الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم الحائر، وقاك الله شر الحيرة ونفعك بما علمت، قرأت كلامك كله، وتعايشت مع كل سطر كتبته، بل مع كل كلمة، وكنت في غاية التفهم لمعاناتك، وكنت ألتقي وإياك في بعض المواطن التي تذكرها، وأفترق عنك في مواطن أخرى، أوافقك وجهة النظر في موضع، وأخالفك في مواضع، ومما وافقتك فيه ما أشرت إليه من ضعف كثير من الأحاديث التي تساق في الاستشهاد على هذه المشكلة، ومما وافقتك فيه الرأي أن بعض المعالجات قاصرة وإن كانت من علماء كبار، لكن تعاملهم مع هذه المشكلة لم يكن تعاملاً واقعيًا.
أخي الكريم: لا أحسب أن لدي مزيد علم على ما تعلم حتى أذكره لك، ولكني مشارك لك في علاج هذه المشكلة، أركز ذلك في نقاط محددة:
أولها: مهما قلنا عن ضعف الأحاديث والآثار والأخبار المذكورة في مسألة الشذوذ الجنسي وعمل قوم لوط، فإن دلالة آيات القرآن واضحة، وهي قطعية الثبوت قطعية الدلالة في شناعة وحرمة هذا الأمر، ولذا فلا مجال لفتح نقب في هذا السد العظيم، سد حرمة هذا العمل، وتطريق أي احتمال أو تعذير لهذه الفاحشة.
ثانيًا: أختلف معك أخي في أن هذه المشكلة مما يتعلق بالجينات أو التكوين الخَلْقي للإنسان في أصل فطرته، بل لابد أن لها تأثرًا بأمر طارئ، والدليل على ذلك قول الله -عز وجل- على لسان نبيه لوط -عليه السلام-: "أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين"، فدل على أن هذا الأمر لم يكن موجودًا في تاريخ البشرية قبل قوم لوط، وأنهم أول من مارس هذا الفحش، وأنه أمر طارئ في تاريخ البشر وليس أمرًا موجودًا منذ وجودهم ومصاحبًا لتكوينهم، وإذا كان أمرًا طارئًا فلا بد أنه طارئ لأسباب مؤثرة فيه، ولذا فلا ينفي هذه الحقيقة جهلنا بتلك الأسباب المؤثرة، ولو أنك ذكرت أنك لا تعرفها في تكوينك، فعدم معرفتك لها لا يعني عدم وجودها.
ثالثًا: اعلم أنك تعيش هذا الميل وتجد نفسك أمام مشكلة لا يد لك في صنعها داخل نفسك، وأمام حظر شرعي لا يمكنك بما تفضل الله به عليك من إيمان وعلم أن تتجاوزه، وهنا توجد المجاهدة.
إنه من البدهي أن نعلم، -ولا أحسبك إلا على علم- بأن عفاف وصبر من يجاهد ما تجاهد، ويعاني ما تعاني أعظم أجرًا ومثوبة عند الله -عز وجل- من إعراض من لا يوجد هذا الأمر عنده أصلاً، وهذا الأمر ليس خاصًا بمشكلتك فعفاف الشاب السوي القوي عن الزنى مع قوة الدافع إليه، وقوة المجاهدة في الكف عنه ليس كعفاف العنِّين، أو الشيخ الكبير الذي همدت هذه الجذوة في نفسه، وكل ما ذكرته عن معاناتك ينطبق تمامًا على الشاب السوي الذي يجد الميل إلى المرأة ولا يستطيع الزواج، فإن كان هناك من يمكن أن يعذرك، فهناك من يمكن أن يعذر هذا الشاب بميله إلى المرأة والوقوع في الزنا إذا عجز عن الزواج، وقد قال الله -تعالى-: "وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا"، فالشاب الذي لا يجد نكاحًا يعيش ذات المعاناة التي تعيشها وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال لأمنا عائشة -رضي الله عنه- في شأن العمرة: "أجرك على قدر نصبك"، فكذلك العفاف الأجر فيه على قدر المجاهدة والنصب، ولذا كان أحد الذين سيظلون بظل العرش يوم القيامة رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله.(19/266)
إني أحتسب عند الله -عز وجل- أن لك من الأجر على صبرك ومعاناتك ومجاهدتك ما ليس لمن لا يعيش هذه المعاناة، ولذلك تذكر قول الله -عز وجل-: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، فمع المجاهدة تنال الهداية.
رابعًا: إذا علمت أن وجود هذه المعاناة في داخل نفسك مما لا تستطيع تجاوزه، وثبوت الحكم في هذه المسألة مما لا يمكن تسوره، فإن علينا بذل الجهد في العلاج، ولعل من العلاج تجنب الإثارات التي تواجه الإنسان في حياته العامة، فيتجنب المثيرات من خلطة الفتيان الوسيمين، أو النظر إليهم، أو التبسط معهم، ويعلي من علاقاته بحيث تكون مع من لا يشعر تجاههم بأي جاذبية أو انجذاب من هذا النوع، ومن الأسباب إنهاك الطاقة الجنسية في المباح -أي مع الزوجة- والتمتع معها بكافة أنواع الاستمتاع ومحاولة استفراغ الطاقة الجنسية كامل الاستفراغ، حتى لا تبقى للنفس مآرب أخرى تلفتك يمنة ويسره، ومن ذلك الانهماك في أعمال منوعة دعوية وشرعية، وتعليمية دينية ودنيوية، بحيث يكون وقت الإنسان وعقله مشغولاً فلا يبقى في فكره فضول لهذه الميول، أو على الأقل تخفت هذه الميول وتصبح مزحومة بقضايا أكبر منها.
خامساً: إنك لست في حداثة السن ولا في يفاعة الشباب، فأنت تقترب في تسارع كبير إلى الكهولة، وأحسب أن الله قد حفظك فيما مضى، ولذا فإن صبرك فيما تستقبل من حياتك أسهل بكثير من صبرك فيما مضى من عمرك، وحتى إن كان وقع منك شيء من الماضي وتبت منه فإنك تستقبل أهدأ مراحل العمر، إنها فترة الكهولة والنضج، وهدوء جميع الغرائز والعواطف الثائرة، ولذلك تأمل خيراً، واجعل مرور كل يوم من حياتك تقضيه وقد عصمك الله مما تكره إنجازاً ضخماً تفرح به، وهنا تكثر البشائر في حياتك بدل المحبطات وما أسرع أن تحين لحظة المغادرة لهذه الحياة فإن اللبث فيها يسير.
سادساً: أختلف معك أخي الكريم في ابتعادك عن مجالات التعليم والدعوة لما تشعر به من مقت لنفسك، فإن هذا شرك شيطاني يستجمع الشيطان ضحكاً إذا رآك وقعت فيه، إنه يريد أن يشعرك أنك لست من هذا الشأن في شيء، وأن عليك أن تعيش بعيداً عن المجالات السامية؛ لأنها لا تليق بك. وهذه أحبولة شيطانية ينبغي أن تنتبه لها وأن تستعلي عليها، وأن تقول لنفسك سأبذل جهدي في كل مجال أستطيع العمل فيه، وأغالب وأجاهد هذه الميول بمزيد ومزيد من العطاء، وربي خلقني وهو أعلم بي، وأعذر، فعد إلى أنشطتك كلها واستأنف حياتك بكل جد، وابتعد عن هذا الشرك الذي يريد به الشيطان أن يشعرك بمقت الذات، بل إن ذاتك تستحق من الاحترام والإكرام بهذه المجاهدة ما ليس لمن لا يعيش وضعك ولا يعاني معاناتك.(19/267)
سابعاً: ذكرت في رسالتك أنك جربت العلاج بالتحليل النفسي في وقت من الأوقات وذكرت شيئاً من التحسن في فهم معاناتك وكيف نشأت جذورها من الطفولة، وأنا هنا أعرض عليك أن تذهب إلى أحد الأطباء النفسانيين الموثوقين ممن لهم تخصص دقيق في جانب المشكلات الجنسية ولا شك أنه بعد تقييم المشكلة بشكل دقيق سيعمد هذا الطبيب إلى استعمال وسائل العلاج المعروفة ما بين جلسات نفسية تعتمد غالباً على الجانب المعرفي السلوكي وبين علاجات دوائية أثبت كفاءتها في هذا المجال. وأنا هنا أود أن أبعث الأمل في نفسك من جديد في تخطي هذه المشكلة والانطلاق في دروب الحياة، وما يبعث الأمل هنا هو وجود حالات كثيرة مشابهة استفادت كثيراً من خدمات الطب النفسي في هذا المجال.
أخيراً.. أسأل الله أن يجعلك مباركاً أينما كنت، موفقاً حيثما توجهت، وأن يجري الخير على يديك، ويدلك ويبصرك، ويعصمك وأعيذك بالله من كل سوء، وأسأله أن يفيض الطمأنينة وبرد اليقين على قلبك والله يتولاني وإياك ويهدينا سواء السبيل، وأوصيك بوصاة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- لابن عمه علي -رضي الله عنه -لا تدع أن تقول:"اللهم اهدني وسددني"، وتذكر بالهداية هداية الطريق، وبالسداد سداد السهم. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.(19/268)
لا علاقة للجن بسرقة أخيك..!!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/السرقة
التاريخ 23-3-1423
السؤال
أخي الفاضل، في الواقع لدىّ استفسار حول مس الجن للإنسان. لدي أخ في السادسة عشر من عمره مبتلى بالسرقة حتى أنه في الآونة الأخيرة سرق لوالدي بطاقة ائتمانه البنكية دون أن يشعر الوالد وسحب من الحساب أكثر من 3200 يورو على دفعات متفرقة في أقل من أسبوعين والوالد لم يشعر بذلك إلا عند مجيئه إلى هولندا حيث يوجد حسابه البنكي، فكاد أن يجن بعد معرفته بسحب النقود لكن للأسف مع علم الوالد بأن أخي يده طويلة وسبق أن سرق له مبالغ كبيرة إلا أن والدي يقول دائما إن هذا ليس بإرادته وإنما هو مسخر من الجن..!! وليس في مقدوره أن يمتنع عن تلبية طلبهم.
مع العلم أنه سبق لأخي أن سرق من غرفة نوم والدي أموالاً ولم يلمس ذهب والدتي الذي كان بجوار النقود، ونحن والله في حيرة من أمرنا فنحن الإخوة الكبار نعلم يقيناً أن أخلاق أخينا فاسدة بسبب مرافقته لأصدقاء السوء لكن والدي يؤول دائما أن هذا من فعل الجن..!!
وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجواب
أخي الفاضل: أشكر لك ثقتك وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل.
أما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:-
أولاً- لا أعتقد أن للجن علاقة في مسألة السرقة التي يقوم بها أخوك..!!! لأن مس الجن له أعراض واضحة تظهر في مواضع عديدة..!! أما اقتصارها على مسألة سرقة بطاقة الائتمان وسحب النقود على فترات مختلفة فهذا مما لا يقبله العقل..!!!
ثانياً - الأمر الخطير هنا هو أين تذهب هذه المبالغ؟! وكيف يصرفها؟!! لا بد من تتبع هذا الموضوع.. ودراسة الأمر بجد.. فقد يترتب على ذلك أمور خطيرة يصعب في المستقبل السيطرة عليها أو علاجها.!!!.
ثالثاً - لا بد من إبلاغ والدك بهذه الحقيقة بهدوء وتروي.. فربما كانت عاطفته تغلبه في مثل هذا الأمر وتجعله يبحث لأخيك عن بعض المبررات حتى ولو كانت غير منطقية..!! وتبصيره وشرح الأمر له واطلاعه على بعض الشواهد التي تدعم وجهة نظركم من ناحية "فساد أخلاقه".. أمر مهم جداً لإيصال الصورة وإيضاح الفكرة لوالدك.
رابعاً - هناك الكثير من التفاصيل الناقصة حول أخيكم ودراسته ونضجه العقلي والنفسي. ومدى العلاقة بينكم وحجم التفاهم..!! وظروفكم إجمالاً في هذا البلد "الغربي"! إلا أن المطلوب هنا هو الاقتراب قدر المستطاع من هذا "المراهق" وتقبله وإشعاره بذاته ومنحه بعض الثقة ومصارحته بوضوح بما تلاحظونه عليه.. والطريقة المثلى للتخلص من ذلك.. والاستماع إليه بإنصات.. واحترام وجهة نظره المقبولة.. ثم متابعته قدر المستطاع ومصادقته ومحاولة اختيار الرفقة الطيبة له ومحاولة إشغال وقته بأمور نافعة حسب الجهد والطاقة والإمكانية.. وجميل لو قمت وإياه بزيارة أحد المراكز الإسلامية لديكم فربما وجدت فيها أو وجد فيها من يناسبه فيرتبط بها بشكل أو بآخر.
خامساً - بعض حالات السرقة المتكررة قد تكون نوعا من المشكلات النفسية التي تحتاج لمراجعة أحد العيادات النفسية المتخصصة..!!
سادساً- قبل هذا وبعده أخي الكريم صدق الالتجاء إلى الله بأن يصلح لكم ويصلح بكم ويهديكم ويهدي بكم وأن يحفظكم جميعاً من كل سوء وأن يسدد على طريق الخير والحق خطاكم.(19/269)
ابنتي تسرق
المجيب عبد الرحمن بن عبد المحسن البعيمي
مشرف تربوي بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/السرقة
التاريخ 20/5/1425هـ
السؤال
أشك في أن ابنتي تسرق أموالاً من أبيها، ولعلمي بدقته الشديدة فلا أشك أنه أضاعها أو أخطأ مكانها، لم أجد لديها نقوداً في المنزل، ولكني أشك أنها تخفيها في دولابها المدرسي، أرشدوني ماذا عساي أن أفعل؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
سوف أجيب على تساؤل الأخت بناء على تصوري؛ لأن السؤال ناقص ومختصر؛ لأنها لم تذكر سن ابنتها، ولم توضح ما الأسباب التي دفعتها إلى أن تشك بابنتها، هل هناك تغير لاحظته عليها من ناحية ملبسها، أو مصرفها، وهل لا يوجد غير هذه الفتاة حتى يلقى بالشك عليها دون سواها، عموماً في البداية يجب أن نسأل أنفسنا ما السبب الذي جعل الفتاة تتصرف هذا التصرف؟.
يفترض أن الوالدين يوفران حاجة أولادهما المادية والعاطفية، حيث هناك حالات يتم توفير الناحية المادية وتُنسى العاطفة لإنشغالهم، أو البرود في إبراز عواطفهم وإظهار مشاعرهم تجاه الأبناء، عند ذلك يلجأ بعضهم إلى تعويض ما يفقده من حاجاته العاطفية بهذا التصرف أو غيره، بالرغم من توفر المادية لديه من قبل والديه.
كذلك هناك سبب آخر، وهو دافع الانتقام من شخص تسبب بنوع من الإزعاج والألم والظلم، أيضاً ربما تلجأ إلى السرقة بدافع كسب حب وصداقة بعض الأصحاب والأقران؛ وذلك بتوفير بعض الحاجيات لهم، وكل ذلك؛ لأن الفتاة غير واثقة من نفسها، ومن قيمتها بين أقرانها.
وقد يكون دافع التقليد وراء تصرفها هذا، فهي قد تقوم بتقليد بعض الصديقات، أما كيفية معالجة هذا الأمر:
يجب وأؤكد على كلمة يجب التأكد من أن الفتاة هي من قامت بالسرقة، وذلك بملاحظتها الملاحظة الدقيقة سواء في المنزل أو خارجه، كالمحلات مثلاً، وإذا كانت الأم تستطيع أن تذهب دون علم الفتاة إلى المدرسة، وفتح دولابها الخاص، فهذا أفضل لإزالة الشك، بعد التأكد يجب معاقبة الفتاة عقاباً مناسباً لنوع الذنب، كحرمان من أشياء تحبها وصديقات ترغب بهن، وعدم التذكير الدائم لها بما اقترفته؛ لأن ذلك قد يدفعها إلى التمادي بالحالة.
أيضاً أود أن أوضح - للأخت- أن السرقة خصوصاً إذا لم يكن في ظاهرها أي داعٍ واضح، فتلك قد تكون نوعاً من أنواع الأمراض النفسية، ويجب معالجتها من قبل الطبيب النفسي المختص. والله أعلم.(19/270)
أختي تسرق
المجيب فهد بن أحمد الأحمد
مشرف في وحدة الخدمات الإرشادية بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/السرقة
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
عندي أخت تكبرني بخمس سنين ولها مشكلة كبيرة أرجو من المولى - عز وجل - أن أجد الحل عندكم وأعتقد أن المسألة تحتاج إلى أكثر من رسالة لكني سأحاول الإيجاز.
أختي هذه متوسطة الجمال ولم يكتب لها الزواج حتى الآن وقد أتعبت والدتي كثيرا معها حيث ابتليت بداء السرقة رغم الحالة المادية الجيدة التي نعيشها ولله الحمد، وأيضا هي كثيرة الكذب واختلاق القصص لكي تقترض المال من الآخرين، وقد أحرجت أمي مع أناس كثير، حيث بدأ أصحاب المال بالاتصال بوالدتي مطالبين بأموالهم، ومنهم من يسأل عن حقيقة الأمور التي تدعيها أختي، حيث أنها قالت لإحداهن أن خالتي مصابة بالسرطان ونريد أن تقرضيني مبلغاً من المال لعلاجها وغير ذلك كثير. وللمعلومية أبي قد طلق أمنا منذ ستة وعشرين عاما مضت، ونحن نعيش عند أخوالنا الذين تعبوا مع والدتنا على تربيتنا، فأما أنا فقد تزوجت وأقطن في بيت آخر، وقد أخبرتني والدتي أن حال أختي يزداد سوءا، وقد سببت لها إحراجاً مع خالاتنا اللاتي يعشن في نفس البيت. أما أبي فعلاقتنا كانت به مادية بحتة حيث كنا نزوره بين حين وآخر وهو يعيش في مدينة أخرى بعيدة جداً عن مدينتنا التي نعيش فيها، ولكنه في الوقت الراهن أصيب بمرض مزمن وصار في حاجة إليّ حيث أني كبرت، وصار يتقرب إلينا أكثر من أي وقت مضي ولكن بعدما فقدت أختي الكثير؛ لأن تقربه مني أنا أكثر منها حيث أنه يحتاج إلي في كثير من الأمور (أسأل الله الإعانة على بره) ويعلم الله أني لم أقل هذا رياء ولكن لأتمكن قدر المستطاع وبأسلوبي الركيك إحاطتكم بالمشكلة التي نعانيها. وصدقوني أيها الأحبة أنه أحزنني منظر أمي وهي تخبرني بحالها وحال أختي وأرجو من الله أولاً ثم منكم ثانياً الإسراع بحل هذه القضية. وفقنا الله وإياكم إلى كل ما هو خير وصلاح.
الجواب
الأخ الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أشكر لك تواصلك الإلكتروني مع موقع الإسلام اليوم سائلا الله الكريم أن يصلح لنا ولك النية والذرية وأن يعينك على مساعد أختك على أن تسلك طريق الصدق والأمانة الذي هو طريق المؤمنين إنه جواد كريم.
أخي الكريم:(19/271)
كما تذكر في استشارتك بأن والداك منفصلان منذ فترة طويلة أي منذ أن كنتم صغاراً مما أضطركم إلى العيش مع أخوالكم وهذا هو بداية التغير السلوكي لأختك؛ ويبدو أن سلوكها قد وجد بيئة مناسبة لينشأ ويتنامى شيئا فشيئا لاعتبارات كثيرة منها: حالة الكذب أو الضغط الذي مورس معها في صغرها أو بسبب إثبات النفس بأنها قوية وتريد أن تملك مالاً تقليداً لمن حولها!! أو بسبب الحالة الاقتصادية التي حدثت لكم بعد الانفصال، وبعدم وجود الدعم المادي المساعد والمشبع، وقد يكون العطف الزائد من الأقرباء عليكم وعليها خصوصاً من خلال إعطائها مالاً بشكل مستمر في صغرها أوجد عندها حباً له ورغبة ملحة في استمراره، والإحساس بالضعف في فقده مما يجعلها تلجأ للسرقة والحصول على المال بالسرقة.. وما سبق أسباب رئيسية قد يكون بعضها منطبقاً على وضعية أختك، والظروف التي عاشتها لا شك أن لها أثراً كبيراً في سلوكها.. وسأورد لك بعض الطرق التي أسأل الله - جل وعلا - أن تكون لك في حل مشكلة أختك.
أولاً: تعامل مع أختك على أنها مريضة عضوياً تحتاج عناية مباشرة واهتمام خاص وما استشارتك إلا دليل حرصك واستشعارك لخطورة مشكلتها نفسياً واجتماعياً.
ثانياً: تحدث مع أختك بصراحة متناهية وداخل جو يسوده الود والاحترام ما هي أسباب ممارستها الكذب والسرقة وما مشاعرها حينما يكشف الآخرون سلوكياتها!! فمواجهة وكشف الحقائق بداية رائعة للمساعدة..
ثالثاً: ما المانع بأن تعيش أختك معك مع والدتك بتغيير التربية التي نشأت معظم حياتها فيها ولتكون قريبة منك لممارسة أسلوب التحصين التدريجي من الكذب والسرقة.
رابعاً: قدم لأختك بعض الكتب والأشرطة النافعة حول ظاهرة الكذب والسرقة ومخاطرهما النفسية والاجتماعية والدينية على المسلم، ولتقدمها على شكل هدايا ومعها بعض العطورات (والإكسسورات) المحببة لها لتكون ذات قرب أكثر لقلبها.
خامسا: ما المانع بأن تبحث لأختك عن رجل صالح ليكون زوجاً لأختك خاصة وهي في عمر تحتاج فعلاً للإسراع في الزواج.. ولنا في عمر -رضي الله عنه- أسوة حسنة حينما عرض ابنته على الصحابي الجليل أبو بكر ثم عثمان بن عفان - رضي الله عنهم- ومن ثم تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم-. فاحرص -حفظك الله- على مساعدتها على الزواج؛ لأنه من وسائل العلاج المناسبة لمثل حالتها.
سادساً: اشغل وقتها بإلحاقها بأحد الدور النسائية النافعة، أو تكميل تعليمها إن لم تكن متعلمة.
سابعاً: إشعارها بقيمتها وزيادة ثقتها بنفسها عن طريق استشارتها بالأمور الخاصة بعائلتكم فالجلسات العائلية له آثار إيجابية على الفرد.
ثامناً: تحلى بالصبر وعدم استعجال النتائج واخلص النية لله عز وجل في مساعدتها والله -تعالى- سيعينك وييسر لك الأمر.
حفظك الله وهدانا وإياك إلى طريق الحق واتباعه.(19/272)
أختي همازة لمازة
المجيب فهد بن أحمد الأحمد
مشرف في وحدة الخدمات الإرشادية بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/السخرية والاحتقار
التاريخ 19/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
لدي أخت تبلغ من العمر 32 سنة، وهي إنسانة تتبع أسلوب إيذاء الغير بلسانها والاستهزاء والسخرية، وعدم احترام الآخرين، وعمل مشاكل بين جميع أفراد العائلة، الرجاء أن توضح لي هل هي تشكو من أي حالة نفسية، وما هو الحل معها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخت الفاضلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أشكر لك تواصلك مع موقع (الإسلام اليوم) .
أختي الكريمة: إن هناك معلومات ناقصة حول أختك، وهي مهمة للتعرف بشكل أوسع عن سبب ظهور المشكلة السلوكية التي تعاني منها أختك، كتاريخ ظهور المشكلة والظروف الأسرية التي عاشتها وتعيشها، وهل هي متزوجة أم لا؟ ومدى استقرارها الأسري، ومستوى تعليمها.
لذلك ستكون الإجابة بشكل عام، لعل الله أن يجعل فيها الخير.
أولاً: إن التنشيئة الاجتماعية من حيث السلب والإيجاب لها تأثير كبير جداً على سلوك البنت أو الابن.
ثانياً: القسوة في التعامل والحرمان والدلال الزائد والتمييز بين الأبناء من أسباب ظهور المشاكل السلوكية اللفظية والحركية.
ثالثاً: معاناة أحد الوالدين من مشكلة الاستهزاء بالآخرين واحتقارهم والتقليل منهم، وزرع المشاكل لها تأثير على سلوك الابناء من حيث المحاكاة لذلك السلوك.
رابعاً: التعرض لمشاكل مع الأقرباء بسبب سوء تعاملهم ينشئ السلوك العدواني لدى الشخص.
وهناك أمور أخرى مسببة لتلك المشكلة، وما ذكرته سابقاً ليس للحصر، ولكن المتوقع أنها أكثر الأسباب المنشئة للسلوك غير السوي، وما تعاني منه أختك لا شك أنها مشكلة نفسية تحتاج لتعامل خاص، ومن أهم الطرق التي أرى أنها الأفضل في التعامل معها:
1- تقوية الوازع الديني لديها، بتخويفها من خطورة ما تفعله تجاه الآخرين على دنياها وآخرتها، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" [الحجرات: 11] .
2- تبصيرها بخطورة فعلها أسرياً واجتماعياً من حيث زرع الحقد والكراهية تجاهها، وتخلي الأقرباء عن مجالستها وتنامي سوء عملها بينهن.
3- أن تستشعر أنه لا أحد كامل إلا وجهه الكريم، وأنه كما للآخرين عيوب تراها فيهم، فللآخرين كذلك عيون، ولها عيوب يرونها فيها.
لسانك لا تذكر به عيب امرئ ... فإن لك عيباً وللناس أعين
4- الامتناع عن مصاحبتها في الزيارات العائلية والمناسبات، وتعليل ذلك باستمرار سلوكها، ومحاولة إقناعها بالامتناع عن ذلك السلوك مقابل مرافقتها، وتكرار تلك المحاولات بهدف تعديل سلوكها للأفضل.
5- استخدام أسلوب العلاج العقلاني بتصوير موقعها مع الآخرين، (الأقرباء) حينما تبتعد عند إيذاء الآخرين وتتعامل معهم بالمثل، ويكرر ذلك معها عدة مرات لما لذلك من أثر في السلوك.(19/273)
6- تكليف إحدى الأخوات الفاضلات من القريبات بكثرة مجالستها ومكالمتها، وتوجيهها الوجهة السليمة في الطرق المثلى للتعامل مع الآخرين، والمحاسن التي يجب أن تلتزم تجاههم، مقابل أن تجد منهم الاحترام والتقدير، وتكرار ذلك، والتحلي بالصبر معها.
7- تشجيعها بالالتحاق بإحدى الدور النسائية الخيرية لمجالسة الخيرات، وما له من أثر على سلوكها بعون الله.
8- إهدائها بعض الكتيبات والأشرطة النافعة التي تتحدث عن خطورة الاستهزاء بالآخرين وطرق الوقاية منها، ومن الأفضل أن تكون بشكل مسابقة يتطلب حلها السماع أو القراءة، وتكون موجهة لها بطريقة غير مباشرة.
9- الصبر معها واحتساب الأجر من الله في تبصيرها، وتعديل سلوكها وحمايتها من شر نفسها والشيطان.
هذا ما تيسر لي، سائلاً الله الكريم أن يمن عليها بالهداية والصلاح، وأن يجعلها من الصالحات المصلحات، إنه جواد كريم.(19/274)
سلوك غريب من طفل صغير!
المجيب د. أمين صبري نور الدين
(علم النفس/ كلية العلوم جامعة الإمام)
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/اخرى
التاريخ 22/04/1427هـ
السؤال
أنا مديرة لرياض أطفال. وأواجه الآن مشكلة وهي أن أحد الأطفال الذكور يمسك أعضاء أصدقائه وقت اللعب، أرجو إفادتي بالحل الأمثل؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الأخت الفاضلة: ينبغي قبل تقديم حل لتلك المشكلة الوقوف عليها، وبيان تفسير هذا السلوك، لأن هذا الموضوع جدير بالإجابة عليه، فالطفل في هذه السن يتسم دائما بحب الاستكشاف، وملوع بحب الاستطلاع، ولا يدرك -عادة- مغزى ما يفعله، ولا مدلول ما يرتكبه، فهو يريد أن يعرف كل شيء، ويجرب كل شيء.
فالمعرفة عند الطفل بلا حدود ولا حواجز، والاستكشاف عنده لا حد له، سواء بالقول، أو بالعمل والممارسة. ولكن تكمن المشكلة في أن يخترق باستكشافه المحظور عند الكبار. فدائما نجده يسأل عن كل شيء، حتى عن الحمل، والولادة، ويسأل أيضا عن ذات الله عز وجل. ويستكشف بيديه كل شيء حتى مواطن الخطر، مثل عيدان الثقاب، ومقابس الكهرباء، وتحسس أعضائه، وأعضاء زملائه في المدرسة.
هنا تكون الحيرة، كيف نجيب على أسئلة الطفل المحرجة، أو كيف نتصرف إزاء تصرفاته المحرجة؟ على الأم أو المدرِّسة في تلك الحالة منع الطفل من فعل هذا السلوك -المشين بالنسبة لنا أو العادي بالنسبة له- لكن بدون نهرٍ أو زجر له بحيث لا يشعر بالمنع وإنما صرف نظره إلى شيء آخر ولا يكون ذلك أمام الأطفال الآخرين حتى لا يلحظوا هذا فيقلدوه.
ومن حسن الحظ أن الأطفال في هذه المرحلة يمكن توجيه اهتمامهم، وتشتيت انتباههم إلى شيء آخر.
على الأخت الفاضلة مديرة المدرسة أن تتصل بأسرة الطفل للتشاور معهم، وسؤالهم عما إذا كان يكرر هذا السلوك في البيت أيضا، ولكي تتعاون الأم مع المدرسة في التخلص من هذا السلوك ومن الجيد أن تقوم الأم بتعديل هذا السلوك، بتوجيه الطفل إلى أن الأفضل هو فعل كذا، أو ترك كذا، دون أن يشعر أن للمدرسة دور حتى لا يشعر بنوع من الحرج أمام المدرِّسة. والله الموفق.(19/275)
أعينوني على غض بصري
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/اخرى
التاريخ 09/09/1426هـ
السؤال
أنا مبتلى بالنظر إلى النساء, مع أني ملتزم، ومحافظ على الصلاة في المسجد، وأحفظ أكثر من نصف القرآن، وأصوم ثلاثة أيام من كل شهر, وأتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، لكن هذه البلوى لم أستطع التخلص منها، فما الحل؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أبارك لك إيمانك وحفظك نصف القرآن، ومواظبتك على الصلاة والصيام، وأرجو الله لك المزيد والقبول.. وأما ما ذكرت من ضعفك أمام فتنة النظر للنساء فاعلم -بارك الله فيك- أن فتنة النساء فتنة خطيرة جداً، حذر الله منها وحذر منها رسولُه -صلى الله عليه وسلم- وحذر منها الصالحون والعلماء والناصحون، وكم أوقعت في شباكها جماعة من العباد والصالحين، حتى صرفتهم عن زهدهم وتنسكهم، وعبادتهم لله عز وجل، بل إن بعضهم مرق من دين الإسلام بسبب امرأة، وما القصة التي اشتهر ذكرها عن جمع من أهل السير والتاريخ والتفسير، ببعيدة عنا عن جمع من الصحابة والتابعين، وذكرها ابن جرير في تفسيره (28/49) من عدة أوجه، أحدها عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: إن راهباً تعبد ستين سنة، وإن الشيطان أراده فأعياه فعمد إلى امرأة فأجنّها، ولها إخوة، فقال لإخوتها: عليكم بهذا القس فيداويها، قال فجاؤوا بها إليه فداواها، وكانت عنده، فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته فأتاها، فحملت فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها، فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك، إنك أعييتني، أنا صنعت هذا بك، فأطعني أنجك مما صنعت بك، اسجد لي سجدة، فسجد له، فقال: إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين، فذلك قوله: "كَمَثَلِ ?لشَّيْطَـ?نِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَـ?نِ ?كْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيء مّنكَ إِنّى أَخَافُ ?للَّهَ رَبَّ ?لْعَـ?لَمِينَ" [الحشر:16] .
وتأمل معي -بارك الله- فيك ما في هذه الآية من البلاغة اللغوية، وسمو التشريع، وفصاحة الخطاب، فقد قال الله عز وجل: "يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـ?رِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ" [النور:30] ، فبدأ بالأمر بحفظ البصر ثم أتبعه بحفظ الفرج، وذلك لأنّ البصر الباب الأكبر إلى القلب، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه.
ولهذا قالوا: النواظر صوارم مشهورة، فأغمدها في غمد الغض والحياء من نظر المولى، وإلا جرحك بها عدو الهوى.
وما أحسن قول الشاعر:
وغض عن المحارم منك طرفا طموحا يفتن الرجل اللبيبا
فخائنة العيون كأسد غاب إذا ما أهملت وثبت وثوبا
ومن يغضض فضول الطرف عنها يجد في قلبه روحا وطيبا
فإذا تأملت هذا الخطر من جراء النظر دفعك ذلك للخوف من الوقوع في شباكه، ثم زد على ذلك التمسك ببعض القواعد النافعة في غض البصر، ومنها:
القاعدة الأولى: إذا نظرت نظر الفجأة فاصرف بصرك:
في صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-قال: سَأَلْت رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظْرَة الْفُجَاءَةِ, فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِف بَصَرِي.(19/276)
قال النووي في شرح مسلم: وَمَعْنَى نَظَر الْفَجْأَة أَنْ يَقَع بَصَره عَلَى الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر قَصْد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي أَوَّل ذَلِكَ, وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِف بَصَره فِي الْحَال, فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ, وَإِنْ اِسْتَدَامَ النَّظَر أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيث, فَإِنَّهُ -صلى الله عليه وسلم-أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِف بَصَره مَعَ قَوْله تَعَالَى: "قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم".
اصرف بصرك ولو أن تضطر لإغماض عينيك، واعلم يا عبد الله أنك إنما تتعامل مع الله، مع ربك ومولاك، من إذا غضب ألقى بك في نار وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم.
القاعدة الثانية: (يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) . رواه أبو داود (2149) ، والترمذي (2777) ، وهو حديث حسن.
وهذه قاعدة متصلة بالقاعدة السابقة، ومكملة لها، وهي قاعدة ذهبية في غض البصر وحفظه عن الحرام، قال ابن الجوزي: وهذا لأن الأولى لم يحضرها القلب, ولا يتأمل بها المحاسن, ولا يقع الالتذاذ بها, فمتى استدامها مقدار حضور الذهن كانت كالثانية في الإثم.
القاعدة الثالثة: تجنب الجلوس والتسكع في الطرقات:
في صحيح البخاري (2465) ، وصحيح مسلم (2121) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّه"ُ قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ".
قال النووي: هَذَا الْحَدِيث كَثِير الْفَوَائِد, وَهُوَ مِنْ الْأَحَادِيث الْجَامِعَة, وَأَحْكَامه ظَاهِرَة, وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَب الْجُلُوس فِي الطُّرُقَات لِهَذَا الْحَدِيث.
فنهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الجلوس في الطرقات؛ لأنها مظنة التعرض للنظر المحرم، وارتكاب منهيات أخرى، فلذلك قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإن كان لابد"، فأعطوا الطريق حقه، وذكر من حق الطريق غض البصر.
ويشترك مع الطرقات هذه التي هي مظنة النظر المحرم، الأماكن العامة التي يكثر فيها التفسخ، كبعض الحدائق والأسواق، وللأسف إن كثيراً من المسلمين يتهاونون في هذا الأمر، فيخرجون للنزهة في مثل هذه الحدائق مع علمهم بأنها مليئة بمظاهر التفسخ والانحلال والعري، ثم بعد ذلك يطالبون بالحلول العملية المعينة على غض البصر.
فإن قلت: لكن لا يستطع الإنسان حبس نفسه بالبيت، فلا بد من الخروج لشراء الحوائج، والنزهة، فأقول أولاً: لا بد أن يكون ذلك بقدر الحاجة، ولا يحدث فيه توسع، ثم ليتجنب الإنسان الأزمنة والأمكنة التي هي مظنة الفساد، وبعد ذلك أقول لك كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "فإن كان ولا بُد فأعطوا الطريق حقه ... غض البصر، وكف الأذى".(19/277)
القاعدة الرابعة: "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" [غافر:19] .
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- هو الرجل يكون جالساً مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها.
وعنه -رضي الله عنهما- هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غضّ بصره, فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر, فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره, وقد علم الله -عز وجل- منه أنه يود لو نظر إلى عورتها.
وقال مجاهد: هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه.
وقال قتادة: هي الهمزه بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى.
سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظره.
وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
القاعدة الخامسة: "بَلِ الإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه"ُ [القيامة: 14، 15] .
يكثر الإنسان من البحث عن الأعذار في عدم إمكانية غض البصر، وأنه أمر غير واقعي، ويبدأ الشيطان بحياكة صور متعددة من الأعذار، ويزين له الاتكال عليها من أجل أن يطلق بصره، ويسرح بنظره، فتارة يقول له مستهزئاً: الأحسن لك أن تكون أعمى، أو أن تصطدم بالناس، وتارة يقول له: سر كالأبله الذي لا يعرف شيئاً، وأخرى يقول له المهم نظافة القلب، ولو نظرت إلى النساء، وهكذا، إلى غير هذه من الأعذار، والجواب عن كل هذا: بل الإنسان على نفسه بصير، ولو أكثر من إلقاء المعاذير، وهذا معنى تلك الآية.
القاعدة السادسة: "احفظ الله يحفظك".
نعم احفظ الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، يحفظك من الانزلاق في المعاصي، كما يحفظك إذا احتجت إليه في يوم شدة، ومن حفظ الله أن تلزم ذكره حتى تكون أقرب إليه، وأبعد عن الشيطان، فإذا مر عليك منظر، أو رأيت صورة فإنك تكون متصلاً بالله، مستمداً القوة منه، فيكون ذلك أقوى لأن تغض بصرك.
قال ابن تيمية: وتأمل كيف عصم الله -عز وجل- يوسف -عليه السلام- من فتنة امرأة العزيز، فقد كانت مشركة فوقعت مع تزوجها فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف -عليه السلام- مع عزوبته ومراودتها له، واستعانتها عليه بالنسوة، وعقوبتها له بالحبس على العفة عصمه الله بإخلاصه لله تحقيقاً لقوله: "وَلاغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ?لْمُخْلَصِينَ" [الحجر:39، 40] ، قال تعالى: "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ" [الحجر:42] .
القاعدة السابعة: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
أيها الأخ المبارك: إن انزلاق عينيك في نظرة محرمة، واختلاسة طرفك لصورة نهيت عن النظر إليها، ينكت نكتة سوداء في قلبك، فاحذر أن تكثر هذه النقاط السود حتى يصبح قلبك أسود مرباداً كالكوز مجخياً أي منكوساً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب في هواه، فاحذر كل الحذر من هذا، وأتبع هذه السيئة بحسنة، حتى تجلو قلبك وتغسل فؤادك من ظلمة المعصية، وذلة المخالفة، وتضيق على شيطانك منافذه.(19/278)
إن الشيطان يأتيك فيقول لك: ها قد وقعت، فانتهى أمرك، فلا تحمل نفسك ما لاطاقة لك به، فلا داعي لأن تعاهد نفسك بعدم النظر، وتمتنع عن شيء تعلم يقيناً أنك ستعود إليه، وهكذا ينسج الشيطان الرجيم حولك خيوطاً من الوهم، والوهن، حتى تصبح أسيره، ولا تلبث أن يصدق عليك قول الله عز وجل: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ ?تَّخَذَ إِلَـ?هَهُ هَوَاه"ُ [الجاثية:23] .
القاعدة الثامنة: "وَقَالَ رَبُّكُمْ ?دْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ?لَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ د?خِرِينَ" [غافر:60] .
روى شعبة عن عبد الملك بن عمير، قال سمعت مصعب بن سعد يقول: كان سعد يعلمنا هذا الدعاء عن النبي: اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء وأعوذ بك من عذاب القبر". أخرجه الخرائطي في اعتلال القلوب، وانظر ضعيف الجامع الصغير (1203) .
الدعاء، خير سلاح، وأقوى وسيلة، وأنفع دواء، به استعانة برب الأرض والسماء، به النصر على الأعداء، فاستعن به يا أخي.
ادع الله دائماً أن يحفظ عليك إيمانك، وأن يقوي عزيمتك على غض البصر، وحفظ النظر، ادع الله في ليلك ونهارك، في أوقات الاستجابة، وفي كل وقت.
القاعدة التاسعة: إن استطعت أن تعجل بالزواج فافعل؛ فإن رسولك -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في الحديث الصحيح: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج". أخرجه البخاري (5066) ، ومسلم (1400) .
وأعتذر عن الإطالة في الجواب، لكنها بلوى عامة أردت أن يستفيد منها الجميع، وأرجو الله أن يوفقنا جميعا لغض أبصارنا عما حرم علينا، ويعيننا على طاعته إنه جواد كريم.(19/279)
أدمنتُ النظر إلى الحرام!
المجيب فيصل بن عبد الله الحميقاني
مدرس بمدارس رياض الصالحين.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/اخرى
التاريخ 27/08/1426هـ
السؤال
أنا متزوج وأعمل في بلاد الغربة وأعاني من معصية النظر الحرام، حيث حاولت مراراً عدم مشاهدة البرامج الإباحية، لكن كل مرة أعود دون أن أشعر. أرجو أن توجهوني إلى كيفية الإقلاع عن هذا الذنب، وأن تدعوا لي بأن يسهل الله لي عملاً بالقرب من أهلي.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أخي الكريم: لمست في سؤالك شعوراً بالذنب الذي وقعت فيه، فهنيئاً لك هذا الإحساس، الذي ينبغي لك أن تستفيد منه في تحولك إلى العفة وحفظ البصر.
كثير ممن يقعون في الحرام يقعون فيه وهم لا يحسون بتأنيب الضمير، ولا يشعرون بالذنب، وهذا الإحساس ربما كان أشد من الذنب نفسه، أما التائب بعد الذنب فهو كمن لا ذنب له.
وإليك أخي هذه التوجيهات السريعة فيما يخص موضوعك:
(1) احذر أن يأتيك الشيطان يوماً ويوقعك في دائرة اليأس من ترك المعاصي، بل كلما وقعت في الذنب، كرر المحاولة بلا يأس.
(2) أظن أنك تقترف هذه المعصية في أماكن أو أزمان أو أحوال معينة، تسهل عليك الوقوع في هذه المعصية، فأفضل أمر لك أن تحاول التخلص من هذه الأمور -قدر استطاعتك-.
(3) لا بد أن أكون صادقاً معك، ووجه ذلك أن أقول لك: إن ترك مثل هذا النوع من المعاصي يحتاج إلى مجاهدة وصراع، في الغالب يكون المنتصر فيه الإيمان الكامن في نفسك: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" فابتدئ بالمجاهدة، وسيعينك الله بعد ذلك.
(4) لعلي أثير في نفسك الحمية، هل ترضى أن تنشغل زوجتك أو إحدى محارمك برؤية مثل هذه الأفلام؟ إذن اتق الله فيهن، واحفظ حقهن، كما هن يحفظن حقك.
(5) لو أن شخصاً مهيباً، وصاحب دين وخلق اطلع عليك وأنت منهمك فيما أنت فيه، كيف سيكون حالك؟ إن كنت صاحب مروءة، وأنت كذلك -لا شك أنك ستكون في وضع لا تحسد عليه. أما علمت أن الله مطلع عليك في كل أحوالك، يعلم خائنة عينك وما يخفى صدرك!! وشتان بين الخالق والمخلوق.
(6) الجأ إلى الله بالدعاء الحار والمستمر، فهو الذي يعصمك من المعاصي وهو الذي يوفقك للخير، والله سميع مجيب.
اللهم أهد قلبه، ووفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك.(19/280)
النميمة.. فرقت بيننا!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/اخرى
التاريخ 4/5/1422
السؤال
مشكلتي بدأت عندما تعرفت على فتاة تكبرني بسنة أخذتها أختاً لي واجتمعنا أنا وهي على أعمال دعوية كثيرة ومحاضرات وإن كانت قليلة إلا أنها عنت لي الكثير واستمرت أخوتنا لمدة سنة بعدها دخلت بيننا فتاة وأخبرتها عني كلاماً لا يوصف حتى زعزعت ثقتها بي وأصدقك قولاً أخي الكريم أن هذه الفتاة تملك أسلوباً قوياً في الإقناع فاستطاعت أن تفرق بيننا ومرت الأيام وحاولت أن أفهمها الحقيقة لكنها كانت دائماً تصدني مما سبب لي ألماً كبيراً حتى كرهت التعرف على أحد أو حتى أن أكلم أحد وأصبحت في عزلة كبيرة لا يعلم بها سوى ربي وبعد أن مرت فترة رجعت هذه الفتاة التي كانت أختاً لي في السابق وأرادت العودة وقالت أنها فتحت صفحة جديدة تلقيت الخبر ودموعي معي ولجأت إلى ربي فقلت يجب علي أن أكون أحسن منها وحدثت أول مكالمة لكني أحسست بشيء غريب بداخلي أحياناً أكون سعيدة لأننا عدنا وأحياناً تنتابني نوبة بكاء حالياً لا أعرف ما أفعل أنا خائفة إن عدت تفعل بي ما فعلته لأنها كما تأثرت بأختكم في الله.
الجواب
أختي الكريمة.. أشكر لك ثقتك.. واسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد..كما اسأله أن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبساً علينا فنظل..
قرأت استشارتك وتعليقي عليها من وجوه:-
أولاً: ثقي - أختي الكريمة - أن ما حدث بينك وبين صديقتك يتكرر بكل أسف كثيراً بين بعض الأصدقاء.. ولا غرابة.. فنحن بشر يعترينا النقص.. وتؤثر فينا الحوادث حتى ولو بدت صغيرة وغير مؤثرة.. ونتكل كثيراً على أنفسنا وعلى جهدنا وتقييمنا للأشياء.. وننسى أو نتناسى أن اتكالنا على الله تعالى يريحنا ويجلب لنا الطمأنينة والراحة والانسجام التام بين ما نتمنى وما يحدث بالفعل.. فكل الأمور مقدرة.. ومكتوبة والمقدر والمكتوب كائنان لا محالة..!!
ثانياً: جاء في الأثر [يفسد النمام في ساعة مالا يفسد الساحر في سنة] نسأل الله العافية.. وقد سعت تلك الفتاة بينكما بالنميمة فأفسدت أخوة كانت قائمة.. وعشرة كانت مستمرة.. فماذا كسبت..؟! اللهم إلا إشباع غلٍ أو حسدٍ في نفسها.. أو رغبة ملحة في الإفساد بين الناس..!! نسأل الله العافية.. وستسأل عن ذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون.. إلا أن تابت وأنابت واستحلت منكما فإن الله هو التواب الرحيم.
ثالثاً: لا تحزني - أختي الكريمة - على ما مضى..رغم الألم الذي شعرت به.. والحزن الذي أحسسته.. فربما كان في الأمر خيراً.. والخيرة فيما اختاره الله.. ولكن يجب عليك أن تستفيدي من هذه التجربة.. فتقوي أيمانك بالله.. وتعتمدي عليه.. وتتكلي عليه حق التوكل وتكتشفي حقيقة بعض الناس.. ولا تتأثري بالنميمة.. ولا بما ينقل إليك عن فلانة بل الحق لديك ما رأيت بعينيك وما سمعت بأذنيك.. ورب ضارة نافعة.. والضربة التي لا تميتيني تقويني كما يقال..(19/281)
رابعاً: أظنك بعون الله أقوى.. من أن تتأثري بموقف واحد مهما كان.. إلى الحد الذي يجعلك تكرهين التعرف بالناس وتعيشين في عزلة..!!! الناس كثر.. وتجاربهم أكثر.. ومثل هذه التجارب هي التي تصقل شخصية الإنسان.. وتعينه - بعد توفيق الله - على مواجهة الحوادث في قادم الأيام.. فضعي - أختي الكريمة - تجربتك في هذا الإطار.
خامساً: تناقض مشاعرك الآن بين الفرح بعودتها.. والحزن حد البكاء الذي تشعرين به.. هو شعور طبيعي.. بين فرحتك بعودة صديقة قديمة.. وحزنك مما حدث.. وكيف حدث.. أي شعور بالغبن والظلم والألم!! وآمل ألا يطول ذلك الإحساس.. وأن تحاولي أن تتجاوزيه.. وتصفحي عما مضى.. فكل ابن آدم خطا وخير الخطاءين التوابين.
سادساً: جميل هذا العفو والصفح منك.. وتقبل عودتها ولكن.. أتمنى لو كان هناك جلسة مصارحة وعتاب ومكاشفة بينكما حتى تتضح الأمور.. وتداوى الجراح ويستفاد من الماضي.. استعداداً للمستقبل ثم يغلق ملف الماضي بما فيه.. وتبدآن معاً من جديد أخوتكما في الله.. على نور من الله لا يضركما من ظل إذا اهتديتم ...
وفقك الله وسدد على طريق الخير والحق خطاك.(19/282)
أمارس الجنس مع محارمي في المنام!!
المجيب د. رفعت فوزي
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/اخرى
التاريخ 28/06/1426هـ
السؤال
دائماً ما أحلم بأني أمارس الجنس مع أمي أو أختي، بل وقد أحتلم بسبب ذلك، وأستيقظ وأنا في حالة نفسية سيئة جداً، فما سبب ذلك؟ علماً أني غير متزوج وأصلي ولا أترك فرضاً. أفتوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الهادي الأمين، وآله وصحبه أجمعين، فأهلاً بك ـ أخي ـ في موقع "الإسلام اليوم" ونفعك الله بما فيه، وننبهك إلى أمور ثلاثة:
(1) من رحمة الله تعالى بنا أنه لم يؤاخذنا بما نراه في نومنا من أحلام وخيالات وما إلى ذلك؛ لأن القلم قد رُفع عن النائم، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه سلم- أنه قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يحتلم" رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم.
(2) أن الأحلام في المنام كما أنه لا يؤاخذ عليها، فإن تأويلها غالباً لا يكون على ظاهرها، ولذا كثيراً ما يؤول الحلم تأويلاً بعيداً عما يتبادر عند سماعه، وكثيراً ما يعبِّر المؤولون مثل هذه الأحلام بأنها خير توصله إلى قرابتك أو يصلهم عن طريقك.
(3) ولقد بيّن لنا صلى الله عليه وسلم أن الحلم القبيح هو من أفعال الشيطان التي يكيد بها بني آدم، وأن ذلك لن يضر الرائي، فلا ينبغي أن يهتم أو يصيبه القلق، قال أبو قتادة -رضي الله عنه- سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره". أخرجه البخاري وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة: "فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس".
وربما أرجع بعض علماء النفس مثل هذه الأحلام لخلافات واقعة بينك وبين أهلك، أمك وأختك، وهو نوع من التنفيس أو صورة من صور السيطرة، فإن كان ذلك فأحسن إلى أهلك "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا" [النساء: 1] .
وحُكي أن رجلا أتى ابن سيرين فذكر له أنه ينكح أمه، فلما فرغ منها نكح أخته وكأن يمينه قطعت، فكتب ابن سيرين جوابه في رقعة حياء من أن يكلم الرجل بذلك، فقال: هذا عاق قاطع للرحم، بخيل بالمعروف، مسيء إلى والدته وأخته.
هذا فقط للتذكرة، والذكرى تنفع المؤمنين.
وعموماً ننصحك ـ أخي الكريم، بالآتي:
(1) لا تذهب للنوم وأنت ممتلئ البطن، حاول أن تمشي بعض الوقت بعد العشاء.
(2) إذا ذهبت لفراشك عليك بالوضوء.
(3) صلِّ الوتر (ركعة أو ثلاث ركعات) .
(4) لا تنم على بطنك (وهي ضجعة يكرهها الله ورسوله) لكن نم على شقك الأيمن.
(5) اقرأ الأذكار (أذكار النوم) وأهم شيء آية الكرسي، وإن تيسَّر لك أمر الزواج مبكراً فلا تتردَّد فهو طريق العفة.. والله أعلم.(19/283)
ابني التقط ألفاظاً بذيئة
المجيب عبد الرحمن بن عبد المحسن البعيمي
مشرف تربوي بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/اخرى
التاريخ 16/6/1425هـ
السؤال
لدي طفل، -والحمد لله- يبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف تقريبا، أعاني معه من قضية تأثره ببعض التصرفات والألفاظ السيئة عند اختلاطه مع أولاد أعمامه وأخواله، مثل السب وغيره، مع أن بيتي -والحمد لله- محافظ، لا يُسمع فيه مثل هذه الأمور. سؤالي: إذا سمعت منه مثل ذلك، ما الموقف السليم في التعامل معه؟ هل المناسب نهره أو ضربه؟ أم ماذا؟ وكيف السبيل للحد من تأثره بالأخلاق السيئة؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
(1) يجب إهمال ما يتلفظ به وذلك بعدم معاقبته أو نهره.
(2) يمكن عن طريق القصص أن تعطيه كل ما تريد من نصائح وتوجيهات.
(3) الأطفال عادة ينفرون من إلقاء الأوامر لهم أو مقارنتهم بالآخرين؛ لذا ينبغي على الوالد والأهل إيجاد وسائل غير ذلك مثل إيراد القصص أو المعززات تساعد في ابتعاده عن الألفاظ الغير مرغوبة وإبدالها بكلمات طيبة.
(4) يجب التقليل من الاحتكاك بهذه المجموعة وجذبه إلى مجموعة ذات آداب حسنة.
(5) ويمكن أن ننمي فيه روح القيادة وذلك بأن يقوم هو بدور الناصح لهم وهذه محببة غالباً عند الأطفال. والله الموفق.(19/284)
أختي منحرفة!!
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/اخرى
التاريخ 22-7-1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا شاب توفي والدي وأنا أصغر إخوتي والحمد لله أنا بار بوالدتي ولكن مصيبتي هي أن لي أختاً قد تقدمت في السن ولم تتزوج وليس لي عليها كلمة أراها تخرج من دون إذن وتلبس مالا يرضى عنه دين ولا أدب تتكلم مع غير المحارم والأدهى والأمر أن والدتي تقول لا دخل لك بها فلها إخوان أكبر منك وفي بعض الأحيان تساومني برضاها علي وتلوح بأنها ستغضب وأن رضاها من رضى الله وأنا أخاف الله ولكن ما عساي أن أفعل وجزاكم الله خيرا
الجواب
أخي الكريم ...
شكرا لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم"
أولاً: يجب أن تحمد الله أن هيأ لك البر بوالدتك فاسأله الثبات على ذلك وعدم التغير.
ثانياً: كذلك يجب عليك أن تحمد الله أيضاً أن هيأ لك أسباب الصلاح والالتزام بدين الله عز وجل فعدم رضاك عن الأعمال التي تقوم بها أختك دليل على محافظتك والتزامك بالخلق والدين القويم والحمد لله.
ثالثاً: أنا أتفهم مشكلتك تماماً وأدرك الحرج الذي أنت واقع فيه. فأنت من ناحية لا تريد إغضاب والدتك والدخول معها في مخاصمات ومشاكل قد تكون سبباً في وقوعك في عقوقها، وأنت من ناحية أخرى لا تحبذ ما تصفه أختك من أفعال مشينة وبعيدة عن الحشمة والوقار والذي يبدو لي أن الأنسب لك فعله هو العمل والتركيز فيه على هذه الأخت واترك والدتك جانباً ولا تتجادل معها بشأن أختك لأن طبيعة الأمهات في الغالب في مثل هذه الحالة هو الوقوف مع البنت حتى ولو كانت على خطأ وذلك لأن الزاوية التي تنظر الأم من خلالها لابنتها تختلف عن الزاوية التي تنظر أنت من خلالها كأخ لهذه الفتاة، ولذلك فالمخاصمة مع الوالدة في هذه المجال يكاد يكون عقيماً من وجهة نظري ولن يؤدي إلى النتيجة التي ترجوها بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
حاول أنت فتح قنوات بنفسك مع أختك، كن ليناً وسهلاً معها. أهدها كتباً وعظية وأشرطة سمعية تبين حرمة ما يقع منها، ذكرها بالله وخوفها منه، واذكر لها أن التوفيق بالزواج هو قرين القرب من الله والبعد عن سخطه. أخبرها أن الشباب حتى غير الملتزمين يرغبون الارتباط بالفتاة المحافظة ويخافون من المتبرجة أو المتسكعة بالأسواق كل يوم.
استمر في هذه الطريقة ولا تستعجل الثمرة أو النتيجة إذ التوفيق من عند الله ودورك هو الدلالة على الطريقة فقط ومنع تفاقم المشكلة قدر الإمكان. وإذا وجدت أن الأمور تسير إلى الأسوأ فلابد هنا من مخاطبتك لأخوتك الكبار حول هذا الموضوع وأطلعهم على الأمر وهم لديهم قدرة على كبح جماح المشكلة قبل أن تتفاقم ويحصل مالا تحمد عقباه.
أعانك الله ويسر أمرك،،،(19/285)
علاقة جنسية بين الأطفال..!!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ تربية الأولاد/التعامل مع مشكلات الأولاد
التاريخ 19/7/1422
السؤال
: هل العلاقة الجنسية بين الأطفال (5 - 9 سنوات تقريباً) أمراً عادي.. أم أن هناك خلل ما؟؟ أرجو إفادتي..
الجواب
أخي الكريم.. أشكر لك تواصلك.. واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.. وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبساً علينا فنظل..
وأما عن استشارتك فتعليقي عليها من وجوه:-
أولاً: العلاقة الجنسية بين الأطفال يا عزيزي ليست أمراً عادياً.. بل هي نذير سوء.. وبداية انحراف..!!! كيف ... ؟! ربما لا يجد الأطفال في هذا العمر المتعة الحقيقية لهذه العلاقة.. ولا يدركان أبعادها..!!! ولكن السؤال.. كيف عرف الأطفال هذا السلوك واستدلوا عليه.؟!! ومارسوه..؟!!!
ثانياً: هناك خلل ولا شك - بل خلل خطير..!!! ربما تجاوز الأطفال إلى غيرهم..!! فهم إما قد رأوا ذلك.. وهذه مشكلة.. فمن رأوا..؟ وكيف رأوا..!! وإما قد سمعوا..؟! وإما قد غرر بأحدهم واستدرج.. فإعتاد على ذلك.. ومارسه.. دون إدراك لعواقبه..!!! والافتراضات هنا كثيرة جداً.
ثالثاً: يلزم تدارك الأمر عاجلاً.. عن طريق سؤال هؤلاء الأطفال متفرقين عن هذا الأمر.. وممن عرفوه.. واكتسبوه..؟ وكيف رأوه..!! وليكن السؤال بهدوء.. وسعة بال.. لوضع اليد على مكمن الداء.. والتأكد من ذلك.. وعدم الاستعجال ثم علاج الأسباب بطريقة ((عقلانية)) وحازمة وعدم التهاون في هذا الأمر.. والتوضيح لهؤلاء الأطفال عن خطورة هذا الأمر.. وشدة عقوبته عند الله.. ومساعدتهم على تجاوزه ونسيانه.
رابعاً: المتابعة - أخي الكريم - والحذر.. هما من أهم الأشياء - بعد توفيق الله وحفظه - في الحفاظ على أخلاق وأعراض المحارم من الأطفال وغيرهم وقد يؤتى الحذر من مأمنه!!! كما يقال.. فالله.. الله.. بالدعاء.. وقراءة الأوراد الشرعية فهي الحصن الحصين.. مع تعويد الأطفال على مصارحة والديهم بما يعتريهم ويعترضهم من عقبات وإخبار الأطفال بهذا السن بحيل بعض ((السفلة)) للإيقاع بهم.. والتغرير بهم ... ويلزم هنا الوضوح وتسمية الأشياء بأسمائها.. وإخبار الطفل بما يجب عليه هنا من تصرفات لمواجهة مثل ذلك ليكتسب الحصانة الداخلية.. وحتى لا يصبح صيداً سهل المنال.. وفقكما الله وحماكما من كل مكروه وجميع شباب وأطفال المسلمين.(19/286)
الحجب والمنع في تربية الأبناء
المجيب د. علي با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/مفاهيم تربوية خاطئة
التاريخ 7-1-1424
السؤال
هل الحجب والمنع من أسس التربية الإسلامية؟ أم يربى الأبناء على التفريق بين الخير والشر ويحضر لهم الدش والإنترنت؟
وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
يقول الله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) ، فهو سبحانه خالق الإنسان والعالم بفطرته وطبيعته وما يصلحه وما يفسده، وقد فطر الله تعالى الخلق منذ خلق آدم -عليه السلام- على وجود الممنوع الذي يحذر منه وتكون عاقبته وخيمة، والمطلوب الذي يرغب فيه وتكون ثمرته مفيدة، فالنفوس مفطورة على التأثر بالترغيب والترهيب الذي هو من أكثر أساسيات التربية أهمية، فعندما خلق الله آدم قال له ولزوجه: (اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) ، والمنع أساس في التكليف والاختبار، والآية واضحة في المنع بقوله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة) .
ويمكن أن نرسم ملامح منهج المنع من خلال هذه الآية في النقاط التالية:
(1) وجود ما يسد الحاجة ويحقق رغبة النفس (اسكن أنت وزوجك الجنة) .
(2) اتساع دائرة المسموح وتنوعها (وكلا منها رغداً حيث شئتما) .
(3) محدودية دائرة الممنوع وضيقها (ولا تقربا هذه الشجرة) .
(4) بيان سوء عاقبة الوقوع في الممنوع (فتكونا من الظالمين) ، وفي آية أخرى بيان أوسع في قوله تعالى: (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما) .
ومن هنا يمكننا القول بأن المنع أساس تربوي صحيح، بل هو على الحقيقة مما لا بد منه، ويدل على ذلك الآيات الكثيرة الواردة في النهي عن كثير من المحرمات في العقائد والعبادات والمعاملات وأنواع المطاعم والمشروبات، ويمكننا أن نلاحظ منهج المنع السالف ذكره في جملة هذه الآيات.
ومن خلال التربية النبوية نلمح ذلك بصورة واضحة، فقد ورد في الصحيح أن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- وهو طفل صغير مد يده ليأخذ تمراً من تمر الصدقة كان عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- فمنعه وأخذ على يده وقال:"كخ كخ أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة".
قال ابن حجر في الفتح:"وفي الحديث جواز إدخال الأطفال المساجد وتأديبهم بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن تناول المحرمات، وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك، ومن المعلوم أن العقول لا تستقل بالتفريق بين الخير والشر، ولا يمكن لها ذلك إلا بالاعتماد على الشرع من الخالق العالم بالإنسان وأحواله، ولئن كانت عقول الكبار تفرق بين ما يضر وما ينفع بحكم التجربة والخبرة ومعرفة المآلات والعواقب وما لديها من المعارف والعلوم فإن الصغار من الأبناء يعجزون عن ذلك لعدم اكتمال قدراتهم العقلية، ومن ثم فإن منعهم من الشر وتحذيرهم منه وبيان مساوئه أمر لا بد منه، لكنه لا يكون استقلالاً بدون تعريفهم بالخير وترغيبهم فيه وتقريبهم له وتدريبهم عليه حتى تشبع رغباتهم ويحصل لهم الاستقرار النفسي.
ومن المهم أن ننبه على هذه الأمور التي يجب مراعاتها في هذا الباب:(19/287)
(1) أهمية القدوة الحسنة من الآباء والأمهات في ميدان العمل بالخير والاتصاف به.
(2) توفير الجوانب الإيجابية والمجالات الخيرية المحتاج إليها بقدر كاف.
(3) مشاركة الآباء والأمهات لأبنائهم في الممارسات الإيجابية.
(4) التشجيع على الالتزام والمشاركة في الجوانب الإيجابية من خلال الحوافز المعنوية والمادية.
(5) عدم الإسراف في توفير المباحات، وعدم المبالغة في التشجيع والمكافآت.
وأما بالنسبة للمنع فننبه على ما يلي:
(1) استحضار المنهج السالف ذكره بتحديد الممنوع والتحذير من عاقبته.
(2) الخطاب العقلي والوجداني في المنع والتحذير.
(3) الاستعانة بضرب الأمثلة الواقعية والنظرية المعقولة في بيان مخاطر الممنوع.
(4) ربط المنع بالمعنى الديني والثواب والعقاب والصلة بالله.
(5) تربية الشخصية المتميزة المراقبة لله والمحافظة على وعدها والتزامها حتى يكون الامتناع عن قناعة وقوة إرادة.
(6) استخدام بعض أساليب العقاب المناسبة المشروعة عند وجود المخالفة.
(7) عدم المبالغة في التحذير بما ليس صحيحاً ولا واقعياً.
(8) عدم المبالغة في العقوبات والانفعال أثناءها بما يخرج عن حد المعقول.
وهذا العصر كثرت فيه المفاسد وانتشرت الملهيات وتزينت المغريات وأصبحت تلوث الأجواء بشكل عام، مما يجعل أهمية التفريق بين الخير والشر باستخدام أسلوب المنع أمراً بالغ الأهمية، فأطباق الاستقبال تجلب قنوات كثيرة تعرض كثيراً من المحظورات الدينية والخلقية والاجتماعية، ومثل ذلك شبكة الإنترنت، ولا يصلح المنع القاطع بدون إقناع وإشغال بالنافع المفيد؛ لأن ذلك يدفع إلى التماس هذا الممنوع من طرق أخرى، كما لا يصلح السماح المطلق بدون موانع ولا ضوابط بدعوى الاعتماد وبناء الثقة في الأبناء، أو بدعوى إتاحة الفرصة للتجربة حتى يكون الامتناع عن قناعة واقعية، فهذه كلها من أحابيل الشيطان، وخير الأمور ما كان محققاً لأعظم المصالح ودافعاً للمفاسد، والحمد لله رب العالمين، والله أعلم.(19/288)
صدوف الطالب عن حلقة التحفيظ
المجيب عبد الإله بن سعد الصالح
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/عقبات في طريق التربية
التاريخ 27/02/1427هـ
السؤال
لدي طالب عانيت منه كثيراً من كثرة الغياب، مما يترتب عليه عدم المراجعة حال الغياب، وهو الآن يحفظ 14جزءاً من القرآن، ويدرس في الصف الأول الثانوي، وفكرت في نقله إلى حلقة ثانية، علمًا أن لديه بعض أقاربه في الحلقة نفسها، فربما يتأثر بعضهم ببعض، فما رأيكم، هل أنقله أم أن ذلك له تبعات تربوية غير محمودة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أسأل الله أن يبارك لك في أوقاتك وفي ولدك وأهلك ومالك، وأن يجعلك مباركاً أينما كنت.
القيام على تربية هؤلاء الشباب من المهام العظيمة، والأجور الكبيرة لأهميتها في حفظ شبابنا والاستفادة من طاقاتهم، ثم إن الشباب في هذه المرحلة العمرية لا يستغرب التغيرات التي تطرأ عليه في الانفعالات والمشاعر وطريقة التفكير والتصرفات المتناقضة والرغبة في التأثر بالجديد والجذاب، وهذه مرحلة تحتاج منا إلى عدة أمور.
1- إيجاد البدائل المناسبة في الترفيه والأنشطة التي تساعد على تفريغ الطاقات المختزلة لديهم، جسدياً وفكرياً ومشاعرياً، وبطريقة جماعية أو فردية.
2- التعامل الأنسب في المخاطبة معهم، ومراعاة شعورهم، والرفع من قدرهم.
3- لابد من مراجعة البرنامج داخل الحلقة بأن يكون جاداً ومشوقاً، وفعالاً ومرتباً..الخ، مما يساعد على الشعور بالانتماء إلى ركن شديد.
4- النظر في الأسباب التي تجعل الطالب يغيب، حتى تستطيع أن توجد الحلول المناسبة التي تجعله أكثر انضباطاً، فقد تكون ظروفاً أسرية، أو وجود موانع في الحلقة تجعله ينصرف، أو إغراءات خارجية تجعلنا ندرسها ونوجد البدائل المناسبة.
5- أما تغير الحلقة فهذا شيء أنت أعرف به، فهل درجة القبول والتكيف في المكان الآخر مناسبة تساعده على الاستمرار والإبداع، أو أن نقله سيكون سبباً في ضعفه وتخلفه عن الحلقة، وهذا خاضع لشخصية الطالب ونفسيته، فلابد من مراعاة أمور كثيرة في ذلك.
أسأل الله أن يوفقك وأن يبارك فيك.(19/289)
أولاده من مطلقته النصرانية ومشكلة تربيتهم
المجيب يوسف أبرام
مدير المركز الإسلامي بزيورخ في سويسرا وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/عقبات في طريق التربية
التاريخ 6/3/1425هـ
السؤال
تزوجت كندية نصرانية ثم طلقتها، ولي منها ثلاثة أولاد، بنت عمرها 16 سنة، وولد عمره 14سنة، وولد عمره 12سنة، وكلهم لا يعرفون أي شيء عن ديننا، وكلما حاولت أن أكلمهم في أمور ديننا قاطعوني، ولم يأتوا لرؤيتي، علماً أنهم يعيشون مع أمهم التي تعيش وصاحبها، وهي نصرانية الديانة، ولا يريدون أن يروني، وأنا مع زوجتي المسلمة المحجبة؛ بحجة أنهم ينحرجون من ثيابها أمام أصحابهم، فماذا أفعل معهم؟ وما هي الطريقة المثلى لتعليمهم القليل عن ديننا؟ وهل يجوز لي الاستمرار في الصرف عليهم؟ ماداموا لا يدينون بديني، وهل أنا آثم بذلك؟ مع العلم أني الآن لا أترك فرضاً وأقرأ القرآن؛ لعل ذلك يكفر عن ذنبي الكبير في تربية أولادي، أرشدوني -هدانا الله وهداكم- وهل يجوز أن أسايرهم في أمر زوجتي؟ إنهم لا يريدون أن يظهروا معها في أي مكان عام، بسبب ارتدائها الزي الشرعي؟ مع العلم أنهم لم يأتوا لزيارتي والإقامة في بيتي من شهر حزيران، ماذا أفعل؟ أنا بانتظار ردكم، وإرشاداتكم، والاستفادة من آرائكم اهتداء بكتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- وشكراً.
الجواب
الأخ السائل: لا أدري بأي قضية أبدأ، ولا بأي إشكالية أجتهد في حلها، حيث تراكمت وتشابكت، وتعقدت فالله المستعان، والسؤال المهم ليس ماذا يجب عليك أن تفعل؟ ولكن ماذا تقدر أن تفعل؟ فأنت في كندا تحت سلطة الدولة، وقوانينها التي صُنعت للنساء، ولا حق للرجال لا في الحضانة، ولا في غيرها، فأنت ملزم بدفع النفقة إلى سن الـ 18 سنة، مهما كان وضع الأولاد ديناً أو خلقاً، وقد سئل الشيخ الألباني في بريطانيا عن مثل هذه القضية فأجاب بالمثل الشامي: (من بات في المقبرة وداهمته الكوابيس فلا يلومن إلا نفسه) .
نعم يا أخي، ما من مسلم يعيش في هذه البلاد غير الإسلامية إلا صادفته مشاكل سواء في زوجه أو أولاده أو رزقه، - والله المستعان-. المقطوع به أن حلول العنف أو الشدة لا تأتي بخير؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بالرفق؛ فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه" مسلم (2594) ، فكن رفيقاً سهلاً، ليناً في غير معصية لله.
حالتك وحالات كثير من المسلمين تذكرني بقصة ذلك الأعرابي الذي أساء الأدب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهمَّ الصحابة - رضي الله عنهم- أن يبطشوا به، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم- عطاء حتى رضي، ثم قال لأصحابه- رضي الله عنهم- "إنما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي كرجل كانت له دابة، فنفرت منه، فذهب يطاردها، فجاء الناس كلهم وراءه يطاردون، فما ازدادت الدابة إلا نفاراً وشراداً، فقال: دعوني ودابتي أنا أعلم بدابتي، فأخذ من خشاش الأرض، ولوح به لهذه الدابة، فما كان منها إلا أن انساقت إليه، وجاءت إليه فأمسك بها" أخرجه البزار (2476 - كشف) وضعفه ابن كثير (2/405) .(19/290)
إن أولادك قد ندوا وابتعدوا عنك مؤقتاً، ولكن هذا لا يعني أنهم ابتعدوا عن الإسلام بالكلية، فكن معهم مثل الأعرابي ودابته، فإنه لا سبيل لك عليهم، وليس عندك إلا وسيلة واحدة هي وسيلة اللين والرفق.
لا تجعل لقاءك بهم عبارة عن دروس دينية؛ فإن هذا الأسلوب سينفرهم منك، بل لو خرجت معهم سواء مع زوجتك الحالية المحجبة، أو بدونها للتنزه في غابة، أو رحلة، أو سياحة نافعة، وجعلتهم بالعطف والحنان، والمناقشة البسيطة الهادفة، يلتصقون ويتعلقون بك، ويحبون رؤيتك ولقياك لكانت هذه بداية العود المحمود، والحل المنشود.
ثم انظر بعد ذلك في حل عملي سيحسم القضية بالكامل، واللبيب بالإشارة يفهم، ولأن يعيش الإنسان فقيراً في أرض الله، خير من أن يعيش غنياً تحت غضبه، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، والأرض كل الأرض للمسلم مسجداً وطهورا.
كما عليك أولاً أو أخيراً أن تجتهد في طاعة الله، فإن الله قد حفظ مال اليتيمين بفضله، ثم بطاعة والدهما قال -تعالى-: "وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك" [الكهف:82] .
كما عليك أن تجتهد في الدعاء والابتهال إلى الله أن يرد إليك أولادك بالطريقة التي ترضي ربك وتقر بها عينك.
فعسى الله - سبحانه وتعالى- ألا يخزيك في ذريتك، ويجنبهم موارد الهلاك، آمين، وصلى الله على نبينا محمد.(19/291)
تربية البنات بعد طلاق أمهن
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/عقبات في طريق التربية
التاريخ 18/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم. تزوجت امرأة مسلمة، وأنجبت منها ابنتين، لفترة طويلة كنت أرى زوجتي تخالف الشرع برغم محاولاتي لإصلاحها بدون فائدة، لدرجة أنها فضَّلت الطلاق على الانصياع للشرع، كذلك فضَّلت التحاكم للمحاكم الأمريكية في موضوع الطلاق بدلاً من المحاكم الإسلامية، وقد أعطتها المحكمة حق حضانة البنتين.
الآن هذه المرأة تعمل في متجر يبيع الخمور، وأنا مهتم بموضوع بناتي؛ لأنني أكره أن يأكلن من الحرام، ويجب أن يعرفن أن بيع الخمر حرام، وهذا ليس غريباً على عائلتها فأخوها يوزع الخمر على النوادي الليلية، ماذا أفعل تجاه بناتي؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله.
أعانك الله على ما تواجهه من آلام ومصائب، وجعل العقبى لك ولذريتك، وعوَّضك الله خيراً من هذه الزوجة.
ما فات لا حيلة لتصحيحه، ولا ينبغي الالتفات إليه، وإنما أنت معني بأمرين:
الأول: تربية ابنتيك، والثاني: البحث عن امرأة صالحة تحصن فرجك وتعينك على أمور دينك ودنياك، وتلد لك ذرية صالحة تدعو لك في ظهر الغيب.
أما ابنتاك فاجعل من سويعات زيارتهما فرصة لتربيتهما وتعليمهما الأخلاق الفاضلة، وتعظيم الله ومحبته، وعرفهما الحرام، وبين لهما الواجبات، وفي هذا الشأن عليك أن تبدأ معهما بالأهم فالأهم، مع مراعاة صغر سنهما، وتحبَّب إليهما ببعض الهدايا والعطايا وامنحهن من حنانك وعطفك ما يشوقهما إلى لقائك.
واحذر أن تجعل من هذه السويعات التي تلتقي فيها بابنتيك وقتاً للصراع والنزاع مع أمهما، فهذا عبث في حقك، ومفسدة في حق ابنتيك، ربما عاد عليك بالضرر وسبب لك جفاءهما ونفورهما عنك.
دع أمهما في غفلتها، وحاول أن لا تقابلها في تلك السويعات.
إن إصلاح حالك لا يكون بالرجوع إلى مناقشة الماضي مع شخص لم تعد تربطك به أي علاقة بعد أن فصل بينكما الطلاق، بل صلاح حالك بتحسس مواطئ قدميك الآن، والنظر في مستقبل حياتك، والتفكير الجاد لتصحيح المسار إلى حيث الوجهة السليمة.
وأهم الخطوات في هذا هو البحث المتأني عن زوجة صالحة ترضاها أماً لأولادك كما ترضاها زوجاً صالحة لك.
فابحث ولا تيئس واستعن بالله واصبر، وتعفف وألح في الدعاء وتحر مواطن الإجابة، ولا تستعجل الإجابة فتيأس وتنقطع عن الدعاء، فقد قال - صلى الله عليه وسلم-: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي" متفق عليه البخاري (5865) ، مسلم (4916، 4917، 4918) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
أما أكلهما من مال أمهما والذي كسبته من العمل في الحرام، فلهما غنمه وليس عليهما غرمه، فلا إثم عليهما في ذلك، إنما الإثم على أمهما.
أعانك الله ووفقك، وسدَّدك وهداك وحماك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ورزقك الزوجة المؤمنة العفيفة والذرية الصالحة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/292)
زوجي.. وابنتي..والقلق!!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/عقبات في طريق التربية
التاريخ 19-12-1422
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كم أعاني كثيرا من ابنتي بعد أن وصلت سن الخامسة عشر من عمرها فبعد أن كانت طفلة هادئة لا تتجاوز رغباتها ما نضعه لها نحن في المنزل من الأفلام الكرتونية الإسلامية والألعاب الهادفة في الحاسب الآلي من مسابقات وبرامج متنوعة مع ما يكون في هذه البرامج من بعض التجاوزات الشرعية كالموسيقى مثلاً لأن التحكم فيها من خلال إلغائها قد اعتاد عليه أبنائي.
أما الآن فابنتي قد كبرت وأصبحت تحس بالملل في بيتها وهي تطالبنا بطلبات نتحرز من تنفيذها لها لما فيها من المحظورات الشرعية فمثلا قد أجبرتنا أن نحضر لها أنتل لمشاهدة برامج الأطفال فقط في القناة الأولى وشفقة عليها وعلى أخواتها بسبب الملل الذي يحسونه نفذنا رغبتها وبالتدريج أصبحوا يشاهدون الأفلام التي تعرض في القناتين الأولى والثانية وعلى رغم مراقبتي لهذه الأفلام لحرصي ألا يشاهدوا ما يؤثر على أخلاقهم لكن ضميري بات يؤنبني وخشيت من غضب الله علي فأخذت الأنتل وحاولت إقناعهم وإحضار البديل المؤقت لهم من أفلام كرتونية إسلامية المشكلة هي أن أباهم مشغول عنهم بأمور الخير من قرآن ودروس للعلم ومساعدة الناس وقضاء حوائجهم وهو ليس عنده استعداد للجلوس معهم وتربيتهم بحجة أنني عندي بعض العلم وقادرة على التربية وقد كفيته هذا الأمر وهذا ما يردده علي كلما ناقشته بأمر التربية!!!!! علما إني أقوم ببعض الواجبات الدعوية وقد بدأت أقلص من هذه النشاطات حرصاً على بنياتي لأني أحسست أنهن وصلن مرحلة هم بأمس الحاجة إلي وخاصة ابنتي الكبيرة فإني أعاني منها كثيراً فهي تمتاز بعقلية فذة وذاكرة قوية ولله الحمد ولكن بدأت تحس بغربة بين زميلاتها وقريباتها بدعوى عدم التزامها بما يسمى كذبا وبهتانا " الموضة " من بعض الملابس والأزياء المخالفة للشرع..!!! حتى وصلت إلى درجة الانطوائية ففي الإجتماعات العائلية تنزوي في مكان ولا تذهب مع من هم في سنها وأناقشها في هذا الأمر فتبين لي بعد إلحاح أنهم لا يريدونها وهذا ليس نقص في شخصيتها أو عدم قدرة في الحديث معم أو عدم أناقتها بل إنها أذكى منهم جميعا وأشطر منهم جميعا حتى أن بعض أقاربها يتعجبون من ذكائها وفطنتها لأنهم يقارنون بينها وبين بناتهم فيجدون الفرق واسعاً كذلك أناقتها فإننا نشتري لها أفضل الملابس وأجملها حتى لا تحس بالنقص بل وتنال إعجاب الجميع بتسريحتها وأناقتها إلا أن لبسها لا يستحسنه أترابها لأنه لبسُ متحشم!!
القضية هي ذكائها الذي أتعبنا أو أتعبني أنا لأن أباها مهما كلمته فهو في وادٍ ثاني كما أسلفت من طلب اعلم وتعليم الناس وقضى حوائجهم ... الخ..!!!!؟(19/293)
فكرت أن أشغلها في إدخالها معهد للحاسب الآلي وهذا لا فائدة فيه لأنه تقريباً قد ألمت بجميع البرامج وتعلمت الكثير بل إن الناس يتصلون عليها إذا حدثت مشكلة في الحاسب فتحلها لهم فأصبحت تلح علي بإدخال الإنترنت وبالفعل اشتركنا وأدخلنا المواقع الإسلامية فقط وسمحت لها أن تتصفحه وكانت في البداية تصفحات بريئة فتطور الأمر إلى أشياء لم تكن بالحسبان فبحكم ذكائها استطاعت أن تضع لها موقع وإيميل وما سنجر وتدردش فتداركت الأمر وحسمته وألغيته وعاتبتها وناقشتها وأبدت أسفها لي واستغفرت وتابت والسبب يعود لتساهلي معها في هذا الأمر ولكن لم أتخيل أن تصل البنت لهذه الدرجة في استخدام الانترنت المهم الحمد لله حسمت الموضوع وانتهت هذه القضية بسلام والآن تعاني ابنتي من فراغ كبير حتى أوقات الدراسة لأنها تنتهي من واجباتها بسرعة عجيبة وتحفظ القرآن بسرعة.. وتأتي إلي تجادل وتتأفف من وضعها في البيت فهي انحر مت من الإنترنت ومن التلفزيون ولا تريد مشاهدة الفيديو ولا تريد اللعب بالحاسب ولا تريد القراءة باستثناء المجلات والقصص وقد جربت معها جميع الوسائل ولا فائدة حتى أصبحت تجلس في غرفتها ولا تخرج إلا نادراً وإذا خرجت جلست قليلاً وهي صامتة لا تتكلم أو تخلد إلى النوم وهو ليس وقتاً للنوم والأب لا يهتم بهذه القضية وإني أخشى عليها من هذا الكبت الذي تعيشة في بيتها أن يولد شيئاً آخر وهذا الشيء سيمر على إخوتها من بعدها لأن هذه طريقة حياتنا..!!!؟ فهل أعيد التلفاز لهن لعله يقضي عنهن بعض الأوقات ولا تقولوا لي أحضري البديل في الأفلام الكرتونية الإسلامية فإن الأدراج قد فاضت ولكنهن يردن الجديد والجديد فقط..!! فهل جميع طلبة العلم هذا حالهم مع أهلهم وأولادهم أم أنني وحدي أعاني أنا وبناتي من الوحدة والفراغ وماذا أفعل مع أبنائي عامة وا بنتي الكبيرة خاصة.. أريد حلاً عاجلا ولكم جزيل الشكر.
الجواب
أختي الكريمة أشكر لك ثقتك وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد وأن يرينا وإياك الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبسا علينا فنظل أما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:-
أولا: أعانك الله ووفقك.. صدقيني استشعر ما تعانينه من هم ولكن أبشرك بأنك بإذن الله مأجورة غير مأزورة فأنت تقومين بعمل عظيم يتعلق بمتابعة أبنائك وتربيتهم التربية الصالحة.. فهل هناك أفضل من ذلك..؟! فاستمري وثقي أن ما تقدميه في هذا المجال من جهد وعرق وتعب ستجديه في وقت أحوج ما تكونين إليه.. فاحتسبي هذا الجهد وهذه الغيرة على أبناءك.. والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.(19/294)
ثانيا: أما موقف زوجك هداه الله.. فما هكذا تورد الإبل.. فقد أقر صلوات الله وسلامه عليه ما قاله سلمان الفارسي لأبي الدرداء رضي الله عنهما: إن لبدنك عليك حق ولأهلك عليك حق فأعطي كل ذي حق حقه.. الحديث، فالإسلام دين السماحة والشمولية.. والأبناء فعلا يحتاجون إلى والدهم ليلاعبهم ويؤدبهم ويستمع إليهم.. ومها كانت والدتهم متعلمة وحريصة فهي في النهاية يد واحدة واليد الواحدة لا تصفق كما يقال!!! وأقول لك جميل لو ذكرتيه مرة وأخرى..بهدوء بحاجة الأولاد إليه ليجعل لهم جزء من وقته.
ثالثا: أما عن ابنتك أصلحها الله وجعلها قرة عين لوالديها هي وإخوتها.. فأقول أن ما تشعر به من ملل أمر عادي.. ويجب ألا تحملي الأمر أكثر مما يحتمل.. ولعل مرحلتها التي تمر بها ((المراهقة)) هي التي تصبغ تصرفاتها أحيانا بهذا الأمر والعزلة أحيانا وبعض المشاعر المتناقضة!! فراقبي الأمر بهدوء ولا تشعريها أن هذا الأمر يقلقك.. بل تعاملي معه وكأنه أمر عادي..لأنه فعلا أمر عادي..!!! فليس مطلوبا منا أن نحقق لأبنائنا كل ما يشتهون أو يتمنون بغض النظر عن رؤيتنا الشرعية والتربوية والإجتماعية..!! وأما ما تشاهده من قريباتها أو تسمعه.. فالواجب أن تشعريها بالثقة في النفس وأنها هي المحقة في تصرفاتها لسبب بسيط هو أن الشرع هو الذي أمرنا بذلك.. والمسالة: حلال أو حرام وليست مسالة ((موضة)) أو ((موديل)) أو ((أناقة)) وما سوى ذلك من الأمور المباحة فالحمد لله وفروا لها ما استطعتم بضوابط معينة.. تدرك معها أن الحياة لا تحقق لنا كل ما نتمناه.. ومثل هذه التربية تشعرها بأن مطالبنا وأحلامنا قد لا تتحقق.. وهذا لا يعني الإنكسار والحزن.. وطلب الشفقة..!!! وهي نقطة أساسية في بناء شخصيتها المستقبلية.. حتى ولو سمعتي منها التذمر والشكوى.. وربما البكاء فهذا أمر عادي جدا.. ففي العالم آلاف المرضى والجوعى والأيتام والمحرومين.. ماذا نقول عنهم؟!! ضعيها في الصورة لتدرك حجم النعمة التي تعيشها.. وذكريها أن الدنيا دار ممر للآخرة وأن النعيم هو نعيم الجنة..جمعنا الله وإياكم ووالدينا وذرياتنا بها.
رابعا: جميل لو استغليتي ذكائها بإكسابها بعض الهوايات مثل الرسم والقراءة وسيتبع القراءة محاولة الكتابة ... فشجعيها على كتابة بعض القصص والمذكرات وهناك العديد من الكتب والقصص والمجلات المفيدة جدا لمثلها. وجميل لو أحضرت لها بعض كتب السيرة وقصص الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم وأرضاهم وغيرها من كتب التاريخ.. فستجد فيها الكثير من القيم والأفكار والعبر..إضافة إلى مجلات مثل الأسرة والشقائق ومجلة ولدي والفرحة وغيرها الكثير من المجلات الهادفة إضافة إلى بعض مجلات الأطفال كمجلة ماجد وسنان.. فهذه الأمور ستستقطع جزءا كبيرا من وقتها.(19/295)
*وهناك فكرة أن تتعلم دورة في الكمبيوتر على برنامج ((الفوتوشوب)) أو ((الفرونت بيج)) وهي برامج للتصميم والرسم.. فيها جانب كبير من جوانب الإبداع تستطيع من خلالها أن تعمل على جهاز الحاسب الآلي.. وربما استفاد من جهدها وإبداعها العديد من الجهات.. وقد تستثمر هذا الأمر في الدعاية والإعلان.. فمعظم هذه الوكالات الدعائية تعتمد كليا عل برامج التصميم تلك!
* أمر آخر.. ماذا لو اتفقت معها على تعلم العديد من الأطباق وصناعة الحلوى.. وغير ذلك ووضعت لذلك برنامجا أسبوعيا.. لتصنعي منها - كما يقال- امرأة مطبخ من الطراز الأول.. وشجعتيها على ذلك.. وكل هذه الأفكار وغيرها ستملأ وقتها وتستثمر ذكائها وتكسبها الثقة في نفسها.. وبالتالي بمجرد أن تتجاوز هذه المرحلة سيختفي الكثير مما تشاهدين حاليا.
خامسا: لقد كدت أن تورديها الهاوية عن طريق الإنترنت وغفلتك عنها أثناء تعاملها معه فالحمد لله الذي أيقظك من هذه الغفلة..!! لماذا.. لأن لدي العشرات من القصص والمشكلات التي سببها ((الإنترنت والغفلة)) فكوني على حذر كبير.
سادسا: أما مسألة لباسها واحتشامها فذاك من فضل الله.. أسأل الله لك ولها الهداية والسداد والرشاد والثبات حتى الممات.. وأوضحي لها أن كل امرىء بما كسب رهين.. وكل سيحاسب بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر.. ولا يحزنها عدم تقبلها أحيانا من بعض أقرانها.. فهذه أمور ثانوية تزول سريعا..!! والمهم ألا تتعاملوا معها أنت وهي بحساسية.
سابعا: قبل هذا وبعده الدعاء بأن يوفقها الله ويصلحها ويهديها إلى كل خير وأن يحرسها ويقيها من كل شر.. وألحي على الله بالدعاء وتحري في ذلك مواطن الإجابة.. فالله قريب مجيب.
ثامنا: حاولي - كما أسلفت - ألا تشعري أبنائك بأنهم مظلومين ومساكين.. وأنهم محرومين بل على العكس عددي لهم الإيجابيات الموجودة لديهم وتعاملي معهم بشكل طبيعي ولا تقلقي فالأمر إن شاء الله طبيعي ولا يدعو إلى القلق.. بل يستوجب الحذر!! وفقك الله لما يحبه ويرضاه.(19/296)
أهلي يعوقون تربيتي لأبني
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/عقبات في طريق التربية
التاريخ 09/05/1425هـ
السؤال
أنا أم لولدٍ عمره 11 سنة، ومنفصلة عن والده منذ ما يقارب 10 سنوات، أعيش مع أهلي، وأحاول عمل كل ما بوسعي أن أربي ولدي التربية التي يرضاها الله -سبحانه وتعالى-، وأن أصل إلى هدفي فيه؛ بأن يكون من أئمة المسلمين، الهادين المهتدين -إن شاء الله القدير- والحمد لله- أن الله هدى لي هذا الولد، وحبب له الدين والصلاة، وكان له نصيب من اسمه.
لكن مشكلتي هي أهلي -وأخص والدي-، فأنا كل ما أحاول أن أسعى إلى تحقيق الهدف أجد أبي بالمرصاد، لا كرها له في الدين، بل خوفاً على ولدي ألا يستوعب هدفي، فمثلا عانيت الكثير لكي أجعله يذهب لحلقات الذكر وحفظ القرآن، والدي يقول: حرام عليك هذا صغير ودروسه أهم، لا تضغطي عليه لكي لا يكره الدين، وآخر ما حصل أنه منعه من الصلاة في المسجد، صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ خوفاً عليه من الاختطاف، (بحجة أن طفلاً اختطف في حينا) ، مع العلم أن حيّنا راقٍ جداً، وكل من يصلي في المسجد يعرف ولدي ويحبه كثيراً، حاولت أن أشرح له وأقنعه، ومع أنه يقتنع دائماً برأيي، ويعتبر أني راجحة العقل في كل الأمور، إلا هذا الشيء، أصابني الحزن كثيراً؛ لما أجده من معارضة في كثير من هذه الأمور، ولا أريد أن أدخل في عقوق الوالدين (ووالدي استغل خوفي من العقوق خير استغلال) ، وفي نفس الوقت أريد لابني أن يحقق هدفي، فكثير من الأحيان أخجل منه عندما لا أجد مبرراً له عن فعل أبي، وأخجل من نفسي أمامه وأنا أقول له: أنت ومن مثلك سيرجع لهذه الأمة مجدها، أعلم أنه يفهمني جيداً، وأنه متحمس جداً، لكني أخاف إن سألني يوماً: لماذا يرفض جدي أن أكون كما تريدين؟ ماذا أفعل؟ وماذا أقول له؟ والله أكتب هذه الكلمات ودموع الحزن في عيني، فإلى متى؟ وما العمل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الكريمة: -سلمها الله ورعاها- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة، والجواب على ما سألت كالتالي:
أولاً: أحمد لك حرصك على ولدك، واهتمامك من أجل تربيته تربية سليمة صحيحة على الدين والخلق، وهذا بلا شك واجب عليك وعلى كل ولي من أب أو أم، ولو أن كل أم تستشعر هذا الأمر، وتفعل فعلك لكان حال أولاد المسلمين غير ما نرى، والله المستعان، لذا أنا أوصيك بالثبات على ذلك، وعدم الملل أو الكلل، واعلمي أن الله -عز وجل- يبارك هذا العمل ويحبه من عبده وأمته، فلتهنئي بحب الله ومباركته لعملك الطيب، وتذكري دائماً أنك إذا احتسبت هذا الأمر أنك على أجر عظيم وثواب كبير.(19/297)
ثانياً: تدخل والدك لعله -كما تقولين- من باب الخوف على الولد؛ لذا أنصحك بالاستمرار في نقاشه، وإقناعه بخطأ تصرفه، بأسلوب مؤدب وراق؛ لأن من يكبرنا سناً وفضلا يجب التأدب معه في الحديث غاية الأدب والاحترام، وألا نظهر الاستعلاء عليه، أو أننا نفهم أحسن منه، بل ينبغي إشعاره دائماً أنه الأعلم والأفهم، ولكن هذا لا يمنع أنه بشر يخطئ ويصيب، وأن ما تفعلينه يأمر به الدين، وذكريه بالأحاديث الواردة في تربية الولد، وقربي منه كتباً تعنى ببيان ذلك ككتاب: (مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة) للدكتور عدنان باحارث؛ فإنه مفيد في بابه.
ولا بأس أن تشركي معك في النقاش أو الإقناع آخرين من العائلة، لهم وزن وثقل في التأثير على أبيك في هذا الأمر، كما أنه من المفيد إشعار إمام المسجد أن يتكلم عن هذا الموضوع في خطبة أو درس عام؛ ليسمع أبوك وغيره منه، فيكون له تأثير من حدة الموقف.
ثالثاً: لا تحزني ولا تيأسي من تغير الحال، وكوني أكثر ثقة وطمأنينة أنك ستصلين إلى حل بطول الصبر، واستمرار الحرص، وإظهار القناعة التامة بصحة سلوكك في التربية.
رابعاً: استمري في إقناع ولدك بصحة ما يفعل، وأن الإنسان يبتلى بسبب دينه، وأن معارضة جده ليس سلوكاً صحيحاً، ولكن لا يعني كرهه أو بغضه، وإنما نحاوره ونقنعه، ونبين له خطورة مخالفة الرب في أمره، فقد أمرنا بالصلاة وأدائها في أوقاتها مع جماعة المسلمين.
خامساً: اجعلي ولدك يكون له نصيب من الحوار، وعلميه الهدوء والأدب في ذلك؛ لأن سماع الجد منه له تأثير في ذلك.
سادساً: من الضروري أن يكون لولدك أصحاب صالحون يعينونه على ما هو فيه، ويكونون له أعواناً على طاعة الله، وهذا عامل يساعده على الثبات، ويساعدك في تربيته.
سابعاً: أكثري له من الدعاء في ظهر الغيب، وألحي على الله أن يصلحه ويحبب له الإيمان ويزينه في قلبه، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان.
ثامناً: أنصحك بالقراءة في الكتب والمجلات (كمجلة ولدي) والتي تعنى بالتربية بالأساليب الحديثة في ذلك، وكذلك سماع الأشرطة في هذا الموضوع، وخصوصاً أشرطة الدكتور محمد الثويني وأمثاله؛ فإن في ذلك تطويراً في أساليبك، واستفادة كبيرة وعظيمة من خبرات السابقين.
وأسأل الله لولدك الهداية والرشاد، والثبات على الحق، ولوالدك الهداية والرجوع عن الخطأ، والاستقامة على الخير، ولكِ التوفيق والإعانة والقبول والسداد.(19/298)
ابنتي والإنترنت
المجيب د. فاتن بنت محمد المشرف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/عقبات في طريق التربية
التاريخ 26/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرا على هذا التواصل الدائم.
لي ابنة تبلغ السادسة عشرة من عمرها، اشتركت في إحدى المنتديات هي واثنتين من زميلاتها بأسماء مستعارة، وكنت أراقبها منذ البداية دون أن تشعر، ولم أجد شيئا يقلقني عليها، ولكني أريد استشارتكم في هذا الأمر؛ لأني أخاف أن يتطور إلى أكثر من ذلك، خصوصاً أن هناك أعضاء ذكوراً، كيف أتعامل معها؟ هل أخبر أباها لأنها؛ تسمع كلامه وتخافه؟ أم أكتفي بالكلام معها وتوجيهها؟ مع يقيني بأنها لن تقتنع بكلامي، وستعتبر أني أعطيت الموضوع أكبر من حجمه، ثم إني أخاف من ردة فعلها وقولها بأني أتجسس عليها، وبالتالي تأخذ حذرها مني، أفيدوني؛ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخت الكريمة السائلة: إن مما يسر حرصك الدائم على ابنتك، ومحاولة مراقبتها دون أن تشعر؛ لأن هذه السن (16 سنة) سن المراهقة الذي لا بد فيه من المراقبة ومن ثم التوجيه للفتاة خاصة في هذا الزمن، ومن المبادئ للتربية الناجحة الصحيحة ألا يعطى الأولاد كل ما يطلبونه إذا كنا نعرف أنه قد يجرهم إلى ما فيه الشر، ومن الخطأ أن الفتاة في مثل هذا السن يوفر لها الدخول في المنتدى؛ لأنها غير ثابتة وغير ناضجة عقلياً، فلا تعرف الخطأ من الصواب، والنافع من الضار، وهي في سن توهج عاطفي فيسهل استدراجها من قبل العابثين بعقول الصغيرات والمتلاعبين بعواطفهن، وقد تدخل على مواقع إباحية بطريقة أو بأخرى، ثم يتغير مسار الفتاة، وإن لم تعمل ذلك فلا أقل من تضييع الوقت في سفاسف الأمور غير النافعة، فأرى أن تقومي بالتوجيه المستمر لابنتك دون أن تعلم أنك اطلعت على شيء من ذلك، ومن ثم إذا انتهى الاشتراك في المنتدى عدم التجديد لها، ويمكن أن يكون الرفض من قبل الوالد لأي عذر، وأيضاً يوضع الإنترنت في موقع عام في البيت كالصالة التي يرتادها جميع من في المنزل؛ حتى لا تستطيع استعمال ما لا يليق، أو الدخول في مواقع أخرى، وأخيراً: فلا بد من الوصاة بالدعاء، ادعي الله أن يصلح الله ابنتك ويهديها ويدلها على الخير، وقد قال الله -تعالى-: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" [البقرة: 186] . أسأل الله لك التوفيق.(19/299)
تربية الابن في بلاد الغرب
المجيب خالد بن التاهرتي
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/عقبات في طريق التربية
التاريخ 23/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
ابني عمره 15 سنة، وهو يمتلك قدرة رائعة على حفظ القرآن، لكنه يفعل أي شيء للابتعاد عن المسجد والصلاة، جربت معه كل شيء، وحرمته من أغراضه الشخصية مثل ألعاب الفيديو، وزيارة أصدقائه، ومشاهدة التلفاز، علماً بأن لديه كثيراً من الأصدقاء غير المسلمين، وبعض المسلمين غير الملتزمين، وعنده صديقان من المسلمين الجيدين، ونتشاجر معه أنا وزوجي في سبيل إصلاحه، (والده غير مسلم وقد تنازل لي عنه قبل إسلامي) هددته بالطرد من البيت، وأخرجته من المدرسة العادية؛ كي يدرس في البيت، ولا فائدة، بماذا تنصحونني؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد اطلعت على ما كتبت الأخت الكريمة, طالبة النصح والتوجيه في مسألة أسالت الكثير من الحبر, وأقضت مضاجع جموع غفيرة من المسلمين في بلاد الكفر, فأقول -وبالله التوفيق -
أولاً: قديماً قيل: إن المصائب يجمعن المصابينا, وحالنا هنا في أوروبا لا تختلف كثيراً عن حالكم في أمريكا.
فمشكاة المشكلة, وسبب المعضلة واحد، إنه مجاورة أمم ومجتمعات لا تدين بما ندين الله به, عقيدةً وسلوكاً, ومنهجاً ونظاماً, فتيارها جارف, وفسادها وارف, ليس العجب فيها ممن هلك كيف هلك, وإنما العجب ممن نجا كيف نجا، وبعيداً عن مجالس المغتربين الخائضين في الأحلام والآمال, أو المشتغلين بالخصومة والجدال, أو المشغولين بالوظائف والأعمال, نخسر في كل شوط من فلذات أكبادنا أضعاف ما نربحه بدخول بعض الكفار إلى الإسلام، وليس الخبر كالمعاينة، فالأزمة جماعية, وحلها ينبغي أن يكون جماعياً, يشارك فيه الجميع ـ في بلاد المسلمين وغيرها ـ بحثاً عن مخرج لما وقعنا فيه، وأوقعنا نسلنا فيه, والله المستعان
ثانياً: إن بذلك للجهد, واستفراغك للوسع, ومكابدتك للمشاق في سبيل صلاح ابنك, هو امتثال لما أمرنا الله به في كتابه:"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً.." [التحريم: 6] ، وأمره لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "وأمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " [طه: 132] ، وهو اقتداء بالأنبياء الكرام في تربية أهلهم, قال الله -تعالى- عن إسماعيل عليه -الصلاة والسلام-:"وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا" [مريم: 55] ، إذاً هي طريقة شاقة, لا تستلزم صبراً فقط, وإنما اصطباراً, وغاية في الجلد والمثابرة دون يأس وقنوط, ليلاً ونهاراً, سراً وجهاراً, بالترغيب تارةً, والترهيب أخرى, بالكلمة الحانية, والدعوة الخالصة, والدمعة الدافقة, والضمة الحارة, بإهداء كتاب أو شريط, أو الدلالة على موقع إسلامي نافع، ووسائل الإصلاح كثيرة لن تعدميها -إن شاء الله-، وهكذا فأنت تتحملين وظيفة عظيمة, إنها معالجة نفس بشرية بكل تعقيداتها, وما شابها من لوثة التقليد للكفار ومخالطتهم.(19/300)
ثالثاً: إن خطر الانفتاح على الغرب عبر نافذة الإعلام أحدث من الشر ما لا يخفى في ديار المسلمين, فكيف بفتى صغير يعيش في عمق تلك النافذة, يرتاد المدارس التي تنتشر فيها الفواحش والمحرمات, ورفقاء السوء بالمرصاد يهدمون ما يبنيه الآباء والأمهات بكرة وعشياً، نُشِرَ تقرير هنا في سويسرا قبيل أشهر, يحذر خبراؤهم من عواقب إدمان الحشيش على التلاميذ الذين يفتتحون اليوم الدراسي بتعاطيه، والحشيشة عند هم من الصغائر.
ـ من عادتي زيارة إحدى أسر المسلمين التي تشتت أوصالها بالطلاق, فاكتشفت أن الابن الأصغر قد أصبح ميالاً لعمل قوم لوط, ولا يعلم أحد من أهله بالمصيبة, فلا حول ولا قوة إلا بالله، والقصص كثيرة، ورحم الله القائل:
وما ينفع الجرباء قرب صحيحة إليها ولكن الصحيحة تجرب
رابعاً: اهتمامك بحال ابنك دليل على يقظة ووعي, فقده - للأسف- كثير من المغتربين لم يصحوا إلا بعد فوات الأوان، وهو إبراء لذمتك أمام الله -تعالى- وإعذار إليه, فاثبتي على النصح, واجلسي مع حبيبك جلسة الأم الحنون المشفقة على وليدها, أظهري له الحب والتقدير، اسمعي كلامه, واسأليه عن همومه وأشجانه, وأحلامه وأهدافه؛ حتى يجد العوض عما فقده من جهة الأبوة.
خامساً: شجعيه على حفظ المزيد من كتاب الله -تعالى-, واسأليه عن معنى آية كذا؟ وكيف ترجم معناها إلى الإنجليزية؟ واذكري ابن فلان الذي حفظ سورة كذا، وسورة كذا, واطرحي الأمر على إخوانك في المركز الإسلامي، والمدرسة القريبة؛ ليستوصوا بابنك خيراً.
سادساً: سليه:"ما أخبار أصدقائك الصالحين؟ ", واقترحي أن يدعوهم للأكل عندكم, وللمبيت أحياناً, وللاجتماع لمراجعة الواجبات المدرسية, وللخروج للنزهة والرياضة.
سابعاً: حدِّثيه عن حلمك يوم ترينه رجلاً, ورب أسرة ناجحاً, معتزاً بدينه, قوي الشخصية, صلب العزيمة, ليس تابعاً لكل ناعق من أصدقائه, واصرفي نظره لما يقع لإخوانه الشباب بأرض فلسطين وغيرها، فإذا أحس حينئذ أن له موئلا يبث إليه مشاعره - ولن يجد خيراً من أمه - فلن يذهب بعيداً عنك إذا تقدمت سنه, واكتمل عقله , وسيذكر كلماتك وإرشادك , ولا تستعجلي النتيجة والثمرة,
ثامناً: لتكن العقوبة بمقدار الملح في الطعام, واحذري نفوره عنك بسبب ذلك؛ فإنه يعيش في بلاد ستوفر له جراية شهرية ومسكناً مستقلاً, فإنما هي فترة المراهقة وتمر, فعليك بالصبر واحتساب الأجر.
تاسعاً: الهجي بكثرة الدعاء له في السجود وجوف الليل، وأوقات الإجابة, وألحي، وتضرعي، وأيقني بالإجابة؛ فإن الله -تعالى- لن يخيب ظنك، ولن يترك سعيك.
عاشراً: واعلمي ختاماً - بارك الله فيك - أنه بحسب طاعتك لله وإخلاصك
سيحفظ ابنك, فإنه -سبحانه- بعث موسى والخضر - عليهما الصلاة والسلام - لبناء جدار يحفظ كنز الأيتام , والسبب ... "وكان أبوهما صالحا " [الكهف: 82] .
أسأل الله -تعالى- أن يوفقك لما فيه الخير، وأن يحفظ ذرية المسلمين أجمعين, والله أعلم.(19/301)
ضريبة باهظة!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/عقبات في طريق التربية
التاريخ 20/11/1422
السؤال
نعيش في بلد غربي بحكم الضرورة، لدينا أولاد، وأكبرهم بنت عمرها خمس عشرة سنة، ومشكلتها أنها تعيش بين حالتين متناقضتين: حالتها معنا جو إسلامي، هذا حرام وذاك حلال، وحالة خارج البيت في المدرسة حيث العكس.. تعاني لأنها لا تجد بنتا مسلمةً تتخذها رفيقة لها، رغم وجود عدد كبير من البنات المسلمات. وأخيراً وجدت بنتًا محجبة تحولت إلى مدرستها وفرحنا كثيراً، وبعد مدة تبين لنا بأنها قد تشكل خطرًا تربويًا كبيرًا على بنتنا. حاولت كثيراً معها لإصلاحها ولكن دون فائدة. وأخيراً قدّر الله أنها انتقلت مع أهلها إلى مكان بعيد عنا. والآن بنتي دون رفيقة وهي تعاني من ذلك.. وأصعب وقت عليها أيام العطل الأسبوعية، وأعيادنا , والعطل المدرسية الصيفية والشتوية. رغم هذه المشكلة فهي من التلميذات المتفوقات. حاولت كثيراً أنْ أَجد لها من تناسبها من البنات فما وجدت بنتًا مناسبة، وجرَّبت بنتًا أخرى محجبة وكانت تؤثر على ابنتي سلباً، فابتعدنا عنها..!! وأما المراكز الإسلامية فعندنا مراكز كثيرة ومختلفة على أساس حزبي، وطني، قومي، وغير ذلك. ولو زارهم أحدنا وشاركهم فإنهم يعاملونه على أساس انتمائه، والمركز ليس مخلصاً مع الأعضاء المحايدين الذين هم ليسوا أعضاء في الحزب أو الجماعة..!! فماذا أفعل في مثل هذه ظروف..؟! وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
أخي الكريم، أشكر لك تواصلك وثقتك، وأسأل الله ـ تعالى ـ لنا ولك التوفيق والسّداد والرشاد. كما أسأله ـ تعالى ـ أن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضِلّ.. أما استشارتك فإنها ذات شقين: الشق الأول: يتعلق بموضوع ابنتك.. والشق الثاني يتعلق بالواقع المؤسف الذي تذكره عن بعض المراكز الإسلامية!!
وأما تعليقي عليهما فمن وجوه:
أولاً: ما يتعلق بابنتك.. فهو - لعمري - أمر خطير.. وهو ولا شك ضريبة باهظة يدفعها أولئك المغتربون في تلك البلاد المختلفة عنا في كل شيء!! وعليه فما تجده يجده الآلاف من الغيورين على أعراضهم ودينهم ممن ابتلوا بالعيش هناك..!! أسأل الله أن يعينهم ويسددهم ويحميهم من كل سوء.
ثانياً: مشكلة ابنتك يجب أن تتعامل معها بحذر وتروٍ..!! وقد تجهد لذلك أشد الجهد.. ولكن.. هذا قدرك وهذا نصيبك.. فاسأل الله العون.. وابذل ما استطعت من الأسباب.(19/302)
ثالثاً: أعرف تقريباً حجم المغريات والتحديات التي يواجهها الشباب والفتيات في تلك البلدان، وهذا ما يجعلني أؤكد على عظم المسؤولية الملقاة على أكتاف من اضطروا للعيش هناك.. إضافة إلى أهمية " التحصين الداخلي " للأبناء وتبصيرهم بما قد يواجهون وكيفية التعامل مع ذلك.. مع المتابعة وإتاحة أكبر فرصة لجلوس الوالدين معهم ومناقشتهم ومشاركتهم همومهم.. واستغلال أي فرصة لاصطحابهم إلى بعض الأماكن الترفيهية لتعويض الأوقات الطويلة التي يشعرون فيها بالملل.. مع محاولة توفير بعض وسائل الترفيه البريء داخل المنزل لملء أوقات الفراغ لديهم وربطهم ربطاً كاملاً بالله.. كأداء الصلاة في وقتها، وقراءة شيء من القرآن الكريم، وبعض الأذكار والأوراد اليومية.
رابعا ً: جميل منك هذا الاهتمام بمسألة " الجليس ".. فالمرء من جليسه.. ولا تنْس يا عزيزي أن الوحدة خير من جليس السوء، فيجب أن يُبَصّر الأبناء بهذه الحقيقة.. ولعل ارتباطهم الكامل بالله يقيهم - بإذنه تعالى - كثيراً من المزالق.
خامساً: الله.. الله.. بالدعاء الصادق بأن يحفظك الله، ويقيك وذريتك من كل سوء؛ فالله قريب مجيب، يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
سادساً: أما عن حكاية المراكز الإسلامية، وما تفضلتم بذكره حولها.. فالله نسأل أن يصلح الشأن، ويوحّد الكلمة ويصفّي القلوب، ويبعد عنا جميعاًُ أسباب الفرقة والاختلاف. إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
وفقك الله وحماك، وسدد على طريق الخير والحق خطاك.(19/303)
تأتيها خواطر جنسية عند النوم
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقا-ً
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا الشباب المعاصرة
التاريخ 06/11/1425هـ
السؤال
ماذا أفعل في الخواطر الجنسية التي تأتيني، وعلى الأخص عند النوم، لا أدري ماذا أفعل، فأنا أخاف الله كثيرًا، وأدعوه كثيرًا أن يخلصني منها، ولا أدري إذا كانت ليس فيها حرمة أم أنها عوامل نفسية، فهي تأتيني عند النوم، وأتخيل ما يحصل بين المرأة والرجل في الخلوة، ولكن ليس معي، فماذا أفعل؟ أعينوني فأنا أخاف يوم الحساب.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ابنتي: أولًا: أن تأتي إليك الخواطر الجنسية فهذا شيء طبيعي، والشيء الذي ينبغي أن تقلقي منه لو لم تأتك هذه الخواطر، لأنه يدل على أن عندك برودًا في غريزتك، فمن كانت في مثل سنك فمن الطبيعي أن يكون لديها هذه الشهوة وهذه الرغبة.
ثانيًا: هذه الأفكار ليست مما يحاسب الله عز وجل، العباد عليها، وليست مما يأثم الإنسان به إذا أتته من غير استدعاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ". أخرجه البخاري (5269) ومسلم (127) . فما دامت مجرد خواطر عابرة فهي ليست مما يأثم به الإنسان.
ثالثًا: ليست المشكلة في هذه الخواطر، ولكن المشكلة في الاستمرار معها واستدعائها، وكثرة التفكير فيها، بحيث تتحول من خواطر عابرة إلى إدمان، وربما صاحب ذلك التفكر ثورة الغريزة الجنسية، أو الوقوع في العادة السرية، أو الوقوع فيما هو أكثر من ذلك، فلذلك إني أنصحك في اتخاذ خطوات تمنعك من الانسياق وراء هذه الخواطر والاستمرار معها، وذلك بأمور منها:
1- عدم الذهاب إلى الفراش إلا عندما يكون النوم قد استولى عليك تمامًا، ولا تذهبي إلى الفراش وأنت لا زلت في حال يقظة كاملة.
2- عليك عند الاستيقاط من النوم القيام فورًا من السرير، والذهاب لغسل الوجه واستئناف النشاط، وعدم البقاء في السرير بعد الاستيقاظ من النوم.
3- عليك بالمحافظة على الصلوات قبل النوم بأن تكوني على وضوء وتصلي صلاة الوتر وتذكري الأذكار، ثم تقومي بقراءة القرآن إلى أن يغالبك النوم، ثم تذهبي إلى فراشك وأنت على طهارة بعد قراءة القرآن.
4- عليك بإشغال نفسك بهموم وقضايا جادة في حياتك، بحيث يكون عندك ما يشغلك، فإن الذهن والعقل بطبيعته إذا لم يكن مشغولًا بأمور جادة، تشاغل بهذه الأمور كالأفكار الجنسية ونحو ذلك.
5- عليك بتقوية علاقتك بمجموعة من الفتيات الصالحات، بحيث تكون حياتك الاجتماعية مشغولة بعلاقات مفيدة ونافعة.
6- عليك بالصوم فإن الصوم مما يرفع قوتك ومعنويتك.
7- عليك بالاستعداد للزواج بحيث إذا أتاك الزوج الصالح المناسب للزواج أن تقبليه، وألا تتأخري في الزواج ما دام عندك هذه الرغبة، والله يعينك ويوفقك، وسأدعو الله لك بالتوفيق والسداد والإعانة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(19/304)
أخي والانترنت.. والفراغ..!!!
المجيب د. عبد العزيز الصمعاني
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا الشباب المعاصرة
التاريخ 17/3/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
مشكلتي مع أخي الصغير صاحب أل 13 عاماً فهو أصغر فرد في عائلتنا.. وفي الفترة الأخيرة زادت الساعات التي يقضيها على الشبكة لمحادثة رفقائه الذين هم في عمره ومن هم أكبر منه ولقد تعرف في الفترة الأخيرة على شخص لا أدري بالضبط كم عمره ولا من يكون بالضبط ولكن هذا الشخص بدأ يرسل لأخي الصور الخليعة على بريده الإلكتروني والمصيبة أن أخي هو من يطلب منه ذلك ولقد كشفت هذا الأمر عندما جلست دون علم أخي وفتحت بريده الإلكتروني لأفاجأ بتلك الصور اللعينة، وعندما علم أخي بذلك أنكر معرفته بذلك الشخص ولكني قرأت رسالة ذلك الشخص الذي يقر بأن أخي هو من يطلب منه هذه الصور..!! بصراحة لا أعرف كيف أتصرف مع أخي الصغير المراهق وخاصة أنني لابد أن أكون حذرة في التصرف معه لعلمي بحساسية المراهق في هذه الفترة وتمرده أفيدوني أفادكم الله.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
أختي الكريمة أشكر لك ثقتك واتصالك في موقع الإسلام اليوم..
يبدوا أن أخاك يعاني من فراغ وهو من أخطر الأشياء التي تواجه الشاب أو المراهق..!!! حيث يكون وقت فراغه أكثر مما يستوعبه ولهذا _ كما ذكر أحد علماء الاجتماع _ أصبحت تقنية قضاء ساعات الفراغ والبطالة اليوم من أصعب القضايا التي واجهتها شعوب العالم..!!
أخوك اختار أن يقضي فراغه بالجلوس كثيراً مع الإنترنت وحيداً بنفسه ولا يخفى عليك أن الإنترنت فيه خير وشر وأخوك في عمر حساس كما ذكرت وهو في عمر التجريب والمجازفة وهذا خطير خاصة إذا توفرت عوامل التجريب والمجازفة بدون تحكم أو مراقبة ولذلك قد لا ألوم أخاك كثيراً ولكن ألوم من حوله من الأخوة والأخوات وخاصة الأخوة القريبون من عمره حيث أنه بحاجة إلى صداقتهم مع ملاحظة وتوجيه الكبار له لذا نصيحتي لك هو بذل الجهد بأن لا يخلوا أخوك وحده على الإنترنت كثيراً وخاصة في المحادثات.. إضافة إلى تنوع وسائل ملء فراغه أي لا يقتصر على ملء فراغه على الإنترنت وهذا قد يتحقق بوجودكم حوله وتوفير وسائل مضمونة الفائدة بإذن الله.
على كل حال نحن بحاجة إلى أن نربي أولادنا التربية بالإقناع وبث الثقة عند الشخص ومراقبة الله وجعل الرقيب هو الله سبحانه وتعالى وهذا ضروري جداً وخاصة في هذا العصر والذي تكثر فيه المتناقضات وعوامل اللهو والإغراء لتلبية متطلبات الهوى والنفس التي غالباً ما تميل إلى الهزل وتسعى إليه.
وفقك الله لما فيه الخير وجزاك الله خيراً على حرصك على أخيك وانتباهك له.(19/305)
لهذا رضيتُ بالمقام في بلاد الغرب!
المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
عضو البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا الشباب المعاصرة
التاريخ 02/05/1425هـ
السؤال
أنا طالب، أدرس في بلاد الغرب، وقد منَّ الله علي بالهداية، واستقمت ولله الحمد والمنة، وهذا بفضل ربي بعد حياة كئيبة مليئة بالمعاصي والفواحش فالله الحمد، في هذه البلدة يوجد عدد كبير من المسلمين، وتوجد المساجد وحلقات العلم، ودروس تحفيظ القرآن، وأصبحت مكبا على حضور هذه الحلقات وإيماني ولله الحمد يزيد فادعوا لي بالثبات.
لكن تواجهني مشكلة وهي شعوري بعدم الرغبة لمجتمعي السابق، فأنا من المملكة العربية السعودية لكنني إذا ذهبت فترة الإجازة أتضايق، وأريد أن أرجع إلى بلاد الغرب، فأشعر أن هناك قيودا تقيدني عن الإبداع والإنتاجية، أشعر بأن أفراد المجتمع (محبطين) (مثبطين) وقد استغرقوا في المظاهر المادية (البحتة) فدائماً أفكر ماذا سوف أفعل إذا رجعت بعد الدراسة ينتابني إحساس بأني أريد العزلة بعيداً عن هذا المجتمع، ودائما أتذكر في بلاد الغرب المقولة (وجدت الإسلام ولم أجد مسلمين) فأراها حقيقة، مع العلم أني مدرك جيداً الأخطار التي تترتب على الجلوس في بلد الكفر وأنا على علم بالانحطاط الأخلاقي الذي هم فيه، فإذا واجهتني مشاهد أحمد الله على أن رزقني بنعمة الإسلام ومنَّ علي بالهداية وطريق الاستقامة. دلوني إلى الطريق الصحيح جزاكم الله خير الجزاء ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أسأل الله -تعالى- لك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأن يزيدك من فضله وتوفيقه، وأحسب أيها الأخ المهتدي أن الله -تعالى- أذاقك حلاوة الإيمان، فاعلم أن الإيمان درجات ومراتب، فاصعد في هذا السلَّم الشريف؛ تجد من الحلاوة والسكينة أعظم مما ذقت إن شاء الله "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات".
وأما شعورك بعدم الرغبة بمجتمعك السابق للأسباب المذكورة، فمرده إلى البيئة الخاصة التي تحيط بك حين عودتك، ولو أنك أجلت النظر، ودققت البحث لوجدت في أبناء المملكة خيراً كثيراً، وعملاً دؤوباً، كيف لا وجزيرة العرب مهد الرسالة, ومأرز الإسلام.
وأما مقام المسلم بين ظهراني الكفار فينبغي أن يكون بقدر الضرورة فقط، من تحصيل علم، أو دعوة إلى الله، أو قضاء حاجة لا بد منها، فقد تبرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن يقيم بين ظهراني المشركين، وأمر بالهجرة إلى بلاد الإسلام ونهى عن تعرب المهاجر؛ لما للبيئة من تأثير كبير.
ونحن لا ننكر أن يكون في بلاد الغرب بعض الجوانب الإيجابية، وأن يكون في بعض بلاد المسلمين مظاهر سلبية! لكن إيجابياتهم مضمحلة بجنب سيئة الكفر والفسوق والعصيان، وسلبيات المجتمعات الإسلامية مغمورة بحسنة التوحيد والطاعة والإحسان، وحري بمن منَّ الله عليه بالهداية أن يسهم في إصلاح مجتمعه وتحصنه وتنقيته.
وأما المقولة التي استشهدت بها من أن في بلاد الغرب إسلام بغير مسلمين! فغير صحيحة، إذ أن ما تشير إليه هي جملة من الأخلاق الإنسانية العامة التي يشترك البشر العقلاء في تبنيها وأما أخص خصائص الإسلام وهو توحيد الخالق وإفراده بالعبادة، والإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم- واتباعه، فمفقود في تلك المجتمعات الغربية، فأين الإسلام الذي وجده؟!.
أسأل الله أن يجعلك مباركاً أينما كنت، وأن يكتب لك الهداية والتوفيق.(19/306)
مفتون بالإنسان الغربي النصراني
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا الشباب المعاصر ة
التاريخ 29/08/1425هـ
السؤال
أنا أزعم أنني مؤمن مؤدٍ لواجبي تجاه الله -تعالى- وتجاه من حولي، وأحس أن نموذج الإنسان الغربي المسيحي أقرب لروح الإسلام وخلقه؛ لما امتاز به من صدق وحسن تعامل، وروح إنسانية لا أجدها عند إخواني المسلمين الذين هم الآن يعيشون في شقاق ـ واعذرني ـ ونفاق، وسوء أخلاق، فهل تراني أحاسب على هذا المعتقد؟ علماً أن هذا التفكير قد تغلَّب عليّ، بحيث أصبحت أنظر للمسلمين نظرة احتقار؛ بسبب ما يفعلونه في العالم من اضطرابات وقلاقل وفتن كما في أفغانستان وفي الشيشان وفي العراق، بل في بلاد الحرمين. أرجو مخلصاً أن تجيبوني بما هو منطقي مقنع، وليس بأسلوب الوعظ والإرشاد. والله وليّ التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الأخ الفاضل: مسألة المحاسبة سأبينها في آخر الرسالة. وأما رؤيتك السوداوية تجاه المسلمين وتجاه الغربيين ففيها تعميم واسع النطاق، فليس كل المسلمين سيئين، وليس كل الغربيين ذوي أخلاق.
فنحن نقرأ الكثير من أخبار الفضائح المالية الضخمة في تلك الدول، ولعل آخرها انهيار عدد من الشركات الأمريكية بسبب الكذب والاختلاس، كما حدث في أكبر شركة للكهرباء في الولايات المتحدة، وهي شركة (إنرون) وغيرها كثير، ومن الجانب الديني لعلك قرأت ما نشرته الصحف عن عدد من رجال الدين في الكنائس الأمريكية والبريطانية وممارساتهم الشاذة، واغتصابهم للأطفال القصَّر الذين تحت رعايتهم في دور الأيتام من إثارتها بقيت كالجمر تحت الرماد.
جرائم شذوذ تقود لتغييرات جذرية بكنائس فرنسا، قال مسؤولون قانونيون في فرنسا إن أوامر صدرت إلى أسقف فرنسي للمثول أمام القضاء في يونيو/حزيران المقبل، لمحاكمته جراء عدم قيامه بالإبلاغ عن قسيس تابع له أدين في تهم تتعلَّق باغتصاب وممارسة الجنس مع أطفال دون سن الخامسة عشرة.
ويواجه الأسقف (بيير بيكان) عقوبة السجن ثلاث سنوات إذا ثبتت إدانته أمام المحكمة. وكان قسيس يدعى (رينيه بيزي) يعمل تحت (بيكان) حكم عليه بثماني عشرة سنة سجنا في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لارتكابه 11عملية اغتصاب، وتحرش جنسي بأطفال قصَّر أثناء فترة عمله في أبرشية نورماندي بين عامي 1987 و1996، ويتمسك آباء الضحايا بمحاكمة بيكان لعدم تبليغه عن ممارسات بيزي الشاذة، وبدلا من ذلك قام بإرساله لتلقي العلاج النفسي لستة أشهر، مما اعتبر إساءة إلى أقارب الضحايا والرأي العام. بينما يرى محامي بيكان أن القضية تمس حق الأسقف في التكتم على أسرار معاونيه.
ويقول أحد آباء الضحايا: إنهم لا يرمون من محاكمة بيكان إلى سجنه، وإنما لإجراء تغييرات جذرية في نظام الكنائس في فرنسا. وكان الأساقفة الفرنسيون قد وعدوا بعد الكشف عن ممارسات رينيه بيزي بالتبليغ عن أي قسيس يرتكب مثل هذا النوع من الجرائم.(19/307)
وشهدت الآونة الأخيرة تورط العديد من القساوسة الكاثوليك في جرائم خطيرة، ففي يوم الثلاثاء الماضي رفضت محكمة الاستئناف في باريس استئنافاً تقدَّم به الأب (جيان ماري فينسان) الذي حكم عليه العام الماضي بالسجن خمس سنوات؛ لتحرشه بأحد عشر طفلاً من مرتلي القداس بين عامي 1992 و1997.
كما اتهمت فتاتان توأمان الأسبوع الماضي قسيسا يبلغ من العمر الآن 76 عاما بالاعتداء عليهما قبل 14 عاما، وكان سنهما آنذاك 13 عاما. ومن المقرر أن يمثل هذا القس أمام المحكمة يوم الاثنين المقبل، ليواجه ضحيتيه وجها لوجه، كما توجهان اتهامهما لأسقف الأبرشية أيضا بالتستر على الجريمة.
المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية نقلاً عن:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/767E9D8B-FA15-44DE-A451-4538086C18F3.htm
أدت شكاوى العوائل المسيحية المقدمة لدوائر القضاء الكندي ضد الرهبان الفاسدين المتهمين بارتكاب انتهاكات جنسية إلى حالة شبه قطيعة مع الكنائس، وتبين حيثيات كل اعتداءات أولئك الرهبان لدى المحاكم الكندية المختصة، أن الموضوع أعقد بكثير مما كان يعتقد، إذ إن اقتران جرائم اغتصاب النساء من قبل رجال الكنيسة في كندا ليست وليدة اليوم، ويمكنك الرجوع للرابط التالي لتقف على صور من أخلاق بعض الغربيين [جرائم الاغتصاب في الكنائس]
والغربيون هم الذين يثيرون الحروب في عدد من أنحاء العالم، وكيف يمكن وصفهم بالأخلاق وهم يتآمرون مع اليهود ضد الفلسطينيين، والعراقيين، والأفغان، مع أن العراقيين لم يسيؤوا لهم، ويستغرب من مثلك بالرغم مما يراه من التأييد الغربي الكبير للظلم في إسرائيل أن يرى في الغربيين كلهم قوما ذوي أخلاق.
أما مسألة القتل وأعمال العنف في بلاد المسلمين فهي خطأ، ولكن أسبابها من الغربيين أنفسهم الذين تسلطوا على بلاد المسلمين (العراق) ، وانظر إلى الغربيين وما يعملون في العراق: حيث تقوم قوات الاحتلال بالآتي:
1 - تحاصر المدن بالأسلاك الشائكة.
2 -وتقطع عنها الماء والكهرباء - إن وجدت - والمواد الطبية.
3 -وتحرم الأهالي من سبل العيش.
4 -ولا تسمح بعودة الناجين من الموت إلى بيوتهم، مثلما يحدث في تلعفر والفلوجة وسامراء والكوفة والنجف والعشرات من المدن العراقية.
5 -كما أن هذه الديمقراطية تستخدم أحدث التقنية التدميرية العسكرية في دك البيوت والممتلكات والمقدسات وتدميرها وتسويتها بالأرض؛ كي توفر على السكان المدنيين تكاليف هدم البيوت قبل إعمارها وفق خطة أمريكية شمولية لإعمار العراق.
6 - ومن أهم السمات الأخلاقية والروحية والدينية للديمقراطية الأمريكية أنها توزع القتل على كافة فئات الشعب العراقي باستخدام جميع أنواع الأسلحة من دبابات وطائرات ومدفعية وكلاب بوليسية تنهش المعتقلين، ووضع الأكياس على رؤوسهم؛ كي لا يخجلوا من عورات زملائهم، وإن شحت الأكياس استخدمت السجانات الملابس الداخلية لتغطية رؤوس الرجال العراقيين في (أبو غريب) .
7 - بل إنها تقدَّمت خطوة على كافة الأديان في أنها تقتل العراقيين، كي يفخر العراقيون بأن أبناءهم استشهدوا، ولا تلقي مسؤولية التمييز بالقتل على الأمريكيين.(19/308)
8 - وإذا لم يقتل لعائلة فرد خلال الستة عشر شهراً الماضية من "تحرير" العراق، فإن عليها أن تسرع بتقديم أحدهم كي يلحق بالركب قبل فوات الأوان، وقبل أن "تشك" الولايات المتحدة الأمريكية بأنه إرهابي.
والديمقراطية الأمريكية, كما تصورها شاشات التلفزيون ووكالات الأنباء والعراقيون الخارجون من أتون الجحيم.
9 - بيوت مدمرة.
10 - ونساء ثكلى.
11 - وأطفال يتامى، ومساجد يذكر فيها اسم الله على أصوات القصف وزعيق طائرات الهليكوبتر، وصراخ الطائرات الحربية، ونواح المسلمات، وسيارات إسعاف مدمرة؛ لأنها تحمل جرحى من النساء والأطفال المدنيين الذين يرفضون "الشهادة" الأمريكية، ويسرعون للعلاج من جروحهم الغائرة. الديمقراطية الأمريكية قيامة الدمار والخراب والدماء المسفوكة من أجل المصالح الأمريكية البريطانية الإسرائيلية. ومن يعترض يستشهد طوعا أو كرها, ولا خيار سوى الترحيب بالديمقراطية الأمريكية، ونموذجها الذي قال المسؤولون الأمريكيون إنهم يسعون لتطبيقه في منطقة الشرق الأوسط: أي على الدول العربية. والإرهابي هو من يناهض الأجنبي الذي تجشم عناء السفر مئات آلاف الكيلومترات لينشر الديمقراطية أعلاه في عقر دارنا: إنها دارهم
وإليك مقطعا من مقال آخر في الموضوع:
((إلاّ أنني أتعجب من هؤلاء الكتاب العرب الذين أصبحوا أمريكيين أكثر من الأمريكان أنفسهم، إذ اتخذ بعضهم هذا الحدث مناحة على القتلى الذين سقطوا، والحضارة التي هددت و.. .. وسقوط دولتين بدل البرجين، وكأنهم غائبون عن حقيقة أن ضرب العراق بدأ في التسعينات، حينما استدرج لضرب الكويت، ثم ضرب وحوصر حصاراً وحشياً لمدة عشر سنوات، وحين غزا الأمريكان العراق لم تكن حجتهم الإرهاب قطعاً، وإنما الزعم بوجود أسلحة دمار شامل لدى صدام وانكشف زيفها.
.. وما يدور الآن ليس تداعيات سبتمبر " كما يدَّعي الجميع غرباً وشرقاً، بل هو تطبيق لسياسة مرسومة منذ عقود بشهادة واضعيها. فلماذا يلبس الجميع الثوب الأمريكي بعد أن أصبح بالياً ورمته صاحبته في قمامتها.".؟
ومن مخازي الغزو الأمريكي والدعوة لرحيل القوات عن العراق، وكف يد الولايات المتحدة عن العراق، ودعوة الحكام العرب لمقاطعة قرارات الأمم المتحدة حتى تنفذها إسرائيل، والتضامن مع أي دولة عربية يصدر بحقها قرار من الأمم المتحدة بالمقاطعة، هذا كان واجب الكتاب السعي لتقوية الجبهة الداخلية ضد العدوان لا مساندة العدو.(19/309)
ومن الغريب أنه حين يتأمرك كتابنا يصدع كاتب أمريكي منصف بالحقيقة في هذا اليوم في (صحيفة الوطن) مؤنباً حكومته على تعذيب الأطفال الذي يجري في العراق، وهو الكاتب: سيمور هيرش، الصحفي في (نيويورك تايمز) الذي كان أول من كتب عن التعذيب في أبي غريب، تحدّث مؤخرًا عن المعاهدات الدولية التي تحمي الأطفال. لقد شاهد الصور وأفلام (الفيديوتيب) التي لم تعرضها وسائل الإعلام الأمريكية حتى الآن. يقول: "كان الجنود الأمريكان يلوطون بالأولاد والكاميرا تقوم بالتصوير ... أما أسوأ جزء من المشاهد فهو تلك الأصوات الصاخبة، إنها صراخات الأولاد خلال اللواط بهم." هذا ما قاله هيرش بالضبط. يضيف: "هذه هي حكومتكم خلال الحرب." وصف هيرش مشهد السجن بأنه، "سلسلة من أسلحة الجرائم الشاملة، نشاطات إجرامية يقوم بها الرئيس ونائب الرئيس بل هذه الإدارة كلها في كل الأحوال، وطبقا لضباط استخبارات التحالف (تمت الإشارة إليهم والاقتباس عنهم في تقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مايو 2004) فإن ما بين 70% إلى 90% من المحتجزين العراقيين في هذه السجون قد اعتقلوا "عن طريق الخطأ." هذا يعني أنهم أبرياء
وأخيرا فإن مسألة كراهيتك لتصرفات المسلمين السيئة الخاطئة تثاب عليها؛ لأنها إنكار للمنكر، كما أن إعجابك بالأخلاق الجيدة عند الكفار لا تعاقب عليه؛ فهو محمود والنبي -صلى الله عليه وسلم- أثنى على حاتم الطائي بأنه يحب مكارم الأخلاق، لكن الخطأ أن تحب الغربيين على ما هم عليه من الكفر، وتكره جميع إخوانك المسلمين لأجل خطأ بعضهم. وفقك الله وأرشدك للحق.(19/310)
كيف أتعامل مع هذا الصديق؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا الشباب المعاصر ة
التاريخ 24/09/1425هـ
السؤال
أنا طالب، علمت أن طالباً في المرحلة الثانوية يسمع الغناء ويرفع صوته به، ونصحته على ذلك، فأخبرني أن هناك أموراً أعظم منه، ومنها ترك الصلاة، والتضايق عند سماع القرآن أو قراءته، وكذلك عدم الحرص على الطهارة، سواء للصلاة أو قراءة القرآن عندما يطلب منه ذلك مع قسوة والديه بضربه على ترك الصلاة، وإن حضر رغماً عنه إلى المسجد فلا يستطيع البقاء فيه، بل يخرج قبل إتمام الصلاة، وقد قام بإحراق أشرطة إسلامية كرد فعل على تصرف أخيه بأخذ الأشرطة المحرمة، وغرفته مليئة بالصور، بل يحملها معه في جيبه، وقد ناصحته كثيراً ولكن لا جدوى، وخصوصاً في مسألة الصلاة، ويطلب مني عدم التحدث معه في هذا الموضوع مطلقاً، وكذلك عدم إخبار أحد بمشكلته، والسؤال: كيف أتعامل معه لهدايته بإذن الله؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
جزاك الله خيراً على حرصك على أخيك المسلم، وعلى ما تحمله من هم الدعوة، وحب الخير للناس.
أخي المبارك: يجب أن تدرك أن فعل أخيه معه ليس من الحكمة، ولا من الموعظة الحسنة في شيء، ومثله أيضاً فعل أبيه، إن الشاب في هذه السن محتاج إلى معاملة تختلف عن معاملة الصبيان، فهو مراهق يجب أن يعامله الناس معاملة الرجال، وما فعله من إحراق أشرطة أخيه الإسلامية أمر متوقَّع من مثله.
جرب أن تعامله بالحسنى، وأن تترفق معه في الخطاب، وتلين له في الموعظة، ولا يكن الخطاب المباشر هو سلاحك الوحيد معه، ولا تكتف بإهدائه الأشرطة الإسلامية، فقد لا يسمعها أو لا ينجذب لها؛ بحكم اعتياده على سماع الغناء.
أظهر له أخلاقاً حسنة، ومعاملة راقية، وبشاشة، وستجد أثر ذلك ظاهراً في أخلاقه وسلوكه، وسيتغير نظره للصالحين تبعاً لذلك، وابدأ معه بالأعظم فالأعظم، فلا أرى - مثلاً- أن تعظه في الغناء وهو بعدُ لم يحافظ على الصلوات، ولم يحقق بر والديه، ابدأ معه بأمر الصلاة، فإن استجاب فعظه بالأسلوب الأمثل في بر والديه، وهكذا. والله أعلم.(19/311)
لقد تعبت كثيرا.. فماذا اصنع..!!؟
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا الشباب المعاصر ة
التاريخ 7/11/1422
السؤال
يا شيخ أنا تعبت من العزوبية ولا قدرة لي على الزواج، وكما تعلم إن النفس أمارة بالسوء، ومن حولي كثير من المغريات الشديدة..!! التي تغري الشباب الذين هم مثلي. يا شيخ لا أريدك أن تقول لي الحديث الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج...." إلخ وتقول لي صم فإنه لك وجاء!! يا شيخ، الصوم في أيام الفطر لا أستطيعه وقد تأتيني الشهوة في الليل، فماذا أفعل يا شيخ؟ جزاك الله خيراً. هل أفعل الزنا أو اللواط؟ أو هل أقوم بفعل العادة السرية لكي لا أقع فيهما؟ هذا مع أن أكثر من حولي يرضى بفعل الزنا واللواط فيه.
الجواب
ما أصعب أن يقترن الإنسان بالخطأ ثم يصدر على نفسه الحكم بأنه مصر على هذا الخطأ!! أنت يا أخي مع نفسك كنت القاضي والجلاد، ولكن من ملامح سؤالك أشم رائحة الخير الساكن في ثنايا نفسك. كشعلة قرب زيتها أن ينفد فاعتراها الذبول. فهي بحاجة إلى طاقة جديدة تعيد لها توهجها لتزداد إشعاعا.
فأنت بحاجة لتزداد سطوعاً. فيعم نفسك الخير والسكون..
أما مشكلتك فهي متعددة الوجوه. فأنت تعبت من العزوبية وغير قادر على الزواج وضغط الغريزة الجنسية يكاد يفجر فيك كوامن اقتحام المحرمات بتبرير ما تتعرض له من مشاهد تثير فيك اللوعة والغرام فتحاصرك الشهوة وتغلق عليك منافذ التفكير..!!
فتخشى الوقوع فيها. مع العلم أني أشم رائحة التعلق بأدنى سبب لتبرر الوقوع وتفريغ ما تحس به.. يا أخي الكريم، ما هكذا تورد الإبل!! فمن العقل والحكمة أن نقيس ونجعل حياتنا فيما يرضى الله لا فيما يرضى شهواتنا.
فأنت تملك عقلية ناضجة لكن مع الأسف أهملتها وفكرت بغرائزك فقط، وإلا فكم هم الشباب الذين في مثل سنك. لديهم ما لديك ويعانون مما تعاني؟
أخيراً أقول لك: ابتعد عن مناطق الخطر التي تشعل غريزتك أو تزوج في أسرع وقت؛ فلا يخفى عليك ما يترتب على الزنا واللواط من عقاب أليم في الآخرة ومن مذلة وهوان، وقد تقع أسيراً ثم يقذف بك خلف القضبان بسبب هذا الفعل المشين
وإن كنت صادقاً وترغب في الحل فعليك بالأمور التالية:
1-اللجوء إلى الله بكل صدق بأن يعينك على تحصين نفسك وإعفافها إما بالزواج أو أن يعصمك من الوقوع بالإثم.
2-ابتعد عن مواطن الفتنة ولا تطلق العنان لعينيك بالنظر والتفكر.
3-لا تكثر من الطعام - فالشبع مدعاة للاسترخاء والكسل ومن ثم النوم ومن ثم التفكير بالجنس.
4-الإكثار من العمل العضلي والبدني مع التفكير العقلي بأي أمر. فإذا اجهد البدن واشتغل الفكر ابتعد عن دواعي اللذة
5-لا تنعزل؛ فالعزلة لمثلك تجعلك تكثر التفكير.
6-ابتعد عن المهيجات المشاهدة في وسائل الإعلام.
7-تذكر عقاب الله، وشعورك لو وقعت وقبُضت وأنت تزني..؟
اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ذا القدرة والجبروت أن يعصمك ويحميك، وأن يزوجك ويغنيك ويبعدك عن مهاوي الردى.(19/312)
التدرج في طلب العلم
المجيب نايف بن جمعان الجريدان
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 02/06/1427هـ
السؤال
قررت دراسة العلم الشرعي، وأريد من فضيلتكم بيان الكتب التي أبدأ بها مع ملاحظة أني أريد أن أبدأ بالكتب السهلة الميسرة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:
بداية أشكر لك أخي تواصلك مع موقعك موقع الإسلام اليوم، وأهنئك على اتخاذك هذا القرار الصائب السديد، دراستك للعلم الشرعي.
ثم اعلم أخي بارك الله فيك أن الإنسان إذا أراد مكاناً فلا بد أن يعرف الطريق الموصلة إليه، وإذا تعددت الطرق فإنه يبحث عن أقربها وأيسرها؛ لذلك كان المهم لطالب العلم أن يبني طلبه للعلم على أُصول، ولا يتخبط خبط عشواء، فمن لم يتقن الأصول حُرِمَ الوصول، قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في منظومته:
وبعد فالعلم بحور زاخرةٍ *** لن يبلغ الكادح فيه آخره
لكنَّ في أصوله تسهيلاً *** لنيله فاحرص تجد سبيلاً
اغتنم القواعد الأصولا *** فمن تفته يحرم الوصولا
والعلوم المتعارفة بين أهل العمران على صنفين: علوم مقصودة لذاتها؛ كالشرعيات، وعلوم آلة ووسيلة لهذه العلوم (علوم الوسائل التي يُتَوصل بها إلى فهم الكتاب والسنة) .
ولا يتأتى للطالب الظفر بما يؤمله من علوم المقاصد والوسائل حتى يكون:
- نهازاً للفرص.
- مبتدئاً للعلم من أوله.
- آتياً له من مدخله.
- منصرفاً عن التشاغل بطلب مالا يضر جهله.
- مُلِحًا في ابتغاء درك ما استصعب عليه، غير مهمل له، وعلوم المقاصد هي: (العقيدة، الفقه، الحديث، التفسير) ، وسأذكر لك أهم الكتب التي يَبتدئ بها طالب العلم في كل فن، وهي مرتبة ترتيباً منهجياً، فلا يُنتقل إلى الثاني إلا بعد الانتهاء من الأول وهكذا، وهي كما يلي:-
م العقيدة الفقه الحديث التفسير
1 ثلاثة الأصول أحكام الصلاة الأربعين النووية منظومة مشتركات القرآن
2 القواعد الأربع شروط الصلاة عمدة الأحكام تحفة الأديب
3 كتاب التوحيد آداب المشي إلى الصلاة بلوغ المرام كلمات القرآن
4 كشف الشبهات أخصر المختصرات كشف الخفاء التفسير الوجيز
5 نواقض الإسلام دليل الطالب قنعة الأريب تفسير ابن سعدي
6 لُمعة الاعتقاد الحسبة رياض الصالحين تفسير الطبري
7 الواسطية زاد المستقنع الجامع الصغير للسيوطي الجامع للقرطبي
8 الطحاوية السياسة الشرعية جامع الأصول تفسير ابن كثير
9 الحموية الاقناع مجمع الزوائد
10 التدمرية منتهى الارادات الصحيحان
11 النونية المغنى السنن
وأما علوم الوسائل التي هي آلة لغيرها -مثل العربية والمنطق فلا ينبغي لطالب العلم في بداية طلبه أن ينظر فيها إلا من حيث هي آلة لذلك الغير فقط، ولا يوسع فيها الكلام ولا تفرع المسائل.
وهي كثيرة متعددة، أذكر لك باختصار بعضاً منها وبعض ما يُبتدأ به عند طلبها:
علوم الوسائل أهم ما يدرس فيها
النحو الآجرومية، قطر الندى، شذور الذهب، ألفية ابن مالك.
أصول الفقه الورقات، رفع الملام، مرتقى الوصول.
مصطلح الحديث الموقظة، نخبة الفكر.
القواعد الفقهية منظومة القواعد الفقهية لابن سند، نظم الأصول والقواعد لابن عثمين.
السيرة المختصر الصغير لابن جماعة -ألفية العراقي، زاد المعاد.(19/313)
الآداب نظم حلية طالب العلم لابن سبهان، الأدب المفرد للبخاري.
الفرائض التحفة السنية، الرحبية.
هذا أهم ما يذكر من علوم الوسائل، وإلا فهي كثيرة أذكرها سرداً:
(المقاصد الشرعية، الرقائق والأذكار، اللغة، البلاغة، الصرف، الأدب، الشعر، الاشتقاق، أصول القراءات، الجرح والتعديل، التخريج، العلل، الإملاء، رسم القرآن، فنون الشعر، الفلك، الفلسفة، المنطق، الوضع، النسب) وكل علم له كتبه التي يبتدأ بها طالبه.
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
ثم أختم بالتذكير بالنقاط التالية:
1- لا يُبدأ بأي علم من العلوم السابقة إلا بعد حفظ القرآن الكريم وإتقانه، حفظاً وتلاوتاً وتجويداً.
2- العلم صيد وشراكه النية، فمن صحت نيته وحسن قصده صاد من العلم دُرره، ونال منه غرره، ومن ساء قصده لم يصب من الصيد إلا أرذله، مما لا يقصده صائد، ولا يُبشر به رائد، ومن كنوز السنة: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" صحيح البخاري (1) ، وصحيح مسلم (1907) . وبتصحيح النيات تُدرك الغايات.
3- العزم مركب الصادقين، ومن لم تكن له عزيمة لم يفرح بغنيمة، فإن العزائم جلاّبة الغنائم، فاعْزَم تغنم، وإياك وأماني البطالين.
4- تؤخذ أصول الفنون حفظاً وفهماً عن شيخ عارف متصف بوصفين اثنين:
أحدهما: الأهلية في الفن وتمكنه في النفس.
والآخر: النصح وحسن المعرفة بطرق التعليم.
وأخيراً: أسأل الله لنا ولك العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/314)
طريقة جديدة في المذاكرة
المجيب محمد محمود الأمين
باحث بموقع الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 07/05/1427هـ
السؤال
نحن أربعة من الشباب نجتمع للمذاكرة بعد أن يراجع كل واحد منا الدرس المحدد ويفهمه، ويضع أسئلة عليه، وبعد اجتماعنا يبدأ كل طالب بطرح سؤال ليجيب عليه من بجانبه، فإن لم يستطع الإجابة عليه، انتقل السؤال إلى الآخر، فما رأيكم في هذه الطريقة؟
الجواب
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالطريقة التي تنتهجونها في المذاكرة طريقة جيدة، ويستحسن في المذاكرة أن يكون عدد المجتمعين لها قليلاً بحيث لا يتجاوز ثلاثة طلاب، ويتوجب أن تكون قدرتهم الذهنية متقاربة حتى لا يضيع الوقت على سَرِيعِ الفهم، أو يُسْتَعْجَلَ من لم يفهم، فيكون ذلك ضرراً عليه.
والطريقة التي تنتهجونها تصلح إذا كان عدد المواد قليلاً، وفي الوقت متسع قبل الاختبارات، أما إن ضاق الوقت فالأحسن أن يذاكر كل طالب بمفرده، مع استشارة زملائه فيما أشكل عليه من مسائل.
وَوَضْعُ ملخص صغير لكل مادة بحيث تكون جميع عناصرها حاضرة مع دليل لكل عنصر أمر في غاية الجودة، وهو معين على استحضار المسائل وقت الاختبار.. وقبل كل ذلك عليكم بتقوى الله عز وجل، واللجوء إليه سبحانه. والله يحفظكم.(19/315)
ترك العمل للتفرغ لطلب العلم!
المجيب د. يوسف بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 25/04/1427هـ
السؤال
هل أترك عملي قصد التفرغ لطلب العلم وحفظ القرآن لإدراك ما فاتني، وأعبد الله على علم، وحتى أجنب نفسي البدع وأزكيها وأضع أساساً لحياتي ثم أعود للعمل من جديد، وهل أهجر بلادي لكثرة الفساد؟ مع عدم موافقة الوالدة فهي تبارك ذلك، لكن تقول بأنها لا تستطيع مفارقتي! أما أنا فمستعد لأن أتخلى عن الجميع مقابل ما يرضي الله أفتونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإليك بعض الوقفات والتأملات التي أرجو أن يكون من شأنها تأصيل ما وقعت فيه شرعاً، وإرشادك في حيرتك لتخرج من الموقف راضياً مرضياً عنك من رب العالمين.
1- من ناحية تركك لعملك من أجل طلب العلم: من المهم أن تعرف الواجبات المناطة بك شرعاً "حق لربك، وحق لوالديك وأهلك، وحق لنفسك، فأعط كل ذي حق حقه" وقيامك بعملك لا ينافي أبداً طلبك للعلم. إذا سمت همتك، وحفظت وقتك.
ألم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقومون بأعمالهم ومصالحهم ومزارعهم ومع هذا يعكفون ركبهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل لهم اتركوا أعمالكم.
بل أكثر من هذا وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه للعمل كما فعل مع الذي أمره بالاحتطاب والبيع.
2- الهجرة في الأصل: هي الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، والمسألة المعروفة هل هناك هجرة بعد الفتح أو لا؟ والصحيح بقاؤها.
3- يقول -صلى الله عليه وسلم- "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم". أخرجه أحمد (4780) ، والترمذي (2507) ، وابن ماجه (4032) .
4- الرسول -صلى الله عليه وسلم- منع رجلاً من الجهاد الواجب عندما قال له: "أحيٌ والدك؟ ". قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد". أخرجه البخاري (3004) ، ومسلم (2549) .
5- لا تنس -يا أخي- أن أولادك أمانة في عنقك كيف تتخلى عنهم وتتركهم مع أنك ستسأل عنهم يوم القيامة.
6- ألا يمكن -يا أخي- أن تجد لك رفقه طيبة من الصالحين تتشبث بهم وتتعاون معهم على البر والتقوى لتواجهوا الفتن وغربة الزمان، فمهما غفل الناس ففيهم بقية من الصالحين في كل مكان.
7- اعلم يا أخي أننا في زمان الغربة وتسلط الأعداء لتغريب المسلمين يقول -صلى الله عليه وسلم- "بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء". أخرجه مسلم (145) . وزاد أحمد (16094) وغيره: قيل: ومن الغرباء؟ قال: " الذين يصلحون إذا فسد الناس ".
ويقول -صلى الله عليه وسلم- "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". أخرجه مسلم (156) .
8- لا تظن أن فساد الزمان أو أهله عذر لك للتخلي والغفلة، يقول -صلى الله عليه وسلم- "إذا قال الرجل: هلك الناس. فهو أهلكهم" أخرجه مسلم (2623) ، وأبو داود (4983) .
قال النووي في الحديث "فهو أهلكهم" "اتفق العلماء أن هذا الذم فيمن قاله على سبيل الازدراء بالناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم".
ويقول -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم (153) : "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار".
والله المسؤول أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.(19/316)
فتاة تريد السفر للدراسة
المجيب هند بنت سالم الخنبشي
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 15/04/1427هـ
السؤال
أنا فتاه لم أستطع إكمال دراستي بالجامعة.. بسبب مروري بظروف نفسية قاهرة..فسحبت ملفي من الجامعة.. ومن حينها وأنا عاطلة عن العمل..
ولكن خلال الفترة الأخيرة. ترجح عندي استكمال دراستي.
وسأبدأ باللغات لذلك أطلب منكم.. إرشادي إلى كيفية الانضمام لإحدى الجامعات العربية.. كذلك أسأل عن السكن وظروفه في تلك الجامعات.. وهل هناك أماكن يرتادها الطلاب السعوديون إذا استعصى عليهم شيء..؟ لأني سوف أسافر لاستكمال دراستي لوحدي.. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختي في الله قد يتعثر الإنسان في حياته بسبب ظروف تمر به وإشكالات تعكر عليه، وأحيي فيك رغبتك في النجاح وتحفزك لمواصلة المشوار بعد سنوات من الانقطاع، وهذا دليل علو همتك وقدرتك على التغلب على مصاعب الحياة، ولكن لي وقفات مع الطريق الذي تريدين سلوكه.
* أختي الحبيبة ... ليست الدراسة خارج البلد الذي تعيشين فيه ... من شروط النجاح في العمل ففي بلدنا ولله الحمد الكثير من المجالات التي يمكن أن تسلكها المرأة وتبدع من خلالها، دون الحاجة إلى الخروج والسفر بعيداً عن أهلها وبلدها.
* أنت يا أختي امرأة ضعيفة ولا يمكن لها أن تواجه مصاعب الحياة دون الاستعانة برجل -سواء كان زوجاً، أو أخاً، أو أباً- وأنت تريدين السفر للخارج لوحدك! فهل تظنين أنه أمر سهل؟! وقد ذكرت بنفسك أنك تريدين التوجيه بخصوص الأسعار، وبخصوص التصرف في حال الغش ... بل وهناك أمور أخرى يسهل فيها خداع الرجل، فكيف بالمرأة الوحيدة..
* هلا فكرت قليلاً في حياتك اليومية لو أقبلت فعلاً على السفر للخارج؟! أين ستسكنين؟ وكيف ستوفرين احتياجاتك؟ ومن الذي سيحميك من الأوباش الذين لا يخافون الله؟ ومن الذي سيحمي عرضك من اعتداء السفلة؟! كل هذه أمور تحتاج إلى تفكير وتمعن قبل أن تقدمي على خطوة جريئة كهذه.
* ألم تفكري قبل هذه الفكرة بسلوك طريق الدورات في تطوير الذات، والارتقاء بالنفس، وتغيير بعض السلوكيات، وغيرها من الدورات التي يحتاج الناس إليها في هذا الزمن، بل ويبحثون عنها ... فكري في أخذ دورات في أي مجال تميلين إليه، حتى تتمكني من هذا المجال ومن ثم ستكونين قادرة على العطاء فيه وهذا من الأعمال الناجحة التي لا تحتاج إلى سفر، ولا خوف فيها من غش واحتيال.
* ما أجمل أن تشغلي وقتك بتعلم وقراءة القرآن وحفظه، فهذه هي البركة التي تحل على المسلم إن أخلص فيها النية لله سبحانه.
أخيراً أسال الله لك التوفيق والسداد وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(19/317)
أحبطت بسبب إكمالي الدراسة
المجيب فيصل بن عبد الله الحميقاني
مدرس بمدارس رياض الصالحين.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 12/04/1427هـ
السؤال
أنا فتاة أنهيت دراستي الثانوية بنسبة عالية -ولله الحمد- على أمل إكمال دراستي الجامعية، لكن كل الظروف كانت على عكس ما كنت أرجو وأتمنى، فهناك أمور قاهرة حالت بيني وبين دراستي. أصبحت حالتي النفسية سيئه جداً، وأصبحت عصبية المزاج، حادة الطبع، منعزلة عن الناس دمعتي على خدي، أتخيل كل ما حدث لي حلما أو كابوسا وسوف أصحو منه، لكنه للأسف واقع مرير أعايشه، أنا مؤمنة بالله، وأعلم أن كل شيء في هذه الدنيا من عند الله "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم" وأنا أرجو منكم أن تساعدوني كي أتخلص من الحالة التي أمر بها، وأرضى بالواقع الذي أعيشه منذ عام، وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما أجمل المسلم الطموح، الذي يسعى لتحقيق أهدافه بما أوتي من قوة -بعد توكله على الله- وقد لمست فيك أختي السائلة هذا الشعور الجميل، وإن كنت أشم رائحة اليأس -أرجو أن أكون مخطئاً- ولذلك ألخص مشورتي لك في نقاط:
1- احمدي الله على ما قضى وقدر، بل وجاهدي نفسك على الرضا به أتم الرضا، لأن الله ربما صرف عنك شراً لا تطيقينه، فكان عدم دراستك خيراً لك.
2- الدراسة الجامعية مهمة ولا شك، ولكنها ليست السبيل الوحيد لتحقيق الطموحات، فكثير من العظماء لم يكملوا دراستهم، ونجحوا في تحقيق أهدافهم.
3- فكري في الانتساب إلى إحدى الجامعات، أو الدراسة عن طريق الإنترنت.
4- لابد لك من التعايش مع واقعك بكل رحابة صدر، فالحزن يجلب الحزن، ولا يغير من الواقع شيئاً.
5- لا تنسي باب السماء المفتوح دوماً، فاطرقيه، ففيه الفرج بإذن الله.
أسأل الله أن ييسر أمرك.(19/318)
أسباب الفهم الخاطئ في القراءة؟
المجيب محمد محمود الأمين
باحث بموقع الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 12/03/1427هـ
السؤال
ما هي أسباب الفهم الخاطئ في القراءة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهناك مجموعة كبيرة من أسباب الفهم الخاطئ في القراءة، نكتفي بتذكيرك بأهمها وأكثرها شيوعاً، ولا ندخل بك في التفاصيل والأسباب غير الأساسية في الموضوع:
1- عدم الإلمام بقواعد النحو والصرف الضرورية، فعلم النحو من العلوم التي لا غنى للقارئ عنها بأي حال من الأحوال؛ إذ به يستقيم اللسان في القراءة، فيستقيم لذلك العقل في الفهم والاستيعاب، فننصحك كما ننصح كل طالب علم مهما كان تخصصه أن يحرص كل الحرص على إتقان اللغة التي يقرأ بها؛ لأنه بقدر النقص في فهم قواعد اللغة وتطبيقاتها يكون النقص في الفهم، وعدم القدرة على استيعاب المقروء لأول وهلة.
2- عدم الإلمام بأساليب العرب من تقديم وتأخير وإطناب وإيجاز، وغير ذلك من الأساليب البلاغية، فلابد للقارئ باللغة العربية أن يكون على قدر لا بأس به من المعرفة بعلم (البلاغة) شاملاً فروعه الثلاثة: البيان، والمعاني، والبديع، إذ معرفة هذا العلم تمكن القارئ من إدراك الصور ودلالاتها، والتراكيب وأغراضها، ومتى يحسن الإطناب أو الإيجاز، وكيف تستخدم المحسنات اللفظية والمعنوية.
3- قلة القراءة تورث ضحالة الفكر، وضمور التصور، وتحجر الخيال، وتتسبب في عدم القدرة على إدراك الموجودات على ماهي عليه حقيقة، فينتج عن ذلك فهم خاطئ للمقروء، إما بزيادة في معناه على ما هو عليه، أو النقص عن المراد منه، ولا يخفى عليكم سوء الأمرين. والله أعلم.(19/319)
مقترحات للاستفادة من القراءة
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المسند
(عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض)
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 04/03/1427هـ
السؤال
أريد أن أكون قارئاً أستنتج أشياء من قراءتي، علمًا أن قراءتي في العلوم الشرعية، وأنا أحس بخلل رغم أن دراستي على علماء وعلى مستويات. فأرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
سأذكر لك طريقة مجربة، وهي نافعة للاستفادة من القراءة، وتتكون من خطوتين:
* الخطوة الأولى: أن تحمل معك قلماً أثناء القراءة، فإذا مررت بفائدة ترى أنّها مهمّة قد تحتاجها فيما بعد، فقم بتسجيلها في الصفحة البيضاء التي في أوّل الكتاب، أو على ظهر الغلاف، (تسجيل عنوان الفائدة مع رقم الصفحة) ، وهكذا حتى تفرغ من قراءة الكتاب، وستجد أنك قد سجلت فوائد متنوعة.
* الخطوة الثانية: أن تحضر دفتراً من الدفاتر المقسّمة، فتجعل في كل قسم من هذه الأقسام باباً من الأبواب، أو فناً من الفنون: (العقيدة، التفسير، الحديث، الفقه، التاريخ، السيرة، المرأة، الجهاد، السياسة الشرعية) وهكذا حسب اهتماماتك، ثم تفرّغ عناوين الفوائد التي سجلتها على غلاف الكتاب في هذه الأقسام، مع ذكر اسم الكتاب ورقم الصفحة، وهكذا تفعل في كل كتاب تقرأه، وبعد سنوات سيجتمع لديك مادة علمية جيدة يمكنك استرجاعها في أي وقت تريد. وفقك الله وأعانك ونفع بعلمك.(19/320)
يُرغماني على الدراسة وأنا لها كارهة
المجيب هند بنت سالم الخنبشي
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 28/02/1427هـ
السؤال
تقدم لخطبتي شاب على خلق ودين -أحسبه كذلك والله حسيبه- فقال له والداي بأني أريد إكمال دراستي دون أن يأخذا رأيي. وبعد مرور عام أو أكثر أخبرتني أمي بذلك لا لتستشيرني ولكن لتوضح لي أن أبي يهتم بأمر دراستي، علماً أني وقبل معرفتي بالموضوع لا أريد إكمال الدراسة في الجامعة؛ لأني أرى أن فيها إضعافاً لديني.. فأنا الآن أدرس في الكلية ولكن رغمًا عني، فقد أصبحت لا أطيق التحدث إليهما؛ لأني أشعر أنهما ظلماني، ولا أريد أن أكون عاقة، وكل ما أريده العفة، فأنا أعيش صراعا نفسيا مريراً. فأرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فكل فتاة ترغب في الزواج من كفء ذي خلق ودين، لكن عليك -يا أختي- أن تنظري للموضوع من جميع الأبعاد، فالوالدان أدرى بمصلحة ابنتهما من البنت نفسها، فقد يكون سبب رفض الوالدين ليس إكمال الدراسة كما تظنين، بل لعل سبباً آخر اجتمع مع هذا السبب فرفض والدك زواجك ... لعلهما علما في الشاب عيباً لم يفصحا لك عنه، أو كانا يتمنيان أن تكوني في سن أكبر من سنك الذي خطبتِ فيه؛ حتى تتمكني من تحمل مسؤولية الزواج ومواجهة أعباء الحياة، ثم إنك لا تعلمين ما الشر الذي صرف عنك، فربما لو تزوجت من هذا الشاب قد تواجهك مشاكل معه أو مع أهله، أو ينزل بك مرض أو ضائقة، فأنت لا تعلمين أين الخير، ودائماً أوصيك بسؤال الله الخير أينما كان، سواء كان في الزواج أو عدمه؛ لأن الله قد يصرف عن الإنسان سوءاً كان يظن هذا الإنسان أنه الخير بعينه، ثم اعلمي -يا أختي- أن والديك لا يرغبان في إبقائك عندهما عضلاً لك أو تحكماً فيك، إنما يفعلان ما يفعلانه لأنهما يريان أنه الأنسب..
أختي الحبيبة: لو أن شخصاً يقدم لك المساعدة لمدة طويلة، ويقدم لك كل ما تحتاجين، ويسارع في تلبية ما ترغبين، وفي يوم ما أخطأ أو قصَّر في حق، ألا تغفري له هذا الخطأ وتتذكري حسناته؟! فكيف بمن هو أعظم صاحب فضل عليك بعد الله، (والداك) ؟! هل ما حصل منهما ينسيك تعب أمك في حملها وولادتها بك، وسهرها معك ورحمتها وشفقتها بك، وتألمها لتألمك وتفضيلك على نفسها، واهتمامها بكل شؤونك وحرصها على تربيتك وتضحيتها من أجلك؟! أم أنساك ما حصل تعب والدك وجهده ليسعدك أنت وأخواتك، وتكدره إذا قصر عليك أو على إخوتك، وتألمه إذا لم يجد طلباً لك، وخوفه عليك في مرضك ورحمته وشفقته؟!
هل نسيت كل هذا؟! هل الموقف جعلك تتنكرين لكل هذا وأصبحت كما تقولين: "لا تطيقين التحدث إليهما.. أين البر؟! لا تظني أن البر فقط في أوقات الرضا وأوقات الإمكان، بل البر يكون فيما يكره الإنسان ويصعب على نفسه. فعودي لنفسك واستغفري الله عما بدر منك، وتوبي توبةً نصوحاً؛ فبر الوالدين من أعظم القربات، وأخلصي النية لله، وثقي به ثقة تامة أنك إذا قمت بما عليك وأرضيت والديك فإن الله لن يخيبك..
أسأل الله أن يهدي قلبك، ويرزقك زوجاً صالحاً ... آمين.(19/321)
علاقة بريئة ... فهل أقطعها؟
المجيب د. سعيد إسماعيل علي
أستاذ أصول التربية - جامعة عين شمس بمصر
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 01/02/1427هـ
السؤال
أنا طالبة في السنة الأولى من الجامعة، والجامعة في بلدنا مختلطة، وبطبيعة الدراسة اضطررت إلى الاختلاط بمجموعة من شباب الكلية، وأقمت صداقات عديدة مع الجنسين، ولكنها لا تتعدى حدود الزمالة والدراسة، وعلاقتي بهم أخوية، ولكني كلما تكلمت معهم أشعر بتأنيب الضمير، وأحس بأني قد ارتكبت خطيئة، وأحاول تجنبهم ولكني لم أنجح في ذلك؛ لأنهم يعاملونني كأخت لهم، وأنا بطبعي لا أستطيع أن أحرج أحدًا حتى ولو أساء إلي، ولكن الله سبحانه وتعالى حرم الاختلاط. أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقع "الإسلام اليوم".. مع رجاء النفع بكل ما يقدم فيه من خير..
بنيتي الفاضلة:
أشعر من وراء سطورك بنفس رقيقة تسعى على وجل إلى مجافاة واقع تعوَّد عليه بعض الناس، فصار من قوته وسطوته بحيث أضحى تغييره والتحول عنه أمراً ثقيلاً على قلوب بعض الناس، مستغرباً في عيون وعقول آخرين؛ وهذه الدهشة الاجتماعية أو بمعنى أدق "الغربة" هي بداية سلوك الصراط المستقيم، الذي نسأله -سبحانه- أن يثبتنا عليه بقولنا في كل صلواتنا "إهدنا الصراط المستقيم"؛ وأود أن أقول لك، إن الأمر أمر عادة واعتياد، فكما تصرخ البنات اللاتي لم يجربن الاختلاط بالرجال في مدارس البنات -كما يصرخن إذا دخل عليهن أجنبي، لأنهن لم يعتدن على ذلك، فكذلك قد يُستغرب منك مجافاتك لواقع تحول فيه ما لا ينبغي -اختلاط وغيره- إلى أمر طبيعي، لكنك تستطيعين أن تجدي في جامعتك على الخير أعواناً من الطالبات الملتزمات والأخوات اللاتي يمارسن تعاليم وآداب الدين في وسط هذا الجو المختلط، فاتصلي بهن وتعاوني معهن، وبثي لهن حرجك، ولديهن الحل الواقعي الذي سيعفيك من هذا الحرج -بإذن الله تعالى-.
ليس حتماً ضرورياً -يا أختاه- أن تختلطي بزملائك الشباب، ومن السهل عليك -إن أردت الله والدار الآخرة- أن تغيري من واقعك خطوة خطوة، ولكن ليكن شعارك في التزامك "خذوا ما آتيناكم بقوة"..
بنيتي:
يشهد الواقع -خصوصاً في هذا الزمان- على ما يجره التساهل في الاختلاط بين الفتية والفتيات من مفاسد ومآس لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر..
وهل أنت في ورع وتقوى مَنْ قال الله تعالى لهن: "فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا"..
أسأل الله تعالى أن يثبت على طريق الحق قدمك، وأن يشرح دائماً للإيمان صدرك، وأن يهدينا وإياك إلى سواء الصراط.(19/322)
أرغب التحول عن التخصص الشرعي
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المسند
(عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض)
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 05/01/1427هـ
السؤال
أنا طالب في السنة الثانية في كلية الشريعة، دخلت هذه الكلية عن رغبة، لكن تأتيني أفكار بتغيير هذا التخصص إلى تخصص آخر دنيوي؛ وذلك للفرص الوظيفية المتاحة لهذا التخصص ورواتبها المرتفعة، ولأني لا أحب أن أكسب راتبي من وظيفة متعلقة بالدين، فما توجيه فضيلتكم لي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أيها الأخ الكريم، ما دمت قد دخلت هذا التخصص واخترته بمحض إرادتك، وقطعت فيه شوطاً، وهو مجالك الذي اخترته في الحياة كما تقول، فإني أنصحك بالمواصلة، وليس في كسب راتب من وظيفة متعلقة بالدين حرج -إن شاء الله- إذا صلحت النية، بل إني أخشى أن تكون بتفكيرك هذا -وهو تغيير التخصص للطمع في رواتب مرتفعة- قد آثرت الدنيا على الدين، ورغبت عن خير عظيم..
وقولك: إن التخصص الذي ستحول عليه سيبقى مجرد تخصص دراسي وليس تخصصاً في الحياة، لا أدري كيف يكون! فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فلابد أن تختار طريقاً واضحاً في الحياة لا تناقض فيه ولا ازدواجية؛ فإن السير في طريقين مختلفين في آنٍ واحد -وإن كانا صحيحين- أمر غير ممكن.. أمّا الأرزاق فهي بيد الله -عز وجل- يهبها من يشاء، ومن اتقى الله جعل له مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب، فسر على بركة الله، ولا تتردد، وفقك الله وبارك فيك.(19/323)
بأي التخصصات تنصحوني؟!
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 30/12/1426هـ
السؤال
أنا طالبة في المرحلة الجامعية أدرس في كلية الصيدلية، والمشكلة التي أعايشها الآن هي
أنني دائما أشعر داخل قاعات الدراسة بأن العلم الذي أنهل منه ليس هو العلم الذي كنت أرغب في دراسته منذ سنين، فأحس أحيانا بالغربة، وأحيانا بالإحباط، وكثيراً ما أشعر عند استيقاظي صباحاً للذهاب إلى الجامعة بالهم، وأني أذهب إلى الجامعة من أجل حضور المحاضرات فقط، وكيلاً يحسب علي غياب ذلك اليوم.
فأنا أميل إلى دراسة علم الحديث، وخاصة مصطلح الحديث، وعلم رجال الحديث, لكني أرغب في الوقت نفسه في دراسة الفقه, فما العمل؟ وبماذا تنصحونني؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الكريمة، وفقنا الله وإياك للعلم والعمل الصالح.
يمكنك الجمع بين دراسة الصيدلة وطلب العلم الشرعي، فإن كنت لا تعانين مشكلة تتعلق بالتزامك بالشرع أثناء الدراسة مثل الحجاب والاختلاط، فما الذي يمنع من دراستك للصيدلة، وقد تبحثين بحوثاً ينفع الله بها المسلمين في مجال تخصصك، والمسلمون بحاجة إلى أن يبدعوا في أمور العلم والطب والعلاج، وألا يبقوا عالة على غيرهم.
ويمكنك طلب العلم بحضور حلقات العلم في المساجد، وهذا النوع من الطلب أعظم نفعاً والطالب فيه أكثر إخلاصاً.
وكذلك بمتابعة دروس العلم في قناة المجد، وإذاعة القرآن الكريم.
وفي حال إصرارك على طلب العلم الشرعي بالدراسة النظامية، فأنصحك بدراسة الفقه لأسباب منها: حاجة المجتمع ولا سيما النساء للمرأة الفقيهة الداعية.
وأن دراسة الفقه في كلية الشريعة يحصل معها دراسة ما هو ضروري من علم الحديث خصوصاً أحاديث الأحكام.
وأما دراسة علم الحديث خصوصاً علم الرجال والجرح والتعديل فهو علم مقصود لغيره، وهو معرفة الصحيح من الحديث وغيره، وهذا الجانب من العلم قد خدم كثيراً وبأكثر من وسيلة. وبالتالي فالنفع المتوقع من مثلك بعد دراستك له لن يكون مثل النفع المتوقع إذا درست الفقه؛ لأنك لن تغيري فيما حكم عليه جهابذة علم الحديث من صحة أو ضعف. وبإمكانك معرفة ذلك بكل سهولة من خلال الكتب المتخصصة في الحكم على الأحاديث، كما أن الموسوعات الحديثية الموضوعة على الأقراص المدمجة تسهل عليك معرفة الحكم على الحديث بأسرع وقت ممكن. وبالتالي فإن دراسة الفقه -فيما أحسب- أكثر نفعاً لك ولغيرك. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(19/324)
مستواي الدراسي متدنٍ!
المجيب فيصل بن عبد الله الحميقاني
مدرس بمدارس رياض الصالحين.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 15/09/1426هـ
السؤال
أنا طالب في المرحلة الجامعية، منذ المرحلة لمتوسطة وأنا أعاني من عدم استيعاب للمنهج الدراسي كاملاً (خصوصاً إذا كان المقرر طويلاً) . ففي الاختبارات النهائية لم أحصل أبداً على الدرجة الكاملة، وقد حاولت بشتى السبل والوسائل علاج هذه المشكلة لكن دون جدوى، وقد عانيت من الدراسة وأوقفت فصلاً دراسياً؛ ذلك بسبب تدني مستواي الدراسي، أرشدوني ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ألحظ في سؤالك -أخي الكريم- همة عالية، وطموحاً مباركاً وعزيمة قوية، أرجو من الله أن يوفقك. ووقوفاً مع سؤالك، أقول:
(1) جميل أن ينجح الإنسان في دراسته، وأن يكون مميزاً في شهاداته، ولكن من لم يكن كذلك فليس شرطاً أن يكون فاشلاً، بمعنى:
هناك كثير من الناجحين في جوانب معينة في حياتهم، وليسوا من أصحاب الشهادات العليا، فالشهادة جزء من النجاح وليست هي النجاح.
(2) لا بد من بذل الأسباب للحصول على الدرجات العالية، وأنت تبذل جهداً في ذلك، لكن ربما كانت هناك عوامل تجعلك تخفق، مثلاً لا تجيد الإجابة على الورق مع أنك مستوعب لما تكتب، فلا توصل المعلومة كما يجب، أو يصبح المنهج عليك طويلاً ليلة الاختبار فلا تستوعب جيداً، أو تكره القراءة والحفظ، أو تذاكر وأنت مشدود الأعصاب ومتوتر، أو غيره من الأسباب الكثيرة التي ينبغي عليك البحث فيها؛ لتعرف موطن الخلل لتصلحه.
(3) من الطرق المفيدة في المذاكرة: المذاكرة طوال العام بصورة مجزأة، فلا يبقى عليك ليلة الاختبار إلا المراجعة العامة للمنهج، وهذه طريقة فيها فوائد:
أ- تجعل المادة المستوعبة أكبر.
ب- تقلل نسبة الضغط النفسي ليلة الاختبار.
ج- تتيح لك الفرصة للمذاكرة عدة مرات بدلاً من مرة واحدة.
(4) أعط نفسك وقتاً كافياً للراحة والطعام والصلاة وغيرها من الأمور الهامة، لأنها -مع أهميتها بذاتها- تعينك على الاستذكار بصورة أفضل.
(5) عليك بالدعاء الصادق لله -عز وجل- بأن يوفقك.
(6) إذا لم توفق بعد بذل السبب فلا تحزن، فأنت بذلك فعلت المطلوب منك، والله يفعل ما يريد لا ما تريد أنت، فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
(7) اقرأ في الكتب أو المواقع المتخصصة في مثل هذه القضايا، فستجد فيها فوائد كثيرة حول طرق الاستذكار الصحيحة.
وفقك الله لكل خير.(19/325)
ذلك "الشبح" المخيف.. الامتحان..!!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 6-3-1423
السؤال
أخي الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أنا طالب في الصف الثالث الثانوي.. وكما تعلم الاختبارات على الأبواب.. مشكلتي تكمن في أول أيام الاختبارات حيث الشبح المخيف مادة الرياضيات ليس لصعوبتها وإنما في التحكم في أعصابي إذ أفقد كثير من الوقت لتشتت الذهن وصعوبة الموقف.. آمل من سعادتكم إشارات ونصائح لي ولغيري من الطلبة بشأن هذا الموضوع؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
أخي الكريم أشكر لك ثقتك وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.. أما عن استشارتك حول الامتحانات والمخاوف المتعلقة بها.. وكيفية الاستعداد لها.. فتعليقي علها ما يلي:
أولاً: استعن بالله وتوكل عليه والجأ إليه بالدعاء بطلب التوفيق والعون.. والله تعالى قريب مجيب.
ثانياً: كن متفائلاً بقوة بأنك ستحقق النجاح والتوفيق.. واحذر بشدة من " التفكير السلبي " أو الرسائل السلبية حول " الفشل " وصعوبة المنهج واستحالة النجاح..!! وغيرها من الأفكار.. الخطيرة جداً.. فمثل هذه الأفكار تعتبر رسائل سلبية ينتج عنها - غالباً - إخفاق وفشل بعكس " الأفكار الإيجابية " المبنية على الثقة والنجاح والتوفيق.
ثالثاً: لا يعني ذلك التوقف عند مجرد التفكير الإيجابي وصناعة الأحلام..!! بل لابد من فعل الأسباب المتمثلة في تنظيم الوقت بطريقة معقولة تراعي فيها تقسيم وقتك بين الدراسة الجادة واستقطاع بعض الوقت للراحة بين كل فترة وأخرى.. والبدء بالمواد الدراسية حسب أهميتها، " ووضع جدول للمذاكرة يعتبر خطوة ضرورية وهامة جداً ".
رابعاً: اختيار المكان المناسب للمذاكرة أمر ضروري ً للحصول على أفضل النتائج بعون الله.. واحرص فيه على توفر أمور ضرورية جداً.. وهي:
1-النظام في وجود الأشياء من حولك أثناء المذاكرة.. لأن ذلك يمنحك إحساساً بالارتياح وهدوء الأعصاب.
2-الجلوس المناسب.. لأن الجلوس المناسب والمريح يضمن لك وضعاً صحياً لأطول فترة من الجلوس.. ولكن تنبه إلى أن الراحة الزائدة أثناء الجلوس قد تبعث على الخمول والكسل..!! فحاول أن تغير من نمط جلستك بن فترة وأخرى.
3-التهوية المناسبة: وهذا أمر ضروري لإنعاش الذهن والقدرة على التركيز.
4-الإضاءة المناسبة.
خامساً: يخطئ البعض فيتصور أن كثرة السهر تعني الجدية في الدراسة وهذا الأمر ليس على إطلاقه..!! إذ أن الأولى الموازنة بين احتياج الجسم للراحة التي تعين _ بعد عون الله - على الاستيعاب وبين احتياج الطالب للوقت الكافي للمذاكرة! والإنسان عموماً أعرف بظروفه الخاصة والمناسبة له.. ولكن أؤكد هنا على أهمية أن ينال الجسم حقه الكامل من الراحة.. ولعل الفترة التي تعقب صلاة الفجر هي من أثمن الأوقات وأحسنها للمذاكرة.. حيث يكون الجسم في أحسن حالاته الاستيعابية.. وكذلك الوقت " بورك لأمتي في بكورها ".(19/326)
سادساً: أما عن مادة الرياضيات.. فلا تجعل منها " شبحاً " يخيفك ويؤرقك.. وابذل فيها جهدك وافعل الأسباب المأمور بها واستعن بالله.. وثق أنك ستقدم فيها أحسن ما لديك..! وإليك بعض المقترحات في مذاكرة هذه المادة:
(1) أثناء المذاكرة حاول أن تسترجع في ذهنك كل النظريات التي درستها وتعلمتها طوال فترة الدراسة وقم بحل الأمثلة المطروحة لها.. واستعن في ذلك بملاحظاتك سواء في كراستك الخاصة أو كتابك المدرسي.. وضع لك نماذج افتراضية وقم بالإجابة عليها.
(2) أما أثناء الإجابة على ورقة الاختبار فابدأ بذكر الله ثم اقرأ ورقة الأسئلة جيداً وحدد السؤال الذي ستبدأ بالإجابة عليه ويفضل دائماً أن يكون الأسهل.. حتى ولو كانت درجاته قليلة لأن ذلك يمنحك المزيد من الثقة والاستفادة من الوقت.
(3) إذا كانت هناك أسئلة صعبة أو تحتمل أكثر من إجابة فاتركها حتى تنتهي من باقي الأسئلة.. ثم ابدأ بها مستعيناً بالله.. واقرأ السؤال جيداً وحاول أن تتفاعل مع السؤال وتسترجع بعض النماذج المشابهة التي مرت عليك أثناء الدراسة أو المذاكرة.
(4) لا تترك أي سؤال.. مهما كانت صعوبته لأنك تستطيع بإذن الله اقتناص بعض الدرجات من بعض الأسئلة الصعبة حتى ولو لم تستطع استكمال حل معظم المسائل.. فكل خطوة صحيحة تقوم بها في حل أي مسألة تسجل بها بعض الدرجات لصالحك.
(5) بعد الانتهاء قم بمراجعة الورقة مرة واثنتين واستكمل النقص - إن وجد - ولكن لا تتسرع في تغيير أي إجابة إلا بعد التأكد من خطأها.
سابعاً: بقي أن أذكرك لأمر هام جداً.. وهو أن المذاكرة والاستعداد للاختبار تمر بثلاثة مراحل وهي مرحلة الاستذكار ثم الاستيعاب وأخيراً الاسترجاع.. وكل مرحلة تنبني على ما قبلها سلباً أو إيجاباً.. فإجادتك لكل مرحلة سيسهل لك إجادة ما بعدها.. وهكذا..
ثامناً: أما الرهبة من الاختبار فهي شعور طبيعي وإحساس شائع بين الطلبة.. فتعامل معه بشكل عادي ولا تحمله أكثر مما يحتمل.. واجعله حافزاً لك للتفوق وبذل الجهد..
تاسعاً: مرة أخرى.. قبل هذا وبعده الدعاء الصادق وطلب المعونة والتوفيق من الله وقراءة الورد أثناء خروجك من المنزل متوجهاً لمدرستك.. ثم خذ نفساً عميقاً واذكر الله (ألا بذكرالله تطمئن القلوب) وكن واثقاً أنك قد بذلت جهدك وأن التوفيق بيد الله، ولا يؤثر عليك إخفاقك في أحد المواد - لا قدر الله - فتتساهل فيما بعدها ولا تعطيها حقها من الاستعداد..
وفقك الله وأعانك وسدد خطاك،،،(19/327)
والدي يعارضني في اختيار التخصص
المجيب صالح بن عبد الرحمن القاضي- رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 9/10/1425هـ
السؤال
أنا شاب في المرحلة الثانوية، وبالتحديد ثالث ثانوي القسم الطبيعي، وأريد طلب العلم الشرعي، لكني أقابل من والديَّ وأقاربي بالرفض التام؛ بحجة أن العلوم الطبيعية أكثر فائدة مادية لكثرة مجالاتها ووفرة الوظائف، لكني أجد نفسي تميل لطلب العلم الشرعي. فماذا أفعل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ابني السائل- سدد الله رأيه ووفقه لطاعته- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خيراً على همتك في طلب علم سينفعك الله به دنيا وآخرة، ولكنني وإن كنت أقدر فيك حرصك على تعلم العلم الشرعي، فإنني أميل إلى ما أوصاك به أبوك وأقاربك، وإننا وإن كنا بحاجة إلى تعلم العلم الشرعي وتعليمه لإفادة الناس ونشر الخير على بصيرة، فإننا أيضاً بحاجة ماسة إلى العلم الآخر، لاسيما إذا حمله أمثالك من أهل الاستقامة والصلاح، فإننا بحاجة إلى مهندس صادق مع الله، وطبيب مخلص في طبه، وغير ذلك؛ فالأمة الإسلامية فقيرة إلى كل من له علم تام في أمور دنياه، ويقدمه بمنهج إسلامي صادق ونزيه، وأنت تستطيع أن تجمع بين الخيرين لتكسب رضا الله بطاعتك لوالدك، والإلمام بهذا العلم الطبيعي، ونفع الأمة الإسلامية به بعد تخرجك، وإلى جانب ذلك تلتحق في أوقات فراغك بالدورات العلمية الشرعية، وتحضر دروس العلماء، وتلتقي بالدعاة، وتتصل بالمشايخ، وتدرس على أيديهم أهم ما تحتاجه من كتب العلم الشرعي، فتحصل على الحسنيين، وتفوز بالأجرين - بإذن الله تعالى-، فاجتهد في دراستك في العلم الطبيعي، واحرص على العلم الشرعي من أفواه العلماء والمشايخ، والجلوس عندهم، وسماع أشرطتهم، وقراءة الكتب على من يمكنك الاتصال به، وتثق بعلمه وإخلاصه، وما دامت نيتك صادقة ومخلصة - بإذن الله- فسيوفقك الله ويعينك، وما دمت في القسم الطبيعي فأنت مجتهد، وتحصيلك بفضل الله عظيم، فلا تفوِّت هذه الفرصة لينفعك الله، وينفع بك، وما دامت نفسك تميل للعلم الشرعي، فستدركه - بإذن الله- باقتراحي لك حتى تجمع بين الفضيلتين. سهَّل الله أمرك، وسدَّد جهدك، ونفعك، ونفع بك.(19/328)
أيهما أفضل.. طلب العلم أم تربية النفس؟!
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 14/4/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يوجد الكثير من الناس ممن يفرط في طلب العلم على تربية النفس وهناك من يفعل العكس فما توجيهكم لهؤلاء؟
الجواب
الأخ الكريم..
شكرا لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم "
لم يكن الإنسان أحسن حالاً ولا ألطف توجهاً ولا أحكم تصرفاً منه في حال الاعتدال في أموره كلها.
الاعتدال والتوازن أمران قام وتم عليهما خلق السماوات والأرض، وهما منهج الأنبياء والرسل أجمعين لم يدخلا في عمل إلا ويتم على أحسن وجه.
فالاعتدال والتوازن مطلوب منا جميعاً علماء ومربين، آباء وأمهات، كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً وعلى هذا فتوجيهي إليك أيها الأخ الكريم هو الوصية بالتوازن والاعتدال في طلب العلم وفي التربية النفسية وكلاهما أمران محمودان ...
ومن يرى في نفسه ميلاً لطلب عام من العلوم فالتوازن والاعتدال في حقه يكون بالتركيز على هذا الجانب اكثر من غيره ولا يعني هذا الإلغاء التام للعلوم الأخرى.
ومن يرى في نفسه الميل نحو العلوم النفسية والتربوية فإن التوازن في حقه والاعتدال هو التركيز على هذه العلوم مع عدم إغفال غيرها.
التركيز على الشيء الذي تميل النفس إليه أمر ضروري لمن يريد الإبداع في مجال معين إذ يستحيل أن يبدع الإنسان في نوعية معينة من العلوم مع حبّ ومتعة إن لم يكن لديه في الأصل ميلٌ نفسي إلى تلك النوعية من المعارف.
ولعل هذا ما يفسر الملل لدى الكثير من الشباب في طرقهم لأبواب العلوم وتركهم لها بسرعة قبل أن يكتمل مشوار طلبهم وتمكنهم من تلك العلوم.. إذا كان الأصل في سيرهم في تلك الاتجاهات إنما هو التقليد أو الحماس الغير مدروس أو القرار المتعجل. كفى بنا تخبطاً ولينظر كل واحد منا لنفسه وما يمكن أن يبدع فيه وليطرق بابه وليسلك سبيله.. أياً كان هذا الاتجاه ما دام أنه ليس في شيء محرم عندها ستعم الفائدة وسنتخلص من الازدواجية وقلة الثقة فيما تعلمناه..
وفقك الله للعلم النافع والمفيد..(19/329)
اللغة الإنجليزية.. كيف ادرسها وأتجنب محاذير الدراسة في الغرب؟؟!
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ استشارات اجتماعية/أخرى
التاريخ 20/5/1422
السؤال
الأخ الكريم مشرف نافذة الاستشارات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
ونحن نرى أهمية اللغة العالمية (الإنجليزية) في كل مناحي الحياة وخصوصاً الناحية الدعوية.
هل تنصحون من لديه الرغبة الملحة في إكمال تعلم اللغة أن يسافر إلى بريطانيا في الصيف لدراسة اللغة؟
وكيف ينجو من المخاطر على دينه؟
وهل الأولى أن يسافر هو وأولاده؟
أريد رأيكم ومشكورين.
الجواب
يكثر مثل هذا السؤال في كل سنة مع بداية العطلة الصيفية. ومع أهمية اللغة كما أشرت إلا أنه يجب القول أنها ليست مقصورة على السفر إلى بريطانيا أو أمريكا. إن من المعلوم جداً أن السفر إلى تلك البلاد لمدة أسبوعين أو شهر أو شهرين لن يفي بالغرض المقصود وهو الحصول على اللغة فاللغة أكبر وأعمق من إمضاء مدة وجيزة في تلك البلاد. نعم قد يحصل الإنسان على ما يسمى بلغة المطار وهي اللغة التي تساعده في تسيير أموره في المطار أو الشارع ولكن هذه ليست المقصود الحصول عليها إذ يمكن التحصل عليها حتى هنا إذا وجدت العزيمة القوية.
السفر يكون جيداً من الناحية اللغوية للإنسان المهتم والجاد الذي درس وتابع الدورات تلو الدورات هنا في بلده ثم يغلفها بالصيف بتطبيق عملي لكل ما درسه خلال السنة المنصرمة ومن ثم يعاود نفس النشاط والهمة في التحصيل حالما يعود إلى بلده فيعود إلى الدورات والدراسة مرة أخرى وهكذا دواليك بحيث يكون تحصيلاً مستمراً وعملاً دائماً لا لشيء إلا لينهل من معين هذه اللغة وليتفوق بشكل قوى فيها وليتحصل على فائدتها.
أما ذلك الإنسان الذي لا يرى الحصول على اللغة إلا في تمضية بعض الأسابيع هناك فإنه لاحظ له في الحقيقة من هذه اللغة ولن يستفيد.
والخلاصة أنها جهد مستمر " قبل وأثناء وبعد" السفر وليس غير ذلك
أما كيف ينجو بدينه فهي يسيرة بإذن الله. إذ يجب أن يذهب مع رفقة صالحة وإلى مكان صالح وهي موجودة بحمد الله.
ولا توجد مدينة في بريطانيا وأمريكا إلا وفيها مركزاً إسلامياً يعين الطلبة الجدد ويساعدهم ويكون معهم يحفظهم بإذن الله من المنزلقات السيئة. فالاتصال بتلك المراكز هي في الحقيقة من أولى الأشياء الواجب أخذها بالحسبان قبل المسير إلى هناك.
والله الموفق(19/330)
أرغمت على الدراسة في كلية لا ترغبها
المجيب د. خالد بن سعود الحليبي
وكيلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 22/10/1425هـ
السؤال
كيف أستطيع المذاكرة في كلية الطب التي دخلتها رغماً عني، لمجموعي الكبير عندما كنت متفوقة، وأنا الآن فشلت فيها، وأصبحت أكره الدراسة بعد أن كنت الأولى دائماً وأنا صغيرة، ولقد مرضت، بل وكرهت كل شيء، وفقدت الثقة في نفسي. فماذا أفعل؟.
الجواب
أختي الكريمة: السلام عليكم ورحمة الله. أما بعد:
فإن سؤالك يدل على أنك تتمتعين بموهبة وإبداع، ذلك لأنك تمتلكين الآتي:
1ـ العقل الذكي؛ بسبب حصولك على درجات أهلتك لدخول كلية الطب، وفي بلد مثل بلدك والمعروف عنها أن مستوى التعليم فيها متقدم لدرجة قصوى.
2ـ النفس الحرة، التي لم ترضخ لإرغامك لها بالدخول في كلية لا تناسب رغباتك، ولذلك لم تستطيعي الإكمال.
3ـ حرصك على إيجاد حل لمشكلتك، وهو دليل ذكائك الاجتماعي والعاطفي.
كل ذلك مما يعزز ثقتك بنفسك، وما حدث لك يحدث لكل المبدعين حين يوجهون تيار العلم والقدرة الذاتية المندفع في دواخلهم إلى غير اتجاهه، فعليك الآن أن تفعلي التالي دون أن تضيعي مزيداً من الوقت:
1ـ اغسلي عن ذهنك كل شهور الفشل الدراسي في كلية الطب.
2ـ استحضري باستمرار في جلسات هدوء كل إنجازاتك العلمية السابقة حامدة شاكرة، وعيشي لحظات القوة والتفوق كأنك تعيشينها حقيقة، وللتو حصلت لك.
3ـ غيِّري تخصصك إلى تخصص يناسب رغباتك -ما دام ذلك مما يرضى الله عنه - وأقنعي من حولك بذلك؛ حتى يكونوا عوناً لك لا عليك. فالإبداع الحقيقي لا يتحقق بالإرغام، وإنما بالرغبة.
4ـ ابدئي مشوارك العلمي الجديد بثقة وطموح كما كنت من قبل وأكثر.
5ـ توكلي على الله، "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق:3] .
وفقك الله وسدد خطاك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(19/331)
كان متفوقاً في دراسته فانتكست حاله
المجيب د. تركي بن حمود البطي
طبيب نفسي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 15/10/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا أعلم ما الذي أصابني، فبعد أن كنت متفوقاً لا أرضى بما دون التفوق خلال سنوات التعليم العام، وكنت أنال المركز الأول، وعندما دخلت الجامعة في التخصص الذي أحب أصبحت لا أبالي بما نلت، ويصادفني شعور بالاكتئاب عندما أحاول الاستذكار لدروسي، مع أني لا أصادف مشاكل في فهم المحاضرات، ولكن لا أعلم هل هو تغير في الأولويات، أم أنه مرض نفسي أم ماذا؟ أفيدوني جزاكم الله كل خير وسدد خطاكم على دروب الخير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ما أصابك قد يكون نوعاً من الملل في حياتك، أو قد يكون دخولك الجامعة، وابتداؤك مرحلة جديدة أوجد عندك هذا الشعور بالاكتئاب، وهذا يكثر في الطلبة الذين يدخلون الجامعة ولا يستطيعون التكيف مع طبيعة هذه المرحلة، وجود الاكتئاب لا أستطيع أن أجزم به؛ لأن له علاقات كثيرة من اضطراب النوم والأكل والمزاج وقلة الحركة، واضطراب الوظائف اليومية والاجتماعية، أنصحك بما يلي:
أولاً: لو كان لديك أحد يستطيع توجيهك صارحه بمشكلتك؛ لعلك تجد عنده حلاً.
ثانياً: استشر من يكبرك في نفس التخصص، لعله يساعدك في تجاوز هذه المرحلة.
ثالثاً: ثق تمام الثقة أن ما تشعر به أزمة عابرة لن تغير من أولوياتك، بل واجه هذه الأزمة بالثقة والثبات، والحرص على اكتشاف نفسك أكثر.
رابعاً: احرص على الدعاء والتقرُّب إلى الله في كل وقت، ولاسيما في مثل هذه الظروف، واعلم أن اشتداد الأزمة دليل على قرب الفرج.
أخيراً: لو رأيت أن حالتك قد تستفيد من زيارة طبيب نفسي للتقييم وأخذ المشورة والتوجيه، فيا - أخي- لا تترد، بل هذا عين الصواب، لعله يساعدك في تجاوز هذه الأزمة، نسأل الله لك التوفيق في حياتك العلمية والعملية، دعواتنا لك. والسلام.(19/332)
استدراك وجواب حول (المشاكل التربوية التي تواجه المعلم)
المجيب سليمان بن سعد الخضير
مشرف مناهج بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 23/7/1425هـ
السؤال
سبق وأن نشرنا في نافذتنا استشارة بعنوان: (مشاكل تربوية تواجه المعلم) ثم وردنا تعقيب من أحد الإخوة يعترض على الشيخ المجيب استشهاده ببعض النظريات الغربية فأرسلنا هذا التعقيب إلى الشيخ المجيب وقد أفادنا بالإجابة الشافية على هذا التعقيب وبيان الصواب في هذه المسألة بالأدلة القوية.
الأخ الحبيب: السلام عليكم. وبعد:
كان من المؤمل أن نرجع في حل مشاكلنا ومنها التربوية إلى رأي الإسلام قرآنا وسنة واجتهاد العلماء في إطارهما، والفكر التربوي الغربي وبشهادة أربابها أنها علوم فاشلة، فشلت في بناء الشخصية السوية، ومن هذه النظريات الفاشلة ما قاله (جيلفورد) الذي يخلط فيها بين القدرات والمحتوى في معرض تعريفه للذكاء، وادعى الذكاء المتعدد وهي نظرية أصبحت في مزبلة الفكر، وهذه إحدى سمات العلوم الإنسانية التي ترى النسبية في كل شيء حتى النظرية والأخلاق والدين، فتعدد القدرات نظرية قرآنية، "ورفعنا بعضكم فوق ... "، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "كل ميسر لما خلق له"، أما مشاكل العلم والتعليم هو الأخذ بالنظريات الحديثة، والقوانين، فهنالك المشاغل والعلائق الشاغلة الملهية، ومع ذلك نسمح للطالب أن يهذرم بما يشاء، والحسن يقول: (كنا نتعلم حسن الاستماع قبل حسن الكلام) ، وكذلك قول ابن عباس - رضي الله عنهما- الشاهد في أنه يجب الرجوع إلى فكرنا في الحل المقترح.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما يتعلق بمداخلة الأخ على (مشاكل تربوية تواجه المعلم) الملاحظة تتلخص في أن المؤمل أن نرجع في حل مشكلاتنا إلى رأي الإسلام، وأتفق مع الأخ الكريم فيما أشار إليه من حيث الأصل، وقد استوعبت فكرة المداخلة، وسأحاول الإجابة دون مناقشة تفاصيلها التي سيقت للتعبير عن الموقف من الفكر الغربي.
عند النظر في حلول المشاكل الإنسانية يحسن مراعاة الملاحظ التالي:
o هناك حلول اختص بها الإسلام، فالبحث عنها في غير الإسلام مهلكة وضياع للوقت.
o هناك حلول لم يختص بها الإسلام، بل أشاع البحث عنها، وهي ثلاثة أنواع:
- نوع يتعارض مع ما جاء به الإسلام، فهذا يرفض لمعارضته الإسلام، لا لكونه حلاً من خارج دائرة الإسلام.
- نوع يتوافق مع الإسلام، وهذا يقبل لموافقته الإسلام، دون النظر لمصدره.
- نوع لا يتعارض ولا يتوافق، فهي حلول محل نظر واجتهاد، والشخص يوفق فيها أو يخفق، لا لمصدرها وإنما لصحتها في نفسها، وصحتها في المحل الذي نفذت فيه ومن أجله.(19/333)
وعليه فإن تحفظ الأخ الكريم حول اقتراح الإفادة مما يسمى الذكاء المتعدد؛ لمجرد كونه وافدًا من الغرب ليس في محله؛ لأنه لا يتعارض مع أصل شرعي أو قاعدة إسلامية معتبرة، بل هو نظرية تدور في فلك تعدد القدرات التي أشار إلى بعض النصوص المؤيدة لها، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة" رواه البخاري (3494) ومسلم (2638) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- وطبيعة تكليفه - صلى الله عليه وسلم - الصحابة - رضي الله عنهم - ببعض الأعمال كتعلم زيد بن ثابت - رضي الله عنه - السريانية دون سواه انظر ما رواه الترمذي (2715) وأبو داود (3645) وبعث معاذ - رضي الله عنه - إلى اليمن انظر ما رواه البخاري (1395) ومسلم (19) عن ابن عباس - رضي الله عنهما- وتحميل أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قيادة الجيش مع صغره انظر ما رواه البخاري (3730) ومسلم (2426) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في مقابل مواقف (سلبية) تجاه بعض الصحابة - رضي الله عنهم - كهجره كعب بن مالك وصاحبيه - رضي الله عنهم - لما يعلم من قوة إيمانهما انظر ما رواه البخاري (4418) ومسلم (3769) ، وتحذير أبي ذر - رضي الله عنه- أن يتحمل مسؤولية الإمرة ولو على اثنين، أو يشرف على مال يتيم؛ وذلك لتعليلات مذكورة في الحديث الذي رواه مسلم (1825) .
والتخبطات التي وقع ويقع فيها الغرب لا تعني عدم الإفادة مطلقًا، تبقى هي نظرية، هل الناس على ثمانية أصناف أو أقل أو أكثر هي محل اجتهاد، وابن القيم -رحمه الله- أكثر من الاعتماد على تقسيمات أن النفوس أربعة (سبعية وكلبية ... الخ) وردد مرارًا أن أصول الناس ترجع إلى أربعة أقسام (ترابية ونارية ومائية ... ) وبنى عليهما نصائح وتطبيقات، وكلتا النظريتين مأخوذتان عن أرسطو، ولم يوقف حتى الآن على أي دليل صريح في الكتاب والسنة يدعم هاتين النظريتين أو يبطلهما.
وهناك عشرات النظريات التي تبحث في النفس البشرية في محاولة للاقتراب منها (أي النفس) ، والعالم يبحث في النصوص يتلمس ما يدعم هذا الرأي أو ذاك، أو يصل إلى نظرية جديدة يدعمها بالأدلة.
ولا أدري هل يرحب الأخ الكريم بنشر تطبيقات (الذكاء المتعدد) بوصفها تطبيقاً لتفاوت قدرات الناس، دون الإشارة إلى أن مصدرها نظرية الذكاء المتعدد أو لا يرحب؟
وأحب أن أؤكد أن تأصيل العلوم الإنسانية أمر مهم، ولكن من التعقل ألا يكون موقفنا الرفض تمامًا ولا التسليم تماماً والتفتيش في النصوص عما يؤسلمها، بل التأمل فيها ونقاشها وفق أصول المعرفة (الوحي، العقل، الحس والملاحظة، الفطرة، التجربة) . والاقتصار على أصل واحد منها دون غيره خلل في العلم.
والقرآن والسنة مصدرا تشريع، وليسا موسوعتين تقدمان كل العلوم وتجيبان على كل الأسئلة، نعم وضع الوحي قواعد عامة وأطرًا وتفصيلات، لكن ثمة أشياء تركت لاجتهادات أهلها، فظهر لنا أصول الفقه ومصطلح الحديث التي تعد جل قواعدهما عقلية، والسياسة الشرعية التي يعد جل تطبيقاتها مبنية على المصلحة والمفسدة.
والكتاب والسنة جاءا ببيان أصول التربية وأسسها وغايتها الكبرى، مع بعض التطبيقات التي تصلح في مكان أو زمان ولا تصلح في مكان أو زمان، وهذه أعظم منقبة في التربية.(19/334)
ويمكن القول بأن المسلمين يملكون وضوح بداية التربية ونهايتها، والغرب يملك تطبيقاتها مع ضلاله في أصولها وغايتها. والموفق من جمع بين وضوح البداية والنهاية مع التطبيقات الفاعلة.
وأقترح على الأخ النظر في هذين الرابطين:
http://www.islamonline.net/Tarbia/Arabic/display.asp?hquestionID=3291
http://www.almaktab-alislami.com/bookpage.asp?id=1143
وأخيرًا فإن نظرية الذكاء المتعدد ليست لجلفورد، بل هي لهاورد جاردنر، وإذا كان عند الغرب تخبطات (فيما مثل به الأخ الكريم) فإن الإجابة لم تكن نصيحة بالرجوع إلى نظريات الغرب، وإنما استفادة من تطبيقات النظرية المذكورة.
والله أعلم.(19/335)
مشاكل تربوية تواجه المعلم
المجيب سليمان بن سعد الخضير
مشرف مناهج بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 24/1/1425هـ
السؤال
لدي مجموعة من المشاكل التي قد تواجه المعلِّم في غرفة الصف (وخصوصاً في المرحلة الابتدائية) ، وأتمنى أن أحصل منكم على الأساليب الناجعة لمعالجتها بأفضل صورة.
تتلخص هذه المشاكل في:
-الغياب.
-التأخر الدراسي.
-صعوبة القراءة.
-الشرود الذهني.
-الخجل.
-ضعف الرسم الإملائي (الإملاء) .
شكراً لاهتمامكم، -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
نثمن لك الجدية، التي نتوقع أنك تتمثلينها في أداء وظيفتك.
الأسئلة التي وردتنا متخصصة للغاية وإجاباتها محررة بشكل واضح في الكتب التي عنيت بالإرشاد الطلابي، والذي يمكن تحريره هنا أن هذه المشكلات التعليمية ليست منفصلة عن بعضها، ويمكن حلها بأسلوب متقارب، بمعنى أنه يمكن تجاوز هذه المشكلات من خلال مزيد من منح الطالب أو الطالبة فاعلية أكبر داخل الصف، لندع للطالب مجالاً أوسع للمشاركة، ولنتح له أن يعبر عن رأيه، ونرحب بأفكاره ونطورها، ونجعل زملاءه يطورون فكرته، يقدم مقترحاته، تأملي (مثلاً) لماذا يحب الأطفال الذهاب إلى «السوبر ماركت» ، إن الحرية التي يشعرون بها أكثر؛ حيث الخيارات متعددة بين يديه.
الأطفال لا يتعلمون بطريقة واحدة، هناك عدة نظريات في التعلم تفيد في هذا الجانب:
هناك طلاب لا يحبون التعلم إلا من خلال الحركة والمشاركة مع الآخرين، نظمي لهم التعلم من خلال المجموعات مما له علاقة بالدرس.
وهناك طلاب لا يحبون التعلم إلا من خلال الأناشيد والمرح، نظمي لهم أناشيد ذات علاقة بموضوع الدرس ويمكن أن تطلبي منهم ذلك.
وهناك طلاب يحبون التعلم من خلال ربط التعلم بالطبيعة حوله، اربطيهم بالبيئة واطلبي منهم أن يحضروا بعض لوازم التعلم من الطبيعة حولهم ...
من أكثر النظريات رواجًا هذه الأيام نظرية الذكاء المتعدد (لهوارد جاردنر) وفيها ـ كغيرها ـ أفكار أتوقع أن تجعل الفصل حيويًا محببًا يجعل الطالب (وبخاصة المرحلة الابتدائية) ينظر إلى المدرسة على أنها نزهة، ويشعر بالوقت الذي يقضيه داخل الفصل يمر سريعًا، يندمج الطلاب أكثر، يتعلمون التنافس في التعاون دون الاستئثار بالتعلم -إن شاء الله-.
فالحاجة الملحة لحل عدد غير قليل من مشكلات التعلم هي في كيفية تنظيم النشاطات داخل الصف والتحرر من النمط التقليدي الذي يجعل الطالب متلقيًا مجردًا، والمعلم مِذْياعًا مدويًا، وبقدر ما يصمت الطالب يكون مؤدبًا، وبقدر ما يكون المعلم متدفقًا بالمعلومات يكون نشيطًا، هذه تصورات غير تامة.
الصمت من الأدب لكن المشاركة والتفاعل ليست سوء أدب، الشرح وبذل المعلومات نشاط لكن إتاحة الفرصة للطالب ليست كسلاً من المعلم.
يمكن تمثيل الدور الجديد للمعلم هو أن يكون كشرطي المرور الذي يوجه السائقين دون أن يتدخل في قيادة سياراتهم، وهكذا المعلم يوجه الطلاب للتعلم والوصول إلى المعلومة أو المهارة المرغوب زرعها فيه، دون أن يقدمها له دائمًا بصورة مباشرة.
سأمثل بإيجاز لما تقدمت الإشارة إليه:
الدرس: علوم، الصف: الثاني الابتدائي، موضوع الدرس: الجو بارد(19/336)
يمكن أن يتعلم الطلاب من خلال عدد من النشاطات، منها ما يلي:
1. يكمل الطالب الفراغات التالية:
الجو بارد.
- الجو...............
- الجو..................
- الجو..................
يتعلم الطالب ـ بنفسه ـ الأحوال والأشكال المختلفة للطقس (وهذا من أهداف الدرس) .
2. يصنف الطالب الأشياء من حيث البرودة والسخونة (مهارة التصنيف)
-الشاي، الكتاب، المكيف، الثلاجة، المدفأة، العصير، الحليب.....
- الأشياء الباردة
- الأشياء المشتركة
- أو التي لا تتميز بوصف منهما
- الأشياء الحارة
3. يعدد الطالب الأشياء التي يمكن أن تكون باردة، والأشياء التي يمكن أن تكون حارة (غير ما ذكر في النشاط السابق) وهذا يعطيه فرصة توسيع الإدراك بالإضافة إلى الطلاقة والمرونة التي تعد من معايير التفكير الإبداعي.
4. يعلل الطالب بعض ما يشاهده
- المظلة محدبة، وذلك من أجل.......................
- المظلة لها عصا طويلة، وذلك من أجل........................
- المظلة لها يد، وذلك من أجل.........................
هذا النشاط ينمي لدى الطالب الملاحظة.
5. كان على الطالب أن يخرج في يوم ممطر لمدة ساعة، وسمح له بأخذ اثنين مما يلي:
حذاء مطري، طاقية، مظلة، طعام، مذياع، ماء، معطف، مدفأة صغيرة
والفكرة في هذا النشاط أن يتدرب الطالب على اتخاذ القرار، يمكن لكل طالب ان يختار ما يشاء بشرط أن يعلل لماذا اختار هذين الشيئين، والمعلم لا يعد أي اختيار خطأ بل يرحب بالفكرة ويناقش.
وهكذا، كان الدرس ينفذه الطلاب في حين كان دور المعلم التوجيه وإدارة الصف، طوال الوقت الطالب يشعر أن لحضوره أثرًا.
ونقترح عليك ـ أخيرًا ـ الإفادة من المصادر التالية:
1. مجلة «ولدي» وهي مجلة كويتية متخصصة ولها موقع على الإنترنت هو:
http://www.waldee.com/mknon/WALDI.HTM
وعنوانهم في البحرين
290580
294000
البحرين
مؤسسة الهلال لتوزيع الصحف
2. مجلة «بريد المعلم» وهي مجلة معنية بالطفولة المبكرة (رياض الأطفال، حتى 8 سنوات) وتقدم برامج عملية، ويمكن التواصل معها عبر العنوان التالي: ص. ب 55370 الرياض 11534
bareedalmuallm@hotmail.com
3. موقع «المربي» يهتم بالعمل التعليمي التربوي بصورة جيدة، www.almurabbi.com
4. دار الكتاب التربوي التابع لمدارس الظهران الأهلية، أصدر عددًا من الكتب حول ما نحن بصدده، وللتواصل معهم 096638919444 ص. ب 5162 الدمام 31422
دعاؤنا الصادق لك بالتوفيق والسداد.(19/337)
خائف من الاختلاط
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 11/1/1425هـ
السؤال
أنا شاب مستقيم منذ سنة -ولله الحمد-، ومع بداية هذا الفصل الدراسي التحقت بمعهد تمريض خاص، وأنا خائف من الاختلاط الموجود في المستشفيات، وما هي نصيحتكم؟ -جزاكم الله خيراً-.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، فله الحمد في الأولى والآخرة، فهو - سبحانه- كثير الإحسان، والصلاة والسلام على معلِّم الناس الخير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً في كل وقت وآن.
إلى الأخ الكريم: - سلمه الله تعالى- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد قرأت رسالتك وسرني جداً التزامك بشرع الله، نسأل الله أن يثبتك على الحق اللهم آمين.
أما بخصوص ما سألت عنه من خوفك من الاختلاط، فحق لك ذلك، فالاختلاط بالنساء الأجنبيات شر مستطير، وبلاء عظيم، ولا سيما إذا كان في وسط كالمستشفيات، حيث التبرج والسفور، والفتنة العارمة، وقد حذَّرنا النبي - صلى الله عليه وسلم- من فتنة النساء، ولذلك أمرنا ربنا -رجالا ًونساءً- بغض البصر فقال - تعالى-: "وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن ... " [النور:30-31] ، وقد حذَّرنا النبي - صلى الله عليه وسلم- من النظر وخطره، فكم من نظرة أعقبت في قلب صاحبها ألف حسرة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه" متفق عليه عند البخاري (6243) ، ومسلم (2657)
فيا أخي الكريم عليك بأخذ الحذر من الاختلاط بالنساء؛ فهذا شر عظيم وبلاء مبين، وعليك بالآتي:
(1) إذا استطعت أن تحول دراستك لمجال آخر فافعل؛ فالسلامة لا يعدلها شيء.
(2) إذا لم تستطع ذلك فعليك مراقبة الله في السر والعلن، واعلم بأن الله مطلِّع عليك ويراك، فاستح أن يراك وأنت على معصية، فعليك بغض البصر عن كل ما حرم الله.
(3) عليك أن تختار قسماً أو وظيفة ليس فيها نساء، أو تكون النسبة قليلة جداً على قدر المستطاع.
(4) حاول قدر استطاعتك أن لا تكون بينك وبين أحد النساء العاملات معك في القسم خلوة محرمة؛ فهذا لا يجوز بحال من الأحوال.
(5) إذا حدث بينك وبين إحداهن معاملة من حديث وغيره اجعل ذلك في حدود العمل، ولا يتطرق لغير ذلك، واحذر من الشيطان، فالشيطان حريص على إضلال العباد عموماً، وخاصة الملتزمين، وتذكر دائماً حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" انظر ما رواه الترمذي (2165) من حديث عمر - رضي الله عنه -، فما ظنك باثنين الشيطان ثالثهما؟.(19/338)
(6) كوِّن لنفسك شخصية مميزة، وهي شخصية المسلم الملتزم بشرع الله، واجعل كل من حولك رجالاً ونساءً يعرفون عنك ذلك، فأنت لا تصافح النساء، ولا تحدثهم إلى في حدود العمل، إلى غير ذلك، لماذا؟؛ لأنك مسلم والله أمرك بذلك، فيجب عليك أن تستجيب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم-.
(7) إذا استطعت أن تحصن نفسك بالزواج فافعل، وإن لم تستطع فعليك بالصوم؛ فإنه لك وقاية من الوقوع في الحرام، كما أرشد لذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه عند البخاري (1905) ، ومسلم (1400) ، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء".
(8) عليك في الجملة بتقوى الله، والإكثار من الطاعات، والبعد عن المنكرات، وكثرة الدعاء بأن يصرف الله عنك شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/339)
نصائح لمعلم تحفيظ القرآن
المجيب محمد محمود الأمين
باحث بموقع الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 28/03/1427هـ
السؤال
أنا أحفظ القرآن -بحمد الله وفضله- وبدأت في تحفيظ بعض الأشخاص. فأرجو أن توضحوا لي بعض النصائح والتوجيهات في أول مسيرة لي في تحفيظ القرآن، وأريد أن توضحوا لي الأجر والثواب في ذلك.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأهنئك أولاً على حفظ القرآن الكريم، وأهنئك ثانياً على نعمة الله عليك أن وفقك لتعليمه للناس، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري (5027) .
ولا شك أن الأمة بحاجة ماسة إلى من يحفظ لها دينها، ولا يكون ذلك إلا بحفظ رسالة السماء، حِفظُها بالقلب، وباللسان، وبالعمل، والله -سبحانه وتعالى- قد تكفل بحفظ كتابه لأنه الرسالة الخالدة إلى قيام الساعة، ويؤكد ذلك وجود نجباء من الأمة في كل عصر يقومون على مهمة حفظ كتاب الله.
ولا شك أن من حفظ هذا الكتاب أصبح ذا مسئوليات عظيمة، إذ أصبح واجِبُ التعليم آكد عليه من غيره، كما أنه أصبح قدوة في أخلاقه وسلوكه، إذ القرآن يربي على الخلق الكريم، والنظر المستقيم، تقول عائشة -رضي الله عنها- لما سئلت عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كان خلقه القرآن". رواه أحمد (23460) ، ومسلم (746) .
ولا يفوتني هنا أخي الكريم أن أنصحك بمجموعة من النصائح، أجعلها في نقاط؛ ليسهل عليك حفظها والاستفادة منها:
1- أن تقصد بتعليمك وجه الله عز وجل: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.."
2- عليك أن تتخلَّق بأخلاق القرآن ظاهراً وباطناً -كما سبق-.
3- عليك بالرفق في تعليمك، وعليك ببذل الجهد والنصح لطلابك.
4- عليك أن تهتم بطلابك وبشؤونهم ومصالحهم اهتمام الأب بأبنائه.
5- عليك أن تحث طلابك على الأخلاق النبيلة والشيم المرضية، مثل: الصدق، والأمانة، وبر الوالدين ... إلخ.
6- كما يتحتم عليك تنبيه طلابك إلى ضرورة الأدب، وعدم العبث أثناء القراءة، سواء كان ذلك بالمصحف أو بغيره..
7- عليك أن تعوِّد طلابك على التواضع والأدب مع معلميهم.
- هذه جملة مختصرة من آداب سلفنا الصالح، أحببت أن أنبهك عليها وأنت في بدايات هذا الطريق، أسأل الله العلي العظيم أن يسلك بي وبك سبل الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.(19/340)
أخي يتحرَّش بأختي!
المجيب عبد الله عبد الوهاب بن سردار
إمام وخطيب جامع العمودي بالمدينة المنورة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 09/01/1427هـ
السؤال
لدي أخ أكبر مني غير متزوج، ويعمل في وظيفة مناسبة، والمشكلة التي نزلت عليَّ كالصاعقة أنه يتحرش بأختي الصغيرة، حيث يقوم بلمس أعضائها!! فماذا أفعل؟ علماً بأنني لا أستطيع نصحه؛ نظراً لعصبيته الزائدة.
أفيدوني أثابكم الله.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ابني العزيز: -حفظه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* ما يتعلق بمشكلة أخيك:
أولاً: أريد منك التأكد من حصول الشيء الذي ذكرته، فهل أنت متأكد أم هو ظن ظننته وتوقع بنيته على أشياء سابقة، فلا يصح أن تتصرف أي تصرف حتى تتأكد يقيناً أن المنكر واقع.
ثانياً: ما دمت قد عرفت بوجود هذا المنكر فاعلم أن الأمر لن يقف عند اللمس، بل سيصل إلى ما هو أبعد، فلا بد من عمل شيء يوقف هذا المنكر.
ثالثاً: اعلم أنك مسؤول الآن، وعليك حقوق كثيرة ما دمت قد عرفت أن هذا المنكر موجود، منها حق لوالديك لأن هذا شرفهما وعرضهما، وإهمال الأمر يضيع ابنتهما، ويفسد ابنهما، كما أنه حق لأختك الصغيرة؛ فإن إهمال العلاج وتأخيره يؤدي إلى إفسادها، وقد يضيع شرفها ويدنس عرضها، وهذا يضر بها في المستقبل كثيراً.
وهو أيضاً حق للعائلة كلها، وهو حق لك أنت، بل ومن حق أخيك أن تنصح له. فلا تتساهل في الأمر ولا تؤجل.
رابعاً: في سبيل إيقاف هذا المنكر اتخذ أولاً الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: حاول أن تمنع هذا المنكر من الوقوع دون أن تخبر أحداً؛ حتى لا تفضح أخاك، فترسل إليه رسالة خفية لا يشعر بها أحد، ولا يدري هو أنك أنت المرسل، ولتكن مكتوبة بالحاسوب؛ حتى لا يعرف خطك، ومضمون هذه الرسالة أنه يوجد من اطلع على تصرفاتك مع أختك، وأني أذكرك بالله وأذكرك بعرضك وشرفك، وأن الأمر إذا استمر فسأكون مضطراً أن أبلغ الوالدين.
فإذا استطعت فعل الخطوة الأولى بمهارة وخفاء فهو أحسن كثيراً، وإن لم تستطع فعل الخطوة الأولى أو فعلتها ولم تنفع شيئاً فانتقل إلى الخطوة الثانية.
الخطوة الثانية: اختر واحداً من والديك لتخبره بالأمر، ولا تخبرهما معاً، ويشترط في الذي تختاره منهما أن يكون أكثر حلماً وصبراً وحكمة ودهاءً ورفقاً وليناً، لأن الموضوع لا يحتاج إلى قوة، بقدر ما يحتاج إلى حكمة ورفق وستر، حتى لا تتزمر البنت الصغيرة، وحتى لا يتحطم أفراد الأسرة، وإذا أراد أحد الأبوين أن يستشير فأنا مستعد لذلك عن طريق الموقع، أو عن طريق هاتفي الجوال. والله يرعاك ويطمئنك على الأسرة كلها.(19/341)
إرشادات معينة على التفوق
المجيب صالح بن عبد الرحمن القاضي- رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 03/08/1426هـ
السؤال
ما هي أهم الأسباب للتفوق دراسياً، وما هي أفضل الوسائل للمراجعة في آخر شهرين؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فيظهر لي أنك طالب في المرحلة الإعدادية، ومن المفروض أن توجه هذا السؤال إلى أحد المختصين من منسوبي المدرسة؛ فهم أعرف بحال الدراسة عندكم، وأكثر إحاطة بما هو أنسب حسب النظام والتعليمات. ولكن ما دمت وجهت السؤال إلينا فيسعدنا أن نشير عليك، ونفيدك بإذن الله.
أهم الأسباب للتفوق الدراسي منها:
(1) معرفة وتحديد المواد التي لم تحقق فيها درجات جيدة في الاختبارات، ثم تبحث عن أسباب الإخفاق والضعف، فإما أن تكون تقصيراً في حل الواجبات أو في المذاكرة المستمرة أو في عدم التركيز الجيد أثناء شرح الأساتذة وهكذا، ثم تضع الحل بعزيمة وهمة صادقة.
(2) إن كان السبب في ضعف طريقة الأساتذة في الشرح، وعدم قدرتهم على توضيح الغامض فيها، فابذل جهدك مع معلمين بدروس خصوصية لتعويضك في البيان والشرح عما فقدته.
(3) قد يكون سبب عدم التفوق أن زملاءك في الفصل هم مثلك في مستوى التحصيل أو أضعف منك، لذا يلزمك أن تنتقل إلى فصل فيه متفوقون جداً؛ حتى تحصل بينكم منافسة في تحصيل أعلى الدرجات.
(4) أن يكون جلوسك في الفصل في مكان لا يغريك بالغفلة والانصراف عن الأستاذ.
(5) الاجتهاد في مراجعة موضوع كل درس قبل يوم شرح الأستاذ له، ثم تراجع الشرح والمسائل في مساء اليوم الذي انتهى فيه الشرح؛ حتى تثبت أساسيات الموضوع.
أما أهم وأفضل وسائل المراجعة في آخر شهرين:
(1) تضع لك جدولاً للمذاكرة، بحيث توزع الأوقات على حاجة المواد إليها، فقد تكون مادة (كذا) سهلة وقليلة، فتعطيها مثلاً حصتين في الأسبوع للمراجعة والمذاكرة، أما المادة الصعبة والطويلة فتخصص لها أربع أو خمس حصص في الجدول أسبوعياً.
(2) ألا تتعارض مراجعتك للمواد السابقة مع خطتك لمذاكرة المواد الجديدة.
(3) أن تذاكر وتراجع في مكان هادئ وهواؤه يناسب وإضاءته جيدة، وليس في المكان أشياء تشغل بالك وتصرف بصرك وتشتت ذهنك.
(4) تجعل لك كراس للملحوظات، فإذا صعب عليك شيء تسجل ملحوظة حتى تسأل المدرسين عنها.
(5) يكون جدول توزيع المذاكرة والمراجعة متدرجاً، بحيث كلما قرب الامتحان تزداد المدة والفترة للمذاكرة أكثر.
(6) أن يكون معك كراس لكل مادة وأنت تراجع، فتسجل مختصرات لما تفهمه أو سجل ذلك على الحاشية.(19/342)
أريد منهجاً أتَّبعه لتدريس الفتيات
المجيب د. وفاء العساف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 14/05/1426هـ
السؤال
أنا طالبة جامعية في قسم الشريعة، وأُدرِّس في دار تحفيظ مسائية، لديّ حماس شديد وطاقة لإعطاء الفتيات الصغيرات دروساً ومحاضرات، فبماذا أبدأ معهن؟ وما الذي يصلح لفتيات هذا العصر وهذا العمر؟ وبماذا توجهوني؟ بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بالنسبة للمنهج الذي تتبعينه لتدريس الفتيات فأرى أن يكون على النحو التالي:
- لا بد من قراءة سور من القرآن الكريم، وتفسيرها بشكل ميسَّر، مما يتناسب مع أعمارهن، فالأفضل أن تبدئي بالمفصل (قصار السور) ، ويمكن أن تعتمدي على مختصر من مختصرات ابن كثير-رحمه الله- وتفسير السعدي مثلاً، ثم يتم عرض الآيات بعرض الموضوع الذي تتحدث عنه الآيات، ثم توضيح الكلمات والمعاني الغامضة، ثم الدروس المستفادة من الآيات، على أن تكون طريقة العرض مشوِّقة تتناسب مع الصغيرات، يتخللها القصص الواقعية، وضرب الأمثلة، وتقريب الصورة ما أمكن، مع تجنُّب المبالغات في القصص في جانب الترهيب أو الترغيب.
- ثم التركيز على الأخلاقيات والسلوكيات، بحيث يتم تعديل السلوك أولاً من خلال الخلق أو المفهوم الإيماني الذي تعرَّضت له الآيات، ولا شك أنك القدوة في ذلك، فاستشعري ما تقولين، وليستغل هذا فرصة طيبة لتربية نفسك، وتقويم اعوجاجها.
- يمكن تحديد موعد آخر، ويكون درساً في السيرة، تدرس فيه سيرة النبي-صلى الله عليه وسلم-بصورة ميسَّرة، يمكن البدء بالرحيق المختوم، والتركيز على ما ذكرنا سابقاً من الاهتمام بالجوانب التربوية، وتعظيم محبة النبي-صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به، والمرور على شخصيات الصحابة بشيء من الترجمة الميسرة والتعريف بها، ورفع همة الطالبات في ذلك.
لا بأس من تحديد موعد ثالث لحديث - النبي صلى الله عليه وسلم- ولتكن الأربعين النووية، ولها شروحات كثيرة يمكن الاستعانة بها، ويعطى من خلالها جميع المفاهيم الإيمانية العقدية، والنواحي التربوية السلوكية، ومتابعة تطبيقها مع الفتيات في أي مناسبة تحضرك.
- أعيد فأركز على القدوة الحسنة، وامتثال ما تقولين، والرفق بالصغيرات، وترغيبهن في دروسك، وعدم التشديد عليهن، وعدم الاستعجال عليهن في تطبيق ما تعطيهن وتعلميهن، وينبغي الصبر عليهن ما أمكن، وستجدين الثمرة -بإذن الله-. حفظك الله وأعانك وسدَّد خطاك.(19/343)
مديرة مدرستي تظلمني!
المجيب صالح بن عبد الرحمن القاضي- رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 22/04/1426هـ
السؤال
أود استشارتكم في أمري مع مديرة المدرسة، وظلمها لي ثلاث سنوات متواصلة في تقدير الأداء الوظيفي. هل أشكوها للوزارة، أو أجعل شكواي إلى البارئ -عز وجل- ناصر المظلومين؟ وهل إذا دعوت عليها يكون هناك ملك يقول ولك مثل ذلك. أرجو الرد سريعاً، فأنا في حال لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
قبل الإجابة أحب أن أوضح أن هذا العرض لموضوع المشكلة ناقص المعلومات التي يلزم توفرها حتى تكون الإجابة شافية، وذلك مثل: هل ناقشتِ المديرة في السنة الأولى ثم في الثانية بعد تحريرها تقدير الأداء، ووضحت لك أسباب تدني المستوى؟ ثم ما هو موقفك مما ذكرته من تعليلات وتبريرات مقارنة مما تعامل به المعلمات الأخريات؟
وهل بينك وبين المديرة خلاف على أمور أخرى سابقة؟
والذي أشير به عليك قبل أن ترفعي الشكوى ضد المديرة، أولاً تتأكدي من نفسك، هل أنت راضية عن أدائك الوظيفي فيما بينك وبين الله؟ وهل أنت الوحيدة المتضررة من تقدير المديرة؟ وهل سعيتِ لمعرفة الأسباب، ثم تلافي القصور، أو تصحيح المعلومة لدى المديرة؟
فلابد من اتخاذ هذه الخطوات أولاً.
اجلسي مع المديرة بنفسك للمناقشة الهادئة، وبنية معرفة الصواب لا الغلبة والانتقام، وإن لم تتشجعي على ذلك فاختاري إحدى زميلاتك لمناقشة المديرة، إما نيابة عنك أو بحضورك معها. أو اكتبي تظلمك بخطاب لها هي، وليكن بأسلوب ليس فيه أذية لها، بل يكون رائدك معرفة الحق سواء لك أو عليك.
فإن اتضح لك -من النقاش إن تم، أو من الخطاب إذا ردت عليك- أن لك الحق، وأنك مظلومة، ثم لم تفعل شيئاً لتصحح خطأها وظلمها، فأخبريها بأنك سترفعين خطاب شكوى للجهات الأعلى.
أما قولك: (هل إذا دعوت عليها يكون هناك ملك يقول: ولك بمثل) ، فهذا يكون في حال دعاء الأخ لأخيه، أو الأخت لأختها بالخير لا بالشر. فإن دعوتِ على المديرة بشر فسيصيبها هي، إن كانت ظالمة وأنت مظلومة، أما إن لم تكن ظالمة فربما يصيبك أنت؛ لأنك تدعين على امرأة بريئة بغير حق. والله أعلم(19/344)
زهد شباب الصحوة في التخصصات غير الشرعية
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 28/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أريد أن أثير قضية مهمة لنا نحن -الشباب المتدين-، وخاصة ذلك الشباب الذي يدرس دراسة دنيوية، وسؤالي هو: ما حق هذه الدراسة الدنيوية "مثل التخصصات التجريبية كالهندسة والطب وغيرها من الفروع الأكاديمية" ما حق هذه الدراسات علينا نحن الشباب الملتزم؟ فنحن نرى أن هناك قطاعاً كبيراً لا بأس به من الشباب -وعلى رأسهم أنا- يفرطون في دراستهم، ولا يعطونها حقها كما يعطيها الباقون من الطلاب من ناحية المتابعة والتفوق والاجتهاد، فلذلك نطلب من فضيلتكم أن تشرحوا لنا واجباتنا نحو دراستنا في الجامعات، وكيف يقسم الطالب وقته بين طلب العلم، وقراءة الكتب الشرعية، وبين دراسته الدنيوية؟
وجزاكم الله خيراً وبارك في حسناتكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أخي الكريم: أشكر لك ثقتك، وأسأل الله -تعالى- لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد، وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل، أما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:
أولاً: لا أحد يشك في أهمية هذه التخصصات التي تفضلت بذكر بعضها، بل والضرورة الملحة لدراستها والتفوق فيها كل بحسب جهده وميوله واحتسابه، فأمتنا -يا عزيزي- تنتظر منا الكثير الكثير، ونحن -بإذن الله- قادرون على البذل والعطاء إذا استشعرنا حجم الآمال المعقودة علينا، والتحديات التي تواجهنا، وإدراكنا بصدق ما يراد بنا، وما ينتظر منا.
ثانياً: أما المفرطون والمتساهلون في دراستهم، فنسأل الله لهم الهداية والتوفيق والعون؛ ليستيقظوا من هذا الرقاد، ويدركوا حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم، وأن كلاً منهم على ثغر من ثغور الإسلام، وسنسأل جميعاً عن أعمارنا وشبابنا وأموالنا وعلمنا، ونحاسب عليها في يوم مقداره خمسون ألف سنة.
ثالثاً: لا تعارض البتة بين التخصص في مثل هذه العلوم والتفوق، بل والإبداع فيها، وبين طلب العلم الشرعي، فلكل مكانه وزمانه، وإذا أحسن الإنسان النية، وعقد العزم، وتوكَّل على الله، وقسم وقته، أعانه الله ويسَّر أمره، ووفقه وسدد خطاه، والأمثلة لدينا كثيرة.
رابعاً: المهم دائماً هو البدء، ومن ثم الانطلاق حسب خطة منهجية واضحة، يراعى فيها التوفيق بين متطلبات الإنسان الدراسية العلمية والاجتماعية، وعدم الاستعجال في النتائج، واستفراغ الجهد في ذلك، واختيار الرفقة الصالحة التي تدل الإنسان على الخير وتعينه عليه، وقبل هذا وبعده صدق الالتجاء إلى الله، وطلب العون والتوفيق.
سائلين المولى -جلت قدرته- أن يصلح شباب المسلمين، ويوفقهم إلى كل خير، وأن يجعلهم سنداً وذخراً لأمتهم، إنه تعالى على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.(19/345)
الخيالات الجنسية!
المجيب نهى نبيل عاصم
داعية ومستشارة تربوية بالإسكندرية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 25/02/1426هـ
السؤال
هل الفتاة إذا تخيلت أنها جامعت رجلاً في خيالها تكون مذنبة، وهل يجب عليها الاغتسال؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ورود الخواطر الجنسية والتخيلات الضاغطة على الشباب والفتيات خصوصاً في سن المراهقة وفوران الشهوة؛ فهذا شيء طبيعي، وهو من دواعي هذه المرحلة السنية، فليست المشكلة في وجود الشهوة والإحساس بضغطها، ولكن المسألة في شكل التعامل معها وضبطها.. هذا أولاً.
الأمر الثاني: أن ورود هذه الخواطر والتخيلات ليست مما يحاسب الله -عز وجل- العباد عليها، وليست مما يأثم الإنسان به إذا أتته من غير استدعاء أو استجلاب أو استثارة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ". أخرجه البخاري (5269) ومسلم (127) . فما دامت مجرد خواطر عابرة فهي ليست مما يأثم به الإنسان.
الأمر الثالث: ليست المشكلة ـ كما قلنا ـ في هذه الخواطر، ولكن المشكلة في الاستمرار معها واستدعائها، وكثرة التفكير فيها، بحيث تتحول من خواطر عابرة إلى إدمان، وربما صاحب ذلك التفكر ثورة الغريزة الجنسية، أو الوقوع في العادة السرية، أو الوقوع فيما هو أكثر من ذلك، وللشيطان الرجيم حيله في أخذ الإنسان إلى الفحشاء والمنكر خطوة وراء خطوة، حتى ينقله من عالم التخيلات والأحاسيس إلى ميدان الواقع والاقتراف، فأنصح الفتيات والفتيان -وقاية من هذه الهواجس وتوابعها- اتباع الخطوات التالية:
أولا: التصرفات والأفعال
ا - التماس عون الله -عز وجل- لك وذلك بالآتي:
* بالطهارة الدائمة من الجنابة وإتقان الوضوء.
* بأداء الصلوات الخمس، وفي المساجد (لأصحاب الجماعات) ولا سيما الفجر والعصر.
* بأداء النوافل قدر المستطاع.
* بالدعاء والخضوع الدائم لله عز وجل.
* بالاستغفار الدائم في حالة وقوع المعصية وعدم اليأس من رحمته سبحانه وتعالى.
* بالإكثار من صلاة وصوم التطوع، فهما خير معين على مقاومة الشهوات.
2- توفير سبل مرافقة الملائكة، وذلك بالآتي:
* بإبعاد الصور والمجسمات من الغرفة والسيارة وأماكن التواجد.
* بعدم الانغماس في اللهو من غناء وأفلام وتدخين ومسكرات.
* بعدم التعرّي أو شبه التعرّي عند الانفراد في الغرفة ولا سيما للإناث.
* بطرد الشياطين من أماكن وجودهم بالأذكار الشرعية.
* بالتواجد في بيئة الملائكة كمجالس الذكر والصلاة وبقراءة القرآن وذكر الله.
3- تنظيف وتطهير خلايا المخ من العفن المتراكم فيها وذلك بالآتي:
* بعدم السماح للعقل بالاسترسال في أي خيال جنسي، أو أي أمر محرك للشهوة.
* باجتناب سماع الأغاني وترديدها والرقص عليها.
* بالبعد عن مشاهدة الأفلام والصور الجنسية وكل محرك للشهوة.
* بالبدء في ملء حيز من الذاكرة لحفظ القرآن وغيره من المحفوظات النافعة، ففي ذلك أجر وتطهير للذاكرة، واستبدال للعفن المتراكم في الذاكرة بما هو نافع ومفيد.(19/346)
* بالبدء في تخصيص جزء من العقل للتفكير في الأمور الهامة، مثل واقع المسلمين في العالم والدعوة إلى الله، ومساعدة الآخرين على الهداية، ومحاربة المحرمات بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالتفكير في الفقراء والمساكين والأيتام ومشاركة الجمعيات الخيرية في أنشطتها، واستغلال الوقت والفكر لمثل هذه الغايات السامية.
* زيارة الشباب الذكور للمقابر والمستشفيات، والاطلاع والتدبر في واقع المرضى والموتى، واستشعار نعمة الخالق وملء التفكير بهذه المنبهات. أما إذا تحركت الشهوة وخرج المني فقد وجب الغسل؛ لقوله تعالى: "وإن كنتم جنباً فاطهروا" [المائدة: 6] . والجنب هو الذي خرج منه المني بلذة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "الماء من الماء" أخرجه مسلم (343) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- المراد بالماء الأول ماء الغسل عبر به، وبالماء الثاني أي: إذا خرج المني وجب الغسل. .. والله أعلم.(19/347)
الشرود الذهني في الفصل الدراسي
المجيب فهد بن أحمد الأحمد
مشرف في وحدة الخدمات الإرشادية بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 13/01/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
عندي مشكلة، وهي أني لا أستطيع التركيز في الفصل، وعندما أكون خارج الفصل أي مع أحد الزملاء في المنزل أفهم الدرس، وعندما أكون في الفصل لا أفهم.
أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر لك تواصلك مع موقعنا (الإسلام اليوم) .
أخي، إن ما تعاني منه أمر يعاني منه كثير من الطلاب وليس مشكلة بقدر ما هو عدم تنظيم وإدراك لأهمية التعلم والتعليم.
بالإضافة إلى عوامل خارجية ولكنها ليست سبباً مباشراً، وفي استطاعتك التغلب عليها إن استطعت أن تسخِّر العوامل الداخلية لديك.
ومن أهم العوامل المؤثرة على عدم التركيز في الفصل ما يلي:
1) عدم إعداد ذهني للدرس القادم.
2) كثافة الطلاب في الفصل.
3) كثرة الأسئلة المختلفة خارج الدرس.
4) موقع الطالب في الفصل.
5) عيوب صحية "ضعف سمع أو نظر".
6) ضعف التركيز لوجود مشتقات مختلفة داخل الفصل.
لذلك عليك أخي أمور عدة بعون الله ستعينك على مبتغاك، وتحقق لك القدرة على الفهم والاستيعاب، وسأورد ما أستطيع ولا أزعم أنها هي كل الأسباب، ولكني سأجتهد في جمعها:
1- إخلاص النية لوجه الله في طلب العلم.
2- المحافظة على الفروض والواجبات والبعد عن المعاصي.
3- الإعداد الجيد للدرس قبل الذهاب للمدرسة.
4- مراجعة الدرس في اليوم نفسه بعد العودة للمنزل.
5- التركيز مع شرح المعلم وعدم الانشغال بأمور أخرى.
6- عمل جدول موزع بين المذاكرة والراحة والجلوس مع الأصدقاء، وأهمية ذلك في تنظيم الوقت والابتعاد عن الملل.
وفقك الله وسدد على الخير خطاك , وأعانك على مبتغاك إنه جواد كريم،،،.(19/348)
يكره وصفه بالوهابي
المجيب سعد الرعوجي
مرشد طلابي بثانوية الأمير عبد الإله.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 21/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكره أن يلمزنا الناس بقولهم (الوهابية) وقولهم: إننا نكفِّر المسلمين، ولا أعرف هل فعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب شيئاً مخالف للقرآن والسنة المطهرة، ولماذا يلمزوننا بهذا الوصف مع أنني لا أحبه؟ أرجو الإيضاح. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ الكريم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع (الإسلام اليوم) .
الشيخ / محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- من العلماء المصلحين الذي كان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في محاربة كثير من البدع والشوائب والشركيات التي لحقت بالإسلام في عصور ضعفه، وهو عَلم من أعلام هذه الأمة أسأل الله أن يجمعنا وإياه في دار الجنان، أما قولهم: إننا نكفِّر المسلمين، أو أن الشيخ -رحمه الله- قد فعل ذلك فاعلم أن ذلك من الافتراء والتزوير ولا غرابة في ذلك، فالشيخ/ محمد -رحمه الله- قد واجه حملة عنيفة في زمانه من بعض علماء عصره ومن كثير من عوام المسلمين؛ وذلك لجهل هؤلاء أو الحسد لدى بعضهم، أو الجهل بآداب الاختلاف.
عموماً لا زالت هذه الحملة سارية المفعول حتى الآن؛ لأسباب مختلفة ومتعددة لا يسع المجال لذكرها، ولكن أذكرك بأن هذه الدعوة (وليست مذهباً كما يقولون) هي دعوة إصلاحية كان لها أثر كبير في الجزيرة العربية خاصة، وفي عموم بلاد المسلمين، وما نرى الآن -ولله الحمد- من انتشار مظاهر الصحوة ما هي إلا أثر من آثارها.
وأبناؤها اليوم -ولله الحمد- هم من يقفون غصة في حلوق أعداء الإسلام من كفرة وعلمانية ومذاهب فاسدة باطلة.
وهم يجتهدون في نشر الدين الإسلامي الصحيح السليم من الشوائب والأكدار في مختلف بقاع الأرض.
وفيهم من يقدَّم أمواله ونفسه في سبيل رفعة هذا الدين ولله الحمد؛ لذا أخي المفترض عليك أن تفتخر بذلك، وليس أن تهتز أو تخجل، فلا يعيب الشيخ ولا دعوته أن يظهر من أساؤوا تطبيق دعوته أو فهموها فهماً خاطئاً.
عليك -أخي الكريم- أن ترفع رأسك عالياً في زمن الذلة والخوار والضعف والهوان والبعد عن دين الله المستقيم.
أسأل الله أن يغفر للشيخ/ محمد مغفرة واسعة، وأن يعيننا على أن نلعب دوره في الإصلاح والتوجيه والإرشاد والدعوة إلى الله تعالى.
والله الموفق،،،(19/349)
كيف يملك نفسه عند الغضب؟
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/اخرى
التاريخ 28/11/1425هـ
السؤال
أحيانا في أثناء الغضب تخرج مني تصرفات وكلمات لا أشعر بها مع الآخرين، ثم بعد ذلك أندم على ذلك, فهل هناك علاج شرعي، وتوجيهات قرآنية ونبوية للسيطرة على النفس وعلاج مثل هذه الحالات؟
الجواب
الأخ الكريم- سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
لا شك-يا أخي الفاضل- أن الحلم سيد الأخلاق، وهو يدل على ضبط النفس وعدم الاستجابة للمستفزات أو المثيرات من الناس أو النفس أو الهوى، وتذكَّر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الحِلْمُ والأَنَاةُ". أخرجه مسلم (17) . فالحلم والأناة من الأخلاق التي يحبها الله في العبد، وهي أجمل وأحسن ما تجمل العبد بها، وهي تسلمه مما يعتذر منه وتحميه من كثير من المشاكل والمواقف المؤسفة، وكم ندم العبد على مواقف غضب فيها، ولم يندم يومًا ما على حلمه وأناته.
ثم اعلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن الغضب، كما في الحديث الصحيح أن رجلًا قال له: أوصني يا رسول الله. فقال له: "لَا تَغْضَبْ". أخرجه البخاري (6116) .
فاستحضر أنك بغضبك تخالف وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويمكن أن تستعين في علاج غضبك بطريقتين:
الطريق الأول: الوقاية: وتحصل الوقاية من الغضب قبل وقوعه باجتناب أسبابه، ومن هذه الأسباب التي ينبغي لكل مسلم أن يطهر نفسه منها: الكبر، والإعجاب بالنفس، والافتخار، والتيه، والحرص المذموم، والمزاح في غير مناسبة، أو الهزل وما شابه ذلك.
الطريق الثاني: العلاج إذا وقع الغضب: وينحصر في أربعة أنواع كالتالي:
النوع الأول: الاستعاذة بالله من الشيطان، قال الله تعالى: (وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة الأعراف: 200] .
النوع الثاني: الوضوء، عن عطية السعدي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ". سنن أبي داود- كتاب الأدب، باب ما يقال عند الغضب- (4784) ومسند أحمد (17985) .
النوع الثالث: تغير الحالة التي عليها الغضبان، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ". سنن أبي داود- كتاب الأدب، باب ما يقال عند الغضب-
(4782) . وجاء عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وإذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ". أخرجه أحمد (2136) والبخاري في الأدب المفرد (245) .(19/350)
النوع الرابع: استحضار ما ورد في فضل كظم الغيظ من الثواب، عن معاذ بن أنس، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ ". أخرجه أحمد (15637) والترمذي (2021) وأبو داود (4777) وابن ماجة (4186) .
النوع الخامس: تذكر ما ثبت اليوم طبيًّا من كثرة الأمراض التي تصيب الإنسان بسبب الغضب، ومن ذلك ارتفاع الضغط ومرض السكري، وبعض أنواع مرض السرطان، وغير ذلك.
وإذا أردت في المقابل أن يذهب عنك الغضب أو يخف فعليك كذلك بتعلم الحلم وتربية النفس عليه حتى يزداد، وذلك بالحرص على الأسباب التالية:
1- الرحمة بالجهال، فإنها من أوكد أسباب الحلم.
2- القدرة على الانتصار، وذلك من سعة الصدر، وحسن الثقة.
3- الترفع عن السباب، وذلك من شرف النفس وعلو الهمة.
4- الاستهانة بالمسيء:
إذَا نَطَق السَّفِيهُ فَلَا تُجِبْهُ فَخَيْرٌ مِن إجابتِهِ السُّكُوتُ
5- الاستحياء من جزاء الجواب، وهذا من صيانة النفس وكمال المروءة.
6- التفضل على السابّ، وهذا من الكرم وحب التألُّف.
7- قطع السباب، وهذا من الحزم؛ كما قال الشاعر:
وفي الحِلْمِ رَدْعٌ للسَّفيهِ عَن الأَذَى وفي الخَرْقِ إِغْراءٌ فَلَا تَكُ أَخْرَقَا
8- الخوف من العقوبة على الجواب، وهذا مما يقتضيه الحزم، فقد قيل: الحلم حجاب الآفات.
9- الرعاية ليد سالفة، وحرمة لازمة، وهذا من الوفاء وحسن العهد، قال الشاعر:
إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ واللُّؤمُ مقرونٌ بذِي الإِخْلافِ
10- المكر وتوقع الفرص الخفية، وهذا من الدهاء، وقد قيل: من ظهر غضبه قل كيده. فإذا راعى الإنسان الوقاية من الغضب، والعلاج، وهذه الأسباب العشرة كان حليمًا- بإذن الله تعالى- وبهذا يحقق ركنًا من أركان الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرًا كثيرًا.
وفقك الله لكل خير، وهدانا وإياك لحسن الخلق إنه جواد كريم. والسلام عليكم.(19/351)
ثالثاً: استشارات دعوية وإيمانية(19/352)
أولًا: أساليب الدعوة(19/353)
زوجي يَرْشُو!
المجيب مصطفى محمد الأزهري
داعية وباحث إسلامي بوزارة الأوقاف المصرية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الزوج والزوجة
التاريخ 21/03/1427هـ
السؤال
زوجي يعمل بالتجارة، ويقدم الهدايا حتى يسير عمله، علمًا أنه يتقي الله، ويصلي منذ صغره، ويستخرج زكاة المال، ويعطف على الفقراء والمحتاجين، ويشارك في كثير من الأعمال الخيرية..
فما حكم ماله؟ علمًا أني نصحته كثيرًا، ولكن دون جدوى، فأرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
فرسالتك -أختي الفاضلة- فيها من أنفاس المرأة الصالحة في أزمنة الخير؛ إذ كانت تودع زوجها الخارج سعيا على رزقه، قائلة ناصحة:"اتق الله فينا ولا تطعمنا من حرام؛ فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على غضب الله"!
وبما أن زوجك -كما تقولين- على صلة طيبة بدينه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويتقي الله ما استطاع فهو -إن شاء الله- أقرب إلى سماع النصيحة، خصوصا إذا أدتها إليه زوجة طيبة ديِّنة تشاركه أنفاس الحياة وتحب له الخير، فلتخبريه أن إطابة الكسب والأكل من الحلال هو مما أمر الله به المرسلين والمؤمنين؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيُّها الناس، إنّ الله طيبٌ لا يقبل إلاّ طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" [المؤمنون: 51] ، وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" [البقرة: 172] ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمُدُّ يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنّى يُستجاب لذلك؟ ". رواه مسلم (1015) .
وقال -تعالى-:"وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [البقرة:188] ، ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دافع الرشوة والمدفوعة إليه والواسطة بينهما. انظر ما رواه الإمام أحمد (21365) .
لكن -أختي الكريمة- إذا لم يكن زوجك يقدم تلك الهدايا لأخذ حق غيره في العمل الذي يتحصل عليه، وستفوته فرصة هذا العمل لو لم يقدم تلك الهدايا لمن بيدهم الأمر -وهي رشوة بطبيعة الحال- فإن الإثم في هذه الضرورة يعود على من يضطرونه إلى دفعها اضطرارا.
وقد رخص السلف بدفع الرشوة إلى الظالم ليرد الحق إلى صاحبه، فقد قال أبو الشعثاء جابر بن زيد: "لم نجد زمن زياد -أحد أمراء بني أمية- شيئاً أنفع لنا من الرشا".
وبعد أن يحتاط لدينه في مكسبه فلا حرج عليكم جميعا.. والله تعالى أعلم.(19/354)
زوجي انتكس
المجيب هند بنت سالم الخنبشي
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الزوج والزوجة
التاريخ 21/09/1426هـ
السؤال
كان زوجي مستقيماً محافظاً على الصلوات الخمس في المسجد، ولكنه منذ سنة تقريباً بدأ يتهاون في أدائها في المسجد، فهو لم يتركها لكنه يؤديها في البيت، ويؤخرها عن وقتها، أو ينام عنها، وإذا جاء وقت الصلاة يتعذَّر بأنه متعب، ويشكو من كذا وكذا، كما أنه صار يتخلف عن صلاة الجمعة لمرات عدة، وإذا نصحته يغضب مني.. أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختي الفاضلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله أن يعينك ويأجرك في بلائك ويلهمك الصبر، آمين.
أختي: حاولي أن تغتنمي فرص الرضا والسعادة في نصح زوجك، ففي ساعة الرضا يتقبل الإنسان أشياء لا يتقبلها في غيرها من الأوقات.
- اتركي أمامه كتيبات أو نشرات عن فضل صلاة الجماعة وحكمها، ووجوب أداء الصلاة في المسجد للرجال، ووجوب أداء الصلوات في أوقاتها، ولكن دون أن تأمريه بقراءة هذه الكتيبات أو النشرات.
- استعيني بمن تثقين به من أقاربك أو أقاربه الذين يتأثر بهم في نصحه لأداء الصلاة في المسجد، بأن يتظاهر بأنه قد صلى في المسجد أكثر من مرة ولم يجده، ويسأله عن السبب، ثم يناصحه حتى لا يحس بأنك أنت السبب الذي جعل ذلك الرجل يناصحه.
- استغلي بعض المواقف اللطيفة في جعل زوجك يؤدي صلاته في المسجد كأوقات النزهة، وليكن ذلك بأسلوب لطيف لا يحس فيه بأنك تملين عليه الأوامر.
- أكثري من الدعاء لزوجك بأن يصلح الله قلبه ويعيده إلى صوابه.
والله ولي التوفيق.(19/355)
أخي لا يصلي!
المجيب محمد محمود الأمين
باحث بموقع الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأخوة والأخوات
التاريخ 01/04/1427هـ
السؤال
لدي أخ في الخامسة عشرة من عمره متهاون في الصلاة، وخاصة صلاة الفجر، ويتطاول عليَّ وعلى والدي بالكلام، ولا يحترمني، فما نصيحتكم له؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأنت تقول: إن أخاك يبلغ من العمر خمس عشرة سنة، ولا يخفى عليك ما قد يصاحب هذا السن من تغيرات نفسية وسلوكية، يتوجب عليك وعلى أبيك مراعاتها، ومنح الفرصة اللازمة لأخيك ليصحح سلوكه، وأنتم تملكون لمساعدته على ذلك الشيء الكثير، فعليكم بإسداء النصح له، مع إظهار الاحترام وعبارات التكريم، فهو لم يعد طفلاً كما كان قبل زمن قريب، وهذه حقيقة يجب أن يستوعبها كل بيت فيه شاب في مثل سن أخيك.
وعلى أية حال فالأمر -بحمد الله- ما زال في بدايته ويمكن علاجه بكثير من الوسائل والطرق المختلفة منها ما أسلفت لك، ومنها تذكيره بواجباته الشرعية، وأنه أصبح مكلفاً ومطالباً بمثل ما يطالب به الرجال من وجوب الصلاة جماعة، وبر الوالدين وإكرام الأهل والإخوان ...
وينبغي في مثل هذه الحالة البعد كل البعد عن أساليب التشهير، ونشر الأمر بين الأهل والإخوان، بل الواجب معالجة هذه السلوكيات في أضيق نطاق ممكن، ثم إن ربط الشاب بحلقات تحفيظ القرآن الكريم له الأثر الجيد في نشر الوعي الديني، والسمو الأخلاقي، والانشغال بمعالي الأمور من طلب للعلم، وحفظ للقرآن، ومواظبة على الواجبات الشرعية.(19/356)
صوت المنكر ينفذ إلى غرفتي
المجيب د. رفعت فوزي
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأخوة والأخوات
التاريخ 20/02/1427هـ
السؤال
أهلي يشاهدون المسلسلات التي تعرض على القنوات الفضائية، وهي مسلسلات بعيدة كل البعد عن الإسلام؛ فهي تحتوي على موسيقى، وكذلك الممثلات الكاسيات العاريات. وأنا أغضب وأحزن كثيرًا عندما أراهم يشاهدون هذه المسلسلات، وأقوم بتغيير القناة، وعندما أفعل ذلك يقولون لي: يجب الاستئذان قبل أن تغيري القناة، وأجيبهم بأن تغيير المنكر لا يحتاج إلى استئذان، وأحياناً أكون في غرفه ثانية وأسمع صوت الموسيقى لهذه المسلسلات؛ فهل آثم لأني أسمع هذا الصوت؟
الجواب
الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الفاضلة- ونسأل الله أن يبارك في غيرتك على دينك وحرصك على أهلك، وتمعرك لما ترين من لهو لا ترضينه في بيتك، لكن إذا كنا مأمورين حقا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مؤمنين ومؤمنات، فإن لهذا الأمر والنهي فقه يجب فهمه والتعرف على آدابه، وأهمه أن يكون أمرك ونهيك بالمعروف، فقد قال الله لنبيه: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل:125] .
وخير ألوان الدعوة، الدعوة بالقدوة والحب والسلوك الحسن، فعليك بالتقرب منهم أكثر، وعظيهم وقولي لهم في أنفسهم قولا بليغاً، ووجهيهم إلى البرامج الإسلامية التي لا تخلو منها بعض الفضائيات، وفيها من الخير ما لا ينكره أحد، حاولي مرات عديدة ولا تيأسي من روح الله، فلك أجر ومثوبة على كل حال، وأضيفي إلى الدعوة الدعاء لهم بالهداية، وأن يشرح الله صدورهم لما شرح له صدرك، وما دمت تعتزلين سماع المنكر فلا عليك أن يترامى منه إلى سمعك بعض من رذاذه؛ فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.. وأسأل الله تعالى أن يوفقك في دعوتك، وأن يحقق لك ما تقر به عينك وتسر به نفسك.. والله أعلم.(19/357)
أود مناصحتها وأخشى انتقامها
المجيب د. يوسف بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأخوة والأخوات
التاريخ 20/10/1426هـ
السؤال
مشكلتي تكمن في أختي التي تكبرني بسنة واحدة فقط، بعدما علمت أنها تهاتف شاباً تعرفت عليه عن الطريق الإنترنت (الدردشة) بالرغم من أنها كانت أكثر حرصاً مني، وأكثر شدة في هذه الأمور، احترت ماذا أفعل، وتعبت كثيراً حتى صرت أتمنى الموت، وأفضله على أن أراها تفعل ذلك، وأنا لا أستطيع أن أواجهها، لأنها ربما تفضحني أمام أهلي، فقد كنت أنا أيضاً على علاقة مثل هذه، لكنني هداني الله وتبت. أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على محمد وصحبه، وبعد:
فلا شك أن مكالمة رجل أجنبي عن طريق الهاتف أو ما يسمى بالعلاقة أو الصداقة أمر محرم، بل فعلة نكراء وداهية دهياء، إنه يتعارض مع صفات الفتاة الطيبة التي وصفها الله -تعالى- في كتابه بالغفلة عن مثل هذه الأمور "المحصنات الغافلات المؤمنات".
كم سقطت من فتاة وأفسدت حياتها بسبب تلك العلاقات، أليست الفتاة تخشى الناس وعلم أهلها سبحان الله، فأين الله؟! يقول أحد السلف: "لا تجعل الله أهون الناظرين إليك"
أليست تجعل ستر الله -تعالى- عليها وسيلة للتمادي في المحرم.
أما من ناحية موقفك من أختك فأنصحك بالتالي:
1- حاولي أن تطلبي منها جلسة انفرادية بعيداً عن الناس، ثم ذكريها بالله -تعالى- والدار الآخرة، وخوفيها غضب الله تعالى وغضبه، ولا تنسي أن يكون ذلك بالأسلوب اللين، وبالحكمة والموعظة الحسنة.
2- يمكنك التأثير عليها من خلال الكتب والأشرطة في هذا الموضوع، وهي كثيرة.
3- لو تصارحين إحدى قريباتك ممن يمكنها التأثير عليها.
4- إذا لم ينفع ما سبق فليس لك السكوت بحجة أن تفضحك، فيمكنك مصارحة أهلك أو أحدهم بالموضوع وتطوراته.
5- حتى لا يتطور أمر أختك إلى ما لا تحمد عقباه، لا بد من متابعة الأمر حتى يمكن القضاء عليه -إن شاء الله- وفقنا الله وإياك إلى ما يحب ويرضى.(19/358)
لباس أختي غير محتشم
المجيب د. عائشة الشهراني
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأخوة والأخوات
التاريخ 19/09/1426هـ
السؤال
تريد أختي أن تلبس لباساً غير محتشم في إحدى المناسبات، وقد لاحظت أنها في الآونة الأخيرة بدأت تتساهل في قضية اللباس؛ وذلك بشرائها بعض الملابس القصيرة، وغير الساترة، وهي تجاهر بذلك. كما أنها تحب بعض الفتيات المتساهلات في أمور الشرع!! كذلك لديها الرغبة في الالتحاق بإحدى الجامعات التي لا نريدها؛ لما سمعنا عنها من سمعة سيئة، وهي متخرجة منذ العام الماضي، وحاولنا إقناعها بالالتحاق بقسم آخر، ولكن لم يتيسر لها القبول في القسم الذي تريده، ومضى عام، والآن من الصعب أن نمنعها فتبقى في المنزل، ومن الصعب أن نتركها تذهب لتلك الجامعة. أرشدونا ماذا نفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من السهل جداً أن أقدم لك نصائح مثالية بما يجب وبما لا يجب، وما هو الحلال وما هو الحرام، فالكل يعلم ما الصواب وما الخطأ، صغيراً كان هذا الشخص أم كبيراً.
ولكن حتى لا أفقد مصداقيتي معك ومع غيرك أقول لك يا بنيتي: إن أختك في العشرين من عمرها، ومثل هذه السلوكيات التي تتحدثين عنها تصدر من أمثالها من بعض الفتيات والشبان أيضاً؛ وذلك لأسباب كثيرة منها صغر السن، واتباع الموضة (الإعلام) والصحبة..الخ، وإن كنا لا نتفق معها في سلوكياتها فلا يعني ذلك أن نبالغ في انتقادها، ولكن نوجهها باللين والهدوء والمحبة والتغاضي بعض الأحيان، خصوصاً إذا كانت ترتدي هذه الملابس أمام نساء فقط؛ لأني أرى أن تلبسها بعلمكم وأنتم خلال ذلك تقدمون النصح بهدوء أفضل من أن تلبسها بدون علمكم أو مع رفضكم، وبذلك تنكسر الهيبة وتصبح غير مبالية، وأنا لدي ثقة كبيرة في الله -ومن خلال متابعتي لكثير من بناتي المراهقات والشابات- أنهن يتركن هذه السلوكيات إذا ما أحسنَّا التعامل معهن بهدوء وحجة وتقدير.
أما بالنسبة للجامعة فقد تألمت لهذه الفكرة التي تحملينها -يا ابنتي- عن مستوى هذه الجامعة، وسمعتها السيئة، فما هذه الفكرة السلبية سامحك الله، عندما قرأت رسالتك ظننتك تكتبين الرسالة من دولة غربية، وإذا بي أجد الرسالة من المملكة العربية السعودية، يا ابنتي إذا كان هناك "بعض الفتيات المقصرات" في تلك الجامعة فهناك آلاف الفتيات الطيبات، يا ابنتي لا توجد لدينا المدينة الفاضلة، ولا توجد المثالية التي تبحثين عنها، كل جامعة وكل مهنة وكل مؤسسة وكل مدينة فيها الطيب والرديء، فلا تحرموا أختكم من الانضمام للجامعة، بل شجعوها وساعدوها وعززوا ثقتكم بها، وإذا أخطأت فتقبلوا هذا الخطأ، وساعدوها لتجاوزه والاستفادة منه، ساعدوها أن تثق بكم وتتحدث معكم وتحاوركم، والخطأ وارد في هذه الجامعة وفي غيرها، وخوفكم عليها يزيد من حمايتكم، لها، وهذا بدوره يزيد من عنادها وأنانيتها، أعطوها مساحة من الحرية والحوار والقبول وتحمل مسؤولية تصرفاتها وقدراتها. وفقكم الله.(19/359)
كيف أدعو أهلي؟
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأخوة والأخوات
التاريخ 22/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرسلت لكم سؤالي لكن لم أجد الإجابة فأتمنى أن تجيبوني.
أنا فتاة -ولله الحمد- من أسرة متدينة، لكن مشكلتها المسلسلات، يشتعل قلبي غضباً عندما يشاهد أهلي ما يسمى بمسلسل، ربما أحترق، عرفوا حكم المسلسلات من برنامج ديني بعدما كان النقاش أنه ليس كل المسلسلات حرام (بل جميعها حرام) ، والآن بعدما عرفوا حكمها أقول لهم أن يكفوا عن مشاهدتها فلا أجد سوى قولهم (تسلية للوقت) أو (وما دخلك أنتِ) لأني أصغرهم سناً، أكرر يا شيخ جِد لي حلاً (قد تجد المشكلة سخيفة ولكنها مهمة بالنسبة لي) فجِد لي حلاً مرة أخرى؛ لعلك تكون سبباً لهداية أهلي. جزاك الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
إلى الابنة الفاضلة بنت الإسلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لقد تقبلت رسالتك الطيبة بقبول حسن، وسرني جداً التزامك بشرع الله، وحرصك على هداية أسرتك، نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق المبين، وأن يجنبنا وإياك مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ابنتي العزيزة: إن ما تعاني منه يعاني منه كثير من الذين أنعم الله عليهم بنعمة الهداية، فلا تذهب نفسك حسرات على أهلك، ولكن أقول:
أولاً: عليك بكثرة الدعاء لهم بأن يشرح الله صدرهم للحق، ويبعدهم عن هذا الشر.
ثانياً: عند نصحك لهم لا تجعليها في شكل أوامر، ولا تبدي تذمرك، ولكن اجعليها في قالب الرجاء الممزوج بالحب معهم والشفقة عليهم، وأنك تحبين لهم الخير.
ثالثاً: احرصي أن يروا منك كل فعل جميل وكل قول مفيد؛ لأنك ملتزمة بشرع الله -تعالى-.
رابعاً: احرصي على جلب الأشرطة الإسلامية النافعة والمؤثرة، وكذلك الكتب الدعوية التي تعالج مثل هذه المخالفات التي هم واقعون فيها.
خامساً: اهتمي أولاً بأن يحافظوا على الصلاة في أوقاتها وأن يلتزموا بالزي الشرعي.
سادساً: عليك بالصبر وعدم اليأس من هدايتهم وتذكري أنك في يوم من الأيام كنت مثلهم، ولكن منَّ الله عليك بالهداية، "كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم" [النساء: 94] ، فعليك بالرفق معهم ولا تجعلي النقاش يحتد بينك وبينهم.
سابعاً: انظري من منهم أشد الناس تأثراً أو قريب إلى قلبك ونفسك، وحاولي أن تأثرى عليه وتكسبيه في صفك، وهكذا، المهم اجعلي لك أعواناً في البيت.
ثامناً: لا تستعجلي النتائج فقد يطول بك الأمر، لكن العاقبة ستكون خيراً - بإذن الله تعالى-.
هذا والله أعلم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/360)
هل أقبل هذا المال من أخي؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقاً-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأخوة والأخوات
التاريخ 04/05/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا شخص ملتزم ولله الحمد والمنة على ذلك، وأسكن أنا وأخي في منزل واحد، وأمي تسكن معنا، وأخي هذا الذي يسكن معي يلعب الشطرنج، وهو لاعب دولي، ويدخل المنافسات الدولية داخل الوطن وخارجه، ويفوز ويأخذ الجوائز النقدية والعينية ويتكسب من ذلك، وصارت بي ضائقة وأحتاج بعض النقود، حيث إني متزوج وعندي أولاد وعلي التزامات، فعلم أخي بذلك، فأراد أن يعطيني نقوداً، وقال: خذ هذا المال هدية، فرفضتها وقلت: لا آخذ مالاً حراماً وهي من لعب الشطرنج، مع أني بحاجة ماسة إلى هذه النقود، فهل آخذها هدية، أو آخذها قرضاً، أو أرفضها كلياً لا هدية ولا قرضاً؟.أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عليك بمناصحة أخيك عن تعامله بالحرام؛ فقد جاء في الحديث أن "أي جسم نبت من الحرام فالنار أولى به"، انظر جامع الترمذي (614) ، وفي الحديث الآخر "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه". أخرجه الترمذي (2417) ، وغيرها. أما إذا كنت فقيراً أو محتاجاً فليس عليك حرج لو قبلت ما أعطاك أخوك من نقود؛ فهي وإن كانت عليه حراماً فإنها لك حلال، فلك الغنم وعليه الغرم، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدايا من اليهود والنصارى مع أن غالب كسبهم حرام. كما قبل هدية المقوقس ملك مصر، وتعامل مع اليهود فأكل من شاة امرأة يهودية، وتوضأ من مزادة امرأة يهودية. والله أعلم.(19/361)
أخي لم يعد مسلماً ما العمل؟
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقاً-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأخوة والأخوات
التاريخ 10/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا فعلاً محتارة في موضوع، وأخاف أن أقوله لأي فرد من أفراد أسرتي. مشكلتي أني أشك، أو بالأصح متأكدة بأن أخي الكبير تنصر، ولم يعد مسلماً، علماً أني أخاف أن أقول لأبي؛ لأنه سوف يطرده من البيت، وربما تحدث مشاكل كثيرة، وخاصة أن أمي مريضة، سؤالي: هل عليّ ذنب لأني عارفة وساكتة؟ أرجو الإجابة.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مشكلة أخيك هذه كبيرة، وعظيم أمرها عند الله وعند أهلك والناس، ولعل الأمر لا يصل إلى درجة الكفر -إن شاء الله- وعليك مخاطبته ومناصحته بلين ولطف، وأشعريه بالمحبة، وذكّريه بعظم الأمر لو مات على ذلك، وذكّريه بواقع والديه وأمه خاصة وهي مريضة، كيف لو بلغهم خبر مثل هذا، أليس خطر عليهم أن يموتوا كمداً وغيظاً من ساعتهم إن لم يبدر منهم بادرة غير متوقعة؟.
وسكوتك خطأ فادح، بل لا بد أن تتحركي بالنصيحة والإصلاح حسب استطاعتك، وعليك في مثل هذه الحال أن تبذلي كل جهد تملكينه مع السرية التامة بعدم وصول الخبر إلى الوالدين، واطلبي ممن ترينه قد يؤثر عليه أو يقبل منه الرأي والمشورة، وبأسلوب بعيد عن المواجهة والمكاشفة، وإن كان الأمر لم يظهر للناس والأصدقاء.
وأقترح عليكِ أن تقوم الأسرة أو بعضها بما فيهم هذا الأخ -بحجة أنه يرافقهم ولا يستغنيان عنه- برحلة ولتكن إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، وفي أثناء السفر -وقبيله وبعده- ألحّوا بالدعاء إلى الله أن يهدي أخاك ويرده إلى الصواب ويثبته على الحق فعليك بالجد بالعمل بكل ما تستطيعينه حتى لا يلحقك ذنب، ولعلك تكونين سبباً لهداية أخيك ورجوعه إلى الدين الحق.(19/362)
لهذا لا أستطيع البرَّ بوالدي
المجيب د. يوسف بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الوالدين
التاريخ 22/05/1427هـ
السؤال
والدي يقوم بعلاقات محرمة مع عدة نساء، وقد عثرت على ما يثبت علاقته بهن، ولأني أنا التي اكتشفت الموضوع أصبح يكرهني ويحرض إخوتي عليّ، ويضايقني بلمساته غير البريئة، وإذا طلب مني شيئاً أقوم به، ولكني أشعر أني لا أبره كما يجب، فماذا أفعل؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالظاهر من سؤالك -أختي الفاضلة- أن الذي أوقعك في الحيرة أنك أصبحت بين نارين، نار العقوق والتقصير في حق الوالد، ونار الموافقة على المنكر والسكوت عليه.
ولعلي أقف معك بعض الوقفات التي تكون مساعداً لك في محنتك إن شاء الله،،، 1- لا شك في عظم حق الوالدين، وأن الله تعالى قرن حقهما بحقه جل وعلا، ولعل هذا ليس خافياً عليك. 2- كون والدك يقيم علاقات محرمة، أو له حركات غير طبيعية، فهذا أمر لا يقره الشرع، وتأباه الفطرة السليمة والعقول الصحيحة.
3- هل أنت متأكدة من تحرشاته، وهل هو يصلي ويصوم؟ أسئلة تحتاج إلى بسط.
4- ألا يمكن أن تجمعي بين الحسنيين، الإحسان إلى الوالد وإنكار المنكر، يقول الله تعالى في حق الوالدين الكافرين: "وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا". [العنكبوت:8] .
5- أرى أنه ما دام في هذا العمر أنّه بإمكانك أن تكسبيه وتؤثري عليه بالمصارحة ... نعم اجلسي معه وقولي له أريد مصارحتك، أتصابيًا وأنت في هذا السن؟ إلى متى؟ حتى متى؟ كرري ذلك معه بالأسلوب الحسن، اهديه الكتاب أو الشروط، اقرئي عليه القرآن أو أسمعيه إياه، وأكثري من دعاء الله تعالى بأن يهديه، ويفتح على قلبه فحري أن يرعوي ويرجع عن غيه، ويثوب إلى رشده.
6- حاولي أن تكوني سبب خير لجميع أهل البيت، علميهم أن التفريط في أمور الدين سبب الشقاء والحرمان عياذاً بالله.
7- اجتهدي في استصلاح والدك وأهل بيتك.(19/363)
أبي لا يصلي الفجر!
المجيب صالح بن عبد الرحمن القاضي- رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الوالدين
التاريخ 16/09/1426هـ
السؤال
أنا شاب منّ الله علي بالهداية والالتحاق بركب الصالحين، ولي -ولله الحمد- بعض الأنشطة الدعوية، لكن لدي مشكلة، وهي أن والدي ضعيف في أداء الصلوات، خاصة صلاة الفجر، فهو لا يقوم لها إلا بعد طلوع الشمس حين يستيقظ لعمله، صراحة أنا لا أملك أسلوباً لكي أواجه به والدي بشأن هذا الموضوع، أرجو منكم أن تفيدوني، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أحمد الله على أنك شاب مستقيم، وأسأل الله لك الثبات على الحق ودوام الدعوة إليه بالقدوة والعمل.
أما موضوع تهاون والدك بأداء الصلوات عامة وصلاة الفجر خاصة، فلا شك أنها مشكلة عظيمة، والاهتمام بحلها أمر واجب، وهو من حق الله عليك تجاه والدك، لكن - يا ابني- لا أدري كيف تعامل والدك معك، هل يسمع منك وبينك وبينه ود وتفاهم، وهل هو مقصر في الصلوات فقط، أم عنده مخالفات شرعية أخرى؟ وأسئلة أخرى يهمني معرفة الإجابة عنها جميعاً؛ حتى أصف لك ما أرى مناسبته وجدواه بإذن الله، لكن لعدم توفر هذه المعلومات عندي سأصف لك وصفة عامة أرجو أن ينفعك الله بها، وتنجح في مساعيك مع والدك، فعليك أن تأخذ من هذه المقترحات ما تراه يناسبك.
(1) اكتب له رسالة فيها تلطف واحترام وبيان محبتك له وخوفك عليه، وأنك لا تجد قدرة على مواجهته شفهياً بالمناصحة، لأنه أبوك وتستحي أن تتقدم له بصفة الواعظ له، واجعل مع الرسالة شريطاً عن أهمية أداء الصلاة وعقوبة التهاون بها، وكذلك مطوية دعوية وتضع معها قارورة طيب مناسب وسواك مغلق، وتكتب عليها في غلاف يشملها: (هديتي لأبي الغالي كدليل محبة وتقدير) ، وتضعها في مكان لا يجدها فيه غيره.
(2) تدعو أحد الدعاة المتميزين وتخبره بموضوع والدك، وتدعو معه اثنين أو ثلاثة من زملائك في جلسة دعوية بينكم، فلعل أباك يحضر ثم يطرح الحاضرون عليه عدة أسئلة، ويكون من ضمنها موضوع والدك كأنه أمر عام، ويتكلم الشيخ بأسلوب ذكي ويتوسع فيه؛ لعل أباك يفهمه.
(3) تطلب من بعض الجيران ذوي الاستقامة والغيرة ممن هم في سن والدك أن يزوروه وينصحوه بالأسلوب المناسب، وكأنه اجتهاد منهم لا بإيعاز منك.
(4) تطلب من أحد الدعاة أن يتصل به هاتفياً لينصحه، وكأن هذا أحد الجهود التي يقوم بها هذا الداعية، ويقول لوالدك: حصلت على الرقم من أحد الجماعة ممن يحبون لك الخير ويخافون عليك.
أسأل الله أن يعينك، ويوفقك في مساعيك، وأن يهدي والدك لكل خير.(19/364)
كيف أدعو أهلي؟
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأخوة والأخوات
التاريخ 22/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرسلت لكم سؤالي لكن لم أجد الإجابة فأتمنى أن تجيبوني.
أنا فتاة -ولله الحمد- من أسرة متدينة، لكن مشكلتها المسلسلات، يشتعل قلبي غضباً عندما يشاهد أهلي ما يسمى بمسلسل، ربما أحترق، عرفوا حكم المسلسلات من برنامج ديني بعدما كان النقاش أنه ليس كل المسلسلات حرام (بل جميعها حرام) ، والآن بعدما عرفوا حكمها أقول لهم أن يكفوا عن مشاهدتها فلا أجد سوى قولهم (تسلية للوقت) أو (وما دخلك أنتِ) لأني أصغرهم سناً، أكرر يا شيخ جِد لي حلاً (قد تجد المشكلة سخيفة ولكنها مهمة بالنسبة لي) فجِد لي حلاً مرة أخرى؛ لعلك تكون سبباً لهداية أهلي. جزاك الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
إلى الابنة الفاضلة بنت الإسلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لقد تقبلت رسالتك الطيبة بقبول حسن، وسرني جداً التزامك بشرع الله، وحرصك على هداية أسرتك، نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق المبين، وأن يجنبنا وإياك مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ابنتي العزيزة: إن ما تعاني منه يعاني منه كثير من الذين أنعم الله عليهم بنعمة الهداية، فلا تذهب نفسك حسرات على أهلك، ولكن أقول:
أولاً: عليك بكثرة الدعاء لهم بأن يشرح الله صدرهم للحق، ويبعدهم عن هذا الشر.
ثانياً: عند نصحك لهم لا تجعليها في شكل أوامر، ولا تبدي تذمرك، ولكن اجعليها في قالب الرجاء الممزوج بالحب معهم والشفقة عليهم، وأنك تحبين لهم الخير.
ثالثاً: احرصي أن يروا منك كل فعل جميل وكل قول مفيد؛ لأنك ملتزمة بشرع الله -تعالى-.
رابعاً: احرصي على جلب الأشرطة الإسلامية النافعة والمؤثرة، وكذلك الكتب الدعوية التي تعالج مثل هذه المخالفات التي هم واقعون فيها.
خامساً: اهتمي أولاً بأن يحافظوا على الصلاة في أوقاتها وأن يلتزموا بالزي الشرعي.
سادساً: عليك بالصبر وعدم اليأس من هدايتهم وتذكري أنك في يوم من الأيام كنت مثلهم، ولكن منَّ الله عليك بالهداية، "كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم" [النساء: 94] ، فعليك بالرفق معهم ولا تجعلي النقاش يحتد بينك وبينهم.
سابعاً: انظري من منهم أشد الناس تأثراً أو قريب إلى قلبك ونفسك، وحاولي أن تأثرى عليه وتكسبيه في صفك، وهكذا، المهم اجعلي لك أعواناً في البيت.
ثامناً: لا تستعجلي النتائج فقد يطول بك الأمر، لكن العاقبة ستكون خيراً - بإذن الله تعالى-.
هذا والله أعلم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/365)
أفضل الأساليب في دعوة أطفال الكفار
المجيب د. عبد العزيز بن علي الغريب
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأولاد
التاريخ 22/09/1426هـ
السؤال
ما هي -برأيكم- أفضل طريقة لدعوة الأطفال إلى الإسلام؟ وما هي الأشياء التي ينبغي التركيز عليها أكثر، والكلام عنها بإسهاب؟.
جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الكريم: أولاً أشكر لك اهتمامك بالدعوة إلى الله، سائلاً المولى -عز وجل- أن يكون في ميزان حسناتك، وبعد:
فإن دعوة الأطفال تعد من أصعب الأمور وأسهلها في الوقت نفسه، فصعوبتها تكمن في الوسائل والأساليب التي تجب الدعوة من خلالها، والسهولة تكمن في توقع سرعة تأثيرهم وتفاعلهم، لذلك أقول: الأطفال متعلقون بالتقنية الحديثة والأفلام والصور بشكل عام، فيمكن استغلال ذلك في الدعوة، على أن يتم العرض لمحتوى الموضوع بالشكل الذي يناسب الطفل وسنه، بحيث يتم التركيز على الجانب المشوق في القصص والأحداث، وما يجلب التساؤل أو يثير فضول الطفل للتساؤل.
كما أن في سيرة المصطفى -صلى الله عليه سلم- كثيراً مما يمكن توظيفه في دعوة الأطفال، فالطفل هنا يجب أن يعرف ما يفيده في حياته المبكرة، وما يتقمصه من شخصيات مؤثرة، لذلك حاول أن تتدرج في المعلومة التي تريد توجيهها، وابتعد كثيراً عما يثير لديهم الرعب والخوف، بل اجعل الإسلام كما هو بالفعل دين الرحمة والإحسان والسلام. وراعي طبيعة العصر والهجمة الشرسة على الإسلام، وكذلك الثورة التقنية التي يقودها العالم اليوم.
وعليك أن تراعي ثقافة المجتمع الذي أنت فيه، وتحاول الزج بين ما يشاهده الطفل في مجتمعه وما يقبله الإسلام، فلا تحاول التصادم المباشر، ودع الطفل يستنتج من ذاته الخطأ والصواب، فلا تعتقد أن الطفل لا يستطيع التفكير، بل على العكس ملكات التفكير تنمو مبكراً لدى الأطفال، لذلك لا تبرز محاسن الإسلام على حساب عقيدتهم، بل سر في نفس الاتجاه، ثم دع الطفل يطلب منك الاستفهام والتساؤل.
كما أنني أقترح عرض سير للصحابة -رضوان الله عليهم- في تعاملهم مع الأطفال، وكيف يعامل الطفل في الإسلام، وكن صادقاً في سلامة عرضك، فالطفل من الصعب تعديل تفكيره إذا تقمص فكرة معينة، وللأسف فإن الكثير يعتقد أن الطفل سهل تعديله وتوجيهه، ولكن البحوث التربوية والسلوكية أثبتت عكس ذلك.
أنا من المؤيدين للبدء مبكراً مع الأطفال، لكن أخشى عدم إجادة البعض لفنون التعامل مع الأطفال بشكل عام، ثم فنون دعوتهم لدين الإسلام، فالأطفال يولدون موحدين، والبيئة لها دور مؤثر في توجيههم لدينهم.
أسأل الله العلي القدير لك التوفيق والسداد، وأن يجعل كل خطوة تخطوها في الدعوة إلى الله في ميزان حسناتك.(19/366)
صديقتي تطلب الشهرة بكل سبيل!
المجيب جماز عبد الرحمن الجماز
مشرف تربوي بإدارة التربية والتعليم بشقراء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأقارب والأصدقاء
التاريخ 18/02/1427هـ
السؤال
لي صديقة تقترف الكثير من المعاصي، فهي تخالط الرجال وتحادثهم عن طريق الهاتف والمسنجر، وتتحجج لذلك بمجال عملها، وأنه يتطلب منها ذلك، ولا تمانع في التخلي عن حجابها عند أقرب فرصة عمل ما دام المقابل المادي مجزيًا. وتلبس عباءة ملفتة لامعة.
حاولت أن أحذرها من حالها، لكني وجدت منها صدودًا، فهي ترى أن لكل شخص حريته الشخصية، فهي تطلب الشهرة بأي ثمن، حتى لو كان المقابل دينها! أرشدوني كيف أتعامل معها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاهتمامك بدعوة صديقتك اهتمام جميل تشكرين عليه، وعسى أن تؤجري عليه، وحالة صديقتك هذه حالة تستلزم معرفة السبب الرئيس في التناقضات التي تعيشها، والظاهر أن السبب هو تغلغل الشهرة في قلبها، أو عدم صدق توبتها، وألخص وصيتي لك فيما يلي.
1- إخلاص القصد، بحيث يكون الباعث على الاهتمام بأمرها هو الرغبة في هدايتها إلى الطريق المستقيم.
2- الدعاء، فاجتهدي أن تدعي لها بالهداية لسلوك الطريق المستقيم والثبات عليه، والاستقامة على هذا الدين.
3- توجيهات لكتاب الله -عز وجل- بأن تنضم إلى حلقة لتحفيظ القرآن الكريم في إحدى الدور النسائية، أو نحو ذلك من البرامج الثقافية؛ للاستفادة مما يصاحب البرامج، واجتهدي أن توثقي علاقتها مع إحدى النساء الخيّرات الصالحات اللاتي وهبهن الله قدرة على التأثير في النفوس. 4- تعاهدها بين الحين والآخر، فلا تغفلي عنها، فمرة خصّيها بهدية متميزة من لباس أو طيب، وضعي معها شريطاً مؤثراً مرققاً للقلوب، فهو أدعى لاستماعه أو كتيباً مفيداً يحكي قصصاً للتائبات، فهو أرغب لقراءته.
ومرة أدعيها، لأن تزورك في بيتك، وادعي معها داعية متميزة لطيفة، وأخبري الداعية بحال صديقتك؛ عل الله تبارك وتعالى أن ييسر هدايتها على يديها.
5- الاتصال بها وعدم مقاطعتها، مثل: مراسلتها، سواء رسالة خطية قصيرة، أو رسالة بالجوال، مع اختيار العبارات الجيدة والمؤثرة، وهكذا المكالمات الهاتفية، والإشارة إلى مواقف وقصص واقعية تعالج بعض الظواهر المنكرة عندها.
6- أرشديها إلى البدائل النافعة، سواء ما يتعلق بالمرئية، مثل قناة المجد الفضائية، أو المقروءة، مثل مجلة الأسرة أو الشقائق أو حياة، أو الإلكترونية، مثل: موقع "لها أون لاين".
7- إذا لم يجد شيئاً من ذلك، فاتركيها حتى لا تؤثر عليك، ولعل الله -جل وعلا- أن ييسر لها من يدعوها غيرك.
أسأل الله لكِِ التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.(19/367)
وصايا لداعية صغير!
المجيب د. عبد العزيز بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأقارب والأصدقاء
التاريخ 11/11/1426هـ
السؤال
أنا شاب عمري ثنتا عشرة سنة، كيف أدعو الأولاد إلى الصلاة وآداب الإسلام؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ابني الفاضل: أحيي فيك هذه الروح الكريمة، والتطلع الجميل، وإذا كان الذين يحملون هذا الطموح ممن هم في مثل سنك قليل، فإن الكرام -دائماً- قليل.. لكنهم يمثلون (حبات) سبحة ذهبية، يفرد الناس حباتها بدهشة، وهم يستشعرون قيمة هؤلاء الفتية، الذين تخطوا العمر الزمني إلى العمر العقلي.. ولعلك -ابني الكريم- تذكر ذلك الشاب الذكي، الذي كان في مثل سنك، وتقدم قومه بين يدي الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- ولكن عمر راعه أن يتكلم شاب صغير بين يدي رجال شيوخ، فقال: يا غلام، تأخر، وليتقدم من هو أكبر منك!!.. ولكن الشاب نظر في وجه الخليفة، وقال: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمر بالسنّ لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة!.. فدهش عمر لهذا الجواب المنطقي السريع، وقال للغلام: تقدم، لله أبوك.. إنما المرء بأصغريه؛ قلبه ولسانه.
ابني الكريم: يمكنني أن أوجز وصاياي لك بالآتي:
أولاً: أن تكون قدوة في أفعالك قبل أن تنتظر من الناس أن يسمعوا قولك، فإن الإنسان حين يكون ذا خلق فاضل، يبدي للناس الاحترام، ولا يبخسهم من حقوقهم شيئاً، ويبدي استعداده للتعاون معهم فيما يقدر عليه، فإنه بذلك يترك في نفوسهم أثراً كبيراً؛ إذ يحبه زملاؤه ومن حوله، ومن ثم يدفعهم ذلك إلى سماعهم قوله، والتزامهم فيما يدعوهم إليه.. ولعلك تذكر -ابني الكريم- أن المدرس حين يحبه الطلاب تصبح مادته سهلة في نفوسهم، ولو كانت صعبة في حقيقتها، وحين يكون المدرس ثقيل الدم على الطلاب، تصبح مادته ثقيلة صعبة، ولو كانت -في الأصل- سهلة يسيرة!!
ثانياً: حاول تطوير ثقافتك في مختلف جوانبها، فقد جُبل الناس على حب الشخص الواسع الاطلاع، خاصة حين يرتدي ثوب التواضع.. ثم إن الثقافة تمنح الشخص قدرة أكبر على التأثير فيمن حوله، سواء في إجابته عن أسئلتهم، أو في كونه قرأ من الكتب والتجارب ما يكون عوناً له على إجادة الحوار والخطابة والإقناع، وقطع شوطاً جيداً في القدرة على عرض أفكاره في صورة جيدة، وأصبح يمتلك معجماً لغوياً يلوّن به خطابه، ما يعطيه تأثيراً أكبر.
ثالثاً: احرص -ابني الكريم- على أن تسد كل (باب) للشيطان، يحاول الدخول منه ليفسد عليك عملك، وذلك حين يجعل هدفك من عملك هو الركض وراء مديح الناس وثنائهم؛ فإن هذا فوق كونه يذهب بركة عملك، فإن وراءه عقوبة الله، وانطفاء جذوة الحماس.
رابعاً: محاولة البحث عن وسائل تتناسب مع ما يحبه زملاؤك ويهوونه، ومحاولة التأكيد على الأعمال الجماعية، فهي تستهويهم، وإشراكهم في العمل، والثناء على أداء كل منهم. ثم استخدم في التأثير عليهم مختلف الوسائل المشروعة المناسبة.(19/368)
خامساً: أن تجتهد في أن يكون مستواك الدراسي جيداً، فإن له تأثيره في تحقيق هدفك الخيّر؛ ففي الوقت الذي يكنّ لك فيه عامة زملائك الاحترام بسبب ذلك، فإنك تثبت لهم أن الاستقامة طريق للتفوق، كما يمكنك مساعدتهم في شرح أمر عارض، أو السماح لهم بتصوير ملخص أو شبهه، ما يقيم بينك وبينهم جسور المحبة، التي تعبر عليها كلماتك التي قد تنفحهم بها.
سادساً: حاول أن تحيل فصلك إلى خلية من النشاط، حاول أن تقنع زملاءك بأنكم ستثبتون لإدارة المدرسة أنكم فصل (متفوق) ، حاول أن تضع تقسيماً إدارياً للفصل، يتولى فيه كل مجموعة عملاً ولو كان النظافة، ويمكن أن تدور هذه المهام ولا تثبت، ثم أكِّدْ على حسن اختيار الكلمات التي يمكن أن توضع على جوانب الحائط بألوان جذابة، والمقالات التي يمكن أن تُضمَّن إياها صحيفة الفصل الحائطية، بل لو أمكن إيجاد مجلة لفصلك -ولو في بضع أوراق-، يتبارى على تحريرها طلاب فصلك كصحفيين صغار لكان جميلاً.
كما أن من الجميل دعوتهم إلى إنشاء مكتبة للفصل، سواء بجمع مبلغ تشتركون في دفعه، أو دعوتهم لإحضار كتب مفيدة نافعة.
أعتقد أن هذه الأفكار وأمثالها ستمتّن العلاقة بينك وبين زملائك من جهة، وتفيدهم بمضامينها، ولو بطريق غير مباشر، من جهة ثانية.
ولدي الكريم: أنا متفائل أن من يحمل مثل هذا الهم في مثل سنك، ستتطور طموحاته مع تقدم عمره، فاجتهد فيما يعين على ذلك، ولعل من أهمها حسن صلتك بالله، فاتكل عليه، واضرع إليه، وأكثر من دعائه، وحسِّن علاقتك بوالديك، فبرهما، وسارع إلى إرضائهما، وحسِّن علاقتك بإخوانك، فإن ذلك من تمام برك بوالديك، وإني متفائل -بإذن الله- أن تكون غداً ممن ينفع الله بهم عامة الخلق، ويكتب نصر الإسلام على أيديهم.
وفقك الله لكل خير، وأضاء لك الدرب، وضاعف لك الأجر.(19/369)
التقاليد فقط تمنعه من الحرام
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ أساليب الدعوة الصحيحة/دعوة الأقارب والأصدقاء
التاريخ 14-3-1424
السؤال
لدي صديق لا يمنعه من الوقاع المحرم إلا العادات والتقاليد وعدم توفر الداعرات، فكيف أنصحه؟ مع العلم أنه لا يخاف الله إلا لإرضاء والديه.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم "
صديقك الذي لا يمنعه من المحرمات إلا العادات والتقاليد، وعدم توفر الداعرات، ولا يخاف الله إلا لإرضاء والديه، نصيحتي له كالتالي:
هذا لابد له من علاج جذري يتعلق بزرع خوف الله في قلبه وتنمية التقوى لديه ويتم ذلك بالآتي:
(1) تذكيره بالموت.
(2) كل إنسان له هدف في هذه الحياة وكل يسعى لتحقيق هدفه وبلوغ غايته.
(3) كن مستشعراً أن الحياة مرة واحدة، فربما لم يبق من العمر إلا يوم أو ساعة، أو دقيقة، أو أكثر.
(4) التداوي بدواء القرآن، فإن الله - عز وجل- الذي خلق القلوب أنزل لها ما يهديها ويشفيها، ويقودها إلى النجاة، فإن الله سمى القرآن هدى وشفاء ونوراً ورحمة، وروحاً، فعليك به قال تعالى:"يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه".
(5) بما أنه صديقك فلا تكثر عليه من الكلام والتوبيخ والمعاتبة، ولكن بالتربية العملية واستغلال المواقف، وإثارة العاطفة لديه وتذكيره بمآسي المسلمين وعداوة الكافرين واعمل معه على زيارة المقابر وبعض المشايخ المؤثرين ومكاتب الجاليات وزيارة المرضى.
(6) هناك كتب تحكي قصص التائبين وكيف تبدلت حياتهم وذاقوا طعم الإيمان.
(7) ذكر ابن رجب - رحمه الله - في شرح الأربعين النووية أن نبياً من الأنبياء لما عصى قومُه وجاهروا بالمعاصي أوحى الله تعالى إليه فقال له: قل لقومك إن كنتم تعتقدون أن الله لا يراكم فقد كفرتم، وإن كنتم تعتقدون أن الله يراكم وتعملون ما تعملون فلم جعلتم الله أهون الناظرين إليكم".
(8) لابد من الحديث معه عن السعادة التي يطلبها كل مخلوق، وهي لا تتحقق إلا بالإيمان الصحيح والاستقامة على طاعة الله.
(9) الصلاة خير موضوع، وهي نور العبد الذي يخلصه من الفحشاء والمنكر، ولكنها لا تحقق للمصلي ذلك إلا إذا خشع فيها وتدبر ما يقول وحافظ عليها.
(10) حضور مجالس الذكر؛ كالمحاضرات والدروس العلمية ومجالس أهل الخير فإنها مجالس مرحومة تغشاها السكينة والرحمة، والملائكة، وبالله التوفيق يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، قال الله تعالى: "قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ" [الرعد: من الآية27] ، فإن من رجع إلى ربه يريد النجاة ورضاء ربه فإن الله يهديه.(19/370)
هذا ما يُعيقني عن الدعوة
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 7/3/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: -حفظك الله- أنا مسلم محب لديني، وقد منحني الله -سبحانه وتعالى- درجة عالية من العلم، وقدرة كبيرة على الإلقاء والمخاطبة والتأثير, ومن هذا المنطلق فإن لدي رغبة شديدة في الدعوة إلى الله, ولكن لدي عائق كبير وهو أني مبتلى ببعض الذنوب التي لا أستطيع الخلاص منها، وهي ذنوب بيني وبين الله لا يطلع عليها أحد ولا تصل إلى حد الكبائر, وأنا أخشى إن قمت بالدعوة أن ينطبق علي قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون"، وحديث الرجل الذي يدخل النار فيقول له أصحاب النار يا فلان: ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه. أفيدوني، ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
إلى الأخ الفاضل - سلمه الله تعالى- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد إليك الله بأن منَّ عليك بالهداية إلى دينه، والدعوة إليه على بصيرة وعلم، فالله أسأل أن يثبتنا وإياك على الحق المبين حتى الممات، اللهم آمين.
أخي الحبيب: إن ما تعاني منه من الوقوع في بعض المعاصي يعاني منه كثيراً من الناس، سواء كانوا من أهل العلم أو غيرهم، فلا يوجد إنسان معصوم من الخطأ والزلل إلا من عصمه الله -تعالى- من الأنبياء والرسل عليهم صلوات ربي وتسليماته، "فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، كما صح بذلك الحديث عن المعصوم صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي (2499) وابن ماجة (4251) من حديث أنس - رضي الله عنه - فيا أخي الكريم- كلنا ذو خطأ وصدق من قال:
من الذي ما ساء قط....ومن له الحسنى فقط.
ولكن لا تجعل هذه الذنوب والخطايا التي أنت واقع فيها مهما بلغت أن تعوقك عن الدعوة إلى الله، فإن الشيطان حريص على تثبيطك وخذلانك، وقعودك مع القاعدين، فلا تعطيه هذه الفرصة، ولا تمكنه من نفسك، فكلما أخطأت استغفر الله وادعوه بأن يصرف عنك هذه المعاصي، المهم لا تجعل الشيطان يسيطر عليك ويدخل لك من هذا المدخل الخطير، فالمولى - جل وعلا- من رحمته بعباده جعل لهم باباً يلجون فيه إذا أخطؤوا وأذنبوا، وجعل لهذه الخطايا والذنوب مآلاً حسناً، أتدري ما هذا الباب؟ وما هو ذلك المآل؟ أما الباب فهو التوبة؛ قال تعالى: "وإني لغفار لمن تاب وآمن" [طه:82] وقال تعالى: "وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون" [النور:31] ، وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً" [التحريم:8] ، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، وأظنك على علم بها.(19/371)
أما المآل الحسن لهذه الذنوب والخطايا هو أن تبدل هذه السيئات إلى حسنات! الله أكبر! كيف ذلك؟ اقرأ قوله -تعالى-: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً" [الفرقان:68-69] .
أبعد هذا الفضل الرباني يكون لديك مجالاً للتردد في التوبة كلما غلبت عليك نفسك واتبعت هواك، وأضلك الشيطان بفعل الحرام، فبادر بالتوبة، وعليك بأخذ الأسباب التي تبعدك عن هذه المعاصي والذنوب، وأنت أدرى بنفسك من غيرك.
أخي: كم من أناس عندهم من المعاصي والذنوب، ولكنهم يحملون بين جوانحهم نفساً تواقة للعمل لهذا الدين، وإن شئت فاقرأ معي سيرة هذا الصحابي الجليل - رضي الله عنه- والذي قد ابتلاه الله بشرب الخمر، فيجلد ثم يعود، وهكذا، ولكنه يحمل بين أضلاعه نفساً أبية تواقة للجهاد في سبيل الله - جل وعلا- وقد ذهب هذا الصحابي - رضي الله عنه- مع تلك الثلة المباركة من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم من سادة التابعين، بقيادة البطل الهمام والفارس المغوار، والأسد الجسور سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- ذهبوا للقادسية لفتحها، وترفع فيها راية التوحيد، وتنكس فيها راية الشرك والإلحاد، بل وتمحى إلى الأبد، ذهب هذا الرجل معهم، وكان شارباً للخمر آنذاك، فأُصدرت الأوامر من القائد الأعلى سعد- رضي الله عنه- بأن يحرم هذا الرجل من المشاركة في الجهاد، ويوضع في القيد، ودارت المعركة، وتقابل الفريقان، وتنازل الشجعان، وتصارع الأبطال، واشتد الوطيس، فلا تسمع إلا ضربات السيوف، وطعن الرماح، ورمي السهام، ولا ترى إلا تطاير الرؤوس، وتناثر الأشلاء، وبحار من الدم تسبح فيها جثث القتلى، فهاجت نفس الرجل، واشتاقت للجهاد ومنازلة الأبطال والصناديد، فلم يملك نفسه إلا أن قال:
كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا***وأترك مشدوداً علي وثاقياً.(19/372)
ثم نظر هذا الرجل إلى زوجة سعد - رضي الله عنها- وقال لها مستجديا: اطلقيني ولك عهد الله وميثاقه، لئن لم أقتل لأرجعن إليك حتى تجعلي الحديد في رجلي، فاستجابت له وأطلقته، وحملته على فرس لسعد - رضي الله عنه- بلقاء، وخلت سبيله، وأطلقت سراحه، وانطلق الأسد من عرينه لا يلوى على شيء، وجاس خلال صفوف العدو، وشد عليهم وكر، حتى جعلهم شذر مذر، وشتت شملهم، وأوقع الرعب في قلوبهم، وسعد رضي الله عنه- ينظر من فوق الحصن وهو مطل على أرض المعركة، ولكنه في ذهول مما يحدث أمامه، الفرس فرسه، والكر والفر من صنيع هذا الرجل، لكن الرجل في القيد والفرس في رباطها، وأخذ الرجل يفعل بالفرس الأفاعيل، لا يترك لهم شاردة ولا واردة، ولا شاذة ولا فاذة إلا اقطتعها بيمينه المباركة، وسعد - رضي الله عنه- ينظر ولا يكاد يصدق ما يرى، لكنها الحقيقة ماثلة أمام ناظريه، فلا مجال للشك، واستمرت المعركة على هذا المنوال الفريد، وتلك البسالة الفائقة من هذا الرجل العظيم، حتى انتهت المعركة بنصر المسلمين، وتم فتح القادسية، ورجع الرجل مرة أخرى إلى امرأة سعد -رضي الله عنهما- وفاءً بما أخذ على نفسه من وعد، ووُضع القيد في رجله، ونزل سعد - رضي الله عنه- من أعلى الحصن، وذهب إلى فرسه حيث تركها، فوجدها كما كانت، لكن وجد عليها العرق، فعرف أنها قد رُكبت، فسأل عن الخبر، فأخبرته زوجته بقصة هذا الرجل المقيد في الأغلال، وأنه كان من أمره ما كان، أتدري - يا رعاك الله- ما اسم هذا الرجل؟ إنه الصحابي الجليل أبي محجن الثقفي - رضي الله عنه وأرضاه-.
أرأيت - أيها الحبيب- كم من أناس عندهم من المعاصي الشيء الكثير لكنهم يحملون بين جوانحهم نفساً تواقة للعمل لهذا الدين والدعوة إليه.
فلا تكن أسيراً لذنوبك ومعاصيك، وتحرر من ذل المعصية وشؤم الذنب، وتب إلى الله واكمل المسير، وانطلق داعية إلى الله بكل ما أتاك الله من قوة وعلم وبصيرة.
أسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير وبر، ويصرف عنا وعنك كل سوء وشر. هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/373)
وصمتُ اليهود بالإرهاب، فهل أنا مخطئ؟!
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 1/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ألقيت كلمة عن اليهود في مدرستي، فوصفتُهم فيها بأنهم إرهابيون وسيئون، بعد ذلك خسرت الكثير من الأصدقاء لأنهم اتهموني بأني عنصري، وبأن عند المسلمين وقاحة في حق الآخرين، أريد أن أعرف هل ما قلته صواباً أم لا؟ وإذا كان الجواب بأنني مخطئ فكيف أصحح ما فعلت؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فليس كافياً أن تعرف: هل هذا الكلام الذي قلته في كلمتك أمام الطلاب صواب أم لا؟ حتى يسوغ لك الصدع به؛ بل لا يسعك أن تقول أي قول مهما كان صائباً حتى تتحقق من أن المصلحة تقتضي فعلاً أن تقول بذلك القول؛ إذ مجرد كون الكلام حقاً ليس كافياً لتسويغ الصدع به، فما كل حق يقال، بل قد تقتضي المصلحة والحكمة أحياناً كثيرة ألا يقال الحق حين تكون مفسدة الصدع به أعظم من مصلحته.
وقد فقهنا هذا المنهج من القرآن الكريم، فأنت تعلم أن سبَّ آلهة المشركين عمل مشروع، وهو حقٌّ بلا شك، ومع ذلك نهى الشرع عنه إذا ترتبت عليه مفسدة أعظم من مصلحته المرجوّة، "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم.." [الأنعام:] .
أخي الفاضل: زادك الله حرصاً ولا تعد؛ فكلامك عن اليهود هو حق بلا شك، وما قلت إلا صدقاً، لكنك اجتهدت فأخطأت الزمان والمكان؛ فمثل هذا الكلام لا يناسب أن يقال في مدرسة يدرس فيها طوائف شتى، وفي بلد غربي أنت فيه غريب ضعيف.
وماذا ترجو من طلاب صغار لا يملكون حولاً ولا قوة- ولو اقتنعوا فعلاً بما تقول-؟ وهو بلا شك حق له شواهده المقنعة، لكن مثلهم لا يخاطب بمثله.
إن كشف جرائم اليهود في فلسطين وإرهابهم وظلمهم واجب على المسلمين بلا شك، ولكنه وظيفة أهل الرأي والسياسة والفكر والمتصلين بالإعلام والقائمين عليه، الذين يستطيعون- من خلال وسائل الإعلام - أن يسمعوا العالم وينقلوا لهم جرائم اليهود وإرهابهم، وأن يؤثروا على الناس بالصورة الصادقة والكلام الموثق بالشواهد.
ويعلم الله أني قد أكبرت فيك - وأنت في زهرة الشباب لم تجاوز سبعة عشر ربيعاً- هذه الغيرة على إخوانك المسلمين في فلسطين، وهذا الكره الصادق لليهود ومعاداتك لهم في الله، واعلم أنك مأجور - إن شاء الله- على هذا الشعور الإيماني، فأوثق عرى الإيمان، الحب في الله والبغض في الله.
ولكن كم يحزنني أن تبدد هذه الطاقة وهذا الشعور الصادق في أعمال تفسد أكثر مما تصلح.
ونصيحتي إليك: أن تعتني كثيراً بما يقوي إيمانك، ويعزز صبرك وثباتك على دين الله، ويهذب أخلاقك، وأن تبذل غاية وسعك في دعوة الناس إلى دين الله الحق بالكلمة الصادقة والموعظة الحسنة، وابدأ بأهلك ومعارفك، وكن آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر باللين والرفق، ولتجعل ابتسامتك وبشاشتك في وجوه إخوانك المسلمين سابقة لموعظتك إياهم ونصحك لهم، ولا تيأس من هداية الناس، ولا تأس على من نفر منهم تولى وأعرض عن نصحك.(19/374)
واحرص على طلب العلم، فإن الدعوة إلى الله من شروطها البصيرة فيما يدعو إليه الإنسان، كما قال - سبحانه -: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" [يوسف:108] ، فالعلم قبل الدعوة والعمل، كما أن العلم بلا عمل ولا دعوة وبال على صاحبه، وحجة عليه.
وأرى ما دمت تدرس مع أولاد النصارى واليهود أن تحببهم إلى الإسلام بأخلاقك معهم، وإحسانك إليهم، وإعانتك لهم في غير المعصية، وإهدائهم بنية دعوتهم إلى الإسلام، وأن تجعل من كلماتك التي تلقيها عليهم بياناً لحقيقة الإسلام، وإظهاراً لسماحته وعدله، وأنه راحة وطمأنينة للروح، وسلام للعالم، وهداية للبشر جميعاً.
ويسرني أن تكون متواصلاً مع موقع (الإسلام اليوم) ؛ لتنهل مما ينشر فيه من علم العلماء واستشارات الدعاة، وأرجو أن تكون متواصلاً مع الموقع ولا تتردد أن تستشير وتسأل، فما قام الموقع إلا لخدمة المسلمين وتبصيرهم وتعليمهم.
وفقك الله لكل خير، وأعانك وسددك، وجعلك مباركاً أينما كنت، ولا تنسانا من صالح دعائك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/375)
الاغترار بسعة عفو الله
المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 29/1/1425هـ
السؤال
لدي أصدقاء ملتزمون بالصلاة ويحاولون أن يتبعوا بعض السنن ولكنهم لا يترددون في القيام بالمعاصي الصغائر والكبائر بعذر أن الله غفور رحيم ... وحين أخوفهم بجهنم يقولون بأننا كلنا سنذوقها ... فماذا تنصحونا جزاكم الله خيرا؟
الجواب
الحمد لله أما بعد: فجزاك الله خيراً على حرصك على أصدقائك، وجعل ذلك في ميزان حسناتك.
أما قولهم بأنهم كلهم سيذوقون النار فذلك من سوء الظن بالله - عز وجل - فهم جمعوا بين سوء الظن في قولهم هذا، وبين حسن الظن الذي في غير محله بقولهم: "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [البقرة:173] ، مع إصرارهم على المعاصي.
ولا ريب أن التمادي في الذنوب؛ اعتماداً على سعة رحمة الله - جهل وغرور، وأماني باطلة؛ فرحمة الله قريب من المحسنين، لا من المسيئين المفرطين، المعاندين المصرين، ثم إن الله - عز وجل - مع عفوه، وسعة رحمته - شديد العقاب، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. قال - تعالى -: " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ" [الحجر: 49-50] .
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي *** درك الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج آدماً *** منها إلى الدنيا بذنب واحد
قال أبو حامد الغزالي - رحمه الله - في شأن من يذنب، وينتظر العفو عنه؛ اتكالاً على فضل الله - تعالى - قال: " وهو كمن ينفق جميع أمواله، ويترك نفسه وعياله فقراء، منتظراً من فضل الله - تعالى - أن يرزقه العثور على كنز في أرض خربة؛ فإن إمكان العفو عن الذنب مثل هذا الإمكان، وهو مثل من يتوقع النهب من الظَّلمة في بلده وترك ذخائر أمواله في صحن داره، وقدر على دفنها فلم يفعل، وقال: انتظر من فضل الله - تعالى - أن يسلط غفلة أو عقوبة على الظالم الناهب؛ حتى لا يتفرغ إلى داري، أو إذا انتهى إلى داري مات على باب الدار؛ فإن الموت ممكن والغفلة ممكنة! وقد حكي في الأسمار أن مثل ذلك وقع؛ فأنا أنتظر من فضل الله مثله. فمنتظر هذا أمر ممكن، ولكنه في غاية الحماقة والجهل؛ إذ قد لا يمكن ولا يكون ".ثم أين تعظيم الله في قلب هذا المتمادي؟ وأين الحياء منه - عز وجل -؟ قال ابن القيم - رحمه الله - في شأن المتمادين في الذنوب اتكالاً على رحمة الله -: " وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها، وتعلق بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها - سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته، ونصوص الرجاء. وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب ".(19/376)
ثم ساق - رحمه الله - أمثلة عديدة لما جاء عن أولئك. ثم قال بعد ذلك: "وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما على انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتَّى إحسان الظن. فإن قيل: بل يتأتى ذلك، ويكون مستندُ حُسن الظن سعة مغفرة الله، ورحمته، وعفوه، وجوده، وأن رحمته سبقت غضبه، وأنه لا تنفعه العقوبة، ولا يضره العفو - قيل: الأمر هكذا، والله فوق ذلك أجلُّ، وأكرم، وأجود، وأرحم. وإنما يضع ذلك في محله اللائق به؛ فإنه - سبحانه - موصوف بالحكمة، والعزة، والانتقام، وشدة البطش، وعقوبة من يستحق؛ فلو كان مُعَوَّل حسن الظن على صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البرُّ والفاجر، والمؤمن والكافر، ووليه وعدوه؛ فما ينفع المجرمَ أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه، وتعرض للَعْنَته، ووقع في محارمه، وانتهك حرماته؟! بل حسن الظن ينفع من تاب، وندم، وأقلع، وبدل السيئة بالحسنة، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة، ثم حَسَّن الظن بعدها؛ فهذا هو حسن الظن، والأول غرور والله المستعان ".(19/377)
لا أستطيع العمل إلا مع جماعة
المجيب جماز عبد الرحمن الجماز
مشرف تربوي بإدارة التربية والتعليم بشقراء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 20/5/1425هـ
السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر عشرين عاماً، لي أهداف كثيرة في الدين والدنيا، تنتابني حالات متفاوتة من قوة الإيمان وضعفه، ومن ضعف الهمة وعلوها، ولكن النتيجة أنني لم أحقق أي هدف من قائمة الأهداف العريضة التي أضعها نصب عيني، وكثيراً ما فكرت في الأسباب، وتوصلت، لأني أريد أن أعمل في ظل فريق عمل، ولا أستطيع أن أعمل بمفردي، حتى يسألوا عني ويساعدونني في وقت ضعف الهمة، فهل هذا عيب مني أو ضعف في شخصيتي؟ وإن لم أجد فريق العمل، فماذا أفعل؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فالعمل الجماعي، ومثله العمل المؤسسي، أمر محمود، وحاجة الناس إليه ملِّحة، وطبيعة النفس البشرية، النقص والخلل، فكان لا بد لها من رافد، يعينها ويسددها ويقومها، وقد صح في الحديث، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه" رواد أبو داود (4918) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقال الحسن البصري: (إن المؤمن شعبة من المؤمن، وهو مرآة أخيه، إن رأى منه ما لا يعجبه، سدَّده وقوَّمه ووجَّهه، وحاطه في السر والعلانية، فتنقوا الإخوان والأحداب والمجالس) ، فكان العمل الجماعي ضرورة لا يستغنى عنها، ومن فوائده وآثاره:
1- اكتشاف النفس، وما فيها من قوة أو ضعف، أو كمال أو نقص، بل يتعرف الإنسان على أبعاد شخصيته معرفة دقيقة من حلم أو عجلة، أو شجاعة، أو جبن، أو صدق، أو كذب.
2- تقويم الاعوجاج، فأصحابه يصلحون ماله، إما بالنصيحة أو العتاب، أو التوبيخ، أو الهجر.
3- توظيف الطاقات: فمن خلال العمل يستفاد من العامل في كل شيء، ويقضي على أي فراغ يمكن أن يستغله شياطين الإنس والجن في إغوائه وإضلاله، وهكذا الغرائز سوف تعمل بدرجات متساوية ومتوازية، وحينها تكتمل الشخصية المتزنة المتكاملة، وقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" رواه الترمذي (2165) وغيره من حديث عمر - رضي الله عنه -.
4- بث الأمل ودفع اليأس؛ لأن الذي يعمل وحده تقعده الخواطر، وتثنيه هواجس الشيطان، ويثبطه كلام الناس، وتفرقهم عنه إلى أن يدب اليأس والقنوط إلى النفس، فيترك العمل لهذا الدين.
5- تجديد النشاط والهمة: فمتى فتر الإنسان وتراخى بسبب ضخامة الأعباء ومشقة العمل، ورأى إخوانه يعملون بإتقان، وما هم عليه من خشوع وإقبال، زال الفتور والتراخي، ويروى بسند ضعيف: "ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "خياركم الذين إذا رؤوا، ذكر الله -عز وجل-" رواه ابن ماجة (4119) من حديث أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها.
6- اكتساب الخبرات والتجارب، فالعمل الجماعي مجال رحب وواسع، يكتسب فيه العامل من الخبرات والتجارب ما لا يكتسبها لو كان وحده.(19/378)
7- حفظ الهيبة والكرامة، فلا يجرؤ الأعداء على إيذائه، أو التطاول عليه في دم أو مال، أو عرض، ولو فعلوا ذلك، فإن إخوانه سينصفونه وسيردون له مظلمته.
8- فتح مجالات الأجر والثواب: فهو يُسلِّم ويصافح إخوانه، وينصح لهم، ويقوم بحقوقهم، ويتفقد غائبهم، ويعين محتاجهم، ويلبي دعوتهم، ويشير عليهم ويُعلِّمهم، فالجماعة أتاحت له أجوراً عظيمة.
9- استجلاب تأييد الله وعونه ونصرته: فالأعداء قد أجلبوا بخيلهم ورجلهم، فكانت الجماعة مسددة من الله، وقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " ... ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار" رواه الترمذي (4167) وغيره من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
وبهذا يتبين لك - أخي الكريم-أن العمل الجماعي ليس ضعفاً في شخصيتك، ولا عيباً في استقامتك، بل هو رأي حصيف اعمل به ولا تتردد، ومتى لم تجد جماعة تعمل معها، فاصنع أنت الجماعة، واسع في إنشائها، وبصِّرها بضرورة العمل والتعاون من أجل التهكين لمنهج الله في الأرض.
وأذكرك بقول بعض السلف: (كدر الجماعة خير من صفو الفرد) فافهم ذلك جيداً. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.(19/379)
الاغترار بسعة عفو الله ورحمته
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 21/09/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي أصدقاء ملتزمون، ولكنهم لا يترددون في فعل المعاصي الكبائر منها والصغائر، بعذر أن الله غفور رحيم، وحين أنصحهم وأخوفهم بالنار يقولون: (ما منا إلا ذائقها) ، فأرجو أن تعينونا على هذا الموضوع، وهل هم على حق؟ وما حكم الذي يفعلونه؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أشكر لك ثقتك، واتصالك بنا عبر موقع "الإسلام اليوم" ونتمنى أن يكون اتصالك بالموقع مستمراً.
لقد قرأت رسالتك، وحيرني أمر ألا وهو: كيف الجمع بين كون أصدقاؤك ملتزمين، وبين كونهم لا يتورعون من فعل المعاصي كبيرها وصغيرها!
فكلمة ملتزم تعني أن هذا الرجل ملتزم بأمر الله من حيث فعل الأوامر وترك النواهي، أما والحالة هذه، فلا يعد هؤلاء ملتزمين، أو لعلك تقصد بالالتزام هنا، المحافظة على الصلاة والصيام والزكاة وغيرها من باقي الفروض، فهذا خير، ولكن لا يسوغ لهم ذلك فعل ما حرم الله من الكبائر، نسأل الله العافية.
ولكن يبدو أن عندهم شبه عظيمة، وتأولات خاطئة، وفهم سيِّئ لنصوص الشرع، وهذا قد أدى بهم إلى انتهاك حرمات الله دون أي ورع وخوف من عقاب الله وشدة بأسه -سبحانه- بمن يجترئ على فعل ما نهى عنه وحذر، ولعل ذلك ناتج عن تغليب جانب الرجاء في عفو الله على جانب الخوف منه سبحانه، مما حدى بهؤلاء على فعل المعاصي والذنوب من الكبائر والصغائر دون رادع يمنعهم، ولا زاجر يحول بينهم وبين ما يفعلون، وهم إذا استمروا على ذلك فهم على خطر عظيم.
فكما أن الله غفور رحيم، فإنه شديد العذاب، والعقاب عظيم النكال بمن يرتكب مثل هذه الموبقات، قال تعالى: "نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيم وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ" [الحجر:49-50] فاستدلالهم على ما يفعلون من معاصٍ وذنوب بأن الله غفور رحيم، نقول لهم: وهو كذلك عذابه أليم، وعقابه شديد، فهل أنتم ضُمنَ أو ضمن لكم بأن الله يغفر لكم هذه الذنوب؟ فمن ظن ذلك فهو على خطر عظيم؛ لأنه أمن مكَر الله (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) [الأعراف: 99] .(19/380)
ويجب أن يعلموا أن رحمة الله وعفوه لا تشمل أي أحد؛ قال تعالى: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ" [الأعراف: من الآية156] ، فرحمة الله وعفوه لا ينالها إلا من خافه واتقاه، والتقوى أن تجعل بينك وبين محارم الله وقاية؛ وذلك بفعل ما أمر، والانتهاء عما نها عنه وزجر، أما من يفعل المعاصي والذنوب من الكبائر والصغائر، وبعد ذلك يتعلَّل بعفو الله، فإنه يتمنى على الله الأماني، قال الحسن البصري: إن هناك أناساً تمنوا على الله الأماني، وقالوا: إنا نحسن الظن بالله - مع فعلهم القبيح وتركهم الجميل -. فقال - رحمه الله - لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، فينبغي على هؤلاء -بل يجب- أن يعظموا الله في صدورهم، وأن يخافوا بطش الله وعقابه، وألا يأمنوا مكر الله، وأن يعظموا حرمات الله، وألا يكونوا مثل ما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - إن الفاجر ليرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به، هكذا ولكن ينبغي أن يكون كما قال: ولكن المؤمن يرى ذنوبه كجبل يريد أن يسقط عليه، فهو خائف يترقب - أو كما قال - رضي الله عنه - فعليهم أن يكونوا في منزلة بين المنزلتين بين الخوف والرجاء، فلا خوف يقنط من رحمة الله، ولا رجاء يؤمن من مكر الله، ولكن رجاء يوصل إلى حسن الظن بالله، ويرجي ما عنده من الخير والثواب، مع حسن العمل، وخوف يوصل إلى خشية الله والحذر من عقابه، مع الابتعاد عن كل ما يغضب الله ويسخطه.
فمثل هؤلاء يخشى عليهم أن يكونوا ممن يعنيهم قوله تعالى: "أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ" [النحل:45-46] .
ولقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الكرام من فعل صغائر الذنوب، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم - أي أراد القوم صنع طعام لهم - فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً، وأنضجوا ما قذفوا فيها) أخرجه أحمد في المسند (2808) .
وفي رواية سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في نهاية الحديث (.... وإن محقرات الذنوب، متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه " أخرجه أحمد (22302) .
وفي رواية عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله - عز وجل - طالباً) أخرجه أحمد (23894) ، وابن ماجة (4243) والدارمي (2726) .
فإذا كانت محقرات الذنوب وهي التي يستحقرها الناس ولا يعدونها شيئاً ولا يتورعون من فعلها إذا كثرت وأكثر من فعلها هلكت صاحبها، فما بالك بكبائر الذنوب؟ نسأل الله العفو والعافية.(19/381)
وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحذر أصحابه ونساءه من هذه الصغائر، وهم من هم في الورع والزهد، والعلم، والإيمان والتقوى وغير ذلك من أبواب البر والخير، ومع ذلك يحذرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من صغائر الذنوب، فمن باب أولى أن نكون أحق بالتحذير منهم، مع ما فينا من تقصير وجهل، وغرور ونقص، إلى غير ذلك من الآفات المهلكات، اللهم خذ بنواصينا إليك، أما احتجاجهم عندما تقوم بنصحهم وتخويفهم بالنار فيقولون: (وما منا إلا ذائقها) ، نقول لهم هل حكمتم على أنفسكم بالنار، وهذا الأمر مرجعة إلى العزيز الجبار، ولعلهم يتأولون قوله تعالى في سورة مريم: "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً" [مريم:71] وهذا لا يعني أن الجميع يدخل النار؛ لأن هناك فرقاً بين الورود والدخول، قال تعالى عن موسى: "وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ" [القصص: من الآية23] فالمقصود من قوله: "وإن منكم إلا واردها" يعني المرور عليها؛ وذلك لأن الصراط -وهو الجسر- نصب على متن جهنم أي بين ظهريها، فيجتاز المسلمون وغيرهم هذا الجسر المنصوب على متن جهنم وهم بذلك قد وردوا على النار، ثم ينجي الله المسلمين بأعمالهم، ويذر المجرمين يتساقطون في النار تساقط الفراش؛ ولذلك قال الله تعالى بعد هذه الآية مباشرة "ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً" [مريم:72] ، وعليك أن ترجع لتفسير هذه الآيات في كتب التفسير المعروفة كابن كثير، وتفسير الطبري، والقرطبي وغيرهم.
وبناء على ما تقدم ينبغي عليك الآتي تجاه هؤلاء الإخوة.
(1) أن تبين لهم خطأ ما هم عليه على ضوء ما قد سبق لك بيانه.
(2) لا يمنع بأن تذهب أنت وهم إلى بعض المشايخ والعلماء وطلبة العلم؛ حتى يوضحوا لهم ما التبس عليهم في هذا الأمر الهام.
(3) يجب أن تذكرهم بالله وما أعده الله من العذاب الأليم والعقاب الشديد لمن يتعدَّى حدوده ويقترف الموبقات.
(4) ذكرهم بأن الجنة أعدت للمتقين، والنار أعدت للمجرمين، وأنهم ضعفاء وأجسامهم على النار لا تقوى.
(5) أحضر لهم الكتب والأشرطة التي تتحدث عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسان كيف كان خوفهم من الله مع حرصهم على العمل، فلقد كان يسمع لصدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزيز كأزيز المرجل من البكاء، ولعلك تطَّلع على كتاب لنا عنوانه (الخوف من الله في ضوء الكتاب والسنة وسير سلف الأمة) فلقد عالجت فيه مثل هذه المسائل.
(6) عليك بالدعاء لهم بالهداية، واحذر من كثرة مخالتطهم إذا استمروا على هذه الحالة السيئة، هذا والله أعلم.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضى، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/382)
كثيرا ما تجنبت ذلك.. مخافة الرياء..!!
المجيب د. سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 2-3-1423
السؤال
مشكلتي تكمن في خوفي الشديد من النفاق والرياء فإذا كنت في مجلس مع بعض الأخوات وأردت إلقاء موضوع ما أو تذكرة موجزة أحجم عن ذلك لأنه يأتي في نفسي أن هدفي من ذلك الرياء ومدح الناس وكلامهم عني بالحسن وقد تكرر هذا مني كثيرا فساعدوني في حل هذه المشكلة العظيمة ولكم جزيل الشكر
الجواب
اختي الكريمة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
كما أن العمل من أجل الناس رياء، فترك العمل من أجل الناس هو مذموم أيضاً، والكمال والفطنة أن تقطعي النظر عن الناس مستطاعك؛ فلا تعملي من أجلهم، ولا تتركي من أجلهم.
وهذه الواردات التي تعتري النفس قل من يسلم منها، وهي من الشيطان ليحزن الذين آمنوا، ويصرفهم عن عمل الخير، ويقعد هممهم عن الصالحات.
ولكي تعرف الأخت إخلاصها فلها أن تفترض أنها كانت بمفردها وبمعزل عن هؤلاء الناس هل كانت ستقوم بالعمل أم ستتركه لأنه لا أحد يراها ويثني عليها؟
فإن كانت ستترك العمل إذا لم يرها الناس ويمدحوها ويحمدوها فهذا معناه أن عملها رياء ومن أجل الناس فلتصحح نيتها ولتتب إلى ربها.
وإن كانت ستقوم بالعمل، وهذا هو الغالب إن شاء الله، حتى لو كانت بمعزل عن الأخريات، فهذا معناه أن النية الصالحة تستقل بإيجاد هذا العمل، وأنه عمل صالح إذا توفرت فيه المتابعة ولزوم الهدي النبوي، فلتداوم عليه ولتزدد منه.
والخلاص من هذه الوساوس والخطرات يبدو أنه عسر بعيد المنال، لكن من الناس من تأتيه خفيفة عارضة، ومنهم من تلاحقه وتقلقه، والحل هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن تقولي: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعمله، وأستغفرك لما لا أعلمه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،(19/383)
جمع فظاظة وأفكارًا غالية! فهل نهجره؟
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 26/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندنا أخ له فكر تكفيري محض، يسب العلماء والدعاة ويسخر منهم، وله أخلاق سيئة، ويتعامل بخشونة وفظاظة حتى مع والديه، ولا يقول (التي هي أحسن) إطلاقًا، في الآونة الأخيرة أراد أن يبطش بنا وأن يضربنا فدفعناه، فظن أننا قمنا لضربه، وما أردنا ذلك، ومن ثم لم يعد يكلمنا ولا نكلمه لمدة شهرين تقريبًا، ويشهد الله أن الراحة في تركه وهجره، والله يا شيخ إن الراحة في هجره، ولعلمكم إنه لا يفيد معه نصح ولا حوار، ولا يعترف بشيء، أفيدونا وانصحونا، جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الأخ الكريم- سلمه الله ورعاه- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:(19/384)
لا يخفى عليك- أخي الفاضل- أن معالجة الخطأ بالخطأ تزيده تمكنًا واستقرارًا، ومثل من في حالة أخيك يحتاج الأمر في علاجه إلى علم وحلم وهدوء ورفق وليس إلى شدة وعنف، لأنك في الوقت الذي تنتقد عنف أخيك هو في نفس الوقت يواجه بعنف مضاد، ولذلك أرى أن الأمر يتطلب منكم صبرًا أكثر وتؤدة في التعامل معه، ولا تنس أنه أخوك من أقرب الناس لكم جميعًا في الأسرة، فإذا لم تتلطفوا معه وتتحملوا خشونته فمن إذًا يتحمله؟ وتذكر معي تلك القصة التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم- مع أحد الأعراب، وكيف واجه النبي عليه الصلاة والسلام- رعونته بلطف ورفق، وكان ذلك سببًا في حمايته من الكفر، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يستعينه في شيء- قال عكرمة: أراه في دم. يعني في دية- فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، ثم قال: "أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ ". قال الأعرابي: لا، ولا أَجْمَلْتَ! فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن كُفُّوا. فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت، فقال: "إِنَّمَا جِئْتَنا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، فَقُلْتَ مَا قُلْتَ". فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم- شيئًا، وقال: "أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ ". فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشير خيرًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ جِئْتَنَا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، فقُلتَ ما قُلتَ، وفي أَنْفُسِ أَصْحَابِي عَلَيْكَ مِن ذَلِكَ شَيْءٌ، فإذَا جئتَ فقُلْ بينَ أَيْدِيهِم مَا قلتَ بينَ يَدَيَّ؛ حتَّى يَذْهَبَ عَن صُدُورِهِمْ". قال: نعم. فلما جاء الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ صاحبَكم كانَ جاءَنا فَسأَلَنا فأَعطَيْناهُ فَقَالَ مَا قال، وإِنَّا قَدْ دعَونَاهُ فَأَعطَيناهُ، فزَعَم أنَّه قَد رَضِيَ، كَذَلِكَ يَا أَعْرَابِيُّ؟ ". فقال الأعرابي: نَعَمْ، فجزاك الله من أهل وعشير خيرًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مَثَلِي ومَثَلُ هَذَا الأَعْرَابِيِّ كمَثَلِ رَجُلٍ كانتْ لَهُ نَاقَةٌ فَشَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَاتَّبَعها النَّاسُ فَلَم يَزِيدُوها إِلَّا نُفُورًا، فقالَ لَهُمْ صاحبُ الناقةِ: خَلُّوا بَيْنِي وبينَ نَاقَتِي، فَأَنَا أَرْفَقُ بِهَا، وَأَنَا أَعْلَمُ بِهَا، فَتَوَجَّه إِلَيْهَا وأَخَذَ لَهَا مِن قَتَامِ الأَرْضِ ودعَاهَا حتَّى جاءَتْ واسْتَجَابَتْ وشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا، وَإِنِّي لَوْ أَطَعْتُكُمْ حِينَ قَالَ مَا قَالَ لَدَخَلَ النَّارَ". رواه البزار (2476-كشف) ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (992) بسند فيه ضعف.(19/385)
فانظر كيف تلطف النبي صلى الله عليه وسلم- مع هذا الأعرابي، مع أنه جاء يسأل ويطلب مالًا، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المحسن والمعطي، ومع ذلك أغلظ الأعرابي في العبارة، فما كان من صاحب القلب الحنون الرؤوف الرحيم بأمته إلا أن زاده مالًا وزاد في التلطف معه، فكان ذلك سببًا في حمايته من النار؛ لأن قوله: لا، ولا أجملتَ. جحود، وفيه رد على النبي صلى الله عليه وسلم، وسوء أدب، ووصف للنبي صلى الله عليه وسلم- بما لا يليق بمقامه، وفي هذا كفر، وأيضًا كان من الممكن لو لم يزده رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يرتد ويكره الإسلام فيكون مصيره إلى النار. أفليس أخوك أولى بمثل هذا اللطف، لاسيما وأن من يحمل مثل هذا الفكر التكفيري؛ أنه في الغالب الذي يدعوه لذلك حرقته على هذا الدين واستنكاره الذل الواقع في الأمة، لكنه أخطأ الفهم بسبب بعض الكتابات التي ربما قرأها، أو الشبه التي سمعها من غيره، فأوصلته إلى هذه القناعة، فهو يحتاج إلى من يناقشه بالعلم والحجة والبرهان مع اللطف والحب والمودة، ثم ما المانع إن كنت لا تملك علمًا في ذلك أن تذهب به إلى عالم أو طالب علم متمكن؛ ليبين له الحق في ذلك، أو تزوده بالكتب التي تبين عقيدة السلف في أمر التكفير، وما أكثرها اليوم في المكتبات! أوتحاول أن تجمعه بأصحاب الفكر الصحيح المستنير بهدي الكتاب والسنة على منهج سلف الأمة، ثم تزوده أيضًا ببعض الكتب والأشرطة التي تعنى بالترغيب في الخلق الحسن وطيب المعاملة ووجوب بر الوالدين وما شابهه مما يهذب خلقه ويعرف به مجانبته الحق في طريقة تعامله مع والديه وبقية أهله.
وخلاصة الأمر أن الرفق واللين وطيب الكلمة والبشاشة من أهم الرسل إلى قلب أخيك، وتأكد أن من شأنها أن تخفف من حدته وخشونته، وفي هذا يقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ". أخرجه مسلم (2594) .
وأما قولك: إن الهجر لمثله راحة. فليس على إطلاقه، فلربما زاده ذلك عنفًا وانحرافًا، ثم لا أتفق معك أن مثله لا ينفع معه نصح ولا توجيه لأنه يبقى بشرًا خاضعًا للتأثر والتأثير بحسب توافر تلك الأدوات التي تعين على قوة التأثير فيه وفي فكره، والتاريخ القديم والمعاصر ممتلئ بالنماذج التي تصور كثيرًا من الناس أنه لا فائدة من نصحها أو التأثير عليها أو الطمع في هدايتها، وإذا بها تتوب وتعود وينصلح حالها، ولا يخفى ما في يأس الإنسان من هداية أحد أو رجوعه عن الباطل من سوء ظن بالله أنه لا يقدر على هداية ذلك الإنسان أو تدركه رحمته، فعليك ألا تيأس، وتحبب إلى أخيك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولن تعدم أثر ذلك الرفق واللين أبدًا، والله معك.
والله أسأل لأخيك الهداية والرشاد، ولنا جميعًا التوفيق والسداد، وشكرًا لحرصك على أمر أخيك، وتفضل بقبول تحياتي وتقديري. والسلام عليكم.(19/386)
أخي وصلاة الفجر
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 25/01/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله، أخ لي كان حريصاً على الحفظ، وحضور الدروس العلمية والمحاضرات وفجأة تحوَّل إلى الدعوة ونجح نجاحاً باهراً، وكسب الكثير من الشباب، ولكن بدأ يترك الكثير من الأعمال؛ وحجته الترفية عن الشباب الجدد في الاستقامة، حتى وصل الأمر به إلى التهاون في صلاة الفجر، أطلب منكم نصيحة في كيفية التعامل معه، ولقد جربت الكثير من الطرق ولم تنجح.
الجواب
الأخ الكريم /
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع (الإسلام اليوم)
الإنسان الموفَّق في هذه الحياة الدنيا هو الذي يوفقه الله لاكتشاف مكامن النجاح لديه ومسبباته والأمور المهيأة إليه. وتحول أخيك من حقل العلم والحفظ وحضور الدروس إلى حقل الدعوة (وفي كل خير) ومن ثم نجاحه ذلك النجاح الباهر -كما تصفه أنت - في هذا المجال لهو دليل على أن مكامن النجاح لديه هي في هذا المجال. وهذا هو المفترض أن نسير عليه جميعنا سواء كان في مجال الدراسة أو العمل أو الوظيفة أو السلوك أو التوجهات أو غير ذلك من الأمور التي نعايشها بشكل يومي ما دمنا نسير في هذه الحياة ... حالة أخيك تذكرني بالكثيرين من الذين يعانون الفشل في هذه الحياة، سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى الاجتماعي المحيط، ولا يدركون أن مكمن الفشل لديهم هو عدم تبصرهم واكتشافهم لبؤرة النجاح لديهم، فلا يزالون يتخبطون يمنة ويسرة لفترة من الزمن حتى يقعوا عليها ويكتشفوها، أو قد لا يتمكنون من ذلك فتستمر لديهم دوامة الفشل ملازمة لهم وملاصقة طيلة حياتهم، فلا يخرجون من فشل وبؤس إلا ويقعون في آخر.
أخي الكريم، أخوك يعلم ويدرك تماماً الواجبات الدينية وأهمية الصلاة والحفاظ عليها، كيف لا؟ وهو الداعي إليها صباحاً ومساءً من خلال برامجه الدعوية والتي انشغل بالعمل بها، ولا أظنه يخفى عليه شيء من أمرها ولذلك يبقى دورك من وجهة نظري هو التذكير والنصح بين كل فترة وأخرى، وتستمر على تخوله بالنصيحة، ولا تظن أبداً أنه لا يأبه بها، كلا فالمرة بعد المرة ستؤدي إلى نتيجة بإذن الله.
كما لا أنسى أن أذكرك بأنك يجب ألاّ تجعل من هذه القضية سبباً في خصام مستديم معه، فتكون قد أسأت التصرف من حيث أردت الإحسان.
أعانك الله ووفقك للبر والإحسان.(19/387)
أردت نصحه.. فوقع في الزنا!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 8/12/1422
السؤال
في البداية أحب أن أتقدم بالشكر للقائمين على هذا الموقع الهادف..الموضوع هو أنني أحتاج إلى رأيكم في هذه المسألة وهي إذا كانت هناك فتاة متمسكة بدينها وعلى خلق تام دخلت أحد مواقع الشات.. وكانت ملتزمة بحدود مع الجميع في المخاطبة إلا أن أحد الأشخاص قد وقع في حبها واعترف لها بذلك.. أخبرته بأنها ليست من تلك الفتيات اللواتي يسعين إلى الحب عبر هذه الوسيلة،، وان "الشات" مجرد كل ما فيه من علاقات افتراضية تنتهي مع الزمن.. للأسف إن الشخص لم يقتنع بذلك الكلام وأخبرها قبل مدة أنه قد خسر شرفه بسببها إذ والعياذ بالله " زنا ".. فما موقف الدين من تلك الفتاه؟ وهل يقع اللوم عليها على ما فعل؟! مع العلم أنها كانت صريحة وصادقه وأن الشات مجرد وقت تجلس فيه للمناقشات الهادفة.. فهل هي ملومة، ويقع عليها العقاب؟ أرجو الرد وجزاكم الله خيرا.
الجواب
أختي الكريمة، أشكر لك ثقتك، وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد، وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل.. أما استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:
أولا: لتعلمي أختي الكريمة أن دخول الفتاة في مثل هذه الحوارات - على هذه المواقع - خطأ كبير.. مهما كانت الأهداف!! صدقيني..! المشاكل الناجمة عن ذلك كثيرة جداً، ولدي العشرات من القصص المؤلمة التي بدأت بنوايا حسنة، وانتهت بألم ودموع وفضائح!! وهذه ليست مبالغة بل هي الحقيقة والواقع المؤسف والمخجل..!!
ثانيا: أما إن كانت الفتاة تريد إيصال رسالة حق ونصح وتوجيه.. فمجال ذلك مفتوح ومتاح وواسع في مجتمعها ومدرستها وأسرتها مع بنات جنسها؛ لأنها أعرف بهن وأدرى بظروفهن وإيجابياتهن وسلبياتهن.. وهن أحوج ما يكن إليها.. وهنا يكون التحدي الحقيقي والبذل الصحيح حسب الجهد والطاقة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) .(19/388)
ثالثا: ما رأيك بمن يحمل الماء فوق ظهره ويخرج من قريته المليئة بالعطاش متجها إلى إحدى الغابات المليئة بالألغام والشراك الخداعية والمغارات العميقة ... بل والوحوش وقطاع الطرق..ليبحث عن بعض العطاش حتى يسقيهم..!! فيقال له: لماذا لا تبدأ بقريتك وتترك أمر هذه الغابة لفريق من المختصين والمدربين على التعامل مع أمثالها؟! فيسأل: ولماذا؟! فهدفي نبيل.. ونواياي حسنة..!! فيجاب عليه.. النوايا الحسنة لا تكفي وحدها.. وكثيرون هم أولئك الذين دخلوا قبلك إلى هذا المكان.. بعضهم فقد ولم يعد.. والبعض عاد وهو مثخن بالجراح.. بل وبعضهم قد فقد أحد أطرافه.. أو تشوه جسمه!! ما رأيك - أختي الكريمة - لو أصر على الذهاب والدخول في هذا المكان؟! بماذا نحكم عليه؟!! صدقيني مواقع "الشات" أو الحوار هي أقرب الأمكنة إلى هذه الغابة.. فهي مليئة بكل الأصناف.. الصالح والطالح.. الصادق والكاذب.. المجرم والبريء.. والكثير.. الكثير من الألغام والحفر والشراك الخداعية.. والأسماء الوهمية.. وغير ذلك؛ فتجنب الفتاة لها واجب والحذر منها مطلب أساسي.
رابعا: أما هذا الذي فقد شرفه بسببك كما "يزعم"!! ووقع في الزنا نسأل الله العافية.. فهو كاذب في دعواه العاطفية.. بل وأكاد أجزم أنه أحد وحوش هذه المنطقة المسعورة.. الذي يريد أن يغرر بك ويتلاعب بعواطفك ويسحبك معه إلى منطقة الخطر..وبعدها لا تسألي عن النتيجة فهي آلام ودموع.. وشر مستطير!! فتجارة العواطف في مثل هذه المواقع.. تجارة خاسرة.. وبضاعة أربابها مزجاة.. وضحاياها بالمئات!! والمآسي تكرر بعضها.. فالحذر.. الحذر..! ولا تخدعنك الأيمان الكاذبة.. والوعود الزائفة!!
خامسا: أما إن كان اللوم يقع عليك لذلك.. فاللوم يقع إن استمررت في هذا الطريق الشائك فاستغفري الله.. وتوبي إليه.. وابذلي جهدك -أختي الكريمة- في محيطك العائلي والاجتماعي - كما أسلفت - وستجدين الراحة والأمن والأمان.. وستحققين النتائج الإيجابية إن شاء الله.
وفقك الله وحماك من كل سوء، وسدد على طريق الخير والحق خطاك.(19/389)
الداعية والرد على منتقديه
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 23/12/1426هـ
السؤال
ما هي الطرق التي يمكن أن يرد بها الداعية على منتقديه، إذا وجد أن انتقاده سيحدث فتنة بين مؤيديه ومعارضيه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: لا ينبغي للداعية أن يجعل من نفسه رمزاً يتعصب لشخصه أتباع، ولا أن يجعل من نفسه فتنة للناس يتعادون عليه أو يتوالون.
على الداعية أن يربي أتباعه على اتباع الحق حيثما كان، وأنَّ الحق قد يكون في مخالفته، وأن يحذرهم من التعصب لشخصه ورأيه، وأن يعلمهم فقه الخلاف كما يعلمهم مسائل العلم.
ثانياً: لا ينبغي للداعية أن يُشغل نفسه بالدفاع عن شخصه إذا تعرض له أحد باللمز والسخرية والاستطالة في عرضه وليحتسب ذلك عند الله، لكن ينبغي أن يزيل الشبهة التي تثار حول موقف له في قضية ما، وأن يرفع الإشكال والشبهة عن آرائه التي كثرت عليها الانتقادات وجُعلت مثاراً لتشكيك الناس في ديانته وفقهه؛ حتى لا يؤثر إهمال ذلك على قبول خطابه.
ثالثاً: الصبر والحلم رأس مال كل داعية، فمن لم يصبر على أذى الناس ويحلم عنهم فإنه يهلك ويُهلك معه الناس، ومن رأب الصدع ودرء الفتنة أن يشيع في أتباعه الأخلاق الفاضلة، ويجعل من نفسه قدوة لهم في التعامل مع الشانئين فيمسك لسانه عن القذع فيهم والاستطالة في أعراضهم حتى ولو ظلموه.
والله الموفق.(19/390)
بسبب خلافات المتدينين انتكستُ
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 01/12/1426هـ
السؤال
كنت شابًا متدينًا بقدر ما تعنيه هذه الكلمة، لكن حالي تبدّل إلى الأسوأ؛ بسبب خلافات الشباب فيما بينهم، واشتغالهم بتصنيف الدعاة، وتصيدهم لأخطائهم وتركيزهم عليها، ورمي بعضهم بالبدعة. أرشدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أشكر لك أولاً تواصلك وثقتك بموقعك، (الإسلام اليوم) . وبعد:
الله سبحانه وتعالى خلق الجنس البشري، وخصه بخصوصية عظيمة، دون سائر المخلوقات الأخرى، حيث شرفه بالعبودية، وجعل لهذه الخصوصية ثواباً وعقاباً، ثم وهب الله سبحانه وتعالى بني البشر عقلاً يفكر ويقرر، وأعطي ملكة الاختيار، (إنا هديناه النجدين) إذاً نحن ننعم بحرية التفكير، فلا أحد له سلطان على عقلك الذي تفكر فيه، إلا إذا سلبت هذه الخاصية، إما بفقدها نتيجة عارض، أو إلغائها بطوعك واختيارك، فتنقاد لفكر غيرك بالتأثر والتأثير.
إذا طالما أن الله -سبحانه وتعالى- قد كرمنا بحرية التفكير، وأعطانا حرية الاختيار، واتخاذ القرار، فلماذا نلغي خاصية عقلنا..؟ ونتأثر بعقول غيرنا، ونفقد بعد ذلك أجمل ما نملك، وهو الذي عليه مدار الحياة، والنجاة بعد ذلك، الاستقامة والثبات على هذا الدين.
أخي الكريم، أنت ذكرت في سؤالك -القصير العبارة، الكبير المعني- أنك تبدلت بعد حسن، وانتكست بعد استقرار، وتأثرت بمن حولك، بمجرد خلافات قد لا تعنيك، ثم رحت تسلط مجهرك لترصد عليهم زلاتهم، فعوقبت بالنكوص على أعقابك، مع ملاحظة أنك قلت في صدر السؤال: عبارة لدي تحفظ عليها، (كنت ملتزما بقدر ما تعنيه هذه الكلمة) ، لا أدري قد أختلف معك في هذه العبارة، يظهر والعلم عند الله، أن لديك استعداداً أصلاً لهذا التحول، فلما جاءت الفرصة، وإذا بك تسرع بالمبادرة، وجعلت خلافات الشباب هي السفينة التي عبرت عليها إلى الضفة الأخرى، لتجد المبرر المنطقي لتقنع به نفسك، ومن حولك.
وإلا من يتذوق حلاوة الإيمان والاستقامة الحقيقية -مهما يذق بعدها من طعم- لا يمكن أن يشعر بحلاوة أحسن منه، وهذا له شواهد عبر الأجيال التي مرت من سلف الأمة وخلفها، ويذكر عن بلال -رضي الله عنه- عندما سئل كيف تحملت التعذيب من قريش؟ قال مزجت حلاوة الإيمان بالعذاب فأذاب الإيمان شدة العذاب، أو كما قال رضي الله عنه.
لكن لا زلت الفرصة متاحة لك بالعودة وتصحيح المسار، إذا استعنت بالله أولاً، وطلبت منه المعونة والتوفيق.
ثانياً: أكثر من الاستغفار فله تأثير عجيب.
ثالثاً: التفكر بهذه النعمة التي أنت فيها، وهي نعمة التفكير وحرية الاختيار، من خلال هذه الجارحة التي تملك، وهي العقل الممنوح لك، فلماذا تكن متأثراً بغيرك وبسلوك غيرك، اجعل لك شخصية مستقلة، لا تقاد بحبل التبعية لمن حولك.
رابعاً: تأمل ثمن الثبات على طاعة الله، كيف سيكون..؟
خامساً: تذكر أن الشيطان لن يتركك وشأنك، بل سيأتيك، ويزين لك ما تحب من أن يصدك عن ذكر الله، بتزيين ما تحب وتشتهي، وبغض النظر هل هو موافق للشرع أم لا، والشيطان لن يكون ناصحاً لنا مهما قال، فهو لا يحب أحداً من بني آدم، حتى وإن اتبعوه، وعملوا ما يقول، فهو في نهاية الأمر سيتبرأ من الجميع، ويفرح إذا دخلوا معه النار، والله سبحانه قد حذرنا منه، حيث قال سبحانه: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً.. الآية.
وأخيراً الأمر يحتاج إلى مجاهدة ومدافعة، وسؤال الله -سبحانه- المعونة والهداية، فافعل ذلك لعلك ترشد، وتعود أدراجك إلى طريق الصواب.. أعانك الله وسدد خطاك.(19/391)
أريد أن أخدم ديني ولكن كيف؟
المجيب د. عبد العزيز بن علي الغريب
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 27/09/1426هـ
السؤال
أنا خريجة جامعة، ولدي الرغبة في خدمة الشريعة الإسلامية، إما بنشرها أو الدفاع عنها من خلال تخصصي (اللغة الإنجليزية) ، لكني أجد صعوبة في تحقيق هدفي، فأنا لا أعرف كيف أبدأ؟ ومن أين أبدأ؟ فكرت في أخذ الماجستير في الترجمة، وعندما اطلعت على احتياج الجامعات في بلدي لم يكن هذا التخصص موجوداً. فأنا أريد أن أقدم شيئاً مبنياً على أسس علمية صحيحة؛ لأنه وبناء على ما درسته في الجامعة فذلك يفيدني كلغة، لكن كمادة أقدمها فهذا غير ممكن، وأنا أفكر حاليا في مجال توعية الجاليات، لكني أريد الدخول وأنا متمكنة ولدي خلفية أستند عليها، فهل يمكنني الاعتماد على اقتناء الكتب ومعلومات الشبكة العنكبوتية مع الخوف من عدم المصداقية؟ أم من الأفضل أن ألتحق بجامعة إسلامية. أرجو أن ترشدوني وجزيتم خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختي الكريمة: أحييك بأجمل تحية، وأسأل الله العلي القدير أن يكلل نواياك الصادقة بالتوفيق والتسديد، وأهنئك على شخصيتك وحسن تفكيرك، وعلى الأهداف النبيلة لخدمة الشريعة الإسلامية، وأنه مما يثلج الصدر أن يكون من بناتنا من هي بمثل تفكيرك واتجاهاتك، ولعلي أقول لك: لا بأس مع التصميم والإصرار على النجاح، وأبواب النجاح مفتوحة وميسرة وهناك كثير من الأبواب تفتح لمن يريد الخير ونفع الإسلام والمسلمين، وأنت -بحمد الله- سعيتِ لطرق الباب الأول، وهو إكمال الدراسات، وهو توجه سليم، إلا أن عدم تحققه لا يفقدنا التصميم على النجاح.
ولا شك أن توجهك للتعاون مع مكاتب الجاليات عمل طيب وتوجه سليم ولا يضرك ذلك، إذ إن الخدمات التي يحتاجونها في المكاتب -خاصة مع المسلمين الجدد- لا تحتاج لمؤهلات عليا في اللغة الإنجليزية، وهذه المكاتب -كما أعلم- بحاجة للعنصر النسائي المتخصص في اللغة الأجنبية، بل إن العمل في تلك المكاتب يتركز على اللغة بشكل مبسط وهو -كما أعتقد-يتوافر لديك، ولعلك مبدئياً تطلعين على الكتيبات التي تصدرها المكاتب باللغة الإنجليزية التي تعرف بمبادئ الإسلام ومقوماته الرئيسة؛ لتدركي أنك تجيدينها بتوفيق الله.
أما عن إكمال الدراسات العليا فالذي أعرفه أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض لديها مسار في الترجمة لمرحلة الماجستير في كلية اللغات والترجمة، كما أن بعض الجامعات المفتوحة العربية والأجنبية تدرس هذا التخصص، ثم إنني من المؤمنين بأن التعليم الذاتي له دور مهم في استزادة الفرد في مجال اختصاصه، خاصة عندما يملك القاعدة العلمية وهي مرحلة البكالوريوس كحد أدنى، وهذا متوافر لديك.
أسأل الله العلي القدير لك التوفيق، وأن يعينك في القيام بما تسعين إليه، وأن يمدك عز وجل بمنه وكرمه وتوفيقه، وأن يجعل كل خطوة تخطينها في الدعوة إلى الله في ميزان حسناتك.(19/392)
جدتي لا تصلي، فكيف ننصحها
المجيب أمل الجليل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية /اجتماعية أخرى
التاريخ 21/08/1426هـ
السؤال
سؤالي بخصوص جدتي لأمي، فحالتها الصحية سيئة فهي لا تغادر السرير، ونحن نقوم بخدمتها والمشكلة أنها أصبحت تتحسس من أي كلام وتغضب بسرعة على أتفه الأسباب، وهي لا تتكلم معنا إلا إذا طلبت شيئاً، تظل معظم النهار مستلقية ومغمضة العينين، والشيء الذي يضايقنا هو أننا لا نراها تصلي مع أنها عندما كانت صحيحة كانت تصلي كل صلاة في وقتها، أما الآن فهي تقول: إنها لا تستطيع؛ لأنها مريضه وغير قادرة على الطهارة في كل وقت للصلاة، وهي تقول: إن الله يعلم بنيتها وبحالها، ولو ألححنا عليها في أمر الصلاة تغضب، وتقول: ألا ترون حالي؟ فأحياناً تقول للذي ينصحها بالصلاة لا أريد أن أرى وجهك، الله يعلم بمرضي. مع العلم أن عقلها سليم. فأرجو منكم أن تدلوني وتنصحوني بكيفية التعامل معها، سواء بإخراجها من الغضب الذي هي فيه، وكيفية نصحها للصلاة بالطريقة التي تريحها ولا تغضبها. وجزاكم الله عني وعن المسلمين خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(19/393)
فقد ذكرت في خطابك الحالة الصحية لجدتك الكبيرة في السن، وشدة غضبها لأتفه الأسباب، وأردفت بقضية تركها للصلاة مع كامل وعيها وقدرتها عليها ولو على جنب، وتسأل عن كيفية التعامل معها، وإخراجها من حالة الغضب الدائمة، وكيفية حثها على إقامة الصلاة دون إغضابها، فأود أن أوضح -والله المستعان- عدة نقاط مهمة، نحتاج التعرف عليها للتعامل مع المسن، أولاً يا أخي -رزقك الله البر والأجر- لابد من معرفة نفسية المسن، وكيف يفكر وماذا يريد؟ فالمسن يشعر بأنه أصبح غير قادر على العطاء، وأنه بعد أن كان المعيل والمنفق، أصبح اليوم يحتاج إلى من يعوله، ويحتاج إلى من يخدمه، وهذا يجعل لديه حساسية شديدة لأي نقد أو إرشاد أو توجيه مباشر، فهو يشعر أنه عالة على المجتمع، وأنه ثقيل على من حوله، وأنهم يرتقبون اليوم الذي يتخلصون منه فيه. ولذلك ركز الله في وصيته بالوالدين على هذه المرحلة العمرية، قال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما.....الآية" [الإسراء:23] فركز على هذه المرحلة العمرية، وهي حين يبلغ الوالدان الكبر؛ لأن الوالدين يكون لديهما حساسية شديدة، وملاحظة شديدة لأي عبارة أو حركة أو إشارة تدل على التضجر أو الضيق أو التأفف، فنهى عن كلمة بسيطة صغيرة في حجمها، كبيرة في معناها، وهي كلمة أف، للدلالة على ما هو أكبر منها، فتأمل معي -يا أخي- فلابد من ملاحظة ما يصدر من الأبناء والأحفاد من تصرفات بدقة أكثر والانتباه للغة، فالمسن يلاحظ ما لا يلاحظه الآخرون، من تعابير الوجه والعينين كعلامات الضيق، والضجر، والتقرف، والسخرية والاستعجال، وكل هذه الإشارات لها الأثر البالغ في نفسية المسن، فهو يشعر بالمهانة وعدم الاهتمام، ويفسر بعض التصرفات بقلة الاحترام، والتطاول. فلا بد من مراعاة حسن التصرف بإلانة القول واختيار العبارات وإظهار الاحترام والتوقير، وعدم الاستغناء عن الدعاء، والرضا منهما ومشاورتهما، وإظهار الفرح بنصيحتهما حتى وإن كانت شيئاً معروفاً، ومطروقاً بالنسبة للولد، وإظهار الاهتمام بسماع ما يقصان من حكايات قديمة قد تكون مكررة ومسموعة، وكأنها تسمع لأول مرة!! فهذه بضاعتهم! لا يملكون إلا اجترار الذكريات ومداومة الاعتراف بالجميل للوالدين، وتذكيرهم بالمواقف الرائعة، والتضحيات التي قدموها في تربيتهم، وعطائهم، وكأننا نقول لهم: إننا ما نسينا ما قدمتم من أجلنا وما جحدنا فضلكم علينا، وأيضاً الاهتمام بالعلاقة الجسدية التي لها الأثر الكبير في إيصال معانٍ كبيرة قد لا يستطيع اللسان التعبير عنها، مثل تقبيل الأيدي والرأس والقدمين، أيضاً اهتمام البنات بمباشرة عملية الإطعام، والتنظيف وتمشيط الشعر برفق ولطف، وعدم ترك هذه الأمور للخادمة، وتبادل الجلوس معها، وإن تيسر (دون الإضرار بها) إخراجها للتنزه والعمرة ورؤية الناس، وإحضار ما تشتهي من الطعام والتنويع في ذلك، ونقل الأخبار السارة لها، وكل هذا مع استعمال العبارات الرقيقة اللطيفة، مثل يا أمي يا حبيتي، يا تاج رأسي، الله لا يحرمني منك، الله يطول في عمرك، الله يديمك خيمة على روؤسنا يا ست الحبايب يا أغلى الحبايب. قال(19/394)
تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" [الإسراء 23-24] .
ثانياً: بالنسبة لقضية الصلاة فهي داخلة تحت موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال -صلى الله عليه وسلم- " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" أخرجه مسلم (49) .
فالواجب على المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يقدر عليه بحسب قدرته بحسب التدرج المذكور في الحديث، ولكن في موضوع الوالدين فالأمر مختلف، فمقام الوالد مختلف عن غيره من الناس، حيث قرر علماؤنا أنه لا يجوز الإنكار على الوالدين بغير الرفق واللين، وفي مثل حالة الجدة هذه قد يكون الأجدى معها التعريض وليس النصح المباشر، وذلك بإدارة الحديث عندها عن فضل الصلاة وحسن الخاتمة وسرد القصص المشوقة في ذلك، وليس بتوجيه الكلام لها مباشرة، بحيث تستمع لحديثكم دون أن تشعر أن هناك نقداً مباشراً لسلوكها، ثم بعد هذا لا تملكون لها غير ذلك، والدعاء لها بظهر الغيب، فالهداية بيد الله، والله أعلم بخفايا النفوس. و" ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" وقوله تعالى: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء". وفقك الله لكل خير، فهو الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.(19/395)
كيف أتعامل مع هؤلاء؟
المجيب مريم الثمالي
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 15/08/1426هـ
السؤال
أواجه في حياتي -وخصوصاً في عملي- نماذج من الناس لا يطاقون؛ فهم مزعجون، أنانيون، متكبرون، ومعقدون، وتصرفاتهم تثير غضبي، فأرجو أن ترشدوني كيف أتعامل معهم؟ وكيف أطبق معهم الآية الكريمة التي تقول: "وجادلهم بالتي هي أحسن"، والآية الكريمة: "ادفع بالحسنة السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" خصوصاً أنهم من النوع الذي لا يعترف بالخطأ، ولا يرضى الانهزام، ومن الذين يخطئون ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وجزاكم الله عني كل خير.
الجواب
يواجه الإنسان في حياته كثيراً من المواقف، يعجز في الغالب أن يغيرها؛ لأنه في الحقيقة لا يملك هذه المواقف، ولا يملك هؤلاء الأشخاص (الذين لا يطاقون) على حد تعبير السائلة، وبالتالي عليه أن يغيّر من طريقة تفكيره تجاههم.
وأكثر من يعانون من ذلك هم أولئك الأشخاص الذين ينظرون لمن حولهم دائماً بعين المثالية، ونقد أي أمر سلبي أو خاطئ. ودائماً يشعرون بمسؤولية تصحيح الأوضاع من حولهم، ولذلك فهم كثيراً ما يضطربون في علاقتهم مع من حولهم، ومع أي وضع جديد.
أنا لن أوجه لك حلاً في كيف تتعاملين مع هؤلاء الذين (لا يطاقون) لأنك حتى لو نجحتِ في التعامل معهم فتصادفين غيرهم.
المهم هنا -يا عزيزتي- أن تريحي نفسك، ولا تحكمي على الآخرين من خلال إطارك. حتى لو كان إطارك صحيحاً، وكل من حولك كان مخطئاً.
انتبهي لما يدور في عقلك من أفكار تجاه الآخرين، وتقبليهم في الحدود التي لا تؤثر على شخصيتك، ولا على منهجك السوي. أعانك الله، وسدَّد على طريق الحق خطاك.(19/396)
أجيد إسداء النصائح..واعجز عن تطبيقها..!!!
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 19-2-1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
باختصار، أعانى من مشكلة لا أدري كيف أشخصها. (ممكن تسميتها "عدم القدرة على التطبيق".
أستغرب من تصرفاتي وردود فعلي في كثير من المواقف. فمثلا إذا سألني أحد عن الكيفية التي عليه أن يتصرف بها في موقف ما (مع زوجته أو ابنه أو صديقه) لأرشدته إلى ما هو من الحكمة. لكني إذا وضعت في نفس الوضع الذي سئلت عنه في السابق، لا أطبق ما أعلم أنه من الحكمة. بل أتصرف بطريقة عوجاء لا حكمة فيها ولا بعد نظر. مع العلم بأني أريد التحسن إلى الأفضل وأحاول جاهدا نفسي في ذلك.
والمشكلة أني أحفظ الأحاديث النبوية التي تنهى عن الغضب وتحث على حسن الخلق والعلاج بقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" والوضوء والجلوس (إن كان واقفا) .
ولكن المشكلة أنني لا أطبقها في حين ضرورتها!!!
وبفضل الله علي، أحاول أن أصلي في المسجد كل الفرائض وأحاول المحافظة على أذكار الصباح والمساء. وأحاول نصح الناس (مع تقصير في ذلك) . وضميري يؤنبني جدا خصوصا من الجانب الدعوي، حيث تصرفات الإنسان لها تأثير أبلغ من كلامه وأخشى أن تكون تصرفاتي تهدم ما أريده حقيقة.
هل من الممكن السيطرة على الردود الفعلية السريعة وبالتالي التريث في الكلام ووزنه وضبطه؟ (في كثير من الأحيان أعلم أني منفعل وأن ذلك ليس بالجيد)
السؤال: إجمالا، كيف أطبق ما تعلمته من أحاديث سلوك المسلم؟
وجزاكم الله خيرا،،،
الجواب
أخي الكريم أشكر لك ثقتك وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد ... وأما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:-
أولا: يظهر لي من سؤالك الحرص الأكيد على النهوض والرفعة والسمو بأخلاقك وتصرفاتك وسلوكياتك، وهذا الحرص الجاد هو وأيم الله الخطوة الضرورية الأولى لانتشال سلوكياتنا مما هي فيه والرفعة بها إلى المكانة التي ترضي خالقنا أولا وترضي حاجتنا النفسية ثانيا ثم الآخرين المحيطين بنا ثالثا.
صدقني انك بهذا الهم الذي تعيش فيه لإصلاح سلوكياتك وحالك أنك في الطريق الصحيح وفي الخط السليم، أما المغرور بذاته والذي يراها على حق دائما أو حتى لا يعترف بوجود نقص عنده هذا هو الذي لن يتطور ولن تصلح حاله بل وسوف يسأم المحيطون به من التعامل معه والعيش بجانبه.
ثانيا: يشكو كثير من الناس كما تشكو من السهولة في إبداء الرأي حول موضوع معين والكلام فيه بل حتى الإجادة التامة في طريقة طرحه وتناوله من مختلف الزوايا، ولكن الأمر الصعب الذي يواجهونه هو في عملية العمل والتطبيق، والناس مختلفون جدا في هذه الناحية وغالبا ما يحكم هذه المسألة لدى الإنسان عدة أمور منها على سبيل المثال:-
•الاستعداد النفسي ودرجة الثقة بالنفس لدى الفرد.
•التنشئة الاجتماعية ومدى الاستقرار النفسي والأسري في المراحل العمرية الأولى.
• الخبرات الفردية والمشاركات في شتى الأنشطة الحياتية سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو ثقافية أو غير ذلك.(19/397)
• درجة الاندماج في المجتمع من حولنا والتفاعل الوجداني والنفسي أو الجسدي والحركي مع البيئة المعيشية المحيطة.
• الجرأة وعدم الخوف من الزلل أو الوقوع في الخطأ أو الخوف من انتقاد الآخرين.
هذه وغيرها تساعد الفرد في الحقيقة على القدرة في عملية السرعة في التطبيق العملي لما يمكن أن نسميه ((التفاعل المباشر والسريع)) لكل ظرف قد يمر به من حوادث سلوكية أو تصرفات مختلفة تكون مفاجئة له ولم يكن قد استعد لمواجهتها بالتصرف المطلوب أو التفاعل السليم أو المنضبط والحكيم.
ثالثا: استشعارك لأهمية تطبيق ما تعلمه من آيات قرآنية وأحاديث نبوية أمر محمود، ولكي تصل إلى هذه المرحلة عليك بملازمة أمرين مهمين هما: بقاء هذا الشعور دائما في مخيلتك وحال تصرفاتك، ولكي تحافظ على هذا الشعور تحتاج إلى الأمر الآخر وهو محاولة المران والرياضة وأقصد بالرياضة هو ترويض النفس على فعل الأمور المحمودة فالنفس تحتاج دائما وباستمرار إلى معاهدة وملاحظة كي لا تغفل ولا تنسى.
ذلك الشعور بضرورة العمل بالعلم وذلك التمرين المستمر ستجد نتيجته فيما بعد وتيقن أنك ستفشل مرة وتنجح أخرى ولكن في النهاية ستجد التغيير حتما، وشاهد ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إنما الصبر بالتصبر والحلم بالتحلم) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفقك الله لحسن المعشر وحسن الخلق،،،،(19/398)
المسلمون في المهجر
المجيب د. حسن الحميد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقاً-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 25-7-1423
السؤال
لدينا في المركز الإسلامي هنا مختلف الجنسيات من الإخوة المسلمين ومختلف الطوائف الإسلامية من سنية وشيعية وغيرهم. إمام المسجد إنسان فاضل وخريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والقانون هنا يسمح بكل شيء وقد منعنا جميع الطقوس البدعية واقتصرنا فقط على الصلوات الخمس والجمعة والعيدين منعاً للمشاكل.
نرجو توجيهنا إلى الطريق الصحيحة في التعامل مع هذا الاختلاف من الجماعات؟ وما حكم تقديم أحد المسلمين إلى المحاكم القانونية إذا بدرت منه بعض الأخطاء بحق المركز الإسلامي؟.
والله يحفظكم ويرعاكم،،،،
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:-
فانتم - أعانكم الله وسدد خطاكم - على ثغر في هذا القطر النائي من العالم، وعليكم مسؤولية توطيد أركان الإسلام، ونشر تعاليمه، وحماية جنابه والذب عنه، ومقارعة أهل الباطل بالأساليب المناسبة التي تحقق المصالح المرجوة، وتدرأ المفاسد المتوقعة قدر الإمكان. وما ذكرته من وجود أخلاط من المنتسبين إلى الإسلام في هذا المركز يقع عادة في المناطق التي يكون المسلمون فيها قليلاً، بحيث لا تستقل كل طائفة بمساجد تخصها، وقد يكون بعض المخربين استغل القانون العام، ولم يتنبه الذين أسسوا هذا المركز إلى صياغة قانون خاص به يحميه من تدخّل أمثال هؤلاء فيه وفي سياساته ومجالسه.
وفيما يلي أذكر لكم بعض التنبيهات وأرجو أن تكون عوناً لكم بعد الله في انتهاج أسلوب أمثل في التعامل مع هذا الواقع.
أولا:- ينبغي لكم ملاحظة أن قدراً من الأذى الناتج عن وجود هذه الأخلاط من الناس أمر يصعب تجاوزه، ولكن يمكن تخفيفه وتحييده بالأساليب المناسبة.
ثانياً:- هؤلاء المخالفون هم في الغالب جهلة رعاع، وإن تظاهروا بغير ذلك، وهم محل للدعوة، والتأثير عليهم ممكن إذا أحسنتم التعامل، فالعلاقات الشخصية، والحوار الهادئ غير المتشنج وعدم المبادرة بتخطئة آرائهم ومذاهبهم بل مناقشتهم بالحجج وعدم إغلاق الباب والمفاصلة، إلا بعد استفراغ الوسع، والوصول إلى قناعة أنهم متعصبون مشاغبون، ذوو كيد، وهذا في الغالب يكون في قيادات هذه الفرق وعلمائها، لا في العامة منهم. ولا يهولنكم حجم البدع عندهم، فهم مقلدون، ربما لم يدعوا من قبل بأسلوب علمي فيه الحكمة والرحمة والعلم، وسعة الأفق والمصابرة وإعطاء الوقت الكافي. ولا ينبغي لمن يحاورهم أن تكون بينه وبينهم مواقف سيئة مسبقة.
ثالثاً:- وفي هذه الأثناء لا تشعروهم بالغربة والعزلة، بل تخيروا منكم فئة يقصدون إلى مخالطتهم ومؤانستهم، رجاء انتفاعهم وهدايتهم. واحتسبوا في ذلك الأجر عند الله. ولا حرج أثناء ذلك من شهودهم الصلوات والمناسبات في المركز.
رابعاً:- وإذا اعترض أحد منهم على بعض ما يسمع، فلتكن هذه المسألة محل حوار بينكم على الصفة التي ذكرت من قبل وبهذا تجمعون بين الاستمرار في بيان الحق ونشره، وبين محاورتهم وعدم قطع الحبال بينكم وبينهم.(19/399)
خامساً:- في الوقت نفسه حاولوا أن تجتمع كلمتكم، وأن تضموا إليكم الأقرب فالأقرب إلى آرائكم خاصة من المسالمين الذين لا يهتمون بمثل هذه الخلافات ... وكونوا صفاً واحداً في الدورات الانتخابية حتى تتمكنوا من الإمساك بكل المسؤوليات وتقوموا بالتوجيه، وحماية رواد المركز من الخرافات والبدع بشكل قانوني. وحتى إذا تحقق لكم ذلك فلا تتخلوا عن الحكمة في معالجة الأمور معهم، واعلموا أنهم سيخسرون يوماً بعد يوم، إذا كانت مواقفكم حكيمة وهادئة - مع تحقيق أهدافكم - ومواقفهم هم فوضية متشنجة، وبهذا سيخسر تأثيرهم في الناس، وقد يأتي اليوم الذي يطالب فيه عامة رواد المركز باتخاذ إجراءات حازمة تجاههم، وحينئذ يمكن أن يتولى غيركم مواجهتهم.
سادساً:- عادة ما يكون القانون العام مرناً بحيث يسمح بحماية المؤسسات الدينية بناء على ما يتضمنه دستور هذه المؤسسة أو تلك، أي أن من حق المؤسسين للمركز الإسلامي أن ينصوا في دستور المركز أنه خاص بأهل السنة والجماعة، ولا يحق لغيرهم من الرافضة أو الصوفية مثلاً.. أن يكونوا أعضاء في مجالسه ولا أن يتولوا فيه مسؤولية - أياً كانت - فإن كان شيء من ذلك موجوداً فهو ضمانة لهذا المركز.. وينبغي أن ينص أيضاً على أنه ليس من حق أحد أن يغيّر هذه الفقرة في الدستور، وأنه لا يجوز التصويت عليها - بتعديل أو إلغاء. وهذا موجود في القوانين المنظمة للمراكز الإسلامية في أمريكا فيما أعلم.
سابعاً:- وبناءاً على ما سبق فإنه في حالة عدم جدوى الحلول السابقة من الملاطفة والدعوة والصبر والمحاورة، ثم التجاهل، ثم التحذير ... إذا لم ينفع شيء من ذلك فإن الاستعانة بالسلطات في كف أذى من يعاند منهم أمر لا حرج فيه، لكن يتخذ من الإجراءات ما يكفي لكف الأذى الذي لا يحتمل، ويعاقب الشخص الأسوأ، حتى يكون عبرة لغيره، فإن مصلحة تعليم الناس دينهم وعدم التشويش عليهم، وجعل المركز مناخاً ملائماً للدعوة ... كل ذلك مصلحة عامة. وشكاية شخص أو أشخاص يتعمدون تفريق الصف وإثارة الشبه بعد استفراغ الوسع معهم - مفسدة خاصة والحفاظ على المصلحة العامة المتحققة مقدم على ما تتضمنه الشكوى من مفسدة يسيرة في حق أشخاص يستحقون العقاب. خاصة أن الطرفين محكومان بقانون وضعي، ولا سبيل إلى دفع الأذى إلا بسلوك هذا السبيل.
ثامناً:- ونحن في "موقع الإسلام اليوم" يسعدنا التواصل معكم فيما يحقق المصلحة لديننا وأمتنا. ونأمل أن تبعثوا إلى الموقع ما لديكم ولدى المسلمين في "نيوز لاند " من مشاركات واستفسارات، وأن تكتبوا أو تشجعوا غيركم على الكتابة عن أحوال المسلمين هناك للتعريف بهم في الموقع.
وفقكم الله وأعانكم على حمل أمانة الدعوة والإصلاح،،،،(19/400)
قلة الامتثال
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 13-8-1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
الإخوة الأفاضل!!
قلة الاستجابة والتأثر للتحذيرات والتوجيهات التي يطرحها المربون والدعاة والمعلمون تعتبر مشكلة تحتاج للبحث عن أسبابها فما توجيهكم يحفظكم الله.
الجواب
أيها الأخ الكريم..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكرً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم "
ليس الطلاب فقط هم الذين يتميزون بقلة الاستجابة للتوجيهات والتحذيرات التي توجه إليهم.. صحيح أن هذا أمر بارز فيهم بحكم السن والمراهقة والنشاط الحركي والدوافع السلوكية القوية التي توجد في هذه الفئة العمرية من المجتمع ولكنه يوجد وبكثرة لدى غيرهم من أفراد المجتمع.
قلة الاستجابة ليست لأنهم طلاب بل لأنهم في عمر وسن معين يجب تفهمه ودراسته ومن ثم التعامل معه.
للأسف يجهل كثير من الدعاة الفضلاء والمشايخ الكرام والمعلمون الأفاضل دور السن في برمجة السلوكيات والتصرفات وما تتميز به كل مرحلة من المراحل العمرية من حين الولادة إلى بلوغ الرجولة وسن الرشد من تنوع في شكلية وصفة هذه السلوكيات.
سن المراهقة بأنواعها الثلاث " المبكرة والمتوسطة والمتأخرة " لكل نوع منها ما يناسبه من التعامل والتوجيه.. فما يصلح مع أحدها قد لا يصلح بالضرورة مع الأخرى. وما يتوقع من كل فئة من سلوكيات قد لا يتماثل بالضرورة مع الفئات الأخرى.. هذا من جهة.
الأمر الأهم في نظري أننا مجتمع توجيه وتحذير وأمر ونهي وقهر وإجبار وتحكم، مجتمع كلامي أكثر منه مجتمعاً عملياً.. نحب الكلام والتنظير ونهرب من العمل والتطبيق نوجه الأخلاقيات لمختلف شرائح المجتمع باللسان ويغيب تماماً التوجيه بالسلوك وبالعمل بالقدوة الصادقة وليست الكاذبة وأقصد بالقدوة الكاذبة كل تصرفاتنا وسلوكياتنا مع أفراد المجتمع.. سلوكيات المدرسين والمربين مع بعضهم البعض غير متماثل بحضور الطلاب وغيابهم.. يطلق المربي والمعلم والأب لنفسه العنان في السلوكيات غير المتحفظة وغير المتزنة إذا غاب عنه الرقيب " وأقصد بالرقيب هو ذلك الطفل أو المراهق الذي يجب أن يرى في ذلك المربي القدوة الحسنة وإذا ما كان في حضرته تغير الاتجاه في السلوكيات تماماً.
هذا ما أقصده بالقدوة الكاذبة إذ الصادقة هي التي تجعل النفس هي الرقيب وليس وجود القاصرين أو تغيبهم عن النظر،
نحن جميعا ًفي هذا المجتمع "ولعله سبب تخلفنا " نعاني من القصور في العمل نقول ونأمر بالفضائل ونحن أبعد الناس عملياً عما نأمر ونسعى إليه، نحذّر من الغش ونحن نمارسه ليل نهار ولكن بطرق غير مباشرة كي لا نقع في الحرج، ولذلك لا نسعى في التحقق من هذه الطرق.(19/401)
نحذّر من الحرام وأكل الحرام والكثير منا يتحيّن فرصة وجود طرق ملتويه تساعدنا على التعامي عن مشروعية تلك الطرق وغيرها الكثير..،والذي يزيد هذه المشكلة تفاقماً واتساعاً هو براعتنا وقدرتنا العجيبة عن البحث عن التبريرات والتعليلات حتى ولو كانت واهية، بل إنه حتى مع ارتكاب الذنب والفعل السيئ لا نجد كبير عناء في البحث عن تبريرات واهية نعلّل بها أنفسنا ولا نعلم أن إبليس هو صاحب هذه الوسيلة إذ بدأ بالتبريرات والتعليلات مبرهنا صحة عمله بمعصية الله فبدلاً من أن يستغفر ويعترف يقول " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " أما الطرف الآخر وهما آدم وحواء فكان جوابهما الاعتراف وهذا هو الأصل في الأعمال ولذلك فإن المشاكل والتخلف والتردي في الهاوية للمجتمع بأكمله لن يتوقف من وجهة نظري ما دام كل إنسان لديه الاستعداد التام للبحث عن مبررات لأعماله حتى ولو كان خطأها واضحاً كما الشمس في رابعة النهار.
ومن جانب آخر فإننا نعاني أيضاً من مشكلة أراها في اتساع مع الوقت ذلك أننا نهتم بالنافلة على حساب الواجب، إذ يتثاقل المربي والمعلم عن أداء واجبه وعمله اليومي بشكل واضح.. بل ويصل بالبعض منهم إلى التحايل على العمل وأداءه.. لكننا نجده في نفس الوقت نشيطاً بارعاً بالأمور النافلة خارج وقت الدوام ووقت العمل كالأعمال الخيرية والجمعيات التوعوية والدعوية.. وكأن الأجر لا يكون إلا بالأعمال التطوعية فقط.
هؤلاء الطلاب هم المرآة المعاكسة لهؤلاء المعلمين والمربين ولذلك فالسؤال يجب أن يوجه إلى المربين والمعلمين أنفسهم بمدى التزامهم في استجابتهم للتوجيهات والتحذيرات القرآنية والنبوية أم هي فقط سلوكيات آنيّة أمام الطلاب ومكاييج خارجية يلتزمون بها كإحدى متطلبات العمل سريعاً ما يتخلصون منها حالما ينعتقون من ذلك العبئ الوظيفي الذي فُرض عليهم، ولذلك فإن اليسر كل اليسر في التوجيه والتنظير ويصدق ذلك ويكذبه العمل.(19/402)
الجدية مع الناشئة!!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 4/5/1422
السؤال
أن المتأمل في حال الناس بصفة عامة والناشئة بصفة خاصة يلحظ بعدهم كل البعد عن الجدية وإغراقهم في الهزل واللعب وتافه الأمور!!! ومن أراد التغير هل يعتمد على الجدية وهو يعلم أنه بهذا لن يستمروا معه في الطريق أم يعتمد على الترويح والتلطف لهم مع بعض التجاوز عن زلاتهم في سبيل بقائهم معه وبعدهم عن الشر لكن سيكون تغيرهم متأخر وتكوينهم ركيك.
ملاحظة: أنا أعمل في حقل دعوة الناشئة.. أرجو التكرم بالرد ولكم جزيل الشكر..
الجواب
اشكر لك ثقتك. واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد
أما عن استشارتك فتعليقي عليها من وجوه:
أولاً: غلبة الهزل وعدم الجدية.. وربما السطحية على كثير من الناس.. هو أمر ملحوظ.. ومشاهد.. وأسباب ذلك كثيرة ومتداخلة وليس هذا مجال بسطها.. وهنا يكون التحدي أمام من يحملون هم الدعوة والإصلاح كبيراً.. ويتطلب عملهم قدر كبير من المهارة في التعامل والاستقطاب.. والتحفيز.
ثانياً: التغيير يا عزيزي.. لا يأتي في يوم وليلة.. وتأكد أن الذي يأتي سريعاً يذهب سريعاً.. والعبرة هنا في النهايات والقناعات الثابتة والراسخة.. أما المسايرة والالتزام الشكلي.. دون انتماء حقيقي للمنهج واعتزاز كبير فيه واستعداد لتحمل تبعاته.. فلا يعول عليه.
ثالثاً: لكل ذلك.. فالتعامل مع الناشئة يحتاج إلى سعة بال وطول نفس.. وتحمل لنزقهم وهزلهم أحيانا.. بل وفتح المجال لهم لذلك حتى لا يملوا..فهم أبناء زمانهم ومرحلتهم.. والنفس ـ أخي الكريم ـ جبلت على رفض القيود الكثيرة..!! خاصة وأن البدائل السيئة متوفرة بكثرة.. ودواعيها أكثر من أن تعد.!!
رابعاً: نخطئ كثيراً بتصورنا ـ أحياناً ـ أننا نستطيع أن نبرمج حياة هؤلاء الناشئة بشكل آلي.. فيكون للحديث وقت وللدعابة وقت وللابتسامة وقت وللالتفات وقت.. وللجلوس.. وللقيام..!! هذا من دواعي نفورهم.. ولذلك هم يستمروا ما دام المقابل يملك الأريحية وسعة البال.. والتغاضي أحيانا وعدم التدقيق الصارم على كل شاردة وواردة.. خاصة في لهوهم وتعليقاتهم وضحكاتهم البرئية.. وحبذا لو وضع البرنامج مفتوحاً يتخلله أوقات الجد.. وليس العكس.
خامساً: يكفيك ـ أخي الكريم ـ شرفاً.. وأجرا عند الله تعالى إبقائهم معك بعيدين عن مواطن الزلل والانحراف.. وتأكد أن للمرحلة ظروفها.. فمتى ما تجاوزوها وهم وسط هذه الأجواء الطيبة.. فسيستعدون تكوينهم الجاد الإيجابي بإذن الله.
وفقك الله وسدد على طريق الخير والحق خطاك.(19/403)
التردد في تربية الطلاب..!!!
المجيب د. سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 22/5/1422
السؤال
الحمد لله الذي من علينا بنعمة الهداية وكذلك شرفنا بخدمة هذا الدين وبعد فأنا عندي مجموعة من الطلاب أسعى إلى تربيتهم التربية الإسلامية ولكن يأتيني بين فترة وأخرى هاجس بان اترك هذا العمل بدافع أني لست أهلا لهذا من حيث الإخلاص والتجرد في العمل وكذلك من حيث أنى ليس لدي خبرة كافية في هذا المجال أرجو مساعدتي وجزاكم الله خيرا
الجواب
هذا منصب عظيم، ومنة كبرى، وإنني أعجب، حيث قبل قليل كتبت لعدد من الأخوة يشتكون ألواناً من الانحراف والذنوب، فإذا برسالتك تعيد إليّ بعض هدوئي وتوازني، فالحمد لله، وأوصيك بالثبات والاستمرار وألا تلتفت لهذه الهواجس فهي من طبيعة البشر، وهي محدودة إذا حملتك على lمضاعفة الجهد في تصحيح النية وتجريد الإخلاص، وعلى تكميل نفسك بالعلوم النافعة والخصال الطيبة، وعلى أن تكون قدوة في قولك وفعلك …
ولكنها قد تكون مذمومة إذا حملتك على ترك ما أنت عليه لأنك حينئذٍ أغلقت عن نفسك باب خير وحرمت هؤلاء الشباب من الفائدة، ولم تتحقق لك في مقابل هذا شيء نرجوه.
إن الدعوة عبادة، بل هي من أعظم العبادات لمن صحت نيته.
وصحة النية لا تعني أن يكون الداعية مطمئناً بالضرورة إلى حسن مقصده، فما زال السلف يتهمون نيا تهم ويخافون على أنفسهم، بل كانوا يخشون النفاق كما قاله ابن أبي مليكه وغيره.
لكن لم ينقل أن أحداً منهم ترك عمل الصالحات لهذا، بل عدّوا ترك العمل الصالح خشية الرياء خطراً يجب اجتنابه، كما هو منقول عن الفضيل رحمه الله.
ولا يجمل بالمرء ترك الدعوة ليكمل نفسه بالعلم أو بالعمل لأن الدعوة عون على ذلك، ولا حرج أن يعلم الإنسان شيئاً ما رزقه الله عليه، وهو ي الوقت نفسه يتعلم شيئاً خفي عليه.
ومن الخطأ أن يرى الإنسان نفسه غير محتاج إلى التعليم كائناً ما كان فضله وعلمه.
فواصل طريقك،، ووسع نشاطك واجتهد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(19/404)
أنا داعية ... وعندي حساسية زائدة
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 4/7/1422
السؤال
أعاني من مشكلة نغصت حياتي وهي أنني داعية معروف عند عدد كبير من الناس، وابتليت ولم أكن كذلك بالحساسية الزائدة إلى درجة أنني أتأثر بالكلام وأحلله وأحزن بسبب ذلك وقد قاطعت عدد من أصدقائي التي تربطني بهم علاقة تزيد عن عشر سنين وأنا أعلم أن هذا خطأ ولكن لا أستطيع تغيير نفسي ولا أستطع الاعتذار حيث أشعر أن ذلك نقص في شخصيتي أنني لا أنسى المواقف وأشعر أن أصدقائي لا يحبونني ولا يحترمونني فمثلاً: إذا احتجت وساطة في أي مكان ولم أجد تعاون من أصدقائي أو أقاربي أو أي عذر مقنع لي أقاطعهم يعني (أجمدهم) أما السلام والزيارة الرسمية خصوصاً الأقارب فأني لا أقاطعها لقد أصبحت أشعر أن عندي مرضاً نفسياً والمشكلة أنني متعلم وشيخ لجملة كبيرة من الناس وحتى لا أظلم نفسي تحصل معي أخطأ من الآخرين ولكني أتأثر ولا أنسى وغيري يتأثر وينسى أرجو إعطائي حلولاً عملية.. والله يحفظكم.
الجواب
أخي الكريم أرى أنك حكمت على نفسك بالفشل في حل المشكلة فكيف تريد أحداً أن يساعدك فالمشكلة لا تحل إلا إذا كان لديك استعداد للحل وأهم شيء للمريض إذا أراد أن يشفى من مرضه، الاعتراف بالمرض، أما إذا قال لا فلن يشفى منه وأنت اعترفت بالمرض لكن حكمت على نفسك بالموت والفشل وأغلقت نوافذ العلاج بقولك لا أستطيع تغيير نفسي من قال لك أنك لا تستطيع تغيير نفسك..؟ فإذا كنت تريد أن تغير نفسك فقل سأحاول وسأنجح أما طريقتك هذه توحي بأنك مرتاح للحالة التي أنت فيها وتحاول أن تقنع ضميرك الذي يؤنبك بأنك لا تستطيع يا عزيزي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم) فلا شيء مستحيل ولا تنتظر من أحد وصفة سحرية كما يقال لتتغير وتصير خلاف ما أنت عليه ويظهر أنك مصاب بداء العجب في نفسك حيث أنك داعية معروف حسب قولك والداعية يا أخي من سماته التواضع ولين الجانب أين أنت من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله أين أنت من قول الحق تبارك وتعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وقوله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) فأنت تشكو من الوسوسة التي أوردت عندك عدم الثقة في النفس بسبب شيء ماء تكبته فأردت التنفيس عن نفسك وإذا أخذت المسألة من زاوية المصلحة البحتة فإنك ستشفى بإذن الله كيف..؟
إذا نالك من أحد سوء إما بقول أو فعل ثم عفوت عنه وسامحته فلك أجر عظيم وإذا نال أحد منك أذىً بادرت إلى الاعتذار منه فإنك تكسب مرتين، الأولى أنك تزيل ما يترتب على هذا الأذى من عتاب ويرضى عليك خاصة إذا كان لا يعلم، والثاني أنك تكسب محبة قلب هذا بالاعتذار منه، ولا تقول هذا تنظير خيالي جرب وسترى النتيجة.
الاعتذار يا أخي لا يحط من قيمة الرجال أبداً، وبالعكس كلما وثق المرء بنفسه زادت مساحة الاعتذار لديه دون خجل ولكن الضعيف هو الذي يجبن عن ذلك وأظن أنك تملك مقومات ذهنية وعقلية رائعة فلا تجعل نفسك فريسة لوساوس الشيطان.
آمل أن نسمع منك مرة أخرى بأنك تحسنت إلى الأفضل. رعاك الله.(19/405)
الشباب وجوالات الجيل الثالث.. بين المنع والتحذير
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 03/07/1426هـ
السؤال
نحن مشرفون على حلقة لتحفيظ القرآن، وكما تعلمون -حفظكم الله- أننا اليوم نعايش انفجاراً معلوماتياً رهيباً، وتكنولوجيا متطورة جعلت العالم بين يدي الشباب، وبالتحديد جوالات الجيل الثالث والإنترنت وغير ذلك، فهل ننصح الشباب ونحذرهم منها ومن مخاطرها، أم نحاول منعهم من استخدامها، ونقول لهم: إن هذا حرام؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
التحذير من استخدام تلك التقنيات في الشر واجب، وتذكيرهم بوجوب تقوى الله في استخدامها مهم، والتأكيد على ذلك كل حين ضروري، وتوعية الآباء بمخاطرها وتذكيرهم بمسؤولياتهم مما يعين في ذلك، لكن لا ينبغي أن يشعر مقتنيها منكم بنظرة سوءِ ظنٍ به في استعمالها، ولا ينبغي أن يسمع منكم كلمة تعرِّض بذلك، فهذا يحرج الشعور ولا يربي ولا يزجر، بل ربما كان ذلك منظراً ومزهداً في مصاحبتكم فتخسروا صاحبكم.
أما منعهم من استخدامها فغير مُجدٍ؛ لأنه سيكون مؤقتاً بوقت حضوره معكم، فمن ذا يمنعه من ذلك إذا فارقكم؟!
ومن المستحسن في هذا أن تقترحوا على من يقتني شيئاً من ذلك أن يجعله وسيلة مؤثرة في الدعوة إلى الله، والمواد في هذه كثيرة متيسَّرة لا يكلف نشرها مالاً ولا جهداً.
وفقكم الله، وأصلحكم وأصلح بكم.(19/406)
مشكلتي في المحرك الذاتي
المجيب د. حسن الحميد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقاً-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 8-5-1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا شاب ومن الله علي بالهداية منذ فترة ليست بالقصيرة، بدأت من ذلك الوقت باستدراك ما فات من العمر وكان التطور ملحوظا حتى من الله علي بالمشاركة في حقل الدعوة إلى الله، ولكن المشكلة تكمن في ضعف المحرك الذاتي لدي حيث أثر ذلك على علاقتي مع الله وكذلك التقصير في بعض المهمات الدعوية..!!!
ما توجيهكم فضيلة الشيخ لعلاج هذه المشكلة؟!
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن العبد في جهاد مع نفسه وشيطانه وما حوله من الأشياء وبقدر يقظته لنفسه، وحزمه وحسن تأنيه للأمور يفلح ويترقى في مراقي الكمال، مصداق ذلك قوله سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) والنفس لها شده وفترة وإقبال وإدبار، فمن كانت حاله إلى العمل والجد أقرب وهي أغلب حاله فهو على خير، ويرجى له المزيد، ومن كان بعكس ذلك فلينظر أي شيء قعد به عن العمل وتعاهد النفس بالتزكية فقد تكون شهوة خفية، وقد تكون معصية مال إليها القلب، واستمرأ المرء فعلها خفية عن الناس..فإياكم ومحقرات الذنوب. ولا تنس نفسك عن عبادة السر، وإصلاح السريرة وحسن الظن والورع، فإنها ما جاورت قلب امرئ إلا وصل إلى مقصوده، ووفق إلى كل خير حتى وإن عجزت عنه حيلته.
واجتهد في العمل، فإنه يقطع الهواجس والوساوس ويعلي الهمة، وهو خير علاج لما تجد من خواطر. كيف لا وحاجات الأمة ومشاكلها لا تتناهى..فمن لم يحرك همته حال الأمة، وما يرى من مصائبها، وما عليه الناس من الجهل والغفلة والفسوق - إلا من رحم الله منهم - ويجعل من ذلك مهيجاً على الدعوة والإصلاح، والبعد عن الترف وإهدار الأوقات، والدوران حول ألذات فلن تفلح فيه موعظة عابرة أو كلمة موجزة. ولكنها الذكرى إذا وقعت من النفس موقعاً حسناً أثمرت خيراً كثيراً.
فالعمل العمل.. والإخلاص الإخلاص. أسأل الله لي ولك التوفيق.(19/407)
أجد هذا الأمر صعباً علي..!!
المجيب د. حسن الحميد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقاً-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 27-4-1423
السؤال
مشكلتي حيث إنني في البيت لا أستطيع أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر بسبب إنني أصغر إخوان في البيت والوحيد من بينهم الملتزم إن شاء الله. حيث عندي إخوان يكبرونني في السن لا يصلون إلا في يوم الجمعة وأنا غير قادر على نصيحتهم
أفيدوني وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
فالحمد لله أن وفقك لسلوك سبيل المؤمنين، وحفظك مما وقع فيه بعض من ذكرت من أهل بيتك. وإني أذكرك بأمور:
أولاً: كن قدوة حسنة لأهل البيت حتى يحترموك، ويتقبلوا منك التوجيه. فالقدوة أعظم طرق الدعوة والأمر بالمعروف.
ثانياً: حاول أن تهدي عليهم أشرطة وكتيبات ومطويات فيها قصص ومواعظ مناسبة لحالهم واتركها في البيت ولا تستعجل عليهم.
ثالثاً: انظر في كل فرصة اجتماعية - خاصة التي ترقّ منها القلوب - كالمصائب التي لا يخلوا منها بيت أو بلد كوفاة قريب أو جار، أو مرض.. أو غير ذلك ووجّه إليهم نصيحة بهذه المناسبة.
رابعاً: قد يكون في أهل البيت من هو أقرب إلى الخير فابدأ بهم حتى يكونوا في صفك.
خامساً: إذا فعلت ما تستطيع وراعيت الحكمة في ذلك فسيكون له أثر بإذن الله ولو بعد حين. وأنت مأجور على كل حال سواء استجابوا لك أم لم يستجيبوا. فلا تيأس ولا تعجل.
وفقك الله(19/408)
النقد..وموقفنا من الآخرين!!
المجيب د. سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 26-7-1424
السؤال
والله الذي لا إله إلا هو ليس قصدي ضرب أحد بجوابكم ولا تشميت الناس بالحق الذي لا تترددون في توضيحه، لكنهم إخوة لنا هم أمل لنا ولكنهم يلخّصون كل دعوتهم في التصدي للمخالفين وشتمهم وسبهم ويعيبون على من لا يوافقهم في شن الحرب على المخالفين.
لماذا يغلب على مجالسنا سب المخالفين وشتمهم، فنقول: الشيخ فلان منافق وفلان كافر بن كافر وفلان لعنه الله ولعن أباه؟؟؟.
أرجوكم كلامكم هو المقبول وجهوا صوتاً يوجهنا ويرشدنا..
فوالله أوقاتنا تضيع وقلوبنا تعفنت من شتم الناس، ونشتاق لإعلان الحق بكل هدوء ونزاهة. جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ الكريم ...
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم"
هناك نقاط مهمة , عند الكلام على الأشخاص , ونقدهم؛ إيجاباً أو سلباً:
ـ عملية النقد والتقويم عملية خطيرة جداً. إذ من بيده حق تقويم , أو نقد الآخرين , ومن الذي أعطى فلاناً حق نقد الآخرين , ولم يعط غيره هذا الحق؛ ليتسلط عليه وينقده؟ !
ـ نقد العلماء والطعن فيهم أصبح عند البعض وسيلة وغاية في نفس الوقت , وهذا منحنى خطير لم نعرفه , ولم نقرأ عنه عند سلفنا الصالح.
ـ أصبح النقد والتقويم عند قوم من قبيل نشر السلبيات , وتنقص الآخرين , حتى لو كانت مسألة اجتهادية يكون المخطئ فيها له أجر؛ فأصبح الغرض هو الإسقاط , والتشهير , وتصفية الحسابات مما يقود إلى معارك كلامية طاحنة , لا تخفى على أحد.
والكلام على الأشخاص نقداً وتقويماً؛ كثيراً ما يخلط فيه البعض بين الذات والفكر , فأحياناً يحاكم كل منهما بخطأ الآخر.
ـ إن من أبرز الإشكاليات الآن: المغالاة في النقد والتقويم , لدى فئة الشبيبة. وهذا يدل على أن ثمة خطأ تربوياً في النشأة.
ـ أيضاً: تربية الشباب على روح النقد , والتقويم؛ يبنى فيهم الاعتداد بالذات , الذي يولد الكبر والنظر للآخرين نظرة دونية , وهذا لا يخفى أثره على المجتمع الإسلامي.
ـ وأرى تربية الشباب على تقدير الآخرين , واحترامهم , والاستفادة من جوانب الخير عندهم.
ـ ولقد ذكر ابن كثير - رحمه الله - أن لمز العاملين لله، هي من صفات المنافقين؛ فقال: وهذه أيضاً من صفات المنافقين , لا يسلم أحد من عيبهم , ولمزهم في جميع الأحوال , حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء منهم أحد بمال جزيل , قالوا: هذا مراءٍ , وإن جاء بشيء قليل , قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا.
ـ ومن الإشكاليات أن الثقل الفكري للنقد والتقويم أصبح على حساب العمل , والإنتاجية الإسلامية؛ فأصبح البعض الآن بدل أن ينتج؛ نسمع منه: هذا كلام وعظي , خال من الفكر , وهذا فكر مجرد يقسي القلب , وهذا لم يقدم فكرة في كتابه , وهذا فتح الباب على مصراعيه , وهذا منغلق لا يدري ما وراء ثوبه , وهذا, وهذا.....!!
ـ أخطر من هذا أن يتعدى الأمر إلى الجماعات العاملة في الساحة , فلا تَجِدُ هَمَّ بعضها إلا الحطّ من الجماعة الأخرى.(19/409)
ـ إن كثيراً من النقد يكون ملوحاً, أو مصرحاً بسلامة الناقد من العيوب , أو إذا أردت أن تبرئ نفسك؛ فانقد الآخرين!
إننا نريد تربية الشباب على سؤال نفسه:
ماذا عندي لكي أقدمه لأمتي؟
ماذا عندي من الأخطاء؟
ما البديل , لو كان الآخرون على خطأ؟
أين الجوانب الإيجابية؛ للإشادة بها وتثميرها؟
من هنا أيها الإخوة! نعلم أننا بحاجة ماسّة لمن يغرس فسيلة في مكانها المناسب, بل ووقتها المناسب. بركلة تستطيع أن تهدم جداراً , لكن بناءه يحتاج إلى وقت وجهد!
وفقك الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،(19/410)
التأثير في الأصدقاء
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 12-7-1424
السؤال
أنا شاب مستقيم ولله الحمد، وقد هداني الله عن قريب، وإني أتحسر كثيراً على واقع أغلب شباب الأمة من انغماسهم في الشهوات، كيف أتعامل مع هؤلاء الشباب الذين كانوا رفاق الماضي وأنقذهم مما هم فيه بأسلوب جميل؟ حيث إنني لا أستطيع أن أعبر عمّا بداخلي وأؤثر فيهم، لأنني لا أمتلك هذه الموهبة؟
جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ الكريم.. شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم"
ما ذكرته في سؤالك عن كيفية التأثير على أصدقائك المنحرفين بعد أن أنقذك الله منهم وهداك، أولاً أسأل الله لنا ولك الثبات والتوفيق لما يحبه ويرضاه، وهذا شعور منك طيب يدل على اهتمامك وحرصك على تبليغ الدعوة والخوف على أولئك الشباب من عذاب الله، وثانياً أوصيك بما يلي:
(1) ابتعد عنهم ولا تصحبهم بهدف دعوتهم، فإن الإنسان لا يأمن على نفسه الفتنة والضعف، واسأل ربك الثبات واجعل علاقتك بهم قليلة وبشكل فردي، وأعد نفسك بالذي تريد أن تتحدث فيه.
(2) احرص على أن تبعث إليهم بعضاً من المشايخ وطلبة العلم المؤثرين دون أن يشعر أولئك الشباب بذلك.
(3) ادفع إليهم بعض الأشرطة التي تناسبهم وتنفعهم، وبادلهم الجوانب العملية الإيجابية؛ مثل الزيارة لهم فرادى والهدية، والاتصال الهاتفي والوفاء، وإظهار الشفقة والعطف.
(4) اصحب بعضهم معك عند المناسبات المفيدة؛ كالمحاضرات مثلاً أو مناسبة عندك، وعليك بالصبر وعدم الانقطاع.
(5) تذكر أن الأمر بيد الله - عز وجل- فأكثر من الدعاء لنفسك ولهم ولسائر المسلمين.
(6) لابد من المداواة لأصل الإيمان فإن القلب إذا حيا بنور الإيمان تغيرت الأحوال، وازداد العبد من الخيرات وابتعد عن السيئات.
(7) لا تنظر لنفسك على أنك أنت المحافظ وهم المفرطون، الصحيح أن العبد ينظر لنفسه دائماً بمنظار التقصير وينظر لغيره بمنظار التفاؤل، وإحسان الظن ولا تيئس من دعوتهم فإن اليائس لا يصنع شيئاً، وبالله التوفيق.(19/411)
شريعة الشباب، أفكار وأساليب
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 5/10/1424هـ
السؤال
أنا أعمل مشرف في دار القرآن الكريم في أحد المساجد، أشرف على مجموعة من طلاب المرحلة الثانوية، مضى على التزامهم في المسجد سنتان، منذ فترة قصيرة اكتشفت أنهم يقومون بمخالفات كثيرة من تدخين، إلى مشاهدة الأفلام والصور الخليعة، وممارسة العادة السرية، إلى غير ذلك من الأمور، وبصراحة لا أعرف كيف أعالج هذه المشكلة، هل أصارحهم كل على حدة بما أعرف عنهم؟ أم أحاول إصلاح الأمور بطريقة غير مباشرة؟ وكيف أسير معهم في حل هذه المشكلة؟ علماً أنهم ملتزمون في المسجد، وهم في المسجد رائعون ومواظبون على حلقات القرآن والصلاة.
الجواب
أخي السائل: جزاك الله خيراً وجعلك من أنصار دينه، ومن الدعاة إليه على بصيرة.
أخي الفاضل: لا يكفي في صلاح قلوب الشباب أن يترددوا على الحلقة بعد العصر، بل تحتاج تربية الشباب إلى وقت أطول وأكثر تواصلاً بين نخبة صالحة من المشرفين وبين الطلاب، كما يحتاج الأمر إلى برامج يستثمر فيها الشباب وقتاً أطول مما هو حاصل في الحلقة، فإذا أمكن أن تقنع بعض الأخيار من المدرسين ليشاركوك الإشراف على هؤلاء الطلاب فهذا أمر مفيد، وسينعكس إيجاباً على حال الطلاب ويخلق برنامجاً جيداً يستوعب وقت الشباب، وأقترح عليك ما يلي:
(1) وضع دروس تقوية مجانية في المسجد بعد المغرب والعشاء في بعض الأيام.
(2) تخصيص وقت لحل الواجبات والمذاكرة في المسجد، مع وجودك أو وجود مشرفين آخرين يساعدونك ويساعدون الطلاب على الدراسة.
(3) تخصيص بعض أيام الإجازة الأسبوعية لرحلات تتضمن برامج وموضوعات تربوية تستهدف علاج الظواهر التي ذكرتها، مثل: قصص عن بعض الأنبياء والصالحين ممن امتنعوا عن المحرمات مع توفر دواعيها، وتيسر أسبابها، مثل يوسف عليه السلام، والفتى الحميصي،
وغيرها من القصص، وموضوعات عن الموت، وعذاب القبر، واليوم الآخر، وشرح حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، ونحو ذلك من الموضوعات.
(4) والتذكير بخطر المعاصي على العبد، وآثارها السيئة في الدنيا والآخرة، والتذكير بالجنة وما فيها من النعيم، وأنها حقت بالمكاره، وأن النار حفَّت بالشهوات.
ولتعلم أخي الفاضل: أن الشهوة غالبة ومؤثرة ولا سيما على الشباب، ولذا ينبغي محاولة إقناعهم بالبعد عن مشاهدة هذه الأفلام، بالتذكير بخطر النظر المحرم على القدرات الجنسية مستقبلاً وكيف أنه سبب لشيوع البرود الجنسي لدى الرجال في البلاد التي أدمن رجالها رؤية النساء في أوضاع عارية أو شبه عارية.
وتذكيرهم بشكل عام بفضل غض البصر، وطرح موضوعات: (مراقبة العبد لربه والخوف منه، والخشية له سبحانه) .
(5) حبذا إن أمكن القيام بزيارة للمقبرة، والتذكير بالموت وما بعده، كما يمكنك طرح مسابقة في كتاب: (كيف تواجه الشهوة) للشيخ محمد الدويش فهو كتاب نافع للشباب. (6) طرح مسابقة عامة في مخاطر التدخين الصحية والدينية، وتكليف الجميع دون تخصيص بالمشاركة فيها، القيام بزيارة جمعية مكافحة التدخين أو بعض فروعها إذا كانت موجودة في بلدك، شهر رمضان على الأبواب فيمكنك تشجيع الطلاب على التخلٌّص من التدخين وغيره، باستضافة محاضر يتحدث عن هذه المشكلات التي وقع فيها الشباب، وكيفية التخلُّص منها واستغلال شهر رمضان لذلك.(19/412)
فتور الملتزم
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 8/8/1424هـ
السؤال
أنا شاب ملتزم على طاعة الله منذ عام تقريباً، ولقد وجدت والله السعادة واللذة الحقيقية، ولكن بعد مضي شهور أحسست بنوع من الفتور، فلم أستطع الخشوع، وبدأت أرتكب الذنوب والمعاصي حتى وقعت في الكبائر، ولقد أحسست أني بفعلي هذا منافق، أرجو نصحي وإرشادي، وأنا الآن أصبت بحالة من الإحباط والخوف من عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة، أجيبوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
السلام عليكم، وبعد:
شكراً لمراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، والجواب على استفسارك كما يلي:
معلوم أن الإنسان يمر بمراحل مختلفة وأحوال متنوعة، وبقاؤه على حال من الجد أو ضده تحيله طبيعة البشر من التقلب والتحول، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لحنظلة بن عامر - رضي الله عنه - يوم أن شكا له عدم ثباته على حال من الخشوع والإخبات فقال له: إنا نكون عندك يا رسول الله وكأن على رؤوسنا الطير وإذا فارقناك عافسنا النساء ولاعبنا الأولاد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبيناً له استحالة بقاء الإنسان على حال واحدة:" والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات" أخرجه مسلم (2750) من حديث حنظلة الأسيدي - رضي الله عنه-، فإن تغير حال الإنسان طبيعة فطرية، وليس هذا محل إنكار إنما محل الإنكار أن تنقلب الحالة من خير إلى شر، أو من طاعة إلى معصية، لذلك أخبر عليه الصلاة والسلام أن لكل عمل شرة وفترة، يعني مرحلة جد وضعف، فقال:"فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى" أحمد (22376) عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار، ففي مسند أحمد (6473) وغيره عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت شرته إلى غير ذلك فقد هلك، وفي لفظ:"إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" أحمد (6664) ، فالواجب على العبد عند الضعف أن يحرص على التمسك بالفرائض وأصول الدين والبعد عن المحرمات، فإن وجد نفسه ثقيلة على النوافل والمستحبات فلا بأس بتركها فترة ليعود إليها بشوق وهمة أكبر، وفي نفس الوقت يعالج أسباب هذا الضعف وسبب رجوعه للذنوب مرة أخرى.
إن تحسسك للأسباب يختصر عليك المسافة في معالجة ما جد من تغير، وذلك بترك تلك الأسباب والرجوع للحال التي كانت النفس فيها مقبلة، وحالة الفتور هذه يتعرض لها كثير من السائرين إلى الله، فإن أحسنوا معالجتها وإلا كانت وبالاً على بعضهم، يتردى بسببها إلى الحضيض، وإني أنصحك بالرجوع إلى كتابين عالجا أمر الفتور معالجة جيدة، الكتاب الأول: آفات على الطريق للدكتور: محمد السيد نوح، والثاني الفتور للدكتور: ناصر العمر، واحرص أخي على البعد عن الأصحاب الذين أضعفوا فيك التمسك بدينك، واحرص على لزوم الأخيار والصالحين، وأكثر من الاستعانة بالله عز وجل، والله يثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه وهو راض عنا إنه جواد كريم، والسلام عليكم.(19/413)
صديقي كثير اللعن
المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 28/3/1425هـ
السؤال
لي أحد أصدقائي حينما يغضب يلعن أمي أو يلعن أي شخص يقابله، وحينما تقول له: لا تلعن، يقول اللعنة أليست ترجع لي (ما دخلك) .أبلغوني الجواب جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الإكثار من اللعن ليس من صفات المؤمن؛ قال صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء"، ولعن من لا يستحق اللعن من المعينين كبيرة من كبائر الذنوب (انظر الكبيرة 39من كتاب الكبائر للذهبي) ، وفي الحديث:"لعن المؤمن كقتله" رواه البخاري (6105) ومسلم (110) من حديث ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - ويعظم إثمه عندما يكون موجهاً للوالدين أو لأحدهما كما في السؤال، إذ يجتمع فيه حينئذٍ إثم اللعن وإثم عقوق الوالدين؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من لعن والديه" رواه مسلم (1978) من حديث علي - رضي الله عنه -.
ومن لعن معيناً لا يستحق اللعن عاد ذلك اللعن على اللاعن؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لُعن فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها".
ولا يجوز التساهل في لعن المعينين؛ لما في ذلك من الوعيد الشديد، أما اللعن على سبيل العموم لمن يستحقه فلا بأس كلعن الكافرين والظالمين وآكلي الربا ... وشاربي الخمر ... ونحو ذلك مما هو لعن لجنس الفاعلين لا لأعيانهم.
وما ذكره السائل من عدم مبالاة اللاعن بعقوبة اللعن هو- والعياذ بالله- من قبيل الاستخفاف بعقاب الله ويخشى على من تعمد ذلك الكفر؛ فإن من استخف بشيء من ثواب الله أو عقابه كفر، وعليه فالواجب مناصحة المذكور بالتي هي أحسن، وبالحكمة والموعظة الحسنة حتى لا يصر على خطئه، وينبه برفق ولين على خطورة ذلك ومآل من استخف بعقاب الله؛ فلعله لا يعلم بأن ذلك يؤدي إلى الكفر. والله أعلم.(19/414)
الاحتجاج بالقدر على المعاصي
المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 6/2/1425هـ
السؤال
لدي أصدقاء إذا قدمت لهم شيئاً من النصيحة احتجوا بأن ما يفعلونه انما هو قضاء وقدر؟
الجواب
الحمد لله أما بعد: فإن الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات، أو فعل من المعاصي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس، وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر. ونفس المحتجّ بالقدر إذا اعتدي عليه، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساد، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بداية العقول ". مجموعة الفتاوى 8 / 179. وبما أن هذا الأمر مما يعمّ به البلاء فهذا إيراد لبعض الأدلة الشرعية والعقلية، والواقعية التي يتضح من خلالها بطلان الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات:
1- قال الله - تعالى -: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ) [الأنعام: 148] ، فهؤلاء المشركون احتجوا بالقدر على شركهم، ولو كان احتجاجهم مقبولاً ما أذاقهم الله بأسه.
2- أن القدر سر مكتوم، لا يعلمه أحد من الخلق إلا بعد وقوعه، وإرادة العبد لما يفعله سابقةً لفعله، فتكون إرادته للفعل غير مبنية على علمٍ بقدر الله، فادعاؤه أن الله قدَّر عليه كذا وكذا ادِّعاءٌ باطل؛ لأنه ادعاءٌ لعلم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، فحجته إذاً داحضة؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه.
3-ومما يرد هذا القول - أيضاً - أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه حتى يدركه، ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه ثم يحتج على عدوله بالقدر. فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر؟ ! وإليك مثالاً يوضح ذلك: لو أراد إنسان السفر إلى بلد، وهذا البلد له طريقتان، أحدهما آمن مطمئن، والآخر كله فوضى واضطراب، وقتل، وسلب، فأيهما سيسلك؟ لا شك أنه سيسلك الطريق الأول، فلماذا لا يسلك في أمر الآخرة طريق الجنة دون طريق النار؟(19/415)
4- ومما يمكن أن يرد به على هذا المحتج - بناء على مذهبه - أن يقال له: لا تتزوج؛ فإن كان الله قد قضى لك بولد فسيأتيك، وإلا فلن، ولا تأكل ولا تشرب فإن قدَّر الله لك شبعاً وريَّاً فسيكون، وإلا فلن، وإذا هاجمك سَبُعٌ ضارٍ فلا تفر منه؛ فإن قدَّر الله لك النجاة فستنجو، وإن لم يقدرها لك فلن ينفعك الفرار، وإذا مرضت فلا تتداوَ؛ فإن قدَّر الله لك شفاءً شفيت، وإلا فلن ينفعك الدواء. فهل سيوافقنا على هذا القول أم لا؟ إن وافقنا عَلِمْنا فساد عقله، وإن خالفنا علمنا فساد قوله، وبطلان حجته. ومما تجدر الإشارة إليه - أن احتجاج كثير من هؤلاء ليس ناتجاً عن قناعة وإيمان، وإنما هو ناتج عن نوع هوى ومعاندة؛ ولهذا قال بعض العلماء فيمن هذا شأنه: " أنت عند الله الطاعة قدري؛ وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به " مجموع الفتاوى (8/107) .
يعني أنه إذا فعل الطاعة نسب ذلك إلى نفسه، وأنكر أن يكون الله قدر ذلك له، وإذا فعل المعصية احتج بالقدر. وبالجملة فإن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي، أو ترك الطاعات احتجاج باطل في الشرع، والعقل، والواقع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن المحتجين بالقدر: " هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى ". مجموع الفتاوى (8/262) .(19/416)
بين الدعوة ومواصلة التعليم
المجيب فيصل بن عبد الله الحميقاني
مدرس بمدارس رياض الصالحين.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 18/06/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا معلم من مكة، وأعمل في منطقة أخرى، ولدي نشاطات دعوية وتربوية، وزوجتي كذلك، وأرغب في النقل إلى مكة لأكمل دراستي العليا، وأقترب من والدي -حفظهما الله- ولكي أخالط العلماء؛ لأنني أظن أن تفرغي لطلب العلم فيه نفع عام للمسلمين، ولكنني أخشى أن أترك ثغرة هناك لا أجد من يسدها عني أو عن زوجتي، فبماذا تشيرون عليّ؟ حفظكم الله.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين.. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إن شعور المسلم بعظم مسؤولية الدعوة إلى الله شعور جليل، وفيه دليل على حياة قلب هذا المؤمن.
وسؤالك -أخي المبارك- يكثر في أوساط الشباب الحريصين على الخير، ولي معه وقفات:
1- إن تحمل أعباء الدعوة ـ على صعيدي الرجال والنساء - لا يتعارض مع طلب العلم
الشرعي، فالعلم يدعو للدعوة، والدعوة لا بد لها من علم، فلا تعارض أبدا، ً بل هما جانبان يكمل أحدهما الآخر.
2- ذهابك للدراسة العليا التي يأمل نفعها، أمر جيد، لكن لا يعني أن تنقطع في هذه المدة عن زيارة هذه البلد باستمرار، وتقديم ما يمكن تقديمه لأهلها.
3- إن كان والداك في حاجتك، أو يرغبان بقربك منهما، ففيهما فجاهد.
4- في حال استمرارك في البلدة كثف لنفسك البرامج العلمية، من قراءة للكتب وسماع للدروس وحضور للدورات المكثفة القصيرة، ودخول على مواقع الإنترنت التي تعنى بنقل الدروس، وغير ذلك من وسائل لتلقي العلم.
5- في أثناء إقامتك في هذه البلد حاول تأسيس قاعدة من الشباب تكون عوناً لك في تحمل أعباء الدعوة في ذلك البلد، حتى إذا سافرت أو شغلت أو حتى مت، تستمر ثمرة عملك.
6- عليك باستشارة بعض طلبة العلم الملمين بحاجات البلدة، ولهم دراية بك وبقدارتك، فهم أقرب إلى الصواب من رؤيتنا، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. وربما اختلفت أحوال البلدان أو السائلين فتختلف عليها الإجابة.
أسأل الله أن ينفع بك، وأن يجعلك مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر.(19/417)
دعوتهم ولم يستجيبوا
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 11/6/1425هـ
السؤال
ما رأيك: لي أربع سنوات وأنا أدرس في قرية، وأرى في استجابتهم ضعف، فهل أبحث عن قرية أخرى أقيم فيها بعض المناشط الدعوية؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الحبيب: سلام الله عليك ورحمته وبركاته.
لقد قرأت رسالتك الطيبة بطيبك، المباركة بما خطته يمينك، ولا أخفيك سراً أنه انتابني شعوران متناقضان: أما الأول: فهو فرحي وسروري بأنك تعمل في حقل الدعوة إلى الله، فالدعوة إلى الله فضلها عظيم، وأجرها كبير، فهي طريق الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم من العلماء والمصلحين عبر الأزمنة والعصور، فهنيئاً لك أن سلكت هذا الطريق القويم، فاحمد الله على هذه النعمة العظيمة، "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" [فصلت: 33] .
أما الشعور الثاني: وهو الحزن والأسى لضعف استجابة هؤلاء الناس لك، والذين هم في أمس الحاجة إليك؛ لتأخذ بأيديهم إلى طريق الهداية الذي امتن الله عليك بسلوكه، فكم كنت أتمنى منك أن تسأل عن الأساليب المتنوعة والمختلفة؛ حتى تستطيع أن تصل إلى قلوبَهم، بدلاً من أن تسأل عن الفرار وترك الساحة للجهل والشيطان.
أخي: هل تذكرت كم جلس نبي الله نوح - عليه السلام- يدعو قومه؟ ألفاً إلا خمسين عاماً، هل تذكرت كيف كان يدعوهم؟ استمع إليه وهو يناجي ربه، فيقول: " ... رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً" [نوح: 5] ، ويقول: "ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً" [نوح: 8-9] ، الله أكبر، الليل والنهار، الجهر والكتمان، الإسرار والإعلان، لم يترك وسيلة إلا واتخذها، ولا طريقاً إلا وسلكه، ولا باباً إلا وطرقه من أجل هداية قومه إلى الله، إنه العمل الدائم الذي لا يعرف التوقُّف، والجهد المستمر الذي لا يعرف الانقطاع، إنه العطاء الذي لا يعرف المنع، إنه البذل الذي لا يعرف الشح، إنه الإقدام الذي لا يعرف الجبن، إنها التضحية في أسمى معانيها؛ فالحياة كلها بليلها ونهارها موقوفة لله والدعوة إليه، ومع ذلك كيف كانت النتيجة؟ استمع إليه وهو يشكو بثه وحزنه إلى الله: "فلم يزدهم دعائي إلا فراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً" [نوح: 6-7] ، بل وفوق هذا كله توعده قومه بأنه إذا لم يكف عن دعوتهم لينزلن به العقاب، فاستمع إليهم وهم يقولون له: "لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين" [الشعراء: 116] .(19/418)
أخي الحبيب: سرِّح طرفك، وأمعن النظر في تاريخ تلك القافلة المباركة، قافلة الأنبياء والرسل - صلوات ربي وتسليماته عليهم جميعاً-، وهم يبذلون المهج والأفئدة، والدماء، والمال، والأنفس، وكل غال ونفيس، وبذله بسخاوة نفس في الدعوة إلى الله، وهداية البشر إلى طريق الهدى والنور، بكل ثقة وثبات، ويقين بنصر الله -تعالى- لهم، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى أتاهم الله بالنصر المبين، تجد العجب العجاب، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يذهب إلى الطائف، ويحدث له ما هو معلوم للجميع، حتى دعا بهذا الدعاء المشهور، فما كانت النتيجة؟ نزل جبريل - عليه السلام- بأمر من الملك العلام - سبحانه وتعالى- على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه ملك الجبال، وقال جبريل - عليه السلام- للرسول - صلى الله عليه وسلم- بعد أن قرأ عليه السلام إن الله قد سمع مقالة قومك لك، وهذا ملك الجبال قد أرسله الله لك، فأمُره بأمرك، فلو شئت أن يطبق عليهم الأخشبين- أي الجبلين العظيمين- لفعل، فماذا كان جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يوحده لا يشرك به شيئاً" متفق عليه أخرجه البخاري (3231-7389) ، ومسلم (1795) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وكان صلى الله عليه وسلم يقول حكاية عن نبي من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" البخاري (3477) ، ومسلم (1792) ، وصدق الله حيث قال: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" [التوبة:128] .
فيا - أخي الحبيب- ليكن لك في هؤلاء الثلة المباركة من أنبياء الله ورسله الأسوة الحسنة، والقدوة الطيبة، فلا تترك هذه القرية وتذهب إلى غيرها، وتذكَّر دائماً قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه- عندما دفع إليه الراية يوم خيبر لفتحها: "لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم" متفق عليه عند البخاري (3701) ، ومسلم (2406) من حديث سهل بن سعد-رضي الله عنه-.
أخي الحبيب: إذا نظرت إلى أهل الباطل من نصارى وغيرهم من أهل الكفر والإلحاد، والفسق والزندقة تجد عندهم من الصبر والجلد الشيء العظيم، من أجل نشر باطلهم وعقائدهم الفاسدة، فلزاماً على أهل الحق والخير أن يكونوا كذلك وأشد؛ لأنهم يدعون إلى الحق المبين، وكان سيدنا عمر -رضي الله عنه- يقول: "أعوذ بالله من عجز الثقة وجلد الفاجر".
أخي الكريم: أرى لزاماً علي أن أنصحك بما يلي:
1- الاستمرار مع هؤلاء الناس في الدعوة إلى الله، حتى وإن كانت استجابتهم ضعيفة.
2- العمل الجاد على أن تجعل لك طلبة علم يحملون هم هذه الدعوة، حتى إذا خرجت من عندهم، كان هناك من يسد هذه الثغرة المهمة.
3- فتش في نفسك؛ فلعل هناك خللاً ما في أسلوب دعوتك، قد يكون السبب في عدم استجابتهم لك.
4- لا تستعجل قطف الثمار قبل الأوان؛ فتصاب بالحرمان.
5- أكثر من القراءة في كتاب ربنا، وسنة نبينا- صلى الله عليه وسلم-، وخصوصاً في الجوانب الدعوية.(19/419)
6- الدخول في دورات تطوير الذات كالخطابة، وأساليب الإقناع والتأثير، ونحو ذلك فإنها ترفع من كفاءتك في إيصال المعاني إلى الناس.
7- عليك بالإكثار من مطالعة سير الصالحين من الأنبياء والرسل، والصحابة الكرام - رضي الله عنهم- ومن سار على نهجهم من العلماء الربانيين، ولعلك تقرأ سيرة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى-؛ ففيها النفع الكثير.
8- عليك بالإكثار من القراءة في الكتب التي عنيت بالدعوة من حيث الطرق والأساليب.
9- عليك باستشارة أهل العلم والدعاة، ومن عندهم خبرة في هذا المجال.
10- عليك بصدق اللجوء إلى الله والتضرع إليه بالدعاء بأن ييسر أمرك، ويشرح صدرك، ويطلق لسانك، ويلهمك الحجة البالغة.
11- وأخيراً أود أن أهمس في أذنك وأقول: نحن الدعاة إلى الله أمرنا بالدعوة والتبليغ، أما استجابة الآخرين فهذا ليس من شأننا، فمن يشأ الله أن يهديه يشرح صدره للدعوة وسلوك طريقها، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيِّقاً حرجاً كأنما يصعّد في السماء، ولله الحكمة البالغة في ذلك، فما علينا إلا البلاغ المبين، وكذلك لا يشترط وليس من الضروري أن نرى ثمرة دعوتنا في القريب العاجل، أو نرى ذلك ونحن أحياء، بل قد يجنى هذه الثمار الأجيال القادمة، فكم من أناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتلوا وماتوا وهم لم يروا أي ثمرة لهذا الدين الجديد، ولكن أبناءهم ومن جاء بعدهم جنوا هذه الثمرة المباركة، فهذا ياسر وسمية وغيرهما - رضي الله عنهم جميعاً- ممن قتلوا في بداية الدعوة لم يشاهدوا هذا الفتح المبين، ولم يجنوا ثمرة دعوتهم وجهادهم في سبيل الله، لكن عمار وخباب وبلال رأوا هذا كله، فليكن لنا فيهم - رضوان الله عليهم جميعاً- الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة، وهذه سنة الله في كونه "وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً" [الأحزاب: من الآية62] . هذا والله أعلم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/420)
الدعوة إلى الله وصعوبة التكلم
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 15/10/1425هـ
السؤال
عندما أدعو الآخرين إلى الله أجد صعوبة في التكلُّم، فكيف أواجه هذه المشكلة؟.
الجواب
الأخ الكريم:-سلمه الله ورعاه-: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
أولا: أشكر لك حرصك على حمل هم الدعوة إلى الله، وهذا فضل عظيم يجدر بالعبد الحرص عليه؛ ليكون من أحسن الناس قولاً، كما قال سبحانه:"ومن أحسن قولاً، ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً" [فصلت:33] .
ثانياً: مع اتفاقي معك على أهمية استخدام الوسائل المؤثرة في الدعوة، والقدرة على الحديث الجيد، ولكن هذا لا يمنع أن يتحدث الإنسان مع الناس بسجيته، وليس في الدعوة إلى الله ما يستحى منه حتى نتردد فيها، ويكفي ما في التردد والتلكؤ من هزيمة نفسية يشعر بها الداعي والمدعو، في حين أهل الشر والباطل لا يبالون من الصدع بباطلهم، وأهل الحق أولى بذلك، قال تعالى لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-:"فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" [الحجر:94] ، وقد قال عمر -رضي الله عنه-: "أعوذ بالله من عجز الثقة وجلد الفاجر" أخرجه ابن سعد في الطبقات.
ثالثاً: أقترح عليك مراجعة الكتب المعنية في التعامل مع النفس البشرية وأعظمها كتاب الله -عز وجل- فكم فيه من وسائل الإقناع التي تؤثر على القلب والعقل والروح، وكذلك سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتأمل في طرق دعوته، ووسائل حديثه مع الآخرين، وكيفية دعوته لهم، وكيف ملك القلوب والعقول، ودخل الناس في دينه أفواجاً، وكذلك النظر في الكتب الحديثة، والتي كتبها كُتَّاب متخصصون عندهم اطلاع جيد، وإدراك عميق لأسرار النفس، والقدرة على الدخول عليها، ومعرفة التأثير فيها، ومن تلك الكتب التي اطلعت عليها:
- كيف تؤثر في الآخرين. كيف تقنع الآخرين. أسرار النفس البشرية.
وغيرها من الكتب الشبيهة بهذا الفن، وزيارة قصيرة للمكتبات العلمية توصلك إلى مثل هذا.. ولي أن أذكرك ببعض ما في ذهني من هذه الجوانب المفيدة في هذا الموضوع:
- إن من طرق إقناع الآخرين بفكرة ما، محاولة جعل الفكرة فكرتهم من خلال توظيف أدنى كلمة يقولونها للفكرة المراد إقناعهم بها.
- الهدوء في الحديث، والسكينة في المنطق، مع الابتسامة المتكررة، والتي توحي بالأنس بالحديث معه.
- إشعاره بحبك أثناء الحديث؛ فإن هذا يسهل قناعته بأفكارك، ولو لم يسبق له سماعها.
- أن تظهر اهتمامك بما يتكلَّم به، وأن تُقبل عليه بكلك وأنت تسمع لحديثه؛ فإن هذا رسول إلى عقله وقلبه يمهد قبول حديثك وقناعته بما تطرح.
- أن تثني على حديثه، ولو لم يكن بذاك الحديث القوي الذي يستحق الثناء منك، لكن من باب كسبه والوصول إلى قلبه.
- لا بد أن تدرك أن قناعتك أنت بما تطرح أمر ضروري، ولكنه غير كافٍ، إذا لم يكن مدعما بالأدلة والبراهين.(19/421)
- يمكنك أن تجعل الفكرة المطروحة مجرد فكرة يطرحها آخرون، وتذكر ما لها وما عليها، وتزيد في الذي لها من الأدلة والبراهين والقناعات دون أن تتبناها؛ لتنظر ردود فعله بعد ذلك.
- ومن الوسائل المهمة في ذلك الصدق في الحديث والتوازن، وعدم المبالغة في الأسلوب أو المعلومة.
- إن عملك بما أنت مقتنع به وتطبيقك له، وحرصك على أن تكون فيه قدوة من أقوى الوسائل التي تقنع الآخرين بمصداقيته.
- أن تظهر التواضع في الطرح، وعدم النظرة الاستعلائية على المقابل؛ لأن الكبر من شأنه أن يفسد الطريق الموصل للقلوب.
- أن تسأل الله دائماً وأبداً أن يمن عليك بالبيان الذي تنصر به الحق وتدعو به إلى الله، وتذكَّر قول موسى -عليه السلام- لربه: "قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي" [طه:25 -28] .
- شارك ما تيَّسر لك ذلك في الدورات المعنية بتعليم طرق التعامل مع النفس، وفي تطوير الذات، وغيرها من الدورات النافعة التي تدور في هذا الفلك.
- استمع كثيراً للعلماء والدعاة المؤثرين والمقنعين؛ فإن هذا يعطيك ملكة في ذلك.
- اقرأ كثيراً لمن عرف بأسلوبه القوي في الطرح والنقاش؛ لتستفيد من طريقته.
وفقك الله لكل خير، وأعانك الله على طاعته والدعوة إلى دينه.(19/422)
أصحابي يسخرون منِّي!
المجيب يوسف صديق البدري
داعية إسلامي وخطيب مسجد الريان بالمعادي ومستشار اللغة العربية بوزارة التعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 27/05/1426هـ
السؤال
عندي مشكلة، وهي أنني أخجل من دعوة أصدقائي إلى طاعة الله؛ لأنني عندما أدعوهم يسخرون منِّي، ويصفون لحيتي -بسخرية- بأنها عسل، وكل ما أريده وصفة تجعلني لا أعبأ ولا أهتم بهذا الكلام، وأن أتشجَّع وأتحمس لدعوة الله عز وجل. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:
أولاً: أهلاً بك وسهلاً في موقع (الإسلام اليوم) ، وأتمنى لك ـ معه ـ وقتاً مفيداً مباركاً
ثانياً: واضح من رسالتك ـ الكريمة ـ أنك في بداية طريق الدعوة إلى الله تعالى، وهو ـ يا أخي ـ ثبت الله قدميك ـ طريق الأنبياء والمرسلين، ومن سار على دربهم، ويكفي من اقتفى آثارهم شرفاً ومنزلة قول الله تعالى: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقّاها إلاَّ الذين صبروا وما يلقَّاها إلاَّ ذو حظ عظيم" [فصلت:33- 35] .
ومع جلال الدعوة وجمالها، وحلو مذاقها إلا إنها سبيل وعرة، وطريق غير مفروش بالحرير ولا محفوفة بالزهور، بل مشقَّة وجهد وجهاد، وصد وإعراض وغربة مرة، يذوق مرارتها أهل الحق في كل زمان ومكان..(19/423)
وكم حكى لنا القرآن من قصص المرسلين مع أقوامهم، وما لاقوه منهم من كل صنوف الأذى، بداية من الغمز، نهاية إلى القتل وسفك دماء الأنبياء، فقال تعالى عن بني إسرائيل: "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون" [البقرة: 87] ، وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ... " [الأنعام: 35] ، والأدلة على ذلك كثيرة جداً؛ فقط أريدك أن تتأمل قوله تعالى: "إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون" [المطففين:29 - 36] ، ومع هذا ـ يا بني ـ فأصحابك ليسوا كفاراً؛ بل هم كغيرهم، ومثلك قبل أن تتذوق حلاوة الإيمان "كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم".. هم فقط جاهلون بالحق، غرباء عنه، وأنت إذا أحسنت إليهم وبششت وهششت لهم، وتحببت إليهم بحسن الخلق، ثم رأوا منك ثباتاً على مبادئك وما هديت إليه من حق، فإما أن يشرح الله ـ بإذنه ـ صدورهم كما شرح لك صدرك، أو على الأقل يكفيك شرهم، ويمنعك سخريتهم وأذى قولهم، وحتى لو قالوها ـ سخرية ـ فأنت يا صاحب اللحية "حقاً لحيتك كالعسل"، فما أحلى التحلِّي بالسنة، فلا تحزن فأصحابك مدحوك إذ أرادوا مذمتك، وأخيراً.. أنصحك ـ أيها الداعية الصغير ـ أن تستعين على الخروج من خجلك هذا بالعلم، فتعلَّم أحكام دينك، وتعرَّف على طرائق الدعوة وتجارب الدعاة إلى الله، وتدرَّب على "فن الدعوة"، واختلط بالناس، وكن واثقاً بنفسك، وكن صاحب المبادرة في بدء أصحابك بالحديث، بعد ذلك أنصحك ـ ومن خلال تجربتي الشخصية وأنا في مثل سنك ـ أن تشارك أهل "التبليغ والدعوة" بعض جولاتهم على الناس؛ فقد يساعدك هذا ـ إن شاء الله ـ على الجرأة في الدعوة، ويدربك على فن المبادرة، ويرفع عنك حالة الخجل والتردُّد.. وفقك الله وثبَّتك.(19/424)
صديقتي لم تعد كما كانت
المجيب د. وفاء العساف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 6/05/1426هـ
السؤال
لي صديقة كانت خير معينة لي على طاعة ربي وحفظ كتابه، وبعد أن أكملنا الدراسة الثانوية التحقت بكلية وهي في أخرى، ولم أتركها بل استمرت المكالمات بيننا، وكنا نلتقي في الدار في العصر، ولكنني بدأت ألاحظ عليها تغيراً كبيراً في تعاملها معي وفي سلوكياتها، وعندما أصارحها بالتغير تقول: أنا لم أتغير لكن أنت حساسة.. وبعد أن بحثت في الموضوع وسألت عنها في الكلية فوجئت بأنها تقوم بسلوكيات لم أعهدها عنها، فهي تتظاهر بالتعب والإغماء، كما أنها تتعمد الكذب على أهلها، فهي تقول لزميلتها في الكلية: إن والدها قاسٍ وأمها كذلك، وأن حالتها في البيت سيئة، وأنا أعلم يقيناً أنها تعيش في بيت كل أفراده صالحون، بل يقل نظيره في وقتنا الحاضر، فالوالدان مثقفان ومتفاهمان وحريصان على أبنائهم أشد الحرص، ولكن لا أدري ما سبب هذه الأكاذيب، مع أنها ما زالت ترافق الصالحات، وقد حرصت أن أتصل بزميلتها هذه وهي إنسانة مستقيمة واعية لتحل المشكلة، ونعيدها إلى صوابها، وهي إلى الآن لا تعلم بأني على اتصال مع زميلتها تلك..فماذا أفعل؟
لقد استشرت الكثيرات فمنهن من قالت: استمري على اتصالك بها، وتجاهلي ما يصلك من أخبار عنها؛ حتى لا تفقد ثقتها فيك، ولكنني أعاني حقاً ولا أستطيع تجاهل تصرفاتها تلك، خاصة وأنها تركت الدار، وعندما طلبت منها الحضور، قالت: لا أحب الدار ولا يشرفني الانتماء لها، كما أني أخشى أن تكون قد وقعت في حبائل المعاكسات، فقد كانت تقول: إنها تعاني من الكثير من الإزعاج على الجوال، وبعضها يكون في وقت متأخر من الليل، وقد صارحت أختها التي تكبرها بتغيرها، فقالت: إنها لاحظت ذلك، فما الحل؟ أرشدوني لطريقة مثلى للتعامل معها؛ لتعود كما كانت تلك الصوامة القوامة حافظة القرآن، ثبتنا الله وإياكم على الحق.
الجواب
عزيزتي: بالنسبة لصديقتك قد تكون هناك أسباب كثيرة لانتكاسها وتغير حالها، على سبيل المثال:
(1) انتقالها إلى جو الجامعة وهو مغاير لما كانت عليه، فتأثرت ببعض الرفيقات ذوات الميول المتنوعة، خاصة إذا لم يكن لدى رفيقتك رصيد من القناعة القوية لما كانت عليه وقت المرحلة الثانوية.
(2) قد يكون هروباً من أعباء وثقل المحاضرات وتحمل المسئولية، وهذا ينمي عن خلل في الشخصية واستعداد لما تقوم به، ولكن لم تظهر هذه الحالة إلا في المرحلة الجامعية، فحالات الإغماء والتعب والحديث عن الوالدين مظاهر ليس إلا لهذه الحالة.
على أية حال ما دام الأمر كما تذكرين أن بيتها بيت فاضل، وأختها على صلة معك أرى والله أعلم اتخاذ الخطوات التالية:
1) الاستمرار في علاقتك معها دون أن تشعريها بما تعرفين، واذكري لها بعض القصص شبيهة بالقصص التي تصلك عنها، واسترشدي برأيها.
2) تواصلي مع زميلتها (العاقلة) دونما تشعر، ولا تلحي عليها في النصح المباشر واللوم.(19/425)
3) يمكن توثيق مدى الصلة مع أختها، بدون أن تكون العلاقة ملفتة للنظر، بل بذكاء وحرص ومتابعة ووضعها في البيت من قبل أختها، ويمكن أن تشعر والديها بطريقة غير مباشرة ليكونا على علم ومتابعة.
4) حافظي على علاقتك معها ما دامت ترغب في ذلك، وإبقائها طيبة لكن دون تقديم تنازلات من قبلك، وكوني حذرة في نفس الوقت، وأشعريها أنك على أتم الاستعداد للوقوف معها ومساعدتها.
5) يمكن مد الجسور مع زميلتها العاقلة، لتكوين صداقات أخرى ومحاولة احتوائها.
6) الدعاء لها في ظهر الغيب، والله -عز وجل- قادر على أن يهدي العبد ورحمته واسعة، وما عليك إلا النصح لها، وبذل ما تستطيعين. والله ييسر لك ولها.(19/426)
حين تكون المَدرسة بيئة فاسدة!
المجيب صالح بن عبد الرحمن القاضي- رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 6/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أود من فضيلتكم التكرم وإيجاد حل عملي لهذه المشكلة الكبرى، وإن شئت قل الطامة العظمى، والتي انتشرت في أوساط طلاب المدارس في المراحل المختلفة، ألا وهي الفساد الأخلاقي من اللواط وغيره، أريد التركيز على معالجة المشكلة من بدايتها عند طلاب المرحلة الابتدائية، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذه المشكلة وغيرها من المشكلات -سواء في مدارس البنين أو في مدارس البنات- مرتبط بعضها ببعض كالدخان والمخدرات، وسماع الأغاني، وجلسات السهر في المقاهي بأنواعها المختلفة، والمواقع المشبوهة بالإنترنت، والقنوات الفضائية ذات الأهداف السيئة والمجلات الهابطة وأقراص الـ (سي دي) ، وأفلام الفيديو ذات المحتوى المشبوه، كلها سبب مباشر أو غير مباشر للوقوع في كثير من التصرفات اللا أخلاقية، فمتى ابتلي بها الشاب أو الشابة بسبب إهمال الوالدين، وضعف الوازع الديني عند الأسرة، وتخلي المعلمين والمعلمات عن رسالتهم السامية، وتساهل الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهاون الجهات الرسمية ذات العلاقة بمسئوليتها، فإن هذه الحال -والعياذ بالله- تكون بيئة خصبة لحصول وانتشار المشكلات اللا أخلاقية لكلا الجنسين، ونحن - ولله الحمد- في هذا البلد لم نصل -وأسأل الله ألا نصل- إلى هذا المستوى المنحط من السفالة والوقاحة، لكن المؤشرات محبطة ومهددة ما لم يتدارك ذوو الغيرة الحال قبل الوقوع في المآل. هذا على المستوى العام مما يلزم تداركه في الحال، أما على المستوى الخاص فهو ذو شقين:
الأول: من مسئولية الآباء والأمهات أن يتقوا الله بإحسان رعايتهم لأولادهم، وعدم إدخال ما يكون سبباً في الإعانة على المنكرات في بيوتهم من وسائل إعلامية مختلفة ذات أهداف مفسدة، وأن يكون تعاملهم مع أبنائهم بحسب مقتضيات الحال، فلا شدة تنفر، ولا ليونة تكون سبباً في الضياع، وأن يكون الأب على علم ودراية بأصحاب ابنه، والأم تكون على دراية بصويحبات ابنتها، وأن يحرص الأب والأم على كل ما فيه منفعة دينية ودنيوية بقدر استطاعتهما لتوفيره للأبناء والبنات، وأن يحرصا على اختيار محاضن تربوية سليمة ليتلقى فيها الأولاد والبنات تعليمهم وتربيتهم.
الثاني: المدرسة بجميع منسوبيها - وخاصة المدير والمعلمين- أن يتقوا الله، فيكونوا قدوة خير، وأسوة حسنة للطلاب والطالبات، وألا يتم اختيار من يتولى التعلم إلا من يعرف للأمانة أهميتها وقيمها، ويحمل هم الأمة وهم الدين؛ حتى تكون هذه المحاضن التربوية ذات وجهة سليمة وأهداف سامية نبيلة. والله الموفق والمعين.(19/427)
شباب الدعوة وحب الرياسة
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 10/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: أنا أحد المشاركين في المحاضن التربوية، ومن العاملين في حقل الدعوة، ولكن هناك مشكلة تواجهنا، وهي التطلع للقيادة والرئاسة، فيطغى حب النفس في هذا الجانب، فتحصل بعض المشكلات وربما تتطور إلى أن تحصل جفوة بين الإخوة وبين الدعاة، أفيدونا مأجورين.
الجواب
وعليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
تذكَّر في سؤالك أنك من العاملين في المحاضن التربوية أنت وغيرك، وأنه يطغى عليكم حب القيادة، والتنافس على حب نفوذ الكلمة والرأي مما يسبب الجفوة.
هذه المشكلة من المخاطر الكبيرة التي تنافي الإخلاص، وفيها الرياء والسمعة، لأن الداعي إلى الله لا يدعو لنفسه، ولا لنيل مركز أو جاهٍ أو منزلة، "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" [يوسف: 108] ، وأول من تسعر به النار يوم القيامة ثلاثة، وذكر منهم رجل تعلم العلم وقرأ القرآن ليقال هو عالم وقارئ، فالحذر الحذر أن يكون الجزاء النار، والواجب علينا جميعاً أن نلغي حظوظ أنفسنا، وأن نهتم بالإخلاص، ونراجع حساباتنا، وأن نستحضر النية في كل قول أو عمل، وليكن الشعار "إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة"، والحذر من الأعمال القيادية؛ لأن فيها الخطورة على دين الإنسان، والحرص على أن تكون من الأخفياء الذين يعملون لله، لا لأجل أن يعلم الناس، ولا لأجل حظ النفس والهوى، ولا لأجل الضرر والمنافسة. اقرأ كتاب الإخلاص ومعالم في السلوك للشيخ عبد العزيز العبد اللطيف، وداو قلبك بالأعمال الخفية والقرآن وكثرة الذكر، والإحسان، وزيارة القبور، ومجالسة الصالحين، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.(19/428)
كيف أستثمر مواهبي؟
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 8/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أنا شاب حافظ للقرآن ولله الحمد، ولدي مواهب وطاقات كثيرة جداً (على سبيل المثال: أملك ذكاءً متوقداً وحافظة جيدة، وحصيلتي اللغوية ممتازة، سواء في اللغة العربية أو الإنجليزية، كما أن عندي مهارات أخرى كالحاسب الآلي والكتابة، وربما الخطابة أيضاً رغم أني لم أجربها.. وغير ذلك الكثير) ، ومع كل هذه الطاقات إلا أني لا أعرف كيف أستخدمها لخدمة الإسلام، علماً أن هذا الأمر يشغلني دائماً.
أريد أن أعمل شيئاً ولكن لا أعرف ما هو، ربما يكون سبب هذه الحيرة كثرة المواهب التي عندي مما يشتت تفكيري ويجعلني لا أعرف ماذا أختار، وأقول أحياناً لنفسي: (خسارة أن تضيع كل ما آتاك الله من قدرات في عمل كذا الذي يمكن أن يقوم به أي أحد، وربما يكون السبب في حيرتي أنه ليس عندي صحبة صالحة يشاركونني همي في نصرة الإسلام والعمل الدعوي، ولا أعرف كيف أتعرف على هذه الصحبة التي أتمناها، وربما يكون السبب في قلة العلم الشرعي عندي، رغم امتلاكي لجميع مؤهلات تحصيله، أفيدوني جزاكم الله خيراً، وأنا على استعداد للقيام بما تطلبونه مني، حتى لو اقتضى ذلك أن آتي لمقابلة أي شخص يساعدني على الوصول لمرادي.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
الأخ المكرم أشكر لك ثقتك، وأسأل الله -تعالى- لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد، وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل.. وأما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:
أولاً: الحمد لله الذي أعطاك كل هذه المواهب فاشكر الله على ذلك "ولئن شكرتم لأزيدنكم" [إبراهيم: 7] ، وعليك أن تسخرها في طاعته ونشر دينه؛ فإنك ستسأل عنها حفظتها أم ضيعتها.
ثانياً: أهنئك على هذه الهمة العالية التي تسمو للفضيلة وتسعى لنشر الخير، وأبشرك - أخي الكريم - أن أبواب الخير واسعة وليست مقصورة على مكان دون آخر، أو موقع دون آخر، خاصة في ظل ثورة المعلومات والاتصالات التي جعلت الإنسان يستطيع مخاطبة من يشاء بما يشاء وهو في مكتبه أو غرفة نومه.
ثالثاً: أقترح عليك أن تسأل نفسك ماذا تريد أن تكون، وتكتب ذلك على الورق (أي تحدِّد لك هدفاً واضحاً ذا أولوية، ثم تسعى لتحقيق هذا الهدف) .
ولا بأس من تحديد أكثر من هدف، وتقسيم الوقت بشكل يحقق لك الاستفادة منه بصورة كاملة، ويحقق لك أهدافك، فمثلاً - يكون لك وقت لمراجعة حفظك للقرآن الكريم والاطلاع على تفسيره، وليكن لذلك مثلاً ساعة في اليوم، وتحدد ساعة أخرى -حسب ظروفك- لحفظ الحديث، وتبدأ بالصحيحين (البخاري ومسلم) ، وتضع لك وقتاً آخر للقراءة الحرة، ووقتاًَ لتنمية بعض مهاراتك الحركية أو الذهنية أو المهارية عن طريق الالتحاق ببعض الدورات الخاصة بذلك، ووقتاً لممارسة هواياتك والقيام بالتزاماتك الأسرية، وهكذا..(19/429)
رابعاً: أما عن الصحبة الصالحة فهي من أهم المطالب، وأظنك ستجد ذلك في المسجد؛ فقد ترى أحد الشباب الصالح وربما تعرفت به، وعن طريقه تتعرف بغيره.
خامساً: لديكم في بلدكم (مركز التفكير الإبداعي) ، ويقوم عليه رجل كفء رائع، هكذا نحسبه والله حسيبه، فلو اتصلت بهذا المركز؛ فربما كان هناك إمكانية للاستفادة من مواهبك وتنمية قدراتك بشكل منهجي علمي، بدل الحيرة والتردد.
سادساً: وقبل هذا وبعده صدق الالتجاء إلى الله بأن يوفقك إلى الحق وإلى الخير، وأن يسدِّد خطاك ويعينك ويسهل أمرك.
وفقك الله وسدَّد على طريق الخير والحق خطاك.(19/430)
نصائح في دعوة غير المسلم
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
(عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) .
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 4/02/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي يتعلّق بالدعوة إلى الإسلام، لي زميل في العمل نصراني، أريد أن أدعوه إلى الإسلام، وأرى أنه إنسان جيد، ولكني لا أعرف كيف يمكن لي أن أبين له أنه على الدين الخطأ، أرجو أن تساعدوني، ولكم إن شاء الله الثواب.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
جميل أن يهتم الإنسان بالدعوة للإسلام، والدعوة هي منهاج الأنبياء والرسل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: "والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم "
أما عن كيفية الدعوة فراع فيها أموراً:
- احرص أن يكون الوقت مناسباً، والطرف الآخر متهيئاً.
- تجنَّب ما يثير انزعاج الخصم، وأظهر له اللين وأنك باحث عن الحق.
- إياك والتهجم على ما يعتقده؛ فإن هذا ليس من الحكمة، وقد يصر على باطله وخصوصاً أنه زميل لك في العمل.
- إياك والدخول في الجزئيات، ومهما حاول الخصم جرك إليها فبيِّن له أن الأصل الكليات والأصول، وليس من المناسب الكلام في الجزئيات قبل الكليات، فمثلاً لا تتكلم في مسألة تعدد زوجات الرسول- صلى الله عليه وسلم- قبل الكلام عن نبوته، وهكذا.
- احرص على الاطلاع على الشبه التي يثيرها النصارى ضد الإسلام مع معرفة الجواب عليها، وهذه الشبه معروفة يتناقلها النصارى جيلاً بعد جيل.
- ابدأ مع الخصم في طريقة إثبات نبوة الأنبياء مثل موسى وغيره من أنبياء بني إسرائيل، ثم انتقل إلى إثبات نبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأن نبوته ثبتت بما ثبتت به نبوة من قبله، وإذا ثبتت نبوته كان كل ما يقوله صدق. هذا أفضل -في نظري- من الكلام حول الثالوث، وخصوصاً مع الأشخاص غير المختصين بالمسيحية كغالب النصارى اليوم.
ويمكن الرجوع إلى بعض الكتب في ذلك، وأفضلها ما ذكره الإمام ابن تيمية في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح حول إثبات نبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المجلد السادس (ص 214) .
أعانك الله.(19/431)
هل يباهلونه؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقا-ً
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 21/11/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: حفظكم الله ورعاكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أنا شاب، أقوم بالدعوة إلى الله تعالى على ضوء المنهج السلفي في سريلانكا، وجنوب الهند، ويكون بين أيدينا داعية متحمس، وأعطاه الله قوة في لسانه يقنع الناس بها، ولكنه للأسف يقول في بعض الأحيان أقوالا، شاذة تخالف معتقد أهل السنة فإذا بينا خطأه لا يقبل إلا أنه يدعوننا دائما للمباهلة. وسؤالي: هل يجوز لنا شرعا أن نقوم بالمباهلة معه؟ وهل هناك أدلة وأمثلة للمباهلة مع المسلمين؟ أفيدونا مع المصادر بارك الله فيكم.
الجواب
أخي الكريم
ننصحك أولاً بالرفق مع هذا الداعية المتحمس، ومحاولة كسبه واستثمار مواهبه التي أشرت إلى شيء منها، وتوجيهه والتعاون معه في الأمر المشترك بينكما وأما الأمور التي بينك وبينه فيها اختلاف فإني أنصحكم بمحاولة إصلاحه بطريقة طويلة المدى هادئة تبدأ من الأساس، وليس بالمواجهة ولا بإثارة الخلافات كلما التقيتم، وليكن بينكم، كلام كثير في الأمر المتفق عليه، وكلام قليل في الأمر المختلف فيه.
ثالثاً: لا ننصحك بالمباهلة ولا الاستجابة لطلبه وإذا طلب منكم المباهلة فأخبروه أن المباهلة لم تقع في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا مرة واحدة بينه وبين النصارى، وأنتم مسلمون يجمعكم الإسلام ومحبة الخير بعضكم لبعض، ولا يصح أن يجرؤ أحد منكم على الآخر بأن يسأل الله أن يحل الله نقمته عليه، أو يصفه بالكذب، فإن حقيقة المباهلة هي الدعاء بنزول لعنة الله على الكاذبين، وأنتم بينكم الإسلام والرحمة ولا يتهم بعضكم بعضاً بالكذب حتى يستنزل عليه لعنة الله، وإنما يستنزل بعضكم لبعض رحمة الله وهدايته، فما اتفقتم فيه فتعاونوا عليه، وما اختلفتم فيه فتناقشوا فيه بهدوء، واسألوا الله لأنفسكم جميعاً الهداية والرحمة.
فأتمنى أن تشرح له معنى المباهلة قال تعالى: "…نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين" [آل عمران:61] فهل تقبل أن تحل علينا لعنة الله وأن نوصف بالكذب؟ أو نقبل أن تحل عليك لعنة الله ونصفك بالكذب؟ هذا لا يكون بين المسلمين أبداً، وإنما نسأل الله أن يهدينا وإياك فيما اختلف فيه من الحق بإذنه، وأن يهدينا جميعاً فيمن هدى، وأن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(19/432)
الناس في رمضان
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 4-9-1423
السؤال
السلام عليكم
أولاً: أهنئكم بحلول هذا الشهر الكريم، ولكنه في نظري أصبح هماً أحمله مع ما فيه من الخير العميم والغفران والرحمات من الله سبحانه تعالى.
ولكن الناس لا يشكرون. إنني أشكو في هذا الشهر من التغيير الكبير الذي يطرأ على الناس عموماً وأفراد أسرتي جزء منهم فالزوج والإخوان والأولاد هم في أربع خصال اثنتان في النهار والأخريان في الليل أما اللتان في النهار فالكسل والغضب المستمر وأما اللتان في الليل فالسهر بغير ما ينفع ومشاهدة ما يغضب الله تعالى من القنوات الفضائية والأفلام، فهل من سبيل إلى تغيير هذه الحال؟؟
الجواب
الأخت الكريمة..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع "الإسلام اليوم"
ونحن بدورنا نبادلك التهنئة بهذا الشهر الكريم سائلين المولى أن يعمنا بعفوه وكرمه وعتقه من النار وجميع المسلمين.
وأما ما ذكرتيه من أن هذا الشهر الكريم أصبح هماً لدى العقلاء من الناس لما يرونه من الجرئة الدائمة في التصرفات مع المولى سبحانه والتغير المبرمج في السلوكيات والتصرفات الفردية والجماعية فأنا مثلك أوافقك تماماً في هذا الهم ولكن في إطاره الصحيح والذي من المفترض أن لا نتجاوزه فننتقل بعد ذلك إلى القنوط واليأس من فضل الله ورحمته.
المشكلة في ظني وفي رأيي تكمن في البرمجة العقلية للسلوكيات الفردية والجماعية في التصرفات اليومية التي تنقلب رأساً على عقب بمجرد رؤية هلال هذا الشهر الكريم.
هذا التبرمج وهذا الانقلاب في السلوكيات حظي بالاعتراف والقبول المجتمعي على ما فيه من السوء والخطأ ولكنه للأسف أصبح وكأنه أمر عادي ولا غضاضة فيه. وهذه النظرة ما كان لها أن تتأتى لولا تواطئ المجتمع بجميع فئاته على الاعتراف به وتلقيه لها بالقبول والتسليم.
والذي يلفت النظر أن هذا الانقلاب يحدث لجميع فئات المجمع رجالاً ونساءاً آباءاً وأمهاتٍ صغاراً وكباراً لكل فئة طابعها الخاص في هذا التحول المفاجئ وهذا الانقلاب السلوكي الكبير والمصيبة أن المهتم الوحيد والمجمع على اتهامه بالوقوف خلف هذا التغير إنما هو ذلك الشهر الكريم.(19/433)
لقد ارتبط شهر الخير عند الكثيرين من الناس بأنه مفتاح التغير السلوكي والاجتماعي السيئ للأسف الشديد ولذلك فالنصائح والكلمات والمحاضرات والإرشادات والتذكير والتوجيه ليس لها مردود إيجابي إلا من الناحية الفردية فقط وثمارها تبقى محدودة بالتزام الأفراد مع قلتهم بها. الأمر في نظري أعظم من ذلك بكثير لأننا لا نتعامل مع أفراد قلائل يمكن أن توجه إليهم مثل هذه الأساليب وتصبح ناجعة معهم، وإنما نحن أمام معضلة أكبر من ذلك بكثير إنها مسألة مجتمع بأكمله يشكو المرض وسوء الأحوال لدى أفراده جميعهم ولذلك تبقى المسألة محصورة في كيفية انتشال هذا المجتمع المريض من هذه البراثين التي يغرق فيها وهذه الأوحال التي يخوض فيها وهذا الآلام التي يشكو منها وانتشاله إلى روضة الصحة والعافية وإلى طيب العيش والاستقامة وإلى شعاع النور والهدى وإلى الحيوية والنشاط والاستفادة من الطاقات المهدرة والأوقات الضائعة وإلى تغيير بوصلة التيه المجتمعي العام وتوجيهها إلى ما فيه الخير العميم والنفع الشامل والحياة المتحركة بكل ما يفيد وبكل ما يجعله موصلاً لتحقيق الخيرية لهذا الأمة (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس) .
المسألة في نظري ليست من السهولة بمكان بأن تُحل وتُعالج لأنها تراكمات مجتمعية تطاولت مع الزمن حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن ولذلك فلا نتوقع أن العلاج يمكن أن يتم بين عشية وضحاها ونحن لا نملك عصاً سحرية تكفينا منها هزة واحدة لتنقلب معها حالنا وتنحل جميع مشاكلنا، إنها في نظري ذات جوانب متعددة وفروع كثيرة تتشاكل فيها وتنصهر فيما بينها جميع المؤسسات الاجتماعية مع بعضها البعض وتتظافر كلها خطوة بخطوة في انتشال ذلك المرض المجتمعي السائد. فالأسرة ودورها في التنشأة وما يمكن أن يمارسه الوالدان في منزلهما ومع أبنائهما، والمدرسة وما يفعله المعلمون مع تلاميذهم والمسجد وما يقوم به الإمام والمؤذن وجماعة المصلين مع بعضهم البعض والإعلام بأشكالها المتنوعة مع جمهورها ومؤسسات الضبط الأمني مع الأفراد الخارجين عن سلك الجماعة. كل هذه المؤسسات الاجتماعية يجب أن تعمل معاً بحيث لا يكون البعض منها يبني والآخر يهدم.
الأمر الآخر هو الالتفات بجدية للأفراد الناشئة في هذا المجتمع إذ هو يشكل أغلبية الأفراد في هذا المجتمع وهم الرقم الصعب الذي يستحق المراهنة عليه. الكبار قد تشكلت طباعهم والجهد معهم قد لا يؤتي من الثمار كما لو كان ذلك الجهد موجهاً ومبذولاً مع الصغار والناشئة.(19/434)
لنعمق لديهم قيمة العمل والوقت، لم لا يكون رمضان وسيلة يمكن استغلالها على تدريبهم على العمل واحترامهم للوقت وفتح الفرص أمامهم خاصة أثناء الليل وبعد التراويح. الملاحظ أن المناشط جميعها منصبة على الرياضة والرياضة فقط ولا شيء آخر حتى لدى الصالحين أنفسهم فالرياضة والمناشط الرياضية هي طابع برامجهم جميعها. إنني موقن أننا كمجتمع لواستطعنا أن نغرس في أبنائنا حب العمل حتى ولو كان ذلك بالأجر وبالساعة وفي أماكن عامة لأصبحت لدينا مفاهيم محترمة تنقل ذلك الشاب من مضيعة الوقت والتسكع في الشوارع إلى محلات البيع ودكاكين الأسواق. إن غرس حب العمل واحترامه والقائمين به يجب أن لا يكون مقصوراً على فئة معينة في المجتمع دون غيرها كالفئة المحتاجة مثلاً لا بل هي أمينة نتمنى أن تكون مغروسة عند الجميع، والشاب يعمل حينئذ ليس لأنه محتاج إلى المال بل لأنه يريد أن يعمل ولا يكون كلاً على والديه يسألهما المال ليلاً ونهاراً فيصرفها بالباطل واللهو ثم ما يلبث أن ينتهي دوره بعد ذلك ليصبح جيفة هامدة يغط في سبات عميق في مأواه في نهار رمضان بعد أن أخذ اللهو واللعب من جسمه كل مأخذ.
إنها كما قلت هموم ما لبث قدوم هذا الشهر الكريم أن نبشها وقد كانت خامدة ليعطي لنا صورة واضحة من صور تخلفنا وذلتنا على الناس أجمعين ثم بعد ذلك نتساءل من أين لنا هذا الذي نحن فيه؟(19/435)
هل لي من توبة؟
المجيب سليمان بن سعد الخضير
مشرف مناهج بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 13/11/1424هـ
السؤال
أنا شاب متزوج، وأحسب نفسي كنت مستقيماً، ولكن للأسف زنيت قبل عدة أشهر ولم أحس بالندم إلا قبل عدة أيام، فحاولت أن أتوب توبة نصوحاً من تلك الفاحشة، ولكني واقع فيما هو دونها.... في مشاهدة الأفلام الإباحية، وكلما حاولت الإقلاع عدت، ولهذا السبب أحس بأن الله لم يقبل توبتي، وحتى إن استغفرت لن يغفر لي، وأظنني وصلت مرحلة القنوط، أدركوني قبل أن أهلك، أدعو بالدعاء وأنا في قرارة نفسي أحسه مردوداً علي، ومن ثم بدأت أفكر بقول الشافعي وهو أن الزنا دين، وأن من يزن يزن بأهله. فما هو ذنبها (الزوجة) ؟ إن كانت صالحة أن تؤخذ بجريرة زوجها، هل يقبل الله توبتي ويستجيب دعوتي وإن كنت عاصيا؟.وما هي علامات قبول التوبة؟.
ولقد دعوت الله أن يرزقني ذرية صالحة خلال شهر رمضان وقبله أيضاً، ولكن لم تحمل زوجتي، فانهارت معنوياتي، وأحسب بأن الله لم يقبل صيامي ولا دعائي ولا أي شيء مني غضباً منه علي، أغيثوني أدركوني أريد أن أعود صالحاً كما كنت أو أفضل، أريد أن أعود وأحب عمل الصالحات بدلاً من تثاقلها. أفتوني مأجورين.
الجواب
ربما وجدت من يبدأ جوابه معك بفتح باب الرجاء لك، وسعة مغفرة الله للمذنبين، ويسوق أحاديث التوبة وآياتها، وهي أمور تدعو الحاجة إليها، ومع ذلك فالأنفع أن نؤخرها قليلاً؛ لأنك إذا كنت ترى أن المشكلة متركزة في أمر واحد، وهو وقوعك في «الزنا» وما ترتب عليه من مخاوف على نفسك وأهلك؛ فإن المشكلة في تقديري تتمثل في شخصك قبل أي شيء آخر.
يغلب على ظني أنك تعيش نوعًا من التطرف مع نفسك، ولونًا من التقلب الذي لا يحسن بالرجل السويّ أن يسلكه:
فبعد أن كنت مستقيمًا ـ حسب وصفك ـ وقعت في «الزنا» ! وبعد أن لم تكن مباليًا بوقوعك في كبيرة «الزنا» أصبحت أسيرًا للخوف المنهك منها!
وبعد أن زهدت في إعفاف زوجتك لك، أصبحت تعيش تحت وطأة الخوف عليها!
لا يسعني التقليل من شأن وقوعك في جريمة «الزنا» ؛ لأنك خائف تستغيث وتستنجد، وبخاصة أنك محصن (متزوج) فأي شيء بحثت عنه في غير زوجك التي أحلها الله لك؟!
إن الخوف الذي هجم عليك له ما يسوغه، وهي علامة صحة، ونرجو أن تكون سببًا في التوبة وفي قبولها، لكن قدر الخوف الذي وصفته هو زيادة من الشيطان، فإذا أردت السلامة من المبالغة في الخوف فاستعذ بالله من الشيطان أولاً.
وعلامة الخوف الذي يحبه الله هو الخوف الذي يقربك إليه، ويوقظك لفعل الطاعة والإقلاع عن المعصية، فإذا تسلل إلى نفسك خوف يقنطك في رحمة الله وفي قبول الله لتوبتك فاعلم أنه وارد من الشيطان، رأى تعبدك لله بالخوف منه، وتوقع إقلاعك عن الذنب فأراد أن يوقعك في ذنبٍ أشد من ذنبك الأول، وهي كبيرة القنوط من رحمة الله.(19/436)
ومع يقيني أن هذا القدر من الخوف الذي غشيك إنما هو من الشيطان، فإن ذلك لا يمنع أن يكون عقوبة عجّلها الله لك، تتناسب بوجه ما مع اللذة التي غمرتك أثناء مواقعة الفاحشة، «والجزاء من جنس العمل» ونرجو أن تكون كفارة، فإن ما يصيب القلبَ من الهمّ والحزن والخوف والقلق هي عقوبات بما كسبت أيدي الناس، قال الله - تعالى -: "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" [النساء:79] ومع ذلك فإن من كرم الله وفضله علينا أن الله يكفر بها عمن يشاء من عباده إذا هم احتسبوا وصبروا. مصداق ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه عند البخاري (5642) ، ومسلم (2573) ، ومن حديث أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما -.
ولا أدري ما الذي أشعرك بأن الله لم يقبل توبتك؟!.
إن معاودتك لمشاهدة الصور الإباحية دليل على أن خوفك لم يكن صادقًا بما فيه الكفاية، لكنه ليس دليلاً على عدم قبول التوبة مطلقاً، كما يؤكد استمرارك في المشاهدة أنك تشكو من ضعف في نفسك التي تتغلب عليك، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه. عند البخاري (6114) ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فالقوي في المنظور الشرعي وعلم النفس الحديث، هو الذي يقوى نفسه ويديرها لا أن تديره وتوجهه إلى ما فيه هلاكه، وليس ذلك خاصاً بالغضب الذي مثّل به النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل يقوى نفسه حتى عند الشهوة، فإنهما (الغضب والشهوة) مغروزان في الإنسان لكن الشيطان يستغلهما للانحراف بالإنسان، من خلال الإفراط (وهو الأكثر) والتفريط.
إن معرفتك خطأ فعلك وشعورك بالندم عليه وإعلان توبتك هي علامات لصحة الاتجاه الذي سلكته مع نفسك إلى الله، لكن ذلك لا يكفي، فعليك مجاهدة نفسك أولاً وقبل كل شيء، بأن تقطع الأسباب التي دفعتك (أو جذبتك للفاحشة) وهي مداومة النظر للصور المحرمة، ويغلب على ظني أن الفعلة التي وقعت فيها لم تكن عن لذة تبحث عنها بقدر ما هي شهوة تسببت في استثارتها، فأردت أن تطفئها فازدادت اشتعالاً.
وربما كان أول العقوبة التي يقع فيها من يشاهد الأفلام الإباحية هي عدم شعوره باللذة مع زوجته التي أحلها الله له، وذلك أن تلك المشاهدات نقلت اللذة الطبيعية التي يجدها الإنسان في القرب من أهله وغشيانهم إلى لذة وهمية لا يجدها إلا من طريق عينيه، بما تتضمنه وسائل العرض الإجرامية من محاولات استثارة غير حقيقية لا يمكن أن يجدها الإنسان في الواقع، ولذلك ربما أتعب بعض الذين يشاهدون زوجاتهم بحركات قد لا يحسنّها؛ طمعاً منهم أن يجدوا هيجان الشهوة التي تغمرهم أثناء المشاهدة، وهذه والله عقوبة.
وإذا كنت تشعر بشفقة على زوجتك أن يصيبها مكروه (أعيذها بالله من ذلك) ، فإن الشفقة على زوجات من يشاهدون الأفلام ويجبرونهن بمحاكاة البغايا والمومسات في اللباس والحركات والموضات والجماع لا تقل عن ذلك.(19/437)
إن التوفيق في مجاهدة نفسك عن مشاهدة الأفلام لا تتبين من أولى المحاولات، فإن الرجل يكون قد فتل على نفسه حبلاً من الفولاذ من خلال التكرار والمداومة، وعليه أن يحاول قطعه بتكرار الإقلاع والمجاهدة على عفة النظر؛ والله قادر على أن يسلب منك التعلق بالأفلام في أقل من لحظة، ولكن ليستبين صحة نيتك وصدق عزيمتك، فلو كان المرء يبلغ المعالي بمجرد الأماني لكان أوفر الناس حظًا أكثرهم خيالاً.
ومن يحفظ بصره عن الحرام فليترقب أوفر الخير من الله تعالى، قال - صلى الله عليه وسلم -: «النظرة سهم من سهام إبليس، مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه - عز وجل - إيماناً يجد حلاوته في قلبه" حديث حسن رواه الحاكم (7875) من حديث حذيفة - رضي الله عنه - وقد أعقب الله - تعالى - آيات غض البصر المذكورة في سورة النور بقوله تعالى:"الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ... " [النور:35] ، قال أبي بن كعب: «مثل نوره في قلب عبده المؤمن» . فوازن بين لذة عابرة ولذة إيمان بها صلاح الدنيا والآخرة. وتذكر أن الاستقامة النموذجية، - وهي ما تسمى بالإمامة في الدين - تحصل بالصبر واليقين، فالصبر دواء الشهوات، واليقين دواء الشبهات، قال الله - تعالى -: "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون" [السجدة:24] .
وتذكر أن الصالحين لم يصلحوا لكونهم لا شهوة لهم، ولكنهم وضعوها في الحلال، أو صبروا عن الحرام فعليك أن تكثر من الاستغفار فإنه من أشد ما يكره الشيطان، جاء في الأثر عن الشيطان قوله: «أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بالاستغفار» رواه ابن أبي عاصم في السنة (1/9) ، وهو يجلو القلوب بإذن الله، وداوم على قراءة القرآن، فإنه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين. واستعذ بالله من الشيطان؛ فإنه سبب نظرك ووقوعك في المحرم وإتلاف قلبك بالخوف، قال الله - تعالى -: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" [الأعراف:200] أنصحك أن تطالع في أحاديث التوبة، كتاب «رياض الصالحين» مثلاً، واستشعر أنها أحاديث لا تدعو لمعاودة المعصية، بقدر ما هي مبشّرة للتائبين الصادقين.
ولا تستعجل فضل الله بتأخر الإنجاب؛ "فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا" [النساء: 19] والدعاء مع بذل الأسباب الشرعية والطبيعية هو سلوك المؤمنين، ولا تقلق على زوجتك أن يصيبها مكروه (حماها الله) ما صدقت توبتك وصحت عزيمتك.(19/438)
من الممكن أن تكون الإجابة مختلفة لو كنت لم تصف نفسك بالتدين في وقت سابق، فما عساي أقول لشخص عرف الحق وسلكه، وهذا يدعو للتنبيه إلى أن الثبات على طريق الحق مضمون، - بإذن الله -، للذي «ذاق طعم الإيمان» و «وجد طعم الإيمان» وأسباب ذلك نجدها في حديث: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" رواه البخاري (16) ومسلم (43) من حديث أنس - رضي الله عنه -، وهو الوصف الذي ذكره هرقل في حديث أبي سفيان بعدما سأله عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه؟ " فقال لا، قال هرقل: «وكذلك الإيمان حيث تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد" رواه البخاري (51) ومسلم (1773) من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أسأل الله أن يرزقك عفة النفس، ويقنعك بأهلك، ويجعلهم لك قرة عين، وأن يلهمك رشدك، ويقيك شر نفسك، ويعيذك من شر الشيطان وشركه، ويجعلنا وإياك من عباده الصالحين الأوابين.(19/439)
التزم ويريد العودة للمعاصي!
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 07/10/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب التزمت على يد بعض الإخوان قبل حوالي سنتين ونصف، مشكلتي أنني أفكر الآن جدياً في العودة إلى حالي السابق، وذلك لعدة أسباب:
(1) شوقي الكبير للعودة إلى ما كنت عليه.
(2) استيائي الكبير من وضع الشباب الملتزم الذي يقوم على التفرقة بينهم بالمسميات وادعاء كل فرقة أنها الأفضل وأنها على الحق، ونعتها للفرق الأخرى بأنها بعيدة عن الصواب.
(3) قبل التزامي كان لي قصة حب مع فتاة، وأنا أشتاق لهذه الفتاة بشكل كبير، فأنا أفكر فيها ليل نهار وأحلم بها أثناء نومي.
(4) تعلقي الشديد قبل الالتزام بالأغاني، حيث كنت مولعاً بالطرب.
أنا الآن مظهري مظهر الشباب الملتزم الملتحي قصير الثوب، ولكني أتمنى لو أنني لم أعف لحيتي؛ كي يسهل علي أمر العودة إلى ما كنت عليه.
حالي الآن:
(1) متهاون بالصلاة بشكل كبير، وإذا فاتني فرض لا أقضيه، وأتعمد ترك الصلاة غالباً.
(2) أستمع للأغاني كلما وجدت فرصة لذلك.
(3) أختلس النظرات لكل ما تقع عليه عيني من صور نساء وما شابه.
في الختام ... أحتاج إلى توجيه من قلب صادق. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إلى الأخ الفاضل: ثبته الله وألهمه رشده ووقاه شر نفسه والشيطان-.
جميل إحساسك بخطر ما أنت مقدم عليه، وهذا دليل إحساسك بأنك على وشك فقدان شيء عزيز ومهم وضروري، وهو الثبات على الإيمان.
إن مما يعينك أخي على الاستمرار في طريق الهداية والعلاج والاستقامة أن تتذكر أن الموت قريب، وقد يفاجئك في أي وقت، فها هو يتخطف شباباً من حولك بحوادث السيارات وغيرها، بعضهم مات على نغمات الأغاني الفاجرة يرددها بدلاً من قول: (لا إله إلا الله) ، وآخر بعد أن ترك طريق الصلاح مات مدمناً للمخدرات، وثالث أكرمك الله مات وهو يهم بالزنا من إحدى الفاجرات، فهل تأمن أن تكون موتتك مثلهم إن أنت انقلبت على عقبيك وهجرت الطاعة إلى المعصية، أعيذك بالله من ذلك.
تذكر أخي أن الجنة حفَّت بالمكاره أي بما يشق على النفوس وتكرهه، ولا يصل إلى الجنة إلا من صبر على تلك المكاره، أما النار فطريقها محفوف بالشهوات، ولذا فكر جيداً أي الطريقين تحب أن تسلك؟!.
وفكر جيداً بما تحب أن تلقى الله به، وبما يختم لك به، هل تحب أن تموت صالحاً مستغفراً من ذنبك؟ أم مضيعاً للصلوات متبعاً للشهوات؟.
قال تعالى:"فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً"
[مريم:59-60] ، لا شك أن ما تعانيه من رغبة في العودة إلى المعصية داء قلبي ولكل داء دواء، كما قال ذلك الصادق المصدوق نبينا محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام، ومن الأدوية التي أقترحها عليك:(19/440)
(1) الإقبال على سماع الأشرطة الوعظية المؤثرة ومنها: شريط: (الجنة والنار) للمورعي، شريط: (الأماني والمنون) ، إبراهيم الدويش، أشرطة د. خالد الجبير، أشرطة عبد المحسن الأحمد، شريط: (الرحيل) د. سعد البريك، شريط: (وإذا الجنة أزلفت) لمحمد المحيسني، وقبل ذلك الاستماع لبعض التلاوات القرآنية المؤثرة لكل من القراء: محمد المحيسني - عادل الكلباني - عبد العزيز الأحمد وغيرهم.
(2) القراءة في الكتب التي تذكرك بعظمة الله وقدرته وبديع صنعه في خلقه مثل: كتاب النملة تسبح الله، كتاب غريزة أم تقدير إلهي لشوقي أبو خليل، كتاب التوحيد عبد المجيد الزنداني.
(3) حضور المحاضرات الوعظية التي يلقيها الشيخ (الرسي) ؛ لما فيها من تذكر وترقيق للقلوب.
(4) أخي الفاضل: لو جاءك أحد الكفار وعرض عليك أن تذهب معه إلى بلاده ووعدك بأن يتيح لك كلما تشتهيه من المعاصي من الزنا وشرب الخمر، ومشاهدة الأفلام الإباحية، وأن يترك لك حرية تامة، ويوفر لك كل ما تريد مدة شهرين، ثم يعاقبك بقية عمرك ويسجنك ويعذبك بأنواع العذاب هل تقبل هذا العرض؟.
لا شك أنك سترفض إذا كان عقلك غالباً لشهوتك، إذاً كيف ترضى بأن تتمتع شهرين ثم يعاقبك بقية عمرك، فلتعلم أخي أن الشيطان قد قدم لك هذا العرض حيث أوهمك بالسعادة في معصية الله في عمرك القصير الفاني، لأجل أن تتعذَّب معه في النار أحقاباً طويلة، إذا مت على ترك للصلاة واقتراف الكبائر ولم تتب إلى الله فالأسباب التي ذكرتها ليست مسوغة لانتكاستك وتركك طاعة ربك وتفريطك في صلاتك.
فأنت لم تعذب ولم تؤذ لترك دينك، ألم تقرأ قصة بلال وعمار وخباب وسمية وغيرهم من الأصحاب الكرام - رضي الله عنهم جميعاً-؟! ألا تعلم أنه يوجد في بعض الدول الكافرة شباب صالحون سجنوا وعذبوا ليتركوا الصلاة والالتزام بالدين، ومع ذلك صبروا على العذاب في ذات الله؟ قارن بين حالك وحالهم واحمد الله على العافية، فكر إذا هممت في سلوك طريق المعصية في احتمال حصول حادث سير لك يسبب لك شللاً كما حصل لبعض من الناس، ما شعورك وأنت عاجز عن إبعاد ذبابة عن عينك وعن كل ما تشتهي من المحرمات؟ كيف سيكون ألمك وبؤسك؟.
حبذا لو زرت مركز النقاهة الذي فيه هذا النوع من المصابين بالشلل بعد الحوادث؛ لتدرك عظيم نعمة الله عليك وتشمر في طاعته ومرضاته وشكره.
تذكر قصة ذلك المؤذن الذي ارتد عن الإسلام لأجل فتاة نصرانية تعلق قلبه بها ولم توافق على زواجه بها إلا أن يتنصر، فلما أعلن ردته مات بعد أيام وقبل أن يدخل بها؟!!.
تعلقك بالفتاة الذي ذكرته في سؤالك له حل شرعي، وهو أن تسعى جاداً في الزواج بها فاخطبها، واسع لتحصيل المهر وثق بعون الله، والمحسنون لن يقصروا - بإذن الله- في مساعدتك إن كنت محتاجاً، فإذا عقدت عليها فهي زوجتك شرعاً، فيمكنك محادثتها ثم الخلوة بها، ولو قبل إقامة حفل الزواج والاستقرار في منزل الزوجية، ولكن ينبغي أن لا تستمتع بها إلا بعد الدخول.(19/441)
بالنسبة للأغاني ورؤية النساء والأفلام فهي لا شك معصية، ولكن ليست كمعصية ترك الصلاة، فلا تربط بين الصغيرة والكبيرة، ولا يتلاعب بك الشيطان فتكفر بترك الصلاة لأجل هذه المعاصي، فإن غلبتك نفسك والشيطان على الأغاني والنظر المحرم فاستغفر لله وتب إليه، واعلم أن الوضوء والصلاة والحسنات تكفر الصغائر.
أخي الفاضل: إن العمر قصير مهما طال، لأن ما بعد البعث والجنة والنار خلود لا موت فيه فكيف ترضى بمتابعة الشيطان في متعة شهوة قصيرة تورث عذاباً طويلاً؟!.
أخي في الله: لا تظن أن المعصية طريق سعادة بل طريق ضنك وشقاء، قال تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً" [طه: من الآية124] ، وخبر الله صادق ووعده حق.
وها أنت ترى العصاة والمعرضين يرتادون العيادات النفسية ويقدمون على الانتحار، والصالحون يسعدون بطاعة ربهم ويحيون الحياة الطيبة التي وعدها الله، ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، أسأل الله لي ولك الثبات، وصلى الله على نبينا محمد.(19/442)
اهتديت فناصبوني العداوة!
المجيب فهد بن محمد بن إبراهيم اليابس
مستشار أسري بمشروع ابن باز بالرياض
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 23/09/1426هـ
السؤال
لدي إخوة لا يلتزمون بالدين، فهم يأكلون لحم الخنزير واللحوم الأخرى التي لا تحل، ويدخنون ويشربون الخمور، ويتجرأون بالحكم على القرآن وعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعندما ناقشتهم في ذلك جعلوا يذمون التغيير الذي حصل في نمط حياتي منذ اليوم الذي التزمت فيه، وصاروا يشتمونني ويعبِّرونني ويلمزونني، وهذا يحزنني كثيراً. ولقد استمر هذا الوضع لأكثر من أربع سنوات. أرشدوني ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الكريم: أسأل الله لي ولك الثبات على دينه حتى نلقاه، وما حصل لك يحصل للآلاف غيرك ممن وفقهم الله للهداية في مجتمعات لا تعرف النور والهداية، فهذه نعمة عظيمة أنعم الله بها عليك، فله الحمد والشكر على ذلك، ولعلك في مثل هذه الحالة تكون ممن ينطبق عليهم حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- "القابض على دينه كالقابض على جمر" لكنني أوصيك بعدة وصايا، أهمها:
أولاً: أن تكثر من الدعاء بالثبات؛ فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغم أنه نبي لا يفتر لسانه في السجود أن يقول: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك.
ثانياً: أن تبحث عن الصالحين الذين يعينونك على العيش في الزمن الصعب، وتصبح معهم وبهم أصحاب هم واحد، فيسلي كل منكم صاحبه، وتصبرون على مرارة الحياة حتى تلقوا ربكم.
ثالثاً: أوصيك بزيادة التواصل مع العلوم الشرعية، مثل تفسير القرآن الكريم وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فهما سبيل النجاة والفلاح، وبهما يجد المرء الطمأنينة في قلبه وروحه.
رابعاً: أكثر من مطالعة قصص الأنبياء، لأن الله -جل وعلا- ذكر قصصهم تسلية لعباده المؤمنين، وتصبيراً لهم على ما يواجههم من أذى، وأن هذا الطريق لا بد فيه من الصبر، ولكن النصر مع الصبر بإذن الله.
خامساً: أوصيك بمطالعة قصص الصحابة، وخاصة المهاجرين منهم، والذين كانوا في صدر الإسلام، أي في السنوات الأولى من بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها ستعرف الكثير من قصص الصحابة الذين لم يصل لنا الدين إلا بصبرهم وقوة إيمانهم.
سادساً: تواصل مع أقربائك وزملائك بالشكل الذي لا يحدث معه نقص في دينك، وإذا كان في مجلس من المجالس منكر ظاهر أو سخرية بدين الله -عز وجل- فلا تجلس في ذلك المجلس، وانتقل منه لغيره.
سابعاً: اشتغل بالهوايات والأعمال المفيدة التي تزيد بها معارفك وعلومك وتكمّل بها شخصيتك، وتبتعد بها عن الفراغ الذي هو طريق لكثير من الشرور، وخير ما تقضي به الأوقات طلب العلم وطلب الرزق.
أسأل الله -عز وجل- لي ولك الثبات على دينه، وأن يوفقني وإياك لكل خير، والله يحفظك.(19/443)
أخاف أن أعود إلى الفاحشة
المجيب عبد الله بن عبد العزيز الدريس
مدير إدارة التوعية والتوجيه بجهاز الإرشاد بالحرس الوطني
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 28/10/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا والحمد لله التزمت من فترة قصيرة ربما 4شهور تعلمت فيها الشيء الكثير، ولكني بعد هذه الفترة بدأت نفسي تميل إلى العصيان، ولكني تحملت وصبرت، وعندما انفجر زمام الصبر عندي رجعت إلى ما كنت عليه وحسبي الله ونعم الوكيل رجعت إلى نكاح اليد والعياذ بالله، وفي كل مرة نكحت فيها يدي أتوب إلى الله وأصلي ركعتين كما أمرنا الحبيب عليه الصلاة والسلام، ثم بدأت نفسي تأمرني بفعل أكبر من هذا وهي أن أنظر إلى المحرم، وفعلا فعلت ما أمرت به نفسي دون أي مقاومة ثم تبت إلى الله وصليت ركعتين، ثم والعياذ بالله فعلت الطامة الكبرى ألا وهي جريمة اللواط، ولكن فعلتها دون شخص آخر وبصورة واضحة أدخلت جسم في الدبر ثم صليت ركعتين مع الندم والخشية من عقاب الله، والآن بعد ما فعلت أريد أن يقام علي حد اللواط (الرجم) ، أنا لم أقنط من رحمة ربي ولا أفكر بالانتحار وليس بي مرض نفسي، ولكني أخشى أن أعود مرة أخرى إلى اللواط، ولكن مع شخص آخر وربي جل في علاه يمهل ولا يهمل ربما هذه المرة أمهلني ولكن ربما في المرة القادمة يتوفاني ربي ثم لا أجد لي منقذ ينقذني من بأس الله، أنا وبصراحة شديدة مستعد أن أجود بنفسي لله، أريد أن يقام علي عقوبة التعزير بالرجم أو أي شيء آخر مثل الرجم، ومستعد أن أفضح أمام الملأ لأني إن لم أفضح في هذه الحياة الدنيا فسوف أفضح في الآخرة، وأرجو من الله العفو والسماح على ما فعلت وأنا وبحق مصمم على ما قلت. والصلاة والسلام على رسول الله. لي مواضيع في منتدى في الإنترنت فيها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، هل أطلب حذفها خوفا أن أُعذب لأني آمر الناس بالمعروف ولا آتيه؟.
الجواب
أحمد الله - تعالى - الذي منَّ عليك بالهداية، وأسأله سبحانه أن يثبتك على طاعته.
في البداية أود أن أنبهك أخي الكريم إلى بعض القضايا المهمة:
الأولى: أن المسلم مطالب بالتوبة كلما وقع في الذنب، ومهما تكرر منه الذنب وهو يتوب بعده مباشرة توبة صادقة فهو على خير إن شاء الله، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه - عز وجل - قال: "أذنب عبدٌ ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: عبدي أذنب ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى - أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك" رواه البخاري (7507) ومسلم (2758) واللفظ له.
قال النووي - رحمه الله- في معنى الحديث: قوله - عز وجل - للذي تكرر ذنبه: "اعمل ما شئت، فقد غفرت لك" معناه: ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك.(19/444)
الثانية: أنه ليس من شروط التوبة أن يقيم المسلم الحد على نفسه إذا ارتكب ما يوجبه، أو أن يعترف بذنبه أمام غيره أو أن يفضح نفسه، كلا، بل هذا من الجهل، فإن المذنب - وإن ارتكب ما يوجب الحد- إذا تاب توبة صادقة فإن الله - عز وجل - يتوب عليه وإن لم يقم عليه الحد، وإن لم يدر بمعصيته مخلوق، وقد حدث في عهد النبوة ما يدل على ذلك ففي الصحيح أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له إني زنيت فأعرض عنه فقال إني زنيت كررها أربع مرات والرسول - صلى الله عليه وسلم- يعرض عنه، ثم لقنه النبي - صلى الله عليه وسلم- ما يسقط عنه الحد، فسأله أبك جنون، هل أحصنت هل شربت الخمر، لعلك قبلت، لعلك غمزت، ثم لما لم يجد له مخرجاً أمر به ليرجم، فلما أوجعته الحجارة هرب فأدركه الصحابة - رضي الله عنهم- فرجموه، فلما علم النبي - صلى الله عليه وسلم- بذلك قال لهم: "هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه" انظر ما رواه البخاري (6826) ، ومسلم (1691) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفي مسلم (1695) من حديث بريدة - رضي الله عنه - أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال إني زنيت فطهرني، ثم لما أعرض عنها قالت: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً والله إني لحبلى من الزنى، فأمرها أن تأتيه بعد أن تضع وليدها، ثم لما وضعته ردها وأمرها أن تأتيه بعد أن تفطمه، ومع هذه المدة الطويلة لم يضع عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حارساً لكي لا تهرب!! ومن هاتين القصتين يتبين لك ما ذكرت أن المسلم وإن أصاب ما يوجب الحد فإن تاب تاب الله عليه وإن لم يقم عليه.
ثالثاً: ما فعلته أنت بنفسك لا يعد لواطاً؛ إذ اللواط إتيان ذكر لذكر، وهذا لم يحدث معك فلا يكون له حكم اللواط ولا يحد فاعله حد اللواط، وإن كان فعلك في حقيقته قبيحاً، وهو سبيل لأن تعتاد على مثل هذا الفعل، فيقودك لما هو أعظم في حياتك.
رابعاً: لا أعلم نصاً صحيحاً يسمى العادة السرية نكاح اليد، وقد تداول الناس أثراً في ذلك لكنه لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وقد اختلف أهل العلم في حكمها ما بين محرم ومن يرى الكراهة ومبيح، ولكنهم متفقون على أنها ليست من كبائر الذنوب، ولا يجوز أبداً أن تكون هذه العادة مقعدة للمسلم عن أن يستمر في طريق الاستقامة والصلاح.
قدمت بهذه المقدمة لكي أثبت لك وللقراء الكرام أن كثيراً من المفاهيم التي تحجب الناس عن طريق الاستقامة هي مفاهيم مغلوطة ليس لها من الشرع ما يسندها، وإنما هي أخطاء ينفخ فيها الشيطان لتكبر في نفس المسلم وتجعله يقنط من رحمة ربه، أو يستحقر نفسه أو لا يصاحب الأخيار ويمضي في طريق الهداية.
وبعد أخي الكريم: لا أحتاج إلى الإسهاب في الحديث عن التوبة وفضلها وعلو منزلة التائبين عند الله، فأنت قلت عن نفسك التزمت فترة قصيرة..، وهذا معناه أنك علمت ما تعنيه التوبة، ثم إنك كلما قصرت عدت وتبت، وفي كلامك من التحرق للتوبة الشيء الكثير، لذلك سأتجاوز هذه القضية لأقدم لك النصائح التالية:(19/445)
(1) حتى تنجح في بعدك عن المعصية لا بد أن تبتعد عن كل ما يذكرك بها، سواء كانوا أصدقاء، أم كان جهازاً، وغير ذلك، فأنت لا زلت في بداية الطريق لم يصلب عودك بعد، وهذه نقطة مهمة احرص على تنفيذها بدقة.
(2) وبما أنك لا زلت في بداية الطريق فلا بد لك من رفقاء أخيار يعينونك على الخير ويدلونك على أبوابه، ولا غنى لأي إنسان عن ذلك فهي فطرة في بني آدم، وقد وصى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" [الكهف:28] ، فابحث عنهم واصبر نفسك معهم.
(3) نَمِّ الجوانب المشرقة في حياتك، ففي سؤالك ذكرت أنك تكتب موضوعات فيها أمر بمعروف ونهي عن منكر، فإن هذا من سبل تقوية الإيمان في قلبك، ولا تطلب حذفها فإنك على خير بلا شك.
(4) أكثر من الدعاء وبالذات في الأوقات الفاضلة مثل آخر الليل وبين الأذان والإقامة فحري بأن يفتح الله بابه لك، وأن يقبل توبتك ويعصمك من الشيطان. دعائي لك بالتوفيق والثبات.(19/446)
معاناتي مع صلاة الفجر
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 27/8/1422هـ
السؤال
مشكلتي أنني لا أقوم لصلاة الفجر إلا بعد شروق الشمس , فماذا أفعل علماً بأنني أضع منبهاً للصلاة ولكن من غير فائدة , ويقع ذلك دائماً؟
الجواب
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،،
مدخل: إذا اهتم الإنسان بشيء فإنه يضحّي من أجله، فأنا أسألك صادقاً , وأريد منك الإجابة بكل صدق بينك وبين نفسك.. كم تبلغ درجة الصلاة في نفسك؟؟
ومن خلال إجابتك تحدد أنت مدى قيامك في صلاة الفجر ولا تنتظر مني أن أمنحك فتوى تحل لك أن تصليها متى ما قمت؛ لأني متأكد أن لو كان لديك موعد هام عليه يتحدد مصير حياتك فإنك تستيقظ له مرات قبل موعده، فما بالك بعمل تتحدد عليه نجاتك وقبول سائر عملك.
كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته....إلخ " الحديث.
وأظن أنك لست بحاجة إلى أن أخبرك بسواعد تعين على الاستيقاظ ولكن لا يمنع من ذكر بعضها:
1- النوم باكراً.
2- النوم على نية الاستيقاظ لها بوقتها.
3- النوم على طهارة.
4- عدم الإكثار من الأكل.
5- عدم النظر إلى ملهيات الذهن التي تشغل الغريزة.
6- عدم اقتراف شيء من المعاصي حال اليقظة.
7- كثرة الذكر لله، مع الالتجاء إليه بطلب الإعانة.
8- اطلب من أحد يهاتفك مع الأذان.
وأخيراً أنت حكم نفسك.. فضعها كما تحب واعلم أنه لا نجاه لأحد إلا بإقامة هذه الصلاة متكاملة بأوقاتها التي فرضت من الله - سبحانه وتعالى -:" إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا" ولاحظ كلمة المؤمنين , أي أن من يؤديها في وقتها تشمله هذه الصفة. والله أعلم، أعانك الله.(19/447)
إخوتي منحرفون
المجيب د. صالح بن حسن المبعوث
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 2/1/1424هـ
السؤال
لي سؤال يتعلق باثنين من إخواني، أولهما شخص متزوج وعنده أولاد، ولكنه يتحدث مع فتاة أخرى بالسر عن طريق الإنترنت، وكل هذا يحصل بمنزلي وأمام عيني ولا أعلم ماذا أفعل؟ وهو أكبر مني، والآخر أصغر مني وقلبه متعلق بالمعاصي، وهو لا يصلي مع محاولاتي الكثيرة التي باءت بالفشل لهدايته، ولديه علاقة مع فتاة أجنبية فماذا أفعل؟ وكيف أهديه إلى صراط الله المستقيم؟
مع العلم أنني حاولت معه كثيراً.
الجواب
الأخت الكريمة ...
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع "الإسلام اليوم"
ما يتعلق بأخيك الأول: الذي هو متزوج وله علاقة بفتاة أخرى بالسر عن طريق الإنترنت وتعلمين أنت بذلك ... إلخ، فالواجب عليك نحوه أن تخلصي له في النصيحة فإنها من الدين الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" وأخوك هذا من عامة المسلمين وأقربهم إليك، فتبينين له أن ما يقوم به من عمل هو خيانة لزوجته، وأنه قد يؤدي به إلى الوقوع في المحظور وهو الزنا فإن العينين تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما السماع، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، وتخبريه أنه مسؤول أمام الله عما يقوله ويكتبه ويرسله، قال تعالى:"ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" وقال تعالى:"إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً" فانصحي أخاك أن يتوب إلى الله قبل أن يوافيه الأجل أو يقع في الحرام، وعندئذ لا تنفع الندامة ولا التوبة.
وعليك إذا كنت لست بحاجة إلى الإنترنت الاستغناء عنه طالما أنه يجلب عليك مفاسد، أو تقيديه باستعمالك أنت فقط أو تحت رقابتك فإن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
وبالنسبة لأخيك الآخر:
فلا تيأسي من هدايته وادعي الله أن يهديه، واعملي على هدايته بخطوات دعوية مرتبة الأهم فالأهم فيمكنك دعوته من خلال ما يحبه من الأصدقاء والأقرباء والمحبوبات من الكفاءات ونحوها فتستثمرينها في دعوته للإقلاع عن الذنوب والمعاصي والإقبال على الطاعات والصلوات وتحببيه في الأعمال الصالحة وجعلها سبباً أمامه في تفريج كرباته وذهاب همه وغمه، وذلك بإهدائه الكتب النافعة والأشرطة المؤثرة، والبحث عن أصدقاء صالحين يسير معهم والتقرب إليه بالهدايا وكل ما يحببه فيك فإن المحب لمن يحب مطيع، وتحذيره من مغبة الذهاب إلى النساء الأجانب وتبيني حرمة ذلك وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وأن الرجل إذا خلى بامرأة أجنبية كان الشيطان ثالثهما، وأن ذلك مدعاة للوقوع في الزنا والشبهات والمحرمات، وقد لا يفيق ذلك الشاب إلا وهو ميت لدى تلك الفتاة وتحببيه في التوبة والإنابة، وأن الله مع أنه شديد العقاب غفور رحيم يقبل التوبة من عباده وتذكيره بتفسير قوله تعالى:"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم".
كما تذكريه بخطورة تركه للصلاة وأن من تركها عامداً متعمداً يؤدي به إلى الكفر الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
وإذا رأيتِ منه إصراراً على ترك الصلاة، وانغماساً في الرذيلة فاحذري هذا الأخ، وابتعدي عنه وأنصحك بعدم مساكنته لأنه لا يؤمن جانبه طالما أنه مضيع لحقوق الله وأهمها الصلاة ويخشى عليك أن يفتنك وربما جلب لك ما يسوؤك.
أسأل الله تعالى أن يهدي أخويك وأن يوفقك لدعوتهما ويعينك عليهما وبالله التوفيق والسداد.(19/448)
كيف أحافظ على الصلاة؟؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 26-6-1423
السؤال
أنا فتاة أبلغ العشرين من العمر لدي العديد من الإخوة والأخوات، والداي صالحان ومحافظان على الصلاة بل وقيام الليل.
ولكن المشكلة أنهما لا يهتمان بهذا الأمر معنا نحن الأولاد مما نتج عنه عدم اهتمامنا بالصلاة.
أنا ناجحة في حياتي وحاولت كثيراً المحافظة على الصلاة لكن لم أستطع فأنا أصلي يوماً أو يومين ثم أنقطع حيث لا أجد من يتابعني ويرشدني أنا متعبة جداً من هذا الأمر وخائفة من الله عز وجل
ساعدوني رجاءً،،،
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتك بكل خير.
أيتها السائلة الكريمة، لدي تفاؤل كبير، وشعور عميق بقرب هدايتك -إن شاء الله تعالى- ذلك أن الاعتراف بوجود مشكلة ما، والبحث لها عن حل عند ذوي الاختصاص والخبرة يعد خطوة أولى ومهمة في الطريق الصحيح.
لقد قرأت رسالتك بعناية أكثر من مرة فأحسست بأنك فتاة جادة، لا زلت تحتفظين برصيد جيد من نداء الفطرة والإيمان، ويبدو أن فترة الشباب التي تعيشينها، وإعجاب صديقاتك بك لم يلهك عن النظر في علاقتك بربك -سبحانه- الذي أمهلك طويلاً، ومنحك الفرص المتتابعة لمراجعة نفسك ومعرفة أين تكونين وإلى أين تسيرين؟
أيتها الفاضلة، دعيني أصارحك بلا نفاق أو مجاملة -أنتِ في غنى عنها- فاعلمي -حفظك الله- أن أداء الصلاة في وقتها المحدد ركن أساس من أركان ديننا العظيم، بدونها يصبح الإنسان خارجاً عن دائرة الإسلام شاء أم أبى، ولا ينفعه انتماؤه لأمة المسلمين بموجب هويته الشخصية أو إصراره الذاتي أن يقال له: مسلم!!
قال الله -تعالى-:"فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين" ومعنى ذلك: أنهم إن لم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين!!
وفي صحيح مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- قال -عليه الصلاة والسلام-:"بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" وفي السنن من حديث بريدة -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
فالمسألة -بارك الله فيك- بالغة الخطورة، إنها مسألة كفر وإسلام، ونار وجنة ورب الكعبة، إن تارك الصلاة يُعرّض نفسه لذات المصير الذي ينتظر أبا لهب وأبا جهل وفرعون وهامان وقارون بل وإبليس، ألا وهو الخلود الأبدي في النار؟!!
فهل تحبين أن تواجهي هذا المصير المشؤوم؟ حاشاك وأنت ابنة لأبوين ساجدين راكعين يخافان الله.
إن الفرصة الآن بيدك، ما دامت أنفاسك تتردد بين جنبيك، لكن أحداً في هذا الكون لا يستطيع أن يحدد كم بقي لك من الأنفاس فملك الموت لا يعرف الاستئذان!!
جميل جداً أن نعترف بأخطائنا، لكن ذلك الجمال يذوب حين يظل الاعتراف مجرد تنفيس وبث للآهات دون أن ننتقل إلى مرحلة الإصلاح والتغيير الفعلي!! أليس كذلك؟(19/449)
تفكري في نعم الله عليك، ستعجزين عن العد والحصر، فهل تقابلين الإحسان بالجحود والنكران؟ أمرٌ لا ترضين أن يقابلك به أحد من الخلق فكيف تقابلين به الخالق؟
ذكرت -بارك الله فيك- أن أبويك لم يبذلا جهداً يذكر في أمرك وإخوانك بالصلاة، وذلك خطأ بلا شك، لكن لا عذر لك الآن وقد عرفت خطورة المسألة فماذا أنتِ فاعلة؟
لا يغرنك حب الأخريات لك وافتخارهن بك، فالمهم أن تنالي محبة الله ورضاه.
هل تريدين أن تعرفي كيف؟ اقرئي قوله -تعالى-:"إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين".
فأسرعي إلى التوبة، وتطهري وصلي وحافظي على الصلاة تكوني محبوبة لله، نعم محبوبة لله، وياله من فضل عظيم!
أما كيف تحافظين على الصلاة فكما يلي:
1- إذا حان وقت الصلاة اتركي كل ما في يدك وتطهري وابدئي في الصلاة بخشوع ما أمكن.
2- أطيلي الركوع والسجود وأكثري من الدعاء حال سجودك خاصة بأن يعينك الله ويسهل الصلاة عليك ويحببها لك.
3- احذري من التأخير ولو لبضع دقائق؛ لأن ذلك سيبدد كل جهودك الماضية.
4- سيوسوس لك الشيطان، وتحدثك نفسك الأمارة بالسوء: اصبري خمس دقائق، اصبري عشر دقائق، ابدئي الصلاة الشهر القادم، أو مع بداية رمضان، إلى غير ذلك من الوساوس الجهنمية فلا تلتفتي لكل ذلك وواصلي المسير.
5- ربما وجدت ممن حولك شيئاً من المضايقات أو الاستهزاء أو التخذيل فلا تسمعي لهم.
6- ضعي المنبه لصلاة الفجر أو غيرها حين تكونين نائمة، فإذا شعرت بحلاوة النوم عند حلول الوقت فتذكري قوله -تعالى-:"تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً" وتذكري أن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.
7- كلما شعرت بالتعب أو الملل فاعلمي أن ذلك من الشيطان فاستعيذي بالله من وسوسته وجاهدي، واحذري أن ينتصر عليك فهو ضعيف حقير قال الله عنه:"إن كيد الشيطان كان ضعيفاً"، ثم ألست ناجحة في حياتك وتكرهين الفشل؟!
8- اقرئي كثيراً في كتاب الله وحاولي أن تتدبري في قراءتك؛ ليرق قلبك، وتطمئن نفسك.
9- ابحثي عن زميلات وصديقات طيبات في مجالس الذكر لقراءة القرآن ومطالعة كتب السيرة النبوية.
10- استمعي للأشرطة الإسلامية، واقرئي الكتيبات الدعوية الجيدة، وستجدين في المواقع الإسلامية في الإنترنت الكثير من ذلك، لكن يحسن بك أن تبحثي عن المواقع الجيدة والكتب المفيدة بسؤال أهل الاختصاص والمعرفة من الموثوقين في علمهم وأمانتهم.
11- ابتعدي عن سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام والتبرج في اللباس وغيرها من المعاصي حتى يزيد إيمانك وتسهل عليك الطاعات.
وختاماً نرجو لك التوفيق والسداد، والفوز والفلاح، وأن يحفظك الله ويرعاك، ويأخذ بيدك إلى البر والتقوى إنه جواد كريم، والسلام عليك.(19/450)
سفري.. أثر على ديني!!!
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 5/6/1422
السؤال
أنا رجل متدين أحافظ على جميع الصلوات في المسجد ومسلكي طيب وجميع معاملاتي وفق التعاليم الإسلامية والحمد لله. مشكلتي أنني مرتبط بأصدقاء بعضهم لا يصلون ولا يتورعون عن عمل المعاصي والمنكرات خاصة إذا سافرنا خارج البلاد واحياناً أتأثر بهم واعمل ما يعملون!!!
وعندما أعود من السفر..أندم وأتألم كثيراً واستغفر وأتوب وأقوم الليل وأعتمر.. واتضرع إلى الله بأن يغفر لي.
ولكن.. وبعد مرور سنة وعند مقدم الإجازة.. يخطط الشباب لرحلة أخرى.. فأحاول التهرب منهم وتقديم الأعذار ولكنهم يستطيعون في كل مره إقناعي فلهم طرقهم الخاصة في ذلك.. خاصة وانه لا يوجد لي أصدقاء غيرهم أرشدوني.. وانصحوني..
وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
ما أسهل الثناء على النفس، فهو لا يكلف شيئاً، وبه نحاول أن نضفي على أنفسنا ستار الإقناع لنبرر بعد ذلك ما يصدر منا من أفعال تخالف ما ندعي أننا متمسكون به.
يا أخي بارك الله فيك حل المشكلة بيدك ولكن مع الأسف أنت لا تريده والسبب وحسبما يظهر لي من تعبيرك أنك تتلذذ فيما يفعلون وتريده وترغبه وتخادع نفسك بحيل وهي أنك إذا عدت استغفرت وذهبت إلى مكة ثم تظن أن كل شيء قد انتهى وكأني أحس بخطرات الشيطان في نفسك يقول لك لا عليك أنت رافض لما تفعل وكاره له وإذا عدت إلى وطنك إذهب إلى مكة وينتهي كل شيء، فإذا مرت سنة أتى الشيطان مرة أخرى وزين ما كرهت ودغدغ مشاعرك بالغسيل بعد العودة يقول لك إذا عدت فاذهب إلى مكة وتنتهي المشكلة وهكذا دواليك.. يا أخي ويا حبيبي ربنا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور , والتوبة بابها مفتوح ولكن من يظمن لك أنك إذا سافرت ستعود مرة أخرى وتسافر إلى مكة للغسيل الدوري، فقد يختم لك وأنت على تلك المعصية [فانتبه لذلك]
أما قولك أنهم يقررون رأيك ويؤثرون عليك فتضعف هذا ليس بصحيح فأنت في عقلك الباطن أصلاً تريد ذلك والدليل أنهم لو أكرهوك على الدخول في صفقة تجارية خاسرة فلن توافق أبداً، أو لو طلب أحدهم منك طلباً مثل أن يهاتف زوجتك أو أختك وأنتم هناك تقترفون ما حرم الله فستظهر عضلات عقلك المسلوبة وقد تقاتلهم فما هو الفرق إذاً.
ومشكلتك أنك قد حكمت على نفسك وهو قولك أني لا أستطيع أن أفارقهم ألم أقل لك أنك ترغب فيهم.
لذا إذا أردت النجاة والشفاء والإقلاع فما عليك بكل بساطة إلا التخلي عن رغبتك المرتبطة بصداقتك لهم. والصدق مع النفس. ثم تتركهم إلى غير رجعة إذا كنت صادقاً في طلبك وأظن أننا جميعاً نتفق أننا لا نقدم أحداً على أنفسنا بالمغانم والنجاة. ارأيت لو كنت في سفينة وأحاطت الأمواج بهذه السفينة من كل جهة وشارفت على الغرق ثم قرر قائد السفينة أن يلقي بواحد منكم لتنجوا السفينة ثم جعل الخيار في يدك بحيث تختار أنت من يلقى في البحر لتنجوا السفينة هل تتوقع أننا سنصدقك إذا قلت ألقي نفسي، أظن أن هذا ضرب من الخيال بل ستعمد إلى أقرب واحد منهم ثم تلقيه، هكذا نحن دائماً لا نحب إلا أنفسنا.
إذاً يا أخي الفرصة متاحة لك بأن تنجو بنفسك من هذا اليم الآسن ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفقك الله ورعاك.(19/451)
سأعود للطريق.. رغماً عنهن!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 14/9/1422
السؤال
أنا ولله الحمد قررت أن أعود للطريق الحق وأترك المعاصي ولكن (شلتي) القديمة يضايقوني وإذا أخبرتهم بقراري يبكون ويقولون ما نقدر نفارقك، وأنت أهم شيء بيننا وما ندري كيف نصبح بدونك، وما نقدر ننساك، وإذا قلت لهم: إذا كونوا مثلي حتى أبقى معكم، يقولون: لا يعني نصير "نكديين"!
أتمنى أن تخبروني بالطريقة التي أتصرف بها معهم؟ وجعل كل ما تقدمه في موازين حسناتك؟
الجواب
أختي الكريمة.. أشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد وأن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبساً علينا فنظل كما اسأله تعالى أن يوفقك إلى الحق ويثبتك عليه.
أما عن استشارتك.. فتعليقي عليها من وجوه:-
أولاً: الحمد لله الذي هداك إلى الرشد.. ودلك على طريق الحق.. وأهنئك على ذلك.. فاسألي الله الثبات حتى الممات واستعيذي بالله من كيد الشيطان) إن كيد الشيطان كان ضعيفا (ولا تلتفتي أختي الكريمة لما تقوله لك تلك الرفيقات من تثبيط لهمتك أو إيعاز لك بالرجوع إلى ما كنت عليه من تساهل..!! وتذكري " أن العاقبة للمتقين.. وتعاملي معهن بالرفق واللين جعلنا الله وإياك منهم.
ثانياً: قد يعتقد البعض - واهماً - أن الالتزام يعني الدخول إلى عالم من الوجوم والصمت والحزن والوحدة.. ومفارقة الأصحاب والأحباب.. والجدية التامة في كل شئون الحياة..!!! وهذا ولا شك فهم خاطئ، ولا داعي له، حتى وأن فعله البعض مجتهداً. بل ربما صور الشيطان للمرء عندما ينوي الالتزام أن الالتزام يعني كل ذلك.. ليصرفه ويبعده عن المنهج الصحيح والصراط المستقيم.. فالنفوس تمل وتحتاج أحياناً إلى الترفيه.. وذاك أمر متاح ومباح والحمد لله.. والأمر أيسر من ذلك وكل ما عليك المحافظة على الصلوات المكتوبة في وقتها.. واجتناب المحرمات.. والاستزادة ما استطعت من الحسنات إن كان في قراءة قرأن أو تسبيح أو ذكر الله أو صلاة على نبيه أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر (حسب القدرة) .. مع استمرارك على ما أنت عليه من علاقات اجتماعية.. ومشاركة في الأفراح والمناسبات العامة.. والتودد إلى الناس.. والمرح.. وما إلى ذلك..
ثالثاً: ولذلك كله فأخبري رفيقاتك: أنك قد اخترت الطريق وستظلين عليه بإذن الله.. وأن المجال متاح لهن الآن للحاق بالقافلة ما دمن في زمن المهلة وأن الموت يأتي بغتة.. فلا يضيعن على أنفسهن أكثر مما ضاع.. ولا يعني ذلك أن يتحولن - كما يزعمن - إلى " نكديات " بل أن الإسلام أيسر من ذلك ولله الحمد والأمر فيه سعة.. وما ذاك لعمري إلا من الشيطان لينفرهن ويبعدهن عن الحق.
رابعاً: جميل لو وضعت لك برنامجاً يومياً تبدئين فيه بصلاة الفجر وراتبتها وتنتهين بصلاة العشاء وراتبتها.. والشفع والوتر.. مروراً ببقية الفروض مع تخصيص شيء _ حتى ولو كان يسيراً _ من القران الكريم تقرئيه بشكل يومي.. مع أذكار الصباح والمساء(19/452)
وذكر الله على كل حال، وممارسه حياتك بعد ذلك بشكل طبيعي جداً أن كان في ممارسة بعض الهوايات أو القراءة الحرة التي أقترح عليك أن تضمنيها بعض قصص السيرة النبوية العطرة..
أو كان في القيام ببعض الالتزامات أو الواجبات.. الخاصة أو العامة.. وستجدين أثر ذلك جلياً في انشراح صدرك.. ويقينك ورضاك عن نفسك.. وسعادتك_ بإذن الله _ في الدارين.
خامسا: قد نتجاوز أحياناً أو ننسى أو نتساهل في بعض الأمور.. وقد نحزن لذلك.. وربما أو عز لنا أحد شياطين الجن أو الإنس أننا قد خسرنا الرهان ولم نلتزم كما ينبغي..!!! وهذا خطأ كبير.. والصواب أن نتذكر حديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، (كل بني آدم خطأ وخير الخطاءين التوابون) .. ونتذكر قوله تعالى) إن الحسنات يُذهبن السيئات (.. ونستمر على طريقنا ومنهجنا.. إن أخطأنا استغفرنا.. وإن أطعنا حمدنا الله وازددنا.. وقلوبنا معلقة دائماً وأبداً في الفردوس الأعلى من الجنة.. جعلها الله مستقرنا جميعاً ووالدينا وجميع المسلمين.
سادسا: الله.. الله.. بالرفقة الصالحة التي تدلك على الخير وتعينك عليه.
وفقك الله وحماك من كل سوء.. وجعلنا جميعاً مفاتيح للخير مغاليق للشر إنه ولي ذلك والقادر عليه.(19/453)
ابتليت ببعض المعاصي والكثير من العقوق
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 12/9/1422
السؤال
أخي مشرف النافذة،، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،
أنا شاب في العشرينات مشكلتي التي أثقلتني وأفقدتني طعم الحياة أنني مبتلى ببعض المعاصي.. والكثير من التفريط والعقوق.. حتى أنني تجرأت على والدتي وأسمعتها من الكلام ما لا يليق رغم علمي بعظم حقها، بل وقاطعت بعض أهلي لا لشيء إلا لأنهم لا يرضون عن الطريق الذي أسلكه..!! والآن أشعر بِهَمٍّ كبير يخنقني.. ويأس.. وألم صامت.. ووضعي يسوء.. ومعاناتي تزداد فماذا أعمل خاصة ونحن في هذا الشهر الفضيل؟
الجواب
:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أخي الكريم.. أشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لن ولك التوفيق والسداد والرشاد.. أما عن استشارتك فتعليقي عليها من وجوه:-
أولاً: أن ما تشعر به أخي الكريم من هَمٍ وغم أثقلا كاهلك كما تقول.. دليل على إحساسك الداخلي بعدم الرضى عما أنت عليه والرفض الكبير لهذا التفريط والتجاوز.. وهو صراع داخلي عنيف بين ما تتمنى أن تعمله وما تعمله بالفعل ... بين حقيقتك وواقعك، وهذا مبدئياً شيء طيب سيساعدك كثيراً في تجاوز هذا الأمر.. لأن رفضنا لواقعنا السلبي هو بداية مهمة وضرورية جداً لتجاوزه ومواجهته.
أما قبوله وتبريره فهو الخطأ الفادح والخطر الكبير.
ثانياً: لذلك كله.. فإني واثق أن ما تعانيه هو دليل رفض وعدم رضى عما تقترفه بحق نفسك وحق والدتك وأهلك.. بل ودينك وأمتك.. لأن الخلل أينما وجد في الفرد أو الأسرة يعتبر نقطة ضعف في جدار قيم المجتمع وترابطه وتكاتفه، بل هو سوس ينخر في بنيانه ونسيجه بشكل أو بآخر، وأمتنا أخي الكريم تحتاج إلى كل أبنائها رجالاً ونساءاً.. صغاراً وكباراً لتواجه بهم أعداءها وتحقق رسالتها.. وتستكمل مسيرتها.
ثالثاً: أما العقوق، والجرأة على الأم، ومقاطعة الأهل الذين يحترقون لأجلك، ويتمنون لك الخير، ويرفضون واقعك " المؤلم والمحزن والخاطئ " فذاك وربي أمر غريب.. ولا أظنك بحاجة إلى تذكيرك بعظم حق الوالدين عامة والأم خاصة.. فقد ذكرت في سؤالك ما يدل على إدراكك لعظم حقها.. ولكنك بحاجة إلى من يذكرك بأن كل ذلك من عمل إبليس وتدبيره وكيده.. فهو العدو المبين الذي أقسم بعزة الله أن يغوي جميع خلقه واستثنى من ذلك عباد الله المخلصين جعلنا الله وإياك منهم. ولذلك فاستعذ بالله قائماً وقاعداً من كيد الشيطان) إن كيد الشيطان كان ضعيفا (.(19/454)
رابعاً: إنها فرصتك أخي الكريم لتنال سعادة الدارين بإذن الله.. خاصة ونحن في هذا الشهر الفضيل الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتصفد فيه الشياطين، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فابدأ منذ الآن بتصحيح المسيرة، والتوبة والاستغفار عما سلف وابدأ بوالدتك فتحلل منها وقبل جبينها واطلبها الصفح عما بدر والدعاء لك بالهداية ثم اصلح ما بينك وبين أهلك.. وتذكر قوله تعالى) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما يَنْزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم.. (.
خامساً: احسن الظن بالله.. وبادر بالتوبة النصوح واحمد الله الذي ردك إلى الحق رداً جميلاً.. وتذكر قوله تعالى) قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا ... (وقوله تعالى) إن الحسنات يذهبن السيئات (واسأل الله الهداية والتوفيق والسداد والثبات حتى الممات.
سادساً: لا تنسى أخي الكريم الأهمية الكبيرة للجلساء وتأثيرهم الكبير والخطير على الإنسان، سواء في الخير أو في غيره.
فبادر أخي باختيار الرفقة الصالحة التي تدلك على الخير وتعينك عليه، وتأكد أن المرء من قرينه، وأننا نحشر يوم القيامة مع من نحب [من أحب قوماً حشر معهم] .. والحمد لله الذي هداك وردك إلى الحق قبل أن تقول نفس يا حسرتاً على ما فرطت في جنب الله.
وتأكد أنك بفضل الله وتوفيقه مقبل.. وما حزنك الذي تجد وهمك الذي تكابد إلا دليل أكيد على عدم رضاك ورفضك لهذا الواقع الذي تعيشه - كما أسلفت - فاحمد الله وبادر.. ما دام في العمر بقية..) ولا تدري نفس ماذا تكسب غداً ولا تدري نفس بأي أرض تموت (.
وفقك الله وحماك وسدد على طريق الخير والحق خطاك.(19/455)
هددها بإسماع أهلها مكالماتها معه
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 17/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أنا فتاة كنت أحسب نفسي ملتزمة بتعاليم ديني، وكنت قدر المستطاع أحافظ على واجباتي، وتأخر بي سن الزواج، وتقدم لي شخص من عائلة معروفة، لكنه كان يطلب مني نزع الحجاب، فرفضته قبل أن أراه، لكن وسط ضغوطات المجتمع والأهل واتهامهم لي بالعنوسة، دخلت إحدى مواقع الدردشة، وكنت أبحث عن زوج تقي, تعرفت على شاب، وكان يظهر أنه على خلق ودين، المهم أعطيته هاتفي وبدأ يكلمني، ثم بدأ كلام الحب والغزل، وانجرفت وراءه متناسية كل ما كنت أرفضه من قبل؛ فقد كان همي أن أتزوج، ولكن في أحد الأيام أحسست بذنبي، فأرسلت له رسالة وطلبت منه أن نتوقف عن كل هذه الأحاديث، وأن نعين بعضاً على طاعة الله، ففوجئت برسالة منه يقول عني معقدة وأحسن لي أن أتصوف، وأنه يتخيل حياته معي كلها عقدًا، فأجبته إذا كنت تعتبر ذلك عقداً، فأنا فخورة بكوني معقدة، فوصلتني رسالة منه يهددني بأنه كان يسجل مكالماتي معه، وأنه سيتصل بأهلي ويسمعها لهم، أنا أريد أن أتوب وقلت له ذلك، ولكن أنا خائفة جدا من هذا الشيطان الذي يهددني، أرجوكم أدعو لي أن يتقبل الله توبتي ويثبتني، ويبعد عني كيد هذا الفاسق أرجوكم أدعوا لي.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
إلى الأخت الفاضلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بعد قراءة رسالتك، شعرت بالمرارة والأسى والحزن مما حدث لك، وازداد حزني؛ لأن ذلك يصدر من فتاة يفترض فيها الالتزام بشرع الله، والاستقامة على دين الله، لكن قدَّر الله وما شاء فعل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أختي العزيزة: إن ما يحزنني ويثقل كاهلي، ويضيق علي الدنيا برحابتها أن هذه المأساة تتكرر بشكل يومي، وبنفس الأحداث، وبنفس الطريقة، والنتائج متفاوتة، وكلها تصب في معين واحد ألا وهو قتل العفة ووأد الفضيلة عند الفتاة.
أختاه: ألم تسمعي عن قصص الفتيات اللاتي سرن في هذا الطريق الخطير، وسقطن في هذا المستنقع الآسن، وغرقن في بحر الشهوات والملذات الآثمة؟ والنتيجة عار وشنار، وفضيحة تلاحق الفتاة أينما حلت وارتحلت، كم من كتب ألفت في هذا المضمار؟ وكم من أشرطة سجلت لتحكي لنا تلك المآسي والمخازي والآلام؟ ومما يزيد من عجبي وهمي في آن واحد، ألا من معتبر؟ فما زال السائرون والسائرات على هذا الدرب كثر، وكأن هذه القصص لا تعنيهم في شيء، وكأني بهم يقولون: نريد أن ننضم إلى تلك القافلة الآثمة، ونزيد من رصيد هذه القصص المؤلمة، سبحان ربي العظيم "إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" [الحج:46] .
أختاه: أي شيء أحب إليك، أن يقولوا: عانساً أو يقولوا..... أعيذك بالله من شر الفسق والخنا والفجور.(19/456)
أختي العزيزة: احمدي الله أن تداركتك رحمة الله في الوقت المناسب، ولم يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك، فكم من القصص التي قرأناها وسمعناها، وبعضها رأينا أحداثها عن قرب كانت نتائجها خزياً وعاراً، وفضيحة تلاحق أصحابها ليل نهار، نسأل الله السلامة والعافية.
أختاه: لا تكوني عبرة لغيرك، ولكن اعتبري أنت بغيرك، فالمحظوظ من اعتبر بغيره، والمغبون من كان عبرة لغيره.
أختي العزيزة: لا يستبعد عن مثل هذا الشاب الفاسق الفاجر، والذي همه العبث بأعراض المسلمين، فهو كالذئب يخنق ولا يأكل، أقول ليس بغريب على من هذا شأنه وتلك أخلاقه أن يساومك بما ساومك به، ولكن لا تستسلمي لأي ضغوط له، ولا تعبئي بأي تهديد منه، واقطعي كل صلة به، ومن الآن، وربما أنه لم يسجل لك شيئاً - وهذا هو الراجح بإذن الله تعالى- وابتعدي عن عالم الإنترنت بالكلية، واحذفي الإيميل الخاص بك وغيري رقم جوالك، وأكثري من الاستغفار والذكر والعبادة، وأقبلي على الله، وأكثري من الدعاء أن يصرف الله عنك شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن ييسر أمرك، ويرزقك الزوج الصالح الذي تقر عينك به، وكم من فتيات في مثل سنك وأكثر لم يتزوجن ولم يصلن إلى مرحلة اليأس والقنوط، فتوكلي على الله وأحسني الظن بربك؛ فإن الله لا يخيب رجاء من رجاه سبحانه وتعالى.
أما بخصوص زواجك فهناك بعض النصائح نرفقها لك مع هذه الإجابة فاعملي بها؛ عسى الله أن ينفعك بها.
هذا والله أعلم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/457)
بسبب الإنترنت انحرف وضعف إيمانه
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 21/11/1424هـ
السؤال
أكتب إليكم سؤالي هذا وفي صدري هم لا يعلم مداه إلا الله، حيث إني أعيش حياة ضنكا، وأكابد لوعة وحزناَ، حياتي تجري وفق معادلة يتناقص فيها منحنى الإيمان من يوم إلى آخر، أحفظ ستة وعشرين جزءاً من القرآن، وأشعر أني أنساها تدريجيا، أما عن السبب فهو الإنترنت، نعم الإنترنت الشات والمواقع الإباحية، ولا أدري كيف انزلقت فيها، حاولت الرجوع ولكني ما إن أقوم حتى أنزلق، فجواد إيماني كَلٌ ضعيف، ودافع الشهوات أقوى منه بكثير، وكنت قد أقسمت بالله وعاهدته أن أترك الإنترنت لمدة ثلاثة أشهر، ولكني عدت بعد شهر واحد فقط، وعدت أشد من سابق عهدي، وقد خسرت بهذا ديني، ودراستي، وعلاقتي مع الآخرين، بل خسرت ثقتي بنفسي، وخسرت شخصيتي التي أصبحت مهزوزة وضعيفة، خسرت حلاوة كنت أجدها في قلبي، خسرت اللذة التي كنت أجدها في قراءة القرآن، وخسرت أشياء لا أعلمها.
فأناشدكم الله أن تجيبوا عن سؤالي في أقرب وقت، وترشدوني ماذا أعمل، فهنا بقية قلب أخشى عليه الموت. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله الذي يهدي من يشاء بفضله ومنه وكرمه، ويضل من يشاء بعدله، والصلاة والسلام على الهادي البشير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..وبعد:
إلى الأخ السائل. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نشكرك شكراً كثيراً على ثقتك بموقع الإسلام اليوم، نسأل الله أن نكون عند حسن ظنك وزيادة.
لقد سرني كثيراً - عندما قرأت رسالتك - حفظك لكتاب الله - عز وجل- فهذا دليل خير وإيمان فيك، نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق.
اعلم أخي الكريم أن ما وقعت فيه وقع فيه كثير مثلك، والإنسان ليس بمعصوم وعرضه للخطأ والزلل، وليس هذا بعيب، ولكن العيب والخطأ والمصيبة الكبرى أن يستمر الإنسان على خطئه وضلاله.
اعلم أخي الحبيب أن رحمة الله واسعة، وستره جميل على عباده، فوالله ثم والله لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم أقبلت على الله موحداً لا تشرك به شيئاً غفر لك ذنوبك ولا يبالي.
اعلم أنه قد استهواك الشيطان واستخف بك، وأقبل عليك بخيله ورجله، ونصب حولك الشباك ليضلك عن السبيل، لكن اعلم أن فضل الله عليك عظيم، وقد مد لك في العمر حتى تتوب وتؤوب إليه، فهو سبحانه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها الحديث أخرجه مسلم (2759) من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-.
وقال - صلى الله عليه وسلم-: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" أخرجه مسلم (2703) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وقال أيضاً: "إن الله - عز وجل- يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". أخرجه الترمذي (3537) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.(19/458)
فأقبل على الله وبادر بالتوبة ولا تقنط من رحمة الله فرحمة الله واسعة، يقول عز شأنه: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر:53] فبادر بالتوبة ولا تلتفت لنداء الشيطان، واصغ لنداء الرحمن، وقف على عتبة التوبة بذل وانكسار، وخضوع وإخبات، وقل يا رب يا غافر الذنب ويا قابل التوب، يا منجي الهلكى، ومنقذ الغرقى، ويا مجيباً لكل دعوى، وسامعاً لكل شكوى، يا من وسعت رحمتك كل شيء، جئت تائباً راجياً نادماً على ما اقترفت يداي، فاقبل توبتي واغفر زلتي، واستر عيبتي، واقض حاجتي، وأقل عثرتي، ولا تكلني لنفسي طرفة عين، يا من تجيب المضطر إذا دعاك، أنا المضطر وأنت المجيب.
واعلم رعاك الله أن المولى - جل وعلا- لم يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا فعل قبيح أن يستره، ولا دعوة أن يجيبها، ولا مسألة أن يردها، فهو سبحانه قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، ومقيل العثرات، وماحي السيئات سبحانه من إله عظيم، ما أحلمه وما أكرمه، وما أجوده وما أجمل ستره على عباده.
لكن عليك أخي الكريم الأخذ بالأسباب ومنها:
(1) البعد عن هذه المواقع بكل عزم وإصرار، والتوكُّل على الله والاستعانة به أن يعينك على ذلك.
(2) مراقبة الله في السر والعلن، واعلم أن الله مطَّلع عليك ويراك، فاجتهد أن يراك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، واحذره أن يراك وأنت تبارزه بالمعاصي، وقد أنعم عليك بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، فلا يكون ردك لهذا الجميل وهذا الإحسان التعدي على حدود الله وانتهاك محارمه، واعلم بأن الله يغار أن تنتهك محارمه.
(3) اشغل نفسك بقراءة القرآن وتأكيد حفظك حتى لا يتفلت منك، وكذلك احرص على طلب العلم ومصاحبة أهل الخير من العلماء وطلبة العلم، وليكن لك برنامج دعوي مع أهل بيتك ومع الآخرين.
(4) أكثر دائماً من ذكر الموت وما فيه من شدائد عظام، ومن ذكر القبر، وما فيه من ظلمة ووحشة وسؤال الملكين، والبعث والنشور، وما فيه من أهوال وشدائد يشيب من أجلها الولدان، والحساب وما فيه من شدة، والصراط وما فيه من حدة، وتذكر منصرف القوم بين يدي الجبار - جل جلاله- فريق في الجنة وفريق في السعير، فأي الفريقين تحب أن تكون منهم.
(5) كلما دعتك نفسك وشيطانك للمعصية تذكر بأن الله يطلع عليك، وملك الموت واقف ينتظر الأمر من الله ليقبض روحك، فانتبه أن تموت وأنت على هذه الحالة، فالمرء يبعث على ما مات عليه.
(6) عليك بالمبادرة بالزواج إذا كنت مستطيعاً لذلك، وإن لم تستطع فعليك بالصوم كما أرشد لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
هذا والله أعلم نسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير، ويصرف عنا وإياك كل شر، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/459)
أريد الالتزام وأخاف منهم
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 13/3/1425هـ
السؤال
لقد فعلت موقف مخزي، وأخشى من الفضيحة، ودائماً أخاف من أناس أن يفضحوني، وكيف أستطيع أن أستر على نفسي في الدنيا والآخرة، أريد أن ألتزم وأخاف منهم، وأريد أن أطلق لحيتي وأخاف منهم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إلى الأخ الكريم: - سلمه الله تعالى- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اعلم - أخي الحبيب - أن رحمة الله واسعة، وليس هناك من البشر أحد معصوم إلا من عصمه الله- تعالى- من الأنبياء والرسل صلوات ربي وتسليماته عليهم جميعاً، ولو قلبت الطرف لا تجد أحد يسلم من الخطأ.
من الذي ما ساء قط.... ومن له الحسنى فقط.
فكلنا - يا أخي الكريم- ذو خطأ، ولكن "خير الخطائين التوابون"، كما صح بذلك الحديث عن المعصوم صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي (2499) وابن ماجة (4251) عن أنس - رضي الله عنه -، ذكر الإمام الذهبي في كتابه القيم (سير أعلام النبلاء) في ترجمة الإمام العالم المجاهد العابد صلة بن أشيم -رحمه الله تعالى-، أنه قال لرجل جاء ليسأله، فقال له صلة ادن مني يا رجل، فدنا الرجل، ثم قال: ادن مني يا رجل، فدنا الرجل حتى اقترب جداً من صلة، فقال له الإمام صلة: والله لو أن للذنوب رائحةما استطعت أن تدنو مني، الله أكبر، هذا كلام، الإمام العالم العابد المجاهد، فما بالك بمن هو دونه في الفضل والعلم، والزهد والعبادة، ولذلك يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى-: (لولا جميل ستر الله علينا، ما استطعنا أن يجالس بعضنا بعضاً من كثرة الذنوب) .
فيا أخي الحبيب: دع هذا الماضي البغيض وطلقه ثلاثاً، طلاقاً بائناً لا رجعة فيه، ولا تذكره ولا تفكر فيه، واعلم بأن الله اللطيف الخبير إذا صدقت معه في التوبة والإنابة، وأقبلت عليه سبحانه بكل جارحة من جوارحك يجعل لك هذا الماضي بكل سيئاته وتبعاته حسنات تسر بها يوم أن تلقاه، وإن شئت فاقرأ معي قوله تعالى: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً" [الفرقان: 68-70] .
أرأيت يا عبد الله مدى سعة رحمة الله بعباده التائبين النادمين "يبدل الله سيئاتهم حسنات". فيا أخي: دع عنك هذا الخوف ولا تلتفت وراءك وامض قدماً، وأقبل على الله وبكل ثقة بالله وبموعوده، ولا تخش أحداً، ولا تخف من أحد، وإذا علم الله فيك من صدق النية وإخلاص التوبة، يمنع عنك كل سوء وشر، ولا أحد يستطيع أن ينال منك شيء؛ لأن الله معك، فمن كان الله معه فمن يخاف إذاً؟ والذي أراه أن تفعل الآتي:
1- التوبة إلى الله والندم على ما فرطت في جنب الله.
2- إخلاص النية لله في القصد والإرادة.(19/460)
3- الثقة بالله وحسن التوكل عليه، وحسن الظن به سبحانه.
4- عدم الالتفات إلى الماضي القبيح.
5- البعد كل البعد عن كل شيء يذكرك بهذا الماضي المؤسف.
6- الحرص على مجالسة الصالحين من طلبة العلم والدعاة، والبعد عن مجالسة أهل السوء والشر والفساد، فمجالسة الفريق الأول فوز ونجاة في الدارين، ومجالسة الفريق الثاني هلاك ودمار وضياع في الدارين.
7- الحرص على طلب العلم الشرعي.
8- الحرص على حضور مجالس العلم والذكر والاستقامة.
9- الإكثار من فعل الطاعات والبعد عن المعاصي والمنكرات، وتذكر قوله تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" [هود:114] .
10- المشاركة في المجالات الدعوية المتعددة.
11- احرص على أن تلتحق بإحدى حلقات التحفيظ.
12- عليك بممارسة الرياضة البدنية لتقوية جسمك وعقلك.
13- الحرص على مزاولة أي عمل أو البحث عن وظيفة تناسبك إذا لم تكن طالباً جامعياً، فإن كنت طالباً فاجتهد في دراستك حتى تتخرج بنتيجة مرضية للجميع.
14- لا تستجب لنداء الشيطان سواء من الجن أو الإنس، فلا تتأثر بأي ضغط من ضغوط الفاسقين، ولا تعبأ بهم، ولا تلتفت إليهم، وأشعرهم بأنهم لم ولن يعوقوا طريقك في الالتزام بشرع الله.
15- من الآن إذا وصلت رسالتي قم بتنفيذ ما قلته لك، وقم بإعفاء لحيتك وتقصير ثوبك وتشبه بالصالحين.
16- أكثر من الدعاء، وأبشر بالخير؛ فإنه سبحانه القائل: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي" [البقرة:186] ، وهو القائل سبحانه: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ... "الآية، [النمل:62] .
17- إذا دعتك نفسك وهواك وشيطانك وقرناء السوء للرجوع للمعصية مرة أخرى أعلم بأن الله يراك ومطلع عليك فاستحي من نظر الإله ولا تجعله سبحانه أهون الناظرين إليك.
18- عليك بالقراءة في الكتب الوعظية والتي ترقق القلب، وكذلك الكتب التي تتكلم عن التوبة وبيان سعة رحمة الله تعالى.
19- وكذلك عليك الاستماع إلى الأشرطة الإسلامية المؤثرة النافعة والتي تعينك على طاعة الله، وتقوي فيك روح الخشية والمراقبة له سبحانه.
وأخيراً أقول لك - أخي الكريم- توكل على الله فهو حسبك ونعم الوكيل.
فالزم يدك بحبل الله معتصماً *** فإنه الركن إن خانتك أركان
هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/461)
إعراض الخطّاب عني، هل هو عقوبة على خطيئتي؟
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 30/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي -يا شيخ- بأنني وقعت في ذنب من الكبائر، إنني مطلقة، وتعرفت على شاب، حاول أن يجرني للمعصية، وفعلتها كذا مرة، وأنا الآن نادمة ندماً عظيماً على ما فعلته في السابق، وأسأل الله أن يغفر لي، ويتقبل توبتي، -ولله الحمد- أكثر حالياً من الأعمال الخيرة حتى أُكفِّر عن سيئاتي؛ لأنني واثقة من مغفرة ربي -سبحانه- وقابل التوبة -بإذن الله- ولكن شعوري الآن هو أنني مهما أفعل أحس أن ربي غاضب علي، مهما أفعل من عمل فيه خير، وأرى مرات بأن كذا شخص يتقدم لخطبتي يذهب ولا يرجع، أي: يرفض هذه الخطبة، مع أنه يعجب بشكلي لكن أرى الخطبة تنتهي، ولا تكتمل، إنني خائفة جداً يا شيخ، هل الشخص الذي شجعني للخطأ شوَّه سمعتي؟ وأنا أطلب من الله دائماً، وأدعوه بأن يستر علي بعد التوبة، أم هذا غضب من رب العالمين على ما فعلته في السابق حتى لو تبت واستغفرت؟ الرجاء الاستعجال؛ لأنني تعبانة جداً نفسياً، ومتحطمة؛ لشعوري بالذنب وعدم التوفيق في الزواج.
الجواب
الأخت التائبة:- وفقها الله وثبتها على الحق-.
أختي الفاضلة: إحساسك وشعورك بأن الله غاضب مهما فعلت من خير شعور مخالف لما دل عليه القرآن الكريم، والسنة المطهرة، فإن الأدلة الشرعية فيها واضحة الدلالة على محبة الله للتائب من الذنب رجلاً كان أو امرأة "إن الله يحب التوابين ويحب المطهرين" [البقرة:222] وعلى فرح الله بتوبة التائبة من الذنب.
وتدل على أن الله يبدل سيئات التائبة حسنات قال - تعالى-: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً" [الفرقان:68 -69] ،ويدل على أن الله يقبل توبة التائب ما لم يكن في حال غرغرة الموت.
ولكن هذا الشعور الذي ذكرت في سؤالك فإنه من الشيطان يحاول إفساد توبتك، ويحاول إعانتك إلى طريق المعصية، فلا تتبعي خطواته، واحذري طاعته، ولا تقنطي من رحمة الله؛ فإنه لا يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون، كما أخبر - سبحانه - في كتابه.
أختي الكريمة: وبما أنك راغبة في الزواج، ولم يتيسر مرة أخرى بالسرعة التي تأملينها، فأدى ذلك بك على أن تفسري هذا بأنه غضب من الله، وهذا لا ينبغي، لماذا لا تنظرين إلى تأخر الزواج على أنه تكفير للخطيئة، ورفع للدرجات، وزيادة في الثواب، فتفرحين بذلك وتصبرين؟.(19/462)
أختي الكريمة: يمكنك أن تخبري إحدى النساء الفاضلات ممن لهن عناية بالتوثيق بين الرجال والنساء في الزواج (خاطبة) ، وتكون هذه المرأة معروفة بالصلاح والاستقامة على شرع الله، وتكون ثقة في نفسها، مأمونة على غيرها، وتذكري لها الصفات التي ترغبين فيها من الرجال؛ فلعل الله ييسر عن طريقها لك زوجا، ً تقر به عينك، فإن لم يتيسر الزواج فتذكري الحقائق التالية:
* لستِ وحدك التي لم تتزوج، هناك الكثيرات من النساء والفتيات يتمنين الزواج، ولم يحصل، ففي ذلك عزاء وتسليه.
*هناك من تزوجت وابتليت بزوج لا يخاف الله، يعذبها ويهينها، ويأبى أن يطلقها.
*هناك الكثير ممن تزوجن وطلقن لأسباب لا تحصى، واحرصي - وفقك الله- على إشغال نفسك بالأعمال النافعة، فإن كنت موظفة في قطاع فيه اختلاط مع الرجال فانتقلي إلى غيره، وجدي واجتهدي في عملك، وحاولي أن تنتقلي إلى وظيفة أكثر عملاً وجهداً.
*إن كان لديك فضل وقت فحاولي الالتحاق ببعض جمعيات النفع العام، الجمعيات الخيرية؛ لتساهمي في عمل نافع يشغلك عن التفكير والوسواس والضيق.
* ابحثي عن صحبة صالحة من النساء تجتمعن معا، ً وتواصين معهن بالحق والصبر، ويكن عوناً لك على الطاعة والثبات.
ما ذكرتيه من أنك ترين رجالاً يتقدمون لخطبتك ثم لا يتم الزواج، فهذه الرؤى إن كانت مناماً فهي أمنيات لم تتحقق في واقعك، فأنت تتمنين الزواج ولم يتحقق، فينعكس ذلك على أحلامك في المنام، وأما كون الشاب ربما يسعى لتشويه سمعتك فهذا أمر لا يمكن أن نعلمه نحن وأنت أعلم به، ولكن إذا صدقت التوبة وقطعت صلتك به، وظهر للناس صلاحك وصدقك، فإن ما يقوم به لا يضرك -بإذن الله-.
أسأل الله لك الثبات والاستقامة على الحق، وأن يرزقك زوجاً صالحاً تقر به عينك.(19/463)
هذه خطيئتي.. فهل تُقبل صلاتي؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقا-ً
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 14/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أحببت رجلاً حباً لا يوصف، لكنه كان يجبرني على أن يقبلني ويلمسني في جسدي، وكنت أشعر بنشوة ولذة، أعرف أني ارتكبت ذنباً وأريد أن أُكفِّر عنه، لكن هناك هاتفاً يقول لي إن صلاتي لا تقبل، وكل ما أحاول أن أسبِّح وأستغفر أتذكر أن الله غفور رحيم لكنه شديد العقاب. أفيدوني يرحمكم الله.
الجواب
إن عليك أن تعلمي أن ما فعلتيه مع هذا الرجل خطأ كبير، وطريق إلى الوقوع في الفاحشة الكبرى، والتي بحمد الله لم تقعي فيها إلى الآن، ولكنك لو استمريتِ مع هذا الرجل فإنك ستقعين في الفاحشة الكبرى لا محالة، وهذا ما يمهد له هذا الرجل؛ بتقبيلك وما يلمس من جسدك ليثيرك حتى تستسلمي في آخر المطاف لنزواته وشهواته، فإذا نال منك ما يريد وحصل شهوته الكبرى وقضى حاجته ألقاك كما تلقى قشرة البرتقال بعد امتصاصها.
إن هذه النوعية من الرجال -يا ابنتي- ذئاب تخنق ولا تأكل، يستمتع بك ولكن لا يرضى بك أبداً شريكة لحياته أو زوجة في مستقبل أيامه، وكلما نال منك شيئاً يستمتع به سقطت من عينه، وأصبحت قيمتك عنده في غاية الانحطاط، ولذلك أنصحك بالابتعاد عنه، وقطع الصلة به نهائياً، والحذر من أي علاقة معه.
عليك بالتوبة إلى الله عز وجل، وتذكري أن الله تواب يتوب على من تاب، فمن أقلع عن الذنب وندم عليه تاب الله عليه وفرح به، تذكري رحمة الله التي وسعت كل شيء، وأن الله أرحم بنا من أمهاتنا اللائي ولدننا، إذا أقبلنا عليه قبلنا، وإذا تبنا إليه تاب علينا، وإذا استغفرنا غفر لنا.
عليك باتخاذ الأسباب المعينة على قطع هذه العلاقة ونسيان هذا الرجل الأثيم، وذلك بتقوية علاقتك بصحبة صالحة من الفتيات الصالحات المستقيمات العفيفات.
عليك بالإكثار من العبادة، عليك بالصيام، وعليك بقراءة القرآن.
عليك بذكر الله عز وجل بأذكار الصباح والمساء وأذكار النوم.
عليك بقراءة الكتب النافعة.
عليك بإشغال نفسك بالأعمال الجادة ودعاء الله عز وجل أن يرزقك بالزوج الصالح الذي تقر به عينك وتصلح به حالك، والله يتولاك ويرعاك.(19/464)
أصبحت عنيفاً سيئ التعامل
المجيب د. خالد بن سعود الحليبي
وكيلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 02/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا رجل متزوج منذ أربع سنوات، وقد بدأ زواجي جيداً وأنجبت طفلين، وفي الثماني أشهر الأخيرة ازدادت علي مشاكل العمل وأصبحت عنيفاً جداً، وبدأت في ضرب أطفالي، ولا أجد أي متعة في الجماع مع زوجتي، وقد طردت من العمل لمعاملتي السيئة مع الناس، ولجأت إلى مشاهدة الأفلام الخليعة حتى تركتني زوجتي وأدمنت الدخان، وعندما أحاول التوبة أعود كما كنت. ماذا أفعل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخي الكريم..
مشكلتك طارئة كما يظهر من سؤالك، مما يدل على أن الحال التي ذكرت لا تمثلك في الحقيقة، بل هي بسبب عوارض طرأت على حياتك، وعلاجك ليس التوبة فقط دون أن تبدأ بطرد تلك الطوارئ من حياتك، فإذا كنت قد التحقت بصحبة غير طيبة فبادر بالانعتاق من حبالها الشائكة فهي أم الضلال، وإن كنت قد أوهمت نفسك ببعض الأحلام الشيطانية، فاطرد هذه الأوهام بالذكر والدعاء.
أخي: إن حياتك الحقيقية، هي في سعادتك مع أسرتك، واستقامة سلوكك في عملك، فإذا كنت ذا فهم لواقعك كما يظهر من سؤالك، فبقي عليك أن تكون ذا عزيمة وإرادة قوية على المضي قدما في التغيير الواقعي، والثبات الذي يتطلب الآتي:
أولاً: الإخلاص لله -تعالى- في توبتك.
ثانياً: أن تحيط نفسك بالخيرين، يذكرونك إذا نسيت، ويعلمونك إذا جهلت، ويدفعون عنك الشبهات والشهوات بإذن الله.
ثالثا: العنف في السلوك لا يأتي إلا من البعد عن الجو الآمن في المساجد، والإحساس بالراحة، فاقترب من بيوت الله، وتحنن على أولادك، وعلى زوجتك؛ لتكون سكنك.
رابعا: أنت طبيب نفسك، والإرادة القوية الصلبة من سيماء الرجال، فلا تدع الضعف يتسرب إلى نفسك، فأنت قوي جدا، ولكنك لم تكتشف قوتك، فحاول أن تطلق هذا المخبوء في صدرك.. لا تدع الشيطان يسيطر على سلوكك، بل استعذ بالله منه، وتحرك للتغيير ولا تنتظره، أعلن لمن حولك أنك تغيرت فعلا، وأنك لن تعود إن شاء الله، وأن عليهم أن يعينوك على نفسك، فإن عدت فإنك لست أول من عاد لمعصية تركها، فعد فورا إلى التوبة واستغفر الله ولا تعجز.
خامسا: أنصحك باستشارة أحد المختصين في الاستشارات النفسية والأسرية مباشرة؛ لتعرض عليه مشكلتك كلها، فرب معلومة لم تذكرها هنا هي مفتاح الحل. وفقك الله وسدد خطاك، وأعانك على نفسك والشيطان والهوى.(19/465)
الاستهزاء بالملتزم
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 17-5-1424
السؤال
فضيلة الشيخ أنا شاب حديث عهد بالتوبة، وهنالك مشكلة تؤرقني فأكاد أفقد الراحة في بعض الأحيان بسببها، مشكلتي باختصار: حين أذهب لأقضي بعض الوقت مع أقاربي (أبناء خالي، وأبناء عمي) أرى منهم بعض المضايقات ومنها:
(1) احلق لحيتك، أو خففها، أو هذبها.
(2) كل ما أفعل شيئاً يقولون: انتبه حرام كيف تفعل هذا (وهي أشياء عاديه) .
(3) المطوع جاء والمطوع راح وحلال وحرام هذا هو أسلوبهم في أغلب الوقت معي، إذ الاستهزاء بالملتزمين هو ديدنهم، كأنهم يريدون إبعادي عما أنا فيه، ولا يصبرني سواء واحد منهم وهو ملتزم.
فأرجوك يا شيخ إرشادي لما فيه مصلحتي وثباتي.
الجواب
إلى أخي الكريم ... التائب وفقه الله،
ذكرت في سؤالك أنك جديد عهد بالتوبة، وأنه يوجد من يضايقك باللحية، والمطوع، والحرام والحلال، والجواب: اعلم أخي العزيز أن طريق الجنة عزيز وغال، ويحتاج إلى صبر وتضحيات، ولقد أوذي الأنبياء والصحابة والعلماء، ولا بد من هذا، والمؤمن الحق هو الذي لا تزيده الابتلاءات والاستهزاء إلا ثباتاً، ورجوعاً إلى ربه، وتمسكا بدينه، واعتزازاً به، والمسلم مطلوبه عظيم لا يبيعه لو عرضت عليه الدنيا كلها بحذافيرها،، وأما طريق التعامل فعليك بالآتي:
1.عليك بطلب العلم بالتدريج به.
2.كثرة العبادات من صلاة النوافل والصيام والحج والعمرة.
3.قراءة القرآن بتدبر وتدرج في الحفظ.
4.مجالسة رفقة صالحة تعينك وتذكرك وتثبتك.
5.لا تجلس مع هؤلاء المستهزئين إلا في حال عارضة كالمناسبات.
6.إذا سمعت الاستهزاء فعليك بالرد اللين، وتجمل بالصبر، واترك عنك الشدة وردود الأفعال، وإذا ضاق بك المقام فقم واترك المجالسة.
7.الشيطان يكيد لك، فيوسوس لك بالرجوع والانتكاس لتسلم من الاهتزاء، فالحذر الحذر، وأسأل ربك الثبات، وألح عليه بكثرة الدعاء.
8.حاول أن تجلب لهؤلاء المستهزئين من يبصرهم ويتحبب إليهم ويحذرهم من مغبة الاستهزاء وأنه قد يصل بالإنسان إلى الكفر، لأن هذا دين الله: اللحية وغيرها.
9.لا تقلق وانظر لهؤلاء بمنظار الرحمة، كيف أن الشيطان أغواهم، وافرح بما أنت عليه من عمل الصالحات، وأن الله منّ عليك بالاستقامة، وجدد إيمانك بشكر الله، وكن عزيزاً بدينك، واثقاً بربك، تحمل هم الإسلام والمسلمين ودعوتهم.
أسأل الله لك الثبات والتوفيق.(19/466)
الحجاب في الظروف الراهنة
المجيب علي الجمعة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 30-3-1424
السؤال
أنا فتاة متحجبة والحمد لله، ولكن بعد أن قرأت كثيراً، واستمعت إلى كثير من الشيوخ والعلماء يتحدثون عن الحجاب الشرعي للمرأة المسلم أصبح لدي دافع قوي للتمسك بالحجاب الشرعي، ولكن اتخاذ هذه الخطوة يعتبر أمراً فيه صعوبة، نظراً للظروف الاجتماعية "وغير الاجتماعية" التي تحيط بنا في مجتمعنا
شيخنا الفاضل:
هل رضا الله أصبح جريمة - هل عندما نحاول أن نطيع أمر الله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - نصبح وكأننا شواذ أو خطر على المجتمع - ما نراه حولنا من معاصي وأشياء تشمئز منها النفس، وتقلق الإنسان المسلم
أرجو النصيحة مع الدعاء لي أن يعينني الله.
الجواب
بسم الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فجوابنا على سؤال السائلة حول الحجاب للمرأة المسلمة، في الحقيقة لم يظهر لنا هل هو استشارة أو شكوى حال؟ وعلى أي حال فإنا نشكرها على مشاعرها الفياضة حيال دينها وتعاليمه، كما نشكرها على رغبتها في الحجاب واعتزازها به، ونقول لها: لا؛ ليست مرضاة الله جريمة، ولا امتثال أوامره واجتناب نواهيه جريمة، ولا ارتداء الحجاب جريمة إلا إذا انعكست الموازين وتغيرت المفاهيم، قال تعالى: "أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً".
وقال الشاعر:
يقضى على المرء في أيام محنته *** حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
والأخت الكريمة تحب الحجاب وترغب بارتدائه، لكنها لا تفعل خوفاً أن يجر عليها ذلك نقد المجتمع، وربما يعود عليها بضرر جسمي أو معنوي أو حرمان مما تطمع في تحقيقه، فنقول لها: عليك أن تتقي الله - عز وجل - بصدق وإخلاص، ولن يضرك بعد ذلك شيء، لأن الله - عز وجل - وعد بذلك، ووعده حق، قال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً"، وقال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا"، وقال تعالى: "إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً" [الأنفال: 29] ، فعليك العمل بأوامر الله، واصبري واحتسبي، فللصبر آثار جميلة وعواقب محمودة وفوز وظفر، قال تعال: "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط" أختي المؤمنة؛ لا ريب أن الحجاب ثابت بالكتاب والسنة الصحيحة، فلا يبطله جور جائر، ولا قول مفتر. فلله الأمر من قبل ومن بعد، حفظك الله ورعاك من كل سوء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/467)
حديث عهد بالتوبة
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 2-4-1424
السؤال
أنا شاب حديث عهد بالتوبة، وهناك أمور لا أستطيع التغلب عليها، فأنا أعاني منها كثيراً، في بدايتي كنت محافظاً على قيام الليل وتلاوة ما تيسر من القرآن، وقد خف ذلك كثيراً لضيق الوقت بسبب الجامعة ومواعيد محاضراتها.
وهناك أمران هما أشد علي مما سبق، ألا وهما.
أولاً: الصلاة تفوتني عندما أكون نائماً، علماً بأنني أضبط المنبه، وأستقيظ لأقفله، وأكمل نومي.
ثانياً: التدخين (فلم أستطع تركه) .
فأريد منك فضيلة الشيخ نصحي وإرشادي إلى طريق الحق والصواب، ودعواتك لي بالثبات والإصلاح. والسلام خير ختام.
الجواب
الأخ الكريم ...
شكراً على سؤالك وحرصك وحسن ظنك بأخيك، كما نشكر لك مواصلتك على موقعنا، ونرجو الله أن نكون من المتناصحين فيه، ثم إني أبارك لك توبتك ورجوعك إلى الله، وأبشر بما يسرك إذا ما ثبت على توبتك، فإن الله يحب التوابين، ويفرح بتوبة عبده ويتقرب منه بقدر تقرب عبده منه، إلا أن الأمر يتطلب من العبد ثباتا وصبرا وإصرارا، لذلك حتى يفوت إبليس علينا فضل التوبة والرجوع إلى الله يزيد من فتنته للعبد، ويهون عليه المعصية، ويرغبه فيها، ويزهده في الطاعة، وهي معركة لا تقف ولا تنتهي حتى يوضع العبد في قبره، وبقدر ما تتصور حقيقة المعركة تفوت على الشيطان جهده في جعلك ضحية من ضحاياه، والأمر يتطلب منك جهدا مضاعفا للحفاظ على مكتسبات التوبة، ويتطلب منك حذرا وفطنة من كل باب يفتح أمامك تكون عاقبته سوء، ولذلك أنصحك بأمور لعلها تكون سببا في تقوية إيمانك وتثبيت توبتك، ومنها:
(1) أكثر الاستعانة بالله عز وجل، فإنه وحده هو المعين على الإيمان والطاعة.
(2) أكثر من قولك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
(3) اكثر من الدعاء في أن يشرح الله صدرك، وينور قلبك، ويزيدك إيمانا وخيرا وطاعة.
(4) اصحب الأخيار والصالحين، فانهم صمام أمان لك من كثير من السوء والشر والفساد.
(5) اهجر أصحاب السوء والأماكن التي كنت تعصي الله فيها سابقا، وإن استطعت أن تنتقل من البيئة التي أنت فيها إلى بيئة أخرى صالحة فافعل، فإنها مهمة لثبات العبد.
(6) اقرأ كثيرا في سير الصالحين والسلف، فإنها من أعظم الزاد.
(7) نم مبكرا ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ثم استعن بالآخرين في إيقاظك للصلاة.
(8) لا تجعل المنبه قريبا منك بل اجعله في مكان بعيد حتى تضطر للقيام له، ثم لا تعد للنوم بعدها.
(9) ذكر نفسك بخطورة المعصية أنى كانت، فإن لها أثراً سيئا على العبد عاجلا وآجلا.
(10) أكثر من حضور مجالس الذكر والموعظة، وسماع أشرطة المشايخ والدعاة، فإنها سياط القلوب.
(11) عليك باستشارة أهل العلم فيما يخص بعض الأمور التي تطرأ عليك، حتى تكون على بينة من أمرك، وختاما أدعو الله لك بالتوفيق والسداد والثبات والإيمان والتقوى، وآمل مواصلتنا لنحقق المزيد من التناصح والتآخي، وشكرا مرة ثانية على رسالتك.(19/468)
العودة إلى سابق عهدي!!
المجيب سعد الرعوجي
مرشد طلابي بثانوية الأمير عبد الإله.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 17-3-1424
السؤال
أنا شاب متزوج ولله الحمد وعندي ولد, ونشأت في أسرة متدينة كثيرا ولكن لم التزم معهم في الباطن بل كان في الظاهر فقط.
قبل الزواج كنت قد عثت في الأرض فسادا من علاقات محرمة مع نساء وفتيات وبعد أن تزوجت منّ الله علي بالتوبة فصرت أبكي كثيرا وأحافظ على الصلوات في المسجد وصرت أحب أن أقرأ القرآن وأتلذذ بقراءته حتى أصبحت أصلي بالناس في أحيان كثيرة.
وقطعت كل علاقة لي بالمحرمات حتى كان العام الماضي حيث أحسست بفتور وبدأت أحس بالانهيار وبدأت أذنب ولكن بعد أن انتهي من الذنب أعود فابكي وأحترق وبدأت فتنة النساء تراودني مرة أخرى ولكني أدعو الله دائما أن ينقذني مما أنا فيه.
الرجاء أدركوني بنصحكم.
الجواب
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم"
أخي الكريم ...
لا تيأس بهذه السرعة واعلم أن الله سبحانه ليس بظلام للعبيد فإن علم منهم صدقاً في التوبة كان أسرع منهم في قبولها وإن تقرب إليه عبده شبراً تقرب إليه ذراعاً وقد امتلأ كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالحث على التوبة والإنابة وبشّرهم بسعة رحمة الله سبحانه وتعالى حتى ذلك الرجل الذي قتل مائة نفس وعلم منه التوبة قبلها وأدخله الله الجنة فكيف أخي الكريم تسرب إلى قلبك اليأس والقنوط من رحمة الله حتى وإن وقع منك ما وقع فكلنا ذو خطأ لكن أخي الكريم يتبقى عليك تلك الخطوات العملية في التوبة والإنابة وليس مجرد التمني وسأذكر هنا بعض الأمور التي تحتاجها:-
1-دع عنك الوساوس وتعوذ منها.
2-ابتعد عن التسويف والتأجيل فهي مرض خطير لابد من استئصاله.
3-ابدأ بالاقتراب من الله سبحانه وتعالى بالتركيز على الصلاة أولاً ومحاولة الخشوع فيها فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
4-عليك بالقرآن العظيم هذا الكتاب الذي بقراءته تأنس القلوب فتذهب الهموم.
5-أكثر من النوافل فإنها تقربك إلى الله سبحانه وتعالى.
6-حاول أن تراقب الله واترك الناس فإنهم لا ينفعون ولا يضرون وأصلح سريرتك فهي من أعظم الأمور
7-التصق بأصدقاء طيبين يعينونك على تقوى الله فإن الإنسان قليل بنفسه كثير بغيره والصديق الطيب كحامل المسك إما أن يحذيك أو تجد عنده ريحاً طيبة.
8-أكثر من الاستماع إلى كلام الله سبحانه أولاً ثم الأشرطة المفيدة التي تزيد من منسوب الإيمان بإذن الله.
9-حاول الالتصاق بالمشائخ وأهل العلم والفضل فإنهم عونً بإذن الله على طاعته ولديهم أشياء كثيرة يستطيعون تقديمها لك يا أخي الكريم.
10-استمتع بزوجتك وحاول أن تجعلها تملأ عليك حياتك وتلبي رغباتك خاصة الجنسية منها واطلب منها ذلك وحثها على الظهور أمامك بكل جميل ترنو له النفس.
11-اجعل لك مع أسرتك برنامجاً عائلياً تلبي فيه طلباتك الأسرية واحتياجاتها وبرنامجاً علمياً وشرعياً مع الزوجة تزداد فيه معرفتك بجوانب الشريعة.
12-الدعاء ثم الدعاء فإنه سلاح عظيم وتحرّ مواطن الإجابة فالله واسع الفضل.
وفقنا لله وإياك لما يحب ويرضى،،،(19/469)
أشعر بفتور
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 6/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا ملتزم من حوالي سنتين، وكنت في الماضي بعيداً جداً عن الله تعالى، فكنت أتعاطى المخدرات وأشاهد الصور الإباحية وأمارس العادة السرية، ولكني بفضل من الله تخلصت من هذه الأشياء عندما التزمت، ولكن بعد مرور وقت على الالتزام أمُر الآن بمرحلة فتور قوية جداً يا شيخ، وأني مستاء جداً من نفسي، فلقد رجعت إلى مشاهدة الصور وممارسة العادة السرية فلم تنفع الكتب الوعظية ولا الأشرطة، ولا حتى المقالات التي تتحدث عن الحلول، حتى آيات القرآن التي تتحدث عن الموت وعن عظمة الله لم تنفع معي يا شيخ، وأني الآن أبكي وأنا أكتب رسالتي؛ لأني أريد أن أعود إلى الله، ولكن قلبي أصبح مريضاً؛ بل لقد مات قلبي, وإني أشكو بثي وحزني إلى الله وأريد منكم أن تساعدوني في مصيبتي؛ لأني أخاف أن أموت وأنا في حالتي هذه التي لم أكن أتوقع أبداً أن أصل إليها, وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أخي الفاضل: أسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك بقوله الثابت في الدنيا والآخرة.
ذكرت في رسالتك أنك حاولت علاج نفسك بالمواعظ والأشرطة وغير ذلك، ولكن كما تتصور لا فائدة، ومشكلتك تتركز في النظر والعادة السرية.
أخي الكريم: لم تذكر هل أنت متزوج أم لا؟!. ويغلب على ظني أنك غير متزوج، وربما أنك غير مستطيع الآن للزواج.
حينئذ لا تجعل تنفيسك عن نفسك بالعادة السرية كبيرة مثل كبيرة الزنا، وبادر بالسعي إلى الزواج فهو حصن حصين من الفاحشة بإذن الله، واقرأ ما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد عن الاستمناء، فقد قال: (إن كان مغلوباً على شهوته يخاف العنت أو الزنا أو الضرر في دينه وبدنه جاز له ذلك) ابن جرير الطبري جامع البيان عن تأويل أي القرآن (ج4ص28ط دار الكتب العلمية) ، نص عليه أحمد في بدائع الفوائد ج (4ص96ط دار الفكر، يعني الإمام أحمد بن حنبل.
وليس الاستمناء مثل الزنا بحيث يكون قلقك وخوفك من ارتكابه مثل كبيرة الزنا، فلا ينبغي أن يتدرج بك الشيطان إلى ما هو أعظم وأكبر من ضعف العبادة أو تركها.
بل بادر بعد كل نظر محرم أو استمناء إلى الاستغفار وفعل الطاعات مثل نوافل الصلوات، والصدقات، والذكر وغير ذلك، قال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" [هود:114] ، وأكثر من الصيام تطوعاً، وحاول إشغال وقتك بالمفيد من الأعمال، واعلم أن الأمة بحاجة إلى الإصلاح والعمل من كل فرد بحسب قدرته وطاقته.
أخي الفاضل: لا أوافقك على قولك بأن لا فائدة من سماع المواعظ، فها أنت تطلب الإرشاد، وتطلب المساعدة وتخاف من الانتكاس وما ذلك إلى لما في قلبك من الخير.
فاستمر في سماع المواعظ، وزيارة القبور، وزيارة المرضى وتذكر عظيم منة الله عليك بالطاعة والاستقامة، وكونها سبب الحياة الطيبة.(19/470)
واعلم أن الدعاء من أعظم ما يعين على الثبات فاكثر من الدعاء بالثبات، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" [آل عمران:8] وأكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، والدعاء: "رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون" [المؤمنون:98] .
لا تهيج نفسك على المعاصي بالنظر المحرم، وإذا وقع منك النظر فتوضأ لتزيل أثره وتتطهر منه، فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم-: حيث قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه على الماء، أو على آخر قطر الماء ... " أخرج مسلم (244) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
أكثر من الجلوس مع الصالحين والمكثرين الذكر والعبادة للتأثر بهم، وتقل نوازع الشر في النفس.
أكرر الدعاء بالثبات لي ولك: (اللهم ثبتني وأخي السائل على قولك الثابت في الدنيا والآخرة) ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(19/471)
مبتلى بالنظر إلى النساء
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 26/10/1424هـ
السؤال
إني مبتلى بفتنة النظر إلى النساء وصورهن مع أني أصلي وأحفظ الكثير من القرآن، فهل لي من طريق إلى التخلص من هذا؟ ونسألكم الدعاء.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أحلَّ لنا الطيبات، وحرَّم علينا الخبائث والمنكرات، والصلاة والسلام على معلّم الناس الخير نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
إلى الأخ السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
أخي الكريم: لقد قرأت رسالتك أكثر من مرة، وسرني جداً محافظتك على الصلاة في أوقاتها، وكذلك حفظك لكثير من كتاب الله - جل وعلا- نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق اللهم آمين.
ولكن ساءني جداً ما ابتليت به من فتنة النظر إلى النساء، الله أسأل أن يعصمنا وإياك وكل مسلم من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولكن سعدت كثيراً بكونك غير راضٍ على ما أنت فيه من هذا البلاء العظيم والشر المستطير، فالنظر إلى النساء فتنة عظيمة وبلية عظمى، وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من فتنة النساء، فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" متفق عليه البخاري (5096) ، ومسلم (2741) .
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" أخرجه مسلم (2742) .
فيا أخي الكريم: تب إلى الله وبادر بالإقلاع عن هذا الفعل المحرم فإنه من خطوات الشيطان الذي أمرنا المولى - جل وعلا- بعدم اتباعه فقال تعالى: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان" [البقرة:168] ، وتذكر وأنت تنظر إلى حرمات المسلمين تذكر نساء أهل بيتك وكل من تمتٌّ لك بصلة، هل ترضى أن ينظر أحد إليهم ويتلذَّذ بذلك النظر المحرم، الجواب معروف، فكما أنك لا تحب ذلك لأهلك وأقاربك فكذلك الناس لا يحبون ذلك لأهليهم ولا لأقاربهم، فاتق الله في حرمات الناس يتقي الناس الله في حرماتك، والجزاء من جنس العمل، وإني ناصحك بأمور تعينك بعد فضل الله على أن تقلع عن هذا الشر العظيم فمستعيناً بالله أقول:
(1) الامتثال لأمر الله - جل وعلا-؛ وذلك بغض البصر، قال تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ"
[النور:30) ] .(19/472)
(2) المبادرة بالتوبة والإسراع فيها وإياك والتسويف، والعزم الأكيد على عدم العودة إلى هذه المنكرات مرة أخرى، وعليك بالندم على ما قدمت يداك في سالف دهرك، واعلم بأن الله يفرح بتوبة العبد إذا تاب إليه ورجع نادماً على ما اقترف من معاص وذنوب، عن أنس - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" متفق عليه البخاري (6309) ، ومسلم (2747) وهذا لفظ مسلم.
(3) إذا همت نفسك بفعل المنكر والقبيح من النظر إلى هذا العفن القذر فتذكر بأن لله يراك ومطلع عليك، فاستح أن يراك وأنت في معصية، فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك، فاجتهد -يا رعاك الله- أن يراك ربك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، فإذا دعتك نفسك وزين لك الشيطان فعل المعصية فاعلم بأن الله "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" [غافر:19] ، وصدق من قال:
إذا ما خلوت الدهر يوماً *** فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل طرفة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب.
وقال آخر:
إذا ما خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى العصيان
فاستح من نظر الإله وقل لها*** يا نفس إن الذي خلق الظلام يراني.
(4) استبدل هذه القاذورات بالذي هو خير لك في دينك ودنياك، وفي حياتك وبعد موتك، وذلك بطلب العلم الشرعي والاجتهاد في حفظ كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- وليكن عندك همة عالية، وليكن لك هدفاً نبيلاً في هذه الحياة بأن تكون داعية إلى الله على بصيرة وعلم.
(5) عليك بالإكثار من القراءة في الكتب التي ترقق القلب وتحفِّز على فعل الطاعات وترك المنكرات، وكذلك الإكثار من الأشرطة الإسلامية النافعة والتي تتحدث عن الموت وشدته، والقبر وظلمته، والقيامة وأهوالها، والحساب وصعوبته، والصراط وحدته، والجنة ونعيمها، والنار وعذابها، فاحرص أن تكون من أهل الجنة، واحذر أن تكون من أهل النار.
(6) عليك أن تستحضر دائماً وأبداً بأنك إلى الله راحل، وبين يديه واقف، وهو سبحانه سائلك عن كل كبيرة وصغيرة فعلتها، في حياتك فماذا ستقول له عندما يسألك عن هذه الأوقات التي ضيعتها وأنت تشاهد هذا العفن وتفعل هذه المنكرات؟.
فيا بني احرص أن تلقى الله وأنت على طاعة، واحذر أن يأتيك الموت وأنت على معصية، عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" فكان ابن عمر رضي الله عنهما- يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" أخرجه البخاري (6416) .
(7) عليك أن تشغل نفسك بالطاعة وفعل الخير، وفعل كل ما يقربك لله؛ لأن النفس إذا لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.(19/473)
(8) عليك بمصاحبة الصالحين والأخيار من طلبة العلم والدعاة، وحضور مجالس العلم والذكر، والبعد عن مصاحبة أهل الشر والفجور والضلال والغواية، والبعد عن مجالس الشر والسوء، فمصاحبة الفريق الأول شفاء ونجاة وفلاح وفوز في الدنيا والآخرة، ومصاحبة الفريق الثاني: داء وهلاك وخسران في الدنيا والآخرة، قال تعالى: "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" [الزخرف:67] .
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "مثل الجليس الصالح كبائع المسك إذا لم تشتر منه شممت منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير إذا لم يحرقك لجلوسك معه شممت منه رائحة كريهة" متفق عليه البخاري (2101-5534) ، ومسلم (2628) .
(9) إذا همت نفسك بالنظر إلى الحرام فتذكر بأن الله هو الذي أنعم عليك بهذه النعمة وهو سبحانه قادر أن يسلبها منك، ولا أحد يستطيع أن يردها لك، فهل يكون ذلك هو شكرك لهذه النعمة العظيمة والتي قد حرم منها فئام من البشر؟ وكل واحد منهم يتمنى أن ينفق كل ما عنده ويرد إليه بصره ولو ساعة واحدة يرى بها من يحب، - فيا رعاك الله- احفظ بصرك واتق ربك يحفظك الله،"هَلْ جَزَاءُ الإحسان إِلَّا الإحسان" [الرحمن:60] ، والجزاء من جنس العمل، قال - صلى الله عليه وسلم-: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك"جزء من حديث أخرجه الترمذي (2518) ، وغيره من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح، والرجاء أن ترجع إلى شرح هذا الحديث في المصدر المشار إليه، وهناك شريط بهذا الاسم لفضيلة الشيخ عائض القرني، وكذلك شريط بنفس الاسم لفضيلة الشيخ وحيد بالي فاحرص على سماع مثل هذه الأشرطة النافعة - بإذن الله تعالى-.
(10) وفي الختام أقول لك عليك بكثرة الذكر والاستغفار، وأكثر من الدعاء والجأ إلى الله بصدق بأن يصرف عنك هذا الشر المستطير من هذه الفتن الفتاكة القاتلة، فالله سبحانه هو الذي يعصم عباده من الخطأ والزلل، "رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" [البقرة: من الآية286] . هذا والله أعلم، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأن يجنبنا وإياك مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه، وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/474)
أهله يريدون أن يلبس الجنز ويحلق لحيته
المجيب عبد الله عبد الوهاب بن سردار
إمام وخطيب جامع العمودي بالمدينة المنورة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 6/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أعيش مع أهلي ومنذ فترة وأنا أحاول الاقتداء برسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- وأهلي لم يعترضوا إلا على تغيير هيأتي وشكلي من ناحية الملبس وإعفاء اللحية، وهم يريدونني أن أعود إلى ما كنت عليه من اللبس وحلق اللحية، مع ملاحظة أني كنت ألبس الجينز وأن لحيتي لم تكتمل بعد وهم يرونها سيئة المنظر، أفتوني أثابكم الله.
الجواب
الابن العزيز: حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولاً: اعتذر عن تأخر الجواب، رغم أني قد تفاعلت مع رسالتك وتأثرت بها كما أني سررت بك كثيراً، فحيا الله محمداً الذي اسمه كاسم سيد البشر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهنيئاً لك الحرص على الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-.
ثانياً: هذا جواب سؤالك:
(1) المسلم عبدٌ لله خاضع له عز وجل في ظاهره وباطنه، لذلك حين يتوب المسلم إلى الله يترك كل معصية ظاهرة أو باطنة قال الله تعالى:"وذروا ظاهر الإثم وباطنه" [الأنعام:120] . وصلاح الظاهر مطلوب كما أن صلاح الباطن مطلوب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" رواه الإمام البخاري (52) ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -، فالقلب هو الباطن، والجسد هو الظاهر، ومن الظاهر: الأقوال والأعمال واللباس والزينة واللحية.
(2) إذا كان أهلك يريدون منك أن تعود إلى شيء محرم كنت عليه سابقاً فلا يجوز أن تطيعهم في ذلك، فإذا أمروك بحلق اللحية أو أمروك بلبس ملابس محرمة، مثل: الملابس التي تكشف العورة والملابس الضيقة جداً فلا تطعهم في ذلك؛ لأن المخلوق لا يطاع في معصية الخالق تعالى، أما إذا كانوا يريدون منك أن تعود إلى شيء ليس بمحرم فأطعهم في ذلك.
ملاحظة: البنطلون إذا كان واسعاً واعتاد الناس لبسه في بلدكم فلا بأس بأن تلبسه، أما الجينز فأرى ألا تلبسه.
(3) في كل الأحوال احرص على ما يلي:
أ. كُن مؤدباً معهم أكثر مما كنت سابقاً في الأقوال والأفعال حتى إذا أساء أحد إليك.
ب. حاول إقناعهم بالأحكام الشرعية بلطف وحسن عبارة مع الاهتمام بذكر الأدلة وفتاوى العلماء.
ج. احرص على أخذ الأحكام من أهل العلم حتى تنجو من الإفراط والتفريط وتبتعد عن الغلو والتمييع، لأن الذي يقع في الغلو ينفر منه الناس ولا يرضى الله عن عمله.
أسأل الله أن يثبتك ويسددك، اللهم أعنه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(19/475)
مفهوم التدين
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 26/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
أريد أن أصبح متديناً، لكنني أشعر بقليل من الخوف، ما هو تعريف الشخص المتدين؟ وكيف يصبح المرء كذلك؟ وفيما إذا أصبحت متديناً، هل يجوز لي أن ألعب وألهو مع أصدقائي؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، وما كنا لنهتدي لولانا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
إلى الأخ السائل: - حفظه الله ورعاه- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع، ومرحباً بك أخاً في الله على طريق الحق.
لقد قرأت سؤالك وسرني جداً حبك للدين وحرصك على أن تكون من المتدينين الملتزمين بشريعة رب العالمين، والمتمسكين بهدى سيد المرسلين نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-.
ولكن لماذا الخوف؟ ومن أي شيء تخاف؟ يبدو أن فكرتك عن الالتزام والتدين فكرة خاطئة، هذا يظهر من سؤالك وخصوصاً الفقرة الأخيرة منه.
يا أخي الكريم: أتخاف لأنك تريد أن تسلك طريق الحق، طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
أتخاف لأنك تريد أن تكون من عباد الله المخلصين، الذي هم للخير فاعلون وللشر تاركون؟ أتخاف لأنك تريد أن تسير في ركب محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم- وتلحق بأولئك الصحب الكرام، ومن تبعهم بإحسان؟ لماذا تخاف إذاً وأنت قدوتك محمد - صلى الله عليه وسلم- إن هذا الخوف الذي عندك إنه من الشيطان ليثبطك حتى لا تسير مع تلك القافلة المباركة، وتلك الثلة الطيبة، قال تعالى: "إنما ذلك الشيطان يخوف أولياؤه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين" [آل عمران: 175] .
فدع عنك هذا الخوف، وامتط صهوة جوادك والتحق بالركب المبارك ثبتنا الله وإياك.
أما عن سؤالك ما هو الشخص المتدين فهو باختصار شديد: هو من يفعل الخير، ويترك الشر، ويبعد عن الخلاف، وعندما تصبح متديناً يجوز لك أن تلعب وتمرح وتمزح مع أصدقائك، وكان هذا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه الكرام رضوان الله عليهم جميعاً، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، فالتدين لا يمنعك من فعل هذا كله، لكن بضوابطه الشرعية، فعليك بقراءة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- وسيرة سلفنا الصالح وسترى ما يشرح صدرك. هذا والله أعلم.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/476)
هل باب التوبة مفتوح؟
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 16/8/1424هـ
السؤال
لقد ضاجعت أختي الصغيرة من خلال الملابس، فهل باب التوبة مفتوح؟.
الجواب
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على النبي القائل: "أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة" أخرجه مسلم (2702) من حديث الأغر بن يسار المزني -رضي الله عنه- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
إلى الأخ التائب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة، واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
أخي التائب: لقد قرأت رسالتك القصيرة مرات عديدة، ويعلم الله أنه قد ساءني ما ألمّ بك، وأحزنني ما وقعت فيه، لكن سرَّني سؤالك: هل باب التوبة مفتوح؟ فأقول لك أخي التائب: نعم باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، وليس هناك ما يحول بينك وبين التوبة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" أخرجه مسلم (2703) وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" أخرجه مسلم (2760) ، فرحمة الله واسعة، وباب التوبة مفتوح، وما عليك إلا أن تبادر وتسارع بالتوبة إلى الله، وأبشر بخير، فإن الله يتوب على من تاب، وإن شئت فاقرأ قوله تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم* وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون" [الزمر: 53-54] ،وقوله تعالى: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماًَ ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا" [الفرقان: 68-71] .(19/477)
وإليك هذا الحديث الرائع والذي يوضح لنا مدى سعة رحمة الله بعبده التائب مهما فعل من الذنوب والمعاصي، المهم أنه يقبل على الله بقلب خاشع ونفس منكسرة ذليلة، ويكون صادق النية في توبته، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم قال سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم- أي حكماً - فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد أن يذهب إليها ليتوب فيها، فقبضته ملائكة الرحمة" متفق عليه البخاري (6/373-374) ، ومسلم (2766) ، وفي رواية في الصحيح: "فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها، وفي رواية أيضاً في الصحيح: "فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي، وقال: قيسوا ما بينهما فوجدوه إلى هذه أقرب، أي إلى القرية الصالحة بشبر فغفر له" وفي رواية: "فنأ أي فقرب بصدره نحوها" أرأيت يا عبد الله مدى سعة رحمة الله بعباده التائبين، أضف إلى ذلك بأنك إذا تبت إلى الله ورجعت إليه، وأقلعت عن المعاصي والذنوب فإن الله يفرح بك فرحاً شديداً، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" متفق عليه، البخاري (1/91-92) ، ومسلم (2747) واللفظ له.
فبادر بالتوبة أخي الكريم ولا تعد لما فعلت، فإن ما فعلته أمر عظيم، وجرم كبير، وذنب فادح، وفعلة قبيحة وشنيعة يستقذرها أهل المروءة والنخوة، ويستقبحها أهل الفطر السليمة، ويستعظمها أهل الإيمان والتقى. والتوبة لها شروط وضعها أهل العلم حتى تكون التوبة توبة نصوح وهذه الشروط هي:
(1) الإقلاع عن المعصية فوراً.
(2) الندم على فعل هذه المعصية.
(3) العزم الأكيد على عدم العودة إلى المعصية مرة أخرى.
وهناك أمور تعينك بإذن الله تعالى على التوبة من هذه المعصية وغيرها ومنها:
(1) مصاحبة أهل الخير من طلبة العلم والدعاة وغيرهم.
(2) الحرص على مجالس الذكر والعلم.
(3) عدم مخالطة أهل السوء والشر والفسق والابتعاد عنهم.
(4) الحرص على قراءة القرآن بتدبُّر والحرص على طلب العلم.(19/478)
(5) سماع الأشرطة الإسلامية النافعة التي ترقق القلب وتقوي الإيمان، وتربي في النفس روح المراقبة لله - جل وعلا-.
(6) البعد عن كل ما يثير شهوتك من مسموع ومقروء ومشاهد.
(7) عدم الخلوة بمن يثير شهوتك ويجعل للشيطان عليك سبيلا.
(8) عليك بالصيام فإن الصيام يطفئ الشهوة، كما في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
(9) عليك بكثرة الدعاء واللجوء إلى الله بأن يصرف عنك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
(10) عليك أن تشغل نفسك بطاعة الله؛ لأنه كما قيل النفس إذا لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
نسأل الله أن يتوب علينا وعليك، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/479)
يزني ويتوب ثم يعود وهكذا ...
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 15/8/1424هـ
السؤال
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
سؤالي: وبما أنني أعرف الإجابة، ولكن لراحة القلب كتبت هذا السؤال، والذي أتمنى الإجابة عنه من قبل أحد الشيوخ، وأدعو الله أن يجعل ذلك في موازين أعمالكم،
بصراحة أنا إنسان أنعم الله علي بكل شيء، بالزوجة، والأولاد، والوظيفة، والحمد لله، ولكن - وللأسف الشديد - ذهبت إلى إحدى الكبائر وهي الزنا، وكلما أرتكبها أعود وأبكي واستغفر الله، وأقوم الليل وأصلي وأدعو الله أن يغفر ذنوبي، إلا أني وبعد فترة أقوم وأعيد الكرة مره ثانية، وبعدها أقوم بنفس العمل من الاستغفار والتوبة، وفعلاً بدأت أتعب نفسياً، وأخاف من تلك العهود التي عاهدت الله وأخلفته أن ينزل الله علي غضباً، وهو أن لا يغفر لي تلك الكبيرة، فأرجو من الله ثم منكم مساعدتي، فوالله إن هذه الدنيا لا تساوي لدي شيئاً، وأتمنى جنة الفردوس، وأخاف عذابه وعذاب النار، فأفتوني عن الطريقة التي تساعدني على ترك هذه الكبيرة وكل كبيرة.
وجزاكم الله ألف خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد التائبين نبينا محمد القائل: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" أخرجه البخاري (11/85) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:
إلى الأخ السائل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
لقد قرأت رسالتك مرات عديدة، وساءني جداً - يعلم الله- ما أساءك، وأحزنني ما أنت فيه، وعلمت أن الشيطان لعنه الله قد أقبل عليك بخيله ورجله، وأحاط بك إحاطة السوار بالمعصم؛ ليضلك عن السبيل القويم، ويجعلك تغرق في هذا المستنقع الآسن، مستنقع الشهوات واللذات المحرمة.
لكن أقول لك أخي: اعلم أن رحمة الله واسعة بعباده، وأن رحمته سبقت غضبه سبحانه، وهو يقبل توبة التائبين، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" أخرجه مسلم (2760) ، والآيات والأحاديث كثيرة، ويبدو من سؤالك أنك تعرفها فلا حاجة إذاً لإعادتها.
أما قولك بأن الدنيا لا تساوي عندك شيء وأنك تتمنى جنة الفردوس، وتخاف عذاب الله وعذاب النار، فهذا كلام نظري جميل ورائع، لكن أين الفعل والتنفيذ، والترجمة العملية لهذه الدعوى العريضة؟.
إن كنت حقاً صادقاً في دعواك لانعكس ذلك في تصرفاتك وأفعالك، وصدق الإمام الشافعي حيث قال:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه*** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته*** إن المحب لمن يحب مطيع(19/480)
قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" [آل عمران: 31] ، يقول الإمام الحسن البصري - رحمه الله- كما ذكر ذلك ابن كثير - رحمه الله- في تفسيره: (أن هناك أناس ادَّعو محبة الله فابتلاهم الله بهذه الآية" اهـ.
فيا أخي الكريم: إن الترجمة الفعلية لما تدعيه وتزعمه هو تقوى الله في السر والعلن، وتقوى الله أن تجعل بينك وبين محارم الله وقاية، وذلك بفعل ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
أخي الكريم: أتظن أن الجنة سلعة رخيصة، لا والله، سلعة الله غالية جداً، ولا يقوى على ثمنها إلا أصحاب الهمم العالية، إن الجنة أعدها الله لعباده المتقين الذين يراقبونه في السر والعلن، فهم دائماً وأبداً يعلمون بأن الله يراهم ومطلع عليهم في سرهم وجهرهم، فهم مراقبون له سبحانه في جميع أحوالهم، نسأل الله أن نكون منهم، وإني أستعين بالله وأرشدك على أمور عسى الله أن ينفعك بها، وتعينك على التخلص من هذه الكبيرة وكل كبيرة بإذن الله، فيا رعاك الله أرعني سمعك، واحضر قلبك فإني محدثك فأقول:
(1) عليك أولاً بالبعد عن كل أسباب هذه المعصية، سواء منها المسموع أو المقروء أو المشاهد، أو الصحبة، فعليك أن تقلع عن مصاحبة أهل الشر والفساد والفجور، وعليك بمصاحبة أهل الخير والبر والتقوى من طلبة العلم والدعاة والصالحين.
(2) تذكَّر نعم الله عليك من زوجة وأولاد وصحة وعافية، ومال، ووظيفة، أهكذا يكون شكر النعم؟. هذا المال وتلك الصحة التي أنعم الله عليك بها، تكون هذه النعم هي وسيلتك لمعصية الله. اعلم أن الله قادر أن يسلب منك كل شيء، ويدعك وليس معك أي شيء.
(3) عليك بغض البصر، وإذا دعتك نفسك للحرام فاذهب إلى زوجتك واقضي منها وطرك وحاجتك، فإن هذا أفضل لك في دينك ودنياك، وآخرتك، كما أرشد لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم-.
(4) إذا همَّت نفسك بفعل هذه المعصية القبيحة وغيرها تذكَّر بأن هناك ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى، أُعدت للفجار والفساق والزناة، فهل تقوى على هذه النار؟.
(5) تذكَّر بأن عاقبة الزنا وخيمة في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا عار وشقاء، ووحشة في القلب، وبغض من الخلق، وربما طالك الأذى في أهلك.
أخي! أترضى هذا الأمر المنكر والفعل القبيح لأمك؟ أو لأختك؟ أو لعمتك؟ أو لخالتك؟ أو لزوجتك؟ أو لابنتك؟ أو لأي قريبة لك؟ فإن كنت لا ترضاه لهؤلاء كلهم، فلماذا ترضاه لغيرك؟.
أما في الآخرة فعذاب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
(6) تذكَّر وأنت تمارس هذا العفن أن الله مطَّلع عليك ويراك، فهل استهنت بنظر الله إليك، وجعلته سبحانه أهون الناظرين إليك، اعلم بأن الله قادر على أن يقبض روحك وأنت على هذه الحالة فماذا تفعل؟ والمرء يحشر يوم القيامة على ما مات عليه.(19/481)
(7) تذكَّر الموت وما فيه من شدائد وكربات، والقبر وما فيه من أهوال وظلمات، وتذكَّر يوم القيامة وما فيه من شدائد عظام، وتذكَّر حالك عندما تتطاير الصحف، فمنهم من أخذ كتابه باليمين فكان من الفائزين، ومنهم من أخذ كتابه بشماله فكان من الخاسرين الهالكين، وتذكَّر في ساعة الحساب والعرض على أحكم الحاكمين، وتذكَّر الصراط الذي نصب على متن جهنم وهو أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة، وتذكَّر منصرف القوم فريق في الجنة يتنعمون، وفريق في النار يعذبون ويصرخون، فأهل الجنة في نعيم دائم مقيم، وأهل النار في عذاب قائم مهين، فمع أي الفريقين تحب أن تكون؟ والعاقل بصير نفسه، والظمآن يكفيه من الماء اليسير.
(8) عليك بصدق اللجوء إلى الله والتوبة إليه، وكثرة الدعاء بأن يصرف عنك هذه المعاصي والمنكرات، ويوفقك لعمل البر والخيرات، إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه.
هذا والله أعلم. والله أسأل أن يجنبنا وإياك شر المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/482)
صراعٌ مع النفس
المجيب سليمان بن سعد الخضير
مشرف مناهج بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 18/1/1425هـ
السؤال
احترت وحار بي الدليل مع نفسي، أدعوها للطريق المستقيم الذي يؤدي إلى الجنة، وتأبى إلا أن تطيع الشيطان، الذي يتلاعب بها كيف يشاء يمنة ويسرى، تحب الغناء وأنهاها عن ذلك بشدة وأقول لها: ألم تعلمي بأنه حرام؟ وأقرأ لها الآية: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"، وأؤكد لها بأن ابن مسعود - رضي الله عنه- قد أقسم بأن المقصود في الآية الغناء، ولكنها تقول لي -أي نفسي-: إن الله غفور رحيم، وأنهاها عن النظر إلى المحرمات، وأقول لها الآية: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ" وكلما حاولت أن تغريني إلى الفواحش والحرام أستدل لها بالآيات أو الأحاديث، ولكن دون جدوى، ترفض إلا أن تدعوني إلى المحرَّم، ومع هذا كله إذا ذكر اسم الله وجلت وخافت، وإذا سمعت كلام الله اطمأنت، ومع هذا كله فإني أصلي وأصوم، فاكتشفت أن لدي انفصاماً في الشخصية، واحدة دينية وأخرى دنيوية، سؤالي: هل لانفصام الشخصية علاج؟ أرجو الشرح والتوضيح.
الجواب
أسأل الله تعالى أن يربط على قلبك وأن يلهمك رشدك ويقيك شر نفسك، وبعد:
ما تشتكي منه يعاني منه أناس كثيرون، وعانى منه المتقدمون، والتوفيق كله من الله -تعالى-، لا أتفق معك بأنك تعاني انفصامًا في الشخصية بناء على ما أشرت إليه من حال نفسك، بل هذا صراع طبيعي بين النفس والهوى الذي يديره غالبًا الشيطان.
اطمئن من حال نفسك، وتأكد أنك قادر على تجاوز هذه المشكلة عبر الوسائل التالية:
1- التوجه إلى الله -تعالى- وطلب العون منه ـ جل وعلا ـ في التغلب على ميل النفس إلى الهوى.
2- تدريب النفس على قوة الإرادة، وضبط الانفعال والميول والرغبات، ولذلك فأنا أتوقع أنك تعاني من عدم قدرتك على الاستيقاظ متى ما أردت، وربما تترد في قول (لا) للشيء يطلب منك ولا تريد. هذان المظهران (مثلاً) إن وجدا فيك فأنت تعاني من ضعف الإرادة وسيكون علاجها بالتدريب -إن شاء الله-.
3- أكثر من الذكر وقراءة القرآن، وبخاصة أن نفسك تتأثر بذلك وترق له.
4- فكر في العواقب؛ فإن الغناء والنظر إلى النساء بداية طريق موحش لنهاية يكرهها الله ويغضب عليها.
5- تأكد أن ما تعاني منه أمر جبلي في كثير من الناس، فلا تقلق نفسك؛ لكونه أمرًا غريبًا، ولكن ركّز على سبل التخلص منه والوقاية من أسبابه.
6-اجتهد في قطع الأسباب (الفرص) التي تتيح لك استماع الأغاني من خلال احتفاظك بأشرطة الغناء القديمة أو مجالسة من يستمع إليها دون مراعاة، وكذلك الأماكن التي يكثر فيها النساء أو مشاهدة البرامج التي تعتمد عليهن أو زيارة مواقع الإنترنت التي تروج لصور النساء، وإلا أصبحت كمن يرمي بنفسه في الماء ويحذرها أن تبتل.(19/483)
ولك في نبي الله يوسف -عليه السلام- عبرة، حيث إنه خرج من مكان الفتنة حين راودته امرأة العزيز ولم يقل في نفسه أقف معها وأنصحها وأذكرها بالله -تعالى- ونحوه موقف الصحابي كعب بن مالك - رضي الله عنه - حين وصله خطاب من ملك غسان الكافر يدعوه للحاق به وأن يرفع من محنته وقد هجره النبي - صلى الله عليه وسلم- وصحابته بعد تخلفه عن غزوة تبوك، فقد سارع إلى إحراق الرسالة حتى لا يتيح لنفسه فرصة النظر فيها ويقطع عنه وسوسة الشيطان أن يغريه باللحاق بالكفار وهجران المسلمين مع ما هو عليه من المحنة انظر ما رواه البخاري (4418) ومسلم (2769) من حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه-.
7- حاول أن ترتقي باهتمامك وأن تجعل همك رضا الله -تعالى-.
8- اجعل لنفسك مشروعًا كبيرًا يشغل بالك عن هذه الترهات، وليكن مشروعًا ينفع الله به من حولك من أهلك وإخوانك، أو أمتك، وكلما كان مشروعًا يقودك إلى الله -تعالى- فإنه أنفع لك، وإذا لم تجد مشروعًا محددًا فاجعل مشروعك الوصول إلى أعلى درجة في الجنة، إن هذا الشعور سينسيك دوافع نفسك وسيشغلك الأهم عن ما هو دونه، فلا تكاد تفكر فيه.
9- لا تستسلم لنفسك ولا لرغباتها ولا تيأس؛ فإن اليأس لا يصنع شيئًا.
10-أكثر من الطاعات؛ فإنها كفارات لصغائر الذنوب، ومن شأنها إصلاح القلب والنفس.
11-تذكر أنك مهما وقعت في شيء من ذلك فإن باب التوبة مفتوح، والله ـ جل وعلا أشد فرحًا بك، من فرحك أنت بالتوبة نفسها.(19/484)
أسباب الهداية والتوبة
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 2/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شخص منَّ الله عليَّ بالهداية بعد أن كنت في ضلال وتيه، ولكني أفعل المعاصي، فماذا أفعل لأتخلص من الذنوب وأرضي الله - سبحانه وتعالى-؟.
الجواب
الأخ الكريم: - سلمه الله - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، ونرجو أن تجد منَّا النفع والفائدة، ثم إني أبارك لك التوبة والهداية، وأسأل الله لي ولك الثبات على الحق؛ حتى نلقى الله، ومن المعلوم أن الثبات على الطاعة، والبعد عن المعصية يتطلب جهداً من العبد؛ ليكون على طريق التوبة الصحيح، ومن ذلك ما يلي:
1- عليك بكثرة الاستعانة بالله - عز وجل- في كل أمر من أمورك.
2- عليك بالابتعاد عن الأسباب التي توقعك في المعصية مرة أخرى، أو تسهل عليك الوقوع فيها.
3- عليك بالإكثار من قراءة القرآن، والدخول في حلقة من حلقات التحفيظ؛ لتعيش مع القرآن تلاوةً، وحفظاً، ومدارسة.
4- أكثر من حضور مجالس الذكر من حلقات العلم، والمحاضرات العامة، وسماعة الأشرطة التي تعنى بذلك.
5- تأمل سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليكن لك جدولٌ من الوقت في قراءتها، والعيش معها، وأقترح عليك كتاب الرحيق المختوم، وكتاب السيرة النبوية - دروس وعبر-.
6- الزم الصحبة الصالحة، ولا تعد عيناك عنها؛ فإنها الأمان بعد الله من الوقوع في مزالق الشهوات والشبهات.
7- احرص على الصلوات الخمس في المسجد جماعة، ولا تفوتنك صلاة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وإن فاتتك فألزم نفسك بصيام يوم، أو التصدق بصدقة.
8- بر والديك، وصل أرحامك؛ فإنها من الطاعة التي يحبها الله، وهي طريق للثبات.
9- استمع، أو اقرأ قصص الأنبياء، والمرسلين، والصالحين، والعُبَّاد؛ فإن فيها سلوة وعبرة.
10- عليك بكثرة الدعاء وسؤالك الله الثبات على دينه.
11- قم بالدعوة في أوساط أهلك، وأصحابك بما علمت من الحق؛ فإن في ذلك إلزاماً للنفس بما تدعو إليه.
هذا، بعض ما تيسر، وأرجو الله لي ولك الثبات على دينه، وحياك الله أخاً في الله، وصاحباً في طريق الحق، والسلام عليكم.(19/485)
بسبب الحجاب يضطهدونها، فهل تتركه؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 27/11/1424هـ
السؤال
أنا مسلمة جديدة، أدرس الآن وأعمل نصف دوام في مستشفى، وأنا محتاجة للعمل؛ لأساعد زوجي في أمورنا المعيشية، مشكلتي في الحجاب، أود أن ألبسه لكنني لا استطيع، لو علم والداي بإسلامي فسيستهزئون بي، ويكون مصير زوجي الخروج من المدينة، فهو بالطبع الذي سيُلام على "إفسادي"،نحن نعيش في مدينة أهلها من الكاثوليك المتشددين، وكل الناس هنا معروفون، وزوجي رجل بسيط ومسالم، أشعر بأنني منافقة لخروجي إلى المسجد بالعباءة، وخروجي بالملابس العادية إلى الكلية أو السوق، اليوم على سبيل المثال رأيت امرأة متحجبة بالكامل مع النقاب وزوجها معها ووقعت نظرات زوجها المسمومة علي (بسبب ملابسي) مباشرة في قلبي، لا أستطيع لبس الحجاب لكنني متألمة من وضعي أكثر فأكثر. أرجو توجيه نصيحة لي ولزوجي.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إن كانت المضايقة لا تعدو كلمات الهمز واللمز والسخرية فلا أجد لك رخصةً في التبرج ونبذ الحجاب؛ ومجرد الاستهزاء والسخرية والهمز واللمز لا يبيح للمسلم أن يترك شعيرة من شعائر دينه، ولا أن يرتكب محظوراً من المحظورات، فما من بلد من البلدان في مشارق الأرض ومغاربها ـ الإسلامية وغير الإسلامية ـ إلا وفيها من يستهزئ ببعض الشرائع والشعائر، وما من نبي إلا وقد استُهزئ به ولُمز وسُخر منه، وهذه هي طبيعة الدين، وهي ابتلاء من الله وتمحيص، "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" [العنكبوت:2 -3] .
ولو لم يكن في التزام صراط الله المستقيم فتنةٌ لما تميّز المؤمن من المنافق، ولسهل على كل دَعيٍّ أن يدعي الإيمان والإسلام، ولكن اقتضت حكمة الله -سبحانه- أن يُبتلى الناس في دينهم، ليُعلم الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق.
والمقصود: أن ما تذكرينه من مخاوف تخافينها إن ارتديتِ الحجاب الشرعي ليس عذراً يبيح لك التبرج ونبذ الحجاب، فارتديه، ولْتكوني عزيزةً بدينك، وارفعي به رأساً، واشمخي به أنفاً، ولا تلتفتي لاعتذارات المهزومين ودعاوى المتشككين، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس, ومن التمس رضا الناس بسخط الله وَكَلَه الله إلى الناس" أخرجه الترمذي (2414) بسند حسن.
لكن إذا ترتّب على خروجك بالحجاب اعتداءٌ عليك بضربٍ، أو تهديد بقتلٍ أو طردٍ من بلدك إلى بلد آخر لا تجدين فيه عملاً، فأرجو أن تكوني معذورةً حينئذ لو خرجتِ بلا حجاب، لكن يجب أن تقصري خروجك على ما تدعو إليه الحاجة، كالعمل ونحوه، واجتهدي وسعك بألا يبدو من بدنك إلا ما تقتضي الحاجة إبداءه ويدفع عنك الأذى والمضايقة؛ ككشف الوجه فقط، أو الوجه والشعر، وليس ثمَّ حاجة إلى كشف العضد أو الساق أو الذراع أو العنق أو النحر، فإن الحاجة تقدّر بقدرها.
أسأل الله أن يملأ قلبك بالإيمان، وأن يثبتكِ على طاعته ودينه، وأن يوفقك لمرضاته، وأن يحفظك بحفظه، وأن يرزقك الذرية الصالحة، وأن يُقرَّ عينك بصلاح زوجك وولدك، وأن يهدي أبويك لدينه القويم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/486)
تصفح المواقع الجنسية
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 15/11/1424هـ
السؤال
إنني مولع بالإنترنت، وأبحث فيه عن المواضيع الإسلامية من فتاوى وغيرها، غير أني مولع كذلك بالبحث عن المواقع الخليعة، ولكني ما إن أنتهي حتى أجد نفسي نادماً أشد الندم إلى درجة البكاء والسهر خوفاً من الله، وأترك الإنترنت عدة أيام، ولكن عندما أعود مرة أخرى أجد نفسي أبحث عن تلك المواقع. فأرجوكم دلوني على ما ينقذني من هذا الأمر.
الجواب
الحمد لله، أخي السائل الكريم، إن النفس البشرية تتجاذبها نوازع الخير من جهة، ونوازع الشر من جهة أخرى، فأيهما تغلب على الأخرى كان الإنسان تبعاً لها، إما خيَّراً وإما شريرًا.
قال الله تعالى:" إنا هديناه السبيل، إما شاكراً وإما كفورا" [الإنسان:3] ، وللأسف الشديد فأكثر الناس يستجيبون لنوازع الشر، ودوافع الهوى، فيغلب الشر على طباعهم، وتتشكل من خلاله شخصياتهم، فيسرفون على أنفسهم بالمعاصي، ويضيعون أعمارهم في اللهو والعبث ومطاردة الشهوات.
وأنت أخي الكريم قد أنعم الله عليك، فأدركت شؤم المعصية ومرارتها بعد الفراغ منها، وعاينت وخز الضمير وسياط الندم عند اللحظة الأولى التي تعود فيها إلى رشدك، وتستيقظ من سكرة الشهوة وغيبوبة الغفلة، فلتسأل نفسك بصراحة هل تستحق تلك المشاهد الداعرة التي تبحث عنها كل هذه الآلام التي تلازمك بعدها؟.
بل سل نفسك أيليق بك وأنت المسلم الموحد، الناطق بالشهادتين صباح مساء أن تنظر إلى تلك المشاهد القذرة، والجبار - جل جلاله- ينظر إليك فأين الحياء من نظر الإله؟! أهكذا تكافئ ربك الذي منحك البصر والسمع والفؤاد؟
إن مشكلة الكثير منا - أخي في الله - أننا نغتر بإمهال الله وستره وحلمه، ونسينا أو تناسينا أن الله يمهل ولا يهمل، وأنه - سبحانه - يغار ويغضب إذا انتهكت محارمه، فهل تأمن من غضبة إلهية تكون أنت ضحيتها، فلا ينفعك ساعتها ندم، ولا يفيدك اعتذار.
إن الفرصة يا أخي بيدك اليوم، وقد تفقدها غداً، فبادر إلى التوبة النصوح قبل فوات الأوان، وإني أنصحك بصدق ومن أعماق قلبي أن تترك الإنترنت إلى الأبد، فقد جربت بنفسك مراراً فلم تقو على مقاومة إغراء المواقع الخليعة باعترافك! فما الذي ستخسره حين تتخلص من الإنترنت والعكوف عليه، فمواقع الشر تُقدر بعشرات الألوف وأكثر، وليس بينك وبينها سوى لمسات بإصبع أو بإصبعين!! إن الخير تجده في الكتب النافعة والأشرطة المفيدة ومجالسة الصالحين، وليس وقفاً على الإنترنت الذي تقصم بعض مواقعه الظهور، وتُذهل العقول، وتذهب بالعفة والشرف والمروءة، وكم فقد ذو فضل فضله، وذو دين دينه، وذو عقل عقله أمام صفحات المواقع الطافحة بكل سيء وقبيح، والمعصوم من عصمه الله، والسعيد من وعظ بغيره. هذا وأسأل الله لي ولك ولعموم المسلمين الهداية والثبات والله يحفظك. والسلام.(19/487)
يعاني من الرياء والعجب
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من الرياء والإعجاب بالنفس والكبر واحتقار أعمال الآخرين، فما الحل؟
أرجو التفصيل، وجزاكم الله خيراً عنا وعن المسلمين.
الجواب
الحل هو أن تصحح مفهومك لأعمالك، وأن تتعرف على نفسك فيجب عليك أن تعرف بنفسك بأن ما ذكرته من صفات يدل على أنك لا تعرف نفسك، وكون الإنسان يتكبر على الآخرين فإن هذا من العيوب والذنوب الكبيرة، والله - جل وعلا- وعد من نازعه بالكبر بأن يعذبه ويقصمه، لأن الكبرياء لله - جل وعلا- وكون الإنسان يحتقر الآخرين هذا دليل على جهله بنفسه، والواجب على الإنسان أن يتعامل مع الآخرين تعامل احترام وإحقاق للحق، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" أخرجه مسلم (91) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وبطر الحق أي: جحد الحق، وغمط الناس: يعني احتقارهم، فالواجب عليك أن تتأدب بآداب الإسلام، وأن ترجع إلى صفات أهل الإيمان مما وجه إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وكان يتصف به في تعامله مع الآخرين، وأما سؤالك عن الرياء وأنك تعاني منه فهذا مرض وبيل حذرنا منه النبي - صلى الله عليه وسلم- وسماه شركاً خفياً، فالمطلوب من العبد المؤمن أن يعمل الأعمال لله وحده لا يشرك فيها أحداً من المخلوقين، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخلق وهو الذي يرزق وهو الذي يحيي وهو الذي يميت، وإليه المرد، ومنه يحصل الإنسان الثواب أو يقع عليه العقاب، وإذا كان هذا هو حالك مع ربك فيجب أن تتعامل مع الله - جل وعلا- على أنه هو الذي يجب أن يُراعى، ولا يكون للمخلوق دخل في هذا، لأن المخلوق الذي تريد أن ترائيه وتعمل العمل لأجله لم يخلقك ولم يرزقك، وليس له عليك طريق لا من قريب ولا من بعيد، فيجب على الإنسان أن يراجع حساباته مع ربه، ويتنبه لأخطائه، والرسول - صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي قال: قلنا بلى، قال الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يعمل لمكان الرجل" أخرجه أحمد (10859) ، وابن ماجة (4204) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ومثَّل له: بأن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه، نسأل الله - جل وعلا- التوفيق للجميع.(19/488)
الفتاة والقنوات الفضائية
المجيب د. خالد بن سعود الحليبي
وكيلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 24/2/1425هـ
السؤال
شيخنا الفاضل: سؤالي يخص الفتيات وما يمرون به في مرحلة المراهقة كما يقال، وهو من المعلوم لديكم ما يسبب الجلوس المتواصل على التلفاز وما يسبب من أحلام يقظة لدى بنات عمرنا، وأنا من هؤلاء، والحمد لله عرفت الداء ونويت أن أمنعه، والحمد لله تركت التلفاز بشكل عام، واقتصرت على مشاهدة الأخبار والبرامج السياسية فقط (قناة الجزيرة) ، لكن المشكلة ما ورثته لي المرحلة السابقة من تخيلات بقيت محشوة في مخيلتي ولا أعرف كيف الخلاص منها، وأرسلت هذا السؤال الآن لأني سأمتحن امتحانات الثانوية العامة واجلس في البيت بعض الوقت، وأخاف أن تعود لي هذه التخيلات وتراودني نفسي وأعود، فقد تعبت والله مع نفسي حتى تخلصت منها. أرجو منكم أن تساعدوني بأي توجيه، وأن تدعو لي بالهداية والتوفيق خلال الامتحانات. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختي الكريمة وابنتي العزيزة: لقد أفصحت عن مرض خطير أصاب كثيراً جداً من بنات جنسك، وهو ينمو في الجسد كما ينمو السرطان، ولا يتنبه له الإنسان إلا بعد أن يكون قد تمكن منه، وإذا كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، يقول: " النظرة سهم من سهام إبليس" رواه الحاكم في المستدرك (7875) من حذيفة - رضي الله عنه- فتلك نظرة واحدة، فكيف بمن جعل نفسه هدفا للشيطان، يرهقه كل يوم بمختلف أنواع النظرات؟!! ولكني أهنئك على التوبة، وأسأل الله تعالى لي ولك الثبات.
وسؤالك في مكانه، وكما يعاني منه الفتيات فإن الشباب أيضا يعانون منه كذلك، والحل هو استبدال تلك المناظر التي عاشت في الذاكرة، وذلك بمشاهدة مناظر النور كالقرآن الكريم، ومجالسة الوالدين وإيناسهما، ومجالسة الصالحات، وقراءة الكتب النافعة، والترفيه بكل حشمة مع محرم في الأماكن البرية والبحرية في ستر وحشمة. ثم إذا عرضت تلك الصور المحرمة في صلاة أو قراءة أو مذاكرة، فحسن أن تبادري للاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والإسراع إلى الوضوء والصلاة ركعتين تحرصين فيهما على حسن الأداء وعدم إعارة الشيطان أي جزء منهما. ثم إن نسيان تلك الصور يتوقف على احتقارك لها، والندم الحقيقي على الزمن الضائع فيها، ورجاء التوبة بصدق وإنابة.
ولا تستحدثي صورا جديدة البتة، وتذكري حديث:"يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَة"ُ قَالَ أَبُو عِيسَى [هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ] رواه الترمذي (2777) وأبو داود (2149) من حديث بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - فما جر النظرات المتتابعة إلا التساهل في النظرة الأولى التي كررت وأتبعت نظرة أخرى بل نظرات، اتقي الله واحرصي على طهارة قلبك، وادعي الله كثيرا أن يذهب عنك تلك الصور، وأنصحك بالاستماع إلى شريط جيد في هذا الإطار للشيخ الدكتور إبراهيم الدويش بعنوان: (السهم المسموم) ، فقد عرض لمشكلتك هذه بتفصيل أكثر. وفقك الله وستر عليك.(19/489)
الحور بعد الكور
المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 9/2/1425هـ
السؤال
بحمد الله كثر من يستقيم على طريق الخير وكثر التائبون ولكن هناك طائفة منهم لا تملك نفسا طويلا على الاستقامة فتعود كما كانت فما هو السبب فضيلة الشيخ وما هو توجيهكم للدعاة حيال ذلك.
الجواب
ليس السبب واحداً، وإنما هي عدة أسباب منها:
(1) أن تكون البداية ضعيفة، وأن يكون الأصحاب من ذوي الهمم الدانية.
(2) ومنها ضغط العادة، وقلة الصبر، وقلة المعين، وترك الاستشارة والسؤالِ.
(3) ومنها ضعف التحصيل العلمي، وضعف التعبد، وقلة التفقد للنفس وعيوبها وقلة السعي في إصلاحها.
(4) ومنها استطالة الطريق، والنظر إلى من هو أقل.
(5) ومنها كثرة القيل والقال، والجدال، وقلة الاشتغال بما يعني.
(6) ومنها الفتن التي تمر بها الأمة؛ فهي تحتاج إلى تأمل وروية وبعد نظر.
ومن كان ضعيفاً في العلم والعمل أوشك ألا يصمد، خصوصاً إذا لم يجد أو لم يبحث عمن يأخذ بيده إلى بر الأمان.(19/490)
وبالجملة فالأسباب كثيرة. أما ما ينبغي فعله حيال ذلك الأمر فيحتاج إلى بسط وتفصيل. ومما يفيد في هذا الشأن أن يحرص المربون والدعاة على تربية من تحت أيديهم تربية متوازنة متكاملة، وأن يشرحو صدورهم لما يرد عليهم من أسئلة وإشكالات، وألا يستعجلوا النتائج. ومن ذلك ألا يشغلوا الناشئة فيما لا يعنيهم، بل يحرصوا على تزكيتهم بالعلم والعمل، والبعد عن مواطن الخلاف. وهذا ما يؤكد حاجة الأمة إلى وجود المربين الأفذاذ، والمعلمين القدوات الذين يستحضرون عظم المسؤولية، ويستشعرون ضخامة الأمانة، والذين يتسمون ببعد النظرة، وعلو الهمة، وسعة الأفق، وحسن الخلق، والذين يتحلون بالحلم والعلم، والصبر والشجاعة، وكرم النفس والسماحة. فأثر هؤلاء في التربية كبير، ودورهم الذي يقومون به غير يسير؛ فالواحد من هؤلاء الأفذاذ ممن اجتمع له ما اجتمع من خصال الخير، ومن معاني السمو والألمعية - لا بد أن يتأثر به طلابه، وأن ينطبعوا بطابعه؛ لأنه سيربيهم على معالي الأمور، ومكارم الأخلاق، والتطلع للكمالات. فإن أتيت للعلم وجدته يفتح لهم أبوابه، ويشحذ قرائحهم لفهم معانيه، وإدراك مراميه، ورأيته يطلق لهم العنان في البحث، ويردهم إلى الصواب برفق إن أخطأوا، ويثني عليهم إن ناقشوا فأصابوا. بل إنه سيحرص جهده على أن يكون من تحت يده خيراً منه، فلن يقف حجر عثرة أمام طلابه، ولن يجد في نفسه غضاضة أن يتفوق أحدٌ مهم عليه. وما ذلك إلا لكرم نفسه، وعلو همته، وسعة أفقه، ولأنه يسعى للإصلاح، ويروم رفع الغشاوة عن الناس، ولإنه يعمل للآخرة، ويعلم أن أجره سيدوم ويتضاعف إذا هو خرَّج طلاباً يخلفونه في العلم، وينشرون ما تلقوه على يديه. يقص علينا التاريخ أن في الأساتذة من يحرص على أن يرتقي تلاميذه في العلم إلى الذروة، ولا يجد في نفسه حرجاً من أن يظهر عليه أحدهم في بحث أو محاورة. يذكرون أن العلامة أبا عبد الله الشريف التلمساني كان يحمل كلام الطلبة على أحسن وجوهه، ويبرز في أحسن صوره. ويروى أن أبا عبد الله هذا كان قد تجاذب مع أستاذه أبي زيد ابن الإمام الكلام في مسألة، وطال البحث اعتراضاً وجواباً، حتى ظهر أبو عبد الله على أستاذه أبي زيد، فاعترف له الأستاذ بالإصابة، وأنشد مداعباً: أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني وإن أتيت للمجالات الأخرى رأيت هذا المربي الفاضل يربيهم على خلق العدل، وفضيلة الإنصاف، والتجافي عن ساقط القول ومرذوله. وستجده - أيضاً - يربيهم على خلق الشجاعة، وصرامة العزم، وعزة النفس، وأباءة الضيم، كما أنه سيربيهم على التواضع الجم، والبعد عن الإعجاب والتعالي على عباد الله. فإذا تربى الطلاب على الدين القويم، ووصلت معانيه إليهم من طريقها الصحيح، وقام على التربية معلمون ربانيون مخلصون - رسخت الفضائل في نفوسهم، وَقَّرتْ بها قرار ذات الصدع تحت ذات الرجع، فلا ترى من جراء تلك التربية إلا حياءً وعفافاً، وأمانة وصدقاً، واستصغار للعضائم، وغيرة على المصالح، وما شئت بعدُ من عزة النفس، وكبر الهمة. تلك الخصال التي لا تنبت أصولها، ولا تعلو فروعها إلا أن يتفيأ عليها ظلال الهداية ذات اليمين وذات الشمال؛ فالإسلام دين ينير العقول بالحجة، ويزكي النفوس بالحكمة. وكم أخرجت مدارسه، أو(19/491)
مجالس القوامين على هدايته من رجال يلاقون الأسود فيصرعونها، ويجارون الرياح فيسبقونها، يخفضون أجنحتهم؛ تواضعاً للمستضعفين، ويرفعون رؤوسهم؛ عزة على الجبارين، تعترضهم الأخطار فيخوضون غمارها، وتعتل قلوب أو عقول فيضعون الدواء موضع عللها، عدل كأنه القسطاس المستقيم، وسخاء كأنه الغيث النافع العميم، وجدٌّ في طلب العلم وإن كان بمناط الثريا، وطموح إلى المعالي وإن انتبذت وراء الفلك الدَّوار مكاناً قضياً. قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله - في وصيته للمعلمين: (ثم احرصوا على أن يكون ما تلقونه لتلاميذكم من الأقوال منطبقاً على ما يرونه ويشهدونه منكم من الأعمال؛ فإن الناشئ الصغير مرهف الحس، طُلَعَةٌ إلى مثل هذه الدقائق التي تغفلون عنها، ولا ينالها اهتمامكم. وإنه قوي الإدراك للمعاييب والكمالات، فإذا زيَّنتم له الصدق فكونوا صادقين، وإذا حسنتم له الصبر فكونوا من الصابرين. واعلموا أن كل نقْشٍ تنقشونه في نفوس تلامذتكم من غير أن يكون منقوشاً في نفوسكم - فهو زائل، وأن كل صبغ تنفضونه على أرواحهم من قبل أن يكون متغلغلاً في أرواحكم فهو - لا محالة - ناصل حائل، وأن كل سحر تنفثونه لاستنزالهم غير الصدق فهو باطل. ألا إن رأس مال التلميذ هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة، وأما ما يأخذه عنكم بالتلقين من العلم والمعرفة - فهو ربح وفائدة) أ. هـ.
هذا والله أعلم وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/492)
كيف أتوب؟
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 05/07/1425هـ
السؤال
كيف أتوب إلى الله توبة نصوحاً تجعلني أحبُّ لله واكره لله؟ وأنا أعيش في مجتمع منحلّ، والدنيا ورئي وأمامي؟ أريد أن أعود إلى الله. أرشدوني بالله عليكم.
الجواب
الحمد لله - تعالى-، وبعد:
فأهنئ الأخ السائل من أعماق قلبي على رغبته الجادة في التوبة والاستقامة، وأبشره بما أعدَّه الله -سبحانه - للتائبين الصادقين، قال الله - تعالى-: "إنَّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" [البقرة: 122] ، ويقول: "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنَّ الله يتوب عليه إنَّ الله غفور رحيم" [المائدة: 39] ، ويقول: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلاَّ بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً" [الفرقان: 68-70] .
وأحيطك علماً -أيها الأخ الكريم- أنه يشترط لقبول التوبة وصحتها خمسة شروط، وهي:
(1) الإخلاص في التوبة رغبة فيما عند الله من الجزاء الأوفى، وخشية ما عنده من العذاب الأنكى، وحباً لإرضائه -عز وجل-.
(2) المبادرة إلى التوبة في زمن الإمهال أي: قبل الموت قال الله - تعالى-: " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ... " [السماء: 18]
(3) الإقلاع عن الذنب ومجانبته.
(4) الندم على وقوع الذنب ندماً شديداً.
(5) العزم على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى.
وإن كان الذنب يتعلق بحقوق الآخرين وجب إعادة الحق لأصحابه - إن أمكن -.
وأنصحك -أيها المبارك- أن تجتهد في غض البصر، والبعد عن أماكن الفتن، وأن تحرص على قراءة القرآن، وتفسير ابن كثير، وكتب العقيدة السلفية، والمحافظة على الصلوات المفروضة، والبعد عن قرناء السوء، وأن تكون على صلة دائمة بموقعنا على الإنترنت (الإسلام اليوم) لتطالع ما يفيدك وتسأل عمّا يشكل عليك في سائر أمورك.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وأخذ بنواصينا وناصيتك إلى البر والتقوى، ونستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.(19/493)
الغناء مهنتي
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 29/06/1425هـ
السؤال
أنا شاب، عمري23 سنة، أعمل في أحد الملاهي الليلية كمغن، أريد أن أتوب، ووجدت أن الحل الوحيد هو الزواج، لكني لا أتقن أي عمل آخر، فقررت جمع المال من هذا العمل الحرام، ثم أنجز بهذه الأموال مشروعاً صغيراً يمكِّنني من العيش من الحلال. هل يجوز ذلك؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
سلام الله يا عبد الله ورحمته وبركاته. - وأسعدك الله، وزادك من هذا الشعور بالذنب الذي تمارسه-، وقد استيقظ ضميرك، واستنارت جذوة الإيمان في قلبك، وقد علمت بأن ما أنت فيه من العمل الذي يجلب لك المال محرم في الشريعة الإسلامية، ولست شاكاً في هذا - والحمد لله- ألا فلتعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً"، وفي آخر الحديث ذكر مثالاً: "الرجل أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك" رواه مسلم (1015) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يربو لحمٌ نبت من سحت إلا كانت النار أولى به" رواه الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة -رضي الله عنه-، فالواجب الصدق في التوبة، وعدم الالتفات أو التردد حتى يعلم الله ذلك من قلبك، فيسهل لك طريقاً تكتسب منه الحلال، وربك يقول: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق: 2-3] ، فعليك التوكل والتقوى، وعليه - سبحانه- رزقك وكفايتك، واعلم أن الله لم يجعل رزق عباده فيما حرم عليهم، وإن الرب رزقك وأنت تعصيه لا يخذلك إذا أطعته وأقبلت عليه، فتوجه إلى الله بصدق، وابحث عن العمل الشريف بجد، واحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. أسأل الله أن يحقق لك التوبة.(19/494)
يتوب ثم يعود
المجيب د. عبد الله بركات
وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 28/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
يا شيخ: لم أزن إلا مرة واحدة في حياتي، وبعد أن أنهيت وطري طردتها وبكيت، وتبت، وشربت مسكراً مرة واحدة، وجرعة واحدة، ولم يكن مسكراً يؤدي إلى السكر وإنما به قليل من الخمر -أكرمكم الله- وبعد الجرعة رميت الكأس ورجعت لبيتي، وتبت، ولم أر هذا المسكر مرة أخرى ولله الحمد-، ولم أبحث عنه ولا أريده، لكن يا شيخ ألاحظ أني أول يومين من التوبة أحس أني جاد وأواظب على الصلوات وقراءة القرآن، وبعدها أهمل، صحيح أني ولله الحمد- لا أفكر أن أعود إلى الكبائر لكن حماسي وندمي يقل، وأقسم لك بالله يا شيخ أني أحب الدين لكني يا شيخ أنا لست مواظباً على الصلوات، وبصراحة أدخن، وقد تركت التدخين وتبت منه أكثر من مائة مرة وأرجع، يا شيخ كل أموري النفسية تدهورت، والله يا شيخ أخاف أن ينطبق علي حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إنه في آخر الزمان يصبح المرء مؤمناً ويمسى كافراً، إلى آخر الحديث"، وذلك لأني أتوب في الليل وأعزم أن أترك التدخين وأواظب على الصلوات، وأقرأ القرآن، وأعمل ما أستطيع من الصالحات، لكن يا شيخ لا يأتي الصباح إلا وأنا شخص آخر، أقوم بتأخير الصلاة باليوم واليومين، وبعض الأيام أدخن في نهار رمضان، وأقسم لك بالله -يا شيخ- أنني في كل ليلة أتوب وأعزم وفي الصباح تخور قواي ويتمكن مني الشيطان، في أحسن الحالات تدوم معي يومين أو أسبوع لكن إذا دامت كذلك فلا بد أن أجيب الطامة في اليوم الرابع، إما بإفطار يوم من رمضان إذا كانت التوبة في رمضان أو بترك صلوات يوم كامل، يا شيخ أنا الآن متزوج، والحمد لله عندي خير كثير، وصحة وشباب، وزوجة صالحة وغنية، وقبل زواجي كنت فقيراً، ووالله في بعض الأيام أفكر أن أدعو الله أن يأخذ نعمي هذه ويردني مثل أول؛ لأني لا أستحق، زوجتي دائماً أشرح لها وضعي، وهي حاولت مساعدتي، لكن تقول لست طفلاً، هل تريدني أن أضربك؟ مثلاً الصلاة، تقول لي قم صلِّ، لأني أصلي في البيت؛ لأن المسجد يبعد تقريباً عشرين دقيقه بالسيارة ذهاباً فقط، وإمام المسجد قال لي: لا تجب عليك الصلاة جماعة إلا الجمعة، أقول لها طيب بعد شوي، تذهب هي وتحضر الطعام أو تعمل بالبيت، وترجع تقول لي لماذا لم تصلِّ؟ أقول الآن، يعني يا شيخ عندي كسل فظيع مو فقط في أمور الدين وإنما حتى في أمور الدنيا، يا شيخ أنا لا أريد أن أطيل عليك، لكن لي سؤالين ما هي الطريقة التي تعينني على الثبات في طريق التوبة؟ وهل لو عدت يوم عن التوبة التي تبتها أستغفر وأكمل أم تجب علي توبة جديدة؟ السؤال الثاني: قبل زواجي كما ذكرت لك زنيت وتبت ولم أعد ولله الحمد، لكني لا أحس بتأنيب ضميري الآن على ما فعلت لأنه مضى عليه أكثر من خمس سنوات، مع العلم أن العودة له مرة أخرى كانت ميسرة لي لكن حفظ الله ثم كرهي لهذه إلى أن تزوجت، وما أجمل الحلال، ثالثاً: لي علاقات مع بنات بعضهن متزوجات عن طريق الإنترنت، لكنها عادية، فقط أرسل لهن رسائل إسلامية ونشرات، وهن كذلك، وتوجد بعض الفتيات المحجبات معي بالجامعة (بريطانيا) لكن العلاقة فقط السلام، وإذا أردنا خدمة تكلمن معي وأحياناً أقابلهن بالمسجد ويسلمن ويسألن عن حالي وعن الدراسة فقط، وكل يذهب في طريقه. فهل في هذا شيء؟ وجزاكم الله خيراً على ما تقدمون.(19/495)
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولاً: اشكر ربك على ما وهبك من صدق اللهجة، وسلامة الفطرة، وقلق الإيمان ما جعلك نادمًا؛ غير راض عن نفسك ولا مستسلمًا للآفات التي تحاول أن تنهش دينك، فالإقرار بالذنب، والاعتراف بالمعصية، والتألم لذلك والشعور بالضيق من هذه الحال هو علامة خير ينبغي أن تنمى داخل النفس وتترجم إلى عزيمة ثم إلى عمل صالح. فبرغم الكبائر التي أوقعك الشيطان فيها والتي وردت في رسالتك إلا أنك تحاول أن تتلمس شعاع النور لتنعتق من هذه الظلمات؛ لكنك -يا أخي - بحاجة ماسة إلى العوامل المساعدة التي تعينك على صدق التوبة وتوهج الإيمان، وأولها: أن تتفق وزوجتك التي ذكرت أنها صالحة بأن عليكما واجبًا شرعيًا هو التعاون على البر والتقوى، والعمل الصالح، والإقبال على طاعة الله والنفور من معصيته -جل وعلا - ومعنى هذا أن تأخذك بالرغبة والرهبة حتى لا تُترك لنفسك الأمارة بالسوء، فهل لو أصابك داء - لا سمح الله - هل كانت ستهملك أو تتركك وشأنك؛ فكذلك أمراض القلوب واتباع الهوى هو طريق الهلاك فليكن لها معك دور أكثر إيجابية في إعانتك على نفسك، ولها بإذن الله أجر ومثوبة؛ فالدال على الخير كفاعله.
ثانيًا: خذ نفسك بالجد بأن تذهب للصلاة في المسجد ولو ثلاثة أوقات في اليوم على الأقل في الجماعة الأولى عازمًا بينك وبين نفسك ألا تفوتك مع الإمام تكبيرة الإحرام؛ فصلاة الجماعة في المسجد فيها دواء وشفاء لما تشكو منه إن شاء الله تعالى.
ثالثًا: عليك أن تتفق مع بعض إخوانك في الله من الرجال بأن يتفقد كل منكما حالة صاحبه؛ فيعينه إذا ذكر، ويذكره إذا نسي حتى لا تترك فرضًا واحدًا أبدًا، كما تتعاهدوا على التناصح والتواصي بترك التدخين إطلاقًًا، ومنه عدم شربه - أي كل منكم - في وجود صاحبه.
رابعًا: احرص على صيام بعض النوافل كصيام الاثنين والخميس، والثالث والرابع والخامس عشر من شهر عربي، واجعلها تقربًا إلى الله -عز وجل - وتنمية المراقبة لله الذي يعلم سرك وعلانيتك.
خامسًا: اقطع علاقتك بالنساء وإن كان من تناصح في الله بينكما فليكن بين زوجتك وبينهن ...
وأخيرًا: لا يتم ما نصحنا به إلا بمحاسبة للنفس وتذكر الموت والقبر والوقوف للسؤال بين يدي الحي القيوم، فقد تنام ولا تقوم والآجال بيد الله تعالى.. وكن على يقين أن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى.(19/496)
أشعر بالفراغ الروحي
المجيب فهد بن أحمد الأحمد
مشرف في وحدة الخدمات الإرشادية بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 15/05/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله، أما بعد:
أنا شاب مسلم، أعيش في إحدى الدول الأوربية، حيث إني أتابع تحصيلي العلمي هناك، أعيش بين الفينة والأخرى حالة من الفراغ الروحي الشديد، مع أني أحاول المواظبة على أمور الدين، هذا الفراغ أجده نتيجة افتقاد الأهل والصديق، وبشكل أدق أفتقد من يقف إلى جانبي بصدق ومودة، اعتقدت أنه ينبغي علي إيجاد صديقة لتكون بقربي، وهذا ما يتناقض جذرياً كوني رجلاً مسلماً، فأرجو منكم إرشادي لملء هذا الفراغ الروحي القاسي. والسلام عليكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الكريم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أشكر لك تواصلك الإلكتروني مع موقع "الإسلام اليوم" سائلاً الله -تعالى- أن يدوم تواصلك، وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يسهل لك أمرك، ويعينك على تحقيق مبتغاك، وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين، وأن يجعلك مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر ...
أخي الفاضل: لا شك أن البعد عن الأهل والمجتمع الذي اعتدت أن تعايشه وتعودت على نمط الحياة فيه من محافظة على القيم والأخلاق، والخشية من الله -عز وجل- في السر والعلن، والتكافل والتعاون جعلك تشعر بوحدة في مجتمع مادي بحت، المنكرات في كل مكان، والفتن كثيرة، ومع كل ذلك تجد نفسك تجاهد وسط هذا المجتمع لكي لا تقع في الزلات، وأنت بفضل الله ومنته لك الأجر العظيم، فيما تفعله من محافظة على الفروض، وتجنب مواقع الفساد، وكل ما يكدر صفاء دينك وأخلاقك، وما تشعر به نوع من أنواع القلق يسمى القلق الوجودي، لذلك - أخي الفاضل- سأورد لك بعض الطرق التي أسأل الله -تعالى- أن تجد فيها ما يعينك ويثبتك على طاعته ويزيل قلقك:
1- اللجوء إلى الله -عز وجل- والتضرع إليه حال السجود بأن يثبتك على دينه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دائماً يقول في حال الحيرة: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" رواه الترمذي (2140) وابن ماجة (3834) من حديث أنس - رضي الله عنه -. فطلب الثبات مهم جداً.
2- المداومة على الذكر في كل حال وزمن، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال لسانك رطباً من بذكر الله" رواه الترمذي (3375) وابن ماجة (3793) من حديث عبد الله بن بسر - رضي الله عنه -..
3- الحرص على أداء الفرائض على وجهها كما أمر الله خاصة الصلاة، فلا تعلم ما للصلاة من أهمية وتأثير، وانشراح للصدر.
4- لا تجعل في وقتك فراغاً؛ فإن الفراغ مدعاة للتفكير السلبي المسبب للوقوع في الزلات، فاهتم بإشغال وقتك دائماً فيما ينفعك من الاشتغال بالدعوة لغير المسلمين "لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حُمر النعم" رواه البخاري (3009) ومسلم (2406) من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -.(19/497)
5- التحق بدورات تنمي اهتمامك، واجعلها إضافة لتخصصك، فكم من شاب مسلم جاء من الغرب بشهادة تخصصه، وأضاف لها بعض العلوم الأخرى، وأصبح في مجتمعه عضواً فاعلاً ذا صيت ونفع، وخير على أهله ووطنه.
6- إن أمكن لك أن تعود إلى بلدك وتتزوج ثم تعود إلى دراستك فهو أمر خير وبركة، فستجد من يؤنس غربتك، ويشبع غريزتك الجنسية في إطار صبغة شرعية تبتغي فيها وجه الله - عز وجل-؛ قال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" الآية [الطلاق:2-3] .
وستجد ـ إن شاء الله ـ أن المعاناة التي تشعر فيها قد زالت تماماً في ظل وجود زوجة تماثلك اللغة والعادات والتقاليد، فاحرص أخي - حفظك الله - على تلك الخطوة، فاعقلها وتوكل.
حفظك الله من كل شر، وأعانك على نفسك والشيطان، وهداك إلى طريق الحق وأهله ويسر لك الأمر.(19/498)
مشكلتي في حجابي!
المجيب د. فاتن بنت محمد المشرف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 11/05/1425هـ
السؤال
أنا إنسانة متدينة والحمد لله، ولكن مشكلتي الحجاب، فلم أستطع أن أتحمل الغطاء حول رقبتي بالذات وجانبي وجهي، وقد حاولت أن أضعه على رأسي فلا أستطيع أن أطيقه، وأشعر أني أكاد أختنق، ولا أستطيع حتى التركيز في عملي، وأنا لم أتوقف عن المحاولة رغم أنني محتشمة في كلامي وملابسي وتصرفاتي، أرجو أن تساعدوني للتوصل للحل، فإن هذا الأمر يحيرني ويقلقني، أشكركم سلفاً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت السائلة - حفظها الله-: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- على قريش، وقد كانوا يعبدون الأصنام، وكانت آلهتهم المعظمة، فلما دعاهم للإسلام وحرم عليهم عبادة الأصنام امتثلوا لأمره، وتركوا الأهل والدار والولد، وهاجروا معهم وتحملوا معه الأذى، ولما حرمت الخمر وقد أشربت نفوسهم حبها، وكانوا يحبونها حباً جماً، ونزل تحريمها في القرآن تحريماً قطعياً امتثلوا لذلك، وسكبوا الخمر في الشوارع والطرقات، حتى قيل إنها سالت شوارع المدينة عند ذلك، كل هذا امتثالاً لشرع الله لما آمنوا بالله رباً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم- نبياً، وبالإسلام ديناً.
فإذا علمت ذلك، وعرفت أن الله -تعالى- قال: "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" [النور:31] ، وما قالته عائشة - رضي الله عنها- لما أحرمت بالحج، فقالت: كن نمشي كاشفات الوجه (لا الرأس فإذا مر بنا الركبان، أي الرجال الأجانب غير المحارم) سدلت إحدانا حجابها على وجهها رواه أبو داود (1833) وابن ماجة (2935) ومن هذا تعرفين أن الحجاب أمر شرعي فرضه الله -تعالى- لا لينظر فيه للهوى، وهل المرأة تريده أم لا؟!، وأنها محاسبة عليه يوم القيامة، وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو الذي يصور لكِ أنكِ لا تتحملين هذا الحجاب، فلذا على الإنسان أن يتعوذ دائماً من الشيطان؛ لأنه يصعب عليك الأمر الواجب اليسير، وأن يدعو بأن يلتزم بشرع الله ومن ذلك الحجاب، وقد قال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" [الطلاق:2] ، فإذا اتقيت الله وعملت بأمره وشرعه، فثقي أن الله سيكون معك، ويسهل عليك ذلك، وإذا لبست الحجاب على أنه عبادة أحسست بحبه والتمسك به. أعانك الله على التمسك بشرعه، وننصحك بأن تستمعي إلى شريط: (الحجاب أو النار) للشيخ المنجد، وكذلك قراءة كتاب: (يا فتاة الإسلام اقرأئي حتى لا تنخدعي) ، وهناك كتب وأشرطة كثيرة تناولت هذا الأمر الهام، فعليك -أختي الفاضلة- بصدق اللجوء إلى الله -تعالى- واسأليه أن يعينك على ذلك، ويصرف عنك شر الشيطان إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه. وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(19/499)
كيف أحافظ على صلاتي؟
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 10/05/1425هـ
السؤال
كيف أحافظ على صلواتي الخمس؟ حيث إني مقصرة جدا تجاه ربي، ولا أؤدي فرائضي كاملة، وأشعر أن ربي غاضب عليَّ من تصرفاتي، وأريد دعاءً يقربني من طاعة ربي، ويبعدني عن المعاصي والفتن، وكذلك كيفية الاستغفار من الذنب العظيم، وما هي كفارة الكبائر؟ والسلام عليكم ورحمه الله.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الكريمة: -سلمها الله ورعاها- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة، والجواب على ما سألت كالتالي:
أولاً- أحب أن أهنئك على الاعتراف بالتقصير في حق ربك، وشعورك بالذنب، فإن هذا يعد أول خطوة صحيحة لتغيير الذات من حال سيئ إلى حال حسن، لا سيما إذا اتبع ذلك بخطوات عملية جادة للاستقامة والصلاح.
ثانياً- نبدأ بأمر الصلاة وكيفية المحافظة على أدائها في أوقاتها، ولذلك وسائل معينة أذكرها:
1- التذكير دائماً وأبداً بما ورد من النصوص الشرعية المرغبة في الصلاة وبيان فضلها؛ لأن ذلك مما يعطي النفس دفعة قوية لأدائها، والنصوص في ذلك كثيرة جداً، وسأذكر بعضها، وأنصح بمراجعة كتاب (الترغيب والترهيب) للإمام المنذري؛ فإنه مفيد جداً في هذا الأمر، نصوص في الترغيب في أداء الصلاة والمحافظة عليها:
- أخرج الشيخان البخاري (528) ومسلم (667) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟! قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا".
- وأخرج البخاري (527) ومسلم (85) عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- (أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قال: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله") .
- وأخرج أبو داود (1420) والنسائي (461) وابن ماجة (1401) عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة".
- وأخرج الإمام أحمد (14135) والترمذي (4) بسند حسن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء".
- وأخرج الطبراني في الأوسط (1859) والمقدسي في المختارة (2578) بسند حسن عن أنس - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله". والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.
نصوص في الترهيب من التفريط في الصلاة:(19/500)
- أخرج مسلم (82) عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة".
- وفي الترمذي (2616) وغيره عن معاذ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة"، فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط إلا به، ولا يثبت إلا به، ولو سقط العمود لسقط الفسطاط ولم يثبت بدونه.
- وأخرج الترمذي (2621) والنسائي (463) وغيرهما بسند صحيح عن بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
- وأخرج أحمد (26818) وغيره بسند حسن عن أم أيمن -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تترك الصلاة متعمداً؛ فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله".
- وقال عمر -رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" رواه مالك في الموطأ (84) .
- وقال سعد وعلي ابن أبي طالب -رضي الله عنهما- قالا عن الصلاة: "من تركها فقد كفر".
- وقال عبد الله بن شقيق كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا يعدون من الأعمال شيئاً تركه كفر إلا الصلاة) ، وقال أبو أيوب السختياني: (ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه) ، وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق.
والأحاديث في ذلك كثيرة.
ثالثاً: اجعلي لك منبهاً خاصاً بأوقات الصلاة، وذلك مثل الساعة التي بها أذان لكل وقت؛ من أجل تذكيرك وتنبيهك على أوقات الصلاة.
رابعاً: استعيني بالله -عز وجل- كثيراً؛ فإنه وحده هو المعين والمسدد جل في علاه، وأكثري من قولك: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) مع استشعارك للحاجة إلى الله في أداء الصلاة وغيرها.
خامساً: أكثري من ذكر أحوال القبر والآخرة، فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم-; كما في الترمذي (2307) والنسائي (1824) وابن ماجة (4258) وغيرهما، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا ذكر هاذم - بالذال وهو القاطع- اللذات" يعني الموت، فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا وسعه عليه، ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقه عليه".
قال العلماء: (ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات، ومؤتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين) ، فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه، ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه، فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه ران قلبه، واستحكمت فيه دواعي الذنب، فإن مشاهدة المحتضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأول؛ لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير، وقائم له مقام التخويف والتحذير.
سادساً: لا تفتري من سماع الأشرطة الدينية المهتمة بالوعظ والتذكير؛ فإنها نافعة في هذا المجال أيما نفع.
سابعاً: اصحبي الصالحات القانتات الطيبات المصليات؛ فإنهن عون بعد الله على النفس الأمارة بالسوء.(19/501)
ثامناً: تذكري أن من أفضل الأعمال التي يحبها الله حفاظ الإنسان على الصلاة وأدائها في أوقاتها، وسيجد بعدها الصحة في البدن، والسعة في الرزق، وهدوء البال، والأنس بالله، وغير ذلك من الآثار العظيمة في الدنيا والآخرة.
أما بشأن الدعاء الذي يقربك للطاعة ويبعدك عن الفتن والمعاصي، فليس هناك دعاء خاص بذلك، فلكِ أن تتخيري من صيغ الدعاء المباشر، والذي تسألين فيه ربك ذلك، ولو دعوت بالدعاء الوارد جيد وحسن، ومن تلك الأدعية الواردة:
- اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبِّت قلبي على دينك وطاعتك
- اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات.
- اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك.
- اللهم حبب إليّ الإيمان وزينه في قلبي، وكره إليّ الكفر والفسوق والعصيان.
- اللهم يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أو أقل من ذلك.
أما عن كيفية الاستغفار من الذنب فيكون بترك الذنب أولاً، ثم الندم على فعله ثم العزم على عدم فعله مرة أخرى، وتقولين: أستغفر الله العظيم ما شاء الله لك أن تقوليه، أو تقولي: (رب اغفر لي وتكريرها) ، وأفضل صيغ الاستغفار هو سيد الاستغفار، وذلك أن تقولي: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) .
أما تكفير الكبائر فيكون أولاً: بالتوبة الصادقة منها؛ وذلك بتركها والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، ثم الإكثار من نوافل الطاعات ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. وأسأل الله لي ولك الهداية والرشاد، والثبات على الحق، والاستقامة على الخير، والتوفيق والإعانة، والقبول والسداد.(19/502)
ماذا أفعل أمام هذه المغريات؟
المجيب د. فؤاد العبد الكريم العبد الكريم
عضو هيئة التدريس بكلية الملك فيصل الجوية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 23/09/1425هـ
السؤال
ماذا أفعل وأنا أرى العري والمحرَّمات أمامي يومياً في الفضائيات والإنترنت، وغير ذلك، وأنا الآن أسير على هدى الله؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
الحل يا - أخي الفاضل- ألاَّ ترى هذا العري، وهذه الفضائيات والمحرمات التي تكون في الإنترنت وغيرها؛ فالمسلم مأمور بغض البصر عما حرم الله، قال الله -تعالى-: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" [النور: 30] .
والنبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بصرف البصر عند رؤية المحرم، فقد سأله علي - رضي الله عنه- عن نظر الفجأة فقال: "اصرف بصرك" أخرجه أبو داود (2148) ، وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه-.
ولا شك أن إطلاق البصر للنظر في المحرمات يورث ظلمة في القلب تجعله يستثقل الالتزام بشرع الله - عز وجل-، ثم أوصي - أخي السائل- بالصبر، ودعاء الله -تعالى- بإلحاح بأن يصرف عنه السوء والفحشاء، كما فعل ذلك نبي الله يوسف - عليه السلام-، وإن كنت يا - أخي - تستطيع الزواج فبادر بذلك، وإن لم يكن فأوصيك بكثرة الصيام، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" متفق عليه أخرجه البخاري (5065) ، ومسلم (1400) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وأخيراً: أوصيك بقضاء وقتك فيما يفيد، والارتباط بصحبة صالحة يقربونك للخير، ويبعدونك عن الشر.(19/503)
هل لي من توبة؟
المجيب عبد الله عبد الوهاب بن سردار
إمام وخطيب جامع العمودي بالمدينة المنورة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 02/09/1425هـ
السؤال
أنا شاب أعيش صراعاً مع فتنة النساء، وللأسف لم تخبو هذه الشهوة حتى بعد الزواج، وإنما أشعر أنها زادت بحكم توفر الإنترنت والقنوات الفضائية، وقعت أخيراً في الزنا وأنا محصن، ثم تبت وحججت، وبعد فترة عاودتني هذه الشهوة، حتى وقعت مرة أخرى في الزنا في إحدى سفراتي، تم ندمت وعاهدت الله على التوبة، أنا الآن في صراع شديد مع نفسي، وأشعر بندم شديد، ولكن المشكلة أنني لا أشعر بالحرقة مثل ما سمعت من قصص التائبين الآخرين، وأخاف أن تكون هذه التوبة مزيفة. سؤالي: ما حكمي مع أنني محصن؟ وما المكفِّر لذنبي في الدنيا والآخرة؟ وهل لي توبة دون إقامة الحد علي؟ وهل هناك أي حقوق بخصوص النساء المسلمات اللاتي مارست معهن الفاحشة؟ وأرجو منكم الدعاء والتوجيه.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الحبيب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
قلت: الأخ الحبيب، نعم الحبيب لأننا نحب من يحبه الله، والله يحب التوابين، وأرجو أن تكون من التوابين الذين يحبهم الله، وأسأل الله أن يجعل توبتك مقبولة.
(1) أخي العزيز: لا تنس ما يلي حين ترغب النفس في تلك المعصية:
أ- إذا رغبت النفس في المعصية استشعر أن الله يراك وأنه قريب منك، فهل تطيق فعل المعصية والله يراك؟! فاحذر -حفظك الله-.
ب- تخيل لو أن بعض من تجلهم وتحترمهم ينظرون إليك، أكنت تفعل تلك المعصية؟! فاستحيي من الله أكثر من استحيائك من الخلق، فعظِّم الله- رعاك الله-.
ج- فكِّر وتخيل عقاب الله للزناة، وأنهم يحرقون في تنّور - فرن- أسأل الله أن يتوب عليك وأن يحميك.
د- تذكّر أنك بذلك العمل تشوِّه صورة الدين وأهله، فهل ترضى أن تكون صاداً عن سبيل الله، والله - عز وجل- يقول عن الصادين عن سبيله: "زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ" [النحل: من الآية88] .
هـ- تأمل الحديث التالي: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله هباءً منثوراً". ثم وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" رواه ابن ماجة (4245) عن ثوبان، وهو صحيح، واحذر يا - أخي- هذا المصير - حرسك الله-.
وانظر ملياً في الأمر التالي: لو حصل ما يوصل أمرك إلى القضاء ماذا يكون عقابك في الدنيا وأنت رجل محصن؟! أسأل الله أن يعافيك من ذلك.
ز- تذكَّر دائماً أنه ربما تكون لك أخوات أو بنات، أو زوجة، أو قريبات، أترضى أن يفعل بهن ما تفعله أنت مع نساء الناس -ولو كان برضاهن-؟.
ح- أحذرك تحذيراً عظيماً من أن يأتيك الموت وأنت على تلك الحال، وهذا الأمر الفظيع قد وقع لشخص مسلم، حيث جاءه الموت وهو على الزانية، فجعلت تصرخ وتستغيث حتى أنقذوها من تحته، فاحذر.. احذر.. احذر - سترك الله-.(19/504)
ط- خوِّف نفسك من انتقال الأمراض الخبيثة بسبب ممارسة هذه المعصية.
ي- احذر قاعدة الجزاء من جنس العمل.
من يزن في بيت بألفي درهم ... في بيته يُزْنَ بغير الدرهم
من يَزْنِ يزنى ولو بجداره ... إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
إن الزنا دين إذا أقرضته ... كان الوفا من أهل بيتك فاعلم.
(2) أخي التائب - تاب الله عليك-: إن الشهوة كامنة إلا إذا وجدت ما يحركها ويثيرها، فانظر أي شيء يحركك إلى ذلك ويثيرك فابتعد عنه، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، ومن ذلك ما يلي:
أ- الإنترنت: بمواقعه المثيرة، حتى البريد الإلكتروني الذي يرسل صوراً جنسية فاتركه واجعل بريدك على موقع نظيف كموقع الإسلام [www.al-islam.com] ، أو إسلام واي [www.islamway.com] ، والهوتميل - كما أعلم- تأتي عن طريقه تلك الرسائل المصورة القذرة.
ب- القنوات الفضائية: إن كان في بيتك دش فأخرجه، وإن كنت تذهب إلى حيث القنوات فلا تذهب.
ج- السفر إلى الخارج: اتركه نهائياً وإن اضطررت إليه فلا تسافر وحدك ولكن خذ معك زوجتك أو سافر مع رجل صالح.
د- الأصدقاء الذين يسهلون هذا الأمر إن وجدوا.
هـ - ابتعد عن محادثة النساء حتى لو في الأعمال الحسنة والخيرية، وإن اضطررت إلى مكالمتهن فليكن بحضور شخص ثالث حتى تحمي نفسك.
(3) اعتن بالأمرين التاليين:
أ- الإكثار من الصيام؛ لأنه وجاء للشهوة.
ب- شغل الأوقات بالنافع من الأمور، وبخاصة المشاركة في الأنشطة الإسلامية الإغاثية والدعوية؛ فإن ذلك ينسيك الشهوة كثيراً.
(4) سؤالك الذي قلت فيه: (أنا الآن أشعر بندم شديد، ولكن المشكلة أني لا أشعر بالحرقة مثل ما سمعت من قصص التائبين، وأخاف أن تكون التوبة مزيفة) .
أقول: أخي العزيز: شعورك بالندم الشديد دليل على صدق التوبة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الندم توبة" رواه الإمام أحمد (3568) ، وابن ماجة (4252) ، فتوبتك - إن شاء الله- ليست مزيفة، لكن قوِّ هذا الندم والألم والحرقة بالتعرف على عظمة الله - عز وجل- وعظيم قدرته وشدة عقابه، وذلك بالقراءة في القرآن العظيم، والسنة الشريفة، وكلام العلماء حول هذه الأمور.
(5) المكفِّر لذنبك في الحياة الدنيا والآخرة من المكفرات ما يلي:
أ- التوبة الصادقة الصحيحة الكاملة بشروطها المعروفة.
ب- كثرة الاستغفار باللسان مع القلب، وعليك بألفاظ الاستغفار الواردة في القرآن العظيم والأحاديث الشريفة مثل:
"رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [لأعراف: 23] .
"رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا" [آل عمران: من الآية147] .
"رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" [البقرة: من الآية286] .(19/505)
"اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" صحيح البخاري (834) ، وصحيح مسلم (2704) .
"اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ... وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت" صحيح مسلم (771) .
(سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) صحيح البخاري (6306) .
ج- الإكثار من الأعمال الصالحة عموماً، وبخاصة تلك الأعمال التي أخبر الشرع أنها تكفِّر الذنوب (اقرأ رسالة حول مكفرات الذنوب) .
(6) حكمك في الدنيا: حكم الشرع في الزاني المحصن هو إقامة الحد عليه وهو الرجم، والدليل على هذا موجود في كتب أهل العلم، وهذا هو الحكم إذا وصل أمر الزاني إلى القضاء، وثبت عليه فعل الزنى بطرق الإثبات الشرعية.
وأما إن لم يصل أمره إلى القاضي فإنه يتوب إلى الله -تعالى- توبة صادقة، ولا ينبغي له أن يذهب إلى القاضي بل يستر نفسه؛ لأن الله يحب الحياء والستر، وفي هذا الحكم أدلة أخرى ليس هذا مجال سردها، وتوبتك دون إقامة الحد عليك توبة صحيحة مقبولة - إن شاء الله-، قال الله -تعالى-: "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ... ".
أما حقوق النساء اللاتي وقع الزنا معهن فالأمر فيه تفصيل: فإن كان الزنا اغتصاباً بالقوة فلهن حقوق، وإن كان الزنا بالرضا منهن فليس لهن حقوق.
اللهم طهِّر قلبه، وحصِّن فرجه، واحفظ بصره، اللهم ارزقه التقوى، والخشية والمراقبة حتى لا يقع في معصيتك، اللهم أشغله بطاعتك عن معصيتك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(19/506)
يتردد في ذهنه أنه سيعذب ...
المجيب د. عبد الله بركات
وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 13/08/1425هـ
السؤال
يتردد على فكري وذهني أني (راح أعذب في يوم القيامة، وأني مبتلى وأني منافق) وأريد الانتحار. أنقذوني.
الجواب
الحمد لله ينجي من خافه، ويرحم من رجاه.. والصلاة والسلام على رسول الله الرحمة المهداة..
يقول الله تعالى:"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون" [سورة الزمر: 53-54] .
إن الإحساس بالذنب والشعور بخطورة المعصية، وتصور المرء عدم قدرته على تحمل عقوبة الإثم الذي اقترفه هو أمر طيب يحمل العاصي على المسارعة إلى الإقلاع عن المعصية وتجديد التوبة إلى الله مما فعلت يداه، وفرق بينه وبين وساوس الشيطان التي توقع الإنسان في غضب الله وتدفعه إلى القنوط أو اليأس من رحمة الله، فالمؤمن يتذكر عذاب الله لتنفعه الذكرى وتمنعه عن المعصية وتحول بينه وبين الوقوع فيما يغضب منه خالقه، فإن حدث ووقعت منه مخالفة سارع بالتوبة والندم وأكثر من أعمال الخير طالباً عفو ربه وهو يظن بلا اغترار بأن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والله تعالى عند حسن ظن عبده به، وليتذكر العبد أيضًا أن الله تعالى وعد أصحاب التوبة من الذنوب والمعاصي بأنه -سبحانه - سوف يبدل سيئاتهم حسنات كما قال تعالى: بعد أن عدد أنواع الذنوب وذكر أصحابها، قال عن التائبين"إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا * ومن تاب وعمل صالحًا فإنه يتوب إلى الله متابًا" [الفرقان:70-71] ، أما إذا تحول تذكُّر عذاب الله والوقوع في المعصية إلى يأس وقنوط -وهما أيضًا من كبائر الذنوب- أقول إذا دفعك ذلك إلى التفكير في الانتحار فكن على يقين أنه من نزغات الشيطان فاستعذ بالله منه، فإن (اللعين) يريد أن يأخذك من حفرة صغيرة إلى هاوية أعظم، فاحذر ذلك، وأحدث لكل ذنب توبة، وكن وسطًا بين الخوف من عذاب الله والرجاء لرحمته.. أسأل الله أن يحفظك من همزات الشياطين، وأن يعينك على الإقبال على ما فيه الخير لدينك ودنياك.(19/507)
الوحدة أم الرفقة السيئة؟!
المجيب د. خالد بن عبد الرحمن القريشي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام - كلية الدعوة والإعلام
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 07/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا بعد أن منَّ الله -سبحانه وتعالى- عليَّ بالهداية قاطعت مصاحبة رفقاء السوء، ولكن المشكلة هي أنني أصبحت أعاني من الملل الشديد الناتج عن الوحدة, مع العلم أنني لم أجد أصدقاء متدينين، فكل الشباب المحيطين بي من أهل السوء والمنكرات، ماذا أفعل؟ هل أرجع لمصاحبة رفقائي القدماء مع ما هم فيه من ضلال، أم ألتزم الوحدة؟ أرجو أن تنصحوني. وشكراً.
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيقول الله - سبحانه وتعالى-: "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" [العنكبوت:2] الآية ... بيَّن الله - سبحانه وتعالى- أنه لا بد أن يتعرض الإنسان للابتلاء في إيمانه، ليظهر الصادق من الكاذب، وقوي الإيمان من ضعيفه، فقوي الإيمان الصادق بصبره ينال الأجر العظيم، والمنزلة العالية عند الله، وأما ضعيف الإيمان وغير الصادق فبتعرضه للابتلاء ينكشف ويظهر على حقيقته؛ لأن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، ولن يفوز بهذه السلعة إلا من يصبر على الابتلاء ويحافظ على إيمانه.
فلذا أنصح أخي السائل بالصبر في مقاطعة أصدقاء السوء والحذر منهم، وليعلم أن عاقبة الصبر - بإذن الله- ستكون توفيقاً وسعادة في الحياة الدنيا والآخرة، ومن ذلك وجود الصحبة الصالحة وتوفيقه إليهم.
كما أنصح أخي السائل بالجد والمثابرة في البحث عن الصديق والصحبة الصالحة في أماكن وجودهم، كالمساجد وحلقات تحفيظ القرآن، ومجالس الذكر، وكذلك عليه أن يطرح قضيته ومشكلته على إمام المسجد أو بعض الدعاة في بلده، ممن يستطيع أن يلتقي بهم؛ لمساعدته في إيجاد هذه الصحبة. هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(19/508)
هل يغفر الله لي؟
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 26/10/1425هـ
السؤال
إلى فضيلة الشيخ الجليل: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
مشكلتي أني قمت بعمل ذنوب كثيرة منذ أن بدأ العمل، وذلك منذ 12 عاماً في شركة خاصة، فعلت كل ما يغضب الله لدرجة أني يصعب عليَّ الآن ذكر ما فعلته؛ لأنه مشين، حتى إني أكتب الآن وأشعر بالخزي والعار، أحببت صاحب العمل حباً جماً لا يوصف، وهو أيضاً، ولكن كان يصعب زواجنا لفارق السن الكبير، ولكني لم أكن أشعر بفارق السن، أغمرني بعطفه وحبه، وقمنا بعمل يغضب الله كثيراً، فقد حملت وأجهضت، وقمت بعمل عملية غشاء البكارة، أعتذر جداً عما تقرأه -يا فضيلة الشيخ-، لقد مات الآن هذا الرجل -وللأسف- أكن له كل مشاعر الحب، مات بالسرطان، ولكني متضايقة مما فعلت؛ لأنه يغضب ربي كثيراً، الآن أنا تحجبت منذ 4 سنوات، وأصوم كثيراً جدًا، وأصلي، وأستغفر الله في الليل وفى الصباح، وأقوم بالتسبيح صباحاً ومساءً، وتركت كل شيء آثم كنت أفعله، والآن أنا في عمل جديد، ولكن إلى الآن لم أتزوج، وأيضاً مكافأة نهاية الخدمة في العمل السابق، اقترضها مني أصدقاء لي، وإلى الآن لم يردوها لي منذ 3 سنوات، وأنا الآن لا أملك غير راتب العمل الجديد، وأحمد الله عليه كثيراً، ولم أتزوج إلى الآن رغم هذا السن، وأعلم أن هذا عقاب ربي وأنا راضيه به تماماً، ولكن أريد أن أعلم -يا فضيلة الشيخ- هل ما حدث لي وهو ضياع نقودي كلها، ولا يوجد معي أي شيء أستعين به على الحياة، وأيضاً تأخري في الزواج هل هو العقاب فعلاً؟ وهل ربي يغفر لي، أم يوجد عقاب ينتظرني يوم الحساب؟ لقد فعلت أشياء مخزية جداً في كل شيء أيام حياتي السابقة أتمنى ألا تعود، أرجو منك إرشادي، وأبلغني بأي حديث أدعو الله به صباحاً ومساء؛ ليغفر لي ما اقترفت من ذنوب، وهل سوف يغفر لي ما فعلت، أم ماذا؟ بالله أرجو أن تطمئنني، هل أنا مازلت عاصية إلى يوم الحساب، أم ماذا؟. والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الجواب
الأخت الكريمة: -سلمها الله ورعاها-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، ونرجو الله أن تجدي منا النفع والفائدة، والجواب على ما سألت كالتالي:
*فأبارك لك توبتك ورجوعك إلى الله، وهنيئاً لك فرح الله بك وبعودتك إليه، ونرجو الله أن يقبلنا جميعاً عنده، ويغفر لنا، ويعفو عنا، ويثبتنا جميعاً على الإيمان والطاعة؛ حتى نلقاه وهو راض عنا.
*ولا شك أن الذي قمت به مع الرجل المذكور كبيرة من كبائر الذنوب التي تغضب الله ولا ترضيه، ولكن من تاب -بصدق وإخلاص- تاب الله عليه وغفر له، وأصبح كمن لا ذنب له، وفي البخاري (2661) من حديث عائشة الطويل قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه".(19/509)
*تفاءلي وأحسني الظن بالله؛ فإنه القائل: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" [سورة الزمر 39/53] . فكوني أكثر ثقة بمغفرة الله ورضوانه وقربه من عباده التوابين المستغفرين.
*لا تكثري من التفكير بالماضي إلا بالقدر الذي يدفعك للإكثار من العمل الصالح، وفي نفس الوقت اجعلي ذلك الماضي دافعاً لخلق حياة جديدة ملؤها النشاط في فعل الخير والدعوة إليه والانخراط في العمل المفيد، والذي يجعلك تشعرين بسعادة الدنيا والآخرة.
* لا ريب أن للذنوب عقوبة ولها حسرات وتبعات، وفي هذا يقول المولى جل وعز: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" [سورة الشورى:30] ، فالذنوب تورث المصائب والبلايا والرزايا، ومن ذلك حرمان الرزق، وفي الحديث: "لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها" أخرجه ابن ماجة (90) ، وغيره من حديث ثوبان -رضي الله عنه-، فلا يبعد أن ما ذهب عليك من مال يكون بسبب الذنب، ولكن هذا لا يعني أنه ليس من حقك المطالبة به، بل يجوز لك أن تطالبي به بالمعروف.
* أكثري من الدعاء واللجوء إلى الله أن يثبتك على الحق، ويشرح صدرك للإيمان، ويحبب لك الطاعة ويربط قلبك عليها، وليس هناك دعاء محدَّد، بل كل دعاء فيه افتقار وذل بين يدي الله مع طلب المغفرة والعفو فهو مطلوب ومحبوب إلى الله، وهو سبحانه يجيب دعوة الداع إذا دعاه، وإن شئت فأكثري من سيد الاستغفار، وهو (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) أخرجه البخاري ح (6306) من حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه-، ومن الدعاء الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- وهو: (أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) أخرجه البخاري (799) .
* اصبري على تأخر مجيء الرجل الصالح، وسيجعل الله لك مخرجا، وتذكري قول الحق سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" [البقرة: 153] ، وقوله سبحانه: "فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون" [الروم: 60] .(19/510)
* املئي قلبك بمحبة الله -عز وجل- من خلال تذكر نعمه عليك، وستره لك على ما فعلت، ومع ذلك يقبلك إذا عدت إليه ويحبك ويقربك، ولا يخفى عليك أن في القلب فقراً ذاتياً وجوعة وشعثاً وتفرقاً لا يلمه ولا يسده إلا محبة الله والتوجه إليه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يلتذ ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه، ومن حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة) ا. هـ.
فإذا خلا القلب من محبة الله تناوشته الأخطار، وتسلطت عليه سائر المحبوبات فشتتته وفرقته وذهبت به كل مذهب.
*اشتغلي بما ينفعك، وتجنبي الوحدة والفراغ ما استطعت.
* احرصي على الصحبة الصالحة فإنها مفتاح كل خير، وتجنبي صحبة الأشرار فإنها مفتاح لكل شر وبلاء.
* انغمسي في عمل صالح للمسلمين يدخل به السرور عليهم، فإن من شأن ذلك أن يدخل السرور عليك.
والله معك، وهو المسؤول أن يأخذ بأيدينا جميعا لما فيه الخير والصلاح والاستقامة والرشاد، وأن يقبلنا في عباده الصالحين إنه جواد كريم.
والسلام عليكم.(19/511)
هل لي من توبة؟
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 26/09/1425هـ
السؤال
أنا في صراع مع شهوة النساء، وللأسف لم تخبو هذه الشهوة حتى بعد الزواج، وإنما أشعر أنها زادت بحكم توفر الإنترنت والقنوات الفضائية، وقعت في الزنا وأنا محصن ثم تبت وحججت، وبعد فترة عاودتني هذه الشهوة حتى وقعت مرة أخرى في الزنا في إحدى سفراتي، تم ندمت وعاهدت الله على التوبة، أنا الآن في صراع شديد مع نفسي، حيث إن شكلي الخارجي متدين وكذلك علاقاتي، أنا الآن أشعر بندم شديد، ولكن المشكلة أنني لا أشعر بالحرقة مثل ما سمعت من قصص التائبين الآخرين، وأخاف أن تكون هذه التوبة مزيفة، سؤالي: ما حكمي مع أنني محصن؟ وما المكفر لذنبي في الدنيا والآخرة؟ وهل لي توبة دون إقامة الحد علي؟ وهل هناك أي حقوق بخصوص النساء المسلمات اللاتي مارست معهن الفاحشة؟ أرجو منكم الدعاء والتوجيه.
الجواب
الأخ الكريم: -سلمه الله ورعاه-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة، والجواب على ما سألت كالتالي: لا شك يا أخي أن جريمة الزنا جريمة عظيمة وكبيرة وقبيحة، وقد قال الله عنه: "إنه كان فاحشة وساء سبيلاً" [الإسراء: 32] ، وقال تعالى: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً" [الفرقان:68-70] ، وفي الصحيحين البخاري (4761) ، ومسلم (86) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قال: قلت له إن ذلك لعظيم، قال قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك"، قال: قلت ثم أي؟ قال "ثم أن تزاني حليلة جارك"، وعظم الزنى بحليلة الجار لعظم أمر الجار؛ ولأنه يفترض أن يكون محل الستر والأمان لجاره.
وجاء في الصحيحين البخاري (2475) ، ومسلم (57) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"، وفي سنن أبي داود (4690) والترمذي (2625) والبيهقي (4/5364) ، "إذا زنى الرجل أخرج منه الإيمان وكان عليه كالظلمة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان". وقد جاءت أحاديث كثيرة تنفر من هذه الفاحشة وترهب من الاقتراب منها فضلا عن ارتكابها.
وشعرت من سؤالك أنك شاعر بفداحة ارتكابك لهذا الذنب؛ لكنك تتوب منه ثم تعود إليه، والسبب ذكرته بنفسك أنك تعرض نفسك لرؤية المثيرات للشهوة، وهي المواقع الخبيثة على الإنترنت والقنوات الفضائية الساقطة، ومن هنا لا تجد نفسك تقف عن هذا الذنب وقديماً قال الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء(20/1)
وهذا لا يكون أبداً، وكذلك الحال فيمن يعرض نفسه للفتن ويرجو النجاة منها، ورغم ثباتك على الطاعة إلا أن وقوعك في المعصية سوف يضعفها ويضعف أثرها، ويصبح حالك كحال من هوى من قمة جبل سامق إلى عمق واد سحيق، ولا شك أن شكواك من هذا الحال يدل على أن ضميرك ما يزال حياً ويصرخ متألماً تحت وقع هذه الخطيئة التي ينوء بعذابها.
وللخلاص من الوقوع في هذا الذنب مرة أخرى أقترح عليك ما يلي:
1- أكثر الاستعانة بالله وحده، فإنه هو القادر على حماية عبده وتوفيقه للخير والبعد عن المعصية، وأكثر من قولك لا حول ولا قوة إلا الله.
2- ألح بالدعاء لله وحده أن يشرح صدرك للخير والحلال، وأن يغنيك بما أحل لك عما حرم عليك، وأن يعفك عن الفاحشة، وأن يملأ قلبك إيمانا ورضا.
3- إذا كانت زوجة واحدة لا تكفيك فتزوج بثانية، فإن الله أباح أربعاً للرجل، ومثلك أولى الناس بذلك.
4- ابتعد عن أسباب الفتنة والإثارة من مشاهدة الإنترنت أو القنوات أو غير ذلك، واعلم أن ذلك سب رئيس في حماية نفسك من الوقوع في المعاصي والموبقات.
5- عليك بالصوم ما استطعت إلى ذلك سبيلا؛ فإنه وجاء وسد لمجاري الشهوة في الجسم، كما أوصى بذلك المعصوم عليه الصلاة والسلام.
6- قلِّل من الطعام ومن الوجبات المثيرة للشهوة في الجسم، فإن نوعية الطعام لها أثر في قوة الشهوة والرغبة في النساء.
7- أشغل نفسك بالدعوة وبقضايا المسلمين وبهم الدين؛ فإن ذلك يضعف التفكير في الشهوة ويقلل الرغبة فيها.
8- اصحب المشتغلين بمعالي الأمور من الشباب أو الشيوخ أو الدعاة، فإن ذلك له أثر عظيم على النفس البشرية، وفي مسند الإمام أحمد (7968) وسنن الترمذي (2378) وأبو داود (4833) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
9- أوصيك بالقيام في ظلام الليل وعند الأسحار ولو بركعتين، وتلجأ إلى الله وتدعوه وتتقرب منه ليرحمك ويقوي إيمانك.
10-أكثر من ذكر الله في البكور والآصال وقبل شروق الشمس وقبل غروبها، وذلك بقلب خاشع حاضر.
11- اجتنب أكل الحرام؛ فإنه يغلف القلب بالران، وهو مانع من قبول الدعاء.
12- الإكثار من قراءة القرآن مع التدبر والتفكر.
أما عدم شعورك بالحرقة من ارتكاب الذنب؛ لأن القلب لم يعد صافيا كما كان من قبل، بل لبدت الذنوب سماءه بالغيوم التي تحول عنه الرقة والخشوع، ومعلوم أن المعاصي تترك ندوباً في قلب صاحبها، فلا يعود القلب صافيا رائقاً، وتمنعه تلك النكت من تذوق حلاوة الإيمان ولذة الطاعة كما كان يشعر بها من قبل، ولو تاب يحتاج معها فترة طويلة من الطاعة حتى يعود للقلب صفاؤه.
ومن هنا فأنت تحتاج أن تثابر على الطاعة وتصبر نفسك عليها، وتمنع نفسك من أي معصية حتى يرزقك الله قلباً صافيا ولا تعجل، ومن أدام قرع الباب أوشك أن يفتح له ويلج.
ولا يلزم من توبتك إقامة الحد عليك، بل استر على نفسك كما سترك الله عن الناس، والتوبة تصح وتقبل بشروطها المعروفة من الإقلاع عن الذنب والندم على فعله، والعزم على عدم الرجوع إليه مرة أخرى، ثم الإكثار من الاستغفار والتوبة والعمل الصالح من مختلف النوافل والمستحبات.
وأما من فعلت معهن الزنا من النساء المسلمات فيجب عليك نصحهن؛ ليتبن من تلك الفاحشة ويتقين الله ويخفن عذابه.
والله أسأل أن يغفر لي ولك وأن يعفو عنا جميعاً ويستر علينا في الدنيا والآخرة، ويطهر قلوبنا من النفاق والفحش، ويملأها إيمانا وتقوى إنه جواد كريم.(20/2)
الإنترنت.. والفراغ..!!!
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 1/6/1422
السؤال
أنا امرأة متزوجة وبصراحة اجلس على الإنترنت بشكل كبير واغلب الأحيان على المنتديات ومناقشة مواضيع مختلفة وبعض المواقع المفيدة ومرات مواقع الشعر والأغاني وفي ما ندر محادثة مع بعض الأصدقاء على الايسكيو.. على فترات بعيدة جدا هل في ذلك ذنب علي خاصة وأني أقوم بكافة متطلباتي الدينية والأسرية وأنا أجلس أساساً على الإنترنت حتى ابعد نفسي عن أشياء أخرى كثيرة تضرني بسبب الفراغ.. خاصة وأن زوجي كثير المشاغل ولا يجلس معي كثيراً رغم محاولاتي معه.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أولاً: مسألتك ذات شقين:-
الأول: إدمان الجلوس على الإنترنت.
الثاني: انشغال الزوج عنك.
فالأولى: وهو إدمانك على الإنترنت فيه أضرار وفيه من المنافع.
أما الأضرار فقد يشكل لدى نفسك رغبة تلتصق بها خدعة حب الاطلاع فتصل سفينتك لسواحل قد يكون فيها غرقك - لا سمح الله - مع تذكر أنك قلت أن زوجك مشغول عنك..؟!
وتأملي قولك أنك تعملين أعمالك البيتية بسرعة ثم تعودين مرة أخرى إليه، هذا أكبر دليل على الرغبة الجامحة لديك والسبب أنك قد وجدت مواقع معينة تنجذبين إليها..!!
وأنت تجلسين إليه لملء الفراغ الكبير لديك.. ليس إلا!! أنت قلتي هذا!! إذا ليس هناك هدف دعوي أو معرفي!؟ وهذه المواقع فيها أشياء قد تهزم الإنسان مهما كان قوياً. فما بالك بمن أهملت في المنزل ولديها فراغ كبير ولديها إحساس خفي من الخوف، أنها ستقع في شيء مضر.
لذلك نصيحتي لك أولاً لا أستطيع أن أمنعك أو أن أقول اتركيه لأن من يريد الشيء سيسعى إليه مهما كلف الأمر، ولذلك أقول لك تأملي الفترة الماضية وأنت تجلسين أمام الجهاز وقيميها ماذا استفدت وماذا أضافت لك من علم شرعي يقربك إلى الله، أو حتى أعطتك معلومة تفيدك، لقتل وقت الفراغ لديك، أو أعطتك وسيلة لجذب الزوج بأن يجلس معك، بل بالعكس قد تكونين من شدة الانبهار تتمنين أن يأتيك ما يشغلك عن هذا الموضوع.
أما الناحية الثانية من المشكلة وهو الزوج ولماذا هو منشغل عنك؟ فأولا: ما هو عمل الزوج..؟
وثانياً: بعض الرجال إذا لم يجد ما يجذبه في منزله، فإنه يفضل أن يبقى خارج المنزل أكبر وقت ممكن، وبالطبع هذا السؤال لا يستطيع أن يجيب عليه إلا الزوج وهو ما سبب خروجه كثيراً من البيت؟
أخيراً: ما الذي دعاك إلى هذا السؤال؟
هل أنت خائفة من شيء.. ماء؟
هل تحسين أنك مذنبة..؟
هل ارتكبت شيئاً ماء، عبر الإنترنت.؟
أمل الإجابة ومن ثم نكمل الإجابة.. رعاك الله.(20/3)
التزم فغضب منه أبواه
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 9/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أدرس في جامعة فيها اختلاط فمنّ الله علي بالهداية، لذا قررت أن أخرج من الجامعة، وأيضاً أخاف على نفسي أن انتكس؛ لأن فتنة النساء فتنة عظيمة، ولا أطيق الدراسة، وإيماني يضعف شيئاً فشيئاً، وصبرت تقريباً سنة، ولكن المشكلة أن الوالدين غير راضيين تماماً، ووالدتي قالت بأن الحليب الذي أرضعتك إياه حرام عليك، ووالدي هددني بطردي من البيت، والوالدان غير ملتزمين، ولما أكلم والدتي عن الدين تقول لا أريد أن أسمع منك وعظا، وفي بعض المرات تعاتبني بلا سبب ولا أدري ماذا أفعل؟ (الإيمان أو إرضاء الوالدين) ؟ هل من الممكن أن أهاجر؟ أرجو أن تجاوبني يا شيخ لأن المسألة مهمة وأن يكون الجواب واضحاً ودقيقاً، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخي في الله، أهنئك بكل صدق أن منّ الله عليك بالهداية والاستقامة، وأسأله سبحانه أن يثبتنا وإياك وسائر المسلمين على الحق حتى نلقاه.
أخي الكريم: حسناً فعلت حين تركت الدراسة المختلطة في الجامعة، فالاختلاط - ورب الكعبة - شر مستطير، وفتنة ساحقة، نسأل الله السلامة والعافية.
ومن نعمة الله أن البديل موجود في بلاد شتى في العالم الإسلامي، وبإمكانك أن تحاول الحصول على منحة دراسية في إحدى جامعات المملكة العربية السعودية أو غيرها أو الدراسة عبر المراسلة أو غيرها من الوسائل.
وبذلك تسلم من آفة الاختلاط، وترضي والديك بالمعروف، واعلم - حفظك الله - أن بعدك عن الحرام وفرارك من الفتن من أعظم ما تتقرب به إلى الله وتبر به والديك، وليس من برهما طاعتهما في معصية الله، وغضبهما عليك لا يضرك، بيد أن معاملتهما برفق ولين واجب عليك مهما أظهرا لك من الجفاء والقسوة.
وتذكر أن قسوتهما عليك نابعة من حبهما إياك وحرصهما على تفوقك واستمرارك في الجامعة، لكنهما لم يحالفا التوفيق حين أصرا على دراستك في جامعة مختلطة، فعليك مناصحتهما، وبرهما والصبر على أذاهما مع الحذر التام كما أسلفت من تقديم طاعتهما على طاعة الله جلّ جلاله.
وأما قولك (الإيمان أو إرضاء الوالدين) فأقول: إرضاء الوالدين بالمعروف من الإيمان، وأنصحك بهذه المناسبة - حفظك الله - أن تعنى بدراسة العلم الشرعي، وقراءة ما أمكنك من كتب السلف لتعبد الله على بصيرة، وتتخذ مواقفك - بعلم وفهم.
وأما سؤالك عن إمكانية الهجرة، فلا أدري ما تعني بالهجرة؟
فإن قصدت بالهجرة معناها العرفي أي الرحيل من بلدك إلى بلد آخر، فأقول لا مانع إن كان رحيلك سيكون إلى بلد إسلامي.
وإن قصدت بالهجرة معناها الشرعي أي الهجرة من بلاد الكفر إلى بلد إسلامي فلا وجه للهجرة في هذه الحالة؛ لأنك بلدكم بلد إسلامي معروف، وفقك الله وأعانك والسلام.(20/4)
أبي لا يحب الملتزمين
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 20/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال: أنا شاب وعمري خمس عشرة سنة، وأنا متدين، ولكن المشكلة في أبي؛ لأنه لا يحب المتدينين، ويضايقني في حياتي؛ لكي أترك تديني، فماذا أفعل؟ وللعلم فإن أبي سيأتي يوم يضربني فيه لكي أترك تديني، فإنه يتضايق مني إذا وجدني أقرأ القرآن، ويتضايق إذا وجدني أقوم الليل، ويريدني أن أقوم بفرضي فقط، ولكني رفضت؛ لأنني أخاف عذاب يوم عظيم، وأريد أن أستغل عدم انشغالي في طاعة الله، وأبي لا يضايقني أنا فقط بل يضايق أهل البيت كلهم وخاصةً أمي، فماذا فعل؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجواب
إلى الأخ الكريم- حفظه الله تعالى- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
ذكرت عن والدك أنه يضايقك بسبب تدينك، وجميع أهل البيت وخاصة أمك والجواب:
(1) يا أخي، قدوتك نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- الذي ذاق أصناف الأذى والاتهام والسخرية، فلا بد من الصبر والتحمل، والذي يعين على ذلك الاستعانة بالله، وسؤاله التوفيق والثبات والقبول.
(2) عليك بالاحتساب في كل ما يأتيك، فإذا صبرت محتسباً أثابك الله ورفع درجاتك وقربك، وأعانك على ما تلقاه في ذات الله -تعالى-.
(3) ادع لوالدك بالهداية، ولا ير منك إلا خيراً، فَبُرَّ به، واخدمه، وأحسن عشرته، وابحث عمن ينصحه، ولا تدخل معه في أي جدال.
(4) كن قدوة لأهلك في تثبيتهم وحثهم على الصبر، وأن ما يأتيهم في سبيل الله هو عزٌّ لهم، وطريق إلى الجنة -إن شاء الله- وأن يضمروا للوالد الخير والبر، ومقابلة إساءته بالإحسان.
(5) عليكم بكثرة الدعاء، والتضرع إلى الله، والإلحاح بتفريج الكرب، ورفع المعاناة والثبات، والهداية للوالد، والله المستعان، وعليه التكلان، فهو نعم المولى ونعم النصير.(20/5)
يمنع أولاده الخروج لصلاة الجماعة، فهل هو محق؟!
المجيب عبد العزيز الشبل
المعيد بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 20/2/1425هـ
السؤال
لدينا أب يمنع أولاده من الصلاة في المسجد، وأعمارهم: الكبير 13 سنة، والأوسط 10 سنوات، والأصغر 7 سنوات؛ بسبب كثرة مشاكلهم، فهم يضربون الأولاد، ويعملون كثيراً من المشاكل لأهلهم مع الجيران، والأب ليس دائماً يصلي في المسجد، وليس دائماً يكون في الحي، فهو يخرج أحياناً من العصر إلى ما قبل الساعة 12 ليلاً، فهل تجعلهم يصلون في البيت لتكف شرهم عن الناس وشر الناس عنهم؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحلة الطفولة مرحلة خصبة لتعليم الأبناء العبادات والأخلاق الفاضلة، وهي الوقت المناسب لغرس القيم الإسلامية في الطفل.
وقد مدح الله نبيه إسماعيل بقوله:"وكان يأمر أهله بالصلاة ... " [مريم:55] ، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم-:"وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.." [طه:132] .
وقد جاء الأمر لأولياء الأبناء بأمر أبنائهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، وضربهم عليها إذا بلغوا العاشرة (كما عند الإمام أحمد (6717) وأبي داود (495) وغيرهما) ، وإذا فوّت ولي الصبية هذه الفرصة فإنه سيتعب معهم إذا كبروا؛ لأنهم لم يعتادوا على هذا الأمر، وقد روى البيهقي في السنن الكبرى (4874) عن ابن مسعود - رضي الله عنه- أنه قال:"حافظوا على أولادكم في الصلاة، وعلموهم الخير، فإنما الخير عادة".
وقال ابن عمر - رضي الله عنهما- لرجل:"أدِّب ابنك؛ فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته، وماذا علمته؟ " رواه البيهقي في السنن الكبرى (4878) .
وقد قيل:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا:: على ما كان عوّده أبوه
وكلما كبر الابن كان الأمر بالنسبة له آكد، فابن الثالثة عشرة، ليس كابن السابعة، وإني أنصح أختك أن تواصل جهادها مع أبنائها، وتحثهم على الصلاة، وترغبهم فيها بسائر المرغبات، وأن تحاول مع زوجها لكي يساعدها على هذه المهمة، كما أنصحها بأن تتصل بإمام المسجد وأن توصيه بأبنائها.
وأما المشاكل التي تحدث بين الأبناء وأبناء الجيران، فهي مشاكل يندر أن ينفكّ عنها الأبناء، وليس معنى ذلك ألا تقوم الأم بدورها في تربيتهم، ولكن قصدي ألا يضايقها هذا كثيراً، لأن مثل هذه الأمور تكثر عند الأطفال، بسبب طبيعة الطفل ونفسيته في هذه المرحلة، وحتى لو منعتهم من الذهاب إلى المسجد من أجل ذلك فهل ستمنعهم من الذهاب إلى المدرسة لكي لا يحدث منهم مشاكل داخل المدرسة أو حال خروجهم منها؟
ولكن إذا كان هناك مشاكل كبيرة فعلاً، أوخطر على الأطفال حال ذهابهم إلى المسجد ورجوعهم منه فإنها تجعلهم يصلون عندها في البيت حفاظاً عليهم. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(20/6)
أريد الالتزام.. ولكن..!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 16/10/1422
السؤال
الإخوة المشرفون على النافذة إنه من الجميل أن يكون هناك مثل هذه المواقع البناءة التي تخدم المسلمين أما سؤالي فهو:
أحس بتردد كبير عندما أريد الالتزام مع أني أحب أهل الخير، وأحب قربهم ودائماً أمني نفسي أنه عندما أتزوج سوف ألتزم، وأبعد عن كثير من الملهيات. فهل هناك من نصيحة لي؟ وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أخي الكريم، أشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبساً علينا فنضِلّ. أما عن استشارتك فتعليقي عليها من وجوه:
أولاً: جميل أن يكون لك هذا الميل إلى الخير وأهل الخير، وهذا يدل على ما تحتويه نفسك من خير كبير زادك الله حرصاً وثباتاً وتوفيقاً وسداداً.
ثانياً: أما ترددك فهذا من الشيطان.. أعاذنا الله وإياك منه؛ لأن هذا يغيظه. وقد أقسم لرب العزة والجلال أن يغوي الناس أجمعين حيث قال (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) . فاستعذ بالله قائماً وقاعداً من كيد الشيطان وتوهيمه وتلبيسه وتثبيطه؛ فهو العدو المبين.. قال تعالى (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) .
ثالثاً: تأجيلك الالتزام حتى الزواج هو نوع من التسويف ليؤخرك الشيطان عن كسب الخير وجمع الحسنات.. ثم الأعمار بيد الله فمن يضمن لك عمرك حتى تتزوج..؟!
رابعاًَ: بادر أخي الكريم بالالتزام، وهذا لا يعني أنك ستصبح إنساناً مختلفاً، وستقاطع الناس، وتنعزل عنهم!! بل مارس هواياتك، وعلاقاتك الاجتماعية كما كنت.. ولكن حافظ على الصلوات في وقتها، وأكثر من ذكر الله قائماً وقاعداً، واستغفر الله واستعذ به من الشيطان الرجيم، وأد الرواتب وضع لك مقداراً من القرآن تقرؤه كل يوم.. وتجنب المعاصي.. وإن غلبتك نفسك على شيء منها فبادر بالتوبة والاستغفار وأتبع السيئة الحسنة تمحها (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
خامساً: اسأل الله التوفيق والثبات حتى الممات، وعليك باختيار الرفقة الصالحة الناصحة التي تدلك على الخير وتعينك عليه.
وفقك الله وحماك وسدد على طريق الخير والحق خطاك.(20/7)
أريد أن أتحجب
المجيب عبد الله عبد الوهاب بن سردار
إمام وخطيب جامع العمودي بالمدينة المنورة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 8-11-1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة لم أكن متنقبة مما جعلني غير مرتاحة، المهم أنني قررت أن أتنقب ولكن مشكلتي الآن أنني أعتبر من الصغيرات في العائلة، وفوق ذلك لا توجد واحدة من عائلتي تلبس النقاب فهل من الممكن نصيحتي وتشجيعي؟
الجواب
الأخت الكريمة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع "الإسلام اليوم"
1-حقاً إن الفتاة سليمة الفطرة إذا لم تكن متحجبة الحجاب الشرعي فإنها تكون غير مرتاحة وهذا لأن طاعة الله هي التي تجلب الراحة والطمأنينة والسعادة قال الله تعالى "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" [الرعد:28] وقال تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" [النمل:97] ، وأنت بارك الله فيك إذا داومت على الطاعات ستجدين الأنس بالله ولذة طاعة الله أسأل الله أن يرزقك حلاوة الإيمان.
2- أهنئك على هذا القرار المبارك وهذا يدل إنشاء الله على الصدق مع الله والعزم الجازم على الاستجابة لأمره أتوجه إلى الله بأسمائه الحسنى أن يجعل هذا القرار مفتاح خير عظيم لك في الدنيا والآخرة.
3- أختي الفاضلة - حرسك الله.
إن أي أمر لم يعتد عليه الإنسان يكون صعباً في أوله لكن ذلك ينتهي عاجلاً - إن شاء الله - مع التمرين والمراس وتعويد النفس وأنا أوجهك إلى فعل ما يلي:
أولاً: الدعاء ... عليك بدعاء الله - عز وجل - أن يسهل عليك هذا الأمر وأن يرزقك الرغبة الصادقة فيه والثبات عليه، واعلمي أن من استعان بالله صابراً أعانه الله، والله علمنا أن نستعين به فقال (إياك نعبد وإياك نستعين) [الفاتحة:5] ، فعليك بالدعاء بصدق وإلحاح فقولي مثلاً "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" أحمد (22119) أبو داود (1522) ، والنسائي (1303) ،"اللهم اهدني ويسر الهدى لي" الترمذي (3551) وأبو داود (1510) وابن ماجة (3830) وأحمد (1997) ، "اللهم اهدني لأحسن الأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت" مسلم (771) .
ثانياً- تذكري دائماً الأجر العظيم في الحجاب الشرعي وكيف يفتح الله لك باب الحسنات وتذكري ثمرة الحجاب في الدنيا: طهارة وعفاف وسعادة وهناء.(20/8)
ثالثاً- تذكري دائماً أنك لست وحدك على هذا الطريق بل عليه ملايين المسلمات الصالحات في هذا الزمان وفي ما مضى من الأزمنة بل هو طريق أمهات المؤمنين وطريق الصحابيات الجليلات - رضي الله عنهن - وهن اللاتي لما نزلت آية الحجاب شققن مروطهن فاختمرن بها (والمرط: مثل المسفع) فلما خرجن من بيوتهن خرجن كأنهن الغربان من الأكسية (أي: الملابس) انظر أبو داود (4102) فهنيئاً لك حين سلكت طريق الذين أنعم الله عليهم بالهداية طريق الصالحين والصالحات واسمعي الآية التالية (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم) [الفاتحة:706] [الصراط هو: الطريق] "والذين أنعمت عليهم: هم المذكورون في قوله تعالى: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" [النساء:69] .
رابعاً- تذكري دائماً أن المرأة المتبرجة والمتكشفة مذمومة في الشرع قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "شر نسائكم المتبرجات" حديث صحيح رواه البيهقي، وتذكري أن من يعصي الله - عز وجل - معرض لعقابه قال الله - عز وجل - "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين".
4- أختي الكريمة وفقك الله: لا تبالي بكونك من الصغيرات في العائلة فإن الصغير قد يسبق الكبار إلى الهداية ثم إلى الجنة كما أسلم عدد كبير من الصحابة الصغار - رضوان الله عليهم - قبل آبائهم وأمهاتهم والكبار من أقوامهم، وعليك بالثبات والصبر كما عليك التزام الأدب مع الكبيرات حتى يكن عونا لك ولا يكن ضدك.
5- أختي الفاضلة: ثبتك الله لا تجزعي أنك الوحيدة التي تتحجبين من عائلتك فمعك ملايين المسلمات كما ذكرت لك سابقاً، ثم إنك إن صبرت كنت ممن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده.
6- وأخيراً هذه وصايا أخرى لك:
- أقبلي على العبادات كقراءة القرآن والصلاة والأذكار يكن ذلك عوناً لك وأنساً.
- عليك بالصاحبات الصالحات والجليسات التقيات يكن لك عوناً على الثبات.
- اقرئي الكتب الشرعية المناسبة لك يزيد إيمانك وعلمك. أسأل الله الكريم العظيم أن يثبتك على الطاعات كلها.(20/9)
زوجي ووالدي يرفضان الحجاب
المجيب عبد الله عبد الوهاب بن سردار
إمام وخطيب جامع العمودي بالمدينة المنورة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 2/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة ملتزمة بدين الله -ولله الحمد والمنّة- وكذلك لباسي شرعي، وأمنيتي أن أكمل لباسي الشرعي بالنقاب، ولكني أجد معارضة من والدي وزوجي بشأن النقاب، فماذا أفعل؟ مع العلم إني حاولت إقناعهم، فما الحل؟. -وجزاك الله خيراً-.
الجواب
إلى الأخت الفاضلة: - حفظها الله ورعاها- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولاً: أحمد الله حمداً كثيراً على أن جعلك حريصة على الالتزام بالدين، ورزقك الالتزام باللباس الشرعي، وهذا من فضل الله عليك، كما أهنئك على الأمنية الطيبة باكتمال التستر واللباس الشرعي، واعلمي - ثبتك الله - أن المسلم إذا تمنى الخير ثم لم يستطع فعله فإن الله - عز وجل- يكتب له الأجر كأنه عمله.
ثانياً: فهمت من سؤالك أنك تسترين جميع البدن إلا الوجه، وأنت تريدين تغطية الوجه أيضاً، ولكن والدك وزوجك يمنعانك من تغطية الوجه. أختي الكريمة: أنصحك بما يلي:
1- الثبات على هذا الحرص على اكتمال التستر، واللباس الشرعي، حتى إن لم تستطيعي العمل فليبق الحرص في قلبك؛ فلعل الله أن يكتب لك التيسير يوماً ما.
2- استمري في محاولة إقناع والدك وزوجك، ولأجل ذلك لا بد أن تزيدي علمك الشرعي حتى تكوني أكثر اقتناعاً وإقناعاً.
3- احرصي كثيراً على الرفق فإنه وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري (6030) ومسلم (2165) من حديث عائشة - رضي الله عنها - والرفق سبب في الثبات على الهداية، والرفق يحفظ لك المكتسبات والمنجزات بدلاً من أن تضيع بسبب ترك الرفق، والرفق هو الذي يسهل لك كسب الآخرين وإقناعهم بما تريدين، فالتزمي الرفق مع والدك وزوجك حتى تستطيعي إقناعهم، والتزمي الرفق مع الأخوات المحجبات غير المنقبات، واعلمي أنهن على خير وصلاح، والتزمي الرفق مع نفسك فعوديها على الخير بالتدريج، ولا تتقدمي بها خطوة إلى الأمام إلا حين تطمئني إلى عدم حصول مفسدة، فتغطية وجه المرأة قد يكون سهلاً وميسوراً في بعض البلاد، فيجب على المرأة أن تسارع إلى الالتزام به، لكنه في بعض البلدان قد يكون عسيراً وصعباً جداً فلتترفق المرأة المسلمة ولتتريث حتى يفرج الله عنها، وييسر لها الالتزام بتغطية الوجه. أسأل الله بأسمائه الحسنى أن يسهل لك هذا العمل المبارك، وأن يجعل والدك وزوجك، ومجتمعك عوناً لك. والله أعلم.(20/10)
أريد أن أرتدي النقاب ولكن ...
المجيب جماز عبد الرحمن الجماز
مشرف تربوي بإدارة التربية والتعليم بشقراء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 25/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة متزوجة ومحافظة -والحمد لله-، ولا أزكي نفسي، أعيش حالياً خارج بلدي مع زوجي الذي يدرس الماجستير، منذ فترة كنت لا أرتدي النقاب مع التزامي ولكني أخيراً قررت ارتداءه بعد سماعي وقراءتي لفتاوى العلماء بضرورة تغطية المرأة لوجهها، وزوجي وافق -والحمد لله-
المشكلة في عائلتي وعلى رأسهم أبي وأمي لم يوافقا على هذا القرار -وهو لبس النقاب-؛ لأنه برأيهم سوف يفقدني وظيفتي وهي (طبيبة) ، عند رجوعي لبلدي -إن شاء الله- وحيث إن الحكومة هناك قد لا تسمح بعملي وأنا منقبة، ولا أنكر محاربة الحكومة هناك للتيار السلفي المستقيم، وكذلك مراقبتهم للعائلات الملتزمة بالمنهج السلفي ومضايقتهم.
أنا في حيرة من أمري، هذه الأيام فلقد قالت لي أختي أنهم حزينون من ضياع سنوات الدراسة في الطب، وكذلك قالوا سوف تضطرين إلى كشف وجهك في المطار لمعرفة هويتك، فرددت بأنه لو حدث هذا سوف يكون ضرورة والضرورات تبيح المحظورات، وهي قاعدة فقهية معروفة، وقالوا كذلك إن ظروف الحياة صعبة وتلتزم مشاركتك لزوجك في العمل، وأنا أعرف أن الله هو الرزاق ولا أحد غيره, أنا ليس لدي رغبة في ترك عملي لو أنه لم يتعارض مع الموانع الشرعية، بل بالعكس أريد أن أخدم النساء الملتزمات اللائي يبحثن عن طبيبة لمعالجتهن، وأريد أيضاً أن يكون أبي وأمي راضيين عني تماماً، خصوصاً أن علاقتي بهم مميزة، ولكن في نفس الوقت لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أنا حائرة في أمري، أفيدوني أفادكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين-.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إنا نرى لك استمرارك في لبس الحجاب، وهو ستر وجهك عن أعين الرجال مع الحشمة في اللباس والمظهر والعباءة.
وما حدث لك من معارضة والديك في لبسه، يجب ألا تسمعي له؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه " لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل " رواه أحمد (1098) من حديث علي - رضي الله عنه -.
ومع هذا ابذلي جهدك في إقناعهم بضرورة لبس الحجاب، وليكن ذلك باللين واللطف، وهذا يحميك من التعرض لك بالأذى أو الكلام البذيء من الرجال، ومع ذلك فهو شيء خاص بك، لا ضرر فيه على أحد، قولي ذلك لهما، وأشعريهم أنكِ راضية بكل تبعاته، وماضية في ذلك، بل لديك الرغبة التامة في مزاولة مهنتك الطبية بالضوابط الشرعية، حتى لو كلف الأمر ترك العمل الحكومي، والعمل في عيادات أهلية أو خاصة.(20/11)
وخذي ما قرأتِ أو سمعتِ من فتاوى العلماء وكلامهم حول وجوب لبس الحجاب، وبينيه لهما أو أسمعيهما إياه، وليكن لزوجك نصيب من هذا العمل؛ حتى يعلم والداك أن الأمر مجمع عليه من قبلكما، وأنه لا مجال للرجوع فيه، أو التفاوض في التنازل عنه، وما ذكرتيه من أنك قد تتعرضين لكشف الوجه في بعض الأحوال اضطراراً فهذا لا شيء فيه، ولكن مع وجود محرم لك مثل زوجك أو ابنك أو أخيك أو والدك أو امرأة أخرى مثلك؛ حتى لا يتعدى الأمر إلى غير الوجه، فقد تتعرضين لشيء آخر مهين.
وعليكِ سؤال الله - عز وجل- أن يرضى والداك عنك وأن يرزقكِ برهما، وأيقني باستجابة الله لك وانتظري، ولتكن علاقتك بوالديك بعد هذه النقلة في حياتك أكثر من ذي قبل، ومعارضتهما لك، لا تحملك على سلوك تصرف مشين معهما، احسني صحبتهما بالمعروف قولاً وعملاً، أليني لهما القول، واحرصي على إهدائهما الهدية؛ كل ذلك كفيل أن تكوني مقبولة عندهما بل ومحبوبة لديهما، بل آمرة ناهية عليهما، أسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتك على دينه، وأن يمنحك الفقه فيه، وأن يهيئ لك من أمرك رشداً.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.(20/12)
أريد أن أعفي لحيتي ... ولكن!
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 15/05/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أنا شاب محب للخير، ومحافظ على الصلوات، ولكني أحلق لحيتي، ويراودني شعور أن أترك لحيتي دون حلق، ولكن يأتيني شعور آخر بأن شكلي سيتغيَّر ويصبح غير مقبول عند الناس، وخاصة أصدقائي، فيا شيخ: كيف أجزم باتخاذ القرار السليم، وأترك لحيتي دون حلق؟ والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
الجواب
أخي الفاضل سلمه الله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فأشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، وحرصك على أمر دينك، وأرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة، ثم إني أبارك لك حبك للخير، ومحافظتك على الصلاة، وأسأل الله لي ولك الثبات على الحق، وأن يزيدنا إيمانًا وتقوى وفضلاً، وأنصحك أن تجزم بإطلاق لحيتك تعبداً لله واتباعاً لهدي نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يطلق لحيته، حتى إنها كانت ترى من خلفه، لاسيما وقد أمرنا بذلك في قوله: "قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين" متفق على صحته، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس"، فهذان الحديثان الصحيحان وما جاء في معناهما كلها تدل على وجوب إعفاء اللحية وإرخائها، وعدم التعرض لها بقص أو حلق، وعلى وجوب قص الشارب.
وما قلت من أن ذلك سيغير شكلك ولو يكن فتأكد أنه سيكون إلى الأحسن والأفضل، لاسيما وأن إطلاق اللحى أصبح منتشراً -بفضل الله- مع انتشار الصحوة واليقظة، فما الذي يمنعك أن تكون مع قافلة المتمسكين بهدي نبيهم-صلى الله عليه وسلم- فتحظى برضا الله وتوفيقه وإعانته.
ثم اعلم أن رضا أصحابك لا يهم، بل المهم رضا الله عنك، وقد جاء في سنن الترمذي (2414) بسند صحيح، أن معاوية -رضي الله عنه- كتب إلى عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أن اكتبي إلي كتاباً توصيني فيه، ولا تكثري عليّ، فكتبت عائشة -رضي الله تعالى عنها- إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام عليك".
وتأكد أن رضا الناس غاية لا تدرك، اليوم يرضون، وغداً يسخطون أو العكس، لكن ربك إذا أرضيته طوع لك الناس، وتذكّر أنهم لن يسألوا عنك في قبرك وأمام ربك، وإنما أنت المسؤول، فأعد لذلك السؤال جواباً وللجواب صواباً، ثم لماذا لا تكون لك شخصيتك المستقلة التي لا تخضع فيها لغيرك من الناس، وإنما لرب الناس؟
واسمع ماذا يقول الإمام الأوزاعي رحمه الله: (عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول) . فتوكّل على الله واعزم في طاعة الله، والاقتداء بهدي نبيك محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإطلاق لحيتك، واعلم أنه أمر مفترض من الشارع الحكيم، والواجب على المسلم أن يمتثل أمر الله سبحانه، وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن ينتهي عمّا نهى الله عنه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن الخير كل الخير في الطاعة، وستجدها أحسن ما يكون من هذه الحياة. وفقنا الله جميعاً لكل خير وطاعة، وأعاننا على طاعته واتباع سنة نبيه-صلى الله عليه وسلم- والسلام عليكم.(20/13)
أعينونني على صلاة الفجر
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 07/03/1426هـ
السؤال
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ... وبعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ: أنا شاب حديث عهد بالتوبة، وهناك أمور لا أستطيع التغلب عليها، فأنا أعاني منها كثيراً، في بدايتي كنت محافظاً على قيام الليل وتلاوة ما تيَّسر من القرآن، وقد خف ذلك كثيراً لضيق الوقت بسبب الجامعة ومواعيد محاضراتها.
وهناك أمران هما أشد علي مما سبق، ألا وهما.
أولاً: الصلاة تفوتني عندما أكون نائماً، علماً بأنني أضبط المنبه، وأستقيظ لأقفله، وأكمل نومي.
ثانياً: التدخين (فلم أستطع تركه) .
فأريد منك -فضيلة الشيخ- نصحي وإرشادي إلى طريق الحق والصواب، ودعواتك لي بالثبات والإصلاح. والسلام خير ختام.
الجواب
شكرًا على سؤالك وحرصك وحسن ظنك بأخيك، كما نشكر لك مواصلتك على موقعنا، ونرجو الله أن نكون من المتناصحين فيه، ثم إني أبارك لك توبتك ورجوعك إلى الله، وأبشر بما يسرك إذا ما ثبت على توبتك، فإن الله يحب التوابين، ويفرح بتوبة عبده ويتقرب منه بقدر تقرب عبده منه، إلا أن الأمر يتطلب من العبد ثباتا وصبرا وإصرارا لذلك، وحتى يفوت إبليس علينا فضل التوبة والرجوع إلى الله يزيد من فتنته للعبد، ويهون عليه المعصية، ويرغبه فيها، ويزهده في الطاعة، وهي معركة لا تقف ولا تنتهي حتى يوضع العبد في قبره، وبقدر ما تتصور حقيقة المعركة تفوت على الشيطان جهده في جعلك ضحية من ضحاياه، والأمر يتطلب منك جهدا مضاعفا للحفاظ على مكتسبات التوبة، ويتطلب منك حذرا وفطنة من كل باب يفتح أمامك تكون عاقبته سوءا، ولذلك أنصحك بأمور لعلها تكون سببا في تقوية إيمانك وتثبيت توبتك، ومنها:
(1) أكثر الاستعانة بالله عز وجل، فإنه وحده هو المعين على الإيمان والطاعة.
(2) أكثر من قولك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
(3) اكثر من الدعاء في أن يشرح الله صدرك، وينور قلبك، ويزيدك إيمانا وخيرا وطاعة.
(4) اصحب الأخيار والصالحين، فإنهم صمام أمان لك من كثير من السوء والشر والفساد.
(5) اهجر أصحاب السوء والأماكن التي كنت تعصي الله فيها سابقا، وإن استطعت أن تنتقل من البيئة التي أنت فيها إلى بيئة أخرى صالحة فافعل، فإنها مهمة لثبات العبد.
(6) اقرأ كثيرا في سير الصالحين والسلف، فإنها من أعظم الزاد.
(7) نم مبكرا ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ثم استعن بالآخرين في إيقاظك للصلاة.
(8) لا تجعل المنبه قريبا منك، بل اجعله في مكان بعيد؛ حتى تضطر للقيام له، ثم لا تعد للنوم بعدها
(9) ذكر نفسك بخطورة المعصية مهما كانت، فإن لها أثراً سيئا على العبد عاجلا وآجلا.
(10) أكثر من حضور مجالس الذكر والموعظة، وسماع أشرطة المشايخ والدعاة، فإنها سياط القلوب.
(11) عليك باستشارة أهل العلم فيما يخص بعض الأمور التي تطرأ عليك، حتى تكون على بينة من أمرك، وختاما أدعو الله لك بالتوفيق والسداد والثبات والإيمان والتقوى، وآمل مواصلتنا لنحقق المزيد من التناصح والتآخي، وشكرًا مرة ثانية على رسالتك.(20/14)
فوجئت بتناقضات الساحة الدعوية
المجيب سعد بن عبد الله الماجد
عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 20/01/1426هـ
السؤال
مشكلتي أني التزمت قبل سنة، وكنت أعتقد أن أهل الالتزام ملة واحدة، ثم بدأت بالإنترنت، وأتابع بعض المواقع التي كنت أحسبها إسلامية، وإذا بها وضعت للنيل من الدعاة، والأعجب أن الذي يكتب بها مشايخ، وأنا الآن ساخط على المجتمع، وفكَّرت بالعدول عن الالتزام. فما نصيحتكم لي؟.
الجواب
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فاعلم -يا أخي الكريم - بأنك حديث عهد بالاستقامة، والرجوع إلى الله يحتاج إلى فقه في الدين، حتى تعبد الله على بصيرة.
البعض من الشباب في أول أيام استقامته يريد تغييراً جذرياً لكل ما هو حادث في العالم من تسلط الأعداء على المسلمين، كما هو حادث، ويريد جمع المسلمين في صف واحد دون علم بمذاهبهم العقدية والفكرية وغيرها.
نعم.. التغيير يريده كل مسلم، لكن الله خلق الشر والخير، والإيمان والكفر، فيحتاج ذلك إلى صبر ومصابرة في جهاد النفس على الطاعة، وجهاد للشيطان حتى لا يتسلَّط على الإنسان، وكذلك شياطين الإنس والجن يحتاجون إلى مجاهدة ومراغمة حتى تكون الطاعة والخشية لله سبحانه وتعالى.
والحاصل أن كل ما سبق يحتاج إلى تفقه في الدين مما يورث الإيمان وخشية الله تعالى، فلا يُبالى بعد ذلك بالشر وأهله، ويقام شرع الله، ولا يخاف في الله لومة لائم.
-قضية ما يحدث في الإنترنت من حوارات ساخنة بين الشباب ليس دليلاً على الخلاف بين المسلمين، فهذه الأشباح المجهولة لا تمثل واقع المسلمين، ففيهم المفرط وفيهم الجاهل وفيهم الكائد، ولذا فإن المعتبر من الخلاف ما كان بين أهل العلم والبصيرة.
وإذا حدث خلاف بين معروفين بين المسلمين في مواقع معتبرة، فاعلم بأن كلاً يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد عصمه الله تعالى فيما يبلغ من هذا الدين.
كما أن الخلاف قد يكون مرده قلة العلم بالمسألة، أو بما جاء فيها من نصوص شرعية، أو الاختلاف في حديث هو عند قوم ضعيف، وعند آخرين صحيح ... هذا عند أهل العلم وطلابه، أما غيرهم فالاختلاف ينشأ في العادة لشبهة أو شهوة، فإذا تخلصوا منها كان الرجوع للحق والتوبة؛ والعود حميد.
- أيضا إذا لم يكن عندك محصلة علمية بالاختلاف، وما يطرح في ساحات الإنترنت فعليك تجنبه، فليس متابعة ذلك من الدين في شيء، بل قد يعلق في ذهنك بعض شبههم واختلافهم فتشاركهم ضلالهم (والعياذ بالله) .
- وفي الختام أوصيك بأمور منها:
1- مصاحبة الأخيار من المستقيمين على طاعته.
2- الجلوس إلى حلق العلم، والتفقه في دين الله على العلماء الراسخين.
3- سماع الدروس والأشرطة النافعة التي تدل على الخير وتنهى عن الشر.
4- السعي لحفظ شيء من القرآن الكريم
5- إقامة العبادات التطوعية مثل: السنن الراتبة، صيام الاثنين والخميس من كل شهر، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، القيام لصلاة الليل، المحافظة على صلاة الوتر، مساعدة المساكين والفقراء.(20/15)
6- التخلق بالأخلاق الحميدة: من صدق الحديث، والوفاء بالوعد والعهد ...
7- دعاء الله - عز وجل- بيا مصرِّف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" رواه مسلم (2654) .
8- عدم تضييع الوقت فيما لا ينفع، فالوقت عمرك فأنى تضيعه؟
9- عدم القنوط واليأس من رحمة الله تعالى، فإن الله تعالى معل كلمته وناصر دينه بعز عزيز أو بذل ذليل، ففي الحديث عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر". وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية) رواه أحمد في مسنده (16509) .
10- يفيدك قراءة الكتب التي عالجت هذه القضية، مثل كتاب تصنيف الناس للشيخ بكر أبو زيد، أو مقالة بيني وبين ابن جبرين وهي منشورة في هذا الموقع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(20/16)
مشكلات في الرحلات الجماعية
المجيب على صالح الجبر
مدير مركز الإشراف التربوي بالبدائع
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 13/01/1426هـ
السؤال
نحن مجموعة من الشباب القائمين على نشاط صيفي إسلامي، وقد بدأنا في النشاط منذ بداية الصيف، ثم ظهر لدينا بعض المشاكل عند بعض الطلاب في هذا النشاط، وخصوصاً بعد رحلة العمرة التي ذهبنا إليها؛ حيث اكتشفنا أن بعض الشباب مشغول بالمعاكسات في الأسواق وإضاعة الأوقات فيما لا فائدة فيه؛ ولأجل ذلك فكَّرنا في إيقاف النشاط، فما رأيكم وما الحلول المناسبة لمثل هذه المشاكل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:-
أولاً: شكر الله جهودكم مع الشباب تربيةً وتعاهداً وغرساً.
ثانياً: يظهر لي أن برنامج الرحلة مليء بفجوات الفراغ، ولا يخفى ما يصنعه الفراغ.
ثالثاً: الرحلة التي يشارك فيها مجموعة من الشباب -أقل التزاماً- تحتاج إلى برمجة جادة ومدروسة بعناية، حتى لا يحصل مثل هذا.
رابعاً: أعتقد أن رحلةً مثل هذه تحتاج إلى تخطيط دقيق، حتى لو تطلب الأمر الاستشارة، ومن ثم تحتاج إلى تنفيذ جاد ومتابعة.
خامساً: يستحسن في هذه الرحلة أن توضحوا لأفرادها حرمة البيت الحرام، وأن.... وأن.... حتى تقع هيبة البقعة في نفوسهم.
سادساً: التفكير في إيقاف النشاط ليس حلاً وإنما هو هروب لا داعي له، فاصبروا أعانكم الله فما لا يدرك كله لا يترك جله، وأثابكم الله على جهودكم.
سابعاً: يفترض - أيضاً - أن ننتقي من يشرف على الرحلة بعناية.
ثامناً: ربط أفراد الرحلة بالحرم عن طريق برنامج القرآن الكريم وختمه.
تاسعاً: أشعروا أفراد الرحلة بأنكم حملة رسالة في كل مكان وفي هذا البلد، إذا رأيتم من وقع في مخالفات شرعية. وفقكم الله.(20/17)
أريد أن أهتدي ولكن
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 22/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد التكرم منكم وأريد حلاً، أنا شخص أريد أن أهتدي لله، لكن لا أعرف كيف، كل ما أبدأ أصلي يوسوس لي الشيطان وأترك الصلاة، فمرت علي مدة ما دخلت فيها المسجد حوالي أربع سنين، وأريد حلاً عاجلاً لو تكرمتم.
الجواب
أخي الفاضل -سلمه الله-: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فأشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، وحرصك على أمر دينك، وأرجو الله أن تجد مني النفع والفائدة.
أولاً- أحب أن أهنئك على الاعتراف بالتقصير في حق ربك، وشعورك بالذنب فإن هذا يعد أول خطوة صحيحة لتغيير الذات من حال سيئ إلى حال حسن، لا سيما إذا اتبع ذلك بخطوات عملية جادة للاستقامة والصلاح، ونحمد الله -تعالى- أن حبّب إليك الهداية وتلك نعمة عظيمة تتطلب من صاحبها رعايتها والحفاظ عليها.
ثانياً: من الخطأ أن تسيء الظن بنفسك وأنك لن تلتزم حقيقة، على العكس أنت مهيأ كثيراً للالتزام، وفيك خير كثير، وبإمكانك أن تكون من خير الناس إذا صدقت مع الله وأقبلت عليه بفعل ما يحب وترك ما يبغض ويكره.
ثالثاً: عليك بكثرة الدعاء والسؤال واللجوء إلى الله أن يصرف قلبك إلى طاعته بصدق، وأن يعلق قلبك به سبحانه، وأن يعينك على الاستقامة الحقة.
رابعاً: اعلم أن النجاة في الدنيا والآخرة والتوفيق والسداد متوقف على مدى استقامتك على دين الله تعالى، وقد أمر الله -عز وجل- عباده بالاستقامة في غير ما موطن في كتابه للتأكيد على وجوبها وأهميتها في حياة المسلم، قال تعالى: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك" [هود:112] ، وقال: "فاستقيموا إليه واستغفروه" [فصلت:6] ، وقال في بيان عاقبة الاستقامة: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" [فصلت:30] ، فذكِّر نفسك بهذا لتتقوى على الاستقامة الجادة، ومن تلك الاستقامة أداء الفرائض والواجبات.
خامساً: تذكَّر عاقبة الذنب على صاحبه، فإن له شؤماً قد يكون مدمراً لحياة الإنسان وآخرته، فاحذر الاستهانة به، خاصة التهاون بأمر الله -تعالى- لا سيما الصلاة؛ فإنها عمود الدين ولا حظ للإنسان في دين الإسلام إذا لم يصل.
سادساً: ثم ماذا لو كان عاقبة ذنوبك أن الله قلب حبك للهداية إلى كرهك لها، ماذا أنت فاعل؟ قد يصل بك الأمر إلى الخروج من الدين بالكلية، ألا يسوؤك أن ينقلب قلبك إلى ذلك، وتكون من الذين بدلوا نعمة الله عليك كفرا، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟.(20/18)
سابعاً: أكثر من ذكر أحوال القبر والآخرة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم; كما عند الترمذي (2307) ، وابن ماجه (4258) ، والنسائي (1824) ، وابن حبان (2992) عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا ذكر هاذم - بالذال وهو القاطع - اللذات الموت"، وقوله صلى الله عليه وسلم-; كما في صحيح ابن حبان (2993) عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أكثروا ذكر هاذم اللذات فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا وسعه عليه ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقه عليه".
قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، ومؤتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين، فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه، فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه ران قلبه واستحكمت فيه دواعي الذنب، فإن مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأول؛ لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير، وقائم له مقام التخويف والتحذير.
ثامناً: حاول الاطلاع الكثير على أحوال المسلمين المضطهدين والمشردين والمعذبين والفقراء والمساكين الذين يتعرضون للحروب والقهر والظلم من أعداء المسلمين، ثم حاول أن تساهم في التخفيف عليهم والسعي في إعانة القريبين منهم لك في بلدك أو حولك، فإن في ذلك علاجاً للقلب وإيقاظاً له.
تاسعاً: لا تفتر من سماع الأشرطة الدينية المهتمة بالوعظ والتذكير؛ فإنها نافعة في هذا المجال أيما نفع.
عاشراً: اصحب الصالحين القانتين الطيبين؛ فإنهم عون بعد الله على النفس الأمارة بالسوء، وقد قال تعالى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" [سورة الكهف: 18/28]
الحادي عشر: أكثر من قولك: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) مع استشعارك للحاجة إلى الله في دفع هذا الضعف والتهاون بدينك.
الثاني عشر: التزم بحلقة تحفيظ للقرآن الكريم، واحفظ ما يتيسر لك من كتاب الله -عز وجل- فإنها مجلس من مجالس الذكر التي تصقل القلب وتحيي الروح، وتجعلك أكثر حباً لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- ولدينه، وفيها سبب لنجاتك فتدارك أمرك وفقك الله.
الثالث عشر: من الضروري أن تقرأ في فضل الصلاة وكيفية المحافظة على أدائها في أوقاتها، ولذلك وسائل معينة ومنها:
- التذكير دائماً وأبداً بما ورد من النصوص الشرعية المرغبة في الصلاة وبيان فضلها؛ لأن ذلك مما يعطي النفس دفعة قوية لأدائها، والنصوص في ذلك كثيرة جداً، وسأذكر بعضها وأنصح بمراجعة كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري؛ فإنه مفيد جداً في هذا الأمر.
نصوص في الترغيب في أداء الصلاة والمحافظة عليها:(20/19)
- أخرج الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء! قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" البخاري (528) ومسلم (667) .
- وأخرج البخاري (527) ، ومسلم (85) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قال: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين"، قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".
- وأخرج مالك (270) ، وأبو داود (1420) ، والنسائي (461) ، وابن حبان في صحيحه (1732) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة".
- وأخرج الإمام أحمد (14662) ، والترمذي (4) بسند حسن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء".
- وأخرج الطبراني في الأوسط (1859) بسند حسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب العبد عليه يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله".
والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.
نصوص في الترهيب من التفريط في الصلاة:
- أخرج مسلم (82) عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة".
- وفي الترمذي (2616) عن معاذ رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة"، فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط إلا به ولا يثبت إلا به، ولو سقط العمود لسقط الفسطاط ولم يثبت بدونه.
- وأخرج أحمد (22937) ، والترمذي (2621) ، وابن ماجه (1079) ، والنسائي (463) بسند صحيح عن بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
- وأخرج أحمد (27364) وغيره بسند حسن عن أم أيمن -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تترك الصلاة متعمداً، فإنه من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله".
- وقال عمر رضي الله عنه: (لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) أخرجه مالك (84) .
- وقال سعد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما قالا عن الصلاة: (من تركها فقد كفر) .
- وقال عبد الله بن شقيق كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " أخرجه الترمذي (2622) ، وقال أبو أيوب السختياني ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه، وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق.
والأحاديث في ذلك كثيرة.
وإني لأتوجه إلى الله بأن يمنّ علي وعليك بالهداية والرشاد والسداد والثبات على الحق، وان يملأ قلبي وقلبك إيمانا وتقوى، وأن يهدينا سواء السبيل إنه جواد كريم. والسلام عليكم.(20/20)
أنَّى لي الهداية وهذه بيئتي
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 27/11/1425هـ
السؤال
الأخ الكريم مشرف النافذة: أنا شاب عمري 17 سنة، والمشكلة أني لا أعرف ماذا أفعل، هناك أمور كثيرة في حياتي تداخلت، وضغوط تشابكت، حتى ما عدت أعرف ماذا أفعل، من المحتمل أنها مشاكل (مراهق) ، ولكن هي تزعجني، أريد أن أكون على قدر من الدين، ولكن مشكلتي أن من حولي لا يساعدني، فأنا لا أسمع الأغاني، رغم أني أحب سماعها إلا أنني عندما أذهب مع صديق في السيارة مثلًا أجده يسمع الأغاني، فأنصحه فلا يستجيب، ولا ينفع معه الحوار، حاولت سماع الأناشيد، ولكني أَمَلّ منها، وأعترف أني لست على قدر من الدين، لقد فعلت أشياء سيئة وندمت عليها، وأحاول الإقلاع، ولكن نفسي أحيانًا تشتاق لبعضها. أهوى المحادثات في الكمبيوتر، وأنا إنسان عاطفي جدًّا، وأكتب الشعر وبعض القصص، وأعيش كثيرًا في الخيال، فكرت في الزواج، ولكن من ترضى بشاب في السابعة عشرة؟ وأظن هذا الأمر غير قابل للنقاش مع الآخرين. متفوق في دراستي، وأتمنى لو أكملت دراستي في الخارج عن طريق بعثة، ولكن أعرف أني لن أحقق أحلامي، صدقني لا أدري ماذا أقول، الواقع من حولي فاسد، ولا يوجد أناس طيبون، وقد نصحني من هم أكبر مني سنًّا بألا أجامل، وقالوا: لكي تعيش لا بد أن تخادع وتكذب وتغش، وقالوا أيضًا: إذا لم تتعلم محادثة الفتيات فسوف تهرب زوجتك منك، ولن تحبك!
ماذا أفعل؟ هل أطلب المستحيل؟ لا أريد أموالًا، ولا جاهًا، أريد حياة هانئة هادئة سعيدة، فهل تراني طلبت ما لم يطلب؟ وقد أعجبني قول المتنبي:
رماني الدهر بالأرزاء حتى. . . . فؤادي في غشاء من نبال
وصرت إذا أصابتني سهام. . . . تكسَّرت النِّصالُ على النِّصالِ
أرجو نصحك وجزاك الله كل خير.
الجواب
أخي الكريم: أشكر لك ثقتك وصراحتك، وأسأل الله تعالى أن يرينا وإياك الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل، كما أسأل الله أن يجعلنا وإياك هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، مفاتيح للخير مغاليق للشر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عزيزي: قرأت رسالتك الطويلة أكثر من مرة، وتعليقي عليها بما يلي:
أولًا: ما تعاني منه من الحيرة أمر وارد، وكثيرًا ما تمر بالإنسان مثل هذه الظروف، ولكن يجب علينا- لكي نتخلص منها- أن نضع لنا أهدافًا واضحة، ونحاول تحقيقها بنظام الأوليات، الأهم فالأهم؛ حتى لا تتداخل الأمور وتتشابك.
ثانيًا: رائع منك هذا الحس الديني، وهذه الهمة العالية، وستجد- بإذن الله- من يعينك على ما تريد من الالتزام والتدين، فابحث يا صديقي عن مثل هذه الرفقة التي تدلك على الخير وتعينك عليه، واستعذ بالله من شياطين الجن والإنس، ومن نزغات الشيطان وتوهيمه.(20/21)
ثالثًا: بالنسبة لما وقت فيه من الأخطاء، فليس العيب أن نخطئ، ولكن العيب- كل العيب- أن نستمر في أخطائنا، وأذكرك بحديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَابُونَ". أخرجه الترمذي (3499) وابن ماجه (4251) . فحاول- يا أخي- أن تبادر عندما تخطئ- بالتوبة والاستغفار؛ "وَأَتْبِعِ السَّيِّئةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا". أخرجه أحمد (21354) والترمذي (1987) . واحذر أن يوهمك الشيطان بأنك قد أخطأت وأخطأت حتى لا يرجى منك خير قط، قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 114] .
رابعًا: أما عن حورات (الشات) فأخشى أن الحوار يجر الحوار، والكلمة تجر الكلمة، ثم تنزلق في مهاوي الردى، فاحذر- يا عزيزي- وحاول أن تتجنب هذا الأمر، فأنت " كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ ". ثم أين إرادتك وعزيمتك، في القدرة على التخلص من هذا الأمر، صدقني أن ما يدور في هذه الحوارات في جملته ضياع وقت وحياء ودين، أما إذا لم تستطع تجنبها فعلى الأقل ضع لك هدفًا ساميًا يتلخص في الاطلاع على بعض (المطويات) و (الكتيبات) الهادفة، أو التي تحتوي على بعض الأوراد والأذكار، والأدعية، وحاول نشرها من خلال الشات، وفي الحديث: "لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ". أخرجه البخاري (2942) ومسلم (2406) .
خامسًا: (الرومانسية) ليست عيبًا، بل ربما كانت ميزة أحيانًا، ولكن العيب هو أن نستبيحها ونسيء التعبير عنها، وأقترح عليك أن تحاول كتابة بعض القصص الهادفة، والخواطر، والمذكرات، خاصة وأن أسلوبك في السرد جميل ومعبر، وخيالك خصب.
سادسًا: الزواج- يا عزيزي- مطلب شريف، فإذا كنت قادرًا عليه من الناحية المادية والاجتماعية، فلا تتردد، وثق أن الله سيرزقك الزوجة الصالحة، أما إن كنت غير قادر فانتظر، واصبر، وما صبرك إلا بالله.
سابعًا: أهنئك على تفوقك، وأتمنى لك الاستمرار فيه، خاصة في السنة القادمة، وهي سنة التخرج والشهادة- كما تقول- وأما بالنسبة للدراسة الجامعية ورغبتك الدراسة في أمريكا، فأقول- يا أخي: لا تعبر الجسر قبل وصوله، انتظر، ولكل حادث حديث، أما رأيي الشخصي كأخ فإني أقترح عليك الدراسة هنا، في إحدى الكليات العلمية، وستجد فيها- بإذن الله- ما يغنيك، وثق ثقة كبيرة بأن المقدر لك سيأتيك، وما عليك إلا فعل الأسباب.
ثامنًا: الواقع- يا عزيزي- فيه بعض الفساد وفيه بعض الصلاح، ونحن على كل حال جزء منه نؤثر فيه، وقد نتأثر به.
تاسعًا: ليس صحيحًا أن الطيبين هم الأغبياء، فهناك رجال كثر طيبون جدًّا وليسوا أغبياء، صدقني- وأظنك منهم، إن شاء الله- وأما المجاملة فمطلوبة أحيانًا بحدود، ولا تعني الخداع والغش والكذب أبدًا، بل هي نوع من العرف الاجتماعي المحبب غالبًا.
عاشرًا: بالنسبة لمن ربط لديك بين نجاحك في الزواج المستقبلي وقدرتك على محادثة الفتيات حاليًّا، فقد كذبك وخدعك، وأوهمك في أمور لا توجد إلا في مخيلته المريضة، وهذا كله كلام باطل، ولا أساس له، فالمستقبل في علم الغيب، والتوفيق من الله.(20/22)
وأخيرًا: البكاء- يا عزيزي- نوع من التنفيس الانفعالي، وهو رحمة من الله، ننفس به عن نفوسنا ونريحها من ضغوط الحياة، فإذا شعرت برغبة في البكاء أحيانًا فلا تحجبها، وأطلق لها العنان، واستعن بالله وتوكَّل عليه، والتجئ إليه بصدق، وستجد- إن شاء الله- ما تريد، وتحقق ما تصبو إليه، وتذكّر دائمًا من هم أسوأ منك حالًا، ممن أصابهم الزمن- حقيقة- بالأرزاء والنبال، وتكسرت في قلوبهم النِّصالُ على النصالِ، واحمد الله على كل حال.
وأما أمنيتك الأخيرة، فهي مصداق لحديث المصطفى صلوات الله عليه وسلامه: "حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ". أخرجه البخاري (6487) ومسلم (2823) . وستجد- بإذن الله- في الحلال ما يغنيك عن الحرام. وفقك الله وسدد على طريق الخير والحق خطاك.(20/23)
والدي يرفض لبسي للنقاب
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 9/11/1424هـ
السؤال
أريد لبس النقاب، ووالدي يرفض، ويقول لي: أنا غير راض عنك، هل عدم رضاه أولى بالاتباع أم النقاب؟ مع العلم أنه لا يستجيب لكلامي نهائياً، هل لو لبسته وكان غير راض عني، ولا يحدثني، وحصل أي شيء، هل أنا أمام الله عاقة لوالدي؟ أرجو الإجابة مع الأدلة. -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
أجاب عن السؤال الشيخ/ خالد بن حسين بن عبد الرحمن.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للإيمان، وعلَّمنا الحكمة والقرآن، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، إن ربي لما يشاء قدير، والصلاة والسلام على معلِّم الناس الخير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إلى الأخت أمة الله: حفظها الله تعالى- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سرني جداً حرصك على لبس الحجاب الشرعي (النقاب) زادك الله عفة وحشمة، وثبتك الله على دينه، ولكن ساءني جداً موقف والدك منك، والذي كان الأجدر به أن يدفعك إلى ذلك، ويشجعك عليه، بدلاً من أن يقف أمامك حجر عثرة- نسأل الله الهداية-.
المهم اعلمي يا أمة الله أن عدم موافقة والدك على لبسك للحجاب لا يؤثر عليك، وأنت لست عاقة له، فالحجاب أمر الله وشرعه، وطاعة الله مقدمة على أي شيء، لكن عليك أن ترفقي بوالدك، واستمري في بره، وتحملي ما يصيبك من أذى في سبيل ذلك، وعليك بالتزود بالعلم الشرعي، واعلمي أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ كما ثبت ذلك عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم-، فأطيعي والدك في غير معصية الله، وإلا فلا طاعة له، ولا لغيره في معصية الله، هذا والله أعلم، ونسأل الله لنا ولك الثبات حتى الممات.
ونرفق لك مع هذه الإجابة ملف خاص عن الحجاب، وكل ما يدور حوله من شبهات، وتساؤلات مدعمة بالأدلة؛ فلعل في ذلك نفعاً لك - بإذن الله تعالى- واعرضي ذلك أيضاً على والدك؛ لعل الله أن يهدي قلبه للحق، وأكثري من الدعاء بالثبات والهداية، وادعي لوالدك كذلك، هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.islamtoday.net/hejab_f/index.htm(20/24)
خامساً: قضايا إيمانية(20/25)
شفاؤها.. في افتراقنا..!!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الأخوة في الله وضوابطها
التاريخ 9/6/1422هـ
السؤال
ألخص مشكلتي.. في أنني قبل فترة أسقطت حملي بعد إسقاط سابق وتأزمت نفسياً لذلك.. حيث أنني لم أنجب بعد!! ومررت بظروف صعبة جداً.. وفي تلك الفترة لم يكن لدي أي صديقة تواسيني أو تقف معي..!! ثم تعرفت بأحد الصديقات ونشأت بيني وبينها علاقة حميمة وحب في الله.. فوقفت معي وساعدتني في أزمتي.. وانتشلتني بعد الله من كثير من همومي وأحزاني وباتت لي عوناً في ديني ودنياي.. نتنا صح ونقرأ في بعض الكتب الدينية. إلى هنا والأمور عادية.
ولكن.. فجأة تعبت صديقة سابقة لها.. علاقتها معها متينة.. وذكرت لها أن السبب هو أنا..!!! لأني استوليت عليها منها.. وأنها تريدنا أن نقطع علاقتنا معاً..!! والله يشهد أني لم أفكر يوماًً بالإساءة إلى أي أحد.. فحاولنا أن ننقطع لبعض الوقت مراعاة لصحتها.. ولكننا عجزنا.. فعدنا إلى سابق عهدنا.. وعادت هي - كما تقول - إلى المرض..!!! والغريب أنها تسمح لصديقتي بأن تحادث من تشاء إلا أنا.. ومتى ما علمت أنها كلمتني تغتم!!!
ماذا نفعل.. إنها لم تعرف بعد معنى الأخوة في الله.. وأنا لا أريد أن أسبب ألماً لأي أحد.. ولكنني بشر ولا أستطيع أن اقطع علاقتي مع صديقتي.. فماذا أفعل.. إني حائرة جداً.. أفيدوني وجزاكم الله كل خير.
الجواب
اشكر لك ثقتك وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد..وإن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبساً علينا فنظل. إنه ولي ذلك والقادر عليه بالنسبة لاستشارتك فتعليقي عليها من وجوه:
أولاً: بالنسبة لإسقاطك فالحمد لله على كل حال.. وصدقيني لا نعلم جميعاً أين الخير.. والخيرة فيما اختاره الله.. فهو ـ تعالى ـ العالم القادر الرحيم.. وقد قرأت تقريراً مطولاً ذات يوم حول (الإسقاط) وفيه حقائق علمية كثيرة وعجيبة مفادها.. أن كثيراً من حالات الإسقاط يكون الجنين فيها مشوهاً أو يعتريه نقص ما.. فيكون إسقاطه رحمة لوالديه لأنه لو اكتمل وولد على ما كان عليه.. لربما كانت معاناتهما اكبر بكثير من معاناتهما بسقوطه قبل أن يكتمل.. فتبارك الله أحسن الخالقين.. فاتكلي عليه والجأئي إليه.. وأحسني الظن به.. وأكثري من الدعاء والاستغفار قال تعالى:] فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين [.
ثانياً: زاد الله ما بينك وبين أختك في الله من محبة ورحمة وتعاطف.. فأحسنا النية ولا تسمحا لأي كان بأن يؤثر على هذه العلاقة.. وليكن بينكن الوضوح الدائم والشفافية والتضحية.. حتى لا يجد الشيطان أعاذنا الله جميعاً منه مدخلاً لا فساد هذه الاخوة.(20/26)
ثالثاً: بالنسبة لما تطالب به هذه الصديقة الأخرى من قطع العلاقة بينكما.. فليس من حقها ذلك تحت أي مبرر.. ويجب ألا تستجيبا لها.. ولكن حاولا أن تؤثرا عليها باللين والعطف حفظاً لصداقتها الماضية ... وتستقطباها لتكمل معكما المشوار معززة مكرمة لها مالكن وعليها ما عليكن.. ولا بأس من أن تختاري لها هدية رمزية كعربون تواصل معها مع رسالة رقيقة تعبرين لها فيها عن مشاعرك الإيجابية تجاها.. وسعادتك بمعرفتها.. وذلك بالاتفاق مع صديقتك الأولى.. فإن قبلت تلك الصداقة فالحمد لله وإن رفضت وأصرت على موقفها.. فلا يستمع إليها.. ولن يصيبها إلا ما كتب الله لها.. واكثرن من الدعاء لها بالهداية.. وعمقن من اخوتكن في الله وجميل لو وضعتن لكن هدف ورسالة تسعيان إلى تحقيقه في التأثير على بعض الزميلات..وإهداء بعض المطويات والأشرطة إليهن فلعل الله يجعل على يديكن الخير.. فتفزن بسعادة الدارين. ولا تستعجلن النتائج.. وفقكن الله وسدد على طريق الخير خطاكن.(20/27)
الحب في الله علاماته وفضله وشروطه
المجيب يوسف صديق البدري
داعية إسلامي وخطيب مسجد الريان بالمعادي ومستشار اللغة العربية بوزارة التعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الأخوة في الله وضوابطها
التاريخ 21/12/1425هـ
السؤال
ما معني الحب في الله، وكيف يكون وعندما أقول لأحد: إني أحبك في الله فماذا يكون أساس تعاملي معه، وكيف يكون التعامل؟ ما علامات حب الله لي؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين،
وبعد
فإن الحب هو من أسمى وأرقى العواطف الإنسانية، فإذا توجهت هذه العاطفة النبيلة لله تعالى، وكانت هي محور العلاقات بين المسلمين، ذللت كثيراً من الصعاب، وأثمرت كثيراً من الثمار الطيبة في حياة الأمة، ولقد جاءت أدلة عديدة تؤكد هذا المعنى الكريم، وتبين المكانة الرفيعة لمن أنعم الله به عليه، منها:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء, يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم في الله" قالوا: يا رسول الله, تخبرنا من هم؟ قال: "هم قوم تحابوا بروح الله, على غير أرحام بينهم, ولا أموال يتعاطونها, فوالله إن وجوههم لنور, وإنهم على نور, لا يخافون إذا خاف الناس, ولا يحزنون إذا حزن الناس. وقرأ هذه الآية: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" رواه أبو داود (3527) .
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي". رواه مسلم (2566) .
وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم: "ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه, وتفرقا عليه" أخرجه البخاري (660) ، ومسلم (1031) .
والأخوة في الله لا تنقطع بنهاية هذه الدنيا، بل هي مستمرة في الآخرة, يقول تعالى: "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" [الزخرف:67] .
إن التحابب في الله والأخوة في دينه من أفضل القربات, ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون بالمتحابين في الله, وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب الكدر ونزغات الشيطان, فبالقيام بحقوقها يُتقرَّب إلى الله زلفى, وبالمحافظة عليها تنال الدرجات العلا. ومن هذه الحقوق:
أولاً: الحب والمناصرة والتأييد والمؤازرة ومحبة الخير لهم, كما قال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه: البخاري (13) ، ومسلم (45) .
ثانياً: التواصي بالحق والصبر وأداء النصيحة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتبيين الطريق له، وإعانته على الخير ودفعه إليه, يقول تعالى: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" [العصر:1-3] , ويقول تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" [التوبة:71] .(20/28)
ثالثاً: القيام بالأمور التي تدعو إلى التوادد وزيادة الصلة, وأداء الحقوق, قال عليه الصلاة والسلام: " حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ " رواه مسلم (2162) .
رابعاً: من حقوق المسلم على المسلم: لين الجانب, وصفاء السريرة, وطلاقة الوجه, والتبسط في الحديث, قال عليه الصلاة والسلام: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" رواه مسلم (2626) . واحرص على نبذ الفرقة والاختلاف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا, لم يبق بين المسلمين عصمةٌ ولا أخوة) .
خامساً: من حقوق المسلم على المسلم: دلالته على الخير, وإعانته على الطاعة, وتحذيره من المعاصي والمنكرات, وردعه عن الظلم والعدوان, قال صلى الله عليه وسلم: " لْيَنْصُرْ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ" رواه مسلم (2584) .
سادساً: وتكتمل المحبة بين المؤمنين في صورة عجيبة ومحبة صادقة عندما يكونان متباعدين, وكل منهما يدعو للآخر بظهر الغيب في الحياة وبعد الممات, قال صلى الله عليه وسلم: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة, عند رأسه ملك موكل, كلما دعا لأخيه بخير قال الملك المُوكل به: آمين ولك بمثل" رواه مسلم (2733) .
سابعاً: تلمس المعاذير لأخيك المسلم, والذب عن عرضه في المجالس, وعدم غيبته أو الاستهزاء به, وحفظ سره, والنصيحة له إذا استنصح لك, وعدم ترويعه وإيذائه بأي نوع من أنواع الأذى, قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً" رواه أحمد (23064) ، وأبو داود (5004) .
أما عن كيفية تعاملك مع من تحب في الله تعالى فهو كالتالي:
(أ) من واجبات الأخوة الإسلامية إعانة الأخ المسلم ومساعدته وقضاء حاجاته, وتفريج كربته, وإدخال السرور على نفسه, قال عليه الصلاة والسلام: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس, وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم, أو تكشف عنه كربة, أو تقضي عنه ديناً, أو تطرد عنه جوعاً, ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهراً" رواه الطبراني في المعجم الكبير (13646) .
(ب) احرص على تفقد الأحباب والإخوان والسؤال عنهم وزيارتهم, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكاً, فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية, قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها؟ قال: لا, غير أني أحببته في الله عز وجل, قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" رواه مسلم (2567) .(20/29)
وقال عليه الصلاة والسلام: "من عاد مريضاً, أو زار أخاً له في الله, ناداه منادٍ أن طبت وطاب ممشاك وتبوَّأت من الجنة منزلاً" رواه الترمذي (2008) ، وابن ماجه (1443) .
عاشراً: تقديم الهدية والحرص على أن تكون مفيدة ونافعة, مثل إهداء الكتاب الإسلامي, أو الشريط النافع, أو مسواك أو غيره, وقد "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها" رواه البخاري (2585) .
أما عن علامات محبة الله للعبد فهي كثيرة لخصها الشيخ محمد بن صالح المنجد كما يلي:
1- اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى في كتابه الكريم "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" [آل عمران:31] .
2- الذلة للمؤمنين، والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله، وعدم الخوف إلا منه سبحانه.
وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في آية واحدة، قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم " [المائدة:54] .
3- القيام بالنوافل: قال الله عز وجل - في الحديث القدسي -: " وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه " أخرجه البخاري (6502) ، ومن النوافل: نوافل الصلاة والصدقات والعمرة والحج والصيام.
4- الحبّ، والتزاور، والتباذل، والتناصح في الله.
وقد جاءت هذه الصفات في حديث واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: " حقَّت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ ". رواه أحمد (19438،22080) و " التناصح " عند ابن حبان (577) وصحح الحديثين الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (3019 و 3020 و 3021) .
5- الابتلاء، فالمصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة على حب الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مُرّاً إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح: " إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وصححه الشيخ الألباني.
وبيَّن أهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة.(20/30)
تريد الإصلاح بين زميلتيها
المجيب صالح بن عبد الرحمن القاضي- رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الأخوة في الله وضوابطها
التاريخ 13/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
لدينا في الفصل زميلتان متخاصمتان منذ فترة طويلة، فدخل رمضان ولم تتصالحا، أريد أن أصلح بينهما، ولكن علاقتي سطحية جدًّا معهما، فالرجاء كتابة نص الرسالة؛ لأني أريد إرسالها لهما، ولا أستطيع مواجهتهما بالنصيحة وجهًا لوجه، لأنهما ستظنان أنني فضولية. وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
ابنتي العزيزة: أشكر لك حرصك على إصلاح ذات البين، فإن هذا يدل على صلاحك واستقامتك وأرى أن ترسلي لهما هذه الرسالة وهذا نصها:
أختي الفاضلة: وفقها الله لما يحبه ويرضاه، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
إنني وإن كنت مقصرة في نوعية الصحبة بيننا، إلا أنني أشعر بأهمية التواصل بكل وسيلة متى وجدت إلى ذلك سبيلًا؛ حتى يكون لتعارفنا معنى.(20/31)
عزيزتي: إنني ومن خلال صلتي بك وبالأخت، وإن كانت صلة عادية قد علمت بما كدر خاطري وأحزنني أن يكون بينكما هجران وقطيعة، بل الأدهى والأكثر ألمًا استمرار هذه القطيعة رغم دخول الشهر الكريم الذي تطيب فيه نفوس المؤمنين، وتزداد صلتهم فيه بربهم، وتزداد شوقًا إلى فضله وإحسانه، وذلك بالحرص على فعل كل ما من شأنه أن يزيدهم قربًا منه وهروبًا من وساوس الشيطان- أعاذنا الله منه. قد تقولين: وما شأنك أنت فيما حصل بيني وبينها، لاسيما وأن علاقتي بكما ليست ذات جذور عميقة، فأقول معك حق في هذا التساؤل إذا كنت ترين أن صلتي على ما هي عليه من الضعف معكما مجرد صلة إنسانية دنيوية، مجردة من كل هدف أخروي، أما أنا فإنني أشعر مهما كان نوع الصلة بأنني مسؤولة أمام الله إذا لم أبذل جهدًا للإصلاح بينكما رغبة في ثواب الله، وأداءً لواجب النصيحة، وقيامًا بحق الصحبة بيننا؛ لأن انقطاع الصلة بينكما ليس مجرد ترك كل منكما صاحبتها، بل هو معصية لله، ومنع منكما من وصول الخير إليكما؛ لأنكما مسلمتان ويلزمكما التقيد بأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم- في كل شأن من شؤون حياتكما، بصفة عامة، وفي شأن هذه المشكلة بصفة خاصة، ألا تعلمين- أيتها الأخت- أن الهجران بين المسلمين محرم ما لم يكن لأجل الله إنما لأمور دنيوية وعادية، ألا تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم ذلك بقوله: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنَّ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ. . . " الحديث. أخرجه البخاري (6065) ومسلم (2559) . وبيّن عليه الصلاة والسلام أن خيرَ المسلمَين المتهاجِرَين هو الذي يسبق إلى قطع الهجران، فيلقى السلام على صاحبه- انظر صحيح البخاري (6077) وصحيح مسلم (2560) - ويستأنف معه الصلة الطيبة، وألا تعلمين أن العمل الصالح لا يرفع لمن هجر أخاه حتى يصطلح معه، وأن هذا الشهر- الذي عم الدنيا بروحانيته- فرصة أن تسارع كل واحدة منكما إلى إغضاب الشيطان وإرضاء الرحمن، فتُسلِّم على أختها وتمسك بيدها لتودع هذه المشكلة؛ استجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وإنني لآمل منكما أن تتقيا الله وتتغلبا على هوى النفس، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: 36] .
أعتذر لجرأتي، ولكن الحق أنطقني فتقبلي مني.
أختك المحبة لك في الله
فلانة(20/32)
أريد الأخوة في الله!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الأخوة في الله وضوابطها
التاريخ 11/10/1422
السؤال
أرغب في أخوة حقيقية في الله مجردة لوجهه تعالى مع أخت تنبهني إذا غفلت وتجدد همتي إذا فترت، وتسابقني المسير في الطريق المستقيم، ولقد عثرت على أخت مستقيمة - أحسبها كذلك - لها همة عالية، وهي تعرفني جيداً ودائماً كأنها تريد أن أؤاخيها لكني أخشى أن أفاتحها وأقدم على هذه الخطوة فأندم أم ترى أن الوحدة أنفع للمؤمن؟
الجواب
أختي الكريمة، أشكر لك ثقتك، واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد وأن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضلّ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أما استشارتك فتعليقي عليها من وجوه:
أولاً: أهنئك أختي الكريمة على هذا الهم وهذه الهمة التي تسمو بك إلى العلياء وإلى الرفعة في الدارين إن شاء الله فالهموم - أختي الكريمة - بقدر الهمم.. ويكفيك فخراً أن جعلت مطلبك في الدنيا هذا الأمر.. زادك الله ثباتاً وتوفيقاً ويقيناً.
ثانياً: الحمد لله الذي وفقك فوجدت من تريدين، فبادري في مفاتحتها ولا تترددي إطلاقاً، ولن تندمي بإذن الله، فمطلبك جليل وهدفك سامٍ. فلماذا التردد..؟! أظنه من الشيطان قاتله الله. فاستعيذي بالله منه قائمة وقاعدة، وبادري بمفاتحة أختك، وابدئي معها تلك الرحلة مستمدة من الله العون والتوفيق والسداد.
ثالثاً: (المرء على دين خليله ... ) لا تنسي ذلك.. ولا بأس من البحث عن أخريات لهن نفس المواصفات لتكوين رفقة صالحة تتعاون على البر والإحسان. وجميل لو وضعتن لكُنّ جدولاً مناسباً للبحث أو للتدارس في أحد المواضيع ونقاشها مع بعضكما حتى ولو عن طريق الهاتف على أن يكون هذا البرنامج متوافقاً مع ظروفكن وارتباطاتكن الأسرية والاجتماعية.
رابعاً: تذكري - أختي الفاضلة - أن الدين يسر، وأن فضل الله واسع ورحمته أوسع. (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) .
خامساً: احذرن مكائد الشياطين من الجن والإنس؛ فقد يوجد من يسعى للإيقاع بِكُُنَّ بشكل أو بآخر.. فلا تسمحن له بذلك ولتعذر كل واحدة أختها، وتبحث لها عن الأعذار وتدعُ لها في ظهر الغيب.
سادساً: وأخيراً.. الله.. الله بصدق الالتجاء إلى الله بأن يوفقكما ويحفظكما من كل سوء، ويهديكما ويهدي بكما، ويجعلنا وإياكن مفاتيح للخير مغاليق للشر.. ويثبتنا جميعاً على الحق حتى نلقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه.(20/33)
كيف لي بالكور بعد الحور
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/وسائل الثبات
التاريخ 29/05/1427هـ
السؤال
كنت متحجبة ملتزمة، ولكني انحرفت، وعصيت الله كثيراً، وتبت الآن وندمت على ما اقترفته. فماذا أفعل ليقبل الله توبتي وأبتعد عن المعاصي وأكرهها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنشكر لك اختنا الفاضلة مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم ونرجو الله أن تجدي منا النفع والفائدة. والجواب على ما سألت كالتالي:
فأولاً أنا أبارك لك إحساسك بالخطأ والندم على ما فعلت من ترك الحجاب، وفعل أمور لا ترضي الرب سبحانه، فاجعليها توبة صادقة، ورجوعًا إلى الله وهنيئًا لك فرح الله بك وبعودتك إليه ونرجو الله أن يقبلنا جميعا عنده، ويغفر لنا ويعفو عنا، ويثبتنا جميعًا على الإيمان والطاعة حتى نلقاه وهو راضٍ عنا. ونحمد الله أن شرح صدرك للطاعة التي كنت عليها وبغّض إليك المعصية وهذا أول الطريق الذي يسلكه العبد الجاد في التوبة والبعد عن المعصية.
إن وجود الرغبة الملحة بترك المعصية وبغضها هو الوقود -بعد عون الله- للانتصار على النفس الأمارة بالسوء فأبشري بخير، واعلمي أنك بحاجة إلى أن تنتبهي لبعض الأمور التي سوف أقترحها عليك للفوز بالنفس المطمئنة، وانشراح الصدر بالطاعة، وكراهية المعصية ومن ذلك:
- أكثري من تذكر بشاعة ما كنت عليه من المعصية ليزداد بغضك لها ونفورك منها، لا سيما إذا تذكرت ماذا سيقع لك لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال.
- تذكري أن الإخلاص لله عز وجل في التوبة النصوح والعمل الصالح واجب، وأن العبد إذا لجأ إلى ربه بإخلاص وصدق وفّقه الله وأعانه، وصرف عنه السوء والفحشاء. قال سبحانه عن يوسف عليه السلام: "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ" [سورة يوسف 12/24] فأخبر سبحانه أنه صرف عن يوسف السوء من العشق، والفحشاء من الفعل بإخلاصه، فإن القلب إذا أُخلص وأَخلص عمله لله لم يتمكن الشيطان منه. فإنه إنما يتمكن من القلب الفارغ.
- لا بد من توطين النفس على الصبر فالصبر؛ خصلة حميده، وسجية مطلوبة، وعواقبه جميلة، وآثاره حميدة وهو علاج ناجع، ودواء نافع، ومن يتعرض لفتن الشهوات خاصة أحوج الناس إليه، فلابد من التسلح به، وأن تتكلفه، وتوطن النفس عليه، وتتجرع مرارته في بداية الأمر، لتذوق حلاوته في النهاية، ومن ثم يصبح لك سجية وعادة، وفي صحيح البخاري (1469) ، وصحيح مسلم (1053) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر".(20/34)
- املئي قلبك بمحبة الله -عز وجل- من خلال تذكر نعمه عليك، وستره لك على ما فعلت، ومع ذلك يقبلك إذا عدت إليه، ويحبك ويقربك، ولا يخفى عليك أن في القلب فقرًا ذاتيًا وجوعًا وشعثًا وتفرقًا لا يلمه ولا يسده إلا محبة الله والتوجه إليه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يلتذ ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن، ولم يسكن إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه. وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة) .
فإذا خلا القلب من محبة الله تناوشته الأخطار، وتسلطت عليه سائر المحبوبات فشتتته، وفرقته، وذهبت به كل مذهب.
- حافظي على الصلاة في أوقاتها فإن الله يقول: "وَأَقِمِ الصَّلَو?ةَ" إِنَّ الصَّلَو?ةَ تَنْهَى? عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" [سورة العنكبوت 29/45] فكم من صلاة أثمرت تزكية للنفس، وصلاحًا للقلب.
- لابد من البعد عن مواطن التشكيك في الدين، أو بالحق أو المثيرات التي تحرك الشهوة، وتدعو إلى فعلها ليسلم للعبد دينه.
- أكثري من الدعاء والابتهال إلى الله بأن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، ويكره إليك الكفر والفسوق والعصيان فإنه على كل شيء قدير.
- احرصي على الصحبة الصالحة فإنها مفتاح كل خير، وتجنبي صحبة الأشرار فإنها مفتاح لكل شر وبلاء.
- تذكري العواقب السيئة لفعل المعصية وأن الله أعطاك الآن فرصة للتوبة والرجوع، ولم يأخذك وأنت على معصيته فاشكريه بالثبات على طاعته.
- احرصي على سماع المواعظ والبرامج الدينية والأشرطة المفيدة؛ فإن فيها نفعًا عظيمًا وتجديدًا للإيمان، وبعثًا للتقوى، وتذكيرًا بالطاعة، وتحذيرًا من المعصية.
هذا وأسأل الله لي ولك الهداية والرشاد والعفو والعافية والتوفيق والسداد إنه جواد كريم. والسلام عليكم.(20/35)
لقد ذهبت تلك الايام..!!! فكيف اعيدها..؟!!
المجيب د. سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/وسائل الثبات
التاريخ 21-2-1423
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله..والصلاة والسلام على رسول الله: أنا عمري الأن27سنه منذ أن أدركت نفسي وأنا احب الخير وأهله التحقت بالتحفيظ كثيرا والتزمت إن صح التعبير كثيرا تعلمت خلالها الكثير عن ديني ... راودتني أفكار ومبادئ وخواطر عن جمال وروعة ما كنت أجده من انشراح الصدر وحب ذكر الله على لساني واستشعار جوارحي لجمال الحياة بالله ولله ... شعرت بارتقاء إيماني ولحظات جميلةمن حياتي.. أنا الآن اكتب إليك واستشعرأتذكر تلك الأيام وتدمع عيني على افتقادتلك الفتوحات الربانية.... وها أنا اليوم الثوب قصير واللحية ما أجملها كثيفة وعلي وقارمزيف يخفى حوله الكثير من الأسى والحزن على ما فرطت في جنب الله أخاف أن يدر كنىالموت وهذا حالي..!!! أمام الناس مشهود لي بالصلاح وبيني وبين نفسي اشهد عليها بالضياع والضعف والانحطاط.... -اعرف الطريق ولااعرف العزيمة..!! نفس ضعيفة هزيله حقيرة..أتصدق..؟؟! تفتر وتنتهي عزيمتي وإرادتي عندما استيقظ من النوم دائما توبة الليل يمحوها النهار وعزيمة النهار تنتهي عند أول الليل ... حقيقة السرد يطول ويطول واستشارتي:
1- أريد بناء البنية التحتية لإيماني
2- ارغب بدء حياة جديده بصدق مع الله بداية بنفسي وزوجتي ومسجدي وأهل حيي وأرجو منكم الأخذ بيدي وذلك بخطوات عمليه أو برنامج أسبوعي أو شهري لي ولأسرتي وساكون صادقا معكم لأي سؤال يطرح على أرجو أن نبدا من الصفر واحتساب الأجر من الله فقد انقدبكم أحبتي من النار وأنا جاهز وبمعنويات مرتفعه انتظر الرد عاجلا أرجو من الله أني كتبت رسالتي في المكان المناسب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين,,,,,,,,,
الجواب
أخي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
مرحباً بك! والموقع يعتز بهذه الثقة الكبيرة التي منحتها له، ويسعد برسائلك، ولا تنزعج من التأخير؛ لأن كم الرسائل كبير ويتطلب وقتاً كافياً للرد.
ولعل الشعور الذي لديك هو شعور الكثيرين ممن منّ الله عليهم بالهداية والصلاح وسلكوا الطريق المستقيم، ولكن يوجد لديهم طموح إلى الترقي والتفوق والازدياد.
وهذا بحمد الله دليل على علو الهمة وصحة الإيمان، فإن القلب الحي هو الذي يعرف الخير من الشر ويحب الخير ويكره الشر، ولوكان فيه بعض الضعف فإن التدارك ممكن ما دام العبد في زمن الإمهال.
1- عليك أولاً باللجوء الدائم إلى الله وطلب الهداية بصدق والاستعانة به على ما تلقاه من العقبات والمصاعب، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأكثر من قول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) .
2- ابحث عن الصحبة الطيبة، والرفقة الصالحة الذين يشدون من عزيمتك ويثبتونك وينصحونك، وتجد من بينهم من تبثه شكواك وتستنصحه وتستشيره فيما يعرض لك من الإشكالات.(20/36)
3- درب نفسك على الالتزام الاعتيادي بالأشياء الشرعية الراتبة كصلاة الجماعة وقراءة الورد اليومي، والسنن الرواتب، وصوم ولو ثلاثة أيام من كل شهر، والصدقة ولو بالقليل.
4- حاول التخفيف من هذا الشعور الضاغط لديك، والذي ربما يسبب لك نوعاً من الانزعاج والقلق، يكفي أن يكون لديك رغبة في الخير وحرص عليه، واسع في هداية من حولك ولو بصورة تدريجية، هذا كتاب، وهذا شريط وهذه مذكرة، وهذه قصيدة، ويحسن أن تكون كالفلاح الذي يزرع الشجر، ازرع الخير في كل مكان، ليكن في البيت مكتبة، وفي الحي مشاركة، وفي العمل جلسة، وبين الأقارب صلة، ومع الزوجة برنامج ولو صغير، وللصغار، إن كان ثمت صغار حلقة تعليمية وقصص ومسابقات.
5- اجعل للقرآن من يومك نصيباً لا ينقص وإن زدت فهو خير لك، ولو أن تقرأ قبل كل صلاة وجهاً من القرآن لا يستغرق أكثر من خمس دقائق، لكن مع المداومة يصبح كثيراً.
وفقك الله ورعاك وأيدك.
مرحباً بك وما ترى إلا كل خير إن شاء الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،(20/37)
وسائل الثبات على دين الله
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/وسائل الثبات
التاريخ 8/9/1423هـ
السؤال
ما هي الوسائل المعينة على الثبات على الدين حيث إنني أجدني وقد تسلل إلى داخلي شيء من عدم الثقة في الدين وخصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر والبدء في الإحساس باليأس من نصر الله.
وجزاكم الله خيراً
الجواب
الأخ الكريم..
شكراً لثقتك واتصالك بنا في "موقع الإسلام اليوم "
هناك غيرك قد وقعوا في هذا اليم. وهو الحيرة والقلق واليأس والسبب يعود والله أعلم إلى قلة البضاعة أقصد بضاعة معرفة الله فقد تكون من القوم الذين ورثوا الإسلام وراثة [إِناَّ وَجَدْناَ آباَءَناَ ... ] الآية، ويتضح عدم فهمك للإسلام وهذا ناتج عن قصور في التفكير. أو ليس عندك استعداد للتفكير فيه. ويحمد لك محاولاتك. ولكن نفسك ضعيفة. الذي أريد أن أقول لك أن هذا الدين منصور بقوة الله وعزته.
ولكن لا بد من فعل الأسباب التي تجلب النصر لأفراد الأمة الإسلامية ولا يمكن أن تنتصر الأمة إلا إذا عاد المسلمون إلى دينهم بتلقائية ومارسوه بعفوية دون تردد أو خجل أو تنقص أو اعتراض كما أمرنا بذلك ربنا في محكم التنزيل وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وصدقني أن أحداث أمريكا تصب في خانة الايجابية ولصالح الإسلام.
أرأيت كيف أزاحت أمريكا اللثام ومزقت القناع وعرفت على حقيقتها النصرانية وبان حقدها على الإسلام والمسلمين؟ ورأيت كيف بدأ الغرب يدرسون الإسلام؟ ورأيت كيف بدأ بعض الناس يعودون إلى دينهم يدرسونه ويتعلقون به. وبدأ بعض طوائف من الغرب يهتمون بالإسلام. هذه عوامل دافعة للأحسن وليس للأسوأ.. أما وسائل الثبات فهي كثيرة. وكذلك لا بد من العودة إلى الذات. وتصحيح المسار. فأحياناً يريد المرء شيئاً ولا يستطيع ممارسته فيتهم من يكون سبباً في منعة بأنه غير قادر على مواكبة تطلبات النفس. فحدد أنت يا أخي طريقك. وأول الرسائل المساعدة ما يلي:
1- اللجوء إلى الله والتضرع إليه حال السجود. بأن يثبتك الله على دينه. ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم دائماً يقول في حال الحيرة: [يا مقلبَ القلوب ثبت قلبي على طاعتك] فطلب الثبات مطلب هام.
2- المداومة على الذكر على كل حال كما قال عليه الصلاة والسلام (ولا يزال لسانُك رطباً بذكر الله) الحديث.
3- التفكر بعظمة الله وذلك بتأمل مخلوقاته الظاهرة للعيان والمحسوسة: ألم تتفكر يوماً بعينيك.. جرب (غمض عينيك خمس ثوانٍ) ماذا ترى.
4- قراءة سير الصالحين من الصحابة والسلف وكيف كانوا يقومون في سبيل الله.
5- تأدية الفرائض على وجهها كما أمر الله خاصة الصلاة فلا تعلم ما للصلاة من أهمية وتأثير وانشراح للصدر..
6- الصدقة في السر لها ثمار يانعة لا يحسها إلا من جربها كل هذه الأعمال بإذن الله تجعلك قريباً من رأيك. وإياك والابتعاد بعيداً عن هذه الأمور.
ولا تُشغِّل نفسك بالملهيات التي تملأ الذاكرة بما لا يفيد. فتمنعك عن المداومة على طاعة الله ...
أعانك الله(20/38)
التزمتُ ثم عدتُ
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/وسائل الثبات
التاريخ 18-6-1424
السؤال
أنا شاب ملتزم على طاعة الله منذ عام تقريباً، ولقد وجدت والله السعادة واللذة الحقيقية، ولكن بعد مضي شهور أحسست بنوع من الفتور فلم أستطع الخشوع وبدأت أرتكب الذنوب والمعاصي حتى وقعت في الكبائر، ولقد أحسست أني بهذا الفعل منافق، أرجو نصحي وإرشادي وأنا الآن أصبت بحالة من الإحباط والخوف من عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة.
أجيبوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ الكريم ...
السلام عليكم، وبعد:
شكراً لمراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم".
والجواب على استفسارك كما يلي:
معلوم أن الإنسان يمر بمراحل مختلفة وأحوال متنوعة، وبقاؤه على حال من الجد أو ضده تحيله طبيعة البشر من التقلب والتحول، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لحنظلة بن عامر - رضي الله عنه - يوم أن شكا له عدم ثباته على حال من الخشوع والإخبات فقال له: إنا نكون عندك يا رسول الله وكأن على رؤوسنا الطير وإذا فارقناك عافسنا النساء ولاعبنا الأولاد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبيناً له استحالة بقاء الإنسان على حال واحدة:"لو تكونون في بيوتكم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات ولكن ساعة وساعة"، فإن تغير حال الإنسان طبيعة فطرية، وليس هذا محل إنكار إنما محل الإنكار أن تنقلب الحالة من خير إلى شر أو من طاعة إلى معصية، لذلك أخبر عليه الصلاة والسلام أن لكل عمل شرة وفترة يعني مرحلة جد وضعف فقال:"فمن كانت فترته إلى سنتي فقد هدي"، ففي صحيح ابن حبان وغيره عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت شرته ذلك فقد هلك، وفي لفظ:"إن لكل عمل شرة وإن لكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت فترته ذلك فقد هلك"، فالواجب على العبد عند الضعف أن يحرص على التمسك بالفرائض وأصول الدين والبعد عن المحرمات، فإن وجد نفسه ثقيلة على النوافل والمستحبات فلا بأس بتركها فترة ليعود إليها بشوق وهمة أكبر، وفي نفس الوقت يعالج أسباب هذا الضعف وسبب رجوعه للذنوب مرة أخرى.
إن تحسسك للأسباب يختصر عليك المسافة في معالجة ما جد من تغير، وذلك بترك تلك الأسباب والرجوع للحال التي كانت النفس فيها مقبلة، وحالة الفتور هذه يتعرض لها كثير من السائرين إلى الله فإن أحسنوا معالجتها وإلا كانت وبالاً على بعضهم يتردى بسببها إلى الحضيض، وإني أنصحك بالرجوع إلى كتابين عالجا أمر الفتور معالجة جيدة، الكتاب الأول: آفات على الطريق للدكتور: محمد السيد نوح، والثاني الفتور للدكتور: ناصر العمر، واحرص أخي على البعد عن الأصحاب الذين أضعفوا فيك التمسك بدينك، واحرص على لزوم الأخيار والصالحين وأكثر من الاستعانة بالله عز وجل، والله يثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه وهو راض عنا إنه جواد كريم، والسلام عليكم.(20/39)
الرجوع إلى المعاصي بعد الحج
المجيب محمد العبد الكريم
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/وسائل الثبات
التاريخ 28/3/1425هـ
السؤال
سماحة الشيخ: هل يمكن أن تفتوني في كيفية التعامل أو الابتعاد من الذنوب بعد الحج؟ وما هي النتائج المترتبة على ذلك؟ إذ أنني سمعت أن الإنسان لا يجب أن يقوم بأي معصية بعد الحج، وإذا عصى فإن العاقبة تكون مدمية حتى ولو كان الذنب بسيطا، فلو تفتوني بعلاقة الحج بالذنوب، غفر الله لكم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الكريمة: سؤالك قد تضمن عدداً من الاستفسارات: وهي تُعرب عن نفس لوّامة وقلب توّاق للطهر والنقاء.
فما يتعلق بالتعامل مع المعاصي والابتعاد عنها فإني أنصحك وأنصح نفسي أولاً وقبل كل شيء بأن ننظر في آثارها المترتبة عليها. يقول الله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" [الشورى:30] . ويقول المصطفى عليه -الصلاة والسلام-: "إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه" رواه أحمد (21881) ، وابن ماجة (90) من حديث ثوبان -رضي الله عنه-. والله -عز وجل- يقول: "فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا" [العنكبوت:40] ، وكل هذا بسبب الذنوب والمعاصي، وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تردد قوله تعالى: "وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" [الشورى:30] .
ويقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: "إذا همّت نفسك بالمعصية فذكرها بالله، فإذا لم ترجع فذكرها بأخلاق الرجال، فإذا لم ترتدع فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس، فإذا لم ترجع؛ فاعلم أنك في تلك الساعة انقلبت إلى حيوان".
وفي هذا المعنى يقول نابغة بن شيبان:
إن من يركب الفواحش سرا حين يخلو بسره غير خالي كيف يخلو وعنده كاتباه شاهداه وربه ذو الجلال، والمعاصي تذهب الخيرات وتزيل النعم.
وقد قال العباس - رضي الله عنه- في دعائه للاستسقاء: (ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة) انظر فتح الباري (2/497) وصححه الألباني في التوسل، وانظري ـ رحمني الله وإياك ـ إلى ما حصل للمسلمين في يوم أحد عندما خالف الرماة وعصوا أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ماذا كانت الجناية عليهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنىّ هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير" [آل عمران: 165] .
وقد كتب العلامة ابن القيم في الجواب الكافي لمن سئل عن الدواء الشافي جملة من الآثار ومما ذكره رحمه الله: أن المعاصي سبب للوحشة بين العبد وربه وهي سبب لذهاب البركة
وسوء الخاتمة، ونفرة الخلق، وقلة الرزق.(20/40)
ثانياً: إذا أردت الابتعاد عن معصية من المعاصي التي ترين أن لا قدرة لك عن الابتعاد المباشر عنها، فابدئي بالتدريج شيئاً فشيئاً، فنفوسنا كالطفل الذي تعلق بالرضاع من أمه لا تستطيع فطمه إلا بالتدريج. وهي سنة ماضية عالج القرآن بها أم الخبائث (الخمر) التي تعتبر من أصعب ما يمكن، ومع ذلك كان التدرّج حاسماً لتسكين الفتنة بها.
ثالثاً: قد ذكرت في سؤالك أن الإنسان لا يجوز له أن يعصي بعد أداءه لفريضة الحج، ولو فعل ذنباً ولو كان بسيطاً فإن الآثار المترتبة ـ على حد تعبيرك ـ تكون مدمية.
والجواب: لو كان ما ذكرته صحيحاً لما صح (معنى) حديث النبي عليه الصلاة والسلام: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة". رواه النسائي (810) والترمذي (810) وصححه فهذا دليل على أن قبل الحج وبعده ذنوب، فإذا كان الإنسان كثير الحج والعمرة فإن ذنوبه تزال بهذه المتابعة.
وليس القصد أن نقول بأنه يجوز للإنسان أن يعصي بعد الحج، فإننا مأمورون بالانتهاء عن المعاصي بعد الحج وقبله، ولكن تخصيص ذلك لا دليل عليه، ولا دليل كذلك على أن المعصية ولو كانت بسيطة إذا كانت بعد الحج فإن آثارها مدمية، فمن مقاصد الحج وأسراره وحكمه أنه جاء ليكفر عن الإنسان ذنوبه، وفي الحثّ الإكثار والمتابعة كما سبق
دليل على أن الإنسان قد يعصي بعد الحج ليأتي الحج القادم ويكون مكفراً له عن ذنوبه التي فعلها بعد حجه الأول دون الإشارة إلى الجواز وعدمه.
ثالثاً: لا يوجد أحد من البشر معصوماً من المعاصي، فالامتناع عن فعل المعصية مستحيل شرعاً وهو أشبه بالمستحيل العقلي، ولذلك صح عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم". رواه مسلم (2749) .(20/41)
نفسي تتهمني بالرياء!
المجيب د. عبد المهدي عبد القادر
أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الإخلاص والرياء
التاريخ 06/02/1427هـ
السؤال
تدور في نفسي خواطر وأفكار، وهي أني معجب بعملي ومراءٍ للناس، وأني أبتغي بعملي نور وجهي في الدنيا، لذلك تارة أخفي وجهي خوفا من أن يرى الناس ما يمكن أن يكون فيه من النور، وتارة أعجب بهذا النور، فيصيبني هم لا يوصف، فهل أنا مراءٍ ومعجب؟ وبماذا تنصحونني؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فما طرحته في رسالتك يشير من طرف خفي إلى قلق إيماني، ينساب من طوية تخشى حبوط العمل، فتبث عبر هذه السطور حيرة المؤمن بين تيارين يتجاذبانه، ناحية الإخلاص تارة، وإلى العُجب تارة أخرى.. وهذا -أخي الكريم- نفسه هو ما سأل عنه بعض الصحابة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" رواه مسلم (2642) . فمن عمل عملاً أراد به وجه الله تعالى، ثمَّ حمده الناس عليه فإنَّ هذا العمل لا يفسد، بل هو من خير المؤمن..
فعليك أن تعلم أنَّ خوف المؤمن على نفسه من النفاق هي علامة خير لا شر، قال ابن أبي مليكة: أدركت سبعين صحابيًّا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كلُّ واحدٍ منهم يخشى على نفسه النفاق.
ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم: أيزداد هو أم ينتقِص؟
وأخيراً -أخي الحبيب- الزم هذين الأمرين:
أكثِر من الأعمال الصالحة فيما بينك وبين الله في السرِّ، بحيث تتربَّى النفس أنَّها يكفيها نظر الله إليها.
اصحب -في السر والعلن، وفي الحل والترحال- الدعاء الوارد في هذا الحديث؛ فقد روى أبو يعلى في مسنده (60) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة. قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟! قال: "قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم".
وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.. رزقنا الله وإياك الإخلاص والقبول.. والله أعلم.(20/42)
"يأتيني شعور بأني مرائي"
المجيب د. سالم بن محمد القرني
(عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد) .
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الإخلاص والرياء
التاريخ 5/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أنا مؤذن في أحد المساجد، وفي بعض الأوقات أصلي بالناس، ولكن يأتيني شعور وأنا إمام بأني أصلي لأحسن صوتي ويعجب به المصلون، ويداخلني شعور بأن فعلي مراءاة للناس، فما نصيحتكم لي؟ علماً أن هذا الشك يستمر معي حتى في الأذان. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فتحسين الصوت بالقرآن مستحب؛ لما روى البخاري (5045) عن قتادة قال: سألت أنساً - رضي الله عنه- عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال: كان يمد مداً إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله، ويمدّ بالرحمن، ويمدّ بالرحيم، وروى الترمذي (2927) عن أم سلمة - رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقطع قراءته يقول: "الحمد لله رب العالمين، ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم يقف، وكان يقرؤها ملك يوم الدين"، قال حديث غريب، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن من أحسن الناس صوتاً من إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله" أخرجه ابن ماجة (1339) من حديث جابر -رضي الله عنه-.
وأجازت طائفة رفع الصوت بالقرآن والتطريب به؛ وذلك لأنه إذا حسن الصوت به كان أوقع في النفوس، وأسمع في القلوب، واحتجوا بقوله عليه السلام: "زينوا القرآن بأصواتكم" من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه-، أخرجه أبو داود (1468) ، والنسائي (1015، 1016) ، وبقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس منَّا من لم يتغن بالقرآن" أخرجه البخاري (7527) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وبقول أبي موسى - رضي الله عنه- للنبي - صلى الله عليه وسلم-: (لو أعلم أنك تستمع لقراءتي لحبرته لك تحبيراً) أخرجه ابن حبان (16/170) ، والحاكم (3/529) (5966) ، وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-، وبما رواه عبد الله بن مغفّل - رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته، فرجَّع في قراءته. انظر تفسير القرطبي (1/11) ، وابن كثير (4/435) وغيرهما.
إلا أن يخرج القراءة التي هي التلاوة عن حدها، فيكره، أو إذا كان القصد التغني فحسب، لما روي عن زياد النميري أنه جاء مع القراء إلى أنس بن مالك - رضي الله عنه- فقيل له: اقرأ، فرفع صوته وطرب، وكان رفيع الصوت، فكشف أنس- رضي الله عنه- عن وجهه، وكان على وجهه خرقة سوداء، فقال: يا هذا: ما هكذا كانوا يفعلون، وروي عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكرهون رفع الصوت ثم الذكر) انظر تفسير القرطبي (1/10) ، ويدخل في ذلك مراءاة الناس.
وقد قيل إن الأمر بالتزيين اكتساب القراءات وتزينها بأصواتنا وتقدير ذلك، أي زينوا القراءة بأصواتكم فيكون القرآن بمعنى القراءة، كما قال تعالى: "وقرآن الفجر" أي قراءة الفجر، وقوله: "فإذا قرأناه فاتبع قرآنه" أي قراءته.
فعليك أن تخلص نيتك، وأن تدافع نفسك وتدفع المراءاة، وهذا التخوّف ما دمت تجده في نفسك، فهذا صريح الإيمان والحمد لله.(20/43)
هل أنا منافق؟!
المجيب فيصل بن عبد الله الحميقاني
مدرس بمدارس رياض الصالحين.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الإخلاص والرياء
التاريخ 02/01/1427هـ
السؤال
أنا حائر جداً -فالحمد لله وله المنة والفضل- أنا من المحافظين على الصلوات والأذكار، أسأل الله القبول، وأختم القرآن وكلما أكملت ختمة بدأت أخرى، وهكذا، وأنا بحمد الله غير مسبل، وملتح، لا أسمع الأغاني، ولا أشاهد البرامج المحرمة، إلا أني مدخن، وينتابني شعور بالنفاق، وأني لن أثبت، وأني سأستمر في هذا المنكر، وأن أعمالي هباء منثور؛ لأني مصر على المعصية، أرجو أن ترشدوني.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا شك أن المعاصي التي فعلتها تؤثر على إيمان الشخص، وربما جعلته يتخبط، ولذلك أوجز لك مشورتي في نقاط:
1- يجب عليك السعي للإقلاع عن هذه المعاصي التي ذكرت، بأسرع وقت ممكن.
2- في حالة عدم إقلاعك عن المعاصي أو عودتك لها -وهذا أمر لا نريده- لا يعني ذلك أنك أصبحت منافقاً. فانتبه فذلك الشيطان يريد أن يقنطك من رحمة الله؛ حتى تغرق في المعاصي من شدة اليأس.
3- المعصية -كالدخان مثلاً- لا تؤثر على قبول طاعتك الأخرى كالصلاة والصيام والصدقة، بل هذه تؤجر عليها، والمعصية تؤزر عليها.
4- أرى أنك قوي الإرادة، فأنت -ولله الحمد- مداوم على القرآن، ولا ترى المحرم من البرامج، ولا تسمع الغناء إلى غير ذلك، ولم يبق عليك إلا أمور يسيرة تستطيع -بإذن الله- تركها بالمجاهدة بعد الاستعانة بالله.
5- لا تنس القراءة في موضوع الثبات على دين الله، فهو بالنسبة لكل مسلم أمر مهم جداً.
يا رب اهد قلبه، وثبته على الحق.(20/44)
أنا متناقض.. أفعل الطاعات والمعاصي!!
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الإخلاص والرياء
التاريخ 29/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب مسلم في الجامعة والمعاصي قد تفشت فيها بشكل كبير، حتى رمضان المبارك أصبح شهراً للسهر والحفلات للأسف، أنا في تناقض كبير في حياتي فأنا أصلي وأصوم وأحب قراءة القرآن الكريم وأسمع الكثير من الأشرطة الإسلامية وأشرطة السيرة النبوية الشريفة والقرآن الكريم وأمنيتي الأولى والأخيرة هي الشهادة في سبيل الله، وأدعو أصدقائي دائماً إلى الصلاة وقد هدى الله بعضهم على يدي، ولكن مع هذا فأنا أتكلم مع طالبات الجامعة في أمور غير محرمة وأسمع القليل من الأغاني وأحلق لحيتي وأدخن السجائر وأنظر إلى الصور الفاسقة، لذلك أرسلت لكم رسالتي لأنني أثق بكم ولأنني أريد أن أكون عبدا مؤمنا داعيا إلى الخير وأن أكون مجاهدا في سبيل الله، لكنني أحس بأنني منافق بسبب ما أفعله من محرمات فأرجو منكم أن ترشدوني إلى الطريق الصحيح، لكي أحقق ما اتمناه وهو الشهادة في سبيل الله، وأريد أن أسألكم إذا كانت الشهادة تشفع لي في ذنوبي؟ انتظر ردكم، والسلام.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم "
أخي في الله لا شك أنك -كما ذكرت- تجمع في حياتك بين تناقضات شتى ومن أهم أسبابها:
1) ضعف الإرادة أو القدرة على المقاومة والصمود أمام تيار الشهوات فقد اعترفت بذلك بقولك:"لا أصبر على ما أراه في الجامعة ... "إلخ.
وهذا العامل في نظري سبب رئيس في وقوعك المستمر في المعاصي والمخالفات، فأنت -بحمد الله- لا زلت تحظى باستعدادات جيدة تمكنك من صنع الأفضل، والتقدم إلى الأمام بيد أن ضعفك أمام مطارق الشهوة وأهواء النفس الأمارة بالسوء يجعلك تقع مرة بعد مرة في أوحال المعاصي ولذا لا مناص من معالجة هذا الضعف بكثرة الدعاء، ومعاندة النفس، وقهر سلطانها عليك بمداومة العبادة، وتدبر القرآن، ومطالعة سير السلف، ودوام التفكر بمراقبة الله سبحانه، وضرورة الحياء من نظره إليك متلبساً بانتهاك حرماته.
2) ومن الأسباب أيضاً في معاناتك اختلاطك بالفتيات في أروقة الجامعة، وقاعات الدراسة، فما الذي يجبرك على الدراسة المختلطة، وقد رأيت نتائجها موافقة للحرام من النظر والكلام والخلطة السيئة مع الفتيات؟!
وأي فائدة يجنيها الدارس في تلك الجامعات المختلطة إذا خسر دينه وشرفه ومروءته؟!
أعتقد -بارك الله فيك- أنك بأمس الحاجة إلى صدق التوبة مع الله والتخلص من هذه الأعمال التي تمارسها على الفور إن كنت جاداً في التطلع للجهاد وإقامة دولة الإسلام! فجهاد نفسك أسهل من مجالدة العدو بالسيوف والرماح فإن عجزت عن مجاهدة نفسك فكيف تقوى على منازلة الخصوم فوق ميادين القتال؟!
فبادر -حفظك الله- إلى تزكية نفسك بالعمل الصالح وصيانتها من أسباب العطب والهلكة واصدق الله في طلب الشهادة يبلغك الله منازل الشهداء ولو مت على فراشك كما صح ذلك عند مسلم من حديث سهل بن حنيف -رضي الله عنه-.
وأما سؤالك أخيراً عن أثر الشهادة في سبيل الله فلا شك أنه قد صح الحديث عند أبي داود وغيره إن للشهيد ست خصال أعلاها أن يغفر له من أول قطرة من دمه، فأمّل خيراً وأبشر، وفقك الله وأعانك.(20/45)
أخاف الرياء.. لكني أحب الثناء!
المجيب د. عبد الرحمن بن علوش المدخلي
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الإخلاص والرياء
التاريخ 08/07/1426هـ
السؤال
متفوقة في دراستي منذ الصغر، أغرمت بالقراءة والبحث، أكملت دراستي الجامعية وواصلت الدراسات العليا في تخصص النقد الأدبي، أكتب الشعر والقصة والمقال، مشكلتي أنني أقلق كثيراً من كون كل ما أفعله يحسب عليّ، ويشهد ضدي عند ربي. طموحي للكتابة والنشر يشغل وقتي وتفكيري، ويعلم الله أن هدفي خدمة مبادئ ديني والاحتساب، لكن أخشى الرياء والسمعة لدرجة الوسوسة والإحباط والتقاعس عن المواصلة خوف الرياء، أرشدوني ماذا أفعل؟ وكيف أوفِّق بين تخصصي ونية الاحتساب؟ وهل آثم إذا ما تمنيت الشهرة وفرحت بالإطراء في عملي الكتابي؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن أشد شيء على النفس هو الإخلاص، إذ النفس البشرية مجبولة على حب المدح والثناء إلا ما ندر، ولذا نجد المؤمن يجاهد نفسه للتخلص من تلك الآفة، قال الإمام السوسي: (الإخلاص فقد رؤية الإخلاص فإن من رأى في إخلاصه الإخلاص فقد احتاج إخلاصه إلى إخلاص) .
لكن لا ينبغي أن يصل الأمر لدرجة الوسوسة، فإن العمل لأجل الناس شرك، وترك العمل لأجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما"، كما قال الفضيل بن عياض، قال النووي معلقاً على كلامه: (إن من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مراء؛ لأنه ترك العمل لأجل الناس) .
وترك العمل خوفاً من الرياء حبالة من حبالات إبليس، كما يقول ابن حزم -رحمه الله-: (لإبليس في ذم الرياء حبالة، وذلك أنه رب ممتنع من فعل خير يظن به الرياء) . ولذلك ينصح من طرقه مثل هذا ألا يلتفت إليه، وأن يمضي في عمله إغاظة للشيطان، فسيري على بركة الله، وسخِّري طاقاتك لخدمة هذا الدين، وسدِّدي وقاربي، والله يوفقك.(20/46)
هل هذا تناقض أم ضعف؟!
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الإخلاص والرياء
التاريخ 03/04/1425هـ
السؤال
أنا أحب الالتزام، ولذلك أنا ملتزم بالشعائر الظاهرة وبالصلاة والنوافل، لكن اشعر أني لست ملتزماً في الحقيقة، فلقد دخل الرياء في وسط قلبي في أي نوع من أنواع العبادات، وعز علي فراقه، وإن كنت في الخفاء قد أستمع إلى الأغاني....إلخ
فبماذا تنصحونني؟ أريد حلا قبل أن أهلك.
الجواب
الأخ الكريم المسلم: -سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
أولاً: نحمد الله -تعالى- أن حبب إليك الالتزام وتلك نعمة عظيمة تتطلب من صاحبها
رعايتها والحفاظ عليه.
ثانياً: من الخطأ أن تسيء الظن بنفسك وانك لن تلتزم حقيقة، على العكس أنت مهيأ كثيراً للالتزام وفيك خير كثير وبإمكانك أن تكون من خير الناس إذا صدقت مع الله وأقبلت عليه بفعل ما يحب وترك ما يبغض ويكره.
ثالثاً: عليك بكثرة الدعاء والسؤال واللجوء إلى الله أن يصرف قلبك إلى طاعته بصدق، وان يعلق قلبك به سبحانه، وأن يعينك على الاستقامة الحقة.
رابعاً: اعلم أن النجاة في الدنيا والآخرة والتوفيق والسداد متوقف على مدى استقامتك على دين الله تعالى، وقد أمر الله عز وجل عباده بالاستقامة في غير ما موطن في كتابه للتأكيد على وجوبها وأهميتها في حياة المسلم، قال تعالى:"فاستقم كما أمرت ومن تاب معك" [هود:121] وقال:"فاستقيموا إليه واستغفروه" [فصلت:6] وقال في بيان عاقبة الاستقامة: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" [فصلت:30] ، فذكر نفسك بهذا لتتقوى على الاستقامة الجادة.
خامساً: تذكر عاقبة الذنب على صاحبه فإن له شؤماً قد يكون مدمرا لحياة الإنسان وآخرته فاحذر الاستهانة به.
سادساً: ثم ماذا لو كان عاقبة ذنوبك أن الله قلب حبك للالتزام إلى كرهك له ماذا أنت فاعل قد يصل بك الأمر إلى الخروج من الدين بالكلية، ألا يسوءك أن ينقلب قلبك إلى ذلك، وتكون من الذين بدلوا نعمة الله عليك كفرا، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
سابعاً: أكثر من ذكر أحوال القبر والآخرة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم؛ كما في الترمذي (2307) والنسائي (1824) وابن ماجة (4258) عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا ذكر هاذم - بالذال وهو القاطع - اللذات يعني: الموت "، وفي صحيح ابن حبان (2993) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "أكثروا ذكر هاذم اللذات فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا وسعه عليه ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقه عليه".(20/47)
قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات ومؤتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين، فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه ران قلبه واستحكمت فيه دواعي الذنب فإن مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين تبلغ في دفع ذلك مالا يبلغه الأول؛ لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير وقائم له مقام التخويف والتحذير.
ثامناً: حاول الاطلاع الكثير على أحوال المسلمين المضطهدين والمشردين والمعذبين والفقراء والمساكين الذين يتعرضون للحروب والقهر والظلم من أعداء المسلمين، ثم حاول أن تساهم في التخفيف عليهم والسعي في إعانة القريبين منهم لك في بلدك أو حولك فإن في ذلك علاج للقلب وإيقاظ له وسلوة عن الهم الحرام.
تاسعاً لا تفتر من سماع الأشرطة الدينية المهتمة بالوعظ والتذكير فإنها نافعة في هذا المجال أيما نفع.
عاشراً: اصحب الصالحين القانتين الطيبين فإنهم عون بعد الله على النفس الأمارة بالسوء، وقد قال تعالى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" [الكهف 18/28] .
الحادي عشر: أكثر من قولك: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" مع استشعارك للحاجة إلى الله في دفع هذا الضعف والتهاون بدينك.
الثاني عشر: أنصحك بقراءة كتب للعلامة ابن القيم ومنها: مفتاح دار السعادة، طريق الهجرتين، الجواب الكافي، وكتاب لابن الجوزي اسمه ذم الهوى وخاصة فصل في علاج الهوى فإنه نافع جدا لحالتك.
الثالث عشر: التزم بحلقة تحفيظ للقرآن الكريم واحفظ ما يتيسر لك من كتاب الله عز وجل؛ فإنها مجلس من مجالس الذكر التي تصقل القلب وتحي الروح، وتجعلك أكثر حباً لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- ولدينه، وفيها سبب لنجاتك فتدارك أمرك وفقك الله. وإني لأتوجه إلى الله بأن يمن علي وعليك بالهداية والرشاد والسداد والثبات على الحق، وأن يملأ قلبي وقلبك إيمانا وتقوى، وأن يهدينا سواء السبيل إنه جواد كريم. والسلام عليكم.(20/48)
داء العجب والرياء
المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الإخلاص والرياء
التاريخ 12/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... كيف الخلاص من الرياء والإعجاب بالنفس والكبر واحتقار أعمال الآخرين (وتعظيم أعمالك القليلة) واختلاف الظاهر عن الباطن أود منكم إجابة دقيقة وواضحة تبين علاج لكل صفة بالتفصيل. وشكرا:
الجواب
الحمد لله أما بعد: فإن مثل هذه الأحوال قد تعتري بعض الناس خصوصاً في بداية استقامته وجدِّه في توبته وإقباله على لله - عز وجل -، حيث يتسلط عليه الشيطان، ويلقي في قلبه الوساوس. والذي يعين على التخلص منها أن يستعيذ الإنسان من الشيطان الرجيم، وأن يقبل على ربه - جل وعلا - وأن يكثر من الدعاء، ويستحضر عظمة الرب، وأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها حيث يشاء.
ومما يعين على التخلص من الرياء أن يعلم المبتلى بذلك أن الناس لا ينفعون ولا يضرون، بل النافع الضار هو الله وحده. ومن أعظم ما يعين على ذلك أن يعلم الإنسان أن الرياء يحبط العمل كما جاء في صحيح مسلم (2985) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " يقول الله - تبارك وتعالى - أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ". وخرجه ابن ماجه (4202) ولفظه: " فأنا بريءٌ، وهو للذي أشرك ".والأحاديث، والآثار في هذا يطول ذكرها، والمقام لا يتسع للإطالة، وأدلك على شروح حديث "إنما الأعمال بالنيات" وخصوصاً شرح الحافظ ابن رجب - رحمه الله - في كتابه (جامع العلوم الحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم) . والحديث المذكور هو أول حديث في ذلك الكتاب، وفيه من الفوائد واللطائف ما يكفي ويشفي. أما الإعجاب بالنفس فعلاجه بالنظر في عيوبها، وبالإكثار من الأعمال الصالحة، والتزود من العلم النافع؛ لأن الإعجاب، نتيجة للنقص؛ فإذا حرص الإنسان على تكميل نفسه سلم من هذه الآفة. وأما احتقار الآخرين فلا يليق بالعاقل، بل اللائق أن يحسن الظن بهم، وأن ينزلهم منازلهم قال التابعي الجليل - أبو حازم - رحمه الله -: " أرجى خصلة للمؤمن أن يكون أخوف الناس على نفسه، وأرجاهم لغيره ".وأما اختلاف الظاهر عن الباطن فإنه نفاق، ولكن قد يكون وسوسة تشعر بها. وقد يكون شعورك وخوفك من النفاق دليل إيمان وصدق؛ لأن النفاق لا يخافه إلا مؤمن، ولا يأمنه إلا منافق كما قال الحسن البصري - رحمه الله -.(20/49)
يقدموني للصلاة وأخاف الرياء
المجيب صالح بن عبد الرحمن القاضي- رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الإخلاص والرياء
التاريخ 17/06/1426هـ
السؤال
عندما يتأخر الإمام في مسجدنا يقوم الناس بتقديمي للصلاة، فيوسوس لي الشيطان أن صوتي جميل، بجانب أن الناس يقومون بمدح صوتي، علماً أني أسعد في خاطري، وفي الوقت نفسه أخاف الرياء، فأكره أن يقدمني الناس للإمامة، فهل هذا من الرياء؟ وإن كان -والعياذ بالله- فكيف أعالجه؟ جزاكم الله كل خير.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإن كنت تحسن صوتك من أجل الناس ليمدحوك فقط فهذا رياء، وإن كنت تحسنه لكي يتأثر الناس بسماع الآيات فيتعظوا ويحبوا التلاوة ويأنسوا بها فأنت مأجور وليس هذا رياء، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استمع لقراءة أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- فلما علم به أبو موسى فيما بعد قال: لو كنت أعلم أنك تستمع لتلاوتي لحبرته لك تحبيرًا أخرجه البخاري (5048) ، ومسلم (793) ، وابن حبان (7197) . أي حسنته وجملته، فلم ينكر عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا القول.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول "زينوا القرآن بأصواتكم" أخرجه أبو داود (1468) ، والنسائي (1015) . وقال: "ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن". أخرجه البخاري (5023) ، ومسلم (792) . أي ما استمع الله كاستماعه لمن يجهر بالقرآن ويحسن صوته به، وقال الله تعالى: "ورتل القرآن ترتيلا" [المزمل: 4] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" أخرجه البخاري (7527) أي يحسن صوته به.
وأعتقد أن ما تحسه وسوسة من الشيطان لك؛ حتى تترك تحسين التلاوة الحسنة، ويجعلك تتهم نفسك بالرياء، فانظر قلبك هل مدح الناس يزيدك حباً للمدح، أم حباً لتحسين الصوت؟ فإن كان للمدح فهو رياء، وإن كان لتحسين الصوت والتغني بالقرآن فليس برياء، بل لك أجر، لأنك تعين الناس على سماع القرآن.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، ويوفقنا وإياك للقبول.(20/50)
هل هذا من الرياء؟
المجيب د. خالد بن عبد الرحمن القريشي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام - كلية الدعوة والإعلام
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الإخلاص والرياء
التاريخ 17/01/1426هـ
السؤال
أنا شاب مستقيم -ولله الحمد-، لكن أعاني من مشكلة لا أدري هل هي مشكلة أم تهويل من إبليس؟ (أنا بكل صراحة سريع التأثر والبكاء، لذلك ابتعدت عن إلقاء الكلمات لأني أرى أن البكاء أمام الناس من الرياء) ، وكذلك أجد حرجاً شديداً إذا بكيت في صلاة التراويح والقيام (أشعر بأنني مراءٍ وكذاب، وأن هذا البكاء فقط لجلب انتباه الآخرين) أرشدني يا شيخ، ماذا أفعل؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجواب من جانبين:
الأول: أما امتناعك عن إلقاء الكلمات بسبب البكاء فهذا غير مقبول؛ لأن الخطيب والداعية إذا كان صاحب عاطفة وتأثر - كما هو حالك - يستطيع أن يؤثر في كثير من الناس الذين لا يجدي معهم إلا هذا الأسلوب، كما أن هناك فئة أخرى لا ينفع معها إلا الأسلوب العقلي، وأخرى لا ينفع معها إلا القوة والشدة، وهكذا..
الثاني: أما خوفك من الرياء بالطريقة التي ذكرت في سؤالك فليس من الدين في شيء، بل هو نوع من الوساوس الشيطانية لصرفك عن الخير الذي أنت فيه من خضوع وتأثر.
كما أن عليك أن تعلم أن استسلامك بهذه الوساوس قد يقودك إلى ترك كثير من الخير والطاعات، كما عليك أن تعلم أن كثيراً من أئمة السلف نقل عن أحوالهم ما هو أشد مما ذكرت عن نفعك من البكاء والتأثر، ومع ذلك ما صدهم عن الدعوة والعبادة. ننصحك بقراءة كتاب (الرقة والبكاء) لابن أبي الدنيا، وكتاب: (عندئذ بكى النبي صلى الله عليه وسلم) لـ[خالد بن حسين بن عبد الرحمن] ، وكتاب (أين دمعتك من بكاء البكائين؟) لـ[علي بن عبد العزيز] .(20/51)
هل الغيبة تمنع الخشوع؟
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الخوف والرجاء
التاريخ 15/1/1424هـ
السؤال
أنا فتاة والحمد لله حريصة على الخير وفعل الصالحات والنصح للغير، ولكن مشكلتي هي عدم الخشوع في الصلاة، فتخيل يا شيخ كم عمري الآن ولا زلت أعجز عن الخشوع، وكثير من الناس يطلقون علي الفتاة الملتزمة. ولا يدرون أني أعجز عن الخشوع في أول شيء يسألني الله عنه وهو الصلاة، وأحاول أحياناً في المجالس أن نذكر الله ولو بحديث أو قصة أو غيره، ولكن الذي يتعبني في حياتي هو أن مجالسنا تمتلئ بالغيبة وأحاول التذكير أن هذا الأمر لا يجوز، ولكن المشكلة تكمن في النساء الكبار في السن فأنا لا أستطيع نصحهن، ولو تكلمت أخاف من أن يحرجنني، وصرت أكره هذه الجلسات ومع ذلك لا أستطيع تركها، فهل يمكن أن يكون ذلك عقاب من الله أن حرمني من الخشوع في الصلاة؟
أرجوكم ردوا علي ردا شافياً وفقكم الله لكل خير.
الجواب
أختي الفاضلة..
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع "الإسلام اليوم"
مشكلتكِ ذات شقين:-
الأولى: عدم الخشوع في الصلاة
والثانية: تحسرك على عدم الفاعلية عند سماعك لبعض الغيبة في بعض المجالس ناتجة عن تقصيرك في إنكارها. أقول وبالله التوفيق.
أولا:- من ناحية الخشوع في الصلاة.
لا شك أن الخشوع من الأمور الهامة في نجاح الصلاة وقبولها، وقد امتدح الله سبحانه الخاشعين في صلاتهم. [قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون.] (المؤمنون)
ولكن الله سبحانه وتعالى [لا يكلف نفساً إلا وسعها] فإذا حرص المرء على فعل الأسباب المؤدية إلى الخشوع وسلك الطريق المؤدي لذلك فإن الله يعينه على الخشوع.
وهناك أسباب ووسائل لذلك منها:-
1-كثرة ذكر الله سبحانه في الأوقات العادية
2-محاولة كثرة التفكر بعظمة الله من خلال تأمل بعض آياته ومخلوقاته المرئية والمحسوسة. فإذا استقر في نفوسنا عظمة ربنا ثم وقفنا بين يديه سنجد أن الخشوع يسلك طريقه إلى قلوبنا.
3-إذا حان وقت الصلاة عليك بفعل الآتي:-
أ-الوضوء بشكل صحيح / قراءة شيء من القرآن قبل تأدية الصلاة
ب- التنفل قبل الصلاة.
ج- الالتجاء إلى الله سبحانه بطلب العون والمساعدة
د-التعوذ من الشيطان ونزعاته.
هـ- إذا أحسست بالوسوسة قبل الصلاة فانفثي عن يسارك ثلاث مرات ومن ثم التعوذ من الشيطان الرجيم.
هذه الأمور تجعل الذهن يستقر عن الانشغال، لأن الذاكرة أشبة بالمروّضة وإذا تم إيقافها فإنها لا تقف بل تظل تدور حتى تقف.
كذلك الذاكرة تظل متعلقة بأمر فعل أو ما شابه ذلك، فإذا عملت النقاط التي ذكرت لك، فإن الصورة المتزنة في الذاكرة التي تحول بينك وبين الخشوع تزول، والنفس تهدأ ثم تجدين أنك بإذن الله قد خشعت في صلاتك.
أما المشكلة الثانية وهي الحيرة وعدم الإنكار فأقول:
دائماً الشيطان يحذرك في مثل هذه المواطن ويحاول أن يثنى المسلم عن محاولة التأثير على الغير خاصة إذا كان هناك أمر بفعل أمر شرعي لأنه يهمه أن يبقى المنكر قائماً.(20/52)
فبالنسبة لهؤلاء النسوة اللاتي يتجاذبن أطراف الحديث ويكون حديثهن مخلوطا بشيء من النميمة والغيبة:
أولاً- لا تجبني وتقولي قد أكون ثقيلة لو أنكرت.. لا بل بالعكس، يجب أن يكون لك دور ولكنه بطريقة هادئة إما بتغيير نوعية الكلام.. أو بتذكيرهن مغبة النميمة والغيبة.. أو الاتصال فيما بعد على التي كانت تتزعم الحديث وإخبارها عن آثار النميمة.. أو محاولة أخبار إحدى صديقاتها التي تؤثِّر عليها..
أما أن يكون سبب عدم الخشوع عقاباً من الله فلا أظن ذلك. لأنك تقولين أنك حريصة والله سبحانه وتعالى كريم، ويعين عبده على طاعته، وأنت قد تأثرت بالمنكر وهذا كافٍ بحد ذاته وهو أحد الدرجات الثلاث لإنكار المنكر.
أخيراً حاولي أن لا ترتبطي بعملٍ مهم قبل انصرافك لصلاتك كي لا ينشغل ذهنك بالتفكير فيه.
أعانك الله،،(20/53)
لا أصلي ولكني أخاف الله
المجيب يوسف صديق البدري
داعية إسلامي وخطيب مسجد الريان بالمعادي ومستشار اللغة العربية بوزارة التعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الخوف والرجاء
التاريخ 19/01/1426هـ
السؤال
كيف أستشعر خوف الله في قلبي، بالرغم من أني لا أصلي؟.
الجواب
أحمد الله تعالى، وأصلي وأسلم على نبينا محمد نبي الهدى والرحمة وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فمرحبا بك ـ أخي الكريم ـ وأرى من وراء سؤالك شابًا محبًا للخير، بدليل قولك "إني أستشعر الخوف من الله" ولكن قولك " ... بالرغم من أني لا أصلي" فهذا الذي يحتاج إلى بيان، فالصلاة فريضة من أعظم الفرائض التي فرضها الله على المسلم، قال تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" [البقرة:43] ، وقال "وأقم الصلاة لذكري" [طه:14] ، وقال أيضا"قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون" [المؤمنون:1-2] ,
أما شعورك بالخوف من الله بالرغم من أنك لا تصلي فهذا من تزيين الشيطان، لأنه ـ لعنه الله ـ يزين للناس سوء أعمالهم، فيأتي ـ مثلاً ـ لأحد الناس فيقول له ما دمت لا تفعل الشر ولا تؤذي أحدًا فلا داعي لأن تصلي، فالمهم أن يكون قلبك نظيفًا ليس فيه غش لأحد، فاحذر ـ يا أخي ـ من حيل الشيطان ووساوسه، فليس هناك من سبيل للقرب من الله بلا أداء للفرائض، وعلى رأسها فريضة الصلاة، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن الله ـ تعالى ـ قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته" رواه البخاري (6502) .
وأرجو أن تقف معي عند النقاط التالية:
1-لو كان يكفي حال القلب دون صلاة لكان أحق الناس بالاستغناء عن الصلاة النبي "صلى الله عليه وسلم" وصحابته-رضي الله عنهم-، ومع ذلك كانوا أشد الناس حرصا على الصلاة في وقتها في المسجد.
2- إن الله -تعالى- يقول: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] .
3- والصلاة هي رأس العبادة.
4- الله يحب الصلاة، فإذا كنت تشعر بالخوف منه حقا سارعت إلى أدائها.
5- لو قال الناس إنما يشعرون بالخوف من الله من غير صلاة، لخربت المساجد ولما ذكر الله في الأرض.
وأخيراً: إذا كان العبد لا يركع ولا يسجد فكيف يزعم حب الله، وأين الدليل على ذلك؟ إن المحب يحب قرب حبيبه، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء " أخرجه مسلم (482) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وقيل:
إن كنت تزعم حبي *** فلم هجرت كتابي
أما تأملت ما فيه *** من لذيذ خطابي
هدانا الله وإياك إلى الخير، وجعلنا وإياك ممن هم على صلواتهم يحافظون.. والله أعلم.(20/54)
لذلك فحياتي بلا معنى..!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الخوف والرجاء
التاريخ 15/12/1422
السؤال
رغم أني في ريعان الشباب "كما يقولون" إلا أني لدي من مشاعر تجعل الحياة صعبة في عيني، أعاني من مشكلة أسرية منذ سنة ونصف تقريباً، كما أني أخاف أن أموت على المعاصي في ظل الفتن الحاضرة، كما أني أحس أن أعمالي الصالحة قليلة نسبة إلى ذنوبي، أمنيتي أن أموت شهيدة بدل من أن أموت على معصية فما النصيحة التي توجهونها لمن أرد الخلاص من الحياة لكن وفقاً لمرضاة الله؟
الجواب
أختي الكريمة، أشكر لك ثقتك وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد، وأن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل.. أما استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:
أولاً: لقد اختصرت السؤال إلى درجة كبيرة في نصفه الأول المتعلق بظروفك الشخصية والأسرية..!!
فلم يتضح لي شيئاً أبدي رأيي من خلاله.. إلا أنني أسأل الله أن يعينك ويوفقك إلى الخير والصلاح والنجاح والفلاح في الدين والدنيا.. وأن يجعل لك من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء عافية.
ثانياً: قال تعالى:) قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (فبادري بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله مما تشعرين أنك قد فرطت به.. وأحسني الظن بالله والجئي إليه وتوكلي عليه.. وإن غلبتك نفسك الأمارة إلى معصية أو تقصير.. فبادري بالتوبة والاستغفار وأتبعي ذلك بحسنة فقد جاء في الحديث (.. وأتبع السيئة الحسنة تمحها ... ) .
ثالثاً: أما إحساسك بأن أعمالك الصالحة قليلة نسبة إلى ذنوبك.. فذاك توفيق من الله أن تستشعري هذا الأمر وتفكري فيه.. وبفضل الله فما زلت في زمن المهلة.. وفرص الخير كثيرة جداً.. والحسنة بعشر أمثالها إلى مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.. هذا بالإضافة إلى أن الحسنات تزيل الخطايا.. قال تعالى:) إن الحسنات يذهبن السيئات (فبادري منذ اللحظة.. واستغلي أوقاتك قدر استطاعتك بذكر الله والصلاة على رسول الله وكثرة الاستغفار وقراءة القرآن.. والأوراد والأذكار اليومية.. وكلها في النهاية تحتسب لك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.. بل وتضاعف الحسنات بما لا يعلمه إلا الله.. فأي فرصة أعظم من ذلك لمن وفقه الله.؟! ومثل هذه الأعمال لا تحتاج إلى مكان أو زمان معين.. بل تؤدى في كل الأماكن والأوقات وعلى كل حال.. فالبدار.. البدار.. قبل أن تقول نفس يا حسرتاً على ما فرطت في جنب الله!!
رابعاً: تذكري أختي الكريمة قوله تعالى:) لقد خلقنا الإنسان في كبد (فهذه هي الحياة.. دار ممر واستعداد لمن وفقه الله للخير.. ودار لهو ولعب للغافلين وبقدر ما يبتلى فيها المؤمن ويصبر.. فإنه يؤجر على ذلك الأجر العظيم.. فقد جاء في الحديث (عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خير ولا يكون ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له.. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.)(20/55)
خامساً: جميل لو وضعت لك هدفاً سامياً في الحياة.. وهو نشر الخير بقدر جهدك.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وتذكير الناس بطرق الخير المادية والمعنوية.. فالدال على الخير كفاعله.
سادساً: الله.. الله باختيار الرفقة الصالحة التي تدلك على الخير وتعينك عليه.. كذلك كثرة القراءة بكتب السيرة وحياة الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم وأرضاهم.. تفتح أمام الإنسان أفاقاً واسعة ورحبة.. فأكثري منها.
سابعاً: وأخيراً عليك بصدق الالتجاء إلى الله بأن يوفقك ويحميك ويسدد على طريق الخير والحق خطاك.. وأن يجعلنا جميعاً مفاتيح للخير مغاليق للشر وأن يختم لنا بالصالحات.. وتحري في دعائك مواطن الإجابة.. إنه تعالى قريب مجيب.(20/56)
بين قبح السريرة وصلاح الظاهر!
المجيب عبد الإله بن سعد الصالح
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 24/05/1427هـ
السؤال
أنا شاب محافظ, عندما تراني أو تسمع لي تقول: ما شاء الله, وزادك الله علما. لكن المشكلة تكمن في أني إذا خلوت بنفسي تأتيني أفكار لا تليق بأهل الدين. فكيف يمكنني التخلص من قبح السريرة وخبثها؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأسأل الله أن يثبتك على دينه، ويرزقك التقوى في الغيب والشهادة، وزادك الله حرصاً واستشعاراً لما تعاني منه، فهذا بلا شك أول الطريق في إصلاح النفس وإدراك طريق الهاوية؛ عياذاً بالله.
عليك بتذكير نفسك في حال الخلوة باستشعار مراقبة الله لك، وهذه درجة الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
ويقول الشاعر:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الله وقل *** إن الذي خلق الظلام يراني
تذكر أن عظم الذنب يكبر عندما يتلذذ العاصي به، ولا يحس بالهم والضيق لعصيان الله، ولذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه". صحيح البخاري (660) ، وصحيح مسلم (1031) .
أخي الحبيب اعلم أن الحياة لا تستقر لك، ولن تجد لها لذة، ولا متعة؛ حتى تعلم من نفسك صدق التوجه إلى الله في ظاهرك وباطنك، ثم إن للإنسان الذي ظاهره غير مخبره يظهر عليه علامات، وتبرز له صفات يستشعرها الآخرين، ثم يعيش المرء في صراع مع نفسه، أو يفقد الثقة بنفسه التي هي أساس الدافعة والعطاء في الحياة.
وافعل الأسباب الموصلة لكي تلازم الظاهر بالباطن ومنها:
- دعاء الله بالثبات وصدق التوجه إليه في كل الأوقات لا سيما في أوقات الإجابة.
- الصدقة التي خير دواء لقلبك، فقد روي في الحديث "داووا مرضاكم بالصدقات" أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/382) والبيهقي (3/382) .
- الصداقة الصالحة التي تعينك على فعل الخيرات، وترك المنكرات، وترك فعل ما هو غير نافع ومقبر.
- القراءة في سير الصالحين والقصص المؤثرة لها نفع كبير.
- سماع الأشرطة في السيارة والمنزل وفي كل مكان ترى أنه مناسب لك.
- تذكر أن من صفات المنافقين أنهم يُظهرون غير ما يُبطنون -أعيذك بالله أن تكون منهم-.
- البعد عن موطن الريبة ومواطن الشبهات ومواطن الفتن.
أسأل الله لك التوفيق والهداية، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(20/57)
ثمرة غض البصر!
المجيب د. عبد العزيز حمود الشثري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 26/04/1427هـ
السؤال
هل لغض البصر فوائد على العقل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اعلم أخي الكريم أن فوائد غض البصر كثيرة ومتنوعة ومن أهمها، تزكية النفس التي ذكرها الله تعالى عندما أمر المؤمنين بغض أبصارهم، وحفظ فروجهم "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" [النور:30] . ومن فوائد غض البصر على سبيل المثال، والتي لها علاقة بسلامة وقوة العقل ما يلي:
1-البعد عن الفتنة والتدرج في مهاوي الرذيلة، وخطوات الشيطان، الذي لا يكتفي منك بالنظر المحرم، بل يدفعك إلى تكرار النظر، ثم الزيادة على ذلك مما يصعب عليك معه التوقف والتعفف بعد ذلك.
2- البعد عن التعلق بما قد تقع عليه عينك، مما يضعف من قيمتك ويهون من احترامك لنفسك بسبب ما تتمناه ولا تحصل عليه، أو أنك تتنازل عن الكثير من أجله أو بعضه. كما ذكر الكثير من الشعراء والمغرمين، الذين تنازلوا عن كل شيء من أجل أمور تافهة، كان يمكن الحصول على أفضل منها بالطرق الشرعية.
3- الشعور بمراقبة الله لك، وتدريب نفسك على مخافة الله في الغيب والشهادة. مما يقوي الإرادة والثقة بالنفس.
4- الإحساس بأنك قد فعلت ما يرضي الله، ومن ثم الشعور بالراحة والرضا عن النفس.
5- التخلص من الشعور بالذنب وتأنيب الضمير.
6- إحساسك بقوة شخصيتك، وقدرتك على التحكم في العاطفة، والسمو فوق الغرائز.
وإذا اجتمعت لك هذه الفوائد فإن هذا مما يزيد في الاتزان وقوة العقل، ورجاحة الرأي والقدرة على التحكم في العواطف، ويجعلك قادراً على توجيه سلوكك لما فيه الخير والمصلحة في الدنيا والآخرة.
كما أن النفس تصفوا، وتزداد ثقة الإنسان بنفسه، ويكون قادراً على التفكير الصحيح، واتخاذ القرارات السليمة، بعكس من انشغل بسفاسف الأمور، وكان أسيراً لهواه وعاطفته، فهل تظن أن نفسه سوف تزكو، أو يقوى عقله ويستفاد من رأيه؟(20/58)
أجد في قلبي وحشة وقسوة!
المجيب د. عبد العزيز حمود الشثري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 190/04/1427هـ
السؤال
أرجو أن تجدوا لي حلا حيث أن قلبي جامد جداً ولا يميل إلى الإيمان ولا يهتز للقرآن ويقشعر بدني لذكر النار! تخيلوا أنني أكتب إليكم هذه الاستشارة بعد أن سمعت محاضرة عن عذاب النار ثم تصفحت مواقع إباحية! ماذا أفعل ليلين هذا القلب الجامد؟
الجواب
اعلم أخي الكريم أن القلوب منها ما هو حي وما هو ميت وما هو مريض.
وأنت إن شاء الله لست من الذين ماتت قلوبهم. بل إن في قلبك حياة وحب للخير وندم على التقصير والذنب. والدليل على ذلك هو أنك أرسلت تطلب النصيحة فيما يعين على علاج قلبك وصلاح حالك، كما أنك تستمع للمواعظ والمحاضرات وهو دليل آخر على حياة قلبك وما دمت كذلك فأبشر بالخير واستمر على المجاهدة في صلاح قلبك يقول الله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" [العنكبوت آية 69] . ولكن الشيطان لا يزال بالعبد، يزين له ويغويه حتى يورده المهالك، ثم يقنطه من رحمة الله ويجعله ييأس من صلاح حاله. فاحذر الشيطان ولا تيأس من صلاح حالك، وعليك باتباع ما يلي:
1- المحافظة التامة على الفرائض وعدم التساهل في شيء منها، مهما كانت الظروف.
2- محاولة التقرب إلى الله تعالى بما تستطيع من النوافل كلما تيسر ذلك.
3- الحذر من مجالسة أهل الباطل ورفقاء السوء، وأنت تعلم خطرهم.
4- الابتعاد عن الوحدة والعزلة، والحذر من الجلوس في غرفة مغلقة، وخاصة إذا وجد بها أجهزة مثل التلفاز والحاسب الآلي أو حتى الهاتف. فإن النفس ضعيفة وأمارة بالسوء، والشيطان يستغل مثل هذه الفرص ويوسوس للإنسان بكل سوء. وقد كان هذا سببا في انحراف كثير من الشباب.
5- عليك بمحاولة الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته ومحاولة حفظ ما تستطيع منه، حسب طاقتك.
6- عليك أن تتذكر الموت دائما وأنه مصير كل حي ولا تعلم متى يأتيك. وعليك بحضور الجنائز وزيارة المقابر فإنها تذكر بالآخرة.
7- يجب أن تحرص على مجالسة الصالحين وحضور مجالس العلم، ولو خيل إليك أنك لا تستفيد منها، فاصبر على ذلك واحتسب الأجر ولازم الحضور، وسوف ترى النتيجة بإذن الله، إذا علم الله صدق نيتك وتوجهك إلى الخير وصبرك عليه.
8- أخيراً أكثر من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يلين قلبك ويهديك فهو سبحانه مقلب القلوب، وهو الهادي إلى سواء السبيل. ثم اسأل الله الثبات على الحق فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. وفقك الله وهداك وجعلك من الصالحين.(20/59)
كيف أزداد محبةً للرسول؟!
المجيب لمياء قاضي
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 29/02/1427هـ
السؤال
أريد أن أزداد محبةً للرسول -صلى الله عليه وسلم- فأرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
فإن الإسلام والإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، قال تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ" [آل عمران:142] . وأيضاً قوله تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ" [العنكبوت:2] .
فلا تكون محبة الإنسان صادقة لشخص ما إلا بالعمل والاتباع، وكذلك محبة حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- تكون بالاتباع كما قال تعالى: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [الحشر:7] . وأيضاً قوله تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ" [آل عمران:31-32] .
ولك مني هذه الخطوات العملية لتعينك على محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتباعه:
1- القراءة المستفيضة في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وأنصحك بكتاب زاد المعاد لابن القيم، وكتاب (هذا الحبيب يا محب) لأبي بكر الجزائري، وكتاب مختصر الشمائل المحمدية للألباني، وكتاب الرحيق المختوم للمبار كفوري، وذلك يعينك على اتباع نهجه في حياتك.
2- الإكثار من الدعاء بأن يرزقك الله محبته، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
3- الحرص على الترديد وراء المؤذن لكل صلاة، ثم في نهاية الأذان قول الصلاة الإبراهيمية ثم اسال الله أن يبلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الوسيلة والفضيلة وأن يحشرك معه بإذن الله. وفيما يلي إحدى عشرة فكرة في تحبيب الأطفال بالسيرة النبوية:
1- زيارة الأماكن التي جرت فيها أحداث السيرة، مكة والمدينة ومواقع الغزوات، وهو أدعى لترسيخ المعلومة.
2- تسهيل السيرة النبوية للطفل منذ البداية.
3- تمثيل الأدوار التي تحتوي على أحداث من قبل الأم والأب والأبناء مجتمعين، وفي ذلك فائدة كبيرة لحفظ نصوص السيرة.
4- تبني كل فرد بالأسرة قراءة كتاب مميز من كتب السيرة، ومن ثم عرضه في لقاء على جميع أفراد الأسرة، وإعطاء جائزة لأحسن تلخيص وعرض.
5- زيارة الأخوات في الله أو الدعاة والسمر معهم في أحاديث السيرة النبوية، سواء الأب مع أولاده أو الأم مع بناتها.
6- عمل مسابقة ثقافية أثناء رحلة كلها معلومات عن السيرة النبوية.
7- تحديد مواعيد سمر ولقاءات عائلية وحتى سفر للعمرة، ويكون ذلك مرتبطاً بحادثة من السيرة (نسميها: أجندة السيرة النبوية) حدثت في نفس التاريخ، مثلاً، الوصول إلى مكة بموعد فتح مكة، أو زيارة المسجد الأقصى في ذكرى الإسراء والمعراج..".(20/60)
8- من الممكن عمل لوحة صغيرة أيضاً لهذه الأجندة يعلق عليها الحديث كما روي في كتب السيرة، ويتولى هذه المهمة واحد من أفراد الأسرة.
9- عمل زاوية خاصة بالسيرة في البيت تحتوي على كتب وCD وكاسيت وقصص.
10- المحافظة على قراءة دائمة من قبل الأب والأم في كتب السيرة وإشراك الأبناء فيها، حتى يحصل التعلم والتشويق.
11- الاتفاق مع العائلات الأخرى (جيران أو أقرباء أو أصدقاء) على الاشتراك في (أجندة السيرة النبوية) ، بحيث يكون عليهم الإعداد للقاء يتحدث فيه أفراد الأسرة الواحدة للآخرين عن مواقف ذلك التاريخ، وما حصل فيه.(20/61)
أجد في نفسي صدوداً عن العبادة!
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 12/01/1427هـ
السؤال
مشكلتي أنني كلما أردت أن أصلي وأمارس واجباتي الدينية يمنعني شيء ما في داخلي، كما أحلم بالكوابيس تقريباً كل ليلة، أريد حلاً. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأشكر لك تواصلك وثقتك بموقعك (الإسلام اليوم) ، أما بالنسبة لمشكلتك، فهي من السهل الممتنع، وحلها سهل إن شاء الله، وهي ذات اتجاهات متباينة، ويظهر أن حالتك تصب في خانة الوسوسة والخطرات التي يقذفها الشيطان للصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وأنت وقعت في مصيدته -لعنه الله- ويحاول أن يؤثر عليك أثناء العبادة، وهذا يقع فيه كثير من الناس، وهذه الخواطر تأتي عادة عند تأدية العبادة المفروضة، التي ألزم المسلم في تأديتها، وتقل حدة هذه الخطرات عند النوافل، لأن النوافل نثاب على فعلها ولا نعاقب على تركها، أما الفرائض فهي ذات اتجاهين، إلزام في التأدية، مع ثواب وعقاب، والشيطان له استراتيجية مع بني آدم، خاصة من المؤمنين المسلمين، بحكم العداوة الأزلية، فهو إن قدر أن يصرفهم للمعاصي فهذا غايته وهدفه، وهو يتبع أسلوب تحقيق الرغبات في التأثير، لأنه يأتي للشخص ويوسوس له حسبما يشتهي ويرغب، ثم يزين له ما يحب، على سبيل المثال: إذا كان من النوع الذي يحب المال وجمعه -بغض النظر عن الطريقة التي يسلكها- فإنه يأتي إليه ويزين له الربا حتى يستبيح أخذه، وهكذا في كل معصية.
أما إذا وجد فريسته من النوع الصلب القوي الذي لا يمكن أن يصرفه، أو يستجيب له، فإنه يأتيه من حيث لا يحتسب، ويفتح له باباً يحبه ويرغب الدخول معه وهو لا يشعر، بل قد يتعبد في ذلك، وهذا الباب هو تزيين العبادة، حتى يجبره على الزيادة فيها، أو نقصها، أو تركها بالكلية، أو يكررها عشرات المرات، وهذا هو الفخ الذي يقع فيه أولئك الطيبون الضعفاء، فكيف الخروج من هذا المأذق..؟
الأمر سهل وصعب، أولاً عندنا قاعدة يجب أن نحفِّظها، ونحفظها أبناءنا، وهو أن الشيطان لا يمكن أن يكون صديقاً لنا، أو يصدق في القول، أو يأتي لنا بالنصح والخير، مهما كان السبب، لماذا..؟ ببساطة متناهية أنه عدو لدود، والله -سبحانه- قد قضى بهذا، حيث قال سبحانه: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا" [فاطر:6] .
ثانياً: إذا أردنا أن نتخلص من خطراته ووسوسته..؟ هو أن نعمل على عكس ما يوسوس به، في أي أمر، على سبيل المثال:
إذا جاء إليك بعد صلاتك، وأحسست أنك لم تصل، فلا تلتفتِ أبداً لهذا، لأنك أديتِ الصلاة، وأنت قد رأيت ذلك، كذلك في سائر العبادات، إذا أتى إليك بعد الفراغ منها، فلا تعيديها البتة، لأنك تعرفين أن الشيطان لا يمكن أن يكون البتة من الناصحين، مهما قال وأجلب بخيله ورجله عليك، وتذكري كيف أغرى الأبوين، وزين لهما "وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" فما الذي حصل بعد ذلك..؟ إذاً كيف نصدقه يا بنيتي..؟(20/62)
ونواقض العبادة، مثل الصلاة والوضوء، والتي يكثر الإشكال فيها، فإذا أحسست أن الطهارة قد انتقضت -وبالتالي قد تبطل الصلاة- فلا تلتفتي إلا إذا حصل أحد الأمور الثلاثة، إذا رأيت شيئاً قد خرج، أو سمعت صوتاً، أو شممت رائحة كريهة، وإلا لا تلتفتي للخطرات، فهي وساوس من الشيطان، أتى بها من باب النصح، وهي تفسد هذه العبادة.
أما قولك: إنك تصومين ولا تصلين، فلا أدري هل هو من تأثير هذه الخطرات، أو هو وأقعك فعلاً، والذي يظهر لي أنه واقعك فعلاً، وإن كان غير ذلك فاكتبي لنا، وقد تكونين استثقلتِ الصلاة لأنها مستمرة يومياً معنا، أما الصوم فهو موسمي فصار أمره يسيراً، والإسلام بني على تراكم العبادات من حيث الأفضلية، والصلاة هي أفضل أركان الإسلام بعد الإقرار بالشهادتين، ولا يقبل الله من المسلم صرفاً ولا عدلاً إذا لم تقبل الصلاة، فالذي يصوم ولا يصلي، ليس له من صومه إلا الجوع والعطش فقط، فالصلاة هي القاسم المشترك بين أركان الإسلام، وهي الركن الوحيد الذي لا يسقط عن المسلم مهما تكن حالته، إلا إذا فقد عقله، إما بنوم أو جنون، أو كبر وهرم، أو موت، أو أغمي عليه، فطالما أن العقل يدرك فلا تسقط الصلاة.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر". أخرجه الترمذي (2621) ، وغيره.
فراجعي حساباتك يا بنيتي، ورتبي أوراقك، لأن الأمر جد خطير، وقد يكون ترك الصلاة له تأثير على ما تحسين به من الكوابيس التي ترينها في النوم، فعلاجك يكون بإقامة الصلاة، وتأديتها في وقتها على الكيفية التي شرعت، ثم بعد ذلك أكثري من الأذكار الطاردة للشيطان، وهي الأوراد الصباحية والمسائية، وعند النوم، وعلى كل حال، ثم أوصيك بكثرة الاستغفار، لأن له تأثيراً عجيباً في طرد الهموم، كما قال عليه الصلاة والسلام: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب". أخرجه أبو داود (1518) ، وابن ماجه (3819) .
مع الترك الفوري لأي معصية صغيرة كانت أو كبيرة، فشؤم المعصية له تأثير عجيب على نفس المسلم وعلى سلوكه، والشيطان قد يزين لكِ المعصية فتمارسيها، ونحن نظنها هينة وهي عند الله عظيمة، وعليكِ بالصدقة، وإن كان عندك وفر من مال، فالصدقة لها تأثير عجيب أيضاً، وأخيراً إذا أحسست بهذه النزغات، فأنفثي عن يسارك ثلاث مرات وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم، فهي نزغات شيطانية، والله سبحانه وتعالى قال: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" [الأعراف:200] .
أسأل الله أن يوفقك ويعينك، ويشفيك، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(20/63)
أعاني صعوبة في الخشوع في الصلاة
المجيب هند بنت سالم الخنبشي
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 21/12/1426هـ
السؤال
أنا مسلمة مواظبة على الصلوات -والحمد لله- ولكن المشكلة أنني بعد أن أنتهي من الدورة الشهرية أجد صعوبة في التركيز في صلاتي، وفي بعض الأحيان أعيد صلاتي مرة ومرتين، وأتأخر عن أداء الصلاة ولا أجد في صلاتي ما أريده، وتستمر هذه المجاهدة لوقت طويل جداً، وحين أصل إلى الخشوع والتركيز في الصلاة لا يستمر أكثر من أسبوع ثم تأتيني العادة مرة أخرى، وكل الذي بنيته من التركيز والمواظبة في الصلاة يضيع. فلا تنتهي العادة إلا وقد وصلت إلى نفس الحالة التي لا أطيقها.
أرجوكم -بارك الله فيكم- أن تساعدوني.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأشكر فيك حرصك على أمور دينك وسؤالك عنها، وما ذلك إلا من خوف من الله، لكن لمحت في سؤالك أنك تحتاجين إلى توضيح لبعض الأمور:
1- أختي: أنصحك بالقراءة المكثفة في موضوع الصلاة وأهمية المحافظة عليها في أوقاتها، وفضل الصلاة على وقتها، والأجر المترتب على القيام بالصلاة، فهذا يحفز النفس للقيام بما أمر الله. وإذا كنت في أيام العادة فكثفي القراءة وأعيدي قراءة ما سبق لك قراءته؛ لأن كثرة طرق موضوع معين وإعادته على النفس يجعله من الأمور المسلّّمة التي لا تقبل النفس فيها تغييراً أو تنازلاً.
2- اقرئي في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكيفية إقامته لصلاته وتلذذه بها كما في الحديث "أرحنا بها يا بلال" حتى تتعرفي على اللذة التي تجعل الصلاة راحة لنبينا -صلى الله عليه وسلم- اقرئي كذلك في سير الصحابة والسلف الصالح؛ فذلك يبعث على احتقار النفس المقصرة وينشط المؤمن للقيام بما أمره الله.
3- اعلمي أن ما تقومين به من محاولة التركيز في الصلاة هو من مجاهدة النفس، فلا تجعلي للشيطان مجالاً لإفساد هذا الجهاد بأن يؤخرك عن صلاتك ويلهيك عنها.
4- ضعي لنفسك عقوبة معينة تردعك عن تأخير الصلاة، فهذه الطريقة قد تدفعك لإقامة الصلاة في وقتها.
5- أوصيك بالالتجاء إلى الله بأن يعينك على الخشوع في الصلاة وعلى المحافظة عليها، وأن يثبت قلبك على دينه فهو على كل شيء قدير.(20/64)
علاج قسوة القلب
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 21/10/1426هـ
السؤال
عندما أشاهد الأخبار أو أسمع عن أي مأساة أبكي بحرارة، لكني لا أبكي عند سماع القرآن! وحتى عندما رأيت الكعبة لأول مرة لم تدمع عيناي، لذلك شعرت بالخوف، فهل أنا إنسانة سيئة؟ أريد أن أكون من الذين تلين جلودهم وقلوبهم عند ذكر الله، فماذا أفعل؟ هل هناك أدعية معينة، أو أذكار تورث رقة القلب؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا شك أن عدم التأثر لقراءة القرآن أو سماعه علامة ضعف في الإيمان، ومؤشر قسوة في القلب، وعلاجها فيما يلي:
(1) محاولة فهم الآيات المقروءة أو المسموعة بالرجوع إلى كتب التفسير، سيما الكتب التي عُنيت بالجوانب التربوية والروحية، والغوص في بلاغة القرآن وأقواله على الواقع المعاصر، ومن أحسن ما كُتب في هذا الصدد:
أ- في ظلال القرآن لسيد قطب - رحمه الله-.
ب- صفوة الآثار والمفاهيم لعبد الرحمن الدوسري - رحمه الله-.
ج- تيسير الكريم المنان لابن سعدي.
د- كتابات ابن القيم - رحمه الله - المجموعة في بدائع التفسير.
(2) قراءة السيرة النبوية، وسير الصحابة - رضي الله عنهم- ومن أجود ما كتب في ذلك.
أ- سيرة ابن هشام.
ب- سير أعلام النبلاء للذهبي.
(3) قراءة كتب الرقائق، ومنها:
أ- كتاب الرقائق في صحيح البخاري -رحمه الله-.
ب- كتب الشيخ عبد العزيز السلمان -رحمه الله - ومعظمها في هذا الموضوع.
(4) الإكثار من النوافل بعد الفرائض، وكثرة الذكر وقراءة الأوراد الصباحية والمسائية، وكثرة الدعاء بترقيق القلب وتليينه.
(5) تذكر الآخرة، وأهوالها، وحرَّها، وطول مقامها، وتذكر النار -عياذاً بالله- وجحيمها ونكالها.
(6) هجر المعاصي، وعلى رأسها النظر إلى القنوات والفضائيات، وترك التبرج والسفور وفضول النوم والطعام، والإسراف في المباحات.
(7) تذكر تفاهة الدنيا وحقارتها، وأنها إلى فناء وشيك وانصرام قريب، وأنه لا عيش إلا عيش الآخرة.
وفقك الله وأعانك، والسلام عليك.(20/65)
الأسباب المعينة على تصحيح النية
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الحسين
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 20/09/1426هـ
السؤال
أريد أن أعلم ما إذا كنت مخلصاً في نيتي أم لا، وإذا لم أكن مخلصاً فكيف أصحح نيتي؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنشكرك أيها الأخ المبارك على تواصلك معنا، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح.
- من علامة الخير أن يوفق المرء إلى تكميل جوانب النقص في نفسه، وأن يسعى في مدراج الكمال، وحرصك -أيها الأخ الكريم- على هذا الأمر نابع من شعورك بإجلال الله وحده، وإرادته بالعمل دون سواه.
- وموضوع النيات هو أساس قبول الأعمال أو ردها، وهو أساس الفوز أو الخسران، فهو طريق الجنة أو النار، ولذا كان السلف يولون هذا الأمر جل همهم، حتى قال سفيان الثوري -رحمه الله- (ما عالجت شيئاً أشد من نيتي فإنها تتقلب عليّ) ، وقال آخر: (تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد) .
أيها الأخ المبارك: يعرف المرء من نفسه الإخلاص من عدمه بأمور، أبرزها:
(1) المخلص لا ينسب ما هو فيه من فضل وخير ونعم إلى نفسه، بل يرجع الفضل إلى الله ولا تهمه مقاييس البشر: "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً" [الإنسان:9] .
(2) إذا قام بالعمل على الوجه المناسب يستوي عنده المدح والذم من الناس، وذلك لأنه ينتظر ثواب الله ورضاه: "وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى" [الليل:19-20] .
(3) ستر العمل عن أعين الناس، خصوصاً في الجوانب التي ليس لهم فيها متعلق.
(4) الشعور بالتقصير في حق الله مع القيام بالعمل على أكمل وجه.
أيها الأخ المبارك: أما كيفية تصحيح النية فيحصل بأمور، من أهمها:
1- أن تستشعر أنه لا راحة للقلب ولا طمأنينة ولا حياة إلا بالإخلاص لله، فإن هذا الشعور يورث في القلب تجديد النية في كل حين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وإذا لم يكن العبد مخلصاً لله استعبدته الكائنات، واستولت على قلبه الشياطين. أ. هـ بتصرف.
2- أن يسأل المرء نفسه عند قيامه بكل عمل: هل هو لله أم أراد به محمدة الناس وثناءهم عليه، فإن كان لله تقدم، وإن كان لغيره تأخر، ولا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصاً وأريد به وجهه.
3- شعورك أن الله مطلع على ما في قلبك، وما يمر في خاطرك يدفعك إلى تصحيح النية، وهذه من سمات صفوة الخلق، كما جاء في حديث جبريل عليه السلام: "الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". أخرجه البخاري (50) ، ومسلم (9) .
4- الدعاء: وقد جاء في الحديث الثابت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل "فقيل له: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: "اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم" رواه أحمد (19606) وصححه الألباني.
وكان عمر -رضي الله عنه- يقول في دعائه: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئاً".
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.(20/66)
أشعر أن كل عبادة أفعلُها لن يقبلها الله
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 17/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
بدأت مشكلتي منذ بداية الصيف، حيث أصبحت أرى أن عبادتي غير كافية، وأن كل عمل وعبادة أفعلها غير متقبلة، مثل الصلاة والاغتسال، وأحس أن الله لن يغفر لي ذنوبي، وأنه لن يدخلني الجنة على الرغم من أنني كنت استمتع بأداء العبادات، وكنت أحس أن الله سيدخلني الجنة، فما الحل؟.
الجواب
أختي الفاضلة: لا بد أن هناك سبباً معيناً وراء هذا الشعور الذي بدأ معك هذا الصيف، فابحثي عن السبب، وتذكري ما الذي حصل بالضبط واذكريه إن كان ذلك ممكناً في سؤال آخر لأتمكن من الإجابة عليه، وسافترض بعض الافتراضات في حالتك: قد تكونين سمعت محاضرة فيها شيء من التشديد في شروط قبول الأعمال، وكلام من كلام المتصوفة في عدم إمكان الإخلاص وصعوبة قبول الأعمال عند الله، ونحو ذلك من الكلام. فاعلمي أختي أن رحمة الله واسعة وأنه سبحانه قد وعد عباده بحسن الجزاء على أعمالهم فقال: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره" [الزلزلة:7] ، وقال تعالى في كتابه الكريم: "فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون" [الأنبياء:92] ، والله سبحانه كريم إذا وعد وفى، وإذا (توعد) عفا، فتأملي أختي في آيات رحمة الله وأقرئيها كثيراً ومنها: "وربك الغفور ذو الرحمة" [الكهف:58] ، وقوله: "فقل ربكم ذو رحمة واسعة" [الأنعام:147] .
فاكثري القراءة للقرآن، وقفي كثيراً مع آيات الرحمة، واسألي الله من فضله واقرئي ما ورد في السنة في باب سعة مغفرة الله ورحمته في كتاب رياض الصالحين أو غيره، وقد يكون لهذه الحالة سبب آخر وهو وقوعك في معصية كبيرة، فسعى إبليس لإيقاعك في القنوط من رحمة الله واليأس منها، فاستعيذي بالله من شر الشيطان وكيده، واستغفري الله، وثقي بعظيم عفوه وسعة مغفرته فهو سبحانه يغفر الذنوب جميعاً، ولم يستثن إلا الشرك لمن مات عليه أعاذنا الله من ذلك، فهو سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين، ويفرح بتوبة عبده، وقد غفر لامرأة بغي (تؤجر نفسها للزنا) ، بسبب رحمتها لكلب سقته، فكيف بمؤمنة، إن رحمة الله واسعة، واعلمي - حفظك الله- أنه لا يقنط من رحمته إلا القوم الضالون، فهل تريدين أن تكوني منهم؟ أعاذك الله من ذلك.
إذا لم يكن للأمرين السابقين والسببين اللذين ذكرتهما أي حقيقة في واقعك، فالوضع قد يكون بداية وسواس مرض يحتاج إلى البدء في علاجه، وعدم التأخر، فأقترح عليك زيارة طبيبة نفسية مسلمة ثقة، أو طبيب مسلم نفساني ثقة في دينه وخلقه بحضور أحد محارمك، واعرضي حالتك بوضوح، وستجدين بإذن الله العلاج المناسب.
أسأل الله لك التوفيق والسداد والثبات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/67)
يعاني سرعة الغضب والشجار مع والديه
المجيب عبد الله عبد الوهاب بن سردار
إمام وخطيب جامع العمودي بالمدينة المنورة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 8/1/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بالنسبة لمشكلتي هي أنني كثير الشجار مع والديّ، وأنا من الشباب الحريصين على الخير والطاعة، لكن لا أعلم ماذا أفعل؟ فأنا سريع الغضب، ولا أقوى على إمساك غضبي، مع أنني أعرف حق المعرفة التهديد والوعيد الإلهي لعاق الوالدين، وكذلك فإنني أشعر بالملل، والسأم، وأقوم بإهمال دراسة العلوم الدنيوية مع اهتمامي بالعلوم الشرعية، والطامة الكبرى التي أعاني منها هي أنني أريد الارتقاء بإيماني، لكني أشعر أن إيماني في الحضيض، فأنا لا أخشع كثيراً في الصلاة، وعند قراءة القرآن لا تدمع عيناي، وكأني أحس بأن قلبي كالصخر الشديد التصلب، وكذلك فإني لا أجد بركة في الوقت، هذا بالنسبة لمشكلتي، وأرجوكم كل الرجاء ألا تبخلوا عليَّ بدواء أو نصيحة؛ لعل الله أن يكتب الشفاء لي على أيديكم ... -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الأخ الفاضل: - وفقه الله- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أهنئك على الالتزام بالدين، وأسأل الله أن يزيدك إيماناً وهدى.
أولاً: بخصوص الشجار مع والديك، وسرعة الغضب معهم لا شك أن هذا السلوك ناشئ عن قصور معين لديك، لذلك أنصحك بما يلي:
- كثرة القراءة، والسماع حول موضوع بر الوالدين وعقوقهما فإن كثرة ذلك تسبب تأثيراً طيباً، وسداً لنقص وقصور موجود في قلبك، وهذا الأمر مجرب.
- تذكَّر في كل تعامل مع والدك الآثار الحسنة لبر الوالدين، والآثار السيئة لعقوق الوالدين فمن ذلك: تذكر أن البار موفق في دنياه وأخراه، بينما العاق يحرم من خير كثير، وتذكر أن الجزاء من جنس العمل، فمن قام ببر والديه هيأ الله له أولاداً يقومون ببره، ومن عق والديه أسخط الله عليه أولاده، وتذكر أنك بعقوق والديك تشوه سمعة المتمسكين بالدين، وسمعة الملتزمين بالدين، وهذا صد عن سبيل الله، وتذكر أنك ببرك لوالديك تكون داعياً إلى الله بعملك، ومحبباً للناس في الالتزام بدين الله، وهذه دعوة إلى الإسلام والالتزام، ولكن بصمت، وتذكر أنهما بابان تدخل منهما إلى الجنة.
- صاحب أناساً بارين بوالديهم، وجالسهم، واقرأ قصصهم، وسيكون لذلك أثر طيب عليك - إن شاء الله-.
ثانياً: بخصوص إهمالك العلوم الدنيوية مع اهتمامك بالعلوم الشرعية.
-الاهتمام بالعلم الشرعي أمر حسن، وتشكر عليه.
- عدم اهتمامك بالأمور الدنيوية له حالات: فإذا كنت متخصصاً في العلوم الدنيوية كالطب والهندسة، والحاسوب، والزراعة، والفيزياء، وغير ذلك، ومع ذلك لا تهتم بهذا التخصص، فهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن اهتمامك يرفع مستواك، وهذا أمر تحتاج إليه الأمة المسلمة؛ ولأن اهتمامك يعطي صورة حسنة عن المتمسكين بالدين؛ ولأن عدم اهتمامك بتخصصك قد يؤثر على أمانتك في عملك، وبالتالي قد يؤثر على شرعية مالك الذي تكسبه من العمل في هذا التخصص، أما إذا لم تكن متخصصاً في هذه العلوم الدنيوية فالأمر سهل.
ثالثاً: بخصوص ضعف الإيمان:
- يجب أن تعرف أن هذا الشعور يشعر به عدد كبير من الناس، فلا تظن أن المشكلة مصيبة لم تحدث من قبل، وأنا أحب أن تعطي الموضوع حجمه المناسب.
- هناك أشياء تزيد الإيمان، وترقق القلب، فاحرص عليها، وإذا عملتها، ولم تجد تحسناً فاصبر؛ حتى يأتي الله بالفرج.
- حاول واجتهد، وكرر المحاولة، ولا تيأس.
أسأل الله أن يجعلك من عباده الصالحين، والسلام عليكم ورحمة الله.(20/68)
أعاني قسوة قلبي
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 1/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
مات قلبي، ولا أدري ماذا أفعل؟ فأصبحت الطاعات ثقيلة على قلبي، فأنا لم أعد كما كنت سابقاً، أرجوكم أريد خطوات عملية؛ لكي أعود كما كنت، وما حل استثقال الطاعات
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، والصلاة والسلام على النبي المصطفى -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً-، وبعد:
إلى الأخ الفاضل: - سلمه الله تعالى- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إن ما تجده في نفسك الآن من ثقل الطاعة، وموت القلب هو بداية العلاج الصحيح لهذه الحالة المرضية التي تعاني منها، ولكن هذه الحالة لم تكن وليدة اليوم، بل نتيجة موجة عارمة من فيروس المعاصي والمنكرات هجم عليك، وصادف غيبة من جنود المناعة التي عندك، والمتمثلة في الطاعات، وأخذ هذا الفيروس منك مأخذاً عظيماً حتى كاد أن يقضي عليك، ولكن رحمة الله بك كانت أوسع، فما زال فيك الخير متأصلاً، فاتقدت جذوة الإيمان في قلبك، فقام بتجميع ما بقي من جنود، لكي يهاجم هذا العدو الكاسح، وهو يريد المدد والعون، فعليك بإمداده بتلك الجنود:
(1) الدعاء وبإلحاح، وخضوع واستكانة لله - جل وعلا- وتحري أوقات الإجابة.
(2) تذكر الموت وشدته، وسكراته، ويفضل حضور الموتى ساعة الاحتضار؛ لكي تعاين الأمر بنفسك، وتخيل بأنك ستصير على هذه المصير، وقد قيل: ليس من سمع كمن رأى.
(3) تذكر القبر وظلمته، ووحشته، وسؤال منكر ونكير، وما في ذلك من شدائد عظام وأهوال جسام.
(4) زيارة القبور، وتذكر أهلها، وكيف كانوا؟ وإلى أين صاروا؟ فانتبه، فهم لك سلف وفرط، وأنت عما قريب بهم لاحق.
(5) تذكر يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم الطامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وأنت منهم، وقد دنت الشمس من رؤوس العباد، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
(6) تذكر الحساب والعرض على الجبار - جل جلاله- وتذكر الذنوب والمعاصي التي اقترفتها فماذا تكون حالك في ذلك الموقف الرهيب؟ وربك سائلك عن كل شيء، عن كل كبير وصغير، عن الفتيل والقطمير، فأعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً.
(7) تذكر شخوص الأبصار والناس ينتظرون لفصل القضاء، فماذا يكون قلبك، وأنت تنتظر الجواب، إما بالبشارة بالجنة وإما بغيرها، نسأل الله لنا ولك العافية.(20/69)
(8) تذكر تطاير الصحف فمنهم من يأخذ الكتاب باليمين، ومنهم من يأخذه بالشمال، "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ" فما جزاؤه يا رب؟ "خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ" لماذا يا جبار السماوات والأرض؟ "إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ" فماذا له عندك اليوم يا الله؟ "فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ" [الحاقة:19-37] .
(9) تذكر الصراط وحدته، وأنه نصب على متن جهنم، والناس في اجتيازه متفاوتون منهم من يجوزه كالبرق، ومنهم يجوزه كالريح، ومنهم من كأجواد الخيل، ومنهم يمشي سالماً، ومنهم من تأخذه الكلاليب تارة وتدعه أخرى، ومنهم من ينكب على وجهه في نار جهنم -والعياذ بالله-.
(10) تذكر منصرف القوم بين يدي الله "فريق في الجنة وفريق في السعير" [الشورى: 7] ، "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ" [هود: 106-108] ، فيا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت.
(11) تذكر أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم، والسعادة الأبدية، وما لا يخطر لك ببال ولا يتصوره الخيال، نسأل الله من فضله، فاعمل؛ لتكون من أهل الجنة، وعليك أن تقرأ في هذا الجانب كتاب (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) لابن القيم - رحمه الله تعالى-.
(12) تذكر أهل النار وما هم فيه من العذاب المهين، والعقاب الأليم، حتى يتمنوا الموت وما هم بميتين، يصترخون فيها فلا يجاب عليهم إلا بقوله -تعالى-: "اخسؤا فيها ولا تكلمون" [المؤمنون:108] ، وهنا ييئس أهل النار من كل خير، نسأل الله العفو والعافية، وإن شئت المزيد في هذا الباب، فاقرأ كتاب: (التخويف من النار) لابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى-.
(13) أكثر من زيارة المرضى، وأهل المصائب؛ لكي تعرف مدى نعمة الله عليك بالصحة والعافية.
(14) تذكر أهل الحاجات من الأيتام، والأرامل، والمساكين، والفقراء؛ لتعرف مدى نعمة الله عليك بالمال.
(15) اسع في قضاء حوائج من تستطيع من أهل الحاجة والفقراء.
(16) أقبل على الله بفعل الخير من إقامة الصلاة وحضور مجالس الذكر، والصدقة، وصلة الرحم، وإعانة الضعيف، والمظلوم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغيرها كثير.(20/70)
(17) اجعل لنفسك برنامجاً دعوياً، ونشاطاً في الحي الذي تسكن فيه؛ وذلك بالمشاركة مع أهل الخير عندكم كإمام المسجد، وطلبة العلم، والصالحين.
(18) اجعل لك ورد يومي مع كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- وقراءة سير السلف الصالح؛ لتأخذ العبرة من حياة أولئك الأبرار، وفي مقدمتهم إمام الهدى محمد - صلى الله عليه وسلم-.
(19) أكثر من قراءة الكتب الوعظية، والتي تزيد إيمانك، وكذلك سماع الأشرطة الدعوية النافعة.
هذا، والله أعلم، والله أسأل أن يمن علينا وعليك، وعلى كل مسلم بالهداية والتوفيق لما يحب ويرضى من الأقوال والأفعال، والأعمال، ونسأله الثبات على الحق حتى الممات؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/71)
أريد أن أقوي إيماني
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 12/04/1425هـ
السؤال
أنا فتاة مسلمة، ولكني أحس في لحظات كثيرة أني لست كذلك، أحس وكأنني ضعيفة لا أصلح لشيء، حتى إني أكره نفسي، أعرف أن الله موجود، وهذه حقيقة مطلقة، ولكن أجد في نفسي شيئاً يقول عكس هذا، هل أنا كافرة؟ أم ماذا؟ أم إنه الشيطان؟ أعيش في عذاب، أريد أن أؤمن بالله، وأنا أصلي كثيراً، وأن أقوم الليل أريد أن أكون قوية الإيمان لا أشعر بأي ضعف أو تردد.
أرجوك قل لي: ماذا أفعل؟ فأنا أعيش في حيرة ساعدني خير.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الجواب
الأخت الكريمة: -سلمها الله ورعاها-. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، ونرجو الله أن تجدي منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
أولاً- إن هذا الشعور الذي تذكرينه يدل على بداية صحوة إيمانية في قلبك، ذلك أن كره المعصية والحالة المتردية في نفس الإنسان من الشك وما شابهه دليل صادق على بداية التحرر من اتباع الشهوات وتمكن الشبهات والعيش في الغفلات.
ثانياً- وإن هذا الشعور المذكور آنفا يحتاج إلى توجيه ليكون مثمراً نافعاً لصاحبه، وإن ما تذكرينه بلا شك ناتج عن قلة وعي وفهم للدين وبعد عن سماع العلم، والمواعظ، والذكر، ومن هنا أنصحك بما يلي:
أ- أن تقبلي على كتاب الله قراءة ومدارسة وحفظاً ولو شعرت في البداية بثقل في الأمر، لكن الاستمرار والإصرار على أنه دواء وشفاء يوصلك إلى درجة الاطمئنان والسكينة عند قراءته، وإذا تيسر لك أن تلتزمي بحلقة تحفيظ للقرآن الكريم، وحفظ ما يتيسر لك من كتاب الله -عز وجل- فحسن ورائع فإنها مجلس من مجالس الذكر التي تصقل القلب وتحي الروح، وتجعلك أكثر حباً لله ورسوله ولدينه، وفيها سبب لنجاتك فتدارك أمرك وفقك الله.
ب- إذا تعذر قراءة القرآن فلا أقل من سماعه من قاري تحبين سماع صوته فإن ذلك مفيد جداً وهو عبادة يؤجر عليها الإنسان.
ت- من المهم جداً أن تقرئي في كتب العلم النافع المقوية للإيمان، واليوم أدنى زيارة لأي مكتبة تجدين فيها أنواعاً من الكتب الدينية النافعة فانظري أقربها إلى فكرك وعقلك فخذيه واقرئيه.
ث- عليك بسماع الأشرطة المشتملة على الوعظ والإرشاد وتقوية الإيمان، وما عاد خافياً كثرة تلك الأشرطة سواء في التسجيلات الإسلامية أو عبر المواقع المختلفة التي تعنى بالشريط الإسلامي المفيد، فأقبلي عليها واكثري من سماعها.
ج- أنصحك بمشاهدة فيلم الوعد الحق الذي أعده فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني؛ فإنه رائع في مادته، وكذلك الكتب والمجلات المتعلقة بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة؛ وهي كثيرة اليوم.(20/72)
ثالثاً: ابحثي عن صحبة صالحة تستعينين بها بعد الله على تقوية إيمانك والقيام بالأعمال الصالحة فإن الصحبة الخيرة والصالحة مما أمر الله بلزومها في قوله:"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" [سورة الكهف: 18/28] ، كما أنها صمام أمان في عصر كثر فيه المخذلون عن الخير والمفسدون في الأرض.
رابعاً: أكثري من قولك: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" مع استشعارك للحاجة إلى الله في دفع هذا الضعف والشك والحيرة.
خامساً: من الخطأ أن تسيء الظن بنفسك وأنك لا تصلحي لشيء، على العكس أنت مهيئة كثيراً للالتزام وفيك خير كثير وبإمكانك أن تكون من خير الناس إذا صدقت مع الله
وأقبلت عليه بفعل ما يحب وترك ما يبغض ويكره، وأخرجت قدراتك في الإصلاح والتوجيه فسينفع الله بك غيرك، وما ذلك على الله بعزيز.
سادساً: عليك بكثرة الدعاء، والسؤال، واللجوء إلى الله أن يصرف قلبك إلى طاعته بصدق، وأن يعلق قلبك به سبحانه، وأن يعينك على الاستقامة الحقة، ويبعد عنك وساوس الشيطان فإنه قادر على كل شيء، وبيده مقادير السماوات والأرض.
سابعاً: اعلمي أن النجاة في الدنيا والآخرة والتوفيق والسداد متوقف على مدى استقامتك على دين الله -تعالى-، وقد أمر الله -عز وجل- عباده بالاستقامة في غير ما موطن في كتابه للتأكيد على وجوبها وأهميتها في حياة المسلم، قال تعالى: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك"، وقال: "فاستقيموا إليه واستغفروه"، وقال في بيان عاقبة الاستقامة: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون"، فذكري نفسك بهذا لتتقوى على الاستقامة الجادة.
ثامناً: تذكري عاقبة الغفلة والبعد عن الله على صاحبه فإن لها شؤماً قد يكون مدمرا لحياة الإنسان وآخرته فاحذري الاستهانة بذلك.
أخيراً- لا تملي ولا تكلي من التوجه إلى الله أن يثبت قلبك ويربط عليه بالحق. ولا تيأسي؛ فإن الله معك، واعلمي أنك لست وحدك الذي يعاني من ذلك؛ بل الكثير، ومنهم من انتصر على ذلك وأصبح داعيا لله، قانتا، وتائباً، ومنهم من صار منارة للإسلام والمسلمين، وحينما تنظرين إلى ما أنت فيه تعلمين يقيناً انك في نعمة عظيمة ورخاء شديد لكنك مقصرة في استثمارها في طاعة الله -عز وجل-. وإني لأتوجه إلى الله بأن يمن علي وعليك بالهداية والرشاد والسداد والثبات على الحق، وأن يملأ قلبي وقلبك إيمانا وتقوى، وأن يهدينا سواء السبيل إنه جواد كريم. والسلام عليكم.(20/73)
لا يهتم بقبول العبادة من عدمه
المجيب د. هاني عبد الشكور
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز - قسم الدراسات الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 03/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب، عمري 20 سنة، أذكر الله بعد صلاة الفجر، وأصلي أغلب الصلوات في المسجد، وأقوم بحفظ القرآن ... إلخ، ولكن يا شيخ أعاني من مشكلة، وهي أنني عندما أقوم بالعبادة لا أخاف ألاَّ تقبل مني أو لا، ووالله يا شيخ إنني أحمل هذا الهم وأفكر فيه كثيراً، وأريد أن أتخلص منه، وأتذكر عبادة السلف الصالح وخوفهم من ألا يتقبل منهم، وأعلم أنني مقصر، ولكنني أعاني من هذه المشكلة، وأعلم أنني لو عبدت الله الدهر كله لم ولن أفي بجزء بسيط من نعمة الله، فيا شيخنا أرجو أن تحل لي هذه المشكلة. إذا أردت أن أدعو الله أن يذهب مني ما أجد فماذا أقول في دعائي؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فأسأل الله لك -أيها الأخ السائل- الثبات على طريق الاستقامة، والقبول لجميع أعمالك الصالحة، أما بالنسبة لما ذكرت في سؤالك من حملك لهمِّ القبول فهو شعور طيب، وهو من صفات المؤمنين، حيث وصفهم الحق - سبحانه- بقوله: "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" [المؤمنون:60] ، وقد فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهم الذين يعملون الأعمال الصالحة، ثم يقع عليهم الهم ألا تقبل منهم أعمالهم، كما في المسند (25705) وجامع الترمذي (3175) وتفسير الطبري (17/70-71) .
لكن ينبغي لك أن تعلم - أيها الأخ-:
(1) أن هذا الشعور لم ينقلب عندهم إلى حد الوسوسة، والتي ربما كانت مدخلاً للشيطان لصرف المؤمن عن العمل الصالح، ولا يخفاك أن اللعين يتفنن في أساليبه لصرف الصالحين عن طاعة الله، فاحذر من هذا.
(2) إن هذا الشعور لا يمنع أن يكون المؤمن حسن الظن بالله، فقد وعد الله عباده الصالحين بأن يتقبل منهم أحسن ما عملوا، ويزيدهم من فضله، ونحن مأمورون بحسن الظن بالله، والله عند ظن عبده به، كما جاء في الحديث عند البخاري (7405) ، ومسلم (2675) .
(3) المسلم حينما يعبد الله ويطيعه فإنه يقوم بما أمره الله، وبما حثه عليه الشرع الحنيف، وهو بعد ذلك يفوض الأمر إلى الله في قبول الأعمال "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق:3] .
ومما سبق يظهر لك أيها السائل أنه لا بد من الاستمرار في طريق الطاعة وحسن الظن بالله والاعتماد عليه، وطرد وساوس الشيطان، ولزوم الدعاء وسؤال المولى - سبحانه- الثبات. أما بالنسبة لصيغ الدعاء فبإمكانك الرجوع إلى الكتب المؤلفة في ذلك، كالأذكار للنووي والوابل الصيب لابن القيم، وتحفة الذاكرين للشوكاني، وغيرها. والله الموفق.(20/74)
لقد قسا قلبي
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/تربية النفس
التاريخ 24/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو: أنني أحب الدين والملتزمين به، -والله يعلم-، ولكنني ضعيفة في نفسي، كثيراً ما أقع في ذنوب، وربما أعلم أنها معاص، ولكنني أستمر فيها، بالرغم من أنني أحفظ الكثير من القرآن الكريم، بل شارفت على ختمه حفظاً، ومما يزيد همي أن الناس من حولي يظنون بي الخير والصلاح، والله يعلم عصياني وسيئاتي، كم أحب أن أقوم الليل وأحفظ لساني، وأحافظ على الأذكار، إنني أشعر كأنني في بحر لجي، يغشاه موج، من فوقه موج، من فوقه سحاب، خاصة وقد كنت أقوم من الليل، وأصوم، ولي أذكار أحافظ عليها، ففقدت من هذا الكثير حتى قسا قلبي، وجفت عيني، وضاقت علي الأرض. فأفيدوني -مأجورين جزاكم الله خيراً-.
الجواب
إلى الأخت السائلة: - وفقها الله - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
تذكرين أنك تحبين الدين والملتزمين، وأنك قاربت حفظ القرآن، وأنك تعملين المعاصي، ومستمرة عليها، وأنك كنت تقومين الليل، وتصومين ... ثم فقدت كثيراً من ذلك الخير فقسا قلبك، والجواب:
1- يا أختي الكريمة لتعلمي أن الذنوب لها ضريبة وعاقبة، ومن عواقبها الحرمان من الخير، وقسوة القلب، وغضب الرحمن، وفرح الشيطان، وضيق الصدر، وفقدان التوفيق في الدنيا والآخرة، "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" [طه: 124] ، "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين" [النساء: 14] .
2- إن المعاصي يأخذ بعضها برقاب بعض، فتجر بعضها بعضاً، فالسيئة تجر إلى مثيلاتها.
3- إن كل طاعة من صلاة، وقرآن وذكر، وإحسان، وخشوع، وبر، هذا الخير لا يهبه الله إلا لمن أحب، ولا يحبه الله إلا إذا صدق مع ربه ووالاه، وأحبه ورجاه، أما الدنيا من المال والجاه، فإن الله يهبها لمن يحب، ومن لا يحب، فإذا أردت أن يوفقك الله للطاعة فجدي في طلب الإعانة من الله؛ لأن العبد لا يستطيع تحصيل حسنة واحدة إلا بإعانة الله وتوفيقه.
4- إن غالب الذنوب دافعها الشهوات، فتألفها النفس، ولا يسهل تركها إلا من تركها جميعاً لوجه الله -تعالى- ولا يقطع الشهوات من القلب، وترك محبوبات النفس إلا التعلق بالله، والدار الآخرة، واحفظ الله يحفظك.
5- تعوَّذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحور بعد الكور، يعني من الرجوع بعد الإقدام، أنرجع من الطاعة إلى المعصية؟ لهذه حال سيئة، وسبيل للشيطان يزين للعبد؛ ليعرض عن كلام ربه، وحلاوة مناجاته ...
لا بد -من الآن- من توبة نصوح، ودموع صادقة، وإقبال بندم، وانكسار على الله، ثم أبشري بالخير.(20/75)
مصائبنا والصبر عليها..!!
المجيب د. سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الصبر
التاريخ 25-3-1423
السؤال
فضيلة الشيخ /سلمان العودة ... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أود أن ترشدني يا شيخ إلى كيفية التعامل
مع المصائب إذا وقعت كموت قريب مثلا
وهل لقوة الإيمان علاقة مباشرة بشدة الصبر؟
خاصة وأنه عند وقوع المصائب يصعب- في رأيي
-استحضار ما أعده الله من أجر للصابرين، وأن
هذه المصيبة ابتلاء وامتحان، وأنها قدر كتبه
الله قبل خلق السماوات والأرض، وماهي أهم الأسباب لزيادة قوة الإيمان
الجواب
الأخت الكريمة: وفقها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أعظم وسيلة لمواجهة المصائب هي: الصبر، ولذا عظمت وصية الله به، والحياة الدنيا مبناها على المخاطرة وكثرة الأعراض والحوادث، وقد مدح الله تعالى الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا" إنا لله وإنا إليه راجعون " ووعدهم، بالصلوات والرحمة والهداية، فنعم الحملان ونعمت العلاوة كما قال عمر رضي الله عنه.
والناس يتفاوتون في الصبر.
1-فمنهم من لديه صبر وإيمان.
2-ومنهم من ليس له إيمان ولا صبر.
3-ومنهم من عنده صبر بلا إيمان.
4-ومنهم من عنده إيمان بلا صبر.
وأكملهم هو من استجمع الصبر والإيمان، قال تعالى: "إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" وعلى العبد أن يتذكر نعم الله تعالى عليه في نفسه وأهله وولده وماله.
وأن يحمده سبحانه أنه المصيبة لم تكن في دينه، فإن كل مصيبة دون الدين فهي تهون.
وأنها لم تكن أشد مما كانت، فلا شك أن كل مصيبة فثمت مصيبة أعظم منها تهونها لو وقعت.
وأن يتذكر عظيم الأجر والمثوبة للصابرين.
وأن يعلم أن الجزع لا يدفع من القدر شيئاً، والأمر الذي وقع وقع ولا سبيل إلى رده، فلم يبق إلا أن يحافظ على أجره وثوابه.
والله مالك الملك وكل شيء له ومنه وإليه، فله ما أخذ، وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، وإنما يعطي الصابرون أجرهم بغير حساب، فلهم الجنات والدرجات والنعيم المقيم.
رزقنا الله، وإياكم الصبر ولا حرمنا عظيم الأجر،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،(20/76)
الصبر
المجيب يوسف السيف
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الصبر
التاريخ 27-2-1424هـ
السؤال
كيف نجسد الصبر على الواقع (الصبر على المعصية، على الطاعة، على البلاء) ؟ حبذا أن يكون الجواب مفصلاً وبشكل معمق وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ الكريم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكر لك تواصلك معنا في موقع "الإسلام اليوم"
والجواب على سؤالك ما يلي:
• إن الله تعالى جعل الصبر جواداً لا يكبو، وصارماً لا ينبو، وجنداً لا يهزم، فهو والنصر أخوان شقيقان، فالنصر مع الصبر والفرج مع الكرب. وجعل الله الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين قال تعالى (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) .
• ولقد بشر الله الصابرين بثلاث خصال كل واحدة منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون فقال تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وألئك هم المهتدون) البقرة7.
• وأوصى الله تعالى عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) البقرة آية 45.
• والصبر قسمان. قسم بدني، وقسم نفساني وكل منهما نوعان: اختياري واضطراري.
فهذه أربعة أقسام:-
الأول: البدني الاختياري: كتعاطي الأعمال الشاقة على البدن اختياراً وإرادة.
الثاني: البدني الاضطراري: كالصبر على ألم الضرب والمرض والبرد والحر وغيرها.
الثالث: النفساني الاختياري: كصبر النفس عن فعل ما لا يَحْسُنُ فعله شرعاً ولا
عقلاً:-
وهو صبر عن مشتهيات الطبع ومقتضيات الهوى. وهذا النوع إن كان صبراً عن شهوة البطن والفرج سمي عفة، وإن كان صبراً في القتال سمي شجاعة، وإن كان في كظم الغيظ سمي حلماً، وإن كان نائبة أو مصيبة سمي سعة صدر، وإن كان في إخفاء أمر من الأمور سمي كتمان سر، وإن كان في فضول عيش سمي زهداً، وإن كان صبراً على قدر يسير وجزء قليل من الحظوظ والمتع المباحة سمي قناعة، ومن هنا يتضح لنا كيف أن الصبر حوى مجامع الأخلاق وأنواع السلوك النفسي الحسن المرضي لله عز وجل.
الرابع / النفساني الاضطراري: كصبر النفس عن محبوبها قهراً إذا حيل بينها وبينه كأي محبوب للنفس لا يمكن الاستغناء عنه مثل الذي يفقد ولده فهذا يضطر أن يصبر نفسياً على فقد فلذة كبده.
وقد قسم العلماء الصبر باعتبار متعلقه إلى ثلاثة أقسام:-
أولاً:- الصبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها:- فيصبر المسلم على الطاعة لأنه يعلم أن الله خلقه لعبادته [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون] فيصبر على العبادة صبر المحبِّ لها الراغب فيها الذي يرجو بصبره ثواب الله، يصبر على إخلاص الدين لله، يصبر على فرائض الإسلام كلها، فهو صابر على الصلوات الخمس صبر المحب لها الراغب فيها، يؤديها عن طمأنينة ورغبة فيها ومحبة لها وتعظيماً لشأنها وهكذا في جميع العبادة البدنية والقلبية ...(20/77)
ثانياً:- الصبر على المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها:- فالمسلم يصبر على معاصي الله، يصبر عن الأمور التي حرمها الله عليه، يكف نفسه عنها، ويلزمها الصبر والتحمل، ويتذكر مقامه بين يدي الله [ولمن خاف مقام ربه جنتان] يصبر عن مشتهيات النفس التي تدعوه إلى المخالفة، يصبر فيغض بصره، يصبر فيحصن فرجه، يصبر فيمتنع عن الحرام وكل المغريات التي تدعوه إلى المخالفة، صابر في كونه يؤدي الأمانة ويؤدي الحقوق إلى أهلها، صابر في حسن تعامله.
ثالثاً / صبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها:- المسلم كذلك يصبر على أقدار الله المؤلمة التي قد تناله في جسده أو في ماله أو في ولده يؤمن حق الإيمان بأن الله على كل شيء قدير وأن الله علم الأشياء قبل كونها وكتبَها وشاءَها وقدرَها (جاء في الحديث) [عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، أو أصابته سراء شكر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن وقال تعالى {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} قال علقمة:- وهو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
وأختتم جوابي بهذه الآية الكريمة التي لو قرأها الإنسان وتدبرها لهانت عليه مصائب الدنيا قال تعالى {ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} (سورة البقرة)
وهذه الأنواع الثلاثة (أقسام الصبر) هي التي قال فيها الشيخ عبد القادر في [فتوح الغيب] لا بد للعبد من أمر يفعله، ونهي يتجنبه وقدر يصبر عليه]
وأخيراً من أراد الاستزادة فليراجع الكتب التي تتحدث عن الصبر والصابرين.
وأنفس شيء في هذا هو كتاب [عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين] للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى ...
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في دينه إنه سميع مجيب الدعاء،،،(20/78)
فُجِعَ بولده ويخاف أن يضعف صبرُه
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الصبر
التاريخ 19/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
توفي لي ولد، وكنت أحبه حباً جما، فتصبرت طمعاً في الأجر من الله، والله لا يخلف الميعاد، لكن بعد مرور ثلاثة أو أربعة أشهر على وفاته أخذت تنتابني موجات من الحزن العميق كلما ذكرته، وأمور لا أستطيع وصفها حتى إنني أتمنى الموت حتى أراه، وغالباً ما ألوم نفسي على ذلك، وأخاف أن يذهب أجر الصبر، ولا أعلم إن كان ذلك من الجزع أم هي مجرد عاطفة الأبوة؟ أتحرج كثيرا من الشكوى للمقربين؛ خوفاً من أن يدخل ذلك في الجزع والتذمر من قدر الله. أرجو منكم توجيهي لما يجب عمله.
وفقكم الله لكل خير.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فبداية أقول لك: "إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" جزء من حديث متفق عليه عند البخاري (6602) ، ومسلم (923) من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما-.
وعن أنس - رضي الله عنه- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بامرأة تبكي عند قبر فقال: "اتقي الله واصبري" فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم-، فأتت باب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" متفق عليه عند البخاري (1283) ، ومسلم (926) .
فيا أخي الكريم: اصبر واحتسب ابنك عند الله، فإن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة:155-157] .
واعلم - وفقني الله وإياك- أنك إذا احتسبت ابنك فسوف يجزيك الله الجزاء الأوفى، أتدري ما هو الجزاء الأوفى؟ إنها الجنة التي أعدها الله لعباده المتقين فيها ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يقول الله - تعالى - ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة" أخرجه البخاري (6424) .(20/79)
أما ما أنت فيه من حزنك على ابنك، وما يعتريك من ألوان الأسى والحزن كلما هبت عليك رياح ذكراه فهذا من الرحمة التي أودعها الله قلوب عباده، فلقد بكى النبي -صلى الله عليه وسلم- عند وفاة ابنه إبراهيم انظر ما رواه البخاري (1303) ، ومسلم (2315) من حديث أنس - رضي الله عنه - وعند وفاة بعض بناته، بل عندما رأى ابن ابنة له يجود بنفسه دمعت عيناه - صلى الله عليه وسلم-، ولما عوتب في ذلك قال - صلى الله عليه وسلم- "هذه رحمة جعلها الله - تعالى - في قلوب عباده"، وفي رواية "هذه رحمة جعلها الله - تعالى - في قلوب من شاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" متفق عليه عند البخاري (1284) ، ومسلم (923) من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه.
ولقد بكت فاطمة - رضي الله عنها- وأرضاها لما رأت ما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم- من سكرات الموت وشدته.
فعن أنس -رضي الله عنه- قال: لما ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة - رضي الله عنها-: واكرب أبتاه فقال: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة -رضي الله عنها-: "يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التراب" أخرجه البخاري (4462) .
واعلم كذلك أن في صبرك على وفاة ابنك خير عظيم، عن صهيب بن سنان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" أخرجه مسلم (2999) .
أما كونك تتمنى الموت من أجل أن ترى ابنك، فهذا لا يجوز لك بحال من الأحوال، فقد ورد النهي عن ذلك.
عن أنس - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضرِّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" متفق عليه عند البخاري (5671) ، ومسلم (2680) .
واعلم أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيراً يصب منه" أخرجه البخاري (5645) .
فعليك أخي الحبيب أن تتحلى بالصبر والتسليم لقضاء الله وقدره، فإن في ذلك الخير العظيم والجزاء الكبير لك في الدنيا والآخرة، قال - صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" أخرجه الترمذي (2396) عن أنس - رضي الله عنه - وقال: حديث حسن.
ولكن إذا اشتد عليك الوجد، وأقبل عليك الحزن، وضاقت عليك الأرض بما رحبت، فعليك بالآتي:
(1) الجأ إلى الرب - جل وعلا- واسأله أن يرزقك الصبر على ما ابتلاك به، وأن يثبت قلبك ويخلفك خيراً مما فقدت.
(2) إذا اشتد حزنك لفقد ابنك، فتذكر مصابك بالحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم- وصدق من قال:
وهل عدلت يوماً رزية هالك *** رزية يوم مات فيه محمد
وما فقد الماضون مثل محمد *** ولا مثله حتى القيامة يفقد(20/80)
ولقد أصيب جميع أمته به *** من كان مولوداً ومن لم يولد
والناس كلهم بما قد عالهم*** يرجو شفاعته بذاك المشهد
يا رب فاجمعنا معاً بنبينا *** في جنة تثني عيون الحسد
(3) إذا تذكرت ابنك وما آل إليه، اعلم بأنك إلى هذا المصير صائر، وإلى تلك النهاية تذهب، وقد صدق الله حيث يقول: "كل نفس ذائقة الموت" الآية [الأنبياء:35] نعم كل نفس ذائقة الموت لا فرق بين صغير وكبير، وعظيم وحقير، ورئيس ومرؤوس، فالكل ذاهب، وكل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات:
لا شيء مما ترى يبقى بشاشته *** يبقى الله ويود المال والولد
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه *** والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له *** والإنس والجن إليه من كل وافد يفد
حوض هناك مورود بلا كذب *** لا بد من ورده يوماً كما وردوا
(4) عليك دائماً أن تستشعر عظمة الصبر، وما أعده الله للصابرين من الجنة ونعيمها، وهذا مما يهون عليك كثيراً، واعلم أنه من كمال العبودية لله -جل وعلا- الرضا بالقضاء والصبر على البلاء والتسليم لكل ما يجري عليك من الله - جل وعلا- يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى-: (إن للرب على العبد عبوديتان عبودية في الرخاء، وعبودية في الشدة، أما عبودية الرخاء فالشكر، وعبودية الشدة الصبر) ، اهـ.
والصبر هو حبس النفس عن الجزع واللسان عن التسخط، والجوارح عن فعل المحرم من لطم الخدود وشق الجيوب.
(5) عليك بقراءة سيرة السلف الصالح، وكيف كان حالهم إذا حلَّت بساحتهم المصائب، واعترتهم النكبات.(20/81)
فقد ثبت في الصحيحين البخاري (5470) ، ومسلم (2144) من حديث أنس - رضي الله عنه- أنه كان لأبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - ابناً من أم سليم -رضي الله عنها-،ومرض الغلام مرضاً شديداً، وكان أبو طلحة يتعاهده - رضي الله عنه - بالسؤال كلما دخل البيت وخرج، وفي يوم من الأيام مات الصبي وأبو طلحة - رضي الله عنه - خارج البيت، فقالت أم سليم - رضي الله عنها-: لا تخبروا أبا طلحة - رضي الله عنه - حتى أكون أول من يخبر به، وجاء أبو طلحة وسأل عن ابنه كعادته، فقالت أم سليم بعد أن دفنت ابنها: هو أهدأ أو أسكن ما يكون، فظن أبو طلحة - رضي الله عنه - أن الغلام قد عوفي ولم يرد أن يقلقه، وتهيأت أم سليم لزوجها أحسن ما تكون تصنع من قبل، وقربت إليه طعامه، وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب قالت: يا أبا طلحة: أرأيت لو أن قوماً أعار عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، فقالت: إن ابنك كان عارية من الله وقد استرد الله عاريته، فاحتسب ابنك عند الله يا أبا طلحة، فغضب عليها، وقال لها: تركتيني حتى تلطخت ثم تخبريني بأمر ابني؟ وما زالت به -رضي الله عنها- حتى هدأ وذهب عنه الغضب واسترجع، ثم غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الصبح، وأخبره بما كان من شأنه وشأن أم سليم - رضي الله عنهما- فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بارك الله لكما في ليلتكما" فحملت أم سليم -رضي الله عنها- بعد ذلك بولد سموه عبد الله، يقول أحد رواة الحديث: فلقد رأيت من صلب هذا الغلام سبعة أو تسعة كلهم حفظوا القرآن.
هذا الحديث ذكرته بالمعنى لتتضح الصورة، فيا أخي الكريم: احتسب ابنك عند الله، فقد استرد الله عاريته.
(6) عليك بقراءة كتاب برد الأكباد عند فقد الأولاد، وكذلك كتاب لفتة الكبد عند فقد الولد، للإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -، وكذلك كتاب عندئذ بكى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو من تأليفي، وقد جمعت فيه معظم المواقف التي أبكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وخصوصاً عند فقد الأحبة كأولاده، وجده وعمه، وأصحابه - رضي الله عنهم -، وكذلك عند تذكر الأحبة كأمه، وغير ذلك مما تجده مبسوطاً في الكتاب، وكذلك عليك بسماع شريط: كشف الكربة عند فقد الأحبة، لفضيلة الشيخ: علي القرني - حفظه الله تعالى-.
وأخيراً أسأل المولى جلت قدرته أن يرزقك الصبر على فقد ابنك، وأن يجعله لك ولأمه وجاءً من النار، وأن يأخذ بأيديكما إلى الجنة، وأن يكون فرطاً لك ولأمه على الحوض، وأن يرزقكما خيراً منه زكاة وأقرب رحما..إن ربي لطيف مجيب الدعاء. هذا والله أعلم. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/82)
ماذا أفعل مع هذا الملحد؟
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الصبر
التاريخ 14/3/1425هـ
السؤال
أنا طالب في المدرسة الثانوية في الصف الثالث؟، عمري 17 سنة، كان لي في السنة الماضية صديق تعرفت عليه حديثاً، ولم أكن أعرف عنه شيئاً حتى اكتشفت أنه (ملحد) ، فناقشته وأقمت عليه الحجة مرة أو مرتين، فما كان رده إلا الهروب، ومن حينها قاطعته، وتبرأت منه؛ امتثالاً لأمر الله، وتزايدت معه الأمور حتى أنه أصبح الآن يستهزأ بالقرآن، ويؤلف النكات الساخرة من الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- والقرآن، وكل ما يتعلق بهذا الدين الحنيف، بكل جرأة، ولقد فتن كثيراً من الشباب، وأصبحوا تقريباً مثله، والذي لم يفتن فإنه يستمع لنكاته فيضحك، وإن لم يضحك فإنه لا يبدي ردة فعل من غيرة على هذا الدين،
سألت أخي عن وضعه، فقرأ لي من سورة (ق) ما معناه أن أذكر بالقرآن من يخاف وعيد وأصبر، أنا الآن صابر ولكنني سأنفجر؛ إذ كل يوم يؤلف ويفتن، وما من أحد يرد عليه من رفاقه المسلمين، ولكنني لا أستطيع أن أرى حرمات الله تهدم أمامي ولا أحرك ساكناً، هل أضربه؟ ماذا أفعل؟ هل أضع له حداً؟ أرجوكم أفتوني نحن هنا في بلد علمانية ليس هناك من أشتكي إليه من مدرسين أو إداريين، وحرمات الله تنتهك وليس هناك من يدافع عنها. أفتوني مأجورين
الجواب
الأخ الكريم/ سلمه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم ونرجو الله أن تجد منا النفع
والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
أولاً: أشكر لك غيرتك على محارم الله وعلى دينه وأرجو الله أن يثيبك عليها أحسن الثواب وأجزله، وأكثر الله من أمثالك في الأمة.
ثانياً: حسن من العبد أن يحمل هم دعوة الآخرين وأن يكون سببا في هدايتهم، وهذا ما لمسته من جوابك فاستمر في حمل هم الدعوة فإنها واجبة على كل مسلم بحسب حاله وقدرته، وتذكر معي قول الله -عز وجل-: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ" [فصلت: 41/33] .
ثالثاً: ليس بغريب أن تجد من الناس معاندين للدعوة، وساخرين بالدين وجاحدين للحق، فهذا أمر طبعي في الناس يقول -سبحانه-: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" [يوسف:103] .
رابعاً: الدعوة إلى الله تتطلب صبر ومصابرة حتى يصل الإنسان إلى نتاج دعوته، وتأمل معي حال الأنبياء والرسل كيف دعوا أقوامهم وتفننوا في وسائل دعوتهم وصبروا على ذلك حتى أتم الله أمره، واقرأ إن شئت سورة نوح وتأمل ما صنع، فليكن عندك بارك الله فيك من الصبر وعدم العجلة في الوصول للنتيجة والحلم وحسن الخلق ما يوصلك إن شاء الله إلى أحسن النتائج، ولتحمد على دعوتك بعد ذلك عند الله وعند الناس.(20/83)
خامساً: من يسخر بالدين ويستهزأ وهو ملحد فليس بغريب لأنه لا دين له، وهذا في الأصل لو كان تحت حكم بلد إسلامي ينهر وينهى عن ذلك من قبل ولي الأمر أو من ينوب عنه، ويهدد بالقتل إذا استمر على ذلك، أو يرحل من بلاد المسلمين، أما والحال ما تذكر من وجودك في بلد لا يحكم بالشريعة فممكن الشكوى عليه عند السلطات على أساس أنه يسخر بالأديان، وهذا ممنوع في حكم الدول العلمانية، لكن قد لا يكون هذا سائغا إلا عند الوصول إلى قناعة تامة من خلال الاستمرار في دعوته بالتي هي أحسن وتحبيبه للدين وكسب قلبه للحق، فأن يكون مسلماً موحدا مناصراً للحق خير من أن يبقى على هذه الحال، فإذا استمر على حاله تلك فممكن التشاور مع أهل العلم في بلدك في شأنه فلعلهم يدلوك على المنهج الصحيح في ذلك.
أما إذا كان هذا مسلماً لكن يصدر منه تلك الأقوال والتصرفات فهذا يحتاج إلى وعظ وتخويف من عقاب الله، وأنه يخشى عليه الكفر والردة عن الدين نسأل الله السلامة، ولا بأس أن تهدي له كتاباً في ذلك أو أشرطة تتحدث عن خطورة ما يصنع لتكون له واعظاً في ذلك.
فإذا استجاب فالحمد لله وإلا فاعرض الموضوع على أهل العلم في بلدك يشيرون عليك بما هو أنسب في حاله.
سادساً: تحذيرك لبقية زملائك وإخوانك منه منهج صحيح لخطورة تأثيره عليهم وذكرهم بقول الله -عز وجل-:"وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" [الأنعام: /68] .
سابعاً: حاول أن تقرأ في كتب الدعوة لتزداد بينة عن وسائل الدعوة النافعة والمفيدة وتستعين بالله على ما القيام بهذه المهمة العظيمة.
ثامناً: الزم من تراه أهلا من أهل العلم ليزيدك بصيرة في العلم والدعوة.
وفقك الله لكل خير وزادك من فضله وجعلك مفتاحاً للخير إلى يوم القيامة، وحشرك في زمرة الأنبياء والرسل أنه جواد كريم.(20/84)
كثرة الحوادث عقوبة أم ابتلاء؟
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقا-ً
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الصبر
التاريخ 09/09/1425هـ
السؤال
رجل يعمل سائقاً على سيارته منذ عام 94، وركب عدَّة سيارات، وكلما اشترى سيارة إما أن يحدث له حادث أو جميع الدخل من السيارة يصرف في تصليحها، علماً بأن بيته لا ينتفع منه بشيء، فهل هذا غضب من الله أم ابتلاء؟ نرجو الإفادة، وكيف التصرُّف؟.
الجواب
ما ذكرته من تكرر المصائب على هذا الشخص الذي يعمل سائق سيارة ودائماً تتعطل، فنقول: إن تكرر المصائب على الإنسان لا يدل على غضب الله -عز وجل- عليه، بل إذا كان هذا الرجل مستقيماً فربما يكون هذا ابتلاء من الله -عز وجل- يرفع به درجاته ويمحو به ذنوبه، كما في الحديث: أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً أشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" أخرجه الترمذي (2398) ، وابن ماجة (4023) .
فانظر كيف وصفه - صلى الله عليه وسلم - بالإيمان مع توالي البلاء عليه.
وعندما مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" قالوا: يا رسول الله ذلك أن لك أجرين قال: "أجل" صحيح البخاري (5648) ، وصحيح مسلم (2571) .
أخي الكريم: هذه المصائب والكوارث يصاب بها الأخيار والفجار والصالحون والأشرار؛ ليميز الله الخبيث من الطيب، ولا يمكن الجزم بأنها دلالة على غضب الله، ولا رضاه، ولكنها أقدار من الله -عز وجل- يبتلي بها عباده ويختبرهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.
ولكن ننصح هذا الرجل الذي تكرر له الإخفاق في هذا المجال أن يبحث عن مجال آخر، فربما كان السبب أنه دخل في عمل لا يناسبه ولا يحسنه، وأنه لو توجه إلى مهنة أخرى وعمل آخر فربما فتح عليه فيه، وتيسَّر أمره ووجد العمل الذي يناسبه.
نسأل الله -عز وجل- له التوفيق والسداد والصلاح، وأن يهديه للخير. والصلاة والسلام على نبينا محمد.(20/85)
حائر.. مع أخي!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الصبر
التاريخ 1/5/1422
السؤال
إخواني القائمين على هذا الموقع.. أحب استشارتكم بأمر لا أعرف كيف أتعامل معه.. ولكن لثقتي وتقديري لكم رأيت استشارتكم. نحن أسرة عربية تسكن في أحد البلدان الخليجية.. ولي أخ شقيق قضى حوالي سبع سنوات في دولة أوربية.. كانت تلك السنين شاقة عليه.. وواجه فيه كثيراً من الصعاب والمشاكل التي سببها الرئيسي أنه كان يعيش هناك بلا إقامة شرعية.. تلك الظروف تركت في نفسه أثراً واضحاً من الضيق والتذمر على الدنيا وعلى حظوظه فيها.. وكثيراً ما يردد ذلك في أحاديثه00 استطعنا من فترة قريبة استصدار كرت زيارة له في البلد الذي نحن فيه.. وترك تلك الدولة الأوربية وحضر إلينا ولكنه دائم القلق على مصيره.. خاصة وأنه لا يستطيع الآن العودة إلى الدولة الأوربية التي كان فيها.. ولا يستطيع استخراج إقامة دائمة في البلد الذي نحن فيها.. ويشعر أنه معلق.. وأنه لا يملك إقامة شرعية في أي بلد في العالم..!!! حدثني أكثر من مرة.. بان ما يحدث له.. هو انتقام من الله حيث ذكر لي أنه وأثناء إقامته في البلد الأوربي.. ونتيجة للضغوط والظروف التي مرت عليه.. كان كثيراً ما يتجاوز في الكلمات والعبارات حد الكفر.. ويتطاول بسب الإله..!! ولكنه ندم على ذلك وتركه منذ أربع سنوات.. ولم يعد له مرة أخرى.
وفي الفترة الأخيرة هداه الله إلى الصلاة.. فأصبح يصلي.. ويحافظ على الصلوات الخمس.. إلا أنه ما زال قلقاً.. متوتراً.. وقد ذكر لي أنه يسمع في نفسه أحياناً أصواتاً ((مسببات الكفر)) التي كان يقولها من قبل.. وعندها يشعر بخوف شديد وتحدثه نفسه بأن الله لن يغفر له.. ولن يسامحه وأنه سيزيد من انتقامه له.. فتعود له هواجسه ويتذكر أنه معلق..ولا مكان له.. فيحزن.... وهكذا 000 أفيدوني.. أنني في حيرة.. وحزن على حال أخي..
كيف أتصرف معه..؟! كيف احمله على الالتزام.. والهدوء والثقة بالله.. اشعر أني لا أملك الطريقة المناسبة لإقناعه.. ولا المهارة المطلوبة للتأثير عليه.. وما يحزنني أنني أشعر أنه يحتاج فقط إلى دفعة بسيطة لإيصاله إلى الالتزام وراحة البال.. فهل من شيء تساعدونني فيه؟! وجزاكم الله خيراً..
الجواب
أخي الكريم محمد اشكر لك ثقتك..
بالنسبة لاستشارتك فتعليقي عليها من وجوه:-
أولاً - مشكلتنا يا عزيزي أننا نتعلق بالعباد وننسى رب العباد القادر القوي الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون فهل يتذكر أخاك هذه الحقيقة؟ هل التجأ إلى الله بصدق ودعاه بإلحاح وتضرع..؟ وحاول أن يتحرى في ذلك مواطن الإجابة كالسجود وأدبار الصلوات وآخر ساعة من يوم الجمعة؟ هل قام في آخر الليل حين ينزل ربنا تعالى إلى السماء الدنيا فينادي (هل من داعٍ فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له) هل جرب ذلك؟ وطرق باب(20/86)
من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء] هل أدرك حقيقة الإيمان بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه وأن الجن والإنس لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يكتبه الله عليه ما ضروه، ولو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم يكتبه الله له ما نفعوه، كما جاء في الحديث الصحيح وهل قرأ الحديث النبوي الآخر الذي يقول فيه نبي الهدى صلوات الله وسلامه عليه [لو اتكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتعود بطاناً، أو كما قال] أي تغدوا في الصباح جائعة وتعود في المساء ممتلئة البطون.
هل تدبر في كل ذلك وغيره الكثير من الآيات والأحاديث التي تؤكد أن الإنسان ضعيف بنفسه قوي بإيمانه ويقينه وتوكله [قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا] .
ثانياً - بالنسبة لما بدر منه سابقاً فأسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق والحمد لله الذي هداه للتوبة والإنابة وعليه بكثرة الاستغفار فلقد ورد في الحديث الصحيح [من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب] .
وعليه بكثرة عمل الحسنات ما ستطاع إلى ذلك سبيلا قال تعالى: [إن الحسنات يذهبن السيئات] وجاء في الحديث [واتبع السيئة الحسنة تمحها..] والشاهد هنا أن فرص التوبة ولله الحمد مفتوحة ومتاحة على أوسع الأبواب ولكن الشيطان أعاذنا الله منه يريد من ابن آدم اليأس من رحمة الله ومن ثم يهوي به في مكان سحيق قال تعالى: [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً.. الآية] .
ثالثاً - ما يجده في نفسه أحياناً من أصوات مسببات الكفر كما أسميتها هي من الشيطان فليستعذ بالله منه وليذكر الله [إن كيد الشيطان كان ضعيفا] وليأخذ على نفسه وعداً بأن يعقب كل هاجس شيطاني يرده قراءة حزب من المصحف أو صلاة راتبه وسيجد نتيجتها سعة في الرزق وانشراحاً في الصدر وثقة بفرج الله.
رابعاً - أما عن إحساسه بأنه ((معلق)) لا يستطيع العودة إلى مكانه السابق ولا الإقامة في مكانه الحالي فإلي الله المشتكى وعليه التكلان!! وضع مؤلم ولا شك ولكن هل اخترناه بأنفسنا أو فرض علينا وهل نستطيع تغييره بقوانا الذاتية؟!! إذا فليترك الأمر لصاحب الأمر وليتكل عليه فهو سبحانه القادر على كل شيء..
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أضنها لا تفرج
وليكثر من دعاء يونس عليه السلام في بطن الحوت وهو دعاء المكروب [لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين] حيث قال تعالى [ولولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون] .
والخيرة دائماً فيما اختاره الله.
خامساً - رائع منه هذه العودة إلى الله ففي شاطئه الأمان وعليه التكلان وهو سبحانه الحليم المنان فليزدد وليتكل على الله كما أسلفت حق التوكل ويعتمد عليه ويثق به متيقناً أن الدنيا دار ممر وليست دار مقر.
وأن الدنيا لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر فيها شربة ماء، وأن الأنبياء عليهم السلام وهم أشرف الخلق عند الله أوذوا وعذبوا وكذبوا ومع ذلك صبروا حتى أتاهم نصر الله فليصبر وليحتسب ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
سادساً - كيف تقنعه وتؤثر عليه أقترح أن تجعله يقرأ هذه الرسالة أو أعد كتابتها له بشكل آخر تراه.. وسلمها له والهادي هو الله فادع الله لأخيك والله الهادي إلى سواء السبيل.
وفقكما الله وفرج لكما وأعانكما وجميع المسلمين وسدد على طريق الخير والحق خطى الجميع.(20/87)
فترت همتي
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 10/04/1427هـ
السؤال
أنا طالبة أدرس دراسات عليا في مجال الهندسة الداخلية، ونيتي من هذا العلم ليس الرياء، بل مساعدة الفقراء، وقبل دراستي استخرت ودعيت الله في مكة، وعند الكعبة -إن كان راضي بما أنويه- أن ييسره لي. وتيسرت لي الأمور والحمد لله.
مشكلتي أن شعلة الهمة التي كانت بداخلي. قد أصابها الفتور. استكملت سنتين بمعدل ممتاز ولا زلت بنفس المعدل.
لكنني افتقدت الهمة، وقوة الإرادة والعزيمة والإبداع. فكيف أعود لهمتي؟
علماً بأن حياتي كلها صلاة، وسماع للمحاضرات، وقيام لليل، وحفظ أو تلاوة للقرآن، لا شيء غير. ولا أخرج إلا للضرورة فقط.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فما ذكرت أختي الكريمة من فتور الهمة، هو أمر عادي ومتوقع، ففي جامع الترمذي وصححه (2453) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل شيء شِرَّة، ولكل شِرَّةٍ فترة، فإنْ كان صاحِبُها سدَّد وقارب فارجوه، وإن أُشِير إليه بالأصابع فلا تعدُّوه". شِرَّة بكسر الشين وتشديد الراء: حرصاً ونشاطاً. فترة: وهنا وضعفا.
والمعنى أن لكل شيء أي من الأعمال نشاط وله فتور وضعف، وفي المعنى أحاديث أخرى، ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من العجز والكسل كثيراً كما في صحيح البخاري (2893) .
فعليك أن تكثري من هذا الدعاء ونحوه مما ورد في الصلاة وغيرها في الصباح والمساء، وأكثري من قول "لا حول ولا قوة إلا بالله" فإنها كنز من كنوز الجنة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري (2992) وصحيح مسلم (2704) ، وما دامت نيتك من طلب هذا العلم صالحة، وأنت من أهل الخير والطاعة، والستر والعفة، فإن الله عز وعلا ييسر لك ويقوي همتك مرة أخرى، المهم أن يكون هذا العلم مما يناسب جنسك، والحاجة إليه ماسة.
كما أن من أسباب تجدد الهمة؛ وضوح الهدف في العمل الذي يعمله الإنسان وقناعته به، وأيضاً من الأسباب الابتعاد عن ذوي الإرادات الضعيفة، والهمم الدنية الذاتية، وأيضاً من الأسباب تنظيم الوقت، ومحاسبة النفس عند التقصير، واستدراك ما فات، والصبر على ذلك، فالصبر ضياء وليس نوراً فقط!!
بل هو ضياء يشع ويضيء طريق السالكين، قال صلى الله عليه وسلم: "ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر" أخرجه البخاري (1469) ومسلم (1052) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
وأحيلك أختي للفصل الثامن من كتاب "صلاح الأمة في علو الهمة" (7/283) للدكتور سيد بن حسين العفاني، وكتاب "علو الهمة" للدكتور محمد بن إسماعيل المقدم، وخلاصة ذلك تجدينها في كتيب نافع مفيد اسمه "الفتور مظاهرة، أسبابه، وعلاجه" للدكتور ناصر العمر، وهو موجود على موقع المسلم (www.almoslim.net) . والله ولي التوفيق.(20/88)
فتر عن طلب العلم بعد الزواج
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 03/12/1426هـ
السؤال
اجتمعت علي مشكلات الحياة، فتركت طلب العلم، ولم أستطع متابعة الطلب مع ما حباني الله به من حفظ للقرآن وللمتون وإجادة فن الخطابة والأنشطة الدعوية، فقد تركت طلب العلم لما تزوجت وكثرت المشكلات، وأنا غير راض عن هذا الوضع، فبم تنصحوني؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إلى الأخ الكريم -وفقه الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالمشكلات ملازمة للبشر، وهي درس وامتحان من الله للعباد هل يصبرون ويثبتون ويشكرونه أم لا، وأنت في نعمة عظيمة قد لا تشعر بها، وأعظمها نعمة الهداية على الصراط المستقيم، فاشكر الله على ذلك، والأصل أن المشكلات لا تحول بين العبد والدعوة إلى الله إذا لم يستطع، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ورجوع الإنسان بعد الدعوة وطلب العلم والجد إلى الكسل والتثاقل والغفلة أمر خطير. والتعامل مع المشكلات لا يكون بالضجر وترك الدعوة والبحث عن الأعذار، فإن ذلك استجابة سلبية لرحى المشكلات، ويجب أن يكون التعامل مع المشكلات إيجابياً بالتغلب عليها قدر الإمكان، واللجوء إلى الله والفزع إليه، والإلحاح الصادق في طلب الفرج منه تعالى.
وعدم رضاك عن وضعك يدل -إن شاء الله- على حبك للخير وحرصك عليه.
فجدد الآمال عندك وطب نفساً بقضاء الله، وقدم لدينك تجد الفرج وطرد الهموم، وضع لنفسك برنامجاً سهلاً بالعلم والعودة إلى الدعوة إلى الله من جديد بنفس تواقة وأمل طموح، واطلب رضا الله بكل سبيل، واسع لربك كما قال الشاعر:
نعم أسعى إليك على الجفون ولو بعدت لمسراك الطريقُ
وأعظم الأعمال عند الله -بعد التوحيد والإخلاص- هو نشر العلم وتعليمه والسعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتربية النفس على الخير، وهذه مهمة الرسل. أسأل الله تعالى أن يفرج همك ويستعملك في طاعته، ويثبتنا وإياك على الحق إنه سميع مجيب.(20/89)
يئست من صلاحي!
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 06/09/1426هـ
السؤال
كنت من حملة كتاب الله، وكنت أدرس في الثانوية الشرعية، ولكني انتكست وتركتها؛ وذلك بسبب ضعف همتي وكسلي، وتسبب ذلك في نسياني القراءة وإدماني على المناظر الإباحية والعادة السرية، فالآن أقراني متفوقون علي في كل شيء، والمصيبة أنني بدأت أبغض نفسي وأقراني ويئست من إصلاح نفسي، فهل هناك أمل في الإصلاح؟ وهل هناك أمل في الالتحاق بأقراني؟ أفيدوني، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهناك آمال في صلاح الحال وليس أملاً واحداً، فأما أخطاؤك الماضية فقد وعدك الله بالعفو إن تبت واستقمت ورجعت إلى ربك: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر: 53] . فما بينك وبين ربك من النظر للمحرمات وممارسة العادة السرية يمحوه الله بالتوبة، ويكفر بالصلاة والأعمال الصالحة الأخرى، قال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" [هود: 114] ، وليست ممارسة العادة السرية مثل الفواحش الكبيرة كالزنا واللواط أعاذك الله منها، وبالتالي فإن ممارستها لا تعني أنك تنقطع عن العلم الشرعي أو الصحبة الصالحة، بل
حاول تركها وإن لم تستطع تركها فاجعلها من الذنوب التي تستغفر منها وتخشى الإثم بسببها، وادع الله أن يعينك على تركها.
وبالنسبة لرؤية الصور المحرمة والأفلام ونحوها فهي من الذنوب التي تكفرها الصلاة والأعمال الصالحة، ولكن أثر إدمانها خطير جدًّا على مستقبل حياتك؛ لأنها قد تؤثر على سلوكك مستقبلاً حتى بعد زواجك، ولتقرأ ما قاله أحد التائبين عن مشكلة إدمانه للمناظر الإباحية: لن أتكلم عن أثر هذه الموقع على قلبي وما فعلته بي في علاقتي مع ربي، فلن أستطيع أن أصف ما فعلته بي في هذا الأمر، ولكن أريد أن أبيِّن أمراً آخر، فقد كنت مدمناً لهذه المواقع قبل زواجي، وكان الشيطان يسول لي الدخول عليها بدوافع عدة، كان منها ما ظننته الفضول وحب الاستكشاف لهذه العلاقات، إلى آخر تلك الحجج الواهية التي بدت لي في وقتها مقبولة، والتي لم تكن إلا اتباعاً للشهوات، وها أنا ذا أتجرّع ألم المعصية، فقد عاد ذلك عليّ بالسلب في علاقتي مع زوجتي، فما شرعت في معاشرة زوجتي إلا وتواردت على ذهني تلك الصور وأفسدت علي حالي، وما أن أتذكرها حتى أفقد حلاوة اللقاء، ولولا حرصي على مشاعر زوجتي لأنهيته في التو، وكأن الله يعاقبني على ما قدمت يداي، وكأنه يقول لي: قد استعجلت بالحرام، فها أنا ذا أفسد عليك الحلال.(20/90)
فيا أخي احرص على أن تعود إلى ربك -جل وعلا- وأن تعود إلى الدراسة، أو تنشغل بعمل دنيوي نافع، ولتثق بقدراتك، واعلم أن عددًا من الشباب أصابهم ما أصابك ثم عادوا إلى جادة الطريق، ووفقوا لتوبة نصوح أنقذتهم من الانتكاس، ولا يتلاعب بك الشيطان بسبب هذين الذنبين -النظر والعادة السرية- فيريك من نفسك مجرماً أو منافقاً لا أمل في صلاحه ولا يصلح للصلاة ولا لصحبة الأخيار، فذلك من أخطر الأمور عليك، فتعوذ بالله من الشيطان، وقل لنفسك: إنني شاب مسلم وإن عصيت في بعض الأمور فلا أكفر بالله ولا أضيع الصلاة ولا أفرط في الأعمال الصالحة، بل أحاول التوبة وأستمر في الفرائض وأصحب الصالحين؛ لعل الله أن يمن علي بتوبة من هذه المعاصي، وأكثر من سماع الأشرطة المؤثرة في صلاح القلب من تلاوة للقرآن الكريم مؤثرة خاشعة، وسماع محاضرات عن اليوم الآخر والموت. وأكثر من نوافل الطاعات والصيام.
أسأل الله أن يمن علي وعليك بتوبة صادقة وأن يغفر لنا ذنوبنا، ويرزقنا التوبة دائما وأبداً مما اجترحنا، وأن يعيذنا من همزات الشياطين.(20/91)
نصيحة لمن اهتدى ثم انتكس
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 15/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
شيخنا الفاضل: أرجو التكرم بكتابة رسالة لشخص كان ملتزماً مع صحبة صالحة ثم ترك الالتزام، تدعوه فيها للرجوع للالتزام والرفقة الصالحة وتذكره بالآخرة، وأيضا لا يفوته فضل شهر رمضان. وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بحكمته وعدله، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على الهادي البشير، والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
إلى الأخ: السائل: - حفظه الله تعالى- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
لقد قرأت رسالتك وسرني جداً حرصك على تقديم النصح لهذا الأخ الذي انتكس على عقبيه واستبدل الذي هو أدني بالذي هو خير، نسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين الثبات حتى الممات، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور.
ولكن قبل الشروع في كتابة هذه النصيحة أود أن أتساءل معك بصفتك قريب من هذا الشخص المنتكس، ما هي الأسباب التي جعلته يترك الرفقة الصالحة ويذهب إلى غيرها، فمعرفة هذه الأسباب يساعدك كثيراً في علاج المشكلة، والعمل على إرجاعه مرة أخرى إلى تلك الثلة المباركة – بإذن الله تعالى-
أما بالنسبة للنصيحة لهذا الشخص فمستعيناً بالله أقول:
أيها الأخ المبارك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن من نظر إلى الدنيا بعين البصيرة لا بعين البصر المبهرج أيقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، وعيشتها نكد، وصفوها كدر، جديدها يبلى، وملكها يفنى، وودها منقطع، وخيرها ينتزع، والمتعلقون بها على وجل، فالدنيا إما نعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو منية قاضية، "يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ" [غافر:39] .
أخي الكريم: هل تذكرت الموت وسكراته، وشدة هوله وكرباته، وشدة نزع الروح منك؟، فالموت كما قيل: أشد من ضرب بالسيوف ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض.
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله، فالموت لا يخشى أحد ولا يبقي على أحد، ولا تأخذه شفقة على أحد، فقف مع نفسك وقفة صادقة وقل لها:
يا نفس قد أزف الرحيل *** وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يا نفس لا يلعب *** بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزل ينسى *** الخليل فيه الخليل
وليركبن عليك فيه من *** الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا جميعاً *** فلا يبقى العزيز ولا الذليل
أخي: هل تذكرت القبر وظلمته؟ وضيقه ووحشته؟، هل تذكرت ذلك المكان الضيق الذي يضم بين جوانبه جثث الموتى من عظيم وحقير؟ وحكيم وسفيه؟ وصالح وطالح؟ وبر وفاجر؟ فالقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.(20/92)
فيا أخي الحبيب: تخيل نفسك بعد ثلاثة أيام وأنت في قبرك، وقد جردت من الثياب وتوسدت التراب، وفارقت الأهل والأحباب وتركت الأصحاب، ولم يكن معك جليس ولا أنيس إلا عملك الذي قدمته في الدنيا، فماذا تحب أن تقدم لنفسك وأنت في زمن الإمهال حتى تجده في انتظارك يوم انتقالك إلى قبرك؟ "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" [آل عمران:30] .
والله لو عاش الفتى في عمره *** ألفاً من الأعوام مالك أمره
متمتعاً فيها بكل لذيذة *** متلذذاً فيها بسكنى قصره
لا يعتريه الهم طول حياته *** كلا ولا ترد الهموم بصدره
ما كان ذلك كله في أن *** يفي فيها بأول ليلة في قبره
هل تذكرت أخي الكريم أول ليلة في القبر؟ حيث لا أنيس ولا جليس ولا صديق ولا رفيق ولا زوجة ولا أولاد، ولا أقارب، ولا أعوان، "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" [الأنعام:62] .
فارقت موضع مرقدي *** يوماً ففارقني السكون
القبر أول ليلة *** بالله قل ما يكون؟
أخي: هل تذكرت النفخ في الصور؟ والبعث يوم النشور؟ وتطاير الصحف؟ والعرض على الجبار – جل وجلاله-؟ والسؤال عن القليل والكثير؟ والصغير والكبير؟ والفتيل والقطمير؟ ونصب الموازين لمعرفة المقادير؟ ثم جواز الصراط، ثم انتظار النداء عند فصل القضاء إما بالسعادة وإما بالشقاوة، "فريق في الجنة وفريق في السعير" [الشورى: 7] ، "فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" [هود:106-108] .
فيا أخي الكريم: من أي الفرقين تحب أن تكون؟ فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلا في ذلك، ولا استعداد إلا له.
فيا أخي الكريم: إن العمر قصير، والسفر طويل، والزاد قليل، والخطر محدق وكبير، والعبد بين حالين: حال قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه؟ وآجل قد بقى لا يدري ما الله قاض فيه؟.(20/93)
فإذا كان الأمر كذلك، فعلى صاحب البصر النافذ أن يتزود من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه، ومن فراغه لشغله، ومن غناه لفقره، ومن قوته لضعفه، فما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار سوى الجنة أو النار، "فأما من ثقلت موازينه. فهو في عيشة راضية. وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية. وما أدراك ما هيه. نار حامية" [القارعة: 6-11] ، فمن أصلح ما بينه وبين ربه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن صدق في سريرته حسنت علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه فلا بد من وقفة جادة وصادقة لمحاسبة النفس، فالمحاسبة الصادقة هي ما أورثت عملاً صادقاً ينجيك من هول المطلع.
عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" فكان ابن عمر –رضي الله عنهما- يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" أخرجه البخاري (6416) أتدري كم كان عُمْر عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما عندما قال له النبي ذلك كان عمره عشرون سنة!
فيا غافلاً عن مصيره، يا واقفاً مع تقصيره، سبقك أهل العزائم وأنت في بحر الغفلة عائم، قف على باب التوبة وقوف نادم، ونكس الرأس بذل وقل: أنا ظالم، وناد في الأسحار، مذنب وراحم، وتشبه بالصالحين إن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب ودمع ساجم، وقم في الدجى داعياً، وقف على باب مولاك تائباً، واستدرك من العمر ما بقي ودع اللهو جانباً، وطلق الدنيا والمعاصي والمنكرات إن كنت للآخرة طالباً.
أتراك بعدما ذقت حلاوة الطاعة والعبادة تعود إلى مرارة العصيان؟ أتراك بعدما ذقت لذة الأنس والقرب والمناجاة تعود إلى لوعة البعد والهجر والحرمان؟ أتراك بعدما صرت من حزب الرحمن تنقلب على عقبيك فتنضم إلى حزب الشيطان؟ أتراك بعدما حسبت في عداد المصلين تترك الصلاة وهي عماد الدين، والفارق بين الكفار والمؤمنين، وتكتب من الغافلين؟ هل يليق بك بعدما كنت براً تقياً أن تصبح جباراً شقياً؟ ما هكذا يكون المؤمن، بل ما هكذا يكون العاقل المتبصِّر.
قال تعالى: "وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً" [النحل: من الآية92] ، فإياك ثم إياك من نقض الغزل بعد غزله ... أرأيت لو أن إنساناً غزل غزلاً ثم صنع منه قميصاً أو ثوباً جميلاً.. فلما نظر إليه وأعجبه ... جعل يقطع خيوط هذا الثوب وينقضها خيطاً خيطا وبدون سبب.. فماذا يقول عنه الناس؟ ...
فهذا حال من يرجع إلى المعاصي والفسق والمجون، ويترك الطاعات والأعمال الصالحة، وفعل الخير ومصاحبة الصالحين، فإياك أن تكون من هذا الصنف المغبون.(20/94)
أخي الكريم: ما هي إلا أيام قلائل حتى تكتمل دورة الفلك، ويشرق على الدنيا كلها هلال شهر رمضان المبارك، الذي تهفو إليه قلوب المؤمنين، وتتشوق إليه نفوسهم، وتتطلع شوقاً إلى بلوغه، فإن بلوغ شهر رمضان أمنية غالية كان يتمناها النبي – صلى الله عليه وسلم- ويسأل ربه أن يبلغه إياها، فعن أنس – رضي الله عنه- قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذا دخل رجب يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" أخرجه البيهقي في الدعوات الكبير انظر المشكاة (1/432) (1369) .
فشهر رمضان شهر مغفرة الذنوب، وستر العيوب، ومضاعفة الأجور، شهر تعتق فيه الرقاب من النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان، شهر تتنزل فيه الرحمات وتتضاعف فيه الحسنات، شهر كله خير وأفضال، وفرصة للتنافس فيه بصالح الأقوال والأعمال والأفعال، شهر قد أظلنا زمانه، وأدركنا أوانه، قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- ملفتاً الأنظار إلى فضله، ويحث المخاطبين واللاحقين إلى اغتنام وقته فقال: "أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويحط فيه الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل" قال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني في الكبير فشهر هذا فضله وشرفه وقدره، وتلك منزلته، وعلو مكانته عند الله فقل لي بالله عليك: كيف يستقبل هذا الوافد الكريم، وهذا الشهر العظيم؟
أخي: إن من نعم الله عليك العظيمة أن مدَّ في عمرك وجعلك تدرك هذا الشهر العظيم، فكم غيِّب الموت من صاحب، ووارى الثرى من حبيب، فإن طول العمر والبقاء على قيد الحياة فرصة للتزود من الطاعات، والتقرب إلى الله – عز وجل- بالعمل الصالح، فرأس مال المسلم هو عمره، لذا فاحرص على أوقاتك وساعاتك حتى لا تضيع هباءً منثوراً، وتذكر من صام معك العام الماضي، وصلى معك العيد، أين هو الآن بعد أن غيَّبه الموت؟ وتخيل أنه خرج إلى الدنيا مرة أخرى فماذا يصنع؟ هل سيسارع إلى المعاصي والمنكرات؟ أو ينغمس في مستنقع الشهوات والملذات؟ أو سيحرص على فعل المحرمات وارتكاب الكبائر والموبقات؟ كلا والله، بل سيبحث عن حسنة واحدة، ولو بتكبير أو تهليل أو تسبيح، فإن الحساب شديد، والميزان دقيق، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" [الزلزلة: 7-8] .
فيا أخي الكريم: أنا أدعوك وأدعو نفسي وكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها بأن نفتح صفحة جديدة بيضاء ناصعة مع ربنا وخالقنا، وأن نسدل الستار على ماض نسيناه وأحصاه الله علينا، وأن نتوب -ومن الآن- إلى الله التواب الرحيم من كل ذنب وتقصير وخطيئة، وأن لا ندع هذه الفرصة العظيمة تفوتنا، فهذا رمضان موسم خصب من مواسم العمل الصالح، والتنافس في الخيرات والإكثار من النوافل والصدقات، وغيرها من القربات التي تقربنا من المولى – جل جلاله- ثم إلى متى الغفلة والتسويف؟ وطول الأمل؟ واتباع النفس والهوى والشيطان؟.
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا **** واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته **** بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
وغرور دنياك التي تسعى لها **** دار حقيقتها متاع يذهب(20/95)
نعم صدق الله إذ يقول: "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" [آل عمران: 185] .
هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/96)
كيف يعالج الفتور الذي انتابه؟
المجيب د. عبد الله بركات
وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 25/08/1425هـ
السؤال
أنا شاب منَّ الله علي بالالتزام منذ أربعة أشهر، لكن منذ شهر تقريباً أحس أني تساهلت بالسنن والرواتب وبالمعاصي، أريد علاجاً لهذا الفتور لو سمحتم معددا لي كذا وكذا ... إلخ. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه..
فالمؤمن -أخي السائل - هو من تسره حسنته وتسيئه سيئته، والشعور بالتقصير في الطاعات والاهتمام بذلك والقلق على حالة الإيمان هو علامة خير ودليل رشد؛ لذا فأهم ما يلزمك في حالك هذه:
1-المسارعة للطاعة وعدم التسويف فيها ما وسعك الجهد.
2-دفع خاطرة السوء بمجرد ورودها على ذهنك.
3-الالتزام بورد من الأذكار المسنونة ومداومة قراءة القرآن الكريم.
4- أن تقطع علاقتك بأصدقاء السوء الذين يذكرونك بالمعصية أو يبثون في نفسك التراخي في الطاعة والتكاسل عن أدائها.
5- الحرص على حضور حلقات العلم.
هذه خمسة، إن التزمت بها، أسأل الله أن يربط على قلبي وقلبك برباط الإيمان، وأن يرزقنا وإياك علو الهمة في طلب الخير والمبادرة إليه. والله أعلم.(20/97)
أخي يزداد انحرافاً
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 2/12/1424هـ
السؤال
أخي يزداد في الانحراف يوماً بعد يوم، وقد كان من طلبة العلم لكن لا أعلم ما الذي أصابه، بدأ يؤخر الصلاة، ولا يهتم بها، أكثر من متابعة القنوات الفضائية والمسلسلات، أنا لم أعتد على الجلوس معه كثيراً فكيف أرسل له النصيحة؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخت.... -سلمها الله-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، ونرجو الله أن تجدي منا النفع والفائدة.
أما جواب مشكلة أخيك فكالتالي:
أولاً- جزاك الله خيراً على عنايتك بأمر أخيك وحرصك على دينه وإيمانه، وهذا هو الواجب على المؤمنين أن يوالي بعضهم بعضاً، ويحرص بعضهم على بعض خاصة في أمر الدين.
ثانياً- اعلمي - أختي الفاضلة - أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، فأخوك هو من جملة بني آدم المعرضين للتغير والتبدل والانحراف، ولو كان بعد استقامة ودين، وكل منا عرضة لذلك إذا لم نتمسك بأسباب الثبات والاستقامة.
ثالثاً- لا بد من إيصال النصيحة له عبر وسائل عديدة، خاصة وأنتِ تقولين إنك بعيدة عنه في السكن ومنها:
(1) المكالمة الهاتفية التي تكون برفق ولين وإشعار بالحب والحنان والرحمة.
(2) الرسالة المكتوبة.
(3) توصية أخ صالح محب للقيام بنصحه وتذكيره بالله.
(4) إهداؤه شريطاً إسلامياً وكتاباً نافعاً في مقام زيادة الإيمان وتقوية اليقين.
(5) أن يزوره من يكون محلاً للتأثير عليه، كداعية معروف بالنسبة له أو إمام مسجد أو صديق طيب.
رابعاً: لا بد من متابعة أثر النصيحة والتذكير وعدم الاستعجال في رؤية الأثر أو اليأس من صلاحه وعودته للحق، فإن الشأن في المؤمن أنه إذا ذكر تذكَّر، وإذا وعظ اتّعظ، فواجب أن نصبر، ولا نمل، ولا نكل من متابعة النصح والتذكير.
خامساً: من الضرورة النظر في أسباب التغير ومحاولة إبعادها عنه إن أمكن، أو إبدالها خيراً منها.
سادساً: احرصي على الدعاء له بظهر الغيب، فالله -سبحانه- لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو أرحم بعبده من نفسه.
والله أسأل أن يصلح أخاك وأن يصلحنا جميعاً، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يثبت قلوبنا على دينه إنه جواد كريم.(20/98)
أخي قد تغير كثيراً!!
المجيب د. سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 1/8/1422
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخي كان في مقتبل عمره طائعاً لله ـ عز وجل ـ وكان مضرب المثل في الالتزام والجد والاجتهاد والنصح، وهو ـ الآن ـ تغير من حاله إلى حال أقل بكثير. فلقد أسبل ثوبه وخفف لحيته جداً!! وأصبح لا يبالي بالدعوة، ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر …الخ
بعد التزامي كنت أؤمل فيه أن يساعدني في الدعوة إلى الله في وسط أهلي (والداي وإخواني) لكن لم أجد له أثراً في ذلك. هو لا يزال ـ ولله الحمد ـ يصلي مع جماعة المسلمين، ويتصدق لمؤسسات دعوية، ولكنه في مجال النصح والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغيرة على الأعراض وغيرها من العبادات لا تكاد تجد له جهد!
زملاؤه الكثير منهم تجد في مظهره الاستقامة والصلاح، ولكنهم يضيعون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه بل ربما فيه ضرر!!
فضيلة الشيخ كيف يمكن أن أتعامل مع هذا الأخ؟ وجهوني بما ترونه. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أخي الكريم، إذا كان من الجميل أن نعود أنفسنا رؤية الجوانب الطيبة في حياة الناس وأحوالهم، فلقد سرني ما ذكرته عن أخيك من محافظته على الصلوات مع جماعة المسلمين؛ فإن هذه علامات الإيمان، إذ لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، وهذه من شعائر الإسلام الظاهرة العظيمة.
ومثله ما ذكرته من أن أصدقاءه من الملتزمين المحافظين، فإن المرء على دين خليله. أما ما ذكرته من النقص الذي حدث فيه فقد يكون سببه طول العهد مع عدم تجديد الإيمان وصقله، فإن القلوب تمل، ويعتريها من الآفات شيء عظيم، يشبه ما يعرض للثياب من الأوساخ وغيرها، فتحتاج إلى تعاهد، وتجديد وغسل؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم - يقول في استفتاح الصلاة - كما في الصحيحين - من حديث أبي هريرة: اللهم نقني من خطاياي، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. وقد نعى الله على بني إسرائيل طول العهد، وقسوة القلب فقال: " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:16) .
ولم يكن بين إيمان الصحابة، وخطابهم بهذه الآية المكية إلا أربع سنين، كما في الصحيح عن ابن مسعود.
وأعقب هذا بقوله: "اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها.." إشارة إلى أن يحرصوا على أن تحيا قلوبهم بنور الوحي، كما تحيا الأرض بالمطر النازل من السماء، وألا ييأسوا من روح الله.. بل يسألون الله أن يجدد الإيمان في قلوبهم.
إن الاسترسال وراء متاع الحياة ومباهجها، وشهواتها وملذاتها يشغل القلب ويفتر اللهمة. وإن التوسع في حقول المباحات، والاقتراب من المكروهات يفضي إلى الجراءة على المحرمات القريبة، ثم البعيدة؛ ولهذا جاء عن بعض السلف: اجعل بينك وبين الحرام جنّة من المباح.(20/99)
ولا بد للمرء من وقفة بعد وقفة ينظر فيها في أمره، ويراجع حسابه، ويستدرك ما فرط، ويلوم نفسه على التقصير والغفلة.
وأخوك وإن كان على خير إلا أنه يحتاج إلى منادٍ يصيح فيه: أن تدارك قبل الفوات، ويا حبذا أن يكون هذا الصائح المنادي اختيارياً بطوعه، ورضاه، وانجفاله إلى ربه، قبل أن يكون اضطرارياً قدرياً، لا حيلة فيه ولا منفع.
ويحسن منك النصح له بما لا يخدش نفسه، ولا يعكر صفاء الإخاء بينك وبينه، ولا يشعر بالتعالي والأستاذية، بل بدافع الشفقة والرحمة والاقتداء.
وربما كان هذا على هيئة سؤال تطرحه عليه مستفتيا ًمستفيداً مستبصراًَ، أو مشكلة تطلب إليه حلها.. أو نصيحة عبر صديق عاقل لبق. ولا تتأخر عن صالح الدعاء.
وفق الله الجميع لرضاه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،(20/100)
زوجي.. تغير كثيرا..!!
المجيب سعد الرعوجي
مرشد طلابي بثانوية الأمير عبد الإله.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 30-2-1423
السؤال
اخوتي الكرام السلام عليكم ورحمة الله: مشكلتي في زوجي لا اعرف كيف أصفه وتكمن مشكلتي معه من وجهين الأول شدته في معاملة ابنائة وغلظته حتى في ابسط الأمور فهو لا يكلمهم إلا في أسوأ ما عملوا وفي تعداد عيوبهم..!! لا يشكر لأحد منا على شيء.. كثير الضجر منا رغم حسن أخلاقي وأخلاق أبنائي..!! نحترمه ونقدره ونستشيره في كل شيء ومع هذا لا نجد إلا الرفض والتنقيص منا ... أما عن معاملته لمن هم خارج البيت فالنقيض تماما فالابتسامة لهم والاحترام لهم والانبساط وانشراح الأسارير لهم ويقول هذه إنسانية وحسن معاملة مع الناس..!!!!!
أما الأمر الثاني فهو تغير أحواله الدينية فقد كان ممن يرتاد الدروس والمحاضرات ويسمع الخطب والمواعظ ويطلب العلم في الكتب ثم بدأ يتركها شيئا فشيئا حتى انقطع عنها تماما وأغلق على نفسه الباب.. لا اعرف كيف أتعامل معه.. عنيد غليظ لا يسمع نصيحة وربما ظن أنها انتقاص له.. يحاول إصلاح أبنائه وهو لا يسعى إلى إصلاح نفسه ويرى نفسه على صواب دائما لذلك فأبناؤه لا يتقبلون نصحه وأنا كنت لا أخالفه أبدا وأسعى إلى إرضائه دائما ولكني مللت فلم يزد مع الأيام إلا سوء وغلظة فلا يذكر لي خيرا قط..!! أحسست أن طاعتي له بهذه الصورة سلبية مني أثرت على أبنائي فأصبحت لا أستطيع الدفاع عنهم أمامه.. لا اعرف ماذا افعل؟ وجهوني كيف أستطيع تغيير شخصيته مع العلم أن اللين والكلام الطيب لم يجدي معه وجزاكم الله خيرا.
الجواب
أختي الكريمة:.
لعلك تعلمين أن التغيير الذي نريد أن يحدث في شخص ما يحتاج إلى عدة أمور منها:- أولاً: معرفته المسبقة بخطئه وبعيوبه. ثانياً: إرادته ورغبته بالتغيير. ثالثا ً: مستوى ثقافته ونوعية قناعاته. وغير ذلك من الأمور التي تحتاج إلى تفصيل كثير. وبالتالي فإن تغيير شخص ما ليست بالبساطة التي يتصورها الإنسان؛ لأنها تغيير في جبله وطبع موروث أو مكتسب والجبلة والطبع راسخان غالباً رسوخ الجبال، فهذا الأقرع بن حابس رضي الله عنه صحابي لكنه لم يقبل أحداً من أولاده، وهذا أبو سفيان رضي الله عنه رجل شحيح كما وصفته زوجته هند بنت عتبة التي كانت تشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من شحه وبخله.(20/101)
إذاً نخلص أن الإنسان لابد أن يعمل على التكييف مع بيئته ومحيطه قدر الإمكان خاصة إن لم يكن هناك ضرر على دينه والابتعاد قدر الإمكان أيضاً عن التصورات المثالية والحياة السعيدة الخالية من المشاكل، فنحن نحتاج أن نستفيد من أقصى إمكانياتنا وطاقاتنا وليس فوق ذلك مما يورثنا التعب والنصب فهذا الرجل الذي ذكرتيه أختي العزيزة لابد أن يكون لديه من الصفات الإيجابية والحسنة التي لو استثمر تيها واستفدت منها لكان هناك أمر آخر، ولعل زوجك يا أختي قد تلقى تربيه في صغره أورثته هذا الجفاء وهذه الغلظة ولو كُتب للرجل أن يخبرك بماضيه وهو صغير لربما رحمتيه وعذرتيه عن خلقه ثم انك قد رزقتي منه أولاد إضافة أن الله قد رزقك الخلق الحسن. فأنتي لا تخالفيه كما تقولين وقليل من النساء من يفعل ذلك،،،،، فلعل من الحلول الآتي:-
1.الرضا بالواقع وأن هناك من يشابهه في الغلظة والجفاء من خلق الله واعلمي أنه قد يكون تلقى تربية خاطئة فاعذريه وسامحيه واصبري على قدر الله واحتسبي.
2.محاولة تغيير الصورة المثالية للحياة العامة " لقد خلقنا الإنسان في كبد" والحياة الزوجية خاصة فليس من بيت دون مشاكل حتى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
3.التدين جميل جداً لكنه رزق مقسوم قسمة الله تعالى فلن تستطيعي جعله عابداً زاهداً فإذا كان رجلاً يؤدي الذي فرضه الله عليه فإن غير ذلك نافلة.
4.الدعاء إلى الله تعالى وتخير الأوقات الفاضلة التي وعد الله بها عبادة بالإجابة، وركزي أختي على هذا الجانب فالله ليس ببعيد عن عباده وهو ارحم الراحمين.
5.محاولة الاستفادة من الإيجابيات والحسنات التي به واستثمارها الاستثمار الأفضل ومن المستحيل ألا يكون لديه إيجابيات وحسنات.(20/102)
يعتريني الملل بقراءة أوراد السور
المجيب د. رفعت فوزي
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 11/03/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
سؤالي إلى فضيلتكم هو كالتالي:
ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث عن فضائل بعض سور القرآن الكريم, كقراءة سورة تبارك (الملك) كل ليلة, وكذلك الدخان والواقعة، وغيرها ... وأنا -ولله الحمد- أداوم عليها، ولكن قد يعتريني بعض الملل، فأحب أن أقرأ سوراً أخرى، فبماذا تنصحونني؟ وهل يعقل للمسلم أن يبقى مداوماً على هذه السور، وأن يترك بقية السور الأخرى؟. جزاكم الله كل خير ونفعنا بكم.
الجواب
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأصلي وأسلم على نبي الهدى والرحمة وعلى آله وصحبه، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فنشكرك ـ أختنا الكريمة ـ على تواصلك مع موقع (الإسلام اليوم) ، ونأمل أن يكون باباً من أبواب العلم النافع تلجينه ولوجاً نافعاً -إن شاء الله تعالى-.
فتلاوة القرآن الكريم هي من أفضل العبادات وأحبها إلى الله تعالى، فقد ورد في ذلك آثار عديدة، منها ما جاء عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم (804) .
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر" متفق عليه. أخرجه البخاري (5427) ، ومسلم (797) .
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" رواه الترمذي (2913) ، وقال حديث حسن صحيح.
وكما قلت في سؤالك فهناك أحاديث وردت في فضائل سور القرآن الكريم ومنها:
(1) سورة الفاتحة: عن رافع بن المعلى قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ " فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت يا رسول الله: إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟ قال: "الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" رواه البخاري (4474) .
وتسمى سورة الفاتحة بسورة (أم الكتاب، وسورة الصلاة، وسورة المناجاة، وسورة الكافية، وسورة الشافية) .
(2) سورة البقرة وآل عمران: عن أبي أمامة-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما من طير صواف تحاجان عن صاحبهما، اقرؤوا البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلة" رواه مسلم (804) .(20/103)
الغياية: هي ما أظلك من فوقك، البَطَلة: أي السحرة، فهي حصن منهم.
هذا ومن الآيات الفضيلة في سورة البقرة آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وخواتيم هذه السورة.
ومن الآيات الفضيلة في سورة آل عمران أولها، وآية (شهد الله) ، وآية (قل اللهم) وآيات (إن في خلق) .
(3) سورة الكهف: عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" رواه الدارمي (3407) .
(4) سورة يس: عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس" رواه الترمذي (2887) ، ولكنه ضعيف.
وعن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله تعالى غفر له" رواه الدارمي (3415) .
(5) سورة الواقعة: عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً" رواه البيهقي في شعب الإيمان (2500) .
(6) سورة تبارك: عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي تبارك الذي بيده الملك". رواه الترمذي (2891) ، وأبو داود (1400) ، وابن ماجة (2786) .
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-، عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر يعني تبارك" رواه الترمذي (2890) .
(7) سورة الإخلاص: عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في: "قل هو الله أحد، والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن" رواه البخاري (5014) .
وعن أنس-رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله: إني أحب هذه السورة: قل هو الله أحد، قال: "إن حبها أدخلك الجنة" رواه الترمذي (2901) .
(8) المعوذتان: عن عقبة بن عامر-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط؟ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس" رواه مسلم (814) .
وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال: كان رسول الله لم يتعوذ من الجان، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما" رواه الترمذي (2058) .
ومع ذلك -أختاه- فقراءة هذه السور ليست بواجبة، بل ذلك من المستحب، وأظن أن الشيطان هو الذي يلبِّس عليك، فهذه السور ليست بالطويلة، والأفضل المحافظة عليها، وإن لم يكن فالمحافظة على السور التي يترتب على قراءتها ثواب كبير مثل سورة الزلزلة وآية الكرسي والإخلاص (ثلث القرآن) وغيرها..
ونصيحتي لك -أختي الفاضلة- ألا تتركي قراءتها، وقراءتك لهذه السور لا تمنع من قراءة غيرها. فلتداومي على ما تقرئين، وإن أردت الزيادة فخيراً؛ لأنك لو تركت قراءة هذه السور فربما تكسلين عن قراءة غيرها، فالشيطان -لعنه الله- يريد أن يفسد عليك نعمة المداومة على العمل ـ بمثل هذه الحيلة.
وختاماً: أذكرك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" رواه مسلم (782) من حديث عائشة -رضي الله عنها-. وفقك الله ...(20/104)
أحاول المواظبة على الجماعة، ولكن. . .
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
أحاول المحافظة على الصلاة في المسجد مع الجماعة، ثم أنتكس بعد مدة من المواظبة، ثم أشعر بالندم وأتوب وأستغفر، ثم أواظب مرة أخرى، ثم أنتكس وهكذا. . . آمل توجيهي ونصحي حتى أستمر على المحافظة على الصلاة مع الجماعة، وفي بيوت الله، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الأخ الكريم- سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
في البداية أسأل الله لي ولك الثبات والصلاح والاستقامة، ثم اعلم أن الثبات على الدين وفعل الصالحات يتطلب منك جدًّا واجتهادًا ومجاهدة؛ حتى تظفر بمعية الله وتوفيقه والثبات على دينه وحسن الختام، وإني عارض عليك أمورًا أرجو أن تكون مفيدة لك في الثبات على أمر الصلاة، وغيرها من صالح الأعمال (وهي من إجابة سابقة) :
أولًا: عليك بتذكير نفسك دائمًا وأبدًا بما ورد من النصوص الشرعية المرغبة في الصلاة وبيان فضلها؛ لأن ذلك مما يعطي النفس دفعة قوية لأدائها، والنصوص في ذلك كثيرة جدًّا، وسأذكر بعضها، وأنصح بمراجعة كتاب (الترغيب والترهيب) للإمام المنذري؛ فإنه مفيد جدًّا في هذا الأمر:
نصوص في الترغيب في أداء الصلاة والمحافظة عليها:
- أخرج الشيخان عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ ". قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا". البخاري (528) ومسلم (667) .
- وأخرج البخاري (527) ومسلم (85) عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
- وأخرج مالك (270) وأبو داود (1420) والنسائي (461) وابن حبان في صحيحه (1732) عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ؛ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ".(20/105)
- وأخرج الإمام أحمد (14662) والترمذي (4) بسند حسن، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِفْتَاحُ الجَنَّةِ الصَّلَاةُ، ومِفْتَاحُ الصَّلاةِ الوُضُوءُ".
- وأخرج الطبراني في الأوسط (1859) بسند حسن، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ العَبْدُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامةِ الصَّلاةُ، فإنْ صَلَحَتْ صَلَحْ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِه". والأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا.
نصوص في الترهيب من التفريط في الصلاة:
- أخرج مسلم (82) عن جابر، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَ الرَّجُلِ والكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلاةِ".
- وفي الترمذي (2616) عن معاذ، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رَأْسُ الأَمْرِ الإسلامُ وعَمُودُه الصَّلَاةُ". فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط إلا به ولا يثبت إلا به، ولو سقط العمود لسقط الفسطاط ولم يثبت بدونه.
- وأخرج أحمد (22937) والترمذي (2621) وابن ماجه (1079) والنسائي (463) بسند صحيح، عن بريدة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ العَهْدَ الذي بينَنا وبينَهم الصَّلاةُ فَمَن ترَكَها فَقَدْ كَفَرَ".
- وأخرج أحمد (27364) وغيره بسند حسن، عن أم أيمن، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ".
- وقال عمر، رضي الله عنه: (لَا حَظَّ في الإسلامِ لِمَن ترَك الصلاةَ) . أخرجه مالك (84) .
- وقال سعد وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، قالا عن الصلاة: (من تركها فقد كفر) .
- وقال عبد الله بن شقيق: (كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ) . أخرجه الترمذي (2622) .
- وقال أبو أيوب السختياني: (ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه) . وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق.
والأحاديث في ذلك كثيرة.
ثانيًا: أكثِرْ من قراءة القرآن وسماعه بخشوع وتأثُّر، فإنه موعظة الله لخلقه.
ثالثًا: اجعل لك منبهًا خاصًّا بأوقات الصلاة، وذلك مثل الساعة التي بها أذان لكل وقت؛ من أجل تذكيرك وتنبيهك على أوقات الصلاة.
رابعًا: استعن بالله عز وجل- كثيرًا، فإنه وحده هو المعين والمسدد جل في علاه، وأكثر من قولك: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) . مع استشعارك للحاجة إلى الله في أداء الصلاة وغيرها.(20/106)
خامسًا: أكثر من ذكر أحوال القبر والآخرة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم، كما في سنن الترمذي (2307) وابن ماجه (4258) والنسائي (1824) وصحيح ابن حبان (2992) وغيرهم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ- بالذال وهو القاطع - اللَّذَّاتِ المَوْتِ". وقوله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح ابن حبان (2993) ، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وسَّعَه عَلَيْهِ، وَلَا ذكَرهُ وَهُوَ في سَعَةٍ إِلَّا ضَيَّقَه عَلَيْهِ".
قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات ومؤتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين، فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه، فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه رانُ قلبِه واستحكمت فيه دواعي الذنب فإن مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين تبلغ في دفع ذلك مالا يبلغه الأول؛ لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير، وقائم له مقام التخويف والتحذير.
سادسًا: لا تفتر عن سماع الأشرطة الدينية المهتمة بالوعظ والتذكير فإنها نافعة في هذا المجال أيما نفع.
سابعًا: اصحب الصالحين القانتين الطيبين المصلين؛ فإنهم عون بعد الله على النفس الأمارة بالسوء.
ثامنًا: تذكَّر أنَّ من أفضل الأعمال التي يحبها الله حفاظ الإنسان على الصلاة وأدائها في أوقاتها، وسيجد بعدها الصحة في البدن، والسعة في الرزق، وهدوء البال، والأنس بالله، وغير ذلك من الآثار العظيمة في الدنيا والآخرة.
والله أسأل لي ولك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن يغفر لنا، وأن يرحمنا، وإذا أراد بعباده فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتونين. والسلام عليكم.(20/107)
يعاني فتورًا عن الطاعة!
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 15/12/1425هـ
السؤال
نحن نظن بأنفسنا خيرًا، فنقول: إننا لم نقارف الحرام، ولم نقع في أمور محرمة، كالزنى، أو شرب المسكر، أو التدخين، أو المخدرات، أو. . .، ومع ذلك توجد لدينا أخطاء، فنحن لا نحافظ على الصلاة، ولا قراءة القرآن، ولا بر والدينا ... إلخ. مع علمنا بأهمية معالجة هذا الخلل، أو محاولاتنا الكثيرة، ولكن النتيجة: لم نستطع أن نعالج هذا الخلل، فما الحل؟ نعم ثقتنا بأنفسنا كبيرة في تجاوز هذه الحال، ولكن لم نوفق في معرفة الطريقة. آمل التوجيه، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الأخ الكريم- سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
إن من صور التربية للنفس: المجاهدة، وهي تعني محاربة النفس الأمارة بالسوء بتحميلها مما هو مطلوب في الشرع، أو هي حمل النفس على المشاق البدنية الشرعية ومخالفة الهوى، والمؤمن لا يكل ولا يمل وهو يبذل ما في وسعه لصيانة نفسه وحمايتها من الشرور المهلكة، وحملها على ما فيه تزكية لها، ونجاة في الدنيا والآخرة، ودونك حياة السلف الصالح من الصحابة الأطهار والتابعين لهم بإحسان تجدها مليئة بصور من المجاهدة الذاتية لأنفسهم حتى فطموها عن الشر، وأصبحت مطواعة لهم في الخير، مروضة على المسابقة للخيرات والعجلة في إرضاء الرب سبحانه- من كل محابِّه وما يقرب منه.(20/108)
وهكذا ينبغي أن نجاهد أنفسنا ونراقبها ونأخذها بالجادة ونعرضها لأنواع من الرياضة القلبية والمجاهدة الروحية لصقلها من كل شائبة وكشف معدنها الطاهر، وهو الجانب الآخر للنفس التي خلقها الله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [الشمس:7، 8] . فلا بد من استخراج تلك التقوى بالأعمال الصالحة، والمواظبة على الأذكار وقراءة القرآن وما شابه من القربات. . ولا ينبغي الاستهانة بالذنب، ولو لم يكن من الذنوب التي رتب على فعلها حد؛ لأن الكبائر غير محصورة في ذلك، وما ذكرت من الأخطاء من عدم المحافظة على الصلاة وعدم بر الوالدين ليس من الذنوب الصغيرة حتى يستهان بها، بل هي إلى الكبائر أقرب منها إلى الصغائر، لا سيما إذا أردت بعدم المحافظة على الصلاة عدم تأديتها أحيانًا، بمعنى ترك بعض الصلوات وتضييعها، فهذا عظيم، فإن من أهل العلم من حكم بكفر من ترك صلاة واحدة عامدًا متعمدًا حتى يخرج وقتها، وعدم البر بالوالدين يعني العقوق، والعقوق ذكره النبي صلى الله عليه وسلم- من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ". ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ". وَجَلَسَ -وَكَانَ مُتَّكِئًا- فَقَالَ: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ". أخرجه البخاري (2654) ومسلم (87) . فالواجب على العبد منا أن يتقي الذنوب صغيرها وكبيرها، ويخشى عقوبتها وآثارها، فإن للذنوب آثارًا مدمرة على حياة الإنسان وصلاحية قلبه، وتعد حائلاً بين العبد وربه، ويُحرَم بسببها الكثيرَ من التوفيق والسداد والإعانة وكثيرًا من الخيرات؛ وأشعر أن أصل البلاء في القلب، إذ إن القلب المحصن من الشيطان، تسهل عليه إرادة فعل الخيرات لأنه قلب صحيح قوي، والقلب الذي يمكن الشيطان أن يدخله فيتجول فيه كما يشاء، يتوصل الشيطان بسهولة أن يجعل فيه إرادة السيئات، بعدما يزينها له؛ لأنه قلب مريض. ومن الناس من لا يدخل الشيطان قلبه إلا مرورًا سريعًا، لقوة التحصينات حوله، فهذا مثل الذين يفعلون الصغائر أحيانًا وسرعان ما يتوبون منها، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف: 201] . ومن الناس من لا يقترب الشيطان من قلبه أبدًا؛ لأن قلبه مثل السماء المحروسة بالشهب، من الشياطين، فقلبه كذلك محروس من الشيطان، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم- عن هذا القلب: "أَبْيضُ مِثْلُ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دامَتِ السَّمَاواتُ والأَرْضُ". رواه مسلم (144) من حديث حذيفة، رضي الله عنه. ومن الناس من دخل الشيطان قلبه، فاتخذ فيه بيتًا، وجعل له فيه عشًّا يبيض فيه ويفرخ، فاستحوذ عليه، يأمر القلب بالشهوات المحرمة، فيريدها قلبه، فيأمر الجوارح بفعلها فتفعله؛ لأن الشيطان وجده قلبًا خاليًا عن التحصينات، مفتح الأبواب، ضعيفًا مريضًا بفعل السيئات، ولهذا قال الله تعالى، عن هذا النوع: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ(20/109)
الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) [المجادلة: 19] . لأن ذكر الله تعالى- هو الحصن من الشيطان، فأنساهم إياه ليستحوذ على قلوبهم فيقودها لتنقاد جوراحهم له تبعًا.
والقلب لا يحصن من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، ولا يقوى على إرادة الخير إلا بالعمل الصالح، ولا يغلبه الشيطان إلا إن كان غافلًا عن ذكر الله تعالى، ضعيفًا بسبب فعل السيئات والمنكرات.
واسمح لي أن أقترح عليك برنامجًا إيمانيًّا مفيدًا للقلب أرجو أن يكون نافعًا وعونًا لك على استعادة حلاوة الإيمان، ولذة المناجاة، والقرب من الله عز وجل:
1- احرص على إقامة الصلوات الخمس في جماعة، لاسيما صلاة الفجر، فإياك أن تفوتك أبدًا، قال الله تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78] . أي: صلاة الفجر تشهدها الملائكة.
2- بعد صلاة الفجر امكث في المسجد لقراءة القرآن إلى طلوع الشمس، ثم صل ركعتين بعد ارتفاعها قيد رمح (وقيد الرمح: مقدار عشر دقائق من أول الشروق) .
3- قل: (سبحان الله وبحمده) . مائة مرة كل يوم، في أي وقت، في المسجد أو البيت، ماشيًا، أو قاعدًا، أو في السيارة. . إلخ، وهذا الذكر يَحُتُّ الخطايا حتًّا. صحيح البخاري (6405) ومسلم (2692) .
4- استغفر الله تعالى- مائة مرة كل يوم، قائلاً: (أستغفر الله وأتوب إليه) . كذلك في أي وقت شئت، وعلى أي حال تكون. انظر صحيح مسلم (2702) .
5- قل هذا الذكر مائة مرة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) . صحيح البخاري (3293) ومسلم (2691) . مائة مرة كل يوم كذلك، في أي وقت شئت، وعلى أي حال تكون، ولا يشترط في المسجد.
وهذه الأذكار كان يداوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم- فهي حياة القلب وغذاؤه الذي لا يستغني عنه.
6- بين صلاتي المغرب والعشاء رابطْ في المسجد فلا تخرج منه، واقرأ ما تيسر من القرآن بالتدبر.
7- يجب عليك الحمية التامة من النظر إلى التلفزيون، أو المجلات، أو الذهاب إلى أي مكان فيه منكرات، فأنت في حجر صحي لكي ترجع إلى قلبك عافيته، ولن ينفعك الدواء وهي الحسنات، إن كنت تدخل عليه الداء في أثناء فترة العلاج، والداء هو السيئات.
8- استمر على هذا البرنامج شهرًا كاملاً على الأقل، تعيش فيه مع القرآن تقرؤه بالتدبر، وتعمل بما فيه، وتخلو بنفسك لذكر الله تعالى- الساعات الطوال، والدليل على الشهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر بذلك فقال: "اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ". متفق عليه: صحيح البخاري (5052) وصحيح مسلم (1159) من حديث ابن عمرو، رضي الله عنهما.(20/110)
9- إن كانت البيئة التي تعيش فيها لا تساعدك على تطبيق هذا البرنامج فغيِّر بيئتك، اترك أصحاب السوء، وابتعد عن الأماكن التي تقضي فيها أوقات فراغك إن كانت تشجع على المعاصي، ولو استطعت أن تسافر إلى مكة مثلًا لتطبق هذا البرنامج فافعل.
10- تصدق بجزء من مالك، توبة إلى الله تعالى، صدقة سر لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى، فقد صح في الحديث: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ". رواه الترمذي (664) من حديث أنس، رضي الله عنه.
11- حاول أن تذهب إلى العمرة ناويًا تجديد إيمانك وغسل ماضيك بماء هذه الرحلة المباركة، قال صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَةُ إلى العمرةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ". متفق عليه: البخاري (1773) ومسلم (1349) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
12- إن كانت لديك حقوق للناس فرُدَّها كلها، ولا تترك منها شيئًا في ذمتك؛ توبة إلى الله.
13- ادع الله تعالى- كل ليلة في وقت السحر، قبل صلاة الفجر بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". أخرجه البخاري (834) ومسلم (2705) . وهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وأَعِذْنِي مِن نَفْسِي". أخرجه الترمذي (3483) . وهذان علمهما الرسول صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه، رضي الله عنهم، وأكثر من الاستغفار والدعاء في السَّحَر فإن السحر (قبل الفجر) وقت يستجاب فيه الدعاء.
والله أسأل أن ينفعني وإياك بالعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يشرح صدورنا، وينوِّر قلوبنا، ويأخذ بأيدينا لما فيه الخير والصلاح والسداد، إنه جواد كريم. والسلام عليكم.(20/111)
سؤال الله الصبر
المجيب د. عبد المهدي عبد القادر
أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/ قضايا إيمانية/الصبر
التاريخ 16/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
قرأت دعاءً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أورده ابن القيم في كتاب الصبر وشكر النعمة، وفيه ما معناه: "اللهم أسألك الصبر في شأني كله، وأن تجعلني على الصراط المستقيم"، أرجو ذكر مصدر هذا الدعاء.
صديق لي يقول: إننا لا ينبغي أن نسأل الله الصبر؛ لأن ذلك يعني أننا نسأله تعالى أن يبتلينا، فهل هذا صحيح؟ لكن هناك نصوصاً في القرآن الكريم تحث على الصبر. كما ورد في قصة النبي داود -عليه السلام- في سورة البقرة (الآية 250) ، وطلب السحرة من الله أن يفرغ عليهم الصبر على فرعون في سورة الأعراف (آية رقم 126) . أرجو توضيح المسألة.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على النبي الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان ويقين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أهلاً بك ـ أخي الكريم ـ على صفحات موقع "الإسلام اليوم" ونأمل أن يكون الموقع وما يقدم فيه عند حسن ظنك إن شاء الله تعالى..
وأما عن الدعاء الذي ذكرت أن الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ أورده في كتاب الصبر وشكر النعمة، ولعلك تقصد كتابه (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين) ؛ فلم نعثر على دعاء بهذا النص الوارد في سؤالك وهو (اللهم أسألك الصبر في شأني كله وأن تجعلني على الصراط المستقيم) . وأما قول صديقك (إننا لا ينبغي أن نسأل الله الصبر؛ لأن ذلك يعني أننا نسأله البلاء" فهذا الكلام له وجه من الصحة، فالأصل أن يسأل المرء ربه العفو والعافية في الدنيا والآخرة. فعن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول:"سلوا الله اليقين والمعافاة، فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من العافية" أخرجه أحمد (5) و (17) ، والنسائي في الكبرى (10717) ، وابن ماجة (3849) وهو حديث صحيح، وفي ضعيف الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو يقول: اللهم إني أسألك تمام النعمة فقال: أي شيء تمام النعمة؟ . قال: دعوة دعوت بها أرجو بها الخير، قال: فإن من تمام النعمة دخول الجنة، والفوز من النار. وسمع رجلاً وهو يقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال: قد استجيب لك فسل. وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وهو يقول: اللهم إني أسألك الصبر. قال: سألت الله البلاء، فاسأله العافية" ضعيف الألباني ـ الترمذي برقم (706) .(20/112)
وجاء في (زاد المعاد) لابن القيم. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: عن أبي الدرداء، قلت: يا رسول الله، لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ورسول الله يحب معك العافية". أما ما ورد في سؤالك ـ أخي الكريم ـ من شبهة تعارض بين ما سبق من أحاديث بطلب العافية، وما ورد في القرآن الكريم من الدعاء بالصبر، مثل قوله تعالى في الآية (250) من سورة البقرة وهو قوله تعالى حكاية عن قصة داود مع جالوت "ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"، وكذلك قوله تعالى في الآية (126) من سورة الأعراف حكاية عن قول سحرة فرعون بعد إيمانهم "وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين"، فما جاء في هاتين الآيتين الكريمتين من دعاء وطلب للصبر هو عند لقاء العدو واحتدام البلاء، وقد جاء في الحديث الصحيح: "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" متفق عليه، أخرجه البخاري (2819) ، ومسلم (1742) من حديث عبد الله بن أبى أوفى.
وحين وقوع البلاء فعلى المسلم أن يصبر ويرضى بقدر الله -تعالى- ولا يجزع لما أصابه؛ ففي مسند الإمام أحمد (23129) ، والترمذي (2396) ، من حديث محمود بن لبيد يرفعه: "إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط". زاد أحمد: "ومن جزع فله الجزع". قال أبو الدرداء-رضي الله عنه-: إن الله إذا قضى قضاء، أحب أن يرضى به"، وكان عمران بن حصين-رضي الله عنهما- يقول في علَّته: أَحبَُه إليّ أحبه إليه، وكذلك قال أبو العالية.
وقال الحسن: دخلنا على عمران بن الحصين -رضي الله عنهما- فقال رجل: لا بد أن أسألك عما أرى بك من الوجع، فقال عمران يا أخي لا تفعل، فو الله إني لأحب الوجع ومن أحبه كان أحب الناس إلى الله. قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" [الشورى: 30] ، فهذا مما كسبت يدي، وعفو ربي عما بقي أكثر". وهذا وأمثاله هو من أدب الصالحين إذا نزل بهم البلاء، لا قبل وقوعه.
كما أنه على المعافى إن رأى مبتلى أن يحمد الله على المعافاة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما من رجل رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً إلا لم يصبه ذلك البلاء كائناً ما كان" أخرجه الترمذي (3428) في الدعوات من حديث أبي هريرة وحسنه. على أن هناك أنواعاً من الصبر يحتاجها المسلم ويحمل عليها الدعاء به، وهي الصبر على طاعة الله، والصبر عن معاصي الله، فهذه لا بد منها؛ لتحقيق العبودية لله -عز وجل-، كما قال عز وجل: "واستعينوا بالصبر والصلاة" [البقرة: 45] .
هذا.. وأسأل الله لنا ولك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.(20/113)
فترت همتي
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 10/04/1427هـ
السؤال
أنا طالبة أدرس دراسات عليا في مجال الهندسة الداخلية، ونيتي من هذا العلم ليس الرياء، بل مساعدة الفقراء، وقبل دراستي استخرت ودعيت الله في مكة، وعند الكعبة -إن كان راضي بما أنويه- أن ييسره لي. وتيسرت لي الأمور والحمد لله.
مشكلتي أن شعلة الهمة التي كانت بداخلي. قد أصابها الفتور. استكملت سنتين بمعدل ممتاز ولا زلت بنفس المعدل.
لكنني افتقدت الهمة، وقوة الإرادة والعزيمة والإبداع. فكيف أعود لهمتي؟
علماً بأن حياتي كلها صلاة، وسماع للمحاضرات، وقيام لليل، وحفظ أو تلاوة للقرآن، لا شيء غير. ولا أخرج إلا للضرورة فقط.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فما ذكرت أختي الكريمة من فتور الهمة، هو أمر عادي ومتوقع، ففي جامع الترمذي وصححه (2453) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل شيء شِرَّة، ولكل شِرَّةٍ فترة، فإنْ كان صاحِبُها سدَّد وقارب فارجوه، وإن أُشِير إليه بالأصابع فلا تعدُّوه". شِرَّة بكسر الشين وتشديد الراء: حرصاً ونشاطاً. فترة: وهنا وضعفا.
والمعنى أن لكل شيء أي من الأعمال نشاط وله فتور وضعف، وفي المعنى أحاديث أخرى، ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من العجز والكسل كثيراً كما في صحيح البخاري (2893) .
فعليك أن تكثري من هذا الدعاء ونحوه مما ورد في الصلاة وغيرها في الصباح والمساء، وأكثري من قول "لا حول ولا قوة إلا بالله" فإنها كنز من كنوز الجنة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري (2992) وصحيح مسلم (2704) ، وما دامت نيتك من طلب هذا العلم صالحة، وأنت من أهل الخير والطاعة، والستر والعفة، فإن الله عز وعلا ييسر لك ويقوي همتك مرة أخرى، المهم أن يكون هذا العلم مما يناسب جنسك، والحاجة إليه ماسة.
كما أن من أسباب تجدد الهمة؛ وضوح الهدف في العمل الذي يعمله الإنسان وقناعته به، وأيضاً من الأسباب الابتعاد عن ذوي الإرادات الضعيفة، والهمم الدنية الذاتية، وأيضاً من الأسباب تنظيم الوقت، ومحاسبة النفس عند التقصير، واستدراك ما فات، والصبر على ذلك، فالصبر ضياء وليس نوراً فقط!!
بل هو ضياء يشع ويضيء طريق السالكين، قال صلى الله عليه وسلم: "ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر" أخرجه البخاري (1469) ومسلم (1052) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
وأحيلك أختي للفصل الثامن من كتاب "صلاح الأمة في علو الهمة" (7/283) للدكتور سيد بن حسين العفاني، وكتاب "علو الهمة" للدكتور محمد بن إسماعيل المقدم، وخلاصة ذلك تجدينها في كتيب نافع مفيد اسمه "الفتور مظاهرة، أسبابه، وعلاجه" للدكتور ناصر العمر، وهو موجود على موقع المسلم (www.almoslim.net) . والله ولي التوفيق.(20/114)
فتر عن طلب العلم بعد الزواج
المجيب عبد الله بن فهد السلوم
مدرس بثانوية الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 03/12/1426هـ
السؤال
اجتمعت علي مشكلات الحياة، فتركت طلب العلم، ولم أستطع متابعة الطلب مع ما حباني الله به من حفظ للقرآن وللمتون وإجادة فن الخطابة والأنشطة الدعوية، فقد تركت طلب العلم لما تزوجت وكثرت المشكلات، وأنا غير راض عن هذا الوضع، فبم تنصحوني؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إلى الأخ الكريم -وفقه الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالمشكلات ملازمة للبشر، وهي درس وامتحان من الله للعباد هل يصبرون ويثبتون ويشكرونه أم لا، وأنت في نعمة عظيمة قد لا تشعر بها، وأعظمها نعمة الهداية على الصراط المستقيم، فاشكر الله على ذلك، والأصل أن المشكلات لا تحول بين العبد والدعوة إلى الله إذا لم يستطع، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ورجوع الإنسان بعد الدعوة وطلب العلم والجد إلى الكسل والتثاقل والغفلة أمر خطير. والتعامل مع المشكلات لا يكون بالضجر وترك الدعوة والبحث عن الأعذار، فإن ذلك استجابة سلبية لرحى المشكلات، ويجب أن يكون التعامل مع المشكلات إيجابياً بالتغلب عليها قدر الإمكان، واللجوء إلى الله والفزع إليه، والإلحاح الصادق في طلب الفرج منه تعالى.
وعدم رضاك عن وضعك يدل -إن شاء الله- على حبك للخير وحرصك عليه.
فجدد الآمال عندك وطب نفساً بقضاء الله، وقدم لدينك تجد الفرج وطرد الهموم، وضع لنفسك برنامجاً سهلاً بالعلم والعودة إلى الدعوة إلى الله من جديد بنفس تواقة وأمل طموح، واطلب رضا الله بكل سبيل، واسع لربك كما قال الشاعر:
نعم أسعى إليك على الجفون ولو بعدت لمسراك الطريقُ
وأعظم الأعمال عند الله -بعد التوحيد والإخلاص- هو نشر العلم وتعليمه والسعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتربية النفس على الخير، وهذه مهمة الرسل. أسأل الله تعالى أن يفرج همك ويستعملك في طاعته، ويثبتنا وإياك على الحق إنه سميع مجيب.(20/115)
يئست من صلاحي!
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 06/09/1426هـ
السؤال
كنت من حملة كتاب الله، وكنت أدرس في الثانوية الشرعية، ولكني انتكست وتركتها؛ وذلك بسبب ضعف همتي وكسلي، وتسبب ذلك في نسياني القراءة وإدماني على المناظر الإباحية والعادة السرية، فالآن أقراني متفوقون علي في كل شيء، والمصيبة أنني بدأت أبغض نفسي وأقراني ويئست من إصلاح نفسي، فهل هناك أمل في الإصلاح؟ وهل هناك أمل في الالتحاق بأقراني؟ أفيدوني، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهناك آمال في صلاح الحال وليس أملاً واحداً، فأما أخطاؤك الماضية فقد وعدك الله بالعفو إن تبت واستقمت ورجعت إلى ربك: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر: 53] . فما بينك وبين ربك من النظر للمحرمات وممارسة العادة السرية يمحوه الله بالتوبة، ويكفر بالصلاة والأعمال الصالحة الأخرى، قال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" [هود: 114] ، وليست ممارسة العادة السرية مثل الفواحش الكبيرة كالزنا واللواط أعاذك الله منها، وبالتالي فإن ممارستها لا تعني أنك تنقطع عن العلم الشرعي أو الصحبة الصالحة، بل
حاول تركها وإن لم تستطع تركها فاجعلها من الذنوب التي تستغفر منها وتخشى الإثم بسببها، وادع الله أن يعينك على تركها.
وبالنسبة لرؤية الصور المحرمة والأفلام ونحوها فهي من الذنوب التي تكفرها الصلاة والأعمال الصالحة، ولكن أثر إدمانها خطير جدًّا على مستقبل حياتك؛ لأنها قد تؤثر على سلوكك مستقبلاً حتى بعد زواجك، ولتقرأ ما قاله أحد التائبين عن مشكلة إدمانه للمناظر الإباحية: لن أتكلم عن أثر هذه الموقع على قلبي وما فعلته بي في علاقتي مع ربي، فلن أستطيع أن أصف ما فعلته بي في هذا الأمر، ولكن أريد أن أبيِّن أمراً آخر، فقد كنت مدمناً لهذه المواقع قبل زواجي، وكان الشيطان يسول لي الدخول عليها بدوافع عدة، كان منها ما ظننته الفضول وحب الاستكشاف لهذه العلاقات، إلى آخر تلك الحجج الواهية التي بدت لي في وقتها مقبولة، والتي لم تكن إلا اتباعاً للشهوات، وها أنا ذا أتجرّع ألم المعصية، فقد عاد ذلك عليّ بالسلب في علاقتي مع زوجتي، فما شرعت في معاشرة زوجتي إلا وتواردت على ذهني تلك الصور وأفسدت علي حالي، وما أن أتذكرها حتى أفقد حلاوة اللقاء، ولولا حرصي على مشاعر زوجتي لأنهيته في التو، وكأن الله يعاقبني على ما قدمت يداي، وكأنه يقول لي: قد استعجلت بالحرام، فها أنا ذا أفسد عليك الحلال.(20/116)
فيا أخي احرص على أن تعود إلى ربك -جل وعلا- وأن تعود إلى الدراسة، أو تنشغل بعمل دنيوي نافع، ولتثق بقدراتك، واعلم أن عددًا من الشباب أصابهم ما أصابك ثم عادوا إلى جادة الطريق، ووفقوا لتوبة نصوح أنقذتهم من الانتكاس، ولا يتلاعب بك الشيطان بسبب هذين الذنبين -النظر والعادة السرية- فيريك من نفسك مجرماً أو منافقاً لا أمل في صلاحه ولا يصلح للصلاة ولا لصحبة الأخيار، فذلك من أخطر الأمور عليك، فتعوذ بالله من الشيطان، وقل لنفسك: إنني شاب مسلم وإن عصيت في بعض الأمور فلا أكفر بالله ولا أضيع الصلاة ولا أفرط في الأعمال الصالحة، بل أحاول التوبة وأستمر في الفرائض وأصحب الصالحين؛ لعل الله أن يمن علي بتوبة من هذه المعاصي، وأكثر من سماع الأشرطة المؤثرة في صلاح القلب من تلاوة للقرآن الكريم مؤثرة خاشعة، وسماع محاضرات عن اليوم الآخر والموت. وأكثر من نوافل الطاعات والصيام.
أسأل الله أن يمن علي وعليك بتوبة صادقة وأن يغفر لنا ذنوبنا، ويرزقنا التوبة دائما وأبداً مما اجترحنا، وأن يعيذنا من همزات الشياطين.(20/117)
نصيحة لمن اهتدى ثم انتكس
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 15/9/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
شيخنا الفاضل: أرجو التكرم بكتابة رسالة لشخص كان ملتزماً مع صحبة صالحة ثم ترك الالتزام، تدعوه فيها للرجوع للالتزام والرفقة الصالحة وتذكره بالآخرة، وأيضا لا يفوته فضل شهر رمضان. وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بحكمته وعدله، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على الهادي البشير، والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
إلى الأخ: السائل: - حفظه الله تعالى- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
لقد قرأت رسالتك وسرني جداً حرصك على تقديم النصح لهذا الأخ الذي انتكس على عقبيه واستبدل الذي هو أدني بالذي هو خير، نسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين الثبات حتى الممات، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور.
ولكن قبل الشروع في كتابة هذه النصيحة أود أن أتساءل معك بصفتك قريب من هذا الشخص المنتكس، ما هي الأسباب التي جعلته يترك الرفقة الصالحة ويذهب إلى غيرها، فمعرفة هذه الأسباب يساعدك كثيراً في علاج المشكلة، والعمل على إرجاعه مرة أخرى إلى تلك الثلة المباركة - بإذن الله تعالى-
أما بالنسبة للنصيحة لهذا الشخص فمستعيناً بالله أقول:
أيها الأخ المبارك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن من نظر إلى الدنيا بعين البصيرة لا بعين البصر المبهرج أيقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، وعيشتها نكد، وصفوها كدر، جديدها يبلى، وملكها يفنى، وودها منقطع، وخيرها ينتزع، والمتعلقون بها على وجل، فالدنيا إما نعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو منية قاضية، "يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ" [غافر:39] .
أخي الكريم: هل تذكرت الموت وسكراته، وشدة هوله وكرباته، وشدة نزع الروح منك؟، فالموت كما قيل: أشد من ضرب بالسيوف ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض.
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله، فالموت لا يخشى أحد ولا يبقي على أحد، ولا تأخذه شفقة على أحد، فقف مع نفسك وقفة صادقة وقل لها:
يا نفس قد أزف الرحيل *** وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يا نفس لا يلعب *** بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزل ينسى *** الخليل فيه الخليل
وليركبن عليك فيه من *** الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا جميعاً *** فلا يبقى العزيز ولا الذليل
أخي: هل تذكرت القبر وظلمته؟ وضيقه ووحشته؟، هل تذكرت ذلك المكان الضيق الذي يضم بين جوانبه جثث الموتى من عظيم وحقير؟ وحكيم وسفيه؟ وصالح وطالح؟ وبر وفاجر؟ فالقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.(20/118)
فيا أخي الحبيب: تخيل نفسك بعد ثلاثة أيام وأنت في قبرك، وقد جردت من الثياب وتوسدت التراب، وفارقت الأهل والأحباب وتركت الأصحاب، ولم يكن معك جليس ولا أنيس إلا عملك الذي قدمته في الدنيا، فماذا تحب أن تقدم لنفسك وأنت في زمن الإمهال حتى تجده في انتظارك يوم انتقالك إلى قبرك؟ "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" [آل عمران:30] .
والله لو عاش الفتى في عمره *** ألفاً من الأعوام مالك أمره
متمتعاً فيها بكل لذيذة *** متلذذاً فيها بسكنى قصره
لا يعتريه الهم طول حياته *** كلا ولا ترد الهموم بصدره
ما كان ذلك كله في أن *** يفي فيها بأول ليلة في قبره
هل تذكرت أخي الكريم أول ليلة في القبر؟ حيث لا أنيس ولا جليس ولا صديق ولا رفيق ولا زوجة ولا أولاد، ولا أقارب، ولا أعوان، "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" [الأنعام:62] .
فارقت موضع مرقدي *** يوماً ففارقني السكون
القبر أول ليلة *** بالله قل ما يكون؟
أخي: هل تذكرت النفخ في الصور؟ والبعث يوم النشور؟ وتطاير الصحف؟ والعرض على الجبار - جل وجلاله-؟ والسؤال عن القليل والكثير؟ والصغير والكبير؟ والفتيل والقطمير؟ ونصب الموازين لمعرفة المقادير؟ ثم جواز الصراط، ثم انتظار النداء عند فصل القضاء إما بالسعادة وإما بالشقاوة، "فريق في الجنة وفريق في السعير" [الشورى: 7] ، "فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" [هود:106-108] .
فيا أخي الكريم: من أي الفرقين تحب أن تكون؟ فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلا في ذلك، ولا استعداد إلا له.
فيا أخي الكريم: إن العمر قصير، والسفر طويل، والزاد قليل، والخطر محدق وكبير، والعبد بين حالين: حال قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه؟ وآجل قد بقى لا يدري ما الله قاض فيه؟.(20/119)
فإذا كان الأمر كذلك، فعلى صاحب البصر النافذ أن يتزود من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه، ومن فراغه لشغله، ومن غناه لفقره، ومن قوته لضعفه، فما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار سوى الجنة أو النار، "فأما من ثقلت موازينه. فهو في عيشة راضية. وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية. وما أدراك ما هيه. نار حامية" [القارعة: 6-11] ، فمن أصلح ما بينه وبين ربه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن صدق في سريرته حسنت علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه فلا بد من وقفة جادة وصادقة لمحاسبة النفس، فالمحاسبة الصادقة هي ما أورثت عملاً صادقاً ينجيك من هول المطلع.
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" أخرجه البخاري (6416) أتدري كم كان عُمْر عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما عندما قال له النبي ذلك كان عمره عشرون سنة!
فيا غافلاً عن مصيره، يا واقفاً مع تقصيره، سبقك أهل العزائم وأنت في بحر الغفلة عائم، قف على باب التوبة وقوف نادم، ونكس الرأس بذل وقل: أنا ظالم، وناد في الأسحار، مذنب وراحم، وتشبه بالصالحين إن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب ودمع ساجم، وقم في الدجى داعياً، وقف على باب مولاك تائباً، واستدرك من العمر ما بقي ودع اللهو جانباً، وطلق الدنيا والمعاصي والمنكرات إن كنت للآخرة طالباً.
أتراك بعدما ذقت حلاوة الطاعة والعبادة تعود إلى مرارة العصيان؟ أتراك بعدما ذقت لذة الأنس والقرب والمناجاة تعود إلى لوعة البعد والهجر والحرمان؟ أتراك بعدما صرت من حزب الرحمن تنقلب على عقبيك فتنضم إلى حزب الشيطان؟ أتراك بعدما حسبت في عداد المصلين تترك الصلاة وهي عماد الدين، والفارق بين الكفار والمؤمنين، وتكتب من الغافلين؟ هل يليق بك بعدما كنت براً تقياً أن تصبح جباراً شقياً؟ ما هكذا يكون المؤمن، بل ما هكذا يكون العاقل المتبصِّر.
قال تعالى: "وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً" [النحل: من الآية92] ، فإياك ثم إياك من نقض الغزل بعد غزله ... أرأيت لو أن إنساناً غزل غزلاً ثم صنع منه قميصاً أو ثوباً جميلاً.. فلما نظر إليه وأعجبه ... جعل يقطع خيوط هذا الثوب وينقضها خيطاً خيطا وبدون سبب.. فماذا يقول عنه الناس؟ ...
فهذا حال من يرجع إلى المعاصي والفسق والمجون، ويترك الطاعات والأعمال الصالحة، وفعل الخير ومصاحبة الصالحين، فإياك أن تكون من هذا الصنف المغبون.(20/120)
أخي الكريم: ما هي إلا أيام قلائل حتى تكتمل دورة الفلك، ويشرق على الدنيا كلها هلال شهر رمضان المبارك، الذي تهفو إليه قلوب المؤمنين، وتتشوق إليه نفوسهم، وتتطلع شوقاً إلى بلوغه، فإن بلوغ شهر رمضان أمنية غالية كان يتمناها النبي - صلى الله عليه وسلم- ويسأل ربه أن يبلغه إياها، فعن أنس - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا دخل رجب يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" أخرجه البيهقي في الدعوات الكبير انظر المشكاة (1/432) (1369) .
فشهر رمضان شهر مغفرة الذنوب، وستر العيوب، ومضاعفة الأجور، شهر تعتق فيه الرقاب من النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان، شهر تتنزل فيه الرحمات وتتضاعف فيه الحسنات، شهر كله خير وأفضال، وفرصة للتنافس فيه بصالح الأقوال والأعمال والأفعال، شهر قد أظلنا زمانه، وأدركنا أوانه، قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- ملفتاً الأنظار إلى فضله، ويحث المخاطبين واللاحقين إلى اغتنام وقته فقال: "أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويحط فيه الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل" قال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني في الكبير فشهر هذا فضله وشرفه وقدره، وتلك منزلته، وعلو مكانته عند الله فقل لي بالله عليك: كيف يستقبل هذا الوافد الكريم، وهذا الشهر العظيم؟
أخي: إن من نعم الله عليك العظيمة أن مدَّ في عمرك وجعلك تدرك هذا الشهر العظيم، فكم غيِّب الموت من صاحب، ووارى الثرى من حبيب، فإن طول العمر والبقاء على قيد الحياة فرصة للتزود من الطاعات، والتقرب إلى الله - عز وجل- بالعمل الصالح، فرأس مال المسلم هو عمره، لذا فاحرص على أوقاتك وساعاتك حتى لا تضيع هباءً منثوراً، وتذكر من صام معك العام الماضي، وصلى معك العيد، أين هو الآن بعد أن غيَّبه الموت؟ وتخيل أنه خرج إلى الدنيا مرة أخرى فماذا يصنع؟ هل سيسارع إلى المعاصي والمنكرات؟ أو ينغمس في مستنقع الشهوات والملذات؟ أو سيحرص على فعل المحرمات وارتكاب الكبائر والموبقات؟ كلا والله، بل سيبحث عن حسنة واحدة، ولو بتكبير أو تهليل أو تسبيح، فإن الحساب شديد، والميزان دقيق، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" [الزلزلة: 7-8] .
فيا أخي الكريم: أنا أدعوك وأدعو نفسي وكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها بأن نفتح صفحة جديدة بيضاء ناصعة مع ربنا وخالقنا، وأن نسدل الستار على ماض نسيناه وأحصاه الله علينا، وأن نتوب -ومن الآن- إلى الله التواب الرحيم من كل ذنب وتقصير وخطيئة، وأن لا ندع هذه الفرصة العظيمة تفوتنا، فهذا رمضان موسم خصب من مواسم العمل الصالح، والتنافس في الخيرات والإكثار من النوافل والصدقات، وغيرها من القربات التي تقربنا من المولى - جل جلاله- ثم إلى متى الغفلة والتسويف؟ وطول الأمل؟ واتباع النفس والهوى والشيطان؟.
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا **** واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته **** بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
وغرور دنياك التي تسعى لها **** دار حقيقتها متاع يذهب
نعم صدق الله إذ يقول: "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" [آل عمران: 185] .
هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/121)
كيف يعالج الفتور الذي انتابه؟
المجيب د. عبد الله بركات
وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 25/08/1425هـ
السؤال
أنا شاب منَّ الله علي بالالتزام منذ أربعة أشهر، لكن منذ شهر تقريباً أحس أني تساهلت بالسنن والرواتب وبالمعاصي، أريد علاجاً لهذا الفتور لو سمحتم معددا لي كذا وكذا ... إلخ. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه..
فالمؤمن -أخي السائل - هو من تسره حسنته وتسيئه سيئته، والشعور بالتقصير في الطاعات والاهتمام بذلك والقلق على حالة الإيمان هو علامة خير ودليل رشد؛ لذا فأهم ما يلزمك في حالك هذه:
1-المسارعة للطاعة وعدم التسويف فيها ما وسعك الجهد.
2-دفع خاطرة السوء بمجرد ورودها على ذهنك.
3-الالتزام بورد من الأذكار المسنونة ومداومة قراءة القرآن الكريم.
4- أن تقطع علاقتك بأصدقاء السوء الذين يذكرونك بالمعصية أو يبثون في نفسك التراخي في الطاعة والتكاسل عن أدائها.
5- الحرص على حضور حلقات العلم.
هذه خمسة، إن التزمت بها، أسأل الله أن يربط على قلبي وقلبك برباط الإيمان، وأن يرزقنا وإياك علو الهمة في طلب الخير والمبادرة إليه. والله أعلم.(20/122)
أخي يزداد انحرافاً
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 2/12/1424هـ
السؤال
أخي يزداد في الانحراف يوماً بعد يوم، وقد كان من طلبة العلم لكن لا أعلم ما الذي أصابه، بدأ يؤخر الصلاة، ولا يهتم بها، أكثر من متابعة القنوات الفضائية والمسلسلات، أنا لم أعتد على الجلوس معه كثيراً فكيف أرسل له النصيحة؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخت.... -سلمها الله-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، ونرجو الله أن تجدي منا النفع والفائدة.
أما جواب مشكلة أخيك فكالتالي:
أولاً- جزاك الله خيراً على عنايتك بأمر أخيك وحرصك على دينه وإيمانه، وهذا هو الواجب على المؤمنين أن يوالي بعضهم بعضاً، ويحرص بعضهم على بعض خاصة في أمر الدين.
ثانياً- اعلمي - أختي الفاضلة - أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، فأخوك هو من جملة بني آدم المعرضين للتغير والتبدل والانحراف، ولو كان بعد استقامة ودين، وكل منا عرضة لذلك إذا لم نتمسك بأسباب الثبات والاستقامة.
ثالثاً- لا بد من إيصال النصيحة له عبر وسائل عديدة، خاصة وأنتِ تقولين إنك بعيدة عنه في السكن ومنها:
(1) المكالمة الهاتفية التي تكون برفق ولين وإشعار بالحب والحنان والرحمة.
(2) الرسالة المكتوبة.
(3) توصية أخ صالح محب للقيام بنصحه وتذكيره بالله.
(4) إهداؤه شريطاً إسلامياً وكتاباً نافعاً في مقام زيادة الإيمان وتقوية اليقين.
(5) أن يزوره من يكون محلاً للتأثير عليه، كداعية معروف بالنسبة له أو إمام مسجد أو صديق طيب.
رابعاً: لا بد من متابعة أثر النصيحة والتذكير وعدم الاستعجال في رؤية الأثر أو اليأس من صلاحه وعودته للحق، فإن الشأن في المؤمن أنه إذا ذكر تذكَّر، وإذا وعظ اتّعظ، فواجب أن نصبر، ولا نمل، ولا نكل من متابعة النصح والتذكير.
خامساً: من الضرورة النظر في أسباب التغير ومحاولة إبعادها عنه إن أمكن، أو إبدالها خيراً منها.
سادساً: احرصي على الدعاء له بظهر الغيب، فالله -سبحانه- لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو أرحم بعبده من نفسه.
والله أسأل أن يصلح أخاك وأن يصلحنا جميعاً، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يثبت قلوبنا على دينه إنه جواد كريم.(20/123)
أخي قد تغير كثيراً!!
المجيب د. سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 1/8/1422
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخي كان في مقتبل عمره طائعاً لله ـ عز وجل ـ وكان مضرب المثل في الالتزام والجد والاجتهاد والنصح، وهو ـ الآن ـ تغير من حاله إلى حال أقل بكثير. فلقد أسبل ثوبه وخفف لحيته جداً!! وأصبح لا يبالي بالدعوة، ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر …الخ
بعد التزامي كنت أؤمل فيه أن يساعدني في الدعوة إلى الله في وسط أهلي (والداي وإخواني) لكن لم أجد له أثراً في ذلك. هو لا يزال ـ ولله الحمد ـ يصلي مع جماعة المسلمين، ويتصدق لمؤسسات دعوية، ولكنه في مجال النصح والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغيرة على الأعراض وغيرها من العبادات لا تكاد تجد له جهد!
زملاؤه الكثير منهم تجد في مظهره الاستقامة والصلاح، ولكنهم يضيعون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه بل ربما فيه ضرر!!
فضيلة الشيخ كيف يمكن أن أتعامل مع هذا الأخ؟ وجهوني بما ترونه. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أخي الكريم، إذا كان من الجميل أن نعود أنفسنا رؤية الجوانب الطيبة في حياة الناس وأحوالهم، فلقد سرني ما ذكرته عن أخيك من محافظته على الصلوات مع جماعة المسلمين؛ فإن هذه علامات الإيمان، إذ لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، وهذه من شعائر الإسلام الظاهرة العظيمة.
ومثله ما ذكرته من أن أصدقاءه من الملتزمين المحافظين، فإن المرء على دين خليله. أما ما ذكرته من النقص الذي حدث فيه فقد يكون سببه طول العهد مع عدم تجديد الإيمان وصقله، فإن القلوب تمل، ويعتريها من الآفات شيء عظيم، يشبه ما يعرض للثياب من الأوساخ وغيرها، فتحتاج إلى تعاهد، وتجديد وغسل؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم - يقول في استفتاح الصلاة - كما في الصحيحين - من حديث أبي هريرة: اللهم نقني من خطاياي، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. وقد نعى الله على بني إسرائيل طول العهد، وقسوة القلب فقال: " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:16) .
ولم يكن بين إيمان الصحابة، وخطابهم بهذه الآية المكية إلا أربع سنين، كما في الصحيح عن ابن مسعود.
وأعقب هذا بقوله: "اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها.." إشارة إلى أن يحرصوا على أن تحيا قلوبهم بنور الوحي، كما تحيا الأرض بالمطر النازل من السماء، وألا ييأسوا من روح الله.. بل يسألون الله أن يجدد الإيمان في قلوبهم.
إن الاسترسال وراء متاع الحياة ومباهجها، وشهواتها وملذاتها يشغل القلب ويفتر اللهمة. وإن التوسع في حقول المباحات، والاقتراب من المكروهات يفضي إلى الجراءة على المحرمات القريبة، ثم البعيدة؛ ولهذا جاء عن بعض السلف: اجعل بينك وبين الحرام جنّة من المباح.(20/124)
ولا بد للمرء من وقفة بعد وقفة ينظر فيها في أمره، ويراجع حسابه، ويستدرك ما فرط، ويلوم نفسه على التقصير والغفلة.
وأخوك وإن كان على خير إلا أنه يحتاج إلى منادٍ يصيح فيه: أن تدارك قبل الفوات، ويا حبذا أن يكون هذا الصائح المنادي اختيارياً بطوعه، ورضاه، وانجفاله إلى ربه، قبل أن يكون اضطرارياً قدرياً، لا حيلة فيه ولا منفع.
ويحسن منك النصح له بما لا يخدش نفسه، ولا يعكر صفاء الإخاء بينك وبينه، ولا يشعر بالتعالي والأستاذية، بل بدافع الشفقة والرحمة والاقتداء.
وربما كان هذا على هيئة سؤال تطرحه عليه مستفتيا ًمستفيداً مستبصراًَ، أو مشكلة تطلب إليه حلها.. أو نصيحة عبر صديق عاقل لبق. ولا تتأخر عن صالح الدعاء.
وفق الله الجميع لرضاه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،(20/125)
زوجي.. تغير كثيرا..!!
المجيب سعد الرعوجي
مرشد طلابي بثانوية الأمير عبد الإله.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 30-2-1423
السؤال
اخوتي الكرام السلام عليكم ورحمة الله: مشكلتي في زوجي لا اعرف كيف أصفه وتكمن مشكلتي معه من وجهين الأول شدته في معاملة ابنائة وغلظته حتى في ابسط الأمور فهو لا يكلمهم إلا في أسوأ ما عملوا وفي تعداد عيوبهم..!! لا يشكر لأحد منا على شيء.. كثير الضجر منا رغم حسن أخلاقي وأخلاق أبنائي..!! نحترمه ونقدره ونستشيره في كل شيء ومع هذا لا نجد إلا الرفض والتنقيص منا ... أما عن معاملته لمن هم خارج البيت فالنقيض تماما فالابتسامة لهم والاحترام لهم والانبساط وانشراح الأسارير لهم ويقول هذه إنسانية وحسن معاملة مع الناس..!!!!!
أما الأمر الثاني فهو تغير أحواله الدينية فقد كان ممن يرتاد الدروس والمحاضرات ويسمع الخطب والمواعظ ويطلب العلم في الكتب ثم بدأ يتركها شيئا فشيئا حتى انقطع عنها تماما وأغلق على نفسه الباب.. لا اعرف كيف أتعامل معه.. عنيد غليظ لا يسمع نصيحة وربما ظن أنها انتقاص له.. يحاول إصلاح أبنائه وهو لا يسعى إلى إصلاح نفسه ويرى نفسه على صواب دائما لذلك فأبناؤه لا يتقبلون نصحه وأنا كنت لا أخالفه أبدا وأسعى إلى إرضائه دائما ولكني مللت فلم يزد مع الأيام إلا سوء وغلظة فلا يذكر لي خيرا قط..!! أحسست أن طاعتي له بهذه الصورة سلبية مني أثرت على أبنائي فأصبحت لا أستطيع الدفاع عنهم أمامه.. لا اعرف ماذا افعل؟ وجهوني كيف أستطيع تغيير شخصيته مع العلم أن اللين والكلام الطيب لم يجدي معه وجزاكم الله خيرا.
الجواب
أختي الكريمة:.
لعلك تعلمين أن التغيير الذي نريد أن يحدث في شخص ما يحتاج إلى عدة أمور منها:- أولاً: معرفته المسبقة بخطئه وبعيوبه. ثانياً: إرادته ورغبته بالتغيير. ثالثا ً: مستوى ثقافته ونوعية قناعاته. وغير ذلك من الأمور التي تحتاج إلى تفصيل كثير. وبالتالي فإن تغيير شخص ما ليست بالبساطة التي يتصورها الإنسان؛ لأنها تغيير في جبله وطبع موروث أو مكتسب والجبلة والطبع راسخان غالباً رسوخ الجبال، فهذا الأقرع بن حابس رضي الله عنه صحابي لكنه لم يقبل أحداً من أولاده، وهذا أبو سفيان رضي الله عنه رجل شحيح كما وصفته زوجته هند بنت عتبة التي كانت تشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من شحه وبخله.(20/126)
إذاً نخلص أن الإنسان لابد أن يعمل على التكييف مع بيئته ومحيطه قدر الإمكان خاصة إن لم يكن هناك ضرر على دينه والابتعاد قدر الإمكان أيضاً عن التصورات المثالية والحياة السعيدة الخالية من المشاكل، فنحن نحتاج أن نستفيد من أقصى إمكانياتنا وطاقاتنا وليس فوق ذلك مما يورثنا التعب والنصب فهذا الرجل الذي ذكرتيه أختي العزيزة لابد أن يكون لديه من الصفات الإيجابية والحسنة التي لو استثمر تيها واستفدت منها لكان هناك أمر آخر، ولعل زوجك يا أختي قد تلقى تربيه في صغره أورثته هذا الجفاء وهذه الغلظة ولو كُتب للرجل أن يخبرك بماضيه وهو صغير لربما رحمتيه وعذرتيه عن خلقه ثم انك قد رزقتي منه أولاد إضافة أن الله قد رزقك الخلق الحسن. فأنتي لا تخالفيه كما تقولين وقليل من النساء من يفعل ذلك،،،،، فلعل من الحلول الآتي:-
1.الرضا بالواقع وأن هناك من يشابهه في الغلظة والجفاء من خلق الله واعلمي أنه قد يكون تلقى تربية خاطئة فاعذريه وسامحيه واصبري على قدر الله واحتسبي.
2.محاولة تغيير الصورة المثالية للحياة العامة " لقد خلقنا الإنسان في كبد" والحياة الزوجية خاصة فليس من بيت دون مشاكل حتى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
3.التدين جميل جداً لكنه رزق مقسوم قسمة الله تعالى فلن تستطيعي جعله عابداً زاهداً فإذا كان رجلاً يؤدي الذي فرضه الله عليه فإن غير ذلك نافلة.
4.الدعاء إلى الله تعالى وتخير الأوقات الفاضلة التي وعد الله بها عبادة بالإجابة، وركزي أختي على هذا الجانب فالله ليس ببعيد عن عباده وهو ارحم الراحمين.
5.محاولة الاستفادة من الإيجابيات والحسنات التي به واستثمارها الاستثمار الأفضل ومن المستحيل ألا يكون لديه إيجابيات وحسنات.(20/127)
يعتريني الملل بقراءة أوراد السور
المجيب د. رفعت فوزي
رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 11/03/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
سؤالي إلى فضيلتكم هو كالتالي:
ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث عن فضائل بعض سور القرآن الكريم, كقراءة سورة تبارك (الملك) كل ليلة, وكذلك الدخان والواقعة، وغيرها ... وأنا -ولله الحمد- أداوم عليها، ولكن قد يعتريني بعض الملل، فأحب أن أقرأ سوراً أخرى، فبماذا تنصحونني؟ وهل يعقل للمسلم أن يبقى مداوماً على هذه السور، وأن يترك بقية السور الأخرى؟. جزاكم الله كل خير ونفعنا بكم.
الجواب
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأصلي وأسلم على نبي الهدى والرحمة وعلى آله وصحبه، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فنشكرك ـ أختنا الكريمة ـ على تواصلك مع موقع (الإسلام اليوم) ، ونأمل أن يكون باباً من أبواب العلم النافع تلجينه ولوجاً نافعاً -إن شاء الله تعالى-.
فتلاوة القرآن الكريم هي من أفضل العبادات وأحبها إلى الله تعالى، فقد ورد في ذلك آثار عديدة، منها ما جاء عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم (804) .
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر" متفق عليه. أخرجه البخاري (5427) ، ومسلم (797) .
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" رواه الترمذي (2913) ، وقال حديث حسن صحيح.
وكما قلت في سؤالك فهناك أحاديث وردت في فضائل سور القرآن الكريم ومنها:
(1) سورة الفاتحة: عن رافع بن المعلى قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ " فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت يا رسول الله: إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟ قال: "الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" رواه البخاري (4474) .
وتسمى سورة الفاتحة بسورة (أم الكتاب، وسورة الصلاة، وسورة المناجاة، وسورة الكافية، وسورة الشافية) .
(2) سورة البقرة وآل عمران: عن أبي أمامة-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما من طير صواف تحاجان عن صاحبهما، اقرؤوا البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلة" رواه مسلم (804) .(20/128)
الغياية: هي ما أظلك من فوقك، البَطَلة: أي السحرة، فهي حصن منهم.
هذا ومن الآيات الفضيلة في سورة البقرة آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وخواتيم هذه السورة.
ومن الآيات الفضيلة في سورة آل عمران أولها، وآية (شهد الله) ، وآية (قل اللهم) وآيات (إن في خلق) .
(3) سورة الكهف: عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" رواه الدارمي (3407) .
(4) سورة يس: عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس" رواه الترمذي (2887) ، ولكنه ضعيف.
وعن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله تعالى غفر له" رواه الدارمي (3415) .
(5) سورة الواقعة: عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً" رواه البيهقي في شعب الإيمان (2500) .
(6) سورة تبارك: عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي تبارك الذي بيده الملك". رواه الترمذي (2891) ، وأبو داود (1400) ، وابن ماجة (2786) .
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-، عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر يعني تبارك" رواه الترمذي (2890) .
(7) سورة الإخلاص: عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في: "قل هو الله أحد، والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن" رواه البخاري (5014) .
وعن أنس-رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله: إني أحب هذه السورة: قل هو الله أحد، قال: "إن حبها أدخلك الجنة" رواه الترمذي (2901) .
(8) المعوذتان: عن عقبة بن عامر-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط؟ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس" رواه مسلم (814) .
وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال: كان رسول الله لم يتعوذ من الجان، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما" رواه الترمذي (2058) .
ومع ذلك -أختاه- فقراءة هذه السور ليست بواجبة، بل ذلك من المستحب، وأظن أن الشيطان هو الذي يلبِّس عليك، فهذه السور ليست بالطويلة، والأفضل المحافظة عليها، وإن لم يكن فالمحافظة على السور التي يترتب على قراءتها ثواب كبير مثل سورة الزلزلة وآية الكرسي والإخلاص (ثلث القرآن) وغيرها..
ونصيحتي لك -أختي الفاضلة- ألا تتركي قراءتها، وقراءتك لهذه السور لا تمنع من قراءة غيرها. فلتداومي على ما تقرئين، وإن أردت الزيادة فخيراً؛ لأنك لو تركت قراءة هذه السور فربما تكسلين عن قراءة غيرها، فالشيطان -لعنه الله- يريد أن يفسد عليك نعمة المداومة على العمل ـ بمثل هذه الحيلة.
وختاماً: أذكرك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" رواه مسلم (782) من حديث عائشة -رضي الله عنها-. وفقك الله ...(20/129)
أحاول المواظبة على الجماعة، ولكن. . .
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
أحاول المحافظة على الصلاة في المسجد مع الجماعة، ثم أنتكس بعد مدة من المواظبة، ثم أشعر بالندم وأتوب وأستغفر، ثم أواظب مرة أخرى، ثم أنتكس وهكذا. . . آمل توجيهي ونصحي حتى أستمر على المحافظة على الصلاة مع الجماعة، وفي بيوت الله، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الأخ الكريم- سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
في البداية أسأل الله لي ولك الثبات والصلاح والاستقامة، ثم اعلم أن الثبات على الدين وفعل الصالحات يتطلب منك جدًّا واجتهادًا ومجاهدة؛ حتى تظفر بمعية الله وتوفيقه والثبات على دينه وحسن الختام، وإني عارض عليك أمورًا أرجو أن تكون مفيدة لك في الثبات على أمر الصلاة، وغيرها من صالح الأعمال (وهي من إجابة سابقة) :
أولًا: عليك بتذكير نفسك دائمًا وأبدًا بما ورد من النصوص الشرعية المرغبة في الصلاة وبيان فضلها؛ لأن ذلك مما يعطي النفس دفعة قوية لأدائها، والنصوص في ذلك كثيرة جدًّا، وسأذكر بعضها، وأنصح بمراجعة كتاب (الترغيب والترهيب) للإمام المنذري؛ فإنه مفيد جدًّا في هذا الأمر:
نصوص في الترغيب في أداء الصلاة والمحافظة عليها:
- أخرج الشيخان عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ ". قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا". البخاري (528) ومسلم (667) .
- وأخرج البخاري (527) ومسلم (85) عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
- وأخرج مالك (270) وأبو داود (1420) والنسائي (461) وابن حبان في صحيحه (1732) عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ؛ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ".(20/130)
- وأخرج الإمام أحمد (14662) والترمذي (4) بسند حسن، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِفْتَاحُ الجَنَّةِ الصَّلَاةُ، ومِفْتَاحُ الصَّلاةِ الوُضُوءُ".
- وأخرج الطبراني في الأوسط (1859) بسند حسن، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ العَبْدُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامةِ الصَّلاةُ، فإنْ صَلَحَتْ صَلَحْ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِه". والأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا.
نصوص في الترهيب من التفريط في الصلاة:
- أخرج مسلم (82) عن جابر، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَ الرَّجُلِ والكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلاةِ".
- وفي الترمذي (2616) عن معاذ، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رَأْسُ الأَمْرِ الإسلامُ وعَمُودُه الصَّلَاةُ". فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط إلا به ولا يثبت إلا به، ولو سقط العمود لسقط الفسطاط ولم يثبت بدونه.
- وأخرج أحمد (22937) والترمذي (2621) وابن ماجه (1079) والنسائي (463) بسند صحيح، عن بريدة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ العَهْدَ الذي بينَنا وبينَهم الصَّلاةُ فَمَن ترَكَها فَقَدْ كَفَرَ".
- وأخرج أحمد (27364) وغيره بسند حسن، عن أم أيمن، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ".
- وقال عمر، رضي الله عنه: (لَا حَظَّ في الإسلامِ لِمَن ترَك الصلاةَ) . أخرجه مالك (84) .
- وقال سعد وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، قالا عن الصلاة: (من تركها فقد كفر) .
- وقال عبد الله بن شقيق: (كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ) . أخرجه الترمذي (2622) .
- وقال أبو أيوب السختياني: (ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه) . وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق.
والأحاديث في ذلك كثيرة.
ثانيًا: أكثِرْ من قراءة القرآن وسماعه بخشوع وتأثُّر، فإنه موعظة الله لخلقه.
ثالثًا: اجعل لك منبهًا خاصًّا بأوقات الصلاة، وذلك مثل الساعة التي بها أذان لكل وقت؛ من أجل تذكيرك وتنبيهك على أوقات الصلاة.
رابعًا: استعن بالله عز وجل- كثيرًا، فإنه وحده هو المعين والمسدد جل في علاه، وأكثر من قولك: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) . مع استشعارك للحاجة إلى الله في أداء الصلاة وغيرها.(20/131)
خامسًا: أكثر من ذكر أحوال القبر والآخرة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم، كما في سنن الترمذي (2307) وابن ماجه (4258) والنسائي (1824) وصحيح ابن حبان (2992) وغيرهم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ- بالذال وهو القاطع - اللَّذَّاتِ المَوْتِ". وقوله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح ابن حبان (2993) ، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وسَّعَه عَلَيْهِ، وَلَا ذكَرهُ وَهُوَ في سَعَةٍ إِلَّا ضَيَّقَه عَلَيْهِ".
قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات ومؤتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين، فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه، فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه رانُ قلبِه واستحكمت فيه دواعي الذنب فإن مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين تبلغ في دفع ذلك مالا يبلغه الأول؛ لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير، وقائم له مقام التخويف والتحذير.
سادسًا: لا تفتر عن سماع الأشرطة الدينية المهتمة بالوعظ والتذكير فإنها نافعة في هذا المجال أيما نفع.
سابعًا: اصحب الصالحين القانتين الطيبين المصلين؛ فإنهم عون بعد الله على النفس الأمارة بالسوء.
ثامنًا: تذكَّر أنَّ من أفضل الأعمال التي يحبها الله حفاظ الإنسان على الصلاة وأدائها في أوقاتها، وسيجد بعدها الصحة في البدن، والسعة في الرزق، وهدوء البال، والأنس بالله، وغير ذلك من الآثار العظيمة في الدنيا والآخرة.
والله أسأل لي ولك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن يغفر لنا، وأن يرحمنا، وإذا أراد بعباده فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتونين. والسلام عليكم.(20/132)
يعاني فتورًا عن الطاعة!
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/الفتور وعلاجه
التاريخ 15/12/1425هـ
السؤال
نحن نظن بأنفسنا خيرًا، فنقول: إننا لم نقارف الحرام، ولم نقع في أمور محرمة، كالزنى، أو شرب المسكر، أو التدخين، أو المخدرات، أو. . .، ومع ذلك توجد لدينا أخطاء، فنحن لا نحافظ على الصلاة، ولا قراءة القرآن، ولا بر والدينا ... إلخ. مع علمنا بأهمية معالجة هذا الخلل، أو محاولاتنا الكثيرة، ولكن النتيجة: لم نستطع أن نعالج هذا الخلل، فما الحل؟ نعم ثقتنا بأنفسنا كبيرة في تجاوز هذه الحال، ولكن لم نوفق في معرفة الطريقة. آمل التوجيه، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الأخ الكريم- سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
إن من صور التربية للنفس: المجاهدة، وهي تعني محاربة النفس الأمارة بالسوء بتحميلها مما هو مطلوب في الشرع، أو هي حمل النفس على المشاق البدنية الشرعية ومخالفة الهوى، والمؤمن لا يكل ولا يمل وهو يبذل ما في وسعه لصيانة نفسه وحمايتها من الشرور المهلكة، وحملها على ما فيه تزكية لها، ونجاة في الدنيا والآخرة، ودونك حياة السلف الصالح من الصحابة الأطهار والتابعين لهم بإحسان تجدها مليئة بصور من المجاهدة الذاتية لأنفسهم حتى فطموها عن الشر، وأصبحت مطواعة لهم في الخير، مروضة على المسابقة للخيرات والعجلة في إرضاء الرب سبحانه- من كل محابِّه وما يقرب منه.(20/133)
وهكذا ينبغي أن نجاهد أنفسنا ونراقبها ونأخذها بالجادة ونعرضها لأنواع من الرياضة القلبية والمجاهدة الروحية لصقلها من كل شائبة وكشف معدنها الطاهر، وهو الجانب الآخر للنفس التي خلقها الله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [الشمس:7، 8] . فلا بد من استخراج تلك التقوى بالأعمال الصالحة، والمواظبة على الأذكار وقراءة القرآن وما شابه من القربات. . ولا ينبغي الاستهانة بالذنب، ولو لم يكن من الذنوب التي رتب على فعلها حد؛ لأن الكبائر غير محصورة في ذلك، وما ذكرت من الأخطاء من عدم المحافظة على الصلاة وعدم بر الوالدين ليس من الذنوب الصغيرة حتى يستهان بها، بل هي إلى الكبائر أقرب منها إلى الصغائر، لا سيما إذا أردت بعدم المحافظة على الصلاة عدم تأديتها أحيانًا، بمعنى ترك بعض الصلوات وتضييعها، فهذا عظيم، فإن من أهل العلم من حكم بكفر من ترك صلاة واحدة عامدًا متعمدًا حتى يخرج وقتها، وعدم البر بالوالدين يعني العقوق، والعقوق ذكره النبي صلى الله عليه وسلم- من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ". ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ". وَجَلَسَ -وَكَانَ مُتَّكِئًا- فَقَالَ: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ". أخرجه البخاري (2654) ومسلم (87) . فالواجب على العبد منا أن يتقي الذنوب صغيرها وكبيرها، ويخشى عقوبتها وآثارها، فإن للذنوب آثارًا مدمرة على حياة الإنسان وصلاحية قلبه، وتعد حائلاً بين العبد وربه، ويُحرَم بسببها الكثيرَ من التوفيق والسداد والإعانة وكثيرًا من الخيرات؛ وأشعر أن أصل البلاء في القلب، إذ إن القلب المحصن من الشيطان، تسهل عليه إرادة فعل الخيرات لأنه قلب صحيح قوي، والقلب الذي يمكن الشيطان أن يدخله فيتجول فيه كما يشاء، يتوصل الشيطان بسهولة أن يجعل فيه إرادة السيئات، بعدما يزينها له؛ لأنه قلب مريض. ومن الناس من لا يدخل الشيطان قلبه إلا مرورًا سريعًا، لقوة التحصينات حوله، فهذا مثل الذين يفعلون الصغائر أحيانًا وسرعان ما يتوبون منها، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف: 201] . ومن الناس من لا يقترب الشيطان من قلبه أبدًا؛ لأن قلبه مثل السماء المحروسة بالشهب، من الشياطين، فقلبه كذلك محروس من الشيطان، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم- عن هذا القلب: "أَبْيضُ مِثْلُ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دامَتِ السَّمَاواتُ والأَرْضُ". رواه مسلم (144) من حديث حذيفة، رضي الله عنه. ومن الناس من دخل الشيطان قلبه، فاتخذ فيه بيتًا، وجعل له فيه عشًّا يبيض فيه ويفرخ، فاستحوذ عليه، يأمر القلب بالشهوات المحرمة، فيريدها قلبه، فيأمر الجوارح بفعلها فتفعله؛ لأن الشيطان وجده قلبًا خاليًا عن التحصينات، مفتح الأبواب، ضعيفًا مريضًا بفعل السيئات، ولهذا قال الله تعالى، عن هذا النوع: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ(20/134)
الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) [المجادلة: 19] . لأن ذكر الله تعالى- هو الحصن من الشيطان، فأنساهم إياه ليستحوذ على قلوبهم فيقودها لتنقاد جوراحهم له تبعًا.
والقلب لا يحصن من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، ولا يقوى على إرادة الخير إلا بالعمل الصالح، ولا يغلبه الشيطان إلا إن كان غافلًا عن ذكر الله تعالى، ضعيفًا بسبب فعل السيئات والمنكرات.
واسمح لي أن أقترح عليك برنامجًا إيمانيًّا مفيدًا للقلب أرجو أن يكون نافعًا وعونًا لك على استعادة حلاوة الإيمان، ولذة المناجاة، والقرب من الله عز وجل:
1- احرص على إقامة الصلوات الخمس في جماعة، لاسيما صلاة الفجر، فإياك أن تفوتك أبدًا، قال الله تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78] . أي: صلاة الفجر تشهدها الملائكة.
2- بعد صلاة الفجر امكث في المسجد لقراءة القرآن إلى طلوع الشمس، ثم صل ركعتين بعد ارتفاعها قيد رمح (وقيد الرمح: مقدار عشر دقائق من أول الشروق) .
3- قل: (سبحان الله وبحمده) . مائة مرة كل يوم، في أي وقت، في المسجد أو البيت، ماشيًا، أو قاعدًا، أو في السيارة. . إلخ، وهذا الذكر يَحُتُّ الخطايا حتًّا. صحيح البخاري (6405) ومسلم (2692) .
4- استغفر الله تعالى- مائة مرة كل يوم، قائلاً: (أستغفر الله وأتوب إليه) . كذلك في أي وقت شئت، وعلى أي حال تكون. انظر صحيح مسلم (2702) .
5- قل هذا الذكر مائة مرة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) . صحيح البخاري (3293) ومسلم (2691) . مائة مرة كل يوم كذلك، في أي وقت شئت، وعلى أي حال تكون، ولا يشترط في المسجد.
وهذه الأذكار كان يداوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم- فهي حياة القلب وغذاؤه الذي لا يستغني عنه.
6- بين صلاتي المغرب والعشاء رابطْ في المسجد فلا تخرج منه، واقرأ ما تيسر من القرآن بالتدبر.
7- يجب عليك الحمية التامة من النظر إلى التلفزيون، أو المجلات، أو الذهاب إلى أي مكان فيه منكرات، فأنت في حجر صحي لكي ترجع إلى قلبك عافيته، ولن ينفعك الدواء وهي الحسنات، إن كنت تدخل عليه الداء في أثناء فترة العلاج، والداء هو السيئات.
8- استمر على هذا البرنامج شهرًا كاملاً على الأقل، تعيش فيه مع القرآن تقرؤه بالتدبر، وتعمل بما فيه، وتخلو بنفسك لذكر الله تعالى- الساعات الطوال، والدليل على الشهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر بذلك فقال: "اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ". متفق عليه: صحيح البخاري (5052) وصحيح مسلم (1159) من حديث ابن عمرو، رضي الله عنهما.(20/135)
9- إن كانت البيئة التي تعيش فيها لا تساعدك على تطبيق هذا البرنامج فغيِّر بيئتك، اترك أصحاب السوء، وابتعد عن الأماكن التي تقضي فيها أوقات فراغك إن كانت تشجع على المعاصي، ولو استطعت أن تسافر إلى مكة مثلًا لتطبق هذا البرنامج فافعل.
10- تصدق بجزء من مالك، توبة إلى الله تعالى، صدقة سر لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى، فقد صح في الحديث: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ". رواه الترمذي (664) من حديث أنس، رضي الله عنه.
11- حاول أن تذهب إلى العمرة ناويًا تجديد إيمانك وغسل ماضيك بماء هذه الرحلة المباركة، قال صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَةُ إلى العمرةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ". متفق عليه: البخاري (1773) ومسلم (1349) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
12- إن كانت لديك حقوق للناس فرُدَّها كلها، ولا تترك منها شيئًا في ذمتك؛ توبة إلى الله.
13- ادع الله تعالى- كل ليلة في وقت السحر، قبل صلاة الفجر بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". أخرجه البخاري (834) ومسلم (2705) . وهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وأَعِذْنِي مِن نَفْسِي". أخرجه الترمذي (3483) . وهذان علمهما الرسول صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه، رضي الله عنهم، وأكثر من الاستغفار والدعاء في السَّحَر فإن السحر (قبل الفجر) وقت يستجاب فيه الدعاء.
والله أسأل أن ينفعني وإياك بالعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يشرح صدورنا، وينوِّر قلوبنا، ويأخذ بأيدينا لما فيه الخير والصلاح والسداد، إنه جواد كريم. والسلام عليكم.(20/136)
الخلاص من الغموم، وهموم المستقبل
المجيب حصة الصغير
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 09/11/1426هـ
السؤال
كيف أكون متوكلة على الله؟ وكيف أتخلص من الهم والغم والتفكير بالغد وما يحمله من مصائب؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة السلام على من لا نبي بعده، وبعد:
ما هو التوكل؟ هو الاعتماد على الله -سبحانه وتعالى- في جلب المطلوب، وزوال المكروه، مع فعل الأسباب المأذون بها.
ما الذي يعينك على تحقيق التوكل على الله تعالى، والتخلص من الهم والتفكير بالغد وما يحمله؟
1- معرفة الرب -سبحانه وتعالى- وصفاته، من قدرته، وكفايته، وقيوميته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته، واليقين بكفايته -سبحانه- لعبده.
2- العمل بالأسباب المشروعة مثل الدعاء، فالله يقول: "ادعوني أستجب لكم" [سورة: غافر:60] ، مع العمل الصالح، ومنه الإكثار من تلاوة القرآن ليطمئن قلبك.
3- رسوخ القلب في مقام التوحيد: أي توحيد القلب، والتجرد من علائق الشرك، والعلم بأن الأسباب المادية لا تجلب النفع أو الضر، وإنما هي أسباب فقط، يحصل من الله بسببها ما يريد سبحانه للعبد.
4- الاعتماد على الله وحده في جميع الأمور، فلا يبقى في القلب تشويش واضطراب: فلا تكون الدنيا أكبر همه، وغاية فكره، بل يعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وإذا فاته شيء من الدنيا فلا يحزن الحزن المبالغ فيه بل يصبر ويحتسب، فعليك توطين نفسك على الصبر على أقدار الله -عز وجل- والرضا عنه سبحانه.
5- حسن الظن -بالله عز وجل- وهذا مهم جداً فلا تسيئ الظن بالله، وتتوقعي المصائب قبل حصولها، بل أحسني الظن بربك، وأحسني أملك، ثم عندما ينزل القدر بمصيبة ما، روضي نفسك -كما سبق- على الرضا والتسليم.
6- استسلام القلب لله -عز وجل- فالأمور كلها بيده سبحانه، ونحن ملك لله سبحانه، وإذا حل بنا ما نكره فالله بنا رحيم، ومن رحمته بعبده أنه قد يبتليه بمصيبة؛ ليكون أكثر خضوعاً لله، ورجوعاً عن ذنوبه، وانكساراً بين يدي الله -عز وجل-.
7- التفويض: فوضي أمرك إلى الله، وابرئي من حولك وقوتك، لأنك قد تتوهمين أنك لو فعلت كذا لاندفع عنك كذا، ولو أكلت مثلاً هذا الطعام دفعت عنك الإصابة بهذا المرض، فهذه الأسباب لو قمت بها فلا مانع، لكن لابد أن يقوم بقلبك أن كل شيء بيد الله -عز وجل- وهذا روح التوكل ولبه وحقيقته.
من الكتب النافعة في هذا الموضوع: التوكل على الله تعالى: للدكتور عبد الله الدميجي، وكتاب التوكل على الله: للدكتور سالم القرني، وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.(20/137)
الوظيفة أم طلب العلم؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 23/08/1426هـ
السؤال
هل أترك الوظيفة من أجل أنها تعيقني عن طلب العلم وعن الدعوة، حيث إنها دوامان في الصباح وفي المساء؟ علماً أني مجبور عليها من قِبل أبي. أفيدونا فتح الله عليكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إذا كانت هذه الوظيفة هي مصدر رزقك، بحيث لو تركتها لأحوجك ذلك إلى سؤال والدك النفقة، فإنه لا يجوز لك تركها ولو بقصد طلب العلم، فربما قصد الإنسان ذلك أول الأمر، ثم فترت نفسه عن الطلب فأصبح عاطلاً كسلان عالة على غيره.
أما إذا كانت الوظيفة إنما التحقت بها سداً للفراغ، ورغبة في كسب الخبرة والمعرفة وليس استرزاقاً منها، ورزقك يأتيك من مورد آخر، بحيث لو تركت هذه الوظيفة لم يترتب على ذلك أن تكون عالة على أحد، وتجد في نفسك رغبة صادقة في طلب العلم، فلك أن تتركها إلى طلب العلم، مع مراعاة إرضاء والدك، أو الجمع بين الأمرين؛ بأن تعمل أول النهار وتتفرغ لطلب العلم آخره. والله الموفق.(20/138)
مقترحات لتفعيل دور المساجد
المجيب صالح بن عبد الرحمن القاضي- رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 14/08/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نريد منكم أن ترشدونا للقيام برسالة المسجد، وتفعيل دوره في كافة المجالات. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
من الصعب تحديد برنامج يصلح لمسجدكم؛ لأن لكل بلد ظروفها وعاداتها، أما من ناحيتنا في مساجدنا فإن الإمام والمؤذن يتعاونان في تحويل مهمة المسجد ورسالته من مجرد بيت لتأدية الصلاة فقط، إلى جامعة يتخرج منها المرتادون له رجالاً أو شباباً أو أطفالاً، وحتى النساء، فيتعاون مع الإمام والمؤذن أهلُ الحي، حيث تعقد جلسات أسبوعية كل مرة في بيت أحدهم؛ لتدارس متطلبات الحي الاجتماعية التربوية والدينية وغيرها، فيتم في غالب المساجد -وبحمد الله تعالى- برامج عديدة، مثل:
1- يلتقي رجال وشباب الحي في المسجد أو حوله في أيام العيدين، ويقيمون المناسبة السعيدة.
2- إقامة محاضرات مختلفة للرجال والشباب والنساء.
3- إنشاء حلقات لتحفيظ القرآن الكريم للكبار والصغار.
4- إلقاء المواعظ والدروس بعد الصلوات.
5- إعداد برامج مناسبة لشهر رمضان تناسب روحانية الشهر.
6- التنسيق بين جماعة المسجد لزيارة المرضى في الحي.
7- زيارة المقصرين في أداء الصلاة مع الجماعة لنصحهم.
8- إقامة مسابقات عملية وبحثية، وتوزع الجوائز على الفائزين.
9- جمع صدقة الفطر لتوزع على المحتاجين.
10- مشروع موائد الإفطار للصائمين.
11- إقامة وسائل الخدمة الكاملة عن وعي الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وغيرها.(20/139)
أسلمن ... وأريدهنَّ داعيات!!
المجيب د. عبد الرحمن بن علوش المدخلي
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 01/08/1426هـ
السؤال
أنا متزوج من دولة أوروبية، وزوجتي عندها بنتان من زوجها السابق، وقد أسلمن وأريد أن أعلمهنّ دينهنّ بشكل صحيح في أحد البلدان الإسلامية؛ ليدرسن العلوم الشرعية، وعلوم القرآن، والسنة النبوية، لكي يكنَّ داعيات للدين في بلدهن. أرشدوني ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله، أما بعد:
فنسأل الله -تعالى- أن يكتب لك الأجر في إسلام هاتين البنتين، وأول ما يجب عليك فعله تجاههما أن تكون لهما قدوة بأفعالك قبل أقوالك، ثم أنصحك بأن تستشير أقرب مركز إسلامي إليك، فسيرشدوك إلى ما فيه الخير، ثم كاتب المؤسسات الإسلامية المعتمدة؛ فلعل عندها ما يرشدك، كرابطة العالم الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وبعض المؤسسات الخيرية، في دول الخليج ومصر أو في بلد تجد فيه مؤسسة إسلامية موثوق بها، كما أنصحك بمتابعة بعض الإذاعات والقنوات الإسلامية كإذاعة القرآن الكريم في السعودية والكويت، وكقناة المجد، وبعض برامج اقرأ، وبعض المواقع الإسلامية في الإنترنت. والله يحفظك ويرعاك.(20/140)
مقصر في العلم ... هل يترك الدعوة؟
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 26/07/1426هـ
السؤال
هل يترك العمل الدعوي بسبب أنه مقصر في العلم؟ مع أنه يسعى جاهداً لتحصيله، وهل لمدرس حلقة القرآن للمرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية أن يقيم برامج هادفة للطلاب؟ وما الضوابط؟.
الجواب
أخي الفاضل -سلمه الله-: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فأشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) وحرصك على أمر دينك، وأرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.. ثم إنه لا شك في ضرورة العلم الشرعي للداعي إلى الله؛ لأن ذلك من البصيرة التي وصف الله بها طريقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة في قوله: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" [يوسف: 108] ولا يتصور نجاح دعوة وقبولها من غير علم وهدى وبصيرة؛ لأن خلاف ذلك يعني الدعوة إلى الجهل والضلال والانحراف، لذلك أوجب العلماء على من يدعو إلى أي أمر من أمور الدين أن يكون عالماً به، لكن ذلك لا يعني ألاّ يقوم بالدعوة إلا من كان ملماً بجميع العلوم الشرعية أصولها وفروعها، ولكن يكفي أن يكون عالماً بما يدعو إليه على وجه الخصوص، فلا يجوز أن يدعو أحد غيره إلى دفع زكاة ماله، وهو لا يعلم هل الزكاة وجبت على هذا الإنسان، بمعنى هل المال الذي عنده بلغ النصاب واستوفى شروط الوجوب أم لا؟ وهكذا الأمر في كل ما يدعى إليه الناس.
وعلى هذا ليس بصحيح قول من قال بأنه لا يدعو إلى الله إلا من كان عالماً ملماً بجميع المسائل.
ولمدرس حلقة التحفيظ للمرحلة الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية أن يقيم البرامج الهادفة كالرحلات والمخيمات للطلاب، بشرط أن يكون صاحب دين وخلق وعلم ودراية في كيفية التعامل مع الطلاب وتوجيههم التوجيه السليم، ويبذل قصارى جهده في تحبيب الدين والخلق للطلاب عبر القصة والموقف والمشهد والطرفة، ويستعين ببعض الإخوة الطيبين ليتعاونوا معهم في ذلك.. وعلى مدرس حلقة التحفيظ (حلقات المساجد) دور لا يقل عن غيره في الدعوة بل يزيد، لأن النفوس مقبلة عليه لسماع التوجيه والتربية لا سيما ومعه القرآن الذي هو مأدبة الله لخلقه، وعليه أن يجتهد في الأساليب المحببة للنفوس للتأثير على الطلبة حتى يستقيموا على الجادة، ويكونوا مثالاً في الخلق والحفظ والأدب، وعلى المعلم أن يتابع الكتب والأشرطة المعنية بأمور الدعوة والتربية والتوجيه لتصقل موهبته وتزيد من قدراته.
ولا يحل له أن يترك العمل الدعوي بسبب أنه مقصر في العلم، طالما أنه يدعو لما يعلم وهو ممن يسعى جاهداً لتحصيل العلم والازدياد منه، ولو فعل ذلك كل أحد لأنه مقصر ما قام بالدعوة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد، فاتق الله وواصل مسيرة الدعوة والتوجيه، فإن الجيل الصاعد متعطش للدعوة، ومحتاج لأمثالك من الغيورين والناصحين.
وفقك الله لكل خير ونفع بك، وجعلك مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر إلى يوم القيامة.
وتفضل بقبول احترامي وتقديري، والسلام عليكم.(20/141)
كيف أكون إيجابياً؟
المجيب د. أحمد بن محمد أبا بطين
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 25/07/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما السبيل إلى النجاح، وكيف يكون الشخص إيجابياً في حياته مع ربه ومع الناس؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإن مبادرتك بالسؤال عن النجاح هو أول خطوات النجاح؛ لأن هذا السؤال ناتج عن التفكير الذي أمر الله به عباده في أكثر من موضع من القرآن الكريم.
وهناك خطوات لتحقيق النجاح تتمثل فيما يلي:
(1) البدء بالعلم قبل القول والعمل.
(2) الشروع بالعمل والتوكل على الله سبحانه.
(3) ترتيب الأولويات، بحيث إذا تعارض واجبان قدمت الأولى منهما.
(4) الاستفادة من الأخطاء لتصحيح المسار.
(5) عدم اليأس عند الخطأ، فالخطأ أول خطوات النجاح.
(6) إذا تعارض واجبان ديني ودنيوي يُقدَّم الواجب الديني على الدنيوي.
(7) التخطيط للعمل قبل البدء فيه.
(8) العمل الجماعي له آثار حميدة في النجاح، وبناء العلاقات الإنسانية.
وفقك الله.(20/142)
بماذا أبدأ حتى أتقرب لله؟
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 24-5-1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله جزاكم الله خيرا على هذا الموقع المتميز. مشكلتي: لا أعرف بماذا أبدأ بالأعمال والعبادات حتى أتقرب إلى الله.. اشعر أن مصيبتي في ديني..اشعر بإقبالي الشديد على الدنيا والسعي لها.. وعلى الطرف الآخر فأنا أحب الخير وأهله وأنا أفكر دائما بالتوبة ولكن مع قليل جدا من الإرادة أحاول ترك المحرمات وفعل الخيرات ولكن الإرادة ضعيفة ... أنا في صراع دائم..وعدم رضى على النفس..الوحدة والفراغ يدفعاني إلى المعاصي وليس لي معين غير الله أرجو منكم إرشادي بماذا ابدأ؟؟ وما هي مقويات الإيمان؟؟ جزاكم الله خيرا
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد
ما أصعب أن يحس الإنسان أنه في صحراء قاحلة لا ماء ولا شجر فإن نظر أمامه ورأى أن المسافة طويلة وبعيدة حتى يصل إلى الماء والشجر ثم جلس سيجد أن الموت سيداهمه. ولكن إذا سعى ومشى فإنه سيقترب إلى بحيرة الماء. شيئاً فشيئاً.
وأنت يا أختي كذلك. ترين أمامك الطريق طويلاً. وتفضلين الوصول بأسرع وقت. إذا قومي وانهضي من الآن وانفضي عنك الغبار وضعي قدميك على أول الطريق. وستجدين صعوبة في السير في أول الأمر ولكن بعد ما تمشين مسافة سيزول التعب. فأول خطوة هي محاسبة النفس هل أدت ما عليها. وأنت قد فعلت شيئا من هذه. ولكن الذي أريده أن تحاسبي نفسك ماذا لو هجم عليها الموت. هل ستنجو أم لا؟ إذن عليك بالفرائض، أولاً أصلحي من شأنها، فيظهر أن عليك بعض التقصير في الفرائض. تأملي حالك مع الصلاة. كيف أنت فيها؟ هل أديتها كما يجب..؟ ثم ضعي السياج الواقي على النفس وهو الذكر وتلاوة القرآن. فهما بلسم الحياة وأسيد الهموم والوساوس. وهذه هي البطاقة التي ستدخلين منها إلى رحاب الاطمئنان ثم تجدين أرضك تعشب بإذن الله فإذا ما رأيت ذلك، فابدئي بالنوافل السهلة التنفيذ مثل سنن الرواتب. واجعلي لك حصة من تلاوة القرآن بشكل يومي موزعة على أوقات الصلوات الخمس لو خصصت (10) دقائق بعد كل صلاة لوجدت أنك خلال اليوم تقرئين لمدة 50 دقيقة وهذا وقت كثير.. وستحصلين على الخير العظيم استمري على هذا العمل. حتى تثبت أقدامك. بعدها تنفلي حسب قدرتك. واعلمي أنه كلما زادت النوافل زادت المنزلة في الجنة واجمل شيء في النوافل بعد الفرائض هو ذكر الله. التسبيح، الحمد، التكبير، التهليل، الاستغفار
أسأل الله أن يتقبل منا جميعاً،،،،(20/143)
أنكر عليهم وينفرون مني
المجيب د. عبد الرحمن بن علوش المدخلي
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 26/06/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب ملتزم، ومحافظ على الصلاة وتارك لسماع الأغاني، ولكن طبيعة عملي تستدعي أن أبقى لساعات طويلة في السيارة أنا ومجموعة من الموظفين، وأنا بصفتي ملتزم فأمنعهم من تشغيل الأغاني، وقد بينت لهم حرمتها أكثر من مرة، وقد أدى ذلك إلى كرههم لي، وأصبحوا يتهربون من العمل معي بسبب أنهم يريدون سماع الأغاني، فهل يجوز لي أن أسمح لهم بسماع الأغاني مع إنكاري لهذا الشيء؛ وذلك لكي لا يكرهني الجميع؟ أفتوني مأجورين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن المرء المسلم الذي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً، يحرص على رضا ربه - عز وجل- وإن سخط عليه كل من على ظهرها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "من التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه، وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس". أخرجه الترمذي (2414) ، وابن حبان (276) . والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يغضب لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات الله غضب لله لا لنفسه، فالمسلم يغضب لله -تعالى- عندما تنتهك حرماته، وإن سخط عليه الناس، فسر على ما أنت عليه ولا يضرك كرههم، وإياك والمداهنة في دين الله وهي بذل الدين للدنيا، فلا تبذل شيئاً من دينك من أجل أن يرضوا عنك، واعلم أن العاقبة - بإذن الله تعالى- ستكون لك، وسيعلم رفقاؤك أنهم مخطئون، واعلم أن رضا الناس غاية لا تدرك، فليكن همتك إرضاء ربك وخالقك وإن كرهك بعض الناس، فالأغاني من المحرمات التي لا يجوز المداهنة فيها. والله يحفظك ويرعاك.(20/144)
أنا عاشقة
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقا-ً
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 20/1/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: أتمنى وأرجو أن تقرأ مشكلتي وكل ما أكتب، حيث إنني فتاة ملتزمة ومحافظة، ومنذ صغري وأنا كذلك، تركت الدنيا بجميع شهواتها وملذاتها، وكرهتها، واتجهت إلى ربي، وأحبه حباً لا يفوقه حب أحد، وحيث إني داعية من إحدى الداعيات -ولله الحمد- ومعروفة، ولكن يا فضيلة الشيخ: وبعد كل هذا سوف أسرد مشكلتي ومعاناتي: يا شيخ: أنا عاشقة! فسوف يخالجك بعض الاستغراب أو التعجب، ولكن أقول نعم، أنا عاشقة! هل من مجيب؟ وهل من معين لي؟ بلغ مني الحزن مبلغه؛ لأني محرومة من ذلك العشيق، وكيف أحصل عليه، وكلما مر الزمن وكلما مرت السنين أزداد عشقاً، وحرارةًَ، وألماً حتى أصبحت أحب الوحدة والتفكير في ذلك العشيق، وكيف الوصول إليه، والذي يزيدني ووالله ما ندري أنفرح أو نحزن على ذلك، فمنذ الصغر وأنا أقرأ مجلات، وأسمع عنه، فيأخذني الحزن مبلغه؛ لأني حرمت من ذلك الذي عشقته! ولا أدري هل يعذبني الله على ذلك أو سيرحمني؟ كم كنت أحلم به.. وأستمتع بحديثه.. كم كنت أشدو به.. وأطرب لذكره، لست أدري ماذا أكتب؟ .. ولمن أكتب.. ولماذا أكتب! نفسي شاردة! قلبي تائه! .. عقلي حائر! .. قلمي عاجز! كيف لا نعشق الذي تجاوز العلياء في همته العالية! طريق الجهاد، مبتغاه الاستشهاد الذي عجز الأدباء والشعراء أن يوفوه حقه، وعجزت الأفئدة عن فهم ما يتحشرج في دواخله، بلغ مني الحنين والألم مبلغه!
يا من غبتم عن أعيننا وما زلتم بقلوبنا وعقولنا
تلكم الأرواح الطاهرة التي ضربت لنا أروع الأمثلة في البطولة والإقدام، وفي العزة والشهامة والبسالة، قلوبهم تغشاها السعادة، ووجوههم تعلوها الابتسامة، تلك الابتسامة المشرقة التي ملأت السماء والأرض نوراً، والأفئدة والقلوب حباً ويقيناً،(20/145)
سطروا بسلاحهم أعظم قصص البطولات، ورفعوا رؤوسهم عالية فوق هامة الطغاة، أعلوا دينهم بدمائهم، فأعلى الله شأنهم، وخلد ذكرهم، عطروا بدمائهم الأرجاء، وأنبتوا رياحيق الزهور الغناء، سأذكركم عند كل شروق وغروب، سأبكيكم عند كل ركوع وسجود، سأناديكم عند تغاريد البلابل في البكور، وتكون قطرات الندى في الزهور، فعند وحدتي أتذكر ذلك الذي أحببته، وهو في أعلى الجنان، عند أطيب مقام، وإذا اجتمعنا أتذكره هو مع أصدقائه المجاهدين مجتمعون، ويتبادلون القصص الجهادية، والأحاديث الطيبة، والطرائف الندية، وإذا خرجنا أتذكر وهو يخرج من بيته في لحظات الوداع، في آخر نظرة لأهله، وعند النوم أتذكره وهو ينام على الحصير، وفي جسمه آثار حبيبات الرمل والصخور، نائم وهو تحت -رحمة الله-فبعد دقائق سوف ينام النومة التي لا موت بعدها، فينعم بالحور والقصور، وعند ركوب السيارة أتذكره وهو راكب دبابته، ومتجه إلى إحدى العمليات، والهواء يداعب خصلات شعره، وزغاريد الطيور ترفع من همته، ويزيد من شوقه لملاقاة ربه، راكب دبابته وصدى أناشيدهم البطولية ترهب أعداءه، وتكبيرات أصدقائه تهزم أعداءه، أعشق كلمة (الشهداء) يا شيخ: وأسمع فتيات بمثل سني، وربما أصغر مني، يقمن بعمليات فدائية من فلسطين والشيشان وغيرها، فيأخذ مني الحزن مبلغه، وأبكي بكاءً مراً أن حرمت من هذا الشيء، وأنا أتمناه منذ سنوات طوال، وأبكي غبطة على ما ينلن من جزاء من ربهن، وعلى الاستشهاد في سبيل الله، فلماذا نحن لا نقوم بمثلهن؟ أليس ديننا واحد وربنا واحد وحتى الجنس واحد! هل الأجر مقتصر لهن؟ ألسنا كلنا تحت شعار واحد وإسلامنا واحد، وأريد مشورتكم وآراءكم، وربما تعجبون من ذلك، ولكن وكما أدركتموه خلال السطور السابقة، وتعرفون جيداً عن ما يفعل العاشق وجنونه! حيث إني من الجزيرة العربية، ولكن نأخذ رأيكم أن نهب أنفسنا لأحد الفلسطينيين من حماس، ويكون مهرنا هو تدريبنا، والأخذ بأيدينا، والسماح لنا بقيام بعمليات فدائية! فهناك اللقاء في الجنان الذي لا فراق بعده، وهناك الأنس الذي لا حزن بعده، وهناك السعادة التي لا هم بعدها، فإننا قادمات نحن حفيدات الخنساء وخديجة وسمية! كيف لا والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول في الصحيحين: "والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل؟! "
وهل أُعاقب على بكائي أني خلقت فتاة، والرجال أخذوا هذا الفضل الكبير! أخذه الرجال عنا، فهنيئا لكم أيها الرجال على ما فضلكم الله به، وأتمنى الإجابة على تساؤلاتي. وأنتظركم وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولاً: للأخت الكريمة التهنئة على هذا الشعور النبيل الذي يملأ جوانحها، وهو عشقها للشهادة، وأشواقها الحرّى للجهاد، وتلهفها إلى الخوض في ميدانه، وبذل النفس في ذات الله -عز وجل- وإن الأمة التي يوجد فيها مثل هؤلاء الفتيات لأمة خير، وأمة معطاءة، والجود بالنفس أقصى غاية الجود.(20/146)
إننا أيتها الأخت نهنئك على هذا الشعور، ونذكرك أن هذه المشاعر هي من العمل الصالح المبرور، الذي يثيب الله - عز وجل- من كان صادقاً في تشوفه له؛ كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه" أخرجه مسلم (1909) .
ثانياً: نذكرك أيتها الأخت الكريمة أن الأدوار في هذه الأمة موزعة، وبناء الأمة بناء متكامل، يتولى فيه الرجال ما يناسبهم، ويليق بهم، وتتولى فيه النساء ما يناسبهن، ويليق بهن، والله - عز وجل- لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، كما قال - جل وعلا-: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ" [آل عمران: من الآية195] .
ولذلك كانت المرأة شريكة في جميع الإنجازات التي حققتها الأمة من خلال قيامها بدورها المنوط بها فهي التي أعدت الرجال الذين خاضوا المعارك، وهي التي أعدت الرجال الذين كان لهم رسوخ في العلم، وهي التي أعدت للأمة الرجال الذين أحدثوا تجديداً في منعطفات الأمة التاريخية.
كما أن المرأة كانت مأوى للرجال العاملين، والمجاهدين في سبيل الله -عز وجل-؛ ولذلك فلا يصحُّ أن تختصر صورة جهاد المرأة بأن تشارك في العمليات العسكرية، فإن جهادها في القيام بدور آخر يتناسب مع طبيعتها وما هيأها الله له، وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك عندما سألته عائشة -رضي الله عنها-: هل على النساء من جهاد؟ قال: "نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" أخرجه ابن ماجة (2901) ، وأصله في البخاري (2875) ، فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عليهن جهاد لا قتال فيه"، يبيِّن أن جهاد المرأة جهاد لا قتال فيه، منه الحج والعمرة، وليس فقط محصوراً في الحج والعمرة، ولكن منه الحج والعمرة، ومنه تربية الأبناء، ومنه القيام بحقوق الزوج، ومنه حماية الأمة في جبهتها الداخلية، فإن المرأة تتصدى لحماية هذه الجبهة، وإلا فإن حصوننا مهددة من داخلها ما لم توجد حراسة ساهرة على المجتمعات الإسلامية لحمايتها من الداخل، والمرأة قديرة على ذلك، ولذا فلا بد أن تتصدى لهذا الأمر.
أيتها الأخت المباركة: أذكرك بقول الله - عز وجل-: "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" [النساء:32] ، وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية أخباراً في سبب نزول هذه الآية، مجملها أن بعض النساء سألن فقلن: ليتنا مثل الرجال فنجاهد كما يجاهدون، ونغزو في سبيل الله كما يغزون، فأنزل الله هذه الآية، إن هذه الآية تبين أن للنساء نصيباً مما اكتسبن، وأن على الجميع رجالاً، ونساء أن يسألوا الله من فضله، فعلى المرأة أن تكتسب من نصيبها الذي يناسبها، وتسأل الله -عز وجل- من فضله، والله - جل وعلا- لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى.(20/147)
فيا أيتها الأخت المباركة: إنك لو أجلت النظر لوجدتِ أمامك ميادين فسيحة للدعوة إلى الله - عز وجل-، والجهاد في سبيل الله بمعناه العام، وليس فقط بالقتال، وإنما الجهاد بالدعوة، والتعليم، والإصلاح، وتقوية بناء الأمة من داخلها، وكل هذه ميادين شاغرة.
ثالثاً: وأحذرك أيضاً من أن يكون مثل هذا الشعور النبيل العظيم عندك سبب قعود ونكوص عن مشاريع خيرة هي في إمكانك ومتناولك، فإن للشيطان كيده في إقعاد بني الإنسان عن ميادين الخير، وذلك بأن يعلق طموحه بما لا يستطيع حتى يستهين بما يستطيع، ويقعد عنه، ويكون بالتالي لم يفعل هذا، ولا ذاك، وإنما اجعلي من شعورك النبيل هذا دافعاً إلى أن تعملي ما يمكنك عمله، وما تستطيعينه، والله يتولاك ويختار لك ما فيه الخير. وصلى الله على نبينا محمد.(20/148)
دعوت كثيراً ولم يستجب لي
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 05/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حضرات الشيوخ الكرام رعاكم الله. لدي مشكلة خاصة تسيطر على تفكيري، ولا أستطيع البوح بها -حياء- لأحد، فضلا على أن أحداً لن يستطيع أن يحلها لي سوى الله - سبحانه-. المشكلة لا تكمن هنا، بل في أنني أدعو الله باستمرار، وبطريقة معينة من الإلحاح تنشط حينا وتكسل حينا آخر، وأنا على ذلك فترة من الزمن تقاس بالسنين. لقد صبرت طويلاً، ولكن في الفترة الأخيرة بت أخشى أن أقع في مشاكل لا نهاية لها إن لم تحل مشكلتي، وقرأت كثيراً عن أسباب استجابة الدعاء، وحكمة عدم استجابته في أحيان كثيرة، ولدي خلفية واسعة عن ذلك. بدأت الآن تسيطر علي فكرة واحدة هي أنني لا أصلح للدعاء؛ لأنني أفعل ذنباً عظيماً، لكنني مغفلة بحيث يغفل علي، وأصبحت أتمنى من الله أن يظهره لي وأن يبصرني به، لكن حتى هذه الأمنية لم تتحقق بعد، وأكاد أشعر باليأس يخنقني لا سمح الله، وأعرف أنه لو لحقني القنوط من أمل الله فإن هذا شر كبير أكبر من كل شر، وأطلب منكم أن تعطوني أملاً في وضعي، لماذا لم يستجب الله لي حتى الآن، وكيف أعرف ذنبي الذي أجهله؟ أتمنى أن تعطوني شيئاً جديداً، نابعاً من تأملات أحوال الناس في هذا العصر؛ لأنني قرأت كثيراً.. هل تستطيعون مساعدتي، أم أستمر في المحاولة ولو ضئيلة في الأمل، ولو كان بلا أصل؟ عذراً للإطالة، لكنها ومضة قلب جريح.
الجواب
الحمد لله الذي يجيب دعاء المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء عمن ناجاه، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وبعد:
إلى الأخت السائلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع (الإسلام اليوم) ، ونأمل أن يكون اتصالك بالموقع متواصلاً.
لقد قرأت رسالتك، وبعد إمعان النظر فيها وجدت أنها رسالة مركبة تحتوي على أكثر من نقطة، وأنا أود أن أسير معك نقطة نقطة عبر رسالتك فمستعينا بالله أقول:
أولاً: بالنسبة للمشكلة التي أنت تعانين منها، ولا تريدين أن تبوحي لأحد بها حياءً منك فهذا أمر طيب تشكرين عليه، أما قولك: إنه لا يستطيع أحد أن يحل هذه المشكلة إلا الله وحده، هذه مبالغة منك، نعم كل شيء بإرادة الله، وهو القادر وحده على تفريج الكربات وقضاء الحاجات، لكن الله جلت قدرته جعل لكل شيء سبباً، ومن أسباب حل هذه المشكلة - بإذن الله تعالى - أن تعرض هذه المشكلة على أهل الاختصاص على أن يكونوا كذلك من أهل الدين والخلق الحسن والأمانة والصدق والستر والخبرة؛ حتى تضمني وتطمئني أن مشكلتك هذه - والتي أظن أنها سر أيضاً -قد وضعت في أيدٍ أمينة، وعندها من الحلول ما يشفي غليلك في هذه المشكلة.(20/149)
ثانياً: قولك بأنه في تلك الفترة الأخيرة أصبح يسيطر عليك فكرة أنك لم تصلحي للدعاء، فهذا كلام مردود جملة وتفصيلاً؛ وذلك لأن الموعِد وعد -ووعده حق وصدق- أنه يستجيب لمن دعاه، قال تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [البقرة:186] ، تأملي قول المولى جل وعلا (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) فالمولى -سبحانه- تكفَّل بإجابة دعوة الداع شريطة إذا دعاه، ولكن بشرط توفر شروط الإجابة وانتفاء موانعها - وأنت زعمت في رسالتك أنك تعرفين شيئاً كثيراً من ذلك؛ فلذا فلا داعي لذكره هنا.
فهل توفرت فيك شروط استجابة الدعاء، وانتفت عنك موانع الاستجابة، أم لا؟ أنت أدرى بنفسك من غيرك، فالعاقل بصير نفسه.
ولذا كان سيدنا عمر - رضي الله عنه وأرضاه -من فقهه بكتاب الله يقول: (أنا لا أحمل هم الإجابة، لكن أحمل هم الدعاء) ، أي أنه لا يحمل هم استجابة دعائه؛ لأن الله وعد بذلك، لكن المهم هل نحن مؤهلون لكي نكون أهلاً للإجابة أم لا؟
ويقول تبارك وتعالى: "أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"، فهل أنت دعوت الله دعاء المضطر؟.
وأضيفي إلى ما تقدَّم أن من شروط استجابة الدعاء عدم الاستعجال، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي) متفق عليه أخرجه البخاري (6340) ، ومسلم (2735) وفي رواية لمسلم (2735) : (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء) ، ومعنى قوله (فيستحسر) أي ينقطع عن الدعاء.
ثالثاً: أما قولك بأنك تفعلين ذنباً عظيماً، ويبدو من كلامك أنك مستمرة على هذا الذنب العظيم، وترجعين عدم استجابة الله لك لهذا الذنب، فهذا الكلام قد يحتمل الصحة والخطأ، ومرجع ذلك إلى معرفة الذنب نفسه.
رابعاً: وأما قولك بأنك غافلة عن هذا الذنب، فهذا كلام غير مقبول؛ لأن الإنسان أدرى بنفسه، وخصوصاً إذا كان مقترفاً ذنباً عظيماً - كما ذكرت- فمعرفة هذا الذنب يرجع إليك وحدك، ففتشي في نفسك تجدي ضالتك، ومن ثم تقلعين عن هذا الذنب؛ لأن للذنوب والمعاصي أضراراً عظيمة، ومن بين هذه الأضرار عدم استجابة الدعاء، كأكل الحرام ونحوه.
خامساً: يجب عليك أن تعلمي أمراً مهماً بالنسبة للدعاء، ألا وهو أن الدعاء بين ثلاث حالات:
الأولى: أن يستجيب الله لصاحبه في الدنيا.
الثانية: أن الله يدفع بهذا الدعاء بلاءً قد كان يقع على هذا الداع، فالدعاء صاعد والبلاء نازل فيتعالجان - أي يتصارعان، فمن رحمة الله بعبده أن يصرع الدعاء البلاء، فلا يقع على هذا العبد هذا البلاء بسبب دعائه.
الثالثة: أن الله يدخر لهذا العبد تلك الدعوة في الآخرة، ويعوضه عن ذلك خير عوض، وحينها يتمنى العبد أن لو لم يستجب الله له في الدنيا بكل دعوة دعا بها؛ لما عاين من الخير العظيم، والفضل الكبير، إذاً فليطمئن قلبك وأحسني الظن بربك.(20/150)
سادساً: بالنسبة لمساعدتك في ذلك فأستمد العون من الله وأقول:
1. عليك ألا تقنطي من رحمة الله، وادعيه بقلب خاشع مستحضر عظمته، وعليك بالأخلاص الشديد في ذلك، ألم تقرئي قوله تعالى: "فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ" [العنكبوت:65] ، فهؤلاء المشركون لما تجردوا لله وأخلصوا له في الدعاء، ونفوا عن أنفسهم الشرك استجاب الله لهم، فعليك بالإخلاص مع تحقيق التوحيد، وأبشري باستجابة الله لك.
2. عليك بعدم الاستعجال، وعليك أن تدعي الله دعاء المضطر، وتسأليه سؤال المسكين، وتدعيه دعاء الخائف الضرير، دعاء من خضعت له الرقاب، وذلَّت له الأنوف، وانكسرت له الأعناق، فهو سبحانه أهلاً لكل تعظيم وثناء، وخوف ورجاء.
3. عليك أن تعلمي أن رحمة الله واسعة وسعت كل شيء، وأنه أرحم بك من أمك وأبيك، وأنه لا يقدر لك إلا الخير، ولا تجعلي الذنوب تحجبك عن رحمته، فهو سبحانه وتعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا عيب أن يستره، ولا دعوة أن يستجيب لها، فهو سبحانه قاضي الحاجات، ومفرج الكربات، ومجيب الدعوات، منقذ الغرقى، سامع لكل شكوى، مجيب لكل دعوى، فعليك المبادرة بالتوبة إليه -سبحانه- من عظائم الذنوب وصغارها.
4. عليك بقراءة الآيات التي تتحدث عن استجابة الدعاء، وكيف أن الله استجاب لأنبيائه ورسله صلوات ربي وتسليمه عليهم جميعاً، وعليك بقراءة سيرة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - وكذلك سير السلف الصالح من الصحابة والتابعين وغيرهم، وعليك بقراءة كتاب الإمام التنوخي الفرج بعد الشدة، فقد تناول عدداً كثيراً من سيرة السلف، وكيف أن الله استجاب لهم، وكشف عنهم الكرب وفرَّج عنهم الهم، وأبدلهم سعة بعد ضيق، وفرحاً بعد حزن، فهو على ما يشاء قدير سبحانه وتعالى.
5. لو تتبعت سير بعض الناس المعاصرين وقد استجاب الله لهم وفرج عنهم، وقد تناول شيئاً من ذلك كتاب (الفرج بعد الشدة) لإبراهيم الحازمي، وكتاب آخر اسمه (أعاجيب الدعاء) طبع ونشر دار القاسم.
وأخيراً لا يسعني إلا أن أقول لك كما قال الأول:
يا صاحب الهم إن الهم منفرج*** أبشر بخير فإن الفارج الله
وإذا بليت فثق بالله وارض به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة *** لا تجزعن فإن الصانع الله
والله ما لك غير الله من أحد*** فحسبك الله في كل لك الله
هذا والله أعلم، والله أسأل أن يجعل لنا ولك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق سعة ومخرجاً، ومن كل عسر يسراً، إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/151)
كيف أعرض دلائل وجود الله
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
(عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد)
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 05/05/1426هـ
السؤال
(1) ما هي الأدوات والوسائل التي أعدت منها الأرض؟
(2) يعتقد كفار اليوم أن خالقهم هو الوثن الجديد المسمى (طبيعة) السؤال: ما هي الطبيعة، وكيف نرد عليهم؟ وكيف تم خلقهم بواسطة الطبيعة؟
(3) هل هناك وسيلة نعرف بها ربنا غير وسيلة مشاهدة آياته في الكون؟
(4) كيف نصدق ونؤمن بما وقع خارج حدود بصرنا؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد.
فإن هذه الأسئلة لا يمكن بسط الإجابة عليها في جواب من شأنه الاختصار، ونوصي السائل أن يراجع الكتب التي عنيت بالرد على الملاحدة، وما أكثر ما كتب في هذا، خاصة إبّان هيمنة المد الشيوعي، غير أنا سنجيب بما يتيسر مما يناسب المقام في ذلك، فنقول ومن االله نستمد العون والتوفيق.
أما سؤالك عن الأرض، فيمكن القول بأنها جزء صغير يسبح في هذا الكون العظيم الذي أنشأه الله، وأبدعه وأوجده من العدم بقدرته وإرادته، وحسب المؤمن أن يؤمن أنها خلق من مخلوقات الله خلقها وسخرها ضمن ما سخر من مخلوقاته، وذللها وحثنا على المشي في مناكبها، والسعي في طلب الرزق فيها، ومن وجد في نفسه القدرة على اكتشاف ما أودعه الله فيها من أسرار فليفعل.
*وأما ما ذكرت من أن كفار اليوم يعتقدون أن خالقهم هو الوثن الجديد المسمى "طبيعة" فنقول لك: إن هذا الاعتقاد إنما هو في طائفة من الكفار، وهم الملاحدة المنكرون لوجود الله -تعالى- وهم في ذلك مكابرون ومغالطون لحقيقة ما يجدونه في أنفسهم من نوازع الفطرة التي تحملهم على الإيمان بوجود الله، وأما غالب الكفار فهم معترفون بوجود الخالق، ولا ينكرونه وإن كانوا لا يعرفونه المعرفة التي عليها أهل الحق من المسلمين. ولكن هذا لا يكفي في حقهم، بل لابد لهم مع ذلك من تحقيق العبودية الخالصة لله، وهذا ما يعرف بتحقيق توحيد الألوهية.
* وأما ما سألت عنه من تعريف الطبيعة، فيمكن القول بأن الطبيعة مصطلح يطلقه الفلاسفة الغربيون، وكثير من الكتاب المحدثين على مجموعة العناصر والعوالم الكونية التي يزعمون أنها تؤثر في بعضها تأثيراً مستقلاً عن إرادة الخالق سبحانه، أو كما يزعم الملاحدة أنها هي وحدها الوجود، وهي وحدها المؤثر فيه، وليس لها خالق مدبر متصرف.
وأما في المفهوم الإسلامي، فهي هذا الكون الفسيح بجزئياته الصغيرة والكبيرة، وقد خلقها الله من العدم، وما زال هو الذي يسيرها من خلال ما أودعه فيها من قوانين ونواميس خاصة بها، وأن ما يحدثه فيها من أحداث يخضع لمشيئته المطلقة.
وقد أرشدنا المنهج الإسلامي في التعامل مع الطبيعة إلى التأمل والتدبر في عجيب صنع الله الذي يقود إلى زيادة الإيمان وقوة اليقين، كما يرشدنا إلى السعي في إعمارها واستثمار خيراتها، على أن الحياة الدنيا -بما فيها الطبيعة- ما هي إلا مزرعة للآخرة"انظر موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة ج2/1097-1098) .(20/152)
* وأما سؤالك عن وسيلة أخرى غير مشاهدة الآيات الكونية بها نعرف ربنا -جل وعلا- فهذه نصوص الوحيين من الكتاب والسنة مليئة بالدلالات والحجج والبراهين على ربوبية الله وألوهيته، ثم إنا نذكِّر بدليل الفطرة، فإن الإنسان ينزع بفطرته إلى الاعتراف بوجود الله وربوبيته وسلطانه على هذا الكون، وما أكثر من شرح الله صدورهم إلى معرفة الله والإيمان به، وحبب إليهم ذلك وزينه في قلوبهم دونما حاجة إلى تكلف استدلال، وقد ذكر العلماء أن من كانت نفسه تنازعه إلى الاستدلال وطلب البرهان، ولا تستقر إلا بذلك وجب عليه طلب الدلائل، وأما من استقرت نفسه، وسكن قلبه إلى الإيمان ولم تنازعه نفسه إلى طلب دليل توفيقاً من الله وتيسيراً لما خلق له فهؤلاء لا يحتاجون إلى برهان ولا تكلف استدلال، وهؤلاء هم جماهير الناس ممن حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون.
قال ابن حزم رحمه الله (وهذا أمر قد عرفناه من أنفسنا حساً، وشاهدناه في ذواتنا يقيناً، فلقد بقينا سنين كثيرة ولا نعرف الاستدلال ولا وجوهه، ونحن -والحمد لله- في غاية اليقين بدين الإسلام، وكل ما جاء به محمد-صلى الله عليه وسلم- نجد أنفسنا في غاية السكون إليه، وفي غاية النفاد عن كل ما يعترض فيه شك، ولقد كانت تخطر في قلوبنا خطرات سوء في خلال ذلك ينبذها الشيطان، فنكاد لشدة نفارنا عنها أن نسمع خفقان قلوبنا استبشاعاً لها، كما أخبر رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذ سئل عن ذلك، فقالوا: إن أحدنا ليحدث نفسه بالشيء ما أنه يقدم فتضرب عنقه أحب إليه أن يتكلم به، فأخبر رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بأن ذلك محض الإيمان، وأخبر أنه من وسوسة الشيطان، وأمر -صلى الله عليه وسلم- في ذلك بما أمر به من التعوّذ والقراءة والتفل عن اليسار، وقال ابن حزم- ثم تعلمنا طرق الاستدلال وأحكمناها -ولله الحمد- فما زادنا يقيناً على ما كنا، بل عرفنا أننا كنا ميسرين للحق) .
(انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل بهامشه الملل والنحل4/32-33)
* وأما السؤال عن كيفية التصديق بما وقع خارج حدود بصرنا، فإن هذا من إيرادات الملاحدة الذين لا يؤمنون إلا بما يحسونه بوسائل الحس المعهودة، وهم في واقع الأمر مكابرون ومغالطون للحقائق، فما أكثر ما يسلمون بوجوده مما لا يقع تحت طائلة حواسهم، وقد تراجع كثير منهم عن هذه المزاعم، وننصح السائل -إن كان قد ابتلي بمناقشة هؤلاء- أن يراجع الكتب التي عنيت بالرد على النظريات الإلحادية. والله أعلم.(20/153)
علامات النصر والتمكين
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقاً-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 16/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أرجو منكم أن تعطوني خمس أو ست من علامات النصر والتمكين، مع التوضيح لكل علامة منها بدليل من القرآن الكريم أو السنة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اقرئي وتدبري هاتين الآيتين من سورة الحج، وستجدين فيهما خمس فوائد من علامات النصر للمؤمنين: "الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز* الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" [الحج: 40-41] .
فالعلامة الأولى لنصر المظلوم: تعدي الظالم وتكبره وغطرسته على المؤمنين المستضعفين.
والثانية: إقامة الصلاة والمداومة عليها.
الثالثة: إخراج الزكاة من الأموال المفروضة إلى مستحقيها.
والرابعة: الأمر بالمعروف، ويعني القيام بالدعوة إلى الله، وتبليغها للناس كافة.
الخامسة: النهي عن المنكر، ويعني الاحتساب على العصاة من المسلمين فيما بينهم، وإذا تدبرت ما قبل هاتين الآيتين وما بعدهما من الآيات ظهرت لك معانٍ كثيرة، أرجو الله أن ينفعك بها. والله الموفق.(20/154)
مترددة في التزام الحجاب
المجيب نهى نبيل عاصم
داعية ومستشارة تربوية بالإسكندرية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 17/03/1426هـ
السؤال
ما حكم خلع المرأة للحجاب، وما عاقبته في الآخرة، وهل له عواقب في الدنيا؟.
الجواب
الحمد لله، وأصلي وأسلم على نبينا محمد رسول الله، وبعد:
يجب العلم أولاً بأن المسلم والمسلمة يجب عليهما أن ينقادا لأوامر الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-، مهما كانت صعبة وشاقة على النفس، دون خجل من أحدٍ من الناس، فإن المؤمن الصادق في إيمانه هو الذي يصدق في تحقيق طاعة ربه -سبحانه وتعالى- وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وليس للمؤمن ولا المؤمنة أن يتلكآ أو يترددا في الأمر، بل يجب السمع والطاعة مباشرة؛ عملاً بقوله جل وعلا: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب: 36] ، وهذا هو دأب المؤمنين الذين مدحهم ربهم -سبحانه وتعالى- بقوله: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون" [النور:50 -51] .
ثم إن المسلم لا ينظر إلى صغر الذنب وكبره، بل ينظر إلى عظمة من عصاه سبحانه وتعالى فهو الكبير المتعال، وهو شديد المحال، وهو جل وعلا شديد البطش، أخذه أليم، وعذابه مهين، وإذا انتقم سبحانه ممن عصاه فالهلاك هو مصيره، قال عزّ وجلّ: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود" [هود:102-103] .
وقد تصغر المعصية في نظر العبد وهي عند الله عظيمة؛ كما قال الله تعالى: "وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم" [النور: 15] ، والأمر كما قال بعض أهل العلم: (لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت) ، والواجب علينا طاعة الله وتنفيذ أوامره، ومراقبته في السر والعلانية، واجتناب نواهيه وزواجره.
أما من جهة الاعتقاد فإن المسلم المصلي إذا صدرت منه بعض المعاصي والسيئات فإنه باق على الإسلام ما لم يرتكب أمراً مخرجاً عن الملة ويقع في ناقض من نواقض الإسلام، وهذا المسلم العاصي تحت مشيئة الله في الآخرة، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له، ولو دخل النار في الآخرة فإنه لا يخلد فيها، ولا يستطيع أحدٌ من الناس أن يجزم بمصيره من ناحية وقوع العذاب عليه أو عدم وقوعه؛ لأنّ هذا أمر مردّه إلى الله وعلمه عنده سبحانه وتعالى.
والذنوب تنقسم إلى قسمين: (صغيرة - وكبيرة) ، فالصغيرة تكفّرها الصلاة والصيام والأعمال الصالحة، والكبيرة (وهي التي ورد فيها وعيد خاص، أو حَدٌّ في الدنيا، أو عذاب في الآخرة) لا تكفّرها الأعمال الصالحة، بل لا بد لمن وقع فيها أن يحدث لها توبة نصوحاً، ومن تاب تاب الله عليه، والكبائر أنواع كثيرة منها مثلاً (الكذب، والزنا، والربا، والسرقة، وترك الحجاب بالكلية، ونحوها) .(20/155)
وبناءً على ما تقدّم فلا يمكن الجزم بأن من تركت الحجاب سوف تدخل النار، ولكنها مستحقّة لعقوبة الله؛ لأنها عصت ما أمرها به، وأما مصيرها على التعيين فالله أعلم به، وليس لنا أن نتكلم فيما لا نعلمه؛ قال تعالى: "ولا تقف ما ليس لكَ به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً" [الإسراء: 36] .
ويكفي المسلم صاحب القلب الحيّ أن ينفر من عمل يعلم بأنّه إذا فعله سيكون معرّضا لعقوبة الربّ -عزّ وجلّ-؛ لأنّ عقابه شديد، وعذابه أليم، وناره حامية، "نار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة" [الهمزة: 6-7] . وفي المقابل فإن من أطاعت ربها فيما أمرها به - ومن ذلك الالتزام بالحجاب الشرعي- فإننا نرجو لها الجنة والفوز بها والنجاة من النار وعذابها.
وغريب حقاً في امرأة صفاتها حميدة، وتصلي وتصوم ولا تنظر للفتيان، وتجتنب الغيبة والنميمة ثم بعد هذا لا تلتزم بالحجاب؛ وذلك لأن من تمسكت حقاً بهذه الأعمال الصالحة الحسنة فإن هذا مؤشر كبير على حبها للخير، ونفورها من الشر، ثمّ لا ننسى أنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والحسنة تأتي بأختها، ومن اتقى الله تعالى في نفسه وفقه الله وأعانه على نفسه، ويبدو أن هذه المسلمة فيها خير كثير، وهي قريبة من طريق الاستقامة، فلتحرص على الحجاب الذي أمرها به ربها -تبارك وتعالى-، ولتترك الشبهات، وتقاوم ضغوط أهلها، ولا تستسلم لكلام الناس والمنتقدين، ولتترك مشابهة العاصيات اللاتي يردن التبرّج على حسب الموضة والموديلات، ولتقاوم هوى النفس الذي يدعوها لإظهار الزينة والتباهي بها، وتتمسك بما فيه صون لها وستر وحماية، وتترفّع عن أن تكون سلعة يتمتع بها الغادي والرائح من الأشرار، وتأبى أن تكون سبباً لفتنة عباد الله، ونحن نخاطب فيها إيمانها وحبها لله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-، ونناشدها أن تحافظ على ما أُمرت به من الحجاب، وأن تلتزم بقول الله تعالى: "ولا يبدين زينتهن" [النور: 31] ، وبقوله "ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى وأطعن الله ورسوله" [الأحزاب: 33] .
وعواقب التبرج في الدنيا كثيرة، يكفي منها أن من خلعت حجابها وكشفت عوراتها صارت سلعة رخيصة غير مصونة، تلتهمها أعين الذئاب، فهي بتبرجها تدل على ضلالة، وتدعو إلى فتنة، وتيسر السبيل للمعصية..
والله أعلم.(20/156)
هذه مجالسهن فهل أعتزلهن؟
المجيب سلوى بنت صالح بابقي
مساعد إدارة النشاط الثقافي بتعليم البنات.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 14/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
صديقاتي ونساء عائلتي يختلفن عني اختلافاً تاماً في الأفكار والاهتمامات، لذلك لا أحب مجالستهن ولا التحدث معهن، وإن جمعنا مكان أو حديث أتضايق وأثور عليهن بالنقد واللوم؛ لأنهن نامصات، ولتشبهن بلبس الكافرات، ولإسرافهن في الزينة من مساحيق وإكسسوارات، وضياع الراتب في التباهي في السفر، أو قضاء الإجازات في الملاهي ونحوه، فكيف أتعامل معهن، وأنقذهن مما هن فيه؟ وهل أخطأت إن تجنبت الجلوس معهن، أو أكثرت من اللوم والعتاب لهن؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخت السائلة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
سؤالك من شقين:
الأول: كيف تتعاملين معهن؟.
الثاني: هل أخطأت إن تجنبت الجلوس معهن؟.
الجواب: يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم-: "المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم" أخرجه الترمذي (2507) ، وابن ماجة (4032) ، وغيرهما من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وهذا لفظ ابن ماجة.
فالخلطة نوعان: نوع يعين على الخير، نوع يعين على الشر، فالأول مطلوب مرغب فيه، والثاني منهي عن الاستجابة له، بمعنى أن المرء يخالط هذا الصنف بغية النصح لا التأثر، والمسلم الواجب عليه صلة رحمه وبرهم والإحسان إليهم، وهم أولى الناس بالنصح، وكونهم على معاصٍ فهذا ليس من أسباب القطيعة، بل الواجب إنقاذهم منها ولكن بالتي هي أحسن، قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125] ، وقال سبحانه في حق نبيه: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" [آل عمران: 159] .
فالنصح حتى يكون مثمراً لا بد له من أمور:
(1) العلم بما تدعو إليه.
(2) العلم بحال المدعو.
(3) الصبر على ذلك.
فعليك بالمثابرة والمصابرة في إصلاح حال من تجالسين؛ لأن ذلك فيه خير لك، أما عدم المجالسة أو كثرة اللوم فلا ينبغي أن تصدر من مسلم عرف ما له وما عليه.
أسأل الله لك التوفيق والسداد.(20/157)
كيف أتخلص من هذه الأمراض؟
المجيب نهى نبيل عاصم
داعية ومستشارة تربوية بالإسكندرية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 07/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- كيف أستطيع التخلص من الغل والحقد والحسد والرياء؟
2- كيف أستطيع الرضا بما قسمه لي الله -عز وجل- وأكسب حبه ومرضاته؟.
3- أريد خطة عملية أستطيع من خلالها حفظ القرآن الكريم خلال سنتين؛ لأنه لا يتوفر مركز أستطيع الالتحاق به. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه،
وبعد:
نشكرك -أختنا الكريمة- على تواصلك مع موقع (الإسلام اليوم) ونتمنى لك وقتاً مليئاً بالبركة والنفع والفائدة معه وبين مواده، ثم دعيني أقول لك: إنني أشعر من وراء سؤالك بأنك ـ نحسبك والله حسيبك ـ تسعين نحو ربك ورضاه على طريقة سلوك أهل الزهد والرقائق مما يعرف "بالتخلية قبل التحلية" ومعناه تخلية القلب والنفس أولاً، وتنقيتهما من شوائب الدنيا وسيئ الأخلاق ـ كالغل والحسد وغيرها من الآفات ـ ثم القيام بتزكيتها وحثها على الخير، وعلى رأس ذلك الإقبال على كتاب الله -تعالى- ومعايشته من خلال برنامج للحفط خلال سنتين كما ترجين بإذن الله تعالى، لكن دعيني أيضاً أبين لك أعراض هذه الأمراض الفتاكة، أمراض الغل والحقد والحسد، وصاحبها يتصف بما يلي:
1- إيمانه بالقدر خيره وشره فيه خلل.
2- صاحب غيبة ونميمة وكذب.
3- يحب لنفسه ما لا يحبه لغيره.
4- التدخل وحب معرفة أخبار الناس.
5- بعده عن الأذكار والقرآن.
6- السرور بمصائب الغير.
7- الانزعاج من نجاح الآخرين.
8- التعامل بالسحر والشعوذة.
إذاً ما العلاج؟
1- الذكر، وأفضل الذكر الصلاة وفي وقتها، يقول الله تعالى: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" [العنكبوت: 45] .
2- الالتزام بالنوافل فإن ربي يقول في الحديث القدسي "ما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه إلخ" أخرجه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فرجل أو امرأة يحبه الله لا يمكن أن يكون هناك مكان في قلبه إلى حقد وحسد، وعليك بالأذكار صباحاً ومساءً وكل وقت؛ فإن ربي يقول: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" [الرعد:28] ، فإذا اطمأن القلب شكر، وابتعد عن الحقد والحسد.
3- الإكثار من الاستغفار فهو علاج لكل أمة، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قال فيه "من لزم الاستغفار كان له من كل حزن مخرجاً، ومن كل هم فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب" أخرجه أبو داود (1518) ، وابن ماجة (3819) ، وغيرهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، ومن أعظم الرزق أن ترزق قلباً سليماً مطمئناً.
4- الإيمان بالقدر خيره وشره، وللتطبيق الفعلي العملي لحديثه صلى الله عليه وسلم المشهور، والذي نقوله بعد كل صلاة" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " متفق عليه أخرجه البخاري (844) ، ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-.(20/158)
5- أن نحب للناس ما نحب لأنفسنا، وليس هذا فقط، ولكن يجب أن نعوِّد أنفسنا أن نفرح فرحاً حقيقياً لنجاحات غيرنا، وإن كان لابد من الغيرة فيجب أن تكون غيرة إيجابية تدفعنا إلى النجاح مثله، ولكن لا نتمنى الفشل له، أو نحقد عليه، أو نقلل من نجاحه، ومن التجربة أنه إذا أصابك شيء من الغل على أخ أو صديق لنجاح ما كان له، فإذا وجدت في قلبك شيئاً من الغل فردد قوله تعالى "ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا" [الحشر: 10] ؛ فقد جربها كثير من الصالحين فوجد -بأمر الله وتوفيقه- أن الغل الذي في القلب انقلب إلى طمأنينة ورضا وتفاؤل وحب لنجاح غيرنا.
أما قولك بأنك تريدين حفظ القرآن الكريم خلال سنتين فهي رغبة عظيمة تتطلب همة عالية، وبالأخص إن جهدك فردي، فأخلصي النية أولاً، واصدقي الله ثانياً، واجعلي هدفك هذا (حفظ القرآن في سنتين) أعلى أهدافك، وعموماً فهناك تجارب عديدة لإخوة وأخوات وفقوا -بفضل الله- في هذه المهمة العظيمة، وحفظوا القرآن في مدد وجيزة، وأنجز الله لهم والحمد لله. وإليك واحدة من هذه التجارب الناجحة:
حَفِظ أحد الإخوة القرآن الكريم في مدَّة عامين ونصف العام، حيث قرَّر أن يحفظ جزءاً في الشهر، أي بمعدَّل رُبعَيْ حزبٍ في الأسبوع، ويقوم في الأسبوع الذي يليه بمراجعة الربعَيْن السابقَيْن مع حفظ ربعَيْن جديدَيْن، وكان يقوم آخر كلِّ شهرٍ بتسميع ما حفظه خلال الشهر كلِّه، ثمَّ يسمِّع بعد كلِّ ثلاثة شهورٍ ما حفظه خلال هذه المدَّة، وهكذا حتى أتمَّ حفظ كتاب الله تعالى، وخلال ذلك كان يعتمد في المراجعة عموماً على الاستماع لقراءة أحد القرَّاء المتقنين. . فهل تفعلين مثله؟ وفقك الله.(20/159)
تتجاذبني في خدمة الإسلام رغبات فوجهوني
المجيب د. سعيد إسماعيل علي
أستاذ أصول التربية - جامعة عين شمس بمصر
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 02/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
عندي رغبة في أن أصبح سياسياً أو عالماً.
أما رغبتي في السياسة فهي لكي أقدم قوانين كثيرة تعين المسلمين وتساعدهم في أمور حياتهم حتى يعودوا أقوياء كما كانوا. ويكون ذلك عن طريق السعي في محاورة السياسيين الآخرين في الدول المختلفة والوصول إلى حل لمشاكل الأمة (في فلسطين والعراق وغيرهما) .
ورغبتي الأخرى أن أصبح عالما وذلك لإرشاد الكثير من الشباب للدين والعمل على تحسين وضع أمتنا.
علماً بأنني الآن لا أضيع وقتي في الأشياء المتدنية مثل الموسيقى والأفلام أو اتخاذ صديقات.. وما إلى ذلك. وأقضي جل وقتي في أمور تنفع الإسلام والمسلمين. أريد أن أكون أبا بكر الثاني.
أريد أن آتي يوم القيامة فأقول لربي: ليس لي الكثير من العبادة لكنني بذلت جهدي في رفع راية (لا إله إلا الله) عاليا في الأرض فأدخلني بعملي هذا في الجنة.
فبأي عمل تنصحونني؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وسيد المرسلين محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فمرحباً بك ـ أخي الحبيب ـ ونشكرك على مرورك بموقع (الإسلام اليوم) .
ونرجو أن يكون الموقع بما يحويه موطن النفع والفائدة لك ولكل مسلم سائر على درب الخير.
ثم دعني أصارحك ـ أخي بارك الله فيك ـ بتأثري برسالتك الكريمة التي تشير في مبناها ومعناها إلى شوق مشبوب للعمل للإسلام، وحماسة فوارة لخدمة الدين الحنيف، وصدقني فإن الأمة وخصوصاً في مرحلتها الراهنة التي يمر بها الإسلام وأهله ـ وآه لو كانت تلك هي همة شباب الأمة إذن لصنعوا الأعاجيب..
أخي الكريم: رسالتك تبعث على أمل بابه لم يغلق بعد، فعلى همة أمثالك من الشباب نحسبك والله حسيبك ـ يأتي الخير ويقترب النصر، أما أمثل الطرق وأولاها بالبدء في السير فيها هي أن تضيف إلى حبك للإسلام ورغبتك في خدمته، بأن تسلك سبيل العلم النافع.. أن تتعرف على قواعد الدين وأن تسير على طريق الهدى. طريق طلبة العلم، وأقصد بالعلم هنا.. العلم الشرعي ثم إن شئت ـ بعد ذلك أن تتخصص أو تتعلم أي علم آخر في مجالات الحياة المتعددة فلا بأس فعلوم الدنيا ـ إن أحسن المسلم تعلمها ـ تكون خادمة لعلم الدين. قال العلامة الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله " ... وبإمكان طالب العلم أن يدعو وهو يطلب العلم، ولا يمكن أن يقوم بالدعوة إلى الله وهو على غير علم، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: الآية 108] ، فكيف يكون هناك دعوة بلا علم؟ ولا أحد دعا بدون علم أبداً، ومن يدعو بدون علم لا يوفق. (ابن عثيمين ـ كتاب العلم) .
وعلى العموم فهناك نصائح حددها العلماء لمن أراد أن يخدم الإسلام أضعها بين يديك:(20/160)
1- تخدم الإسلام إذا صح منك العزم وصدقت النية: فإن الله عز وجل يبارك في العمل الخالص لوجهه الكريم حتى وإن كان قليلاً، والإخلاص إذا تمكن من طاعة ما حتى وإن كانت قليلة أو يسيرة في عين صاحبها ولكنها خالصة لله تعالى يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة.
2- تخدم الإسلام إذا عرفت الطريق وسرت معه: الطريق المستقيم هو سلوك طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أمر الدعوة ومبتدئها ووسائلها وطرقها والصبر على ذلك مع الرفق بالناس ورحمتهم فهم مرضى المعاصي والذنوب.
3- تخدم الإسلام: إذا استفدت من جميع الظروف المتاحة والإمكانيات المتوفرة: وهذه نعمة عظيمة فكل الوسائل مباحة إلا ما حرمها الله عز وجل، ونحن ندعو بكل الوسائل المشروعة مراعين الأدلة الشرعية والآداب المرعية.
4- تخدم الإسلام: إذا قدمت حظ الإسلام على حظوظك النفسية والمادية: خدمة هذا الدين معناه قيامك ببذل الغالي والنفيس من مال وجهد ووقت وفكر وغيرها، أرأيت من يحب رياضة (كرة القدم) مثلاً، كيف يُفرغ جهده ووقته وماله لمحبوبته تلك! وأنت أولى بذلك منه ولا شك.
5- تخدم الإسلام: إذا سلكت سبل العلماء والدعاة والمصلحين: فاستصحب الصبر وتحمل التعب والنصب فأنت في عبادة عظيمة هي مهمة الأنبياء والمرسلين ومن سار على أثرهم.
6- تخدم الإسلام: إذا ابتعدت عن الكسل والضعف والخور: فإن هذا الدين دين العزيمة والهمة والشجاعة والإقدام، ولا يضر الدعوة إلا خمول كسول، أو متهور جهول.
7- تخدم الإسلام: إذا ربطت قلبك بالله عز وجل وأكثرت من الدعاء والاستغفار ومداومة قراءة القرآن، فليس أنفع في جلاء القلوب وصقل الأرواح وجعلها تعمل ولا تكل، وتكدح ولا تمل من الإكثار من ذكر الله عز وجل والتقرب إليه بالطاعات ونوافل العبادات.
8- تخدم الإسلام: إذا ارتبطت بالعلماء العاملين: الذين لهم قدم صدق وجهاد معلوم في نصرة هذا الدين، فإن السير تحت علمهم وتوجيههم فيه خير عظيم، ونفع عميم.
9- تخدم الإسلام: إذا نظمت الوقت بشكل يومي وأسبوعي وشهري: فهناك أعمال تقضيها في اليوم، وأخرى في الأسبوع، وثالثة شهرية، ورابعة سنوية.
مثال اليومي: دعوة من تراهم كل يوم، وأسبوعي: من تقابلهم كل أسبوع، وشهري: مثل اجتماع الأسرة العائلي الشهري، وسنوي: مثل اللقاءات الكبيرة السنوية أو السفر إلى الحج أو العمرة وهكذا.
10- تخدم الإسلام: إذا وهبته جزءاً من همك، وأعطيته جزءاً من وقتك وعقلك وفكرك ومالك، وأصبح هو شغلك الشاغل وهمك وديدنك، فإن قمت فللإسلام، وإن سرت فللإسلام، وإن فكرت فللإسلام، وإن دفعت فللإسلام، وإن جلست فللإسلام.
11- تخدم الإسلام: كلما وجدت باباً من أبواب الخير سابقت إليه وسرت إلى الإسهام بالعمل فيه ... لا تتردد ولا تؤخر ولا تُسوف.
نسأل الله تعالى لنا ولك صادق النية وصالح العمل وحسن الثواب.. والله أعلم.(20/161)
يزدري المسلمين لتخلفهم
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 18/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشعر دائماً بأن صدري مملوء مغلول، وعقلي مليء بالأفكار الشريرة، وخاصة ضد المسلمين، فأنا متضايق جداً لحالهم، وأشعر أنهم جبناء وأغبياء "غثاء كغثاء السيل" لا يبالون بما هو مخطط لهم من أعدائهم، فهل لي من سبيل للخلاص مما أنا فيه، أو أن أصبح مثلهم؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اعلم - علّمك الله ما ينفعك ونفعك بما علّمك- أن هذا الشعور لن يزيد الأمر إلا سوءاً، وقد يتمادى بك هذا الشعور إلى درجة الإحباط واليأس، فتنكف يدك عن كل محاولة للإصلاح، فتصبح أنت الآخر -من حيث لا تشعر- غثاءً يضاف إلى ذلك الغثاء!.
هذا الشعور هو -بلا شك- إدراك منك بالخطر وبمرارة الواقع السيئ، فلا يغلبنك عليه اليأس فيصبح هذا الشعور هماً مثقلاً كالمرض المُقعد الذي يحوِّل صاحبه من عضو فاعل في مجتمعه إلى معطل عالة على أهله.
حسناً المسلمون اليوم جبناء، متخلفون، غثاء كغثاء السيل، ثم ماذا؟ ما العمل؟ هل ستقف أنت وأمثالك -ممن يُحسّون مرارة التخلف- مكتوفي الأيدي؟!.
أخي: اجعل من شعورك هذا منطلقاً لتصحيح الخطأ وإصلاح الفاسد وتسديد الفرج، وتوجيه المجتمع نحو المسار الصحيح، وتحريك دفة الإصلاح. وفقك الله.(20/162)
كيفية علاج النسيان
المجيب د. صلاح العادلي
أستاذ في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 16/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي عن نفسي، حيث إنني طالب علم شرعي، وأحاول الدراسة، ولكني كثير النسيان بسبب المعاصي، فكيف أقضي عليها؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد النبي والأمي وعلى آله وصحبه، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إجابة السؤال من شقين، الأول: كيفية الانتهاء عن المعاصي.
الشق الثاني: معالجة النسيان.
أما أولها فلتتبع الآتي:
1) الدعاء مع العزم على الترك والنية الصادقة.
2) تجنب الأسباب المؤدية للمعاصي كرفيق السوء، وإليه يشير قوله تعالى:"وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" [الأنعام:68] .
3) مجالسة الصالحين؛ ففي ذلك تشجيع على الطاعة، وابتعاد النفس عن المعصية، مع تجنب الجلوس منفرداً؛ لأن الجالس وحده عرضة لوسوسة الشيطان، والخلطة الصالحة عون على الخير.
4) تحديث النفس بآثار الطاعة من رضا الله، وما يستتبعه من كثرة الأرزاق والتيسير في الأمور.
5) الانشغال بالنافع من الأمور، هذا بعض ما ينبغي في كيفية القضاء على المعصية.
وأهم من ذلك:
ـ بذل الجهد في مجاهدة النفس حتى تترفَّع عن ارتكاب المعصية، وتتهيأ لفعل الطاعة.
ـ كذلك النظر في عواقب العصاة في الدنيا؛ فهذا أدعى لزجر النفس عن المعاصي ودعوتها إلى الطاعة.
الشق الثاني وهو (علاج النسيان) .
(1) يبدأ أيضا بالدعاء لحديث أبي هريرة-رضي الله عنه- الذي طلب فيه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو له بعدم النسيان، فصار سيدنا أبو هريرة -رضي الله عنه- أحفظ الصحابة لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكثرهم رواية له.
(2) الذكر لقوله تعالى:"واذكر ربك إذا نسيت.." [الكهف: 24] ، ومن الذكر (لا إله إلا الله) ، (سبحان الله وبحمده) ، (والصلاة على النبي) .
(3) الاستعاذة من الشيطان، لقوله تعالى:"فأنساه الشيطان ذكر ربه.." [يوسف: 42] .
(4) ترك المعاصي، وقد أشار إليها الإمام الشافعي حين قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي*** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور *** ونور الله لا يهدى لعاصي
(5) تفريغ القلب من الشواغل الدنيوية، وهناك أمور أخرى تساعد على التذكر وعدم النسيان، منها:
1) تكرار قراءة الشيء بوعي، وخصوصا القرآن الكريم؛ فإن القارئ الذي لا يتعاهد القرآن يتفلت منه.
2) كتابة ما يريد حفظه أو تذكره، فتقييد العلم بالكتابة.
3) التؤدة والتأني أو التمهل.
4) الراحة العقلية والقلبية والبدنية، وعدم الإجهاد الذي يكون بإفراط، وفي أول الأمر وآخره. تجمع بين شيئين، الطاعة مع الاهتمام والجد والاجتهاد فذلك يجعل الإنسان ذاكراً متذكراً.. والله أعلم.. نسأل الله الهداية والتوفيق.(20/163)
لا أريد أن أخسر آخرتي أيضاً
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 13/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أتكلم عما أعانيه وما قد يعانيه شباب كثيرون، أنا شاب، عمري فوق العشرين سنة، أعيش في بلد متحرر جداً، ولكن مع ذلك ملتزم (أرفض أي علاقة مع أي فتاة برغم كثرتهن وسهولة الحصول عليهن، وما إلى ذلك من حب وغرام وتسلية، وصولا إلى الزنا بأنواعه- أصلي، أدعو، أستغفر، بار بالوالدين، صادق، أمين، وذو أخلاق حميدة.(20/164)
تركني أهلي وسافروا للغربة للعمل في إحدى الدول، وبقيت وحدي في بيت جميل ونقود كثيرة، ومع ذلك حافظت على نفسي، وبالعكس زاد التزامي ومحافظتي على الصلاة، وامتدت إلى المحافظة على السنن والوتر، وأصبحت مواظباً على الدعاء بشدة، وأحسست بقربي من الله بشكل رائع، واعتقدت أني أمنت شر الدنيا ووحشيتها؛ لشدة قربي من الله وروعة علاقتي معه، ولكن اصطدمت منذ حوالي سنة وثلاثة أشهر بحادثة مروعة: راح ضحيتها أعز أهلي عليَّ، عندما سمعت بالحادثة حمدت الله على قضائه وقدره ولم أعترض، بل استغفرت وحمدت وصليت ركعتين لله رغم مصابي، مرت الحادثة بعون من الله، ولكن آثارها مازالت ولن تزول. الأمر الآخر أنني أدعو الله بتسهيل زواجي منذ حوالي 4 سنوات، وحاولت أن أستقل بنفسي مادياً، واستخرت الله في مشروع كنت أفكر أن أبدأ به حياتي، وبالتالي أستطيع الزواج، وكان أن سألت وشاورت وهممت بالمشروع، واستخرت ربي 5 أو 6 مرات، ولكن لم تأتني إجابة، ولم أشعر أن استفدت من الاستخارة أبدا، إلى أن جاء وقت العمل بالمشروع فتوقف لسبب من الأسباب، فقلت بنفسي علها إجابة الاستخارة، ورضيت بهذه النتيجة على أمل أن يعوضني الله خيرا منها، ولكن ذلك لم يحدث إلى الآن رغم حاجتي الشديدة لهذا المشروع؛ لأن زواجي وستري رهن به. الشيخ الكريم: أتعرض يومياً للكثير من الإغراءات وأرفض؛ بمعنى التالي (زنا حرام، عادة سرية حرام، زواج لا يوجد) لا الصيام نفع ولا الدعاء استجيب، وأموري تزداد تعاسة وسوءاً، أو لا فرج من الله أبدا، كنت أتوقع من الله -عز وجل- أن يفرج علي ويعوض مصيبتي بزواج أو بعمل أو أي شيء يخفِّف عني ما أصابني، ولكن من يوم الحادثة وأموري تزداد سوءاً، آسف على الإطالة، ما زلت أصلي ولكن الفروض فقط، لم يعد لي أمل باستجابة الدعاء. عندما ذهبت للعلاج النفسي من جراء ما حدث لي، قلت للطبيب عن كل ما حدث ووضعي كاملا، ففاجأني بكلمة لم أكن أعلم أنها حقيقتي، ولم أكن أريد الاعتراف بها، ولكنها هي ما أشعر به فعلا قال: (أنت ناقم على ربك مما فعله بك، وتشعر بالخيانة وخيبة الأمل من ربك الذي وثقت به كثيراً) ، صدمت واستغفرت الله على ذلك الكلام، ولكن للحقيقة هذا ما أشعر به، اليوم لم يعد لي أمل ولم أعد أنتظر خيراً أبداً، ومع ذلك لا زلت أصلي وسأبقى أصلي وأستغفر وأحمد، ولكن الله يعلم ما في القلوب، وشعوري ليس خافيا عليه، أريد أن أعيد علاقتي مع الله قوية كما كانت؛ لأنني أشعر بالضياع وبعدم فهم ما حدث ولماذا حدث، وأصبحت أخشى على نفسي الكفر والإلحاد أيضا بأنه لا يوجد رب ولا إله، ماذا أفعل؟ فأنا لا أريد أن أخسر آخرتي.
الجواب
أخي الفاضل -سلمه الله-: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أما بعد:(20/165)
فأشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، وحرصك على أمر دينك، وأرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة. ونعتذر عن التأخر في الإجابة على سؤالك.. ثم إنك بحاجة إلى أن تتذكر أن الله -سبحانه وتعالى- الذي خلقنا من عدم وأسبغ علينا وافر النعم، وهدانا من ضلالة، وعلّمنا من جهالة، وستر علينا إنه قدر علينا الابتلاء في هذه الحياة، وإنه لا يسلم منه أحد، وفي هذا يقول سبحانه "إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً" [سورة الإنسان: 2] ، ويقول سبحانه: "ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" [سورة العنكبوت 29/3] وقال سبحانه: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" [سورة البقرة 2/214] وقال سبحانه: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ" [سورة آل عمران 3/142] ، وقال سبحانه: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" [سورة محمد 47/31] ، وغيرها كثير من آيات القرآن الكريم التي يذكر الله فيها هذه الحقيقة التي قد تغيب عن الإنسان ويغفل عنها، وأكدها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأقواله، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما في المسند (1555) وصحيح ابن حبان (2900، 2921) وغيرهما بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (يا رسول الله من أشد الناس بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى العبد على حسب دينه إن كان صلب الدين اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يدعه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) . وأخرج الترمذي (2402) والبيهقي (6345) عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض". وحياته صلى الله عليه وسلم مليئة بصور الابتلاء فمن فقد أمّه وجدّه ثم عمّه ثم زوجته خديجة، ثم طرده من بلده، ثم صور لا تخفى عليك من صور المعاناة والبلاء العظيم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك رجلان منا، انظر ما أخرجه البخاري (5324) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، وقد فقد أبناءه الذكور كلهم في حياته، وكذلك ثلاث من بناته عليه الصلاة والسلام. وهكذا حال صحابته وإخوانه من الأنبياء والمرسلين.(20/166)
وقد كان نبي الله أيوب -عليه السلام- غاية في الصبر وبه يضرب المثل في ذلك، وقد ابتلاه الله بذهاب الأهل والمال والولد ولم يبق شيء له ومع ذلك أحسن الذكر والدعاء لربه، وقال: "إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" [الأنبياء 83] . فعليك أن تتذكر ذلك لا سيما وأنت ترى الناس من حولك من منهم لم يبتلَ ببلية، فعليك أن تدرك أن ذلك ليس خاصاً بك، وأنه لا يعني أن الله يكرهك أو أنه سبحانه ناقم عليك على العكس، فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ثم واجب عليك أن تحسن الظن بربك، وتدرك أن ما يقدره الله على العبد خير له من تقديره لنفسه، وكم من قدر أصاب العبد وكرهه عند وقوعه فتبيّن له بعد حين أنه خير له، وصدق الله "وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (216) ، [سورة البقرة 2/216] . ثم موضوع الاستخارة ذكرت فيه أنك لم تر شيئا بعد الصلاة، وليس من شرط صحة صلاة الاستخارة رؤية شيء في المنام أو غيره، بل إذا رأيت الأمر المستخار من أجله تيسر فهو خيرة الله لك، وإذا لم يتيسر فهو من خيرة الله لك. فأنصحك أن تكثر من التوبة والاستغفار مما تكلمت به واعتقدته في حق خالقك الرحيم بك وبخلقه الرؤوف الودود سبحانه، وينبغي عليك أن تتصور أن ما أصابك من ضر أو فقد حبيب يهون أمام مصائب الآخرين ممن فقد أهله كلهم، وأصبح شريدا وحيدا يفترش الأرض ويلتحف السماء، ثم أليس حالك أحسن من حال من أصبح مشلولا أو مصاباً بمرض عضال، أو لا يملك البتة من حطام الدنيا شيئاً؟، إن الإنسان منا إذا رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، وعلم أن الله حكيم عليم خبير. ثم إني أبارك لك ثباتك على الصلاة مع ما أصابك؛ لأن هذا هو الواجب والمتعين على المسلم ألا يدع أمر ربه وطاعته مهما أصابه من بلايا ومصائب، بل على العكس العبد يزداد لجوءاً إلى الله إذا ضاقت به الدنيا وازدادت معاناته منها كما كان يفعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ثم إني أنصحك بعد هذا بأمور ومنها:
1- تذكَّر فضل الله عليك بالنعمة التي أنت فيها، في حين غيرك محروم من أكثرها.
2- أنصحك بقراءة كتاب تسلية أهل المصائب لابن رجب الحنبلي فإنه مفيد في بابه.
3- اجلس مع الصالحين الطيبين من أهل العلم، أو إمام مسجد ترتاح له أو شاب صالح؛ فإنهم يعينوك على ما أنت فيه.
4- لا يفتر لسانك من الاستغفار والتوبة؛ فإنهما باب عظيم للرزق والفرج.
5- إذا تعذَّر عليك الزواج وما منعك الصيام من التفكير في الشهوة فلا بأس بالعادة السرية للضرورة طالما أنها ستمنعك من الوقوع في الزنا، على أن تعجل بالزواج ولو باليسير مما معك، وتذكَّر أن ثلاثة حق على الله أن يعينهم ومنهم طالب النكاح.
6- احضر مجالس الذكر والوعظ والعلم؛ فإنها تغسل أدران النفوس والقلوب.
7- أكثر من سؤال الله الثبات على دينه وردد ما كان يردده المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من قوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" أخرجه ابن حبان (943) ، وغيره من حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه-.(20/167)
8- أكثر من الفأل الحسن فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه الفأل، والله عند ظن عبده به.
9- الدنيا لا زالت بخير وبإمكانك استدراك ما فاتك، وتذكّر أن مرضى فيهم صور من العجز الكبير تجاوزوا محنتهم بالهمة والعزم، وتغلّبوا على مأساتهم ومعاناتهم بشق الحياة من جديد، وانتصروا على حالهم البئيس بعون من الله وتوفيقه، وفي ظني أنك تملك الكثير من الإمكانيات والهمة العالية التي ستعينك على التغلب على مأساتك.
- ولك مني الدعاء في ظهر الغيب، والله معك وهو المسؤول أن يوفقك ويفتح عليك وييسر أمرك ويشرح صدرك ويثبتك على دينه. والسلام عليكم.(20/168)
يزعم أننا نعبد الحجر الأسود، فكيف أقنعه؟!
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
(عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) .
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 10/02/1426هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: أثناء مناقشتي مع زميل غير مسلم سألني: لماذا يعبد المسلمون حجراً أسود يحفظونه في الكعبة ويتفاخرون بلمسه، فلم يقتنع بأننا نعبد الله الواحد الأحد، حيث إنه يقول إننا نتوجه إلى هذا الحجر بالعبادة, فكيف أشرح له؟ أفيدونا أفادكم الله، علماً بأنه لا يعتقد بوجود الله، ولا يمكنني أن أقنعه بالقرآن الكريم؛ لأنه لا يصدق بالله ولا بالقرآن.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
من أصول الحوار والمناقشة مع من لا يؤمن بالإسلام سواء كان يتبع أديان كتابية أو غير كتابية، أو لا يتبع ديناً أصلاً؛ ألا يُناقش في الجزئيات والفرعيات، لأن النقاش فيها يضيع الوقت ولا يجلب فائدة تُذكر، والأصل في ذلك البداءة في الأصول الكلية، فمثلاً عند مناقشة اليهود والنصارى الأفضل البداءة بالقضايا الأساسية في هذه الأديان كنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وختم النبوة به، ومسائل ألوهية المسيح والكتاب المقدس، ومثل ذلك من الأصول الكلية في هذه الأديان، وأيضاً الأديان غير السماوية مثل البوذية والهندوسية يحاورون في أصول دينهم، كأصل بوذا وأصل الهندوسية وآلهتهم وغيرها.
أما إذا كان المحاج لا يؤمن بالله أصلاً فالأولى أن يُبدأ فيه في الأصل وهو إثبات وجود الله ومناقشته، فيه فإذا أثبت وجود الله ينتقل إلى المرحلة الثانية، وهو أثبات أن هذا الإله لما خلق الخلق لم يتركهم هملاً بل أرشدهم إلى الطريق الصحيح وذلك بوساطة رسل وأنبياء، وهؤلاء الأنبياء كان مصداق نبوتهم إتيانهم بالمعجزات الخارقة لمجرى الطبيعة التي تبين أنهم أنبياء، ومعجزاتهم حفظتها البشرية من أقدم العصور، ومن هؤلاء الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أتى بالدين الإسلامي. وهذه الأدلة كلها عقلية تنفع مع من لا يؤمن بالقرآن.
أما ما ذكرت من اعتقاد زميلك من أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود فهذه دعوى لا تقبل إلا بالدليل، وعلى المدعي أن يأتي بالدليل وإلا سقطت دعواه ـ إن كان المدعي موضوعياً ـ وهذا الدليل يجب أن يكون من كتب المسلمين ومن مراجعهم العلمية المعتبرة، وأما الادعاء فمن السهولة أن يدعي أحد على أي أحد أنواعاً من الأقوال الكاذبة، ولكن يبقى المحك الأساسي هو الإثبات والتوثيق.
أما ما يعتقده المسلمون في الحجر الأسود حقيقة فكما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في صحيح مسلم (1210) من حديث عبد الله بن سرجس قال: (رأيت عمر بن الخطاب يقبِّل الحجر الأسود ويقول: والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ". فالمسلمون لا يعبدون الحجر، ولا يقبلونه لكونه شيئاً آخر؛ بل امتثالاً لسنة من يعتقدون أنه نبي، وأنه صادق من عند الله.(20/169)
ماذا يفعل المظلوم؟
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 28/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
إذا وقع ظلم كبير على شخص، وأهينت كرامته، وذلَّه شخص آخر، ومن الممكن له الانتقام، ولكن سيعاقب على انتقامه، مع العلم أنه منحط نفسيًّا حتى الموت، فما السبيل؟ وما هي الأدعية المستجابة -بإذن الله- على الظالم؟ أفيدوني بواقعية ودقَّة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله قاضي الحاجات، ومفرج الكربات، ومجيب الدعوات، ناصر المظلومين، وخاذل الظالمين، وهو القوي العزيز، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
إلى الأخ السائل: - سلمه الله تعالى- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اعلم -أخي الكريم- أن الظلم داء خطير، يعصف بالظالم قبل المظلوم، وينذر بالخراب المحتوم، ولهذا قيل: إن الظلم مرتعة وخيم، وقال بعضهم:
لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكاً *** جنوده ضاق عنها السهل والجبل
ومن بشاعة الظلم أن الجبار -جل جلاله- حرّمه على نفسه؛ فقال عز من قائل -سبحانه- في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ... " أخرجه مسلم [2577] من حديث أبي ذر- رضي الله عنه-، فالظلم من كبائر الذنوب، ومن أشنع المحرمات وأبشعها، ما أحله دين من الأديان، ولم تقره شريعة من الشرائع، ولم يبحه عرف من الأعراف؛ لأن عاقبته وخيمة في الدنيا قبل الآخرة، فالظلم سبب لنزول النقم، وسلب النعم، ومدعاة للمحق والبغض من الرب جل جلاله.
ولخطورة هذا الشر المستطير، وشناعة آثاره، وبشاعة نتائجه، وخبث ثماره، لم يمهل الرب -جل وعلا- فاعله إلى الدار الآخرة ليذيقه الهوان العظيم، والعذاب الأليم، والنكال المبين، بل يعجل له العقوبة والعذاب في الدنيا، ويريه شر ما جنت يداه ليشفي صدور قوم مظلومين مقهورين، فوضوا الأمر إلى رب العالمين.
قال صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" أخرجه أبو داود (4902) ، والترمذي (2511) ، وابن ماجة (4211) من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-. والبغي هو الظلم.(20/170)
فالظالم خاسر مغبون؛ لأن الله هو الذي يقتص منه، فمهما أوتي الظالم من قوة وجبروت، فهذا كله لا يمنعه من عقاب الله جل وعلا " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار* مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء" [إبراهيم: 42-43] ، وقد تواترت الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم الظلم والتحذير منه والنهي عنه، وبيان عواقبه الوخيمة، فمن ذلك قوله تعالى: "والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير" [الشورى: 8] وقال تعالى: "ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع"، وقال تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً ويصلون سعيراً" [النساء: 10] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) [هود: 102] الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري (4686) واللفظ له، ومسلم (2583) من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- والآيات والأحاديث في بيان عاقبة الظلم والتحذير منه، والنهي عنه كثيرة، لكن فيما ذكر كفاية لمن أراد الهداية، فماذا يجب على المظلوم فعله؟.
ينبغي للمظلوم أن يفوض أمره إلى الله ويقول: "وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد" [غافر: 44] ، ويكثر من قوله: "حسبنا الله ونعم الوكيل" [آل عمران: 173] ، وعليه أن يكثر من الدعاء على من ظلمه ويبشر بالخير؛ فقد أخذ الجبار -جل جلاله- بإجابة دعوة المظلوم؛ قال صلى الله عليه وسلم: "اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" متفق عليه. أخرجه البخاري (1496) ، ومسلم (19) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم، تُحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب - عز وجل-: "وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين"أخرجه أحمد في المسند (7983) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وصدق من قال:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
على المظلوم أن يستعين على الظالم بسهام الليل، فما هي سهام الليل؟ إنها الدعاء.. وقف أحد الرعية أمام أحد الطغاة، وقد أوقع عليه ظلماً شديداً، فقال الرجل للطاغية لأستعين عليك بسهام الليل! قال الطاغية: ما سهام الليل؟ قال الرجل: الدعاء.(20/171)
فيا أيها المظلوم أبشر بنصر الله لك في الدنيا قبل الآخرة، وقبل أن أغادر هذا المقام أود أن أهمس في أذن كل ظالم ببعض الكلمات؛ لعله يرجع عن ظلمه، ويقف عند حده، أيها الظالم! احذر أن تأتي يوم القيامة مفلساً، قال صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا ما لا درهم له ولا متاع، قال صلى الله عليه وسلم: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة ومعه صلاة وزكاة وصيام، ولكن قد شتم هذا، وسفك دم هذا، وأكل مال هذا، وظلم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته، وبقي عليه شيء أخذت من سيئات من ظلمهم فطرحت على سيئاته ثم طرح في النار" أخرجه مسلم (2581) وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فاحذر يا مسكين من نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى. فما هو الحل إذاً؟ قال صلى الله وسلم: "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" أخرجه البخاري (2449) . وعلى المظلوم أن يقرأ الآيات والأحاديث والقصص التي جاءت في نهاية الظالمين؛ لكي يكون على يقين بأن الله سيأخذ له بحقه، ومن أفضل ما كتب في ذلك كتاب (الجزاء من جنس العمل) للشيخ العفافي.
هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/172)
كيف أحب في الله
المجيب د. عبد الله بركات
وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 26/01/1426هـ
السؤال
أرجو من فضيلتكم ضرب بعض الشواهد بالأدلة عن كيفية الحب في الله، وبالذات للمستقيمين على شرع الله؛ لأن منهم من يدخل عليه الشيطان من هذا الشيء وخاصة الذي تاب؛ لأنه لا يعرف كيف يتعامل مع هذا الحب الصافي النقي الطاهر.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فأسأل الله بأسمائه وصفاته أن يرزقنا حبّه وحب من يحبه، وحب عمل يقربنا إلى حبه. آمين.
1- أخي الكريم، اعلم -يرحمني الله وإياك- أن الحب في الله لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء، وعليه فليس من الحب في الله أية علاقة فيها التبادل واحدة مقابل واحدة؛ إذ ليس الواصل بالمكافئ.
ولعل المثال الحي في قصة مسطح مع الصدّيق رضي الله عنه، وأمر الله فيها كما ورد في سورة النور (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله - وليعفوا وليصفحوا. . ."الآية [النور:22] .
2- الحب في الله لا يتعدى حدود الله، فليس فيه علاقة جسدية بين ذكر وأنثى. ولا حتى ما يوصّل إليها. وإنما حب خير ودفع شر في إطار من دين وخلق قويم.
3- الحب في الله إيثار بالخير على النفس ولو كان بها خصاصة، ولعل فيما ورد بشأن الأنصار وحبّهم للمهاجرين المثل الحي لذلك كما ورد في سورة الحشر: "والذين تبو ءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" الآية [الحشر:9] ....
فابذل من الخير لمن أحببته في الله بالقدر الذي تحبه لنفسك، وهذا هو الحد الأدنى، أو قدّمه على نفسك ابتغاء مرضاة الله وهذا حدّك الأعلى، وحقق هذا البعد في دفع المضار، دون تجاوز لحدود الله أو تفريط في إقامتها، والتزام حقوق الأخ المسلم على أخيه من أوليات مقام الحب في الله تعالى والله المستعان. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(20/173)
تائه في صحراء الفكر
المجيب د. حسن الحميد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقاً-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 14/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
بعد التحية أورد لكم رسالتي هذه بكلام أرقني كثيراًً لا أعرف حقيقة ما أقول، ولكن سأروي لكم جزءاً من قصتي علها تفي بالغرض: كنت عضواً في إحدى حلق القرآن الكريم المنتشرة في ذلك الوقت، وحفظت القرآن كغيري من الطلاب، وكنت في تلك الفترة أقرأ في بعض الكتب مثل مدارج السالكين والأجرومية والرسائل والأصول في علم الأصول والظلال، فنهرني مدرس الحلقة في ذلك الوقت، وقال إن مثل هذه الكتب يصعب عليك فهمها، والحقيقة لم يكن لذلك الخلاف أن يفسد ما بيننا من قضية، فقد رحلت إلى إحدى المدن لأكمل دراستي، وتخصصت في الأدب ولا أخفيكم سراً فقد أتاح لي هذا التخصص التعرف على آداب اللغات الأخرى، فتعلمت اثنتين منها وأتقنتهما، وبدأت القراءة فيها، فقرأت في شتى العلوم في الأدب واللغة والأديان والفلسفة وتعمقت في تلك الأخيرة، فقرأت لآبائهم (سرتر) في الوجودية، وأرسطو وإشكالاته التقليدية والبنيوية، وتعرفت على الفلسفة العربية كالإمام الغزالي وأجيال الفلاسفة الأندلسيين ثم مقولاتهم في الإحلال والترقي، وهنا بدأت مشكلتي، قرأت في الصوفية الشيء الكثير، والأشعرية، والأسماء والصفات، حتى إني أحس بظلمة في قلبي، دائماً أحس بالهم، لا أكف عن البكاء طوال الليل أنا - بكل اختصار- تائه، ولكني من جانب آخر أحس أني أملك مقدرة على تحليل الأشياء تكونت وترسبت من تلك القراءات، ويعترف بها الجميع لا سيما الذين اطلعوا على أطروحاتي الأدبية، عرفت أن الحكمة ضالة المؤمن، ولكني أعترف أنني لست مؤمناً، وأنظر إلى طرق إخواننا الذين يحاولون صرفي عن هذه المواضيع، فأراها وهي تحمل كثيراً من السطحية، وأرى برامجهم وما تحويها من تخلُّف، ولكني -مثل ما أوردت أعتقد أني أيضاً شطحت عن الطريق قليلاً. أرجو أن تساعدوني.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:(20/174)
فلعلك قد أوتيت قدراً من الذكاء والطموح فوق ما كان يتصوره أستاذك في الحلقة، ولعل أستاذك أيضاً لم يكن لديه من سعة الأفق ما يمكنه من تفهم تطلعاتك.. وهذا يحصل لعدد من الطلاب. لكن يختلفون في التعامل مع هذه الحالة، فمنهم من يكمل نفسه بطريقته الخاصة، ويبقى محافظاً على أوليّات التربية وأدبياتها، يحفظ للأستاذ المربي الودّ، ويعترف له بالفضل، حتى ولو أصبح التلميذ شيخاً، والمربي الشيخ طالب علم في حلقته. وقد يوجد بين الطلاب من يقلل من شأن مربيه بحجة قلة علمه أو محدودية قدراته، أو لكونه أخطأ في حقه مرة أو مرات! وقد يتجاوز به الأمر حد الشعور بالندية والمساواة إلى مرحلة الاستعلاء والشعور بالفوقية، وهذا المسلك ينتهي بصاحبه غالباً إلى نوع من نكران الجميل، وربما إلى الذم ونسبة ما آل إليه أمر الطالب من نقص إلى مسلك شيخه ومربيه، وما ظفر من معرفة وتفوق إلى ذاته ونفسه وجهده، بل إلى بعده عن شيخه ومربيه، وهذا غلوّ في الجحود، وغرور في النفس لا تسلم من عواقبه غالباً، وقد يمعن الأخ في الهروب من واقعه السابق؛ بحجة البعد عن معوقات الانطلاق فيعاقب نفسه من حيث لا يشعر، وربما فضّل أنواعاً من السلوك المنحرف بغية التخلص من شبح التعلُّق بالماضي، ولو أنه فكَّر ملياً، وقدّر العواقب، لنظر إلى كل مرحلة بما يناسبها، وحاول التخلص من سلبياتها والإفادة من إيجابياتها، ولم يعرّض ثوابت التدين وأصل الالتزام للمقامرة فإنه رأس المال، وليس من العقل المقامرة به، بل تنميته وزكاته.
أخي الكريم، إن المعرفة مبذولة للجميع، يأخذون منها بقدر ما يمنحونها وبقدر ما تؤهلهم ملكاتهم، ولكن الشأن في المعرفة الهادفة الإيجابية، التي تساعد في بناء شخصية متوازنة، والتي تبنى على قاعدة من التدبر الواعي، والوعي المنضبط. أما المعرفة التي تتجه بصاحبها إلى القلق أو الشك، أو التحلل من الضوابط الأخلاقية، وكلما أمعن فيها ازداد بُعداًَ عن الأهداف التي يفترض أنه طلب المعرفة لأجلها، بحيث يتمنى أن يعود إلى نقطة الصفر، ليستعيد ثقته بنفسه، وهدوئه، وإيمانه البسيط، وأن يدفع ثمناً لذلك كل مكتسباته الجديدة، بما فيها ألقاب المديح، وإعجاب الآخر.. إن هذه معرفة عقيمة لا بركة فيها، كريح عادٍ التي ما تذر من شيء إلا جعلته كالرميم، ولعل في حكاية المرأة العجوز وجوابها لمن قال لها بفخر: أن فلاناً - أحد الفلاسفة - أحصى ألف دليل على وجود الله. قالت: يا هذا لو لم يكن عنده ألف شك لما احتاج إلى ألف دليل!.
إن القراءة الواعية في أبواب المعرفة المختلفة تغني عن الارتماء في أحضان كتب الفلسفة وأسفار علم الكلام، وما أحسن قول شيخ الإسلام ابن تيمية عن علم الكلام: لا يحتاج إليه الذكي، ولا يستفيد منه البليد.(20/175)
إني أدعوك إلى الرجوع القهقري شيئاً حتى تضع حداً لهذا التيه الذي أوصلتك إليه هذه المعرفة العقيم. ارجع إلى القرآن الكريم، اقرأه بهدوء وتأمل، واقرأ في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما أشكل عليك فراجع كتب التفسير والشروح.. استفد من مخزون المعرفة المشوش لديك في تطوير أسلوب الفهم. واعترف بشجاعة أنك بقدر ما كسبت المعرفة خسرت نفسك، فكأنك خسرت الاثنين معاً لأن هذه المعرفة صارت شيئاً تدفع ثمنه، بدلاً من الاستمتاع بها.
أعد النظر في أصحابك وندمائك، وأغلب الظن أنك إما منقطع عن الأصدقاء، أو متخير لأصدقاء على شاكلتك في التفكير، وهؤلاء يصعب عليك التصحيح معهم، فتخير جلساء يجمعون بين الاستقامة شاكلتك وهدوء النفس وسلامة التدين.
وما تعانيه من شكوك هو ثمرة طبيعية لإقحام العقل في غير مجاله، واستحسان طرائق الفلاسفة والمتكلمين الشكاك الذين تجاوزوا بالعقل قدره بحجة المعرفة، حتى بلغ ببعضهم أن أصبح الشك والإلحاد، والحلول، والفوضى الفكرية ... أصبح كل ذلك ثقافة!! فأنت قد سمحت لنفسك - تحت ظروف معينة - أن تكون مقلداً لهم دون أدنى خصوصية لنفسك.
وأقرب مخرج للنجاة أن تتذكر ما قيل في ذم التقليد، ولعلك قد لجأت إليهم فراراً من تقليد شيخك ومربيك، ففرت من النقيض إلى النقيض.
وأخيراً أقول لك: توقف فوراً، وتذكر قيمة الحياة والمعرفة ونهاية الأشياء وبداياتها، وحكمة الخالق وقدرته وآثار أسمائه وصفاته. ولا تسمح لنفسك بتفوق غير طبيعي، واعلم أنك سائر إلى الله وافد عليه، فأحسن وفادتك.
وإنما المرء حديث بعده، فكن حديثاً حسناً لمن روى، وطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه.
ولا تجعل المعرفة التي هي وسيلة هادمة للغاية التي هي الإيمان والسعادة في الدارين، فتكون كمن بنى قصراً وهدم مصراً.
وفقك الله ونوّر بصيرتك.(20/176)
أعيدوا لي الأمل في الحياة
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 10/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أخشى الموت وما بعد الموت، مع العلم أنني في عمل الخير وتقوى الله، لقد فقدت والدي، وبعده بنتي في مدة شهرين، مما زاد يقيني بأن الحياة تمر بسرعة، وأن الحياة الحقيقية هي التي بعد الموت، فأرجو أن تدلني على كتاب يعيد لي الأمل في الحياة، ويمنحني التوازن بين العمل للدنيا والعمل للآخرة. وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الأخ الكريم/ -سلمه الله ورعاه- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد: فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
أولا- أوصيك بالصبر والاحتساب، فإن الموت حق على كل نفس، وقد قال الله -تعالى-: "كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ" [سورة آل عمران:185] ، وذكر نفسك بمصيبة فقد النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنها أعظم مصيبة، ثم قل هذا الدعاء الذي وجه به النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: " مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَقَالَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ " موطأ الإمام مالك كتاب الجنائز باب جامع الحسبة في المصيبة (558) ومسلم (918) .
ثانياً- في تصوري أنك لا زلت حديث عهد بالمصيبة، وليس من السهل النسيان في هذه الفترة، ولذلك أقترح عليك أن تجعل الوقت هو الكفيل بتخفيف حدة هذا التفكير لديك، وإن كنت أقترح عليك ألا تجلس وحدك ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأن تشغل وقتك بالمفيد النافع كلما تيسر لك الأمر؛ لأن في الانشغال سلوة ومدعاة للنسيان.
ثالثاً- حاول أن تذكر نفسك مآسي غيرك من المسلمين الذين فقدوا الأهل والمال والوطن والأمن، ولا زالوا يتجرعون ألوانا من الأسى والمعاناة واحمد الله كثيراً أنك أحسن من غيرك بكثير.(20/177)
رابعاً- أكثر من اللجوء إلى الله أن يصرف عنك الهم والغم وأن يملأ قلبك سكونا وطمأنينة ورضا وعليك بهذا الدعاء: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب من غزا بصبي للخدمة (2893) ، وهذا الدعاء الذي يقول فيه الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-: " مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا"مسند الإمام أحمد بن حنبل مسند عبد الله بن مسعود -رضى الله تعالى عنه- (3712) .
والله معك وهو المسؤول أن يوفقك لكل خير ويصرف عنك كل شر إنه جواد كريم.(20/178)
لم أجد لدعائي أثراً
المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 04/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا بحمد الله إنسانة مسلمة، أصلي وأصوم، ودائماً أكمل فروض الله، وأعيش مع زوجي على الحلوة والمرة، مشكلتي أني أحس دائماً أن كل شيء مسدود في وجهي، وحتى الحاجة التي قريبة مني أشعر بأنها بعيدة عني، ودائماً أدعو وأدعو، وأشعر أن الله لا يستجيب دعائي، لماذا لا يستجيب الله دعائي؟ هل هذا من عمل السحر؟ وهل فك التبيعه أو إبطال السحر حلال أم حرام؟ السلام عليكم.
الجواب
احمدي الله أنك مسلمة تصومين وتصلين، وتؤدين الفرائض.
وعليك مع ذلك أن تحسني الظن بربك؛ لأن الله - عز وجل - يقول في الحديث القدسي الصحيح: "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء" أخرجه أحمد (16976) .
وعليك أن تكوني متفائلة محسنة الظن بربك بعيدة عن التشاؤم؛ لأن المتشائم - كما يقول ابن القيم رحمه الله - متعب القلب، مُنَكَّد الصدر، كاسف البال، سيء الخلق، أشد الناس خوفاً، وأنكدهم عيشاً، وأضيقهم صدراً، وأحزنهم قلباً.
وكم حرم نفسه بذلك من حظ، ومنعها من رزق، وقطع عليها من فائدة.
وعلى العكس من ذلك المتفائل؛ فهو واسع النظرة، فسيح الصدر، عالي الهمة، موفور النشاط.
ومما يعينك على التحلي بالتفاؤل، والسلامة من التطير والتشاؤم ما يلي:
1- استحضار ضرر الطيرة: فهي نقص في العقل، وفساد في التصور، وانحراف عن سوء الصراط.
وهي موجبة لانقباض النفس، وسوء الخلق، وفوات الخير.
وهي من كيد الشيطان، وتخويفه، ووسوسته، وإغوائه.
وهي مفسدة للتدبير، منغصة للعيش، مسببة للخذلان.
وأعظم من ذلك أن الطيرة باب إلى الشرك؛ إذ هي منازعة لله في شرعه وقدره، وهي مفضية إلى أبواب الدجل والخرافة.
فإذا استحضر العاقل ضرر الطيرة أقصر عنها، ولم يعد يلتفت إليها.
2- المجاهدة: فقد تكون الطيرة مستحكمة في الإنسان، متمكنة من عقله.
وعلاج ذلك بالمجاهدة، وترك الاسترسال مع ما يلقيه الشيطان في روعه، وبتكلف ذلك مرة إثر مرة حتى يزول أثر الطيرة من قلبه.
3- الإيمان بالقضاء والقدر: وذلك بأن يعلم الإنسان علم اليقين بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنه لن يصيبه إلا ما كتب له؛ فذلك يحسم مادة الطيرة، ويزيل أثرها من القلب؛ فمن سلم لله واستسلم له لم يبق للخوف في قلبه موضع.
(وفي التسليم- أيضاً- فائدة لطيفة، وهي أنه إذا سلمها لله فقد أودعها عنده، وأحرزها في حرزه، وجعلها تحت كنفه؛ حيث لا تنالها يدُ عدوٍّ عادٍ، ولا بغي باغٍ عاتٍ) (1) .
4- إحسان الظن بالله: فذلك موجب لراحة القلب، وطمأنينة النفس، فالله-عز وجل-عند ظن العبد به؛ فالمؤمن الحق يحسن ظنه بربه، ويعلم بأنه-عز وجل-لا يقضي قضاء إلا وفيه تمام العدل، والرحمة، والحكمة؛ فلا يتهم ربَّه فيما يجريه عليه من أقضيته وأقداره.
وذلك يوجب له استواء الحالات عنده، ورضاه بما يختار له سيده، كما يوجب انتظار الفرج، وترقَّبه.
وذلك يخفف حمل المشقة، ولا سيما مع قوة الرجاء، أو القطع بالفرج؛ فإنه يجد في حشو البلاء من رَوْح الفرج ونسيمه وراحته ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج مُعَجَّل.(20/179)
5- التوكل على الله - عز وجل -: والتوكل في لسان الشرع إنما يراد به توجه القلب إلى الله حال العمل، واستمداد المعونة منه، والاعتماد عليه وحده؛ فذلك سر التوكل وحقيقته.
والشريعة أمرت العامل بأن يكون قلبه مطوياً على سراج من التوكل والتفويض، والذي يحقق التوكل هو القيام بالأسباب المأمور بها؛ فمن عطَّلها لم يصحَّ توكله.
فإذا توكل العبد على ربه، وسلم له، وفوض إليه أمره-أمده الله بالقوة، والعزيمة، والصبر، وصرف عنه الآفات التي هي عُرْضةُ اختيار العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.
وهذا يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات، ويفرغ قلبه من التقديرات، والتدبيرات التي يصعد منها في عقبة، وينزل في أخرى.
ومتى صح تفويضه، ورضاه اكتنفه في المقدورِ العطفُ عليه، واللطف فيه؛ فيصير بين عطفه ولطفه؛ فعطفه يقيه ما يحذره، ولطفه يهوِّن عليه ما قدِّر له.
ومع هذا فلا خروج للعبد عما قدر عليه؛ فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود، مشكور، ملطوف به.
وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به.
وصدق الله إذ يقول: [فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ] (آل عمران: 159) .
6-الاستعاذة بالله: فالطيرة-كما مر-من وساوس الشيطان، وتخويفه.
فإذا استعاذ الإنسان بالله من الشيطان أعاذه الله منه، ووقاه من كيده ووسوسته.
قال- تعالى-: [وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] (فصلت: 36) .
هذه بعض الأمور التي تعينك على التفاؤل، وتجنب التشاؤم.
أما شعورك بأن دعاءك لا يستجاب فذلك بسبب تشاؤمك وسوء ظنك.
وإلا فما الذي أدراك أن دعاءك لم يجب، أو ما علمت أن للدعاء شروطاً، وآداباً، وأن من أعظمها إحسان الظن بالله، وانتظار الفرج، وتجنب الاستعجال، والجزم في الدعاء، والعزم في المسألة، والإلحاح على الله - عز وجل -.
ولا ريب أن من البلاء على المؤمن أن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء، ويبالغ فيه، وتطول المدة، فلا يرى أثرًا للإجابة.
ومن هنا يجد الشيطان فرصته، فيبدأ بالوسوسة له، وإساءة ظنه بربه، وإيقاعه بالاعتراض على حكمته.
فينبغي لمن وقعت له هذه الحال ألا يختلج في قلبه شيء مما يلقيه الشيطان؛ ذلك أن تأخر الإجابة مع المبالغة في الدعاء يحمل في طياته حكمًا باهرةً، وأسرارًا بديعة، لو تدبرها الداعي لما دار في خَلَدِه تضجر من تأخر الإجابة.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك الحكم والأسرار، والتي يجمل بالداعي أن يتدبرها، ويحسن به أن يستحضرها.
1- أن تأخر الإجابة من البلاء الذي يحتاج إلى صبر: فتأخر الإجابة من الابتلاء، كما أن سرعة الإجابة من الابتلاء.
قال - تعالى -:"وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" [الأنبياء: 35] .
فالابتلاء بالخير يحتاج إلى شكر، والابتلاء بالشر يحتاج إلى صبر؛ فإياك أن تستطيل زمان البلاء، وتَضْجَرَ من كثرة الدعاء؛ فإنك ممتحن بالبلاء، مُتَعَبَّدٌ بالصبر والدعاء.(20/180)
فلا تيأسن من روح الله وإن طال البلاء؛ فإن الله - عز وجل - يبتليك؛ ليبلو أخبارك، وهل الابتلاء إلا الإعراض وعكس المقاصد؟
قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله -: (أصبحت ومالي سرور إلا في انتظار مواقع القدر؛ إن تكن السراء فعندي الشكر، وإن تكن الضراء فعندي الصبر) (2) .
2- أن الله - عز وجل - هو مالك الملك: فله التصرف المطلق بالعطاء والمنع، فلا راد لفضله، ولا معقب لحكمه، ولا اعتراض على عطائه ومَنْعِه؛ إن أعطى فبفضل، وإن منع فبعدل.
قال ابن ناصر الدين الدمشقي- رحمه الله -: (فإنه ليس لأحد مفر عن أمر الله وقضائه، ولا محيد له عن حكمه النافذ وابتلائه، إنَّا لله ملكه وعبيده، يتصرف فينا كما يشاؤه وما يريده) (3) .
3- أنه لا حق للمخلوق على الخالق: فالمخلوق مربوب، مملوك، مقهور، مُدَبَّر، والخالق ربٌّ، قاهر، مُدَبِّر.
والمملوك العاقل مطالب بأداء حق المالك، ويعلم أنه لا يجب على المالك تبليغه ما يهوى؛ فكيف يُقَصِّر المملوك ثم يطلب حقه كاملاً مع أنه لا حق له أصلاً؟!
قال ابن القيم- رحمه الله -: (فمن أنفع ما للقلب النظرُ في حق الله على العباد؛ فإن ذلك يورث مقت نفسه، والإزراء عليها، ويخلصه من العجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل، والانكسار بين يدي ربه، واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل إلا بعفو الله، ومغفرته، ورحمته؛ فإن حقه أن يطاع ولا يعصى، وأن يذكر ولا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
فمن نظر في هذا الحق الذي لربه عَلِمَ عِلْمَ اليقين أنه غير مؤدٍ له كما ينبغي، وأنه لا يسعه إلا العفو والمغفرة، وأنه إن أحيل على عمله هلك.
فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله - تعالى - وبنفوسهم، وهذا الذي أيأسهم من أنفسهم، وعلق رجاءهم كله بعفو الله ومغفرته) (4) .
ثم قال- رحمه الله -: (وإذا تأملت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك؛ ينظرون في حقهم على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم.
ومن ههنا انقطعوا عن الله، وحُجبت قلوبهم عن معرفته، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره.
وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه) (5) .
4- أن الله - عز وجل - له الحكمة البالغة: فلا يعطي إلا لحكمة، ولا يمنع إلا لحكمة، وقد ترى الشيء مصلحة ظاهرة، ولكن الحكمة لا تقتضيه؛ فقد يخفى في الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة؛ فلعل هذا من ذاك.
ثم إن الله - عز وجل - له الحكمة البالغة، فأسماؤه الحسنى وأفعاله تمنع نسبة الظلم إليه، وتقتضي ألا يفعل إلا ما هو مطابق للحكمة، موافق لها؛ فتأخر الإجابة قد يكون عين المصلحة للداعي كما سيأتي بيانه في الفقرات التالية.
5- قد يكون في تحقق المطلوب زيادة في الشر: فربما تحقق للداعي مطلوبه، وأجيب له سؤله، فكان ذلك سببًا في زيادة إثم، أو تأخر عن مرتبة، أو كان ذلك حملاً على الأشر والبطر؛ فكان التأخير أو المنع أصلح.
(وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غزوت أُسِرْتَ، وإن أسرت تَنَصَّرْتَ) (6) .
قال ابن القيم- رحمه الله -: (فقضاؤه لعبده المؤمن عطاء وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية.(20/181)
ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائمًا لطبعه.
ولو رزق من المعرفة حَظًّا وافرًا لعدَّ المنع نعمة، والبلاء رحمة، وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية، وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى، وكان في حال القلة أعظم شكرًا من حال الكثرة) (7) .
6- أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه: وهذا سر بديع يحسن بالعبد أن يتفطن له حال دعائه لربه؛ ذلك أن الله - عز وجل - أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، فهو أعلم بمصالح عباده منهم، وأرحم بهم من أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم.
وإذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيرًا لهم من ألا ينزل بهم؛ نظرًا منه لهم، وإحسانًا إليهم، ولطفًا بهم.
ولو مُكِّنُوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم علمًا، وإرادةً، وعملاً.
لكنه - عز وجل - تولى تدبير أمورهم بموجب علمه، وعدله، وحكمته، ورحمته أَحَبُّوا أم كرهوا.
فإذا سلَّم العبد لله، وأيقن بأن الملك ملكه، والأمر أمره، وأنه أرحم به من نفسه - طاب قلبه، قضيت حاجته أو لم تُقضَ.
وإذا فوض العبد ربه، ورضي بما يختاره له - أَمَدَّه فيما يختاره له بالقوة عليه، والعزيمة، والصبر، وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.
وهذا يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات، ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منها في عقبة، وينزل في أخرى.
ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليه، فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به، وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به.
ومتى صح تفويضه ورضاه اكتنفه في المقدور العطفُ عليه، واللطف فيه، فيصير بين عطفه ولطفه؛ فعطفه يقيه ما يحذره، ولطفه يُهَوِّن عليه ما قدر له.
قال سفيان الثوري- رحمه الله -: (منعه عطاء؛ وذلك أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم، وإنما نظر في خير العبد فمنعه اختيارًا وحسن نظر) . (8)
7- أن الإنسان لا يعلم عاقبة أمره: فربما يطلب ما لا يَحْمد عاقبته، وربما كان فيه ضرره، كمثل طفل محموم يطلب الحلوى وهي لا تناسبه.
والمدبر للإنسان أعلم بمصالحه، وعاقبةِ أمره، كيف وقد قال:"وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ" [البقرة:216] .
ومن أسرار هذه الآية أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور، والرضا بما يقضيه عليه؛ لما يرجوه من حسن العاقبة.
ومن أسرارها ألا يقترح على ربه، ولا يسأله ما ليس له به علم؛ فلعل فيه مضرَّتَه وهو لا يعلم؛ فلا يختار على ربه، بل يسأله حسن العاقبة فيما يختار له؛ فلا أنفع له من ذلك.
(ولهذا من لطف الله - تعالى - لعبده أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية، التي يظن بها إدراك بغيته، فيعلم الله أنها تضره، وتصده عما ينفعه، فيحول بينه وبينها، فيظل العبد كارهًا، ولم يدْرِ أن ربه قد لطف به؛ حيث أبقى له الأمر النافع، وصرف عنه الأمر الضار) . (9)(20/182)
8- الدخول في زمرة المحبوبين لله - عز وجل -: فالذين يدعون ربهم، ويبتلون بتأخر الإجابة عنهم - يدخلون في زمرة المحبوبين، المُشَرَّفِين بمحبة رب العالمين؛ فهو - سبحانه - إذا أحب قومًا ابتلاهم (10) .
وقد جاء في السنة ما يشير إلى أن الابتلاء دليل على محبة الله للعبد؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام -: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" (11) .
9- أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والعكس بالعكس: فإذا صحت معرفة العبد بربه علم يقينًا أن المكروهات التي تصيبه، والمحن التي تنزل به، والتي منها تأخر إجابة الدعاء - أنها تحمل في طياتها ضروبًا من المصالح والمنافع لا يحصيها علمه، ولا تحيط بها فكرته.
بل إن مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب؛ فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها، كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها.
قال - تعالى -:" فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" [النساء: 19] .
وقال: [وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ] [البقرة: 216] .
فإذا علم العبد أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، وأن المحبوب قد يأتي بالمكروه - لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة؛ فإن الله يعلم ما لا يعلمه العبد.
وما أجمل قول من قال:
لله في طيِّ المكاره كامنه (12) *** كم نعمةٍ لا تستقلُّ بشكرها
ومن قال:
طيِّ الحوادث محبوب ومكروه *** تجري الأمور على حكم القضاء وفي
وربما ساءني ما كنت أرجوه (13) *** وربما سرني ما كنت أحذره
قال سفيان بن عيينة- رحمه الله -: (ما يكره العبد خير له مما يحب؛ لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء، وما يحبه يلهيه) (14) .
وقال ابن ناصر الدين الدمشقي- رحمه الله -:
عن الله قد فاز الرَّضيُّ المراقبُ *** إذا اشتدت البلوى تحَفَّفْ بالرضا
على الناس تخفى والبلايا مواهب (15) *** وكم نعمةٍ مقرونة ببلية
10- تأخر الإجابة سبب لتفقد العبد لنفسه: فقد يكون امتناع الإجابة لآفة في الداعي؛ فربما كان في مطعومه شبهة، أو في قلبه وقت الدعاء غفلة، أو كان متلبسًا بذنوب مانعة.
وتأخر الإجابة قد يبعث الداعي إلى تفقد نفسه، والنظر في حاله مع ربه، فيحصل له من جراء ذلك المحاسبةُ، والتوبةُ، والأوبةُ.
ولو عجلت له دعوته لربما غفل عن نفسه، فظن أنه على خير وهدى، فأهلكه العجب، وفاتته هذه الفائدة.(20/183)
11- قد تكون الدعوة مستجابة دون علم الداعي: فقد مر بنا عند الحديث عن فضائل الدعاء أن ثمرة الدعاء مضمونة إذا أتى الإنسان بأسباب الإجابة، وسلم من موانعها؛ فالداعي لا يخلو من أن يستجاب له دعاؤه فيرى أثره في الدنيا، أو لا يستجاب له لوجود أحد الموانع، فلا يرى أثرًا لدعائه في الدنيا، أو أن يستجاب له ولكن لا يرى أثرًا للإجابة في الدنيا وإنما يؤخر له من الأجر مثل دعوته يوم القيامة، أو أن يستجاب له الدعاء فلا يرى أثرًا للإجابة، ولكن يصرف الله عنه من السوء مثل دعوته وهو لا يعلم (16) .
إذا تقرر هذا فكيف يستبطئ الداعي الإجابة طالما أن الثمرة مضمونة؟ ولماذا لا يحسن العبد ظنه بربه ويقول: لعله استجيب لي من حيث لا أعلم؟.
12- قد يكون الدعاء ضعيفًا فلا يقاوم البلاء: قال ابن القيم- رحمه الله -: (وله (17) مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفًا.
الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه) (18) .
13- قد يكون الإنسان سد طريق الإجابة بالمعاصي: فلو فتحها بالتقوى لحصل على مراده؛ فكيف يستبطئ الإجابة وقد سد طريقها بالمعاصي؟.
أما علم أن التقوى سبب الراحة، وأنها مفتاح كل خير؟
أما سمع قوله - تعالى -: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ] [التحريم: 2-3] ، وقوله - تعالى -: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً] [التحريم: 4] .
أَوَ ما فهم أن العكس بالعكس؟.
14- ظهور آثار أسماء الله - تعالى -: فمن أسماء الله - عز وجل - المعطي، المانع، الحكم، العدل، الكريم، العليم، البر، الرحيم، المالك، الحكيم.
وهذه الأسماء تستدعي متعلقات تظهر فيها أحكامها، ومقتضياتها، وآثارها؛ فتأخر الإجابة من أسباب ظهور تلك الآثار، والمقتضيات والأحكام.
فقد يمنع - عز وجل - أحدًا من الناس؛ لحكمته، وعدله، وعلمه.
وقد يعطي برحمته - عز وجل -، وحكمته، وبره، وعلمه.
15- تكميل مراتب العبودية للأولياء: فالله - عز وجل - يحب أولياءه، ويريد أن يكمل لهم مراتب العبودية، فيبتليهم بأنواع من البلاء، ومنها تأخر إجابة الدعاء؛ كي يتَرَقَّوا في مدارج الكمال ومراتب العبودية؛ (فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته، وكلما ازداد العبد تحقيقًا للعبودية ازداد كماله، وعلت درجته) . (19)
فأنفع الأشياء للعبد على الإطلاق طاعته لربه بظاهره وباطنه، وأضر الأشياء عليه معصيته لربه بظاهره وباطنه.
فإذا قام بطاعته وعبوديته مخلصًا له - فكل ما يجري عليه مما يكرهه يكون خيرًا له.
وإذا تخلى عن طاعته وعبوديته - فكل ما هو فيه من محبوبٍ شرٌّ له.
فإذا تدبر العبد ذلك تشاغل بما هو أنفع له من حصول ما فاته.
هذا ومن تلك العبوديات التي تحصل من جراء تأخر إجابة الدعاء ما يلي:
أ- انتظار الفرج: فانتظار الفرج من أجل العبوديات وأعظمها، فكلما اشتد انتظار الفرج كلما ازدادت ثقة العبد بربه، فيزداد بذلك قربًا من الله، وأُنْسًا به -عز وجل -.
ولو عجلت له الإجابة لربما فاتته هذه العبودية.(20/184)
قال ابن القيم- رحمه الله -: (انتظار روح الفرج يعني راحته، ونسيمه، ولذته؛ فإن انتظاره، ومطالعته، وترقبه يخفف حمل المشقة ولاسيما عند قوة الرجاء، أو القطع بالفرج؛ فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته - ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل) (20) .
ب- حصول الاضطرار والافتقار إلى الله: فهذا لب العبادة ومقصودها الأعظم؛ فالافتقار إلى الله دون سواه هو عين الغنى، والتذللُ له - عز وجل - هو العز الذي لا يدانيه عز.
ثم إن حاجة الإنسان بل ضرورته إلى الافتقار والاضطرار إلى الله - لا تدانيها حاجة أو ضرورة.
ولو أجيب دعاؤه مباشرة لربما أصابه التيه بالنفس، والإدلال على الله بالعمل، ولربما شعر بالغنى عن الله - تبارك وتعالى -.
وبذلك يخرج العبد عن وصفه الذي لا ينفك عنه، والذي فيه جماله وكماله ألا وهو افتقاره إلى ربه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله -: (والعبد هو فقير دائمًا إلى الله من كل وجه؛ من جهة أنه معبوده، وأنه مستعانه، فلا يأتي بالنعم إلا هو، ولا يَصْلُح حال العبد إلا بعبادته.
وهو مذنب - أيضًا - لا بد له من الذنوب فهو دائمًا فقير مذنب؛ فيحتاج دائمًا إلى الغفور الرحيم؛ الغفور الذي يغفر ذنوبه، والرحيم الذي يرحمه فينعم عليه، ويحسن إليه؛ فهو دائمًا بين إنعام ربه وذنوب نفسه) (21) .
جـ- حصول عبودية الرضا: (فالرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، وبستان العارفين) (22) .
فمن رضي عن الله وبالله رضي الله عنه وأرضاه؛ فالمؤمن حين تنزل به النازلة يدعو ربه، ويبالغ في ذلك، فلا يرى أثرًا للإجابة، فإذا قارب اليأس نُظِرَ حينئذٍ في قلبه، فإن كان راضيًا بالأقدار، غير قنوط من فضل الله فالغالب تعجيل الإجابة؛ فهناك يصلح الإيمان، ويهزم الشيطان، وتتبين مقادير الرجال.
وقد أشير إلى هذا في قوله - تعالى -: [حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ] [البقرة: 214] .
وكذلك جرى ليعقوب - عليه السلام - مع أولاده كما مر قريبًا.
أما الاعتراض وقلة الرضا عن الله فخروج عن صفة العبودية.
قال بعضهم: (ارض عن الله في جميع ما يفعله بك؛ فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك؛ فإياك أن تفارق الرضا عنه طرفة عين، فتسقط من عينه) (1) .
قال ابن ناصر الدين الدمشقي- رحمه الله -:
لمؤمن واثق بالله لا لاهي *** يجري القضاءُ وفيه الخير نافلة
في الحالتين يقول الحمد لله (24) *** إن جاءه فرح أو نابه ترح
د- الانكسار بين يدي جبار السماوات والأرض: فالله - عز وجل - يحب المنكسرين بين يديه، فيدنيهم، ويقرب منهم، بل هو - عز وجل - عند المنكسرة قلوبهم.
ذكر عن عمران بن موسى القصير قال: قال موسى - عليه السلام -: (يا رب، أين أبغيك؟
قال: ابغني عند المنكسرة قلوبهم؛ فإني أدنو منهم كل يوم باعًا، ولولا ذلك انهدموا) (1) .
فربما كان تأخر الإجابة سببًا لإطالة الوقوف على باب الله، وانكسار العبد بين يديه، وكثرة اللجأ إليه، والاعتصام به.(20/185)
بدليل أنه لولا هذه النازلة لم يُرَ على باب اللجأ والمسكنة؛ فالله - عز وجل - علم من الخلق اشتغالهم بالبشر عنه، فابتلاهم من خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه يستغيثون به.
فهذا من النعم في طي البلاء، وإنما البلاء المحض ما يشغلك عن ربك، وأما ما يقيمك بين يديه - عز وجل - ففيه جمالك، وكمالك، وعزك، وفلاحك.
هـ- التمتع بطول المناجاة: فقد مرَّ بنا عند الحديث عن فضائل الدعاء أن العبد قد يقوم لمناجاة ربه، وإنزال حاجاته ببابه، فيُفتح على قلبه حال السؤال والدعاء من محبة الله، ومعرفته، والخضوع له، والتذلل بين يديه - ما ينسيه حاجته، فيكون ما فتح له من ذلك أحبَّ إليه من قضاء حاجته التي سألها، فيحب أن تدوم له تلك الحال، وتكون عنده آثر من حاجته، ويكون فرحه بها أعظم من فرحه بحاجته لو عجلت له وفاتته تلك الحال.
وعلى هذا فكلما تأخرت الإجابة كلما طالت المناجاة، وحصلت اللذة، وزاد القرب.
ولو عجلت الإجابة لربما فاتت تلك الثمرة.
قال سفيان الثوري- رحمه الله -: (ما أنعم الله على عبد في حاجة أكثر من تَضَرُّعه إليه فيها) (26) .
ومجاهدة الشيطان ومراغمته: فالشيطان عدو مبين للإنسان، يتربص به الدوائر، ويسعى في إضلاله وصدِّه عن صراط الله المستقيم، فإذا صادف منه غرة أصابه من خلالها.
فالعبد إذا دعا ربه، وتأخر وقت الإجابة - بدأ الشيطان يجول في خاطره؛ ليسيء ظنه بربه، وصار يُلقي في رعه أن لا فائدة من دعائه.
فإذا جاهده العبد، وراغمه، وأغاظه بكثرة الدعاء، وإحسان الظن بالله - حصل على أجر عظيم؛ فمجاهدة الشيطان ومراغمته من أجل العبوديات.
ولو لم يأت العبد من تأخر الإجابة إلا هذه الفائدة - لكان حريًا به ألا ينزعج من تأخرها.
هذه بعض الحكم المتلمسة من جراء تأخر الدعاء، والتي يجدر بالعبد أن يستحضرها إذا دعا وتأخرت إجابة الدعاء.
أما بالنسبة للسحر، وكونه بسبب سحر أو نحوه فذلك لا معنى ولا صحة له، فالمدعو هو الله، وإجابة الدعاء بيده وحده - عز وجل -.
أما إبطال السحر فيجوز إذا كان بالرقية الشرعية التي تكون بالآيات القرآنية، والأدعية النبوية.
أما إذا كان بالسحر فلا يجوز.
وأخيراً أوصيك بالصبر، والاحتساب، واللجوء إلى الله، وأكرر عليك مسألة إحسان الظن بالله.
________________
(1) مدارج السالكين 2/32.
(2) الكتاب الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز الخليفة الخائف الخاشع لعمر بن محمد الخضر المعروف بالملاء، تحقيق د. محمد صدقي البورنو 2/432-433، وانظر سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم ص97.
(3) برد الأكباد عند فقد الأولاد لابن ناصر الدين الدمشقي ص38.
(4) ، (5) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم تحقيق مجدي السيد ص97-98.
(6) صيد الخاطر 1/109.
(7) مدارج السالكين 2/215-216.
(8) مدارج السالكين 2/215.
(9) المواهب الربانية من الآيات القرآنية للشيخ ابن سعدي، اعتنى بها سمير الماضي ص151.
(10) انظر برد الأكباد ص39.
(11) أخرجه الترمذي (2396) وابن ماجة (4031) من حديث أنس، وحسنه الترمذي، والألباني في صحيح الترمذي 2/286.(20/186)
(12) جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى للغرناطي، تحقيق د. صلاح جرار 3/52.
(13) جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى للغرناطي، تحقيق د. صلاح جرار 3/52.
(14) الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص22.
(15) برد الأكباد عند فقد الأولاد لابن ناصر الدين الدمشقي ص37.
(16) علق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله - في هذا الموضوع فقال: (وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أنه قال: ما من مسلم يدعو ليس بإثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها، قالوا: يا رسول الله، إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر) أ-هـ. والحديث مضى تخريجه عند الحديث عن فضائل الدعاء.
(17) يعني الدعاء.
(18) الجواب الكافي ص9 - 10.
(19) العبودية لابن تيمية ص80.
(20) مدارج السالكين 2/167.
(21) جامع الرسائل لابن تيمية 1/116.
(22) جامع العلوم والحكم 2/476.
(23) مدارج السالكين 2/216.
(24) برد الأكباد ص9.
(25) أخرجه أحمد في الزهد ص95 وأورده ابن القيم في إغاثة اللهفان ص97.
(26) عدة الصابرين لابن القيم ص161.(20/187)
كيف نستقبل عاماً جديداً؟
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 29/12/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن الآن على مشارف استقبال عام هجري جديد -كل عام وأنتم بخير-، وإذ بنا نودع عاماً هجرياً آذن بالرحيل، ذهبت لذته، وبقيت حسرته وتبعته، فما نصيحتكم لكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، يستقبل عاماً هجرياً جديداً؟ -وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء-.
الجواب
الحمد لله على نعمه الكثيرة، وآلائه الجسيمة، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
أخي الكريم: إن ذهاب عام، ومجيء آخر أمر يستدعي منا الوقوف مع أنفسنا وقفة جدية للمحاسبة الصادقة؛ وذلك لأن من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، واشتدت عليه حسراته، وأي حسرة على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة، وتقوده أيامه إلى مزيد من الردى والشقوة، إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه، ورد في الأثر: (أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا) .
أخي الكريم: إن من نظر إلى الدنيا بعين البصيرة لا بعين البصر المبهرج أيقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، عيشها نكد، وصفوها كدر، جديدها يبلى، وملكها يفنى، وودها منقطع، وخيرها ينتزع، والمتعلقون بها على وجل؛ فالدنيا إما نعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو منية قاضية، "يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار" [غافر: 39] .
أخي الكريم: هل تذكرت الموت وسكراته؟ وشدة هوله وكرباته؟ وشدة نزاع الروح منك؟ فالموت كما قيل: أشد من ضرب بالسيوف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله، فالموت لا يخشى أحد، ولا يبقى على أحد، ولا تأخذه شفقة على أحد، فقف مع نفسك وقفة صادقة للمحاسبة، وقل لها:
يا نفس قد أزف الرحيل *** وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يا نفس لا يلعب *** بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزلٍ ينسى *** الخليل فيه الخليل
وليركبن عليك فيه من *** الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا جميعاً *** فلا يبقى العزيز ولا الذليل
أخي الكريم: هل تذكرت القبر وظلمته؟ وضيقه ووحشته؟ هل تذكرت ذلك المكان الضيق الذي يضم بين جوانبه جثث الموتى من عظيم وحقير؟ وحكيم وسفيه؟ وصالح وطالح؟ وبر وفاجر؟ ورئيس ومرؤوس؟ فالقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.(20/188)
أخي الحبيب: تخيل نفسك بعد ثلاثة أيام وأنت في قبرك، وقد جُردت من الثياب، وتوسدت التراب، وفارقت الأهل والأحباب، وتركت الأصحاب، ولم يكن معك جليس ولا أنيس إلا عملك الذي قدمته في الدنيا، فماذا تحب أن تقدم لنفسك وأنت في زمن الإمهال حتى تجده في انتظارك يوم انتقالك إلى قبرك؟ "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" [آل عمران:30] .
وصدق من قال:
ومن لو عاش الفتى في عمره *** ألفاً من الأعوام مالك أمره
متمتعاً فيها بكل لذيذة *** متلذذاً فيها بسكنى قصره
لا يعتريه الهم طول حياته *** كلا ولا ترد الهموم بصدره
ما كان ذلك كله في أن *** يفي بأول ليلة في قبره
نعم أخي الكريم، هل تذكرت أول ليلة في القبر؟ حيث لا أنس، ولا جليس، ولا صديق، ولا رفيق، ولا زوجة، ولا أولاد، ولا أقارب، ولا أحباب، "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" [الأنعام:62] .
فارقت موضع مرقدي *** يوماً ففارقني السكون
القبر أول ليلة *** بالله قل لي ما يكون؟
أخي المبارك: هل تذكرت النفخ في الصور؟ والبعث يوم النشور؟ وتطاير الصحف؟ والعرض على الجبار - جل وجلاله؟ - والسؤال عن القليل والكثير؟ والصغير والكبير؟ والفتيل والقطمير؟ ونصب الموازين لمعرفة المقادير؟ ثم جواز الصراط، ثم انتظار النداء عند فصل القضاء إما بالسعادة، وإما بالشقاوة، "فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" [الشورى: من الآية7] ، "فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:106-108] .
فيا أخي الكريم: من أي الفريقين تحب أن تكون؟ فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، ألاَّ يكون له فكر إلا في ذلك، ولا استعداد إلا له.
فيا أخي الحبيب، إن العمر قصير، والسفر طويل، والزاد قليل، والعقبة كؤود، والعبد بين حالين: حال مضى لا يدري ما الله صانع فيه؟ وحال آت لا يدري ما الله قاضٍ فيه؟ فإن كان الأمر كذلك، فعلى صاحب البصر النافذ أن يتزود من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه، ومن فراغه لشغله، ومن غناه لفقره، ومن قوته لضعفه، فما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، "فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ" [القارعة:6-11] .(20/189)
فمن أصلح ما بينه وبين ربه كفاه الله ما بينه وما بين الناس، ومن صدق في سريرته حسنت علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، فلا بد من وقفة جادة للمحاسبة مع مطلع هذا العام الهجري الجديد، فالمحاسبة الصادقة هي ما أورثت عملاً صادقاً ينجيك من هول المطلع في ساحة العرض على أحكم الحاكمين.
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" أخرجه البخاري (6416) .
فيا غافلاً عن مصيره، يا واقفاً مع تقصيره، سبقك أهل العزائم وأنت في بحر الغفلة عائم، وقف على باب التوبة وقوف نادم، ونكس الرأس بذل وقل: أنا ظالم، وناد في الأسحار، وقل: مذنب وراحم، وتشبه بالصالحين إن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاباً ودمعاً ساجماً، وقم في الدجى داعياً، وقف على باب مولاك تائباً، واستدرك من العمر ما بقي ودع اللهو جانباً، وطلق الدنيا والمعاصي والمنكرات إن كنت للآخرة طالباً. فيا أخي الحبيب: اخل بنفسك وحاسبها حساباً عسيراً، عن كل إساءة صدرت منك في هذا العام، واجتهد في التخلص من تلك العيوب واستبدلها بما يزينك من كل جميل وحسن، وافتح صفحة جديدة مع الله؛ عسى الله أن يتحمل عنك التبعات.
كتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى بعض عماله يقول له: (حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة؛ فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضاء والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة) .
وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى-: (لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه، ماذا أردت أن تعملي؟ ماذا أردت أن تأكلي؟ وماذا أردت أن تشربي؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه) .
وقال ميمون بن مهران - رحمه الله تعالى-: (لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك) .
وقال مالك بن دينار - رحمه الله تعالى-: (رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله - عز وجل- فكان لها قائداً) ، ومحاسبة النفس تنقسم إلى قسمين، قسم قبل العمل، وقسم بعده.
أما الأول: فهو أن يقف العبد عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له أيمضي أم يترك، قال الحسن البصري - رحمه الله تعالى-: (رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره توقف) .
أما القسم الثاني: وهو محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع:
أحدهما: محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها في حق الله -تعالى-فلم تؤدها على الوجه المطلوب، وحق الله في الطاعة ستة أمور وهي:
1- الإخلاص.
2- متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم-.
3- النصيحة لله.
4- شهود ومشهد الإحسان في هذه الطاعة.
5- شهود منة الله عليك في توفيقك لهذه الطاعة.
6- شهود تقصيرك فيها.
فيحاسب العبد نفسه: هل وفىّ هذه المقامات كلها في كل طاعة يقوم بها؟ أم لا؟.(20/190)
الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً من فعله.
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون ذلك رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح، ويفوته الظفر به.
وتكون محاسبة النفس على هذا النحو الذي ذكره الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى-:
أولاً: البدء بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصاً تداركه.
ثانياً: ثم المناهي، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية.
ثالثاً: محاسبة النفس على الغفلة، ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله - جل جلاله-.
رابعاً: محاسبة النفس على حركات الجوارح من كلام اللسان ومشي الرجلين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، وغيرها، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلت؟ وعلى أي وجه فعلته؟.
أخي الكريم: إن محاسبة النفس أمر عسير لكنه يسير لمن يسره الله لذلك، وهناك أمور تعين العبد على محاسبة النفس، ومن أبرزها وأهمها:
(1) استشعار رقابة الله على العبد واطلاعه على خطاياه، فإذا علم العبد ذلك استيقظ من غفلته وقام من رقاده، وقويت إرادته على محاسبة نفسه ومجاهدتها.
(2) معرفة العبد أنه كلما اجتهد في محاسبة نفسه اليوم استراح من ذلك غداً، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً.
(3) بذكر الحساب الأكبر والسؤال بين يدي الجبار -جل جلاله- يوم القيامة فإذا علم العبد أنه مسؤول بين يدي الله فيجب أن يعد لكل سؤال جواباً، ومن هنا كان العبد أشد محاسبة لنفسه.
(4) معرفة العبد ربح محاسبة النفس، ومراقبتها وهي سكنى الفردوس الأعلى، والنظر إلى وجه الرب - سبحانه- ومجاورة الأنبياء، والصالحين، وأهل الفضل، وأن عدم المحاسبة تفقده هذا كله، وتفوته عليه وليس بعد ذلك خسارة.
(5) النظر فيما يؤول إليه من ترك محاسبة النفس ومراقبتها من الهلاك والدمار، ودخول النار، والحجاب عن رؤية الرب - سبحانه- ومجاورة أهل الكفر والضلال والخبث - عياذاً بالله-.
(6) صحبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسهم ويطلعونه على عيوب نفسه، وترك صحبة من عداهم.
(7) النظر في سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم- وصحابته - رضي الله عنهم- ومعرفة أخبار وسير أهل المحاسبة، والمراقبة في سلفنا الصالح.
(8) زيارة القبور والتأمل في أحوال الموتى الذين لا يستطيعون محاسبة أنفسهم أو تدارك ما فاتهم.
(9) حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير، فإنها تدعو إلى محاسبة النفس.
(10) قيام الليل، وقراءة القرآن بتدبر وخشوع، وحضور قلب، والتقرب إلى الله -تعالى- بأنواع الطاعات.
(11) البعد عن أماكن اللهو والغفلة والمجون والعربدة فإنها تنسي الإنسان محاسبة نفسه.
(12) ذكر الله -تعالى- ودعاؤه بأن يجعلك من أهل المحاسبة والمراقبة.
(13) سوء الظن بالنفس، فإن من حسن ظنه بنفسه نسي محاسبتها، أو غفل عن ذلك، وربما إذا رأى العبد بسبب حسن ظنه بنفسه أن عيوبه ومساوئه كمالاً، وهذا أدعى لعدم المحاسبة.
أخي في الله: إن من التزم بما سبق فإنه وبفضل الله لا يعدم بأن يجني ثمار تلك المحاسبة سواء في الدنيا أو في الآخرة، وفوائد محاسبة النفس كثيرة جداً منها على سبيل المثال لا الحصر:(20/191)
(1) الاطلاع على عيوب النفس وآفاتها، ومن لم يطلع على عيوب نفسه لم يتمكن من إزالتها.
(2) التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان.
(3) معرفة حق الله -تعالى- فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله -تعالى-.
(4) انكسار العبد وزلته بين يدي ربه -تبارك وتعالى-.
(5) معرفة كرم الله -تعالى وعفوه ورحمته بعباده في أنه لم يُعجل عقوبتهم مع ما هم عليه من المعاصي والمخالفات.
(6) مقت النفس والإزراء عليها، والتخلص من العجب والرياء والسمعة.
(7) الاجتهاد في الطاعة وترك العصيان لتسهل عليه المحاسبة فيما بعد.
(8) رد الحقوق إلى أهلها، وحسن الخلق، وهذه من أعظم محاسبة النفس.
أخي الكريم: فحق على الحازم العاقل، المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها، وسكناتها، وخطراتها، وخطواتها، فكل نَفَسٍ من أنفاس العمر جوهرة نفيسة يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز، لا يتناهى نعيمه أبد الآباد، وإضاعة هذه الأنفاس أو شراء صاحبها ما يجلب هلاكه خسران عظيم، لا يسمح بمثله إلا جاهل، بل هو من أجهل الناس وأحمقهم، وأقلهم عقلاً وفهماً، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" [آل عمران:30] .
وبهذه الروح الإيمانية، والنفس اليقظة نستقبل عامنا الهجري الجديد، وكلنا عزم على استدراك ما فات، والعمل على إرضاء الله - جل وعلا- في جميع أحوالنا هذا، والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/192)
أسباب الكياسة والعجز
المجيب يوسف صديق البدري
داعية إسلامي وخطيب مسجد الريان بالمعادي ومستشار اللغة العربية بوزارة التعليم
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/الإيمان بالقدر
التاريخ 28/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم. عيدكم مبارك.
إذا كان كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، فما هي أسباب العجز وأسباب الكيس؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين. وبعد:
فأهلا وسهلا بك ـ أخانا الكريم ـ وسعدنا بمرورك بموقع "الإسلام اليوم"، ونرجو لك الخير حيث كان، أما سؤالك هذا عن القدر والأسباب فهو سؤال قديم جديد، سأله قوم أقدمون، ويتجدد كل حين في أذهان بعض المسلمين، ومن ثم فقد تمت الإجابة عليه من علماء الإسلام كل على حسب أسلوبه في الإجابة، فمنهم من أجاب على منهج الفلاسفة، ومنهم على طريقة أهل المنطق، وآخرون على طريقة علماء الكلام، وكل ذلك يصب في إجابة واحدة دارت عليها كثير من الأدلة الشرعية، فاعلم أخي الكريم:
(أ) أن الأخذ بالأسباب لا ينافي القدر بل هو من القدر أيضًا. ولهذا حين سئل - صلى الله عليه وسلم - عن الأدوية والأسباب التي يتقى بها المكروه، هل ترد من قدر الله شيئًا، كان جوابه الحاسم: " هي من قدر الله " أخرجه رواه أحمد (15472) ، والترمذي (2065) ، وابن ماجه (3437) ، وحسنه الترمذي.
ولما انتشر الوباء في بلاد الشام قرر عمر بمشورة الصحابة العدول عن دخولها، والرجوع بمن معه من المسلمين. فقيل له: أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ قال: نَعَمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟!. أخرجه مسلم (2219)(20/193)
(ب) إن القدر أمر مغيب مستور عنا: فنحن لا نعرف أن الشيء مقدر إلا بعد وقوعه، أما قبل الوقوع فنحن مأمورون أن نتبع السنن الكونية، والتوجيهات الشرعية لنحرز الخير لديننا ودنيانا. إنما الغيب كتاب صانه عن عيون الخلق رب العالمين. ليس يبدو منه للناس سوى صفحة الحاضر حينًا بعد حين. وسنن الله في كونه وشرعه تحتم علينا الأخذ بالأسباب، كما فعل ذلك أقوى الناس إيمانًا بالله وقضائه وقدره، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخذ الحذر، وأعد الجيوش، وبعث الطلائع والعيون، وقاتل بين درعين، ولبس المغفر على رأسه، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو بنفسه، واتخذ أسباب الحيطة في هجرته، واختبأ في الغار، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوت سنة، ولم ينتظر أن ينزل عليه الرزق من السماء، وقال للذي سأله أيعقل ناقته أم يتركها ويتوكل: "اعقلها وتوكل" (رواه ابن حبان (731) بإسناد صحيح عن عمرو بن أمية الضمري ورواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (971) ، والحاكم 3/722 بإسناد جيد بلفظ "قيدها وتوكل") ، وقال: " فرّ من المجذوم فرارك من الأسد " أخرجه البخاري معلقا في كتاب الطب، باب الجذام، ووصله أحمد (9722) ، و" لا يورد ممرض على مصح " أخرجه البخاري (5771) ، ومسلم (2221) أي لا يخلط صاحب الإبل المريضة إبله بالإبل السليمة، اتقاء العدوى.
(ج) الإيمان بالقدر إذن لا ينافي العمل والسعي والجد في جلب ما نحب، واتقاء ما نكره. فليس لمتراخ أو كسلان أن يلقي على القدر كل أوزاره وأثقاله، وأخطائه وخطاياه، فهذا دليل العجز والهرب من المسئولية، ورحم الله الدكتور محمد إقبال إذ قال: "المسلم الضعيف يحتج بقضاء الله وقدره، أما المسلم القوي فهو يعتقد أنه قضاء الله الذي لا يرد، وقدره الذي لا يغلب". وهكذا كان المسلمون الأولون يعتقدون:.ففي معارك الفتح الإسلامي دخل المغيرة بن شعبة على قائد من قواد الروم فقال له: من أنتم؟ قال: نحن قدر الله، ابتلاكم الله بنا، فلو كنتم في سحابة لصعدنا إليكم، أو لهبطتم إلينا!!. ولا ينبغي أن يلجأ الإنسان إلى الاعتذار بالقدر إلا حينما يبذل وسعه، ويفرغ جهده وطاقته، وبعد ذلك يقول: هذا قضاء الله.
والقضاء الإلهي ينقسم إلى قسمين:
القضاء ينقسم إلى قسمين: قضاء مبرم مثل الموت فلا محيد عنه، والقضاء المعلق يرفع بالدعاء أو بالأسباب، فالرزق تسعى إليه وتلك أسباب.. والمرض تذهب عنده للطبيب فيصف لك الدواء لتأخذ فيحدث الشفاء، وإذا لم يتم الشفاء نتضرع إلى الله بالدعاء، فقد يتم الشفاء وإلا فيصبح الداء قضاء مبرما لحكمة وعلة يعلمها الله، وقطعا ستكون لصالحك في دينك ودنياك وآخرتك. هناك قضاء يستوجب منك الصبر أو الشكر (فقد مال أو سعة في الرزق أو ضيق في الرزق مثلا) . قضاء يستلزم المعالجة بالأخذ بالأسباب أو بالدعاء أو بهما معا. قضاء أنت حر فيه وفي حدود حريتك أنت محاسب تصلي أولا تصلي تفعل الخير أو لا تفعل تنفق أو لا تنفق.
وهكذا قس على ذلك. فعلى العبد أن يرضى بما أقامه الله فيه من الأسباب والتجريد ما لم يكن في مباشرة أحدهما تضييع أمر من أوامر الله أو ارتكاب ما نهى عنه الله، وإلا وجب عليه المسارعة في الانتقال والطلب من الله بالدعاء لينقله مما يغضبه إلى ما يرضيه.
إن عقيدة القضاء والقدر إذا فهمت على وجهها الصحيح، وحسب فهم سلفنا الصالح للشرع الشريف ستوجه سلوك المسلم توجيها صحيحا لا عوج فيه، وسينعم باله معها ـ بإذن الله ـ وهو يواجه أحداث الحياة وتقلبات الزمان.. والله تعالى أعلم.(20/194)
هؤلاء تصلي عليهم الملائكة
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 20/12/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: تحية واحتراماً
من هم السعداء الذين تصلي عليهم الملائكة؟ أرجو توضيحهم.
الجواب
الحمد لله القائل: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" [الأحزاب:56] .
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد الهادي البشير، والسراج المنير، وعلى آل بيته الطيبين، وصحابته الغر الميامين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:
إلى الأخت السائلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى دوام الاتصال والمراسلة بالموقع.
أختي الفاضلة: جعلنا الله وإياك من السعداء الذين تصلي عليهم الملائكة عليهم السلام اللهم آمين.
لقد سرني سؤالك جداً، سؤال مختصر وجيز، لكنه عظيم القدر له مكانة عالية.
فالذين تصلي عليهم الملائكة أصناف كثر من البشر، ولقد جاءت الأدلة من كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم- لتبين لنا تلك الصفوة المباركة التي تصلي عليهم الملائكة، وتبين لنا ما هي المؤهلات التي أهلتهم حتى يصلوا إلى تلك المنزلة الرفيعة والمكانة العليا، وإليك بيان ذلك باختصار:
(1) تصلي الملائكة وتستغفر لمن بات طاهراً.
(2) تصلي الملائكة على القاعد في المسجد ينتظر الصلاة.
(3) تصلي الملائكة على أهل الصفوف المتقدمة في الصلاة.
(4) تصلي الملائكة على ميامن الصفوف.
(5) تصلي الملائكة على من يَصِلون الصفوف.
(6) تصلي الملائكة على من جلس في مصلاه بعد الصلاة مالم يحدث.
(7) تصلي الملائكة وتستغفر لمن صلى الفجر والعصر في جماعة.
(8) تصلي الملائكة على من يصلي على النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم-.
(9) دعاء الملك لمن يدعى له بظهر الغيب والداعي له.
(10) دعاء الملك للمنفق بالخلف.
(11) تصلي الملائكة على المتسحرين.
(12) تصلي الملائكة على معلم الناس الخير.
(13) دعاء الملائكة (حملة العرش) ومن حوله لمن تاب وآمن واتبع سبيل الله تعالى ولأقاربه.
فهذه جملة من الناس الذين تصلي عليهم الملائكة نسأل الله من فضله.
فنرجو من الأخت السائلة أن تكون صاحبة همة عالية، ولتحرص على أن تكون ممن يصلى عليهم الملائكة فأبواب الخيرة كثيرة، فإن أخطأها باب، فلا يخطؤها آخر.
أما الأدلة على ما تقدم فهي كثيرة ولا يتسع المقام لسردها، ولكن نحيل الأخت السائلة على كتاب فضيلة الشيخ أ. د. فضل آلهى ظهير -حفظه الله- والمسمى (من تصلي عليهم الملائكة ومن تلعنهم) هذا، والله أعلم.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/195)
مناصحة أهل العلم
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 10/11/1425هـ
السؤال
كيف يكون بذل النصح لأهل العلم وطلبته دون انتقاص لعلمهم ومكانتهم على ضوء الكتاب والسنة؟.
الجواب
الأخت الكريمة -سلمها الله ورعاها- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجدي منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
أقدر لك حرصك على معرفة الأسلوب المناسب واللائق في مناصحة أهل العلم، وهذا -إن شاء الله- يدل على دين وإيمان وحرقة على الحق وسعي في نصرته. ولا ريب أن احترام العلماء وتقديرهم من الأمور الواجبة شرعاً وإن خالفناهم الرأي؛ فالعلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء قد ورثوا العلم، وأهل العلم لهم حرمة. وقد وردت نصوص كثيرة في تقدير العلماء واحترامهم، قال الإمام النووي: (باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم) . ثم ذكر قول الله -تعالى-: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" [سورة الزمر الآية 9] ، ثم ساق الإمام النووي طائفة من الأحاديث في إكرام العلماء والكبار، وأحيل القارئ إلى كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي (ص 187-192) . ومع كل هذه النصوص التي تحث على ما سبق وغيرها من النصوص الشرعية التي تحرم السب والشتم واللعن، والوقوع في أعراض المسلمين إلا أن بعض الناس من أشباه طلبة العلم ليس لهم شغل إلا شتم العلماء وسبهم على رؤوس الأشهاد في المساجد وفي الصحف والمجلات، ويحاول هؤلاء الصبية تشويه صورة العلماء وتنفير عامة الناس منهم؟ وأتساءل لمصلحة من يهاجم علماء الأمة؟ ولمصلحة من يشتم العلماء؟ هل هذه هي الطريق لإقامة الدين؟ هل علماء الأمة حالوا دون إقامة دولة الخلافة؟ أم أن بعض الناس يعلق فشله وعجزه على الآخرين؟ لماذا يوصف العلماء بالخيانة أو السذاجة والبلاهة؟ هل يصح أن يقال في علماء الأمة: (ومن الملمَّعين المنافقين؟) كيف عرفتم أنهم منافقون؟ هل شققتم على قلوبهم؟ ألم تسمعوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- لأسامة بن زيد -رضي الله عنه- لما قتل رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله: "أفلا شققت على قلبه؟ " رواه مسلم. ألم تسمعوا قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم" رواه البخاري ومسلم. قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: (لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- ومن أكابرهم فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا) رواه أبو عبيد والطبراني في الكبير والأوسط، وقال الهيثمي رجاله موثقون. ورواه أبو نعيم في الحلية، ولفظه قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- (لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم، فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم فقد هلكوا) .(20/196)
وورد في رواية أخرى عند الخطيب في تاريخه بلفظ (فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفلتهم فقد هلكوا) . (إتحاف الجماعة 2/ 105) . أهكذا يكون النقد العلمي؟ قال الإمام الذهبي يرحمه الله: (ما زال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً، ويرد هذا على هذا، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل) سير أعلام النبلاء (19/342) .
فلا بد من التأدب مع العلماء، وأن نعرف لهم مكانتهم، فما فاز من فاز إلا بالأدب، وما سقط من سقط إلا بسوء الأدب.
واعلموا أن الأمة لا تحترم ولا تقدر إلا من يحترم العلماء والأئمة. قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطباً رجلاً تجرأ على العلماء: (إنما نحترمك ما احترمت الأئمة) ، ولا شك أن أهل العلم أولى الناس، بالاحترام والأدب معهم وحسن الخلق في معاملتهم، ولين الجانب لهم وتقديرهم؛ لأن كل ذلك من الدين ولأجل الدين، وإذا كان العبد مطالب شرعاً بحسن الخلق مع عامة الناس فإن خاصتهم من أهل العلم والديانة أولى بذلك وأحرى. ويمكن أن أجمل المنهج في التعامل مع العلماء وأهل العلم عند رغبة النصح لهم في التالي:
1- يجب الرفق واللين عند تقديم النصح لهم أو تذكيرهم بأمر غفلوا عنه، وهذا أمر مطالب به العبد مع كل الناس، فكيف بالعلماء؟ وقد قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه) ، وذلك أيضاً لما تقدم من عظيم مكانتهم وعلو منزلتهم، وتأملي معي هذا الحديث للوقوف على تلك المنزلة لهم، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في
جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) سنن أبي داود ح (3641) .
2- التثبت قبل النقد أو النصح في أمر بلغه عنهم أو سمعه منهم ولم يتحقق مقصودهم منه، والتثبت منهج شرعي أمرنا الله به في كتابه في قوله:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [سورة الحجرات 49/6] . وإن العلماء بشر يخطئون، ولكن اتهامهم بالخطأ دون تثبت يوقع الإنسان في أمرين خطيرين:
الأول: أن يكون اتهامهم بالخطأ غير صحيح، فيخطئهم المخطئ فيما هم فيه مصيبون، أو يتهمهم بما ليس فيهم. إذ من الناس من تأخذه العجلة والنظرة الخاطئة للأمور فيحمل كلام الناس على الشر أو الخطأ، ومن الناس من يكون إنكاره على عالم بسبب جهله بحال ذلك العالم، فيسمع منه شيئاً محتملاً أو مجملاً ويجهل أشياء مبينة لتلك المجملات المحتملات فلا تجده يرجع للعالم يتثبت منه أو من غيره، فيطير بالأمر الذي سمعه على أنه خطأ شنيع وجرم فظيع وهو ليس كذلك.(20/197)
الثاني: أن يحكم بالخطأ على العالم غير العالم فيبني الشخص تخطئته للعالم على جهل، فيقول على الله -عز وجل- وخلقه بلا علم، ومرد زلات العلماء أو ما يظن أنه خطأ من العالم ليس إلى العوام وأنصاف المتعلمين، بل إلى العلماء أنفسهم فذلك كما يقول الإمام الشاطبي: (من وظائف المجتهدين فهم العارفون بما وافق أو خالف وأما غيرهم فلا تمييز لهم في هذا المقام) الموافقات (4/173) .
3- اختيار أحسن العبارات وأجمل الكلمات لإيصال ذلك النصح أو النقد.
4- التماس العذر للعلماء فإنهم -كما تقدم- خير أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-، وإذا كانت تلك الخيرية أصلاً فيهم، فإن من الواجب التماس العذر لهم وإحسان الظن بهم.
5- احذري من تصيد زلات العلماء، فقد تقرر أنهم غير معصومين وأنهم عرضة للخطأ والسهو والغفلة والتقصير، فتقع منهم الزلات والأخطاء، والواجب حين ذلك أمران:
- عدم اعتبار تلك الزلة والأخذ بها، لأنها جاءت على خلاف الشريعة.
- العدل في الحكم على صاحبها فلا ينسب إلى التقصير، ولا يشنع عليه من أجلها ولا ترد بقية أقواله وآرائه وفتاويه بسببها.
6- يجب أن يكون نصحك له سراً بينك وبينه ليحصل المقصود من ذلك، وإذا تعذَّر لقاؤه فيمكن مراسلته وإيصال تلك الملاحظات له.
7- اتهمي رأيك واتركي المبادرة إلى الاعتراض على العلماء فإن ذلك محمود، وذلك أن اتهام الإنسان رأيه عند رأي الأجلة من العلماء من حسن الظن بهم، فينبغي عدم المبادرة بالاعتراض قبل التوثق، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: (إن العالم المعلوم بالأمانة والصدق والجري على سنن أهل الورع إذا سئل عن نازلة فأجاب، أو عرضت له حالة يبعد العهد بمثلها، أولا تقع من فهم السامع موقعها ألا يواجه بالاعتراض والنقد فإن عرض إشكال فالتوقف أولى بالنجاح وأحرى بادراك البغية إن شاء الله تعالى) الموافقات (4/324) .
8- إن أكثر الناس استحقاقاً للثقة هم العلماء، فعلى المسلم أن يضع ثقته في أهل العلم، ويواليهم ويحبهم، فإن محبة العلماء المشهود لهم في الأمة بالأهلية والورع والتقوى عنوان رشد وسلامة في المعتقد والمنهج.
وأخيراً أختم بكلمة نيرة مضيئة قالها الحافظ ابن عساكر يرحمه الله (اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) .
تلك بعض المعالم في التعامل، مع العلماء ولم استقص في ذلك، وأنصح الأخت الفاضلة بالاستفادة من كتاب (قواعد في التعامل مع العلماء) للشيخ الفاضل عبد الرحمن بن معلا اللويحق.
والله أسأل لي ولك التوفيق والسداد والعلم النافع والعمل الصالح. والسلام عليكم.(20/198)
رابعاً: استشارات نفسية(20/199)
مشكلة الرهبة من التحدث في جموع الناس
المجيب د. أمين صبري نور الدين
(علم النفس/ كلية العلوم جامعة الإمام)
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 19/01/1427هـ
السؤال
عندي هَمٌّ يقلقني، وهو رغم ثقافتي إلا أني لا أعرف التحدث والإفصاح عما أعرف، فما الحل؟ وكيف أكوِّن الثقافة العلمية المتميزة التي تمكنني من حسن الحديث، والرد السريع، والتفكير المميز، والتخطيط السليم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فيعتري بعض الناس الخجل الشديد من التحدث مع الناس، ويتفاوت هذا الأمر مع طبيعة الموقف، فقد يخجل الإنسان إذا وقف وتحدث إلى جمهور من المستمعين أو المشاهدين، ويزداد خجله كلما علقت الجماهير أبصارها به، وقد يعتريه الخجل الشديد أيضا إذا تحدث في جلسة، ويقل كلما تحدثوا أثناء حديثه، وتزداد درجة الخجل إذا توقفوا عن الكلام واستمعوا له، وقد يكون الشخص مفهومه عن نفسه سِّيئًا ومنخفضًا مما يجعل كل ما يتكلم به غير راضٍ به، أعني أنه قد يكون الشخص غير خجول بالفعل، ولكن غير راضٍ عن نفسه، وفي جميع الأحوال يكون سبب هذا عدم ثقة الشخص في نفسه، فإذا كانت ثقته بنفسه عالية زال خوفه، وإذا كانت ثقته بنفسه منخفضة ازداد خوفه، ولعلاج هذا الخجل أنصح بما يلي:
ابدأ بنفسك، بمعنى اغلق باب غرفتك، وتكلم بينك وبين نفسك أولاً، ثم تكلم أمام المرآة، ولاحظ ما تقول، وترقَّب إشاراتك وإيماءاتك، وسجِّل ما تقوله على شريط كاسيت، واسمع ما سبق أن قلته، وقوِّم ما قلته، ثم أعد مرة أخرى، ثم تكلَّم مع مجموعات صغيرة من الناس كلاماً مقتضبًا قصيرًا، ثم زد مساحة كلامك شيئًا فشيئًا.
عليك أن تقرأ في شتى الموضوعات قراءة عامة، وزد معلوماتك من الصحف والكتب غير المتخصصة، وسماع نشرات الأخبار؛ حتى تكون على دراية بقضايا الرأي العام، وتستطيع أن تتكلم دون خجل أو مواربة. نسأل الله العظيم أن يجعلك جريئًا في الحق، واثقًا من نفسك، مستعيناً بالله. والله الموفق.(20/200)
طفلتي خجولة وعنيدة
المجيب عبد الرحمن بن عبد المحسن البعيمي
مشرف تربوي بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ تربية الأولاد/التعامل مع مشكلات الأولاد
التاريخ 26/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابنتي تبلغ من العمر 5 سنوات، تبكي كثيراً، وخجولة في نفس الوقت.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وددت من الأخ السائل، لو ذكر درجة الخجل لدى الطفلة، ومم تخجل؛ لأن الخجل طبيعي في بعض المراحل وليس دائماً سيِّئاً، فعلينا أن نميز بين الخجل السوي والخجل الشديد الذي يعيق الثقة عند الفرد.
والخجل خاصية شائعة لدى الإنسان، ففي كثير من الدراسات الحديثة بينت أن غالبية من طبقت عليهم الدراسة قد مروا بالخجل في إحدى مراحل حياتهم، وخاصة الخجل والخوف عند معظم الناس هو التحدث عند مجموعة، وللوراثة دور أيضاً في الخجل، ويختلف الخجل عند الأطفال عنه عند الراشد، حيث يظهر لدى الطفل بينما يستطيع الراشد إخفاءه، ولعلاج الخجل يجب أولاً تدعيم الثقة بالنفس عن طريق حب الفرد النفسية وشعوره بقيمته، وتقبله لنفسه مهما كان، وتطلعه للمستقبل.
والطفل في سن الرابعة والخامسة تقريباً كثير المقارنة مع من هم في سنه، فمتى رأى من يفوقه في أي شيء بدأت ثقته في نفسه تقل. وللتعامل مع الطفل الخجول يمكن اتباع بعض الإرشادات الآتية:
1- تدعيم ثقته بنفسه عن طريق الاستقلالية، وتشجيعه على الأعمال التي يقوم بها.
2- الابتعاد عن النقد للطفل كانتقاد الملبس أو المظهر، أو العادة، وعدم وصفهم بصفات غير لائقة مثل الغباء وغيره من الصفات السيئة.
3- تشجيعه على التعبير عن نفسه.
4- تنمية بعض المهارات والجوانب الإيجابية لديه.
5- عدم المغالاة والحرص في الحماية الزائدة للطفل.
6- عدم وصف الطفل بالخجل أمامه، أو أمام الآخرين.(20/201)
خجل وحساسيه!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 27/9/1422
السؤال
الرجاء الرد على السؤال: إنني أواجه مشكلة الخجل الزائد عن اللزوم وانجرح من أتفه الأسباب، إنني إذا وجّه إليّ سؤال وأنا في وسط الناس فأول شعور يواجهني: تزيد دقات قلبي، ويتصبب عرقي، ويتغير كلامي أرجو منكم توجيهي، وحل مشكلتي، ولكم مني الدعاء وجزيل الشكر.
الجواب
أخي الكريم، أشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.. أما استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:
أولاً: لا شك أن الخجل مشكلة كبيرة قد تستبد بصاحبها إلى درجة تشل مواهبه وقدراته، وتجعله عرضة للاضطراب الاجتماعي وربما النفسي، بل وقد تدفعه إلى العزلة عن محيطه بشكل يؤثر على عطائه واندماجه فيه.
ثانياً: يتباين الناس الذين يعانون من الخجل في مدى إحساسهم فيه، ومعاناتهم منه، فالخجل عند هذا غيره عند ذاك، وأسبابه هنا تختلف عن أسبابه هناك.. إلا أن الأسباب تقريباً تنحصر في ثلاثة عوامل تبدأ منها وتتفرع عنها. وهذه العوامل هي:
أ-عوامل تربوية تتعلق بالتنشئة الاجتماعية: كالحماية الزائدة أو القسوة الزائدة، وما يترتب على ذلك من انعدام الثقة في النفس وبالتالي الخجل في مواجهة الآخرين.
ب-عوامل جسمية تتعلق إما بعاهة جسمية بارزة، أو نحول زائد أو سمنة زائدة، أو تشوه معين. كل ذلك قد يدفع بصاحبه إلى نوع من أنواع الخجل.
ج-عوامل نفسية مثل: الحساسية الزائدة، أو سرعة الانفعال أو سعة الحيز الشخصي الخاص الذي لا يسمح لأحد بتجاوزه تحت دعاوى المس بالكرامة، والخوف الكبير من الخطأ. كل ذلك عوامل تسبب للإنسان تفاعلات داخلية عنيفة من أعراضها زيادة الخفقان، وتصبب العرق، واحمرار الوجه، اضطراب الكلام وغير ذلك.
ثالثاً: لو أردنا الغوص أكثر في أعماقنا لمعرفة ما وراء كل ذلك لوجدنا الأسباب ترتبط إلى حد كبير بما يسمى [المبالغة في البحث عن الاستحسان!!] أي اهتمام المرء بما يقال عنه، والأحكام التي يصدرها الآخرون على سلوكه وتصرفه وأعماله وكلامه!!
وهذا الاهتمام بما يقوله الآخرين هو الذي يوجد حاله نفسية هي إلى الخوف أقرب.. فإن من يخشى أن لا يقدر كما يريد، أو كما يتمنى.. فإنه ينتهي حتماً إلى الخجل!!
رابعاً: مشكلة الخجول أنه يتصور أنه محور انتباه العالم، وأن الجميع يراقب حركاته وسكناته، ولذلك تراه غارقاً في تفسير "الأفعال وما وراءها والنظرات ومغزاها" والكلمات ومرادها. وبالتالي هو متوتر من الخارج، ومضطرب من الداخل بصورة مرهقة تدفعه إلى تجنب مثل هذه اللقاءات الاجتماعية حتى لا ينشغل كثيراً بتفاصيلها، وتفسيرها، ومكاسبها وخسائرها..!! وما علم أن تجنبه لها يزيد وطأتها وأن الحل الأمثل لمواجهتها هو عدم تحميلها أكثر مما تحتمل، واليقين بأن الناس لا يشغلهم منه إلا بعض الدقائق التي تكون غالباً من باب المجاملة، ثم يعود كل منهم إلى دائرته الخاصة.. ومشاغله الخاصة!!(20/202)
خامساً: من الخطوات الأساسية للتغلب على الخجل هنا.. الابتعاد قدر المستطاع عن " الحساسية الزائدة " بما قد يقال عنك أو يقال فعلاً.. وعدم تحميله أكثر مما يحتمل.. أو أن تربط رضاك عن نفسك برضاء الآخرين عنك.. أو فكرتهم عنك.. ونشدان استحسانهم بأي طريقة.. والتأكد بأن مواقفنا من الأشياء دائماً ما تخضع لزاوية رؤيتنا لها.. واهتمامنا بها.. فإذا جعلت من الآخرين مقياساً وحيداً لرضاك عن نفسك وقناعتك بها.. وبحثت عن استحسانهم ورضاهم حد الاستجداء..!!! فإنك ولا ريب ستتحول إلى شخصية مهزوزة.. غير قادرة على المواجهة الإيجابية.. وبالتالي سيغلبك الخجل.. وسترتقي في مدارجه شيئاً فشيئاً.. حتى تنحصر في دائرة ضيقة لا فكاك منها..!!!
وتأكد.. أنك حتى وإن كنت تعاني من نقص ما.. بدني أو نفسي فإن لديك من الإيجابيات ما يكمل هذا النقص لو استثمرتها جيداً..!! فارض بواقعك واصلح منها ما يمكنك إصلاحه.. وتأكد أنك كما تفكر.. تكون!!
سادساً: كن على طبيعتك بقدر المستطاع.. لا تخش النقد إلى حد الانسحاب حتى من إبداء الرأي إذا طلب منك.. والرضاء من الغنيمة بالصمت!!! تفاعل مع من حولك.. حاور.. وثق أنك لست أقل قدراً وقدرة من الآخرين.. ولا يكن رأي الآخرين بك.. أهم من رأيك بنفسك.. فلكل منا إيجابياته وسلبياته.. ونقاط قوته ونقاط ضعفه.. ولدينا جميعاً ما نحب وما نكره.. وما نريد وما لا نريد..!! تعامل مع محيطك على هذا الأساس.. وابدأ شيئاً فشيئاً.. وتأكد أن إرضاء كل الناس ليس دائماً هو الصواب.. وأن إسخاط كل الناس ليس دائماً هو الخطأ..!!! ولكن الصواب والخطأ هو: أي نوع أرضيت وأي صنف أسخطت؟!!
سابعاً: اكسر دائرة الخجل.. ولا تفكر فيها طويلاً.. واخرج منها.. عبر الحوار والتفاعل مع محيطك.. ولا بأس من البداية بدوائر صغيرة في كل من محيط العمل أو محيط الأسرة.. ثم توسيع الدوائر وزيادتها.. وانظر دائماً إلى ما تقوله أنت عن الآخر.. لا ما يقوله عنك الآخر.. ولتكن ركيزتك الأساسية في البداية محاولة الاسترخاء.. والتدرب على التنفس العميق.. والثقة بالله ثم بنفسك بأنك ستتغلب على هذه المشكلة وتواجهها.. ولن تنشغل بها طويلاً..!!!
وفقك الله وسدد على طريق الخير والحق خطاك..(20/203)
خجل.. وحساسيه!!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 20/5/1422
السؤال
أخي مشرف نافذة الاستشارات.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد ...
الرجاء الرد على السؤال إنني أواجه مشكلة الخجل الزائد عن اللزوم وانجرح من اتفه الأسباب إنني إذا وجه إلي سؤال وأنا في وسط ناس أول شعور يواجهني تزيد دقات قلبي ويتصبب عرقي ويتغير كلامي أرجو منكم توجيهي وحل مشكلتي ولكم مني الدعاء وجزيل الشكر؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
أخي الكريم اشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.. وأما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:-
أولاً: لا شك أن الخجل مشكلة كبيرة قد تستبد بصاحبها إلى درجة تشل بها مواهبه وقدراته.. وتجعله عرضة للاضطراب الاجتماعي وربما النفسي.. بل وقد تدفعه إلى العزلة عن محيطه بشكل يؤثر على عطائه واندماجه فيه.
ثانياً: يتباين الناس الذي يعانون من الخجل في مدى إحساسهم فيه ومعاناتهم منه.. .. فالخجل عند هذا غيره عند ذاك وأسبابه هنا تختلف عن أسبابه هناك.. إلا أن الأسباب تقريباً تنحصر في ثلاثة عوامل.. تبدأ منها.. وتتفرع عنها ... وهذه العوامل هي:-
أ- عوامل تربوية.. تتعلق بالتنشئة الاجتماعية.. كالحماية الزائدة أو القسوة الزائدة.. وما يترتب على ذلك من انعدام الثقة في النفس وبالتالي الخجل في مواجهة الآخرين.
ب- عوامل جسمية.. تتعلق إما بعاهة جسمية بارزة.. أو نحول زائد أو سمنة زائدة.. أو تشوه معين.. كل ذلك قد يدفع بصاحبه إلى نوع من أنواع الخجل.
ج- عوامل نفسية.. مثل الحساسية الزائدة.. أو سرعة الانفعال أو سعة الحيز الشخصي الخاص الذي لا يسمح لأحد بتجاوزه تحت دعاوى المس بالكرامة.. والخوف الكبير من الخطأ.. كل ذلك عوامل تسبب للإنسان تفاعلات داخلية عنيفة من أعراضها زيادة الخفقان.. وتصبب العرق واحمرار الوجه..واضطراب الكلام وغير ذلك.
ثالثاً: لو أردنا الغوص أكثر من أعماقنا لمعرفة ما وراء كل ذلك.. لوجدنا الأسباب ترتبط إلى حد كبير بما يسمى [المبالغة في البحث عن الاستحسان!!!] أي اهتمام المرء بما يقال عنه والأحكام التي يصدرها الآخرون على سلوكه وتصرفه واعماله وكلامه!!!
وهذا الاهتمام بما يقوله الآخرين.. هو الذي يوجد حاله نفسية هي إلى الخوف أقرب.. فإن من يخشى أن لا يقدر كما يريد.. أو كما يتمنى.. فإنه ينتهي حتماً إلى الخجل!!!(20/204)
رابعاً: مشكلة الخجول إنه يتصور أنه محور انتباه العالم.. وإن الجميع يراقب حركاته وسكناته.. ولذلك تراه غارقاً في تفسير الأفعال وما راءها والنظرات ومغزاها.. والكلمات ومرادها.. وبالتالي هو متوتر من الخارج ومضطرب من الداخل.. بصورة مرهقة تدفعه إلى تجنب مثل هذه اللقاءات الاجتماعية حتى لا ينشغل كثيراً بتفاصيلها.. وتفسيرها.. ومكاسبها وخسائرها..!! وما علم أن تجنبه لها يزيد وطأتها.. وأن الحل الأمثل لمواجهتها.. هو عدم تحميلها أكثر مما تحتمل.. واليقين بأن الناس لا يشغلهم منه إلا بعض الدقائق التي تكون غالباً من باب المجاملة.. وبالتالي يعود كل منهم إلى دائرته الخاصة.. ومشاغله الخاصة!!!
خامساً: من الخطوات الأساسية للتغلب على الخجل هنا.. الابتعاد قدر المستطاع عن " الحساسية الزائدة " بما قد يقال عنك أو يقال فعلاً.. وعدم تحميله أكثر مما يحتمل.. أو رضاك عن نفسك برضاء الآخرين عنك.. أو فكرتهم عنك.. ونشدان استحسانهم بأي طريقة.. والتأكد بأن مواقفنا من الأشياء دائماً ما تخضع لزاوية رؤيتنا لها.. واهتمامنا بها.. فإذا جعلت من الآخرين مقياساً وحيداً لرضاك عن نفسك وقناعتك بها.. وبحثت عن استحسانهم ورضاهم حد الاستجداء..!!! فإنك ولا ريب ستتحول إلى شخصية مهزوزة.. غير قادرة على المواجهة الإيجابية.. وبالتالي سيغلبك الخجل.. وسترتقي في مدارجه شيئاً فشيئاً.. حتى تنحصر في دائرة ضيقة لا فكاك منها..!!!
وتأكد.. أنك حتى وإن كنت تعاني من نقص ما.. بدني أو نفسي فإن لديك من الإيجابيات ما يكمل هذا النقص لو استثمرتها جيداً..!! فارض بواقعك واصلح منها ما يمكنك إصلاحه.. وتأكد أنك كما تفكر.. تكون!!
سادساً: كن على طبيعتك بقدر المستطاع.. لا تخش النقد إلى حد الانسحاب حتى من إبداء الرأي إذا طلب منك.. والرضاء من الغنيمة بالصمت!!! تفاعل مع من حولك.. حاور.. وثق أنك لست أقل قدراً وقدرة من الآخرين.. ولا يكن رأي الآخرين بك.. أهم من رأيك بنفسك.. فلكل منا إيجابياته وسلبياته.. ونقاط قوته ونقاط ضعفه.. ولدينا جميعاً ما نحب وما نكره.. وما نريد وما لا نريد..!! تعامل مع محيطك على هذا الأساس.. وابدأ شيئاً فشيئاً.. وتأكد أن إرضاء كل الناس ليس دائماً هو الصواب.. وأن إسخاط كل الناس ليس دائماً هو الخطأ..!!! ولكن الصواب والخطأ هو: أي نوع أرضيت وأي صنف أسخطت؟!!
سابعاً: اكسر دائرة الخجل.. ولا تفكر فيها طويلاً.. واخرج منها.. عبر الحوار والتفاعل مع محيطك.. ولا بأس من البداية بدوائر صغيرة في محيط العمل أو محيط الأسرة.. ثم توسيع الدوائر وزيادتها.. وانظر دائماً إلى ما تقوله أنت عن الآخر.. لا ما يقوله عنك الآخر.. ولتكن ركيزتك الأساسية في البداية محاولة الاسترخاء.. والتدرب على التنفس العميق.. والثقة بالله ثم بنفسك بأنك ستتغلب على هذه المشكلة وتواجهها.. ولن تنشغل بها طويلاً..!!!
وفقك الله وسدد على طريق الخير والحق خطاك..(20/205)
أعاني من الخجل الشديد
المجيب د. صالح بن علي الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 15/05/1425هـ
السؤال
شخص في مقتبل العمر يعاني من الخجل الشديد الذي يمنعه من ممارسة العلاقات العادية مع الآخرين في العمل، وفي المناسبات الاجتماعية عموماً، هل هناك علاج في الدين لهذه المشكلة، مثل دعاء معين؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الخجل يؤثر على قدرة الفرد في تفاعله مع الآخرين، ويؤدي به إلى العجز عن المشاركة بصورة مناسبة في المواقف الاجتماعية.
والشخص الخجول يفتقر إلى المهارات الاجتماعية، ولا يعرف كيف يتصرف في مواقف محددة، لديه تقدير ذات منخفض، ويخاف من التقويم السلبي.
وللتغلب على المشكلة من المهم فهمها جيداً، وغالباً ما يحافظ عليها أفكار واعتقادات خاطئة، مثل تفكيره بأن الآخرين يقيمونه تقييماً سالباً، وتحقير ولوم للذات.
وأشعريه بأن الخجل لا يصف كل شخصيته، وإنما يصف جانباً من جوانب سلوكه، وإذا كان لديه جانب سلبي فإن لديه الكثير من الإيجابيات.
ينبغي أن يبذل جهداً لإيقاف التفكير السلبي ومهاجمة الأفكار الخاطئة ودحضها، ويستبدل ذلك بأفكار إيجابية، سواء حول نفسه أو الآخرين.
وشجاعة على مواجهة المواقف الاجتماعية بدلاً من تجنبها، فالتجنب يجعل المشكلة أكثر صعوبة، وليواجهها تدريجياً بدءاً بأقلها إثارة للخوف، ويستعد بأن يكون لديه شيء يقوله في تلك المواقف ولو كان بسيطاً، والبداية قد تكون صعبة، لكن إذا استمر على ذلك فسوف يجد نتائج إيجابية، عليه أن يرسم لنفسه أهدافا واقعية، وأن يسلك لتحقيقها بثقة ومرونة.
والدين الإسلامي دين شامل فيه ما يفيد في التغلب على الكثير من الشدائد والاضطرابات التي تصيب الفرد، قال الله -تعالى-: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا" [الإسراء:82] ، فالإيمان بالله هو أساس الاطمئنان النفسي، والوقاية من كل المشكلات والاضطرابات التي تصيب الإنسان.
والإسلام يدعو الإنسان أن يكون إيجابياً في علاقاته مع نفسه ومع الآخرين، وقد حث على كثير من الآداب والسلوكيات التي تزيد الروابط الاجتماعية بين الأفراد، ومن خلالها ينمي الفرد كثيراً من المهارات الاجتماعية، وتؤدي إلى التفاعل الاجتماعي، وبالتالي وقاية الإنسان من أي صورة من صور العزلة، والصلاة صلة بين العبد وربه، تبعث في نفس الإنسان الهدوء والطمأنينة، وتخلصه من الشعور بالذنب، وتقضي على الخوف، والقلق الذي لديه.
وقراءة القرآن تحقق هدوء النفس، وتبعث السكينة في النفس، وتزيد معنوية الفرد، فتزول الأوهام والأمراض، فعليك أخي بتلاوة القرآن، والتركيز على بعض الآيات والسور، مثل فاتحة الكتاب، وأواخر سورة البقرة، وآية الكرسي، وسورة الإخلاص، والمعوذتين.
ووجهيه إلى الدعاء، والإلحاح فيه؛ ففيه شفاء للنفس من الهم، والغم، والأرق، والفزع، والكرب، وهو عدو البلاء، وسلاح المؤمن، ومن الأدعية: دعاء الهم والحزن، ودعاء الأرق والفزع.(20/206)
" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز، والكسل، والبخل، والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال"، " اللهم آت نفسي تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها"، " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي، وآمن روعتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك أن أغتال من تحتي"، وليتحين أوقات إجابة الدعاء، ويدعو الله بما يعينه على مواجهة مشكلته والتغلب عليها، وليلزم الاستغفار؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب" رواه أبو داود (1518) وابن ماجة (3819) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما-.(20/207)
أخشى سخرية الآخرين بتديني
المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 21/06/1425هـ
السؤال
صدقوني إنني بدأت أشك في عبادتي، حيث إنني والحمد لله من الذين يحبون قراءة القرآن والحمد لله أني أحس بانشراح في صدري، ولكن ما يتعبني هو أنني عندما أقرأ القرآن ويدخل علي أحد فجأة في الغرفة فإنني أخفض صوتي، ولا أحب أن يسمعني أحد وأنا أقرأ، وكنت أتساءل لماذا أفعل ذلك؟ لأنني أشعر بعض الأحيان أن الجواب هو أنني أخشى في الله لومة لائم؛ لأن هناك بعضهم يتمسخرون على أي شيء، وبعض الأحيان يأتي الجواب أنني أستحي.....، وفي بعض الأحيان عندما أرى برنامجا دينيا فإنني بعض الأحيان أبدله إذا أتى أحد من هؤلاء المستهزئين، (علما بأنهم لا يستهزئون بالقرآن ولا بالبرامج الدينية، بل على الشخص نفسه ويقولون أوووووه المطاوعة والمطاوعة، والمطوع عندهم إنسان معقد، وعندما يطلع شخص في التلفزيون ويكون في تلك الساعة يدعو الله فإنني أقول آمين في قرارة نفسي، ولا أرفع يدي، ولكن إذا لم يكن أحد عندي فإنني أفعل العكس، لدرجة أنه في يوم ما كنا نشاهد البرنامج الذي يقدمه عمرو خالد، وفي الختام كان يدعو الله والكل رفع يديه إلا أنا، وكنت أقول آمين في قرارة نفسي لدرجة أنني شعرت بالذنب وأحسست بأني متكبرة، أو أتكابر عن رفع يدي لربي، فهل أنا فعلا أعتبر بذلك أنني أخشى في الله لومة لائم وأنني ضعيفة الإيمان؟؟
الجواب
الأخت الكريمة:
فيك صفة حسنة وهي محبة الخير والرغبة فيه، ومع ذلك تعانين من مشكلة الخجل المرضي الذي أوصلك إلى هذا الحد من ترك المشاركة في الخير.
ولعل هذه المشكلة تزول إذا أدركت الأمور التالية:
(1) تأكدي من أن الناس لن يرضوا عنك مهما جاريتهم في أهوائهم فاحرصي على رضى الله، وهو سبحانه يرضي عنك الناس، فقد جاء في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس" رواه الترمذي (2414) من حديث عائشة-رضي الله عنها-.
(2) أن هؤلاء المستهزئين بك أو بغيرك من المتمسكين بالدين ليسوا أهلاً أن يقدروا وأن يستحيا منهم فهم عصاة بهذا الاستهزاء، وهم في الغالب مقصرون في أمور الدين، فأنت العزيزة وهم أهل الذلة، "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [آل عمران:139] .
فلا ينبغي أن تهني أمامهم ولا تضعفي، فهم لا يستحقون الاحترام والتقدير فضلاً أن تستحي منهم.
وكما قال الشاعر:
لا تخش كثرتهم فهم همج الورى *** وذبابه أتخاف من ذبان
(3) لا بد من الصبر والثبات على الدين، فإذا كنت تخافين مجرد الاستهزاء فكيف لو ابتليت بما هو أكثر من أنواع الأذى؟! وكيف ستنكرين المنكر وأنت تخجلين من إظهار العبادة؟! قال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ" [العنكبوت: من الآية10] .
(4) قد نهاك ربك -تعالى- عن خشية الناس وأمرك بخشيته وحده -سبحانه وتعالى-، فقال: "فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ واخشون" [المائدة: من الآية44] .(20/208)
الخجل يمنعني من حقوقي..!!
المجيب د. سيد زكي خريبة
استشاري صحة نفسية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 12/10/1422
السؤال
مشكلتي هي أنني شديد الخجل، ولربما وصل بي الأمر إلى أن يكون الحق لي ولا أستطيع أن أبوح به مراعاة لمشاعر الحاضرين، وإذا كلفت بأمر ثم لم أقم به على الوجه المطلوب تجدني أخجل أن أقدم عذراً للآخر.
الجواب
الأخ صاحب المشكلة، اعلم يا أخي أن الخجل يمكن أن يصيب المشهورين والموهوبين كما يصيب الشخص العادي أيضاً، ومثل معظم المشكلات العقلية والانفعالية فإن الخجل لا يحترم طبقة الفرد الاجتماعية، ولكن ما مدى وجود الخجل لديك؟
الأخ صاحب المشكلة.. يسمى الشعور بالخجل في بعض المواقف الاجتماعية باسم "الخجل الموقفي" وهو لا يعد مشكلة سلوكية. أما الشعور بالخجل في كل المواقف التي تواجه الفرد فيسمى "الخجل المزمن" وهو بالطبع مشكلة. وهذا النوع من الخجل يمكن تسميته باسم "الخجل المزاجي" وهو سمة من سمات الشخصية.
ومن الممكن أن نوسع من سمة الخجل إلى مجال المرض، وهو ما يعرف باسم "الخجل المرضي" وهو نوع من الخجل يبدو لدى الشخص الذي يصبح شديد الانسحاب من الآخرين، ويتجنب كل التواصلات غير الضرورية معهم - وهناك اصطلاح " الانطواء الاجتماعي " وهو يدل على الميل للتحرك بعيداً عن الناس.
فكنا نود أن نعرف منك الكثير عن طبيعة خجلك إلا أننا من خلال ملخص مشكلتك سنحاول جاهدين لعلنا نصل بك إلى الأمان من خلال تقديم المشورة والعون طبقاً للملخص غير الكافي عن موضوع خجلك.
الأخ صاحب المشكلة! هناك مرادفات للخجل تشيع في الأوساط الاجتماعية مثل: مؤدب - شديد الكسوف - عاطفي - منسحب - متردد.
فإذا كنت تعتقد بأن ذلك - وأقصد الخجل في المواقف التي تواجهك - نوع من التواضع والأدب، وهما ما يجعلان شخصيتك جذابة، فأقول لك: إن ذلك صحيح إلى حد ما - ولكن الغياب المطلق للحديث المتمركز حول ذاتك يصدم الآخرين في النهاية، وتبدو عندهم أنك غير متزن.
وإذا كان خجلك من النوع المزاجي، وهو أنك تبدو متحفظاً مع الآخرين وباردا تجاههم فاقول لك: إن ذلك نوع من الأقنعة التي يرتديها الفرد؛ لأنه غير واثق بذاته وفي ذهنه أنه سيفتضح لو تحدث برأيه - فأنت في هذه الحالة تحاول الهروب خشية الإحراج وخوفاً من آراء الآخرين.
وإذا كنت تعانى من الخجل بسبب طول قامتك أو ملامح وجهك أو مهاراتك اللفظية فنقول لك: إنه يجب عليك في هذه الحالة أن تضع في ذهنك أن الآخرين ليسوا أكفأ منك، وأنك على ما يرام، ولا تضع لمثل هذه الأمور أي حساسية.
عزيزي صاحب المشكلة، إن من يعانى من الخجل لا بد وأنه كان في سنوات عمره الباكرة شديد الحساسة للنقد وأحكام الآخرين. إن سمة الخجل هي اختباء من الآخرين.
إلا أننا نقول لك لكي تتغلب على هذه المشكلة عليك باتباع الآتي:
1-استكشف خبرات طفولتك (أي استرجع ذكريات الطفولة) وستجد أن كثيراً من ذكريات طفولتك نحو نفسك اليوم قد تشكلت وذلك من خلال تفاعلك مع والديك وإخوتك.(20/209)
2-اختبر مشاعر الدونية لديك - فكثيراً ما تكون هذه المشاعر خاطئة - إنها في الغالب خيالات عن نفسك، وإذا تفحصتها بمنطقية في ضوء ذكائك الأشد ستكون قادراً على رفضها، وبالتالي سيقل تأثيرها عليك.
3-كن على ثقة أن عادة الخجل هي عادة متعلمة ونقول لك إن ما يمكن تعلمه يمكن إبطال تعلمه - وكن على وعي بأن سلوك التجنب والانسحاب من جانبك يقوي خجلك؛ لأنه يزودك بالراحة من القلق.
فحينما تواجه الموقف تكتسب قوة، وتتعلم تحمل القلق ومع المواقف سيتضاءل هذا القلق بفعل ظاهرة الاعتياد وهي تعني أنك تتكيف تدريجياً مع المواقف.
4-اكتسب مهارات توكيد الذات، أي تعلم أن تطلب ما تريد وأن تضع نفسك في المقدمة في بعض الوقت، وتحقق أن لك الحق في أن تكون الأول مثل الآخرين؛ فالآخرون لهم مشاعر كما لك مشاعر، وأن مطالبتك بحقك في الأول عند ما تكون الصاحب يضفي احترام الآخرين لك.
عزيزي صاحب المشكلة وكونك تقول: إنك إذا كلفت بأمر ولم تقُم بعمله على الوجه المطلوب فإنك تستحيي تقديم العذر للآخر - فهذا شيء طيب يدل على أنك إنسان جيد ولديك أعلى (ضمير) قوي يؤنبك في حالة التقصير، وفي الأثر: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" فالإتقان سمة من السمات التي أوصى بها الدين عند ما يقوم الإنسان بعمل ما. ندعو الله لك أن تظل متقناً لأعمالك، ولا تقدم أعذاراً عن عدم إتقانك لتلك الأعمال.(20/210)
الخوف من إمامة الناس في الصلاة!!
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 1/8/1422
السؤال
مشكلتي أنني أشكو من الخوف وعدم القدرة على الإمامة في الصلاة الجهرية. فما العلاج لذلك؟ وجزاكم الله كل خير
الجواب
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. أما عن سؤالك فإليك الجواب عنه البدع تختلف في نوعها وأصحابها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أولاً: هل أنت ملزم بالإمامة أم لديك رغبة في ذلك ولكن تجد هذا الحاجز..؟ عموماً: هذا الخوف يعتبر طبيعياً في أول الأمر , فكل إنسان تقدم أمام الناس سواء ليتحدث أو يقرأ أو يؤم.. يحصل له هذا الخوف.. ومن أهم أسباب التغلب عليه ـ والعلم عند الله ـ ما يلي:
1- تعلم الشجاعة وأنه لن يحصل لك شيء إذا أخطأت.
2- الممارسة.. الممارسة.. الممارسة طريقك إلى الشجاعة.
3- حاول أن تقرأ أمام والديك في المنزل أو تؤم بعض أصدقائك إذا خرجت في نزهة.
4- الذي يريد أن يتعلم السباحة لا بد له أن يبتل بالماء.. ثق أنك لن تكون شجاعاً وتؤم الناس مثل المشهورين حتى تمر بمراحل الخوف.
5- هب أنك أخطأت في صلاتك. لست الوحيد بهذا العالم الذي يخطئ وكثيراً ما يخطئ الذين لهم باع بهذا لأن المحراب والصلاة ليست بالأمر اليسير.
6- لا أظن أنه يوجد علاج مباشر للخوف في مثل هذه الأمور , ولكن العلاج بيدك أنت أولا , وتأكد أن الذي يريد أن يصل إلى الساحل لا بد أن يقاوم الأمواج العاتية.
7- إذا وقفت في المحراب فتخيل أنك وحدك.
8- إذا وقفت في المحراب استعداداً للصلاة حاول ألا تنظر في وجوه المصلين.
9- لا تقرأ السور التي لم تتقن حفظها في الصلاة الجهرية.
10- إذا أردت أن تنجح في هذا فتأمل كيف تعلمت قيادة السيارة , كيف كانت السيارة أول الأمر.. ثم كيف أصبحت بعد ذلك.
11- احذر من التقليد الأعمى في القراءة.
12- احضر للمسجد قبل الصلاة بوقت كاف.. وصلِّ ما كتب لك ثم اقرأ شيئاً من القرآن بتمعن ليبعد عنك التفكير بالإمامة.
هذه بعض الخطوات العملية التي أتمنى لك الاستفادة منها وإن لم تجد الفائدة المرجوة فقد يكون ما تعاني منه نوع من الخوف المرضي الذي طرق كثيراً في هذه النافذة(20/211)
رهبة الإمامة
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 15/03/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
المشكلة التي تؤرقني منذ زمن بعيد، وتمنعني من حضور الجماعة في المسجد أنه عندما أحضر إلى المسجد للصلاة يطلبون مني أن أتقدمهم للإمامة؛ لأنني أفضل الموجودين علماً وشهادة، وقراءة للقرآن وأحكام التجويد، حتى إنه من يصلي بهم في رمضان عليه أخطاء كثيرة في التلاوة، ونطق الكلمات والتجويد، وباقي الأحكام الأخرى، وأنا لا أستطيع تصحيحه؛ خوفاً من أنه يطلب مني أن أصلي بهم، وأنا أخجل كثيراً جداً، وأتلعثم بالقراءة، ويتصبَّب عرقي، ولا أستطيع البوح لهم بذلك أو لأحد غيرهم، مما يسبب لي حرجاً شديداً، وهذا بدوره جعلني أبتعد عن الصلاة بالمسجد، وعن صلاة التراويح، وأصلي بالبيت خوفاً من ذلك، علماً أنني أتمنى أن أستطيع الصلاة مع الجماعة في المسجد، أرجو أن تدعوا لي بأن يمن الله عليّ بالصلاة مع الجماعة بالمسجد، وهذه مشكلتي بين أيديكم وأمانة لديكم، أرجو مساعدتي في حل مشكلتي؛ لأنها تخنقني يوماً بعد يوم، أنصحوني ماذا أفعل؟ أريد حلاً جذرياً. جزاكم الله خير الجزاء، وأجزل لكم الأجر والمثوبة، وشكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الأخ الكريم:- سلمه الله-.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
أما جواب مشكلتك فكالتالي:
أولا: أخي الكريم ترك الصلاة في الجماعة -بحجة الخوف من تقديمك للإمامة- لا يجوز شرعاً، وهو من تلبيس إبليس وتخويفه لك ليصدك عن سبيل الله، ومع فرض الحالة النفسية التي تصيبك من جراء الإمامة في مسجدكم فإنه يمكنك الذهاب إلى مسجد آخر لتصلي به مأموما تدرك فيه الجماعة، أما أن تصلي في البيت مع إمكانية إدراكها في مسجد آخر قريب فلا يجوز.
ثانياً: ألا تعلم -أخي الكريم- فضل الإمامة وأجرها؟ ألا يكفيك فخراً واعتزازاً أن تكون في مكان كان يقف فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤم الناس في زمانه، ثم انظر -أخي الكريم- ماذا قال الله في وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان، لقد أخبر الله -سبحانه- أن من دعائهم: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً" [الفرقان 25/74] ، ألا تحب أن تكون للمتقين إماماً؟.(20/212)
ثالثاً: أن هذه الحالة النفسية التي تصيبك جراء التقدم للإمامة هي طبيعة لكل مبتدئ، ولا زلت أذكر في بداية إمامتي للجامع منذ أكثر من عشرين سنة كيف كنت أرتجف واضطرب كلما تقدمت للصلاة بالناس، وأنسى أيسر السور، وشيئاً فشيئاً حتى تغلبت على ذلك بالمواصلة وليس بالتخفي والهروب، فعلاج حالتك لا يكون بالاعتزال ولكن يكون بمواجهة الأمر والعيش في غماره، وتحمل تلك الفترة التي سرعان ما تزول مع الأيام، ثم يا أخي أنت رجل، ومن طبيعة الرجل مواجهة الناس والتعايش معهم بثقة ورباطة جأش، فكن واثقاً من نفسك، واطرح وساوس الشيطان التي يريد بها عزلك عن الخير والاستفراد بك؛ حتى لا يبقى لك من معاني الخير شيئاً.
رابعاً: تذكَّر -أخي الكريم- أن ما منَّ الله عليك -من قراءة القرآن الصحيحة والعلم بأحكام الصلاة- هو من العلم الذي لا يجوز لك أن تكتمه وتحجزه عن الناس، بل الأصل أن تبثه وتسعى في نشره، وإعانة الناس على تعلمه وتلقيه عنك.
خامساً: أنت تحتاج أن تعرض نفسك لمواجهة الجمهور كثيراً، كإلقاء كلمة أو قراءة خطاب أو كتاب؛ لتعتاد على مقابلة الجمهور.
سادساً: أكثر من الاستعانة بالله -عز وجل-؛ فإنه وحده هو المعين والمسدد جل في علاه.
سابعاً: أسمعُ بين الفينة والأخرى عن دورات في الخطابة ومقابلة الجمهور، لم لا تدخلها لتتدرب على ذلك؛ حتى تكون داعية خير في هذه الأمة، وعنوان صلاح ومنبر طاعة؟! أفلا تحب أن تنصر دينك، وتعلي كلمته بين الناس؟!
ثامناً: توكَّل على الله -يا أخي- بصدق، وستجد -بإذن الله- العون، فالناس بحاجة إليك وإلى قدراتك، فاطرح الخجل المميت وراء ظهرك، وانتصر على نفسك الضعيفة لتكون من الأقوياء والأسوياء. والله معك ولن يضيعك.
والسلام عليكم.(20/213)
كيف نوظف طاقات هذا الشاب الخجول؟ !
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 20/11/1425هـ
السؤال
أحسن الله إليك يا شيخ، لدينا شاب في الحلقة والنشاط، مجتهد، ويحضر ومواظب، وله معنا قرابة الأربع سنوات، والآن هو في الصف الثاني الثانوي، لكنه غير فعَّال، كلمته المشهورة: لا أريد شيئًا (ما أبغى أشارك) . لا يتكلم كثيرًا مع الطلاب، شديد الحياء، أعطي مهام ولم ينفذها، والسؤال: ما الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه النوعية بحيث نستفيد ويستفيد من نفسه وإمكاناته لخدمة الدين؟ والله الموفق.
الجواب
الأخ الكريم - سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
ونعتذر عن التأخير في إجابة سؤالك، والجواب على ما سألت عنه كالتالي:
أولًا: أشكر لك استشعارك المسؤولية عن إخوانك من الشباب لإعانتهم على أنفسهم، ليكونوا أكثر إيجابية في الخير، والبر، والرشاد، وأسأل الله أن يكتب لك أجره، وأن ينفع بجهدك وعطائك وحرصك.
ثانيًا: ما رأيك لو جعلناه يختار العمل المناسب له، والذي يشعر أنه أقرب لقدراته؛ فإن هذا نافع، بإذن الله.
ثالثًا: حاول ربطه بالشاب الأكثر تفاعلًا ليتعلَّم منه ويتأثر.
رابعًا: اصنع فيه الثقة بالتالي:
1- علّقه بالله، من تعلق بشيء وُكل إليه. .! فما أعظم أن يوكل الإنسان إلى ربه الرحمن الرحيم. . القوي القدير. . اللطيف الخبير. . علّمه كيف يحسن التعلق بالله. . الفزع إليه.
2- اشحذ همّته بذكر قصص الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين، ومن سار في فلكهم وعلى طريقتهم من العلماء، والعباد، والزهاد، والقادة، والمجاهدين، وغيرهم.
3- عزز جانب النقص فيه بالعبارات والكلمات التي من شأنها رفع المعنويات، والنقص
قد يكون نقصًا فطريًّا، وجِبِليًّا، عزّزه بما يكمله، وإن كان هذا التعزيز شعوريًّا نفسيًّا، وكم كلمة وحديث قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم- يؤكد هذا المنهج في تعزيز النقص الفطري، كمثل قوله عليه الصلاة والسلام في حق المرأة - والتي فيها نقص فطري: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ". أخرجه ابن ماجه (3678) . وقال: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ". وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. أخرجه مسلم (2631) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَنَاتِ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ". أخرجه الترمذي (1913) . وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ؛ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ". أخرجه أحمد (1661) . إنه تكميل وتعزيز لتكون أكثر ثقة بنفسها حين تتعامل مع معطيات الحياة بهذه النفسية والمعنويات الواثقة المرتفعة!(20/214)
4 - احترم جهده، لا تتجاهل أو تحقّر. . لكن. . احترم وقدّر. . وتذكر قصة الشابين الفتيين. . يختصمان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّهما قتل أبا جهل! فيطلب صلى الله عليه وسلم سيوفهما. . فيرى عليها آثار الدماء. . فيقول: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ". أخرجه البخاري (3141) ومسلم (1752) . ويوصي النساء، رضي الله عنهن، كما في الحديث الصحيح: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ ". أخرجه البخاري (2566) ومسلم (1030) . إن احترام جهود الآخرين. . مهما قلّت أو دقّت، تبعث في قلوب الآخرين الثقة فيما يقدمون ويعطون ويبدعون. . . فأنت جزاك الله خيرًا احترم جهد هذا الشاب مهما قلَّ. . تصنع فيه الثقة.
5- كلّفه بالمستطاع؛ حتى لا يصاب بالإحباط. . أو الفتور، وحتى لا يصير أسير الضجر والملل، أسير التخبّط والفشل، كلّفه بالمستطاع من خلال معرفتك بقدراته وإمكاناته، ثم اختر المناسب في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب. تأمل معي في منهجية رسول الله صلى الله عليه وسلم- في تربيته وتقوية جوانب العطاء في صحابته، رضي الله عنهم: حذيفة أمين السر، وخالد بن الوليد سيف الله المسلول، وأبو هريرة المحدّث الحافظ.. يوم الخندق ينتدب حذيفة، وفي القوم أبو بكر وعمر، رضي الله عنهم جميعًا- انظر صحيح مسلم (1788) .
حين تطلب من الآخرين ما لا يمكن أن ينجزوه أو يعملوه توقعهم في حبائل الضعف والخور والفشل. كلفه بالمستطاع لتجده أكثر ثقة في إبداعه.
6- ثق به؛ ليكون أوثق بنفسه، امنحه ثقتك وأحسن الظن به، لا تعامله بالشك والريبة، وتأويل الأفعال، وإلزام النيات والمقاصد ما لا يلزم. وفي الصحيح: رسول الله صلى الله عليه وسلم- يجعل أسامة بن زيد، رضي الله عنه، على جيش يسيّره إلى الروم، وفي الجيش كبار الصحابة، وأميرهم أسامة! انظر صحيح البخاري (3730) ومسلم (2426) .
يُرسل معاذًا، رضي الله عنه، إلى اليمن. أخرجه البخاري (1458) ومسلم (19) . ومصعب، رضي الله عنه، الشاب المترف يرسله سفيرًا للإسلام إلى المدينة- انظر صحيح البخاري (3924) .
إن الثقة بالآخرين من أعظم ما يولّد الثقة عندهم، ثقة في أنفسهم، وثقة بك.
7- صارحه، لا تزين له ولا تتكلّف له، اسْتُرْ عَيْبَهُ عن أن تفضحه، لكن لا تستر عيبه عن أن تنصحه، صارحه بأخطائه مصارحة الحريص المشفق من غير تشهير أو تحقير أو إذلال، وتذكر أسلوب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "مَا بَالَ أَقْوَامٍ...." أخرجه البخاري (456) مسلم (1504) . و:"نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ". أخرجه البخاري (1122) ومسلم (2479) . وكما صارحته بعيبه، صارحه بحبك، وفي الحديث الصحيح: "إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ". أخرجه أبو داود (5124) والترمذي (2392) .(20/215)
8- امنحه فرصة التعبير عن شعوره وأفكاره بكل أريحية، لا تزجر، أو تضجر، وفي الصحيح: يدخل شاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يا رسول الله، ائذن لي في الزنى. يا الله! تأمل معي، يريد الزنا! ويريده حلالاً أيضًا! فيدنيه منه صلى الله عليه وسلم وهو يقول في شفقة وحب: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ. . لِأُخْتِكَ. .". حتى يقول له: "وَهَكَذَا النَّاسُ لَا يُحِبُّونَه لِأُمَّهَاتِهِمْ. . . وَأَخَوَاتِهِمْ". أخرجه أحمد (22211) . فيقوم الشاب من عنده وهو أوثق بنفسه من أن يقع في هذه الكبيرة بعد هذا الحوار الهادئ. هذا الشاب وأمثاله بحاجة إلى أن تعطيه فرصة- أريحية- للتعبير عن أفكاره، مشاعره، عواطفه، خلجات دواخله. . من غير أن تكبح، أو تَذَمَّرَ، أو تزجر! إنك حين تحرمه هذه الفرصة سيكون أضعف من أن يواجه نفسه بصراحة. لتبني الثقة فيه، امنحه فرصة التعبير.
9- لا تسخر به.
وفي الصحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ. . . قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ. قَالَ: "لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ". أخرجه البخاري (6777) . هذه الكلمات لهي أشد وقعًا في نفس ذلك الرجل من سياط الجلد، إنها تربية النبوة.
لا تسخر من طالبك حين يخطئ، أو حين يحاول الإبداع، إنك تغتال طموحه، تقتل فيه الإبداع، المبادرة، الإنجاز. . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ) [الحجرات: 11] .
10- علّمه كيف يبدع، كيف ينجز، كيف يتخلص من مشاكله، وجّه، انصح، ساعد، أَغِثْ.
ويَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانُ مِنّا عَلَى مَا كَانَ عَوّدَهُ أَبُوهُ(20/216)
وكن به رحيمًا؛ (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 128] . أخرج ابن جرير 12/137 بسنده، عن أبي اليَسَرِ (كعب بن عمرو الأنصاري) قال: (أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرًا، فقلت إن في البيت تمرًا أجود من هذا، فدخلتْ فأهويتُ إليها فقبَّلتُهاُ فأتيتُ أبا بكر، فقال: استر على نفسك، وتب واستغفر الله. فأتيت رسول الله فقال: "أَخَلَفْتَ رَجُلًا غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟ ". حتى ظننت أني من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ، قال: فأطرق رسول الله ساعة، فنزل جبرئيل، فقال: "أين أبو اليَسَرِ؟ ". فجئت فقرأ علي: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114] . قال إنسانٌ له: يا رسول الله، خاصة أم للناس عامة؟ قال: "لِلنَّاسِ عَامَّةً". وأصله في الصحيحين من حديث ابن مسعود- البخاري (526) ومسلم (2763) . وعن أبي ذر، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ". أخرجه الإمام أحمد (21354) والترمذي (1987) . لقد خرج هذا المذنب الخطّاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أشد عزمًا على أن لا يقرب هذه المعصية، خرج من عنده، وهو أكثر أملًا وتفاؤلًا.
إنك حين تعلّم غيرك، كيف يبدع، كيف يسمو، كيف يتخلّص من مشاكله وهمومه، يكون أقدر وأوثق من نفسه على أن يقضي دهره في ظل أمل بعمل!
لا حُرمتَ الأجرَ أيها المبارك، وسدد الله على الخير خطاك.(20/217)
عاطفي جداً تجاه الآخرين
المجيب فيصل بن عبد الله الحميقاني
مدرس بمدارس رياض الصالحين.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 08/05/1425هـ
السؤال
أنا شاب أعاني من عاطفة وحساسية مفرطة جداً، حيث إني أقدم مصلحة الغير على مصلحتي، وردود فعلي كثيرة، حاولت أكثر من مرة أن أتخلص من هذه العاطفة، ولكن بغير جدوى، أرجو المساعدة، وأفكر دائماً بالتفوق، ولكن كثرة ردود الفعل تجعلني أحس بالإحباط، وأفكر بالذي يرضي الشباب دائماً، وأخشى أي شيء يخدش شعورهم أرجو المساعدة، والله يحفظكم.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين.. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كم هو جميل -يا أخي- أن يكون لديك هذا الإحساس تجاه إخوانك، فأنت تحب إدخال السعادة على الآخرين، ولك في ذلك أجر إذا احتسبت الأجر عند الله.
ولكني أود أن أنبهك إلى قضايا اجعلها دائماً أمام عينيك؛ حتى لا تقع في بعض الأخطاء في هذا الباب:
1- ينبغي أن يكون الشيء الذي تقدمه لإخوانك شيئا مباحاً، فلا يجوز لك إدخال السعادة عليهم بأمر محرم، حتى وإن غضبوا منك وهجروك، فرضا الله هو الواجب عليك.
2- العاطفة ليست عيباً إلا إذا طغت على العقل، فأنت عندما تقدم للآخرين معروفاً على حساب نفسك، فإنك تنظر: هل هذا الأمر فيه ضرر بين وكبير عليك، في حين المنفعة المترتبة عليه للآخرين قليلة؟ إن كان الجواب: نعم. فلا تضر نفسك، وحاول نفع إخوانك بأمر آخر.
3- من قال إن نفع الآخرين لا بد أن يكون على حساب نفسك؟! إننا ننظر في واقعنا المحيط بنا فنرى رجالاً متفوقين لامعين، وهم من أكثر الناس نفعاً للناس، إذن فليس هناك تعارض بين نفع الناس والتفوق.
4- إن رغبتك في التخلص من العاطفة رغبة خاطئة، والمطلوب توظيف هذه العاطفة توظيفاً مناسباً، منضبطة بضابطي الشرع والعقل.
5- إذا واجهتك مسائل معينة ولم تستطع اتخاذ قرار حاسم فيها، فلا مانع من استشارة
الغير، من أهل الدين والعقل.
أسأل الله لك الثبات على دينه.(20/218)
كيف أتحرر من الخوف؟!
المجيب محمد محمود الأمين
باحث بموقع الإسلام اليوم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 18/05/1427هـ
السؤال
أنا شاب عمري 25 عاما وأعمل مهندس صيانة، منذ فترة تزيد على السنة، وأنا أعيش هما وكدرا لا يطاق، حتى أنني أحس أنني لن أبدع في عملي وخطواتي التي أخطوها في العمل مليئة بالخوف والارتباك، وكلما قرأت فيما هو متعلق بعملي لا أعي إلا اليسير منه، حتى خطيبتي التي خطبتها عن قناعة مني أصبحت أخاف من الاقتران بها، أفيدوني رحمكم الله؟
الجواب
أخي الكريم/ أنصحك بأن تتقي الله في نفسك، فأنت -بحمد الله- شاب تتمتع بكافة مقومات النجاح، ولكنك تُحجِّمُ نفسك وتهضم حقها.
- نقاط يسيرة أدونها لك، إن التزمت بها تجاوزت هذا الشعور القاتل -إن شاء الله- وهي:
1- عليك بتقوى الله عز وجل، وداوم على أمور دينك من صلاة، وصيام، وقيام بكافة الواجبات الاجتماعية المناطة بك ...
2- لا ترفع الذين تتعامل معهم فوق ما يستحقون، وعامل الجميع باحترام.
3- حاول بناء رأي خاص بك في كل المواقف، وعليك أن تدافع عنه دون تعصب له، بحيث يمكنك قبول الحق إذا تبين لك.
4- بالنسبة للموضوعات التي تقرؤها عن مجال عملك، عليك أن تفكر وأنت تقرأ، وتعيد التفكير والنظر ... أما أن تحكم لأول وهلة أنك لم تفهم فهذا غير سليم..
5- الخوف من الله سبحانه وتعالى يعلم الشجاعة في أمور الدنيا، فافهم ذلك ولا تخف إلا من الله عز وجل..
6- كثير ممن حولك تظن أنهم خير منك، والحق أنك ربما كنت خيراً منهم بشيء كثير ...
7- لا تجعل أوقات راحتك أوقات تفكير في العمل ومشاكله..
8- مارس الرياضة، وناقش الآخرين، وتعلم تحمل النقد..
ملحوظة: بعض السلوكيات الضارة يكون الواحد منا قد تعلمها أيام طفولته بسبب غياب التربية الصحيحة، لكن العاقل يحاول إصلاح نفسه وتقويم سلوكياته حتى يصبح قادراً على التفاعل الإيجابي مع من حوله.
- بالنسبة لإلغاء الخطوبة لا أنصحك به بل عليك بالمضي قدما في إنهاء أمر زواجك، وستجد لذلك فائدة كبيرة على حياتك، وفقني الله وإياك لما فيه خير الدنيا والآخرة.
والله أعلم.(20/219)
خوف الرياء أتعبني!
المجيب أ. د. صالح إبراهيم الصنيع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 08/05/1427هـ
السؤال
أنا شاب مصاب بشلل الأطفال -والحمد لله- أنا أصلي في المسجد ولكنني أشعر أن صلاتي رياء ونفاق، نفسي تحدثني أن صلاتي في المسجد لأجل نيل ثناء المصلين، وكسب إعجابهم ليس إلا!
ويعلم الله أنني أتعذب حين تنتابني هذه الوساوس. ما العمل أفيدونى أثابكم الله؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فكونك معاقًا وتصلي في المسجد فهذه نعمة أشكر الله عليها، أما الوسوسة التي تأتي في القول بأنك تذهب للمسجد ويقول الناس معاق ويصلي في المسجد، فهذه وسوسة شيطانية استعذ بالله منها كلما وردت على خاطرك، فإنه لو كسب منك عدم حضورك للمسجد فهذا نصر عظيم له، فلا تعطيه هذه الفرصة، ثم قل لنفسك هل أنا المعاق الوحيد الذي يصلي بالمساجد؟ وقطعاً ستكون الإجابة بالنفي، فهناك الكثيرون ممن يعانون مما تعاني منه ومع ذلك يصلون في المساجد، فاحرص حفظك الله وشفاك على الجماعة ففيها زيادة الإيمان، والذي كلما زاد زادت ثقة الإنسان بنفسه وتوكله على الله، وضعف سلطان الشيطان عليه، فالحكمة الذهبية تقول: كلما كثرت طاعاتك، وصالح الأعمال لديك، كلما قربت من الله وبعدت عن الشيطان، والعكس صحيح.
وفق الله الجميع لكل خير، وأعاننا على أنفسنا، وهوى النفس الأمارة بالسوء، وعلى الشيطان المسلط علينا ليصرفنا عن الحق والخير، فالله المستعان وهو خير معين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(20/220)
أنا ... أسير الوساوس والقلق!
المجيب أ. د. صالح إبراهيم الصنيع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 03/05/1427هـ
السؤال
أنا مقيم في الغرب منذ عدة سنوات، متزوج وليس لديّ أطفال، كنت منحرفًا بسبب البيئة التي أعيش فيها وفقني الله إلى التوبة، نسأل الله أن يتقبل من الجميع، أعاني من مرض أرقني كثيراً وهو (القلق) أو نسميه (الحُزن) علما بأنني أصلي وابتعد عن الحرام بقدر المستطاع وهذا الضيق قد سبب لي الآتي:
- حالة عصبية تلازمني في كل وقت، أغضب لأتفه الأسباب، وبالأخص مع زوجتي.
- النسيان المفرط حتى أنني أنسى أسماء أصدقائي.
- عدم تحمل أخطاء الآخرين.
- البعد عن الاختلاط بالناس -الخوف من الموت-.
آمل أن تجدوا حلاً لمشكلتي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فسؤالك يدور ويتمحور حول حالة الوسواس التي تعاني منها واتضحت معالمها من خلال رسالتك. وعلاج الوسواس يختلف باختلاف درجته، فإذا كان في بدايته فيمكن علاجه بإذن الله تعالى، ويحتاج إلى مشاركة فاعلة من صاحب المشكلة، ولعلنا في السطور القادمة نرسم لك بعض المعالم المعينة -بإذن الله- على تجاوز مشكلتك، ونضعها في النقاط التالية:
- استعن بالله وتوكل عليه في كل ما تريد القيام به.
- أكثر من الطاعات وتجنب المعاصي.
- اعلم أن لك عدوا هو الشيطان وهو حريص على أذيتك وتخذيلك فلا تترك له فرصة في تحقيق ما يريد.
-علم نفسك الحزم وعدم الالتفات وتكرار ما سبقت أن قمت به، حتى لو خطر في نفسك أنك لم تقم به، فمثلاً إذا كنت أغلقت الباب ثم جاء هاجس أنك لم تغلقه، فقل في نفسك قد أغلقته ولا تعد للتأكد من إغلاقه بل انصرف لعمل آخر، وهكذا في كل عمل، حتى وإن وجدت في مرة من المرات أن ما تركته لم تكن بالفعل عملته، فهذا لا يضر ولا يحسب في جانب الفائدة المرجوة من عدم الالتفات للوسوسة.
- لا تشغل فكرك بالوسوسة بل انشغل عنها بالصالح من الأعمال أو القراءة.
- داوم على ذكر الله، وليكن لسانك رطباً من ذكر الله، ففيه طرد للشيطان، وحفظ من الله لك وطمأنينة للقلب.
- اقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك السلف الصالح من الأمة، وحاول ترسم خطاهم في حسن الخلق مع الأهل والناس أجمعين.
- درب نفسك على كتابة ما تريد القيام به في ورقة على شكل خطوات متتالية، وراجعها قبل أن تباشر ما تريد عمله، فهي طريقة معينة على التذكر وعدم نسيان ما تريد القيام به.
- أعط جسمك حقه من الراحة والنوم لفترة مناسبة، واحرص على أدعية النوم والاستيقاظ، وأذكار اليوم والليلة.
- إذا تحدثت مع الآخرين فلا تلتفت للأفكار التي تأتيك حول ماذا سيقولون عنك، ولكن ركز على حسن الكلام معهم، ولا تلتفت لأي تفسير يرد على ذهنك حول طريقة كلامهم أو أنهم يتحدثون عنك، بل امض في حديثك ولا تقبل في ذهنك أي خواطر تتعلق بسلوكهم، وافترض حسن النية فيهم وفيما يقولون.(20/221)
- لتكن علاقتك مع زوجتك قائمة على البر والتقوى، وحسن المعاملة، ولتكن هي سندك في ما تواجهه من مهام الحياة، واجعلها تشعر بحبك لها وحرصك عليها،، وأنكما شريكان في حياة واحدة، واجعلها تشترك في القرارات المتعلقة بحياتكما الزوجية، وأظهر الاحترام لرأيها، وتقبله أحياناً وإن كنت تراه غير مناسب، حتى تشعر بأنها مشتركة معك في مركب واحد، وتقف معك عندما تحتاج لوقوفها بجانبك في هذه الحياة.
أما فيما يتعلق بالخوف من المصائب والموت، لتقل في نفسك إن جزءا من إيماني هو ركن الإيمان بالقضاء والقدر، وأن ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني، وأن كل شئ مقدر من الله، ولا تلتفت لهذه الهواجس وحاربها بهذ الركن من أركان الإيمان.
- بالنسبة لأمور الآخرة، ليكن أملك في الله عظيم وتذكر أنه واسع المغفرة، رحيم بعباده، ورحمته وسعت كل شئ، واحرص على تصحيح توحيدك، واعلم أن كل موحد يدخل الجنة برحمة الله وفضله، ولا تفكر في دخول النار لأنها مصير غير الموحدين، وليكن رجاؤك بالله كبير فهو عند حسن ظن عبده به.
- لا تنس في كل عمل هام الاستشارة من صديق صدوق، والاستخارة من رب العالمين ليدلك على الصواب، فلا خاب من استشار ولا ندم من استخار.
- ختاماً لا تنس الدعاء، فهو سلاح المؤمنين في كل وقت وحين، والله يحفظك ويسدد على درب الهدى خطاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.(20/222)
توتري..يمنعني من الاتصال بالآخرين!!
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 1/8/1422
السؤال
أخي مشرف نافذة الاستشارات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
السؤال: أنا أعاني من مشكلة تؤرقني وهي صعوبة الاتصال بالآخرين أو بالأحرى عدم تمكني من توصيل ما أريد على الرغم من أني جامعية ـ ولله الحمد ـ ولكني أجد نفسي متوترة وأحياناً أشعر بالنقص والكمال لله وحده، وقد أثر ذلك على علاقاتي، مع أني لا أحب الانفراد بنفسي كما أني مرحة نوعاً ما ولكن يراودني أحياناً شعور بالخوف أفيدوني وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخت الكريمة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ذكرت في استفسارك أنك تعانين من صعوبة الاتصال بالآخرين، وعدم القدرة في توصيل ما تريدين قوله إليهم بالسهولة المطلوبة، وهذا فيما يبدو لي واضح في طريقة عرضك للسؤال إذ جمعت أشياء وقضايا مختلفة في آن واحد، فإلى جانب صعوبة الاتصال بالآخرين، ذكرت أنك تجدين نفسك متوترة أحياناً ولديك الشعور بالنقص وحب الحياة الاجتماعية وتحبين المرح وفي نفس الوقت لديك شعور بالخوف، ولكن لم توضحي ممّا يكون هذا الخوف؟ وهذه كلها ـ كما تلاحظين ـ هي مزيج من القضايا المختلفة اجتمعت جميعاً في سؤالك، ومما سبق يتضح وجود هذه المشكلة لديك أقصد مشكلة تداخل الأفكار عليك وهجومها على ذهنك حينما تريدين الإفصاح عن قضية معينة أو المشاركة في حوار مع شخص معين أو شرح مسألة ما لصديقة أو زميلة وهذا التداخل في الأفكار والمزيج من العبارات المختلفة والمواضيع المتباينة يجعل المقابل لك يتيه في الأمر الذي تريدين أنت الكلام عنه أو التعليق عليه وربما يفصح لك عن ذلك وإذا ما تكرر هذا المشهد مع أكثر من شخص وفي أكثر من موقع أو مناسبة جعلك تشعرين بنوع من الإحباط والشعور بالنقص؛ لأن الناس لا يريدون فهمك أو أنك عاجزة عن إيصال ما تريدينه إليهم.
ولا أقول إن هناك علاجاً يمكنك تناوله وبذلك تنتهي مشكلتك، وإنما هناك طرق وأسباب عملية يمكن أن تساعدك على التخلص منها، وهي أيضاً ليست مقصورة عليها إذ ربما يوجد غيرها كثير، ولكن النقطة الأساس التي تجمعها أنها تحتاج إلى تدريب وممارسة مستمرة لتؤتي ثمارها.
فأول هذه الطرق: هو حسن الإصغاء والاستماع للآخر، وعدم العجلة في الرد والمحاورة، إذ من المؤكد أن التداخل في الأفكار إنما هو نتيجة طبيعية للمحاورة السريعة والكلام المتعجل، حاولي الإنصات جيداً للآخرين وتفهم أقوالهم، ومن ثم يمكنك تمييز أفضل الكلمات التي يمكن أن تحاوري بها.
الثاني: أيضاً وعدم العجلة في الكلام يساعد على ترتيب الأفكار، ومن خلاله أيضاً ـ أقصد الأناة ـ في الكلام يمكنك من التوقف متى ما أحسست أن الأفكار بدأت تتزاحم على مخيلتك، وتشعرين بالرغبة عن الإفصاح عنها، وبذلك تتجنبين الوقوع في المشكلة.
أخيراً يجب أن تعلمي أنه ليس مهماً وضرورياً أن يقتنع كل أحد بأقوالك، لأن من أسباب هجوم الكثير من الأفكار عليك أثناء كلا مك هو ربما نتاج محاولتك القوية بإقناع المقابل بما تريدين، وهذا قد يكون متعذراً حصوله في جميع الأحوال وفي كل الأوقات.
هذه بعض الإرشادات التي يمكن أن تساعدك وبالممارسة والتدريب المستمر ـ ولو بعد حين ـ قد تزول عنك مثل هذه المشكللة، ولكن إن رأيت أنها لم تثمر فلا بأس من عرض مشكلتك على المختصين فهم في النهاية أهل هذا الشأن.. والله الموفق.(20/223)
تخشى من العودة للحرام في الإجازة
المجيب سلوى بنت صالح بابقي
مساعد إدارة النشاط الثقافي بتعليم البنات.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 19/07/1426هـ
السؤال
قالت لي إحدى صديقاتي -بعد أن هداها الله- وهي حديثة عهد بتوبة: إنها تخشى على نفسها من العودة إلى الوقوع في المعصية من مشاهدة للأفلام وسماع الأغاني في الإجازة، فقد دخلت الإجازة، وهي لم تثبت بعد على طاعتها، فتخشى أن يزين لها الشيطان هذه المعاصي. فدلني يا شيخ على طريقة حتى تثبت على إيمانها, علماً أن أهل بيتها ليسوا متدينين.
الجواب
ابنتي العزيزة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنه لعمل يثلج الصدر، ويبشر بخير كثير، فأنت ابنة الخمسة عشر ربيعاً قد يسَّر الله لك ووفقك أن تكوني داعية للخير، وسبباً في هداية إحدى صديقاتك. وإن أمامك من أبواب الأجر الكثير بعد أن هدى الله تلك الصديقة، وحيث ذكرت أنها حديثة عهد بتوبة، والمحيط الأسري حولها غير معين على الثبات، إضافة إلى فراغ الإجازة الصيفية، فلا تحرمي نفسك من عظيم الأجر، واستمري في التواصل معها بحيث تستغل أوقات الإجازة في برنامج نافع يحقق لكما الترويح المباح، واحرصي على تقوية روابط المودة معها؛ حتى تتأكد ثقتها بك ومحبتها لك، ويجعل الله لقولك وفعلك معها القبول، وحتى تصرف تلك الصديقة عن الملهيات المحرمة، اجعلا لكما برنامجاً للإجازة يتضمن العديد من الأنشطة والخدمات النافعة، فهناك حفظ القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وممارسة بعض الهوايات في دائرة الحلال، الانضمام إلى صحبة من الفتيات الصالحات للقيام بمشروع دعوي ينتفع منه الأهل والأقارب والجيران بل والحي، صلة الأرحام، تعلم ما يجب تعلمه من أمور الدين من مصادرها الصحيحة، إلى غير ذلك من أنشطة وبرامج متنوعة تحقق الفائدة والمتعة المباحة، ولا تنسي أن توجهي صديقتك إلى ضرورة كسب رضى الوالدين بتقديم الخدمات لهما، ومعرفة ما يسرهما وتجنب مصادمتهما؛ حتى لا يعارضا ما هي عليه من أمور الهداية والاستقامة، بل يجدا منها بعد الهداية من البر والإحسان إليهما ما هو أعظم مما كانت عليه، وعمادُ ما سبق أن توجهي حاجتك إلى قاضي الحاجات ومجيب الدعوات، وتسأليه أن يثبتك ويعينك ويجعل لك من لدنه سلطاناً نصيرا، ثم اطلبي المشورة والرأي من أهل الدين والصلاح فهم أكبر منك سناً وأسبق تجربة وعلماً، وثقي أنك قد وفقت إلى طريق السعادة حقاً "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين"، "فوالله لئن يُهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم".
أسأل الله العظيم ربِّ العرش العظيم أن يبارك في علمك وعملك.(20/224)
الكآبة والأرق تؤثران على تفكيري..!!
المجيب د. سيد زكي خريبة
استشاري صحة نفسية
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 23/11/1422
السؤال
أنا كثيرة التفكير في مستقبلي حتى إنه في بعض الأحيان تخيم عليّ الكآبة ويصيبني الأرق بالليل ويؤثر على تفكيري بالأشياء الأخرى وأحياناً أبكي علماً بأني لست متزوجة. الرجاء التكرم بالإجابة؛ لأنني سئمت الحياة بهذه الطريقة. والله الموفق.
الجواب
الأخت الكريمة، رداً على استفسارك نقول: لك كنا نود أن نعرف بعض الأعراض الأخرى المصاحبة لما ذكرتِ حتى نستطيع أن نضع النقاط على الأحرف فتقرأ بسهولة، وعموماً كنا نود أن نعرف أشياء مثل: هل تشعرين بالذنب نتيجة عمل ما؟ كذلك ما نظرتك للمستقبل، وماذا يعني لك؟ وأيضاً هل تستمتعين بالحياة أم مجرد أن تخيم عليك الكآبة في أوقاتٍ معينة؟ فإذا كانت هذه الأعراض مصاحبة لمشكلتك فأقول لك: أنت بحاجة إلى طبيب نفسي أو معالج نفسي ليستطيع مساعدتك في حل مشكلتك حتى لا تزيد الأمور عليك سوءاً.
أما إذا كانت المشكلة مجرد تفكيرك في المستقبل يسبب الكآبة والأرق ولا توجد الأعراض السابق ذكرها فما هذا إلا قلق ينتابك ويسيطر عليك خاصة في ظل ظروفك العمرية والاجتماعية، هنا يكون هذا الأرق والكآبة المخيَمة نتيجة الخوف وكثرة التفكير في المستقبل المجهول، ومعلوم أن كل فتاة تفكر يا عزيزتي في المستقبل - فإذا كان الأمر كذلك وتظنين أنك بلغتِ من العمر ثلاثين سنة دون زواج فأتمنى ألا تقلقي فمازال المستقبل مشرقاً أمامك وكم من فتيات أكبر منك عمراً كانت لهن ظروف حالت دون الزواج في مثل سنك وانتظرن إلى أن أراد الله وتزوجن زيجات موفقة وأشبعن رغباتهن، وفي نفس الوقت حققن طموحاتهن.. فاصبري فإن مع العسر يسراً ويقول الحق تبارك وتعالى) واصبروا إن الله مع الصابرين (.
بالإضافة لما قدمناه لك من نصائح واستشارة نقول لك: عليك عدم التفكير الشديد في المستقبل؛ فكل شيء بقضاء، وفكري بمنطق وواقعية؛ فالمستقبل لا يعلمه إلا الله فهذا عالم مجهول مصداقأً لقوله تعالى) وما تدري نفس ماذا تكسب غداً (لقمان:34 وعيشي حياتك طبيعية دون دواعٍ للتفكير الشديد الذي يجلب القلق، والذي ترتب عليه الأرق والكآبة ونسأل الله لكِ ولنا التوفيق، ونرجوه سبحانه أن نكون قد وفقنا في تقديم العون لك.
والله الموفق..(20/225)
معاناة نفسية بسبب تخصصي الشرعي!
المجيب صالح بن عبد الرحمن القاضي- رحمه الله-
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 09/07/1426هـ
السؤال
أنا ملتزم منذ فترة طويلة، والتحقت في الجامعة بقسم الدراسات الإسلامية، وأعاني من حالة نفسية صعبة؛ حيث إن كل من يسألني عن قسمي يوهن من عزمي، وينصحني بالتحويل إلى قسم آخر؛ بحجة أنه لا أجد وظيفة بعد التخرج، وأتتني فرص للتحويل إلى أقسام أفضل في الحصول على وظيفة بعد التخرج، ووالدي يصر عليّ بالتحويل، وأنا بين نارين: نار ما بعد التخرج وفرص الوظيفة، ونار التحويل، فربما يضعف التزامي بعد التحويل، أرجو أن ترشدوني ماذا أفعل؟ علماً أني على وشك التخرج.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
اعلم -أيها الابن الحبيب- أن الأمر أهون مما تتصور، فأنت تضخمه وهو لا يحتاج إلى شيء من ذلك، فلا تشغل بالك وتعطي الأمر أكثر مما يستحق، خاصة إذا اتضحت لك الأمور التالية:
(1) إنك -بحمد الله- مستقيم، ومن علامات الاستقامة التامة حسن الظن بالله والثقة به والاتكال عليه في شأن الرزق بعد فعل الأسباب. فأنت فعلت السبب فلست عاطلاً، بل تدرس ما سيكون له فيما بعد شأن مهم بإذن الله.
(2) دخلت للكلية باختيارك ورغبتك وهذا مما سيكون له الأثر الأكبر في نجاحك بإذن الله، فلم تدخل برغبة غيرك، أو بمشورة لست مقتنعاً بها كل الاقتناع.
(3) هل أنت الوحيد الذي تدرس في الكلية، بل معك طلاب كثيرون، ولو كانوا لا يتوقعون الحصول على الوظيفة بالشهادة لما دخلوها. فلماذا تنفرد أنت بهذا الظن فقط؟!.
لذا أوصيك بتقوية ثقتك بالله وإحسان الظن به، فلا يشغلك طلب الرزق قبل أوانه، وعليك أن تكون معتصماً بإيمانك بالله، ثابتاً كالجبال الرواسي، وليس كالشجرة تلعب الرياح بأغصانها. وأوصيك باستشارة خير المدرسين ممن تثق بدينه وخلقه وحسن مشورته، وكذلك استشر زملاءك ممن لهم صلة بالله، واجتهاد بدراستهم.
ووالدك بإمكانك إقناعه بأسلوب فيه تقدير واحترام، وتشعره بأنك حريص على طاعته، ولكنك تحب أن تكون دراستك فيما يناسب ويوافق ميولك.
إليك هذه الأبيات للإمام الشافعي- رحمه الله-:
توكلت في رزقي على الله خالقي *** وأيقنت أن الله لاشك رازقِ
وما يك من رزقي فليس يفوتني *** ولو كان في قاع البحار العوامقِ
سيأتي به الله العظيم بفضله *** ولو لم يكن مني اللسان بناطقِ
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة *** وقد قسم الرحمن رزق الخلائقِ(20/226)
يعاني من الخوف والتوتر العصبي
المجيب د. محمد بن عبد الخالق شحاته
استشاري الأمراض النفسية بالقصر العيني بمصر.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 21/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
بصراحة دائماً ينتابني خوف وتوتر أعصاب، خاصة بالصلاة والدوام، ليتكم تفيدوني في هذا الموضوع.
الجواب
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على نبينا الكريم، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فما تشعر به ـ أخي الكريم ـ هو من أعراض (القلق) ، والقلق من المشاعر النفسية المضطربة، التي تنتج عنها في الغالب آثار سيئة مثل: التوتر والانقباض والخوف وعدم الطمأنينة والكآبة، وقد ينتج عن القلق آثار مرضية عضوية، كاضطراب القلب وتقلص المعدة والشعور بالإرهاق وغير ذلك.
وعليك أن تعلم ـ يا أخي ـ أن مثيرات القلق لها أسباب كثيرة جامع القول فيها إنها غالباً ما تتعلَّق بالخوف من المجهول أو المستقبل، ومنها: أسباب خاصة كخوف الطالب وقلقه من الامتحان، وخوف الوالدين على أولادهما عند مرضهم وقلقهم عليهم، والخوف من الموت ونحو ذلك.
وهذا القلق يكون محموداً ومندوباً إليه إذا كان وسيلة لدفع الإنسان إلى الخوف من الآخرة وإحسان العمل، ويكون سوياً إذا كان في حجمه الطبيعي الذي يحفظ قدرات الإنسان على العطاء والحرص المتوازن، ويكون مذموماً إذا تعدَّى حدوده إلى إعاقة عطائه وقدراته, وهناك أسباب عامة حين يتحول القلق إلى مرض نفسي يلازم الفرد في معظم تصرفاته، دون أن يكون لديه من الإيمان التحصين الكافي لدفع خطر المرض أو الوقاية منه.
وعلاج القلق، لابد أن يركز على الجذور، باجتثاث الأسباب التي أسهمت في ظهوره، وهذا العلاج ممكن بعدة وسائل، لعل أهمها:
(1) من أهم وسائل العلاج تقوية إيمان الإنسان بربه؛ لأن الإيمان حصن منيع يحجز طوفان هذه المشكلة من العبور إلى نفس الإنسان، فلا تستطيع بواعث القلق أن تتسلقه أو تخترقه، وإذا حدثت شقوق في هذا الحصن أمكن السيطرة عليها وعلاجها.
وكيف يستبد به القلق، ولماذا يقلق أساساً من يعرف إنما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما كتب له لن يذهب لغيره، وما لم يكتب له لن يحصل عليه بقوته.
وإذا ضعف الوازع الإيماني عند الإنسان، أو اعتراه شيء من الران، مع وجود الفطرة السليمة، فإن إيقاظ هذا الوازع أمر لا يصعب على المصلحين والدعاة عبر وسائل لا حصر لها.
(2) من أسباب إزالة القلق والاكتئاب: الإحسان إلى الخلق بالقول وبالفعل، فبهذا الإحسان يدفع الله عن البر والفاجر الغم والهم في الدنيا، ولكن للمؤمن منه أكمل الحظ والنصيب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً", [النساء: 114] .
(3) ومن الأسباب التي تحد من الاكتئاب والقلق والتوتر وغيرهم: الاشتغال بعمل من الأعمال أو بعلم من العلوم، لأن إشغال الناس بالمفيد يحجز عنها غير المفيد من قلق ونحوه.(20/227)
(4) الحرص على الانتفاع بثمار العبادات المختلفة، والمداومة على الأذكار الشرعية المأثورة من الكتاب والسنة؛ لأن المشاعر النفسية لا تتحكم إلا في القلب الفارغ مما ينفع؛ ولأن الذكر سبب من أسباب طمأنينة القلب، حيث قال سبحانه وتعالى: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" [الرعد: 28] .
ومما لا ريب فيه أن قراءة القرآن الكريم من أفضل العبادات والأذكار التي يحسن بالمسلم أن يتعاهدها، وأن يشغل نفسه بها، وهو وقاية وشفاء للأنفس والأبدان، من كل الأمراض، قال المولى عز وجل: "قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" [فصلت: 44] .
(5) من الأسباب المعينة على طرد الاكتئاب والقلق ونحوهما: الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطع القلب عن الخوف من المستقبل، وقد ورد في صحيحي البخاري (6369) ، ومسلم (2706) -رحمهما الله- من حديث أنس بن مالك-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم: استعاذ من الهم والحَزنَ، فالحَزَن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل.(20/228)
حالي.. وأحلامي.. وتشاؤمي ... !!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 17-2-1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أنا شاب أدرس بالجامعة وعندي سيارة ومرتاح وحالي ميسور ولكن عندي مشكلة هي أني متشائم بالمستقبل وحائر في دنيتي.. مع أني أصلي ومحافظ على الصلاة.. ولكن أتمنى الزواج والراتب وسداد ديوني.. أحس في نفسي نقص أتمنى إكماله وأتمنى أن أرتاح وأتمنى ألا أمد يدي للحرام خوفاً من رب العالمين ولكن ظروفي لا تساعد وكل مرة يوسوس لي الشيطان ويريدني أن أفعل عمل أخالف فيه رب العالمين.. أحياناً أقبل وأحياناً لا..
أرجو أن أجد الحل لمشكلتي وأتمنى أن أرتاح وأريح ضيق النفس والقلب.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
أخي الكريم أشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد وأن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل.. أما عن استشارتك فتعليقي عليها ما يلي:-
أولاً: التفاؤل والتشاؤم - أخي الكريم - شعور داخلي نحن مسؤولون عنه.. ولا أحد غيرنا..! ونحن الذين نوجده أو العكس.. وأنت كما تذكر - بحمد الله - ميسور الحال وظروفك إلى حد كبير مناسبة.. ومتعلم.. وصحتك جيدة.. والمستقبل - بإذن الله - أمامك مفتوح.. فلماذا كل هذا التشاؤم..؟!!
ثانيا ً: صدقني.. كثيراً ما تنتابنا مثل هذه المشاعر " السوداوية" " والحزن الغامض" الذي هو بقايا من صور ومشاهد علقت في "عقلنا الباطن" وتجمعت في أكثر من موقف وأكثر من مناسبة.. وبالتالي ظهرت الصورة أمامنا مشوشة وكئيبة!!!
كما تتجمع الأوساخ والأتربة على زجاج السيارة الأمامي شيئاً فشيئاً حتى تحجب الرؤية..!! والحل هنا إزالة مثل هذه الأوساخ والأتربة بين فترة وأخرى.. والتعامل معها على أنها شيء طبيعي يمكننا إزالته والتخلص منه ببساطة!!
ثالثاً: إن مجرد شعورنا بقدراتنا على التعامل مع ذلك الشعور.. وعدم التوقف أمامه طويلاً.. يزيل جزءاً كبيراً منه..! ويبقى جزء يسير نستكمل إزالته بالتفاؤل.." تفاءلوا بالخير تجدوه " وهذه حقيقة.. وليست مجرد شعار.. فقانون " التداعي" قانون مهم مؤثر وخطير.. وهو قانون نفسي معروف مفاده أن الأفكار الإيجابية تستدعي مواقف إيجابية والأفكار السلبية تستدعي مواقف سلبية!!!
رابعاً: الحمد لله الذي وفقك للمحافظة على الصلاة.. وهي نعمة كبيرة اسأل الله لي ولك الثبات عليها حتى الممات.. وأما حيرتك وشعورك - أحياناً - بالنقص.. والرغبة في استكماله فهو شعور رائع.. يعني "الطموح"
والرغبة في الارتقاء.. واكتساب المهارات الاجتماعية.. وهو أمر متوفر أثق أنك قادر عليه - بعون الله -
فلا تقلل من قدرتك.. ولا تتوقف طويلاً أمام تلك الهواجس التي تنتابك أحياناً.. وحدد هدفك بوضوح وحاول تحقيقه.. متكلاً على الله ومستعيذاً من نزغات الشيطان الرجيم قائماً وقاعداً (إن الشيطان لكم عدواً فاتخذوه عدواً) .(20/229)
خامساً: أما مسألة الزواج فإن كنت قادراً عليه من الناحية المادية والاجتماعية فأقدم وسيعينك الله ويوفقك.. وإن لم تكن قادراً عليه في هذه المرحلة فاصبر وأحسن النية والجأ إلى الله بالدعاء وكثرة الاستغفار قال تعالى (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) .
سادساً: عليك - أخي الكريم - باختيار الرفقة الصالحة التي تدلك على الخير وتعينك عليه.. وابدأ منذ الآن بالبحث عنها.. والتفاؤل بوجودها.. مع إحسان الظن بالله والثقة به.. ثم الثقة بنفسك وبقدرتك على تحقيق آمالك وطموحاتك بالعمل والصبر والتفاؤل.
وفقك الله وحماك وسدد على طريق الخير والحق خطاك..(20/230)
أفكر بالانتحار
المجيب د. تركي بن حمود البطي
طبيب نفسي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /القلق
التاريخ 23/11/1425هـ
السؤال
أحس أن الدنيا ملل لدرجة أني أفكر بالانتحار، مع كل هذا فأنا لدي مشاكل كبيرة مع التعامل في العائلة وفي أي مكان، وعندما يحصل لي أي شيء حتى لو كان تافهاً أحس أن الدنيا وقعت كلها على رأسي، وأحس أني سأنفجر من الضغط، وأحس أن لدي أمراضاً نفسية، مع العلم أني شاب متدين. أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي السائل الكريم: الأعراض التي ذكرتها تتوافق مع اضطرابات الشخصية من نوع الشخصية الحساسة، القلقلة وخلافها، نصيحتي لك بمراجعة طبيب نفسي موثوق به؛ لعله يساعدك في تجاوز هذه المرحلة، سواء بالأدوية أو الجلسات للعلاج السلوكي والمعرفي، قد يكون ما تعاني منه هو نوع من تقلب المزاج واضطرابات المراهقة، أو عدم التكيف مع التغيرات التي تحصل في هذه المرحلة، كونك شاباً ملتزماً لا يعطيك هذا مناعة ضد الأمراض النفسية، بل يساعدك على تجاوز هذه المرحلة بثقة وثبات أكثر من غيرك، ولا يجب أن تلوم نفسك بوجود هذه المشاكل مع كونك ملتزماً، بل هذه إيجابية لك في حل المشكلة إذا استفدت منها ولم تجعلها عبئاً على نفسك باللوم وجلد الذات.
أخي الكريم: موضوع الانتحار موضوع يراود الكثير ممن هم في مثل حالتك، ولكن لو تأملت نفسك لو أقدمت على هذا العمل ماذا سوف تجني؟ أعتقد أن هذه النقطة وحدها كافية لإقفال هذا الموضوع، وفتح صفحة جديدة من التفاؤل والنظرة المشرفة للحياة، تقول لي: لكني أفعل هذا للهروب مما أنا فيه، أقول لك: أوافقك على المبدأ، لكن أختلف معك على الطريقة، بمعنى هل الحل لمشكلتك هو بالهروب منها، أم بمواجهتها ومعرفة أصل المشكلة وإيجاد حلول لها.
أخي السائل: تحتاج أن تعرف أن الحياة فيها الحلو والمر، السراء والضراء، الضيق والرخاء السعادة والشقاء، لكن من يستطيع أن يأخذ الجانب المضيء من هذه الحياة، ويبتعد أو يقلل من ضريبة الحياة والمدنية، أعرف أربعة جوانب من حياتك وحدِّد مشكلتك في أيها. علاقتك مع ربك- علاقتك مع نفسك- علاقتك بمن حولك (العائلة - المجتمع..) وأخيراً نظرتك المتفائلة للمستقبل.
انظر في أي هذه الأرباع يوجد النقص، واعمل على مواجهته وإصلاح الخلل الذي فيه، احرص على اللجوء إلى الله، وشاور من حولك ممن تثق بهم، وراجع طبيبك وصارحه بمشاكلك، ولا تستعجل النتيجة، وتحلَّ بالصبر، وبمشيئة الله سوف تجد الفرج والسعادة في نهاية المطاف. والله يحفظك ويرعاك.(20/231)
أنا أسيرة الكآبة والحزن
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الاكتئاب
التاريخ 27/03/1427هـ
السؤال
أنا فتاة عمري ثمان عشرة سنة، مررت بمشكلات عِدّة، ومنذ الصغر وأنا أعاني من هذه الكلمة، وأن الكل لا يقدرني لا في البيت، ولا في المدرسة، وأحس أني مقصرة كذلك مع الله -سبحانه وتعالى- مما يعذبني أكثر، ويزيد من ألمي وبكائي، كلمة واحدة أرددها الآن كل يوم وهي أني: تعبت؛ وتعبت كثيرًا، من ماذا؟ لا أدري! لكني أحس بالخمول وعدم الرغبة في أي شيء، لا في الدراسة ولا في العمل بالبيت، ولا حتى في ديني. دائما أقول: غداً سأفعل هذا إن شاء الله، لكني أعود إلى حالتي، ولم أعد أستطيع الإحساس بأي شيء، وكأني أمر بحالة من أحوال الكاَبة المرة، فأريد أن أتغير، وأدعو الله دائما أن يهديني، إلا أنني سلبية أحب الانطواء والاختلاء بنفسي كثيرًا، وأنام فقط لأني أعتبر النوم وسيلة للهرب، حتى أصبحت أمرض كثيراً، والأطباء يقولون لي: أنتِ لست مريضة، ويشيرون إلى نفسيتي، وينصحونني بطبيب نفسي، فأرجو المساعدة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد تعجبت كثيراً وأنا أقرأ هذا السؤال، والذي يتضمن حاله من التعب والكآبة والحزن والهم والغم لامرأة في شبابها وصحتها. بل مما يزيد عجبي أنها مؤمنة تريد رضا الله جل وعلا، عجيب كيف تصل الحال بالمؤمنة إلى هذه الكآبة والحزن ومن ماذا؟ من لا شيء!
لو قال ذلك كافر -لا يؤمن بالله ولا اليوم الآخر ولا يرجو ثوباً ولا يخاف الله من عقاب الله- لكان متوقعاً؛ لأنه لا يعرف لماذا خلق وإلى اين سيذهب؟ أما المؤمن فإنه يعلم لماذا خلق وإلى أين مصيره، ويعلم أن الله تعالى لا يقدر له إلا ما فيه خير.
حتى المصائب حتى البلايا لله فيها حكم وغايات سامية عامة كنت أو خاصة، والمؤمن بذلك يتعامل مع الله تعالى يرجو الثواب، ويخشى العقاب، يحتسب الأجر فيما يعمل ويطمع في مغفرة السيئات، والمؤمن مشغول بما ينفعه من الأقوال والأفعال ليس عنده وقت للوساوس والخواطر الرديئة، المؤمن بين مقامين مقام الشكر ومقام الصبر، ويشكر عند النعمة ويصبر عند البلاء.(20/232)
إن ما أصابك -أيتها الأخت السائلة- وما تعيشينه من تعب هو سبب ضعف الإيمان، فعليك بتقوية إيمانك بالله تعالى بتلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه، ومداومة ذكر الله فبذكر الله تطمئن القلوب، والمحافظة على التحصينات الشرعية والأذكار النبوية عند النوم واليقظة وعند خروج والدخول، وعند الأكل والشرب وفي جميع الأحوال، كما أن عليك البعد عن أسباب ضعف الإتيان من المعاصي بأنواعها، وانطري -أيتها الأخت- إلى ما أنعم الله عليك من النعم المتعددة، واشتغلي بشكرها وتأملي كيف سلبت هذه النعم من أناس كُثُر بينما بقيت لك. واعلمي أن حزنك لن يرد غائباً ولن يأتي بجديد ولن يعيد الزمن، فلا فائدة منه، وكلها أيام معدودة ثم تنتهي هذه الدنيا بما فيها، وينتقل منها المؤمن إلى سعادة لا شقاء بعدها، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ بالنار يقال يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيضع صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول لا والله ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط" أخرجه مسلم (2807) من حديث أنس -رضي الله عنه- صبغة: أي (غمسة) فاقبلي على الله تعالى وتوبي إليه، واستغفري واشتغلي بعبادته ونوعي من العبادات بما جاء في الشريعة، وأعطى النفس حقها من الراحة والمتعة والنزهة، ولا بأس من الاستفادة من أهل التخصص من أطباء أو غيرهم، ومما يفيدك في ذلك كتيب: ظاهرة ضعف الإيمان للمنجد، وكتيب: ثلاثون وسيلة للسعادة، وكتيب لا تحزن كلاهما للشيخ عائض القرني، وكتيب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للسعدي. ففيها توجيهات وإرشادات مفيدة. أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك ويذهب همك وينور صدرك ويجلي حزنك ويسعدك في الدنيا والآخرة.(20/233)
اكتئاب ... وهلع!! وأمور أخرى!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الاكتئاب
التاريخ 26/4/1422
السؤال
زوجتي تعاني من ما يسمى عند الأطباء بنوبات الهلع والاكتئاب والأفكار السوداوية زوجتي تعاني من الخوف من الموت والمستقبل وتأتي لها أفكار عن الذات الإلاهية ودائماً ما تشعر بحزن وضيقة، علماً بأنها تصلي وتقرأ في بعض الأحيان القرآن. الأطباء ينصحون باستخدام الأدوية، ولكن ما هي الطريقة الدينية للتخلص من هذا المرض.
الجواب
أعانك الله على ما أنت فيه وشفى الله زوجتك وعافاها وجميع مرضى المسلمين.
بالنسبة لاستشارتك فرأيي فيها ما يلي:
أولاً - بالنسبة لتشخيصك لوضع زوجتك فلا أدري عن دقته وصحته وإن صح فلا أدري ما نسبته ولكن الذي يظهر من سؤالك أنك قد استشرت بعض الأطباء النفسيين وكما تقول اقترحوا عليك العلاج بالأدوية فإن كان كذلك فهذا يعني أن تشخيصك دقيقاً وعلمياً.
ثانياً - اعلم يا أخي أن الاكتئاب النفسي من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً ويتباين في شدته بين إحساس المريض بالحزن العميق والضيق والهم والغم الشديدين وبين الشعور الكبير باليأس من الحياة وربما محاولة التخلص منها وتصاب به النساء عادة أكثر من الرجال بنسبة قد تصل إلى الضعف تقريباً أما أعراضه فهي الشعور بالحزن والكآبة والانطواء والعزلة والتشاؤم وعدم الرغبة في عمل أي شيء أو الاستماع في أي شيء والشعور المستمر بالذنب وتأنيب الضمير ولوم النفس وقلة النشاط والاضطراب في نظام النوم والطعام أحياناً بالزيادة وأحياناً بالنقص!!! والسوداوية الكثيرة في النظرة للحياة والناس والإحساس الكبير أحياناً بالظلم وقد يتطور الأمر إلى كثرة النسيان وبعض الهلاوس السمعية وربما البصرية!!
واما القلق فيعتبر بشكل عام أحد المشاعر الأساسية في تكوين النفس الانسانية وهو يعني الإحساس بالخطر وعدم الاطمئنان!!
ويمكننا القول إن القلق في حدود معقولة مطلب ضروري وشعور إيجابي لانه يساعد الإنسان على الاستعداد لمواجهة الحياة ومتطلباتها بشرط ألا يتجاوز حدوده ويتحول إلى قلق مرضي مزعج للشخص المصاب به ولمن حوله!! وقد يتطور إلى أمراض نفسية اكثر عمقا وخطورة!! أو يصل إلى ما يسمى بنوبات القلق أو الهلع الحاد حيث يشعر المريض خلالها بالتوتر والانزعاج والخوف وتزداد ضربات قلبه ويشعر بضيق في التنفس وفي الصدر وربما بعض الألم!؟ وقد يحدث لديه نوع من الشعور با لاغماء وقد يشعر بان نهايته قد اقتربت وانه سيموت مما يزيد من حالته سوءا حتى يصل إلى إحساس طاغ بأنه سيفقد عقله وقدرته في السيطرة على نفسه وافعاله!!!
وهذه النوبات قد تتكرر في اليوم الواحد اكثر من مرة ولأوقات متفاوتة.
ثالثاً - يخلط بعض الناس بين الاكتئاب المرضي والحزن الطبيعي الذي يحدث عند الإنسان نتيجة موقف معين وهو يشبه في بعض أعراضه الاكتئاب المرضي!! إلا أنه يعتبر طبيعياً ويتلاشى تدريجياً مع الأيام دون الحاجة إلى تدخل علاجي.(20/234)
رابعاً - لكل ما سبق فإني ارجح أن يكون ما تعاني منه زوجتك ((اكتئاب حاد)) و ((نوبات قلق وهلع)) فقط وما سوى ذلك أعراض مرضية وتبعات طبيعية لهذا المرض!!
فما هي أسباب الاكتئاب..والقلق؟؟
قد تكون هناك أسباب بيولوجية ووراثية.. وقد يكون له أسباب نفسية او اجتماعية اوتربوية تتعلق بالتنشئة التي مر بها المريض!! وقد يكون له أسباب خاصة بطبيعة المريض وتركيبته النفسية والعقلية وقد ترتبط أسباب الاكتئاب بظروف الحياة وتقلبات الزمن.
خامساً - اقترح عليك أخي الكريم ضرورة عرض زوجتك على أحد الأطباء النفسيين الثقات وهم كثر ولله الحمد ولا تتردد في ذلك فهو القادر بإذن الله على تشخيص الداء ووصف الدواء وهو بحمد الله دواء مجرب ومأمون إلى حد كبير ولا يؤدي إلى الإدمان ولكن يجب الالتزام بتوصيات الطبيب والمعالج النفسي سواء أكان العلاج الذي رأوه علاجا دوائيا قد يستمر استعماله لعدة اشهر او كان علاجا نفسيا يعتمد على فنيات تعديل السلوك عن طريق الجلسات النفسية العلاجية وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لدى المريض وأبشرك أن النتائج في مثل هذه الأدوية والجلسات كبيرة وإيجابية بفضل الله.
سادساً - مع كل ذلك على مريضك إحسان الظن بالله والثقة فيه بأنه الشافي المعافي والإكثار من قراءة القرآن والأوراد اليومية المعروفة وأذكار الصباح والمساء وهي بفضل الله متوفرة في كتيبات ومطويات في كثير من المكتبات وكذلك الدعاء الصادق بالشفاء وتحري مواطن الإجابة كالسجود وأدبار الصلوات وآخر الليل وعند ختم القرآن والإلحاح بالدعاء فإن الله تعالى قريب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ولا بأس في الرقية الشرعية وطرقها معروفة..
سابعاً - لا تعارض أخي الكريم بين كل ما سبق فنحن مطالبون بفعل الأسباب فلا بأس هنا بين زيارة الطبيب النفسي والالتزام بتوصياته والقيام بالأمور الشرعية الأخرى من أدعية وأوراد ورقية وفقك الله إلى ما فيه الخير وشفى مريضك وجميع مرضى المسلمين عاجلاً غير آجل إنه ولي ذلك والقادر عليه.(20/235)
أعاني من الاكتئاب
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الاكتئاب
التاريخ 27/9/1422
السؤال
أنا فتاة عمري تسعة عشرعاما باختصار أعاني من التردد وعدم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وأعاني من تشتت الذهن والتفكير بسبب حالة التناقضات التي أعيشها بعد دخولي الجامعة. (تدني تحصيلي الدراسي وعدم القدرة على الحفظ وربط المعلومات، كثيرة النسيان) مع أنني كنت من المتفوقات تحولت من الفتاة المحبة لكل الناس الاجتماعية المبتسمة إلى العبوس المنطوية التي لا تحب أحداً حتى والديها وإخوتها!.
أتمنى السعادة ولكن أخشاها وأخاف من الأحداث المفرحة وأرتاح للبكاء (وهذا الشعور كان لدي في طفولتي وحتى الآن) .
تمنيت أن لو أستطيع الانتحار ولكن أخشى غضب الله ونار جهنم وأتمنى أحياناً أن لو كنت نسياً منسيا.
صرت أخشى التعرف على صديقات، وأتمنى أن لو كنت مع كتبي وحيدة بعيدة عن هذه الدنيا. أشعر بفقدان الثقة في نفسي.
أحياناً لا أود الاستيقاظ من النوم، وأرغب في أن أكمل أحلامي هربا من الحياة الواقعية التي أعيشها.
لا إرادياً أجد نفسي أقلد حركة أو كلمة شخص ما دون قصد مني.. هل أنا مريضة نفسياً أم لا؟ وإن كان هناك دواء يرسم البسمة على ملامحي الكئيبة أرجوكم دلوني عليه.
الجواب
أختي الكريمة.. أشكر لك ثقتك وأسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.. أما استشارتك فتعليقي عليها من وجوه:
أولاً: لم تذكري لي شيئاً عن ظروفك الأسرية والاجتماعية.. حتى يكون تصوري للموضوع أكثر شمولية، وأعمق فهما، وبالتالي يكون التشخيص أكثر دقة والإرشاد أكبر نفعاً.. ولكني سأجيب بقدر المستطاع على الجانب النفسي للمشكلة، وآلية التعامل معها.
ثانياً: جميع الحيثيات التي ذكرتِها بدءاً من التردد وعدم وضوح الرؤية وتشتت الذهن وانخفاظ المستوى الدراسي، والعبوس والانطواء، والرغبة في البكاء والوحدة، والهروب من الواقع، والرغبة أحياناً في الانتحار لولا خوف الله وعذاب جهنم كما تقولين.. وفقدان الثقة في النفس.. إلخ.. هي خليط متداخل بعضها سبب وبعضها نتيجة لشيء واحد وهو الاكتئاب..!! فأنت هناـ والله أعلم ـ تعانين من الاكتئاب بشكل واضح أثر على مجمل حياتك الوجدانية والدراسية والاجتماعية بشكل كبير!! .
ثالثاً: ولعلك تتساءلين: وما هو الاكتئاب..؟ وما الكيفية التي أتخلص بها منه..؟! فأقول لك: إن الاكتئاب يعتبر من الأمراض الشائعة نسبياً في العصر الحديث.. إذ تقدر أحدث الدراسات أن نسبة المصابين به بحدود 5% من الرجال و 8% من النساء مع التفاوت في حدته وعمقه من شخص لآخر.. علماً أن هذا المرض لا يقتصر على مجتمع دون آخر أو مرحلة عمرية دون أخرى.. إذ يتصف المصاب به بتقلب المزاج بين الحزن والضجر والاستياء، وربما الحزن العميق والهم والغم، وانعدام الحماس والرغبة لأي شيء وانعدام الثقة بالنفس وتوهم الفشل والشعور بالنقص، ونوبات البكاء الحادة أحياناً، والإجهاد الكبير والتعب.. وربما وصل الأمر إلى التفكير بإنهاء الحياة نسأل الله السلامة!!(20/236)
رابعاً: لا بد أن نفرق هنا بين الحزن الطبيعي والاكتئاب.. إذ يعتبر الأول شعور مفهوم يصيب الإنسان لسبب أو لآخر نتيجة لموقف أو مشكلة أو مصيبة، ويقل شيئاً فشيئاً حتى يتلاشى.. أما الاكتئاب فهو حزن عميق دائم.. غير مفهوم يؤدي إلى بعض أو كل الأعراض السالفة الذكر.. مع استمرار الشعور الاكتئابي أغلب ساعات اليوم والتغير في الوزن إما بالزيادة أو بالنقص مع قلة ساعات النوم أو زيادتها.!!
خامساً: أما عن أسبابه فإن للعوامل الوراثية أحياناً كتغير كيمياء الجسم دوراً مباشراً في ذلك، وللعوامل البيئية والاجتماعية أيضاً دور.. كما أن لنوع الشخصية أحياناً دوراً في سرعة الإصابة بالاكتئاب وحدتها وعمقها.
سادساً: أما عن العلاج.. فهناك علاج ذاتي يقوم به المريض لمواجهة مثل هذا الأمر.. وقد يحتاج الأمر إلى مراجعة أحد الأطباء النفسيين الذي يقوم عادة بتقديم العلاج النفسي للمريض عبر جلسات الاسترخاء والتنفيس الانفعالي.. وتدعيم الذّات.. وتبصير المريض بواقعه.. إلى غير ذلك من فنيات العلاج النفسي، وقد يحتاج الأمر إلى علاج دوائي.. وهو علاج مجرب ولا يؤدي إلى الإدمان..وله نتائج إيجابية ـ بإذن الله ـ وكل هذا يتوقف على مدى ودرجة الاكتئاب وتعاون المريض واستجابته للتوصيات.
سابعاً: أُذكرك أختي الكريمة بالدور الكبير الذي يمكنك القيام به لمواجهة هذا الأمر عبر قراءة القرآن الكريم.. والإكثار من ذكر الله [ألا بذكر الله تطمئن القلوب] والثقة به.. واليقين بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاك لم يكن ليصيبك.. مصداقاً للحديث النبوي الشريف.. وكثرة الاستغفار.. حيث جاء في الحديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب) .. وتأدية الفروض في أوقاتها، إضافة إلى التفاعل الإيجابي مع محيطك، وعدم الاستسلام لنوبات الاكتئاب والانعزال بل المشاركة في المناسبات الاجتماعية بشكل إيجابي، والتفاعل مع الأقارب والأصدقاء، والخروج من الدائرة الذاتية الضيقة إلى دوائر أخرى أكثر سعة ورحابة، والتفاؤل دائماً بأن مع العسر يسراً.. وبأن فرج الله قريب.
ثامناً: سبق أن تمت الإجابة أكثر من مرة على مشكلة الاكتئاب وستجدين منها في خزانة الاستشارات تحت قسم المشكلات النفسية ـ الاكتئاب ـ " آمل أن تطلعي عليها لمزيد من الفائدة " وفقك الله وشفاك وأعانك، وسدد على طريق الخير خطاك.(20/237)
حزني.. وتشاؤمي قد يدفعاني للهاوية..!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الاكتئاب
التاريخ 11/6/1422
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل.. اعرض عليك مشكلتي والتي ملخصها إنني أحس بحزن شديد وحياة كئيبة.. وارى الدنيا بمنظار اسود ومتشائمة إلى ابعد درجة!! واكره نفسي واحتقرها جدا وأفكر كثيرا في إنهاء حياتي لولا الخوف من الله.
فماهي مشكلتي وماذا افعل ... أنافي حيرة شديدة.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أما بعد..
أختي الكريمة.. أشكر لك ثقتك واسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.. أما عن مشكلتك فتعليقي عليها من وجوه:-
أولاً: ما تعانينه نوع من أنواع الاكتئاب المرضي والذي يعد من أكثر الأمراض النفسية انتشاراً في المجتمعات عموماً.. والمجتمعات المتحضرة خصوصاً..!! حيث تكثر ضغوط الحياة وتتشابك وتتداخل وتتعقد!!؟ وتتباين درجة الإصابة به والإحساس فيه بين الشعور بالحزن والغم والهم.. وبين الشعور باليأس من الحياة وربما الرغبة الملحة في انتهائها..!!؟
وتدل الإحصاءات العلمية أنه يصيب الشباب أكثر من الأطفال أو كبار السن.. وكذلك يصيب النساء ضعف الرجال..!!!
ثانياً: أما أعراضه إجمالاً.. فهي التشاؤم والسوداوية والشعور القاتل بالحزن العميق.. وفقدان الرغبة والانطواء والعزلة.. وقلة النشاط والتركيز.. وربما صاحب ذلك لوم للنفس وتأنيب للضمير.. مما يزيد في درجة الحزن والكآبة وربما فقد رغبته في الطعام والنوم.. أو زاد فيهما بإفراط كبير فحالته النفسية تجعله بين إفراط وتفريط وقد تتطور الحالة.. فتصل إلى بعض التهيؤات المرضية والهلاوس السمعية أو البصرية..!!!
ثالثاً يجب أن نفرق هنا بين الحزن الطبيعي الذي قد يصيب الإنسان لسبب طارئ.. كأن يفقد شخص عزيز عليه بموت أو غيره.. وقد يشتد عليه الحزن والجزع لبعض الوقت.. إلا أنه يزول تدريجياً مع الوقت.. وبين الاكتئاب.. وهو استمرار الحزن العميق لفترة طويلة مع ظهور بعض الأعراض التي ذكرنا سابقاً.. وأهمية التفريق هنا.. هو ألا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل.. ونتفهم أسبابها بشكل واضح..
رابعاً: لقد أو جزت - أختي الكريمة - في السؤال.. فلم تذكري مثلاً الكثير من التفاصيل.. حول ظروفك الأسرية.. ووضعك الاجتماعي.. ومستواك الدراسي.. والمشكلات التي تواجهينها في المنزل أو خارجه.. وتاريخ شعورك بهذا الأمر وغيرها من التفاصيل الهامة جداً لتشخيص الأسباب الحقيقية التي تكمن خلف هذه المشكلة.. ومعرفتها.. ومن ثم وضع الآلية المناسبة للتعامل معها.. بل وربما الاستفادة منها للتغلب على هذا الإحساس بالحزن المسيطر عليك.. بل ربما كانت الأسباب الحقيقية لهذا الشعور.. لا توازي الأثر الناجم عنه وبالتالي عرفنا هذا الأمر.. ووضعناها في حجمها الحقيقي.. وقبلناها.. بل وتجاوزناها دون توقف!!!(20/238)
خامساً: هناك طريقة علمية مجربة للتعامل مع المشكلات والضغوط التي تواجهنا.. وهي أن نحضر مجموعة من الأوراق.. ثم نبدأ بكتابة السؤال التالي: بماذا أشعر الآن؟ الجواب: أذكر فيه التفاصيل الكاملة لواقعي النفسي من اكتئاب وقلق..وحزن.. ويكون السؤال التالي: لماذا أنا حزين؟ ثم أكتب الإجابة كاملة بتفاصيلها على هذا النحو: الجواب: أنا حزين لهذا الأسباب.. أولاً.. ثانياً.. ثالثاً وهكذا ... وبعد ذلك يكون السؤال الثالث: وهل تستحق هذه الأشياء.. كل هذا الحزن؟ وأعود لأقرأها من جديد واحداً واحداً.. وأضع تصوري عنها من ناحية الأهمية والاستحقاق..!!! ثم اسأل السؤال الرابع.. وما هي الحلول المفترضة لها..؟ أو كيف التعامل معها..؟! واجتهد في الإجابة عليها واحداً. واحداً..!!! وهكذا ...
وقد استغرق في ذلك وقتاً.. ولكن جهدي ووقتي لن يضيعان.. فأنا أحاول أن أعالج مجموعة من المشاكل التي تراكمت علي وكادت أن تؤدي بي إلى الهاوية..!!!
لقد وجد الباحثون أننا إذا طبقنا هذه الطريقة فإننا نخرج منها بنتائج رائعة.. أولها أننا مارسنا نوع من التنفيس الانفعالي.. المهم جداً في مثل ذلك والثانية هي أننا سنكتشف بمجرد أن نضع مشاكلنا على الورق ونواجهها وجهاً لوجه.. أن اغلبها مشاكل عادية جداً يسهل التعامل معها والتخلص منها ببساطة وأن قوتها السابقة جاءت بسبب تجمعها وتداخلها مع بعضها البعض.. وأننا نحن من حملها أكثر مما تحتمل وأعطاها هذا العمق الكبير..!!! وبمجرد أن واجهناها منفردة.. ظهرت واهية وسهل التعامل معها.
سادساً: إن لم تثمر هذه الطريقة في إزالة الشعور بالحزن والاكتئاب.. فلا بأس من زيارة أحد الأطباء النفسيين الثقات.. وهم موجودون بفضل الله.. وذلك لأنه قد يكون للاكتئاب أسباب وراثية أو تربوية.. أو اضطرابات شخصية.. لا ينفع معها بعد الله إلا تشخيص المختصين وعلاجهم.. وهو على نوعين.. إما علاج دوائي مثل مضادات الاكتئاب.. وهي أدوية مأمونة إلى حد كبير ومجربة.. وذات أثر إيجابي واضح.. وقد يكون العلاج نفسيا.. تستخدم فيه الجلسات النفسية العلاجية.. كتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لدى المريض.. أو تعديل بعض السلوكيات السلبية بأخرى إيجابية عبر طريق وآليات علمية معروفة شريطة تعاون المريض.. والتزامه بتعليمات الطبيب المعالج.. حيث يحقق علاج الاكتئاب نتائج رائعة جداً وسريعة..
سابعاً: قبل ذاك وبعده - أختي الكريمة - صدق الالتجاء إلى الله.. بقراءة القرآن والأوراد الشرعية الصباحية والمسائية.. والمحافظة على الصلاة في أوقاتها وأداء الرواتب.. وذكر الله في كل حين [ألا بذكر الله تطمئن القلوب] وكثرة الاستغفار.. فقد جاء في الحديث الصحيح: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) ، واليقين بأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا.. وكثرة الدعاء.. وتحري مواطن الإجابة.. فالله تعالى قريب مجيب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء..
ثامناً: حاولي أن تخرجي من دائرتك الضيقة.. وعالمك الخاص.. إلى دائرة الآخرين وعوالمهم.. شاركيهم في أحاديثهم واهتماماتهم ومناسباتهم بقدر المستطاع كوني صاحبة مبادرة في ذلك.. ومارسي بعض الهوايات كالقراءة والرسم والكتابة وستجدين أنك مع الوقت قد تجاوزت هذا الأمر.. بإذنه وعونه وتوفيقه..
وفقك الله وأعانك وسدد على طريق الخير والحق خطاك.(20/239)
نداء.. يائس!!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الاكتئاب
التاريخ 25/4/1422
السؤال
هذا نداء أوجهه إليكم من قلب يئس من الحياة فلم يعد لها طعم عنده أحس بالكآبة القاتلة رغم أني متزوج وأب لطفل أعينوني أرجوكم..
الجواب
وصل ندائك المختصر والمعبر عن معاناتك ولقد آلمتني آلامك ومعاناتك وتعليقي عليها من وجوه:-
أولاً - ما تعاني منه يا أخ محمد نوع من أنواع الاكتئاب الذي يبدأ أحياناً بشكل فجائي وأحياناً أخرى يزحف تدريجياً من اكتئاب بسيط ((اضطراب نفسي)) إلى اكتئاب شديد أو ما يسمى ((اكتئاب ذهاني)) .
ويمكننا التعرف على هذا الاضطراب من خلال أعراضه الأولية المتمثلة فيما يلي:-
أ- اضطرابات العاطفة وتبدأ بشكوى المريض من فقدان القدرة على التمتع بمباهج الحياة مع انكسار النفس وهبوط الروح المعنوية والإحساس باليأس والجزع وقد يصاحبها نوبات من البكاء المتكرر وقد تزيد وطأة الاكتئاب لتصل إلى رفض المكتئب لاستمرار الحياة، نسأل الله العافية.
ب-اضطرابات التفكير والإدراك حيث تتأثر الوظائف العقلية لدى المصاب فتبدوا عليه قلة الانتباه والسرحان وعدم القدرة على التركيز والإجهاد الشديد في التفكير في ابسط الأشياء، والإحساس بتأنيب الضمير لأتفه الأسباب، والصراع الدائم مع النفس وربما اتهام نفسه بالخطيئة.. والطنين في الأذان، والإحساس في انعدام القيمة عند الآخرين!!؟
ج- اضطرابات النشاط الحركي والنفسي حيث تقل قدرته على العمل ويهمل بيته وينتابه الخمول والكسل الذي قد يصل إلى حد الشلل التام ويكثر الشكوى.
د- الأعراض الجسدية مثل فقدان الشهية واضطرابات النوم وبعض الآلام الجسمية والدوار.. الخ.
هـ- الميول الانتحارية حيث يعتبر الانتحار من أكثر الأعراض خطورة في هذا الاضطراب فقد وجد ما نسبته 50-70% من حالات الانتحار تكون بسبب الاكتئاب عافانا الله وإياك منه.
أما أسباب الاكتئاب فهي نتاج مجموعة من العوامل الوراثية إي أن المورثات المسببة لهذا الاضطراب تكون موجودة أصلاً لدى الإنسان بشكل أو بآخر، وقد تكون عوامل بيئية تتعلق بتعرض الفرد للإحباط لفشله في إشباع حاجاته المختلفة أو إلى تحد لقدراته أو عدم توافق بين طموحاته وإمكاناته أو بين قدراته وإنجازاته وما يطلب منه.. الخ.
وقد تكون عوامل كيميائية مرتبطة بكيمياء الجسم وإفرازات الغدد.. الخ.
أما علاج الاكتئاب بدرجاته فهو بفضل الله متوفر وموجود وله نتائج إيجابية كبيرة إذا تعاون المريض والتزم بتعليمات الطبيب النفسي وهذا العلاج هو:-
(أ) - العلاج الدوائي عن طريق العقاقير المضادة للاكتئاب أو بعض الجلسات العلاجية الخاصة.
(ب) - العلاج النفسي ويعتمد على بعض الجلسات النفسية ومحاولة فهم مشاكل المريض وصراعاته الداخلية ومن ثم تشجيعه على مقاومة الأفكار السوداوية والسلبية تجاه الحياة والناس وربما نفسه، وتبصيره بطبيعة انفعالاته ووضع برنامج نفسي للمريض حسب فنيات علاجية خاصة، والنتائج غالباً مشجعة.
ثانياً - أخي الكريم.. مع كل ما سبق هناك العلاج الديني فهل وضعته في الاعتبار..؟!(20/240)
تخيل نفسك تصحوا لصلاة الفجر تملأ رئتيك مع ((تنفس الصباح)) وتؤدي الراتبه ثم الصلاة وبعدها تقرأ أذكار الصباح والورد اليومي وشيء من القرآن الكريم وكل ذلك في وقت لا يتجاوز ثلاثون دقيقة، ثم تتفرغ لبرنامجك اليومي المعتاد، مؤدياً الرواتب والصلوات المفروضة في أوقاتها ومنهياً يومك بالوتر وأذكار المساء وشيء من القرآن الكريم تذكر الله على كل حال (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وتصلي على رسوله موقناً أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الجن والإنس لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يقدره الله لك ما نفعوك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يقدره الله عليك ما ضروك كما جاء في الحديث الصحيح.. منشرح الصدر.. مدركاً أن الدنيا لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء!! وأنها دار ممر وليست دار مقر , وأن الآخرة هي الغبطة والفوز لمن وفقه الله وعمل لما بعد الموت جعلنا الله وإياك منهم ورزقنا السداد والتوفيق والرشد.
ثالثاً - أكثر يا أخي الكريم من الدعاء بأن ينزل الله عليك شفائاً لا يغادر سقماً، وأن يعافيك ويشفيك.. وألح في الدعاء وتحر - أخي الكريم - مواطن الإجابة ولا تستبطيء الإجابة فإن الله قريب مجيب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
واستعذ بالله قائماً وقاعداً من نزغات الشيطان وتوهيمه وتلبيسه فإنه عدو مبين، لا يزال في الإنسان يخيل إليه، ويلبس عليه ويرجف فيه حتى يخرجه عن دينه إن استطاع أو يدفعه إلى مواطن الهلاك أعاذنا الله منه.
رابعاً - أخي الكريم.. صدقني حياتك ليست بذلك السوء.. حاول أن تعيد النظر فيها، أنظر إلى الأشياء الجميلة أطفالك أقاربك أصدقائك اقترب منهم شاركهم في أفراحهم ومناسباتهم وضع لك هدفاً في الحياة ستحققه، وحاول تحقيقه، ستجد أن للحياة معنى وأن للنجاح طعم رائع، لا تحاصر نفسك بنفسك، وأبدأ بطرد المصائب الخيالية من تفكيرك، وعش في حدود يومك فما مضى قد مضى، والمستقبل في علم الغيب:
ما فات قد مات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها(20/241)
هل صادفتك متاعب، هل عاكستك الظروف، هل خدعك صديق أو قريب، أنا سأفرض ذلك جدلاً، ولكن، من منا لم يتعرض في حياته لمثل ذلك؟!! أو قريب منه، ولكن الأقوياء - وأراك منهم إن شاء الله - يتجاوزون تلك الظروف ولا يتوقفون عندها، بل يستمدون منها خبرة تعينهم بعد الله في مستقبلهم، فإذا شعرت ببعض الضيق حاول أن تضحك وجرب ذلك ستفاجئك النتيجة، صدقني المواقف والمشاكل لا تضيرنا بل ما يضيرنا فعلاً تفسيرنا لها وتعاملنا معها أي بعبارة أخرى، اتجاهنا الذهني الذي نفسر من خلاله المشاكل والمواقف، وهناك مثل يساق لبيان أثر الاتجاه الذهني في تحويل المواقف المتشابهة وتفسيرها بين السلب والإيجاب، براكبين على طائرة واحدة وفي رحلة واحدة أحدهما ينظر من النافذة إلى زرقة السماء وقطع السحب ويتفكر في جمالها، وبديع صنعها، والآخر ينظر من النافذة ويتخيل لحظة سقوط الطائرة، وكيف تهوي وصوت الانفجار والأشلاء المتناثرة ثم يتذكر عائلته وأبناءه وكيف سيفقدهم إلى الأبد، وتتداعى في داخله تلك الأفكار السوداء، وينقبض ويعيش في جحيم طوال الرحلة، بعكس صاحبه الذي ربما جلس بجواره، وكان طوال رحلته مستمتعاً هانئ البال مستريح النفس!!
وهكذا نحن نعيش حياة واحدة، وربما متقاربة في ظروفها وتفاصيلها ومشاكلها فلا يضرنا فيا إلا تفسيرنا لها واتجاهنا الذهني حيالها.
خامساً - وأخيراً ثق بنفسك ثقة مستمدة من ثقتك بربك، وليكن لك - كما أسلفت - هدف في الحياة حاول أن تحققه حسب طاقتك وجهدك (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . وتعاون مع غيرك، ولا تعط الأمور أكثر مما تستحق ولا تلتفت للتوافه، وعش في حدود يومك مع فعل الأسباب ففرق بين أن تهتم بمستقبلك وبين أن تقلق على نفسك، وتوكل على الله في سرك وعلانيتك، وستجد الراحة النفسية بإذن الله. وفقك الله وسدد على طريق الخير والحق خطاك.(20/242)
إني مكتئبة..!! ماذا أفعل؟!!
المجيب أحمد بن علي المقبل
مرشد طلابي بوزارة التربية والتعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الاكتئاب
التاريخ 27/5/1422
السؤال
أنا فتاة في الثامنة عشر من عمري وغير متزوجة، حالتي المادية متوسطة، مشكلتي أني أعاني من اكتئاب بين فترة وأخرى ولا أدري ما أسباب هذا الاكتئاب، وقد بحثت في جميع الكتب ولم أصل إلى نتيجة مع العلم أني أقرأ القرآن وأحافظ على الصلوات والسنن ولكن أحياناً عندما تأتيني هذه الحالة - الاكتئاب - أحس بضيق عندما أقرأ القرآن وأتكاسل عن أداء السنن وأحياناً أرغم نفسي عليها، وكذلك لا أحب الاختلاط بالناس مع أنني اجتماعية، وإذا تكلمت مع الناس أتلعثم وأفقد الثقة في نفسي مع أنني جريئة عادة، كما أغضب بسرعة مع أنني لست عصبية، وكذلك عندما تصيبني هذه الحالة لا أشعر برغبة في ممارسة هواياتي المفضلة، وأشعر بكراهية لمن أحب، تنتابني رغبة في البكاء دون سبب، وتراودني أفكار وخيالات مخيفة، فمثلاً إذا رأيت موقفاً أو سمعت عن شئ يضايقني أخشى أن يصيبني مثله مستقبلاً، وأحاول أن أطرد هذه الأفكار ولكن لا أستطيع وأظل متضايقة وكأنني متأكدة من أنه سيحدث لي ما أخشاه.
فأرجو أن تفيدوني بحل عملي للمشكلة وبأسرع وقت ممكن وجزاكم الله خير.
الجواب
لقد أجدت التشخيص لحالتك ووصف الأعراض التي تنتابك جراء هذا (الاكتئاب!!) فكل ما ذكرتيه من أعراض الضيق والإحباط.. والرغبة في البكاء..!! وفقدان الثقة في النفس أحياناً وهذه الأفكار والخيالات المخيفة..!! هي بالضبط بعض من أعراض الاكتئاب..!!
فما هو الاكتئاب..؟
الحقيقة أنه لا توجد نظرية واحدة تفسر الاكتئاب بشكل واضح وبسيط.. وانما مجموعة من الأفكار والتعريفات والنظريات.. فالبعض يرجع الأمر إلى تغييرات في الكيمياء" الحيوية" للمخ ويرجع الآخرون الاكتئاب إلى خبرات الطفولة المبكرة..!! وبعض النظريات لا تركز إلا على وضع الإنسان الحالي.. وظروفه المحيطة به..!!
عموماً.. قد تتداخل كل هذه العوامل لتوجد لدى البعض استجابة أكثر من غيره للإصابة بما يسمى (الاكتئاب) حسب ظروفه المختلفة وتركيبته النفسية الخاصة.
ولعل الذي يهمنا أكثر هو.. كيف نتعامل مع الاكتئاب.. ونضع له حداً لا يتجاوزه!!
وسأحاول - أختي الكريمة - أن أضع إجابتي على شكل نقاط: -
أولاً: كوني واثقة أنك ستتخلصين من هذه المشكلة عاجلاً غير آجل.. وأنك أقوى منها.. وأن الأمر لا يتجاوز (حالة هبوط مزاجي) قد تتكرر.. ولكنها سرعان ما تتلاشى.. لتستعيدي صفاءك الذهني والنفسي.. وأنك متيقنة أن كل هذه السحب القاتمة في نفسك.. هي سحابة صيف عابرة.. سرعان ما تنقشع..!! هذا الأمر وهذه القناعة هامة جداً.. لأنها تعيد لك زمام الأمر.. فإذا شعرت بالضيق.. والحزن.. فأخرجيه من أعماق النفس وابسطيه أمامك.. على شكل سحابة صيف.. وراقبيها حتى تزول. ولا تخرجي الأمر من هذه الدائرة بقدر المستطاع.(20/243)
ثانياً: كثيراً ما تنتابنا أعراض شبيهة بأعراض الاكتئاب مثلما ذكرت.. فإذا توقفنا عندها طويلاً.. وحملناها أكثر مما تحتمل.. زادت وترسخت.. واصبحت مع الوقت سحباً ثقيلة متراكمة.. تحجب عنا ضوء الشمس وتشعرنا بالبرد.. النفسي..!!! والكآبة والسأم..!!
أما إذا فهمنا آلية تكون هذه السحب.. وأن مآلها إلى الزوال.. وأنها كما أسلفنا (لن تتجاوز سحب الصيف) سرعان ما تنقشع.. وانشغلنا عن مراقبتها بأمور حياتنا وتفاصيلها. . ولم نتوقف عندها طويلاً.. فإنها بإذن الله ستزول وسيصبح أمر وجودها وعدمه لديك سيان.. بل هما أمران ضمن عشرات الأمور الحياتية المتباينة.. ما بين الهناء والسرور.. والحزن والحبور!!!
سنة الله في خلقه..
ثالثاً: أحياناً يكون الاكتئاب استجابة أو رد فعل للضياع أو الفقدان.. والمعنى هنا أن اكتئابك مرده لفقدان مكانه.. أو ضياع أمل.. أو عدم قدرة على تحقيق مكانه ما!!! وربما كان نتيجة لتوجه (سلبي) تجاه الذات.. أي أن الإنسان يرى ويعتقد أنه إنسان فاشل بشكل أو بآخر.. وأنه غير قادر على النجاح المهني والاجتماعي!! وهذا ما يسبب له الإحباط.. ومن ثم الاكتئاب..!! والرأي هنا.. أن تثقي أن الكمال لله وحده.. وأنك مطالبة بفعل الأسباب وأن المقدر لك أو عليك كائن لا محالة.. وأنك لست أقل قدراً وقدرة من الآخرين.. بل ربما تفوقتي عليهم في كثير من الأشياء!! د
والخلاصة.. أنظري لنفسك بشكل إيجابي.. وتفاعلي مع الآخرين.. وستجدين بإذن الله نتائج رائعة.. (فكما تفكرين تكونين) تلك حقيقة مجربة.
رابعا: الشخص المصاب بالاكتئاب قريب جداً للشخص الذي ينظر للعالم من منظار أسود..!!! وسواء أكنت تفكرين في نفسك.. أو في الدنيا والناس.. أو في المستقبل.. فإن كل الأشياء ستظهر أمامك مصبوغة في هذا اللون الأسود الكئيب..!!
والحل هنا بسيط. وهو تغيير هذا المنظار إلى لون آخر.. وسترين الأشياء من خلاله بشكل آخر.. بل وتعيدين اكتشاف نفسك.. ورؤيتك لها وللعالم المحيط بك.
خامساً: من واقع حياتك.. أرى أنك إلى حد كبير ناجحة اجتماعياً بل ومتميزة.. محافظة ولله الحمد على فروضك ورواتبك.. اجتماعية.. لك هوايات مختلفة.. وهذا شئ رائع.. حاولي تنميتها واستثمارها.. ولا بأس من إعادة ترتيب حياتك بشكل آخر.. وبرمجة وقتك من جديد.. وإعادة ترتيب غرفتك.. وإن استطعت صياغة وترتيب بعض الأشياء الأخرى داخل المنزل كل هذه الأمور - صدقيني - على بساطتها - تعطي للحياة معنى وطعم.. وتساعدنا على مقاومة أي شعور بالكسل يسبب لنا الاكتئاب.. ولا تتوقعي أنك ستجدين كل المتعة التي تجدينها وأنت بوضعك الطبيعي.. بل ستقل بعض الشيء.. وربما تلاشت..!! ولكن المهم هنا هو ألا تتوقفي عن برامجك.. الخاصة والعامة.. ولا تستسلمي لهذا الشيء.. بل تقاوميه وستنتصرين عليه - بعون الله - ببساطة. وجميل منك لو وضعت مفكرة صغيرة.. تدونين فيها أعمالك التي ستنجزينها في هذا اليوم.. وفي نهاية الأسبوع تقومين هذه الأعمال.. وأكثرها لك إبهاجا.. وما الذي أبدعت فيه.. أو أخفقت فيه.. ثم تضعين خطتك للأسبوع المقبل على ضوء تقييمك لهذا الأسبوع.
سادساً: هناك أكثر من مشكلة طرحت في الموقع حول الاكتئاب بزوايا مختلفة آمل الاطلاع عليها.. فربما وجدت فيها أشياء أخرى.. تبحثين عنها.. ومنها ما نشر تحت عنوان (اكتئاب وهلع.. وأمور أخرى) و (نداء يائس) وهي استشارات نفسية.
سابعاً: لا تنسي أختي الكريمة قبل هذا وبعده.. صدق الالتجاء إلى الله.. والدعاء الصادق بأن يعينك الله.. ويلهمك طريق الرشد والصواب.. واذكري الله قائمة وقاعدة (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وفقك الله وسدد على طريق الحق خطاك.(20/244)
هل نحن في آخر الزمان؟
المجيب عبد الله عبد الوهاب بن سردار
إمام وخطيب جامع العمودي بالمدينة المنورة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الاكتئاب
التاريخ 7-12-1423
السؤال
أصبحت أشعر باقتراب الفتن وأشراط الساعة الكبرى والحروب والجوع مما سبب لي ذلك اكتئاباً من كثرة التفكير ليس في نفسي فقط بل في والدي وإخواني، وأتسائل وكيف سيكون حالهم عندها؟ لم أعد أحس بمتعة الحياة، كرهت حتى الزواج لأني أقول ما الفائدة من السعادة الوقتية وكل هذا سيزول، أرجو من الله ثم منكم مساعدتي.
الجواب
الأخت الكريمة ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولاً: لقد سرني في خطابك ما شعرت به من حرصك على أمر الساعة وقيامها وأشراطها، كما سرني أيضاً اهتمامك بوالديك وإخوتك، زادك الله من كل أمر حسن وحماك من كل سوء.
ثانياً: أختي المسلمة هذا جواب سؤالك:
(أ) إن عقيدة الإيمان بيوم القيامة والساعة وأشراطها عقيدة إسلامية صحيحة مباركة، وهذه العقيدة تغرس في المسلم أشياء كثيرة منها الحذر الذي ينشئ العمل ويدفع للقيام به، ولا تسبب الهلع ولا القلق ولا الاكتئاب الذي يسبب ترك العمل وترك التمتع بالطيبات المباحة، لكن الإنسان قد لا يستوعب بعض جوانب العقيدة، ولا يفهم مقاصدها فيحصل له هذا الهلع والاكتئاب، وربما يكون هناك من أساء الشرح والعرض لهذه العقيدة فنتج بسبب ذلك هلع واكتئاب.
(ب) إن الساعة مهما اقتربت فإننا ينبغي أن نمارس حياتنا ونقوم بواجباتنا، فنقوم بالعبادات ونتمتع بالطيبات المباحة لأن الشرع لا يريد منا أن نقع في هلع وخوف سلبي (أي ليس معه عمل) بل الشرع حين يخبرنا بقرب الساعة يريد منا أن نحذر المعاصي ونقوم بالطاعات، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم أن الساعة قريبة ومع هذا لم ييأس ولم يصب بالاكتئاب والهلع ولم يترك الطيبات المباحة.
(ج) اقرئي هذه الآثار لتتعرفي على طريقة تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والسلف عموماً مع قضية قرب الساعة:
(1) عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل" رواه الإمام أحد وغيره، انظر: السلسلة الصحيحة (جـ1) والفسيلة: النخلة الصغيرة.
(2) عن الحارث بن لقيط قال: كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها، ويقول: هل أنا أعيش حتى أركب هذه؟ فجاءنا كتاب عمر -رضي الله عنه- أن أصلحوا ما رزقكم الله فإن في الأمر تنفساً.
(3) قال عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-:"إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية تغرسها فلا تعجل أن تصلحه فإن للناس بعد ذلك عيشاً.
(4) قال عمر -رضي الله عنه- لخزيمة بن ثابت: ما يمنعك أن تغرس أرضك فقال: أنا شيخ كبير أموت غداً، فقال عمر -رضي الله عنه-: أعزم عليك لتغرسنها. فقام عمر -رضي الله عنه- معه فغرسها.
أرأيت أختي المسلمة كيف تعاملوا مع قضية قرب قيام الساعة.
أرأيت الأمل الذي لديهم؟ أرأيت حرصهم على العمل؟ أرأيت كيف أنه لا يأس مع الحياة حتى إذا سمع بخروج الدجال، حتى حين تكون القيامة بعد لحظات، حتى حين لا تكون هناك ثمرة لهذا العمل، نعم حتى عندئذ لا يكف الناس عن العمل وعن التطلع للمستقبل.(20/245)
إنها دفعة عجيبة للعمل والاستمرار فيه، ولاحظي أختي الكريمة أن دعوتهم إلى العمل تعني الدعوة إلى ترك اليأس والاكتئاب لأن هذا العمل يحتاج إلى إنسان متفائل منشرح الصدر فالعمل لا يقوم به إنسان محطم يائس.
د) كوني حسنة الظن بالله عز وجل متعلقة مطمئنة إلى رحمة الله تعالى، وأنه لن يجعلك من شرار الخلق الذين تقوم الساعة وهم أحياء.
هـ) أكثري من قراءة القرآن وأنت قاصدة أن يذهب الله به الأحزان عنك.
وكذلك أكثري من ذكر الله -عز وجل- قال تبارك وتعالى:"ألا بذكر الله تطمئن القلوب" فمثلاً قولي: لا إله إلا الله، وقولي: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وكذلك أكثري من الأدعية التي يفرج الله بها الهموم، وكوني عند الدعاء في حالة من الخشوع واليقين، فقولي مثلاً:"اللهم إني عبدك، ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي" رواه الإمام أحمد وصححه الألباني، وكذلك من الأدعية التي يفرج الله بها الهموم "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن".
و) لقد بقي من العلامات الصغرى للساعة شيء لم يقع بعد مثل:
* عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً (حديث رواه مسلم) .
* تكليم السباع للإنس (حديث صحيح رواه الحاكم)
* انحسار الفرات عن جبل من ذهب (حديث رواه البخاري)
* محاصرة المسلمين إلى المدينة (حديث صحيح رواه أبو داود)
إذن لقد بقيت أحداث ضخمة وكثيرة لم تقع بعد حتى الآن، فلتطمئن نفسك وليهدأ روعك ولتنطلقي في هذه الحياة عابدة قانتة عاملة الخير لك وللآخرين، وخذي من الطيبات المباحة ما أذن الله به من طعام وشراب ولباس وزينة وزواج وذرية وغير ذلك.
ز) ولا يفوتني في النهاية أن أحذرك من الوقوع في الطرف المقابل وهو حال بعض الذين نسوا الله، ونسوا قرب الساعة ووقعوا في المعاصي.
اللهم أحي قلبها بالإيمان، اللهم ارزقها الطمأنينة والسكينة والاستقرار النفسي، اللهم اجعلها صالحة مصلحة تقية نقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(20/246)