحال عليه , فلا تصح الحوالة بمال السلم ولا برأس ماله ولا إحالة الزوجة بصداقها قبل الدخول ولا إحالة السيد على مكاتبه على مال الكتابة ولا على الجعل قبل العمل. (م 1168)
المبدع (4 / 271)
ولا تصح أي الحوالة - إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر. نص عليه.
لأن ما ليس بمستقر بعرضة السقوط , إذ مقتضاها التزام المحال عليه بالدين مطلقا , ولا يثبت فيما هذا صفته.
فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
الثالث - أي من شروط الحوالة - علم المال المحال به وعليه لاعتبار التسليم , والجهالة تمنع منه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثاني: أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار , فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر أو أدنى أو أعلى , لأنه يخرج عن الإحالة إلى البيع , فيدخله الدين بالدين.
الخرشي (6 / 19)
ومن شروط صحة الحوالة أن لا يكون الدينان , أي المحال به وعليه طعاما من بيع , أي من سلم , لئلا يدخله بيع الطعام قبل قبضه وسواء اتفقت رءوس الأموال أم اختلفت.
فلو كانا من قرض جازت الحوالة , أو أحدهما من بيع والآخر من قرض جازت بشرط حلول الطعامين معا عند ابن القاسم وحكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه - إلا ابن القاسم - جوازها بشرط حلول المحال به خاصة.
المغني (7 / 57)
ومن شرط صحة الحوالة شروط أربعة أحدها: تماثل الحقين.
لأنها تحويل للحق ونقل له , فينقل على صفته ويعتبر تماثلهما في أمور ثلاثة. . الجنس والصفة. . والحلول والتأجيل. . .
الشرط الثاني: أن تكون على دين مستقر.
ولا يعتبر أن يحيل بدين غير مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه.
أسنى المطالب (2 / 230)
وشروطها ثلاثة: (الثاني: أن تكون) الحوالة (بدين لازم , يجوز الاعتياض عنه) وهو ما عبر عنه أصله بكونه مستقرا (أو) بدين (أصلة اللزوم) كالثمن في زمن الخيار , فلا تصح بالعين لما مر أنها بيع دين بدين , ولا بالدين قبل ثبوته , ولا بدين غير لازم ولا أصله اللزوم كدين الجعالة كما يأتي بيانه.
ولا بما لا يجوز الاعتياض عنه كدين السلم.
قال الرملي فلا تصح الحوالة على التركة لأنها أعيان وتصح على الميت وإن لم يكن له تركة.
الشرط (الثالث) الاتفاق الدينيين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
ويشترط العلم باتفاقهما كما يعلم مما مر في مسألة الحوالة في باب الدية.
وعليها فلو جهلاه أو أحدهما لم تصح الحوالة , وان اتفق الدينان في نفس الأمر لأنها معاوضة , فلا بد من علمهما بحال العوضين.(1/228)
استقرار الدين
اشترط الحنابلة أن يكون الدين المحال به والدين المحال عليه مستقرا.(1/229)
أن يكون الدين مستقرا
اشترط كثير من الحنابلة أن يكون الدين المحال به والدين المحال عليه مستقرا , أي أنه لا يتطرق إليه انفساخ بتلف مقابله , أو فواته بأي سبب كان كتعذر المال المسلم فيه في عقد السلم.
فالأجرة قبل استيفاء المنفعة أو قبل مضي المدة , والثمن قبل قبض المبيع , وما شاكل ذلك كلها ديون لازمة يصح الاعتياض عنها , ولكنها غير مستقرة لأنها عرضة للسقوط بفوات مقابلها كموت الأجير أو المستأجر وتلف المبيع فلا تصح الحوالة بها.
وعليه إن أحال البائع بالثمن على المشتري في مدة الخيار لم يصح في قياس ما ذكر , وإن أحاله المشتري به صح لأنه بمنزلة الوفاء وله الوفاء قبل الاستقرار.(1/230)
نهاية المحتاج (4 / 410)
لا تصح - أي الحوالة - ممن لا دين عليه.
منح الجليل (3 / 230)
وشرط صحة الحوالة ثبوت دين للمحيل على المحال عليه , وكذا للمحال على المحيل.
رد المحتار (4 / 290)
الشرط كون الدين للمحتال على المحيل , وإلا فهي وكالة لا حوالة.
كشاف القناع (3 / 372)
فإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين , فهي وكالة جرت بلفظ الحوالة
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 376)
إحالة الشخص من لا دين له عليه على مدينه وكالة في الطلب والقبض. (م 1178)
مرشد الحيران (ص 234)
يشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مديونا للمحتال , وإلا فهي وكالة. (883)
رد المحتار (4 / 290)
لو احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال: احتلت بما يذوب لك على فلان , لا تصح الحوالة مع جهالة المال.
بدائع الصنائع (6 / 16)
وأما الذي يرجع إلى المحال به فنوعان , أحدهما: أن يكون دينا.
فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة , لأنها نقل ما في الذمة , ولم يوجد. الثاني: أن يكون لازما.
فلا تصح الحوالة بدين غير لازم , كبدل الكتابة وما يجري مجراه , لأن ذلك دين تسمية لا حقيقة , إذ المولى لا يجب له على عبده دين.
والأصل أن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به.
نهاية المحتاج (4 / 412)
ويشترط العلم من كل منهما بما يحال به وعليه قدرا وصفة وجنسا.
الشرح الكبير على المقنع (5 / 60)
ويعتبر لصحة الحوالة أن تكون بمال معلوم , لأنها إن كانت بيعا فلا يصح في مجهول , وإن كانت تحول الحق , فيعتبر فيها التسليم , والجهالة تمنع منه.
مجلة الأحكام العدلية (ص 129)
كل دين تصح الكفالة به تصح الحوالة به , لكن يلزم أن يكون المحال به معلوما , فلا تصح حوالة الدين المجهول. (م 688)
بدائع الصنائع (5 / 214)
وتجوز الحوالة بالمسلم فيه لوجود ركن الحوالة مع شرائطه , وكذلك الكفالة به.
المجموع للنووي (9 / 273)
المسلم فيه , لا يجوز بيعه ولا الاستبدال عنه.
وهل تجوز الحوالة به , بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف , أو الحوالة عليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه , أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: لا يجوز عليه ويجوز به.
المغني (7 / 57)
ولا يعتبر أن يحيل بدين مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه , لأن دين السلم ليس بمستقر , لكونه بعرض الفسخ لانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به , لأنها لم تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه , والسلم لا يجوز أخذ العوض عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره.
أسنى المطالب (2 / 231)
الشرط الثالث: اتفاق الدينين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة , ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
الخرشي (6 / 18)
ومن شروط صحة الحوالة ولزومها حلول الدين المحال به , وهو دين المحتال الذي هو في ذمة المحيل , لأنه إذا لم يكن حالا أدى إلى تعمير ذمة بذمة , فيدخله ما نهي عنه من بيع الدين بالدين , ومن بيع الذهب بالذهب أو بالورق لا يدا بيد إن كان الدينان ذهبا أو ورقا إلا أن يكون الدين الذي ينقل إليه حالا , ويقبض ذلك مكانه قبل أن يفترقا مثل الصرف , فيجوز ذلك.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
شرط الحوالة خمسة شروط. . الثاني: إمكان المقاصة. بأن يتفق الحقان جنسا وصفة وحلولا وأجلا.
فلا تصح بدنانير على دراهم , ولا بصحاح على مكسرة , ولا بحال على مؤجل ونحوه , ولا مع اختلاف أجل , لأنها عقد إرفاق كالقرض , فلو جوزت مع الاختلاف , لصار المطلوب منها الفضل , فتخرج عن موضوعها.
البهجة شرح التحفة (2 / 56)
لا تجوز الحوالة إلا إذا كان الدين المحال به مجانسا , أي مماثلا للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة , كذهب وذهب , أو فضة وفضة , أو عرض على مثله قدرا وصفة.
المهذب (1 / 344)
ولا تجوز إلا على دين يجوز بيعه , كعوض القرض وبدل المتلف.
فأما ما لا يجوز بيعه كدين السلم ومال الكتابة فلا تجوز الحوالة به , لأن الحوالة بيع في الحقيقة , لأن المحتال يبيع ما له في ذمة المحيل بماله في ذمة المحال عليه , والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين , فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثالث: أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم , لأنه من بيع الطعام قبل قبضه.
فإذا وقعت الإحالة برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال , وانتقل إلى طلب المحال عليه.
المحلى (8 / 110)
وتجوز الحوالة بالدين المؤجل على الدين المؤجل إلى مثل أجله لا إلى أبعد ولا إلى أقرب.
وتجوز الحوالة بالحال على الحال , ولا تجوز بحال على مؤجل , ولا بمؤجل على حال , ولا بمؤجل على مؤجل إلى غير أجله , لأن في كل ذلك إيجاب تأجيل حال , أو إيجاب حلول مؤجل , ولا يجوز ذلك , إذ لم يوجبه نص ولا إجماع.
وأما المؤجل بالمؤجل إلى أجله , فلم يمنع منه نص ولا إجماع , فهو داخل في أمره عليه الصلاة والسلام من أتبع على مليء أن يتبعه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 377 , 378)
يشترط اتفاق الدينين جنسا وصفة وحلولا وتأجيلا. (م 1172)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مما يصح السلم فيه , كالمكيلات والموزونات التي لا صناعة فيها والمعدودات والمذروعات التي تنضبط بالصفة. (م1173)
يشترط علم المال المحال به وعليه. (م 1167)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مستقرا بذمة المحال عليه , فلا تصح الحوالة بمال السلم ولا برأس ماله ولا إحالة الزوجة بصداقها قبل الدخول ولا إحالة السيد على مكاتبه على مال الكتابة ولا على الجعل قبل العمل. (م 1168)
المبدع (4 / 271)
ولا تصح أي الحوالة - إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر. نص عليه.
لأن ما ليس بمستقر بعرضة السقوط , إذ مقتضاها التزام المحال عليه بالدين مطلقا , ولا يثبت فيما هذا صفته.
فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
الثالث - أي من شروط الحوالة - علم المال المحال به وعليه لاعتبار التسليم , والجهالة تمنع منه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثاني: أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار , فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر أو أدنى أو أعلى , لأنه يخرج عن الإحالة إلى البيع , فيدخله الدين بالدين.
الخرشي (6 / 19)
ومن شروط صحة الحوالة أن لا يكون الدينان , أي المحال به وعليه طعاما من بيع , أي من سلم , لئلا يدخله بيع الطعام قبل قبضه وسواء اتفقت رءوس الأموال أم اختلفت.
فلو كانا من قرض جازت الحوالة , أو أحدهما من بيع والآخر من قرض جازت بشرط حلول الطعامين معا عند ابن القاسم وحكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه - إلا ابن القاسم - جوازها بشرط حلول المحال به خاصة.
المغني (7 / 57)
ومن شرط صحة الحوالة شروط أربعة أحدها: تماثل الحقين.
لأنها تحويل للحق ونقل له , فينقل على صفته ويعتبر تماثلهما في أمور ثلاثة. . الجنس والصفة. . والحلول والتأجيل. . .
الشرط الثاني: أن تكون على دين مستقر.
ولا يعتبر أن يحيل بدين غير مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه.
أسنى المطالب (2 / 230)
وشروطها ثلاثة: (الثاني: أن تكون) الحوالة (بدين لازم , يجوز الاعتياض عنه) وهو ما عبر عنه أصله بكونه مستقرا (أو) بدين (أصلة اللزوم) كالثمن في زمن الخيار , فلا تصح بالعين لما مر أنها بيع دين بدين , ولا بالدين قبل ثبوته , ولا بدين غير لازم ولا أصله اللزوم كدين الجعالة كما يأتي بيانه.
ولا بما لا يجوز الاعتياض عنه كدين السلم.
قال الرملي فلا تصح الحوالة على التركة لأنها أعيان وتصح على الميت وإن لم يكن له تركة.
الشرط (الثالث) الاتفاق الدينيين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
ويشترط العلم باتفاقهما كما يعلم مما مر في مسألة الحوالة في باب الدية.
وعليها فلو جهلاه أو أحدهما لم تصح الحوالة , وان اتفق الدينان في نفس الأمر لأنها معاوضة , فلا بد من علمهما بحال العوضين.(1/231)
تماثل الدينين
اشترط جمهور الفقهاء في الدين المحال به أن يكون مماثلا للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة ,
واشترط الشافعية والحنابلة كذلك تماثل الدينين في الحلول والتأجيل.(1/232)
أن يكون الدين المحال به مماثلا للدين المحال عليه
اشترط الحنابلة والشافعية أن يكون الدين المحال به مماثلا للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة والحلول والتأجيل.
ووافقهم المالكية في اشتراط المماثلة في الجنس والقدر والصفة فقط.
والحكمة في اشتراط هذه الشريطة أن الحوالة عقد إرفاق يقصد به الإيفاء والاستيفاء , لا الاسترباح والاستكثار , فلو أذن بالتفاوت فيها لتبارى العاملون بها كل يريد أن يغبن الآخر ويصيب منه أكثر مما يترك له , وهذا خلاف موضوعها وكذلك بالنسبة لمن لا يشترطون رضا المحال فإن هذا الشرط مهم لأنه لا يعقل إجباره مع اختلاف الدينين.
هذا ولم يعتبر الحنفية شرط المماثلة بالكلية.(1/233)
نهاية المحتاج (4 / 410)
لا تصح - أي الحوالة - ممن لا دين عليه.
منح الجليل (3 / 230)
وشرط صحة الحوالة ثبوت دين للمحيل على المحال عليه , وكذا للمحال على المحيل.
رد المحتار (4 / 290)
الشرط كون الدين للمحتال على المحيل , وإلا فهي وكالة لا حوالة.
كشاف القناع (3 / 372)
فإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين , فهي وكالة جرت بلفظ الحوالة
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 376)
إحالة الشخص من لا دين له عليه على مدينه وكالة في الطلب والقبض. (م 1178)
مرشد الحيران (ص 234)
يشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مديونا للمحتال , وإلا فهي وكالة. (883)
رد المحتار (4 / 290)
لو احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال: احتلت بما يذوب لك على فلان , لا تصح الحوالة مع جهالة المال.
بدائع الصنائع (6 / 16)
وأما الذي يرجع إلى المحال به فنوعان , أحدهما: أن يكون دينا.
فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة , لأنها نقل ما في الذمة , ولم يوجد. الثاني: أن يكون لازما.
فلا تصح الحوالة بدين غير لازم , كبدل الكتابة وما يجري مجراه , لأن ذلك دين تسمية لا حقيقة , إذ المولى لا يجب له على عبده دين.
والأصل أن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به.
نهاية المحتاج (4 / 412)
ويشترط العلم من كل منهما بما يحال به وعليه قدرا وصفة وجنسا.
الشرح الكبير على المقنع (5 / 60)
ويعتبر لصحة الحوالة أن تكون بمال معلوم , لأنها إن كانت بيعا فلا يصح في مجهول , وإن كانت تحول الحق , فيعتبر فيها التسليم , والجهالة تمنع منه.
مجلة الأحكام العدلية (ص 129)
كل دين تصح الكفالة به تصح الحوالة به , لكن يلزم أن يكون المحال به معلوما , فلا تصح حوالة الدين المجهول. (م 688)
بدائع الصنائع (5 / 214)
وتجوز الحوالة بالمسلم فيه لوجود ركن الحوالة مع شرائطه , وكذلك الكفالة به.
المجموع للنووي (9 / 273)
المسلم فيه , لا يجوز بيعه ولا الاستبدال عنه.
وهل تجوز الحوالة به , بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف , أو الحوالة عليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه , أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: لا يجوز عليه ويجوز به.
المغني (7 / 57)
ولا يعتبر أن يحيل بدين مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه , لأن دين السلم ليس بمستقر , لكونه بعرض الفسخ لانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به , لأنها لم تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه , والسلم لا يجوز أخذ العوض عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره.
أسنى المطالب (2 / 231)
الشرط الثالث: اتفاق الدينين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة , ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
الخرشي (6 / 18)
ومن شروط صحة الحوالة ولزومها حلول الدين المحال به , وهو دين المحتال الذي هو في ذمة المحيل , لأنه إذا لم يكن حالا أدى إلى تعمير ذمة بذمة , فيدخله ما نهي عنه من بيع الدين بالدين , ومن بيع الذهب بالذهب أو بالورق لا يدا بيد إن كان الدينان ذهبا أو ورقا إلا أن يكون الدين الذي ينقل إليه حالا , ويقبض ذلك مكانه قبل أن يفترقا مثل الصرف , فيجوز ذلك.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
شرط الحوالة خمسة شروط. . الثاني: إمكان المقاصة. بأن يتفق الحقان جنسا وصفة وحلولا وأجلا.
فلا تصح بدنانير على دراهم , ولا بصحاح على مكسرة , ولا بحال على مؤجل ونحوه , ولا مع اختلاف أجل , لأنها عقد إرفاق كالقرض , فلو جوزت مع الاختلاف , لصار المطلوب منها الفضل , فتخرج عن موضوعها.
البهجة شرح التحفة (2 / 56)
لا تجوز الحوالة إلا إذا كان الدين المحال به مجانسا , أي مماثلا للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة , كذهب وذهب , أو فضة وفضة , أو عرض على مثله قدرا وصفة.
المهذب (1 / 344)
ولا تجوز إلا على دين يجوز بيعه , كعوض القرض وبدل المتلف.
فأما ما لا يجوز بيعه كدين السلم ومال الكتابة فلا تجوز الحوالة به , لأن الحوالة بيع في الحقيقة , لأن المحتال يبيع ما له في ذمة المحيل بماله في ذمة المحال عليه , والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين , فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثالث: أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم , لأنه من بيع الطعام قبل قبضه.
فإذا وقعت الإحالة برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال , وانتقل إلى طلب المحال عليه.
المحلى (8 / 110)
وتجوز الحوالة بالدين المؤجل على الدين المؤجل إلى مثل أجله لا إلى أبعد ولا إلى أقرب.
وتجوز الحوالة بالحال على الحال , ولا تجوز بحال على مؤجل , ولا بمؤجل على حال , ولا بمؤجل على مؤجل إلى غير أجله , لأن في كل ذلك إيجاب تأجيل حال , أو إيجاب حلول مؤجل , ولا يجوز ذلك , إذ لم يوجبه نص ولا إجماع.
وأما المؤجل بالمؤجل إلى أجله , فلم يمنع منه نص ولا إجماع , فهو داخل في أمره عليه الصلاة والسلام من أتبع على مليء أن يتبعه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 377 , 378)
يشترط اتفاق الدينين جنسا وصفة وحلولا وتأجيلا. (م 1172)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مما يصح السلم فيه , كالمكيلات والموزونات التي لا صناعة فيها والمعدودات والمذروعات التي تنضبط بالصفة. (م1173)
يشترط علم المال المحال به وعليه. (م 1167)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مستقرا بذمة المحال عليه , فلا تصح الحوالة بمال السلم ولا برأس ماله ولا إحالة الزوجة بصداقها قبل الدخول ولا إحالة السيد على مكاتبه على مال الكتابة ولا على الجعل قبل العمل. (م 1168)
المبدع (4 / 271)
ولا تصح أي الحوالة - إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر. نص عليه.
لأن ما ليس بمستقر بعرضة السقوط , إذ مقتضاها التزام المحال عليه بالدين مطلقا , ولا يثبت فيما هذا صفته.
فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
الثالث - أي من شروط الحوالة - علم المال المحال به وعليه لاعتبار التسليم , والجهالة تمنع منه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثاني: أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار , فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر أو أدنى أو أعلى , لأنه يخرج عن الإحالة إلى البيع , فيدخله الدين بالدين.
الخرشي (6 / 19)
ومن شروط صحة الحوالة أن لا يكون الدينان , أي المحال به وعليه طعاما من بيع , أي من سلم , لئلا يدخله بيع الطعام قبل قبضه وسواء اتفقت رءوس الأموال أم اختلفت.
فلو كانا من قرض جازت الحوالة , أو أحدهما من بيع والآخر من قرض جازت بشرط حلول الطعامين معا عند ابن القاسم وحكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه - إلا ابن القاسم - جوازها بشرط حلول المحال به خاصة.
المغني (7 / 57)
ومن شرط صحة الحوالة شروط أربعة أحدها: تماثل الحقين.
لأنها تحويل للحق ونقل له , فينقل على صفته ويعتبر تماثلهما في أمور ثلاثة. . الجنس والصفة. . والحلول والتأجيل. . .
الشرط الثاني: أن تكون على دين مستقر.
ولا يعتبر أن يحيل بدين غير مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه.
أسنى المطالب (2 / 230)
وشروطها ثلاثة: (الثاني: أن تكون) الحوالة (بدين لازم , يجوز الاعتياض عنه) وهو ما عبر عنه أصله بكونه مستقرا (أو) بدين (أصلة اللزوم) كالثمن في زمن الخيار , فلا تصح بالعين لما مر أنها بيع دين بدين , ولا بالدين قبل ثبوته , ولا بدين غير لازم ولا أصله اللزوم كدين الجعالة كما يأتي بيانه.
ولا بما لا يجوز الاعتياض عنه كدين السلم.
قال الرملي فلا تصح الحوالة على التركة لأنها أعيان وتصح على الميت وإن لم يكن له تركة.
الشرط (الثالث) الاتفاق الدينيين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
ويشترط العلم باتفاقهما كما يعلم مما مر في مسألة الحوالة في باب الدية.
وعليها فلو جهلاه أو أحدهما لم تصح الحوالة , وان اتفق الدينان في نفس الأمر لأنها معاوضة , فلا بد من علمهما بحال العوضين.(1/234)
حلول أحد الدينين
اشترط المالكية أن يكون الدين المحال به حالا إذا كان الدين المحال عليه مؤجلا.(1/235)
أن يكون الدين المحال به أو الدين المحال عليه حالا
اشترط المالكية أن يكون أحد الدينين حالا , فإن كان الدين الذي على المحيل مؤجلا والدين الذي على المحال عليه مؤجلا مثله فإن الحوالة لا تصح عندهم لما يترتب عليه من بيع الدين بالدين الممنوع.
أما إذا كان كل منهما معجلا أو كان أحدهما معجلا والآخر مؤجلا فإنه يصح لعدم بيع الدين بالدين.(1/236)
نهاية المحتاج (4 / 410)
لا تصح - أي الحوالة - ممن لا دين عليه.
منح الجليل (3 / 230)
وشرط صحة الحوالة ثبوت دين للمحيل على المحال عليه , وكذا للمحال على المحيل.
رد المحتار (4 / 290)
الشرط كون الدين للمحتال على المحيل , وإلا فهي وكالة لا حوالة.
كشاف القناع (3 / 372)
فإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين , فهي وكالة جرت بلفظ الحوالة
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 376)
إحالة الشخص من لا دين له عليه على مدينه وكالة في الطلب والقبض. (م 1178)
مرشد الحيران (ص 234)
يشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مديونا للمحتال , وإلا فهي وكالة. (883)
رد المحتار (4 / 290)
لو احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال: احتلت بما يذوب لك على فلان , لا تصح الحوالة مع جهالة المال.
بدائع الصنائع (6 / 16)
وأما الذي يرجع إلى المحال به فنوعان , أحدهما: أن يكون دينا.
فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة , لأنها نقل ما في الذمة , ولم يوجد. الثاني: أن يكون لازما.
فلا تصح الحوالة بدين غير لازم , كبدل الكتابة وما يجري مجراه , لأن ذلك دين تسمية لا حقيقة , إذ المولى لا يجب له على عبده دين.
والأصل أن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به.
نهاية المحتاج (4 / 412)
ويشترط العلم من كل منهما بما يحال به وعليه قدرا وصفة وجنسا.
الشرح الكبير على المقنع (5 / 60)
ويعتبر لصحة الحوالة أن تكون بمال معلوم , لأنها إن كانت بيعا فلا يصح في مجهول , وإن كانت تحول الحق , فيعتبر فيها التسليم , والجهالة تمنع منه.
مجلة الأحكام العدلية (ص 129)
كل دين تصح الكفالة به تصح الحوالة به , لكن يلزم أن يكون المحال به معلوما , فلا تصح حوالة الدين المجهول. (م 688)
بدائع الصنائع (5 / 214)
وتجوز الحوالة بالمسلم فيه لوجود ركن الحوالة مع شرائطه , وكذلك الكفالة به.
المجموع للنووي (9 / 273)
المسلم فيه , لا يجوز بيعه ولا الاستبدال عنه.
وهل تجوز الحوالة به , بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف , أو الحوالة عليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه , أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: لا يجوز عليه ويجوز به.
المغني (7 / 57)
ولا يعتبر أن يحيل بدين مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه , لأن دين السلم ليس بمستقر , لكونه بعرض الفسخ لانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به , لأنها لم تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه , والسلم لا يجوز أخذ العوض عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره.
أسنى المطالب (2 / 231)
الشرط الثالث: اتفاق الدينين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة , ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
الخرشي (6 / 18)
ومن شروط صحة الحوالة ولزومها حلول الدين المحال به , وهو دين المحتال الذي هو في ذمة المحيل , لأنه إذا لم يكن حالا أدى إلى تعمير ذمة بذمة , فيدخله ما نهي عنه من بيع الدين بالدين , ومن بيع الذهب بالذهب أو بالورق لا يدا بيد إن كان الدينان ذهبا أو ورقا إلا أن يكون الدين الذي ينقل إليه حالا , ويقبض ذلك مكانه قبل أن يفترقا مثل الصرف , فيجوز ذلك.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
شرط الحوالة خمسة شروط. . الثاني: إمكان المقاصة. بأن يتفق الحقان جنسا وصفة وحلولا وأجلا.
فلا تصح بدنانير على دراهم , ولا بصحاح على مكسرة , ولا بحال على مؤجل ونحوه , ولا مع اختلاف أجل , لأنها عقد إرفاق كالقرض , فلو جوزت مع الاختلاف , لصار المطلوب منها الفضل , فتخرج عن موضوعها.
البهجة شرح التحفة (2 / 56)
لا تجوز الحوالة إلا إذا كان الدين المحال به مجانسا , أي مماثلا للدين المحال عليه في الجنس والقدر والصفة , كذهب وذهب , أو فضة وفضة , أو عرض على مثله قدرا وصفة.
المهذب (1 / 344)
ولا تجوز إلا على دين يجوز بيعه , كعوض القرض وبدل المتلف.
فأما ما لا يجوز بيعه كدين السلم ومال الكتابة فلا تجوز الحوالة به , لأن الحوالة بيع في الحقيقة , لأن المحتال يبيع ما له في ذمة المحيل بماله في ذمة المحال عليه , والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين , فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثالث: أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم , لأنه من بيع الطعام قبل قبضه.
فإذا وقعت الإحالة برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال , وانتقل إلى طلب المحال عليه.
المحلى (8 / 110)
وتجوز الحوالة بالدين المؤجل على الدين المؤجل إلى مثل أجله لا إلى أبعد ولا إلى أقرب.
وتجوز الحوالة بالحال على الحال , ولا تجوز بحال على مؤجل , ولا بمؤجل على حال , ولا بمؤجل على مؤجل إلى غير أجله , لأن في كل ذلك إيجاب تأجيل حال , أو إيجاب حلول مؤجل , ولا يجوز ذلك , إذ لم يوجبه نص ولا إجماع.
وأما المؤجل بالمؤجل إلى أجله , فلم يمنع منه نص ولا إجماع , فهو داخل في أمره عليه الصلاة والسلام من أتبع على مليء أن يتبعه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 377 , 378)
يشترط اتفاق الدينين جنسا وصفة وحلولا وتأجيلا. (م 1172)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مما يصح السلم فيه , كالمكيلات والموزونات التي لا صناعة فيها والمعدودات والمذروعات التي تنضبط بالصفة. (م1173)
يشترط علم المال المحال به وعليه. (م 1167)
يشترط أن يكون الدين المحال عليه مستقرا بذمة المحال عليه , فلا تصح الحوالة بمال السلم ولا برأس ماله ولا إحالة الزوجة بصداقها قبل الدخول ولا إحالة السيد على مكاتبه على مال الكتابة ولا على الجعل قبل العمل. (م 1168)
المبدع (4 / 271)
ولا تصح أي الحوالة - إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر. نص عليه.
لأن ما ليس بمستقر بعرضة السقوط , إذ مقتضاها التزام المحال عليه بالدين مطلقا , ولا يثبت فيما هذا صفته.
فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح.
شرح منتهى الإرادات (2 / 256)
الثالث - أي من شروط الحوالة - علم المال المحال به وعليه لاعتبار التسليم , والجهالة تمنع منه.
القوانين الفقهية (ص 332)
الشرط الثاني: أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار , فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر أو أدنى أو أعلى , لأنه يخرج عن الإحالة إلى البيع , فيدخله الدين بالدين.
الخرشي (6 / 19)
ومن شروط صحة الحوالة أن لا يكون الدينان , أي المحال به وعليه طعاما من بيع , أي من سلم , لئلا يدخله بيع الطعام قبل قبضه وسواء اتفقت رءوس الأموال أم اختلفت.
فلو كانا من قرض جازت الحوالة , أو أحدهما من بيع والآخر من قرض جازت بشرط حلول الطعامين معا عند ابن القاسم وحكى ابن حبيب عن مالك وأصحابه - إلا ابن القاسم - جوازها بشرط حلول المحال به خاصة.
المغني (7 / 57)
ومن شرط صحة الحوالة شروط أربعة أحدها: تماثل الحقين.
لأنها تحويل للحق ونقل له , فينقل على صفته ويعتبر تماثلهما في أمور ثلاثة. . الجنس والصفة. . والحلول والتأجيل. . .
الشرط الثاني: أن تكون على دين مستقر.
ولا يعتبر أن يحيل بدين غير مستقر , إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه.
أسنى المطالب (2 / 230)
وشروطها ثلاثة: (الثاني: أن تكون) الحوالة (بدين لازم , يجوز الاعتياض عنه) وهو ما عبر عنه أصله بكونه مستقرا (أو) بدين (أصلة اللزوم) كالثمن في زمن الخيار , فلا تصح بالعين لما مر أنها بيع دين بدين , ولا بالدين قبل ثبوته , ولا بدين غير لازم ولا أصله اللزوم كدين الجعالة كما يأتي بيانه.
ولا بما لا يجوز الاعتياض عنه كدين السلم.
قال الرملي فلا تصح الحوالة على التركة لأنها أعيان وتصح على الميت وإن لم يكن له تركة.
الشرط (الثالث) الاتفاق الدينيين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة ولو في غير الربوي , لأن الحوالة ليست على حقيقة المعاوضات , وإنما هي معاوضة إرفاق جوزت للحاجة , فاعتبر فيها الاتفاق , كما في القرض.
ويشترط العلم باتفاقهما كما يعلم مما مر في مسألة الحوالة في باب الدية.
وعليها فلو جهلاه أو أحدهما لم تصح الحوالة , وان اتفق الدينان في نفس الأمر لأنها معاوضة , فلا بد من علمهما بحال العوضين.(1/237)
براءة المحيل
اتفق جمهور الفقهاء على أنه متى صحت الحوالة فقد فرغت ذمة المحيل مما كان عليه لدائنه , وبالتالي لا يكون لهذا الدائن حق المطالبة لأن الحوالة تنقل المطالبة بالدين والدين نفسه من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
ولكن قيد الحنفية براءة ذمة المحيل من المطالبة والدين جميعا بعدم التوى (الإفلاس وجحود الحوالة) ,
وذهب بعض الحنفية أن المحيل يبرأ من المطالبة فقط ولا تبرأ ذمته من الدين.(1/238)
المحيل يبرأ من الدين والمطالبة براءة مطلقة
ذهب الحنابلة والشافعية والمالكية إلى أن الحوالة تنقل المطالبة بالدين والدين نفسه من ذمة المدين إلى ذمة المحال عليه , فيبرأ المحيل براءة مطلقة إذا تمت الحوالة وانتقل الحق ورضي المحال , ولم يعد الحق إلى المحيل أبدا سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر المطل أو فلس أو موت أو غيرها.
ذلك أن الحوالة مشتقة من التحويل وهو نقل الحق فكان معنى الانتقال لازما فيها , والشيء إذا انتقل إلى موضع لا يبقى في المحل الأول.
أما معنى التوثق في الحوالة فهو يحصل بسهولة التوصل إلى الحق باختيار الأكثر ملاءة والأحسن قضاء.
المحيل يبرأ من الدين والمطالبة براءة مؤقتة
ذهب الحنفية إلى أن الحوالة تنقل المطالبة بالدين والدين نفسه من ذمة المدين إلى ذمة المحال عليه , ولكن لا يبرأ المحيل براءة مطلقة بل إن الدين يعود إلى ذمته إذا توى الدين عند المحال عليه لأن ما ثبت للمحال لدى المحال عليه خلف لما كان له عند المحيل , فإذا فاته الخلف رجع إلى الأصل.
ويتحقق تواء الدين في الحالات الآتية:
الموت مفلسا: وهو موت المحال عليه دون أن يترك أداء للدين أو كفيلا به.
جحود الحوالة بلا بينة: وهو أن يجحد المحال عليه الحوالة ولا دليل عليه.
الإفلاس وهو حي: أن يحكم بإفلاس المحال عليه عند الصاحبين (خلافا للإمام الذي يرى بألا يحجر على مدين) .
فالمحيل يبقى ضامنا لدين الحوالة عند الحنفية , وللمحال أن يعود عليه إذا عجز عن الوصول إلى حقه من طريق المحال عليه.
ولكن هذا الضمان هو باعتبار المآل لا باعتبار الحال , لأنه لو شرط الضمان في الحال لصارت كفالة وليس حوالة.
المحيل يبرأ من المطالبة فقط ولا يبرأ من الدين
ذهب محمد من الحنفية إلى أن الحوالة تنقل المطالبة بالدين وحدها دون الدين الذي يبقى أصله في ذمة المحيل , أي أن المحيل لا يبرأ من الدين بل تظل ذمته مشغولة به.(1/239)
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 379)
متى صحت الحوالة برئت ذمة المحيل من المحال به , وليس للمحتال الرجوع عليه. (م 1181)
مرشد الحيران (ص 236)
إذا قبل المحتال الحوالة , ورضي المحتال عليه , برئ المحيل وكفيله إن كان له كفيل من الدين ومن المطالبة معا , وثبت للمحتال حق مطالبة المحتال عليه , غير أن براءة المحيل وكفيله مقيدة بسلامة حق المحتال. (م 890)
مجلة الأحكام العدلية ص 130 , 132
حكم الحوالة هو أن يبرأ المحيل من الدين , وكفيله من الكفالة إن كان له كفيل , ويثبت للمحال له حق المطالبة بذلك الدين من المحال عليه. (م690)
بدائع الصنائع (6 / 17 , 18)
الحوالة لها أحكام (منها) براءة المحيل. وهذا عند أصحابنا الثلاثة. وقال زفر الحوالة لا توجب براءة المحيل , والحق في ذمته بعد الحوالة على ما كان قبلها كالكفالة. . (ومنها) ثبوت ولاية المطالبة للمحال على المحيل عليه بدين في ذمته أو في ذمة المحيل.
المغني (7 / 60)
فإذا اجتمعت شروط الحوالة وصحت برئت ذمة المحيل في قول عامة الفقهاء , إلا ما يروى عن الحسن أنه كان لا يرى الحوالة براءة إلا أن يبرئه.
وعن زفر أنه قال: لا تنقل الحق.
وأجراها مجرى الضمان. وليس بصحيح , لأن الحوالة مشتقة من تحويل الحق , بخلاف الضمان , فإنه مشتق من ضم ذمة إلى ذمة , فعلق على كل واحد مقتضاه وما دل عليه لفظه.
الخرشي (6 / 19)
(ويتحول حق المحال على المحال عليه) يعني أنه بمجرد عقد الحوالة يتحول حق المحتال على المحال عليه وتبرأ ذمة المحيل , لأن الحوالة كالقبض.
مغني المحتاج (2 / 195)
(ويبرأ بالحوالة المحيل عن دين المحتال , والمحال عليه عن دين المحيل , ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه) أي يصير في ذمته.
ومعنى صيرورته في ذمته أن الأول باق بعينه , لكن تغير محله إن قلنا الحوالة استيفاء , وهذا ظاهر المتن , أو بمعنى أنه لزم الذمة , ويكون الذي انتقل إليه المحتال غير الذي كان له إن قلنا إنها بيع.
وقد مر أنه الأصح. وما ذكر هو فائدة الحوالة.
المهذب (1 / 345)
إذا أحال بالدين انتقل الحق إلى المحال عليه وبرئت ذمة المحيل , لأن الحوالة إما أن تكون تحويل حق أو بيع حق , وأيهما كان وجب أن تبرأ به ذمة المحيل.
أسنى المطالب (2 / 232)
(المحيل يبرأ بالحوالة) عن دين المحتال , والمحال عليه يبرأ عن دين المحيل (ويلزم الدين) المحال به (المحال عليه) للمحتال , لأن ذلك هو فائدة الحوالة. .
(فإن أفلس) المحال عليه (أو مات) مفلسا (أو جحد) الحوالة أو دين المحيل وحلف (فلا رجوع) للمحتال (على المحيل) كما لا رجوع له فيما لو اشترى شيئا وغبن فيه أو أخذ عوضا عن دينه وتلف عنده , ولأنه أوجب في الخبر اتباع المحال عليه مطلقا , ولأنه لو كان له الرجوع لما كان لذكر الملاءة في الخبر فائدة , لأنه إن لم يصل إلى حقه رجع به , فعلم بذكرها أن الحق انتقل انتقالا لا رجوع به.
شرح منتهى الإرادات (2 / 257)
(ويبرأ محيل بمجردها) أي الحوالة (ولو أفلس محال عليه) بعدها (أو جحد) الدين وعلمه المحال أو صدق المحيل أو ثبت ببينة فماتت ونحوه , وإلا فلا يقبل قول محيل فيه بمجرده , فلا يبرأ بها (أو مات) محال عليه , وخلف تركة أو لا , إذ الحوالة بمنزلة الإيفاء.
المبدع (4 / 270)
(والحوالة تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه) لما بينا أنها مشتقة من التحويل , وحيث صحت الحوالة , برئت ذمة المحيل , وانتقل الحق إلى ذمة المحال عليه (فلا يملك المحتال الرجوع عليه) أي على المحيل (بحال) لأن الحق انتقل , فلا يعود بعد انتقاله.
هذا إذا اجتمعت شروطها , ورضي بها المحتال ولم يشترط اليسار , سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت , أو جحد الحق ولا بينة به وحلف عليه في قول الجماهير.(1/240)
تجرد الدين المحال به من ضماناته
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الضمانات المنعقدة من قبل المحيل لمصلحة الدائن كالرهن والكفالة تسقط بمجرد الحوالة , وللدائن أخذ ضمانات جديدة - إن أراد - بموافقة المحال عليه.(1/241)
ذهب جمهور الفقهاء إلى سقوط الضمانات التي هي لمصلحة الدائن كالرهن والكفالة بمجرد الحوالة بالدين الموثق عليه لأنها كالقبض , ويستدلون على أنها كالقبض.
ونص الشافعية على أنه إذا شرط في عقد الحوالة بقاء الرهن بطلت , إن كان هذا الشرط في صلب العقد لأنه شرط فاسد ووثيقة بغير دين.
والاتجاه الغالب عند الحنفية أيضا هو عدم انتقال الضمانات التي هي لمصلحة الدائن مع الدين بمعنى أنها لا تستمر ضمانا به في محله الجديد , بل تنقضي بمجرد الحوالة لأن انتقال الدين عن ذمة المدين المحيل هو براءة لذمته , فلا مساغ للتوثق عليها بعد براءتها.
وبالتالي فإن الدين بانتقاله يتجرد من ضماناته , ويكون في محله الجديد غير مضمون بها.(1/242)
اشتغال ذمة المحال عليه بالدين وحقه في الرجوع
اتفق الفقهاء على أنه بمقتضى عقد الحوالة يبرأ المحيل من الدين وتشتغل ذمة المحال عليه بالدين الذي كان في ذمة المحيل , فيلزمه أداء الدين الذي انتقل إلى ذمته.
ويرى الحنفية - خلافا لجمهور الفقهاء - أنه متى أدى المحال عليه إلى المحال استحق الرجوع على المحيل إذا توافرت شرائط الرجوع.(1/243)
ذكر الفقهاء أنه ليس للمحال عليه الامتناع عن أداء الدين إلى المحال لأنه بمقتضى عقد الحوالة اشتغلت ذمته بالدين الذي كان في ذمة المحيل.
كما ذكر الفقهاء أنه ليس للمحال عليه أن يعطى الدين المحال به للمحيل لأن حق المحيل صار ملكا للمحال.
فإذا أعطى المحال عليه الدين للمحيل ضمن لأنه يكون قد استهلك ما تعلق به حق المحال.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن المحال عليه ليس له الرجوع على المحيل بعد أدائه دين الحوالة لأنه يشترط عندهم في الحوالة أن يكون المحال عليه مدينا للمحيل , فما يؤديه بحكم الحوالة إنما يوفي به ذمته المحال عليها , فلا رجوع له.
وهذا كذلك هو قول الحنفية في حالة الحوالة المقيدة.
أما في حالة الحوالة المطلقة عند الحنفية , فإن المحال عليه له حق الرجوع على المحيل متى أدى الدين إلى المحال , وذلك إذا توافرت الشروط التالية:
أن تكون الحوالة بأمر المحيل.
ألا يكون للمحيل على المحال عليه.(1/244)
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 379)
متى صحت الحوالة برئت ذمة المحيل من المحال به , وليس للمحتال الرجوع عليه. (م 1181)
مجلة الأحكام العدلية (ص 130 , 132)
إذا أحال المحيل حوالة مطلقة , فإن لم يكن له عند المحال عليه دين , يرجع المحال عليه على المحيل بعد الأداء , وإن كان له دين على المحال عليه , يكون تقاصا بدينه بعد الأداء. (691)
كما يكون المحال عليه بريئا من الدين بأداء المحال به أو بحوالته إياها على آخر أو بإبراء المحال له إياه.
كذلك يبرأ من الدين لو وهبه المحال به أو تصدق به عليه وقبل ذلك. (م699)
بدائع الصنائع (6 / 17) , 18
الحوالة لها أحكام (منها) ثبوت حق الملازمة للمحال عليه على المحيل إذا لازمه المحال.
إذا كانت الحوالة بأمر المحيل , ولم يكن على المحال عليه دين مثله للمحيل , لأنه هو الذي أوقعه في هذه العهدة , فعليه تخليصه منها.
أسنى المطالب (2 / 232) (المحيل يبرأ بالحوالة) عن دين المحتال , والمحال عليه يبرأ عن دين المحيل (ويلزم الدين) المحال به (المحال عليه) للمحتال , لأن ذلك هو فائدة الحوالة. .
(فإن أفلس) المحال عليه (أو مات) مفلسا (أو جحد) الحوالة أو دين المحيل وحلف (فلا رجوع) للمحتال (على المحيل) كما لا رجوع له فيما لو اشترى شيئا وغبن فيه أو أخذ عوضا عن دينه وتلف عنده , ولأنه أوجب في الخبر اتباع المحال عليه مطلقا , ولأنه لو كان له الرجوع لما كان لذكر الملاءة في الخبر فائدة , لأنه إن لم يصل إلى حقه رجع به , فعلم بذكرها أن الحق انتقل انتقالا لا رجوع به.
المبدع (4 / 270)
(والحوالة تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه) لما بينا أنها مشتقة من التحويل , وحيث صحت الحوالة , برئت ذمة المحيل , وانتقل الحق إلى ذمة المحال عليه (فلا يملك المحتال الرجوع عليه) أي على المحيل (بحال) لأن الحق انتقل , فلا يعود بعد انتقاله.
هذا إذا اجتمعت شروطها , ورضي بها المحتال ولم يشترط اليسار , سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت , أو جحد الحق ولا بينة به وحلف عليه في قول الجماهير.
الإشراف للقاضي عبد الوهاب (2 / 19)
مسألة: إذا أحاله بحقه على رجل له عليه دين , وهو مليء في الظاهر , لا يعلم المحيل منه فلسا , فإنه يصير كالقابض , ولا يرجع على المحيل بحال.
وقال أبو حنيفة يرجع عليه إذا كان المحال عليه مفلسا أو جحد الحق وحلف , ولم يكن للمحتال بينة.
وزاد أبو يوسف ومحمد أو يحجر الحاكم عليه للفلس.
ودليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: ومن أحيل على مليء فليتبع فأطلق ولم يقيد.
ولأنها حوالة برئت ذمة المحيل بها , فلم يجز له الرجوع على المحيل به أصله إذا لم يتغير حاله , ولا يلزم عليه الغرر , لأن الذمة لا تبرأ معه.
ولأن عقد الحوالة إذا انبرم فإن بقاءه يمنع رجوع المحتال على المحيل أصله ما ذكرناه , وفي الغرر لم ينبرم.
ولأن الحوالة سبب تسقط المطالبة بالدين وتبدله فوجب أن يسقط به حق الرجوع كالقبض والأبراء.(1/245)
التنفيذ
تنتهي الحوالة بالتنفيذ والأداء باتفاق الفقهاء.(1/246)
تنتهي الحوالة بالتنفيذ , وذلك بأداء المحال عليه المال إلى المحال.
وهذا أمر بدهي لأن الغرض من الحوالة تحقق وهو الأداء.(1/247)
مرشد الحيران (ص 238 , 239 , 242)
إذا سقط الدين المقيدة به الحوالة , وتبينت براءة المحتال عليه بأمر سابق عليها بطلت الحوالة.
فلو أحال البائع غريما له على المشتري بالثمن , ثم استحق المبيع للغير بطلت الحوالة , وعاد الدين على المحيل. (م 900)
يبرأ المحتال عليه بتأدية الدين المحال به أو بإحالته المحتال على غيره , وقبول ذلك الغير الحوالة. (م 910)
إذا أبرأ المحتال المحتال عليه سقط الدين , وبرئ المحتال عليه منه ولو لم يقبل , بحيث لو كان غير مديون للمحيل فلا يرجع عليه بشيء (م911) .
إذا وهب المحتال الدين للمحتال عليه وقبل الهبة , فقد ملك الدين.
فإن كان مديونا للمحيل سقط عنه الدين قصاصا , وإن لم يكن مديونا للمحيل كان له ولورثته الحق في مطالبته به. (م 912) .
لا يرجع المحتال بدينه على المحيل إلا إذا اشترط في الحوالة خيار الرجوع للمحتال , أو فسخت الحوالة بهلاك المال المحال به.
وهلاكه في الحوالة المطلقة يكون بأحد أمرين , أولهما: أن يجحد المحال عليه الحوالة ولا بينة لكل من المحيل والمحتال.
ثانيهما: أن يموت المحتال عليه مفلسا ولم يترك عينا تفي بأداء المحال به ولا دينا كذلك ولا كفيلا بجميع الدين.
فلو ترك دينا ولو على مفلس فلا تبطل الحوالة. (م 879) .
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 378 , 379)
لا تبطل الحوالة بموت المحال عليه , سواء خلف تركة أم لا. (م 1174) .
لا تبطل الحوالة بإفلاس المحال عليه بعد الحوالة. (م 1175) .
لا تبطل الحوالة بجحود المحال عليه الدين إذا كان المحتال عالما بالدين أو صدقه المحيل فيه أو ثبت ببينة ماتت , وإلا فلا يقبل قول المحيل , ولا يبرأ بذلك من الدين , ويرجع المحال عليه به (م 1176) .
تبطل الحوالة إذا بطل العقد الذي أوجب دين المحتال أو الدين المحال عليه.
مثلا: لو تبايعا , فأحال المشتري البائع بالثمن على مدينه أو أحال البائع غريما على المشتري بالثمن , ثم بان بطلان البيع بثبوت استحقاق المبيع ونحوه ببينة أو باتفاقهم جميعا , بطلت في الصورتين. (م 1184) .
مجلة الأحكام العدلية (ص 132)
كما يكون المحال عليه بريئا من الدين بأداء المحال به أو بحوالته إياها على آخر أو بإبراء المحال له إياه , كذلك يبرأ من الدين لو وهبه المحال به أو تصدق به عليه وقبل ذلك. (م 699) .
لو توفي المحال له فورثه المحال عليه لا يبقى حكم الحوالة. (م 700)
بدائع الصنائع (6 / 18 , 19)
حكم الحوالة ينتهي بأشياء: (منها) فسخ الحوالة.
لأن فيها معنى معاوضة المال بالمال , فكانت محتملة للفسخ , ومتى فسخ تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) التوى عند علمائنا.
وعند الشافعي حكم الحوالة لا ينتهي بالتوى , ولا تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) أداء المحال عليه المال إلى المحال.
فإذا أدى المال خرج عن الحوالة , إذ لا فائدة في بقائها بعد انتهائها. (ومنه) أن يهب المحال المال للمحال عليه ويقبله. (ومنها) أن يتصدق به عليه ويقبله.
لأن الهبة والصدقة في معنى الإبراء. (ومنها) أن يموت المحال فيرثه المحال عليه.
(ومنها) أن يبرئه من المال.
أسنى المطالب (2 / 232)
(وإن فسخ العقد) أي عقد البيع بعيب أو إقالة أو تحالف أو غيرهما (وقد أحيل) البائع (بالثمن بطلت الحوالة) لارتفاع الثمن بانفساخ العقد سواء أكان الفسخ بعد قبض المبيع ومال الحوالة أو قبله.
الكافي لابن عبد البر (ص 401)
الحوالة تحول الذمم. وتفسير معناها: أن يكون رجل له على آخر دين , ولذلك الرجل دين على رجل آخر , فيحيل الطالب له على الذي له عليه مثل دينه , فإذا استحال عليه ورضي نقل ذمته إلى ذمة الآخر برئ المحيل من الدين , ولم يكن عليه منه تبعة , وصار الحق على المحال عليه , ولا رجوع له على المحيل أبدا , أفلس المحال عليه أو مات معدما , إلا أن يكون قد غره من رجل معدم أو مفلس لا يعلم رب الحق بعدمه , فإن كان ذلك , فحينئذ يكون له الرجوع على من كان له عليه الحق أولا.
وإن علم بعدمه ورضي بالحوالة عليه , فلا رجوع له على الأول بوجه من الوجوه.
الدر المختار (مع رد المحتار) (4 / 291 وما بعدها)
(وبرئ المحيل من الدين) والمطالبة جميعا (بالقبول) من المحتال لحوالة (ولا يرجع المحتال على المحيل إلا بالتوى) هلاك المال , لأن براءته مقيدة بسلامة حقه.
وقيده في البحر بأن لا يكون المحيل هو المحتال عليه ثانيا (وهو) بأحد أمرين (أن يجحد) المحال عليه (الحوالة ويحلف ولا بينة له) أي لمحتال ومحيل (أو يموت) المحال عليه (مفلسا) بغير عين ودين وكفيل.
وقالا بهما وبأن فلسه الحاكم.(1/248)
الإبراء
تنتهي الحولة بالإبراء باتفاق الفقهاء.(1/249)
تنتهي الحوالة بالإبراء , وذلك إذا أبرأ المحال المحال عليه من دين الحوالة , حيث يسقط حقه في دين الحوالة , والساقط لا يعود.
وفي حكم الإبراء أن يهب المحال المال للمحال عليه ويقبله.(1/250)
مرشد الحيران (ص 238 , 239 , 242)
إذا سقط الدين المقيدة به الحوالة , وتبينت براءة المحتال عليه بأمر سابق عليها بطلت الحوالة.
فلو أحال البائع غريما له على المشتري بالثمن , ثم استحق المبيع للغير بطلت الحوالة , وعاد الدين على المحيل. (م 900)
يبرأ المحتال عليه بتأدية الدين المحال به أو بإحالته المحتال على غيره , وقبول ذلك الغير الحوالة. (م 910)
إذا أبرأ المحتال المحتال عليه سقط الدين , وبرئ المحتال عليه منه ولو لم يقبل , بحيث لو كان غير مديون للمحيل فلا يرجع عليه بشيء (م911) .
إذا وهب المحتال الدين للمحتال عليه وقبل الهبة , فقد ملك الدين.
فإن كان مديونا للمحيل سقط عنه الدين قصاصا , وإن لم يكن مديونا للمحيل كان له ولورثته الحق في مطالبته به. (م 912) .
لا يرجع المحتال بدينه على المحيل إلا إذا اشترط في الحوالة خيار الرجوع للمحتال , أو فسخت الحوالة بهلاك المال المحال به.
وهلاكه في الحوالة المطلقة يكون بأحد أمرين , أولهما: أن يجحد المحال عليه الحوالة ولا بينة لكل من المحيل والمحتال.
ثانيهما: أن يموت المحتال عليه مفلسا ولم يترك عينا تفي بأداء المحال به ولا دينا كذلك ولا كفيلا بجميع الدين.
فلو ترك دينا ولو على مفلس فلا تبطل الحوالة. (م 879) .
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 378 , 379)
لا تبطل الحوالة بموت المحال عليه , سواء خلف تركة أم لا. (م 1174) .
لا تبطل الحوالة بإفلاس المحال عليه بعد الحوالة. (م 1175) .
لا تبطل الحوالة بجحود المحال عليه الدين إذا كان المحتال عالما بالدين أو صدقه المحيل فيه أو ثبت ببينة ماتت , وإلا فلا يقبل قول المحيل , ولا يبرأ بذلك من الدين , ويرجع المحال عليه به (م 1176) .
تبطل الحوالة إذا بطل العقد الذي أوجب دين المحتال أو الدين المحال عليه.
مثلا: لو تبايعا , فأحال المشتري البائع بالثمن على مدينه أو أحال البائع غريما على المشتري بالثمن , ثم بان بطلان البيع بثبوت استحقاق المبيع ونحوه ببينة أو باتفاقهم جميعا , بطلت في الصورتين. (م 1184) .
مجلة الأحكام العدلية (ص 132)
كما يكون المحال عليه بريئا من الدين بأداء المحال به أو بحوالته إياها على آخر أو بإبراء المحال له إياه , كذلك يبرأ من الدين لو وهبه المحال به أو تصدق به عليه وقبل ذلك. (م 699) .
لو توفي المحال له فورثه المحال عليه لا يبقى حكم الحوالة. (م 700)
بدائع الصنائع (6 / 18 , 19)
حكم الحوالة ينتهي بأشياء: (منها) فسخ الحوالة.
لأن فيها معنى معاوضة المال بالمال , فكانت محتملة للفسخ , ومتى فسخ تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) التوى عند علمائنا.
وعند الشافعي حكم الحوالة لا ينتهي بالتوى , ولا تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) أداء المحال عليه المال إلى المحال.
فإذا أدى المال خرج عن الحوالة , إذ لا فائدة في بقائها بعد انتهائها. (ومنه) أن يهب المحال المال للمحال عليه ويقبله. (ومنها) أن يتصدق به عليه ويقبله.
لأن الهبة والصدقة في معنى الإبراء. (ومنها) أن يموت المحال فيرثه المحال عليه.
(ومنها) أن يبرئه من المال.
أسنى المطالب (2 / 232)
(وإن فسخ العقد) أي عقد البيع بعيب أو إقالة أو تحالف أو غيرهما (وقد أحيل) البائع (بالثمن بطلت الحوالة) لارتفاع الثمن بانفساخ العقد سواء أكان الفسخ بعد قبض المبيع ومال الحوالة أو قبله.
الكافي لابن عبد البر (ص 401)
الحوالة تحول الذمم. وتفسير معناها: أن يكون رجل له على آخر دين , ولذلك الرجل دين على رجل آخر , فيحيل الطالب له على الذي له عليه مثل دينه , فإذا استحال عليه ورضي نقل ذمته إلى ذمة الآخر برئ المحيل من الدين , ولم يكن عليه منه تبعة , وصار الحق على المحال عليه , ولا رجوع له على المحيل أبدا , أفلس المحال عليه أو مات معدما , إلا أن يكون قد غره من رجل معدم أو مفلس لا يعلم رب الحق بعدمه , فإن كان ذلك , فحينئذ يكون له الرجوع على من كان له عليه الحق أولا.
وإن علم بعدمه ورضي بالحوالة عليه , فلا رجوع له على الأول بوجه من الوجوه.
الدر المختار (مع رد المحتار) (4 / 291 وما بعدها)
(وبرئ المحيل من الدين) والمطالبة جميعا (بالقبول) من المحتال لحوالة (ولا يرجع المحتال على المحيل إلا بالتوى) هلاك المال , لأن براءته مقيدة بسلامة حقه.
وقيده في البحر بأن لا يكون المحيل هو المحتال عليه ثانيا (وهو) بأحد أمرين (أن يجحد) المحال عليه (الحوالة ويحلف ولا بينة له) أي لمحتال ومحيل (أو يموت) المحال عليه (مفلسا) بغير عين ودين وكفيل.
وقالا بهما وبأن فلسه الحاكم.(1/251)
الإقالة
تنتهي الحوالة عند الحنفية وبعض الشافعية بالإقالة.(1/252)
تنتهي الحوالة عند الحنفية وبعض الشافعية بالإقالة , وذلك إذا تراضى المحيل والمحال على فسخ الحوالة , لأن العقد حقهما , ولأصحاب الحق إسقاطه بالتراضي.
أما المحال عليه , فإنه لا يملك إبطال الحوالة بإرادته المنفردة , كما أنه لا قيمة لاعتراضه على الإقالة إذا تراضى الطرفان الآخران عليها , لأن الحق لهما فيها دونه. وكذلك لا يملك المحيل بمفرده إبطال الحوالة بعد ثبوتها لأنها عقد لازم.(1/253)
مرشد الحيران (ص 238 , 239 , 242)
إذا سقط الدين المقيدة به الحوالة , وتبينت براءة المحتال عليه بأمر سابق عليها بطلت الحوالة.
فلو أحال البائع غريما له على المشتري بالثمن , ثم استحق المبيع للغير بطلت الحوالة , وعاد الدين على المحيل. (م 900)
يبرأ المحتال عليه بتأدية الدين المحال به أو بإحالته المحتال على غيره , وقبول ذلك الغير الحوالة. (م 910)
إذا أبرأ المحتال المحتال عليه سقط الدين , وبرئ المحتال عليه منه ولو لم يقبل , بحيث لو كان غير مديون للمحيل فلا يرجع عليه بشيء (م911) .
إذا وهب المحتال الدين للمحتال عليه وقبل الهبة , فقد ملك الدين.
فإن كان مديونا للمحيل سقط عنه الدين قصاصا , وإن لم يكن مديونا للمحيل كان له ولورثته الحق في مطالبته به. (م 912) .
لا يرجع المحتال بدينه على المحيل إلا إذا اشترط في الحوالة خيار الرجوع للمحتال , أو فسخت الحوالة بهلاك المال المحال به.
وهلاكه في الحوالة المطلقة يكون بأحد أمرين , أولهما: أن يجحد المحال عليه الحوالة ولا بينة لكل من المحيل والمحتال.
ثانيهما: أن يموت المحتال عليه مفلسا ولم يترك عينا تفي بأداء المحال به ولا دينا كذلك ولا كفيلا بجميع الدين.
فلو ترك دينا ولو على مفلس فلا تبطل الحوالة. (م 879) .
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 378 , 379)
لا تبطل الحوالة بموت المحال عليه , سواء خلف تركة أم لا. (م 1174) .
لا تبطل الحوالة بإفلاس المحال عليه بعد الحوالة. (م 1175) .
لا تبطل الحوالة بجحود المحال عليه الدين إذا كان المحتال عالما بالدين أو صدقه المحيل فيه أو ثبت ببينة ماتت , وإلا فلا يقبل قول المحيل , ولا يبرأ بذلك من الدين , ويرجع المحال عليه به (م 1176) .
تبطل الحوالة إذا بطل العقد الذي أوجب دين المحتال أو الدين المحال عليه.
مثلا: لو تبايعا , فأحال المشتري البائع بالثمن على مدينه أو أحال البائع غريما على المشتري بالثمن , ثم بان بطلان البيع بثبوت استحقاق المبيع ونحوه ببينة أو باتفاقهم جميعا , بطلت في الصورتين. (م 1184) .
مجلة الأحكام العدلية (ص 132)
كما يكون المحال عليه بريئا من الدين بأداء المحال به أو بحوالته إياها على آخر أو بإبراء المحال له إياه , كذلك يبرأ من الدين لو وهبه المحال به أو تصدق به عليه وقبل ذلك. (م 699) .
لو توفي المحال له فورثه المحال عليه لا يبقى حكم الحوالة. (م 700)
بدائع الصنائع (6 / 18 , 19)
حكم الحوالة ينتهي بأشياء: (منها) فسخ الحوالة.
لأن فيها معنى معاوضة المال بالمال , فكانت محتملة للفسخ , ومتى فسخ تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) التوى عند علمائنا.
وعند الشافعي حكم الحوالة لا ينتهي بالتوى , ولا تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) أداء المحال عليه المال إلى المحال.
فإذا أدى المال خرج عن الحوالة , إذ لا فائدة في بقائها بعد انتهائها. (ومنه) أن يهب المحال المال للمحال عليه ويقبله. (ومنها) أن يتصدق به عليه ويقبله.
لأن الهبة والصدقة في معنى الإبراء. (ومنها) أن يموت المحال فيرثه المحال عليه.
(ومنها) أن يبرئه من المال.
أسنى المطالب (2 / 232)
(وإن فسخ العقد) أي عقد البيع بعيب أو إقالة أو تحالف أو غيرهما (وقد أحيل) البائع (بالثمن بطلت الحوالة) لارتفاع الثمن بانفساخ العقد سواء أكان الفسخ بعد قبض المبيع ومال الحوالة أو قبله.
الكافي لابن عبد البر (ص 401)
الحوالة تحول الذمم. وتفسير معناها: أن يكون رجل له على آخر دين , ولذلك الرجل دين على رجل آخر , فيحيل الطالب له على الذي له عليه مثل دينه , فإذا استحال عليه ورضي نقل ذمته إلى ذمة الآخر برئ المحيل من الدين , ولم يكن عليه منه تبعة , وصار الحق على المحال عليه , ولا رجوع له على المحيل أبدا , أفلس المحال عليه أو مات معدما , إلا أن يكون قد غره من رجل معدم أو مفلس لا يعلم رب الحق بعدمه , فإن كان ذلك , فحينئذ يكون له الرجوع على من كان له عليه الحق أولا.
وإن علم بعدمه ورضي بالحوالة عليه , فلا رجوع له على الأول بوجه من الوجوه.
الدر المختار (مع رد المحتار) (4 / 291 وما بعدها)
(وبرئ المحيل من الدين) والمطالبة جميعا (بالقبول) من المحتال لحوالة (ولا يرجع المحتال على المحيل إلا بالتوى) هلاك المال , لأن براءته مقيدة بسلامة حقه.
وقيده في البحر بأن لا يكون المحيل هو المحتال عليه ثانيا (وهو) بأحد أمرين (أن يجحد) المحال عليه (الحوالة ويحلف ولا بينة له) أي لمحتال ومحيل (أو يموت) المحال عليه (مفلسا) بغير عين ودين وكفيل.
وقالا بهما وبأن فلسه الحاكم.(1/254)
التوى
تنتهي الحوالة عند الحنفية بالتوى , وهو عجز المحتال عن الوصول إلى حقه من المحال عليه.(1/255)
تنتهي الحوالة عند الحنفية بالتوى , وهو عجز المحتال عن الوصول إلى حقه من المحال عليه , لموته مفلسا قبل الأداء , أو جحده الحوالة دون بينة , ونحو ذلك من الأسباب.
فعندها تنتهي الحوالة للعجز عن تنفيذها , ويرجع المحال على المحيل بدينه.
أما جمهور الفقهاء فإنهم يرون براءة ذمة المحيل بالحوالة دون توقف على سلامة حق المحتال , فلا يعود الحق إلى المحيل أبدا سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت أو غيرها.
فلو كان المحال عليه مفلسا عند الحوالة , وجهله المحال , فلا رجوع له على المحيل لأنه مقصر بترك البحث , فأشبه من اشترى شيئا هو مغبون فيه فإن شرط المحال يسار المحال عليه , فبان معسرا , رجع على المحيل عند الحنابلة والمالكية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم.(1/256)
مرشد الحيران (ص 238 , 239 , 242)
إذا سقط الدين المقيدة به الحوالة , وتبينت براءة المحتال عليه بأمر سابق عليها بطلت الحوالة.
فلو أحال البائع غريما له على المشتري بالثمن , ثم استحق المبيع للغير بطلت الحوالة , وعاد الدين على المحيل. (م 900)
يبرأ المحتال عليه بتأدية الدين المحال به أو بإحالته المحتال على غيره , وقبول ذلك الغير الحوالة. (م 910)
إذا أبرأ المحتال المحتال عليه سقط الدين , وبرئ المحتال عليه منه ولو لم يقبل , بحيث لو كان غير مديون للمحيل فلا يرجع عليه بشيء (م911) .
إذا وهب المحتال الدين للمحتال عليه وقبل الهبة , فقد ملك الدين.
فإن كان مديونا للمحيل سقط عنه الدين قصاصا , وإن لم يكن مديونا للمحيل كان له ولورثته الحق في مطالبته به. (م 912) .
لا يرجع المحتال بدينه على المحيل إلا إذا اشترط في الحوالة خيار الرجوع للمحتال , أو فسخت الحوالة بهلاك المال المحال به.
وهلاكه في الحوالة المطلقة يكون بأحد أمرين , أولهما: أن يجحد المحال عليه الحوالة ولا بينة لكل من المحيل والمحتال.
ثانيهما: أن يموت المحتال عليه مفلسا ولم يترك عينا تفي بأداء المحال به ولا دينا كذلك ولا كفيلا بجميع الدين.
فلو ترك دينا ولو على مفلس فلا تبطل الحوالة. (م 879) .
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 378 , 379)
لا تبطل الحوالة بموت المحال عليه , سواء خلف تركة أم لا. (م 1174) .
لا تبطل الحوالة بإفلاس المحال عليه بعد الحوالة. (م 1175) .
لا تبطل الحوالة بجحود المحال عليه الدين إذا كان المحتال عالما بالدين أو صدقه المحيل فيه أو ثبت ببينة ماتت , وإلا فلا يقبل قول المحيل , ولا يبرأ بذلك من الدين , ويرجع المحال عليه به (م 1176) .
تبطل الحوالة إذا بطل العقد الذي أوجب دين المحتال أو الدين المحال عليه.
مثلا: لو تبايعا , فأحال المشتري البائع بالثمن على مدينه أو أحال البائع غريما على المشتري بالثمن , ثم بان بطلان البيع بثبوت استحقاق المبيع ونحوه ببينة أو باتفاقهم جميعا , بطلت في الصورتين. (م 1184) .
مجلة الأحكام العدلية (ص 132)
كما يكون المحال عليه بريئا من الدين بأداء المحال به أو بحوالته إياها على آخر أو بإبراء المحال له إياه , كذلك يبرأ من الدين لو وهبه المحال به أو تصدق به عليه وقبل ذلك. (م 699) .
لو توفي المحال له فورثه المحال عليه لا يبقى حكم الحوالة. (م 700)
بدائع الصنائع (6 / 18 , 19)
حكم الحوالة ينتهي بأشياء: (منها) فسخ الحوالة.
لأن فيها معنى معاوضة المال بالمال , فكانت محتملة للفسخ , ومتى فسخ تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) التوى عند علمائنا.
وعند الشافعي حكم الحوالة لا ينتهي بالتوى , ولا تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) أداء المحال عليه المال إلى المحال.
فإذا أدى المال خرج عن الحوالة , إذ لا فائدة في بقائها بعد انتهائها. (ومنه) أن يهب المحال المال للمحال عليه ويقبله. (ومنها) أن يتصدق به عليه ويقبله.
لأن الهبة والصدقة في معنى الإبراء. (ومنها) أن يموت المحال فيرثه المحال عليه.
(ومنها) أن يبرئه من المال.
أسنى المطالب (2 / 232)
(وإن فسخ العقد) أي عقد البيع بعيب أو إقالة أو تحالف أو غيرهما (وقد أحيل) البائع (بالثمن بطلت الحوالة) لارتفاع الثمن بانفساخ العقد سواء أكان الفسخ بعد قبض المبيع ومال الحوالة أو قبله.
الكافي لابن عبد البر (ص 401)
الحوالة تحول الذمم. وتفسير معناها: أن يكون رجل له على آخر دين , ولذلك الرجل دين على رجل آخر , فيحيل الطالب له على الذي له عليه مثل دينه , فإذا استحال عليه ورضي نقل ذمته إلى ذمة الآخر برئ المحيل من الدين , ولم يكن عليه منه تبعة , وصار الحق على المحال عليه , ولا رجوع له على المحيل أبدا , أفلس المحال عليه أو مات معدما , إلا أن يكون قد غره من رجل معدم أو مفلس لا يعلم رب الحق بعدمه , فإن كان ذلك , فحينئذ يكون له الرجوع على من كان له عليه الحق أولا.
وإن علم بعدمه ورضي بالحوالة عليه , فلا رجوع له على الأول بوجه من الوجوه.
الدر المختار (مع رد المحتار) (4 / 291 وما بعدها)
(وبرئ المحيل من الدين) والمطالبة جميعا (بالقبول) من المحتال لحوالة (ولا يرجع المحتال على المحيل إلا بالتوى) هلاك المال , لأن براءته مقيدة بسلامة حقه.
وقيده في البحر بأن لا يكون المحيل هو المحتال عليه ثانيا (وهو) بأحد أمرين (أن يجحد) المحال عليه (الحوالة ويحلف ولا بينة له) أي لمحتال ومحيل (أو يموت) المحال عليه (مفلسا) بغير عين ودين وكفيل.
وقالا بهما وبأن فلسه الحاكم.(1/257)
الفسخ
تنتهي الحوالة عند الحنفية بفسخها ممن ثبت له خيار الشرط فيها.(1/258)
تنتهي الحوالة بفسخها ممن ثبت له خيار الشرط فيها - وهو المحال أو المحال عليه - في مدة الخيار.
وهذا على مذهب الحنفية المجيزين لخيار الشرط في الحوالة لمن يجب رضاه فيها.(1/259)
مرشد الحيران (ص 238 , 239 , 242)
إذا سقط الدين المقيدة به الحوالة , وتبينت براءة المحتال عليه بأمر سابق عليها بطلت الحوالة.
فلو أحال البائع غريما له على المشتري بالثمن , ثم استحق المبيع للغير بطلت الحوالة , وعاد الدين على المحيل. (م 900)
يبرأ المحتال عليه بتأدية الدين المحال به أو بإحالته المحتال على غيره , وقبول ذلك الغير الحوالة. (م 910)
إذا أبرأ المحتال المحتال عليه سقط الدين , وبرئ المحتال عليه منه ولو لم يقبل , بحيث لو كان غير مديون للمحيل فلا يرجع عليه بشيء (م911) .
إذا وهب المحتال الدين للمحتال عليه وقبل الهبة , فقد ملك الدين.
فإن كان مديونا للمحيل سقط عنه الدين قصاصا , وإن لم يكن مديونا للمحيل كان له ولورثته الحق في مطالبته به. (م 912) .
لا يرجع المحتال بدينه على المحيل إلا إذا اشترط في الحوالة خيار الرجوع للمحتال , أو فسخت الحوالة بهلاك المال المحال به.
وهلاكه في الحوالة المطلقة يكون بأحد أمرين , أولهما: أن يجحد المحال عليه الحوالة ولا بينة لكل من المحيل والمحتال.
ثانيهما: أن يموت المحتال عليه مفلسا ولم يترك عينا تفي بأداء المحال به ولا دينا كذلك ولا كفيلا بجميع الدين.
فلو ترك دينا ولو على مفلس فلا تبطل الحوالة. (م 879) .
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 378 , 379)
لا تبطل الحوالة بموت المحال عليه , سواء خلف تركة أم لا. (م 1174) .
لا تبطل الحوالة بإفلاس المحال عليه بعد الحوالة. (م 1175) .
لا تبطل الحوالة بجحود المحال عليه الدين إذا كان المحتال عالما بالدين أو صدقه المحيل فيه أو ثبت ببينة ماتت , وإلا فلا يقبل قول المحيل , ولا يبرأ بذلك من الدين , ويرجع المحال عليه به (م 1176) .
تبطل الحوالة إذا بطل العقد الذي أوجب دين المحتال أو الدين المحال عليه.
مثلا: لو تبايعا , فأحال المشتري البائع بالثمن على مدينه أو أحال البائع غريما على المشتري بالثمن , ثم بان بطلان البيع بثبوت استحقاق المبيع ونحوه ببينة أو باتفاقهم جميعا , بطلت في الصورتين. (م 1184) .
مجلة الأحكام العدلية (ص 132)
كما يكون المحال عليه بريئا من الدين بأداء المحال به أو بحوالته إياها على آخر أو بإبراء المحال له إياه , كذلك يبرأ من الدين لو وهبه المحال به أو تصدق به عليه وقبل ذلك. (م 699) .
لو توفي المحال له فورثه المحال عليه لا يبقى حكم الحوالة. (م 700)
بدائع الصنائع (6 / 18 , 19)
حكم الحوالة ينتهي بأشياء: (منها) فسخ الحوالة.
لأن فيها معنى معاوضة المال بالمال , فكانت محتملة للفسخ , ومتى فسخ تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) التوى عند علمائنا.
وعند الشافعي حكم الحوالة لا ينتهي بالتوى , ولا تعود المطالبة إلى المحيل. (ومنها) أداء المحال عليه المال إلى المحال.
فإذا أدى المال خرج عن الحوالة , إذ لا فائدة في بقائها بعد انتهائها. (ومنه) أن يهب المحال المال للمحال عليه ويقبله. (ومنها) أن يتصدق به عليه ويقبله.
لأن الهبة والصدقة في معنى الإبراء. (ومنها) أن يموت المحال فيرثه المحال عليه.
(ومنها) أن يبرئه من المال.
أسنى المطالب (2 / 232)
(وإن فسخ العقد) أي عقد البيع بعيب أو إقالة أو تحالف أو غيرهما (وقد أحيل) البائع (بالثمن بطلت الحوالة) لارتفاع الثمن بانفساخ العقد سواء أكان الفسخ بعد قبض المبيع ومال الحوالة أو قبله.
الكافي لابن عبد البر (ص 401)
الحوالة تحول الذمم. وتفسير معناها: أن يكون رجل له على آخر دين , ولذلك الرجل دين على رجل آخر , فيحيل الطالب له على الذي له عليه مثل دينه , فإذا استحال عليه ورضي نقل ذمته إلى ذمة الآخر برئ المحيل من الدين , ولم يكن عليه منه تبعة , وصار الحق على المحال عليه , ولا رجوع له على المحيل أبدا , أفلس المحال عليه أو مات معدما , إلا أن يكون قد غره من رجل معدم أو مفلس لا يعلم رب الحق بعدمه , فإن كان ذلك , فحينئذ يكون له الرجوع على من كان له عليه الحق أولا.
وإن علم بعدمه ورضي بالحوالة عليه , فلا رجوع له على الأول بوجه من الوجوه.
الدر المختار (مع رد المحتار) (4 / 291 وما بعدها)
(وبرئ المحيل من الدين) والمطالبة جميعا (بالقبول) من المحتال لحوالة (ولا يرجع المحتال على المحيل إلا بالتوى) هلاك المال , لأن براءته مقيدة بسلامة حقه.
وقيده في البحر بأن لا يكون المحيل هو المحتال عليه ثانيا (وهو) بأحد أمرين (أن يجحد) المحال عليه (الحوالة ويحلف ولا بينة له) أي لمحتال ومحيل (أو يموت) المحال عليه (مفلسا) بغير عين ودين وكفيل.
وقالا بهما وبأن فلسه الحاكم.(1/260)
الاستصناع(1/261)
تعريف الاستصناع
الاستصناع هو عقد يشترى به شيء مما يصنع صنعا يلتزم البائع بتقديمه مصنوعا بمواد من عنده بأوصاف معينة , وبثمن محدد يدفع عند التعاقد , أو بعد التسليم أو عند أجل معين.(1/262)
تعريف الاستصناع
الاستصناع في اللغة طلب الصنعة , كما أن الاستغفار طلب المغفرة , والاستمهال طلب المهلة.
فكل من طلب من آخر أن يصنع له شيئا فذلك استصناع لغوي , فمن طلب من النجار أن يصنع له خزانة مثلا فذلك استصناع لغة , سواء أتى الطالب للصنعة بالخشب والمواد من عنده , أو كانت من عند النجار , وسواء كان ذلك بمقابل مادي , أو على سبيل التبرع.
والاستصناع اصطلاحا أن يقول إنسان لصانع: اصنع لي الشيء الفلاني ويذكر جنسه وصفاته , والمواد من عند الصانع , مقابل كذا وكذا من المال أعطيك إياه الآن , أو بعد التسليم , أو عند أجل معين. فيقبل الصانع ذلك.
ويتضح من التعريف أن:
- المبيع هو الشيء المطلوب صنعه في الذمة وتكون أوصافه محددة مميزة عن غيره. فهو يشبه السلم لأن المبيع ملتزم عند العقد في ذمة البائع.
- الاستصناع فيه طلب الصنع وهو العمل وما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعا , فكان مأخذ الاسم دليلا عليه كما يقول الكاساني ولأن العقد على مبيع في الذمة يسمى سلما , وهذا العقد يسمى استصناعا. لذلك فإن المنتوجات الطبيعية (كالثمار والبقول والحبوب) إذا أريد بيعها قبل وجودها فطريقها بيع السلم لا الاستصناع.
- تكون مواد الصنع من الصانع لا من المستصنع فإذا كانت من المستصنع فإن العقد يكون إجارة لا استصناعا. فكل ما يحتاج إليه من مواد أساسية أو كمالية يقدمه الصانع البائع من عنده لأنه محسوب حسابه في الثمن.
- يكون الثمن معلوما ومحددا ويصح أن يعطيه المستصنع للصانع مقدما عند التعاقد , ويصح أن يعطيه قدرا منه والباقي عند استلام الشيء المصنوع , ويصح أن يؤخره إلى يتسلم المصنوع.
ويسمى طالب الصنعة: المستصنع , وقد يسمى الآمر لأنه أمر بالصنع.
ويسمى الطرف الثاني: مستصنعا إليه , أو صانعا , سواء كان ممن يتولى الصناعة بنفسه , أو يتولاها عماله في مصنعه.
ويسمي الشيء المصنوع: المستصنع فيه.
ويسمى المقابل المادي: البدل النقدي , وقد يسميه بعض الفقهاء الثمن.
ويقابل مصطلح الاستصناع في القوانين الوضعية: المقاولة , حيث تكون المواد من الصانع , أما حيث تكون المواد من صاحب العمل فهي مقاولة ولكنها ليست استصناعا , بل هي من قبيل الإجارة.
صور من التعامل شبيهة بالاستصناع , وليست استصناعا
توجد صور من التعامل شبيهة بالاستصناع , وليست استصناعا. من ذلك ما يلي:
1 - أن يأتي طالب الصنعة بالمواد من عند نفسه , ويطلب من الصانع أن يصنع منها الشيء الذي يريده , مقابل أجر معين , كما لو أحضر قماشا , وطلب من الخياط أن يصنعه له ثوبا , أو أحضر خشبا وطلب من النجار أن يصنع له منه غرفة نوم. فهذه إجارة وليست استصناعا.
ولو جرى العرف على أن الأجير يضع مواد تافهة من عنده , مما يحتاج إليه المصنوع , بقي العقد إجارة ولم يدخل في الاستصناع , كالخياط يخيط بخيط وأزرار من عنده , أو الصباغ يصبغ بأصباغ من عنده , أو النجار يدخل في صناعة الأثاث المسامير والأصماغ اللاصقة من عنده.
2 - أن يكلف طالب الصنعة الصانع أن يشترى المواد على حسابه الخاص (أي حساب طالب الصنعة) ويقدم له بها فواتير ليدفع ثمنها , ثم يصنع له من تلك المواد شيئا محددا مقابل أجر معلوم. فهذه إجارة أيضا وليست استصناعا.
3 - أن يشترى إنسان من الصانع أو التاجر شيئا مصنوعا معينا , مقابل ثمن معجل أو مؤجل. فهذا بيع وليس استصناعا.
4 - أن يشتري الطالب من الصانع أو التاجر شيئا في ذمة البائع معلوما جنسه ونوعه ووصفه وقدره , كأثاث معلوم الصفات , ولا يشترط أنه من عمل الصانع نفسه , على أن يسلم البضاعة عند أجل معين , ويدفع الثمن المعلوم مقدما. فهذا سلم في المصنوعات , وليس استصناعا.(1/263)
جاء في بدائع الصنائع للكاساني (6 / 2677)
صورة الاستصناع أن يقول إنسان لصانع من خفاف أو صفار أو غيرهما: اعمل لي خفا , أو آنية , من أديم , أو نحاس , من عندك , بثمن كذا , ويبين نوعه وقدره وصفته. فيقول الصانع: نعم.
وقال البابرتي في العناية (7 / 114) :
الاستصناع أن يجيء إنسان إلى صانع فيقول: اصنع لي شيئا صورته كذا , وقدره كذا , بكذا وكذا درهما , ويسلم إليه جميع الدراهم أو بعضها أو لا يسلم.
وقال ابن عابدين في حاشيته المسماة رد المحتار على الدر المختار (4 / 212) :
الاستصناع شرعا طلب العمل من الصانع في شيء خاص على وجه مخصوص يعلم مما يأتي.
وجاء في مجلة الأحكام العدلية (المادة 124) :
الاستصناع عقد مع صانع على عمل شيء معين في الذمة.
وجاء في مجلة الأحكام العدلية (المادة 388) :
(ومن أمثلته) : إذا قال شخص لآخر من أهل الصنائع: اصنع لي الشيء الفلاني بكذا قرشا , وقبل الصانع ذلك , انعقد البيع استصناعا.
وجاء في كتاب الفروع لابن مفلح الحنبلي
استصناع سلعة يعني يشتري منه سلعة ويطلب منه أن يصنعها له , مثل أن يشتري منه ثوبا ليس عنده , وانما يصنعه له بعد العقد.
وجاء في المبسوط للسرخسي (15 / 84 , 85)
إذا أسلم حديدا إلى حداد ليصنعه إناء مسمى بأجر مسمى , فإنه جائز ولا خيار فيه إذا كان مثل ما سمى , لأن ثبات الخيار للفسخ ليعود إليه رأسماله فيندفع الضرر به , وذلك لا يتأتى ها هنا , فإنه بعد اتصال عمله بالحديد لا وجه لفسخ العقد فيه , فأما في الاستصناع فالمعقود عليه العين , وفسخ العقد فيه ممكن.
وجاء في بدائع الصنائع للكاساني (6 / 2681)
فإن سلم حديدا إلى حداد , ليعمل له إناء معلوما بأجر معلوم , أو جلدا إلى خفاف ليعمل له خفا معلوما , بأجر معلوم , فذلك جائز , ولا خيار فيه , لأن هذا ليس باستصناع , بل هو استئجار , فكان جائزا. فإن عمل كما أمر استحق الأجر , وإن فسد فله أن يضمنه حديدا مثله , لأنه لما أفسده فكأنه أخذ حديدا له واتخذ آنية من غير إذنه والإناء للصانع , لأن المضمونات تملك بالضمان.
وجاء في العناية شرح الهداية (7 / 116) :
إن قيل أي فرق بين الاستصناع وبين عقد الإجارة مع الصباغ , فإن في الصبغ العمل والعين , كما في الاستصناع , وذلك إجارة محضة؟
أجيب: بأن الصبغ (أي عمل الصباغ) أصل , والصبغ (أي المادة الملونة التي يصبغ بها) آلته , فكان المقصود فيه العمل , وذلك إجارة وردت على العمل في عين المستأجر , وها هنا (أي في الاستصناع) الأصل هو العين المستصنع المملوك للصانع , فيكون بيعا , ولما لم يكن له وجود من حيث وصفه , إلا بالعمل , أشبه الإجارة.
وجاء في الفتاوى الهندية (4 / 455 , 456) :
إذا استأجر أجيرا ليخيط له ثوبا كان السلك والإبرة على الخياط. . . ولو استأجر وراقا (أي ناسخا للكتب الخطية) , فإن شرط عليه الحبر والبياض (أي الورق) فاشتراط الحبر جائز واشتراط البياض فاسد كذا في خزانة المفتين.
وجاء في الفتاوى الهندية أيضا (4 / 517) :
الاستصناع أن يكون العين والعمل من الصانع , فأما إن كانت العين من المستصنع لا من الصانع , فإنه يكون إجارة ولا يكون استصناعا. كذا في المحيط.
وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير من كتب المالكية:
وفي الإجارة يعمل بالعرف في كون الخيط على الخياط أو على رب الثوب , فيقضى بما جرى به العرف في هذه الأشياء , إذ العرف قاعدة من قواعد الشرع.(1/264)
دليل مشروعية الاستصناع
يرى جمهور الفقهاء أن مقتضى القياس والقواعد العامة ألا يجوز الاستصناع , وعلى كل من أراد الحصول على المصنوع على الصفة المعينة التي يريدها أن يتعاقد مع الصانع بصيغة الإجارة أو صيغة السلم. ولذلك يكون الاستصناع عند الجمهور قسما من أقسام السلم , ويشترط فيه ما يشترط في السلم.
ويرى الحنفية أن الاستصناع جائز استحسانا على غير القياس , لأن القياس يقتضى منعه لأنه من بيع المعدوم. ويرى بعض الحنفية أن دليل جواز الاستصناع ليس الاستحسان فقط بل يستدل عليه كذلك بالسنة والإجماع.(1/265)
دليل مشروعية الاستصناع تشكيل النص
مشروعية الاستصناع عند الجمهور
سبب عدم جواز الاستصناع عند جمهور الفقهاء
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة , وزفر من الحنفية: إلى أن الاستصناع على الصفة المبينة في تعريفه غير جائزة شرعا:
- لأن المبيع مؤجل في الذمة , فلا يصح بيعه إلا مع تعجيل الثمن , لئلا يكون من بيع دين بدين. وبيع الدين بالدين متفق على تحريمه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ والكالئ هو الدين.
- ولأن فيه اشتراط عمل شخص معين , وهو الصانع , ولا يدرى أيسلم ذلك الرجل إلى الأجل أم لا , فيكون من بيع الغرر المنهى عنه.
- ولأنه من بيع المعدوم , وبيع المعدوم منهي عنه شرعا , لحديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لا تبع ما ليس عندك.
بدائل الاستصناع عند جمهور الفقهاء
يرى جمهور الفقهاء أنه إن أراد طالب المصنوع الحصول عليه على الصفة المعينة التي يريدها , فأمامه أن يتعاقد مع الصانع بصيغة الإجارة , أو صيغة السلم:
- فصيغة الإجارة: أن يحضر طالب الصنعة المواد على حسابه الخاص , ويطلب من الصانع العمل على حسب المواصفات التي يريدها , ويحدد له أجر العمل. وحينئذ يمكن تقديم البدل النقدي أو تأجيله أو تقسيطه , لأن الأجرة لا يجب أن تكون معجلة. ويكون العقد ملزما للطرفين لا يجوز لأحد منهما فسخه بانفراده.
- وصيغة السلم: أن يتعاقد معه على أنه يشتري منه سلعة موصوفة في الذمة - غير محددة بعينها - لكن موصوفة بأوصاف ضابطة , ويضرب لتسليمها أجلا معينا. ولا يصح السلم ما لم يدفع الثمن فورا , أي في مجلس العقد قبل أن يفترق المتعاقدان , إلا أن المالكية أجازوا التأخير لدفع الثمن في حدود ثلاثة أيام بشرط أو غير شرط , لأنه تأخير يسير , فهو في حكم التعجيل.
ولا يجوز في عقد السلم أن يشترط أن تكون السلعة من صناعة البائع نفسه , أو من صنعة صانع آخر معين , بل يجب أن يكون العقد مبهما من هذه الناحية.
واشترط المالكية أن لا تحدد المادة الخام التي تصنع منها تلك السلعة , كأن يقول: أريد الشبابيك أن تكون مصنوعة من هذا الألومنيوم , وهذا الزجاج الموجود عندك. فإن قال ذلك واتفقا عليه فسد عقد السلم , بخلاف ما لو قال: من جنس هذا الألومنيوم وجنس هذا الزجاج , فيصح.
وإذا تم عقد السلم صحيحا كان ملزما للطرفين , لا يفسخ إلا باتفاقهما. وإذا جاء البائع بالمبيع عند الأجل موافقا للصنعة المشروطة , سالما من العيوب , لزم المشتري قبوله ودفع الثمن , سواء كان من صناعة ذلك البائع أو من صناعة غيره.
مشروعية الاستصناع عند الحنفية
قال الحنفية: الاستصناع جائز شرعا , استحسانا , أي استثناء من قاعدة عامة تقتضي عدم جوازه. وهذه القاعدة هي عدم صحة بيع المعدوم , التي دل عليها الحديث المشهور الذي رواه الصحابي حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لا تبع ما ليس عندك.
وقال الكاساني القياس أن (الاستصناع) لا يجوز , لأنه بيع ما ليس عند الإنسان لا على وجه السلم , وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم. ويجوز (الاستصناع) استحسانا لإجماع الناس على ذلك لأنهم يعملون ذلك في سائر الأعصار من غير نكير , وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا تجتمع أمتي على ضلالة.
ويرى بعض الحنفية أن دليل مشروعية الاستصناع لم يكن الاستحسان فقط , وإنما كان دليله بالكتاب والسنة والإجماع.
الدليل من الكتاب:
قول الله تعالى: {ثم أتبع سببا 90 حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا 91 كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا 92 ثم أتبع سببا 93 حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا 94 قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا 95 قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما 96 آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا 97 فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا}
قال ابن عباس خرجا أي أجرا عظيما (صفوة التفاسير) .
وجه الاستدلال أن الله تعالى ذكر أنهم طلبوا من ذي القرنين أن يصنع لهم السد مقابل مال يخرجونه له من أموالهم. وهذا هو الاستصناع بعينه.
وقوله فيما بعد: {قال ما مكني فيه ربي خير} ليس إنكارا للصيغة التي عرضوها للتعامل معه. بل اقترح عليهم صيغة أخرى أفضل منها وهي أن يعينوه بما لديهم من القوى البشرية والإمكانيات المتاحة , ويعينهم هو بما لديه من الخبرة الفنية والعمل والدقيق.
فحيث أورد القرآن هذه القصة دون إنكار للاستصناع المذكور فيها , دل على جوازه ومشروعيته. إذ هو كتاب هداية فلا يناسبه أن يذكر ما هو منكر دون التنبيه على نكارته.
الدليل من السنة:
عن نافع أن عبد الله حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب , وجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه , فاصطنع الناس خواتيم من ذهب. فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه , فقال: إني كنت اصطنعته , وإني لا ألبسه , فنبذه , فنبذ الناس. رواه البخاري. ورواه أيضا بمعناه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وحديث صنع المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وفيه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة , امرأة قد سماها سهل أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس. فأمرته أن يعملها من طرفاء الغابة. ثم جاء بها , فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأمر بها فوضعت فجلس عليه رواه البخاري أيضا.
على أن هذا الحديث وإن استشهد به الحنفية لا يعتبر نصا صريحا يدل على تجويز الرسول للاستصناع , إذ يحتمل أن الصنع كان على أساس نوع من التبرع , فلا يكون استصناعا.
الدليل من الإجماع:
تعامل الناس بالاستصناع منذ عهد النبوة إلى اليوم , دون نكير من أحد من أهل العلم , في المباني والأثاث والملابس والأحذية والأواني والسيوف والسروج ونحو ذلك كثير , ولا يخلو مجتمع من شيء من ذلك.
والتعامل دليل الحاجة العامة , التي في منع العمل بها حرج على الناس. والحرج ممنوع في الشريعة , لقول الله تعالى {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم}
وهذا أيضا يتضمن الإجماع على الاستصناع عمليا , وإن أنكرته بعض المذاهب الفقهية في دراساتها , إذ لا يكاد أحد من أهل العلم يخلو من أن يكون تعاقد بطريق الاستصناع على عمل شيء مما يحتاجه من أثاث أو غيره.(1/266)
دليل مشروعية الاستصناع
جاء في المدونة في الفقه المالكي (9 / 18)
باب السلف في الصناعات:
قلت: ما قول مالك في رجل استصنع طشتا أو تورا , أو قمقما , أو خفين , أو استنحت سرجا أو قدحا , أو شيئا مما يعمل الناس في أسواقهم من آنيتهم أو أمتعتهم التي يستعملون عند الصناع , فاستعمل (أي طلب أن يعمل له) من ذلك شيئا موصوفا , وضرب لذلك أجلا بعيدا , وجعل لرأس المال أجلا بعيدا , أيكون هذا سلما , أو تفسده لأنه ضرب لرأس المال أجلا بعيدا أو يكون بيعا من البيوع في قول مالك ويجوز؟
قال: أرى في هذا أنه إذا ضرب للسلعة التي استعملها أجلا بعيدا , وجعل ذلك مضمونا على الذي يعملها بصفة معلومة , وليس من شيء بعينه يريه , يعمله منه , ولم يشترط أن يعمله رجل بعينه , وقدم رأس المال , أو دفع رأس المال بعد يوم أو يومين , ولم يضرب لرأس المال أجلا , فهذا السلف (أي السلم) جائز , وهو لازم للذي عليه , يأتي به إذا حل الأجل على صفة ما وصفا.
قلت: وإن ضرب لرأس المال أجلا بعيدا , والمسألة على حالها , فسد وصار دينا في دين في قول مالك؟
قال: نعم.
قلت: وإن لم يضرب لرأس المال أجلا , واشترط أن يعمله هو بنفسه؟
قال: لا يكون هذا سلفا , لأن هذا رجل سلف في دين مضمون على هذا الرجل , وشرط عليه عمل نفسه , وقدم نقده , فهو لا يدري أيسلم ذلك الرجل إلى ذلك الأجل أم لا فهذا من الغرر. وهو إن سلم عمله له , وان لم يسلم ومات قبل الأجل بطل سلف هذا , فيكون الذي أسلف إليه قد انتفع بذهبه باطلا.
قلت: لم.
قال: لأنه لا يدرى أيسلم ذلك الحديد أو الخشب إلى ذلك الأجل أم لا. ولا يكون السلف في شيء بعينه فلذلك لا يجوز في قول مالك.
وجاء في الشرح الصغير للدردير
استصناع سيف , أو ركاب من حديد , أو سرج من سروجي , أو ثوب من حياك , أو باب من نجار , على صفة معلومة , بثمن معلوم , يجوز - وهو سلم تشترط فيه شروطه
- إن لم يعلن العامل والمعمول منه , فإن عينه فسد , نحو قوله: أنت الذي تصنعه بنفسك , أو يصطنعه زيد بنفسه , أو تصطنعه من هذا الحديد بعينه , أو من هذا الغزل , أو من هذا الخشب بعينه , لأنه حينئذ صار معينا , لا في الذمة , وشرط صحة السلم كون المسلم فيه دينا في الذمة.
وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 213)
استصناع السيف والسرج سلم , سواء كان الصانع المعقود معه دائم العمل أم لا , كأن تقول لإنسان: اصنع لي سيفا , أو سرجا , صفته كذا , بدينار , فلا بد من تعجيل رأس المال وضرب الأجل , وأن لا يعين العامل ولا المعمول منه.
وجاء في الشرح الكبير للدردير المالكي (3 / 217)
أما إن اشتري المعمول منه , وعينه , ودخل في ضمانه , واستأجر الصانع بعد ذلك على عمله جاز إن شرع في العمل , ولو حكما , كتأخيره لنصف شهر , عين عامله أم لا.
وقال الدسوقي في حاشيته عليه: ويجوز ذلك سواء شرط تعجيل النقد أو لا , لأنه من باب البيع والإجارة في الشيء , وهو جائز وسواء كان العامل معينا أو لا , بشرط أن يشرع في العمل. أما لو استأجر غير البائع , جاز من غير قيد الشروع.
وجاء في الاختيار لتعليل المختار في فقه الحنفية (2 / 38)
وقال زفر لا يحوز الاستصناع لأنه من بيع المعدوم.
وجاء في شرح فتح القدير لابن الهمام (7 / 114)
القياس أن الاستصناع لا يجوز , وهو قول زفر والشافعي
إذ لا يمكن جعله إجارة , لأنه استئجار على العمل في ملك الأجير , وذلك لا يجوز , كما لو قال: احمل طعامك من هذا المكان إلى مكان كذا بكذا , أو: اصبغ ثوبك أحمر بكذا , لا يصح.
ولا يمكن جعله بيعا , لأنه بيع معدوم , ولو كان موجودا مملوكا لغير العاقد لم يجز.
فإذا كان معدوما فهو أولى بعدم الجواز , ولكن جوزناه استحسانا , للتعامل الراجع إلى الإجماع العملي.
وجاء في كتاب الأم للإمام الشافعي (2 / 116)
لا بأس أن يسلفه في طشت أو تور , من نحاس , أو شبه , أو رصاص , أو حديد , ويشترطه بسعة معروفة , ومضروبا أو مفرغا , وبصنعة معروفة , ويصفه بالثخانة أو الرقة , ويضرب له أجلا , كهو في الثياب.
وإذا جاء به على ما يقع عليه اسم الصنعة والشرط لزمه , ولم يكن له رده.
قال: ولو كان مع شرط السعة وزن كان أصح , وإن لم يشترط وزنا صح إذا اشترط سعة.
قال: ولو شرط أن يعمل له طستا من نحاس وحديد , أو نحاس ورصاص , لم يجز , لأنهما لا يخلصان فيعرف قدر كل واحد منهما.
قال: وهكذا كل ما استصنع.
ولا خير في أن يسلف في قلنسوة محشوة , وذلك أنه لا يضبط وزن حشوها ولا صفته , ولا يوقف على حد بطانتها , ولا تشترى هذه إلا يدا بيد. .
ولا خير في أن يسلفه في خفين , ولا نعلين مخروزين , وذلك أنهما لا يوصفان بطول ولا عرض , ولا تضبط جلودهما , ولا ما يدخل فيهما. وإنما يجوز في هذا أن يبتاع النعلين والشراكين , ويستأجر على الحذو , وعلى خراز الخفين.
وجاء في الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (3 / 216 / 217)
ويجوز الشراء من دائم العمل , وهو من لا يفتر عنه , أو من في حكمه , وهو من كان من أهل حرفة ذلك الشيء لتيسره عنده , كالخباز , بنقد , وبغير نقد , فلا يشترط تعجيل رأس المال ولا تأجيل المثمن , لأنه ليس سلما , بل هو بيع (أي بيع مطلق) والشراء إما لجملة يأخذها مفرقة على أيام , كقنطار بكذا يأخذ منه كل يوم رطلين. وإنما جاز لأنهم نزلوا دوام العمل منزلة تعين المبيع.
وإن لم يكن دائم العمل فهو سلم كاستصناع سيف أو سرج. ويفسد بتعيين العامل أو المعمول منه.
وجاء في الفروع لابن مفلح من الحنابلة (4 / 24)
ذكر القاضي وأصحابه (لا يصح استصناع سلعة لأنه باع ما ليس عنده على غير وجه السلم) .
وجاء في كشاف القناع للبهوتي الحنبلي (3 / 154)
لا يصح استصناع سلعة بأن يبيعه سلعة يصنعها له , لأنه باع ما ليس عنده على غير وجه السلم. . وهو قول القاضي وأصحابه.
قال الكاساني في كتابه بدائع الصنائع (6 / 1678)
أما جوازه فالقياس أن لا يجوز , لأنه باع ما ليس عند الإنسان لا على وجه السلم , وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان وأرخص في السلم.
ويحوز استحسانا لإجماع الناس على ذلك لأنهم يعملون ذلك في سائر الأعصار من غير نكير , والقياس يترك بالإجماع.
ولهذا ترك القياس في دخول الحمام بالأجر من غير بيان المدة , ومقدار الماء الذي يستعمل , ولأن الحاجة تدعو إليه , لأن الإنسان قد يحتاج إلى خف أو نعل من جنس مخصوص ونوع مخصوص , على قدر مخصوص وصفة مخصوصة , وقلما يتفق وجوده مصنوعا , فيحتاج أن يستصنع , فلو لم يجز لوقع الناس في الحرج.
وجاء في الهداية للمرغيناني (7 / 114)
يجوز استحسانا أن يستصنع طستا أو خفين أو نحو ذلك وفي القياس لا يجوز الاستصناع لأنه بيع المعدوم.
وجاء في شرح فتح القدير (7 / 114)
يجوز الاستصناع استحسانا فيما جرى فيه التعامل , ولا يجوز قياسا.
وجه الاستحسان الإجماع الثابت بالتعامل , فإن الناس في سائر الأعصار تعارفوا الاستصناع فيما فيه تعامل من غير نكير.
وجاء في الاختيار لتعليل المختار , للموصلي (2 / 38) .
القياس يأبى جواز الاستصناع , لكنا استحسنا جوازه للتعامل بين الناس من غير نكير , فكان إجماعا , وبمثله يترك القياس والنظر , ويخص , الكتاب , والخبر.
وجاء في الفتاوى الهندية (4 / 517)
يجوز الاستصناع استحسانا , لتعامل الناس وتعارفهم من غير نكير في سائر الأعصار. كذا في محيط السرخسي.
جاء في بدائع الصنائع للكاساني (6 / 1678)
يجوز الاستصناع استحسانا , لإجماع الناس على ذلك. . ولأن الحاجة تدعو إليه. . فلو لم يجز لوقع الناس في الحرج.
وجاء في شرح فتح القدير (7 / 115)
جوزناه استحسانا للتعامل الراجع إلى الإجماع العملي , من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم بلا نكير , والتعامل بهذه الصفة أصل مندرج في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجتمع أمتى على ضلالة.
وقد استصنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتما.... واحتجم وأعطى الحجام أجره.... وفيما لا تعامل فيه رجعنا إلى القياس.(1/267)
الوصف الفقهي للاستصناع
اختلف فقهاء الحنفية في تكييف الاستصناع اختلافا كبيرا أهو بيع أو وعد بالبيع , أو إجارة؟ وإذا كان بيعا هل المبيع هو العين المصنوعة أو العمل الذي قام به الصانع؟
والصحيح الراجح في المذهب الحنفي أن الاستصناع بيع للعين المصنوعة لا لعمل الصانع , فهو ليس وعدا ببيع ولا إجارة على العمل إذ لو أتى الصانع بما لم يصنعه هو , أو صنعه قبل العقد بحسب الأوصاف المشروطة , جاز ذلك.
والذى مال إليه جمع من الفقهاء في العصر الحاضر , أن الاستصناع عقد مستقل لا يدخل تحت أي من العقود المسماة الأخرى المتعارف عليها , بل هو عقد له شخصيته المستقلة وله أحكامه الخاصة.(1/268)
القول الأول: الاستصناع مواعدة
أي أن الاستصناع مجرد وعد من الصانع بصنع الشيء المطلوب , ووعد من الطالب بقبوله عند التسليم وبدفع المقابل , فإذا تم ذلك يكون في النهاية بيعا بالتعاطي , وأصبح لازما. أما إن نكث أحد الطرفين بوعده فلا يلزمه القضاء بشيء لأن القضاء لا يتدخل في المواعيد.
واستدل أصحاب هذا القول بثبوت الخيار للصانع وللمستصنع , كما نص عليه أبو حنيفة ومتقدمو أصحابه حيث قد نصوا على أن لكل من الطرفين الخيار قبل أن يرى المستصنع الشيء المصنوع ويرضى به.
وثبوت الخيار للطرفين دليل أنه ليس هناك تعاقد , فلا يبقى إلا أنها مجرد مواعدة.
وهذا الرأي عند الحنفية حكي عن الحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة وصاحب المنثور , فقد جاء عنهم: أن الاستصناع مواعدة , وإنما ينعقد بيعا بالتعاطي عند الفراغ من العمل , ولهذا كان للصانع ألا يعمل ولا يجبر عليه , بخلاف السلم , وللمستصنع ألا يقبل ما يأتي به الصانع , ويرجع عنه , ولا تلزم المعاملة.
القول الثاني: الاستصناع عقد بيع على عين
ذهب بعض الحنفية إلى أن الاستصناع عقد بيع على العين المستصنعة , ولم ينظر إلى العمل , بل نظر إلى أن الصانع باع شيئا في الذمة موصوفا بصفات كذا وكذا.
فالعمل ليس جزءا من المتعاقد عليه , بل العقد على العين الموصوفة.
وأيدوا قولهم هذا بما كان معروفا لدى بعض الحنفية قديما من أن الصانع لو أحضر شيئا مما صنعه هو قبل الاستصناع , أو صنعه غيره , فقبله المستصنع , جاز. فلو كان العقد منصبا على العمل أيضا لما جاز ذلك , لأن الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي , فالذي جاء به الصانع مما صنعه قبل الاستصناع لا يكون مما التزم فيه بالشرط , وكذا ما صنعه غيره.
ثم اختلف أصحاب هذين القولين , فقال بعضهم هو بيع عين فيه الخيار للطرفين قبل الصنع , وقال آخرون لا خيار فيه.
القول الثالث: أنه بيع عمل أي إجارة
ذهب بعض الحنفية إلى أن الاستصناع بيع عمل , أي إجارة محضة , لأن الاستصناع طلب الصنعة , والصنعة عمل الصانع , فهذا هو المعقود عليه.
وأما المادة التي يحتاج إليها في الصنعة فهي بمنزلة الآلة للعمل , كما أن التعاقد على الصبغ إجارة , وإن كانت عملية الصبغ تحتاج إلى أن يدخل الصباغ فيها من عنده المواد الملونة , وذلك لا يخرج العقد عن أن يكون إجارة حقيقية , فكذلك المواد التي يحتاج إليها الصانع تدخل تبعا , ولا يخرج الاستصناع بذلك عن أن يكون إجارة حقيقية.
القول الرابع: الاستصناع إجارة ابتداء , بيع انتهاء.
أي أن الاستصناع عقد بين الآمر والصانع على أن يقوم الأخير بالعمل في العين , والعقد على العمل إجارة , فإذا قام الصانع بالعمل وسلم العين مصنوعة إلى الآمر كان التسليم على أنه مبيع بالثمن , وينعقد بيعا انعقادا تقديريا قبل رؤية الآمر له بفترة زمنية , لا بعد الرؤية.
والذين ذهبوا إلى هذا الرأي أرادوا أن يجمعوا بين ما ورد عن أئمة الحنفية أن الصانع إذا مات قبل تسليم المعمول بطل الاستصناع , فلو كان الاستصناع بيعا من أول انعقاده لما بطل , كالسلم , لا يبطل بموت المسلم , لأن عقد البيع لا يبطل بالموت , بل يكون للمشتري حق استيفاء المبيع من التركة.
والأمر الثاني ما ورد عن محمد بن الحسن أن للمستصنع الخيار إذا رأي المصنوع. قالوا فلو كان الاستصناع إجارة على الإطلاق لما كان له الخيار , لأن خيار الرؤية إنما هو في البيع لا في الإجارة.
وكان الجمع بين الأمرين بأن قالوا: ينعقد الاستصناع إجارة من أول الأمر , فتنطبق عليه أحكام الإجارة , ثم إذا أتم الصانع صنعته وأحضر المصنوع واستلمه الآمر , كان التسليم له على أنه مبيع لا مأجور فيه , إذ المبيع هو الذي فيه خيار الرؤية للمشتري.
وقدر انعقاد البيع قبل الرؤية لأنه لو انعقد بيعا بعد الرؤية لم يكن للمشترى الخيار , لأن حديث خيار الرؤية جعل الخيار لمن اشترى ما لم يره.
القول الخامس: الاستصناع بيع عين شرط فيه العمل
والقائلون بهذا أرادوا أن حقيقة الاستصناع أنه بيع حقيقي , أي بيع للمواد التي تدخل في المصنوع , لكن اشترط المستصنع على الصانع أن يقوم في المواد العينية بعمل هو تركيبها وتهيئتها على الصورة التي يريدها المستصنع , وطبقا للأصول الفنية التي يعتبرها أهل تلك المهنة.
فالعمل ليس من حقيقة الاستصناع , لكنه مشروط فيه كما قد يشترط مشتري الأثاث على البائع إيصاله إلى منزل المشترى. وهذا النوع من الشروط ممنوع عند الحنفية من حيث الأصل , لأنه خارج عن حقيقة البيع , لكنهم يجيزون من ذلك ما جرت العادة والعرف بأن يقوم به أحد العاقدين لمصلحة الآخر. والاستصناع من هذا النوع عند القائلين بهذا القول.
القول السادس: الاستصناع عقد مستقل
بعد النظر في الأقوال المتقدمة لعلماء الحنفية في تكييف حقيقة الاستصناع , يتبين أن الاستصناع وإن كان جائزا عندهم اتفاقا - ما عدا زفر - إلا أنهم ذهبوا في تكييفه مذاهب لم يسلم أي منها عن اعتراض.
والذي مال إليه جمع من الفقهاء في العصر الحاضر , أن الاستصناع عقد مستقل لا يدخل تحت أي من العقود المسماة الأخرى المتعارف عليها , بل هو عقد له شخصيته المستقلة , وله أحكامه الخاصة.
فقد جاء في بحث الشيخ مصطفى الزرقا في الاستصناع: أن الاستصناع نوع من البيوع مستقل لا يدخل في أحد الأنواع الأخرى كالصرف والسلم , وليس أيضا من البيع العادي (المطلق) . فكما أن الصرف والسلم نوعان من البيع , وهما عقدان مستقلان , ولهما أحكام خاصة لا تجرى في البيع المطلق , فكذلك الاستصناع.
وجاء في بحث الدكتور على محيي الدين القره داغي الاستصناع هو ما إذا طلب المستصنع من الصانع صنع شيء موصوف في الذمة خلال فترة قصيرة أو طويلة , سواء كان المستصنع عين المصنوع منه بذاته أم لا , وسواء كان المصنوع منه موجودا أثناء العقد أم لا. فمحل عقد الاستصناع هو العين والعمل معا من الصانع. فالعقد بهذه الصورة ليس بيعا , ولا سلما , ولا إجارة , ولا غيرها , وإنما هو عقد مستقل خاص له شروطه الخاصة به , وآثاره الخاصة به , ولا ينبغي صهره في بوتقة عقد آخر. فالاستصناع عقد مستقل خاص محله العين والعمل معا , وبذلك يمتاز عن البيع الذي محله العين , وعن الإجارة التي محلها العمل , وعن السلم الذي محله العين الموصوفة في الذمة.
وجاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره السابع بجدة (1412هـ الموافق 1992م) : إن عقد الاستصناع هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة , ملزم للطرفين , إذا توافرت فيه الأركان والشروط.
ويمكن أن يقال إن القوانين المعاصرة اعتبرته كذلك فإنها حين ذكرت أحكامه لم تذكرها ضمن أحكام البيوع , ولا ضمن أحكام الإجارة , بل جعلته نوعا من أنواع (المقاولة) , والمقاولة منها ما هو إجارة محضة , ومنها ما هو استصناع حيث تكون المواد من الصانع.
ولعل أقرب من اقترب من هذا القول من الفقهاء صاحب المحيط البرهاني حيث يرى أنه لا بد من اعتبار العمل والعين في الاستصناع. فقد جاء في ج 2 ص 575: المستصنع طلب منه العمل والعين جميعا فلا بد من اعتبارهما جميعا.
أهمية القول بأن الاستصناع عقد مستقل
يتضح بأن الرأي المعاصر القائل بكون الاستصناع عقد مستقل , يختلف هذا عن القول الذي يجعل الاستصناع بيعا حقيقيا والعمل شرط فيه , أي زائد على حقيقته وهو قول فيه من المؤاخذة ما فيه لسببين:
- المستصنع لم يشتر المواد , ولو أنه اشتراها وجب أن تكون معلومة متميزة وتدخل في ملك المستصنع , وهذا مجاف لطبيعة الاستصناع , فإن الذي يدخل في ملك المستصنع هو الشيء المصنوع بعد تمام صنعه وتسليمه , أما المواد فلا تدخل في ملكه قبل ذلك , ولا علاقة له بها.
- العمل وهو الصنعة أمر أساسي مطلوب في الاستصناع , وليس شرطا ملحقا , كما في نقل الأثاث لمن اشتراه.
وعلى أساس هذا النظر المعاصر , يكون المعقود عليه في الاستصناع المادة والعمل دون فصل لأحدهما عن الآخر , ودون تميز , فكلاهما داخل في حقيقة الاستصناع. ولكنه يكون:
- أشبه بعقد البيع لدخول المادة فيه.
- أشبه بعقد الإجارة لدخول العمل فيه ,
- أشبه بعقد السلم لكونه في الذمة.
وإنما اختلفت أقوال الفقهاء , فحمله بعضهم على البيع , وبعضهم على الإجارة , وبعضهم - وهم غير الحنفية - على السلم , لملاحظة تلك الأنواع من الشبه , لكن لكونه في الحقيقة ليس أيا من هذه الأنواع الثلاثة من العقود (البيع والإجارة والسلم) لم يسلم أي من الأقوال عن الاعتراض.
وبناء على ذلك , لا ينبغي في الاستصناع استعمال عبارات: البائع , والمشتري , والثمن. وإنما يقال: المستصنع , والصانع أو المقاول , والبدل النقدي. كما لا يقال في الإجارة: البائع , والمشتري , والثمن , وإن كانت الإجارة في حقيقتها نوعا خاصا من البيع , هو بيع المنفعة , لكن لتميزها عن البيع المطلق انفردت باصطلاحاتها الخاصة. وإن كان يمكن في الاستصناع استعمال العبارات المذكورة على سبيل التساهل.(1/269)
جاء في المبسوط (12 / 139)
كان الحاكم الشهيد يقول: الاستصناع مواعدة , وإنما ينعقد بيعا بالتعاطي إذا جاء به مفروغا منه.
وجاء في المحيط البرهاني (2 / 575)
(مخطوطة أوقاف بغداد)
إذا جاز الاستصناع فإنما يجوز معاقدة لا مواعدة , بدليل أن محمدا رحمه الله ذكر فيه القياس والاستحسان , ولو كان مواعدة لما احتاج إلى ذلك , وأن محمدا قال: إذا فرغ الصانع من العمل , وأتى به كان المستصنع بالخيار , لأنه اشترى ما لم يره. فقد سماه شراء. وكذلك قال: إذا قبض الأجر فإنه يملك. ولو كانت مواعدة لكان لا يصير الأجر ملكا له. فدل على أنها تنعقد معاقدة لا مواعدة.
وجاء في بدائع الصنائع للكاساني (5 / 2)
قال بعضهم: الاستصناع مواعدة , وليس ببيع , ولا يصح , بدليل أن محمدا رحمه الله ذكر في جوازه القياس والاستحسان , وذلك لا يكون في العادات , وكذلك أثبت فيه خيار الرؤية , وهو يختص بالبياعات , وكذا يجري فيها التقاضي , وإن ما يتقاضى فيه الواجب لا الموعود.
وجاء في الاختيار لتعليل المختار (2 / 38)
وقد قيل: الاستصناع مواعدة , حتى يكون لكل منهما الخيار.
وجاء في شرح فتح القدير لابن الهمام (7 / 115)
اختلف المشايخ أنه مواعدة أو معاقدة , فالحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة وصاحب المنثور: هو مواعدة , وإنما ينعقد عند الفراغ بيعا بالتعاطي , ولهذا كان للصانع أن لا يعمل , ولا يجبر عليه , بخلاف السلم , وللمستصنع أن لا يقبل ما يأتي به , ويرجع عنه.
في الدر المختار (4 / 213)
صح الاستصناع بيعا لا عدة , على الصحيح , فيجبر الصانع على العمل , ولا يرجع الآمر عنه , ولوكان عدة لما لزم.
وجاء في حاشية ابن عابدين عليه: هو بيع لا مواعدة ثم ينعقد عند الفراغ بيعا بالتعاطي إذ لو كان كذلك لم يختص بما فيه تعامل.
مراجع القول الثاني
جاء في بدائع الصنائع للكاساني (6 / 2677)
قال بعضهم: الاستصناع عقد على مبيع في الذمة. ووجهة أن الصانع لو أحضر عينا كان عملها قبل العقد ورضي به المستصنع جاز , ولو كان شرط العمل من نفس العقد لما جاز , لأن الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي.
(وصحح الكاساني القول الآتي: وهو أنه عقد على مبيع في الذمة شرط فيها العمل)
ثم قال: العقد على مبيع في الذمة يسمى سلما , وهذا العقد يسمى استصناعا , واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل. وأما إذا أتي الصانع بعين صنعها قبل العقد , ورضي المستصنع , فإنما جاز لا بالعقد الأول , بل بعقد آخر , وهو التعاطي بتراضيهما.
وجاء في شرح فتح القدير (7 / 115)
الصحيح من المذهب جواز الاستصناع بيعا , لأن محمدا ذكر فيه القياس والاستحسان وهما لا يجريان في المواعدة ,. . . وإثبات الخيار لكل منهما لا يدل على أنه ليس بيعا , ألا ترى أن في بيع المقايضة لو لم ير كل منهما عين الآخر كان لكل منهما الخيار , وحين لزم جوازه علمنا أن الشارع اعتبر فيها المعدوم موجودا , وفي الشرع كثير كذلك , كطهارة المستحاضة , وتسمية الذابح إذا نسيها.
ثم قال: والمعقود عليه العين دون العمل. . والدليل عليه قول محمد لأنه اشترى ما لم يره , ولذا لو جاء به مفروغا منه لا من صنعته , أو من صنعته قبل العقد جاز.
وجاء في الاختيار (2 / 38)
الأصح أن الاستصناع معاقدة لأن فيه قياسا واستحسانا , وذلك من خصائص العقود. وينعقد على العين دون العمل حتى لو جاء بعين من غير عمله جاز.
وجاء في الدر المختار (4 / 213)
يصح الاستصناع بيعا لا عدة على الصحيح , فيجبر الصانع على عمله , ولا يرجع الآمر عنه ولو كان عدة لما لزم , والمبيع هو العين لا عمله خلافا للبردعي فإن جاء الصانع بمصنوع غيره , أو بمصنوعه هو قبل العقد فأخذه صح ولو كان المبيع عمله لما صح.
وجاء في حاشية ابن عابدين عليه: المبيع في الاستصناع هو العين الموصوفة في الذمة , وليس بيع عمل , أي ليس إجارة على العمل. وفيها قال في النهر: وأورد على كونه بيعا أنه يبطل بموت الصانع , وهذا ينافي كونه بيعا. وأجيب بأنه إنما بطل لشبهه بالإجارة.
مراجع القول الثالث
جاء في الهداية وفتح القدير (7 / 115)
قال أبو سعيد البردعي المعقود عليه في الاستصناع العمل , لأن الاستصناع ينبئ عنه (أي لأن معنى اللفظ طلب الصنعة) , والأديم (أي الجلد في صناعة الحذاء) بمنزلة مادة الصبغ للصباغ , واستعمال الصباغ لتلك المادة لا يجعل المعقود عليه العين , بل المعقود عليه هنا العمل فقط.
وجاء في العناية أيضا (7 / 115)
قال أبو سعيد البردعي المعقود عليه في الاستصناع هو العمل , لأن الاستصناع طلب الصنعة , وهو العمل.
وجاء في العناية أيضا (7 / 116)
فإن قيل: أي فرق بين الاستصناع وبين عمل الصباغ؟ فإن في الصبغ العمل والعين (من العامل) , كما في الاستصناع , وذلك إجارة محضة.
أجيب بأن الصبغ (أي عملية الصبغ) أصل , والصبغ (أي المادة التي يصبغ بها) آلتة. فكان المقصود منه العمل , وذلك إجارة وردت على العمل في عين المستأجر. وها هنا (أي في الاستصناع) الأصل هو العين المستصنع المملوك للصانع , فيكون بيعا. ولما لم يكن له وجود من حيث وصفه إلا بالعمل أشبه الإجارة في حكم واحد لا غير.
مراجع القول الرابع
جاء في شرح فتح القدير (7 / 116)
وفي الذخيرة: هو إجارة ابتداء بيع انتهاء , لكن قبل التسليم بساعة , لا عند التسليم , بدليل أنهم قالوا: إذا مات الصانع لا يستوفى المصنوع من تركته , ذكره محمد في كتاب البيوع. ولا يجبر الصانع على العمل لأنه لا يمكنه إلا بإتلاف عينه من قطع الأديم ونحوه , والإجارة تفسخ بالعذر , وهذا عذر , ألا ترى أن المزارع له أن لا يعمل إذا كان البذر من جهته.
وجاء في حاشية ابن عابدين على الدر (4 / 213)
وفي الذخيرة الاستصناع إجارة ابتداء بيع انتهاء , لكن قبل التسليم بساعة لا عند التسليم. وأورد عليه أنه لو انعقد إجارة لأجبر الصانع على العمل , والمستصنع على إعطاء المسمى.
وأجيب بأنه إنما لا يجبر لأنه لا يمكنه (العمل) إلا بإتلاف عين له من قطع الأديم ونحوه , والإجارة تفسخ بهذا العذر , ألا ترى أن الزارع له أن لا يعمل - أي في المزارعة - إن كان البذر من جهته , وكذا رب الأرض. ومثله في البحر والزيلعي.
وجاء في المحيط البرهاني (ج2 / ق 575)
ينعقد الاستصناع إجارة ابتداء , ويصير بيعا انتهاء متى سلم , قبل التسليم بساعة , بدليل أنهم قالوا بأن الصانع إذا مات قبل تسليم العمل بطل الاستصناع , ولا يستوفى المصنوع من تركته , ولو انعقد بيعا ابتداء وانتهاء لم يبطل بموته كما في بيع العين , والسلم.
وقال محمد إن أتى به الصانع كان المستصنع بالخيار , لأنه اشترى شيئا لم يره ولو انعقد إجارة ابتداء وانتهاء لم يكن له خيار الرؤية , كما في الخياط والصباغ , ولو كان ينعقد بيعا عند التسليم لا قبله بساعة لم يثبت خيار الرؤية , لأنه يكون مشتريا ما رآه وخيار الرؤية لا يثبت في المشتري (كذا في الأصل ولعله: المرئي) , فعلمنا أنه ينعقد إجارة ابتداء وإن كان القياس يأباه , لأنه إجارة على العمل في ملك الآخر ثم يصير بيعا انتهاء قبل التسليم بساعة , وإن كان القياس يأبى أن تصير الإجارة بيعا. لكنا تركنا القياس في الكل , لمكان التعامل. والمعنى في ذلك أن المستصنع طلب منه العين والعمل جميعا , فلا بد من اعتبارهما جميعا , واعتبارهما جميعا في حالة واحدة متعذرة , لأن بين البيع والإجارة تنافيا , فجوزناها إجارة ابتداء , لأن عدم المعقود عليه لا يمنع انعقاد الإجارة , ويمنع انعقاد البيع , فاعتبرناها إجارة ابتداء , وجعلناها بيعا قبل التسليم , كما فعلنا هكذا في الهبة بشرط العوض: اعتبرناها هبة ابتداء عملا باللفظ , بيعا انتهاء عملا بالمعنى. ولذلك قلنا: لو مات قبل التسليم يبطل , كالإجارة , ومتى سلم كان المستصنع بالخيار , لأنه اشترى ما لم يره.
مراجع القول الخامس
المبسوط للسرخسي (15 / 84 , 85)
الاستصناع بيع عين شرط فيه العمل.
تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي (2 / 538)
الاستصناع عقد على مبيع في الذمة وشرط عمله على الصانع.
بدائع الصنائع للكاساني (6 / 2677)
قال بعضهم: الاستصناع عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل. قال: وهو الصحيح. لأن الاستصناع طلب الصنع , فما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعا , فكان مأخذ الاسم دليلا عليه , ولأن العقد على مبيع في الذمة يسمى سلما , وهذا العقد يسمى استصناعا , واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل.
وأورد الكاساني على هذا القول اعتراضا , قال: إن الصانع لو أحضر عينا كان عملها قبل العقد ورضي به المستصنع جاز , فلو كان شرط العمل من نفس العقد لما جاز , لأن الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي.
ورد على ذلك قائلا: إذا أتى الصانع بعين قد صنعها قبل العقد , ورضي به المستصنع فإنما جاز لا بالعقد الأول , بل بعقد آخر , وهو التعاطي , بتراضيهما.(1/270)
أقسام الاستصناع
هناك حاجات عظيمة وهامة للمجتمع الإنساني يصعب أو يتعذر كفايتها بغير طريق الاستصناع. وقد استخدمت المصارف الإسلامية صيغة جديدة لعقد الاستصناع وهي الاستصناع الموازي.(1/271)
الاستصناع العادي:
يستطيع الاستصناع أن يلبي حاجات عظيمة وهامة للمجتمع الإنساني يصعب أو يتعذر كفايتها بغير طريق الاستصناع.
ففي نطاق الحاجات الشخصية ,: قد يحتاج الإنسان إلى لباس أو حذاء يناسبه لا يناسب غيره من الناس , لاختلاف مقاس جسمه أو مقاس رجله عن سائر الناس في مجتمعه. فلا يتمكن من الحصول على مطلوبه بعقد شراء إلا بعسر , وخاصة في المجتمعات الصغيرة التي لا تتوافر فيها السلع بكميات كبيرة ومقاسات متنوعة. وكذا لا يمكن تحصيل المطلوب بعقد إجارة لأن المواد الخام ربما كانت موجودة لدى الصانع نفسه ولا توجد عند غيره , كما هو معهود في عصرنا في صناعة الأحذية حيث لا تكون الجلود موجودة في العادة إلا عند الإسكاف.
كما قد يحتاج الإنسان أيضا إلى قطعة من الأثاث أو إلى سيارة أو منزل , يكون مختلفا عن المعهود - المصنوعات النمطية - لميزات يبتغيها تناسب ظروفه , أو تناسب ذوقة الخاص , فلا يجد شيئا يلبي تلك الحاجة يحصله بعقد شراء. وقد يحصله بعقد إجارة بأن يحصل من يصنعه بأجر , وهو يحضر المواد , لكن يجد أهون عليه أن يستصنعه بعقد استصناع يريحه فيه الصانع - وهو شخص أو شركة لديه الخبرة والقطع الفنية اللازمة - من عناء شراء المواد المطلوبة , وقد تكون كثيرة متنوعة , أو غير متوفرة.
وفي نطاق المصنوعات الضخمة , كالبواخر والطائرات العملاقة وربما القطارات والحافلات (الباصات) , ونطاق المصنوعات ذات التكلفة الباهظة , كالأقمار الصناعية , وشبكات الهاتف وأجهزتها الفنية , ومباني الإذاعة والتلفزيون وتجهيزاتها , لا يكون من اليسير اقتصاديا على الشركات التي تصنعها صناعة الشيء منها ثم عرضه للبيع وانتظار من يشترى , لأن المصنوع قد يكسد , فيتجمد رأس المال , وربما احتاج إلى تكلفة هائلة للتخزين والتأمين والصيانة , فبالاستصناع يكون الشيء من ذلك قد بيع مقدما فلا يكون الصانع عرضه لآثار تقلبات الأسعار التي قد تكون خطيرة , وقد تؤدي إلى إفلاس بعض المصانع أو إغلاقها , ويستطيع أن يقدم على إنتاج مصنوعاته وهو مطمئن إلى أنه لن يخسر بل سوف يحقق ربحا معلوما.
وفي نطاق الإنشاءات الضخمة على أراض يملكها المشترون , سواء كانوا من القطاع الخاص , أو كان المشتري هو الدولة , كبناء المباني الحكومية وتجهيز الطرق المعبدة والجسور والسكك الحديدية والمطارات والمستشفيات ونحوها , لا توجد صيغة لذلك أنسب من عقد الاستصناع , كما هو واضح من نشاطات قطاع المقاولات في عامة الشعوب المتحضرة.
وفي نطاق التجارة يستطيع التاجر أن يستصنع السلع التي يكثر رواجها بالمواصفات التي يرى أنها تجعل سلعة أكثر ملاءمة لأذواق المستهلكين ومتطلباتهم مما يزيد رواج تجارته. ويستطيع أيضا استصناع سلع جديدة - أي مخترعات جديدة , أو سلع موجودة لكي يقوم بإدخال تحسينات ذات بال عليها , ويطلب من المصانع التنفيذ , وهذا يؤدي إلى التقدم الصناعي للبلاد , بالإضافة إلى تمكين التجار ذوي الفطانة من تحصيل مكاسب جمة.
الاستصناع الموازي:
يستند عقد الاستصناع الموازي على أساس أنه لا يشترط في الاستصناع أن يكون العقد مع صانع. فيصح شرعا أن يتعاقد الراغب في الاستصناع مع شخص من غير أهل الصنعة , ثم يذهب هذا الملتزم للصنعة يبحث عن شخص يصنع له المطلوب فيأخذه ويسلمه للمستصنع.
ولم تتعرض كتب الحنفية لهذا الأمر , وإن كانت في تعريف الاستصناع تذكر أنه (التعاقد مع صانع. . إلخ) , وفي ذكر الأمثلة تذكر (التعامل مع صانع. .) , لكن ذلك لا ينبغي حمله على أن ذلك شرط لصحة العقد , خاصة وقد نصوا على أنه لو جاء بشيء من صنعة غيره كفى. وكذلك ذكر الفقهاء شروط الاستصناع وحصروها ولم ينصوا على اشتراط كون العقد مع الصانع.
كذلك لم تذكر كتب الفقه شيئا عن مسألة قيام الصانع باستصناع غيره. ولكن الفقهاء في باب الإجارة ذكروا أن الأجير إذا شرط عليه مستأجره أن يعمل بنفسه لزمه ذلك , لأن العامل يتعين بالشرط. فإن لم يشترط المستأجر ذلك فيجوز للأجير أن يستأجر من يعمل العمل. قالوا: لأن المستحق عمل في الذمة وهذا ما لم يكن العمل ملاحظا فيه خصوصية العامل , ومثال ذلك الاستئجار على نسخ الكتب الخطية. وكذا كل ما يختلف باختلاف العامل.
فكذلك يقال في الاستصناع إن للمستصنع أن يشترط في العقد عمل الصانع نفسه , أو عمل صانع معين , فإن قبل الطرف الآخر ذلك لزمه , ولم يكن له أن يستصنع غيره أما إن لم يشترط في عقد الاستصناع ذلك يكون للصانع أن يستصنع غيره من أهل الصنعة والقدرة الفنية وهذا ما لم تكن خصوصية الصانع ملاحظة في التعاقد , كما في بعض الصناعات التي تعتمد على القدرات الشخصية , وتختلف من صانع لآخر , ككتابة اللافتات الإعلانية بخط اليد , وصناعة التحف الفنية التي تميز بها الصانع المعين , والمطرزات اليدوية , ونحو ذلك.
وبمثل هذا أخذ القانون المدني الأردني في شأن المقاولة , ومنها الاستصناع. على أن ضمان العيوب للمستصنع والمسئولية تجاهه عن نقص الأوصاف المشروطة تبقى على الصانع في جميع الأحوال.
وهذا الرأي يتيح لأهل التجارات , وأرباب الأموال , وللمصارف الإسلامية , استعمال أسلوب التعاقد بالاستصناع الموازي بينهم وبين المحتاجين إلى المصنوعات من المستهلكين أو التجار.
والاستصناع الموازي معناه أن يعقد المصرف مثلا بخصوص السلعة الواحدة عقدين: أحدهما مع الراغب في السلعة يكون المصرف فيه في دور الصانع , والآخر مع القادر على الصناعة ليقوم بإنتاج سلعة مطابقة في المواصفات والتصاميم والشروط للمذكور في العقد الأول , ويكون البنك هنا في دور المستصنع.
ويمكن أن يكون الثمن في العقد الأول مؤجلا وفي العقد الثاني معجلا , فتكون فرصة التمويل للبنك مضاعفة , مما يتيح للمصرف قسطا من الربح وافرا.
ثم إذا تسلم المصرف السلعة من المنتج , ودخلت في حيازته , يقوم بتسلمها إلى المستصنع. ولا مانع من أن يعقد العقدان في نفس الوقت , أو يتقدم أي منهما.
محاذير تطبيق الاستصناع الموازي
يجب الحذر في الاستصناع المتوازي من أمور:
1- الربط بين العقدين بل يجب أن يكون كل من العقدين منفصلا عن الآخر وغير مبني عليه. فتكون مسئولية المصرف ثابتة قبل المستصنع. ولا شأن للمستصنع بالصانع في العقد الثاني. وإذا لم يقم الصانع بالعمل أو لم ينجزه في الموعد فعلى المصرف إنجازه.
2- يجب أن لا يكلف المصرف المستصنع بالتعاقد مع الصانع أو متابعته , ولا يوكله بالإشراف على المصنوع , أو قبضه , أو نحو ذلك.
وهذان الأمران لئلا يتقلص دور المصرف في العملية الصناعية , ويتحول من مستصنع حقيقة إلى مقرض بالفائدة.
3- يفضل أن لا ينتظر المصرف الإسلامي ليأتيه شخصان قد اتفقا بينهما أحدهما صانع والآخر مشتر يريد تمويلا ليدفع المصرف للصانع مقدما , ثم ينتظر الوفاء من الآخر بالزيادة. بل على المصرف أن يكون لديه (دائرة خاصة بالعمليات الاستصناعية) يأتي إليها الراغبون في إنشاء المباني , أو الصيانة العامة , أو تعبيد الطرق , أو مد سكك الحديد , أو بناء المطارات , أو صناعة السلع الاستهلاكية , أو غير ذلك. فيطلبوا منه هذه الأعمال استصناعا , ويكون للبنك علاقات مع من يستطيع تنفيذ مثل تلك الأعمال فيساومهم عليها , أو يعلن عن مناقصات لتنفيذها. فيعقد معهم عقود الاستصناع على مسئوليته الخاصة.
4- لا يجوز أن يضرب لتسليم السلعة أجل بعيد بغرض إتاحة الفرصة له لينتفع بالتمويل المبكر , لكن يكون الأجل فقط بقدر المدة التي يحتاج إليها في التصنيع فعلا , فإن زادت عن ذلك كان العقد سلما ووجبت مراعاة شروطه وأحكامه.(1/272)
جاء في الهداية للمرغيناني (9 / 78)
إذا شرط على الصانع أن يعمل بنفسه ليس له أن يستعمل غيره , لأن المعقود عليه العمل من محل بعينه فيستحق عينه , كالمنفعة في محل بعينه. وإن أطلق له العمل فله أن يستأجر من يعمله , لأن المستحق عمل في ذمته , ويمكن إيفاؤه بنفسه , وبالاستعانة بغيره , كإيفاء الدين.
قال في العناية: وفيه تأمل , لأنه إن خالفه إلى خير بأن استعمل من هو أصنع منه في ذلك الفن , ينبغي أن يجوز.
وجاء في المغني لابن قدامة (5 / 438)
نقل الأثرم عن أحمد أنه سأله عن الرجل يتقبل العمل من الأعمال فيقبله بأقل من ذلك أيجوز له الفضل؟
قال: ما أدري , هي مسألة فيها بعض الشيء.
قلت: أليس الخياط أسهل عندك إذا قطع الثوب , أو غيره إذا عمل في العمل شيئا؟
قال: إذا عمل عملا فهو أسهل قال النخعي لا بأس أن يتقبل الخياط الثياب بأجر معلوم ثم يقبلها بعد ذلك أو يعين فيها , أو يقطع , أو يعطيه سلوكا أو إبرا أو يخيط فيها شيئا. فإن لم يعن فيها بشيء فلا يأخذن فضلا.
وهذا يحتمل أن يكون النخعي قاله بناء على مذهبه في أن من استأجر شيئا لا يؤجره بزيادة.
وقياس المذهب: جواز ذلك سواء أعان فيها بشيء أو لم يعن , لأنه إذا جاز أن يقبله بمثل الأجر الأول أو دونه , جاز بزيادة عليه , كالمبيع , وكإجارة العين.
وجاء في شرح المحلي على المنهاج في الفقه الشافعي (3 / 68)
الإجارة قسمان: واردة على عين كإجارة العقار أو دابة أو شخص معينين , وواردة على الذمة: كاستئجار دابة موصوفة , أوكأن يلزم ذمته خياطة أو بناء. ولو قال: استأجرتك لتعمل كذا: فإجارة عين , وقيل إجارة ذمة. ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في المجلس , كرأس مال السلم , لأنها سلم في المنافع.(1/273)
صيغة الاستصناع
ينعقد الاستصناع بلفظ البيع إن ذكرت باقي شروطه , لأن العبرة في العقود لمعانيها لا لصور ألفاظها.
وإطلاق البيع مع ذكر شروط الاستصناع , هو استصناع في المعنى فينعقد به.
واتفق الفقهاء على أن صيغة الاستصناع يجب أن تكون منجزة يترتب عليها أثرها في الحال. فلا يقبل التعليق على شرط , ولا الإضافة إلى زمن مستقبل.(1/274)
لما كان الاستصناع عقدا يتم بين طرفين , فإن وجوده يتوقف على صيغة تفصح عن رغبة المتعاقدين على إنشائه , وتعبر بجلاء عن اتفاقهما على تكوينه , لأن النية - أو الرغبة - أمر باطن لا يمكن الاطلاع عليه , فلا بد من تعبير يدل عليه ويكشف عنه , وهو الإيجاب والقبول المتصلان المتوافقان.
وقد اتفق الفقهاء على صحة إيقاع الإيجاب بلفظ الاستصناع وكل ما دل عليه. وكذا على صحة القبول بكل لفظ يدل على الرضا بما أوجبه الأول , مثل: قبلت ورضيت ونحو ذلك.
وقد اتفق الفقهاء على أن صيغة الاستصناع كصيغة البيع يجب أن تكون منجزة يترتب عليها أثرها في الحال , فلا تقبل التعليق على شرط , ولا الإضافة إلى زمن مستقبل.(1/275)
العاقدين في الاستصناع
لما كانت عقود المعاوضات المالية كالبيع والسلم والاستصناع والصرف تنشأ بين متعاقدين بإرادتهما , اشترط الفقهاء في كل واحد من العاقدين أن يكون أهلا لصدور العقد عنه , وأن يكون له ولاية إذا كان يعقد لغيره.(1/276)
الاستصناع هو عقد معاوضة مالية ينشأ بين طرفين متعاقدين بإرادتهما الحرة , فلا بد لانعقاد الاستصناع ونفاذه أن يكون عاقداه من أهل العبارة المعتبرة في إنشاء العقود والالتزام بآثارها ويتحقق ذلك بتوافر شرطين فيهما:
شرط أهلية المعاملة والتصرف
يشترط أن يكون المتعاقدين أهلا للمعاملة والتصرف , أي أن يكون عندهما أهلية أداء. وأهلية الأداء التي تعني صلاحية الشخص لصدور الأقوال منه على وجه يعتد به شرعا. وتتحقق هذه الأهلية عند جمهور الفقهاء في الإنسان المميز العاقل الرشيد غير المحجور عليه بأي سبب من أسباب من الحجر , ولم يكتف الشافعية بالتمييز بل اشترطوا البلوغ فلا ينعقد عندهم بيع الصبي لعدم أهليته.
شرط الولاية
يشترط أن يكون للمتعاقدين ولاية على العقد أي أن يكون للعاقد سلطة تمكنه من تنفيذ العقد وترتيب آثاره عليه , ويكون ذلك إما بتصرف العاقد أصالة عن نفسه وإما أن يكون مخولا في ذلك بأحد طريقين:
- بالنيابة الاختيارية التي تثبت بالوكالة. ولابد فيها أن يكون كل من الوكيل والموكل أهلا لإنشاء عقود المعاوضات المالية.
- أو بالنيابة الإجبارية التي تثبت بتولية الشارع , وتكون لمن يلي مال المحجور عليهم من الأولياء والأوصياء الذي جعلت لهم سلطة شرعية على إبرام العقود وإنشاء التصرفات المالية لمصلحة من يلونهم.(1/277)
المعقود عليه
اختلف فقهاء الحنفية في حقيقة المعقود عليه في عقد الاستصناع , فذهب بعضهم إلى اعتبار العمل هو محل العقد.
بينما ذهب جمهور علماء المذهب إلى أن المعقود عليه هو العين وليس العمل.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بأن الاستصناع عقد وارد على العمل والعين في الذمة.(1/278)
الرأي القائل بأن المعقود عليه هو العمل
يرى أبو سعيد البردعي أن المعقود عليه في عقد الاستصناع هو العمل لأن الاستصناع استفعال من صنع أي طلب الصنع , وهو العمل , فتسمية العقد به دليل على أن المعقود عليه هو العمل , والأديم فيه والصرم بمنزلة الصبغ , أي بمنزلة الآلة للعمل , ولهذا يبطل عقد الاستصناع بموت أحد المتعاقدين , كما تبطل الإجارة بذلك (عند المذهب الحنفي) .
الرأي القائل بأن المعقود عليه هو العين
يرى جمهور العلماء أن المعقود عليه هو العين وليس العمل , وذكر الصنعة لبيان الوصف وهذا هو الأصح في المذهب الحنفي , وقد قالوا في توجيه هذا الرأي: إن المعقود عليه هو العين (أي المستصنع فيه) لأن الصانع لو جاء بالمستصنع فيه مفروغا عنه , ولا من صنعته (بأن كان من صنع غيره) أو من صنعته قبل العقد , فأخذه المستصنع كان جائزا أي أنه لا يشترط أن يقوم الصانع بعمله في العين بعد العقد , حتى لو جاء به مفروغا , لا من صنعته , أو صنعته قبل العقد , فأخذه المستصنع جاز.
وكذا لو عمل بعد العقد , وباعه الصانع قبل أن يراه المستصنع جاز , ولو كان المعقود عليه العمل لما جاز , وكذا إذا جاء به مفروغا فللمستصنع الخيار لأنه اشترى ما لم يره سماه شراء , وأثبت فيه خيار الرؤية , وهو لا يثبت إلا في العين.
ثم ردوا على ما قاله أبو سعيد البردعي من قوله: (إنه يبطل بموت أحدهما) فقالوا: إنما بطل بموت أحدهما , لأن للاستصناع شبها بالإجارة من حيث إن فيه طلب الصنع , فلشبهه بالإجارة قلنا يبطل بموت أحدهما , ولشبهه بالبيع , وهو المقصود بالعقد أجرينا فيه ما ذكرنا من أحكام البيع.
الرأي القائل بأن المعقود عليه هو العمل والعين معا
ذهب الفقهاء المعاصرون إلى اعتبار أن المعقود عليه في عقد الاستصناع هو العمل والعين معا وقد جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره السابع بجدة (1412هـ الموافق 1992م) : إن عقد الاستصناع هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة , ملزم للطرفين , إذا توافرت فيه الأركان والشروط.
فالاستصناع عقد مستقل خاص محله العين والعمل معا , وبذلك يمتاز عن البيع الذي محله العين , وعن الإجارة التي محلها العمل , وعن السلم الذي محله العين الموصوفة في الذمة.
تغير صيغة العقد بحسب أحوال اجتماع العين والعمل
ليس كل اجتماع للعين والعمل يجعل العقد استصناعا بل لاجتماعهما أحوال:
الأول: أن يكون العمل بقدر تافه والعبرة كلها للعين
فالعقد على ذلك بيع وليس إجارة ولا استصناعا كمن يبيع غسالة كهربائية ويركبها في منزل المشترى لتصبح جاهزة للعمل , فهذا التركيب صنعة لأنه عمل يحتاج إلى مهارة وخبرة , ومع ذلك فالعقد عقد بيع وليس استصناعا.
الثاني: أن تكون العين بقدر تافه والعبرة كلها للعمل
فالعقد على ذلك إجارة , وليس بيعا وليس استصناعا. كالخياط إذا أتيته بالقماش من عندك ليخيط ثوبا فهو يأتي بالخيوط والأزرار من عنده , فلا يجعل ذلك العقد استصناعا , لأن قيمة الخيوط والأزرار تافهة بالنسبة إلى العمل.
الثالث: أن تكون العين والعمل كل منهما بنسبة ذات بال
في هذه الحالة يكون لكل من العمل والعين قيمة معتبرة. وذلك هو الاستصناع.(1/279)
أن يكون قد جرى التعامل في مثل هذا الشيء المستصنع فيه بالاستصناع
يشترط أن يكون المستصنع فيه مما يجري فيه تعامل الناس بالاستصناع , فلا يجوز الاستصناع في سلعة لم يجر العرف باستصناعها , ويجوز ذلك بأن يتعاقد عليها بطريق السلم أو بطريق البيع للشيء الحاضر أو بطريق الإجارة.(1/280)
يشترط أن يكون المستصنع فيه قد جرى التعامل في مثله بالاستصناع: وسبب اشتراط ذلك أنه لما كان الاستصناع نوعا من بيع المعدوم , وهو في الأصل ممنوع شرعا , وإنما أجيز الاستصناع استحسانا لأجل تعامل الناس به , فما جرى التعامل باستصناعه يصح فيه , وما لا فلا , إذ التعامل دليل الحاجة.
وقد يكون الشيء مما يجرى فيه التعامل بالاستصناع في عصر , ثم تتغير الأمور , فلا يعود يجرى فيه التعامل , ومثال ذلك الآنية , فقد كان يجرى التعامل باستصناعها في عصر الأئمة , ولذلك مثلوا بالطست والقمقم والقدح والتور ونحوها , أما في عصرنا فقد ترك التعامل باستصناعها , لكثرة الأنواع الموجودة منها في الأسواق بحيث يأخذ الإنسان منها بعقد الشراء ما شاء , ولا يحتاج إلى استصناعه أصلا , فكان هذا هو سبب ترك التعامل بالاستصناع فيها.
ومما لم يجر التعامل باستصناعه في العصر الحاضر:
(1) صناعة المواد نصف المصنعة , كمسحوبات الحديد والألومنيوم وألواح الزجاج والخشب المضغوط (اللاتيه) والأسمنت والبلاط.
(2) الأجهزة المنزلية الإلكترونية ذات المواصفات المعتادة كأجهزة الراديو والتلفزيون والمسجلات والثلاجات والغسالات والمكانس الكهربائية , فإنها لكثرة المصنوع منها , وتوفره في جميع الأسواق بأصناف ومواصفات مختلفة بحيث تناسب كل حاجة وترضي كل ذوق , لا يحتاج إلى استصناع شيء منها ومثلها السيارات ذات المواصفات العادية.
(3) المواد الكيماوية والأدوية والعطور ومواد التجميل والورق بجميع أنوعه.
(4) صناعة السجاجيد ذات المواصفات العادية , والأقمشة.
(5) صناعة المواد للتمديدات الكهربائية من أصناف الأسلاك والمصابيح والمفاتيح وغير ذلك.
فهذه الأصناف وكثير أمثالها لا يجوز التعاقد عليها في العصر الحاضر بطريق الاستصناع طبقا للمذهب الحنفي , بل إما أن يتعاقد عليها بطريق السلم , وإما بطريق البيع للشيء الحاضر وإما بطريق الإجارة.
وقد رأي فضيلة العلامة الشيخ مصطفى الزرقا أن لا داعي لاعتبار هذا الشرط الآن , لتوفره بصفة عامة في تعارف الناس في كل ما تدخله الصناعة , بسبب الانفجار الصناعي الهائل ودخوله في جميع مجالات الحياة.
ويرى بعض العلماء المعاصرين أنه ينبغي أن يعتبر: قيد الحاجة , فما احتاج الناس إلى استصناعه حاجة عامة , أو حاجة فردية , ينبغي أن يجوز استصناعه , لأنهم إنما اشترطوا جريان التعامل لكونه (دليل الحاجة) فما تحققت الحاجة إليه ينبغي أن يجوز استصناعه إذا كان مما يمكن ضبطه بالوصف.(1/281)
جاء في بدائع الصنائع (6 / 2678)
وأما شرائط جوازه فمنها أن يكون فيما يجرى فيه التعامل بين الناس من أواني الحديد والرصاص والنحاس والزجاج والخفاف والنعال ولجم الدواب ونصول السيوف والسكاكين والقسي والنبل والسلاح كله والطست والقمقمة ونحو ذلك , ولا يجوز في الثياب لأن القياس يأبى جوازه , إنما جوازه استحسانا لتعامل الناس ولا تعامل في الثياب فيثبت جوازه فيما لهم فيه تعامل , ويبقى ما عداه موكولا إلى القياس , فإن حصل الاستصناع فيما ليس للناس فيه تعامل كان سلما واشترطت له شروط السلم من قبض الثمن , وذكر الأجل.
وجاء في الهداية (6 / 116)
ولا يجوز فيما لا تعامل فيه للناس , كالثياب , لعدم المجوز. وفيما فيه تعامل إنما يجوز إذا أمكن إعلامه بالوصف ليمكن التسليم.
وجاء في شرح فتح القدير على الهداية (6 / 115)
جوزنا الاستصناع استحسانا للتعامل. . وفيما لا تعامل فيه رجعنا إلى القياس , كأن يستصنع حائكا أو خياطا لينسج له ثوبا أو قميصا بغزل نفسه.
وجاء في العناية على الهداية (6 / 114)
جاز الاستصناع فيما فيه تعامل , لا فيما لا تعامل فيه , كما إذا طلب من الحائك أن ينسج له ثوبا بغزل من عنده , أو طلب من الخياط أن يخيط له ثوبا بكرباس من عنده.
وجاء في الاختيار (2 / 39)
إنما يجوز الاستصناع فيما جرت به العادة من أواني الصفر والنحاس والزجاج والعيدان والخفاف والقلانس والأوعية من الأدم والمناطق وجميع الأسلحة , ولا يجوز فيما لا تعامل فيه كالجباب ونسج الثياب , لأن المجوز له التعامل , على ما مر , فيقتصر عليه.
وجاء في بحث الشيخ مصطفي الزرقا (ص 36)
المقرر عند الحنفية أن الاستصناع إنما يجوز في الأشياء التي تعورف فيها , لأن العرف دليل الحاجة التي هي سبب الاستثناء , وفيما سوى المتعارف استصناعه لا يصح الاستصناع تمسكا بالأصل , وهو عدم جواز بيع المعدوم , فكيف يفتح أمام الاستصناع هذا الباب الواسع في كل ما تدخله الصنعة؟
قال: ويبدو لنا في الجواب أن تنوع الحاجات والصناعات واختلاف الأشكال والأوصاف والخصائص في أصناف النوع الواحد إلى درجة كبيرة مما تفتقت عنه أذهان المخترعين في عصر الانفجار الصناعي هذا قد أدي إلى أن يصبح طريق الاستصناع متعارفا عليه في كل ما يصنع بوجه عام.(1/282)
بيان جنس المصنوع ونوعه
يشترط في المستصنع فيه أن يوصف في العقد وصفا نافيا للجهالة , لئلا يكون فقد أحد الأوصاف المرغوبة مثار نزاع.(1/283)
يشترط أن تذكر في عقد الاستصناع الأوصاف التي ينضبط بها المستصنع انضباطا كافيا لمنع التنازع , بذكر كل ما له أثر في الثمن , كبيان جنسه ونوعه وقدره , وجنس المواد المستعملة وأوصافها.
ومقتضى هذا الشرط أمران:
أ - أن ما لا يمكن ضبطه بالوصف لا يصح استصناعه. وقد تقدمت وسائل التصميم والوصف , بالخرائط الهندسية , ونماذج العقود , والخبرات الفنية بما يمكن من الضبط الكامل في أكثر المصنوعات. ويمكن أيضا استخدام النماذج المصنعة والتعاقد على أساسها.
ب - إذا لم تضبط الأوصاف أو لم تبين الكميات في العقد , يكون العقد فاسدا.(1/284)
قال الكاساني في بدائع الصنائع (6 / 2678)
من شروط الاستصناع بيان جنس المصنوع ونوعه وقدره وصفته , لأنه لا يصير معلوما بدونه.
وجاء في الاختيار (2 / 39)
يكتفي في الاستصناع بصفة معروفة تحتمل الإدراك , ولا بد في السلم من استقصاء الصفة على وجه يتيقن به الإدراك.
وجاء في شرح فتح القدير (7 / 114)
الاستصناع طلب الصنعة وهو أن يقول لصانع خف أو مكعب أو أواني الصفر:
اصنع لي خفا طوله كذا أو سعته كذا , أو دستا , أي برمة , تسع كذا وزنها كذا على هيئة كذا , بكذا. . . إلخ.(1/285)
ذكر الأجل
اختلف فقهاء الحنفية في مسألة تحديد الأجل في عقد الاستصناع , فاشترط أبو حنيفة أن لا يكون في عقد الاستصناع أجل
وذهب الصاحبان إلى صحة عقد الاستصناع سواء ضرب له أجل أم لا.
واشترط الفقه المعاصر تحديد الأجل في الاستصناع وهو ما ذهب إليه قرار مجمع الفقه الإسلامي.(1/286)
اشتراط عدم تحديد الأجل عند أبي حنيفة
يرى الإمام أبو حنيفة أنه إذا ضرب المتعاقد للاستصناع أجلا صار سلما , حتى تعتبر فيه شرائط السلم: وهو قبض البدل في المجلس , ولا خيار لواحد منهما إذا سلم الصانع المصنوع على الوجه الذي شرط عليه في السلم.
ووجه قول أبي حنيفة أن التأجيل يختص بالديون , لأنه وضع لتأخير المطالبة , وتأخير المطالبة إنما يكون في عقد فيه مطالبة , وليس ذلك إلا السلم إذ لا دين في الاستصناع , ألا ترى أن لكل واحد منهما خيار الامتناع عن العمل قبل العمل بالاتفاق ثم إذا صار سلما يراعى فيه شرائط السلم , فإن وجدت صح سلما , وإلا لم يصح.
جواز تحديد الأجل عند الصاحبين
يري الصاحبان: أبو يوسف ومحمد أنه لا يشترط عدم ذكر الأجل في الاستصناع , بل انه يكون عقد استصناع على كل حال سواء ضرب له أجل أم لا ما دام الشيء المستصنع مما يجوز فيه الاستصناع.
واستدل الصاحبان بأن العادة جارية بضرب الأجل في الاستصناع , وإنما يقصد به تعجيل العمل لا تأخير المطالبة , فلا يخرج بالأجل عن كونه استصناعا. أو يقال: قد يقصد بضرب الأجل تأخير المطالبة , وقد يقصد به تعجيل العمل , فلا يخرج العقد عن موضوعه مع الشك والاحتمال بخلاف ما لا يحتمل الاستصناع , لأن ما لا يحتمل الاستصناع لا يقصد بضرب الأجل فيه تعجيل العمل , فتعين أن يكون لتأخير المطالبة بالدين , وذلك بالسلم.
اشتراط تحديد الأجل في قرار مجمع الفقه الإسلامي
ذهب مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السابع إلى أنه يشترط في عقد الاستصناع أن يحدد فيه الأجل , أي يشترط ذكر أجل لتسليم الشيء المصنوع.
ذلك أن هذا العقد قائم على العمل والعين المؤجلين عادة , وكل ما هو شأنه لا بد فيه من تحديد المدة لئلا يؤدي إلى النزاع والخصام. فالصانع قد يتأخر في التنفيذ والمستصنع يريد التعجيل , فإذا لم يكن في العقد تحديد للمدة أدى بلا شك إلى نزاع , واتفق العلماء على منع كل ما يؤدي في العقود إلى النزاع.(1/287)
جاء في بدائع الصنائع للكاساني (7 / 2678)
من شروط الاستصناع أن لا يكون فيه أجل , فإن ضرب للاستصناع أجلا صار سلما حتى يعتبر فيه شرائط السلم , وهو قبض البدل في المجلس , ولا خيار لواحد منهما إذا سلم الصانع المصنوع على الوجه الذي شرط عليه في السلم. وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله.
وقال أبو يوسف ومحمد هذا ليس بشرط , وهو استصناع على كل حال , ضرب فيه أجلا أو لم يضرب.
ولو ضرب للاستصناع فيما لا يجوز فيه الاستصناع - كالثياب ونحوها - أجلا , ينقلب سلما في قولهم جميعا.
وجه قولهما أن العادة جارية لضرب الأجل في الاستصناع , وإنما يقصد به تعجيل العمل , لا تأخير المطالبة , فلا يخرج به عن كونه استصناعا. أو يقال: قد يقصد بضرب الأجل تأخير المطالبة , وقد يقصد به تعجيل العمل , فلا يخرج العقد عن موضوعه مع الشك والاحتمال , بخلاف ما لا يحتمل الاستصناع لا يقصد بضرب الأجل فيه تعجيل العمل , فتعين أن يكون لتأخير المطالبة بالدين , وذلك بالسلم.
ولأبي حنيفة رحمه الله أنه إذا ضرب فيه الأجل فقد أتى بمعنى السلم , إذ هو عقد على مبيع في الذمة مؤجلا , والعبرة في العقود لمعانيها لا لصيغ الألفاظ. ولأن التأجيل يختص بالديون , لأنه وضع لتأخير المطالبة , وتأخير المطالبة إنما يكون في عقد فيه المطالبة , وليس ذلك إلا السلم.
وجاء في الهداية (7 / 116)
لو ضرب الأجل فيما فيه تعامل يصير سلما عند أبي حنيفة خلافا لهما , ولو ضربه فيما لا تعامل فيه يصير سلما بالاتفاق.
وجاء في العناية (7 / 117)
إذا ضرب للاستصناع أجل فيما فيه تعامل فإنه يكون سلما عند أبي حنيفة رحمه الله , خلافا لهما. وأما إذا ضرب الأجل فيما ليس فيه تعامل فإنه يصير سلما بالاتفاق. والمراد بضرب الأجل ما يذكره على سبيل الاستمهال , أما المذكور على سبيل الاستعجال , بأن قال: على أن تفرغ منه غدا أو بعد غد لا يصيره سلما , لأن ذكره حينئذ للفراغ لا لتأخير المطالبة بالتسليم. . .
لهما في الخلافية أن اللفظ حقيقة في الاستصناع. وتقريره أن ذكر الاستصناع يقتضي أن لا يكون سلما , لأن اللفظ حقيقة فيه , وهو ممكن العمل , وذكر الأجل يقتضي أن يكون سلما , لكن ليس بمحكم فيه , بل يحتمل أن يكون للتعجيل , فقد اجتمع المحكم والمحتمل , فيحمل الثاني على الأول , بخلاف ما لا تعامل فيه فإنه استصناع فاسد فيحمل على السلم الصحيح.
وجاء في الاختيار لتعليل المختار (2 / 39)
إن ضرب (للاستصناع) أجلا صار سلما (أي عند أبي حنيفة رحمه الله) فيشترط له شرائط السلم , لأنه أتى بمعنى السلم فيكون سلما , لأن العبرة للمعاني لا للصور , ولأنه أمكن جعله سلما , فيجعل سلما لورود النص بجواز السلم دون الاستصناع. وقال أبو يوسف ومحمد لا يصير بضرب الأجل سلما , كما لا يصير السلم بحذف الأجل استصناعا , وحذف الأجل ليس من خواص الاستصناع.
وجاء في الدر المختار ورد المحتار (4 / 214)
ولم يصح الاستصناع فيما لم يتعامل فيه , إلا بأجل , كما مر , أي بأجل مماثل كما مر في السلم من أن أقله شهر , فيكون سلما بشروطه. فإن لم يصح الأجل بأن كان أقل من شهر فسد إن ذكر الأجل على سبيل الاستمهال , فإن كان للاستعجال: كعلى أن تفرغ منه غدا كان صحيحا , والمراد بكونه للاستعجال بأن لم يقصد به التأجيل والاستمهال , بل قصد به الاستعجال بلا أمهال.
وجاء في مجلة الأحكام العدلية (م 389)
كل شيء تعومل استصناعه يصح فيه الاستصناع على الإطلاق , وأما ما لم يتعامل باستصناعه إذا بين فيه المدة صار سلما , وتعتبر فيه حينئذ شروط السلم , وإذا لم يبين فيه المدة كان من قبيل الاستصناع أيضا.(1/288)
مدى اللزوم في عقد الاستصناع
الاستصناع عقد غير لازم عند أكثر الحنفية في حالة ما قبل العمل في السلعة المطلوب صنعها , وكذلك في حالة ما بعد العمل فيها وقبل إحضارها ورؤية المستصنع لها.
وذهب أبو يوسف إلى أنه إن تم الصنع وكان مطابقا للأوصاف المتفق عليها يكون العقد لازما. وأخذت مجلة الأحكام العدلية بهذا الرأي وتوسعت فيه , فاعتبرت لزوم العقد في حق الطرفين منذ انعقاده إلا إذا جاء المصنوع مغايرا للأوصاف المبينة في العقد فيحق للمستصنع الفسخ بمقتضى فوات الوصف المشروط لا بمقتضى عدم اللزوم في العقد.
وكذلك اعتبر مجمع الفقه الإسلامي أن العقد ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط.(1/289)
الاستصناع عقد غير لازم عند أكثر الحنفية
والاستصناع عند أكثر الحنفية عقد غير لازم قبل الصنع , كما أنه غير لازم بعد الفراغ من الصنع وقبل رؤية المصنوع , ويثبت لكل من العاقدين الخيار في إمضاء العقد أو فسخه أو العدول عنه.
فيحق للمستصنع أن يفسخ العقد في أي وقت شاء قبل الرؤية , وله فسخه عند الرؤية , لأنه اشترى ما لم يره.
كما يثبت الخيار للصانع قبل الشروع في العمل وبعده , ما دام الشيء المصنوع في يده , ولم يقدمه إلى المستصنع , فإن قدمه سقط خياره , ولو باع الصانع لآخر ما صنعه قبل أن يقدمه للمستصنع جاز , لأن العقد غير لازم , ولأن المعقود عليه ليس هو عين المصنوع , وإنما مثله في الذمة.
فإن انتهى الصانع من المصنوع على الصفة المشروطة , ورآه المستصنع , فيبقى للمستصنع حق خيار الرؤية في الأصح عند أكثر الحنفية.
الاستصناع عقد لازم عند بعض فقهاء الحنفية وفي الرأي المعاصر
وقال الإمام أبو يوسف أن الاستصناع عقد لازم , وليس لأحد العاقدين الرجوع فيه إلا برضا الآخر , وإذا توفرت فيه الشروط المتفق عليها فلا يحق للمستصنع رفضه.
وأخذت مجلة الأحكام العدلية بهذا الرأي وتوسعت فيه , فقد جاء في مادتها 392: إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع , وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة كان المستصنع مخيرا.
وعليه , فإنه يعتبر لزوم العقد في حق الطرفين منذ انعقاده إلا إذا جاء المصنوع مغايرا للأوصاف المبينة في العقد فيحق للمستصنع الفسخ بمقتضى فوات الوصف المشروط لا بمقتضى عدم اللزوم في العقد.
وهذا ما ذهب إليه أيضا قرار مجمع الفقه الإسلامي لمنع المنازعات , ودفعا للضرر عن الصانع فيما صنع فعقد الاستصناع إذا استكمل أركانه وشروطه أصبح عقدا لازما , وليس لأحد العاقدين فسخه بدون رضا العاقد الآخر , لأن المؤمنين عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ولما قد يكون من الضرر على العاقد الآخر:
- فالمستصنع قد لا يكون لديه مهلة من الوقت ليستصنع صانعا آخر , وقد يحمله ذلك خسائر جمة ,
- والصانع قد لا يجد أحدا يشترى منه المصنوع , لأنه ربما يكون قد صنع بمواصفات خاصة لا تلائم أحدا غير المستصنع , أو كان الغرض منه لا يفيد أحدا غير المستصنع.(1/290)
جاء في الهداية (7 / 116)
والمستصنع بالخيار إذا رأى المصنوع: إن شاء أخذه وإن شاء تركه , لأنه اشترى شيئا لم يره ولا خيار للصانع. كذا ذكره في المبسوط , وهو الأصح. وعن أبي حنيفة أن للصانع الخيار أيضا لأنه لا يمكنه تسليم المعقود عليه إلا بضرر وهو قطع الجلد وغيره.
وجاء في العناية (7 / 116)
المستصنع بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه لأنه اشترى ما لم يره , ومن هو كذلك فله الخيار.
ولا خيار للصانع , كذا في المبسوط. فيجبر على العمل , لأنه بائع باع ما لم يره ومن هو كذلك لا خيار له. وهو الأصح بناء على جعله بيعا لا عدة.
وعن أبي حنيفة أن له الخيار أيضا إن شاء فعل وإن شاء ترك , دفعا للضرر عنه , لأنه لا يمكنه تسليم المعقود عليه إلا بضرر , وهو قطع الصرم وإتلاف الخيط.
وعن أبي يوسف أنه لا خيار لهما , أما الصانع فلما ذكرنا أولا , وأما المستصنع فلأن الصانع أتلف ماله بقطع الصرم وغيره ليصل إلى بدله , فلو ثبت له الخيار تضرر الصانع , لأن غيره لا يشتريه بمثله , ألا ترى أن الواعظ إذا استصنع منبرا ولم يأخذه فالعامي لا يشتريه أصلا.
وجاء في بدائع الصنائع للكاساني
أما صفة الاستصناع فهي أنه عقد غير لازم قبل العمل , من الجانبين جميعا , بلا خلاف , حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع قبل العمل , كالبيع المشروط فيه الخيار للمتبايعين , أن لكل واحد منهما الفسخ , لأن القياس يقتضي أن لا يجوز , لما قلنا , وإنما عرفنا جوازه استحسانا لتعامل الناس , فبقي اللزوم على أصل القياس.
وأما بعد الفراغ من العمل وقبل أن يراه المستصنع فكذلك , حتى كان للصانع أن يبيعه ممن شاء , كذا ذكر في الأصل , لأن العقد ما وقع على عين المعمول بل على مثله في الذمة لما ذكرنا أنه لو اشترى من مكان آخر وسلم إليه جاز , ولو باعه الصانع وأراد المستصنع أن ينقض البيع ليس له ذلك. ولو استهلكه قبل الرؤية فهو كالبائع إذا استهلك المبيع قبل التسليم. كذا قال أبو يوسف.
فأما إذا أحضر الصانع العين على الصفة المشروطة فقد سقط خيار الصانع , وللمستصنع الخيار , لأن الصانع بائع ما لم يره فلا خيار له , وأما المستصنع فهو مشتر ما لم يره فكان له الخيار. . . ولأن الخيار كان ثابتا لهما قبل الإحضار لما ذكرنا أن العقد غير لازم , فالصانع - بالإحضار - أسقط خيار نفسه , فبقي خيار صاحبه على حاله , كالبيع الذي فيه الخيار للعاقدين إذا أسقط أحدهما خياره أنه يبقى خيار الآخر , كذا هذا. هذا جواب ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.
وروي عن أبي حنيفة رحمة الله أن لكل واحد منهما الخيار.
وروى عن أبي يوسف أنه لا خيار لهما جميعا.
وجه رواية أبي يوسف أن الصانع قد أفسد متاعه وقطع جلده , وجاء بالعمل على الصفة المشروطة , فلو كان للمستصنع الامتناع من أخذه لكان فيه إضرار بالصانع , بخلاف ما إذا قطع الجلد ولم يعمل , فقال المستصنع لا أريد , لأنا لا ندرى أن العمل يقع على الصفة المشروطة أم لا , فلم يكن الامتناع منه إضرارا بصاحبه , فثبت الخيار.
ووجه رواية أبي حنيفة أن في تخيير كل واحد منهما دفع الضرر عنه , وأنه واجب.
والصحيح جواب ظاهر الرواية , لأن في إثبات الخيار للصانع ما شرع له الاستصناع , وهو دفع حاجة المستصنع , لأنه متى ثبت الخيار للصانع , فكل ما فرغ عنه يبيعه من غير المستصنع , فلا تندفع حاجة المستصنع.
وقول أبي يوسف أن الصانع يتضرر بإثبات الخيار للمستصنع مسلم , ولكن ضرر المستصنع بإبطال الخيار فوق ضرر الصانع بإثبات الخيار للمستصنع , لأن المصنوع إذا لم يلائمه وطولب بثمنه لا يمكنه بيع المصنوع من غيره بقيمة مثله , ولا يتعذر ذلك على الصانع , لكثرة ممارسته وانتصابه لذلك. ولأن المستصنع إذا غرم ثمنه ولم تندفع حاجته لم يحصل ما شرع له الاستصناع , وهو اندفاع حاجته , فلا بد من إثبات الخيار له.
وجاء في المحيط البرهاني (ج2 ق575)
الروايات في لزوم الاستصناع وعدم اللزوم مختلفة. . . (ثم ذكر الروايات , ثم قال:) . . . ثم رجع أبو يوسف عن هذا وقال: لا خيار لواحد منهما , بل يجبر الصانع على العمل , ويجبر المستصنع على القبول.
وجه ما روي عن أبي يوسف أنه يجبر كل واحد منهما , أما الصانع فلأنه ضمن العمل فيجبر على العمل وأما المستصنع فلأنه لو لم يجبر على القبول يتضرر به الصانع , لأنه عسى لا يشتريه غيره أصلا , أو لا يشتري بذلك القدر من الثمن , فيجبر على القبول دفعا للضرر عن الصانع.
وجاء في مجلة الأحكام العدلية (م 392)
إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع فيه , وإذا لم يكن على الأوصاف المطلوبة كان المستصنع مخيرا.
وجاء في الدر المختار (4 / 213)
يجبر الصانع على عمله ولا يرجع الآمر عنه. قال ابن عابدين تبع في ذلك الدرر ومختصر الوقاية. وقال: قال في الدرر تبعا لما في خزانة المفتي أن الصانع يجبر على عمله والآمر لا يرجع عنه.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي حول الاستصناع (رقم 66 / 3 / 7)
إن عقد الاستصناع هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة ملزم للطرفين إذا توافرت الأركان والشروط.(1/291)
الشرط الجزائي في عقد الاستصناع
يجوز أن يتضمن عقد استصناع شرطا جزائيا بمقتضي ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة.(1/292)
المشهور عند الحنفية أن عقد الاستصناع عقد غير لازم. وأن أي خلل يطرأ يمنع الصانع من تنفيذ ما تعاقد عليه , فلكل واحد من الطرفين الخيار في فسخ العقد.
أما المتأخرون من الحنفية فقد اعتمدوا القول الذي يقول بلزوم العقد فإذا ظهرت موانع خارجية عن إرادة الصانع , كحرق المصنع , أو غرق السفينة , أو قطع علاقات مع بعض الدول الموردة للمادة الخام المطلوب صنعها , فالمستصنع هنا بالخيار إن شاء انتظر الصانع حتى يتمكن من الإنجاز , وإن شاء فسخ العقد.
أما إذا كانت الموانع ناشئة عن إرادة الصانع , كسوء التنظيم والعجز عن إدارة الحضيرة أو التقاعس في احترام المواعيد. . فإن هذا يسبب تأخيرا في إنجاز المشروع وضررا ماديا يلحق بالمستصنع.
يقول الشيخ مصطفى الزرقا وقد ازدادت قيمة الزمن في الحركة الاقتصادية , فأصبح تأخر أحد المتعاقدين أو امتناعه عن تنفيذ التزاماته في مواعيدها المشروطة مضرا بالطرف الآخر في وقته وماله أكثر مما قبل.
فلو أن متعهدا بتقديم المواد الصناعية إلى صاحب معمل تأخر عن تسليمها إليه في الموعد الضروري لتعطل المعمل وعماله , وكذا لو تأخر الصانع عن القيام بعمله في وقته لتضرر المستصنع بخسارة وقد تكون فادحة. . . ولا يعوض هذا الضرر القضاء على الصانع بتنفيذ التزامه الأصلي , لأن هذا القضاء إنما يضمن أصل الحق لصاحبه وليس فيه جبر لضرر التعطل أو الخسارة , ذلك الضرر الذي يلحقه من جراء تأخر خصمه عن وفاء الالتزام في حينه تهاونا منه أو امتناعا.
وهذا ما ضاعف احتياج الناس إلى أن يشترطوا في عقودهم ضمانات مالية على الطرف الذي يتأخر عن تنفيذ التزامه في حينه. ومثل هذا الشرط يسمى في اصطلاح الفقه الأجنبي الشرط الجزائي.
وأصبح الشرط الجزائي متعارفا بين الصناع وفي كل المقاولات وحافزا قويا يدفع الصانع على احترام المواعيد وخير معين على تنظيم سير الحركة الاقتصادية في كل بلد.
وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي الشرط الجزائي في عقد الاستصناع حيث جاء في قرار دورته السابعة بشأن الاستصناع في البند 4: يجوز أن يتضمن عقد استصناع شرطا جزائيا بمقتضي ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة.
وعلى هذا الأساس يجوز في عقد الاستصناع أن يشترط المستصنع أن يخصم من استحقاقات الصانع لديه مبلغا محددا عن كل يوم تأخير في تسليم المصنوع جاهزا في موعده , ولكن لا يزاد في تقدير المبلغ عن حدود الضرر المتوقع.
وإذا حصل التأخير المذكور حق للمستصنع أن يطالب بالخصم , ما لم يكن التأخير متسببا عن ظروف قاهرة , أو عن تأخير المستصنع دفع الأقساط , أو غير ذلك من تصرفات المستصنع.
ويجوز للصانع أيضا اشتراط مثل ذلك في حال تقصير المستصنع في أداء التزاماته غير المالية. ولا يجوز أن يشترط ذلك في حالة التقصير في أداء الالتزامات المالية لأن ذلك يؤول إلى الربا.(1/293)
جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري (5 / 354)
باب ما يجوز من اشتراط والثنيا في الإقرار , والشروط التي يتعارفها الناس بينهم. وقال ابن عون عن ابن سيرين قال الرجل لكريه: أدخل ركابك , فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم , فلم يخرج , فقال شريح من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه.
قال ابن حجر حاصله أن شريحا قضى على المشترط بما اشترطه على نفسه بغير إكراه. وخالفه الناس. ووجهه بعضهم بأن صاحب الجمال يرسلها إلى المرعى , فإذا اتفق مع التاجر (على السفر عليها) في يوم بعينه , فأحضر الجمال , فلم يتهيأ للتاجر السفر أضر ذلك بحال الجمال لما يحتاج إليه من العلف. فوقع بينهم التعارف على مال معين يشترطه التاجر على نفسه إذا أخلف ليستعين به الجمال على العلف. ثم قال ابن حجر وقال الجمهور: هي عدة فلا يلزم الوفاء بها. والله أعلم.(1/294)
طريقة دفع البدل النقدي الثمن في الاستصناع
لا يشترط في عقد الاستصناع تعجيل الثمن كله عند العقد , بل يجوز تقسيط الثمن إلى أقساط معلومة الآجال محددة أو تأجيله كله.(1/295)
يجوز في الاستصناع الاتفاق على تعجيل الثمن كله , أو تعجيل بعضه وتأجيل بعضه , أو تأجيله كله , سواء على دفعة واحدة , أو على أقساط متساوية أو متفاوتة.
فإن لم يشترط شيء من ذلك في العقد اتبع العرف , فإن لم يكن عرف وجب تسليم الثمن بعد تسليم العين فورا. ويجوز للصانع حبس المصنوع حتى يتسلم البدل النقدي , كما في سائر البيوع , ما لم يكن الشيء المصنوع مما يلزم الصانع تركيبه في ملك المستصنع بشرط أو عرف , فيكون دفع الثمن بعد تمام التركيب.
وقد يقال: إن تأجيل الثمن أو بعضه يجعل الاستصناع من بيع دين بدين , لأن كل من المستصنع وبدله يكون في الذمة , وبيع الدين بالدين ممنوع شرعا.
والجواب أن الاستصناع ليس بيعا صرفا وإنما هو إجارة مشوبة بالبيع , أو بيع مشوب بالإجارة. فلا يأخذ أحكامه من البيع وحده. وحيث إن البدل في الإجارة لا يجب دفعه مقدما بل يجوز تأجيله وتقسيطه إجماعا , فكذلك البدل في الاستصناع. ويؤكد هذا أن دليل الاستصناع التعامل الراجع للإجماع ولم يزل تعامل المسلمين في الاستصناع جاريا على عدم الالتزام بتقديم الثمن.(1/296)
جاء في العناية للبابرتي (7 / 114)
الاستصناع أن يجيء إنسان إلى صانع فيقول: أصنع لي شيئا صورته كذا وقدره كذا بكذا درهما , ويسلم إليه جميع الدراهم أو بعضها أو لا يسلم.
وجاء في حاشية ابن عابدين (4 / 213)
في التتارخانية: لا يجبر المستصنع على إعطاء الدراهم وإن شرط تعجيله.
هذا إذا لم يضرب له أجلا فإن ضرب له أجلا صار سلما حتى يعتبر فيه شرائط السلم.
وجاء في مجلة الإحكام العدلية (م 391)
لا يلزم في الاستصناع دفع الثمن حالا أي وقت العقد.(1/297)
الخيارات في عقد الاستصناع
إذا قدم الصانع الشيء المصنوع المتعاقد عليه , وتبين فوات وصف مرغوب فيه اشترطه المستصنع عند العقد يكون للمستصنع حينئذ خيار الوصف , فله أن يقبله وله أن يفسخ العقد. وكذلك يكون للمستصنع خيار العيب إذا ظهر في المصنوع عيب , فله رده وفسخ العقد أو إمساكه.
واختلف الفقهاء في خيار الرؤية , فيرى أبو يوسف أنه لا يثبت في عقد الاستصناع ما دام المستصنع متمتعا بخيار الوصف وخيار العيب. وهو خلاف مذهب أبي حنيفة حيث إن العقد غير لازم في المشهور عندهم ويثبت فيه خيار الرؤية للمستصنع.
وذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى قول أبي يوسف فمنعوا عدول المستصنع بعد التعاقد بحكم خيار الرؤية دون عيب أو مخالفة وصف لما قد يترتب عليه من أضرار جسيمة على الطرف الآخر. كما منعوا أن يشترط الصانع البراءة من كل عيب يظهر في المصنوع.(1/298)
خيار العيب وخيار فوات الوصف المشروط في الاستصناع
ذهب الفقهاء إلى ثبوت خيار العيب وخيار الوصف للمستصنع. فإذا جاء الصانع بالشيء المطلوب مصنوعا , ولكن تبين أن فيه عيبا , أو أنه قد فقد فيه بعض الأوصاف المرغوبة للمستصنع التي شرطها في العقد , أو أن فيه مخالفة للأصول المتعارف عليها في صناعة مثل ذلك الشيء , ولم يكن الصانع اشترط البراءة من ذلك العيب أو المخالفة , يكون الصانع مسئولا , ولا يلزم المستصنع قبول ذلك الشيء المصنوع على حاله.
فإن لم يتمكن الصانع من إتمام النقص أو إصلاح العيب على وجه سليم , ومطابق للمواصفات المتفق عليها والأصول المتعارف عليها , فيكون للمستصنع المطالبة بمصنوع آخر بديل مستكمل للشروط والأوصاف المتفق عليها أو فسخ العقد. وإن تراضيا على تعويض عن النقص جاز.
خيار الرؤية
وإذا أحضر الصانع العين للمستصنع على الصفة المشروطة , ورآها. فقد اختلفت الرواية في اللزوم وعدمه بالنسبة لكل من الصانع والمستصنع إلى ثلاث روايات:
الرواية الأولى: أنه إذا أحضر الصانع العين على الصفة المشروطة فقد سقط خيار الصانع , وللمستصنع الخيار أي أنه يكون العقد لازما بالنسبة للأول دون الثاني. وذلك لأن الصانع بائع للمستصنع ما لم يره , فلا خيار له. وأما المستصنع فمشترى ما لم يره , فكان له خيار الرؤية , إذا رآه.
وإنما كان كذلك لأن العقد غير لازم , فالخيار كان ثابتا للصانع والمستصنع قبل الإحضار. والصانع بإحضاره المصنوع أسقط خيار نفسه فبقي خيار صاحبه (وهو المستصنع) على حاله , كالبيع الذي شرط فيه شرط الخيار للمتعاقدين , إذا أسقط أحدهما خياره أنه يبقى خيار الآخر , كذا هذا.
وهذا هو جواب ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رضي الله عنه. وهو القول الراجح في المذهب وعند بعض الفقهاء المعاصرين. وعلى أساسه يسقط خيار الصانع بعد إحضار السلعة إلى المستصنع , ويثبت خيار الرؤية للمستصنع لأنه يشتري ما لم يره.
الرواية الثانية: روي عن أبي حنيفة رحمه الله أن لكل واحد منهما الخيار. أي أن العقد لا يكون لازما حتى بعد إحضار المصنوع , ووجه هذه الرواية أن في تخيير كل واحد منهما دفع الضرر عنه ودفع الضرر واجب.
الرواية الثالثة: روى عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا خيار لهما , أي أن العقد يكون لازما وذلك لأن الصانع قد أفسد متاعه , وقطع جلده , وجاء بالعمل على الصفة المشروطة فلو كان للمستصنع الامتناع عن أخذه لكان فيه إضرار بالصانع.
بخلاف ما إذا قطع الجلد ولم يعمل , فقال المستصنع: لا أريد , لأنا لا ندري أن العمل يقع على الصفة المشروطة أو لا يقع , فلم يكن الامتناع منه إضرار بصاحبه فثبت الخيار.
وقد جاء في بحث العلامة الشيخ مصطفى الزرقا حول هذا الموضوع قوله:
(اليوم بعد أن أصبح نقل العملات النقدية وحساباتها من المشارق إلى المغارب يتم بفركة زر , وأصبحت الصفقات التجارية الضخمة تعقد على الملايين , وأصبح التاجر والمستصنع والصانع بالوسائل الآلية الهائلة يبني حساباته وحقوقه والتزاماته فيما لديه وما عليه وما إليه , على توقيت زمني دقيق بحيث لو اختلت معه حلقة من ذلك لجرت سلسلة من المشكلات في ارتباطاته المتداخلة والمتشابكة.
نقول: في ظروف كهذه اليوم يجب أن يطمئن كل متعامل ومتعاقد إلى أن ما تعاقد عليه قد ثبت ويستطيع أن يبني عليه. . . فهذا يقتضى أن يكون عقد الاستصناع لازما منذ انعقاده. إذ إن الاستصناع لم يبق محصورا في الحاجات البسيطة كالخف والحذاء. . . بل أصبح العدول من أحد الطرفين بعد التعاقد بحكم خيار الرؤية دون عيب أو مخالفة وصف , قد يترتب عليه أضرار عظيمة جسيمة للطرف الآخر , مما يزعزع مبدأ استقرار المعاملات الذي هو من أهداف الفقه الإسلامي) .
اشتراط البراءة من العيوب
أما في خصوص مسألة اشتراط البراءة من العيوب , فلم يتعرض الحنفية ولا غيرهم لهذه المسألة ضمن كلامهم في الاستصناع وتعرض لها فضيلة العلامة الشيخ مصطفى الزرقا ضمن بحثه في الاستصناع , فقال: (أرى أن اشتراط البائع في عقد الاستصناع عدم مسئوليته عن عيوب المبيع الذي سيصنعه أو اشتراطه تحديد هذه المسئولية , لا يصح مطلقا , بل يكون شرطا باطلا , ويبقى الصانع مسئولا مسئولية كاملة عن كل عيب يوجد في المصنوع. وإن كان هذا الاشتراط في البيع العادي معقولا , لأن هذا الشرط يحمي سوء النية من البائع الصانع , ويفسح له مجالا لعدم المبالاة بإتقان عمله والتزام الدقة التقانية (التكنولوجية) فيه , كما يقتضيه العقد. وهذا ينعكس ضررا بالغا على المشترى الذي بنى عقده على الثقة بالمتعاقد معه ولم يقبل بأداء الثمن الذي قد يكون باهظا جدا إلا على أساس تلك الثقة وافتراض حسن النيه وعدم الإهمال.
وهذا الاستثناء في عقد الاستصناع من جواز اشتراط عدم مسئولية البائع عن عيوب المبيع سببه أن المبيع في عقد الاستصناع معدوم حين العقد وسيصنعه البائع نفسه , فيكون قصده من هذا الشرط حماية نفسه من مسئولية الإهمال أو الخطأ أو الجهل بأصول صنعته التي يمارسها على أساس متقن لها) .
وعلى هذا الأساس لا يجوز في الاستصناع اشتراط البراءة من كل عيب يظهر في المصنوع , وإن أجاز ذلك الحنفية في البيع المطلق. والفرق بين الأمرين:
- أن البيع يكون واردا على شيء موجود قد يكون فيه عيوب لا يعلم بها البائع , فيرغب في التخلص من تبعتها لئلا تكون مثار نزاع بينه وبين المشتري.
- أما في الاستصناع فإن الصانع هو الذي يتولى العمل , ويتمكن من الحيلولة دون دخول العيوب في المصنوع سواء من جهة المواد أو من جهة الصنعة , فاشتراطه البراءة من جميع العيوب يتيح له الغش في المواد وفي العمل أو يتيح له تغطية جهله بأصول الصنعة , والتهرب من نتائج تصديه لما هو ليس من أهله.
أما اشتراط البراءة من اشتمال المصنوع على عيب معين يبينه للمستصنع , فهو يجوز عند بعض الفقهاء المعاصرين كما يجوز ذلك في البيع المطلق. ومثاله أن يكون في المواد المصنوع منها تلف أو ضعف , أو تكون مستعملة لا جديدة , أو يكون في الصنعة نقص من ناحية معينة , فإن حصل اشتراط ذلك برئ الصانع من المسئولية عن ذلك النقص.(1/299)
جاء في مجلة الأحكام العدلية (م 392)
إذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة كان المستصنع مخيرا.(1/300)
بيع الصانع الشيء المصنوع لغير المستصنع
يجوز للصانع أن يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع ويرضى به , لأن المستصنع اشترى شيئا موصوفا في الذمة , فإذا صنع له شيئا آخر مستوفيا للشروط المتفق عليها وسلمه في الأجل , فقد أدى ما عليه ولم يخل بالعقد.
ولا يجوز ذلك بعد رؤية المستصنع ورضاه بالمصنوع لأن المصنوع تعين بالرؤية والقبول.(1/301)
إن قام الصانع بصناعة الشيء المطلوب , وقبل أن يتسلمه المستصنع باعه الصانع لشخص آخر أو استهلكه , أو حجزه لنفسه , فللمسألة حالتان:
الأولى: أن يبيعه قبل أن يراه المستصنع ويرضى به , فلا بأس بذلك , إن كان يمكنه صناعة الشيء المطلوب وإتمامه قبل أن يحل الموعد المتفق على تسليمه فيه.
وذلك لأن المستصنع اشترى شيئا موصوفا في الذمة , غير متعين في هذا الشيء الذي صنعه بالذات. فإذا صنع له شيئا آخر مستوفيا للشروط المتفق عليها وسلمه في الأجل , فقد أدى ما عليه ولم يخل بالعقد.
الثانية:
أن يبيعه بعد أن رآه المستصنع ورضي به , فليس للصانع أن يفعل ذلك , لأن المصنوع تعين بالرؤية والقبول , ودخل بذلك في ملك المستصنع.
وهذا التفصيل كما لا يخفى إنما يجرى في المصنوعات المنقولة المنفصلة عن ملك المستصنع , أما إن كان المصنوع متصلا بملك المستصنع , كالبناء في أرض أو نحو ذلك , فليس للصانع بيعه , لأنه يوجد على ملك المستصنع من أول الأمر فيكون في حكم المتعين.(1/302)
جاء في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4 / 213)
ذكر في كافي الحاكم ما نصه: المستصنع بالخيار إذا رآه مفروغا منه , وإذا رآه فليس للصانع منعه ولا بيعه , وإن باعه الصانع قبل أن يراه المستصنع جاز بيعه.
جاء في البدائع:
أما بعد الفراغ من العمل قبل أن يراه المستصنع , فكذلك , (أي للصانع الخيار) حتى كان للصانع أن يبيعه ممن يشاء.
وقال صاحب الدرر:
لا يتعين المبيع للآمر , فصح بيع الصانع لمصنوعه قبل رؤية آمره , ولو تعين لما صح بيعه.
وفي الفتاوى الهندية (4 / 517)
إذا رآه المستصنع ورضيه ليس له الرد بعد ذلك , وللصانع أن يبعه قبل أن يرضاه المستصنع , كذا في التهذيب.
وجاء في شرح فتح القدير (7 / 117)
للصانع أن يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع لأن العقد غير لازم , وأما بعد ما رآه فالأصح أنه لا خيار للصانع بل إذا رآه المستصنع وقبله أجبر على دفعه له لأنه بالآخرة بائع والله أعلم.
وفي العناية (7 / 116)
لا يتعين المستصنع إلا باختيار المستصنع حتى لو باعه الصانع قبل أن يراه المستصنع جاز.(1/303)
الفسخ للأعذار
ينتهي عقد الاستصناع عند إتمام صنع الشيء وتقديمه إلى المستصنع , وقبوله له.
كما ينتهي العقد بفسخه من أحد المتعاقدين في حالة الظروف القاهرة التي تمنع التنفيذ.(1/304)
الفسخ للأعذار
إذا طرأت بعد انعقاد عقد الاستصناع ظروف قاهرة تحول دون تنفيذه فإنها تكون عذرا يجيز الفسخ , سواء كانت الأعذار من جهة الصانع أو من جهة المستصنع:
مثال ما يكون من جهة الصانع:
أن يشب حريق يأتي على مصنعه , أو شبت حرب أدت إلى امتناع استيراد المواد الخام التي تدخل في المصنوع ولا توجد في داخل البلاد.
ومثال ما يكون من جهة المستصنع:
أن يستصنع غرفة نوم لطفله فيموت الطفل أو تستصنع شركة نفط ناقلة نفط عملاقة , ثم تفلس الشركة. فإن كان العذر من جانب الصانع كان المستصنع مخيرا بين الانتظار إلى أن يزول العذر , وبين الفسخ , كما قاله الفقهاء في السلم إذا انقطع المسلم فيه.
ويكون حق الفسخ أيضا للصانع , لأن في الاستصناع معنى الإجارة , والصانع بمنزلة الأجير , والأجير يحق له الفسخ أيضا عند العذر القاهر , وذلك لأن الاستطاعة مشروطة في التكليف , لقول الله تعالي {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وقول النبي صلى الله عليه وسلم L1149 136 137 لا ضرر ولا ضرار. أضف إلى هذا أن القول بكون عقد الاستصناع عقدا غير لازم أصلا قول قوي معتبر عند الحنفية الذين أجازوا الاستصناع.(1/305)
موت أحد العاقدين
لا ينتهي عقد الاستصناع بموت الصانع إلا في حالة اشتراط العمل بنفسه أو تكون مؤهلاته ومهاراته الشخصية ملحوظة في العقد.(1/306)
أثر موت أحد العاقدين على عقد الاستصناع
الذين قالوا من فقهاء الحنفية أن عقد الاستصناع غير لازم , جعلوا موت أحد العاقدين سببا لفسخ العقد.
والذين جعلوه من قبيل الإجارة منهم جعلوا موت أحدهما كذلك سببا لفسخ العقد , لأن الإجارة عندهم تنفسخ بموت أحد المتعاقدين. لكن جمهور الفقهاء على أن الإجارة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين. وهذا أولى , للحاجة إلى استقرار التعامل. ومثله يقال في الاستصناع.
وقد جاء في شرح المجلة أنه يبطل الاستصناع بوفاة الصانع أو المستصنع لمشابهته للإجارة وهي تنفسخ بالموت.
وعلى هذا القول , إذا مات أحد العاقدين لم يبطل عقد الاستصناع بل يلزم ورثة الصانع إتمام العمل وتقديم المصنوع جاهزا في الموعد , ويلزم ورثة المستصنع أداء البدل النقدي , تماما كما في عقد البيع , وذلك لما قدمناه من أن عقد الاستصناع عقد لازم.
وهذا ما لم يكن مشروطا على الصانع أن يعمل بنفسه , أو تكون مؤهلاته الشخصية ومهاراته ملحوظة في العقد , كالخطاط. ففي هذا الحال ينفسخ العقد بموته.(1/307)
جاء في العناية (7 / 116) ; وفي شرح فتح القدير (7 / 116)
يبطل الاستصناع بموت أحد المتعاقدين لشبهة بالإجارة.
وجاء في حاشية ابن عابدين (4 / 213)
في النهر: أوردوا على القول بأن الاستصناع بيع أنه يبطل بموت أحد العاقدين , وأجيب بأنه إنما بطل لشبهه بالإجارة.
وجاء في الموسوعة الفقهية (إجارة 72)
الحنفية يرون أن الإجارة تنفسخ بموت احد المتعاقدين. وذهب إلى مثل ذلك بعض فقهاء التابعين , لأن المؤجر بطل ملكه بموته فيبطل عقده. كما أن ورثة المستأجر لا عقد لهم مع المؤجر , والمنافع المتجددة بعد موت مورثهم لم تكن ضمن تركته
والجمهور على أن الإجارة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين لأن الإجارة عقد لازم لا ينقضي بهلاك أحدهما ما دام ما تستوفي به المنفعة باقيا.
وذكرت الموسوعة المراجع التالية ابن عابدين (5 / 52) ; المغني (5 / 347) ; وشرح المنهاج (3 / 48) ; والشرح الصغير (4 / 179 , 183) , وحاشية الدسوقي (4 / 32) , والبخاري (كتاب الإجارة)(1/308)
الكفالة(1/309)
تعريف الكفالة
اختلف الفقهاء في تعريف الكفالة أو الضمان:
- فمنهم من وصف الكفالة بأنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة لتشمل جميع أنواع الكفالة.
- ومنهم من وصفها بأنها ضم ذمة إلى ذمة في الدين أو التزام الحق وهذا يقصر معنى الكفالة على الكفالة بالمال أو بالدين.
والدين وان ثبت في ذمة الكفيل , فلا يحق لرب الدين إلا استيفاء حق واحد , إما من الكفيل أو من الأصيل.
ولا مانع من ثبوت الدين في أكثر من ذمة , لأن الدين أمر اعتباري من الاعتبارات الشرعية , فجاز أن يعتبر الشيء الواحد في ذمتين , وإنما الممتنع هو ثبوت عين واحدة في زمن واحد كهذا الكتاب في ظرفين حقيقيين. وهذا متعذر , لاستحالة وجود الشيء المادي المعين في مكانين متغايرين , فهو إما أن يوجد في هذا المكان أو في مكان آخر.(1/310)
تعريف الكفالة تشكيل النص
تعريف الكفالة في اللغة /50 تطلق الكفالة في اللغة على الضم وعلى الالتزام:
تطلق على الضم:
كما في قوله تعالى {وكفلها زكريا} بالتخفيف , أي ضمها إلى نفسه , وقرئ بتشديد الفاء ونصب زكريا أي جعله كافلا لها وضامنا لمصالحها ,
جاء في القاموس المحيط: والضامن كالكفيل , جمع كفل وكفلاء , وكفيل أيضا.
وكفله: ضمنه.
وتطلق أيضا على الالتزام:
يقال: تكفل بالشيء: ألزمه نفسه وتحمل به , وتكفل بالدين: التزم به , وتكفل فلان لي بالمال , أي التزم به , ويقال: كفل المال وبالمال: ضمنه أو التزمه , وكفل بالرجل يكفل , ويكفل كفلا وكفالة: إذا ضمنه , قال تعالى {فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب} (سورة ص: 23) قال الزجاج معناه: اجعلني أنا أكفلها وانزل أنت عنها.
تعريف الكفالة في الاصطلاح الشرعي:
يختلف تعريفها باختلاف آراء الفقهاء ولهم اتجاهان في التعريف:
الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة مطلقا: الاتجاه الأول للحنفية في الأصح عندهم: هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة مطلقا , أي ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المدين في المطالبة بنفس أو بدين , أو عين كمغصوب ونحوه. فالكفيل يضم ذمته إلى ذمة المدين في المطالبة فقط ولا يثبت الدين في ذمته , كما لا يسقط الدين عن الأصيل.
ودليل الحنفية: أن الدين وان أمكن شرعا اعتباره في ذمتين , لا يجب الحكم بوقوع كل ممكن إلا بموجب , ولا موجب هنا , لأن التوثق بالدين يحصل بثبوت حق المطالبة.
ثم إن الكفالة كما تصح بالمال تصح بالنفس , مع أنه لا دين فيها , والمضمون بالكفالة بالنفس: هو إحضار المكفول به , وكما تصح بالدين تصح بالأعيان المضمونة.
وتعريف الكفالة بما يفيد ثبوت حق المطالبة فيها هو من أجل شمول جميع هذه الأنواع , بخلاف ما لو قصرنا معناها على الضم في الدين , فإنه يراد بها الكفالة بالمال فقط. ويكون تعريف الكفالة بالضم في المطالبة أعم لشموله جميع أنواع الكفالة , وهي الكفالة بالمال وبالنفس وبالأعيان وهو معنى كون تعريفهم لها أصح.
أما بالنظر للواقع من أحكام الكفالة , فقد استظهر ابن عابدين أن الفقهاء متفقون على ثبوت الدين في ذمة الكفيل , مع بقائه في ذمة الأصيل , بدليل الاتفاق على صحة هبة الدين والشراء به , فيصح هبة الدين للكفيل , ويرجع به أي بالدين المضمون على الأصيل , ويصح أيضا للدائن أن يشتري شيئا من الكفيل بالدين الذي له. ولو كانت الكفالة ضما في المطالبة فقط بدون دين , لزم ألا يؤخذ المال من تركة الكفيل , لأن المطالبة تسقط عنه بموته كالكفيل بالنفس مع أن المنصوص عليه حتى عند الحنفية هو أن المال يحل بموت الكفيل , ويؤخذ من تركته , وبدليل أنه يجوز أن يكفل الكفيل آخر بالمال المكفول به.
الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في التزام الحق
ذهب الجمهور من (المالكية والشافعية والحنابلة) : إلى أن الكفالة ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق , أي في الدين , فيثبت الدين في ذمتهما جميعا.
ودليل الجمهور: أن الدين يثبت في ذمة الكفيل كما يثبت في ذمة الأصيل ومظهر ثبوته: أنه لو وهب الدين للكفيل تصح الهبة , مع أن هبة الدين لغير من عليه الدين لا تجوز , وللدائن شراء شيء من الكفيل بالدين الذي له , مع أن الشراء بالدين من غير من عليه الدين لا يصح.
وتظهر ثمرة الخلاف بين الاتجاهين في التعريف: فيما إذا حلف الكفيل أن لا دين عليه , فإنه يحنث على رأي الجمهور القائلين بأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في الدين , ولا يحنث على رأي الحنفية القائلين بأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة.
ومثال الكفالة:
أن يكون لزيد دين مؤجل إلى ستة أشهر مقداره ألف دينار عند عمرو , فيطلب الدائن وهو زيد من المدين وهو عمرو توثيق الدين بكفيل ملئ معتبر , فيتقدم له بكفيل يرضى به الدائن وهو خالد فيصبح الدين شاغلا لذمة الكفيل وذمة المدين الأصلي ويحق للدائن مطالبة كل من المدين والكفيل بالدين عند حلول أجله.
أسماء الكفالة:
فهي كفالة , وحمالة , وضمانة , وزعامة , وقبالة , وتسمى أيضا أذانة من الأذن - بالفتح والتحريك , وهو الإعلام: لأن الكفيل يعلم أن الحق قبله , أو أن الأذانة بمعنى الإيجاب لأنه أوجب الحق على نفسه.
ويقال للملتزم بها ضمين , وكفيل وقبيل وحميل وزعيم وصبير , والكل بمعنى واحد. لكن قال الماوردي غير أن العرف جار بأن الضمين مستعمل في الأموال , والحميل في الديات , والزعيم في الأموال العظام , وكفيل في النفوس , والصبير في الجميع
وتستخدم في الكفالة المصطلحات التالية
الكفيل: هو الذي تلزمه المطالبة بالمال الذي على المدين.
الأصيل أو المدين: هو المكفول عنه.
المكفول له: هو الدائن أو المدعي.
محل الكفالة أو المكفول به: هو المال أو النفس المكفولة.(1/311)
تعريف الكفالة
فتح القدير (5 / 389)
(هي ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة , وقيل: في الدين , والأول أصح) .
الشرح الكبير (3 / 329)
الضمان: شغل ذمة أخرى بالحق.
مغني المحتاج (2 / 198)
الضمان شرعا: يقال لالتزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من هو عليه أو عين مضمونة (ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك) .
المغني (4 / 534 - 535)
الضمان: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق , فيثبت في ذمتهما جميعا. ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما , واشتقاقه من الضم. ولا بد في الضمان من ضامن ومضمون عنه ومضمون له.
مراجع إضافية
البدائع (6 / 2) , البحر الرائق (6 / 321) , الدر المختار (4 / 260)(1/312)
دليل مشروعية الكفالة
اتفق المسلمون على مشروعية عقد الكفالة , لما ورد فيها من نصوص القرآن والسنة , وارتقى هذا الحكم الظني بالإجماع إلى درجة القطع واليقين في ثبوته وتقريره , واستقر تفصيل أحكام الكفالة في جميع الكتب الفقهية , وبحث في باب مستقل باسم باب الضمان أو الكفالة.(1/313)
دليل مشروعية الكفالة تشكيل النص
الدليل من الكتاب
في قصة مريم
قول الله تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} (آل عمران: 44)
وقوله تعالى: {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا} (آل عمران: 37)
وفي قصة موسى
قول الله تعالى: {إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله} (طه: 40)
وقوله تعالى: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} (القصص: 12)
وفي قصة يوسف
قول الله تعالى: {لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل} (يوسف 66)
ومنها في كفالة المال قوله تعالى: {قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} (يوسف 72) أي كفيل ضامن.
الدليل من السنة
قوله صلى الله عليه وسلم: الزعيم غارم. أخرجه أحمد وأصحاب السنة إلا النسائي
ومنها: أن النبي أتي بجنازة رجل ليصلي عليه , فقال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا , قال هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران , فقال: صلوا على صاحبكم , قال أبو قتادة هما علي يا رسول الله , فصلى عليه النبي. نيل الأوطار (5 / 237)
ومنها: ما رواه قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصدقة إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة , فحلت له المسألة حتى يصيبها , ثم يمسك. (أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي) . فأباح له الصدقة حتى يؤدي ثم يمسك , فدل على أن الحمالة قد لزمته.
الدليل من الإجماع:
أن علماء الأمة الإسلامية أجمعوا على جواز الضمان أو الكفالة , لحاجة الناس إليها , ودفع الضرر عن المدين. كما أنها نوع من التعاون على البر والتقوى , لذا تكون الكفالة بالنية الحسنة طاعة يثاب عليها فاعلها.(1/314)
دليل مشروعية الكفالة
قال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2 / 376) :
الكفالة بالمال جائزة في الشرع لازمة في صريح الحكم , وهي من المعروف.
مراجع إضافية
انظر فتح القدير (5 / 389) , مغني المحتاج (2 / 198) , المغني (5 / 534)(1/315)
الوصف الفقهي للكفالة
اتفق العلماء على أن الكفالة عقد تبرع لا معاوضة.(1/316)
الكفالة من عقود التبرعات لأنها تقع بدون مقابل على سبيل بذل المعروف حيث تؤول إلى القرض حين يدفع الكفيل ويرجع على المكفول بما دفع ولذا يمتنع أخذ العوض عنها.
ذلك أنه إذا لم يجز أخذ العوض زيادة عن القرض لأنه من الربا المحرم فكذلك لا يجوز أخذ العوض عن الاستعداد للإقراض عن طريق الكفالة.(1/317)
الحكم التكليفي للكفالة
يستحب الضمان لسائر المسلمين , لأنه من المعونة على الخير.(1/318)
الكفالة مندوبة لكل من كان قادرا عليها واثقا بنفسه آمنا من التخلف عن الأداء وذلك لحاجة الناس إليها ولما فيها من دفع الضرر عن المدين.
وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل ليصلي عليه , فقال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا , قال هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران , فقال: صلوا على صاحبكم , قال أبو قتادة هما علي يا رسول الله , فصلى عليه النبي.(1/319)
الكفالة بالمال
الكفالة أو الضمان نوعان بالاتفاق: كفالة بالمال وكفالة بالنفس.
والكفالة بالمال يطلق عليها كثير من الفقهاء: الضمان.
وقد يكون المكفول به دينا , وقد يكون عينا , والحكم يختلف في كل حالة منهما.(1/320)
قد يكون المال المكفول به دينا , وقد يكون عينا. /50/50 الكفالة بالدين
الكفالة بالدين هي أن يلتزم الكفيل بما كان يلتزم به الأصيل من دين , فيؤديه في الزمان والمكان المتفق عليهما , وذلك مع مراعاة ما تضمنه عقد الكفالة من الشروط.
وذكر الحنفية أن كفالة المال قسمان:
- كفالة بنفس المال ومثالها أن يضمن مبلغا من المال أو دينا عند فلان وهو المدين.
- وكفالة بتقاضي المال أو بتسليم المال ومثالها أن يكون لشخص مال على رجل , فيقول رجل للدائن (الطالب) : ضمنت لك ما على فلان أن أقبضه وأدفعه إليك , هذا ليس من ضمان المال , وإنما كفالة بتقاضي المال ودفعه إلى الدائن. ومثل ذلك ضمان تقاضي المال من الغاصب للمغصوب منه.
الكفالة بالعين
الكفالة بالعين هي أن يلتزم الكفيل برد عينها إن كانت قائمة , وبرد مثلها أو قيمتها إذا تلفت.
وللفقهاء في حكم كفالة الأعيان تفصيل:
- إذا كانت الأعيان مضمونة بنفسها: وهي التي يجب على حائزها أن يردها إلى صاحبها بعينها إن كانت قائمة , فإن هلكت يرد مثلها إن كان لها مثل , أو قيمتها إن لم يكن لها مثل. وذلك كالعين المغصوبة , والعين المبيعة بعقد فاسد , والعين المقبوضة على سوم الشراء.
ذهب الحنفية والحنابلة إلى صحة كفالة هذا النوع من الأعيان. فيلتزم الكفيل برد العين ما دامت قائمة , أو يرد مثلها أو قيمتها إن تلفت.
وذهب المالكية إلى أنه لا تجوز الكفالة بالأعيان على أنه إذا استحق لزمه عينه , وإنما تصح إذا ضمن المعين على أنه إذا تلف بتعد أو تقصير التزم بدفع قيمته أو برد مثله , وعلى ذلك: إذا ضمن عين المغصوب لم يصح الضمان , ولكن إذا كفله على أنه ملزم بضمانه إذا تعذر رده صح الضمان.
وعند الشافعية في جواز كفالة الأعيان المضمونة قولان: يذهب أولهما إلى مثل ما ذهب إليه المالكية , ويذهب الآخر إلى صحة ضمان الأعيان المضمونة.
- إذا كانت الأعيان مضمونة بغيرها:
وهي التي يجب على حائزها أن يردها إلى صاحبها إن كانت قائمة , فإذا هلكت لا يجب عليه أن يرد مثلها ولا قيمتها. وذلك مثل المبيع في يد البائع قبل القبض فإنه مضمون بالثمن , فإذا هلك سقط الثمن عن المشترى إذا لم يكن دفعه ووجب على البائع رده إليه إن كان دفعه. وكذلك الرهن في يد المرتهن فإنه مضمون بالدين إذا كانت قيمته لا تزيد عليه وإلا كان مضمونا بقدر قيمته من الدين.
ذهب الفقهاء إلى أنه لا تجوز الكفالة بهذه الأعيان المضمونة بغيرها , فإذا هلكت لا يجب على الكفيل رد مثلها أو قيمتها لأنها إذا هلكت تهلك على صاحب الدين بما هو مضمون به , فالمبيع مضمون بالثمن وإذا هلك في يد البائع سقط الثمن عن المشترى.
وقال الحنفية والحنابلة أن هذا النوع من الأعيان يجوز ضمان تسليمه فقط ما دام قائما , فإذا هلك سقطت الكفالة.
- إذا كانت الأعيان أمانة واجبة التسليم:
وهي التي تعد أمانة في يد حائزها الذي يكون ملتزما بأن يسعى إلى تسليمها إلى أصحابها. وذلك مثل العارية في يد المستعير والعين المستأجرة في يد المستأجر.
ذهب الفقهاء إلى أنه تجوز الكفالة بتسليم هذا النوع من الأمانات لوجوب التسليم على صاحب اليد , ولكن لا تصح الكفالة بالأعيان الواجبة التسليم متى هلكت , فلا يلزم الكفيل رد قيمتها ولا يلزمه شيء لكونها أمانة والأمانة إذا هلكت بلا تعد ولا تقصير تهلك مجانا لأنها غير مضمونة على من في يده , فكذلك على ضامنه.
وقد ذهب الحنابلة والمالكية وجمع من الفقهاء إلى أنه يصح ضمان هذا النوع من الأعيان (مثل الوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين التي تدفع للخياط وغيرها) , على أنه إذا هلكت تلك الأعيان بتعد أو تقصير لزم الحائز ضمانها وكذلك لزم ضامنه ذلك لأنها مضمونة على من هي في يده.
وقال المالكية إنها كفالة معلقة على ثبوت الدين.(1/321)
قال القدوري ونقله عنه المرغيناني في الهداية وشرحه الكمال بن الهمام في فتح القدير (5 / 391) :
الكفالة ضربان: كفالة بالنفس , وكفالة بالمال , ويدخل في الكفالة بالمال الكفالة بالأعيان. والكفالة بالنفس جائزة , والمضمون بها إحضار المكفول به. ثم نقل عن الشافعي أن الكفالة بالنفس لا تجوز , وهو قول مخالف للقول الأظهر عندهم , وهو أنها جائزة , كقولنا.
وقال في الدر المختار (4 / 679) :
ولا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص لأن النيابة لا تجرى في العقوبات.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2 / 379) :
الكفالة تنقسم على قسمين: حمالة بالمال وحمالة بالوجه , فأما الحمالة بالمال فإنها لازمة في الحياة وبعد الممات , كانت في أصل البيع أو بعد عقد البيع , لأنها وان كانت من المعروف , فكأنها إنما خرجت عن عوض وهو ما رضي به المتحمل له من دفع سلعته أو تأخير غريمه.
وأيضا فإنه إذا غرم يرجع بما غرم.
وفي (ص 399) قال: وأما الحمالة بالوجه , فإنها جائزة إذا كان المتحمل به مطلوبا بمال , ولم يكن مطلوبا بشيء يجب عليه في بدنه من قتل أوحد أو قصاص أو تعزير.
وقال العلامة خليل وشارحه الدردير في الشرح الصغير والصاوي في الحاشية (3 / 429 - 430) :
شمل تعريف الضمان أنواعه الثلاثة أي ضمان الذمة أي (ضمان المال) وضمان الوجه أي (ضمان النفس) وضمان الطلب , سواء كان الطلب على وجه الإتيان به لرب الدين أي (وهو ضمان الوجه) أو مجردا عن ذلك , أي (وهو ضمان الطلب) لأنه تفتيش لا غير.
وقال النووي في متن المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
المذهب صحة كفالة البدن في الجملة , وتسمى أيضا كفالة الوجه (وهي التزام إحضار المكفول له للحاجة إليها) لمن عليه مال أو لمن عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف , والمذهب منعها في حدود الله تعالى , كحد الخمر والزنى والسرقة , لأنه يسعى في دفعها ما أمكن , أي تصح في حدود الآدمي.
وقال الخرقي في متنه وابن قدامة في المغني (4 / 556 - 557) كما قال الشافعية:
ومن كفل بنفس , لزمه ما عليها وان لم يسلمها , وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم. وهذا مذهب شريح ومالك والثوري والليث وأبي حنيفة. ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد , سواء كان حقا لله تعالى كحد الزنى والسرقة , أو لآدمي كحد القذف والقصاص.
وهذا قول أكثر أهل العلم , منهم شريح والحسن وبه قال إسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي , وبه قال الشافعي في حدود الله تعالى واختلف قوله في حدود الآدمي. فقال في موضع: لا كفالة في حدود الآدمي ولا لعان , وقال في موضع: تجوز الكفالة بمن عليه حق أو حد , لأنه حق لآدمي , فصحت الكفالة به كسائر حقوق الآدميين. ودليلنا ما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال: لا كفالة في حد ولأنه حد , فلم تصح الكفالة فيه , كحدود الله تعالى , ولأن الكفالة استيثاق , والحدود مبناها على الإسقاط والدرء بالشبهات , فلا يدخل فيها الاستيثاق ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به , فلم تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنى.
وعبارة البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع (3 / 362 - 364) تشبه مع شيء من التفصيل العبارة السابقة , قال: /50 لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد أو قصاص لإقامة الحد , لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل , كحد زنى وسرقة وقذف وشرب , إلا إذا كفل ببدنه لأجل مال بالدفع , أي بالعفو إلى الدية ليدفعها , وإلا إذا ضمن السلامة بسبب غرم السرقة , أي المسروق , فتصح , لأنه حق مالي.
قال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 279) :
لا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص , لأن النيابة لا تجري في العقوبات. ولا تصح بحمل دابة معينة مستأجرة له وخدمة عبد معين مستأجر للخدمة , لأنه يلزم تغيير المعقود عليه , بخلاف غير المعين , لوجوب مطلق الفعل , لا التسليم لأنه لو كان الواجب التسليم , لزم صحة الكفالة في المعينة أيضا لأن الكفالة بتسليمها صحيحة.
وجاء في المجلة (م632) :
لا تجري النيابة في العقوبات , بناء عليه , لا تصح الكفالة بالقصاص وسائر العقوبات والمجازات الشخصية , ولكن تصح الكفالة بالأرش والدية اللذين يلزمان الجارح والقاتل.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة (م1130) :
لا تصح الكفالة ببدن من عليه قصاص أوحد أو تعزير لإقامة الحد أو التعزير , أما إذا كفله لغرم السرقة أو لأجل الدية الواجبة بالعفو عن القصاص صح.
وقال النووي في المنهاج وشرحه مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
والمذهب صحة الكفالة ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف , ومنعها في حدود الله تعالى.(1/322)
الكفالة بالنفس
الكفالة نوعان: كفالة بالمال وكفالة بالنفس.
والكفالة بالنفس يطلق عليها البعض: كفالة البدن أو الوجه.
وقد تكون الكفالة بإحضار من عليه دين , أو بإحضار من عليه حد من الحدود.
واختلف الفقهاء في حكم كل حالة. فلا تجوز الكفالة في الحدود والقصاص والتعزير عند الجمهور , أما عند الشافعية فهي لا تجوز في الحدود الخالصة لله تعالى , وتجوز في الحدود المتعلقة بحق الآدمي.
وانفرد المالكية بذكر نوع خاص من الكفالة: ضمان الطلب وهو يدخل في ضمان النفس , حيث أنه التزام طلب الغريم والتفتيش عليه إن تغيب والدلالة عليه دون الالتزام بإحضاره.(1/323)
الكفالة بالنفس (أو الكفالة بالوجه أو البدن) هي التزام إحضار المكفول إلى المكفول له أو إلى مجلس الحكم أو نحو ذلك.
والكفالة بالنفس تكون في الحقوق المالية أساسا , وتكون كذلك في الحقوق غير المالية مثل حق القصاص من المعتدي وغيرها , فهي إذن نوعان:
كفالة بإحضار من عليه دين ,
كفالة بإحضار من عليه حد.
وانفرد المالكية بذكر نوع ثالث من الكفالة: ضمان الطلب وهو يدخل في ضمان النفس , حيث أنه التزام طلب الغريم والتفتيش عليه إن تغيب والدلالة عليه دون الالتزام بإحضاره.
واختلف الفقهاء في حكم كل حالة.
الكفالة بإحضار من عليه دين (الكفالة في غير الحدود)
أجاز أئمة المذاهب الأربعة كفالة النفس إذا كانت بسبب المال , (الكفالة بإحضار من عليه حق مالي) , لقوله تعالى: {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم} (يوسف: 66) .
وهذا يفيد مشروعية الكفالة بنوعيها ولأن ما وجب تسليمه بعقد , وجب تسليمه بعقد الكفالة كالمال ولأن الكفيل يقدر على تسليم الأصيل بأن يعلم من يطلبه مكانه , فيخلى بينه وبينه , أو يستعين بأعوان القاضي في التسليم , والحاجة ماسة إلى هذا النوع من الكفالة وقد أمكن تحقيق معنى الكفالة - في رأي الحنفية - وهو الضم في المطالبة فيه.
وقد روى البخاري عن أبى الزناد عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه: (أن عمر رضي الله عنه بعثه مصدقا , فوقع رجل على جارية امرأته فأخذ حمزة من الرجل كفلاء حتى قدم على عمر وكان عمر قد جلده مائة جلدة , فصدقهم , وعذره بالجهالة) , قال ابن حجر استفيد من هذه القصة مشروعية الكفالة بالأبدان , فإن حمزة بن عمرو الأسلمي صحابي , فقد فعله , لم ينكر عليه عمر مع كثرة الصحابة حينئذ.
وروى البخاري كذلك قول جرير والأشعث لعبد الله بن مسعود في المرتدين: (استتبهم وكفلهم , فتابوا وكفله عشائرهم) قال ابن حجر قال ابن المنير (قياس) أخذ البخاري الكفالة بالأبدان في الديون من الكفالة بالأبدان في الحدود بطريق الأولى والكفالة بالنفس قال بها الجمهور.
وقد اختلف النقل عن الشافعي في حكم كفالة البدن , لأنه نص عليها وقال - في موضع - هي ضعيفة , وقال - في موضع آخر -: إنها جائزة إلا في الحدود.
وهكذا اختلف فقهاء الشافعية في حكم كفالة البدن: فعلى طريقة ابن سريج كفالة البدن تصح قطعا , للحاجة إليها , وهذا هو المشهور , وعليه المذهب , ومعنى قول الشافعي إن كفالة البدن ضعيفة - على هذا الرأي - أنها ضعيفة من جهة القياس , لأن الشخص الحر لا يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه , وأنها لا توجب ضمان المال.
وذهب بعض الشافعية إلى أن في حكم كفالة البدن قولين:
أحدهما أنها لا تصح , لأنه ضمان عين في الذمة بعقد , فلم يصح كسلم في ثمر نخلة بعينها
والثاني: تصح - وهو الأظهر - للخبر المتقدم , ولأن البدن يستحق تسليمه بالعقد , فجاز الكفالة به كالدين.
الكفالة بإحضار من عليه حد (الكفالة في الحدود) .
لا تجوز الكفالة في الحدود والقصاص عند الحنفية والمالكية والحنابلة , لتعذر الاستيفاء من الكفيل , لأن النيابة لا تجري في العقود , فلا تفيد الكفالة فائدتها. ودليلهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - مرفوعا -: لا كفالة في حد ولأن الكفالة استيثاق , والحدود مبناها على الدرء والإسقاط بالشبهات , فلا يلائمها الاستيثاق ولأن الحق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به.
ومعنى عدم جواز الكفالة بالحدود والقصاص عند الحنفية: عدم جواز الإجبار على إعطاء الكفالة , فإن سمحت نفس المدعى عليه , وتبرع بإعطاء الكفالة في حالة القصاص والحد الذي فيه حق للعبد: وهو حد القذف وحد السرقة , جازت الكفالة بالنفس , لأنها كفالة بمضمون على الأصيل , مقدور الاستيفاء من الكفيل , فتصح كالكفالة بتسليم نفس من عليه الدين.
فإذا لم يتبرع المدعى عليه: وهو الذي توجه عليه الحد أو القصاص , فلا تجوز الكفالة عند أبي حنيفة أي لا يجبر على تقديم كفيل بنفسه بإحضاره في مجلس القضاء , لإثبات ادعاء خصمه عليه , لأن الكفالة لا تتلاءم مع الحدود كما عرفنا. وحينئذ يحبسه القاضي حتى تقام عليه البينة أو يستوفى الحد.
وقال الصاحبان: يجبر على تقديم كفيل بنفسه في القصاص وفي حد القذف , لأن فيهما حق العبد , فيليق الاستيثاق.
وصرح الشافعية بقولهم: المذهب أنه لا تجوز كفالة النفس أو البدن في الحدود الخالصة لله تعالى , كحد الخمر والزنى والسرقة , لأنه يسعى في دفعها ما أمكن وتجوز كفالة تسليم النفس في الحدود الخالصة للآدمي كقصاص وحد القذف , وتعزير , لأنها حق لآدمي فصحت الكفالة , كسائر حقوق الآدميين. أي أن الشافعية يخالفون الجمهور في تجويز الكفالة في الحدود المتعلقة بحق العبد.
ضمان الطلب عند المالكية /50 ضمان الطلب هو التزام طلب المضمون والتفتيش عليه إن تغيب وإن لم يأت به لرب الحق. فيصح في غير المال من الحقوق البدنية كالقصاص والتعازير والحدود , بخلاف ضمان الوجه.
وألفاظه: مثل أنا حميل بطلبه , أو على طلبه , أولا أضمن إلا طلبه , أو أن يشترط نفي المال , كأن يقول: اضمن وجهه (نفسه) بشرط عدم غرم المال إن لم أجده.
وعليه أن يطلب المضمون بما يقوى عليه عادة , إن غاب عند حلول الأجل عن البلد وما قرب منه , وعلم موضعه. وأما الحاضر فيطلبه في البلد وما قاربه إذا جهل موضعه. ويفهم من قوله (علم موضعه) أنه لا يكلف بالتفتيش عنه.
ويحلف إن قصر في طلبه ولم يعلم موضعه. ولا غرم عليه إلا إذا فرط في الطلب , كأن ترك طلبه في مكان يظن أنه به , أو يهربه , أو يعلم موضعه ولم يدل رب الحق عليه.
وهذا النوع في الواقع اعتبره الإمام مالك كفالة وجه مع شرط عدم غرم المال , لأن ضمان النفس أو الوجه يلزم فيه الضامن بغرم المال إذا لم يحضر المضمون.(1/324)
قال القدوري ونقله عنه المرغيناني في الهداية وشرحه الكمال بن الهمام في فتح القدير (5 / 391) :
الكفالة ضربان: كفالة بالنفس , وكفالة بالمال , ويدخل في الكفالة بالمال الكفالة بالأعيان. والكفالة بالنفس جائزة , والمضمون بها إحضار المكفول به. ثم نقل عن الشافعي أن الكفالة بالنفس لا تجوز , وهو قول مخالف للقول الأظهر عندهم , وهو أنها جائزة , كقولنا.
وقال في الدر المختار (4 / 679) :
ولا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص لأن النيابة لا تجرى في العقوبات.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2 / 379) :
الكفالة تنقسم على قسمين: حمالة بالمال وحمالة بالوجه , فأما الحمالة بالمال فإنها لازمة في الحياة وبعد الممات , كانت في أصل البيع أو بعد عقد البيع , لأنها وان كانت من المعروف , فكأنها إنما خرجت عن عوض وهو ما رضي به المتحمل له من دفع سلعته أو تأخير غريمه.
وأيضا فإنه إذا غرم يرجع بما غرم.
وفي (ص 399) قال: وأما الحمالة بالوجه , فإنها جائزة إذا كان المتحمل به مطلوبا بمال , ولم يكن مطلوبا بشيء يجب عليه في بدنه من قتل أوحد أو قصاص أو تعزير.
وقال العلامة خليل وشارحه الدردير في الشرح الصغير والصاوي في الحاشية (3 / 429 - 430) :
شمل تعريف الضمان أنواعه الثلاثة أي ضمان الذمة أي (ضمان المال) وضمان الوجه أي (ضمان النفس) وضمان الطلب , سواء كان الطلب على وجه الإتيان به لرب الدين أي (وهو ضمان الوجه) أو مجردا عن ذلك , أي (وهو ضمان الطلب) لأنه تفتيش لا غير.
وقال النووي في متن المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
المذهب صحة كفالة البدن في الجملة , وتسمى أيضا كفالة الوجه (وهي التزام إحضار المكفول له للحاجة إليها) لمن عليه مال أو لمن عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف , والمذهب منعها في حدود الله تعالى , كحد الخمر والزنى والسرقة , لأنه يسعى في دفعها ما أمكن , أي تصح في حدود الآدمي.
وقال الخرقي في متنه وابن قدامة في المغني (4 / 556 - 557) كما قال الشافعية:
ومن كفل بنفس , لزمه ما عليها وان لم يسلمها , وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم. وهذا مذهب شريح ومالك والثوري والليث وأبي حنيفة. ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد , سواء كان حقا لله تعالى كحد الزنى والسرقة , أو لآدمي كحد القذف والقصاص.
وهذا قول أكثر أهل العلم , منهم شريح والحسن وبه قال إسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي , وبه قال الشافعي في حدود الله تعالى واختلف قوله في حدود الآدمي. فقال في موضع: لا كفالة في حدود الآدمي ولا لعان , وقال في موضع: تجوز الكفالة بمن عليه حق أو حد , لأنه حق لآدمي , فصحت الكفالة به كسائر حقوق الآدميين. ودليلنا ما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال: لا كفالة في حد ولأنه حد , فلم تصح الكفالة فيه , كحدود الله تعالى , ولأن الكفالة استيثاق , والحدود مبناها على الإسقاط والدرء بالشبهات , فلا يدخل فيها الاستيثاق ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به , فلم تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنى.
وعبارة البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع (3 / 362 - 364) تشبه مع شيء من التفصيل العبارة السابقة , قال: /50 لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد أو قصاص لإقامة الحد , لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل , كحد زنى وسرقة وقذف وشرب , إلا إذا كفل ببدنه لأجل مال بالدفع , أي بالعفو إلى الدية ليدفعها , وإلا إذا ضمن السلامة بسبب غرم السرقة , أي المسروق , فتصح , لأنه حق مالي.
قال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 279) :
لا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص , لأن النيابة لا تجري في العقوبات. ولا تصح بحمل دابة معينة مستأجرة له وخدمة عبد معين مستأجر للخدمة , لأنه يلزم تغيير المعقود عليه , بخلاف غير المعين , لوجوب مطلق الفعل , لا التسليم لأنه لو كان الواجب التسليم , لزم صحة الكفالة في المعينة أيضا لأن الكفالة بتسليمها صحيحة.
وجاء في المجلة (م632) :
لا تجري النيابة في العقوبات , بناء عليه , لا تصح الكفالة بالقصاص وسائر العقوبات والمجازات الشخصية , ولكن تصح الكفالة بالأرش والدية اللذين يلزمان الجارح والقاتل.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة (م1130) :
لا تصح الكفالة ببدن من عليه قصاص أوحد أو تعزير لإقامة الحد أو التعزير , أما إذا كفله لغرم السرقة أو لأجل الدية الواجبة بالعفو عن القصاص صح.
وقال النووي في المنهاج وشرحه مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
والمذهب صحة الكفالة ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف , ومنعها في حدود الله تعالى.(1/325)
صيغة الكفالة
اتفق الفقهاء على أن الكفالة لا تنعقد بغير الإيجاب بصيغة تدل على الالتزام , ولا يجوز أن يشرط الكفيل الخيار لنفسه. أما القبول فهو ليس بشرط عند الجمهور خلافا لما ذهب إليه أبو حنيفة من اشتراط إيجاب من الكفيل وقبول من المكفول له.
وقد تكون الكفالة منجزة أي تترتب آثارها في الحال بمجرد وجود الصيغة مستوفاة شروطها , كما قد تكون معلقة , أو مضافة إلى زمن مستقبل. وأجاز الحنفية خلافا للشافعية تعليق الكفالة بشرط ملائم لمقتضى العقد , كما أجازوا إضافتها لوقت في المستقبل معلوم أو مجهول جهالة غير فاحشة.
وقد ذكر الفقهاء أن الكفالة تصح مطلقة غير مقيدة بحسب حال الدين , وتصح مقيدة بوصف التأجيل أو بوصف الحلول أي يصح ضمان الدين الحال مؤجلا وضمان الدين المؤجل حالا , لأن الضمان تبرع , والحاجة تدعو إليه , فيصح على حسب ما التزم به الضامن سواء كان أجل الكفالة مماثلا لأجل الدين أو أزيد منه أو أنقص.(1/326)
الإيجاب والقبول
الأصل في التصرفات الشرعية أن تتم بإيجاب وقبول , ولهذا ذهب أبو حنيفة ومحمد - وهو رأي عند الشافعية - إلى أن صيغة الكفالة تتركب من إيجاب يصدر من الكفيل وقبول يصدر عن المكفول له , لأن الكفالة عقد يملك به المكفول له حق مطالبة الكفيل أو حقا ثبت في ذمته فوجب قبوله.
ويترتب على ذلك أن الكفالة لا تتم بعبارة الكفيل وحده سواء كانت الكفالة بالنفس أو بالمال بل لا بد من قبول المكفول له.
وذهب أبو يوسف والمالكية , والحنابلة , وهو الأصح عند الشافعية: إلى أن صيغة الكفالة تتم بإيجاب الكفيل وحده , ولا تتوقف على قبول المكفول له , لأن الكفالة مجرد التزام من الكفيل بأداء الدين , لا معاوضة فيه , بل هو تبرع ينشأ بعبارته وحده , فيكفى فيه إيجاب الكفيل.
وإيجاب الكفيل يتحقق بكل لفظ يفهم منه التعهد والالتزام والضمان صراحة أو ضمنا , كما يتحقق بكل تعبير عن الإرادة يؤدى هذا المعنى.
وأما رضا المكفول عنه , أي الأصيل , فلا يشترط باتفاق العلماء , لأن قضاء دين الغير بغير إذنه جائز , فالتزامه أولى ولأنه يصح الضمان عن الميت اتفاقا ما عدا أبا حنيفة وإن لم يترك وفاء لديه , بأن كان مفلسا.
الخيار في الكفالة
لا يجوز اشتراط الكفيل الخيار لنفسه , لأن الكفالة عقد لازم , لا يناسبها الخيار وهذا ما صرح به فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة , وغيرهم , فإنهم قالوا: لا يثبت في الضمان والكفالة خيار لأن الخيار لدفع الغبن , وطلب الحظ , أي جعل ليعرف ما فيه الحظ , والضمين والكفيل على بصيرة أنه مغبون ولا حظ لهما.
ولهذا يقال (الكفالة أولها شهامة وأوسطها ملامة , وآخرها غرامة) ولأنه عقد لا يفتقر إلى القبول , فلم يدخله خيار كالنذر.
قال ابن قدامة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لا نعلم عن أحد خلافهم.
وقال أبو حنيفة إذا اشترط الكفيل الخيار في الضمان صح الضمان وبطل الشرط.
الكفالة المعلقة
الكفالة المعلقة هي التي يعلق وجودها على وجود شيء آخر.
وقد ذهب الحنفية والمالكية وفي رواية عند الحنابلة إلى أن الكفالة تكون صحيحة إذا علقت على الشروط الملائمة ولا تكون صحيحة إذا علقت على شرط غير ملائم , بينما منع الشافعية تعليق الكفالة بشرط.
والشرط الملائم عند الحنفية هو:
- الشرط الذي يكون سببا لوجوب الحق , كقول الكفيل للمشترى: أنا كفيل لك بالثمن إذا استحق المبيع.
- أو الشرط الذي يكون سببا لإمكان الاستيفاء , كقول الكفيل للدائن: إذا قدم فلان (أي المكفول عنه) فأنا كفيل بدينك عليه.
- أو الشرط الذي يكون سببا لتعذر الاستيفاء , كقول الكفيل للدائن: إن غاب فلان (أي المدين) عن البلدة فأنا كفيل بالدين.
- كما ذهب الحنفية إلى صحة الكفالة المعلقة بشرط جرى به العرف , كما لو قال الكفيل: إن لم يؤد فلان ما لك عليه من دين إلى ستة أشهر فأنا له ضامن.
أما إذا علقت الكفالة على شرط غير ملائم , كقوله: إن هبت الريح أو إن نزل المطر أو إن دخلت الدار فأنا كفيل , فلا تصح الكفالة لأن تعليق الكفالة على شرط غير ملائم لا يظهر فيه غرض صحيح. ومع ذلك فقد ذهب بعض فقهاء المذهب الحنفي إلى صحة الكفالة فتثبت حالة ويلغو التعليق.
وخلافا لما ذهب إليه الجمهور من الأخذ بجواز تعليق الكفالة بالشرط الملائم , وهو ما يساعد الكفيل المتبرع بأن يكون على بينة من أمره فلا يلتزم ولا يتحمل أكثر مما يطيقه. فقد منع الشافعية تعليق الضمان والكفالة سواء أكان الشرط المعلق عليه ملائما أم كان غير ملائم , لأن كلا من الضمان والكفالة عقد كالبيع , وهو لا يجوز تعليقه بالشرط.
الكفالة المضافة
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز إضافة الكفالة بالمال إلى أجل مستقبل كأن يقول الكفيل: أنا ضامن لك هذا المال أو هذا الدين ابتداء من أول الشهر القادم.
وفي هذه الحالة لا يكون كفيلا إلا في ذلك الوقت , أما قبله فلا يعد كفيلا ولا يطالب بالمال.
أما عند الشافعية فلا يجوز ذلك سواء كان الأجل معلوما أو مجهولا.
والكفالة المضافة عند الجمهور تجوز إذا كان التأجيل إلى وقت معلوم أو مجهول جهالة غير فاحشة كإضافة الكفالة إلى الحصاد أو إلى مهرجان أو غيره مما هو متعارف بين الناس لأن هذه الجهالة ليست فاحشة فتتحملها الكفالة.
أما إن لم يكن الأجل متعارفا بين الناس , كالتأجيل إلى مجيء المطر , أو هبوب الريح , فالأجل باطل لأنه ليس من الآجال المتعارفة أو المنضبطة أما الكفالة فهي صحيحة وتكون منجزة.
الكفالة المقيدة
الكفالة المطلقة جائزة وفقا لشروطها المشروعة وهي لا تتقيد إلا بوصف الدين أي أنها تلزم بما يتصف به ذلك الدين من الحلول أو التأجيل:
- فإن كان الدين المكفول حالا , كانت الكفالة حالا.
- وإن كان الدين المكفول مؤجلا , كانت الكفالة مؤجلة.
ولكن قد تتقيد الكفالة إما بوصف التأجيل أو بوصف الحلول على النحو التالي:
تقيد الكفالة بوصف التأجيل:
يكون الدين المكفول هنا حالا , وتضاف كفالته إلى زمن مستقبل مؤجل. وذلك كأن يقول الكفيل للدائن: كفلت لك دينك الذي على فلان ابتداء من أول الشهر الآتي. وهذا جائز باتفاق الفقهاء بدليل ما ثبت في السنة من حمالة الرسول صلى الله عليه وسلم لدين حال مؤجلا شهرا.
وفي هذه الحالة لا يكون للكفالة أثر إلا عند الزمن المؤجل (من أول الشهر الآتي) فيتأجل الدين بالنسبة إلى الكفيل وحده بسبب إضافة الكفالة. أما بالنسبة إلى المدين الأصيل فلا يتغير وصف الدين بل يظل حالا.
وقيل يكون التأجيل في حق الاثنين معا إذا كان التأجيل في نفس العقد لأن الأجل صفة للدين , والدين واحد.
تقيد الكفالة بوصف الحلول:
يكون الدين المكفول هنا مؤجلا إلى أجل معلوم كشهر أو سنة , وتنعقد الكفالة حالا أي يتبرع الكفيل بتعجيل الدين. وقد ذكر الفقهاء أنه يجوز أن يكون أجل الكفالة مماثلا لأجل الدين أو أزيد منه أو أنقص لأن المطالبة بالدين حق الدائن المكفول له , فله أن يتفق مع الكفيل والمدين على ما يشاء.
ولكن يرى جمهور الفقهاء أن الكفيل هنا لا يلزمه الوفاء بالتعجيل كما لا يلزم الأصيل أي أن الكفالة لا تجعل المؤجل حالا.(1/327)
جاء في مرشد الحيران (م822)
لا تصح الكفالة بإيجاب الكفيل وحده ما لم يقبل الطالب أو نائبه ولو فضوليا في مجلس العقد.
وجاء في المجلة (م621) :
تنعقد الكفالة وتنفذ بإيجاب الكفيل فقط , وهذا مطابق لنص المادة (1127) من مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة.
المغني (5 / 94 - 95)
لا يدخل الضمان والكفالة خيار , لأن الخيار جعل ليعرف ما فيه الحظ , والضمين والكفيل على بصيرة أنه لا حظ لهما ولأنه عقد لا يفتقر إلى القبول , فلم يدخله خيار كالنذر. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لا نعلم عن أحد خلافهم.
فإن شرط الخيار فيهما فقال القاضي: عندي أن الكفالة تبطل , وهو مذهب الشافعي لأنه شرط ما ينافي مقتضاها ففسدت , كما لو شرط ألا يؤدي ما على المكفول به , وذلك لأن مقتضى الضمان والكفالة لزوم ما ضمنه أو كفل به , والخيار ينافي ذلك ويحتمل أن يبطل الشرط وتصح الكفالة.
وقال النووي في روضة الطالبين (4 / 260)
لو شرط الضامن أو الكفيل الخيار لنفسه , لم يصح الضمان , فلو شرط للمضمون له , لم يضر , لأن الخيار في المطالبة , والإبراء له أبدا.
الكاساني في البدائع (6 / 3 - 5)
عبارته تصور تماما ما ذكرته في الأحوال الأربعة.
ابن قدامة في المغني (4 / 544) :
(حول تأجيل الدين الحال في الكفالة)
إذا ضمن الدين الحال مؤجلا , صح , ويكون حالا على المضمون عنه , مؤجلا على الضامن , يملك مطالبة المضمون عنه دون الضامن. وبهذا قال الشافعي. قال أحمد في رجل ضمن ما على فلان أن يؤديه في ثلاث سنين , فهو عليه , ويؤديه كما ضمن , ووجه ذلك: ما روى ابن عباس أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال: ما عندي شيء أعطيكه. فقال: والله لا أفارقنك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل , فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كم تستنظره ,؟ قال: شهرا , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أحمل. فجاء في الوقت الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أين أصبت هذا؟ قال: من معدن , قال: لا خير فيها , وقضاها عنه. رواه ابن ماجة في سننه , ولأنه ضمن مالا بعقد مؤجل فكان مؤجلا كالبيع.
وأضاف ابن قدامة في المغني (6 / 558) :
تصح الكفالة حالة ومؤجلة , كما يصح الضمان حالا ومؤجلا , إذا أطلق كانت حالة , لأن كل عقد يدخله الحلول , اقتضى كالثمن الضمان فإذا تكفل حالا كان له مطالبته بإحضاره , فإن أحضره وهناك يد حائلة ظالمة , لم يبرأ منه , ولم يلزم المكفول له تسلمه , لأنه لا يحصل له غرضه وأن لم تكن يد حائلة , لزمه قبوله , فإن قبله برئ من الكفالة.
وفي ص (560) : /50 وان كفل إلى أجل مجهول لم تصح الكفالة , وبهذا قال الشافعي لأنه ليس له وقت يستحق مطالبته فيه , وهكذا الضمان وان جعله إلى الحصاد والجذاذ والعطاء , خرج على الوجهين في البيع , والأولى صحتها هنا , لأنه تبرع من غير عوض , جعل له أجلا , لا يمنع من حصول المقصود منه , فصح كالنذر. وهكذا كل مجهول لا يمنع مقصود الكفالة.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م1032) :
لا تصح الكفالة إلى أجل مجهول جهالة فاحشة كمجيء المطر وهبوب الريح , أما إلى الحصاد والجذاذ وقدوم الحاج مما لا يمنع مقصود الكفالة فتصح.
وفي ص (545) : /50 وإذا ضمن دينا مؤجلا عن إنسان فمات أحدهما , إما الضامن وإما المضمون عنه , فهل يحل الدين على الميت منهما؟ على روايتين , رجح أن الدين لا يحل. وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361 - 362) مؤيدا هذا الترجيح: إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله , لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم يرجع قبل الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين. وان مات المضمون عنه أو الضامن , لم يحل الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته كسائر حقوقه وإن مات الضامن والمضمون عنه فكذلك , أي لم يحل الدين , لما تقدم.
وجاء في المهذب (1 / 341) :
ويجوز أن يضمن الدين الحال إلى أجل , لأنه رفق ومعروف , فكان على حسب ما يدخل فيه , وهل يجوز أن يضمن المؤجل حالا؟ فيه وجهان -
أحدهما: يجوز كما يجوز أن يضمن الحال مؤجلا ,
والثاني: لا يجوز , لأن الضمان فرع لما على المضمون عنه , فلا يجوز أن يكون الفرع معجلا والأصل مؤجلا.
وقال العلامة خليل وشارحه الدردير في الشرح الكبير (3 / 331 - 332) :
وصح ضمان الدين المؤجل حالا على الضامن وان كان الدين مما يعجل , أي يجوز تعجيله , وهو العين مطلقا والعرض والطعام من قرض لا من بيع , لما فيه من حفظ الضمان وأزيدك , ويجوز عكسه: وهو ضمان الحال مؤجلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون الغريم الذي عليه الدين موسرا حتى لا يقع في سلف جر نفعا.
والثاني: أن يكون الغريم معسرا واستمر عسره إلى انقضاء الأجل , حتى لا يحصل سلف بتأخيره , لوجوب انتظار المعسر.
وجاء في مرشد الحيران (م828) :
يصح أن تكون الكفالة منجزة أو مضافة إلى زمن مستقبل أو معلقة بشرط ملائم , بأن يكون شرطا لوجوب الحق أو لإمكان الاستيفاء أو لتعذره.
وفي مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة (م1152) :
يصح تعليق الكفالة بشرط وتوقيتها , مثلا: لو قال: إذا قدم الحاج فأنا كفيل بفلان , أو أنا كفيل بزيد شهرا , صح , ويطالب به إذا وجد الشرط في الصورة الأولى , وفي داخل الشهر في الصورة الثانية , ويبرأ بمضي الشهر إذا لم يطالبه فيه.(1/328)
شروط الكفيل
يشترط جمهور الفقهاء رضا الكفيل لأن العقد لا ينعقد إلا بإيجاب منه
كما يشترط فيه أن يكون أهلا للتبرع وذلك بأن يكون عاقلا , بالغا , حرا , لأن الكفالة بالاتفاق تبرع محض , لا مصلحة فيها للكفيل.(1/329)
يشترط كون الكفيل أهلا للتبرع بأن يكون عاقلا بالغا حرا.
فلا تنعقد كفالة الصغير والمجنون والمعتوه والمبرشم الذي يهذي , لأن الكفالة عقد تبرع بالتزام المال , فلا تنعقد ممن ليس أهلا للتبرع وهذا شرط متفق عليه , وهو المعبر عنه بالرشد , أي صلاح المال عند الجمهور , وصلاح الدين والمال عند الشافعية , لأن الكفالة تصرف مالي.
فلا تصح الكفالة من مجنون وصبي , ولو كان مميزا , ومحجورا عليه بسفه , وإن أذن الولي عند الجمهور لعدم رشدهم , ولأن الضمان التزام مال لا فائدة له فيه , فلم يصح منه , كالتبرع والنذر , بخلاف البيع وقال القاضي أبو يعلى تصح كفالة السفيه المحجور عليه ويتبع لها بعد فك الحجر عنه , أي فهو شرط نفاذ , لا شرط انعقاد لأن من أصول الحنابلة أن إقراره صحيح يتبع به بعد فك الحجر عنه , فكذلك ضمانه.
ورأي الجمهور أولى , لأن الضمان إيجاب مال بعقد , فلم يصح من المحجور عليه لسفه كالبيع والشراء ولا يشبه الإقرار , لأنه إخبار بحق سابق.
وقال الرافعي من الشافعية وفي رواية عند الحنابلة: تصح كفالة الصبي المميز مع إذن الولي وهي خلاف الصحيح من المذهب , ولا تقاس على البيع , لأن الضمان غرر كله بلا مصلحة.
أما المحجور عليه لفلس فيصح ضمانه ويتبع به بعد فك الحجر عنه , لأنه من أهل التصرف , والحجر عليه في ماله , لا في ذمته , فأشبه الراهن , فيصح تصرفه فيما عدا الرهن , فهو كما لو اقترض أو أقر أو اشترى في ذمته فعدم الحجر لفلس شرط نفاذ لا شرط انعقاد.
وأما الحرية: فهي شرط نفاذ للتصرف فلا تجوز كفالة العبد , لأنها تبرع , والعبد لا يملك التبرع بدون إذن سيده ولكن الكفالة تنعقد , حتى إن العبد يطالب بموجبها بعد عتقه. والآن لا رق يبحه الإسلام , كما أفتى مجمع البحوث الإسلامية.
وأما المريض مرض الموت: فحكم ضمانه حكم تبرعه لا يصح فيما يزيد عن ثلث ماله , إلا بإجازة الوارث.
وأما المرأة: فتصح كفالتها كالرجل عند الجمهور وانفرد المالكية بالقول بأن:
- المرأة ذات الزوج تصح كفالتها في حدود الثلث فقط , ولا تنفذ فيما زاد عن الثلث إلا إذا كانت الزيادة يسيرة كالدينار أو الشيء الخفيف إلا بإجازة الزوج , فلا تلزم كفالتها حينئذ وان صحت , لأن في الزيادة على الثلث إضرارا بالزوج فلا تصح الكفالة إلا إذا كانت بموافقة الزوج نفسه , وكانت مرضية في تصرفها , غير سفيهة في حالها.
- وفي حال الزيادة اليسيرة تنفذ , لأنه يعلم أنها لم ترد به الضرر. وتصح كفالتها عن زوجها وإن بلغت جميع مالها بإذنه. وهذا كله مبني عندهم على أن المرأة محجورة في تصرفها بمالها.(1/330)
قال في المغني (4 / 537) :
من أحكام الكفالة: صحة الضمان عن كل من وجب عليه حق , حيا كان أو ميتا , مليئا أو مفلسا , لعموم لفظه فيه , وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت إلا أن يخلف وفاء , فإن خلف بعض الوفاء , صح ضمانه بقدر ما خلف , لأنه دين ساقط فلم يصح ضمانه , كما لو سقط بالإبراء ولأن ذمته قد خربت خرابا لا تعمر بعده , فلم يبق فيها دين , والضمان: ضم ذمة إلى ذمة في التزامه.
ولنا: حديث أبي قتادة وعلي فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء , والنبي صلى الله عليه وسلم حضهم على ضمانه في حديث أبى قتادة بقوله: ألا قام أحدكم فضمنه؟ وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت , فصح ضمانه , كما لو خلف وفاء ودليل ثبوته: أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الدين اقتضاؤه. ولو ضمنه حيا ثم مات , لم تبرأ ذمة الضامن. ولو برئت ذمة المضمون عنه , برئت ذمة الضامن , وفي هذا انفصال عما ذكروه.
قال ابن قدامة في المغني (4 / 562)
تفتقر صحة الكفالة إلى رضا الكفيل , لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه. ولا يعتبر رضا المكفول له , لأنها وثيقة له , لا قبض فيها , فصحت من غير رضاه فيها , كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض , فلم يعتبر رضاه فيها كالنذر.
قال الشيرازي في المهذب (1 / 340)
يصح الضمان من غير رضا المضمون عنه , لأنه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه , جاز ضمان ما عليه من غير رضاه.
وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يصح الضمان إلا برضا الضامن , فلا يصح ضمان المكره , لأنه التزام مال , فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر. ولا يعتبر لصحة الضمان رضا المضمون له , لأن أبا قتادة ضمن الميت بغير رضا المضمون له , وأقره الشارع صلى الله عليه وسلم ولا يعتبر أيضا رضا المضمون عنه , قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه , لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح , فكذا إذا ضمن عنه ولا يعتبر أيضا معرفة الضامن لهما , أي للمضمون له والمضمون عنه , لأنه لا يعتبر رضاهما , فكذا معرفتهما.
الكاساني في البدائع (6 / 6 - 7)
يشترط في المكفول له أن يكون معلوما , وأن يكون في مجلس العقد , وهو شرط الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس , وتفريع على مذهبهما أن يكون عاقلا , فلا يصح قبول المجنون والصبي الذي لا يعقل , لأنهما ليسا من أهل القبول , ولا يجوز قبول وليهما عنهما , لأن القبول يعتبر ممن وقع له الإيجاب , ومن وقع له الإيجاب ليس من أهل القبول , ومن قبل , لم يقع الإيجاب له , فلا يعتبر قبوله. وأما حرية المكفول له فليست شرطا , لأن العبد من أهل القبول.
وقال في الدر المختار (4 / 278) :
ولا تصح الكفالة بجهالة المكفول عنه ولا بجهالة المكفول له.
قال الحطاب في مواهب الجليل (5 / 100)
ولا يشترط معرفة المضمون له.
قال النووي في المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 200)
والأصح اشتراط معرفة المضمون له: وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا , وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له كمعرفته وأنه لا يشترط قبوله ورضاه , ولا يشترط رضا المضمون عنه (وهو المدين) قطعا ولا معرفته في الأصح.
وقال ابن قدامة في المغني (5 / 535)
ولا يعتبر أن يعرفهما (المضمون عنه وله) الضامن وقال القاضي أبو يعلى يعتبر معرفتهما , ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أو لا؟ وليعرف المضمون له , فيؤدى إليه. وذكر وجها آخر. أنه تعتبر معرفة المضمون له لذلك , ولا تعتبر معرفة المضمون عنه , لأنه لا معاملة بينه وبينه , ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود (1 / 181)
وأما ضمان المال: فإنه يجوز بثلاثة شرائط: أن يعلم لمن هو , وكم هو , وعلى من هو؟
وذكر ابن العربي في أحكام القرآن (3 / 1085)
في جهالة المضمون له: قال علماؤنا: هي جائزة , وتجوز عندهم أيضا مع جهالة الشيء المضمون أو كليهما. ومن العجب أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أنه لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له وادعى أصحاب أبي حنيفة أن هذا الخبر: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} منسوخ من الآية خاصة.(1/331)
شروط الأصيل
لا خلاف بين الفقهاء في عدم اشتراط رضا الأصيل المكفول عنه لأن قضاء دينه بغير إذنه جائز , فكفالته أولى كما قال الفقهاء.
ولكن اشترط أبو حنيفة شرطين في المدين الأصيل: معرفته , وقدرته على تسليم المكفول به.
ولم يوافقه أكثر الفقهاء , بل إنهم أجازوا أن يكون المكفول عنه مجهولا كما أجازوا كفالة الدين عن الميت المفلس.(1/332)
لا خلاف بين الفقهاء في عدم اشتراط رضا الأصيل المكفول عنه لأن قضاء دينه بغير إذنه جائز , فكفالته أولى كما قال الفقهاء. ولكن اختلف الفقهاء في مدى حق الكفيل في الرجوع على المكفول عنه إذا كفله بغير إذنه.
وبالرغم من إجماع الأئمة على عدم اشتراط رضا المكفول عنه , فإنهم اختلفوا في موضعين هما: معرفته , وقدرته على تسليم المكفول به.
شرط معرفة المكفول عنه:
- اشترط الحنفية والقاضي أبو يعلى من الحنابلة أن يكون الأصيل معروفا عند الكفيل , فإذا قال الكفيل: كفلت ما على أحد من الناس , لا تصح الكفالة , لأن الناس لم يتعارفوا ذلك. ولأن اشتراط هذا الشرط إنما هو لأجل معرفة المكفول عنه: هل هو موسر أو ممن يبادر إلى قضاء دينه أو يستحق اصطناع المعروف أو لا.
ولا يشترط حضرة الأصيل , فتجوز الكفالة عن غائب أو محبوس , لأن الحاجة إلى الكفالة في الغالب تظهر في مثل هذه الأحوال.
وقال الشافعية والحنابلة: الأصح أنه لا يشترط معرفة المكفول عنه , قياسا على رضاه , فإنه ليس بشرط. وأما اصطناع المعروف , فهو معروف , سواء أكان لأهله أم لغير أهله.
شرط قدرة المكفول عنه على تسليم المكفول به:
هذا الشرط خاص عند أبي حنيفة وهو أن يكون الأصيل قادرا على تسليم المكفول به , إما بنفسه وإما بنائبه. فلا تصح الكفالة عنده بالدين عن ميت مفلس مات ولم يترك وفاء لدينه , لأنه دين ساقط , فلم يصح ضمانه , كما لو سقط بالإبراء ولأن ذمة الميت قد زالت بالموت , فلم يبق فيها دين والضمان عنده: ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة به.
وذهب الصاحبان وجمهور الفقهاء: إلى أنه يصح ضمان الدين عن الميت المفلس , بدليل حديث أبي قتادة السابق ذكره , فإنه ضمن دين ميت لم يترك شيئا لوفاء دينه , والنبي صلى الله عليه وسلم حض الصحابة على ضمان دين الميت في حديث أبي قتادة بقوله: ألا قام أحدكم فضمنه؟ ولأن دين الميت دين ثابت , فصح ضمانه كما لو خلف وفاء لدينه.
والدليل على ثبوت هذا الدين: أنه لو تبرع رجل بقضائه , جاز لصاحب الدين اقتضاؤه , وكذا لو ضمنه حيا , ثم مات , لم تبرأ ذمة الضامن , مما يدل على أنه لم تبرأ ذمة المضمون عنه.(1/333)
قال في المغني (4 / 537) :
من أحكام الكفالة: صحة الضمان عن كل من وجب عليه حق , حيا كان أو ميتا , مليئا أو مفلسا , لعموم لفظه فيه , وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت إلا أن يخلف وفاء , فإن خلف بعض الوفاء , صح ضمانه بقدر ما خلف , لأنه دين ساقط فلم يصح ضمانه , كما لو سقط بالإبراء ولأن ذمته قد خربت خرابا لا تعمر بعده , فلم يبق فيها دين , والضمان: ضم ذمة إلى ذمة في التزامه.
ولنا: حديث أبي قتادة وعلي فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء , والنبي صلى الله عليه وسلم حضهم على ضمانه في حديث أبى قتادة بقوله: ألا قام أحدكم فضمنه؟ وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت , فصح ضمانه , كما لو خلف وفاء ودليل ثبوته: أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الدين اقتضاؤه. ولو ضمنه حيا ثم مات , لم تبرأ ذمة الضامن. ولو برئت ذمة المضمون عنه , برئت ذمة الضامن , وفي هذا انفصال عما ذكروه.
قال ابن قدامة في المغني (4 / 562)
تفتقر صحة الكفالة إلى رضا الكفيل , لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه. ولا يعتبر رضا المكفول له , لأنها وثيقة له , لا قبض فيها , فصحت من غير رضاه فيها , كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض , فلم يعتبر رضاه فيها كالنذر.
قال الشيرازي في المهذب (1 / 340)
يصح الضمان من غير رضا المضمون عنه , لأنه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه , جاز ضمان ما عليه من غير رضاه.
وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يصح الضمان إلا برضا الضامن , فلا يصح ضمان المكره , لأنه التزام مال , فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر. ولا يعتبر لصحة الضمان رضا المضمون له , لأن أبا قتادة ضمن الميت بغير رضا المضمون له , وأقره الشارع صلى الله عليه وسلم ولا يعتبر أيضا رضا المضمون عنه , قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه , لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح , فكذا إذا ضمن عنه ولا يعتبر أيضا معرفة الضامن لهما , أي للمضمون له والمضمون عنه , لأنه لا يعتبر رضاهما , فكذا معرفتهما.
الكاساني في البدائع (6 / 6 - 7)
يشترط في المكفول له أن يكون معلوما , وأن يكون في مجلس العقد , وهو شرط الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس , وتفريع على مذهبهما أن يكون عاقلا , فلا يصح قبول المجنون والصبي الذي لا يعقل , لأنهما ليسا من أهل القبول , ولا يجوز قبول وليهما عنهما , لأن القبول يعتبر ممن وقع له الإيجاب , ومن وقع له الإيجاب ليس من أهل القبول , ومن قبل , لم يقع الإيجاب له , فلا يعتبر قبوله. وأما حرية المكفول له فليست شرطا , لأن العبد من أهل القبول.
وقال في الدر المختار (4 / 278) :
ولا تصح الكفالة بجهالة المكفول عنه ولا بجهالة المكفول له.
قال الحطاب في مواهب الجليل (5 / 100)
ولا يشترط معرفة المضمون له.
قال النووي في المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 200)
والأصح اشتراط معرفة المضمون له: وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا , وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له كمعرفته وأنه لا يشترط قبوله ورضاه , ولا يشترط رضا المضمون عنه (وهو المدين) قطعا ولا معرفته في الأصح.
وقال ابن قدامة في المغني (5 / 535)
ولا يعتبر أن يعرفهما (المضمون عنه وله) الضامن وقال القاضي أبو يعلى يعتبر معرفتهما , ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أو لا؟ وليعرف المضمون له , فيؤدى إليه. وذكر وجها آخر. أنه تعتبر معرفة المضمون له لذلك , ولا تعتبر معرفة المضمون عنه , لأنه لا معاملة بينه وبينه , ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود (1 / 181)
وأما ضمان المال: فإنه يجوز بثلاثة شرائط: أن يعلم لمن هو , وكم هو , وعلى من هو؟
وذكر ابن العربي في أحكام القرآن (3 / 1085)
في جهالة المضمون له: قال علماؤنا: هي جائزة , وتجوز عندهم أيضا مع جهالة الشيء المضمون أو كليهما. ومن العجب أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أنه لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له وادعى أصحاب أبي حنيفة أن هذا الخبر: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} منسوخ من الآية خاصة.(1/334)
شروط المكفول له
لم يشترط جمهور الفقهاء - خلافا للحنفية على وجه الخصوص - رضا المكفول له بالكفالة وقبوله لها كما لم يشترطوا فيه البلوغ والعقل , وكذلك وجوب معرفته من قبل الكفيل.(1/335)
أن يكون المكفول له معلوما للكفيل:
اشترط الحنفية في المكفول له وهو الدائن أن يكون معلوما للكفيل سواء كانت الكفالة منجزة أو معلقة أو مضافة. فإن كان مجهولا , كما لو قال: أنا كفيل بما يحصل من هذا الدلال من ضرر على الناس , لم تصح الكفالة. ذلك أنه إذا كان المكفول له مجهولا , لا يتحقق المقصود من الكفالة , وهو التوثق.
وهذا موافق لمذهب الشافعية في الأصح عندهم , لأن مستحقي الدين يتفاوتون عادة في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا , وليعلم الضامن هل المكفول له هو أهل لإسداء الجميل إليه أم لا.
وأجاز المالكية والحنابلة الضمان مع جهالة المكفول له. فإذا قال الضامن: أنا ضامن الدين الذي على زيد للناس - وهو لا يعرف عين من له الدين - فالكفالة صحيحة هنا لما ثبت في السنة (أن أبا قتادة كفل دين الميت دون أن يعرف المكفول له) .
ودليل ذلك أيضا في قوله تعالى: {نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} (يوسف 72) لأن المنادي لم يكن مالكا , وإنما كان نائبا عن يوسف عليه السلام فشرط حمل البعير على يوسف عليه السلام لمن جاء بالصواع , وتحمل هو به عن يوسف.
أن يكون المكفول له حاضرا في مجلس العقد:
وهذا شرط انعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يكن هناك نائب عن المكفول له يقبل الكفالة في المجلس فلو كفل إنسان الغائب عن المجلس , فبلغه الخبر , فأجاز , لا تجوز الكفالة عندها إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس , ودليلهما: أن في الكفالة معنى التمليك , أي تمليك المطالبة من الطالب , والتمليك لا يحصل إلا بالإيجاب والقبول , فلا بد من توافره لإتمام صيغة العقد , والموجود شطر العقد , فلا يتوقف على ما وراء مجلس العقد.
وعن أبي يوسف روايتان , والقول المتأخر عنه: أن الكفالة عن الغائب تجوز لأن معنى الكفالة , وهو الضم والالتزام يتم بإيجاب الكفيل , فكان إيجابه صالحا وحده لإتمام العقد وهذا الرأي هو رأي جمهور الفقهاء القائلين بأن الكفالة تنعقد بإرادة منفردة , أي بالإيجاب وحده.
أن يكون المكفول له عاقلا
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومعهم أبو يوسف إلى عدم اشتراط البلوغ والعقل في المكفول له لأن الكفالة تنعقد بإيجاب الكفيل دون حاجة إلى قبول المكفول له , فلا يلزم أن يكون أهلا للقبول.
وذهب أبو حنيفة ومحمد - وهو رأي عند الشافعية - إلى اشتراط أن يكون المكفول له بالغا عاقلا , لأن الكفالة تحتاج إلى إيجاب من الكفيل وقبول من المكفول له. ويجوز قبول الصبي المميز والسفيه , لأن ضمان حقه نفع محض , فلا يتوقف على إجازة وليهما.(1/336)
قال في المغني (4 / 537) :
من أحكام الكفالة: صحة الضمان عن كل من وجب عليه حق , حيا كان أو ميتا , مليئا أو مفلسا , لعموم لفظه فيه , وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت إلا أن يخلف وفاء , فإن خلف بعض الوفاء , صح ضمانه بقدر ما خلف , لأنه دين ساقط فلم يصح ضمانه , كما لو سقط بالإبراء ولأن ذمته قد خربت خرابا لا تعمر بعده , فلم يبق فيها دين , والضمان: ضم ذمة إلى ذمة في التزامه.
ولنا: حديث أبي قتادة وعلي فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء , والنبي صلى الله عليه وسلم حضهم على ضمانه في حديث أبى قتادة بقوله: ألا قام أحدكم فضمنه؟ وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت , فصح ضمانه , كما لو خلف وفاء ودليل ثبوته: أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الدين اقتضاؤه. ولو ضمنه حيا ثم مات , لم تبرأ ذمة الضامن. ولو برئت ذمة المضمون عنه , برئت ذمة الضامن , وفي هذا انفصال عما ذكروه.
قال ابن قدامة في المغني (4 / 562)
تفتقر صحة الكفالة إلى رضا الكفيل , لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه. ولا يعتبر رضا المكفول له , لأنها وثيقة له , لا قبض فيها , فصحت من غير رضاه فيها , كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض , فلم يعتبر رضاه فيها كالنذر.
قال الشيرازي في المهذب (1 / 340)
يصح الضمان من غير رضا المضمون عنه , لأنه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه , جاز ضمان ما عليه من غير رضاه.
وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يصح الضمان إلا برضا الضامن , فلا يصح ضمان المكره , لأنه التزام مال , فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر. ولا يعتبر لصحة الضمان رضا المضمون له , لأن أبا قتادة ضمن الميت بغير رضا المضمون له , وأقره الشارع صلى الله عليه وسلم ولا يعتبر أيضا رضا المضمون عنه , قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه , لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح , فكذا إذا ضمن عنه ولا يعتبر أيضا معرفة الضامن لهما , أي للمضمون له والمضمون عنه , لأنه لا يعتبر رضاهما , فكذا معرفتهما.
الكاساني في البدائع (6 / 6 - 7)
يشترط في المكفول له أن يكون معلوما , وأن يكون في مجلس العقد , وهو شرط الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس , وتفريع على مذهبهما أن يكون عاقلا , فلا يصح قبول المجنون والصبي الذي لا يعقل , لأنهما ليسا من أهل القبول , ولا يجوز قبول وليهما عنهما , لأن القبول يعتبر ممن وقع له الإيجاب , ومن وقع له الإيجاب ليس من أهل القبول , ومن قبل , لم يقع الإيجاب له , فلا يعتبر قبوله. وأما حرية المكفول له فليست شرطا , لأن العبد من أهل القبول.
وقال في الدر المختار (4 / 278) :
ولا تصح الكفالة بجهالة المكفول عنه ولا بجهالة المكفول له.
قال الحطاب في مواهب الجليل (5 / 100)
ولا يشترط معرفة المضمون له.
قال النووي في المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 200)
والأصح اشتراط معرفة المضمون له: وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا , وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له كمعرفته وأنه لا يشترط قبوله ورضاه , ولا يشترط رضا المضمون عنه (وهو المدين) قطعا ولا معرفته في الأصح.
وقال ابن قدامة في المغني (5 / 535)
ولا يعتبر أن يعرفهما (المضمون عنه وله) الضامن وقال القاضي أبو يعلى يعتبر معرفتهما , ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أو لا؟ وليعرف المضمون له , فيؤدى إليه. وذكر وجها آخر. أنه تعتبر معرفة المضمون له لذلك , ولا تعتبر معرفة المضمون عنه , لأنه لا معاملة بينه وبينه , ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود (1 / 181)
وأما ضمان المال: فإنه يجوز بثلاثة شرائط: أن يعلم لمن هو , وكم هو , وعلى من هو؟
وذكر ابن العربي في أحكام القرآن (3 / 1085)
في جهالة المضمون له: قال علماؤنا: هي جائزة , وتجوز عندهم أيضا مع جهالة الشيء المضمون أو كليهما. ومن العجب أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أنه لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له وادعى أصحاب أبي حنيفة أن هذا الخبر: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} منسوخ من الآية خاصة.(1/337)
يشترط في المكفول به أن يكون دينا لازما صحيحا
يشترط في المكفول به: أن يكون الدين لازما صحيحا: وهو ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء ,
وقد اختلف الفقهاء على اتجاهين في ضمان ما لم يجب ,
فمنعه فريق وهم الحنفية والشافعية , وأجاز آخرون الضمان في كل حق من الحقوق الواجبة أو التي تؤول إلى الوجوب في المستقبل.(1/338)
يشترط في المكفول به أن يكون دينا لازما صحيحا , وهو ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء. وهذا شرط خاص بكفالة المال , وهو شرط متفق عليه في الجملة بين المذاهب.
فيصح ضمان كل دين لازم كالثمن والأجرة وعوض القرض ودين السلم وأرش الجناية وغرامة المتلف , لأنه وثيقة يستوفى منها الحق , فصح في كل دين لازم كالرهن وأما ما لا يلزم بحال وهو دين الكتابة فلا يصح ضمانه , لأنه لا يلزم المكاتب أداؤه , فلم يلزم ضمانه.
الكفالة بما ليس بدين ولا تصح عند الحنفية الكفالة بما ليس بدين كنفقة الزوجة قبل القضاء بها أو التراضي عليها , لأنها لا تصير دينا إلا بالقضاء أو الرضا.
ضمان ما لم يجب ويتفرع عن اشتراط كون المكفول به دينا لازما أنه لا يصح عند الحنفية والشافعية ضمان ما لم يجب كجعل الجعالة , لأنه دين غير لازم
قال في المهذب: ولا يصح ضمان ما لم يجب: وهو أن يقول: ما تداين فلان فأنا ضامن له , لأنه وثيقة بحق , فلا يسبق الحق , كالشهادة.
وفي الثمن في مدة الخيار ومال الجعالة ثلاثة أوجه:
أحدها - لا يصح ضمانه , لأنه دين غير لازم , فلم يصح ضمانه كدين الكتابة.
الثاني - يصح , لأنه يؤول إلى اللزوم , فصح ضمانه.
والثالث - يصح ضمان الثمن في مدة الخيار , ولا يصح ضمان مال الجعالة , لأن عقد البيع يؤول إلى اللزوم , وعقد الجعالة لا يلزم بحال.
فأما المال المشروط في السبق والرمي ففيه قولان:
أحدهما: أنه كالإجارة فيصح ضمانه.
والثاني: أنه كالجعالة فيكون في ضمانه وجهان.
قال النووي والشربيني في مغني المحتاج: ضمان الجعل في الجعالة كالرهن به , ومن المعلوم أنه يصح الرهن بالجعل بعد الفراغ من العمل قطعا , ولا يصح قبله , ولو بعد الشروع في الأصح , فلو قال شخص: من رد عبدي فله دينار , فضمنه عنه ضامن قبل مجيء العبد , لأنه غير لازم كمال الكتابة. والفرق بين الجعل والثمن في مدة الخيار: أنه لا يصير إلى اللزوم إلا بالعمل , بخلاف الثمن فإنه يؤول إليه بنفسه.
وذهب المالكية والحنابلة إلى أنه يصح ضمان ما لم يجب , مثل ضمان الجعل. قال خليل وشراح متنه في الشرح الصغير: شرط الدين: لزومه للمضمون في الحال , أو كونه آيلا إلى اللزوم في المستقبل كجعل , كما لو قال شخص لآخر: إن أتيت لي بعبدي الآبق مثلا , فلك دينار , فيصح ضمان القائل , فإن أتى المخاطب بالعبد , لزم الضامن الدينار , إن لم يدفعه رب العبد للعامل. وكذا: داين فلانا وأنا أضمنه , أو إن ثبت لك عليه دين , فأنا ضامن.
فيصح الضمان عندهم في كل حق من الحقوق المالية الواجبة أو التي تؤول إلى الوجوب , كثمن المبيع في مدة الخيار وبعده , والأجرة , والمهر قبل الدخول أو بعده لأن هذه الحقوق لازمة , وجواز سقوطها لا يمنع ضمانها كالثمن في البيع بعد انقضاء الخيار ويجوز أن يسقط برد بعيب أو مقايضة.(1/339)
وقال في مواهب الجليل (5 / 98 - 100)
يصح الضمان بدين لازم أو آيل إلى اللزوم إن أمكن استيفاؤه من ضامنه , وإن جهل ,
المهذب (1 / 340)
يصح ضمان كل دين لازم كالثمن والأجرة وعوض القرض ودين السلم وأرش الجناية وغرامة المتلف , لأنه وثيقة يستوفى منها الحق , فصح في كل دين لازم كالرهن.
الكاساني في البدائع (6 / 7 - 9) :
وها هنا شرط ثالث لكنه يخص الدين وهو أن يكون لازما , فلا تصح الكفالة عن المكاتب لمولاه ببدل الكتابة , لأنه ليس بدين لازم , لأن المكاتب يملك إسقاط الدين عن نفسه بالتعجيز لا بالكسب.
الدر المختار ورد المحتار (4 / 274 - 275) :
وأما كفالة المال فتصح ولو كان المال مجهولا به , إذا كان ذلك المال دينا صحيحا. .
والدين الصحيح: هو ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
ولو كان الإبراء حكما , بفعل يلزمه سقوط الدين , فيسقط دين المهر بمطاوعتها لابن الزوج للإبراء الحكمي , فلا تصح ببدل الكتابة لأن عقد الكتابة عقد غير لازم من جانب العبد , فله أن يستقل بإسقاط هذا الدين , بأن يعجز نفسه متى أراد , فلم يكن دينا صحيحا , لأن العقد من أصله لم ينعقد ملزما لبدل الكتابة , لأنه دين للسيد على عبده ولا يستحق السيد على عبده دينا.
وكذا لا تصح الكفالة بالدية.
جاء في مشروع تقنين الشريعة الإسلامية , على مذهب الإمام مالك (م324)
يشترط في لزوم الضمان: أن يكون دين المضمون لازما له في الحال أو في المستقبل , وأن يكون الضامن غير محجور عليه فيما ضمن فيه من ماله.
وقال خليل وشارح متنه في الشرح الصغير (3 / 431 - 432) :
وشرط الدين لزومه في الحال , بل ولو يلزم المضمون في المآل , أي في المستقبل , كجعل , فإنه قد يؤول إلى اللزوم.
كشاف القناع (3 / 350 - 357) :
الضمان: التزام من يصح تبرعه (وهو الحر غير المحجور عليه) أو التزام مفلس برضاهما (أي من يصح تبرعه والمفلس) دينا وجب على غيره أو ما يجب على غيره مع بقائه على الغير. فلا يصح ضمان دين الكتابة , لأنه ليس بلازم , ولا مآله إلى اللزوم , لأن المكاتب له تعجيز نفسه والامتناع عن الأداء , فإذا لم يلزم الأصل , فالفرع أولى
وقال ابن قدامة في المغني (4 / 536)
يصح ضمان الجعل في الجعالة , وفي المسابقة والمناضلة وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: لا يصح ضمانه , لأنه لا يؤول إلى اللزوم , فلم يصح ضمانه , كمال الكتابة. ولنا قول الله تعالى {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} فدلت الآية على ضمان حمل البعير , مع أنه لم يكن وجب ولأنه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل. وإنما الذي لا يلزم: العمل , والمال يلزم بوجوده والضمان للمال دون العمل. ويصح ضمان أرش الجناية , سواء كانت نقودا كقيم المتلفات أو حيوانا كالديات.
كشاف القناع (3 / 354)
ولا يعتبر كون الحق واجبا إذا كان مآله (أي الحق) إلى الوجوب , فيصح ضمان ما لم يجب إذا آل إلى الوجوب.(1/340)
يشترط في المكفول به أن يكون مضمونا على الأصيل
يشترط في المكفول به أن يكون مضمونا على الأصيل لأن التزام الكفيل تابع لالتزام الأصيل.(1/341)
يشترط في المكفول به أن يكون مضمونا على الأصيل: سواء أكان دينا أم عينا , أم نفسا أم فعلا بشرط أن تكون العين مضمونة بنفسها كالمغصوب والمقبوض بالبيع الفاسد , والمقبوض على سوم الشراء.
والمراد بالفعل المكفول به: هو فعل التسليم مثل الكفالة بتسليم المبيع والرهن , وتصح الكفالة بالفعل , لأن التسليم مضمون على الملتزم به فالمبيع مضمون التسليم على البائع , والرهن مضمون التسليم على المرتهن في الجملة بعد قضاء الدين.
والكفالة بنفس من عليه الحق , كفالة بالفعل: وهو تسليم النفس , وبما أن فعل التسليم مضمون على الأصيل , فجازت الكفالة به عند الحنفية وغيرهم على التفصيل في أقسام الكفالة.
وقد صحح الفقهاء ضمان الأعيان المضمونة بنفسها كالمغصوب والمبيع بيعا فاسدا , والمقبوض على سوم الشراء. . فهذه كلها تصح الكفالة بها , ويجب على الكفيل ما يجب على الأصيل: وهو دفع العين , فإن عجز وجب قيمته أو مثله على الكفيل.
ولا يصح ضمان الأعيان إذا لم تكن مضمونة على من هي في يده. فإذا كان المودع لديه غير ضامن للوديعة , والمضارب غير ضامن لمال المضاربة , والمستأجر غير ضامن لما استأجره , فلا تصح الكفالة في مثل هذه الحالات , لأن الكفيل لا يلتزم بما لا يلتزم به الأصيل.
أما إذا كانت الأمانات - وهي غير مضمونة - تصبح مضمونة على من في يده إذا تعدى أو خان , فهنا تعتبر الكفالة في الحقيقة ضمان ما لم يجب بعد.(1/342)
جاء في مغني المحتاج (2 / 202)
يصح ضمان رد كل عين ممن هي في يده , مضمون عليه , كمغصوبة ومستعارة ومستامة ومبيع لم يقبض كما يصح بالبدن (أي كفالة النفس) بل أولى , لأن المقصود هنا المال , ويبرأ الضامن بردها للمضمون له , ويبرأ أيضا بتلفها , فلا يلزمه قيمتها , كما لو مات المكفول ببدنه لا يلزم الكفيل الدين , ولو ضمن قيمة العين إن تلفت , لم يصح , لعدم ثبوت القيمة , ومحل صحة ضمان العين إذا أذن فيه واضع اليد , أو كان الضامن قادرا على انتزاعه منه.
أما إذا لم تكن العين مضمونة على من هي بيده كالوديعة والمال في يد الشريك والوكيل والوصي , فلا يصح ضمانها , لأن الواجب فيها التخلية دون الرد.
(يفهم مما ذكر أن الشافعية في ضمان الأعيان كالحنفية والحنابلة , فيكون الجواز رأي جمهور الفقهاء) .
وقال ابن رشد في المقدمات والممهدات (2 / 379) :
الحمالة لا تجوز إلا فيما تصح فيه النيابة , وذلك إنما يكون في المال المتعلق في الذمة , أو ما يؤول إلى المال المتعلق بها.
ابن جزي في القوانين الفقهية (ص 325) :
(المضمون) هو كل حق تصح النيابة فيه , وذلك في الأموال وما يؤول إليها , فلا يصح الضمان في الحدود ولا في القصاص , لأنها لا تصح النيابة فيها.
الكاساني في البدائع (6 / 7 - 9)
وأما الذي يرجع إلى المكفول به فنوعان:
أحدهما - أن يكون المكفول به مضمونا على الأصيل , سواء كان دينا أو عينا , أو نفسا أو فعلا ليس بدين ولا عين ولا نفس عند أصحابنا , إلا أنه يشترط في الكفالة بالعين: أن تكون مضمونة بنفسها. .
وأما الفعل: فهو فعل التسليم في الجملة , فتجوز الكفالة بتسليم المبيع والرهن , لأن المبيع مضمون التسليم على البائع , والرهن مضمون التسليم على المرتهن في الجملة بعد قضاء الدين , فكان المكفول به مضمون التسليم على الأصل: وهو فعل التسليم , فصحت الكفالة به , لكنه إذا هلك لا شيء على الكفيل , لأنه لم يبق مضمونا على الأصيل , فلا يبقى على الكفيل.
جاء في مرشد الحيران ما يلي (م826)
تصح الكفالة بالأعيان المضمونة بنفسها على الأصيل , وهي التي تجب قيمتها عند هلاكها إن كانت قيمية أو مثلها إن كانت مثلية , كالمبيع فاسدا , أو المغصوب , أو المقبوض على سوم الشراء إن سمي له ثمنا.
(م827) :
لا تصح الكفالة بالأعيان المضمونة على الأصيل بغيرها لا نفسها , وهي الأعيان الواجبة التسليم وهي قائمة , وعند هلاكها لا يجب مثلها ولا قيمتها , كالمبيع قبل القبض والرهن , فهما مضمونان بالثمن والدين.
(م829) :
لا تصح الكفالة بالأمانات كالوديعة ومال المضاربة والشركة والمؤجر في يد المستأجر.
وقال ابن قدامة في المغني (4 / 538)
يصح ضمان الأعيان المضمونة كالمغصوب والعارية , وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين , وقال في الآخر: لا يصح , لأن الأعيان غير ثابتة في الذمة , وإنما يضمن ما ثبت في الذمة ووصفنا له بالضمان إنما معناه: أنه يلزمه قيمتها إن تلفت , والقيمة مجهولة.
ولنا: أنها مضمونة على من هي في يده , فصح ضمانها كالحقوق الثابتة في الذمة.
وأما الأمانات كالوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين التي يدفعها إلى القصار والخياط , فهذه إن ضمنها من غير تعد فيها , لم يصح ضمانها , لأنها غير مضمونة على من هي في يده فكذلك على ضامنه. وإن ضمنها إن تعدى فيها , فظاهر كلام أحمد رحمه الله يدل على صحة الضمان.
وعبارة البهوتي في كشاف القناع (3 / 364) أوضح وهي: /50 وتصح الكفالة بالأعيان المضمونة , كالمغصوب والعواري , لأنه يصح ضمانها ولا تصح الكفالة بالأمانات كالوديعة والشركة والمضاربة , إلا إن كفله بشرط التعدي فيها , فيصح ضمانها.
ولا تصح الكفالة بزوجة لزوجها ولا بشاهد ليشهد له , لأن الذي عليهما أداؤه ليس بمالي , ولا يمكن استيفاؤه من الكفيل.
كشاف القناع (3 / 350 - 357)
ولا يصح أيضا ضمان الأمانات كالوديعة والعين المؤجرة ومال الشركة والمضاربة , والعين المدفوعة إلى الخياط ونحوهما , لأنها غير مضمونة على من هي في يده , فكذا على ضامنه.(1/343)
أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء من الكفيل ليكون العقد مفيدا
يشترط أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء من الكفيل.(1/344)
يشترط أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء من الكفيل وذلك في الأموال. وهذا شرط مقرر عند جمهور العلماء بل في المذاهب الأربعة مع اختلاف في بعض الجزئيات.
ويترتب عليه أنه لا تجوز الكفالة في الحدود والقصاص عند الحنفية والمالكية والحنابلة , لتعذر الاستيفاء من الكفيل لأن النيابة لا تجري في الحدود , فلا تفيد الكفالة فائدتها.
ودليلهم حديث: لا كفالة في حد ولأن الكفالة استيثاق , والحدود مبناها على الدرء والإسقاط بالشبهات , فلا يلائمها الاستيثاق ولأن الحق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به.
ويتفرع على هذا الشرط عند الحنفية: أن تصح الكفالة بالتزام حمولة شيء في ذمة متعهد النقل بوسيلة نقل غير معينة بذاتها كأي سيارة أو دابة , لأن المستحق حينئذ مقدور للكفيل. لكن لا تصح الكفالة بالتزام نقل حمل من مكان إلى آخر على سيارة أو دابة معينة بذاتها دون غيرها لأن الكفيل قد يعجز عن الحمولة بتلف وسيلة النقل المخصصة.(1/345)
وقال في مواهب الجليل (5 / 98 - 100)
يصح الضمان بدين لازم أو آيل إلى اللزوم إن أمكن استيفاؤه من ضامنه , وإن جهل
الكاساني في البدائع (6 / 7 - 9)
وأما الذي يرجع إلى المكفول به فنوعان:
النوع الثاني - أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء من الكفيل , ليكون العقد مفيدا , فلا تجوز الكفالة بالحدود والقصاص , لتعذر الاستيفاء من الكفيل , فلا تفيد الكفالة فائدتها.
مواهب الجليل (5 / 99 - 100) :
ولزم الضمان فيما ثبت إن أمكن استيفاؤه من ضامنه.(1/346)
أن يكون المكفول به معلوما أو مجهولا
لا يشترط جمهور الفقهاء أن يكون المكفول به معلوما بل يجوز عندهم ضمان المجهول إذا كان دينا صحيحا لأن الضمان عقد تبرع غير معاوضة ومنع الشافعية ذلك بسبب الجهالة المفسدة لعقد البيع ونحوه.
هذا ويصح ضمان الدرك باتفاق الفقهاء وهو من أمثلة ضمان المجهول حيث يضمن شخص للمشترى الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو مبيعا أو ناقصا , وكذلك يصح شرعا ضمان العهدة بالاتفاق وهو أعم من ضمان الدرك لشموله ضمان الدرك بالثمن وضمان الدرك في المبيع.(1/347)
ضمان المجهول لا يشترط في الكفالة بالمال عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة أن يكون الدين معلوم القدر والصفة والعين.
فتصح الكفالة:
بالمعلوم كقوله: تكفلت عنه بألف ,
أو بالمجهول , كقوله: تكفلت عنه بما لك عليه , أو ضمنت لك ما تداينه به.
ومن أمثله ضمان المجهول: ضمان السوق , وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين , وما يقبضه من عين مضمونة.
ويذهب الجمهور إلى صحة ضمان المجهول لقوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} وحمل البعير غير معلوم , لأن حمل البعير يختلف باختلافه وعموم قوله عليه السلام: الزعيم غارم ولأن الكفالة عقد تبرع , وهو التزام حق في الذمة من غير معاوضة فصح في المجهول , كالنذر والإقرار. كما أن الكفالة مبنية على التوسع , فيحتمل فيها الجهالة.
أما عند الشافعية فلا يجوز ضمان المجهول وذهب إلى ذلك أيضا الثوري والليث وابن أبي ليلى وابن المنذر لأن الضمان إثبات مال في الذمة بعقد لآدمي أو التزام مال , فلم يجز مع الجهالة كالثمن في البيع , فلا يصح المجهول ولا غير المعين كأحد الدينين.
ضمان الدرك ضمان الدرك: هو الكفالة بما يدرك المال المبيع ويلحق به من خطر بسبب سابق على البيع وذلك مثلا بأن يضمن شخص للمشترى الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو معيبا أو ناقصا إما لرداءته , أو لنقص سنجات الوزن التي وزن بها. والدرك هو التبعة , أي المطالبة والمؤاخذة.
فقد اتفق الفقهاء جميعا على صحة هذا النوع من الضمان (ضمان الدرك) , لأنه عند جمهور الفقهاء من أمثلة ضمان المجهول , وهو جائز عند الشافعية لحاجة الناس إليه.
كما صحح الحنفية الكفالة فيما لو قال إنسان لغيره: اسلك هذا الطريق , فان أخذ مالك , فأنا ضامن , فأخذ ماله , صح الضمان , والمضمون عنه مجهول. وكذا لو قال: لو غصب مالك فلان أو واحد من هؤلاء القوم , فأنا ضامن , صح الضمان.
ويطلق على ضمان الدرك أيضا ضمان العهدة لالتزام الضامن ما في عهدة البائع رده , والعهدة في الحقيقة: عبارة عن الصك المكتوب فيه الثمن , ولكن الفقهاء يستعملونه في الثمن مجازا.
وقال الشافعية والحنابلة: يصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشترى , وعن المشترى للبائع ,
فضمانه على المشتري: هو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه , وإن ظهر فيه عيب أو استحق , رجع بذلك على الضامن ,
وضمانه عن البائع للمشتري: هو أن يضمن عن البائع الثمن متى خرج المبيع مستحقا , أو رد بعيب , أو أرش العيب.
فضمان العهدة في الموضعين: هو ضمان الثمن أو جزء منه عن أحدهما للآخر , وحقيقة العهدة: الكتاب الذي يكتب فيه وثيقة البيع. وذكر فيه الثمن , فعبر به عن الثمن الذي يضمنه.
وممن أجاز ضمان العهدة في الجملة: أبو حنيفة ومالك والشافعي ومنع منه بعض الشافعية لكونه ضمان ما لم يجب , وضمان مجهول , وضمان عين. وقد بينا جواز الضمان في ذلك كله , ولأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة على البائع. والوثائق ثلاثة: الشهادة , والرهن والضمان.
ويصح ضمان العهدة عن البائع للمشترى قبل قبض الثمن وبعده.
وقال الشافعي إنما يصح بعد القبض , لأنه قبل القبض لو خرج مستحقا , لم يجب على البائع شيء. وهذا ينبني على ضمان ما لم يجب إذا كان مفضيا إلى الوجوب كالجعالة , أجازه المالكية والحنابلة , ومنعه الحنفية والشافعية , كما تقدم.
وقال النووي في مغني المحتاج: والمذهب صحة ضمان الدرك بعد قبض الثمن: وهو أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص السنجة التي وزن به.
كما قال أيضا: ولا يختص ضمان الدرك بالثمن , بل يجري في المبيع , فيضمنه للبائع إن خرج الثمن المعين مستحقا أو أخذ بشفعة سابقة أو معيبا أو ناقصا إما لرداءته , أو لنقص الصنجة.
ولو ضمن عهدة فساد البيع بغير الاستحقاق أو عهدة العيب أو التلف قبل قبض المبيع , صح للحاجة إليه , ولا يدخل ذلك تحت ضمان العهدة.
وعليه , يصح شرعا ضمان العهدة بالاتفاق , وهو أعم من ضمان الدرك , لشموله ضمان الدرك بالثمن وضمان الدرك في المبيع.(1/348)
قال المرغيناني في الهداية وابن الهمام في فتح القدير (5 / 402)
وأما الكفالة بالمال فجائزة معلوما كان المكفول به أو مجهولا , إذا كان دينا صحيحا , مثل أن يقول: تكفلت عنه بألف أو بما لك عليه أو بما يدكك في هذا البيع , لأن مبنى الكفالة على التوسع , فيحتمل فيها الجهالة وعلى الكفالة بالدرك إجماع , وصار عقد الكفالة بمال مجهول كالكفالة بشجة , أي شجة كانت إذا كانت خطأ , فإنها صحيحة , وإن كانت بمجهول , لاحتمال السراية والاقتصار , أو: وإن احتملت السراية والاقتصار.
وقال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 273 - 274)
وأما كفالة المال فتصح ولو كان المال مجهولا به إذا كان ذلك المال دينا صحيحا , إلا إذا كان الدين مشتركا , كما سيجيء , لأن قسمة الدين المشترك قبل قبضه لا تجوز.
وقال في مواهب الجليل (5 / 98 - 100)
يصح الضمان بدين لازم أو آيل إلى اللزوم إن أمكن استيفاؤه من ضامنه , وإن جهل , قال أبو محمد ولما جازت هبة المجهول , جازت الحمالة , لأنه معروف.
ومن صور هذه المسألة ما قال في المدونة: ومن قال لرجل: ما ذاب لك (ما ثبت لك وصح) قبل فلان الذي تخاصم , فأنا لك به حميل , فاستحق قبله مالا , كان هذا الكفيل ضامنا له.
وقال في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يعتبر كون الحق معلوما , لأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة , فصح في المجهول كالإقرار.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م1128)
تصح الكفالة ببدن من عليه دين يصح ضمانه , سواء كان الدين معلوما أو مجهولا يؤول إلى العلم به , وببدن من عنده عين مضمونة.
الدر المختار ورد المحتار (4 / 274 - 275)
وأما كفالة المال فتصح ولو كان المال مجهولا به , إذا كان ذلك المال دينا صحيحا. .(1/349)
حق المكفول له في المطالبة
يرى الجمهور أن للمكفول له الخيار بين مطالبة الأصيل أو الكفيل , فيكون له الحق عند حلول الأجل في مطالبة أحد الطرفين: إما الكفيل بما التزم , وإما المدين الأصيل بسبب أصل العلاقة , فله الحق في مطالبة أيهما شاء , دون أخذ أكثر من حقه.
أما المالكية فإنهم يرون أن المكفول له لا يطالب الكفيل إذا تيسر الأخذ من مال المكفول عنه إلا إذا اشترط ما ذكر ,
ويرى جماعة أن الكفالة بمعنى الحوالة يترتب عليها براءة ذمة الأصيل.(1/350)
حق المكفول له في مطالبة الكفيل أو الأصيل أيهما شاء عند جمهور الفقهاء
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكفالة تعطي المكفول له الحق في مطالبة الكفيل بما التزم به , وأن هذا الحق لا يسقط حق المكفول له في مطالبة المكفول عنه أيضا: فله مطالبة أيهما شاء , أو مطالبة الاثنين معا , ولكن لا يأخذ أكثر من حقه.
هذا ولا يترتب على الكفالة عند الجمهور براءة الأصيل إلا إذا كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل , لأنها حوالة معنى. ولم يجز الشافعية في الأصح عندهم الكفالة بشرط براءة الأصيل , لأنه شرط ينافي مقتضى الضمان.
هذا ويجوز تعدد الكفلاء كاثنين أو أكثر , سواء ضمن كل واحد منهم جميع الدين أو جزءا منه. فإذا كان كل كفيل التزم بجزء من الدين فهو مطالب بما التزم من حصته فقط , وإذا كان كل واحد كفل الأصيل في جميع الدين فللمكفول له مطالبة الجميع أو مطالبة من شاء بجميع الدين , فضلا عن جزء منه.
وإذا كفل الكفيل الأول كفيل ثان , وكفل الثاني ثالث , وهكذا , كان الكفيل الأول بالنسبة للثاني كالأصيل بالنسبة للأول , وكان الثاني للثالث كالأول للثاني , وهكذا.
كيفية مطالبة الكفيل /50 ومطالبة المكفول له بحقه تختلف بحسب محل الكفالة:
فإن كانت الكفالة بالدين ,
فيطالب الكفيل بما على الأصيل بالدين كله إن كان واحدا. فإن كان هناك كفيلان , والدين ألف مثلا , فيطالب كل وأحد منهما بخمسمائة إذا لم يكفل كل واحد منهما عن صاحبه , لأنهما استويا في الكفالة , والمكفول به يحتمل الانقسام , فينقسم عليهما في حق المطالبة. ولو أدى أحدهما لا يرجع على صاحبه , لأنه يؤدي عن نفسه , لا عن صاحبه لكن يرجع على الأصيل بما أدي.
وإن كانت الكفالة بالنفس:
فيطالب الكفيل بإحضار المكفول بنفسه إن لم يكن غائبا. وإن كان غائبا يؤخر الكفيل إلى مدة يمكنه إحضاره فيها , فإن لم يحضر في المدة ولم يظهر عجزه , للقاضي حبسه إلى أن يظهر عجزه له , فإن ظهر للقاضي أنه لا يقدر على الإحضار بدلالة الحال , أو بشهادة الشهود أو غيرها , أطلقه من الحبس , وأنظره إلى حال القدرة على إحضاره , لأنه بمنزلة المفلس بالنسبة للدين.
وإذا أخرجه القاضي فإن الدائنين بالغرماء يلازمونه , ولا يحول القاضي بينه وبين الغرماء , ولكن ليس للغرماء أن يمنعوه من أشغاله , أو من الكسب وغيره. وهذا ما قرره الحنفية.
وذهب الشافعية إلى أنه يلزم الكفيل بإحضار المكفول إن علم مكانه , فإن جهل مكانه , لم يلزم بإحضاره , وإذا ألزم بالإحضار يمهل مدة الذهاب والإياب , فإن مضت تلك المدة ولم يحضره , حبس إلى أن يتعذر إحضار المكفول بموت أو جهل بموضعه , أو إقامة عند شخص يمنعه من إمكان الوصول إليه.
ومذهب الحنابلة قريب من مذهب الشافعية , فإنهم قالوا: يلزم الكفيل بإحضار المكفول إن علم موضعه , فإن لم يحضره إما لتوان أو لهربه (أي المكفول به) واختفائه , أو لامتناعه , أو لغير ذلك , كذي سلطان بحيث تعذر إحضاره مع حياته , لزم الكفيل ما عليه من الدين , لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: الزعيم غارم ولأن كفالة البدن أحد نوعي الكفالة , فوجب الغرم بها إذن كالكفالة بالمال.
ولا يسقط عن الكفيل المال بإحضار المكفول به بعد الوقت المسمى , نصا , إلا إذا شرط الكفيل البراءة من الدين , فلا يلزمه , عملا بشرطه , لأنه إنما التزم الكفالة على هذا الشرط , فلا يلزمه سوى ما اقتضاه التزامه.
وان كانت الكفالة بالعين:
فيطالب الكفيل بتسليم العين إن كانت قائمة , وبمثلها أو قيمتها إن كانت هالكة.
ليس للمكفول له مطالبة الكفيل إذا تيسر الأخذ من الأصيل إلا إذا اشترط ذلك في قول المالكية
يرى جمهور المالكية الأخذ بالرأي الذي رجع إليه الإمام مالك وهو أن المكفول له لا يطالب الكفيل إذا تيسر الأخذ من مال المكفول عنه إلا إذا اشترط رب الدين أخذ دينه من أيهما شاء: الأصيل أو الكفيل , أو اشترط تقديمه في الأخذ عن المدين , أو ضمن الضامن المدين في الحالات الست: الحياة , والموت , والحضور , والغيبة , واليسر , والعسر , فله مطالبته , ولو تيسر الأخذ من مال الغريم.
وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو ثور وابن سيرين والظاهرية والإمامية: إن الكفالة توجب براءة الأصيل , وينتقل الحق إلى ذمة الكفيل , فلا يملك الدائن مطالبة الأصيل , كما في الحوالة , ودليلهم قصة ضمان أبي قتادة رضي الله عنه الدينارين عن ميت , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: جزاك الله خيرا , وفك رهانك , كما فككت رهان أخيك فدل هذا على أن المضمون عنه برئ من الضمان أي أن هؤلاء يجعلون الكفالة حوالة.
والحقيقة أن الكفالة معناها ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة , أو في حق أصل الدين على الخلاف السابق , والبراءة تنافي الضم , ولأن الكفالة لو كانت مبرئة , لكانت حوالة , وهما متغايران , لأن تغير الأسامي دليل تغاير المعاني في الأصل.
ويؤيد ذلك ما ورد في السنة من حديث رواه أحمد نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ورواية أخري في قصة أبي قتادة الآن بردت جلدته حين أخبره أنه قضى دينه وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المضمون عنه , فلأنه بالضمان صار له وفاء , وإنما امتنع عن الصلاة على مدين لم يخلف وفاء. وأما قوله عليه السلام فك الله رهانك إلخ فإنه كان بحال لا يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم , فلما ضمن عنه , فكه عن ذلك أو عما في معناه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود اتفق الأئمة على جواز الضمان وأنه لا ينتقل الحق عن المضمون عند الحي بنفس الضمان , بل الدين باق في ذمته , لا يسقط عن ذمته إلا بالأداء , وهل تبرأ ذمة الميت المضمون عنه بنفس الضمان؟ فعند الأئمة الثلاثة: لا , كالحي , وعن أحمد روايتان.(1/351)
قال في الهداية وفتح القدير (5 / 403)
والمكفول له بالخيار: إن شاء طالب الذي عليه الأصل , وان شاء طالب كفيله , لأن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة , وذلك يقتضي قيام الأول , لا البراءة عنه إلا إذا شرط فيه البراءة , فحينئذ تنعقد حوالة , اعتبارا للمعنى , كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها المحيل , تكون كفالة. ولو طالب أحدهما له أن يطالب الآخر , وله أن يطالبهما , لأن مقتضاه الضم , بخلاف المالك إذا اختار تضمين أحد الغاصبين , لأن اختياره تضمين أحدهما يتضمن التمليك منه , فلا يمكنه التمليك من الثاني أما المطالبة بالكفالة فلا تتضمن التمليك , فوضح الفرق.
قال النووي في المنهاج وصاحب مغني المحتاج (2 / 208)
وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل , والأصح أنه لا يصح بشرط براءة الأصيل. ولو أبرأ الأصيل برئ الضامن , ولا عكس. ولو مات أحدهما حل عليه دون الآخر , وإذا طالب المستحق الضامن بالدين , فله مطالبة الأصيل بتخليصه بالأداء للدين المضمون له ليبرأ الضامن , إن ضمن بإذنه , لأنه الذي أوقعه في المطالبة , كما أنه يغرمه إذا غرم.
ومعنى التخليص , أنه يؤدي دين المضمون له ليبرأ الضامن.
وقال في المغني (5 / 547)
ولصاحب الحق مطالبته من شاء منهما.
وحكي عن مالك في إحدى الروايتين عنه: أنه لا يطالب الطالب إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه , لأنه وثيقة , فلا يستوفي الحق منها إلا عند تعذر استيفائه من الأصل كالرهن.
ولنا: أن الحق ثابت في ذمة الضامن , فملك مطالبته كالأصيل ولأن الحق ثابت في ذمتهما , فملك مطالبته من شاء منهما , كالضامنين إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه. ولا يشبه الرهن , لأنه مال من عليه الحق , وليس بذي ذمة يطالب , إنما يطالب من عليه الدين ليقضي منه أو من غيره.
قال الدردير في شرح متن خليل الشرح الصغير (3 / 438)
ولا يطالب الضامن , أي ليس لرب الدين مطالبته به , إن تيسر الأخذ لرب الدين من مال المدين: بأن كان موسرا غير ملد ولا ظالم. وهذا هو الذي رجع إليه مالك بعد قوله: رب الدين مخير في طلب أيهما شاء , ولو كان المدين غائبا , حيث كان الدين ثابتا , ومال المدين حاضرا يمكن الأخذ منه بلا مشقة.
إلا أن يشترط رب الدين عند الضمان أخذ أيهما شاء , أو يشترط تقديمه في الأخذ عن المدين , أو ضمن الضامن المدين في الحالات الست: الحياة , والموت , والحضور , والغيبة , واليسر , والعسر , فله مطالبته ولو تيسر الأخذ من مال الغريم.
[وعلق الصاوي بقوله في بلغه السالك بما نقله عن العلامة محمد البناني والقول المرجوع عنه هو الذي جرى له العمل بفاس - وهو الأنسب - بكون الضمان شغل ذمة أخرى بالحق.
وعلق على العبارة الأخيرة (فله مطالبته ولو تيسر الأخذ من مال الغريم) بقوله: ما ذكره الشارح هو المعتمد , وهو ما في وثائق أبي القاسم الجزيري وغيره , خلافا لابن الحاجب من أن الضامن لا يطالب إذا حضر الغريم مليئا مطلقا] .(1/352)
شروط رجوع الكفيل
يرجع الكفيل على الأصيل بشرطين:
الأول: أن تكون الكفالة بإذن الأصيل , فإن لم تكن كذلك لا يصح أن يرجع الكفيل بما يؤديه لأنه حينئذ يكون متبرعا بما أدى.
الثاني: أن يؤدي الكفيل ما على الأصيل , فإن لم يؤدي لا يصح له أن يرجع ويطالب الأصيل بالمال لأن ولاية المطالبة إنما تثبت بحكم القرض والتمليك , وهو لا يوجد قبل الأداء.
ويشترط لرجوع الكفيل على الأصيل عند الحنفية: أن تكون الكفالة بأمر المكفول عنه , وبإذن صحيح منه , وبتفويضه الضمان عنه , وألا يكون هناك دين للأصيل في ذمة الكفيل , وإلا وقعت المقاصة بينهما.(1/353)
يشترط لرجوع الكفيل على الأصيل أن تكون الكفالة بإذن الأصيل , وأن يؤدي للمكفول له الحق المكفول به.
فإذا كانت الكفالة بدين مثلا , وبإذن الأصيل , كان للكفيل مطالبة المكفول عنه بالخلاص إذا طولب , وإن حبس فله أن يحبس المكفول عنه , لأنه هو أوقعه في هذه المسئولية , فكان عليه تخليصه منها. وأما إذا كانت الكفالة بغير أمر الأصيل , فليس للكفيل حق ملازمة الأصيل إذا لوزم , ولاحق الحبس , إذا حبس.
وليس للكفيل أيضا أن يطالب بالمال قبل أن يؤدي هو , وإن كانت الكفالة بأمر الأصيل , لأن ولاية المطالبة إنما تثبت بحكم القرض والتمليك , وكل ذلك يقف على الأدلة ولم يوجد هذا بخلاف الوكيل بالشراء , فإن له مطالبة الموكل بالثمن بعد الشراء قبل أن يؤدي هو من مال نفسه لأن الثمن هنا يقابل المبيع , وملك المبيع وقع للموكل , فكان الثمن عليه , فيكون للوكيل الحق في أن يطالبه به , وأما في الكفالة فإن حق المطالبة هو بسبب القرض أو التمليك , ولم يوجد بعد.
فإذا أدى الكفيل كان له أن يرجع على الأصيل إذا كانت الكفالة بأمره , لأن العلاقة بينهما تكون حينئذ علاقة قرض واستقراض , فالأصيل مستقرض , والكفيل بأداء المال مقرض , والمقرض يرجع على المستقرض بما أقرضه.
أداء الكفيل الدين متبرعا به وليس بنية الرجوع على المكفول عنه
إذا قضى الكفيل الدين متبرعا به , لا ينوي الرجوع على المكفول عنه , برئ المدين وأصبح غير ملزم بالدين , فلا يرجع الكفيل بشيء لأنه يتطوع بذلك , وفعله أشبه بالصدقة , وذلك سواء ضمن بأمر المكفول عنه أو بغير أمره.
فإذا ما أدى الكفيل بنية الرجوع بالمؤدى , لم يخل الأمر من أربعة أحوال:
الحال الأول: أن يضمن الكفيل بأمر المضمون عنه , ويؤدي بأمره: فإنه يرجع عليه , سواء قال له: اضمن عني , أو أد عني , أو أطلق.
وهذا قول الجمهور (المالكية , والحنابلة , والشافعية وأبو يوسف) .
وقال أبو حنيفة ومحمد إن قال: اضمن عني , وانقد عني , رجع عليه , وان قال: انقد هذا , لم يرجع إلا أن يكون مخالطا يستقرض منه ويودع عنده , أو شريكا , لأنه قد يأمر مخالطه بالنقد عنه فلو قال: اضمن الألف التي لفلان علي (لم يرجع عليه عند الأداء , لأن الكائن مجرد الأمر بالضمان والإعطاء فجاز أن يكون القصد ليرجع وأن يكون القصد طلب تبرعه بذلك , فلم يلزم المال , في رأي أبي حنيفة ومحمد إلا إذا كان خليطا أو شريكا. وقال أبو يوسف يرجع , لأنه وجد القضاء بناء على الأمر , فلا بد من اعتبار الأمر فيه.
الحال الثاني: أن يضمن الكفيل بأمر المكفول عنه , ويؤدى بغير أمره , فله الرجوع أيضا.
وهو رأي المالكية والحنابلة والشافعية في الأصح.
الحال الثالث: أن يضمن الكفيل بغير أمر المكفول عنه , ويؤدي بأمره , فله الرجوع عند المالكية والحنابلة , ولا رجوع له في الأصح عند الشافعية.
الحال الرابع: أن يضمن الكفيل بغير أمر المكفول عنه , ويؤدي بغير أمره , فله الرجوع بما أدى , وهو قول مالك وعبد الله بن الحسن وإسحاق وأحمد في إحدى روايتين.
ووجه هذه الرواية أنه قضاء مبرئ من دين واجب , فكان من ضمان من هو عليه , كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه.
وأما حديث أبي قتادة فإنه تبرع بالقضاء والضمان , إذ إنه قضى دين الميت قصدا لتبرئة ذمته , ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بأنه لم يترك وفاء والمتبرع لا يرجع بشيء.
وليس له الرجوع , في رواية ثانية عن أحمد وهو كذلك قول أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر بدليل حديث علي وأبي قتادة فإنهما لو كانا يستحقان الرجوع على الميت صار الدين لهما , فكانت ذمة الميت مشغولة بدينهما كاشتغالها بدين المضمون عنه ,(1/354)
قال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361)
إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله , لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم يرجع قبل الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين وان مات المضمون عنه أو الضامن , لم يحل الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته كسائر حقوقه.
وان مات الضامن والمضمون عنه , فكذلك لم يحل الدين , لما تقدم , وان وثق الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين أو التركة. وان لم توثق الورثة حل الدين.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1104)
إذا قضى الضامن أقل من الدين أو أكثر منه , ولو بمعاوضة مع المضمون له , لا يرجع على المضمون عنه إلا بأقل من الدين ومما قضى به.
قال في الدر المختار (4 / 287)
وإذا حل الدين المؤجل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل , فلو أداه وارثه , لم يرجع لو الكفالة بأمره إلا إلى أجله خلافا لزفر , كما لا يحل المؤجل على الكفيل اتفاقا إذا حل على الأصيل بموته. ولو ماتا خير الطالب.
جاء في الشرح الصغير (3 / 441)
وعجل الدين بموت الضامن قبل الأجل من تركته إن كان له تركة. ورجع وارثه (أي وارث الضامن على الغريم) بعد الأجل أو بعد موت الغريم على تركته , إن ترك ما يؤخذ منه الدين , وإلا سقط.
وجاء في مغني المحتاج (2 / 208)
ولو مات أحدهما (الضامن أو المضمون عنه) والدين مؤجل , حل عليه لخراب ذمته , دون الآخر , فلا يحل عليه , لأنه يرتفق بالأجل فإن كان الميت الأصيل , فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته , أو إبرائه هو , لأن التركة قد تهلك , فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وان كان الميت الضامن , وأخذ المستحق الدين من تركته , لم يكن لوارثه الرجوع على المضمون عنه الإذن في الضمان قبل حلول الأجل.(1/355)
رجوع الكفيل على الأصيل حال تعدد الكفلاء
في حال تعدد الكفلاء ولم يكفل كل واحد صاحبه , يرجع الكفيل على الأصيل بنصف ما أداه , إلا إذا زاد عن نصف المكفول به , فيرجع بالزيادة إن شاء.(1/356)
في حال تعدد الكفلاء , كأن يكفل رجلان مدينا بألف دينار مثلا , فالأمر يكون على أحد هذه الحالات:
- إذا لم يكفل كل واحد منهما عن صاحبه , فأدى أحدهما ما عليه , فلا يرجع على صاحبه بشيء مما أدى , لأنه أدى عن نفسه لا عن صاحبه ولكنه يرجع على الأصيل , لأنه كفيل عنه بأمره.
- وإن كفل واحد منهما عن صاحبه بما عليه , فالقول قول الكفيل فيما أدى أنه من كفالة الكفيل الآخر , أو من كفالة نفسه , لأنه لزمه المطالبة بالمال من وجهين.
أحدهما: من جهة كفالة نفسه ,
والثاني: من جهة الكفالة عن صاحبه.
وليس أحد الوجهين أولى من الآخر , فكان له ولاية الأداء عن أيهما شاء.
- وإذا كفل كل واحد منهما عن صاحبه بما عليه فما أدى كل واحد منهما يكون عن نفسه إلى نصف المكفول به , وهو خمسمائة دينار في مثالنا , ولا يقبل قوله فيه أنه أدى عن شريكه لا عن نفسه بل يكون عن نفسه إلى هذا القدر , فلا يرجع على شريكه , كما لا يقبل قوله أيضا حين الأداء أنه يؤدى عن شريكه لا عن نفسه.
ولا يرجع على شريكه ما لم يزد المؤدى عن نصف المكفول به , وهو الخمسمائة في مثالنا , فإن زاد عليها , يرجع بالزيادة إن شاء على شريكه , وان شاء على الأصيل.(1/357)
قال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361)
إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله , لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم يرجع قبل الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين وان مات المضمون عنه أو الضامن , لم يحل الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته كسائر حقوقه.
وان مات الضامن والمضمون عنه , فكذلك لم يحل الدين , لما تقدم , وان وثق الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين أو التركة. وان لم توثق الورثة حل الدين.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1104)
إذا قضى الضامن أقل من الدين أو أكثر منه , ولو بمعاوضة مع المضمون له , لا يرجع على المضمون عنه إلا بأقل من الدين ومما قضى به.
قال في الدر المختار (4 / 287)
وإذا حل الدين المؤجل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل , فلو أداه وارثه , لم يرجع لو الكفالة بأمره إلا إلى أجله خلافا لزفر , كما لا يحل المؤجل على الكفيل اتفاقا إذا حل على الأصيل بموته. ولو ماتا خير الطالب.
جاء في الشرح الصغير (3 / 441)
وعجل الدين بموت الضامن قبل الأجل من تركته إن كان له تركة. ورجع وارثه (أي وارث الضامن على الغريم) بعد الأجل أو بعد موت الغريم على تركته , إن ترك ما يؤخذ منه الدين , وإلا سقط.
وجاء في مغني المحتاج (2 / 208)
ولو مات أحدهما (الضامن أو المضمون عنه) والدين مؤجل , حل عليه لخراب ذمته , دون الآخر , فلا يحل عليه , لأنه يرتفق بالأجل فإن كان الميت الأصيل , فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته , أو إبرائه هو , لأن التركة قد تهلك , فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وان كان الميت الضامن , وأخذ المستحق الدين من تركته , لم يكن لوارثه الرجوع على المضمون عنه الإذن في الضمان قبل حلول الأجل.(1/358)
ما يرجع الكفيل على الأصيل
اختلف الفقهاء فيما يرجع به الكفيل على الأصيل على ثلاثة آراء , ففي مذهب: يرجع بما ضمن , وفي آخر: يرجع بما أدى فعلا , وفي مذهب ثالث: يرجع بالأقل مما أدى أو قدر الدين.(1/359)
اختلف الفقهاء فيما يرجع به الكفيل على الأصيل على ثلاثة آراء:
يرجع الكفيل على الأصيل بما ضمن أو التزم عند الحنفية /50 ذهب الحنفية إلى أن الكفيل يرجع على الأصيل بما ضمن أو التزم , لا بما أداه , لأنه بالأداء ملك ما في ذمة الأصيل , فيرجع بما تمت الكفالة عليه فلو كانت الكفالة على شيء جيد , فأدى ما هو أدون منه , فإنه يرجع على الأصيل بالجيد.
وكذلك إذا كفل دينا , فأدى عنه مكيلا أو موزونا أو عروض تجارة , فإنه يرجع بما كفل , لا بما أدى.
وهذا بخلاف الوكيل بقضاء الدين , فإنه يرجع على الموكل بما أدى , لا بالدين , لأنه بالأداء ما ملك الدين , بل أقرض ما أداه الموكل , فيرجع عليه بما أقرضه.
أما في حالة الصلح على بعض الدين , فإنه يرجع بما صالح به , لا بكل الدين , لأنه بأداء البعض لم يملك ما في ذمة الأصيل , وهو كل الدين , إذ لا يمكن اعتبار الصلح تمليكا , لأنه يؤدي إلى الربا.
يرجع الكفيل على الأصيل بما أدى فعلا عند المالكية والشافعية /50 ذهب المالكية والشافعية في الأصح عندهم إلى أن الكفيل يرجع بما غرم , أي بما أدى فعلا , لأنه هو الشيء الذي بذله وكذلك في حال الصلح أو الإبراء من بعض الدين , يرجع الكفيل عند الشافعية بما أدى , وبالأقل من الدين وقيمة الشيء المصالح به عند المالكية.
يرجع الكفيل على الأصيل بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين عند الحنابلة /50 ذهب الحنابلة إلى أن الكفيل يرجع على الأصيل بأقل الأمرين مما قضى , أو قدر الدين , لأنه وإن كان الأقل هو الدين , فالزائد لم يكن واجبا , فهو متبرع بأدائه وان كان المقضي أقل , فإنما يرجع بما غرم.(1/360)
قال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361)
إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله , لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم يرجع قبل الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين وان مات المضمون عنه أو الضامن , لم يحل الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته كسائر حقوقه.
وان مات الضامن والمضمون عنه , فكذلك لم يحل الدين , لما تقدم , وان وثق الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين أو التركة. وان لم توثق الورثة حل الدين.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1104)
إذا قضى الضامن أقل من الدين أو أكثر منه , ولو بمعاوضة مع المضمون له , لا يرجع على المضمون عنه إلا بأقل من الدين ومما قضى به.
قال في الدر المختار (4 / 287)
وإذا حل الدين المؤجل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل , فلو أداه وارثه , لم يرجع لو الكفالة بأمره إلا إلى أجله خلافا لزفر , كما لا يحل المؤجل على الكفيل اتفاقا إذا حل على الأصيل بموته. ولو ماتا خير الطالب.
جاء في الشرح الصغير (3 / 441)
وعجل الدين بموت الضامن قبل الأجل من تركته إن كان له تركة. ورجع وارثه (أي وارث الضامن على الغريم) بعد الأجل أو بعد موت الغريم على تركته , إن ترك ما يؤخذ منه الدين , وإلا سقط.
وجاء في مغني المحتاج (2 / 208)
ولو مات أحدهما (الضامن أو المضمون عنه) والدين مؤجل , حل عليه لخراب ذمته , دون الآخر , فلا يحل عليه , لأنه يرتفق بالأجل فإن كان الميت الأصيل , فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته , أو إبرائه هو , لأن التركة قد تهلك , فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وان كان الميت الضامن , وأخذ المستحق الدين من تركته , لم يكن لوارثه الرجوع على المضمون عنه الإذن في الضمان قبل حلول الأجل.(1/361)
حلول الدين على الكفيل بموته
اختلف الفقهاء على رأيين في حلول الدين على الكفيل بموته:
رأي يقرر حلوله ,
ورأي يمنع حلوله.(1/362)
هل يحل الدين المؤجل على الكفيل بموته؟ /50 فيه رأيان: رأي الجمهور , ورأي الحنابلة.
- أما رأي الجمهور: فإن الدين المؤجل على الأصيل , لا يحل على الكفيل بموته , كما لا يحل المؤجل على الأصيل بموت الكفيل.
- وأما رأي الحنابلة: فإن الدين المؤجل لا يحل بموت الضامن أو المضمون عنه , جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1118) : (لا يحل الدين المؤجل بموت الضامن ولا بموت المضمون عنه , لكن إذا ماتا جميعا فإنه يحل إلا إذا وثقه الورثة برهن يحرز , أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين والتركة) .(1/363)
قال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361)
إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله , لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم يرجع قبل الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين وان مات المضمون عنه أو الضامن , لم يحل الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته كسائر حقوقه.
وان مات الضامن والمضمون عنه , فكذلك لم يحل الدين , لما تقدم , وان وثق الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين أو التركة. وان لم توثق الورثة حل الدين.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1104)
إذا قضى الضامن أقل من الدين أو أكثر منه , ولو بمعاوضة مع المضمون له , لا يرجع على المضمون عنه إلا بأقل من الدين ومما قضى به.
قال في الدر المختار (4 / 287)
وإذا حل الدين المؤجل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل , فلو أداه وارثه , لم يرجع لو الكفالة بأمره إلا إلى أجله خلافا لزفر , كما لا يحل المؤجل على الكفيل اتفاقا إذا حل على الأصيل بموته. ولو ماتا خير الطالب.
جاء في الشرح الصغير (3 / 441)
وعجل الدين بموت الضامن قبل الأجل من تركته إن كان له تركة. ورجع وارثه (أي وارث الضامن على الغريم) بعد الأجل أو بعد موت الغريم على تركته , إن ترك ما يؤخذ منه الدين , وإلا سقط.
وجاء في مغني المحتاج (2 / 208)
ولو مات أحدهما (الضامن أو المضمون عنه) والدين مؤجل , حل عليه لخراب ذمته , دون الآخر , فلا يحل عليه , لأنه يرتفق بالأجل فإن كان الميت الأصيل , فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته , أو إبرائه هو , لأن التركة قد تهلك , فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وان كان الميت الضامن , وأخذ المستحق الدين من تركته , لم يكن لوارثه الرجوع على المضمون عنه الإذن في الضمان قبل حلول الأجل.(1/364)
انتهاء الكفالة بالمال
تنتهي الكفالة بالمال بأحد أمور ثلاثة: الأداء والإبراء وما في معناهما , وفسخ الدين المكفول أو إبطاله.(1/365)
أما كفالة المال أو الدين فتنقضي بانقضاء التزام الأصيل أو الكفيل في أحد الأحوال الثلاثة التالية:
أالأداء وما في معناه:
سواء كان الأداء من الكفيل أو من الأصيل: فمتى تم أداء الدين من الأصيل أو من الكفيل , سقطت الكفالة , وبرئت الذمة , لأن حق الدائن في المطالبة بالدين يزول.
والهبة أو الصدقة في معنى الأداء , فتنتهي الكفالة إذا وهب الدائن المال إلى الكفيل أو الأصيل , لأن الهبة بمنزلة الأداء. وكذلك إذا تصدق الدائن بالدين على الكفيل أو على الأصيل.
وكذلك تنتهي الكفالة إذا مات الدائن وورثه الكفيل أو الأصيل , لأن بالميراث يملك ما في ذمته فإن كان الوارث هو الكفيل , فقد ملك ما في ذمته , فيرجع على الأصيل , كما لو ملكه بالأداء. وان كان الوارث هو المكفول عنه , برئ الكفيل , كأنه أدى.
الإبراء وما في معناه:
إذا أبرأ الدائن المكفول له الكفيل أو الأصيل , انتهت الكفالة , غير أنه إذا أبرأ الكفيل لا يبرأ الأصيل , وإذا أبرأ الأصيل يبرأ الكفيل , لأن الدين على الأصيل , لا على الكفيل , فكان إبراء الأصيل إسقاطا للدين عن ذمته , فيسقط حق المطالبة للكفيل بالضرورة لأنه إذا سقط الأصل سقط الفرع.
أما إبراء الكفيل فهو إبراء عن المطالبة , لا عن الدين , إذ لا دين عليه , وليس من ضرورة إسقاط حق المطالبة عن الكفيل سقوط أصل الدين عن الأصيل , لأنه إذا سقط الفرع لا يسقط الأصل.
والحوالة والصلح كالإبراء.
فإذا أحال الكفيل أو المدين الدائن بمال الكفالة على رجل , وقبل المحال , فتنتهي الكفالة , لأن الحوالة مبرئة عن الدين والمطالبة جميعا.
وإذا صالح الكفيل الدائن على بعض المدعى به , انقضت الكفالة. ويبرأ حينئذ الكفيل والأصيل في حالتين:
الأولي - أن يقول: (على أني والمكفول عنه بريئان من الباقي) .
والثانية - أن يقول: (صالحتك على كذا) مطلقا عن شرط البراءة ويبرأ الكفيل وحده في حال واحدة , وهي أن يقول: (على أني برئ من الباقي) .
فسخ سبب الكفالة أو إبطاله:
تنقضي الكفالة إذا كانت كفالة درك أو عهدة , بأن ضمن الكفيل ما في ذمة المشتري من الثمن , أو ضمن للبائع تسليم المبيع , ثم فسخ عقد البيع , لأنه يزول التزام المشتري بدفع الثمن , والتزام البائع بتسليم المبيع.
وإذا بطل الدين ولم يعد للمكفول له الحق في اقتضائه من الأصيل , سقط الحق في مطالبة الكفيل.(1/366)
جاء في المجلة (م667)
لو توفي الدائن , وكانت الوراثة منحصرة في المديون يبرأ الكفيل من الكفالة. وان كان للدائن وارث آخر , يبرأ الكفيل من حصة المديون فقط , ولا يبرأ من حصة الوارث الآخر.
قال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 285)
وبرئ الكفيل بأداء الأصيل إجماعا , إلا إذا برهن الأصيل على أدائه قبل الكفالة , فيبرأ الأصيل فقط دون الكفيل. ولو أبرأ الطالب (الدائن) الأصيل أو أخر عنه , أي أجله , برئ الكفيل تبعا للأصيل إلا كفيل النفس إلا إذا قال: لا حق لي قبله ولا لموكلي ولا ليتيم أنا وصيه ولا لوقف أنا متوليه , فحينئذ يبرأ الكفيل.
ولا ينعكس أي لو أبرأ الكفيل أو أخر عنه , أي أجله بعد الكفالة بالمال حالا , لا يبرأ الأصيل , ولا يتأخر عنه. وإذا لم يبرأ الأصيل لم يرجع عليه الكفيل بشيء , بخلاف ما لو وهبه الدين أو تصدق عليه به حيث يرجع.
وقال في مغني المحتاج (2 / 208)
لو أبرأ المستحق الأصيل , برئ الضامن , ولا عكس , أي لو أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل , لأنه إسقاط وثيقة , فلا يسقط بها الدين كفك الرهن. وجاء فيه في ص (210) : /50 لو أحال المستحق على الضامن , ثم أبرأ المحتال (المحال) الضامن هل يرجع الضامن على الأصيل أو لا؟ رجح الجلال البلقيني الأول , والمعتمد الثاني لقول الأصحاب: إذا غرم رجع بما غرم , وهذا لم يغرم.
ومثل ذلك ما لو وهبه المستحق الدين , فإنه لا يرجع , بخلاف ما لو قبضه منه , ثم وهبه له , فإنه يرجع , كما لو وهبت المرأة الصداق للزوج , ثم طلقها قبل الدخول , فإنه يرجع عليها بنصفه , بخلاف ما لو أبرأته منه قبل قبضها , فإنه لا يرجع عليها بشيء.
وقال في كشاف القناع (3 / 369)
متى أحال رب الحق على الغريم بدينه , أو أحيل رب الحق بدينه , أو زال العقد من بيع أو نحوه , برئ الكفيل بالمال أو البدن , وبطل الرهن إن كان , لأن الحوالة استيفاء في المعنى , سواء استوفي المحال به أو لا , ولبراءة الغريم بزوال العقد.
وفي مجلة الأحكام الشرعية (م1145)
براءة الأصيل تستلزم براءة الفرع من غير عكس , فمتى برئ الكفيل برئ كفيله وكفيل كفيله , وكذا لو أبرأ المكفول له الكفيل برئ وبرئ كفيله وكفيل كفيله , لكن لو أبرأ المكفول له كفيل الكفيل لم يبرأ الكفيل.
وقال في المغني (4 / 548)
وان أبرأ صاحب الدين المضمون عنه , برأت ذمة الضامن , لا نعلم فيه خلافا , لأنه تبع ولأنه وثيقة , فإذا برئ الأصل زالت الوثيقة كالرهن. وان أبرأ الضامن لم تبرأ ذمة المضمون عنه , لأنه أصل , فلا يبرأ بإبراء التبع ولأنه وثيقة انحلت من غير استيفاء الدين منها , فلم تبرأ ذمة الأصل كالرهن إذا انفسخ من غير استيفائه.
وفي مجلة الأحكام الشرعية (م1141)
يبرأ الكفيل بإبراء المكفول له إياه , وبإبرائه المكفول من الحق الذي عنده.
جاء في المجلة (م668)
لو صالح الكفيل أو الأصيل الدائن على مقدار من الدين , يبرآن إن اشترطت براءتهما أو براءة الأصيل فقط , أو لم يشترط شيء. وان اشترطت براءة الكفيل فقد يبرأ الكفيل فقط , ويكون الطالب مخيرا: إن شاء أخذ مجموع دينه من الأصيل , وان شاء أخذ بدل الصلح من الكفيل , والباقي من الأصيل.
وفي المجلة (م669)
لو أحال الكفيل المكفول له على أحد وقبل المكفول له والمحال عليه , يبرأ الكفيل والمكفول عنه أيضا.
جاء في المجلة (م671)
الكفيل بثمن المبيع إذا انفسخ البيع أو ضبط المبيع بالاستحقاق أو رد بعيب , يبرأ من الكفالة.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م1139)
يبرأ الكفيل بزوال العقد الذي لزم به الحق المكفول , وبإحالة رب الحق به على المكفول وبإحالة المكفول إياه بالدين.(1/367)
انتهاء الكفالة بالنفس
تنتهي الكفالة بالنفس بأحد أمور ثلاثة: تسليم النفس , والإبراء , وموت المكفول بنفسه.(1/368)
تنتهي الكفالة بالنفس بثلاثة أمور:
تسليم النفس
تنتهي الكفالة بتسليم النفس إلى المطالب بها في موضع يقدر على إحضاره مجلس القاضي , مثل أن يكون في مصر من الأمصار , لأن الكفيل أتى بما التزمه , وحصل المقصود من الكفالة بالنفس , وهو إمكان المحاكمة عند القاضي , وإذا تحقق المقصود , تنتهي الكفالة.
فإن سلمه في صحراء أو برية , لم يبرأ الكفيل , لأنه لا يقدر على المحاكمة فيها , فلم يحصل المقصود. وكذا إذا سلمه في بلد ليس فيها قاض أو أعوان القاضي , كالشرطة مثلا , لعدم إمكان المحاكمة فيها.
وإن سلمه في السوق أو في المصر , فإنه يبرأ , لأن المطلوب: هو أن يتحقق التسليم في مكان يقدر فيه على إحضاره إلى مجلس القاضي.
وإن شرط على الكفيل أن يسلم المكفول بنفسه في مصر معين , فسلمه في مصر آخر , فيبرأ عند أبي حنيفة لوجود القدرة على المحاكمة في المصر المعين. ولا يبرأ عند الصاحبين إلا بتسليمه في المكان المشروط , لأن التقييد بالمصر قد يكون لغرض مفيد , كأن يكون له شهود فيما عينه دون غيره.
ولو شرط على الكفيل أن يسلم المكفول بنفسه عند الأمير , فسلمه عند القاضي , فإنه يبرأ.
الإبراء
أي أن يبرئ صاحب الحق الكفيل من الكفالة بالنفس , فتنتهي الكفالة , لأن مقتضي الكفالة ثبوت حق المطالبة بتسليم النفس , فإذا أسقط حق المطالبة بالإبراء , فينتهي الحق ضرورة.
ولا يبرأ الأصيل في هذه الحالة , لأن الإبراء صدر للكفيل دون الأصيل فإن صدر الإبراء للأصيل برئا جميعا.
موت المكفول بنفسه
إذا مات الأصيل المكفول به , برئ الكفيل بالنفس من الكفالة , لأنه عجز عن إحضاره ولأنه سقط الحضور عن الأصيل , فيسقط الإحضار عن الكفيل.
وكذلك تنتهي الكفالة إذا مات الكفيل , لأنه لم يبق قادرا على تسليم المكفول بنفسه وأما ماله فلا يصلح لتنفيذ هذا الواجب بخلاف الكفالة بالمال.
ولو مات المكفول له: فلا تسقط الكفالة بالنفس , كما لا تسقط الكفالة بالمال , لأن الكفيل ما زال قادرا على تنفيذ واجبه , ويقوم الوصي أو الوارث مقام الميت في المطالبة.(1/369)
المجلة (م663)
لو سلم الكفيل المكفول به في محل يمكن فيه المخاصمة كالبلد أو القصبة إلى المكفول له , يبرأ الكفيل من الكفالة إن قبل المكفول له , أو لم يقبل ولكن لو شرط تسليمه في بلدة معينة لا يبرأ بتسليمه أخرى. ولو كفل على أن يسلمه في مجلس الحاكم وسلمه في الزقاق , لا يبرأ من الكفالة , ولكن لو سلمه في حضور ضابط يبرأ.
المجلة (م664)
يبرأ الكفيل بمجرد تسليم المكفول به بطلب المطالب , وأما لو سلمه بدون طلب الطالب فلا يبرأ ما لم يقل: سلمه بحكم الكفالة.
المجلة (م665)
لو كفل على أن يسلمه في اليوم الفلاني , وسلمه قبل ذلك اليوم يبرأ من الكفالة , وان لم يقبل المكفول له.
المجلة (م666)
لو مات المكفول به كما يبرأ الكفيل من الكفالة , كذلك يبرأ كفيل الكفيل , كذلك لو توفي الكفيل كما برأ هو من الكفالة كذلك يبرأ كفيله إن كان له كفيلا , ولكن لا يبرأ الكفيل من الكفالة بوفاة المكفول له , ويطالب وارثه.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1137)
يبرأ الكفيل بموت المكفول , ولا يلزمه بموته الدين الذي عليه بلا ضمان.
مجلة الأحكام الشرعية (1140)
يبرأ الكفيل بتسليم المكفول نفسه لرب الحق , وبتسليم الكفيل إياه على الوجه الذي كفله.
مجلة الأحكام الشرعية (1142)
لا يبرأ الكفيل بموته , فيؤخذ من تركته ما على المكفول , حيث تعذر إحضاره , ولا بموت المكفول له , بل ينتقل الحق إلى ورثته بطلب إحضاره.(1/370)
انتهاء الكفالة بالأعيان
تنتهي الكفالة بالأعيان المضمونة بنفسها بأحد أمور ثلاثة: تسليم العين , والإبراء , وتلف العين قبل طلبها.(1/371)
تنتهى الكفالة بالأعيان المضمونة بأحد أمرين:
أ - تسليم العين المضمونة بنفسها إذا كانت قائمة , وتسليم مثلها أو قيمتها إن كانت هالكه.
ب - الإبراء: أي إبراء الكفيل من الكفالة , بأن يقول: (أبرأتك من الكفالة) فيبرأ , لأن الكفالة حقه , فيسقط بإسقاطه كالدين أو إبراء الأصيل.
ج - وذكر الحنابلة سببا ثالثا لانقضاء الكفالة بالأعيان والكفالة بالنفس: وهو التلف.(1/372)
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1138) :
لا يبرأ الكفيل ببدن من عنده عين مضمونة بتلفها بفعل الله قبل طلبها , ولا يلزمه شيء , أما لو تلفت بعد الطلب أو بفعل آدمي , لم يبرأ الكفيل ويلزمه بدلها.(1/373)
المضاربة(1/374)
تعريف المضاربة
المضاربة هي دفع المال إلى من يعمل فيه على أن يكون الربح بينهما حسبما يتفقان عليه.(1/375)
تعددت تعريفات الفقهاء للمضاربة , ومنها:
- المضاربة عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر.
- المضاربة هي دفع المال إلى غيره ليتصرف فيه ويكون الربح بينهما على ما اشترطا.
- المضاربة هي توكيل على تجر في نقد مضروب مسلم بجزء من ربحه.
- المضاربة هي أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر فيه على أن ما حصل من الربح بينهما على ما يشترطانه.
وبالنظر إلى هذه التعريفات وغيرها يتضح أن دلالتها واحدة , فالمضاربة هي عقد شركة في الربح بين اثنين أو أكثر , يقدم أحدهما مالا , ويقدم الآخر عملا , أي أن المال يكون من جهة والعمل من جهة أخرى.
ويهدف عقد المضاربة إلى تثمير المال من أجل تحقيق الربح الحلال الذي يقسم بين الطرفين حسب النسب المتفق عليها عند التعاقد.
ولفظ المضاربة مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السير فيها , وقد سمي هذا العقد مضاربة عند أهل العراق لأن المضارب يسير في الأرض ويسعى فيها لابتغاء الفضل.
وتسمى المضاربة عند أهل المدينة القراض , وهو لفظ مأخوذ من القرض وهو القطع , ذلك أن رب المال يقطع يده عن رأس المال ويجعله في يد المضارب.
ويستخدم في عقد المضاربة المصطلحات التالية:
- صاحب المال أو رب المال , وهو الطرف الذي يقدم رأس المال.
- العامل أو المضارب , وهو الطرف الذي يتولى العمل في رأس المال.
- رأس المال , وهو المبلغ الذي يقدمه رب المال إلى المضارب.
- العمل , وهو التصرفات التي يقوم بها المضارب.
- الربح , وهو مقصود المضاربة ويمثل الزيادة على رأس المال ويكون مشتركا بين الطرفين.
وقد نص الفقهاء أنه لا يستحق أحد الطرفين شيئا من الربح حتى يستوفى رب المال أصل ماله لأن الربح عندهم هو الزيادة على رأس المال , وهو ما يعبرون عنه بأن الربح وقاية رأس المال.(1/376)
المغني (ج5 ص134)
المضاربة وتسمى قراضا أيضا , ومعناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه.
القوانين الفقهية (ص279)
القراض ويسميه العراقيون المضاربة , وصفته أن يدفع رجلا مالا لآخر ليتجر به ويكون الفضل بينهما حسبما يتفقان عليه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك بعد إخراج رأس المال.
المغني (ج5 ص135)
فأهل العراق يسمونه مضاربة مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السفر فيها للتجارة , قال الله تعالي: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} ويحتمل أن يكون من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم.
ويسميه أهل الحجاز القراض فقيل هو مشتق من القطع , يقال قرض الفأر الثوب إذا قطعه فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له قطعة من الربح
مغني المحتاج (ج2 ص309 / 310)
القراض مشتق من القرض , وهو القطع لأن المالك يقطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها وقطعه من الربح أو من المقارضة. . . وأهل العراق يسمونه المضاربة لأن كلا منهما يضرب بسهم في الربح ولما فيه غالبا من السفر والسفر يسمى ضربا.
المجموع (ج14 ص358)
وقد جمع النووي بين الاسمين في المنهاج فقال: القراض والمضاربة أن يدفع إليه مالا ليتجر فيه والربح مشترك.
بدائع الصنائع (ج6 ص80)
فالإيجاب هو لفظ المضاربة والمقارضة والمعاملة وما يؤدى معاني هذه الألفاظ بأن يقول رب المال خذ هذا المال مضاربة على أن ما رزق الله عز وجل أو أطعم الله تعالى منه من ربح فهو بيننا على كذا من نصف أو ربع أو ثلث أو غير ذلك من الأجزاء المعلومة , وكذا إذا قال مقارضة أو معاملة ويقول المضارب أخذت أو رضيت أو قبلت ونحو ذلك فيتم الركن بينهما.
أما لفظ المضاربة فصريح مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السير فيها , سمى هذا العقد مضاربة لأن المضارب يسير في الأرض ويسعى فيها لابتغاء الفضل.
وكذا لفظ المقارضة صريح في عرف أهل المدينة لأنهم يسمون المضاربة مقارضة كما يسمون الإجارة بيعا ولأن المقارضة مأخوذة من القرض وهو القطع سميت المضاربة مقارضة لما أن رب المال يقطع يده عن رأس المال ويجعله في يد المضارب.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج3 ص517)
قول ابن الحاجب القراض إجارة على التجر في مال بجزء من ربحه. . . القراض توكيل على تجر في نقد مضروب مسلم بجزء من ربحه إن علم قدرهما.(1/377)
دليل مشروعية المضاربة
أجمع الفقهاء على جواز عقد المضاربة واستدل بعضهم على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع ,
بينما استدل آخرون فقط بالإجماع المستند إلى السنة التقريرية.(1/378)
دليل المشروعية من الكتاب:
المضاربة فيها معنى الضرب في الأرض والانتشار فيها للمتاجرة طلبا للرزق , وهو الذي سمى في القرآن بفضل الله.
يقول تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} (الجمعة: 10)
ويقول تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} (البقرة: 198)
ويقول تعالى: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} (المزمل: 20)
دليل المشروعية من السنة:
يقول رسول الله: ثلاث فيهن البركة: البيع إلى الأجل , والمقارضة , وإخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع.
سنن ابن ماجة
وثبت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه سافر قبل النبوة إلى الشام مضاربا بمال خديجة رضي الله عنها , وقد حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بعد البعثة مقررا له.
وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم والناس يتعاملون بالمضاربة فلم ينكر عليهم , فكان ذلك تقريرا منه لهم , والتقرير أحد وجوه السنة.
دليل المشروعية من الإجماع:
تعامل الصحابة رضي الله عنهم بالمضاربة ولم يكن فيهم مخالف لذلك , فيكون عملهم هذا دالا على المشروعية والجواز
فقد روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم دفعوا مال اليتيم مضاربة , منهم عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وعائشة رضوان الله عليهم جميعا , ولم ينقل إنكار أحد من أقرانهم , وبهذا يحصل الإجماع.
كما أن الأمة أجمعت من بعدهم جيلا بعد جيل على جواز المضاربة في مختلف العصور.(1/379)
المجموع (ج14 ص360)
قال الماوردي في الحاوي: والأصل في إحلال القراض وإباحته قوله تعالى {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} وفى القراض ابتغاء فضل وطلب نماء.
المجموع (ج14 ص359)
قال ابن المنذر وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة , وقال الصنعاني لا خلاف بين المسلمين في جواز القراض , وانه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام.
المبسوط (ج12 ص18)
وجواز هذا العقد عرف بالسنة والإجماع.
بدائع الصنائع (ج6 ص79)
القياس أنه (عقد المضاربة) لا يجوز لأنه استئجار بأجر مجهول بل بأجر معدوم ولعمل مجهول لكنا تركنا القياس بالكتاب العزيز والسنة والإجماع.
المغني (ج5 ص135)
إن بالناس حاجة إلى المضاربة , فإن الدراهم والدنانير لا تنمى إلا بالتقليب والتجارة , وليس كل من يملكها يحسن التجارة , ولا كل من يحسن التجارة له رأس مال فاحتيج إليها من الجانبين , فشرعها الله تعالى لدفع الحاجتين.
المجموع (ج14 ص360)
روى ابن أبي الجارود حبيب بن يسار عن ابن عباس قال: كان العباس إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ولا ينزل به واديا ولا يشترى به ذات كبد رطبة , فإن فعل فهو ضامن , قال الماوردي فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه.
وقال مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده أنه عمل في مال لعثمان على أن الربح بينهما.
المبسوط (ج12 ص18)
وروى أن عبد الله وعبيد الله ابنا عمر رضي الله عنهم قدما العراق ونزلا على أبى موسى رضي الله عنه فقال لو كان عندي فضل مال لأكرمتكما ولكن عندي مال من مال بيت المال فابتاعا به فإذا قدمتما المدينة فادفعاه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه , ولكما ربحه , ففعلا ذلك , فلما قدما على عمر رضي الله عنه أخبراه بذلك فقال هذا مال المسلمين فربحه للمسلمين , فسكت عبد الله وقال عبيد الله لا سبيل لك إلى هذا فإن المال لو هلك كنت تضمننا (وفي رواية: لو تلف كان ضمانه علينا فلم لا يكون ربحه لنا؟) قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين: اجعلهما بمنزلة المضاربين لهما نصف الربح وللمسلمين نصفه , فاستصوب عمر رضي الله عنه.
المغني (ج5 ص135)
روى عن حميد بن عبد الله عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق.(1/380)
الوصف الفقهي للمضاربة
اختلف الفقهاء في الوصف الفقهي لعقد المضاربة
فيرى جمهور الفقهاء أن المضاربة من جنس الإجارات وهي جائزة على خلاف القياس.
بينما يرى ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة أن المضاربة من جنس المشاركات وهي جائزة على مقتضى القياس.(1/381)
هذا وقد اختلف الفقهاء في التكييف الشرعي لعقد المضاربة , فهل هو من جنس الإجارات أو من جنس الشركات؟
الاتجاه الأول: المضاربة من جنس الإجارات
يرى جمهور الفقهاء (الحنفية , المالكية , الشافعية) أن المضاربة من جنس الإجارات لأن المضارب يعمل لرب المال مقابل أجر وهو ما شرط له من ربح.
ونظرا لاشتراط معلومية الأجر والعمل في عقد الإجارة , فالأصل في المضاربة عند جمهور الفقهاء أنها غرر , لأنها إجارة مجهولة إذ العامل لا يدري كم يربح في المال.
ولكن الشرع جوزها للضرورة إليها ولحاجة الناس للتعامل بها.
فالمضاربة جائزة على خلاف القياس لأن القياس يقتضي عدم جواز الاستئجار بأجر معدوم ولعمل مجهول , وقد ترك القياس عند الجمهور للأدلة الواردة في الكتاب والسنة والإجماع.
الاتجاه الثاني: المضاربة من جنس المشاركات
يرى ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة أن المضاربة ليست من جنس الإجارات حتى يقال أنها خرجت على قواعدها , بل هي من جنس المشاركات , لأن رب المال ليس له قصد في نفس عمل المضارب بل القصد هو ما يحققه من ربح.
ففي المضاربة يشترك المتعاقدان في المغنم والمغرم , فإن حصل ربح اشتركا فيه , وإن لم يحصل شيء اشتركا في المغرم , وذهب نفع بدن هذا كما ذهب نفع مال هذا.
وعليه , تكون المضاربة جائزة على مقتضى القياس الصحيح , وهى شرعت وفق قياس الشركات التي لا يشترط فيها العلم بالعوض والمعوض , وليس هناك في الشريعة ما يخالف القياس.(1/382)
القوانين الفقهية (ص279)
القراض جائز مستثنى من الغرر والإجارة المجهولة.
مغني المحتاج (ج2 ص310)
القراض عقد غرر إذ العمل فيه غير مضبوط والربح غير موثوق به , وإنما جوز للحاجة.
بدائع الصنائع (ج6 ص79)
القياس أنه (عقد المضاربة) لا يجوز لأنه استئجار بأجر مجهول بل بأجر معدوم ولعمل مجهول لكنا تركنا القياس بالكتاب العزيز والسنة والإجماع.
المجموع (ج12 ص5)
أن القراض معاملة تشتمل على غرر إذ العمل غير مضبوط والربح غير موثوق به وإنما جوزت للحاجة.
إعلام الموقعين (ج1 ص384)
أنه لا يوجد في الشريعة أمر يخالف القياس , وإن المضاربة بحقيقتها وهدف المتعاقدين منها إنما هي شركة لا إجارة , وبناء على هذا فهي واردة وفق قياس الشركات التي يكون العمل فيها غير معلوم ولا محدد , والربح كذلك غير موجود ولا محقق الوجود ولا معلوم المقدار.
إعلام الموقعين (ج2 ص4)
فالذين قالوا المضاربة والمساقاة والمزارعة على خلاف القياس ظنوا أن هذه العقود من جنس الإجارة , لأنها عمل بعوض والإجارة يشترط فيها العلم بالعوض والمعوض , فلما رأوا أن العمل والربح في هذه العقود غير معلومين قالوا هي: على خلاف القياس , وهذا من غلطهم , فإن هذه العقود من جنس المشاركات لا من جنس المعاوضات , وإن كان فيها شوب المعاوضة.(1/383)
الحكم التكليفي للمضاربة
بالرغم من بروز طابع المشاركة بين رب المال والمضارب بتقديم الأول المال وتقديم الثاني العمل للاشتراك معا في الربح , فإن العلاقة بينهما تأخذ أطوارا مختلفة في الاعتبار والأحكام.
فقد يكون المضارب بمنزلة الوديع , أو بمنزلة الوكيل , أو بمنزلة الشريك , أو بمنزلة الأجير , أو الغاصب.(1/384)
المضارب بمنزلة الوديع
إذا قبض المضارب المال ولم يشرع في العمل , فإن المال يكون أمانة في يده بمنزلة الوديعة.
ويلتزم المضارب بحفظ المال , وليس عليه ضمانه إن ضاع منه دون تعد أو تقصير.
أوجه التشابه بين المضارب والوديع:
- كل منهما يتسلم مال المالك بإذنه لا على سبيل البدل اللازم ولا على وجه الوثيقة , وكلاهما يكون أمينا على المال لا يضمنه إلا بالتعدي والتقصير.
أوجه الاختلاف بين المضارب والوديع:
- يحق للمضارب التصرف في المال لتحقيق الربح.
- لا يحق للوديع التصرف في المال بل يجب عليه حفظه فحسب.
المضارب بمنزلة الوكيل
إذا شرع المضارب في العمل كان وكيلا لرب المال , فيقوم مقامه فيما عهد إليه به من التصرف في ماله.
أوجه التشابه بين المضارب والوكيل:
- كل منهما يستفيد بمال غيره بإذنه وله حق التصرف فيه دون امتلاكه , وهو أمين على المال لا يضمنه إلا بتعد أو تقصير.
أوجه الاختلاف بين المضارب والوكيل:
- تصرفات المضارب أعم وأشمل من تصرفات الوكيل المطلق.
المضارب بمنزلة الشريك
إذا حصل ربح في المال تحولت العلاقة بين رب المال والمضارب إلى علاقة مشاركة , ويكون المضارب شريكا في الربح بقدر حصته المتفق عليها.
أوجه التشابه بين المضارب والشريك:
- يجوز لكل منهما التصرف في المال وتثميره لتحقيق الربح.
أوجه الاختلاف بين المضارب والشريك:
- يساهم المضارب بعمله ويشترك في قدر من الربح بنسبة يتفق عليها , ولا يتحمل الخسارة إلا بتعد أو تفريط.
- يساهم المشارك بجزء من رأس المال ويشترك في الربح بقدر نسبة ماله في رأس المال (عند المالكية والشافعية) ويتحمل الخسارة بنسبة رأس ماله في كل الأحوال.
المضارب بمنزلة الأجير
إذا فسدت المضاربة بوجه من الوجوه تحولت العلاقة إلى إجارة , ويصير المضارب بمنزلة الأجير لرب المال , فله أجر المثل ولرب المال جميع الربح الناشئ عن العمل.
أوجه التشابه بين المضارب والأجير:
- يعمل المضارب كالأجير لفائدة رب المال مقابل أجر , والأجر هنا ما شرط له من ربح.
- إذا فسدت المضاربة لأي سبب من الأسباب يستحق المضارب أجر المثل إن تحقق في المضاربة ربح.
أما إن لم تربح فالصحيح أنه لا أجر له لئلا تكون المضاربة الفاسدة أجدى من الصحيحة التي من أحكامها الأصلية أنه لا شيء للمضارب إن لم يحصل ربح.
أوجه الاختلاف بين المضارب والأجير:
- يعمل المضارب أعمالا غير مضبوطة لا يمكن الاستئجار عليها , ويستحق مقابل عمله أجرا مجهولا بل معدوما وهو ما يتحقق له من ربح.
- يعمل الأجير أعمالا مضبوطة ويستحق مقابل عمله أجرا معلوما سواء أثمر جهده ربحا للمؤجر أم لا.
المضارب المخالف بمنزلة الغاصب
إذا خالف المضارب شيئا من القيود أو الشروط التي تضمنها العقد , فإنه يصير بمنزلة الغاصب.
ويكون المال مضمونا عليه وليس له ها هنا أجر البتة.
أوجه التشابه بين المضارب والغاصب:
- إذا تعمد المضارب إفساد المضاربة بأن فعل ما نهاه عنه رب المال أو فعل ما لا يحق له أن يعمله , فمذهب الجمهور بأنه يصير بمثابة الغاصب للمال ومن ثم يضمن , إذ يصير متصرفا في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب.(1/385)
بدائع الصنائع (ج6 ص78)
أما الذي يرجع إلى حال المضارب في عقد المضاربة فهو:
- إن رأس المال قبل أن يشتري المضارب به شيئا أمانة في يده بمنزلة الوديعة لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة.
- فإذا اشترى به شيئا صار بمنزلة الوكيل بالشراء والبيع لأنه تصرف في مال الغير بأمره وهو معنى الوكيل.
- فإذا ظهر في المال ربح صار شريكا فيه بقدر حصته من الربح لأنه ملك جزءا من المال المشروط بعمله , والباقي لرب المال لأنه نماء ماله.
- فإذا فسدت بوجه من الوجوه صار بمنزلة الأجير لرب المال.
- فإذا خالف شرط رب المال صار بمنزلة الغاصب ويصير المال مضمونا عليه.
الفقه على المذاهب الأربعة (ج3 ص35)
المضارب له أحوال يختلف معها حكم المضاربة. . .:
أحدها:
أن المضارب عند قبض المال وقبل الشروع في العمل يكون أمينا , وحكم الأمين أن يكون المال أمانة في يده يجب عليه حفظه ورده عند طلب المالك وليس عليه الضمان إذا فقد منه.
ثانيها:
أنه عند الشروع في العمل يكون المضارب وكيلا , وحكم الوكيل أنه يقوم مقام موكله فيما وكل فيه ويرجع على صاحب المال بما يلحقه من التعهدات المالية المتعلقة بوكالته. . . وعقد الوكالة ليس لازما فإن لكل منهما أن يتخلى عنه بدون إذن صاحبه.
ثالثها:
أنه عند حصول الربح يكون حكم المضارب كالشريك في شركة العقود المالية , وهي أن يكون لكل من الشريكين حصة معينة من الربح الناتج عن استثمار مال. . .
رابعها:
إذا فسدت المضاربة يكون حكم المضارب حكم الأجير بمعنى أن الربح جميعه يكون لرب المال والخسارة تكون عليه وللمضارب أجر مثله , وهل له أجر مثله سواء ربح المال أو خسر خلاف , والصحيح أنه إذا عمل في المضاربة الفاسدة فلا أجر له إذا لم يربح لأنه إذا أخذ أجرا مع عدم الربح في الفاسدة تكون الفاسدة أروج من الصحيحة. . .
خامسها:
إذا خالف المضارب شرطا من الشروط يكون غاصبا , وحكم الغاصب أنه يكون آثما ويجب عليه رد المغصوب وعليه ضمانه.(1/386)
تقسيم المضاربة من حيث نطاق العمل
تنقسم المضاربة من حيث نطاق العمل إلى مضاربة مطلقة ومضاربة مقيدة.
والمضاربة المطلقة هي التي يترك فيها للمضارب حرية التصرف في إطار أحكام الشريعة الإسلامية والعرف التجاري وما يؤدي إلى الهدف منها وهو تحقيق الأرباح , فيدفع رب المال إلى المضارب قدرا من المال يعمل فيه من غير تعيين نوع العمل والمكان والزمان ولا تحديد صفة من يعاملهم.
ويمكن أن يرافق هذه المضاربة المطلقة تفويض عام أو إذن صريح من رب المال للمضارب ببعض التصرفات.
أما المضاربة المقيدة فهي التي يحدد فيها للمضارب بواسطة رب المال حدود يتصرف في إطارها تتعلق بالمكان أو الزمان أو نوع العمل أو من يعاملهم المضارب. . . ويعتبر المضارب مخالفا إذا لم يلتزم بهذه القيود.(1/387)
المضاربة المطلقة
المضاربة المطلقة هي التي يترك فيها للمضارب حرية التصرف في إطار أحكام الشريعة الإسلامية والعرف التجاري وما يؤدي إلى الهدف منها وهو تحقيق الأرباح , فيدفع رب المال إلى المضارب قدرا من المال يعمل فيه من غير تعيين نوع العمل والمكان والزمان ولا تحديد صفة من يعاملهم.
ويمكن تقسيم المضاربة المطلقة إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: المضاربة المطلقة المعتادة
وهى أن يدفع رب المال إلى المضارب المال ويطلق تصرفه ليباشر بنفسه تقليب المال المؤتمن عليه في كل ما كان من عادة التجار ومن ضرورات أعمال المضاربة لتحقيق الربح الذي هو المقصود الأصلي للعقد.
وفي هذه الحالة ليس للمضارب أن يباشر بعض التصرفات التي قد تعرض مال المضاربة إلى الأخطار أو توجب فيه حقا لغيره إلا بالتفويض العام أو الإذن الصريح من رب المال.
النوع الثاني: المضاربة المطلقة مع التفويض العام
وهي أن يدفع رب المال إلى المضارب المال ويفوض إليه أمر المضاربة بكل ما يراه محققا للغرض ومؤديا إلى الربح من غير تقييد.
وفي هذه الحالة يملك المضارب التصرف بكل ما هو متعارف بين التجار وفيه مصلحة للمضاربة , فيدخل تحت هذا التفويض ما لا يدخل تحت المضاربة المطلقة المعتادة مثل (عند بعض الفقهاء) مشاركة الغير , وخلط مال المضاربة بغيره , والمضاربة بمال المضاربة.
النوع الثالث: المضاربة المطلقة مع الإذن الصريح
وهي أن يدفع رب المال إلى المضارب المال ليضارب به ويأذن له صراحة ببعض التصرفات الخاصة كالهبة , والصدقة , والإقراض من مال المضاربة والاستدانة عليها , وفي هذه الحالة يملك المضارب التصرف بما أذن له فيه لأن المنع كان لحق رب المال , وقد أسقطه بنفسه.
المضاربة المقيدة
المضاربة المقيدة هي أن يدفع رب المال إلى المضارب قدرا من المال يعمل فيه , ويقيد تصرفه من حيث نوع العمل أو المكان أو الزمان أو صفة من يعاملهم. فقيودها أربعة:
أ - نوع العمل.
ب - المكان.
ج - الزمان (التأقيت) .
د - من يعامله المضارب.
وقد أجاز الفقهاء تقييد رب المال عمل المضارب بقيد مفيد لا يؤدي إلى التضييق عليه بحيث لا يستطيع مزاولة عمله بطريقة تمكنه من تحقيق هدف المضاربة ومقصودها وهو الربح.
ويجب التزام المضارب بما قيد به وتبقى المضاربة مطلقة فيما وراء ذلك القيد.
ويعتبر المضارب مخالفا إذا لم يلتزم بهذه القيود.
ومع اتفاقهم على أن الأصل في القيد اعتباره إذا كان مفيدا , فقد اختلف الفقهاء في اعتبار بعض القيود واجتهد كل فريق بما رأى أنه العرف المتبع أو العادة الجارية.
فمنهم من رأى أن هذا القيد مفيد فقال بجوازه , ومنهم من رأى أنه غير مفيد فقال بعدم جوازه.
تقييد نوع العمل -
القيد: منع المضارب عن التعامل في صنف معين من البضائع يجوز باتفاق الفقهاء لأن القيد هنا مفيد , وليس فيه تضييق على المضارب إذ لا يمنعه من تحقيق الربح الذي هو المقصود من العقد.
- القيد: إلزام المضارب التعامل في صنف محدد من البضائع هذا القيد جائز عند الحنفية والحنابلة لأن المضارب يتصرف بمال المضاربة بإذن رب المال بصفته وكيلا عنه , فوجب عليه الالتزام بما قيد به.
وهو جائز عند المالكية والشافعية بشرط أن يكون الصنف المحدد غير نادر الوجود لأن ذلك تضييق ينافي مقتضى المضارب.
تقييد المكان -
القيد: تعيين مكان عام يعمل فيه المضارب كبلد أو مدينة ما يجوز باتفاق الفقهاء لأن المضاربة توكيل من رب المال , والتوكيل في شيء معين يختص به , وفي هذا الشرط محافظة على المضاربة من الأخطار.
- القيد: تعيين مكان خاص يعمل فيه المضارب كسوق محدد لا يتعداه هذا القيد جائز عند الحنفية والحنابلة والشافعية لأن السوق كالمكان العام يمكن الاتجار فيه وتحقيق مقصود المضاربة دون تضييق على المضارب.
ولا يجوز عند المالكية لما فيه من التضييق على المضارب لتحصيل الربح.
- القيد: تعيين حانوت خاص يعمل فيه المضارب دون أن يتعداه هذا القيد جائز عند الحنفية والحنابلة لأن فيه محافظة على المال , ولا يمنع الربح بالكلية.
ولا يجوز عند المالكية والشافعية لأنه يحد من حركة المضارب في تقليب المال.
تقييد الزمان
- القيد: تأقيت المضاربة بزمن محدد تنتهي فيه هذا القيد جائز عند الحنفية والحنابلة لأن المضاربة توكيل , والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت.
وهو جائز أيضا عند الشافعية في حالة منع المضارب من الشراء فقط والسماح له بالبيع بعد المدة المحددة لتمكينه من تنضيض مال المضاربة.
أما عند المالكية فهذا القيد لا يجوز لأن المضارب قد لا يتمكن من تحقيق الربح خلال المدة المعينة فيخل ذلك بالمقصود.
تقييد من يعاملهم المضارب -
القيد: تقييد المضارب بمعاملة أشخاص معينين أو منعه عن معاملتهم هذا القيد جائز باتفاق الفقهاء لأن رب المال يزداد ثقة في المعاملة , وفى نفس الوقت يبقى مجال تحقيق الربح متوفرا للمضارب , فلا يخل هذا القيد بالمقصود.
- القيد: تقييد المضارب بمعاملة شخص بعينه هذا القيد جائز عند الحنفية والمالكية لأنه لا يمنع من تحصيل الربح ولا ينافي مقتضى العقد , فيتقيد المضارب بما أذن له فيه كالوكيل.
ولا يجوز عند المالكية والشافعية لأن الشخص المعين قد لا يعامله فيخل المقصود من المضاربة.(1/388)
بدائع الصنائع (ج6 ص87)
إن المضاربة نوعان , مطلقة ومقيدة:
- فالمطلقة أن يدفع المال مضاربة من غير تعيين العمل والمكان والزمان وصفة العمل ومن يعامله , - والمقيدة أن يعين شيئا من ذلك , وتصرف المضارب في كل واحد من النوعين ينقسم أربعة أقسام:
- قسم منه للمضارب أن يعمله من غير الحاجة إلى التنصيص عليه ولا إلى قول اعمل برأيك فيه , - وقسم منه ما له أن يعمله إذا قيل له اعمل فيه برأيك وإن لم ينص عليه , - وقسم منه ما ليس له أن يعمله ولو قيل له اعمل فيه برأيك إلا بالتنصيص عليه , - وقسم منه ما ليس له أن يعمله رأسا وإن نص عليه.
بدائع الصنائع (ج6 ص98)
وأما المضاربة المقيدة فحكمها حكم المضاربة المطلقة في جميع ما وصفنا لا تفارقها إلا في قدر القيد والأصل فيه أن القيد إن كان مفيدا يثبت لأن الأصل في الشروط اعتبارها ما أمكن , وإذا كان القيد مفيدا كان يمكن الاعتبار فيعتبر لقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام المسلمون عند شروطهم فيتقيد بالمذكور ويبقى مطلقا فيما وراءه على الأصل المعهود في المطلق إذا قيد ببعض المذكور أنه يبقى مطلقا فيما وراءه كالعام إذا خص منه بعضه أنه يبقى عاما فيما وراءه , وإن لم يكن مفيدا لا يثبت بل يبقى مطلقا لأن ما لا فائدة فيه يلغو ويلحق بالعدم
المبسوط (ج12 ص40)
وإذا دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في الكوفة ليس له أن يعمل به في غيرها لأن كلمة - على - للشرط , والشرط في العقد متى كان مفيدا يجب اعتباره وهذا شرط مفيد لصاحب المال ليكون ماله محفوظا في المصر يتمكن منه متى شاء فيتقيد الأمر بما قيده به.
ويقاس التوقيت من حيث المكان بالتوقيت من حيث الزمان.
ولو دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في سوق الكوفة فعمل به في الكوفة في غير ذلك المكان ففي القياس هو مخالف ضامن لأنه خالف شرطا نص عليه الدافع.
ولو دفعه إليه على أن يعمل به في سوق الكوفة وقال له لا تعمل به إلا في السوق فعمل به في غير السوق فهو مخالف ضامن.
المبسوط (ج12 ص42)
ولو دفع إليه مضاربة على أن يشتري من فلان ويبيع منه فليس له أن يشتري من غيره , ولا أن يبيع من غيره لأن هذا تقييد بشرط مفيد والناس يتفاوتون في المعاملة في الاستقضاء والمساهلة ويتفاوتون في ملاءة الذمة وقضاء الديون.
المبسوط (ج12 ص43)
ولو دفع إليه مالا مضاربة بالنصف ولم يقل شيئا ثم قال له رب المال بعد ذلك لا تعمل بالمال إلا في الحنطة فليس له أن يعمل به إلا في الحنطة لأن تقييده الأمر بعد الدفع مضاربة لتقييده بذلك عند الدفع وهذا لأن رأس المال ما دام في يد المضارب نقدا فرب المال يملك نهيه عن التصرف فيملك تقييد الأمر بنوع دون نوع.
بداية المجتهد (ج2 ص238)
واختلفوا في المقارض يشترط رب المال عليه خصوص التصرف مثل أن يشترط عليه تعيين جنس ما من السلع , أو تعيين جنس ما من البيع , أو تعيين موضع ما للتجارة , أو تعيين صنف ما من الناس يتجر معهم , فقال مالك والشافعي في اشتراط جنس من السلع لا يجوز ذلك إلا أن يكون ذلك الجنس من السلع لا يختلف وقتا ما من أوقات السنة , وقال أبو حنيفة يلزمه ما اشترط عليه , وإن تصرف في غير ما اشترط عليه ضمن. فمالك والشافعي رأيا أن هذا الشرط من باب التضييق على المقارض فيعظم الغرر بذلك , وأبو حنيفة استخف الغرر الموجود في ذلك , كما لو اشترط عليه أن لا يشتري جنسا ما من السلع لكان على شرطه في ذلك بإجماع.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: فلو دفعت إلى رجل مالا قراضا على أن يخرج بالمال إلى بلد من البلدان يشتري في ذلك الموضع تجارة , قال: سألت مالكا عن ذلك فقال لا خير فيه , قال مالك يعطيه المال ويقوده كما يقود البعير , قال: وإنما كره مالك من هذا أنه يحجر عليه أنه لا يشتري إلا أن يبلغ ذلك البلد.
القوانين الفقهية (ص280)
من شروط القراض: أن لا يضرب أجل العمل خلافا لأبي حنيفة وأن لا يحجر على العمل فيقصر على سلعة واحدة أو دكان.
المجموع (ج14 ص379)
فإذا أذن له في أن يتجر فيما ندر وجوده وعز طلبه , كالياقوت الأحمر والخيل البلق فالقراض باطل سواء وجده أو لم يجده لأنه على غير ثقة من وجوده.(1/389)
تقسيم المضاربة من حيث تعدد أطرافها
تنقسم المضاربة من حيث تعدد أطرافها إلى قسمين:
أولهما المضاربة الثنائية , وهي التي يوجد فيها شخص واحد يقدم المال وشخص واحد يقوم بالعمل ,
والثانية هي المضاربة المشتركة أو الجماعية التي يتعدد فيها أرباب المال أو المضاربون.
فيجوز اشتراك أكثر من شخص في تقديم المال لمضارب واحد (وهي حالة تعدد رب المال) , وإذا عمل المضارب في المالين في مضاربتين مختلفتين فهذا جائز عند جمهور الفقهاء في حالة عدم وقوع ضرر بصاحب المال الأول , كما يجوز عندهم عمل المضارب في المالين في مضاربة واحدة وذلك بشروط حددوها في مسألة خلط مال المضاربة بغيرها.
ويجوز كذلك لرب المال أن يدفع ماله إلى شخصين للعمل به في مضاربة واحدة (وهي حالة تعدد المضاربين) , ذلك لأن عقده معهما كعقدين.
ويجوز لرب المال أن يساوي أو يفاضل بينهما في الربح لأنهما يختلفان في قوة العمل والهداية فيه.(1/390)
المضاربة الثنائية
المضاربة الثنائية هي أن:
- يقدم شخص واحد رأس المال , ويسمى رب المال.
- ويقوم شخص واحد آخر بالعمل , ويسمى المضارب.
وهذه هي الصورة الأصلية للمضاربة الفردية التي تتكون بين شخصين , وهى جائزة باتفاق الفقهاء.
المضاربة الجماعية بتعدد أرباب المال
المضاربة الجماعية بتعدد أرباب المال هي أن:
- يشترك أكثر من شخص في تقديم المال (تعدد رب المال) .
- وينفرد أحد الأشخاص بتقديم العمل.
وهناك حالتان أمام المضارب , فقد يعمل بالمال الثاني في مضاربة جديدة بحيث يتم التمييز بين المالين في مضاربتين مختلفتين , وقد يضيف المال الثاني في نفس المضاربة الأولى بحيث يتم خلط المالين ويعمل بهما في مضاربة واحدة.
الحالة الأولى: حالة التمييز بين المالين
في هذه الحالة يعمل المضارب بالمال الثاني في مضاربة جديدة بحيث يتم التمييز بين المالين في مضاربتين مختلفتين.
يجوز عند الحنابلة والمالكية عمل المضارب في مالين متميزين لمالكين مختلفين بموافقة رب المال الأول لأن المضارب يكون طرفا في مضاربتين منفصلتين لكل واحدة منها حكمها الخاص.
أما عند عدم حصول الموافقة فإنه يشترط عدم وقوع ضرر يلحق صاحب المال الأول نتيجة الانشغال بالعمل في المضاربة الثانية.
أما عند الشافعية والحنفية فإنه يجوز عندهم عمل المضارب في مالين مختلفين دون أن يشترط إذن رب المال الأول أو عدم وقوع ضرر يلحق صاحب المال الأول.
الحالة الثانية: حالة خلط المالين
في هذه الحالة يضيف المضارب المال الثاني في نفس المضاربة الأولى بحيث يتم خلط المالين ويعمل بهما في مضاربة واحدة.
وقد اتفق الفقهاء على جواز خلط رأس مال المضاربة بمال آخر سواء كان ذلك الخلط بمال المضارب نفسه أو بمال مضاربة أخرى , وذلك لغرض العمل فيهما جميعا.
واشترطوا لجواز ذلك أن يتم الخلط قبل بدء المضارب العمل أو بعد التنضيض أي بعد عودة مال المضاربة نقودا كما كان قبل العمل.
ويهدف هذا الشرط للمحافظة على حقوق مختلف الأطراف من تداخل الحسابات المفضية إلى المنازعة , لأن خلط الأموال يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر.
أما إذا لم يبدأ المضارب في العمل أو عاد مال المضاربة نقودا كما كان قبل العمل (أي بعد التنضيض) فإن خلط المالين جائز لأن ربح المال الأول أو خسارته أصبحت معروفة , فكان ضم الثاني إلى الأول لا غبن ولا غرر فيه على أحد المتعاقدين.
ويكون في هذه الحالة خلط المال في مضاربة واحدة على سبيل الشركة بين أرباب المال , فيتحمل كل منهم الربح والخسارة بنسبة حصته في المال.
وقد اختلف الفقهاء هل يملك المضارب الخلط بمطلق العقد أم لا بد من إذن رب المال أو تفويض منه؟
ذهب المالكية إلى أن المضارب يملك خلط مال المضاربة بمطلق العقد , لأن ذلك من ضرورات أعمال المضاربة لتحقيق الربح وهو من عادة التجار والغالب على أحوال المضاربين أن تكون لهم أموال خاصة ويعرف منذ البداية أن الأموال ستختلط وأن التجارة ستكون واحدة.
واشترط الحنفية والحنابلة لذلك وجود تفويض عام من رب المال , لأن خلط الأموال أمر متعارف بين التجار وقد تكون المصلحة فيه لجميع الأطراف , فيجوز تصرف المضارب بعموم التفويض.
أما عند الشافعية فإن المضارب لا يملك هذا التصرف إلا بالإذن الصريح من رب المال , لأن بخلط المال يوجب في مال رب المال حقا لغيره , وذلك لا يجوز إلا بالإذن ولأن المنع كان من حق رب المال وقد أسقطه بالإذن.
المضاربة الجماعية بتعدد المضاربين
المضاربة الجماعية بتعدد المضاربين هي أن:
- ينفرد أحد الأشخاص بتقديم المال.
- ويشترك أكثر من شخص في تقديم العمل.
وفي هذه الصورة قد يدفع المال إلى شخصين للعمل به في مضاربتين مختلفتين , وقد يدفع إلى شخصين للعمل به في مضاربة واحدة.
الحالة الأولى: دفع المال إلى شخصين في مضاربتين مختلفتين
في هذه الحالة يقوم رب المال بدفع ماله إلى شخصين مختلفين للعمل بالمال في مضاربتين منفصلتين.
وهذا جائز بلا خلاف ويكون كل مضارب مستقلا عن الآخر.
الحالة الثانية دفع المال إلى شخصين في مضاربة واحدة
في هذه الحالة يقوم رب المال بدفع ماله إلى شخصين للمضاربة به في عقد واحد.
وقد أجاز الفقهاء ذلك لأن عقد رب المال مع الشخصين كعقدين.
ويجوز له أن يساوي أو يفاضل بينهما في الربح لأن أحدهما قد يكون أبصر بالتجارة من الآخر وأقوى على العمل.
فإن كان أحد المضاربين مقدما على غيره يسمى المضارب الآخر بالمضارب المشارك.
وقد أشار بعض الفقهاء إلى أن المضارب المشارك لا يجوز له التصرف إلا بموافقة شريكه (المضارب الآخر) لأن رب المال رضى برأيهما ولم يرض برأي أحدهما فصارا كالوكيلين.(1/391)
المغني (ج5 ص163)
إذا أخذ من إنسان مضاربة ثم أراد أخذ مضاربة أخرى من آخر فأذن له الأول جاز , وان لم يأذن له ولم يكن عليه ضرر جاز أيضا بغير خلاف , وإن كان فيه ضرر على رب المال الأول ولم يأذن مثل أن يكون المال الثاني كثيرا يحتاج إلى أن يقطع زمانه وشغله عن التجارة في الأول ويكون المال الأول كثيرا متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته لم يجز له ذلك.
وقال أكثر الفقهاء يجوز لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها , فلم يمنع من المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر وكالأجير المشترك , ولنا أن المضاربة على الحظ والنماء فإذا فعل ما تمنعه لم يكن له.
المغني (ج5 ص175)
وإذا دفع إليه ألفا مضاربة ثم دفع إليه ألفا آخر مضاربة وأذن له في ضم إحداهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز , وصارا مضاربة واحدة كما لو دفعها إليه مرة واحدة , وإن كان بعد التصرف في الأولى في شراء المتاع لم يجز لأن حكم الأول استقر فكان ربحه وخسرانه مختصا به فضم الثانية إليها يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر.
الإنصاف (ج5 ص437)
وليس للمضارب أن يضارب لآخر , إذا كان فيه ضرر على الأول.
أنه إذا لم يكن فيه ضرر على الأول يجوز أن يضارب لآخر وهو صحيح.
وهو المذهب مطلقا. . . . ونقل الأثرم متى اشترط النفقة على رب المال فقد صار أجيرا له , فلا يضارب لغيره.
قيل فإن كانت لا تشغله؟ قال: لا يعجبني. لا بد من شغل.
مغني المحتاج (ج2 ص315)
ويجوز أن يقارض الاثنان عاملا واحدا , لأن ذلك كعقد واحد ثم إن تساويا فيما شرط فذاك , وإن تفاوتا كأن شرط أحدهما النصف والآخر الربع فإن أبهما لم يجز , أو عينا جاز إن علم بقدر ما لكل منهما.
المدونة الكبرى (ج4 ص56)
قلت: أرأيت إن أخذ رجل مالا قراضا من رجل أيكون له أن يأخذ مالا آخر من رجل آخر قراضا , قال: قال مالك نعم له أن يأخذ من غير الأول إذا لم يشغله عن قراض الأول لكثرة مال الأول , فإذا كان المال كثيرا فلا يكون له أن يأخذ من الآخر حينئذ شيئا.
قلت: ويكون له أن يخلط المالين إذا أخذهما وهو يحتمل العمل بهما , قال: نعم إذا أخذ المالين من غير شرط من الثاني الذي يدفع إليه أن يخلطهما خلطهما ولا ضمان عليه.
المبسوط (ج12 ص31)
وإذا دفع رجل إلى رجلين ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فلأحدهما بعينه نصف الربح وللآخر سدس الربح ولرب المال ثلث الربح فهو جائز على ما اشترطا لأن رب المال شرط على كل واحد من المضاربين جزءا معلوما من الربح وفاوت بينهما في الشرط لتفاوتهما في الهداية في التجارة المربحة وذلك صحيح.
المغني (ج5 ص145)
ولنا أن عقد الواحد مع الاثنين عقدان فجاز أن يشترط في أحدهما أكثر من الآخر كما لو انفرد ولأنهما يستحقان بالعمل وهما يتفاضلان فيه (لأن أحدهما قد يكون أبصر بالتجارة من الآخر وأقوى على العمل) فجاز تفاضلهما في العوض كالأجيرين.
بدائع الصنائع (ج6 ص95)
ولو دفع المال إلى رجلين مضاربة فليس لأحدهما أن يبيع ويشتري بغير إذن صاحبه , سواء قال لهما أعملا برأيكما أو لم يقل , لأنه رضي برأيهما ولم يرض برأي أحدهما فصارا كالوكيلين وإذا أذن له الشريك في شيء من ذلك جاز.
مغني المحتاج (ج2 ص315)
ويجوز أن يقارض في الابتداء المالك الواحد اثنين كزيد وعمرو متفاضلا ومتساويا فيما شرط لهما من الربح. . . لأن عقد الواحد مع اثنين كعقدين.
المغني (ج5 ص26)
ويجوز أن يدفع مالا إلى اثنين مضاربة في عقد واحد , فإن شرط لهما جزءا من الربح بينهما نصفين جاز وإن قال لكما كذا وكذا من الربح ولم يبين كيف هو كان بينهما نصفين لأن اطلاق قوله بينهما يقتضي التسوية كما لو قال لعامله والربح بيننا وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر ربعه وجعل الباقي له جاز.(1/392)
تقسيم المضاربة من حيث ما يقدمه كل طرف
تنقسم المضاربة من حيث ما يقدمه كل طرف إلى ثلاثة أقسام
أولها المضاربة الأصلية , وهي التي يختص فيها أحد الطرفين بتقديم المال ويختص الثاني بتقديم العمل.
والقسم الثاني هي المضاربة التي يشترك فيها الطرفان في تقديم المال ويختص أحدهما بالعمل ,
والقسم الثالث هي المضاربة التي يشترك فيها الطرفان في العمل ويختص أحدهما في تقديم المال.
فيجوز للمضارب تقديم حصة في رأس مال المضاربة بالإضافة إلى تقديم جهده وعمله , ويكون شريكا في المال ويجوز تصرفه بعد ذلك على المضاربة.
ويجوز ذلك بمقتضى عقد المضاربة عند المالكية , ويشترط فيه تفويض رب المال عند الحنفية والحنابلة , والإذن الصريح عند الشافعية.
كما يجوز عند جمهور الفقهاء أن يشارك رب المال المضارب في العمل بالإضافة إلى تقديمه المال , ولكن بشرط أن يكون على سبيل المعونة وليس مشروطا في العقد.
وقد أجاز الحنابلة ذلك ولو بالشرط لأن العمل هو أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال.(1/393)
الصورة الأولى: اختصاص كل طرف بتقديم أحد عناصر المضاربة:
تتمثل هذه الصورة في:
- اختصاص الطرف الأول في تقديم رأس المال , ويسمى رب المال.
- اختصاص الطرف الثاني في القيام بالعمل , ويسمى المضارب.
وهذه هي الصورة الأصلية للمضاربة , وهى جائزة باتفاق الفقهاء.
الصورة الثانية: اشتراك الطرفين في تقديم المال:
تتمثل هذه الصورة في:
- اشتراك الطرفين في تقديم رأس المال.
- وانفراد أحد الطرفين في تقديم العمل.
وهذه الصورة جائزة , فقد اتفق الفقهاء على جواز خلط رأس مال المضاربة بمال المضارب نفسه والعمل فيهما جميعا. وقالوا أن هذه الصورة تجمع بين الشركة والمضاربة , لأن المضارب يكون شريكا لرب المال فيما قدمه , ومضاربا له فيما تسلمه منه.
ولكن بالرغم من ذلك فقد اختلف الفقهاء هل يملك المضارب الخلط بمطلق العقد أم لا بد من إذن رب المال أو تفويض منه؟
فذهب المالكية إلى أن المضارب يملك خلط مال المضاربة بمطلق العقد , لأن ذلك من ضرورات أعمال المضاربة لتحقيق الربح وهو من عادة التجار , والغالب على أحوال المضاربين أن تكون لهم أموال خاصة ويعرف منذ البداية أن الأموال ستختلط وأن التجارة ستكون واحدة.
واشترط الحنفية والحنابلة لذلك وجود تفويض عام من رب المال , لأن خلط الأموال أمر متعارف بين التجار , وقد تكون المصلحة فيه لجميع الأطراف , فيجوز تصرف المضارب بعموم التفويض.
أما عند الشافعية فإن المضارب لا يملك هذا التصرف إلا بالإذن الصريح من رب المال , لأن بخلط المال يوجب في مال رب المال حقا لغيره , وذلك لا يجوز إلا بالإذن ولأن المنع كان من حق رب المال وقد أسقطه بالإذن.
الصورة الثالثة: اشتراك الطرفين في تقديم العمل:
تتمثل هذه الصورة في:
- انفراد أحد الطرفين بتقديم رأس المال , ويسمى رب المال.
- اشتراك الطرفين في تقديم العمل.
هذه الصورة جائزة عند الفقهاء إذا كان عمل رب المال من غير شرط وتحت إدارة المضارب , فيكون عمله على سبيل المعونة وليس لقاء أجرة لأنه - كما قرر الفقهاء - لا يستحق أحد الأجرة بالعمل في مال نفسه.
أما إذا كان عمل رب المال عن شرط , فقد منعه جمهور الفقهاء لأن شرط عمل رب المال يستدعى بقاء يده على المال وهو ينافي مقتضى العقد ويخل بما تقوم عليه المضاربة من اقتضاء تسليم رأس المال للمضارب ليعمل في تثميره.
وأجاز بعض الحنابلة اشتراط عمل رب المال مع المضارب , فيجوز له حينئذ جميع التصرفات التي تجوز للمضارب لأن المضاربة تقتضي عندهم اطلاق التصرف للمضارب فقط وليس تسليم رأس المال , وهذا حاصل مع اشتراك الطرفين في تقديم العمل. كما أن العمل هو أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال.(1/394)
المغني (ج5 ص134)
أن يشترك بدن ومال , وهذه المضاربة وتسمى قراضا أيضا.
المغني (ج5 ص134)
أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما , فهذا يجمع شركة ومضاربة , وهو صحيح.
المدونة الكبرى (ج4 ص54)
قلت: أرأيت إن اشتريت بمال قراض وبمال من عندي من غير أن يكون اشترط على رب المال أن أخلطه بمالي , أيجوز هذا , قال: لا بأس بذلك , كذلك قال لي مالك.
المجموع (ج14 ص382)
فإن خلطهما (مال المضارب ومال المضاربة) فعلى ضربين , أحدهما:
أن يكون بإذن رب المال فيجوز ويصير شريكا ومضاربا.
المبسوط (ج12 ص32)
وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن يخلطها المضارب بألف من قبله ثم يعمل بهما جميعا فهو جائز.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: أرأيت إن أخذت مالا قراضا على أن يعمل معي رب المال في المال , قال: قال مالك لا خير في هذا. . . قلت: فإن عمل رب المال بغير شرط , قال: قد أخبرتك أن مالكا كره ذلك إلا أن يكون عملا يسيرا , وهو قول مالك.
المغني ج5 (ص137 - 138)
القسم الخامس:
أن يشترك بدنان بمال أحدهما وهو أن يكون المال من أحدهما والعمل منهما مثل أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان فيها معا والربح بينهما , فهذا جائز ونص عليه أحمد في رواية أبي الحارث. وتكون مضاربة لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال غيره وهذا هو حقيقة المضاربة وقال أبو عبد الله بن حامد والقاضي وأبو الخطاب إذا شرط أن يعمل معه رب المال لم يصح , وهذا مذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأبي ثور وابن المنذر قال ولا تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل ويخلى بينه وبينه لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل فلم يسلمه لأن يده عليه فيخالف موضوعها وتأول القاضي كلام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل من غير اشتراط.
ولنا أن العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال , وقولهم أن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل ممنوع , إنما تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه , وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح ولم يحصل تسليم المال إلى أحدهما.
بدائع الصنائع (ج6 ص85)
لو شرط في المضاربة عمل رب المال فسدت المضاربة سواء عمل رب المال معه أو لم يعمل لأن شرط عمله معه شرط بقاء يده على المال وانه شرط فاسد ولو سلم رأس المال إلى رب المال ولم يشترط عمله ثم استعان به على العمل أو دفع إليه المال بضاعة جاز , لأن الاستعانة لا توجب خروج المال عن يده.(1/395)
صيغة المضاربة
الأصل في المضاربة أن تكون فيها الصيغة (الإيجاب والقبول) منجزة بحيث يترتب عليها أثرها فور إنشائها , فيتسلم المضارب رأس المال ليعمل فيه.
ولكن قد تصدر الصيغة أحيانا مربوطة بشرط يجعل وجود العقد مرتبطا بوجود الشرط وهي المضاربة المعلقة ,
كما قد تصدر الصيغة مربوطة بشرط يؤخر ترتب حكم العقد إلى زمن مستقبل معين وهي المضاربة المضافة.
وقد أجاز الحنفية والحنابلة التعليق والإضافة خلافا للمالكية والشافعية.(1/396)
اهتم الفقهاء اهتماما شديدا بصيغة العقود عموما لأنه لا بد من وجود ما يدل على إرادة المتعاقدين لإنشاء أي عقد.
وتتكون هذه الصيغة من الإيجاب والقبول.
والمراد بالإيجاب والقبول العبارتان المتقابلتان الدالتان على اتفاق الطرفين.
ويرى الحنفية: أن الإيجاب هو ما صدر ابتداء من أحدهما , والقبول ما صدر ثانيا من الآخر رضا به.
أما عند الجمهور: فالإيجاب هو ما صدر ممن يكون منه التمليك , سواء أصدر أولا أم ثانيا , والقبول هو ما صدر ممن يصير إليه الملك وإن صدر أولا.
المضاربة المنجزة
وقد تصدر الصيغة (الإيجاب والقبول) تامة , فيكون العقد منجزا , فيترتب عليه أثره فور إنشائه , ويتسلم المضارب مباشرة رأس المال ليعمل فيه.
والأصل في المضاربة أن تكون الصيغة منجزة.
المضاربة المعلقة على شرط
وقد تصدر الصيغة مربوطة بشرط يجعل وجود العقد مرتبطا بوجود شيء آخر قد يوجد وقد لا يوجد , فتكون المضاربة حينئذ معلقة على شرط , ولا توجد إلا بوجود الشرط المعلقة عليه.
ومثال ذلك أن يقول رب المال للمضارب:
إذا أحضر فلان المبلغ الذي عنده , فخذه مضاربة على نصف الربح مثلا.
وقد أجاز الحنفية والحنابلة تعليق المضاربة لأنها كالوكالة تفيد اطلاق التصرف للمضارب والإذن له بذلك فهي من عقود الاطلاقات والإسقاطات وبذلك تحتمل التعليق (كما تحتمل الإضافة والتأقيت) . ومنع ذلك المالكية والشافعية لأن المضاربة من عقود التمليكات إذ فيها تمليك للربح , وعقود التمليكات لا تقبل التعليق (كما لا تقبل الإضافة والتأقيت) لأن ذلك ينافي مقتضاها.
المضاربة المضافة إلى المستقبل
وقد تصدر الصيغة مربوطة بشرط يؤخر ترتب حكم العقد إلى زمن مستقبل معين.
فتكون المضاربة حينئذ مضافة إلى المستقبل ولا يترتب أثرها إلا في الزمن المعين (وليس من وقت العقد) . ومثال ذلك أن يقول رب المال للمضارب: ضاربتك بهذا المال ابتداء من الشهر القادم ولك نصف الربح مثلا.
وقد أجاز الحنفية والحنابلة إضافة المضاربة إلى المستقبل لأنها كالوكالة تفيد اطلاق التصرف للمضارب والإذن له بذلك فهي من عقود الاطلاقات والإسقاطات وبذلك تحتمل الإضافة (كما تحتمل التعليق والتأقيت) . ومنع ذلك المالكية والشافعية لأن المضاربة من عقود التمليكات إذ فيها تمليك للربح , وعقود التمليكات لا تقبل الإضافة (كما لا تقبل التعليق والتأقيت) لأن ذلك ينافي مقتضاها.
المضاربة المؤقتة
وقد تصدر الصيغة مربوطة بقيد أو شرط يحدد المدة التي تنتهي فيها المضاربة , فتكون المضاربة حينئذ مؤقتة.
ومثال ذلك أن يقول رب المال للمضارب: ضاربتك بهذا المال لمدة سنة واحدة.
وقد أجاز الحنفية والحنابلة تأقيت المضاربة لأنها توكيل والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت.
ومنع ذلك المالكية والشافعية لأن المضارب قد لا يتمكن من تحقيق الربح خلال المدة المعينة , فيخل ذلك بالمقصود.(1/397)
المجموع (ج14 ص369)
قال المصنف رحمه الله:
ولا يجوز أن يعلق العقد على شرط مستقبل لأنه عقد يبطل بالجهالة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالبيع والإجارة.
قال الشافعي رحمه الله:
ولا يجوز الشريطة إلى مدة , فمن أصحابنا من قال لا يجوز شرط المدة فيه لأنه عقد معاوضة يجوز مطلقا فبطل بالتوقيت كالبيع والنكاح ومنهم من قال: إن عقده إلى مدة على أن لا يبيع بعدها لم يصح لأن العامل يستحق البيع لأجل الربح , فإذا شرط المنع منه فقد شرط ما ينافي مقتضاه فلم يصح.
وإن عقده إلى مدة على أن لا يشتري بعدها صح , لأن رب المال يملك المنع من الشراء إذا شاء , فإذا شرط المنع منه فقد شرط ما يملكه بمقتضى العقد فلم يمنع صحته.
بدائع الصنائع (ج6 ص99)
ولو قال خذ هذا المال مضاربة إلى سنة جازت المضاربة عندنا , وقال الشافعي رحمه الله المضاربة فاسدة له. (وجه) قوله أنه إذا وقت للمضاربة وقتا فيحتمل أنه لا يجوز كونها في الوقت فلا يفيد العقد فائدة. (ولنا) أن المضاربة توكيل والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت , وذكره الطحاوي وقال لم يجز عند أصحابنا توقيت المضاربة وقياس قولهم في الوكالة أنها لا تختص بالوقت.
القوانين الفقهية (ص 280)
من شروط القراض:
أن لا يضرب أجل للعمل خلافا لأبي حنيفة.
المغني (ج5 ص185)
قال أبو الخطاب في صحة شرط التأقيت روايتان , إحداهما:
هو صحيح وهو قول أبي حنيفة والثانية:
لا يصح وهو قول الشافعي ومالك واختيار أبي حفص العكبري لثلاثة معان:
- أحدهما: أنه عقد يقع مطلقا فإذا شرط قطعه لم يصح كالنكاح.
- الثاني: أن هذا ليس من مقتضى العقد ولا له فيه مصلحة فأشبه ما لو شرط أن لا يبيع , وبيان أنه ليس من مقتضى العقد أنه يقتضي أن يكون رأس المال ناضا فإذا منعه البيع لم ينض.
- الثالث: إن هذا يؤدي إلى ضرر بالعامل لأنه قد يكون الربح والحظ في تبقية المتاع وبيعه بعد السنه فيمتنع ذلك بمضيها.
ولنا أنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع فجاز توقيته في الزمان كالوكالة.
شرح منتهى الإرادات (ج2 ص329)
وتصح المضاربة مؤقتة كضارب بهذا المال سنة لأنها تصرف يتقيد بنوع من المال فجاز تقييده بالزمان كالوكالة. . . وتصح معلقة لأنها إذن في التصرف فجاز تعليقه على شرط مستقبل كالوكالة كإذا جاء زيد فضارب بهذا المال أو اقبض ديني من فلان وضارب به لأنه وكيله في قبض الدين ومأذون له في التصرف فجاز جعله مضاربة إذا قبضه.(1/398)
العاقدان في المضاربة
المضاربة فيها توكيل وتوكل , فيشترط أهلية التوكيل في رب المال وأهلية التوكل في العامل المضارب. فيشترط في رب المال لصحة صدور الوكالة عنه: الأهلية , والولاية , والإذن صراحة أو دلالة إن كانت طبيعة ولايته على التصرف تأبي إنابة الغير فيه بدون إذن صاحب الحق فيه. ويشترط في المضارب أن يكون جائز التصرف , معينا , متمكنا من مباشرة التصرف الموكل فيه لنفسه.(1/399)
ما يشترط في رب المال
يشترط في رب المال - ثلاثة شروط:
(أحدها) الأهلية: وذلك بأن يكون جائز التصرف. وهو العاقل المميز عند الحنفية. والبالغ العاقل الرشيد عند سائر الفقهاء. وعلى ذلك فلا يصح عقد المضاربة من مجنون أو صبي غير مميز باتفاق الفقهاء لانتفاء أهليتهما للتصرف. أما الصبي المميز , فيصح عقده المضاربة عند الحنفية بإذن وليه.
(الثاني) الولاية: وذلك بأن يكون متمكنا من مباشرة التصرف الذي يوكل فيه إما بحق الملك لنفسه أو بحق الولاية على غيره , وإلا فلا. لأن التوكيل تفويض ما يملكه الشخص من التصرف إلى غيره , فما لا يملكه بنفسه لا يحتمل أن يفوضه إلى غيره , لأن النائب فرع عن المستنيب.
(الثالث) أن لا تكون طبيعة ولايته على التصرف تأبى تفويضه إلى الغير بدون إذن.
فالوكيل لا يصح أن يوكل غيره فيما وكل فيه إلا بإذن موكله أو ما هو في معنى الإذن كأن تكون الوكالة عامة أو فوض الرأي , إلى الوكيل فيها أو دلت على إذنه قرائن أخرى.
ما يشترط في المضارب
يشترط في المضارب لصحة الوكالة ثلاثة شروط:
(احدها) الأهلية: وذلك بأن يكون جائز التصرف. وهو العاقل المميز عند الحنفية والبالغ الرشيد عند الشافعية والمالكية والحنابلة 0 وعلى ذلك , فلا تصح المضاربة من المجنون والصبي الذي لا يعقل. أما الصبي المميز , فقد اختلف الفقهاء في شأنه , فذهب الحنفية وابن رشد المالكي إلى أنه يصح جعله وكيلا. وذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى عدم صحة توكيله في الجملة , لأنه لا يملك التصرف لنفسه , فلا يملكه لغيره.
(والثاني) أن يكون ممن يصح منه مباشرة ما وكل فيه لنفسه.
(والثالث) أن يكون المضارب معلوما (معينا) . فلو قال شخص: ضاربت مع أحد هذين , لم تصح للجهالة. نص على ذلك الحنفية والحنابلة.(1/400)
أن يكون رأس المال معلوما
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون رأس المال معلوما لأن رأس المال واجب الرجوع في نهاية المضاربة , فوجب علمه عند العقد.(1/401)
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون رأس المال معلوما لأن رأس المال واجب الرجوع إليه في نهاية المضاربة , فوجب علمه عند العقد ولأن جهالة رأس المال تؤدي بالضرورة إلى جهالة الربح الذي يمثل الزيادة على رأس المال , ومعلومية الربح شرط لصحة المضاربة فوجب معلومية رأس المال.(1/402)
بدائع الصنائع (ج6 ص82)
أن يكون (رأس المال) معلوما فإن كان مجهولا لا تصح المضاربة لأن جهالة رأس المال تؤدي إلى جهالة الربح , وكون الربح معلوما شرط صحة المضاربة.
المغني (ج5 ص191)
ومن شرط المضاربة أن يكون رأس المال معلوم المقدار , ولا يجوز أن يكون مجهولا ولا جزافا ولو شاهداه وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي يصح إذا شاهداه والقول قول العامل مع يمينه في قدره , ولنا أنه مجهول فلم تصح المضاربة به كما لو لم يشاهداه وذلك لأنه لا يدري بكم يرجع عند المفاصلة ولأنه يفضي إلى المنازعة والاختلاف في مقداره فلم يصح.
المجموع (ج14 ص358)
ولا يجوز إلا على مال معلوم الصفة والقدر , فإن قارضه على دراهم جزاف لم يصح لأن مقتضى القراض رد رأس المال , وهذا لا يمكن فيما لا يعرف صفته وقدره.
وإن قارضه على ألف درهم هي له عنده وديعة جاز لأنه معلوم.
المجموع (ج14 ص362)
فلو دفع إليه ألف درهم وألف دينار على أن يقارض بأي الألفين شاء ويستودعه الأخرى لم يجز للجهل بالقراض هل عقد بألف درهم أو بألف دينار.(1/403)
أن يكون رأس المال نقدا رائجا
يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون رأس مال المضاربة نقدا رائجا لا عرضا من العروض , وأجاز الحنابلة المضاربة بالعروض على أن تقوم هذه العروض عند العقد وتجعل قيمتها المتفق عليها رأس مال المضاربة.(1/404)
تجوز المضاربة باتفاق الفقهاء إذا كان رأس المال نقدا رائجا لأن النقود هي قيم الأشياء وأصول الأثمان وتصح المضاربة بها لكونها ثابتة القيمة , وتمنع حصول المنازعات إذ يتحدد بها رأس المال وكذلك الربح الزائد عن رأس المال بطريقة جلية دون حزر أو ظن خلافا للعروض التي قد ترتفع أو تنخفض قيمتها فيتضرر أحد الطرفين عند تقويمها وتحدث المنازعات.
أما إذا كان رأس المال من العروض , فقد اختلف الفقهاء في جواز ذلك:
فلا يجوز عند الحنفية والمالكية والشافعية جعل العروض - مثلية أو قيمية - رأس مال المضاربة لأن قيمة العروض غير ثابتة وهى عرضة للزيادة والنقصان , وذلك مما يؤدي إلى عدم التمكن من تقدير رأس المال بدقة عند تصفية المضاربة وهو ما ينتج عنه جهالة الربح وقت القسمة , فقد تقوم العروض:
- بأكثر من قيمتها الحقيقية , وهو ما يؤدي إلى اختصاص رب المال بجزء من الربح زائد عما شرط له.
- بأقل من قيمتها , وهو ما يؤدي إلى أخذ المضارب جزءا من رأس المال.
وكلا الأمرين ممنوع في المضاربة.
هذا وقد أجاز الحنفية المضاربة بثمن العروض بعد بيعها , فيكون رأس مال المضاربة هو ثمن العروض.
أما عند الحنابلة , فإنه تجوز المضاربة بالعروض وذلك بأن تقوم عند العقد وتجعل قيمتها المتفق عليها رأس مال المضاربة بحيث يعيد المضارب هذه القيمة نقدا عند انتهاء المضاربة.
وبهذا القول فإنه لن يكون هناك اختصاص لرب المال بجزء من الأرباح زائدا عما شرط له , أو أخذ المضارب لجزء من رأس المال لأن اتفاق الطرفين هو رد المضارب قيمة ما أخذه من العروض عند التعاقد (وليس قيمة العروض عند التصفية) . وهذا يقطع النزاع ويقلل الغرر لأن الفرق في رأس المال (العروض) بين قيمتها وقت الدخول في المضاربة ووقت تصفيتها زيادة أو نقصا يكون هو ما حققته المضاربة ربحا أو خسارة
- ففي حالة ارتفاع قيمة العروض يوم التصفية عن قيمتها يوم العقد , فإن الطرفان يشتركان في الفرق ما بين القيمتين بالقدر المتفق عليه.
- أما في حالة انخفاض قيمة العروض يوم التصفية , فإنه يتم جبر رأس المال بمقدار هذا الانخفاض من الأرباح المتحققة لأن الربح وقاية لرأس المال أو يتحمل رب المال هذه الخسارة عند عدم تحقق أرباح لأن المضارب لا يتحمل من الخسارة شيئا سوى خسارة جهده وعمله.(1/405)
بدائع الصنائع (ج6 ص82)
أن يكون رأس المال من الدراهم أو الدنانير عند عامة العلماء , فلا تجوز المضاربة بالعروض , لأن المضاربة بالعروض تؤدي إلى جهالة الربح وقت القسمة لأن قيمة العروض تعرف بالحزر والظن وتختلف باختلاف المقومين والجهالة تفضي إلى المنازعة , والمنازعة تفضي إلى الفساد وهذا لا يجوز وقد قالوا أنه لو دفع إليه عروضا فقال له بعها واعمل بثمنها مضاربة فباعها بدراهم أو دنانير وتصرف فيها جاز لأنه لم يضف المضاربة إلى العروض وإنما أضافتها إلى الثمن والثمن تصح به المضاربة.
المجموع (ج14 ص362)
قال الشافعي ولا يجوز القراض إلا في الدراهم والدنانير التي هي أثمان الأشياء وقيمتها , وحكى عن طاوس والأوزاعي وابن أبي ليلى جواز القراض بالعروض لأنها كالدراهم والدنانير , ولأن كل عقد صح بالدراهم والدنانير صح بالعروض كالبيع وهذا خطأ لأن القراض مشروط برد رأس المال واقتسام الربح وعقده بالعروض يمنع من هذين الشرطين أما رد رأس المال فلأن من العروض ما لا مثل لها فلم يمكن ردها , وأما الربح فإنه يفضي إلى اختصاص أحدهما به دون الآخر.
المجموع (ج14 ص358)
ومتى عقد على غير الأثمان لم يحصل المقصود , لأنه ربما زادت قيمته فيحتاج أن يصرف العامل جميع ما اكتسبه في رد مثله إن كان له مثل , وفى رد قيمته إن لم يكن له مثل.
وفى هذا إضرار بالعامل وربما نقصت قيمته فيصرف جزءا يسيرا من الكسب في رد مثله أو رد قيمته , ثم يشارك رب المال في الباقي , وفى هذا إضرار برب المال لأن العامل يشاركه في أكثر رأس المال وهذا لا يوجد في الأثمان لأنها لا تقوم بغيرها.
المدونة الكبرى (ج4 ص47)
قال: قال سحنون قال ابن القاسم قال مالك لا تصح المقارضة إلا بالدنانير والدراهم , قلت: أرأيت القراض بالحنطة والشعير أيجوز في قول مالك؟ قال: لا. قلت: أرأيت القراض بما يوزن ويكال لم كرهت ذلك؟ قال: لأنه خطر يأخذ الحنطة والشعير وقيمته يوم أخذ مائة درهم فيعمل فتصير قيمته يوم يرده ألف درهم فيغترق ربحه , أو تكون قيمتها حين يردها خمسين درهما فيكون قد ربح فيها.
القوانين الفقهية (ص279)
وإنما يجوز القراض بشروط: الأول لأن يكون رأس المال دنانير أو دراهم فلا يجوز بالعروض أو غيرها.
المبسوط (ج12 ص33)
ولكنا نستدل بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن والمضاربة بالعروض تؤدي إلى ذلك لأنها أمانة في يد المضارب وربما ترتفع قيمتها بعد العقد فإذا باعها حصل الربح واستحق المضارب نصيبه من غير أن يدخل شيء في ضمانه بخلاف النقد فإنه يشتري بها وإنما يقع الشراء بثمن مضمون في ذمته فما يحصل له يكون ربح ما قد ضمن.
المغني (ج5 ص112)
وفيه رواية أخرى أن الشركة والمضاربة تجوز بالعروض ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد قال أحمد إذا اشتركا في العروض يقسم الربح على ما اشترطا وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضاربة بالمتاع فقال جائز , فظاهر هذا صحة الشركة بها اختاره أبو بكر وأبو الخطاب وهو قول مالك وابن أبي ليلى وبه قال في المضاربة طاوس والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين وكون ربح المالين بينهما وهو حاصل في العروض كحصوله في الأثمان فيجب أن تصح الشركة والمضاربة بها كالأثمان ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد.(1/406)
أن يكون رأس المال حاضرا لا دينا
يشترط باتفاق الفقهاء أن لا يكون رأس مال المضاربة دينا في ذمة المضارب ,
وأجاز الحنفية والحنابلة أن يكون رأس مال المضاربة دينا في ذمة شخصا آخر غير المضارب.(1/407)
يشترط الفقهاء أن يكون رأس مال المضاربة حاضرا لا دينا في ذمة المضارب لأن رأس المال يجب أن يكون ملك رب المال وقادرا على تسليمه للمضارب , والدين لا يعود في ملك رب المال إلا بالقبض , فلا يجوز المضاربة به. . . كذلك تمنع المضاربة على الدين سدا لذريعة الربا فقد تكون ستارا للحصول على زيادة في شكل أرباح المضاربة , وهي تكون حقيقة مقابل تأخير سداد الدين.
أما إذا كان رأس المال دينا في ذمة شخص آخر غير المضارب , فقد اختلفت أقوال الفقهاء في جواز ذلك إلى ثلاثة آراء
فقال المالكية بعدم جواز المضاربة بالدين قبل قبضه لأن قيام المضارب باستيفاء الدين فيه كلفة على المضارب وهي من قبيل اشتراط منفعة زائدة في العقد.
وذهب الشافعية كذلك لعدم الجواز لأن المضاربة تكون مضافة إلى زمن قبض الدين أو معلقة عليه , والتعليق والإضافة غير جائزين في المضاربة عندهم.
أما الحنفية والحنابلة فقالوا بجواز ذلك لأن رب المال يقوم بتوكيل المضارب بقبض الدين , وإضافة المضاربة إلى المال المقبوض , فيكون رأس المال حينئذ عينا لا دينا.
ولا بأس بالمضاربة بالوديعة كما هو رأي الجمهور لأن الأصل أن تكون الوديعة قائمة بحالها في يد المودع عنده , فجاز أن يضاربه عليها كما لو كانت حاضرة.
وخالف المالكية فقالوا بعدم الجواز إلا بعد قبض الوديعة وذلك خشية أن يكون المودع قد أنفقها فتصير عليه دينا.(1/408)
المبسوط (ج12 ص29)
ولو كان لرجل على رجل ألف درهم دين فأمره أن يعمل بها مضاربة ويشتري بها ما بدا له من المتاع ثم يبيعه , بالنصف فهذا فاسد لأن شرط صحة المضاربة كون رأس المال عينا ولم يوجد ذلك عند العقد ولا بعده , فالمديون لا يكون قابضا للدين من نفسه لصاحبه , وصاحب الدين لا يمكن أن يبرئه عن الضمان مع بقائه بدون القبض.
ولو قال رب المال لرجل آخر اقبض ما لي على فلان ثم اعمل به مضاربة بالنصف فهو جائز لأنه وكيل رب المال في قبض الدين منه فإذا قبضه كان المقبوض بمنزلة الوديعة في يده فتنعقد المضاربة بينهما برأس مال هو عين في يده.
بدائع الصنائع (ج6 ص83)
أن يكون رأس المال عينا لا دينا فإن كان دينا فالمضاربة فاسدة وعلى هذا يخرج ما إذا كان لرب المال على رجل دين فقال له اعمل بديني الذي في ذمتك مضاربة بالنصف أن المضاربة فاسدة بلا خلاف , ولو قال لرجل اقبض ما لي على فلان من الدين واعمل به مضاربة جاز لأن المضاربة هنا أضيفت إلى المقبوض فكان رأس المال عينا لا دينا ولو أضاف المضاربة إلى عين هي أمانة في يد المضارب من الدراهم والدنانير بأن قال للمودع أو المستبضع اعمل بما في يدك مضاربة بالنصف جاز ذلك بلا خلاف.
المغني (ج5 ص190)
قال: ولا يجوز أن يقال لمن عليه دين ضارب بالدين الذي عليك , نص أحمد على هذا وهو قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه مخالفا , قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينا له على رجل مضاربة وممن حفظنا ذلك عنه عطاء والحكم وحماد ومالك والثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وبه قال الشافعي
وقال بعض أصحابنا يحتمل أن تصح المضاربة لأنه إذا اشترى شيئا للمضاربة فقد اشتراه بإذن رب المال ودفع الدين إلى من أذن له في دفعه إليه فتبرأ ذمته منه ويصير كما لو دفع إليه عرضا وقال بعه وضارب بثمنه وجعل أصحاب الشافعي مكان هذا الاحتمال أن الشراء لرب المال وللمضارب أجر مثله لأنه علقه بشرط ولا يصح عندهم تعليق القراض بشرط , والمذهب هو الأول لأن المال الذي في يدى من عليه الدين له وإنما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد القبض ههنا وان قال لرجل أقبض المال الذي على فلان واعمل به مضاربة فقبضه وعمل به جاز في قولهم جميعا , ويكون وكيلا في قبضه مؤتمنا عليه لأنه قبضه بإذن مالكه من غيره فجاز أن يجعله مضاربة.
المجموع (ج14 ص363 / 385)
ولو كان له على العامل دين فقال له قد جعلت ألفا من ديني عليك قراضا في يدك لم يجز تعليلا بأنه قراض على مال غائب , وان كان له على رجل دين فقال اقبض ما لي عليك فعزل الرجل ذلك وقارضه عليه لم يصح القراض لأن قبضه له من نفسه لا يصح , فإذا قارضه عليه فقد قارضه على مال لا يملكه فلم يصح
المدونة الكبرى (ج4 ص48)
قلت: أرأيت لو كان لي عند رجل وديعة فقلت له اعمل بها قراضا على النصف أيجوز هذا؟ قال: قال لي مالك في المال إذا كان دينا على رجل فقال له رب المال اعمل بالدين الذي لي عليك قراضا , قال: لا يجوز هذا إلا أن يقبض دينه ثم يعطيه بعدما يقبضه فأرى الوديعة مثل هذا لأني أخاف أن يكون قد أنفق الوديعة فصارت عليه دينا , قلت له: فإن قلت له اقبض ديني الذي على فلان واعمل به قراضا قال: لا يجوز هذا عند مالك.(1/409)
تسليم رأس مال المضاربة
يعتبر تسليم رأس المال شرط لصحة المضاربة عند جمهور الفقهاء لأن عدم تسليمه له يؤدي إلى التضييق عليه والحد من تصرفاته
بينما يرى الحنابلة أن المضاربة لا تقتضي تسليم رأس المال وإنما تقتضي فقط اطلاق تصرفه في المال , فيجوز عندهم بقاء رأس المال عند صاحبه ودفعه تدريجيا حسب حاجة المضارب.(1/410)
يشترط باتفاق الفقهاء أن تطلق يد المضارب في التصرف في رأس المال لأن أي شرط يمنع المضارب من التصرف في رأس المال ينافي مقتضى عقد المضاربة ويجعله عقدا صوريا لا فائدة له , فلا يستطيع المضارب العمل وتحقيق الربح الذي هو الهدف والمقصود من التعاقد.
ويرى الحنفية والمالكية والشافعية أنه لا يكفي إطلاق يد المضارب في التصرف بل يجب تسليم كامل رأس المال إليه , فيجب عندهم أن يستقل المضارب في حيازة رأس المال لأنه مؤتمن عليه , ولأن عدم تسليمه رأس المال يؤدي إلى التضييق عليه والحد من تصرفاته.
أما الحنابلة , فإنه يكفي عندهم اطلاق يد المضارب في التصرف في رأس المال , وتصح المضاربة ولو شرط رب المال بقاء المال معه أو وضعه عند أمين دون تسليمه للمضارب لأن هذا الشرط لا يمنع المضارب من العمل الذي هو مورد ومقصد العقد , أما رأس المال فهو مجرد وسيلة يمكن دفعه تدريجيا حسب حاجة المضارب.(1/411)
بدائع الصنائع (ج6 ص84)
ومنها: تسليم رأس المال إلى المضارب لأنه أمانة فلا يصح إلا بالتسليم وهو التخلية كالوديعة ولا يصح مع بقاء يد الدافع على المال لعدم التسليم مع بقاء يده , حتى لو شرط بقاء يد المالك على المال فسدت المضاربة لما قلنا فرق بين هذا وبين الشركة فإنها تصح مع بقاء يد رب المال على ماله , والفرق أن المضاربة انعقدت على رأس مال من أحد الجانبين وعلى العمل من الجانب الآخر , ولا يتحقق العمل إلا بعد خروجه من يد رب المال فكان هذا شرطا موافقا مقتضى العقد بخلاف الشركة , لأنها انعقدت على العمل من الجانبين فشرط زوال يد رب المال عن العمل يناقض مقتضى العقد.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: هل يجوز لرب المال أن يحبسه عنده ويقول للعامل: اذهب واشتر وأنا أنقد عنك , واقبض أنت السلع , فإذا بعت قبضت الثمن وإذا اشتريت نقدت الثمن؟ قال: لا يجوز هذا القراض عند مالك وإنما القراض عند مالك أن يسلم المال إليه.
قال: وقال لي مالك ولو ضم إليه رجلا جعله يقتضي المال وينقد والعامل يشتري ويبيع ولا يأمن العامل وجعل هذا أمينا , قال: لا خير في هذا.
مغني المحتاج (ج2 ص310)
. . . (أن يكون رأس المال) مسلما إلى العامل , فلا يجوز شرط كون المال في يد المالك ولا عمله معه , وليس المراد اشتراط تسليم المال إليه حال العقد أو في مجلسه , وإنما المراد أن يستقل العامل باليد عليه والتصرف فيه , ولا يصح الإتيان بما ينافي ذلك , وهو شرط كون المال في يد المالك أو غيره ليوفي منه ثمن ما اشتراه العامل , ولا شرط مراجعته في التصرف , لأنه قد لا يجده عند الحاجة.
شرح منتهى الإرادات (ج2 ص446)
لا يعتبر لمضاربة قبض عامل رأس المال , فتصح وان كان بيد ربه , لأن مورد العقد العمل.
المغني (ج5 ص138)
وقولهم أن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل ممنوع إنما تقتضي اطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح ولم يحصل تسليم المال إلى أحدهما.(1/412)
أن يكون الربح معلوم القدر
يشترط في الربح في المضاربة باتفاق الفقهاء أن يكون معلوما لأن الربح هو المعقود عليه وجهالته توجب فساد العقد(1/413)
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون الربح معلوم القدر.
فيجب تحديد حصة المتعاقدين من الربح في العقد لأن المعقود عليه هو الربح وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد , فوجب معلومية الربح.
ويكفي لذلك تحديد نصيب المضارب من الربح لأن الباقي أصبح معلوما أنه من نصيب رب المال يستحقه بماله لكونه نماءه وفرعه.(1/414)
بدائع الصنائع (ج6 ص85)
وأما الذي يرجع إلى الربح فأنواع:
منها إعلام مقدار الربح لأن المعقود عليه هو الربح وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد ولو دفع إليه ألف درهم عن أنهما يشتركان في الربح ولم يبين مقدار الربح جاز ذلك والربح بينهما نصفان لأن الشركة تقتضي المساواة.
بدائع الصنائع (ج6 ص80)
ولو قال خذ هذه الألف على أن لك نصف الربح أو ثلثه ولم يزد على هذا , فالمضاربة جائزة قياسا واستحسانا وللمضارب ما شرط وما بقى فلرب المال , الأصل في جنس هذه المسائل أن رب المال إنما يستحق الربح لأنه نماء ماله لا بالشرط فلا يفتقر استحقاقه إلى الشرط بدليل أنه إذا فسد الشرط كان جميع الربح له والمضارب لا يستحق إلا بالشرط لأنه إنما يستحق بمقابلة عمله والعمل لا يتقوم إلا بالعقد.
القوانين الفقهية (ص280)
من شروط القراض أن يكون الجزء المسمى كالنصف ولا يجوز أن يكون مجهولا.
المدونة الكبرى (ج4 ص49)
قلت أرأيت أن قال له اعمل على أن لك شركا في المال أيرد إلى قراض مثله قال: نعم لأن هذا بمنزلة من أخذ مالا قراضا ولم يسم له من الربح ولا ما لرب المال فعمل فهؤلاء يردون إلى قراض مثلهم.
قال سحنون وقال غيره إذا قال لك شرك في المال ولم يسم شيئا وتصادقا فذلك النصف.
المغني (ج5 ص140)
أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء ولأن استحقاق المضارب الربح بعمله فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير كالأجرة في الإجارة.
المغني (ج5 ص144)
وإن قال خذه مضاربة ولك جزء من الربح أو شركة في الربح أو شيء من الربح أو نصيب أو حظ لم يصح لأنه مجهول ولا تصح المضاربة إلا على قدر معلوم.
المغني (ج5 ص149)
وان دفع إليه ألفين مضاربة على أن كل واحد منهما ربح ألف أو على أن لأحدهما ربح أحد الثوبين أو ربح إحدى السفرتين أو ربح تجارته في شهر أو عام بعينه ونحو ذلك فسد الشرط والمضاربة لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره وقد يربح في غيره دونه فيختص أحدهما بالربح وذلك يخالف موضوع الشركة ولا نعلم في هذا خلافا.
المجموع (ج14 ص365)
ولا يجوز إلا على جزء من الربح معلوم , فإن قارضه على جزء مبهم لم يصح , لأن الجزء يقع على الدرهم والألف فيعظم الضرر وإن قارضه على جزء مقدر كالنصف والثلث جاز.
وان قال قارضتك على أن الربح بيننا ففيه وجهان , أحدهما لا يصح لأنه مجهول , لأن هذا القول يقع على التساوي وعلى التفاضل , والثاني يصح لأنه سوى بينهما في الإضافة فحمل على التساوي.(1/415)
أن يكون الربح بنسبة شائعة
يشترط في الربح في المضاربة أن يكون نصيب المتعاقدين جزءا شائعا يتفقان عليه لأن مقتضى العقد الاشتراك في الربح
واشتراط قدر معين من الربح لأحد المتعاقدين يفسد المضاربة باتفاق الفقهاء , لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في الربح.(1/416)
يشترط باتفاق الفقهاء تحديد نصيب المتعاقدين من الربح بجزء شائع يتفقان عليه كالنصف والثلث وغيره لأن مقتضى عقد المضاربة الاشتراك في الربح الحاصل منها.
ذلك أن شرط مبلغ معين من الربح لأحد المتعاقدين يؤدي إلى قطع الشركة في الربح لاحتمال أن لا يربح المضارب إلا ذلك المبلغ فينفرد به أحدهما دون الآخر مما ينافي مقتضى العقد.
وعليه لا يجوز تحديد لأحد الطرفين ربح فترة دون أخرى أو ربح سلعة أو صفقة معينة دون أخرى.(1/417)
بدائع الصنائع (ج6 ص86)
ومنها أن يكون المشروط لكل واحد منهما من المضارب ورب المال من الربح جزءا شائعا نصفا أو ثلثا أو ربعا , فإن شرطا عددا مقدرا بأن شرطا أن يكون لأحدهما مائة درهم من الربح أو أقل أو أكثر والباقي للآخر لا يجوز , والمضاربة فاسدة لأن المضاربة نوع من الشركة وهي الشركة في الربح , وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر , فلا تتحقق الشركة , فلا يكون التصرف مضاربة وكذلك إن شرطا أن يكون لأحدهما النصف أو الثلث ومائة درهم أو قال إلا مائة درهم فإنه لا يجوز , إن المضاربة عقد شركة في الربح فشرط قطع الشركة فيها يكون شرطا فاسدا.
المبسوط (ج12 ص19)
المقصود بهذا العقد الشركة في الربح وكل شرط يؤدي إلى قطع الشركة في الربح بينهما مع حصوله فهو مبطل للعقد لأنه مفوت لموجب العقد ومن ذلك ما رواه عن إبراهيم رحمه الله أنه كان يكره المضاربة بالنصف أو الثلث وزيادة عشرة دراهم , قال: أرأيت إن لم يربح إلا تلك العشرة , وهو إشارة إلى ما بينا من قطع الشركة في الربح مع حصوله بأن لم يربح إلا تلك العشرة.
المجموع (ج14 ص366)
ولا يجوز أن يختص أحدهما بدرهم معلوم ثم الباقي بينهما لأنه ربما لم يحصل ذلك الدرهم فيبطل حقه وربما لم يحصل غير ذلك الدرهم فيبطل حق الآخر ولا يجوز أن يخص أحدهما بربح ما في الكيسين لأنه قد لا يربح في ذلك فيبطل حقه أو لا يربح إلا فيه فيبطل حق الآخر.
المدونة الكبرى (ج4 ص57)
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مائتي دينار قراضا على أن يعمل بكل مائة منهما على حدة على أن ربح مائة منهما بيننا وربح المائة الأخرى للعامل , أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا لأنهما قد تخاطرا ألا ترى أنه إن لم يربح في المائة التي جعل ربحها بينهما وربح في الأخرى كان قد غبن العامل رب المال , وإن ربح في المائة التي أخذها بينهما ولم يربح في الأخرى كان رب المال قد غبن العامل فيه فقد تخاطرا على هذا.
قلت: أرأيت إن أخذ المال على أن لرب المال درهما من الربح خالصا وما بقى بعد ذلك فهو بينهما فعمل على ذلك فربح أو وضع , قال يكون الربح لرب المال والنقصان عليه , ويكون للعامل أجر مثله.
المغني (ج5 ص148)
وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم بطلت الشركة , قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي.
المبسوط (ج12 ص25)
ولو قال خذ هذه الألف مضاربة أو مقارضة ولم يذكر ربحا فهي مضاربة فاسدة لأن المضارب شريك في الربح والتنصيص على لفظ المضاربة يكون استردادا لجزء من ربح المضارب وذلك الجزء غير معلوم وجهالته تفضي إلى المنازعة بينهما.(1/418)
أن يكون الربح مشتركا بين العاقدين
الأصل في الربح أن يكون مشتركا بين رب المال والمضارب فإن تراضى الطرفان على غير ذلك , بأن يختص أحدهما بالربح دون الآخر , كان العقد صحيحا عند المالكية لأنه من باب الهبة والتبرع. وهذا الشرط يخرج العقد عن المضاربة في بقية المذاهب.(1/419)
الحنفية: لا يجوز عندهم اختصاص أحد المتعاقدين بالربح دون الآخر , ومثل هذا الشرط يخرج العقد عن المضاربة رغم أنه جاء بصيغتها لأن العبرة في العقود للمعاني.
ويكون العقد قرضا إذا اشترط الربح كله للمضارب , أو يكون عقد إبضاع إذا اشترط الربح كله لرب المال.
الحنابلة والشافعية: لا يجوز عندهم اختصاص أحد المتعاقدين بالربح دون الآخر مع استخدام كلمة مضاربة , ويكون العقد فاسدا ولا يصرف إلى عقد آخر لأن إرادتهما تنصب على المضاربة لا غير.
أما إذا لم تستخدم كلمة المضاربة صراحة فإن العقد يحول إلى:
عقد قرض إذا اشترط الربح كله للمضارب , أو عقد إبضاع إذا اشترط الربح كله لرب المال.
المالكية: يجوز عندهم اختصاص أحد الطرفين بالربح ويجب الالتزام به لأنه من باب الهبة , ويجرى العقد على حكم الهبة.
وعليه يشبه العقد القرض إذا تبرع رب المال بما يكون له من ربح ويبقى رأس المال مضمونا عليه بحكم عقد المضاربة , أما إذا تبرع المضارب بما يكون له من ربح وتطوع بالعمل مجانا فيلتقي عقد المضاربة مع الإبضاع.(1/420)
بدائع الصنائع (ج6 ص86)
ولو شرط جميع الربح للمضارب فهو قرض عند أصحابنا , وعند الشافعي رحمه الله هي مضاربة فاسدة وله أجرة مثل ما إذا عمل.
وجه قوله أن المضاربة عقد شركة في الربح فشرط قطع الشركة فيها يكون شرطا فاسدا.
ولنا أنه إذا لم يمكن تصحيحها مضاربة تصحح قرضا لأنه أتى بمعنى القرض والعبرة في العقود لمعانيها وعلى هذا إذا شرط جميع الربح لرب المال فهو إبضاع عندنا لوجود معنى الإبضاع.
المغني (ج5 ص144 / 145)
وإن قال خذ هذا المال فاتجر به وربحه كله لك كان قرضا لا قراضا لأن قوله خذه فاتجر به يصلح لهما وقد قرن به حكم القرض فانصرف إليه وإن قال مع ذلك ولا ضمان عليك فهذا قرض شرط فيه نفي الضمان فلا ينتفي بشرطه كما لو صرح به فقال خذ هذا قرضا ولا ضمان عليك.
وإن قال خذه فاتجر به والربح كله لي كان إبضاعا لأنه قرن به حكم الإبضاع فانصرف إليه فإن قال مع ذلك وعليك ضمانه لم يضمنه لأن العقد يقتضي كونه أمانة غير مضمونة فلا يزول ذلك بشرطه وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك أو كله لي فهو عقد فاسد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال والربح كله لي كان إبضاعا صحيحا لأنه أثبت له حكم الإبضاع فانصرف إليه كالتي قبلها وقال مالك يكون مضاربة صحيحة في الصورتين لأنهما دخلا في القراض فإذا شرط لأحدهما فكأنه وهب الآخر نصيبه فلم يمنع صحة العقد.
ولنا أن المضاربة تقتضي كون الربح بينهما فإذا شرط اختصاص أحدهما بالربح فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد ففسد كما لو شرط الربح كله في شركة العنان لأحدهما , ويفارق ما إذا لم يقل مضاربة لأن اللفظ يصلح لما أثبت حكمه من الإبضاع والقراض بخلاف ما إذا صرح بالمضاربة وما ذكره مالك لا يصح لأن الهبة لا تصح قبل وجود الموهوب.
المدونة الكبرى (ج4 ص48)
قلت: أرأيت إن أعطيته مالا قراضا على أن الربح للعامل كله , قال: سألت مالكا عن الرجل يعطى الرجل المال يعمل به على أن الربح للعامل ولا ضمان على العامل , قال:
قال مالك قد أحسن ولا بأس به , قلت: فإن دفعت إلى رجل مالا قراضا على النصف فلقيته بعد ذلك فقلت له اجعله على الثلثين لي والثلث لك أو الثلثان للعامل ولرب المال الثلث وقد عمل بالمال ففعل , قال: لا أرى به بأسا ولم أسمعه من مالك.
المجموع (ج14 ص366 / 367)
إن عقد القراض موجب لاشتراك رب المال والعامل في الربح ولا يختص به أحدهما دون الآخر لأن المال والعمل متقابلان , فرأس المال في مقابلة عمل العامل , ولذلك وجب أن يشتركا في الربح , ولم يجز أن يختص به أحدهما وان دفع إليه ألفا وقال: تصرف فيه والربح كله لك فهو قرض لا حق لرب المال في ربحه , لأن اللفظ مشترك بين القراض والقرض , وقد قرن به حكم القرض , فانعقد القرض به , وإن قال: تصرف فيه والربح كله لي فهو بضاعة , لأن اللفظ مشترك بين القراض والبضاعة , وقد قرن به حكم البضاعة فكان بضاعة
القوانين الفقهية (ص280)
والشرط السادس: أن لا يشترط أحدهما لنفسه شيئا ينفرد به من الربح , ويجوز أن يشترط العامل الربح كله خلافا للشافعي.(1/421)
أن يكون الربح مختصا بالمتعاقدين
يجوز عند المالكية اشتراط جزء من الربح أو كله للغير لأن المتعاقدين يكونان قد تبرعا بذلك الجزء من الربح , فكان هبة وقربة لله تعالى. ولا يستحق الغير شيئا من الربح عند بقية الفقهاء لأنه لم يقدم عملا أو مالا.(1/422)
الحنفية:
يشترط أن يكون الربح مختصا بالمتعاقدين ولا يستحق الغير شيئا من الربح لأنه لم يقدم عملا أو مالا أو ضمانا , والربح لا يستحق إلا بأحدها. والشرط فاسد: ويعود الجزء المشروط للغير إلى رب المال لأنه نماء ماله. والعقد صحيح: لأن ذلك لا يعود بالجهالة على الربح , فيستحق كلا المتعاقدين ما اشترطا لهما ووافقا عليه.
الشافعية والحنابلة:
يشترط أن يكون الربح مختصا بالمتعاقدين ولا يستحق الغير شيئا من الربح لأنه لم يقدم عملا أو مالا أو ضمانا , والربح لا يستحق إلا بأحدها. والشرط فاسد: ويعود الجزء المشروط للغير لكلا المتعاقدين لأنهما كانا متبرعين به. والعقد فاسد: لأن ذلك يعود بجهالة نصيب المتعاقدين من الربح حيث إنهما لم يتفقا على وجه قسمة الجزء المشروط للغير بينهما , فتعود الجهالة إلى الكل.
المالكية:
يجوز عندهم اشتراط جزء من الربح أو كله إلى الغير , والشرط صحيح والعقد صحيح لأن المتعاقدين يكونان قد تبرعا بذلك الجزء من الربح فكان هبة وقربة لله تعالى فلا يمنعان من ذلك.(1/423)
بدائع الصنائع (ج6 ص81)
فأما إذا شرط (الربح) لهما ولغيرهما بأن شرط فيه الثلث للمضارب والثلث لرب المال والثلث لثالث سواهما , فإن كان الثالث أجنبيا أو كان ابن المضارب وشرط عليه العمل جاز وكان الربح بينهم أثلاثا.
وإن لم يشرط عليه العمل لم يجز وما شرط له يكون لرب المال لأن الربح لا يستحق في المضاربة من غير عمل ولا مال وصار المشروط له كالمسكوت عنه.
بدائع الصنائع (ج6 ص86)
والأصل في الشرط الفاسد إذا دخل في هذا العقد أنه ينظر إن كان يؤدي إلى جهالة الربح يوجب فساد العقد لأن الربح هو المعقود عليه وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد وإن كان لا يؤدي إلى جهالة الربح يبطل الشرط وتصح المضاربة.
المدونة الكبرى (ج4 ص49)
قلت: أرأيت المقارضين يشترطان عند معاملتهما ثلث الربح للمساكين أيجوز ذلك؟ قال: نعم قلت: فهل يرجعان فيما جعلا من ذلك قال: لا , وليس بذلك عليهما ولا أحب لهما فيما بينهما وبين الله أن يرجعا فيما جعلا.
المغني (ج5 ص146)
وإن شرطاه (جزءا من الربح) لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه وشرطا عليه عملا مع العامل صح وكانا عاملين , وإن لم يشترطا عليه عملا لم تصح المضاربة وبهذا قال الشافعي وحكى عن أصحاب الرأي أنه يصح والجزء المشروط له لرب المال سواء شرط لقريب العامل أو لقريب رب المال أو لأجنبي لأن العامل لا يستحق إلا ما شرط له ورب المال يستحق الربح بحكم الأصل والأجنبي لا يستحق شيئا لأنه إنما يستحق الربح بمال أو عمل وليس هذا واحدا منهما فما شرطا لا يستحقه فيرجع إلى رب المال كما لو ترك ذكره.
ولنا أنه شرط فاسد يعود إلى الربح ففسد به العقد كما لو شرط دراهم معلومة وإن قال لك الثلثان على أن تعطي امرأتك نصفه فكذلك لأنه شرط في الربح شرطا لا يلزم فكان فاسدا.(1/424)
اختصاص المضارب بالعمل
يجوز اشتراط عمل رب المال مع المضارب كما هو مذهب الحنابلة خلافا للجمهور.
فإن كان عمل رب المال بغير شرط فهو جائز بالاتفاق.(1/425)
الحنفية والمالكية والشافعية:
يشترط عندهم أن يختص المضارب باستثمار مال المضاربة , فإذا شرط رب المال عمله مع المضارب فسدت المضاربة , لأن ذلك يستدعي بقاء يده على المال وهو ينافي مقتضى العقد ويخل بما تقوم عليه المضاربة من اقتضاء تسليم رأس المال للمضارب ليعمل في تثميره.
أما إذا كان عمل رب المال من غير شرط وتحت إدارة المضارب , فذلك جائز عند جميع الفقهاء ويكون عمل رب المال على سبيل المعونة وليس لقاء أجر لأنه - كما قالوا - لا يستحق أحد الأجرة بالعمل في مال نفسه.
الحنابلة:
يجوز عند بعضهم اشتراط عمل رب المال مع المضارب , فيجوز له حينئذ جميع التصرفات التي تجوز للمضارب لأن المضاربة تقتضي عندهم اطلاق التصرف للمضارب فقط وليس تسليم رأس المال , وهذا حاصل مع اشتراك الطرفين في تقديم العمل. كما أن العمل هو أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال.(1/426)
المبسوط (ج12 ص83 / 84)
. . . (قال رضي الله عنه) وإذا وقعت المضاربة على أن يعمل رب المال مع المضارب فالمضاربة فاسدة لأن من شرط صحتها التخلية بين المضارب وبين رب المال , وهذا الشرط يعدم التخلية.
وإنما قلنا ذلك لأن من حكم المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب ولا يتحقق ذلك إلا بأن يخلى رب المال بينه وبين المال كالوديعة وإذا اشترط عمل نفسه معه تنعدم هذه التخلية لأن المال في أيديهما يعملان فيه يوضحه أن المضاربة فارقت الشركة في الاسم فينبغي أن تفارقها في الحكم وشرط العمل عليهما من حكم الشركة فلو جوزنا ذلك في المضاربة لاستوت المضاربة والشركة في العمل وشرط الربح , فلا يبقى لاختصاص المضاربة بهذا الاسم فائدة.
الإنصاف (ج5 ص432)
قوله: وان أخرج مالا ليعمل فيه هو وآخر والربح بينهما صح ذكره الخرقي ويكون مضاربة. وهذا المذهب نص عليه. قال في المغني , والكافي والشرح: هذا أظهر. وجزم به في الوجيز. وقدمه الزركشي. وقال: هو منصوص الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي الحارث. وقدمه في المغني والتلخيص والمحرر والشرح والفروع والفائق والمستوعب , وصححه الناظم. وقال القاضي إذا شرط المضارب أن يعمل معه رب المال: لم يصح واختاره ابن حامد وجزم به في الهداية , وحمل القاضي كلام الإمام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل فيه من غير شرط.
المدونة (ج4 ص47 / 48)
قال عبد العزيز ولا تشترط أيها المقارض الذي لك المال انك تعينه بنفسك ولا تبيع معه ولا تبتاع منه ولا تعينه بغلام فإن ذلك بمنزلة الدراهم تزيده إياها مع ما سمى لك من الربح.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا على أن يشتري به جلودا فيعملها بيده خفافا أو نعالا أو سفرا ثم يبيعها فما رزق الله فهو بيننا نصفين , قال: لا خير في هذا عند مالك. قال ابن القاسم في رجل دفع إلى رجل مالا والمدفوع إليه صائغ على أن يصوغ ويعمل فما ربح في المال فهو بينهما نصفان واشترط صياغة يده في المال , قال: قال مالك لا خير فيه , قال فإن عمل رأيته أجيرا وما كان في المال من ربح أو وضيعة فلصاحب المال.
المدونة الكبرى (ج4 ص58 / 59)
في المقارض يأخذ مالا قراضا ويشترط أن يعمل له ومعه رب المال) : قلت أرأيت أن أخذت مالا قراضا على أن يعمل معه رب المال في المال , قال: قال مالك لا خير في هذا , قلت: فإن نزل هذا قال يرد العامل إلى إجارة مثله عند مالك قلت , فإن عمل رب المال بغير شرط قال: قد أخبرتك أن مالكا كره ذلك إلا أن يكون عملا يسيرا وهو قول مالك.
مغني المحتاج (ج2 ص310)
فلا يجوز شرط كون المال في يد المالك , ولا عمله معه.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: أرأيت إن أخذت مالا قراضا على أن يعمل معي رب المال في المال , قال: قال مالك لا خير في هذا. . . قلت: فإن عمل رب المال بغير شرط , قال: قد أخبرتك أن مالكا كره ذلك إلا أن يكون عملا يسيرا , وهو قول مالك.
المغني (ج5 ص137 - 138)
القسم الخامس:
أن يشترك بدنان بمال أحدهما وهو أن يكون المال من أحدهما والعمل منهما مثل أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان فيها معا والربح بينهما , فهذا جائز ونص عليه أحمد في رواية أبي الحارث.
وتكون مضاربة لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال غيره وهذا هو حقيقة المضاربة وقال أبو عبد الله بن حامد والقاضي وأبو الخطاب إذا شرط أن يعمل معه رب المال لم يصح , وهذا مذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأبي ثور وابن المنذر قال ولا تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل ويخلي بينه وبينه لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل فلم يسلمه لأن يده عليه فيخالف موضوعها وتأول القاضي كلام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل من غير اشتراط.
ولنا أن العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال وقولهم أن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل ممنوع , إنما تقتضي اطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه , وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح ولم يحصل تسليم المال إلى أحدهما.
/174 بدائع الصنائع (ج6 ص85) /12/50 لو شرط في المضاربة عمل رب المال فسدت المضاربة سواء عمل رب المال معه أو لم يعمل لأن شرط عمله معه شرط بقاء يده على المال وأنه شرط فاسد ولو سلم رأس المال إلى رب المال ولم يشترط عمله ثم استعان به على العمل أو دفع إليه المال بضاعة جاز , لأن الاستعانة لا توجب خروج المال عن يده.(1/427)
اقتصار عمل المضارب في التجارة
لا يقتصر عمل المضارب على التجارة فقط كما هو مذهب الشافعية , وإنما تجوز المضاربة في كل الأعمال التي تهدف إلى تنمية المال وتحقيق الربح الذي هو المقصود الأصلي للعقد وهذا هو مذهب الجمهور.(1/428)
الشافعية:
يقتصر عمل المضاربة عندهم على الأعمال التجارية بمعنى البيع والشراء فقط , فلا يجوز تنمية المال بالعمل في الصناعة أو الزراعة ثم الاتجار بالمنتجات المصنعة أو المحصلة , لأن المضاربة شرعت على خلاف القياس فهي تكون فيما لا يجوز الاستئجار عليه وهو التجارة فقط لأن أعمالها غير مضبوطة خلافا للحرف والصناعات والزراعة التي تكون أعمالها مضبوطة يمكن الاستئجار عليها فيستغنى فيها عن المضاربة وتدخل في الإجارة.
الحنفية والمالكية والحنابلة:
لا يقتصر عمل المضاربة على التجارة وإنما يجوز في كل الأعمال التي تهدف إلى تنمية المال وتحقيق الربح وهو المقصود الأصلي للعقد.
وعليه فالمضاربة جائزة سواء كانت في مجال التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو غيرها.(1/429)
مغني المحتاج (ج2 ص311)
ووظيفة العامل التجارة وتوابعها كنشر الثياب وطيها , فلو قارضه ليشتري حنطة فيطحن ويخبز أو غزلا ينسجه ويبيعه فسد القراض.
الفقه على المذاهب الأربعة (ج3 ص45)
(رأي الشافعية)
أما العمل فيشترط فيه شرط , الأول: أن يكون عملا في تجارة من بيع وشراء فلا تصح المضاربة على عمل صناعي , كأن يضارب نساجا على أن يشتري قطنا ثم ينسجه ويبيعه منسوجا , أو يضارب خبازا على أن يشتري قمحا ويطحنه ثم يخبزه ويبيعه قرصا , وإنما لا تصح المضاربة في ذلك لأنه عمل محدود تصح إجارة العامل عليه فلا داعي حينئذ للمضاربة لأنها إنما أبيحت للضرورة حيث لا تمكن الإجارة , وذلك لأن التجارة التي سيقوم بها العامل مجهولة وقد يكون رب المال عاجزا عن القيام بها فأبيح له أن يفعل ذلك النوع من المعاملة بأن يشرك معه غيره في الربح المجهول في نظير ذلك العمل المجهول. فإذا أمكن ضبط عمل العامل فلا يصح أن يفعل ذلك بل عليه أن يستأجره بأجرة معينة بإزاء ذلك العمل المنضبط.
المبسوط (ج12 ص72 / 73)
وإذا دفع مالا مضاربة وأمر المضارب أن يعمل في ذلك برأيه أو لم يأمره , فاستأجر المضارب ببعضه أرضا بيضاء واشترى ببعضه طعاما فزرعه في الأرض فهو جائز على المضاربة بمنزلة التجارة لأن عمل الزراعة من صنع التجار يقصدون به تحصيل النماء وإليه أشار صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم الزارع يتاجر ربه وما كان من عمل التجار يملكه المضارب بمطلق العقد.
المبسوط (ج12 ص54)
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن يشتري بها الثياب ويقطعها بيده ويخيطها على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان فهو جائز على ما اشترطا لأن العمل المشروط عليه مما يصنعه التجار على قصد تحصيل الربح فهو كالبيع والشراء.
وكذلك لو قال له على أن يشتري بها الجلود والأدم ويخرزها خفافا ودلاء وروايا وأجربة فكل هذا من صنع التجار على قصد تحصيل الربح فيجوز شرطه على المضاربة.
المدونة الكبرى (ج4 ص64)
قلت: فلو دفعت إلى رجل مالا قراضا فاشترى به أرضا أو اكتراها أو اشترى زريعة وأزواجا فزرع فربح أو خسر أيكون ذلك قراضا ويكون غير متعد , قال: نعم , إلا أن يكون خاطر به في موضع ظلم أو عدو يرى أن مثله قد خاطر به فيضمن وأما إذا كان في موضع أمن وعدل فلا يضمن , قلت: أو ليس مالك كره هذا؟ قال: إنما كرهه مالك إذا كان يشترط أنه يدفع إليه المال قراضا على هذا. قال: ولقد بلغني عن مالك في الذي يأخذ المال قراضا ويشترط عليه أن يزرع به , قال مالك لا خير في ذلك , قلت: فإن أخذ المال القراض من غير شرط اشترطه فزرع به أيكون قراضا جائزا؟ قال: لا أرى به بأسا إنما هي تجارة من التجارات إلا أن يكون زرع به في ظلم بين يرى أنه قد خاطر به في ظلم العامل فأرى أنه ضامن , فأما أن يزرع على وجه يعرف وعلى وجه عدل وأمر بين فلا أراه ضامنا.
المغني (ج5 ص118)
وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا يبيعها له , وله نصف ربحها بحق عمله جاز , نص عليه في رواية حرب وان دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه جاز نص عليه , ولم يجز مالك وأبو حنيفة والشافعي شيئا من ذلك. .(1/430)
التضييق على المضارب في تصرفاته وأعماله
يجوز تقييد المضارب ببعض القيود إذا كان القيد مفيدا وليس فيه تضييق على العامل قد ينتج عنه عدم الحصول على الربح المطلوب وتحقيق المقصود من المضاربة.
وإذا خالف المضارب القيد أو الشرط المفيد كان غاصبا فيضمن لرب المال ماله.(1/431)
اتفق الفقهاء على فساد المضاربة في حالة التضييق على المضارب بحيث لا يستطيع مزاولة عمله بطريقة تمكنه من تحقيق هدف المضاربة ومقصودها وهو الربح. ذلك أن المضاربة عقد على غاية وهي الربح وليس على مجرد الوسيلة على ذلك وهو العمل , ولذا فإنه يجب مراعاة ذلك بعدم اشتراط أي شرط في الوسيلة (العمل) يعيق عن تحقيق هذا الغرض أو الغاية (الربح) .
وهذا الشرط لا يعني حرمان رب المال من اشتراط أو تحديد بعض تصرفات المضارب , فهو صاحب المال ومن حقه ذلك , والمضاربة كما تجوز مطلقة تجوز أيضا مقيدة.
ولكن بالرغم من اتفاق الفقهاء على جواز تقييد رب المال لعمل المضارب بقيد مفيد لا يؤدي إلى الإخلال بمقصود العقد سواء كان القيد بخصوص نوع العمل أو المكان أو الزمان أو من يعامله المضارب.
فإنهم قد اختلفوا في تحديد نوع التضييقات والقيود المخلة بالمقصود. . . واجتهد كل فريق بما رأى أنه العرف المتبع أو العادة الجارية.
فمنهم من رأى أن هذا القيد مفيد فقال بجوازه , ومنهم من رأى أنه غير مفيد وإنما فيه تضييق على العامل قد ينتج عنه عدم الحصول على الربح المطلوب وتحقيق المقصود من المضاربة فقال بعدم جوازه.
تقييد نوع العمل
- القيد: منع المضارب عن التعامل في صنف معين من البضائع يجوز باتفاق الفقهاء لأن القيد هنا مفيد , وليس فيه تضييق على المضارب إذ لا يمنعه من تحقيق الربح الذي هو المقصود من العقد.
- القيد: إلزام المضارب التعامل في صنف محدد من البضائع هذا القيد جائز عند الحنفية والحنابلة لأن المضارب يتصرف بمال المضاربة بإذن رب المال بصفته وكيلا عنه , فوجب عليه الالتزام بما قيد به. وهو جائز عند المالكية والشافعية بشرط أن يكون الصنف المحدد غير نادر الوجود لأن ذلك تضييق ينافي مقتضى المضارب.
تقييد المكان
- القيد: تعيين مكان عام يعمل فيه المضارب كبلد أو مدينة ما يجوز باتفاق الفقهاء لأن المضاربة توكيل من رب المال , والتوكيل في شيء معين يختص به , وفي هذا الشرط محافظة على المضاربة من الأخطار.
- القيد: تعيين مكان خاص يعمل فيه المضارب كسوق محدد لا يتعداه هذا القيد جائز عند الحنفية والحنابلة والشافعية لأن السوق كالمكان العام يمكن الاتجار فيه وتحقيق مقصود المضاربة دون تضييق على المضارب.
ولا يجوز عند المالكية لما فيه من التضييق على المضارب لتحصيل الربح.
- القيد: تعيين حانوت خاص يعمل فيه المضارب دون أن يتعداه هذا القيد جائز عند الحنفية والحنابلة لأن فيه محافظة على المال , ولا يمنع الربح بالكلية.
ولا يجوز عند المالكية والشافعية لأنه يحد من حركة المضارب في تقليب المال.
تقييد الزمان
- القيد: تأقيت المضاربة بزمن محدد تنتهي فيه هذا القيد جائز عند الحنفية والحنابلة لأن المضاربة توكيل , والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت. وهو جائز أيضا عند الشافعية في حالة منع المضارب من الشراء فقط والسماح له بالبيع بعد المدة المحددة لتمكينه من تنضيض مال المضاربة.
أما عند المالكية فهذا القيد لا يجوز لأن المضارب قد لا يتمكن من تحقيق الربح خلال المدة المعينة فيخل ذلك بالمقصود.
تقييد من يعاملهم المضارب
- القيد: تقييد المضارب بمعاملة أشخاص معينين أو منعه عن معاملتهم هذا القيد جائز باتفاق الفقهاء لأن رب المال يزداد ثقة في المعاملة , وفى نفس الوقت يبقى مجال تحقيق الربح متوفرا للمضارب , فلا يخل هذا القيد بالمقصود.
- القيد: تقييد المضارب بمعاملة شخص بعينه هذا القيد جائز عند الحنفية والمالكية لأنه لا يمنع من تحصيل الربح ولا ينافي مقتضى العقد , فيتقيد المضارب بما أذن له فيه كالوكيل.
ولا يجوز عند المالكية والشافعية لأن الشخص المعين قد لا يعامله فيخل المقصود من المضاربة.(1/432)
المبسوط (ج12 ص40)
وإذا دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في الكوفة ليس له أن يعمل به في غيرها لأن كلمة - على - للشرط , والشرط في العقد متى كان مفيدا يجب اعتباره وهذا شرط مفيد لصاحب المال ليكون ماله محفوظا في المصر يتمكن منه متى شاء فيتقيد الأمر بما قيده به. ويقاس التوقيت من حيث المكان بالتوقيت من حيث الزمان.
ولو دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في سوق الكوفة فعمل به في الكوفة في غير ذلك المكان ففي القياس هو مخالف ضامن لأنه خالف شرطا نص عليه الدافع.
ولو دفعه إليه على أن يعمل به في سوق الكوفة وقال له لا تعمل به إلا في السوق فعمل به في غير السوق فهو مخالف ضامن.
المبسوط (ج12 ص42)
ولو دفع إليه مضاربة على أن يشتري من فلان ويبيع منه فليس له أن يشتري من غيره , ولا أن يبيع من غيره لأن هذا تقييد بشرط مفيد والناس يتفاوتون في المعاملة في الاستقضاء والمساهلة ويتفاوتون في ملاءة الذمة وقضاء الديون.
المبسوط (ج12 ص43)
ولو دفع إليه مالا مضاربة بالنصف ولم يقل شيئا ثم قال له رب المال بعد ذلك لا تعمل بالمال إلا في الحنطة فليس له أن يعمل به إلا في الحنطة لأن تقييده الأمر بعد الدفع مضاربة لتقييده بذلك عند الدفع وهذا لأن رأس المال ما دام في يد المضارب نقدا فرب المال يملك نهيه عن التصرف فيملك تقييد الأمر بنوع دون نوع.
بداية المجتهد (ج2 ص238)
واختلفوا في المقارض يشترط رب المال عليه خصوص التصرف مثل أن يشترط عليه تعيين جنس ما من السلع , أو تعيين جنس ما من البيع , أو تعيين موضع ما للتجارة , أو تعيين صنف ما من الناس يتجر معهم , فقال مالك والشافعي في اشتراط جنس من السلع لا يجوز ذلك إلا أن يكون ذلك الجنس من السلع لا يختلف وقتا ما من أوقات السنة وقال أبو حنيفة يلزمه ما اشترط عليه , وإن تصرف في غير ما اشترط عليه ضمن. فمالك والشافعي رأيا أن هذا الشرط من باب التضييق على المقارض فيعظم الغرر بذلك , وأبو حنيفة استخف الغرر الموجود في ذلك , كما لو اشترط عليه أن لا يشتري جنسا ما من السلع لكان على شرطه في ذلك بإجماع.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: فلو دفعت إلى رجل مالا قراضا على أن يخرج بالمال إلى بلد من البلدان يشتري في ذلك الموضع تجارة , قال: سألت مالكا عن ذلك فقال لا خير فيه , قال مالك يعطيه المال ويقوده كما يقود البعير , قال: وإنما كره مالك من هذا أنه يحجر عليه أنه لا يشتري إلا أن يبلغ ذلك البلد.
القوانين الفقهية (ص280)
من شروط القراض:
أن لا يضرب أجل للعمل خلافا لأبي حنيفة وأن لا يحجر على العمل فيقصر على سلعة واحدة أو دكان.
المجموع (ج14 ص379)
فإذا أذن له في أن يتجر فيما ندر وجوده وعز طلبه , كالياقوت الأحمر والخيل البلق والعبيد الخصيان فالقراض باطل سواء وجده أو لم يجده لأنه على غير ثقة من وجوده.(1/433)
خروج المضارب عن التصرفات المعتادة في المضاربة
اتفق الفقهاء على أن المضارب له أن يباشر تقليب المال بما جرت به عادة التجار وكان من مصلحة المضاربة.
كما اتفقوا على أنه ليس للمضارب أن يباشر بعض التصرفات التي قد تعرض مال المضاربة إلى الأخطار أو توجب فيه حقا لغيره إلا بالتفويض العام عند بعض الفقهاء أو بالإذن الصريح من رب المال عند البعض الآخر(1/434)
اتفق الفقهاء على أن المضارب له أن يباشر تقليب المال بما جرت به عادة التجار وما كان من ضرورات أعمال المضاربة ,
أما التصرفات التي قد تعرض مال المضاربة إلى الأخطار أو توجب فيه حقا لغيره فهي لا تكون معتبرة إلا في حالة وجود تفويض عام من رب المال عند بعض الفقهاء (كقوله اعمل برأيك) أو وجود إذن صريح من رب المال للقيام بذلك عند البعض الآخر.
فهناك تصرفات يملكها المضارب بمطلق العقد , وهناك تصرفات لا يملكه إلا بالتفويض العام من رب المال , وهناك تصرفات لا يملكه إلا بالإذن الصريح.
ومن التصرفات التي يملكها المضارب بمطلق العقد عند جمهور الفقهاء:
- تصرفه برأس المال بالبيع والشراء لأن الربح وهو مقصود المضاربة لا يتحقق إلا بذلك.
- استئجار من يساعده في كل ما كان لمصلحة المضاربة ولا يقدر القيام به بمفرده.
ومن التصرفات التي لا يملكها المضارب إلا بالإذن الصريح عند جمهور الفقهاء:
- شراء المضارب للمضاربة بأكثر من رأس مالها (الاستدانة على المضاربة) .
- التبرع بمال المضاربة بإقراض أو هبة وصدقة شيء منه.
ومن التصرفات التي اختلف الفقهاء في أمرها
فقال الحنفية والحنابلة بأن المضارب يملكها بمطلق العقد لأنها من عادة التجار وقال الشافعية والمالكية بأنه يملكها بالإذن الصريح.
- بيعه السلع بثمن مؤجل , وشراؤه بثمن مؤجل.
- قيامه بإحالة البائع على مدين المضاربة , وقبوله الحوالة من مشتري المضاربة.
- إعطاؤه رهنا من مال المضاربة لتوثق الدائن بإيفائه الثمن , وأخذه رهنا لتوثقه من استيفاء ديون المضاربة.
- توكيل الغير بالتصرف لصالح المضاربة.
ومن التصرفات التي اختلف الفقهاء في أمرها , فقال الحنفية والحنابلة:
أن المضارب يملكها بالتفويض العام لأنها من مصلحة المضاربة وقال الشافعية والمالكية:
أنه يملكها بالإذن الصريح.
- المضاربة بمال المضاربة.
- المشاركة بمال المضاربة.
- خلط مال المضاربة بغيرها (وأقرها المالكية بمطلق العقد) .
فنرى هنا أن الفقهاء اختلفوا في تحديدهم لنوعية التصرفات التي تدخل تحت كل نوع من أنواع المضاربة المطلقة (المضاربة المطلقة المعتادة , المضاربة المطلقة مع التفويض العام , المضاربة المطلقة مع الإذن الصريح) . فما يملكه بمطلق العقد عند فريق من الفقهاء قد لا يملكه إلا بالتفويض عند آخرين , وما يملكه بالتفويض عند فريق قد لا يملكه إلا بالإذن الصريح عند غيرهم.(1/435)
بدائع الصنائع (ج6 ص88)
وله أن يستأجر من يعمل في المال لأنه من عادة التجار وضرورات التجارة أيضا لأن الإنسان قد لا يتمكن من جميع الأعمال بنفسه فيحتاج إلى الأجير وله أن يستأجر البيوت ليجعل المال فيها لأنه لا يقدر على حفظ المال إلا به وله أن يستأجر السفن والدواب للحمل لأن الحمل من مكان إلى مكان طريق يحصل الربح ولا يمكنه النقل بنفسه وله أن يوكل بالشراء والبيع لأن التوكيل من عادة التجار ولأنه طريق الوصول إلى المقصود وهو الربح.
المغني (ج5 ص167)
وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه , ولا أجر عليه لأنه مستحق للربح في مقابلته فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجر عليه خاصة لأن العمل عليه.
فأما ما لا يليه العامل في العادة مثل النداء على المتاع ونقله إلى الخان فليس على العامل عمله وله أن يكترى من يعمله نص عليه أحمد لأن العمل في المضاربة غير مشروط لمشقة اشتراطه فرجع فيه إلى العرف.
فإن فعل العامل ما لا يلزمه فعله متبرعا فلا أجر له وإن فعله ليأخذ عليه أجرا فلا شيء له أيضا في المنصوص عن أحمد وخرج أصحابنا وجها أن له الأجر بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه هل له أجر لذلك؟ على روايتين وهذا مثله , والصحيح أنه لا شيء له في الموضعين لأنه عمل في مال غيره عملا لم يجعل له في مقابلته شيء فلم يستحق شيئا كالأجنبي.
المدونة الكبرى (ج4 ص50)
قلت: أرأيت المقارض أله أن يستأجر الأجراء يعملون معه في المقارضة , ويستأجر البيوت ليجعل فيها متاع المقارضة , ويستأجر الدواب يحمل عليها متاع القراض , قال: نعم عند مالك هذا جائز. قلت:
أرأيت إن استأجر أجيرا يخدمه في سفره أتكون إجارة الأجير من القراض؟ قال:
إذا كان مثله ينبغي له أن يستأجر والمال يحمل ذلك , فذلك له.
بدائع الصنائع (ج6 ص90)
وأما القسم الذي ليس للمضارب أن يعمله إلا بالتنصيص عليه في المضاربة المطلقة , فليس له أن يستدين على مال المضاربة , ولو استدان لم يجز على رب المال , ويكون دينا على المضارب في ماله لأن الاستدانة إثبات زيادة في رأس المال من غير رضا رب المال بل فيه إثبات زيادة ضمان على رب المال من غير رضاه لأن ثمن المشترى برأس المال في باب المضاربة مضمون على رب المال بدليل أن المضارب لو اشترى برأس المال ثم هلك المشترى قبل التسليم فإن المضارب يرجع إلى رب المال بمثله , فلو جوزنا الاستدانة على المضاربة لألزمناه زيادة ضمان لم يرض به , وهذا لا يجوز.
المجموع (ج4 ص376)
ولا يشتري العامل بأكثر من رأس المال , لأن الإذن لم يتناول غير رأس المال فإن كان رأس المال ألفا فاشترى عبدا بألف ثم اشترى آخر بألف قبل أن ينقد الثمن في البيع الأول , فالأول للقراض لأنه اشتراه بالإذن.
وأما الثاني فينظر فيه فإن اشتراه بعين الألف فالشراء باطل , لأنه اشتراه بمال استحق تسليمه في البيع الأول فلم يصح وإن اشتراه بألف في الذمة كان العبد له ويلزمه الثمن في ماله لأنه اشترى في الذمة لغيره ما لم يأذن فيه فوقع الشراء له.
المدونة الكبرى (ج4 ص64)
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل ألف درهم مقارضة , فذهب فاشترى عبدين صفقة واحدة بألفين , قال: يكون شريكا مع رب القراض , يكون نصفها على القراض ونصفها للعامل عند مالك.
بدائع الصنائع (ج6 ص92)
وإذا أذن للمضارب أن يستدين على مال المضاربة , جاز له الاستدانة وما يستدينه يكون شركة بينهما شركة وجوه , وكان المشترى بينهما نصفين لأنه لا يمكن أن يجعل المشترى بالدين مضاربة لأن المضاربة لا تجوز إلا في مال عين فتجعل شركة وجوه ويكون المشترى بينهما نصفين لأن مطلق الشركة يقتضي التساوي وسواء كان الربح بينهما في المضاربة نصفين أو أثلاثا لأن هذه شركة على حدة فلا يبنى على حكم المضاربة وإذا صارت هذه شركة وجوه صار الثمن دينا عليهما من غير مضاربة.(1/436)
الاستئجار على مال المضاربة
يجوز للمضارب باتفاق الفقهاء استئجار من يساعده في كل الأعمال التي تشق عليه ولا يقدر على القيام بها بمفرده , ويرجع في تحديد ذلك إلى العرف.
أما غير ذلك فعليه أن يقوم به بنفسه , فإن استأجر عليه تكون الأجرة من ماله الخاص ولا تعتبر من نفقات المضاربة.(1/437)
اتفق جمهور الفقهاء على أن للمضارب استئجار من يساعده في كل عمل يشق عليه وليس في طاقته وإمكاناته القيام به بنفسه إذا كان ذلك من مصلحة المضاربة , وهو يملك هذا التصرف بمطلق العقد (المضاربة المطلقة المعتادة) لأن المضارب قد لا يتمكن من جميع الأعمال بنفسه , فجاز ذلك بمطلق العقد.
ويكون الإنفاق هنا من مال المضاربة وليس من ماله الخاص.
أما إذا ما جرت العادة أن يتولى بنفسه تلك الأعمال ولا تشق عليه , فإنه لا يصح أن يستأجر من مال المضاربة أشخاصا آخرين يقومون بتلك الأعمال لأن الربح الذي يستحقه المضارب هو في مقابل تلك الأعمال ويجب أن يتحمل عمله فإذا ما استأجر عليها يكون الإنفاق من ماله الخاص وليس من مال المضاربة.(1/438)
بدائع الصنائع (ج6 ص88)
وله أن يستأجر من يعمل في المال لأنه من عادة التجار وضرورات التجارة أيضا لأن الإنسان قد لا يتمكن من جميع الأعمال بنفسه فيحتاج إلى الأجير وله أن يستأجر البيوت ليجعل المال فيها لأنه لا يقدر على حفظ المال إلا به , وله أن يستأجر السفن والدواب للحمل لأن الحمل من مكان إلى مكان طريق يحصل الربح ولا يمكنه النقل بنفسه وله أن يوكل بالشراء والبيع لأن التوكيل من عادة التجار ولأنه طريق الوصول إلى المقصود وهو الربح.
المغني (ج5 ص167)
وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه , ولا أجر عليه لأنه مستحق للربح في مقابلته فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجر عليه خاصة لأن العمل عليه.
فأما ما لا يليه العامل في العادة مثل النداء على المتاع ونقله إلى الخان فليس على العامل عمله وله أن يكترى من يعمله نص عليه أحمد لأن العمل في المضاربة غير مشروط لمشقة اشتراطه فرجع فيه إلى العرف.
فإن فعل العامل ما لا يلزمه فعله متبرعا فلا أجر له وإن فعله ليأخذ عليه أجرا فلا شيء له أيضا في المنصوص عن أحمد وخرج أصحابنا وجها أن له الأجر بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه هل له أجر لذلك؟ على روايتين وهذا مثله , والصحيح أنه لا شيء له في الموضعين لأنه عمل في مال غيره عملا لم يجعل له في مقابلته شيء فلم يستحق شيئا كالأجنبي.
المدونة الكبرى (ج4 ص50)
قلت: أرأيت المقارض أله أن يستأجر الأجراء يعملون معه في المقارضة , ويستأجر البيوت ليجعل فيها متاع المقارضة , ويستأجر الدواب يحمل عليها متاع القراض , قال: نعم عند مالك هذا جائز. قلت: أرأيت إن استأجر أجيرا يخدمه في سفره أتكون إجارة الأجير من القراض؟ قال: إذا كان مثله ينبغي له أن يستأجر والمال يحمل ذلك , فذلك له.(1/439)
الاستدانة على مال المضاربة
ليس للمضارب أن يشتري للمضاربة بأكثر من رأس المال (الاستدانة) دون إذن , وهو مذهب الجمهور.
فإذا ما أذن له رب المال بالاستدانة , يكون ما زاد على رأس المال مشتركا بينهما شركة وجوه عند الأحناف ويقسم الربح على ذلك الأساس ,
أما عند الجمهور فإن المضارب يبقى شريكا لرب المال بالحصة الزائدة كاملة له ربحها وعليه خسارتها.(1/440)
لا يملك المضارب عند جمهور الفقهاء الشراء للمضاربة بأكثر من رأس مالها إلا بالإذن الصريح من رب المال.
فليس له الاستدانة على مال المضاربة بدون إذن لأن في ذلك زيادة في رأس المال من غير رضا رب المال , بل فيه إثبات زيادة ضمان على رب المال من غير رضاه , فوجب الإذن.
وفى حالة إذن رب المال للمضارب بالاستدانة , فقد اختلف الفقهاء في كيفية استحقاق ربح الاستدانة:
فقال الحنفية
يكون ما زاد على رأس المال شركة وجوه بين رب المال والمضارب , فيقسم ربح شركة الوجوه بينهما بالتساوي ويقسم ربح المضارب بينهما على الوجه الذي اشترطاه.
وذلك لأن البائع باع البضاعة للمضاربة آخذا في اعتباره شخصية كل من رب المال والمضارب أو شخصية المضارب وقيمة ما معه من مال ممثلا في رأس مال المضاربة.
وقال الجمهور:
يكون المضارب شريكا لرب المال بالحصة الزائدة , له ربحها وعليه خسرها مع بقاء المضاربة في رأس المال.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى بطلان شراء ما زاد عن رأس المال إن تم الشراء الثاني بعين مال المضاربة , وعلى صحة الشراء الثاني إن تم بثمن في ذمة العامل.(1/441)
بدائع الصنائع (ج6 ص90)
وأما القسم الذي ليس للمضارب أن يعمله إلا بالتنصيص عليه في المضاربة المطلقة , فليس له أن يستدين على مال المضاربة , ولو استدان لم يجز على رب المال , ويكون دينا على المضارب في ماله لأن الاستدانة إثبات زيادة في رأس المال من غير رضا رب المال بل فيه إثبات زيادة ضمان على رب المال من غير رضاه لأن ثمن المشترى برأس المال في باب المضاربة مضمون على رب المال بدليل أن المضارب لو اشترى برأس المال ثم هلك المشترى قبل التسليم فإن المضارب يرجع إلى رب المال بمثله , فلو جوزنا الاستدانة على المضاربة لألزمناه زيادة ضمان لم يرض به , وهذا لا يجوز.
المجموع (ج4 ص376)
ولا يشترى العامل بأكثر من رأس المال , لأن الإذن لم يتناول غير رأس المال فإن كان رأس المال ألفا فاشترى عبدا بألف ثم اشترى آخر بألف قبل أن ينقد الثمن في البيع الأول , فالأول للقراض لأنه اشتراه بالإذن.
وأما الثاني فينظر فيه فإن اشتراه بعين الألف فالشراء باطل , لأنه اشتراه بمال استحق تسليمه في البيع الأول فلم يصح وإن اشتراه بألف في الذمة كان العبد له ويلزمه الثمن في ماله لأنه اشترى في الذمة لغيره ما لم يأذن فيه فوقع الشراء له.
المدونة الكبرى (ج4 ص64)
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل ألف درهم مقارضة , فذهب فاشترى عبدين صفقة واحدة بألفين , قال: يكون شريكا مع رب القراض , يكون نصفها على القراض ونصفها للعامل عند مالك.
بدائع الصنائع (ج6 ص92)
وإذا أذن للمضارب أن يستدين على مال المضاربة , جاز له الاستدانة وما يستدينه يكون شركة بينهما شركة وجوه , وكان المشترى بينهما نصفين لأنه لا يمكن أن يجعل المشترى بالدين مضاربة لأن المضاربة لا تجوز إلا في مال عين فتجعل شركة وجوه ويكون المشترى بينهما نصفين لأن مطلق الشركة يقتضي التساوي وسواء كان الربح بينهما في المضاربة نصفين أو أثلاثا لأن هذه شركة على حدة فلا يبنى على حكم المضاربة وإذا صارت هذه شركة وجوه صار الثمن دينا عليهما من غير مضاربة.(1/442)
المضاربة والمشاركة بمال المضاربة
إذا أذن رب المال للمضارب عند الشافعية والمالكية , أو إذا فوض إليه العمل برأيه عند الأحناف والحنابلة , يجوز له أن يضارب عاملا آخر بمال المضاربة كما يجوز له أن يشارك به غيره.
وبدون الإذن أو التفويض لا يجوز له شيء من ذلك.
وإذا ضارب المضارب بمال المضاربة , فإنه يسمح له في المذهب الحنفي حصة من الربح لأن عمل المضارب الثاني وقع له فكأنه عمل بنفسه , ويطيب له الربح بمباشرة العقدين , وان لم يعمل بنفسه شيئا.
أما في بقية المذاهب فالمضارب الأول لا يستحق شيئا من الربح لأنه لم يكن منه مال ولا عمل.(1/443)
يرى الحنفية والحنابلة أنه بمقتضى التفويض العام يجوز للمضارب أن يدفع مال المضاربة إلى غيره ليضارب فيه , لأن رب المال قد رضى أمانة وخبرة المضارب لا غيره , فلا يملك المضارب ذلك إلا عند تفويض الرأي إليه.
كما يجوز له أيضا مشاركة الغير بمال المضاربة لأن الشركة من الأمور التجارية المتعارفة , وهي تدخل تحت التفويض العام.
فهذه التصرفات (المضاربة والمشاركة بمال المضاربة) تدخل عند الحنفية والحنابلة تحت عموم التفويض , لأن المضارب قد يرى في تصرفه مصلحة المضاربة.
أما الشافعية والمالكية فإنهم لا يجيزون ذلك إلا بالإذن الصريح , لأن في مضاربة أو مشاركة الغير خروجا عن المضاربة. فلا بد من الإذن ولا يكفي التفويض العام.
والقاعدة تقول بأن لا يوجب حق في مال إنسان بغير إذنه , وقد لا يرضى رب المال بالمشارك أو بالمضارب الثاني.
وفى حالة دفع المضارب الأول مال المضاربة إلى مضارب ثان اختلف الفقهاء في كيفية توزيع الربح , فمنهم من قال باستحقاق المضارب الأول للربح ومنهم من قال بغير ذلك.
الحنفية:
يرى الحنفية قسمة الربح بين الأطراف الثلاثة: رب المال والمضارب الأول والمضارب الثاني طبقا لما ينص عليه العقد.
ويستحق المضارب الأول عندهم حصته من الربح لأن عمل المضارب الثاني وقع له فكأنه عمل بنفسه , فيطيب له الربح بمباشرة العقدين وإن لم يعمل بنفسه شيئا.
المالكية والشافعية والحنابلة
أما عند جمهور الفقهاء فإن المضارب الأول لا يستحق شيئا من الربح لأنه لم يكن منه مال ولا عمل , والربح لا يستحق إلا بهما.
فالمضارب الأول ينسلخ من المضاربة ولا يكون له شيئا من الربح , وهو يعتبر مجرد وكيلا لرب المال في ذلك. فيوزع الربح بين رب المال والمضارب الثاني فقط.(1/444)
بدائع الصنائع (ج6 ص95 - 96)
وأما القسم الذي للمضارب أن يعمله إذا قيل له اعمل برأيك وإن لم ينص عليه , فالمضاربة والشركة والخلط:
- فله أن يدفع مال المضاربة مضاربة إلى غيره ,
- وأن يشارك غيره في مال المضاربة شركة عنان ,
- وأن يخلط مال المضاربة بمال نفسه إذا قال له رب المال اعمل برأيك , وليس له أن يعمل شيئا من ذلك إذا لم يقل له ذلك:
- أما المضاربة فلأن المضاربة مثل المضاربة , والشيء لا يستتبع مثله فلا يستفاد بمطلق عقد المضاربة مثله ولهذا لا يملك الوكيل التوكيل بمطلق العقد كذا هذا
- وأما الشركة فهي أولى أن لا يملكها بمطلق العقد لأنها أعم من المضاربة , والشيء لا يستتبع مثله فما فوقه أولى
- وأما الخلط فلأنه يوجب في مال رب المال حقا لغيره فلا يجوز إلا بإذنه.
المغني (ج5 ص159)
وليس للمضارب دفع المال إلى آخر مضاربة نص عليه أحمد في رواية الأثرم وحرب وعبد الله قال: إن أذن له رب المال وإلا فلا.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج3 ص526)
أو شارك العامل غيره بمال القراض بلا إذن فيضمن لأنه عرضه للضياع لأن ربه لم يستأمن غيره.
المدونة الكبرى (ج4 ص55)
وقال مالك
ولا يجوز للعامل أن يقارض غيره إلا بأمر رب المال قال:
وكذلك أيضا لا يجوز للعامل أن يشارك بالقراض إلا بأمر رب المال لأنه إذا جاز له أن يقارض بأمر رب المال جازت له الشركة.
المبسوط (ج12 ص102)
ولو دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف وقال له اعمل برأيك , فالمضارب بهذا اللفظ يملك الخلط والشركة والمضاربة في المال لأن ذلك كله من رأيه وهو من صنيع التجار.
المجموع (ج14 ص374)
وقال الماوردي
إن العامل في القراض ممنوع أن يقارض غيره بمال القراض ما لم يأذن له رب المال به إذنا صحيحا صريحا.
وقال أبو حنيفة إن قال له رب المال عند دفعه له اعمل فيه برأيك جاز أن يدفع منه قراضا إلى غيره لأنه مفوض إلى رأيه فجاز أن يقارض لأنه من رأيه وهذا خطأ.
المغني (ج5 ص162)
وإن قال اعمل برأيك أو بما أراك الله جاز له دفعه مضاربة نص عليه لأنه قد يرى أن يدفعه إلى أبصر منه ويحتمل أن لا يجوز له ذلك لأن قوله اعمل برأيك يعني في كيفية المضاربة والبيع والشراء وأنواع التجارة , وهذا يخرج به عن المضاربة فلا يتناوله إذنه.
بدائع الصنائع (ج6 ص97 / 98)
أما إذا قال له اعمل برأيك , فله أن يدفع مال المضاربة مضاربة إلى غيره لأنه فوض الرأي إليه وقد رأى أن يدفعه مضاربة , فكان له ذلك ثم إذا عمل الثاني وربح كيف يقسم الربح؟ فنقول جملة الكلام فيه أن رب المال لا يخلو:
[الفصل الأول] : أما أن كان أطلق الربح في عقد المضاربة ولم يضفه إلى المضارب بأن قال على أن ما رزق الله تعالى من الربح فهو بيننا نصفان:
(فلو) دفع المضارب الأول المال إلى غيره مضاربة بالثلث فربح الثاني , فثلث جميع الربح للثاني لأن شرط الأول للثاني قد صح لأنه يملك نصف الربح فكان ثلث جميع الربح بعض ما يستحقه الأول , فجاز شرطه للثاني فكان ثلث جميع الربح للثاني ونصفه لرب المال لأن الأول لا يملك من نصيب رب المال شيئا , فانصرف شرطه إلى نصيبه لا إلى نصيب رب المال , فبقى نصيب رب المال على حاله وهو النصف وسدس الربح للمضارب الأول لأنه لم يجعله للثاني , فبقى له بالعقد الأول , ويطيب له ذلك لأن عمل المضارب الثاني وقع له فكأنه عمل لنفسه كمن استأجر إنسانا على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بنصف درهم طاب له الفضل لأن عمل أجيره وقع له فكأنه عمل بنفسه كذا هذا.
ولو دفع إلى الثاني مضاربة بالنصف فنصف الربح للثاني ونصفه لرب المال ولا شيء للمضارب الأول لأنه جعل جميع ما يستحقه وهو نصف الربح للثاني , وصح جعله لأنه مالك للنصف والنصف لرب المال بالعقد الأول وصار كمن استأجر رجلا على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بدرهم.
ولو دفعه إليه مضاربة بالثلثين فنصف الربح لرب المال ونصفه للمضارب الثاني ويرجع الثاني على الأول بمثل سدس الربح الذي شرطه له لأن شرط الزيادة إن لم ينفذ في حق رب المال لما لم يرض لنفسه بأقل من نصف الربح فقد صح فيما بين الأول والثاني لأن الأول غر الثاني بتسمية الزيادة والغرور في العقود من أسباب وجوب الضمان وهو في الحقيقة ضمان الكفالة , وهو أن الأول صار ملتزما سلامة هذا القدر للثاني ولم يسلم له فيغرم للثاني مثل سدس الربح ولا يصير بذلك مخالفا لأن شرطه لم ينفذ في حق رب المال فالتحق بالعدم في حقه فلا يضمن وصار كمن استأجر رجلا لخياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من يخيطه بدرهم ونصف انه يضمن زيادة الأجرة كذا هذا.
[الفصل الثاني] :
واما إن أضافه (الربح) إلى المضارب بأن قال:
على أن ما رزقك الله تعالى من الربح أو ما أطعمك الله عز وجل من ربح أو على أن ما ربحت من شيء أو ما أصبت من ربح (فهو بيننا نصفان مثلا) فدفعه (المضارب) الأول مضاربة إلى غيره بالثلث أو بالنصف أو بالثلثين فجميع ما شرط للثاني من الربح يسلم له وما شرط للمضارب الأول من الربح يكون بينه وبين رب المال نصفين بخلاف الفصل الأول.
ووجه الفرق أن هنا (الفصل الثاني) شرط رب المال لنفسه نصف ما رزق الله تعالى للمضارب أو نصف ما ربح المضارب فإذا دفع إلى الثاني مضاربة بالثلث كان الذي رزق الله عز وجل المضارب الأول الثلثين فكان الثلث للثاني , والثلثان بين رب المال وبين المضارب الأول نصفين لكل واحد منهما الثلث وفى الفصل الأول رب المال إنما شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى ونصف جميع الربح وذلك ينصرف إلى كل الربح.
المغني (ج5 ص162)
وإن أذن رب المال في دفع المال مضاربة جاز ذلك , نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا , ويكون العامل الأول وكيلا لرب المال في ذلك فإذا دفعه إلى آخر ولم يشترط لنفسه شيئا من الربح كان صحيحا وان شرط لنفسه شيئا من الربح لم يصح لأنه ليس من جهته مال ولا عمل والربح إنما يستحق بواحد منهما.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج3 ص526)
حاصله أن عامل القراض إذا دفع المال لعامل آخر قراضا بغير إذن رب المال فإن حصل تلف أو خسر فالضمان من العامل الأول كما مر في قوله (أو قارض بلا إذن) وان حصل ربح فلا شيء للعامل الأول من الربح وإنما الربح للعامل الثاني ورب المال.
إن دخل العامل الأول مع الثاني على مثل ما دخل عليه الأول مع رب المال فظاهر , وان دخل معه على أكثر مما دخل عليه مع رب المال فإن العامل الأول يغرم للعامل الثاني الزيادة والربح للعامل الثاني مع رب المال ولا شيء للعامل الأول من الربح لأن القراض جعل لا يستحق إلا بتمام العمل والعامل الأول لم يعمل فلا ربح له وإن دخل معه على أقل فالزائد لرب المال لا للعامل الأول لأنه لا شيء له إذا لم يحصل ربح فإن لم يحصل للعامل الثاني ربح فلا شيء له ولا يلزم للعامل الأول لذلك الثاني شيء أصلا كما هو القاعدة أن العامل لا شيء له إذا لم يحصل له ربح.(1/445)
خلط مال المضاربة
للمضارب أن يخلط أموال المضاربة بأمواله الخاصة , فيكون شريكا في المال ويجوز تصرفه بعد ذلك على المضاربة.
ويجوز ذلك بمقتضى عقد المضاربة عند المالكية , ويشترط فيه تفويض رب المال عند الحنفية والحنابلة , والإذن الصريح عند الشافعية.
وإذا خلط المضارب مال المضاربة بماله: يقسم الربح الحاصل على مقدار رأس المال بأن يأخذ المضارب ربح رأس ماله , ويقسم ربح مال المضاربة بينه وبين رب المال على الوجه الذي شرطاه.(1/446)
أجاز الفقهاء خلط المضارب لمال المضاربة بمال نفسه أو بمال مضاربة أخرى والعمل فيهما جميعا.
وقال المالكية يملك المضارب هذا التصرف بمطلق العقد لأن ذلك من ضرورات أعمال المضاربة لتحقيق الربح وهو من عادة التجار , , والغالب على أحوال المضاربين أن تكون لهم أموال خاصة ويعرف منذ البداية أن الأموال ستختلط وأن التجارة ستكون واحدة.
كما يملك المضارب هذا التصرف بالتفويض العام عند الحنفية والحنابلة لأن خلط الأموال أمر متعارف بين التجار , وقد تكون المصلحة فيه لجميع الأطراف , فيجوز تصرف المضارب بعموم التفويض.
وقال الشافعية أن المضارب لا يملك هذا التصرف إلا بالإذن الصريح لأنه بخلط المال يوجب في مال رب المال حقا لغيره , وذلك لا يجوز إلا بالإذن , لأن المنع كان من حق رب المال وقد أسقطه بالإذن.
أما توزيع الأرباح في حالة الخلط , فإنه يتم تخصيص حصة للمال وحصة للعمل. فتوزع حصة المال بين رب المال والمضارب بنسبة أموال كل منهما , ويستقل المضارب بحصة العمل.(1/447)
بدائع الصنائع (ج6 ص95 - 96)
وأما القسم الذي للمضارب أن يعمله إذا قيل له اعمل برأيك وإن لم ينص عليه , فالمضاربة والشركة والخلط:
- فله أن يدفع مال المضاربة مضاربة إلى غيره , - وأن يشارك غيره في مال المضاربة شركة عنان , - وأن يخلط مال المضاربة بمال نفسه إذا قال له رب المال اعمل برأيك , وليس له أن يعمل شيئا من ذلك إذا لم يقل له ذلك:
- أما المضاربة فلأن المضاربة مثل المضاربة , والشيء لا يستتبع مثله فلا يستفاد بمطلق عقد المضاربة مثله ولهذا لا يملك الوكيل التوكيل بمطلق العقد كذا هذا - وأما الشركة فهي أولى أن لا يملكها بمطلق العقد لأنها أعم من المضاربة , والشيء لا يستتبع مثله فما فوقه أولى - وأما الخلط فلأنه يوجب في مال رب المال حقا لغيره فلا يجوز إلا بإذنه.
القوانين الفقهية ص280)
إذا خلط العامل ماله بمال القراض من غير إذن رب المال فهو غير متعد خلافا لهما (أي خلافا للشافعي وأبي حنيفة) .
المدونة الكبرى (ج4 ص54)
قلت: أرأيت إن اشتريت بمال القراض وبمال من عندي من غير أن يكون اشترط على رب المال أن أخلطه بمالي , أيجوز هذا؟ قال:
لا بأس بذلك , كذلك قال لي مالك.
المغني (ج5 ص162)
وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله فإن فعل ولم يتميز ضمنه لأنه أمانة فهو كالوديعة فإن قال له اعمل برأيك جاز له ذلك وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي , وقال الشافعي ليس له ذلك وعليه ضمانه إن فعله لأن ذلك ليس من التجارة.
ولنا أنه قد يرى الخلط أصلح له فيدخل في قوله أعمل برأيك.
المبسوط (ج12 ص102)
ولو دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف وقال له اعمل برأيك , فالمضارب بهذا اللفظ يملك الخلط والشركة والمضاربة في المال لأن ذلك كله من رأيه وهو من صنيع التجار.(1/448)
أحكام الربح والخسارة
اتفق الفقهاء على أن الربح على ما اصطلح عليه المتعاقدان فجاز ما يتفقان عليه من نسب معلومة بينهما قلت أو كثرت.
كما أن الخسارة تكون فقط على رب المال وليس على المضارب منها شيء لأن الخسارة عبارة عن نقصان رأس المال ورأس المال مختص بملك صاحبه وهو رب المال.
واتفق الفقهاء على أن الربح وقاية لرأس المال , فلا يستحق المضارب أخذ شيء من الربح حتى يستوفى رأس المال لأن ما يهلك من مال المضاربة (الخسارة) يصرف أولا إلى الربح ويجبر منه.
وكذلك لا يأخذ المضارب حصته من الربح إلا بعد إذن رب المال لأن رب المال شريكه فوجب إذنه.
أما قسمة الربح بصورة مبدئية قبل المفاصلة النهائية أي مع استمرار المضاربة , فهي تجوز عند الشافعية والحنابلة ولكن يراعى في ذلك قاعدة (الربح وقاية لرأس المال) فإذا حدثت خسارة لاحقة فإنها تجبر بالربح المقسوم.
ولا يجوز ذلك عند غيرهم لأن الربح هو الزيادة على رأس المال والزيادة على الشيء لا تكون إلا بعد سلامة الأصل , ولا يمكن التأكد من سلامة الأصل قبل الفاصلة النهائية.
واتفق الفقهاء على استقرار ملك المضارب لحصته من الربح إذا تم تنضيض المال (تحويله إلى نقود) وقبض رب المال رأس ماله.
وذهب الشافعية إلى أنه يشترط لذلك تنضيض المال وفسخ العقد ولو لم يتم قسمة الربح.
بينما قال الحنابلة إن المحاسبة تجري مجرى القبض والقسمة , فلو تحاسبا حسابا نهائيا بعد تنضيض المال , وأبقيا المضاربة , فهي مضاربة ثانية مستقلة لا تجبر وضيعة إحداهما من الأخرى.(1/449)
بالإضافة إلى شرطي الربح المتفق عليهما بين الفقهاء , وهما:
- أن يكون الربح عند التعاقد معلوم القدر , بحيث تتحدد حصة كلا المتعاقدين من الربح في العقد.
- أن يكون الربح بنسبة شائعة يتفق عليها , بحيث لا يتم تحديد مبلغ مقطوع لأحد المتعاقدين.
بالإضافة إلى ذلك , هناك أربع قواعد أساسية متفق عليها بين الفقهاء في خصوص توزيع الأرباح والخسائر في عقد المضاربة.
وهذه القواعد هي:
- الربح على ما اصطلح عليه المتعاقدان.
- الخسارة تكون فقط على رب المال.
- الربح دائما وقاية لرأس المال.
- لا يوزع الربح إلا بإذن رب المال.
كما توجد قاعدتان أخريان في خصوص توزيع الأرباح والخسائر ,
وقد اختلف في شأنهما الفقهاء. وهما:
- قسمة الربح قبل المفاصلة أي مع استمرار المضاربة.
- استقرار ملك المضارب لحصته من الربح.
الربح على ما اصطلح عليه المتعاقدان
يجوز بإجماع الفقهاء اتفاق الطرفين على توزيع ربح المضاربة بنسب معلومة بينهما قلت أو كثرت لأن استحقاق المضارب الربح بعمله فجاز ما يتفقان عليه من قليل أو كثير.
الخسارة تكون فقط على رب المال
الخسارة في المضاربة تكون على رب المال وليس على المضارب منها شيء , لأن الخسارة - الوضيعة - عبارة عن نقصان رأس المال , ورأس المال مختص بملك صاحبه وهو رب المال فوجب أن يتحمل هو نقصان ماله وليس على المضارب شيء.
الربح وقاية لرأس المال
لا يستحق المضارب أخذ شيء من الربح حتى يستوفى رأس المال , ذلك أن ما يهلك من مال المضاربة (الخسارة) يصرف إلى الربح ويجبر منه لأن الربح تبع لرأس المال , يقول صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن مثل التاجر , لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله
لا يوزع الربح إلا بإذن رب المال
أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز للمضارب أن يأخذ نصيبه من الربح إلا بإذن رب المال لأن رب المال شريكه فوجب إذنه ولأن ملكه للربح غير مستقر إذ أنه لا يأمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابرا له.
قسمة الربح قبل المفاصلة أي مع استمرار المضاربة
- الحنفية والمالكية:
لا يجوز عندهم ذلك لأن الربح هو الزيادة على رأس المال والزيادة على الشيء لا تكون إلا بعد سلامة الأصل , ولا يمكن التأكد من سلامة الأصل قبل المفاصلة.
فالربح الحقيقي لا يحدد إلا عند التصفية واستكمال رأس المال أولا , فيكون ما زاد عليه ربحا إن وجدت هذه الزيادة.
- الشافعية والحنابلة:
يجوز عندهم ذلك إن رضي المتعاقدان لأن الحق لهما والمال مالهما , فجاز لهما أن يتقاسما الربح كالشريكين ولكن لا يستقر الربح بالقسمة فإذا حدثت خسارة لاحقة فإنها تجبر بالربح الأول لأنه وقاية لرأس المال
ويقول ابن قدامة في المغني:
وان طالب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال وأبى الآخر قدم قول الممتنع لأنه إن كان رب المال فلأنه لا يأمن الخسران في رأس المال فيجبره بالربح , وإن كان العامل فإنه لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقت لا يقدر عليه وإن تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما ثم متى ظهر في المال خسران أو تلف كله لزم العامل رد أقل الأمرين مما أخذه أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربح نصفين وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق.
استقرار ملك المضارب لحصته من الربح
- الحنفية والمالكية:
لا يستقر ملك المضارب لحصته من الربح إلا بعد تنضيض جميع رأس المال وقبض رب المال لأصل ماله , ويجوز عند المالكية أن ينوب عن التنضيض قسمة العروض إذا تراضوا على ذلك وتكون بيعا.
- الشافعية:
يستقر ملك المضارب بتنضيض المال وفسخ العقد ولو لم تتم قسمة المال وذلك لارتفاع العقد والوثوق بحصول رأس المال.
- الحنابلة:
يستقر ملك المضارب بتنضيض المال والاحتساب عليه حسابا كالقبض , بحيث إن شاء ضارب به مضاربة ثانية مستقلة كما لو قبضه ثم رده إليه.
واشترط الإمام أحمد ألا يكون الحساب إلا على الناض لأن المتاع قد ينحط سعره ويرتفع.(1/450)
المغني (ج5 ص140)
والربح على ما اصطلحا عليه:
يعني في جميع أقسام الشركة , ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة , قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء ولأن استحقاق المضارب الربح بعمله فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير.
المغني (ج5 ص148)
الوضيعة في المضاربة على المال خاصة ليس على العامل منها شيء لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال وهو مختص بملك ربه لا شيء للعامل فيه , فيكون نقصه من ماله دون غيره.
المبسوط (ج22 ص20)
وذكر عن علي رضي الله عنه قال:
ليس على من قاسم الربح ضمان , وتفسيره أن المواضعة على المال في المضاربة والشركة , وهو مروي عن علي قال:
المواضعة على المال والربح على ما اشترطا عليه , وبه أخذنا.
القوانين الفقهية (ص280)
الخسران والضياع على رب المال دون العامل إلا أن يكون منه تفريط.
بدائع الصنائع (ج6 ص86)
ولو شرطا في العقد أن تكون الوضيعة عليهما بطل الشرط , لأن الوضيعة جزء هالك من المال فلا يكون إلا على رب المال.
مغني المحتاج (ج2 ص318)
والنقص الحاصل بالرخص محسوب من الربح ما أمكن ومجبور به , وكذا لو تلف بعضه بآفة أو غصب أو سرقة بعد تصرف العامل في الأصح , وإن تلف قبل تصرفه فمن رأس المال في الأصح.
المغني (ج5 ص169)
وليس للمضارب ربح حتى يستوفى رأس المال , يعنى أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه ومتى كان في المال خسران وربح جبرت الوضيعة من الربح. . . لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال وما لم يفضل فليس بربح ولا نعلم في هذا خلافا
المبسوط (ج22 ص105)
وإذا دفع إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح ألفا فاقتسما الربح وأخذ كل واحد منهما خمسمائة لنفسه وبقى رأس مال المضاربة في يد المضارب على حاله حتى هلك أو عمل بها فوضع فيها أو توى بعد ما عمل فيها فإن قسمتها باطلة والخمسمائة التي أخذها رب المال تحتسب من رأس ماله , فيغرم له المضارب الخمسمائة التي أخذها لنفسه فيكون له من رأس ماله وما هلك فهو من الربح لأن الربح لا يتبين قبل وصول رأس المال إلى رب المال قال عليه الصلاة والسلام: مثل المؤمن مثل التاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله فكذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه أو قال فرائضه
المغني (ج5 ص178)
أن الربح إذا ظهر في المضاربة لم يجز للمضارب أخذ شيء منه بغير إذن رب المال لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا , وإنما لم يملك ذلك لأمور ثلاثة:
(أحدها) أن الربح وقاية لرأس المال فلا يأمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابرا له فيخرج بذلك عن أن يكون ربحا , (الثاني) أن رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه , (الثالث) أن ملكه عليه غير مستقر لأنه بعرض أن يخرج عن يده بجبران خسارة المال وإن أذن رب المال في أخذ شيء جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما.
الموطأ (ج3 ص360)
قال (مالك) :
لا يجوز قسمة الربح إلا بحضرة صاحب المال , وإن كان أخذ شيئا يرده حتى يستوفى صاحب المال رأس ماله ثم يقتسمان ما بقى بينهما على شرطهما.
بدائع الصنائع (ج6 ص107 / 108)
وشرط جواز القسمة قبض رأس المال فلا تصح قسمة الربح قبل قبض رأس المال حتى لو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح ألفا فاقتسما الربح ورأس المال في يد المضارب لم يقبضه رب المال فهلكت الألف التي في يد المضارب بعد قسمتهما الربح فإن القسمة الأولى لم تصح وما قبض رب المال فهو محسوب عليه من رأس ماله وما قبضه المضارب دين عليه يرده إلى رب المال حتى يستوفي رب المال رأس ماله , لأن الربح زيادة والزيادة على الشيء لا تكون إلا بعد سلامة الأصل ولأن المال إذا بقى في يد المضارب فحكم المضاربة بحالها فلو صححنا قسمة الربح لثبتت قسمة الفرع قبل الأصل فهذا لا يجوز وإذا لم تصح القسمة فإذا هلك ما في يد المضارب صار الذي اقتسماه هو رأس المال فوجب على المضارب أن يرد منه تمام رأس المال , فإن قبض رب المال ألف درهم رأس ماله أولا ثم اقتسما الربح ثم رد الألف التي قبضها بعينها إلى يد المضارب على أن يعمل بها بالنصف فهذه مضاربة مستقبلة فإن هلكت في يده لم تنتقض القسمة الأولى لأن رب المال لما استوفى رأس المال فقد انتهت المضاربة وصحت القسمة فإذا رد المال فهذا آخر فهلاك المال فيه لا يبطل القسمة في غيره.
المدونة الكبرى (ج4 ص53)
قلت: فلو أن رجلا عمل في المال فخسر فأتى إلى رب المال فقال قد وضعت في المال فقال له رب المال اعمل بما بقى عندك فعمل فربح أيجبر رأس المال , قال: نعم , فإن قال العامل لا أعمل به حتى تجعل هذا الباقي رأس مالك وتسقط عني ما قد خسرت فقال رب المال: نعم , اعمل بهذا وقد أسقطت عنك ما قد خسرت , قال:
أرى أنه على قراضه أبدا ما لم يدفع إلى رب المال ماله ويفاصله وهو رأيي ولا ينفعه قوله إلا أن يدفع إليه ويتبرأ منه ثم يدفع إليه الثانية إن أحب , قال ابن القاسم ولو أحضره وحاسبه ما لم يدفعه إليه فهو على القراض الأول حتى يقبضه وكذلك سمعت عن مالك.
المغني (ج5 ص178 / 176)
وان طالب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال وأبى الآخر قدم قول الممتنع لأنه إن كان رب المال فلأنه لا يأمن الخسران في رأس المال فيجبره بالربح , وإن كان العامل فإنه لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقت لا يقدر عليه , وإن تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما ثم متى ظهر في المال خسران أو تلف كله لزم العامل رد أقل الأمرين مما أخذه أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربح نصفين وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة لا تجوز القسمة حتى يستوفى رب المال ماله قال ابن المنذر إذا اقتسما الربح ولم يقبض رب المال رأس ماله فأكثر أهل العلم يقولون برد العامل الربح حتى يستوفى رب المال ماله.
ولنا على جواز القسمة أن المال لهما فجاز لهما أن يقتسما بعضه كالشريكين أو نقول أنهما شريكان فجاز لهما قسمة الربح قبل المفاصلة كشريكي العنان.
قال أبو طالب قيل لأحمد
رجل دفع إلى رجل عشرة آلاف درهم مضاربة فوضع , فبقيت ألف فحاسبه صاحبها ثم قال له اذهب فاعمل بها فربح؟ قال يقاسمه ما فوق الألف يعني إذا كانت الألف ناضة حاضرة إن شاء صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية كما لو قبضها منه ثم ردها إليه.
مغني المحتاج (ج2 ص318)
لا يستقر ملك العامل بالقسمة , بل إنما يستقر:
(1) بتنضيض رأس المال وفسخ العقد لبقاء العقد قبل الفسخ مع عدم تنضيض المال حتى لو حصل بعد القسمة نقص جبر بالربح المقسوم ,
(2) أو تنضيض المال والفسخ بلا قسمة المال لارتفاع العقد والوثوق بحصول رأس المال ,
(3) أو تنضيض رأس المال فقط واقتسام الباقي مع أخذ المالك رأس المال , وكالأخذ الفسخ كما عبر به ابن المقري.(1/451)
مصروفات المضاربة
يجوز عند الحنابلة تحميل نفقة المضارب على مال المضاربة إذا تم اشتراط ذلك في العقد وإلا فهي تحسب من ماله الخاص.
وذهب الحنفية والمالكية وفي قول للشافعية إلى جواز انفاق المضارب على نفسه من مال المضاربة في السفر دون الحضر.
وفي قول آخر للشافعية تحمل نفقة المضارب على ماله الخاص في السفر أو الحضر.(1/452)
تحتاج المضاربة إلى عامل يكرس جهوده ووقته من أجل استثمار المال وتنميته وتحقيق الربح الذي هو مقصود التعاقد بين الطرفين.
ومن أجل ذلك سوف يتخلى المضارب عن أشغاله الأخرى التي قد تكون مصدر رزقه ورزق عياله.
فهل يحق للمضارب أن ينفق على نفسه من مال المضاربة؟ أم هل يشترط أن تكون نفقته من ماله الخاص؟
اختلفت آراء الفقهاء في هذا , وقال بعضهم تحسب نفقة المضارب من مال المضاربة.
وقال البعض الآخر تحسب نفقة المضارب من ماله الخاص.
تحسب نفقة المضارب من مال المضاربة
الحنابلة:
يجوز عندهم تحميل نفقة المضارب على مال المضاربة إذا تم اشتراط ذلك في العقد لحديث المسلمون على شروطهم كما يجوز ذلك بالعرف الغالب لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا
ولم يفرق الحنابلة بين حالة عمل المضارب في الحضر (في وطنه أو في بلد العقد) أو في السفر (خارج وطنه) .
الحنفية والمالكية وفي قول للشافعية:
تحمل نفقة المضارب عندهم على مال المضاربة بمطلق العقد في حالة عمل المضارب خارج وطنه (في السفر) سواء تم اشتراط ذلك في العقد أو لم يتم , لأن الربح في المضاربة يحتمل الوجود والعدم , والعاقل لا يسافر بمال غيره لفائدة تحتمل الوجود والعدم مع تعجيل النفقة من مال نفسه , فلو لم تجعل نفقته من مال المضاربة لامتنع الناس من قبول المضاربات مع مساس الحاجة إليها.
تحسب نفقة المضارب من ماله الخاص
الحنابلة:
تحسب نفقة المضارب من ماله الخاص إذا لم ينص في العقد على اشتراط تحميل النفقة من مال المضاربة , لأن للمضارب نصيبا من الربح متفقا عليه , فلا يستحق شيئا آخر , وتحمل نفقته على مال نفسه.
الحنفية والمالكية:
تحسب نفقة المضارب عندهم من ماله الخاص إذا عمل بمال المضاربة في الحضر , لأن المضارب ما دام يعمل في بلدته فإن إقامته فيها لم تكن لأجل المضاربة ووجب عليه تحمل نفقته المعتادة من ماله الخاص مثلما هو الحال قبل انعقاد المضاربة.
الشافعية:
تحمل نفقة المضارب من ماله الخاص في الحضر كان أو السفر (في أحد القولين) لأن النفقة قد تكون على قدر الربح فيؤدي إلى انفراد المضارب به , وقد تكون أكثر فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال وهو ينافي مقصود العقد الذي يقضي باشتراكهما في الربح دون أن ينفرد به أحدهما.(1/453)
المبسوط (ج22 ص62 / 64)
قال رحمه الله:
وإذا دفع الرجل مالا مضاربة بالنصف فعمل به في مصره أو في أهله فلا نفقة له في مال المضاربة ولا على رب المال لأن القياس أن لا يستحق المضارب النفقة في مال المضاربة بحال فإنه بمنزلة الوكيل أو المستبضع عامل لغيره بأمره أو بمنزلة الأجير لما شرط لنفسه من بعض الربح وواحد من هؤلاء لا يستحق النفقة في المال الذي يعمل فيه إلا أنا تركنا هذا القياس فيما إذا سافر بالمال لأجل الصرف فبقى ما قبل السفر على أصل القياس وهذا لأن مقامه في مصره أو في أهله لكونه متوطنا فيه لا لأجل مال المضاربة. ألا ترى أنه قبل عقد المضاربة كان متوطنا في هذا الموضع وكانت نفقته في مال نفسه فكذلك بعد المضاربة فأما إذا خرج بالمال إلى مصر يتجر فيه كانت نفقته في مال المضاربة في طريقه وفي المصر الذي يأتيه لأجل العادة وهذا لأن خروجه وسفره لأجل مال المضاربة والإنسان لا يتحمل هذه المشقة ثم ينفق من مال نفسه لأجل ربح موهوم عسى يحصل وعسى لا يحصل , فلا بد من أن يحصل له بإزاء ما تحمل من المشقة شيء معلوم وذلك نفقته في المال , وهذا لأنه فرغ نفسه عن أشغاله لأجل مال المضاربة , فأما في المصر فما فرغ نفسه لمال المضاربة فلا يستوجب نفقته فيه , ونفقته طعامه وكسوته ودهنه وغسل ثيابه وركوبه في سفره إلى المصر الذي أتاه بالمعروف على قدر نفقة مثله لأن هذا كله مما لا بد منه في السفر. وإذا أراد القسمة بدأ برأس المال فأخرج من المال وجعلت النفقة مما بقى فإن بقى من ذلك شيء فهو الربح يقسم بين المضارب ورب المال على ما اشترطا.
(القوانين الفقهية ص280)
للعامل النفقة من مال القراض في السفر لا في الحضر إن كان المال يحمل ذلك خلافا للشافعي.
المغني (ج5 ص186)
وإذا اشترط المضارب نفقة نفسه صح سواء كان في الحضر أو السفر , وقال الشافعي لا يصح في الحضر , ولنا أن التجارة في الحضر إحدى حالتي المضاربة فصح اشتراط النفقة فيها كالسفر ولأنه شرط النفقة في مقابلة عمله فصح كما لو اشترطها في الوكالة.
المغني (ج5 ص152 - 153)
ولنا أن نفقته تخصه فكانت عليه كنفقة الحضر وأجر الطبيب وثمن الطب ولأنه دخل على أنه يستحق من الربح الجزء المسمى فلا يكون له غيره ولأنه لو استحق النفقة أفضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه.
فأما إن اشترط له النفقة فله ذلك وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره قال أحمد في رواية الأثرم أحب إلى أن يشترط نفقة محدودة وإن أطلق صح نص عليه.
المجموع (ج5 ص152 - 372)
وروى أبو يعقوب البويطي أنه لا ينفق على نفسه من مال المضاربة حاضرا كان أو مسافرا.
فاختلف أصحابنا , كان أبو الطيب وأبو حفص بن الوكيل يجعلان اختلاف الروايتين على اختلاف قولين:
أحدهما وهو رواية المزني أنه ليس له النفقة في سفره لاختصاص سفره بمال القراض بخلاف نفقة الاستيطان , والقول الثاني: لا نفقة له لما فيه من اختصاصه بالربح أو بشيء منه دون رب المال.
وقال أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة
لا نفقة له قولا واحدا على ما رواه البويطي.(1/454)
الضمان في المضاربة
لا ضمان على المضارب في عقد المضاربة إلا بالتفريط والتعدي لأنه أمين على ما بيده من مال , فيكون هذا المال في حكم الوديعة.
وقد اتفق الفقهاء على عدم صحة اشتراط الضمان على المضارب وكذلك عدم جواز تطوعه بذلك.
أما تبرع طرف ثالث بضمان رأس المال فهذا يجوز بشرط أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة.(1/455)
لا ضمان على المضارب في عقد المضاربة إلا بالتفريط والتعدي.
فقد اتفق الفقهاء على أن المضارب أمين على ما بيده من مال المضاربة , لأن هذا المال في حكم الوديعة , وإنما قبضه المضارب بأمر رب المال لا على وجه البدل والوثيقة. فلا يضمن المضارب إلا بالتفريط والتعدي شأنه في ذلك شأن الوكيل والوديع وسائر الأمناء.
واتفق الفقهاء على عدم صحة اشتراط ضمان رأس المال على المضارب في العقد لكي لا يتحمل وحده الخسارة المالية في حالة حدوثها فيضيع جهده بالإضافة إلى جزء من ماله وهو خلاف القاعدة الشرعية (الربح على ما اصطلحا والوضيعة على رب المال) , حيث يجب أن يتحمل المضارب خسارة جهده وعمله فقط , بينما يتحمل رب المال خسارة ماله , فهذا الشرط ليس من مصلحة العقد ولا من مقتضاه.
وكذلك منع جمهور الفقهاء تطوع المضارب بضمان مال المضاربة ولو خارج العقد وبعد الشروع في العمل , لأن المضارب يكون متهما برغبته في استدراج رب المال وابقاء رأس المال بيده.
ولكن أجاز بعض فقهاء المالكية تطوع المضارب بالضمان وذلك قياسا على جواز تطوع الوديع والمكترى بضمان ما بيده إذا كان هذا التطوع بعد تمام العقد مع أن الأصل فيهما أن يكونا أمانة في يده , فكذلك المضارب يجوز له أن يتطوع بضمان رأس المال بعد تمام عقد المضاربة وإن كان الأصل أنه أمانة بيده.
أما تبرع طرف ثالث بضمان رأس المال فهذا قد أجازه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة حيث جاء في مقرراتها أنه:
ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين , على أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به , بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.(1/456)
المغني (ج5 ص165)
إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئا نهى عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وعن علي رضي الله عنه لا ضمان على من شورك في الربح وروى معنى ذلك عن الحسن والزهري.
المغني (ج5 ص191)
ولا ضمان عليه فيما يتلف بغير تعديه وتفريطه.
المبسوط (ج12 ص20)
ذكر عن علي رضي الله عنه قال:
ليس على من قاسم الربح ضمان , وتفسيره أنه المواضعة على المال في المضاربة والشركة , وبه أخذنا فقلنا رأس المال أمانة في يد المضاربة لأنه قبضه بإذنه ليتصرف فيه له.
المجموع (ج14 ص383)
والعامل أمين فيما في يده , فإن تلف المال في يده من غير تفريط لم يضمن لأنه نائب عن رب المال في التصرف فلم يضمن من غير تفريط كالمودع.
بدائع الصنائع (ج6 ص80)
وروى بشر عن أبي يوسف في رجل دفع إلى رجل ألف درهم ليشتري بها ويبيع فما ربح فهو بينهما فهذه مضاربة ولا ضمان على المدفوع إليه المال ما لم يخالف , لأنه لما ذكر الشراء والبيع فقد أتى بمعنى المضاربة وكذلك لو شرط عليه أن الوضيعة علي وعليك فهذه مضاربة والربح بينهما والوضيعة على رب المال لأن شرط الوضيعة على المضارب شرط فاسد , فيبطل الشرط وتبقى المضاربة.
المدونة الكبرى (ج4 ص58)
قال: وسألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل مالا قراضا على أن العامل ضامن للمال , قال مالك
يرد إلى قراض مثله ولا ضمان عليه.
الفقه على المذاهب الأربعة (ج3 ص40)
من الشروط اللازمة لصحة عقد المضاربة عند المالكية , كون رأس المال غير مضمون , فلو شرط رب المال على العامل أن يكون ضامنا لرأس المال إذا فقد منه قهرا عنه فإن المضاربة تكون فاسدة , فإذا عمل العامل على هذا الشرط كان له قراض مثل هذا المال في الربح ولا يضمنه إذا فقد بلا تفريط , لأن هذا الشرط باطل فلا يعمل به.
أما إذا تطوع العامل بالضمان من تلقاء نفسه بدون طلب من رب المال فقيل تصح المضاربة بذلك وقيل لا تصح , وإذا سلم رب المال للعامل وطلب منه ضامنا يضمنه فيما تلف من ماله بتعدي العامل فإنه يصح أما إذا طلب ضامنا يضمنه فيما تلف بتعديه وغيره فإن المضاربة تفسد ولا يلزم الشرط.
إعداد المهج ص161 (عند المالكية)
قيل لابن زاب أيجب الضمان في مال القراض إذا طاع (أي تطوع) قابضه بالتزام الضمان؟ فقال إذا التزم الضمان طائعا , بعد الشروع في العمل فما يبعد أن يلزمه.(1/457)
انتهاء المضاربة
تنتهي المضاربة بانتهاء مدة المضاربة المحددة عند الحنفية والحنابلة الذين يجيزون تأقيتها.
كما تنتهي عند جمهور الفقهاء خلافا للمالكية بفسخ العقد بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين أو بموته.
أما المالكية فقالوا بأن العقد يكون لازما ولا يجوز لأحد الطرفين فسخ العقد إذا بدأ المضارب العمل وكان رأس المال غير ناض لما في ذلك من إلحاق الضرر بالآخر.(1/458)
انتهاء المضاربة لأسباب إرادية بفسخ العقد
انتهاء المضاربة لأسباب إرادية بفسخ العقد بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين
(جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والشافعية)
يجوز عندهم فسخ العقد بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين سواء بدأ المضارب بالعمل أو لم يبدأ لأن عقد المضاربة من العقود الجائزة غير اللازمة , فهو أوله وكالة وبعد ظهور الربح شركة وكلاهما عقد جائز , فلكل من المالك والعامل فسخ العقد.
ويترتب على الفسخ ما يلي:
- انعزال المضارب عن الشراء للمضاربة بما لديه من نقود واقتصار عمله على بيع العروض فقط لتنضيضها وتصفية المضاربة.
- إذا اتفق الطرفان على بيع العروض وتقويمها أو قسمتها أو على إعطائها لرب المال , جاز ما اتفقا عليه إذ الحق لهما فوجب اعتبار ما اتفقا عليه.
- إذا اختلف الطرفان في تصفية عروض المضاربة , للفقهاء تفاصيل عديدة وخلافات في بعض الصور.
(المالكية)
يجوز عند المالكية فسخ العقد بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين إذا كان رأس المال ناضا على صفته الأصلية , أما إذا بدأ المضارب العمل وكان رأس المال غير ناض يكون العقد لازما ولا يجوز لأحدهما الاستبداد بالفسخ لما فيه من إلحاق الضرر للآخر.
انتهاء المضاربة لأسباب قهرية كموت أحد العاقدين
(الحنفية والشافعية والحنابلة)
تنفسخ المضاربة عندهم بموت أحد العاقدين لأن المضاربة مبنية على الوكالة , وموت الموكل يبطل الوكالة , وكذلك موت الوكيل ولا تورث الوكالة.
وانفساخ المضاربة يكون سواء عند شروع المضارب في العمل أو عدمه , وتجب التصفية الفورية لأموال المضاربة لمعرفة ما فيها من ربح وإعطاء كل ذي حق حقه.
(المالكية)
لا تنفسخ المضاربة عندهم بموت أحد المتعاقدين بل تبقى قائمة ويحل الوارث محل الموروث سواء كان الميت المضارب أو رب المال.
فإذا ما اتفق الطرفان على استمرار العقد جاز ذلك وكان هذا إتماما للمضاربة الأولى.
أما إذا اختلفا فيستمر العقد إلى حين تنضيض المال.(1/459)
(بدائع الصنائع)
وأما صفة هذا العقد فهو أنه عقد غير لازم , ولكل واحد منهما - أعني رب المال والمضارب - الفسخ.
المغني (ج5 ص179)
والمضاربة من العقود الجائزة تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان , وبموته وجنونه والحجر عليه لسفه لأنه متصرف في مال غيره بإذنه , فهو كالوكيل.
مغني المحتاج (ج2 ص319)
ولو مات أحدهما أو جن أو أغمى عليه انفسخ.
الإنصاف (ج5 ص448 / 451)
قوله (وإذا انفسخ القراض والمال عرض فرضى رب المال أن يأخذ بماله عرضا , أو طلب البيع فله ذلك) .
إذا انفسخ القراض مطلقا , والمال عرض , فللمالك أن يأخذ بماله عرضا بأن يقوم عليه. نص عليه وإذا ارتفع السعر بعد ذلك لم يكن للمضارب أن يطالب بقسطه. على الصحيح من المذهب.
وإذا لم يرض رب المال أن يأخذ عرضا , وطلب البيع , أو طلبه ابتداء: فله ذلك.
ويلزم المضارب بيعه مطلقا , على الصحيح من المذهب. لو فسخ المالك المضاربة , والمال عرض: انفسخت. وللمضارب بيعه بعد الفسخ , على الصحيح من المذهب لتعلق حقه بربحه. لو أراد رب المال تقرير وارث المضارب: جاز. ويكون مضاربة مبتدأة يشترط لها ما يشترط للمضاربة.
لو مات أحد المتقارضين , أو جن , أو وسوس , أو حجر عليه لسفه: انفسخ القراض. ويقوم وارث رب المال مقامه. فيقرر ما للمضارب. . .
قال في التلخيص: إذا أراد الوارث تقريره , فهي مضاربة مبتدأة على الأصح. وقيل: هي استدامة. انتهى. فإن كان المال عرضا , وأرادا إتمامه: فهي مضاربة مبتدأة على الصحيح.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج3 ص536)
(وإن مات) العامل قبل النضوض (فلوارثه الأمين) لا غيره (أن يكمله) على حكم ما كان مورثه (وإلا) يكن الوارث أمينا (أتى) عليه أن يأتي (بأمين كالأول) في الأمانة والثقة (وإلا) يأت بأمين كالأول (سلموا) أي الورثة المال لربه (هدرا) أي بغير شيء من ربح أو أجرة.
ولا ينفسخ عقد القراض بموت العامل كالجعل وإنما لم ينفسخ كالإجارة تنفسخ بتلف ما يستوفى منه ارتكابا لأخف الضررين وهما ضرر الورثة في الفسخ وضرر ربه في إبقائه عندهم , ولا شك أن ضرر الورثة بالفسخ أشد لضياع حقهم في عمل مورثهم.
بداية المجتهد (ج2 ص240)
أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من واجب عقد القراض , وأن لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض واختلفوا إذا شرع العامل: فقال مالك هو لازم , وهو عقد يورث , فإن مات وكان للمقارض بنون أمناء كان لهم أن يأتوا بأمين.
وقال الشافعي وأبو حنيفة لكل واحد منهما الفسخ إذا شاءوا وليس هو عقد يورث.
فمالك ألزمه بعد الشروع في العمل لما فيه من ضرر ورآه من العقود الموروثة , والفرقة الثانية شبهت الشروع في العمل بما قبل الشروع في العمل.(1/460)
المرابحة(1/461)
تعريف المرابحة
المرابحة هي البيع بمثل رأس مال المبيع (الذي يشمل ثمن السلعة وما تكبد فيها من مصروفات) مع زيادة ربح معلوم.(1/462)
المرابحة لغة
المرابحة في اللغة من الربح وهي مصدر لرابح من باب المفاعلة , بمعنى النماء والزيادة ,
المرابحة في الاصطلاح
وفي الاصطلاح الشرعي هي البيع بمثل رأس مال المبيع (الذي يشمل ثمن السلعة وما تكبد فيها من مصروفات) مع زيادة ربح معلوم.
وينعقد البيع شرعا بالنظر إلى طريقة تحديد ثمنه بأسلوبين:
الأول: بيع المساومة وهو البيع الذي يتحدد ثمنه , ومن ثم ينعقد نتيجة للمساومة والمقدرة التفاوضية بين طرفيه , دون النظر أو الالتزام بتكلفة المبيع على البائع.
الثاني: بيع الأمانة وهو البيع الذي يأتمن فيه المشتري البائع , ومن ثم يطلب منه إعلامه بتكلفة المبيع عليه , حتى يتمكن المشتري أن يبنى الثمن الذي يعرضه على البائع وفقا لتكلم التكلفة , وعليه:
إذا اشترى المبيع بأقل من تكلفته سمى البيع وضعية أو حطيطة , بمعنى أن المشتري دفع في السلعة أقل من تكلفتها على البائع.
وإذا اشترى السلعة بذات تكلفتها سمي البيع تولية.
وإذا اشترى السلعة بأكثر من تكلفتها سمي البيع مرابحة.
وصورة بيع المرابحة تتمثل في قول البائع للمشتري: أنا اشتريت هذه السلعة بكذا , وبعتها لك بزيادة كذا على ثمنها , أو بزيادة نسبتها كذا من ثمنها , فيقول المشتري: وأنا قبلت.
وإذا كانت المساومة هي الأصل في البيع عموما , فإن المرابحة هي الأصل في بيوع الأمانة لأن التجارات تقوم على السعي لتحقيق الربح , والمرابحة تحقق هذا الهدف. ولا يصار إلى البيع تولية أو وضعية إلا في حالات استثنائية ومن ذلك حالات كساد البضاعة أو عندما يود أحدهم أن يقدم خدمة ومعروفا للمشتري , وما في حكم ذلك من الحالات.(1/463)
دليل المشروعية
اتفق الفقهاء على صحة بيع المرابحة في الجملة مستدلين على ذلك بالنصوص والقواعد العامة التي جاز بها البيع , وعلى العرف التجاري , وحاجة الناس إلى مثل هذا النوع من التعامل.(1/464)
اتفق الفقهاء على صحة بيع المرابحة في الجملة مستدلين على ذلك بما ورد في الكتاب والسنة عن صحة البيع عموما.
دليل القرآن
قال تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} (البقرة: 275) , والمرابحة تدخل في عموم عقود البيع.
وقال تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} والمرابحة ابتغاء الفضل من البيع.
دليل السنة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.
فقد جاء فيما رواه الترمذي والحاكم قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.
قوله صلى الله عليه وسلم: إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد
وهذا يفيد جواز بيع الإنسان السلعة التي اشتراها برأس مالها وبأقل منه أو أكثر.
دليل الإجماع
وقال الموصلي عن بيوع الأمانة: وهي عقود مشروعة لوجود شرائطها وقد تعاملها الناس من لدن الصدر الأول إلى يومنا هذا وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة قال لأبي بكر رضي الله عنه , وقد اشترى بعيرين ولني أحدهما.
وقال الكاساني أن الناس قد توارثوا هذه البيوعات (المرابحة وغيرها) في سائر الأعصار من غير نكير وذلك إجماع على جوازها.
هذا وللناس حاجة إلى بيع المرابحة , لأن فيهم من لا يعرف قيمة الأشياء فيستعين بمن يعرفها , ويطيب قلبه بما اشتراه وزيادة , ولهذا كان مبناها على الأمانة.(1/465)
الوصف الفقهي للمرابحة
المرابحة هي أحد أشكال البيوع , وهي نوع من أنواع البيع المطلق لأنها مبادلة عين بثمن.(1/466)
البيع أربعة أنواع:
أحدهما: بيع العين بالعين كبيع السلع بأنواعها , نحو بيع الثوب بالثوب وغيره , ويسمى هذا بيع المقايضة.
والثاني: بيع الدين بالعين وهو السلم , فإن المسلم فيه مبيع وهو دين , ورأس المال قد يكون عينا وقد يكون دينا , ولكن قبضه شرط قبل افتراق العاقدين بأنفسهما , فيصير عينا.
والثالث: بيع الدين بالدين وهو بيع الثمن المطلق بالثمن المطلق , وهو الدراهم والدنانير , وأنه يسمى عقد الصرف
والرابع: بيع العين بالدين نحو بيع السلع بالأثمان المطلقة وبيعها بالفلوس الرائجة والمكيل والموزون والمعدود المتقارب دينا.
وتندرج المرابحة ضمن هذا النوع الرابع من البيوع الذي ينقسم بدوره إلى بيوع مساومة وبيوع أمانة (المرابحة , التولية , الوضعية) .(1/467)
الحكم التكليفي للمرابحة
أجمع الفقهاء على أن بيع المرابحة جائز , وقالت كل المذاهب أنه هو الأصل في بيوع الأمانة , ولكن بيوع المساومة أولى وأفضل عند بعض الفقهاء من بيع المرابحة.(1/468)
أجمع الفقهاء على أن بيع المرابحة جائز وأنه هو الأصل في بيوع الأمانة والفرق الأساسي بين بيع المرابحة وبيع المساومة هو اشتراط الإخبار برأس مال السلعة في الأول دون الثاني وذلك واجب يقع على البائع وصار به أمينا.
ويعقد بعض الفقهاء موازنة بين أسلوب المساومة والمرابحة وأغلب هؤلاء يفضلون بيع المساومة على بيع المرابحة , مع جواز البيعين عندهم.
وسبب التفضيل في تقديرهم هو سبب أخلاقي. لأن المرابحة وهي بيع مؤسس على رأس مال السلعة المبيعة بمعنى تكلفتها يحتاج لبيان كثير من الأشياء التي قد لا يتيسر دائما للبائع ضبطها لسبب أو آخر. وبما أنه مؤتمن لأداء هذا الواجب , فقد يخل بحقوق هذه الأمانة فيأثم , في حين أن بيع المساومة يخلو من هذا الالتزام.
لذلك يقول الدسوقي تعليقا على عبارة الدردير (جاز البيع حال كونه مرابحة والأحب خلافه) قال: وأما هو فهو غير محبوب لكثرة احتياج البائع فيه إلى البيان.
ويقول الإمام أحمد والمساومة عندي أسهل من بيع المرابحة وذلك لأن بيع المرابحة تعتريه أمانة واسترسال من المشتري , ويحتاج فيه إلى تبين الحال على وجه , ولا يؤمن هوى النفس في نوع تأويل أو غلط فيكون على خطر وغرر , وتجنب ذلك أسلم وأولى.
كما قال ابن رشد البيع على المكايسة والمماكسة أحب إلى أهل العلم وأحسن عندهم.(1/469)
أقسام المرابحة
تنقسم المرابحة إلى نوعين:
الأول هو المرابحة العادية التي لا تكون مسبوقة بأمر بالشراء من الواعد به ,
والنوع الثاني هو المرابحة للآمر بالشراء التي تسبقها رغبة من المشتري بشراء سلعة من الوعد بشرائها من البائع.(1/470)
المرابحة العادية
المرابحة العادية هي المرابحة التي يبرمها البائع والمشتري دون أن يسبقها أمر ووعد بالشراء.
المرابحة للآمر بالشراء
أما المرابحة للآمر بالشراء فهي المرابحة التي يتفاوض ويتفق فيها شخصان أو أكثر ثم يتواعدان على تنفيذ الاتفاق الذي يطلب بموجبه الآمر من المأمور , شراء سلعة معينة أو موصوفة , أو أية سلعة , ثم يعده بشراء هذه السلعة منه وتربيحه فيها على أن يعقدا على ذلك بيعا جديدا , إذا اختار الآمر إمضاء الاتفاق , بعد تملك المأمور للسلعة.
الاختلاف الكبير بين نوعي بيع المرابحة هو:
أن البائع في المرابحة العادية يملك السلعة التي يبيعها وقت التفاوض وعند البيع , في حين أن البائع - المطلوب منه السلعة - في بيع المرابحة للآمر بالشراء لا يملك السلعة وقت طلبها وحال التفاوض عليها.(1/471)
الصيغة في المرابحة
الصيغة هي الإيجاب والقبول ويصلح لهما كل قول يدل على الرضا مثل قول البائع: بعتك أو أعطيتك , أو ملكتك بكذا. وقول المشتري: اشتريت أو تملكت أو ابتعت أو قبلت , وشبه ذلك.(1/472)
الصيغة هي الإيجاب والقبول ويصلح لهما كل قول يدل على الرضا مثل قول البائع: بعتك أو أعطيتك , أو ملكتك بكذا. وقول المشتري: اشتريت أو تملكت أو ابتعت أو قبلت , وشبه ذلك.
والإيجاب عند الجمهور هو ما يصدر من البائع دالا على الرضا , والقبول عندهم هو ما يصدر من المشتري كذلك.
وقال الحنفية إن الإيجاب يطلق على ما يصدر أولا من كلام أحد العاقدين , سواء أكان هو البائع أم المشتري , والقبول ما يصدر بعده.
وقد صرح المالكية والشافعية والحنابلة بأن تقدم لفظ المشتري على لفظ البائع جائز لحصول المقصود.
ومن شروط الصيغة أيضا أن تكون الصيغة بالماضي مثل أن يقول البائع: بعت , ويقول المشتري: قبلت , أو بلفظ المضارع إن أريد به الحال مثل: أبيع وأشتري , مع إرادة الحال. فإذا أراد به المستقبل أو دخل عليه ما يحوله للمستقبل كالسين وسوف ونحوهما مثل سأبيعك , أو أبيعك غدا فيكون ذلك وعدا بالعقد , والوعد بالعقد لا يعتبر عقدا شرعيا , ولهذا لا يصح العقد. ولا ينعقد البيع إذا كان الإيجاب أو القبول بصيغة الاستفهام , مثل: أتبيعني؟ . وفي حالة صيغة الأمر مثل: بعني , فإذا أجابه الآخر بقوله: بعتك , كان اللفظ الثاني إيجابا واحتاج إلى قبول من الأول (الآمر بالبيع) وهذا عند الحنفية , وفي رواية عند الحنابلة , ومقابل الأظهر عند الشافعية.
أما عند المالكية , وهو الأظهر عند الشافعية , وإحدى الروايتين عند الحنابلة: ينعقد البيع بقول المشتري بعني , وبقول البائع: بعتك , للدلالة على الرضا , ولا يحتاج إلى قبول من الأول.
وقال الشافعية: لو قال المشتري بلفظ الماضي أو المضارع: بعتني أو تبيعني , فقال البائع: بعتك , لم ينعقد البيع حتى يقبل بعد ذلك. وصرح الحنفية بصحة الإيجاب بلفظ الأمر أو المضارع , إذا كان في العبارة إيجاب أو قبول ضمني , مثل: خذ هذه السلعة بكذا , فقال: أخذتها لأن خذ تتضمن بعتك فخذ وكذلك قول البائع بعد إيجاب المشتري: يبارك الله لك في السلعة , لأنه يتضمن معنى قبلت البيع. وبذلك تكون العبرة بالدلالة على المقصود , سواء أكان ذلك بوضع اللغة أم بجريان العرف.
ويشترط للصيغة كذلك: اتحاد المجلس وهو يجمع المتفرقات فيه , فلو تراخى القبول عن الإيجاب أو عكسه صح المتقدم منهما , ولم يلغ ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفا.
ويشترط عدم الهزل في الإيجاب أو القبول.
ويشترط لبقاء الإيجاب صالحا: عدم رجوع الموجب , وعدم وفاته قبل القبول , وعدم هلاك المعقود عليه. ويشترط ألا يطرأ قبل القبول تغيير على المعقود عليه بحيث يصير مسمى آخر غير المتعاقد عليه كتحول العصير خلا.
ويحصل التوافق بين الإيجاب والقبول بأن يقبل المشتري كل المبيع بكل الثمن. فلا توافق إن قبل بعض العين التي وقع عليها الإيجاب أو قبل عينا غيرها , أو قبل ببعض الثمن الذي وقع به الإيجاب أو قبل عينا غيرها , وكذلك لا توافق إن قبل ببعض الثمن الذي وقع به الإيجاب أو بغيره , إلا إن كان القبول إلى خير مما في الإيجاب , كما لو باع شخص السلعة بألف فقبلها المشتري بألف وخمسمائة أو اشترى شخص سلعة بألف فقبل البائع بيعها بثمانمائة , وهي موافقة ضمنية ولكن لا تلزم الزيادة , إلا إن قبلها الطرف الآخر.(1/473)
أطراف العقد في المرابحة
لما كان بيع المرابحة من عقود المعاوضات المالية كالبيع عموما والسلم والاستصناع والصرف وغيرها من العقود التي تنشأ بين متعاقدين بإرادتهما , اشترط الفقهاء في كل واحد من العاقدين أن يكون أهلا لصدور العقد عنه , وأن يكون له ولاية إذا كان يعقد لغيره.(1/474)
بيع المرابحة هو عقد معاوضة مالية ينشأ بين طرفين متعاقدين بإرادتهما الحرة , فلا بد لانعقاد هذا البيع ونفاذه أن يكون عاقداه من أهل العبارة المعتبرة في إنشاء العقود والالتزام بآثارهما , ويتحقق ذلك بتوافر شرطين فيهما:
الأول: أن يكونا أهلا للمعاملة والتصرف:
أي أن يكون عندهما أهلية أداء. وأهلية الأداء التي تعني صلاحية الشخص لصدور الأقوال منه على وجه يعتد به شرعا. وتتحقق هذه الأهلية عند جمهور الفقهاء في الإنسان المميز العاقل الرشيد غير المحجور عليه بأي سبب من أسباب الحجر , ولم يكتف الشافعية بالتمييز بل اشترطوا البلوغ فلا ينعقد عندهم بيع الصبي لعدم أهليته.
الثاني: أن يكون لهما ولاية على العقد أي أن يكون للعاقد سلطة تمكنه من تنفيذ العقد وترتيب آثاره عليه , ويكون ذلك إما بتصرف العاقد أصالة عن نفسه وإما أن يكون مخولا في ذلك بأحد طريقتين:
- بالنيابة الاختيارية التي تثبت بالوكالة. ولا بد فيها أن يكون كل من الوكيل والموكل أهلا لإنشاء عقود المعاوضات المالية.
- أو بالنيابة الإجبارية التي تثبت بتولية الشارع وتكون لمن يلي مال المحجور عليهم من الأولياء والأوصياء الذي جعلت لهم سلطة شرعية على إبرام العقود وإنشاء التصرفات المالية لمصلحة من يلونهم.(1/475)
المحل في المرابحة
محل البيع يشمل شيئين هما: المبيع والثمن.(1/476)
محل البيع هو ما يقع عليه العقد وهو المبيع والثمن لأن عقد البيع من عقود المبادلات والمعاوضات فيقصد به تبادل المبيع والثمن إذ يقدم المشتري العوض (الثمن) ويقدم البائع المعوض (المبيع) . ولكل من المبيع والثمن شروط لصحتهما.(1/477)
أن يكون رأس المال الأول معلوما
يشترط في المرابحة علم المشتري بالثمن الأول للسلعة.(1/478)
لما كان تعريف المرابحة هو بيع السلعة بمثل الثمن الأول الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم يتفقان عليه , فإنه يشترط لصحة المرابحة علم المشتري بالثمن الأول للسلعة بما في ذلك المصروفات المعتبرة. فإذا اطلع المشتري على خيانة في الثمن , فهو بالخيار إن شاء أنفذ عقد البيع , وإن شاء لم ينفذه , وعند بعض الفقهاء له الحق في إسقاط هذه الزيادة.(1/479)
أن يكون الربح معلوما
يشترط الربح في المرابحة أن يكون الربح معلوما لأنه جزء من الثمن.(1/480)
يشترط لصحة المرابحة أن يكون الربح معلوما لأنه جزء من الثمن , والعلم بالثمن شرط صحة جميع البيوع.
فلا يصح البيع إذا كان قدر الربح مجهولا كأن يقول: بعتك هذه السلعة برأسمالها وتربحني شيئا.
وإذا انتفت الجهالة في مقدار الربح فلا يضر أن يكون محددا بمبلغ مقطوع كأن يقول البائع: اشتريتها بعشرة وتربحني دينارا , أو يكون محددا بنسبة من الثمن مثل أن يقول اشتريتها بعشرة دنانير وتربحني درهما لكل دينار.(1/481)
أن يكون العقد الأول صحيحا
يشترط لصحة المرابحة أن يكون العقد الأول صحيحا.(1/482)
يشترط لصحة المرابحة أن يكون العقد الأول صحيحا فإن كان فاسدا لم يجز بيع المرابحة لأنها بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح , وما بني على فاسد فهو فاسد أيضا.
والبيع الفاسد وإن كان يفيد الملك في الجملة لكن بقيمة المبيع أو بمثله لا بالثمن لفساد التسمية.(1/483)
أن يكون العقد خاليا من الربا على وجه الخصوص
يشترط لصحة المرابحة أن يكون العقد خاليا من الربا على وجه الخصوص(1/484)
يشترط لصحة المرابحة ألا يكون الثمن في العقد الأول مقابلا بجنسه من أموال الربا كما إذا اشترى المشتري الأول السلعة بجنسها (قمح مقابل قمح أو ذهب مقابل ذهب) فلا يجوز بيعها حينئذ بجنسها مرابحة لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول وزيادة , والزيادة في أموال الربا تكون ربا لا ربحا. وعليه فإذا اختلف الجنس فلا بأس بالمرابحة.(1/485)
ثبوت حق الخيار بظهور الخيانة في الثمن
إذا اطلع المشتري على خيانة في الثمن , فإنه يثبت له حق الخيار على خلاف بين الفقهاء فيه وفيما يترتب على الخيار.(1/486)
إذا ظهرت خيانة في بيان الثمن فإن المشتري يكون بالخيار عند أبي حنيفة إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه , فإن هلك قبل أن يرده يلزمه جميع الثمن لأنه مجرد خيار لا يقابله شيء من الثمن. وقال أبو يوسف يحط من الثمن سواء كان المبيع قائما أو هالكا.
وقال محمد يخير في الحالتين.
ويرى المالكية أن للمشتري الخيار بين أن يمسك المبيع بجميع الثمن أو يرده سواء كان المبيع قائما أو هالكا إلا إذا وافق البائع على حط الزيادة وما ينوبها من الربح فيلزمه الشراء.
وفرق الشافعية بين حالتين ,
الأولى: إن أخبر البائع بثمن أكثر من ثمن السلعة فالبيع صحيح وللمشتري الخيار على أحد أقوال ثلاثة مع وجوب حط الزيادة إن اختار عدم الفسخ , وهو رأي الحنابلة أيضا.
والحالة الثانية: إذا أخبر بثمن أقل من ثمن السلعة ثم ادعى الخطأ لم يقبل قوله ولا تسمع بينته لأنه رجوع عن إقرار متعلق به حق آدمي وقال الحنابلة لا يقبل قول البائع بادعاء الزيادة إلا ببينة. وإذا ظهرت خيانة البائع في صفة الثمن كالأجل كما لو اشترى السلعة نسيئة ولم يبين ذلك , والشراء بالنسيئة يزيد عن الشراء بثمن حال , أو سبق له أن باع نصف السلعة التي يبيعها الآن بالمرابحة , ولم يبين ذلك للمشتري , ونصف السلعة لا يباع بنصف ثمنها بل بأقل منه بسبب التجزئة , فللمشتري الخيار عند الحنفية والشافعية وقال الحنابلة لا خيار له , لكن يأخذ السلعة بنفس الأجل. وذهب المالكية إلى فساد البيع لأنه سلف جر منفعة.(1/487)
ما يلحق بالثمن وما لا يلحق واستفادة المشتري من الحط في الثمن
اتفق الفقهاء على أنه لا يلحق بالثمن ما عمله البائع في السلعة بنفسه أو عمل له مجانا , واختلفوا في إلحاق ما يزيد في العين أو في القيمة فأثبته الحنفية واقتصر الشافعية والحنابلة على ما يزيد في العين , وفرق المالكية بين ما يضاف ويربح له وبين ما يضاف ولا يربح له.
ويرى الحنفية استفادة المشتري من الحط في الثمن مطلقا , وقيد ذلك الشافعية والحنابلة بما لو حصل الحط قبل لزوم العقد.(1/488)
ذهب الحنفية إلى أنه يجوز أن يضاف إلى رأس المال ما جرى العرف بإلحاقه به في عادة التجار وكل ما يزيد في المبيع أو في قيمته يلتحق به وذلك كالصبغ والحمل , فالصبغ يزيد في العين والحمل يزيد في القيمة لأنها تختلف باختلاف المكان بخلاف كراء مكان الحفظ لأنه لا يزيد في العين ولا في القيمة.
وعند المالكية تفصيل بين ما لا يحسب في الثمن أصلا وبين ما يحسب في الثمن ويربح له وبين ما يحسب في الثمن ولا يربح له:
أ - يحسب في أصل الثمن ويربح له كل ما لزم صاحب السلعة وكان لأثره عين قائمة كالصبغ.
ب - يحسب في أصل الثمن ولا يربح له كل ما ليس لأثره عين قائمة كأجرة النقل.
ج - لا يحسب في أصل الثمن ولا يربح له ما كان من عمل البائع أو من شأنه أن يتولاه أو عمل له مجانا.
ويترتب على هذا عند الحنفية والمالكية أنه إذا حط البائع من الثمن أو زاد فيه فإن مالك السلعة عند بيعها في المرابحة يحسب ذلك لأنه تعديل للثمن الأول الذي وجب البيع به بمقتضى بيع الأمانة.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يضاف إلى الثمن الزيادة التي دفعها البائع قبل لزوم العقد أو في مدة الخيار , أما الزيادة بعد اللزوم فلا تضاف. وكذلك يضاف إلى الثمن كل مل دفعه على السلعة في صبغها أو تطريزها ونحوه ولا يضيف إليها شيء لقاء عمله بنفسه.
فالزيادة والحط في الثمن بعد لزوم العقد لا تلحق به عند الشافعية والحنابلة. أما أرش العيب الذي أخذه البائع في السلعة فإنه يحط من الثمن. وعليه فإن المشتري بالمرابحة يستفيد من الحط في الثمن إذا حصل عليه البائع قبل لزوم العقد بينه وبين من باعه السلعة.
أما إذا وقع الحط بعد ذلك فلا يستفيد منه المشتري بالمرابحة.(1/489)
الحط من الثمن عند السداد المبكر
إذا قام المشتري بتعجيل ثمن المرابحة المؤجل أو بعضه , فقد اختلف الفقهاء في ذلك ومنعه الجمهور وذهب أحمد في رواية أيدها ابن القيم إلى أنه يجوز الاتفاق في حينه بين المشتري والبائع على تخفيض جزء من الثمن , وهو ما يسمى ب " ضع وتعجل ".(1/490)
اختلف الفقهاء في دين المرابحة المؤجل إذا أراد المشتري المدين من الدائن أن يضع عنه بعضه على أن يعجل له الباقي , فهل يجوز لهما الصلح على ذلك؟ على ثلاثة أقوال:
(أحدها) للشافعية والمالكية: وهو عدم جواز الصلح على ذلك مطلقا. لأنه ربا.
(والثاني) للحنفية والحنابلة: وهو عدم جوازه إلا في دين الكتابة , لأن الربا لا يجري بين المكاتب ومولاه في ذلك.
(والثالث) لأحمد في رواية عنه اختارها ابن تيمية وابن القيم وهو قول ابن عباس والنخعي ورجحه الشوكاني وهو جواز ذلك.
وحجتهم على ذلك بأنه ضد الربا صورة ومعنى , فإن ذاك يتضمن الزيادة في الأجل والدين , وذلك إضرار محض بالغريم , وهذا الصلح يتضمن براءة ذمة الغريم من الدين وانتفاع صاحبه بما يتعجله , فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر بالآخر , بخلاف الربا فإن ضرره لاحق بالمدين , ونفعه مختص برب الدين.
وجاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي (بمنظمة المؤتمر الإسلامي) في دورته السابعة المنعقدة بجدة سنة 1412هـ الموافق 1992م بخصوص موضوع البيع بالتقسيط ما يلي:
" الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله , سواء كانت بطلب الدائن أو المدين (ضع وتعجل) جائزة شرعا , لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق , وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية , فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز , لأنها حينئذ تأخذ حكم حسم الأوراق التجارية.(1/491)
السيل الجرار للشوكاني (3 / 149)
(ويصح التعجيل بشرط حط البعض) أقول: إذا حصل التراضي على هذا , فليس في ذلك مانع من شرع ولا عقل , لأن صاحب الدين قد رضي ببعض ماله وطابت نفسه عن باقية , وهو يجوز أن تطيب نفسه عن جميع ذلك المال وتبرأ ذمة من هو عليه , فالبعض بالأولى
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلين يتخاصمان في المسجد وقد ارتفعت أصواتهما , وكانت تلك الخصومة في دين لأحدهما على الآخر , فأشرف عليهما النبي صلى الله عليه وسلم وأشار بيده من له الدين أن يضع الشطر فكان هذا دليلا على جواز التعجيل بشرط حط البعض.
إعلام الموقعين (3 / 371)
وإن كان الدين مؤجلا , فتارة يصالحه على بعضه مؤجلا مع الإقرار والإنكار , فحكمه ما تقدم. وتارة يصالحه ببعضه حالا مع الإقرار والإنكار , فهذا للناس فيه ثلاثة أقوال أيضا.
أحدها: أنه لا يصح مطلقا , وهو المشهور عن مالك لأنه يتضمن بيع المؤجل ببعضه حالا , وهو عين الربا. وفي الإنكار المدعي يقول: هذه المائة الحالة عوض عن مائتين مؤجلة , وذلك لا يجوز , وهذا قول ابن عمر.
والقول الثاني: أنه يجوز , وهو قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد حكاها ابن أبي موسى وغيره , واختاره شيخنا ; لأن هذا عكس الربا , فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل , وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل , فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل , فانتفع به كل واحد منهما , ولم يكن هنا ربا لا حقيقة ولا لغة ولا عرفا , فإن الربا الزيادة , وهي منتفية ههنا , والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا , ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله " إما أن تربي وإما أن تقضي " وبين قوله: عجل لي وأهب لك مائة , فأين أحدهما من الآخر! فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس صحيح.
والقول الثالث: يجوز ذلك في دين الكتابة , ولا يجوز في غيره , وهو قول الشافعي وأبي حنيفة. قالوا: لأن ذلك يتضمن تعجيل العتق المحبوب إلى الله , والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم , ولا ربا بين العبد وبين سيده , فالمكاتب وكسبه للسيد , فكأنه أخذ بعض كسبه وترك له بعضه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 496)
لا يصح الصلح عن دين مؤجل ببعضه حالا إلا في دين الكتابة (م 1621) .
أسنى المطالب (2 / 216)
صالح عن ألف مؤجل بخمسمائة حالة (يبطل) لأنه ترك بعض المقدار ليحصل الحلول في الباقي , والصفة بانفرادها لا تقابل بعوض , ولأن صفة الحلول لا يصح إلحاقها بالمؤجل , وإذا لم يحصل ما ترك من القدر لأجله لم يصح الترك.
التاودي على التحفة (1 / 221)
وفي الرسالة: ولا تجوز الوضعية من الدين على تعجيله ولا التأخير به على الزيادة فيه.
البهجة (1 / 221)
كأن يدعي عليه بعشرة دنانير أو عشرة أثواب , فأقر بذلك أو أنكره , وصالحه على ثمانية معجلة , لما فيه من وضع وتعجل , وهو ممتنع في العين وغيرها. . .
ووجه المنع أن من عجل ما أجل يعد مسلفا , فقد أسلف الآن ثمانية ليقتضي عند الأجل عشرة من نفسه.
الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 134)
ويصح الصلح عن المؤجل ببعضه حالا. وهو رواية عن أحمد وحكي قولا للشافعي.
الهداية (7 / 396)
(ولو كانت له ألف مؤجلة , فصالحه على خمسمائة حالة لم يجز) لأن المعجل خير من المؤجل , وهو حرام.
تبيين الحقائق (5 / 43)
وإنما كان تعجيل المؤجل كالوصف , لأن المعجل خير من المؤجل , ولهذا ينقص الثمن لأجله , فيكون الحط بمقابلة الأجل , فيكون ربا فلا يجوز , إلا إذا صالح المولي مكاتبه عن ألف مؤجلة على خمسمائة حالة , فإنه يجوز , لأن معنى الإرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة , فلا يكون هذا من مقابلة الأجل ببعض المال , ولكنه إرفاق من المولي بحط بعض البدل , وهو مندوب إليه في الشرع , ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الأجل ليتوصل به إلى شرف الحرية , وهو أيضا مندوب في الشرع.
شرح منتهى الإرادات (2 / 260)
(ولا يصح) الصلح (عن) دين (مؤجل ببعضه) أي المؤجل (حالا) نصا , لأن المحطوط عوض عن التعجيل , ولا يجوز بيع الحلول والأجل (إلا في) مال (كتابة) إذا عجل مكاتب لسيده بعض كتابته عنها , لأن الربا لا يجري بينهما في ذلك.
مراجع إضافية
انظر روضة الطالبين (4 / 196) نهاية المحتاج (4 / 374) , الخرشي (6 / 3) , الزرقاني على خليل (6 / 3) البحر الرائق (7 / 259) البدائع (6 / 45) المبدع (4 / 279) كشاف القناع (3 / 280) العناية على الهداية (7 / 396) تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (5 / 42) شرح المجلة للأتاسي (4 / 564) .(1/492)
قبض البائع وتسلمه السلعة قبل بيعها مرابحة
يشترط في المرابحة دخول السلعة في ملك البائع واستلامه لها أولا قبل التعاقد على بيعها مرابحة.
واستلام السلعة قد يكون استلاما حقيقيا بالتخلية بين المشتري وسلعته المفرزة أو بنقلها إلى مكان حفظها أو ما يعتبره العرف قبضا , كما قد يكون القبض للسلعة قبضا حكميا.(1/493)
يقوم بيع المرابحة على أساس وجود سلعة مملوكة للبائع بالمرابحة (في المرابحة العادية) أو سيتولى شرائها وامتلاكها (في المرابحة للآمر بالشراء) , فلا يجوز شرعا عقد بيع المرابحة إلا بعد دخول السلعة في ملك البائع واستلامه لها أولا ذلك أن هذا البيع من عقود الأمانة وهو يستوجب بيان الثمن في العقد الأول.
فإذا تملك البائع السلعة وقبضها فعليه أن يعرضها مجددا على الآمر بالشراء باعتبار طلبه الأول , وبالشروط التي اتفق عليها.
واستلام المبيع قد يكون استلاما حقيقيا بالتخلية بين المشتري وسلعته المفرزة أو بنقلها إلى مكان حفظها أو ما يعتبره العرف قبضا.
كما يكون القبض للسلعة قبضا حكميا , وهو الأسلوب الذي أحدثته التجارة العالمية والتخزين العلمي الحديث وما في حكم ذلك , فأصبحت مستندات الشحن تعتبر في الغالب الأعم في حكم القبض الحقيقي للسلعة.
كما أن شهادات التخزين في المخازن التي تدار بطرق علمية موثوق بها تثبت الملكية لحامل السند وحده دون سواه. . ولكن لا يجوز تداول المستندات بين المشترين. . فالقبض الحكمي رخص فيه للحاجة فلا يجوز للمشتري الأول به أن يستخدمه كذلك وسيلة للقبص عند بيعه لهذه السلعة.
هذا وككل البيوع يكون من آثار وجوب بيع المرابحة: أن البائع يلزمه تسليم المبيع إلى المشتري , ولا يسقط عنه هذا الحق إلا بالأداء , ويظل البائع مسئولا في حالة هلاك المبيع وتكون تبعة الهلاك عليه , سواء كان الهلاك بفعل فاعل أم بآفة سماوية.(1/494)
اشتراط دفع قسط أول عند توقيع عقد بيع المرابحة
يتم عقد بيع في غالب الواقع المعاصر على أساس الثمن المؤجل , سواء إلى أجل واحد في نهاية المدة أو على أقساط في أثناء المدة المحددة. ويجوز في هذه الحالة أخذ قسط أول من المشتري بالمرابحة بشرط أن يكون ذلك بعد تملك البائع للسلعة وبيعها للآمر.(1/495)
غالبا ما يتم عقد البيع على أساس الثمن المؤجل , سواء إلى أجل واحد في نهاية المدة أو على أقساط في أثناء المدة المحددة. غير أن بعض السياسات التمويلية من المصارف المركزية , أو السياسات الداخلية لبعض المصارف تشترط دفع قسط أول عند التوقيع على العقد وكثيرا ما يعتقد المشتري (الآمر) في هذه الحالة أنه ساهم بالقسط الأول في ثمن السلعة.
ولذلك يطالب بخصم هذا القسط من الثمن الكلي للسلعة وإن تحدد أرباح البائع (المأمور) على ما تبقى من الثمن. وهذا اعتقاد الخاطئ ولا يصح بحال. وسبب الاعتقاد الخاطئ أن بعض المصارف يتقاضى القسط الأول عند تصديقه على العملية وقبل تملكه للسلعة وهذا بدوره لا يجوز وهو مصدر عقيدة الآمر بأنه ساهم في ثمن السلعة.
ولو أخذ القسط الأول بعد تملك المأمور للسلعة وبيعها للآمر وتنفيذ لشروط هذا العقد لما نشأ هذا الخطأ المركب
وينبغي أن نوضح هنا أن هامش المرابحة يحدد - ضمن عوامل أخرى بناء على طريقة السداد , فنسبة الربح لمن يسدد على أقساط تكون أقل من تلك النسبة المقدرة على من يدفع الثمن كله بنهاية المدة. كما أن نسبة الربح تقل أكثر في حق من يدفع قسطا أول ثم يتلوه بأقساط في أثناء فترة السداد ويجب مراعاة ذلك تحقيقا للعدالة.(1/496)
ضمان مديونية بيع المرابحة المؤجلة
يجوز للبائع أن يحبس السلعة ضمانا لسداد الثمن المعجل.
كما يجوز له أن يشترط على المشتري بثمن مؤجل كله أو بعضه تقديم الضمان لسداد المديونية في وقتها. وكل أنواع الضمان جائزة في هذا المقام. ومن بين هذه الضمانات يجوز أن تكون السلعة المبيعة ضمانا للسداد.(1/497)
لا يرتبط سداد مديونية بيع المرابحة المؤجلة - من ناحية الحكم الشرعي - بمصير السلعة المبيعة سلبا أو إيجابا. ذلك لأنه وبتمام عقد البيع صحيحا نافذا لازما تنتقل ملكية السلعة إلى المشتري والثمن إلى البائع. ويصبح الثمن - كله أو جزء منه - دينا في ذمة المشتري. فإذا باع المشتري (الآمر بالشراء) السلعة في الحال أو في أي وقت قبل حلول الأجل , فهو غير ملزم بسداد الدين , إلا إذا كانت ذات السلعة مرهونة لهذا الغرض.
ولو باع الآمر السلعة بأضعاف ثمنها فهو غير ملزم بالسداد إلا في الوقت المضروب له.
كما أن كساد السلعة من ناحية أخرى - ينبغي أن لا يؤثر على سداد المديونية في وقتها - فيطالب المدين بالسداد عند حلول الأجل. فإن لم يستجب يملك الدائن أن يرجع على الضمانات. فله أن ينفذ على الرهن , ويرجع على الضمان , ويفتح بلاغا إذا ارتدت شيكات المدين لعدم كفاية الرصيد أو غيره.
كل هذه الفرص تتاح للدائن إلا إذا قدر أن ثمة عذر يبرر إمهال المدين , فيضرب له أجلا جديدا مناسبا , ولكن بالطبع دون أن يتقاضى على ذلك أي زيادة. لأن زيادة الدين بسبب الأجل هي عين ربا الديون.
وعلى الرغم من عدم الارتباط بين المديونية والسلعة في هذه الحالة إلا أنه لا بد عند الدراسة من الاستيثاق من خبرة الآمر في إدارة مثل هذه السلعة , ومناسبة الثمن الذي دفع فيها حتى يعين المصرف عميله على الاستثمار المجدي ويساعده بدوره على السداد في وقته فتتحقق مصلحة المصرف تبعا لذلك.(1/498)
انتهاء المرابحة
تنتهي المرابحة بتسليم المبيع إلى المشتري والثمن إلى البائع أو بالاتفاق على الإقالة أو بالفسخ لأحد الأسباب الموجبة له.(1/499)
تنتهي المرابحة كبقية البيوع بتنفيذ آثارها وهي الالتزامات المترتبة على البائع والمشتري , وذلك بتسليم الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشتري.
كما تنتهي باتفاق الطرفين على الإقالة ويترتب على ذلك التراد بإعادة الثمن إلى المشتري وإعادة السلعة إلى البائع.
وتنتهي أيضا بطروء سبب من أسباب الفسخ المقررة شرعا ومن ذلك ظهور العيب إذا اختار المشتري الفسخ دون التعويض (الأرش) .(1/500)
الشركة(1/501)
تعريف الشركة
الشركة بالمعنى العام
هي اختصاص اثنين فأكثر بمحل واحد وهذا التعريف جامع يشمل شركة العقد , وشركة الملك , وشركة الإباحة , كما يشمل المضاربة والمساقاة والمزارعة لأن المحل يشمل الدين والعين والعمل والمال والجاه.
والشركة بالمعنى الخاص
هي عقد يتم بين اثنين أو أكثر على الاشتراك في المال وربحه وأن يكون إذن التصرف لهما , أو على الاشتراك على عمل بينهما والربح بينهما.
وهذا هو تعريف شركة العقد سواء كانت على مال أو غيره , ويخرج منه المضاربة والمساقاة ونحوهما.(1/502)
تعريف الشركة تشكيل النص
الشركة - بفتح الشين وكسر الراء , أو بكسر الشين وسكون الراء - هي اسم مصدر شرك.
يقال شركت فلانا في الأمر شركا وشركة أي كان لكل منهما نصيب منه فهو شريك.
فالمعنى اللغوي للشركة هو الاختلاط أو الخلط بين المالين أو النصيبين.
أما في الاصطلاح , فالشركة يختلف معناها حسب التوسع في مفهومها أو التضييق فيها وتشمل الشركة بالمفهوم الواسع شركة الإباحة , وشركة الملك وشركة العقد.
وشركة العقد هي التي عناها الفقهاء عند إطلاق لفظ الشركة ويعنون بها شركة التجارة لأنها الشركة التي تنشأ بالعقد بين الطرفين.
شركة الإباحة
تسمى شركة الإباحة في القانون الوضعي الملك العام أو الأشياء العامة.
وهي تعني اشتراك جميع الناس (العامة) في حق تملك الأشياء المباحة التي ليست في الأصل ملكا لأحد.
والأصل في شركة الإباحة قوله تعالى:
{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} (البقرة: 29)
{وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} (الجاثية: 13)
{أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} (المائدة: 96)
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار.
وتتناول شركة الإباحة الأشياء العامة التي يشترك جميع الناس في ملكيتها , وأباح لهم الشارع استعمالها أو استهلاكها وهي:
(أ) الماء ويشمل ماء البحر وماء الأودية العظيمة كنهر النيل ودجلة والفرات والأردن وغيرها , وماء الأودية الخاصة بقرية أو مدينة , وماء العيون والآبار في الأرض غير المملوكة لأحد.
(ب) الكلأ وهو الحشيش أو العشب الذي ينبت في أرض غير مملوكة والنبات الذي ينبت بنفسه في أرض مملوكة ما لم يقطعه إنسان.
(ج) النار ويراد بها الحطب الذي يحطبه الناس , وكل ما ينتفع به استضاءة واستدفاء واصطلاء.
(د) المعادن التي لا تنقطع كالملح والنفط ومشتقاته , والكبريت وأحجار الرحا والرخام والكحل والياقوت وغيرها.
(5) المرافق العامة أو الانتفاعات المشتركة التي تمنع اختصاص الفرد بحيازتها كالشوارع والمساجد والرباطات , ومجتمع النادي ومرتكض الخيل , وملعب الصبيان , ومناخ الإبل , والملاعب والحدائق والمنتزهات العامة , ومدن الرياضة ودور الحكومة , ومدارس الدولة ومستشفياتها وملاجئها وأشباه ذلك.
شركة الملك
تسمى شركة الملك في القانون الوضعي الشيوع.
وهي تعني أن يكون الشيء مشتركا بين اثنين أو أكثر بحيث يختلط النصيبان بشكل لا يتميز أحدهما عن الآخر , ويكون ذلك بأي سبب من أسباب التملك سواء أكان بالاختيار أو الجبر.
فتنقسم شركة الملك عند جمهور الفقهاء إلى قسمين:
شركة جبر: وهي التي تحصل بغير فعل الشركاء , وهي حالة الإرث التي يرث فيها شخصان شيئا فيكون الموروث مشتركا بينهما شركة ملك.
شركة اختيار: وهي التي تحصل بفعل الشريكين واختيارهما , مثل أن يشتريا شيئا أو يوهب لهما شيء أو يوصي لهما شيء فيقبلا , فيصير ذلك الشيء مشتركا بينهما شركة ملك اختيارية أي قائمة على رضاهما بالشركة.
ونورد بعض أحكام شركة الملك:
(أ) الأصل أن كل واحد من الشريكين أو الشركاء في شركة الملك أجنبي بالنسبة لنصيب الآخر.
لأن هذه الشركة لا تتضمن وكالة ما , ثم لا ملك لشريك ما في نصيب شريكه , ولا ولاية له عليه من أي طريق آخر. والمسوغ للتصرف إنما هو الملك أو الولاية وهذا ما لا يمكن تطرق الخلاف إليه.
(ب) ليس لشريك الملك في نصيب شريكه شيء من التصرفات التعاقدية: كالبيع , والإجارة والإعارة وغيرها , إلا أن يكون ذلك بإذن شريكه هذا.
فإذا تعدى فآجر مثلا أو أعار العين المشتركة فتلفت في يد المستأجر أو المستعير , فلشريكه تضمينه حصته. وهذا أيضا مما لا خلاف فيه.
(ج) لكل شريك في شركة الملك أن يبيع نصيبه لشريكه , أو يخرجه إليه عن ملكه على أي نحو , ولو بوصية , إلا أن المشترك لا يوهب دون قسمة , ما لم يكن غير قابل لها وباستثناء حالة الضرر.
هذا ما قرره الحنفية , وهو في الجملة محل وفاق - إلا أن هبة المشاع سائغة عند جماهير أهل العلم بإطلاق كما قرره المالكية والشافعية والحنابلة.
والحنفية على أن هبه المشاع لا تجوز - بمعنى عدم إثبات ملك ناجز - فالهبة صحيحة , ولكن يتوقف الملك على الإفراز ثم التسليم.
شركة العقد
عرف الفقهاء شركة العقد تعريفات متعددة , وهي المقصودة عندهم عند إطلاق لفظ الشركة.
وقد خصص الفقهاء كتاب الشركة لشركة العقد دون بقية أنواع المشاركات كشركة الإباحة , بل إنهم لا يذكرون أحكام المضاربة والمزارعة والمساقاة عند ذكرهم كتاب الشركة بل يخصصون لها أبوابا وكتبا خاصة.
وقد حاول بعض العلماء المحدثين إعطاء تعريفات محددة للشركة , ولكنها لا تخرج عن تعريفات الفقهاء السابقين ويمكن في ضوء ذلك تعريف الشركة بأنها: عقد يتم بين اثنين أو أكثر على الاشتراك في المال وربحه , وأن يكون إذن التصرف لهما , أو على الاشتراك على عمل بينهما والربح بينهما.
وبهذا التعريف تكون شركة العقد سواء على مال أو غيره , كما تخرج منها المضاربة والمساقاة ونحوهما.
والتمييز بين شركة العقد وشركة الملك في الفقه الإسلامي يظهر في أمرين:
(أ) الاشتراك في (الشيوع) يكون في الاستحقاق , والاشتراك في شركة العقد يكون في التصرف , فالشركاء في الشيوع يستحقون أنصباءهم في العين المشترك فيها أو في منفعتها , بينما في شركة العقد يتعاون الشركاء في التصرف وإدارة الشركة لإنجاحها , ولهذا كان من تعريفات شركة الملك: أنها اجتماع في استحقاق , وكان من تعريفات شركة العقد أنها اجتماع في التصرف.
(ب) شركة الشيوع تكون في الأعيان أما في رقبتها أو في منفعتها , ويتم ذلك أما عن طريق الجبر كالإرث وذلك بأن يموت شخص ويترك ثروة يشترك فيها الورثة , أو عن طريق رضا المتشاركين كأن يتفق شخصان أو أكثر على شراء دار لاستغلال منافعها.
بينما شركة العقد تقوم على الاشتراك بالنقدين , ولا تجوز بغيرهما إلا إذا قومت بالنقدين وعرف نصيب كل من الشركاء بالقيمة , وإذا تمت بالمثلي فلا بد من الخلط لتصبح شركة للملك أولا ثم تنشأ شركة العقد على المخلوط , وأما في الأعيان أو في منفعتها فلا يجوز أن ينشأ عليها شركة عقد أي من غير تقويم.(1/503)
تعريف الشركة
جاء في الهداية وشرحها لابن الهمام ط. مصطفى الحلبي بمصر (6 / 152 - 154) :
الشركة ضربان شركة أملاك , وشركة عقود , فشركة الأملاك: العين يرثها رجلان , أو يشتريانها فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بإذنه , وكل واحد منهما في نصيب صاحبه كالأجنبي. . . وشركة العقود , وركنها الإيجاب والقبول.
وجاء في حاشية ابن عابدين ط. دار إحياء التراث العربي ببيروت (3 / 333 - 333) : هي شرعا عبارة عن عقد بين المتشاركين في الأصل والربح.
وجاء في الشرح الكبير على مختصر خليل مع حاشية الدسوقي ط. عيسى الحلبي القاهرة (3 / 348) :
الشركة إذن في التصرف لهما مع أنفسهما.
(وهذا التعريف لعقد الشركة) .
وجاء في المغني لابن قدامة ط. الرياض (5 / 3) :
الشركة هي الاجتماع في استحقاق , أو تصرف.(1/504)
دليل مشروعية الشركة
الشركة جائزة في الجملة , وقد ثبت جوازها بالكتاب والسنة والإجماع.(1/505)
الدليل من الكتاب
تحدث القرآن الكريم عن الشركاء والخلطاء في مجال الأموال:
فذكر شركة الملك عن طريق الإرث فقال تعالى: {فهم شركاء في الثلث} سورة (النساء: 12) .
كما ضرب مثلا للفشل والخسران بالشركة التي يكون شركاؤها متشاكسين متنازعين مختلفين فقال تعالى: {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا} سورة (الزمر: 29) .
وتحدث القرآن الكريم كذلك عن الخلطاء في سورة (ص) حيث تنازعوا فيما بينهم , وأرادوا أن يعرضوا أمرهم هذا على داود عليه السلام ولكنه كان في يوم عبادته وصومه وفي صومعته ومحرابه , ولذلك تسوروا الحائط فنزلوا عليه من فوق: {ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم} (سورة ص: 21: 24) .
ويستفاد من هذه الآيات مشروعية الخلطة والشركة واحتمال وقوع الظلم من بعض الشركاء على بعضهم الآخر , بل الأكثرية على ذلك , كما أن مجال أكل أموال الشركة من الشركاء أوسع من أي شيء آخر , لأن كل واحد وكيل عن الآخر والأموال تحت يديه , فلو لم يخف الله تعالى فليس هناك رادع آخر , لأن إثبات أخذه من أموال الشركة ليس سهلا ولذلك قال سيدنا داود عليه السلام {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض} ثم استثنى من عنده الرقابة الباطنية , والتصديق الكامل فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ثم عقب على ذلك بأن هؤلاء قليلون {وقليل ما هم} كما يستفاد من هذه الآيات ضرورة المشاركة مع من كان مؤمنا حقا وترسخت العقيدة في قلبه , وتمكن الخوف من الله تعالى في نفسه وهو دائم العمل الصالح للدنيا والآخرة.
ويبدو أن الحفاظ على الأمانة والإخلاص في باب الشركة له من الصعوبة والندرة حتى جعل الله تعالى له ميزة واختصاصا فقال في حديث قدسي: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه. .
الدليل من السنة
تكرر لفظ الشركة في السنة كثيرا , بل عقدت لها كتب وأبواب , فقد خصص البخاري في صحيحة كتابا سماه: كتاب الشركة , ذكر فيه ستة عشر بابا وبلغ عدد أحاديثه سبعة وعشرين حديثا.
أخرج أبو يعلى والبيهقي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خان شريكا فيما ائتمنه عليه واسترعاه له فإنه بريء منه.
ويستدل بهذا الحديث على مشروعية الشركة حيث يقرر جوازها ويحذر الشريكين من الخيانة.
وأخرج أبو داود وروى الحاكم في مستدركه , والبيهقي في سننه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يد الله مع الشريكين ما لم يتخاونا , فإذا تخاونا محقت تجارتهما فرفعت البركة منها.
والحديث يدل على جواز شركة العقد وفضيلتها , وأنها محل للبركة وتنمية الرزق لأن يد الله مع الشريكين.
وأورد الشوكاني عن أبي المنهال أن زيد بن أرقم والبراء ابن عازب كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة , فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهما أن ما كان بنقد فأجيزوه , وما كان بنسيئة فردوه.
رواه أحمد والبخاري ولفظ البخاري ما كان يدا بيد فخلوه , وما كان نسيئة فردوه.
وقد دلت عبارة الحديث على جواز الشركة عموما وجوازها بالدنانير والدراهم , وعلى جواز التعامل بها نقدا لا نسيئة.
وروى الشوكاني عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال: فجاء سعد بأسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء , قال الشوكاني وهو (أي الحديث) حجة في شركة الأبدان وتملك المباحات.
وهو دليل على صحة الشركة إلا أن ابن حزم يطعن في الحديث ويرى أنه خبر منقطع لأنه من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه , وأبو عبيدة لم يذكر عن أبيه شيئا , وابن حزم لا يرى صحة شركة الأبدان ولذلك طعن في الحديث.
الدليل من الإجماع
حكى الإجماع جمهرة الفقهاء إذ كان الناس يتعاملون بالشركة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير.
وجاء في المغني لابن قدامة أن المسلمين أجمعوا على جواز الشركة بالجملة وإنما اختلفوا في أنواع منها كما هو موضح في أقسام الشركة.(1/506)
الوصف الفقهي للشركة
يرى الفقهاء أن الشركة على اختلاف أنواعها تتضمن وكالة كل شريك عن صاحبه في التصرف في موضوع الشركة.
ويذهب معظم الفقهاء إلى أن الشركة من عقود المعاوضات بينما يرى بعضهم أنها من عقود الأمانات وليس المعاوضات.(1/507)
يرى الفقهاء أن الشركة على اختلاف أنواعها تتضمن وكالة كل شريك عن صاحبه ولذا يجب أن تتوافر فيه شروط الوكيل باعتباره وكيلا , وشروط الموكل باعتباره موكلا صاحبه إذ أن كلا من الشركاء وكيل عن صاحبه في التصرف في موضوع الشركة بيعا وشراء واستثمارا واستئجارا وتقبلا للأعمال لأن هذا هو مقتضى الشركة.
ولكن نية المشاركة تخرج الوكالة من الشركة - وإن كانت الشركة تقوم على الوكالة - لأن الوكيل لا يشارك في الربح ولا في الخسارة وإنما يأخذ أجرا على وكالته وقد لا يأخذ ونية المشاركة غير متوفرة من البدء.
وبالنظر لتبادل الحقوق يرى معظم الفقهاء أن الشركة من عقود المعاوضة وهي التي يأخذ فيها العاقد مقابلا لما يعطى , بمعنى أن كل شريك يقدم حصة في رأس المال ويأخذ نصيبا من أرباح الشركة مقابل هذه الحصة.
وقد تكون مبادلة مال بمال إذا كان رأس المال من النقدين أو غيرها (عند من يجيز الشركة بالعروض من الفقهاء) مقابل ربح مالي , وقد تكون مبادلة عمل بمال كما في شركتي الصنائع والوجوه.
على أن بعض الفقهاء ومنهم الأستاذ مصطفى الزرقا يرى أن الشركة ليست من عقود المعاوضة , فهو يقول: (وأما عقود الإعارة والوكالة والشركة ونحوها , فإنها خالية خلوا تاما من معنى المعاوضة , فتعتبر عقود أمانة ويكون مال الموكل في يد وكيله , ومال القاصر في يد وصيه , ومال الشريك في يد شريكه والعارية في يد مستعيرها , كل ذلك أمانة محضة غير مضمونة بمقتضى العقد كالوديعة) .
ويوضح الأستاذ مصطفى الزرقا المبدأ الشرعي الذي يقوم على أساسه التمييز بين عقود الضمانات وعقود الأمانات فيقول: (إن فكرة الضمان في العقد تدور مع معنى المعاوضة فيه ولو نهاية ومآلا , وحينئذ يكون العقد عقد ضمان في الناحية التي تتعلق بها المعاوضة) .
وعلى هذا الأساس فهو يعتبر الشركة من عقود الأمانات وليس المعاوضات ويذكر ما جاء في آخر بحث شركة العنان من كتاب الهداية ما نصه: (ويد الشريك في المال يد أمانة لأنه قبض المال بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة , فصار كالوديعة) .
غير أن هذه الأمانة في الشركة لا تمنع المعاوضة كما جاء في تعليق الدكتور عبد العزيز الخياط في كتابة الشركات في الشريعة الإسلامية , فهو يقول: (ومقتضى كون الشركة من عقود المعاوضات لا يمنع أن تكون من حيث الضمان عقود أمانة في بعض أنواع الشركات كالمضاربة , وهي من عقود الضمان في بقية أنواع الشركة حيث يضمن كل شريك ما تلف من مال صاحبه بعد الخلط وعدم تمييز نصيب كل شريك من نصيب صاحبه) .(1/508)
الحكم التكليفي للشركة
تدل النصوص المعتبرة في القرآن الكريم والسنة المطهرة لا على إباحة وجواز عقد الشركة فقط , بل على استحبابها وتشوف الشارع إليها وحثه عليها.(1/509)
أجمع الفقهاء على أن الشركة مشروعة , ومبنى هذا الإجماع على الأدلة المعتبرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
بل أن الأحاديث التي أوردناها ولا سيما الحديث القدسي الذي يقول فيه الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما إنها تدل بوضوح لا على الإباحة والجواز فقط بل على استحبابها وتشرف الشارع إليها وحثه عليها بل إنه يمكن القول بوجوبها في حالة حاجة الأمة أو الدولة المسلمة إلى مشروعات ضخمة لا يستطيع الأفراد بمفردهم القيام بها , وحينئذ يكون وجوبها من باب: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب , ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي رأينا فيه أن الاستعمار الغربي بدأ باستعمار ديارنا عن طريق الشركات الضخمة كشركة الهند الشرقية.
والحكمة من مشروعية الشركة هي التعاون من خلال جمع الأموال الكثيرة من الأشخاص , وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية والقيام بمشروعات ضخمة لخدمة المجتمع الإسلامي تجاريا وصناعيا وزراعيا.
فالبركة دائما مع الجماعة , والخير كله مع التعاون ولذلك أمر الله تعالى بالتعاون فقال: {وتعاونوا على البر والتقوى} (سورة المائدة: 2) .
فالشركة تعاون بين أصحاب الأموال لجمع الأموال الكافية لتحقيق الأهداف التنموية للمجتمع , ودفع لحاجة أصحاب رءوس الأموال الصغيرة الذين لا يستطيعون وحدهم أن يدخلوا في المشروعات المناسبة فيضموا أموالهم إلى أموال الآخرين من خلال عقد الشركة فيتكون منها مال كبير يكون قادرا على إنجازها , وعلى تحقيق الربح المناسب للأطراف المشاركة , ولو لم تكن مثل هذه الشركات لظلت الأموال القليلة غير قادرة على الاستثمار والمساهمة في التنمية , بل قد تكنز أموال هؤلاء الأشخاص الذين ليس لهم قدرة على الاستثمار حتى ولو كانت أموالهم كبيرة بسبب عدم خبرتهم فحينما توجد الشركات يتسارع أصحاب هذه الأموال لشراء أسهمها والمساهمة في تحقيق أغراضها , إضافة إلى تحقيق التكامل بين المال والخبرة والعمل في شركات المضاربة والمساقاة والمزارعة ونحوها وكل هذه الأغراض مشروعة بل هي داخلة في مقاصد الشريعة الغراء.(1/510)
تقسيم شركة العقد باعتبار محلها
يقسم الفقهاء الشركات إلى أنواع مختلفة بعضها متفق عليه وبعضها موضع خلاف بينهم.
ويمكن تقسيمها إجمالا إلى شركة أموال وشركة أعمال وشركة وجوه.
وشركة الأموال هي التي تعتمد على المشاركة في رأس المال.
وشركة الأعمال هي التي تعتمد على الحرفة والصنعة وضمان العمل , وشركة الوجوه تعتمد على ثقة الناس بالمتشاركين وليس لهما مال وحرفة ولكن لهم حسن التصرف والخبرة في البيع والشراء.
وبصفة عامة فإن شركة الأموال جائزة بإنفاق الفقهاء , وشركة الأعمال منعها الشافعية وأجازها غيرهم.
وشركة الوجوه جائزة عند الحنفية والحنابلة وغير جائزة عند المالكية والشافعية.(1/511)
شركة الأموال
شركة الأموال هي عقد بين اثنين فأكثر , على أن يتجروا في رأس مال لهم , ويكون الربح بينهم بنسبة معلومة.
والأصل في شركة الأموال أن يكون العمل على المشتركين بجانب اشتراكهم برأس المال لأن كلا من الشركاء وكيل عن الآخر في التصرف بمال الشركة , وهي عند كثير من الفقهاء أذن في التصرف في المال فكان العمل جائزا لكل من الشركاء.
فإذا عمل بعضهم ولم يعمل البعض الآخر أو عملوا جميعا أو اشترطوا أن يكون العمل من جانب أكثر من الجانب الآخر لحذقه ومهارته , جاز ذلك كله في رأي الحنفية والحنابلة وجمهور من الفقهاء.
وشركة الأموال إما أن تكون شركة مفاوضة وقد اختلف الفقهاء في معناها وفي حكمها , وإما أن تكون شركة عنان وهي جائزة باتفاق الفقهاء.
وفي عنان شركة الأموال يجوز تساوي أو تفاضل الشركاء في تقديم حصة رأس المال وكذلك في حصة الربح المتفق عليها.
شركة الأعمال
شركة الأعمال هي الشركة التي تعتمد على الجهد البدني والفكري فهي اتفاق اثنين أو أكثر من أرباب الأعمال والمهن على أن يشتركا في تقبل الأعمال من الناس وأن يكون ما يكسبانه من أرباح مشتركا بينهما بحسب الاتفاق.
فإذا اشترك كاتبان في عمل فكري ككتابة كتاب ونشره , أو اشترك طبيبان في فتح عيادة أو اشترك خياطان في تقبل الخياطة , واتفقا على أن ما يكسبانه لهما مناصفة أو غير ذلك كان ذلك شركة أعمال.
ويسمى هذا النوع من الشركات بشركة الأعمال لأن العمل هو أساس المشاركة فيما بين الشركاء إذ ليس فيها رأس مال يشتركان فيه وإنما يشتركان بعمل البدن , ولذا تسمى أيضا شركة الأبدان , وتسمى أيضا شركة التقبل للمشاركة في تقبل الأعمال من الناس , وتسمى أيضا شركة الصنائع لأن رأس مال الشريكين فيها هو صنعتهما.
وقد اتفق جمهور الفقهاء على جواز هذه الشركة واختلفوا في بعض أنواعها وأحكامها , وخالف الشافعية فذهبوا إلى أنها شركة باطلة لأن الشركة تنبئ عن الاختلاط وهو شرط لجوازها ولا يقع الاختلاط إلا في الأموال , ولا يتحقق الاختلاط بالأموال في شركة الأعمال.
وكذلك لأن الشركة إنما شرعت أصلا لاستنماء المال بالتجارة ولا بد من أصل يستنمى , وهو لا يوجد في شركة الأعمال لأنها تعتمد على الأبدان فلا يحصل ما وضعت له الشركة فلا يجوز.
ثم أن في شركة الأعمال كثير غرر لأن الأعمال لا تنضبط وعمل كل واحد من الشركاء مجهول عند صاحبه وهو مميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده ولا يجوز أن يشاركه فيها غيره.
أما المجيزون لشركة الأعمال , ومنهم الحنابلة والمالكية فقد استدلوا بحديث عبد الله بن مسعود إذ أنه قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم أجيء أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين , وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على اشتراكهم في الأسرى وهم إنما استحقوا ذلك بالعمل.
كما استدل الحنفية على جواز شركة الأعمال بإجماع الناس على التعامل بها في سائر الأمصار من غير نكير من أحد عليهم بالرغم من عدم أخذ بعض الفقهاء بها بعد استقرار الإجماع على مشروعيتها.
ويقول الكاساني الشركة بالأموال شرعت لتنمية المال , وأما الشركة بالأعمال فما شرعت لتنمية المال بل لتحصيل أصل المال , والحاجة إلى تحصيل المال فوق الحاجة إلى تنميته , فلما شرعت لتحصيل الوصف فلأن تشرع لتحصيل الأصل أولى.
هذا وتنبني شركة الأعمال على الضمان أي يضمن كل من الشركاء ما يقبله شريكه من العمل , وضمانهم ضمان الصناع في مصنوعهم.
شركة الوجوه
شركة الوجوه هي أن يشترك اثنان وليس لهما مال , ولكن لهما وجاهة عند الناس فيقولان اشتركنا على أن نشتري بالنسيئة ونبيع بالنقد على أن ما رزق الله سبحانه من ربح فهو بيننا على شرط كذا.
وهي سميت بذلك لأن الشركاء ليس لديهم رأس مال إلا ما يحصلون عليه بالاستدانة بوجاهتهم لدى من يبيعهم بالأجل , قال الإمام شمس الدين السرخسي (أن رأس مالهما وجههما فإنه لا يباع بالنسيئة إلا ممن له في الناس وجه , وتسمى شركة المفاليس) .
وتسمى هذه الشركة أيضا شركة الذمم قال ابن رشد (شركة الوجوه هي الشركة على الذمم من غير صنعة ولا مال) .
وشركة الوجوه جائزة عند الحنفية والحنابلة , وغير جائزة عند المالكية والشافعية.
ويستدل الشافعية بأن الشركة تبنى عن الاختلاط , ولا يقع الاختلاط إلا في الأموال , أما الأعمال فلا اختلاط فيها ثم أن الشركة شرعت لتحصيل غرض الاستنماء ولابد من أصل يستنمى وهو لا يوجد في شركة الوجوه.
وكذلك لم يجز المالكية شركة الوجوه لما فيها من غرر لأنها اشتراك بالذمم وهو لا يجوز عندهم , فهي من باب تحمل عني وأتحمل عنك وأسلفني وأسلفك , فهي من باب ضمان بجعل وسلف.
أما بالنسبة لمن أجازها من الحنفية والحنابلة , فإن مشروعية شركة الوجوه ثابته بالسنة التقريرية لأن الناس تعاملوا بها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير إنكار. وهي لا تخرج في حقيقتها عن الجمع بين الوكالة والكفالة , ففيها وكالة كل شريك لشريكه في شراء السلعة والكفالة بثمنها , والوكالة والكفالة جائزتان فما اشتمل عليهما فهو جائز أيضا.
هذا وتنبني شركة الوجوه على ضمان الديون أي استعداد كل من الشريكين لتحمل مسئولية وفائها في حالة إخفاق عمليات هذه المشاركة. ولا بد عند العقد من تحديد نسبة ما يستحمله كل شريك فيها من الضمان , ويجوز أن يكون ذلك بالتساوي أو بالتفاضل بأن يضمن أحد الشركاء 60 % ويضمن الآخر 40 % مثلا.(1/512)
تقسيم شركة العقد باعتبار التساوي والتفاوت
يقسم الفقهاء شركة العقد باعتبار تساوي الشركاء في بعض الأمور أو تفاوتهم فيها إلى شركة مفاوضة وشركة عنان , وتكون شركتا المفاوضة والعنان عند الحنفية في كل من شركات الأموال والأعمال والوجوه.
وقد أجمع الفقهاء على جواز شركة العنان , واختلفوا في معنى شركة المفاوضة وفي حكمها.(1/513)
شركة المفاوضة
تقوم شركة المفاوضة على أساس تفويض كل واحد من الشريكين إلى صاحبه التصرف في ماله مع غيبته وحضوره. فلا بد فيها من أن يطلق كل من الشركاء للآخرين حرية التصرف في البيع والشراء والمضاربة والتوكل والارتهان والابتياع في الذمة والمسافرة بالمال وغير ذلك مما تحتاج له التجارة.
وعلى أساس معنى التفويض السابق ذكره , فإن شركة المفاوضة تكون جائزة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والمالكية ولكن مع ضرورة تحقق شروط أخرى عند الحنفية.
وبهذا المعنى فإن المشارك المفاوض لا يحتاج إلى مراجعة شريكه وأخذ موافقته في كل تصرف من تصرفاته للشركة , بل يكون تصرفه نافذا عليه وعلى شريكه في كل ما يعود على مال الشركة نفعه.
وهذا الحكم موضع وفاق بين القائلين بالمفاوضة وهم كما ذكرنا الحنفية والحنابلة والمالكية.
أما الشافعية فانهم ذهبوا إلى عدم جواز شركة المفاوضة ورأوا فيها غررا لأنه يلزم كل واحد ما لزم الآخر , وقد يلزمه شيء لا يقدر على القيام به.
وقد أجاب المجيزون على ذلك بأنه ليس في هذا العقد غرر ولا إجبار على الاشتراك في المفاوضة بل أن القاعدة تقول أن الغنم بالغرم , وما دام الشركاء قد تراضوا على أن يلتزم كل منهم بما يلزم الآخر فلا غرر فيه وهو جائز.
شركة المفاوضة عند الحنفية
شركة المفاوضة عند الحنفية يختلف معناها عن المعنى الذي جاء به المالكية والحنابلة , فالحنفية يرون أن المفاوضة مشتقة من الفوض أي التساوي وهي تتحقق بوجود المساواة الكاملة بين الشريكين , ففي شركة الأموال يشترط التساوي في رأس المال وفي الربح وفي القدرة على التصرف , وفي شركة الأعمال يقوم التساوي في الاشتراك في تقبل الأعمال مقام التساوي في رأس المال كما يقوم تعهد العمل مقام التصرف فيه.
أما في شركة الوجوه فيكون التساوي في التضامن في التزام الحقوق والواجبات والثمن الذي يشتريان به نسيئة مقام التساوي في رأس المال.
ويعني الحنفية بتساوي رأس المال في شركة الأموال أن يتساوى الشركاء فيما يصلح أن يكون رأس مال الشركة قدرا وقيمة ابتداء وانتهاء بمعنى أنه يجب أن يكون كل ما يملكه كل من الشريكين مساويا للآخر , فلا يجوز أن يكون لأحد المتفاوضين مال يصلح أن يكون رأس مال للشركة ولم يدخل فيها عند التعاقد , كذلك تتحول المفاوضة إلى عنان إذا استوفى أحد الشريكين دينا أو حضر له مال غائب.
لذلك فإن الأستاذ علي الخفيف يرى أن شركة المفاوضة لا تعد شركة واقعية وليس لوجودها بقاء إذا ما وجدت , فهو يقول: (أن اشتراط تساوي أموال الشركاء في القيمة وعدم اختصاص كل شريك بمال يصلح أن يكون رأس مال للشركة في جميع مراحل وجودها لا يبقى عليها زمنا طويلا فإن استمرار كل شريك على ما كان له من نقود عند تكوينها وعدم زيادتها بعد ذلك أمر يكاد أن يكون عسيرا) .
هذا ولا ضير عند الحنفية في أن يتفاضلا الشريكين في الأموال التي لا تصلح فيها الشركة كالعقار والعروض والديون , ولكن كما ذكرنا إذا قبض الدين نقودا تحولت المفاوضة إلى عنان لاشتراطهم استمرار المساواة ابتداء وانتهاء.
شركة المفاوضة عند غير الحنفية
وخلافا عن الحنفية , فإن المالكية والحنابلة لا يشترطون المساواة بين الشريكين في رأس المال لصحة المفاوضة.
كما أنهم لا يبنوها على الكفالة وانما اكتفوا بما فيها من معنى الوكالة , بينما ذهب الحنفية إلى أن كل شريك يكون وكيلا عن الآخر فيما له من حقوق وكفيلا عنه فيما يجب عليه من شراء وبيع والتزامات.
وكذلك يشترط الحنفية في شركة المفاوضة إطلاق التصرف لكل شريك في جميع أنواع التجارة ولا يصح تخصيصها بنوع أو نشاط معين من التجارة , فكل شريك له أن يتجر في أي نوع أراد قل أو كثر , سهل أو عسر , رخص أو غلا , لأن المفاوضة تقتضي عندهم تفويض الرأي في كل ما يصلح للاتجار فيه وعدم التقييد بنوع دون نوع كما صرح به صاحب الهداية.
وهذا الشرط غير مقرر عند المالكية والحنابلة لأن المالكية ينوعون المفاوضة إلى عامة لم تقيد بنوع من أنواع المتاجرة دون نوع , وخاصة بخلافها , كما أن الحنابلة يئول كلامهم إلى مثل هذا.
شركة العنان
أجمع الفقهاء على جواز شركة العنان وهي الشركة التي كانت معروفة منذ القديم , وهي أيضا الشركة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين السائب بن شريك فقد جاء في الحديث أنه كان شريك النبي في أول الإسلام في التجارة , فلما كان يوم الفتح قال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا بأخي وشريكي , لا يدارى ولا يماري.
وشركة العنان هي أن يشترك اثنان أو أكثر في نوع من أنواع التجارة أو في عموم التجارات , ويلتزم المتعاقدون بمقتضاها بأن يقدم كل منهم حصة معينة في رأس المال , ويكون الربح بينهما حسب المال أو حسب الاتفاق عند جماعة من الفقهاء , أما الخسارة فهي أبدا بقدر المالين لأنها جزء ذاهب من المال , فيتقدر بقدره.
وتنعقد شركة العنان على الوكالة على معنى أن كل واحد منهما يكون وكيل صاحبه في الشراء بالمال الذي عينه , ولهذا يشترط تعيين المال عند العقد أو عند الشراء لأن الوكالة بالشراء لا تصح إلا بمال الموكل وكونها مبنية على الوكالة يمكن كل شريك من التصرف , ويكون الحاصل من التجارة مشتركا بين الشركاء.
ويرى الحنفية وكذلك الشافعية أنه لا يترتب على شركة العنان أثر إلا عند التصرف في رأس المال بالشراء , فإذا عقدت الشركة وكانت الأموال حاضرة ولكن التصرف بالشراء لم يبدأ بعد , فهلك أحد المالين هلك على صاحبه وبطلت بضياعه الشركة وذلك لانعدام محلها وهو المال المشترك.
أما إذا تصرف أحد الشركاء بالمال فإنه يترتب الأثر حينئذ وإذا هلك أي جزء من المال هلك على حساب الشركاء جميعا.
وخلافا لهذا يرى المالكية ومعهم الحنابلة أن رأس المال يصبح مشتركا بمجرد العقد فيدخل في ضمان الشركاء جميعا وإذا هلك منه جزء هلك عليهم كلهم.
الفرق بين شركة المفاوضة وشركة العنان
ويمكن أن نعرض هنا الفرق عموما بين شركتي المفاوضة والعنان كما هو عند الحنفية فيما يلي:
(أ) أن المفاوضة مختلف في جوازها , وشركة العنان مجمع على جوازها.
(ب) تشترط المساواة في قدر المال في المفاوضة , ولا يشترط ذلك في العنان.
(ج) أن المفاوضة لا تكون إلا في عموم التجارات , وأما العنان فلا يشترط فيه ذلك.
(د) أن المفاوضة يشترط فيها المساواة في الربح , وأما العنان فيجوز أن يكون الربح حسب الاتفاق تساويا أو تفاضلا.
(هـ) أن شركة المفاوضة لا بد أن يكون لكل واحد من الشركاء أهلية الكفالة بأن يكون حرا عاقلا , لذلك لا تصح من الصبي المأذون بالتجارة , أما العنان فلا يشترط فيه ذلك وإنما يشترط فيه أهلية الوكالة فقط ولذلك تجوز من الصبي المأذون.
(و) أن شركة المفاوضة تعطي الحق المطلق في التصرف , بينما شركة العنان يكون الشريك فيها مقيدا بإذن الشريك.(1/514)
تقسيم شركة العقد باعتبار العموم والخصوص
تنقسم شركة العقد إلى:
شركة مطلقة وهي التي لم تقيد بشرط جعلي أملته إرادة شريك أو أكثر.
وشركة مقيدة ببعض الأشياء أو الأزمان أو الأمكنة.(1/515)
الشركة المطلقة
الشركة المطلقة هي التي لم تقيد بشرط جعلي أملته إرادة شريك أو أكثر: بأن تقيد بشيء من المتاجر دون شيء , ولا زمان دون زمان , ولا مكان دون مكان , ولا ببعض الأشخاص دون بعض إلخ. . كأن اشترك الشريكان في كل أنواع التجارة وأطلقا فلم يتعرضا لأكثر من هذا الإطلاق بشقيه: الزماني وغيره يكون في شركة العنان.
أما في شركة المفاوضة عند الحنفية فلا بد من الإطلاق في جميع أنواع التجارات كما هو صريح الهداية , وإن كان في البحر الرائق أنها قد تكون مقيدة بنوع من أنواع التجارات والإطلاق الزماني احتمال من احتمالاتها وليس بحتم.
الشركة المقيدة
الشركة المقيدة هي التي قيدت ببعض الأشياء أو الأزمان أو الأمكنة , كأن تقيد بالحبوب أو المنسوجات أو السيارات أو البقالات , أو تقيد بموسم قطن هذا العام , أو ببلاد هذه المحافظة.
والتقييد ببعض المتاجر دون بعض لا يتأتى في شركة المفاوضة عند الحنفية , أما التقييد ببعض الأوقات دون بعض فيكون فيها وفي العنان.
هذا وتنوع الشركة إلى مطلقة ومقيدة , بما فيها المقيدة بالزمان , يوجد في سائر المذاهب الفقهية ومما ينص عليه الشافعية أنه يجوز تقييد تصرف أحد الشريكين , وإطلاق تصرف الآخر.
إلا أنه حكي عن بعض أهل الفقه أنه لا بد أن يعين لكل شريك نطاق تصرفه , ويحتمل كلام بعض المالكية إبطال الشركة بالتأقيت , وإن كان الظاهر عندهم أيضا صحة الشركة مع عدم لزوم الأجل.(1/516)
صيغة العقد
يحتاج انعقاد عقد الشركة كبقية العقود إلى التعبير عن الإرادة , وهو يتم باللفظ والكتابة , والفعل (بذل المال وخلطه) والإشارة , والسكوت في معرض البيان.(1/517)
يحتاج انعقاد عقد الشركة كبقية العقود إلى التعبير عن الإرادة , وهو يتم باللفظ والكتابة , والفعل (بذل المال وخلطه) والإشارة , والسكوت في معرض البيان.
وفي بعض هذه الوسائل خلاف وتفصيل ليس هذا محله , ولكن الراجح في ذلك: هو أن مرجع ذلك إلى العرف , فما عده العرف دليلا على إرادة عقد المشاركة فهو دليل معتبر شرعا جاء في الشرح الكبير مع الدسوقي (ولزمت الشركة بما يدل عليها عرفا) .
ولا مانع شرعا من استعمال الوسائل الحديثة للاتصال كالفاكس والتلكس والتليفون والكمبيوتر ونحوها.
وصيغة العقد يعبر عنها بالإيجاب والقبول:
وعند الحنفية: الإيجاب هو التعبير الصادر أولا الدال على الرضا بالعقد , والقبول هو التعبير الصادر في جواب الإيجاب الدال على الرضا به.
وذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الإيجاب هو التعبير الصادر من المملك كالبائع , والقبول الصادر عن المتملك كالمشترى.(1/518)
جاء في بدائع الصنائع (7 / 3531)
فيقولان اشتركنا فيه على أن نشتري ونبيع معا أو شتى أو أطلقا على أن ما رزق الله عز وجل من ربح فهو بيننا على شرط كذا , أو يقول أحدهما ذلك ويقول الآخر نعم , ولو ذكرا الشراء دون البيع , فإن ذكرا ما يدل على شركة العقود بأن قالا ما اشترينا فهو بيننا أو ما اشترى أحدنا من تجارة فهو بيننا يكون شركة لأنهما لما جعلا ما اشتراه كل واحد بينهما علم انهما أراد به الشركة لا الوكالة.
وكذلك يصح عقد الشركة من غير بيان الجنس أو النوع أو قدر الثمن بأن قال رجل لغيره: ما اشتريت من شيء فبيني وبينك أو قال: فبيننا , وقال الآخر: نعم , فإن أراد بذلك أن يكونا بمعنى شريكي التجارة كان شركة حتى تصح من غير بيان جنس المشتري ونوعه وقدر الثمن , كما إذا نصا على الشراء والبيع.
قال بشر سمعت أبا يوسف يقول في رجل قال لرجل ما اشتريت اليوم من شيء فبيني وبينك نصفين , فقال الرجل نعم , فإن أبا حنيفة رحمه الله قال هذا جائز , وكذلك قال أبو يوسف وكذلك أن وقت مالا , ولم يؤقت يوما , وكذا أن وقت صنفا من الثياب وسمى عددا أو لم يسم ثمنا ولا يوما.
وإن قال ما اشتريت من شيء فهو بيني وبينك ولم يسم شيئا مما ذكرنا , فإن أبا حنيفة رحمه الله قال: لا يجوز , وكذلك قال أبو يوسف لما ذكرنا أنه لما لم يذكر البيع ولا ما يدل على شركة العقود علم أنها وكالة فلا تصح إلا بضرب من التخصيص.
وذكر محمد في الأصل في رجلين اشتركا بغير مال على أن ما اشتريا اليوم فهو بينهما خصا صنفا من الأصناف أو عما ولم يخصا فهو جائز , وكذلك أن لم يوقتا للشركة وقتا كان هذا جائزا لأنهما لما جعلا ما يشتريه كل واحد بينهما دل على أنها شركة وليست بوكالة لأن الوكالة لا تكون من الدائنين عادة وإذا كان شركة فالشركة لا تحتاج إلى التخصيص.
قال: وإن أشهد أحدهما أن ما يشتريه لنفسه بغير محضر من صاحبه فكلما اشتريا شيئا فهو بينهما , لأن الشركة لما صحت كان كل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه فهو بالإشهاد أنه يشترى لنفسه يريد اخراج نفسه من الوكالة بغير محضر من الموكل فلا يملك ذلك.
أما الشركة بالأعمال فكأن يقولا: اشتركنا على أن نعمل فيه على أن ما رزق الله عز وجل من أجرة فهي بيننا على شرط كذا.
وأما الشركة بالوجوه فكأن يقولا: اشتركنا على أن نشتري بالنسيئة ونبيع بالنقد على أن ما رزق الله سبحانه وتعالى من ربح فهو بيننا على شرط كذا.
وجاء في فتح العزيز للرافعي الشافعي (10 / 405)
الصيغة وهي تدل على الإذن في التصرف , والأظهر أنه يكفي قولهما: اشتركنا إذا كان يفهم المقصود منه عرفا.(1/519)
العاقدين
اتفق الفقهاء على أن شروط أهلية عاقد الشركة هي أن يملك أهلية التوكيل والتوكل لأن كلا منهما وكيل عن الآخر.
وزاد الحنفية في شركة المفاوضة والحنابلة في شركة الوجوه أن يكون للشركاء أهلية الكفالة.
واتفق الفقهاء على جواز مشاركة المسلم للكافر ما عدا شركة المفاوضة عند الحنفية فقد اختلفوا في اشتراط التساوي في الدين فيها , فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى عدم جواز مشاركة المسلم للكافر في المفاوضة لعدم التساوي في الدين , وقال أبو يوسف بجواز ذلك مع الكراهية للتساوي بينهما في الوكالة والكفالة.
ويشترط أن يكون الشركاء اثنين فأكثر , وليس هناك حصر لعدد الشركاء مهما بلغوا أما الرجل الواحد فلا يكون شركة في الفقه الإسلامي لأن رأس ماله خاص به دون غيره فلا يشاركه فيه أحد.(1/520)
أهلية العاقد
لكي يمكن للشخص أن يباشر عقد الشركة بدون حاجة إلى إذن الولي , يجب أن تتوافر له أهلية الأداء الكاملة , وهي صلاحية الشخص لصدور التصرفات منه على وجه يعتد به شرعا.
وقد اتفق الفقهاء على أن طرفي عقد الشركة لا بد أن يتوافر فيهما أهلية التوكل والتوكيل لأن كل منهما وكيل عن الآخر غير أن الحنفية فرقوا بين شركة المفاوضة وغيرها , وقالوا: أن شركة المفاوضة تنعقد على الوكالة والكفالة , أما الوكالة فلتحقيق المقصود في الشركة , إذ لا يتحقق إلا إذا كان كل واحد منهما وكيلا عن الآخر , لأن مقتضى عقد الشركة في الأموال والمشاركة , وأن يعمل الطرفان , أو الأطراف , وأما الكفالة فلتحقيق المساواة فيما هو من مواجب التجارات وهو توجيه المطالبة نحوهما جميعا.
وجاء في الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (3 / 348) : (وإنما تصح الشركة من أهل التوكيل والتوكل , أي ممن فيه أهلية لهما بأن يوكل غيره , ويتوكل لغيره وهو الحر البالغ الرشيد) .
التساوي في الدين
وقد اشترط أبو حنيفة ومحمد التساوي في الدين في شركة المفاوضة فلم يجيزوا مشاركة المسلم لغير المسلمين , ولكنهم أجازوا مشاركة الذمي للذمي حتى ولو كان أحدهما يهوديا أو نصرانيا , والآخر مجوسيا , لتحقق التساوي , لكن أبا يوسف أجازها بين المسلم والكافر , للتساوي بينهما في الوكالة والكفالة حيث أن الكافر أهل لهما.
وجمهور الفقهاء المجيزون لمشاركة المسلم للكافر ذهبوا إلى كراهة ذلك خوفا من أن يتصرف الذمي في المال تصرفات غير مشروعة إلا إذا كان المسلم هو الذي يتولى البيع والشراء فقط أو أن يكون ذلك بحضوره وحينئذ تكون جائزة بدون كراهة , وهذا رأي المالكية والحنابلة.
وكره الشافعية ذلك مطلقا لأن أموالهم ليست طيبه , فإنهم يبيعون الخمر ويتعاملون بالربا.
ويستدل بعدة أحاديث تدل على جواز مشاركة المسلم للذمي , منها حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عامل أهل خيبر وهم يهود بشطر ما يخرج منها على أن يعملوها بأموالهم وأنفسهم وهذا الحديث متفق عليه , والمعاملة المذكورة فيه هي شركة في الثمن والزرع والغرس.
تعدد الشركاء
لا يمكن في الشريعة الإسلامية أن تكون الشركة بدون أن يتعدد الشركاء , والفقهاء جميعا متفقون على أن الشركة لا تصح من جانب واحد , فلا بد من اشتراك اثنين أو أكثر لأن الإيجاب والقبول وهما التعبير عن الرضا لا يتمان إلا من طرفين تتوافق إرادتهما على عقد الشركة.
وقد يظن أن من البديهي أن يكون تعدد الشركاء ركنا لا بد منه في الشركة فلا حاجة للنص عليه.
والواقع أن بعض القوانين الوضعية كالقانون الألماني والإنجليزي تجيز أن تكون الشركة من طرف واحد , أي تقوم على شخص واحد يخصص جزءا من ماله ليكون رأس مال الشركة ويكون هو الشريك الوحيد والمسئول الوحيد عنها وتتعلق حقوق الدائنين بها , ويتفادى بذلك أن تتعلق حقوقهم بأمواله الأخرى , ويطلق على هذا النوع اسم شركة الرجل الواحد.
والإسلام لا يعتبر هذه شركة لأنه لا يتحقق فيها معنى الشركة , وعلى ذلك جرى القانون الفرنسي وهو المصدر الرئيسي للتقنينات الغربية الوضعية.(1/521)
المعقود عليه
محل الشركة في الفقه الإسلامي يتكون مما يقدمه الشريكان من حصة نقدية أو عينية (عند من يجيز ذلك) في رأس المال وهي شركة الأموال , أو مما يلتزم به من عمل في شركة الأعمال , أو من الضمان (أو الضمان والعمل) في شركة الوجوه.(1/522)
تنقسم الشركة باعتبار محلها إلى ثلاثة أقسام: شركة أموال , وشركة أعمال , وشركة وجوه.
فإذا ساهم كل شريك بحصة نقدية أو عينية عند من أجاز ذلك كانت الشركة: شركة أموال.
وإذا كانت الحصة عملا بحيث يلتزم كل شريك بعمل يؤديه للشركة فتصيب منه نفعا ماديا , فهي شركة أعمال. وتسمى شركة الأبدان أو الصنائع أو شركة تقبل لأن التقبل قد يكون ممن لا يقدر على القيام بأي عمل للغير سوى التقبل نفسه , ومع ذلك تحصل به هذه الشركة , لأنه ملتزم لشريكه القادر , فهما شريكان بالتقبل.
وأما إذا كان ما تقوم الشركة عليه هو الثقة والضمان وليس للشريكين فيها مال , بل لهما وجاهة عند الناس ومنزلة تصلح للاستغلال على أن يشتريا بالنسيئة , ويبيعا بالنقد بوجوههما , فهي شركة وجوه , وتسمى كذلك شركة المفاليس لغلبة وقوعها بين المعدمين (ولعدم رأس المال فيها) .
ويرى بعض المعاصرين أن الضمان وحده ليس محلا لشركة الوجوه , إذ يرى الدكتور على القره داغي أنه من خلال التعمق في واقع شركة الوجوه فإن الضمان تصحبه عملية التجارة من البيع والشراء , ولذلك فهو يرى أن محل شركة الوجوه هو العمل مع الضمان وليس الضمان وحده , إذ الربح فيها لا يجوز أن يكون إلا بقدر الملك في المشترى.
ويذكر هنا ما جاء في كتاب الهداية مع فتح القدير: (فإن شرطا أن المشتري بينهما نصفان والربح كذلك يجوز , ولا يجوز أن يتفاضلا فيه , وان شرطا أن يكون المشترى بينهما أثلاثا فالربح كذلك. . واستحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان والضمان على قدر الملك في المشترى) .(1/523)
أن يكون رأس المال من الأثمان
يتفق جمهور الفقهاء على جواز شركة الأموال مفاوضة كانت أو عنانا إذا كان رأس المال من الأثمان أي نقدا رائجا , وكان عينا حاضرة لا مالا غائبا أو دينا يحتاج إلى تحصيل ,
وأجاز الشافعية أن يكون رأس المال من المثليات أيضا ,
بينما أجاز المالكية شركة الأموال بكل العروض سواء كانت مثلية أو قيمية على أن تجعل قيمتها المتفق عليها يوم العقد رأس مال الشركة.(1/524)
اتفق الفقهاء قاطبة على صلاحية النقدين (الدنانير الذهبية والدراهم الفضية) لأن يكونا معقودا عليها في الشركات.
يقول ابن قدامة في المغني: (لا خلاف في أنه يجوز جعل رأس المال الدراهم والدنانير فإنها قيم الأموال وأثمان البياعات , والناس يشتركون بها من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمننا من غير نكير) .
ويدخل في النقود النقود الورقية الحديثة كالريال والجنيه والدولار وغيرها لأنها أثمان عرفا وعملا وتطبيقا , والقاعدة العامة عند معظم الفقهاء هي أن ما تعامل به الناس فحكمه حكم الأثمان المطلقة تجوز الشركة فيه.
قول الحنفية وظاهر مذهب الحنابلة
ولا تصح الشركة برأس مال من العروض - مثلية أو قيمية - عند الحنفية وظاهر مذهب الحنابلة لأن قيمة العروض غير ثابتة وهي عرضة للزيادة والنقصان وذلك مما يؤدي إلى جهالة ربح كل شريك جهالة من شأنها أن تؤدى إلى نزاع , إذ أن تعرف مقدار الربح حينئذ متوقف على معرفة القيمة عند العقد وبعده , ولا تعرف حينئذ إلا بالحزر والظن وذلك مما يختلف باختلاف التقويم , وقد يكون التقويم محل نزاع فيؤدي إلى نزاع في الربح ومقداره وذلك مفسد للشركة.
قول الشافعية
أما جماهير الشافعية , فإنهم فرقوا بين المثليات وهي المكيالات والموزونات كالبر والشعير , وبين القيميات التي تختلف آحادها من حيث القيمة كالحيوان , فقد منعوا انعقاد الشركة في القيميات وأجازوها في المثليات بعد الخلط مع اتحاد الجنس , لأن الخلط بغير الجنس كخلط القمح بالشعير والزيت بالسمن يخرج المثلي عن مثليته وهذا يؤدي إلى جهالة الأصل والربح والمنازعة عند القسمة لمكان الحاجة تقويمه إذ ذاك لمعرفة مقداره , والتقويم حزر وتخمين ويختلف باختلاف المقومين بخلاف المثلي فإنه يحصل مثله.
قول المالكية ومذهب أحمد في رواية
وخلافا لبقية الفقهاء , فإنه يجوز الاشتراك بكل العروض سواء كانت مثلية أو قيمية , وسواء كان العروض من الطرفين , أو كان العرض من طرف والعين من طرف آخر , وسواء اختلفا جنسا أو اتفقا , ولكن العروض تقيم بقيمتها يوم العقد وتجعل قيمتها المتفق عليها حصة في رأس مال الشركة يعلم بموجبها حصة الأرباح أو الخسائر , وهذا مذهب المالكية والأوزاعي وابن أبي ليلى ومذهب أحمد في رواية.
وبهذا القول الأخير , فإن العروض لا بد أن تقوم عند انعقاد الشركة عليها , وبالتالي لا يحدث ربح ما لم يضمن , ولا الجهالة , ولا الوكالة في العروض , لأنها تحولت من خلال تقييمها إلى الأثمان.
كيفية تصحيح الشركة في العروض عند المانعين
وقد التجأ المانعون إلى حيلة تؤدي نفس الغرض , حيث أجاز الحنفية والشافعية الشركة في العروض عن طريق الحيلة , قال الكاساني في البدائع (7 / 3538) : (والحيلة في جواز الشركة في العروض وكل ما يتعين بالتعيين: أن يبيع كل واحد منهما نصف ما له بنصف مال صاحبه حتى يصير مال كل واحد منهما نصفين , وتحصل شركة ملك بينهما , ثم يعقدان بعد ذلك عقد الشركة فتجوز بلا خلاف , ولو كان من أحدهما دراهم ومن الآخر عروض فالحيلة في جوازه أن يبيع صاحب العروض نصف عرضه بنصف دراهم صاحبه , ويتقابضا , ويخلط جميعا حتى تصير الدراهم بينهما والعروض بينهما ثم يعقدان عليهما عقد الشركة فيجوز) .
وجاء في المهذب (1 / 345) : (وإن لم يكن لهما غير العروض وأرادا الشركة باع كل واحد منهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر فيصير الجميع مشتركا بينهما ويشتركان في ربحه) .(1/525)
جاء في المدونة (5 / 65 - 66)
وإن كان من عند أحدهما دنانير ومن عند الآخر عروض وقيمتها سواء , أو قيمتهما مختلفة فذلك جائز أيضا في قول مالك. . إذا اشترط العمل عليها على قدر رءوس أموالهما , والربح على قدر رءوس أموالهما والوضيعة على قدر رءوس أموالهما.
وجاء في الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (3 / 349)
وتصح الشركة بالذهب والفضة من الشريكين. . وبعرضين من جانب , وبعرض من آخر , وبعرضين: من كل واحد عرض مطلقا: اتفقا جنسا , أو اختلفا , ودخل فيه ما إذا كان أحدهما عرضا والآخر طعاما , واعتبر كل من العرض الواقع في الشركة من جانب أو من جانبين بالقيمة , فالشركة في الأولى بالعين وقيمة العرض , وفي الثانية بقيمة العرضين , فإذا كان قيمة كل عشرة فالشركة بالنصف وهكذا وتعتبر القيمة يوم عقد الشركة وإن لم يحضر العرض بالفعل , وهذا فيما يدخل في ضمان المشتري بالعقد في البيع وهو ما ليس فيه حق توفية , ولا مواضعة , ولا خيار , ولا غائب , وأما ما لا يدخل في ضمانه بالعقد كذي التوفية - وهو ما يكال , أو يعد أو يوزن من غير العين - والغائب غيبة قريبة فتعتبر قيمته يوم دخوله في ضمانه في البيع , وإنما قلنا في البيع , لا في الشركة لأن الضمان فيها إنما يكون بالخلط.
جاء في المغني لابن قدامة (5 / 17)
وعن أحمد رواية أخرى: أن الشركة والمضاربة تجوز بالعروض , وتجعل قيمتها وقت العقد رأس مال , قال أحمد إذا اشتركنا في العروض يقسم الربح على ما اشتركا , وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضاربة بالمتاع؟ قال: جائز , فظاهر هذا صحة الشركة بها , اختار هذا أبو بكر وأبو الخطاب وهو قول مالك وابن أبي ليلى وبه قال في المضاربة طاوس والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان.
وجاء في فتح القدير (6 / 167 171)
ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم , والدنانير , والفلوس النافقة. . , ولا تجوز بما سوى ذلك إلا أن يتعامل الناس بالتبر والنقر فتصح الشركة بهما.
وجاء في المغني (5 / 16)
فأما العروض فلا تجوز الشركة فيها في ظاهر المذهب نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وحرب وحكاه ابن المنذر وكره ذلك ابن سيرين ويحيى بن أبي كثير والثوري. . وإسحاق وأبو ثور.
وجاء في المهذب (1 / 345)
فأما ما سواهما أي الدراهم والدنانير من العروض فضربان: ضرب لا مثل له , وضرب له مثل , فأما ما لا مثل له كالحيوان والثياب فلا يجوز عقد الشركة عليها. , وأما ما له مثل كالحبوب والأدهان ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز عقد الشركة عليه , وعليه ينص البويطي والثاني يجوز وهو قول أبي إسحاق.(1/526)
أن يكون رأس المال عينا حاضرا لا دينا
يشترط جمهور الفقهاء أن يكون رأس مال الشركة عينا حاضرة لا دينا ولا مالا غائبا ,
ولا يشترط الحنفية والمالكية حضور رأس المال وقت العقد بل الشرط وجوده وقت الشراء فقط.(1/527)
يشترط جمهور الفقهاء أن يكون رأس مال الشركة عينا حاضرة لا دينا ولا مالا غائبا.
فلا يصح عقد الشركة بمال غائب حاضر ولا برأس مال هو دين يحتاج للتحصيل لأن المقصود من الشركة الربح , وذلك بواسطة التصرف , والتصرف لا يمكن في المال الغائب أو في الدين , فلا يتحقق المقصود من الشركة , ولأن المدين ربما لا يدفع الدين كما قد لا يحضر المال الغائب.
هذا ولا يشترط الحنفية والمالكية حضور رأس المال وقت العقد بل الشرط وجوده وقت الشراء , وعلى هذا لو دفع رجل لآخر ألفا على أن يضم إليها مثلها ويتجر ويكون الربح بينهما فإن مثل هذا العقد يكون صحيحا إذا فعل الآخر ذلك , فالمهم هو حضور المال عند الشراء ولا يشترط عند العقد لأن الشركة تتم بالشراء , فيطلب الحضور عندئذ , كما أنه لا يجب لانعقاد الشركة وتمامها أن يخلى كل شريك بين ماله وصاحبه إذ أن ذلك ليس بشرط لصحة تصرفه ونفاذه.
أما الحنابلة فيشترط عندهم حضوره من جميع الشركاء عند العقد على الصحيح من مذهبهم ويرون أن حضور المالين عند العقد هو الذي يقرر معنى الشركة , إذ يتيح الشروع في تصريف أعمالها على الفور , ولا يتراخى بمقصودها , لكنهم يقولون إذا عقدت الشركة بمال غائب أو دين في الذمة وأحضر المال وشرع الشريكين في التصرف فيه تصرف الشركاء , فإن الشركة تنعقد بهذا التصرف نفسه.(1/528)
خلط رأس مال الشركة
اشترط الشافعية خلط حصص الشركاء في رأس المال خلطا لا يتميز به مال أحدهم عن الآخر خلافا لما ذهب إليه جمهور الفقهاء ,
ويرى المالكية أن اختلاط أموال الشركاء هو شرط في الضمان فقط وهو قد يكون حقيقيا بأن تضم الحصص بعضها إلى بعض أو يكون حكما بأن يكتفي بتخصيصه ووضعه في خزانة أو حساب أو في يد أمين يختارانه أو بيد من توكل إليه الإدارة.(1/529)
بحث الفقهاء مسألة خلط رأس مال الشركة , وهي مسألة لم يتعرض لها القانون الوضعي لأنه يعتبر الشركة بمجرد انعقادها شخصا معنويا منفصلا عن الشركاء , فتنتقل ملكية جميع رأس المال المشارك به إلى الشركة , وتتعلق شركتهم بحصصهم فيها , فلا مجال لخلط الأموال بعضها ببعض , أما الفقهاء فإنهم اختلفوا في هذه المسألة.
رأي الشافعية في الخلط
ذهب الشافعية إلى أن شركة الأموال لا تصح إلا بخلط حصص الشركاء في رأس المال خلطا لا يتميز به مال أحدهم عن الآخر.
ويجب أن يتم ذلك الخلط قبل التصرف حتى يكون الربح ربح مال مشترك بين الشركاء , ذلك لأن كل مال ملك لصاحبه قبل خلطه وذلك يستلزم أن يكون ربحه له خاصة لأنه يكون نماء مال لا شركة فيه.
ولا يكفى عندهم الخلط مع إمكان التمييز لنحو اختلاف جنس كدراهم ودنانير أو حنطة عتيقة وحنطة جديدة ولهذا لم تصح عندهم الشركة في المتقومات لأنه لا يمكن خلط أعيانها.
رأي الحنابلة والحنفية
لم يشترط الحنابلة وكذلك الحنفية خلط المالين في شركة الأموال لصحة الشركة إذا تعين المال وأحضر لأن عقد الشركة عقد يقصد به الربح فلا يشترط فيه خلط المال ثم أنه عقد على التصرف فلا يشترط فيه الخلط كذلك , ولذا كان هلاك أحد المالين في ضمان الشركاء سواء أكان ذلك قبل التصرف أم بعده.
رأي المالكية
يرى المالكية أن الخلط ليس شرطا لصحة العقد , فالعقد ينشأ صحيحا بمجرد القول , وإنما هو شرط في الضمان بمعنى أن رأس المال يضمنه الشركاء جميعا لو هلك بعد الخلط , أما ما يهلك قبل الخلط فإنه يهلك على صاحبه خاصة.
هذا وشرط الخلط عند المالكية خاص بالمثليات أما العروض القيمية فلا يتوقف ضمانها على خلطها , كما أن الخلط ليس حتما أن يكون حقيقيا بحيث لا يتميز المالان بل يكفي الخلط الحكمي بأن يجعل المالان في حوز شخص واحد أو في حوز الشريكين معا كأن يوضع المالان منفصلين في دكان وبيد واحد من الشريكين مفتاح له أو يوضع كل مال في حافظة على حدة وتسلم الحافظتان إلى أحد الشريكين أو إلى صراف محلهما أو أي أمين يختارانه.(1/530)
التساوي في حصص رأس المال
لا يشترط تساوي الحصص المقدمة لرأس المال في شركة العنان ويشترط ذلك في شركة المفاوضة عند الحنفية.(1/531)
تشترط المساواة في الحصص المقدمة لرأس المال في شركة المفاوضة , ولا يشترط ذلك في شركة العنان التي يجوز فيها تساوي أو تفاضل الشركاء في رأس مال.
ولا بد من قيام هذا الشرط عند الحنفية ما دامت الشركة في رأس المال قائمة في المفاوضة , فإذا ملك أحد الشريكين وقبض بعد العقد ارث أو صدقة أو غيره مما تصح فيه الشركة (وهو الأثمان) فإن المفاوضة تبطل وتنقلب عنانا لفوات المساواة.
أما إذا ملك ما لا تصح فيه الشركة كالعروض عقارية أو غيرها فإن هذا لا ينافي المساواة فيما يصلح رأس مال للشركة , فلا ينافي استمرار المفاوضة.
ويجب في شركة المفاوضة أن يشمل رأس المال كل ما يصلح له من مال الشريكين , فإذا كان لأحد الشريكين شيء آثر بقاءه خارج رأس المال , ولو لم يكن بيده مثل أن تكون وديعة عند غيره , فالشركة تكون عنانا لا مفاوضة لعدم صدق اسمها إذ ذاك. فيشترط إذن التساوي في الأموال النقدية الخاصة بالشريكين في شركة المفاوضة وهو ما لا يشترط في شركة العنان.(1/532)
حق الاشتراك في العمل
الأصل أن يقدم الشركاء عملا إلى جانب ما يقدمونه من مال كما في شركة الأموال , أو يقدمون عملا من الجانبين كما في شركة الأعمال وشركة الوجوه.
فاذا ما تضمنت شركة العقد شرطا يقضي بمنع أحد الشريكين عن التصرف فإن العقد يكون غير صحيح عند جمهور الفقهاء , ولكن لا يلزم أن يباشر كل منهما العمل بنفسه فعلا , بل يجوز أن يتولاه أحدهما بتفويض من الآخر لأن الحق في التصرف لكليهما ويجوز لصاحب الحق أن يتنازل عنه لغيره متى تراضيا على ذلك ووجدا فيه مصلحة لهما.(1/533)
الأصل أن يقدم الشركاء عملا إلى جانب ما يقدمونه من مال كما في شركة الأموال أو يقدمون عملا من جانبين في البضائع التي يشترونها من التجار استدانة بوجاهتهما كما في شركة الوجوه , أو يقدمون عملا من الجانبين كما في شركة الأعمال.
فإدارة الشركة في الفقه الإسلامي حق لكل الشركاء لأن الشركة عند الفقهاء تتضمن الوكالة وذلك ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركا بينهم , ويكون تصرف كل واحد منهم أصالة عن نفسه ووكالة عن الآخرين.
واتفق الفقهاء لذلك على أنه يشترط في عاقد الشركة أن يكون أهلا للتوكيل والتوكل إذا كان كل منهما متصرفا في الشركة , أما إذا كان المتصرف أحدهما فيشترط فيه أهلية التوكل وفي الآخر أهلية التوكيل , ونرى أن المالكية والشافعية اشترطوا أن يرافق صيغة العقد ما يدل على التوكيل كالإذن في التصرف ونحو ذلك.
حق الاشتراك في العمل في شركة الأموال
وعلى هذا الأساس , لا يجوز اشتراط منع أحد الشريكين عن التصرف: فلا بد في شركة الأموال أن يكون لكل شريك الحق في التصرف في المال بالبيع والشراء وكل ما فيه مصلحة الشركة ومن عادة التجار , كما يجب في شركة الأعمال أن يكون التقبل حقا لكل شريك.
حق الاشتراك في العمل في شركة الوجوه
يشترط أيضا في شركة الوجوه أن يكون العمل حقا لكل من الشريكين , فالعمل عنصر أساسي في هذه الشركة ويعتبر كل شريك وكيلا عن صاحبه , ولذلك فإن شركة الوجوه تختلف عن الاشتراك بالثقة المالية أو النفوذ السياسي , فهذا ممنوع في الشريعة الإسلامية لأن الائتمان وحده لا يجوز أن يكون حصة في الشركة.
ففي شركة الوجوه لا يكتفى بوجاهة الشركاء بل لا بد من العمل في البضاعة المشتراة بوجاهتهم جميعا أو بوجاهة أحدهم ويعتبر كل شريك وكيلا عن صاحبه , وهم ملتزمون جميعا بضمان ثمن ما سيشترونه بالدين (وضمانهم الثمن يكون بنسبة حصص متفق عليها عند العقد فيما يشترونه معا أو كل على انفراد) .
حق الاشتراك في العمل في شركة الأعمال
الأصل في شركة الأعمال أن تقوم على أساس اشتراك الطرفين في العمل.
المقصود بحق اشتراك الطرفين في العمل
المقصود بحق اشتراك الشركاء في العمل ليس أنه يلزم أن يباشر كل منهما العمل بنفسه فعلا , بل يجوز أن يتولاه أحدهما بتفويض من الآخر لأن الحق في التصرف لكليهما ويجوز لصاحب الحق أن يتنازل عنه لغيره متى تراضيا على ذلك ووجدا فيه مصلحة لهما.
فإذا ما تضمنت شركة العقد شرطا يقضي بمنع أحد الشريكين عن التصرف فإن العقد يكون غير صحيح عند جمهور الفقهاء لأنه لا يصح أن يشترط على الشخص عدم التصرف في مال نفسه لما في ذلك من الحجر على المالك في ملكه كما هو الحال في شركة الأموال , وكذلك في شركة الأعمال يقول السرخسي في المبسوط: (لو قال صاحب الدكان أنا أتقبل , ولا تتقبل أنت , وأطرح عليك تعمل بالنصف , لا يجوز) لأن التقبل حق لكل منهما.
فيجوز عند جمهور الفقهاء اتفاق الشريكين في شركة الأموال على أن يكون العمل من جانب أكثر من الجانب الآخر لحذقه ومهارته , كما يجوز تفويض العمل بالكامل لأحدهما.
ويقول ابن عابدين في معرض حديثه عن حق التقبل لكل شريك في شركة الأعمال: (الشرط عدم نفي التقبل عن أحدهما , لا التنصيص على تقبل كل منهما ولا على عملهما لأنه إذا اشتركا على أن يتقبل أحدهما ويعمل الآخر بلا نفي كان لكل منهما التقبل والعمل لتضمن الشركة الوكالة) .
ويقول الإمام السرخسي أن: (العمل صحيح ممن يحسن مباشرة ذلك وممن لا يحسن لأنه لا يتعين على المتقبل إقامة العمل بيده بل له أن يقيمه بأعوانه وأجرائه) .
كذلك لا يشترط في شركة الأعمال أن يعمل كل من الشريكين , فلو مرض أحدهما مرضا لا يقعده عن العمل كثيرا أو سافر كان الأجر بينهما , بل إن الحنابلة ذهبوا إلى عدم اشتراط معرفة الصنعة لواحد من الشركاء , فلو اشترك شخصان لا يعرفان الخياطة في تقبلها ثم يدفعان ما يتقبلانه لمن يعمله وما بقى لهما من الأجرة صح ذلك.
وقد خالف المالكية في هذا فأوجبوا اجتماع الشريكين في العمل وتكافؤهما فيه على قدر رءوس أموالهما. فيشترط في شركة الأموال أن يكون عمل كل واحد من الشريكين بقدر ماله , فإن كان له النصف في رأس المال فعليه النصف في العمل , أو كان له الثلثان فعليه الثلثان.
ولكن يجوز عندهم بعد تمام العقد أن يتبرع الشريك بشيء من العمل أو بالعمل كله.
وكذلك يشترط المالكية في شركة الأعمال خلافا للحنفية والحنابلة:
(أ) اتحاد الصنعة كاشتراك خياطين , أو تلازم الصنعتين أي توقف صنعة أحدهما على الآخر , كأن يشتركا نساج وغزال , أو طباع ومصفف , لأن عمل النساج يتوقف على عمل الغزال , وعمل الطباع يتوقف على مصفف الحروف , فإن اختلفت الصنعة كأن يشترك خياط وحداد , فلا تجوز الشركة.
(ب) اتحاد المكان كأن يكونان في دكان واحدة , فإذا اختلف المكان لم تجز الشركة , وقد ذكر ذلك في المدونة , وجاء في غير المدونة عند المالكية عدم اتحاد مكان العمل.
(ج) حصول التعاون كأن يشترك اثنان في صيد اللؤلؤ هذا يمسك بالحبل والثاني يغوص في البحر.(1/534)
حدود تصرفات الشركاء
الشركة تقوم على الوكالة , فكل شريك وكيل عن صاحبه في إدارة الشركة , ويتقيد تصرف كل شريك بشروط العقد , والعرف التجاري , وفي كل ذلك هو مقيد في تصرفاته بما يبيحه الشرع الإسلامي , فلو تصرف تصرفا ممنوعا كان تصرفه باطلا ويتحمل مسئولية تصرفه وإثمه.(1/535)
الشركة تقوم على الوكالة , فكل شريك وكيل عن صاحبه في إدارة الشركة.
والأصل في التصرف أن يكون لكل من الشريكين أن يبيع ويشترى مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة , وكيف يرى المصلحة لأن هذا عادة التجار.
ولكن لو تشارطا في عقد الشركة على أن يبيعا نقدا لا نسيئة , أو نسيئة لا نقدا , أو في شركة العنان أن يبيع أحدهما نقدا والآخر نسيئة كانا على شرطهما بل لو تراضيا على مثل هذه القيود بعد العقد وجب الالتزام بذلك , وكذلك لو نهى أحدهما شريكه في شركة العنان أن يبيع على نحو معين يمتنع عليه أن يفعل ما نهى عنه حتى لو أنه خالف لكان ضامنا حصة شريكه.
فتصرف الشريك يتقيد بشروط العقد , والعرف التجاري , وفي كل ذلك هو مقيد في تصرفاته بما يبيحه الشرع الإسلامي , فلو تصرف تصرفا ممنوعا كان تصرفه باطلا ويتحمل مسئولية تصرفه وإثمه.
توكيل الشريك الغير في بعض التصرفات
ذهب الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة إلى أن لكل من الشريكين أن يوكل في البيع والشراء وسائر التصرفات: كاستئجار أجير أو دابة أو عربة أو صانع لشيء من تجارتهما , وكالإنفاق في مصالح الشركة.
على أنه يجوز للشريك الآخر أن يعزل الوكيل الذي وكله شريكه متى ما شاء , شأن وكيل الوكيل.
وذهب الشافعية وأكثر الحنابلة إلى أنه ليس للشريك حق التوكيل بدون إذن شريكه , لأنه إنما ارتضى تصرفه هو. وقاعدتهم: (أن من لا يعمل إلا بإذن لا يوكل إلا بإذن) .
كما ذهب الفقهاء إلى أنه لكل من الشريكين أن يستأجر من يعمل للشركة: سواء في إصلاح مالها كعلاج دوابها , وتركيب آلاتها أم في حراسته وحفظه , أم في الاتجار به , أم في غير ذلك , ويمضى ذلك على شريكه , لأن عادة التجار قد جرت بالاستئجار في كل ما يعود نفعه على تجارتهم.
دفع الشريك مال الشركة في مضاربة
ذهب الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة إلى أن لكل من الشريكين أن يدفع مال الشركة إلى أجنبي مضاربة , لأن المضاربة أضعف من الشركة , والأقوى يستتبع الأضعف.
وإنما كانت المضاربة أضعف. لأن الخسارة فيها يختص بها رب المال , وهي في الشركة على الشريكين بقدر المالين , وفي المضاربة الفاسدة ليس للمضارب شيء من الربح , أما في الشركة الفاسدة فالربح بين الشريكين بقدر ماليهما , ثم مقتضى الشركة الاشتراك في الأصل والربح , ومقتضى المضاربة الاشتراك في الربح دون الأصل.
إلا أن المالكية يزيدون لجواز المضاربة قيد اتساع المال.
وذهب الشافعية والحنابلة الذين لا يجيزون للشريك التوكيل والاستئجار للتجارة بدون إذن شريكه إلى منعه من دفع مال الشركة إلى أجنبي مضاربة.
إيداع الشريك مال الشركة عند الغير
ذهب الحنفية إلى أن لكل من الشريكين أن يودع مال الشركة , لأن له أن يتركه في عهدة حارس يستأجره لحفظه , فلأن يكون له ذلك بدون أجر أجدر وأولي. على أن الإيداع من مصالح التجارة , إذ تتقى به السرقات , وأخطار الطريق وغير الطريق.
أما غير الحنفية , فلا يرون للشريك أن يودع إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة به , إذ المال قد يضيع بالإيداع. حتى لو أنه أودع من غير حاجة , فضاع المال ضمنه.
سفر الشريك بمال الشركة
ذهب أبو حنيفة ومحمد والحنابلة إلى أن لكل من الشريكين أن يسافر بمال الشركة دون إذن شريكه إذا أمن الطريق لأن المفروض أن الشركة أطلقت , ولم تقيد بمكان. فالإذن بالتصرف الصادر في ضمنها لكل شريك هو على هذا الإطلاق , إذ لا يخرج المطلق عن إطلاقه إلا بدليل , ولا دليل , ويستوي بعد ذلك أن يكون السفر قريب الشقة أو بعيدها , وأن يكون المال خفيف المحمل أو ثقيله على خلاف في كل من هذا وذاك.
وذهب الشافعية وأبو يوسف إلى أنه ليس للشريك أن يسافر بمال الشركة إلا بإذن صريح أو عرفي أو ضرورة. ومن الإذن العرفي: ما لو عقدت الشركة على ظهر سفينة , ثم استمرت الرحلة إلى المقصد. ومن الضرورة: جلاء أهل البلد عنه لكارثة , أو فرارا من زحف العدو القاهر.
فإذا خالف الشريك , فسافر سفرا غير مسموح به , كان عليه ضمان حصة شريكه , لو ضاع المال. لكنه لو باع شيئا مضى بيعه دون أي تناف بين هذا , وبين ثبوت ضمانه. وكذا المالكية في شركة العنان , أما شريك المفاوضة فليس مقيدا إلا برعاية المصلحة.
تبرع الشريك بمال الشركة
ليس لأحد الشريكين إتلاف مال الشركة أو التبرع به: لأن المقصود بالشركة التوصل إلى الربح. فما لم يكن ثمة إذن صريح من الشريك الآخر , لا يملك أحد الشريكين أن يهب , أو يقرض من مال الشركة , قليلا أو كثيرا إذ الهبة محض تبرع , والإقراض تبرع ابتداء , لأنه إعطاء المال دون تنجز عوض في الحال.
فإذا فعل فلا جواز لفعله على شريكه إلا بإذن صريح , وإنما ينفذ في حصة نفسه لا غير.(1/536)
تناسب الربح مع حصة المساهمة
ذهب المالكية والشافعية وزفر إلى أنه يقسم الربح والخسران على قدر المالين , سواء تساويا في العمل , أو تفاوتا فيه لأن استحقاق الربح لا يكون عندهم إلا بالمال فقط فلا يجوز اتفاق الشريكين على غير ذلك.
ويجوز عند الحنفية والحنابلة أن يتساوى المالان ويتفاضل الشريكان في الربح , أو أن يتفاضل المالان ويتساوى الربحان وذلك على أساس النظر إلى شرط العمل , ذلك أن استحقاق الربح يكون عندهم بواحد من الأمور الثلاثة: المال , والعمل , والضمان.(1/537)
القول باشتراط تناسب الربح على قدر المالين
ذهب المالكية والشافعية وزفر إلى أنه يقسم الربح والخسارة على قدر المالين , سواء تساويا في العمل , أو تفاوتا فيه لأن استحقاق الربح لا يكون عندهم إلا بالمال فقط.
فإن شرط المتعاقدين خلاف ذلك بأن شرطا التساوي في الربح والخسارة مع التفاضل في المالين , أو التفاضل في الربح والخسارة مع التساوي في المالين , أو لو شرطا زيادة للأكثر منهما عملا:
ذهب المالكية إلى أن الشرط في هذه الحالة غير صحيح وتفسد الشركة.
ذهب الشافعية إلى عدم صحة العقد , لأنه شرط ينافي مقتضى الشركة فلم يصح , كما لو شرط الربح لأحدهما , فإن تصرفا مع هذا الشرط صح التصرف , لأن الشرط لا يسقط الإذن فنفذ التصرف فإن ربحا أو خسرا جعل بينهما على قدر المالين ويرجع كل واحد منهما بأجرة عمله في نصيب شريكه.
القول بجواز اختلاف الربح عن حصص رأس المال
أجاز الحنفية والحنابلة زيادة أرباح بعض الشركاء على رءوس أموالهم , ذلك أن استحقاق الربح يكون عندهم بواحد من الأمور الثلاثة: المال , والعمل , والضمان:
فهو يستحق بالمال لأنه نماؤه فيكون لمالكه.
وهو يستحق بالعمل حين يكون العمل سببه: كنصيب المضارب في ربح المضاربة اعتبارا بالإجارة.
ويستحق بالضمان كما في شركة الوجوه لقوله صلوات الله وسلامه عليه: (الخراج بالضمان) أو (الغلة بالضمان) أي من ضمن شيئا فله غلته. ولذا ساغ للشخص أن يتقبل العمل من الأعمال كخياط ثوب ويتعهد بإنجازه لقاء أجر معلوم ثم يتفق مع آخر على القيام بهذا العمل بأجر أقل من الأجر الأول , ويربح هو فرق ما بينهما حلالا طيبا لمجرد أنه ضمن العمل , دون أن يقوم به: عسى أن لا يكون له مال أصلا.
توزيع الربح في شركات الأموال
ذهب الحنفية والحنابلة أنه يجوز في شركة العنان أن يتساوى المالان ويتفاضل الشريكان في الربح , وأن يتفاضل المالان ويتساوى الربحان وذلك على أساس النظر إلى شرط العمل , فقد يرى الشريكين إغفال النظر إلى العمل فيكون الربح بحسب المالين , وقد يجعلا لشرط العمل قسطا من الربح يستأثر به أحدهما بالإضافة لما يستحقه بمقتضى حصته في الشركة , والمناط هنا هو شرط العمل الوارد في العقد وليس وجود العمل نفسه فقد يعمل الشريك بمقتضى الشرط وقد لا يعمل.
ولكن لا تصح الشركة عند هؤلاء الفقهاء إذا شرط الشريكان العمل على صاحب الحصة الأكبر في رأس المال وشرط لصاحب الحصة الأقل زيادة في الربح لأن صاحب الأقل لا يستحق الربح لا بمال ولا بعمل.
أما في شركة المفاوضة وفقا للاصطلاح الحنفي , فإنه يشترط التساوي في الأرباح لأنها مبنية على التساوي في جميع شروطها.
توزيع الربح في شركة الأعمال
ذهب الحنفية والحنابلة أيضا إلى أنه يجوز في عنان شركة الأعمال الاشتراك في الربح على حسب ما يتم الاتفاق عليه بين المتشاركين لأنه في الواقع بدل عمل , والعمل يختلف في تقويمه.
فإذا لم يتعرضا لشرط العمل بنسبة معينة , جازت الشركة على ما يشترطانه من الربح لأن هذا هو الأصل.
ويشترط المالكية في شركة الأعمال أن يكون اقتسام الربح مناسبا لمقدار العمل , ولا يتجاوز إلا عن فرق يسير , وهذا في عقد الشركة , أما بعده فلا حرج على متبرع إن تبرع ولو بالعمل كله. فإذا وقع العقد على تفاوت النسبة بين العملين والنسبة بين الربحين تفاوتا فاحش , فإنه يكون العقد فاسدا عند المالكية.
توزيع الربح في شركة الوجوه
اشترط الحنفية وكذلك القاضي وابن عقيل من الحنابلة أن يكون الربح بين الشريكين بنسبة ضمانهما الثمن في شركة الوجوه.
وضمانهما الثمن إنما هو بنسبة حصصهما فيما يشتريانه معا , أو كل على انفراد. ومقدار هذه الحصص يتبع الشرط الذي وقع التشارط عليه عند عقد الشركة.
فمن الجائز المشروع أن يتعاقدا في شركة الوجوه على أن يكون كل ما يشتريانه أو يشتريه أحدهما بينهما مناصفة , أو على التفاوت المعلوم أيما كان كأن يكون لأحدهما الثلث أو الربع , أو أكثر من ذلك أو أقل , وللآخر الثلثان أو الثلاثة الأرباع إلخ.
فإذا شرط لأحد الشريكين في الربح أكثر أو أقل مما عليه من الضمان فهو شرط باطل لا أثر له , ويظل الربح بينهما بنسبة ضمانهما , لأنه لا يوجد في هذه الشركة سبب لاستحقاق الربح سوى الضمان , فيتقدر بقدره. ذلك أن الربح إنما يستحق بالمال أو العمل أو الضمان , ولا مال هنا ولا عمل , فيتعين أن يكون بسبب الضمان , وإذن تكون قسمته بحسبه لئلا يلزم ربح ما لم يضمن.
والمذهب عند الحنابلة أن الربح في شركة الوجوه يكون على حسب ما اتفقا عليه كشركة العنان لأن فيها مثلها عملا وغيرها , فالشريكين شركة وجوه يتجران , والتجارة عمل يتفاوت كيفا وكما ويختلف باختلاف القائمين به نشاطا وخبرة , فالعدالة أن تترك الحرية للمتعاقدين ليقدرا كل حالة بحسبها.(1/538)
جاء في المغني (5 / 31)
وأما شركة العنان - وهو أن يشتركا بدنان بماليهما - فيجوز أن يتساويا مع تفاضلهما في المال , وأن يتفاضلا فيه مع تساويهما في المال , لأن العمل مما يستحق به الربح فجاز أن يتفاضلا في الربح مع وجود العمل منهما كالمضاربين لرجل واحد , وذلك لأن أحدهما قد يكون أبصر بالتجارة من الآخر وأقوى على العمل فجاز له أن يشترط زيادة في الربح في مقابلة عمله كما يشترط الربح في مقابلة عمل المضارب , يحققه أن هذه الشركة معقودة على المال والعمل جميعا , ولكل واحد منهما حصة من الربح إذا كان منفردا فكذلك إذا اجتمعا.
جاء في الشرح الكبير (3 / 354)
والربح والخسران في مال الشركة بقدر المالين من تساو , وتفاوت إن شرطا ذلك , أو سكتا عنه , وتفسد بشرط التفاوت في ذلك ويفسخ العقد إن اطلع على ذلك قبل العمل , فإن اطلع عليه بعده فض الربح على قدر المالين.
جاء في فتح العزيز (10 / 424)
ويتوزع الربح والخسران على قدر المال , فلو شرطا تفاوتا بطل الشرط وفسد العقد ومعنى الفساد أن كل واحد يرجع على صاحبه بأجرة عمله في ماله.(1/539)
تحميل الخسارة بقدر المساهمة
اتفق الفقهاء على أن الخسارة على قدر رأس المال في شركة الأموال , فلا يجوز بحال أن يشترط على بعض الشركاء أن يتحمل من الخسارة أكثر أو أقل من رأس ماله , فالخسارة تتبع دائما رأس المال.(1/540)
اتفق الفقهاء على أن الخسارة على قدر رأس المال في شركة الأموال فلا يجوز بحال أن يشترط على بعض الشركاء أن يتحمل من الخسارة أكثر أو أقل من رأس ماله , فالخسارة تتبع دائما رأس المال.
أما الخسارة في شركة الأعيان فهي تكون دائما كذلك بقدر ضمان العمل أي بقدر ما شرط على كلا الشريكين من العمل , وذلك كما هو شأن الخسارة في شركة الأموال تكون دائما بقدر المالين إذا العمل هنا كالمال هناك.
ولذا لو تشارطا على أن يكون على أحدهما ثلثا العمل وعلى الآخر الثلث فحسب , والخسارة بينهما نصفان , فالشرط باطل فيما يتعلق بالخسارة , وهى بينهما على النسبة التي تشارطاها في العمل نفسه.
وينطبق مبدأ تحميل الخسارة بقدر المساهمة كذلك في شركة الوجوه فالخسارة تكون باتفاق الفقهاء المجيزين لهذا النوع من الشركات على قدر الضمان , لأنها عبارة عن نقص في رأس المال وذلك مختص بملاكه فوجب توزيعه على قدر حصصهم.
وحصة كل شريك هنا هو النسبة أو المقدار المتفق عليه عند العقد لضمان الثمن الذي هو دين في ذمة الشركاء.(1/541)
بيان حصص الأرباح بنسبة شائعة
يشترط الفقهاء أن تكون حصة كل شريك من الربح محددة بجزء شائع منه معلوم النسبة إلى جملته , فلا يصح الاتفاق على أي شرط يفضي إلى اختصاص أحدهما بالربح لأن مقتضى العقد الاشتراك في الربح.(1/542)
يشترط أن تكون حصة كل شريك من الربح محددة بجزء شائع منه معلوم النسبة إلى جملته: كنصفه. فإذا تم العقد على أن يكون للشريك حصة في الربح من غير بيان مقدار (كشرط حصة من الربح مثل ما شرط لفلان مع جهله) كان عقدا فاسدا , لأن الربح هو مقصود الشركة فتفسد بجهالته , كالعوض والمعوض في البيع والإجارة.
ولا يصح كذلك العقد إذا علم مقدار حصة الشريك في الربح , ولكن جهلت نسبتها إلى جملته كمائة أو أكثر أو أقل , لأن هذا قد يؤدي إلى خلاف مقتضى العقد وهو الاشتراك في الربح , فقد لا يحصل منه إلا ما جعل لأحد الشركاء , فيقع ملكا خاصا لواحد , لا شركة فيه لسواه. بل قالوا إن هذا يقطع الشركة لأن المشروط إذا كان هو كل المتحصل من الربح , تحولت الشركة إلى قرض ممن لم يصب شيئا من الربح , أو إبضاع من الآخر.
فإذا جعل للشريك أجر معلوم المقدار من خارج مال الشركة: كخمسين أو مائة دينار كل شهر , فقد نقلوا في الهندية عن المحيط أن الشركة صحيحة , والشرط باطل.
وشرط بيان حصص الأرباح بنسبة شائعة هو موضع وفاق بين الفقهاء , فقد حكى ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن لا شركة مع اشتراط مقدار معين من الربح كمائة لأحد الشريكين سواء اقتصر على اشتراط هذا المقدار المعين لأحدهما , أم جعل زيادة على النسبة المشروطة له من الربح , أم انتقص من هذا النسبة , لأن ذلك في الأحوال كلها قد يفضي إلى اختصاص أحدهما بالربح , وهو خلاف موضوع الشركة أو كما عبر الحنفية قاطع لها.
ومن هذا القبيل , ما لو شرط لأحدهما ربح عين معينة أو مبهمة من أعيان الشركة كهذا الثوب , أو أحد هذين الثوبين , أو ربح هذا الشهر أو هذه السنة.
كذلك لا يجوز عقد الشركة بتخصيص كل الأرباح لأحد الشركاء أو لبعضهم دون البعض لأن ذلك يتنافى مع مقتضى العقد.(1/543)
لزوم العقد
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشركة من العقود الجائزة , فلكل من الشريكين أن يستقل بفسخ الشركة , رضي الآخر أم أبى , حضر أم غاب , كان المال نقودا أم عروضا.
وخالفهم في ذلك المالكية فقالوا بأن الشركة عقد لازم للطرفين لا يجوز لأحدهما الفسخ إلا برضا الآخر , ويستمر هذا اللزوم إلى أن ينض المال أو يتم العمل الذي تقبل.(1/544)
اختلف الفقهاء في طبيعة عقد الشركة , هل هو عقد جائز (غير ملزم) أم أنه عقد ملزم للطرفين.
فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن عقد الشركة من العقود الجائزة فلكل من الشريكين أن يستقل بفسخ الشركة , رضي الآخر أم أبى , حضر أم غاب , كان نقودا أم عروضا.
ولكن الحنفية اشترطوا لجواز الفسخ شرطين هما: أن يعلم الشريك صاحبه بالفسخ , وأن يكون مال الشركة نقدا أو بعبارة أخرى لا يتضرر صاحبه لأنه لا ضرر ولا ضرار.
وبناء على اشتراط النضوض عند الحنفية أي أن يكون المال ناضا نقدا لا عروضا فإن الفسخ يكون لاغيا إذا لم يتحقق هذا الشرط وتبقى الشركة قائمة. أما عند من لم يقل بهذا الشرط فإنه إذا اتفق أن كان المال عروضا عندما انتهت الشركة , فإن للشريكين أن يفعلا ما يريانه: من قسمته , أو بيعه وقسمة ثمنه. فإن اختلفا فأراد أحدهما القسمة وآثر الآخر البيع أجيب طالب القسمة لأنها تحقق لكل منهما ما يستحقه أصلا وربما دون حاجة إلى تكلف مزيد من التصرفات.
أما المالكية - عدا ابن رشد وحفيده ومن تابعهما - فإن عقد الشركة عندهم عقد لازم للطرفين لا يجوز لأحدهما الفسخ إلا برضا الآخر , والشركة عند المالكية تلزم بمجرد العقد , ويستمر هذا اللزوم إلى أن ينض المال أو يتم العمل الذي تقبل.(1/545)
جاء في مختصر خليل وشرحه مع حاشية الدسوقي (3 / 348)
ولزمت بما يدل عليها عرفا كاشتركنا , أي يقوله كل منهما , أو يقوله أحدهما ويسكت الآخر راضيا به , أو شاركني ويرضى الآخر , ولا يحتاج لزيادة على القول المشهور , فلو أراد أحدهما المفاصلة قبل الخلط , وامتنع الآخر فالقول للممتنع حتى ينض المال بعد العمل.
يقول الكاساني في البدائع (7 / 3579 - 3580)
وأما صفة الشركة فهي أنها عقد جائز غير لازم حتى ينفرد كل واحد منها بالفسخ , إلا أن من شرط جواز الفسخ أن يكون بحضرة صاحبه أي بعلمه حتى لو فسخ بمحضر من صاحبه جاز الفسخ , وكذا لو كان صاحبه غائبا وعلم بالفسخ وإن كان غائبا ولم يبلغه الفسخ لم يجز الفسخ ولم ينفسخ العقد لأن فسخ العقد من غير علم صاحبه إضرار بصاحبه ولهذا لم يصح عزل الوكيل من غير علمه , مع أن الشركة تتضمن الوكالة وعلم الوكيل بالعزل شرط جواز العزل فكذا في الوكالة التي تضمنته الشركة.
وعلى هذا الأصل قال الحسن بن زياد إذا شارك أحد شريكي العنان رجلا شركة مفاوضة أنه إن كان بغير محضر من شريكه لم تكن مفاوضة وإن كان بمحضر منه صحت المفاوضة , لأن المفاوضة مع غيره تتضمن فسخ العنان وهو لا يملك الفسخ عند غيبته ويملك عند حضرته.(1/546)
يد الشريك يد أمانة
اتفق الفقهاء على أن يد الشريك يد أمانة بالنسبة لمال الشركة أيا كان نوعها , فلا يضمن حصة شريكه إلا في حال التعدي أو التقصير.(1/547)
اتفق الفقهاء على أن يد الشريك يد أمانة بالنسبة لمال الشركة أيا كان نوعها , لأنه كالوديعة مال مقبوض بإذن مالكه , لا يستوفي بدله , ولا يستوثق به.
والقاعدة في الأمانات أنها لا تضمن إلا بالتعدي أو التقصير , وإذن فما لم يتعدى الشريك أو يقصر , فإنه لا يضمن حصة شريكه , ولو ضاع مال الشركة أو تلف.
ومن التعدي: مخالفة نهي شريكه , فإن كل ما للشريك فعله من كيفيات التصرف إذا نهاه عنه شريكه امتنع عليه , فإذا خالفه ضمن حصة شريكه. ومثال ذلك لو قال له: لا تركب البحر بمال التجارة فركب , أو قوله لا تبع إلا نقدا فباع نسيئة.
وعلى هذا الأساس لا يجوز لأحد الشريكين أن يشترط شروطا تؤدى إلى الإخلال بمبدأ أمانة يد الشريك وعدم ضمانه المال إلا بالتعدي والتقصير , ومن هذه الشروط الممنوعة اشتراط ضمان رأس المال أو اشتراط ضمان قدر معين من المال مثل أن يعطى له مالا ليعطي له ربحا سنويا قدره ألف دينار , فلا يجوز كل ذلك.(1/548)
انتهاء الشركة
تنتهي الشركة بالفسخ , وبانتهاء مدتها المحددة , وبموت أحد الشريكين أو انعدام أهليته , كما تنتهي شركة الأموال بهلاك رأس مال الشركة قبل الشراء.(1/549)
الفسخ
تنتهي الشركة بالفسخ حيث أن عقد الشركة عقد جائز غير لازم عند الجمهور ما عدا المالكية , وحينئذ يكون لكل واحد من الشريكين الحق في الفسخ ما دام لا يترتب على ذلك ضرر فعلي , فلو اتفقوا على حل الشركة كان ذلك حقهم بدون خلاف.
انتهاء المدة
تنتهي الشركة بانتهاء مدة المشاركة فيما لو حددت بفترة زمنية محدودة , أو انتهاء العمل أو المشروع الذي أسست الشركة لأجله.
الموت
تنتهي الشركة بموت أحد الشركاء عند الجمهور القائلين بعدم توريث حق المشاركة , ولكن للورثة أو أوصيائهم الخيار بين القسمة وتقرير الشركة , كما أن الشركة لو كانت بين ثلاثة وأكثر فمات أحدهم فلا تنفسخ في حق الباقيين , ولكن الشركة لا تنحل نهائيا إلا بعد أن ينض المال.
انعدام الأهلية بالكامل
تنتهي الشركة بانعدام الأهلية كجنون أحد الشريكين جنونا طبقا.
وهو لا يصير مطبقا إلا بعد أن يستمر شهرا أو سنة كاملة , على خلاف عند الحنفية.
فلا تنتهي الشركة إلا إذا مضت هذه المدة بعد ابتدائه.
هلاك رأس مال الشركة قبل الشراء
تنتهي شركة الأموال بهلاك المال قبل الشراء عند الحنفية , أو بعبارة أخرى هلاك رأس مال الشركة بالكامل قبل الشراء , أما بعد الشراء فيبقى العقد قائما.(1/550)
المزارعة(1/551)
تعريف المزارعة
المزارعة هي معاقدة على الزرع بين صاحب الأرض والمزارع لقسم الحاصل بينهما بالحصص المتفق عليها وقت العقد(1/552)
المزارعة في اللغة والاصطلاح هي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها
فهي عقد بين جهتين أو شخصين أحدهما يملك الأرض والآخر يعمل فيها على أن يكون المحصول أو الناتج مشتركا بينهما بالنسب التي يتفقان عليها.
والمزارعة تقتضي وجود:
المزارع: وهو صاحب الأرض.
العامل: وهو من يعمل في الأرض.
الأرض: وهى محل عقد المزارعة.
البذر: إذ يشترط بيان من عليه البذر في العقد على اختلاف بين الفقهاء في من عليه البذر.
آلة المزارعة: كالمحراث والبقر ونحوه.
حصص طرفي العقد من الناتج: حيث يجب تحديدها بالاتفاق مسبقا.
ويطلق على المزارعة كذلك اسم المخابرة من خبر الأرض وهو شقها أو من الخبار وهي الأرض اللينة أي الصالحة للزراعة وقال بعضهم سميت المخابرة لأنها معاملة أهل خيبر على ما يخرج منها من تمر أو زرع.(1/553)
حاشية رد المحتار (6 / 274)
هي عقد على الزرع ببعض الخارج منه.
المجموع (14 / 420)
قال الشافعي والمخابرة (يعنى بها المزارعة) استكراء الأرض (أي إجارتها) ببعض ما يخرج منها.
حاشية الدسوقي (3 / 372)
المزارعة هي الشركة في الزرع أو الحرث.
المغني (5 / 416)
دفع الأرض إلى من يزرعها أو يعمل عليها والربح بينهما.(1/554)
دليل مشروعية المزارعة
قال بصحة المزارعة ومشروعيتها جمهور الفقهاء من الحنابلة , والصاحبان من الحنفية وهو مذهب الثوري وابن أبي ليلى وداود الظاهري وابن تيمية وأجازها مالك والشافعي تبعا للمساقاة
أما الشافعية وفي أصح الأقوال عنهم أنها لا تجوز لا مستقلة عن المساقاة ولا تابعة لها ,
وقال بعدم مشروعيتها أبو حنيفة وزفر وقالا هي فاسدة
وكرهها عكرمة ومجاهد والنخعي
وثبتت مشروعية المزارعة عند القائلين بجوازها بالسنة وإجماع الصحابة والقياس والمعقول.(1/555)
الدليل من السنة
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع.
وفي رواية أخرى: عن ابن عمر قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع رواه مسلم كتاب المساقاة والمزارعة والبخاري كتاب المزارعة.
ولقد رد المانعون للمزارعة على هذا الدليل من السنة بقولهم
إن حديث خيبر محمول على الجزية دون المزارعة حيث إن خيبر فتحت عنوة فكان أهلها عبيدا فما أخذه من الخارج منها فهو له أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما تركه فهو له أو أن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر كان خراج مقاسمة بمعنى فرض مقدار نسبة محددة من غلة الأرض كالنصف بطريق المن والصلح وهو جائز.
ويرد المجيزون على ذلك بالاحتجاج بظاهر الحديث وبقوله صلى الله عليه وسلم: أقركم ما أقركم الله وهذا صريح في انهم لم يكونوا عبيدا.
أما المانعون للمزارعة فلقد استدلوا كذلك بالسنة حيث أوردوا حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه رواه مسلم.
وفي رواية أخرى: نهى الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ رواه مسلم.
وفي رواية ثالثة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها إياه رواه مسلم.
كذلك استدلوا بما رواه مسلم أن رافع بن خديج قال كنا نحاقل الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا وطواعية الله ورسوله انفع لنا نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزرعها أخاه وكره كراءها وما سوى ذلك.
ويحمل المجوزون للمزارعة هذه الأحاديث على أنه إذا اشترط لطرفي العقد قطعة معينة من الأرض فالنهى محمول على الوجه المفضى إلى الضرر والجهالة ويوجب المشاجرة كما هو الشأن في حمل المطلق على المقيد فيحمل على ما فيه مفسدة أو يحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا.
الدليل من الإجماع
عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر وعثمان وعلي ثم أهلوهم وعمل به أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده ولم يبق بالمدينة بيت إلا عمل به فيعد ذلك إجماعا منهم لم يخالفهم فيه أحد.
دليل المشروعية من العقل والقياس
المزارعة مشروعة عقلا إذ ليس كل من ملك أرضا صالحة للزارعة قادر على زراعتها أو متفرغا لذلك كذلك من كانت له طاقة للعمل وخبرة في أمور الزراعة وليس لديه أرض يعمل بها يمكنه العمل في أراضي الغير ومشاركة أصحابها في الناتج وهذا مفيد في تشغيل موارد الأمة وطاقاتها وعدم تعطيلها.
ويمكن قياس المزارعة على المضاربة لأنها كما قال ابن تيمية عين تنمو بالعمل عليها فجاز العمل فيها ببعض نمائها.(1/556)
المغني (5 / 416)
هي جائزة في قول كثير من أهل العلم قال البخاري قال أبو جعفر ما بالمدينة أهل بيت إلا ويزرعون على الثلث والربع وزارع علي وسعد وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل على وابن سيرين وممن رأى ذلك سعيد بن المسيب وطاوس. . . . الخ
وعامل عمر الناس على أنه إذا جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا وكرهها عكرمة ومجاهد والنخعي وأبو حنيفة.
بدائع الصنائع (5 / 175)
وأما شرعية المزارعة فقد اختلف فيها
قال أبو حنيفة عليه الرحمة إنها غير مشروعة وبه أخذ الشافعي رحمه الله
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إنها مشروعة.
تكملة المجموع شرح المهذب (14 / 416 - 417)
لا تجوز المزارعة على بياض لا شجر فيه فأما إذا كانت الأرض بين النخل لا يمكن سقى الأرض إلا بسقيها نظرت فإذا كان النخيل كثيرا والبياض قليلا جاز أن تساقيه على النخل وان تزارعه على الأرض وان عقد المزارعة على الأرض ثم عقد المساقاة على النخل لم تصح المزارعة لأنها إنما أجيزت تبعا للمساقاة للحاجة ولا حاجة قبل المساقاة
وان عقدت بعد المساقاة ففيه وجهان
احدهما لا تصح لأنه إفراد للمزارعة بالعقد فاشبه إذا قد مت
والثاني: تصح لأنهما يحصلان لمن له المساقاة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2 / 249)
واختلفوا إذا كان مع النخل أرض بيضاء أو مع الثمار هل يجوز أن تساقى الأرض مع النخل بجزء من النخل أو بجزء من النخل وبجزء مما يخرج من الأرض؟ (ويقصد بذلك المزارعة) فذهب إلى جواز ذلك طائفة وبه قال صاحبا أبي حنيفة والليث وأحمد والنووي وابن أبي ليلى وجماعة
وقال الشافعي وأهل الظاهر لا تجوز المساقاة إلا في الثمر فقط
وأما مالك فقال: إذا كانت الأرض تبعا للثمر وكان الثمر أكثر ذلك فلا بأس بدخولها في المساقاة اشترط جزءا خارجا منها أو لم يشترطه وحد ذلك الجزء بأن يكون الثلث فما دونه.
وحجة من أجاز المساقاة عليها جميعا - أي على الأرض بجزء مما يخرج منها - حديث ابن عمر
وحجة من لم يجز ذلك ما روى من النهى عن كراء الأرض بما يخرج منها في حديث رافع بن خديج.
وأما تحديد مالك ذلك بالثلث فضعيف وهو استحسان مبنى على غير الأصول لأن الأصول تقتضى أنه لا يفرق بين الجائز من غير الجائز بالقليل والكثير من الجنس الواحد.
مجموع فتاوى ابن تيمية (30 / 227)
أن المزارعة على الأرض كالمساقاة على الشجر وكلاهما جائز عند فقهاء الحديث كما دل على جواز المزارعة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع أصحابه من بعده والذين نهوا عنها ظنوا أنها من باب الإجارة لتكون إجارة بعوض مجهول وذلك لا يجوز.
والتحقق أن هذه المعاملات هي من باب المشاركات والمزارعة مشاركة هذا بنفع بدنه وهذا بنفع ماله وما قسم الله من ربح كان بينهما كشريكي العنان.
والمزارعة جائزة بلا ريب سواء كان البذر من العامل أو المالك وسواء كان بلفظ الإجارة أو المزارعة وغير ذلك هذا أصح الأقوال في هذه المسألة.
المحلى لابن حزم
إن آخر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات كان إعطاء الأرض بنصف ما يخرج منها من الزرع ومن الثمر والشجر وعلى هذا مضى أبو بكر وعمر وجميع الصحابة رضي الله عنهم فوجب استثناء الأرض ببعض ما يخرج منها من جملة ما صح النهي عنه من أن تكرى الأرض أو يؤخذ لها أجر أو حظ وكان هذا العمل المتأخر ناسخا للنهى المتقدم عن إعطاء الأرض ببعض ما يخرج منها لأن النهى عن ذلك قد صح فلولا أنه قد صح لقلنا: ليس نسخا لكنه استثناء من جملة النهى ولولا أنه قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات على هذا العمل لما قطعنا بالنسخ لكن ثبت أنه آخر عمله عليه السلام فصح أنه نسخ صحيح متيقن لا شك فيه وبقي النهى عن الإجارة جملة بحسبه إذ لم يأت شيء ينسخه ولا يخصصه البتة.(1/557)
الوصف الفقهي للمزارعة
يرى المانعون للمزارعة أنها إجارة للأرض ببعض الخارج منها فهي من جنس الإجارات فتمنع لجهالة العوض.
وذهب المجيزون إلى أنها من جنس المشاركات لأن النماء الحادث فيها ينتج من منفعة أصلين هما منفعة العامل سواء بيديه أو بحيوانه ومنفعة الأرض فالمزارعة عندهم ليست من قبيل الإجارات لأنه ليس للمزارع أن يطالب بأجره إذا لم تأت الأرض بمحصول فهو يخسر مقابل عمله كما يخسر صاحب الأرض منفعة أرضه.(1/558)
تتفق المزارعة في بعض خصائصها وشروطها مع بعض سمات وصفات عقود الإجارة والشركة والمضاربة بحيث يرى الأحناف أن عقد المزارعة يشترك مع عقدي الإجارة والشركة
ونص المالكية على أن المزارعة هي الشركة في الزرع والحرث
وعند الحنابلة المزارعة من جنس المشاركات والمضاربة
ويري المانعون لها أنها من قبيل إجارة الأرض ببعض ما يخرج منها.
المزارعة من جنس المشاركات
يرى المجيزون للمزارعة أن المزارعة ليست مثل المؤاجرة المطلقة لأن النماء إنما يحصل باجتماع عنصرين متكاملين هما الأرض وما يتبعها من حرث أو بذر ونحوهما وجهد العامل.
وهي بالتالي تنطوى على مشاركة بين طرفين كما أن شروط هذه المشاركة تجعلها أقرب إلى عقد المضاربة الذي يجمع بين العامل وصاحب المال حيث تتفق المزارعة مع المضاربة في حصر الإدارة بالطرف العامل وأن المال ينمو بالعمل مع استمرار الملك لربه والاشتراك في نتيجة الاستثمار على أساس نسبى.
المزارعة مؤاجرة
يرى المانعون للمزارعة أنها إجارة للأرض ببعض الخارج منها وذلك ممنوع اعتمادا على الأحاديث الدالة على المنع ومنها ما رواه مسلم عن عطاء عن جابر من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها إياه
وحديث جابر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ.(1/559)
مغني المحتاج (2 / 322)
لما شابهت القراض في العمل في شيء ببعض نمائه وجهالة العوض والإجارة في اللزوم والتأقيت جعلت بينهما.
بدائع الصنائع (6 / 175) ط2 - 177 - 178
قول أبي حنيفة إن عقد المزارعة استئجار ببعض الخارج منها وانه منهي بالنص والمعقول.
المزارعة فيها معنى الإجارة والشركة تنعقد إجارة ثم تتم شركة
أما معنى الإجارة فلأن الإجارة تمليك المنفعة بعوض والمزارعة كذلك وأما معنى الشركة فلان الخارج يكون مشتركا بينهما على الشرط المذكور.
مجموعة فتاوى ابن تيمية (29 / 98 ,101)
المزارعة مشاركة ومن جنس المضاربة وليست مثل المؤاجرة المطلقة لأنها تنمو بالعمل فيها فجاز العمل عليها ببعض نمائها.(1/560)
الحكم التكليفي للمزارعة
المزارعة جائزة عند جمهور الفقهاء , وبعضهم أجازها تبعا للمساقاة , وبعضهم منعها.(1/561)
المزارعة جائزة عند جمهور الفقهاء (الحنابلة , والصاحبين من الحنفية والثوري وابن أبي ليلى وداود الظاهري وابن تيمية) , وأجازها مالك والشافعي تبعا للمساقاة
أما الشافعية وفي أصح الأقوال عنهم أنها لا تجوز لا مستقلة عن المساقاة ولا تابعة لها ,
وقال بعدم مشروعيتها أبو حنيفة وزفر وقالا هي فاسدة وكرهها عكرمة ومجاهد والنخعي.(1/562)
الأرض من طرف والعمل من الطرف الآخر مع توزع المستلزمات بينهما
ذهب الفقهاء إلى جواز المزارعة التي تقوم على أساس تقديم الأرض من طرف والعمل من طرف الآخر سواء قدمت البذور والمعدات (الآلات والبقر) من صاحب الأرض أو من جانب العمل.
ولا يشترط أن يكون البذر من رب الأرض خلافا لبعض الفقهاء.(1/563)
هناك عدة صور وأشكال يأخذها عقد المزارعة في حالة كون الأرض من طرف والعمل من الطرف الآخر مع توزع العدد والآلات والبقر على الطرفين أو أحدهما وذلك على النحو التالي
- أن تكون الأرض والبذر وآلات الزراعة من طرف والعمل من الطرف الآخر.
- أن تكون الأرض من طرف والعمل والبذر وآلات الزراعة من الطرف الآخر.
- أن تكون الأرض والبذر من طرف والعمل وآلات الزراعة من الطرف الآخر.
- أن تكون الأرض والبقر من طرف والعمل والبذر والآلات من الطرف الآخر.
- وتعتبر تلك الصور كلها ما عدا الصورة الأخيرة جائزة عند من يقول بصحة المزارعة من الأحناف والمالكية والحنابلة حيث أن المزارعة تنعقد إجارة وتتم مشاركة وتنعقد على منفعة الأرض والعامل ولا يجوز على منفعة غيرهما حيث يعتبر في هذه الصورة صاحب الأرض مستأجرا للعامل لا غير ليعمل في أرضه ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه.
ويستدل على صحة أن يكون البذر من العامل بقصة خيبر حيث لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن البذر على المسلمين فقد جاء فيما رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله شطر ثمرها.
كما يستدل على صحة كون البذر من العامل أو صاحب الأرض بحسب الاتفاق على ما رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه عامل الناس على أن ما جاء عمر بالبذر من عنده فله النصف وان جاءوا بالبذر فلهم كذا واشتهر ذلك ولم ينكر فكان إجماعا.
أما الآلات والبقر فلا يضير أن تكون من العامل أو صاحب الأرض لأنها توابع للمعقود عليه وهو منفعة العامل أو منفعة الأرض.
وبالرغم من أن أبو يوسف جوز صحة أن تكون الأرض والبقر من جانب والعمل والبذر والآلات من الجانب الآخر حيث اعتبر منفعة البقر تابعة لمنفعة الأرض إلا أن المذهب عند الأحناف عدم جواز ذلك حيث لا يتصور انعقاد الشركة بين منفعة البقر ومنفعة العامل ولأن جواز المزارعة عندهم ثبت بالنص مخالفة للقياس لأن الأجرة معروفة ومجهولة فيقتصر جوازها على المحل الذي ورد النص فيه وهو إذا ما كانت الآلة تابعة.
فلا يجيز الأحناف اشتراط كون آلة الزرع من البقر ونحوه على صاحب الأرض لأن ذلك يجعل منفعة البقر معقودا عليها فتكون مقصودة بذاتها بينما يشترطون أن تكون آلة الزراعة تابعة في العقد لا معقودا أصليا.(1/564)
بدائع الصنائع (5 / 179)
المزارعة أنواع
(منها) أن تكون الأرض والبذر والبقر والآلة من جانب والعمل من جانب وهذا جائز لأن صاحب الأرض يصير مستأجرا للعامل لا غير ليعمل له في أرضه ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه وهو البذر
(ومنها) أن تكون الأرض من جانب والباقي كله من جانب وهذا أيضا جائز لأن العامل يصير مستأجرا للأرض لا غير ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه وهو البذر
(ومنها) أن تكون الأرض والبذر من جانب والبقر والآلة والعمل من جانب فهذا أيضا جائز لأن هذا استئجار للعامل لا غير مقصود فأما البذر فغير مستأجر مقصود ولا يقابله شيء من الأجرة بل هي توابع للمعقود عليه وهو منفعة العامل لأنه آلة للعمل فلا يقابله شيء من العمل كمن استأجر خياطا فخاط بإبرة نفسه جاز ولا يقابلها شيء من الأجرة
(ومنها) أن تكون الأرض والبقر من جانب والبذر والعمل من جانب وهذا لا يجوز في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه يجوز.
المدونة الكبرى (4 / 13)
قلت أرأيت إن قال رب الحائط خذ النخل مساقاة على أن تزرع البياض بيننا على أن البذر من عندك أيها العامل (قال) قال مالك ذلك جائز أجازه مالك إذا اشترط على العامل أن يزرع البياض والبذر من عند العامل والعمل على أن يكون ما يخرج من البياض بينهما.
المغني (5 / 423)
ظاهر المذهب أن المزارعة إنما تصح إذا كان البذر من رب الأرض والعمل من العامل نص عليه أحمد واختاره عامة الأصحاب
وقد روي عن أحمد ما يدل على أن البذر يجوز أن يكون من العامل.
تكملة المجموع (14 / 321)
واما الضرب الثاني الذي اختلف فيه الفقهاء فهو أن يزارعه على أرضه ليكون العمل على الأجير والأرض لربها والبذر منهما أو من احدهما بحسب شرطهما على أن ما أخرج الله تعالى من زرع كان بينهما على سهم معلوم من نصف أو ثلث (وربع) فهذه المزارعة التي اختلف الفقهاء فيها على ثلاث مذاهب:
(المذهب الأول) وهو مذهب الشافعي أنها باطلة سواء شرط البذر على الزارع أو على رب الأرض.
(المذهب الثاني) أنها جائزة سواء شرط البذر على الزارع أو على رب الأرض وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل
(والمذهب الثالث) أنه إن شرط البذر على صاحب الأرض لم يجز وان شرطه على الزارع جاز وهو مذهب أحمد بن حنبل
بدائع الصنائع (5 / 180 - 181)
وأما الشرائط المفسدة للمزارعة فأنواع. . .
(منها) شرط البقر عليه لأن فيه جعل منفعة البقر معقودا عليها مقصودة في باب المزارعة ولا سبيل إليه.
بدائع الصنائع (5 / 180 - 181)
وأما الشرائط المفسدة للمزارعة فأنواع. . .
(منها) شرط العمل والأرض جميعا من جانب واحد لأن ذلك خلاف مورد الشرع
(ومنها) شرط الحمل والحفظ على المزارع بعد القسمة لأنه ليس من عمل المزارعة
(ومنها) شرط الحصاد والرفع إلى البيدر والدياس والتذرية لأن الزرع لا يحتاج إليه إذ لا يتعلق به صلاحه
(ومنها) أن يشترط صاحب الأرض على المزارع عملا يبقى أثره ومنفعته بعد مدة الزراعة.(1/565)
الأرض والعمل من طرف وباقي مستلزمات الزراعة من الطرف الآخر
منع الفقهاء تقديم الأرض والعمل من طرف واقتصار الطرف الآخر على تقديم باقي المستلزمات من بذر وآلات الزراعة ذلك أن المزارعة تنعقد على منفعة الأرض أو على منفعة العامل ولا تنعقد على غيرهما من المستلزمات.
فيشترط أن تكون دائما الأرض في طرف والعمل في الطرف الآخر.(1/566)
في هذا النوع من المزارعة يكون صاحب الأرض هو الزارع ويقدم الطرف الشريك الآلات والبذور والبقر. وهذه الصيغة تسمح لمن لا يملك الأرض ولا الخبرة أو القدرة على العمل من الاكتفاء بتقديم التمويل بشراء البذور واستئجار آلات العمل.
ويجمع الفقهاء على عدم صحة هذا النوع من المزارعة لأن موضوع المزارعة أن تكون الأرض من أحدهما والعمل من الآخر وحسب رأى الأحناف فإن المزارعة تنعقد إجارة وتتم شركة وإنما تنعقد إجارة على منفعة الأرض أو العامل ولا تجوز على منفعة غيرهما من بقر وبذر ونحوهما.(1/567)
بدائع الصنائع (5 / 179)
ومنها - أي من أنواع المزارعة - أن يكون البذر والبقر من جانب والأرض والعمل من جانب وهذا لا يجوز أيضا
لأن صاحب البذر يكون مستأجرا للعامل والأرض جميعا ببعض الخارج والجمع بينهما يمنع صحة المزارعة.
شرح منتهى الإرادات (2 / 348)
ولا يصح كون الأرض والعمل من واحد والبذر من الآخر لأن موضوع المزارعة كون البذر والأرض من أحدهما والعمل من الآخر.
المدونة الكبرى (4 / 13)
لا يصح أن يشترط العامل على رب النخل حرث البياض وإن جعلا الزرع بينهما.(1/568)
دخول طرف ثالث بتقديم أي من مستلزمات الزراعة
منع الفقهاء دخول طرف ثالث بتقديم المستلزمات من بذور وآلات وقالوا بأنها يجب أن تقد م من أحد العاقدين أي من صاحب الأرض أو من العامل وليس من غيرهما.(1/569)
في هذا النوع من المزارعة لا تقتصر أطراف المزارعة على العامل وصاحب الأرض وإنما يدخل طرف ثالث بتقديم البذور أو الآلات أو البقر. فقد يتوفر شخص مالك للأرض بأى من أسباب التملك الشرعية إلا أنه لا يجيد أعمال الزراعة وغير متفرغ لها كما أنه ليست له موارد للصرف على البذر والآلات والبقر ونحوها وفي نفس الوقت يكون العامل غير مستعد إلا لتقديم جهده فقط دون باقي مستلزمات الزراعة فيتطلب الأمر وجود طرف ثالث يقدم مستلزمات الزراعة الأخرى غير العمل والأرض.
ولقد منع جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة هذه الصورة من المزارعة لحديث مجاهد عن أربعة اشتركوا في زرع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم علي الفدان (الثور أو الثوران يفرق بينهما للحرث أو المحراث ونحوه) وقال الآخر قبلي الأرض وقال الآخر قبلي البذر وقال الآخر قبلي العمل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الزرع لصاحب البذر وألغى صاحب الأرض وجعل لصاحب العمل كل يوم درهما ولصاحب الفدان شيئا معلوما.
وتعليل الفقهاء للمنع لأن موضوع المزارعة على أن البذر من رب الأرض أو من العامل وليس هاهنا من واحد منهما وليست شركة لأن الشركة تكون بالأثمان وإن كانت بالعروض فلا بد أن تكون معلومة مقومة ولا يوجد شيء من ذلك هنا كما أنها ليست بإجارة لعدم وجود أجرة معلومة ومدة محددة.(1/570)
المغني (5 / 428)
وإن اشترك ثلاثة من احدهم الأرض ومن الآخر البذر ومن الآخر البقر والعمل على أن ما رزق الله بينهم فعملوا فهذا عقد فاسد
وقال أحمد لا يصح لأن موضوع المزارعة على أن البذر من رب الأرض أو من العامل وليس هو هاهنا من واحد منهما.
حاشية رد المحتار (6 / 278 - 279)
ومتى دخل الثالث فاكثر بحصة فسدت لو اشترك ثلاثة أو أربعة ومن البعض البقر وحده أو البذر وحده فسدت وكذا لو من أحدهم البذر فقط أو البقر فقط لأن رب البذر مستأجر للأرض فلا بد من التخلية بينه وبينها وهى في يد العامل لا في يده.
بدائع الصنائع (5 / 979 - 180)
(ومنها) أن يشترك جماعة من أحدهم الأرض ومن الآخر البقر ومن الآخر البذر ومن الرابع العمل وهذا لا يجوز وورد الخبر بفساده حيث روى أن أربعة نفر اشتركوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم مزارعتهم.(1/571)
المشاركة في ملكية عناصر المزارعة من أرض وبذر
أجاز الفقهاء اشتراك أطراف العقد في ملكية الأرض وفي العمل ومنع الحنفية وبعض الحنابلة اشتراكهما في تقديم البذر.(1/572)
هناك بعض صور المزارعة التي يشترك طرفاها في تقديم بعض عناصرها نحو:
إذا كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم ودوابهم على أن ما اخرج الله بينهم على قدر مالهم فهو جائز عند الحنابلة ومالك والشافعي.
أن يكون البذر مشتركا بينهما وهذا منعه الأحناف ومن يشترط إخراج البذر من العامل من الحنابلة.
ولا خلاف في جواز إمكانية اشتراك أصحاب أرض واحدة في زراعتها والعمل فيها وتقديم كافة مستلزماتها بالتساوي على أن ما يرزق الله يكون بينهم جميعا إذ لا توجد مشكلة تقويم فلا غبن ولا ظلم ولا يفضل احدهم صاحبيه بشيء.
ولقد منع فقهاء الأحناف أن يشترك طرفا المزارعة في تقديم البذر لأن كل واحد منهما يصير مستأجرا لصاحبه في قدر بذره فيجتمع استئجار الأرض والعمل من جانب واحد ومنعه بعض فقهاء الحنابلة الذين يشترطون لصحة المزارعة أن يكون البذر من رب الأرض.(1/573)
المغني (5 / 428)
ولو كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم ودوابهم وأعوانهم على أن ما اخرج الله بينهم على قدر مالهم فهو جائز ولا نعلم فيه خلافا
لأن احدهم لا يفضل صاحبه بشيء وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر.
بدائع الصنائع (5م180)
ومنها أن يكون بعض البذر من قبل احدهما والبعض من قبل الآخر وهذا لا يجوز لأن كل واحد منهما يصير مستأجرا لصاحبه في قدر بذره فيجتمع استئجار الأرض والعمل من جانب واحد وأنه مفسد.
المغني (5 / 425)
فإن كان البذر منهما نصفين وشرطا أن الزرع بينهما نصفان فهو بينهما سواء قلنا بصحة المزارعة أو فسادها لأنها إن كانت صحيحة فالزرع بينهما على ما شرطاه وإن كانت فاسدة فلكل واحد منهما بقدر بذره
وان قلنا من شرط صحتها - أي - المزارعة - إخراج رب المال البذر فهي فاسدة فعلى العامل نصف أجر الأرض وله على رب الأرض نصف أجر عمله فيتقاصان بقدر الأقل منهما ويرجع احدهما على صاحبه بالفضل.(1/574)
الصيغة
يرى الأحناف أن صيغة عقد المزارعة تنعقد بالإيجاب والقبول
وقال الحنابلة بأن المزارعة لا تتوقف على القبول من العامل لفظا بل يكفى الشروع في العمل من العامل ويعتبر شروعه فيه قبولا منه للمزارعة.(1/575)
يرى الأحناف أن صيغة عقد المزارعة أن يقول صاحب الأرض للعامل دفعت إليك هذه الأرض مزارعة بكذا ويقول العامل قبلت أو رضيت أو ما يدل على قبوله ورضاه.
وعند الحنابلة لا تتوقف المزارعة على القبول من العامل لفظا ويكفى الشروع في العمل من العامل ويعتبر شروعه فيه قبولا منه للمزارعة.
ووجهة نظر الحنابلة في عدم الحاجة إلى القبول لفظا تعتمد على قياس ذلك على الوكالة.
وتنعقد المزارعة عند الحنابلة بلفظ المزارعة والمساقاة
وعند المالكية تنعقد بلفظ المزارعة والشركة وإذا عقدت المزارعة بلفظ الإجارة تفسد.
كما أجاز الجمهور العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعين فيساقيه على النخل ويزارعه على الأرض.(1/576)
بدائع الصنائع (5 / 176)
وأما ركن المزارعة فهو الإيجاب والقبول وهو أن يقول صاحب الأرض للعامل دفعت إليك هذه الأرض مزارعة بكذا ويقول العامل قبلت أو رضيت أو ما يدل على قبوله أو رضاه فإذا وجدا تم العقد بينهما.
كشاف القناع عن متن الإقناع (3 / 533 , 534)
يتحدث باسم المساقاة ويقصد المساقاة والمزارعة معا ويقول: وتصح المساقاة بلفظ مساقاة لأنه لفظها الموضوع لها وبلفظ معاملة ومفالحة واعمل بستاني هذا حتى تكمل ثمرته وبكل لفظ يؤدى معناها لأن القصد المعنى فإذا دل عليه بأي لفظ كان صح وأنه يصح بما يدل عليه من قول وفعل فشروعه في العمل قبول وتصح مزارعة بلفظ إجارة فلو قال استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط بنصف زرعه صح لأنه القصد المعنى وقد وجد ما يدل على المراد منه.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 175)
الإطلاق محمول على الإجارة فتكون ممنوعة لأنها إجارة بجزء مجهول القدر وحمله سحنون على الشركة فأجازها وقال فيها ابن رشد إن عقداها بلفظ الشركة جاز اتفاقا وان عقداها بلفظ الإجارة لم تجز اتفاقا وان عر ى العقد عن اللفظين أجاز ذلك ابن القاسم ومنعه سحنون وحاصله أن ابن عرفة قال: الموافق لأقوال المذهب أنها إجارة ولو وقعت بلفظ الشركة وأنها فاسدة أما كونها إجارة لا شركة لأن من خواص الشركة أن يخرج كل واحد مالا وهذه ليست كذلك واما كونها فاسدة فلان من شرط صحة الإجارة كون عوضها معلوم وهنا غير معلوم.(1/577)
العاقد
يشترط في العاقد أهلية التعاقد سواء أكان شخصا طبيعيا أو معنويا.(1/578)
يشترط في العاقد أهلية التعاقد بأن يكون العاقد عاقلا مميزا فلا تصح مزارعة المجنون والصبى غير المميز
أما البلوغ فليس بشرط لجواز المزارعة فتجوز مزارعة الصبى المأذون كالإجارة ويشترط الشافعية اتحاد العاقد المزارع بأن يكون العامل في المزارعة هو نفس العامل في المساقاة لتتحقق تبعية المزارعة للمساقاة.(1/579)
بدائع الصنائع (5 / 176)
واما شرائط المزارعة - فهي في الأصل نوعان شرائط مصححة للعقد على قول من يجيز المزارعة وشرائط مفسدة له
(أما) المصححة فأنواع بعضها يرجع إلى المزارع وبعضها يرجع إلى الزرع وبعضها يرجع إلى ما عقد عليه وبعضها يرجع إلى آلة المزارعة وبعضها إلى الخارج وبعضها يرجع إلى المزروع فيه وبعضها يرجع إلى مدة المزارعة.
أما الذي يرجع إلى المزارع فنوعان الأول أن يكون عاقلا فلا تصح مزارعة المجنون والصبى والذي لا يعقل لأن العقل شرط أهلية التصرفات
وأما البلوغ فليس بشرط لجواز المزارعة حتى تجوز مزارعة الصبى المأذون لأن المزارعة استئجار بنصف الخارج والصبى المأذون يملك الإجارة
وكذلك الحرية ليست بشرط لصحة المزارعة فتصح المزارعة من العبد المأذون وألا يكون مرتدا على قول أبي حنيفة وغيرهما - أي أبو يوسف ومحمد - هذا ليس يشرط لجواز المزارعة.
مغني المحتاج (2 / 324)
وإنما يجوز ذلك بشرط اتحاد العامل فيهما فلا يصح أن يساقى واحدا ويزارع آخر لأن الاختلاف يزيل التبعية وليس المراد باتحاده كونه واحدا بل أن لا يكون من ساقاه غير من زارعه.(1/580)
المعقود عليه
يختلف المعقود عليه في المزارعة باختلاف من عليه البذر فإذا كان من قبل صاحب الأرض كان المعقود عليه منفعة الأرض وإذا كان من قبل العامل فالمعقود عليه منفعة العمل.(1/581)
يتردد محل العقد بين أن يكون منفعة الأرض أو عمل العامل وذلك بحسب اتفاق الطرفين على الجهة التي توفر البذر.
فإن كان البذر من جانب صاحب الأرض فهو يصير مستأجرا للعامل ليعمل له في أرضه ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه وهو البذر. ويكون المعقود عليه في هذه المعاملة عمل المزارع.
وإن كان البذر من جانب العامل فهو يصير مستأجرا الأرض ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه وهو البذر. ويكون المعقود عليه في هذه المعاملة منفعة الأرض.(1/582)
أن يكون معلوما
يشترط أن يكون المزروع معلوما ببيان ما يزرع من قمح أو ذرة أو قطن. . الخ
كما يشترط تعيين من عليه البذر قطعا للمنازعة فإن لم يبين يطبق المتعارف عليه في ذلك.
ويجوز للعامل أن يزرع أي نوع أراد إذا ترك له صاحب الأرض الحرية في ذلك وفو ض إليه الأمر.(1/583)
ورد هذا الشرط: وهو أن يكون المزروع معلوما ببيان ما يزرع لأن بعض أنواع المزروعات تزيد من خصوبة الأرض وبعضها ينقص من تلك الخصوبة فلا بد من البيان.
أما إذا قال صاحب الأرض للمزارع ازرع ما شئت فيها فيجوز أن يزرع أي الأنواع أراد لأن صاحب الأرض إذ فوضه في نوع الزراعة فإنه راضى وقابل بما قد يحصل من نقص في درجة خصوبة الأرض أو درجة تماسكها
ويرى الظاهرية أنه يستحسن إطلاق العقد عن اشتراط ما يزرع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر لأهل خيبر شيئا من ذلك ولا نهى عن ذكره فهو مباح إلا أنه يجوز لهما الاتفاق تطوعا على ذكر أنواع ما يصح زراعته في الأرض.(1/584)
بدائع الصنائع (5 / 177)
أما الذي يرجع إلى الزرع - من الشروط - فنوع واحد
وهو أن يكون معلوما بأن يبين ما يزرع لأن حال المزروع يختلف باختلاف الزرع بالزيادة والنقصان فرب زرع يزيد في الأرض ورب زرع ينقصها وقد يقل النقصان وقد يكثر فلا بد من البيان ليكون لزوم الضرر مضافا لالتزامه إلا إذا قال له ازرع فيها ما شئت فيجوز له أن يزرع فيها ما شاء لأنه لما فوض الأمر إليه فقد رضى بالضرر إلا انه لا يملك الغرس لأن الداخل تحت العقد الزرع دون الغرس.
حاشية رد المحتار (6 / 276)
قوله وذكر جنسه لأن الأجر بعض الخارج وإعلام جنس الأجر شرط ولأن بعضها أضر بالأرض فإذا لم يبين البذر من رب الأرض جاز لأنها لا تتأكد عليه قبل إلقائه وعند الإلقاء يصير الأجر معلوما وإن من العامل - أي البذر - لا يجوز إلا إذا كان عمم بأن قال تزرع ما بدأ لك وإلا فسدت.
المحلى (8 / 225)
فإن اتفقا تطوعا على شيء يزرع في الأرض فحسن وإن لم يذكر شيئا فحسن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر لهم شيئا من ذلك ولا نهى عن ذكره فهو مباح ولا بد من أن يزرع فيها شيء ما فلا بد من ذكره إلا أنه إن شرط شيء من ذلك في العقد فهو شرط فاسد وعقد فاسد لأنه ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل إلا أن يشترط صاحب الأرض أن لا يزرع فيها ما يضر بأرضه أو شجره إن كان له فيها شجر فهذا واجب ولا بد لأن خلافه فساد واهلاك للحرث.(1/585)
أن يكون قابلا لعمل الزراعة
يشترط في المزروع أن يكون قابلا لعمل الزراعة أي أن يؤثر فيه العمل بالزيادة.(1/586)
يشترط في المزروع أن يكون قابلا لعمل الزراعة
أي أن يؤثر العمل فيه بالزيادة بمجرى العادة لأن ما لا يؤثر فيه العمل بالزيادة عادة لا يتحقق فيه عمل الزراعة.(1/587)
بدائع الصنائع (5 / 177)
واما الذي يرجع إلى المزروع فهو أن يكون قابلا لعمل الزراعة وهو أن يؤثر العمل فيه بالزيادة بمجرى العادي لأن ما لا يؤثر فيها العمل بالزيادة عادة لا يتحقق فيه عمل الزراعة حتى ولو رقع أرضا فيها زرع قد استحصد مزارعة لم يجز كذا قالوا لأن الزرع إذا استحصد لا يؤثر فيه عمل الزراعة بالزيادة فلا يكون قابلا لعمل الزراعة.(1/588)
أن تكون معلومة صالحة للزراعة
يشترط كون الأرض معلومة صالحة للزراعة منعا للغرر لكي يعرف العامل تناسب ربحه مع حجمها ولكيلا يضع جهده إذا لم تكن صالحة للزراعة إذ لا فائدة حينئذ من العقد.(1/589)
يشترط الفقهاء أن تكون الأرض صالحة لزراعة ما يراد زراعته فيها بحسب العادة فلو كانت الأرض سبخة أو نازة وغيرها من موانع الزراعة لا يجوز التعاقد على زراعتها لأن عقد المزارعة عقد استئجار ببعض الناتج والأرض التي لا يجوز إجارتها لا تجوز مزارعتها.
ولا ينفى صلاحية الأرض للمزارعة عدم إمكانية زراعتها وقت العقد لعارض قابل للزوال في مدة معقولة كانقطاع الماء أو الفيضانات أو تغير المناخ والفصول.
وكذلك يشترط الفقهاء معلومية الأرض بمساحتها وموقعها فإن كانت مجهولة لا تصح المزارعة لأنها تودى إلى المنازعة.
ولا يشترط أن تكون الأرض مملوكة لأحد المتعاقدين فيجوز أن تكون الأرض مستأجرة من احدهما بأجرة غير منسوبة إلى الخارج.(1/590)
بدائع الصنائع (5 / 178)
وأما الذي يرجع إلى المزروع فيه وهو الأرض فأنواع منها أن تكون صالحة للزراعة حتى لو كانت سبخة أو نزة لا يجوز العقد لأن المزارعة عقد استئجار لكن ببعض الخارج والأرض السبخة أو النزة لا تجوز إجارتها فلا تجوز مزارعتها.
(فأما) إذا كانت صالحة للزراعة في المدة لكن لا يمكن زراعتها وقت العقد لعارض من انقطاع الماء وزمان الشتاء ونحوه من العوارض التي هي على شرف الزوال في المدة تجوز مزارعتها كما تجوز إجارتها.
(ومنها) أن تكون معلومة فإن كانت مجهولة لا تصح المزارعة لأنها تؤدى إلى المنازعة.
حاشية رد المحتار (6 / 276)
وينبغي أن يكون العامل يعرف الأرض لأنه إذا لم يعلم والأراضي متفاوتة لا يصير العمل معلوما.(1/591)
التخلية بين الأرض والعامل عليها
يشترط تمكين العامل من العمل بأن يخلي صاحب الأرض بينه وبينها.
ولذلك يمتنع عند الحنفية شرط العمل على صاحب الأرض.(1/592)
من الشروط المتفق عليها كذلك ضرورة التخلية بين الأرض والعامل وتمكين العامل منها وعليه فلو شرط العمل على رب الأرض أو عليهما معا (العامل وصاحب الأرض) لا تصح المزارعة لانعدام التخلية.
ويرى الأحناف أنه لا يجوز اشتراط العمل على صاحب الأرض لأن ذلك يمنع من تسليم الأرض للعامل
ولا يجوز كذلك شرط عمل العاقدين معا وهو نفسه رأي الظاهرية.(1/593)
بدائع الصنائع (5 / 178)
(ومنها) أن تكون الأرض مسلمة إلى العامل مخلاة ولو شرط العمل على رب الأرض لا تصح المزارعة لانعدام التخلية.
حاشية رد المحتار (6 / 276)
ويشترط التخلية فكل ما يمنع التخلية كاشتراط عمل صاحب الأرض مع العامل يمنع الجواز.
بدائع الصنائع (5 / 180 - 181)
وأما الشرائط المفسدة للمزارعة فأنواع. . .
(ومنها) شرط العمل على صاحب الأرض لأن ذلك يمنع التسليم وهو التخلية.(1/594)
يشترط عدم أفراد الأرض بعقد مزارعة وربطها بعقد المساقاة
يشترط الشافعية أن لا يكون عقد المزارعة مستقلا عن عقد المساقاة بل لا بد أن يؤتى بهما على الاتصال لتحصل التبعية.(1/595)
يشترط الشافعية عدم إفراد المزارعة بالعقد وإنما يجب أن تعقد تبعا للمساقاة حيث يشترطون أن تكون الأرض المزروعة فضاء بين النخل وغيره من المغروسات.
فالمزارعة عند الشافعية تتصل بالمساقاة في العقد في الصيغة والأرض كموقع صالح للتنفيذ ومباشرة عقد المزارعة لكنها تتأخر عن المساقاة في مباشرة العمل حتى تكون تابعة للمساقاة فعلا.(1/596)
تكملة المجموع (14 / 417 - 418)
إذا كانت الأرض بين النخل لا يمكن سقى الأرض إلا بسقيها نظرات فإذا كان النخيل كثيرا والبياض قليلا جاز أن تساقيه على النخل وتزارعه على الأرض.
مغني المحتاج (2 / 324)
يشترط في عقد المساقاة والمزارعة ألا يفصل بينهما بل يؤتى بهما على الاتصال لتحصل التبعية.(1/597)
معلومية حصة الطرفين من الناتج
يشترط أن تكون حصة كل من الطرفين في الناتج محددة بنسبة شائعة متفق عليها.
فلا يجوز أن يحدد نصيب أحدهما من المحصول بوزن معين منه ولا اشتراط كل المحصول لطرف واحد لأن ذلك يقطع الشركة في الناتج.(1/598)
يشترط الفقهاء أن تكون حصة كل من الطرفين في المحصول محددة بنسبة شائعة متفق عليها لأن ترك ذلك يؤدي إلى الجهالة المفضية إلى المنازعة
فلا يصح اشتراط كل الخارج لأحدهما أو أن يحدد نصيب أحد الطرفين بمقدار من المحصول لأن ذلك قد يؤدي إلى قطع المشاركة فربما لا يخرج إلا هذا المقدار وكل شرط يكون قاطعا للشركة في الخارج يكون مفسدا لعقد المزارعة لأن المشاركة هي أهم خصائص عقد المزارعة.
ويمنع كذلك الشروط التي تعود بجهالة نصيب أحد أو كلا العاقدين مثل أن يشرط أن لرب الأرض ناتج ناحية معينة وللعامل نتاج الناحية الأخرى وقد ورد في النهي عن تخصيص زرع قطعة معينة لصاحب الأرض أو العامل حديث رواه رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلا وكان أحدنا يكري أرضه فيقول هذه القطعة لي وهذه لك فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري.
واشترط المالكية تساوى نصيب العاقدين في الناتج مع ما أخرجاه للمزارعة وذلك بأن يأخذ كل من العاقدين من الربح بقدر ما أخرجاه وشاركا به في المزارعة أي أنهم يشترطون التناسب في قسمة الخارج مع ما قدمه كل متعاقد وذلك بتقدير حصة كل طرف تقديرا مناسبا.(1/599)
بدائع الصنائع (5 / 177)
وأما الذي يرجع إلى الخارج من الزرع فأنواع
(منها) أن يكون مذكورا في العقد حتى لو سكت عنه فسد العقد لأن الزارعة استئجار والسكوت عن ذكر الأجرة يفسد الإجارة
(ومنها) أن يكون لهما حتى لو شرطا أن يكون الخارج لأحدهما يفسد العقد لأن معنى الشركة لازم لهذا العقد وكل شرط يكون قاطعا للشركة يكون مفسدا للعقد.
(ومنها) أن يكون ذلك البعض من الخارج معلوم القدر من النصف والثلث والربع ونحوه لأن ترك التقدير يؤدى إلى الجهالة المفضية للمنازعة
(ومنها) أن يكون جزءا شائعا من الجملة حتى لو شرط لأحدهما قفزانا معلومة لا يصح العقد.
المغني (5 / 426)
إن اشترط لنفسه قفزانا معلومة ذلك شرط فاسد تفسد به المزارعة لأن الأرض ربما لا يخرج منها إلا تلك القفزان فيختص رب المال بها وإن زارعه على أن لرب الأرض زرعا بعينه وللعامل زرعا بعينه أو يشرط احدهما ما على السواقي والجداول إما منفردا أو مع نصيبه فهو فاسد بإجماع العلماء.
شرح منتهى الإرادات (2 / 349)
(لو شرطا أي رب المال والعامل لأحدهما قفزانا من التمر أو المزروع معلومة أو شرطا لأحدهما دراهم معلومة أو شرطا لأحدهما زرع ناحية معينة من الأرض فهو فاسد أما في الأولى فإنه قد لا يزيد ما تخرج عن القفزان المشروطة وفي الثانية قد لا يخرج ما يساوى تلك الدراهم وفي الثالثة قد لا يتحصل في الناحية المسماة الأخرى شيء) .
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 373)
لابن شاس وابن الحسن وغيرهما أن الشروط اثنان فقط السلامة من كراء الأرض بممنوع والتساوي في الربح بأن يأخذ كل واحد منهم بقدر ما أخرج.
المغني مع الشرح الكبير (5 / 590)
والشروط الفاسدة في المساقاة والمزارعة تنقسم قسمين
(أحدهما) ما يعود بجهالة نصيب كل واحد
وثانيهما أن يشترط احدهما نصيبا مجهولا أو دراهم معلومة أو أقفزة معينة فهذا يفسدها لأنه يعود إلى جهالة المعقود عليه وإن شرط البذر من العامل فالمنصوص عن أحمد فساد العقد.
المغني مع الشرح الكبير (5 / 590)
إن شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقسما الباقي لم يصح وكذلك لو شرط لأحدهما زرع ناحية معينة أو شرط لأحدهما ما على الجداول إما منفردا أو مع نصيبه فهو فاسد بإجماع العلماء.
بدائع الصنائع (5 / 180 - 181)
وأما الشرائط المفسدة للمزارعة فأنواع
(منها) شرط كون الخارج لأحدهما لأنه شرط يقطع الشركة التي هي من خصائص العقد.(1/600)
أن تكون حصة الطرفين من نفس الناتج
يشترط أن تكون حصة كل واحد من العاقدين من نفس الخارج في عملية المزارعة محل العقد.(1/601)
يشترط أن تكون حصة كل واحد من العاقدين من نفس الخارج في عملية المزارعة محل العقد لأن المزارعة ليست من الإجارات المطلقة وإنما هي نوع من إجارة الأرض ببعض الخارج منها وهو ما يميزها عن الإجارة فلا بد أن تكون حصة كل واحد من الطرفين من نفس الخارج من عملية المزارعة محل العقد وعليه فلا يصح أن تكون حصة أحد الطرفين شيئا بخلاف الناتج من الأرض المزروعة.(1/602)
بدائع الصنائع (5 / 177)
وأما الذي يرجع إلى الخارج من الزرع فأنواع. . .
(ومنها) أن تكون حصة كل واحد من المزارعين بعض الخارج حتى لو شرطا أن يكون من غيره لا يصح العقد لأن المزارعة استئجار ببعض الخارج به تنفصل عن الإجارة المطلقة.
شرح منتهى الإرادات (2 / 349)
(لو شرطا أي رب المال والعامل لأحدهما قفزانا من التمر أو المزروع معلومة أو شرطا لأحدهما دراهم معلومة أو شرطا لأحدهما زرع ناحية معينة من الأرض فهو فاسد أما في الأولى فإنه قد لا يزيد ما تخرج عن القفزان المشروطة وفي الثانية قد لا يخرج ما يساوى تلك الدراهم وفي الثالثة قد لا يتحصل في الناحية المسماة الأخرى شيء) .(1/603)
لزوم العقد
يرى الأحناف أن عقد المزارعة عقد غير لازم في جانب صاحب البذر لازم في الجانب الآخر ولا يجوز له الفسخ إلا بعذر
أما عند المالكية فعقد المزارعة غير لازم قبل البذر
ويرى الحنابلة أنه عقد غير لازم وهو رأى الظاهرية حيث يرون أنه يحق لأى من العاقدين ترك العمل ولصاحب الأرض إخراج العامل بعد الزرع.(1/604)
يرى الأحناف أن عقد المزارعة عقد غير لازم بالنسبة لصاحب البذر لازم في جانب العاقد الآخر ولا يجوز له فسخ المزارعة إلا بعذر فإذا امتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه وإذا امتنع من لا بذر له أجبره الحاكم على العمل
وسبب التفرقة بين العاقدين أن صاحب البذر لا يمكنه تنفيذ العقد إلا بإتلاف ملكه وهو البذر إذ لا يجبر الإنسان على إتلاف ملكه أما العاقد الآخر فلا يتلف ملكه ولا ينفسخ العقد في حقه إلا بعذر كما في سائر الإجارات.
أما المالكية فعقد المزارعة غير لازم قبل البذر في قول ابن القاسم فلا تلزم المزارعة بمجرد الصيغة وجزم سحنون بلزوم المزارعة بالعقد وإنما وقع هذا الخلاف في المزارعة لأنها شركة عمل وإجارة فمن غلب الشركة لم يرها لازمة بالعقد وقيل أنها تلزم بالعقد إذا انضم إليه عمل.
أما الظاهرية فيرون أن عقد المزارعة غير لازم فلأي من العاقدين ترك العمل ولصاحب الأرض أخراج العامل بعد الزرع لكن مع ذلك على العامل خدمة الزرع إلى أن يبلغ مرحلة ينتفع بها أما قبل الزرع فإن خرج العامل فلا شيء له مقابل ما بذل أو ما أنفق أما إن أخرجه صاحب الأرض فله أجر مثل عمله وله مثل زبله وسماده أو قيمته.(1/605)
بدائع الصنائع (5 / 182)
إن هذا العقد غير لازم في جانب صاحب البذر لازم في جانب صاحبه فلو امتنع بعد ما عقد المزارعة على الصحة وقال لا أريد زراعة الأرض له ذلك سواء كان له عذر أو لم يكن ولو امتنع صاحبه ليس له ذلك إلا من عذر
والفرق أن صاحب البذر لا يمكنه المضي في العقد إلا بإتلاف ملكه وهو البذر لأن البذر يهلك في التراب فلا يكون الشروع فيه ملزما في حقه إذ الإنسان لا يجبر على إتلاف ملكه ولا كذلك من ليس البذر من قبله فكان الشروع في حقه ملزما ولا ينفسخ إلا من عذر كما في سائر الإجارات.
حاشية الدسوقي (3 / 372)
وعقدها غير لازم قبل البذر أي كما هو قول ابن القاسم في المدونة فلا تلزم بمجرد الصيغة
ولقد جزم به الماجشون وسحنون بلزوم المزارعة بالعقد وإنما وقع هذا الاختلاف في المزارعة لأنها شركة عمل وإجارة فمن غلب الشركة لم يرها لازمة بالعقد لما مر أن شركة العمل إنما تلزم بالعمل ومن غلب الإجارة ألزمها بالعقد.
المحلى (8 / 225 - 226)
وايهما شاء ترك العمل فله ذلك وإذا أراد صاحب الأرض إخراج العامل بعد أن زرع أو أراد الخروج بعد أن زرع فذلك جائز وعلى العامل خدمة الزرع كله وعلى ورثته كذلك حتى يبلغ مبلغ الانتفاع به من كليهما لأنهما على ذلك تعاقدا العقد الصحيح فهو لازم لأنه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن أراد أحدهما ترك العمل وقد حرث وقلب وزبل ولم يزرع فذلك جائز ويكفل صاحب الأرض للعامل أجر مثله فيما عمل وقيمة زبله أن لم يجد له زبلا مثله أن أراد صاحب الأرض أخراجه لأنه لم تتم بينهما المزارعة.
فلو كان العامل هو المريد للخروج فله ذلك ولا شيء له فيما عمل وإن أمكنه أخذ زبله بعينه أخذه وإلا فلا شيء له لأنه مختار للخروج ولم يتعد عليه صاحب الأرض في شيء ولا منعه حقا له فهو مخير بين إتمام عمله وتمام شرطه والخروج باختياره.
كشاف القناع (3 / 545)
وإن خرج الزارع باختياره وترك العمل قبل الزرع أو بعده قبل ظهور الزرع وأراد أن يبيع عمل يديه في الأرض من حرث ونحوه لم يجز ذلك ولا شيء له وإن أخرجه مالك الأرض فله أجرة مثله لأنه عمل بعوض لم يسلم له فوجب له بدله أو قيمته وإذا فسخت المزارعة بعد ظهور الزرع للعامل نصيبه وعليه تمام العمل.(1/606)
استئجار الغير
الأصل أن كل عمل يحتاج إليه الزرع لإتمام صلاحه هو على المزارع العامل.
ولكن يجوز أن يستعين المزارع بالغير فيما يزيد على طاقته وقدراته وتكون تلك النفقات على قدر نصيب كل من العاقدين في الناتج.(1/607)
الأصل أن كل عمل يحتاج إليه الزرع لإتمام صلاحه كالسقى وقلع الحشائش الضارة وحفر الجداول وغيرها من الأعمال التي يحتاج إليها قبل تناهي الزرع وادراكه فهي تكون على المزارع العامل لأن المقصود من الزرع هو النماء ولا يحصل النماء عادة بدون تلك الأعمال فكانت تلك الأعمال من توابع المعقود عليه فكانت من عمل المزارعة فتكون على المزارع.
ولكن هناك بعض الأعمال كتوفير السماد وقلع الحشائش الضارة بصورة تزيد على طاقة العامل العادي وكذلك نفقات الحصاد والدياس والتذرية فتكون نفقتها على العاقدين بقدر نسبة مساهمة كل واحد منهما في متطلبات المزارعة أو على قدر نسبة تقسيم الخارج بينهما.(1/608)
نفقات المزارعة
كل عمل يكون بعد تناهى الزرع وادراكه وجفافه قبل قسمة الحب والخارج مما يتطلبه استخلاص الحب وتنقيته تكون تكلفته على العاقدين حسب النسبة المتفق عليها في تقسيم الناتج.
أما الأعمال التي تكون بعد قسمة الناتج فإنه يتحملها كل واحد من العاقدين في نصيبه.(1/609)
الأعمال التي تنشأ بعد تناهى الزرع وإدراكه وجفافه وقبل قسمة الناتج وهى مرحلة الحصاد والتنقية والتجميع ونحوها لا تعتبر من أعمال المزارعة التي يلتزم بها المزارع ولذلك فإن الفقهاء قالوا بأنه لو دفع أحدهم أرضا مزارعة وفيها زرع قد بلغ مرحلة الحصاد أو كاد لا يجوز عقد المزارعة عليها لانقضاء وقت أعمال الزراعة وعليه فإن تلك الأعمال كما أوضحنا في الخلاصة تكون على العاقدين حسب النسب المتفق عليها لتقسيم الناتج
إلا أن أبو يوسف من الأحناف أجاز اشتراط تلك الأعمال على الزارع ابتداء.
أما بعد قسمة الناتج بين طرفي العقد بحسب الاتفاق فإنه يكون كلا منهما مسئولا عن نصيبه فيما يختص بالنقل والتخزين والتعبئة لأنه مؤونة ملكه فيلزمه وحده دون غيره إلا أنه لا بأس من أن يتبرع أحدهما للآخر بالعمل المعين أو أن يؤجر نفسه منه في إنجاز العمل المطلوب.(1/610)
بدائع الصنائع (5 / 181 - 182)
للمزارعة الصحيحة أحكام
(منها) أن كل ما كان من عمل المزارعة مما يحتاج الزرع إليه لإصلاحه فعلى المزارع
(ومنها) أن كل ما كان من باب النفقة على الزرع فعليهما على قدر حقهما
وكذلك الحصاد والحمل إلى البيدر والدياس وتذريته لأن ذلك ليس من عمل المزارعة حتى يختص به المزارع.(1/611)
توزيع الناتج
يكون الخارج من المزارعة شركة بين صاحب الأرض والمزارع بحسب الشرط المتفق عليه.
أما إذا لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء لواحد منهما لا أجر الأرض ولا أجر العمل سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل صاحب الأرض.(1/612)
يكون الخارج من المزارعة شركة بين العاقدين على حسب شروطهما على أن يكون ذلك معلوما بنسب شائعة بينهما.
وإذا قدر الله ألا تخرج الأرض شيئا فلا يجب شيئا للمزارع أو لصاحب الأرض شأن كل المشاركات فيخسر المزارع مقابل عمله وجهده كما يخسر صاحب الأرض منفعة أرضه.
ويختلف الحكم في توزيع الناتج في المزارعة الفاسدة حيث يكون الناتج كله لصاحب البذر سواء كان رب الأرض أو المزارع لأن الخارج يستحق بسبب أنه نماء للملك وليس بالشرط الذي يعمل به في حالة صحة العقد لا في حالة فساده.
فإذا كان البذر من صاحب الأرض استحق المزارع بسبب فساد المزارعة أجر مثل عمله لأن البذر لما كان من صاحب الأرض صار صاحب الأرض مستأجرا للعامل فإذا فسدت الإجارة وجب أجر مثل عمله ويطيب الخارج كله لصاحب الأرض لأنه نماء ملكه وهو البذر.
أما إذا كان البذر من العامل كان على العامل لصاحب الأرض أجر مثل أرضه لأن البذر لما كان من قبل العامل كان العامل مستأجرا للأرض فإذا فسدت الإجارة يجب على العامل لرب الأرض أجر مثل أرضه.
ويرى بعض الفقهاء أنه لا يطيب كل الخارج للمزارع لأن الخارج وإن تولد من بذر العامل لكن في أرض غيره بعقد فاسد فتمكنت فيه شبهة الخبث وعليه فللمزارع أن يأخذ منه بقدر بذره وقدر أجر مثل الأرض ويتصدق بالفضل الزائد.
هذا ولا يجب أجر المثل في المزارعة الفاسدة إلا إذا استعملت الأرض واستخدمت فعلا لأن عقد المزارعة عقد إجارة والأجرة في الإجارة الفاسدة لا تجب إلا بحقيقة الاستعمال والاستخدام ولا تكفي التخلية بين العامل والأرض من غير استعمال فعلي للأرض ويصدق نفس الكلام باعتبارها مشاركة كذلك.(1/613)
بدائع الصنائع (5 / 181 - 182)
للمزارعة الصحيحة أحكام. . . .
(ومنها) أن يكون الخارج بينهما على الشرط المذكور
(ومنها) إذا لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء لواحد منهما لا أجر العمل ولا أجر الأرض سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل رب الأرض.
بدائع الصنائع (5 / 182 - 183)
وأما حكم المزارعة الفاسدة فأنواع
(منها) أنه لا يجب على المزارع شيء من أعمال المزارعة لأن وجوبه بالعقد ولم يصح
(ومنها) إن الخارج يكون كله لصاحب البذر سواء كان رب الأرض أو المزارع لأن استحقاق صاحب البذر للخارج لكونه نماء ملكه لا بالشرط
(ومنها) أن البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض كان للعامل عليه أجر المثل لأن البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض كان هو مستأجرا للعامل فإذا فسدت الإجارة وجب أجر مثل عمله وإذا كان البذر من قبل العامل كان عليه لرب الأرض أجر مثل أرضه لأن البذر إذا كان من العامل يكون هو مستأجرا للأرض فإذا فسدت الإجارة يجب عليه أجر مثل أرضه
(ومنها) إن البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض واستحق الخارج وغرم للعامل أجر مثل عمله فالخارج كله طيب له لأنه حاصل من ملكه وهو البذر في ملكه وهو الأرض وإذا كان من قبل العامل واستحق الخارج وغرم لصاحب الأرض أجر مثل أرضه فالخارج كله لا يطيب له بل يأخذ من الزرع قدر بذره وقدر أجر مثل الأرض ويطيب ذلك له لأنه سلم له بعوض ويتصدق بالفضل لأنه تولد من بذره لكن في أرض غيره بعقد فاسد
(ومنها) إن أجر المثل لا يجب في المزارعة الفاسدة ما لم يوجد استعمال الأرض لأن المزارعة عقد إجارة فالأجرة في الإجارة الفاسدة لا تجب إلا بحقيقة الاستعمال
(ومنها) إن أجر المثل يجب في المزارعة الفاسدة ولو لم تخرج الأرض شيئا بعد أن استعملها المزارع
(ومنها) إن أجر المثل في المزارعة الفاسدة يجب مقدرا بالمسمى عند
أبي يوسف وعند محمد يجب تاما وهذا إذا كانت الأجرة وهى حصة كل واحد منهما مسماة في العقد فإن لم يكن يجب أجر المثل تاما بالإجماع.
حاشية الدسوقي الشرح الكبير (3 / 376)
حاصله أن المصنف ذكر أنها إن فسدت - أي المزارعة - فإن كان العمل منهما فالزرع بينهما وإن كان العمل من أحدهما فإن خرج من يده شيء آخر كأرض أو بذر فالزرع له ويلزمه الأجر حينئذ أو البذر وإن لم يخرج من يده شيء آخر كان الزرع لغيره وله أجر مثله.(1/614)
ضمان المزارع
لا يجوز اشتراط ضمان العامل لما هلك من الزرع من غير تعمد أو تقصير.(1/615)
لا يجوز اشتراط ضمان العامل لما هلك من الزرع من غير تعمد أو تقصير فلو أخر السقي عن حينه تأخيرا غير معتاد أو ترك حفظ الزرع ضمن.(1/616)
انتهاء المزارعة
تنتهى المزارعة بانتهاء مدتها وبموت أحد العاقدين وبالفسخ الصريح أو الضمني كما تنتهي بالفسخ لعذر.(1/617)
انتهاء المزارعة بانتهاء المدة
يرى بعض الفقهاء أنه لا بد من أن تكون مدة المزارعة معلومة وأن تكون تلك المدة صالحة لاكتمال الزرع فيها وألا تكون ممتدة لزمن طويل لا يعيش إليه أحد المتعاقدين في الغالب
ويرى الظاهرية أنه لا يجوز اشتراط الأجل في المزارعة
والمفتى به عند الأحناف أنه لا يجب أن يشترط أجل للمزارعة.
فإذا ما كان للعقد مدة فإن المزارعة تنتهى بانقضاء مدة العقد إلا أنه إذا انتهت المدة والزرع لم يدرك بعد استمر عقد المزارعة حتى يدرك الزرع ويستحصد رعاية لمصلحة العاقدين وإن انتهت المدة وادرك الزرع واقتسم العاقدان الناتج فينتهى العقد بانتهاء مدته.
انتهاء المزارعة بالفسخ
كذلك تنتهى المزارعة بالفسخ سواء كان صريحا بلفظ الفسخ والإقالة أو بطريقة الدلالة كامتناع صاحب البذر من المضي في العقد لأن العقد غير لازم في حقه لذلك كان له الامتناع عن المضي في العقد بغير عذر.
انتهاء المزارعة بموت أحد العاقدين
وتنتهى المزارعة بموت أحد العاقدين سواء حدث الموت قبل الزراعة أم بعدها وسواء ادرك الزرع أو لم يدرك وهذا رأي الأحناف والحنابلة
وقال المالكية والشافعية لا تنقضي المزارعة بموت احد العاقدين.
لكن لو مات رب الأرض والزرع لم يدرك فإن العامل يظل ملزما بالعمل لأن العقد يوجب عليه عملا يحتاجه الزرع لأن في بقاء العقد حتى يستحصد الزرع مراعاة لمصلحة العامل وورثة صاحب الأرض.
وتنفسخ المزارعة لأي من الإعذار التالية:
- طرؤ إعذار للمزارع مثل المرض لأنه معجز عن العمل والسفر وتغيير الحرفة ونحو ذلك.
- الدين القائم على صاحب الأرض والذي لا قضاء له إلا من ثمن الأرض المذكورة وذلك في حالة أن قرار البيع قد وقع قبل الزراعة فيها أو بعدها وكان الزرع قد أدرك - استوى - وبلغ مبلغ الحصاد لأنه لا يمكن لصاحب الأرض المضي في العقد إلا بضرر يلحقه فلا يلزمه التضرر فيبيع القاضي الأرض في دين صاحبها أولا ثم يفسخ المزارعة.
أما إذا كان الزرع لم يدرك ولم يبلغ مبلغ الحصاد فلا تباع الأرض في تلك اللحظة ولا تفسخ المزارعة إلا أن يدرك الزرع لأن البيع في تلك اللحظة فيه إبطال حق العامل الذي تعلق بالزرع بينما في الانتظار إلى وقت الإدراك ثم البيع تأخير لحق صاحب الدين نقدا وليس إبطالا له فكان في تأخير البيع رعاية لجانب العامل.(1/618)
بدائع الصنائع (5 / 180 - 184)
واما الذي يرجع إلى مدة المزارعة فهو أن تكون المدة معلومة فلا تصح المزارعة إلا بعد بيان المدة لأنها استئجار ببعض الخارج
ولا تصح الإجارة مع جهالة المدة إلا أنها جازت في الاستحسان لتعامل الناس من غير بيان المدة ومما تنفسخ به المزارعة انقضاء مدة المزارعة لأنها إذا انقضت فقد انتهى العقد وهو معنى الانفساخ.
بدائع الصنائع (5 / 183 - 184)
وأما المعاني التي هي عذر في فسخ المزارعة فأنواع بعضها يرجع إلى صاحب الأرض وبعضها يرجع إلى المزارعة
(أما) الذي يرجع إلى صاحب الأرض فهو الدين الفادح الذي لا قضاء له إلا من ثمن هذه الأرض تباع في الدين ويفسخ العقد بهذا العذر
(واما) الذي يرجع إلى المزارع فنحو المرض لأنه معجز عن العمل والسفر لأنه يحتاج إليه وترك حرفة إلى حرفة لأن من الحرف مالا يغنى من جوع فيحتاج إلى الانتقال إلى غيره.
وأما الذي ينفسخ به عقد المزارعة بعد وجوده (فأنواع)
منها الفسخ وهو نوعان صريح ودلالة
فالصريح أن يكون بلفظ الفسخ والإقالة لأن المزارعة مشتملة على الإجارة والشركة وكل واحد منهما قابل لتصريح الفسخ والإقالة
أما الدلالة فنوعان
الأول امتناع صاحب البذر عن المضي في العقد لأن العقد غير لازم في حقه
والثاني حجر المولى على العبد المأذون
(ومنها) موت صاحب الأرض سواء مات قبل الزراعة أو بعدها وسواء ادرك الزرع أو هو بقل لأن العقد أفاد الحكم له دون وارثه لأنه عاقد لنفسه والأصل أن من عقد لنفسه بطريق الأصالة فحكم تصرفه يقع له لا لغيره إلا لضرورة
(ومنها) موت المزارع سواء مات قبل الزراعة أو بعدها بلغ الزرع حد الحصاد أو لم يبلغ.
(وأما) في موت أحد العاقدين إذا مات رب الأرض بعدما دفع الأرض مزارعة تترك الأرض في يد المزارع إلى وقت الحصاد ويقسم على الشرط المذكور لأن في الترك إلى وقت الحصاد نظرا من الجانبين
وإن مات المزارع والزرع بقل فقال ورثته نحن نعمل على شرط المزارعة فالأمر إلى ورثة المزارع وإن أرادوا قلع الزرع لم يجبروا على العمل.
المحلى (8 / 225 - 226)
وأيهما شاء ترك العمل فله ذلك وأيهما مات بطلت المعاملة فإن أقر وارث الأرض العامل ورضى العامل فهما على ما تراضيا عليه وكذلك إن أقر صاحب الأرض ورثة العامل برضاهم فذلك جائز وإذا أراد صاحب الأرض إخراج العامل بعد أن زرع أو أراد العامل الخروج بعد أن زرع عند موت أحدهما أو في حياتهما فذلك جائز وعلى العامل خدمة الزرع كله حتى يبلغ مبلغ الانتفاع به.
وإن أراد احدهما ترك العمل وقد حرث وقلب وزبل ولم يزرع فذلك جائز ويكفل صاحب الأرض للعامل أجر مثله فيما عمل وقيمة زبله أن لم يجد له زبلا مثله إن أراد صاحب الأرض إخراجه فلو كان العامل هو المريد للخروج فله ذلك ولا شيء له فيما عمل لأنه مختار في الخروج ولم يتعد عليه صاحب الأرض.(1/619)
القرض(1/620)
تعريف القرض
عقد القرض عبارة عن دفع مال مثلي لآخر ليرد بدله , الغرض منه أصالة معونة المقترض وتفريج كربته بمنحه منافع المال المقرض مجانا مدة من الزمن , ولا يجوز أن يكون سبيلا للاسترباح وتنمية رأس مال المقرض.(1/621)
القرض: هو عقد يرد على دفع مال مثلي لآخر , لينتفع به الآخذ , ثم يرد مثله.
ويسمى نفس المال المدفوع على الوجه المذكور (قرضا) أيضا.
والدافع , للمال: مقرضا.
والآخذ للمال: مقترضا ومستقرضا.
ويسمى المال الذي يرده المقترض إلى المقرض: بدل القرض.
ويسمى أخذ المال على جهة القرض: اقتراضا.
ويطلق كذلك كثير من الفقهاء على القرض (السلف) فيقولون: تسلف واستسلف: أي استقرض مالا ليرد مثله. وقد أسلفته: أي أقرضته. (وإن كان لفظ السلف يرد على ألسنة الفقهاء أيضا بمعنى عقد السلم) .
والغرض المقصود من هذا العقد أصالة هو إرفاق المقترض ونفعه وقضاء حاجته , وتفريج كربته , بمنحه منافع المال المقرض مجانا لمدة من الزمن , وليس المعاوضة بقصد الربح , كما هو الشأن في سائر عقود المبادلات المالية.(1/622)
الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4 / 171)
القرض: عقد مخصوص يرد على دفع مال مثلي لآخر ليرد مثله.
مرشد الحيران لمعرفة أحوال الإنسان (م 796)
القرض: هو أن يدفع شخص لآخر عينا معلومة من الأعيان المثلية التي تستهلك بالانتفاع بها ليرد مثلها.
تحفة المحتاج (5 / 36)
القرض: تمليك الشيء برد بدله.
كفاية الطالب الرباني (2 / 150)
القرض: دفع المال على وجه القربة لله تعالى لينتفع به آخذه , ثم يرد له مثله أو عينه.
كشاف القناع (2 / 298)
القرض: دفع مال إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله.
مراجع إضافية
انظر شرح منتهى الإرادات (2 / 224) المبدع (4 / 204) الخرشي (5 / 229) الزرقاني على خليل (5 / 226) البهجة شرح التحفة (2 / 287) مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (م723 - 725) .(1/623)
دليل مشروعية القرض
أجمع العلماء على مشروعية عقد القرض , ومستندهم القرآن والسنة الصحيحة والإجماع.(1/624)
دليل المشروعية من الكتاب
قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} (البقرة: 245) ووجه الدلالة فيها أن الله شبه الأعمال الصالحة والإنفاق في سبيل الله بالمال المقرض , وشبه الجزاء المضاعف على ذلك ببدل القرض , وسمى أعمال البر قرضا , لأن المحسن بذلها ليأخذ عوضها , فأشبه من أقرض شيئا ليأخذ عوضه. ومشروعية المشبه تدل على مشروعية المشبه به.
دليل المشروعية من السنة
قوله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقة مرة. أخرجه ابن حبان 1 وابن ماجة 1 والبيهقي 1 وفعله صلى الله عليه وسلم: حيث روى أبو رافع 1 أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا , فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم إبل الصدقة فأمر أبا رافع 1 أن يقضى الرجل بكره , فرجع إليه أبو رافع فقال يا رسول الله , لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا. فقال: أعطه , فإن خير الناس أحسنهم قضاء. أخرجه مسلم 1 وأبو داود 1 والترمذي 1 والنسائي 1 ومالك 1 في الموطأ.
دليل المشروعية من الإجماع
أجمع العلماء قاطبة على جواز القرض.(1/625)
دليل مشروعية القرض تشكيل النص
تحفة المحتاج وحاشية الشرواني (5 / 36)
الإقراض. . من السنن الأكيدة للآيات الكثيرة أي المفيدة للثناء على المقرض كآية {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} والأحاديث الشهيرة كخبر مسلم من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة , والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه.
المغني (6 / 439)
القرض نوع من السلف , وهو جائز بالسنة والإجماع. أما السنة فروى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم إبل الصدقة , فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره , فرجع إليه أبو رافع فقال: يا رسول الله , لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا. فقال: أعطه , فإن خير الناس أحسنهم قضاء. رواه مسلم وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يقرض مسلما مرتين إلا كان كصدقة مرة. وعن أنس قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها , والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال لأن السائل يسأل وعنده , والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. رواهما ابن ماجة. وأجمع المسلمون على جواز القرض.(1/626)
الوصف الفقهي للقرض
اختلف الفقهاء في تكييف القرض , فمنهم من اعتبره مشروعا على خلاف القياس للحاجة إليه , ومنهم من رآه على وفق القياس ومقتضى القواعد العامة.(1/627)
مع أن الفقهاء مجمعون على مشروعية القرض , فقد اختلفت أنظارهم في كونها على وفق القياس ومقتضى القواعد العامة في الشريعة , أم أنها جاءت استثناء على خلاف القياس لحاجة الناس إليه؟
وذلك على قولين:
القرض مشروع على خلاف القياس
الرأي الأول للشافعية والمالكية والحنابلة في المذهب:
وهو أن القرض عقد مشروع على خلاف القياس رفقا بالمحاويج وجلبا لمصلحة إسداء المعروف إلى العباد.
ومبنى هذا النظر أن القرض تمليك للشيء برد مثله فساوى البيع , إذ هو تمليك الشيء بثمنه , والمعاوضة في كليهما هي المقصودة , فكان بيع ربوي بجنسه مع تأخر القبض , وهو محظور , فمن أجل ذلك جرى جوازه على خلاف القياس.
القرض مشروع على وفق القياس الرأي الثاني لابن تيمية وتلميذه ابن القيم من الحنابلة:
وهو أن القرض عقد مشروع على وفق القياس , وجاء على سننه , وليس فيه مخالفة لشيء من القواعد الشرعية , إذ هو من جنس التبرع بالمنافع كالعارية , فكأن المقرض أعاره الدراهم ثم استرجعها منه , لكن لم يمكن استرجاع عينها , فاسترجع مثلها.(1/628)
المبدع في شرح المقنع (4 / 204)
وهو - أي القرض - نوع من المعاملات مستثنى من قياس المعاوضات لمصلحة لاحظها الشارع رفقا بالمحاويج.
أسنى المطالب (2 / 141)
الإقراض جوز على خلاف القياس للإرفاق.
الفروق للقرافي (4 / 2)
اعلم أن قاعدة القرض خولفت فيها ثلاث قواعد شرعية: (قاعدة الربا) إن كان في الربويات كالنقدين والطعام , (وقاعدة المزابنة) وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه إن كان في الحيوان ونحوه من غير المثليات , (وقاعدة بيع ما ليس عندك) في المثليات. وسبب مخالفة هذه القواعد مصلحة المعروف للعباد.
إعلام الموقعين (1 / 390)
فإن القرض من جنس التبرع بالمنافع كالعارية , ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم منيحة فقال: أو منيحة ذهب أو منيحة ورق وهذا من باب الإرفاق لا من باب المعاوضات , فإن باب المعاوضات يعطي كل منهما أصل المال على وجه لا يعود إليه , وباب القرض من جنس باب العارية والمنيحة وإفقار الظهر مما يعطي فيه أصل المال لينتفع بما يستخلف منه , ثم يعيده إليه بعينه إن أمكن وإلا بنظيره مثله.
فتارة ينتفع بالمنافع كما في عارية العقار , وتارة يمنحه ماشية ليشرب لبنها ثم يعيدها , أو شجرة ليأكل ثمرها ثم يعيدها , وتسمى (العرية) , فإنهم يقولون: أعراه الشجرة , وأعاره المتاع , ومنحه الشاة , وأفقره الظهر , وأقرضه الدراهم. واللبن والثمر لما كان يستخلف , شيئا بعد شيء كان بمنزلة المنافع , ولهذا كان في الوقف يجرى مجرى المنافع , وليس هذا من باب البيع في شيء , بل هو من باب الإرفاق والتبرع والصدقة.
مجموع الفتاوى ابن تيمية (20 / 514)
والمقرض يقرضه ما يقرضه لينتفع به ثم يعيده له بمثله , فإن إعادة المثل تقوم مقام إعادة العين , ولهذا نهي أن يشترط زيادة على المثل , كما لو شرط في العارية أن يرد مع الأصل غيره. وليس هذا من باب البيع , فإن عاقلا لا يبيع درهما بمثله من كل وجه إلى أجل , ولا يباع , الشيء بجنسه إلى أجل إلا مع اختلاف الصفة أو القدر.
إعلام الموقعين (3 / 111)
ومن ذلك أن الله تعالى حرم أن يدفع الرجل إلى غيره مالا ربويا بمثله على وجه البيع إلا أن يتقابضا وجوز دفعه بمثله على وجه القرض , وقد اشتركا في أن كلا منهما يدفع ربويا ويأخذ نظيره , وإنما فرق بينهما القصد , فإن مقصود القرض إرفاق المقترض ونفعه , وليس مقصوده المعاوضة والربح , ولهذا كان القرض شقيق العارية , كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم: منيحة الورق فكأنه أعاره الدراهم ثم استرجعها منه , لكن لم يمكن استرجاع العين فاسترجع المثل.(1/629)
الحكم التكليفي للقرض
حكم القرض في حق المقرض الأصل فيه الندب , ما لم تكتنفه أو تقترن به دواع تصرفه إلى الوجوب أو الحرمة أو الكراهة أو الإباحة.
وفي حق المقترض الإباحة لمن علم من نفسه الوفاء , وإلا فالحظر ما لم يكن مضطرا.(1/630)
الحكم التكليفي في حق المقرض
لا خلاف بين الفقهاء في أن الأصل في القرض - في حق المقرض -: أنه قربة من القرب إلى الله تعالى لما فيه من إيصال النفع للمقترض وقضاء حاجته وتفريج كربته وإعانته على كسب قربة غالبا. وأن حكمه من حيث ذاته الندب , لما روى أبو هريرة 1 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا , كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة , والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه أخرجه مسلم 1
لكن قد يعرض , للقرض الوجوب أو الكراهة أو الحرمة أو الإباحة , بحسب ما يلابسه أو يفضي إليه , حيث إن للوسائل حكم المقاصد
وعلى ذلك:
- فإن كان المقترض مضطرا لذلك , كان إقراضه واجبا.
- وإن علم المقرض أو غلب على ظنه أن المقترض يصرفه في معصية أو مكروه , كان حراما أو مكروها بحسب الحال.
- ولو اقترض تاجر لا لحاجة , بل ليزيد في تجارته طمعا في الربح الحاصل منه , كان إقراضه مباحا , ومثل ذلك ما لو أقرض غنيا لمصلحة الدافع , كحفظ ماله بإحرازه في ذمة المقترض المليء , فإنه يكون مباحا , حيث إنه لم يشتمل على تنفيس كربة ليكون مطلوبا شرعا.
الحكم التكليفي في حق المقترض
الأصل في القرض - في حق المقترض - الإباحة عند سائر الفقهاء , وذلك لمن علم من نفسه الوفاء , بأن كان له مال مرتجى , وعزم على الوفاء منه , وإلا لم يجز , ما لم يكن مضطرا - فإن كان كذلك وجب في حقه لدفع الضر عن نفسه - أو كان المقرض عالما بعدم قدرته على الوفاء وأعطاه , فلا يحرم , لأن المنع كان لحقه , وقد أسقط حقه بإعطائه مع علمه بحاله.(1/631)
المغني (6 / 429)
القرض مندوب إليه في حق المقرض , مباح للمقترض.
شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
(وهو) أي القرض (من المرافق المندوب إليها) للمقرض , لحديث ابن مسعود مرفوعا: ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقة مرة. رواه ابن ماجة ولأن فيه تفريجا وقضاء لحاجة أخيه المسلم. أشبه الصدقة عليه.
أسنى المطالب وحاشية الرملي (2 / 140)
(وهو قربة , لأن فيه إعانة على كشف كربة. نعم إن غلب على ظنه أن المقترض يصرفه في معصية أو مكروه لم يكن قربة) بل يحرم في الأول ويكره في الثاني. وقد يجب كالمضطر (إنما يجوز الاقتراض لمن علم من نفسه الوفاء , وإلا لم يجز , إلا أن يعلم المقرض أنه عاجز عن الوفاء) ولا يحل له أن يظهر الغنى ويخفي الفاقة عند القرض , كما لا يجوز له إخفاء الغنى وإظهار الفاقة عند أخذ الصدقة.
كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي (2 / 150)
(والسلف بمعنى القرض جائز , أي مندوب إليه) مراده بالجائز المأذون فيه شرعا , فلا ينافي أنه مندوب , لما فيه من إيصال النفع للمقترض وتفريج كربته وقد يعرض له ما يقتضى وجوبه أو حرمته أو كراهته , وتعسر إباحته.
التاج والإكليل (4 / 545)
وحكمه - أي القرض - من حيث ذاته الندب , وقد يعرض له ما يوجبه أو كراهته أو حرمته وإباحته تعسر.
تحفه المحتاج (5 / 36)
الإقراض مندوب إليه. ومحل , ندبه إن لم يكن المقترض مضطرا , وإلا وجب. وإن لم يعلم أو يظن من آخذه أنه ينفقه في معصية , وإلا حرم عليهما , أو في مكروه , وإلا كره. ويحرم الاقتراض والاستدانة على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال وعند الحلول في المؤجل , ما لم يعلم المقرض بحاله.(1/632)
أقسام القرض
تفرد الشافعية في تقسيم القرض إلى قسمين:
قرض حقيقي وهو دفع المال للغير على أن يرد مثله
وقرض حكمي وهو دفع المال لقضاء حاجة الغير بنية القرض.
والقرض الحكمي معروف كذلك عند جمهور الفقهاء ولكن بدون هذه التسمية.(1/633)
القرض الحقيقي
القرض الحقيقي هو عقد يرد , على دفع مال مثلي لآخر , لينتفع به الآخذ , ثم يرد مثله. وهذا النوع من القرض قال به صراحة جمهور الفقهاء.
القرض الحكمي
القرض الحكمي هو دفع المال لقضاء حاجة الغير بنية القرض.
وقد تفرد الشافعية بتقسيم القرض إلى حقيقي وحكمي , ومثلوا للقرض الحكمي قضاء الشخص مغارم غيره بأمره , أو تأديته عوائد أو رسوما مطلوبة من الغير بأمره , أو شراء شيء ما للغير بأمره , أو دفع مصاريف تصليح جهاز أو آلة بأمر صاحبها وغير ذلك. وقد جعلوا له حكم القرض الحقيقي من حيث ثبوت الدين في الذمة , وإن لم يرد بصيغته.
ومفهوم هذا النوع من القرض وصوره معروفة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة كأسباب لثبوت الدين في الذمة , ولكن بدون هذه التسمية.(1/634)
تحفة المحتاج (5 / 40)
أما القرض الحكمي , فلا يشترط فيه صيغة , كإطعام جائع وكسوة عار وإنفاق على لقيط , ومنه أمر غيره بإعطاء ما له غرض فيه كإعطاء شاعر أو ظالم أو إطعام فقير أو فداء أسير , وعمر داري , واشتر هذا بثوبك لي.
مرشد الحيران (ص 48)
من قام عن غيره بواجب من الواجبات الدنيوية , كما إذا قضى دينه بأمره أو أنفق عن مال نفسه على عيال غيره ومن تلزمه نفقتهم بأمره , رجع على الآمر بما أداه عنه , وقام مقام الدائن الأصلي في مطالبته به , سواء اشترط الرجوع عليه أو لم يشترطه. (م198)
من قضى مغارم غيره بأمره , أو أدى عنه عوائد أو رسوما مطلوبة منه بأمره , أو كفل عنه لغريمه دينه بأمره ودفعه إليه , فله الرجوع بما دفعه على الآمر , ولو لم يشترط الرجوع عليه. (م199)
إذا أمر أحد غيره بشراء شيء له أو ببناء داره من مال نفسه , ففعل المأمور ذلك , فله الرجوع على الآمر بثمن ما اشتراه له , وبما صرفه على العمارة بأمره , ولو لم يشترط الرجوع عليه (م200) .
الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4 / 171)
القرض: عقد مخصوص يرد على دفع مال مثلي لآخر ليرد مثله.
مرشد الحيران لمعرفة أحوال الإنسان (م 796)
القرض: هو أن يدفع شخص لآخر عينا معلومة من الأعيان المثلية التي تستهلك بالانتفاع بها ليرد مثلها.
تحفة المحتاج (5 / 36)
القرض: تمليك الشيء برد بدله.
كفاية الطالب الرباني (2 / 150)
القرض: دفع المال على وجه القربة لله تعالى لينتفع به آخذه , ثم يرد له مثله أو عينه.
كشاف القناع (2 / 298)
القرض: دفع مال إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله.
مراجع إضافية
انظر درر الحكام (3 / 637) وما بعدها , اختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري (2 / 62) وما بعدها , المغني (5 / 86) الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب (2 / 21) تبيين الحقائق (4 / 714) مجلة الأحكام العدلية (م1508) وتكملة رد المحتار (2 / 334) .(1/635)
صيغة القرض
ينعقد القرض بالإيجاب والقبول وبكل صيغة تدل على المقصود وتنبئ عنه.(1/636)
لما كان القرض عقدا يتم بين طرفين , فإن وجوده يتوقف على صيغة تفصح عن رغبة العاقدين في إنشائه , وتعبر بجلاء عن اتفاقهما على تكوينه , لأن النية أو الرغبة أمر باطن لا يمكن الاطلاع عليه , فأقيم مقامه ما يدل عليه ويكشف عنه , وهو الإيجاب والقبول المتصلين المتوافقين.
ولا خلاف بين الفقهاء في صحة الإيجاب بلفظ القرض والسلف وبكل ما يؤدي معناهما , أو توجد قرينة تدل على إرادة القرض , كأن سأله قرضا فأعطاه.
وكذا صحة القبول بكل لفظ يدل على الرضا بما أوجبه الأول.(1/637)
مجموع فتاوى ابن تيمية (20 / 533)
والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت , فأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما انعقد به العقد. وهذا عام في جميع العقود , فإن الشارع لم يحد ألفاظ العقود حدا , بل ذكرها مطلقة , فكما تنعقد العقود بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية والرومية وغيرهما من الألسن العجمية , فهي تنعقد بما يدل عليها من الألفاظ العربية , ولهذا وقع الطلاق والعتاق بكل لفظ يدل عليه , وكذلك البيع وغيره.
بدائع الصنائع (7 / 394)
أما ركنه: فهو الإيجاب والقبول. والإيجاب قول المقرض أقرضتك هذا الشيء , أو خذ هذا الشيء قرضا ونحو ذلك. والقبول هو أن يقول المستقرض استقرضت أو قبلت أو رضيت أو ما يجري هذا المجرى.
العناية على الهداية (7 / 474)
إذا استعار الدراهم , فقال له: أعرتك دراهمي هذه كان بمنزلة أن يقول أقرضتك. وكذلك كل مكيل وموزون ومعدود.
المهذب (1 / 309)
ولا ينعقد إلا بالإيجاب والقبول لأنه تميك آدمي , فلم يصح من غير إيجاب وقبول كالبيع والهبة. ويصح بلفظ القرض والسلف , لأن الشرع ورد بهما , ويصح بما يؤدي معناه , وهو أن يقول ملكتك هذا على أن ترد علي بدله.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 269)
ينعقد القرض ويتم بإيجاب وقبول , ولكن لا يلزم دون قبض. (م726)
يصح عقد القرض بلفظه وبلفظ السلف وكل قول يؤدي معناهما. (م727)
حكم القرض في الإيجاب والقبول كحكم البيع على ما مضى في بابه (م728)
روضة الطالبين (4 / 32)
وأما الصيغة , فالإيجاب لا بد منه. . وأما القبول فشرط على الأصح , وبه قطع الجمهور وادعى إمام الحرمين أن عدم الاشتراط أصح. قلت: وقطع صاحب (التتمة) بأنه لا يشترط الإيجاب ولا القبول , بل إذا قال لرجل: أقرضني كذا. أو ارسل إليه رسولا , فبعث إليه المال , صح القرض. وكذا لو قال رب المال: أقرضتك هذه الدراهم , وسلمها إليه ثبت القرض.
المغني (6 / 430)
ويصح بلفظ السلف والقرض لورود الشرع بهم , وبكل لفظ يؤدي معناهما , مثل أن يقول: ملكتك هذا على أن ترد علي بدله. أو ترد قرينة دالة على إرادة القرض.(1/638)
صفات العاقدين المقرض والمقترض
يشترط في المقرض أن يكون من أهل التبرع أي حرا بالغا عاقلا رشيدا غير محجور عليه ,
ولا يشترط أهلية التبرع في المقترض بل يشترط فقط أهلية المعاملة بأن يكون متمتعا بالذمة المالية.(1/639)
ما يشترط في المقرض
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في المقرض أن يكون من أهل التبرع , أي حرا بالغا عاقلا رشيدا غير محجور عليه.
وذلك أن القرض هو تبرع للمال في الحال لأنه لا يقابله عوض للحال فلا يجوز إلا ممن يجوز منه التبرع.
ما يشترط في المقترض
يشترط في المقترض أهلية المعاملة (أي التصرفات القولية) دون أهلية التبرع.
وذلك بأن يكون حرا بالغا عاقلا أو صبيا مميزا , متمتعا بالذمة المالية لأن الدين لا يثبت إلا في الذمم.(1/640)
شروط المقرض
بدائع الصنائع (7 / 394)
لأن القرض للمال تبرع ألا ترى أنه لا يقابله عوض للحال , فكان تبرعا للحال , فلا يجوز إلا ممن يجوز منه التبرع.
كشاف القناع (3 / 300)
لأنه عقد إرفاق فلم يصح إلا ممن يصح تبرعه , كالصدقة.
أسنى المطالب (2 / 140)
ويشترط كما في الأصل كون المقرض أهلا للتبرع , لأن القرض فيه شائبة التبرع , ولو كان معاوضة محضة لجاز للولي غير القاضي قرض مال موليه لغير ضرورة , ولاشترط في قرض الربوي التقابض في المجلس , ولجاز في غيره شرط الأجل , واللوازم باطلة.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 270)
يشترط أن يكون المقرض جائز التصرف ممن يصح تبرعه. فلا يصح قرض الناظر من مال الوقف ولا الوصي من مال اليتيم إلا لمصلحة. (م733)
مراجع إضافية
انظر الفتاوى الهندية (3 / 206) فتح العزيز (9 / 351) نهاية المحتاج (4 / 219) تحفة المحتاج (5 / 41) شرح منتهى الإرادات (2 / 225) .
شروط المقترض
أسنى المطالب وحاشية الشهاب الرملي (2 / 140)
(ويشترط كون المقرض أهلا للتبرع) ولا يشترط في المقترض إلا أهلية المعاملة.
كشاف القناع (3 / 300)
(ومن شأنه) أي القرض (أن يصادف ذمة) قال ابن عقيل الدين لا يثبت إلا في الذمم ومتى أطلقت الأعواض تعلقت بها , ولو عينت الديون من أعيان الأموال لم يصح (فلا يصح قرض جهة , كمسجد ونحوه) وكمدرسة ورباط.
رد المحتار (4 / 174)
إذا استقرض صبي محجور عليه شيئا , فاستهلكه , فعليه ضمانه. فإن تلف الشيء بنفسه فلا ضمان عليه. وإن كانت عينه باقية فللمقرض استردادها.(1/641)
أن يكون المال المقرض معلوما
لا خلاف بين الفقهاء في اشتراط معلومية المال المقرض لصحة القرض وذلك ليتمكن المقترض من رد البدل المماثل للمقترض.(1/642)
لا خلاف بين الفقهاء في اشتراط معلومية المال المقرض لصحة القرض وذلك ليتمكن المقترض من رد البدل المماثل للمقترض.
وهذه المعلومية تتناول أمرين:
معرفة القدر بالوحدة القياسية العرفية (وزن - حجم - طول. . الخ)
معرفة الوصف.
وذلك لأن القرض يوجب رد المثل , فإذا لم يعرف القدر والوصف , لم يعرف المثل , فلا يمكن القضاء.
ولو جرى العرف على إقراض المكيل وزنا أو العكس (أو بأية وحدة قياسية عرفية منضبطة أخرى) , فذلك جائز عند جمهور الفقهاء لأن المعلومية تعتبر متحققة , وغير جائز عند الحنفية.
جمهور الفقهاء:
ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة - ورجحه الكمال بن الهمام - إلى جواز الإقراض بالتقدير الجديد عملا بالعرف. ووجه قولهم: أن النص معلول بالعرف , فيكون المعتبر هو العرف في أي زمن كان. ذلك أن العرف الطارئ لا يخالف النص , بل يوافقه , لأن النص على كيلية الأربعة ووزنية الذهب والفضة مبني على ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم من كون العرف كذلك , حتى لو كان العرف إذ ذاك بالعكس لورد النص موافقا له , ولو تغير العرف في حياته صلى الله عليه وسلم لنص على تغير الحكم.
الحنفية:
وذهب الحنفية إلى أن ما نص الشارع على كونه كيليا (وهو البر والشعير والتمر والملح) , أو وزنيا (وهو الذهب والفضة) , فهو كذلك لا يتغير أبدا , ولا يجوز إقراضه بغير ذلك التقدير. لأن النص أقوى من العرف , فلا يترك الأقوى بالأدنى. وما لم ينص عليه فيحمل على العرف.(1/643)
المغني (6 / 434)
وإذا اقترض دراهم أو دنانير غير معروفة الوزن لم يجز , لأن القرض فيها يوجب رد المثل , فإذا لم يعرف المثل لم يمكن القضاء. وكذلك لو اقترض مكيلا أو موزونا جزافا لم يجز لذلك. ولو قدره بمكيال بعينه أو صنجة بعينها , غير معروفين عند العامة , لم يجز , لأنه لا يؤمن تلف ذلك , فيتعذر رد المثل , فأشبه السلم في مثل ذلك.
المحلى (8 / 83)
وكل ما يمكن وزنه أو كيله أو عده أو ذرعه لم يجز أن يقرض جزافا , لأنه لا يدرى مقدار ما يلزمه أن يرده , فيكون أكل مال بالباطل.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 269 - 270)
يشترط لصحة القرض معرفة قدره بمعيار معروف من مكيال أو صنجة أو ذراع أو مقياس مما يعرف عادة بين الناس. فلا يصح قرض المال جزافا , كصبرة طعام , ولا إقراض مال ملء قدح معين أو وزن حجر معين أو ذرع خشبة معينة. (م731)
كما يجوز قرض الماء كيلا يجوز قرضه مقدرا بما ينضبط به عادة , مثلا لو أقرضه ماء مقدرا بأنبوبة ونحوها يجري الماء فيها زمنا محدودا من نوبته ليرد عليه المقترض مثله من نوبته صح. (م732)
يشترط في القرض معرفة وصفه. (م736)
الدراهم والدنانير التي يتعامل بها عددا لا وزنا يجوز قرضها عددا , ويجب رد مثلها , وكذا الخبز ونحوه مما تدخله المسامحة. (م738) .
أسنى المطالب (2 / 181)
يشترط لصحة الإقراض العلم بالقدر والصفة ليتأتى أداؤه , فلو أقرضه كفا من دراهم لم يصح , ولو أقرضه على أن يستبان مقداره ويرد مثله صح.
الدر المختار مع رد المحتار (4 / 181)
وما نص الشارع على كونه كيليا كبر وشعير وتمر وملح , أو وزنيا كذهب وفضة , فهو كذلك لا يتغير أبدا. . . . لأن النص أقوى من العرف , فلا يترك الأقوى بالأدنى , وما لم ينص عليه حمل على العرف. وعن الثاني: اعتبار العرف مطلقا ورجحه الكمال
رد المحتار (4 / 182)
في الغياثية عن أبي يوسف أنه يجوز استقراض الدقيق وزنا إذا تعارف الناس ذلك وعليه الفتوى. وفي التتارخنية عن أبي يوسف يجوز بيع الدقيق واستقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك استحسن فيه.
كشاف القناع (3 / 300)
(ويشترط معرفة قدره) أي القرض (بمقدار معروف) من مكيال أو صنجة أو ذراع , كسائر عقود المعاوضات (فلو اقترض دراهم أو دنانير غير معروفة الوزن لم يصح) القرض للجهالة بمقدارها , فيتعذر رد مثلها (وإن كانت) الدراهم أو الدنانير (عددية يتعامل بها عددا) لا وزنا (جاز قرضها عددا ويرد) بدلها (عددا) عملا بالعرف
(ولو اقترض مكيلا) جزافا (أو موزونا جزافا أو قدره) أي المكيل (بمكيال بعينه أو) قدر الموزون ب (صنجة بعينها غير معروفين عند العامة لم يصح) القرض , لأنه لا يأمن تلف ذلك , فيتعذر رد المثل (كالسلم) وإن كان لهما عرف صح القرض , لا التعيين.
(ويشترط وصفه) أي معرفة وصفه ليرد بدله.
تحفة المحتاج (5 / 44)
وعلم من الضابط أن القرض لا بد أن يكون معلوم القدر ولو مآلا , وذلك ليرد مثله أو صورته. ويجوز إقراض المكيل موزونا وعكسه.(1/644)
أن يكون المال المقرض مثليا أو قيميا
اتفق الفقهاء على صحة القرض إذا كان المال المقرض من المثليات (لأن الواجب رد المثل) , وكان عينا (غير منفعة) , وكان معلوما قدرا ووصفا ليتمكن المقترض من رد البدل المماثل.
وأجاز المالكية والشافعية إقراض كل ما يملك بالبيع ويضبط بالصفات ولو كان من القيميات.
كما أجاز الحنابلة إقراض كل ما يجوز بيعه سواء أكان من المثليات أو القيميات , وسواء أكان مما يضبط بالصفة أم لا.(1/645)
المثليات هي الأموال التي لا تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها , كالنقود وسائر المقدرات بالوحدات القياسية العرفية , من موزونات ومكيلات ومذروعات وعدديات متقاربة.
ويجوز باتفاق الفقهاء إقراض المثليات أما ما عداها ففيه خلاف بينهم على النحو التالي:
جواز إقراض المثليات دون القيميات عند الحنفية
يرى الحنفية صحة قرض المثليات دون ما سواها , أما القيميات التي تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها , كالحيوان والعقار ونحو ذلك فلا يصح إقراضها.
وعللوا ذلك: بأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين , ولا إلى إيجاب رد القيمة لأنه يؤدى إلى المنازعة لاختلاف القيمة باختلاف تقويم المقومين , فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل , فيختص جوازه بما له مثل.
جواز إقراض كل ما يضبط بالصفات عند الشافعية والمالكية
نحا المالكية والشافعية نحو ما ذهب إليه الحنفية , فأجازوا قرض المثليات , غير أنهم وسعوا دائرة ما يصح إقراضه , فقالوا: يصح إقراض كل ما يجوز السلم فيه - كعروض التجارة والحيوان ونحوها , سواء أكان من المثليات أو من القيميات القابلة للانضباط بالصفات. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استقرض بكرا (الثنى من الإبل) فقيس عليه غيره.
ذلك أن ما يثبت سلما يملك بالبيع ويضبط بالصفة فجاز قرضه لصحة ثبوته في الذمة , أما ما لا يجوز فيه السلم كالجواهر ونحوها فلا يصح إقراضه لأن القرض يقتضي رد المثل وما لا ينضبط أو يندر وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله.
جواز إقراض الأعيان والمنافع عند الحنابلة
أما الحنابلة (وكذلك ابن حزم الظاهري) فقد أجازوا على المعتمد في المذهب قرض كل عين يجوز بيعها , سواء أكانت مثلية أم قيمية , وسواء أكانت مما يضبط بالصفة أم لا.(1/646)
رد المحتار (4 / 171)
لا يصح القرض في غير المثلي , لأن القرض إعارة ابتداء حتى صح بلفظها , ومعاوضة انتهاء , لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه , فيستلزم إيجاب المثل في الذمة , وهذا لا يتأتى في غير المثلي.
مرشد الحيران (ص 212)
يصح القرض في الأعيان المثلية , وهي التي لا تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها , كالمكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة (م789) .
لا يصح القرض في القيميات , وهي التي تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها (م799)
أسنى المطالب (2 / 141)
(وإنما يجوز القرض فيما يجوز السلم فيه) لصحة ثبوته في الذمة , بخلاف ما لا يجوز السلم فيه , لأن مالا ينضبط أو يندر وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله.
القوانين الفقهية (ص 293)
ما يجوز السلم فيه , وهو كل ما يجوز أن يثبت في الذمة سلما من العين والطعام والعروض والحيوان إلا الجواري , لأنه يؤدي إلى إعارة الفروج.
كشاف القناع (3 / 300)
(ويصح) القرض (في كل عين يجوز بيعها) من مكيل وموزون ومعدود وغيره (إلا الرقيق فقط) فلا يصح قرضه , ذكرا كان أو أنثى , لأنه لم ينقل , ولا هو من المرافق , ولأنه يفضي إلى أن يقترض جارية يطؤها ثم يردها.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 270)
كل ما صح بيعه صح قرضه إلا الرقيق والمنافع (م735)
المحلى (8 / 82)
والقرض جائز في الجواري والعبيد والدواب والدور والأرضين وغير ذلك , لعموم قوله تعالى {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى} (البقرة: 282) , فعمم سبحانه وتعالى ولم يخص , فلا يجوز التخصيص في ذلك بالرأي الفاسد بغير قرآن ولا سنة. وقولنا في هذا هو قول المزني وأبي سليمان ومحمد بن جرير وأصحابنا.
المغني (6 / 432)
ويجوز قرض المكيل والموزون بغير خلاف.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استقراض ما له مثل من المكيل والموزون والأطعمة جائز.
ويجوز قرض كل ما يثبت في الذمة سلما , سوى بني آدم. وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة لا يجوز قرض غير المكيل والموزون , لأنه لا مثل له , أشبه الجواهر.
ولنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا , وليس بمكيل ولا موزون. ولأن ما يثبت سلما يملك بالبيع ويضبط بالوصف , فجاز قرضه كالمكيل والموزون. وقولهم (لا مثل له) خلاف , اصلهم , فإن عند أبي حنيفة لو أتلف على رجل ثوبا ثبت في ذمته مثله , ويجوز الصلح عنه بأكثر من قيمته.
فأما ما لا يثبت في الذمة سلما , كالجواهر وشبهها , فقال القاضي يجوز قرضها , ويرد المستقرض القيمة , لأن ما لا مثل له يضمن بالقيمة , والجواهر كغيرها في القيم وقال أبو الخطاب لا يجوز قرضه لأن القرض يقتضي رد المثل , وهذه لا مثل لها. ولأنه لم ينقل قرضها , ولا هي في معنى ما نقل القرض فيه , لكونها ليست من المرافق , ولا تثبت في الذمة سلما , فوجب إبقاؤها على المنع.
ويمكن بناء هذا الخلاف على الوجهين في الواجب في بدل غير المكيل والموزون , فإذا قلنا: الواجب رد المثل , لم يجز قرض الجواهر ولا ما لا يثبت في الذمة سلما , لتعذر رد مثلها , وإن قلنا الواجب رد القيمة جاز قرضه , لامكان رد القيمة. ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين.(1/647)
أن يكون المال المقرض عينا أو منفعة
ذهب الشافعية والمالكية وابن تيمية من الحنابلة إلى جواز قرض المنافع إذا كانت مثلية أو تقبل الضبط بالوصف خلافا للحنفية وللحنابلة في المذهب إذ لا يجوز عندهم قرض المنافع مطلقا.(1/648)
تباينت آراء الفقهاء في جواز إقراض المنافع على النحو التالي:
عدم جواز إقراض المنافع عند الحنفية والحنابلة
لا يجوز عند الحنفية إقراض المنافع مطلقا , ومستندهم في ذلك أن القرض يجوز فقط في الأموال المثلية التي تدفع للغير ليرد مثلها , والمنافع عندهم لا تعتبر أموالا من أصلها.
كما لا يجوز عند الحنابلة على المعتمد في المذهب إقراض المنافع على الرغم من توسعهم في إجازة إقراض كل عين يجوز بيعها سواء أكانت مثلية أم قيمية , وسواء أكانت مما يضبط بالصفة أم لا , ومستندهم في ذلك أنه غير سائغ في العرف وعادة الناس ولهذا لم يعهد في معاملاتهم ومدايناتهم.
ولكن ابن تيمية خالف ما ذهب إليه الحنابلة , وقال بجواز قرض المنافع , مثل أن يحصد معه يوما ليحصد معه الآخر يوما مثله , أو يسكنه داره ليسكنه الآخر داره بدلها.
جواز إقراض المنافع عند الشافعية والمالكية:
يجوز عند الشافعية والمالكية إقراض المنافع التي تنضبط بالوصف أو المثلية , لأن ضابط ما يصح إقراضه عندهم أن يكون مما يصح السلم فيه , ومذهبهم صحة السلم في المنافع والأعيان على السواء إذا كانت مثلية أو قابلة للانضباط بالصفات.(1/649)
شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
ولا يصح قرض منفعة.
كشاف القناع (3 / 300)
(ولا يصح قرض المنافع) لأنه غير معهود (وجوزه الشيخ , مثل أن يحصد معه) إنسان (يوما , ويحصد الآخر معه يوما) بدله (أو يسكنه دارا ليسكنه الآخر) دارا (بدلها) كالعارية بشرط العوض.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 270)
كل ما صح بيعه صح قرضه إلا الرقيق والمنافع.
الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 131)
يجوز قرض المنافع , مثل أن يحصد معه يوما , ويحصد معه الآخر يوما , أو يسكنه دارا ليسكنه الآخر بدلها. لكن الغالب على المنافع أنها ليست من ذوات الأمثال , حتى يجب على المشهور في الأخرى القيمة. ويتوجه في المتقوم أنه يجوز رد المثل بتراضيهما.
روضة الطالبين (4 / 27 / 32 / 33)
السلم في المنافع لتعليم القرآن وغيره جائز. ذكره الروياني
المال ضربان , أحدهما: يجوز السلم فيه , فيجوز إقراضه , حيوانا كان أو غيره.
وفي فتاوى القاضي حسين ولا يجوز إقراض المنافع لأنه لا يجوز السلم فيها.
رد المحتار (4 / 171)
القرض شرعا عقد مخصوص يرد على مال مثلي لآخر ليرد مثله.
الحموي على الأشباه والنظائر (2 / 209)
المال: ما يميل إليه الطبع , ويمكن ادخاره لوقت الحاجة.
فتح العزيز (2 / 502)
الإجارة الواردة على الذمة لا يجوز فيها تأجيل الأجرة والاستبدال عنها ولا الحوالة بها ولا عليها ولا الإبراء , بل يجب التسليم في المجلس كرأس مال السلم , لأنها سلم في المنافع. . . . هذا إذا تعاقدا بلفظ السلم , بأن قال: أسلمت إليك هذا الدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا. فإن تعاقدا بلفظ الإجارة بأن قال: استأجرت منك دابة صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا , فوجهان بنوهما على أن الاعتبار باللفظ أم بالمعنى.
مراجع إضافية
انظر (م 126) من المجلة العدلية القوانين الفقهية (ص 280 / 293)
الخرشي (5 / 203) مرشد الحيران (م 796) .(1/650)
اشتراط توثيق دين القرض
يصح الإقراض بشرط توثيقه برهن وكفيل وإشهاد وكتابة , فإن لم يوف المقترض بشرطه كان للمقرض حق الفسخ , ولا يحل للمقترض التصرف فيما اقترضه قبل الوفاء بالشرط.(1/651)
ذهب الشافعية إلى صحة الإقراض بشرط رهن وكفيل وإشهاد , لأن هذه الأمور توثيقات لا منافع زائدة للمقرض. فله إذا لم يوف بها المقترض الفسخ قياسا على ما ذكر من اشتراطها في البيع. وقالوا: من فوائد هذا الاشتراط أن المقترض لا يحل له التصرف في العين التي اقترضها قبل الوفاء بالشرط. ووافقهم الحنابلة على جواز اشتراط توثيقه , فنصوا على جواز اشتراط الرهن والكفيل في عقد القرض. واستدلوا على مشروعية شرط الرهن بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه استقرض من يهودي شعيرا , ورهنه درعه رواه البخاري 1 ومسلم وبأن ما جاز فعله جاز شرطه , ولأنه يراد للتوثيق بالحق , وليس ذلك بزيادة. وقالوا: الضمان كالرهن. فلو عينهما وجاء المقترض بغيرهما , لم يلزم المقرض قبوله وإن كان ما أتى به خيرا من المشروط , بل يخير بين فسخ العقد وبين إمضائه بلا رهن ولا كفيل.(1/652)
كشاف القناع (3 / 303)
(ويجوز شرط الرهن) وشرط (الضمين فيه) أي في القرض , لأنه صلى الله عليه وسلم استقرض من يهودي شعيرا ورهنه درعه متفق عليه وما جاز فعله جاز شرطه , ولأنه يراد للتوثق بالحق , وليس ذلك بزيادة , والضمان كالرهن. فلو عينهما , وجاء بغيرهما , لم يلزم المقترض قبوله وإن كان ما أتى به خيرا من المشروط , وحينئذ يخير بين فسخ العقد وبين إمضائه بلا رهن ولا كفيل.
روضة الطالبين (4 / 34)
ويجوز فيه - أي القرض - الرهن والكفيل , وشرط أن يشهد عليه أو يقر به عند الحاكم.
أسنى المطالب وحاشية الرملي (2 / 143)
(ويصح الإقراض بشرط رهن وكفيل واشهاد وإقرار عند حاكم , لأن هذه الأمور توثيقات لا منافع زائدة , فله إذا لم يوف المقترض بها الفسخ على قياس ما ذكر في اشتراطها في البيع) قال ابن العماد ومن فوائده أن المقترض لا يحل له التصرف في العين التي اقترضها قبل الوفاء بالشرط إن قلنا يملك بالقبض , كما لا يجوز للمشتري التصرف في المبيع قبل دفع الثمن إلا برضا البائع. والمقترض ههنا لم يبح له التصرف إلا بشرط صحيح. وإن في صحة هذا الشرط حثا للناس على فعل القرض وتحصيل أنواع البر وغير ذلك.
المهذب (1 / 310)
ويجوز شرط الرهن فيه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه على شعير أخذه لأهله ويجوز أخذ الضمين فيه , لأنه وثيقة , فجاز في القرض كالرهن.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 271)
يجوز اشتراط الرهن أو الضمين في عقد القرض , فلو عينهما وجاء المقترض بغيرهما لم يلزمه قبوله وإن كان خيرا من المشروط , بل يخير بين الفسخ أو الإمضاء بلا رهن ولا كفيل. (م740)
مراجع إضافية
انظر فتح العزيز (9 / 381) نهاية المحتاج (4 / 226) شرح منتهى الإرادات (2 / 227) المبدع (4 / 208)(1/653)
اشتراط الوفاء في غير بلد القرض
اختلفت أنظار الفقهاء في حكم اشتراط وفاء القرض في غير بلد القرض , فذهب الحنفية والشافعية إلى عدم الجواز. وبذلك قال الحنابلة فيما لحمله مؤونة ومنعه المالكية في غير حالة الضرورة. أما ابن تيمية من الحنابلة فقد ذهب إلى جوازه.(1/654)
إذا اشترط في عقد القرض أن يكون الوفاء في بلد آخر , فقد اختلف الفقهاء في ذلك على خمسة أقوال:
أحدهما: للشافعية وابن حزم
وهو أن الشرط باطل والعقد باطل , لأن القرض موضوعه المعونة والإرفاق , فإذا شرط المقرض فيه لنفسه نفعا , خرج عن موضوعه , فمنع صحته.
والثاني: للحنفية ,
وهو كراهة ذلك. لأن المقرض ينتفع بإسقاط خطر الطريق , فأشبه القرض الذي يجر نفعا.
والثالث: للمالكية ,
وهو عدم جواز ذلك إلا في حالة الضرورة عندما يعم الخوف وتكون الطرق المتعين على المقرض سلوكها غير مأمونة , بحيث يغلب على الظن هلاك المال بها , فعند ذلك يحوز ذلك الشرط تقديما لمصلحة حفظ المال على مفسدة القرض الذي يجر نفعا.
والرابع: للحنابلة ,
في المذهب , هو عدم جواز ذلك إذا كان لحمل المال المقرض مؤونة. أما إذا لم يكن لحمله مؤونة كالنقود فيجوز , وحكاه ابن المنذر عن علي وابن عباس والحسن بن علي وابن الزبير وابن سيرين والثوري وأحمد وإسحاق
والخامس: ابن تيمية
وهو جواز ذلك مطلقا , لأنه ليس بزيادة في قدر ولا صفة , وفيه مصلحة لهما , فجاز كشرط الرهن.(1/655)
مجموع فتاوى ابن تيمية (29 / 530)
إذا أقرضه دراهم ليستوفيها منه في بلد آخر , مثل أن يكون المقرض غرضه حمل الدراهم إلى بلد آخر , والمقترض له دراهم في ذلك البلد , وهو محتاج إلى دراهم في بلد المقترض , فيقترض منه , ويكتب له (سفتجة) أي ورقة إلى بلد المقرض , فهذا يصح في أحد قولي العلماء. وقيل: نهي عنه , لأنه قرض جر منفعة , والقرض إذا جر منفعة كان ربا. والصحيح الجواز , لأن المقرض رأى النفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد , وقد انتفع المقترض أيضا بالوفاء في ذلك البلد وأمن خطر الطريق , فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض , والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم , وإنما ينهى عما يضرهم.
المغني (6 / 436)
وإن شرط أن يعطيه إياه في بلد آخر , وكان لحمله مؤونة , لم يجز , لأنه زيادة وإن لم يكن لحمله مؤونة جاز. وحكاه ابن المنذر عن علي وابن عباس والحسن بن علي وابن الزبير وابن سيرين وعبد الرحمن بن الأسود وأيوب السختياني والثوري وأحمد وإسحاق وكرهه الحسن البصري وميمون بن أبي شبيب وعبدة بن أبي لبابة ومالك والأوزاعي والشافعي لأنه قد يكون في ذلك زيادة. وقد نص أحمد على أن من شرط أن يكتب له بها سفتجة لم يجز.
ومعناه اشتراط القضاء في بلد آخر. وروي عنه جوازها , لكونها مصلحة لهما جميعا.
وقال عطاء كان ابن الزبير يأخذ من قوم بمكة دراهم , ثم يكتب لهم بها إلى مصعب بن الزبير بالعراق فيأخذونها منه. فسئل عن ذلك ابن عباس فلم ير به بأسا. وروي عن علي أنه سئل عن مثل هذا , فلم ير به بأسا.
وممن لم ير به بأسا ابن سيرين والنخعي رواه كله سعيد. وذكر القاضي أن للموصي قرض مال اليتيم في بلد أخرى ليربح خطر الطريق. والصحيح جوازه , لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما , والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها , بل بمشروعيتها. ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص , فوجب إبقاؤه على الإباحة.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 271)
لا يجوز أن يشترط القضاء ببلد آخر إذا كان القرض مما لحمله مؤونة. أما إذا لم يكن لحمله مؤونة فيصح الشرط. فلو أقرضه نقودا على أن يكتب له بها سفتجة أو يدفع مثلها نفقة لأهله في بلد آخر جاز , ولا يصح أن يأخذ عليها شيئا. (م743) .
مرشد الحيران (ص 213)
يجوز الاستقراض ووفاء القرض في بلد أخرى من غير اشتراط ذلك في العقد. (م803)
السفتجة بلا شرط المنفعة للمقرض جائزة , وإنما تكره تحريما إذا كانت المنفعة مشروطة أو متعارفة (م914) .
رد المحتار (4 / 296)
وفي الفتاوى الصغرى وغيرها: إن كان السفتج مشروطا في القرض فهو حرام , والقرض بهذا الشرط فاسد , وإلا جاز.
أسنى المطالب (2 / 142)
(ويبطل قرض) بشرط (جر منفعة) أي يجرها إلى المقرض (كشرط رد الصحيح عن المكسر أو رده ببلد آخر) .
الخرشي (5 / 231)
وكذلك يمتنع أن يسلف كعكا ببلد بشرط أن يأخذ بدله ببلد آخر. . وكذلك يمتنع أن يدفع الشخص لصاحبه عينا - أي ذاتا - عنده عظم حملها ويشترط أخذها في بلد آخر لأنه دفع عن نفسه غرر الطريق ومؤنة الحمل. وقولنا ذاتا ليشمل النقد وغيره كقمح وعسل ونحوهما (كسفتجة إلا أن يعم الخوف) أي إلا أن يغلب الخوف في جميع طرق المحل الذي يذهب إليه المقرض منها بالنسبة إليه , فيجوز لضرورة صيانة الأموال. وبعبارة: فيجوز تقديما لمصلحة حفظ المال على مضرة سلف جر نفعا , فإن غلب لا في جميع طرقه , أو غلب في جميعها لكن بالنسبة لغيره لا بالنسبة إليه فلا يجوز.
الكافي لابن عبد البر (ص 359)
ولا يجوز أن يقترض الرجل شيئا له حمل , ومؤنة في بلد على أن يعطيه ذلك في بلد آخر , فأما السفاتج بالدنانير والدراهم فقد كره مالك العمل بها ولم يحرمها. وأجاز ذلك طائفة من أصحابه وجماعة من أهل العلم سواهم , لأنه ليس لها حمل ولا مؤونة. وقد روي عن مالك أيضا أنه لا بأس بذلك. والأشهر عنه كراهيته لما استعمله الناس من أمر السفاتج , ولم يختلف قوله في كراهة استسلاف الطعام على أن يعطى ببلد آخر , وكذلك كل شيء له حمل ومؤنة. ولا بأس أن يشترط المستسلف ما ينتفع به من القضاء في موضع آخر ونحو ذلك. قال مالك فإن كان المقرض هو المشترط لما ينتفع به لم يجز ذلك ولا خير فيه.
مراجع إضافية
انظر البدائع (7 / 395) المحلى (8 / 77) فتح العزيز (9 / 385) تبيين الحقائق (4 / 175) منح الجليل (3 / 50) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 131) كشاف القناع (3 / 304) البهجة (2 / 288)(1/656)
اشتراط الوفاء بأنقص
إذا اشترط في عقد القرض أن يرد المقترض أنقص مما أخذ قدرا أو وصفا فالشرط لاغ والعقد صحيح.(1/657)
إذا اشترط في عقد القرض أن يرد المقترض للمقرض أنقص مما أخذ منه قدرا أو وصفا فقد ذهب الشافعية في الأصح والحنابلة إلى أن الشرط فاسد والعقد صحيح.
أما صحة القرض , فلأن المنهي عنه جر المقرض النفع إلى نفسه , وههنا لا نفع له في الشرط , بل النفع للمقترض , فكأن المقرض زاد في المسامحة والإرفاق , ووعده وعدا حسنا.
وأما فساد الشرط , فلأنه ينافي مقتضى العقد , وهو رد المثل , فأشبه شرط الزيادة فيلغو الشرط وحده ولا يلزم.(1/658)
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 271 - 272)
لا يجوز اشتراط النقص أو الزيادة في الوفاء , سواء في القدر أو الصفة. مثلا: لو أقرضه دراهم رديئة وشرط أن يقضيه جيدة أو شرط أن يقضيه من نوع خير مما أخذ أو أن يزيده عما أخذ أو بالعكس , لم يصح. (م741)
القرض لا يفسد بالشروط الفاسدة , وإنما يلغو الشرط الفاسد. (م745)
المهذب (1 / 311)
فإن شرط أن يرد عليه دون ما أقرضه ففيه وجهان ,
أحدهما: لا يجوز , لأن مقتضى القرض رد المثل , فإذا شرط النقصان عما أقرضه فقد شرط ما ينافي مقتضاه , فلم يجز , كما لو شرط الزيادة.
والثاني: يجوز , لأن القرض جعل رفقا بالمستقرض , وشرط الزيادة يخرج به عن موضوعه , فلم يجز , وشرط النقصان لا يخرج به عن موضوعه , فجاز.
فتح العزيز (9 / 378)
لو أقرضه بشرط أن يرد عليه أردأ أو يرد المكسر عن الصحيح , لغا الشرط , وهل يفسد العقد , فيه وجهان
(أحدهما) : نعم , لأنه على خلاف مقتضى العقد , كشرط الزيادة.
(وأصحهما) : لا , لأن المنهي عنه جر المقرض النفع إلى نفسه , وههنا لا نفع له في الشرط , وإنما النفع للمستقرض , وكأنه زاد في المسامحة , ووعده وعدا حسنا. وإيراد بعضهم يشعر بالخلاف في صحة الشرط.
كشاف القناع (3 / 303)
(وان شرط) المقترض (الوفاء بأنقص مما اقترض) لم يجز , لإفضائه إلى فوات المماثلة.
شرح منتهى الإرادات (2 / 227)
و (لا) يجوز الإلزام بشرط (تأجيل) قرض أو (شرط نقص في وفاء) لأنه ينافي مقتضى العقد. ولا يفسد القرض بفساد الشرط.(1/659)
اشتراط رد محل القرض بعينه
إذا اشترط في عقد القرض أن يرد المقترض المال المقترض بعينه , فالعقد صحيح , والشرط فاسد.(1/660)
نص الحنابلة على أنه إذا شرط المقرض على المقترض رد محل القرض بعينه , فلا يصح هذا الشرط , لمنافاته لمقتضى العقد , وهو أن ينتفع المقترض باستهلاكه ويرد بدله , فاشتراط رده بعينه يمنع ذلك. غير أن فساد الشرط لا يفسد العقد , بل يبقى صحيحا.(1/661)
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 272)
لا يصح اشتراط المقرض رد مال القرض بعينه. (م746)
القرض لا يفسد بالشروط الفاسدة , وإنما يلغو الشرط الفاسد. (م745)
شرح منتهى الإرادات (2 / 225 - 227)
(وإن شرط) مقرض (رده بعينه لم يصح) الشرط , لأنه ينافي مقتضى العقد , وهو التصرف , ورده بعينه يمنع ذلك. ولا يفسد القرض بفساد الشرط.(1/662)
اشتراط الأجل
اختلفت أنظار الفقهاء في حكم اشتراط الأجل في القرض , فذهب جماعة منهم إلى صحة ذلك ولزوم الشرط , وذهب غيرهم إلى أن العقد صحيح والشرط فاسد.(1/663)
اختلف الفقهاء في صحة اشتراط الأجل في القرض على قولين:
القول الأول: للحنفية والشافعية والحنابلة ,
وهو أنه لا يلزم تأجيل القرض , وإن اشترط في العقد , وللمقرض أن يسترده قبل حلول الأجل , لأن الآجال في القروض باطلة.
قال الحنابلة لأنه عقد منع فيه التفاضل , فمنع فيه الأجل كالصرف , والحال لا يتأجل بالتأجيل. ولأنه وعد والوفاء بالوعد غير لازم.
واحتج الحنفية بأنه إعارة وصلة في الابتداء , حتى يصح بلفظ الإعارة , ولا يملكه من لا يملك التبرع , ومعاوضة في الانتهاء. فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه , كما في الإعارة , إذ لا جبر في التبرع. وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح , لأنه يصير بيعا للدراهم بالدراهم نسيئة , وهو ربا.
ولكن هل يفسد عقد القرض بفساد هذا الشرط أم لا؟
قال الحنفية والحنابلة: القرض صحيح , والأجل باطل. ووافقهم الشافعية في الأصح إذا لم يكن للمقرض منفعة في التأجيل. أما إذا كان له فيه منفعة فقالوا: العقد فاسد والشرط فاسد.
والقول الثاني: للمالكية والظاهرية والليث بن سعد
وهو صحة التأجيل بالشرط. فإذا اشترط الأجل في القرض , فلا يلزم المقترض رد البدل قبل حلول الأجل المحدد.
وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون على شروطهم أخرجه أبو داود 1 والترمذي 1
وقد رجح هذا القول ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وغيرهم.(1/664)
اشتراط الأجل تشكيل النص
السيل الجرار (3 / 144)
أقول: المستقرض إذا قبض المال على التأجيل فلا يجب عليه قضاؤه إلا عند انقضاء الأجل وتمامه , وتأجيل الدين قد ذكره الله في كتابه العزيز فقال: {آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} وليس فائدة الكتابة إلا حفظ قدر الدين وقدر أجل تسليمه. ومما يدل على لزوم التأجيل حديث المؤمنون على شروطهم وقد ورد في الكتاب العزيز في آيات كثيرة وجوب الوفاء بالعقود , وهي ما يحصل عليه التراضي. فليس لمن أقرض قرضا مؤجلا أن يطلب قضاءه قبل حلول أجله.
الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 132)
والدين الحال يتأجل بتأجيله , سواء كان الدين قرضا أو غيره. وهو قول مالك ووجه في مذهب أحمد ويتخرج رواية عن أحمد من إحدى الروايتين في تأجيل العارية , وفي إحدى الروايتين في صحة إلحاق الأجل والخيار بعد لزوم العقد.
إعلام الموقعين (3 / 375)
اختلف الناس في تأجيل القرض والعارية إذا أجلها , فقال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه وأبو حنيفة لا يتأجل شيء من ذلك بالتأجيل , وله المطالبة به متى شاء. وقال مالك يتأجل بالتأجيل فإن أطلق ولم يؤجل ضرب له أجل مثله. وهذا هو الصحيح لأدلة كثيرة مذكورة في موضعها.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 272)
لا يصح اشتراط الأجل في القرض , ويلغو التأجيل. (م739)
القرض لا يفسد بالشروط الفاسدة , وإنما يلغو الشرط الفاسد. (م745)
مرشد الحيران (ص 213)
لا يلزم تأجيل القرض , وإن اشترط ذلك في العقد , وللمقرض استرداده قبل حلول الأجل (م804)
المغني (6 / 431)
وإن أجل القرض لم يتأجل , وكان حالا. وكل دين حل أجله لم يصر مؤجلا بتأجيله. وبهذا قال الحارث العكلي والأوزاعي وابن المنذر والشافعي وقال مالك والليث يتأجل الجميع بالتأجيل , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمنون عند شروطهم. ولأن المتعاقدين يملكان التصرف في هذا العقد بالإقالة والإمضاء , فملكا الزيادة فيه , كخيار المجلس. وقال أبو حنيفة في القرض وبدل المتلف كقولنا , وفي ثمن المبيع والأجرة والصداق وبدل الخلع كقولهما , لأن الأجل يقتضي جزءا من العوض , والقرض لا يحتمل الزيادة والنقص في عوضه , وبدل المتلف الواجب فيه المثل من غير زيادة ولا نقص , فلذلك لم يتأجل , وبقية الأعواض يجوز الزيادة فيها , فجاز تأجيلها.
بدائع الصنائع (7 / 369)
والأجل لا يلزم في القرض , سواء كان مشروطا في العقد أو متأخرا عنه بخلاف سائر الديون.
روضة الطالبين (4 / 34)
ولا يجوز شرط الأجل فيه , ولا يلزم بحال. فلو شرط أجلا , نظر: إن لم يكن للمقرض غرض فيه , فهو كشرط رد المكسر عن الصحيح. وإن كان زمن نهب , والمستقرض ملئ , فهو كالتأجيل بلا غرض أم كشرط رد الصحيح عن المكسر؟ وجهان. أصحهما الثاني.
ميارة على التحفة (2 / 196)
إن القرض إذا كان لأجل محدود , لم يلزم المقترض رده قبل الأجل المعين. وإن أراد المقترض , وهو المديان , تعجيله قبل أجله , فذلك له , وليس للمقرض أن يمتنع من ذلك.
النتف في الفتاوى (1 / 493)
ولو أقرضه إلى أجل , فالقرض جائز , والأجل باطل. وله أن يأخذه متى شاء , وأنى شاء , لأن الآجال في القروض باطلة.
مراجع إضافية
انظر رد المحتار (4 / 170) شرح منتهى الإرادات (2 / 227) كشاف القناع (3 / 303) نهاية المحتاج (4 / 226) أسنى المطالب (2 / 142) فتح العزيز (9 / 357 / 379 / 380) المبدع (4 / 208) الفتاوى الهندية (3 / 202)(1/665)
اشتراط الزيادة للمقرض
أجمع الفقهاء على أن القرض بشرط زيادة قدر أو صفة للمقرض حرام , وأن تلك الزيادة ربا.(1/666)
أجمع الفقهاء على أن اشتراط الزيادة في بدل القرض للمقرض مفسد لعقد القرض , وأن هذه الزيادة ربا سواء:
كانت الزيادة في القدر , بأن يرد المقرض أكثر مما أخذ من جنسه أو بأن يزيده هدية من مال آخر.
أو كانت الزيادة في الصفة , بأن يرد المقترض أجود مما أخذ.
ودليلهم النهي عن كل قرض جر نفعا للمقرض , وبأن موضوع عقد القرض الإرفاق والقربة , فإن شرط المقرض فيه الزيادة لنفسه , خرج عن موضوعه , فمنع صحته , لأنه يكون بذلك قرضا للزيادة , لا للإرفاق والقربة.(1/667)
المغني (6 / 436)
قال ابن المنذر أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك , أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.
الكافي لابن عبد البر (ص 359)
وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا , ولو كانت قبضة من علف , وذلك حرام إن كان بشرط.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 271)
لا يجوز اشتراط النقص أو الزيادة في الوفاء , سواء في القدر أو الصفة. مثلا لو أقرضه دراهم رديئة وشرط أن يقضيه جيدة أو شرط أن يقضيه من نوع خير مما أخذ , أو أن يزيده عما أخذ أو بالعكس , لم يصح. (م741)
لا يجوز اشتراط المقرض أي عمل يجر إليه نفعا , كأن يسكنه داره أو يعيره دابته , أو يعمل له كذا أو ينتفع برهنه. (م742)
روضة الطالبين (4 / 34)
يحرم كل قرض جر منفعة. . فإن شرط زيادة في القدر حرم إن كان المال ربويا , وكذا إن كان غير ربوي على الصحيح. وحكى الإمام أنه يصح الشرط الجار للمنفعة في غير الربوي. وهو شاذ غلط. فإن جرى القرض بشرط من هذه , فسد القرض على الصحيح , فلا يجوز التصرف فيه. وقيل: لا يفسد. لأنه عقد مسامحة.
كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي (2 / 149)
(ولا يجوز سلف يجر منفعة) لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك , مثل أن يكون عنده حنطة رديئة يسلفها لمن يأخذ منه عوضها جيدا. قال العدوي أو يقرض منقوصا ليأخذ جيدا , وأحرى الدخول على أكثر كمية. وحكم القرض الممنوع أنه يرد إلا أن يفوت بما يفوت به البيع الفاسد , فلا يرد , ويلزم المقترض القيمة في المتقوم والمثل في المثلي.
المحلى (8 / 77)
ولا يحل أن يشترط رد أكثر مما أخذ ولا أقل , وهو ربا مفسوخ. ولا يحل اشتراط رد أفضل مما أخذ ولا أدنى , وهو ربا.
بدائع الصنائع (7 / 395)
وأما الذي يرجع إلى نفس القرض , فهو ألا يكون فيه جر منفعة , فإن كان لم يجز , نحو ما إذا أقرضه دراهم غلة على أن يرد عليه صحاحا , أو أقرضه وشرط شرطا له منفعة , لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قرض جر نفعا /50/48 ولأن الزيادة المشروطة تشبه الربا , لأنها فضل لا يقابله عوض , والتحرز عن حقيقة الربا وعن شبهة الربا واجب. هذا إذا كانت الزيادة مشروطة في القرض.
كشاف القناع (3 / 304)
(كشرط) المقرض (زيادة وهدية , وشرط ما يجر نفعا , نحو أن يسكنه المقترض داره مجانا أو رخيصا , أو يقضيه خيرا منه) فلا يجوز , لأن القرض عقد إرفاق وقربة , فإن شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه , ولا فرق بين الزيادة في القدر أو الصفة , /48 مثل أن يقرضه مكسرة فيعطيه صحاحا ونحوه.(1/668)
اشتراط عقد آخر في القرض
ذهب جماهير الفقهاء إلى أنه لا يجوز أن يشترط في القرض أن يبيع المقرض للمقترض شيئا أو يشترى منه شيئا أو يؤجره أو يستأجر منه ونحو ذلك , لأن ذلك ذريعة إلى القرض الذي يجر نفعا للمقرض.
كما ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز مسألة (أقرضني بشرط أن أقرضك) أي اشتراط قرض آخر من المقترض للمقرض في مقابل القرض الأول , وقالوا بفساد هذا الشرط مع بقاء العقد صحيحا.
أما اشتراط المقرض في عقد القرض بأن يقرض المقترض مالا آخر , فالقرض صحيح والشرط لاغ لأنه يعتبر وعدا غير ملزم به.(1/669)
لقد ذكر الفقهاء صورا متعددة لاشتراط عقد آخر - كبيع وإجارة ومزارعة ومساقاة وقرض آخر - في عقد القرض , وفرقوا بينها في الحكم نظرا لتفاوت منافاتها لمقتضى عقد القرض , وتبرز صفوة مقولاتهم في الصور الثلاثة الآتية:
الصورة الأولى: اشتراط البيع ونحوه في القرض
إذا شرط في عقد القرض أن يبيعه المقرض شيئا أو يشتري منه أو يؤجره أو يستأجر منه ونحو ذلك , فقد نص المالكية والشافعية والحنابلة على عدم جواز هذا الاشتراط.
ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع. رواه أبو داود 1 والترمذي 1 والنسائي 1.
ووجهه: أن ذلك ذريعة إلى الربح في القرض بأخذ أكثر مما أعطى , والتوسل إلى ذلك بالبيع والإجارة ونحو ذلك من المعاوضات أو المشاركات.
الصورة الثانية: أقرضني أقرضك
إذا اشترط في عقد القرض قرض آخر من المقترض لمقرضه في مقابل القرض الأول , وذلك ما يسمى عند الفقهاء بمسألة (أسلفني أسلفك) فقد ذهب المالكية إلى كراهة القرض مع ذلك الشرط. وقال الحنابلة بعدم جوازه. وإذا وقع فالشرط فاسد والقرض صحيح.
الصورة الثالثة: اشتراط قرض آخر من المقرض للمقترض
إذا اشترط في عقد القرض أن يقرضه الدائن مالا آخر , بأن قال المقرض للمقترض: أقرضتك كذا بشرط أن أقرضك غيره كذا وكذا , فقد نص الشافعية على أن عقد القرض صحيح , والشرط لاغ في حق المقرض , فلا يلزمه ما شرط على نفسه. لأنه وعد غير ملزم , كما لو وهبه ثوبا بشرط أن يهبه غيره(1/670)
المغني (6 / 437)
وإن شرط في القرض أن يؤجره داره أو يبيعه شيئا أو أن يقرضه المقترض مرة أخرى , لم يجز , لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف.
ولأنه شرط عقدا في عقد , فلم يجز , كما لو باعه داره بشرط أن يبيعه الآخر داره.
وإن شرط أن يؤجره داره بأقل من أجرتها , أو على أن يستأجر دار المقرض بأكثر من أجرتها. . . كان أبلغ في التحريم.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 272)
لا يصح اشتراط عقد آخر في القرض. فمثلا: لو شرط فيه بيع أو إجارة أو مزارعة أو مساقاة أو قرض آخر لم يصح الشرط. (م744)
القرض لا يفسد بالشروط الفاسدة , وإنما يلغو الشرط الفاسد. (745)
إغاثة اللهفان (1 / 363)
وحرم الجمع بين السلف والبيع , لما فيه من الذريعة إلى الربح في السلف بأخذ أكثر مما أعطى , والتوسل إلى ذلك بالبيع أو الإجارة , كما هو الواقع.
تهذيب ابن القيم لمختصر سنن أبي داود (5 / 149)
وأما السلف والبيع , فلأنه إذا أقرضه مائة إلى سنة , باعه ما يساوى خمسين بمائة , فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رد , المثل , ولولا هذا البيع لما أقرضه , ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك منه.
المنتقى للباجي (5 / 29)
ووجه ذلك من جهة المعنى: أن القرض ليس من عقود المعاوضة , وإنما هو من عقود البر والمكارمة , فلا يصح أن يكون له عوض. فإن قارن القرض عقد معاوضة , كان له حصة من العوض , فخرج عن مقتضاه , فبطل وبطل ما قارنه من عقود المعاوضة. ووجه آخر: وهو أنه إن كان القرض غير مؤقت , فهو غير لازم للمقرض , والبيع وما أشبهه من العقود اللازمة - كالإجارة والنكاح - لا يجوز أن يقارنها عقد غير لازم لتنافي حكميهما.
القوانين الفقهية (ص 293)
وإنما يجوز - أي القرض - بشرطين: أحدهما , ألا يجر نفعا. فإن كانت المنفعة للدافع منع اتفاقا للنهي عنه وخروجه عن باب المعروف. وإن كانت للقابض جاز. وإن كانت بينهما لم يجز لغير ضرورة. الشرط الثاني: ألا ينضم إلى السلف عقد آخر كالبيع وغيره.
كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي (2 / 149 - 150)
(ولا يجوز بيع وسلف , وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء) لأنهما بيع من البيوع. وكذلك لا يجوز ما قارن السلف من إجارة أو كراء بشرط السلف , لأنهما من ناحية البيع , فلا يجتمعان مع السلف كالبيع. . واعلم أنه لا خصوصية لهما بذلك , بل النكاح والشركة والقراض والمساقاة والصرف لا يجوز شرط السلف مع واحد منها. وملخصه: أن كل عقد معاوضة يمتنع جمعه مع السلف. وأما اجتماع السلف مع الصدقة أو الهبة: إن كان السلف من المتصدق أو الواهب فذلك جائز , وإن كان بالعكس فلا يجوز.
المهذب (1 / 311)
ولا يجوز قرض جر منفعة , مثل أن يقرضه ألفا على أن يبيعه داره.
والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سلف وبيع
كشاف القناع (3 / 303 , 304)
(وإن شرط الوفاء بأنقص مما اقترض , أو شرط أحدهما على الآخر أن يبيعه أو يؤجره أو يقرضه , لم يجز) ذلك لأنه كبيعتين في بيعة المنهي عنه. أو (شرط المقرض على المقترض أن يبيعه شيئا يرخصه عليه) لم يجز , لأنه يجر به نفعا (أو) شرط المقرض على المقترض أن (يعمل له عملا , أو) أن ينتفع بالرهن , أو) أن يساقيه على نخل أو يزارعه على ضيعة , أو) يسكنه المقرض عقارا بزيادة على أجرته , أو (أن يبيعه شيئا بأكثر من قيمته , أو) أن (يستعمله في صنعة , ويعطيه أنقص من أجرة مثله , ونحوه) من كل ما فيه جر منفعة , فلا يجوز لما تقدم.
أقرضني أقرضك
بداية المجتهد (2 / 294)
(كتاب الصلح) : مثل أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه دنانير أو دراهم , فينكر كل واحد منهما صاحبه , ثم يصطلحان على أن يؤخر كل واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى أجل , فهذا عندهم مكروه.
أما كراهيته , فمخافة أن يكون كل واحد منهما صادقا , فيكون كل واحد منهما قد أنظر صاحبه لإنظار الآخر إياه , فيدخله (أسلفني وأسلفك) .
اشتراط قرض آخر من المقرض للمقترض
روضة الطالبين (4 / 35)
ولو شرط أن يقرضه مالا آخر , صح على الصحيح , ولم يلزمه ما شرط , بل هو وعد , كما لو وهبه ثوبا بشرط أن يهبه غيره.
فتح العزيز (9 / 382)
لو أقرضه بشرط أن يقرضه مالا آخر , صح , ولم يلزمه ما شرط.(1/671)
اشتراط الجعل على الاقتراض بالجاه
اختلف الفقهاء فيمن استقرض لغيره بجاهه , هل يجوز له اشتراط جعل بدلا لجاهه؟
فمنع ذلك بعض الفقهاء , وأباحه بعضهم , وفصل آخرون بين ما إذا كان باذل الجاه محتاجا إلى نفقة وعناء , فأجازوا له أخذ أجر المثل , وبين ما إذا لم يكن محتاجا لذلك , فحرموا عليه ذلك.(1/672)
اختلف الفقهاء فيمن استقرض لغيره بجاهه , هل يجوز له أن يشترط عليه جعلا ثمنا لجاهه , أم لا؟
قال الحنابلة: له أخذ جعل منه مقابل اقتراضه له بجاهه. فلو قال: اقترض لي من فلان مائة ولك عشرة جاز , لأنها جعالة على فعل مباح , كما لو قال: ابن لي هذا الحائط ولك عشرة.
وفي مذهب المالكية اختلف في ثمن الجاه , بين قائل بالتحريم مطلقا , وبين قائل بالكراهة بإطلاق , وبين مفصل بين أن يكون ذو الجاه محتاجا إلى نفقه وتعب وسفر , فأخذ مثل نفقة مثله فذلك جائز , وإلا حرم. والتفصيل الأخير هو الراجح عندهم.(1/673)
حاشية البناني على الزرقاني (5 / 227)
اختلف علماؤنا في حكم ثمن الجاه , فمن قائل بالتحريم بإطلاق , ومن قائل بالكراهة بإطلاق , ومن مفصل فيه , وأنه إن كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعب وسفر , فأخذ مثل أجر نفقة مثله , فذلك جائز وإلا حرم.
قال أبو علي وهذا التفصيل هو الحق.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد
يجوز أن يقترض الإنسان بجاهه لآخر , كما يجوز أن يأخذ عليه جعلا من المقترض له. (م730)
كشاف القناع (3 / 306)
(ولو جعل) إنسان (له) أي لآخر (جعلا على اقتراضه له بجاهه جاز) لأنه في مقابلة ما يبذله من جاهه فقط (لا إن جعل له جعلا على ضمانه له) فلا يجوز.
مراجع إضافية
انظر المغني (6 / 441 - 4 / 212) البهجة شرح التحفة (2 / 288) شرح منتهى الإرادات (2 / 225) .(1/674)
انتقال ملكية المال المقرض
اختلفت اجتهادات الفقهاء متى تنتقل ملكية المال المقرض من المقرض إلى المستقرض؟ فذهب المالكية إلى أنها تنتقل إليه بمجرد العقد , وذهب الحنابلة والحنفية والشافعية إلى أنها تنتقل إليه بالقبض , وذهب الشافعية في غير الأصح إلى أنها لا تنتقل إلا بالاستهلاك.(1/675)
اختلف الفقهاء في ترتب حكم القرض , وهو نقل ملكية محله (المال المقرض) من المقرض إلى المقترض , هل يتم بالعقد , أم يتوقف على القبض , أم لا يتحقق إلا بتصرف المقترض فيه أو استهلاكه. . على أربعة أقوال:
أحدها: للمالكية وهو أن المقترض يملك القرض ملكا تاما بالعقد , وإن لم يقبضه , ويصير مالا من أمواله , ويقضي له به. ورجحه الإمام الشوكاني وحجته أن التراضي هو المناط في نقل ملكية الأموال من بعض العباد إلى بعض.
والثاني: للشافعية في القول المقابل للأصح , وهو أن المقترض إنما يملك المال المقرض بالتصرف المزيل للملك. فإذا تصرف فيه تبين ثبوت ملكه قبله. وحجتهم: أن القرض ليس بتبرع محض , إذ يجب فيه البدل , وليس على حقائق المعاوضات , فوجب أن يكون تملكه بعد استقرار بدله بالتصرف المزيل للملك كالبيع والهبة والإعتاق والإتلاف ونحو ذلك.
والثالث: لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة وهو أن القرض لا يملك بالقبض ما لم يستهلك. وحجته أن الإقراض إعارة , فتبقى العين فيه - كالعارية - على حكم ملك المقرض قبل أن يستهلكها المقترض.
والرابع: للحنابلة والحنفية في المعتمد والشافعية في الأصح وهو أن المقترض إنما يملك المال المقرض بالقبض. واستدلوا على ذلك:
أ - بأن مأخذ الاسم دليل عليه , لأن القرض في اللغة القطع , فدل على انقطاع ملك المقرض بنفس التسليم.
ب - وبأن المقترض بنفس القبض صار بسبيل من التصرف في القرض من غير إذن المقرض بيعا وهبة وصدقة وسائر التصرفات , وإذا تصرف فيه نفذ تصرفه دون توقف على إجازة المقرض , وتلك أمارات الملك , إذ لو لم يملكه لما جاز له التصرف فيه.
ج - وبأن القرض عقد اجتمع فيه جانب المعاوضة وجانب التبرع , غير أن جانب التبرع فيه أرجح , لأن غايته وثمرته إنما هي بذل منافع المال المقرض للمستقرض مجانا , ألا ترى أنه لا يقابله عوض في الحال , ولا يملكه من لا يملك التبرع , ولهذا كان حكمه كباقي التبرعات من هبات وصدقات , والملكية فيها تنتقل بالقبض , لا بمجرد العقد , ولا بالتصرف , ولا بالاستهلاك.(1/676)
حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2 / 150)
ويملك المقترض الشيء المقرض بالقول.
السيل الجرار للشوكاني (3 / 144)
أقول: يملكه - أي المقترض - بقبضه ملكا مستقرأ , ويملكه أيضا قبل قبضه إذا وقع التراضي على ذلك , فإن التراضي هو المناط في نقل الأموال من بعض العباد إلى بعض.
فتح العزيز (9 / 390) وما بعدها
لا شك أن المستقرض يتملك ما استقرضه , ولكن فيما يملك , به قولان متفرعان من كلام الشافعي أصحهما: أنه يملك بالقبض. لأنه إذا قبضه ملك التصرف فيه من جميع الوجوه , ولو لم يملكه لما ملك التصرف فيه ولأن الملك في الهبة يحصل بالقبض , ففي القرض أولى , لأن للعوض مدخلا فيه.
والثاني: أنه يملك بالتصرف. لأنه ليس بتبرع محض , إذ يجب فيه البدل , وليس على حقائق المعاوضات كما سبق , فوجب أن يكون تملكه بعد استقرار بدله.
المهذب (1 / 310)
وفي الوقت الذي يملك فيه وجهان (أحدهما) أنه يملكه بالقبض , لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض , فوقف الملك فيه على القبض كالهبة.
(والثاني) أنه لا يملكه إلا بالتصرف بالبيع والهبة والإتلاف. لأنه لو ملك قبل التصرف لما جاز للمقرض أن يرجع فيه بغير رضاه.
والملك في القرض غير تام لأنه يجوز لكل واحد منهما أن ينفرد بالفسخ.
المبدع (4 / 206)
(ويثبت الملك فيه بالقبض) لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض , فوقف الملك عليه.
مرشد الحيران (ص 212)
إنما تخرج العين المقترضة عن ملك المقرض وتدخل في ملك المستقرض إذا قبضها , فيثبت في ذمة المستقرض مثلها لا عينها ولو كانت قائمة. فإذا هلكت العين بعد العقد وقبل القبض فلا ضمان على المستقرض.
بدائع الصنائع (7 / 396)
وروي عن أبي يوسف في النوادر: لا يملك القرض بالقبض ما لم يستهلك. . . وجه رواية أبي يوسف أن الإقراض إعارة , بدليل أنه لا يلزم فيه الأجل , ولو كان معاوضة للزم , كما في سائر المعاوضات , وكذا لا يملكه الأب والوصي والعبد المأذون والمكاتب , وهؤلاء يملكون المعاوضات. وكذا إقراض الدراهم والدنانير لا يبطل بالافتراق قبل قبض البدلين , ولو كان مبادلة لبطل , لأنه صرف , والصرف يبطل بالافتراق قبل قبض البدلين. وكذا إقراض المكيل لا يبطل بالافتراق , ولو كان مبادلة لبطل , لأن بيع المكيل بمكيل مثله في الذمة لا يجوز , فثبت بهذه الدلائل أن الإقراض إعارة , فتبقى العين على حكم ملك المقرض.
الدر المختار مع رد المحتار (4 / 173)
(ويملك) المستقرض (القرض بنفس القبض عندهما) أي الإمام ومحمد خلافا للثاني , فله رد المثل ولو قائما خلافا له.
شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
(ويتم) القرض بقبول) كبيع , ويملك) ما اقترض بقبض (ويلزم) عقده بقبض) لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض , فوقف الملك عليه.
الخرشي (5 / 232)
أن القرض يملكه المقترض بمجرد عقد القرض , وإن لم يقبضه , ويصير مالا من أمواله ويقضى له به.(1/677)
مصاريف الإقراض
المصاريف والنفقات الفعلية المترتبة على الاقتراض , قبضا وردا للبدل , وتوثيقا للدين , وإجراء وتنفيذا للعقد منذ بدايته إلى نهايته يقع عبؤها على المقترض دون المقرض.(1/678)
إذا ترتب على الإقراض نفقات ومصاريف , مثل أجور التوفية بالوحدات القياسية العرفية (الكيل والوزن والذرع والعد. . الخ) عند التسليم والوفاء , ونفقات الاتصالات أو كتابة السندات والصكوك أو غير ذلك مما يحتاج إليه لإجراء هذا العقد أو تنفيذه أو توثيقه , فإن المقترض وحده هو الذي يتحملها (كما يتحمل المستعير مؤونة ومصارف تسلم العارية وردها) حيث إن القرض عارية لمنافع المال المقرض.
وأساس المسألة أن المقترض إنما قبض المال لمنفعة نفسه دون منفعة المقرض , والرد واجب عليه , والقاعدة الشرعية في ذلك (أن مؤونة قبض ورد كل عين تلزم من تعود إليه منفعة قبضها) , والمنفعة ههنا عائدة على المقترض وحده , فلزمته النفقات والمصاريف المترتبة على هذا العقد. وأيضا فلأن المقرض متبرع بمنافع ماله , وفاعل معروف , فلا يكلف فوق إحسانه شيئا , إذ ما على المحسنين من سبيل.(1/679)
الزرقاني على خليل (5 / 158)
(والأجرة عليه بخلاف الإقالة والتولية والشركة على الأرجح فكالقرض) الأجرة للكيل والوزن والعد الذي يحصل به التوفية للمشترى على البائع , لأن التوفية واجبة عليه , ولا تحصل إلا بذلك. وأجرة الثمن إن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا على المشتري , لأنه بائعه , إلا لعرف أو شرط. بخلاف الإقالة والتولية والشركة بعد القبض إذا أقال المشتري أو ولى غيره ما اشتراه أو أشركه فلا أجرة عليه , لأنه فعل معروفا , وإنما هي على المقال والمولى والمشرك. ولو كان السائل المقيل أو المولي أو المشرك , فلا أجرة على مجيبه. . ولما كان القرض أصلا لهذه الثلاثة في أن الأجرة على المقترض , وهي مقيسة عليه بجامع المعروف قال (فكالقرض) . . . فكأنه قال: لأنها كالقرض. فمن اقترض أردب قمح مثلا , فأجرة كيله على المقترض , وإذا رده فأجرة كيله عليه بلا نزاع.
شرح منتهى الإرادات (2 / 398)
(وعليه) أي المستعير (مؤنة ردها) أي العارية , لحديث العارية مؤداة وحديث على اليد ما أخذت حتى تؤديه و (كمغصوب) بجامع أنه قبضها لا لمصلحة مالكها.
مجلة الأحكام العدلية (ص 159)
مصاريف رد العارية ومؤنة نقلها على المستعير. (م830)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2 / 333)
تعود مؤونة رد كل عين على من تعود إليه منفعة قبضها , لقاعدة (الغرم بالغنم) .
إذا أراد المستعير رد العارية التي في يده فمصاريف ردها ومؤنة نقلها عليه , لأن المنفعة التي تحصل من العارية تعود عليه , وقد قبض المستعير العارية لمنفعته.
مرشد الحيران (ص 210)
مؤونة العين المستعارة ومصاريف حفظها وردها تكون على المستعير. (م793)(1/680)
صفة بدل القرض من حيث المثلية والقيمية والعينية
لقد تباينت أنظار الفقهاء فيما يلزم المقترض أداؤه ,
فذهب الحنفية وابن حزم إلى أنه يلزمه رد مثل ما استقرض لا عينه , ولو كانت قائمة.
وذهب الشافعية في الأصح والمالكية إلى أن المقترض في قرض المثليات مخير بين رد مثله أو عينه ما دامت على حالها لم تتغير , وفي القيميات هو مخير بين رد مثله صورة أو عينه ما لم تتغير.
وقال الحنابلة: إذا أقرضه مكيلا أو موزونا , فهو مخير بين رد المثل أو العين إذا لم تتغير. وإذا أقرضه قيميا لا ينضبط بالصفة كالجواهر ونحوها , فيلزم المقترض قيمته يوم القبض , وفيما سوى ذلك يلزمه في الراجح رد قيمته يوم القبض.(1/681)
لقد اختلف الفقهاء في بدل القرض الذي يلزم المقترض أداؤه من حيث المثلية والقيمية والعينية على ثلاثة أقوال:
أحدها: للحنفية , وهو أن المقترض بمجرد تملكه للعين المقترضة , فإنه يثبت في ذمته مثلها لا عينها , ولو كانت قائمة. وأنه لو استقرض شيئا من المكيلات أو الموزونات أو المسكوكات من الذهب أو الفضة , فرخصت أسعارها أو غلت فعليه مثلها , ولا عبرة برخصها وغلائها. وأنه إذا تعذر على المقترض رد مثل ما اقترضه , بأن استهلكها ثم انقطعت عن أيدي الناس , فيجبر المقرض على الانتظار إلى أن يوجد مثلها ولا يصار إلى القيمة إلا إذا تراضيا عليها.
ومبنى قولهم بوجوب المثل مطلقا دون القيمة هو عدم صحة القرض عندهم إلا في المثليات.
والثاني: للشافعية في الأصح والمالكية , وهو أن المقترض مخير في أن يرد مثل الذي اقترضه إذا كان مثليا , لأنه أقرب إلى حقه , وبين أن يرده بعينه إذا لم يتغير بزيادة أو نقصان.
أما إذا كان قيميا , فله أن يرده بعينه ما دامت على حالها لم تتغير , أو بمثله صورة , لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه استسلف بكرا ورد رباعيا وقال إن خياركم أحسنكم قضاء. رواه مسلم 1
والثالث: للحنابلة , حيث فرقوا بين ما إذا كان محل القرض مثليا , مكيلا أو موزونا , وبين ما إذا كان قيميا لا ينضبط بالصفة كالجواهر ونحوها , وبين ما إذا كان سوى ذلك.
فإن كان مثليا من المكيلات أو الموزونات , فيلزم المقترض مثله. ولو أراد رده بعينه , فيجبر المقرض على قبوله ما لم تتغير عينه بعيب أو نقصان أو نحو ذلك , سواء تغير سعره أو لا , لأنه رده على صفة حقه.
وإن كان قيميا لا ينضبط بالصفة , كالجواهر ونحوها مما تختلف قيمته كثيرا , فيلزم المقترض قيمته يوم القبض , لأنه وقت الثبوت في الذمة. ولو أراد المقترض رده بعينه , فلا يلزم المقرض قبوله - ولو كان باقيا على حاله لم يتغير - لأن الذي وجب له بالقرض قيمته , فلا يلزمه الاعتياض عنها.
وان كان محل القرض غير ذلك , ومثلوا له بالمذروع والمعدود , فيلزم المقترض - في الراجح - رد قيمته , لأن ما أوجب المثل في المثليات أوجب القيمة فيما لا مثل له , كالإتلاف. والمذروع والمعدود عندهم من القيميات. وتعتبر القيمة يوم القرض , لأنه وقت الثبوت في الذمة في هذه الحالة. وفي المرجوح: يجب رد مثله صورة , لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استقرض بكرا , ورد مثله صورة.(1/682)
الفتاوى الهندية (3 / 207)
ولو أراد المقرض أن يأخذ كره بعينه من المستقرض , ليس له ذلك , وللمستقرض أن يعطيه غيره. كذا في خزانة الأكمل.
مرشد الحيران (ص 112 , 213 , 214)
إنما تخرج العين المقترضة عن ملك المقرض وتدخل في ملك المستقرض إذا قبضها , فيثبت في ذمة المستقرض مثلها لا عينها ولو كانت قائمة. (م797)
يجب على المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة قدرا وصفة. (م802)
إذا استقرض شيئا من المكيلات أو الموزونات أو المسكوكات من الذهب والفضة , فرخصت أسعارها أو غلت , فعليه رد مثلها , ولا عبرة برخصها وغلوها. (م805)
إذا لم يكن في وسع المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة , بأن استهلكها , ثم انقطعت عن أيدي الناس , يجبر المقترض على الانتظار إلى أن يوجد مثلها , إلا إذا تراضيا على القيمة. (م806)
المحلى (8 / 80)
فإن طالبه صاحب الدين بدينه , والشيء المستقرض حاضر عند المستقرض , لم يجز أن يجبر المستقرض على أن يرد الذي أخذ بعينه ولا بد , ولكن يجبر على رد مثله.
ولا يجوز أن يجبر على إخراج شيء بعينه من ماله إذ لم يوجب عليه قرآن ولا سنة , فإن لم يوجد له غيره قضي عليه حينئذ برده , لأنه مأمور بتعجيل إنصاف غريمه , فتأخيره بذلك وهو قادر على الإنصاف ظلم , وقد قال عليه الصلاة والسلام مطل الغنى ظلم وهذا غني , فمطله ظلم.
القوانين الفقهية (ص 293)
وهو أي المقترض - مخير بين أن يؤدي مثل ما أخذ أو يرده بعينه ما دام على صفته , وسواء كان من ذوات الأمثال , وهو المعدود والمكيل والموزون , أو من ذوات القيم كالعروض والحيوان.
الخرشي وحاشية العدوي (5 / 232)
(ويجوز للمقترض أن يرد مثل الذي اقترضه , وله أن يرد عين الذي اقترضه إن كان غير مثلي) وأما المثلي فلا يتوهم , لأن المثلي لا يراد لعينه , فلا فرق بين أن يكون هو أو غيره (وهذا ما لم يتغير بزيادة أو نقصان) .
أسنى المطلب (2 / 143)
وللمقترض رد ما اقترضه , وعلى المقرض قبوله , إلا إذا نقص , فله قبوله مع الأرش أو مثله سليما. (فرع: له رد مثل ما اقترض) حقيقة في المثلي (ولو في نقد بطل) التعامل به (وصورة في المتقوم) لأنه صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا ورد رباعيا.
تحفة المحتاج (5 / 44)
ومن لازم اعتبار المثل الصوري اعتبار ما فيه من المعاني التي تزيد بها القيمة , فيرد ما يجمع تلك الصفات كلها , حتى لا يفوت عليه شيء.
المهذب (1 / 311)
ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل , ولهذا يقال: الدنيا قروض ومكافأة , فوجب أن يرد المثل. وفيما لا مثل له وجهان:
(أحدهما) يجب عليه القيمة , لأن ما ضمن بالمثل إذا كان له مثل ضمن بالقيمة إذا لم يكن له مثل , كالمتلفات.
(والثاني) يجب عليه مثله في الخلقة والصورة , لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقضي الرباعي بالبكر , ولأن ما ثبت في الذمة بعقد السلم ثبت بعقد القرض قياسا على ما له مثل. ويخالف المتلفات , فإن المتلف متعد فلم يقبل منه إلا القيمة , لأنها أحصر , وهذا عقد أجيز للحاجة فقبل فيه مثل ما قبض , كما قبل في السلم مثل ما وصف.
شرح منتهى الإرادات (2 / 226)
(ويجب) على مقرض (قبول) قرض (مثلي رد) بعينه وفاء , ولو تغير سعره لرده على صفه ما عليه , فلزمه قبوله كالسلم , بخلاف متقوم رد , وإن لم يتغير سعره فلا يلزمه قبوله , لأن الواجب له قيمته (ما لم يتعيب) مثلي رد بعينه , كحنطة ابتلت , فلا يلزمه قبوله لما فيه من الضرر , لأنه دون حقه.
(و) يجب رد (مثل مكيل أو موزون) لا صناعة فيه مباحة , يصح السلم فيه , لأنه يضمن في الغصب والإتلاف بمثله , فكذا هنا , مع أن المثل أقرب شبها به من القيمة (فإن أعوز المثل ف) عليه (قيمته يوم إعوازه) لأنه يوم ثبوتها في الذمة. (و) يجب رد (قيمة غيرهما) أي المكيل والموزون المذكور , لأنه لا مثل له , فضمن بقيمته , كما في الإتلاف والغصب (فجوهر ونحوه) مما تختلف قيمته كثيرا , تعتبر قيمته (يوم قبض) لاختلاف قيمته في الزمن اليسير بكثرة الراغب وقلته , فتزيد زيادة كثيرة , فيتضرر المقترض , أو تنقص فيتضرر المقرض (وغيره) أي الجوهر ونحوه كمذروع ومعدود تعتبر قيمته (يوم قرض) لأنها تثبت في ذمته.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 273)
لا يلزم المقترض رد عين مال القرض ولو كان باقيا , لكن لو رد المثلي بعينه من غير أن يتعيب , لزم المقرض قبوله ولو تغير السعر , أما المتقوم إذا رده بعينه , لا يلزمه قبوله ولو لم يتغير سعره. (م748)
المكيلات والموزونات يجب رد مثلها , فإن أعوز لزم رد قيمته يوم الإعواز , وكذلك الفلوس والأوراق النقدية , أما غير ذلك فيجب فيه رد القيمة , فالجوهر ونحوه مما تختلف قيمته كثيرا تلزم قيمته يوم القبض. (م749)(1/683)
صفة بدل القرض من حيث الزيادة والنقصان
الأصل في أداء القرض أن يكون ببدل مماثل في القدر والصفة للمال المقرض , ولكن لو قضى المقترض دائنه ببدل أكثر مما أخذ أو أقل في القدر برضاهما , أو ببدل أجود مما أخذ أو أدنى منه صفة برضاهما , جاز ذلك طالما أنه وقع من غير شرط ولا مواطأة في قول جمهور الفقهاء.(1/684)
لا خلاف بين الفقهاء في وجوب رد مثل الأعيان المقترضة قدرا ,
لكن لو قضى المقترض دائنه ببدل زائد على ما أخذ أو ناقص عنه في القدر برضاهما , فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وابن حبيب من المالكية إلى جواز ذلك , طالما أنه وقع من غير شرط ولا مواطأة , وأن الزيادة في القدر من حسن القضاء , وقبول الأدنى قدرا من حسن الاقتضاء.
وذهب مالك إلى كراهة الزيادة في الكم والعدد إلا في اليسير جدا , وهذا إذا كان من غير شرط حين القرض.
وروي عن أحمد المنع من الزيادة والفضل في القرض مطلقا , وعن أبي بن كعب وابن عباس وابن عمر أن المقترض يأخذ مثل قرضه , ولا يأخذ فضلا لئلا يكون قرضا جر نفعا.
واتفق الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم على أنه يجب على المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة صفة , وأنه لو قضى دائنه ببدل خير منه في الصفة أو دونه برضاهما صح , طالما أن ذلك جرى من غير شرط ولا مواطأة
وذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسلف بكرا فرد رباعيا خيرا منه صفة وقال إن خياركم أحسنكم قضاء رواه مسلم. بل إنه يستحب في حق المقترض أن يرد أجود مما أخذ بغير شرط , وأنه لا يكره للمقرض أخذه , كما أن المقرض الذي يقبل أدنى مما أعطى مأجور على ذلك , وهو من السماحة في الاقتضاء.(1/685)
مرشد الحيران (213)
يجب على المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة قدرا وصفة.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 274)
يجوز أن يقضي المقترض خيرا مما أخذ أو دونه برضاهما , ولو بزيادة أو نقص في القدر أو الصفة من غير شرط ولا مواطأة. (م753)
المحلى (8 / 47)
فإن تطوع عند قضاء ما عليه بأن يعطي أكثر مما أخذ , أو أقل مما أخذ , أو أدنى مما أخذ , فكل ذلك حسن مستحب , ومعطي أكثر مما أقترض , وأجود مما اقترض مأجور , والذي يقبل أدنى مما أعطى أو أقل مما أعطى مأجور , وسواء كان ذلك عادة أو لم يكن , ما لم يكن عن شرط.
تحفة المحتاج (5 / 47)
(ولو رد هكذا) أي زائدا قدرا أو صفة (بلا شرط فحسن) ومن ثم ندب ذلك ولم يكره للمقرض الأخذ.
بدائع الصنائع (7 / 395)
فأما إذا كانت - الزيادة - غير مشروطة , ولكن المستقرض أعطاه أجودهما , فلا بأس بذلك , لأن الربا اسم لزيادة مشروطة في العقد , ولم توجد , بل من باب حسن القضاء , وانه أمر مندوب إليه. قال النبي عليه الصلاة والسلام: خيار الناس أحسنهم قضاء. وقال النبي عليه الصلاة والسلام عند قضاء دين لزمه للوازن: زن وأرجح.
الكافي لابن عبد البر (ص 358)
ولو أسلف ذهبا أو ورقا , فقضاه أجود أو أزيد من غير شرط كان بينهما جاز ذلك وكره مالك وأكثر أهل العلم أن يزيده في العدد , وقالوا: إنما الإحسان في القضاء أن يعطيه أجود عينا وأرفع صفة , وأما أن يزيد في الكيل أو الوزن أو العدد فلا , وهذا كله إذا كان من غير شرط حين السلف , ولا يجوز شيء من ذلك إذا كان على شرط , وكذلك الطعام والعروض كلها إذا قضاه أرفع من صفته فهو شكر من المستقرض وحسن قضاء , وإن قضاه دون صفته أو دون كيله أو وزنه فهو تجاوز من المقرض وتمام إحسان.
روضة الطالبين (4 / 34 , 37)
ولو أقرضه بلا شرط , فرد أجود أو أكثر أو ببلد آخر , جاز. ولا فرق بين الربوي وغيره , ولا بين الرجل المشهور برد الزيادة أو غيره على الصحيح. قلت: قال في (التتمة) لو قصد إقراض المشهور بالزيادة للزيادة , ففي كراهته وجهان
قال المحاملي وغيره من أصحابنا: يستحب للمقترض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك , ولا يكره للمقرض أخذ ذلك.
الفتاوى الهندية (3 / 202 , 204)
فإن لم تكن المنفعة مشروطة في العقد , فأعطاه المستقرض أجود مما عليه , فلا بأس به. المديون إذا قضى الدين أجود مما عليه , لا يجبر رب الدين على القبول , كما لو دفع إليه أنقص مما عليه , وإن قبل جاز , كما لو أعطاه خلاف الجنس , وهو الصحيح.
المغني (6 / 438)
فإن أقرضه مطلقا من غير شرط , فقضاه خيرا منه في القدر أو الصفة أو دونه برضاهما جاز.
ورخص في ذلك ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشعبي والزهري ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق
وقال أبو الخطاب إن قضاه خيرا منه , أو زاده زيادة بعد الوفاء من غير مواطأة فعلى روايتين.
وروي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن عمر أنه يأخذ مثل قرضه , ولا يأخذ فضلا , لأنه إذا أخذ فضلا كان قرضا جر منفعة.(1/686)
مكان رد بدل القرض
الأصل وجوب رد بدل القرض في البلد الذي وقع فيه , ولكن لو بذله المقترض في مكان آخر أو طالبه المقرض به في بلدة أخرى , ففي المثليات يلزم الطرف الآخر الاستجابة له بقبول المثل أو دفعه فيه إذا لم يكن مما لحمله مؤونة , فإن كان فيه ذلك , فلا تلزمه الاستجابة.
وفي القيميات يلزم المقترض أداء القيمة له بسعر بلد القرض إذا طالبه المقرض ببدله في غيرها , ويلزم المقرض قبولها كذلك إذا بذلها له المقترض بذلك السعر في البلد الآخر.(1/687)
لا خلاف بين الفقهاء في أن الأصل في القرض وجوب رد بدله في نفس البلد التي وقع فيها , وأن للمقرض المطالبة به فيها , ويلزم المقترض الوفاء به حيث قبضه , إذ هو المكان الذي يلزم التسليم فيه.
ووجهة: أن المقرض محسن , وما على المحسنين من سبيل , فلو كان عليه أن يتجشم مشقة لرد قرضه , لكان ذلك منافيا لإحسانه.
لكن لو بذله المقترض في مكان آخر , أو طالبه المقرض به في بلدة أخرى , فقد ذهب الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى التفريق فيما يلزم أداء المثل فيه بين ما لحمله مؤونة , كالمكيلات الموزونات ونحوها , وبين ما ليس لحمله مؤونة كالدراهم والدنانير , وقالوا:
لا يجبر المقرض على قبوله في غير مكان الإقراض إن كان مما لحمله مؤونة ولا يلزم المقترض دفعه في غيره إذا طالبه المقرض بأداء المثل فيه , لما في ذلك من زيادة الكلفة أو لحوق الضرر بالمطالب بالقبول أو الدفع في غير مكان القرض.
أما ما ليس لحمله مؤونة , فيلزم المقرض قبوله إذا بذله المقترض له في غير مكان الإقراض , كما يلزم المقترض أداء مثل دينه إذا طالبه به المقرض في البلد الآخر , إذ لا ضرر عليهما في ذلك ولا كلفة ولا مشقة.
وقال الحنابلة: أما إذا كانت العين المقترضة من القيميات , فيلزم المقترض أداء قيمتها في بلد القرض مطلقا , فإن طالبه المقرض في البلد الآخر بقيمتها في بلد القرض , لزمه أداؤها , لأنه أمكنه أداء الواجب بلا ضرر عليه فيه. أما إذا طالبه بقيمتها في بلد المطالبة , وكانت أكثر , لم تلزمه , لأنه لا يلزمه حملها إليها.(1/688)
الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 132)
ويجب على المقترض أن يوفي المقرض في بلد القرض , ولا يكلفه مؤونة السفر والحمل.
مرشد الحيران (ص 213)
يجوز الاستقراض ووفاء القرض في بلد أخرى من غير اشتراط في العقد (م803)
الكافي لابن عبد البر (ص 358)
ومن استقرض قرضا مما له مؤونة وحمل , ولم يكن عينا , ولم يشترط للقضاء موضعا فإنه يلزمه القضاء في الموضع الذي اقترض فيه. ولو لقيه في غير البلد الذي أقرضه فيه , فطالبه بالقضاء فيه , لم يلزمه ذلك , ولزم أن يوكل من يقبضه منه في ذلك البلد الذي اقترض فيه. ولو اصطلحا على القضاء في البلد الآخر , كان ذلك جائزا إذا كان بعد حلول الأجل , إن كان قبل حلول الأجل , لم يجز.
التاج والإكليل (4 / 548)
وفي نوازل البرزلي في رجل تسلف فلوسا أو دراهم بالبلاد المشرقية , ثم جاء مع المقرض إلى بلاد المغرب فوقع الحكم بأن يغرم له قيمتها في بلدها يوم الحكم.
النتف في الفتاوى (1 / 493)
واسترداد القرض على وجهين: أحدهما:
أن يأخذه به حيث وجده. وذلك في الدراهم والدنانير وما لا حمل له ولا مؤونة. والآخر:
ألا يأخذه به إلا حيث أقرضه إياه. وهو المكيل والموزون. وإن تراضيا على غير ذلك المكان جاز ذلك.
السيل الجرار للشوكاني (3 / 144)
وأما كونه يجب الرد إلى موضع القرض فصحيح لأن المقرض محسن , فعلى المستقرض أن يرد ماله إليه إلى الموضع الذي قبضه منه فيه.
وجهه أن المقرض محسن وما على المحسنين من سبيل , فلو كان عليه أن يتجشم مشقة لرد قرضه , لكان ذلك منافيا لإحسانه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 274)
للمقرض المطالبة ببدل القرض في غير بلده , ويلزم المقترض قضاؤه في المثليات إلا إذا كان لحمله مؤونة أو قيمته ببلد القرض أنقص , فلا يلزمه إلا قيمته ببلد القرض. أما إذا كانت قيمته ببلد القرض مساوية أو أكثر لزمه دفع المثل في المثليات. أما المتقوم فيلزم المقترض أداء قيمته ببلد القرض مطلقا. (م751)
إذا بذل المقترض مثل القرض في غير بلده لزم المقرض قبوله إذا لم يكن لحمله مؤونة , وكان البلد والطريق آمنين , وإلا لم يلزمه قبوله. (م752) .
أسنى المطالب (2 / 143)
(وأداؤه) أي الشيء المقرض صفة ومكانا وزمانا (كأداء المسلم فيه) فلا يجب قبول الرديء عن الجيد , ولا قبول المثل في غير مكان الإقراض إلا إذا كان لحمله مؤنة , ولم يتحملها المقترض , أو كان المكان مخوفا. ولا يلزم المقترض الدفع في غير مكان الإقراض إلا إذا لم يكن لحمله مؤونة , أو له مؤونة وتحملها المقرض (لكن له مطالبته في غير بلد الإقراض بقيمة ما له) أي لحمله (مؤونة) لجواز الاعتياض عنه , بخلاف نظيره في السلم. فعلم أنه لا يطالبه بمثله إذا لم يتحمل مؤونة حمله لما فيه من الكلفة , وأنه يطالبه بمثل ما لا مؤنة لحمله , وهو كذلك.
المهذب (1 / 311)
إذا أقرضه دراهم بمصر ثم لقيه بمكة فطالبه بها , لزمه دفعها إليه. فإن طالبه المستقرض بأن يأخذها , وجب عليه أخذها , لأنه لا ضرر عليه في أخذها , فوجب أخذها. فإن أقرضه طعاما بمصر فلقيه بمكة فطالبه به , لم يجبر على دفعه إليه , لأن الطعام بمكة أغلى. فإن طالبه المستقرض بالأخذ , لم يجبر على أخذه , لأن عليه مؤونة في حمله فإن تراضيا جاز , لأن المنع لحقهما , وقد رضيا جميعا. فإن طالبه بقيمة الطعام بمكة أجبر على دفعها , لأنه بمكة كالمعدوم , وما له مثل إذا عدم وجبت قيمته , وتجب قيمته بمصر لأنه يستحقه بمصر
كشاف القناع (3 / 306)
(وإن أقرضه أثمانا أو غيرها) أو غصبه أثمانا أو غيرها (فطالبه المقرض أو المغصوب منه ببدلها) أي ببدل الأثمان أو غيرها (ببلد آخر) غير بلد القرض أو الغصب لزمه) أي المقترض أو الغاصب دفع المثل الذي لا مؤونة لحمله , لأنه أمكنه قضاء الحق بلا ضرر إلا ما لحمله مؤونة وقيمته في بلد القرض والغصب أنقص) من قيمته في بلد الطلب (فيلزمه) أي المقترض أو الغاصب (إذن قيمته فيه) أي في بلد القرض والغصب (فقط , وليس له) أي للمقرض والمغصوب منه (إذن مطالبته بالمثل) لأنه لا يلزمه حمله إلى بلد الطلب , فيصير كالمتعذر , وإذا تعذر المثل تعينت القيمة , وإنما اعتبرت ببلد القرض أو الغصب , لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه (ولا) مطالبة لربه (بقيمته في بلد المطالبة) لما تقدم (وإن كانت قيمته) أي القرض أو الغصب (في البلدين) أي في بلد القرض أو الغصب وبلد المطالبة (سواء , أو) كانت قيمته (في بلد القرض) أو الغصب (أكثر) من قيمته في بلد المطالبة (لزمه أداء المثل) لأنه أمكنه بلا ضرر عليه في أدائه.
(وإن كان) القرض أو الغصب (من المتقومات فطالبه) أي طالب ربه المقترض أو الغاصب (بقيمته في بلد القرض) أو الغصب (لزمه أداؤها) لأنه أمكنه أداء الواجب بلا ضرر عليه فيه. وعلم منه: أنه إن طالبه بقيمته في بلد المطالبة , وكانت أكثر , لم تلزمه , لأنه لا يلزمه حمله إليها. (ولو بذل المقترض) للمقرض (أو) بذل (الغاصب) للمغصوب منه (ما في ذمته) من مثل أو قيمة (ولا مؤنة لحمله) أي المبذول (لزم) المقرض والمغصوب منه (قبوله مع أمن البلد والطريق) لأنه لا ضرر عليه إذن. فإن كان لحمله مؤونة أو كان البلد أو الطريق مخوفا , لم يلزمه قبوله , ولو تضرر المقترض أو الغاصب , لأن الضرر لا يزال بالضرر.(1/689)
زمان رد بدل القرض
يرى جمهور الفقهاء أن دين القرض حال غير مؤجل , وللمقرض المطالبة به في أي وقت شاء عقب الإقراض , كسائر الديون الحالة.
وخالفهم المالكية في ذلك ورأوا أنه مؤجل أصلا (من غير اشتراط التأجيل) إلى قدر ما يرى في العادة أن المقترض انتفع به.(1/690)
اختلف الفقهاء في وقت رد البدل في القرض على قولين:
أحدهما: لجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة , وهو أن بدل القرض يثبت حالا (غير مؤجل) في ذمة المقترض. وللمقرض مطالبته به عقب الإقراض مباشرة , لأن القرض سبب يوجب رد المثل في المثليات , فكان حالا , كالإتلاف.
الثاني: للمالكية , وهو أن البدل لا يثبت حالا في ذمة المقرض. فلو اقترض شخص مطلقا - من غير اشتراط الأجل - فلا يلزمه رد البدل لمقرضه إن أراد ذلك عقب العقد , ويجبر المقرض على إبقائه عنده إلى قدر ما يرى في العادة أنه انتفع به.
قال ابن القيم وهذا هو الصحيح.(1/691)
المغني (6 / 431)
للمقرض المطالبة ببدله في الحال , لأنه سبب يوجب رد المثل في المثليات , فأوجبه حالا كالإتلاف. ولو أقرضه تفاريق , ثم طالبه بها جملة , فله ذلك لأن الجميع حال , فأشبه ما لو باعه بيوعا حالة , ثم طالبه بثمنها جملة.
وإن أجل القرض , لم يتأجل , وكان حالا. وكل دين حل أجله , لم يصر مؤجلا بتأجيله. وبهذا قال الحارث العكلي والأوزاعي وابن المنذر والشافعي
وقال مالك والليث يتأجل الجميع بالتأجيل لقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون عند شروطهم.
التاج والإكليل (4 / 548)
ابن شاس لو أراد الرجوع في قرضه منع إلا بعد مضي مدة الانتفاع بالشرط أوالعادة.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 273)
بدل القرض في ذمة المقترض من حين القبض , وللمقرض المطالبة به في الحال (م747) .
النتف في الفتاوى (1 / 493)
ولو أقرضه إلى أجل , فالقرض جائز , والأجل باطل , وله أن يأخذه متى شاء , وأنى شاء , لأن الآجال في القروض باطلة.
بدائع الصنائع (7 / 396)
والأجل لا يلزم في القرض , سواء كان مشروطا في العقد أو متأخرا عنه , بخلاف سائر الديون.
روضة الطالبين (4 / 34)
ولا يجوز شرط الأجل فيه , ولا يلزم بحال.
الخرشي (5 / 232)
القرض يملكه المقترض بمجرد عقد القرض وإن لم يقبضه , ويصير مالا من أمواله , ويقضى له به , وإذا قبضه فلا يلزمه رده لربه إلا إذا انتفع به عادة أمثاله مع عدم الشرط. فإن مضى الأجل المشترط أو المعتاد , فيلزمه رده.
إعلام الموقعين (3 / 375)
اختلف الناس في تأجيل القرض والعارية إذا أجلها , فقال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه
وأبو حنيفة لا يتأجل شيء من ذلك بالتأجيل , وله المطالبة به متى شاء.
وقال مالك يتأجل بالتأجيل. فإن أطلق , ولم يؤجل , ضرب له أجل مثله , وهذا هو الصحيح لأدلة كثيرة مذكورة في موضعها.
مراجع إضافية
انظر كشاف القناع (3 / 301) شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
المبدع (4 / 206) فتح العزيز (9 / 357) الفتاوى الهندية (3 / 202) الزرقاني على خليل (5 / 229)(1/692)
توثيق دين القرض بالكتابة والشهادة
توثيق دين القرض بالكتابة والشهادة إذا لم يكن مؤجلا ليس واجبا في قول أحد من الفقهاء.
أما إذا كان مؤجلا , فقد ذهب ابن حزم إلى وجوب توثيقه بهما , وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وجوب ذلك.(1/693)
ذهب ابن حزم الظاهري إلى وجوب توثيق دين القرض المؤجل بالكتابة والشهادة للأمر بهما في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} (إلى آخر الآية: 282 من البقرة) , حيث أفاد الوجوب ولزوم الطاعة والانقياد للمأمور به.
وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن كتابة جميع الديون بما في ذلك دين القرض والإشهاد عليها ليسا واجبين مطلقا , والأمر بهما في الآية إرشاد إلى الأوثق والأحوط , ولا يراد به الوجوب , بل الندب.(1/694)
أحكام القرآن للشافعي (2 / 127)
فلما أمر إذا لم يجدوا كاتبا بالرهن , ثم أباح ترك الرهن وقال {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن} فدل على أن الأمر الأول دلالة على الحظ لا فرض فيه يعصي من تركه.
أحكام القرآن للجصاص (1 / 482)
ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا , وأن شيئا من ذلك غير واجب. وقد نقلت الأمة خلفا عن سلف عقود المداينات والأشربة والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد , مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم , ولو كان الإشهاد واجبا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به. وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندبا , وذلك منقول من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
أحكام القرآن للكيا الهراسي (1 / 365)
إن الأمر بالإشهاد ندب لا واجب والذي يزيده وضوحا أنه قال {فإن أمن بعضكم بعضا} ومعلوما أن هذا الأمن لا يقع إلا بحسب الظن والتوهم , لا على وجه الحقيقة , وذلك يدل على أن الشهادة إنما أمر بها لطمأنينة قلبه لا لحق الشرع , فإنها لو كانت لحق الشرع لما قال {فإن أمن بعضكم} فلا ثقة بأمن العباد , إنما الاعتماد على ما يراه الشرع مصلحة , فالشهادة متى شرعت في النكاح لم تسقط بتراضيها وأمن بعضهم بعضا , فدل ذلك على أن الشهادة شرعت للطمأنينة. ولأن الله تعالى جعل لتوثيق الديون طرقا , منها الكتابة ومنها الرهن ومنها الإشهاد. ولا خلاف بين علماء الأمصار أن الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب , فيعلم من ذلك مثله في الإشهاد.
المحلى (8 / 80)
فإن كان القرض إلى أجل ففرض عليهما أن يكتباه وأن يشهدا عليه عدلين فصاعدا أو رجلا وامرأتين عدولا فصاعدا. . . وليس يلزمه شيء من ذلك في الدين الحال لا في السفر ولا في الحضر.(1/695)
هدية المقترض للمقرض
اختلف الفقهاء في حكم الهدية غير المشروطة يقدمها المقترض قبل الوفاء , فذهب جماعة منهم إلى جوازها , ومنعها البعض إذا كان الغرض منها أن يؤخره المقرض بدينه ,
وقال بعضهم بعدم جوازها إن لم ينو المقرض احتسابها من دينه أو مكافأته عليها , إلا إذا جرت عادة بذلك بينهما قبل القرض , فعند ذلك تجوز.(1/696)
سبق أن بينا أن الهدية المشروطة في العقد من المقترض للمقرض باطلة , لأنها ربا.
أما الهدية غير المشروطة يقدمها المقترض لمقرضه قبل الوفاء , فقد اختلف الفقهاء في حكمها على ثلاثة أقوال.
أحدها: للحنفية وابن حزم وأحمد في رواية عنه , وهو الجواز.
والثاني:
للمالكية وهو المنع سدا للذريعة. أما إذا لم يكن يقصد منها ذلك , كما إذا كانت العادة بينهما ذلك قبل المداينة , أو حدث موجب لها - كمصاهرة أو جوار أو نحو ذلك - فهي جائزة , لانتفاء المانع الشرعي.
والثالث: للحنابلة وهو عدم الجواز إن لم ينو المقرض احتسابها من دينه أو مكافأته عليها - سدا لذريعة أخذ الزيادة في القرض إلا إذا جرت عادة بذلك بينهما قبل القرض فيجوز.
واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك رواه ابن ماجة(1/697)
المحلى (8 / 85)
وهدية الذي عليه الدين إلى الذي له الدين حلال , وكذا ضيافته إياه , ما لم يكن شيء من ذلك عن شرط , فإن كان شيء عن شرط , فهو حرام.
القوانين الفقهية (ص 293)
إذا أهدى لصاحب الدين مديانه لم يجز له قبولها , لأنه يؤول إلى زيادة على التأخير. وقال بعضهم: يجوز إن كان بينهما من الاتصال ما يعلم أن الهدية له لا للدين.
الكافي لابن عبد البر (ص 359)
وكره مالك أكل هدية الغريم إلا أن يكون ذلك بينهما معروفا قبل السلف , أو يعلم أن هديته ليست لمكان دينه.
الخرشي (5 / 230)
أن هدية المديان حرام إلا أن يتقدم مثل الهدية بينهما قبل المداينة , وعلم أنها ليست لأجل الدين , فإنها لا تحرم حينئذ حالة المداينة , وإلا أن يحدث موجب للهدية بعد المداينة من صهارة ونحوها , فإنها لا تحرم.
الفتاوى الهندية (3 / 230)
ولا بأس بهدية من عليه القرض , والأفضل أن يتورع من قبول الهدية إذا علم أنه يعطيه لأجل القرض. وإن علم أنه يعطيه لا لأجل القرض , بل لقرابة أو صداقة بينهما لا يتورع عنه. وكذا لو كان المستقرض معروفا بالجود والسخاء. كذا في محيط السرخسي
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 274)
لا يجوز أن يهدي المقترض قبل الوفاء هدية إلى المقرض , ولا أن يعامله معاملة تجر إليه نفعا , كأن يعيره أو يحابيه في عقد آخر , إلا إذا جرت عادة بينهما , أو نوى احتسابه من دينه أو مكافأته. أما لو فعل ذلك بعد الوفاء من غير سابق مواطأة , فلا بأس به. (م754) .
شرح منتهى الإرادات (2 / 227)
(وإن فعل) مقترض ذلك , بأن أسكنه داره أو أهدى له (قبل الوفاء , ولم ينو) مقترض (احتسابه من دينه , أو) لم ينو (مكافأته) عليه (لم يجز , إلا إن جرت عادة بينهما) أي بين المقرض والمقترض (به) أي بذلك الفعل (قبل قرض) لحديث أنس مرفوعا إذا أقرض أحدكم قرضا , فأهدى إليه أو حمله على الدابة , فلا يركبها , ولا يقبله , إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك رواه ابن ماجه وفي إسناده من تكلم فيه.
مراجع إضافية
انظر إغاثة اللهفان (1 / 364) إعلام الموقعين (3 / 154 - 184)
تهذيب ابن القيم لمختصر سنن أبي داود (5 / 150) المبدع (4 / 210) كشاف القناع (3 / 305) مواهب الجليل (4 / 546) الزرقاني على خليل (5 / 227)(1/698)
لزوم عقد القرض
يرى جمهور الفقهاء أن عقد القرض غير لازم في حق المقترض , فله رده بعينه أو ببدله متى شاء.
أما في حق المقرض , فيرى الحنابلة أنه لا يلزم في حقه قبل أن يقبضه المقترض.
ويرى الشافعية عدم لزومه في حقه مطلقا.
ويرى المالكية أنه يلزم بالقول دون توقف على قبض.(1/699)
ذهب جماهير الفقهاء إلى أن عقد القرض جائز (غير لازم) في حق المقترض , فله رد عين ما اقترضه للمقرض إذا لم يتغير , لأنه على صفة حقه , فلزم المقرض قبوله , كما لو أعطاه غيره من أمثاله.
أما في حق المقرض , فقد اختلف الفقهاء في لزومه على ثلاثة أقوال:
أحدها: للحنابلة والشافعية في غير الأصح وهو أنه غير لازم في حقه قبل القبض فإذا قبضه المقترض صار العقد لازما في حق المقرض , فلا يملك الرجوع فيه , لأنه أزال ملكه عنه بعوض من غير خيار , فلم يكن له الرجوع فيه كالمبيع.
والثاني: للمالكية وهو أنه يلزم بالقول دون توقف على قبض. قالوا: وإذا لزم بالقول , فإنه يقضى للمقترض به , ويبقى بيده إلى الأجل المضروب , أو قدر ما يرى في العادة أنه قد انتفع به إن لم يضربا أجلا.
والثالث: للشافعية في الأصح وهو عدم لزومه بالقبض. وأن للمقرض بعد تسليمه للمقترض الرجوع فيه مادام باقيا في ملك المقترض بحاله , بأن لم يتعلق به حق لازم - كرهن ونحوه - لأنه يتمكن من تغريمه بدل حقه عند الفوات , فلأن يتمكن من مطالبته بعينه عند قيامها أولى.
هذا وقد نص الحنابلة على أنه لا يثبت في القرض خيار من الخيارات , لأن المقرض دخل على بصيرة أن الحظ لغيره , فأشبه الهبة. والمقترض متى شاء رده , فيستغنى بذلك عن ثبوت الخيار له.
ونص الشافعية على أنه لا يثبت في القرض خيار المجلس وخيار الشرط , لأن الخيار يراد للفسخ , وفي القرض يجوز لكل واحد منهما أن يفسخ متى شاء , فلا معنى لخيار المجلس وخيار الشرط فيه.(1/700)
المغني (6 / 431)
ولا يثبت في القرض خيار ما لأن المقرض دخل على بصيرة أن الحظ لغيره , فأشبه الهبة. والمقترض متى شاء رده فيستغني بذلك عن ثبوت الخيار له. ويثبت الملك في القرض بالقبض. وهو عقد لازم في حق المقرض , جائز في حق المقترض فلو أراد المقرض الرجوع في عين ماله لم يملك ذلك.
وقال الشافعي له ذلك. لأن كل ما يملك المطالبة بمثله ملك أخذه إذا كان موجودا , كالمغصوب والعارية
ولنا: أنه أزال ملكه بعوض من غير خيار , فلم يكن له الرجوع فيه كالمبيع. ويفارق المغصوب والعارية , فإنه لم يزل ملكه عنهما , ولأنه لا يملك المطالبة بمثلهما مع وجودهما , وفي مسألتنا بخلافه.
فأما المقترض , فله رد ما اقترضه على المقرض إذا كان على صفته لم ينقص , ولم يحدث به عيب , لأنه على صفة حقه , فلزمه قبوله كالمسلم فيه , وكما لو أعطاه غيره.
شرح منتهى الإرادات (2 / 225)
(ويلزم) عقد القرض (بقبض) لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض , فوقف الملك عليه.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص 269)
القرض عقد جائز بالنسبة للمقترض مطلقا , أما بالنسبة للمقرض فيلزم بقبض المقترض , فلا يملك استرجاعه إلا إذا حجر على المقترض لفلس. (م729) .
الخرشي (5 / 232)
القرض يملكه المقترض بمجرد عقد القرض وإن لم يقبضه , ويصير مالا من أمواله , ويقضى له به. وإذا قبضه فلا يلزمه رده لربه إلا إذا انتفع به عادة أمثاله مع عدم الشرط , فإن مضى الأجل المشترط أو المعتاد , فيلزمه رده. . . ولو أراد تعجيله قبل أجله , وجب على ربه قبوله , ولو غير عين , لأن الأجل فيه من حق من هو عليه.
تحفة المحتاج (5 / 48 , 49)
(ويملك القرض بالقبض , وفي قول بالتصرف) المزيل للملك , رعاية لحق المقرض , لأن له الرجوع فيه ما بقي , فبالتصرف يتبين حصول ملكه بالقبض (وله) بناء على الأول (الرجوع في عينه ما دام باقيا) في ملك المقترض (بحاله) بأن لم يتعلق به حق لازم (في الأصح) وللمقترض رده عليه قهرا. وخرج (بحاله) رهنه وكتابته وجنايته إذا تعلقت برقبته , فلا يرجع فيه حينئذ.
فتح العزيز (9 / 397)
ولو رد المستقرض عين ما أخذه فعلى المقرض قبوله لا محالة.
المهذب (1 / 310)
ولا يثبت فيه خيار المجلس وخيار الشرط , لأن الخيار يراد للفسخ , وفي القرض يجوز لكل واحد منهما أن يفسخ إذا شاء , فلا معنى لخيار المجلس وخيار الشرط.
والملك في القرض غير تام , لأنه يجوز لكل واحد منهما أن ينفرد بالفسخ.
مجلة الأحكام الشرعية على أحمد (ص 270)
لا يثبت في القرض شيء من الخيارات. (م734) .
مراجع إضافية
انظر الكافي لابن عبد البر (ص 358) مواهب الجليل (4 / 549) البهجة شرح التحفة (2 / 288) نهاية المحتاج (4 / 277) الزرقاني على خليل (5 / 229) كشاف القناع (3 / 301) أسنى المطالب (2 / 143)(1/701)
انتهاء القرض
ينتهى القرض بأحد التصرفات التالية:
الوفاء بالقرض من قبل المدين أو الكفيل إن وجد , أو بالاستيفاء من الرهن إن وجد , أو بالمقاصة بشروطها , أو بالإبراء.(1/702)
بنشوء القرض تنشغل ذمة المقترض بمبلغه ويلزم برد المثل , فإن قام بذلك انتهى القرض بالوفاء وهو الأصل. وقد يستوفي المقرض من الأصيل (المقترض) أو من الكفيل إن وجد لأن الكفالة يحصل بها ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل.
وقد يحصل الاستيفاء من بيع الرهن إذا عجز المقترض عن الوفاء من مال آخر وكان قد قدم رهنا عند الاقتراض لأن الرهن محتبس لمصلحة القرض ويكون للمقرض أولوية على غيره من الدائنين.
كما يحصل انتهاء القرض عن طريق المقاصة فيما إذا نشأ للمقترض دين في ذمة المقرض ووجدت شروط إجراء المقاصة مثل اتحاد الجنس بين الدينين وكذلك الأجل وغيره.
كما يحصل انتهاء القرض بإبراء المقرض ذمة المقترض منه.
هذا وقد يحصل الانتهاء لجزء من القرض إذا كان شيء مما سبق من التصرفات واقعا على بعض مبلغ القرض وليس على جميعه.(1/703)
الرهن(1/704)
تعريف الرهن
الرهن جعل المال وثيقة على الدين , ليستوفى منها أو من ثمنها إذا تعذر الوفاء
ولا خلاف بين الفقهاء في جعل المرهون عينا مالية.
وتتسع دائرة الرهن عند المالكية فيجوز عندهم أن يكون المرهون دينا أو منفعة.
ويصح الرهن مع عقد الدين وبعده , وقبل نشوء الحق كالضمان عند جماعة ولا يصح عند آخرين.(1/705)
الرهن في اللغة الرهن في اللغة إما الثبوت والدوام , يقال: ماء راهن أي راكد , وحالة راهنة أي ثابتة دائمة.
وإما الحبس واللزوم , ومنه قول الله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} (المدثر: 38) أي محبوسة , والظاهر أن في الحبس معنى الدوام والثبوت , فأحد المعنيين تطور للمعنى الآخر.
والمعنى الأول كما يبدو هو الحبس , لأنه المعنى المادي.
وعلى كل حال , فالمعنى الشرعي ذو صلة بالمعنى اللغوي , وقد يطلق الرهن لغة على الشيء المرهون: وهو ما جعل وثيقة للدين , من باب تسمية المفعول بالمصدر , فيقال الرهن هو المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه.
الرهن بالمعنى المصدري أو العقدي
والرهن بالمعنى المصدري أو العقدي: هو توثيق الدين بشيء يمكن استيفاؤه منه إذا لم يقم المدين بإيفائه.
الرهن عند الفقهاء
وللفقهاء عبارات متشابهة في الجملة تصور حقيقة الرهن فقها
وجاء تعريف الرهن في المادة 70 من المجلة بأنه: (حبس مال وتوثيقه في مقابل حق يمكن استيفاؤه منه , ويسمى ذلك المال مرهونا ورهنا) .
فالرهن عند الفقهاء هو عقد وثيقة بمال , أي عقد على أخذ وثيقة بمال لا بذمة شخص , فامتاز على الكفالة لأن التوثيق بها إنما يكون بذمة الكفيل , لا بمال يقبضه الدائن , ومعنى وثيقة أي متوثق بها , فقد توثق الدين بالرهن وصار مضمونا محكما بالعين المرهونة.
ويسمى معطي الرهن (الراهن) , وآخذ الرهن (المرتهن) , ويسمى ما أعطي من المال وثيقة للدين (المرهون أو الرهن) , أما الدين فهو يسمى (المرهون به) .
ويلاحظ من تعريف الفقهاء للرهن ما يلي:
- يعبر الشافعية والحنابلة عن المرهون بلفظ (الدين) , فالشافعية يقولون هو (وثيقة بدين) والحنابلة يقولون هو (توثقة دين) .
ومعنى هذا أن المرهون به عندهم لا يكون إلا دينا فلا يكون عينا.
أما الحنفية والمالكية فقد عبروا عن المرهون به بأنه (الحق)
فيقول الحنفية هو (جعل الشيء محبوسا بحق)
ويقول المالكية هو (وثيقة بحق) .
- يرى الحنفية أن المرهون يجب أن يبقى محبوسا تحت يد المرتهن , ولا يستطيع الراهن أن يسترده ولو للانتفاع به حتى لو أذن المرتهن بذلك فهم يقولون (الرهن جعل الشيء محبوسا) .
أما الشافعية فهم يرون عكس ذلك فإنه يجوز للراهن أن يسترد المرهون للانتفاع به ولو قهرا إذا استدعى الأمر ذلك.
ويرى المالكية والحنابلة جواز استرداد المرهون للانتفاع به إذا أذن المرتهن , والخلاف بينهما أن لزوم العقد يفوت عند الحنابلة , والحيازة عند المالكية.
وليس المراد من أخذ الرهن عند المالكية التسليم الفعلي , لأن التسليم بالفعل ليس شرطا عندهم لانعقاد الرهن , ولا لصحته , ولا للزومه , بل ينعقد ويصح ويلزم بالصيغة , أي بمجرد الإيجاب والقبول , أي كالكفالة , ثم يطلب المرتهن أخذه.
وهذا يدل على جواز ما يسمي بالرهن الرسمي أو الرهن التأميني.
- وعبارة جمهور الفقهاء أن الرهن (جعل عين وثيقة بدين يستوفي منها) وهذا يفيد عدم جواز رهن المنافع , لأنها تتلف فلا يحصل بها استيثاق.
أما المالكية فتتسع عندهم دائرة الرهن , فكما يصح أن يكون المرهون عينا يجوز أن يكون دينا أو منفعة
وعبارة المالكية (الشرح الصغير) الرهن: شيء متمول يؤخذ من مالكه , توثقا به , في دين لازم , أو صار إلى اللزوم , أي أنه تعاقد على أخذ شيء من الأموال عينا كالعقار والحيوان والعروض (السلع) أو منفعة , على أن تكون المنفعة معينة بزمن أو عمل , وعلى أن تحسب من الدين.
وللرهن المتفق عليه بين العاقدين أحوال ثلاثة:
الحال الأولى
أن يقع مع العقد المنشئ للدين: كأن يشترط البائع على للمشترى بثمن مؤجل إلى المستقبل في مدة معينة تسليم رهن بالثمن.
وهذا صحيح باتفاق المذاهب , لأن الحاجة داعية إليه.
الحال الثانية:
أن يقع بعد الحق أو نشوء الدين: وهو صحيح أيضا بالاتفاق , لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به , فجاز أخذها به كالضمان (الكفالة) .
وآية {فرهان مقبوضة} تشير إليه , لأن الرهن بدل عن الكتابة (كتابة الدين) والكتابة بعد وجوب الحق.
الحال الثالثة:
أن يقع قبل نشوء الحق مثل: رهنتك متاعي هذا بمائة تقرضنيها , يصح عند المالكية والحنفية , لأنه وثيقة بحق فجاز عقدها قبل وجوبه كالكفالة , وهذا هو المعقول.
ولا يصح عند الشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب كما تقدم , لأن الوثيقة بالحق لا تلزم قبله كالشهادة , لأن الرهن تابع للحق فلا يسبقه.(1/706)
الهداية للمرغيناني (4 / 126)
(الحنفية)
الرهن: جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون.
الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير (3 / 231)
(المالكية)
الرهن: بذل من له البيع ما يباع - أو غررا - ولو اشترط في العقد وثيقة بحق.
مغني المحتاج للشربيني (2 / 122)
(الشافعية)
الرهن شرعا: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه.
المغني لابن قدامة (4 / 366)
(الحنابلة)
الرهن في الشرع: المال اللذى يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه , إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه.
الروض المربع للبهوتي (2 / 191)
(الحنابلة)
الرهن: توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها.
كنز الدقائق وشرحه تبيين الحقائق (6 / 62)
الرهن: هو حبس شيء بحق يمكن استيفاؤه منه كالدين.
المجلة: المادة (70)
الرهن: حبس مال وتوثيقه في مقابل حق يمكن استيفاؤه منه , ويسمى ذلك المال مرهونا ورهنا(1/707)
دليل مشروعية الرهن
الرهن مشروع بالقرآن والسنة والإجماع.(1/708)
الدليل من القرآن
يقول تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} (البقرة: 283) يقول القرطبي لما ذكر الله تعالى الندب إلى الإشهاد والكتب لمصلحة حفظ الأموال عقب ذلك بذكر حال الأعذار المانعة من الكتب , وجعل لها الرهن , ونص من أحوال العذر على السفر الذي هو غالب الأعذار , ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر , فرب وقت يتعذر فيه الكاتب في الحضور كأوقات أشغال الناس وبالليل , وأيضا فالخوف على خراب ذمة الغريم عذر يوجب طلب الرهن.
والرهن باتفاق الفقهاء جائز في الحضر والسفر , خلافا لمجاهد والظاهرية ,
ولإطلاق مشروعيته في السنة , وذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب , لكون الكاتب في الماضي غير متوافر في السفر غالبا , ولا يشترط أيضا عدم وجود الكاتب , لثبوت جوازه في السنة مطلقا , فالآية أرادت إرشاد الناس إلى وثيقة ميسرة لهم عند فقدان كاتب يكتب لهم الدين.
الدليل من السنة
روي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعا من حديد.
وعن أنس قال: رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله.
رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجة.
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي.
وروي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه (رواه الشافعي والدارقطني) , أي لا ينفك ملك الرهن عن صاحبه , ولا يستحق المرتهن , إذا لم يفتكه في الوقت المشروط.
وفي هذا رد على ما كان عليه العرب في الجاهلية من أن المرتهن كان يتملك الرهن إذا لم يؤد إليه ما يستحقه في الوقت المحدد , فأبطله الشارع.
والحكمة من تشريع الرهن توثيق الديون , فكما أن الكفالة توثق الدين شخصيا , يوثق الرهن الدين ماليا , تسهيلا للقروض.
والرهن يفيد الدائن بإعطائه حق الامتياز أو الأفضلية على سائر الدائنين الغرماء.
ودلت السنة على جواز الانتفاع بالمرهون في بعض الأحوال
روي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا , ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا , وعلى الذي يركب ويشرب النفقة وتجويز الانتفاع دليل على مشروعية الرهن.
الدليل من الإجماع
أجمع المسلمون على جواز الرهن
يقول القرطبي الرهن في السفر ثابت بنص التنزيل , وفي الحضر ثابت بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القول الراجح ,
وكذلك إجماع العلماء على جوازه في الحضر ولأن علة اللجوء إلى الرهن في السفر قد توجد في الحضر أيضا والله تعالى أعلم.
ويقول ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف في جواز الرهن في الحضر إلا مجاهدا قال: ليس الرهن إلا في السفر لأن الله تعالى شرط السفر في الرهن.(1/709)
الوصف الفقهي للرهن
الرهن من عقود التوثيقات كالكفالة والحوالة لأنه يوثق الدين , ويمكن الدائن من الحصول على ماله من طريق ميسر.(1/710)
الرهن مثله مثل الكفالة والحوالة , جميعها من عقود التوثيقات لأنها توثق الدين , وتمكن الدائن من الحصول على ماله من طريق ميسر , فتكون فائدتها عظيمة , فضلا عن كونها سبب الثواب الأخروي , وطريق تحقق التعاون المثمر والفعال بين الناس لقضاء حوائجهم.
ويتميز الرهن بأنه يعطي المرتهن الحق في استيفاء دينه مقدما على سائر الدائنين العاديين ومن يليهم مرتبة.
والحكمة في الرهن عظيمة جدا لأن فيه مصلحة للراهن والمرتهن معا وللأمة
أما الراهن: فإن الرهن يكون سببا للحصول على الدين وقضاء حاجته الضرورية , وتفريج كربته , إذ كثيرا ما يبخل الناس في إقراض أموالهم إلا إذا كان في نظير المال عين تحفظ عند الدائن لحين استرداد مبلغ الرهن.
وأما المرتهن: فيكون الرهن سبيلا مطمئنا على أمواله , فلا تذهب ضحية الجحود أو الإنكار أو المماطلة أو الإفلاس وغير ذلك.
كما أن له الأجر والثواب الذي يأخذه من الله تعالى بإقراض المال.
وأما الأمة: فتستحق بالرهون الائتمان والثقة وتبادل المحبة والمودة بين الناس , وتضمن وجود الاستقرار وعدم الوقوع في القلق والاضطراب.(1/711)
قال الزيلعي في تبيين الحقائق (6 / 62 , 63)
وقد انعقد الإجماع على الرهن , ولأنه وثيقة في جانب الاستيفاء , فيجوز كما تجوز الوثيقة في جانب الوجوب.
وهي الكفالة والحوالة.
والجامع أن الحاجة إلى الوثيقة ماسة من الجانبين , فإن المستدين قلما يجد من يدينه بلا رهن.
والمدين يأمن بالرهن من التوى (الهلاك) بالجحود أو بإسراف المدين من ماله , بحيث لم يبق منه شيء أو بمخاصصة غيره من الغرماء , فكان فيه نفع لهما , كما في الكفالة والحوالة , فشرع.
وفي كشاف القناع (3 / 308)
الضمان التزام مال تبرعا بالقول , فجاز في غير حق ثابت كالنذر , والرهن: يجوز عقده بعد الحق إجماعا , لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به كالضمان ولا يجوز عقده قبل الحق لأنه وثيقة بحق , فلم يجز قبل ثبوته كالشهادة ولأن الرهن تابع للحق فلا يسبقه كالثمن لا يتقدم البيع.(1/712)
الحكم التكليفي للرهن
الرهن جائز وليس واجبا , والأمر الوارد به في القرآن أمر إرشاد لا أمر إيجاب.
وهو عقد تبرع كالكفالة.(1/713)
الحكم التكليفي للرهن تشكيل النص
الرهن شرعا جائز غير واجب بالاتفاق لأنه وثيقة بالدين فلم يجب , كما لم تجب الكفالة.
وقوله تعالى بعد آية الدين: {فرهان مقبوضة} أمر إرشاد للمؤمنين , لا إيجاب عليهم , بدليل قوله تعالى عقب ذلك: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} ولأنه تعالى أمر به عند عدم وجود الكاتب للدين , وبما أن الكتابة غير واجبة فكذلك بدلها.
والرهن كالكفالة من عقود التبرع , لأن ما أعطاه الراهن للمرتهن غير مقابل بشيء وهو من العقود العينية: وهي التي لا تعتبر تامة الالتزام إلا إذا حصل تسليم العين المعقود عليها.
وهذه العقود خمسة: الهبة , والرهن , والإعارة , والإيداع , والقرض.
والسبب في اشتراط القبض لتمامها: هو أنها تبرع , والقاعدة الشرعية تقول: (لا يتم التبرع إلا بالقبض) فيعتبر العقد فيها عديم الأثر قبل القبض , والتنفيذ هو المولد لآثار العقد.(1/714)
أقسام الرهن
ينقسم الرهن إلى نوعين:
رهن حيازي ورهن رسمي أو تأميني , والنوع الأول هو الذي قال به جمهور الفقهاء وهو يستلزم قبض المرهون وحيازته ويرد على العقار والمنقول.
أما الرهن التأميني الذي جاء به القانون المعاصر فهو لا يرد إلا على العقار ولا ينعقد إلا بتسجيله لدى السجلات العقارية وقد أقره الفقهاء المعاصرون إذ أن أن قيد الرهن بالسجل يجعله في حكم القبض , كما أن القبض في رأي بعض الأئمة لا يعد ركنا من أركان العقد.(1/715)
الرهن الحيازي الرهن الحيازي في القانون:
هو عقد ينشئ الحق في احتباس مال في يد الدائن , أو يد عدل ضمانا لحق يمكن استيفاؤه منه كله أو بعضه , بالتقدم على سائر الدائنين.
والعدل هو شخص ثالث محايد مؤتمن على الرهن.
فالرهن الحيازي يقتضى نقل حيازة المال المرهون من يد المدين الراهن إلى يد الدائن المرتهن أو يد عدل , ويحبس هذا المال حتى يستوفى الحق.
ويرد الرهن الحيازي على العقار وعلى المنقول.
وهذا التعريف مأخوذ من تعريفات الرهن المتقدمة في الفقه الإسلامي في كتب المذاهب المختلفة ومنه يستفاد خصائص الرهن , وهي أنه عقد رضائي , يفيد الدائن حق احتباس المرهون لديه حتى يؤدي الدين , أو احتباسه عند شخص ثالث آخر يؤتمن على حيازة المرهون , وهو المسمي بالعدل.
ويمكن استيفاء الدين من ثمن المرهون نفسه ببيعه بإذن الراهن أو بإذن القاضي , ويكون للدائن المرتهن حق التقدم أو الأفضلية باستيفاء دينه من الثمن مقدما على بقية الدائنين العاديين الغرماء.
ويمتاز الرهن عن الكفالة في أن التوثق بها إنما يكون بذمة الكفيل , لا بمال يقبضه الدائن.
الرهن التأميني (الرسمي)
تكلم علماء القانون على ما أسموه بالرهن التأميني , وهو يعرف بأنه عقد يكسب به الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقا عينيا , يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون.
ويظهر من التعريف خصائص الرهن التأميني: وهي كونه عقدا واردا على عقار , يمنح صاحبه حق التقدم أو الأولوية على بقية الدائنين العاديين في استيفاء حقه من ثمن العقار عند بيعه.
ومن أهم خصائصه: أن يقع على عقار , أو حق عيني على عقار , وهو الأهم في الحياة العملية.
ولا بد لانعقاد هذا الرهن من تسجيله في صحيفة العقار المخصصة له في السجلات العقارية , فالتسجيل ركن فيه , ويتحمل الراهن نفقات العقد من كتابة ونفقات تسجيل إلا إذا اتفق مع المرتهن على غير ذلك.
والرهن التأميني حق لا يتجزأ , فكل جزء من أجزاء العقار المرهون ضامن لكل الدين , وكل جزء من الدين مضمون بالعقار المرهون.
والرهن عند الجمهور يتعلق بجملة الحق المرهون فيه وببعضه , فإذا رهن العقار في عدد ما , فأدي الراهن منه بعضه , فإن الرهن بأسره يبقى بيد المرتهن حتى يستوفي كامل حقه لأن الرهن محبوس بحق , فوجب أن يكون محبوسا بكل جزء منه , كحبس التركة على الورثة حتى يؤدوا ديون الميت.
ويلاحظ أن الرهن التأميني يرتب للدائن حقا عينيا على المال المرهون دون أن تنتقل حيازة هذا المال إلى يد الدائن بل تبقى حيازته في يد المدين الراهن , وهو لا يرد إلا على العقار.
فالعقار وحده دون المنقول هو الذي يمكن رهنه رهنا رسميا , وذلك فيما عدا بعض الاستثناءات الواردة في القانون على سبيل الحصر رهن السفن البحرية (الرهن البحري) , ورهن الطائرات (الرهن الجوي) , ورهن المحل التجاري (الرهن التجاري) .
وقد منع بعض الفقهاء المعاصرين الرهن التأميني الذي جاء به القانون المعاصر لأنه لا يشترط فيه القبض الذي نطقت به الآية الكريمة ولكن أقره فقهاء آخرون إذ أن القبض في رأي بعض الأئمة لا يعد ركنا من أركان العقد , ويرى هؤلاء أن قيد الرهن بالسجل يجعله في حكم القبض.(1/716)
صيغة الرهن
ينعقد الرهن بالإيجاب والقبول , وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
ويشترط في صيغة الرهن ما يشترط في صيغة البيع.(1/717)
ينعقد الرهن بالإيجاب والقبول , وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
واختلفوا في انعقاده بالمعاطاة , فذهب الشافعية في المعتمد إلى أن الرهن لا ينعقد إلا بإيجاب وقبول قوليين كالبيع , وقالوا: لأنه عقد مالي فافتقر إليهما.
ولأن الرضا أمر خفي لا اطلاع لنا عليه فجعلت الصيغة دليلا على الرضى , فلا ينعقد بالمعاطاة ونحوه.
وقال المالكية والحنابلة: إن الرهن ينعقد بكل ما يدل على الرضى عرفا فيصح بالمعاطاة والإشارة المفهمة والكتابة , لعموم الأدلة كسائر العقود ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة استعمال إيجاب وقبول في معاملاتهم , ولو استعملوا ذلك لنقل إلينا شائعا , ولم يزل المسلمون يتعاملون في عقودهم بالمعاطاة.
ويشترط في الصيغة ما يشترط في صيغة البيع , فقد اشتراط الحنفية في صيغة الرهن: التنجيز بألا يكون معلقا بشرط , ولا مضافا إلى زمن مستقبل , لأن عقد الرهن يشبه عقد البيع من ناحية كونه سبيلا إلى إيفاء الدين واستيفائه , فلا يقبل التعليق بشرط , والإضافة للمستقبل , وإذا علق الرهن أو أضيف , كان فاسدا كالبيع.(1/718)
قال في الدر المختار (5 / 340)
ويعقد بإيجاب وقبول حال غير لازم , وحينئذ فللراهن تسليمه والرجوع عنه , كما في الهبة.
وقال في الهداية وفتح القدير (8 / 190)
الركن: الإيجاب بمجرده , لأنه عقد تبرع , فيتم بالمتبرع كالهبة والصدقة والقبض شرط اللزوم.
وجاء في المجلة (706)
ينعقد الرهن بإيجاب الراهن والمرتهن وقبولهما , ولكن لا يتم الرهن ولا يلزم ما لم يكن ثم قبض الرهن , بناء عليه , للراهن أن يرجع عن الرهن قبل التسليم.
وفي الشرح الصغير (3 / 304)
أركان الرهن أربعة: عاقد من راهن ومرتهن , ومرهون (وهو المال المبذول) ومرهون به (أي فيه وهو الدين) وصيغة كالبيع , وظاهره أنه يكفي ما يدل على الرضا , وقال ابن القاسم لا بد فيها من اللفظ الصريح.
قال الكاساني في البدائع (6 / 135)
ما يشترط في نفس عقد الرهن: ألا يكون معلقا بشرط ولا مضافا إلى وقت , لأن في الرهن والارتهان معنى الإيفاء والاستيفاء فيشبه البيع , وانه لا يحتمل التعليق بشرط والإضافة إلى وقت , كذا هذا.
وفي المادة (947)
يشترط تنجيز الرهن , فلا يصح معلقا بشرط.(1/719)
شروط العاقد
يشترط في عاقد الرهن شروط ثلاثة بالاتفاق:
أن يكون مختارا , ومالكا للمرهون أو مأذونا له في رهنه , وأهلا للتصرف.
ولا خلاف بين الفقهاء على جواز رهن وارتهان البالغ العاقل وعلى بطلان رهن وارتهان الصبي الذي لا يعقل والمجنون , واختلفوا في الصبي المميز.(1/720)
يشترط في العاقد راهنا أو مرتهنا ثلاثة شروط:
أ - أن يكون مختارا
فلا يصح الرهن المصحوب بالإكراه , ولا ينتج أثره الشرعي , قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
ب - أن يكون مالكا للمرهون أو مأذونا له في رهنه
ليس لأحد رهن ملك غيره إلا بولاية عليه , فإذا لم يكن له ولاية في الرهن , وسلم المرهون إلى المرتهن (رهن الفضولي) , كان بهذا التسليم متعديا وغاصبا , وكان الرهن عند الحنفية والمالكية موقوفا على الإجازة , فإن لم يجزه مالك المرهون بطل الرهن وكانت العين في ضمان الراهن بسبب غصبه.
ويبطل الرهن في هذه الحالة عند الشافعية والحنابلة.
هذا ويجوز للإنسان أن يرهن ملك الغير إذا كان بإذنه كرهن المستعار والمستأجر.
ج - الأهلية: بأن يكون أهلا للتصرف في المرهون.
والأهلية أو القدرة على التصرف في رأي الحنفية والمالكية: هي أهلية البيع , بأن يكون العاقد عاقلا مميزا , فكل من يصح بيعه يصح رهنه , لأن الرهن تصرف مالي كالبيع , فوجب أن يراعى في عاقديه ما يراعى في عاقدي البيع والمشروط في عاقدي البيع: العقل أو التمييز , فلا يجوز الرهن والارتهان من المجنون والصبي غير المميز أو الذي لا يعقل.
ولا يشترط البلوغ عند هؤلاء , فيجوز الرهن من الصبي المأذون في التجارة , لأن ذلك من توابع التجارة.
ويصح رهن الصبي المميز والسفيه , موقوفا على إجازة وليه , فإن أجازه نفذ.
والأهلية عند الشافعية والحنابلة: تتمثل في أهلية البيع والتبرع , فيصح الرهن ممن يصح بيعه وتبرعه , لأن الرهن تبرع غير واجب فلا يصح من مستكره , ولا من صبي غير بالغ , ولا مجنون , ولا سفيه , ولا مفلس.
ولا يصح من ولي أبا أو جدا , أو وصي , أو حاكم إلا لضرورة أو مصلحة ظاهرة للقاصر.
ومثال الضرورة: أن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة (القوت) ليوفي مما ينتظر من غلة , أو حلول دين , أو رواج متاع كاسد (بائر) أو أن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه.
ومثال المصلحة (أو الغبطة) الظاهرة للقاصر: أن يرهن ما يساوي مئة على ثمن ما اشتراه بمئة نسيئة مؤجلة , وهو يساوي مئتين حالتين , وأن يرتهن على ثمن ما يبيعه نسيئة بمصلحة ظاهرة.
وإذا رهن الولي أو الوصي فلا يرهن إلا من أمين غير خائن موسر , وأن يشهد على الرهن , وأن يكون الأجل قصيرا عرفا.
فإن فقد شرط من هذه الشروط , لم يجز الرهن.
وعبر الحنابلة عن هذا الحكم بشرطين: أن يكون عند ثقة , وأن يكون للقاصر فيه حظ , أي حاجة إلى نفقة أو كسوة أو إصلاح عقاره المتهدم أو رعاية بهائمه.(1/721)
المجلة (م 708)
يشترط أن يكون الراهن والمرتهن عاقلين , ولا يشترط أن يكونا بالغين.
مجلة الأحكام الشرعية (م 949)
لا يصح الرهن إلا ممن يجوز تبرعه , فلا يصح من صبي مميز ولا من سفيه ولا مفلس ولا مكاتب وعبد ولو مأذونا لهم في التجارة.
وفي المادة (950) أيضا
يشترط أن يكون الراهن مالك لعين المرهون , أو مأذونا له في رهنه , كما لو استأجر العين أو استعارها من مالكها ليرهنها فرهنها بإذنه صح , وكذا ولي اليتيم لو رهن ماله لمصلحة , ويكون بيد عدل صح , أما رهن مال غيره دون إذنه فلا يصح.
وقال النووي في المنهاج وشارحه مغني المحتاج (2 / 122)
وشرط العاقد: كونه مطلق التصرف , أي بأن يكون من أهل التبرع مختارا , كما في البيع ونحوه , فلا يرهن الولي أبا كان أو غيره مال الصبي والمجنون , ولا يرتهن لهما إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2 / 268)
أما الرهن فلا خلاف أن من صفته أن يكون غير محجور عليه , من أهل السداد , والوصي يرهن لمن يلي النظر عليه إذا كان ذلك سدادا , أو دعت إليه الضرورة عند مالك.
وقال الشافعي يرهن لمصلحة ظاهرة ,
ويرهن المكاتب والمأذون عند مالك. . . واتفق مالك والشافعي على أن المفلس لا يجوز رهنه.
وقال أبو حنيفة يجوز.
المغني (4 / 353)
ولا يصح الرهن إلا من جائز التصرف , لأنه عقد على المال فلم يصح إلا من جائز التصرف كالبيع.
مغني المحتاج (2 / 122)
وشرط العاقد كونه مطلق التصرف , فلا يرهن الولي مال الصبي والمجنون , ولا يرتهن إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة.
البدائع (8 / 2715)
وأما الشروط التي ترجع إلى الراهن والمرتهن فعقلهما حتى لا يجوز الرهن والارتهان من المجنون والصبي الذي لا يعقل , أما البلوغ فليس بشرط وكذا الحرية , فيجوز من الصبي المأذون والعبد المأذون , لأن ذلك من توابع التجارة فيملكه من يملك التجارة , ولأن الرهن والارتهان من باب إيفاء الدين واستيفائه , وهما يملكان ذلك.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 231)
من يصح بيعه يصح رهنه , ومن لا يصح بيعه لا يصح رهنه , فلا يصح من مجنون ولا من صبي لا ميز له , ويصح من المميز والسفيه , ويتوقف على إجازة وليهما , أي إن اشترط في صلب عقد البيع أو القرض وإلا فهو تبرع باطل ويلزم من المكلف الرشيد كالبيع.
بداية المجتهد لابن رشد (2 / 349)
فأما الراهن فلا خلاف أن من صفته أن يكون غير محجور عليه من أهل السداد , والوصي يرهن لمن يلي النظر عليه , إذا كان ذلك سدادا ودعت إليه الضرورة عند مالك وقال الشافعي يرهن لمصلحة ظاهرة.(1/722)
تعدد أطراف الرهن
يصح تعدد أطراف الرهن لعدم الشيوع المانع من صحة العقد عند الحنفية , ويظل المرهون محبوسا حتى يوفي الدين كله , لأن المرهون كله رهن بلا تجزئة , ويحبس المرهون عند المرتهنين بالقسمة إن قبلها , وإلا فيحبس كله عند احدهما بطريق المهايأة.(1/723)
قد يتعدد الراهن أو المرتهن , كما لو رهن رجلان بدين عليهما رهنا عند آخر , أو يرهن رجل شيئا بدين عليه عند رجلين , يصح الرهن في الحالتين , لعدم الشيوع المانع من صحة الرهن عند الحنفية , لأنه في حالة تعدد الراهن , يحصل قبض المرهون من المرتهن بدون إشاعة , فصار كرهن الواحد من الواحد , وفي حالة تعدد المرتهن أضيف الرهن إلى جميع العين المرهونة بصفقة واحدة , ومقتضي الرهن أو موجبه حبس المرهون بالدين , والحبس لا يتجزأ , فصار الرهن محبوسا بكل من المرتهنين.
وذلك بخلاف هبة الواحد من الاثنين: لا تجوز عند أبي حنيفة لأن المقصود من الهبة هو التملك , والشيء الواحد الموهوب لا يتصور كونه ملكا لكل من الموهوب لهما على سبيل الكمال والاستقلال , فلا بد من قسمة الموهوب ليتصور تملك الموهوب لهما للموهوب.
وأحكام الحالتين هي ما يأتي:
في حالة تعدد الراهنين
يصح الرهن بكل الدين , وللمرتهن حبس المرهون حتى يستوفي كل الدين من الراهنين , فإذا أدى أحد الراهنين ما عليه من الدين , لم يكن له أن يقبض شيئا من الرهن , لأن فيه تفريق الصفقة على المرتهن في الإمساك.
في حالة تعدد المرتهنين
يعتبر المرهون كله أيضا رهنا محبوسا عند كل واحد منهما بدينه , لحمل الراهن على وفاء الدين , ما دام الرهن قائما.
فإن قضي الراهن أحد المرتهنين دينه , كانت العين المرهونة كلها رهنا في يد الآخر , حتى يستوفي دينه , لأن العين كلها رهن في يد كل منهما , بلا تفرقة أو تجزئة.
وكيفية حبس المرهون عند المرتهنين: هو أنه إذا كان المرهون مما يقبل التجزؤ , فعلى كل واحد من المرتهنين حبس النصف , فلو سلم كل المرهون للآخر , ضمنه عند أبي حنيفة خلافا للصاحبين.
وأما إذا كان المرهون مما لا يتجزأ , فيحبسه المرتهنان على طريق المهايأة (بمعنى أن يتفق الاثنان على أن يأخذ كل واحد منهما المرهون عنده مدة معلومة) , فإن تهايأ كان كل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر.
وإذا هلك المرهون , صار كل واحد من المرتهنين مستوفيا حصة دينه من المرهون , لأن الاستيفاء يتجزأ.
وفي حال الهلاك هذه , لو قضي الراهن دين أحدهما , استرد ما قضاه من الدين , لأن ارتهان كل منهما باق , حتى يعود الرهن إلى الراهن , لأن كل مرتهن كالعدل بالنسبة للمرتهن الآخر في حال عدم قابلية تجزئة المرهون.(1/724)
قال في كنز الدقائق وتبيين الحقائق (6 / 78 - 79)
ولو رهن عبدين بألف لا يأخذ أحدهما بقضاء حصته كالبيع , لأن المجموع محبوس بكل الدين ولو رهن عينا عند رجلين صح , سواء كانا شريكين في الدين أو لم يكونا شريكين فيه , ويكون جميع العين رهنا عند كل واحد منهما , لأن الرهن أضيف إلى كل العين في صفقة واحدة.
فإن قضي دين أحدهما , فالكل رهن عند الآخر , لأن كله محبوس بكل جزء من أجزاء الدين فلا يكون له استرداد شيء منه ما دام شيء من الدين باقيا , كما إذا كان المرتهن واحدا.(1/725)
المال المرهون
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يجوز رهن كل متمول يمكن أخذ الدين منه أو من ثمنه عند تعذر وفاء الدين من ذمة الراهن.
ولكنهم اختلفوا في بعض تفاصيل ذلك: فلم يشترط المالكية كون المرهون عينا بل قالوا بصحة رهن المنفعة , واستثنى الحنابلة بعض الحالات فيما يتعلق بشرط كون المرهون مالا متقوما معلوما مقدور التسليم , وقال جمهور الفقهاء بصحة رهن المشاع خلافا لما ذهب إليه الحنفية.(1/726)
أن يكون المرهون عينا
يشترط جمهور الفقهاء أن يكون المرهون عينا , فلا يصح رهن الدين , ولو لمن هو عليه لأنه غير مقدور على تسليمه ولأن القبض شرط للزوم الرهن لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} ولا يرد ذلك على الدين.
كما لا يصح عند الجمهور رهن المنفعة كسكنى الدار وركوب السيارة مدة معينة , لأن المنفعة عند الحنفية ليست بمال , وعند غير الحنفية ليست مقدورة التسليم لأنها غير موجودة وقت العقد , ثم إذا وجدت فنيت ووجد غيرها , فهي تستهلك بمرور الزمن , ولا يكون لها استقرار ولا ثبوت , فلا يتحقق القصد من الرهن إذ لا يمكن تسليمها ولا وضع اليد عليها ولا بقاؤها إلى حلول أجل الدين أو وقت الاستيفاء.
أما المالكية فتتسع عندهم دائرة الرهن , فكما يصح أن يكون المرهون عينا يجوز أن يكون كذلك منفعة , وعبارة المالكية الرهن: شيء متمول يؤخذ من مالكه , توثقا به , في دين لازم , أو صار إلى اللزوم , أي أنه تعاقد على أخذ شيء من الأموال عينا كالعقار والحيوان والعروض (السلع) أو منفعة , على أن تكون المنفعة معينة بزمن أو عمل , وعلى أن تحسب من الدين.
وهم قالوا بصحة ذلك قياسا على البيع.
أن يكون المرهون قابلا للبيع عند حلول الأجل
يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون المرهون قابلا للبيع عند حلول الأجل لأن القصد من عقد الرهن هو استيفاء الدائن لحقه من ثمن المرهون عند تعذر أخذه من المدين , فيجب أن يكون مالا متقوما معلوما , مقدور التسليم. فلا يصح رهن ما ليس بمال كالميتة والدم , ولا رهن الخمر والخنزير لأنه غير متقوم ولا رهن المجهول , ولا رهن معجوز التسليم غير الموجود عند إبرام عقد الرهن , مثل رهن ما يثمر الشجر هذا العام , أو ما تلد الأغنام هذه السنة , أو رهن الطير الطائر والحيوان الشارد ونحوه. ولا يصح رهن المال العام أو الموقوف , لأنه غير صالح للبيع.
وذهب الحنابلة في الأصح عندهم وابن القاسم وابن الماجشون المالكيان إلى: أنه يستثنى من قاعدة (ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه) الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع , ورهن الزرع الأخضر بلا شرط القلع , ورهن الشارد والضال من الحيوان , لأن النهي عن البيع , إنما كان لعدم الأمن من العاهة أو للغرر والخطر ولهذا أمر الشرع بوضع الجوائح , وهذا المعنى مفقود في الرهن , لأن الدين في ذمة المدين الراهن , والغرر أو الخطر قليل في الرهن ,. لأنه إذا تلف المرهون لا يضيع حق المرتهن من الدين , وإنما يعود الحق إلى ذمة الرهن. وإذا لم يتلف المرهون بأن أدرك الزرع , وأثمر الثمر , وعاد الضال , تحققت منفعة المرتهن , فيباع متى حل الحق , ويؤخر البيع متى اختار المرتهن. فيجوز ارتهان ما لا يحل بيعه في وقت الارتهان , ولا يباع إلا إذا بدا صلاحه , وإن حل أجل الدين.
أن يكون مملوكا للراهن محوزا
وهذا ليس شرطا لجواز أو صحة الرهن , وإنما هو عند الحنفية والمالكية شرط لنفاذ الرهن , وبه يعرف حكم رهن مال الغير.
فيجوز رهن مال الغير بغير إذن بولاية شرعية كالأب والوصي , يرهن مال الصبي بدينه , وبدين نفسه.
ويجوز رهن مال الغير بإذنه , كالمستعار من إنسان ليرهنه بدين على المستعير.
فإن لم يكن هناك إذن من المالك بالرهن , كان الرهن كالبيع موقوفا على الإجازة , فإن أجاز نفذ وإلا بطل.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يصح رهن مال الغير بغير إذنه , لأنه لا يصح بيعه , ولا يقدر على تسليمه , ولا على بيعه في الدين فلم يجز رهنه كالطير الطائر , والحيوان الشارد.
فإن رهن شيئا يظنه لغيره , ثم تبين أنه لأبيه وأنه قد مات , وصار ملكا له بالميراث , صح الرهن عند الحنابلة وفي وجه عند الشافعية , إذ العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر.
والمنصوص عند الشافعية: أن العقد باطل , لأنه عقد والعاقد لاعب فلم يصح فإن استعار الراهن الشيء ليرهنه , جاز عند أئمة المذاهب اتفاقا , لأنه بالاستعارة يقبض ملك غيره لينتفع به وحده من غير عوض وهو شأن الإعارة.
فهي جائزة لتحصيل منفعة واحدة من منافع العين المستعارة.
هذا واشترط الحنفية أن يكون المرهون محوزا , وقالوا لا يجوز رهن نصف دار أو ربع سيارة ولو من الشريك ويجوز رهن المشاع عند الجمهور.
وسبب الخلاف: هل تمكن حيازة المشاع أو لا تمكن؟ يرى الحنفية أنه لا يجوز رهن المشاع سواء كان محتملا القسمة , أو غير محتمل القسمة , من الشريك أو غيره.
والصحيح أن الرهن حينئذ فاسد , يضمن بالقبض , لأن القبض شرط تمام العقد ولزومه , لا شرط جوازه وانعقاده.
ودليلهم أن الرهن يستوجب ثبوت يد الاستيفاء , واستحقاق الحبس الدائم للمرهون , والحبس الدائم لا يتصور في المشاع , لما فيه من مهايأة في حيازته , وكأن الراهن قد رهنه يوما ويوما لا , فلم يصح سواء فيما يقبل القسمة أم ما لا يقبلها , ولو من الشريك لوجود المهايأة في الحيازة.
بل إن قبض أو حيازة الجزء الشائع وحده لا يتصور , والجزء الآخر ليس بمرهون , فلا يصح قبضه , والشيوع يمنع تحقق قبض الجزء الشائع , سواء فيما يقبل القسمة وما لا يقبلها , بخلاف الهبة حيث تصح فيما لا يحتمل القسمة للضرورة , لأنها تفيد الملك , والشيوع لا ينافيه , فاكتفي بالقبض الممكن.
وهذا الحكم سواء أكان الشيوع مقارنا لعقد الرهن أم طارئا عليه , فإذا طرأ الشيوع على الرهن أفسده , وروي عن أبي يوسف أن الشيوع الطارئ على العقد لا يفسده , لأنه يغتفر في البقاء مالا يغتفر في الابتداء , كالهبة التي يطرأ عليها الشيوع بعد القبض فلا يفسدها.
وأجيب بأن العلة في المنع كون الشيوع مانعا من تحقق القبض وهذا يستوي فيه الابتداء والبقاء , بخلاف الهبة , لأن الملك لا يتنافى مع الشيوع.
ويرى الجمهور أنه يصح رهن المشاع أو هبته أو التصدق به أو وقفه , كرهن كله , من الشريك وغيره , ومحتملا القسمة أم لا , لأن كل ما يصح بيعه يصح رهنه , ولأن الغرض من الرهن استيفاء الدين من ثمن المرهون ببيعه عند تعذر الاستيفاء من غيره , والمشاع قابل للبيع , فأمكن الاستيفاء من ثمنه , والقاعدة عندهم: كل ما جاز بيعه جاز رهنه من مشاع وغيره.
وأما كيفية الحيازة , ففيه رأيان: يرى المالكية أنه يجب قبض جميع ما يملكه الراهن , ما رهنه وما لم يرهنه , لئلا تجول يد الراهن فيما رهنه , فيبطل الرهن.
فإن كان الجزء غير المرهون , غير مملوك للراهن , اكتفى بحيازة الجزء المرهون.
ولا يستأذن الراهن شريكه , في رهن حصته , إذا لا ضرر على الشريك.
وهذا قول ابن القاسم المشهور.
نعم يندب الاستئذان لما فيه من جبر الخواطر ,
وقال أشهب يجب استئذانه.
ويرى الشافعية والحنابلة أن قبض المشاع في العقار يكون بالتخلية , وان لم يأذن الشريك , وفي والمنقول يكون بالتناول.
ويشترط فيه إذن الشريك , ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك.
فإن أبى ورضي المرتهن بكونه في يد الشريك , جاز وناب عنه في القبض.
وإن تنازع الشريك والمرتهن , عين الحاكم عدلا يكون في يده , إما أمانة أو بأجرة.
وتجرى المهايأة بين المرتهن والشريك كجريانها بين الشريكين.(1/727)
جاء في المجلة (م 709)
ويشترط أن يكون المرهون صالحا للبيع , بناء عليه , يلزم أن يكون موجودا , ومالا متقوما , ومقدور التسليم في وقت الرهن.
وفي مرشد الحيران (م 952)
يشترط في المرهون أن يكون مالا موجودا , متقوما مقدور التسليم , ومحوزا , متفرقا , مفرغا , لا مشغولا بحق الراهن , مميزا لا مشاعا ولا متصلا بغيره.
وجاء في تقنين الفقه المالكي (م15)
يصح رهن مشاع في عقار ونحوه , ويقضي للمرتهن بحوز الكل إن كان الباقي ملكا للراهن , فإن كان ملكا لغيره حوز الجزء المرهون.
وفي التقنين الشافعي (م 169)
يلزم لصحة الرهن أن يكون المرهون عينا ولو مشاعا , وأن يكون المرهون به دينا ثابتا لازما معلوما لهما.
وفي (م 174 / ف2)
يجوز أن يكون المرهون مستعارا , ولا يصح للمالك الرجوع بعد قبض المرتهن.
وفي التقنين الحنبلي (م171)
شروط الرهن ستة: أن يكون الرهن منجزا , أن يكون مع الحق أو بعده لا قبله , أن يكون الراهن أهلا للتصرف , ملك الراهن المرهون أو لمنافعه بشرط إذن المالك , أن يكون الرهن معلوما قدره وجنسه وصفته , أن يكون الدين واجبا أو مآله إلى الوجوب.
القوانين الفقهية (ص 323)
في المرهون: يجوز رهن كل شيء يصح تملكه من العروض والحيوان والعقار , ويجوز رهن المشاع خلافا لأبي حنيفة.
الدر المختار (5 / 348)
لا يصح رهن مشاع , لعدم كونه مميزا , مطلقا: مقارنا أو طارئا , من شريكه أو غيره , يقسم أولا , والصحيح أنه فاسد يضمن بالقبض وجوزه الشافعي.
الشرح الكبير (3 / 235)
وصح رهن مشاع , من عقار وعرض وحيوان , كما يصح بيعه وهبته ووقفه , وسواء كان الباقي للراهن أو لغيره.
وحيز الجزء المشاع ليتم الرهن بجميعه إن بقي فيه شيء للراهن.
ولا يستأذن الراهن للجزء المشاع شريكه , أي ليس عليه ذلك , إذ لا ضرر على الشريك.
المنهاج للنووي وشرحه مغني المحتاج (2 / 122)
ويصح رهن المشاع كرهن كله , من الشريك وغيره , ولا يحتاج إلى إذن الشريك , ويقبض بتسليم كله كما في المبيع , فيكون بالتخلية في غير المنقول , وبالنقل في المنقول.
ولا يشترط إذن الشريك في القبض إلا فيما ينقل , لأنه لا يحصل قبضه إلا بالنقل.
ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك.
وتجرى المهايأة بين المرتهن والشريك كجريانها فيما دونها , لأن الملك فيهما باق فلا تفريق.
كشاف القناع (3 / 312)
ويصح رهن المشاع من الشريك ومن أجنبي , ثم إن كان المرهون بعضه مما لا ينقل كالعقار , خلى الراهن بينه (أي الرهن) وبينه (المرتهن) وان لم يحضر الشريك ولم يأذن.
وإن كان المرهون بعضه مما ينقل كالثياب والبهائم , فرضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز , وإلا جعله حاكم في يد أمين أمانة أو بأجرة.(1/728)
أن يكون حقا واجب التسليم إلى صاحبه
المال المرهون به هو الحق الذي أعطي به الرهن , وقد يكون دينا , وقد يكون عينا.
وقد اتفق الفقهاء على جواز الرهن إذا كان المرهون به دينا لازما في الذمة , وعدم جوازه إذا كان عينا ليست مضمونة أصلا مثل الأعيان التي تكون أمانة في يد الراهن.
ولكنهم اختلفوا في جواز الرهن في الأعيان المضمونة , فأجاز الجمهور الرهن بالأعيان المضمونة بنفسها دون غيرها , ومنع الشافعية الرهن بكل الأعيان.(1/729)
لا خلاف بين الفقهاء على جواز الرهن إذا كان المرهون به دينا
أيا كان سبب هذا الدين قرضا أو بيعا أو إتلافا أو غصبا , لأن الديون واجبة الوفاء , فكان الرهن بها رهنا بحق واجب التسليم إلى صاحبه.
وفي هذه الحالة يكون الحق قد ثبت أولا ثم تبعه الرهن.
وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز أخذ الرهن في المسلم فيه , لأنه كما يجوز أخذ الرهن في الحق الثابت في الذمة إن كان ثمنا , فكذلك يجوز أخذ الرهن عنه إن كان مثمنا كما في السلم , وذلك بجامع الدينية والثبات في الذمة في كل منهما , فلا وجه للتفريق بين دين السلم وغيره من الديون.
أما الحنابلة فإنهم خالفوا الجمهور ومنعوا أخذ الرهن في المسلم فيه لأنه لا يؤمن هلاك الرهن فيصير رب السلم مستوفيا لحقه من غير المسلم فيه.
ولمثل هذا ذهب زفر من الحنفية وهو يعلل ذلك بأنه لا يجوز الرهن بما لا يصح الاستبدال فيه قبل القبض , لأن سقوط الدين بهلاك الرهن إذا هلك , إنما يكون نتيجة لاستبداله بما وجب في ذمة المرتهن بذلك الهلاك , بمعنى أن عين الرهن صارت بدلا عن الدين الذي رهنت به , واستبدال هذه الديون لا يصح. فلو جاز الرهن بهذه الديون لزم منه استبدال هذه الديون قبل قبضها , إذا هلك الرهن , وهو لا يجوز شرعا.
أما إذا كان المرهون به عينا
ففيه نوعان: نوع اتفق الفقهاء على عدم جواز الرهن به , وهو يخص الأعيان التي تكون أمانة في يد الراهن كالوديعة والعارية والمأجور ومال الشركة والمضاربة ونحوها من الأعيان التي هي ليست بمضمونة أصلا.
ذلك أن قبض الرهن مضمون عند الحنفية , وعند غيرهم أن يكون الدين مضمونا , فلا بد من أن يقابله مضمون , أي لا رهن إلا بمضمون , ليصح القبض موصلا إلى الاستيفاء.
ونوع اختلف الفقهاء في صحة الرهن به , وهو يخص الأعيان المضمونة.
فإذا كانت الأعيان مضمونة بنفسها (وهي التي يجب ضمان مثلها إن كان لها مثل , أو قيمتها إن لم يكن لها مثل , كالمغصوب في يد الغاصب , والمقبوض على سوم الشراء , والمهر في يد الزوج , وبدل الخلع في يد الزوجة , وبدل الصلح عن دم العمد) , فيجوز الرهن بها عند الجمهور غير الشافعية , وللمرتهن أن يحبس الرهن حتى يسترد العين المرهون بها , وإن هلك الرهن في دين المرتهن قبل استرداد العين , وهي قائمة باقية , يقال للراهن: سلم العين إلى المرتهن , وخذ منه الأول من قيمة الرهن , ومن قيمة العين , لأن المرهون مضمون بالأقل المذكور عند الحنفية.
وذهب الشافعية إلى أنه لا يصح الرهن بالعين التي هي أمانة أو مضمونة , لاشتراطهم كون المرهون به دينا , لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة , فلا يثبت في غيرها , ولأن هذه العين لا تستوفي من ثمن المرهون , وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع.
وأما إن كانت الأعيان مضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع , فإنه مضمون بغيره وهو الثمن , فلو هلك المبيع في يد البائع سقط الثمن عن المشتري , فلا يصح الرهن به في رواية النوادر عن أبي حنيفة لأن قبض الرهن قبض استيفاء , ولا يتحقق معنى الاستيفاء في المضمون بغيره إذ لو هلك الرهن في يد المشترى , لا يصير مستوفيا شيئا بهلاك الرهن.
وفي ظاهر الرواية: إنه يصح الرهن بالمبيع قبل القبض , لأنه مضمون وللمشتري أن يحبس المرهون حتى يقبض المبيع , لأن الاستيفاء المطلوب يتحقق من حيث المعنى , لأن المبيع قبل قبضه إن لم يكن مضمونا بقيمته , مضمون بالثمن , ويعد سقوط الثمن عن المشتري بهلاك المبيع قبل تسليمه إليه , كالعوض عنه , فيصير المشترى مستوفيا مالية المبيع.(1/730)
البدائع (4 / 3722)
أما الدين فيجوز الرهن به بأي سبب وجب , من الإتلاف والغصب ونحوها , لأن الديون كلها واجبة على اختلاف أسباب وجوبها , فكان الرهن بها رهنا بمضمون فيصح.
الروض المربع (2 / 191)
ويعتبر أن يكون الرهن بدين ثابت أو مآله إليه.
مغني المحتاج (2 / 132)
وشرط المرهون به كونه دينا ثابتا لازما.
بداية المجتهد (2 / 350)
يجوز أن يؤخذ الرهن في جميع الأثمان الواقعة في جميع البيوعات.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م958)
يصح الرهن برأس مال السلم.
وجاء في غاية المنتهي (2 / 89)
يصح الرهن بدين واجب غير مسلم , أو مآله إليه , كثمن مدة خيار , وأجره قبل استيفاء منفعة , ومهر قبل دخول.
وبعين مضمونة , كغصب وعارية , ومقبوض بعقد فاسد , ونفع إجارة بذمة كخياطة ثوب وبناء دار , لا بنفع عين معينة , ولا بدية على عاقلة , وجعل قبل دخول وعمل.
وجاء في تبيين الحقائق (6 / 66)
قال القدوري في مختصره اللباب (2 / 55) : ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون , وهو مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين.
القوانين الفقهية (ص 323)
المرهون فيه وهو جميع الحقوق من بيع أو سلف أو غير ذلك إلا الصرف ورأس مال السلم.
الشرح الصغير (3 / 310)
وجاز رهن دين على إنسان , ولو كان على المرتهن له , كان يتسلف أو يشترى المسلم سلعة من المسلم إليه , ويجعل المسلم فيه رهنا في ذلك الدين.
المنهاج ومغني المحتاج (2 / 126)
شرط المرهون به: كونه دينا ثابتا لازما , ومعلوما للعاقدين , فهذه ثلاثة شروط , فلا يصح بغير الدين وهو العين المغصوبة والمستعارة في الأصح , ولا بما سيقرضه , ولا يصح بما لا يلزم ولا يئول إلى اللزوم كما في الكتابة , ولا يصح بالمجهول , فلو جهلاه أو أحدهما لم يصح , كما في الضمان.
في ص 127: ويجوز الرهن بالثمن في مدة الخيار , لأنه آيل إلى اللزوم بخلاف جعل الجعالة.
مجلة الأحكام الشرعية (م954)
يشترط أن يكون الرهن مقابل دين واجب بالذمة أو مآله إلى الوجوب , كالقرض وثمن المبيع وقيمة المتلف , والأعيان المضمونة , كالمغصوب والعارية والمقبوض على وجه السوم , والمقبوض بعقد فاسد , فيصح الرهن بها , كما يصح بالدية على العاقلة بعد الحلول , وبالجعل بعد العمل , أما قبل الحول وقبل العمل فلا يصح الرهن.
جاء في الهداية وتكملة الفتح
ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون: لأن حكم ثبوت يد الاستيفاء , والاستيفاء يتلو الوجوب (الثبوت) . ويدخل على هذا اللفظ: الرهن بالأعيان المضمونة بأنفسها , فإنه يصح الرهن بها , ولا دين.
ويمكن أن يقال: إن الواجب الأصلي فيها هو القيمة , ورد العين مخلص على ما عليه أكثر المشايخ , وهو دين , ولهذا تصح الكفالة بها.
المجلة (م 710)
يشترط أن يكون مقابل الرهن مالا مضمونا , بناء عليه , يحوز أخذ الرهن لأجل مال مغصوب , ولا يصح أخذ الرهن لأجل مال أمانة.
بداية المجتهد (2 / 270)
على مذهب مالك يجوز أخذ الرهن في السلم وفي القرض وفي الغصب وفي قيم المتلفات وفي أرش الجنايات في الأموال , وفي جراح العمد الذي لا قود (قصاص) فيه كالمأمومة والجائفة.
منهاج النووي وفي مغني المحتاج (2 / 126)
شرط المرهون كونه دينا ثابتا لازما , فلا يصح الرهن بالعين المغصوبة والمستعارة في الأصح , ولا بما سيقرضه. قال في مغني المحتاج: لو عبر بالعين المضمونة لكان أخصر وأشمل , لتناوله المأخوذ ببيع فاسد , والمأخوذ بسوم الصداق قبل القبض , بل لو اقتصر على العين لكان أولى ليشمل غير المضمون كالمودع.
غاية المنتهى (2 / 89)
يصح الرهن بدين واجب غير سلم , أو مآله إليه كثمن مدة الخيار , وأجرة قبل استيفاء منفعة , ومهر قبل دخول , وبعين مضمونة كغصب وعارية ومقبوض بعقد فاسد , ونفع إجارة بذمة كخياطة ثوب وبناء دار , لا بنفع عين معينة ولا بدية على عاقلة , وجعل قبل دخول وعمل ويصح بعدهما , ولا بدين كتابة , وعهدة مبيع , وعوض غير ثابت في ذمة , كثمن وأجرة معينين , وإجارة منافع معينة كدار ونحوها , أو دابة لحمل معين.
مجلة الأحكام الشرعية (م954)
يشترط أن يكون الرهن مقابل دين واجب بالذمة أو مآله إلى الوجوب , كالقرض وثمن المبيع وقيمة المتلف , والأعيان المضمونة كالمغصوب والعارية , والمقبوض على وجه السوم , والمقبوض بعقد فاسد , فيصح الرهن بها كما يصح بالدية على العاقلة بعد الحول , وبالجعل بعد العمل , أما قبل الحول وقبل العمل فلا يصح الرهن.
وفي (م 955)
يصح الرهن بعوض غير ثابت في الذمة كالثمن والأجرة المعينين , وكالمأجور في إجارة منافع الأعيان المعينة , لأن الحق ثابت في نفس الأعيان المذكورة دون الذمة فلو رهن المشترى في الثمن المعين أو رهن المستأجر في الأجرة المعينة , أو رهن المؤجر في المأجور المعين , لم يصح الرهن.
وفي (م 956)
يصح الرهن بالنفع في الإجارة على عمل في الذمة , مثلا: لو استأجر خياطا لخياطة ثياب أو بناء لبناء دار , وأخذ منهما رهنا مقابل المنافع المعقود عليها , صح الرهن.
وفي (م 957)
لا يصح الرهن بعهدة المبيع ولا بدين الكتابة.(1/731)
أن يكون دينا ثابتا
لا خلاف بين الفقهاء في صحة الرهن إذا كان الدين الذي يتم الرهن من أجله دينا ثابتا في الذمة ثبوتا صحيحا وقت الرهن , سواء كان ثابتا قبله أو معه.
أما إذا كان الرهن على دين موعود به , فقد أجازه الحنفية والمالكية ومنعه غيرهم.(1/732)
يشترط الفقهاء لصحة الرهن أن يكون الدين الذي يتم الرهن من أجله دينا ثابتا في الذمة ثبوتا صحيحا وقت الرهن سواء كان ثابتا قبله أو معه.
ومقتضي هذا الشرط ألا يصح الرهن بالدين الموعود به , أو بما سيقرضه المرتهن للراهن , لأن الدين لا وجود له عند عقد الرهن , حتى يكون واجب التسليم.
لذلك منع الشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب الرهن بالدين الموعود به لأنه ليس بحق ثابت في الذمة عند عقد الرهن وقالوا بأن الرهن شرع عند ثبوت الدين لا عند الوعد به ,
واحتجوا بالكتاب لقوله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} إلى أن قال تعالى: {فرهان مقبوضة} فيجب إذن أن يتحقق الدين.
لكن الحنفية والمالكية أجازوا الرهن بالدين الموعود به الذي سيقرض في المستقبل , استحسانا لحاجة الناس إليه.
أما إذا ارتهن المرتهن بما يثبت له على الراهن في المستقبل بدون وعد , فلا يجوز.(1/733)
أن يكون الحق المرهون به معلوما
يشترط الفقهاء أن يكون الحق المرهون به معلوما , فلا يصح الرهن بحق مجهول.(1/734)
يشترط الفقهاء أن يكون الحق المرهون به معلوما فلا يصح الرهن بحق مجهول , فلو أعطاه رهنا بأحد دينين له , دون أن يعينه , لم يصح الرهن.
فقد اشترط الفقهاء أن يكون معلوما أو معينا قدره وصفته للعاقدين , فلو جهلاه أو جهله أحدهما , أو رهن بأحد الدينين , لم يصح الرهن.(1/735)
تمام القبض
القبض عند الجمهور شرط للزوم الرهن , فما لم يقع القبض لم يلزم الراهن بالرهن وله أن يرجع عن العقد.
وقال المالكية إن القبض شرط لتمام الرهن وليس للزومه , فالرهن يلزم بالعقد ويجبر الراهن على الإقباض إلا أن يتراخى المرتهن عن المطالبة.
ويشترط استدامة القبض من أجل دوام الحبس عند الجمهور غير الشافعية الذين يجيزون للراهن استرداد المرهون للانتفاع به.(1/736)
اتفق الفقهاء في الجملة على أن القبض شرط في الرهن لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} واختلفوا في تحديد نوع الشرط: أهو شرط لزوم أو شرط تمام؟ .
وفائدة الفرق: أن من قال شرط لزوم , قال: ما لم يقع القبض لم يلزم الراهن بالرهن , وله أن يرجع عن العقد.
ومن قال شرط تمام , قال: يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على الإقباض , إلا أن يتراخى المرتهن عن المطالبة , حتى يفلس الراهن أو يمرض أو يموت.
قال الجمهور غير المالكية: القبض ليس شرط صحة وإنما هو شرط لزوم الرهن , فلا يلزم الرهن إلا بالقبض , فما لم يتم القبض يجوز للراهن أن يرجع عن العقد , وإذا سلمه الراهن للمرتهن وقبضه لزم الرهن , ولم يجز للراهن أن يفسخه وحده بعد القبض.
ودليلهم قوله تعالى {فرهان مقبوضة} فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقيد به فائدة , فقد علقه سبحانه بالقبض فلا يتم إلا به.
ولأن الرهن عقد تبرع أو إرفاق (أي نفع) يحتاج إلى القبول , فيحتاج إلى القبض ليكون دليلا على إمضاء العقد وعدم الرجوع , فلا يلزم إلا بالقبض كالهبة والقرض.
وذهب المالكية إلى أنه لا يتم الرهن إلا بالقبض أو الحوز , فهو شرط تمام الرهن , أي لكمال فائدته , وليس شرط صحة أو لزوم , فإذا عقد الرهن بالقول (الإيجاب والقبول) , لزم العقد , وأجبر الراهن على إقباضه للمرتهن بالمطالبة به.
فإن تراخي المرتهن في المطالبة به أو رضي بتركه في يد الراهن , بطل الرهن.
ودليلهم قياس الرهن على سائر العقود المالية اللازمة بالقول , لقوله تعالى {أوفوا بالعقود} والرهن عقد فيجب الوفاء به.
كما أن الرهن عقد توثق كالكفالة , فيلزم بمجرد العقد قبل القبض.
وبناء على اشتراط القبض: لو تعاقد الراهن والمرتهن على أن يكون الرهن في يد الراهن , لم يصح الرهن.
فلو هلك في يده لا يسقط الدين , ولو أراد المرتهن أن يقبضه من يد الراهن ليحبسه رهنا , ليس له قبضه إذ لا يصير الرهن صحيحا بعد فساد.
هذا ويشترط لصحة القبض عند الجمهور (الحنفية والمالكية الحنابلة) دوام القبض , فإن قبض الرهن , ثم رده المرتهن باختياره إلى الراهن أو عاد إليه بإعارة أو إيداع أو إجارة أو استخدام أو ركوب دابة أو سيارة , بطل الرهن عند المالكية والحنفية , وزال لزوم الرهن وبقي العقد كأن لم يوجد فيه قبض عند الحنابلة , فإن عاد الراهن فرده إلى المرتهن , عاد اللزوم عند الحنابلة بحكم العقد السابق , وعند الحنفية والمالكية: لا يعود الرهن إلا بعقد جديد.
ودليلهم عموم قوله تعالى: {فرهان مقبوضة} الذي يفهم منه اشتراط وجود القبض واستدامته.
ولم يعتبر الشافعية استدامة القبض من شروط الصحة , وذلك فيما يمكن الانتفاع به مع بقائه , وقالوا بأنه لا يمنع القبض إعارة المرهون للراهن , أو أخذ الراهن المرهون بإذن المرتهن , واستعماله للركوب والسكنى والاستخدام , ويبقى وثيقة بالدين , لخبر الدارقطني والحاكم الرهن مركوب ومحلوب وخبر البخاري الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولأن الرهن عقد يعتبر القبض في ابتدائه , وثيقة , فلم يشترط استدامته كالهبة.
وأما إذا كان المرهون مما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه , لم يكن الراهن طلب استرداده للانتفاع به بعد قبضه ووجب استمرار يد المرتهن عليه , إذ لا ضمان لحقه إلا بذلك , حتى لا يتعرض حقه للضياع والتلف.(1/737)
البدائع (4 / 2723)
القبض شرط جواز الرهن لقوله تعالى: {فرهان مقبوضة} فقد وصف سبحانه وتعالى الرهن بكونه مقبوضا فيقتضي أن يكون القبض فيه شرطا , صيانة لخبره تعالى عن الخلف ولأنه عقد تبرع للحال , فلا يفيد الحكم بنفسه كسائر التبرعات.
المغني (4 / 268)
ولا يصح الرهن إلا أن يكون مقبوضا من جائز الأمر. . . . وقال بعض الحنابلة: ما كان مكيلا أو موزونا لا يلزم رهنه إلا بالقبض.
وفيما عداهما روايتان: إحداهما لا يلزم إلا بالقبض , والأخرى يلزم بمجرد العقد كالبيع.
الدر المختار ورد المحتار (5 / 340 - 341)
القبض , شرط اللزوم في الرهن كما في الهبة , وصح في المجتبى أنه شرط الجواز.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 231)
لا خلاف في المذهب إن القبض ليس من حقيقة الرهن ولا شرطا في صحته ولا لزومه , بل ينعقد ويصح ويلزم بمجرد القول , ثم يطلب المرتهن الإقباض.
مغني المحتاج (2 / 123)
ولا يلزم الرهن من جهة الراهن إلا بقبضه أي المرهون لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} .
فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقييد به فائدة , ولأنه عقد تبرع يحتاج إلى القبول فلا يلزم إلا بالقبض , كالهبة والقرض.
مرشد الحيران (م954)
يشترط لتمام الرهن ولزومه على الراهن أن يقبضه المرتهن قبضا تاما.
وللراهن قبل تسليم الرهن للمرتهن أن يرجع فيه , ويتصرف في العين المرهونة.
المقدمات الممهدات والقوانين الفقهية
الرهن يجوز ويلزم بالعقد ولا يتم وينبرم ويصح التوثق به إلا بالحيازة لقوله تعالى: {فرهان مقبوضة}
الشرح الصغير (3 / 313)
ولا يتم الرهن إلا بالقبض.
كشاف القناع (3 / 317 , 318)
ولا يلزم الرهن في حق الراهن إلا بالقبض لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول , فافتقر إلى القبض كالقرض.(1/738)
كيفية القبض
يتم القبض بمجرد التخلية عند الحنفية في ظاهر الرواية سواء في المنقول أو العقار , والتخلية مجزئة في العقار دون المنقول عند الجمهور.
وينوب الرهن الرسمي مناب القبض أي الحيازة.
والمقصود من قبض الرهن هو تأمين الدائن المرتهن , فيصح أن يقوم مقام القبض كل وسيلة تؤدي إلى نفس الغرض.(1/739)
اتفق الفقهاء على أن قبض العقار يكون بالتسليم الفعلي أو بالتخلية أي رفع المانع من القبض أو التمكن من إثبات اليد بارتفاع الموانع , فيخلى بين المرتهن والمرهون , ويمكن من إثبات يده عليه.
أما قبض المنقول: ففي ظاهر الرواية عند الحنفية: أنه يكتفي فيه بالتخلية , فإذا حصلت صار الراهن مسلما والمرتهن قابضا , لأن التخلية تعتبر إقباضا في العرف والشرع.
أما في العرف: فلأنه لا يكون في العقار إلا بها , فيقال هذه الأرض أو الدار في يد فلان , فلا يفهم منه إلا التخلي وهو التمكن من التصرف.
وأما في الشرع: فإن التخلية تعتبر إقباضا في البيع بالإجماع من غير نقل أو تحويل.
وهذا الرأي هو المعقول تمشيا مع طبيعة التعامل وسرعته.
وقال أبو يوسف لا تكفي التخلية في المنقول , وإنما يشترط فيه النقل والتحويل , فما لم يوجد لا يصير المرتهن قابضا , لأن القبض ورد مطلقا في الآية: {فرهان مقبوضة} فينصرف إلى القبض الحقيقي , وهو لا يتحقق إلا بالنقل.
أما التخلية فالذي يتحقق بها قبض حكمي , فلا يكفي فيه.
ثم إن قبض الرهن يترتب إنشاء ضمان على المرتهن لم يكن ثابتا قبل العقد , فلا بد فيه من تمام النقل بالقبض ليحدث الضمان , كالشأن في الغصب , بخلاف البيع فإن الذي يترتب عليه إنما هو نقل الضمان من البائع للمشترى , فيكتفي فيه بالتخلية.
لكن يلاحظ أن هذا الفرق بين الرهن والبيع لا تأثير له.
ويتفق الشافعية والحنابلة مع أبي يوسف فإنهم قالوا: المراد بالقبض هو القبض المعهود في البيع , فقبض الرهن كقبض البيع , فإن كان عقارا أو مما لا ينقل كالدور والأرضين , يكون قبضه بالتخلية , أي تخلية راهنه بينه وبين المرتهن من غير حائل , وذلك ينطبق على الثمر على الشجر والزرع في الأرض , وإن كان منقولا , فقبضه يكون بنقله أو تناوله , أي أخذه إياه من راهنه فعلا.
فإن كان كالحلي فيتم قبضه بنقله , وان كان كالدراهم والثوب فيتم نقله بتناوله , وان كان مكيلا أو موزونا فقبضه يكون بكيله أو وزنه , وإن كان مزروعا فقبضه بزرعه , وإن كان معدودا فقبضه بعده , ويعتبر العرف المتعارف في المذكور كله.
والقبض عند المالكية هو الحوز أو الحيازة للآية الشريفة: {فرهان مقبوضة} والظاهر أن المقصود من قبض الرهن: هو تأمين الدائن المرتهن , والقاء الثقة والطمأنينة في نفسه , بتمكينه من حبس المرهون تحت يده , حتى يستوفي منه دينه , وليس المقصود من اشتراط القبض هو التعبد , أي تنفيذ المطلوب بدون معنى.
وبناء عليه يصح أن يقوم مقام القبض كل وسيلة تؤدي إلى تأمين الدائن , ومنها ما أحدثه القانون المدني من الرهن الرسمي في العقار , بوضع إشارة الرهن في صحيفة العقار في دائرة التسجيل العقاري , فهو محقق لحفظ المرهون وبقائه ضمانا للدائن , وتأمينا لمصلحته , فيقوم هذا مقام القبض المطلوب شرعا.
وهذا ما أقره المالكية من جواز الرهن الرسمي , بالإضافة لمشروعية الرهن الحيازي المتفق عليه بين الفقهاء.(1/740)
المغني (4 / 371)
والقبض في الرهن من وجهين , فإن كان مما ينقل فقبض المرتهن له أخذه إياه من راهنه منقولا , وإن كان مما لا ينقل كالدور والأرضين فقبضه بتخلية راهنه بينه وبين مرتهنه لا حائل دونه.
فالقبض في الرهن كالقبض في البيع والهبة , فإن كان منقولا فقبضه نقله أو تناوله , وإن كان أثمانا أو شيئا خفيفا يمكن قبضه باليد فقبضه تناوله بها , وإن كان مكيلا رهنه بالكيل , أو موزونا رهنه بالوزن. . .
وإن كان الرهن غير منقول كالعقار والثمرة على الشجرة فقبضه التخلية بين مرتهنه وبينه من غير حائل بأن يفتح له باب الدار أو يسلم إليه مفتاحها.
البدائع (4 / 2723)
القبض عبارة عن التخلية وهو التمكن من إثبات اليد , وذلك بارتفاع الموانع , وإنه يحصل بتخلية الراهن بين المرهون والمرتهن , فإذا حصل ذلك صار الراهن مسلما والمرتهن قابضا. . . . وروي عن أبي يوسف إنه يشترط معه النقل والتحويل , فما لم يوجد لا يصير قابضا.
ويرد على ذلك بأن التخلي في باب البيع قبض بالإجماع من غير نقل وتحويل دل أن التخلي بدون النقل والتحويل قبض حقيقة وشريعة فيكتفى به.
حاشية الدسوقي (3 / 231)
ليس المقصود بالإعطاء والقبض الإعطاء أو القبض الحسي بل المعنوي وذلك يحصل بالعقد أي بالإيجاب والقبول.
الدر المختار ورد المحتار (5 / 340 - 341)
والتخلية بين الرهن والمرتهن قبض حكما على الظاهر كالبيع , أي ظاهر الرواية وهو الأصح كما قال ابن عابدين.
وعن أبي يوسف أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل , هداية.
والتخلية هي رفع الموانع والتمكين من القبض.
المنهاج ومغني المحتاج (2 / 128)
والمراد بالقبض: المعهود في البيع , ولا بد أن يكون القبض والإقباض ممن يصح منه عقد الرهن , فلا يصح شيء منهما من غيره كصبي ومجنون ومحجور سفه.
كشاف القناع (3 / 317 , 318)
فإن كان الرهن منقولا فقبضه نقله كالحلي أو تناوله إن كان يتناول كالدراهم ونحوها , موصوفا كان الرهن أو معينا , كعبد وثوب وصبرة , وإن كان الرهن مكيلا فقبضه بذرعه , أو كان معدودا فقبضه بعده , وإن كان الرهن غير منقول كعقار من أرض وبناء وغراس , وكثمر على شجر , وزرع في أرض , فقبضه بالتخلية بينه وبين مرتهن من غير حائل , لأنه المتعارف في ذلك كله , كما في البيع.
ولو رهنه دارا , فخلى الراهن بين المرتهن وبينهما , وهما فيها , ثم خرج الراهن منها , صح القبض , لوجود التخلية.
والرهن قبل قبضه جائز غير لازم , لعدم وجود شرط اللزوم وهو القبض.(1/741)
وضع الرهن عند عدل
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز اتفاق الراهن والمرتهن على وضع المال المرهون عند عدل يرتضيانه , فيكون وكيلا عنهما , ويتصف بصفة الأمانة باعتباره نائبا عن الراهن , وصفة الضمان باعتباره نائبا عن المرتهن.
ويجب على العدل حفظ الرهن , وليس له الانتفاع بالمرهون.
وهو ينعزل كالوكيل عن الراهن عند جماعة , ولا ينعزل عند الحنفية إذا عين في عقد الرهن , ولا عند المالكية لتعلق حق المرتهن.(1/742)
يتولى قبض الرهن المرتهن أو وكيله ولا يصح أن يكون وكيله هو الراهن , لأن المقصود من القبض تأمين المرتهن , ولا يتم القبض مع بقاء الرهن في يد الراهن.
ويجوز أن يتفق الراهن والمرتهن على أن يوضع الرهن عند شخص يختارانه , فيقبضه ويحفظه عنده ويسمى بالعدل , لأن الراهن قد يكره وضعه عند المرتهن , والمرتهن قد يكره وضعه عنده , خوف الضمان إذا تلف , أو لسبب آخر.
فالعدل هو الذي يثق الراهن والمرتهن بكون الرهن في يده لحفظه وحيازته , ويعتبر نائبا عن الراهن والمرتهن جميعا.
أما الراهن فلقيامه على حفظ المرهون باختيار الراهن وثقته به واطمئنانه إلى أمانته.
وأما المرتهن فيعد العدل وكيلا عنه في القبض برضا المرتهن , بل إنه يعد احتباسه للرهن استيفاء عن الراهن للدين من وجه.
فإذا قبض العدل الرهن صح قبضه , ولزم الرهن به عند جمهور الفقهاء لأنه قبض في عقد , فجاز فيه التوكيل كسائر أنواع القبض وكان العدل وكيلا من المرتهن في القبض بالنسبة لمالية الرهن بصفة الضمان , وإن كان وكيلا أيضا عن الراهن بالنسبة لعين الرهن بصفة الأمانة , ويد الضمان غير يد الأمانة.
وعليه يكون للعدل أو الأمين صفتين: صفة الأمانة باعتباره نائبا عن الراهن المالك , وصفة الضمان باعتباره نائبا عن المرتهن.
وبما أن العدل وكيل عن الراهن والمرتهن , فيشترط فيه ما يشترط في الوكيل , فلا يكون صغيرا غير مميز , ولا محجورا عليه لجنون أو عته عند جميع الفقهاء , كما لا يكون صبيا مميزا ولا محجورا عليه لسفه عند الجمهور غير الحنفية.
ويجب على العدل أن يحفظ الرهن كما يحفظ ماله , فيحفظ بنفسه أو بواسطة من يحفظ ماله عنده , لأنه في الحفظ بحكم وديعة.
وعليه أن يبقيه تحت يده , فليس له أن يدفعه إلى الراهن أو إلى المرتهن إلا بإذن الآخر , لاتفاقهما على وضع الرهن تحت يده , وعدم رضا كل منهما عن حفظ الآخر له , فإذا سلمه كان ضامنا.
وليس له أن ينتفع بالرهن , ولا أن يتصرف فيه بالإجارة أو الإعارة أو الرهن , لأن الواجب عليه الإمساك , وليس له حق الانتفاع والتصرف.
وذهب الشافعية والحنابلة بأن العدل ينعزل بعزل الراهن له , سواء اشترط تعيينه في عقد الرهن أم بعده لأنه وكيله , والوكالة عقد جائز غير لازم فلا يجبر الراهن على إبقائها.
ولكن لا ينعزل عندهم بعزل المرتهن , لأنه ليس وكيلا له.
ويرى الحنفية أنه إذا كان تعيين العدل عقب الرهن , فللراهن عزله , ولا ينعزل فيما إذا كان التعيين في نفس عقد الرهن.
وقال الإمام مالك أيضا: لا ينعزل العدل بعزل الراهن , لأن وكالته صارت من حقوق الرهن , فلم يكن للراهن إسقاطه كسائر حقوقه.
وخلافا لما ذهب إليه الجمهور من جواز وضع الرهن عند عدل , قال بعض العلماء كابن أبي ليلى وزفر وقتادة لا يصح قبض العدل , لأن القبض من تمام العقد , فوجب أن يقوم به أحد العاقدين , وهو المرتهن , كالقبول والإيجاب.(1/743)
المغني (4 / 373)
وإذا تشارطا أن يكون الرهن على يدي عدل صارر مقبوضا , وجملته أن المتراهنين إذا شرطا كون الرهن على يدي رجل رضيا به واتفقا عليه جاز , وكان وكيلا للمرتهن نائبا عنه في القبض , فمتى قبضه صح قبضه في قول جماعة الفقهاء منهم عطاء وعمرو بن دينار والثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي , وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وابن أبي ليلى لا يكون مقبوضا بذلك لأن القبض من تمام العقد فتعلق بأحد المتعاقدين الإيجاب والقبول.
مغني المحتاج (2 / 133)
ولو شرطا وضعه عند عدل جاز , لأن كلا منهما قد لا يثق بصاحبه.
المجلة (م752)
يد العدل كيد المرتهن , يعني لو اشترط الراهن والمرتهن إيداع الرهن عند من ائتمنه , ورضي الأمين , وبقبضه يتم الرهن ويلزم , ويقوم ذلك الأمين مقام المرتهن.
المجلة (م753)
لو اشترط حين العقد قبض المرتهن الرهن , ثم لو وضعه الراهن والمرتهن بالاتفاق في يد عدل يجوز.
المجلة (م753)
إذا كان الدين باقيا , فليس للعدل أن يعطي الرهن إلى الغير , ما لم يكن لأحد الراهن أو المرتهن رضا , وإذا أعطاه فله صلاحية استرداده وإذا تلف قبل الاسترداد , فالعدل يضمن قيمته.
المجلة (م 755)
إذا توفي العدل يودع الرهن عند عدل غيره بتراضي الطرفين , وإن لم يحصل بينهما الاتفاق , فالحاكم يضعه في يد عدل.
وفي التقنين المالكي بالأزهر (م139)
إذا سلم الأمين الرهن الموضوع تحت يده للراهن أو للمرتهن بدون إذن الآخر , فتلف الرهن عند من سلمه له منهما , كان الأمين ضامنا له. ويترتب على هذا الضمان: أنه في حالة تسليمه للراهن يدفع للمرتهن الأقل من دينه أو قيمة الرهن , ويرجع بما دفعه على الراهن. وفي حالة تسليمه للمرتهن يسقط دينه عن الراهن إن كانت قيمة الرهن مساوية لدينه , ولا شيء على الأمين. فإن كانت قيمته أقل من دينه حط عن الراهن من الدين بقدرها , ولا غرم على الأمين , وإن كانت أزيد منه دفع الأمين الزيادة للراهن , ورجع بها على المرتهن.
وفي التقنين الشافعي (م 183) :
إذا شرط الراهن والمرتهن وضع المرهون عنه عند عدل أو أكثر جاز الشرط , وينفذ ما اتفقا عليه. وإذا مات العدل الموضوع عنده المرهون أو فسق , جعلاه عند من يتفقا عليه , فإن تشاحا فيه , وضعه الحاكم عند عدل يراه.
مجلة الأحكام الحنبلية (1008)
يصح جعل الرهن بيد عدل باتفاق المتراهنين , فلا ينقل من يده مع بقاء حاله إلا باتفاقهما , ويصح جعله بيد عدلين فأكثر , فيجعل في مخزن عليه لكل منهما قفل , ولا ينفرد أحدهما بحفظه.
مجلة الأحكام الحنبلية (م1009)
العدل وكيل المرتهن في القبض أو الحفظ , فيلزم الرهن بقبضه إذا كان جائز التصرف , أما إذا كان العدل صبيا أو مجنونا أو سفيها , فقبضه وعدمه سواء.
مجلة الأحكام الحنبلية (م1010)
للعدل رد الرهن على المتراهنين , وعليهما قبوله , فإن امتنعا أجبرا , فإن أصرا على الامتناع أو تغيبا أو تغيب أحدهما , نصب الحاكم أمينا يقبضه لهما ويحفظه.
مجلة الأحكام الحنبلية (م 1011) ليس للعدل رد الرهن إلى أحد المتراهنين دون إذن الآخر , فان فعل ذلك , ففات حق أحدهما , ضمنه.
مجلة الأحكام الحنبلية (1012)
إذا مات العدل أو فسق أو ضعف عن حفظ الرهن أو حدث بينه وبين أحد المتراهنين عداوة , فإن اتفقا على وضعه بيد آخر عمل به , وإلا جعله الحاكم بيد أمين.
مجلة الأحكام الحنبلية (1013)
ليس للعدل دفع الرهن لأمين آخر إلا إذا غاب المتراهنان مسافة القصر , وكان للعدل عذر من مرض أو سفر أو نحوه , ولم يجد حاكما , فله دفعه إلى ثقه.
مجلة الأحكام الحنبلية (م 1015)
ليس للعدل بيع الرهن إلا بإذن المتراهنين , وهو كالوكيل في وجوب الاحتياط , وليس له البيع دون ثمن المثل , ولا البيع بالنسيئة , ومتى خالف فسد بيعه.
مجلة الأحكام الحنبلية (م 1016)
للعدل المأذون بالبيع أن يبيع بما عين من النقود فإن لم يعين نوعها باع بنقد البلد أو بأغلبه رواجا إن تعدد , فإن استوت في الرواج باع بجنس الدين.
مجلة الأحكام الحنبلية (م 11017)
الرهن أمانة في يد العدل , وكذا ثمنه , فتلفه بيده , بلا تعد ولا تفريط , من ضمان الراهن.(1/744)
رهن الدين
يجوز عند المالكية للشخص أن يرهن ماله من دين في ذمة المدين في مقابل دين عليه (رهن الدين من المدين)
ويجوز له أن يرهن ماله من دين في ذمة شخص في مقابل دين عليه لشخص آخر غير المدين في العلاقة الأولى (رهن الدين من غير المدين) .(1/745)
أجاز المالكية دون غيرهم رهن الدين.
الحنفية: لا يجوز رهن الدين لأنه ليس مالا , لأن المال عندهم لا يكون إلا عينا , ولا يتصور فيه القبض , والقبض لا يكون إلا للعين.
فلو كان خالد دائنا لعمر مئة دينار , وعمر دائن لخالد بمئة رطل حنطة (بر) لم يجز لعمر أن يجعل دينه من الحنطة رهنا عند خالد بدينه الذي يستحقه قبل عمر , فهذا رهن الدين عند المدين , حيث جعل الدين الذي للدائن رهنا في الدين الذي عليه.
ويوافقهم الشافعية والحنابلة في الأصح , حيث إنهم شرطوا كون المرهون عينا يصح بيعها , فلا يصح رهن دين ولو ممن هو عليه , أو من هو عنده , لأنه غير مقدور على تسليمه.
لكن امتناع رهن الدين عند الشافعية هو في حالة جعل الدين رهنا ابتداء , أما في حالة البقاء فلا مانع من الرهن , كضمان المرهون عند الجناية عليه , فبدله في ذمة الجاني يكون رهنا بالدين على الأرجح , لأن الدين قد يصير رهنا ضرورة في البقاء , حتى امتنع على الراهن أن يبرئه منه , بلا رضا المرتهن.
ورأي المالكية: أنه يجوز رهن كل ما يباع ومنه الدين لجواز بيعه عندهم , فيجوز رهنه من المدين ومن غيره.
وقد ذكرنا صورة رهنه من المدين.
أما صور رهنه من غير المدين: أن يكون لخالد دين عند عمر , ولعمر دين على أحمد , فيرهن عمر دينه الثابت له في ذمة أحمد لدى خالد بدينه الثابت له في ذمته (أي ذمة عمر) والطريقة: هي أن يدفع له وثيقة الدين الذي على أحمد , حتى يوفيه دينه.
جاء في تقنين الإمارات تنظيم رهن الدين المستمد من الفقه المالكي
ففي (م1491) : (من رهن دينا له يلزمه أن يسلم إلى المرتهن السند المثبت لهذا الدين) .
وفي (م 1492) : (لا يكون رهن الدين نافذا في حق المدين إلا بإعلان هذا الرهن إليه أو بقبوله له.
ولا يكون نافذا في حق غير المدين إلا بحيازة المرتهن لسند الدين المرتهن.
وتحسب للرهن مرتبة من التاريخ الثابت للإعلان أو القبول) .
وجاء في المذكرة الإيضاحية: والرأي بعدم جواز رهن الدين لاحتمال الغرر مردود , مع قيام النصوص بضرورة توثيق سند الدين , وإعلان المدين , ومع قيام ضمانات عدم التغرير , ومثال ذلك رهن سندات على الدولة , وهي الدين على الدولة , ولا خلاف في قوة ضمانها وانتفاء التغرير , وتقاس عليها الأسهم والسندات والديون المتداولة في المعاملات.
ويقع رهن الدين باعتباره منقولا , وتتغير أحكامه بما يتفق وطبيعة الدين , فيتم باتفاق الراهن والمرتهن , وقبض الأخير لسند الدين , على أن يثبت الاتفاق بسند موثق , ولا يعتبر نافذا إلا بإعلان المدين أو بقبوله سندا ثابت التاريخ , كما هو الأمر في حوالة الدين , على أن تحسب مرتبة الرهن من تاريخ الإعلان أو تاريخ قبول المدين.
ولا يكون نافذا في حق الغير إلا بحيازة المرتهن سند الدين شأن رهن المنقول حيازيا.
أما في السندات الرسمية أو الإذنية , فإن الرهن يتم بالطريقة القانونية لحوالتها على أن يذكر أن الحوالة تمت على سبيل الرهن , وتعتبر السندات لحاملها كالمنقولات المادية , وتجري عليها أحكامها , ويشترط في الدين حتى يمكن رهنه أن يكون قابلا للحوالة أو الحجز , فلا يجوز رهن دين النفقة , أو معاش التقاعد أو الديون التي لا يجوز الحجز عليها.
وجاء في مواهب الجليل للحطاب (5 / 4) : وذكر في التوضيح وغيره أن رهن الدين يصح ولو على غائب , ويكفي في حوزه الإشهاد , والظاهر هنا الصحة أيضا , والله أعلم.
يتبين من هذا أنه في صورة رهن الدين من غير المدين لا بد فقها من قبض وثيقة الحق , والإشهاد على حيازتها.
أما صورة رهن الدين من المدين فيشترط لصحتها , سواء أكان الدينان من قرض أو بيع , أن يكون أجل الدين المرهون هو أجل الدين المرهون به أو أبعد منه , بأن يحل الدينان في وقت واحد , أو يحل دين الرهن بعد حلول الدين المرهون به.
أما إذا كان أجل حلول الدين المرهون أقرب , أو كان الدين المرهون حالا , فرهنه لا يصح , لأنه يؤدى إلى إقراض نظير إقراض , إن كان الدينان من قرض , وإلى اجتماع بيع وسلف إن كانا من بيع , لأن بقاء الدين المرهون بعد أجله عند المدين به , يعد سلفا في نظير سلف الدين المرهون به.
وإذا كان الدينان من بيع , فبقاء الدين المرهون يعد سلفا مصاحبا للبيع , وهو ممنوع عند المالكية.(1/746)
رهن العين المؤجرة أو المعارة
يجوز للمدين رهن المأجور والمعار باعتباره هو المالك , عند المستأجر والمستعير أو عند غيرهما.
ويبقى العقد السابق قائما بالاتفاق إن كان المرهون له هو المستأجر والمستعير , ويبطل العقد السابق إن كان الرهن لغير المستأجر والمستعير , ولم يكن بإذن المستأجر عند الشافعية.(1/747)
يجوز أئمة المذاهب رهن المدين مالا له , ولو كان مأجورا أو مستعارا على النحو التالي
يرى الحنفية: أنه يجوز رهن المستعار والمستأجر عند المستعير أو المستأجر , وينوب قبض العارية وقبض الإجارة مناب قبض الرهن , إلا أنهم قرروا إذا اتفق المتراهنان على الرهن , تبطل الإجارة والإعارة , فلا يبقى في يد المرتهن مستأجرا ولا مستعارا , ويصح الرهن , إذ لا يجتمع على عين واحدة في الوقت واحد إجارة ورهن.
وإذا طرأت الإجارة على الرهن , بطل الرهن , وصحت الإجارة لأن الرهن عقد غير لازم والإجارة عقد لازم.
وعبارة المالكية: تتضمن جواز رهن العين المستأجرة , فإن رهنها مؤجرها عند مستأجرها بدين له عليه , ناب القبض السابق لها بعقد الإجارة عن قبض الرهن.
وإن رهنها عند غير مستأجرها بدين له عليه , جاز إذا عين الدائن المرتهن أمينا ليلازم مستأجرها , يكون قبضه وحيازته , بدلا عن قبض المرتهن وحيازته , لأن قبض المستأجر إنما كان لنفسه , فلا يقوم قبضه مقام قبض المرتهن.
ويلاحظ أن الأرض في يد المزارع , والبستان في يد المساقي , يجوز رهنهما كالعين المستأجرة.
وأجازه الحنابلة أيضا رهن المأجور أو المعار أو الوديعة أو المغصوب , وينوب القبض السابق مناب قبض الرهن , ولا حاجة لتجديد القبض , كما تقدم.
وكذلك الشافعية أجازوا رهن العين المستأجرة أو المستعارة والوديعة , بشرط مضي زمان يتأتى فيه القبض , فإن رهنها لدى المستأجر والمستعير , بقي الرهن لبقاء يد المرتهن , وعدم المنافاة بين كونه مستأجرا وكونه مرتهنا.
وإن رهنها عند غير المستأجر أو المستعير , صح إذا رضي به المرتهن عدلا (أمينا) فيبقى في يد المستأجر والمستعير , على اعتبار أنه أمين عن كل من عاقدي الرهن , ويظل الرهن أيضا.
وإن لم يرض المرتهن بالمستأجر أو بالمستعير عدلا , ينظر: فإن كان الرهن بإذن المستأجر بطلت الإجارة , وإن كان بغير إذنه بطل الرهن , وأما العارية فهي عقد غير لازم , فإذا رهن المستعار , فسخت الإعارة.(1/748)
رهن العين المستعارة أو المستأجرة
يجوز رهن العين المستعارة أو المستأجرة للرهن , وينطبق عليها أحكام ضمان العارية والعين المستأجرة بحسب آراء المذاهب.
وللمعير عند الجمهور طلب فكاك العارية , خلافا للمالكية في العارية المقيدة , وليس للمؤجر فك المأجور قبل انتهاء مدة الإجارة.(1/749)
في هذه الحالة الراهن غير مالك للعارية , وإنما يرهن مستعارا مملوكا لغيره.
ويجوز بالاتفاق للإنسان أن يستعير مال غيره , ليرهنه بإذن مالكه في دين عليه , لأن مالكه متبرع حينئذ بإثبات اليد أو الحيازة عليه , والمالك حر التصرف بملكه , فله إثبات ملك العين واليد معا عن طريق الهبة مثلا.
كما له إثبات اليد فقط بالإعارة للرهن.
وفي حالة الإذن من المالك بالرهن , قال الحنفية للمستعير عند اطلاق المعير وعدم تقييده بشيء أن يرهن العارية عند من يشاء , وبأي دين أراد , وفي أي بلد أحب.
وهو مذهب الشافعية أيضا.
أما إذا قيده بقيود فإنه يتقيد بها , فإن خالف في شيء من هذه القيود , فهو ضامن لقيمته إذا هلك لأنه بهذه المخالفة يصير غاصبا , وكان الرهن باطلا , لأنه وقع على مال مغصوب.
وكذلك قال المالكية: إن خالف المستعير قيود المعير , فهلكت العارية أو سرقت أو نقصت , ضمن المستعير مطلقا لتعديه , ولو لم تتلف العارية , فللمعير ردها وتبطل الإعارة.
ويتقيد المستعير عند الشافعية والحنابلة بقيود المعير , إلا أنهم قالوا: إذا قيده بمقدار من الدين فرهنه بأقل منه , لم يكن مخالفا لأن الإذن بما زاد يعتبر إذنا بما نقص عنه , وليس في النقص ضرر لأن الرهن عندهم أمانة في يد المرتهن.
انتفاع المستعير بالعارية:
هذا ويعتبر مستعير العارية لرهنها وديعا قبل الرهن لا مستعيرا , لأنه غير مأذون له إلا بالرهن , فليس له أن ينتفع بالعارية , لا قبل رهنها ولا بعد فكاكها , فإن فعل ضمن لأنه لم يؤذن له إلا بانتفاع على وجه خاص وهو رهنها.
نوع ضمان هلاك العارية لرهنها:
إذا قبض المستعير العارية لرهنها فهلكت في يده قبل رهنها , أو هلكت في يده بعد فكاكها لم يضمنها , لأنها هلكت وهي مقبوضة قبض العارية لا قبض الرهن , وقبض العارية قبض أمانة لا قبض ضمان عند الحنفية.
وذلك بخلاف المالكية والشافعية والحنابلة في أظهر القولين عندهم , فإن العارية مضمونة مطلقا عند الحنابلة وفيما إذا كانت مما يغاب عليه (يمكن إخفاؤه) عند المالكية , وفي أثناء الاستعمال غير المأذون فيه عند الشافعية.
وإذا هلكت العارية عند المرتهن , فليس لمالكها عند الحنفية إلا ما كان مضمونا منها , وهو الأقل من قيمتها ومن الدين.
وإذا كان الدين هو الأقل , فلا يرجع المالك على المستعير بالزيادة , لأن العارية أمانة , وهي لا تضمن إلا بالتعدي.
وقال المالكية: يرجع المالك على المستعير بقيمة العارية يوم استعارها.
وقال الشافعية والحنابلة في أظهر القولين: إذا تلفت العارية لدى المرتهن من غير تعد , ضمن المستعير (الرهن) قيمتها يوم تلفها , لأن العارية مضمونة مطلقا عند الحنابلة , ومضمونة أحيانا عند المالكية والشافعية كما تقدم.
طلب المعير فكاك العارية من الرهن
إذا رهن المستعير العارية , كان لمالكها أن يطلب من الراهن فكاكها في أي وقت شاء عند الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) لأن العارية عندهم عقد غير لازم , وللمستعير أن يستردها متى شاء , ولو كانت مقيدة بوقت.
فإن افتكها الراهن ردها إلى مالكها , وإن عجز عن فكاكها كان لمالكها أن يفتكها تخليصا لحقه , ويرجع بجميع ما أداه للمرتهن على المستعير.
وذهب المالكية في الراجح لديهم: إلى أن للمعير الرجوع في الإعارة لمطلقها متى أحب وليس له الرجوع في العارية المقيدة بالشرط أو العرف أو العادة.
الاستئجار للرهن
وإذا جاز استعارة عين لترهن , جاز كذلك استئجارها لترهن.
وإذا هلكت بلا تعد فلا ضمان , لأن المستأجر أمانة غير مضمونة في يد المستأجر اتفاقا , وليس للمؤجر فكها قبل انتهاء مدة الإجارة.(1/750)
المجلة (م 726) :
يجوز أن يستعير أحد مال آخر , ويرهنه بإذنه , ويقال لهذا: الرهن المستعار.
المجلة (م 727) :
إذا كان إذن صاحب المال مطلقا , فللمستعير أن يرهنه بأي وجه شاء.
المجلة (م728) :
إذا كان إذن صاحب المال مقيدا بأن يرهنه في مقابل كذا درهم , أو في مقابل مال جنسه كذا , أو عند فلان أو في البلد الفلانية , فليس للمستعير أن يرهنه إلا على وفق قيده وشروطه.
الشرح الكبير (3 / 238)
صح رهن الشيء المستعار بمعنى الارتهان , فإن وفى الراهن ما عليه رجع الرهن لربه , وإلا بيع في الدين , ورجع صاحبه: وهو المعير , بقيمته على المستعير يوم الاستعارة , وقيل: يوم الرهن , أو يرجع بما أدى من ثمنه الذي بيع به في الدين قولان.
وضمن المستعير إن خالف ورهن في غير ما استعار له لتعديه , كدراهم , فرهنه في طعام , أو عكسه , أي تعلق به الضمان , ولو لم يتلف , أو قامت على تلفه بينة , وللمعير أخذه من المرتهن , وتبطل العارية.
مغني المحتاج (2 / 129)
لا يبرأ المستعير بالرهن , وإن منعه المعير الانتفاع.
ويجوز له الانتفاع بالمعار الذي ارتهنه لبقاء الإعارة , وان رجع المعير فيه , امتنع ذلك عليه.
مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م1033)
يصح رهن المأجور والمعار بإذن المالك , ولا يشترط لذلك علم المالك بقدر الدين ولا نوعه ولا وصفه , ولا معرفته بالمرتهن , لكن لو أذن المالك في رهنه في قدر معلوم فرهنه في أكثر منه صح في القدر المأذون فيه دون الزائد , أما لو أذن في رهنه بنوع خاص أو بموصوف أو لدى شخص معروف , فخالف ذلك لم يصح الرهن.
وفي (م1034) :
للمؤجر والمعير الرجوع في إذنه قبل لزوم الرهن أما بعد لزومه بقبض المرتهن فلا يصح رجوعه
وفي (م1035) :
من أجر عينا لأجل رهنها , لا يملك فسخ الإجارة والرجوع قبل مضي مدة الإجارة.
وفي (م1036) :
من أعار عينا لرهنها يملك فسخ الإجارة ومطالبة المستعير بفكه وتسليمها إليه مطلقا , ولو قبل حلول الدين.
وفي (1037) :
الرهن المؤجر أو المعار كالرهن المملوك بالنسبة للأحكام المتعلقة بتوثقة المرتهن , فله حفظه بيده ومنع المالك والراهن من الانتفاع والتصرف فيه , ويباع إذا لم يقض الراهن الدين.
وفي (م1038) :
إذا بيع الرهن المؤجر أو المعار في وفاء الدين , رجع المالك على الراهن بالمثل في المثليات , وبالقيمة يوم البيع في المتقومات.
وفي (م1039) :
إذا تلف الرهن المؤجر أو المعار بتعد أو تفريط , ضمن الراهن لمالكه البدل , أما إذا تلف بلا تعد ولا تفريط , ضمن الراهن المعار دون المؤجر.
وفي (م 1040) : إذا فك المؤجر أو المعير الرهن وأدى الدين بإذن الراهن أو بدون إذنه , ناويا الرجوع عليه , رجع بما أداه , أما إذا لم ينو رجوعا فلا رجوع له , كما لو نوى التبرع.(1/751)
رهن العين المرهونة
يجوز عند جمهور الفقهاء غير الحنفية تعدد الرهن على أجزاء المرهون , ويطبق حينئذ أحكام رهن المشاع.
أما تعدد الرهن على المرهون كله فهو غير جائز عند الجمهور , وذهب المالكية إلى جوازه إن كانت قيمته تزيد على قيمة الدين.(1/752)
الرهن إما إن يقع على بعض الشيء أو على كله , وفي الحالتين يتعدد الرهن:
أ - فإن وقع الرهن على بعض الشيء , ثم رهن البعض الآخر طبقت أحكام رهن المشاع.
فيرى الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) المجيزون رهن المشاع: أنه إذا كان الرهن على جزء من عين على الشيوع بدين , جاز رهن الجزء الباقي منها شائعا بذلك الدين , أو بدين آخر , لنفس الدائن المرتهن الأول أو لغيره.
لكن إذا كان الرهن لشخص آخر غير المرتهن الأول , لزم رضا الثاني بيد المرتهن الأول , أو أن يحدث اتفاق جديد بين الثلاثة (الراهن والمرتهن الأول والثاني) على وضع الرهن تحت يد عدل.
ويرى الحنفية الذين لا يجيزون رهن المشاع أصلا: أنه لا يصح هذا الرهن , إلا إذا أفرزت العين أو قسمت , وسلمت غير مشغولة بغيرها.
ب - وأما رهن الشيء كله بدين , وأريد رهنه بدين آخر فلا يجوز الرهن الثاني عند الحنفية والشافعية والحنابلة لأن فيه مساسا بحق المرتهن الدائن , لأن مالية المرهون له , فلا يكون لغيره أن يتعلق حقه به.
لكن إذا أجاز المرتهن الأول الرهن الثاني نفذ , وبطل ارتهانه الشيء , وبطل ارتهانه أيضا إذا رهن الشيء وهو بدين عليه , بإذن مالكه , ويصير رهنا بدينه , ويكون حكمه حكم رهن الشيء المستعار للرهن.
أما إذا رهنه المرتهن الأول بدون إذن مالكه الراهن , كان رهنه غير صحيح , وكان للمالك إعادة الشيء إلى يد المرتهن الأول كما كان.
وذهب المالكية إلى أنه يجوز رهن العين المرهونة إذا كانت قيمتها تزيد على قيمة الدين , فيكون الراهن الجديد لتلك الزيادة , ويكون الدين الثاني المتعلق بالمرهون في المنزلة الثانية , فإذا بيعت العين في الدين يوفي الدين الأول , والباقي يوفى به الدين الثاني.
وبه نرى أن حق الدائن الأول لم يمس , فلا يتوقف نفاذ الرهن الثاني على أجازته.
وعليه يجوز تعدد الدائنين على مرهون واحد: أي أن يكون المرهون رهنا حيازيا ضامنا لأكثر من دين بمرتبة واحدة , بشرط أن يتم رهنه بعقد واحد , ويكون كله مرهونا عند كل من الدائنين مقابل دينه.
فقد جاء في المجلة (م270) : (يجوز أن يأخذ الدائنان من المديون رهنا إن كانا مشتركين في الدين أولا , وهذا الرهن يكون مرهونا في مقابل مجموع الدينين) .
وجاء في شرح المجلة لهذه المادة أنه يشترط لتعدد الدائنين على رهن واحد شرطان:
الأول , وحدة العقد.
والثاني , ألا ينص على تبعيض الرهن , وإلا كان فاسدا.
ولا يتجزأ الرهن في هذه الحالة , فلو أوفى الراهن دين أحد الدائنين كاملا , فإنه لا يسترد شيئا من الرهن , ولو بقي جزء من دين الآخر.
ويجوز اتفاقا أن تتعدد الرهون في دين واحد , سواء وقعت الرهون في وقت واحد , أو في أوقات متعددة , زيادة في توثيق الدين.(1/753)
تعلق الدين بالمرهون
الرهن حق لا يتجزأ , فإذا رهنت عين بدين , تعلق الدين بجميع أجزاء العين المرهونة أو بجميع وحداتها , فإذا سقط جزء من الدين بإبراء أو وفاء مثلا , ظل باقيه متعلقا بجميع العين المرهونة.
وهذا المبدأ متفق عليه بين الفقهاء , لكنهم اختلفوا في تطبيقه في حالة تعدد العقد وعدم تعدده.(1/754)
المبدأ العام في تعلق الدين بالرهن هو عدم تجزئة الرهن عند الوفاء بجزء من الدين , أو أن الرهن حق لا يتجزأ , فإذا رهنت عين بدين , تعلق الدين بجميع أجزاء العين المرهونة أو بجميع وحداتها , كما أنها هي رهن بجميع أجزاء الدين.
فإذا سقط جزء من الدين بإبراء أو وفاء مثلا , ظل باقيه متعلقا بجميع العين المرهونة , أي يبقى الرهن حتى يتم الوفاء بكل الدين , وبناء عليه , يكون الرهن مرهونا مقابل مجموع الدين , لأنه أضيف إلى مجموع الدين بصفة واحدة , فلا يكون نصف الرهن مقابل نصف الدين.
والدين الذي تعلق بالرهن: هو الذي جعل المال رهنا به فقط , ولا يتعلق غيره من الديون بالمرهون.
وعلى أساس هذا التعلق , يثبت حق الحبس للمرتهن , فله حبس جميع المرهون , حتى يوفى بكل الدين , سواء أكان المال شيئا أم عدة أشياء.
وهذا المبدأ أو الأصل متفق عليه بين الفقهاء , لكنهم اختلفوا في تطبيقه في حالة تعدد العقد وعدم تعدده:
فذهب الحنفية: إلى أن اتحاد العقد يقوم على اتحاد الصيغة , فإذا اتحدت الصيغة اتحد العقد , سواء أكان الرهن في دين واحد أم أكثر , فلو وفي المدين أحد الديون , لا يسترد ما يقابله من المرهون , سواء اتحد المرهون أم تعدد.
ولو وفي الراهن ما يقابل أحد الأعيان المرهونة لا يسترده , حتى ولو سمي في عقد الرهن لكل عين مرهونة حصة من الدين , لأن العقد واحد ولا يتعدد بالتسمية.
وسواء تعدد الراهن (كأن يرهن مدينان شيئا عند دائن) أو تعدد المرتهن (بأن كانا شريكين أو كان لكل واحد منهما دين مستقل على الراهن) .
فإذا اتحد العقد , لا يتحرر شيء من الرهن لأن الرهن محبوس بجميع الديون , أو بجميع الدين.
وإذا تعدد العقد بتعدد الصيغة , يتحرر من الرهن ما يقابله.
وارتأى المالكية: أنه يتعدد العقد بتعدد كل من الراهن والمرتهن , أو بتعدد أحد الطرفين.
ويكون عقد الرهن واحدا إذا كان كل من الراهن والمرتهن واحدا.
فإذا اتحد عقد الرهن , يكون جميع المرهون رهنا بما بقي من الدين بعد وفاء بعضه , لأن كل جزء من المرهون رهن بكل جزء من الدين.
وإذا تعدد الرهن بأن كان الراهن اثنين والمرتهن واحدا , فوفي أحد الرهنين ما عليه من دين , استرد حصته.
أو كان الراهن واحدا والمرتهن متعددا , فوفى الراهن أحد الدائنين , فإنه يسترد من الرهن ما قابلها.
ولكن في هذه الحالة الأخيرة إذا كان المرهون مما لا ينقسم ووفى أحد الدائنين , يجعل الرهن تحت يد أمين , أو تبقى الحصة في يد المرتهن أمانة.
ووافق الحنابلة المالكية , فقالوا يتعدد العقد بتعدد الموجب أو القابل , فإذا كان الموجب اثنين والقابل واحدا , نشأ عقدان.
وإذا كان الموجب واحدا والقابل اثنين , نشأ أيضا عقدان.
وإذا كان كل من الموجب والقابل اثنين , نشأ أربعة عقود. ويكون عقد الرهن واحدا إذا كان من الراهن والمرتهن واحدا , سواء أكان الدين واحدا أم متعددا.
فإذا وفى المدين بعض الدين , أو وفى دينا من الديون , لم يكن له أن يسترد ما يقابله من الرهن.
وإذا تعدد الراهن , فمن وفي دينه خرجت حصته من الرهن.
وإذا تعدد المرتهن , فوفى الراهن أحد الدائنين خرجت حصته من الرهن واستردها الراهن.
وقرر الشافعية: أنه يتعدد الرهن ويتحد بتعدد الدين ووحدته , والغالب أن يتعدد الدين بتعدد العاقدين , ولو اتحد وكيلهما , بخلاف البيع , والعبرة فيه بتعدد العاقد المباشر للعقد , ولو وكيلا , لأن المال المرهون وثيقة بالدين , فإذا تعدد الدين تعددت الوثيقة , وتعدد الدائن أو المدين يستلزم تعدد الدين غالبا.
أما البيع فهو عقد ضمان , فكان النظر فيه لمن باشره.
فالمناط عندهم هو تعدد الدين وعدم تعدده , ويتعدد الدين بتعدد المدين أو الدائن غالبا , ويتحد بعدم تعددهما , أو بكون الدين مشتركا ولوكان اثنين , وهذه الحالة الأخيرة هي التي تفرق مذهب الشافعية عن مذهبي المالكية والحنابلة.
وبناء عليه , لو رهن شخص دارا عند دائنين , ثم وفي دين أحدهما , انفك من الرهن ما يقابل هذا الدين من المرهون , لتعدد الدين بسبب تعدد الدائن , بشرط أن يختص أحد الدائنين بما يقبضه , فإن شاركه فيه الآخر لم ينفك شيء من الرهن لعدم وفاء الدين على التمام.
ولو استعار مالا من اثنين ليرهنه , ثم أدى نصف الدين , انفك نصف المال المرهون.
فالعبرة باتفاق الفقهاء في فكاك شيء من المرهون , أو عدم فكاكه , بتعدد عقد الرهن وعدم تعدده , إلا أن مناط مناط تعدده عند الحنفية: هو تعدد الصيغة , دون نظر لتعدد العاقدين أو عدم تعددهما.
ومناطه عند المالكية والحنابلة: هو تعدد العاقد. وعند الشافعية: هو تعدد الدين وعدم تعدده , ويتعدد الدين عندهم بتعدد العاقد غالبا , فيصبح مذهبهم قريبا من مذهبي المالكية والحنابلة , فتكون العبرة عند الجمهور بتعدد العاقد إلا إذا كان الدين مشتركا وكان الدائن اثنين , يعد الرهن واحدا عند الشافعية.(1/755)
الكاساني في البدائع (6 / 152 - 153)
أن المرهون محبوس بجميع الدين الذي رهن به. . لأن المرهون في حق ملك الحبس مما لا يتجزأ. والرهن كالبيع , إذا اشتملت الصفقة على أشياء , كان للبائع حق حبس كلها إلى أن يستوفي جميع الثمن , وإن سمى لكل واحد منهما ثمنا على حدة.
الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير (3 / 258)
إذا كان كل من الراهن والمرتهن متحدا , فإن قضى بعض الدين أو سقط البعض بهبة أو صدقة , فجميع الرهن ولو تعدد فيما بقي من الدين , لأن كل جزء منه رهن بكل جزء من الدين , كما قال المصنف.
وأما إن تعدد أحدهما فإنه يقضى لمن وفى حصته من الدين بأخذ حصته من الرهن.
المغني (4 / 402)
وإذا رهن عينا عند رجلين , فنصفها رهن عند كل واحد منهما بدينه , ومتى وفى أحدهما خرجت حصته من الرهن , لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين , فكأنه رهن كل واحد منهما النصف مفردا.
مغني المحتاج (2 / 141)
ولو رهناه بدين , فبرئ أحدهما مما عليه , انفك نصبيه لتعدد الصفقة بتعدد العاقد ولو اتحد وكيلهما.
قال الإمام الشافعي لأن المدار على اتحاد الدين وعدمه.(1/756)
حق حبس الرهن
إن عقد الرهن يثبت حق الحبس الدائم للمرتهن على المرهون عند الحنفية والمالكية والحنابلة , وعلى المرتهن حفظ المرهون كما يحفظ ماله.
أما عند الشافعية فيقتضي الرهن عندهم فقط تعين المرهون للبيع لوفاء الدين.(1/757)
حق الحبس أو الاحتباس يترتب على تعلق الدين بالمرهون لأن التعلق شرع وسيلة لوفاء الدين من المرهون أو من غيره , ولا يتم التعلق على وضع مأمون إلا بحبس ما يتعلق به الدين لدى المرتهن , حتى يكون حبسه حاملا للمدين على الوفاء , مخافة بيع المال المحبوس جبرا عنه عند إبائه.
فكان تعلق الدين بالرهن , وحبس المرهون من عناصر التوثق.
وبناء عليه , قال الحنفية: يترتب على صحة الرهن ثبوت حق المرتهن في حبس العين المرهونة على وجه الدوام , وعدم تمكين الراهن من استرداد المرهون قبل وفاء الدين , لأن الرهن شرع للتوثق , والتوثق لا يكون إلا بحبس ما يكون به الوفاء وهو المال المرهون.
وإثبات حق الحبس يكون عند الحنفية بإثبات يد استيفاء الدين للمرتهن على المرهون , لأن معنى الاستيفاء: هو ملك عين المستوفي , وملك اليد عليه معا , وبما أن ملك عين المرهون ممنوع شرعا بالحديث الصحيح: لا يغلق الرهن من صاحبه بقي ملك اليد , ويصير موجب عقد الرهن الذي شرع وثيقة للاستيفاء: وهو ثبوت ملك اليد فقط , دون ملك العين , لأنه مدلول لفظ الرهن لغة وهو الحبس , والمعاني الشرعية تثبت على وفق المعاني اللغوية.
ويترتب على ثبوت حق حبس المال المرهون: أن المرتهن كما ذكر الحنفية يحفظ المرهون تحت يده بما يحفظ به مال نفسه عادة , فيحفظه بنفسه وزوجته وولده وخادمه إذا كان يسكنان معه , وبأجيره الخاص , لأن عين المرهون أمانة في يد المرتهن , فصار من هذه الناحية كالوديعة يحفظ كما تحفظ.
ولا يجوز له حفظه بغير هؤلاء , فإذا أودعه أو قصر في حفظه , ضمن قيمته بالغة ما بلغت والضامن عند أبي حنيفة هو المرتهن لا الوديع , وعند الصاحبين: كلاهما ضامن , المرتهن بالدفع , والوديع بتسلمه ما ليس مملوكا للدافع , لكن يستقر الضمان في النهاية على المرتهن , كما في وديع الوديع.
ويجوز للمرتهن السفر بالمرهون إذا كان الطريق آمنا , كما في الوديعة , وإن كان له حمل ومؤنة.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) : إن موجب الرهن هو موجب سائر الوثائق , وهو أن تزداد به طرائق المطالبة بالوفاء , فيثبت به للمرتهن حق تعلق الدين بالعين المرهونة عينا , والمطالبة بإيفائه من ماليتها , عن طريق بيعها واختصاصه بثمنها.
أما حق الحبس , فليس بحكم لازم لعقد الرهن عند الشافعية , فللراهن أن يسترد به الرهن لينتفع به , بدون استهلاكه , فإذا انتهى انتفاعه رده إليه , بدليل الحديث السابق: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه أي لا يحبس , وأضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الراهن بلام التمليك , وسماه صاحبا , فاقتضى أن يكون هو المالك للرهن رقبة وانتفاعا وحبسا.
والحبس على الدوام يتنافى مع كون الرهن توثيقا , فقد يهلك الرهن فيسقط الدين , أي كما قال الحنفية , فيكون توهينا لا توثيقا , ثم إن في الحبس تعطيلا للانتفاع بالرهن , فهو تسييب , والتسييب ممنوع شرعا.(1/758)
جاء في المجلة (م729)
حكم الرهن: هو أن يكون للمرتهن حق حبسه إلى حين فكه , وأن يكون أحق من سائر الغرماء باستيفاء الدين من الرهن إذا توفي الراهن.
وفي مرشد الحيران (م962)
للمرتهن حق حبس الرهن لاستيفاء الدين الذي رهن به , وليس له أن يمسكه بدين آخر على الراهن سابق على العقد أو لاحق به.
وفي تبيين الحقائق (6 / 64)
الثابت للمرتهن يد الاستيفاء وهو ملك اليد والحبس , لأن لفظه ينبئ عن الحبس , والأحكام الشرعية تثبت على وفق معانيها اللغوية , ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء: وهو أن يكون موصلا له إليه , ويثبت ذلك بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود مخافة جحود المرتهن الرهن.
وفي بداية المجتهد (2 / 271)
وعند مالك أن من شرط صحة الرهن استدامة القبض , وأنه متى عاد إلى يد الراهن بإذن المرتهن بعارية أو وديعة أو غير ذلك , فقد خرج من اللزوم.
وقال الشافعي ليس استدامة القبض من شروط الصحة.
وفي المغني (4 / 331)
واستدامة القبض شرط للزوم الرهن , فإذا أخرجه المرتهن عن يده باختياره , زال لزوم الرهن , وبقي العقد كأنه لم يوجد فيه قبض , سواء أخرجه بإجارة أو إعارة أو إيداع أو غير ذلك.
وفي المنهاج للنووي ومغني المحتاج (2 / 133)
إذا لزم الرهن فاليد فيه للمرتهن , ولا تزال إلا للانتفاع كما سبق.
وفي ص (131) وللراهن كل انتفاع لا ينقصه كالركوب والسكنى , لا البناء والغراس.(1/759)
حكم لزوم الرهن
لا يلزم الرهن عند الجمهور إلا بالقبض , ويلزم عند المالكية بمجرد العقد , والقبض شرط لتمام الرهن فقط.(1/760)
يلزم الرهن بالنسبة للراهن لا للمرتهن فلا يملك الراهن فسخه , لأنه عقد وثيقة بالدين ويملك المرتهن فسخه في أي وقت , لأن العقد لمصلحة.
ولا تترتب آثاره عند جميع الفقهاء إلا بالقبض , فلا يختص المرتهن بثمن العين المرهونة , ولا يثبت له حق الامتياز على غيره من الدائنين إلا بالقبض.
ولا يتحقق لزوم الرهن عند الجمهور إلا بالقبض , ويلزم عند المالكية بالإيجاب والقبول.
أما مذهب الجمهور (من الحنفية والشافعية والحنابلة في الأصح: فلا يلزم الرهن في جميع أحواله إلا بالقبض.
أما قبل القبض , فللراهن إمضاء الرهن أو فسخه , ودليلهم قوله تعالى {فرهان مقبوضة} لأن المعنى فرهن رهان مقبوضة , لأن المصدر المقترن بالفاء في جواب الشرط هو في معنى الأمر , أي فارهنوا.
والأمر بالشيء الموصوف يقتضي أن يكون الوصف شرطا فيه , فما شرع بصفة لا يوجد شرعا إلا بها , فلا يلزم الرهن إلا بالقبض , ولأن الرهن عقد تبرع لا يجبر الراهن على شيء فيه , فوجب لنفاذه وإمضائه القبض لأنه ليس للرهن قبل قبضه مظهر في الخارج إلا القبض , كما هو الشأن في الهبة والصدقة , فلا يوجد عقد الرهن شرعا , ولا يترتب عليه أثره إلا بالقبض , ولا يلزم إلا بالقبض.
وقرر المالكية: أنه يلزم الرهن بالإيجاب والقبض , ويتم بالقبض , فإذا صدر الإيجاب والقبول لزم العقد , ويجبر الراهن على تسليم الرهن إلى المرتهن ما لم يوجد أحد الموانع الأربعة التالية وهي: موت الراهن بعد العقد وقبل التسليم , ومطالبة الغرماء بأداء الراهن ديونهم , وحالة التفليس العام (أي أن تكون الديون محيطة بمال الراهن) , ومرض الراهن المخوف أو جنونه المتصلان بوفاته.
ودليلهم أن العقد والالتزام يتحققان بالإيجاب والقبول , وقد قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} والرهن عقد , والأمر للوجوب , فكان الوفاء به واجبا , من طريق لزومه بالنسبة للراهن , لأنه هو الملتزم.(1/761)
الدر المختار (5 / 340)
وينعقد الرهن بإيجاب وقبول حال غير لازم , فإذا سلمه وقبضه المرتهن محوزا مفرغا مميزا لزم.
(أفاد أن القبض شرط اللزوم) .
المهذب (1 / 305)
ولا يلزم الرهن من جهة المرتهن , لأن العقد لحظه , لا حظ فيه للراهن , فجاز له فسخه إذا شاء.
فأما من جهة الراهن فلا يلزم إلا بقبض.
غاية المنتهى (2 / 90)
ولا يلزم إلا في حق راهن بقبض بإذنه , ولو بإشارة أخرس , كقبض مبيع.
الشرح الصغير (3 / 313)
ولزم الرهن بمعنى العقد بالقول: أي الصيغة , فللمرتهن مطالبة الراهن , ويقضى له به , ولا يتم الرهن إلا بالقبض , فقبله يكون أسوة الغرماء , وبعده يختص به المرتهن عنهم وعن غيرهم كمؤن التجهيز.
وفي المقدمات الممهدات (2 / 362)
الرهن يجوز ويلزم بالعقد , ولا يتم وينبرم ويصح التوثق به إلا بالحيازة.(1/762)
انتفاع الراهن بالرهن
ينتفع الراهن بالرهن بإذن المرتهن عند الحنفية والحنابلة , ويبطل الرهن عند المالكية بانتفاع الراهن به , ويوكل المرتهن بالانتفاع لحساب الراهن.
وينتفع الراهن عند الشافعية بأوجه الانتفاع التي لا يترتب عليها نقص المرهون , وما عداها يحتاج لإذن المرتهن.(1/763)
للفقهاء في انتفاع الراهن بالرهن اتجاهان:
اتجاه الجمهور بعدم جواز الانتفاع , واتجاه الشافعية بالجواز ما لم يضر المرتهن.
وهذا تفصيل الأقوال.
يرى الحنفية: أنه ليس للراهن أن ينتفع بالمرهون استخداما أو ركوبا أو لبسا أو سكنى وغيرها إلا بإذن المرتهن.
كما أنه ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن الراهن.
ودليلهم على الحالة الأولي: أن حق الحبس ثابت للمرتهن على سبيل الدوام , وهذا يمنع الاسترداد.
فإن انتفع الراهن من غير إذن المرتهن , فشرب لبن البقرة المرهونة , أو أكل ثمر الشجر المرهون ونحوهما , ضمن قيمة ما انتفع به , لأنه تعدى بفعله على حق المرتهن , وتدخل القيمة التي هي بدل الاستهلاك في حبس المرتهن الرهن , ويتعلق بها الدين.
وإذا استعاد الراهن الرهن لاستعماله بدون إذن المرتهن , فركب الدابة المرهونة , أو لبس الثوب المرهون , أو سكن الدار المرهونة أو زرع الأرض , ارتفع ضمان المرتهن للرهن , وكان غاصبا للرهن , فيرد إلى المرتهن جبرا عنه.
وإذا هلك في يده هلك عليه.
فإن لم يترتب على انتفاع الراهن بالرهن رفع يد المرتهن , فله الانتفاع به , كإيجار آلة يشغلها المرتهن مثل آلة الطحن ونحوه , فأجر ما تطحنه حينئذ للراهن , لأن نماء الرهن وزوائده للراهن , وإذا أخذه المرتهن احتسب من دينه.
وهذا المذهب مبني على أن الرهن يلحق الزيادة المتولدة من الرهن متصلة أو منفصلة عنه.
والحنابلة مثل الحنفية: لا يجوز للراهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن أو رضا المرتهن فليس له استخدامه ولا ركوبه ولا لبسه ولا سكناه.
وتعطل منافعه , أي على كره من الشرع , إذا لم يتفق الراهن والمرتهن على انتفاع الراهن , فتغلق الدار مثلا حتى يفك الرهن , لأن الرهن عين محبوسة , فلم يجز للمالك أن ينتفع بها , كالمبيع المحبوس لدى الراهن حتى يوفي ثمنه.
وهذا المذهب مبني على مبدأ كون جميع منافع الرهن ونمائه تكون رهنا مع أصلها كالحنفية تماما.
ولا يمنع الراهن من إصلاح الرهن ودفع الفساد عنه ومداواته إن احتاج إليها , وإنزاء الفحل على الأنثى المرهونة عند الحاجة.
وقرر المالكية عدم انتفاع الراهن بالرهن واعتبروا أن إذن المرتهن للراهن بالانتفاع مبطل للرهن ولو لم ينتفع , لأن الإذن بالانتفاع يعد تنازلا عن حقه في الرهن.
وبما أن منافع الرهن مملوكة للراهن , فله أن ينيب المرتهن في أن ينتفع بالرهن نيابة عنه ولحساب الراهن , حتى لا تتعطل منافع الرهن.
فإن عطل المرتهن استغلال المرهون , كإغلاق الدار , ضمن عند بعض المالكية أجرة المثل في مدة التعطيل , لأنه ضيعها عليه.
وقال بعضهم: لا يضمن , لأنه ليس عليه أن يستغل للراهن ماله.
وقال بعضهم: يضمن إلا إذا علم الراهن بالاستغلال , ولم ينكر عليه التعطيل.
وذهب الشافعية خلافا للجمهور إلى أن للراهن كل انتفاع بالرهن لا يترتب عليه نقص المرهون , كالركوب والاستخدام والسكنى واللبس , والحمل على الدابة أو السيارة , لأن منافع الرهن ونماءه ملك للراهن , ولا يتعلق بها الدين عندهم ولخبر الدارقطني والحاكم الرهن مركوب ومحلوب وخبر البخاري (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا) .
أما ما يترتب عليه نقص قيمة الرهن , كالبناء والغرس في الأرض المرهونة , فلا يجوز للراهن إلا بإذن المرتهن مراعاة لحقه.
وللمرتهن أن يرجع عن إذنه قبل تصرف الراهن.
وإذا أمكن الراهن الانتفاع بالمرهون بغير استرداد كأن يكون دارا يسكنها , أو دابة أو سيارة يركبها , فيسترد للحاجة إليه , حتى إذا انتهى انتفاعه به , رده على المرتهن.(1/764)
الدر المختار (5 / 342)
لا يجوز الانتفاع بالرهن مطلقا , لا باستخدام ولا سكنى ولا لبس ولا إجارة , سواء كان من مرتهن أو راهن , إلا بإذن كل للآخر.
البدائع (6 / 146)
ليس للراهن أن ينتفع بالمرهون استخداما وركوبا ولبسا وسكنى وغير ذلك , لأن الحبس ثابت للمرتهن على سبيل الدوام.
وهذا يمنع الاسترداد والانتفاع.
مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م982)
للراهن الانتفاع بالرهن بإذن المرتهن , ولا يزول بذلك لزوم الرهن ما دام في يد المرتهن , أما دون إذنه فليس له الانتفاع , وتبقى منافعه معطله ما لم يتفقا على تأجيره.
الشرح الصغير (3 / 316)
وبطل الرهن بإذن المرتهن للراهن في سكنى الدار مرهونة أو في إجارة لذات مرهونة.
والمنافع للراهن , والمرتهن يتولاها للراهن بإذنه.
المنهاج ومغني المحتاج (2 / 131)
للراهن كل انتفاع لا ينقصه كالركوب والسكنى , لا البناء والغراس في الأرض المرهونة.(1/765)
انتفاع المرتهن بالرهن
لا يجيز الجمهور للمرتهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن الراهن وقالوا بأن ذلك يحل له إن كان الدين من بيع أو شبهة من المعاوضات , ولا يحل له إن كان الدين من قرض بعدا عن الربا وأكل أموال الناس بالباطل.
وافق الحنابلة الجمهور في ذلك وأضافوا بأنه يجوز للمرتهن أن ينتفع بالمرهون إن كان مركوبا أو محلوبا , على أن يركب ويحلب بقدر نفقته , متحريا العدل في النفقة , وإن لم يأذنه الراهن.
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحل للمرتهن الانتفاع بالرهن مطلقا.(1/766)
في هذا الموضوع اتجاهان:
اتجاه الجمهور بعدم الجواز إلا بإذن الراهن واتجاه الحنابلة بالانتفاع بالمركوب والمحلوب فقط دون غيرهما مقابل النفقة.
وسبب الخلاف ما رواه البخاري وأبو داود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا , ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا , وعلى الذي يركب ويشرب النفقة.
وأيضا ما رواه الدارقطني والحاكم عن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه.
أما اتجاه الجمهور غير الحنابلة: فهو أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن وحملوا ما ورد من جواز الانتفاع بالمحلوب والمركوب بمقدار العلف على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على الرهن , فأنفق عليه المرتهن , فله الانتفاع بمقدار علفه.
وأما الحنابلة فأجازوا الانتفاع بالرهن إذا كان حيوانا , فله أن يحلبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه.
وهذا تفصيل آراء المذاهب:
يرى الحنفية: أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون استخداما ولا ركوبا ولا سكنى ولا لبسا ولا قراءة في كتاب إلا بإذن الراهن , لأن له حق الحبس دون الانتفاع فإن انتفع به , فهلك في حال الاستعمال , يضمن كل قيمته , لأنه صار غاصبا.
وإذا أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بالمرهون , جاز مطلقا عند بعض الحنفية.
ومنهم من منع مطلقا , لأنه ربا أو فيه شبه ربا والإذن أو الرضا لا يحل ولا يبيح شبهته.
ومنهم من فصل , فقال: إن شرط الانتفاع على الراهن في العقد فهو حرام لأنه ربا وإن لم يشرط في العقد فجائز لأنه تبرع من الراهن للمرتهن والاشتراط كما يكون صريحا , يكون متعارفا , والمعروف كالمشروط.
وقد صرح ابن نجيم في الأشباه أنه يكره تحريما للمرتهن الانتفاع بالرهن.
وقال في التتارخانية: (ولو استقرض دراهم , وسلم حماره إلى المقرض ليستعمله إلى شهرين حتى يوفيه دينه , أو داره ليسكنها , فهو بمنزلة الإجارة الفاسدة , إن استعمله , فعليه أجر مثله , ولا يكون رهنا)
وقال ابن عابدين في رد المحتار (5 / 242) : والغالب من أحوال الناس أنهم يريدون عند الدفع الانتفاع , ولولاه لما أعطاه الدراهم , وهذا بمنزلة الشرط , لأن المعروف كالمشروط , وهو مما يعين المنع.
وفصل المالكية القول , فقالوا: إذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع أو اشترط المرتهن المنفعة جاز إن كان الدين من بيع أو شبهة من المعاوضات , وعينت المدة بأن كانت معلومة , للخروج من الجهالة المفسدة للإجارة , لأنه بيع وإجارة , وهو جائز.
والجواز كما قال الدردير بأن يأخذ المرتهن المنفعة لنفسه مجانا , أو لتحسب من الدين على أن يعجل باقي الدين.
ولا يجوز إن كان الدين قرضا (سلفا) لأنه قرض جر نفعا.
ولا يجوز الانتفاع في حالة القرض , إن تبرع الراهن للمرتهن بالمنفعة , أي لم يشترطها المرتهن , لأنها هدية مديان , وقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
وللشافعية كلام متفق مع المالكية في الجملة , فإنهم قالوا: ليس للمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه.
قال الشافعي (غنمه: زياداته , وغرمه: هلاكه ونقصه.)
ولا شك أن من الغنم سائر وجوه الانتفاع , وهذا رأي ابن مسعود رضي الله عنه.
فإن شرط المرتهن في عقد القرض ما يضر الراهن , كأن تكون زوائد المرهون أو منفعته له أي للمرتهن , بطل الشرط والرهن في الأظهر , للحديث الثابت كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل.
وأما بطلان الرهن فلمخالفة الشرط مقتضى العقد , كالشرط الذي يضر المرتهن نفسه.
أما إن كانت المنفعة مقدرة أو معلومة , وكان الرهن مشروطا في بيع , فإنه يصح اشتراط جعل المنفعة للمرتهن , لأنه جمع بين بيع وإجارة في صفقة وهو جائز.
مثل أن يقول شخص لغيره: بعتك حصاني بمئة , بشرط أن ترهنني بها دارك , وأن تكو ن منفعتها لي سنة , فبعض الحصان مبيع , وبعضه أجرة في مقابل منفعة الدار.
وانفرد الحنابلة في تجويز الانتفاع بالمرهون أحيانا فقالوا:
إذا كان المرهون غير حيوان:
وهو ما لا يحتاج إلى مؤنة (قوت) كالدار والمتاع ونحوه: لا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال لأن الرهن ومنافعه ونماءه ملك الراهن فليس لغيره أخذها بغير إذنه , فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض , وكان دين الرهن من قرض لم يجز , لأنه قرض جر منفعة وذلك حرام , فهم في هذا كالمالكية والشافعية.
قال الإمام أحمد أكره قرض الدور , وهو الربا المحض , يعني إذا كانت الدار رهنا في قرض ينتفع بها المرتهن.
وان كان الرهن بثمن مبيع أو أجر دار أو دين غير القرض , فأذن له الراهن في الانتفاع جاز , أي لو مع المحاباة في الأجرة لأنه بيع وإجارة كما قال الشافعية.
وإن كان الانتفاع بعوض , هو أجر المثل من غير محاباة , جاز في القرض وغيره لكونه لم ينتفع بالقرض , بل الإجارة , وإن حاباه لا يجوز في القرض , ويجوز في غيره.
والحاصل: أن الانتفاع إن كان بعوض , جاز في القرض وغيره إن كان بأجر المثل , وإن كان بغير عوض لا يجوز في القرض ويجوز في غيره.
وإذا انتفع المرتهن من غير إذن الراهن , حسب من دينه.
وإن شرط في الرهن أن ينتفع به , فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى الرهن.
وإن كان المرهون حيوان
فيجوز للمرتهن عند الحنابلة أن ينتفع به إن كان مركوبا أو محلوبا , على أن يركب ويحلب بقدر نفقته , متحريا العدل في النفقة , وإن لم يأذنه الراهن , ودليلهم الحديث المتقدم: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا , ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا , وعلى الذي يركب ويشرب النفقة.
والجملة الأولى جملة خبرية في معنى الإنشاء , مثل {والوالدات يرضعن أولادهن} ولأن التصرف معاوضة , والمعاوضة تقتضي المساواة بين البدلين.
لكن قال ابن القيم في أعلام الموقعين: لا ضرورة إلى المساواة بين البدلين , لأن الشارع ساوى بينهما ويعسر علينا أمر الموازنة بين الركوب واللبن وبين النفقة.
ولم يعمل الجمهور بهذا الحديث , وقالوا: إنه حديث ترده أصول وآثار صحيحة , ويدل على نسخه حديث لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه وأيضا حديث: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه.
وأجاب الحنابلة: بأن السنة أصل من الأصول , فكيف تردها الأصول؟ وأما الحديث الناسخ فهو عام , وحديث الرهن خاص , فيكون الخاص مقيدا له.(1/767)
البدائع (6 / 146)
وكذلك ليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون , حتى لو كان الرهن عبدا , ليس له أن يستخدمه , وإن كان دابة ليس له أن يركبها , وإن كان ثوبا ليس له أن يلبسه وإن كان دارا ليس له أن يسكنها , وإن كان مصحفا ليس له أن يقرأ فيه , لأن عقد الرهن يفيد ملك الحبس , لا ملك الانتفاع فإن انتفع به , فهلك في حال الاستعمال , يضمن كل قيمته , لأنه صار غاصبا.
المجلة (م750)
ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن , ولكن للمرتهن استعمال الرهن وأخذ ثمره ولبنه إذا أذنه الراهن , وأباح له ذلك , ولا يسقط من الدين شيء في مقابل هؤلاء.
مرشد الحيران (م983)
لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن , منقولا أو عقارا , بدون إذن الراهن , وله أن يؤجره بإذنه , ويدفع الأجرة للراهن , أو يحتسبها من أصل الدين برضا الراهن , وإن بطل الرهن.
الشرح الكبير (3 / 246)
وجاز للمرتهن شرط منفعة الرهن لنفسه مجانا بشرطين: أشار للأول بقوله: إن عينت مدتها للخروج من الجهالة في الإجارة , والثاني بقوله: وكان ببيع , أي واقعا في عقد بيع فقط , لا في عقد قرض , لأنه في البيع: بيع وإجارة وهو جائز , وفي القرض سلف جر نفعا وهو لا يجوز , فيمنع شرطها.
والتطوع في القرض , عينت أم لا , كالتطوع بالمعينة في البيع , أي في المنع , لأنها هدية مديان في كل منهما.
والمنع في غير المعينة في البيع بشرط , أي لما في ذلك من الجهالة في الإجارة.
المنهاج ومغني المحتاج (2 / 121)
وإن شرط ما يضر المرتهن بطل الرهن , وان نفع المرتهن وضر الراهن , كشرط منفعة للمرتهن , بطل الشرط.
المغني (4 / 385)
ولا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فيركب ويحلب بقدر العلف.
مجلة الأحكام الشرعية (م / 974)
للمرتهن أن ينتفع بالرهن بإذن الراهن مجانا , أو بعوض , لكن إذا كان الدين قرضا , فلا يجوز له ذلك.
وفي (م 975)
لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن دون إذن الراهن مطلقا , إلا إذا كان الرهن حيوانا مركوبا أو محلوبا , ينفق عليه بنية الرجوع , فله ركوبه وحلبه بقدر النفقة دون إذن الراهن , ولو كان الراهن حاضرا غير ممتنع عن الإنفاق , وله بيع الفضل من لبن بإذن الراهن أو الحاكم.(1/768)